المجموع شرح المهذب

النووي

شرح النووي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الْبَرِّ الْجَوَّادِ. الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ. خَالِقِ اللُّطْفِ وَالْإِرْشَادِ. الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ. الْمُوَفِّقِ بِكَرَمِهِ لِطُرُقِ السَّدَادِ. الْمَانِّ بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى مَنْ لَطَفَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ. الَّذِي كَرَّمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا بِالِاعْتِنَاءِ بِتَدْوِينِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِفْظًا لَهُ عَلَى تَكَرُّرِ الْعُصُورِ وَالْآبَادِ. وَنَصَّبَ كَذَلِكَ جَهَابِذَةً مِنْ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ: وَجَعَلَهُمْ دَائِبِينَ فِي إيضَاحِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْبِلَادِ. بَاذِلِينَ وُسْعَهُمْ مُسْتَفْرِغِينَ جُهْدَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي جَمَاعَاتٍ وَآحَادٍ. مُسْتَمِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ مُتَابِعِينَ فِي الْجُهْدِ وَالِاجْتِهَادِ. أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الْحَمْدِ وَأَكْمَلَهُ وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ * وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ. الْمُصْطَفَى بِتَعْمِيمِ دَعَوْتِهِ وَرِسَالَتِهِ. الْمُفَضَّلُ عَلَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ. الْمُشَرَّفُ عَلَى الْعَالَمِينَ قَاطِبَةً بِشُمُولِ شَفَاعَتِهِ. الْمَخْصُوصُ بِتَأْيِيدِ مِلَّتِهِ وَسَمَاحَةِ شَرِيعَتِهِ. الْمُكَرَّمُ بِتَوْفِيقِ أُمَّتِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إيضَاحِ مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ. وَالْقِيَامِ بِتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ إلَى أُمَّتِهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ. وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (أَمَّا بَعْدُ) فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَظِيمُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (وَمَا خَلَقْتُ الجن والانس إلا ليعبدون مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يطعمون) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْعِبَادَ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ وَلِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا بِالزَّهَادَةِ: فَكَانَ أَوْلَى مَا اشْتَغَلَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ: وَاسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتِ فِي تَحْصِيلِهِ الْعَارِفُونَ. وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي إدْرَاكِهِ الْمَشْهُورُونَ. وَهَجَرَ مَا سِوَاهُ لِنَيْلِهِ الْمُتَيَقِّظُونَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَعَمَلِ الْوَاجِبَاتِ التَّشْمِيرُ فِي تَبْيِينِ مَا كَانَ مُصَحِّحًا لِلْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ دَأَبُ أَرْبَابِ الْعُقُولِ وَأَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الزَّكِيَّاتِ، إذْ لَيْسَ يَكْفِي فِي الْعِبَادَاتِ صُوَرُ الطَّاعَاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّاتِ وَهَذَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَقَبْلِهَا بِأَعْصَارٍ خَالِيَاتٍ: قَدْ انْحَصَرَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ الْمُصَنَّفَةِ فِي أَحْكَامِ الدِّيَانَاتِ، فَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِبَيَانِ ذَلِكَ وَإِيضَاحِ الْخَفِيَّاتِ مِنْهَا وَالْجَلِيَّاتِ، وَهِيَ الَّتِي أُوضِحَ فِيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الدِّينِ وَالْوَقَائِعُ الْغَالِبَاتُ وَالنَّادِرَاتُ، وَحُرِّرَ فِيهَا الْوَاضِحَاتُ وَالْمُشْكِلَاتُ، وَقَدْ

أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ التَّصْنِيفَ فِيهَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمَبْسُوطَاتِ، وَأَوْدَعُوا فِيهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ والتحقيقات والنفائس الجليلات * وجميع مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَا يُتَوَقَّعُ وُقُوعُهُ وَلَوْ عَلَى أَنْدَرِ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَدَائِعَ وَغَايَاتِ النِّهَايَاتِ، حَتَّى لَقَدْ تَرَكُونَا مِنْهَا عَلَى الْجَلِيَّاتِ الْوَاضِحَاتِ، فَشَكَرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُمْ سَعْيَهُمْ وَأَجْزَلَ لَهُمْ الْمَثُوبَاتِ، وَأَحَلَّهُمْ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، وَجَعَلَ لَنَا نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ، وَأَدَامَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي ازْدِيَادٍ حَتَّى الْمَمَاتِ، وَغَفَرَ لَنَا مَا جَرَى وَمَا يَجْرِي مِنَّا مِنْ الزَّلَّاتِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا وَمَشَايِخِنَا وَسَائِرِ مَنْ نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا وَمَنْ أَحْسَنَ إلَيْنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، إنَّهُ سَمِيعُ الدَّعَوَاتِ جَزِيلُ الْعَطِيَّاتِ * ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا الْمُصَنِّفِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ سَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ كَمَا قَدَّمْنَا وَتَنَوَّعُوا فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَاشْتَهَرَ مِنْهَا لِتَدْرِيسِ الْمُدَرِّسِينَ وَبَحْثِ الْمُشْتَغِلِينَ الْمُهَذَّبُ وَالْوَسِيطُ وَهُمَا كِتَابَانِ عَظِيمَانِ صَنَّفَهُمَا إمَامَانِ جَلِيلَانِ: أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الشيرازي: وأبو حامد محمد بن مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَتَقَبَّلَ ذَلِكَ وَسَائِرَ أَعْمَالِهِمَا مِنْهُمَا وَقَدْ وَفَرَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ دَوَاعِيَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ الله على الِاشْتِغَالِ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِجَلَالَتِهِمَا وَعِظَمِ فَائِدَتِهِمَا وَحُسْنِ نِيَّةِ ذَيْنِكَ الْإِمَامَيْنِ، وَفِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ دُرُوسُ الْمُدَرِّسِينَ وَبَحْثُ الْمُحَصِّلِينَ الْمُحَقِّقِينَ، وَحِفْظُ الطُّلَّابِ الْمُعْتَنِينَ فِيمَا مَضَى وَفِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي وَالْأَمْصَارِ: فَإِذَا كَانَا كَمَا وَصَفْنَا وَجَلَالَتُهُمَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا. كان من هم الْأُمُورِ الْعِنَايَةُ بِشَرْحِهِمَا إذْ فِيهِمَا أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ وَأَجْزَلُ الْعَوَائِدِ فَإِنَّ فِيهِمَا مَوَاضِعَ كَثِيرَةً أَنْكَرَهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَفِيهَا كُتُبٌ مَعْرُوفَةٌ مُؤَلَّفَةٌ فَمِنْهَا مَا لَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ سَدِيدٌ وَمِنْهَا مَا جَوَابُهُ صَحِيحٌ مَوْجُودٌ عَتِيدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ على ذلك من لم تخصره مَعْرِفَتُهُ، وَيَفْتَقِرُ إلَى الْعِلْمِ بِهِ مَنْ لَمْ تُحِطْ بِهِ خِبْرَتُهُ: وَكَذَلِكَ فِيهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ واللغات وأسماء النقلة والرواة والاحترازات والمسائل المشكلات، والاصول المفتقرة إلى فروع وتتمات مالا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ وَتَبْيِينِهِ بِأَوْضَحِ الْعِبَارَاتِ * فَأَمَّا الْوَسِيطُ فَقَدْ جَمَعْتُ فِي شَرْحِهِ جُمَلًا مُفَرَّقَاتٍ سَأُهَذِّبُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ وَاضِحَاتٍ مُتَمَّمَاتٍ، وَأَمَّا الْمُهَذَّبُ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ الكريم الرؤوف الرَّحِيمَ فِي جَمْعِ كِتَابٍ فِي شَرْحِهِ سَمَّيْته بالمجموع وَاَللَّهَ الْكَرِيمَ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْعِي وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مِنْ الدَّائِمِ غَيْرِ الْمَمْنُوعِ، أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا مِنْ عُلُومِهِ الزَّاهِرَاتِ، وَأُبَيِّنُ فِيهِ أَنْوَاعًا مِنْ فُنُونِهِ الْمُتَعَدِّدَاتِ فَمِنْهَا تَفْسِيرُ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّاتِ، وَالْآثَارُ الْمَوْقُوفَاتُ، وَالْفَتَاوَى الْمَقْطُوعَاتُ، وَالْأَشْعَارُ الاسْتِشْهاديَّات، وَالْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّاتُ والفُروعِيَّات، وَالْأَسْمَاءُ وَاللُّغَاتُ،وَالْقُيُودُ وَالِاحْتِرَازَاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِهِ الْمَعْرُوفَاتِ، وَأُبَيِّنُ مِنْ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَهَا وَحَسَنَهَا وَضَعِيفَهَا مَرْفُوعَهَا وَمَوْقُوفَهَا مُتَّصِلَهَا وَمُرْسَلَهَا وَمُنْقَطِعَهَا وَمُعْضِلَهَا وَمَوْضُوعَهَا مَشْهُورَهَا وَغَرِيبَهَا وَشَاذَّهَا وَمُنْكَرَهَا ومقاربها وَمُعَلَّلَهَا وَمَدْرَجَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهَا مِمَّا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى *

وَأُبَيِّنُ مِنْهَا أَيْضًا لُغَاتِهَا وَضَبْطَ نَقَلَتِهَا وَرُوَاتَهَا * وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهِمَا وَلَا أُضِيفُهُ مَعَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا إلَّا نَادِرًا لِغَرَضٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ مَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَنِيٌّ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا سِوَاهُمَا * وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا: فَإِذَا كَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ: وَالنَّسَائِيَّ الَّتِي هِيَ تَمَامُ أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا اقْتَصَرْتُ أَيْضًا عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهَا: وَمَا خَرَجَ عَنْهَا أُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا صِحَّتَهُ أَوْ ضَعْفَهُ: وَمَتَى كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا بَيَّنْتُ ضَعْفَهُ وَنَبَّهْتُ عَلَى سَبَبِ ضَعْفِهِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْكَلَامُ بِوَصْفِهِ: وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ هُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا صَرَّحْتُ بِضَعْفِهِ ثُمَّ أَذْكُرُ دَلِيلًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ الْحَدِيثِ إنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ * وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَلْفَاظِ اللُّغَاتِ وَأَسْمَاءِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالنَّقَلَةِ وَالرُّوَاةِ مَبْسُوطًا فِي وَقْتٍ وَمُخْتَصَرًا فِي وَقْتٍ بِحَسْبِ الْمَوَاطِنِ وَالْحَاجَةِ: وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا النوع كتابا سميته بتهذيب الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ جَمَعْتُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْوَجِيزِ وَالرَّوْضَةِ الَّذِي اخْتَصَرْتُهُ مِنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالْقُيُودِ وَالْقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مما له ذكر في شئ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مِثْلِهِ فَمَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا لِضَرُورَةٍ أَحَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأُبَيِّنُ فِيهِ الِاحْتِرَازَاتِ وَالضَّوَابِطَ الْكُلِّيَّاتِ * وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهُوَ مَقْصُودُ الْكِتَابِ فَأُبَالِغُ فِي إيضَاحِهَا بِأَسْهَلِ الْعِبَارَاتِ، وَأَضُمُّ إلَى ما في الاصل من الفروع والتتمات، والزوائد الْمُسْتَجَادَاتِ، وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ، وَالضَّوَابِطِ الْمُمَهِّدَاتِ، مَا تَقَرُّ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْيُنَ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْعِنَايَاتِ، وَالْمُبَرَّئِينَ مِنْ أَدْنَاسِ الزَّيْغِ وَالْجَهَالَاتِ، ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ مَا أَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ صَاحِبِ الْكِتَابِ: وَمِنْهَا مَا أَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ وَالْأَبْوَابِ وَأُبَيِّنُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَوْ خَالَفَهُ فِيهِ الْمُعْظَمُ. وَهَذَا النَّوْعُ قَلِيلٌ جِدًّا: وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، وَالْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَاتِ مَعَ جَوَابِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُرْضِيَاتِ * وَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ فِيهِ جُمَلًا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَعَلَى الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا كَالْحَاجَةِ إلَى الْمُهَذَّبِ: وَأَلْتَزِمُ فِيهِ بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ وَالطُّرُقِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ ذَكَرَهُ وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفُوهُ * وَاعْلَمْ أَنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ فِيهَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ بَيْنَ الاصحاب بحيث لا يحصل للمطالع وثوق بكون مَا قَالَهُ مُصَنِّفٌ مِنْهُمْ هُوَ الْمَذْهَبُ حَتَّى يُطَالِعَ مُعْظَمَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ فَلِهَذَا لَا أَتْرُكُ قَوْلًا وَلَا وَجْهًا وَلَا نَقْلًا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ وَاهِيًا إلَّا ذَكَرْتُهُ إذَا وَجَدْتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ بَيَانِ رجحان

مَا كَانَ رَاجِحًا وَتَضْعِيفِ مَا كَانَ ضَعِيفًا وَتَزْيِيفِ مَا كَانَ زَائِفًا وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَغْلِيطِ قَائِلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَكَابِرِ: وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ: وَأَحْرِصُ عَلَى تَتَبُّعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إلَى زَمَانِي مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ: وَكَذَلِكَ نُصُوصُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْقُلُهَا من نفس كتبه المتيسرة عندي كالامام وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ وَمَا نَقَلَهُ الْمُفْتُونَ الْمُعْتَمَدُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَكَذَلِكَ أَتَتَبَّعُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ وَمُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالطَّبَقَاتِ وَشُرُوحِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا وَحَيْثُ أَنْقُلُ حُكْمًا أَوْ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا أَوْ طَرِيقًا أَوْ لَفْظَةَ لُغَةٍ أَوْ اسْمَ رَجُلٍ أَوْ حَالَةً أَوْ ضَبْطَ لَفْظَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ الْمَشْهُورِ أَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِيهِ لِكَثْرَتِهِمْ إلَّا أَنْ أُضْطَرَّ إلَى بَيَانِ قَائِلِيهِ لِغَرَضٍ مُهِمٍّ فَأَذْكُرُ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ثُمَّ أَقُولُ وَغَيْرُهُمْ وَحَيْثُ كَانَ مَا أَنْقُلُهُ غَرِيبًا أُضِيفُهُ إلَى قَائِلِهِ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ أُذْهَلُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ: وَحَيْثُ أَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَذَا أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ أَوْ قَالَ الْجُمْهُورُ أَوْ الْمُعْظَمُ أَوْ الْأَكْثَرُونَ كَذَا ثُمَّ أَنْقُلُ عَنْ جَمَاعَةٍ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يَهُولَنَّك كَثْرَةُ مَنْ أَذْكُرُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى خِلَافِ الْجُمْهُورِ أَوْ خِلَافِ الْمَشْهُورِ أَوْ الْأَكْثَرِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنِّي إنَّمَا أَتْرُكُ تَسْمِيَةَ الْأَكْثَرِينَ لِعِظَمِ كَثْرَتِهِمْ كَرَاهَةً لِزِيَادَةِ التَّطْوِيلِ وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ كُتُبَ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَبْسُوطٍ وَمُخْتَصَرٍ وَغَرِيبٍ وَمَشْهُورٍ: وَسَتَرَى مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ وَيَزِيدُ رَغْبَتَك فِي الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ وَتَرَى كُتُبًا وَأَئِمَّةً قَلَّمَا طَرَقُوا سَمْعَكَ وَقَدْ أَذْكُرُ الْجُمْهُورَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي نَادِرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِمْ وَقَدْ أُنَبِّهُ عَلَى تِلْكَ الضَّرُورَةِ * وَأَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَذَاهِبَ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ: وَأُجِيبُ عَنْهَا مَعَ الْإِنْصَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْأَدِلَّةِ فِي بَعْضِهَا وَأَخْتَصِرُهُ فِي بَعْضِهَا بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقِلَّتِهَا وَأَعْرِضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاهِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً: فَإِنَّ الْوَقْتَ يَضِيقُ عَنْ الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ يَضِيعُ فِي الْمُنْكَرَاتِ وَالْوَاهِيَاتِ: وَإِنْ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى نُدُورٍ نَبَّهْتُ عَلَى ضَعْفِهِ * وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفُرُوعِ رَحْمَةٌ وَبِذِكْرِ مَذَاهِبِهِمْ بِأَدِلَّتِهَا يَعْرِفُ الْمُتَمَكِّنُ الْمَذَاهِبَ عَلَى وَجْهِهَا وَالرَّاجِحَ مِنْ الْمَرْجُوحِ وَيَتَّضِحُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ الْمُشْكِلَاتُ: وَتَظْهَرُ الْفَوَائِدُ النَّفِيسَاتُ: وَيَتَدَرَّبُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالسُّؤَالِ والجواب: ويفتح ذِهْنُهُ وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ: وَيَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مِنْ الضَّعِيفَةِ وَالدَّلَائِلَ الرَّاجِحَةَ مِنْ الْمَرْجُوحَةِ وَيَقُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ وَالْمَعْمُولِ بظاهرها من المؤولاات وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّادِرِ: وَأَكْثَرُ مَا أَنْقُلُهُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ الشَّافِعِيُّ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْفَنِّ وَمِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَلَا أَنْقُلُ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقَلِيلَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ

مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْكِرُونَهُ: وَإِذَا مَرَرْتُ بِاسْمِ أَحَدٍ (1) مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَشَرْتُ إلَى بَيَانِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنَسَبِهِ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ مَوْلِدَهُ وَوَفَاتَهُ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ مَنَاقِبِهِ: وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى جَلَالَتِهِ: وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَوْ الْحَدِيثُ أَوْ الِاسْمُ أَوْ اللَّفْظَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعَانِ يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِيهِمَا ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِهِمَا فَإِنْ وَصَلْتُ إلَى الثَّانِي نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ: وَأُقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْوَابًا وَفُصُولًا تَكُونُ لِصَاحِبِهِ قَوَاعِدَ وَأُصُولًا: أَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ نَسَبَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَطْرَافًا مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَضْلَ الْعِلْمِ وَبَيَانَ أَقْسَامِهِ وَمُسْتَحِقِّي فَضْلِهِ وَآدَابَ الْعَالِمِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ: وَأَحْكَامَ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَصِفَةَ الْفَتْوَى وَآدَابَهَا وَبَيَانَ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَمَاذَا يَعْمَلُ الْمُفْتِي الْمُقَلِّدُ فِيهَا: وَبَيَانَ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَحَسَنِهِ وَضَعِيفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مما يتعلق به كاختصار الحديث: وزيادة الثقاة: وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَوَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَبَيَانَ الْإِجْمَاعِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَبَيَانَ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَتَفْصِيلِهِ: وَبَيَانَ حُكْمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ: وَبَيَانَ حُكْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي نَجِدُهُ يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَيَانَ جُمْلَةٍ مِنْ ضَبْطِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَالرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ وَالْجِيزِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ إنِّي أُبَالِغُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إيضَاحِ جَمِيعِ مَا أَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّكْرَارِ وَلَوْ كَانَ وَاضِحًا مَشْهُورًا وَلَا أَتْرُكُ الْإِيضَاحَ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّطْوِيلِ بِالتَّمْثِيلِ. وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ النَّصِيحَةَ وَتَيْسِيرَ الطَّرِيقِ إلَى فَهْمِهِ فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ النَّاصِحِ: وَقَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ هَذَا الشَّرْحَ مَبْسُوطًا جِدًّا بِحَيْثُ بَلَغَ إلَى آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ ثَلَاثَ مجلدات ضخمات ثم رأيت الِاسْتِمْرَارَ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يُؤَدِّي إلَى سَآمَةِ مُطَالِعِهِ: وَيَكُونُ سَبَبًا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَثْرَتِهِ. وَالْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ نُسْخَةٍ مِنْهُ فَتَرَكْتُ ذَلِكَ الْمِنْهَاجَ فَأَسْلُكُ الْآنَ طَرِيقَةً مُتَوَسِّطَةً إنْ شَاءَ الله تعالى لا من المطولات المملات: وَلَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمُخِلَّاتِ: وَأَسْلُكُ (2) فِيهِ أَيْضًا مَقْصُودًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي لَا يَعُمُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا لَا أَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهَا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَذَلِكَ كَكِتَابِ اللِّعَانِ وَعَوِيصِ الْفَرَائِضِ وَشَبَهِ ذَلِكَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ وَإِنْ سَمَّيْتُهُ شَرْحَ الْمُهَذَّبِ فَهُوَ شَرْحٌ لِلْمَذْهَبِ كُلِّهِ بَلْ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ وللحديث وجعل من اللغة والتاربخ وَالْأَسْمَاءِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَحَسَنِهِ وَضَعِيفِهِ: وَبَيَانِ عِلَلِهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ. وَتَأْوِيلِ الْخَفِيَّاتِ. وَاسْتِنْبَاطِ الْمُهِمَّاتِ. وَاسْتِمْدَادِي في كل ذلك وغيره اللطف والمعونة من الله الكريم الرؤوف الرَّحِيمِ وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي: أَسْأَلُهُ سُلُوكَ سَبِيلِ الرَّشَادِ. وَالْعِصْمَةَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْعِنَادِ. وَالدَّوَامَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ فِي ازْدِيَادٍ. وَالتَّوْفِيقَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِلصَّوَابِ. وَالْجَرْيَ عَلَى آثَارِ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ. وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا وَمَشَايِخِنَا وَجَمِيعِ مَنْ نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ الْوَاسِعُ الْوَهَّابُ. وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابٌ. حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *

_ (1) وفى نسخة بدل احد: رجل (2) وفي نسخة الاذرعى بدل اسلك أقصد وهو أوجه

فصل في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم

فَصْلٌ فِي نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدَّمْتُهُ لِمَقَاصِدَ مِنْهَا تَبَرُّكُ الْكِتَابِ بِهِ: وَمِنْهَا أَنْ يُحَالَ عَلَيْهِ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْأَنْسَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذكره المصنف مستوفى في باب قسم الفئ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ * إلَى هُنَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آدَمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ولا يثبت فيه شئ: وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ اسْمٍ وَذَكَرْتُ فِيهِ قِطْعَةً تَتَعَلَّقُ بِأَسْمَائِهِ وَأَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * بَابٌ فِي نَسَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَطَرَفٌ مِنْ أُمُورِهِ وَأَحْوَالِهِ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عَبْدِ الله بن عبد يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ الْحِجَازِيُّ الْمَكِّيُّ يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْوَالِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَآخَرِينَ: وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبَيْهَقِيِّ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ وَمِنْ أَحْسَنِهَا تَصْنِيفُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ مُجَلَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى نَفَائِسَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ: وَقَدْ شَرَعْتُ أَنَا فِي جَمْعِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ وَجَمَعْتُ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ فِي مَنَاقِبِهِ: وَمِنْ كُتُبِ أهل التفسير والحديث والتاريخ والاخبار وَالْفُقَهَاءِ وَالزُّهَّادِ وَغَيْرِهِمْ فِي مُصَنَّفٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ الِاخْتِصَارِ وَالتَّطْوِيلِ وَأَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ مَا لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَا سِيَّمَا الْمُحَدِّثُ وَالْفَقِيهُ وَلَا سِيَّمَا مُنْتَحِلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ: وَأَمَّا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَقَاصِدِ. وَالرَّمْزَ إلَى أَطْرَافٍ مِنْ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمَعَاقِدِ. فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا أَمْرِي إلَيْهِ. الشَّافِعِيُّ قُرَيْشِيٌّ مُطَّلِبِيٌّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَأُمُّهُ أَزْدِيَّةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي فَضَائِلِ قُرَيْشٍ وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى تَفْضِيلِهِمْ عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ (1) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ " وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ أَحَادِيثُ في فضائل الازد *

_ (1) الذى في الصحيحين " لا يزال هذا الامر في قريش " الحديث ولعل نسبته إلى الصحيحين من حيث المغني: والذي رواه بهذا اللفظ البخاري في تاريخه: والنسائي في سننه وابو يعلى والامام احمد بن حنبل وابو داود الطيالسي والبزار: والله اعلم

فصل في مولد الشافعي رضي الله عنه ووفاته وذكر نبذ من أموره وحالاته

فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَفَاتِهِ وَذِكْرِ نُبَذٍ مِنْ أُمُورِهِ وَحَالَاتِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقِيلَ إنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وُلِدَ بِغَزَّةَ وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ وَهُمَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَإِنَّهُمَا عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً قَالَ الرَّبِيعُ تُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَنَا عِنْدَهُ وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَقَبْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِصْرَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَلَالَةِ وَلَهُ مِنْ الِاحْتِرَامِ مَا هُوَ لَائِقٌ بِمَنْصِبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ. قَالَ الرَّبِيعُ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هَذَا مَوْتُ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا فَمَا كان الايسيرا فمات الشَّافِعِيُّ وَرَأَى غَيْرُهُ لَيْلَةَ مَاتَ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا يَقُولُ اللَّيْلَةَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: نشأ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا: وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله في ابتدأ أَمْرِهِ يَطْلُبُ الشِّعْرَ وَأَيَّامَ الْعَرَبِ وَالْأَدَبَ ثُمَّ أَخَذَ فِي الْفِقْهِ بَعْدُ: قَالَ وَكَانَ سَبَبُ أَخْذِهِ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ لَهُ وَخَلْفَهُ كَاتِبٌ لِأَبِي فَتَمَثَّلَ الشافعي بِبَيْتِ شِعْرٍ فَقَرَعَهُ كَاتِبُ أَبِي بِسَوْطِهِ ثُمَّ قال له مثلك يذهب بمرؤته فِي مِثْلِ هَذَا أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الْفِقْهِ فَهَزَّهُ ذَلِكَ فَقَصَدَ مُجَالَسَةَ الزِّنْجِيِّ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَكَانَ مُفْتِي مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا فَلَزِمَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ: وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الشِّعْرِ فَارْتَقَيْتُ عَقَبَةً بِمِنًى فَإِذَا صَوْتٌ مِنْ خَلْفِي عَلَيْكَ بِالْفِقْهِ: وَعَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ خَرَجْت أَطْلُبُ النَّحْوَ وَالْأَدَبَ فَلَقِيَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزنجي فقال يافتى مِنْ أَيْنَ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ أَيْنَ مَنْزِلُكَ قُلْتُ شِعْبٌ بِالْخَيْفِ قَالَ مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ بَخٍ بَخٍ لَقَدْ شَرَّفَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَلَا جَعَلْتَ فَهْمَكَ فِي هَذَا الْفِقْهِ فَكَانَ أَحْسَنَ بِك: ثُمَّ رَحَلَ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَاصِدًا الْأَخْذَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي رِحْلَتِهِ مُصَنِّفٌ مَشْهُورٌ مَسْمُوعٌ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ حِفْظًا فَأَعْجَبَتْهُ قِرَاءَتُهُ وَلَازَمَهُ وَقَالَ لَهُ مَالِكٌ اتَّقِ اللَّهَ وَاجْتَنِبْ الْمَعَاصِيَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ شَأْنٌ: وفي رواية أخرى أنه قال له انه اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا فَلَا تُطْفِهِ بِالْمَعَاصِي: وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ أَتَى مَالِكًا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثم ولى باليمين: وَاشْتُهِرَ مِنْ حُسْنِ سِيرَتِهِ وَحَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى السُّنَّةِ وَالطَّرَائِقِ الْجَمِيلَةِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ. ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَخَذَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ وَرَحَلَ إلَى الْعِرَاقِ وَنَاظَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَغَيْرَهُ وَنَشَرَ عِلْمَ الْحَدِيثِ وَمَذْهَبَ أَهْلِهِ وَنَصَرَ السُّنَّةَ وَشَاعَ ذِكْرُهُ وَفَضْلُهُ وَطَلَبَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَصَنَّفَ كِتَابَ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَوَّلُ كِتَابٍ صُنِّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سعيد

فصل في تلخيص جملة من حال الشافعي رضي الله عنه

الْقَطَّانُ يُعْجَبَانِ بِهِ: وَكَانَ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَدْعُوَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي صَلَاتِهِمَا وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى اسْتِحْسَانِ رِسَالَتِهِ وَأَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ: وقال المزني قرأت الرسالة خمس مائة مرة مامن مَرَّةٍ إلَّا وَاسْتَفَدْتُ مِنْهَا فَائِدَةً جَدِيدَةً وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ أَنَا أَنْظُرُ فِي الرِّسَالَةِ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةٍ مَا أَعْلَمُ أَنِّي نَظَرْتُ فِيهَا مَرَّةً إلَّا وَاسْتَفَدْتُ شَيْئًا لَمْ أَكُنْ عَرَفْتُهُ: وَاشْتَهَرَتْ جَلَالَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْعِرَاقِ وَسَارَ ذِكْرُهُ فِي الْآفَاقِ وَأَذْعَنَ بِفَضْلِهِ الْمُوَافِقُونَ وَالْمُخَالِفُونَ * وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَجْمَعُونَ وَعَظُمَتْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ مَرْتَبَتُهُ وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُمْ جَلَالَتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَظَهَرَ مِنْ فَضْلِهِ فِي مُنَاظَرَاتِهِ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَغَيْرَهُمْ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ. وَأَظْهَرَ مِنْ بَيَانِ الْقَوَاعِدِ وَمُهِمَّاتِ الْأُصُولِ مَا لا يعرف لسواه: وامتحن في مواطن ما لَا يُحْصَى مِنْ الْمَسَائِلِ فَكَانَ جَوَابُهُ فِيهَا مِنْ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ بِالْمَحِلِّ الْأَعْلَى وَالْمَقَامِ الْأَسْمَى: وَعَكَفَ عَلَيْهِ لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالْأَئِمَّةُ والاحبار مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمْ * وَرَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ وَتَمَسَّكُوا بِطَرِيقَتِهِ كَأَبِي ثَوْرٍ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ * وَتَرَكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ الْأَخْذَ عَنْ شُيُوخِهِمْ وَكِبَارِ الائمة لانقاطاعهم إلَى الشَّافِعِيِّ لَمَّا رَأَوْا عِنْدَهُ مَا لَا يَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبَارَكَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ وَلَهُمْ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ الْبَاهِرَةِ وَالْمَحَاسِنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَالْخَيْرَاتِ الْمُتَكَاثِرَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى سَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى: وَصَنَّفَ فِي الْعِرَاقِ كِتَابَهُ الْقَدِيمِ وَيُسَمَّى كِتَابَ الْحُجَّةِ وَيَرْوِيهِ عَنْهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ جُلَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالزَّعْفَرَانِيّ وَالْكَرَابِيسِيُّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ. قال أبو عبد الله حرملة بن يحي قدم علينا الشافعي سنة تسع وتسعين: وَقَالَ الرَّبِيعُ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَلَعَلَّهُ قَدِمَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: وَصَنَّفَ كُتُبَهُ الْجَدِيدَةَ كُلَّهَا بِمِصْرَ وَسَارَ ذِكْرُهُ فِي البلدان وقصده الناس من الشام والعراق واليمين وَسَائِرِ النَّوَاحِي لِلْأَخْذِ عَنْهُ وَسَمَاعِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَأَخْذِهَا عَنْهُ وَسَادَ أَهْلَ مِصْرَ وَغَيْرَهُمْ وَابْتَكَرَ كُتُبًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا مِنْهَا أُصُولُ الْفِقْهِ. وَمِنْهَا كِتَابُ الْقَسَامَةِ. وَكِتَابُ الْجِزْيَةِ وَقِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَغَيْرُهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّازِيّ فِي كتابه مناقب الشافعي سمعت ابا عمر واحمد بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ محمد بن حمدان بن سفيان الطرايفي الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ حَضَرْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَوْمًا وَقَدْ حَطَّ عَلَى بَابِ دَارِهِ سَبْعُمِائَةِ رَاحِلَةٍ فِي سَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * فَصْلٌ فِي تَلْخِيصِ جُمْلَةٍ مِنْ حَالِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَحَاسِنِ بِالْمَقَامِ الْأَعْلَى وَالْمَحَلِّ الْأَسْنَى * لِمَا جَمَعَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ مِنْ الْخَيْرَاتِ * وَوَفَّقَهُ لَهُ مِنْ جَمِيلِ الصِّفَاتِ * وَسَهَّلَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكْرُمَاتِ * فَمِنْ ذَلِكَ شَرَفُ النَّسَبِ الطَّاهِرِ وَالْعُنْصُرِ الْبَاهِرِ وَاجْتِمَاعِهِ هُوَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّسَبِ: وَذَلِكَ غَايَةُ الْفَضْلِ وَنِهَايَةُ الْحَسَبِ: وَمِنْ ذَلِكَ شَرَفُ الْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ فَإِنَّهُ وُلِدَ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَنَشَأَ بِمَكَّةَ: وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ أَنْ مُهِّدَتْ الْكُتُبُ وَصُنِّفَتْ. وَقُرِّرَتْ الْأَحْكَامُ وَنُقِّحَتْ. فَنَظَرَ فِي مَذَاهِبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَخَذَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُبْرَزِينَ وَنَاظَرَ الْحُذَّاقَ

الْمُتْقِنِينَ فَنَظَرَ مَذَاهِبَهُمْ وَسَبَرَهَا وَتَحَقَّقَهَا وَخَبَرَهَا فَلَخَّصَ مِنْهَا طَرِيقَةً جَامِعَةً لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ وَتَفَرَّغَ لِلِاخْتِيَارِ والترجيح والتكميل والتنقيح مع كمال قُوَّتِهِ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الفنون واضطلاعه منها أشد اضطلاح وَهُوَ الْمُبَرِّزُ فِي الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْبَارِعُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ وَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَغَيْرِهَا مِنْ تَقَاسِيمِ الْخِطَابِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَى فَتْحِ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ أُصُولَ الْفِقْهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا ارْتِيَابٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُسَاوَى بَلْ لَا يُدَانَى فِي مَعْرِفَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَهُوَ الْإِمَامُ الْحُجَّةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَنَحْوِهِمْ فَقَدْ اشْتَغَلَ فِي الْعَرَبِيَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً مَعَ بَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَمَعَ أَنَّهُ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ وَالدَّارِ وَالْعَصْرِ وَبِهَا يُعْرَفُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ: وَهُوَ الَّذِي قَلَّدَ الْمِنَنَ الْجَسِيمَةَ جَمِيعَ أَهْلِ الْآثَارِ وَحَمَلَةَ الْأَحَادِيثِ وَنَقْلَةَ الْأَخْبَارِ بِتَوْقِيفِهِ إيَّاهُمْ عَلَى مَعَانِي السُّنَنِ وَتَنْبِيهِهِمْ وَقَذْفِهِ بالحق على باطن مُخَالِفِي السُّنَنِ وَتَمْوِيهِهِمْ فَنَعَّشَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا خَامِلِينَ وَظَهَرَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ وَدَمَغُوهُمْ بِوَاضِحَاتِ الْبَرَاهِينِ حَتَّى ظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ * قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَوْمًا مَا فَبِلِسَانِ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي لِمَا وَضَعَ مِنْ كُتُبِهِ * وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ كَانَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ رُقُودًا فَأَيْقَظَهُمْ الشَّافِعِيُّ فَتَيَقَّظُوا * وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا أَحَدٌ مَسَّ بِيَدِهِ مِحْبَرَةً وَلَا قَلَمًا إلَّا وَلِلشَّافِعِيِّ فِي رَقَبَتِهِ مِنَّةٌ فَهَذَا قَوْلُ إمَامِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي وَرَعِهِ وَفَضْلِهِ * وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ حَتَّى عَجَزَ لَدَيْهِ الْمُنَاظِرُونَ مِنْ الطَّوَائِفِ وَأَصْحَابُ الْفُنُونِ وَاعْتَرَفَ بِتَبْرِيزِهِ وَأَذْعَنَ الْمُوَافِقُونَ وَالْمُخَالِفُونَ فِي الْمَحَافِلِ الْمَشْهُورَةِ الْكَبِيرَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَئِمَّةِ عَصْرِهِ فِي الْبُلْدَانِ وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَاتُ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي كتب الائمة المتقدمين والمتأخرين وَفِي كِتَابِ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَاتِ جُمَلٌ مِنْ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ، وَالنَّفَائِسِ الْجَلِيلَاتِ، وَالْقَوَاعِدِ الْمُسْتَفَادَاتِ * وَكَمْ مِنْ مُنَاظَرَةٍ وَقَاعِدَةٍ فِيهِ يَقْطَعُ كُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَأَنْصَفَ وَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا * وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَصَدَّرَ فِي عَصْرِ الْأَئِمَّةِ الْمُبْرَزِينَ لِلْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ شَيْخُهُ أَبُو خَالِدٍ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ إمَامُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُفْتِيهَا وَقَالَ لَهُ افْتِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ وَاَللَّهِ آنَ لَكَ أَنْ تُفْتِيَ وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ إذْ ذَاكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: وَأَقَاوِيلُ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأُخِذَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْعِلْمُ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَهَذَا مِنْ الدَّلَائِلِ الصَّرِيحَةِ لِعِظَمِ جَلَالَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ مَنَاقِبِهِ وَغَيْرِهَا * وَمِنْ ذَلِكَ شِدَّةُ اجْتِهَادِهِ فِي نُصْرَةِ الْحَدِيثِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَجَمْعُهُ فِي مَذْهَبِهِ بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَدِلَّةِ مَعَ الْإِتْقَانِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْغَوْصِ التَّامِّ عَلَى الْمَعَانِي وَالتَّدْقِيقِ: حَتَّى لُقِّبَ حِينَ قَدِمَ الْعِرَاقَ بِنَاصِرِ الْحَدِيثِ وَغَلَبَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى مُتَّبِعِي مَذْهَبِهِ لَقَبُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمَعْرُوفِ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ وَكَانَ مِنْ حِفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ بِالْغَايَةِ الْعَالِيَةِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ تَعْلَمُ سُنَّةً صَحِيحَةً لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ قَالَ لَا: وَمَعَ هَذَا فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكَوْنِ الْإِحَاطَةِ مُمْتَنِعَةً عَلَى الْبَشَرِ فَقَالَ مَا قَدْ ثَبَتَ عنه رضى عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ

بِالْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَتَرْكِ قَوْلِهِ الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ الثَّابِتِ الصَّرِيحِ وَقَدْ امْتَثَلَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَصِيَّتَهُ وَعَمِلُوا بِهَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ كمسألة التثويب في الصبح ومسألة اشتراط التحلل فِي الْحَجِّ بِعُذْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَتَرَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَمِنْ ذَلِكَ تمسكه بالاحاديث الصحيحة: واعراضه عن الْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ الضَّعِيفَةِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ اعْتَنَى فِي الِاحْتِجَاجِ بِالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ كَاعْتِنَائِهِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَمَنْ ذَلِكَ أَخْذُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَمَنْ ذَلِكَ شِدَّةُ اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَسُلُوكُ طَرَائِقِ الْوَرَعِ وَالسَّخَاءِ وَالزَّهَادَةِ * وَهَذَا مِنْ خُلُقِهِ وَسِيرَتِهِ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ: وَلَا يَتَمَارَى فِيهِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ ظَالِمٌ عَسُوفٌ: فَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَحِلِّ الْأَعْلَى مِنْ مَتَانَةِ الدِّينِ وَهُوَ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِمَعْرِفَتِهِ عِنْدَ الموافقين والمخالفين وليس يصح في الاذهان شئ * إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إلَى دَلِيلِ وَأَمَّا سَخَاؤُهُ وَشَجَاعَتُهُ وَكَمَالُ عَقْلِهِ وَبَرَاعَتُهُ فَإِنَّهُ مِمَّا اشْتَرَكَ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ فِي مَعْرِفَتِهِ فَلِهَذَا لَا أَسْتَدِلُّ لَهُ لِشُهْرَتِهِ وَكُلُّ هَذَا مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَنَاقِبِ مِنْ طُرُقٍ * وَمَنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ " إنَّ عَالِمَ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا " وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَامُ الدِّينِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَسَائِلُ مَعْدُودَةٌ إذْ كَانَتْ فَتَاوَاهُمْ مَقْصُورَةً عَلَى الوقائع بل كانوا ينهون عن السؤال عن ما لَمْ يَقَعْ وَكَانَتْ هِمَمُهُمْ مَصْرُوفَةً إلَى قِتَالِ (1) الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَإِلَى مُجَاهِدَةِ النُّفُوسِ وَالْعِبَادَةِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلتَّصْنِيفِ * وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَصَنَّفَ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قريش قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ: وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ فِي الْخِلَافِ إنَّمَا بَدَأْتُ بِالشَّافِعِيِّ قَبْلَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَدَّمْتُهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أقدم منه اتباعه لِلسُّنَّةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَتَعَلَّمُوا مِنْ قُرَيْشٍ " وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ محمد بن عدي الاستراباذى (2) صَاحِبُ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَامَةٌ بَيِّنَةٌ إذَا تَأَمَّلَهُ النَّاظِرُ الْمُمَيِّزُ عَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ ظَهَرَ عِلْمُهُ وَانْتَشَرَ فِي الْبِلَادِ وَكُتِبَ كَمَا تُكْتَبُ الْمَصَاحِفُ وَدَرَسَهُ الْمَشَايِخُ وَالشُّبَّانُ فِي مَجَالِسِهِمْ وَاسْتَظْهَرُوا أَقَاوِيلَهُ وَأَجْرُوهَا فِي مَجَالِسِ الْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْآثَارِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةٌ لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا أَحَاطَتْ بِأَحَدٍ إلَّا بِالشَّافِعِيِّ فَهُوَ عَالِمُ قُرَيْشٍ الَّذِي دَوَّنَ الْعِلْمَ وَشَرَحَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَمَهَّدَ الْقَوَاعِدَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ كَلَامِ أَبِي نُعَيْمٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي تَأْوِيلِ الْخَبَرِ: وَمِنْ ذَلِكَ مُصَنَّفَاتُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا كَثْرَةً وَحُسْنًا فَإِنَّ مُصَنَّفَاتِهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ كَالْأُمِّ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مُجَلَّدًا وَهُوَ مَشْهُورٌ وَجَامِعِ الْمُزَنِيِّ الْكَبِيرِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ وَمُخْتَصَرَيْهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ وَكِتَابِ حَرْمَلَةَ وَكِتَابِ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَالرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَالرِّسَالَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْأَمَالِي وَالْإِمْلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كُتُبِهِ: وَقَدْ جَمَعَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ: قَالَ القاضى الامام أبو محمد الحسين

_ 1) وفى نسخة بدل قتال: جهاد (2) هو احد أئمة المسلمين وكان مقدما في الفقه والحديث توفى سنة 320

ابن مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي خُطْبَةِ تَعْلِيقِهِ قِيلَ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَنَّفَ مِائَةً وَثَلَاثَةَ عَشَرَ كِتَابًا فِي التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ * وَأَمَّا حُسْنُهَا فَأَمْرٌ يُدْرَكُ بِمُطَالَعَتِهَا فَلَا يَتَمَارَى فِي حُسْنِهَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ: وَأَمَّا كُتُبُ أَصْحَابِهِ الَّتِي هِيَ شُرُوحٌ لِنُصُوصِهِ وَمُخَرَّجَةٌ عَلَى أُصُولِهِ مَفْهُومَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ فَلَا يُحْصِيهَا مَخْلُوقٌ مَعَ عِظَمِ فَوَائِدِهَا وَكَثْرَةِ عَوَائِدِهَا وَكِبَرِ حَجْمِهَا وَحُسْنِ تَرْتِيبِهَا وَنَظْمِهَا كَتَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الاسفراينى وَصَاحِبِيهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَنِهَايَةِ الْمَطْلَبِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ وَهَذَا مِنْ الْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُظْهَرَ. وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُشْهَرَ. وَكُلُّ هَذَا مُصَرِّحٌ بِغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَجَزَالَةِ كَلَامِهِ وَصِحَّةِ نِيَّتِهِ فِي عِلْمِهِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ مُسْتَفِيضًا مِنْ صِحَّةِ نِيَّتِهِ فِي عِلْمِهِ نُقُولٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَكَفَى بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا قَاطِعًا وَبُرْهَانًا صَادِعًا * قَالَ السَّاجِيُّ فِي أَوَّلِ كتابه في الخلافة سَمِعْتُ الرَّبِيعَ يَقُولُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ وَدِدْتُ أَنَّ الْخَلْقَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ عَلَى أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَيَّ حَرْفٌ مِنْهُ فَهَذَا إسْنَادٌ لَا يُتَمَارَى فِي صِحَّتِهِ فَكِتَابُ السَّاجِيِّ مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ وَسَمِعَهُ مِنْ إمَامٍ عَنْ إمَامٍ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا قَطُّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَوَدِدْتُ إذَا نَاظَرْتُ أَحَدًا أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى يَدَيْهِ: وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ * وَمِنْ ذَلِكَ مُبَالَغَتُهُ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَنَصِيحَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ هُوَ الدِّينُ كَمَا صَحَّ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ مَعْلُومًا مَشْهُورًا فَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِبَيَانِ الخفيات وحل المشكلات فصل (في نوادر من حكم الشافغى وَأَحْوَالِهِ أَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى رُمُوزًا لِلِاخْتِصَارِ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ من صلاة النافلة: وقال من اراد الدينا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ: وقال ما تقرب إلى الله تعالى بشئ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ * وَقَالَ مَا أَفْلَحَ فِي الْعِلْمِ إلَّا مَنْ طَلَبَهُ بِالْقِلَّةِ: وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ النَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عن هذه السورة (والعصر ان الانسان لفى خسر) وكان جَزَّأَ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ يَكْتُبُ وَالثَّانِي يُصَلِّي وَالثَّالِثُ يَنَامُ * وَقَالَ الرَّبِيعُ نِمْتُ فِي مَنْزِلِ الشَّافِعِيِّ لَيَالِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إلَّا أَيْسَرَهُ: وَقَالَ بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ كَانَ فِي عَصْرِ الشَّافِعِيِّ أَتْقَى لِلَّهِ وَلَا أَوْرَعَ وَلَا أَحْسَنَ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ مِنْهُ: وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتِّينَ خَتْمَةً: وَقَالَ حَرْمَلَةُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ وَدِدْتُ أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ أَعْلَمُهُ تَعَلَّمَهُ النَّاسُ أُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْمَدُونَنِي: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَمَعَ فِي الشَّافِعِيِّ كُلَّ خَيْرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الظرف الوقوف مع الحق كما وَقَفَ: وَقَالَ مَا كَذَبْتُ قَطُّ وَلَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ تَعَالَى صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا: وَقَالَ مَا تَرَكْتُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فِي بَرْدٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا غَيْرِهِ: وَقَالَ مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عشر سَنَةً إلَّا شَبْعَةً طَرَحْتُهَا مِنْ سَاعَتِي: وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً: وَقَالَ مَنْ لَمْ تُعِزُّهُ التَّقْوَى فَلَا عِزَّ لَهُ: وَقَالَ مَا فزعت من الفقر قط: وقال طلب فضول الدينا عُقُوبَةٌ عَاقَبَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ: وَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ مَالَكَ تُدْمِنُ

إمساك العصا ولست بضعيف فقال لا ذكر أَنِّي مُسَافِرٌ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مَنْ شَهِدَ الضَّعْفَ مِنْ نَفْسِهِ نَالَ الِاسْتِقَامَةَ: وَقَالَ مَنْ غَلَبَتْهُ شِدَّةُ الشَّهْوَةِ لِلدُّنْيَا لَزِمَتْهُ الْعُبُودِيَّةُ لِأَهْلِهَا وَمَنْ رَضِيَ بِالْقُنُوعِ زَالَ عَنْهُ الْخُضُوعُ. وَقَالَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي خَمْسِ خِصَالٍ غِنَى النَّفْسِ وَكَفِّ الْأَذَى وَكَسْبِ الْحَلَالِ وَلِبَاسِ التَّقْوَى وَالثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ. وقال للربيع عليك بالزهد: وقال أنفع الذخائز التَّقْوَى وَأَضَرُّهَا الْعُدْوَانُ: وَقَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يقتح اللَّهُ قَلْبَهُ أَوْ يُنَوِّرَهُ فَعَلَيْهِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فيما لا يعنيه وا جتناب الْمَعَاصِي وَيَكُونُ لَهُ خَبِيئَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عَمَلٍ: وَفِي رِوَايَةٍ فَعَلَيْهِ بِالْخَلْوَةِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ وَتَرْكِ مُخَالَطَةِ السُّفَهَاءِ وَبُغْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ إنْصَافٌ وَلَا أَدَبٌ: وَقَالَ يَا رَبِيعُ لَا تَتَكَلَّمْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ فَإِنَّكَ إذَا تَكَلَّمْتَ بِالْكَلِمَةِ مَلَكَتْكَ وَلَمْ تَمْلِكْهَا وَقَالَ لِيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى لَوْ اجْتَهَدْتَ كُلَّ الْجُهْدِ عَلَى أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فَلَا سَبِيلَ فَأَخْلِصْ عَمَلَكَ وَنِيَّتَكَ لله عزوجل: وقال لا يعرف الرياء إلا مخلص وقال لو أوصى رجل بشئ لا عقل النَّاسِ صُرِفَ إلَى الزُّهَّادِ: وَقَالَ سِيَاسَةُ النَّاسِ أَشَدُّ مِنْ سِيَاسَةِ الدَّوَابِّ: وَقَالَ الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَهُ عَقْلُهُ عَنْ كُلِّ مَذْمُومٍ: وَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الْبَارِدِ يُنْقِصُ مِنْ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ (1) وَقَالَ لِلْمُرُوءَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءُ وَالتَّوَاضُعُ وَالنُّسُكُ: وَقَالَ الْمُرُوءَةُ عِفَّةُ الْجَوَارِحِ عَمَّا لَا يَعْنِيهَا: وَقَالَ أَصْحَابُ المروءات فِي جُهْدٍ: وَقَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ لَهُ بِالْخَيْرِ فَلْيُحْسِنْ الظَّنَّ بِالنَّاسِ: وَقَالَ لَا يَكْمُلُ الرِّجَالُ فِي الدُّنْيَا إلَّا بِأَرْبَعٍ بِالدِّيَانَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالرَّزَانَةِ: وَقَالَ أَقَمْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَسْأَلُ إخْوَانِي الَّذِينَ تَزَوَّجُوا عَنْ أَحْوَالِهِمْ فِي تَزَوُّجِهِمْ فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ قَالَ إنَّهُ رَأَى خَيْرًا: وَقَالَ لَيْسَ بِأَخِيكَ مَنْ احْتَجْتَ إلَى مُدَارَاتِهِ: وَقَالَ مَنْ صَدَقَ فِي أُخُوَّةِ أَخِيهِ قَبِلَ عِلَلَهُ وَسَدَّ خَلَلَهُ وَغَفَرَ زَلَلَهُ: وَقَالَ مِنْ عَلَامَةِ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ صَدِيقًا: وَقَالَ لَيْسَ سُرُورٌ يَعْدِلُ صُحْبَةَ الْإِخْوَانِ وَلَا غَمٌّ يَعْدِلُ فِرَاقَهُمْ: وَقَالَ لَا تُقَصِّرْ فِي حَقِّ أَخِيكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَوَدَّتِهِ: وَقَالَ لَا تَبْذُلْ وَجْهَكَ إلَى مَنْ يَهُونُ عَلَيْهِ رَدُّكَ: وَقَالَ مَنْ بَرَّكَ فَقَدْ أَوْثَقَكَ وَمَنْ جَفَاكَ فَقَدْ أَطْلَقَكَ: وَقَالَ مَنْ نَمَّ لَكَ نَمَّ بِكَ وَمَنْ إذَا أَرْضَيْتَهُ قَالَ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ وَإِذَا أَغْضَبَتْهُ قَالَ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ: وَقَالَ الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ: وَقَالَ مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ: وَقَالَ مَنْ سَامَ بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَا يُسَاوِي رَدَّهُ اللَّهُ إلَى قِيمَتِهِ: وَقَالَ الْفُتُوَّةُ حُلِيُّ الْأَحْرَارِ: وَقَالَ مَنْ تَزَيَّنَّ بِبَاطِلٍ هُتِكَ سِتْرُهُ: وَقَالَ التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْكِرَامِ وَالتَّكَبُّرُ مِنْ شِيَمِ اللِّئَامِ: وَقَالَ التَّوَاضُعُ يورث المحبة والقناعة تورث الْمَحَبَّةَ وَالْقَنَاعَةُ تُورِثُ الرَّاحَةَ: وَقَالَ أَرْفَعُ النَّاسِ قَدْرًا مَنْ لَا يَرَى قَدْرَهُ وَأَكْثَرُهُمْ فَضْلًا مَنْ لَا يَرَى فَضْلَهُ: وَقَالَ إذَا كَثُرَتْ الْحَوَائِجُ فَابْدَأْ بِأَهَمِّهَا: وَقَالَ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتْ الْخِيرَةُ فِي يَدِهِ: وَقَالَ الشَّفَاعَاتُ زَكَاةُ المروءات: وَقَالَ مَا ضَحِكَ مِنْ خَطَأٍ رَجُلٌ إلَّا ثبت صوابه في قبله * وَهَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ جِدًّا لَكِنْ نَبَّهْتُ بِهَذِهِ الاحرف على ما سواها *

_ (1) بهامش نسخة الاذرعى ما نصه: ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر لرثيت المروءة كذا روى المصنف هذه الزيادة في هذا الموضع من كتاب تهذيب الاسماء تتمة للكلام المذكور هنا:

فصل

فَصْلٌ قَدْ أَشَرْتُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ إلَى طَرَفٍ مِنْ حَالِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيَانِ رُجْحَانِ نَفْسِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَمَذْهَبِهِ وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَلْيُطَالِعْ كُتُبَ الْمَنَاقِبِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا: وَمِنْ أَهَمِّهَا كِتَابُ الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْتَصِرَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِئَلَّا أَخْرُجَ عَنْ حَدِّ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرْجُو بِمَا أَذْكُرُهُ وَأُشِيعُهُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَدْعُو لَهُ فِي كِتَابَتِي وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِي أَنْ أَكُونَ مُوفِيًا لَحَقِّهِ أَوْ بَعْضِ حَقِّهِ عَلَيَّ لِمَا وَصَلَنِي مِنْ كَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَانْتَفَعْتُ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إحْسَانِهِ إلَيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَأَكْرَمَ نُزُلَهُ وَمَثْوَاهُ: وَجَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَعَ أَحْبَابِنَا فِي دَارِ كَرَامَتِهِ: وَنَفَعَنِي بِانْتِسَابِي إلَيْهِ وَانْتِمَائِي إلَى صُحْبَتِهِ * فَصْلٌ فِي أَحْوَالِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ مُصَنِّفِ الْكِتَابِ اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَقْصَى لِخُرُوجِهَا عَنْ أَنْ تُحْصَى لَكِنْ أُشِيرُ إلَى كَلِمَاتٍ يَسِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ بِهَا مَا سِوَاهَا مِمَّا هنا لك وَأُبَالِغُ فِي اخْتِصَارِهَا لِعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهَا * هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْمُتْقِنُ الْمُدَقِّقُ ذُو الْفُنُونِ مِنْ الْعُلُومِ الْمُتَكَاثِرَاتِ وَالتَّصَانِيفِ النَّافِعَةِ الْمُسْتَجَادَاتِ * الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْوَرِعُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الْمُقْبِلُ بِقَلْبِهِ عَلَى الْآخِرَةِ الْبَاذِلُ نَفْسَهُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُجَانِبُ لِلْهَوَى أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالزَّهَادَةِ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى وَظَائِفِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ هَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ * أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بن يوسف بن عبد الله الشيرازي الفيروزبادى رحمه الله ورضى الله عنه منسوب إلى فيروزباد بليدة مِنْ بِلَادِ شِيرَازَ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وثلثمائة وتفقه بفارس على أبى الفرج ابن البيضاوى وبالبصرة على الخرزى: ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة وَتَفَقَّهَ عَلَى شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْفَاضِلِ أَبِي الطَّيِّبِ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيِّ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ مَشَايِخِهِ الْمَعْرُوفِينَ: وَسَمِعَ الْحَدِيثَ عَلَى الْإِمَامِ الْفَقِيهِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ: وَرَأَى رسول الله صلى الله عليه في المنام فقال له يا شَيْخٌ فَكَانَ يَفْرَحُ وَيَقُولُ سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كُنْتُ أُعِيدُ كُلَّ دَرْسٍ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْتُ شِعْرٍ يُسْتَشْهَدُ بِهِ حَفِظْتُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِهِ: وَكَانَ عَامِلًا بِعِلْمِهِ صَابِرًا عَلَى خُشُونَةِ الْعَيْشِ مُعَظِّمًا للعلم مراعيا للعمل بدفائق الْفِقْهِ وَالِاحْتِيَاطِ: كَانَ يَوْمًا يَمْشِي وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَعَرَضَ فِي الطَّرِيقِ كَلْبٌ فَزَجَرَهُ صَاحِبُهُ فَنَهَاهُ الشَّيْخُ وَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الطَّرِيقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُشْتَرَكٌ: وَدَخَلَ يَوْمًا مَسْجِدًا لِيَأْكُلَ طَعَامًا عَلَى عَادَتِهِ فَنَسِيَ فِيهِ دِينَارًا فَذَكَرَهُ فِي الطَّرِيقِ فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ فَفَكَّرَ سَاعَةً وَقَالَ رُبَّمَا وَقَعَ هَذَا الدِّينَارُ مِنْ غَيْرِي فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَمَسَّهُ * قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إمَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُدَرِّسَ بِبَغْدَادَ فِي النِّظَامِيَّةِ شَيْخَ الدَّهْرِ وَإِمَامَ الْعَصْرِ رَحَلَ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْأَمْصَارِ وَقَصَدُوهُ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ وَالْأَقْطَارِ وَكَانَ يَجْرِي مَجْرَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ

قَالَ وَكَانَ زَاهِدًا وَرِعًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَلِّقًا ظَرِيفًا كَرِيمًا سَخِيًّا جَوَّادًا طَلْقَ الْوَجْهِ دَائِمَ الْبِشْرِ: حَسَنَ الْمُجَالَسَةِ مَلِيحَ الْمُحَاوَرَةِ وَكَانَ يَحْكِي الْحِكَايَاتِ وَالْأَشْعَارَ الْمُسْتَبْدَعَةَ الْمَلِيحَةَ وَكَانَ يَحْفَظُ مِنْهَا كَثِيرًا وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْفَصَاحَةِ: وَقَالَ السمعاني أيضا تفرد الامام أبو اسحق بِالْعِلْمِ الْوَافِرِ كَالْبَحْرِ الزَّاخِرِ مَعَ السِّيرَةِ الْجَمِيلَةِ والطريقة المرضية جاءته الدنيا فَأَبَاهَا وَاطَّرَحَهَا وَقَلَاهَا قَالَ وَكَانَ عَامَّةُ الْمُدَرِّسِينَ بِالْعِرَاقِ وَالْجِبَالِ تَلَامِيذَهُ وَأَصْحَابَهُ صَنَّفَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْخِلَافِ وَالْجَدَلِ وَالْمَذْهَبِ كُتُبًا أَضْحَتْ لِلدِّينِ أَنْجُمًا وَشُهُبًا: وَكَانَ يُكْثِرُ مُبَاسَطَةَ أَصْحَابِهِ بِمَا سَنَحَ لَهُ مِنْ الرَّجَزِ وَكَانَ يُكْرِمُهُمْ وَيُطْعِمُهُمْ: حَكَى السَّمْعَانِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي طَعَامًا كَثِيرًا وَيَدْخُلُ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ وَيَأْكُلُ مَعَ أَصْحَابِهِ وَمَا فَضَلَ قَالَ لَهُمْ اُتْرُكُوهُ لِمَنْ يَرْغَبُ فِيهِ: وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ طَارِحًا لِلتَّكَلُّفِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيُّ حملت فتوى إلى الشيخ أبى اسحق فَرَأَيْتُهُ فِي الطَّرِيقِ فَمَضَى إلَى دُكَّانِ خَبَّازٍ أَوْ بَقَّالٍ وَأَخَذَ قَلَمَهُ وَدَوَاتَهُ وَكَتَبَ جَوَابَهُ وَمَسَحَ الْقَلَمَ فِي ثَوْبِهِ: وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَا نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنْ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَإِرَادَةِ إظْهَارِ الْحَقِّ وَنُصْحِ الْخَلْقِ: قال أبو الوفاء ابن عُقَيْلٍ شَاهَدْتُ شَيْخَنَا أَبَا إِسْحَاقَ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا إلَى فَقِيرٍ إلَّا أَحْضَرَ النِّيَّةَ وَلَا يتكلم في مسألة الاقدم الِاسْتِعَانَةَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْلَصَ الْقَصْدَ فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ: وَلَا صَنَّفَ مَسْأَلَةً إلَّا بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكَعَاتٍ فَلَا جَرَمَ شَاعَ اسْمُهُ وَانْتَشَرَتْ تَصَانِيفُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا لِبَرَكَةِ إخْلَاصِهِ * قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ فِي الْجَدَلِ جُمَلًا مِنْ الْآدَابِ لِلْمُنَاظَرَةِ وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَتَقْدِيمِ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ شُرُوعِهِ فِيهَا وَكَانَ فِيمَا نَعْتَقِدُهُ مُتَّصِفًا بِكُلِّ ذَلِكَ: أَنْشَدَ السَّمْعَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِلرَّئِيسِ أَبِي الْخَطَّابِ على بن عبد الرحمن بن هرون بْنِ الْجَرَّاحِ * سَقْيًا لِمَنْ صَنَّفَ التَّنْبِيهَ مُخْتَصِرًا * أَلْفَاظَهُ الْغُرَّ وَاسْتَقْصَى مَعَانِيَهُ إنَّ الْإِمَامَ أَبَا اسحاق صنفه * لله والدين لا للكبر والنيه رَأَى عُلُومًا عَنْ الْأَفْهَامِ شَارِدَةً * فَحَازَهَا ابْنُ عَلِيٍّ كُلَّهَا فِيهِ بَقِيَتْ لِلشَّرْعِ إبْرَاهِيمَ مُنْتَصِرًا * تذود عنه اعاديه وتحميه قوله مختصرا بِكَسْرِ الصَّادِ وَأَلْفَاظَهُ مَنْصُوبٌ بِهِ وَلِأَبِي الْخَطَّابِ أَيْضًا: أَضْحَتْ بِفَضْلِ أَبِي إِسْحَاقَ نَاطِقَةً * صَحَائِفُ شَهِدَتْ بِالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ بِهَا الْمَعَانِي كَسِلْكِ الْعِقْدِ كامنة * واللفط كَالدُّرِّ سَهْلٌ جِدُّ مُمْتَنِعِ رَأَى الْعُلُومَ وَكَانَتْ قَبْلُ شَارِدَةً * فَحَازَهَا الْأَلْمَعِيُّ النَّدْبُ فِي اللُّمَعِ لا زال عِلْمُكَ مَمْدُودًا سُرَادِقُهُ * عَلَى الشَّرِيعَةِ مَنْصُورًا عَلَى الْبِدَعِ وَلِأَبِي الْحَسَنِ الْقَيْرَوَانِيِّ: إنْ شِئْتَ شَرْعَ رَسُولِ اللَّهِ مُجْتَهِدًا * تُفْتِي وَتَعْلَمُ حَقًّا كُلَّ مَا شُرِعَا فَاقْصِدْ هُدِيتَ أَبَا إِسْحَاقَ مُغْتَنِمًا * وَادْرُسْ تَصَانِيفَهُ ثُمَّ احْفَظْ اللُّمَعَا وَنُقِلَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بَدَأْتُ فِي تَصْنِيفِ الْمُهَذَّبِ سنة خمس وخمسين وأربع مائة وفرغت يوم

الاحد آخر رجب سنة تسع وستين واربع مائة تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْأَحَدِ: وَقِيلَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وقيل الاولى سنة ست وسبعين واربع مائة وَدُفِنَ مِنْ الْغَدِ وَاجْتَمَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ خلق عظيم: قيل وأول مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ الله: ورؤي فِي النَّوْمِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ فَقِيلَ لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ عِزُّ الْعِلْمِ فَهَذِهِ أَحْرُفٌ يَسِيرَةٌ مِنْ بَعْضِ صِفَاتِهِ أَشَرْتُ بِهَا إلَى مَا سِوَاهَا مِنْ جَمِيلِ حَالَاتِهِ وَقَدْ بَسَطْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَفِي كِتَابِ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا فِي دَارِ كَرَامَتِهِ * وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُقَدِّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فُصُولًا: تَكُونُ لِمُحَصَّلِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَالِبِي جَمِيعِ الْعُلُومِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ ذُخْرًا وَأُصُولًا: وَأَحْرِصُ مَعَ الْإِيضَاحِ عَلَى اخْتِصَارِهَا وَحَذْفِ الْأَدِلَّةِ وَالشَّوَاهِدِ فِي مُعْظَمِهَا خَوْفًا مِنْ انْتِشَارِهَا مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا أَمْرِي إلَيْهِ فَصْلٌ (في الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ وَإِحْضَارِ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الْبَارِزَةِ وَالْخَفِيَّةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مخلصين له الدين) وقال تعالى (فاعبد الله مخلصا) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وقع أجره على الله) وَرَوَيْنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ مُجْمَعٌ عَلَى عِظَمِ مَوْقِعِهِ وَجَلَالَتِهِ وَهُوَ إحْدَى قَوَاعِدِ الْإِيمَانِ وَأَوَّلُ دَعَائِمِهِ وَآكَدُ الْأَرْكَانِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدْخُلُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْهِ: وَقَالَ أَيْضًا هُوَ ثُلُثُ الْعِلْمِ: وَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَدِّهَا فَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَقِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ حَدِيثٌ: وَقَدْ جَمَعْتُهَا كُلَّهَا فِي جُزْءِ الْأَرْبَعِينَ فَبَلَغَتْ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا يَسْتَغْنِي مُتَدَيِّنٌ عَنْ مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا صَحِيحَةٌ جَامِعَةٌ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزُّهْدِ وَالْآدَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَدَأْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَأَسِّيًا بِأَئِمَّتِنَا وَمُتَقَدِّمِي أَسْلَافِنَا مِنْ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ ابْتَدَأَ بِهِ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري صَحِيحِهِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ افْتِتَاحَ الْكُتُبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ وَإِرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ الْبَارِزَةِ وَالْخَفِيَّةِ: وَرَوَيْنَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَوْ صَنَّفْتُ كِتَابًا بَدَأْتُ فِي أَوَّلِ كُلِّ بَابٍ مِنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: وَرَوَيْنَا عَنْهُ أيضا قال من راد أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِهَذَا الْحَدِيثِ: وَقَالَ الامام أبو سليمان احمد بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَطَّابِ الْخَطَّابِيُّ الشَّافِعِيُّ الْإِمَامُ في علوم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ شُيُوخِنَا يَسْتَحِبُّونَ تَقْدِيمَ حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ أَمَامَ كُلِّ شئ يُنْشَأُ وَيُبْتَدَأُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا

وهذه أحرف من كلام العارفين في الاخلاص والصدق

وَهَذِهِ أَحْرُفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَارِفِينَ فِي الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّمَا يُعْطَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَ الْأَكْيَاسُ فِي تَفْسِيرِ الْإِخْلَاصِ فَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَ هَذَا أَنْ تَكُونَ حَرَكَاتُهُ وَسُكُونُهُ فِي سِرِّهِ وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شئ لَا نَفْسٌ وَلَا هَوًى وَلَا دُنْيَا: وَقَالَ السَّرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَعْمَلْ لِلنَّاسِ شَيْئًا وَلَا تَتْرُكْ لَهُمْ شَيْئًا وَلَا تُعْطِ لَهُمْ وَلَا تَكْشِفْ لَهُمْ شَيْئًا: وَرَوَيْنَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ التَّابِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قيل له حدثنا فقال حتى تجئ النِّيَّةُ: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانِ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي إنَّهَا تَتَقَلَّبُ عَلَيَّ: وَرَوَيْنَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْإِخْلَاصُ إفْرَادُ الْحَقِّ فِي الطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبَ إلى الله تعالى دون شئ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْ الْخَلْقِ أو شئ سِوَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْإِخْلَاصُ تَصْفِيَةُ الْعَقْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ المخلوقين قال وسمعت ابا على الدقاق رحمه الله يقول الاخلاص التوقى عَنْ مُلَاحَظَةِ الْخَلْقِ وَالصِّدْقُ التَّنَقِّي عَنْ مُطَالَعَةِ النَّفْسِ (1) فَالْمُخْلِصُ لَا رِيَاءَ لَهُ وَالصَّادِقُ لَا إعْجَابَ لَهُ: وَعَنْ أَبِي يَعْقُوبَ السُّوسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَتَى شَهِدُوا فِي إخْلَاصِهِمْ الْإِخْلَاصَ احْتَاجَ إخْلَاصُهُمْ إلَى إخْلَاصٍ: وَعَنْ ذِي النُّونِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ثَلَاثَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِخْلَاصِ اسْتِوَاءُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْعَامَّةِ وَنِسْيَانُ رُؤْيَةِ الْأَعْمَالِ فِي الْأَعْمَالِ وَاقْتِضَاءُ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ: وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِخْلَاصُ نِسْيَانُ رُؤْيَةِ الْخَلْقِ بِدَوَامِ النَّظَرِ إلَى الْخَالِقِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ الْمَرْعَشِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِخْلَاصُ أَنْ تَسْتَوِيَ أَفْعَالُ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ والباطن: وعن ابى على الفضيل ابن عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا: وَعَنْ رُوَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِخْلَاصُ أَنْ لَا يُرِيدَ عَلَى عَمَلِهِ عِوَضًا مِنْ الدَّارَيْنِ وَلَا حَظًّا مِنْ الْمُلْكَيْنِ: وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أعز شئ فِي الدُّنْيَا الْإِخْلَاصُ: وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ إخْلَاصُ الْعَوَامّ مَا لَا يَكُونُ لِلنَّفْسِ فِيهِ حظ واخلاص الخواص ما يجرى عليهم لابهم فَتَبْدُو مِنْهُمْ الطَّاعَاتُ وَهُمْ عَنْهَا بِمَعْزِلٍ وَلَا يَقَعُ لَهُمْ عَلَيْهَا رُؤْيَةٌ وَلَا بِهَا اعْتِدَادٌ: وَأَمَّا الصِّدْقُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قَالَ الْقُشَيْرِيُّ الصِّدْقُ عِمَادُ الْأَمْرِ وَبِهِ تَمَامُهُ وَفِيهِ نِظَامُهُ وَأَقَلُّهُ اسْتِوَاءُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ: وَرَوَيْنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ قَالَ لَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الصِّدْقِ عَبْدٌ دَاهَنَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ: وَعَنْ ذِي النُّونِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الصِّدْقُ سَيْفُ اللَّهِ مَا وُضِعَ عَلَى شئ إلَّا قَطَعَهُ: وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيِّ بِضَمِّ الْمِيمِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الصَّادِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي لَوْ خَرَجَ كُلُّ قَدْرٍ لَهُ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ مِنْ أَجْلِ صَلَاحِ قَلْبِهِ وَلَا يُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى مَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنْ حُسْنِ عَمَلِهِ وَلَا يَكْرَهُ اطِّلَاعَهُمْ على السئ مِنْ عَمَلِهِ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ الزِّيَادَةَ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الصِّدِّيقِينَ: وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ بْنِ محمد رحمه الله

_ (1) هكذا نسخة الاذرعى: وفى الاذكار للمؤلف: التنقى عن مطاوعة النفس

قَالَ الصَّادِقُ يَتَقَلَّبُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً والمراءى (1) يَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً: (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّادِقَ يَدُورُ مَعَ الْحَقِّ حَيْثُ دَار فَإِذَا كَانَ الْفَضْلُ الشَّرْعِيُّ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا صَلَّى وَإِذَا كَانَ فِي مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالضِّيفَانِ وَالْعِيَالِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ وَجَبْرِ قَلْبٍ مَكْسُورٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ الْأَفْضَلَ وَتَرَكَ عَادَتَهُ: وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَالْأَكْلُ والشرب والجد والمزح والاختلاط والاعتزال والتنعم والا بتذال ونحوها فحيث رأى الفضيلة الشرعية في شئ مِنْ هَذَا فَعَلَهُ وَلَا يَرْتَبِطُ بِعَادَةٍ وَلَا بِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُرَائِي وَقَدْ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْوَالٌ فِي صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَأَوْرَادِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَلُبْسِهِ وركوبه ومعاشرة أهله وجده ومزحه وَسُرُورِهِ وَغَضَبِهِ وَإِغْلَاظِهِ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَرِفْقِهِ فيه وعقوبته مستحقي التعزيز وَصَفْحِهِ عَنْهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَالْأَفْضَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحَالِ: وَلَا شَكَّ فِي اختلاف أحوال الشئ في الا فضيلة فَإِنَّ الصَّوْمَ حَرَامٌ يَوْمَ الْعِيدِ وَاجِبٌ قَبْلَهُ مَسْنُونٌ بَعْدَهُ وَالصَّلَاةُ مَحْبُوبَةٌ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وتكره في أوقات وأحوال كمدافعة الا خبثين: وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَحْبُوبَةٌ وَتُكْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَكَذَلِكَ تَحْسِينُ اللِّبَاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَخِلَافُهُ يَوْمَ الِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ. وَهَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ تُرْشِدُ الْمُوَفَّقَ إلَى السَّدَادِ وَتَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الرَّشَادِ * بَابٌ (فِي فَضِيلَة الِاشْتِغَال بِالْعِلْمِ وَتَصْنِيفِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالْإِرْشَادِ إلَى طُرُقِهِ) قَدْ تَكَاثَرَتْ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ. وَتَطَابَقَتْ الدَّلَائِلُ الصَّرِيحَةُ وَتَوَافَقَتْ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسِهِ وَتَعْلِيمِهِ. وَأَنَا أَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى مَا هُنَالِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) . وقال تعالى (وقل رب زدني علما) . وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العلماء) . وَقَالَ تَعَالَى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والذين أوتوا العلم درجات) . وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَرَوَيْنَا عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ الْمَاءَ وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ من فقه في دين الله ونفعه ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (2) . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا حسد الا في اثنين رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحق ورجل أتاه الله الحكمة

_ (1) هكذا نسخة الاذرعى وفي نسخة اخرى المماري (2) وهذا لفط مسلم:

فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا " رَوَيَاهُ. وَالْمُرَادُ بِالْحَسَدِ الْغِبْطَةُ وَهِيَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَهُ. وَمَعْنَاهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَغْبِطَ أَحَدًا إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمُوصِلَتَيْنِ إلَى رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ الله عنه " فو الله لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ " رَوَيَاهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عليه من الاتم مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حتى النملة في حجرها وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنْ يَشْبَعَ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ * وَعَنْ أَبِي هريرة مثله وزاد لكل شئ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ الْفِقْهُ وَمَا عُبِدَ اللَّهُ بِأَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضَاءً وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الانبياء ان الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا * وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِيمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ كِفَايَةٌ * وَأَمَّا الْآثَارُ عَنْ السَّلَفِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَذْكُرَ لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا أَحْرُفًا مُتَبَرِّكِينَ مُشِيرِينَ إلَى غَيْرِهَا وَمُنَبَّهِينَ * عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَفْرَحَ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ * وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لاهله قربة * وقال أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ مَثَلُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ مَثَلُ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ إذَا بَدَتْ لِلنَّاسِ اهْتَدَوْا بِهَا وَاذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ تَحَيَّرُوا * عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ يَتَشَعَّبُ مِنْ

الْعِلْمِ الشَّرَفُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ دَنِيئًا: وَالْعِزُّ وَإِنْ كَانَ مَهِينًا وَالْقُرْبُ وَإِنْ كَانَ قَصِيًّا: وَالْغِنَى وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَالنُّبْلُ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا وَالْمَهَابَةُ وَإِنْ كَانَ وَضِيعًا: وَالسَّلَامَةُ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا * وَعَنْ الْفُضَيْلِ قَالَ عَالِمٌ عَامِلٌ بِعِلْمِهِ يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ * وَقَالَ غيره اليس يستغفر لطالب العلم كل شئ أَفَكَهَذَا مَنْزِلَةٌ وَقِيلَ الْعَالِمُ كَالْعَيْنِ الْعَذْبَةِ نَفْعُهَا دَائِمٌ * وَقِيلَ الْعَالِمُ كَالسِّرَاجِ مَنْ مَرَّ بِهِ اقْتَبَسَ * وَقِيلَ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْكَ وَأَنْتَ تَدْفَعُ عَنْ الْمَالِ * وَقِيلَ الْعِلْمُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنْ الْجَهْلِ وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ فِي الظُّلَمِ بِهِ تُبْلَغُ مَنَازِلُ الْأَبْرَارِ وَدَرَجَاتِ الْأَخْيَارِ وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ وَمُدَارَسَتُهُ تُرَجَّحُ عَلَى الصَّلَاةِ وَصَاحِبُهُ مُبَجَّلٌ مُكَرَّمٌ * وَقِيلَ مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ الْحَمَّةِ تَأْتِيهَا الْبُعَدَاءُ وَيَتْرُكُهَا الْأَقْرِبَاءُ فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إذْ غَارَ مَاؤُهَا وَقَدْ انْتَفَعَ بِهَا وَبَقِيَ قَوْمٌ يَتَفَكَّنُونَ أَيْ يَتَنَدَّمُونَ * قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَمَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَيْنُ مَاءٍ حَارٍّ يُسْتَشْفَى بِالِاغْتِسَالِ فِيهَا * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ * وَقَالَ لَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ * وَقَالَ مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ * وَقَالَ مِنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَلَا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا صَدَاقَةٌ * وَقَالَ الْعِلْمُ مُرُوءَةُ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ * وَقَالَ ان لم تكن الْفُقَهَاءُ الْعَامِلُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ * وَقَالَ مَا أَحَدٌ أَوْرَعُ لِخَالِقِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ وَمَنْ نَظَرَ فِي الْفِقْهِ نَبُلَ قَدْرُهُ: وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ رَقَّ طَبْعُهُ: وَمَنْ نَظَرَ فِي الْحِسَابِ جَزُلَ رَأْيُهُ وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ *) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ صَحِيحِهِ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ قَالَ الْبُخَارِيُّ يَعْنِي الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ: وَمَعْنَاهُ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ الْمُحَقِّقِينَ الْوَرِعِينَ قَبْلَ ذهابهم ومجئ قَوْمٍ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعِلْمِ بِمِثْلِ نُفُوسِهِمْ وَظُنُونِهِمْ التى ليس لها مستند شرعي * فَصْلٌ (فِي تَرْجِيحِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْقَاصِرَةِ عَلَى فَاعِلِهَا) قَدْ تَقَدَّمَتْ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يعلمون) وقَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العلماء) وَغَيْرِ ذَلِكَ * وَمِنْ الْأَحَادِيثِ مَا سَبَقَ كَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ وَحَدِيثِ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَحَدِيثِ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ * وَحَدِيثِ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ * وَحَدِيثِ فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ * وَحَدِيثِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا * وَحَدِيثِ مَنْ دَعَا إلَى هُدًى * وَحَدِيثِ لا ن يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ * وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِي الْمَسْجِدِ مَجْلِسَانِ مَجْلِسٌ يَتَفَقَّهُونَ وَمَجْلِسٌ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَسْأَلُونَهُ فَقَالَ كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ إلَى خَيْرٍ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيُفَقِّهُونَ الْجَاهِلَ. هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ: بِالتَّعْلِيمِ أُرْسِلْتُ ثُمَّ قَعَدَ مَعَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن ماجه * وروى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ

ابن ثَابِتٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ كِتَابُ الْفَقِيهِ وَالْمُتَفَقِّهِ أَحَادِيثَ وَآثَارًا كَثِيرَةً بِأَسَانِيدِهَا الْمُطَرَّقَةِ مِنْهَا عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا يَا رَسُولَ الله وما رياض الجنة قال خلق الذِّكْرِ فَإِنَّ لِلَّهِ سَيَّارَاتٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذِّكْرِ فَإِذَا أَتَوْا عَلَيْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ * وعن عطاء قال مجالس الذكر هي مجال الخلال والحرام كيف تشترى وتبيع وتصلى وتصوم تنكح وَتُطَلِّقُ وَتَحُجُّ وَأَشْبَاهُ هَذَا * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً * وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَسِيرُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ * وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيه أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْفِقْهُ * وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَا نَحْنُ لَوْلَا كَلِمَاتُ الْفُقَهَاءِ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ * وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا بَابٌ مِنْ الْعِلْمِ نَتَعَلَّمُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةِ تَطَوُّعٍ. وَبَابٌ مِنْ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مِائَةِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا * وَقَالَا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَأَنْ أَعْلَمَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ فِي أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ * وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ * وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ لَأَنْ أَتَعَلَّمَ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ فَأُعَلِّمَهُ مُسْلِمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِي الدُّنْيَا كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى * وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. دِرَاسَةُ الْعِلْمِ صَلَاةٌ * وَعَنْ سفيان الثوري والشافعي ليس شئ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ * وَعَنْ احمد بن حنبل وقيل له أي شئ أَحَبُّ إلَيْكَ. أَجْلِسُ بِاللَّيْلِ أَنْسَخُ أَوْ أُصَلِّي تَطَوُّعًا. قَالَ فَنُسَخُكَ (1) تَعْلَمُ بِهَا أَمْرَ دِينِكَ فهو أَحَبُّ * وَعَنْ مَكْحُولٍ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِأَفْضَلَ مِنْ الْفِقْهِ * وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْفِقْهِ * وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ ليست عبادة بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَكِنْ بِالْفِقْهِ فِي دِينِهِ يَعْنِي لَيْسَ أَعْظَمُهَا وَأَفْضَلُهَا الصَّوْمَ بَلْ الْفِقْهَ * وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَهْلُ الْجِهَادِ فَالْعُلَمَاءُ دَلُّوا النَّاسَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأَهْلُ الْجِهَادِ جَاهَدُوا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ * وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَرْفَعُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَنْزِلَةً مَنْ كَانَ بَيْنَ اللَّهِ وَعِبَادِهِ وَهُمْ الرُّسُلُ وَالْعُلَمَاءُ * وَعَنْ سَهْلٍ التُّسْتَرِيِّ مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إلَى مَجَالِسِ الْأَنْبِيَاءِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ ذَلِكَ * فَهَذِهِ أَحْرُفٌ مِنْ أَطْرَافِ مَا جَاءَ فِي تَرْجِيحِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ. وَجَاءَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ السَّلَفِ مِمَّنْ لَمْ أَذْكُرْهُ نَحْوُ مَا ذَكَرْتُهُ * وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ الاشتغال بِنَوَافِلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ نَوَافِلِ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ: وَمِنْ دَلَائِلِهِ سِوَى مَا سَبَقَ أَنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ يَعُمُّ صَاحِبَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَالنَّوَافِلُ الْمَذْكُورَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ مُصَحِّحٌ فَغَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَلَا يَنْعَكِسُ: وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يُوصَفُ الْمُتَعَبِّدُونَ بِذَلِكَ: وَلِأَنَّ الْعَابِدَ تَابِعٌ لِلْعَالِمِ مُقْتَدٍ بِهِ مقلد له في عبادته

_ (1) هكذا في الاصل ولعل المعنى فنسخك مسألة الخ

فصل فيما أنشدوه في فضل طلب العلم

وَغَيْرِهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ وَلَا يَنْعَكِسُ: وَلِأَنَّ الْعِلْمَ تَبْقَى فَائِدَتُهُ وَأَثَرُهُ بَعْدَ صَاحِبِهِ وَالنَّوَافِلُ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِ صَاحِبِهَا. وَلِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلِأَنَّ الْعِلْمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَعْنِي الْعِلْمَ الذي كلا منا فِيهِ فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ النَّافِلَةِ: وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاعِلَهُ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأُمَّةِ وَيُسْقِطُ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ وَفَرْضُ الْعَيْنِ قَاصِرٌ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * فَصْلٌ فِيمَا أَنْشَدُوهُ فِي فَضْلِ طلب العلم هذا وَاسِعٌ جِدًّا وَلَكِنْ مِنْ عُيُونِهِ مَا جَاءَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ ظَالِمِ بْنِ عَمْرٍو التَّابِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ* الْعِلْمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ * فَاطْلُبْ هُدِيتَ فُنُونَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبَا لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَهُ أَصْلٌ بِلَا أَدَبٍ * حَتَّى يَكُونَ عَلَى مَا زَانَهُ حَدَبَا كَمْ مِنْ كَرِيمٍ أَخِي عَيٍّ وَطَمْطَمَةٍ * فَدْمٌ لَدَى الْقَوْمِ مَعْرُوفٌ إذَا انْتَسَبَا فِي بَيْتِ مَكْرُمَةٍ آبَاؤُهُ نُجُبُ * كانوا الرؤوس فامسى يعدهم ذَنَبَا وَخَامِلٍ مُقْرِفِ الْآبَاءِ ذِي أَدَبٍ * نَالَ الْمَعَالِيَ بِالْآدَابِ وَالرُّتَبَا أَمْسَى عَزِيزًا عَظِيمَ الشَّأْنِ مُشْتَهِرَا * فِي خَدِّهِ صَعَرٌ قَدْ ظَلَّ مُحْتَجِبَا العلم كنز ذخر لا نفاد له لَهُ * نِعْمَ الْقَرِينُ إذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا قد يجمع المرء ما لا ثُمَّ يُحْرَمُهُ * عَمَّا قَلِيلٍ فَيَلْقَى الذُّلَّ وَالْحَرْبَا وَجَامِعُ الْعِلْمِ مَغْبُوطٌ بِهِ أَبَدَا * وَلَا يُحَاذِرُ مِنْهُ الْفَوْتَ وَالسَّلَبَا يَا جَامِعَ الْعِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ * لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا غَيْرُهُ: تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمَا * وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ * صَغِيرٌ إذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ وَلِآخَرَ: عَلِّمْ الْعِلْمَ مَنْ أَتَاكَ لِعِلْمٍ * وَاغْتَنِمْ مَا حَيِيتَ مِنْهُ الدُّعَاءَ وَلْيَكُنْ عِنْدَكَ الْغَنِيُّ إذَا مَا * طَلَبَ الْعِلْمَ وَالْفَقِيرُ سَوَاءَ وَلِآخَرَ: مَا الْفَخْرُ إلَّا لِأَهْلِ العلم انهموا * عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ وَقَدْرُ كُلِّ امرئ ما كان يحسنه * والجاهلون لا هل الْعِلْمِ أَعْدَاءُ وَلِآخَرَ: صَدْرُ الْمَجَالِسِ حَيْثُ حَلَّ لَبِيبُهَا * فَكُنْ اللَّبِيبَ وَأَنْتَ صَدْرُ الْمَجْلِسِ

فصل في ذم من أراد بفعله غير الله تعالى

وَلِآخَرَ: عَابَ التَّفَقُّهَ قَوْمٌ لَا عُقُولَ لَهُمْ * وَمَا عَلَيْهِ إذَا عَابُوهُ مِنْ ضَرَرِ مَا ضَرَّ شَمْسُ الضُّحَى وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ * أَنْ لَا يَرَى ضَوْءَهَا مَنْ لَيْسَ ذَا بَصَرِ فَصْلٌ فِي ذَمِّ مَنْ أَرَادَ بِفِعْلِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَضْلِ في طلب انما هو في من طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِغَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا وَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ قَهْرِ الْمُنَاظِرِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب *. وَقَالَ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) الآية: وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدين حنفاء) . وَالْآيَاتُ فِيهِ كَثِيرَةٌ * وَرَوَيْنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اُسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اُسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ ليقال جرئ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا. قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ * وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَرَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ يُرِيدُ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ: رُوِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَرُوِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَةٍ: وَمَعْنَاهُ لَمْ يَجِدْ رِيحَهَا * وَعَنْ أَنَسٍ وَحُذَيْفَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيُكَاثِرَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوء مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ * وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ فِيهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى االله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ * وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَارُ النَّاسِ شِرَارُ الْعُلَمَاءِ * وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: يا حملة اعْمَلُوا بِهِ فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمَهُ عَمَلُهُ وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَيُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ

باب أقسام العلم الشرعي

يَجْلِسُونَ حِلَقًا يُبَاهِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى * وَعَنْ سُفْيَانَ مَا ازْدَادَ عَبْدٌ عِلْمًا فَازْدَادَ فِي الدُّنْيَا رَغْبَةً إلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا * وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ لِغَيْرِ اللَّهِ مَكَرَ بِهِ وَالْآثَارُ بِهِ كَثِيرَةٌ * فَصْلٌ فِي النَّهْيِ الْأَكِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ يُؤْذِي أَوْ يَنْتَقِصُ الْفُقَهَاءَ وَالْمُتَفَقِّهِينَ وَالْحَثُّ عَلَى إكْرَامِهِمْ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فانها من تقوى القلوب) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خير له عند ربه) وقال تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين) وَقَالَ تَعَالَى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإنما مبينا) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ * وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا إنْ لَمْ تَكُنْ الْفُقَهَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ * وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْفُقَهَاءُ الْعَامِلُونَ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ آذَى فَقِيهًا فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ * وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الله فلا يطلبنكم الله بشئ من ذمته * وفي رواية فلا تخفروا الله فِي ذِمَّتِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشَاهُ وَيَتَّقِيهِ حَقَّ تُقَاتِهِ أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم مَعْلُومَةٌ، وَأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلَبِ، بَلَاهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *بَابُ أَقْسَامِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ هِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ فرض العين وهو تعلم المكلف مالا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إلَّا به ككيفية الوضؤ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَعَلَيْهِ حَمَلَ جَمَاعَاتٌ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ: وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ: وَأَمَّا أَصْلُ وَاجِبِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ فَيَكْفِي فِيهِ التَّصْدِيقُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِقَادُهُ اعْتِقَادًا جَازِمًا سَلِيمًا مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُطَالِبْ

فرع

أحدا بشئ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ: وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَلْ الصَّوَابُ لِلْعَوَامِّ وَجَمَاهِيرِ الْمُتَفَقِّهِينَ وَالْفُقَهَاءِ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِي دَقَائِقِ الْكَلَامِ مَخَافَةً مِنْ اخْتِلَالٍ يَتَطَرَّقُ إلَى عَقَائِدِهِمْ يَصْعُبُ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهُ بَلْ الصَّوَابُ لَهُمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصْدِيقِ الْجَازِمِ: وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ جَمَاعَاتٌ مِنْ حُذَّاقِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَقَدْ بَالَغَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ أَشَدَّ مُبَالَغَةٍ وَأَطْنَبَ فِي تَحْرِيمِهِ وَتَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ لِمُتَعَاطِيهِ وَتَقْبِيحِ فِعْلِهِ وَتَعْظِيمِ الْإِثْمِ فِيهِ فَقَالَ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشرك خير من أن يلقاه بشئ مِنْ الْكَلَامِ: وَأَلْفَاظُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ: وَقَدْ صَنَّفَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ الَّذِي سَمَّاهُ إلْجَامُ الْعَوَامّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَذَكَرَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَوَامُّ فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا الشَّاذَّ النَّادِرَ الَّذِي لَا تَكَادُ الْأَعْصَارُ تَسْمَحُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ تَشَكَّكَ والعياذ بالله في شئ مِنْ أُصُولِ الْعَقَائِدِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِهِ وَلَمْ يَزُلْ شَكُّهُ إلَّا بِتَعْلِيمِ دَلِيلٍ من أدلة المتكلمين وجب تعلم ذلك لا زالة الشك وتحصيل ذلك الاصل * (فَرْعٌ) . اخْتَلَفُوا فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا هَلْ يُخَاضُ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ أَمْ لَا فَقَالَ قَائِلُونَ تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا أَشْهَرُ الْمَذْهَبَيْنِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَالَ آخَرُونَ لَا تُتَأَوَّلُ بَلْ يُمْسِكُ عَنْ الْكَلَامِ فِي مَعْنَاهَا وَيُوكَلُ عِلْمُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى وَانْتِفَاءَ صِفَاتِ الْحَادِثِ عَنْهُ: فَيُقَالُ مَثَلًا نُؤْمِنُ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَلَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَعْنَى ذَلِكَ وَالْمُرَادَ بِهِ مَعَ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَيْسَ كمثله شئ) وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُلُولِ وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ أَوْ جَمَاهِيرِهِمْ وَهِيَ أَسْلَمُ إذْ لَا يُطَالَبُ الْإِنْسَانُ بِالْخَوْضِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا اعْتَقَدَ التَّنْزِيهَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالْمُخَاطَرَةِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّأْوِيلِ لِرَدِّ مُبْتَدِعٍ وَنَحْوِهِ تَأَوَّلُوا حِينَئِذٍ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا والله أعلم * (فرع) لا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ تَعَلُّمَ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَشَبَهِهِمَا الا بعد وجوب ذلك الشئ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَبَرَ إلَى دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ تَعَلُّمِهَا مَعَ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ تَرَدَّدَ فِيهِ الْغَزَالِيُّ وَالصَّحِيحُ مَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ كَمَا يَلْزَمُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ تَعَلُّمُ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَجِّ فَعَلَى التَّرَاخِي: ثُمَّ الَّذِي يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَتَوَقَّفُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَالِبًا دُونَ مَا يَطْرَأُ نَادِرًا فَإِنْ وَقَعَ وَجَبَ التَّعَلُّمُ حِينَئِذٍ: وَفِي تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالثَّانِي كِفَايَةٌ وَأَصَحُّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا فَيَتَعَيَّنُ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَى ذَلِكَ * (فَرْعٌ) أَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَشَبَهُهُمَا مِمَّا لَا يَجِبُ أَصْلُهُ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِ وَشَرْطِهِ وَقِيلَ لَا يُقَالُ يَتَعَيَّنُ بَلْ يُقَالُ يَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ شَرْطِهِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ: وَعِبَارَتُهُمَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا: وَكَذَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ يَحْرُمُ التَّلَبُّسُ بِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْفِيَّتَهَا وَلَا يُقَالُ يجب تعلم كيفيتها *

فرع

(فَرْعٌ) يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا غِنًى لَهُ عَنْهُ غَالِبًا: وَكَذَلِكَ أَحْكَامِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَحُقُوقِ الْمَمَالِيكِ إنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ مَا سَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُعَلِّمُهُ الْوَلِيُّ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَنَحْوَهَا وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا: وَيُعَرِّفُهُ أَنَّ بِالْبُلُوغِ يَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ وَيُعَرِّفُهُ مَا يَبْلُغُ بِهِ: وَقِيلَ هَذَا التَّعْلِيمُ مُسْتَحَبٌّ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي ماله وهذا أَوْلَى وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ مَا زَادَ عَلَى هَذَا مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَفِقْهٍ وَأَدَبٍ: وَيُعَرِّفُهُ مَا يصلح به مَعَاشَهُ وَدَلِيلُ وُجُوبِ تَعْلِيمِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْمَمْلُوكِ قول الله عزوجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارا) قَالَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ مَعْنَاهُ عَلِّمُوهُمْ مَا يَنْجُونَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَهَذَا ظَاهِرٌ: وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ثُمَّ أُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ * وَأَمَّا الثَّانِي فَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِكَوْنِهِ مَصْلَحَةً لَهُ: وَالثَّانِي فِي مَالِ الْوَلِيِّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ إنَّمَا جَعَلُوا لِلْأُمِّ مَدْخَلًا فِي وُجُوبِ التَّعْلِيمِ لِكَوْنِهِ مِنْ التَّرْبِيَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عليها (1) كالنفقة والله أعلم* (فَرْعٌ) أَمَّا عِلْمُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ كَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَشَبَهِهِمَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَطِبِّهَا وَعِلَاجِهَا فَرْضُ عَيْنٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ رُزِقَ الْمُكَلَّفُ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الْمُحَرَّمَةِ كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُ دَوَائِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ نَظَرَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ تَطْهِيرِ قَلْبِهِ مِنْ ذَلِكَ بِلَا نعلم لَزِمَهُ التَّطْهِيرُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّرْكِ إلَّا بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ تَعَيَّنَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ* (الْقِسْمُ الثَّانِي) فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَهُوَ تَحْصِيلُ مَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ فِي إقَامَةِ دِينِهِمْ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَعُلُومِهِمَا وَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ: وَمَعْرِفَةِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ: وَأَمَّا مَا لَيْسَ عِلْمًا شَرْعِيًّا وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي قِوَامِ أَمْرِ الدُّنْيَا كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَعَلُّمِ الصَّنَائِعِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ قِيَامِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا كَالْخِيَاطَةِ وَالْفِلَاحَةِ وَنَحْوِهِمَا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي أَصْلِ فِعْلِهَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لَيْسَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ صَاحِبُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهَذَا أَظْهَرُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ الْمُرَادُ به تحصيل ذلك الشئ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَيَعُمُّ وُجُوبُهُ جَمِيعَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِذَا قَامَ بِهِ جَمْعٌ تَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِبَعْضِهِمْ فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْقِيَامِ بِالْفَرْضِ فِي الثَّوَابِ

_ (1) هكذا في نسخة: وفي نسخة أخرى: واجبة عليها إذا وجبت عليها النفقة:

وَغَيْرِهِ فَإِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ جَمْعٌ ثُمَّ جَمْعٌ ثُمَّ جَمْعٌ فَالْكُلُّ يَقَعُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَوْ أَطْبَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ قَرِيبٌ أَمْكَنَهُ الْعِلْمُ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ وَلَا يَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَهْلٍ أَوْ لِعُذْرٍ: وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْفِقْهِ وَنَحْوِهِ وَظَهَرَتْ نَجَابَتُهُ فِيهِ وَرُجِيَ فَلَاحُهُ وَتَبْرِيزُهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْرَارُ لِقِلَّةِ مَنْ يُحَصِّلُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُضَيِّعَ مَا حَصَّلَهُ وَمَا هُوَ بِصَدَدِ تَحْصِيلِهِ. وَأَصَحُّهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ الْمَشْرُوعَ فِيهِ عِنْدَنَا إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: وَلَوْ خَلَتْ الْبَلْدَةُ مِنْ مُفْتٍ فَقِيلَ يَحْرُمُ الْمُقَامُ بِهَا وَالْأَصَحُّ لَا يَحْرُمُ إنْ أَمْكَنَ الذَّهَابُ إلَى مُفْتٍ وَإِذَا قَامَ بِالْفَتْوَى إنْسَانٌ فِي مَكَان سَقَطَ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مَزِيَّةً عَلَى الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا فِي فَصْلِ تَرْجِيحِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ الْقَاصِرَةِ* (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) النَّفَلُ وَهُوَ كَالتَّبَحُّرِ فِي أُصُولِ الْأَدِلَّةِ وَالْإِمْعَانِ فِيمَا وَرَاءَ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ: وَكَتَعَلُّمِ الْعَامِّيِّ نَوَافِلَ الْعِبَادَاتِ لِغَرَضِ الْعَمَلِ لَا مَا يَقُومُ بِهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ تَمْيِيزِ الْفَرْضِ مِنْ النَّفْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَصْلٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَقْسَامَ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ: وَمِنْ الْعُلُومِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ مَا هو محرم أو مكروه ومباح: فَالْمُحَرَّمُ كَتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي الْجِنَايَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وكالفلسفة والشعبذة والتنجيم وعلوم الطبائعبين وكل ما كان سببا لا ثارة الشُّكُوكِ وَيَتَفَاوَتُ فِي التَّحْرِيمِ: وَالْمَكْرُوهِ كَأَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّتِي فِيهَا الْغَزْلُ وَالْبَطَالَةُ * وَالْمُبَاحُ كَأَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ التى ليس فيها سخف ولا شئ مِمَّا يُكْرَهُ وَلَا مَا يُنَشِّطُ إلَى الشَّرِّ ولا ما يثبط عن الخير ولا مَا يَحُثُّ عَلَى خَيْرٍ أَوْ يُسْتَعَانُ بِهِ عليه * فَصْلٌ تَعْلِيمُ الطَّالِبِينَ وَإِفْتَاءُ الْمُسْتَفْتِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ فَطُلِبَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمْ فَامْتَنَعَ فَهَلْ يَأْثَمُ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ فِي الْمُفْتِي وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُهُمَا فِي الْمُعَلِّمِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي امْتِنَاعِ أَحَدِ الشُّهُودِ وَالْأَصَحُّ لَا يَأْثَمُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَرْفُقَ بِالطَّالِبِ وَيُحْسِنَ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ فَقَدْ رَوَى الترمذي باسناده عن أبى هرون الْعَبْدِيِّ قَالَ كُنَّا نَأْتِي أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَقُولُ مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بهم خيرا *

باب آداب المعلم

باب آداب المعلم هذا الباب واسع جدل وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ نَفَائِسَ كَثِيرَةً لَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْكِتَابُ عُشْرَهَا فَأَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نُبَذًا مِنْهُ: فَمِنْ آدَابِهِ أَدَبُهُ فِي نَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي أُمُورٍ: مِنْهَا أَنْ يَقْصِدَ بِتَعْلِيمِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَقْصِدُ تَوَصُّلًا إلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَتَحْصِيلِ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ سُمْعَةٍ أَوْ تَمَيُّزٍ عن الاشباه أو تكثر بالمشتغلين عليه الْمُخْتَلِفِينَ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: وَلَا يَشِينُ علمه وتعليمه بشئ مِنْ الطَّمَعِ فِي رِفْقٍ تَحَصَّلَ لَهُ مِنْ مُشْتَغِلٍ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي لَوْلَا اشْتِغَالُهُ عَلَيْهِ لَمَا أَهْدَاهَا إليه. ودليل هذا كله ما سَبَقَ فِي بَابِ ذَمِّ مَنْ أَرَادَ بِعِلْمِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ وَدِدْتُ أَنَّ الْخَلْقَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ عَلَى أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَيَّ حَرْفٌ مِنْهُ: وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا قَطُّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَوَدِدْتُ إذَا نَاظَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَظْهَرَ الْحَقُّ عَلَى يَدَيْهِ: وَقَالَ مَا كَلَّمْتُ أَحَدًا قَطُّ إلَّا وَدِدْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ وَيَكُونَ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنْ اللَّهِ وَحِفْظٌ * وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ يَا قَوْمِ أَرِيدُوا بِعِلْمِكُمْ اللَّهَ فَإِنِّي لَمْ أَجْلِسْ مَجْلِسًا قَطُّ أَنْوِي فِيهِ أَنْ أَتَوَاضَعَ إلَّا لَمْ أَقُمْ حَتَّى أَعْلُوَهُمْ وَلَمْ أَجْلِسْ مَجْلِسًا قَطُّ أَنْوِي فِيهِ أَنْ أَعْلُوَهُمْ إلَّا لَمْ أَقُمْ حَتَّى أَفْتَضِحَ * وَمِنْهَا أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْمَحَاسِنِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا وَالْخِلَالِ الْحَمِيدَةِ وَالشِّيَمِ الْمُرْضِيَةِ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا مِنْ التَّزَهُّدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِفَوَاتِهَا وَالسَّخَاءِ وَالْجُودِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ إلَى حَدِّ الخلاعة والحلم والصبر والتنزه عن دنئ الِاكْتِسَابِ وَمُلَازَمَةِ الْوَرَعِ وَالْخُشُوعِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ وَاجْتِنَابِ الضَّحِكِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ الْمَزْحِ وَمُلَازَمَةِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ كَالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَتَنْظِيفِ الْإِبْطِ وَإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَاجْتِنَابِ الرَّوَائِحِ الْمَكْرُوهَةِ وَتَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ: وَمِنْهَا الْحَذَرُ مِنْ الْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَاحْتِقَارِ النَّاسِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ بِدَرَجَاتٍ وَهَذِهِ أَدْوَاءٌ وَأَمْرَاضٌ يُبْتَلَى بِهَا كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الْخَسِيسَاتِ * وَطَرِيقُهُ فِي نَفْيِ الْحَسَدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَتْ جَعْلَ هَذَا الْفَضْلِ فِي هَذَا الْإِنْسَانِ فَلَا يَعْتَرِضُ وَلَا يَكْرَهُ مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ ولم (1) يذم اللَّهِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَعَاصِي * وَطَرِيقُهُ فِي نَفْيِ الرِّيَاءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَنْفَعُونَهُ وَلَا يَضُرُّونَهُ حَقِيقَةً فَلَا يَتَشَاغَلُ بِمُرَاعَاتِهِمْ فَيُتْعِبَ نفسه ويضر دينه ويحبط عمله ويرتكب سخط الله تعالى وَيُفَوِّتَ رِضَاهُ * وَطَرِيقُهُ فِي نَفْيِ الْإِعْجَابِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْعِلْمَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ومعه عارية فان لله ما اخذو له ما أعطى وكل شئ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْجَبَ بشئ لَمْ يَخْتَرِعْهُ وَلَيْسَ مَالِكًا لَهُ وَلَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ دَوَامِهِ * وَطَرِيقُهُ فِي نَفْيِ الِاحْتِقَارِ التأدب بما ادبنا اللَّهُ تَعَالَى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بمن اتقى) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) فَرُبَّمَا كَانَ هَذَا الَّذِي يَرَاهُ دُونَهُ أَتْقَى لِلَّهِ تَعَالَى وَأَطْهَرُ قَلْبًا وَأَخْلَصُ نِيَّةً وَأَزْكَى عَمَلًا ثُمَّ إنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَاذَا يُخْتَمُ لَهُ بِهِ فَفِي الصَّحِيحِ إنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ

_ (1) هكذا في نسخة وفي أخرى ولم يذمه الله وكلتا العبارتين تحتاج إلى تأمل وتحرير

بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَدِيثُ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ * وَمِنْهَا اسْتِعْمَالُهُ أَحَادِيثَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ وَسَائِرِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّاتِ: وَمِنْهَا دَوَامُ مُرَاقَبَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي عَلَانِيَتِهِ وَسِرِّهِ مُحَافِظًا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَوَافِلِ الصلوات والصوم وغيرهما مُعَوِّلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أَمْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ أَمْرَهُ إلَيْهِ * وَمِنْهَا وَهُوَ مِنْ أَهَمِّهَا أَنْ لَا يَذِلَّ الْعِلْمَ وَلَا يَذْهَبَ بِهِ إلَى مَكَان يَنْتَسِبُ إلَى مَنْ يَتَعَلَّمُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَلِّمُ كَبِيرَ الْقَدْرِ بَلْ يَصُونُ الْعِلْمَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا صَانَهُ السَّلَفُ: وَأَخْبَارُهُمْ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعَ الْخُلَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ اقْتَضَتْ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَةِ ابْتِذَالِهِ رَجَوْنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مَا دَامَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي هَذَا * وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا صَحِيحًا جَائِزًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُخْبِرَ أَصْحَابَهُ وَمَنْ يَرَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِيَنْتَفِعُوا وَلِئَلَّا يَأْثَمُوا بِظَنِّهِمْ الْبَاطِلَ وَلِئَلَّا يَنْفِرُوا عَنْهُ وَيَمْتَنِعَ الانتفاع بعمله: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إنَّهَا صَفِيَّةُ فَصَلِّ ومن آدابه أدبه فِي دَرْسِهِ وَاشْتِغَالِهِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزَالَ مجتهدا في الاشتغال بالعلم قراءة واقراءا وَمُطَالَعَةً وَتَعْلِيقًا وَمُبَاحَثَةً وَمُذَاكَرَةً وَتَصْنِيفًا: وَلَا يَسْتَنْكِفُ مِنْ التَّعَلُّمِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي سِنٍّ أَوْ نَسَبٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ دِينٍ أَوْ فِي عِلْمٍ آخَرَ بَلْ يَحْرِصُ عَلَى الْفَائِدَةِ مِمَّنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي جميع هذا: ولا يستحيى مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ * وَعَنْ مُجَاهِدٍ لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ: وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ * وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَالِمًا مَا تَعَلَّمَ فَإِذَا تَرَكَ الْعِلْمَ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَغْنَى وَاكْتَفَى بِمَا عِنْدَهُ فَهُوَ أَجْهَلُ مَا يَكُونُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ ارْتِفَاعُ مَنْصِبِهِ وَشُهْرَتِهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ مَا لَا يَعْرِفُهُ فَقَدْ كَانَ كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَفِ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ تَلَامِذَتِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّابِعِينَ وَرَوَى جَمَاعَاتٌ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ: وَهَذَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ تَابِعِيًّا وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ مِنْ التَّابِعِينَ: وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ لم يكن الذين كفروا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ فَاسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا فَوَائِدَ * مِنْهَا بَيَانُ التَّوَاضُعِ وَأَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُلَازَمَةُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ هي مطلوبه ورأس ما له فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى غَيْرِهِ فِي وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ بَعْدَ تَحْصِيلِ وَظِيفَتِهِ مِنْ الْعِلْمِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِالتَّصْنِيفِ إذا تأهل له فبه يَطَّلِعُ عَلَى حَقَائِقِ الْعِلْمِ وَدَقَائِقِهِ وَيَثْبُتُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَضْطَرُّهُ إلَى كَثْرَةِ التَّفْتِيشِ وَالْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مُخْتَلَفِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَّفِقِهِ وَوَاضِحِهِ مِنْ مُشْكِلِهِ: وَصَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ: وَجَزْلِهِ مِنْ رَكِيكِهِ وَمَا لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَبِهِ يَتَّصِفُ الْمُحَقِّقُ بِصِفَةِ

الْمُجْتَهِدِ وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ يَشْرَعَ فِي تَصْنِيفِ مَا لَمْ يَتَأَهَّلْ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ وَعِرْضِهِ وَلْيَحْذَرْ أَيْضًا مِنْ إخْرَاجِ تَصْنِيفِهِ مِنْ يَدِهِ إلَّا بَعْدَ تَهْذِيبِهِ وَتَرْدَادِ نَظَرِهِ فِيهِ وَتَكْرِيرِهِ: وَلْيَحْرِصْ عَلَى إيضَاحِ الْعِبَارَةِ وَإِيجَازِهَا فَلَا يُوَضِّحُ إيضَاحًا يَنْتَهِي إلَى الرَّكَاكَةِ وَلَا يُوجِزُ إيجَازًا يُفْضِي إلَى الْمَحْقِ وَالِاسْتِغْلَاقِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُ مِنْ التَّصْنِيفِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ أَكْثَرَ. وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُصَنَّفٌ يُغْنِي عَنْ مُصَنَّفِهِ فِي جَمِيعِ أَسَالِيبِهِ فَإِنْ أَغْنَى عن بَعْضُهَا فَلْيُصَنِّفْ مِنْ جِنْسِهِ مَا يَزِيدُ زِيَادَاتٍ يُحْتَفَلُ بِهَا مَعَ ضَمِّ مَا فَاتَهُ مِنْ الا ساليب وَلْيَكُنْ تَصْنِيفُهُ فِيمَا يَعُمُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ: وَلْيَعْتَنِ بِعِلْمِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَنْوَاعِ نَفْعًا وَبِهِ يَتَسَلَّطُ الْمُتَمَكِّنُ عَلَى المعظم من باقي العلوم * ومن آدابه آداب تَعْلِيمِهِ * اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيمَ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بِهِ قِوَامُ الدِّينِ وَبِهِ يُؤْمَنُ إمْحَاقُ الْعِلْمِ فَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ وَأَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَآكَدِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذْ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا تكتمونه) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا) الْآيَةُ: وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ وَالْأَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ كَثِيرَةٌ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ يَقْصِدَ بِتَعْلِيمِهِ وجه الله تعالى لما سبق والايجعله وَسِيلَةً إلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ فَيَسْتَحْضِرُ الْمُعَلِّمُ فِي ذهنه كون التعليم آكد العبادات ليكون ذَلِكَ حَاثًّا لَهُ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ وَمُحَرِّضًا لَهُ عَلَى صِيَانَتِهِ مِنْ مُكَدَّرَاتِهِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ مَخَافَةَ فَوَاتِ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْخَيْرِ الْجَسِيمِ: قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ تَعْلِيمِ أَحَدٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ صَحِيحِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ حُسْنُ النِّيَّةِ وَرُبَّمَا عَسُرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُبْتَدِئِينَ بِالِاشْتِغَالِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ لِضَعْفِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ أُنْسِهِمْ بِمُوجِبَاتِ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ فَالِامْتِنَاعُ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ كَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ مع انه يرجي ببركة العلم تصحيحها إذَا أَنِسَ بِالْعِلْمِ: وَقَدْ قَالُوا طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ: مَعْنَاهُ كَانَتْ عَاقِبَتُهُ أَنْ صَارَ لِلَّهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّبَ الْمُتَعَلِّمَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِالْآدَابِ السُّنِّيَّةِ والشم الْمُرْضِيَةِ وَرِيَاضَةِ نَفْسِهِ بِالْآدَابِ وَالدَّقَائِقِ الْخَفِيَّةِ وَتَعَوُّدِهِ الصِّيَانَةَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ الْكَامِنَةِ وَالْجَلِيَّةِ * فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يُحَرِّضَهُ بِأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ الْمُتَكَرِّرَاتِ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ وَحُسْنِ النِّيَّاتِ: وَمُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ اللَّحَظَاتِ: وَأَنْ يَكُونَ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى الْمَمَاتِ: وَيُعَرِّفَهُ أَنَّ بِذَلِكَ تَنْفَتِحُ عليه أبواب المعارف: وينشرح صدره وتتفجر من قبله يَنَابِيعُ الْحِكَمِ وَاللَّطَائِفِ: وَيُبَارَكُ لَهُ فِي حَالِهِ وَعِلْمِهِ وَيُوَفَّقُ لِلْإِصَابَةِ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَحُكْمِهِ: وَيُزَهِّدَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَصْرِفَهُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهَا وَالرُّكُونِ إلَيْهَا وَالِاغْتِرَارِ بِهَا: وَيُذَكِّرَهُ أَنَّهَا فَانِيَةٌ وَالْآخِرَةُ آتِيَةٌ بَاقِيَةٌ وَالتَّأَهُّبُ لِلْبَاقِي وَالْإِعْرَاضُ عَنْ القاني هُوَ طَرِيقُ الْحَازِمِينَ: وَدَأْبُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْعِلْمِ وَيُذَكِّرَهُ بِفَضَائِلِهِ وَفَضَائِلِ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليهم: ولا رتبة في الوجود أَعْلَى مِنْ هَذِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنُوَ عَلَيْهِ وَيَعْتَنِيَ بِمَصَالِحِهِ كَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَيُجْرِيَهُ مَجْرَى وَلَدِهِ فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامِ بِمَصَالِحِهِ والصبر عل جفائه وسوء أدبه: ويعذره فِي سُوءِ أَدَبٍ وَجَفْوَةٍ تَعْرُضُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلنَّقَائِصِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ

الشَّرِّ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيَّ جَلِيسِي الَّذِي يَتَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ إلَيَّ لَوْ اسْتَطَعْتُ أَلَّا يَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى وَجْهِهِ لَفَعَلْتُ * وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ الذُّبَابَ يَقَعُ عليه فيؤذيني: وينبغي أن يكون سمحا ببذل مَا حَصَّلَهُ مِنْ الْعِلْمِ سَهْلًا بِإِلْقَائِهِ إلَى مُبْتَغِيهِ مُتَلَطِّفًا فِي إفَادَتِهِ طَالِبِيهِ مَعَ رِفْقٍ وَنَصِيحَةٍ وَإِرْشَادٍ إلَى الْمُهِمَّاتِ: وَتَحْرِيضٍ عَلَى حِفْظِ مَا يَبْذُلُهُ لَهُمْ مِنْ الْفَوَائِدِ النَّفِيسَاتِ: وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ شَيْئًا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ إذَا كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِذَلِكَ: وَلَا يلق إلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَتَأَهَّلْ لَهُ لِئَلَّا يُفْسِدَ عليه حاله فَلَوْ سَأَلَهُ الْمُتَعَلِّمُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْهُ وَيُعَرِّفُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ شُحًّا بَلْ شَفَقَةً وَلُطْفًا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَظَّمَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ بَلْ يَلِينُ لَهُمْ وَيَتَوَاضَعُ فَقَدْ أُمِرَ بِالتَّوَاضُعِ لِآحَادِ النَّاسِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) * وعن عياض بن حماد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ * فَهَذَا فِي التَّوَاضُعِ لِمُطْلَقِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ كَأَوْلَادِهِ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُلَازَمَةِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ: وَمَعَ مَا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ وَتَرَدُّدِهِمْ إلَيْهِ وَاعْتِمَادِهِمْ عَلَيْهِ: وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِينُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ وَلِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ * وَعَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عز وجل يحب العلم المتواضع ويبغض العلم الْجَبَّارَ وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَّثَهُ الْحِكْمَةَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى تَعْلِيمِهِمْ مُهْتَمًّا بِهِ مُؤْثِرًا لَهُ عَلَى حَوَائِجِ نَفْسِهِ وَمَصَالِحِهِ مَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَيُرَحِّبُ بِهِمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ إلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ: وَيُظْهِرُ لَهُمْ الْبِشْرَ وَطَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَيُحْسِنُ إلَيْهِمْ بِعِلْمِهِ وما له وَجَاهِهِ بِحَسْبِ التَّيْسِيرِ: وَلَا يُخَاطِبُ الْفَاضِلَ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ بَلْ بِكُنْيَتِهِ وَنَحْوِهَا: فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنِّي أَصْحَابَهُ إكْرَامًا لَهُمْ وَتَسْنِيَةً لِأُمُورِهِمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُمْ وَيَسْأَلَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا وُسْعَهُ فِي تَفْهِيمِهِمْ وَتَقْرِيبِ الْفَائِدَةِ إلَى أَذْهَانِهِمْ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَيُفَهِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسْبِ فَهْمِهِ وَحِفْظِهِ فَلَا يُعْطِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَا يُقَصِّرُ بِهِ عَمَّا يَحْتَمِلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَيُخَاطِبُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ دَرَجَتِهِ وَبِحَسْبِ فَهْمِهِ وَهِمَّتِهِ فَيَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ لِمَنْ يَفْهَمُهَا فَهْمًا محققا ويوضع الْعِبَارَةَ لِغَيْرِهِ وَيُكَرِّرُهَا لِمَنْ لَا يَحْفَظُهَا إلَّا بِتَكْرَارٍ وَيَذْكُرُ الْأَحْكَامَ مُوَضَّحَةً بِالْأَمْثِلَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لِمَنْ لَا يَنْحَفِظُ لَهُ الدَّلِيلُ فَإِنْ جَهِلَ دَلِيلَ بَعْضِهَا ذَكَرَهُ لَهُ: وَيَذْكُرُ الدَّلَائِلَ لِمُحْتَمِلِهَا وَيَذْكُرُ هَذَا مَا بَيَّنَّا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يُشْبِهُهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَمَا يُقَارِبُهَا: وهو مخالف لها وَيَذْكُرُ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا وَجَوَابَهُ إنْ أَمْكَنَهُ: وَيُبَيِّنُ الدَّلِيلَ الضَّعِيفَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَيَقُولُ اسْتَدَلُّوا بِكَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِكَذَا: وَيُبَيِّنُ الدَّلِيلَ الْمُعْتَمَدَ لِيُعْتَمَدَ: وَيُبَيِّنُ لَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأُصُولِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَشْعَارِ وَاللُّغَاتِ وَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى غَلَطِ مَنْ غَلِطَ فِيهَا مِنْ الْمُصَنَّفِينَ: فَيَقُولُ مثلا هذا هو الصواب ولما مَا ذَكَرَهُ فُلَانٌ فَغَلَطٌ أَوْ فَضَعِيفٌ قَاصِدًا النَّصِيحَةَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ لَا لِتَنَقُّصٍ لِلْمُصَنَّفِ: وَيُبَيِّنُ لَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ الَّتِي لَا تَنْخَرِمُ غَالِبًا

كَقَوْلِنَا إذَا اجْتَمَعَ سَبَبٌ وَمُبَاشَرَةٌ قَدَّمْنَا الْمُبَاشَرَةَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ فَفِي الْمَسْأَلَةِ غَالِبًا قَوْلَانِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ قَوْلَانِ قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْعَمَلُ غَالِبًا بِالْجَدِيدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ سَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنَّ مَنْ قَبَضَ شَيْئًا لِغَرَضِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ: وَمَنْ قَبَضَهُ لِغَرَضِ الْمَالِكِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى غَيْرِهِ: وَأَنَّ الْحُدُودَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ: وَأَنَّ الْأَمِينَ إذَا فَرَّطَ ضَمِنَ: وَأَنَّ الْعَدَالَةَ وَالْكِفَايَةَ شَرْطٌ فِي الْوِلَايَاتِ: وَأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا فعله من حصل بِهِ الْمَطْلُوبُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ بِالشَّرْطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ: وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ عَقْدٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ: وَأَنَّ النِّكَاحَ وَالنَّسَبَ مَبْنِيَّانِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ: وَأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُبَاحُ بِالْمَعَاصِي: وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهَا بنية الحالف الا ان كان يَكُونَ الْمُسْتَحْلِفُ قَاضِيًا فَاسْتَحْلَفَهَا لِلَّهِ تَعَالَى لِدَعْوَى اقْتَضَتْهُ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ يُوَافِقُهُ فِي الِاعْتِقَادِ فَإِنْ خَالَفَهُ كَحَنَفِيٍّ اسْتَحْلَفَ شَافِعِيًّا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ ففيمن تعتبر بيته وَجْهَانِ: وَأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي يَسْتَحْلِفُ بِهَا الْقَاضِي لَا تَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ: وَأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي مَالِ الْمُتْلِفِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ: فَقَوْلُنَا مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ الْمُسْلِمِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَنَفْسِهِ وَعَكْسُهُ: وَقَوْلُنَا فِي حَقِّهِ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ الْعَبْدِ مَالَ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ قَاتِلًا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ: وَأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ ابْتِدَاءً: وَفِي ثُبُوتِهِ دَوَامًا وَجْهَانِ: وَأَنَّ أَصْلَ الْجَمَادَاتِ الطَّهَارَةُ إلَّا الْخَمْرَ وَكُلَّ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ: وَأَنَّ الْحَيَوَانَ عَلَى الطَّهَارَةِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَفَرْعَ أَحَدِهِمَا * وَيُبَيِّنَ لَهُ جُمَلًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَنْضَبِطُ لَهُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَرْتِيبِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ * وَيُبَيِّنُ لَهُ أَنْوَاعَ الْأَقْيِسَةِ وَدَرَجَاتِهَا وَكَيْفِيَّةَ اسْتِثْمَارِ الْأَدِلَّةِ: وَيُبَيِّنُ حَدَّ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ: وَأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ عَلَى وُجُوهٍ: وَأَنَّهُ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ: وَأَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَى عمومه وحقيقته حتى يرد دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَمَجَازٍ: وَأَنَّ أَقْسَامَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ خَمْسَةٌ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ: وَيَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ: فَالْوَاجِبُ مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ احْتِرَازًا مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَالْمُخَيَّرِ * وَقِيلَ مَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ تَارِكُهُ فَهَذَانِ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ: وَالْمَنْدُوبُ مَا رُجِّحَ فِعْلُهُ شَرْعًا وَجَازَ تَرْكُهُ: وَالْمُحَرَّمُ مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا: وَالْمَكْرُوهُ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّرْعُ نَهْيًا غَيْرَ جَازِمٍ: وَالْمُبَاحُ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْعُقُودِ مَا تَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ: وَمِنْ الْعِبَادَاتِ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ: وَالْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ خِلَافُ الصَّحِيحِ * وَيُبَيِّنُ لَهُ جُمَلًا مِنْ أَسْمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَخْيَارِ وَأَنْسَابِهِمْ وَكُنَاهُمْ وَأَعْصَارِهِمْ وَطَرَفِ حكاياتهم: ونوادرهم وضبط المشكل من أنسابهم وصفابهم وَتَمْيِيزِ الْمُشْتَبَهِ مِنْ ذَلِكَ: وَجُمَلًا مِنْ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ (1) فِي الْفِقْهِ ضَبْطًا لَمُشْكِلِهَا وَخَفِيِّ مَعَانِيهَا فَيَقُولُ هِيَ مَفْتُوحَةٌ أَوْ مَضْمُومَةٌ أو مكسورة مخففة أو مشددة

_ (1) وفي نسخة بدل المتكررة: المذكورة

مَهْمُوزَةٌ أَوْ لَا عَرَبِيَّةٌ أَوْ عَجَمِيَّةٌ أَوْ مُعَرَّبَةٌ وَهِيَ الَّتِي أَصْلُهَا عَجَمِيٌّ وَتَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ: مَصْرُوفَةٌ أَوْ غَيْرُهَا: مُشْتَقَّةٌ أَمْ لَا: مُشْتَرَكَةٌ أَمْ لَا: مُتَرَادِفَةٌ أَمْ لَا: وَأَنَّ الْمَهْمُوزَ وَالْمُشَدَّدَ يُخَفَّفَانِ أَمْ لَا: وَأَنَّ فِيهَا لُغَةً أُخْرَى أَمْ لَا * وَيُبَيِّنُ مَا يَنْضَبِطُ مِنْ قَوَاعِدِ التَّصْرِيفِ كَقَوْلِنَا مَا كَانَ عَلَى فَعِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ فَمُضَارِعُهُ يَفْعَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ إلَّا أَحْرُفًا جَاءَ فِيهِنَّ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمُعْتَلِّ: فَالصَّحِيحُ دُونَ عَشَرَةِ أحرف كنعم وبئس وحسب والمعتل كوتر وَوَبِقَ وَوَرِمَ وَوَرِيَ الزَّنْدُ وَغَيْرِهِنَّ: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ عَلَى فَعِلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَازَ فِيهِ أَيْضًا إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ حَرْفَ حَلْقٍ جَازَ فِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ فَعَلٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ: وَإِذَا وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ لطيفة أو مما يسئل عَنْهَا فِي الْمُعَايَاتِ نَبَّهَهُ عَلَيْهَا وَعَرَّفَهُ حَالَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ: وَيَكُونُ تَعْلِيمُهُ إيَّاهُمْ كُلَّ ذَلِكَ تَدْرِيجًا شَيْئًا فَشَيْئًا لِتَجْتَمِعَ لَهُمْ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ جَمَلٌ كَثِيرَاتٌ * وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُطَالِبَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِإِعَادَةِ مَحْفُوظَاتِهِمْ وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا ذَكَرَهُ لَهُمْ من المهمات فمن وجده حافظه مُرَاعِيًا لَهُ أَكْرَمَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأَشَاعَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخَفْ فَسَادَ حَالِهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ: وَمَنْ وَجَدَهُ مُقَصِّرًا عَنَّفَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ تنفيره ويعيده حَتَّى يَحْفَظَهُ حِفْظًا رَاسِخًا وَيُنْصِفَهُمْ فِي الْبَحْثِ فَيَعْتَرِفَ بِفَائِدَةٍ يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَا يَحْسُدُ أَحَدًا مِنْهُمْ لِكَثْرَةِ تَحْصِيلِهِ فَالْحَسَدُ حرام للاجانب وهنا أشد فانه بمنزلة الولد وَفَضِيلَتُهُ يَعُودُ إلَى مُعَلِّمِهِ مِنْهَا نَصِيبٌ وَافِرٌ فَإِنَّهُ مُرَبِّيهِ وَلَهُ فِي تَعْلِيمِهِ وَتَخْرِيجِهِ فِي الْآخِرَةِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَفِي الدُّنْيَا الدُّعَاءُ الْمُسْتَمِرُّ وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ * وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ فِي تَعْلِيمِهِمْ إذا ازدحموا الا سبق فالاسبق ولا يُقَدِّمُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دَرْسٍ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ وَإِذَا ذَكَرَ لَهُمْ دَرْسًا تَحَرَّى تَفْهِيمَهُمْ بِأَيْسَرِ الطُّرُقِ وَيَذْكُرَهُ مُتَرَسِّلًا مُبَيِّنًا وَاضِحًا: وَيُكَرِّرَ مَا يُشْكِلُ مِنْ مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظِهِ إلَّا إذَا وثق بأن جميع الحاضرين يفهمونه بدون ذلك وإذا لم يكمل الْبَيَانُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِعِبَارَةٍ يُسْتَحَى فِي الْعَادَةِ مِنْ ذِكْرِهَا فَلْيَذْكُرْهَا بِصَرِيحِ اسْمِهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الحياء ومراعاة الادب مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ إيضَاحَهَا أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ: وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ الْكِنَايَةُ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا عُلِمَ بِهَا الْمَقْصُودُ عِلْمًا جَلِيًّا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي وَقْتٍ وَالْكِنَايَةِ فِي وَقْتٍ: وَيُؤَخِّرَ مَا يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ وَيُقَدِّمَ مَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ وَيَقِفَ فِي مَوْضِعِ الْوَقْفِ: وَيَصِلَ فِي مَوْضِعِ الْوَصْلِ وَإِذَا وَصَلَ مَوْضِعَ الدَّرْسِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فان كان مسجدا تأكد الحدث عَلَى الصَّلَاةِ وَيَقْعُدُ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ عَلَى طَهَارَةٍ مُتَرَبِّعًا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا وَغَيْرَ ذَلِكَ: وَيَجْلِسُ بِوَقَارٍ وَثِيَابُهُ نَظِيفَةٌ بِيضٌ: وَلَا يَعْتَنِي بِفَاخِرِ الثِّيَابِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى خُلُقٍ يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى قِلَّةِ الْمُرُوءَةِ: وَيُحَسِّنُ خُلُقَهُ مَعَ جُلَسَائِهِ وَيُوَقِّرُ فَاضِلَهُمْ بِعِلْمٍ أَوْ سِنٍّ أَوْ شَرَفٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَيَتَلَطَّفُ بِالْبَاقِينَ وَيَرْفَعُ مَجْلِسَ الْفُضَلَاءِ وَيُكْرِمُهُمْ بِالْقِيَامِ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِرَامِ: وَقَدْ يُنْكِرُ الْقِيَامَ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ: وَقَدْ جَمَعْتُ جُزْءًا فِيهِ الترخيص فيه ودلائله والجواب عن ما يُوهِمُ كَرَاهَتَهُ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَ يَدَيْهِ عَنْ الْعَبَثِ: وَعَيْنَيْهِ عَنْ تَفْرِيقِ النَّظَرِ بِلَا حَاجَةٍ: وَيَلْتَفِتَ إلَى الْحَاضِرِينَ الْتِفَاتًا قَصْدًا بِحَسْبِ الْحَاجَةِ لِلْخِطَابِ: وَيَجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ يَبْرُزُ فِيهِ وَجْهُهُ لِكُلِّهِمْ: وَيُقَدِّمَ عَلَى الدَّرْسِ تِلَاوَةَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُبَسْمِلَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ ثم يدعو للعلماء الماضيين مِنْ مَشَايِخِهِ وَوَالِدَيْهِ وَالْحَاضِرِينَ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ: وَيَقُولَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أظلم وأجهل أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ: فَإِنْ ذَكَرَ دُرُوسًا قَدَّمَ أهمها فيقدم التفسير ثم الحديث ثم الاصولين ثُمَّ الْمَذْهَبَ ثُمَّ الْخِلَافَ ثُمَّ الْجَدَلَ وَلَا يَذْكُرُ الدَّرْسَ وَبِهِ مَا يُزْعِجُهُ كَمَرَضٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ مُدَافَعَةِ الْحَدَثِ أَوْ شِدَّةِ فَرَحٍ وغم وَلَا يُطَوِّلُ مَجْلِسَهُ تَطْوِيلًا يُمِلُّهُمْ أَوْ يَمْنَعُهُمْ فَهْمَ بَعْضِ الدُّرُوسِ أَوْ ضَبْطِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إفَادَتُهُمْ وَضَبْطُهُمْ فَإِذَا صَارُوا إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَاتَهُ الْمَقْصُودُ: وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ وَاسِعًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ وَلَا يَخْفِضُهُ خَفْضًا يَمْنَعُ بَعْضَهُمْ كَمَالَ فَهْمِهِ: وَيَصُونُ مَجْلِسَهُ مِنْ اللَّغَطِ وَالْحَاضِرِينَ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ فِي الْمُبَاحَثَةِ وإذا ظهر من أحدهم شئ مِنْ مَبَادِئِ ذَلِكَ تَلَطَّفَ فِي دَفْعِهِ قَبْلَ انْتِشَارِهِ وَيُذَكِّرُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلِيقُ بِنَا الْمُنَافَسَةُ وَالْمُشَاحَنَةُ بَلْ شَأْنُنَا (1) الرِّفْقُ وَالصَّفَاءُ (2) وَاسْتِفَادَةُ بَعْضِنَا مِنْ بَعْضٍ وَاجْتِمَاعُ قُلُوبِنَا عَلَى ظُهُورِ الْحَقِّ: وَحُصُولِ الْفَائِدَةِ * وَإِذَا سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ أُعْجُوبَةٍ فَلَا يسخرون منه وإذا سئل عن شئ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ عَرَضَ فِي الدَّرْسِ مَا لَا يَعْرِفُهُ فَلْيَقُلْ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ لَا أَتَحَقَّقُهُ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ ذَلِكَ: فَمِنْ عِلْمِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ أَوْ اللَّهُ أَعْلَمُ: فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وما انا من المتكلفين) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه نهينا عن التكليف: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَقَالُوا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُوَرِّثَ أَصْحَابَهُ لَا أَدْرِي: مَعْنَاهُ يُكْثِرُ مِنْهَا: وَلْيَعْلَمْ أَنَّ مُعْتَقَدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ قَوْلَ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي لَا يَضَعُ مَنْزِلَتَهُ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ مَحَلِّهِ وَتَقْوَاهُ وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ الْمُتَمَكِّنَ لَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ مَسَائِلَ مَعْدُودَةً بَلْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي عَلَى تَقْوَاهُ وَأَنَّهُ لَا يُجَازِفُ فِي فَتْوَاهُ. وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ لَا أَدْرِي مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَقَصُرَتْ مَعْرِفَتُهُ وَضَعُفَتْ تَقْوَاهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ لِقُصُورِهِ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ الْحَاضِرِينَ وَهُوَ جَهَالَةٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْجَوَابِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ يَبُوءُ بِالْإِثْمِ الْعَظِيمِ وَلَا يَرْفَعُهُ ذَلِكَ عَمَّا عرف له من المقصور بل يستدل به على قصوره لا نا إذَا رَأَيْنَا الْمُحَقِّقِينَ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا أَدْرِي وَهَذَا الْقَاصِرُ لَا يَقُولُهَا أَبَدًا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَتَوَرَّعُونَ لِعِلْمِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ وَأَنَّهُ يجازف لجهله وقلة دينه فوقع فيما فرعنه وَاتَّصَفَ بِمَا احْتَرَزَ مِنْهُ لِفَسَادِ نِيَّتِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ: وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابس ثوبي زور فَصْلٌ وَيَنْبَغِي لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا يَرَاهُ مِنْ مُسْتَفَادِ الْمَسَائِلِ وَيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ أَفْهَامَهُمْ وَيُظْهِرَ فَضْلَ الْفَاضِلِ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَرْغِيبًا لَهُ وَلِلْبَاقِينَ فِي الِاشْتِغَالِ وَالْفِكْرِ فِي الْعِلْمِ وَلِيَتَدَرَّبُوا بِذَلِكَ وَيَعْتَادُوهُ وَلَا يُعَنِّفُ مَنْ غَلِطَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَى تَعْنِيفَهُ مَصْلَحَةً لَهُ: وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ أَوْ إلْقَاءِ دَرْسٍ عَلَيْهِمْ أَمَرَهُمْ بِإِعَادَتِهِ لِيُرَسِّخَ حِفْظَهُمْ لَهُ فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شئ ما عاودوا الشيخ في ايضاحه *

_ (1) وفي نسخة بل سبيلنا: (2) وفي نسخة والحياء:

فَصْلٌ وَمِنْ أَهَمِّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ أَلَّا يَتَأَذَّى مِمَّنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ إذَا قَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ يُبْتَلَى بِهَا جَهَلَةُ الْمُعَلِّمِينَ لِغَبَاوَتِهِمْ وَفَسَادِ نِيَّتِهِمْ: وَهُوَ مِنْ الدَّلَائِلِ الصَّرِيحَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِمْ بِالتَّعْلِيمِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى الْكَرِيمِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه الاغلاظ فِي ذَلِكَ وَالتَّأْكِيدَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ الْآخَرُ أَهْلًا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ كَثِيرَ الْغَلَطِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلْيُحَذِّرْ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * بَابُ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ أَمَّا آدَابُهُ فِي نَفْسِهِ ودرسه فكآداب المعلم: وقد أرضحناها وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ مِنْ الْأَدْنَاسِ لِيَصْلُحَ لقبول الْعِلْمِ وَحِفْظِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ القلب: وقالوا تطييب القلب للعلم كتطيب الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْعَلَائِقَ الشَّاغِلَةَ عَنْ كَمَالِ الِاجْتِهَادِ فِي التَّحْصِيلِ وَيَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنْ الْقُوتِ وَيَصْبِرَ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَطْلُبُ أَحَدٌ هَذَا الْعِلْمَ بِالْمُلْكِ وَعِزِّ النَّفْسِ فَيَفْلَحَ وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بِذُلِّ النَّفْسِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَخِدْمَةِ الْعُلَمَاءِ أَفْلَحَ: وَقَالَ أَيْضًا لَا يُدْرَكُ الْعِلْمُ إلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى الذُّلِّ: وَقَالَ أَيْضًا لَا يَصْلُحُ طَلَبُ الْعِلْمِ إلَّا لِمُفْلِسٍ فَقِيلَ وَلَا الْغَنِيُّ الْمُكَفَّى فَقَالَ وَلَا الْغَنِيُّ الْمُكَفَّى: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا يُرِيدُ حَتَّى يضربه الفقر ويؤثره على كل شئ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَعَانُ عَلَى الفقه بجمع الهم وَيُسْتَعَانُ عَلَى حَذْفِ الْعَلَائِقِ بِأَخْذِ الْيَسِيرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا يَزِدْ: وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْآجُرِّيُّ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْفَاقَةِ وَرِثَ الْفَهْمَ: وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعُ لِآدَابِ الرَّاوِي وَالسَّامِعِ يُسْتَحَبُّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَكُونَ عَزَبًا مَا أَمْكَنَهُ لِئَلَّا يَقْطَعَهُ الِاشْتِغَالُ بِحُقُوقِ الزَّوْجَةِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْمَعِيشَةِ عَنْ إكْمَالِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: خَيْرُكُمْ بعد المائتين خفيف الْحَاذِ وَهُوَ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ: وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ تَعَوَّدَ أَفْخَاذَ النِّسَاءِ لَمْ يَفْلَحْ يَعْنِي اشْتَغَلَ بِهِنَّ. وَهَذَا فِي غَالِبِ النَّاسِ لَا الْخَوَاصِّ: وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إذَا تَزَوَّجَ الْفَقِيهُ فَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَقَدْ كُسِرَ بِهِ: وَقَالَ سُفْيَانُ لِرَجُلٍ تَزَوَّجْتَ فَقَالَ لَا قَالَ مَا تَدْرِي مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ: وَعَنْ بِشْرٍ الْحَافِي رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى النِّسَاءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ولا يَأْلَفُ أَفْخَاذَهُنَّ * (قُلْتُ) هَذَا كُلُّهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا فَإِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى النِّكَاحِ اُسْتُحِبَّ لَهُ تَرْكُهُ وَكَذَا إنْ احْتَاجَ وعجز عَنْ مُؤْنَتِهِ: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِلْعِلْمِ وَالْمُعَلِّمِ فَبِتَوَاضُعِهِ يَنَالُهُ: وَقَدْ

أُمِرْنَا بِالتَّوَاضُعِ مُطْلَقًا فَهُنَا أَوْلَى: وَقَدْ قَالُوا الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْمُتَعَالِي كَالسَّيْلِ حَرْبٌ لِلْمَكَانِ الْعَالِي: وَيَنْقَادَ لِمُعَلِّمِهِ وَيُشَاوِرَهُ فِي أُمُورِهِ وَيَأْتَمِرَ بِأَمْرِهِ كَمَا يَنْقَادُ الْمَرِيضُ لِطَبِيبٍ حَاذِقٍ نَاصِحٍ وَهَذَا أَوْلَى لِتَفَاوُتِ مَرْتَبَتِهِمَا: قَالُوا وَلَا يَأْخُذُ الْعِلْمَ إلَّا مِمَّنْ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَظَهَرَتْ دِيَانَتُهُ وَتَحَقَّقَتْ مَعْرِفَتُهُ وَاشْتَهَرَتْ صِيَانَتُهُ وَسِيَادَتُهُ: فَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَخَلَائِقُ مِنْ السَّلَفِ هَذَا الْعِلْمُ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ: وَلَا يَكْفِي في أهليته التَّعْلِيمِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الْعِلْمِ بَلْ يَنْبَغِي مع كثيرة عِلْمِهِ بِذَلِكَ الْفَنِّ كَوْنُهُ لَهُ مَعْرِفَةً فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُنُونِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ وَيَكُونُ لَهُ دُرْبَةٌ وَدِينٌ وَخُلُقٌ جَمِيلٌ وَذِهْنٌ صحيح واطلاع تام: قالوا وَلَا تَأْخُذْ الْعِلْمَ مِمَّنْ كَانَ أَخْذُهُ لَهُ مِنْ بُطُونِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ عَلَى شُيُوخٍ أَوْ شَيْخٍ حَاذِقٍ فَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا مِنْ الْكُتُبِ يَقَعُ فِي التَّصْحِيفِ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالتَّحْرِيفُ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ مُعَلِّمَهُ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ وَيَعْتَقِدَ كَمَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَرُجْحَانَهُ عَلَى اكثر طبقته فهو أقرب إلى انتفائه بِهِ وَرُسُوخِ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذِهْنِهِ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا ذَهَبَ إلَى معلمه تصدق بشئ وَقَالَ اللَّهُمَّ اُسْتُرْ عَيْبَ مُعَلِّمِي عَنِّي وَلَا تُذْهِبْ بَرَكَةَ عِلْمِهِ مِنِّي: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كُنْتُ أَصْفَحُ الْوَرَقَةَ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ صَفْحًا رَفِيقًا هَيْبَةً لَهُ لِئَلَّا يَسْمَعَ وَقْعَهَا * وَقَالَ الرَّبِيعُ وَاَللَّهِ مَا اجْتَرَأْتُ أَنْ أَشْرَبَ الْمَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إلَيَّ هَيْبَةً له: وقال حمدان بن الاصفهانى كنت عِنْدَ شَرِيكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَتَاهُ بَعْضُ أَوْلَادِ الْمَهْدِيِّ فَاسْتَنَدَ إلَى الْحَائِطِ وَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا ثُمَّ عَادَ فَعَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ أَتَسْتَخِفُّ بِأَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ فَقَالَ شَرِيكٌ لَا وَلَكِنَّ الْعِلْمَ أَجَلُّ عِنْدَ الله تعالى من أن أضعه فبحثا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ شَرِيكٌ هَكَذَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ عَلَيْكَ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً وَتَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ وَأَنْ تَجْلِسَ أَمَامَهُ وَلَا تُشِيرَنَّ عِنْدَهُ بِيَدِكَ وَلَا تَعْمِدَنَّ بِعَيْنِكَ غَيْرَهُ وَلَا تَقُولَنَّ قَالَ فُلَانٌ خِلَافَ قَوْلِهِ وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا وَلَا تُسَارَّ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا تَأْخُذْ بِثَوْبِهِ وَلَا تُلِحَّ عَلَيْهِ إذَا كَسَلَ وَلَا تَشْبَعَ مِنْ طُولِ صُحْبَتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ كَالنَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ متى يسقط عليك منها شئ * ومن آداب المتعلم ان يتحرى رضى الْمُعَلِّمِ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَلَا يَغْتَابَ عِنْدَهُ وَلَا يُفْشِيَ لَهُ سِرًّا: وَأَنْ يَرُدَّ غَيْبَتَهُ إذَا سَمِعَهَا فَإِنْ عَجَزَ فَارَقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ: وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَإِذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ قَدَّمُوا أَفْضَلَهُمْ وَأَسَنَّهُمْ: وَأَنْ يَدْخُلَ كَامِلَ الْهَيْبَةِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ الشَّوَاغِلِ مُتَطَهِّرًا مُتَنَظِّفًا بِسِوَاكٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَظُفْرٍ وَإِزَالَةِ كَرِيهِ رَائِحَةٍ: وَيُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ كُلِّهِمْ بِصَوْتٍ يُسْمِعُهُمْ إسْمَاعًا مُحَقَّقًا: وَيَخُصَّ الشَّيْخَ بِزِيَادَةِ إكْرَامٍ وَكَذَلِكَ يُسَلِّمَ إذَا انْصَرَفَ: فَفِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَنْ أَنْكَرَهُ: وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ: وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَيَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ الشَّيْخُ أَوْ الْحَاضِرُونَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّخَطِّي أَوْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهِمْ إيثَارَ ذَلِكَ: وَلَا يُقِيمَ أَحَدًا مِنْ مَجْلِسِهِ فَإِنْ آثَرَهُ غَيْرُهُ بِمَجْلِسِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْحَاضِرِينَ بِأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الشَّيْخِ وَيُذَاكِرَهُ مُذَاكَرَةً يَنْتَفِعُ الْحَاضِرُونَ بِهَا: وَلَا يَجْلِسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ: وَلَا بَيْنَ صَاحِبَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُمَا: وَإِذَا فُسِحَ لَهُ قَعَدَ وَضَمَّ نَفْسَهُ: وَيَحْرِصَ عَلَى

الْقُرْبِ مِنْ الشَّيْخِ لِيَفْهَمَ كَلَامَهُ فَهْمًا كَامِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى أَفْضَلَ مِنْهُ: وَيَتَأَدَّبَ مَعَ رُفْقَتِهِ وَحَاضِرِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ تَأَدُّبَهُ مَعَهُمْ تَأَدُّبٌ مَعَ الشَّيْخِ وَاحْتِرَامٌ لِمَجْلِسِهِ: وَيَقْعُدَ قَعْدَةَ الْمُتَعَلِّمِينَ لَا قَعْدَةَ الْمُعَلِّمِينَ: وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا بَلِيغًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا يَضْحَكَ وَلَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ بِلَا حَاجَةٍ: وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ وَلَا غَيْرِهَا: وَلَا يَلْتَفِتَ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ يُقْبِلُ عَلَى الشَّيْخِ مُصْغِيًا إلَيْهِ وَلَا يَسْبِقَهُ إلَى شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أَوْ جَوَابِ سُؤَال إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ إيثَارَ ذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى فَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا يَقْرَأَ عليه شغل قلب الشيخ وملله وغمه ونعاسه واستيفازه وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَمْنَعُهُ استيفاء الشرح ولا يسئله عن شئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ إلْحَاحًا مُضْجِرًا. وَيَغْتَنِمَ سُؤَالَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ. وَيَتَلَطَّفَ فِي سُؤَالِهِ. وَيُحْسِنَ خِطَابَهُ وَلَا يَسْتَحِي مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَوْضِحُهُ أَكْمَلَ اسْتِيضَاحٍ فَمَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ وَمَنْ رَقَّ وَجْهُهُ عِنْدَ السُّؤَالِ ظَهَرَ نَقْصُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ. وَإِذَا قَالَ له الشيح أَفَهِمْتَ فَلَا يَقُلْ نَعَمْ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ الْمَقْصُودُ إيضَاحًا جَلِيًّا لِئَلَّا يَكْذِبَ وَيَفُوتَهُ الْفَهْمُ: وَلَا يَسْتَحِي مِنْ قَوْلِهِ لَمْ أَفْهَمْ لِأَنَّ اسْتِثْبَاتَهُ (1) يُحَصِّلُ لَهُ مَصَالِحَ عَاجِلَةً وَآجِلَةً: فَمِنْ الْعَاجِلَةِ حِفْظُهُ الْمَسْأَلَةَ وَسَلَامَتُهُ مِنْ كَذِبٍ وَنِفَاقٍ بِإِظْهَارِهِ فَهْمَ مَا لَمْ يَكُنْ فَهِمَهُ * وَمِنْهَا اعْتِقَادُ الشَّيْخِ اعْتِنَاءَهُ وَرَغْبَتَهُ وَكَمَالَ عَقْلِهِ وَوَرَعَهُ وَمِلْكَهُ لِنَفْسِهِ وَعَدَمَ نِفَاقِهِ: وَمِنْ الْآجِلَةِ ثُبُوتُ الصَّوَابِ فِي قَلْبِهِ دَائِمًا وَاعْتِيَادُهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُرْضِيَةَ وَالْأَخْلَاقَ الرَّضِيَّةَ. وَعَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْزِلَةُ الْجَهْلِ بَيْنَ الْحَيَاءِ وَالْأَنَفَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا سَمِعَ الشَّيْخَ يَقُولُ مَسْأَلَةً أَوْ يَحْكِي حِكَايَةً وَهُوَ يَحْفَظُهَا أَنْ يُصْغِيَ لَهَا إصْغَاءَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ إيثَارَهُ عِلْمَهِ بِأَنَّ الْمُتَعَلِّمَ حافظها: وينبغي أن يكون حريصا على التعليم مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا حضرا وسفرا وَلَا يُذْهِبُ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ قَدْرًا لا بد منه ونحوهما كاستراحة يسيرة لا زالة الْمَلَلِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَلَيْسَ بِعَاقِلٍ مَنْ أَمْكَنَهُ دَرَجَةُ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ فَوَّتَهَا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ حَقٌّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي إدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَجْوَدُ أَوْقَاتِ الْحِفْظِ الْأَسْحَارُ ثُمَّ نِصْفُ النَّهَارِ ثُمَّ الْغَدَاةُ وَحِفْظُ اللَّيْلِ أَنْفَعُ مِنْ حِفْظِ النَّهَارِ وَوَقْتُ الْجُوعِ أَنْفَعُ مِنْ وَقْتِ الشِّبَعِ: قَالَ وَأَجْوَدُ أَمَاكِنِ الْحِفْظِ الْغُرَفُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ بَعُدَ عن الملهيات قال وَلَيْسَ بِمَحْمُودٍ الْحِفْظُ بِحَضْرَةِ النَّبَاتِ وَالْخُضْرَةِ وَالْأَنْهَارِ: وَقَوَارِعِ الطُّرُقِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ غَالِبًا خُلُوَّ الْقَلْبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى جَفْوَةِ شَيْخِهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ وَلَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ مُلَازَمَتِهِ وَاعْتِقَادِ كماله ويتأول لا فعاله الَّتِي ظَاهِرُهَا الْفَسَادُ تَأْوِيلَاتٍ صَحِيحَةً فَمَا يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ التَّوْفِيقِ: وَإِذَا جَفَاهُ الشَّيْخُ ابْتَدَأَ هُوَ بِالِاعْتِذَارِ وَأَظْهَرَ أَنَّ الذَّنْبَ لَهُ وَالْعَتْبَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ دِينًا وَدُنْيَا وَأَبْقَى لِقَلْبِ شَيْخِهِ: وَقَدْ قَالُوا مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى ذُلِّ التَّعَلُّمِ بَقِيَ عُمُرَهُ في

_ (1) هكذا في نسخة: وفي نسخة بدل استثبات: استيثاق:

عَمَايَةِ الْجَهَالَةِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ آلَ أَمْرُهُ إلى عزالآخرة وَالدُّنْيَا وَمِنْهُ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما ذلك طَالِبًا فَعُزِّزْتُ مَطْلُوبًا * وَمِنْ آدَابِهِ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ وَأَنْ يَكُونَ هِمَّتُهُ عَالِيَةً فَلَا يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مع امكان كثير وَأَنْ لَا يُسَوِّفَ فِي اشْتِغَالِهِ وَلَا يُؤَخِّرُ تَحْصِيلَ فَائِدَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِنْ أَمِنَ حُصُولَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ لِأَنَّ لِلتَّأْخِيرِ آفات ولا نه فِي الزَّمَنِ الثَّانِي يُحَصِّلُ غَيْرَهَا: وَعَنْ الرَّبِيعِ قَالَ لَمْ أَرَ الشَّافِعِيَّ آكِلًا بِنَهَارٍ وَلَا نائما بليل لا هتمامه بِالتَّصْنِيفِ: وَلَا يُحَمِّلُ نَفْسَهُ مَا لَا تُطِيقُ مَخَافَةَ الْمَلَلِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ: وَإِذَا جَاءَ مَجْلِسَ الشَّيْخِ فَلَمْ يَجِدْهُ انْتَظَرَهُ وَلَا يُفَوِّتُ دَرْسَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ كَرَاهَةَ الشَّيْخِ لِذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهِ الْإِقْرَاءَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَشُقَّ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِهِ: قَالَ الْخَطِيبُ وَإِذَا وَجَدَهُ نَائِمًا لَا يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَوْ يَنْصَرِفُ وَالِاخْتِيَارُ الصَّبْرُ كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسَّلَفُ يَفْعَلُونَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ التَّحْصِيلَ فِي وَقْتِ الْفَرَاغِ وَالنَّشَاطِ وَحَالِ الشَّبَابِ وَقُوَّةِ البدن ونباهة الخاطى وَقِلَّةِ الشَّوَاغِلِ قَبْلَ عَوَارِضِ الْبَطَالَةِ وَارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ: فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَفَقَّهْ قَبْلَ أَنْ تَرْأَسَ فَإِذَا رَأَسْتَ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّفَقُّهِ: وَيَعْتَنِيَ بِتَصْحِيحِ دَرْسِهِ الَّذِي يَتَحَفَّظُهُ تَصْحِيحًا مُتْقَنًا عَلَى الشَّيْخِ ثُمَّ يَحْفَظُهُ حِفْظًا محكما ثم بعد حفظه يُكَرِّرُهُ مَرَّاتٍ لِيَرْسَخَ رُسُوخًا مُتَأَكَّدًا ثُمَّ يُرَاعِيه بحيت لا يزال محفوظا جيدا ويبتدأ دَرْسَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ لِلْعُلَمَاءِ وَمَشَايِخِهِ وَوَالِدَيْهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُبَكِّرُ بِدَرْسِهِ لِحَدِيثِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لا متى فِي بُكُورِهَا وَيُدَاوِمُ عَلَى تَكْرَارِ مَحْفُوظَاتِهِ وَلَا يَحْفَظُ ابْتِدَاءً مِنْ الْكُتُبِ اسْتِقْلَالًا بَلْ يُصَحِّحُ عَلَى الشَّيْخِ كَمَا ذَكَرْنَا فَالِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ مِنْ أَضَرِّ الْمَفَاسِدِ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ مَنْ تَفَقَّهَ مِنْ الْكُتُبِ ضَيَّعَ الْأَحْكَامَ: وَلْيُذَاكِرْ بِمَحْفُوظَاتِهِ وَلْيُدِمْ الْفِكْرَ فِيهَا وَيَعْتَنِي بِمَا يُحَصِّلُ فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَلْيُرَافِقْ بَعْضَ حَاضِرِي حَلْقَةِ الشَّيْخِ فِي الْمُذَاكَرَةِ: قَالَ الْخَطِيبُ. وَأَفْضَلُ الْمُذَاكَرَةِ مُذَاكَرَةُ اللَّيْلِ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ السلف يفعلون ذلك وكان جماعة منهم يبدؤن من لعشاء فَرُبَّمَا لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَسْمَعُوا أَذَانَ الصُّبْحِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ مِنْ دُرُوسِهِ عَلَى الْمَشَايِخِ: وَفِي الْحِفْظِ وَالتَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ: وَأَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ حِفْظُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَهُوَ أَهَمُّ الْعُلُومِ وَكَانَ السَّلَفُ لَا يُعَلِّمُونَ الْحَدِيثَ والفقه إلا لمن حفظ الْقُرْآنَ وَإِذَا حَفِظَهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهُ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا اشْتِغَالًا يُؤَدِّي إلَى نِسْيَانِ شئ مِنْهُ أَوْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ: وَبَعْدَ حِفْظِ الْقُرْآنِ يَحْفَظُ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مُخْتَصَرًا وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَمِنْ أَهَمِّهَا الْفِقْهُ وَالنَّحْوُ ثُمَّ الْحَدِيثُ وَالْأُصُولُ ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى مَا تَيَسَّرَ ثُمَّ يَشْتَغِلُ بِاسْتِشْرَاحِ مَحْفُوظَاتِهِ وَيَعْتَمِدُ مِنْ الشُّيُوخِ فِي كُلِّ فن أكملهما فِي الصِّفَاتِ السَّابِقَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ شَرْحُ دُرُوسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُمْكِنِ مِنْ دَرْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَغَيْرِهَا فَإِذَا اعْتَمَدَ شَيْخًا فِي فَنٍّ وَكَانَ لَا يَتَأَذَّى بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ الْفَنِّ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيَقْرَأْ أَيْضًا عَلَى ثَانٍ وَثَالِثٍ وَأَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَأَذَّوْا فان تأذ الْمُعْتَمَدُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَرَاعَى قَلْبَهُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى انْتِفَاعِهِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَأَذَّى مِنْ هَذَا: وَإِذَا بَحَثَ الْمُخْتَصَرَاتِ انْتَقَلَ إلَى بَحْثٍ أَكْبَرَ مِنْهَا مَعَ الْمُطَالَعَةِ الْمُتْقَنَةِ وَالْعِنَايَةِ الدَّائِمَةِ الْمُحْكَمَةِ وَتَعْلِيقِ مَا يَرَاهُ مِنْ النَّفَائِسِ: وَالْغَرَائِبِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ مِمَّا يَرَاهُ فِي الْمُطَالَعَةِ أَوْ يَسْمَعُهُ

فصل في آداب يشترك فيها العالم والمتعلم

مِنْ الشَّيْخِ وَلَا يَحْتَقِرَنَّ فَائِدَةً يَرَاهَا أَوْ يَسْمَعُهَا فِي أَيِّ فَنٍّ كَانَتْ بَلْ يُبَادِرُ إلَى كِتَابَتِهَا ثُمَّ يُوَاظِبُ عَلَى مُطَالَعَةِ مَا كَتَبَهُ وَلْيُلَازِمْ حَلْقَةَ الشَّيْخِ وَلْيَعْتَنِ بِكُلِّ الدُّرُوسِ وَيُعَلِّقْ عَلَيْهَا مَا أَمْكَنَ فَإِنْ عَجَزَ اعْتَنَى بِالْأَهَمِّ وَلَا يُؤْثِرُ بِنَوْبَتِهِ فَإِنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَأَى الشَّيْخُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ في وقت فأشاربه امْتَثَلَ أَمَرَهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْشِدَ رُفْقَتَهُ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الطَّلَبَةِ إلَى مَوَاطِنِ الِاشْتِغَالِ وَالْفَائِدَةِ وَيَذْكُرَ لَهُمْ مَا اسْتَفَادَهُ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ وبارشادهم يُبَارَكْ لَهُ فِي عِلْمِهِ وَيَسْتَنِيرُ قَلْبُهُ وَتَتَأَكَّدُ الْمَسَائِلُ مَعَهُ مَعَ جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وجل ومن بَخِلَ بِذَلِكَ كَانَ بِضِدِّهِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهُ وَإِنْ ثَبَتَ لَمْ يُثْمِرْ: وَلَا يَحْسُدُ أَحَدًا وَلَا يَحْتَقِرُهُ وَلَا يَعْجَبُ بِفَهْمِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا فِي آدَابِ الْمُعَلِّمِ * فَإِذَا فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَتَكَامَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَاشْتَهَرَتْ فَضِيلَتُهُ اشْتَغَلَ بِالتَّصْنِيفِ وَجَدَّ فِي الْجَمْعِ وَالتَّأْلِيفِ مُحَقِّقًا كُلَّ مَا يَذْكُرُهُ مُتَثَبِّتًا فِي نَقْلِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ مُتَحَرِّيًا إيضَاحَ العبارات وبيان المشكلات مجتنبا الْعِبَارَاتِ الرَّكِيكَاتِ: وَالْأَدِلَّةَ الْوَاهِيَاتِ: مُسْتَوْعِبًا مُعْظَمَ أَحْكَامِ ذلك الفن غير مخل بشئ مِنْ أُصُولِهِ مُنَبِّهًا عَلَى الْقَوَاعِدِ فَبِذَلِكَ تَظْهَرُ لَهُ الْحَقَائِقُ وَتَنْكَشِفُ الْمُشْكِلَاتُ وَيَطَّلِعُ عَلَى الْغَوَامِضِ وَحَلِّ الْمُعْضِلَاتِ وَيَعْرِفُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ وَالرَّاجِحَ مِنْ الْمَرْجُوحِ وَيَرْتَفِعُ عَنْ الْجُمُودِ عَلَى مَحْضِ التَّقْلِيدِ وَيَلْتَحِقُ بِالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ يُقَارِبُهُمْ إنْ وُفِّقَ لِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ* فَصْلٌ فِي آدَابٍ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ يَنْبَغِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لَا يُخِلَّ بِوَظِيفَتِهِ لِعُرُوضِ مَرَضٍ خَفِيفٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ مَعَهُ الِاشْتِغَالُ وَيَسْتَشْفِي بِالْعِلْمِ ولا يسئل أَحَدًا تَعَنُّتًا وَتَعْجِيزًا: فَالسَّائِلُ تَعَنُّتًا وَتَعْجِيزًا لَا يستحق جوابا وفي الحديث النَّهْيِ عَنْ غُلُوطَاتِ (1) الْمَسَائِلِ وَأَنْ يَعْتَنِيَ بِتَحْصِيلِ الْكُتُبِ شِرَاءً وَاسْتِعَارَةً وَلَا يَشْتَغِلُ بِنَسْخِهَا إنْ حَصَلَتْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ أَهَمُّ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ الشِّرَاءُ لِعَدَمِ الثَّمَنِ أَوْ لِعَدَمِ الْكِتَابِ مَعَ نَفَاسَتِهِ فَيَسْتَنْسِخَهُ وَإِلَّا فَلْيَنْسَخْهُ وَلَا يَهْتَمُ بتحسين الخط بل بتصحيحه: ولا يرتضى مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ مِلْكًا فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لَمْ يُبْطِئْ بِهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ وَلِئَلَّا يَكْسَلَ عَنْ تَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ مِنْهُ ولئلا يمتنع من إعَارَتِهِ غَيْرَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي ذَمِّ الْإِبْطَاءِ بِرَدِّ الْكُتُبِ الْمُسْتَعَارَةِ عَنْ السَّلَفِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ نَثْرًا وَنَظْمًا: وَرَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الْخَطِيبِ الْجَامِعُ لا خلاق الرَّاوِي وَالسَّامِعِ: مِنْهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ إيَّاكَ وَغُلُولَ الْكُتُبِ وَهُوَ حَبْسُهَا عَنْ أَصْحَابِهَا: وَعَنْ الْفُضَيْلِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْوَرَعِ وَلَا مِنْ أَفْعَالِ الْحُكَمَاءِ أَنْ يَأْخُذَ سَمَاعَ رَجُلٍ وَكِتَابَهُ فَيَحْبِسَهُ عَنْهُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نفسه. قال الْخَطِيبُ وَبِسَبَبِ حَبْسِهَا امْتَنَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ اعارتها: ثم روى في ذلك

_ (1) قوله غلوطات هكذا في نسخة الاذرعي بدون همز وفي نسخة اخرى أغلوطات بالهمز وهما روايتان: والحديث في سنن ابي داود قال المنذري وفي روايته مجهول وهو عبد الله بن سعد. اراد بالغلوطات المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها فيهيج بذلك شر وفتنة: وانما نهى عنها غير نافعة في الدين ولا تكاد تكون لا فيما لا يقع:

باب (آداب الفتوى والمفتى والمستفتي)

جُمَلًا عَنْ السَّلَفِ وَأَنْشَدَ فِيهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً: وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْإِعَارَةِ لِمَنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْعِلْمِ مَعَ ما مُطْلَقِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْفَضْلِ: وَرَوَيْنَا عَنْ وَكِيعٍ أَوَّلُ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إعَارَةُ الْكُتُبِ: وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ اُبْتُلِيَ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ أَنْ يَنْسَاهُ أَوْ يَمُوتَ وَلَا يَنْتَفِعَ بِهِ أَوْ تَذْهَبَ كُتُبُهُ: وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ أَعِرْنِي كِتَابَكَ قَالَ إنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ فَقَالَ أما علمت ان المكارم موصولة بالمكارم فأعاره: ويستحب شكر المعير لا حسانه: فهذه نبذ من آداب المعلم والمتعلم وهى وان كَانَتْ طَوِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْكِتَابِ فَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا جَاءَ فِيهَا وَإِنَّمَا قصدت بايرادها أن يكون الكتاب جَامِعًا لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ طَالِبُ الْعِلْمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * بَابُ (آدَابُ الْفَتْوَى وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ مُهِمٌّ جِدًّا فَأَحْبَبْتُ تَقْدِيمَهُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَقَدْ صَنَّفَ فِي هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْحَاوِي ثُمَّ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ ثُمَّ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بن الصلاح وكل منهم ذكر نفايس لَمْ يَذْكُرْهَا الْآخَرَانِ: وَقَدْ طَالَعْتُ كُتُبَ الثَّلَاثَةِ وَلَخَّصْتُ مِنْهَا جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مُسْتَوْعِبَةً لِكُلِّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمُهِمِّ وَضَمَمْتُ إلَيْهَا نَفَائِسَ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * اعْلَمْ أَنَّ الْإِفْتَاءَ عَظِيمُ الْخَطَرِ كَبِيرُ الْمَوْقِعِ كَثِيرُ الْفَضْلِ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه مُعَرِّضٌ لِلْخَطَأِ وَلِهَذَا قَالُوا الْمُفْتِي مُوقِعٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ العالم بين الله تعالى وخلقه فينظر كَيْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ. وَرَوَيْنَا عَنْ السَّلَفِ وَفُضَلَاءِ الْخَلْفِ مِنْ التَّوَقُّفِ عَنْ الْفُتْيَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً: مَعْرُوفَةً نَذْكُرُ مِنْهَا أَحْرُفًا تَبَرُّكًا: وَرَوَيْنَا عَنْ عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يسئل أَحَدُهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَيَرُدُّهَا هَذَا إلَى هَذَا وَهَذَا إلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ. وفي رواية ما منهم من يحديث بحديث الا ودان اخاه كفاه اياه ولا يستفتى عن شئ الا ودان أَخَاهُ كَفَاهُ الْفُتْيَا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ أَفْتَى عَنْ كل ما يسئل فَهُوَ مَجْنُونٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَأَبِي حَصِينٍ بفتح الحاء التابعين قَالُوا إنَّ أَحَدَكُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لجمع لها أن أَهْلَ بَدْرٍ: وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ التَّابِعِيِّ أدركت أقواما يسئل احدهم عن الشئ فَيَتَكَلَّمُ وَهُوَ يُرْعَدُ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ إذَا أَغْفَلَ الْعَالِمُ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مُقَاتِلُهُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَسَحْنُونٍ أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُجِبْ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ حَتَّى أَدْرِيَ أَنَّ الْفَضْلَ فِي السُّكُوتِ أَوْ فِي الْجَوَابِ. وَعَنْ الْأَثْرَمِ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْرِي وَذَلِكَ فِيمَا عُرِفَ الْأَقَاوِيلُ فِيهِ. وَعَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ شَهِدْتُ

مَالِكًا سُئِلَ عَنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً فَقَالَ في ثنتين وَثَلَاثِينَ مِنْهَا لَا أَدْرِي. وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا انه ربما كان يسئل عَنْ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً فَلَا يُجِيبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَكَانَ يَقُولُ مَنْ أَجَابَ فِي مَسْأَلَةٍ فَيَنْبَغِي قَبْلَ الْجَوَابِ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَكَيْفَ خَلَاصُهُ ثُمَّ يُجِيبُ: وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقِيلَ هِيَ مَسْأَلَةٌ خَفِيفَةٌ سَهْلَةٌ فَغَضِبَ وَقَالَ لَيْسَ فِي العلم شئ خَفِيفٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ آلَةِ الْفُتْيَا مَا جَمَعَ فِي ابْنِ عُيَيْنَةَ أَسْكَتَ مِنْهُ عَنْ الفتيا: وقال أبو حنيفة لولا الْفَرَقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَضِيعَ الْعِلْمُ مَا أَفْتَيْتُ يَكُونُ لَهُمْ الْمَهْنَأُ وَعَلَيَّ الْوِزْرُ وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ قَلَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى الْفُتْيَا وَسَابَقَ إليها وثابر عليها الاقل تَوْفِيقُهُ وَاضْطَرَبَ فِي أُمُورِهِ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لذلك غير موثر لَهُ مَا وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً وَأَحَالَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَتْ الْمَعُونَةُ لَهُ مِنْ اللَّهِ أَكْثَرَ وَالصَّلَاحُ فِي جَوَابِهِ أَغْلَبَ وَاسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غير مسألة اعنت عليها (1) فَصْلٌ قَالَ الْخَطِيبُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ الْمُفْتِينَ فَمَنْ صَلُحَ لِلْفُتْيَا أَقَرَّهُ وَمَنْ لا يصلح منعه ونهاه ان يعود وتواعده بِالْعُقُوبَةِ إنْ عَادَ وَطَرِيقُ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى (2) أَنْ يَسْأَلَ عُلَمَاءَ وَقْتِهِ ويعتمد اخبار الموثوق بهم. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قال أَفْتَيْتُ حَتَّى شَهِدَ لِي سَبْعُونَ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَفْتَيْتُ حَتَّى سَأَلْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي هَلْ يَرَانِي مَوْضِعًا لِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يرى نفسه اهلا لشئ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ * فَصَلِّ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي ظَاهِرَ الْوَرَعِ مشورا بِالدِّيَانَةِ الظَّاهِرَةِ وَالصِّيَانَةِ الْبَاهِرَةِ وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْمَلُ بِمَا لَا يُلْزِمُهُ النَّاسَ وَيَقُولُ لَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي خَاصَّةِ نفسه بما لا يلزمه النا س مما لو تركه لم يأتم وَكَانَ يَحْكِي نَحْوَهُ عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ * فَصْلٌ شرط المفتى كونه مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المرؤة فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ رَصِينَ الْفِكْرِ صَحِيحَ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مُتَيَقِّظًا سَوَاءٌ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَعْمَى وَالْأَخْرَسُ إذَا كَتَبَ أَوْ فُهِمَتْ اشارته: قال الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالرَّاوِي فِي أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَرَابَةٌ وَعَدَاوَةٌ وَجَرُّ نَفْعٍ وَدَفْعُ ضُرٍّ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ فِي حُكْمِ مُخْبِرٍ عَنْ الشَّرْعِ بِمَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِشَخْصٍ فَكَانَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ وَفَتْوَاهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهَا إلْزَامٌ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي: قَالَ وَذَكَرَ

_ (1) هذا الحديث اخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا وابو داود (2) وفي نسخة للفتيا

صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا نَابَذَ فِي فَتْوَاهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا صَارَ خَصْمًا حَكَمًا (1) مُعَانِدًا فَتُرَدُّ فَتْوَاهُ عَلَى مَنْ عَادَاهُ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا تَصِحُّ فَتْوَاهُ وَنَقَلَ الْخَطِيبُ فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ أَنْ يَعْمَلَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ: وَأَمَّا الْمَسْتُورُ وَهُوَ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَلَمْ تُخْتَبَرْ عَدَالَتُهُ بَاطِنًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ فَتْوَاهُ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ يعمر مَعْرِفَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْقُضَاةِ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالشَّهَادَةِ وَالْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِحُضُورِ الْمَسْتُورِينَ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَتَصِحُّ فَتَاوَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ وَلَا نُفَسِّقُهُ ونقل الخطيب هذا ثم قال وأما الشراة وَالرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ السَّلَفَ الصَّالِحَ فَفَتَاوِيهِمْ مَرْدُودَةٌ وَأَقْوَالُهُمْ سَاقِطَةٌ: وَالْقَاضِي كَغَيْرِهِ فِي جَوَازِ الْفُتْيَا بِلَا كَرَاهَةٍ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا: قَالَ الشَّيْخُ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ لَهُ الْفَتْوَى فِي الْعِبَادَاتِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ: وَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ: وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ تُكْرَهُ الْفَتْوَى فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (2) : وَقَالَ شريح أنا أقضي ولا أفتي * فصل قال أبو عمر والمفتون قِسْمَانِ مُسْتَقِلٌّ وَغَيْرُهُ فَالْمُسْتَقِلُّ شَرْطُهُ مَعَ مَا ذكرنا أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا (3) بِمَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَمَا الْتَحَقَ بِهَا على التفصيل وَقَدْ فُصِّلَتْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَتَيَسَّرَتْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ: وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَدِلَّةِ وَوُجُوهِ دَلَالَتِهَا وَبِكَيْفِيَّةِ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ: عَارِفًا مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِشُرُوطِ الْأَدِلَّةِ وَالِاقْتِبَاسِ مِنْهَا: ذَا دُرْبَةٍ وَارْتِيَاضٍ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ: عَالِمًا بِالْفِقْهِ ضَابِطًا لِأُمَّهَاتِ مَسَائِلِهِ وَتَفَارِيعِهِ فَمَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ فَهُوَ الْمُفْتِي الْمُطْلَقُ الْمُسْتَقِلُّ الَّذِي يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ الْمُسْتَقِلُّ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالْأَدِلَّةِ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ وَتَقَيُّدٍ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَمَا شَرَطْنَاهُ مِنْ حِفْظِهِ لِمَسَائِلِ الْفِقْهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ شَرْطًا لِمَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ الْفِقْهَ ثَمَرَتُهُ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ وشرط الشئ لا يتأخر عنه: وشرطه الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى وَصَاحِبُهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْمُفْتِي الَّذِي يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عَلَى ذِهْنِهِ بَلْ يَكْفِيهِ كَوْنُهُ حَافِظًا الْمُعْظَمَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إدْرَاكِ الْبَاقِي عَلَى قُرْبٍ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْحِسَابِ مَا يُصَحِّحُ بِهِ الْمَسَائِلَ الْحِسَابِيَّةَ الْفِقْهِيَّةَ حَكَى أَبُو اسحق وَأَبُو مَنْصُورٍ فِيهِ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ: ثم

_ (1) وفي نسخة باسقاط حكما (2) وفي نسخة باسقاط الشرعية (3) ... قيما هكذا في نسخة الاذرعي وفي نسخة أخرى فقيها بدل قيما

إنَّمَا نَشْتَرِطُ اجْتِمَاعَ الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُفْتٍ مُطْلَقٍ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ فَأَمَّا مُفْتٍ في باب خاص كالمناسك والفرائض يكفيه مَعْرِفَةُ ذَلِكَ الْبَابِ كَذَا قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُهُ ابْنُ بَرْهَانٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَغَيْرُهُمَا وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا وَأَجَازَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَرَائِضِ خَاصَّةً وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ مُطْلَقًا * (الْقِسْمُ الثَّانِي) الْمُفْتِي الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ وَمِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُفْتِي الْمُسْتَقِلُّ وَصَارَتْ الْفَتْوَى إلَى الْمُنْتَسِبِينَ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ * وَلِلْمُفْتِي الْمُنْتَسِبِ أَرْبَعَةُ أحوال أحدها أَنْ لَا يَكُونَ مُقَلِّدًا لِإِمَامِهِ لَا فِي المذهب ولا في دليله لا تصافه بِصِفَةِ الْمُسْتَقِلِّ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِسُلُوكِهِ طَرِيقَهُ في الاجتهاد وادعى الاستاذ أبو إسحق هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَصْحَابِنَا فَحَكَى عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رحمه الله واحمد وداود واكثر الخفية انهم صارو إلَى مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ أَنَّهُمْ صَارُوا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا تَقْلِيدًا لَهُ بَلْ لَمَّا وَجَدُوا طُرُقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ أَسَدَّ الطُّرُقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ سَلَكُوا طَرِيقَهُ فَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ بِطَرِيقِ الشَّافِعِيِّ: وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ مَعَ إعْلَامَيْهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو دَعْوَى انْتِفَاءِ التَّقْلِيدِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يُلَائِمُ الْمَعْلُومَ مِنْ حَالِهِمْ أَوْ حَالِ أَكْثَرِهِمْ: وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الْأُصُولِ مِنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ عَصْرِ الشَّافِعِيِّ مُجْتَهِدٌ مُسْتَقِلٌّ * ثُمَّ فَتْوَى الْمُفْتِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَفَتْوَى الْمُسْتَقِلِّ فِي الْعَمَلِ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُقَيَّدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِ أُصُولِهِ بِالدَّلِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ فِي أَدِلَّتِهِ أُصُولَ إمَامِهِ وَقَوَاعِدَهُ: وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ تَفْصِيلًا بَصِيرًا بِمَسَالِكِ الْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي تَامَّ الارتياض في التخريخ وَالِاسْتِنْبَاطِ قَيِّمًا بِإِلْحَاقِ مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِإِمَامِهِ بِأُصُولِهِ: وَلَا يُعَرَّى عَنْ شَوْبِ تَقْلِيدٍ له لا خلافه بِبَعْضِ أَدَوَاتِ الْمُسْتَقِلِّ بِأَنْ يُخِلَّ بِالْحَدِيثِ أَوْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا أَخَلَّ بِهِمَا الْمُقَيَّدُ ثُمَّ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ: وَرُبَّمَا اكْتَفَى فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ إمَامِهِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُعَارِضٍ كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ فِي النُّصُوصِ: وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَعَلَيْهَا كَانَ أَئِمَّةُ أَصْحَابِنَا أَوْ أَكْثَرُهُمْ: وَالْعَامِلُ بِفَتْوَى هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ لَا لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَيَظْهَرُ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ فِي الفتوى وان لَمْ يَتَأَدَّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْهَا اسْتِمْدَادُ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ إمَامِهِ الْمُسْتَقِلِّ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ ثُمَّ قَدْ يَسْتَقِلُّ الْمُقَيَّدُ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ بَابٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَدَّمَ: وَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ لِإِمَامِهِ بِمَا يُخَرِّجُهُ عَلَى أُصُولِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِلَيْهِ مَفْزَعُ الْمُفْتِينَ مِنْ مُدَدٍ طَوِيلَةٍ ثُمَّ إذَا أَفْتَى بِتَخْرِيجِهِ فَالْمُسْتَفْتِي مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ لَا لَهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ وَمَا أَكْثَرَ فَوَائِدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ هَذَا عَلَى خِلَافٍ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا يُخَرِّجُهُ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ: ثُمَّ تَارَةً يُخَرِّجُ مِنْ نَصٍّ مُعَيَّنٍ لامامه

وَتَارَةً لَا يَجِدُهُ فَيُخَرِّجُ عَلَى أُصُولِهِ بِأَنْ يَجِدَ دَلِيلًا عَلَى شَرْطِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ إمَامُهُ فَيُفْتِيَ بِمُوجَبِهِ فَإِنْ نَصَّ إمَامُهُ عَلَى شئ وَنَصَّ فِي مَسْأَلَةٍ تُشْبِهُهَا عَلَى خِلَافِهِ فَخَرَّجَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ سُمِّيَ قَوْلًا مُخَرَّجًا وَشَرْطُ هَذَا التَّخْرِيجِ أَنْ لَا يَجِدَ بَيْنَ نصيه فَرْقًا فَإِنْ وَجَدَهُ وَجَبَ تَقْرِيرُهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا: وَيَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا فِي الْقَوْلِ بِالتَّخْرِيجِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي إمْكَانِ الْفَرْقِ * (قُلْتُ) وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يُمْكِنُ فِيهِ الْفَرْقُ وَقَدْ ذَكَرُوهُ * (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ لَا يَبْلُغَ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ مَذْهَبَ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ وَيُقَرِّرُ وَيُمَهِّدُ وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصُرَ عَنْ أُولَئِكَ لِقُصُورِهِ عَنْهُمْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ أَوْ الِارْتِيَاضِ فِي الاستنباط أو معرفة الاصول ونحوها من أدوانهم: وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ رَتَّبُوا الْمَذْهَبَ وَحَرَّرُوهُ وَصَنَّفُوا فِيهِ تَصَانِيفَ فِيهَا مُعْظَمُ اشْتِغَالِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَلَمْ يَلْحَقُوا الَّذِينَ قَبْلَهُمْ فِي التَّخْرِيجِ وَأَمَّا فَتَاوِيهِمْ فَكَانُوا يَتَبَسَّطُونَ فِيهَا تَبَسُّطَ أُولَئِكَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَقِيسُونَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ عَلَيْهِ غَيْرَ مُقْتَصِرِينَ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ جُمِعَتْ فَتَاوِيهِ وَلَا تَبْلُغُ فِي الْتِحَاقِهَا بِالْمَذْهَبِ مَبْلَغَ فَتَاوَى أَصْحَابِ الْوُجُوهِ * (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ فِي الْوَاضِحَاتِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَلَكِنْ عِنْدَهُ ضَعْفٌ فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه به فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ مِنْ نُصُوصِ إمَامِهِ وَتَفْرِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ وَمَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا إنْ وَجَدَ فِي الْمَنْقُولِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَبِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ: وَكَذَا مَا يَعْلَمُ انْدِرَاجَهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مُمَهَّدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْفَتْوَى فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ الْمَذْكُورِ إذْ يَبْعُدُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ تَقَعَ مَسْأَلَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَلَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ ضَابِطٍ: وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ فَقِيهَ النَّفْسِ ذَا حَظٍّ وَافِرٍ مِنْ الْفِقْهِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَأَنْ يَكْتَفِيَ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِكَوْنِ الْمُعْظَمِ عَلَى ذِهْنِهِ وَيَتَمَكَّنُ لِدُرْبَتِهِ مِنْ الْوُقُوفِ على الباقي على قرب * فَصْلٌ هَذِهِ أَصْنَافُ الْمُفْتِينَ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حِفْظُ الْمَذْهَبِ وَفِقْهُ النَّفْسِ فَمَنْ تَصَدَّى لِلْفُتْيَا وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ بَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ: وَلَقَدْ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأُصُولِيَّ الْمَاهِرَ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْفِقْهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفَتْوَى بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ: ولو وقعت له واقعة لزمه ان يسئل عَنْهَا وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْمُتَصَرِّفُ النَّظَّارُ الْبَحَّاثُ مِنْ أَئِمَّةِ الْخِلَافِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ اسْتِقْلَالًا لِقُصُورِ آلَتِهِ وَلَا مِنْ مَذْهَبِ إمَامٍ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ: فَإِنْ قِيلَ مَنْ حَفِظَ كِتَابًا أو أكثر في المذهب وهو قاصر يَتَّصِفْ بِصِفَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ سَبَقَ وَلَمْ يَجِدْ الْعَامِّيُّ فِي بَلَدِهِ

فصل في أحكام المفتين

غَيْرَهُ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ: فَالْجَوَابُ ان كان في غيره بَلَدِهِ مُفْتٍ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ وَجَبَ التَّوَصُّلُ إليه بحسب امكانه فان تعذر ذكر مسألة لِلْقَاصِرِ فَإِنْ وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا فِي كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ نَقَلَ لَهُ حكمها بِنَصِّهِ وَكَانَ الْعَامِّيُّ فِيهَا مُقَلِّدًا صَاحِبَ الْمَذْهَبِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَهَذَا وَجَدْتُهُ فِي ضِمْنِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَالدَّلِيلُ يُعَضِّدُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا مَسْطُورَةً بِعَيْنِهَا لَمْ يَقِسْهَا عَلَى مَسْطُورٍ عِنْدَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مِنْ قِيَاسٍ لَا فَارِقٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ: فَإِنْ قِيلَ هَلْ لِمُقَلِّدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ قُلْنَا قَطَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ: وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ يَجُوزُ: قَالَ أبو عمر وقول مَنْ مَنَعَهُ مَعْنَاهُ لَا يَذْكُرُهُ عَلَى صُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَلْ يُضِيفُهُ إلَى إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَعَلَى هَذَا مَنْ عَدَّدْنَاهُ مِنْ الْمُفْتِينَ الْمُقَلِّدِينَ لَيْسُوا مُفْتِينَ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدُّوا عَنْهُمْ عُدُّوا مَعَهُمْ: وَسَبِيلُهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَثَلًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا أَوْ نَحْوَ هَذَا وَمَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْإِضَافَةَ فَهُوَ اكْتِفَاءٌ بِالْمَعْلُومِ مِنْ الْحَالِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْعَامِّيِّ إذَا عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِنَاءً عَلَى دَلِيلِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى عِلْمِهِ كَوُصُولِ الْعَالِمِ: وَالثَّانِي يَجُوزُ إنْ كَانَ دَلِيلُهَا كِتَابًا أَوْ سُنَّةً وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ غَيْرَهُمَا: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِينَ فِيهِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا الْإِفْتَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا اُسْتُفْتِيَ وَلَيْسَ فِي النَّاحِيَةِ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُهُ وَحَضَرَا فَالْجَوَابُ فِي حَقِّهِمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي مِثْلِهِ فِي الشَّهَادَةِ: وَلَوْ سَأَلَ عَامِّيٌّ عَمَّا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَجِبْ جوابه * (الثانية) إذا أفتى بشئ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ وَكَذَا إنْ نَكَحَ بِفَتْوَاهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحٍ بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ مُفَارَقَتُهَا كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مَنْ قَلَّدَهُ فِي الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ عَمِلَ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِنْ خَالَفَ دَلِيلًا قَاطِعًا لَزِمَ الْمُسْتَفْتِيَ نَقْضُ عَمَلِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي مَحِلِّ اجْتِهَادٍ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ وَأَبُو عَمْرٍو وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَإِذَا كَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ فَرَجَعَ لِكَوْنِهِ بَانَ لَهُ قَطْعًا مُخَالَفَةُ نَصِّ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَجَبَ نَقْضُهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ نَصَّ مَذْهَبِ إمَامِهِ فِي حَقِّهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ: أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِ الْمُفْتِي فَحَالُ الْمُسْتَفْتِي فِي عِلْمِهِ كَمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ إعْلَامُهُ قَبْلَ العمل وكذا بعده حيث يجب النقض: إذا عَمِلَ بِفَتْوَاهُ فِي إتْلَافٍ فَبَانَ خَطَؤُهُ وَأَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ فَعَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ قَصَّرَ كذا حكاه الشيخ

ابو عمر ووسكت عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ الضَّمَانُ على قولي الغرور والمعروفين فِي بَابَيْ الْغَصْبِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الضَّمَان إذْ لَيْسَ فِي الْفَتْوَى إلْزَامٌ ولا إلجاء (1) * (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَمَنْ عُرِفَ بِهِ حَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ: فَمِنْ التَّسَاهُلِ أَنْ لَا يَتَثَبَّتَ وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِالْمُبَادَرَةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الْمَاضِينَ مِنْ مُبَادَرَةٍ: وَمِنْ التَّسَاهُلِ أَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالشُّبَهِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ لِمَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ أَوْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضَرَّهُ وَأَمَّا مَنْ صَحَّ قَصْدُهُ فَاحْتَسَبَ فِي طَلَبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا لِتَخْلِيصٍ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ نَحْوِ هَذَا كَقَوْلِ سُفْيَانَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَنَا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُهُ كل احد: ومن الحبل الَّتِي فِيهَا شُبْهَةٌ وَيُذَمُّ فَاعِلُهَا الْحِيلَةُ السُّرَيْجِيَّةِ في سد باب الطلاق * (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتِيَ فِي حَالِ تغير خلقه وتشعل قَلْبِهِ وَيَمْنَعُهُ التَّأَمُّلَ كَغَضَبٍ وَجُوعٍ وَعَطَشٍ وَحُزْنٍ وَفَرَحٍ غَالِبٍ وَنُعَاسٍ أَوْ مَلَلٍ أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ: أَوْ مَرَضٍ مُؤْلِمٍ أَوْ مُدَافَعَةِ حَدَثٍ وَكُلِّ حَالٍ يَشْتَغِلُ فِيهِ قَلْبُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ فَإِنْ أَفْتَى فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصواب جاز وان كان مخاطرا بها * (الْخَامِسَةُ) الْمُخْتَارُ لِلْمُتَصَدِّي لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَهُ كِفَايَةٌ فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ: ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ أُجْرَةٍ أَصْلًا وَإِنْ لم يكن له زرق فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ يُفْتِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَاكِمِ: وَاحْتَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقُولَ يَلْزَمُنِي أَنْ أُفْتِيَك قَوْلًا وَأَمَّا كِتَابَةُ الْخَطِّ فَلَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى كِتَابَةِ الْخَطِّ جَازَ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ فَجَعَلُوا لَهُ رِزْقًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ يَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ جَازَ: أَمَّا الْهَدِيَّةُ فَقَالَ أَبُو مُظَفَّرٍ السَّمْعَانِيُّ لَهُ قَبُولُهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فانه يلزم حكمه: قال أبو عمر وينبغي أَنْ يَحْرُمَ قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ رِشْوَةً عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ كَمَا فِي الْحَاكِمِ وَسَائِرِ مَا لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ: قَالَ الْخَطِيبُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسِ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ مَا يُغْنِيهِ عن الاحتراف ويكون ذلك من البيت الْمَالِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ * (السَّادِسَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ اللَّافِظِ أَوْ مُتَنَزَّلًا مَنْزِلَتَهُمْ فِي الْخِبْرَةِ بِمُرَادِهِمْ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَعُرْفِهِمْ فيها * (السَّابِعَةُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَتْ فَتْوَاهُ نَقْلًا لِمَذْهَبِ إمَامٍ إذَا اعْتَمَدَ الْكُتُبَ أَنْ يَعْتَمِدَ إلَّا عَلَى كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ وَبِأَنَّهُ مَذْهَبُ ذَلِكَ الْإِمَامِ فَإِنْ وَثِقَ بِأَنَّ أَصْلَ التَّصْنِيفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَكِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ النُّسْخَةُ مُعْتَمَدَةً فَلْيَسْتَظْهِرْ بِنُسَخٍ مِنْهُ مُتَّفِقَةٍ وَقَدْ تَحْصُلُ لَهُ الثِّقَةُ مِنْ نُسْخَةٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا

_ (1) بهامش نسخة الاذرعي ما نصه: ولا في الغرور الزام ولا الجاء فقوله أو يقطع بعدم الضمان عجب اه

فصل في آداب الفتوى

فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ إذَا رَأَى الْكَلَامَ مُنْتَظِمًا وَهُوَ خَبِيرٌ فَطِنٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لِدُرْبَتِهِ مَوْضِعَ الْإِسْقَاطِ وَالتَّغْيِيرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ إلَّا فِي نُسْخَةٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو يَنْظُرُ فَإِنْ وَجَدَهُ مُوَافِقًا لِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَهْلٌ لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ فِي الْمَذْهَبِ لَوْ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ حِكَايَتَهُ عَنْ قَائِلِهِ فَلَا يَقُلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَثَلًا كَذَا وَلْيَقُلْ وَجَدْتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَا أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ وَنَحْوَ هَذَا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ سَبِيلَهُ النَّقْلُ الْمَحْضُ وَلَمْ يَحْصُلْ مَا يُجَوِّزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى مُفْصِحًا بِحَالِهِ فَيَقُولُ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِهِ (قُلْتُ) لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا اعْتَمَدَ النَّقْلَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِمُصَنَّفٍ وَمُصَنَّفَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ لِأَنَّ هَذَا الْمُفْتِيَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَنْقُلُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ وُثُوقٌ بِأَنَّ مَا فِي الْمُصَنَّفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أو الراجح منه لما فيها مِنْ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَشَكَّكُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى أُنْسٍ بِالْمَذْهَبِ بَلْ قَدْ يجزم نحو عشرة من المصنفين بشئ وَهُوَ شَاذٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَرُبَّمَا خَالَفَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَوْ نُصُوصًا لَهُ وَسَتَرَى فِي هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْثِلَةَ ذَلِكَ وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْكِتَابُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كُلِّ مُصَنَّفٍ وَيُعْلَمُ بِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عِلْمًا قَطْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (الثَّامِنَةُ) إذَا أَفْتَى فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ مِثْلُهَا فَإِنْ ذَكَرَ الْفَتْوَى الْأُولَى وَدَلِيلَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ الشَّرْعِ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا أَوْ إلَى مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُنْتَسِبًا أَفْتَى بِذَلِكَ بِلَا نَظَرٍ وَإِنْ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهَا وَلَا طَرَأَ مَا يُوجِبُ رُجُوعَهُ فَقِيلَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِذَلِكَ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَجْدِيدِ النَّظَرِ وَمِثْلُهُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا تَجْدِيدُ الطَّلَبِ فِي التَّيَمُّمِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِيهِمَا الْوَجْهَانِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَكَذَا الْعَامِّيُّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ فَسَأَلَ عَنْهَا ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ فَلْيَلْزَمْهُ السُّؤَالُ ثَانِيًا يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ عَنْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ السُّؤَالُ الاول للمشقة * (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي فَتْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَوْ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَوْ رِوَايَتَانِ أَوْ يُرْجَعُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ وَمَقْصُودُ الْمُسْتَفْتِي بَيَانُ مَا يَعْمَلُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِمَا هُوَ الرَّاجِحُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَوَقَّفَ حَتَّى يَظْهَرَ أَوْ يَتْرُكَ الْإِفْتَاءَ كَمَا كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي حِنْثِ النَّاسِي * فَصْلٌ فِي آدَابِ الْفَتْوَى فِيهِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَنْ يُبَيِّنَ الْجَوَابَ بَيَانًا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ ثُمَّ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ شِفَاهًا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِسَانَ الْمُسْتَفْتِي كَفَاهُ تَرْجَمَةُ ثِقَةٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَلَهُ الْجَوَابُ كِتَابَةً وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى خَطَرٍ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ كَثِيرَ الْهَرَبِ مِنْ الْفَتْوَى فِي الرِّقَاعِ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ كَوْنُ السُّؤَالِ

بِخَطِّ الْمُفْتِي فَأَمَّا بِإِمْلَائِهِ وَتَهْذِيبِهِ فَوَاسِعٌ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ قَدْ يَكْتُبُ السُّؤَالَ عَلَى وَرَقٍ لَهُ ثُمَّ يَكْتُبُ الْجَوَابَ وَإِذَا كان في الرقعة مسائل فالا حسن تَرْتِيبُ الْجَوَابِ عَلَى تَرْتِيبِ السُّؤَالِ وَلَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَلَا بَأْسَ: وَيُشْبِهُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت) * وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ لَمْ يُطْلِقْ الْجَوَابَ فَإِنَّهُ خَطَأٌ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَ السَّائِلَ إنْ حَضَرَ وَيُقَيِّدَ السُّؤَالَ فِي رُقْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يُجِيبَ وَهَذَا أَوْلَى وَأَسْلَمُ: وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَوَابِ أَحَدِ الْأَقْسَامِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِلسَّائِلِ وَيَقُولَ هَذَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَا وَلَهُ أَنْ يُفَصِّلَ الْأَقْسَامَ فِي جَوَابِهِ وَيَذْكُرَ حُكْمَ كُلِّ قِسْمٍ لَكِنَّ هَذَا كَرِهَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ المالكية وغيره وقالوا هذا تعليم للناس الْفُجُورَ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُفْتِي مَنْ يَسْأَلُهُ فصل الاقسام واجتهد في بيانها واستيفائها * (الثَّانِيَةُ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ عَلَى مَا عَلِمَهُ مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّقْعَةِ تَعَرُّضٌ لَهُ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ مَا فِي الرُّقْعَةِ فَإِنْ أَرَادَ جَوَابَ مَا لَيْسَ فِيهَا فَلْيَقُلْ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا وَكَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا: وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ السَّائِلُ لِحَدِيثِ هو الطهور ماؤه الحل ميتته (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ الْمُسْتَفْتِي بَعِيدَ الْفَهْمِ فَلْيَرْفُقْ بِهِ وَيَصْبِرْ عَلَى تَفَهُّمِ سُؤَالِهِ وَتَفْهِيمِ جَوَابِهِ فان ثوابه جزيل * (الرَّابِعَةُ) لِيَتَأَمَّلْ الرُّقْعَةَ تَأَمُّلًا شَافِيًا وَآخِرُهَا آكَدُ فَإِنَّ السُّؤَالَ فِي آخِرِهَا وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْجَمِيعُ بِكَلِمَةٍ فِي آخِرِهَا وَيُغْفَلُ عَنْهَا: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّهْلَةِ كَالصَّعْبَةِ لِيَعْتَادَهُ وَكَانَ مُحَمَّدُ بن الحسن يفعله: وإذا وجد مُشْتَبِهَةً سَأَلَ الْمُسْتَفْتِي عَنْهَا وَنَقَّطَهَا وَشَكَّلَهَا: وَكَذَا إنْ وَجَدَ لَحْنًا فَاحِشًا أَوْ خَطَأً يُحِيلُ الْمَعْنَى أَصْلَحَهُ: وَإِنْ رَأَى بَيَاضًا فِي أَثْنَاءِ سَطْرٍ أَوْ آخِرِهِ خَطَّ عَلَيْهِ أَوْ شَغَلَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الْمُفْتَى بِالْإِيذَاءِ فَكَتَبَ فِي الْبَيَاضِ بَعْدَ فَتْوَاهُ مَا يُفْسِدُهَا كَمَا بُلِيَ به القاضى أبو حامد المروروذى * (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى حَاضِرِيهِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَيُشَاوِرَهُمْ وَيُبَاحِثَهُمْ بِرِفْقٍ وَإِنْصَافٍ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ وَتَلَامِذَتَهُ لِلِاقْتِدَاءِ بِالسَّلَفِ وَرَجَاءِ ظُهُورِ مَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا يَقْبُحُ إبْدَاؤُهُ أَوْ يُؤْثِرُ السائل كتمانه أو في اشاعته مفسدة * (السَّادِسَةُ) لِيَكْتُبْ الْجَوَابَ بِخَطٍّ وَاضِحٍ وَسَطٍ لَا دَقِيقٍ خَافٍ وَلَا غَلِيظٍ جَافٍ وَيَتَوَسَّطْ فِي سُطُورِهَا بَيْنَ تَوْسِيعِهَا وَتَضْيِيقِهَا وَتَكُونُ عِبَارَةً وَاضِحَةً صَحِيحَةً تَفْهَمُهَا الْعَامَّةُ وَلَا يَزْدَرِيهَا الْخَاصَّةُ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ أَقْلَامُهُ وَخَطُّهُ خَوْفًا من التزويز ولئلا يشتبه خطه: قال الصيمري وقلما وجده التَّزْوِيرُ عَلَى الْمُفْتِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَسَ أمر الدين: وإذا كتب الجواب أعاد نطره فِيهِ خَوْفًا مِنْ اخْتِلَالٍ وَقَعَ فِيهِ أَوْ اخلال ببعض المسؤل عنه * (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِي فَالْعَادَةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنْ يَكْتُبَ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى مِنْ الورقة: قال الصيمري وغيره وأين كَتَبَ مِنْ وَسَطِ الرُّقْعَةِ أَوْ حَاشِيَتِهَا فَلَا عَتْبَ عَلَيْهِ: وَلَا يَكْتُبُ

فَوْقَ الْبَسْمَلَةِ بِحَالٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ إذَا أَرَادَ الْإِفْتَاءَ: وَجَاءَ عَنْ مَكْحُولٍ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا الله انهما كانا لا يفتيان حتي يقولا لاحول وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ: وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ (رَبِّ اشرح لى صدري) الْآيَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَعَادَةُ كَثِيرِينَ أن يبدؤا فَتَاوِيهِمْ الْجَوَابُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَحَذَفَ آخَرُونَ ذَلِكَ: قَالَ وَلَوْ عَمِلَ ذَلِكَ فِيمَا طَالَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاشْتَمَلَ عَلَى فُصُولٍ وَحَذَفَ فِي غَيْرِهِ كَانَ وَجْهًا (قُلْتُ) الْمُخْتَارُ قَوْلُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَأَحْسَنُهُ الِابْتِدَاءُ بِقَوْلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِحَدِيثِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ بِلِسَانِهِ وَيَكْتُبَهُ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَا يَدْعُ خَتْمَ جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَوْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ وَلَا يَقْبُحُ قَوْلُهُ الْجَوَابُ عِنْدَنَا أَوْ الَّذِي عِنْدَنَا أَوْ الَّذِي نَقُولُ بِهِ أَوْ نَذْهَبُ إلَيْهِ أَوْ نَرَاهُ كَذَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ: قَالَ وَإِذَا أَغْفَلَ السَّائِلُ الدُّعَاءَ لِلْمُفْتِي أَوْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْفَتْوَى أَلْحَقَ الْمُفْتِي ذَلِكَ بِخَطِّهِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ (قُلْتُ) وَإِذَا خَتَمَ الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَبَقَ فَلْيَكْتُبْ بَعْدَهُ كَتَبَهُ فُلَانٌ أَوْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ فَيَنْتَسِبُ إلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ صِفَةٍ ثُمَّ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ أَوْ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالِاسْمِ أَوْ غيره فلا بأس بالاقتصار عليه: قال الصيمر ى وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَكْتُبَ الْمُفْتِي بِالْمِدَادِ دُونَ الْحِبْرِ خَوْفًا مِنْ الْحَكِّ قَالَ وَالْمُسْتَحَبُّ الْحِبْرُ لَا غَيْرَ (قُلْتُ) لَا يَخْتَصُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَا بِالِاسْتِحْبَابِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ فَالْمُسْتَحَبُّ فِيهَا الْحِبْرُ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَالْحِبْرُ أَبْقَى: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيَنْبَغِي إذَا تَعَلَّقَتْ الْفَتْوَى بِالسُّلْطَانِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَيَقُولَ وَعَلَى وَلَيِّ الْأَمْرِ أَوْ السُّلْطَانِ أَصْلَحَهُ اللَّهُ أَوْ سَدَّدَهُ اللَّهُ أَوْ قَوَّى اللَّهُ عَزْمَهُ أَوْ أَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ أَوْ شَدَّ اللَّهُ أَزْرَهُ وَلَا يَقُلْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ السَّلَفِ * (قُلْتُ) نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ على كراهة قول أطال الله بقاك وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ نَحْوِ هذا من الدعاء بطول البقاء وأشباهه (الثَّامِنَةُ) لِيَخْتَصِرْ جَوَابَهُ وَيَكُونُ بِحَيْثُ تَفْهَمُهُ الْعَامَّةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَقُولُ يَجُوزُ أَوْ لَا يَجُوزُ أَوْ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ وَحَكَى شَيْخُهُ الصيمري عن شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَصِرُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ وَاسْتُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ آخِرُهَا يَجُوزُ أَمْ لَا فَكَتَبَ لَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ أَنَا أَصْدَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ الصَّلَاةُ لَعِبٌ وَشِبْهَ ذَلِكَ فَلَا يُبَادِرُ بِقَوْلِهِ هَذَا حَلَالُ الدَّمِ أَوْ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بَلْ يَقُولُ إنْ صَحَّ هَذَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ اسْتَتَابَهُ السُّلْطَانُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَعَلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ وَأَشْبَعَهُ: قَالَ وَإِنْ سئل عمن تكلم بشئ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا يُكَفَّرُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ قَالَ يسئل هَذَا الْقَائِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ كَذَا فَالْجَوَابُ كَذَا: وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ أَوْ قَلَعَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهَا احْتَاطَ فَذَكَرَ الشُّرُوطَ الَّتِي يَجِبُ بِجَمِيعِهَا الْقِصَاصُ: وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ ذَكَرَ مَا يُعَزَّرُ بِهِ فيقول يضر به السُّلْطَانُ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُزَادُ عَلَى كَذَا هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمَا: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَلَوْ كَتَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ التَّعْزِيرُ بِشَرْطِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقٍ بَلْ تَقْيِيدُهُ

بِشَرْطِهِ يَحْمِلُ الْوَالِيَ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ شَرْطِهِ والبيان أولى (الْعَاشِرَةُ) يَنْبَغِي إذَا ضَاقَ مَوْضِعُ الْجَوَابِ أَنْ لَا يَكْتُبَهُ فِي رُقْعَةٍ أُخْرَى خَوْفًا مِنْ الْحِيلَةِ وَلِهَذَا قَالُوا يَصِلُ جَوَابَهُ بِآخِرِ سَطْرٍ وَلَا يَدَعُ فُرْجَةً لِئَلَّا يَزِيدَ السَّائِلُ شَيْئًا يُفْسِدُهَا: وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْجَوَابِ وَرَقَةً مُلْصَقَةً كَتَبَ عَلَى الْإِلْصَاقِ وَلَوْ ضَاقَ بَاطِنُ الرُّقْعَةِ وَكَتَبَ الْجَوَابَ فِي ظَهْرِهَا كَتَبَهُ فِي أَعْلَاهَا إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَسْفَلِهَا مُتَّصِلًا بِالِاسْتِفْتَاءِ فَيَضِيقَ الْمَوْضِعُ فَيُتِمَّهُ فِي أَسْفَلِ ظَهْرِهَا لِيَتَّصِلَ جَوَابُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى ظَهْرِهَا لاعلى حَاشِيَتِهَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الصَّيْمَرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ حَاشِيَتَهَا أَوْلَى مِنْ ظَهْرِهَا: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَمْرُ في ذلك قريب (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا ظَهَرَ لِلْمُفْتِي أَنَّ الْجَوَابَ خلاف غرض المستفتى وانه لَا يَرْضَى بِكِتَابَتِهِ فِي وَرَقَتِهِ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مُشَافَهَتِهِ بِالْجَوَابِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَمِيلَ فِي فَتْوَاهُ مَعَ الْمُسْتَفْتِي أَوْ خَصْمِهِ وَوُجُوهُ الْمَيْلِ كَثِيرَةٌ لا تخفى: ومنها أَنْ يَكْتُبَ فِي جَوَابِهِ مَا هُوَ لَهُ وَيَتْرُكَ مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ في مسائل الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ بِوُجُوهِ الْمُخَالِصِ مِنْهَا وَإِذَا سَأَلَهُ أحدهم وقال بأى شئ تَنْدَفِعُ دَعْوَى كَذَا وَكَذَا أَوْ بَيِّنَةُ كَذَا وكذا لم يجبه كيلا يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ وَلَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا شرحه له عَرَّفَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ دَافِعٍ وَغَيْرِ دَافِعٍ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إذَا رَأَى لِلسَّائِلِ طريقا يرشده إليه أن يُنَبِّهُهُ عَلَيْهِ يَعْنِي مَا لَمْ يَضُرَّ غَيْرَهُ ضررا بغير حق قال كمن حلف لا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ شَهْرًا يَقُولُ يُعْطِيهَا مِنْ صداقها أو قرضا أو بيعا ثم يُبْرِيهَا (1) وَكَمَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَلَفْتُ أَنِّي أَطَأُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَا أُكَفِّرُ وَلَا أَعْصِي فقال سافر بها * (الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا رَأَى الْمُفْتِي المصلحة أن يفتى العامي بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُ وَلَهُ فِيهِ تَأْوِيلٌ جَازَ ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه سئل عن توبة القاتل فَقَالَ لَا تَوْبَةَ لَهُ وَسَأَلَهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ تَوْبَةٌ ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَأَيْتُ فِي عَيْنِهِ إرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْتُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فجاء مستكينا قد قتل فلم أفطه: قال الصيمري وكذ إنْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنْ قَتَلْتُ عَبْدِي هل عَلَيَّ قِصَاصٌ فَوَاسِعٌ أَنْ يَقُولَ إنْ قَتَلْتَ عَبْدَكَ قَتَلْنَاكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ ولان القتل له معان قال وَلَوْ سُئِلَ عَنْ سَبِّ الصَّحَابِيِّ هَلْ يُوجِبُ القتل فواسع أن يقول رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاقْتُلُوهُ فَيَفْعَلُ كُلَّ هَذَا زَجْرًا لِلْعَامَّةِ وَمَنْ قَلَّ دِينُهُ ومرؤته (2) * (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّقَاعِ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ (3) كَمَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي فِي الْخُصُومِ وَهَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِفْتَاءُ فَإِنْ تَسَاوَوْا أَوْ جَهِلَ السَّابِقَ قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ الَّذِي شَدَّ رَحْلَهُ وَفِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَبَقَهُمَا إلَّا إذَا كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ بِحَيْثُ يَلْحَقُ غَيْرُهُمْ بِتَقْدِيمِهِمْ ضَرَرٌ كَثِيرٌ فَيَعُودُ بِالتَّقْدِيمِ بالسبق

_ (1) قوله ثم يبرئها عائدا إلى القرض والبيع فقط: واما الصداق فلا يتصور ان يبرئها منه ولكن الظاهر من فحوى كلامه ان الابراء عائد إلى الجميع لانه قصد الخلاص من اليمين من غير ضرر على الغير وإذا انفقت من صداقها حصل لها الضرر: كذا في نسخة الاذرعي (2) قلت هذا إذا علم انه لا يعمل بما يقوله اما لو علم كما لو كان السائل اميرا أو نحوه فلا نجيبه الا بما يعتقده في المسألة اه من هامش نسخة الاذرعي (3) قلت وهذا ظاهر فيما إذا ظهر له الجواب في الجميع في الحال اما لو ظهر له جواب المتأخر دون السابق واحتاج سؤال السابق إلى فكر ونظر في زمن طويل فالظاهر انه يكتب جواب المتأخر ولا يحبسه ويبين للسابق سبب تقديم غيره وعليه لئلا يظن ايثاره وميله اه من هامش نسخة الاذرعي

أَوْ الْقُرْعَةِ ثُمَّ لَا يُقَدِّمُ أَحَدًا إلَّا في فتيا واحدة * (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو إذَا سُئِلَ عَنْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْوَرَثَةِ عَدَمَ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهَا من مواضع الْمِيرَاثِ بَلْ الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ ما إذا اطلق الاخوة والاخوات والاعمام وبينهم فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ: أَوْ مِنْ أَبٍ: أَوْ مِنْ أُمٍّ: وَإِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ عَوْلٍ كَالْمِنْبَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَبِنْتَانِ فَلَا يَقُلْ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ وَلَا التُّسُعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْهُ أَحَدٌ من السلف بل يقل لَهَا الثُّمُنُ عَائِلًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ يَقُولُ مَا قَالَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا: وَإِذَا كَانَ فِي الْمَذْكُورِينَ فِي رُقْعَةِ الِاسْتِفْتَاءِ مَنْ لَا يَرِثُ أَفْصَحَ بِسُقُوطِهِ فَقَالَ وَسَقَطَ فُلَانٌ: وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ قَالَ وَسَقَطَ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِحَالٍ: وَإِذَا سُئِلَ عَنْ إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْعَامِّيِّ بَلْ يَقُولُ يَقْتَسِمُونَ التَّرِكَةَ عَلَى كَذَا وَكَذَا سَهْمًا لِكُلِّ ذَكَرٍ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا وَلِكُلِّ أُنْثَى كَذَا وَكَذَا سَهْمًا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ وَنَحْنُ نَجِدُ فِي تَعَمُّدِ الْعُدُولِ عَنْهُ حَزَازَةً فِي النَّفْسِ لِكَوْنِهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وانه قل ما يَخْفَى مَعْنَاهُ عَلَى أَحَدٍ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِ مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ شَدِيدَ التَّحَرُّزِ وَالتَّحَفُّظِ وليقل فيها لفلان كذا كذا: ميراثه من ثُمَّ مِنْ أَخِيهِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَخْتَارُ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا: مِيرَاثُهُ عَنْ أَبِيهِ كَذَا وَعَنْ أُمِّهِ كَذَا وعن أخيه كَذَا قَالَ وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ وصية (1) ان كانا * (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا رَأَى الْمُفْتِي رُقْعَةَ الِاسْتِفْتَاءِ وَفِيهَا خَطّ غَيْره ممن هُوَ أَهْل للفتوى وَخَطُّهُ فِيهَا مُوَافِقٌ لِمَا عِنْدَهُ قَالَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ كَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِ هَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ وَبِهِ أَقُولُ أَوْ كَتَبَ جَوَابِي مِثْلُ هَذَا وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَ الْحُكْمَ بِعِبَارَةٍ أَلْخَصُ مِنْ عِبَارَةِ الَّذِي كَتَبَ: وَأَمَّا إذَا رَأَى فِيهَا خَطَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْفَتْوَى فَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لا يفتى معه لان في ذلك تقريرا منه لمنكربل يَضْرِبُ عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرِ صَاحِبِ الرُّقْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ جَازَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ احْتِبَاسُ الرُّقْعَةِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالَ وَلَهُ انْتِهَارُ السَّائِلِ وَزَجْرُهُ وَتَعْرِيفُهُ قُبْحَ مَا أَتَاهُ وَأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ أَهْلٍ لِلْفَتْوَى وَطَلَبُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ: وَإِنْ رَأَى فِيهَا اسْمَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَوَاسِعٌ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْفَتْوَى مَعَهُ خَوْفًا مِمَّا قُلْنَاهُ. قَالَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا يَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ وَالْأَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُشَارَ عَلَى صَاحِبِهَا بِإِبْدَالِهَا فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَجَابَهُ شِفَاهًا: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَإِذَا خَافَ فِتْنَةً مِنْ الضَّرْبِ عَلَى فُتْيَا العادم للاهلية ولم تَكُنْ خَطَأً عَدَلَ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْفُتْيَا معه فان غلبت فتاويه لتغلبه على مَنْصِبِهَا بِجَاهٍ أَوْ تَلْبِيسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بحيث صار امتناع الاهل من الفتيا مَعَهُ ضَارًّا بِالْمُسْتَفْتِينَ فَلْيُفْتِ مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ الضَّرَرَيْنِ وَلْيَتَلَطَّفْ مَعَ ذَلِكَ فِي إظْهَارِ قُصُورِهِ لِمَنْ يَجْهَلُهُ أَمَّا إذَا وَجَدَ فُتْيَا من هو اهل وهى خطأ مطلقا

_ (1) ينبغي ان لا يطلق لفظ قديم الوصية لئلا يتوهم وجوب تقديمها مطلقا وان زادت على الثلث أو كانت لوارث بل يقيد ذلك ولا يغني العامي قوله ما يجب تقديمه لانه لا يفهم منه المقصود أه من نسخة الاذرعي

بِمُخَالِفَتِهَا الْقَاطِعَ أَوْ خَطَأٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يفتى ذلك المخطئ عَلَى مَذْهَبِهِ قَطْعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ من الافتاء تاركا للتنبيه على خَطَئِهَا إذَا لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ غَيْرُهُ بَلْ عليه الضرب عليها عند تيسره أو الا بذال وَتَقْطِيعُ الرُّقْعَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وإذا تعذر ذلك وما يقوم مقامه كتب صَوَابَ جَوَابِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْخَطَأِ ثُمَّ إنْ كان الخطئ اهلا للفتوى فحسن ان تعاد إلَيْهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا أَمَّا إذَا وَجَدَ فِيهَا فُتْيَا أَهْلٍ لِلْفَتْوَى وَهِيَ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَاهُ هُوَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِخَطَئِهَا فليقتصر على كتب جواب نفسة ولا يَتَعَرَّضُ لِفُتْيَا غَيْرِهِ بِتَخْطِئَةٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ: قَالَ صاحب الحاوى لا يسوغ لمفت إذا استفتى ان يتعرض لجواب غيره ترد ولا تخطئة ويجيب بما عنده من موافقة أو مخالفة (1) * (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْمُفْتِي السُّؤَالَ أَصْلًا وَلَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ يَكْتُبُ يُزَادُ فِي الشَّرْحِ لِيُجِيبَ عَنْهُ أَوْ لَمْ أَفْهَمْ مَا فِيهَا فَأُجِيبُ قَالَ وَقَالَ بعضهم لا يكتب شيئا أصلا قال ورأيت بَعْضَهُمْ كَتَبَ فِي هَذَا يَحْضُرُ السَّائِلُ لِنُخَاطِبَهُ شِفَاهًا وَقَالَ الْخَطِيبُ يَنْبَغِي لَهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْجَوَابَ أَنْ يُرْشِدَ الْمُسْتَفْتِيَ إلَى مُفْتٍ آخر ان كَانَ وَإِلَّا فَلْيُمْسِكْ حَتَّى يَعْلَمَ الْجَوَابَ: قَالَ الصيمري وإذا كان في رقعة الاستفتاء مَسَائِلَ فَهِمَ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ أَوْ فَهِمَهَا كُلَّهَا وَلَمْ يُرِدْ الْجَوَابَ فِي بَعْضِهَا أَوْ احْتَاجَ فِي بَعْضِهَا إلَى تَأَمُّلٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ أَجَابَ عَمَّا أَرَادَ وَسَكَتَ عَنْ الْبَاقِي وَقَالَ لَنَا فِي الْبَاقِي نَظَرٌ أَوْ تَأَمُّلٌ أَوْ زيادة نظر * (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يَذْكُرَ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ الْحُجَّةَ إذَا كَانَتْ نَصًّا وَاضِحًا مُخْتَصَرًا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يَذْكُرُ الْحُجَّةَ إنْ أَفْتَى عَامِّيًّا وَيَذْكُرُهَا إنْ أَفْتَى فَقِيهًا كَمَنْ يُسْأَلُ عَنْ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ فَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ: أَوْ عَنْ رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَقُولُ لَهُ رَجَعْتُهَا قال الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن) : قال ولم تجز الْعَادَةُ أَنْ يَذْكُرَ فِي فَتْوَاهُ طَرِيقَ الِاجْتِهَادِ ووجهة الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قرض فَيُومِئُ فِيهَا إلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَيَلُوحُ بِالنُّكْتَةِ وَكَذَا إذَا أَفْتَى غَيْرَهُ فِيهَا بِغَلَطٍ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِيمَا يُفْتِي بِهِ غُمُوضٌ فَحَسَنٌ أَنْ يَلُوحَ بِحُجَّتِهِ: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَذْكُرُ حُجَّةً لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْفُتْيَا وَالتَّصْنِيفِ قَالَ وَلَوْ سَاغَ التَّجَاوُزُ إلَى قَلِيلٍ لَسَاغَ إلَى كَثِيرٍ وَلَصَارَ الْمُفْتِي مُدَرِّسًا وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ صَاحِبِ الْحَاوِي الْمَنْعَ: وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُفْتِي فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ إلَى أَنْ يُشَدِّدَ وَيُبَالِغَ فَيَقُولُ وَهَذَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا أَوْ فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْوَاجِبَ وَعَدَلَ عَنْ الصَّوَابِ أَوْ فَقَدْ أَثِمَ وَفَسَقَ أَوْ وَعَلَى وَلَيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا وَلَا يُهْمِلَ الْأَمْرَ وما أشبه هذه الا لفاظ على حسب ما تقتضيه المصلحة وتوجبه الحال * (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ الله ليس له إذا استفتى في شئ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ أَنْ يُفْتِيَ بِالتَّفْصِيلِ بَلْ يَمْنَعُ مُسْتَفْتِيَهُ وَسَائِرَ الْعَامَّةِ مِنْ الْخَوْضِ فِي ذلك أو في شئ منه وان قل ويأمرهم

_ (1) وفي هامش نسخة الاذرعي ما نصه: قلت لعل مراده ما إذا كان الجواب محملا أما إذا كان غلطا فالوجه التنبيه عليه لئلا يعمل به وكذا لو كان مما يقتضي لمثله الحكم وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يصنع هذا: اه

بِأَنْ يَقْتَصِرُوا فِيهَا عَلَى الْإِيمَانِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَقُولُوا فِيهَا وَفِي كُلِّ مَا وَرَدَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا الْمُتَشَابِهَةِ إنَّ الثَّابِتَ فِيهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَا هُوَ اللَّائِقُ فِيهَا بِجَلَالِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكَمَالِهِ وتقديسه المطلق فيقول ذلك مُعْتَقِدُنَا فِيهَا وَلَيْسَ عَلَيْنَا تَفْصِيلُهُ وَتَعْيِينُهُ وَلَيْسَ الْبَحْثُ عَنْهُ مِنْ شَأْنِنَا بَلْ نَكِلُ عِلْمَ تَفْصِيلِهِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنَصْرِفُ عَنْ الْخَوْضِ فِيهِ قُلُوبَنَا وَأَلْسِنَتَنَا فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الصَّوَابُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ وَهُوَ سَبِيلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَهُوَ أَصْوَنُ وَأَسْلَمُ لِلْعَامَّةِ وَأَشْبَاهِهِمْ: ومن كان منهم اعتقد اعتقاد بَاطِلًا تَفْصِيلًا فَفِي هَذَا صَرْفٌ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ وَأَسْلَمُ: وَإِذَا عَزَّرَ وَلِيُّ الْأَمْرِ مَنْ حَادَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَدْ تَأَسَّى بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَعْزِيرِ صبيع بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى ذَلِكَ: قَالَ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعْتَرِفُونَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَبِأَنَّهَا أَسْلَمُ لِمَنْ سَلِمَتْ لَهُ وَكَانَ الْغَزَالِيُّ مِنْهُمْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ شَدِيدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْبَرْهَنَةِ عَلَيْهَا وَذَكَرَ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الغيائى أَنَّ الْإِمَامَ يَحْرِصُ مَا أَمْكَنَهُ عَلَى جَمْعِ عامة الْخَلْقِ عَلَى سُلُوكِ سَبِيلِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ: وَاسْتُفْتِيَ الْغَزَالِيُّ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ وَأَمَّا الْخَوْضُ فِي أَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى حَرْفٌ وَصَوْتٌ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ مَنْ يَدْعُو الْعَوَامَّ إلَى الْخَوْضِ فِي هَذَا فَلَيْسَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُضِلِّينَ وَمِثَالُهُ مَنْ يَدْعُو الصِّبْيَانَ الَّذِينَ لَا يُحْسِنُونَ السِّبَاحَةَ إلَى خَوْضِ الْبَحْرِ: وَمَنْ يَدْعُو الزَّمِنَ الْمُقْعَدَ إلَى السَّفَرِ في البراري من غير مركوب: وقال في رِسَالَةٍ لَهُ الصَّوَابُ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ إلَّا الشَّاذَّ النَّادِرَ الَّذِي لَا تَسْمَحُ الْأَعْصَارُ إلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ اثْنَيْنِ سُلُوكُ مَسْلَكِ السَّلَفِ فِي الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما أزله اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَتَفْتِيشٍ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّقْوَى فَفِيهِ شُغْلٌ شَاغِلٌ: وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي كِتَابِهِ أَدَبُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي إنَّ مِمَّا أجمع عليه أهل التقوى أَنَّ مَنْ كَانَ مَوْسُومًا بِالْفَتْوَى فِي الْفِقْهِ لَمْ يَنْبَغِ وَفِي نُسْخَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَضَعَ خَطَّهُ بِفَتْوَى فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ قَالَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَتِمُّ قِرَاءَةَ مِثْلَ هَذِهِ الرُّقْعَةِ قَالَ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكْتُبَ لَيْسَ هَذَا مِنْ عِلْمِنَا أَوْ ما جلسنا لهذا أو السؤال عَنْ غَيْرِ هَذَا أَوْلَى بَلْ لَا يَتَعَرَّضُ لشئ مِنْ ذَلِكَ. وَحَكَى الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو عمر بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْكَلَامِ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى قَالَ وَإِنَّمَا خَالَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ: قَالَ الشَّيْخُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُؤْمَنُ فِي تَفْصِيلِ جَوَابِهَا مِنْ ضَرَرِ الْخَوْضِ الْمَذْكُورِ جَازَ الْجَوَابُ تَفْصِيلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَوَابُهَا مُخْتَصَرًا مَفْهُومًا لَيْسَ لَهَا أطراف يتجاذبها المتنازعون والسؤال عنه صدر عَنْ مُسْتَرْشِدٍ خَاصٍّ مُنْقَادٍ أَوْ مِنْ عَامَّةٍ قَلِيلَةِ التَّنَازُعِ وَالْمُمَارَاةِ وَالْمُفْتِي مِمَّنْ يَنْقَادُونَ لِفَتْوَاهُ وَنَحْوَ هَذَا وَعَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ بُغْضِ الْفَتْوَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ وَذَلِكَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ نادر والله أعلم * (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وإذا سئل فَقِيهٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فان كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ أَجَابَ عَنْهَا وَكَتَبَ خَطَّهُ بِذَلِكَ كَمَنْ سَأَلَ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَالْقُرْءِ وَمَنْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ كَالسُّؤَالِ عَنْ

فصل في آداب المستفتي وصفته وأحكامه

الرقيم والنقير وَالْغِسْلِينَ رَدَّهُ إلَى أَهْلِهِ وَوَكَلَهُ إلَى مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَلَوْ أَجَابَهُ شِفَاهًا لَمْ يُسْتَقْبَحْ هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَالْخَطِيبِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَحْسُنُ كِتَابَتُهُ لِلْفَقِيهِ الْعَارِفِ بِهِ لَكَانَ حَسَنًا وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَصْلٌ فِي آدَابِ الْمُسْتَفْتِي وَصِفَتِهِ وَأَحْكَامِهِ: فِيهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا فِي صِفَةِ الْمُسْتَفْتِي كُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ درجة المفتى فهو فيما يسئل عَنْهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُسْتَفْتٍ مُقَلِّدٌ مَنْ يُفْتِيه وَالْمُخْتَارُ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْإِصْرَارُ عَلَى الْخَطَأِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ عَلَى عَيْنِ مَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِفْتَاءُ إذَا نَزَلَتْ بِهِ حَادِثَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ عِلْمُ حُكْمِهَا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِبَلَدِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّحِيلُ إلَى من يفتيه وان بعدت دراه وَقَدْ رَحَلَ خَلَائِقُ مِنْ السَّلَفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الواحدة الليالى والايام * (الثَّانِيَةُ) يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا الْبَحْثُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ أَهْلِيَّةُ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ لِلْإِفْتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِأَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى الْعِلْمِ وَانْتَصَبَ لِلتَّدْرِيسِ وَالْإِقْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَاصِبِ الْعُلَمَاءِ بِمُجَرَّدِ انْتِسَابِهِ وَانْتِصَابِهِ لِذَلِكَ وَيَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ اسْتَفَاضَ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْفَتْوَى: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ أَنَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى لَا شُهْرَتَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُكْتَفَى بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا بِالتَّوَاتُرِ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ وَالشُّهْرَةَ بَيْنَ الْعَامَّةِ لَا يُوثَقُ بِهَا وَقَدْ يَكُونُ أَصْلُهَا التَّلْبِيسَ: وَأَمَّا التَّوَاتُرُ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مَعْلُومٍ مَحْسُوسٍ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَيْهَا إخْبَارٌ مِنْهُ بِأَهْلِيَّتِهِ فَإِنَّ الصُّورَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ وُثِقَ بِدِيَانَتِهِ: وَيَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ أَخْبَرَ الْمَشْهُورُ المذكور بأهليته: قال الشيخ أبو إسحاق المنصف رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ يُقْبَلُ فِي أَهْلِيَّتِهِ خَبَرُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَيَنْبَغِي أَنْ نَشْتَرِطَ فِي الْمُخْبِرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْبَصَرِ مَا يُمَيِّزُ بِهِ الْمُلْتَبِسَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَبَرِ آحَادِ الْعَامَّةِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِمْ مِنْ التَّلْبِيسِ فِي ذَلِكَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَجُوزُ اسْتِفْتَاؤُهُمْ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ في أعلمهم والبحث عن الاعلم والاورع الاوثق لِيُقَلِّدَهُ دُونَ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (1) أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ بَلْ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَهْلٌ وَقَدْ أَسْقَطْنَا الِاجْتِهَادَ عَنْ الْعَامِّيِّ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا * وَالثَّانِي يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِاجْتِهَادِ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَاخْتِيَارُ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْأَوَّلِينَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنْ مَتَى اطَّلَعَ عَلَى الْأَوْثَقِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ كَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ أَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقِ الرِّوَايَتَيْنِ فَعَلَى هذا يلزمه تقليد الاورع من

_ 1) ينبغي ان يكون محل الخلاف في مفتين مجتهدين أو مختلفي المذهب واما إذا كانا مقلدين في مذهب فلا يتجه خلاف اللهم الا ان يكون في تلك المسألة اختلاف قول في مذهبهما وكل واحد منهما اهلا للترجيح أو التخريج وإذا لم يكن خلاف فلا وجه للخلاف اه من هامش نسخة الاذرعي:

الْعَالِمِينَ وَالْأَعْلَمِ مِنْ الْوَرِعِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَوَرَعَ قَلَّدَ الْأَعْلَمَ عَلَى الْأَصَحِّ: وَفِي جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَصْحَابِهَا وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِهَا بَعْدَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَلِأَنَّ مَوْتَ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ فِسْقِهِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ أَهْلِيَّتِهِ كَالْفَاسِقِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا فِي هذه الاعصار * (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَخَيَّرَ وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ قَالَ الشَّيْخُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ بَنَيْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي أَنَّ الْعَامِّيَّ هَلْ لَهُ مَذْهَبٌ أَمْ لَا أَحَدُهُمَا لَا مَذْهَبَ لَهُ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ لِعَارِفِ الْأَدِلَّةِ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ حَنَفِيٍّ وشافعي غيرهما: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ لَهُ مَذْهَبٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَتُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمُفْتِي الْمُنْتَسِبِ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إمَامَهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَسِبًا بُنِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ بَرْهَانٍ فِي أَنَّ العامي هل يلزمه ان يتذهب بمذهب معين يأخذ بزخصه وَعَزَائِمِهِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَخُصَّ بِتَقْلِيدِهِ عَالِمًا بِعَيْنِهِ: فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ أَشَدِّ الْمَذَاهِبِ وَأَصَحِّهَا أَصْلًا لِيُقَلِّدَ أَهْلَهُ فِيهِ وجهان مذكور ان كَالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْأَعْلَمِ وَالْأَوْثَقِ من المفتيين وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا وَهُوَ جَارٍ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ سَائِرِ الْعُلُومِ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّبَاعُ أَيِّ مَذْهَبٍ شاء لا فضى إلَى أَنْ يَلْتَقِطَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مُتَّبِعًا هَوَاهُ وَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى انْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ الْمَذَاهِبُ الْوَافِيَةُ بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مُهَذَّبَةً وَعُرِفَتْ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اخْتِيَارِ مَذْهَبٍ يُقَلِّدُهُ عَلَى التَّعْيِينِ وَنَحْنُ نُمَهِّدُ لَهُ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ فِي اجْتِهَادِهِ سَهْلًا فَنَقُولُ أَوَّلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ التَّشَهِّي وَالْمَيْلَ إلَى مَا وجد عليه أباءه وليس له التذهب بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَإِنْ كَانُوا أَعْلَمَ وأعلا دَرَجَةٍ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِتَدْوِينِ الْعِلْمِ وَضَبْطِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مَذْهَبٌ مُهَذَّبٌ مُحَرَّرٌ مُقَرَّرٌ وَإِنَّمَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ النَّاحِلِينَ لِمَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْقَائِمِينَ بِتَمْهِيدِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ قَبْلَ وُقُوعِهَا النَّاهِضِينَ بِإِيضَاحِ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا: وَلَمَّا كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ تَأَخَّرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي الْعَصْرِ وَنَظَرَ فِي مَذَاهِبِهِمْ نَحْوَ نَظَرِهِمْ فِي مَذَاهِبِ مَنْ قَبْلَهُمْ فَسَبَرَهَا وَخَبَرَهَا وَانْتَقَدَهَا وَاخْتَارَ أَرْجَحَهَا وَوَجَدَ مَنْ قَبْلَهُ قَدْ كَفَاهُ مُؤْنَةُ التَّصْوِيرِ وَالتَّأْصِيلِ فَتَفَرَّغَ للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح مع كمال مَعْرِفَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي الْعُلُومِ وَتَرَجُّحِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَبَقَهُ ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ مَنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ فِي ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبُهُ أَوْلَى الْمَذَاهِبِ بِالِاتِّبَاعِ وَالتَّقْلِيدِ وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِنْصَافِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْقَدْحِ فِي أحد من الْأَئِمَّةِ جَلِيٌّ وَاضِحٌ إذَا تَأَمَّلَهُ الْعَامِّيُّ قَادَهُ إلى اختيار مذهب الشافعي والتذهب به * (الرَّابِعَةُ) إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فَتْوَى مُفْتِيَيْنِ فَفِيهِ خمسة أوجه للاصحاب: أحدها يأخذ أغلظهما. والثاني وأخفهما. وَالثَّالِثُ يَجْتَهِدُ فِي الْأَوْلَى فَيَأْخُذُ بِفَتْوَى الْأَعْلَمِ الْأَوْرَعِ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَاخْتَارَهُ

السَّمْعَانِيُّ الْكَبِيرُ (1) وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْقِبْلَةِ. وَالرَّابِعُ يَسْأَلُ مُفْتِيًا آخَرَ فَيَأْخُذُ بِفَتْوَى مَنْ وَافَقَهُ. وَالْخَامِسُ يَتَخَيَّرُ فَيَأْخُذُ بِقَوْلِ أَيُّهُمَا شَاءَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي أَوَّلِ الْمَجْمُوعِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِيمَا إذَا تَسَاوَى الْمُفْتِيَانِ فِي نَفْسِهِ (2) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو الْمُخْتَارُ إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ الْأَرْجَحِ فَيَعْمَلَ بِهِ فَإِنَّهُ حُكْمُ التَّعَارُضِ فيبحث عن الاوثق من المفتيين فَيَعْمَلُ بِفَتْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا اسْتَفْتَى آخَرَ وَعَمِلَ بِفَتْوَى مَنْ وَافَقَهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَقَبْلَ الْعَمَلِ اخْتَارَ التَّحْرِيمَ فَإِنَّهُ أَحْوَطُ وَإِنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ خَيَّرْنَاهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَبَيْنَا التَّخْيِيرَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَفِي صُورَةٍ نَادِرَةٍ: قَالَ الشَّيْخُ ثُمَّ إنَّمَا نُخَاطِبُ بما ذكرناه المفتيين: وأما العامي الذى وقع له ذلك فَحُكْمُهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ ذَيْنَكَ الْمُفْتِيَيْنِ أؤ مُفْتِيًا آخَرَ وَقَدْ أَرْشَدَنَا الْمُفْتِي إلَى مَا يُجِيبُهُ بِهِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ بَلْ الْأَظْهَرُ أَحَدُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَامِسَ أَظْهَرُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا فَرْضُهُ أَنْ يُقَلِّدَ عَالِمًا أَهْلًا لِذَلِكَ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَخْذِهِ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقِبْلَةِ أَنَّ أَمَارَتِهَا حِسِّيَّةٌ فَإِدْرَاكُ صَوَابِهَا أَقْرَبُ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا وَالْفَتَاوَى أَمَارَتُهَا مَعْنَوِيَّةٌ فَلَا يَظْهَرُ كَبِيرُ تَفَاوُتٍ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَاَللَّهُ أعلم * (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَّا مُفْتٍ وَاحِدٌ فَأَفْتَاهُ لَزِمَهُ فَتْوَاهُ: وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سَمِعَ الْمُسْتَفْتِي جَوَابَ الْمُفْتِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِالْتِزَامِهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا أَخَذَ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِحَّتُهُ قَالَ السَّمْعَانِيُّ وَهَذَا أَوْلَى الْأَوْجُهِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو لَمْ أَجِدْ هَذَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ حَكَى هُوَ بَعْدَ ذلك عن بعض الا صوليين أَنَّهُ إذَا أَفْتَاهُ بِمَا هُوَ مُخْتَلِفٌ فِيهِ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ وَيَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِفُتْيَا مَنْ اختاره باجتهاده: قال الشيخ والذى تقضيه الْقَوَاعِدُ أَنْ نُفَصِّلَ فَنَقُولُ إذَا أَفْتَاهُ الْمُفْتِي نَظَرَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُفْتٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِفُتْيَاهُ (3) وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْتِزَامِهِ لَا بِالْأَخْذِ فِي الْعَمَلِ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَيْضًا عَلَى سُكُونِ نَفْسِهِ إلَى صِحَّتِهِ: وَإِنْ وَجَدَ مُفْتٍ آخَرَ فَإِنْ اسْتَبَانَ ان الذى أفتاه هو الا علم الا وثق لزمه ما أفتاه به بنإ على الا صح فِي تَعَيُّنِهِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَفْتَاهُ بِمُجَرَّدِ إفْتَائِهِ إذْ يَجُوزُ لَهُ اسْتِفْتَاءُ غَيْرِهِ وَتَقْلِيدُهُ وَلَا يَعْلَمُ اتِّفَاقَهُمَا فِي الْفَتْوَى فَإِنْ وُجِدَ الِاتِّفَاقُ أَوْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ حَاكِمٌ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ *

_ (1) انما قال الشيخ رحمه الله الكبير لئلا يتوهم انه أبو سعيد السمعاني اه من هامش نسخة الاذرعي: (2) وفي هامش نسخة الاذرعي ما نصه: ذكر الجيلي في مقدمة كتابه الاعجاز انه قيل انه يرجع إلى فتوى قلبه ويعمل به اه قلت وكأن قائله اخذه من ظاهر الحديث " استفتي قلبك وان أفتاك الناس وأفتوك " واطلاق القول بانه يعمل بفتوى قلبه لا سبيل إليه ومجوز ان يأتي وجه آخر انه يجب عليه العمل بفتوى الاول وكأنه بسؤاله له التزم تقليده اه (3) فعلى هذا وما سبق في أول المسألة الاطلاق بان فتوى المفتي ليست ملزمة ليس بجيد فينبغي ان يقال الا في صورة أو الا ما استثنى فان الفتيا هنا كحكم الحاكم اه من هامش نسخة الاذرعي:

(السَّادِسَةُ) إذَا اُسْتُفْتِيَ فَأَفْتَى ثُمَّ حَدَثَتْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ رأى المفتى والثانى يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (1) لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْمُفْتَى عَلَيْهِ: وَخَصَّصَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا قَلَّدَ حَيًّا وَقَطَعَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ مَيِّتٍ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ فَإِنَّ الْمُفْتِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْمَيِّتِ قَدْ يَتَغَيَّرُ جوابه على مذهبه (2) * (السَّابِعَةُ) أَنْ يَسْتَفْتِيَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ ثِقَةً يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ لِيَسْتَفْتِيَ لَهُ وَلَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَطِّ الْمُفْتِي إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَلَمْ يَتَشَكَّكْ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِخَطِّهِ * (الثَّامِنَة) يَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَتَأَدَّبَ مَعَ الْمُفْتِي وَيُبَجِّلَهُ فِي خِطَابِهِ وَجَوَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُومِئَ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا يَقُلْ لَهُ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا أَوْ مَا مَذْهَبُ إمَامِكَ أَوْ الشَّافِعِيِّ فِي كَذَا وَلَا يَقُلْ إذَا أَجَابَهُ هَكَذَا قُلْتُ أَنَا أَوْ كَذَا وَقَعَ لِي وَلَا يَقُلْ أَفْتَانِي فُلَانٌ أَوْ غَيْرُكَ بِكَذَا وَلَا يَقُلْ إنْ كَانَ جَوَابُكَ مُوَافِقًا لِمَنْ كَتَبَ فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبْ وَلَا يَسْأَلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مُسْتَوْفِزٌ أَوْ عَلَى حَالَةِ ضَجَرٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْغِلُ الْقَلْبَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَسَنِّ الْأَعْلَمِ مِنْ الْمُفْتِينَ وَبِالْأَوْلَى فَالْأَوْلَى إنْ أراد جمع الاجوبة في رقعة قان أَرَادَ إفْرَادَ الْأَجْوِبَةِ فِي رِقَاعٍ بَدَأَ بِمَنْ شَاءَ وَتَكُونُ رُقْعَةُ الِاسْتِفْتَاءِ وَاسِعَةً لِيَتَمَكَّنَ الْمُفْتِي مِنْ اسْتِيفَاءِ الْجَوَابِ وَاضِحًا لَا مُخْتَصَرًا مُضِرًّا بِالْمُسْتَفْتِي: وَلَا يَدَعُ الدُّعَاءَ فِي رُقْعَةٍ لِمَنْ يَسْتَفْتِيهِ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى فَتْوَى وَاحِدٍ قَالَ مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَوْ وَفَّقَكَ اللَّهُ وَسَدَّدَكَ وَرَضِيَ عَنْ وَالِدَيْكَ: وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ وَإِنْ أَرَادَ جَوَابَ جَمَاعَةٍ قَالَ مَا تَقُولُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ أَوْ مَا تَقُولُ الْفُقَهَاءُ سَدَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدْفَعُ الرُّقْعَةَ إلَى الْمُفْتِي مَنْشُورَةً وَيَأْخُذُهَا مَنْشُورَةً فَلَا يحوجه إلى نشرها ولا إلى طيها * (التَّاسِعَة) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَاتِبُ الرُّقْعَةِ مِمَّنْ يحسن السؤالى وَيَضَعُهُ عَلَى الْغَرَضِ مَعَ إبَانَةِ الْخَطِّ وَاللَّفْظِ وَصِيَانَتِهِمَا عَمَّا يَتَعَرَّضُ لِلتَّصْحِيفِ: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ يَحْرِصُ أَنْ يَكُونَ كَاتِبُهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ لَهُ رِيَاسَةٌ لَا يُفْتِي إلَّا فِي رُقْعَةٍ كَتَبَهَا رَجُلٌ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِهِ * وَيَنْبَغِي لِلْعَامِّيِّ أَنْ لَا يُطَالِبَ الْمُفْتِيَ بِالدَّلِيلِ وَلَا يَقُلْ لِمَ قُلْتَ فان أحب ان تسكن نفسه بسماع الْحُجَّةِ طَلَبَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَعْدَ قَبُولِ الْفَتْوَى مُجَرَّدَةً: وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ لَا يُمْنَعُ مِنْ طَلَبِ الدَّلِيلِ وَأَنَّهُ

_ (1) وفي هامش نسخة الاذرعي ما نصه: قال قبل هذا في المسألة الثامنة من احكام المفتين قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَكَذَا الْعَامِّيُّ إذَا وقعت له مسألة فليسأل عنها ثم وقعت له فيلزمه السُّؤَالُ ثَانِيًا يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ عَنْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ السؤال الاول للمشقة اه وهذا مخالف لما ذكره هنا في شيئين: احدهما ما استثناه من كثرة وقوع المسألة وعدمه وكانه أخرجه من محل الخلاف وأقره عليه: الثاني اختلاف الترجيح ولا يقال ان الترجيح للقاضي قطع به وانما نبه المصنف على انه الراجح بقوله يعني على الاصح اه: (2) هذا فيه نظر لا سيما إذا كان ذلك الميت لا خلاف في مذهبه في ذلك الحكم والمفتي على مذهب الميت إذا كان مقلدا له لا يسوغ له مخالفته فأي فائدة في ايجاب السؤال ثانيا فالذي قاله صاحب الشامل حسن اه من هامش نسخة الاذرعي

باب في فصول مهمة تتعلق بالمهذب ويدخل كثير منها وأكثرها في غيره أيضا

يلزمه الْمُفْتِي أَنْ يَذْكُرَ لَهُ الدَّلِيلَ إنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مقطوعا به لا فتقاره إلَى اجْتِهَادٍ يَقْصُرُ فَهْمُ الْعَامِّيِّ عَنْهُ وَالصَّوَابُ الاول * (الْعَاشِرَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ مُفْتِيًا وَلَا أَحَدًا يَنْقُلُ لَهُ حُكْمَ وَاقِعَتِهِ لَا في بلده ولا في غَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ هَذِهِ مَسْأَلَةُ فَتْرَةِ الشَّرِيعَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَالصَّحِيحُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ عَنْ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ حُكْمٌ لَا إيجَابٌ وَلَا تَحْرِيمٌ وَلَا غَيْرُ ذلك فلا يؤآخذ إذا صاحب الواقعة بأى شئ صَنَعَهُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * بَابٌ فِي فُصُولٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُهَذَّبِ وَيَدْخُلُ كَثِيرٌ مِنْهَا وَأَكْثَرُهَا فِي غَيْرِهِ أَيْضًا فَصْلٌ إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَنْتَشِرْ فَلَيْسَ هُوَ إجْمَاعًا وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ حُجَّةٌ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَزِمَ التَّابِعِيَّ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهَلْ يَخُصُّ بِهِ الْعُمُومَ فِيهِ وَجْهَانِ وَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَيَسُوغُ لِلتَّابِعِيِّ مُخَالَفَتُهُ: فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَيَنْبَنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بَلْ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَهُمَا دَلِيلَانِ تَعَارَضَا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بكثيرة الْعَدَدِ فَإِنْ اسْتَوَى الْعَدَدُ قُدِّمَ بِالْأَئِمَّةِ فَيُقَدَّمُ مَا عَلَيْهِ إمَامٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا لَا إمَامَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ عَدَدًا وَعَلَى الْآخَرِ أَقَلُّ إلَّا أَنَّ مَعَ الْقَلِيلِ إمَامًا فَهُمَا سَوَاءٌ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَدَدِ وَالْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّ فِي أَحَدِهِمَا أَحَدَ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وفي الآخر غيرهما ففيه وجهان لا صحابنا أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَالثَّانِي يُقَدَّمُ مَا فِيهِ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْأُصُولِ وَأَوَائِلِ كُتُبِ الْفُرُوعِ: وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ فَإِنْ خُولِفَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أحدها أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ: وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ فُتْيَا فَقِيهٍ فَسَكَتُوا عَنْهُ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ حُكْمَ إمَامٍ أَوْ حَاكِمٍ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالرَّابِعُ ضِدُّ هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَائِلُ حَاكِمًا أَوْ إمَامًا كَانَ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فُتْيَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي خُطْبَةِ الْحَاوِي (1) وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْفُرُوقِ

_ (1) قال في الحاوي في كتاب الديات: مذهب الشافعي ان قول الصحابي إذا اشتهر ولم يظهر له مخالف وجب العمل به: وان لم ينتشر فعلى قولين هذا لفطه: كذا بهامش نسخة الاذرعي

فصل

وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ مَشُورَةٍ وَمُبَاحَثَةٍ وَمُنَاظَرَةٍ وَيَنْتَشِرُ انْتِشَارًا ظَاهِرًا وَالْفُتْيَا تُخَالِفُ هَذَا: وَالْخَامِسُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ جمهور أصحابنا ان القائل الْمُنْتَشِرُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَوْ كَانَ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَجْهًا وَاحِدًا: قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ التَّابِعِيَّ كَالصَّحَابِيِّ فِي هَذَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْتَشَرَ وَبَلَغَ الْبَاقِينَ وَلَمْ يُخَالِفُوا فَكَانُوا مُجْمِعِينَ وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ ليس بحجة كذا قاله صاحب الشامل وغيره قالوا ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ الَّذِي فِي الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ الصحابة ورد فيهم الحديث * فَصْلٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحَدِيثُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ: قَالُوا وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الْأَحْكَامِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ: فَأَمَّا الضَّعِيفُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعَقَائِدِ وَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ (1) وَالْعَمَلُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ كَالْقَصَصِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ * فَالصَّحِيحُ مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ وَفِي الشَّاذِّ خِلَافٌ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ رِوَايَةُ الثِّقَةِ مَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ: وَمَذْهَبُ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ إنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِهِمْ إنَّهُ رِوَايَةُ الثِّقَةِ مَا لَمْ يَرْوِهِ الثِّقَاتُ وَهَذَا ضَعِيفٌ: وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَمَعْنًى خَفِيٌّ فِي (الْحَدِيثِ قَادِحٌ فِيهِ ظَاهِرُهُ السَّلَامَةُ مِنْهُ إنَّمَا يَعْرِفُهُ الْحُذَّاقُ الْمُتْقِنُونَ الْغَوَّاصُونَ عَلَى الدَّقَائِقِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْحَسَنُ فَقِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَا يَخْلُو إسْنَادُهُ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ وَلَيْسَ مقفلا كَثِيرَ الْخَطَأِ وَلَا ظَهَرَ مِنْهُ سَبَبٌ مُفَسِّقٌ وَيَكُون مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفًا بِرِوَايَةِ مِثْلِهِ أَوْ نحو مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ رواية مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقَصِّرُ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ عَنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ بَعْضَ الْقُصُورِ: وأما الضعيف فما ليس صِفَةُ الصَّحِيحِ وَلَا صِفَةُ الْحَسَنِ * فَصْلٌ إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا أَوْ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا أَوْ مَضَتْ السنة بكذا أو السنة بكذا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مَرْفُوعٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَذْهَبِنَا الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يقول ذلك فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَهُ حُكْمُ الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ: وَأَمَّا إذَا قال

_ (1) هذا في غير الوضوع من الاحاديث اما الوضوع فانه يحرم روايته مع العلم به الا مبينا كذا: بهامش نسخة الاذرعي

التَّابِعِيُّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ: وَإِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمْرَ كُلِّ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ حُجَّةً وَيُحْتَمَلُ أَمْرُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِالْعَالِمِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ يُرِيدُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ فَهَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ أَوْ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ: أما إذا قال الصحابي كنا نَفْعَلُ كَذَا أَوْ نَقُولُ كَذَا أَوْ كَانُوا يَقُولُونَ كَذَا وَيَفْعَلُونَ كَذَا أَوْ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِكَذَا أَوْ كَانَ يُقَالُ أَوْ يُفْعَلُ كَذَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَكُونُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى فِي الْعَادَةِ كَانَ كَمَا لَوْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا: وَإِنْ جَازَ خفاء عليه صلى الله عليه وسلم يَكُنْ مَرْفُوعًا كَقَوْلِ بَعْضِ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُجَامِعُ فَنَكْسَلُ وَلَا نَغْتَسِلُ فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْإِكْسَالِ (1) لِأَنَّهُ يُفْعَلُ سِرًّا فَيَخْفَى: وَقَالَ غَيْرُ الشَّيْخِ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَرْفُوعًا حُجَّةً كَقَوْلِهِ كُنَّا نَفْعَلُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ في زمنه أو وَهُوَ فِينَا أَوْ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا: وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَكَثِيرُونَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وغيره لا يكون مرفوعا اضافه أو لَمْ يُضِفْهُ * وَظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ كَثِيرِينَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ مُطْلَقًا سواء أضافه أو لَمْ يُضِفْهُ وَهَذَا قَوِيٌّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ كُنَّا نَفْعَلُ أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَأَنَّهُ فُعِلَ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَبْلُغُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ التَّابِعِيِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ بَلْ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بنقله عن أهل الاجماع: وفي ثبوت الا جماع بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَلَامٌ (قُلْتُ) اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَاخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّاسِ: وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى ثُبُوتِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الرَّازِيِّ * فَصَلِّ الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِ الْأُصُولِ وَالنَّظَرِ وَحَكَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْبَيِّعِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ وَجَمَاعَةِ اهل الحديث والفقهاء الْحِجَازِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يحتج به ونقله الغزالي عن الجماهير: وقال أبو عمر بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ غَيْرَ مُتَحَرِّزٍ يُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ. وَدَلِيلُنَا فِي رَدِّ الْمُرْسَلِ مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ رِوَايَةُ الْمَجْهُولِ الْمُسَمَّى لَا تُقْبَلُ لِجَهَالَةِ حَالِهِ فَرِوَايَةُ الْمُرْسَلِ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ مَحْذُوفٌ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالِ: ثُمَّ إنَّ مُرَادَنَا بِالْمُرْسَلِ هنا ما انقطع اسناده

_ (1) في المصباح اكسل المجامع بالالف إذا نزع ولم ينزل ضعفا كان أو غيره اه

فَسَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ وَخَالَفَنَا فِي حَدِّهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالُوا هُوَ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ مِمَّنْ يُقْبَلُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَوْ وَافَقَ قَوْلَ بَعْضِ الصحابة أَوْ أَفْتَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ وَلَا أَقْبَلُ مُرْسَلَ غَيْرِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلَا مُرْسَلَهُمْ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي وَصَفْتُهُ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ كَالْبَيْهَقِيِّ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ وَآخَرِينَ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا عِنْدَهُ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي آخِرِ بَابِ الرِّبَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جزورا نحرت على عهد ابن بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أَعْطُونِي بِهَذِهِ الْعَنَاقِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ هَذَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهَذَا نَأْخُذُ: قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَقَلْتُهُ بِحُرُوفِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ: فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ وَالْكِفَايَةُ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ آخَرُونَ: أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا الحجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل: قالوا لا نها فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ: وَقَالُوا وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ بِمُرْسَلِهِ وَالتَّرْجِيحُ بالمرسل جائزه * قال الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ وَالصَّوَابُ الوجه الثاني: وأما الاول فليس بشئ وَكَذَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ: قَالَ وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ هَذَا كَلَامُ الْخَطِيبِ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ فَالشَّافِعِيُّ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ كِبَارِ التابعين إذا انضم إليها ما يؤكد ها فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لَمْ يَقْبَلْهَا سَوَاءٌ كَانَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ غَيْرِهِ: قَالَ وَقَدْ ذكرنا مراسيل لا بن الْمُسَيِّبِ لَمْ يَقْبَلْهَا الشَّافِعِيُّ حِينَ لَمْ يَنْضَمَّ إليها ما يؤكدها: ومراسيل لغيره

_ (1) في هامش نسخة الاذرعي ما نصه: قال الماوردي في باب بيع اللحم بالحيوان: والذي يصير به المرسل حجة احد سبعة اشياء اما قياس أو قول صحابي: واما فعل صحابي: واما ان يكون قول الاكثرين: واما ان ينتشر بين الناس من غير دافع له: واما ان يعمل به اهل العصر: واما ان لا توجد دلالة سواه هذا لفظه: وقال قبله اخذ الشافعي في القديم بمراسيل ابن المسيب وجعلها على افرادها حجة لامور: منها انه لم يرسل حديثا قط الا وجد مسندا: ومنها انه كان قليل الرواية لا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ ورآه مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ أَوْ وَافَقَهُ فِعْلُ أَهْلِ العصر: ومنها ان رجال سعيد الذين اخذ منهم وروي عنهم هم اكابر الصحابة وليس كغيره ياخذ عمن وجد: ومنها ان مسانيده فتشت فكانت عن ابي هريرة: فكان يرسلها لما بينهما من الانس والوصلة فان كان صهر ابي هريرة على ابنته فصار ارساله كاسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ ان مرسل سعيد وغيره ليس بحجة وانما قال مرسل سعيد عندنا حسن لهذه الامور التي وصفنا استئناسا بارساله ثم اعتمادا على ما قارنه من الدليل فيصير حجة وذكر ما كتبته في صدر الحاشية: وفي كلامه فوائد فتأمله:

قَالَ بِهَا حَيْثُ انْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا: قَالَ وَزِيَادَةُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي هَذَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَصَحُّ التَّابِعِينَ إرْسَالًا فِيمَا زَعَمَ الْحُفَّاظُ: فَهَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ وَهُمَا إمَامَانِ حَافِظَانِ فَقِيهَانِ شَافِعِيَّانِ مُضْطَلِعَانِ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَمَعَانِي كَلَامِهِ ومحلهما من التحقيق والاتقان والنهاية في الفرقان بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا: وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مُرْسَلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ وَالْخَطِيبِ وَالْمُحَقِّقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَنْ قَالَ إنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ حُجَّةٌ (1) بِقَوْلِهِ إرْسَالُهُ حَسَنٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَلْ اعْتَمَدَهُ لَمَّا انْضَمَّ إلَيْهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمَنْ حَضَرَهُ وَانْتَهَى إلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحُكْمَ عَنْ تَمَامِ السَّبْعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَهَذَا عَاضِدٌ ثَانٍ لِلْمُرْسَلِ فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِمُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ: فَإِنْ قِيلَ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى اُحْتُجَّ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ إذَا أُسْنِدَ عَمِلْنَا بِالْمُسْنَدِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي الْمُرْسَلِ وَلَا عَمَلَ بِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ حَتَّى لَوْ عَارَضَهُمَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ قَدَّمْنَاهُمَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا مرسل الصحابي كاخباره عن شئ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَأَطْبَقَ الْمُحَدِّثُونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِدْخَالِهِ فِي الصَّحِيحِ: وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا مَا لا يحصى: وقال الاستاذ أبو إسحاق الاسفراينى مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَحَابِيٍّ: قَالَ لا نهم قَدْ يَرْوُونَ عَنْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ: وَحَكَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَنْسِبُوهُ: وَعَزَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّبْصِرَةِ إلَى الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ نَادِرَةٌ وَإِذَا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا فَإِذَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ وَجِيزَةٌ فِي الْمُرْسَلِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَصَرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا فَهِيَ مَبْسُوطَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّ بَسْطَ هَذَا الْفَنِّ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ حَمَلَنِي عَلَى هَذَا النَّوْعِ الْيَسِيرِ مِنْ الْبَسْطِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْمُرْسَلِ مِمَّا يَعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا وَلَا سِيَّمَا فِي مَذْهَبِنَا خُصُوصًا هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي شَرَعْتُ فِيهِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ إتْمَامَهُ عَلَى

_ قال ابن ابي حاتم في كتابه المراسيل حدثنا ابي قال سمعت يونس بن عبد الاعلى الصدفي قال قال لي محمد بن ادريس الشافعي ليس المنقطع بشئ ما عدا منقطع سعيد بن المسيب: وروى البهيقي في المدخل عن الامام احمد انه قال مرسلات ابن المسيب صحاح لا نرى اصح من مرسلاته: وعن يحيى بن معين قال اصح المراسيل مرسلات بن المسيب رحمه الله: والله اعلم اه من هامش نسخة الاذرعي

أحسن الوجوه وأكملها وَأَتَمِّهَا وَأَعْجَلِهَا وَأَنْفَعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَأَكْثَرِهَا انْتِفَاعًا بِهِ وَأَعَمِّهَا فَائِدَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أنه قد شاع في ألسنة كثيرين من المشتغلين بمذهبا بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا إلَّا مُرْسَلَ ابن المسيب فانه يحتج به مطلقا وهذان غَلَطَانِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ مُطْلَقًا وَلَا يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ والمنة * (فَرْعٌ) قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُرْسَلَةً وَاحْتَجَّ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمُرْسَلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ بَعْضَهَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ حُجَّةً وَبَعْضَهَا ذَكَرَهُ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمُهَذَّبِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً جَعَلَهَا هُوَ مُرْسَلَةً وَلَيْسَتْ مُرْسَلَةً بَلْ هِيَ مُسْنَدَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُتُبِ السُّنَنِ وَسَنُبَيِّنُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ وَحَدِيثِ الْإِغَارَةِ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحَدِيثِ إجَابَةِ الْوَلِيمَةِ فِي اليوم الثالث ونظائرها والله أعلم * فَصْلٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا لَا يُقَالُ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى أَوْ حَكَمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ: وَكَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ قَالَ أَوْ ذَكَرَ أَوْ أَخْبَرَ أَوْ حَدَّثَ أَوْ نَقَلَ أَوْ أَفْتَى وَمَا أَشْبَهَهُ: وَكَذَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيمَا كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يُقَالُ في شئ مِنْ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ: وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا كُلِّهِ رُوِيَ عَنْهُ أَوْ نُقِلَ عَنْهُ أَوْ حُكِيَ عَنْهُ أَوْ جَاءَ عَنْهُ أَوْ بَلَغَنَا عَنْهُ أَوْ يُقَالُ أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يُرْوَى أَوْ يُرْفَعُ أَوْ يُعْزَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ التَّمْرِيضِ وَلَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ: قَالُوا فَصِيَغُ الْجَزْمِ مَوْضُوعَةٌ لِلصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَصِيَغُ التَّمْرِيضِ لِمَا سِوَاهُمَا. وَذَلِكَ أَنَّ صِيغَةَ الْجَزْمِ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ إلَّا فِيمَا صَحَّ وَإِلَّا فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي مَعْنَى الْكَاذِبِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْأَدَبُ أَخَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بَلْ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْعُلُومِ مُطْلَقًا مَا عَدَا حُذَّاقَ الْمُحَدِّثِينَ وَذَلِكَ تَسَاهُلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَثِيرًا فِي الصَّحِيحِ رُوِيَ عَنْهُ وَفِي الضَّعِيفِ قَالَ وَرَوَى فلان وهذا حيد عن الصواب * فَصْلٌ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعُوا قَوْلِي: وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَاتْرُكُوا قَوْلِي أَوْ قَالَ فَهُوَ مَذْهَبِي وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ وَاشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا * وَمِمَّنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى

بِالْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَأَبُو القاسم الدراكي وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَمِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَدِّثِينَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ: وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا إذَا رَأَوْا مَسْأَلَةً فِيهَا حَدِيثٌ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ عَمِلُوا بِالْحَدِيثِ وَأَفْتَوْا بِهِ قَائِلِينَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مَا وَافَقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا وَمِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلٌ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ: * وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشافعي ليس معناه ان كل أحد رَأَى حَدِيثًا صَحِيحًا قَالَ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَمِلَ بِظَاهِرِهِ: وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ: وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُطَالَعَةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كُلِّهَا وَنَحْوِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِهِ الْآخِذِينَ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهَذَا شَرْطٌ صَعْبٌ قَلَّ من ينصف بِهِ: وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ رَآهَا وَعَلِمَهَا لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى طَعْنٍ فِيهَا أَوْ نَسْخِهَا أَوْ تَخْصِيصِهَا أَوْ تَأْوِيلِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْهَيِّنِ فَلَيْسَ كُلُّ فَقِيهٍ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْعَمَلِ بِمَا يَرَاهُ حُجَّةً مِنْ الْحَدِيثِ وَفِيمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ مَنْ عَمِلَ بِحَدِيثٍ تَرَكَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ بِصِحَّتِهِ لِمَانِعٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَخَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ كَأَبِي الْوَلِيدِ مُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ مِمَّنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ قَالَ صَحَّ حَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فَأَقُولُ قَالَ الشافعي افطر الحاجم والمحجوم فردوا ذَلِكَ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ تَرَكَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِصِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا عِنْدَهُ وَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ نَسْخَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَسَتَرَاهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ سُنَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُودِعْهَا الشَّافِعِيُّ كُتُبَهُ وَجَلَالَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَإِمَامَتُهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو فَمَنْ وَجَدَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثًا يخالف مذهبه نظران كَمُلَتْ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ مُطْلَقًا: أَوْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بالعمل به وان لم يكن وَشَقَّ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ بَحَثَ فَلَمْ يَجِدْ لِمُخَالَفَتِهِ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا فَلَهُ الْعَمَلُ بِهِ إنْ كَانَ عَمِلَ بِهِ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ مَذْهَبِ إمَامِهِ هُنَا وَهَذَا الَّذِي قاله حسن متعين والله أعلم * فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ فِي جَوَازِ اختصار الحديث في الرِّوَايَةِ عَلَى مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا يَجُوزُ رِوَايَةُ بَعْضِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِمَا حَذَفَهُ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الدَّلَالَةُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الِاحْتِجَاجِ فِي التَّصَانِيفِ: وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ وَهَكَذَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ الْقُدْوَةُ *

فصل في بيان القولين والوجهين والطريقين

فَصْلٌ قَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَّ هُوَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ هَكَذَا: وَسَبَبُهُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَجَدُّهُ الْأَدْنَى مُحَمَّدٌ تَابِعِيٌّ وَالْأَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ صَحَابِيٌّ فَإِنْ أَرَادَ بِجَدِّهِ الْأَدْنَى وَهُوَ مُحَمَّدٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُتَّصِلًا وَاحْتُجَّ بِهِ فَإِذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَعَمْرٌو وَشُعَيْبٌ وَمُحَمَّدٌ ثِقَاتٌ وَثَبَتَ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ مُحَمَّدٍ وَمَنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجَمَاهِيرُ: وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَنَّ شعيبا لم يلق عبد الله وأبطل الدارقطني وَغَيْرُهُ ذَلِكَ وَأَثْبَتُوا سَمَاعَ شُعَيْبٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَبَيَّنُوهُ * فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَتِهِ هَكَذَا فَمَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا مَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ رَوَى الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدِ الْمِصْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُحْتَجُّ بِهِ فَقَالَ رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيَّ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ يَحْتَجُّونَ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ غَيْرُ عَبْدِ الْغَنِيِّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ * ثم قال قال البخاري من الناس بعد هم: وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا التَّشْبِيهُ نِهَايَةُ الْجَلَالَةِ مِنْ مِثْلِ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ طَرِيقَةَ أَصْحَابِنَا فِي مَنْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ فِي حَالِ تَصْنِيفِ الْمُهَذَّبِ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ به كما قاله الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَكْثَرُونَ وَهُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ وَعَنْهُمْ يُؤْخَذُ وَيَكْفِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ إمَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُخَارِيِّ وَدَلِيلُهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْجَدُّ الْأَشْهَرُ الْمَعْرُوفُ بِالرِّوَايَةِ وَهُوَ عَبْدُ الله * فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ فَالْأَقْوَالُ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَوْجُهُ لِأَصْحَابِهِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَذْهَبِهِ يُخَرِّجُونَهَا على أصوله ويستنيطونها مِنْ قَوَاعِدِهِ وَيَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا (1) وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِهِمْ في ان المخرج هل

_ (1) وقوله (يجتهدون في بعضها ولم ياخذوه من اصله) نظر في كون مثل هذا يعد وجها مذهبيا لا سيما إذا كان مذهبا قد صرح الشافعي ببطلانه هذا نظر من حديث النظر: واما النقل فقد قال الرافعي في الشرح الكبير ان المزني كان يوجب التخلبل ... قال وحكاه ابن كج عن بعض الاصحاب فان اراد المزني فتفرد به لا ... من المذهب إذا لم ... يها على اصل الشافعي ... بين تفرد المزني وغيره من فرق: انتهى من هامش نسخة الاذرعي:

يُنْسَبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ ثم قد يَكُونُ الْقَوْلَانِ قَدِيمَيْنِ وَقَدْ يَكُونَانِ جَدِيدَيْنِ أَوْ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَقَدْ يَقُولُهُمَا فِي وَقْتٍ وَقَدْ يقولهما في وقتين قد يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَقَدْ لَا يُرَجِّحُ: وَقَدْ يَكُونُ الْوَجْهَانِ لِشَخْصَيْنِ وَلِشَخْصٍ وَاَلَّذِي لِشَخْصٍ يَنْقَسِمُ كَانْقِسَامِ الْقَوْلَيْنِ: وَأَمَّا الطُّرُقُ فَهِيَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ مَثَلًا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ وَيَقُولُ الْآخَرُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ وَجْهًا وَاحِدًا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَيَقُولُ الْآخَرُ فِيهَا خِلَافٌ مُطْلَقٌ: وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَوْضِعِ الطَّرِيقَيْنِ وَعَكْسِهِ: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ النَّوْعَيْنِ: فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ وُلُوغِ الكلب وفي موضع لقولين وَجْهَانِ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إذَا أَفْطَرَتْ الْمُرْضِعُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ قَوْلًا وَاحِدًا: وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْقِسْمَةِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جُزْءٌ مُشَاعٌ بَطَلَتْ فِيهِ وَفِي الْبَاقِي وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي يَبْطُلُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي يَجِبُ: وَمِنْهُ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ مُتَوَالِيَةٍ فِي أَوَّلِ بَابِ عَدَدِ الشُّهُودِ أَوَّلُهَا قوله وان كان المقرأ عجميا فَفِي التَّرْجَمَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْإِقْرَارِ: وَمِنْ النَّوْعِ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ وَجَدَ فِي الْبَلَدِ بعض الاناف فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُغَلِّبُ حُكْمَ الْمَكَانِ وَالثَّانِي الْأَصْنَافُ: ومنه قوله في السلم في الْجَارِيَةُ الْحَامِلُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوا هَذَا لِأَنَّ الطُّرُقَ وَالْوُجُوهَ تَشْتَرِكُ فِي كَوْنِهَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَسَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا زِيَادَةٌ فِي شَرْحِهَا إنْ شَاءَ الله تعالى * فصل كُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْجَدِيدُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ الْقَدِيمَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا نَحْوَ عِشْرِينَ مَسْأَلَةً أَوْ أَكْثَرَ وَقَالُوا يُفْتَى فِيهَا بِالْقَدِيمِ وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَفِي بَابِ الْأَذَانِ قَالَ الْأَئِمَّةُ كُلُّ قَوْلَيْنِ قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْجَدِيدُ أَصَحُّ إلَّا في ثلاث مسائل التَّثْوِيبِ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ الْقَدِيمُ اسْتِحْبَابُهُ: وَمَسْأَلَةُ التَّبَاعُدِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَةَ هُنَا: وَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ أَنَّ الثَّالِثَةَ تَأْتِي فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ: وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَنَّ الْقَدِيمَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي يُفْتَى بِهَا عَلَى الْقَدِيمِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَذَكَرَ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَاتِ: وَمَسْأَلَةَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِيمَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ وَالْقَدِيمُ جَوَازُهُ: وَمَسْأَلَةَ لَمْسِ الْمَحَارِمِ وَالْقَدِيمُ لَا يَنْقُضُ: وَمَسْأَلَةَ الْمَاءِ الْجَارِي الْقَدِيمُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ: وَمَسْأَلَةَ تَعْجِيلِ الْعِشَاءِ الْقَدِيمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ: وَمَسْأَلَةَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْقَدِيمُ امْتِدَادُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ: وَمَسْأَلَةَ الْمُنْفَرِدِ إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ الْقَدِيمُ جَوَازُهُ: وَمَسْأَلَةَ أَكْلِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ الْقَدِيمُ تَحْرِيمُهُ: ومسألة وطئ المحرم يملك الْيَمِينِ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ: وَمَسْأَلَةَ تَقْلِيمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ الْقَدِيمُ

كَرَاهَتُهُ: وَمَسْأَلَةَ شَرْطِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ الْقَدِيمُ جَوَازُهُ: وَمَسْأَلَةَ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْقَدِيمُ لَا يُعْتَبَرُ: وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا بَلْ خَالَفَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا وَرَجَّحُوا الْجَدِيدَ: وَنَقَلَ جَمَاعَاتٌ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا قَوْلًا آخَرَ فِي الْجَدِيدِ يُوَافِقُ الْقَدِيمَ فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْجَدِيدِ لَا الْقَدِيمِ: وَأَمَّا حَصْرُهُ الْمَسَائِلَ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ فِي هَذِهِ فَضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ لَنَا مَسَائِلَ أُخَرَ صَحَّحَ الْأَصْحَابُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِيهَا الْقَدِيمَ: مِنْهَا الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ لِلْمَأْمُومِ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ الْقَدِيمُ اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَدْ خَالَفَ الْجُمْهُورَ فَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ الْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ: وَمِنْهَا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ الْقَدِيمُ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ: وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْخَطِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا وَنَحْوُهَا الْقَدِيمُ اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَاتٍ: وَمِنْهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ عِمَارَةِ الْجِدَارِ أُجْبِرَ عَلَى الْقَدِيمِ (1) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبِهِ الشَّاشِيِّ وَأَفْتَى بِهِ الشَّاشِيُّ: وَمِنْهَا الصَّدَاقُ فِي يَدِ الزَّوْجِ مَضْمُونٌ ضَمَانُ الْيَدِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا أَفْتَوْا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْقَدِيمِ مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْهُ فَلَمْ يَبْقَ مَذْهَبًا لَهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتْقِنُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا نَصَّ الْمُجْتَهِدُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ بَلْ يَكُونُ لَهُ قَوْلَانِ: قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُمَا كَنَصَّيْنِ لِلشَّارِعِ تَعَارَضَا وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يُعْمَلُ بِالثَّانِي وَيُتْرَكُ الْأَوَّلُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مِنْ النِّهَايَةِ مُعْتَقَدِي أَنَّ الْأَقْوَالَ الْقَدِيمَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ كَانَتْ لِأَنَّهُ جَزَمَ فِي الْجَدِيدِ بِخِلَافِهَا وَالْمَرْجُوعُ عَنْهُ لَيْسَ مَذْهَبًا لِلرَّاجِعِ: فَإِذَا عَلِمْت حَالَ الْقَدِيمِ وَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا أَفْتَوْا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْقَدِيمِ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّاهُمْ اجْتِهَادُهُمْ إلَى الْقَدِيمِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَأَفْتَوْا بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا: قَالَ أَبُو عمر وفيكون اخْتِيَارُ أَحَدِهِمْ لِلْقَدِيمِ فِيهَا مِنْ قَبِيلِ اخْتِيَارِهِ مَذْهَبَ غَيْرِ الشَّافِعِيَّ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ فانه ان كان إذا اجْتِهَادٍ اُتُّبِعَ اجْتِهَادُهُ وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادُهُ مُقَيَّدًا مَشُوبًا بِتَقْلِيدٍ نَقَلَ ذَلِكَ الشَّوْبَ مِنْ التَّقْلِيدِ عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَإِذَا أَفْتَى بَيَّنَ ذَلِكَ فِي فَتْوَاهُ فَيَقُولُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ كَذَا: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمْ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَنْصُوصِ أَوْ اخْتَارَ مِنْ قَوْلَيْنِ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَهُمَا غَيْرَ مَا رَجَّحَهُ بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْقَدِيمِ: قَالَ ثُمَّ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا للترجيح ان لا يتبعوا شيئا من اختيار انهم المذكورة لانه مقلد للشافعي فدون غيره: قال

_ (1) في هامش نسخة الاذرعي ما نصه: قال في الروضة في مسألة العمارة الصحيح الجاري على القواعد الجديد والاصح عند الجمهور في مسألة الصداق القول الآخر ورجحه في المنهاج والروضة:

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ اخْتِيَارُهُ لِغَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ بَنَى عَلَى اجْتِهَادٍ فَإِنْ تَرَكَ مَذْهَبَهُ إلَى اسهل منها فَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ إلَى أَحْوَطَ فَالظَّاهِرُ جوازه عليه بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَتْوَاهُ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو * فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْإِفْتَاءُ بِالْجَدِيدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّخْرِيجِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ فِي الْعَمَلِ وَالْفُتْيَا مُبَيِّنًا فِي فَتْوَاهُ أَنَّ هَذَا رَأْيُهُ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ هَذَا كُلُّهُ فِي قَدِيمٍ لَمْ يَعْضُدْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: أَمَّا قَدِيمٌ عَضَدَهُ نَصُّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِ نَصِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْقَدِيمُ لَيْسَ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ أو مرجوعا عَنْهُ أَوْ لَا فَتْوَى عَلَيْهِ الْمُرَادُ بِهِ قَدِيمٌ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ أَمَّا قَدِيمٌ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجَدِيدِ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَدِيدِ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاعْتِقَادُهُ وَيُعْمَلُ بِهِ وَيُفْتَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَهَذَا النَّوْعُ وَقَعَ مِنْهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا أَنَّ الْقَدِيمَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ غَالِبِهِ كَذَلِكَ * (فَرْعٌ) لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْعَامِلِ الْمُنْتَسِبِ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا بِغَيْرِ نَظَرٍ بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ الْعَمَلُ بِآخِرِهِمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَهُمَا فِي حَالَةٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَذَا إلَّا فِي سِتَّ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً أَوْ نُقِلَ عَنْهُ قَوْلَانِ وَلَمْ يُعْلَمْ أَقَالَهُمَا فِي وَقْتٍ أَمْ فِي وَقْتَيْنِ وَجَهِلْنَا السَّابِقَ وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا فَيُعْمَلْ بِهِ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ أو الترجيح اسْتَقَلَّ بِهِ مُتَعَرِّفًا ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَمَأْخَذِهِ وَقَوَاعِدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَلْيَنْقُلْهُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ كُتُبَهُمْ مُوَضِّحَةٌ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَرْجِيحٌ بِطَرِيقٍ تَوَقَّفَ حَتَّى يَحْصُلَ * وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فَيُعْرَفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِيهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ إلَّا إذَا وَقَعَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا فَالْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ غَالِبًا كَمَا إذَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَهُمَا بَلْ هَذَا أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الْمُخَرَّجُ مِنْ مَسْأَلَةٍ يَتَعَذَّرُ فِيهَا الْفَرْقُ فَقِيلَ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَقَلَّ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْفَرْقُ أَمَّا إذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي الرَّاجِحِ مِنْ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ فَلْيَعْتَمِدْ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ فَإِنْ تَعَارَضَ الْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ قَدَّمَ الْأَعْلَمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَرْجِيحًا عَنْ أَحَدٍ اعْتَبَرَ صِفَاتِ النَّاقِلِينَ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْقَائِلِينَ لِلْوَجْهَيْنِ فَمَا رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مُقَدَّمٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا رَوَاهُ الربيع الجيزى وحرملة كذا نَقَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي أَوَّلِ مَعَالِمِ السُّنَنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبُوَيْطِيَّ فَأَلْحَقْتُهُ أَنَا لِكَوْنِهِ أَجَلَّ مِنْ الرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَكِتَابُهُ مَشْهُورٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا مَا وَافَقَ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ ظُهُورٌ وَاحْتِمَالٌ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا كَانَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُوَافِقُ أَبَا حَنِيفَةَ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا

أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ أَوْلَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أبى حامد الاسفراينى فان الشافعي انما خالفه لا طلاعه عَلَى مُوجِبِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمَسْأَلَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا سَبَقَ وَأَمَّا إذَا رَأَيْنَا الْمُصَنِّفِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مُخْتَلِفِينَ فَجَزَمَ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْآخَرُ فَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْبَحْثِ عَلَى مَا سَبَقَ وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِالْكَثْرَةِ كَمَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى بَيَانِ مَرَاتِبِ الْأَصْحَابِ وَمَعْرِفَةِ طَبَقَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَجَلَالَتِهِمْ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ بَيَانًا حَسَنًا وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ مِنْ الْعُلُومِ كُلِّهَا عَنْ مِثْلِهِ: وَذَكَرْتُ فِي كِتَابِ طَبَقَاتُ الْفُقَهَاءِ مَنْ ذَكَرْتُهُ مِنْهُمْ أَكْمَلَ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْضَحَ وَأَشْبَعْتُ الْقَوْلَ فِيهِمْ وَأَنَا سَاعٍ فِي إتْمَامِهِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ تَوْفِيقِي لَهُ وَلِسَائِرِ وُجُوهِ الْخَيْرِ * وَاعْلَمْ أَنَّ نَقْلَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ وَوُجُوهِ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَتَقْنُ وَأَثْبَتُ مِنْ نَقْلِ الْخُرَاسَانِيِّينَ غَالِبًا وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَحْسَنُ تَصَرُّفًا وَبَحْثًا وتفريعا وترتيبا غالبا: ومما يتبغى أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ أَشَارَ الْأَصْحَابُ إلَى التَّرْجِيحِ بِهِ، أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ وَمَظِنَّتِهِ وَذَكَرَ الْآخَرَ فِي غَيْرِ بَابِهِ بِأَنْ جَرَى بَحْثٌ وَكَلَامٌ جَرَّ إلَى ذِكْرِهِ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَقْصُودًا وَقَرَّرَهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ فِكْرٍ طَوِيلٍ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي غير بابه استطرادا فلا يعتنى به اعتناؤه بِالْأَوَّلِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا التَّرْجِيحِ فِي مَوَاضِعَ لَا تَنْحَصِرُ سَتَرَاهَا فِي هَذَا الكتاب في مواطناها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

فَصْلٌ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي الْمُهَذَّبِ أَبَا الْعَبَّاسِ فَهُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ وَإِذَا أَرَادَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ الْقَاصِّ قَيَّدَهُ: وَحَيْثُ أَطْلَقَ أَبَا إِسْحَاقَ فَهُوَ الْمَرْوَزِيُّ: وَحَيْثُ أَطْلَقَ أَبَا سَعِيدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَعِيدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُهَذَّبِ أَبَا إِسْحَاقَ الاسفراينى الْأُسْتَاذَ الْمَشْهُورَ بِالْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ: وَأَمَّا أَبُو حامد ففى المهذب اثنان من أصحابنا أَحَدُهُمَا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ: وَالثَّانِي الشَّيْخُ أبو حامد الاسفرايني لَكِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ مُقَيَّدَيْنِ بِالْقَاضِي وَالشَّيْخِ فَلَا يَلْتَبِسَانِ وليس فيه أبو حامد غيرهما لامن أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ: وَفِيهِ أَبُو عَلِيِّ ابن خبران وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَيَأْتُونَ مَوْصُوفِينَ: وَلَا ذكر لابي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنَّمَا يَتَكَرَّرُ فِي الْوَسِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَكُتُبِ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ: وَفِيهِ أَبُو القاسم جماعة أو لهم الْأَنْمَاطِيُّ ثُمَّ الدَّارَكِيُّ ثُمَّ ابْنُ كَجٍّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ: وَفِيهِ أَبُو الطَّيِّبِ اثْنَانِ فَقَطْ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوَّلُهُمَا ابْنُ سَلَمَةَ وَالثَّانِي الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ شيخ الْمُصَنِّفُ وَيَأْتِيَانِ مَوْصُوفَيْنِ: وَحَيْثُ أَطْلَقَ فِي الْمُهَذَّبِ عَبْدَ اللَّهِ فِي الصَّحَابَةِ فَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحَيْثُ أَطْلَقَ الرَّبِيعَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي الْمُهَذَّبِ الرَّبِيعُ غَيْرَهُ لَا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَا من غير هم إلَّا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ فِي مَسْأَلَةِ دِبَاغِ الْجِلْدِ هَلْ يُطَهِّرُ الشَّعْرَ: وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا الَّذِي رَأَى الْأَذَانَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَوْسِيُّ وَالْآخَرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ وَقَدْ يَلْتَبِسَانِ عَلَى مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ بِالْحَدِيثِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ فَيُتَوَهَّمَانِ وَاحِدًا لِكَوْنِهِمَا يَأْتِيَانِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ خَطَأٌ: فَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا فِي بَابِ الْأَذَانِ: وَأَمَّا ابْنُ عَاصِمٍ فَمُتَكَرِّرٌ ذِكْرُهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صِفَةِ الوضؤء ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ أو ضحتهما أَكْمَلَ إيضَاحٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَحَيْثُ ذُكِرَ عَطَاءٌ فِي الْمُهَذَّبِ فَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ذَكَرَهُ فِي الْحَيْضِ ثُمَّ فِي اول صلاة المسافر ثم في مسألة النقاء الصَّفَّيْنِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: وَفِي التَّابِعِينَ أَيْضًا جَمَاعَاتٌ يُسْمَوْنَ عَطَاءً لَكِنْ لَا ذِكْرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْمُهَذَّبِ غَيْرَ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ: وَفِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُعَاوِيَةُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي غَيْرِهِ: وَالْآخَرُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْخَلِيفَةُ أَحَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ تَكَرَّرَ وَيَأْتِي مُطْلَقًا غَيْرَ مَنْسُوبٍ: وَفِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْقِلٌ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ بِيَاءٍ قَبْلَ السِّينِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ: وَالْآخَرُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ بِسِينٍ ثُمَّ نُونٍ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي حديث بروع: وفيه أبويحيي الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمُهَذَّبِ: مِنْهَا مَوَاقِيتُ

الصلاة وكتاب الحج وليس فيه أبويحيى غيره: وفيه أبوتحيي بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي آخِرِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُهَذَّبِ: وَفِيهِ الْقَفَّالُ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ فِي مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ وَهُوَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ الشَّاشِيُّ وَلَا ذِكْرَ لِلْقَفَّالِ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَيْسَ لِلْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ الصَّغِيرِ فِي الْمُهَذَّبِ ذِكْرٌ وَهَذَا الْمَرْوَزِيُّ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ فِي كُتُبِ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْإِبَانَةِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكِتَابِ الْمَسْعُودِيِّ وَكُتُبِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَكُتُبِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَكُتُبِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَهَؤُلَاءِ تَلَامِذَتُهُ: وَالنِّهَايَةِ وَكُتُبِ الْغَزَالِيِّ وَالتَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْعُدَّةِ وَأَشْبَاهِهَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ حَالَ الْقَفَّالَيْنِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَفِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ وَسَأُوضِحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَهُمَا هُنَا إنْ وَصَلْتُ مَوْضِعَ ذِكْرِ الْقَفَّالِ وَكَذَلِكَ أُوضِحُ بَاقِيَ الْمَذْكُورِينَ فِي مَوَاضِعِهِمْ كَمَا شَرَطْتُهُ فِي الْخُطْبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ أَطْلَقْتُ أَنَا فِي هَذَا الشَّرْحِ ذِكْرَ الْقَفَّالِ فَمُرَادِي بِهِ الْمَرْوَزِيُّ لِأَنَّهُ أَشْهُرُ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ مَدَارُ طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ عَلَيْهِ: وَأَمَّا الشَّاشِيُّ فَذِكْرُهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْوَزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ فَإِذَا أَرَدْتُ الشَّاشِيَّ قَيَّدْتُهُ فَوَصَفْتُهُ بِالشَّاشِيِّ وَقَصَدْتُ بِبَيَانِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ تَعْجِيلَ فَائِدَةٍ لِمُطَالِعِ هَذَا الْكِتَابِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْقَاطِعَاتِ قَبْلَ وُصُولِهَا وَرَأَيْتُهَا مُهِمَّةً لَا يَسْتَغْنِي مُشْتَغِلٌ بِالْمُهَذَّبِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا وَأَسْأَلُ اللَّهَ خَاتِمَةَ الْخَيْرِ وَاللُّطْفَ وَبِاَللَّهِ التوفيق *

فَصْلٌ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ أَئِمَّةٌ مُجْتَهِدُونَ وَهُمْ مَنْسُوبُونَ إلَى الشَّافِعِيِّ: فَأَمَّا الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ فَصَاحِبَانِ لِلشَّافِعِيِّ حَقِيقَةً وَابْنُ الْمُنْذِرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُمَا: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَجَعَلَ أَقْوَالَهُمْ وُجُوهًا فِي الْمَذْهَبِ وَتَارَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ وُجُوهًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ إيرَادُهُ إيَّاهَا فَإِنَّ عَادَتَهُ فِي الْمُهَذَّبِ أَنْ لَا يَذْكُرَ أَحَدًا مِنْ الائمة أصحاب المذاهب غير أصحابنا الا في نَحْوَ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ كَذَا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مُجَاهِدٍ أَوْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ الزُّهْرِيِّ أَوْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَشِبْهِ ذَلِكَ: وَيَذْكُرُ قَوْلَ أَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ ذِكْرَ الْوُجُوهِ وَيَسْتَدِلُّ لَهُ وَيُجِيبُ عَنْهُ: وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ النِّهَايَةِ إذَا انْفَرَدَ الْمُزَنِيّ بِرَأْيٍ فَهُوَ صَاحِبُ مَذْهَبٍ وَإِذَا خَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا فَتَخْرِيجُهُ أَوْلَى مِنْ تَخْرِيجِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُلْتَحِقٌ بِالْمَذْهَبِ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ لَا شَكَّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ * فَرْعٌ ان استغرب من لا انس له بالمهذب الْمَوْضِعَ الَّذِي صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ فِيهِ بِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا دَلَّلْنَاهُ وَقُلْنَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ نَاقِصَ الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ نَحْوَهُ في ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ فَصْلٍ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى * فَرْعٌ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ أَبِي ثَوْرٍ لَكِنَّهُ لَا يُنْصِفُهُ فَيَقُولُ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَذَا وَهُوَ خَطَأٌ وَالْتَزَمَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي أَقْوَالِهِ وَرُبَّمَا كَانَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ أَقْوَى دَلِيلًا مِنْ الْمَذْهَبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ: وَأَفْرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَتَّى فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه الذى محله من الْفِقْهِ وَأَنْوَاعِ الْعِلْمِ مَعْرُوفٌ قَلَّ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا الْفَرَائِضُ فَحَكَى عَنْهُ فِي بَابِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مَذْهَبَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُرَبَّعَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ: وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَالِبًا فِي آحَادِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ الَّذِينَ لَا يُقَارِبُونَ أَبَا ثَوْرٍ وربما كانت أو جههم ضَعِيفَةً بَلْ وَاهِيَةً وَقَدْ أَجْمَعَ نَقَلَةُ الْعِلْمِ عَلَى جَلَالَةِ أَبِي ثَوْرٍ وَإِمَامَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَحُسْنِ مُصَنَّفَاتِهِ فِيهِمَا مَعَ الْجَلَالَةِ وَالْإِتْقَانِ: وَأَحْوَالُهُ مَبْسُوطَةٌ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الطَّبَقَاتِ رَحِمَهُ اللَّهُ * فَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ من المقدمات ولولا خَوْفُ إمْلَالِ مُطَالِعِهِ لَذَكَرْتُ فِيهِ مُجَلَّدَاتٍ * مِنْ النفايس الْمُهِمَّةِ وَالْفَوَائِدِ الْمُسْتَجَادَّاتِ * لَكِنَّهَا تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفَرَّقَةً فِي مَوَاطِنِهَا مِنْ الْأَبْوَابِ: وَأَرْجُو اللَّهَ النَّفْعَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْتُهُ وَمَا سأذكره ان شاء الله لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبايي وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ إنَّهُ الْوَاسِعُ الْوَهَّابُ وَهَذَا حِينَ أَشْرَعُ فِي شَرْحِ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ *

بسم الله الرحمن الرحيم قال المصنف الشيخ أبو إسحاق رحمه الله (1) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنَا لِشُكْرِهِ وَهَدَانَا لِذِكْرِهِ) (الشَّرْحُ) بَدَأَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَقْطَعُ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَمْدِ اللَّهِ: وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدُ فَهُوَ أَقْطَعُ: وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ: وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ * رَوَيْنَا كُلَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ وَرَوَيْنَاهُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ مَاجَهْ الْقَزْوِينِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَأَبُو عَوَانَةَ يعقوب بن إسحاق الاسفراينى فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَرُوِيَ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا وَرِوَايَةُ الْمَوْصُولِ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ * قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ مَعْنَاهُ لَهُ حَالٌ يُهْتَمُّ بِهِ وَمَعْنَى أَقْطَعُ أَيْ نَاقِصٌ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ وَأَجْذَمُ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ بِجِيمٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ يُقَالُ جَذِمَ يَجْذَمُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ * قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يستحب البداء بالحمد الله لِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَدَارِسٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ وَخَاطِبٍ وَمُزَوِّجٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ يَعْنِي بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ لَمْ يَبْدَأْ فِي مُخْتَصَرِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ

_ (1) * تنبيه * في بعض نسخ الشرح اقتصار عند ذكر عبارة المتن على بعضها والاكتفاء بقوله إلى آخر الفصل: ولتمام الفائدة التزمنا ذكر عبارة المتن بتمامها في جميع الموا ضع اه

وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ بَدَأَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَخَطَبَ خُطْبَةً: فَأَخَلَّ بِذَلِكَ مَنْ نَقَلَ كِتَابَهُ قَالُوا وَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ في ملك وَلَا مِثْلَ: الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَفَوْقَ مَا يَصِفُهُ بِهِ خَلْقُهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شئ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ الْمُزَنِيَّ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي جَلَالَتِهِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ أَنْ يَحْمَدَ لَا أَنْ يَكْتُبَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ حَمِدَ بِلِسَانِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ فَيَبْعُدُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَرْكُهُ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ لَفْظَةَ الْحَمْدِ لَيْسَتْ مُتَعَيِّنَةً لِتَسْمِيَتِهِ حَمْدًا لِأَنَّ الْحَمْدَ الثَّنَاءُ وَقَدْ أَثْنَى الْمُزَنِيّ علي الله تعالى أَوَّلِ كِتَابِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتَّسْمِيَةُ مِنْ أَبْلَغِ الثَّنَاءِ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا نَقَلْنَاهُ: وَذَكَرُوا أَجْوِبَةً كَثِيرَةً غَيْرَ مُرْضِيَةٍ فَتَرَكْتُهَا: وَأَمَّا مَعْنَى الْحَمْدُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَحْمُودِ بجميل صفاته وأفعاله: والشكر الثناء عليه بالنعامه فَكُلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ شُكْرًا وَنَقِيضُ الْحَمْدِ الذَّمُّ وَنَقِيضُ الشُّكْرِ الْكُفْرُ: وَقَوْلُهُ الَّذِي وَفَّقَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ التَّوْفِيقُ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ وَالْخُذْلَانُ خَلْقُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُوَفَّقُ في شئ لا يعصي في ذلك الشئ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِصْمَةُ هِيَ التَّوْفِيقُ فَإِنْ عَمَّتْ كَانَتْ تَوْفِيقًا عَامًّا وَإِنْ خَصَّتْ كَانَتْ تَوْفِيقًا خَاصًّا قَالُوا وَيَكُونُ الشُّكْرُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَيُقَالُ شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ شَكَرْتُ بِهِ بِالْبَاءِ وَتَشَكَّرْتُ لَهُ كَشَكَرْتُهُ وَالشُّكْرَانُ خِلَافُ الْكُفْرَانِ: وَقَوْلُهُ وَهَدَانَا لِذِكْرِهِ الْمُرَادُ هُنَا بِالْهُدَى خُلُقُ الْإِيمَانِ وَاللُّطْفِ وَقَدْ يَكُونُ الْهُدَى بمعنى البيان ومنه (وأما ثمود فهد يناهم) أي بينا لهم طَرِيقَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمِثْلُهُ (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) (وهديناه النجدين) أَيْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ: وَأَمَّا الذِّكْرُ فَأَصْلُهُ التَّنْبِيهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ الْأَدِيبُ الشَّافِعِيُّ أَصْلُ الذكر في اللغة التنبيه علي الشئ وإذا ذكرته فقد تنبهت عَلَيْهِ وَمَنْ ذَكَّرَكَ شَيْئًا فَقَدْ نَبَّهَكَ عَلَيْهِ وليس من

لَازِمِهِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نِسْيَانٍ قَالَ وَمَعْنَى الذِّكْرِ حُضُورُ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ وَيَكُونُ تَارَةً بِالْقَلْبِ وَتَارَةً بِاللِّسَانِ وَتَارَةً بِهِمَا وَهُوَ أَفْضَلُ الذكر ويليه ذكر القلب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله (وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبه) (الشَّرْحُ) أَصْلُ الصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ: وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَصْلُهَا اللُّزُومُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ: وَأَمَّا تَسْمِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ إذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْمَحْمُودَةُ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِهِ الْمُجْمَلِ وَبِذَلِكَ سُمِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَهُ تَسْمِيَتَهُ بِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ وَأَنْشَدَ أَبُو نصر اسماعيل بن حماد الجواهري فِي صِحَاحِهِ وَغَيْرُهُ إلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كِلَالُهَا * إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ الْقَرْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ السَّيِّدُ: وَقَوْلُهُ خَيْرِ خَلْقِهِ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْعُلَمَاءُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ والآدمين: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قُلْتُمْ بِالتَّفْضِيلِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا * أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إلَى تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ بِلَا خِلَافٍ: (الثَّانِي) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ خَيْرُ الْخَلْقِ فَلَمَّا عَلِمَ قَالَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ (الثَّالِثُ) نَهَى تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا (الرَّابِعُ) نَهَى لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْخُصُومَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي سَبَبِ ذَلِكَ (الْخَامِسُ) نَهَى عَنْ التَّفْضِيلِ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ لَا فِي ذَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا تَتَفَاوَتُ النُّبُوَّةُ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِالْخَصَائِصِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ورفع بعضهم درجات) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَى آلِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ مَوْجُودٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَاسْتَعْمَلَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ جَمِيعِ الطوائف:

وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الِاقْتِضَابُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكِتَابِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ النَّحَّاسَ وَأَبَا بَكْرٍ الزُّبَيْدِيَّ قَالَا لَا يَجُوزُ إضَافَةُ آلِ إلَى مُضْمَرٍ فَلَا يُقَالُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ وَأَهْلِهِ أَوْ وَآلِ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكِسَائِيّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ: وَلَيْسَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ يُعَضِّدُهُ وَلَا سَمَاعَ يُؤَيِّدُهُ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ وَآلِهِ فِي قِلَّةٍ وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ حِكَايَةً فِيهَا إضَافَةُ آلِ إلَى مُضْمَرٍ ثُمَّ أَنْشَدَ أَبْيَاتًا كَثِيرَةً لِلْعَرَبِ فِي إضَافَةِ آلِ إلَى مُضْمَرٍ: مِنْهَا قَوْلُ عَبْدِ المطلب لا هم أن المرء يح * مي رحله فامنع حلالك وانصر علي آل الصلي * ب وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكَ يَعْنِي قُرَيْشًا وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمْ آلَ اللَّهِ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ فِي آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ (وَالثَّانِي) عِتْرَتُهُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) أَهْلُ دِينِهِ كُلُّهُمْ وَأَتْبَاعُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ: وَأَمَّا صَحَابَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِمْ مَذْهَبَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ إنَّ الصَّحَابِيَّ كُلُّ مُسْلِمٍ رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَسَوَاءٌ جَالَسَهُ أَمْ لَا (وَالثَّانِي) وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ هُوَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَمُجَالَسَتُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُنَا فَمَجَازٌ مُسْتَفِيضٌ لِلْمُوَافَقَةِ بَيْنَهُمْ وَشِدَّةِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَالصَّاحِبِ حَقِيقَةً وَيُجْمَعُ صَاحِبٌ عَلَى صَحْبٍ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ: وَصِحَابٍ كجائع وجياع: وصبحة بِالضَّمِّ كَفَارِهٍ وَفَرَهَةٍ وَصُحْبَانٍ كَشَابٍّ وَشُبَّانٍ وَالْأَصْحَابُ جمع صحب كفرخ وأفراخ: والصاحبة الاصحاب وَجَمْعُ الْأَصْحَابِ أَصَاحِيبُ وَقَوْلُهُمْ فِي النِّدَاءِ صَاحِ مَعْنَاهُ صَاحِبِي هَكَذَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ مُرَخَّمًا وصحبته بكسر الحاء أصحبه بفتحها صحية بِضَمِّ الصَّادِ وَصَحَابَةً بِالْفَتْحِ: وَإِنَّمَا ثَنَّى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ وَمَوَاضِعَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَعْنَاهُ لَا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرَتْ مَعِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَرَوَيْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلرَّهَاوِيِّ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أعلم: قال المصنف رحمه الله * (هَذَا كِتَابٌ مُهَذَّبٌ أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أُصُولَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَدِلَّتِهَا وَمَا تَفَرَّعَ عَلَى أُصُولِهِ فِي الْمَسَائِلِ المشكلة بعللها) * (الشَّرْحُ) قَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى حاضر وليس هنا الآن شئ يُشَارُ إلَيْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ اسْتَعْمَلَهَا الْأَئِمَّةُ مِنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ الْفُنُونِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ وإمام النحوين سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ صَدَّرَ كِتَابَهُ بِهَا وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالنَّحْوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ مَجْمُوعُهَا أَنَّهُ لَمَّا تَأَكَّدَ عَزْمُهُ عَلَى تَصْنِيفِهِ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمَوْجُودِ فَأَشَارَ إلَيْهِ وَذَلِكَ لُغَةُ الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ) وَنَظَائِرُهُ: وَمِنْ الْمُصَنِّفِينَ مَنْ يَتْرُكُ مَوْضِعَ الْخُطْبَةِ بَيَاضًا فَإِذَا فَرَغَ ذَكَرَهَا فَأَشَارَ إلَى حَاضِرٍ لِتَكُونَ عِبَارَتُهُ فِي الْخُطْبَةِ مُوَافِقَةً لِمَا ذَكَرَهُ: وَقَوْلُهُ كِتَابٌ أَصْلُ الْكَتْبِ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَمِنْهُ كَتِيبَةُ الْخَيْلِ لِتَتَابُعِهَا وَاجْتِمَاعِهَا فَسُمِّيَ كِتَابًا لِضَمِّ حُرُوفِهِ وَمَسَائِلِهِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ مَجَازًا وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ المصنفين كالجنس المستقل الجامع لا بواب: تِلْكَ الْأَبْوَابُ أَنْوَاعُهُ فَكِتَابُ الطَّهَارَةِ يَشْمَلُ بَابَ الْمِيَاهِ وَالْآنِيَةِ وَبَابَ الْوُضُوءِ وَغَيْرَهَا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ كَتَبَ يَكْتُبُ كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا وجمعه كتب تضم التَّاءُ وَتُسَكَّنُ: وَقَوْلُهُ مُهَذَّبٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّهْذِيبُ التَّنْقِيَةُ وَالتَّصْفِيَةُ وَالْمُهَذَّبُ الْمُنَقَّى مِنْ الْعُيُوبِ وَرَجُلٌ مُهَذَّبٌ مُطَهَّرُ الْأَخْلَاقِ: وَقَوْلُهُ أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَهُ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) فَيُسَنُّ قَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كُلِّ شئ يُعْزَمُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَاضِي فَلَا يُقَالُ خَرَجْتُ أَمْسِ إنْ شَاءَ الله والله أعلم: قال المصنف رحمه الله * (وإلى الله الكريم أرغب أَنْ يُوَفِّقَنِي فِيهِ لِمَرْضَاتِهِ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ وَعَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عليه توكلت وهو حسبى ونعم الوكيل)

(الشَّرْحُ) أَمَّا الْكَرِيمُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ مَعْنَاهُ الْمُفَضِّلُ وَقِيلَ الْعَفُوُّ وَقِيلَ الْعَلِيُّ قَالَ وَكُلُّ نَفِيسٍ كَرِيمٌ: وَقَوْلُهُ يوفقني تقدم بيانه: وقوله أن ينفع به هذا مما يرغبك في المهذب وَهُوَ دُعَاءُ هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ: وَالدُّنْيَا اسْمٌ لِهَذِهِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِدُنُوِّهَا وَقُرْبِهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا دُنْيَاوِيُّ وَدُنْيَوِيٌّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَدُنْيِيُّ: وَقَوْلُهُ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ اقتداء بصالح صلي الله عليه وسلم في قوله (إن ربي قريب مجيب) وَتَأَدُّبًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دعوة الداع) قَالُوا وَمَعْنَى قَرِيبٌ أَيْ بِالْعِلْمِ كَمَا فِي قوله تعالى (وهو معكم) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ حَسْبِي أَيْ الَّذِي يَكْفِينِي: وَالْوَكِيلُ الحافظ وقيل الموكل إلَيْهِ تَدْبِيرُ خَلْقِهِ: وَقِيلَ الْقَائِمُ بِمَصَالِحِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ وَحَسْبِي اللَّهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ لِمَا فِي الثاني من التعظيم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ الله) قَالَ وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِكَ وَحَسْبِي اللَّهُ أَوْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ إعْلَامٌ بِأَنَّكَ لَمْ تُضْرِبْ عَنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ قَالَ وَلَوْ حَذَفْتَهَا جَازَ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ قَوْلُ حَسْبِي اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حسبى الله) : وَقَالَ تَعَالَى (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) الْآيَةَ: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ كَانَ آخِرُ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ: وَاقْتَدَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي كُتُبِهِمْ وَغَيْرِهَا بِهَذَا وَخَتَمُوا كَلَامَهُمْ بِحَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الوكيل: قال المصنف رحمه الله

كتاب الطهارة

كِتَابُ الطَّهَارَةِ (بَابُ مَا يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ من المياه وما لا يجوز) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْكِتَابُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَالْبَابُ هُوَ الطريق إلى الشئ والموصل إليه وباب المسجد والدار ما يدخل منه إليه وباب المياه ما يتوصل بِهِ إلَى أَحْكَامِهَا: وَقَدْ يَذْكُرُونَ فِي الْبَابِ أَشْيَاءَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِمَقْصُودِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا تُرْجِمَ لَهُ كَإِدْخَالِهِ الْخِتَانَ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَقَصَّ الشَّارِبِ وَنَحْوَهَا فِي بَابِ السِّوَاكِ لِكَوْنِهَا جَمِيعًا مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بَابُ السِّوَاكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُقَارِبُهُ: وَقَوْلُهُ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ لَفْظَةُ يَجُوزُ يَسْتَعْمِلُونَهَا تَارَةً بِمَعْنَى يَحِلُّ وَتَارَةً بِمَعْنَى يَصِحُّ وَتَارَةً تَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ: وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا يَصْلُحُ فِيهِ لِلْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَهِيَ فِي اللُّغَةِ النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الادناس ويقال طهر الشئ بِفَتْحِ الْهَاءِ (1) وَطَهُرَ بِضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بالضم فيهما طهارة وَالِاسْمِ الطُّهْرُ: وَالطَّهُورُ بِفَتْحِ الطَّاءِ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ هَذِهِ اللُّغَةُ المشهورة التى عليها الا كثرون مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ الضَّمَّ فِيهِمَا وَهُوَ غريب شاذ ضعيف وقد أو ضحت هذا كله مضافا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فِي إصطلاح الفقهاء فهي رفع حدث أو أزالة نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا: وقولنا في معناهما أردنا به التيمم والاغال الْمَسْنُونَةَ كَالْجُمُعَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ (2) أَوْ مَسْحِ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ: وَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ فَهَذِهِ كُلُّهَا طَهَارَاتٌ وَلَا تَرْفَعُ حَدَثًا ولا نجسا وفي المستحاضة والسلس والمتيمم وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تَرْفَعُ: وَأَمَّا الْمِيَاهُ فَجَمْعُ مَاءٍ وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَجَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَمْوَاهٌ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ عَشَرَةٌ فَمَا دُونَهَا وَالْكَثْرَةُ فَوْقَهَا وَأَصْلُ مَاءٍ مَوَهَ وَهُوَ أَصْلٌ مَرْفُوضٌ وَالْهَمْزَةُ فِي مَاءٍ بَدَلٌ مِنْ الْهَاءِ إبْدَالٌ لازم عند

_ (1) يقال طهر بكسر الهاء ايضا حكاه شيخنا أبو عبد الله بن مالك رحمه الله في مثلثه كذا بهامش نسخة الاذرعي: ويظهر ان هذا من كلام الشارح لان المعروف ان ابن مالك كان شيخه اه (2) يعني فيها يطهر بغسلة واحدة ونبه عليه بقوله بعد ولا يرفع نجسا وبقوله بنوافل الهارة اه من نسخة الاذرعي

بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ: وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ لُغَةً أُخْرَى فِيهِ أَنْ يُقَالَ مَاهٍ عَلَى الْأَصْلِ وهذا يبطل دعوى لزوم الابدال: وإن ما قال المصنف مياه وأتي يجمع الْكَثْرَةِ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْمَاءِ زَائِدَةٌ عَلَى الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَطَهُورٌ وَنَجَسٌ: وَالطَّهُورُ يَنْقَسِمُ إلَى مَاءِ السَّمَاءِ وَمَاءِ الْأَرْضِ: وَمَاءُ السَّمَاءِ يَنْقَسِمُ إلَى مَطَرٍ وَذَوْبِ ثَلْجٍ وَبَرَدٍ: وَمَاءُ الْأَرْضِ إلَى مَاءِ أَنْهَارٍ وَبِحَارٍ وَآبَارٍ وَمُشَمَّسٍ وَمُسَخَّنٍ ومتغير بالمكث وبما لا يمكن ضونه مِنْهُ وَبِالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِهِ: وَيَنْقَسِمُ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ أَقْسَامًا مَعْرُوفَةً: وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ بَابِ الْمِيَاهِ وَكَذَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ حَسَنَةٍ ذَكَرَهَا صاحب التتمة وهو أبو سعيد عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمَأْمُونِ الْمُتَوَلِّي قَالَ بَدَأْنَا بِذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إله إلا اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةٍ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَبَدَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِالصَّلَاةِ وَالْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَكَانَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَهَمَّ: وَأَمَّا التَّوْحِيدُ فَلَهُ كُتُبٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَهُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ وَقَدَّمُوا الصَّوْمَ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوبًا مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَيَجِبُ أَيْضًا عَلَى الْفَوْرِ وَيَتَكَرَّرُ وَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ مُقَدِّمَاتِهَا وَمِنْهَا الطَّهَارَةُ ثُمَّ مِنْ الطهارة أعمها والاصل فيها وهو الماء وبالله التوفيق قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَسِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءُ الْمَطَرِ وَذَوْبُ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) * (الشرح) قوله عز وجل (وينزل) قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ قِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ: وَالنَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَالصَّحِيحُ فِي حَدِّهِ أَنَّهُ الْعَارِي عَنْ الْإِضَافَةِ اللَّازِمَةِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هُوَ مَا كَفَى فِي تَعْرِيفِهِ اسْمُ مَاءٍ وَهَذَا الْحَدُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَقِيلَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى وَصْفِ خِلْقَتِهِ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ الْمُتَغَيِّرُ بِمَا يَتَعَذَّرُ صَوْنُهُ عَنْهُ أَوْ بِمُكْثٍ أَوْ تُرَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَعْمَلِ هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَآخَرُونَ مِنْ مُحَقِّقِي

أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ابْنُ (1) الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ مُنِعَ اسْتِعْمَالُهُ تَعَبُّدًا: قَالَ الْقَفَّالُ وَكَوْنُهُ مُسْتَعْمَلًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ نَعْتٌ كَالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِطْلَاقِ مَا يُضَافُ إلَيْهِ كَمَاءِ الزَّعْفَرَانِ: وَسُمِّيَ الْمُطْلَقُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ الْمَاءُ انْصَرَفَ إلَيْهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فسلكه ينابيع في الارض) والجواب من وجهين (أحداهما) الْمُرَادُ بِنَبَعَ مَا نُشَاهِدُهُ يَنْبُعُ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ به فقال وما نبع مَاءُ الْبِحَارُ إلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ الْمَاءِ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ وَيُقَالُ نَبَعَ يَنْبُعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فِي الْمُضَارِعِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَالْمَصْدَرُ نُبُوعٌ أَيْ خَرَجَ: وَذَوْبُ الثَّلْجِ ذَائِبُهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ ذَابَ ذَوْبًا وَذَوَبَانًا وَأَذَبْتُهُ وَذَوَّبْتُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَوْبَ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا تَفْصِيلًا سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَهُوَ جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ السَّمَاءِ ظَاهِرٌ وَهَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْغَالِطِينَ عَلَى الْفُقَهَاءِ بِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَا وَقَالَ مَاءٌ نَكِرَةٌ وَلَا عُمُومَ لَهَا فِي الْإِثْبَاتِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خَيَالٌ فَاسِدٌ وإنما ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا امْتِنَانًا عَلَيْنَا فَلَوْ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَى الْعُمُومِ لَفَاتَ الْمَطْلُوبُ وَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ بِالنَّكِرَةِ فِي الْإِثْبَاتِ أَفَادَتْهُ وَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اُسْتُعْمِلَ الثَّلْجُ وَالْبَرَدُ قَبْلَ إذَابَتِهِمَا فَإِنْ كَانَ يَسِيلُ عَلَى الْعُضْوِ لِشِدَّةِ حَرٍّ وَحَرَارَةِ الْجِسْمِ وَرَخَاوَةِ الثَّلْجِ صَحَّ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِحُصُولِ جَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُسْلًا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ أَئِمَّتِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَعَزَاهُ الدَّارِمِيُّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: وَإِنْ كَانَ لَا يَسِيلُ لَمْ يَصِحَّ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَيَصِحُّ مَسْحُ الْمَمْسُوحِ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْخُفُّ وَالْجَبِيرَةُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ جَوَازَ الْوُضُوءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ ويجزيه في المغسول والممسوح

_ (1) قوله ابن القفال هذا هو الصحيح وقيل صاحب التقريب والده القفال الكبير حكاه في التهذيب اه اذرعي

وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ إنْ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُسْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَلْجٌ أَوْ بَرَدٌ لَا يَذُوبُ وَلَا يَجِدُ مَا يُسَخِّنُهُ بِهِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي الْإِعَادَةِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا يُعِيدُ الْحَاضِرُ دُونَ الْمُسَافِرِ بِنَاءً عَلَى التَّيَمُّمِ لشدة البرد ووجه الاعادة ندور هَذَا الْحَالُ قُلْتُ أَصَحُّهَا (1) الثَّالِثُ (فَرْعٌ) اسْتَدَلُّوا لِجَوَازِ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ سَكْتَةً يَقُولُ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْهَا اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَفِي رِوَايَةٍ بِمَاءِ الثلج والبرد قال المصنف رحمه الله * (وما نبع من الارض ماء البحار وماء الانهار وماء الآبار والاصل فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ من بئر بضاعة) (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَهُمَا بَعْضَانِ مِنْ حَدِيثَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ سَأَلَ سَائِلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وغيرهم: قال البخاري في غير صَحِيحِهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح وروي الحل ميتتسه وَرُوِيَ الْحَلَالُ وَهُمَا بِمَعْنًى: وَالطَّهُورُ بِفَتْحِ الطَّاء وَمَيْتَتُهُ بِفَتْحِ الْمِيم. وَاسْمُ السَّائِلِ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ عُبَيْدٌ وَقِيلَ عَبْدٌ: وَأَمَّا قَوْلُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ فَفِيهِ إيهَامُ أَنَّ العركي اسم علم له وليس كذلك بل الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ * وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ. وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا ينجسه شئ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ نَقَلْنَا عَنْهُمْ رِوَايَةَ الْأَوَّلِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وقوله اتتوضأ بتائين مُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ تَتَوَضَّأُ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله من هذه البئر وتستعمل مائها في وضوءك مع أن حالها ما ذكرناه:

_ (1) ينبغي ان يكون الاصح الاعادة مطلقا كما في التيمم لشدة البرد اه من هامش نسخة الاذرعي

وَإِنَّمَا ضَبَطْتُ كَوْنَهُ بِالتَّاءِ لِئَلَّا يُصَحَّفَ فَيُقَالَ أَنَتَوَضَّأُ بِالنُّونِ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ صَحَّفَهُ وَاسْتَبْعَدَ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْهَا وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِوُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَرَوَاهَا آخَرُونَ غَيْرُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ إنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَهَذَا فِي مَعْنَى رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْهَا وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ * وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ: وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَقُلْتُ أَتَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَهِيَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُكْرَهُ من النتن فقال الماء لا ينجه شئ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْطَعُ كُلَّ شَكٍّ وَنِزَاعٍ: وَبُضَاعَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَالضَّمُّ أَشْهُرُ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ غَيْرَهُ: ثُمَّ قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَقِيلَ اسْمٌ لِمَوْضِعِهَا * وَقَوْلُهُ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ الْمَحَايِضُ وَمَعْنَاهُ الْخِرَقُ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا دَمُ الْحَيْضِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَطَّابِ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَكُنْ إلْقَاءُ الحيض فِيهَا تَعَمُّدًا مِنْ آدَمِيٍّ بَلْ كَانَتْ الْبِئْرُ فِي حَدُورٍ وَالسُّيُولُ تَكْسَحُ الْأَقْذَارَ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَتُلْقِيهَا فِيهَا وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ وَكَذَا ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى آخَرُونَ: وَقِيلَ كَانَتْ الرِّيحُ تُلْقِي الْحِيَضَ فِيهَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّيْلُ وَالرِّيحُ يُلْقِيَانِ: قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَيَجُوزُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُلْقُونَ ذَلِكَ (فَرْعٌ) الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَحْرِ وَمَاءِ زَمْزَمَ (فَرْعٌ) يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَرُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفُصُولِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي حَدِيثٍ صحيح وروى بَلْ يُقَالُ بِصِيَغِ الْجَزْمِ فَيُقَالُ هُنَا وَتَوَضَّأَ النبي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا جَزْمٌ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بَعْضَانِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بَيَانُ جَوَازِ اخْتِصَارِ الْحَدِيثِ (فَرْعٌ) فِي فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (إحْدَاهَا) أَنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الطَّهَارَةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ وَسَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الْبَحْرِ (الرَّابِعَةُ) أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا يَتَعَذَّرُ صَوْنُهُ عَنْهُ طَهُورٌ (الْخَامِسَةُ) جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (السَّادِسَةُ) أَنَّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ كُلَّهَا حَلَالٌ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَهُوَ الضُّفْدَعُ وَالسَّرَطَانُ (1) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ خِلَافٌ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (السَّابِعَةُ) أَنَّ الطَّافِيَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ حَلَالٌ وَهُوَ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا (الثَّامِنَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي إذَا سئل عن شئ وَعَلِمَ أَنَّ بِالسَّائِلِ حَاجَةً إلَى أَمْرٍ آخَرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ السَّائِلُ أَنْ يَذْكُرَهُ لَهُ وَيُعْلِمَهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَأُجِيبَ بِمَائِهِ وَحُكْمِ مَيْتَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الطَّعَامِ كَالْمَاءِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَبَبُ هَذَا أَنَّ عِلْمَ طَهَارَةِ الْمَاءِ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَ الخاصة والعامة وعلم حل ميتة البحر تخفى فَلَمَّا رَآهُمْ جَهِلُوا أَظْهَرَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَخْفَاهُمَا أولى: ونظيره حديث المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ الصَّلَاةَ فَابْتَدَأَ بِتَعْلِيمِهِ الطَّهَارَةَ ثُمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُفْعَلُ ظَاهِرًا وَالْوُضُوءَ فِي خَفَاءٍ غَالِبًا فَلَمَّا جَهِلَ الْأَظْهَرَ كَانَ الْأَخْفَى أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) الطَّهُورُ عِنْدَنَا هُوَ الْمُطَهِّرُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ: وَحَكَوْا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسُفْيَانَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَابْنِ دَاوُد وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ: وَاحْتَجَّ لَهُمْ بقوله تعالى (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهُورِ الطَّاهِرُ: وَقَالَ جَرِيرٌ فِي وَصْفِ

_ (1) ويستثنى ايضا الحية فانها لا تحل كالسرطان: كذا بهامش الاذرعي

النِّسَاءِ * عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ * وَالرِّيقُ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ طَاهِرٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ لَفْظَةَ طَهُورٍ حَيْثُ جَاءَتْ فِي الشَّرْعِ الْمُرَادُ بِهَا التَّطْهِيرُ: مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فَهَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ بِالْأُولَى: وَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَصْلِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَمَعْلُومٌ أنهم سألوا عن تطهير ماء البحر لاعن طهارته ولولا أَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنْ الطَّهُورِ الْمُطَهِّرَ لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ مُطَهِّرُهُ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَالْمُرَادُ مُطَهِّرَةٌ وَبِكَوْنِهَا مُطَهِّرَةً اُخْتُصَّتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ لَا بِكَوْنِهَا طَاهِرَةً. فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَيْكُمْ حَدِيثُ الْمَاءُ طَهُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ مُخَالِفًا وَأَجَابَ أصحابنا عن قوله تعالي (شرابا طهورا) بِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَعْلَى الصِّفَاتِ وَهِيَ التَّطْهِيرُ وَكَذَا قَوْلُ جَرِيرٍ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ قَصَدَ تَفْضِيلَهُنَّ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ فَوَصَفَ رِيقَهُنَّ بِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ لِكَمَالِهِنَّ وَطِيبِ رِيقِهِنَّ وَامْتِيَازِهِ على غيره ولا يصح حمله على طاهر فَإِنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ النِّسَاءِ رِيقُهُنَّ طَاهِرٌ بَلْ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَكُلُّ حَيَوَانٍ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا رِيقُهُ طَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ لان ماءها كان كثير الا يُغَيِّرُهُ وُقُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهِ: قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا قَالَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِيهَا إلَى الْعَانَةِ قُلْت فَإِذَا نَقَصَ قَالَ دُونَ العورة: قال أبو داود وقدرت بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْتُهُ فَإِذَا عَرْضُهَا سِتُّ أَذْرُعٍ وَقَالَ لِي الَّذِي فَتَحَ لِي الْبَابَ يَعْنِي بَابَ الْبُسْتَانِ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَمْ يُغَيَّرْ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ: قَالَ وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ. قَوْلُهُ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ يَعْنِي بِطُولِ الْمُكْثِ وَبِأَصْلِ المنبع لا بشي أَجْنَبِيٍّ وَهَذِهِ صِفَتُهَا فِي زَمَنِ أَبِي دَاوُد ولا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَانَتْ هَكَذَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ

خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيِّرُ بِنَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ لِلْإِجْمَاعِ وَخُصَّ مِنْهُ أَيْضًا مَا دُونَ قُلَّتَيْنِ إذَا لَاقَتْهُ نَجَاسَةٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْمُرَادُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ الَّذِي لم تغيره نجاسة لا ينجسه شئ وَهَذِهِ كَانَتْ صِفَةُ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فرع) قوله ماء الابآر هو بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ آبَارٌ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَلَا هَمْزَةَ بَعْدَهَا وَهُوَ جَمْعُ بِئْرٍ جَمْعَ قِلَّةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا فِي الْقِلَّةِ أَبْؤُرٌ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ بِئَارٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَالْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ مَهْمُوزَةٌ يَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً (فَرْعٌ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ سَمَاءٍ أَوْ ثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ فَسَوَاءٌ وَالتَّطَهُّرُ بِهِ جَائِزٌ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ وَقَالُوا مَالِحٌ خَطَأٌ وَصَوَابُهُ مِلْحٌ قال الله تعالى (وهذا ملح أجاج) . وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ جَهَالَةٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ مَاءٌ مِلْحٌ وَمَالِحٌ وَمَلِيحٌ وَمُلَاحٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ حَكَاهُنَّ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ جَمَعْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَإِنْشَادِ الْعَرَبِ فِيهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ. فَمِنْ الْأَبْيَاتِ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَلَوْ تَفَلَتْ فِي البحر والبحر مالح * لا صبح مَاءُ الْبَحْرِ مِنْ رِيقِهَا عَذْبًا وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ * تَلَوَّنْتَ أَلْوَانًا عَلَيَّ كَثِيرَةً * وَخَالَطَ عَذْبًا مِنْ إخَائِكِ مَالِحٌ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْتَقِدُهُ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا جَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ لِلْمُزَنِيِّ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ عَذْبٌ أو أحاج: وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ذَكَرَ فِي الْأُمِّ عِبَارَةً أَنْ لَا يَذْكُرَ غَيْرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أَنْ لَا يَسْمَعَهَا الْمُزَنِيّ شِفَاهًا وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ تَغْلِيطَ

الْمُزَنِيِّ فِي النَّقْلِ وَنِسْبَتَهُ إلَى اللَّحْنِ وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا: ثُمَّ وَجَدْتُ في رسالة البيهقى إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا يَنْسِبُونَ الْمُزَنِيَّ فِي هَذَا إلَى الْغَلَطِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ تُوجَدْ لَلشَّافِعِيِّ: قال البيهقي وقد سمي الشافعي البحر ما لحا فِي كِتَابَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَمَالِي الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ صَيْدِ الْبَحْرِ حَلَالًا لِلْمُحْرِمِ: وَالثَّانِي في المناسك الكبير وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا قُصِدَ إلَى تَشْمِيسِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ بِمَاءٍ تَشَمَّسَ فِي الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً بِالشَّمْسِ يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي هذا فانه يورث البرص) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا كُلَّهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا: وَقَدْ رَوَى الشافعي في الامام بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَجَرَّحُوهُ وَبَيَّنُوا أَسْبَابَ الْجَرْحِ إلَّا الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُشَمَّسَ لَا أَصْلَ لِكَرَاهَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عن الاطباء فيه شئ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَضَعَّفَهُ وَكَذَا ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِضَعِيفٍ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ لَا أَكْرَهُ الْمُشَمَّسَ إلَّا أَنْ يُكْرَهَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ: وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ

الطِّبِّ لِكَرَاهَةِ عُمَرَ لِذَلِكَ وَقَوْلِهِ إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي مُخَالَفَةِ نَصِّهِ فِي الام بل يمكن جمله عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا أَكْرَهُهُ إلَّا مِنْ جهة الطلب إنْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ. فَهَذَا مَا نَعْتَقِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمَا هُوَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرُوا فِيهِ سَبْعَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي يُكْرَهُ فِي كُلِّ الْأَوَانِي وَالْبِلَادِ بِشَرْطِ الْقَصْدِ إلَى تَشْمِيسِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَزَعَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (1) وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ. وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ وَمَنْ اعْتَبَرَ الْقَصْدَ فَقَدْ غَلِطَ. وَالرَّابِعُ يُكْرَهُ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي الْأَوَانِي الْمُنْطَبِعَةِ وَهِيَ الْمُطْرَقَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ وَلَا تَغْطِيَةُ رَأْسِ الْإِنَاءِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَلَّطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْمُنْطَبِعَةِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا جَمِيعُ مَا يُطْرَقُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ: وَالثَّانِي أَنَّهَا النُّحَاسُ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ الصيدلاني: والثلث كُلُّ مَا يُطْرَقُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِصَفَائِهِمَا وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَالْخَامِسُ يُكْرَهُ فِي الْمُنْطَبِعَةِ بِشَرْطِ تَغْطِيَةِ رَأْسِ الْإِنَاءِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ: وَالسَّادِسُ إنْ قَالَ طَبِيبَانِ يُورِثُ الْبَرَصَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفُوهُ وَزَعَمُوا أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِسُؤَالِ الْأَطِبَّاءِ. وَهَذَا التَّضْعِيفُ غَلَطٌ بَلْ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّوَابُ إنْ لَمْ يُجْزَمْ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ لَكِنَّ اشترط طبيبين ضعيف بل يكفى واحد

_ (1) كلامه في التنبيه محمول محمول على ما تأوله ابن يونس وهو انه انما ذكر قصد التشميس ليحترز به عن المتشمس في البرك والانهار اه من هامش نسخة الاذرعي

فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ: وَالسَّابِعُ يُكْرَهُ فِي الْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْأَوْجُهَ السَّابِقَةَ عَامَّةٌ لِلْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَخْتَصُّ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ أَوْ تَبَرُّدٍ أَوْ تَنَظُّفٍ أَوْ شُرْبٍ قَالَ وَسَوَاءٌ لَاقَى الْبَدَنَ فِي عِبَادَةٍ أَمْ غَيْرِهَا قَالَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَا يُلَاقِي الْبَدَنَ مِنْ غَسْلِ ثَوْبٍ وَإِنَاءٍ وَأَرْضٍ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْبَرَصِ وَهَذَا مُخْتَصٌّ بالجد قَالَ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي طَعَامٍ وَأَرَادَ أَكْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا كَالْمَرَقِ كُرِهَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَائِعًا كَالْخُبْزِ وَالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَذَكَرَ مِثْلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَحَاسِنِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ إسْمَاعِيلَ الرُّويَانِيُّ * وَإِذَا قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فنرد فَفِي زَوَالِهَا أَوْجُهٌ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ثَالِثُهَا إنْ قَالَ طَبِيبَانِ يُورِثُ الْبَرَصَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا (1) وَحَيْثُ أَثْبَتْنَا الْكَرَاهَةَ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهَلْ هِيَ شَرْعِيَّةٌ يَتَعَلَّقُ الثَّوَابُ بِتَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى فِعْلِهَا أَمْ إرْشَادِيَّةٌ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ فِي فِعْلِهَا ولا تركها فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: قَالَ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ الْإِرْشَادِيَّةَ وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِهِ فِي دَرْسِهِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْأَظْهَرُ (2) وَاخْتِيَارُ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا الشَّرْعِيَّةَ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَذِهِ عِبَارَةٌ جَيِّدَةٌ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَيُقَالُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ * وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ كُنِّيَتْ بِابْنِ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بن مرة ابن كعب بن لؤى بن غالب القرشية التيمية تلتقي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرة ابن كَعْبٍ وَسَبَقَ بَاقِي نَسَبِهَا فِي نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَمَنَاقِبُ عَائِشَةَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمْلَةً صَالِحَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ تِسْعٍ وَقِيلَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِ عَشْرَةَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَصَدَ إلَى تَشْمِيسِهِ صَحِيحٌ وَزَعَمَ بَعْضُ الْغَالِطِينَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ قَصَدَ إلَى كَذَا بَلْ قَصَدَ كَذَا وَهَذَا خَطَأٌ بَلْ يُقَالُ قَصَدْتُهُ وَقَصَدْتُ إلَيْهِ وَقَصَدْتُ لَهُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ الْقَطَّاعِ وَغَيْرُهُ: وَمِنْ أَظْرَفِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ اجْتَمَعَتْ مُتَوَالِيَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ في

_ (1) صحيح في الروضا أنها تزول مطلقا وصحيح الرافعي في شرحه الصغير عكسه: كذا بهامش الاذرعي (2) صوابه تقديم لفظ الاظهر على قال: كذا بهامش الاذرعي

صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي نَحْوِ سَطْرٍ عَنْ جُنْدُبِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ إذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ وَأَنَّ رجلا من المسلمين قصد غفلته هذا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ مَاءٌ تَشَمَّسَ فِي الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ فعدم الكراهة فِي الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصيانة وتأثير الشمس * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صحة الوضؤ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ يَخَافُ مِنْ حَرِّهِ أو برده) (الشَّرْحُ) أَمَّا صِحَّةُ الطَّهَارَةِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوُضُوءِ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ الضَّرَرُ وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ لِأَهْلِ الْأُصُولِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ قُلْنَا (1) هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ نَهْيٌ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ كَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلِهَذَا عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ: وَمِمَّا حُكِمَ فِيهِ بالفساد لنهي النزيه الصَّلَاةُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ فَإِنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قوله كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ يَخَافُ مِنْ حَرِّهِ أَوْ بَرْدَهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الطَّهَارَةِ عَلَى وَجْهِهَا (فَرْعٌ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا قُصِدَ إلَى تَشْمِيسِهِ تَصْرِيحٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَلَا بِمَاءِ زَمْزَمَ وَلَا بِالْمُتَغَيِّرِ بِطُولِ الْمُكْثِ وَلَا بِالْمُسَخَّنِ مَا لَمْ يُخَفْ الضَّرَرُ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ سَوَاءٌ سُخِّنَ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ: وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَنَا وَفِي كُلِّهَا خلاف لبعض السلف: فأما ماء

_ (1) قوله قلنا الخ فيه نظر والصلاة في وقت النهي حرام في اصح الجهين كما قال في الروضة وفي هذا الكتاب في بابه اه من هامش الاذرعي

الْبَحْرِ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَذْهَبِنَا: وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعبد الله بن عمرو بن القاصي رضي الله عنه أَنَّهُمَا كَرِهَا الْوُضُوءَ بِهِ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً وَسَبْعَةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَبِحَدِيثِ الْمَاءُ طَهُورٌ: وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَمِمَّنْ بَيَّنَ ضَعْفَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ: وَأَمَّا زَمْزَمُ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ زَمْزَمَ لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلٍ وَهُوَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ: وَدَلِيلُنَا النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْمِيَاهِ بِلَا فَرْقٍ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ بِلَا إنْكَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ الْعَبَّاسِ بَلْ حُكِيَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ الْعَبَّاسِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ النُّصُوصِ بِهِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي وَقْتِ ضِيقِ الْمَاءِ لِكَثْرَةِ الشَّارِبِينَ: وَأَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِالْمُكْثِ فَنَقَلَ ابن المنذر الاتفق علي انه لا كراهة فِيهِ إلَّا ابْنُ سِيرِينَ فَكَرِهَهُ: وَدَلِيلُنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِمَا يَتَعَذَّرُ صَوْنُهُ عَنْهُ: وَأَمَّا الْمُسَخَّنُ فالجمهور أنه لا كراهة فيه وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُجَاهِدٍ كَرَاهَتَهُ: وَعَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ الْمُسَخَّنِ بِنَجَاسَةٍ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ فِيهِ رُوحٌ: وَدَلِيلُنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ (فَرْعٌ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحجر أرض ثمود فاستقو امن آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُهَرِيقُوا مَا استقوا ويعلفوا الابل الصجين وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ ترده النَّاقَةُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ

آبَارِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا فَقَالُوا قَدْ عجنا منها وأشتقينا فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ قُلْتُ فَاسْتِعْمَالُ مَاءِ هَذِهِ الْآبَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي فَيُمْنَعُ اسْتِعْمَالُ آبَارِ الْحِجْرِ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ وَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلنَّجَاسَةِ وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِالْأَصَالَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا قُصِدَ إلَى تَشْمِيسِهِ وَكَذَلِكَ يَرِدُ عليه شديد الحرارة والبرودة والله أعلم: قال المصنف رحمه الله (وَمَا سِوَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْخَلِّ وماء الورد والنبيذ وما اعتصر من التمر أَوْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَلَا إزَالَةُ النَّجَسِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا) فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِهِ ولقوله صلى الله عليه وسلم لا سماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ فَأَوْجَبَ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ فدل على انه لا يجوز يغيره) * (الشرح) أما حديث اسماء فرواه البخاري ومسلم بِمَعْنَاهُ لَكِنْ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ: وَفِي رِوَايَةٍ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ هَذَا لَفْظُهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَسْمَاءَ هِيَ السَّائِلَةُ وَلَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ لَكِنْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ رِوَايَتَهُ أَنَّ أَسْمَاءَ هِيَ السَّائِلَةُ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ بِغَلَطٍ بَلْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرْنَا: وَالْمُرَادُ مَتْنُ الْحَدِيثِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ اعْتَنَى الْمُصَنِّفُ بِتَحْقِيقِ الْحَدِيثِ وَأَتَى بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ لَكَانَ أَكْمَلَ لَهُ وَأَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ: وَمَعْنَى حُتِّيهِ حُكِّيهِ وَمَعْنَى اُقْرُصِيهِ قَطِّعِيهِ وَاقْلَعِيهِ بِظُفْرِكِ وَالدَّمُ مُخَفَّفُ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَتُشَدَّدُ الْمِيمُ فِي لغية وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ لَيْسَ بِالْمَفْهُومِ بَلْ أَمْرٌ بِالتَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ بِالْمَاءِ فَمَنْ غَسَلَ بِمَائِعٍ فَقَدْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ

جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ أَنَّهُ يَجُوزُ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَسِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَّا الدَّمْعَ فَإِنَّ الْأَصَمَّ يُوَافِقُ عَلَى مَنْعِ الْوُضُوءِ بِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ عَلَى شَرْطٍ سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَذْكُرُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ فِي فَرْعٍ آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاحْتُجَّ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى بِأَنَّهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَعْدَمُونَ الْمَاءَ فِي أَسْفَارِهِمْ وَمَعَهُمْ الدُّهْنُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَمَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ جَمَعَ اللَّطَافَةَ وَعَدَمَ التَّرْكِيبِ مِنْ أَجْزَاءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ مَخْصُوصَةٌ بالماء بالاجماع فمحصول عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ليلى ان صح عنه وأما الاصل لا يعتد بخلاء: وقد أضحت حَالَ الْأَصَمِّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالشَّجَرِ وَالْعُصْفُرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ وَهَذَا يُوَافِقُ نَقْلَ الْغَزَالِيِّ (فَرْعٌ) أَمَّا النَّبِيذُ فَلَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ عِنْدَنَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ عَسَلٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهَا مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ نَشَّ وَأَسْكَرَ فَهُوَ نَجَسٌ يَحْرُمُ شُرْبُهُ وَعَلَى شَارِبِهِ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَنِشَّ فَطَاهِرٌ لَا يَحْرُمُ شُرْبُهُ وَلَكِنْ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ والجمهور وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ الْمَطْبُوخِ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَعُدِمَ الْمَاءُ: وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَبِهِ قَالَ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن: والثالثة يستحب الجمع بينهما: والرابعة أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ وَقَالَ يَتَيَمَّمُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ كَذَا قَالَهُ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ مَنْسُوخٌ وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ الْوُضُوءُ بِكُلِّ نَبِيذٍ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ: وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بِرِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ هَلْ فِي إدَاوَتِكَ مَاءٌ قَالَ لَا إلَّا نَبِيذُ تَمْرٍ قَالَ ثَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ وَتَوَضَّأَ بِهِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفْعُهُ النَّبِيذُ وُضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ: وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مَوْقُوفَاتٌ وَاحْتَجَّ اصحابنا بالآية فلم تجدوا ماء فتيمموا وَقَدْ سَبَقَ وَجْهُ

التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ فَمَنْ تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ فَقَدْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَلَهُمْ أَسْئِلَةٌ ضَعِيفَةٌ عَلَى الْآيَةِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا: وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِمْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْبَيْعِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ كَالِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ: وَمِنْ القياس كل شئ لَا يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ حَضَرًا لَمْ يَجُزْ سَفَرًا كَمَاءِ الْوَرْدِ: وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَمْ يَجُزْ مَعَ عَدَمِهِ كَمَاءِ الْبَاقِلَّا: وَلِأَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ كَالْخَلِّ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ شُبَهِهِمْ فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أبي زيد مولى ابن خريث وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ قَالَ لَا وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا اُسْتُطِيرَ أَوْ اُغْتِيلَ فبتنا بشر ليلة بات يا قَوْمٌ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذْ هُوَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ فَقَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ قَالَ فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ النَّبِيذِ بُطْلَانُ احْتِجَاجِهِمْ * وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا مَعَ هَذَا بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ حَدِيثٌ مُخَالِفٌ الْأُصُولَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: وَالثَّانِيَ أَنَّهُمْ شَرَطُوا لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ السَّفَرَ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِعَابِ مَكَّةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ: الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَبِيذٌ أَيْ مَاءٌ نُبِذَتْ فِيهِ تَمَرَاتٌ لِيَعْذُبَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا وَهَذَا تَأْوِيلٌ سَائِغٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تمرة طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَوَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئَيْنِ لَيْسَ النَّبِيذُ وَاحِدًا مِنْهُمَا: فَإِنْ قِيلَ فَابْنُ مَسْعُودٍ نَفَى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ وَأَثْبَتَ النَّبِيذَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ مُعَدٌّ لِلطَّهَارَةِ

وأثبت أن معه ماء نبذ فيه تمر معد اللشرب وَحَمْلُ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَأْوِيلُ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى من عكسه: الرابع أالنَّبِيذَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ نَقِيعٌ لَا مَطْبُوخٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَطْبُخُهُ وَإِنَّمَا تُلْقِي فِيهِ حَبَّاتِ تَمْرٍ حَتَّى يَحْلُوَ فتشر به: وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَجْوِبَةً كَثِيرَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وفيما ذكرناه كفاية: واما حديث ابن عباس والاثار غيرهما فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ عَنْهَا أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَضْيِيعِ الْوَقْتِ بِذِكْرِهَا بِلَا فَائِدَةٍ: وَلَقَدْ أَحْسَنَ وَأَنْصَفَ الْإِمَامُ أبن جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ إمَامُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنْتَصِرُ لَهُمْ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ إنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إلَى الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فَلَا معنى لتطويل كتابي بشئ فِيهِ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إلَّا بِالْمَاءِ فَلَا تَجُوزُ بِخَلٍّ وَلَا بِمَائِعٍ آخَرَ: وَمِمَّنْ نُقِلَ هَذَا عَنْهُ مَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وزفر واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِكُلِّ مَائِعٍ يَسِيلُ إذَا غُسِلَ بِهِ ثُمَّ عُصِرَ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ: وَلَا يَجُوزُ بِدُهْنٍ وَمَرَقٍ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى الله عنها قالت ما كان لا حدانا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شئ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَصَعَتْهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ أَذْهَبَتْهُ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي فَأَجُرُّهُ عَلَى الْمَكَانِ الْقَذِرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ: وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: وَالدَّلَالَةُ مِنْ هذين كبى مِمَّا قَبْلَهُمَا: وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا كَحَدِيثِ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فاغسلوه وبأى شئ غَسَلَهُ سُمِّيَ غَاسِلًا: قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ

طَاهِرٌ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ: وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا لِلْعِبَادَةِ فَجَازَ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَالطِّيبِ عَنْ ثَوْبِ الْمُحْرِمِ وَهَذَا يَعْتَمِدُونَهُ: وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ فَزَالَ بِزَوَالِهَا: وَلِأَنَّ الْمُرَادَ إزَالَةُ الْعَيْنِ وَالْخَلُّ أَبْلَغُ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا طَهُرَتْ وَطَهُرَ الدَّنُّ وَمَا طَهُرَ إلَّا بِالْخَلِّ: وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهَا الْمَاءُ كَنَجَاسَةِ النَّجْوِ: وَلِأَنَّ الْهِرَّةَ لَوْ أَكَلَتْ فَأْرَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي إنَاءٍ لَمْ تُنَجِّسْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رِيقَهَا طَهَّرَ فَمَهَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فَذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى امْتِنَانًا فَلَوْ حَصَلَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْصُلْ الِامْتِنَانُ: وَبِحَدِيثِ أَسْمَاءَ الْمَذْكُورِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ: وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَنُقِلَ إزَالَتُهَا بِالْمَاءِ وَلَمْ يَثْبُتْ صَرِيحٌ فِي إزَالَتِهَا بِغَيْرِهِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ إذْ لَوْ جَازَ بِغَيْرِهِ لَبَيَّنَهُ مَرَّةً فَأَكْثَرَ لِيُعْلَمَ جَوَازُهُ كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ: وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَمْ تَجُزْ بِالْخَلِّ كَالْوُضُوءِ: وَلِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثِ دُونَهَا وَلَوْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِأَحَدِهِمَا غَسَلَهَا وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا عِنْدَنَا إنْ انْفَصَلَ وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ طَاهِرٌ عِنْدَنَا وَكَذَا عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَالنَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَغْلَظُ أَوْلَى * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الدَّمِ الْيَسِيرِ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بل تصح الصلاة معه ويكون عفو أو لم تُرِدْ عَائِشَةُ غَسْلَهُ وَتَطْهِيرَهُ بِالرِّيقِ وَلِهَذَا لَمْ تَقُلْ كُنَّا نَغْسِلُهُ بِالرِّيقِ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ إذْهَابَ صُورَتِهِ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ فَيَبْقَى الْمَحَلُّ نَجِسًا كَمَا كَانَ وَلَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقِلَّتِهِ: وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا يَكُونُ مَرْفُوعًا وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَنْ اشْتَرَطَ الْإِضَافَةَ فَلَا يَكُونُ عنده مرفوعا بل يكون موقوفا ويجئ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ هَلْ انْتَشَرَ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ فِي الْحَالَيْنِ أَمْ لَا * وَفِي كُلِّ هَذَا خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ وَاضِحًا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ أُمَّ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولَةٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذَرِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعْنَى يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ أَنَّهُ إذَا انْجَرَّ عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَرْضِ ذَهَبَ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْ الْيَابِسِ هَكَذَا أَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في تعليقه ويدل علي التَّأْوِيلِ الْإِجْمَاعُ أَنَّهَا لَوْ جَرَّتْ ثَوْبَهَا عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ فَأَصَابَتْهُ لَمْ يَطْهُرْ بِالْجَرِّ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ آبَاءِ عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَنَا في

الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ الْقَدِيمُ أَنَّ مَسْحَ أَسْفَلِ الْخُفِّ الذى لصقت به نجاسة كلف فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ عُفِيَ عَنْهُ وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ فَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْأَذَى الْمَذْكُورَ مَحْمُولٌ عَلَى مُسْتَقْذَرٍ طَاهِرٍ كَمُخَاطٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضَعِيفَةٍ وَلَوْ صَحَّ لَأُجِيبَ عَنْهُ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ: وَأَمَّا حَدِيثُ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فَالْغَسْلُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَسْلِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ الْمَعْهُودُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْرَفُ الْغَسْلُ فِي اللُّغَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَاءِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ الْمَائِعِ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالدُّهْنِ وَالْمَرَقِ: وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الطِّيبِ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إزَالَةَ الطِّيبِ وَغَسْلَهُ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ الْوَاجِبُ إذْهَابُ رَائِحَتِهِ وَإِهْلَاكُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَلَى عَلَيْهِ حين أَوْ غَسَلَهُ بِدُهْنٍ كَفَاهُ: وَالثَّانِي أَنَّ النَّجَاسَةَ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ أَشْبَهُ مِنْ إزَالَةِ الطِّيبِ فَإِلْحَاقُ طَهَارَةٍ بِطَهَارَةٍ أَوْلَى: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ فَزَالَ بِزَوَالِهَا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَيُنْتَقَضُ بِلَحْمِ الْمَيْتَةِ إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَيُنَجِّسُهُ وَإِذَا زَالَ لَا يَزُولُ التَّنْجِيسُ: وَقَوْلُهُمْ الْخَلُّ أَبْلَغُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ فِي الْمَاءِ لَطَافَةً وَرِقَّةً لَيْسَتْ فِي الْخَلِّ وَغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْخَلِّ أَفْضَلَ وَأَجْمَعْنَا بِخِلَافِهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الدَّنُّ يَطْهُرُ بِالْخَلِّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْخَلِّ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ هُوَ الَّذِي طَهَّرَهُ لَنَجُسَ الْخَلُّ لِأَنَّ الْمَائِعَ إذَا أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ تَنْجُسُ عِنْدَهُمْ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُطَهِّرًا لَوَجَبَ أَنْ تَتَقَدَّمَ طَهَارَتُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَطْهُرْ الْخَلُّ لِحُصُولِهِ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ: وَأَمَّا نَجَاسَةُ النَّجْوِ فَإِذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ عُفِيَ عَمَّا بَقِيَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ رُخْصَةٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَحَلَّ يبقى نجسا ولهذا لو انعمس فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ فَلَمْ تَحْصُلْ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ بِغَيْرِ الْمَاءِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْهِرَّةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا مَذْكُورَةٍ بَعْدَ هَذَا فَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ مَا وَلَغَتْ فِيهِ فَلَيْسَ هُوَ لِطَهَارَةِ فَمِهَا بِرِيقِهَا بَلْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَعُفِيَ عَنْهَا كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ: وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ لَا يَسْأَمَ مِنْ طُولِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهَا لَا تَطُولُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِفَوَائِدَ وَتَمْهِيدِ قَوَاعِدَ وَيَحْصُلُ فِي ضِمْنِ ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلِهَا وَأَجْوِبَتِهَا فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ نَفِيسَةٌ وَتَتَّضِحُ الْمُشْكِلَاتُ وَتَظْهَرُ الْمَذَاهِبُ الْمَرْجُوحَةُ مِنْ الرَّاجِحَةِ وَيَتَدَرَّبُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَيَتَنَقَّحُ ذِهْنُهُ وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ وَيَتَعَرَّفُ الْأَحَادِيثَ

الصَّحِيحَةَ مِنْ الضَّعِيفَةِ وَالدَّلَائِلَ الرَّاجِحَةَ مِنْ الْمَرْجُوحَةِ وَيَقْوَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُظَنُّ مُتَعَارِضَاتٍ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إفْرَادُ نَادِرَاتٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أول مختضر الْمُزَنِيِّ وَمَا عَدَا الْمَاءَ مِنْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ عَرَقٍ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ عَرَقٍ فَقِيلَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَهُوَ عَرَقُ الْحَيَوَانِ: وَقِيلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْمُعْتَصَرُ مِنْ كِرْشِ الْبَعِيرِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْأُمِّ: وَقِيلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ عِرْقُ الشَّجَرِ أَيْ الْمُعْتَصَرُ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّالِثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَالثَّانِي فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ نَجَسٌ لَا يَخْفَى امْتِنَاعُ الطَّهَارَةِ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ (فَرْعٌ) إذَا أَغْلَى مَائِعًا فَارْتَفَعَ مِنْ غَلَيَانِهِ بُخَارٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ رَشْحٌ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ بِلَا خِلَافٍ كَالْعَرَقِ: وَلَوْ أُغْلِيَ مَاءٌ مُطْلَقًا فَتَوَلَّدَ مِنْهُ الرَّشْحُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِأَنَّهُ عَرَقٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدِي لِأَنَّ رَشْحَ الْمَاءِ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ فَهُوَ ماء مطلق فيتطهر به (1) (قلت) الا صح جواز الطهارة به والله أعلم قال المصنف رحمه الله (فَإِنْ كَمَّلَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ بِمَائِعٍ بِأَنْ احْتَاجَ فِي طَهَارَتِهِ إلَى خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ فَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ كَمَاءِ وَرْدٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ كَمُلَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَالْمَائِعِ فَأَشْبَهَ إذَا غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِالْمَاءِ وَبَعْضَهَا بِالْمَائِعِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَائِعَ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طُرِحَ ذَلِكَ فِي مَاءٍ يَكْفِيهِ) ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي (إذا اختلط بالماء شئ طَاهِرٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لِقِلَّتِهِ لَمْ يَمْنَعْ الطَّهَارَةَ بِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ كَمَاءِ وَرْدٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ جَازَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وان كانت الغلبة للمخالط لَمْ تَجُزْ لِزَوَالِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ وَالثَّانِي إنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْرًا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي صِفَاتِهِ لَمْ يُغَيِّرْهُ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ غَيَّرَهُ مُنِعَ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا لَمْ يُغَيَّرْ بِنَفْسِهِ اُعْتُبِرَ بِمَا يُغَيِّرُهُ كَمَا تَقُولُ فِي الجنابة الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا اُعْتُبِرَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبِيدِ)

_ (1) حكي الرافعي في شرحه الصغير في مسألة الرشح عن عامة الاصحاب انهم منعوا الطهور به وقالوا يسمى رشحا أو بخارا ولا يسمى ماء مطلقا والمختار ما ذكره اه بهامش الاذرعي

(الشَّرْحُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مَعْدُودَةٌ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَهِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ ذَكَرُوهَا فِي مشكلاته ووجه الاشكال أن بينها وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي اشْتِبَاهًا كَمَا تَرَاهُ: وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مُفَرَّعَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أن يذكر الثانية أو لا: وَحَاصِلُ حُكْمِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَائِعَ الْمُخَالِطَ لِلْمَاءِ إنْ قَلَّ جَازَتْ الطَّهَارَةُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا: وَبِمَاذَا تُعْرَفُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ يُنْظَرُ: فَإِنْ خَالَفَهُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ فَالْعِبْرَةُ بِالتَّغَيُّرِ فَإِنْ غَيَّرَهُ فَكَثِيرٌ وَإِلَّا فَقَلِيلٌ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ الْبَابِ الثَّانِي وَهَذَا مُتَّفَقٌ (1) عَلَيْهِ: وَإِنْ وافقه في صفاته ففيها تعتبر به القلقة وَالْكَثْرَةُ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَصَحُّهُمَا بِتَقْدِيرِهِ مُخَالِفًا فِي صِفَاتِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَكَذَا صَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ: وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ احمد بن فوران الفوراني بضم الفإ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ وَزْنًا جَازَتْ الطَّهَارَةُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَائِعُ أَكْثَرَ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا: وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ خَالَطَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْمَائِعِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ السَّيِّدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّبَّاغِ: ثُمَّ حَيْثُ حَكَمْنَا بِقِلَّةِ الْمَائِعِ إمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ وَإِمَّا لِقِلَّةِ وَزْنِهِ عَلَى وَجْهٍ وَإِمَّا لِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ بِتَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْوُضُوءُ مِنْهُ جَائِزٌ: وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ كُلِّهِ أَمْ يَجِبُ ترك قدر المائع فيه الو جهان اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَقَوْلُ غَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْجَمِيعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى تَغْلِيطِ أَبِي عَلِيٍّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ تَغْلِيطَهُ وَكَذَا هُوَ فِي كُتُبِهِمْ: وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى تَغْلِيطِهِ وَقَدْ شَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَصَحَّحَا قَوْلَ أَبِي عَلِيٍّ: وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ طائفة وافقت

_ (1) قوله متفق عليه فيه نظر فان التغير اليسير لا يضر على الاصح خلافا للعراقيين والقفال الا ان يحمل على اتفاق العراقيين اه من هامش الاذرعي

أَبَا عَلِيٍّ وَأَنَّ الْجُمْهُورَ خَالَفُوهُ: ثُمَّ ضَابِطُ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ قَدْرًا يَكْفِي لِلطَّهَارَةِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ الْجَمِيعُ أَوْ بَقِيَ قَدْرُ الْمَائِعِ: وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيهَا إلَّا بِالْمَائِعِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى قَدْرُ الْمَائِعِ: فَعَلَى مَذْهَبِهِ لَوْ احْتَاجَ الْجُنُبُ إلَى عَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَمَعَهُ تِسْعَةٌ مِنْ الْمَاءِ فَطُرِحَ فِيهِ رِطْلٌ مَائِعٌ وَقُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اغْتَسَلَ بِالْجَمِيعِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ تَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ بِجَمِيعِهِ جَازَ: قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَتَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَرْحِهِ فِي كَافٍ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا رَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا لَوْ طُرِحَ ذَلِكَ فِي مَاءٍ يَكْفِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ نَاقِصَةٌ وَمُوهِمَةٌ خِلَافَ الْمُرَادِ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ يَقُولُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَذَلِكَ بَلْ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْهُ قَدْرَ الْمَاءِ بِلَا شك وتمام تفصيله علي ما ذكرناه ضَابِطِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي حِكَايَتِهِمْ عَنْهُ: وَلَوْ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ أَوْلَى وَأَصْوَبَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَا يَكْفِيهِ أَيْ لِوَاجِبِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَرَّةً مَرَّةً صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَيَقْصُرُ عَنْ الرِّجْلَيْنِ وَخَلَطَهُ بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ صَحَّ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ خِلَافُ أَبِي عَلِيٍّ وَالْجُمْهُورِ: فَلَوْ كَانَ كَافِيًا وُضُوءَهُ فَقَطْ صَحَّ الْوُضُوءُ به فان فضل شئ فَفِي اسْتِعْمَالِهِ فِي طَهَارَةٍ أُخْرَى الْخِلَافُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ تَبْقِيَةُ قَدْرِ الْمَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَافِيًا وَهَذَا غَرِيبٌ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْجَمِيعِ فَكَانَ الْمَاءُ لَا يَكْفِي وَمَعَهُ مَائِعٌ يُكْمِلُهُ لَزِمَهُ التَّكْمِيلُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ: وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَزِيدَ ثَمَنُ الْمَائِعِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجِبْ كَمَا لَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ كَافٍ لِوُضُوءَيْنِ إلَّا عُضْوًا فَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِالْوُضُوءَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا نَقَصَ عَنْ

باب ما يفسد الماء من الطاهرات وما لا يفسده

أَعْضَائِهِ مَرَّةً فَكَمَّلَهُ بِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ اسْتِعْمَالُ مَائِعٍ فِي طَهَارَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُنَا تَيَقُّنُهُ فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ فِي الْمَائِعِ الْمُخَالِطِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِتَقْدِيرِهِ بِغَيْرِهِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوْسَطُ الصِّفَاتِ وَأَوْسَطُ الْمُخَالَفَاتِ لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا وَهَذَا مُتَّفَقُ عَلَيْهِ إلَّا الرُّويَانِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ يُعْتَبَرُ بِمَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمُخَالِطِ: وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مَائِعٌ نَجِسٌ يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي صِفَاتِهِ كَبَوْلٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ فَيُعْتَبَرُ بِتَقْدِيرِهِ مُخَالِفًا بِلَا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ: وَيُعْتَبَرُ أَغْلَظُ الصِّفَاتِ وَأَشَدُّ الْمُخَالَفَاتِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (فَرْعٌ) أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ نِسْبَةً إلَى طَبَرِسْتَانَ وَكَذَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَنْسُوبٌ إلَى طَبَرِسْتَانَ: وَتَفَقَّهَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْإِفْصَاحُ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ وَصَنَّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْجَدَلِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِهِ وَصَنَّفَ الْمُحَرَّرَ فِي النَّظَرِ وَهُوَ أَوَّلُ مُصَنَّفٍ فِي الْخِلَافِ الْمُجَرَّدِ: وَدَرَسَ بِبَغْدَادَ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ رَحِمَهُ الله وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله بَابُ (مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ وَمَا لا يفسده) (إذا اختلط بالماء شئ طَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ اُعْتُبِرَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبِيدِ) (1) (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تَقَدَّمَتَا فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ بِشَرْحِهِمَا الْمُسْتَوْفَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَسَادُ ضد الاستقامة وفسد الشئ بفتح السين وضمها يفسد فسادا وفسودا * قال المصنف رحمه الله (وان تغير أحد اوصافه من طعم أولون أَوْ رَائِحَةٍ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْمَاءِ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ الْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَغَيْرِهِمَا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنْهُ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ مِلْحًا انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَمْنَعْ الطَّهَارَةَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَاءً فِي الْأَصْلِ فَهُوَ كالثلج إذا ذاب فيه وان

_ (1) سبقت عبارة المتن هذه فلا حاجة إلى اعادتها

كَانَ تُرَابًا طُرِحَ فِيهِ لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي التَّطْهِيرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ فَتَغَيَّرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ كَالزَّعْفَرَانِ وَالتَّمْرِ وَالدَّقِيقِ وَالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ وَالطُّحْلُبِ إذَا أُخِذَ وَدُقَّ وَطُرِحَ فيه وغير ذلك مما يستغنى الماء عنه لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ والماء مستغني عَنْهُ فَلَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ كَمَاءِ اللَّحْمِ والباقلاء) * (الشَّرْحُ) أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا إذَا تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنْهُ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (1) وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ: وَلَوْ قَالَ جَازَتْ الطَّهَارَةُ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَحْسَنَ وَلَكِنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ فِي هَذَا وَأَنَّ مَا لَا يَمْنَعُ الْوُضُوءَ مِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ كَانَ مِلْحًا انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَمْنَعْ الطَّهَارَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي الْمِلْحِ الجبلى أنه يسلب الطهور به فهذا أحد اوجه ثلاثة لا صحابنا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ: وَالثَّانِي يَسْلُبَانِ: وَالثَّالِثُ لَا يَسْلُبَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَائِيِّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ: وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ فِي الْجَبَلِيِّ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَفَّالِ لَا يَسْلُبَانِ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ الْكِبَارِ يُنْكِرُ الْخِلَافَ فِي الْجَبَلِيِّ وَيَنْسِبُ الْغَزَالِيَّ إلَى التَّفَرُّدِ بِهِ وَكَأَنَّهُ اغْتَرَّ بِقَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجَبَلِيُّ يَقْطَعُ بِأَنْ يَسْلُبَ وَمَنْ ظَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ غَالِطٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ تُرَابًا طُرِحَ فِيهِ قَصْدًا (2) لَمْ يُؤَثِّرْ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جماهير العراقيين وصححه الخراسانيون وذكروا وجها آخر أَنَّهُ يَسْلُبُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَوْلًا: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي التُّرَابِ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَاءَ فِي التَّطْهِيرِ فَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ هَذَا مِنْ رَكِيكِ الْكَلَامِ وَإِنْ ذَكَرَهُ طَوَائِفُ فَإِنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَإِنَّمَا عُلِّقَتْ بِهِ إبَاحَةٌ بِسَبَبِ ضَرُورَةٍ وَهَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ بَلْ الصَّوَابُ تَسْمِيَتُهُ طَهُورًا: قَالَ الله تعالى (ولكن يريد ليطهركم) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وطهورا وفي رواية

_ (1) قوله فجمع عليه فيه نظر فان فيه وجها ضعيفا حكاه الامام في الهاية والرافعي في شرحه الصغير اه من هامش الاذرعي 2) لم يقل في المهذب قصدا اه من هامش الاذرعى

" وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ: وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ فَثَبَتَ أَنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ وَإِطْلَاقُ اسْمِ التَّطْهِيرِ وَالطَّهُورِ عَلَى التُّرَابِ فِي السُّنَّةِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ (1) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالطُّحْلُبُ إذَا أُخِذَ وَدُقَّ وَطُرِحَ فِيهِ فَإِنَّمَا قَالَ وَدُقَّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدَقَّ فَهُوَ مُجَاوِرٌ لَا مُخَالِطٌ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا دُقَّ يَسْلُبُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَسْلُبُ قَالَا وَهُوَ غَلَطٌ: وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَبُو الْخَيْرِ يَحْيَى بْنُ سَالِمٍ وَغَيْرُهُ فِي الطُّحْلُبِ الْمَدْقُوقِ وَوَرَقِ الْأَشْجَارِ الْمَدْقُوقِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ الزِّرْنِيخُ وَالنُّورَةُ وَالْحَجَرُ الْمَسْحُوقُ وَالطُّحْلُبُ وَالْعُشْبُ الْمَدْقُوقُ إذَا طُرِحَ فِي الْمَاءِ هَلْ يَسْلُبُ فيه وجهان الصحيح نعم لا مكان الِاحْتِرَازِ عَنْهُ: وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ أَصْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَهَذَا النَّصُّ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ النَّصِّ مَا سَبَقَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ زَالَ عَنْهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ فَاحْتِرَازٌ مِمَّا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لِقِلَّتِهِ: وَقَوْلُهُ بِمُخَالَطَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ: وَقَوْلُهُ مَا لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ احْتِرَازٌ مِنْ التُّرَابِ: وَقَوْلُهُ وَالْمَاءُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ احْتِرَازٌ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهِ كَالنُّورَةِ وَنَحْوِهَا: وَقَوْلُهُ كَمَاءِ اللَّحْمِ وَالْبَاقِلَّاءِ يَعْنِي مَرَقَهُمَا: وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَيُوَافِقُ عَلَيْهِمَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ وَجَعْلُهُ أَحَدَ الْأَوْصَافِ سَالِبًا فَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِيهِمَا: وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَسْلُبُ إلَّا تَغَيُّرُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ نَصٌّ غَرِيبٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ حَكَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ أَحَدَ الْأَوْصَافِ يَسْلُبُ: وَالثَّانِي وَهُوَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ أَنَّ اللون وحده يسلب والطعمم مَعَ الرَّائِحَةِ يَسْلُبُ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا فَلَا وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ: وَأَمَّا صِفَةُ التَّغَيُّرِ فَإِنْ كَانَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا سَلَبَ قَطْعًا: وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ قَلِيلُ زَعْفَرَانٍ فَاصْفَرَّ قَلِيلًا أَوْ صَابُونٌ أَوْ دَقِيقٌ فَابْيَضَّ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ منهما انه طهور لبقاء الاسم هكذا صححه الخراسانيون وهو المختار:

_ (1) قال الشافعي في المختصر ردا على ابي حنيفة رحمه الله في اشتراط النية في التيمم دون الوضوء طهارتان فكيف يفترقان فسم التيمم طهارة اه من هامش نسخة الاذرعي

وَالثَّانِي لَيْسَ بِطَهُورٍ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَفَّالُ: وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ: ويجاب عن هذا للمذهب الْمُخْتَارِ بِأَنَّ بَابَ النَّجَاسَةِ أَغْلَظُ * وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالطُّحْلُبُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ: وَالنُّورَةُ بِضَمِّ النُّونِ حِجَارَةٌ رَخْوَةٌ فِيهَا خُطُوطٌ بِيضٌ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ فَتُنْحَلُ: وَفِي الْبَاقِلَّاءِ لُغَتَانِ إحْدَاهُمَا تَشْدِيدُ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَالثَّانِيَةُ تَخْفِيفُ اللَّامِ مَعَ المد ويكتب بالالف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ الطَّهَارَةِ بِالْمُتَغَيِّرِ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ وَالْمَاءُ يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد وَكَذَا أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِالزَّعْفَرَانِ وَكُلِّ طَاهِرٍ سَوَاءٌ قَلَّ التَّغَيُّرُ أَوْ كَثُرَ بِشَرْطِ كَوْنِهِ يَجْرِي لَا ثَخِينًا إلَّا مَرَقَةَ اللَّحْمِ وَمَرَقَةَ الْبَاقِلَّاءِ وَلِهَذَا رَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ كَمَاءِ اللَّحْمِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَهَذِهِ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى إلْزَامِ الْمُخَالِفِ بِمَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا وَضَعِيفٌ: واحتج لابي حنيفة بالقياس على الطلحب وَشَبَهِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاعْتَمَدُوهُ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِمَاءِ الْبَاقِلَّاءِ لِأَنَّهُ صَارَ أُدْمًا: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ أُدْمًا لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ طُبِخَ فِيهِ حَنْظَلٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ التَّطَهُّرُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ أُدْمًا فَدَلَّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْأُدْمِيَّةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِزَوَالِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَاءِ الزَّعْفَرَانِ فَإِنَّهُ صَارَ صِبْغًا وَطِيبًا وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مَسُّهُ وَيَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الطُّحْلُبِ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الطُّحْلُبَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي مُخَالَطَةِ الطَّاهِرِ لِلْمَاءِ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالْحُكْمُ فِي كُلِّ ذلك وَاحِدٌ عَلَى مَا سَبَقَ (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ اعْتَرَضَ مُتَكَلِّفٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ الْمُجَاوَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ فَزَعَمَ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ مُلَاقَاتُهُ أَيْضًا مُجَاوَرَةٌ فَإِنَّ تَدَاخُلَ الْأَجْرَامِ مُحَالٌ قُلْنَا لَهُ مَدَارِكُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَآخِذِ بَلْ تُؤْخَذُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ أَفْهَامُ النَّاسِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَعْنًى وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْبَابَ اللِّسَانِ لُغَةً وَشَرْعًا قَسَّمُوا التَّغَيُّرَ إلَى مُجَاوَرَةٍ وَمُخَالَطَةٍ وَإِنْ كَانَ مَا يُسَمَّى مُخَالَطَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُجَاوَرَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَالنَّظَرُ إلَى تَصَرُّفِ

اللِّسَانِ (فَرْعٌ) حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءً مُتَغَيِّرًا بِزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مَاءً فَاشْتَرَاهُ لَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَقَعُ عليه عند الاطلاق ذكره صاحب البيان: قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَا لَا يَخْتَلِطُ بِهِ فغير رائحته كالدهن الطيب وَالْعُودِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمُتَغَيِّرِ بِزَعْفَرَانٍ وَرَوَى الْمُزَنِيّ انه يجوز لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ عَنْ مُجَاوَرَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ: وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ رائحته فو جهان أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِطُ به وانما يتغير من جهة المجاورة (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ ابراهيم بن نصر المقدسي الزاهد في كتابيه التهذيب والانتخاب الدمشقي وَغَيْرُهُمْ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْجَوَازُ أَيْضًا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مَسْأَلَةَ الْقَوْلَيْنِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ بِطَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رائحة هذا هو الصوب وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدِي أَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْمُجَاوَرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرَّائِحَةِ لِأَنَّ تَغَيُّرَ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْفِصَالِ أَجْزَاءٍ وَاخْتِلَاطِهَا وَالرَّائِحَةُ تَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَلِهَذَا تَتَغَيَّرُ رَائِحَتُهُ بِمَا عَلَى طَرَفِ الماء لا طمعه وَلَوْنُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ لَا نَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُهُ الْمَحَامِلِيُّ: وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الْمَاءِ الَّذِي يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لَا يَنْجُسُ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَا لَا يَخْتَلِطُ كَالْعُودِ الصُّلْبِ وَالْعَنْبَرِ أَوْ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِطُ وَلَكِنْ لَوْ غَيَّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ فَهُوَ مُطَهِّرٌ: وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ قَلِيلٌ لَا يَخْتَلِطُ بِهِ كَعُودٍ وَعَنْبَرٍ وَدُهْنٍ فَلَا بَأْسَ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُغَيِّرَ أَوْصَافَ الْمَاءِ أَوْ لَا يُغَيِّرَهُ فَهَذَا

لَفْظُهُمَا: وَقَوْلُهُمَا أَحَدُ أَوْصَافِهِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ فالصواب ان لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوْصَافِ: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ يَعْنِي جِيفَةً مُلْقَاةً خَارِجَ الْمَاءِ قَرِيبَةً مِنْهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَضُرُّ الْجِيفَةُ قَطْعًا بَلْ الْمَاءُ طَهُورٌ بِلَا خِلَافٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ رَائِحَتُهُ فَوَجْهَانِ فَقَدْ اضْطَرَبَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَصْوِيرِهَا وَمِمَّنْ نَقَّحَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ مَنْ فَسَّرَ الْكَافُورَ هُنَا بِالصُّلْبِ فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ قَلِيلُ فَائِدَةٍ وَلَا مَعْنًى وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ هِيَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا: وَالصَّوَابُ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَ رَخْوًا لَكِنَّهُ قَلِيلٌ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ فِي أَقْطَارِ الْمَاءِ لِقِلَّتِهِ بَلْ يُسْتَهْلَكُ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِهِ: فَإِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ الْجَمِيعِ علم انه تغير بالمجاورة فيجئ فِيهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ * فَإِنْ قِيلَ فَالْمُغَيِّرُ لَمْ يُجَاوِرْ الْجَمِيعَ فَكَيْفَ يُقَالُ تَغَيَّرَ الْجَمِيعُ بِالْمُجَاوَرَةِ قُلْنَا لَا تعتبر في المغير بمجاوره مُجَاوَرَتُهُ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الخالط بَلْ يَكْفِي مُجَاوَرَةُ بَعْضِهِ كَمَا فِي الدُّهْنِ وَالْعُودِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخَالِطِ وَالْمُجَاوِرِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو: وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَيَانِ وَمُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَخْتَلِطُ أَجْزَاؤُهُ بِالْيَسِيرِ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِهِ رَائِحَةُ جَمِيعِ الْمَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفُورَانِيُّ فَقَالَ فِي الْإِبَانَةِ الْيَسِيرُ مِنْ الْكَافُورِ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَيَذُوبُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمَاءِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَتَرَوَّحَ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ صُورَةِ الْكِتَابِ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْكَافُورِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُعْلَمُ انْحِلَالُهُ فِي الْمَاءِ فَيَسْلُبُ لِأَنَّهُ مُخَالِطٌ: وَحَالٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْحَلَّ فَلَا يَسْلُبُ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ: وَحَالٌ يُشَكُّ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ يَسْلُبُ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِرَائِحَةٍ فَوَجْهَانِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَوْلُهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَافُورٍ كَثِيرٍ لِيُوَافِقَ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَهُمَا أَجَلُّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَأَمَّا الْبُوَيْطِيُّ بِضَمِّ الْبَاءِ فَمَنْسُوبٌ إلَى بُوَيْطٍ قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الادني: وهو أبو يعقوب يوسف ابن يَحْيَى أَكْبَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلِيفَتُهُ فِي حَلْقَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ: أَوْصَى الشَّافِعِيُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي حَلْقَتِهِ الْبُوَيْطِيُّ وَقَالَ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَجْلِسِي مِنْ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَعْلَمَ مِنْهُ: وَدَامَ فِي حَلْقَةِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنْ جَرَتْ فِتْنَةُ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَحَمَلُوهُ إلَى بَغْدَادَ مُقَيَّدًا لِيَقُولَ بِخَلْقِهِ فأبي وصبر محتسبا لله تعالى وحسبوه وَدَامَ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ

فِيهِ وَجَرَى لَهُ فِي السِّجْنِ أَشْيَاءُ عَجِيبَةٌ وَكَانَ الْبُوَيْطِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَوِيلَ الصَّلَاةِ وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ: قَالَ الرَّبِيعُ مَا رَأَيْتُ الْبُوَيْطِيَّ بَعْدَ مَا فَطِنْتُ لَهُ إلَّا رَأَيْتُ شَفَتَيْهِ يَتَحَرَّكَانِ بِذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ قَالَ وَكَانَ لَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّ مَنْزِلَةٌ وَكَانَ الرَّجُلُ رُبَّمَا سَأَلَ الشَّافِعِيَّ مَسْأَلَةً فَيَقُولُ سَلْ أَبَا يَعْقُوبَ فَإِذَا أَجَابَهُ أَخْبَرَهُ فَيَقُولُ هُوَ كَمَا قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنْزَعَ بِحُجَّةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْبُوَيْطِيِّ وَرُبَّمَا جَاءَ إلَى الشَّافِعِيِّ رَسُولُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ فَيُوَجِّهُ الشَّافِعِيُّ الْبُوَيْطِيَّ: وَيَقُولُ هَذَا لِسَانِي: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ كَانَ الْبُوَيْطِيُّ جَارِي وَمَا انْتَبَهْتُ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ إلَّا سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ وَيُصَلِّي: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْتَ يَا فُلَانُ يَجْرِي لَكَ كَذَا وَأَنْتَ كَذَا وَقَالَ لِلْبُوَيْطِيِّ سَتَمُوتُ فِي حَدِيدِكَ فَكَانَ كَمَا تَفَرَّسَ جَرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا ذَكَرَهُ وَدُعِيَ الْبُوَيْطِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَأَبَى فَقُيِّدَ وَحُمِلَ إلَى بَغْدَادَ: قَالَ الرَّبِيعُ رَأَيْتُ الْبُوَيْطِيَّ وَفِي رِجْلَيْهِ أَرْبَعُ حِلَقٍ قُيُودٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَطْلًا وَفِي عُنُقِهِ غُلٌّ مَشْدُودٌ إلَى يَدِهِ: وَتُوُفِّيَ فِي السِّجْنِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَهُوَ نَاصِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أبو ابراهيم اسمعيل بن يحيى بن اسمعيل بن عمرو بن اسحق بْنِ مُسْلِمِ بْنِ نَهْدَلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمِصْرِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ كَانَ الْمُزَنِيّ زَاهِدًا عَالِمًا مُجْتَهِدًا مُنَاظِرًا مِحْجَاجًا غَوَّاصًا عَلَى الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْجَامِعُ الْكَبِيرُ وَالْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَالْمُخْتَصَرُ وَالْمَنْثُورُ وَالْمَسَائِلُ الْمُعْتَبَرَةُ والترغيب في العلم وكتاب الوثائق. قال الشَّافِعِيُّ الْمُزَنِيّ نَاصِرُ مَذْهَبِي. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمَّا جَرَى لِلْبُوَيْطِيِّ مَا جَرَى كَانَ الْقَائِمُ بِالتَّدْرِيسِ والتفقيه على مذهب الشافعي المزني: وأنشد لمنصور الْفَقِيهُ لَمْ تَرَ عَيْنَايَ وَتَسْمَعْ أُذُنِي * أَحْسَنَ نَظْمًا مِنْ كِتَابِ الْمُزَنِيِّ وَأَنْشَدَ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الْمُخْتَصَرِ وَذَكَرَ مِنْ فَضَائِلِهِ شَيْئًا كَثِيرًا: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا نَعْلَمُ كِتَابًا صُنِّفَ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ نَفْعًا وَأَعَمَّ بَرَكَةً وَأَكْثَرَ ثَمَرَةً مِنْ مُخْتَصَرِهِ قَالَ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَاعْتِقَادُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ اجْتِهَادُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ فِي جَمْعِ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ فِي تَصْنِيفِ الْكُتُبِ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمَا وَجَمَعَنَا فِي جَنَّتِهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ: وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الشَّيْخِ الصَّالِحِ الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَنْ تَتَبَّعَ الْمُخْتَصَرَ حق تتبعه لا يخفى عليه شئ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ إلَّا وَقَدْ ذَكَرَهَا تَصْرِيحًا أَوْ إشَارَةً: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ

عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إمَامِ الْأَئِمَّةِ قَالَ سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ كنت فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَلَّفْتُهُ ثمان مَرَّاتٍ وَغَيَّرْتُهُ وَكُنْتُ كُلَّمَا أَرَدْتُ تَأْلِيفَهُ أَصُومُ قَبْلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأُصَلِّي كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ نَاظَرَ الْمُزَنِيّ الشَّيْطَانَ لَقَطَعَهُ وَهَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ مَوْتِ الشَّافِعِيِّ سِتِّينَ سَنَةً يُقْصَدُ مِنْ الْآفَاقِ وَتُشَدُّ إلَيْهِ الرَّحَّالُ حَتَّى صَارَ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ لَوْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنَّهُ لَمْ يَرَ كَالْمُزَنِيِّ لَكَانَ صَادِقًا: وَذَكَرُوا مِنْ مَنَاقِبِهِ فِي أَنْوَاعِ طُرُقِ الْخَيْرِ جُمَلًا نَفِيسَةً لَا يَحْتَمِلُ هَذَا الْمَوْضِعُ عُشْرَ مِعْشَارِهَا وَهِيَ مُقْتَضَى حَالِهِ وَحَالِ مَنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ تُوُفِّيَ الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ وَدُفِنَ يَوْمَ الْخَمِيسِ آخِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُقَالُ كَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ ذَكَرْتُهَا تَنْبِيهًا لِلْمُتَفَقِّهِ لِيَعْلَمَ مَحَلَّهُمَا وَقَدْ اسْتَقْصَيْتُ أَحْوَالَهُمَا بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الطَّبَقَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَعْنَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَسُمِّيَ الكتاب باسم مصنفه مجازا كما يقال قَرَأْتُ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا وَالتِّرْمِذِيَّ وَالنَّسَائِيَّ وَسِيبَوَيْهِ وَنَظَائِرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ قَطِرَانٌ فَتَغَيَّرَ بِهِ رِيحُهُ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ إذَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَعَكَسَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمَا فَقَدَّمُوا النَّصَّ الْمُؤَخَّرَ وَلَعَلَّ النُّسَخَ مُخْتَلِفَةٌ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يَجُوزُ أَرَادَ إنْ لَمْ يَخْتَلِطْ بَلْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ: وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ يَعْنِي إذَا اخْتَلَطَ وَقِيلَ الْقَطِرَانُ ضَرْبَانِ مُخْتَلِطٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُمَا قَوْلَانِ وَهَذَا غَلَطٌ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَاءُ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْهُ مِلْحٌ إنْ بَدَأَ فِي الْجُمُودِ وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْجَارِي لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ وَإِنْ كان جار يا فهو ضربان ضرب يصير ملحا لجوهر التربة كَالسِّبَاخِ الَّتِي إذَا حَصَلَ فِيهَا مَطَرٌ أَوْ غَيْرُهُ صَارَ مِلْحًا جَازَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ: وَضَرْبٌ يصير ملحا لجوهر الماء كأعين الملج الَّتِي يَنْبُعُ مَاؤُهَا مَائِعًا ثُمَّ يَصِيرُ مِلْحًا جَامِدًا فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ جَوَازُ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُهُ فِي الْحَالِ وَإِنْ تَغَيَّرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا يَجْمُدُ الْمَاءُ فَيَصِيرُ جَمَدًا: وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ كَالنِّفْطِ وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ

الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَجْهَيْنِ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنْهُ مِلْحٌ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ مَاءُ الْمَلَّاحَةِ وَالصَّوَابُ الجواز مطلقا مادام جَارِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ تَمْرٌ أَوْ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْحُبُوبِ وَتَغَيَّرَ بِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ بِحَالِهِ صَحِيحًا لَمْ يَنْحَلَّ فِي الْمَاءِ جَازَتْ الطَّهَارَةُ بِذَلِكَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ وَإِنْ انْحَلَّ لَمْ يَجُزْ لِلْمُخَالَطَةِ: وَإِنْ طُبِخَ ذَلِكَ الْحَبُّ بِالنَّارِ فَإِنْ انْحَلَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَلَّ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَلَّ وَتَغَيَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ: قَالَ وَلَوْ تَغَيَّرَ بِالشَّمْعِ جَازَتْ الطَّهَارَةُ كَالدُّهْنِ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ: وَلَوْ تَغَيَّرَ بِشَحْمٍ أُذِيبَ فِيهِ فَوَجْهَانِ: قَالَ ولو تغير بالمعنى فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُمَاعُ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (الرَّابِعَةُ) الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِوَرَقِ الشَّجَرِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ طَهُورٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا طَهُورٌ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يُعْفَى عَنْ الْخَرِيفِيِّ فَلَا يَسْلُبُ بِخِلَافِ الرَّبِيعِيِّ لِأَنَّ فِي الرَّبِيعِيِّ رُطُوبَةً تُخَالِطُ الْمَاءَ وَلِأَنَّ تَسَاقُطَهُ نَادِرٌ وَالْخَرِيفِيُّ يُخَالِفُهُ فِي هَذَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْعَفْوُ مُطْلَقًا صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَحَرَّرَهَا الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ تَتَفَتَّتْ الْأَوْرَاقُ فَهُوَ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْعُودِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ تَعَفَّنَتْ وَاخْتَلَطَتْ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَصَحُّ الْعَفْوُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إذَا تَنَاثَرَتْ بِنَفْسِهَا فَإِنْ طُرِحَتْ قَصْدًا فَقِيلَ عَلَى الْأَوْجُهِ وَقِيلَ يَسْلُبُ الْمُتَفَتِّتُ قَطْعًا وَهَذَا أَصَحُّ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ تَغَيَّرَ بِالثِّمَارِ سُلِبَ قَطْعًا وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله *

بَابِ (مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ النَّجَاسَةِ وما لا يفسده) (إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو إما أن يكون راكدا أو جاريا أو بعضه راكدا وبعضه جاريا فان كان راكد نظرت في النجاسة فان كانت نجاسة يدركها الطرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفس سائلة نظرت فان تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لون أو رائحة بالنجاسة فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا ينجسه شئ إلا ما غير طعمه أو ريحه فَنَصَّ عَلَى الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَقِسْنَا اللَّوْنَ عَلَيْهِمَا لانه في معناهما) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِنَجَاسَةٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ أَوْ الْكَثِيرَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا فَهُوَ نَجِسٌ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ كَذَلِكَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ فَكُلُّهُ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُتَغَيِّرِ بِطَاهِرٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التغير اليسير علي الاصح وانه يضر تَغَيُّرُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ: وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مَا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَيْتَةٍ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ كَثُرَتْ فيه فانه لا ينجس علي وَجْهٍ ضَعِيفٍ مَعَ قَوْلِنَا بِنَجَاسَةِ هَذَا الْحَيَوَانِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفًا لَمْ يَلْتَفِتْ الْأَصْحَابُ إلَيْهِ فَلَمْ يَسْتَثْنُوهُ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ وَذَكَرَا فِيهِ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَوْ لَوْنَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ وَهَذَا الضَّعْفُ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمَاءُ طهور لا ينجسه شئ نصحيح مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَإِذَا عُلِمَ ضَعْفُ الحديث تعين

الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فَقَالَ الْحَدِيثُ لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ وَلَكِنَّهُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَنَصَّ عَلَى الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَقِسْنَا اللَّوْنَ عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا اللَّوْنُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ كَمَا قدمناه: فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ رَآهَا فَتَرَكَهَا لِضَعْفِهَا قُلْنَا هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ رَاعَى الضَّعْفَ وَاجْتَنَبَهُ لَتَرَكَ جُمْلَةَ الْحَدِيثِ لِضَعْفِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) لَوْ وَقَعَتْ جِيفَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَتَرَوَّحَ بِهَا بِالْمُجَاوَرَةِ وَلَمْ يَنْحَلَّ منها شئ فوجها الصَّحِيحُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَاقِينَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ دَلَالَةِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَصَحَّحَهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ وَمُسْتَقْذَرًا: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ لانه مجاور فأشبه الجيفة خارج الماء * قال المصنف رحمه الله * (وإن تغير بعضه دون بعض نجس الجميع لانه ماء واحد فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض) (الشَّرْحُ) هَذِهِ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بَعْضُهُ بِالنَّجَاسَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْجُسُ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَنَجِسٌ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحْنَاهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُمَا أَيْضًا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ حَمَلَ كَلَامَ الْمُهَذَّبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (1) وَقَالَ مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي دُونَ قُلَّتَيْنِ وَفَرَّعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَقَالَ لَوْ كَانَ مَاءٌ

_ (1) هذا من تعليل صاحب المهذب كذا بهامش بسخة الاذرعي

رَاكِدٌ مُتَغَيِّرٌ بِنَجَاسَةٍ فَمَرَّتْ بِهِ قُلَّتَانِ غَيْرُ مُتَغَيِّرَتَيْنِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ نَجَاسَتُهُمَا إذَا اتَّصَلَتَا بِهِ فَإِذَا انْفَصَلَتَا عَنْهُ زَالَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ قلتان مستقلتان بلا تغير والله أعلم * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ نظرت فان كان دون قلتين فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الظروف والكثير لا يمكن فجعل القلتان حدا فاصلا) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ إسْنَادُ هذا الرِّوَايَةِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ: وَالْخَبَثُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْبَاءِ: وَمَعْنَاهُ هُنَا لَمْ يَنْجُسْ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَقَوْلُهُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مَعْنَاهُ فَأَكْثَرَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ * وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهَا سَبْعَةَ مَذَاهِبَ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدُهَا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَنْجُسْ وَإِنْ كَانَ دُونَ قُلَّتَيْنِ نَجِسَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بن جبير ومجاهد وأحمد وأبي عبيد واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ (الثَّانِي) أَنَّهُ إنْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ قلة لم ينجسه شئ حَكَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: (الثَّالِثُ) : إنْ كَانَ

كرا (1) لم ينجسه شئ روي عَنْ مَسْرُوقٍ وَابْنِ سِيرِينَ (وَالرَّابِعُ) إذَا بَلَغَ ذَنُوبَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ عِكْرِمَةُ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ (الْخَامِسُ) إنْ كَانَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا لَمْ يَنْجُسْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (السَّادِسُ) إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ جَانِبُهُ تَحَرَّكَ الْجَانِبُ الْآخَرُ نَجِسَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالسَّابِعُ) لَا يَنْجُسُ كَثِيرُ الْمَاءِ وَلَا قَلِيلُهُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعطاء وعبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد وَنَقَلُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالنَّخَعِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا الْمَذْهَبِ أَقُولُ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ اخْتِيَارِي وَاخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ رَأَيْتُهُمْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَصَحُّهَا بَعْدَ مَذْهَبِنَا * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَشْيَاءَ لَيْسَ في شئ مِنْهَا دَلَالَةٌ لَكِنِّي أَذْكُرُهَا لِبَيَانِ جَوَابِهَا إنْ أُورِدَتْ عَلَى ضَعِيفِ الْمَرْتَبَةِ: مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَرُوِيَ أَنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِنَزْحِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يَزِيدُ عَلَى قُلَّتَيْنِ وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَنْجُسُ بِوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ إذَا قَلَّ فَكَذَا إذَا كَثُرَ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ وَلِأَنَّهُ تُيُقِّنَ حُصُولُ نَجَاسَةٍ فِيهِ فَهُوَ كَالْقَلِيلِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَنْجُسْ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ: وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَكَانَتْ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَخِرَقُ الْحِيَضِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الْبِئْرُ كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهَا وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ مِنْ مِثْلِهَا: قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا تَوَضَّأَ مِنْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً قَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَ يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْعُ وَالْبَسَاتِينُ وَكَذَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ وَلَمْ تَكُنْ بِئْرُ بُضَاعَةَ جَارِيَةً بَلْ كَانَتْ وَاقِفَةً لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ ضَبَطُوا بِئْرَ بُضَاعَةَ وَعَرَّفُوهَا فِي كُتُبِ مكة والمدينة وان الماء لم يكن

_ (1) قال في الناية الكرستون قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ فعلى هذا فهو اثنا عشر وسقا كل وسق ستون صاعا وهو بضم الكاف وتشديد الراء المهملة جمعه اكرار كقفل وقفال اه

يَجْرِي وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قُتَيْبَةَ وَمَا وصفه هو: قال أصحابنا وما نَقَلُوهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْوَاقِدِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُهُ أَوْ يَقُولُهُ عَنْ نَفْسِهِ قَالُوا وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْعُ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْقَى مِنْهَا بِالدَّلْوِ وَالنَّاضِحِ عَمَلًا بِمَا نَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ فِي صِفَتِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَعُمْدَتُنَا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنْ قَالُوا هُوَ مُضْطَرِبٌ لِأَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ تَارَةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عباد ابن جَعْفَرٍ وَتَارَةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرُوِيَ تَارَةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أبيه وتارة عن عبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ ثَانٍ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اضْطِرَابًا بَلْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَهُمَا ثِقَتَانِ مَعْرُوفَانِ: وَرَوَاهُ أَيْضًا عبد الله وعبيد الله ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَهُمَا أَيْضًا ثِقَتَانِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاضْطِرَابِ: وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ أَصْحَابُنَا وَجَمَاعَاتٌ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ رِوَايَةَ المحمدين وعبد الله وعبيد الله وَذَكَرَ طُرُقَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيَّنَهَا أَحْسَنَ بَيَانٍ ثُمَّ قَالَ فَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وعبيد الله: قَالَ وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الْحَاكِمُ يَقُولُ الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ: وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ غَلِطَ أَبُو أُسَامَةَ فِي عَبْدِ الله بن عبد الله انما هو عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَأَطْنَبَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ بِدَلَائِلِهِ فَحَصَلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ وَقَالُوا بِهِ وَاعْتَمَدُوهُ في تحديث الماء وهم القدوة وعليهم الْمُعَوَّلُ فِي هَذَا الْبَابِ: فَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ ومحمد بن اسحاق بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ (قُلْتُ) وَقَدْ سَلَّمَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إمَامُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِيثِ والذاب عنهم صحة هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ دَفَعَهُ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِمَا لَيْسَ بِدَافِعٍ وَلَا عُذْرٍ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ لِأَنَّهُ رَوَى قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ولا نا لَا نَعْلَمُ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الرواية الصحيحة المعروفة المشهورة

قلتين وراية الشَّكِّ شَاذَّةٌ غَرِيبَةٌ فَهِيَ مَتْرُوكَةٌ فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا نَعْلَمُ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ فَالْمُرَادُ قِلَالُ هَجَرَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ مَشْهُورَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الاسراء فقال رفعت لي السدرة الْمُنْتَهَى فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيلَةِ وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْقِلَالَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ مَشْهُورَةٌ وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يجدد لَهُمْ أَوْ يُمَثِّلُ بِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ وَلَا يَهْتَدُونَ إلَيْهِ: فَإِنْ قَالُوا رُوِيَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً وَرُوِيَ أَرْبَعِينَ غَرْبًا وَهَذَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا نُقِلَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصر وأربعين غربا أي هُرَيْرَةَ كَمَا سَبَقَ: وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ فَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْجَوَابِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ صِغَارٌ تَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ فَقَطْ: فَإِنْ قَالُوا يُحْمَلُ عَلَى الْجَارِي: فَالْجَوَابُ أَنَّ الحديث عام يتناول الجارى والرا كد فَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلِأَنَّ تَوْقِيتَهُ بِقُلَّتَيْنِ يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى الْجَارِي عِنْدَهُمْ: فَإِنْ قَالُوا لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّهُ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمُتَغَيِّرِ بِنَجَاسَةٍ: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ فِي بَعْضِهِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ كما هو المختار في الاوصول: فَإِنْ قَالُوا قَدْ رَوَى ابْنُ عُلَيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَحَّ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقِ الثِّقَاتِ فَلَا يَضُرُّ تفرد واحد لم يحفظ تَوَقُّفُهُ: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ إمَامِ هَذَا الشَّأْنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ لَمْ يرفعه قَالَ يَحْيَى وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ عُلَيَّةَ فَالْحَدِيثُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لِضَعْفِهِ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ: فَالْجَوَابُ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ إنَّ هَذَا جَهْلٌ بِمَعَانِي الْكَلَامِ وَبِطُرُقِ الْحَدِيثِ أَمَّا جَهْلُ قَائِلِهِ بِطُرُقِ الْحَدِيثِ فَفِي رواية صحيحة لا بي دَاوُد إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَعَيَّنَ حَمْلُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا وَأَنَّ مَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَنْجُسْ: وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَحْسَنُ تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحَدِيثِ * وَأَمَّا جَهْلُهُ بِمَعَانِي الْكَلَامِ فَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْقُلَّتَيْنِ

حَدًّا فَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَاطِلًا فَإِنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُسَاوِي الْقُلَّتَيْنِ فِي هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّ الْحَمْلَ ضَرْبَانِ حَمْلُ جِسْمٍ وَحَمْلُ مَعْنًى فَإِذَا قِيلَ فِي حَمْلِ الْجِسْمِ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الْخَشَبَةَ مَثَلًا فَمَعْنَاهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ لِثِقَلِهِ وَإِذَا قِيلَ فِي حَمْلِ الْمَعْنَى فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الضَّيْمَ فَمَعْنَاهُ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يَلْتَزِمُهُ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَثَلُ الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) مَعْنَاهُ لَمْ يَقْبَلُوا أَحْكَامَهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوهَا: وَالْمَاءُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ لَا يَتَشَكَّكُ فِي هَذَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * واحتج أصحابنا من جهة الاعتبار والاستدلال باشيا أَحَدُهَا وَهُوَ الْعُمْدَةُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الْأُصُولَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا صَعُبَتْ إزَالَتُهَا وَشَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا عُفِيَ عَنْهَا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ النَّجْوِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَإِذَا لَمْ يَشُقَّ الِاحْتِرَازُ لَمْ يُعْفَ كَغَيْرِ الدَّمِ مِنْ النَّجَاسَاتِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ قليل الماء لا يشق حفظه فكثيره يَشُقُّ فَعُفِيَ عَمَّا شَقَّ دُونَ غَيْرِهِ وَضَبَطَ الشَّرْعُ حَدَّ الْقُلَّةِ بِقُلَّتَيْنِ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ الْعُدُولُ عَنْهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِهَذَا يَنْجُسُ الْمَائِعُ وَإِنْ كَثُرَ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي حِفْظِهِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ وَذَكَرُوا دَلَائِلَ كَثِيرَةً وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ: وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَامٌّ مخصوص بحديث القلتين: والثاني وهو الا ظهر أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ فَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَا يَحْرُمُ: وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ الِاسْتِقْذَارُ لَا النَّجَاسَةُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْبَوْلِ وَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ زِنْجِيًّا مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَنَزَحَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَجَابَ بِهَا الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْأَصْحَابُ أَحْسَنُهَا أَنَّ هَذَا الَّذِي زَعَمُوهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ لَقِيتُ جَمَاعَةً مِنْ شُيُوخِ مَكَّةَ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ هَذَا فَقَالُوا مَا سَمِعْنَا هَذَا: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إمَامِ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ إنَّا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ أَحَدًا لَا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي يَقُولُونَهُ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَقُولُ نُزِحَتْ زَمْزَمُ: فَهَذَا سُفْيَانُ كَبِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ قَدْ لَقِيَ خَلَائِقَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَمِعَهُمْ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ بَعْدَ هَذَا صِحَّةُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا إذَا وَقَعَتْ أَنْ تَشِيعَ فِي النَّاسِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ مَكَّةَ لَا سِيَّمَا أَصْحَابُ ابن

عَبَّاسٍ وَحَاضِرُوهَا وَكَيْفَ يَصِلُ هَذَا إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا: الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ دَمَهُ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَغَيَّرَهُ: الثَّالِثُ فَعَلَهُ اسْتِحْبَابًا وَتَنَظُّفًا فَإِنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَائِعِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ السُّنَّةَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ: (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَشُقُّ حِفْظُ الْمَائِعِ وَإِنْ كَثُرَ بَلْ الْعَادَةُ حِفْظُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا: (الثَّالِثُ) أَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةً فِي دَفْعِ النَّجَسِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ طَرَفُهُ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْمَائِعِ: (الرَّابِعُ) لِلْمَاءِ قُوَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَذَا لَهُ دَفْعُ النَّجَسِ بِخِلَافِ الْمَائِعِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ فَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا حَدًّا وَاعْتَبَرْنَا حَدًّا وَحَدُّنَا مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى طَاعَتَهُ وَحَرَّمَ مُخَالَفَتَهُ: وَحَدُّهُمْ مُخَالِفٌ حَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ أَيْضًا حَدٌّ لَا ضَبْطَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِضِيقِ مَوْضِعِ الْمَاءِ وَسَعَتِهِ وَقَدْ يَضِيقُ مَوْضِعُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِعُمْقِهِ وَيَتَّسِعُ مَوْضِعُ الْقَلِيلِ لِعَدَمِ عُمْقِهِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَأَمَّا مَالِكٌ وَمُوَافِقُوهُ فَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا ينجسه شئ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَعَلَى مَا إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَقَدْ وَافَقَنَا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَنَهَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَمْسِ يَدِهِ وَعَلَّلَهُ بِخَشْيَةِ النَّجَاسَةِ وَيُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي قَدْ تَكُونُ عَلَى يَدِهِ وَتَخْفَى عَلَيْهِ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَوْلَا تَنْجِيسُهُ بِحُلُولِ نَجَاسَةٍ لَمْ تُغَيِّرْهُ لَمْ يَنْهَهُ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ " فَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ وَالْغَسْلِ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ: وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ فجاءت هرة

فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ فَشَرِبَتْ فَتُعُجِّبَ مِنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عليكم أو الطوافات حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ: وَاحْتَجُّوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ حَيْثُ الِاسْتِدْلَالِ مَا سَبَقَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا وَمَا لَا فَلَا وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَضَبَطَ الشَّرْعُ بِقُلَّتَيْنِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ أَنَّ السَّلَفَ لَوْ رَأَوْا رَطْلَ مَاءٍ أَصَابَهُ قَطَرَاتُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ لَمْ يُجِيزُوا الْوُضُوءَ بِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ عَامٌّ وَخَبَرُنَا خَاصٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَا إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ النَّصِّ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ فِي حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَمَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إيرَادِ الْيَدِ عَلَى الْمَاءِ وَأَمَرَ بِإِيرَادِهِ عَلَيْهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا: وَالثَّانِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ لِوُرُودِ النَّجَاسَةِ وَأَمَرَ بِإِيرَادِ الْمَاءِ عَلَى الْإِنَاءِ: فَإِنْ قَالُوا الْكَلْبُ طَاهِرٌ عِنْدَنَا قُلْنَا سَنُوَضِّحُ الدَّلَائِلَ عَلَى نَجَاسَتِهِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْجَوَابُ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّا إذَا نَجَّسْنَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِوُرُودِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَشُقَّ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا ولو نجسنا دون القلتين بوروده على نَجَاسَةً لَشَقَّ وَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يَطْهُرَ شي حَتَّى يُغْمَسَ فِي قُلَّتَيْنِ وَفِي ذَلِكَ أَشَدُّ الْحَرَجِ فَسَقَطَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ ذَكَرْنَاهَا وَبِجَمِيعِهَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ وَلَمْ يَرُدَّ مِنْهَا شَيْئًا وَهَذِهِ عَادَتُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَمَسُّكِهِ بِالسُّنَّةِ وَجَمْعِهِ بَيْنَ أَطْرَافِهَا وَرَدِّهِ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَسَتَرَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ مِنْ مسائل الخلاف وغيرها من ذلك ما تقربه عَيْنُكَ وَتَزْدَادُ اعْتِقَادًا فِي الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِهِ فَلَيْسَ الْخَبَرُ الْجُمَلِيُّ كَالْعِيَانِ التَّفْصِيلِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (فَرْعٌ) نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ

الظَّاهِرِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبًا عَجِيبًا فَقَالُوا انْفَرَدَ دَاوُد بِأَنْ قَالَ لَوْ بَالَ رَجُلٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَهُ وَلَوْ بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي مَاءٍ أَوْ بَالَ فِي شَطِّ نَهْرٍ ثُمَّ جَرَى الْبَوْلُ إلَى النَّهْرِ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا بَالَ فِيهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ قَالَ وَلَوْ تَغَوَّطَ فِي ماء جار جَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَغَوَّطَ وَلَمْ يَبُلْ. وَهَذَا مَذْهَبٌ عَجِيبٌ وَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ فَهُوَ أَشْنَعُ مَا نُقِلَ عَنْهُ إنْ صَحَّ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَفَسَادُهُ مُغْنٍ عَنْ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَعْرَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُعْتَنِينَ بِذِكْرِ الْخِلَافِ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِمْ مَذْهَبَهُ وَقَالُوا فَسَادُهُ مُغَنٍّ عَنْ إفْسَادِهِ وَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ فِي قَوْلِهِ فِي الْغَائِطِ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَوْلِ ثُمَّ فَرْقُهُ بَيْنَ الْبَوْلِ فِي نَفْسِ الْمَاءِ وَالْبَوْلِ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ فِي الْمَاءِ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ: وَمِنْ أَخْصَرِ مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ بِالْبَوْلِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّغَوُّطِ وَبَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا. وَأَجْمَعُوا أَنَّ السِّنَّوْرَ كَالْفَأْرَةِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ السَّمْنِ مِنْ الدُّهْنِ كَالسَّمْنِ وَفِي الصَّحِيحِ إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فلغسله فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَغَسَلَهُ إنْ قَالَ دَاوُد لَا يَطْهُرُ لِكَوْنِهِ مَا غَسَلَهُ هُوَ خَرَقَ الا جماع وَإِنْ قَالَ يَطْهُرُ فَقَدْ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى وناقض قوله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ بِقِلَالِ هَجَرَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ فَرَأَيْتُ الْقُلَّةَ مِنْهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الشئ نِصْفًا احْتِيَاطًا وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ تَسَعُ كُلُّ قِرْبَةٍ مِائَةَ رِطْلٍ فَصَارَ الْجَمِيعُ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ وَهَلْ ذَلِكَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ رِطْلٌ أو رطلان لم يؤثر لان الشئ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ فِي الْعَادَةِ وَالثَّانِي تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ مَا نَقَصَ نَجِسَ لِأَنَّهُ لما وجب أن يجعل الشئ نصفا احتياطا صار ذلك فرضا) *

(الشَّرْحُ) ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي الْقُلَّتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ غَيْرُهُمْ أَنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ وَالثَّانِي سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ صَاحِبِ الْكَافِي قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْأَقْصَدُ وهذا الذى اختاراه ليس بشئ بَلْ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَبْطَلَ مِنْهُ وَأَكْثَرَ فَسَادًا فَزَعَمَ أَنَّ الْقُلَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ اسْتِقْلَالِ الْبَعِيرِ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا لَا حاصل له ولا أصل: والوجه الثَّالِثُ أَنَّهُمَا أَلْفُ رِطْلٍ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي زَيْدٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ شيخ القفال المروزى * قال صاحب الحاوى اعلم أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَرَ قِلَالَ هَجَرَ وَلَا أَهْلَ عَصْرِهِ لِنَفَادِهَا فَاحْتَاجَ إلَى بَيَانِهَا بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَمُشَاهَدٌ لَهُمْ فَقَدَّرَهَا بِقِرَبِ الْحِجَازِ لِأَنَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ مَشْهُورَةٌ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ وَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ وَهَذَا لَيْسَ تَقْلِيدًا لِابْنِ جُرَيْجٍ بَلْ قَبُولَ أَخْبَارِهِ قَالَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِتَقْدِيرِ الْقِرَبِ بِالْأَرْطَالِ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ في بلده القرب الْمَشْهُورَةِ بَيْنَهُمْ كَمَا اكْتَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِلَالِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَهُمْ عَنْ تَقْدِيرِهَا قَالَ ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا بَعْدَ الشَّافِعِيِّ بَعُدُوا عَنْ الْحِجَازِ وَغَابَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْقِرَبُ وَجَهِلَ الْعَوَامُّ مِقْدَارَهَا فَاضْطُرُّوا إلَى تَقْدِيرِهَا بِالْأَرْطَالِ فَاخْتَبَرُوا قِرَبَ الْحِجَازِ ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ كُلِّ قِرْبَةٍ بِمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ قَالَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا إبْرَاهِيمَ بن جابر وأبو عبيد بن حربوبة ثُمَّ تَابَعَهُمَا سَائِرُ أَصْحَابِنَا فَصَارَتْ الْقُلَّتَانِ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَرْطَالِ لَيْسَ هُوَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ لِأَصْحَابِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ خَمْسُ قِرَبٍ بِقِرَبِ الْحِجَازِ قَالَ وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَحْكِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَمْسُ قِرَبٍ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ وكذا نقل البند نيجي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ. وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ

حَكَى أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ الْقِرَبَ وَأَنَّ الْقِرْبَةَ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقِرْبَةَ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ هَذَا حَدُّ الْقُلَّةِ فِي الشَّرْعِ: وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ شِبْهُ جُبٍّ يَسَعُ جِرَارًا سُمِّيَتْ قُلَّةً لِأَنَّ الرَّجُلَ الْقَوِيَّ يُقِلُّهَا أي يحملها: وكل شئ حَمَلْتَهُ فَقَدْ أَقْلَلْتَهُ: قَالَ وَالْقِلَالُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْقُرَى الْعَرَبِيَّةِ: وَقِلَالُ هَجَرَ مِنْ أَكْبَرِهَا: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ بِقِلَالِ هَجَرَ يَعْنِي الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا هَكَذَا رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ: وَهَجَرُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ: وَقَدْ أَوْضَحْتُ حَالَ هَجَرَ هَذِهِ وَتِلْكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ ابْتِدَاءُ عَمَلِ هَذِهِ الْقِلَالِ بِهَجَرَ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا ثُمَّ عُمِلَتْ فِي الْمَدِينَةِ فَبَقِيَتْ النِّسْبَةُ عَلَى مَا كَانَتْ كَمَا يُقَالُ ثِيَابٌ مَرْوَزِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ تُعْمَلُ بِبَغْدَادَ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ قِلَالُ هَجَرَ مَشْهُورَةُ الصَّنْعَةِ مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الْمَكَايِيلُ وَالصِّيعَانُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْبُلْدَانِ: قَالَ وَقِلَالُ هَجَرَ أَكْبَرُهَا وَأَشْهَرُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَقَعُ بِالْمَجْهُولِ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَبُو إسحق إبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ صَاحِبُ الْخِلَافِ سَأَلْتُ قَوْمًا مِنْ ثِقَاتِ هَجَرَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْقِلَالَ بِهَا لَا تَخْتَلِفُ: وَقَالُوا قَايَسْنَا قُلَّتَيْنِ فَوَجَدْنَاهُمَا خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَرَأَيْتُ الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا فَهُوَ شَكٌّ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَدْرِ كُلِّ قُلَّةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا التَّقْسِيمَ وَيَحْتَمِلُ الشَّكَّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يقتضي كون القلة مجهولة القدر لا ختلافها وَحِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ تَقْدِيرٌ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لِلشَّكِّ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَخَلَائِقُ وَهُوَ مُوَافِقُ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ وَعَنْ نَقْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ أَنَّ هَذِهِ الْقِلَالَ مُتَسَاوِيَةٌ وَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجَعَلُوا هَذَا جَوَابًا عَنْ اعْتِرَاضِ أَصْحَابِ أبي حنيفة:

وَقَوْلُهُمْ الْقِلَالُ تَخْتَلِفُ فَقَالُوا بَلْ هِيَ مُتَّفِقَةٌ كما سبق: وبالضرورة نَقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضْبِطُ بِمُبْهَمٍ مَجْهُولٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ ضَبْطٌ بَلْ شَكٌّ وَنِزَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الرِّطْلُ فَيُقَالُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيَكُونُ الرِّطْلُ كَيْلًا وَوَزْنًا: وَاخْتَلَفُوا فِي رِطْلِ بَغْدَادَ: فَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا بِدَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ: وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ: وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ: وَهِيَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَوْسُقِ: وَمُخْتَصَرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَفِي بَغْدَادَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: إحْدَاهَا بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ بِإِهْمَالِ الْأُولَى وَإِعْجَامِ الثَّانِيَةِ: وَالثَّالِثَةُ بَغْدَانُ بِالنُّونِ وَالرَّابِعَةُ مَغْدَانُ أَوَّلُهَا مِيمٌ: ذَكَرَهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شرح الفصيح وابن الانباري وآخرون: وحكوهما عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ اللُّغَوِيِّ وهو من تلامذة الشافعي: قال ابن الانباري وتذكر تؤنث فيقال هذا بغداد وهذه بغداد: قالوا كُلُّهُمْ وَمَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّةُ الصَّنَمِ: وَقِيلَ بُسْتَانُ الضم: قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ الْفُقَهَاءُ يَكْرَهُونَ تَسْمِيَتَهَا بَغْدَادَ مِنْ أَجْلِ هَذَا: وَسَمَّاهَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ مَدِينَةُ السَّلَامِ لِأَنَّ دِجْلَةَ كَانَ يُقَالُ لَهَا وَادِي السَّلَامِ: وَيُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ أَيْضًا: وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا: وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذِهِ الا حرف هُنَا لِتَكَرُّرِهَا فِي الْكِتَابِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ ذَلِكَ تَحْدِيدٌ أو تقريب فيه وجهان مَشْهُورَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا: فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ الْأَصَحُّ التَّحْدِيدُ: وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ: وَمِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ غَيْرَ أَبِي اسحق وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ: وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ التَّقْرِيبُ: فَإِنْ قُلْنَا تَحْدِيدٌ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَقَصَ

ما نقص نجس الماء بملاقات النَّجَاسَةِ: وَإِنْ قُلْنَا تَقْرِيبٌ لَمْ يَضُرَّ النَّقْصُ الْقَلِيلُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ وَيَجْمَعُهَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا لَا يَضُرُّ نَقْصُ رِطْلَيْنِ وَيَضُرُّ مَا زَادَ. وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ وَآخَرِينَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ نَقْصُ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ. وَيَضُرُّ مَا زَادَ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالثَّالِثُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ ثَلَاثَةٍ وَمَا قَارَبَهَا: قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ: وَالرَّابِعُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ مِائَةِ رِطْلٍ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي شَكَّ فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَهَذَا قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ بعيد حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَيْسَ بَيَانًا لِلتَّقْرِيبِ وَكَأَنَّهُ رَدَّ الْقُلَّتَيْنِ إلَى أَرْبَعِمِائَةِ رِطْلٍ وَطَرَحَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَعُدُّ كَلَامَهُ هَذَا مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَالْخَامِسُ اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِمِقْدَارٍ مُغَيِّرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قِيلَ التَّقْدِيرُ بِالْأَرْطَالِ رُجُوعٌ إلَى التَّحْدِيدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَحْدِيدًا فَهُوَ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الَّذِي قَالَهُ الْقَائِلُ بِالتَّحْدِيدِ وَنَفَاهُ الْقَائِلُ بِالتَّقْرِيبِ. لِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْدِيدَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ هُوَ التَّحْدِيدُ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ وَهَذَا غَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِهِ لان الشئ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ فِي الْعَادَةِ فَمَعْنَاهُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ دُونَ النِّصْفِ وَاحِدٌ وشئ فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ نِصْفًا قَالُوا وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَإِنْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ قَالُوا اثْنَانِ إلَّا شيئا فيستعملون الشئ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي دُونِ النِّصْفِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ لما وجب ان يجعل الشئ نِصْفًا احْتِيَاطًا وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا وجب غسل شئ مِنْ الرَّأْسِ احْتِيَاطًا لِغَسْلِ الْوَجْهِ صَارَ فَرْضًا فَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَذَكَرُوا مِثْلَهُ وُجُوبَ إمْسَاكِ لَحْظَةٍ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الصَّائِمِ لِتَيَقُّنِ اسْتِيفَاءِ النَّهَارِ: وَالْفَرْقُ عِنْدَ

الْقَائِلِ بِالتَّقْرِيبِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْوَجْهِ مُحَقَّقٌ وُجُوبُهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ وَهُنَا لم يتيقن ان الشئ نِصْفٌ لِيَتَعَيَّنَ اسْتِيفَاؤُهُ: وَجَعَلْنَاهُ نِصْفًا احْتِيَاطًا. وَالِاحْتِيَاطُ لَا يَجِبُ (فَرْعٌ) ابْنُ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورُ بِجِيمَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ أَبُو الْوَلِيدِ. وَيُقَالُ أَبُو خَالِدٍ مِنْ كِبَارِ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَمِنْ جُلَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَفُضَلَاءِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ فِي سِلْسِلَةِ الْفِقْهِ وَسِلْسِلَتِي مُتَّصِلَةٌ بِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي أَوَّلِ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ. فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي خَالِدٍ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزِّنْجِيِّ إمَامِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُفْتِيهِمْ. وَتَفَقَّهَ الزِّنْجِيُّ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ على أبي محمد عطاء أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي التَّهْذِيبِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْكُتُبَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ابْنُ جُرَيْجٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْحِجَازِ. تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ سِتِّينَ. وَقَدْ جَاوَزَ مِائَةَ سَنَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وقد بسطت حاله وَفَضْلَهُ فِي التَّهْذِيبِ (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَدْرُ الْقُلَّتَيْنِ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ فِي ذِرَاعٍ وَرُبُعٍ طُولًا وَعَرْضًا فِي عُمْقِ ذِرَاعٍ وَرُبُعٍ. وَهَذَا حَسَنٌ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ (فَرْعٌ) لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ أَمْ لَا فَقَدْ قَطَعَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ. قَالُوا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْقُلَّةُ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ: قُلْتُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ: وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ عَلَى الطَّهَارَةِ

وَشَكَكْنَا فِي الْمُنَجِّسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ: وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا ينجسه شئ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ إلَّا مَا تَحَقَّقْنَاهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَوْ رَأَى كَلْبًا وَضَعَ رَأْسَهُ فِي مَاءٍ هُوَ قُلَّتَانِ فَقَطْ وَشَكَّ هَلْ شَرِبَ مِنْهُ فَنَقَصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ أَمْ لَا فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا غَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّطَبَاتِ فَيَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ بَلَغَتْ قِلَالًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ حِفْظُ الْمَائِعِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَثُرَ بِخِلَافِ كَثِيرِ الْمَاءِ (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ وَجْهَانِ فِي أَنَّ تَقْدِيرَ الْقُلَّتَيْنِ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ: وَلَهُمَا نَظَائِرُ مِنْهَا سِنُّ الْحَيْضِ تِسْعُ سِنِينَ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ: وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا: وَنِصَابُ الْمُعْشِرَاتِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ: فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَقْرِيبٌ: وَالثَّانِي تَحْدِيدٌ: وَسَتَأْتِي مَبْسُوطَةً فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ تَقْدِيرُهُ لِلتَّحْدِيدِ بِلَا خِلَافٍ: وَضَرْبٌ لِلتَّقْرِيبِ بِلَا خِلَافٍ. وضرب فيه خلاف. فالمختلف فيه هذه الصور السَّابِقَةُ وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَسِنُّ الرَّقِيقِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ أَسْلَمَ فِي عَبْدٍ سِنُّهُ عَشْرُ سِنِينَ فَيَسْتَحِقُّ ابْنَ عَشْرٍ تَقْرِيبًا: وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي سِنِّ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُ ابْنِ عَشْرٍ بِالْأَوْصَافِ الْمَشْرُوطَةِ. حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَلَّا يَزِيدَ عَلَى عَشْرٍ وَلَا يَنْقُصَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ تَحْدِيدٌ فَكَثِيرٌ جِدًّا فَمِنْهُ تَقْدِيرُ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَضَرًا وَثَلَاثَةٍ سَفَرًا وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثٍ: وَغَسْلِ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِسَبْعٍ وَانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِينَ. وَنُصُبِ زَكَاةِ النَّعَمِ وَالنَّقْدِ وَالْعُرُوضِ وَالْمُعْشِرَاتِ. وتقدير الاسنان المأخوذة في

_ (1) فيه خلاف لبعض الحنفيد ولبعض السلف ولم يتحرر لي وقد اشار المصنف إلى اختلاف الحنفية في مواضع اخرى من هذا المتاب كذا بهامش الاذرعي

الزَّكَاةِ كَبِنْتِ مَخَاضٍ بِسَنَةٍ وَنَظَائِرِهَا وَسِنِّ الْأُضْحِيَّةِ. وَالْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ فِي الْعَرَايَا إذَا جَوَّزْنَاهَا فِي خمسة. والآجال في حول الزكاة والجزية دية الخطأ تغريب الزَّانِي وَانْتِظَارِ الْمَوْلَى وَالْعِنِّينِ وَمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ونصاب السرقة بربع دِينَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا تَحْدِيدٌ: وَسَبَبُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّرَاتِ مَنْصُوصَةٌ وَلِتَقْدِيرِهَا حِكْمَةٌ. فَلَا يَسُوغُ مُخَالَفَتُهَا: وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَسَبَبُهُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِالِاجْتِهَادِ إذْ لَمْ يَجِئْ نَصٌّ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ وَمَا قَارَبَ الْمُقَدَّرَ فَهُوَ فِي المعنى مثله. والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِمَّا لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لاحكم لَهَا لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَهِيَ كَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قولان أحدهما لاحكم لها والثاني لها حكم وجههما ما ذكرنا) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ مَعْنَاهُ لَا تُشَاهَدُ بِالْعَيْنِ لِقِلَّتِهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلَوْنِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ لَمْ تُرَ لِقِلَّتِهَا وَذَلِكَ كَذُبَابَةٍ تَقَعُ عَلَى نَجَاسَةٍ ثُمَّ تَقَعُ فِي الْمَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَكَالْبَوْلِ يَتَرَشَّشُ إلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُ السِّرْجِينُ هِيَ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ وَيُقَالُ سِرْقِينٌ أَيْضًا بِالْقَافِ وَتُكْسَرُ السِّينُ فِيهِمَا وَتُفْتَحُ فَهِيَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ مُوَضَّحَاتٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَعَادَةُ أَصْحَابِنَا يَضُمُّونَ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةَ الثَّوْبِ إذَا أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّانِيَةَ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ. وانا إذ كرهما جَمِيعًا هُنَا عَلَى عَادَةِ الْأَصْحَابِ وَوَفَاءً بِشَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ فِي تَقْدِيمِ الْمَسَائِلِ فِي أَوَّلِ مَوَاطِنِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ سَبْعُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا يُعْفَى فِيهِمَا: وَالثَّانِي يَنْجَسَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالثَّالِثُ فِيهِمَا قَوْلَانِ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: وَالرَّابِعُ يَنْجَسُ الْمَاءُ لَا الثَّوْبُ لِأَنَّ الثَّوْبَ أَخَفُّ حُكْمًا فِي النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا يُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَقَلِيلِ سَائِرِ الدِّمَاءِ وَالْقَيْحِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ: وَالْخَامِسُ عَكْسُهُ لِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةَ دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ غَيْرِهِ فَعَنْ نفسه

_ (1) وفرقوا على الرابع بفرقتين اخريين احدهما ان النجاسة تجف بطيران الذبابة فلا ينجس الثوب الا ان يكون رطبا والثاني يمكن تغطية الاناء بخلاف الثوب

أَوْلَى بِخِلَافِ الثَّوْبِ: وَالسَّادِسُ يَنْجَسُ الثَّوْبُ وَفِي الْمَاءِ قَوْلَانِ: وَالسَّابِعُ يَنْجَسُ الْمَاءُ وَفِي الثَّوْبِ قَوْلَانِ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ: فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَصَحُّ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ وَيَنْجَسُ الثَّوْبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَعَكَسَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَنْجَسُ الْمَاءُ لَا الثَّوْبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَطْبًا: وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الصَّحِيحُ يَنْجَسُ الْمَاءُ وَفِي الثَّوْبِ وَجْهَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الصَّيْدَلَانِيِّ: وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَأَصْحَابِهِ. وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ وَلَا الثَّوْبُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَنَقَلَهُ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ وَحُصُولِ الْحَرَجِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا بَيَانُ الطُّرُقِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَبِاَللَّهِ التوفيق قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَيْتَةً لَا نَفْسَ لَهَا سائلة كالذباب والزنبور ما أَشْبَهَهُمَا فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَيْتَاتِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا لِحُرْمَتِهِ فَهُوَ كَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً وَقَدْ يَكُونُ الطَّعَامُ حَارًّا فَيَمُوتُ بِالْمَقْلِ فِيهِ فَلَوْ كَانَ يُفْسِدُهُ لَمَا أَمَرَ بِمَقْلِهِ لِيَكُونَ شِفَاءً لَنَا إذَا أَكَلْنَاهُ فَإِنْ كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ مَا غَيَّرَ الْمَاءَ فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَنْجَسُ لِأَنَّهُ مَاءٌ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي لَا يَنْجَسُ لِأَنَّ مَا لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إذَا وَقَعَ فِيهِ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ كَالسَّمَكِ والجراد) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَزَادَ وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ كُلُّهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من رواية أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا: وَمَعْنَى اُمْقُلُوهُ اغْمِسُوهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ أَجْسَامَ الْحَيَوَانِ طَاهِرَةٌ إلَّا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ الْكَلْبِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ: قَالَ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ: وَقَالَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الدَّاءُ وَالشِّفَاءُ في جناحى الذبابة وكيف تعلم ذلك حتي تقدم جَنَاحَ الدَّاءِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا سُؤَالُ جَاهِلٍ أَوْ مُتَجَاهِلٍ: وَأَنَّ الَّذِي يَجِدُ نَفْسَهُ وَنُفُوسَ عَامَّةِ الْحَيَوَانِ قَدْ جُمِعَ فِيهِ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ: وَهِيَ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ إذَا تَلَاقَتْ تَفَاسَدَتْ. ثُمَّ يَرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلَّفَ بَيْنَهَا وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِبَقَاءِ الْحَيَوَانِ وَصَلَاحِهِ لَجَدِيرٌ أَنْ لَا يُنْكِرَ اجْتِمَاعَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ في جزئين من حيوان واحد. وان أَلْهَمَ النَّحْلَ اتِّخَاذَ ثَقْبٍ عَجِيبِ الصَّنْعَةِ وَتَعْسِلُ فِيهِ. وَأَلْهَمَ النَّمْلَةَ كَسْبَ قُوتِهَا وَادِّخَارَهُ لِأَوَانِ حَاجَتِهَا إلَيْهِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الذُّبَابَةَ وَجَعَلَ لَهَا الْهِدَايَةَ إلَى أَنْ تُقَدِّمَ جَنَاحًا وَتُؤَخِّرَ آخَرَ لِمَا أَرَادَ مِنْ الِابْتِلَاءِ الَّذِي هُوَ مَدْرَجَةُ التَّعَبُّدِ وَالِامْتِحَانِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ التَّكْلِيفِ. وفي كل شئ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ. (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ مَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ يَعْنِي مَا لَيْسَ لَهَا دَمٌ يَسِيلُ وَالنَّفْسُ الدَّمُ: وَيَجُوزُ فِي إعْرَابِ سَائِلَةٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْفَتْحُ بِلَا تَنْوِينٍ وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ مَعَ التنوين فيهما والزنبور بضم الزاى. قوله لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ. وَقَوْلُهُ لَا لِحُرْمَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ بِمَيْتَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ مَيْتَتِهِ وَسَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمَيْتَةُ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ هِيَ كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالْخُنْفُسَاءِ والبق والبعوض والصراصر والعقارب وَبَنَاتِ وَرْدَانِ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَأَشْبَاهِهَا: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بالقمل والبراغيث الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ. وَأَمَّا الْحَيَّةُ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ وَصَاحِبِهِ الشيخ أبي حامد

الاسفراينى لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَصَاحِبِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيِّ لَيْسَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ: وَأَمَّا الْوَزَغُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ: مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ والبندنيجي والقاضى حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ كَالْحَيَّةِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ بِأَنَّ لَهُ نَفْسًا سَائِلَةً قَالَ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطُّهُورِ وَأَنَّهُ قُتِلَ فَوُجِدَ فِي رَأْسِهِ دَمٌ: وَكَذَا رَأَيْتُ أَنَا فِي كِتَابِ الطُّهُورِ لِأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْوَزَغَ وَالْحَيَّةَ لهما نفس سائلة ودم في رؤسهما: إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِذَا مَاتَ مَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ فِي دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَهَلْ يَنْجَسُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَ فِي الْأُمِّ فِيهَا قَوْلَيْنِ (1) : قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلًا ثَالِثًا مُخَرَّجًا وَهُوَ أَنَّ مَا يَعُمْ لَا يُنَجِّسُهُ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا لَا يَعُمْ كَالْخَنَافِسِ وَالْعَقَارِبِ وَالْجُعْلَانِ يُنَجِّسُهُ نَظَرًا إلَى تَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ وَعَدَمِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُهُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُمَا وَشَذَّ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ (2) وَرَجَّحَا النَّجَاسَةَ وهذا ليس بشئ وَالصَّوَابُ الطَّهَارَةُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بَلْ نَسَبَ جَمَاعَةٌ الشَّافِعِيَّ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ بِالنَّجَاسَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ بِمَوْتِ الذُّبَابِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ بِذَلِكَ إلَّا أَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْجَسُ الْمَاءُ بِمَوْتِ الْعَقْرَبِ فِيهِ وَنَقَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَهَذَانِ إمامان من التابعين (3) لم يَخْرِقْ الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ: فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ فَلَوْ كَثُرَ هَذَا الْحَيَوَانُ فَغَيَّرَ الْمَاءَ فَهَلْ يُنَجِّسُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ هَذَانِ الوجهان حكاهما

_ (1) قال في الام بعد حكاية القولين واحب إلى ان يؤكل فوقع في ماء فلم يمت حتى اخرج منه لم ينجسه وان مات فيه نجسه هذا لفظه بحروفه وهو ظاهر في ترجيح القول بالتنجس (2) هذا وهم على صاحب البحر والذى قاله في البحر ان ظاهر المذهب التنجيس وانه الجديد وان القديم انه لا ينجس وهو اختيار المزني وكافة العلماء قال وهو الاصح عندي هذا لفظه وصححه في الحلية وكأن المصنف نظر إلى قوله والماء ينجسه قاله في الجديد وهو ظاهر المذهب لم ينظر في صدر كلامه من هامش الاذرعي (3) ونقله القاضي ابن كج في كتابه التجريد عن ابن سيرين وغيره ونقله أبو القاسم الصيرمي في شرحه لكفايته عن ابن المبارك اه من نسخة الاذرعي

أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ (1) عَنْ أَبِيهِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لِأَنَّهُ ما تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ: وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَرَيَانِهِمَا فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَشَارَ إلَى جَرَيَانِهِمَا أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيَجْرِيَانِ فِي الطَّعَامِ الْمُتَغَيِّرِ بِهَذَا الْحَيَوَانِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِهِ كَانَ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ: قَالَ وَكَذَا مَا تَغَيَّرَ بِسَمَكٍ أَوْ جَرَادٍ يَكُونُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُتَغَيِّرِ بِوَرَقِ الشَّجَرِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْوَرَقِ وَالصَّوَابُ (2) مَا ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُتَغَيِّرِ بِزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ إنَّمَا هُمَا فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ بِمَوْتِ هَذَا الْحَيَوَانِ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ نَفْسُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي نَجَاسَتِهِ الْقَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا نَجِسٌ نَجِسَ الْمَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَاتِ * وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ. دَلِيلُنَا أَنَّهُ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ (فَرْعٌ) الْقَوْلَانِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ بِمَوْتِهِ يَجْرِيَانِ فِي جَمِيعِ الْمَائِعَاتِ وَالْأَطْعِمَةِ

_ (1) قال ابن سريج في كتابه الودائع فاما ماله نفس سائلة مثل الذباب والبق وما أشبه ذلك إذا مات في الماء لم يفسد ولم ينجس وكذلك الشعر المنتوف واما ما يعيش في الماء من الضفادع والسرطان والدود والسمك وما اشبه ذلك إذا مات في الماء لم يفسده الا ان يتغير الماء بموته فيه أو بالقائه فيه فيفسد افساد نجاسته ولكن لا افساد اضافة اه من نسخة الاذرعي (2) هذا التصويب فيه نظر بل الصواب ما قاله الامام لانه رحمه الله انما قاله تفريعا على ان هذا الحيوان لا ينجس بالموت وإذا كان كذلك فاعتباره بورق الشجر اصوب بجامع عموم البلوى ومشقة الاحتراز بخلاف الزعفران وانه مجاور لا مخالط اه من هامش الاذرعي

صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ الطَّهَارَةُ لِلْحَدِيثِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى وَعُسْرِ الِاحْتِرَازِ: (فَرْعٌ) هَذَا الْخِلَافُ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِهَا بِمَوْتِ حَيَوَانٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ: أَمَّا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْمَاءِ كَدُودِ التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَالْجُبْنِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهَا فَلَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُنَجِّسُ هَذَا الْحَيَوَانُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يُنَجِّسُ عَلَى قَوْلٍ (1) عِنْدَ القفال: وأما ما شذ به الدار مى فِي الِاسْتِذْكَارِ فَقَالَ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي نَجَاسَةِ الْمَائِعِ بِهَذَا الْحَيَوَانِ خِلَافٌ فَغَلَطٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَالصَّوَابُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ انْعَصَرَ هَذَا الْحَيَوَانُ فِيمَا يَجْرِي مِنْ تَصَرُّفٍ وَعَصْرٍ أَوْ اخْتَلَطَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا مُبَالَاةَ بِهِ وَإِنْ جَمَعَ جَامِعٌ مِنْهُ شَيْئًا وَتَعَمَّدَ أَكْلَهُ مُنْفَرِدًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَالثَّانِي يَحِلُّ لِأَنَّ دُودَ الْخَلِّ وَالْجُبْنِ كَجُزْءٍ مِنْهُ طَبْعًا وَطَعْمًا: قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ حَرَّمْنَاهُ عَادَ الْخِلَافُ فِي نَجَاسَتِهِ يَعْنِي خِلَافَ الْقَفَّالِ وَالْجُمْهُورِ: وَذَكَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ فِي جَوَازِ أَكْلِ هَذَا الْحَيَوَانِ مَعَ مَا مَاتَ فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مَعَ الطَّعَامِ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْخِلَافَ فَقَالَ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا وَالثَّانِي يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا: وَأَمَّا الذُّبَابُ وَسَائِرُ مَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ وَلَيْسَ مُتَوَلِّدًا مِمَّا مَاتَ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قُلْنَا انه طاهر عند القفال لانه يمتة وَمُسْتَقْذَرٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُخْرِجَ هَذَا الْحَيَوَانُ مِمَّا مَاتَ فِيهِ وَأُلْقِيَ فِي مَائِعٍ غَيْرِهِ أُورِدَ إلَيْهِ فَهَلْ يُنَجِّسُهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الحيوان الا جنبى وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ * (فَرْعٌ) مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إنْ كَانَ مَأْكُولًا فَمَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُؤْكَلُ كَالضِّفْدَعِ وَكَذَا غَيْرُهُ إذَا قُلْنَا لَا يُؤْكَلُ فَإِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ نَجَّسَهُ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا في طرقهم وقالو لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي نَجَاسَتِهِ بِهِ قَوْلَانِ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِي نَجَاسَتِهِ بِهِ خِلَافًا مَبْنِيًّا عَلَى حِلِّ أَكْلِهِ وَإِنْ أَرَادَ مَعَ تَحْرِيمِ أَكْلِهِ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ: وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الضِّفْدَعِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ فَيَكُونُ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ بِهَا قَوْلَانِ وَالثَّانِي لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَتُنَجِّسُهُ قَطْعًا وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ

_ ينبغي حذف قول لان هذا الحيوان لا ينجس ما مات فيه لا خلاف فيكون طاهرا عند القفال بلا خلاف

فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً فَحَكَوْا هُمْ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ومحمد ابن الْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الضِّفْدَعَ لَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ وَكَذَلِكَ السَّرَطَانُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) الْآدَمِيُّ الَّذِي لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا إذَا مَاتَ فِي مَاءٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ أَوْ فِي مَائِعٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهَلْ يُنَجِّسُ مَا مات فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ فَلَا يُنَجِّسُهُ (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ: فَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَقْلِ الْمَوْتُ: فَإِنْ قِيلَ لَا يُؤْمَنُ الْمَوْتُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا قُلْنَا لَا يَمْتَنِعُ أن يقصد مصلحة الشئ وان احتمل تلفه: كما يقصد بالفصد وَشُرْبِ الدَّوَاءِ الْمَصْلَحَةُ وَقَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ: فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ: قلنا قدر تَقَرَّرَ نَجَاسَةُ الْمَيْتَةِ وَمَا مَاتَتْ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ: وَبِاَللَّهِ التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (إذَا أَرَادَ تَطْهِيرَ الْمَاءِ النَّجِسِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ: بِأَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ: أَوْ بِأَنْ يُؤْخَذَ بعضه لان النجاسة بالتغير وقد زال) * (الشرح) ادا زَالَ تَغَيُّرُ الْمَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قُلَّتَيْنِ نُظِرَ إنْ زَالَ بِإِضَافَةِ مَاءٍ آخَرَ إلَيْهِ طَهُرَ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ الْمُضَافُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ صُبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ أَوْ نَبَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ زَالَ بِنَفْسِهِ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فيه شيئا بَلْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ مُرُورِ الزَّمَانِ طَهُرَ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي سعيد الاصطخرى أنه لا يطهر لانه شئ نجس فلا يطهر بنفسه: وهذا ليس بشئ لِأَنَّ سَبَبَ النَّجَاسَةِ التَّغَيُّرُ: فَإِذَا زَالَ طَهُرَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ وَإِنْ زَالَ بِأَخْذِ بَعْضِهِ طَهُرَ بِلَا خِلَافٍ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ الْأَخْذِ قُلَّتَيْنِ: فَإِنْ بَقِيَ دُونَهُمَا لم يطهر بلا خلاف:

ويتصور زوال تفسيره بِأَخْذِ بَعْضِهِ بِأَنْ يَكُونَ كَثِيرًا لَا يَدْخُلُهُ الرِّيحُ: فَإِذَا نَقَصَ دَخَلَتْهُ وَقَصَرَتْهُ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ فَيَطِيبُ: ثُمَّ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ وَحَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَغَيُّرِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ تَغَيَّرَ بِغَيْرِ نجاسة لاقته فَكَانَ طَاهِرًا كَاَلَّذِي لَمْ يَنْجَسْ قَطُّ ذَكَرَهُ صاحب الحاوى وهو ظاهر لاخفاء به: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ طُرِحَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ جِصٌّ فَزَالَ التَّغَيُّرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَطْهُرُ كَمَا لَا يَطْهُرُ إذَا طُرِحَ فِيهِ كَافُورٌ أَوْ مِسْكٌ فَزَالَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ يَطْهُرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ قد زال فصار بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ آخَرَ وَيُفَارِقُ الْكَافُورَ وَالْمِسْكَ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً وَإِنَّمَا لَمْ تَطْهُرْ لِغَلَبَةِ رَائِحَةِ الْكَافُورِ وَالْمِسْكِ) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي الْأُمِّ وَالْآخَرَ فِي حَرْمَلَةَ وَكَذَا قاله المحاملى في المجموع * وقال القاضى أبي الطَّيِّبِ الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا حَرْمَلَةُ وَنَقَلَهُمَا الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ هَذَانِ الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ يَطْهُرُ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَطْهُرُ كَذَا قَالَ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ حَرْمَلَةَ لَا يَطْهُرُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَ هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْجُمْهُورُ عَنْ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَلَكِنْ ذَكَرْنَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُمَا نقلا عن حرملة نقل القولين فصحح نَقْلُهُ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ حَرْمَلَةَ وَنَقْلُ الْأَصْحَابِ * ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ الطهارة وهو اختيار المزني والقاضي أبى حامد المروروذى وصحح الا كثرون أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الْكَافِي وَآخَرُونَ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِ التَّغَيُّرِ وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي سَبَبِ الْإِبَاحَةِ لَمْ تَثْبُتْ الْإِبَاحَةُ كَمَا لَوْ رَأَى شَاةً مَذْبُوحَةً فِي مَوْضِعٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَمَجُوسٌ وَشَكَّ هَلْ ذَبَحَهَا الْمَجُوسِيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ لا تبلح * واعلم ان

صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ كَدِرًا وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ أَمَّا إذَا صَفَا فَلَا يَبْقَى خِلَافٌ بَلْ إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مَوْجُودًا فَنَجِسٌ قَطْعًا وَإِلَّا فَطَاهِرٌ قَطْعًا كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ بِالطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرَّائِحَةِ فَفِي الْجَمِيعِ القولان هذا هو الصوب: وقال الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إذَا تَغَيَّرَ بِالرَّائِحَةِ فَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِالطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ فَلَا يَطْهُرُ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِالتُّرَابِ قَالَ وَهَذَا تَحْقِيقٌ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ لَقَبِلُوهُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَخِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَنْ أَطْلَقَ مِنْهُمْ وَخِلَافُ تَصْرِيحِ الْبَاقِينَ فَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَوَرَدَ عليه ماله لَوْنٌ كَالْخَلِّ فَأَزَالَ تَغَيُّرَهُ أَوْ تَغَيُّرَ رِيحِهِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَهُ رِيحٌ كَالْكَافُورِ فَأَزَالَهُ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَإِنْ طُرِحَ عَلَيْهِ مَا لَا رِيحَ لَهُ وَلَا لَوْنَ كَالتُّرَابِ وَغَيْرِهِ فَأَزَالَهُ فَقَوْلَانِ: وَقَالَ هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ نَجِسَ وَيَطْهُرُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَخَامِسٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَذَكَرَ زَوَالَهُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا يُضَافُ إلَيْهِ أَوْ يَنْبَعُ فِيهِ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَزُولَ بِالتُّرَابِ فَقَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ متى تغير طعم الماء فورد عليه ماله طعم: أو ريحه فورد عليه ماله ريح: أو لونه فورد عليه ماله لَوْنٌ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ: وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَا طَعْمَ لَهُ وَلَا لَوْنَ وَلَا رِيحَ فَأَزَالَ تَغَيُّرَهُ فَهَلْ يَطْهُرُ فِيهِ قَوْلَانِ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ: وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَطُرِحَ فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ رِيحُهُ فَطُرِحَ فِيهِ مِسْكٌ لَمْ يَطْهُرْ: وَإِنْ طُرِحَ تُرَابٌ فَهَلْ يَطْهُرُ قَبْلَ أَنْ يَصْفُوَ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ زَوَالَ لَوْنِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لَوْنَ التُّرَابِ غَلَبَهُ: وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ فَغَيَّرَتْ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِزَعْفَرَانٍ لَمْ يَطْهُرْ: وَإِنْ زَالَ بِتُرَابٍ فَقَوْلَانِ الْأَصَحُّ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ لَوْنَ النَّجَاسَةِ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يَطْهُرُ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَغْلِبُ عَلَى شئ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ: وَالْأَصَحُّ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ إلَّا أَنَّهُ يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَالْكُدُورَةُ سَبَبُ السَّتْرِ: قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ التُّرَابِ مَفْرُوضٌ فِي التَّغَيُّرِ بِالرَّائِحَةِ: فَأَمَّا اللَّوْنُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التُّرَابُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ سَاكِتَةٌ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ: فَهَذَا الَّذِي ذكره هؤلاء

مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوْصَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ طُرِحَ فِيهِ تُرَابٌ أو جص ففيه قولان فكذا قاله الا كثرون: فَطَرَدُوا الْقَوْلَيْنِ فِي الْجِصِّ وَالنُّورَةِ الَّتِي لَمْ تُحْرَقْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِغَالِبٍ لِصِفَةِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ: وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِي التُّرَابِ فَقَطْ: وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعًا (1) نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةُ النُّورَةَ صَرِيحًا: وَنَقَلَا فِيهَا الْقَوْلَيْنِ: وَيُقَالُ جِصٌّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ: وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ يَعْنِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأُمِّ وَهُوَ الْكِتَابُ الْمَعْرُوفُ رَوَاهُ عَنْهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ * وَقَوْلُهُ قَالَ فِي حَرْمَلَةَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي يَرْوِيهِ حَرْمَلَةُ عَنْهُ: فسمى الكتاب باسم روايه وَنَاقِلِهِ وَهُوَ حَرْمَلَةُ مَجَازًا وَاتِّسَاعًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْبُوَيْطِيِّ * وَهُوَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ قُرَادٍ التُّجِيبِيُّ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ الْمِصْرِيُّ أَبُو حَفْصٍ: وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ شَيْخُ مسلم ابن الْحَجَّاجِ صَاحِبُ الصَّحِيحِ أَكْثَرَ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ لَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قِيلَ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِالتُّرَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَغَيِّرًا بِتُرَابٍ مُتَنَجِّسٍ قُلْنَا هَذَا خَيَالٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ نَجَاسَةَ التُّرَابِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِلْمَاءِ النَّجِسِ فَإِذَا زَالَتْ نَجَاسَةُ الْمَاءِ طَهُرَ التراب والماء جميعا لان عينه طاهرة * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا بِأَخْذِ بَعْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ ينقص عن قلتين وفيه نجاسة) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَيُقَالُ طهر بفتح الهاء وضمها والفتج أَفْصَحُ: وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان كانت نجاسته بالقلقة بان يكون دون القلتين طهربان ينضاف إليه ماء حَتَّى يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ وَيَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ كَالْأَرْضِ النَّجِسَةِ إذَا طُرِحَ عَلَيْهَا ماء حتى غمر النجاسة: ومن

_ (1) يعني فلا يطهر قطعا وقول الروياني في البحر وقال أبو حامد القولاني في التراب فأما بغيره فلا يطهر قولا واحدا كذا بهامش الاذرعي

أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ: لِأَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا يَنْجَسُ بِالنَّجَاسَةِ إذَا وَرَدَتْ عليه: وههنا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَنْجَسْ: إذْ لو نجس لم يطهر الثوب إذا صب عليه الماء) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا كَاثَرَهُ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَيَصِيرُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا فَلَوْ فَرَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ التَّفْرِيقُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ قُلَّتَانِ مُتَفَرِّقَتَانِ نَجِسَتَانِ فَجَمَعَهُمَا وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِمَا صَارَتَا طَاهِرَتَيْنِ: فَإِنْ فُرِّقَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُمَا عَلَى طَهُورِيَّتِهِمَا: كَمَا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي قُلَّتَيْنِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُمَا ثُمَّ فُرِّقَتَا فَإِنَّهُمَا عَلَى الطَّهُورِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ: هَذَا مَذْهَبُنَا: وَقَالَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ إذَا جَمَعَ الْقُلَّتَيْنِ النَّجِسَتَيْنِ لَمْ تَطْهُرَا لِأَنَّ النَّجِسَتَيْنِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا طَاهِرٌ: كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ * وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ: وَيُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةً وَغَايَةً إذَا وَصَلَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نَجَاسَةٌ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا كُوثِرَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهَلْ يَطْهُرُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ دَلِيلَهُمَا: وَهِمَا مَشْهُورَانِ: لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يَطْهُرُ: وَبِهِ قَطَعَ مِنْهُمْ شَيْخُهُمْ أَبُو حَامِدٍ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَطْهُرُ: وَبِهِ قَطَعَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلُهُ الطَّهَارَةُ فَهُوَ مِنْ هَفَوَاتِهِ: إذْ لَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ: قَالَ فَلَا يَتَمَارَى فِي فَسَادِهِ وَكَذَا صَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ. وَسَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ في اشتراط عصر الثواب النَّجِسِ إذَا غُسِلَ: قَالُوا وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ مُزِيلٌ لَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ ماء نجس: والو جهان فِي الْعَصْرِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْغُسَالَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغَسْلِ طَاهِرَةٌ أَمْ لَا: وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا بِالتَّغَيُّرِ فَكَاثَرَهُ فَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَبْلُغْ قلتين

فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نحن فيها أن يكون الماء الطاهر وارادا عَلَى الْمَاءِ النَّجِسِ: وَأَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا وَأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ النَّجِسِ: فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أبو علي السنجي وامام الحرمين والبغوى وَآخَرُونَ: وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَيَطْهُرُ بالمكاثرة) ونبه عليه أيضا بقوله في الفصل الذي بعده: (لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لِلْمَاءِ الَّذِي غَمَرَهُ) وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ ثُمَّ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ: وَبِهِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَارِدِ سَبْعَةَ أَضْعَافِ النَّجِسِ وَهَذَا شَاذٌّ وَغَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ: وَيُظَنَّ غَفْلَتُنَا عَنْهُ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ وَجْهٍ لَنَا شَاذٍّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ سَبْعَةَ أَمْثَالِهَا: وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَنُوَضِّحُ ضَعْفَهُ وَبُطْلَانَهُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ حَيْثُ حَكَمْتُمْ بِطَهَارَةِ هَذَا الْمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَاثَرَهُ بِهِ أَنْ يَطْهُرَ الْمَاءُ وَالْإِنَاءُ: يَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ: قُلْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا (1) مَنْ قَالَ يَطْهُرُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كُوثِرَ الْمَاءُ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ سَوَاءٌ كُوثِرَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ أو نجس كثيرا وقليل وَلَوْ كُوثِرَ الْمَاءُ النَّجِسُ بِبَوْلٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ليس بماء فبلغ به قلتين ولا تيغر فِيهِ فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ: وَطَرِيقُهُ فِي طَهَارَتِهِ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ آخَرُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ قُلَّتَيْنِ طَاهِرًا كَانَ الْمُضَافُ أَوْ نَجِسًا: وَلَوْ كُوثِرَ النَّجِسُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا يَكُونُ الْجَمِيعُ نَجِسًا لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ كَالْمَائِعِ فَصَارَ كَالْعَرَقِ وَأَصَحُّهُمَا يَصِيرُ الْجَمِيعُ مُطَهِّرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَهَذَا كُلُّهُ مَاءٌ وَقَدْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَبَنَى الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ هَلْ يَعُودُ طَهُورًا إنْ قُلْنَا نَعَمْ فَهَذَا طَهُورٌ وَإِلَّا فَنَجِسٌ: وَلَوْ كُوثِرَ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ بِزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ الَّذِي كَانَ بِالزَّعْفَرَانِ فَهُوَ طَهُورٌ فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ قُلَّتَانِ إلَّا كُوزًا فَصَبَّ عَلَيْهِ كُوزَ مَاءٍ متغير

_ (1) في طهارة الاناء ببلوغ الماء قلتين في هذه المسألة اوجه حكاها الشيخ أبو علي السنجي والقاضي أبو الطيب في شرح الفروع اصحها لا يطهر وعلى هذا فهل يقطع بطهارة الماء ام يخرج على قولي التباعد فيه طريقان اصحهما الثاني كما لو كان الاناء نجس العين اه من هامش الاذرعي

بِزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَنْجَسْ فَهَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَأَمَّا مَا يَخْتَرِعُهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةَ وَيَقُولُ إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ إلَّا كُوزًا فَكَمَّلَهُ بِبَوْلٍ طَهُرَ فَبُهْتَانٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْأَصْحَابِ إذَا كَمَّلَهُ بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أُخْرَى فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الشَّافِعِيِّينَ: وَقَالَ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْكُونَ عَنَّا مَا لَيْسَ مَذْهَبًا لَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا يَنْجَسُ بِالنَّجَاسَةِ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَهُنَا وَرَدَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَنْجَسْ فَفِيهِ بَيَانُ قَاعِدَةٍ لَنَا مَعْرُوفَةٍ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالْمَوْرُودِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَخَذَهَا أَصْحَابُنَا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ منامه فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا فانه لا يدرى أبن بَاتَتْ يَدُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ الْقَاعِدَةِ وَسَنُعِيدُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ إذَا أُورِدَ عَلَى الْمَاءِ بِنِيَّةِ غَسْلِهِ لَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ بَلْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ وَهَذَا الْقَائِلُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالْمَوْرُودِ وَسَنُوَضِّحُهُ مَعَ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (وَإِذَا أَرَادَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَحَكَمَ بِطَهَارَتِهِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ دُونَ قلتين وحكم بطهارته بالمكاثرة لم يجز الوضؤ بِهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لِلْمَاءِ الَّذِي غَمَرَهُ وَهُوَ مَاءٌ أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلنَّجَاسَةِ الْقَائِمَةِ فَكَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ قُلَّتَانِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لا حاجة إلى استعمال ما فِيهِ نَجَاسَةٌ قَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ قَائِمَةٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ أَبُو إسحاق لا

تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا كَانَ مَا يَبْقَى بَعْدَ مَا غُرِفَ نَجِسًا وجب أن يكون الذى عرفه نَجِسًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَا يُغْرَفُ مِنْهُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ فبقى على الطهارة: وان كانت النجاسة ذائبة جَازَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَتَطَهَّرُ بِالْجَمِيعِ بَلْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ النَّجَاسَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ كَثِيرٍ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْجَمِيعَ إلَّا تَمْرَةً وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَتَمَيَّزُ بَلْ تَخْتَلِطُ بِالْجَمِيعِ فَلَوْ وَجَبَ تَرْكُ بَعْضِهِ لَوَجَبَ تَرْكُ جميعه بخلاف التمر) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِالْمُكَاثَرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي النَّجَسِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ هُنَا فَإِنَّهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَصَرَّحُوا بِهِ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ وَجْهَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ بَلْ تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ: وَالثَّانِي يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِقَدْرِ قُلَّتَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَكِنْ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ: وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ يَجِبُ التَّبَاعُدُ وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ: وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ بَيَانَهَا وَحُكْمَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا: وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ أن الشافعي نص في كتابه اختلاف وهو من كتبه الجديدة عَلَى مُوَافَقَةِ الْقَدِيمِ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْلَمُ كَوْنُ الْإِفْتَاءِ هُنَا بِالْقَدِيمِ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا شَرَطْنَا التَّبَاعُدَ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ التَّنَاسُبِ فِي الْأَبْعَادِ فَلَوْ كَانَتْ

النَّجَاسَةُ عَلَى وَجْهِ الْبَحْرِ فَتَبَاعَدَ شِبْرًا لِيَحْسِبَ عُمْقَ الْبَحْرِ وَحِينَئِذٍ يَزِيدُ عَلَى قُلَّتَيْنِ لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَبَاعَدَ قَدْرًا لَوْ حُسِبَ مِثْلُهُ فِي الْعُمْقِ وَسَائِرِ الْجَوَانِبِ لَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونَ مَاءُ الْقُلَّتَيْنِ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالْعُمْقُ الزَّائِدُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْبَسِطًا فِي عُمْقِ شِبْرٍ فَلْيَتَبَاعَدْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ بِنِسْبَتِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَكْثَرُونَ: وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ النجاسة سوى الْجِهَةُ الَّتِي يَغْتَرِفُ مِنْهَا وَغَيْرُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُسْتَقِي بِبَاقِي الْجِهَاتِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا التَّبَاعُدَ هَلْ يَكُونُ الْمَاءُ الْمُجْتَنَبُ نَجِسًا أَمْ طَاهِرًا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا طَاهِرٌ مُنِعَ اسْتِعْمَالُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ آخَرِينَ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعُ وَالتَّجْرِيدُ وَأَصْحَابُ الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَبُو حامد الاسفراينى وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ نَجِسٌ حَتَّى قَالَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ لَوْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ كَانَ نَجِسًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وهذا الْقَوْلِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ التَّبَاعُدُ فَلَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ واتفقوا عليه: قال الماوردي لو ان يستعمل منه اقر به إلَى النَّجَاسَةِ وَأَلْصَقَهُ بِهَا: وَخَالَفَهُمْ الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْ حَرِيمِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ شَكْلُهُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي الْبَسِيطِ بِمُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ فَقَطَعَ بِأَنَّ الرَّاكِدَ لَا حَرِيمَ لَهُ يُجْتَنَبُ: وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ النِّهَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ: وَقَالَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ قُرْبِ النجاسة: قال

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَرَادَّ الْمَاءِ يُوجِبُ تَسَاوِيَ أَجْزَائِهِ فِي النَّجَاسَةِ فَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ حكاه المصنف والاصحاب عن أبي اسحق: وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: ثُمَّ إنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الْمَاءِ يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ مَا يَغْرِفُهُ بِدَلْوٍ مَثَلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْمِسَ الدَّلْوَ فِي الماء غمسة واحدة ولا يغترف فيه النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَرْفَعَهُ فَيَكُونَ بَاطِنُ الدَّلْوِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ طَاهِرًا وَيَكُونَ ظَاهِرُ الدَّلْوِ وَالْبَاقِي بَعْدَ الْمَغْرُوفِ نَجِسًا: أَمَّا نَجَاسَةُ الْبَاقِي فَلِأَنَّ فِيهِ نَجَاسَةً وَقَدْ نَقَصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ: وأما نجاسة ظاهر الدلو فلملا صقة الْمَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَغْرُوفِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ مَا فِي الدَّلْوِ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ عَنْ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ وَإِنَّمَا نَقَصَ بَعْدَ انْفِصَالِ الْمَأْخُوذِ فَلَوْ خَالَفَ وَأَدْخَلَ الْمَاءَ فِي الدَّلْوِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ أَوَّلُ شئ فِي الدَّلْوِ نَقَصَ الْبَاقِي عَنْ قُلَّتَيْنِ فَصَارَ نَجِسًا فَإِذَا نَزَلَتْ الدُّفْعَةُ الثَّانِيَةُ فِي الدَّلْوِ وَهِيَ نَجِسَةٌ تُنَجِّسُ مَا فِي الدَّلْوِ فَصَارَ الْجَمِيعُ نَجِسًا: فَطَرِيقُهُ بَعْدَ هَذَا إلَى طَهَارَتِهِ أَنْ يَصُبَّهُ فِي الْبَاقِي أَوْ يَغْمِسَهُ غَمْسَةً وَاحِدَةً حَتَّى يَغْمُرَهُ الْمَاءُ وَيَمْكُثَ لَحْظَةً وَهُوَ وَاسِعُ الرَّأْسِ فَيَطْهُرُ الْجَمِيعُ فَإِذَا فَصَلَ الدَّلْوَ كَانَ بَاطِنُهُ وَمَا فِيهِ طَاهِرًا وَيَكُونُ الْبَاقِي وَظَاهِرُ الدَّلْوِ نَجِسًا لِمَا سَبَقَ: أَمَّا إذَا أَرَادَ اسْتِعْمَالَ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْغَرْفِ فَيُنْظَرُ ان أخذها وخدها فِي الدَّلْوِ فَالْبَاقِي قُلَّتَانِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خلاف وابو اسحق يُوَافِقُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ قُلَّتَانِ وَلَيْسَ فِيهِ نجاسة: وان أخذ النجاسة مع شئ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ أَخَذَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَبَاطِنُ الدَّلْوِ وَمَا فِيهِ نَجِسٌ وَظَاهِرُهُ وَمَا بَقِيَ طَاهِرٌ: أَمَّا نَجَاسَةُ بَاطِنِ الدَّلْوِ وَمَا فِيهِ فَلِكَوْنِهِ مَاءً يَسِيرًا فِيهِ نَجَاسَةٌ: وَأَمَّا طَهَارَةُ الْبَاقِي فَلِانْفِصَالِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ قَبْلَ نَقْصِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ فَبَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَطَرَ مِنْ الدَّلْوِ إلَى الْمَاءِ الْبَاقِي قَطْرَةً نُظِرَ إنْ كَانَتْ مِنْ ظَاهِرِ الدَّلْوِ فَالْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّلْوِ طَاهِرٌ: وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَاطِنِهِ

صَارَ الْبَاقِي نَجِسًا: وَإِنْ شَكَّ فَالْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ: فَإِنْ تَنَجَّسَ الْبَاقِي وَأَرَادَ تَطْهِيرَهُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِيهِ أَوْ يَرُدَّ الدَّلْوَ وَيَغْمِسَهُ فِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يخرج النجاسة أو لا ثُمَّ يَغْمِسَ الدَّلْوَ لِيَكُونَ طَهُورًا بِلَا خِلَافٍ ويخرج من خلاف أبي اسحق وَمِنْ مُرَاعَاةِ هَذِهِ الدَّقَائِقِ: وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَاعُدِ أَيْضًا: وَلَوْ اخْتَطَفَ النَّجَاسَةَ أولا ثم نزل عليها من الماء شئ فَبَاطِنُ الدَّلْوِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ نَجِسٌ وَظَاهِرُهُ طَاهِرٌ وَكَذَا الْبَاقِي مِنْ الْمَاءِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِي النَّقْصِ عَنْ قُلَّتَيْنِ مَحْمُولَةٌ عَلَى نَقْصٍ يُؤَثِّرُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةٍ تَحْدِيدًا أَوْ تَقْرِيبًا: وَفِي الدَّلْوِ لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا هُنَا لِئَلَّا ينكر استعمالنا لها مذكرة مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا المسألة الرابعة وهى انما وَقَعَ فِي قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ نَجَاسَةٌ ذَائِبَةٌ فَفِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهِ: وَالثَّانِي يَجِبُ تَبْقِيَةُ قَدْرِ النَّجَاسَةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْجُمْهُورُ قَائِلَ هَذَا الْوَجْهِ وَسَمَّاهُ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ مَيْمُونٍ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَأَبْطَلُوهُ بِمَا أَبْطَلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَالُوا لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهِ بَلْ إنْ وجب ترك شئ وَجَبَ تَرْكُ الْجَمِيعِ: فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَرْكُ الْجَمِيعِ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ يُسْتَعْمَلُ الْجَمِيعُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ اُسْتُهْلِكَتْ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الذَّائِبَةُ قَلِيلَةً لَمْ تُغَيِّرْ الْمَاءَ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لَهُ فِي صِفَاتِهِ أَوْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لَهُ فِي صِفَاتِهِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ مُخَالَفَةٌ لَهُ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ في حكاية المصنف مذهب أبي اسحق فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا مَذْهَبَهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ اُشْتُرِطَ التَّبَاعُدُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِقُلَّتَيْنِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ التَّبَاعُدُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا اسحق يَقُولُ هُنَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ هُنَاكَ لِمَعْنًى هُنَا وَهُوَ مَا عَلَّلَ بِهِ (فرع) ذكر المصنف أبا اسحق وابن القاص فاما أبو إسحق فَهُوَ الْمَرْوَزِيُّ وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ وَهُوَ صَاحِبُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ بَغْدَادَ فِي الْعِلْمِ وَشَرَحَ الْمُخْتَصَرَ وَصَنَّفَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ

انْتَشَرَ فِقْهُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَقْطَارِ وَهُوَ جَدُّنَا فِي التَّفَقُّهِ فَإِنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ سِلْسِلَةِ تَفَقُّهِ الشَّافِعِيَّةِ تُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَثَلَثَمِائَةٍ: وَأَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ إمَامٌ جَلِيلٌ وَهُوَ صَاحِبُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَعَنْهُ أَخَذَ الْفِقْهَ أَهْلُ طَبَرِسْتَانَ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً كَالتَّلْخِيصِ وَالْمِفْتَاحِ وَأَدَبِ الْقَاضِي وَالْمَوَاقِيتِ وَالْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا تُوُفِّيَ بِطَرَسُوسَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَارِيَةٌ كَالْمَيْتَةِ وَالْجِرْيَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ فَالْمَاءُ الَّذِي قَبْلَهَا طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ إبْرِيقٍ وَاَلَّذِي بَعْدَهَا طَاهِرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ النجاسة وأما ما يحيط بها مِنْ فَوْقِهَا وَتَحْتِهَا وَيَمِينِهَا وَشِمَالِهَا فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ دونهما فنجس كالراكد: وقال ابن الْقَاصِّ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ الْجَارِي إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَنْجَسْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ كَالْمَاءِ الْمُزَالِ بِهِ النَّجَاسَةُ: وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ وَاقِفَةً وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا فان ما قبلها وبعدها طَاهِرٌ: وَمَا يَجْرِي عَلَيْهَا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فهو طاهر: وان كان دونه نَجِسٌ: وَكَذَا كُلُّ مَا يَجْرِي عَلَيْهَا بَعْدَهَا فهو نجس: ولا يطهر شئ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْكُدَ فِي مَوْضِعٍ وَيَبْلُغَ قلتين: وقال أبو اسحق وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْجِيفَةِ فَهُوَ طَاهِرٌ: وما بعدها يَجُوزُ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِيفَةِ قُلَّتَانِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ: لِأَنَّ لِكُلِّ جِرْيَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُلَّتَانِ) (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ كُلُّهُ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَجَّحُوا مَا رَجَّحَهُ إلَّا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ وَالْبَغَوِيَّ اخْتَارُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعَةً مُسْتَهْلَكَةً لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ جِرْيَةٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ: وَهَذَا غَيْرُ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ فَإِنَّ ذَاكَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ وَالْمَائِعَةِ: وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لِهَذَا بِأَنَّ الاولين لم يزالوا يتوضؤن مِنْ الْأَنْهَارِ الصَّغِيرَةِ أَسْفَلَ مِنْ الْمُسْتَنْجِينَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ قَوِيٌّ: وَأَجَابَ الْإِمَامُ عَنْ حَدِيثِ القلتين بان

مَجْمُوعَ الْمَاءِ الَّذِي فِي هَذَا النَّهْرِ يَزِيدُ علي قلتين وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ: وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ وضوء الاولين فلم يثبت أنهم كانوا يتوضؤن تَحْتَ الْمُسْتَنْجِينَ وَلَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ فِي نَفْسِ الْمَاءِ: وَقَوْلُهُ الْجِرْيَةُ هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الدُّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ هَكَذَا فَسَّرَهَا أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُحِيطُ بِهَا قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ فَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَلَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ وَلَوْ مِنْ نَفْسِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ: وقيل يجئ الْخِلَافُ فِي التَّبَاعُدِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: قَالَ الامام وقال الاكثرون لا يجئ ذَلِكَ الْخِلَافُ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْمَاءِ يَمْنَعُ انْتِشَارَ النَّجَاسَةِ: ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ حَرِيمِ النَّجَاسَةِ فِي الْجَارِي وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا: وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَسِيطِ أَوْجَبَ اجْتِنَابَ حَرِيمِ الرَّاكِدِ أَيْضًا: فَفَرَّقَ فِي الْبَسِيطِ بَيْنَ الْحَرِيمَيْنِ فاوجب اجتنابه في الجارى دون الراكد وكذا فَرَّقَ شَيْخُهُ قَالَ لِأَنَّ الرَّاكِدَ لَا حَرَكَةَ لَهُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ فِي الْحُكْمِ: وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اجْتِنَابُ الْحَرِيمِ لَا فِي الْجَارِي وَلَا فِي الرَّاكِدِ: وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَجَعَلَهُ الْمَذْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا كانت الجرية التي فيها النجاسة دون قلتين وَقُلْنَا إنَّهَا نَجِسَةٌ فَقَالَ الْبَغَوِيّ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ وَالنَّهْرِ نَجِسٌ: وَالْجِرْيَةُ الَّتِي تَعْقُبُهَا تَغْسِلُ الْمَحَلَّ فَهِيَ فِي حُكْمِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةَ كَلْبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جِرْيَاتٍ عَلَيْهَا: وَقَوْلُهُ فِي النَّجَاسَةِ الْوَاقِفَةِ إنْ كَانَ مَا يَجْرِي عَلَيْهَا قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرٌ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِرْيَةُ قُلَّتَيْنِ وَكَذَا كُلُّ جِرْيَةٍ هِيَ قُلَّتَانِ لَا تَغَيُّرَ فِيهَا فهي طاهرة: وقوله ان كان دُونَهُ فَنَجِسٌ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ: وَأَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَنْجَسُ إلَّا بالتغير فهو طاهر: وقوله ولا يطهر شئ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْكُدَ فِي مَوْضِعٍ فَيَبْلُغُ قلتين وقال أبو إسحق وَابْنُ الْقَاصِّ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ وهو قال أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَلَى هَذَا

لَا يَزَالُ نَجِسًا وَإِنْ امْتَدَّ فَرَاسِخَ وَبَلَغَ مَجْمُوعُهُ أَلْفَ قُلَّةٍ: وَقَدْ يُقَالُ مَاءٌ بَلَغَ أَلْفَ قُلَّةٍ لَا تَغَيُّرَ فِيهِ وَهُوَ مَحْكُومٌ بنجاسته وهذا صُورَتُهُ وَيُقَالُ مَاءٌ بَلَغَ أَلْفَ قُلَّةٍ وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ وَهُوَ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِبَعْضِهِ (1) وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ التى تمعط شَعْرُ الْفَأْرَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهَا فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ جِرْيَةً نَجِسَةً لِمُرُورِهَا عَلَى نَجَاسَةٍ وَاقِفَةٍ أَوْ لِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ مَائِعَةٍ فِيهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَاتَّصَلَتْ بِمَاءٍ رَاكِدٍ تَبْلُغُ بِهِ قُلَّتَيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَخْتَلِطْ بِهِ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا صَافِيًا وَالْآخَرِ كَدِرًا حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ بِمُجَرَّدِ الِاتِّصَالِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ: قَالُوا وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاجْتِمَاعِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ قُلَّتَانِ صَافِيَةٌ وَكَدِرَةٌ إحْدَاهُمَا نَجِسَةٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ بِالنَّجَاسَةِ فَجَمَعَهُمَا وَبَقِيَ الْكَدَرُ مُتَمَيِّزًا غَيْرَ مُمْتَزِجٍ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْقَاضِي أَبَا حامد وهو المروزي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالتَّشْدِيدِ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَامِرِ بن بشر وهو صاحب أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِهِ كَانَ إمَامًا لَا يُشَقُّ غُبَارُهُ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَدَرَسَ بِهَا وعنه أخذ نقهاؤها وصنف الجامع في المذهب وشرع مُخْتَصَرَ الْمُزَنِيِّ وَصَنَّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ تُوُفِّيَ سنة اثنين وَسِتِّينَ وَثَلَثِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُصَبُّ عَلَى نَجَاسَةٍ مِنْ إبْرِيقٍ لَا يَنْجَسُ: وَمُرَادُهُ الَّذِي يَتَّصِلُ طَرَفُهُ بِالنَّجَاسَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَاءُ مُتَّصِلًا مِنْ الْإِبْرِيقِ إلَى النَّجَاسَةِ: وَإِنَّمَا لَا يَنْجَسُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَنْعَطِفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي مَسْأَلَةِ عَضِّ الْكَلْبِ الْمَاءُ الْمُتَصَعِّدُ مِنْ فَوَّارَةٍ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ عَلَى أَعْلَاهُ لَا يَنْجَسُ مَا تَحْتَهُ وَنَحْوُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى قَالَ لَوْ كَانَ كُوزٌ يُبَزُّ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهِ فَوُضِعَ أَسْفَلُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ لَا يَنْجَسُ الْمَاءُ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ يَمْنَعُ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ جَارِيًا وَبَعْضُهُ رَاكِدًا بِأَنْ يَكُونَ فِي النَّهْرِ مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ يَرْكُدُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْمَاءُ يَجْرِي بِجَنْبِهِ وَالرَّاكِدُ زَائِلٌ عَنْ سَمْتِ الْجَرْيِ فَوَقَعَ فِي الرَّاكِدِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ دون قلتين

_ (1) قولا لا يصح الوضوء ببعضه الخ فيه نظر اه من هامش الاذرعي

فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجِرْيَةِ الَّتِي يُحَاذِيهَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَتَنْجُسُ كُلُّ جِرْيَةٍ بِجَنْبِهَا إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَوْضِعٍ قُلَّتَانِ فَيَطْهُرَ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ ذَكَرَهُ هَكَذَا أَيْضًا كَثِيرُونَ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنْ كان الراكد النجس دون قلتين نظران دَخَلَ الْجَارِي عَلَى الرَّاكِدِ وَخَرَجَ مِنْهُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَإِنْ بَلَغَا قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرَانِ وَإِلَّا فَنَجِسَانِ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الرَّاكِدِ بَلْ جَرَى عَلَى سُنَنِهِ: فَإِنْ كَانَ الْجَارِي دُونَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يُلَاصِقُ مَاءً نَجِسًا: وَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ وَلَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَطْهُرُ بِهِ الرَّاكِدُ لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ وما فارق الشئ فَلَيْسَ مَعَهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ ضَعِيفٌ: وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقًا جَامِعًا مَبْسُوطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ثُمَّ اخْتَصَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ: فَقَالَ إذَا جَرَى الْمَاءُ فِي حَوْضٍ طَرَفَاهُ رَاكِدَانِ فَلِلطَّرَفَيْنِ حُكْمُ الرَّاكِدِ: وَلِلْمُتَحَرِّكِ حُكْمُ الْجَارِي. فَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْجَارِي لَمْ يَنْجَسْ الرَّاكِدُ إذَا لَمْ نُوجِبْ التَّبَاعُدُ. وَإِنْ كَانَ الرَّاكِدُ قَلِيلًا. لِأَنَّا نُجَوِّزُ رَفْعَ الْمَاءِ مِنْ طَرَفَيْ النَّجَاسَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. فَلَوْ وَقَعَ فِي الرَّاكِدِ وَهُوَ دُونَ قُلَّتَيْنِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ. وَالْجَارِي يُلَاقِي فِي جَرَيَانِهِ مَاءً نَجِسًا وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ تَنْجِيسَهُ عَلَى مَا سَبَقَ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَسْتَدِيرُ فِي بَعْضِ أطراف الحوض ثم يستد في المنفد قَالَ الْإِمَامُ أَرَى لَهُ حُكْمَ الرَّاكِدِ لِأَنَّ الِاسْتِدَارَةَ فِي مَعْنَى التَّدَافُعِ وَالتَّرَادِّ يَزِيدُ عَلَى الرُّكُودِ. وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ النَّهْرِ حُفْرَةٌ لَهَا عُمْقٌ. فَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْمَاءَ فِي الْحُفْرَةِ لَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ وَإِنْ جَرَى فَوْقَهَا. يَعْنِي نَقْلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْجَارِي يُقَلِّبُ مَاءَ الْحُفْرَةِ وَيُبَدِّلُهُ فَلَهُ حُكْمُ الْجَارِي أَيْضًا: وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ فِيهَا قَلِيلًا ثُمَّ يُزَايِلُهَا فَلَهُ فِي وَقْتِ اللُّبْثِ حُكْمُ الرَّاكِدِ: وَكَذَا إنْ كَانَ لَا يَلْبَثُ وَلَكِنْ تَتَثَاقَلُ حَرَكَتُهُ فَلَهُ فِي وَقْتِ التَّثَاقُلِ حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ارْتِفَاعٌ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا جَرَى الْمَاءُ مُنْحَدِرًا فِي صَبَبٍ أَوْ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ الْجَارِي حَقًّا: فَلَوْ كَانَ قُدَّامَهُ ارْتِفَاعٌ فَالْمَاءُ يَتَرَادُّ لَا مَحَالَةَ وَيَجْرِي مَعَ ذلك جريا

مُتَبَاطِئًا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّاكِدِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ هُوَ جَارٍ: قَالَ الامام والغزالي وهذا ضعيف نَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ: إحْدَاهَا سَبَقَ أَنَّ الْمَائِعَاتِ غَيْرَ الْمَاءِ تَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ بَلَغَتْ قِلَالًا وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ: وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ إذَا بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي يَعْتَبِرُونَهُ: الثَّانِيَةُ انْغَمَسَتْ فَأْرَةٌ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَخَرَجَتْ حَيَّةً فَمَنْفَذُهَا نَجِسٌ وَقَدْ لَاقَاهُ فَهَلْ يُنَجِّسُهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَآخَرُونَ: أَصَحُّهُمَا لَا: لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْتَرِزُوا عَنْ مِثْلِ هَذَا. وَالثَّانِي نَعَمْ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ. وَلَوْ انْغَمَسَ فِيهِ مُسْتَجْمِرٌ بِالْأَحْجَارِ نَجَّسَهُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمِرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ وَقَفَ مَاءٌ كَثِيرٌ عَلَى مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ وَانْبَسَطَ فِي عُمْقِ شِبْرٍ أَوْ فِتْرٍ مَثَلًا فَلَيْسَ لِلْمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَرِّ تَرَادٌّ وَتَدَافُعٌ وَلَا يَتَقَوَّى الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ كَمَا يَتَقَوَّى إذَا كَانَ لَهُ عُمْقٌ مُنَاسِبٌ لِطُولِهِ وَعَرْضِهِ: فَإِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ عَلَى طَرَفِ هَذَا الْمَاءِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ فَهَلْ يَجِبُ هُنَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا. طَرْدًا لِلْقِيَاسِ. وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّ أَجْزَاءَ هَذَا الْمَاءِ وَإِنْ تَوَاصَلَتْ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ. فَإِذَا قَرُبَ مِنْ مَحَلِّهَا كَانَ كَالْمُغْتَرِفِ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَقْتَضِي سِيَاقُهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ نَقَصَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ قَدْرًا يَسِيرًا وَهُوَ مُنْبَسِطٌ كَمَا سَبَقَ فَوَقَعَتْ فِي طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَنْجَسُ الطَّرَفُ الْأَقْصَى عَلَى الْفَوْرِ. لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَنْبَثُّ بِسُرْعَةٍ مَعَ انْبِسَاطِ الْمَاءِ وَضَعْفِ تَرَادِّهِ. قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ. الرَّابِعَةُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ كَانَتْ سَاقِيَةٌ تَجْرِي من نهر إلى آخر فانقطع (1) طرفاها وَوَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ نَجِسَ الَّذِي فِيهَا لِأَنَّهُ دُونَ قُلَّتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِقُلَّتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا كَانَ أَسْفَلُ السَّاقِيَةِ وَأَعْلَاهَا مُسْتَوِيًا وَالْمَاءُ رَاكِدٌ فِيهَا نَجِسَ كُلُّهُ إذَا تَقَاصَرَ عَنْ قُلَّتَيْنِ فَأَمَّا ان كان أعلا السَّاقِيَةِ أَرْفَعَ مِنْ أَسْفَلِهَا وَالْمَاءُ يَجْرِي فِيهَا فَوَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَسْفَلِهَا فَلَا يَنْجَسُ الَّذِي فِي أَعْلَاهَا: وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ يُصَبُّ مِنْ إنَاءٍ عَلَى نَجَاسَةٍ فَمَا لَمْ يَصِلْ النَّجَاسَةَ مِنْهُ طَاهِرٌ: وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ: الْخَامِسَةُ قال صاحب

_ (1) قوله فانقطع طرفها لعله يريد فانقطع الجريان من الطفين وان احدهما متصلا بالنهر الاخر ولكنه غير جار ويجوز ان يكون كلامه على ظاهره وانقطع الطرفان عن النهرين ولكن كانت ملاصقة لماء آخر تمر به حال جريانها فحينئذ تكون متصلة بماء كثير وبضمه إلى مائها يصير الكل كثير اه من هامش الاذرعي

الْعُدَّةِ لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهَا دَجَاجَةً مَيْتَةً مُنْتَفِخَةً لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُعِيدَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا الَّتِي تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمَاءٍ نَجِسٍ: قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ صَلَوَاتِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا: السَّادِسَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ غُمِسَ كُوزٌ مُمْتَلِئٌ مَاءً نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ طَاهِرٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَعُودُ مُطَهِّرًا لا تصاله بِقُلَّتَيْنِ. وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ. وَإِنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَا يَطْهُرُ: وَإِذَا قُلْنَا فِي الصُّورَتَيْنِ يَطْهُرُ فَهَلْ يَطْهُرُ عَلَى الفور أم لابد مِنْ مُكْثِ زَمَانٍ يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَيَكُونُ الزَّمَانُ فِي الضَّيِّقِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْوَاسِعِ: فَإِنْ كَانَ مَاءُ الْكُوزِ مُتَغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ: وَلَوْ كَانَ الْكُوزُ غَيْرَ مُمْتَلِئٍ فَمَا دَامَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ لَا يَطْهُرُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِيهِ فَيَكُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْمُكَاثَرَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَلَوْ كَانَ مَاءُ الْكُوزِ طَاهِرًا فَغَمَسَهُ فِي نَجِسٍ يَنْقُصُ عَنْ قُلَّتَيْنِ بِقَدْرِ مَاءِ الْكُوزِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ النَّجِسِ. فِيهِ الْوَجْهَانِ قُلْتُ وَالطَّهَارَةُ هُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّابِعَةُ) مَاءُ الْبِئْرِ كَغَيْرِهِ فِي قَبُولِ النَّجَاسَةِ وَزَوَالِهَا: فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَتَنَجَّسَ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُنْزَحَ لِيَنْبُعَ طَهُورٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا نُزِحَ بَقِيَ قَعْرُ الْبِئْرِ نَجِسًا وَقَدْ يَتَنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ بِالنَّزْحِ أَيْضًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ لِيَزْدَادَ فَيَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ فَإِنْ كَانَ نَبْعُهَا قَلِيلًا لَا يُتَوَقَّعُ كَثْرَتُهُ صُبَّ فِيهَا مَاءٌ لِيَبْلُغَ الْكَثْرَةَ وَيَزُولَ التَّغَيُّرُ إنْ كَانَ تَغَيَّرَ: وان كان الماء كثيرا طاهرا وتفتت فِيهِ نَجَاسَةٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا بِحَيْثُ يَغْلِبُ علي الظن انه لا يخلو دَلْوٌ عَنْ شَعْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَهُورٌ كَمَا كَانَ لَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِعْمَالُهُ: فَالطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقِيَ الْمَاءَ كُلَّهُ لِيَذْهَبَ الشَّعْرُ مَعَهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَذَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ فَلْيُنْزَحْ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ خَرَجَ كُلُّهُ: وَفَسَّرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هذا بان تتابع الدِّلَاءُ بِحَيْثُ لَا تَسْكُنُ حَرَكَةُ مَاءِ الْبِئْرِ بِالدَّلْوِ الْأُولَى حَتَّى تَلْحَقَهَا الثَّانِيَةُ: ثُمَّ هَكَذَا فِي كُلِّ دَلْوٍ حَتَّى يَنْزَحَ مِثْلَ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ فِي الْبِئْرِ مَرَّةً: قَالَ وَالِاسْتِظْهَارُ عِنْدِي أَنْ يَنْزَحَ مِثْلَهُ مِرَارًا وَإِذَا أَخَذَ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ بَعْدَ الِاسْتِقَاءِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا فَهُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَيْقَنِ النَّجَاسَةِ

وَلَا مَظْنُونِهَا: وَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُ بَقَاءِ الشَّعْرِ فَإِنْ تَحَقَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ شَعْرًا حَكَمَ بِهِ فَلَوْ أَخَذَ قَبْلَ النَّزْحِ دَلْوًا فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ فِيهَا شَعْرًا فَهُوَ طَهُورٌ قَطْعًا: فَلَوْ لَمْ يَنْظُرْ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شَعْرٍ فَفِي طَهَارَتِهِ الْقَوْلَانِ فِي تَقَابُلِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ: هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الشَّعْرَ نَجِسٌ فَإِنْ قُلْنَا طَاهِرٌ فَالْمَاءُ عَلَى طَهَارَتِهِ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَنَقَلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ أَجْرَى فِي تَدْرِيسِهِ لِلْوَسِيطِ هَذَا الْحُكْمَ مَعَ الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ: قَالَ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَتَمَعَّطُ مُلْتَصِقًا بِهِ شئ من جلد الفأرة ولحمها ذلك نَجِسٌ: وَهَذَا النَّقْلُ إنْ صَحَّ عَنْهُ مَتْرُوكٌ لِأَنَّهُ تَوَهُّمُ مُنَجِّسٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ خِلَافًا مُنْتَشِرًا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْبِئْرِ إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهَا: فَقَالَ مَالِكٌ وَمُوَافِقُوهُ فِي أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ هُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ: وَقَالَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ يَنْزَحُهَا حَتَّى تَغْلِبَهُمْ وَعَنْ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ يَنْزَحُهَا كُلَّهَا: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ يَنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءً مَخْصُوصَةً (1) وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا وَاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ النجاسة ولا أصل لشئ مِنْ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِنَا ومذهب مالك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * باب (ما يفسده الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) (الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ ضَرْبَانِ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ: وَمُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةِ النَّجَسِ: فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَهُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا فَكَانَ طَاهِرًا: كَمَا لَوْ غُسِلَ به ثوب طاهر: وهل تجوز بِهِ الطَّهَارَةُ أَمْ لَا فِيهِ طَرِيقَانِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لا يجوز لانه زال عنده إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ بِالزَّعْفَرَانِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَمْ يُغَيِّرْ صِفَةَ الْمَاءِ فلم يمنع الوضوء

_ (1) قد حكي قبل عن الثوري ان الماء لا ينجس الا بالتغير كمذهب مالك اه من هامش نسخة الاذرعي

بِهِ كَمَا لَوْ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ) * (الشرح) يعنى بطهارة الْحَدَثِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا كَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَسَّمَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ إلَى مَا رَفَعَ حَدَثًا وَغَيْرَهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَخَصَّ هَذَا بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ مَعَ أَنَّ هَذَا الثَّانِي عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ مَنْصُوصٌ أَيْضًا ثَابِتٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْصُوصِ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا فِي بَابِ الْآنِيَةِ فِي نَجَاسَةِ الشُّعُورِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُوِيَ عنه فيعني روى عن الشافعي وهذا الرواى هُوَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَيْسَ بِطَهُورٍ: وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ فَتَوَقَّفَ فِيهِ: وَحَكَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ الْوُضُوءَ بِهِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ: وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ لَا نَدْرِي مَنْ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَلْ هُوَ الشَّافِعِيُّ أَوْ مَالِكٌ أَوْ أَحْمَدُ وَلَوْ أَرَادَ الشَّافِعِيَّ فَتَوَقُّفُهُ لَيْسَ حُكْمًا بِأَنَّهُ طَهُورٌ: وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ مُخَالِفٌ لَنَا: وَلَا نَأْخُذُ مَذْهَبَنَا عَنْ الْمُخَالِفِينَ: وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عِيسَى ثِقَةٌ لَا يُتَّهَمُ فِيمَا نحكيه: فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ وَمَا نَقَلَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ سَمَاعًا وَرِوَايَةً أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ: وَحَكَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي الْخِلَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طَهُورٌ: وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عنه فتوقف: فقال أبو اسحق وأبو حامد المروروذى فِيهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ بِطَهُورٍ قَطْعًا. وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ عِيسَى وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَيَحْكِي مَا حَكَاهُ أَهْلُ الْخِلَافِ. وَلَمْ يَلْقَ الشَّافِعِيَّ فَيَحْكِيه سَمَاعًا وَلَا هُوَ مَنْصُوصٌ فَيَأْخُذُهُ مِنْ كُتُبِهِ وَلَعَلَّهُ تَأَوَّلَ كَلَامَهُ فِي نَصْرَةِ طَهَارَتِهِ ردا على أبي يوسف فجمله عَلَى جَوَازِ الطَّهَارَةِ بِهِ. وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَوْلُ من رد رواية عيسى ليس بشئ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قُلْتُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ

أَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ. وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ زَالَ عَنْهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ فَفِيهِ تصريح بان الْمُسْتَعْمَلَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ. (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ بمطهر علي المذهب وفي المسألتين خلاف للعماء. فَأَمَّا كَوْنُهُ طَاهِرًا فَقَدْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ نَجِسٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ طَاهِرٌ كَمَذْهَبِنَا. قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً. وَالثَّالِثَةُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً. وَاحْتَجَّ لَهُمَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ قَالُوا فَجَمَعَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلُ يُنَجِّسُهُ وَكَذَا الِاغْتِسَالُ. قَالُوا وَلِأَنَّهُ أَدَّى بِهِ فَرْضَ طَهَارَةٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالْمُزَالِ بِهِ النَّجَاسَةَ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه يعوداني فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْت رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْهُمْ: وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شئ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَمَوَاضِعَ بَعْدَهُ وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خُصَّ لِدَلِيلٍ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ الله عنهم كانوا يتوضؤن وَيَتَقَاطَرُ عَلَى ثِيَابِهِمْ وَلَا يَغْسِلُونَهَا: وَاحْتَجُّوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا فَكَانَ طَاهِرًا كَمَا لَوْ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ طاهر.

ولان الْمَاءَ طَاهِرٌ وَالْأَعْضَاءَ طَاهِرَةٌ فَمِنْ أَيْنَ النَّجَاسَةُ. قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ هَذَا فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَوْ وَطِئَ عَبْدٌ أَمَةً يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً فَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ حُرٌّ فَالْحُرِّيَّةُ مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ: فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ يَتَغَيَّرُ بِالِاعْتِقَادِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً يَعْتَقِدُهَا أَمَةً كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَلَوْ اعْتَقَدَهَا حُرَّةً كَانَ حُرًّا. فَيَتَغَيَّرُ بِالِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ الْمَاءُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ كَيْفَ يَفْعَلُ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ خِلَافُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَقْدِيمِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا لا ستدلالهم بِهِ لَكِنْ لَا يُرْتَضَى هَذَا الْجَوَابُ وَلَا التَّرْجِيحُ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مُتَعَذِّرًا هُنَا بَلْ الْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ مَا اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُ الْقَرِينَيْنِ فِي الْحُكْمِ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه) فَالْأَكْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي مَنْعِ الْوُضُوءِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ دُونَ قُلَّتَيْنِ: وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ لَيْسَ لِأَنَّهُ يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيُؤَدِّي إلَى تَغَيُّرِهِ: وَلِهَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا: وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الْجُمْلَةِ تَعْلُقهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُمْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ بِهِ عَجَبٌ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُزَالِ بِهِ نَجَاسَةٌ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ نَجَاسَتَهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَانْفَصَلَ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ: الثَّانِي إنَّا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلًّا نَجِسًا بِخِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ: الثَّالِثُ أَنَّهُ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ فَقَالَ بِهِ أَيْضًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ غَيْرَهَا وَذَهَبَ طَوَائِفُ إلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (1) وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَوَجَدَ فِي لِحْيَتِهِ بَلَلًا يَكْفِيهِ مَسْحُهُ بِذَلِكَ الْبَلَلِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمُسْتَعْمَلَ مُطَهِّرًا قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السماء ماء طهورا) وَالْفَعُولُ لِمَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الْفِعْلُ: وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ مَاءٍ فِي يَدِهِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ فَنَظَرَ لُمْعَةً مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَخَذَ شَعْرًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَيْهِ مَاءٌ فَأَمَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ: قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَاءٌ لاقى طاهرا فبقى مطهرا كَمَا لَوْ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ: وَلِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فَجَازَ الطَّهَارَةُ بِهِ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ: وَلِأَنَّ مَا أَدَّى بِهِ الْفَرْضَ مَرَّةً لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ ثَانِيًا كَمَا يَجُوزُ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَتَيَمَّمُوا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَكَمَا يُخْرِجُ الطَّعَامَ فِي الْكَفَّارَةِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ وَيُخْرِجُهُ فِيهَا ثَانِيًا وَكَمَا يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِرَارًا: قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِالْمُسْتَعْمَلِ لَامْتَنَعَتْ الطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ عَلَى الْعُضْوِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَإِذَا سَالَ عَلَى بَاقِي العضو ينبعى أَنْ لَا يَرْفَعَ الْحَدَثَ وَهَذَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مُطَهِّرٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الحكم بن عمر ورَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ: قَالُوا وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ طَهُورِهَا مَا سَقَطَ عَنْ أَعْضَائِهَا لِأَنَّا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَالْمُنَازَعُونَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ فِي الْإِنَاءِ مُطَهِّرٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّاقِطِ وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ هُنَا نظر

_ (1) هذا يحتمل ان يكون من الثانية والثالثة وهو الغالب والاصح انه طهور فلا دلالة فيه اه اذرعي

وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ قَالُوا وَالْمُرَادُ نَهْيُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ وَالصَّوَابَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الدَّائِمِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِئَلَّا يَقْذُرَهُ وَقَدْ يُؤَدِّي تَكْرَارُ ذَلِكَ إلَى تَغَيُّرِهِ * وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ فِي إزَالَةِ النجاسة ولكن الفرق ظاهر واقرب شئ يُحْتَجُّ بِهِ مَا احْتَجُّوا بِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ احْتَاجُوا فِي مَوَاطِنَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ الْكَثِيرَةِ إلَى الماء ولم يجمعوا المستعمل لا ستعماله مَرَّةً أُخْرَى: فَإِنْ قِيلَ تَرَكُوا الْجَمْعَ لِأَنَّهُ لا يتجمع منه شئ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يَسْلَمُ وَإِنْ سَلِمَ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَسْلَمْ فِي الْغُسْلِ: فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَمْعِهِ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ وَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالتَّبَرُّدِ وَنَحْوِهَا مَعَ جَوَازِهَا بِهِ بِالِاتِّفَاقِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ جَمْعِهِ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ لِلِاسْتِقْذَارِ فَإِنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا كَمَا اسْتَقْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبَّ وَتَرَكَهُ فَقِيلَ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَعَافُهُ وَأَمَّا الطَّهَارَةُ بِهِ ثَانِيَةً فَلَيْسَ فِيهَا اسْتِقْذَارٌ فَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ * وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ هَلْ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي أَمْ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَجْمَعُهُ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَلَوْ كَانَ مطهرا لقالوه: فان قيل لانه لا ينجمع منه شئ: فَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا نسلم ان فعولا يَقْتَضِي التَّكَرُّرُ مُطْلَقًا بَلْ مِنْهُ مَا هُوَ كَذَلِكَ وَمِنْهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَشْهُورٌ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِطَهُورِ الْمُطَهِّرُ وَالصَّالِحُ لِلتَّطْهِيرِ وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَإِسْنَادُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَذَكَرَ صِفَةَ الْوُضُوءِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ

غَيْرِ فَضْلٍ يَدَيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ رَاوِيَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَإِذَا كان ضعيفا لم يحتج بروايته لو لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي هذا الحديث فأخذ ماء جَدِيدًا فَمَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ: (الْجَوَابُ الثَّانِي) لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مَاءً جديدا صب بَعْضَهُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِبَقِيَّتِهِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ: (الثَّالِثُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَاضِلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ لِلْيَدِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ على الصحيح وكذا في سائر نفل الطَّهَارَةِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي حمله على بلل الغسلة الثانية وَالثَّالِثَةُ وَهُوَ مُطَهِّرٌ عَلَى الصَّحِيحِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اغْتَسَلَ وَتَرَكَ لُمْعَةً ثُمَّ عَصَرَ عَلَيْهَا شَعْرًا فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ بين الدارقطني ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّخَعِيِّ: الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى بَلَلٍ بَاقٍ مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ (الثَّالِثُ) أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْعُضْوِ وَهَذَا لَمْ يَنْفَصِلْ وَبَدَنُ الْجُنُبِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تَرْتِيبَ فِيهِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ وَعَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدَّ بِهِ فَرْضٌ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى تَيَمُّمِ الْجَمَاعَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا عَلَقَ بِالْعُضْوِ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْبَاقِي بِالْأَرْضِ فَغَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ قَطْعًا فَلَيْسَ هُوَ كَالْمَاءِ: وَأَمَّا طَعَامُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّمَا جَازَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى لِتَجَدُّدِ عَوْدِ الْمِلْكِ فِيهِ فَنَظِيرُهُ تَجَدُّدُ الْكَثْرَةِ فِي الْمَاءِ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ: وَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ من صفته شئ فَلَا يُسَمَّى مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ الْمَاءِ وَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ مُؤَثِّرٌ فِيمَا أَدَّى بِهِ الْفَرْضَ. كَالْعَبْدِ

يعتقه عن كفارة: وأما قولهم لو لم تجز الطهارة به لا متنعت إلَخْ فَجَوَابُهُ إنَّا لَا نَحْكُمُ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا حَرَجَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وله الحمد والنعمة: * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَهَلْ تَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِلْمَاءِ حُكْمَيْنِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ فَإِذَا رُفِعَ الْحَدَثُ بَقِيَ إزَالَةُ النَّجَسِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَاءٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فلم يزل النجس كالماء النجس) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِ عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَصْحَابُ الْوُجُوهِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْأَنْمَاطِيِّ لِلْمَاءِ حُكْمَانِ فَلَا يَسْلَمُ أَنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ على جهة الجمع بل على البدل: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِهَذَا وَلِهَذَا فَأَيُّهُمَا فَعَلَ لَمْ يَصْلُحْ بَعْدَهُ لِلْآخَرِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ يَصْلُحُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلِلْجَنَابَةِ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْآخَرِ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الْأَنْمَاطِيِّ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَنْمَاطِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشَّارٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَانَ إمَامًا عَظِيمًا جَلِيلَ الْمَرْتَبَةِ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي نَشْرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِبَغْدَادَ وَكَتَبَ كُتُبَهُ وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَحَدُ أَجْدَادِنَا فِي سَلْسَلَةِ التَّفَقُّهِ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَأَمَّا ابْنُ خَيْرَانَ فَهُوَ أبو علي الحسن بن الْإِمَامُ (1) الْجَلِيلُ الزَّاهِدُ الْوَرِعُ طَلَبُوهُ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ فَحَبَسُوهُ مُدَّةً وَصَبَرَ عَلَى امْتِنَاعِهِ ثُمَّ أَطْلَقُوهُ وَعَتَبَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ لِكَوْنِهِ تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَقَالَ هَذَا الْأَمْرُ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا كَانَ بَلِيَّةً فِي أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ هَذَا بِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ خَيْرَانَ الْبَغْدَادِيِّ صَاحِبِ الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِاللَّطِيفِ وَهُوَ كِتَابٌ حَسَنٌ رَأَيْتُهُ فِي مُجَلَّدَتَيْنِ لطيفتين وهو متأخر عن أبي علي ابن خيران والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان جمع المستعمل حتى صار قلتين فوجهان احدهما يَزُولُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يَزُولُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ أَوْ اغْتَسَلَ وَهُوَ قُلَّتَانِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ * وَالثَّانِي لَا يَزُولُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لكونه مستعملا وهذا لا يزول بالكثرة) *

_ (1) بياض بأصل المصنف رضي الله عنه هكذا في هامش نسخة الاذرعي والذي في طبقات ابن السبكي ان اسمه الحسين بن صالح ابن خيران اه مصححه

(الشَّرْحُ) الْكَثْرَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَتَعْلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ زَوَالُ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وهو قول أبي اسحق والوجه الآخر وهو قول ابن سريج كذا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وخالفهم البند نيجى وَصَاحِبُ الْإِبَانَةِ فَحَكَيَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ وَالشَّيْخَانِ أَعْرَفُ مِنْ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَأَتْقَنُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِيهِ وَجْهَانِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ في التلخيص سمعت ابا العباس ابن سُرَيْجٍ يَقُولُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ الِاسْتِعْمَالُ وَهَذَا ظَاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا جُمِعَ الْمُسْتَعْمَلُ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ ثُمَّ رَأَيْتُ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى كِتَابُ الْأَقْسَامِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَكَيْفَ كَانَ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ ضَعِيفٌ: قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ هُوَ غَلَطٌ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلصَّحِيحِ بِالْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا قَالُوا وَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَغْلَظُ وَالْفَرْقُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ النَّجِسِ مَا فَرَّقَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالُوا النَّجَاسَةُ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَهُ فَسَقَطَ أَثَرُهَا عِنْدَ ظُهُورِ قُوَّةِ الْمَاءِ بِالْكَثْرَةِ وَصِفَةُ الِاسْتِعْمَالِ ثَابِتَةٌ لِجَمِيعِهِ فَنَظِيرُهُ مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ مَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُلَاقِيَةً لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الماء بأن كان ميغيرا فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَزُولُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مَعَ بَقَاءِ التَّغَيُّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ والدفعة الثانية والثالثة فوجهان أَحَدُهُمَا لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةٍ فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ: وَالثَّانِي يجوز لانه لَمْ يُرْفَعْ بِهِ حَدَثٌ وَلَا نَجِسٌ فَهُوَ كما لو غسل به ثوب طاهر) (الشَّرْحُ) الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ: قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد وغيره الوجه الآخر غَلَطٌ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ قَالَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ نَفْلِ الطَّهَارَةِ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَمَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَفْلٍ: وَأَمَّا الْجُنُبُ إذَا اغْتَسَلَ بِمَاءٍ قَلِيلٍ فَالْمَرَّةُ الْأُولَى مُسْتَعْمَلَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْوَجْهَانِ لِأَنَّهُمَا نَفْلٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مُسْتَعْمَلَتَيْنِ قَطْعًا لِأَنَّ تَكْرَارَ الثَّلَاثَةِ مَأْثُورٌ فِي الْوُضُوءِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ دُونَ الْغُسْلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَشَاذٌّ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اسْتِحْبَابُ الثَّلَاثِ فِي الْغُسْلِ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ وَنُبَيِّنُ خَلَائِقَ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ: وَأَمَّا تَجْدِيدُ الْغُسْلِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا الْوَجْهَانِ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ قَطْعًا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ الصَّبِيُّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ رَفَعَ حَدَثًا وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا آخر انه غير مستعمل لانه لم يؤدبه فَرْضًا وَلِهَذَا الْفَصْلِ فُرُوعٌ سَأَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجِسِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْ الْمَحَلِّ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا ينجسه شئ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ وَإِنْ كان غير متغير فثلاثة أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي العباس وأبي اسحق لِأَنَّهُ مَاءٌ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَنْجَسْ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ إذا وقع فيه نجاسة: والثاني انه نجس وهو قول الانماطى لانه ماء قليل لا قي نَجَاسَةً فَأَشْبَهَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ: وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ انْفَصَلَ وَالْمَحَلُّ طَاهِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ انْفَصَلَ وَالْمَحَلُّ نَجِسٌ فَهُوَ نَجِسٌ وَهُوَ قول ابن الْقَاصِّ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْبَاقِي فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ حُكْمَهُ: فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ طَاهِرٌ فَهَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ به فيه وجهان قال ابن خير ان يَجُوزُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ مضي توجيههما) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَسَبَقَ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يُحْتَجُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِنَجَاسَةٍ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ: وَأَمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ فَهُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَاءَ ذِكْرُهُ فِيهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي فُصُولِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَتَى أَطْلَقَ فِي الْمُهَذَّبِ أَبَا الْعَبَّاسِ فَهُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ الْإِمَامُ الْبَارِعُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ كَانَ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ عُظَمَاءِ الشَّافِعِيِّينَ وَأَئِمَّةِ

الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْبَازُ الْأَشْهَبُ وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِشِيرَازَ وَكَانَ يُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَفِهْرِسْتُ كُتُبِهِ يَعْنِي مُصَنَّفَاتِهِ تَشْتَمِلُ على اربعمائة مصنف وقام ينصرة مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَفَقَّهَ. عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ وَأَخَذَ عَنْهُ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ وَعَنْهُ انْتَشَرَ فِقْهُ الشَّافِعِيِّ فِي أَكْثَرِ الْآفَاقِ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَثِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (قُلْتُ) وَهُوَ أَحَدُ أَجْدَادِنَا فِي سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهِ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ إنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةَ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ بِالنَّجَاسَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمَحَلُّ الْمَغْسُولُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَتْ قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَمُطَهِّرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ: وَقِيلَ فِي كَوْنِهَا مُطَهِّرَةً وَجْهَانِ وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَحَكَاهَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَقْوَالًا أَصَحُّهَا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ انْفَصَلَ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ: وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْبُلْغَةِ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَصَحَّحَ فِي كِتَابَيْهِ المعتمد والمستظهري أنها طاهرة مطلقا وهو طاهر كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُخْتَارُ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ قَالُوا وَالْقَوْلُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا هُوَ الْقَدِيمُ وَبِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا خَرَّجَهُ الْأَنْمَاطِيُّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ: وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَنْعُ كَمَا فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ قَالُوا فَالْجَدِيدُ يَقُولُ حُكْمُ الْغُسَالَةِ حُكْمُ الْمَحَلِّ بَعْدَ الْغَسْلِ والقديم حكمها حُكْمُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَالْمُخَرِّجُ لَهَا حُكْمُ الْمَحَلِّ قَبْلَ الْغَسْلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ غُسَالَةُ ولوغ الكلب: فإذا وقع من الاولى شئ على ثوب أو غيره فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَعَلَى الْجَدِيدِ يغسل سِتًّا وَعَلَى الْمُخَرَّجِ سَبْعًا: وَلَوْ وَقَعَ مِنْ السَّابِعَةِ لَمْ يُغْسَلْ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَيُغْسَلُ عَلَى الْمُخَرَّجِ مَرَّةً وَمَتَى وَجَبَ الْغَسْلُ عَنْهَا فَإِنْ سَبَقَ التَّعْفِيرُ بِالتُّرَابِ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لِكُلِّ غَسْلَةٍ سَبْعٌ حُكْمُ الْمَحَلِّ فَيُغْسَلُ مِنْهَا مَرَّةً هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَزِدْ وَزْنُ الْغُسَالَةِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بِبَوْلٍ مَثَلًا فَغَسَلَ فَزَادَ وَزْنُ الْغُسَالَةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبِ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَالثَّانِي فِيهَا الْأَقْوَالُ أَوْ الْأَوْجُهُ: هَذَا كُلُّهُ في الغسل الواجب فإذا اغسل الْمَحَلُّ النَّجِسُ غَسْلَةً وَاحِدَةً فَزَالَتْ النَّجَاسَةُ وَحَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَهَذِهِ الْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ هِيَ مُطَهِّرَةٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِي أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدَثِ هَلْ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْحَدَثِ أَصَحُّهُمَا لَا وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا هِيَ مُطَهِّرَةٌ فِي إزَالَةِ النَّجَسِ فَفِي الْحَدَثِ أَوْلَى: وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مُطَهِّرَةً فِي النَّجَسِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَهَلْ هِيَ مطهرة في الحدث فيه الوجهان المذكور ان في الكتاب: الصحيح لَيْسَتْ مُطَهِّرَةً: وَأَمَّا

الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَطَاهِرَتَانِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هُمَا مُطَهِّرَتَانِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ أَصَحُّهُمَا مُطَهِّرَتَانِ: فَإِنْ قُلْنَا مُطَهِّرَتَانِ فِي النَّجَاسَةِ فَفِي الْحَدَثِ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْوَجْهَانِ: وَأَمَّا الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ فَمُطَهِّرَةٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً: وَإِذَا بَلَغَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ الطَّاهِرُ قُلَّتَيْنِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ فِي المستعمل في الحدث والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ بِلَا خِلَافٍ (1) * وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي عِلَّةِ كَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا أَدَّى بِهَا عِبَادَةً فَعَلَى هَذَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ لَيْسَ بِطَهُورٍ: وَأَصَحُّهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهَا أَدَّى بِهَا فَرْضُ الطَّهَارَةِ وَالْمُرَادُ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ مَا لَا تجوز الصلاة ونحوها ووطئ الْمُغْتَسِلَةِ عَنْ حَيْضٍ إلَّا بِهِ لَا مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ غُسْلُ الْكِتَابِيَّةِ عَنْ الحيض ووضوء الصبى

_ (1) أي على الجديد الصحيح وفيه القول القديم اه اذرعي

وَالْوُضُوءُ لِلنَّافِلَةِ وَلَا تَدْخُلُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَيْسَتْ عِبَادَةً: وَقَوْلنَا أَدَّى بِهَا فَرْضَ الطهارة هذه هي العبارة الصحيح (1) الْمَشْهُورَةُ الَّتِي قَالَهَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ: وَخَالَفَهُمْ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فَقَالَ الْعِلَّةُ انْتِقَالُ الْمَنْعِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ غَرِيبَةٌ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ لِغَيْرِهِ وَفِيهَا تَجَوُّزٌ إذْ لَيْسَ هُنَا انْتِقَالٌ مُحَقَّقٌ وَلَكِنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةُ) الْحَنَفِيُّ إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا: حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ بِهِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالشَّافِعِيِّ إنْ نَوَى صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِلَّا فَلَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وضوؤه حِينَئِذٍ: وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ: وَالثَّالِثُ يَصِيرُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ (الثَّالِثَةُ) لَوْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ والماوردي في الحاوى والدارمى في الا ستذكار وَآخَرُونَ قَالُوا حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة أحدهما لا يصير مستعملا لانه المستحق في الرأص الْمَسْحُ: وَالثَّانِي يَصِيرُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لَا يَمْنَعُ مَصِيرَهُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِصَاعٍ مَنْ يَكْفِيه نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّ الْكُلَّ مُسْتَعْمَلٌ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ: وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمُعْتَمَدِ والمستظهري (الرابعة)

_ (1) ينبغي حذفه لانه ذكر بعد ان الاخرى صحيحة ولعل الذي دعا الغزالي إليها وضوء الصبي ونحوه والله اعلم اه من هامش نسخة الاذرعي

لَوْ غَمَسَ الْمُسْتَيْقِظُ مِنْ النَّوْمِ يَدَهُ فِي الاناء قبل غسلها فقد ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حسين وغيره: وحكي صاحب البيان فيه طريقتين أَحَدَهُمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي مَصِيرِهِ مُسْتَعْمَلًا وَجْهَانِ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ: (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ تَقَاطَرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ قَطَرَاتٌ فِي الْإِنَاءِ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ لَغَيَّرَهُ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مَبْسُوطَةً (السَّادِسَةُ) إذَا جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَطَهِّرِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا صار بانفصاله عَنْ الْأَوَّلِ مُسْتَعْمَلًا فَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الثَّانِي وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْيَدَانِ وَغَيْرُهُمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ: وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تَرْتِيبَ فِيهِمَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُتَمَيِّزَانِ: وَإِنَّمَا عَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَطَهِّرُ جُنُبًا فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَلَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ عَنْ العضو الذي انْتَقَلَ إلَيْهِ كَالْمُحْدِثِ قَالَا وَأَصَحُّهُمَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ كله كعضو: وقال الفوراني والمتوالي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا صَبَّ الْجُنُبُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ فَسَقَطَ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَقَ الهواء صار مستعملا لا نفصاله وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا

الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ الْفُورَانِيَّ: قَالَ الْإِمَامُ وَفِي هَذَا فَضْلُ نَظَرٍ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْخِلْقَةِ وَقَعَ فِي جَرَيَانِهِ بَعْضُ التَّقَاذُفِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا مَحَالَةَ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا كَيْفَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِنَاءِ بِهَذَا أَصْلًا فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَهُوَ عَفْوٌ قَطْعًا: وَأَمَّا التَّقَاذُفُ الَّذِي لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا فان كان قَصْدٍ (1) فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ: وَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ أَمْثَالُ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَمَا وَقَعَ عَنْهُ بَحْثٌ مِنْ سَائِلٍ وَلَا تَنْبِيهٌ مِنْ مُرْشِدٍ: (السَّابِعَةُ) إذَا غَمَسَ الْمُتَوَضِّئُ يَدَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ أَمْ لَا: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ فَهَذَا وَقْتُ غَسْلِ الْيَدِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا إنْ قَصَدَ غَسْلَ الْيَدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَدِ وَهُوَ الَّذِي قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ وَهَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ بَاقِي الْيَدِ فِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْخُضَرِيِّ وَالْجَمَاعَةِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ: وَإِنْ قَصَدَ بِوَضْعِ يَدِهِ فِي الْإِنَاءِ أَخْذَ الْمَاءِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ وَضَعَ الْيَدَ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الثِّنْتَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الذى اقطع بِهِ الْإِمَامُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ مَنْ نَوَى وَعَزَبَتْ نِيَّتُهُ ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ بِلَا قَصْدٍ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَيَتَّجِهُ (2) أَنْ يُقَالَ هَيْئَةُ الِاغْتِرَافِ صَارِفَةٌ لِلْمُلَاقَاةِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَهَذَا الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره الغزالي قطع به البغوي

_ (1) لا مخل للقد هنا اعني في التقاذف اه اذرعي (2) انما يتم اتجاها بما ذكر في درسه من انه أولانا وللوضوء والاغتراف وتمسك ايضا بحال الاولين اه اذرعي

فَجَزَمَ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُ لَا يصير مستعملا: والجنب بعد النية كالمحدث يعد غسل وجه إذْ لَا تَرْتِيبَ فِي حَقِّهِ فَهَذَا وَقْتُ غَسْلِ يَدِهِ: وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا أَدْخَلَ الْجُنُبُ يَدَهُ نَاوِيًا غُسْلَ الْجَنَابَةِ لِيَقْلِبَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ لِرَأْسِهِ دُونَ يَدِهِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ تَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ عَنْ يَدِهِ إذَا أَخْرَجَهَا وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا: فَإِنْ قَلَبَ الْمَاءَ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ: قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةِ غَسْلَ الْيَدِ وَإِنَّمَا يَجْعَلُهَا آلَةً فَتَصِيرُ كَقَصْدِ الِاغْتِرَافِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ بَعْدَ هَذَا قَالَ وَالْمُحْدِثُ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ كَالْجُنُبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّامِنَةُ) قَدْ سبق أن الماء مادام مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ فَإِذَا نَزَلَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ وَاغْتَسَلَ فِيهِ نُظِرَ: إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ أَوْ اغْتَسَلَ وَهُوَ قُلَّتَانِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي قُلَّتَيْنِ جَمَاعَاتٌ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُمْ وَلَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَاتِ إذَا اغْتَسَلُوا فِي الْقُلَّتَيْنِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لان في كتاب الانتصار أبي سَعْدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ جَمَاعَةٌ فِي مَاءٍ لَوْ فُرِّقَ عَلَى قَدْرِ كفايتهم استو عبوه أَوْ ظَهَرَ تَغَيُّرُهُ لَوْ خَالَفَهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا في أصح الوجهين وهذا الذى ذكره شَاذٌّ مُنْكَرٌ مَرْدُودٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعَرَّجُ (1) عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَنَحْوُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِي قُلَّتَيْنِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ بِنِيَّةِ غَسْلِ الْجَنَابَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ وَلَا يصير مستعملا والثاني ترتفع ويصير مستعملا

_ (1) أقول هذه مبالغة منه رحمه الله وابن عصرون لم ينفرد بهذا وانما اخذه من كلام شيخه ابي علي الفارقي ذكره في فوائد المهذب وهو امام ثبت وقد جزم أبو علي القارقي بما جعله أبو سعد اصح الوجهين والتضعيف يحصل بدون هذا اه اذرعي

وَهَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الشَّامِلِ (1) هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ هَلْ يَعُودُ طَهُورًا فِيهِ الْوَجْهَانِ لَكِنَّ فِي عِبَارَتِهِ بَعْضَ الْخَفَاءِ فَأَوْقَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ الْوَهْمَ الْبَاطِلَ وَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ لَبْسٌ واشكال كبير بحيث يلتبس هذا الا لتباس: فَحَصَلَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَا دَامَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ: أَمَّا إذَا نَزَلَ فِي دُونِ قُلَّتَيْنِ فَيُنْظَرُ: إنْ نَزَلَ بِلَا نِيَّةٍ فَلَمَّا صَارَ تَحْتَ الْمَاءِ نَوَى الْغُسْلَ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ مِنْهُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ: لِأَنَّ الْجَنَابَةَ ارْتَفَعَتْ وَإِنَّمَا قَالُوا لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ الْمَاءُ عَلَى الْعُضْوِ لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ بَاقِيهِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا فَإِنَّ الْجَنَابَةَ ارْتَفَعَتْ بِلَا خِلَافٍ: وَهَذَا الْإِشْكَالُ ذكره الرافعى وغيره وهو ظاهر (2) : وأما بالنسسبة إلَى غَيْرِ هَذَا الْمُغْتَسِلِ فَيَصِيرُ فِي الْحَالِ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ حَتَّى يَنْفَصِلَ كَمَا فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمُنْغَمِسُ فِيهِ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ كَالْجُنُبِ وَأَمَّا إذَا نَزَلَ الْجُنُبُ نَاوِيًا فَقَدْ صَارَ الْمَاءُ بِنَفْسِ الْمُلَاقَاةِ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهُ الْبَغَوِيِّ وَارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ الْقَدْرِ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ مِنْ بَدَنِهِ أَوَّلَ نُزُولِهِ وَكَذَا لَوْ نَزَلَ إلَى وَسَطِهِ مَثَلًا بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى ارْتَفَعَتْ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ بَدَنِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ الْبَاقِي مِنْ بَدَنِهِ في الصورتين إذا تم الِانْغِمَاسَ: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا: وَقَدْ صَارَ مُسْتَعْمَلًا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيُّ (بِكَسْرِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ) مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمُتَقَدَّمِيهِمْ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَرْتَفِعُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ وَلِأَنَّهُ لَوْ رُدِّدَ الْمَاءُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَنْفَصِلَ وَهَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ وَافَقَ عَلَيْهِمَا الْخُضَرِيُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُ الْخُضَرِيِّ غَلَطٌ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالْعُدَّةِ أَنَّ الْخُضَرِيَّ رَجَعَ عَنْهُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا تم غَسْلَ الْبَاقِي بِالِانْغِمَاسِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا: أَمَّا لو اغترف الماء بإناء أو يده

_ (1) عبارة الشامل (فصل) فان جمع الماء المستعمل فبلغ قلتين كان طاهرا مطهرا نص عليه في الام: فقال ولو اغتسل الجنب في قلتين فالماء طهور: ومن اصحابنا من قال لا يجوز التوضوء به لان الاستعمال حاصل في جميعه فالاستعمال مانع من طريق الحكم فلا تؤثر فيه الكثرة اه لفظه وكأن صاحب البيان توهم ان قوله ومن اصحابنا من قال الخ اورده في مقابلة النص وليس كذلك وانما اورده في مقابلة قوله في اول الفصل فان جمع المستعمل الخ لكن في قول ابن الصباغ ان مسألة الجمع مسألة النص نظر وكأن اراد انها في معناها لا أنها هي بعينها والله اعلم اه من هامش نسخة الاذرعي (2) قد اجيب عن هذا الاشكال بان صورة الاستعمال اعطيت حكم الاستعمال كالغسلة الثانية والتسليمة الثانية أعطيتا حكم الاولى في الطهورية والطهارة اه من هامش نسخة الاذرعي

وَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي اغْتَرَفَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ: وَلَوْ نَزَلَ جُنُبَانِ فِي دُونِ قُلَّتَيْنِ نُظِرَ: إنْ نَزَلَا بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ لَمَّا صَارَا تَحْتَ الْمَاءِ نَوَيَا مَعًا ان تصور ذلك ارتفعت جنابتهما وصار مستعلا فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَةُ السَّابِقِ بِالنِّيَّةِ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ وَجْهُ الْبَغَوِيِّ: وَإِنْ نَزَلَا مَعَ النِّيَّةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ارْتَفَعَتْ جَنَابَةُ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَالِ: فَلَا تَرْتَفِعُ عَنْ بَاقِيهِمَا لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ بَدَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ وَجْهُ الْبَغَوِيِّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمْتُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا كُلَّهُ مع أن الذى لا في البدن شئ يَسِيرٌ وَقَدْ يُفْرَضُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُخَالِفًا لَوْنَ بَاقِي الْمَاءِ لَمَا غَيَّرَهُ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ فِيهِ فَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ جَمِيعُ الْمَاءِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الِاسْتِعْمَالُ بِمُلَاقِي الْبَشَرَةِ لَا اسْمًا وَلَا إطْلَاقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ تَحْتَ الْمُسْلِمِ كِتَابِيَّةٌ فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا لَزِمَهَا الْغُسْلُ وَإِذَا اغْتَسَلَتْ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْحَيْضِ صح غسلها وحل للزوج الوطئ وَهَلْ يَلْزَمُهَا إعَادَةُ هَذَا الْغُسْلِ إذَا أَسْلَمَتْ وَجْهَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي باب نية الوضؤ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ فَقَدْ أَدَّتْ بِهِ عِبَادَةً وَارْتَفَعَ حَدَثُهَا فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا: وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ فَفِي صَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَصِيرُ: وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي أَنَّ الْمُقْتَضَى لِكَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا هَلْ هُوَ تَأَدِّي الْعِبَادَةِ بِهِ أَمْ أَدَاءُ الْفَرْضِ وَانْتِقَالُ الْمَنْعِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا مُسْتَعْمَلًا: وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي جَعَلَهُ: هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: وَأَمَّا الْفُورَانِيُّ وَتَابَعَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ فَقَالُوا هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ

صَارَ. وَإِلَّا فَلَا: وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ: (1) (الْعَاشِرَةُ) إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْمُغْتَسَلِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَغَسَلَهُ مَرَّةً بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ مَعًا طَهُرَ عَنْ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ يَطْهُرُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ الْجَارِيَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ فِي مَشَارِعِ الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ لَهُ الْمَاءُ فِي رَكْوَةٍ وَنَحْوِهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فِي نَهْرٍ أَوْ شَرَعَ فِي مَاءٍ جَارٍ: وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ مَاءٌ طَهُورٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ فلم يكره: وأما قوله يَتَوَضَّأْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْرٍ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ نَهْرٌ وَلَوْ كَانَ لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ النهى والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * بَابُ (الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالتَّحَرِّي فِيهِ) (إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْمَاءِ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَإِنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ تَوَضَّأَ به لان الاصل طهارته) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جُعِلَ الْمَاءُ

_ (1) في اشتراط النية لازالة النجاسة وجه ضعيف فيرد على قوله بلا خلاف إذا اقتصر على رفع حدث ووجه ثالث فارق بين البدن والثوب حكاه ابن الصلاح في فوائده اه

ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ثَالِثُهَا أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ طَهَارَةً وَلَا نَجَاسَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَاءَ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ كَالْأُولَى وَدَاخِلَةٌ فِيهَا: فَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ تَقْسِيمُ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الْمُتَوَضِّئِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ الْمَاءِ وَلِهَذَا الْمُتَوَضِّئِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَهِدَ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرًا وَتَيَقَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ اغْتَرَفَهُ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ لَا تَغَيُّرَ فِيهِ ثُمَّ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ: الثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَهِدَهُ نَجِسًا وَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ بِأَنْ كَانَ دون قلتين ولا قته نَجَاسَةٌ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَشَكَّ هَلْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَيَطْهُرُ أَمْ لَا فَيَبْقَى نَجِسًا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ نَجِسًا فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ: الثَّالِثُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ بِهِ عَهْدٌ وَشَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ طَهَارَتُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ: وَفِي الثَّالِثَةِ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يَقُلْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْهُ طَاهِرًا لِكَوْنِ أَصْلِ الْمَاءِ الطَّهَارَةَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَعْنِي بَابَ الْعَمَلِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِ الشَّكِّ فِي الْمِيَاهِ وَالْأَحْدَاثِ وَالثِّيَابِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شكا إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ فَرْعٌ حَسَنٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ: وَقَوْلُهُ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالتَّحَرِّي اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِالشَّكِّ فِي الْمَاءِ وَالْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وغيرها هو التردد بين وجود الشئ وعدمه سواء كان الطرفان في الترد سَوَاءً أَوْ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا فَهَذَا مَعْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأُصُولِ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا

التَّرَدُّدُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إنْ كَانَ عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ الشَّكُّ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ ظَنٌّ وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ: وَأَمَّا التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ طَلَبُ الصَّوَابِ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ المقصود والتحرى والاجتهاد والتأخى بمعنى قال الا زهرى تحريت الشئ وتأخيته إذا قصدته والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان وجده متغيرا ولم يعلم بأى شئ تَغَيَّرَ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَغَيَّرَ بِطُولِ الْمُكْثِ وَإِنْ رَأَى حَيَوَانًا يَبُولُ فِي مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ تَغَيُّرُهُ بِالْبَوْلِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ لِأَنَّ الظاهر أن تغيره من البول) * (الشَّرْحُ) : الْمُكْثُ اللُّبْثُ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مكث) فأما المسألة الاولى وهى إذا رآه متغير أو لم يعلم بأى شئ تَغَيَّرَ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْقَاعِدَةِ * وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَصُورَتُهَا أَنْ يَرَى حيوانا يبول في مإ هُوَ قُلَّتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَا تَعْظُمُ كَثْرَتُهُ عِظَمًا لَا يُغَيِّرُهُ ذَلِكَ الْبَوْلُ وَيَكُونُ الْبَوْلُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمَاءُ التَّغَيُّرَ بِذَلِكَ الْبَوْلِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ تَغَيُّرُهُ بِالْبَوْلِ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِالنَّجَاسَةِ هُنَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مع أن الاصل الطهارة وَلَمْ يَجِئْ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَشْكُوكِ فِي نَبْشِهَا وَشَبَهِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَوْلُ فَتَرَجَّحَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ وَعُمِلَ بِالظَّاهِرِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِوُلُوغِ كَلْبٍ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ الظَّاهِرُ وَهُوَ قَوْلُ الْعَدْلِ وَيُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيُتْرَكُ الْأَصْلُ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلٍ وظاهر مستنده عام غير معين كغلبة الشئ نَحْوَ الْمَقْبَرَةِ وَنَظَائِرِهَا وَسَنُوَضِّحُ هَذَا الْأَصْلَ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ الْبَوْلِ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ هَكَذَا اطلق

الْمَسْأَلَةَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَكَذَا أَطْلَقَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ فَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ قَبْلَ الْبَوْلِ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ ثُمَّ رَآهُ عَقِبَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ رَآهُ وَطَالَ عَهْدُهُ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ * وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ أَصْحَابُنَا صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ رَأَى الْحَيَوَانَ يَبُولُ فِي الْغَدِيرِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى شَطِّ الْغَدِيرِ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَأَمَّا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ فَوَجَدَهُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يَسْتَعْمِلُهُ * وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَأَى نَجَاسَةً حَلَّتْ في ماء فلم تغيره فَمَضَى عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا لَمْ يَتَطَهَّرْ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ رَأَى هِرَّةً أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَرَدَتْ علي ماء قليل فشربت منه ففيه ثلاثة أوجه أحدها تنجسه لانا تيقنا نجاسة فمها: والثاني ان غابت ثم رجعت لم ينجس لانه يجوز أن تكون وردت على ماء فطهرها فلا تنجس مَا تَيَقَّنَّا طَهَارَتَهُ بِالشَّكِّ: وَالثَّالِثُ لَا يَنْجُسُ بحال (1) لانه لا يمكن الاحتراز منها فعفى عنه وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مِنْ الطوافين عليكم أو الطوافات) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَدَلَائِلُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصَحُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُور الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا إنْ غَابَتْ وَأَمْكَنَ وُرُودُهَا عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ إذَا وَلَغَتْ فِيهِ طَهُرَ فَمُهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَوَلَغَتْ لَمْ يَنْجُسْ مَا وَلَغَتْ فِيهِ وَإِنْ وَلَغَتْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ أَوْ بَعْدَ أَنْ غَابَتْ وَلَمْ يُمْكِنْ وُرُودُهَا عَلَى الْمَاءِ الْمَوْصُوفِ نَجَّسَتْهُ: وَدَلِيلُ هَذَا الصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا غَابَتْ ثُمَّ وَلَغَتْ فَقَدْ تَيَقَّنَّا طَهَارَةَ الْمَاءِ وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةِ فَمِهَا فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ الْمُتَيَقَّنُ بِالشَّكِّ وَإِذَا لَمْ تَغِبْ وَوَلَغَتْ فَهِيَ نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْهِرَّةَ كَانَتْ نَجِسَةَ الْفَمِ وَمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْقَائِلُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا مِنْ عُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا لَا يَسْلَمُ فَإِنَّ الْعُسْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْ مُطْلَقِ الْوُلُوغِ لَا مِنْ وُلُوغٍ بَعْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ (2) وَحُكِيَ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُهُ (3) بِحَالٍ وَهَذَا هُوَ الاحسن

_ (1) قال الفاروقي وهو الصحيح فقيل قد تيقنت النجاسة قال بلى ولكن الشرع أسقط اعتبارها كالقول في النجاسة التي لا يدركها الطرف وغبار السرجين ودم البراغيث اه وهذا هو الحق والتفصيل ضعيف مخالف للضرورة فما نقطع بان الهرة لا يطهر فمها بالولوغ (2) هذا لا يسلم لانه يقال ايضا تيقنا نجاسة فمها قطعا وشككنا في طهارته والاصل عدمها (3) قوله وقال ابن كج ان غابت واحتمل ولوغا في ماء آخر لم ينجسه وان لم تغب فوجهان احدهما تنجسه لتحقق النجاسة والثاني هو طاهر لان الريق يطهره ومثل ذلك قد عفا عنه

عِنْدَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعُمُومُ الحاجة وعسر الاحتراز وقدا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج وَفِي تَنْجِيسِ هَذَا حَرَجٌ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَيْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ كَثِيرٌ يُطَهِّرُ فَمَهَا وَلَمْ يعلل صلى الله عليه وسلم بوردها الماء بل بعسر لاحتراز: وَخَالَفَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْأَصْحَابَ فَقَالَ إنْ وَلَغَتْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ غَابَتْ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ تُنَجِّسُهُ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ غَيْبَتِهَا وَعَدَمِهَا وَكَذَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ تَصْحِيحَهُ: ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَةَ فَمِهَا بِأَكْلِ نَجَاسَةٍ أَوْ وُلُوغِهَا فِي مَاءٍ نَجِسٍ أَوْ نَجَاسَةِ فَمِهَا بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ وُلُوغِهَا فِي مَاءٍ نَاقِصٍ عَنْ قُلَّتَيْنِ أَوْ مَائِعٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ عُمْدَةُ مَذْهَبِنَا فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ: وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا فَأَنَا أنقله بلفظه وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَتَادَةَ قَالَتْ دَخَلَ أَبُو قَتَادَةَ فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابنت أَخِي قُلْت نَعَمْ فَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطوافات هذا لفظ رواية ملك وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مِثْلُهَا بِحُرُوفِهَا إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَوْ الطَّوَّافَاتِ بِأَوْ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ بِالْوَاوِ وَبِحَذْفِ عَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَأَبِي دَاوُد عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالطَّوَّافَاتِ وَفِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ أَوْ الطَّوَّافَاتِ بِأَوْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبٍ وَكَانَتْ تَحْتَ بَعْضِ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ وفيها والطوافات بالواو: ورواه الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِالْإِسْنَادِ وَقَالَ في كبشة

وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَوْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الشَّكُّ مِنْ الرَّبِيعِ وَقَالَ فِيهِ أَوْ الطَّوَّافَاتِ بِأَوْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الرَّبِيعُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَلَمْ يَشُكَّ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ شئ فِي الْبَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ: وَأَمَّا لَفْظَةُ أَوْ الطَّوَّافَاتِ فَرُوِيَتْ بِأَوْ وَبِالْوَاوِ كَمَا ذَكَرْنَاهَا قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ يحتمل أَوْ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْسِيمِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِلنَّوْعَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَاتِ الْوَاوِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّوَّافُونَ الْخَدَمُ وَالْمَمَالِيكُ وَقِيلَ هُمْ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِرِفْقٍ وَعِنَايَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّوَّافِينَ مِنْ الْخَدَمِ وَالصِّغَارِ الَّذِينَ سَقَطَ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَكَثْرَةِ مُدَاخَلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ فَكَذَا يُعْفَى عَنْ الْهِرَّةِ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى أَبُو بكر بن العربي في كتابه الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِخَدَمِ الْبَيْتِ وَمَنْ يَطُوفُ عَلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ: وَالثَّانِي شَبَّهَهَا بِمَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَمَعْنَاهُ الْأَجْرُ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي قَدْ يَأْبَاهُ سِيَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ وَاَللَّهُ أعلم * (فرع) ثؤر الْحَيَوَانِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ شُرْبِهِ أَوْ أَكْلِهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِمْ ثؤر الْحَيَوَانِ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ لُعَابُهُ وَرُطُوبَةُ فَمِهِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَكَذَا سُؤْرُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ والحمير والسباع والفار وَالْحَيَّاتِ وَسَامٍّ أَبْرَصَ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ المأكون فَسُؤْرُ الْجَمِيعِ وَعِرْقُهُ طَاهِرٌ

غَيْرُ مَكْرُوهٍ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا: وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي مِثْلَ مَذْهَبِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وابن أبي ليلى سؤر الهر وَكَذَا كَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ مَرَّةً: وعن طاووس قَالَ يُغْسَلُ سَبْعًا وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يُكْرَهُ كَقَوْلِنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَيَوَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَأْكُولٌ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ: وَالثَّانِي سِبَاعُ الدَّوَابِّ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ فَهِيَ نَجِسَةٌ: وَالثَّالِثُ سِبَاعُ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ فَهِيَ طَاهِرَةُ السُّؤْرِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَذَا الْهِرُّ: الرَّابِعُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ مَشْكُوكٌ فِي سُؤْرِهِمَا لَا يُقْطَعُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا بِنَجَاسَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ به واختلف قوله في سؤر الفرس والبرزون: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الطَّهَارَةَ بِسُؤْرِ السِّبَاعِ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ قالوا فهذا يدل على أن لو رود السِّبَاعِ تَأْثِيرًا فِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَبَنُهُ نَجِسٌ فَكَذَا سُؤْرُهُ كَالْكَلْبِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْهِرَّةِ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِبْرَاهِيمَيْنِ ضَعِيفَانِ جِدًّا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لِكَوْنِهِ مَشْهُورًا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَرُبَّمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ فَنَبَّهْت عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعْتَمَدِينَ عَلَيْهِ بل تقوية واعتضادا واعتمدو حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْإِبْرَاهِيمَيْنِ إذَا ضُمَّتْ أَسَانِيدُهُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ أَخَذَتْ قُوَّةً: وَمِمَّا احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ فِي ركب فيه عمرو

ابن العاصي حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاصى يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْهُ فَإِنَّمَا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا * وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَمْرٌو وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا الْأَثَرُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ يَحْيَى وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بَلْ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عُمَرَ بَاطِلٌ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ مَعِينٍ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمُرْسَلَ لَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ وَالْمُرْسَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اُعْتُضِدَ اُحْتُجَّ بِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا فَيُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا كَالشَّاةِ * فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ * فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ فَلَا يُخَصُّ إلَّا بِدَلِيلٍ * فَإِنْ قَالُوا هَذَا الْخَبَرُ وَرَدَ قَبْلَ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ * فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَجَابَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ * أَحَدُهَا هَذَا غَلَطٌ فَلَمْ تَكُنْ السِّبَاعُ فِي وَقْتٍ حَلَالًا وَقَائِلُ هَذَا يَدَّعِي نَسْخًا والاصل عدمه: (الثاني) هذا فاسد إذ لا يسئلون عن سؤره وهو مأ كول اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا: (الثَّالِثُ) لَوْ صَحَّ هَذَا وَكَانَ لَحْمُهَا حَلَالًا ثُمَّ حُرِّمَ بَقِيَ السُّؤْرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الطَّهَارَةِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلُ تَنْجِيسِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْخَبَرِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ: الثَّانِي أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ الْمَاءِ الَّذِي تَرِدُهُ الدَّوَابُّ وَالسِّبَاعُ فَتَشْرَبُ مِنْهُ وَتَبُولُ فِيهِ غَالِبًا: الثَّالِثُ أَنَّ الْكِلَابَ كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَرِدُ فَالتَّنْجِيسُ بِسَبَبِهَا: وَيَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْكِلَابِ فِي ذَلِكَ أوجه: احدهما أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ الثَّانِي أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ الثَّالِثُ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الدَّوَابِّ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْكَلْبِ فَهُوَ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْكَلْبَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَغْلِيظِ نَجَاسَتِهِ وَغَسْلِهَا سَبْعًا لِلتَّنْفِيرِ مِنْهُ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ: هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِسُؤْرِ السِّبَاعِ

جُمْلَةً: وَأَمَّا الْهِرَّةُ فَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكَرَاهَةِ سُؤْرِهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَمِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً وَلِأَنَّهَا لَا تَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ فَكُرِهَ سُؤْرُهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَاضِحًا: وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ كَالشَّاةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ وَنَقَلُوا دَلَائِلَهُ وَكَلَامَ الْحُفَّاظِ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ الْهِرَّةِ كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ * وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْهِرَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ فَنَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا وَنَكْتَفِي بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكُونُ فِي أَحَدٍ قَالَ خِلَافَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الثِّقَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَيَّزَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا تَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ فَمُنْتَقَضٌ بِالْيَهُودِيِّ وَشَارِبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُمَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ بِنَجَاسَتِهِ لم يقبل حتى يبين بأي شئ نَجِسَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَأَى سَبْعًا وَلَغَ فِيهِ فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ نَجِسَ بِذَلِكَ فَإِنْ بَيَّنَ النَّجَاسَةَ قَبِلَ مِنْهُ كَمَا يَقْبَلُ مِمَّنْ يُخْبِرُهُ بِالْقِبْلَةِ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِأَنَّ أَخْبَارَهُمْ مَقْبُولَةٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَعْمَى لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِالْحِسِّ والخبر ولا يقبل فيه قول صبى وفاسق وكافر لان

أخبارهم لا تقبل) * (الشَّرْحُ) إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ النَّجَاسَةِ وَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ حُكِمَ بنجاسة بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ خَبَرَهُ مَقْبُولٌ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ: وَيُقْبَلُ فِي هَذَا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ وَلَا يُقْبَلُ فَاسِقٌ وَكَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا مَجْنُونٌ وَصَبِيٌّ لَا يُمَيِّزُ وَفِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يُقْبَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ونقله البند نيجي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَالثَّانِي يُقْبَلُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ الْأَصَحُّ وَطَرَدُوا الْوَجْهَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ فِي الصِّبَا وَهُوَ مُمَيِّزٌ ثُمَّ بَلَغَ وَرَوَاهُ وَأَخْبَرَ بِهِ فَيُقْبَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ حيث كره الْمُصَنِّفُ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا إذَا بَيَّنَ سَبَبَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يُقْبَلْ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الكبير ثم ان الجمهور أطقوا الْمَسْأَلَةَ كَمَا أَطْلَقَهَا الْمُصَنِّفُ مِمَّنْ أَطْلَقَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمُخْبِرِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ سُؤْرَ السِّبَاعِ طَاهِرٌ وَأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَنْجُسُ قَبِلَ قَوْلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هَكَذَا نَقَلَ هَؤُلَاءِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَطَعَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُصَنِّفِينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ والبغوى والروياني وغيرهم ونقله صاحب العدية عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشافعي ولم أر لا حد من اصحابنا تصريحا بمخالفته فهو إذا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ فَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ كِبَارُ أَصْحَابِنَا (فَرْعٌ) لَوْ أَخْبَرَهُ بِنَجَاسَتِهِ عَدْلَانِ فَهُمَا كَالْعَدْلِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخْبَرَهُ مَقْبُولُ الْخَبَرِ بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَلَا

يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي إذَا وُجِدَ النَّصُّ وَكَمَا لَا يَجْتَهِدُ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ بِالْقِبْلَةِ وَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ بَيَّنَ النَّجَاسَةَ قَبِلَ مِنْهُ: أَيْ لَزِمَهُ قَبُولُهُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ كَمَا يَقْبَلُ قَوْلَ الصَّبِيِّ فِيهِمَا وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ذَكَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا هُنَاكَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيَّ يَقُولُ يُقْبَلُ قول الكافر في ذلك قلت ودليل هذا الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ هَدَايَا الْكُفَّارِ (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْمَى لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْعِلْمِ بِالْحِسِّ وَالْخَبَرِ: الْحِسُّ بِالْحَاءِ يَعْنِي يُدْرِكُهُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ السَّمَاعُ مِنْ ثِقَةٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ واعلم أن اصحابنا وغير هم مِنْ الْفُقَهَاءِ يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الِاعْتِقَادَ الْقَوِيَّ سَوَاءٌ كَانَ عِلْمًا حَقِيقِيًّا أَوْ ظَنًّا وَهَذَا نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ في استعمالهم لفظ الشك والله أعلم قال المصنف رحمه الله * (وان كان معه اناآن فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّ الْكَلْبَ وَلَغَ فِي أَحَدِهِمَا قَبِلَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَجْتَهِدْ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الْقِبْلَةِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ وَلَغَ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ وَقَالَ آخَرُ بَلْ وَلَغَ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا بِأَنْ يَكُونَ وَلَغَ فِيهِمَا فِي وَقْتَيْنِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا وَلَغَ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ وَلَغَ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ فَهُمَا كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمَا تَسْقُطَانِ سَقَطَ خَبَرُهُمَا وَجَازَتْ الطَّهَارَةُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَجَاسَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَسْقُطَانِ أَرَاقَهُمَا أَوْ صَبَّ أَحَدَهُمَا في الآخر ثم تيمم) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا أَخْبَرَهُ ثقة بولوغ الكلب في أحد الا نائين بعينه فصورتها أن يكون له اناآن يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلْبَ وَلَغَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهُ كَذَا صَوَّرَهَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَكَذَا صَوَّرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَطَهَارَةِ الْآخَرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ

وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي ذَا وَثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي ذَاكَ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِمَا بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ من احتمال الولوغ وَقْتَيْنِ وَمَتَى أَمْكَنَ صِدْقُ الْمُخْبِرَيْنِ الثِّقَتَيْنِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمَا: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِوُلُوغِهِ فِي ذَا دُونَ ذَاكَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا فَقَالَ الْآخَرُ بَلْ وَلَغَ فِي ذَاكَ دُونَ ذَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهَا فَقَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا وَيَسْتَعْمِلُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الْمُخْبِرَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ قَوْلِهِمَا وَقَطَعَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا أَصَحُّهُمَا تَسْقُطَانِ وَالثَّانِي يُسْتَعْمَلَانِ وَفِي الاستعمال ثلاثة أقوال أحدها بالقرعة والثانى يالقسمة وَالثَّالِث يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَ الْمُتَنَازِعَانِ قَالُوا إنْ قلنا يسقطان سقط خبر الثقبتين وبقى الماء على أصل الطهارة فيتوصأ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِمَا جَمِيعًا قَالُوا لِأَنَّ تَكَاذُبَهُمَا وَهَّنَ خَبَرَهُمَا وَلَا يُمْكِنُ العمل بقولهما للتعارض فسقط: قالو أو ان قُلْنَا تُسْتَعْمَلَانِ لَمْ يَجِئْ قَوْلُ الْقِسْمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَامْتِنَاعُهُ وَاضِحٌ وَأَمَّا الْقُرْعَةُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بأنها لا تجئ أَيْضًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُذْهَبِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقْرِعُ وَيَتَوَضَّأُ بِمَا اقْتَضَتْ الْقُرْعَةُ طَهَارَتَهُ وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ وَيُمْكِنُ الْإِقْرَاعُ وَهُوَ شَاذٌّ ضعيف وأما الوقت فقد جزم المصنف بأنه لا يجئ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ يُرِيقُهُمَا وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا صَاحِبُهُ الشَّاشِيُّ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وهو شاذ والصحيح الذى عليه الجمهور مجيئ الْوَقْفِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كتابيه المجموع والتجريد والبند نيجى وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ: وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب وصاحب الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ مَحْكُومٌ بطهارته ووجه جريان الوقف أن لَيْسَ هُنَا مَا يَمْنَعُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ وَالْقُرْعَةِ ووجه قول المصنف لا يجيئ الوقف القياس علي من اشتبه عليه اناآن وَاجْتَهَدَ وَتَحَيَّرَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُرِيقُهُمَا وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ بِلَا إعَادَةٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي الْإِرَاقَةِ وَلَمْ يقولوا بالوقف فكذا هنا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ

عَلَى جَمِيعِ أَقْوَالِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُخْبِرَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَقْبُولٌ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى نَجَاسَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَيُمَيَّزُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّمْيِيزِ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى انْفَرَدَ بِهَا فَقَالَ إذَا تَعَارَضَ خبراهما وكان أحد المخبرين أو ثق وَأَصْدَقَ عِنْدَهُ اعْتَمَدَهُ كَمَا إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ واحد الراويتين أَوْثَقُ قَالَ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَلَا تَعَلُّقَ بِخَبَرِهِمَا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ رُجِّحَ وَعُمِلَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الصحيح بل الصواب ولحالف فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْمُخْبِرُونَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ وَهَذَا الَّذِي قاله ليس بشئ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي لَهَا نِصَابٌ لَا تَأْثِيرَ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَتَرَجَّحُ فِيهَا بِالْعَدَدِ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي النَّجَاسَةِ قَوْلُ الثِّقَةِ الْوَاحِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ: وَحَاصِلُهُ أَوْجُهٌ أَرْجَحُهَا عِنْدَ الاكثرين أنه يحكم بطهارة الانائين فَيَتَوَضَّأُ بِهِمَا: وَالثَّانِي يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَيَجِبُ الِاجْتِهَادُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالثَّالِثُ يُقْرِعُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَالرَّابِعُ يُوقَفُ حَتَّى يبين وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَيُعِيدُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ إذَا اسْتَوَى المخبران في الثقة فان رجح أحدهما اوزاد الْعَدَدُ عُمِلَ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا تُسْتَعْمَلَانِ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَذَا كُلُّ مُؤَنَّثَتَيْنِ غائبتين فبالمثنات فوق سواء ماله فرج حقبقى وغيره قال الله تعالى (إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا) (ووجد من دونهم امرأتين تزودان) (ان الله يمسك السموات والارض أن تزولا) (فيهما عينان تجريان) وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ بِهَذَا لِكَثْرَةِ مَا يُلْحَنُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ ثِقَةٌ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا

الْإِنَاءِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَقَالَ آخَرُ كَانَ هَذَا الْكَلْبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي مَكَان آخَرَ فَوَجْهَانِ مَحْكِيَّانِ فِي الْمُسْتَظْهِرِيُّ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ لِلتَّعَارُضِ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي نَجِسٌ لِأَنَّ الْكِلَابَ تَشْتَبِهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَهَذَا الوجه ليس بشئ (فَرْعٌ) أَدْخَلَ كَلْبٌ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَلَغَ فِيهِ: قَالَ صَاحِبُ لحاوي وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ فَمُهُ يَابِسًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ: وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي وُلُوغِهِ فَصَارَ كَالْحَيَوَانِ إذَا بَالَ فِي مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ يَقِينٌ وَالنَّجَاسَةَ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنُ الرُّطُوبَةِ مِنْ لُعَابِهِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّ هُنَاكَ تَيَقَّنَّا حُصُولَ النَّجَاسَةِ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي تَغَيُّرِ الماء بخلاف هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وإن اشتبه عليه ما أن طَاهِرٌ وَنَجِسٌ تَحَرَّى فِيهِمَا فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَجَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ عند الاشتباه كالقبلة) * (الشرح) إذا اشتبه ما أن طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا إذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ بِعَلَامَةٍ تَظْهَرُ فَإِنْ ظَنَّهُ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ تَظْهَرُ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ: وَالثَّانِي تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ إذَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَةٌ بَلْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ طَهَارَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ لَمْ تَجُزْ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَلَا ظَنٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَيْضًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ ضَعِيفَانِ

وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ وَاشْتِرَاطُ ظُهُورِ عَلَامَةٍ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا كَانَ عَدَدُ الطَّاهِرِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءٌ طَاهِرٌ بِمِائَةِ إنَاءٍ نَجِسَةٍ تَحَرَّى فيها وكذلك الاطعمة والثياب هذا مذهبنا ومثله قال بعض اصحاب مالك. كذا قال بمثله أبو حنيفة في القبلة والطعمة وَالثِّيَابِ وَأَمَّا الْمَاءُ فَقَالَ لَا يَتَحَرَّى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الطَّاهِرِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ النَّجِسِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْمِيَاهِ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَتَيَمَّمُ حَتَّى يُرِيقَ الْمَاءَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ لَمْ يُرِقْهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْن الْمَاجِشُونِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَصْحَابِ مالك يتوضأ بكل واحد ويصلى بعد الوضؤين ولا يعيد الصلاة وقال محمد بن مسلمة مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِالْآخَرِ ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ الاجتهاد في الثياب قال الماجشون ومحمد بن مسلمة يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ: اُحْتُجَّ لِأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيُّ بِأَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّجِسِ وَلِأَنَّهُ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ فَلَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مَاءٌ وَبَوْلٌ وَأَمَّا الْمَاجِشُونُ وابن مسلمة فَقَالَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ بِاسْتِعْمَالِهِمَا فَلَزِمَهُ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقِبْلَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ وَفِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ فِي الْخَطَأِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْمَاءِ وَالْبَوْلِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَرُدُّ الْمَاءَ إلَى أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَالثَّانِي أَنَّ الِاشْتِبَاهَ في المياه يَكْثُرُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاجْتِهَادِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالْبَوْلِ وَالثَّالِثُ أَنَّ إلْحَاقَ الْمِيَاهِ بِالْقِبْلَةِ اولى وأما قول الْمَاجِشُونِ فَضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ وَبِالْوُضُوءِ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاحْتُجَّ لَهُ فِي اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ عَدَدِ الطَّاهِرِ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دع

مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالُوا فَكَثْرَةُ النَّجَسِ تُرِيبُ فَوَجَبَ تركه والعدول إلى ملاريب فيه وهر التَّيَمُّمُ قَالُوا وَلِأَنَّ الْأُصُولَ مُقَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّ كثرة الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ حُكْمِهِ فِي الْمَنْعِ كَأُخْتٍ أَوْ زَوْجَةٍ اخْتَلَطَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَلِأَنَّهُ اسْتَوَى الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ وَالْبَوْلَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهَذَا وَاجِدٌ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَقِيَاسًا عَلَى الثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا بِاتِّفَاقِنَا مَعَ زِيَادَةِ عَدَدِ الْخَطَأِ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ فِي الثِّيَابِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ حُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ النَّجَاسَةِ الْيَسِيرَةِ فِيهَا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَاءَ يُخَالِفُ الثِّيَابَ فِي هَذَا بَلْ يُعْفَى عَنْ النَّجَاسَةِ فِيهِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَكَذَا فِي دُونِ الْقُلَّتَيْنِ إذَا كَانَتْ نَجَاسَةً لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ أَوْ مَيْتَةً لَا نَفْسَ لها سائلة علي الا صح فِيهِمَا الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ فَرْقًا بَيْنَهُمَا إذَا زَادَ عَدَدُ الطَّاهِرِ لَمْ يُوجِبْهُ إذَا اسْتَوَيَا فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ فِي الثِّيَابِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُهَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْمَاءِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ تُبَاحُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ بَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ: الثَّانِي لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ بِحَالِ الضَّرُورَةِ بَلْ بِحَالِ الِاخْتِيَارِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الرِّيبَةَ زَالَتْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِطَهَارَتِهِ وَبَقِيَتْ الرِّيبَةُ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمَاءِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُشْتَبِهَةِ بِأُخْتِهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأُخْتَ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ لَا يَجْرِي فِيهِنَّ التَّحَرِّي بِحَالٍ بَلْ إنْ اختلطت الاخت

بِمَحْصُورَاتٍ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِ مَحْصُورَاتٍ نَكَحَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُنَّ بِلَا تَحَرٍّ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِيهِنَّ التَّحَرِّي بِحَالٍ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَرَيَانِهِ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ إلْحَاقُ احدهما بالآخر الثاني أن لاشتباه فِي النِّسَاءِ نَادِرٌ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّحَرِّي فِيهِ دُونَهُنَّ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى اخلاط زَوْجَتِهِ بِأَجْنَبِيَّاتٍ فَجَوَابُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نُدْرَةُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَاءِ الثَّانِي أَنَّ التَّحَرِّي يرد الشئ إلَى أَصْلِهِ فَالْمَاءُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الطهارة فاثر فيه الاجتهاد وأما الوطئ فَالْأَصْلُ تَحْرِيمُهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ لَوْ زَادَ عَدَدُ الْمُبَاحِ لَمْ يَتَحَرَّ بِخِلَافِ الْمَاءِ الرَّابِعُ إذَا تَرَدَّدَ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ أُلْحِقَ بِأَشْبَهِهِمَا بِهِ وَشَبَهُ الْمِيَاهِ بِالثِّيَابِ وَالْقِبْلَةِ أَكْثَرُ فَأُلْحِقَ بِهَا دُونَ الزَّوْجَةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَالْبَوْلِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا التَّحَرِّي يَرُدُّ الْمَاءَ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْبَوْلِ الثَّانِي الِاشْتِبَاهُ فِي الْمِيَاهِ يَكْثُرُ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالْبَوْلِ الثَّالِثُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّحَرِّي فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ لِعَدَمِ زِيَادَةِ الطَّاهِرِ بَلْ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَيْسَ مِمَّا يُجْتَهَدُ فِيهِ بِحَالٍ وَلِهَذَا لَوْ زَادَ عَدَدُهُ لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَجَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْقِبْلَةِ الضَّمِيرُ (1) فِي لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْوُضُوءِ أَوْ التَّطْهِيرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَقَوْلُهُ سَبَبٌ أَرَادَ بِهِ الشَّرْطَ فَإِنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ لَا سَبَبٌ لَهَا فَإِنَّ الشَّرْطَ مَا يُعْدَمُ الْحُكْمُ لِعَدَمِهِ وَالسَّبَبُ مَا تُوُصِّلَ بِهِ إلَى الْحُكْمِ فَتَسَاهَلَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الشَّرْطِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ أَيْ شُرُوطِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ ثَوْبَانِ فَقَالَ تَحَرَّى فِيهِمَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ احتراز من الزكاة فَإِنَّهَا شَرْطٌ وَلَكِنْ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ فِي حِلِّ الْحَيَوَانِ وَلَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَقَوْلُهُ يُمْكِنُ التوصل إليه بالاستدلال

_ (1) الضمير عائد إلى المشتبه قطعا بدليل قوله فجاز الاجتهاد فيه وهو لا يجتهد في الوضوء وانما يجتهد في الماء اه اذرعي

احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا شَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ غَسَلَ عُضْوَهُ أَمْ لَا وَمِنْ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّ الْأَعْمَى وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهَا وَقَوْلُهُ فَجَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْقِبْلَةِ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ مَنَعَ الِاجْتِهَادَ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فَقَدْ يَجِبُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ وَضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَجِبُ بِأَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَيُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَوَجَبَ الِاجْتِهَادُ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) أَمَّا كَيْفِيَّةُ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ هو أن ينظر الي الاناء وَيُمَيِّزَ الطَّاهِرَ مِنْهُمَا بِتَغَيُّرِ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ اضْطِرَابٍ فِيهِ أَوْ رَشَاشٍ حَوْلَهُ أَوْ يَرَى أَثَرَ كَلْبٍ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَةُ أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ بَعْضِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ وَطَهَارَةُ الْآخَرِ لِعَدَمِهَا قَالَ فَأَمَّا ذَوْقُ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ قَالَ وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَقَالُوا هَلْ يَحْتَاجُ إلَى نَوْعِ دَلِيلٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي لَا قال وهذا ليس بشئ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ كَذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ وَكَذَا نَقَلَهُ أَيْضًا الْبَغَوِيّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْعَلَامَةُ أَمْ يَكْفِيهِ الظَّنُّ بِلَا عَلَامَةٍ أَمْ يَجُوزُ الْهُجُومُ بِلَا عَلَامَةٍ وَلَا ظَنٍّ وَلَا اجْتِهَادٍ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ الْعَلَامَةِ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ الْقِبْلَةُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَلَامَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْقَاضِي وَالْمُفْتِي يُشْتَرَطُ ظُهُورُ دَلِيلٍ لَهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُبْنَى عَلَى الْإِلْهَامَاتِ وَالْخَوَاطِرِ وَمَنْ اكْتَفَى بِالظَّنِّ قَالَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُشَاهَدَةٌ وَلَهَا عَلَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ تُعْلَمُ بِهَا إذَا أَتْقَنَ النَّظَرَ عِلْمًا يَقِينًا وَالْأَوَانِي لَا طَرِيقَ إلَى الْيَقِينِ فِيهَا فَكَفَى الظَّنُّ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ انْقَلَبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَفِيهِ وَجْهَانِ احدهما انه يتحرى في الثاني لانه ثبت الِاجْتِهَادِ فِيهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالِانْقِلَابِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَجْتَهِدُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَكُونُ بَيْنَ امرين فان

قلنا لا يجتهد فما الذى يضع فِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ فَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ: وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ زَالَ بِالِاشْتِبَاهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ تحر فوجب التيمم) * (الشَّرْحُ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ * أَصَحُّهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَتَحَرَّى فِي الْبَاقِي بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَسَقَطَ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ: وَالثَّانِي يَتَوَضَّأُ بِهِ بِلَا اجْتِهَادٍ: وَالثَّالِثُ يَجْتَهِدُ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ نَجَاسَتُهُ تَرَكَهُ وبتيمم: وَإِنْ ظَنَّ طَهَارَتَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَدَلِيلُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ: وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ قَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْقَلَبَ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ: صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يُزَالُ حُكْمُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ فَهِيَ عِبَارَةٌ مَشْهُورَةٌ لِلْفُقَهَاءِ قَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهَا وَأَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الشَّكُّ إذَا طَرَأَ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ يَقِينٌ لِأَنَّ الْيَقِينَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ والشاك مُتَرَدِّدٌ: وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْيَقِينِ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ لَا أَنَّ الْيَقِينَ نَفْسَهُ يَبْقَى مَعَ الشَّكِّ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ: وَدَلِيلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ كَوْنُ حُكْمِ الْيَقِينِ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ تقدم بيانهما * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اجْتَهَدَ فِيهِمَا فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ اراقهما أوصب أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ وَتَيَمَّمَ: فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى قَبْلَ الْإِرَاقَةِ: أَوْ الصَّبِّ أَعَادَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ) (الشرح) إذا اجتهد فلم يظهر له شئ فَلْيُرِقْهُمَا أَوْ يَخْلِطْهُمَا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَاقَ مَاءً تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَيَمَّمَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ عَلَى وَجْهٍ

لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُنَا مَعْذُورٌ: وَلَوْ أَرَاقَ الْمَاءَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ كَإِرَاقَةِ الْمَاءِ الَّذِي تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ سَفَهًا: فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّهُ يَعْصِي قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اجْتَهَدَ فَظَنَّ طَهَارَةَ إنَاءٍ فَأَرَاقَهُ أَوْ أَرَاقَهُمَا فَهُوَ كَالْإِرَاقَةِ سَفَهًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا: فَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى قَبْلَ الْإِرَاقَةِ فَتَيَمُّمُهُ بَاطِلٌ وَتَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ فَكَانَا كَالْعَدَمِ كَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا وَقَدْ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الِاجْتِهَادِ وَلَهُ طَرِيقٌ إلَى إعْدَامِهِ بِخِلَافِ السَّبُعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْإِرَاقَةِ (1) الْمَذْكُورَةِ فِيمَا إذَا لم يغلب على ظنه شئ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِيَصِحَّ تَيَمُّمُهُ بِلَا إعَادَةٍ: وَالثَّانِي قَالَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ الْإِرَاقَةُ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَجَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا فَلَوْ كَانَا لَوْ خُلِطَا بَلَغَا قُلَّتَيْنِ وَجَبَ خلطهما بلا خلاف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان غلب على ظنه طهارة أحد هما تَوَضَّأَ بِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ الْآخَرَ حَتَّى لا يتغير اجتهاده بعد ذلك) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَقَوْلُهُ تَوَضَّأَ بِهِ أَيْ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى التَّيَمُّمِ: وَقَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ الْآخَرَ يَعْنِي يُسْتَحَبُّ إرَاقَتُهُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ تَأَخَّى وَأَرَاقَ النَّجِسَ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ: وَعَلَّلَ أَصْحَابُنَا اسْتِحْبَابَ الْإِرَاقَةِ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي لِئَلَّا يَغْلَطَ فَيَسْتَعْمِلَ النَّجِسَ أَوْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا: قَالَ الشافعي في الام والاصحاب فان خاف

_ 1) هذا الثاني ضعيف والاول افقه لان العجز لو كان عذرا لاسقط الاعادة ولانه متمكن من براءة ذمته اه من نسخة الاذرعي

الْعَطَشَ أَمْسَكَ النَّجِسَ لِيَشْرَبَهُ إذَا اُضْطُرَّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ نَجِسًا غسل ما أصابه به مِنْهُ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الخطأ فهو كالحاكم إذا أخطأ النص) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ الْقِبْلَةِ فِيمَا إذَا بَانَ الْخَطَأُ فِي الْأَوَانِي قَوْلَيْنِ كَالْقِبْلَةِ ثُمَّ إذَا غَسَلَهُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَهَلْ يَكْفِيهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْوُضُوءِ مَعًا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَسَنَذْكُرُهُمَا مَبْسُوطَيْنِ فِي أَوَاخِرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْأَصَحُّ يَكْفِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَيَقَّنَ اسْتِعْمَالَ النَّجِسِ وَهِيَ أَصْلٌ يَقِيسُ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ مَسَائِلَ: مِنْهَا إذَا أَخْطَأَ فِي الْقِبْلَةِ وَمِنْهَا إذَا أَخْطَأَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَيَقَّنَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ نَجِسًا كَذَا عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ وَيُرِيدُونَ بِهِمَا الظَّنَّ الظَّاهِرَ لَا حَقِيقَةَ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ فَإِنَّ الْيَقِينَ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَقَدْ منا فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانَ هَذَا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْيَقِينِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِ الثِّقَةِ ظَنٌّ لَا عِلْمٌ وَيَقِينٌ وَلَكِنَّهُ نَصٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِهِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ إذَا بَانَ خلاف النص وان كان خبر واحد الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِسَبَبِ خَبَرِ الثِّقَةِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ (1) عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله *

_ (1) قوله متفق عليه يعني على المذهب وفيه القول الذي حكاه الغزالي اه من هامش نسخة الاذرعي

(وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وَلَكِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَظَنَّ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ نَجِسًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ: وَالْمَنْصُوصُ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَمْ يَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْأَوَّلُ مِنْ ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ بِيَقِينٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ نَقَضْنَا الِاجْتِهَادَ بِالِاجْتِهَادِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَيُخَالِفُ الْقِبْلَةَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُؤَدِّي إلَى الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وذا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي وَصَلَّى ولا اعادة عليه وان قلنا بالمنصوص فانه يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَهَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ. فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّ مَا معه الْمَاءِ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ بِالشَّرْعِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ: وَالثَّانِي يُعِيدُ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ: وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطيب ابن سَلَمَةَ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ بَقِيَّةٌ أَعَادَ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِيَقِينٍ: وان لم يكن بقى من الاول شئ لَمْ يُعِدْ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بيقين) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا مُقَدِّمَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَةُ أَحَدِهِمَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إرَاقَةُ الْآخَرِ فَلَوْ خَالَفَ فَلَمْ يُرِقْهُ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ: يَنْظُرُ. فَإِنْ كَانَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْأُولَى لَمْ يَلْزَمْهُ بِلَا خِلَافٍ بل يصلى بها: وان كن قَدْ أَحْدَثَ نَظَرَ. إنْ بَقِيَ مِنْ الَّذِي ظن طهارته شئ لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ التتمة والتهذيب وغير هم مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَاسُوهُ عَلَى إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لِلصَّلَاةِ وَعَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي إذَا اجْتَهَدَ في قضية وحكم بشئ ثُمَّ حَضَرَتْ مَرَّةً أُخْرَى يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الِاجْتِهَادَ: وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَحْكُمَ بِمُقْتَضَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ ما لم يتغير اجتهاده: وينبغى أن

أن يجئ ذَاكَ الْوَجْهُ هُنَا وَهُوَ أَوْلَى: وَإِنْ لَمْ يبق من الذى ظن طهارته شئ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْآخَرِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا انْقَلَبَ أحد الانإين قَبْلَ الِاجْتِهَادِ هَلْ يَجْتَهِدُ فِي الْبَاقِي وَقَدْ سَبَقَ: وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يُعِيدُ الِاجْتِهَادَ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إذَا عُرِفَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَأَعَادَ الِاجْتِهَادَ: فَانٍ ظَنَّ طَهَارَةَ الْأَوَّلِ فَلَا إشْكَالَ فَيَتَوَضَّأُ بِبَقِيَّتِهِ إنْ كَانَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ وَيُصَلِّي. وَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ الثَّانِي فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي وَلَكِنْ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةِ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَا نَقَلَ حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةُ هُوَ الْمَذْهَبُ: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ غلط المزني على الشافعي والذى يجئ عَلَى قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي كَالْقِبْلَةِ. وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُصَنِّفِينَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ وَالْمَذْهَبَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةُ: وَأَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ضَعِيفٌ وَضَعَّفُوهُ بِمَا ضَعَّفَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرٌ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَبَى أَصْحَابُنَا أجمعون ما قاله أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ وَقَالُوا هَذَا مِنْ زَلَّاتِ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ مَا غَلِطَ الْمُزَنِيّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي حَرْمَلَةَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى حَرْمَلَةَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ (1) فِي بَابِ الْمَاءِ يَشُكُّ فِيهِ: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الثَّانِي وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ خَالَفَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَبَا الْعَبَّاسِ فِي هَذَا: وَقَالُوا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِالثَّانِي فَهَذَا كَلَامُ أَعْلَامِ الْأَصْحَابِ: وَقَدْ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِالْمَنْصُوصِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَجْمَعِينَ فَرَجَّحَ قَوْلَ أَبِي العباس وليس بشئ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي وَلَا بُدَّ مِنْ إيرَادِ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْمَاءُ الْأَوَّلُ لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا للنجاسة بيقين: وممن صرح بهذا الفوراني

_ (1) لفظه في الام ولو توضأ بماء ثم ظنه انه نجس لم يكن عليه ان يعيد وضوءا حتى يستبين أنه نجس هذا لفظه رضي الله عنه اه اذرعي

وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ: قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ جَمِيعًا قَالَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ بِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ الْأُولَى وَلَا صَلَاتِهِ بِهَا. وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتُهُ كَمَا أَمَرْنَاهُ باجتناب بقية الماء الاول وحكمنا بنجاسة: وَلَا يُقَالُ هُوَ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أنه في أعضا الْوُضُوءِ يَكْفِيهِ إمْرَارُ الْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنْ الْحَدَثِ وَمَرَّةً عَنْ النَّجَسِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ خِلَافُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعُضْو الَّذِي تَيَقَّنَّا نَجَاسَتَهُ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَهُنَا أَوْلَى إذَا لَمْ تُتَيَقَّنْ نَجَاسَتُهُ: وَعَلَى الْجُمْلَةِ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ هُنَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الثَّانِي وَلَا بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ. بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهَا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بقى من

الْأَوَّلِ بَقِيَّةٌ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا: وَالْمُرَادُ بهذه بَقِيَّةٌ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا بِأَنْ تَكُونَ كَافِيَةً لِطَهَارَتِهِ أَوْ غَيْرَ كَافِيَةٍ وَقُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ كَانَتْ الْبَقِيَّةُ غَيْرَ كَافِيَةٍ لِطَهَارَتِهِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الآخر انه ممنوع من استعمالها هَذَا الْمَاءِ فَقَالُوا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ الْإِعَادَةِ بِأَنْ يُرِيقَهُمَا فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِرَاقَةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ: فَأَمَّا الْأُولَى فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ. وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ. اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا إلَّا الدَّارِمَيَّ فَإِنَّهُ شَذَّ عَنْهُمْ فَقَالَ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا تَجِبُ إعَادَتُهُمَا جَمِيعًا. وَالثَّانِي تَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى فَقَطْ: وَالثَّالِثُ تَجِبُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ. وَهَذَا الَّذِي شَذَّ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ: وَأَظُنُّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ خَطَأٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَإِنَّمَا أَذْكُرُ مِثْلَهُ (1) لِأُبَيِّنَ فَسَادَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَرَادَ مَنْ جَرَى لَهُ تَغَيُّرُ الِاجْتِهَادِ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَنْصُوصِ أَرَاقَ الْمَاءَ الثَّانِي وَالْبَقِيَّةَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي الْإِرَاقَةِ

_ (1) هذه مبالغة كثيرة وقد نقل القاضي ابن كج رحمه الله في كتابه التجريد وجوب اعادة الصلاة الاولى عن نص الشافعي رحمه الله وهو يرتفع عن التغليط اه من هامش الاذرعي

لاكمن أَرَاقَهُ سَفَهًا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ صَبَّ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ فَكَالْإِرَاقَةِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِلَا اعادة قال وَلَوْ صَبَّ الثَّانِي وَأَبْقَى بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ مُتَيَقَّنُ الطَّهَارَةِ وَلَا مَظْنُونُهَا: وَلَوْ صَبَّ الْبَقِيَّةَ وترك الثاني ففى الاعادة الوجهان المذكور ان فِي الْكِتَابِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ قَطْعًا وَهُنَا خِلَافٌ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّبُعِ مُتَيَقَّنُ الْمَانِعِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ. وَهُنَا مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِرَاقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْمُهُ محمد بن المفضل بن سلمة ابن عَاصِمٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً تُوُفِّيَ فِي المحرم سنة ثمان وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله * (وان اشتبه عليه ماء آن وَمَعَهُ مَاءٌ ثَالِثٌ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ فَلَا يُؤَدَّى بِالِاجْتِهَادِ كَالْمَكِّيِّ فِي الْقِبْلَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالطَّاهِرِ فِي الظَّاهِرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاهِرِ بِيَقِينٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يترك ما نزل من السماء ويتيقن طهارته ويتوضأ بما يجوز نجاسته) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وحكاهما أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ جَوَازُ التَّحَرِّي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالْوَجْهُ الآخر اختيار أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الشَّامِلِ وَاحِدًا من الوجهين

فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ رَآهُ فِي مُصَنَّفٍ آخَرَ لَهُ وَالصَّحِيحُ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ جَوَازُ التَّحَرِّي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا التَّحَرِّي اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ وَاسْتِعْمَالُ الطَّاهِرِ بِيَقِينٍ احْتِيَاطًا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ تَمَسُّكِ مَنْ مَنَعَ الِاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقِبْلَةِ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ طَلَبُهُ لَهَا فِي غَيْرِهَا عَبَثًا بِخِلَافِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فَإِنَّهُ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ: الثَّانِي أَنَّ الْيَقِينَ فِي الْقِبْلَةِ حَاصِلٌ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْمَاءِ: الثَّالِثُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَا يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالثِّيَابِ: الرَّابِعُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ عَنْ بَعْضِ الاصحاب أن الماء ما متمول وفي الاعراض عنه تفويت ما ليته مَعَ إمْكَانِهَا فَلَا تُفَوَّتُ مَنْفَعَةُ مَالٍ لِوُجُودِ مَالٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ فِي تَرْجِيحِ الْمَذْهَبِ مَعَ مَا سَبَقَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ يَسْمَعُ أَحَدُهُمْ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صَحَابِيٍّ آخَرَ فَيَعْمَلُ بِهِ وَلَا يُفِيدُهُ إلَّا الظَّنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْمَعَهُ مِنْهُ فَيَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ قَطْعًا وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ الِاجْتِهَادَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ إنَاءَانِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرَ نَجِسٌ قَالُوا فَجَعَلَ السَّفَرَ شَرْطًا لِلِاجْتِهَادِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ آخَرُ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ السَّفَرَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ لَا لِجَوَازِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ فَلَا يُؤَدَّى بِالِاجْتِهَادِ كَالْمَكِّيِّ فِي الْقِبْلَةِ فَمُرَادُهُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ لَا أَصْلِيٌّ وَلَا طَارِئٌ فَأَمَّا مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ كَالْجَبَلِ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ طَارِئٌ كَالْبِنَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْأَصْحَابُ: وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ مَاءً نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَاءُ السَّمَاءِ الَّذِي شَاهَدَ نُزُولَهُ مِنْ السَّمَاءِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى نَجَاسَةٍ فَهُوَ يَقْطَعُ بِطَهَارَتِهِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ

وَيَتَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ قَدْ غَابَ عَنْهُ وَاحْتَمَلَ وُلُوغَ كَلْبٍ فِيهِ أَوْ نَجَاسَةً أُخْرَى وَكَذَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ نَهْرٍ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُمْكِنِ نَجَاسَتُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَسَائِلُ وَالْعِبَارَةُ الْجَامِعَةُ لَهَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ: وانها لَوْ اشْتَبَهَ مَاءَانِ مُسْتَعْمَلٌ وَمُطْلَقٌ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فَإِنْ قُلْنَا يلزم الاخذ باليقين توضأ بِهِمَا وَإِلَّا اجْتَهَدَ: الثَّانِيَةُ اشْتَبَهَ ثَوْبَانِ وَمَعَهُ ثالث طاهر يقين أَوْ مَعَهُ مَاءٌ يُمْكِنُهُ غَسْلُ أَحَدِهِمَا بِهِ فان أوجبنا اليقين لم بجتهد بَلْ يُصَلِّي فِي الثَّالِثِ أَوْ يَغْسِلُ وَإِنْ لم نوجب الْيَقِينَ اجْتَهَدَ: الثَّالِثَةُ مَعَهُ مَزَادَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ قُلَّةٌ وَإِحْدَاهُمَا نَجِسَةٌ وَاشْتَبَهَتْ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ وَجَبَ خَلْطُهُمَا وَإِلَّا اجْتَهَدَ: الرَّابِعَةُ اشْتَبَهَ لَبَنٌ طَاهِرٌ وَلَبَنٌ مُتَنَجِّسٌ وَمَعَهُ لَبَنٌ ثَالِثٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَوَازِ التَّحَرِّي هَذَانِ الْوَجْهَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرَادَ (1) إذَا كَانَ مُضْطَرًّا يُرِيدُ شُرْبَ اللَّبَنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ طَلَبُ الطَّاهِرِ كَمَا عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ طَلَبُ الطَّاهِرِ لِلطَّهَارَةِ قَالَ فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الِاضْطِرَارِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِاجْتِهَادِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضٌ حَتَّى يَمْنَعَهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْآنَ الْمَالِيَّةُ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ نَحْوَهُ وَأَنْكَرَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ (2) فِيهِمَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اشْتَبَهَ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَمَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُ الفرض بالطاهر مع القدرة على اليقين) * (الشرح) هذان الوجهان مبينان عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا كَمَا بيناه والصحيح

_ (1) الذي رأيته في التتمة حكاية الوجهين عن رواية الشيخ أبي حامد ثم قال وصورة المسألة إذا كان مضطرا ويريد الشرب حتى يكون عليه طلب الطاهر مثل ما عليه في مسألتنا استعمال الماء لاجل الصلاة فأما في غير حالة الاضطرار لا يمنع التحري لانه ليس عليه فرض حتى يمنعه من الاجتهاد عند القدرة على اليقين وانما الغرض المالية هذا لفظ بحروفه وفيما ذكره المتولي نظر ويلزم انه إذا كان لا يحتاج إلى الطهارة بالماء المشتبه ان يجور التحري بلا خلاف وذلك بان يكون عنده نهر أو عين أو نحو ذلك فيكون الغرض منه المالية أو صرفه في غير الطهارة وهذا لا يوافق عليه فيما اظن اه في نسخة الاذرعي (2) هذا التفصيل ينبغي جريانه في مسألة الثوبين ايضا وقوله من غير خلاف نظر اه من هامش نسخة الاذرعي

مِنْهُمَا جَوَازُ التَّحَرِّي وَيَتَوَضَّأُ بِمَا ظَنَّ أَنَّهُ المطلق: والثانى لا يَجُوزُ التَّحَرِّي بَلْ يَلْزَمُهُ الْيَقِينُ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مَرَّةً وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ أَوْ غَسْلَ نَجَاسَةٍ أُخْرَى غَسَلَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِالْآخَرِ وَإِذَا تَوَضَّأَ بِهِمَا فَهُوَ غَيْرُ جَازِمٍ فِي نِيَّتِهِ بِطَهُورِيَّتِهِ وَلَكِنْ يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله) * (وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَمَاءُ وَرْدٍ لَمْ يَتَحَرَّ بَلْ يَتَوَضَّأْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وإن اشتبه عليه ماء وَبَوْلٌ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ لَمْ يَتَحَرَّ بَلْ يُرِيقُهُمَا وَيَتَيَمَّمُ لِأَنَّ مَاءَ الْوَرْدِ وَالْبَوْلَ لَا أَصْلَ لهما في التطهير فيرد إليه بالاجتهاد) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فِي كُتُبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَحَكَوْا وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ علامة ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي الْمَاءَيْنِ أَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ بِلَا عَلَامَةٍ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسَائِلُ مِنْهَا إذَا اشْتَبَهَ لَبَنُ بَقَرٍ وَلَبَنُ أَتَانٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ أَوْ اشْتَبَهَ خَلٌّ وَخَمْرٌ أَوْ شَاةٌ ذَكَّاهَا مُسْلِمٌ وَشَاةٌ ذَكَّاهَا مَجُوسِيٌّ أَوْ لَحْمُ مَيْتَةٍ وَلَحْمُ مُذَكَّاةٍ فَالْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ مَنْعُ الِاجْتِهَادِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَلِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَلَوْ اشْتَبَهَ شَاتَانِ مُذَكَّاتَانِ إحْدَاهُمَا مَسْمُومَةٌ جَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا بِلَا خِلَافٍ كَالْمَاءَيْنِ وَالطَّعَامَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُبَاحَتَانِ طَرَأَ عَلَى إحْدَاهُمَا مَانِعٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فَيُرَدَّ إليه بالاجتهاد هو بنصب الدال * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَعَامٌ طَاهِرٌ وَطَعَامٌ نَجِسٌ تَحَرَّى فِيهِمَا لان أصلهما على الاباحة فهما كالماءين) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ التَّحَرِّي فِي الْأَطْعِمَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَا جِنْسًا كَلَبَنَيْنِ أَوْ دِبْسَيْنِ أَوْ خَلَّيْنِ أَوْ زَيْتَيْنِ أَوْ عَسَلَيْنِ أَوْ سَمْنَيْنِ أَوْ عَصِيرَيْنِ أَوْ طَحِينَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ جِنْسَيْنِ كَخَلٍّ وَلَبَنٍ أَوْ دَبْسٍ وَزَيْتٍ أَوْ طَبِيخٍ وَخُبْزٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَا طَعَامٌ وَثَوْبٌ أَوْ تُرَابٌ وَكَذَا تُرَابٌ وَتُرَابٌ أَوْ تُرَابٌ وَثَوْبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَكُلُّ هذا جوز التَّحَرِّي فِيهِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ

أبا حامد والدارمى حكياوجها عن الزبيري أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي جِنْسَيْنِ قال أبو حامد وهذا ليس بشئ وَلَوْ اشْتَبَهَ طَعَامَانِ وَمَعَهُ ثَالِثٌ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ قَرِيبًا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ عَلَى أَعْمَى فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَتَحَرَّى كما لا يتحرى في القبلة وقال في الام يتحري كَمَا يَتَحَرَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا يَتَحَرَّى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى الْأَغْلَبِ فوجهان: احدهما لا يقلد لان من له الاجتهاد لا يقلد كَالْبَصِيرِ وَالثَّانِي يُقَلِّدُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الام لان اماراته تتعلق بالبصر وَغَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دَلَّ على أن اماراته تتعلق بالبصر فقلد فيه كالقبلة) (الشَّرْحُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى يَجْتَهِدُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الْأَوَانِي قَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى فِي الْأَوَانِي سَوَاءٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فَقَطَعَ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ بِأَنَّهُ لَا يُتَحَرَّى وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَجْتَهِدُ فاجتهد فلم يظهر له شئ فَوَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا لَهُ التَّقْلِيدُ وَهُوَ ظَاهِرُ (1) نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي لَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يُقَلِّدُ أَوْ قُلْنَا يُقَلِّدُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ وَجَدَ بَصِيرًا وَقَلَّدَهُ فَتَحَيَّرَ الْبَصِيرُ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَكِنْ يُخَمِّنُ أَكْثَرُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِعَادَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عِنْدِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ طَهَارَةُ الْمَاءِ عِنْدَهُ بِأَمَارَةٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ويعيد لانه لم يعلم طهارة الماء ولاظنها قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَوْلُ الْقَاضِي مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَقْيَسُ: قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ يَقِينَ النَّجَاسَةِ فِي أَحَدِهِمَا مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ التَّحَرِّي هَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أبى حامد هو الصحيح

_ (1) قال في الام ولو كان أعمى لا يعرف ما يدله على الاغلب وكان معه بصير يصدقه وسعه ان يستعمل الاغلب عند البصير فقوله: ظاهر نصه فيه شئ بل هو صريح نصه اه من هامش نسخة الاذرعي

الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْأُصُولِ وَالنَّصُّ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَنْ ظَنَّ طَهَارَتَهُ بِعَلَامَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لم يكن له دَلَالَةً هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيُقَالُ دُلُولَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ العلامة * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلَيْنِ فَأَدَّى اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا وَاجْتِهَادُ الْآخَرِ إلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ تَوَضَّأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلَمْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لانه يعتقد أن صلاة إمامه باطلة) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا حَكَوْا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا شَكَّ فِي ضَعْفِ مَذْهَبِهِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ قَطْعًا إمَّا لِعَدَمِ طَهَارَتِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ طَهَارَةِ إمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا حَدَثٌ وَتَنَاكَرَاهُ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ تَصِحُّ صَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَا يصح اقتداؤه بالآخر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَثُرَتْ الْأَوَانِي وَكَثُرَ الْمُجْتَهِدُونَ فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى طَهَارَةِ إنَاءٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَصَلَّى بِالْبَاقِينَ الصُّبْحَ وَتَقَدَّمَ آخَرُ وَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَتَقَدَّمَ آخَرُ وَصَلَّى بِهِمْ الْعَصْرَ فَكُلُّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يجوز أن يكن طَاهِرًا فَصَلَاتُهُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ وَكُلُّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ نَجَسٌ فَصَلَاتُهُ خَلْفَهُ باطلة) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَثِيرَةُ الْفُرُوعِ مُخْتَلَفٌ فِي أَصْلِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرَةً جِدًّا فَنَذْكُرُ صُورَةَ الْكِتَابِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ ثُمَّ فُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فَصُورَةُ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَوَانِي طاهر ان وَنَجِسٌ وَاشْتَبَهَتْ فَاجْتَهَدَ فِيهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى طَهَارَةِ إنَاءٍ فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ صَلَّى أَحَدُهُمْ بِصَاحِبَيْهِ الصُّبْحَ ثُمَّ آخَرُ بصاحبيه الظهر ثم الاخر بصاحبيه العصر وكلهم

صَلَّوْا الصَّلَوَاتِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أوجه حكاها الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَبِهِ قطع المصنف وسائر العراقيين والمتولي من الخراسانين أَنَّهُ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ الصَّلَاةُ الَّتِي أَمّ فِيهَا وَالِاقْتِدَاءُ الْأَوَّلُ وَيَبْطُلُ الِاقْتِدَاءُ الثَّانِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي * يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي أَمَّ فِيهَا فَقَطْ وَلَا يَصِحُّ لَهُ اقْتِدَاءٌ أَصْلًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدَ إمَامَيْهِ مُحْدِثُ فَهُوَ شَاكٌّ فِي أَهْلِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْإِمَامَةِ فَأَشْبَهَ الْخُنْثَى وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُنْثَى ضَعِيفٌ: وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْإِنَاءِ الَّذِي هُوَ الامام يظن اهليته للامامتة بِاجْتِهَادِهِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى فَإِنَّهُ لَا يَظُنُّ أَهْلِيَّةَ نَفْسِهِ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ فَنَظِيرُ صَاحِبِ الْإِنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى قَدْ ظَنَّ كَوْنَهُ رَجُلًا بِعَلَامَةٍ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ بِهِ قَطْعًا: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وهو قول أبي اسحق المروزي يصح لِكُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي أَمَّ فِيهَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ الْأَوَّلُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ بِالْآخَرِ بَطَلَتْ إحْدَى صَلَاتَيْهِ خَلْفَهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ فَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْمَرْوَزِيُّ عَلَى وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاتَيْنِ إذَا اقْتَدَى اقْتِدَاءَيْنِ وَاخْتَلَفَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى اقْتِدَاءٍ فَأَوْجَبَ الْإِعَادَةَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا الْمَرْوَزِيُّ وَاتَّفَقَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْمَرْوَزِيُّ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ الْأَوَّلِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَا إذَا اقْتَدَى ثَانِيًا فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ يَتَعَيَّنُ الثَّانِي لِلْبُطْلَانِ: وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ يَجِبُ إعَادَتُهُمَا جَمِيعًا وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ الصَّلَاةُ الَّتِي أَمَّ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ وَشَذَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ صَلَاةَ إمَامِ الْعَصْرِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَاطِلَةٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى خَلْفَ إمَامَيْ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ صَارَ كانه اعترف بانهما الطاهران فيعين هُوَ لِلنَّجَاسَةِ: وَهَذَا خَيَالٌ عَجِيبٌ وَعَجَبٌ مِمَّنْ قَالَ هَذَا وَكَيْفَ يُقَالُ هَذَا فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ نَفْسَهُ نَجِسًا كَانَتْ صَلَاتُهُ كُلُّهَا سَوَاءً وهذا الوجه خطأ صريح وانما أَذْكُرُ مِثْلَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ ثُمَّ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَمَا أَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا ولو اشتبهت أو ان وَالطَّاهِرُ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي نَجِسَاتٌ فَصَلَاةُ كُلِّ إمَامٍ صَحِيحَةٌ فِيمَا أَمَّ فِيهِ بَاطِلَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ كُلِّهِ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ اثْنَيْنِ وَالنَّجِسُ اثْنَيْنِ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ صَلَاةً فَصَلَاةُ الْأَئِمَّةِ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الحداد وهو الاصح صلاة الصبح صحيحد للجميع وصلاة الظهر صحيحة لا مامها وَإِمَامِ الصُّبْحِ بَاطِلَةٌ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ وَصَلَاتَا العصر والمغرب صحيحتان لا ماميهما باطلة للمأمومين

وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ لَا يَصِحُّ إلَّا مَا أَمَّ فِيهَا وَعَلَى قَوْلِ الْمَرْوَزِيِّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ الْأَوَّلُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ اقْتَدَى ثَانِيًا بَطَلَ جَمِيعُ مَا اقْتَدَى فِيهِ وَلَوْ كان الطاهر ثلاثة وواحد نجس وَصَلَّوْا كَمَا ذَكَرْنَا فَالصُّبْحُ وَالظُّهْرُ صَحِيحَتَانِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَالْعَصْرُ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ إمَامِ الْمَغْرِبِ وَالْمَغْرِبُ بَاطِلَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ إمَامِهَا هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ لَا يَصِحّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا وَالْمَرْوَزِيُّ يصحح اقتداءين ان اقتصر عليهما والا بطل جميع اقتداءه ولو كانت الآنية خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ وَاحِدًا وَالْبَاقِي نَجِسًا لَمْ يَصِحَّ إلَّا مَا أَمَّ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ اثْنَيْنِ صَحَّتْ الصُّبْحُ للجميع والظهر لا مامها وَإِمَامِ الصُّبْحِ وَتَبْطُلُ لِلْبَاقِينَ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ بَاطِلَاتٌ إلَّا فِي حَقِّ أَئِمَّتِهَا وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ ثَلَاثَةً صَحَّتْ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ لِلْجَمِيعِ وَالْعَصْرُ لا مامها وَإِمَامَيْ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ فَقَطْ وَبَطَلَتْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ إلَّا لِإِمَامَيْهِمَا وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ أَرْبَعَةً صَحَّتْ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا إلَّا الْمَغْرِبَ فِي حَقِّ إمَامِ الْعِشَاءِ وَإِلَّا الْعِشَاءَ فِي حَقِّ غَيْرِ إمَامِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَمْسَةِ مَذْهَبُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُ الْآخَرِينَ: وَلَوْ كَثُرَتْ الْأَوَانِي وَالْمُجْتَهِدُونَ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُمْ وَتَخْرِيجُ مَسَائِلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَضَابِطُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَمَّ فِيهِ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ بِعَدَدِ بَقِيَّةِ الطَّاهِرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جَلَسَ رَجُلَانِ فَسُمِعَ منهما صوت حدث فتنا كراه فهو كمسألة الانائين فَتَصِحُّ صَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِصَاحِبِهِ وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَسُمِعَ بَيْنَهُمْ صَوْتٌ تَنَاكَرُوهُ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْأَوَانِي الثَّلَاثَةِ وَفِيهَا الْمَذَاهِبُ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاصِّ لَا يَصِحُّ اقتداء وعند ابن الحداد يصج الِاقْتِدَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْمَرْوَزِيُّ يُصَحِّحُ الِاقْتِدَاءَ الْأَوَّلَ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيُعِيدُهُمَا وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الْآنِيَةِ حَرْفًا حَرْفًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ هُنَا وَإِنْ صَحَّ فِي الْآنِيَةِ لِتَيَسُّرِ الِاجْتِهَادِ في

الْآنِيَةِ دُونَ الْأَشْخَاصِ فِي الْحَدَثِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَدْ يُفْرَضُ زِيَادَةٌ فِي الْآنِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الْخَمْسَةَ لَوْ اجْتَهَدُوا فِي الْآنِيَةِ الْخَمْسَةِ وَالنَّجَسُ وَاحِدٌ فَأَدَّى اجْتِهَادُ أَحَدِهِمْ إلَى طَهَارَةِ إنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَاجْتَهَدَ فِي بَقِيَّتِهَا فَعَيَّنَ النَّجَسَ بِاجْتِهَادِهِ فَمَنْ اسْتَعْمَلَ هَذَا النَّجَسَ لَا يَقْتَدِي بِهِ هَذَا الْإِنْسَانُ وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْبَاقِينَ بِلَا خِلَافٍ كَيْفَ كَانَ يَعْنِي وَلَا إعَادَةَ قَالَ وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ إذا لَيْسَ هُنَاكَ اجْتِهَادٌ وَلَا تَمَسُّكٌ بِدَلَالَةٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهَا قَالَ فَإِنْ تَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ وَفَرَضَ فِيهِ عَلَامَاتٍ ظَنِّيَّةً اسْتَوَى الْبَابَانِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ هُنَا مَسْأَلَةٌ ذَاتُ فُرُوعٍ تُشْبِهُ هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَذَكَرَهَا كَثِيرُونَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ رَأَيْتُ تَقْدِيمَهَا تَأَسِّيًا بِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَمُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرَاتِ قَبْلَ حُلُولِ الْمَنِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْآفَاتِ وَكَانَ عَادَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إذَا ذكر مسألة ذكر معها كل ماله تَعَلُّقٌ بِهَا وَمَا يُشْبِهُهَا وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ * قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ عَنْ حَدَثٍ وَصَلَّاهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلْعَصْرِ عَنْ حَدَثٍ وَصَلَّاهَا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ الرَّأْسِ أَوْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الطَّهَارَةِ مِنْ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بَاطِلَةٌ وَقَدْ جَهِلَهَا فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا: وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ أَنَّ تَفْرِيقَ الْوُضُوءِ جَائِزٌ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَتَمَّتْ طَهَارَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ إنَّ تَفْرِيقَ الْوُضُوءِ يُبْطِلُهُ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ وَلَوْ تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ عَنْ حَدَثٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ حَضَرَتْ الْعَصْرُ فَجَدَّدَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُحْدِثْ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ تَرْكَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي إحْدَى طَهَارَتَيْهِ وَجَهِلَهَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْنَى عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ وَالْآخَرُ أَنَّ التَّجْدِيدَ

هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيهِمَا خِلَافٌ فَنَذْكُرُ الطَّهَارَةَ ثُمَّ الصَّلَاةَ فَأَمَّا الطَّهَارَةُ: فَإِنْ قُلْنَا التَّجْدِيدُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ طَهَارَةً صَحِيحَةٍ: إمَّا الْأُولَى وَإِمَّا الثَّانِيَةُ وَإِمَّا بَعْضُهَا مِنْ الْأُولَى وَبَعْضُهَا مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ فَالْأُولَى صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَالثَّانِيَةُ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ حَصَلَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ مِنْ الْأُولَى وَالرَّأْسُ وَالرِّجْلَانِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّ التَّجْدِيدَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بُنِيَ عَلَى التَّفْرِيقِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ وَإِنْ قُلْنَا يجوز بنى على أنه إذا فَرْقٌ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِبَاقِي الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْتَاجُ بَلْ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ فَإِنْ قُلْنَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ انْبَنَى عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ بُنِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ انْبَنَى عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ عُضْوِهِ فِي الغسلة الاولى فانغمست فِي الثَّانِيَةِ هَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ فَهُوَ كَمَا إذَا قُلْنَا لَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ وَإِنْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ فِي مَسْأَلَةِ اللُّمْعَةِ فَفِي التَّجْدِيدِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هُوَ كَاللُّمْعَةِ وَالثَّانِي الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ وَالْمَسَائِلُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا سَتَأْتِي فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَبَابِ نِيَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً مَبْسُوطَةً: وَالْحَاصِلُ لِلْفَتْوَى مِنْ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ بناء على الراجح في جميع هذه الاوصول هَذَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ: وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَجِبُ إعَادَةُ الظهر بلا خلاف بين أصحابنا لا نا شككنا في فعلها بطهارة والاصل بقاؤها عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَصْرُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ فَإِنْ قُلْنَا طَهَارَتُهُ الْآنَ صَحِيحَةٌ فَعَصْرُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا أَوْ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَجَبَ إعَادَةُ الْعَصْرِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ: وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ جَزَمُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الظُّهْرِ وَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ فِيهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ سَجْدَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا شئ عَلَيْهِ بَلْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ كَتِلْكَ وَالْفَرْقُ

من وجهين أحدهما أن الطهارة شرط للصلاة وَشَكَكْنَا هَلْ أَتَى بِهِ أَمْ لَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ أَتَى بِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ فَشَكَكْنَا هَلْ دَخَلَ فِيهَا أم لا واللاصل عدم الدخول ولم يعارض هذا الاصل شئ آخر وأما مسألة ترك السجدة فقد تيقن فِيهَا الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ وَشَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي أَنَّهُ جَرَى مُبْطِلٌ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ مُبْطِلٍ وَالظَّاهِرُ مُضِيُّهَا عَلَى الصِّحَّةِ: الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ الشَّكَّ فِي تَرْكِ السَّجْدَةِ وَنَحْوِهَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَعُفِيَ عَنْهُ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ هَذَا تَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ نَاقِصَةً وَأَحْسَنُهُمْ لَهَا ذِكْرًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تعليقه ولو توضأ للصبح عَنْ حَدَثٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ جَدَّدَ لِلظُّهْرِ ثُمَّ توضأ للعصر عن حدث جَدَّدَ لِلْمَغْرِبِ ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلْعِشَاءِ عَنْ حَدَثٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ مَسْحًا فِي إحْدَى الطِّهَارَاتِ وَجَبَ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِطَهَارَةِ عن حَدَثٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الَّتِي صَلَّاهَا بَعْدَ تجديد الخلاف والتفصيل السَّابِقُ: وَلَوْ تَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ وَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ نَسِيَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى فَتَوَضَّأَ ثَانِيًا وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ مَسْحًا فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَسَجْدَةً مِنْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهُمَا فَطَهَارَتُهُ الْآنَ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَسْحَ فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَالسَّجْدَةِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَمِمَّا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ وَهُوَ مِمَّا يُشْبِهُهَا اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ وَعَكْسُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْأَكْثَرُونَ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَأَنَا أَرَى تَقْدِيمَهُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَمُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ لَكِنِّي أَذْكُرُهَا مُخْتَصَرَةً فَإِنْ وَصَلَتْ بَابَ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ بَسَطْتُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كان شيخي يذكر ههنا اقْتِدَاءَ الشَّافِعِيِّ بِالْحَنَفِيِّ قَالَ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُ فَإِذَا تَوَضَّأَ حَنَفِيٌّ وَاقْتَدَى بِهِ شَافِعِيٌّ وَالْحَنَفِيُّ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَقِدُهَا فَثَلَاثَةُ أوجه أحدها وهو قول الاستاذ أبى اسحق الاسفرايني لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ وَإِنْ نَوَى فَلَا يَرَاهَا وَاجِبَةً فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ فَلَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ القفال يصح وان لم ينولان كُلَّ وَاحِدٍ مُؤَاخَذٌ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ رَحْمَةٌ: وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حامد

الاسفراينى إنْ نَوَى صَحَّ وَإِلَّا فَلَا: فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْمُخْتَارُ وَجْهٌ رَابِعٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْحَنَفِيِّ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ إخْلَالُهُ بِمَا نَشْتَرِطُهُ وَنُوجِبُهُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ خَلْفَ حَنَفِيٍّ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ وَيَرَاهُ ذَلِكَ الْمُصَلِّي بِأَنْ أَبْدَلَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ أَوْ مَسَّ فرجا أو امرأة فعند الاستاذ أبي اسحق وَأَبِي حَامِدٍ صَلَاةُ الشَّافِعِيِّ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَعِنْدَ الْقَفَّالِ صَحِيحَةٌ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ عَلَى خلاف مذهبه مما يصححه الشافعي بأن افتصد وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ فَاقْتَدِي بِهِ شَافِعِيٌّ فَعِنْدَ الْقَفَّالِ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي حَامِدٍ يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ وَجَدَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ وَلَمْ يَجِدَا مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَتَيَمَّمَ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرَى بُطْلَانَ صَلَاةِ صَاحِبِهِ فَأَشْبَهَ الرَّجُلَيْنِ إذَا سُمِعَ مِنْهُمَا صوت حدث تنا كراه وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْمَاءُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ حَنَفِيٌّ هَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ لم يذكرها المصنف أحداها قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَاخْتَلَطَتْ بِغَنَمِ غَيْرِهِ أَوْ اخْتَلَطَتْ رَحْلُهُ بِرِحَالِ غَيْرِهِ أَوْ حَمَامُهُ بِحَمَامِ غَيْرِهِ فَلَهُ التَّحَرِّي وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اخْتَلَطَتْ شَاتُه أَوْ حَمَامُهُ بِشَاةِ غَيْرِهِ وَحَمَامِهِ فَلَهُ أَخْذُ وَاحِدَةٍ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنْ نَازَعَهُ مَنْ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي شَاتِه وَثَوْبِهِ الْمُخْتَلَطَيْنِ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِهِ: الثَّانِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اختلطت زوجته بنساء واشتبهت لم يجزله وطئ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِالِاجْتِهَادِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كُنَّ مَحْصُورَاتٍ أَوْ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَالْأَبْضَاعُ يُحْتَاطُ لَهَا وَالِاجْتِهَادُ خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ: وَلَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ مَحَارِمِهِ

بِنِسْوَةٍ فَإِنْ كُنَّ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ كَنِسْوَةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى اجْتِهَادٍ كَمَا لَوْ غُصِبَتْ شَاةٌ وَذُبِحَتْ فِي بَلَدٍ لَا يَحْرُمُ اللحم بسببها لا نغمارها فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كُنَّ مَحْصُورَاتٍ كَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَوْ اجْتَهَدَ: وَالثَّانِي يَجُوزُ سَوَاءٌ اجْتَهَدَ أَمْ لَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: الثَّالِثَةُ إنْ اخْتَلَطَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّيَاتِ بَلَدٍ أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَكْلُ بَعْضِ الْمُذَكَّيَاتِ وَالْوُضُوءُ بِبَعْضِ الْأَوَانِي وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ يَنْتَهِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ أَحَدُهُمَا إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الجميع الاتمرة وَلَا يَحْنَثُ: وَالثَّانِي يَجُوزُ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرٌ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَاطُ بِهِ ابْتِدَاءً مُنِعَ الْجَوَازُ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِمِثْلِهِ فِيمَا لَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْضٍ وَنَحْوِهَا وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: الرَّابِعَةُ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ لَهُ دَنَّانِ فِي أَحَدِهِمَا دَبْسٌ وَفِي الْآخَرِ خَلٌّ وَاغْتَرَفَ مِنْهُمَا فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ ثُمَّ رَأَى فِي الْإِنَاءِ فَأْرَةً مَيْتَةً لَا يَعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ تَحَرَّى فِي الدَّنَّيْنِ فَإِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا وَنَجَاسَةِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ اغْتَرَفَ بِمِغْرَفَتَيْنِ فَاَلَّذِي أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَتِهِ طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجَسٌ وَإِنْ كَانَ بِمِغْرَفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ ظَهَرَ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الفأرة كانت في الثاني فالاول باق على طَهَارَتِهِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ فَهُمَا نَجَسَانِ: الْخَامِسَةُ إذَا اشْتَبَهَ الْمَاءَانِ فَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَبَانَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ طَاهِرٌ فَقَدْ حَكَى الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمُسْتَظْهِرِيِّ ثُمَّ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يصح وضوءه في اختيار الشيخ أبي اسحق الْمُصَنِّفَ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فَهُوَ كَالْمُصَلِّي إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ وَافَقَ الْقِبْلَةَ وَكَذَا مَنْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَالَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ

يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إصَابَةُ الطَّاهِرِ وَقَدْ حَصَلَ قَالَ الشَّاشِيُّ وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ شاكا في شرطها فوزانه لَوْ صَلَّى هُنَا قَبْلَ بَيَانِ طَهَارَةِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي نَفْسِهَا عِبَادَةٌ وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا شَاكًّا فِي شَرْطِهَا فَكَانَ مُتَلَاعِبًا (قُلْتُ) وَقَدْ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ في فتاويه بصحة وضؤه والمختار بطلان وضؤه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَصْلٌ (تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ شُكِيَ إلَيْهِ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إليه الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ ريحا قال أَصْحَابُنَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَطْرَدَةٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا مَسَائِلُ يَسِيرَةٌ لِأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَبَعْضُهَا إذَا حُقِّقَ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا وَسَأَذْكُرُهَا الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ أَوْ مَائِعٌ آخَرُ مِنْ لَبَنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ طَبِيخٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَصِيرٍ أَوْ غَيْرِهَا مما أصله الطهارة وتردد في نجاسة فَلَا يَضُرُّ تَرَدُّدُهُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ مُسْتَوِيًا أَوْ تَرَجَّحَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ النَّجَاسَةُ حُكِمَ بِهَا (1) وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ طَهَارَةٍ أَوْ حَيْضِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فَلَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُهُ شئ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَسْتَنِدْ الظَّنُّ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ اسْتَنَدَ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ إذَا تَغَيَّرَ وَمَسْأَلَةُ الْمَقْبَرَةِ الْمَشْكُوكِ فِي نَبْشِهَا وَثِيَابُ الْمُتَدَيِّنِينَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَهَا أَحْكَامٌ مَعْرُوفَةٌ فَفِي بَعْضِهَا يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ بِلَا خِلَافٍ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ (2) وَشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الظَّنَّ وَتَقَدَّمَ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي بَعْضِهَا

_ (1) قال في الام ولو كان ماء فظن ان النجاسة خالطته فنجس ولم يستيقن فالماء على الطهارة وله ان يتوضأ به ويشربه حتى يستيقن مخالطة النجاسة هذا لفظه (2) قد تقدم في مسألة بول الحيوان خلاف وتفصيل من بعض الاصحاب اه من هامش نسخة الاذرعي

قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ فِي آنِيَةِ الْكُفَّارِ المتدينين باستعمال النجاسة وجهين أنها مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالثَّانِي بِطَهَارَتِهَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَشْكُوكِ فِي نَبْشِهَا قَالُوا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ تَعَارُضُ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ فَأَيُّهُمَا يُرَجَّحُ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ وَبَالَغَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى هَذَا فَأَجْرَوْا قَوْلَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ ثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ وَشَبَهِهِمْ مِمَّنْ يُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلَا يَتَصَوَّنُ مِنْهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَطَرَّدُوهَا فِي طِينِ الشَّوَارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ وابع بَعْضُهُمْ فَطَرَّدَهَا فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَلْ تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فِيهِ قَوْلَانِ وَالرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا كُلِّهِ طَرِيقَةُ العراقيين وهي القطع بطهارة كل هذا وشبهه وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى طَهَارَةِ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ فِي مَوَاضِعَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ تَعَارَضَ فِيهَا أَصْلٌ وَظَاهِرٌ أَوْ أَصْلَانِ فَفِيهَا قَوْلَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَشْرَافِ على غوامض الحكومات وهذا الاصلاق الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا حَقِيقَةَ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ لَنَا مَسَائِلَ يُعْمَلُ فِيهَا بالظن بلا خلاف كشهادة عَدْلَيْنِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الظَّنَّ وَيُعْمَلُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ ولا ينظر إلى أصلى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَكَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ وَأَشْبَاهِهَا وَمَسَائِلُ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَحْدَثَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا لَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ فِيهَا كُلُّهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْبَقَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ الطلاق والعتق والركعة الرابعة واشتباهها بَلْ الصَّوَابُ فِي الضَّابِطِ مَا حَرَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ إذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ أَوْ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ وَجَبَ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ كَمَا فِي تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّاجِحِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلُ الظَّاهِرِ حُكِمَ بِهِ كَإِخْبَارِ عَدْلٍ بِالنَّجَاسَةِ وكبول الظبية وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلُ الْأَصْلِ حُكِمَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو. قَالَ إمَامُ الحرمين ما يتردد في طهارته ونجاسة مِمَّا أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ طَهَارَتُهُ فَالْوَجْهُ الْأَخْذُ بِطَهَارَتِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْإِنْسَانُ طَلَبَ يَقِينِ

الطهارة فلا حرج بشرط لَا يَنْتَهِيَ إلَى الْوَسْوَاسِ الَّذِي يُنَكِّدُ عَيْشَهُ وَيُكَدِّرُ عَلَيْهِ وَظَائِفَ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْمُنْتَهَى إلَى ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَسَالِكِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ قَالَ وَالْوَسْوَسَةُ مَصْدَرُهَا الْجَهْلُ بِمَسَالِكِ الشَّرِيعَةِ أَوْ نُقْصَانٌ فِي غَرِيزَةِ الْعَقْلِ * الْقِسْمُ الثَّانِي مَا اسْتَوَى في طهارته ونجاسته التقدير ان فَيَجُوزُ الْأَخْذُ بِطَهَارَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِنْسَانُ كَانَ مُحْتَاطًا: الثَّالِثُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا طَهَارَتُهُ وَالثَّانِي نَجَاسَتُهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ على اطلاقه بل هو على مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كِتَابَ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ وَهُوَ كِتَابٌ نَافِعٌ كَثِيرُ النَّفَائِسِ وَسَأَنْقُلُ مِنْهُ مَقَاصِدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَاشْتَدَّ إنْكَارُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا جَدِيدًا حَتَّى يَغْسِلَهُ لِمَا يَقَعُ مِمَّنْ يُعَانِي قِصَرَ الثِّيَابِ وَتَجْفِيفِهَا وَطَيِّهَا مِنْ التَّسَاهُلِ وَإِلْقَائِهَا وَهِيَ رطبة علي الارض النجسة ومباشرتها لها يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ نَجَاسَتُهُ وَلَا يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَرُورِيَّةِ الْخَوَارِجِ اُبْتُلُوا بِالْغُلُوِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَبِالتَّسَاهُلِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ قَالَ وَمَنْ سَلَكَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ يَعْتَرِضُ عَلَى أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْجَدِيدَةَ قَبْلَ غَسْلِهَا وَحَالُ الثِّيَابِ فِي ذَلِكَ فِي أَعْصَارِهِمْ كَحَالِهَا فِي عَصْرِنَا بِلَا شَكٍّ ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَمَرْتُ بِغَسْلِهَا أَكُنْتَ تَأْمَنُ فِي غَسْلِهَا أَنْ يُصِيبَهَا مِثْلَ هَذِهِ النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ فَإِنْ قُلْتَ أَنَا أَغْسِلُهَا بِنَفْسِي فَهَلْ سَمِعْتَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ وَجَّهُوا عَلَى الْإِنْسَانِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ أَوْ النَّدْبِ والاحتياط غَسْلَ ثَوْبِهِ بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا مِنْ أَوْهَامِ النَّجَاسَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةَ نَبَغَ قَوْمٌ يَغْسِلُونَ أَفْوَاهَهُمْ إذَا أَكَلُوا خُبْزًا وَيَقُولُونَ الْحِنْطَةُ تُدَاسُ بِالْبَقَرِ وَهِيَ تَبُولُ وَتَرُوثُ فِي الْمَدَاسَةِ أَيَّامًا طَوِيلَةً وَلَا يَكَادُ يَخْلُو طَحِينُ ذَلِكَ عَنْ نَجَاسَتِهِ قَالَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْغُلُوِّ وَالْخُرُوجِ عَنْ عَادَةِ السَّلَفِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ فِي الْأَعْصَارِ

السَّالِفَةِ مَا زَالُوا يَدْرُسُونَ بِالْبَقَرِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ هَذَا الْعَصْرِ وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ ذَوِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ أَنَّهُمْ رَأَوْا غَسْلَ الْفَمِ مِنْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْقَمْحِ الْمُتَنَجِّسِ بِذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَمْحِ السَّالِمِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَدْ اشْتَبَهَ إذَنْ وَاخْتَلَطَ قَمْحٌ قَلِيلٌ نَجِسٌ بِقَمْحٍ طَاهِرٍ لَا يَنْحَصِرُ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ التَّنَاوُلُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءٍ لَا يَنْحَصِرْنَ فَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَفِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ فِي شَرْحِهِ لِلْمِفْتَاحِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ تَعَيَّنَ مَا سَقَطَ الرَّوْثُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الدِّرَاسِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ أَوْ غيره شئ مِنْ لُعَابِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَعَرَقِهَا جَازَتْ صلاته قَالَ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَزَالُ تَتَمَرَّغُ فِي الْأَمْكِنَةِ النَّجِسَةِ وَتَحُكُّ بِأَفْوَاهِهَا قَوَائِمُهَا الَّتِي لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّا لَا نَتَيَقَّنُ نَجَاسَةَ عَرَقِهَا وَلُعَابِهَا لِأَنَّهَا تَخُوضُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ وَتَكْرَعُ فِيهِ كَثِيرًا فَغَلَّبْنَا أَصْلَ الطَّهَارَةِ فِي لُعَابِهَا وَعَرَقِهَا قَالَ وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُمْ يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فِي الْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ وَلَا يَكَادُ يَنْفَكُّ الرَّاكِبُ في مثل ذلك عن أن يصيبه شئ مِنْ عَرَقِهَا أَوْ لُعَابِهَا وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِي ثِيَابِهِمْ الَّتِي رَكِبُوا فِيهَا وَلَمْ يُعِدُّوا ثَوْبَيْنِ ثَوْبًا لِلرُّكُوبِ وَثَوْبًا لِلصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) سئل الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح في فتاويه عن جوخ حُكِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَهَا يَجْعَلُونَ فِيهَا شَحْمَ خِنْزِيرٍ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ فَقَالَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا بِيَدِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يُحْكَمْ بِالنَّجَاسَةِ وَسُئِلَ عَنْ بَقْلٍ فِي أَرْضٍ نَجِسَةٍ أَخَذَهُ الْبَقَّالُونَ وَغَسَلُوهُ غَسَلَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي التَّطْهِيرِ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَا يُصِيبُهُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ فَقَالَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَةُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَقْلِ بِأَنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ مِمَّا ارْتَفَعَ عَنْ مَنْبَتِهِ النَّجَسِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ لِتَظَاهُرِ أَصْلَيْنِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَسُئِلَ عن

الْأَوْرَاقِ الَّتِي تُعْمَلُ وَتُبْسَطُ وَهِيَ رَطْبَةٌ عَلَى الْحِيطَانِ الْمَعْمُولَةِ بِرَمَادٍ نَجَسٍ وَيُنْسَخُ فِيهَا وَيُصِيبُ الثوب من ذلك المداد الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ فِيهَا مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فَقَالَ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ وَسُئِلَ عَنْ قَلِيلِ قَمْحٍ بَقِيَ فِي سُفْلِ هُرْيٍ وَقَدْ عَمَّتْ البلوى ببعر الفأر فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ نَجَاسَةً فِي هَذَا الْجُبِّ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي طِينِ الشَّوَارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ: وَالثَّانِي بِطَهَارَتِهِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ قَالَ الْإِمَامُ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ وَإِذَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَةَ طِينِ الشَّوَارِعِ فَلَا خِلَافَ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ الَّذِي يَلْحَقُ ثياب الطارقين فان الناس لابد لَهُمْ مِنْ الِانْتِشَارِ فِي حَوَائِجِهِمْ فَلَوْ كَلَّفْنَاهُمْ الْغُسْلَ لَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ وَلِهَذَا عَفَوْنَا عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَثَرَاتِ: قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ الْقَلِيلُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مَا لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى كَبْوَةٍ أَوْ عَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ تُحْفَظُ عَنْ الطِّينِ (فَرْعٌ) مَاءُ الْمِيزَابِ الَّذِي يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ وَلَا نَجَاسَتُهُ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي طِينِ الشَّوَارِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ انْغَسَلَتْ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى طَهَارَةِ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ فِي مَوَاضِعَ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَهُوَ حَامِلُ أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ طِفْلَةٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَكَذَا يَجُوزُ مُؤَاكَلَةُ الصِّبْيَانِ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ طَبِيخٍ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ وَأَكْلُ فَضْلِ مَائِعٍ أَكَلَ منه صبى وصبية ما لك يَتَيَقَّنْ نَجَاسَةَ يَدِهِ فَإِنَّ يَدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ الصَّبِيِّ طَبِيخًا وَلَمْ تَزَلْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غير انكار

وَكَذَا رِيقُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ يُكْثِرُ مِنْهُ وَضْعُ النَّجَاسَةِ فِي فَمِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُتَيَقَّنَ نَجَاسَتُهُ (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِيمَا عُلِمَ أَنَّ أَصْلَهُ الطَّهَارَةُ وَشَكَّ فِي عُرُوضِ نَجَاسَتِهِ أَمَّا مَا جُهِلَ أَصْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ مَسَائِلَ يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْضُهَا وَيُنْكَرُ بَعْضٌ فَقَالَ لَوْ كَانَ مَعَهُ إنَاءُ لَبَنٍ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ لَبَنُ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ رَأَى حَيَوَانًا مَذْبُوحًا وَلَمْ يَدْرِ أَذْبَحَهُ مُسْلِمٌ أَمْ مَجُوسِيٌّ أَوْ رَأَى قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَّ هَلْ هِيَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَجَدَ نَبَاتًا وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ سُمٌّ قَاتِلٌ أَمْ لَا فَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي: فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُذَكَّاةِ وَقِطْعَةُ اللَّحْمِ فَعَلَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبَاحُ بِذَكَاةِ أَهْلِ الذَّكَاةِ وَشَكَكْنَا فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّبَاتِ وَاللَّبَنِ وَشَبَهِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ لِأَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَكُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَمْ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لاحكم قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْإِنْسَانِ في شئ يَفْعَلُهُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا حَرَجٍ وَلَا نُسَمِّيهِ مُبَاحًا لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يَدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ الشَّرْعِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ (1) سَبَبُ التَّحْرِيمِ وَيُشْبِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِيمَا إذَا وَجَدْنَا حَيَوَانًا لَا يُعْرَفُ أَهُوَ مَأْكُولٌ أَمْ لَا وَلَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَلَا تَسْتَخْبِثُهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْمُسْتَطَابِ وَالْمُسْتَخْبَثِ فَهَلْ يُحَلُّ أَكْلُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا بَنَاهُمَا الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قِطْعَةِ اللَّحْمِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي الْحُكْمَ بِتَحْرِيمِهَا وَقَالَ شَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِيهَا تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ لَوْ وَجَدَ

_ (1) هذا وقع لنا في الكتاب في النسخ المقابلة بخط المصنف رحمه الله وفيه خلل ظني أن صورته أو معناه هكذا لم نحكم عليه بتحريم ولا اباحة وان قلنا بالاباحة اه اذرعي

قِطْعَةَ لَحْمٍ مُلْقَاةٍ وَجَهِلَ حَالَهَا فَإِنْ كَانَتْ مُلْقَاةً عَلَى الْأَرْضِ غَيْرِ مَلْفُوفَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مَيْتَةٌ وَقَعَتْ مِنْ طَائِرٍ وَنَحْوِهِ فتكون حراما وان كانت فمكتل أَوْ خِرْقَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ فَتَكُونُ حَلَالًا إلَّا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَاخْتَلَطُوا بِالْمُسْلِمِينَ فَلَا تُبَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالشَّكِّ فِي الْأَشْيَاءِ أَنَّ حُكْمَ الْيَقِينِ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ خَرَجَتْ لا دلة خَاصَّةٍ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَبَعْضُهَا إذَا حُقِّقَ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا وَقَدْ انْدَرَجَ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ جُمْلَةٌ فِيمَا سَبَقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَمَسْأَلَةِ الظبية ونحوها فقد ذكر أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصُ أَنَّ كُلَّ مَنْ شك في شئ هَلْ فَعَلَهُ أَمْ لَا فَهُوَ غَيْرُ فَاعِلٍ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُزَالُ حُكْمُ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ إلَّا فِي إحْدَى عَشْرَةً مَسْأَلَةً إحْدَاهَا إذَا شك ما سح الخف هل انقضت المدة أم لا: الثانية شَكَّ هَلْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ أَمْ فِي السَّفَرِ يُحْكَمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ: الثَّالِثَةُ إذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ خَلْفَ مَنْ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ: الرَّابِعَةُ بَالَ حَيَوَانٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَلَمْ يَدْرِ أَتَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَمْ بِغَيْرِهِ فَهُوَ نَجَسٌ: الْخَامِسَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ عِنْد كُلِّ صَلَاةٍ تَشُكُّ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَهَا: السَّادِسَةُ مَنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ كُلُّهُ: السَّابِعَةُ شَكَّ مُسَافِرٌ أَوَصَلَ بَلَدَهُ أَمْ لَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ الثَّامِنَةُ شَكَّ مُسَافِرٌ هَلْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَمْ لَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ: التَّاسِعَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ انْقَطَعَ حَدَثُهُ أَمْ لَا فَصَلَّى بِطَهَارَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ: الْعَاشِرَةُ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَأَى شَيْئًا لَا يَدْرِي أَسْرَابٌ هُوَ أَمْ مَاءٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ بَانَ سَرَابًا: الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ فَوَجَدَهُ مَيْتًا وَشَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ رَمْيَةٌ أُخْرَى مِنْ حَجَرٍ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبًا * هَذِهِ مَسَائِلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ لِلتَّلْخِيصِ قَدْ خَالَفَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ

الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فِي مَسْحِ الخف قال اصحابنا بنا لَمْ يُتْرَكْ فِيهِمَا الْيَقِينُ بِالشَّكِّ بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ وَشَرْطُ الْمَسْحِ بَقَاءُ الْمُدَّةِ وَشَكَكْنَا فِيهِ فَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ الْغَسْلِ هَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: قَالَ الْقَفَّالُ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ لِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِشَرْطٍ فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ: قَالَ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَغَيُّرُهُ بِالْبَوْلِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ تَرَكَ الْأَصْلَ بِظَاهِرٍ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً: قَالَ وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ تَرْكُ أَصْلٍ بِشَكٍّ بَلْ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَإِذَا شَكَّتْ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَصَلَّتْ بِلَا غسل لم تستيقن الْبَرَاءَةَ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: قَالَ وَأَمَّا السَّادِسَةُ فَلَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِطَهَارَةٍ عَنْ هَذِهِ النَّجَاسَةِ فَمَا لَمْ يَغْسِلْ الْجَمِيعَ هُوَ شَاكٌّ فِي زَوَالِ مَنْعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ * قَالَ وَأَمَّا السَّابِعَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي زَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ تَرْكَ يَقِينٍ بِشَكٍّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ فِيهِ نَظَرٌ: وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ * قَالَ وَأَمَّا الثَّامِنَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ بَلْ الْأَصْلُ الْإِتْمَامُ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ سَبَبَ الرُّخْصَةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ: وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: وَأَمَّا التَّاسِعَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكِّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا شَكَّتْ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَقَدْ شَكَّتْ فِي السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَرَجَعَتْ إلَى أَصْلِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: وَأَمَّا الْعَاشِرَةُ فَحُكْمُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّيَمُّمُ بِرُؤْيَةِ السَّرَابِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ وَإِذَا تَوَجَّهَ الطَّلَبُ بَطَلَ التَّيَمُّمُ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ: قَالَ وَأَمَّا

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ فَفِي حِلِّ الصَّيْدِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَحِلُّ فَلَيْسَ تَرْكُ يَقِينٍ بِشَكٍّ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَقَدْ شَكَكْنَا فِي الْإِبَاحَةِ قَالَ الْقَفَّالُ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالصَّوَابُ فِي أَكْثَرِهَا مَعَ أَبِي الْعَبَّاسِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ استثني صاحب التلخليص مَسَائِلَ مِمَّا يُتْرَكُ فِيهَا الْيَقِينُ بِالشَّكِّ قَالَ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمُسْتَفَادَ مِنْهَا وَنَحْذِفُ مَا لَا يُشْكِلُ قَالَ فَمِمَّا اسْتَثْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ لَوْ شكوا في انقضاء الوقت يوم الجمعة (1) يُصَلُّوا جُمُعَةً وَلَمْ يَسْتَصْحِبُوا الْيَقِينَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا مَسْأَلَتَيْ الْخُفِّ وَمَسْأَلَتَيْ شَكِّ الْمُسَافِرِ فِي وصول بلده ونية الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَزِدْ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا اقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنَقَلَ خِلَافًا فِي مَسْأَلَتَيْ الْمُسَافِرِ دُونَ الْمَسْحِ وَالْجُمُعَةِ * قَالَ الْإِمَامُ لَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ وَوَقْتَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ شَكٌّ لَاحَ تَعَيَّنَ الرَّدُّ إلَى الْأَصْلِ * وَأَمَّا وُصُولُ دَارِ الْإِقَامَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْإِقَامَةِ فَمُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الشَّاكِّ وَمِنْهُ تَتَلَقَّى مَعْرِفَتَهُ فَإِذَا جَهِلَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا * قَالَ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ: وَمِمَّا لَمْ يَسْتَثْنِهِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ مَسَحَ رَأْسَهُ مَثَلًا أم لا وفيه وجهان الاصح صحة وضوءه وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَسْحِ وَمِثْلُهُ لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الخراسانيين * اصحها وبه قطع العراقيون لا شئ عَلَيْهِ وَمَضَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنْ تَكَلَّفَ مُتَكَلِّفٌ وَقَالَ الْمَسْأَلَتَانِ دَاخِلَتَانِ فِي الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ شَكَّ هَلْ تَرَكَ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فليس تكلفه بشئ لِأَنَّ التَّرْكَ عَدَمٌ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ وَإِنَّمَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَمْ يُعْمَلْ بِالْأَصْلِ * وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ فَرَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً وَاحْتَمَلَ حُصُولُهَا فِي الصَّلَاةِ وَحُدُوثُهَا بَعْدَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بَلْ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الاصل

_ (1) مسألة لم يستثنها في التلخيص ولعله استثناها في غيره

باب الآنية

عَدَمُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهَا لِدُخُولِهَا فِي الْقَاعِدَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَحَقَّقَتْ النَّجَاسَةُ وَشَكَّ فِي انْعِقَادِ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبَقَاؤُهَا فِي الذِّمَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * بَابُ (الْآنِيَةِ) (كُلُّ حَيَوَانٍ نَجِسَ بِالْمَوْتِ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَهُوَ مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَلِأَنَّ الدِّبَاغَ يَحْفَظُ الصِّحَّةُ عَلَى الْجِلْدِ وَيَصْلُحُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْحَيَاةِ ثُمَّ الْحَيَاةُ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ الْجِلْدِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ: وَأَمَّا الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُمَا بِالدِّبَاغِ لِأَنَّ الدِّبَاغَ كَالْحَيَاةِ ثُمَّ الْحَيَاةُ لَا تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ الْكَلْبِ والخنزير فكذلك الدباغ) * (الشَّرْحُ) الْآنِيَةُ جَمْعُ إنَاءٍ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ الْأَوَانِي فَالْإِنَاءُ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ آنِيَةٌ وَالْأَوَانِي جَمْعُ الْجَمْعِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ إلَّا مَجَازًا وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْآنِيَةَ فِي الْمُفْرَدِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُ الْإِنَاءِ آنِيَةٌ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ الْأَوَانِي كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ وَأَسَاقٍ * وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَمَّا مُسْلِمٌ فَذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَمَّا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فَفِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيِّ فِي الذَّبَائِحِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَقَلِيلِينَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَآخَرِينَ فَفِيهَا إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ وَاخْتِلَافَ ألفاظه في كتابه جَامِعِ السُّنَّةِ: وَيُقَالُ طَهُرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَأَمَّا الْإِهَابُ بِكَسْرِ

الْهَمْزَةِ فَجَمْعُهُ أُهُبٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَأَهَبٌ بفتحها لُغَتَانِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِيهِ فَقَالَ إمَامُ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِهَابُ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ وَحَكَاهُ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَكَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ الْجِلْدُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمَا لَمْ يُدْبَغْ: الْخِنْزِيرُ مَعْرُوفٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي نُونِهِ هَلْ هِيَ زَائِدَةٌ أَمْ أَصْلِيَّةٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَكُلُّ حَيَوَانٍ نَجِسَ بِالْمَوْتِ فَمَعْنَاهُ حَكَمْنَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَنَّهُ نَجَسٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ فَلِهَذَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَزَعَمَ أَنَّ بِقَوْلِهِ نَجِسَ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ بَلْ كَانَ نَجِسًا قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ نَجَاسَتُهُ هَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا حَصَلَ الْإِنْكَارُ لِحَمْلِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَكُلُّ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. وَسَنَذْكُرُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ: وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِنَجَسٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ قَالَ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالدَّبْغِ بِسَبَبِ الزُّهُومَةِ الَّتِي فِي الْجِلْدِ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ فَيُؤْمَرُ بِالدَّبْغِ لا زالتها كَمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ وَغَايَةِ الشُّذُوذِ وَفَسَادُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دبغ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِلْدَ نَجَسُ الْعَيْنِ فَتُحْمَلُ الطَّهَارَةُ فِيهِ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمُجَاوَرَةِ بِالزُّهُومَةِ كَمَا يُقَالُ طَهُرَ ثَوْبُهُ إذَا غُسِلَ مِنْ النَّجَاسَةِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لَيْسَ له دليل يعضده ولا حجة تَسْنُدُهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ وَتَخْصِيصُهُ الْجِلْدَ بِالطَّهَارَةِ دُونَ بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ دَلِيلٌ عَلَى تناقض قوله

وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ نَجَسٌ وَكَذَا صَرَّحَ بِنَقْلِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ آخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَقَوْلُهُ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهَا بِالدِّبَاغِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ جِلْدُهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إلَى النَّوْعَيْنِ وَقَوْلُهُ جِلْدُهَا يَعُودُ إلَى الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَاَللَّذَانِ بَعْدَهُمَا * وَأَمَّا قَوْلُهُ كُلُّ حَيَوَانٍ نَجِسَ بِالْمَوْتِ فَاحْتِرَازٌ مِمَّا لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَبْقَى طَاهِرًا وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْجَنِينُ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ أَوْ السَّهْمُ بِشَرْطِهِ وَالْخَامِسُ الْآدَمِيُّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَهَذِهِ مَيْتَاتٌ طَاهِرٌ لَحْمُهَا وَجِلْدُهَا فَأَمَّا الْجَرَادُ فَلَا جِلْدَ لَهُ وَالسَّمَكُ مِنْهُ مَا لَا جِلْدَ لَهُ وَمِنْهُ مَا لَهُ جِلْدٌ كَعَظِيمِ حِيتَانِ الْبَحْرِ وَالْجَنِينُ وَالصَّيْدُ لَهُمَا جِلْدٌ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا دِبَاغِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ مِنْ بَيْعٍ وَاسْتِعْمَالٍ فِي يَابِسٍ وَرَطْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَجِلْدُهُ طَاهِرٌ لَكِنْ لا يجوز استعمال جلده ولا شئ مِنْ أَجْزَائِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَصَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَخَلَائِقُ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الاستذ كار لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ أَنَّ دِبَاغَ جُلُودِ بَنِي آدَمَ وَاسْتِعْمَالَهَا حَرَامٌ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو محمد علي بن احمد بن سعيد ابن حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ سَلْخِ جِلْدِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِعْمَالِهِ: وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْآدَمِيَّ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ فَجِلْدُهُ نَجِسٌ وَهَلْ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَطْهُرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ جِلْدٍ نَجِسَ بِالْمَوْتِ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ وَدَلِيلُهُ عُمُومُ الْحَدِيثِ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ لِأَنَّ دِبَاغَهُ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَحْرُمُ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ حُصُولُ الِامْتِهَانِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ وَأَغْرَبَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى دِبَاغُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ) هِيَ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ شئ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ المبارك وأبي داود واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَالثَّالِثُ يَطْهُرُ بِهِ كُلُّ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَالرَّابِعُ يَطْهُرُ بِهِ الْجَمِيعُ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخَامِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ: وَالسَّادِسُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جَمِيعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا قاله دَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَالسَّابِعُ يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بِلَا دِبَاغٍ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ حَكَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: وَاحْتَجَّ لِأَحْمَدَ وَمُوَافِقِيهِ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وَهُوَ عَامٌّ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بشهر أن لا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَتُهُمْ قَالُوا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الميتة فلم يطهر بشئ كَاللَّحْمِ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَجِسَ بِهِ هُوَ الْمَوْتُ وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ لَا يَزُولُ بِالدَّبْغِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَأَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ (هَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ أَمَّا مُسْلِمٌ فَرَوَاهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْهَا كِتَابُ الزَّكَاةِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ وَالْحُفَّاظِ

جَعَلَهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ كَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوَاضِعُهُ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مسكها ثم مازلنا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هكذا ورواه أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَتْ فُلَانَةُ تَعْنِي الشَّاةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا فَقَالَتْ نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ * وَبِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيِّ فِي الذَّبَائِحِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ مَيْتَةٌ فَقَالَ دِبَاغُهُ يَذْهَبُ بِخَبَثِهِ أَوْ نَجَسِهِ أَوْ رِجْسِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ * وَبِحَدِيثِ جَوْنِ بِفَتْحِ الْجِيمِ ابْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ قَالَتْ مَا عِنْدِي إلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ جَوْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ مَعْرُوفٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ وَلِأَنَّهُ جِلْدٌ طَاهِرٌ طَرَأَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَجَازَ أَنْ يَطْهُرَ كَجِلْدِ الْمُذَكَّاةِ إذَا تَنَجَّسَ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّتْهَا السُّنَّةُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ هَذَا لِقَوْلِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ هَذَا آخِرُ الْأَمْرِ قَالَ ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ حَيْثُ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ جُهَيْنَةَ: هَذَا

كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَرُوِيَ بِشَهْرَيْنِ وَرُوِيَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وابن عكيم ليس بصاحبي وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ الدِّبَاغِ وَوَهَّنُوا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ ابْنَ عُكَيْمٍ لَمْ يلق النبي صلى الله لعيه وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ كِتَابٍ أَتَاهُمْ وَعَلَّلُوهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَعَنْ مَشْيَخَةٍ مَجْهُولِينَ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُمْ إذَا عُرِفَ هَذَا: فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ كَمَا سَبَقَ وَكَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ احمد ولا يقدح في هذين الجوابين قبول التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ قَالَهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَجْهَ ضَعْفِهِ كَمَا سَبَقَ: الثَّالِثُ أَنَّهُ كِتَابٌ وَأَخْبَارُنَا سَمَاعٌ وَأَصَحُّ إسْنَادًا وَأَكْثَرُ رُوَاةً وَسَالِمَةٌ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَهِيَ أَقْوَى وَأَوْلَى: الرَّابِعُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي النَّهْيِ وَأَخْبَارُنَا مُخَصِّصَةٌ لِلنَّهْيِ بِمَا قَبْلَ الدِّبَاغِ مُصَرِّحَةٌ بِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ: وَالْخَامِسُ أَنَّ الْإِهَابَ الْجِلْدُ قَبْلَ دِبَاغِهِ وَلَا يُسَمَّى إهَابًا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَأَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلْ النَّهْيُ لِمَا قَبْلَ الدِّبَاغِ تَصْرِيحًا: فَإِنْ قَالُوا خَبَرُنَا مُتَأَخِّرٌ فَقُدِّمَ: فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ تَأَخُّرَهُ عَلَى أَخْبَارِنَا لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرٍ: الثَّانِي أَنَّهُ رُوِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَرُوِيَ شَهْرَيْنِ وَرُوِيَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَمَا سَبَقَ وَكَثِيرٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا تَارِيخٌ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَحَصَلَ فيه نوع اضطراب فليبق فِيهِ تَارِيخٌ يُعْتَمَدُ: الثَّالِثُ لَوْ سَلِمَ تَأَخُّرَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَأَخْبَارُنَا خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ الْجَمَاهِيرِ مِنْ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى اللَّحْمِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ نُصُوصٍ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ والثاني ان الدباغ في اللحم لا يتأنى وَلَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ بَلْ يَمْحَقُهُ بِخِلَافِ الْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُنَظِّفُهُ وَيُطَيِّبُهُ وَيُصَلِّبُهُ: وَبِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ يجاب

عَنْ قَوْلِهِمْ الْعِلَّةُ فِي التَّنْجِيسِ الْمَوْتُ وَهُوَ قَائِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَاحْتَجَّ لَهُمْ بِمَا رَوَى أَبُو الْمَلِيحِ عَامِرُ بن اثامة عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفْتَرَشَ قَالُوا فَلَوْ كَانَتْ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لَمْ يَنْهَ عَنْ افتراشها مطلقا: وبحديث سلمة ابن المحبق الذى قدمناه (دباغ الادم ذكاته) قالوا وذكاة مالا يُؤْكَلُ لَا تُطَهِّرُهُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ فَلَمْ يَطْهُرْ جِلْدُهُ بِالدَّبْغِ كَالْكَلْبِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فقد طهر وبحديث إذا دبع الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ وَهُمَا عَامَّانِ لِكُلِّ جِلْدٍ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ: وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْعَامَّةِ فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا إلَّا مَا أَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِهِ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنْ قَالُوا جِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يُسَمَّى إهَابًا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ الْخَطَّابِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خِلَافُ لُغَةٍ الْعَرَبِ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ جَعَلَتْ الْعَرَبُ جِلْدَ الْإِنْسَانِ إهَابًا وَأَنْشَدَ فِيهِ قَوْلَ عَنْتَرَةَ * فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ إهَابَهُ * أَرَادَ رَجُلًا لَقِيَهُ فِي الْحَرْبِ فَانْتَظَمَ جِلْدَهُ بِسِنَانِ رُمْحِهِ وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَبْيَاتًا كَثِيرَةً مِنْهَا قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ * لَا يَدَّخِرَانِ مِنْ الْإِيغَامِ بَاقِيَةً * * حَتَّى تَكَادَ تُفْرَى عَنْهُمَا الْأُهُبُ * وَعَنْ عَائِشَةَ فِي وَصْفِهَا أَبِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ وَحَقَنَ الدِّمَاءَ فِي أُهُبِهَا تدماء الناس وهذا مشهور لا حاجة إلى الا طالة فِيهِ وَلِأَنَّهُ جِلْدُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ الْمَأْكُولَ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرُهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهَا لَا يُزَالُ عَنْهَا الشَّعْرُ فِي الْعَادَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْصَدُ لِلشَّعْرِ كَجُلُودِ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ فَإِذَا دُبِغَتْ بَقِيَ الشَّعْرُ نَجِسًا فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فَلِهَذَا نُهِيَ عَنْهَا: الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الدَّبْغِ كَذَا أَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ لَا مَعْنًى لِتَخْصِيصِ السِّبَاعِ حِينَئِذٍ بَلْ كُلُّ الْجُلُودِ

فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ قبل الدبغ غالبا أو كثيرا * والجواب عن حديث سلمة أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ مُطَهِّرٌ (1) لَهُ وَمُبِيحٌ لِاسْتِعْمَالِهِ كَالذَّكَاةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْكَلْبِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَزِيدُ الدِّبَاغُ عَلَى الْحَيَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ جِلْدُ الْكَلْبِ وَدَاوُد فِي قَوْلِهِ وَالْخِنْزِيرُ فَاحْتَجَّ لَهُمَا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا فَتَرَكْتُهَا لِأَنِّي الْتَزَمْتُ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الدَّلَائِلِ الْوَاهِيَةِ (2) وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْحَيَاةَ أَقْوَى مِنْ الدِّبَاغِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ وَالدِّبَاغُ إنَّمَا يُطَهِّرُ الْجِلْدَ فَإِذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ لَا تُطَهِّرُ الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَالدِّبَاغُ أَوْلَى وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ إنَّمَا تَزُولُ بِالْمُعَالَجَةِ إذَا كَانَتْ طَارِئَةً كَثَوْبٍ تَنَجَّسَ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِلْعَيْنِ فَلَا كَالْعَذِرَةِ وَالرَّوْثِ فَكَذَا الْكَلْبُ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْأَحَادِيثِ فَأَجَابَ الاصحاب بأنها عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِغَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَجَوَابٌ آخَرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى إخْرَاجِ الْخِنْزِيرِ مِنْ الْعُمُومِ وَالْكَلْبُ فِي مَعْنَاهُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحِمَارِ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ طَاهِرٌ فِي الْحَيَاةِ فَرَدَّهُ الدِّبَاغُ إلَى أَصْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ فَاحْتَجُّوا فِي طَهَارَةِ ظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ كَحَدِيثِ إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَغَيْرِهِ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي طَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَبِحَدِيثِ سَوْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ قَالَتْ (مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا وَهُوَ جِلْدُهَا فَمَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا) حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَائِعٍ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَهُ وَإِنْ كَانُوا يُجِيزُونَ شُرْبَ الْمَاءِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ عِنْدَهُمْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ مَا طَهُرَ ظَاهِرُهُ طَهُرَ بَاطِنُهُ كَالذَّكَاةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّمَا يُؤَثِّرُ الدِّبَاغُ فِي الظَّاهِرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا نُسَلِّمُ: بَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ أَيْضًا بانتزاع الفضلات وتنشف رُطُوبَاتِهِ الْمُعَفَّنَةِ كَتَأْثِيرِهِ فِي الظَّاهِرِ: وَالثَّانِي أَنَّ ما ذكروه مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ والله أعلم *

_ (1) هذا الجواب فيه نظر لان ذكاة ما لا يؤكل لم تحصل طهارة جلده وانما الذكاة سبب لبقاء طهارته كلحمه اه من هامش الاذرعي (2) كذا يقع في كلام كثير من اصحابنا في حكاية مذهب ابي حنيفة والذي قاله الامام في الاساليب أن المأثور عن ابي حنيفة ان الكلب طاهر العين حتى قالوا لا ينجس الماء بكروعه فيه وسبيل ظاهر بدنه كسبيل الطهارات هذا لفظه اه من هامش الاذرعي

وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَاحْتَجَّ بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّبَاغَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمُطْلَقَةٌ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَاتِ الْمَشْهُورَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ مَذَاهِبَ السَّلَفِ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَسْتَنِدُ عَلَى هَذَا السِّبْرِ غَيْرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَنْ قَالَ يُؤَثِّرُ الدِّبَاغُ فِي الْمَأْكُولِ خَاصَّةً تَعَلَّقُوا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِفَادَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَطَّرِدْ مَذْهَبُهُ فِي الْخِنْزِيرِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ وَلَا يُظْهِرُ فَرْقٌ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ * وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ نَظَرَ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَشْيَاءِ الْجَائِزَةِ كَالْقَرَظِ وَغَاصَ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الجلود بالموت انها بانقطاع الحياة عنبا تَتَعَرَّضُ لِلْبِلَى وَالْعَفَنِ وَالنَّتْنِ فَإِذَا دُبِغَتْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَقَدْ بَطَلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ وَامْتَنَعَ التَّعْمِيمُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَأَرْشَدَ الدِّبَاغُ إلَى مَعْنًى يُضَاهِي بِهِ الْمَدْبُوغُ الْحَيَوَانَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ دَافِعَةٌ لِلْعَفِنِ وَالْمَوْتُ جَالِبٌ لَهُ وَالدِّبَاغُ يَرُدُّهُ إلَى مُضَاهَاةِ الْحَيَاةِ فِي السَّلَامَةِ مِنْ التَّغَيُّرِ فَانْتَظَمَ بِذَلِكَ اعْتِبَارُ الْمَدْبُوغِ بِالْحَيِّ فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَيَاةِ طَاهِرًا عَادَ جِلْدُهُ بِالدَّبْغِ طَاهِرًا وَمَا كَانَ نَجَسًا لَا يَطْهُرُ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ مِنْ نجاسة لعابه والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَيَجُوزُ الدِّبَاغُ بِكُلِّ مَا يُنَشِّفُ فُضُولَ الْجِلْدِ وَيُطَيِّبُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ وُرُودِ الْفَسَادِ عَلَيْهِ كَالشَّثِّ وَالْقَرَظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْمَلُ عَمَلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهُ فَنَصَّ عَلَى الْقَرَظِ لِأَنَّهُ يُصْلِحُ الْجِلْدَ وَيُطَيِّبُهُ فَوَجَبَ أَنْ يجوز بكل ما عمل عمله) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْإِمَامَانِ الحافظان أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا ميتة قال انما

حرام كلها أَوَ لَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِمَا بِمَعْنَاهُ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجُرُّونَ. شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الْحِمَارِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَهِّرُهَا الْمَاءَ وَالْقَرَظَ هَكَذَا جَاءَتْ روايات الحديث يطهرها بِالتَّأْنِيثِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ يُطَهِّرُهُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا وَالْقَرَظُ بِالظَّاءِ لَا بِالضَّادِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فَلَا يَضُرُّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ مُصَحَّفًا وَالْقَرَظُ وَرَقُ شَجَرِ السَّلَمِ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ وَمِنْهُ أَدِيمٌ مَقْرُوظٌ أَيْ مَدْبُوغٌ بِالْقَرَظِ قَالُوا وَالْقَرَظُ يَنْبُتُ بِنَوَاحِي تِهَامَةَ وَأَمَّا الشَّثُّ فَضَبْطُهَا فِي الْمُهَذَّبِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَوَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الازهرى هو الشبب بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مِنْ الْجَوَاهِرِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يُدْبَغُ بِهِ يُشْبِهُ الزَّاجَ قَالَ وَالسَّمَاعُ فِيهِ الشَّبُّ يَعْنِي بِالْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ صَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ الشَّثُّ يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ قال والشث بالمثلثة شجر من الطَّعْمِ لَا أَدْرِي أَيُدْبَغُ بِهِ أَمْ لَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ الشَّثُّ بِالْمُثَلَّثَةِ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّثُّ يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ * قَالَ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ الْأَمْرَانِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالدِّبَاغُ بِهِ جَائِزٌ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِالشَّبِّ وَالشَّثِّ جَمِيعًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّبِّ وَلَا الشَّثِّ ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ الدِّبَاغِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالدِّبَاغُ بِمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَدْبُغُ بِهِ وَهُوَ الشَّثُّ وَالْقَرَظُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ * وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّصُّ عَلَى الشَّثِّ وَالْقَرَظِ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَعْرِفُهُ مَرْوِيًّا قَالَ وَأَصْحَابُنَا يروون يطهره الشث والقرظ وهذا ليس بشئ *

وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّبِّ وَالْقَرَظِ بل يجوز بكل ما عمل عملهما كَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَالْعَفْصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يجوز الدباغ بكل شئ قَامَ مَقَامَ الْقَرَظِ مِنْ الْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَغَيْرِهِمَا إذَا نَظَّفَ الْفُضُولَ وَاسْتَخْرَجَهَا مِنْ بَاطِنِ الْجِلْدِ وَحَفِظَهُ مِنْ أَنْ يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الصَّنْعَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الشَّبِّ وَالْقَرَظِ كَمَا يَخْتَصُّ وُلُوغُ الْكَلْبِ بِالتُّرَابِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ أَيْضًا وَجْهًا فِي اخْتِصَاصِهِ بِالشَّثِّ وَالْقَرَظِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الدِّبَاغَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَدْبُغُ بِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ فَوَجَبَ جَوَازُهُ بِكُلِّ مَا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ أَنَّ الدِّبَاغَ إحَالَةٌ فَحَصَلَ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الْإِحَالَةُ وَالْوُلُوغُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ دَخَلَهَا التَّعَبُّدُ فَاخْتَصَّتْ بِالتُّرَابِ كَالتَّيَمُّمِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ الدِّبَاغِ بِكُلِّ مَا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَا يَحْصُلُ بِتَشْمِيسِ الْجِلْدِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَجُوز حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: وَأَمَّا التُّرَابُ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الدِّبَاغُ بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ بن ايوب الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ آخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَحْصُلُ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَرَجَّحَهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا نَصًّا وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الصَّنْعَةِ فَإِنْ كَانَ لِلتُّرَابِ وَالرَّمَادِ هَذَا الْفِعْلُ حَصَلَ الدِّبَاغُ بِهِمَا وَأَمَّا الْمِلْحُ فَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الدِّبَاغُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالْحُصُولِ *

(فَرْعٌ) لَوْ دَبَغَهُ بِعَيْنٍ نَجِسَةٍ كَذَرْقِ الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِمُتَنَجِّسٍ كَقَرَظٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ دَبَغَهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَهَلْ يَحْصُلُ بِهِ الدِّبَاغُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْحُصُولُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَطَيُّبُ الْجِلْدِ وَإِزَالَةُ الْفُضُولِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِالنَّجَسِ كَالطَّاهِرِ وَالثَّانِي لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ النجس لا يصلح لِلتَّطْهِيرِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَجَبَ غَسْلُهُ بَعْدَ حُصُولِ الدِّبَاغِ بِلَا خِلَافٍ وَيَكُونُ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَغَهُ بِطَاهِرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَا يَفْتَقِرُ الدِّبَاغُ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى فِعْلٍ كَالسَّيْلِ إذَا مَرَّ عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَزَالَهَا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ مَحَلُّهَا بِلَا خِلَافٍ (1) فَلَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَلْقَتْهُ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ صَارَ طَاهِرًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ * (فَرْعٌ) لَوْ أَخَذَ جِلْدَ مَيْتَةٍ لِغَيْرِهِ فَدَبَغَهُ طَهُرَ وَلِمَنْ يَكُونُ: فِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا لِلدَّابِغِ كَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بَعْدَ أَنْ تَحَجَّرَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لِلْمُحْيِي: وَالثَّانِي لِصَاحِبِ الْمَيْتَةِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ: وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الدَّابِغُ فَهُوَ لِلدَّابِغِ وَإِنْ كَانَ غَصَبَهُ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَصَحُّ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا أَشَرْتُ إلَيْهَا لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَقْدِيمُ مَسْأَلَةٍ لِنَوْعِ ارْتِبَاطٍ قَدَّمْتُهَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وهل يفتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ فيه وجهان أحدهما لا يفتقر: لان طهارته تتعلق بالاستحالة وقد حصل ذلك فطهر كالخمر إذا استحالت خلا وقال أبو إسحاق لا يطهر حتى يغسل بالماء لان ما يدبغ به تنجس بملاقاة الجلد فإذا زالت نجاسة الجلد بقيت نجاسة ما يدبغ به فوجب ان يغسل حتى يطهر) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ أن الاول منهما قول

_ (1) قوله بلا خلاف فيه نظر فان لنا وجها واهيا في اشتراط النية اه من هامش الاذرعي

أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَرَأَيْتُ أَنَا كَلَامَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي أَصَحِّهِمَا فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْغَسْلِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ فِي كتابيه التهذيب والانتخاب الدمشقي: وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْأَصَحُّ لَا يَفْتَقِرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ وَتَوْجِيهُ الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَيَدُلُّ لِعَدَمِ الْغَسْلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ) وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ طَهُرَتْ عَيْنُهُ الَّتِي كَانَتْ نَجِسَةً وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ هذا فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَصَحُّهُمَا لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الدِّبَاغِ الْإِزَالَةُ أَمْ الْإِحَالَةُ وَفِيهِ وجهان فان غلبنا الا زالة افْتَقَرَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا: وَيُسْتَدَلُّ لِلْأَصَحِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ إذَا اسْتَحَالَتْ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ الا ستحالة وَلِلْوَجْهِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ وَلِأَنَّهُ يُلَيِّنُ الْجِلْدَ وَيَصِلُ بِهِ الشَّثُّ وَالْقَرَظُ وَنَحْوُهُمَا إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ: واذ أَوْجَبْنَا غَسْلَهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَالدِّبَاغُ حَاصِلٌ قَطْعًا لَكِنَّهُ نَجِسٌ بِالْمُجَاوَرَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ فيجوز بيعه إذا جوزنا ببيع جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: وَأَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَالْجِلْدُ نَجِسُ الْعَيْنِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ: وَهَلْ يَطْهُرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَقْعِهِ فِي مَاءٍ كَثِير أَمْ يُشْتَرَطُ رَدُّهُ إلَى الْمَدْبَغَةِ وَاسْتِعْمَالُ الشَّثِّ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قال لابد مِنْ ابْتِدَاءِ دَبْغِهِ ثَانِيًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ عِنْدِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ الطهور ووجهه الامام أحسن توجيه وَأَنَا أَظُنُّ الرَّافِعِيَّ أَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلَ الْإِمَامِ وَوَالِدِهِ: ثُمَّ إذَا أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ بَعْدَ الدِّبَاغِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ طَهُورًا نَقِيًّا مِنْ أَدْوِيَةِ الدِّبَاغِ وَغَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ

الدِّبَاغِ فَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ مُتَغَيِّرًا بِأَدْوِيَةِ الدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَجْزَاءُ الَّتِي يَتَشَرَّبُهَا الْجِلْدُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمَدْبُوغِ بِهَا طَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وأما الاجزاء المتنائرة من الادوية فان تنائرت فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ صرح به البغوي: وان تنائرت بعده فهل نحكم بطهارتها تَبَعًا لِلْجِلْدِ أَمْ بِنَجَاسَتِهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالُوا وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِي افْتِقَارِ الْجِلْدِ إلَى غَسْلِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ إنْ قُلْنَا يَفْتَقِرُ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ طَاهِرَةٌ تَبَعًا لَهُ كَذَا قاله القاضى حسين والمتولي والروياني وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وإذا طهر الجلد بالدباغ جاز الِانْتِفَاعُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هلا أخذتم اهابها فد بغتموه فانتفعتم به) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَعْنِي فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَائِعَاتِ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَطَهُرَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ تَصْرِيحًا وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْأَصْحَابِ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ جَائِزٌ فِي الْمَائِعَاتِ وَحَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي طَهَارَتِهِ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ يَطْهُرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا ذَكَرْنَا: وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يَطْهُرُ بَاطِنًا فَيُسْتَعْمَلُ فِي يَابِسٍ لَا رَطْبٍ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا فِيهِ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الْقَدِيمِ غَرِيبٌ وَالْمُحَقِّقُونَ يُنْكِرُونَهُ وَيَقُولُونَ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِعَدَمِ طَهَارَةِ بَاطِنِهِ لَا قَدِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَمْ يُرَ هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ كَانَ شَيْخِي يَحْكِي عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَوَجَّهُ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ فِي مَنْعِ بَيْعِ المدبوغ لا بتقدير قول

لِلشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ لَا بَاطِنُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ بَلْ اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ مَنْعِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ لِمَنْعِ الْبَيْعِ دَلِيلٌ آخَرُ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ بَلْ هُوَ قَوْلُ مُجْتَهِدٍ قَدْ يُوَافِقُ مَالِكًا وَقَدْ يُخَالِفُهُ قَالَ القفال في شرح التليخص أَكْثَرُ الْقَدِيمِ قَدْ يُوَافِقُ مَالِكًا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْفَرْعَ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يَغْلَطُ فِي هَذَا بِمَا لَا أُوثِرُ نَشْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ جَائِزٌ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فِي الْيَابِسَاتِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالشَّيْخِ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَمُرَادُهُمْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطَبَاتِ أَوْ فِي اللبس لَا فِي الْيَابِسِ وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْأَصْحَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَظْمِ الْفِيلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسِ وَلَا يَحْرُمُ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ فِي عَظْمِ الْفِيلِ بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسِ وَتَحْرِيمِهِ فِي الرَّطْبِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فَدَلَّ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطْبِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فِي الْيَابِسَاتِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فَغَلَطٌ مِنْهُ: وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّطَبَاتِ (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَجُوزُ هِبَتُهُ (1) قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ دَلِيلُنَا أَنَّهُ عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ كَالْعَذِرَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَإِنَّ عَيْنَهُ طَاهِرٌ وَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ هِبَتُهُ عَلَى سَبِيلِ نَقْلِ الْيَدِ وَكَذَا الوصية به لا التمليك والله أعلم قال المصنف رحمه الله * (وهل يجوز بيعه فيه قولان قال في القديم لا يجوز لانه حرم التصرف في بالموت ثم رخص في الانتفاع به فبقي ما سوى الانتفاع على التحريم وقال في الجديد يجوز لانه منع من بيعه لنجاسته وقد زالت النجاسة فوجب أن يجوز البيع كالخمر إذا تخللت)

_ (1) هذا فيه نظر وهو وجه ضعيف والاصح المنع والمسألة في الروضة مذكورة في باب الهنة اه من هامش الاذرعي

(الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي صِحَّةِ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ مَشْهُورَانِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ وَهُوَ صِحَّتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ حُرِّمَ التَّصَرُّفُ فِيهِ ثُمَّ رُخِّصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ وَأَمَّا الانتفاع بثمنه فليس انتفعاعا بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفَ وَالطَّعَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَوْجِيهِ الْقَدِيمِ: وَأَمَّا مَا يُوَجِّهُهُ بِهِ كَثِيرٌ من الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ مَنْعَ بَيْعِهِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ لَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ فَضَعِيفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِلْقَدِيمِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفِ وَطَعَامِ دَارِ الْحَرْبِ بِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ وَالْوَقْفُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ مَلَكَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْبَطْنِ الثَّانِي: وَطَعَامُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْمَنْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلنَّجَاسَةِ وَقَدْ زَالَتْ فَجَازَ الْبَيْعُ: فَإِذَا جَوَّزْنَا بَيْعَهُ جَازَ رَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَهُ فَفِي جَوَازِ إجَارَتِهِ وَجْهَانِ كَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ يَجُوزُ إجَارَتُهُ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِهِ (1) وَرَهْنِهِ أَمَّا بَيْعُهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَبَاطِلٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جوازه * قال المصنف رحمه الله (وهل يجوز أكله ينظر فان كان من حيوان يؤكل ففيه قولان قال في القديم لا يؤكل لقوله صلى الله عليه وسلم انما حرم من الميتة أكلها وقال في الجديد. يؤكل لانه جلد طاهر من حيوان مأكول فأشبه جلد المذكي: وان كان من حيوان لا يؤكل لم يحل أكله لان الدباغ ليس بأقوى من الذكاة والذكاة لا تبيح ما لا يؤكل لحمه فلان لا يبيحه الدباغ أولى وحكى شيخنا أبو حاتم القزويني عن القاضى أبي القاسم بن كج أنه حكي وجها آخر أنه يحل لان الدباغ عمل في تطهيره كما عمل في تطهير ما يؤكل فعمل في اباحته بخلاف الذكاة) (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ تمام حديث بن عباس المذكور في

_ (1) قد حكاه الماوردي عنه وتقدم هو والجواب عن حجته اه من هامش الاذرعي

أَوَّلِ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال هلا أخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعم بِهِ قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي حِلِّ أَكْلِهِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَدِيمُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ لِلْحَدِيثِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُفْتَى فِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمَسَائِلَ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْجَدِيدَ وَهُوَ حِلُّ الْأَكْلِ: مِنْهُمْ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبُلْغَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَيُجَابُ لِهَؤُلَاءِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ أَكْلِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ الْمَعْهُودُ: هَذَا حُكْمُ جِلْدِ الْمَأْكُولِ: فَأَمَّا جِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ فَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ ضَعِيفٌ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ فَفِي الْجَمِيعِ الْقَوْلَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَلَأَنْ لَا يُبِيحَهُ الدِّبَاغُ أَوْلَى: هَذِهِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ فلان مفتوحة وهى لام الابتدء كَقَوْلِك لَزَيْدٌ قَائِمٌ أَوْ اللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ وَهِيَ كَثِيرَةُ التَّكْرَارِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا: وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهَا لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُبْتَدِئِينَ يَكْسِرُونَهَا وَذَلِكَ خَطَأٌ وَأَمَّا الشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ فَاسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ الْحَسَنِ كَانَ حَافِظًا لِلْمَذْهَبِ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي الْأُصُولِ وَالْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ وَالْجَدَلِ وَهُوَ الْقَزْوِينِيُّ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَنْسُوبٌ إلَى قَزْوِينَ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِخُرَاسَانَ وَأَمَّا ابْنُ كَجٍّ فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مُشَدَّدَةٌ اسْمُهُ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ كَجٍّ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَفِيسَةٌ فِيهَا نُقُولٌ غَرِيبَةٌ وَمَسَائِلُ غَرِيبَةٌ مُهِمَّةٌ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِغَيْرِهِ: تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ وَحَضَرَ مَجْلِسَ الدَّارَكِيِّ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلَةَ السَّابِعِ والعشرين من رمضان سنة خمسة وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِالدِّينَوَرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ جَمَعَ بن كَجٍّ رِئَاسَةَ الْعِلْمِ وَالدُّنْيَا وَرَحَلَ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْآفَاقِ رَغْبَةً فِي عِلْمِهِ وَجُودِهِ وَاَللَّهُ أعلم قال المصنف رحمه الله * (كل حيوان نجس بالموت نجس شعره وصوفه على المنصوص وروى عن الشافعي رحمه الله انه رجع عن تنجيس شعر الآدمى واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاث طرق: فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ

هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ يَنْجُسُ الشَّعْرُ بِالْمَوْتِ قَوْلًا واحدا لانه جزء متصل بالحيوان. اتصال خلقة فينجس بالموت كالاعضاء ومنهم من جعل الرجوع عن تنجيس شعر الآدمى رجوعا عن تنجيس جميع الشعور فجعل في الشعور قولين أحدهما ينجس لما ذكرناه والثاني لا ينجس لانه لا يحس ولا يتألم فلا تلحقه نجاسة الموت ومنهم من جعل هذه الرواية رجوعا عن تنجيس شعر الادمى خاصة فجعل في الشعر قولين أحدهما ينجس الجميع لما ذكرناه والثاني ينجس الجميع الا شعر الآدمى فانه لا ينجس لانه مخصوص بالكرامة ولهذا يحل لبنه مع تحريم أكله: وَأَمَّا شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانا إذا قلنا اشعر غيره طاهر فشعره صلى الله عليه وسلم أولى بالطهارة وإذا قلنا ان شعر غيره نجس ففي شعره عليه السلام وجهان أحداهما أنه نجس لِأَنَّ مَا كَانَ نَجِسًا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ نجسا منه كالدم وقال أبو جعفر الترمذي هو طاهر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ أبا طلحة رضي الله عنه شعره فقسمه بين الناس: وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا إنَّهُ نَجِسٌ عُفِيَ عَنْ الشعرة والشعرتين في الماء والثوب لانه لا يمكن الاحتراز منه فعفى عنه كما عفى دم البراغيث) (الشَّرْحُ) أَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ أَبَا طَلْحَةَ شَعْرَهُ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَةُ شَعْرِ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَطَهَارَةُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ هَذَا مُخْتَصَرِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا بَسْطُهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ طُرُقٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ والوبر والعظم والقرن والظلف نحلها الْحَيَاةُ وَتَنْجُسُ بِالْمَوْتِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْبُلَيْدِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ تَنْجِيسِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَقَالَ صاحب الجاوى الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ وَالصُّوفُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَحَرْمَلَةُ وَأَصْحَابُ الْقَدِيمِ قَالَ وَحَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ عَنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ تَنْجِيسِ الشَّعْرِ وَحَكَى إبْرَاهِيمُ الْبُلَيْدِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ

انه رجع عن تنجيس شعر الآدمى وحكي الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّعْرَ تَابِعٌ لِلْجِلْدِ يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهِ وَيَنْجُسُ بِنَجَاسَتِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْحِكَايَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي شَذَّتْ عَنْ الْجُمْهُورِ فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعَيَّ أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ وَامْتَنَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ إثْبَاتِ قَوْلٍ ثَانٍ لِمُخَالِفَتِهَا نُصُوصَهُ وَيُحْتَمَل أَنَّهُ حَكَى مَذْهَبَ غَيْرِهِ: وَأَمَّا شَعْرُ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ: وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ طَاهِرٌ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ شَعْرَ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَصُوفَهُ وَوَبَرَهُ وَرِيشَهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ: وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ فِيهِ فَاَلَّذِي صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ نَجَاسَتُهُ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ جَمِيعُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ جَمَاهِيرُهُمْ طَهَارَتُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رُجُوعُهُ عَنْ تَنْجِيسِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَهُ: ثُمَّ الدَّلِيلُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي شَعْرِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ مُفَرَّعٌ عَلَيَّ نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ مَيْتَتِهِ فَشَعْرُهُ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِذَا انْفَصَلَ شَعْرُ آدَمِيٍّ فِي حَيَاتِهِ فَطَاهِرٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ تَكْرِمَةً لِلْآدَمِيِّ وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى وَعُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ جُزْءٌ مِنْ جَسَدِهِ كَيَدِهِ وَظُفْرِهِ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ بِنَجَاسَتِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مَيْتَتِهِ بِجُمْلَتِهِ لِحُرْمَةِ الْجُمْلَةِ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَنْ قَالَ الْعُضْوُ الْمُبَانُ فِي الْحَيَاةِ نَجِسٌ فَقَدْ غَلِطَ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْجُزْءِ بِالْجُمْلَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ: أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ طَاهِرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ نَجِسٌ: وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَوْ كَالْغَلَطِ وَسَأَذْكُرُ فِي شَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفضلات بَدَنِهِ فَرْعًا مَخْصُوصًا بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا أنه نجس عفى عن الشعرة والشعرتين فظاهره تعميم العفو في شعر الآدمى وغيره وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْعَفْوِ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَخْصِيصِهِ بِالْآدَمِيِّ فَأَطْلَقَتْ

طَائِفَةٌ الْكَلَامَ إطْلَاقًا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِجَرَيَانِ الْعَفْوِ فِي شَعْرِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ أَنَا فِيهِ هَكَذَا وَلَكِنَّ نُسَخَ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ يَقَعُ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَخَصَّتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ بشعر الآدمى منهم الفوراني وابن الصباغ والحرجاني فِي التَّحْرِيرِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ التَّعْمِيمُ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحَةِ فِيهِ فَإِنَّهُ فَصَّلَ الْكَلَامَ فِي الشَّعْرِ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا إنَّهُ نَجِس عُفِيَ وَلِأَنَّ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ فِي عموم الابتلاء وعسر الاحتراز: وأما قول الصمنف كالشعرة والشعرتين فليس تحديدا لما يعفا عنه بل كالمثال لليسير الذى يعفا عنه وعبارة أصحابنا يعفا عَنْ الْيَسِيرِ مِنْهُ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا فَسَّرَهُ بِالشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ: وَقَالَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ فَمَا يُنْتَفُ مِنْ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ: قَالَ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ كَالْقَوْلِ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ قَالَ وَلَعَلَّ الْقَلِيلَ مَا يَغْلِبُ انْتِتَافُهُ مَعَ اعْتِدَالِ الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِطَهَارَةِ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعِظَمُ مَرْتَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ بِالنَّجَاسَةِ قَالُوا إنَّمَا قَسَّمَ الشَّعْرَ لِلتَّبَرُّكِ قَالُوا وَالتَّبَرُّكُ يَكُونُ بِالنَّجِسِ كَمَا يَكُونُ بِالطَّاهِرِ كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ وَالصَّوَابُ القطع بالطاهرة كَمَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ: وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَمُهُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ فِي الْعَذِرَةِ وَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُمَا فِي الْعَذِرَةِ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْغَزَالِيِّ طَرْدَهُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَذِرَةِ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَذِرَةَ نَجِسَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ غَلَطٌ بَلْ الخلاف في العذرة نَقَلَهُ غَيْرُ الْغَزَالِيِّ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَقَالُوا فِي فَضَلَاتِ بَدَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَوْلِهِ وَدَمِهِ وَغَيْرِهِمَا وَجْهَانِ: وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي الْخَصَائِصِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا جَمِيعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طَاهِرٌ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَهَذَا نَقْلُ الْقَفَّالِ وَهُوَ شَيْخُ طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَعَلَيْهِ مَدَارُهَا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَزَّهُ مِنْهَا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهَا بِالْحَدِيثَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ الْحَاجِمَ حَجَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرِبَ دَمَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَأَنَّ امْرَأَةً شَرِبَتْ بَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا وَحَدِيثُ أَبِي طَيْبَةَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ شرب المرأة البول صحيح رواه الدارقطني وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ لِكُلِّ الْفَضَلَاتِ قِيَاسًا: وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ولم يأمرها بغسل فمها ولانهاها عَنْ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِهِ وَأَجَابَ الْقَائِلُ بِالطَّهَارَةِ عَنْ تَنَزُّهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّظَافَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَجَاسَةُ الدَّمِ وَالْفَضَلَاتِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَخَالَفَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ الْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدَّمْنَا فِي شَعْرِ مَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ خِلَافًا: الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمَّا شُعُورُ هَذِهِ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَجَاسَتِهَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا الْخِلَافَ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ غَيْرِهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الطَّهَارَةُ وَأَصَحُّهُمَا النجاسة: قال امام الحرمين قطع الصيد لاني بِنَجَاسَتِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حامد المروروذى هِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ طَاهِرَةٌ قَالَ الْإِمَامُ وَاخْتَارَهُ شَيْخِي يَعْنِي وَالِدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي حَالَتَيْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَنَجِسَ بِالْمَوْتِ كَالْأَعْضَاءِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلٌ عَنْ الْحَمْلِ وَالْبَيْضِ الْمُتَصَلِّبِ فِي جَوْفِ مَيْتَتِهِ وَبِقَوْلِهِ بِالْحَيَوَانِ عَنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَبِقَوْلِهِ اتصال خلقة الْأُذُنِ الْمُلْصَقَةِ وَقَوْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَالَ يَنْجُسُ الشَّعْرُ بِالْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا لَيْسَ مَعْنَاهُ الْقَدْحَ فِي النَّاقِلِ بِتَكْذِيبٍ ونحوه وانما

مَعْنَاهُ تَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ عَلَى حِكَايَةِ مَذْهَبِ الْغَيْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَقْلِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَوْلُهُ يَنْجُسُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ لَا يُحِسُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (هَلْ تحس منهم من أحد وَفِيهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ يَحُسُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الحاء وقوله بألم بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مَا كَانَ نَجِسًا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ نَجِسًا مِنْهُ كَالدَّمِ قَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِنَجَاسَةِ الدَّمِ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ: وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنَّ أَبَا جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيَّ الْقَائِلَ بِطَهَارَةِ شَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ قَدْ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَشَرِبَ دَمَهُ أَفَتَقُولُ بِطَهَارَةِ دَمِهِ فَرَكِبَ الْبَابَ وَقَالَ أَقُولُ بِهِ: قِيلَ لَهُ قَدْ شَرِبَتْ امْرَأَةٌ بَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَتَقُولُ بِطَهَارَتِهِ فَقَالَ لَا: لِأَنَّ الْبَوْلَ اسْتَحَالَ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّمُ وَالشَّعْرُ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ هَذَا كَلَامُ صاحبا الْحَاوِي وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالدَّمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ عَلَى الدَّمِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَحِينَئِذٍ يُنْكِرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ هَذَا الْقِيَاسَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ جَائِزٌ: فَإِنْ مَنَعَ الْخَصْمُ الْأَصْلَ أَثْبَتَهُ الْقَايِسُ بِدَلِيلِهِ الْخَاصِّ ثُمَّ أَلْحَق بِهِ الْفَرْعَ وَقَدْ أَكْثَر الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَكُلُّهُ خَارِجٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَبَا طَلْحَةَ الصَّحَابِيَّ وَأَبَا جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيَّ أَمَّا أبو طلحة فاسمه زيد ابن سهل بن الاسود النصارى شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَسَائِرَ الْمُشَاهَدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَرَدُوا الصَّوْمَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَذْكُرُهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ الْحَافِظُ عَاشَ أَبُو طَلْحَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ فَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ نَصْرٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ تَنْشَرِحُ بِذِكْرِهِمْ الصُّدُورُ وَتَرْتَاحُ لِذِكْرِ مَآثِرِهِمْ الْقُلُوبُ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَنَفِيًّا ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا لِرُؤْيَا رَآهَا مَشْهُورَةٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ آخُذُ بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَقُلْت بِرَأْيِ مَالِكٍ فَقَالَ خُذْ مَا وَافَقَ سُنَّتِي فَقُلْت بِرَأْيِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أو ذاك رأى الشافعي ذلك رد على مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي حَكَى هَذِهِ الرُّؤْيَا الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ وَآخَرُونَ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى تِرْمِذَ الْبَلْدَةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي نُسِبَ إلَيْهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ

وَفِي ضَبْطِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابُ أَحَدُهَا تِرْمِذُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْمِيمِ: وَالثَّانِي بِضَمِّهِمَا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ: وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمُتَدَاوَلُ بَيْنَ أَهْلِ تِرْمِذَ وَهِيَ مدينة قديمة على طرف نهر بلخ الَّذِي يُقَال لَهُ جَيْحُونَ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ تُقَالُ فِي كُلِّ مَنْ يُقَالُ لَهُ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ سَكَنَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ بَغْدَادَ وَلَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّينَ فِي وَقْتِهِ بِالْعِرَاقِ أَرْأَسُ وَلَا أَوْرَعُ وَلَا أَكْثَرُ نَقْلًا مِنْهُ وَكَانَ قُوتُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وُلِدَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَوْضِعُ بَسْطِ أَحْوَالِهِ الطَّبَقَاتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَعَظْمِهَا وَعَصَبِهَا: فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الشَّعْرَ وَالصُّوفَ وَالْوَبَرَ وَالرِّيشَ وَالْعَصَبَ وَالْعَظْمَ وَالْقَرْنَ وَالسِّنَّ وَالظِّلْفَ نَجِسَةٌ: وَفِي الشَّعْرِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ: وَفِي الْعَظْمِ خِلَافٌ أَضْعَفُ مِنْهُ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الْعَصَبُ فَنَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَمِمَّنْ قَالَ بِالنَّجَاسَةِ عَطَاءٌ وَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ البصري ومالك واحمد واسحق وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى أَنَّ الشُّعُورَ وَالصُّوفَ وَالْوَبَرَ وَالرِّيشَ طَاهِرَةٌ وَالْعَظْمَ وَالْقَرْنَ وَالسِّنَّ وَالظِّلْفَ وَالظُّفُرَ نَجِسَةٌ كَذَا حَكَى مَذَاهِبَهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ واليث ابن سعدان هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَنْجَسُ بِالْمَوْتِ لَكِنْ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَكَذَا لَا يَنْجُسُ الْعِظَامُ وَالْقُرُونُ وَبَاقِيهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا شَعْرَ الْخِنْزِيرِ وَعَظْمَهُ وَرَخَّصَ لِلْخَرَّازِينَ فِي اسْتِعْمَالِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَعَنْهُ فِي الْعَصَبِ رِوَايَتَانِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حين) وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَالٍ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَيْتَةِ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ: وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ وَلَا بِشَعْرِهَا إذَا غُسِلَ وَذَكَرُوا أَقْيِسَةً وَمُنَاسِبَاتٍ لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة) وَهُوَ عَامٌّ لِلشَّعْرِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا الشَّعْرُ لَيْسَ مَيْتَةً قَالَ أَصْحَابُنَا قُلْنَا بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ فَإِنَّ الْمَيْتَةَ اسْم لِمَا فَارَقَتْهُ الرُّوحُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلِهَذَا لَوْ حلف لا يمسس مَيْتَةً فَمَسَّ شَعْرَهَا حَنِثَ فَإِنْ قَالُوا هَذِهِ الآية عاملة فِي الْمَيْتَةِ: وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجَجْنَا بِهَا خَاصَّةٌ فِي بَعْضهَا وَهُوَ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ: وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ: فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ فَإِنَّ تِلْكَ الْآيَةَ أَيْضًا عَامَّةٌ فِي الْحَيَوَانِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَهَذِهِ خَاصَّةٌ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ فَكُلُّ آيَةٍ عَامَّةٌ من وجه خاصة

من وجه فتساويتا مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ: وَكَانَ التَّمَسُّكُ بِآيَتِنَا أَوْلَى لِأَنَّهَا وَرَدَتْ لِبَيَانِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْنَا وَوَرَدَتْ الْأُخْرَى لِلِامْتِنَانِ بِمَا أُحِلَّ لَنَا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فانتفعتم به والغالب أن الشاة لا تخلوا مِنْ شَعْرٍ وَصُوفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ طَهَارَتَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ فِي الْحَالِ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَبَيَّنَهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا نَظَرٌ: وَاعْتِمَادُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرُوا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً تَرَكْتهَا لِضَعْفِهَا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بقوله تعالى (ومن أصوافها وأوبرها وأشعارها) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى شَعْرِ الْمَأْكُولِ إذَا ذُكِّيَ أَوْ أُخِذَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ وأجاب الماوردى بجواب آخران مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الطَّاهِرُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا (1) وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَجْوَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ قَالُوا لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ يُوسُفُ بْنُ السَّفْرِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ قَالُوا وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ هَذِهِ عِبَارَةُ جَمِيعِ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فِيهِ وَهِيَ أبلغ العبارات عندهم في الجرح قال الدارقطني هُوَ مَتْرُوكٌ يَكْذِبُ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ يَضَعُ الْحَدِيثَ: الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ بِلَا غَسْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَطْهُرُ الشَّعْرُ بِالْغَسْلِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا اتِّفَاقَ الْحُفَّاظِ عَلَى ضَعْفِهِ وَبَيَانُهُمْ سَبَبُ الضَّعْفِ وَالْجَرْحِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَلَمْ تَطْهُرْ بِالْغَسْلِ كَالْعَذِرَةِ واللحم: واحتج من قال بطهارة الْمَيْتَةِ بِحَدِيثٍ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَشَطَ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حميد الشامي

_ (1) هكذا بياض في الاصل اه

عَنْ سُلَيْمَانَ الْمُنَبِّهِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا ثَوْبَانُ اشْتَرِ لَفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْمَذْهَبِ وَالْعَاجُ عَظْمُ الْفِيلِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة) فَأَثْبَتَ لَهَا إحْيَاءً فَدَلَّ عَلَى مَوْتِهَا وَالْمَيْتَةُ نَجِسَةٌ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ أَصْحَابُ الْعِظَامِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ اخْتِصَارًا قُلْنَا هَذَا خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بما روى عمر وبن دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدَّهِنَ فِي عَظْمِ فِيلٍ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَالسَّلَفُ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا التَّحْرِيمَ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَاجَ هُوَ الذَّبْلُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ عَظْمُ ظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ البحرية كذا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ عَظْمٍ عَاجًا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فَإِنَّ حُمَيْدًا الشَّامِيَّ وَسُلَيْمَانَ الْمُنَبِّهِيَّ مَجْهُولَانِ وَالْمُنَبِّهِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَفْتُوحَةٌ ثم باء موحدة مكسوة مشددة والله أعلم وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (فان دبغ جلد الميتة وعليه شعر قال في الام لا يطهر لان الدباغ لا يؤثر في تطهيره وروى الربيع بن سليمان الجيزى عنه أنه يطهر لانه شعر نابت على جلد طاهر فكان كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَقَدْ

_ (1) قوله والثاني هذا الجواب ضعيف اه

تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ أَبُو الْقَاسِمِ الصيمري والشيخ أبو محمد الجويني والبغوى والشاشئ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَ الاستاذ أبو إسحاق الا سفراينى وَالرُّويَانِيُّ طَهَارَتَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَسَّمُوا الْفِرَى الْمَغْنُومَةَ مِنْ الْفُرْسِ وَهِيَ ذَبَائِحُ مَجُوسٍ وَمِمَّا يَدُلُّ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَامِرِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن جلوود السِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وعن المقدام بن معد يكرب أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أُنْشِدُك بِاَللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا: قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ قَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَنَحْوُهَا احْتَجَّ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لِأَنَّ النَّهْيَ مُتَنَاوِلٌ لِمَا بَعْدَ الدِّبَاغِ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَائِدًا إلَى نَفْسِ الْجِلْدِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ بِالدِّبَاغِ بِالدَّلَائِلِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ إلَى الشَّعْرِ: وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الرُّويَانِيُّ مِنْ الْفِرَى الْمَغْنُومَةِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهَا فِيمَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الشَّعْرَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ قَالَ الْقَاضِي حسين والجرجاني وغيرهما يعفا عَنْ الْقَلِيلِ الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْجِلْدِ وَيُحْكَمُ بطهارته تبعا *

(فرع) مما ينبغي أن يتفطن له وتدعوا الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ جُلُودُ الثَّعَالِبِ وَنَحْوِهَا إذَا مَاتَتْ أَوْ أُفْسِدَتْ ذَكَاتُهَا بِإِدْخَالِ السِّكِّينِ فِي آذَانِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهَذِهِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ طَهَارَةِ الشَّعْرِ بِالدِّبَاغِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْقُنْدُسُ فَبَحَثْنَا عَنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مَأْكُولٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجْتَنَبَ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ فِي تَحْرِيمِ مَا أَشْكَلَ مِنْ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ مَأْكُولٌ أَمْ لَا وَسَنَذْكُرُ فِي فَرْعٍ قَرِيبٍ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي نَحْوَ هَذَا فِي الشَّعْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ بَاعَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ قَبْلَ إمَاطَةِ الشَّعْرِ عَنْهُ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْجِلْدَ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَنَّ الشَّعْرَ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إحْدَاهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُك الْجِلْدَ دُونَ الشَّعْرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ: الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك الْجِلْدَ مَعَ شَعْرِهِ فَبَيْعُ الشَّعْرِ بَاطِلٌ وَفِي الْجِلْدِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ: الثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيعَهُ مُطْلَقًا فَهَلْ هُوَ كَالْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ الْأُولَى: فِيهِ وَجْهَانِ (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْجِيزَيَّ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي غَيْرِ الْمُهَذَّبِ فِي مَسْأَلَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ فَإِنَّهُ نَقَلَهَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي الرَّوْضَةِ وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا الرَّبِيعُ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْمُهَذَّبِ وَكُتُبِ الْأَصْحَابِ فَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ وَهُوَ رَاوِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ وَقَدْ أَوْضَحْت حَالَ الرَّبِيعَيْنِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَهَذَا الْجِيزِيُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِالزَّايِ مَنْسُوبٌ إلَيَّ جِيزَةِ مِصْرَ وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصْرِيُّ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِمَا وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَكَانَ عُمْدَةً عند المحدثين والله أعلم قال المصنف رحمه الله * (وان جز الشعر من الحيوان نظرت فان كان من حيوان يؤكل لم ينجس لان الجز في الشعر كالذبح في الحيوان ولو ذبح الحيوان لم ينجس فكذلك إذا جز شعره وان كان من

حيوان لا يؤكل فحكمه حكم الحيوان ولو ذبح الحيوان كان ميتة فكذلك إذا جز شعره وجب أن يكون ميتة) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا جُزَّ شَعْرٌ أَوْ صُوفٌ أَوْ وَبَرٌ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ نَجَاسَتَهُ كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْحَيَاةِ وَلَكِنْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى طَهَارَتِهَا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي مَلَابِسِ الْخَلْقِ وَمَفَارِشِهِمْ وَلَيْسَ فِي شُعُورِ الْمُذَكَّيَاتِ كِفَايَةٌ لِذَلِكَ: قَالُوا وَنَظِيرُهُ اللَّبَنُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فِي الْبَاطِنِ كالدم ولله أَعْلَمُ: الثَّانِيَةُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجُزَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ وَثَنِيٌّ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: الثَّالِثَةُ إذَا انْفَصَلَ شَعْرٌ أَوْ صُوفٌ أَوْ وَبَرٌ أَوْ رِيشٌ عَنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ فِي حَيَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَتْفٍ فَفِيهِ أَوْجُهٌ: الصَّحِيحُ مِنْهَا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ طَاهِرٌ: وَالثَّانِي أَنَّهُ نَجِسٌ سواء انفصل بنفسه أو نتف حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَطْهُرُ إلَّا الْمَجْزُوزُ لأن ما أبين من حي فهو ميت: وَالثَّالِثُ إنْ سَقَطَ بِنَفْسِهِ فَطَاهِرٌ وَإِنْ نُتِفَ فَنَجِسَ لِأَنَّهُ عُدِلَ بِهِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْحَيَوَانِ فَهُوَ كَخَنْقِهِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْمُخْتَارُ مَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَزِّ وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ جُزَّ الشَّعْرُ لَمْ يَنْجُسْ لِأَنَّ الْجَزَّ كَالذَّبْحِ فَرُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ السَّاقِطَ بِنَفْسِهِ نَجِسٌ وَهَذَا الْوَهْمُ خَطَأٌ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِالْجَزِّ التَّمْثِيلُ لِمَا انْفَصَلَ فِي الْحَيَاةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ قُطِعَ جَنَاحُ طَائِرٍ مَأْكُولٍ فِي حَيَاتِهِ فَمَا عَلَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ نَجِسٌ تَبَعًا لَمَيْتَتِهِ: الرَّابِعَةُ إذَا جُزَّ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ أَوْ سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ نُتِفَ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ شَعْرِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فيه

الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَطَهَارَتُهُ مِنْ الْآدَمِيِّ: (فَرْعٌ مُهِمٌّ) قَدْ اُشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَكُتُبِهِمْ أَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٍ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَدَلِيلُهَا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلَيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الشَّعْرَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَرَأَى شَعْرًا لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ فَهُوَ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى طَهَارَتِهِ وَإِنْ شَكَّ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ فِي نَجَاسَةِ الْمَأْكُولِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أُخِذَ فِي حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ خَطَأٌ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا طَهَارَتَهُ (1) وَلَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ وَلَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا إذَا شَكَّ فوجهان فالمختار منهما لطهارة لا ننا تيقنا طاهرته في الحياة ولم يعاضها أَصْلٌ وَلَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى كَوْنِ الظَّاهِرِ نَجَاسَتُهُ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ شَعْرَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ فِي غَايَةِ النُّدُورِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْمُسْتَظْهِرِيِّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي هَذَا لَيْسَ بشئ بَلْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا فمردود بما ذكرناه من القل والدليل والله أعلم: قال المصنف رحمه الله (وَأَمَّا الْعَظْمُ وَالسِّنُّ وَالْقَرْنُ وَالظِّلْفُ وَالظُّفُرُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ كَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلَا يَأْلَمُ وَمِنْهُمْ من قال ينجس قولا واحدا) (الشَّرْحُ) هَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ: الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِالنَّجَاسَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّعْرِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُحِسُّ وَلَا يَأْلَمُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ السِّنَّ تَضْرَسُ وَالْعَظْمَ يُحِسُّ قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الظُّفُرِ حُكْمُ الْعَظْمِ وَالظِّلْفِ وَالْقَرْنِ هَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ: وَأَمَّا أَجْزَاءُ الْآدَمِيِّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّعْرِ وَأَمَّا خُفُّ الْبَعِيرِ الْمَيِّتِ فَنَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ (فرع) العاج المتخذ من عظم الفيل

_ (1) اقول هذا فيه نظر ولا نسلم انا تيقنا طهارته إذ يجوز ان يكون من حيوان نجس في الحياة وعلى تقدير ان يكون من حيوان طاهر فقد يقال الاصل عدم اباتته منه في حال الحياة نقوله لم يعارضهما اصل ولا ظاهر ممنوع وما ما قاله واختاره في مسألة الماوردي ضعيف جدا فهذا المذهب والصواب ما قاله صاحب المستظهري فيه وقوله واما احتمال شعر كلب أو خنزير فضعيف فعجب منه وليس القسمة منحصرة في ذلك فان كل حيوان لا يؤكل فشعره نجس بالاماتة الا الادمي وذا كانكذلك اتجه القول بالتنجيس اخذ بجانب الحيطة فيما تردد فيه وله نظائر في المذهب والبناء على قاعدة الاشياء قبل ورود الشرع ضعيف لانا نعلم قطعا ان الشرع ورد في هذا الحكم ولاكنا الآن جهلناه اه من هامش الاذرعي

نَجِسٌ عِنْدَنَا كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِظَامِ لَا يجوز استعماله في شئ رَطْبٍ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ نَجَّسَهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْيَابِسَةِ لِمُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَلَوْ اتَّخَذَ مُشْطًا مِنْ عَظْمِ الْفِيلِ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ رُطُوبَةً مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَنَجَّسَ شَعْرُهُ وَإِلَّا فَلَا: وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ (1) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هَكَذَا فِي اسْتِعْمَالِ مَا يُصْنَعُ بِبَعْضِ بِلَادِ حواران من أحشاء الغنم عَلَى هَيْئَةِ الْأَقْدَاحِ وَالْقِصَاعِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَطْبٍ وَيَجُوزُ فِي يَابِسٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ جُعِلَ الدُّهْنُ فِي عَظْمِ الْفِيلِ لِلِاسْتِصْبَاحِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِزَيْتٍ نَجِسٍ لِأَنَّهُ ينجس بوضعه في العظم هدا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِي عَظْمِ الْفِيلِ: وَإِنَّمَا أَفْرَدْته عَنْ الْعِظَامِ كَمَا أَفْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَهُ وَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ بطهارته بناء عل أَصْلِهِ فِي كُلِّ الْعِظَامِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ إنْ ذُكِّيَ فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَنَجِسٌ بِنَاءً على رواية له ان الفيل مأكول: وقال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنَّهُ نَجِسٌ لَكِنْ يَطْهُرُ بِخَرْطِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا دَلِيلَ نَجَاسَةِ جَمِيعِ الْعِظَامِ وَهَذَا مِنْهَا وَمَذْهَبُ النَّخَعِيِّ ضَعِيفٌ بَيِّنُ الضَّعْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُئِلَ فَقِيهُ الْعَرَبِ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُعَوَّجِ فَقَالَ إنْ أَصَابَ الْمَاءُ تَعْوِيجَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَيَجُوزُ والاناء المعوج هو المضبب بقطعة من من عظم الفيل وهذا صحيح والصورة فيماء دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَفَقِيهُ الْعَرَبِ لَيْسَ شَخْصًا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ يَذْكُرُونَ مَسَائِلَ فِيهَا أَلْغَازٌ وَمُلَحٌ يَنْسِبُونَهَا إلَى فُتْيَا فَقِيهِ الْعَرَبِ وَصَنَّفَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ كِتَابًا سَمَّاهُ فُتْيَا فَقِيهِ الْعَرَبِ ذَكَرَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَشَدُّ ألغازا منها (فرع) يجوز إيقَادُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ تَحْتَ الْقُدُورِ وَفِي التَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ قال المصنف رحمه الله (وأما اللبن في ضرع الشاة الميتة فهو نجس لانه ملاق للنجاسة فهو كاللبن في اناء نجس وأما البيض في جوف الدجاجة الميتة فان لم يتصلب قشره فهو كاللبن وان تصلب قشره لم ينجس كما لو

_ (1) شرح في مذهبنا وجه حكاه المنف وغيره ان الفيل يحل اكله فعلا هذا عظمه طاهر إذا زكى كغيره من المأكولات والله اعلم اه من هامش الاذرعي

وقعت بيضة في شئ نجس) * (الشَّرْحُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ اللَّبَنِ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ هَذَا حُكْمُ لَبَنِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ: فَأَمَّا إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَفِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ فَإِنْ قُلْنَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ فَاللَّبَنُ نَجِسٌ كَمَا فِي الشَّاةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَهَذَا اللَّبَنُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ وَقَدْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْبَيْضَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ إنْ تَصَلَّبَتْ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ: وَالثَّانِي طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا: وَالثَّالِثُ نَجِسَةٌ مُطْلَقًا: وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قال صاحب الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَلَوْ وُضِعَتْ هَذِهِ الْبَيْضَةُ تَحْتَ طَائِرٍ فَصَارَتْ فَرْخًا كَانَ الْفَرْخُ طَاهِرًا عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْبَيْضَةِ نَجِسٌ وَأَمَّا الْبَيْضَةُ الْخَارِجَةُ فِي حَيَاةِ الدَّجَاجَةِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ ظَاهِرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْوَلَدِ الْخَارِجِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَأَمَّا إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا فَعَيْنُهُ طَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِهِ بِلَا خِلَافٍ (1) وَاذَا اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ الْمُنْفَصِلَةُ دَمًا فَهَلْ هِيَ نَجِسَةٌ أَمْ طَاهِرَةٌ وَجْهَانِ: وَلَوْ اخْتَلَطَتْ صُفْرَتُهَا بِبَيَاضِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ: وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالدَّجَاجَةُ وَالدَّجَاجُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّبَنَ فِي ضَرْعِ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ هذا مذهبنا وهو قول مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ يُلَاقِي نَجَاسَةً بَاطِنِيَّةً فَكَانَ طَاهِرًا كَاللَّبَنِ مِنْ شَاةٍ حَيَّةٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ قَالُوا وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ عِنْدَكُمْ وَيَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِنَجَاسَةٍ فَهُوَ كَلَبَنٍ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ: وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّبَنَ يُلَاقِي الْفَرْثَ وَالدَّمَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْمُلَاقَاةَ لِأَنَّ الْفَرْثَ فِي الْكِرْشِ وَالدَّمَ فِي الْعُرُوقِ وَاللَّبَنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ رَقِيقٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ نَجَاسَةُ الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بل لها حكم إذا

_ (1) قوله ويجب غسل ظاهره بلا خلاف فيه نظر وينبغي ان يكون على الوجهين في حال الحياة فليت شعري ما الفرق ولعله اراد ولا يجب غسل ظاهره بلا خلاف وسقط في الكتابة في لفظه لا ولله اعلم اه اذرعي

انْفَصَلَ مَا لَاصَقَهَا وَلِهَذَا لَوْ ابْتَلَعَ جَوْزَةً وَتَقَايَأَهَا صَارَتْ نَجِسَةَ الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَخْرَجَهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبَيْضِ فِي دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَحُكِيَ تَنْجِيسُهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَطَهَارَتُهَا عن أبي حنيفة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (إذ ذبح حيوان يؤكل لم ينجس بالذبح شئ مِنْ أَجْزَائِهِ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ وَعَظْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لِأَنَّهُ جُزْءٌ طَاهِرٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مَأْكُولٍ فَجَازَ الِانْتِفَاعُ به بعد الذكاة كاللحم * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَجْزَاءِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِمُجَرَّدِ الذكاة * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ ذُبِحَ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ نَجِسَ بِذَبْحِهِ كَمَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ لَا يُبِيحُ أَكْلَ اللَّحْمِ فَنَجِسَ بِهِ كَمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كذبح المجوسى) * (الشَّرْحُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَبْحِ مَا لا يؤكل شعره ولا جلده ولا شئ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي طَهَارَةِ لَحْمِهِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ مَالِكٍ طَهَارَةَ الْجِلْدِ بِالذَّكَاةِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَا عَلَى نَجَاسَتِهِمَا وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ فَشُبِّهَ الدِّبَاغُ بِالذَّكَاةِ وَالدِّبَاغُ يُطَهِّرُهُ فَكَذَا الذَّكَاةُ وَلِأَنَّهُ جِلْدٌ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَطَهُرَ بِالذَّكَاةِ كَالْمَأْكُولِ وَلِأَنَّ مَا طَهَّرَ جِلْدَ الْمَأْكُولِ طَهَّرَ غَيْرَهُ كَالدِّبَاغِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ كِفَايَةٌ فَإِنْ قَالُوا هَذَا مُنْتَقَضٌ بِذَبْحِ الشاة المسمومة فانه لا يبح أَكْلَهَا وَيُفِيدُ طَهَارَتَهَا: فَالْجَوَابُ أَنَّ أَكْلَهَا كَانَ مُبَاحًا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَارِضٍ وَهُوَ السُّمُّ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِ السُّمِّ بِطَرِيقٍ أُبِيحَ الْأَكْلُ: وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ

الْأَصْلِيَّ بِالذَّبْحِ أَكْلُ اللَّحْمِ فَإِذَا لَمْ يُبِحْهُ هَذَا الذَّبْحُ فَلَأَنْ لَا يُبِيحَ طَهَارَةَ الْجِلْدِ أولا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ فَمِنْ أَوْجُهٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ أَحَدُهَا أَنَّهُ عَامُّ فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ فَنَخُصُّهُ بِالْمَأْكُولِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا: وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ: الثَّالِثُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الْأَدِيمَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى جِلْدِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَذَلِكَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُخْتَلِفِ فِيهِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الدِّبَاغِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدِّبَاغَ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ حَصَلَتْ بِالْمَوْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّكَاةُ: فَإِنَّهَا تَمْنَعُ عِنْدَهُمْ حُصُولَ نَجَاسَةٍ: وَالثَّانِي أَنَّ الدِّبَاغَ إحَالَةٌ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلٌ بَلْ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَدْبَغَةِ انْدَبَغَ بِخِلَافِ الذَّكَاةِ فَإِنَّهَا مُبِيحَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا فِعْلُ فَاعِلٍ بِصِفَةٍ فِي حَيَوَانٍ بِصِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لِأَخْذِ جِلْدِهِ وَلَا لِيَصْطَادَ عَلَى لَحْمِهِ النُّسُورَ وَالْعِقْبَانَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحِمَارُ الزَّمِنُ وَالْبَغْلُ الْمُكَسَّرُ وَغَيْرُهُمَا وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَكَرَهَا فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ قُبَيْلَ كِتَابِ السَّلَمِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِجِلْدِهِ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا عَنْهُ جَوَازُهُ وَالثَّانِيَةُ تَحْرِيمُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِهِ عِنْدَهُ (فَرْعٌ) اتَّخَذَ حَوْضًا مِنْ جِلْدٍ نَجِسٍ وَوَضَعَ فِيهِ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمَاءِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَالْإِنَاءُ نَجِسٌ: وَفِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كَلَامٌ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ: وَإِنْ كَانَ دُونَ قُلَّتَيْنِ فَنَجِسٌ وَنَظِيرُهُ لَوْ وَلَغَ كَلْبٌ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ مَاءٌ طَاهِرٌ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَإِلَّا فَهُمَا نَجِسَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبَ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَا نَظِيرَ لِهَاتَيْنِ المسألتين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويكره استعمال أواني الذهب والفضه لما روى حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وهل يكره كراهة تنزيه أو تحريم: قولان قال في القديم كراهة تنزيه لانه انما نهى عنه للسرف والخيلاء والتشبه بالاعاجم وهذا لا يوجب التحريم وقال في الجديد يكره كراهة تحريم وهو الصحيح لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنية الفضة انما يجرجر في جوفه

نار جهنم فتواعد عليه بالنار فدل على أنه محرم وان توضأ منه صح الوضوء لان المنع لا يختص بالطهارة فأشبه الصلاة في الدار المغصوبة وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وليس في ذلك معصية وانما المعصية في استعمال الظرف دون ما فيه فان أكل أو شرب منه لم يكن المأكول والمشروب حراما لان المنع لاجل الظرف دون ما فيه: وأما اتخاذها ففيه وجهان أحدهما يجوز لان الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ والثاني لا: وهو الاصح لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لَا يَجُوزُ اتخاذه كالطنبور والبربط وأما أواني البلور والفيروزج وما أشبههما من الاجناس المثمنة ففيه قولان روى حرملة أنه لا يجوز لانه أعظم في السرف من الذهب والفضة فهو بالتحريم أولى وروى المزني أنه يجوز وهو الاصح لان السرف فيه غير ظاهر لانه لا يعرفه الا الخواص من الناس) * (الشَّرْحُ) قَدْ جَمَعَ هَذَا الْفَصْلُ جُمَلًا مِنْ الْحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ وَالْأَحْكَامِ وَيَحْصُلُ بَيَانُهَا بِمَسَائِلَ احداها حديث حذيفة في الصحيفين لَكِنَّ لَفْظَهُ فِيهِمَا لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَخْ فَذَكَرَ فِيهِ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ الْفِضَّةُ فَقَطْ: وَفِي بَعْضِهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمَّا الصِّحَافُ فَجَمْعُ صَحْفَةٍ كَقَصْعَةٍ وَقِصَاعٍ وَالصَّحْفَةُ دُونَ الْقَصْعَةِ قَالَ الْكِسَائِيُّ الْقَصْعَةُ مَا تَسَعُ مَا يُشْبِعُ عَشْرَةً وَالصَّحْفَةُ مَا يُشْبِعُ خَمْسَةً: وَأَمَّا رَاوِيهِ فَهُوَ أبو عبد الله حذيفة ابن الْيَمَانِ وَالْيَمَانُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ حُسَيْلٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ لَامٌ وَيُقَالُ حِسْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَالْيَمَانُ صَحَابِيٌّ شَهِدَ هُوَ وَابْنُهُ حُذَيْفَةُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ الْيَمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَأً وَكَانَ حُذَيْفَةُ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَالْخِصِّيصِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ ستة وَثَلَاثِينَ بَعْدَ وَفَاةِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءٍ مِنْ ذَهَبِ أَوْ فِضَّةٍ

فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَرْجِرُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ وَنَارًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ النَّارَ فَاعِلَةٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي اختارها الزَّجَّاجُ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ غَيْرَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ وَفِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارًا كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ نَارًا بِالْأَلِفِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جَهَنَّمَ: وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَعَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ الْفَاعِلُ هُوَ الشَّارِبُ مُضْمَرٌ فِي يُجَرْجِرُ أَيْ يُلْقِيهَا فِي بَطْنِهِ بِجَرْعٍ مُتَتَابِعٍ يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَلْقِهِ وَعَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ تَكُونُ النَّارُ فَاعِلَةً: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّارَ تُصَوِّتُ فِي جَوْفِهِ وَسُمِّيَ الْمَشْرُوبُ نَارًا لِأَنَّهُ يؤول إلَيْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بطونهم نارا وَأَمَّا جَهَنَّمُ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْعُجْمَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ عَرَبِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيفِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا يُقَالُ بِئْرٌ جِهْنَامٌ إذَا كَانَتْ عَمِيقَةَ الْقَعْرِ وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ سُمِّيَتْ بِهِ لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي لُغَاتِ الْفَصْلِ سَبَقَ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثَيْنِ: وَأَمَّا السَّرَفُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مُجَاوَزَةُ القدر المحدود لمثله: وأما الخيلاء فبضم الحاء وَالْمَدِّ مِنْ الِاخْتِيَالِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ الِاخْتِيَالُ مَأْخُوذٌ من التخيل وهو التشبه بالشئ فَالْمُخْتَالُ يَتَخَيَّلُ فِي صُورَةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ تَكَبُّرًا * وَقَوْلُهُ وَالتَّشَبُّهُ بِالْأَعَاجِمِ يَعْنِي بِهِمْ الْفُرْسَ مِنْ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ هَذَا غَالِبًا فِي الْأَكَاسِرَةِ: وَأَمَّا الطُّنْبُورُ فَبِضَمِّ الطَّاءِ وَالْبَاءِ والبربط بفتح البائين الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَهُوَ الْعُودُ وَالْأَوْتَارُ وَهُوَ فَارِسِيٌّ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ صَدْرُ الْبَطِّ وَعُنُقُهُ لِأَنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ الْجَوَالِيقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَرَّبِ هُوَ مُعَرَّبٌ وَتَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ قَدِيمًا وَهُوَ مِنْ مَلَاهِي الْعَجَمِ قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ وَالطُّنْبُورُ مُعَرَّبٌ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي لَفْظِ الْعَرَبِ قَالَ وَالطِّنْبَارُ لُغَةٌ فِيهِ وَأَمَّا الْفَيْرُوزَجُ فَبِفَتْحِ الْفَاء وَضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَالْبِلَّوْرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَال بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ هَذَا الثَّانِي أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيُّ وَهَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ أَيْضًا عَجَمِيَّتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي أَحْكَامِ الْفَصْلِ فَاسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حِرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ

وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ: وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَذَا الْقَوْلَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْمَشْرُوبَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ حَرَامًا وَذَكَر صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ الْإِنَاءُ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلِهَذَا لَمْ يُحَرَّمْ الْحُلِيُّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْقَدِيمَ فَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِضَعْفِهِ فِي النَّقْلِ وَالدَّلِيلِ: وَيَكْفِي فِي ضَعْفِهِ مُنَابَذَتُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصحيحة كحديث ام سلمة وأشباهه وَقَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِهِ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَكَمْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْخُيَلَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لِلْقَدِيمِ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا أَوْجَبَ تَحْرِيمَ الْحَرِيرِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَدِيمَ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَذْكُرُهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْجَدِيدِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ الشُّرْبُ دُونَ الْأَكْلِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَانِ نَصَّانِ فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَإِجْمَاعٌ مِنْ قَبْلِ دَاوُد حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا

أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد وَإِلَّا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَلِأَنَّهُ إذَا حَرَّمَ الشُّرْبَ فَالْأَكْلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَطْوَلُ مُدَّةً وَأَبْلُغُ فِي السَّرَفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدهَا أَنَّهُ مَذْكُورٌ في رواية مسلم كما سبق: والثاني أَنَّ الْأَكْلَ مَذْكُورٌ فِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَلَيْسَ في هذا الحديث معارضة له: الثالث أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشُّرْبِ تَنْبِيهٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ (1) في كل شئ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لا تأكلوا الربا) وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الِاسْتِيلَاءِ فِي مَعْنَى الْأَكْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَشُمُولِ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي التَّحَلِّي لِمَا يُقْصَدُ فِيهِنَّ مِنْ غَرَضِ الزِّينَةِ لِلْأَزْوَاجِ وَالتَّجَمُّلِ لَهُمْ. الْخَامِسَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَسْتَوِي فِي التَّحْرِيمِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْبَوْلِ فِي الْإِنَاءِ وَالْأَكْلِ بِمِلْعَقَةِ الْفِضَّةِ وَالتَّجَمُّرِ بِمِجْمَرَةٍ فِضَّةٍ إذَا اُحْتُوِيَ عَلَيْهَا قَالُوا وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَحْتَوِ عَلَيْهَا وَجَاءَتْهُ الرَّائِحَةُ مِنْ بَعِيدٍ (2) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ بِهَا وَتَحْرُمُ الْمُكْحُلَةُ: وَظَرْفُ الْغَالِيَةِ وَإِنْ صَغُرَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ تَرَدُّدًا فِي جَوَازِ ذلك إذا كان من فضة

_ (1) ويحرم على الولى اطعام الطفل وتمكينه من استعماله اه من هامش الاذرعي (2) يعني لا بأس بأن تأتيه الرائحة منها من بعد أما لو وضع فيها النار والبخور ثم تباعد منها حرم عليه ذلك الموضع بلا شك اه اذرعي

قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ خِلَافًا فِي اسْتِعْمَالِ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ كَالْمُكْحُلَةِ وَلَمْ يخصه بالفضة وكلامه محمول على ما ذكره شَيْخُهُ وَهُوَ التَّخْصِيصُ بِالْفِضَّةِ: وَيَحْرُمُ تَزْيِينُ الْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ وَالْمَجَالِسِ بِأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ: وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ شَيْخَهُ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ لِلسَّرَفِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ مَاءِ الْوَرْدِ مِنْ قَارُورَةِ الْفِضَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْحِيلَةُ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْهَا أَنْ يَصُبَّهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَصُبَّهُ مِنْ الْيَسَرَيْ فِي الْيُمْنَى وَيَسْتَعْمِلَهُ فَلَا يَحْرُمُ: وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ فَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ ثُمَّ صَبَّهُ مِنْهَا عَلَى مَحَلِّ الطَّهَارَة جَازَ قَالَ وَكَذَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي يَدِهِ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْهَا جَازَ فَلَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي يُرِيدُ غَسْلَهُ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ (1) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَحْوَ هَذَا فَقَالَ مَنْ أَرَادَ التَّوَقِّيَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْأَكْلِ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلْيُخْرِجْ الطَّعَامَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ثُمَّ يَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلَا يَعْصِي قَالَ وَفَعَلَ مِثْلَ هَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِثْلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ فِعْلَهُ هَذَا تَرْكٌ لِلْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا كَمَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ بِنِيَّةِ التَّوْبَةِ وَيَكُونُ فِي خُرُوجِهِ مُطِيعًا لَا عَاصِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * السَّادِسَةُ لَوْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ هَكَذَا عَادَةُ أصحابننا يَقِيسُونَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قَبْلَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِثْلُ هَذَا لَوْ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ بِمَاءٍ أَوْ تراب مَغْصُوبٍ أَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ أَوْ أَقَامَ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِسَوْطٍ مَغْصُوبٍ صَحَّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالذَّبْحُ وَالْحَدُّ وَيَأْثَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ حَتَّى يَجْرِيَ الْمَاءُ عَلَى الْعُضْوِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي امساسه والبلل وستأتي المسأله مبسوطة

_ (1) وتركه الماء في الاناء حتى يكمل طهارته عضوا عضوا استعمال له لانه جعله ظرفا لمائه وطريق الخلاص ان يصبه دفعة واحدة في اناء مباح ثم يتوضأ حينئذ والله اعلم اه اذرعي

فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ دَاوُد (1) لَا يَصِحُّ: السَّابِعَةُ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ إنَاءِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ عَصَى بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ حَرَامًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الثَّامِنَةُ هَلْ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الْإِنَاءِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَادِّخَارُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَالْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كتابيه المجموع والتجريد والبند نيجي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ قَوْلَيْنِ (2) وَذَكَرَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي حِكَايَتِهِ فَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الِاتِّخَاذِ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ كَالطُّنْبُورِ وَلِأَنَّ اتِّخَاذَهُ يُؤَدِّي إلَى استعماله فحرم كامساك الخمر قالوا ولان الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الِاتِّخَاذِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ الِاتِّخَاذِ فَيُقَالُ عَقَلْنَا الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ السَّرَفُ وَالْخُيَلَاءُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الِاتِّخَاذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَنَعَ الْإِنَاءَ صَانِعٌ أَوْ كَسَرَهُ كَاسِرٌ فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ وَجَبَ لِلصَّانِعِ الْأُجْرَةُ وَعْلِي الْكَاسِرِ الْأَرْشُ وَإِلَّا فَلَا. التَّاسِعَةُ هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ كالياقوت والفيروزج والعقيق والزمرذ وهو بالذال الْمُعْجَمَةِ: وَفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالزَّبَرْجَدِ وَهُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَلُّورِ وَأَشْبَاهِهَا فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فَالِاتِّخَاذُ أَوْلَى: وَإِلَّا فَكَاِتِّخَاذِ إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِي جَمِيعِ الاحكام قال أصحابنا وما كانت نفاسته

_ (1) هذا النقل عن داود مخالف لما قدمه عنه انه انما يحرم الشرب فقط اه اذرعي (2) قال ابن الرفعة هو الصحيح ثم نقلهما عن النص في موضعين في كلام الشافعي ذكره في المطلب انتهى اذرعي ( *

بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ (1) لَا لِجَوْهَرِهِ كَالزُّجَاجِ الْمَخْرُوطِ وَغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحُوا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَشَارَ صاحب البيان الي وجه في تَحْرِيمِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ الْجَزْمُ بِإِبَاحَتِهِ: وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ لِخَاتَمِهِ فَصًّا مِنْ جَوْهَرَةٍ مُثَمَّنَةٍ فَهُوَ مُبَاحٌ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَا يُكْرَهُ لبس الكتان النفيس والصوف ونحوه قال صاحب الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْإِنَاءُ الْمُتَّخَذُ مِنْ طِيبٍ رَفِيعٍ كَالْكَافُورِ الْمُرْتَفِعِ وَالْمَصَاعِدِ وَالْمَعْجُونِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ يَخْرُجُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِحُصُولِ السَّرَفِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهُ قَالَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمُرْتَفِعِ كَالصَّنْدَلِ وَالْمِسْكِ فَاسْتِعْمَالُهُ جَائِزٌ قَطْعًا (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبِلَّوْرَ كَالْيَاقُوتِ وَأَنَّ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ عَلَقَ فِي ذِهْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُبْتَدَئِينَ وَشِبْهِهِمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ الْأَصْحَابَ فِي هَذَا وَأَنَّهُمْ قَطَعُوا بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ إنَاءِ الْبِلَّوْرِ لِأَنَّهُ كَالزُّجَاجِ وَهَذَا الَّذِي عَلَقَ بِأَذْهَانِهِمْ وَهْمٌ فَاسِدٌ بَلْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبِلَّوْرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَطَعَ بِجَوَازِهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَلْحَقَ شَيْخِي الْبِلَّوْرَ بِالزُّجَاجِ وَأَلْحَقَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَحَصَلَ أَنَّ الْجُمْهُورَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبِلَّوْرِ وَلَمْ يخالف فيه الاصاحب الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنٌ يَصِحُّ (2) بَيْعُهَا هَكَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي هُنَا وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ هُنَا اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الِاتِّخَاذِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ حَرَّمْنَاهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً مُغَنِّيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِلَا غِنَاءٍ وَأَلْفَيْنِ بِسَبَبِ الغناء

_ (1) صرح صاحب البيان في زوائده بحكاية لوجهين فيما نفاسته في الصنعة عن صاحب الفروع وقال الصحيح الجواز والله اعلم اه اذرعي (1) قلت قد اشار إليه في الام حيث قال ولو كانت نجسا لم يحل بيعها ولا شرائها ذكره في حل أكلها ما فيها اه اذرعي

وَذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ: قَالَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ إنْ بَاعَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ لِئَلَّا يَصِيرَ الْغِنَاءُ مُقَابَلًا بِمَالٍ: وَالثَّانِي إنْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي بالمغالاة في ثمنها غنائها لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ صَحَّ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ: وَالثَّالِثُ يَصِحُّ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِالْمَقْصُودِ وَالْأَغْرَاضِ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَوْدَنِيُّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ السَّدِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا خَلَّلَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَسْنَانَهُ أَوْ شَعْرَهُ بِخِلَالِ فِضَّةٍ أَوْ اكْتَحَلَا بِمِيلِ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ كما سبق في المكحلة * قال المصنف رحمه الله * (واما المضبب بالذهب فانه يحرم قليله وكثيره لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاناثها فان اضطر إليه جاز لما روى ان عرفجة بن أسعد أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ انفا من ورق فانتن عليه فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتخذ انفا من ذهب) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ حِلٌّ لِإِنَاثِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِهِمَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَرْفَجَةَ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ أَيْضًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ في حديث حسن وقد تقدم وقد ذِكْرُنَا التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا وَرَاوِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ هَذَا هُوَ عَرْفَجَةُ رضى الله عنه وأما قوله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ أَيْ

حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي التَّحَلِّي وَنَحْوِهِ وَالْحِلُّ بِكَسْرِ الحاء هو الحلال ويوم الْكُلَابِ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَهُوَ يَوْمٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالْكُلَابُ اسْمٌ لِمَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ كَانَتْ عِنْدَهُ الْوَقْعَةُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ اليوم يوم الكلاب وقيل كان عِنْدَهُ وَقْعَتَانِ مَشْهُورَتَانِ يُقَالُ فِيهِمَا الْكُلَابُ الْأَوَّلُ وَالْكُلَابُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ مِنْ وَرِقٍ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ الْفِضَّةُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ قُتَيْبَةَ ثُمَّ الْخَطَّابِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ وَرِقٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ اتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يُوصَلُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عَلَى فَعِلَ مَفْتُوحَ الْأَوَّلِ مَكْسُورَ الثَّانِي جَازَ إسْكَانُ ثَانِيه مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ فَيَصِيرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أوجه كورق وورق وكتف وكتف وكتف وورك وَوَرْكٍ وَوِرْكٍ وَأَشْبَاهِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَرْفُ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثُ حَرْفَ حَلْقٍ جَازَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالرَّابِعُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ كفخذ وفخذ وفخذ وحروف الحلق العين والغين والخاء وَالْخَاءُ وَالْهَاءُ وَالْهَمْزَةُ وَهَذَا إنَّمَا أَذْكُرُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ فَقَدْ يَتَكَلَّمُ بِهِ إنْسَانٌ عَلَى بَعْضِ الْأَوْجُهِ الْجَائِزَةِ فَيُغَلِّطُهُ فِيهِ مِنْ لَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: وأما عرفجة الرواى فَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَسْعَدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْعَيْنِ وَهُوَ عَرْفَجَةُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ كَرِبَ بْنُ صَفْوَانَ التَّمِيمِيُّ الْعُطَارِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أما احكام الْمَسْأَلَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُضَبَّبَ هُوَ مَا أَصَابَهُ شَقٌّ وَنَحْوُهُ فَيُوضَعُ عَلَيْهِ صَفِيحَةٌ تَضُمُّهُ وَتَحْفَظُهُ وَتَوَسَّعَ الْفُقَهَاءُ فِي إطْلَاقِ الضَّبَّةِ عَلَى مَا كَانَ لِلزِّينَةِ بِلَا شَقٍّ وَنَحْوِهِ ثُمَّ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ سواء

كثرت الضبطة أَوْ قَلَّتْ لِحَاجَةٍ أَوْ لِزِينَةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالشَّيْخُ نصر في كتابه الكافي والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَقَالَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ إنَّهُ كَالْمُضَبَّبِ بِالْفِضَّةِ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْإِنَاءِ فَكَذَا فِي الضَّبَّةِ وَالْمُخْتَارُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ لِلْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الذَّهَبِ مُطْلَقًا وَأَمَّا ضَبَّةُ الْفِضَّةِ فَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِحَدِيثِ قَبِيعَةِ السَّيْفِ وَضَبَّةِ الْقَدَحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ بَابَ الْفِضَّةِ أَوْسَعُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ مِنْهُ الْخَاتَمُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الذَّهَبِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قال أصحابنا قيباح لَهُ الْأَنْفُ وَالسِّنُّ مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ الْفِضَّةِ وَكَذَا شَدُّ السِّنِّ الْعَلِيلَةِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ جَائِزٌ وَيُبَاحُ أَيْضًا الْأُنْمُلَةُ مِنْهُمَا وَفِي جَوَازِ الْأُصْبُعِ وَالْيَدِ مِنْهُمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَالْأُنْمُلَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَشْهُرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ وَالْيَدَ مِنْهُمَا لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَأَمَّا الْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ قَلِيلًا لِلْحَاجَةِ لَمْ يَكْرَهْ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّفَةِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ وَإِنْ كَانَ لِلزِّينَةِ كُرِهَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَلَا يَحْرُمُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ كَانَ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ وَقَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضَّةً وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ حِلَقُ الْفِضَّةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِلْحَاجَةِ كُرِهَ لِكَثْرَتِهِ وَلَمْ يَحْرُمْ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِلزِّينَةِ حَرُمَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ قَدَحٍ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ضَبَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا نَهَتْ أَنْ تُضَبَّبَ الْأَقْدَاحُ بِالْفِضَّةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ فِي مَوْضِعِ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَقَعُ الِاسْتِعْمَالُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * (الشَّرْحُ) قَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ جُمَلًا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَحْكَامِ يَحْصُلُ بَيَانُهَا

بِمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا حَدِيثُ الْقَدَحِ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشفة وهو تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فاتخذ مكان الشعب بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْبِ الشَّقُّ وَالصَّدْعُ: وَقَوْلُهُ انْكَسَرَ معناه انشق كما جاء في زواية انْصَدَعَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ شَدَّ الشَّقَّ بِخَيْطِ فِضَّةٍ فَصَارَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ سِلْسِلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ فَاتَّخَذَ يُوهِمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُتَّخِذُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَنَسٌ هُوَ الْمُتَّخِذُ فَفِي رِوَايَةٍ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْت مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عاصم الاحوال قَالَ رَأَيْت قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ مَعَ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي جَامِعِ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَحَسَنٌ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْهُ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ فِي الطَّبَقَاتِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُهَذَّبِ كُلَّهُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فَجَمِيعُ الْحَدِيثِ عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: وَالْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسٍ قَائِمِ السَّيْفِ وَطَرَفِ مِقْبَضِهِ وَالْحَلَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاللَّامُ فِيهِمَا مَفْتُوحَةٌ جَمْعُ حَلْقَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا أَيْضًا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَالْمَشْهُورُ اسكانها وفعل السَّيْفِ مَا يَكُونُ فِي أَسْفَلِ غِمْدِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا: وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابن عمر رضي الله عنها فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ لَفْظَهُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشْرَبُ فِي قَدَحٍ فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ وَلَا ضَبَّةُ فِضَّةٍ: وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَحَسَنٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا أَنَسٌ فَهُوَ أَبُو حَمْزَةَ أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنُ النَّضْرِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ بِالنُّونِ وَالْجِيم الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْبَصْرِيُّ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ وَدُفِنَ بِهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ

وَثَلَاثِ سِنِينَ وَكَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ أَوْلَادًا لِدُعَاءِ رسول الله صلى الله عليه لَهُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْبَرَكَةِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رِوَايَةً: وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ بْنُ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ أَسْلَمَ مَعَ أَبِيهِ بِمَكَّةَ قَدِيمًا شَهِدَ الْخَنْدَقَ وَهُوَ ابن خمس عشر سَنَةً وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وقيل أربع ومناقب بن عُمَرَ وَأَنَسٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرْت جُمَلًا مِنْهَا فِي تهذيب الاسماء وبالله التوفيق: المسألة الثَّانِيَةُ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (1) رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْرَهُ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى فِضَّةٍ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ حَكَى الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةً بِدَلَائِلِهَا أَحَدُهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا لِلْحَاجَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ للزينة كره وان كان كثيرا للزينة حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ كُرِهَ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَوْضِعِ فَمِ الشَّارِبِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا: وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ بِحَالٍ: وَالرَّابِعُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابن عمرو عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ (2) وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الدَّارَكِيِّ وَمُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ قَالَ وَحَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَائِلُ لَا يَحْرُمُ بِحَالٍ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَلِيلَ لِلزِّينَةِ يُكْرَهُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْحَاجَةِ وَالْقِلَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنْ كَانَ قَلِيلًا لِلْحَاجَةِ أَمَّا الْحَاجَةُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِهَا غَرَضٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَّضْبِيبِ سِوَى الزِّينَةِ كَإِصْلَاحِ مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ بِهِ مَوْضِعَ الْكَسْرِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَسْتَمْسِكُ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ عَنْ التَّضْبِيبِ بِنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (3) وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَيْنِ لِنَفْسِهِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي (4) مَعْنَاهَا أَنْ يعدم ما يصبب بِهِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَأَمَّا ضَبْطُ الْقَلِيلِ والكثير ففيه ثلاثة أوجه احدها وهو

_ (1) لفظ الشافعي فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْرَهُ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شاربا على فضة وظاهره التحريم لانه عطفه على كراهته أواني الذهب والفضة فان حمل على التنزيه فيكون الكراهة مطلقا ظاهر النص قال ابن الصباغ ولم دذكر مسألة التضبيب في الام وهذا التفصيل حيد عن النص وحمل النص عليه تعسف اه اذرعي (2) قال الصيمري في شرحه لكفايته فاما المضبب بالفضة والذهب فان كان تضبيب زينة فاستعمال حرام وان كان يسيرا كحلقة أو زردة أو اصلاح شق فيه فلا بأس كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قصعة فيها حلقة فضة اه لفظ وهو من العراقيين وقد جمع بين ضبة الذهب والفضة اه اذرعي (3) قال ابن الرفعة ضنى انهم تبعوا أبو الصباغ فان يتبعونه كثيرا بل صاحب التتمة؟ في الذهب وينسبها إلى العراقيين وقد استقريت ذلك اه اذرعي (4) هذا الثاني ذكره الغزالي مع الاول في البسيط وهو ضعيف لان العجز يبيح إناء الذهب وهو ضعيف لان العجز يبيح إناء الذهب اه اذرعي

الْمَشْهُورُ (1) فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَنَّ الْكَثِيرَ هو الذى يستوعب جزء مِنْ أَجْزَاءِ الْإِنَاءِ بِكَمَالِهِ كَأَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلِهِ أَوْ شَفَتِهِ أَوْ عُرْوَتِهِ أَوْ شَبَهِ ذَلِكَ وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ صَاحِبُ إمَامِ الحرمين في كتابه زاويا المسائل بانه إذا استوعبت الفطة جُزْءًا كَامِلًا خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْإِنَاءِ وَخَرَجَ الْإِنَاءُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إنَاءَ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ مَثَلًا بَلْ يُقَالُ إنَاءٌ مُرَكَّبُ مِنْ نُحَاسٍ وَفِضَّةٍ لِكَوْنِ جُزْءٍ مِنْ أجزائه المقصودة بكماله فضة بخلاف ماذا لم يستوعب جزئا بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَغْمُورًا تَابِعًا وَلَا يُعَدُّ الاناء بسببه مركبا من فضة نحاس وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى الْعُرْفِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَى اخْتِيَارِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مَا أُطْلِقَ وَلَمْ يَحُدَّ رَجَعَ فِي ضَبْطِهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ وَالْحِرْزِ في السرقة واحياء الموات نظائرها: وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَلْمَعُ لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ وَالْقَلِيلَ مَا لَا يَلْمَعُ وَمُرَادُهُمْ مَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَالْعَادَةِ فِي رِقَّتِهِ وَغِلَظِهِ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ اخْتَارَ هَذَا الثَّالِثَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ فِيهِ ضَعْفٌ وَالْمُخْتَارُ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَالْوَجْهُ الْمَشْهُورُ حَسَنٌ مُتَّجَهٌ أَيْضًا وَمَتَى شَكَكْنَا فِي الْكَثْرَةِ فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا ضَبَّبَ الْإِنَاءَ تَضْبِيبًا جَائِزًا فَلَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنْ الْآنِيَةِ الَّتِي لَا فِضَّةَ فِيهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْأَوَانِي) أَحَدُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتِمُ فِضَّةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَكَذَا لَوْ صَبَّ الدَّرَاهِمَ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَ منه أو كان في فمه دنانير أو دراهم فَشَرِبَ لَمْ يُكْرَهْ وَلَوْ أَثْبَتَ الدَّرَاهِمَ فِي الْإِنَاءِ بِمَسَامِيرَ لِلزِّينَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هُوَ كَالضَّبَّةِ لِلزِّينَةِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِجَوَازِهِ: الثَّانِي لَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَطَلَاهُ بِنُحَاسٍ دَاخِلَهُ وَخَارِجَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالتَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ والعدة والبيان وغيرها أصحهما لا يحرم (2) قالواو هما مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ حَرَامُ لَعَيْنِهِمَا أم للخيلاء ان قلنا لعينهما حرم

_ (1) قوله المشهور في طريقتي العراق وخراسان فيه نظر فان الغزالي حكاه في البسيط عن بعض المصنفين وظن انه تبع الامام في هذه العبارة وعن بيان الفوراني قال فيه نطر قال والوجه أن يقال اما يلوح للناظر على بعد هو الكثير هذا لفظه اه اذرعي (2) هذا الصحيح ممنوع بل الصحيح التحريم لانه اناء ذهب أو فضة حقيقة فهو داخل في النصوص الدال على تحريم اواني الذهب والفضة لعينها وترجيح التحريم هو ما اقتضاه كلام الرافعي وغيره والبناء الذي ذكره هنا يقتضيه ايضا اه اذرعي

وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ غَشَّى ظَاهِرَهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ غَشَّى ظَاهِرَهُ وَدَاخِلَهُ فَاَلَّذِي أَرَاهُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّهُ إنَاءُ نُحَاسٍ أُدْرِجَ فِيهِ ذَهَبٌ مُسْتَتِرٌ وَبِهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ اتَّخَذَ إنَاءً مِنْ نُحَاسٍ وَمَوَّهَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إنْ كان يتجمع منه شئ بِالنَّارِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحْرُمُ قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُسْتَهْلَكِ وما يتجمع منه شئ وَالصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْمُسْتَهْلَكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابِعُوهُ وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِأَنَّهُ إذَا غُشِّيَ جَمِيعُهُ بِالْفِضَّةِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ: الثَّالِثُ لَوْ كَانَ لَهُ قَدَحٌ عَلَيْهِ سِلْسِلَةُ فِضَّةٍ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ بِجَوَازِهِ وَزَادَ المتولي والبغوى فقالا لو اتخذ لا نائه حَلْقَةً أَوْ سِلْسِلَةَ فِضَّةٍ أَوْ رَأْسًا جَازَ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِنَاءِ لَا يَسْتَعْمِلُهُ (1) هَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالتَّضْبِيبِ ويجئ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ: الرَّابِعُ إذَا قُلْنَا بِطَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنَّ الْمُضَبَّبَ بِذَهَبٍ كَالْمُضَبَّبِ بِفِضَّةٍ فَهَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي التَّفْصِيلِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ الا كثرون لِذَلِكَ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَوَّى لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فِي قَلِيلِ الذَّهَب كَالْخُيَلَاءِ فِي كَثِيرِ الْفِضَّةِ وَأَقْرَبُ ضَابِطٍ له ان تُعْتَبَرُ قِيمَةُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ إذَا قُوِّمَتْ بِفِضَّةٍ قال الرافعى وقياس الباب ان لافرق وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مأخذ المسألة

_ (1) قوله لا يستعمله قال الرافعي بل هو مستعمل بحسبه تبعا للاناء ولو سلم فينبغي ان يخرج على الخلاف في الاتحاذ قال ويجوز أن يوجه التجويز بالمضبب أو يجعل كالمكحلة ونحوها اه اذرعي

أَنَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ كَالْإِنَاءِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْخَامِسُ لَوْ اُضْطُرَّ إلَى اسْتِعْمَالِ إنَاءٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً جَازَ استعماله حال الضرورة صرح بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُضَبَّبِ بِالْفِضَّةِ قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِيهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جُمْهُور الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ عَلَى كَرَاهَةِ الضَّبَّةِ وَالْحَلْقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ وجوزهما أبو حنيفة وأصحابه وأحمد واسحق إذَا لَمْ يَكُنْ فَمُهُ عَلَى الْفِضَّةِ فِي الشُّرْبِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ كراهة المضبب * قال المصنف رحمه الله * (ويكره استعمال أواني المشركين وثيابهم لما روى أبو ثعلبة الخشنى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنا بأرض اهل الكتاب ونأكل في آنيتهم فقال لا تأكلوا في آنيتهم الا ان لم تجدوا عنها بدا فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها ولانهم لا يجتنبون النجاسة فكره لذلك فان توضأ من أوانيهم نظرت فان كانوا ممن لا يتدينون باستعمال النجاسة صح الوضوء لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مزادة مشركة وتوضأ عمر رضى الله عنه من جرة نصراني ولان الاصل في أوانيهم الطهارة وان كانوا ممن يتدينون باستعمال النجاسة ففيه وجهان أحدهما انه يصح الوضوء لان الاصل في أوانيهم الطهارة والثاني لا يصح لانهم يتدينون باستعمال النجاسة كما يتدين المسلمون بالماء الطاهر فالظاهر من أوانيهم وتيابهم النجاسة) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فِيهِمَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بأرض قوم أهل الكتاب أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ فَقَالَ إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وكلوا

فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارَيَّ فَلَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا وَفِي رِوَايَةِ أبي دواد إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تجدوا غيرها فارحضورها بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ لَا تَأْكُلْ خِطَابًا لِلْوَاحِدِ وَلَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الْمَعْرُوفَ لَا تأكلوا قال أهل اللغة يقال لابد مِنْ كَذَا أَيْ لَا فِرَاقَ مِنْهُ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ أَيْ هُوَ لَازِمٌ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الرَّاوِي وَهُوَ الْخُشَنِيُّ بِخَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ شِينٍ مَفْتُوحَةٍ مُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ نُونٍ مَنْسُوبُ إلَى خُشَيْنٍ بَطْنٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَاسْمُهُ جُرْهُمٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْهَاءِ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ وَقِيلَ جُرْثُومٌ (1) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْم أَبِيهِ نَاشِمٌ بِالنُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَزَلَ الشَّامَ وَتُوُفِّيَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ أَيَّامَ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ فَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عمران ابن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فعطشوا فأرسل من يطلب الماء فجاؤا بِامْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ عَلَى بَعِيرٍ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي الْمَزَادَتَيْنِ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَلَمْ يَدَعُوا إنَاءً وَلَا سِقَاءً إلَّا ماؤه وَأَعْطَى رَجُلًا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ إنَاءً مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَقَالَ أَفْرِغْهُ عَلَيْك ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ الْمَزَادَتَيْنِ وَكَأَنَّهُمَا أَشَدُّ امْتِلَاءً مِمَّا كَانَتَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ وَقَوْمُهَا هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وليس

_ (1) اختار المصنف رحمه الله في كتاب الاربعين جرثوم اه اذرعي

فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ منه صريحا لكن الظاهر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَضَّأَ فَقَدْ أَعْطَى الْجُنُبَ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ طَهَارَةُ إنَاءِ الْمُشْرِكِ وَالْمَزَادَةُ هي التى تسميها الناس الرواية وانما الراوية في الاصل البعير الذى يسقي عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَوَضَّأَ عُمَرُ مِنْ جَرِّ نَصْرَانِيٍّ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ نَصْرَانِيٌّ بِالتَّذْكِيرِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ رَوَاهُ خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ سفيان ابن عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادِهِ كَذَلِكَ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادِهِ نَصْرَانِيَّةٌ بِالتَّأْنِيثِ وقوله مِنْ جَرٍّ كَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ جَرٌّ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ جَرَّةُ (1) نَصْرَانِيَّةٍ بِالْهَاءِ فِي آخِرِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي مَعْنَى الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ فَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ جَمْعُ جَرَّةٍ وَهِيَ الْإِنَاءُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْخَزَفِ وَقَوْلُنَا جَمْعُ جَرَّةٍ هُوَ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا أَهْلُ التَّصْرِيفِ وَالنَّحْوِ فَيَقُولُونَ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا يُسَمُّونَهُ جَمْعًا وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِهِ حِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَرَّ هُنَا سَلَاخَةُ عُرْقُوبِ الْبَعِيرِ يُجْعَلُ وِعَاءً لِلْمَاءِ وَذَكَرَ هُوَ فِي الْمُجْمَلِ نَحْوَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْكُفَّارِ وَثِيَابِهِمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ وَالْمُتَدَيِّنُ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّا لِسَرَاوِيلَاتِهِمْ وَمَا يَلِي أَسَافِلَهُمْ أَشَدُّ كَرَاهَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَوَانِيهِمْ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْمَاءِ أَخَفُّ كَرَاهَةً فاتيقن طَهَارَةَ أَوَانِيهِمْ أَوْ ثِيَابِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ فِي اسْتِعْمَالِهَا كَثِيَابِ الْمُسْلِمِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْبُلْغَةِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ ولا نعلم فيه خلافا ومراد المصنف لقوله يكره استعمالها إذا لم يتيقن طهارتها

_ (1) كذا في الحديث في الام جرة لكن كلام الشافعي نفسه جر بلا هاء فانه قال في الام ايضا وإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجسا في جر كان أو غيره كذا رأيته في اربع نسخ بالام والله اعلم اه اذرعي

وَتَعْلِيلُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَحَدِيثُ أَبِي ثعلبة يقتضى كراهة استعمالها وَجَدَ عَنْهَا بُدًّا وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ فِي أَوَانِيهِمْ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْأَكْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ الْمَغْسُولَةِ وَإِذَا تَطَهَّرَ مِنْ إنَاءِ كَافِرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَالْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ (1) الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّلَاة فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ (2) كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هو مخرج من مسألة بول الظبية وَهَذَا أَجْوَدُ (3) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَدَيِّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ وَهُمْ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ دِينًا وَفَضِيلَةً وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَجُوسِ يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَ أَبْوَالِ الْبَقَرِ واخثائها قُرْبَةً وَطَاعَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ الْبَرَاهِمَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَتَدَيَّنُونَ فَكَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ ظَهَرَ مِنْ الرَّجُلِ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَاتِ وَعَدَمُ تَصَوُّنِهِ مِنْهَا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَفِي نَجَاسَةِ ثِيَابِهِ وَأَوَانِيهِ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُكْمِ بِطَهَارَةِ أَوَانِي الْكُفَّارِ وَثِيَابِهِمْ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ نَجَاسَةَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا المشركون نجس) وَلِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْسِلُوهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَعَامَهُمْ يَطْبُخُونَهُ فِي قُدُورِهِمْ وَيُبَاشِرُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَبِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَفِعْلِ عُمَرَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَبِأَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْذَنُ لِلْكُفَّارِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانُوا أَنْجَاسًا لَمْ يَأْذَنْ * وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْآيَةِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَجَسٌ أَدْيَانُهُمْ وَاعْتِقَادُهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَبْدَانَهُمْ وَأَوَانِيَهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أدخلهم المسجد واستعمل

_ (1) ليت شعري أي فرق بين المسألة أوانيهم وثيابهم إذا أجروا في الشاك القولين في تعارض الاصل والظاهر وهنا جعلوا الوجه الثاني مخرجا أما من مسألة الظبية أو من مسألة الصلاة في المقبرة المنبوشة وقد حكي الغزالي في الوسيط مسألة الاواني مع مسألة الثياب ونحوها وانها مخرجه على القولين وقوله واخباثها عليه في التحقيق وهذا هو القول الواضح والله اعلم اه اذرعي (2) قال في التحقيق على الوسيط قوله المقابر المنبوشة مما غلطوه فيه فان المنبوشة نجسة بلا خلاف وانما الخلاف في المشكوك في نبشها فكيف يقول هنا ما قال وقوله كذا قاله الشيخ أبو حامد تقرير له اه اذرعي (3) قوله وهذا اجود فيه نظر فانه بالمسألة الاولى اشبه اه اذرعي

آنِيَتَهُمْ وَأَكَلَ طَعَامَهُمْ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ بِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ الْآنِيَةِ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يكره اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ يَعْنِي بِالْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارَ سَوَاءٌ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ وَاسْمُ الْمُشْرِكِينَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دون ذلك لمن يشاء) وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتِعْمَالِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مَشْهُورَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وتعالى (وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله) وَقَالَ فِي آخِرُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ (سُبْحَانَهُ عَمَّا يشركون) والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب تغطية الاناء وايكاء السقاء) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صحيحهما مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرُوِيَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ جَابِرٍ غَطُّوا الاناء وأوكوا السِّقَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ خَمِّرْ إنَاءَك وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَتَعْرُضُ بِضَمِّ الرَّاءِ رُوِيَ بِكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَصَحُّ وَأَشْهُرُ وَمَعْنَاهُ تَضَعُ عَلَيْهِ عُودًا أَوْ نَحْوَهُ عَرْضًا: وَقَوْلُهُ تَغْطِيَةُ الْوَضُوءِ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الذي يتوضأ به وقوله وايكاء السقاء الْإِيكَاءُ وَالسِّقَاءُ مَمْدُودَانِ وَالْإِيكَاءُ هُوَ شَدُّ رَأْسِ السِّقَاءِ وَهُوَ قِرْبَةُ اللَّبَنِ أَوْ الْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ وَهُوَ مَمْدُودٌ أَيْضًا وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ تَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِيهِ إنَاءُ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِهِمَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفَائِدَتُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحِلُّ سِقَاءً وَلَا يَكْشِفُ إنَاءً الثَّانِي جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ قال الليث

ابن سَعْدٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي مُسْلِمٍ فَالْأَعَاجِمُ يَتَّقُونَ ذلك في كانون الاول: الوباء بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ وَإِذَا قُصِرَ هُمِزَ وَكَانُونُ عَجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ: الثَّالِثُ صِيَانَتُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَشِبْهِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه رَاوِي الْحَدِيثِ هُوَ أَوَّلُ مَنْ كُنِّيَ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ قِيلَ كَانَ لَهُ هِرَّةٌ يَلْعَبُ بِهَا فِي صِغَرِهِ فَكُنِّيَ بِهَا وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا أَشْهُرُهَا وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ وَهُوَ سَابِقُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَوَّلُ حُفَّاظِهِ الْمُتَصَدِّينَ لَحِفْظِهِ تَصَدَّى لَحِفْظِ حَدِيثِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَرَعَ فِيهِ وَفَاقَ سَائِرَ الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم فيه روى لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة آلاف حديث وثلثمائة وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُقَارِبُ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى عَنْ أبي هريرة نحو ثمانمائة رجل أو اكثر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَشْهَرَ أَهْلِ الصُّفَّةِ فِي زَمَنِ صُحْبَتِهِ وَكَانَ عَرِيفَ أَهْلِ الصُّفَّةِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ فِي الْبَقِيعِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً رَضِيَ الله عنه وقد بسطت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (فَرْعٌ) مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ وَأَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْبَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يفتح بابا مغلقا وأوكؤ اقربكم وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فحمة العشاء وفي الصحيحين عن ابن عمرو أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ فَهَذِهِ سُنَنٌ يَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَجُنْحُ اللَّيْلِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ظَلَامُهُ وَالْفَوَاشِي بِالْفَاءِ جَمْعُ فَاشِيَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الْمَالِ كَالْبَهَائِمِ وَغَيْرِهَا وَفَحْمَةُ العشاء ظلمتها وقد أو ضحت شَرْحَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَعَانِيَهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَر اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا

باب السواك

عَشَاءَ وَإِذَا دَخَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالي عند طعامه قال أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ دُخُولِهِ بَيْتَهُ وَبَيْتَ غَيْرِهِ وَالسَّلَامُ إذَا دَخَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ وَيَدْعُو عِنْدَ خُرُوجِهِ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيت ووقيت وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ من هذا أو ضحتها فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِيهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ تتعلق بهذا الفصل والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * بَابُ (السِّوَاكِ) (السِّوَاكُ سُنَّةٌ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه قَالَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَيُسْتَحَبُّ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ لما روت عائشة رضى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ وَالثَّانِي عِنْدَ اصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ لِمَا رَوَى الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْتَاكُوا لَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُلْحًا وَالثَّالِثُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ النَّوْمِ وَقَدْ يَكُون بِالْأَزْمِ وَهُوَ تَرْكُ الاكل وقد يكون بأكل شئ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَمُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ النَّوْمِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ وَإِنَّمَا اسْتَاكَ لِأَنَّ النَّائِمَ يَنْطَبِقُ فَمُهُ وَيَتَغَيَّرُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَمُ فَوَجَبَ أَنْ يستحب له السواك) * (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَحْكَامِ يَحْصُلُ بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَسَائِلَ إحْدَاهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السِّوَاكُ مطهرة للفم ومرضاة لِلرَّبِّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ خُزَيْمَةَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَهَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بِصِيغَةِ جَزْمٍ وَقَدْ ذَكَرْت فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ تَعْلِيقَاتِ الْبُخَارِيِّ إذَا كَانَتْ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَالْمَطْهَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَآخَرُونَ وَهِيَ كُلُّ إنَاءٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ شَبَّهَ السِّوَاكَ بِهَا لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْفَمَ وَالطَّهَارَةُ النَّظَافَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الرَّبُّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ رَبٍّ فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى الْمَخْلُوقِ فَيُقَالُ رَبُّ الْمَالِ وَرَبُّ الدَّارِ وَرَبُّ الْمَاشِيَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه ولم فِي الْحَدِيثِ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ دَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ إضَافَةَ رَبٍّ إلَى الْحَيَوَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ كُلَّ هَذَا بِدَلَائِلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ: وَمِمَّا جَاءَ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ مُطْلَقًا حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرْت عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ بِغَيْرِ سِوَاكٍ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَكَذَا ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ وَسَبَبُ ضَعْفِهِ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى مُحَمَّدِ ابن إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يُذْكَرْ سَمَاعُهُ وَالْمُدَلِّسُ إذَا لَمْ يُذْكَرْ سَمَاعُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِ هَذَا الْفَنِّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَيْسَ كذلك فان محمد ابن إِسْحَاقَ لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا مُحْتَجًّا بِهِ وَإِنَّمَا رَوَى لَهُ مُتَابَعَةً وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي الْمُتَابَعَاتِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِلتَّقْوِيَةِ لَا لِلِاحْتِجَاجِ وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَذَلك مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ وَالْبَيْهَقِيُّ أَتْقَنُ فِي هَذَا الْفَنِّ مِنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَرْوِهِ وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَبَّاسِ فَهُوَ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهُمَا لَيْسَ بقوي قال

الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ فِي الدَّلَالَةِ حَدِيثُ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ إذَا قَامَ مِنْ النَّوْمِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقِيلَ إنَّ ذِكْرَ عَائِشَةَ وَهْمٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَعَدُّوهُ مِنْ غَلَطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي لُغَاتِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ السِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ وَيُطْلَقُ السِّوَاكُ عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيَاكُ وَعْلِي الْآلَةِ الَّتِي يَسْتَاكُ بِهَا وَيُقَالُ فِي الْآلَةِ أَيْضًا مِسْوَاكٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ يُقَالُ سَاكَ فَاهُ يَسُوكُهُ سَوْكًا فَإِنْ قُلْت اسْتَاكَ لَمْ تَذْكُرْ الْفَمَ وَالسِّوَاكُ مُذَكَّرٌ نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ قَالَ وَغَلِطَ اللَّيْثُ بْنُ الْمُظَفَّرِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَذَكَر صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ لُغَتَانِ قَالُوا وَجَمْعُهُ سُوكٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْوَاوِ كَكِتَابٍ وكتب ويخفف باسكان الواو قال صَاحِبُ الْمُحْكَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي الدِّينَوَرِيَّ

الْإِمَامَ فِي اللُّغَةِ رُبَّمَا هُمِزَ فَقِيلَ سُؤَاكٌ قال والسواك مشتق من ساك الشئ إذَا دَلَكَهُ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّسَاوُكِ يَعْنِي التَّمَايُلَ يُقَالُ جَاءَتْ الْإِبِلُ تَتَسَاوَكُ أَيْ تَتَمَايَلُ فِي مِشْيَتِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ سَاكَ إذَا دَلَكَ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ استعمال عود أو نحوه في الاسنان لا ذهاب التَّغَيُّرِ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ سَبَقَ شَرْحُهُمَا وَمِيمُ الْفَمِ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي لُغَيَّةٍ يَجُوزُ تَشْدِيدُهَا وَقَدْ بَسُطَتْ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ كَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِي الْحَالِ لُغَتَانِ التذكير والتأنيث فيقال ثلاثة أحوال ثلاث أَحْوَالٍ وَحَالٌ حَسَنٌ وَحَالَةٌ حَسَنَةٌ وَقَوْلُهُ صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ مَعْنَاهُ ثَوَابُهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ سَبْعِينَ وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُوا عَلَيَّ قُلْحًا بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ اللام وبالحاء الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ أَقْلَحَ وَهُوَ الَّذِي عَلَى أَسْنَانِهِ قَلَحٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَهُوَ صُفْرَةٌ وَوَسَخٌ يركبان الاسنان قال صحاب الْمُحْكَمِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْقُلَاحُ بِضَمِّ الْقَافِ وتخفيف واللام وَيُقَالُ قَلِحَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَأَقْلَحَ * وَقَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ بِالْأَزْمِ وَهُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ الْأَزْمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَتَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا تأويلين أحدهما الجوع الثاني السُّكُوتُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَرْكُ الْأَكْلِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وقوله يشوص

فَاهُ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالشَّوْصُ ذلك الْأَسْنَانِ عَرْضًا بِالسِّوَاكِ كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ الْغَسْلُ وَقِيلَ التَّنْقِيَةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ * الْعَبَّاسُ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْفَضْلِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتمام نسبه فِي نَسَبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثنين وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ سَمْعًا: الْمَسْأَلَة الرَّابِعَةُ: فِي الْأَحْكَامِ فَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد أَنَّهُ أَوْجَبَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّ دَاوُد أَوْجَبَهُ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ قَالَ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ هُوَ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا النقل عن اسحاق غير معوف وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والعبد رى غَلِطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي حِكَايَتِهِ وُجُوبَهُ عَنْ دَاوُد بَلْ مَذْهَبُ دَاوُد أَنَّهُ سُنَّةٌ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا نَصُّوا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَنْكَرُوا وُجُوبَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَامِدٍ: وَاحْتَجَّ لِدَاوُدَ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ بحديث أبي هريرة الذى ذكرناه لولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ أُخَرَ وَأَقْيِسَةٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ

إذا لم نتيقن خلافا والاحاديث الوادة بِالْأَمْرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابه فِي أَحْوَالٍ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ اخْتِصَاصَ الِاسْتِحْبَابِ بِالْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَأَمَّا الْأَحْوَالُ الَّتِي يَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ فِيهَا فَخَمْسَةٌ أَحَدُهَا عِنْدَ الْقِيَامِ (1) إلَى الصَّلَاةِ سَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَسَوَاءٌ صَلَّى بِطَهَارَةِ مَاءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ صرح به الشيخ أبو حامد المتولي وَغَيْرُهُمَا الثَّانِي عِنْدَ اصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثُ عِنْدَ الْوُضُوءِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَا يُخَالِفُ هذا اختلاف

_ (1) قلت غد في البحر الخمسة احوال القيام من النوم والوضوء للصلاة والقيام للصلاة وعند قراءة القرآن وعند تغير الفم ولم يذكر صفرة الاسنان فصار للتأكد حينئذ إذا جمعنا القيام من النوم إلى صفرة الاسنان يتأكد في ستتة اخوال والله اعلم ثم قال وهو مستحب في الاوقات وهو في ثلاثة احوال اشد استحبابا للصلاة وللقيام من النوم والثالثة عند تغير الفم: وقال الشيخ أبو حامد في كتابه الرونق يستحب في خمسة عند النوم واليقضة والصلاة إلا بعد الزوال للصائم وعند الازم وعند تغير الفم فزاد عند النوم فصارت سبعا اه الاذرعي

الْأَصْحَابِ فِي أَنَّ السِّوَاكَ هَلْ هُوَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا: فَإِنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَمْ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الْوُضُوءِ لَا مِنْهُ: وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي التَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كونهما مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَفَرَضْت عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ مَعَ الْوُضُوءِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ خزيمة والحاكم في صحيحهما وَصَحَّحَاهُ وَأَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ فِي الصَّحِيحِ ذَكَرْته فِي جَامِعِ السُّنَّةِ تَرَكْته هُنَا لِطُولِهِ: الرَّابِعُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم: الخامس عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ وَتَغَيُّرُهُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّوْمِ وَقَدْ يَكُونُ بِأَكْلِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَقَدْ يَكُونُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبِطُولِ السُّكُوتِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَيَكُونُ أَيْضًا بِكَثْرَةِ الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذِهِ الْأَحْوَالُ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً ذَاتَ تَسْلِيمَاتٍ كَالتَّرَاوِيحِ وَالضُّحَى وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ (1) سُنَّةَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَالتَّهَجُّدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ (فَرْعٌ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ السِّوَاكَ لِلصَّلَوَاتِ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْفَمُ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ عِنْدَ بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَخَلَّ الْمُزَنِيّ بِالْوَاوِ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ فَقَدْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ بِالْوَاوِ وَاتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَمُ (فَرْعٌ) فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ هَذَا كَلَامُهُ وَفِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَأَبُو الشَّمَالِ وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: وَأَبُو الشَّمَالِ مَجْهُولٌ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَصَارَ حَسَنًا وَقَوْلُهُ الْحَيَاءُ هُوَ بِالْيَاءِ لَا بِالنُّونِ وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ صَحَّفَهُ فِي عَصْرِنَا وَقَدْ سَبَقَ بِتَصْحِيفِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو موسى الاصبهاني

_ (1) مسألة إذا صلى تهجدا أو ضحى استحب أن يستاك لكل ركعتين اه اذرعي

هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي اسْتِعْمَالِ الْحِنَّاءِ وَأَوْضَحَهُ وَقَالَ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَدُّ مَلِيحٍ كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى لَفْظِ الْحَيَاءِ قَالَ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ وَالْأَئِمَّةِ قَالَ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمُرَادِي بِذِكْرِ هَذَا الْفَرْعِ بَيَانُ أَنَّ السِّوَاكَ كَانَ فِي الشَّرَائِعِ السابقة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يُكْرَهُ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَالسِّوَاكُ يَقْطَعُ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يُكْرَهَ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مَشْهُودُ لَهُ بِالطَّيِّبِ فَكُرِهَ ازالته كدم الشهداء) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ وَهُوَ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُ الْخَاءِ يُقَالُ خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَاللَّامِ يَخْلُفُ بِضَمِّ اللَّامِ وَأَخْلَفَ يُخْلِفُ إذَا تَغَيَّرَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لِأَحَدٍ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ

أَصْحَابُنَا وَحَكَى أَبُو عِيسَى (1) فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ: وَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ وَسَوَاءٌ فِيهِ صَوْمُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَتَبْقَيْ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَتَّى يُفْطِرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ بَعْدَ الزَّوَالِ يَظْهَرُ كَوْنُ الخلوف من خلو المعدة بسبب الصوم لامن الطَّعَامِ الشَّاغِلِ لِلْمَعِدَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مَشْهُودُ لَهُ بِالطَّيِّبِ فَكُرِهَ إزَالَتُهُ كَدَمِ الشُّهَدَاءِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ على ابن أَبِي عَلِيٍّ الْقَلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالطِّيبِ احْتِرَازٌ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ عَلَى أحد الوجهين ومن أثر التيمم وَشَعْرِ الْمُحْرِمِ وَقَالَ غَيْرُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ الْعَالِمِ مِنْ الْحِبْرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرَ عِبَادَةٍ لَكِنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْفَضْلِ لَا بِالطِّيبِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ مَشْهُودٌ لَهُ بِالطِّيبِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَفْجُرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدم والريح ريح المسك وأما

_ (1) هو الترمذي اه اذرعي (2) نقل الرافعي في شرحه الصغير عن بعض الاصحاب تخصيص الكراهة بصوم الفرض اه اذرعي

الشُّهَدَاءُ فَجَمْعُ شَهِيدٍ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهدا لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الشَّهِيدُ الْحَيُّ فَسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ وقيل لانه ممن بشهد يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ: حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَخَاتِمَةِ الْخَيْرِ بِظَاهِرِ حَالِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ لَهُ شَاهِدًا بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا وَقِيلَ لِأَنَّ رُوحَهُ تَشْهَدُ دَارَ السَّلَامِ وَرُوحَ غَيْرِهِ لَا تَشْهَدُهَا إلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: (فَرْعٌ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَكَانَ وَقَعَ نِزَاعٌ بَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أَنَّ هَذَا الطِّيبَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمْ في الآخرة خاصة: فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْآخِرَةِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَوْمَ القيامة وقال أبو عمر وهو عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ لِأَبِي حاتم ابن حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْبُسْتِيِّ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَدِّثِينَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بَابٌ فِي كَوْنِ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَابٌ فِي كَوْنِهِ فِي الدُّنْيَا وَرَوَى فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْنَادِهِ الثَّابِتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَرَوَى الْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ واما الثانية

فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ فِي وَقْتِ وُجُودِ الْخُلُوفِ فِي الدُّنْيَا يَتَحَقَّقُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ قَالَ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ شَرْقًا وَغَرْبًا مَعْنَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ مَعْنَاهُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَرْفَعُ عِنْدَهُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ: وَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْقُدُورِيُّ إمَامُ الْحَنَفِيَّةِ في كتابه في فِي الْخِلَافِ مَعْنَاهُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَمِثْلُهُ قَالَ الْبَوْنِيُّ مِنْ قُدَمَاءِ المالكية وكذا قال الامام أبوعهمان الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الصَّفَّارِ الشَّافِعِيُّونَ فِي أَمَالِيهِمْ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَى مَا ذَكَرْته وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجْهًا بِتَخْصِيصِهِ بِالْآخِرَةِ مَعَ أن كتبهم جامعة للوجوه المشهورة والغربية وَمَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضا اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا وَاجْتِلَابِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ كَمَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ العبادات فخص يوم القيامة بالذكر في رواية لِذَلِكَ كَمَا خُصَّ فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّ ربهم بهم يومئذ لخبير وَأُطْلِقَ فِي بَاقِي

الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إلَى أَنَّ أَصْلَ أَفْضَلِيَّتِهِ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عطاء ومجاهد واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ (1) وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (2) وَرَخَّصَ فِيهِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَضْلِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ واحتجوا بما رواه أبو إسحق ابراهيم بن بيطار الْخُوَارِزْمِيُّ قَالَ قُلْت لِعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت عَمَّنْ قَالَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) قَالُوا وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ لِلْفَمِ فَلَمْ يُكْرَهْ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ كَالْمَضْمَضَةِ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْخُلُوفِ وَهُوَ صَحِيحٌ كما سبق وبحديث عن خباب ابن الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَائِمٍ تَيْبَسُ شَفَتَاهُ بِالْعَشِيِّ إلَّا كَانَتَا نُورًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مَشْهُودُ لَهُ بِالطَّيِّبِ فَكُرِهَ إزَالَتُهُ كَدَمِ الشَّهِيدِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ فَضْلِ السِّوَاكِ بِأَنَّهَا عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ الصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ (4) وَعَنْ حَدِيثِ الْخُوَارِزْمِيِّ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعَنْ الْمَضْمَضَةِ بِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْخُلُوفَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أعلم *

_ (1) الثابت عن عمر خلاف هذا قال البخاري في كتاب؟ ؟ في باب اغتسال الصائم وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره نعم حكاه الموفق الحنبلي في المغني عن عمر ثم حكي عن عمر رواية أخرى إنه لا يكره اه اذرعي (2) قال الرافعي في شرحه الصغير ولا يكره الا بعد الزوال للصائم خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قال ان كان السواك رطبا كره والا فلا ولا حمد حيث قال يكره في الفرض دون النقل ليكون أبعد من الرياء وبه قال بعض الاصحاب هذا لفظه وفيه فوائد اه اذرعي (3) وبما رواه عامر بن ربيعة قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أحصي يسوك وهو صائم اخرجه احمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن عائشة ترفعه قال من خير خصال الصائم رواه بن ماجة وقال البخاري في باب الاغتسال للصائم وَيَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ استاك وهو صائم اه اذرعي (4) المختار أنه لا يكره بعد الزوال كما اختاره شيخنا رحمه الله في اول المسألة وعمدتهم في الكراهة حديث الخوف ولا حجة لان الخلوف من خلو المعدة والسواك لا يزيله انما يزيل وسخ الاسنان اه اذرعي

(فَرْعٌ) إنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي فَضِيلَةَ الْخُلُوفِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ السِّوَاكِ: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قد ثبت أن دم الشهيد يُزَالُ بَلْ يُتْرَكُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَهُمَا وَاجِبَانِ فَإِذَا تُرِكَ مِنْ أَجْلِهِ وَاجِبَانِ دَلَّ عَلَى رُجْحَانِهِ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ مَشْهُودًا لَهُ بِالطِّيبِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْخُلُوفِ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِالطِّيبِ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُتْرَكُ مِنْ أَجْلِهِ سُنَّةُ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (1) (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ السِّوَاكُ الرَّطْبُ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ ينفصل منه شئ يَدْخُلُ جَوْفَهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَاكُوا عَرْضًا وَادَّهِنُوا غِبًّا وَاكْتَحِلُوا وترا) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله بَحَثْت عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا وَلَا ذكرا في شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاعْتَنَى جَمَاعَةٌ بِتَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ أَصْلًا وَعَقَدَ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا فِي الِاسْتِيَاكِ عَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حَدِيثًا يُحْتَجُّ بِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِيَاكِ عَرْضًا يُسْتَدَلُّ لَهُ أَنَّهُ يَخْشَى فِي الِاسْتِيَاكِ طُولًا إدْمَاءَ اللَّثَةِ وَإِفْسَادَ عَمُودِ الْأَسْنَانِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ (2) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِيَاكِ (3) عَرْضًا هُوَ الْمَذْهَبُ الصحيح الذى قطع به

_ (1) هذا الجواب فيه نظر ظاهر ولم يترك غسل الشهيد والصلاة عليه لاجل الدم وانما تركا لكونه شهيدا ألا ترى انه لو استشهد ولم يجرح لم يغسل ولم يصل عليه ولم يعلل أحد فيما اعلم ان ترك الغسل والصلاة لاجل الدم اه اذرعي (2) ينبغي ان يحتج في المسألة بحديث يشوص فاه بالسواك وهو في الصحيحين فان الصحيح في معناه أنه الاستياك عرضا كما سبق أول الباب اه اذرعي (3) جزم الشيخ أبو حامد في الرونق بان يستاك عرضا وطولا ونسبته إليه صحيحة واللباب مختصره اه اذرعي

الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ فَإِنَّهُمَا قَالَا يَسْتَاكُ عَرْضًا وَطُولًا فَإِنْ اقْتَصَرَ فعرضا وهذا الذى قالاه شاذ مردود مخالفا لِلنَّقْلِ وَالدَّلِيلِ: وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِيَاكِ طُولًا مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ: وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِكَرَاهَةِ الِاسْتِيَاكِ طُولًا فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ وَإِنْ خَالَفَ الْمُخْتَارَ: وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَأَوْضَحَ صَاحِبُ الْحَاوِي كَيْفِيَّةَ السِّوَاكِ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا فِي ظَاهِرِ الْأَسْنَانِ وَبَاطِنِهَا وَيُمِرَّ السِّوَاكَ عَلَى أَطْرَافِ أَسْنَانِهِ وَكَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ وَيُمِرَّهُ عَلَى سَقْفِ حَلْقِهِ إمْرَارًا خَفِيفًا: قَالَ فَأَمَّا جَلَاءُ الْأَسْنَانِ بِالْحَدِيدِ وَبَرْدُهَا بِالْمِبْرَدِ فَمَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْأَسْنَانَ وَيُفْضِي إلَى انْكِسَارِهَا وَلِأَنَّهُ يُخَشِّنُهَا فَتَتَرَاكَمُ الصُّفْرَةُ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الِادِّهَانَ غِبًّا وَهُوَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَدَّهِنَ ثُمَّ يَتْرُكَ حَتَّى يَجِفَّ الدُّهْنُ ثُمَّ يَدَّهِنَ ثَانِيًا: وأما الا كتحال وِتْرًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَكُونُ فِي عَيْنٍ وِتْرًا وَفِي عَيْنٍ شَفْعًا لِيَكُونَ الْمَجْمُوعُ وِتْرًا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ فِي كُلِّ عَيْنٍ وِتْرٌ وَعَلَى هَذَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْوَتْرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السبع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَاكَ بِعُودٍ رَطْبٍ لَا يُقْلِعُ وَلَا بِيَابِسٍ يَجْرَحُ اللِّثَةَ بَلْ يَسْتَاكُ بعود بين عودين وبأى شئ اسْتَاكَ مِمَّا يَقْلَعُ الْقَلَحَ وَيُزِيلُ التَّغَيُّرَ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَإِنْ أَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى أَسْنَانِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لانه لا يسمى سواكا) (الشَّرْحُ) اللِّثَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ مِنْ اللَّحْمِ كَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ اللَّحْمُ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ الْأَسْنَانُ فَأَمَّا اللَّحْمُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ الْأَسْنَانَ فَهُوَ عَمْرٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَجَمْعُهُ عُمُورٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَجَمْعُهَا لِثَاتٌ وَلِثًى: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَوْلُهُ لَا يَسْتَاكُ بِيَابِسٍ ولا رطب

بَلْ بِمُتَوَسِّطٍ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا فَإِنْ كان يابسا نداه بماء: وقوله وبأى شئ اشتاك مما يزيل التغير والقلح أجزأه كذا قاله أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ فَيَجُوزُ الِاسْتِيَاكُ بِالسُّعُدِ وَالْأُشْنَانِ وَشِبْهِهِمَا (1) : وَأَمَّا الْأُصْبُعُ فَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَحْصُلْ بِهَا السِّوَاكُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً فَفِيهَا أَوْجُهٌ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَا يحصل لانها لا تسمى سوا كاولاهى فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سِوَاكًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالثَّانِي يَحْصُلُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْبَغَوِيُّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَحْرِ: وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عُودٍ وَنَحْوِهِ حَصَلَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ: وَمَنْ قَالَ بِالْحُصُولِ فَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِي مِنْ السِّوَاكِ الاصابع فحديث ضعيف ضعفه البيهقي وغره وَالْمُخْتَارُ الْحُصُولُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي إصْبَعِهِ أَمَّا أُصْبُعُ غَيْرِهِ الْخَشِنَةِ فَتُجْزِي قَطْعًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهُ فَهِيَ كَالْأُشْنَانِ وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا وَضَمُّهَا مَعَ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْبَاءِ وَالْعَاشِرَةُ أُصْبُوعٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ وَأَفْصَحُهُنَّ كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ بِعُودٍ وَأَنْ يَكُونَ بِعُودِ أَرَاك قَالَ الشَّيْخُ نَصْرُ (2) الْمَقْدِسِيُّ الْأَرَاكُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ النَّخْلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَتُولِيَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عُودًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالْأَرَاكِ وَاسْتَدَلُّوا لِلْأَرَاكِ بِحَدِيثِ أَبِي خَيْرَةَ الصُّبَاحِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ فِي الْوَفْدِ يَعْنِي وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ الَّذِينَ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَنَا بِأَرَاكٍ فَقَالَ اسْتَاكُوا بِهَذَا وَأَبُو خَيْرَةَ بِفَتْحِ الخاء المعجمة اسكان الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالصُّبَاحِيَّ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا ضَبَطَهُ ابن ما كولا وغيره قال ولم يرد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَم (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسِّوَاكِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي الِاسْتِيَاكِ بِجَانِبِ فَمِهِ الْأَيْمَنِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحب التيامن

_ (1) قال في الذخائر وقال بعض اصحابنا وجها انه لا يجزي التسوك بالفاشوك القلاع لانه لا يسمى سواكا انتهى وهذا ان صح جاز طرده في كل ما لا يسمى سواكا اه هذرعي (2) هذا المقول عن الشيخ نصر قال المحاملى في التعليق الكبير كذا رأيته فيه اه اذرعي

فِي تَطَهُّرِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ وَقِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَنْوِي بِهِ الْإِتْيَانَ بِالسُّنَّةِ (1) وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِيَاكِ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَوِّدَ الصَّبِيَّ السِّوَاكَ لِيَأْلَفَهُ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَاكَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِلَ مِسْوَاكَهُ وَهَذَا يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لا غسله فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ ثُمَّ أَغْسِلُهُ فَأَدْفَعُهُ إلَيْهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ عَلَيْهِ شئ مِنْ وَسَخٍ أَوْ رَائِحَةٍ وَنَحْوِهِمَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ مِسْوَاكَهُ فِي مَاءِ وُضُوئِهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ (2) وَيَنْبَغِي أَلَّا يُكْرَهَ: قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السِّوَاكِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ بِهِ أَسْنَانِي وَشُدَّ بِهِ لَثَاتِي وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فَلَا بأس به فانه دعاء حسن * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يقلم الاظافر ويقص الشارب ويغسل البراجم وينتف الابط ويحلق العانة لما روى عمار بن ياسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الفطرة عشرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الاظافر وغسل البراجم ونتف الابط والانتضاح بالماء والختان والاستحداد) * (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ جُمَلٌ وَبَيَانُهَا بِمَسَائِلَ إحْدَاهَا حَدِيثُ عَمَّارٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ الْحُفَّاظُ لَمْ يَسْمَعْ سَلَمَةُ عَمَّارًا وَلَكِنْ يَحْصُلُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَتْنِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ أَحَدُ رُوَاتِهِ ونسيت العاشرة

_ (1) وقال في الذخائر يستحب ان ينوي به تطهير فمه لقراءة القرآن اه الذرعي (2) هذا الذي قاله الصيمري قريب إذا كان عليه وسخ أو نحوه والا فالمختار أنه لا يكره إذ لا نهي فيه اه اذرعي

إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ وَقَالَ وَكِيعٌ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ انْتِقَاصُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ وَهُوَ بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي لُغَاتِهِ فَالظُّفْرُ فِيهِ لُغَاتٌ ضَمُّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَإِسْكَانُ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الظَّاءِ مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَأُظْفُورٌ وَالْفَصِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْبَرَاجِمُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْعُقَدُ الْمُتَشَنِّجَةُ الْجِلْدِ فِي ظُهُورِ الْأَصَابِعِ وَهِيَ مَفَاصِلُهَا الَّتِي فِي وَسَطِهَا بَيْنَ الرَّوَاجِبِ وَالْأَشَاجِعِ فَالرَّوَاجِبُ هي المفاصل التي تلى رؤوس الْأَصَابِعِ وَالْأَشَاجِعُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْمَفَاصِلُ الَّتِي تَلِي ظَهْرَ الْكَفِّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الرَّوَاجِبُ وَالْبَرَاجِمُ جَمِيعًا هِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَآخَرُونَ وَهَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تَجْمَعُ الْوَسَخَ وَأَمَّا الْإِبْطُ فَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ حَكَاهُمَا أَبُو الْقَاسِمِ الزُّجَاجِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْإِبْطُ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ فَيُقَالُ إبْطٌ حَسَنٌ وَحَسَنَةٌ وَأَبْيَضُ وَبَيْضَاءُ: وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَبِكَسْرِ الْفَاءِ وَأَصْلُهَا الْخِلْقَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فطرة الله التى فطر الناس عليها) وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ: وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ الدِّينُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ في هذا الْحَدِيثِ بِالسُّنَّةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ هَذَا فِيهِ إشْكَالٌ لِبُعْدِ مَعْنَى السُّنَّةِ مِنْ مَعْنَى الْفِطْرَةِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ أَصْلَهُ سُنَّةُ الْفِطْرَةِ أَوْ أَدَبُ الْفِطْرَةِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ: قُلْت تَفْسِيرُ الْفِطْرَةِ هُنَا بِالسُّنَّةِ هُوَ الصَّوَابُ: فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من السنة قص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار وَأَصَحُّ مَا فُسِّرَ بِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرَةُ عَشْرَةٌ فَمَعْنَاهُ مُعْظَمُهَا عَشَرَةٌ كَالْحَجِّ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْعَشَرَةِ:

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ وَأَمَّا ذِكْرُ الْخِتَانِ. فِي جُمْلَتِهَا وَهُوَ وَاجِبٌ وَبَاقِيهَا سُنَّةٌ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَقَدْ يُقْرَنُ الْمُخْتَلِفَانِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه) وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ وقَوْله تَعَالَى (فَكَاتِبُوهُمْ ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم) وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ وَالْكِتَابَةُ سُنَّةٌ وَنَظَائِرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ: وَأَمَّا الِانْتِضَاحُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ هُوَ نَضْحُ الْفَرْجِ بِقَلِيلٍ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ: بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ: وَهُوَ بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّضْحِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ: وَأَمَّا الِاسْتِحْدَادُ فَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدَةِ: وَصَارَ كِنَايَةً عَنْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَبُو الْيَقْظَانِ (1) عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَاسْمُ أُمِّ عَمَّارٍ سُمَيَّةُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ وَأَبُوهُ يَاسِرٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ صَحَابِيُّونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَكَانُوا مِمَّنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَكَانُوا يُعَذِّبُهُمْ الْكُفَّارُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَمُرُّ بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الْجَنَّةُ وَسُمَيَّةُ أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ تُوُفِّيَ عَمَّارٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْأَحْكَامِ أَمَّا تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ فَمُجْمَعٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ: وَسَوَاءٌ فِيهِ الرجل والمرأة

_ (1) في علوم الحديث لا يعرف مسلم بن مسلمين شهد بدر الا عمار ابن ياسر اه اذرعي

وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يَبْدَأُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى ثم الوسطي ثم البصر ثم خنصر اليسرى إلى ابهامها ثم إبْهَامِ الْيُمْنَى وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا وَكَلَامًا فِي حِكْمَتِهِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الامام أبو عبد الله المأرزى الْمَالِكِيُّ الْإِمَامُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ وَالْفِقْهِ: وَذَكَرَ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ كَلَامًا لَا أُوثِرُ ذِكْرَهُ: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ: إلَّا فِي تَأْخِيرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ: بَلْ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى بِكَمَالِهَا ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْيُسْرَى: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا الرِّجْلَانِ فَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَمُرّ عَلَى التَّرْتِيبِ حَتَّى يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى كَمَا فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ: وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِطُولِهَا: فَمَتَى طَالَتْ قَلَّمَهَا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ: وَكَذَا الضَّابِطُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً رَوَاهُ مُسْلِمُ وَهَذَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد والبيهقي وقت لنا رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَا سَبَقَ وَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَكِنَّ إسْنَادَهَا ضَعِيفٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وُقِّتَ لَنَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وَهُوَ مَرْفُوعٌ كَقَوْلِهِ قَالَ لَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ

الحديث والفقه الاصول: ثم معنى هذا الحديث اتهم لَا يُؤَخِّرُونَ فِعْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ وَقْتِهَا فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِذْنَ فِي التَّأْخِيرِ أَرْبَعِينَ مُطْلَقًا: وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَخْذُ مِنْ هَذِهِ الشُّعُورِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَظْفَارِ وَسَخٌ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ لِقِلَّتِهِ صَحَّ الْوُضُوءُ وَإِنْ مَنَعَ فَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ الْوَسَخُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَدَنِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ بِالْإِجْزَاءِ وَصِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وانه يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ: قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَيُنْكِرُ مَا تَحْتَهَا مِنْ وَسَخٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ جَامِعِهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: ثُمَّ ضَابِطُ قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ حَفَّهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ قَصَّهُ فَلَا بَأْسَ: وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْفُوا الشَّارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَفِي رِوَايَةٍ انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَنَا عَلَى الْحَفِّ من طرف الشفة لامن أَصْلِ الشَّعْرِ: وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي أَنَّ السُّنَّةَ قَصُّ بَعْضِ الشَّارِبِ كَمَا ذَكَرْنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ قَالَ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ رَأَيْت

خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثُّمَالِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ معدي كرب كانوا يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ذُكِرَ إحْفَاءُ بَعْضِ النَّاسِ شَوَارِبَهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فليس حديت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ يبدى حرف الشقة وَالْفَمِ قَالَ مَالِكٌ حَلْقُ الشَّارِبِ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ فِي النَّاسِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سباليه وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ: فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ: قُلْت وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِتَقْصِيرِهِ رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِمَا سَبَقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التيامن في كل شئ وَالتَّوْقِيتُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ كَمَا سَبَقَ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا غَسْلُ الْبَرَاجِمِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْوُضُوءِ: وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَأَلْحَقَ بِهَا إزَالَةَ مَا يَجْتَمِعُ مِنْ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَيُزِيلُهُ بِالْمَسْحِ. وَرُبَّمَا أَضَرَّتْ كَثْرَتُهُ بِالسَّمْعِ: قَالَ وَكَذَا مَا يَجْتَمِعُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُلْتَصِقَةِ بِجَوَانِبِهِ: وَكَذَا الْوَسَخُ الَّذِي يَجْتَمِعُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَدَنِ بِعَرَقٍ وَغُبَارٍ وَنَحْوِهِمَا: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا نَتْفُ الْإِبْطِ فَمُتَّفَقٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالتَّوْقِيتُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَظْفَارِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ ثُمَّ السُّنَّةُ نَتْفُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ: فَلَوْ حَلَقَهُ جَازَ: وَحُكِيَ عن يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُ الْمُزَيِّنُ يَحْلِقُ إبْطَيْهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّنَةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ وَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ فَلَا بأس: قال الغزالي (1) المستحب

_ (1) قال ابن جعران رحمه الله الغزالي سقط من أصل الشيخ والحقته بغلبة ضني فلينظر من الاحياء أو من غيره اه اذرعي

نَتْفُهُ وَذَلِكَ سَهْلٌ لِمَنْ تَعَوَّدَهُ فَإِنْ حَلَقَهُ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَأَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْوَسَخُ فِي خَلَلِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِهِ رَائِحَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِبِطِ الْأَيْمَنِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَلْقُ الْعَانَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ أَيْضًا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا: فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْحُشْ بِحَيْثُ يُنَفِّرُ التَّوَّاقَ فَإِنْ فَحُشَ بِحَيْثُ نَفَّرَهُ وَجَبَ قَطْعًا: وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالسُّنَّةُ فِي الْعَانَةِ الْحَلْقُ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْحَدِيثِ فَلَوْ نَتَفَهَا أَوْ قَصَّهَا أَوْ أَزَالَهَا بِالنُّورَةِ جَازَ: وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ بِنَفْسِهِ وَيَحْرُمُ أَنْ يُوَلِّيَهَا غَيْرَهُ إلَّا زَوْجَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ الَّتِي تَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَى عَوْرَتِهِ وَمَسَّهَا فَيَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ: وَالتَّوْقِيتُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ اعْتِبَارِ طُولِهَا: وَأَنَّهُ إنْ أَخَّرَهُ فَلَا يُجَاوِزُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: وَقَدْ فَعَلَ مِنْ السَّلَفِ جَمَاعَةٌ بِالنُّورَةِ: وَكَرِهَهَا آخَرُونَ مِنْهُمْ: وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ الْآثَارَ عَنْهُمْ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَأَفْرَدَ لَهَا بَابًا: وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْعَانَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ حَلْقُهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوَالَيْ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ وَفَوْقَهُمَا: وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الودائع المنسوب إلى أبي العباس ابن سُرَيْجٍ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ قَالَ الْعَانَةُ الشَّعْرُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ حَلَقَةِ الدُّبُرِ: وَهَذَا الَّذِي قاله غريب ولكن لا منع مِنْ حَلْقِ شَعْرِ الدُّبُرِ وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِمَنْ يُعْتَمَدُ غَيْرَ هَذَا فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّنَظُّفَ وَسُهُولَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أُخِذَ مِنْ

هَذِهِ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ وَمُوَارَاتُهُ فِي الْأَرْضِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَسَنَبْسُطُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ إعْفَاءَ اللِّحْيَةِ من الفظرة فَالْإِعْفَاءُ بِالْمَدِّ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ تَوْفِيرُهَا وَتَرْكُهَا بِلَا قَصٍّ: كُرِهَ لَنَا قَصُّهَا كَفِعْلِ الْأَعَاجِمِ: قَالَ وَكَانَ مِنْ زِيِّ كِسْرَى قَصُّ اللِّحَى وَتَوْفِيرُ الشَّوَارِبِ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهَا وَيَقُصَّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ: فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ: وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَقَالُوا يَتْرُكُهَا عَافِيَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم واعفو اللِّحَى قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى تَقْصِيصِهَا لِأَنَّ الطُّولَ الْمُفْرِطَ قَدْ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالصَّحِيحُ كَرَاهَةُ الْأَخْذِ مِنْهَا مُطْلَقًا بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا كَيْفَ كَانَتْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاعْفُوا اللحي واما الحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا فَرَوَاهُ الترمذي باسناد ضعيف لا يحتج به أما الْمَرْأَةُ إذَا نَبَتَتْ لَهَا لِحْيَةٌ فَيُسْتَحَبُّ حَلْقُهَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الشَّارِبُ وَالْعَنْفَقَةُ لَهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جرير لا يجوز لها حلق شئ من ذلك: ولا تغيير شئ مِنْ خِلْقَتِهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ: وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ الْحَاجِبَيْنِ إذَا طَالَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لخلق الله لم يثبت فيه شئ فَكُرِهَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ: قَالَ وَكَانَ أَحْمَدُ يَفْعَلُهُ

وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: قَالَ الْغَزَالِيُّ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فِي اللِّحْيَةِ وَالنَّقْصُ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ مِنْ شَعْرِ الصدغين إذا حلق رأسه أو ينزل بَعْضَ الْعِذَارَيْنِ: قَالَ وَكَذَلِكَ نَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُغَيِّرُ شَيْئًا: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا بَأْسَ بِحَلْقِ مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ وَلَا يَقُصُّ مَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةِ الْيَدِ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابن عمرو أبي هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ: الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ ثُمَّ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي اللِّحْيَةِ عَشْرَ خِصَالٍ مَكْرُوهَةٍ: إحْدَاهَا خِضَابُهَا بِالسَّوَادِ إلَّا لِغَرَضِ الْجِهَادِ إرْعَابًا لِلْعَدُوِّ بِإِظْهَارِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ: لَا لِهَوًى وَشَهْوَةٍ: هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَسَأُفْرِدُ فَرْعًا لِلْخِضَابِ بِالسَّوَادِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: الثَّانِيَةُ تَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِلْعُلُوِّ فِي السِّنِّ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْمَهَابَةِ وَالتَّكْرِيمِ وَلِقَبُولِ حَدِيثِهِ وَإِيهَامًا لِلِقَاءِ الْمَشَايِخِ وَنَحْوِهِ: الثَّالِثَةُ خِضَابُهَا بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ وَمُتَّبِعِي السُّنَّةِ لَا بِنِيَّةِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ: الرَّابِعَةُ نَتْفُهَا فِي أَوَّلِ طُلُوعِهَا وتخفيفها بالموسى ايثارا للمرودة واستصحابا للصبي وَحُسْنِ الْوَجْهِ وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ مِنْ أَقْبَحِهَا: الْخَامِسَةُ نَتْفُ الشَّيْبِ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّادِسَةُ تَصْفِيفُهَا وَتَعْبِيَتُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةِ للتزين وَالتَّصَنُّعِ لِيَسْتَحْسِنَهُ النِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ. السَّابِعَةُ الزِّيَادَةُ فِيهَا وَالنَّقْصُ مِنْهَا: كَمَا سَبَقَ:

الثَّامِنَةُ تَرْكُهَا شَعِثَةً مُنْتَفِشَةً إظْهَارًا لِلزَّهَادَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ: التَّاسِعَةُ تَسْرِيحُهَا تَصَنُّعًا: الْعَاشِرَةُ النَّظَرُ إلَيْهَا إعْجَابًا وَخُيَلَاءَ غِرَّةً بِالشَّبَابِ وَفَخْرًا بِالْمَشِيبِ وتطاولا على الشَّبَابِ: وَهَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ فِي التَّحْقِيقِ لَا تَعُودُ الْكَرَاهَةُ فِيهِمَا إلَى مَعْنًى فِي اللِّحْيَةِ بِخِلَافِ الْخِصَالِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَمِمَّا يُكْرَهُ فِي اللِّحْيَةِ عَقْدُهَا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ رُوَيْفِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِك فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا منه برئ قال الخطابي في عقدها تفسيران أحدها أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدُونَ لِحَاهُمْ فِي الْحَرْبِ وَذَلِكَ من زى العجم: والثاني معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ التَّأْنِيثِ وَالتَّوْضِيعِ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حسنة قال الترمذي حديث حَسَنٌ هَكَذَا: قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ كَمَا سَبَقَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ لَمْ يَبْعُدْ: وَلَا فرق

بَيْنَ نَتْفِهِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ وَدَهْنُهُ غِبًّا وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْغِبِّ وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ: لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: وَجَهَالَةُ اسْمِ الصَّحَابِيِّ لا يضر لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ: (فَرْعٌ) يُسَنُّ خِضَابُ

الشَّيْبِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. (فَرْعٌ) اتَّفَقُوا عَلَى ذَمِّ خِضَابِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ بِالسَّوَادِ، ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ هُوَ مَكْرُوهٌ: وَظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ: وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ حَرَامٌ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ: قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَادِ: وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ النَّاسَ مِنْ خِضَابِ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ إلَّا الْمُجَاهِدَ: وَدَلِيلُ تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أتي بأبي قحافة والدأبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالثَّغَامَةُ بفتج الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ نَبَاتٌ لَهُ ثَمَرٌ أَبْيَضُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يُخَضِّبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يُرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَيْنَ الرجل والمرأة: هذا مذهبنا: وحكي عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ تَتَزَيَّنُ بِهِ لِزَوْجِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا خِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ فَمُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ النِّسَاءِ: لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةِ التَّدَاوِي وَنَحْوِهِ: وَمِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ ويدل عليه الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلَوْنِهِ لَا لِرِيحِهِ فَإِنَّ رِيحَ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ مَحْبُوبٌ وَالْحِنَّاءُ فِي هَذَا كَالزَّعْفَرَانِ وَفِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى النَّقِيعِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ فَقَالَ إنِّي نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ لَكِنْ إسْنَادُهُ فِيهِ مَجْهُولٌ وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ: وسعيد هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ أوضح الامام الحافظ أبو موسى الا صبهاني هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبَسَطَهَا بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَظَاهِرَةِ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِغْنَاءُ فِي مَعْرِفَةِ اسْتِعْمَالِ الْحِنَّاءِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ: وَسَنُعِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً مَعَ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا رَوَى يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ خَلُوقٌ فَقَالَ اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثُمَّ لَا تَعُدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْخَلُوقِ لِلرِّجَالِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وهو مباح للنساء: (فرع) يستحب فرق شعر الرَّأْسِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يفرقون رؤسهم وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرأس لحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقَزَعِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ العقيقة وسيأتي هناك مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) أَمَّا حلق جمبع الرَّأْسِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ دَهْنَهُ وَتَرْجِيلَهُ: هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَاهُ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ

حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِقَصِّهِ بِالْمِقْرَاضِ وعنه في كراهة حلقه روايتان: والمختاران لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ تَرْكُهُ فَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَهُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَصِحَّ تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ الْحَلْقِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ شَعْرِهِ وَتَرَك بَعْضَهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوْ اُتْرُكُوهُ كُلَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ ثُمَّ قَالَ اُدْعُوَا لِي بَنِي أَخِي نجئ بنا كأنا أفرخ فقال ادعو إلى الحلاق فأمره فحلق رؤسنا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (فَرْعٌ) يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرٍ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ الْوَشْمُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي لَعْنِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَة وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَالْوَاشِرَةِ إلَى آخِرِهِنَّ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ

اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ عِنْدَ وَصْلِ الْعَظْمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ جُمَلًا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ يُكْرَهُ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ أَوْ رَيْحَانٌ رَدُّهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يرد الطيب رواه البخاري * قال المصنف رحمه الله (ويجب الختان لقوله تعالي) (أن اتبع ملة ابراهيم) وروى أن ابراهيم صلي الله عليه وسلم ختن نفسه بالقدوم ولانه لو لم يكن واجبا لما كشفت له العورة لان كشف العورة محرم فلما كشفت له العورة دل على وجوبه) (الشَّرْحُ) رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بصيغة الترميض الموضوعة للتضعيف مع أنه في الصحيحين قد سَبَقَ لَهُ نَظِيرُهُ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وفي القدوم روايتان التخفيف والتشديد والا كثرون رَوَوْهُ بِالتَّشْدِيدِ: وَعَلَى هَذَا هُوَ اسْمُ مَكَان بِالشَّامِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ

بالتخفيف: وقيل انه قول أكثر أهل اللغلة: وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ: وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَادُ بِهِ آلَةُ النَّجَّارِ وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ لَا غَيْرُ وَجَمْعُهَا قُدُمٌ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى قَدَائِمَ وَلَا يُقَالُ قَدَادِيمُ قَالَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى فَتْحِ الْقَافِ فِي الْآلَةِ وَالْمَكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: فَإِنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَة عَلَى وُجُوبِ الْخِتَانِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالتَّدَيُّنِ بِدِينِهِ فَمَا فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا وُجُوبَهُ فَعَلْنَاهُ مُعْتَقِدِينَ وُجُوبَهُ وَمَا فَعَلَهُ نَدْبًا فَعَلْنَاهُ نَدْبًا وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُهُ وَاجِبًا: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي اتِّبَاعِهِ فِيمَا فَعَلَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ كُلِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّنَا كَالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ: وَقَدْ نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ خِصَالَ

الْفِطْرَةِ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ آخَرُونَ مَعَ الْمُصَنِّفِ وَقَالَهُ قَبْلَهُمْ أَبُو العباس بن سريج رحمه الله وأورد عَلَيْهِ كَشْفُهَا لِلْمُدَاوَاةِ الَّتِي لَا تَجِبُ (1) وَالْجَوَابُ أَنَّ كَشْفَهَا لَا يَجُوزُ لِكُلِّ مُدَاوَاةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ يَقُولُ أَهْلُ الْعُرْفِ إنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الْمُدَاوَاةِ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَصِيَانَةِ الْعَوْرَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ ان شاء

_ (1) هذا الجواب فيه نظر والايراد متجه ولا يندفع الا بوجوب المداواة ولا تجب اه اذرعي

اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ: فَلَوْ كَانَ الْخِتَانُ سُنَّةً لَمَا كُشِفَتْ الْعَوْرَةُ الْمُحَرَّمُ كَشْفُهَا لَهُ: وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَجَمَاعَةٌ قِيَاسًا فَقَالُوا الْخِتَانُ قَطْعُ عُضْوٍ سَلِيمٍ: فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجُزْ كَقَطْعِ الْأُصْبُعِ فَإِنَّ قَطْعَهَا إذَا كَانَتْ سَلِيمَةً لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَجَبَ بِالْقِصَاصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) الْخِتَانُ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ مِنْ السَّلَفِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَمِمَّنْ أَوْجَبَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ (1) وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا لَنَا: وَحَكَى وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَسُنَّةٌ فِي الْمَرْأَةِ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شاذان: والمذهب الصحيح المشهور الذى نص

_ (1) قال في شرح مسلم وهو قول اكثر العلماء اه اذرعي

عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فَإِنْ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ بِحَدِيثِ الفطرة عشر وَمِنْهَا الْخِتَانُ فَجَوَابُهُ قَدْ سَبَقَ عِنْدَ ذِكْرِنَا تَفْسِيرَ الْفِطْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْوَاجِبُ فِي خِتَانِ الرَّجُلِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا وَجَبَ قَطْعُ الْبَاقِي ثَانِيًا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي قطع شئ مِنْ الْقُلْفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْن كَجٍّ شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب في الطريق ما قدمناه

أَنَّهُ يَجِبُ قَطْعُ جَمِيعِ مَا يُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَالْوَاجِبُ فِي الْمَرْأَةِ قَطْعُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ مخرج البول صرح بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يقتصر في المرأة على شئ يَسِيرٍ وَلَا يُبَالَغُ فِي الْقَطْعِ: وَاسْتَدَلُّوا فِيهِ بِحَدِيثٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تهكي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إلَى الْبَعْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ وَتَنْهَكِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُ وُجُوبِ الْخِتَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَكِنْ يستحب للولى أن يختن الصغر

في صغره لانه أرفق به: قال صاحب الحاوي وصاحب الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ: قال صاحب الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحْسَبُ: وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُحْسَبُ: فَيُخْتَنُ فِي السَّابِعِ بَعْدَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ ذَكَرَهُ صاحب المستظري فِي بَابِ التَّعْزِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَإِنْ خَتَنَهُ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّابِعِ كُرِهَ: قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ قَالَ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّ خِتَانُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ: فَإِنْ أَخَّرَ اُسْتُحِبَّ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ خِتَانُهُ فِي الصِّغَرِ وَلَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وفي السمألة وجه أن يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ خِتَانُهُ فِي الصِّغَرِ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ فَوَجَبَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حكاية القاضى ابي الفتوح عن الصيد لاني وَأَبِي سُلَيْمَانَ (1) قَالَ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبُ: وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ خِتَانُهُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ لِأَنَّ أَلَمَهُ فَوْقَ أَلَمِ الضَّرْبِ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصلاة وليس بشئ وهو كالمخالف للاجماع والله أعلم *

_ (1) هو المروزي صاحب المزني قاله الرافعي اه اذرعي

(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ذَكَرَانِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنْ عُرِفَ الْأَصْلِيُّ مِنْهُمَا خُتِنَ وَحْدَهُ: قال صاحب الا بانة يعرف الاصل بِالْبَوْلِ وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ أَوْ يَبُولُ مِنْهُمَا وَكَانَا عَلَى مَنْبَتِ الذَّكَرِ عَلَى السَّوَاءِ وَجَبَ خِتَانُهُمَا (1) وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَالَ فِي الْبَيَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ يَجِبُ خِتَانُهُ فِي فَرْجَيْهِ جَمِيعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَاجِبٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِخِتَانِهِمَا كَمَا أن من تزوج بكرا لما لما يتمكن من وصوله إلى الوطئ الْمُسْتَحَقِّ إلَّا بِقَطْعِ بَكَارَتِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا ضَمَانٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى صَغِيرًا خَتَنَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّ الصَّغِيرَ يَجِبُ خِتَانُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجِبُ خِتَانُ الصَّغِيرِ لَمْ يُخْتَنْ الْخُنْثَى الصَّغِيرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَجِبُ وَحِينَئِذٍ إنْ كَانَ هُوَ يُحْسِنُ الْخِتَانَ خَتَنَ نَفْسَهُ وَإِلَّا اشْتَرَى لَهُ جَارِيَةً تَخْتِنُهُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ جَارِيَةٌ تُحْسِنُ ذَلِكَ خَتَنَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كالتطيب هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنْ لَا يُخْتَنَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لِأَنَّ الْجُرْحَ عَلَى الْإِشْكَالِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ قَبْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ بِأَسْطُرٍ فِي فَصْلَيْنِ ذَكَرَ فِيهِمَا أَحْكَامَ الْخُنْثَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (2) (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخِتَانُ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَوْ خُتِنَ خِيفَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يختن بل يتنظر حتى يصير يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتَهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهُ لَا تَعَبُّدَ فِيمَا يُفْضِي إلَى التَّلَفِ: (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا يُخْتَنُ لان ختانه

_ (1) الم يتميز الاصلي من الزائد اه اذرعي (2) قال صاحب البيان في زوائده إذا بلغ الخنثى وجب ختانه على مذهبنا بلا خلاف وقال ابن الرفعة أنه المشهور اه اذرعي

كَانَ تَكْلِيفًا وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ: وَالثَّانِي يُخْتَنُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ: وَالثَّالِثُ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ حَكَاهُمَا فِي الْبَيَانِ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْجَنَائِزِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَخْتِنَ عَبْدَهُ أَوْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

كَسْبِهِ لَيَخْتِنَ بِهِ نَفْسَهُ: قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا فَأُجْرَةُ خِتَانِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى السَّيِّدِ كَالنَّفَقَةِ * (فَرْعٌ) أُجْرَةُ خِتَانِ الطِّفْلِ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له فَعَلَى مِنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ فِي الْوَسْوَسَةِ لَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلَا قلفة

_ (1) عبارته في الروضة في باب ضمان الولادة مؤنة الختان في مال المختون والاوجه تجب على الوالد؟ ختن صغيرا: من هامش الاذرعي

فَلَا خِتَانَ لَا إيجَابًا وَلَا اسْتِحْبَابًا: فَإِنْ كان من القلفة التى تغطي الحشفة شئ مَوْجُودٌ وَجَبَ قَطْعُهُ كَمَا لَوْ خُتِنَ خِتَانًا غَيْرَ كَامِلٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ ثَانِيًا حَتَّى يُبَيِّنَ جَمِيعَ الْقُلْفَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِزَالَتِهَا فِي الْخِتَانِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْخِتَانِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْحَابَنَا اسْتَحَبُّوهُ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ

وِلَادَتِهِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْخِتَانِ مِنْ كتابه الاشراف وهو عقب الا ضحية وَهِيَ عَقِبَ كِتَابِ الْحَجِّ: رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتِنُ وَلَدَهَا يَوْمَ السَّابِعِ قَالَ وَكَرِهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ الْخِتَانَ يَوْمَ سَابِعِهِ لَمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ قَالَ مَالِكٌ عَامَّةُ مَا رَأَيْت الْخِتَانَ بِبَلَدِنَا إذَا ثُغِرَ الصبى: وقال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا: وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُخْتَنُ مَا بين

السَّبْعِ إلَى الْعَشْرِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ختن ابنه اسحق لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ: وَإِسْمَاعِيلَ لَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ فِي بَابِ الْخِتَانِ نَهْيٌ يَثْبُتُ وَلَا لِوَقْتِهِ حَدٌّ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَلَا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ وَالْأَشْيَاءُ علي الاباحة ولا يجوز حظر شئ مِنْهَا إلَّا بِحُجَّةٍ. وَلَا نَعْلَمُ مَعَ مَنْ مَنَعَ أَنْ يُخْتَنَ الصَّبِيُّ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ حُجَّةً. هذا آخر كلام ابن المنذر * قال المصنف رحمه الله * باب (نية الوضوء) (الطَّهَارَةُ ضَرْبَانِ: طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ. وَطَهَارَةٌ عَنْ نجس: فطهارة النجس لا تفتقر إلى النية لانها من باب التروك. فلا تفتقر الي نية. كترك الزنا والخمر واللواط والغصب والسرقة) (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النِّيَّةُ الْقَصْدُ وَعَزْمُ الْقَلْبِ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيُقَالُ بِتَخْفِيفِهَا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِك نَوَيْت بَلْدَةَ كَذَا أَيْ عَزَمْتُ بِقَلْبِي قَصْدَهُ قَالَ وَيُقَالُ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ نِيَّةٌ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَنِيَةٌ بِتَخْفِيفِهَا وَكَذَلِكَ الطِّيَّةُ

وَالطَّيَّةُ الْعَزْمُ وَالْمَوْضِعُ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَانْتَوَيْت مَوْضِعَ كَذَا أَيْ قَصَدْتُهُ لِلنُّجْعَةِ. وَيُقَالُ لِلْبَلَدِ الْمَنْوِيِّ نَوِيٌّ أَيْضًا. وَيُقَالُ نَوَاك اللَّهُ أَيْ حَفِظَك كَانَ الْمَعْنَى قَصْدَ اللَّهِ بِحِفْظِهِ إيَّاكَ. فَالنِّيَّةُ عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى عَمَلِ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ: وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ تَشْدِيدَ الْيَاءِ وَتَخْفِيفَهَا مِنْ النِّيَّةِ: وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَهُوَ مِنْ الْوَضَاءَةِ بِالْمَدِّ وَهِيَ النَّظَافَة وَالنَّضَارَةُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَشْهُرُهَا أَنَّهُ بِضَمِّ الْوَاوِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ وَهَذِهِ اللُّغَةُ هِيَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَهِيَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالضَّمُّ لَا يُعْرَفُ وَالثَّالِثَةُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا وَهِيَ غَرِيبَةٌ ضَعِيفَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: وَهَذِهِ اللُّغَاتُ هِيَ الَّتِي فِي الطَّهُورِ وَالطُّهُورِ وَقَدْ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْل الْمُصَنِّفِ الطَّهَارَةُ ضَرْبَانِ: طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ وَطَهَارَةٌ عَنْ نَجَسٍ: فَمَعْنَاهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ: وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ نَجَسٍ: وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ الطَّهَارَةُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ عَلَى صُورَتِهَا: وَيَنْقَسِمُ إلَى رَافِعَةٍ لِلْحَدَثِ وَغَيْرِ رَافِعَةٍ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَالتَّيَمُّمِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وقوله كترك الزنا هو بالقصر والمدلغتان الْقَصْرُ أَشْهُرُ وَأَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ (وَلا تقربوا الزنا) وقوله لانها من باب التروك مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ تَرْكُ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ: وليس المطلوب تحصيل شئ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إيجَادُ فِعْلٍ لَمْ يَكُنْ: فَصَارَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ: فَإِنْ قِيلَ فَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ تَرْكٌ أَيْضًا فَإِنَّهَا تَرْكٌ لِلْحَدَثِ: فَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرْكٌ بَلْ إيجَادٌ لِلطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ طَهَارَةٌ وَلَا تَرْفَعُ حَدَثًا وَإِنَّمَا تُوجِدُ الطَّهَارَةَ: فَإِنْ قِيلَ الصَّوْمُ تَرْكٌ وَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّوْمَ كَفٌّ مَقْصُودٌ لِقَمْعِ الشَّهْوَةِ وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى

فَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ: وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَجْهًا أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ: حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ غَلِطَ مَنْ نَسَبَهُ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَبَيَّنَ الْإِمَامُ سَبَبَ الْغَلَطِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وأما الطهارة عن الحدث من الوضوء والغسل والتيمم فلا يصح شئ منها إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ: وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ولانها عبادة محضة طريقها الافعال فلم تصح من غير نية كالصلاة) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مدار الاسلام بل هو أعظمها. وَهِيَ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا. قَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُلُثُ الْعِلْمِ: وَقَالَ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ: وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُبْدَأَ كُلُّ تَصْنِيفٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مُنَبِّهًا عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا يكون العمل شرعيا يتعلق به ثواب عقاب إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَفْظَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَفَادَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَائِدَةً لَمْ تَحْصُلْ بِقَوْلِهِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَهِيَ أَنَّ تَعْيِينَ الْعِبَادَةِ الْمَنْوِيَّةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ. فَالْمَحْضَةُ الْخَالِصَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَوْبٌ بشئ آخَرَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْعِبَادَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْعِبَادَةُ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ وَكَذَا نُقِلَ هَذَا عَنْ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَر المصنف في كتابه في الحدود الكلامية الفقهية خِلَافًا فِي الْعِبَادَةِ فَقَالَ الْعِبَادَةُ وَالتَّعَبُّدُ وَالنُّسُكُ بِمَعْنًى وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ فَحَدُّ الْعِبَادَةِ مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ. قَالَ وَقِيلَ الْعِبَادَةُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ مَا كان قربة لله تعالي وامتثالا لا مره. قَالَ وَهَذَانِ الْحَدَّانِ فَاسِدَانِ. لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشئ طَاعَةً وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا قُرْبَةٍ وَهُوَ النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الامر. وقال امام الحرمين في كتابه الا ساليب فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ هُنَا الْعِبَادَةُ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ بِالتَّقَرُّبِ إلَى الْمَعْبُودِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِهِ فِي الْكَلَامِ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يُكَلِّفُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ مُخَالِفًا لِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِلَاءِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي الْعِبَادَةُ مَا وَرَدَ التَّعَبُّدُ بِهِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ أَقْوَالٌ أُخَرُ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَاحْتَرَزَ بِالْعِبَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا. وَبِالْمَحْضَةِ عَنْ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ طَرِيقُهَا الْأَفْعَالُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْقَلْعِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. فان طريقها التروك: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَمَالِكٌ والليث بن سعد واحمد بن حنبل واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحِجَازِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيُرْوَى

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ بِلَا نِيَّةٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ: وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمَا وَعَنْ زُفَرَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: وَاحْتُجَّ لِهَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْآيَةَ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْت وَبِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلنِّيَّةِ وَلَوْ وَجَبَتْ لَذُكِرَتْ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ بِمَائِعٍ فَلَمْ تَجِبْ لَهَا نِيَّةٌ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ: وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ نِيَّةٌ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَاحْتَرَزُوا عَنْ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إذَا اغْتَسَلَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ لَمْ تَحِلَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ مِنْهَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مخلصين له الدين) وَالْإِخْلَاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالْأَمْرُ بِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى النِّيَّةِ: وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ لِأَنَّ لَفْظَةَ إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ صُورَةَ الْعَمَلِ فَإِنَّهَا تُوجَدُ بلانية: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَ الْعَمَلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ فَلَا يَكُونُ لَهُ: وَمِنْ الْقِيَاسِ أَقْيِسَةٌ أَحَدُهَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّهَا طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ تستباح بها الصلاة فلم تصح بلانية كَالتَّيَمُّمِ: وَقَوْلُنَا مِنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَقَوْلُنَا تُسْتَبَاحُ بِهَا الصَّلَاةُ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ: فَإِنْ قَالُوا التَّيَمُّمُ لَا يُسَمَّى طَهَارَةً: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَمَا كَانَ وُضُوءًا كَانَ طَهُورًا وَحَصَلَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ: فَإِنْ قِيلَ التَّيَمُّمُ فَرْعٌ لِلْوُضُوءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ: يُؤْخَذَ حُكْمُ الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْعِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فَرْعًا لَهُ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الشئ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ الْوُضُوءِ بَلْ بَدَلٌ عَنْهُ: فَلَا يَمْتَنِعُ أَخْذُ حُكْمِ الْمُبْدَلِ مِنْ حُكْمِ بَدَلِهِ: وَلِأَنَّهُ إذَا افْتَقَرَ التَّيَمُّمُ إلَى النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ خَفِيفٌ إذْ هُوَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَالْوُضُوءُ أَوْلَى: فَإِنْ قِيلَ التَّيَمُّمُ يَكُونُ تَارَةً بِسَبَبِ الْحَدَثِ وَتَارَةً بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ فَوَجَبَتْ فِيهِ النِّيَّةُ لِيَتَمَيَّزَ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّمْيِيزَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَا مُؤَثِّرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جُنُبًا فَغَلِطَ وَظَنَّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَتَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ كَانَ مُحْدِثًا فَظَنَّ أَنَّهُ جُنُبٌ فَتَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ (1) الثَّانِي أَنَّ الْوُضُوءَ أَيْضًا يَكُونُ تَارَةً عَنْ الْبَوْلِ وَتَارَةً عَنْ النَّوْمِ فَإِنْ قالوا وان اختلفت أسبابه فالواجب شئ وَاحِدٌ: قُلْنَا وَكَذَا التَّيَمُّمُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ فَالْوَاجِبُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ: فَإِنْ قِيلَ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ وَشَأْنُ الْبَدَلِ أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ مِنْ الْمُبْدَلِ فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. فَالْجَوَابُ ان ما ذكروه منتقض؟ ؟ الْخُفِّ. فَإِنَّهُ بَدَلٌ وَلَا يَفْتَقِرُ عِنْدَهُمْ إلَى النِّيَّةِ وَإِنَّمَا افْتَقَرَتْ كِنَايَةُ الطَّلَاقِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ احْتِمَالًا وَاحِدًا. وَالصَّرِيحُ ظَاهِرٌ فِي الطَّلَاقِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ فَمُسْتَوِيَانِ بَلْ التَّيَمُّمُ أَظْهَرُ فِي إرَادَةِ الْقُرْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَادَةً بِخِلَافِ صُورَةِ الْوُضُوءِ فَإِذَا افْتَقَرَ التَّيَمُّمُ الْمُخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ إلَى النِّيَّةِ فَالْوُضُوءُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَادَةِ أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ التَّيَمُّمُ نُصَّ فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ وَهُوَ النِّيَّةُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُ الصَّعِيدِ. وَذَلِكَ غَيْرُ النِّيَّةِ (قِيَاسٌ آخَرُ) عِبَادَةٌ ذَاتُ أَرْكَانٍ فَوَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ: فَإِنْ قَالُوا الوضوء

_ (1) عجب فقد نقل في كتاب التيمم هنا هذه المسألة عن مذهبنا وقال عن احمد ومالك لا يصح واستدل للمذهب وبسط القول فيها ذكرها في فرع في مسائل تتعلق بالنية في المسألة الرابعة اه من هامش الاذرعي وبهامشه ايضا ما نصه هذا الاجماع اخذه من كلام الامام في اوائل باب نية الوضوء فانه قال نقل المزني عن العلماء اجماعهم عليه لكن في غلط المتوضئ من حدث إلى حدث ولم يشعر ان الامام حكى في الباب الذي يليه ثلاثة اوجه احدهما ان الغلط لا يضر اصلا: والثاني ان الادنى يرتفع بالاعلى إذا فرض الغلط كذا والاعلى لا يرتفع بالادنى هذا لفظ واراد بالادنى والاعلى الحدث الاكبر والاصغر قال ابن الرفعة في المطلب وهذا قد يتخيل منه اجراء الخلاف فيما إذا غلط في الحدث الاصغر من حدث إلى حدث كما يقتضيه ايراد بعض الشارحين وعندي أن الخلاف انما هو في الغلط من الجنابة إلى الحدث الاصغر أو بالعكس والفرق لائح وبه صرح سراج الدين بن دقيق العيد فقال =

لَيْسَ عِبَادَةً: قُلْنَا لَا نَسْمَعُ هَذَا. لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الطَّاعَةُ أَوْ مَا وَرَدَ التَّعَبُّدُ بِهِ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْوُضُوءِ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَطْرَ الْإِيمَانِ وَلَا يَكُونُ عِبَادَةً. وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ وَسُقُوطِ الْخَطَايَا بِهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ قَدْ جَمَعْتهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ. وَكُلُّ هَذَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ: فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَذَا الْفَضْلُ الْوُضُوءُ الَّذِي فِيهِ نِيَّةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا نِيَّةَ فِيهِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُضُوءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَقْيِسَةً كَثِيرَةً حَذَفْتهَا كَرَاهَةً لِلْإِطَالَةِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ فَمِنْ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا جَوَابٌ عَنْ جَمِيعِهَا وَهُوَ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِبَيَانِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِلنِّيَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ وجوب النية بالآية والحديث والا قيسة الْمَذْكُورَاتِ. وَالثَّانِي جَوَابٌ عَنْ الْآيَةِ أَنَّ دَلَالَتَهَا لمذهبنا ان لم تكن راحجة فَمُعَارِضَةٌ لِدَلَالَتِهِمْ. الثَّالِثُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ نَقْضِ الضَّفَائِرِ فَقَطْ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا. وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ للنية. وقد عرف وجوب النية من مِنْ قَوَاعِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهَا من من باب التروك فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ: كَتَرْكِ الزِّنَا وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَقْرِيرُهُ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَهُوَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مَحْضَةً بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الصِّيَانَةُ عَنْ الْعُيُونِ وَلِهَذَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَةِ مَنْ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَا مِنْ أَهْلِ الصلاة والعبادة كمجنون وصى لَا يُمَيِّزُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ سَتْرُ عَوْرَتِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ فَهُوَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ إذَا أَسْلَمَتْ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الزوج للوطئ

_ = إذا نوى رفع حدث النوم والذي به غيره فان كان عمدا لم يصح على اصح الوجهين وان كان غلطا صح علي أصح الوجه والثالث يصح ان غلط من الادنى للاعلى لا العكس والاوجه الثلاثة حكي منها الفوراني الاول والاخير فيما إذا تيمم لحدث الجنابة وكان عليه الحدث الاصغر أو بالعكس ونسب الثالث إلى قول الربيع والبويطي قال ابن الرفعة نعم يمكن تخريج الخلاف فيما إذا غلط من حدث النوم إلى البول مثلا من ان النظر إلى عين المنوي اولى المقصود منه وساذكره ثم قال وقد رأيت كلام القاضي حسين مصرحا بذلك إذ قال في كتاب التيمم فرع لو كان حدثه البول فتوضأ بنية رفع الحدث عن النوم أو الغائط أو أخطأ من الجنابة إلى الحيض والنفاس ان كان جاهلا به تصح طهارته وكذا ان كان عالما به على الصحيح من الذهب وفيه وجه آخر انه لا يصح سواء أخطأ من النوع إلى النوع أو من النوع إلى الجنس لان نية ذلك غير مغنية وقال مالك لا يجوز سواء أخطأ من الجنس إلى الجنس أو من النوع إلى النوع وبه قال البويطي والربيع والمراد وعلى الجملة فالامام لما حكي عن الصيد لان الخلاف في =

لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ لَتَعَذَّرَ الوطئ ونكاح الكتابية: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (يجب أن ينوى بقلبه لان النية هي القصد: تَقُولُ الْعَرَبُ نَوَاك اللَّهُ بِحِفْظِهِ أَيْ قَصَدَك الله بحفظه: فان تلفظ بلسانه وقصد بقلبه فهو آكد) (الشَّرْحُ) النِّيَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْوُضُوءِ هِيَ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ وَلَا يَجِبُ اللَّفْظُ بِاللِّسَانِ مَعَهَا: وَلَا يجزئ وحده وان جمعها فَهُوَ آكَدُ وَأَفْضَلُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَنَا قَوْلٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ نِيَّةَ الزَّكَاةِ تُجْزِئُ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِالْقَلْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَوَجْهٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَجِبُ بِالْقَلْبِ وَاللَّفْظِ مَعًا وَهُوَ غَلَطٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جَرَيَانِهِ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ أَشَذُّ وَأَضْعَفُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِأَدَاءِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ فِي وُجُوبِ اللَّفْظِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ دُونَ الْوُضُوءِ أَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ أَخَفُّ حُكْمًا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ تَفْرِيقِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ فَصَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ تَقُولُ الْعَرَبُ نَوَاك اللَّهُ بِحِفْظِهِ أَيْ قَصَدَك بِحِفْظِهِ هَكَذَا عِبَارَةُ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَكَذَا قَالَهُ قَبْلَهُمْ الْأَزْهَرِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ: وَعِبَارَةُ الْأَزْهَرِيِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَهِيَ بِمَعْنَاهَا وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ عَلَى الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَالنَّقْلَ عَنْ الْعَرَبِ قَالَ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَخْصُوصٌ بِالْحَادِثِ لَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ يَقُولُ نَوَاك اللَّهُ أَيْ صَحِبَك فِي سَفَرِك وَحَفِظَك: ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْأَزْهَرِيِّ ثُمَّ قَالَ وَكَأَنَّ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ تَحْرِيفٌ مِنْ ناقل. هذا

_ = تعيين بعض الاحداث وتبقية ما عداه قال وهذا. يوجب لا محالة اختلافا في أن الغالط من حدث إلى حدث هل يصح وضؤه اه كلام الامام وابن الرفعة بحروفه وقد ثبت في المسألة المحكي فيها الاجماع ثلاثة أوجه اصحها انه لا يصح اه

كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ بَلْ صَحِيحٌ وَأَبُو عَمْرٍو مِمَّنْ صَحَّحَهُ وَاعْتَمَدَهُ فَإِنَّهُ فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي شَرَحَهَا مِنْ أَوَّلِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ الله وظننت حين سألتني ذلك تَجَشُّمَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ عُزِمَ لِي عَلَيْهِ قال أبو عمر ويقدم عَلَى هَذَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي إضَافَةِ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاسِعٌ لَا يُتَوَقَّفُ فِيهِ عَلَى تَوْقِيفٍ كَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فِي خُطَبِهِمْ وَغَيْرِهَا قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمُرَادُ مُسْلِمٍ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ لِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْقَصْدَ وَالْعَزْمَ وَالنِّيَّةَ مُتَقَارِبَةٌ فَيُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ مَجَازًا وَقَدْ وَرَدَ عَنْ الْعَرَبِ أَنَّهَا قَالَتْ نَوَاك اللَّهُ بِحِفْظِهِ فَقَالَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مَعْنَاهُ قَصَدَك اللَّهُ بِحِفْظِهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ رَادٌّ لِكَلَامِهِ هُنَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ قَصَدَك اللَّهُ بِحِفْظِهِ لَمْ يُرِدْ الْقَصْدَ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَةِ الْحَادِثِ بَلْ أَرَادَ الْإِرَادَةَ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ قَصَدَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ فِي فَضْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيديكم) الْآيَةَ: فَأَدْخَلَ الْمَسْحَ بَيْنَ الْغَسْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إيجَابَ التَّرْتِيبِ وَمُرَادُهُ بِالْقَصْدِ الْإِرَادَةُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُقَالُ عُرْبٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعَرَبٌ بِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ الثَّانِيَةُ أَشْهَرُ وَالْعَرَبُ مُؤَنَّثَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ نَوَيْت التَّبَرُّدَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا في القلب بلا خلاف ومثله قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي الْحَجِّ لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ حَجًّا وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عُمْرَةٌ أَوْ عَكْسُهُ انْعَقَدَ مَا فِي قَلْبِهِ دُونَ لسانه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والافضل أن ينوي من اول الوضوء إلى ان يفرغ منه ليكون مستديما للنية: فان نوى عند غسل الوجه: ثم عزبت نيته اجزأه لانه اول فرض: فإذا نوى عنده اشتملت النية على جميع الفروض: وان عزبت نيته عند المضمضة قبل أن يغسل شيئا من وجهه ففيه وجهان: احدهما

يجزيه لِأَنَّهُ فِعْلٌ رَاتِبٌ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فرض: فإذا عزبت النية عنده أجزأه كغسل الوجه: والثاني لا يجزية وهو الاصح لانه عزبت نيته قبل الفرض: فاشبه إذا عزبت عند غسل الكف: وما قاله الاول يبطل بغسل الكف: فانه فِعْلٌ رَاتِبٌ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فَرْضٌ: إذا عزبت النية عنده لم يجزه) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَيَسْتَدِيمَ إحْضَارَ النِّيَّةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْوُضُوءِ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ الْوُضُوءِ التَّسْمِيَةُ (1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ اسْتِصْحَابُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِيَّتَهَا مِنْ افْتِتَاحِهَا إلَى التَّسْلِيمِ مِنْهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ تَصْرِيحٌ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ فِي استحباب استصحاب النِّيَّةِ فِيهِمَا إلَى الْفَرَاغِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِأَنِّي رَأَيْت كَثِيرًا تَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِ الْجُمْهُورِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَهَذَا وَهْمٌ فَاسِدٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَجِيزِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْعِبَادَاتِ أَنَّ الْأَكْمَلَ أَنْ يَنْوِيَ مرتين مرة عند ابتداء وضوءه وَمَرَّةً عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ هَذَا عَنْ الْقَفَّالِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

_ (1) هذا فيه نظر ظاهر بل أول الوضوء السواك وهو قبل التسمية كما أشار الغزالي في الوسيط إليه وغيره وصرح به في الاحياء وكذا الماوردي في الاقناع اه من هامش اذرعي

إذا نوى عند ابتدا غسل الوجه ولم ينوى قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ صَحَّ وُضُوءُهُ بِلَا خِلَافٍ ولو غسل نصف وجهه بلانية ثُمَّ نَوَى مَعَ غَسْلِ بَاقِيهِ لَمْ يَصِحَّ مَا غَسَلَهُ مِنْهُ بِلَا نِيَّةٍ بِلَا خِلَافٍ لِخُلُوِّ بَعْضِ الْفَرْضِ عَنْ النِّيَّةِ فَيُعِيدُ غَسْلَ ذَلِكَ النِّصْفِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ يَعْنِي عند أوله وإذا صح الوضوء بنية عند غسل الوجه قهل يُثَابُ عَلَى السُّنَنِ السَّابِقَةِ لِلْوَجْهِ الَّتِي لَمْ تُصَادِفْ نِيَّةً وَهِيَ التَّسْمِيَةُ وَالسِّوَاكُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَلَا تُحْسَبُ مِنْ طهارته لانه عمل بلانية فلم يصح كغير: مِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ: وَالطَّرِيقُ الثاني ذكره صاحب الحادى انه على وجهين أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يُثَابُ وَيُعْتَدُّ بِهِ مِنْ طهارته لانه من جملة طهارته منوبة وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَخَرَّجَهُ مِمَّنْ نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ ضَحْوَةً فَإِنَّهُ يُحْسَبُ ثَوَابُ صَوْمِهِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَنْعَطِفُ: وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِفَرْقَيْنِ احدهما

أَنَّ الصَّوْمَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا صَحَّ بَعْضُهَا صَحَّ كُلُّهَا وَالْوُضُوءُ أَرْكَانٌ مُتَغَايِرَةٌ فَالِانْعِطَافُ فِيهَا أبعد والثاني انه لارتباط لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ بِالْمَضْمَضَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا بِخِلَافِ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْكَفِّ أَوْ الْمَضْمَضَةِ أو الاستنشاق وعزبت نيته قبل غسل شئ مِنْ الْوَجْهِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَذَكَرَهَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا يُجْزِيهِ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ قَالَهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِيهِ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَالثَّالِثُ إنْ عَزَبَتْ عِنْدَ الْكَفِّ لَا يُجْزِيهِ وَإِنْ عَزَبَتْ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ يُجْزِيهِ وَدَلِيلُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْفُورَانِيُّ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ وَلَوْ نَوَى عِنْدَ التَّسْمِيَةِ أَوْ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ غسل الكف قطع الجمهور بانه لا يجز به وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فِيهِ وَجْهًا انه يجزيه وليس بشئ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْغَسِلْ مَعَهُمَا شئ مِنْ الْوَجْهِ بِأَنْ تَمَضْمَضَ مِنْ أُنْبُوبَةِ إبْرِيقٍ ونحوه اما إذا انغسل معهما شئ مِنْ الْوَجْهِ كَبَعْضِ الشَّفَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ (1) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَغْسِلْ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ فيكون فيه الخلاف السابق وقال صاحب

_ (1) صوابه الاربعة لان البندنيجي من أجل الاصحاب

الْبَيَانِ إنْ غَسَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِنِيَّةِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا قَالَ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَانْفَرَدَ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الصَّحِيحُ انه يجزيه وان انغسل شئ مِنْ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ عَنْ الْوَجْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْوَجْهِ بَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ ثَانِيًا وَهَذَا قَوِيٌّ وَلَكِنْ خَالَفَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ يُجْزِيهِ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَغْسُولِ مِنْ الْوَجْهِ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا صَحَّحْنَا النية وان قَالَ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إلَى نَحْوِ هَذَا الَّذِي فِي التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) * قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ رَاتِبٌ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فَرْضٌ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِعْلٌ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَبِقَوْلِهِ رَاتِبٌ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَبِقَوْلِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فَرْضٌ مِنْ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ: وَقَوْلُهُ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ يُقَالُ عِنْدَ وَعَنْدَ وعند بكسر العين ونتحها وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ أَشْهُرُهُنَّ الْكَسْرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَقَوْلُهُ عَزَبَتْ أَيْ ذَهَبَتْ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمُضَارِعُ يَعْزُبُ بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمَصْدَرُ عُزُوبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (فَرْعٌ) وَقْتُ نِيَّةِ الْغُسْلِ عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ وَلَا يَضُرُّ عُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِصْحَابُهَا إلَى الْفَرَاغِ كَالْوُضُوءِ فَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ الْبَدَنِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى أَجْزَأَهُ مَا غَسَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا غَسَلَهُ قَبْلَهَا وَاَللَّهُ اعلم * وقال المنصف رحمه الله * (وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَدَثِ وَأَيُّهُمَا نَوَى أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نوى المقصود وهو رفع الحدث) (الشرح) المتوضئون ثلاثة اقسام ما سح خُفٍّ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَغَيْرُهُمَا وَيُسَمَّى صَاحِبَ طَهَارَةِ الرَّفَاهِيَةِ فَأَمَّا صَاحِبُ طَهَارَةِ الرَّفَاهِيَةِ فَتُجْزِيهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ بِلَا خِلَافٍ واما ما سح الْخُفِّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ (1) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ تُجْزِيهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ كَغَيْرِهِ: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَعَ شِدَّةِ ضَعْفِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فَفِيهِمْ ثلاثة

_ (1) في كون ماسح الخف ليس صاحب طهارة رفاهية نظر اه من هامش الاذرعي

أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا تُجْزِيهِمْ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحْدَهَا وَتُجْزِيهِمْ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ (1) الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُمْ مَعَ جَرَيَانِهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِيهِمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِبَاحَةَ وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُمْ الْجَمْعُ بين النيتين وهو محكي عن ابن أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ (2) الْمَرْوَزِيِّ لِيَكُونَ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الْمَاضِي وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ عَنْ الْمُقَارِنِ والتجدد وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهَ أَشَدَّ تَضْعِيفٍ وَهُوَ حَقِيقٌ بِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ كَافِيَةٌ وَكَيْفَ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ جَرَيَانِهِ وَإِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ تَجِبُ نِيَّتُهُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَتْ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ صَاحِبَ طَهَارَةِ الرَّفَاهِيَةِ فَالْمُسْتَحَاضَةُ أَوْلَى * (فَرْعٌ) (1) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي صَاحِبِ طَهَارَةِ الرَّفَاهِيَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْدِثًا الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ كَفَاهُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا كَفَاهُ أَيْضًا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى حَدَثِهِ فَلَوْ نَوَى الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ كَانَ تَأْكِيدًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَهَكَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجَمَاعَاتٌ بِأَنَّ الْجُنُبَ تُجْزِيهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثَانِ أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ فَاغْتَسَلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْأَصْغَرَ يَدْخُلُ فِي الْأَكْبَرِ أَجْزَأَهُ وَارْتَفَعَ الْحَدَثَانِ (3) وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا: (فَرْعٌ) لَوْ نَوَى الْمُحْدِثُ غَسْلَ أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْجَنَابَةِ غَالِطًا ظَانًّا أَنَّهُ جُنُبٌ صَحَّ وُضُوءُهُ إنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ غَسْلَ الرَّأْسِ يُجْزِي عَنْ مَسْحِهِ وَإِلَّا فَيَحْصُلُ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ دُونَ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ بِسَبَبِ التَّرْتِيبِ وَلَوْ غَلَطَ (4) الْجُنُبُ فَظَنَّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَاغْتَسَلَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَالْجَنَابَةِ أَمْ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ خَاصَّةً وَفِيهِ وَجْهَانِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْنَا نَعَمْ صَحَّ غُسْلُهُ لِأَنَّهُ نَوَى طَهَارَةً عَامَّةً مثل التى عليه

_ (1) قال ابن الرفعة في المطلب قال الماوردي وليس على صاحب الضرورة تعيين الصلاة التي يستباح فعلها يعنى بخلاف المتيمم على رأي وقال في التتمة يصح طهرها بنية استباحة فريضة الصلاة وان طهرت لاستباحة النفل فعل ما ذكرنا في المتيمم انتهى لفظه قال كاتبه الفقير احمد الاذرعي وفى كلام المتوكل ايماء إلى ان استباحة الصلاة هنا تكني للفريضة الا عند التعرض لها ويحمل اطلاق الاستباحة على النافلة كالمتيمم إذا قلنا انه لا يستبيح بذلك الفرض (2) المحكي في البحر عن القفال استحباب الجمع لا وجوبه اه من هامش الاذرعي (3) هذا فيه نظر ظاهر اه اذرعي (4) ظني ان في فتاوي البغوي ما يخالف هذا اه اذرعي

وَإِنْ قُلْنَا يَخْتَصُّ حَصَلَ لَهُ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ فَقَطْ إنْ قُلْنَا يُجْزِيهِ غَسْلُ الرَّأْسِ عَنْ مَسْحِهِ وَإِلَّا حَصَلَتْ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ هَذَا إذَا كَانَ غَالِطًا فَلَوْ تَعَمَّدَ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَث الْأَصْغَرِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَوْلُهُمْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعْنَاهُ رَفْعُ حكم الحدث * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ نَوَى الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ وَقَدْ تَكُونُ عن نجس فلم تصح بنية مطلقة) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا النَّصُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ فَأَمَّا النِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَلَا تَكْفِيهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْقَاضِي وَأَخَلَّ الْبُوَيْطِيُّ بِقَوْلِهِ عَنْ الْحَدَثِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ لِأَنَّ نِيَّةَ الطهارة في أعضاء الوضوء علي ترتيب الْمَخْصُوصِ لَا تَكُونُ عَنْ نَجَسٍ وَهَذَا الْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي صلاة الفرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ نَوَى الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِأَمْرٍ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ مَعَ الْحَدَثِ فَإِذَا نَوَى الطهارة لذلك تضمنت نيته رفع الحدث) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ثُمَّ إذَا نوى الطهارة لشئ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالطَّهَارَةِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَاسْتَبَاحَ الَّذِي نَوَاهُ وَغَيْرَهُ (1) وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذا نوى استباحة الصلاة ليصح وُضُوءُهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهَا قَدْ تُسْتَبَاحُ مَعَ الْحَدَثِ كَالتَّيَمُّمِ وَهَذَا شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ وَخَيَالٌ عجيب والصواب الذى قطع يه الاصحاب في كل الطرق صحة وضؤه وَفِي الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَكَسْرُهَا وفتحها افصحهن الضم ثم الكسر وقد أو ضحتهن فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نوت المغتسلة عن الحيض استباحة وطئ الزَّوْجِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ يَصِحُّ غُسْلُهَا وَتَسْتَبِيحُ الوطئ وَالصَّلَاةَ وَغَيْرَهُمَا لِأَنَّهَا نَوَتْ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِطَهَارَةٍ: وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَلَا تَسْتَبِيحُ

_ (1) وحكي الرافعي وجها إلى آخره كلام صحيح ولكن كان من حقه ان يذكر انه إذا نوى استباحة الصلاة انه يجزيه عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ ثم يقول وحكى الرافعي وجها إلى آخره وكأنه توهم ان كلامه يضمن ذلك اه من هامش الاذرعي

الوطئ ولا تسبيح غَيْرَهُ لِأَنَّهَا نَوَتْ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ: وَالثَّالِثُ تستبيح به الوطئ وَلَا تَسْتَبِيحُ غَيْرَهُ كَاغْتِسَالِ الذِّمِّيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ لا نقطاع الْحَيْضِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ صِحَّةُ غُسْلِهَا لانها نوت حل الوطئ لا نفس الوطئ وحل الوطئ لا يوجب غسلا * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ نَوَى الطَّهَارَةَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَشْبَهَ مَا إذَا تَوَضَّأَ لِلُبْسِ الثَّوْبِ: وَالثَّانِي يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَإِذَا نَوَى الطَّهَارَةَ بِذَلِكَ تَضَمَّنَتْ نِيَّتُهُ رفع الحدث) (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ: مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الصِّحَّةَ: مِنْهُمْ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْفُورَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ (1) وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ لِمَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَذَانُ وَالتَّدْرِيسُ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَقِرَاءَةُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرَاسَةُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِمَّا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ دُخُولُ السُّوقِ وَالسَّلَامُ عَلَى الْأَمِيرِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَالصِّيَامُ وَعَقْدُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحُ وَالْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ وَلِقَاءُ الْقَادِمِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَا زِيَارَةُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَزِيَارَةُ الصَّدِيقِ وَالنَّوْمُ وَالْأَكْلُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي النَّوْمِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلنَّوْمِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّك الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْكَ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَلَوْ نَوَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ أَوْ نوى

_ (1) وابن الصباع في باب صفة الصلاة اه اذرعي

الْجُنُبُ غُسْلًا مَسْنُونًا فَفِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَجَنَابَتُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ لَيْسَ اسْتِحْبَابُهَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَلَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَهُ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَشِبْهِهَا: وَلَوْ نَوَى الْجُنُبُ الْغُسْلَ لِقِرَاءَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي ارْتِفَاعِ جَنَابَتِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي الْمُحْدِثِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُحْدِثُ الْوُضُوءَ لِلْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ ففيه الوجهان * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ وَالتَّنْظِيفَ صَحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَضَمَّ إلَيْهِ مَا لَا يُنَافِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ الْقُرْبَةِ وغيرها) (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَضَعَّفُوا تَعْلِيلَهُ بِالتَّشْرِيكِ وَقَالُوا لَيْسَ هَذَا تَشْرِيكًا وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا وُضُوءَهُ لِأَنَّ التَّبَرُّدَ حَاصِلٌ سَوَاءٌ قَصْدَهُ أَمْ لَا فَلَمْ يُجْعَلْ قَصْدُهُ تَشْرِيكًا وَتَرْكًا لِلْإِخْلَاصِ بَلْ هُوَ قَصْدٌ لِلْعِبَادَةِ عَلَى حَسَبِ وُقُوعِهَا لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَتِهَا حُصُولَ التَّبَرُّدِ: وَلَوْ اغْتَسَلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ وَالتَّبَرُّدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْوُضُوءِ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ غَرِيمٍ يُطَالِبُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ عَنْ الْغَرِيمِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَصْدٍ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِي الطَّوَافِ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ الْغَرِيمِ وَغَيْرِهَا وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّحِيَّةُ جَمِيعًا لِأَنَّ التَّحِيَّةَ يَحْصُلُ بِهَا الْفَرْضُ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهَا تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى الْحَالِ

وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِحُصُولِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حُصُولِهِمَا جَمِيعًا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ سِنِينَ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الصلاح لابد مِنْ جَرَيَانِ خِلَافٍ فِيهِ كَمَسْأَلَةِ التَّبَرُّدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَمْ يَنْقُلَاهُ عَنْ أَحَدٍ وَالْمَنْقُولُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ التَّبَرُّدِ هُوَ التَّشْرِيكُ بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي مَسْأَلَةِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ وَالتَّحِيَّةَ قُرْبَتَانِ إحْدَاهُمَا تَحْصُلُ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يَضُرُّ فِيهَا الْقَصْدُ كَمَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَصَدَ أَمْرَيْنِ لَكِنَّهُمَا قُرْبَتَانِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ: وَلَوْ نَوَى بِغُسْلِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ حَصَلَا جَمِيعًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ اخْتِيَارِ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ وَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحِيَّةِ بِأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ ضِمْنًا وَهَذَا بِخِلَافِهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا نَوَى الْجُمُعَةَ وَالْجَنَابَةَ (1) يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَنَابَةِ هَلْ تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ إنْ قُلْنَا لَا يَحْصُلُ لَمْ يَصِحَّ الْغُسْلُ كَمَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ وَإِنْ قُلْنَا يَحْصُلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فوجهان كمسألة التبرد: والاصح الحصول * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ أَحْدَثَ أَحْدَاثًا وَنَوَى رَفْعَ حَدَثٍ مِنْهَا ففيه ثلاثة أوجه احدها يَصِحُّ وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ تَتَدَاخَلُ فَإِذَا ارْتَفَعَ وَاحِدٌ ارْتَفَعَ الْجَمِيعُ: وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ رَفْعَ جَمِيعِ الْأَحْدَاثِ: وَالثَّالِثُ إنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ صَحَّ وَإِنْ نَوَى مَا بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ اصح) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً بِأَدِلَّتِهَا أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ نَوَى الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ وَنَفَى رَفْعَ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ غَيْرِهِ: وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا: وَالثَّالِثُ إنْ نَوَى رَفْعَ الْأَوَّلِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا: وَالرَّابِعُ إنْ نوى رفع الا خير صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مَا قَبْلَ الا خير اندرج فيه حكاه صاحب الشامل

_ (1) مقتضى هذا البناء ترجيح عدم الحصول إذا نواهما لان الاصح عند الاكثرين في المسألة المنبي عليها عدم حصول الجمعة كما صححه الشيخ رحمه الله وبه جزم الرافعي في المحرر خلاف ما صححه هنا اه هامش الاذرعي

وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْخَامِسُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ أَحَدِ الْأَحْدَاثِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ نَفَى رَفْعَ غَيْرِهِ فَلَا: حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ كَانَ عَلَى امْرَأَةٍ غُسْلُ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ فَنَوَتْ أَحَدَهُمَا صَحَّ غُسْلُهَا وَحَصَلَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ فِي الْأَحْدَاثِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلَا مُعْتَادَةٍ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ فَيَكُونُ مَنْ نَوَى أَحَدَ الْأَحْدَاثِ مُخَالِفًا مُقَصِّرًا فَجَاءَ فِيهِ الْخِلَافُ بِخِلَافِ الحائض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ غَيْرَهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ كَمَا أُمِرَ: والثاني يصح إن نِيَّتَهُ لِلصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْ رَفْعَ الْحَدَثِ وَنِيَّتَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ غَيْرَهَا لَغْوٌ: وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَصِحُّ لما نوى اعتبارا بنيته) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَدَلِيلُهَا كَمَا ذُكِرَ وَأَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْوُضُوءِ وَيَسْتَبِيحُ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْفُورَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ لِمَا نَوَى فَقَطْ هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَبِالْمَنْعِ مُطْلَقًا هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَوْ نَوَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ بِوُضُوئِهَا صَلَاةَ فَرْضٍ وَأَنْ لَا تُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا آخَرَ صَحَّ وُضُوءُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى طَهَارَتِهَا: وَلَوْ نَوَتْ بِوُضُوئِهَا نَافِلَةً وَأَنْ لَا تُصَلِّيَ غَيْرَهَا أَوْ نَوَتْ فَرِيضَةً وَأَنْ لَا تُصَلِّيَ غَيْرَهَا مِنْ نَفْلٍ وَغَيْرِهِ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ لَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ صَلَاةً وَأَنْ لَا يُصَلِّيَهَا كَانَ مُتَنَاقِضًا ولا يرتفع حدثه * قال المصنف رحمه الله * (وَلَوْ نَوَى نِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ غَيَّرَ النِّيَّةَ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِأَنْ نَوَى بِغَسْلِ الرِّجْلِ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنْظِيفَ وَلَمْ يُحْضِرْ نِيَّةَ الْوُضُوءِ لَمْ يَصِحَّ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنْظِيفِ وَإِنْ حَضَرَتْهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَأَضَافَ إلَيْهَا نِيَّةَ التبرد فعلي ما ذكرت من الخلاف) (الشَّرْحُ) إذَا نَوَى نِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ نَوَى بِغَسْلِ الرِّجْلِ مَثَلًا التَّبَرُّدَ فَلَهُ حَالَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا تَحْضُرَهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ فِي حَالِ غَسْلِ الرِّجْلِ بَلْ يَنْوِي التَّبَرُّدَ غَافِلًا عَمَّا سِوَاهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ

الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَصِحُّ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ: وَالثَّانِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَضَعَّفُوهُ أَنَّهُ يَصِحُّ لِبَقَاءِ حُكْمِ النِّيَّة الْأُولَى فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ غَسَلَ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ: وَإِنْ طَالَ فَهَلْ يَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي جَوَازِ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ فَيَبْنِي هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ هَلْ يَكْفِيهِ الْبِنَاءُ أَمْ يَجِبُ الاستثناف فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِلَّا فَلَا: وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِجَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَحْضُرَهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ مَعَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى مِنْ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ الْوُضُوءَ وَالتَّبَرُّدَ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ صِحَّةُ الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ: فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ أَعْضَاءَهُ إلَّا رِجْلَيْهِ فقط فِي نَهْرٍ فَانْغَسَلَتَا فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِيهِ: هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (1) الْأَصَحُّ صِحَّةُ وُضُوئِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا إذَا نَوَى الْمُحْدِثُ الْوُضُوءَ فَقَطْ فَفِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَصَحُّهُمَا ارْتِفَاعُهُ: وَالثَّانِي لَا: لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ يَكُونُ تَجْدِيدًا فَلَا يَرْفَعُ حَدَثًا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ نَوَى الْجُنُبُ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَادَةً وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا نوى بوضوءه أَدَاءَ الْوُضُوءِ أَوْ فَرْضَ الْوُضُوءِ صَحَّ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَقَطَعَ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ فَرْضَ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْحَدَثِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَضَيَّقُ وَقْتُهُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ: كِلَاهُمَا وَجَوَابٌ آخر أجاب به الرافعي

_ (1) قلت لفظ القاضي في آخر في باب سنة الوضوء لو غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم زلق فوقع في الماء فانغسلت رجلاه فالمذهب انه لا يجب عليه غسلهما وفيه وجه انه يجب غسلهما ثانيا لانه لم يقصد غسلهما: قال ابن الرفعة اي بالماء الذي سقط فيه والا فنية الوضوء شاملة لهما قال القاضي فجعل كانه لم يوجد منه الغسل قال ابن الرفعة وهذا الوجه يظهر اطراده في المغتسل لو شرع يصب الماء عليه بنية الغسل فزلق فوقع في الماء وفيما إذا وضأه غيره بعد ما نوى من غير اذنه ولا قدر على دفعه ولم يرتض ذلك دون ما إذا كان بخلاف ذلك لان الفعل ينسب إليه على حال لاجل الرضي به أما حقيقة أو دلالة بالاذن أو عدم الامتناع مع القدر وعلى هذه الحالة يحمل هذا القائل فيما نظنه نص الشافعي ثم ذكر ابن الرفعة ما ذكره الشيخ عنه عن البغوي والمتولي والقاضي بحروفه ثم قال قلت وانت قد عرفت صورة كلام القاضي وليست بصريحة

وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِيَّةِ هُنَا فِعْلُ طَهَارَةِ الحدث المشروطة في صحة الصلاة وشرط الشئ يُسَمَّى فَرْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْفَرْضِيَّةِ لَمَا صَحَّ وُضُوءُ الصَّبِيِّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِهَا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَنَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ الْوَجْهِ وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُمَا وَكَذَا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ ففى صحة وضوءه وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَذَا النِّيَّةُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ الْأَصْحَابَ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ: ثُمَّ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْرِيقِ النِّيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مُطْلَقِ التَّفْرِيقِ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَى تَفْرِيقَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى تَفْرِيقِ أَفْعَالِهِ فَقَالَ إنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الْأَفْعَالِ فَكَذَا النِّيَّةُ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنْ مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الْأَفْعَالِ فَالنِّيَّةُ أَوْلَى وَإِلَّا فوجهان والفرق

_ = فيما قال يعني النووي بل يجوز ان يكون حكايته الخلاف في حال ذكره النية وهو ما يقتضيه سياق كلامه وتعليل الوجه الصائر إلى عدم الاجزاء فاذن هو والمذكوران متوافقون لكنهما لم يحكيا الوجه المخالف للمذهب في كلامه لضعفه فيما نضنه عندهما والله اعلم بالصواب اه اذرعي

أَنَّ الْوُضُوءَ وَإِنْ فُرِّقَ أَفْعَالُهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ يرتبط بِبَعْضٍ وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ مَسَّ الْمُصْحَفِ بِوَجْهِهِ الْمَغْسُولِ قَبْلَ غَسْلِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ لَا يَجُوزُ فَلْتَشْمَلْهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا لَا تتأتي الا متفرقة والله أعلم * (الثَّالِثَةُ) أَهْلِيَّةُ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَأَمَّا الصبي المميز فيصح وضوه وَغُسْلُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي المسألة السادسة: وأما الكافر الاعلى إذَا تَطَهَّرَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ: وَالثَّانِي يصح غسله دون تيممه ووضوءه حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ الرَّأْيِ أَنْ تحسب غلطات الرجال مِنْ مَتْنِ الْمَذْهَبِ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَصِحُّ مِنْهُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ دُونَ التَّيَمُّمِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ: وَالرَّابِعُ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ مِنْ غُسْلٍ وَوُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا: وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ غُسْلٌ وَلَا غَيْرُهُ وَلَوْ انْقَطَعَ حَيْضُ مرتدة فاغتسلت ثم أسلمت لم يحل الوطئ إلَّا بِغُسْلٍ جَدِيدٍ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالُوهُ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ فِي الْمُرْتَدِّ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي هَذَا الْبَابِ فِي صِحَّةِ غُسْلِ الْمُرْتَدِّ وَجْهَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ الْغُسْلِ حَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ غُسْلًا كَانَ أَوْ وُضُوءًا أَوْ تَيَمُّمًا قَالَ وَهَذَا فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ فَقَوْلُهُ كُلُّ كَافِرٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُرْتَدُّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا تَوَضَّأَ الْكَافِرُ صَحَّ وُضُوءُهُ فَيُصَلِّي بِهِ إذَا أَسْلَمَ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ فَإِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نفاسها لم يحل له الوطئ حتي تغتسل فإذا اغتسلت حل الوطئ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِذَا أَسْلَمَتْ هَلْ يَلْزَمُهَا إعَادَةُ ذَلِكَ الْغُسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُهَا: مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ والمتولي وصاحب العدة والروياني والرافعي وغيهم وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَدَمَ الْوُجُوبِ قَالَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ فَأَدَّاهَا ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَالَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ يَتَعَلَّقُ مَصْرِفُهَا بِالْآدَمِيِّ فَتُشْبِهُ الدُّيُونَ بِخِلَافِ الْغُسْلِ قال المتولي ولا يحل للزوج الوطئ إلَّا إذَا اغْتَسَلَتْ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا لَوْ ظَاهَرَ كَافِرٌ

وَأَرَادَ الْإِعْتَاقَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بِنِيَّةِ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا والثاني يحل الوطئ بِغُسْلِهَا بِلَا نِيَّةٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ وَهَذَا أَقْيَسُ وإذا اغتسلت ثم أسلمت هل لزوجها الوطئ بِهَذَا الْغُسْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ في وجوب اعادة الغسل ان أوجبناها لم يحل الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِلَّا فَيَحِلُّ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْحِلِّ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَلَوْ امْتَنَعَتْ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ فَأَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى بَدَنِهَا قَهْرًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَلْ يَلْزَمُهَا إعَادَةُ هَذَا الْغُسْلِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فيه الوجهان فِي الذِّمِّيَّةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ النِّيَّةَ وَهِيَ مِنْ أَهْلِهَا وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الزَّوْجِ بِغُسْلِهِ إيَّاهَا الِاسْتِبَاحَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي غُسْلِهِ الْمَجْنُونَةَ: وَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا حتى يغسلها فإذا غسلها حل الوطئ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ فِي حَقِّهَا وَإِذَا غَسَلَهَا الزَّوْجُ هل يشترط لحل الوطئ أن ينوى بغسله استباحة الوطئ فِيهِ وَجْهَانِ (1) حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ قَالَ بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْغُسْلِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ غُسْلَهُ تَعَبُّدٌ وَغُسْلَ الْمَجْنُونَةِ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَإِذَا أَفَاقَتْ لَزِمَهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ كَالذِّمِّيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ قَالَ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي حِلِّ وَطْئِهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فَلَوْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ الْوُضُوءُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ مُتَرَدِّدًا فِي النِّيَّةِ إذ ليس هو جاز ما بِالْحَدَثِ وَالتَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ وَقَوْلُنَا فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي النِّيَّةِ وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْ تَرَدُّدِهِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِيهِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا صَادَفَتْ الْحَدَثَ فَرَفَعَتْهُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَمْ لَا فَقَضَاهَا عَلَى الشَّكِّ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُحْدِثًا فَشَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ شَاكًّا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ يصح وضوءه بلا خلاف لان

_ (1) نقل؟ ؟ الاتفاق على ان النية لا تشترط فقال ولم ينص احد من ائمتنا على وجوبها بل لم يتعرضوا بنفي ولا اثبات ويكفي في استحلالها ايصال الماء إلى بدنها قال فإذا افاقت فهل تعيده فيه خلاف كالذمية إذا اسلمت ويبعد عندي هنا وجوب الاعادة بخلاف الذمية اه اذرعي

الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ وَاقِعَةٌ بِسَبَبِ الْحَدَثِ وَقَدْ صَادَفَتْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَوْ تَوَضَّأَ وَنَوَى إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ عَنْ فَرْضِ طَهَارَتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَجْدِيدٌ صَحَّ وُضُوءُهُ عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ زَالَ شَكُّهُ وَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَبَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لِمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُكُمْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ بِمَنْعِ وُقُوعِ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبًّا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ يُحْدِثُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُجُوبًا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا نَقُولُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى تَقْدِيرِ انْكِشَافِ الْحَالِ وَيَكُونُ وُضُوءُهُ هَذَا رَافِعًا لِلْحَدَثِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الامر ولم يظهر لنا للضرور فَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ قَالَ وَهَذَا كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ (1) فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِيهِ بِنِيَّةٍ لَا يُجْزِي مِثْلُهَا حَالَ الِانْكِشَافِ (قُلْت) وَلَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَصَلَّى الْخَمْسَ ثُمَّ عَلِمَ الْمَنْسِيَّةَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّا أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ وَفَعَلَهَا بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ وَلَا نُوجِبهَا ثَانِيًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فَتَرَك لُمْعَةً عَنْ وَجْهِهِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى نَاسِيًا فَانْغَسَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ وَهُوَ يَقْصِدُ بِهَا التَّنَفُّلَ فَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِي تِلْكَ اللُّمْعَةِ بِهَذَا أَمْ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِهَا فِيهِ وَجْهَانِ وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا تَرَكَ لُمْعَةً مِنْ بَدَنِهِ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى نَاسِيًا فَانْغَسَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَكَذَا لَوْ أَغْفَلَ لُمْعَةً في وضوءه فَانْغَسَلَتْ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُشْرَعُ التَّجْدِيدُ فَفِي ارْتِفَاعِ حَدَثِ اللُّمْعَةِ الْوَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُ اللُّمْعَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْأَصَحُّ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّجْدِيدِ لِأَنَّ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ طَهَارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى نِيَّتِهِ الْأُولَى أَنْ تَحْصُلَ الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ كَمَالِ الْأُولَى فَمَا لَمْ تَتِمَّ الْأُولَى لَا يَقَعُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَتَوَهُّمُهُ الْغَسْلَ عَنْ الثَّانِيَةِ لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عَنْ الْأُولَى كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِهَا الْأُولَى وَإِنْ كَانَ يَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّجْدِيدُ فطهارة مستقلة مفردة

_ (1) قال ابن الرفعة في المطلب وفي هذا المثال نظر لانا نقول المذهب فيمن نسي صلاة من الخمس ان يقضي الخمس اعتمادا على ان الاصل في كل صلاة منها انه لم يأتي بها وهي ثابتة في ذمته وعلى هذا لو انكشف الحال لم يعدها فيما نظن لان نيته لها اعتمدت اولا بخلاف ما نحن فيه ولا جرم جزم الامام في كتاب الصيام بانه لا يصح وضوءه بناء على استصحاب الحال في الطهارة ولكنه قال قياس مذهب المزني في نظير المسألة من الصوم الصحة هنا وهو ما اورده ابن الصباغ في تجديد الطهارة إذ قال انه يرفع الحدث ان صادفه والا كان تجديدا اه اذرعي

بِنِيَّةٍ لَمْ تُوَجَّهْ إلَى رَفْعِ الْحَدَثِ أَصْلًا هَذَا كُلُّهُ إذَا غَسَلَ اللُّمْعَةَ مُعْتَقِدًا بِهَا التَّنَفُّلَ بِالثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الغسل فاما لو نسى اللمعة وضوءه أَوْ غُسْلِهِ ثُمَّ نَسِيَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ فَأَعَادَ الْوُضُوءَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْغُسْلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فَانْغَسَلَتْ تِلْكَ اللُّمْعَةُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْحَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَجَنَابَتُهُ بِلَا خِلَافٍ (1) لِأَنَّ الْفَرْضَ بَاقٍ فِي اللُّمْعَةِ وَقَدْ نَوَى الْفَرْضَ فِي الطَّهَارَةِ الثَّانِيَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا مَعَ ظُهُورِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَدَّادِ فِي فُرُوعِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) نِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ صَحِيحَةٌ وَطَهَارَتُهُ كَامِلَةٌ فَلَوْ تَطَهَّرَ ثُمَّ بَلَغَ عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ أَوْ لَاطَ بِهِ إنْسَانٌ وَاغْتَسَلَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْغُسْلِ بَلْ وَقَعَ غُسْلُهُ صَحِيحًا مُجْزِيًا وَالصَّبِيَّةُ إذَا جُومِعَتْ كَالصَّبِيِّ فَلَوْ لَمْ يَغْتَسِلَا حَتَّى بَلَغَا لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّ طَهَارَةَ الصَّبِيِّ نَاقِصَةٌ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا بَلَغَ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْتُهُ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ يُجْزِيهِ طَهَارَتُهُ فِي الصِّبَا وَيُصَلِّي بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ بَلَغَ فَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ النَّفَلَ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ على أصح الوجهين فيلى بِهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ صَلَاةَ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ اجزأته ذكر الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِيهِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ اعلم *

_ (1) قال في البحر وهذا عندي إذا كان ذاكرا للنية وقت غسل تلك اللمعة اه اذرعي

(السَّابِعَةُ) هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْمُسْلِمِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّامِنَةُ) هَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ عَلَى غَاسِل الْمَيِّتِ وَتُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ هُنَا وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (التَّاسِعَةُ) إذَا كان على عضو من أعضاء المتوضي أَوْ الْمُغْتَسِلِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَغَسْلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحْدَهُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الِانْتِخَابِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الطَّهَارَتَيْنِ وَاحِدٌ فَكَفَاهَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا غُسْلُ جَنَابَةٍ وغسل حيض: وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَوَانِي وَالْمُتَوَلِّي فِي الْمِيَاهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَلَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ طِينٌ ونحوهما فغلسهما بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لَا يُجْزِيهِ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْعَاشِرَةُ) إذَا نَوَى رَفْعَ حَدَثِ الْبَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ حَدَثُهُ الْبَوْلَ بَلْ النَّوْمَ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ غَالِطًا بِأَنْ ظَنَّ حَدَثَهُ الْبَوْلَ صَحَّ وُضُوءُهُ بِلَا خِلَافٍ (1) وَقَدْ أَشَارَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ صِحَّةَ وُضُوءِ هَذَا الغالط وذكر

_ 1) تقدم في أول الباب على الحاشية حكاية خلاف في هذه الصورة وممن حكاه الامام في باب سنن الوضوء والقاضي حسين في باب التيمم والفوراني والشاشي والله اعلم اه اذرعي

إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا فِي بَابِ النِّيَّةِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وفيه عندي أدنى نظر: وان كان متعمدا عَالِمًا بِأَنَّ حَدَثَهُ النَّوْمُ فَنَوَى الْبَوْلَ أَوْ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَيُلْغَى تَعْيِينُهُ الْحَدَثَ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ نَوَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ وَتَرَك مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِ الْغَالِطِ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ نِيَّتَهُ رَافِعَةٌ لَحَدَثِهِ مُبِيحَةٌ لِلصَّلَاةِ وَكَأَنَّهُ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) فِي وُقُوعِ الْغَلَطِ فِي النِّيَّةِ أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ بِأَدِلَّتِهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَالْمَقْصُودُ جَمْعُهَا فِي مَوْضِعٍ وَهَذَا أَلْيَقُ الْمَوَاضِعِ بِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَلِطَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ النَّوْمِ وَكَانَ حَدَثُهُ غَيْرَهُ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الاصح كما أو ضحناه وَكَذَا حُكْمُ الْجُنُبِ يَنْوِي رَفْعَ جَنَابَةِ الْجِمَاعِ وَجَنَابَتُهُ بِاحْتِلَامٍ وَعَكْسَهُ وَالْمَرْأَةُ تَنْوِي الْجَنَابَةَ وَحَدَثُهَا الْحَيْضُ وَعَكْسُهُ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ: وَلَوْ نَوَى التيمم اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَانَ جُنُبًا أَوْ الْجَنَابَةِ فَكَانَ مُحْدِثًا صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ غَالِطًا وَسَلَّمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ احْتِمَالَهُ السابق لا يحئ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ غَلِطَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَنَوَى غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا إذَا نَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ مَثَلًا وَكَانَ عَلَيْهِ الثَّانِي فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُمَا احْتِمَالَيْنِ وَهُمَا وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ: وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ صَوْمَ الْغَدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَوَى رَمَضَانَ السَّنَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ فَكَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَعْيِينِهِ الْوَقْتَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ وَلَمْ يَنْوِ الْغَدَ أَوْ نَوَى رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ: وَلَوْ نَوَى فِي الصَّلَاةِ قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَكَانَ عَلَيْهِ ظُهْرُ الثُّلَاثَاءِ لَمْ يُجْزِهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ كَانَ يُؤَدِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ الثُّلَاثَاءَ صَحَّ ظُهْرُهُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ غَلِطَ فِي الْأَذَانِ وَظَنَّ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَكَانَتْ الْعَصْرُ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ

الْإِعْلَامُ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ: وَلَوْ غَلِطَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَنَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ خَمْسًا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحَّ ظُهْرُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي الْغَيْمِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ ظَانًّا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ أَوْ الْأَسِيرُ صَامَ بِالِاجْتِهَادِ وَنَوَى رَمَضَانَ فَبَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ فَنَوَى الصَّلَاةَ بِزَيْدٍ فَكَانَ الَّذِي خَلْفَهُ عَمْرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا: وَلَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ الصَّلَاةَ خَلْفَ زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ فَكَانَ رَجُلًا أَوْ عَكْسُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ خَلْفَ هَذَا زَيْدٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلًا أَوْ عَكْسَهُ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ الصِّحَّةُ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْبُطْلَانُ تَغْلِيبًا للعبارة لا ختلاف غَرَضُ الْمَالِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْعَرَبِيَّةَ فَكَانَتْ عَجَمِيَّةً أَوْ عَكْسُهُ أَوْ هَذِهِ الْعَجُوزَ فَكَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَكْسُهُ أَوْ الْبَيْضَاءَ فَكَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ عَكْسُهُ وَكَذَا الْمُخَالَفَةُ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ النَّسَبِ وَالصِّفَاتِ بِالْعُلُوِّ وَالنُّزُولِ فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ الصحة: ولو اخرج دراهم بنية زكاة ما له الْغَائِبِ فَكَانَ تَالِفًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْحَاضِرِ وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَاضِرِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَفَّارَةِ: وَلَوْ نَوَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَكَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ نَوَى الْكَفَّارَةَ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ يُسْتَضَاءُ بِهَا لِنَظَائِرِهَا وَسَتَأْتِي مَبْسُوطَةً مَعَ غَيْرِهَا فِي مَظَانِّهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (المسألة الحادية عشر) إذَا نَوَى قَطْعَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ طَهَارَتَهُ تَبْطُلُ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهَا وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الطَّهَارَةِ فِي أَثْنَائِهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ قَطَعَ الصلاة في

أَثْنَائِهَا وَأَصَحُّهُمَا لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ كَمَا لَوْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ وَنَوَى التَّبَرُّدَ فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَنْقَطِعُ وَلَا يَبْطُلُ مَا مَضَى بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مَتَى انْقَطَعَتْ نِيَّتُهَا بَطَلَتْ كُلُّهَا فَعَلَى هَذَا إذَا أَرَادَ تَمَامَ الطَّهَارَةِ وَجَبَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الْفَصْلُ بنى ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي تَفْرِيقِ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ فَعَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ: أَمَّا إذَا قَطَعَ نِيَّةَ الْحَجِّ وَنَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَخْرُجُ بِلَا خِلَافٍ: وَلَوْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ الْخُرُوجَ مِنْهَا بَطَلَتْ قَطْعًا وَلَوْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا فَفِي بُطْلَانِهِمَا وَجْهَانِ وَسَنُوَضِّحُ كل ذلك في مواضعه ان شاء تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ غَرِيبَةٍ ذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَوْ نَوَى أن يصلي بوضوءه صلاة لا يدركها به بان نوى بوضوءه فِي رَجَبٍ صَلَاةَ الْعِيدِ قَالَ قَالَ وَالِدِي قياس المذهب صحة وضوءة وَيُصَلِّي بِهِ كُلَّ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُضُوءٍ قَالَ قَالَ جَدِّي وَلَوْ أَجْنَبَتْ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَنَوَتْ بِغُسْلِهَا رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا غَلِطَتْ فَإِنْ نَوَتْ مُتَعَمِّدَةً فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ حَاضَتْ فَهَذِهِ أَوْلَى وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي قَالَ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عليه في وضوءه وَغُسْلِهِ فَصَبَّ الْبَعْضَ وَنَوَى الْمُتَطَهِّرُ ثُمَّ صَبَّ الْبَاقِيَ فِي حَالٍ كَرِهَ الْمُتَطَهِّرِ فِيهَا الصَّبَّ لِبُرُودَةِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الطَّهَارَةُ: وَلَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ وَغُسْلَ الْبَعْضَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ غَافِلٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ عَازِبَةٌ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَنَاوَلَتْ فِعْلَهُ لَا فِعْلَ غَيْرِهِ: (قُلْت) فِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ وَلَوْ أَمَرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوئِهِ ثُمَّ نَسِيَ الْأَمْرَ بِهِ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنَفْسِهِ صَحَّ وَلَا يَضُرُّهُ النِّسْيَانُ وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا فِي أَثْنَاءِ وضوءه

_ (1) وقال في البحر هنا لو نوى رفع حدث يوجد بعد وضوئه لم يصح وقال جدي الامام رحمه الله بجوز وهو ظاهر النص لانه قال لو توضأ من ريح ثم علم ان حدثه بول صح وضوءه قال صاحب البحر وهذا لا يصح عندي لان في هذا النص نوى رفع الحدث في الحال بخلاف ذلك اه اذرعي

ثُمَّ انْتَبَهَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ فَرَّقَ تَفْرِيقًا كثيرا ولو نوى بوضوءه قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ إنْ كَانَتْ كَافِيَةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فَالصَّلَاةُ وَقُلْنَا لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ نَوَى زكاة ما له الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ فيجزيه إذا كان باقيا: ولو نوى بوضوءه الصَّلَاةَ فِي مَكَان نَجِسٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ (1) وَلَوْ نَوَى نِيَّةً صَحِيحَةً وَغَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ بَطَلَ الْوُضُوءُ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ ثَوَابُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَوَابُهُ كَالصَّلَاةِ إذَا بَطَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ بَطَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَهُ ثَوَابُهُ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا ثَوَابَ لَهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ: وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة: والحمد لله رب العالمين * قال المصنف رحمه الله * باب (صفة الوضوء) (المستحب ان لا يستعين في وضوءه بغيره لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ انا لا نستعين على الوضوء بأحد فان استعان بغيره جاز لما رى أن أسامة والمغيرة والربيع بنت معوذ ابن عفراء رضي الله عنهم صبوا على النبي صلى الله عليه وسلم الماء فتوضأ وان أمر غيره حتي وضأه ونوى هو أجزأه لان فعله غير مستحق في الطهارة ألا ترى أنه لو وقف تحت ميزاب فجرى الماء عليه ونوى الطهارة أجزاه) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْقِطْعَةُ تَتَضَمَّنُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا فِي بيان الاحاديث أما حديث أسلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْهُ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وضوءه

_ (1) ويحتمل ان يصح؟ ؟ التعرض للمكان النجس اه اذرعي

فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ دَفْعِهِ مِنْ عَرَفَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَصَبَّ عليه صلى الله عليه وسلم في وضوءه ذات ليلة في غزاة تَبُوكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بنت معوذ فرواه ابن ماجه باسناد عَنْهَا قَالَتْ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيضَأَةٍ فَقَالَ اُسْكُبِي فَسَكَبْتُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَهُ وَأَخَذَ مَاءً جَدِيدًا فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا (1) * فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الله بن محمد ابن عَقِيلٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ الاكثرون حسن التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَحَدِيثُهُ هَذَا حَسَنٌ: وعن حذيفة ابن أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَبَبْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْوُضُوءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ حُذَيْفَةَ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُذَيْفَةُ سَمَاعًا: وَأَمَّا حَدِيثُ إنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى الوضوء بأحد فباطل لا أصل له ويعنى عَنْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِغَيْرِ اسْتِعَانَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ أَمَّا أُسَامَةُ فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو زَيْدٍ وَيُقَالُ أَبُو حَارِثَةَ وَيُقَالُ أَبُو يَزِيدَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ مَوْلَاهُ وَحِبُّهُ وَابْنُ حِبِّهِ أُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ وَاسْمُهَا بَرَكَةُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بالمدينة وقيل

_ (1) في هذا الحدث ان المضمضة والاستنشاق لا يجبان في الوضوء لان ظاهره البداءة بغسل الوجه وهو مذهبنا اه اذرعي

بوادي القرى سنة أربع خمسين وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ ثَمَانِ عَشْرَةَ: وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ فَهُوَ أَبُو عِيسَى وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ تُوُفِّيَ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي الطَّاعُونِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ الضَّمُّ أَشْهَرُ * وَأَمَّا الرُّبَيِّعُ فَبِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْيَاءِ وَمُعَوِّذٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَعَفْرَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّةُ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ تَحْتَ مِئْزَابٍ هُوَ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ وَجَمْعُهُ مَآزِيبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِيزَابٌ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَدَلَ الْهَمْزَةِ كَمَا عُرِفَ فِي نَظَائِرِهِ وَأَنْكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَرْكَ الْهَمْزِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَصْلُهُ الْيَاءُ فَأَمَّا إنْكَارُ النُّطْقِ بِالْيَاءِ فَغَلَطٌ لَا شَكَّ فيه وهذه قاعدة معروفة لا هل التَّصْرِيفِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَلَا تَقُلْ مِزْرَابٌ (1) يَعْنِي بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ وَأَمَّا مِرْزَابٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ فَهِيَ لُغَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَيْسَتْ بِالْفَصِيحَةِ * (الرَّابِعَةُ) : فِي الْأَحْكَامِ فان استعان بغيره في احضار الماء لوضؤه فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاطِنَ كثيرة وان

_ (1) تقديم الزاي لغة حكاها ابن مالك رحمه الله اه اذرعي

استعان بغيره فغسل له أعضاء صح وضؤه لَكِنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهَذَا أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا اسْتَعَانَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقِفَ الصَّابُّ عَلَى يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ وَنَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَأَعْوَنُ وَأَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ قَالُوا وَإِذَا تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ وَلَمْ يُصَبَّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ يَصُبُّ مِنْهُ كَالْإِبْرِيقِ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ وَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ فِي يَمِينِهِ وَاسْتَثْنَى أبو الفرج السر خسي في لا مالى صورة فقال إذا فرغا مِنْ غَسْلِ وَجْهِهِ وَيَمِينِهِ حَوَّلَ الْإِنَاءَ إلَى يَمِينِهِ وَصَبَّ عَلَى يَسَارِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ وضؤه قَالَ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي غَسْلِ الْيَدِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى كَفِّهِ فَيَغْسِلَهَا ثُمَّ يَغْسِلَ سَاعِدَهُ وَذِرَاعَهُ ثُمَّ مِرْفَقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ هَذَا التَّحْوِيلَ وَمَا بَعْدَهُ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا وَضَّأَهُ غَيْرُهُ صَحَّ وَسَوَاءٌ كَانَ الموضئ ممن يصح وضؤه أَمْ لَا كَمَجْنُونٍ وَحَائِضٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى نِيَّةِ الْمُتَوَضِّئِ لَا عَلَى فِعْلِ الموضئ كمسألة الميزاب ولا تعلم فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ دَاوُد الظاهرى أنه قال لا يصح وضؤه إذَا وَضَّأَهُ غَيْرُهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَوَى صَحَّ وُضُوءُهُ وغسله *

_ (1) وهو ما اورده الماوردي عن النص ورأيت في الرونق للشيخ ابي حامد والمحاملي ذكره في الباب انه يقف عن يمينه وهو غريب اه الاذرعي

(فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَوْ أُلْقِيَ إنْسَانٌ فِي مَاءٍ مُكْرَهًا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو على أطلق الاصحاب صحة وضوءه إذا نوى رفع الحدث قال ولكن لابد فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَهُوَ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِيهِ وَلَوْ لَحْظَةً صَحَّ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يُتَصَوَّرُ قَصْدُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ كَرِهَ الْمُقَامَ وَتَحَقَّقَ الِاضْطِرَارُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لم يصح وضوءه إذا لَا تَتَحَقَّقُ النِّيَّةُ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مُرَادًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ فَارْتَبَطَتْ النِّيَّةُ بِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يسمى الله تعالي على الوضوء لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من توضأ وذكر اسم الله تعالى عليه كان طهورا لجميع بدنه فان نسى التسمية في أولها وذكرها في اثنائها أتي بها حتى لا يخلو الوضوء من اسم الله عز وجل وان تركها عمدا اجزأه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لما مر عليه الماء

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَرَّقَهُ فِرْقَتَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الثَّانِي وَمَنْ تَوَضَّأَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وُجُوهَ ضَعْفِهِ وَصَحَّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ فِي التَّسْمِيَةِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بن سعد

وَأَنَسٍ وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ أَصَحُّ مَا فِي التَّسْمِيَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ الذى فيه الماء ثم قال توضؤا بِاسْمِ اللَّهِ قَالَ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بين أصابعه والقوم يتوضؤن حتي توضؤا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعِينَ رَجُلًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ معرفة السنن الآثار وَضَعَّفَ الْأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَيْهِ إسْنَادُهُ وَاشْتَبَهَ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ وَبَيَانُ طُرُقِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَعْنَى كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ لِمَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَيْ مُطَهِّرًا مِنْ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّسْمِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ وَجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَفْعَالِ حَتَّى عِنْدَ الْجِمَاعِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَكَذَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ وَعَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ بَابًا فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْمَلَ التَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ فَقَطْ حَصَّلَ فَضِيلَةَ التَّسْمِيَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْحَاوِي وَالْإِقْنَاعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابِهِ الِانْتِخَابِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِهَا وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا أَتَى بِهَا فَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبَوَّبَ لَهَا بَابًا قَالَ فيه فان سهى عَنْهَا سَمَّى مَتَى ذَكَرَ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْوُضُوءَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا إشَارَةٌ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الطَّهَارَةِ

لَمْ يُسَمِّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا: مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ أَتَى بِهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا عِبَارَةُ كثير بن وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي الْأَثْنَاءِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي أَثْنَائِهَا كَالنَّاسِي كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُمَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا سَمَّى فِي أَثْنَاءِ الطَّهَارَةِ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا فَالضَّمِيرُ فِيهِ يَعُودُ إلَى الطَّهَارَةِ وَالْأَثْنَاءُ تضاعيف الشئ وَخِلَالِهِ وَأَحَدُهَا ثِنْيٌ بِكِسَرِ الثَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي التَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالسِّوَاكِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كُلَّهَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي أَنَّهَا سُنَنٌ مُسْتَقِلَّةٌ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَا مِنْ سُنَنِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَهْمٌ عندي فان هذه السننن من الوضوء ولا يمتنع أن يشرع الشئ في مواضع وليس شرط كون الشئ من الشئ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ فَإِنَّ السُّجُودَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ وَمَشْرُوعٌ فِي غَيْرِهَا لِتِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ غَالِطٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ هَيْئَةٌ

وليس بسنة انما السنة ماكان مِنْ وَظَائِفِ الْوُضُوءِ الرَّاتِبَةِ مَعَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ مُخَالَفَةٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ مِنْ كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَالِانْتِخَابِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يقول في أول وضوءه بَعْدَ التَّسْمِيَةِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ غَرِيبٌ لَا نَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا بَأْسَ بِهِ: (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا صَحَّ وُضُوءُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ: وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ وَأَصْحَابُنَا عَنْ إِسْحَاقَ (1) بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وغن أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسْتَحَبَّةٍ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَرِوَايَةٌ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَا فَضِيلَةَ فِي فِعْلِهَا وَلَا تَرْكِهَا * وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِحَدِيثِ لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَوَجَبَ فِي أَوَّلِهَا نُطْقٌ كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأْ كَمَا امرك الله واشباه ذلك من

_ (1) قال في البحر قال اسحاق واحمد في رواية التسمية واجبة فان تركها عمدا بطل وضوءه وان نسيها أو اعتقد انها غير واجبة لا يبطل وضوءه اه من هامش الاذرعي

مِنْ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ فيها ايجاب التسمية وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ فِي آخِرِهَا ذِكْرٌ فَلَا يَجِبُ فِي أَوَّلِهَا كَالطَّوَافِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَذَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ السَّلَامُ فِيهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي الْمُرَادُ لَا وُضُوءَ كَامِلٌ: وَالثَّالِثُ جَوَابُ رَبِيعَةُ شَيْخِ مَالِكٍ وَالدَّارِمِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ حَكَاهُ عَنْهُمْ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ النِّيَّةُ * وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالطَّوَافِ وَالثَّانِي نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَلَمْ تَجِبْ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلهَا كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (ثُمَّ يَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا لِأَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضى الله تعالى عَنْهُمَا وَصَفَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَا الْيَدَ ثَلَاثًا) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُثْمَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَيْضًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ سُنَّةٌ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: (فَرْعٌ) ذَكَرَ هُنَا عُثْمَانَ وَعَلِيًّا فَأَمَّا عُثْمَانُ فَهُوَ أَبُو عَمْرٍو وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أبو ليلى عثمان ابن عفان ابن أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ ذَا النُّورَيْنِ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ بِابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ رُقَيَّةَ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أُمَّ كُلْثُومٍ فَمَاتَتْ أَيْضًا عِنْدَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُتِلَ يَوْمَ الجمعة لثمان عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ

سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وصلى عليه جبيربن مُطْعَمٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً * وَأَمَّا عَلِيٌّ فَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ وَأُمُّ عَلِيٍّ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ هَاشِمِيًّا أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ وَتُوُفِّيَتْ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا * قُتِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَقِيلَ خَمْسٌ وَلِيَ الْخِلَافَةَ خَمْسَ سِنِينَ إلَّا يَسِيرًا رضى الله عنهما ومناقبهما كثيرة مشهورة * قال المصنف رحمه الله * (ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ مِنْ النَّوْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ غَمَسَ يَدَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَإِنْ شَاءَ أَفْرَغَ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ ثم غمس فَإِنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَغْمِسَ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذ اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ (1) فَإِنْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا يزال اليقين بالشك) (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا قَوْلَهُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ فِي مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ سَبَبُهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَقْتَصِرُونَ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَنُ النَّائِمُ أَنْ تَطُوفَ يَدُهُ عَلَى الْمَحَلِّ النَّجِسِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ (2) وَنَحْوِ ذلك فتنجس * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ قَدَحٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا يُغْمَسُ الْيَدُ فيه ليس فِيهِ قُلَّتَانِ نُظِرَ فَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ يَدِهِ كُرِهَ أَنْ يَغْمِسَهَا فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا لِلْحَدِيثِ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَتِهَا لِلْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لِغَيْرِهِ هَكَذَا عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّكِّ قَالُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّوْمَ فِي الْحَدِيثِ مِثَالًا وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَقْصُودِ بِذِكْرِ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَامَ مِنْ النوم (3) فخلاف

_ (1) وقال أبو علي الفارقي في كتابه فوائد المهذب ومن اصحابنا من فرق بين نوم الليل ونوم النهار وليس بشئ اه اذرعي (2) قوله وقملة فيه تصريح بان من قتل قملة تنجست يده أو وقعت على بثرة وليس الامر كذلك بل لو عصر البثرة عمدا عفى عنه على الصحيح كذا قاله هو اه اذرعي (3) يحمل على انه ذكره موافقة للحديث ومثالا لا قيد اه اذرعي

مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ فوجهان الصحيح منهما انه بالخياران شَاءَ غَسَلَ ثُمَّ غَمَسَ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَ ثُمَّ غَسَلَ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الْغَمْسِ عِنْدَ الشَّكِّ إنَّمَا كَانَتْ لِلْخَوْفِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَقَدْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَ النَّجَاسَةِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والبند نيجى وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ * وَالثَّانِي اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الْغَسْلِ لِأَنَّ أَسْبَابَ النَّجَاسَةِ قَدْ تَخْفَى فِي حَقِّ مُعْظَمِ النَّاسِ فَيَتَوَهَّمُ الطَّهَارَةَ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَرُبَّمَا نَسِيَ النَّجَاسَةَ فَضُبِطَ الْبَابُ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ الشَّاكُّ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَّطَا مَنْ قَالَ خِلَافَهُ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تَخْصِيصُ اسْتِحْبَابِ الْغَسْلِ قَبْلَ الْغَمْسِ بِمَا إذَا قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَالصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِالشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ: وَالثَّانِي قَوْلُهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَغْمِسَ حَتَّى يَغْسِلَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كراهة الغمس أو لا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْغَمْسُ قَبْلَ الْغَسْلِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَكَذَا صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ قَبْلَ الْغَسْلِ أَوْ بَعْدَ الْغَسْلِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ هَذَا نَصَّهُ وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَفِي هَذَا النَّصِّ تَصْرِيحٌ بِالْكَرَاهَةِ حَتَّى يَغْسِلَ ثَلَاثًا وَإِنَّ الْغَسْلَتَيْنِ لَا تَنْفِي الْكَرَاهَةَ لَكِنْ تُخَفِّفُهَا وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا كَرَاهَةَ غَمْسِ الْيَدِ قَبْلَ الْغَسْلِ مَتَى شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ سَوَاءٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ أَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ وَالثَّانِيَةُ إنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَإِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد * وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَالْمَبِيتُ يَكُونُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ اللَّيْلَ ذُكِرَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَأَمَرَ بِذَلِكَ احْتِيَاطًا فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا تَرْكُهُ مُحَرَّمًا كَغَيْرِهِ مِمَّا فِي معناه والله أعلم *

_ (1) نقل في البحر الاول ثم قال وقال في الحاوي هذا ذكره الشيخ أبو حامد والصحيح من الذهب وبه قال جماعة من اصحابنا ان القائم من النوم وغيره سواء في هذا فلا يغمسان الا بعد غسلهما لانهما لما استويا في سنة الغسل وان ورد النص في القائم من النوم استويا في تقديم الغسل على الغمس وهذا لان حكم السنة يثبت مع زوال السبب كما ثبت الزول مع زوال سببه قال الروياني وهذا غريب قلت وقضيته انه يكره غمسها مع يقين طهارتها كما افهمه كلام التنبيه فان الروياني انما ذكره بعد ان استوعب اقسام المسألة والله اعلم اه من هامش اذرعي

(فَرْعٌ) إذَا غَمَسَ يَدَهُ وَهُوَ شَاكٌّ فِي نجاستها قبل غسلها كان مرتكبا كرهة التَّنْزِيهِ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءَ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ يَنْجُسُ إنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَحَكَى هَذَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وَدَاوُد وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ وَالْيَدِ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ النَّجَاسَةُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ كُرِهَ غَمْسُهَا فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا فَإِنْ غَمَسَ قَبْلَ الْغَسْلِ لَمْ تَنْجُسْ وَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ أَوْ صَخْرَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صَبُّهُ عَلَى الْيَدِ وَلَيْسَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ يَغْتَرِفُ بِهِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ كَفَّيْهِ أَوْ يَأْخُذَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ النَّظِيفِ أَوْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي كَرَاهَةِ تَقْدِيمِ الْغَمْسِ عَلَى الْغَسْلِ وَأَمَّا أَصْلُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَسُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشافعي ودلائله من الاحاديث الصحيحة مشهورة وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ طُرُقِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلنِّهَايَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْكَلَامَ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ تُوهِمُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ فَيَتَأَوَّلُ كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ إحْدَاهَا أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ (الثَّانِيَةُ) الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَاءِ وَارِدًا أَوْ مَوْرُودًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الْمِيَاهِ (الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْغَسْلَ سَبْعًا مُخْتَصٌّ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِهِمَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا نَظَرٌ (الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَحَقَّقَةً أَوْ متوهمة (الخامسة) أن

_ (1) قال في البحر وقال داود هو واجب تعبدا فان لم يفعل وادخل يده في الاناء صار الماء مهجورا ولا ينجس الا الماء لا ينجس عنده ما لم يتغير وحكي اصحاب داود عنه انه قال ان قام من نوم الليل لا يجوز له غمسها في الاناء حتى يغسلها ولا اقول غسل اليد واجب لانه لو صب الماء في يده وتوضأ ولم يغسل يده في الاناء مجاز فان غسل يده في الماء لا يفسد الماء وقال احمد في رواية ان قام من نوم الليل وجب عليه غسل يديه ثلاثا فان غمسها قبل ذلك اراق الماء والله اعلم اه من هامش

النَّجَاسَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغَسْلُ وَلَا يَكْفِي الرَّشُّ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَيَكْفِي الرَّشُّ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) اسْتِحْبَابُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إلَى الْوَسْوَسَةِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ (السَّابِعَةُ) اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يُتَحَاشَى مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَلَمْ يَقُلْ فَلَعَلَّ يَدَهُ وَقَعَتْ عَلَى دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) وقَوْله تَعَالَى (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) وقوله (وان طلفتموهن من قبل أن تمسوهن) وهذا كله إذا عليم أَنَّ السَّامِعَ يَفْهَمُ الْمَقْصُودَ فَهْمًا جَلِيًّا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ نَفْيًا لِلَّبْسِ وَالْوُقُوعِ فِي خِلَافِ الْمَطْلُوبِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (ثم يتمضمض ويستنشق والمضمضة أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَيُدِيرَهُ فِيهِ ثم يمجه والاستنشاق أن يجعل الماء في أنفه ويمده بنفسه إلى خياشيمه ثم يستنثر لما روى عمرو بن عبسة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق ويستنثر الا جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء والمستحب أن يبالغ فيهما لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صبرة أسبغ الوضؤ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ولا يستقصى في المبالغة فيصير سعوطا فان كان صائما لم يبالغ للخبر وهل يجمع بينهما أو يفصل قال في الامام يجمع لان عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد وقال في البويطي يفصل بينهما لما روى طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين المضمضة والا ستنشاق ولان الفصل أبلغ في النظافة فكان أولى

واختلف أصحابنا في كيفية الجمع والفصل فقال بعضهم على قوله في الام يغرف غرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ويستنشق منها ثلاثا ويبدأ بالمضمضة وعلى رواية البويطى يغرف غرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يغرف غرفة يستنشق منه ثلاثا وقال بعضهم علي قوله في الام يغرف غرفة يتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف غرفة يتمضمض منها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض منها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق وعلى رواية البويطي يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق والاول أشبه بكلام الشافعي رحمه الله لانه قال يغرف غرفة لفيه وأنفه والثاني أصح لانه أمكن فان ترك المضمضة والاستنشاق جاز لقوله صلى الله على عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله وليس فيما أمر الله تعالى المضمضة والاستنشاق ولانه عضو باطن دونه حائل معتاد فلا يجب غسله كالعين) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ فِيهِ جُمَلٌ وَبَيَانُهَا بِمَسَائِلَ أحداها في الاحاديث أما حديث عمرو ابن عَبَسَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يَقْرَبُ وُضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ لَقِيطٍ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَآخِرُ الْحَدِيثِ فِي الْمُهَذَّبِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَقْصِي فِي الْمُبَالَغَةِ إلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ المصنف وهو بالواو لا بالفاء وقله يَسْتَقْصِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ فِي أَوَّلِهِ لَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِأَنَّ الْقَلَعِيَّ وغيره غلطوا فيه فجعلوه بالفاء وجعلوه من الحديث هذا خَطَأٌ فَاحِشٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي

سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ جَمَعْت مِنْهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ نَحْوَ أَرْبَعِينَ فَائِدَةً وَاَللَّهُ أعلم * (المسألة الثانية) في الاسماء: أما عمر وبن عَبَسَةَ فَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَاتٍ وَلَيْسَ فِيهِ نُونٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَأَمَّا قول بن الْبَزْرِيِّ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُقَالُ عَنْبَسَةُ بالنون فغلط صريح وتحريف فبيح وكنيته عَمْرُو أَبُو نَجِيحِ السُّلَمِيُّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ ثُمَّ الْمَدِينَةَ وَكَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَخُو أَبِي ذَرٍّ لِأُمِّهِ سَكَنَ حِمْصَ حَتَّى تُوُفِّيَ بها: واما لقيط ابن صَبِرَةَ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَصَبِرَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وكسر الباء وهو لقيط ابن عامر ابن صَبِرَةَ الْعُقَيْلِيُّ أَبُو رَزِينٍ وَقِيلَ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ غَيْرُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ هُمَا واحد وقد أوضحت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: وَأَمَّا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالنَّسَبِ وَالْأَسْمَاءِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْضًا وَهَذَا غَرِيبٌ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ: وَأَمَّا جَدُّ طَلْحَةَ فاسمه كعب بن عمر وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْأَصَحُّ وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ كَعْبٍ وَقِيلَ إنَّهُ لا صحبا لِجَدِّ طَلْحَةَ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي صُحْبَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَكَانَ طَلْحَةُ مِنْ أَفَاضِلِ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ وَكَانَ أَقْرَأَ أَهْلِ الْكُوفَةِ أو من اقرأهم رَحِمَهُ اللَّهُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ: الْخَيَاشِيمُ جَمْعُ خَيْشُومٍ وَهُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ وَقِيلَ الْخَيَاشِيمُ عِظَامٌ رِقَاقٌ فِي أَصْلِ الْأَنْفِ بَيْنَهُ وبين الدماغ وقيل غيرهم ذَلِكَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْثَارُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَهُوَ طَرْحُ الماء والاذى من الانف بعد الاستنشاق هذا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ الِاسْتِنْشَاقُ وَكَذَا حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الذى تقضتيه الْأَحَادِيثُ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ

وَاللُّغَاتِ وَجَمَعْت أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَمِنْ أَحْسَنِهَا رِوَايَةً فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تمضمض واستنشق استنثر وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَرِّبُ وضوءه فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدْنِيهِ وَالْوَضُوءَ هُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا جَرَتْ كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ جَرَتْ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّ ابْنِ الزَّعْفَرَانِيِّ تِلْمِيذِ الْمُصَنِّفِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ خَرَّتْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ سَقَطَتْ وَذَهَبَتْ قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ هُوَ فِي مُسْلِمٍ بِالْخَاءِ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ إلَّا ابْنَ أَبِي جَعْفَرٍ فَرَوَاهُ بِالْجِيمِ وَالْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الصَّغَائِرُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَغْشَ الْكَبَائِرَ وَقَوْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَيَنْثِرُ هُوَ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ نَثَرَ وَانْتَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ كُلُّهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ أَيْ أَكْمِلْهُ وَقَوْلُهُ فَيَصِيرُ سُعُوطًا هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا فَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُسْتَعَطُ بِهِ وبالضم اسم للفعل والغرفة بفتح العين وَضَمِّهَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْفِعْلِ وَفِي الْمَغْرُوفِ وَقِيلَ بِالضَّمِّ لِلْمَغْرُوفِ وَبِالْفَتْحِ لِلْفِعْلِ وَقِيلَ بالضم للمغروف إذا كان ملء الْكَفِّ وَبِالْفَتْحِ لِلْمَغْرُوفِ مُطْلَقًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَيَحْسُنُ الضَّمُّ فِي قَوْلِهِ يَأْخُذُ غُرْفَةً وَقَوْلُهُ غَرَفَاتٍ يَجُوزُ فِيهِ لُغَاتٌ فَتْحُ الْغَيْنِ وَالرَّاءِ وَضَمُّهُمَا وَضَمُّ الْغَيْنِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ عُضْوٌ بَاطِنٌ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ دُونَهُ حَائِلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الثُّقْبِ فِي مَحَلِّ الطَّهَارَةِ وَقَوْلُهُ مُعْتَادٌ احْتِرَازٌ مِنْ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ فَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَالُ الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَيُدِيرَهُ فِيهِ ثُمَّ يَمُجَّهُ وَأَقَلُّهَا يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَجُّ وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْإِدَارَةُ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تُشْتَرَطُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَضْمَضَةُ إدْخَالُ الْمَاءِ مُقَدَّمَ الْفَمِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا إدَارَتُهُ فِي جَمِيعِ الْفَمِ قَالَ وَالِاسْتِنْشَاقُ إدْخَالُ الْمَاءِ مُقَدَّمَ الْأَنْفِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ إيصَالُهُ خَيْشُومَهُ قَالَ وَالْمُبَالَغَةُ سُنَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِمَا وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَشْرُوعُ فِيهِمَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ قَالَ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِشَفَتَيْهِ فَيُدِيرَهُ فِي فَمِهِ ثُمَّ يَمُجَّهُ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ وَيَجْذِبَهُ بِنَفَسِهِ ثُمَّ يَنْثُرَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ تَمَامُ الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ فِي الْفَمِ وَيُحَرِّكَهُ ثُمَّ يَمُجَّهُ وَتَمَامُ الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِنَفَسِهِ وَيَبْلُغَ خَيَاشِيمَهُ وَلَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ فَيَصِيرَ سُعُوطًا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَضْمَضَةُ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقُ إدْخَالُهُ الْأَنْفَ قَالَ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ في المبالغة فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ الْفَمَ وَيُدِيرَهُ عَلَى جَمِيعِ جَوَانِبِ فَمِهِ وَيُوصِلَهُ طَرَفَ حَلْقِهِ وَيُمِرَّهُ عَلَى أَسْنَانِهِ وَلِثَاتِهِ ثُمَّ يَمُجَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ يَجْعَلُ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَيَأْخُذُهُ بِالنَّفَسِ حَتَّى يَصِلَ الْخَيَاشِيمَ

ثُمَّ يُدْخِلَ أَصَابِعَهُ فَيُزِيلَ مَا فِي أَنْفِهِ مِنْ أَذًى ثُمَّ يَسْتَنْثِرَ كَمَا يَفْعَلُ الْمُمْتَخِطُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ فَإِنْ قِيلَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَيَمُجَّهُ وَأَنْ يَجْذِبَهُ بِنَفَسِهِ فِي أَنْفِهِ وَيَرُدَّهُ: قُلْنَا لَيْسَ كَمَا ذَكَرْتُمْ: بَلْ الْمَضْمَضَةُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقُ إيصَالُهُ إلَى بَاطِنِ الْأَنْفِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَاَلَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ إنَّمَا هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فَلَوْ مَلَأَ فَمَهُ مَاءً ثُمَّ مَجَّهُ أَوْ بَلَعَهُ وَلَمْ يُدِرْهُ فِي فَمِهِ كَانَ مَضْمَضَةً هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَقَلَّ الْمَضْمَضَةِ جَعْلُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالْإِدَارَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِأَصْلِ الْمَضْمَضَةِ بَلْ هِيَ مُبَالَغَةٌ وَخَالَفَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَضْمَضَةُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ وَيُدِيرَهُ ثُمَّ يَمُجَّهُ فَإِنْ لَمْ يُدِرْهُ فَلَيْسَ بِمَضْمَضَةٍ (1) وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْإِدَارَةِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَصَاحِبِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً فِي الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي صِفَةِ الْمَضْمَضَةِ اسْتِحْبَابَ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُبَلِّغَ الْمَاءَ أَقْصَى الْحَلْقِ وَيُدِيرَهُ فِيهِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يُوَصِّلَهُ الْخَيَاشِيمَ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِيهِ فَيُنْزِلُ مَا فِي الْأَنْفِ مِنْ أَذًى فَإِنْ كَانَ صَائِمًا كُرِهَ أَنْ يُبَالِغَ فِيهِمَا وقال الما وردى يُبَالِغُ الصَّائِمُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَلَا يُبَالِغُ فِي

_ (1) قوله فليس بمضمضة يمكن تأويله بحمله على نفي الكمال اه اذرعي

الِاسْتِنْشَاقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَلِأَنَّهُ يُمْكِنهُ رَدُّ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ بِإِطْبَاقِ حَلْقِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ (1) وَيُعَضِّدُهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا رَفَقَ بِالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَاءُ رَأْسَهُ هَذَا نَصُّهُ وَلَكِنْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَرَاهَةُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِمَا لِلصَّائِمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ سَبْقُ الْمَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا بَالَغَ غَيْرُ الصَّائِمِ فَلَا يُسْتَقْصَى فِي الْمُبَالَغَةِ فَيَصِيرُ سُعُوطًا وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ اسْتِنْشَاقًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ لِلْمَضْمَضَةِ (2) بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَاءَ لِلْمَضْمَضَةِ بِيَمِينِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (فَرْعٌ) السُّنَّةُ أَنْ يَنْتَثِرَ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ مَا فِي أَنْفِهِ مِنْ مَاءٍ وَأَذًى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ

_ (1) كذا قاله شيخه أبو القاسم الصيمري في شرحه اه اذرعي (2) قوله للمضمضة ولم يذكر الاستنشاق يوهم ان ذلك في المضمضة فقط وظني انه ليس مراده لتصريح الحديث بالامرين اه اذرعي

وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَنْثِرُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَانَتْ يَدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ فَمَلَأَ فَمَه فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى يَفْعَلُ ذَلِكَ ثلاثا والله أعلم * (فرع) في كيفية للضمضة وَالِاسْتِنْشَاقِ * اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنْ سُنَّتَهُمَا تَحْصُلُ بِالْجَمْعِ وَالْفَصْلِ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى الْعُضْوَيْنِ وَاخْتَلَفَ نَصُّهُ وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الْفَصْلَ

أَفْضَلُ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْقَوْلُ بِالْجَمْعِ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَيْضًا أَكْثَرُ فِي الْأَحَادِيثِ بَلْ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فمضمض واستنشق واسنتثر مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ تَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ

مَرَّةً مَرَّةً وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ فِي الْجَمْعِ: وَأَمَّا الْفَصْلُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ هَذَا بَيَانُ الْأَحَادِيثِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ: وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَجُمْهُورُهُمْ حَكَوْا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْفَصْلُ أَفْضَلُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ طَرِيقًا آخَرَ وَهُوَ الْقَطْعُ بِتَفْضِيلِ الْفَصْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَنُصُوصَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَيَانُ الْجَوَازِ وَهَذَا فَاسِدٌ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ حَكَوْا قَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ الْفَصْلَ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْجَمْعَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَصْلِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فلا يحتج به لو لم يعارضه شئ فَكَيْفَ إذَا عَارَضَهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَصْلِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ ثُمَّ مَجَّ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ وَلَمْ يَخْلِطْهُمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ هَذَا كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ لَفْظَهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَرَأَيْته يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَحَمْلُهُ عَلَى

بَيَانِ الْجَوَازِ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ وَأَمَّا مَا تَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ مِنْ حَمْلِ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْجَمْعِ كَثِيرَةٌ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرِوَايَةُ الْفَصْلِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَهَذَا لَا يُنَاسَبُ بَيَانَ الْجَوَازِ فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ بَيَانَ الْجَوَازِ يَكُونُ فِي مَرَّةٍ وَنَحْوِهَا وَيُدَاوِمُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ فَحُصِّلَ أَنَّ الصحيح تفضيل الجميع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بثلاث غرفات ياخذ غرفة تمضمض مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثُمَّ يَأْخُذُ غُرْفَةً ثانية يفعل بها كذلك ثم ثالثة وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَاخْتِيَارُ أَبِي يَعْقُوبَ الْأَبِيوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاتَّفَقَ الْمُصَنِّفُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُ (1) وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجْمَعُ بِغُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ أحدهما يخلط المضمضة بالاستنشاق

_ (1) قال في البحر وقيل الجمع ان يأتي بهما في حالة واحدة ولا يقدم المضمضة على الاستنشاق وهذا ضعيف اه من هامش الاذرعي

فَيُمَضْمِضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يُمَضْمِضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يُمَضْمِضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا بِغُرْفَةٍ: وَالثَّانِي لَا يَخْلِطُ بَلْ يَتَمَضْمَضُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ نَقَلَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَخْلِطُ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْغُرْفَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَقَطَعَ أَصْحَابُ الْقَفَّالِ بِتَرْكِ الْخَلْطِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَتَصْحِيحُهُ هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّهَارَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى عُضْوٍ حَتَّى يَفْرُغَ مَا قَبْلَهُ * وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْفَصْلِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (1) أَحَدُهُمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثٍ وَالثَّانِي بِغُرْفَتَيْنِ يَتَمَضْمَضُ باحدهما ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَالثَّانِي بِغُرْفَةٍ بِلَا خَلْطٍ وَالثَّالِثُ بِغُرْفَةٍ مع الْخَلْطِ وَالرَّابِعُ الْفَصْلُ بِغُرْفَتَيْنِ وَالْخَامِسُ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةٌ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ سَوَاءٌ جَمَعَ أَوْ فَصَلَ بِغُرْفَةٍ أَوْ بِغَرَفَاتٍ وَفِي هَذَا التَّقْدِيمِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا يُحْسَبُ الِاسْتِنْشَاقُ إلَّا بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُخْتَلِفَانِ فَاشْتُرِطَ فِيهِمَا التَّرْتِيبُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَحْصُلُ الِاسْتِنْشَاقُ وان قدمه لتقديم الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَرِوَايَةٌ عَنْ عطاء وأحمد * والمذهب

_ (1) قال في البحر بعد حكاية هذين الوجهين وقيل يقدم الاستنشاق على هذا القول وليس بشئ اه اذرعي

الثَّانِي أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَشَرْطَانِ لِصِحَّتِهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ: وَالثَّالِثُ وَاجِبَتَانِ فِي الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالرَّابِعُ الِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ أوجبهما فيهما بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعلهما وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِلطَّهَارَةِ المأمور بهاو عن عَائِشَةَ مَرْفُوعًا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لابد مِنْهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ من الوجه ويجب غسله من النجس فوجب من الحدث كالخد * واحتج لمن أو جبهما فِي الْغُسْلِ بِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ قَالُوا وَفِي الْأَنْفِ شَعْرٌ وَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ ثَلَاثًا لِلْجُنُبِ فَرِيضَةً وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالُوا وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ يَجِبُ غسلهما عن النَّجَاسَةِ فَكَذَا مِنْ الْجَنَابَةِ كَمَا فِي الْأَعْضَاءِ وَلِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ فِي حُكْمِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ من

أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِمَا وَلَا يُفْطِرُ بِوَضْعِ الطَّعَامِ فِيهِمَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِمَا قَالُوا وَلِأَنَّ اللِّسَانَ يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ بِهِ الْقِرَاءَةُ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِنْشَاقَ دُونَ الْمَضْمَضَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثُرْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطٍ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا توضأ فَانْتَثِرْ وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فاغسلوا وجوهكم وقوله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا) وَالْوَجْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْجَنَابَةِ تُصِيبُهُ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَنُوَضِّحُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَأَمَّا بَاطِنُهُ فَأَدَمَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهُوَ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ دُونَ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَلَّى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يُحْسِنْهَا فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ الَّتِي تُفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَتُشَاهَدُ أَعْمَالُهَا فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا وَوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم توضأ كما أمرك الله وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سُنَنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ لِئَلَّا يَكْثُرَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْبِطَهَا فَلَوْ كَانَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبَتَيْنِ لَعَلَّمَهُ إيَّاهُمَا فَإِنَّهُ

مِمَّا يَخْفَى لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ هَذَا الرجل خَفِيَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُشَاهَدُ فَكَيْفَ الْوُضُوءُ الَّذِي يَخْفَى * وَاحْتَجُّوا مِنْ الْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عُضْوٌ بَاطِنٌ دُونَهُ حَائِلٌ مُعْتَادٌ فَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ كَدَاخِلِ الْعَيْنِ: وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ فِيهِ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ وَالتَّكْرَارَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِضَعْفِ الرُّوَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ ذكر ذلك الدارقطني وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى كَمَالِ الْوُضُوءِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابْنِ عُلَاثَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَالَ الدارقطني وَغَيْرُهُ هُمَا ضَعِيفَانِ مَتْرُوكَانِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَشَدُّ عِبَارَاتِ الْجَرْحِ تَوْهِينًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ: قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ كَانَ عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ كَذَّابًا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عُضْوٌ مِنْ الْوَجْهِ فَلَا نسلمه

وَأَمَّا حَدِيثُ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ إلَى آخِرِهِ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعَّفُوهُ كُلُّهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَجَوَابٌ ثَالِثٌ لِلْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْبَشَرَةَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَ بَشَرَةً وَأَمَّا الشَّعْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَلَى الْبَشَرَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ثَلَاثًا فَرِيضَةٌ فَضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ الثَّلَاثَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَحْمُولُ عَلَى الشَّعْرِ الظَّاهِرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ عَادَيْتُ رَأْسِي وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عُضْوَانِ يَجِبُ غَسْلُهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ فَكَذَا مِنْ الحنابة فمنتقض بناخل الْعَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِي حُكْمِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْفِطْرِ وَوُجُوبُ غَسْلِ نَجَاسَتِهِمَا فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَجِبَ غَسْلُهُمَا فَإِنَّ دَاخِلَ الْعَيْنِ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِوَضْعِ طَعَامٍ فِيهَا وَلَا يَجِب غَسْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا بوقوع نجاسة فيهما فَإِنْ قَالُوا لَا تَنْجُسُ الْعَيْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ غَسْلَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْعَيْنَ عِنْدَهُ تَنْجُسُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ غَسْلُهَا عِنْدَهُ لكون النجاسة الواقعة فيها لا تبلغا قَدْرَ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْعَيْنِ وَحَوَالَيْهَا الدِّرْهَمَ وَجَبَ غَسْلُهَا عِنْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ جَنَابَةٌ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ حُكْمِ الْحَدَثِ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِظَهْرِهِ وَلِسَانِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثُرْ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ التَّنَثُّرَ لَا يَجِبُ بالاجماع وقوله صلي الله عليه وسلم

وبالع فِي الِاسْتِنْشَاقِ مَحْمُولٌ أَيْضًا عَلَى النَّدْبِ فَإِنَّ المبالغة لا تجب بالاتفاق * والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا تغسل العين ومن اصحابنا من قال يستحب غسلها لان ابن عمر رضى الله عنهما كان

يغسل عينه حتى عمى والاول أصح لانه لم ينقل ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولا ولا فعلا فدل على أنه ليس بمسنون ولان غسلها يؤدى إلى الضرر) (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ (كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَتَوَضَّأُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَنْضَحُ فِي عَيْنَيْهِ) هَذَا لَفْظُهُ وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَاتِهِمْ حَتَّى عَمِيَ وَفِيهَا وَيَنْضَحُ فِي عَيْنَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي الْمُهَذَّبِ عَيْنُهُ بِالْإِفْرَادِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى عَمِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَمَاهُ بِسَبَبِ غَسْلِ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَا زَالَ يَغْسِلُهُمَا حَتَّى حَصَلَ سَبَبٌ عَمِيَ بِهِ فَتَرَكَ بَعْدَ ذَلِكَ غَسْلَهُمَا فَفِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ لِلْأَزْهَرِيِّ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ

القدع انسلاق العينين من كثرة البكاء وكان عبد الله ابن عُمَرَ قَدِعًا (قُلْتُ) الْقَدَعُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَوْلُهُ كَانَ قَدِعًا بِكَسْرِ الدَّالِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَمِيَ بِالْبُكَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْبَابِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (1) وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الِاسْتِحْبَابَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حامد والبند نيجي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَلَيْسَ نصه في الام

_ (1) قوله والرافعي وقع سهوا فان المسألة لم يذكر فيها الرافعي وهي مذكورة في زيادات الروضة اه من هامش الاذرعي

ظَاهِرًا فِيمَا نَقَلَهُ (1) فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إنَّمَا أَكَّدْتُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ دُونَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ يَتَغَيَّرَانِ وَأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ مِنْ تَغَيُّرِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَالَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكَّدْتُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى غَسْلِ دَاخِلِ العيينين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنِ أَمَّا مَآقِي الْعَيْنَيْنِ فَيُغْسَلَانِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا قَذًى يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ وَجَبَ مَسْحُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ والا فمسحهما مستحب هكذا فصله الماوردى وأطق الْجُمْهُورُ أَنَّ غَسْلَهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ مَآقِيهِ بِسَبَّابَتَيْهِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم (كان يمسح المآقين في وضوءه) ورواه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَالَ إنَّهُ إذَا لَمْ يُضَعَّفْ الْحَدِيثُ يَكُونُ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَقَدْ جَرَّحَهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَبَيَّنُوا أَنَّ الْجَرْحَ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى ما ليس بجارح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

_ (1) هذا النص ظاهره الاستحباب كما نقله البغوي الا ان يريد تأكدت اصل الاستحباب قلت قال في البحر قال الشافعي في الام استحب ادخال الماء في العينين ولا ابلغ به تأكيد المضمضة والاستنشاق ومن اصحابنا من قال لا يستحب وهو اختيار اكثر اصحابنا وقال في الحاوي لا يجب ولايسن وهل يستحب قال أبو حامد يستحب للنص في الام وقال غيره لا يستحب وهذا اصح لان ما لا يسن لا يستحب اه من الاذرعي

(ثم يغسل وجهه وذلك فرض لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) والوجه ما بين منابت شعر الرأس إلى الذقن ومنتهى اللحيين طولا ومن الاذن إلى الاذن عرضا والاعتبار بالمنابت المعتادة لا بمن تصلع الشعر عن ناصيته ولا بمن نزل إلى جبهته وفي موضع التحذيف وجهان قال أبو العباس هو من الوجه لانهم أنزلوه من الوجه وقال أبو إسحق هو من الرأس لان الله تعالى خلقه من الرأس فلا يصير وجها بفعل الناس) * (الشَّرْحُ) غَسْلُ الْوَجْهِ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي حَدِّهِ كَلَامًا طَوِيلًا مُخْتَلًّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي حَدِّهِ عِبَارَةً حَسَنَةً فَقَالَ قَالَ الْأَصْحَابُ حَدُّهُ طُولًا مَا بَيْنَ مُنْحَدَرِ تَدْوِيرِ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ مُبْتَدَإِ تَسْطِيحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى مَا يُقْبِلُ مِنْ الذَّقَنِ وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا (1) هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَدْخُلُ وَتَدَا الْأُذُنِ فِي الْوَجْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ البغوي

_ (1) قال ابن الرفعة في المطلب عرض الوجه من الاذن إلى الاذن عبارة كثير من المصنفين اتباعا للغلط الشافعي في الام وعبارة أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ من وتد الاذن إلى وتد الاذن وعبارة القاضي حسين من شحمة الاذن إلى شحمة الاذن قال ابن الرفعة وهذا عندي اهم العبارات لان شحمة الاذن تنحط عن وتد الاذن وانحطاطها سبب لاتساع عرض الوجه ولا تدخل الشحمة ولا الوتد باتفاق اصحابنا اه من هامش الاذرعي

الا أنه يُمْكِنُ غَسْلُ جَمِيعَ الْوَجْهِ إلَّا بِغَسْلِهِمَا وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعِذَارِ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَنَا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ: وَأَمَّا إذَا تَصَلَّعَ الشَّعْرُ عَنْ نَاصِيَتِهِ أَيْ زَالَ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ: وَلَوْ نَزَلَ الشَّعْرُ عَنْ الْمَنَابِتِ الْمُعْتَادَةِ إلَى الْجَبْهَةِ نُظِرَ إنْ عمها وحب غسلها كلها بلا خلاف وان ستر بعهضها فَطَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وُجُوبُ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَسْتُورِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَالثَّانِي وَبِهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الرَّأْسِ: وَأَمَّا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَشْرَافَ وَالنِّسَاءَ يَعْتَادُونَ إزَالَةَ الشَّعْرِ عَنْهُ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بين النزعة والعذر وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِالصُّدْغِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ هُوَ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ دَاخِلًا فِي الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ يُؤْخَذُ عَنْهُ الشَّعْرُ يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي إذَا وُضِعَ طَرَفُ الْخَيْطِ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ وَالطَّرَفُ الثَّانِي عَلَى زَاوِيَةِ الْجَبِينِ وَقَعَ فِي جَانِبِ الْوَجْهِ وَقَالَ أَبُو الفرج عبد الرحمن السر خسي فِي أَمَالِيهِ هُوَ مَوْضِعُ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ الَّذِي يَنْزِلُ مَنْبَتُهُ إلَى الْجَبِينِ بَيْنَ بَيَاضَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيَاضُ النَّزَعَةِ وَالثَّانِي بَيَاضُ الصُّدْغِ وَقِيلَ فِي حده أقوال أخر * وأما حكمه ففيه الو جهان اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَكِلَاهُمَا مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ مِنْ الْوَجْهِ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَى نَحْوِ هَذَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ فَهَذَانِ نَصَّانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ كَمَا تَرَى فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ

أَحَدُهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ كَوْنَهُ مِنْ الرَّأْسِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِّ الرَّأْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى الذَّقَنِ وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَجَمْعُهُ أَذْقَانٌ وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ وَاللَّحْيَانِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَحَدُهُمَا لَحْيٌ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ كَسْرَ اللَّامِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَهُمَا الْفَكَّانِ وَعَلَيْهِمَا مَنَابِتُ الْأَسْنَانِ السُّفْلَى وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا تَخْفِيفًا وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى فُعُلٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ يَجُوزُ إسْكَانُ ثَانِيهِ كَعُنُقٍ وَكُتُبٍ وَرُسُلٍ وَفِي الشَّعَرِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُ مِنْ الْوَجْهِ مَعْنَاهُ نَزَّلُوهُ مَنْزِلَةَ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَاَلَّذِينَ نَزَّلُوهُ هُمْ الْأَشْرَافُ وَالنِّسَاءُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعِذَارِ مِنْ الْوَجْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد: وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عَلَى الْأَمْرَدِ غَسْلُهُ دُونَ الْمُلْتَحِي وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ مَالِكٍ * وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ المواجهة كالخد واحتج الماوردى وغيره فِيهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ ضَرَبَ بِالْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَلْقَمَ إبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ بقوى لانه من رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يُذْكَرْ سَمَاعُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا عُرِفَ فَلِهَذَا لَمْ أَعْتَمِدْهُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدْتُ الْمَعْنَى وَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ تَقْوِيَةً ولا بين حاله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(فان كان ملتحيا نظرت فان كانت لحيته خفيفة لاتستر البشرة وجب غسل الشعر والبشرة للآية وان كانت كثيفة تستر البشرة وجب افاضة الماء على الشعر لان المواهة تقع به ولا يجب غسل ما تحته لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فغرف غرفة وغسل بها وجهه وبغرفة واحدة لا يصل الماء إلى ما تحت الشعر مع كثافة اللحية ولانه باطن دونه حائل معتاد فهو كداخل الفم والانف والمستحب أن يخلل لحيته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخلل لحيته فان كان بعضها خفيفا وبعضها كثيفا غسل ما تحت الخفيف وأفاض الماء على الكثيف) * (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَبِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَصِلُ الْمَاءُ مَعَ كَثَافَةِ اللِّحْيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ لِحْيَتَهُ الْكَرِيمَةَ كَانَتْ كَثِيفَةً وَهَذَا صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (الثَّانِيَةُ) اللِّحْيَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَجَمْعُهَا لِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَفْصَحُ وَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْعَارِضَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْبَشَرَةَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَالْكَثَّةُ وَالْكَثِيفَةُ بِمَعْنًى وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَوْلُهُ دُونَهُ حَائِلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الثُّقْبِ فِي مَوْضِعِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِهِ وقوله معتاد اختراز مِنْ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لِامْرَأَةٍ (الثَّالِثَةُ) اللِّحْيَةُ الْكَثِيفَةُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَلَا الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْبَشَرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَظَنَّ الْمُزَنِيّ ذَكَرَ هَذَا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَى مَذْهَبَ نَفْسِهِ وَانْفَرَدَ هُوَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُمَا فِيهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ (قلت) قد نقله

الخطابي عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ الثَّالِثِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلُهُ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الشَّارِبِ وَالْحَاجِبِ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسِ وَأَجَابُوا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّهَا أَغْلَظُ وَلِهَذَا وَجَبَ غَسْلُ كُلِّ الْبَدَنِ وَلَمْ يَجُزْ مَسْحُ الْخُفِّ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ غَسْلُ الْبَشَرَةِ فِيهِ مَعَ الْكَثَافَةِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ وَأَمَّا الشَّارِبُ وَالْحَاجِبُ فَكَثَافَتُهُ نَادِرَةٌ وَلَا يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ وَإِنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا خَفِيفًا وَبَعْضُهَا كَثِيفًا فَلِكُلِّ بَعْضٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ لَوْ كان متمحضا فَلِلْكَثِيفِ حُكْمُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَلِلْخَفِيفِ حُكْمُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ الْخَفِيفِ لَا يَمْتَازُ وَلَا يَنْفَرِدُ عَنْهُ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشعر والبشرة وحكى الرافعى وَجْهًا أَنَّ لِلْجَمِيعِ حُكْمَ الْخَفِيفِ مُطْلَقًا وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ نَصًّا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ كَانَ جَانِبَا لِحْيَتِهِ خَفِيفَيْنِ وَبَيْنَهُمَا كَثِيفٌ وَجَبَ غَسْلُ الْبَشَرَةِ كُلِّهَا كَالْحَاجِبِ وَهَذَا نَصٌّ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ الْقَصَّابِ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي ضَبْطِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا مَا عَدَّهُ النَّاسُ خَفِيفًا فَخَفِيفٌ وَمَا عَدُّوهُ كَثِيفًا فَهُوَ كَثِيفٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالثَّانِي مَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَهُوَ خَفِيفٌ وَمَا لَا فَكَثِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَا سَتَرَ الْبَشَرَةَ عَنْ النَّاظِرِ فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ فَهُوَ كَثِيفٌ وَمَا لَا فخفيف *

_ (1) لم ار لعمر القصاب في طبقانه ذكرا اه من الاذرعي

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا وَبِهِ قَالَ مالك وأحمد وداود * قال أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَدَاخِلِ الْفَمِ وَكَمَا سَوَّيْنَا بَيْنَ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ فِي الْجَنَابَةِ وَأَوْجَبْنَا غَسْلَ مَا تَحْتَهُمَا فَكَذَا نُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا نُوجِبُهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وَهَذِهِ الْبَشَرَةُ مِنْ الْوَجْهِ وَيَقَعُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ ظَاهِرٌ مِنْ الْوَجْهِ فَأَشْبَهَ الْخَدَّ وَيُخَالِفُ الْكَثِيفَ فَإِنَّهُ يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَالْجَوَابُ عَنْ دَاخِلِ الْفَمِ أَنَّهُ يَحُولُ دُونَهُ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ فَأَسْقَطَ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَاللِّحْيَةُ طَارِئَةٌ وَالطَّارِئُ إذَا لَمْ يَسْتُرْ الْجَمِيعَ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ كَالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ: وَالْجَوَابُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَشَقَّةُ وَعَدَمُهَا فَلَمَّا كَانَتْ الْجَنَابَة قَلِيلَةً أَوْجَبْنَا مَا تَحْتَ الشُّعُورِ كُلِّهَا بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَكَذَا مَا تَحْتَ الْخَفِيفِ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْكَثِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّخْلِيلَ سُنَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ كَيْفِيَّتَهُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُخَلِّلُهَا بِأَصَابِعِهِ مِنْ أَسْفَلِهَا قَالَ وَلَوْ أَخَذَ لِلتَّخْلِيلِ مَاءً آخَرَ كَانَ أَحْسَنَ وَيَسْتَدِلُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهَا لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ وَاللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَخِفُّ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَثُفَ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يكن له حكم) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ شُعُورِ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهَا وَغَسْلُ الْبَشَرَةِ تَحْتَهَا سَوَاءٌ خَفَّتْ أَوْ كَثُفَتْ وَهِيَ الْحَاجِبُ وَالشَّارِبُ وَالْعَنْفَقَةُ وَالْعِذَارُ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَلِحْيَةُ الْخُنْثَى وَأَهْدَابُ الْعَيْنِ وَشَعْرُ الْخَدِّ: فَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُولَى فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَأَمَّا الْأَهْدَابُ فَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ: وأما شعر

الحد فَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَأَمَّا لِحْيَةُ الْخُنْثَى فَصَرَّحَ بِهَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَعَلَّلَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ وَيُعَلَّلُ بِثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّ غَسْلَ الْبَشَرَةِ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ وَشَكَكْنَا هَلْ سَقَطَ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ: وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ لِحْيَةَ الْخُنْثَى لَا تَكُونُ عَلَامَةً لِذُكُورَتِهِ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنَهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْخَمْسَةَ وَأَهْمَلَ الثلاثة الا خيرة: وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ رَآهَا ظَاهِرَةً تُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْكَثَافَةَ فِي الْأَهْدَابِ وَالْخَدِّ أَنْدَرُ مِنْهَا فِي الْخَمْسَةِ وَلِحْيَةُ الْخُنْثَى تُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِيمَا فِيهِ احْتِيَاطٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّعُورَ الثَّمَانِيَةَ يَجِبُ غَسْلُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا مَعَ الْكَثَافَةِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّهَا كَاللِّحْيَةِ وَإِلَّا وَجْهًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْعَنْفَقَةِ وَحْدَهَا أَنَّهَا كَاللِّحْيَةِ وَوَجْهًا أَنَّهَا إنْ اتَّصَلَتْ بِاللِّحْيَةِ فَهِيَ كَاللِّحْيَةِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ وَجَبَ غَسْلُ بَشَرَتِهَا مَعَ الْكَثَافَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فَحَصَلَ فِي الْعَنْفَقَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ، وُجُوبُ غَسْلِ بَشَرَتِهَا مَعَ الْكَثَافَةِ * (فَرْعٌ) فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشُّعُورِ: أَمَّا الْحَاجِبُ فَمَعْرُوفٌ سُمِّيَ حَاجِبًا لِمَنْعِهِ الْعَيْنَ مِنْ الْأَذَى وَالْحَجْبُ الْمَنْعُ وَالشَّارِبُ هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا: ثُمَّ الْجُمْهُورُ قَالُوا الشَّارِبُ بِالْإِفْرَادِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ وَالْعَنْفَقَةِ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالشَّارِبِينَ الشَّعْرَ الَّذِي عَلَى ظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ وَقِيلَ أَرَادَ الشَّعْرَ الذى عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا جَعَلَ مَا يَلِي الشِّقَّ الْأَيْمَنَ شَارِبًا وَمَا يَلِي الْأَيْسَرَ شَارِبًا قَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَابِ وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبَابِ شَارِبٌ بِالْإِفْرَادِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الشَّارِبَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ: وَأَمَّا الْعَنْفَقَةُ فَهِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ: وَأَمَّا الْعِذَارُ فَالنَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ بِقُرْبِ الْأُذُنِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَشَرَةِ هَذِهِ الشُّعُورِ عِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كَثَافَتَهَا

نَادِرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَغْسُولَ يُحِيطُ بِجَوَانِبِهَا فَجَعَلَ لَهَا حُكْمَ الْجَوَانِبِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إلَى الْعِلَّتَيْنِ وَالْأُولَى أَصَحُّهُمَا وَقَطَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَمَا قَطَعَ بِهَا الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) أَمَّا شَعْرُ الْعَارِضَيْنِ فَهُوَ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ كَذَا ضَبَطَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ اللِّحْيَةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ كَمَا: سَبَقَ ممن قطع به أبو علي البند نيجى وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَشَذَّ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَارِضَ كَالْعِذَارِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ مَعَ الْكَثَافَةِ وَهَذَا شاذ متروك لمخالفته النقل وَالدَّلِيلَ: فَإِنَّ الْكَثَافَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِنَادِرَةٍ فَأَشْبَهَ اللِّحْيَةَ * (فَرْعٌ) الشَّعْرُ الْكَثِيفُ عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ بِلَا خِلَافٍ لِنُدُورِهِ وَكَذَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ وَلِهَذَا احْتَرَزَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِي الْوُضُوءِ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَثُفَ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَادِرًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَشْهُورَةٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعُلَمَاءِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّادِرِ حُكْمٌ يُخَالِفُ الْغَالِبَ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُهُ فَمَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ الْكَثَافَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ اُسْتُحِبَّ لَهَا نَتْفُهَا وَحَلْقُهَا لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهَذَا قَدْ قَدَّمْته فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله *

(وَإِنْ اسْتَرْسَلَتْ اللِّحْيَةُ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ شَعْرٌ لَا يُلَاقِي مَحَلَّ الْفَرْضِ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ كَالذُّؤَابَةِ: وَالثَّانِي يَجِبُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا غَطَّى لِحْيَتَهُ فَقَالَ اكْشِفْ لِحْيَتَكَ فانها من الوجه ولانه شعر ظاهر نابت على بشرة الوجه فاشبه شعر الخد) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وُجِدَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِهَا وَكَذَا لَمْ يقع في نسخة قيل انها مقرؤة عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا شئ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ شَعْرٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ: وَقَوْلُهُ عَلَى بَشَرَةِ الْوَجْهِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّاصِيَةِ وَقَوْلُهُ اسْتَرْسَلَتْ اللِّحْيَةُ أَيْ امْتَدَّتْ وَانْبَسَطَتْ وَالذُّؤَابَةُ بِضَمِّ الذَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَتْ اللِّحْيَةُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ خَرَجَ شَعْرُ الْعِذَارِ أَوْ الْعَارِضِ أَوْ السِّبَالِ فَهَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيهَا قَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ من اصحاب المختصرات والثاني لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْخَارِجِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا كما ذكرناه صرح به أبو على البند نيجي فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَآخَرُونَ: ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ يَقُولُونَ هَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ: وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَقَلِيلِينَ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْخَارِجِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَفْظُ الْإِفَاضَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّعْرِ كَانَ لِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَفْظُ الْغَسْلِ لِلْإِمْرَارِ عَلَى الظَّاهِرِ مَعَ الْإِدْخَالِ فِي الْبَاطِنِ وَلِهَذَا اعْتَرَضُوا عَلَى الزُّبَيْرِيِّ حِينَ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَجِبُ الْغَسْلُ فِي قَوْلٍ وَالْإِفَاضَةُ فِي قَوْلٍ وَقَالُوا الْغَسْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْإِفَاضَةِ وَمَقْصُودُ الْأَئِمَّةِ بِلَفْظِ الْإِفَاضَةِ أَنَّ دَاخِلَ الْمُسْتَرْسِلِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا *

كالشعر النابت تحت الذقن هذا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ لَا خِلَافَ أَنَّ غَسْلَ الشَّعْرِ الْخَارِجِ لَا يَجِبُ وَهَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَلَامًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّ النَّازِلَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ (1) إنْ كَانَ كَثِيفًا فَالْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا فَالْقَوْلَانِ فِي وجوب غسله ظاهر أو باطنا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ ومرادهم المسترسل الكثيف كما هو الغالب وأما قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ إنَّ الْخَارِجَ عَنْ الْوَجْهِ هَلْ يَجِبُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ خَفِيفًا كَانَ أَوْ كَثِيفًا فَمُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْخَفِيفِ بِالْإِفَاضَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ: وَأَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِ بَاطِنِ الْكَثِيفِ فَقَدْ أَوْجَبَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِيهِ * (فَرْعٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ شُعُورِ الْوَجْهِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّهِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الذُّؤَابَةِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّأْسَ اسْمٌ لِمَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَلَيْسَتْ الذُّؤَابَةُ كَذَلِكَ وَالْوَجْهُ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْمُسْتَرْسِلِ: وَالثَّانِي أَنَّا سَلَكْنَا الِاحْتِيَاطَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) في مسائل تتعلق بغسل الوجه احدها قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي صِفَةُ غَسْلِ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وأسبغ وَيَبْدَأُ بِأَعْلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يُحْدِرُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ وَلِأَنَّ أَعْلَى الْوَجْهِ أَشْرَفُ لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ فَيَجْرِي الْمَاءُ بِطَبْعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جميع ما يؤمر با يصال الْمَاءِ إلَيْهِ فَإِنْ أَوْصَلَ الْمَاءَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَجْزَأَهُ: هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَخْذِ الْمَاءِ بِالْيَدَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَطَعَ به الجمهور: وقيل يأخذه بيد وفيه وجه ثالث لزاهر السر خسي مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَغْرِفُ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَضَعُ ظَهْرَهَا عَلَى بَطْنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيَصُبُّهُ من أعلى

_ (1) النازل عن حد الوجه تارة يكون كثيفا من منبته إلى منتهاه ولا شك في جريان القولين فيما نزل منه عن حد الوجه وتارة يكون خفيفا في منبته وخروجه عن حد الوجه وكلام الامام ظاهر في وجوب غسل جميعه على قول وتارة يكون كثيفا في منبته وما على حد الوجه منه ويكون المسترسل الخارج عن حد الوجه خفيفا وهذا القسم لم اره في كلامه احد والذى يتعين القطع به الحاق المسترسل منه بالقسم الاول حتى يكون في افاضة الماء على ظاهره القولان وكلام يوهم انه من قسم الخفيف كله وفيه نظر فان الامام في النهاية قال كل شعر يجب غسل منبته يجب استيعاب جميع الشعر بالماء إذا كان في حد الوجه وهذا الوجه يرجع فيه إلى وجوه المرد فان وجب غسل المنبت وما هو في حد الوجه فلو طال الشعر وخرج في جهته عن حد الوجه فهل يجب ايثال الماء إليه إلى منتهاه فعلى قولين للشافعي احدهما يجب لئلا يتبعض حكم الشعر والثاني لا يجب فان المغسول هو الوجه والشعر الكائن في حده اه وقله لئلا يتبعض حكم الشعر مرشد لما ذكرته فتأمله والله أعلم اه من هامش اذرعي

جَبْهَتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عبد الله ابن زَيْدٍ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ يَدَهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا فغسل وجه ثَلَاثًا وَكَذَا هُوَ بِالتَّثْنِيَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ فِي إسْنَادِهَا ضَعْفٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فجعل بها هكذا أضافها الي يديه الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ ذلك سنة لكن الاخذ بالتكفين أَفْضَلُ عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ رَأْسِهِ وَرَقَبَتِهِ وَمَا تَحْتَ ذَقَنِهِ مَعَ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ إلَّا بِذَلِكَ كَمَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ لِيَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْقُلَّتَيْنِ * (الثَّالِثَة) لَوْ خَرَجَتْ

فِي وَجْهِهِ سِلْعَةٌ وَخَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ وَجَبَ غَسْلُهَا كُلَّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ لِنُدُورِهِ وَلِأَنَّهَا كُلَّهَا تُعَدُّ مِنْ الْوَجْهِ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ طَرِيقَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّ الْخَارِجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ فِيهِ قَوْلَانِ كَاللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ قُطِعَ أَنْفُهُ أَوْ شَفَتُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَمَا لَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ وَجْهِهِ أَوْ يَدِهِ: وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ غَسْلُهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ جَعَلَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ * (السَّادِسَةُ) يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ * (السَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ عَلَى رَأْسَيْنِ وَجَبَ غَسْلُ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ وَيُجْزِئُهُ مَسْحُ أَحَدِ الرَّأْسَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ مَسْحُ بَعْضِ كُلِّ رَأْسٍ (الثَّامِنَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ الصُّدْغَيْنِ وَهَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهِ سَنُوَضِّحُهَا فِي فَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (التَّاسِعَةُ) لَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْل لَكِنْ يُسْتَحَبُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ يَجِبُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْغُسْلِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ثم غسل يديه وهو فرض لقوله تعالى (وايديكم إلى المرافق) ويستحب ان يبدأ باليمني ثم باليسري لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وإذا توضأتم فابدؤا بميامنكم فان بدا باليسرى جاز لقوله تعالى (وايديكم) ولو وجب الترتيب فيهما لما جمع بينهما) * (الشرح) اما حديث ابى هريرة هذا حديث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ سُنَنِهِمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَفْظُهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فابدؤا بايامنكم كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ الْأَيَامِنُ: جمع ايمن والميمامن جَمْعُ مَيْمَنَةٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى هُوَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَلَا حَاجَةَ

إلى قوله ثم باليسرى ولانه قَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَيَبْدَأُ بِالْيُمْنَى أَنَّ الْيُسْرَى بَعْدَهَا وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ نَظِيرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَيُقَالُ فِيهَا كُلِّهَا مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ فَرْضٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وتقديم البمنى سُنَّةٌ (1) بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ يَبْدَأُ بِيَسَارِهِ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ آخَرُونَ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى وَاجِبٌ لَكِنَّ الشِّيعَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ المذكور ولا صحابنا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (وايديكم) وَلَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ لَبَيَّنَهُ فَقَالَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيَامِنَكُمْ وَشَمَائِلَكُمْ كَمَا رَتَّبَ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَبَدَأَ بِالشِّمَالِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أُبَالِي لَوْ بَدَأْتُ بِالشِّمَالِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تَقْدِيمِ الشِّمَالِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ إجْمَاعِ مَنْ يعتد به *

_ (1) قوله سنة بالاجماع فيه نظر فقد حكي الرافعي في الشرح عن احمد رواية بوجوبه وان المرتضى من الشيعة حكاه عن الشافعي في القديم والله اعلم اه اذرعي

(فَرْعٌ) تَقْدِيمُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَ مُجْزِئًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله الله تعالى في الام ومنه نقلت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلُبْسِ الثوب والنعل والخف والسر اويل ودخول المسجد والسواك والا كتحال وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَخَلْعِ الخف والسراويل والثوب والنعل وفعل المستقذرات واشبه ذَلِكَ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ: وَكَانَتْ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صحيح وعن حفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وشرابه وثيابه ويجعل يساره لِمَا سِوَى ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عنها ابد أن بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ إذَا لَبَسْتُمْ وَإِذَا توضأتم فابدؤا بِأَيَامِنِكُمْ وَثَبَتَ الِابْتِدَاءُ فِي الْوُضُوءِ بِالْيَمِينِ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليمنى وإذا نزع بالشمال لتكون اليمني أو لهما تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ إذَا دَخَلْت الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِك الْيُمْنَى وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِك الْيُسْرَى رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي أَوَائِلِ بَابِ صفة الصلاة وقال هو حديث صحح عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ * (فَرْعٌ) إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَمِينِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ وَالْأُذُنَانِ فَالسُّنَّةُ تَطْهِيرُهُمَا مَعًا فَإِنْ كان اقطع قدم اليمني والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجب ادخال المرفقين في الغسل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا توضأ امر الماء علي مرفقيه) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ زُفَرَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق) فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ

أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ كَلَامًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ قَالُوا إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَأَبُو اسحق الزَّجَّاجُ وَآخَرُونَ إلَى لِلْغَايَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الا شهر فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى مَعَ فَدُخُولُ الْمِرْفَقِ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْخِلْ الْعَضُدَ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ للغاية فالجد يَدْخُلُ إذَا كَانَ التَّحْدِيدُ شَامِلًا لِلْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ كَقَوْلِك قَطَعْت أَصَابِعَهُ مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْمُسَبِّحَةِ أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْأَشْجَارَ مِنْ هَذِهِ إلَى هَذِهِ فَإِنَّ الْأُصْبُعَيْنِ وَالشَّجَرَتَيْنِ دَاخِلَانِ فِي الْقَطْعِ وَالْبَيْعِ بِلَا شَكٍّ لِشُمُولِ اللَّفْظِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّحْدِيدِ فِي مِثْلِ هَذَا إخْرَاجَ مَا وَرَاءَ الْحَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْحَدِّ دَاخِلًا فَكَذَا هُنَا اسْمُ الْيَدِ شَامِلٌ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى الابط: ففائدة التحديد بالمرافق اخراج ما فوق المرفق مَعَ بَقَاءِ الْمِرْفَقِ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدَيْنِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ غُسْلُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِرْفَقَيْنِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ تَرْكُهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عكسه لغتان مشهورتان الاولى افصحهما وهو مجتمع العظمين الْمُتَدَاخِلَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا عَظْمِ الْعَضُدِ وَطَرَفُ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ الْمُتَّكِئُ إذَا أَلْقَمَ رَاحَتَهُ رَأْسَهُ وَاتَّكَأَ عَلَى ذِرَاعِهِ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي ضَبْطِ المرفق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان طالت أظافيره وخرجت عن رؤوس الاصابع ففيه طريقان قال أبو على بن خيران يجب غسلها قولا واحدا لان ذلك نادر: ومن أصحابنا من قال فيه قولان كاللحية المسترسلة) (الشَّرْحُ) هَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي على بن أبي هريرة رضى الله عنه أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللِّحْيَةِ بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ وَلِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ وَلِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ. وَاللِّحْيَةُ تُخَالِفُهُ فِي كُلِّ هَذَا فَلَوْ كَانَ عَلَى طَرَفِ ظُفْرِهِ الْخَارِجِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ غَسْلَهُ صَحَّ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا: وَالْأَظَافِيرُ وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفْرٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَاللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ بِكَسْرِ السِّينِ الثَّانِيَةِ وَابْنُ خَيْرَانَ تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهِ وَحَالِهِ فِي بَابِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (وَإِنْ كَانَ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أَوْ كَفٌّ زَائِدَةٌ لَزِمَهُ غَسْلُهَا لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ عَلَى مَنْكِبٍ أَوْ مِرْفَقٍ لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عيلهما وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالْأُخْرَى نَاقِصَةً فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَيُنْظَرُ فِي النَّاقِصَةِ فَإِنْ خُلِقَتْ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ لَزِمَهُ غَسْلُهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وان خلفت عَلَى الْعَضُدِ وَلَمْ تُحَاذِ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُهَا وَإِنْ حَاذَتْ بَعْضَ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ)

(الشَّرْحُ) فِي الْأُصْبُعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ السِّوَاكِ: وَالْكَفُّ مُؤَنَّثَةٌ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ تَذْكِيرُهَا سُمِّيَتْ كَفًّا لِأَنَّهُ يَكُفُّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَقِيلَ لِأَنَّ بِهَا يَضُمُّ وَيَجْمَعُ وَالْمَنْكِبُ مُجْتَمَعُ مَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَجَمْعُهُ مَنَاكِبُ وَالْعَضُدُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الضَّادِ وَيُقَال بِإِسْكَانِ الضَّادِ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أُصْبُعٌ أَوْ كَفٌّ زَائِدَةٌ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ: وَإِنْ كَانَ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْبَطْشِ وَالْخِلْقَةِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ: وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَامَّةً وَالْأُخْرَى نَاقِصَةً فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَيَجِبُ غَسْلُهَا: وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَإِنْ خُلِقَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ الرافعى وغيره وسواء جاوز طولهما الْأَصْلِيَّةَ أَمْ لَا: قَالَ وَمِنْ الْأَمَارَاتِ الْمُمَيِّزَةِ للزائدة تَكُونَ فَاحِشَةَ الْقِصَرِ وَالْأُخْرَى مُعْتَدِلَةً وَمِنْهَا فَقْدُ الْبَطْشِ وَضَعْفِهِ وَنَقْصُ الْأَصَابِعِ: وَإِنْ خُلِقَتْ النَّاقِصَةُ على العضد ولم يخاذ شئ مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ حَاذَتْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ المسألة محتملة جداو لكني لَمْ أَرَ فِيهَا إلَّا نَقْلَهُمْ النَّصَّ: هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَنَقَلَ جَمَاعَاتٌ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الْمُحَاذِي وَجْهَيْنِ (1) مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ قال كثيرن مِنْ الْمُعْتَبَرِينَ لَا يَجِبُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا وَلَا نَابِتَةً فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَتُجْعَلُ تَبَعًا وجملوا النص علي ما إذا لصق شئ مِنْهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ نَبَتَتْ سِلْعَةٌ فِي الْعَضُدِ وَتَدَلَّتْ إلَى السَّاعِدِ لم يجب غسل شئ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا تَدَلَّتْ وَلَمْ تَلْتَصِقْ والله أعلم *

_ (1) ويمنع الوجوب أجاب الشيخ أبو محمد في التبصرة قال في البحر وهو الاقرب عندي قلت هو القياس الظاهر اه اذرعي

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ لَهُ يَدَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُمَا وَلَوْ سَرَقَ هَذَا الشَّخْصُ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كتاب الانتخاب ذكروه فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَغَوِيّ تُقْطَعُ إحْدَاهُمَا ثُمَّ إذَا سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ الْأُخْرَى وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ نَقْطَعُهُمَا جَمِيعًا فَغَيْرُ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ بَلْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَرَدُّوهُ وَالصَّوَابُ الِاكْتِفَاءُ بِإِحْدَاهُمَا وَفَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان تقلع جلد من الذراع وتدلى منها لزمه غسله لانه في محل الفرض وان تقلع من الذراع وبلغ التقلع إلى العضد ثم تدلى لم يلزمه غسله لانه صار من العضد وان تقلع من العضد وتدلى منه لم يلزمه غسله لانه تدلى من غير محل الفرض وان تقلع من العضد وبلغ التقلع إلى الذراع ثم تدلى لزمه غسله لانه صار من الذراع وان تقلع من أحدهما والتحم بالآخر لزمه غسل ما حاذى منه محل الفرض لانه بمنزلة الجلد الذى على الذراع الي العضد فان كان متجافيا عن ذراعه لزمه غسل ما تحته) *

(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَاضِحَةٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجِلْدِ الْمُتَقَلِّعِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي انْتَهَى التَّقَلُّعِ إلَيْهِ وَتَدَلَّى مِنْهُ فَيُعْتَبَرُ الْمُنْتَهَى ولا ينظر إلى المواضع الذى تقلع منه وهكذا ذكر هذه الصور أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَأَشَارَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جِلْدَةِ السَّاعِدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ الْعَضُدِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جِلْدَةِ الْعَضُدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ السَّاعِدِ إذَا لَمْ تَلْتَصِقْ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ المتولي والمختار الاول: ثم حيث أو جبنا غَسْلَ الْمُتَقَلِّعَةِ وَجَبَ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَغَسْلُ مَا تَقَلَّعَتْ عَنْهُ وَظَهَرَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ التَّقَلُّعُ إلَى الْعَضُدِ ثُمَّ تَدَلَّى مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُهُ يَعْنِي سَوَاءٌ حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْيَدِ الْمُتَدَلِّيَةِ مِنْ الْعَضُدِ الْمُحَاذِيَةِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُحَاذِي مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَقَعُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجِلْدَةِ كَذَا فَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُتَجَافِيًا لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ

وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَحْتَهُ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ الْتَصَقَتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ بِالسَّاعِدِ وَاسْتَتَرَ مَا تَحْتَهَا مِنْ السَّاعِدِ فَغَسَلَهَا ثُمَّ زَالَتْ الْجِلْدَةُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَسَلَ لحيته ثم حلفت لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا كَانَ تَحْتَهَا لِأَنَّ غَسْلَ بَاطِنِهَا كَانَ مُمْكِنًا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ غسل الظاهر وقد فعله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ محل الفرض شئ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِسَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَدِ مَاءً حَتَّى لَا يَخْلُوَ العضو من الطهارة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يُمِسُّ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ هَذَا مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إمْسَاسِهِ الْمَاءَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ ثَابِتٌ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ قُطِعَتْ فَوْقَ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمِسَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَاءً بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ هَذَا الْإِمْسَاسِ فقال جماعة حتى لا يخلوا العضو مِنْ طَهَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إطَالَةً لِلْغُرَّةِ أَيْ التَّحْجِيلُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ علي استحبابه فقال أبو إسحق المروزي لئلا يخلو العضو من طهارة وقال الاكثرون استحبه لانه موضع الحلية والتجليل * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُمِسُّ مَا بَقِيَ مَاءً فَكَذَا عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُرَادُ بِالْإِمْسَاسِ غَسْلُ بَاقِي الْيَدِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا كَانَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ مُسْتَحَبًّا تَبَعًا لِلذِّرَاعِ وَقَدْ زَالَ الْمَتْبُوعُ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُشْرَعَ التَّابِعُ كَمَنْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي

النَّوَافِلَ الرَّاتِبَةَ التَّابِعَةَ لِلْفَرَائِضِ كَمَا لَا يَقْضِي الْفَرَائِضَ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عَنْ المجنون رخصة مع امكانة فإذ سَقَطَ الْأَصْلُ مَعَ إمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى وَأَمَّا سُقُوطُ غَسْلِ الذِّرَاعِ هُنَا فَلِتَعَذُّرِهِ وَالتَّعَذُّرُ مُخْتَصٌّ بِالذِّرَاعِ فَبَقِيَ الْعَضُدُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَصَارَ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ محل الفرض شئ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا بقى من محل الفرض شئ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ (1) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْأَقْطَعُ عَلَى الْوُضُوءِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (2) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى وَأَعَادَ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً ولا ترابا) (الشَّرْحُ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُضُوءِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إمَّا مُتَبَرِّعًا وَإِمَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا وَجَدَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأُجْرَةَ أَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ يجد من يستأجره أو وجده فَلَمْ يَقْنَعْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَعَادَ كَمَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ والاعادة لا ختلال الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ نَادِرٍ هَذَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْأَقْطَعُ عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ قَدَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَيُعِيدَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ هُوَ الصَّوَابُ الذى

_ (1) قيل ان الامام قال في باب زكاة الفطر ان اليد لو قطعت من الذراع لا يجب غسل الباقي وهذا غريب جدا قال فان صح نقله فهو غلط اه من هامش الاذرعي (2) لا شك في جريان الوجه الذي يقول إذا وجد الماء يباع بازيد من ثمن المثل بيسير لزمه شراؤه هنا ذا لافرق فيما ظهر لي والله أعلم اه اذرعي

نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَشَذَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يُصَلِّي بِحَالِهِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ * وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاضِحَةً مَبْسُوطَةً وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ مُتَبَرِّعًا لَزِمَهُ الْقَبُولُ إذْ لَا منة: والشراء يمد وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ فَإِذَا مُدَّ كُتِبَ بِالْأَلِفِ وَإِذَا قصر كتب بالياء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ الْحَدَثِ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ شَعْرَ رَأْسِهِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَسْحُ مَا ظَهَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِظُهُورِهِ طَهَارَةٌ كَمَا لَوْ غَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ كَشَطَ جِلْدَهُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَقْبٌ لَزِمَهُ غَسْلُ بَاطِنِهِ لِأَنَّهُ صار ظاهرا) * (الشرح التف أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ حُلِقَ رَأْسُهُ أَوْ كُشِطَتْ جِلْدَةٌ مِنْ وَجْهِهِ أَوْ يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ ولا مسحه مادام عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْته أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ * وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُمْ أو جبوا طَهَارَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَلَطٌ فَقَالَا لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ ذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ خَيْرَانَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّ ابا علي ابن خَيْرَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ فِي الْعَصْرِ وَالْمَرْتَبَةِ وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ وَتَصْحِيفٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا غَلَطٌ وتصحيف وان صوابه خلافا لا بن جَرِيرٍ بِالْجِيمِ وَهُوَ إمَامٌ مُسْتَقِلٌّ لَا يُعَدُّ قَوْلُهُ وَجْهًا فِي مَذْهَبِنَا وَقَدْ نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَجْمَعُونَ وَالْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الْبَسِيطِ عَنْ ابْنِ جَرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ الْحَدَثِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّجَسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُقْطَعِ مِنْ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ فَإِنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ عَلَى قُرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ فَيُصَلِّي بِحَالِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ دَمًا كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَمَّا تَحْتَهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بينه وبين الخف: وقوله فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَطَهَّرَ ثُمَّ قُطِعَ أَنْفُهُ

أَوْ شَفَتُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَقْبٌ لَزِمَهُ غَسْلُ بَاطِنِهِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُقَال ثَقْبٌ وثقب بفتح الثاء وضمها لغتان ذكر هما الْفَارَابِيُّ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِغَسْلِ الْيَدِ إحْدَاهَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فَيُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ وَيُدِيرَ كَفَّهُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا مُجْرِيًا لِلْمَاءِ بِهَا إلَى مِرْفَقِهِ وَلَا يَكْتَفِي بِجَرَيَانِ الْمَاءِ بِطَبْعِهِ فَإِنْ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بَدَأَ بِالصَّبِّ مِنْ مِرْفَقِهِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَيَقِفُ الصَّابُّ عَنْ يَسَارِهِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ خَلْعِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُهُ اُسْتُحِبَّ تَحْرِيكُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَثَرِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا كَانَا إذَا تَوَضَّآ حَرَّكَا الْخَاتَمَ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ دَلْكُ الْيَدَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الرِّجْلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ شَعْرٌ كَثِيفٌ لَزِمَهُ غَسْلُهُ مَعَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ لِنُدُورِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْوَجْهِ (الرَّابِعَةُ) إذا قطعت يده فله ثلاثة أحوال ذكره الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ أَحَدُهَا تُقْطَعُ مِنْ تَحْتِ الْمِرْفَقِ فَيَجِبُ غَسْلُ بَاقِي محل الفرض بلا خلاف * (الثاني) يُقْطَعُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) يُقْطَعُ مِنْ نفس المرفق بأن يسل الذراع ويبقى العظمان: فَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ما بقى من المرفق وهو العظمان وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَحَكَى عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ * أَحَدُهُمَا يَجِبُ غَسْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبَاقِي الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ

قَالُوا وَغَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي النَّقْلِ وَكَانَ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ قَطَعَ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ فَوْقِ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ الْقَوْلَيْنِ فَقِيلَ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ غسل العظمين الْمُحِيطَيْنِ بِإِبْرَةِ الذِّرَاعِ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ تَبَعًا لِلْإِبْرَةِ أَمْ مَقْصُودًا وَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا تَبَعًا لَمْ يَجِبُ وَإِلَّا وَجَبَ وَقِيلَ مَبْنِيَّانِ على أن حقيقة المرفق ماذا: فَفِي قَوْلٍ هُوَ إبْرَةُ الذِّرَاعِ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ ذينك العظمين وفي قول هو الابرة مع العظمين فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (ثم يمسح برأسه وهو فرض لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) والرأس ما اشتمل عليه منابت الشعر المعتاد والنزعتان منه لانه في سمت الناصية والصدغ من الرأس لانه من منابعت شعره) * (الشَّرْحُ) يُقَالُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَالنَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّاي هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وحكيت لغية بِإِسْكَانِ الزَّاي وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِمَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَالنَّزَعَتَانِ هُمَا الْمَوْضِعَانِ الْمُحِيطَانِ بالناصية في جانبي الجبينين اللذان يَنْحَسِرُ شَعْرُ الرَّأْسِ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ النَّاسِ وأما الناصية فهى الشعر الذى بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ قِصَاصُ الشَّعْرِ وَجَمْعُهَا نَوَاصٍ وَيُقَالُ لِلنَّاصِيَةِ نَاصَاةً بِلُغَةِ طئ كما يقولون للجارية جاراه وَنَحْوُهُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَسْحُ الرَّأْسِ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَالرَّأْسُ مَا اشْتَمَلَتْ عليه منابت

الشَّعْرِ الْمُعْتَادِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ وَالنَّزَعَتَانِ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الاصحا ب وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا النَّزَعَتَانِ مِنْ الْوَجْهِ لِذَهَابِ الشَّعْرِ عَنْهُمَا وَاتِّصَالِهِمَا بِالْوَجْهِ * وَدَلِيلُنَا أَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي حَدِّ الرَّأْسِ فَكَانَتَا مِنْهُ وَلَيْسَ ذَهَابُ الشَّعْرِ مُخْرِجًا لَهُمَا عَنْ حُكْمِ الرَّأْسِ كَمَا لَوْ ذَهَبَ شَعْرُ نَاصِيَتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعَرَبُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ النَّزَعَةَ من الرأس وذلك ظاهر في شعرهم نص الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَنَقَلَ النَّصَّ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الصُّدْغُ فَهُوَ بِالصَّادِ وَيُقَالُ بِالسِّينِ لُغَتَانِ الصَّادُ أَشْهَرُ وَهُوَ الْمُحَاذِي لِرَأْسِ الْأُذُنِ نَازِلًا إلَى أَوَّلِ الْعِذَارِ هَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد هو المحاذي رأس الْأُذُنِ وَمَوْضِعِ التَّحْذِيفِ قَالَ وَرُبَّمَا تَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَلْقِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَلَّا يُتْرَكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الصُّدْغُ مِنْ الرَّأْسِ مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالثَّانِي مِنْ الْوَجْهِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ وَجُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ مَا اسْتَعْلَى عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا انْحَدَرَ عَنْهُمَا فَمِنْ الْوَجْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا الثَّالِثُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ * وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى الْجُمْهُورِ كَوْنَهُمْ قَطَعُوا بِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ وَقَالَ الَّذِي رَأَيْته مَنْصُوصًا صَرِيحًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الصُّدْغَ مِنْ الْوَجْهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَذْهَبُ مَا نَقَلْته عَنْ النَّصِّ وَكَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الا السر خسي صَاحِبُ الْأَمَالِي فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ وَقَالَ أَرَادَ بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ وَهَذَا مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ إلى عَمْرٍو وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِهِ الْأَقْسَامِ وَابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الصُّدْغَانِ مِنْ الْوَجْهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ فان ابن القاص وَإِذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ بَشَرَةَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ

إنْ كَانَ شَعْرُهُ كَثِيرًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعَنْفَقَةِ وَمَوَاضِعِ الصُّدْغَيْنِ هَذَا لَفْظُ ابْنِ الْقَاصِّ وَلَفْظُ الْقَفَّالِ مِثْلُهُ وَزَادَ الْقَفَّالُ بَيَانًا فَقَالَ فِي أَحَدِ تَعْلِيلَيْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَ أَحَاطَ بِالصُّدْغَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي وَرَاءَ الصُّدْغِ إلَى الْأُذُنِ مِنْ الْوَجْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالصُّدْغِ الْعِذَارُ فَبِهَذَا عَلَّلَ الْأَصْحَابُ غَسْلَ الْعِذَارِ فِي أَحَدِ التَّعْلِيلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَمُحْتَمَلٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصُّدْغِ الْعِذَارَ كَمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَذَا تَأَوَّلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَإِذَا غَسَلَ الْأَمْرَدُ وَجْهَهُ غَسَلَهُ كُلَّهُ ولحيته وصدغيه إلَى أُصُولِ أُذُنَيْهِ وَإِذَا غَسَلَ الْمُلْتَحِي وَجْهَهُ غَسَلَ مَا أَقْبَلَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إلَى وَجْهِهِ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى الصُّدْغِ وَمَا خَلْفَ الصُّدْغِ إلَى الْأُذُنِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَعَادَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ مُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَالْبُوَيْطِيِّ نَقَلْته وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ بِالصُّدْغِ هُنَا الْعِذَارَ (قُلْت) وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي تَحْقِيقِ ضَبْطِ الصُّدْغِ وَتَحْدِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وادبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة) * قال المصنف رحمه الله *

(والواجب منه أن يمسح ما يقع عليه اسم المسح وان قل وقال أبو العباس بن القاص أقله ثلاث شعرات كما نقول في الحق في الاحرام والمذهب أنه لا يتقدر لان الله تعالى أمر بالمسح وذلك يقع على القليل والكثير) * (الشَّرْحُ) الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ لَا يَتَقَدَّرُ وُجُوبُهُ بشئ بَلْ يَكْفِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ * قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بَعْضَ شَعْرَةِ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَيُتَصَوَّر الْمَسْحُ عَلَى بَعْضِ شَعْرَةٍ بِأَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ مَطْلِيًّا بِحِنَّاءٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّعْرِ ظَاهِرًا إلَّا شَعْرَةً فَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهَا عَلَى رَأْسِهِ الْمَطْلِيِّ وَقَالَ ابن القاص وأبو الحسن بن خير ان فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي عَلِيِّ بن خير ان أَقَلُّهُ مَسْحُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ أَقَلَّهُ أَنْ يمسح بأقل شئ من أصبعه على أقل شئ من رأسه مِنْ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِيَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ النَّاصِيَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْسَحْ أَقَلَّ مِنْهَا * وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا نَقُولُ فِي الْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ يَعْنِي الْحَلْقَ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَكَذَا الْحَلْقُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا تَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِيهِ إلَّا بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَقَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْحَلْقِ الْأَوَّلِ وَآخَرُونَ عَلَى الثَّانِي وَآخَرُونَ عَلَيْهِمَا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يجزى من مسح الر أس وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَإِنْ قَلَّ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَشْهُرُهَا رُبْعُ الرَّأْسِ وَالثَّانِيَةُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بثلاث أصابع والثالثة قَدْرُ النَّاصِيَةِ * وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نِصْفُ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ جَمِيعُ الرَّأْسِ عَلَى المشهور عنهم وقال محمد بن مسلمة مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إنْ تَرَكَ نَحْوَ ثُلُثِ الرَّأْسِ جَازَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَاحْتُجَّ لمن أوجب الجميع بقوله تعالي (وامسحوا برؤوسكم) قَالُوا وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العتيق) وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ الْجَمِيعَ وَقِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ فِي قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم) وَيَجِبُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَسْحَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ فَهَذَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ فَإِنَّ النَّاصِيَةَ دُونَ الرُّبْعِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ * والذى اعتمده امام الحرمين في كتابه الا ساليب في الخلاف ان المسح إذا اطلق في المفهوم منه المسح من غير اشتراط للاستعاب وانظم إلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ النَّاصِيَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ يَخُصَّ أَحَدٌ النَّاصِيَةَ وَمَنَعَ جَوَازَ قَدْرِهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ مُطْلَقِ الْمَسْحِ

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا هُنَا لِلْإِلْصَاقِ بَلْ هِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إذَا دَخَلَتْ الْبَاءُ عَلَى فِعْلٍ يتعدى بنفسه كانت للتبعيض كقوله (وامسحوا برؤوسكم) وان لم يتعد فللالصاق كقوله تعالى (وليطوفا بالبيت) قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ كُلَّ الرَّأْسِ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِفَضِيلَتِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَعْضِ فِي وَقْتٍ بَيَانًا لِلْجَوَازِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى التَّيَمُّمِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ الِاسْتِيعَابُ وَفِي الرَّأْسِ الْبَعْضُ * الثَّانِي فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَاعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ لَفْظِهِ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْوَجْهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ حُكْمُ مُبْدَلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدٌ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْخُفَّ مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَسْحُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ كَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَلْقِ الشعر وتقدير الآية محلقين شعر رؤوسكم وَالشَّعْرُ إمَّا جَمْعٌ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَإِمَّا اسْمُ جِنْسٍ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ النَّحْوِ

وَالتَّصْرِيفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالشَّعْرِ وَاسْمُ الْمَسْحِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَهَذَا الْفَرْقُ مَشْهُورُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ قَدْ سَقَطَ وَبَطَلَ التَّقْدِيرُ فَتَعَيَّنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يَخْتَصُّ قَوْلُ ابْنِ القاص بما إذا مسح الشعر ام يجرى فِي مَسْحِ الْبَشَرَةِ وَيُشْتَرَطُ مَسْحُ قَدْرِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ: فِي كَلَامِ النَّقَلَةِ مَا يُشْعِرُ بِالِاحْتِمَالَيْنِ والاول اظهر والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ جَمِيعَ الرَّأْسِ فَيَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ ثُمَّ يُلْصِقَ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ بِطَرَفِ سَبَّابَتِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَضَعَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ) وَلِأَنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ مُخْتَلِفَةً فَفِي ذَهَابِهِ يستقبل الشعر الذى علي مقدم رأسه فيقع المسح على باطن الشعر دون ظاهره ولا يَسْتَقْبِلُ الشَّعْرَ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ فَيَقَعُ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ فَإِذَا رَدَّ يَدَيْهِ حَصَلَ الْمَسْحُ عَلَى مَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ فِي ذهابه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ زِيَادَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثم رد هما حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّ بِهَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال لِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ رَاوِي حَدِيثِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ هُنَاكَ وَفِي أَوَّلِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطلاق وهو

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ وَأُمُّهُ أُمُّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ شَهِدَ هُوَ وَأُمُّهُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُتِلَ بِالْحَرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةٍ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَاحِبِ الْأَذَانِ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الْجَدِّ وَالْقَبِيلَةِ وقد أو ضحتهما فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا لِلْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالذَّهَابُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَالرُّجُوعُ إلَى مُقَدَّمِهِ كِلَاهُمَا يُحْسَبُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ الذَّهَابُ من الصفا إلى المرور مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَّا مَرَّةً ثانية على المذهب الصحيح خلافا لا بي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْفَرْقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْصُلُ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ إلَّا بِالذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ فَإِنَّهُ فِي رُجُوعِهِ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَمْسَحْهُ فِي ذَهَابِهِ بِخِلَافِ السَّعْيِ فَإِنْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ بِتَمَامِهَا يَحْصُلُ فِي ذَهَابِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ مُسْتَرْسِلٌ أَمَّا مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ وطلع منه يسير فلا يستح لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ والمتولي وامام الحرمين والروياني وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا لَا يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ مَضْفُورٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ وامام الحرمين والروياني وصاحب العدة قال الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَوْ رَدَّ فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا الرَّدُّ لَمْ يُحْسَبُ رَدُّهُ مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الْبَلَلَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِحُصُولِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ مَسَحَ طَرَفَ رَأْسِهِ ثُمَّ طَرَفًا

آخَرَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ التَّكْرَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مُحَاوِلَةٌ لِلِاسْتِيعَابِ وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ التَّكْرَارِ وَرَدُّ الْيَدِ مِنْ الْقَفَا إلَى النَّاصِيَةِ مِنْ الِاسْتِيعَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أُحِبُّ أَنْ يَتَحَرَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ هَذَا لَفْظُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ مَنْ جَعَلَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرأس قال قال الشافعي ذلك لا ستيعاب الرَّأْسِ وَمَنْ جَعَلَهُمَا مِنْ الْوَجْهِ قَالَ قَالَ الشافعي ذلك ليصير بالابتداء منهما محتلطا في استيفاء أَجْزَاءِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا تَرَكَ جُزْءًا مِنْ أَوَّلِ الرَّأْسِ لَا يَمُرُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَسَحَ جميع الرأس فوجهان مشهوران لا صحابنا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ فَرْضًا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَأَيُّ خَصْلَةٍ فَعَلَهَا حُكِمَ بِأَنَّهَا الْوَاجِبُ ثُمَّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْوَجْهَانِ فِيمَنْ مَسَحَ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا مَنْ مَسَحَ مُتَعَاقِبًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَمَا سِوَى الْأَوَّلِ سُنَّةٌ قَطْعًا وَالْأَكْثَرُونَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ: مِنْهَا إذَا طَوَّلَ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ فَهَلْ الْوَاجِبُ الْجَمِيعُ أَمْ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ: وَمِثْلُهُ لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ الْوَاجِبُ مِنْهُ الْخَمْسُ أَوْ الْجَمِيعُ فيه الوجهن وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الزَّكَاةِ: وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يُضَحِّيَ بِهَا فَأَهْدَى بَدَنَةً أَوْ ضَحَّى بِهَا أَجْزَأَهُ وَهَلْ الْوَاجِبُ جَمِيعَهَا أَوْ سُبْعُهَا وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النَّذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوَاجِب الْقَدْرُ الْمُجْزِئُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الزَّكَاةِ فِي الرُّجُوعِ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ جَرَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَاجِبِ لَا فِي النَّفْلِ وَفَائِدَتُهُمَا فِي النَّذْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِمَا

لَا الْوَاجِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَسَنُوضِحُهَا فِي أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْقَوْلَانِ فِي الْوَقَصِ فِي الزَّكَاةِ هَلْ هُوَ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ هِيَ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ لِأَنَّهُ يشاربها عِنْدَ السَّبِّ وَمُقَدَّمِ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ فَهَذِهِ أُفْصِحُ اللُّغَاتِ الَّتِي فِيهِ وَهُنَّ سِتٌّ وَهِيَ جَارِيَاتٌ فِي الْمُؤَخَّرِ وَالْإِبْهَامِ بِكَسْرِ الهمزة هي الاصبع العظمى وهي معروفة وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ فِي شَرْحِ الْجَمَلِ وَتَذْكِيرُهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَجَمْعُهَا أَبَاهِمُ عَلَى وزن أكابر وقال الجوهرى أباهيم بالياء والقفا مقصور والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَمَسَحَ الشَّعْرَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى رأسا) (الشرح) هذا الذى قطع بن من التخير بَيْنَ مَسْحِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الشيخ أبو حامد والبند نيجى وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إنْ كَانَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ وَلَا شَعْرَ عَلَى بَعْضِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَ مَسْحِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ على رأسه شعرتين مَسْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ الْبَشَرَةُ لِأَنَّ الْفَرْضَ انْتَقَلَ إلَى الشَّعْرِ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ بَشَرَةَ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَتَرَكَ شَعْرَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا قَطَعَ به الاصحاب في الطرق وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي اللِّحْيَةِ وليس بشئ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَسْحِ بَشَرَةِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالشَّعْرِ دُونَ الْبَشَرَةِ وَأَمَّا الرَّأْسُ فَهُوَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَالْبَشَرَةُ عَالِيَةٌ وَلِأَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ يَعُدُّونَ ماسح بشرة الرأس ما سحا عَلَى الرَّأْسِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجُهُ أَحَدُهَا تُجْزِئُهُ الْبَشَرَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ

والثاني لا والثالث وهو مذهب تُجْزِئُهُ فِي الرَّأْسِ دُونَ اللِّحْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُؤَابَةٌ قَدْ نَزَلَتْ عَنْ الرَّأْسِ فَمَسَحَ النَّازِلَ مِنْهَا عَنْ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ وَإِنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ مُسْتَرْسِلٌ عَنْ مَنْبَتِهِ لم يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَمَسَحَ أَطْرَافَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ فِي غَيْر مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَطَرَفِ الذُّؤَابَةِ وَلَيْسَ بشئ) * (الشَّرْحُ) الذُّؤَابَةُ بِضَمِّ الذَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ الشعر المضفور إلى جِهَةِ الْقَفَا وَجَمْعُهَا ذَوَائِبُ وَإِذَا مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ نَازِلٍ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَلَوْ عَقَصَ أَطْرَافَ شَعْرِهِ الْمُسْتَرْسِلِ الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَشَدَّهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَمَسَحَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الشَّعْرِ النَّازِلِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ اللِّحْيَةِ الْمُسْتَرْسِلَةِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْفَرْضُ فِي الْمَسْحِ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ وَالرَّأْسُ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا وَمَا نَزَلَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا يُسَمَّى رَأْسًا وَالْفَرْضُ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْمَسْحِ وَإِذَا كَانَ الْفَرْضُ مُتَعَلِّقًا بِالشَّعْرِ فَهُوَ وَإِنْ طَالَ يُسَمَّى شَعْرَ الرَّأْسِ

أَمَّا إذَا مَسَحَ عَلَى شَعْرٍ مُسْتَرْسِلٍ خَرَجَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الام فانه قال لو مسح بشئ مِنْ الشَّعْرِ عَلَى مَنَابِتِ الرَّأْسِ قَدْ أُزِيلَ عَنْ مَنْبَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى غَيْر مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ هَذَا نَصّه وَتَأَوَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مُسْتَرْسِلًا خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَعَقَصَهُ فِي وَسَط رَأْسِهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَجْهَيْنِ فِي شَعْرٍ خَرَجَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ مَوْضِعُ الْمَسْحِ لَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَجَمَاعَاتٌ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ كَمَسْأَلَةِ الْمَعْقُوصِ في وسط الرأس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ بِالْعِمَامَةِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَأْسٍ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يُلْحِقُ الْمَشَقَّةَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ منفصل عنه كالوجه واليد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمُغِيرَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يُلْحِقُ الْمَشَقَّةَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَبِيرَةِ عَلَى كَسْرٍ (1) وَقَوْلُهُ حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعُضْوُ بِضَمِّ العين وكسرها لغتان *

_ (1) واحتراز من المسح على الخف أيضا اه من هامش الاذرعي

فَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ مَسَحَ النَّاصِيَةَ كُلَّهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ سَوَاءٌ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ حَدَثٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا فَهِيَ كَالْعِمَامَةِ فَيَمْسَحُ بِنَاصِيَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهَكَذَا حُكْمُ مَا عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ فَلَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وأصحاب الرأى وحكاه غير عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد وأبو ثور واسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أمامة وروى عن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز ومكحول والحسن وقتادة والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ ثُمَّ شَرَطَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ لُبْسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ كَوْنَهَا مُحَنِّكَةً أَيْ بَعْضُهَا تَحْتَ الْحَنَكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ وَالتَّسَاخِينُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْخِفَافُ وَعَنْ بِلَالٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج فيقصي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْمُوقُ بِضَمِّ الْمِيمِ خُفٌّ قَصِيرٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ سَقَطَ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ كَالرِّجْلِ فِي الْخُفِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقول الله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) وَالْعِمَامَةُ لَيْسَتْ بِرَأْسٍ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ طَهَارَتُهُ الْمَسْحُ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عضو لا تلحق المشقة إليه فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ كَالْيَدِ فِي الْقُفَّازِ وَالْوَجْهِ فِي الْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْأَحَادِيثِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا اخْتِصَارٌ وَالْمُرَادُ مَسْحُ النَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ لِيُكْمِلَ سُنَّةَ الِاسْتِيعَابِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَذَا جَاءَ فِي

حَدِيثِ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: وَالْقِطْرِيَّةُ بِكَسْرِ الْقَافِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرُودِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهَا حُمْرَةٌ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ وكيف يظن بالرواي حَذْفُ مِثْلِ هَذَا: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وُجُوبُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ مَعَ الْعِمَامَةِ وَفِي بَعْضِهَا مَسْحُ الْعِمَامَةِ وَلَمْ تَذْكُرْ النَّاصِيَةَ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِمُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ وَمُحْتَمِلًا لِمُخَالِفَتِهَا فَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى الِاتِّفَاقِ وَمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا حَذَفَ بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَ النَّاصِيَةِ لِأَنَّ مَسْحَهَا كَانَ مَعْلُومًا لِأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ لَهُمْ وَكَانَ الْمُهِمُّ بَيَانَ مَسْحِ الْعِمَامَةِ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ مَسْحَ الرَّأْسِ والحديث محتمل للتأويل فلا يتر ك الْيَقِينُ بِالْمُحْتَمَلِ قَالَ هُوَ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَقِيَاسُ الْعِمَامَةِ عَلَى الْخُفِّ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَزْعُهُ بِخِلَافِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ * إحْدَاهَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى مَا سَبَقَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَذَكَرِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَتُدْخِلُ يَدَهَا تَحْتَ خِمَارِهَا حَتَّى يَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ فَلَوْ

وَضَعَتْ يَدَهَا الْمُبْتَلَّةَ عَلَى خِمَارِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ لَمْ يَصِلْ الْبَلَلُ إلَى الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِئْهَا وَإِنْ وَصَلَ فَهِيَ كَالرَّجُلِ إذَا وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى رَأْسِهِ إنْ أَمَرَّهَا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ * (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ رَأْسَانِ كَفَاهُ مَسْحُ أَحَدِهِمَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلدَّارِمِيِّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ غسل الوجه * (الثالثة) قال اصحابنا لا تتيعين الْيَدُ لِمَسْحِ الرَّأْسِ فَلَهُ الْمَسْحُ بِأَصَابِعِهِ وَبِأُصْبُعٍ واحدة أو خشبة أو خرقة أو غيرهما أَوْ يَمْسَحُهُ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَوْ يَقِفُ تَحْتَ الْمَطَرِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ وَيَنْوِي الْمَسْحَ فَيُجْزِئُهُ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ (1) وَلَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يسل أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْحًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى إجْزَاءِ الْغَسْلِ قَالَ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْمَسْحِ فَإِجْزَاءُ الْمَسْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْغَسْلِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ إجْزَاءُ الْغَسْلِ فَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَلْ يُكْرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ سَرَفٌ كَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَلَمْ يَذْكُرْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ غَيْرَهُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالرَّافِعِيُّ * وَأَمَّا غَسْلُ الْخُفِّ بَدَلَ مَسْحِهِ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ بِلَا فَائِدَةٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى كَرَاهَتِهِ إمَامُ الحرمين والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ثم يمسح اذنيه ظاهرهما وباطنهما لما روى المقدام بن معد يكرب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ برأسه واذنيه ظاهرهما وباطنهما وادخل اصبعيه في جحري اذنيه ويكون ذلك بماء جديد غير الذى مسح به الراس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح رأسه وأمسك مسبحتيه لاذنيه ولانه عضو يتميز عن الرأس في الاسم والخلقة فلا يتبعه في الطهارة كسائر الاعضاء وقال في الام والبويطي ويأخذ لصماخيه ماء جديدا غير الماء الذى مسح به ظاهر الاذن وباطنه لان الصماخ في الاذن كالفم والانف في الوجه فكما أفرد الفم والانف عن الوجه بالماء فكذلك الصماخ في الاذن فان ترك مسح الاذن حاز لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للاعرابي توضأ كما امرك الله

_ (1) في كون وقطع المطر يجزي عن المسح بلا خلاف بل ينبغي ان يكون على الوجهين في غسل الرأس ووضع اليد من غير مد ل اولى اه اذرعي

وليس فيما امر الله تعالى مسح الاذنين) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ فَحَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ * وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ الْمِقْدَامُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ مِيمٌ أُخْرَى وَكَرِبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْبَاء مَضْمُومَةٌ بِكُلِّ حَالٍ: وَأَمَّا يَاءُ مَعْدِي فَسَاكِنَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَالْمِقْدَامُ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ كِنْدِيٌّ شَامِيٌّ حِمْصِيٌّ يُكَنَّى أَبَا كَرِيمَةَ وَقِيلَ أَبَا صَالِحٍ وَقِيلَ أَبَا يَحْيَى وَقِيلَ أَبَا بِشْرٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ تُوُفِّيَ سنة سبعة وَثَمَانِينَ ابْنُ إحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً * وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأَمْسَكَ مُسَبِّحَتَيْهِ بِأُذُنَيْهِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ الْمَشْهُورَةِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَهُنَا نُكْتَةٌ خفيت على أهل العناية بالمذهب وَهِيَ أَنَّ مُصَنِّفَهُ رَجَعَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الحديث واسقله من الْمُهَذَّبِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِشَارِ الْكِتَابِ قَالَ وَجَدْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ

فِي الْخِلَافِ فِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ اسْتِدْلَالِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الشَّيْخُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَنِ فَيَجِبُ أَنْ تَضْرِبُوا عَلَيْهِ وَفِي الْمُهَذَّبِ فَإِنِّي صَنَّفْتُهُ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ وَمَا عَرَفْته قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَبَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَضْرُوبٌ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ بِخَطِّهِ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ * وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَصَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهُوَ الثَّقْبُ الْمَعْرُوفُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ بَدَلَ جُحْرَيْ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا كَمَا سَبَقَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ وَالصِّمَاخُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَيُقَالُ السِّمَاخُ بِالسِّينِ لُغَتَانِ الصَّادُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَادَّعَى ابْنُ السِّكِّيتِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالسِّينِ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ كَذَا

وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَالَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ صَحِيحٌ * وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَمَيَّزَ عَنْ الرَّأْسِ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ اُحْتُرِزَ بِالِاسْمِ عَنْ النَّاصِيَةِ وَبِالْخِلْقَةِ عَنْ النَّزَعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا فَظَاهِرُهُمَا مَا يَلِي الرَّأْسَ وَبَاطِنُهُمَا مَا يَلِي الْوَجْهَ كَذَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ وَيُدْخِلُ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيُدِيرُهُمَا عَلَى الْمَعَاطِفِ وَيُمِرُّ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظُهُورِ الْأُذُنَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُلْصِقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَفَّيْهِ الْمَبْلُولَتَيْنِ بِأُذُنَيْهِ طَلَبًا لِلِاسْتِيعَابِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا يَمْسَحُ بِالْإِبْهَامِ ظَاهِرَ الاذن وبالمسحة بَاطِنَهَا وَيُمِرُّ رَأْسَ الْأُصْبُعِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَيُدْخِلُ الْخِنْصَرَ فِي صِمَاخَيْهِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَيَضَعُ الْإِبْهَامَ عَلَى ظَاهِرِ الْأُذُنِ وَيُمِرُّهَا إلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَمْسَحُ الْأُذُنَيْنِ مَعًا وَلَا يُقَدِّمُ الْيُمْنَى فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ قَدَّمَهَا وحكي الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَهُوَ شَاذٌّ وَغَلَطٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي حُصُولِهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ وَيُشْتَرَطُ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَاءٌ غَيْرُ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ العلماء قال أصحابنا ولا يشترط أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ لِلْمَاءِ لَهُمَا أَخْذًا جَدِيدًا بَلْ لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ لِلرَّأْسِ بِأَصَابِعِهِ فَمَسَحَ بِبَعْضِهَا وَأَمْسَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ مَسَحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَا أَمْسَكَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مَسَحَهُمَا بِغَيْرِ مَاءِ الرَّأْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَأْخُذُ لِلصِّمَاخَيْنِ مَاءً غَيْرَ مَاءِ ظَاهِرِ الْأُذُنِ وَبَاطِنِهِ (1) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ لِلصِّمَاخِ ثَلَاثًا كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كتابه وَهُوَ وَاضِحٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الصِّمَاخِ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الْأُذُنِ لِكَوْنِهِ مِنْهَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأُذُنَيْنِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَا مِنْ الرَّأْسِ بَلْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ يُسَنُّ مَسْحُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ مِنْ السَّلَفِ حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيُغْسَلَانِ معه وقال الاكثرون هما من الرأس * قال ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَبِهِ قَالَ عَطَّاءُ وَابْنُ المسيب

_ (1) الذي يظهر لي رجحان هذا القول أو الوجه لان البلل الباقي من ماء الاذن طهور على الصحيح لانه مستعمل في نقل الطهارة وعلى هذا السياق لو مسح الاذن والصماخ بماء واحد كفى نعم ما ذكر افضل واكمل والله اعلم اه اذرعي

وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وابو حنيفة واصحابه واحمد قال الترمذي وهو قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وبه قال الثوري وابن المبارك وأحمد واسحق وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ يَأْخُذُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا أَمْ يَمْسَحُهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ * وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ مِنْ الْوَجْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَأَضَافَ السَّمْعَ إلَى الْوَجْهِ كَمَا أَضَافَ إلَيْهِ الْبَصَرَ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (واخذ برأس اخيه يجره إليه) وقيل المراد به الاذن * واحتجوا بحديث شهرين حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمرو انس وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَقَالَ بِالْوُسْطَيَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ فِي بَاطِنِ أُذُنَيْهِ وَالْإِبْهَامَيْنِ مِنْ وَرَاءِ أُذُنَيْهِ * وَاحْتُجَّ لِلشَّعْبِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ وَمُؤَخَّرَ أُذُنَيْهِ وَلِأَنَّ الْوَجْهَ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِمَا أَقْبَلَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ أَحْسَنُهَا حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الرَّأْسِ إذْ لَوْ كَانَتَا مِنْهُ لَمَا أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ فَيُحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى مَنْ قَالَ يَمْسَحُهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الدَّلَالَةَ لِلْمَذْهَبِ وَالرَّدَّ عَلَى جَمِيعِ الْمُخَالِفِينَ * وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ

يَمْسَحُهُمَا وَلَمْ يُنْقَلْ غَسْلُهُمَا مَعَ كَثْرَةِ رُوَاةِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَلْزَمُهُ مَسْحُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّ الْأَصْمَعِيَّ وَالْمُفَضَّلَ بْنَ سَلِمَةَ قَالَا الْأُذُنَانِ لَيْسَتَا مِنْ الرَّأْسِ وَهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَجَلِّ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي اللُّغَةِ إلَى نَقْلِ أَهْلِهَا * وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُمَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ أَجْزَائِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَعْرِهِمَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ تَقْصِيرِ الرَّأْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ يُخَالِفُ الرَّأْسَ خِلْقَةً وَسَمْتًا فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ كَالْخَدِّ وَقَوْلُنَا وَسَمْتًا احْتِرَازٌ مِنْ النَّزَعَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْبَيَاضَ الدَّائِرَ حَوْلَ الْأُذُنِ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ مَعَ قُرْبِهِ فالاذن أولى ولانه لا يتعلق بالاذن شئ مِنْ أَحْكَامِ الرَّأْسِ سِوَى الْمَسْحِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ حُكْمَهَا فِي الْمَسْحِ حُكْمُ الرَّأْسِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الزُّهْرِيِّ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْجُمْلَةُ وَالذَّاتُ كَقَوْلِهِ تعالى (كل شئ هالك الا وجهه) الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ السُّجُودَ حَاصِلٌ بِأَعْضَاءٍ أخر: الثاني ان الشئ يُضَافُ إلَى مَا يُقَارِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ * وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ تَأْوِيلٌ لِلْآيَةِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا فَلَا يُقْبَلُ وَالْمُفَسِّرُونَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّأْسُ وَقِيلَ الْأُذُنُ وَقِيلَ الذُّؤَابَةُ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ * وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ تَضْعِيفُهَا إلَّا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ادَّعُوهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الرَّأْسِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا كَأَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ مِنْ كُلِّ يَدٍ أُصْبُعَيْنِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ مَسَحَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الشَّعْبِيِّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُعْرَفُ: وَالثَّانِي لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مُقَدَّمِ الْأُذُنِ وَمُؤَخَّرِهَا * وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ الرَّأْسَ فَانْمَسَحَ مُؤَخَّرُ الْأُذُنِ مَعَهُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِذَلِكَ * الرَّابِعُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَتَعَذَّرَ تَأْوِيلُهُ كَانَ مَا

قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ تُطَهَّرَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِهِمَا عَلَى الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ * قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَجْمَعُوا أَنَّ مَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا فَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ الشعية لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَبَرَّعْنَا بالرد عليهم فدليله الاحاديث الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) حَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي والمستظهري عن ابي العباس ابن سُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ أُذُنَيْهِ ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْهِ كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ كَمَا قَالَ الْآخَرُونَ وَيَمْسَحُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ثَلَاثًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ سُرَيْجٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ احْتِيَاطًا لِيَخْرُجَ

من الخلاف * وقال الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ لَمْ يَخْرُجْ ابْنُ سُرَيْجٍ بِهَذَا مِنْ الخلاف بل زاد فيه في الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بَلْ يَفْعَلُهُ اسْتِحْبَابًا وَاحْتِيَاطًا كَمَا سَبَقَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ مَحْبُوبٌ وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ مِثْلِ هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ أَشْيَاءَ لَا يَقُولُ بِإِيجَابِهَا كُلِّهَا أَحَدٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ الشافعي والاصحاب رحمهما اللَّهُ قَالُوا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَهُمَا مِمَّا يُمْسَحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذْ هُمَا من الرأس واستعابه بِالْمَسْحِ مَأْمُورٌ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اسْتَحَبُّوا غَسْلَهُمَا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا وَمَعَ هَذَا اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فَالصَّوَابُ اسْتِحْسَانُ فِعْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ رحمه الله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَهُوَ فَرْضٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ ان نغسل ارجلنا) (الشرح) هذا الحديث رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تسع عشرة غزوة توفى بالمدنية سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَتُوُفِّيَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ * وَقَالَتْ الشِّيعَةُ الْوَاجِبُ مَسْحُهُمَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ محمد بن جريرر أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْجُبَّائِيُّ الْمُعْتَزِلِيِّ وَأَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ جَمِيعًا * وَاحْتَجَّ

القائلون بالمسح بقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بِالْجَرِّ عَلَى إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي السَّبْعِ فَعَطَفَ الْمَمْسُوحَ عَلَى الْمَمْسُوحِ وَجَعَلَ الْأَعْضَاءَ أَرْبَعَةً قِسْمَيْنِ مَغْسُولَيْنِ ثُمَّ مَمْسُوحَيْنِ * وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَقَالَ أَنَسٌ صدق الله وكذب الحجاج (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) قَرَأَهَا جَرًّا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هُمَا غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ وَعَنْهُ أَمَرَ اللَّهُ بِالْمَسْحِ وَيَأْبَى النَّاسُ إلَّا الْغَسْلَ * وَعَنْ رِفَاعَةَ فِي حَدِيثِ المسيئ صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَفِيهَا نعله ثم فتلها بها ثُمَّ صَنَعَ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ فَكَانَ فَرْضُهُ الْمَسْحَ كَالرَّأْسِ * وَاحْتَجَّ اصحابنا بالاحاديث الصحيحة المستفيضة في صفة وضوءه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ والربيع بنت معوز وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا كُلَّهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رأى جماعة توضأوا وَبَقِيَتْ أَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَرَوَيَا نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اسْتِيعَابَ الرِّجْلَيْنِ بِالْغَسْلِ وَاجِبٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمَيْهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله كيف الطهور فدعى بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثلاثا

ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وُضُوءَهُ فَيُمَضْمِضُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ إلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الماء رواه مسلم بهذا اللفظ وفي روايته قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ سبع مرار وقال الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَسَنُعِيدُهُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلْغَسْلِ: وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مَحْدُودَانِ فَكَانَ وَاجِبُهُمَا الْغَسْلَ كَالْيَدَيْنِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احتحاجهم بقوله تعالى (وأرجلكم) فَقَدْ قُرِئَتْ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَالنَّصْبُ صَرِيحٌ فِي الغسل ويكون مَعْطُوفَةً عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَمَّا الْجَرُّ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْجَرَّ علي مجاورة الرؤوس مَعَ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَنْصُوبَةٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَفِيهِ أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيهِ من منثور كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ: مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ بِجَرِّ خَرِبٍ عَلَى جِوَارِ ضَبٍّ وَهُوَ مَرْفُوعٌ صِفَةٌ لِجُحْرٍ وَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ (اني اخاف عليكم عذاب يوم اليم) فَجَرَّ أَلِيمًا عَلَى جِوَارِ يَوْمٍ وَهُوَ مَنْصُوبُ

صِفَةً لِعَذَابٍ * فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَصِحُّ الْإِتْبَاعُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَاوٌ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَصِحَّ وَالْآيَةُ فِيهَا وَاوٌ قُلْنَا هَذَا غلط فان الاتباع مع الواو ومشهور فِي أَشْعَارِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْشَدُوهُ: لَمْ يَبْقَ إلَّا أَسِيرٌ غَيْرُ مُنْفَلِتِ * وَمُوثَقٍ فِي عقال الاسر مكبول فخفض موثقا لمجاورته مُنْفَلِتٍ وَهُوَ مَرْفُوعٌ مَعْطُوفٌ عَلَى أَسِيرٍ فَإِنْ قَالُوا الْإِتْبَاعُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا لَبْسَ فِيهِ وَهَذَا فِيهِ لَبْسٌ قُلْنَا لَا لَبْسَ هُنَا لِأَنَّهُ حُدِّدَ بِالْكَعْبَيْنِ وَالْمَسْحُ لَا يَكُونُ إلَى الْكَعْبَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ قِرَاءَتَيْ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ يَتَعَادَلَانِ وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ وَرَجَّحَتْ الْغَسْلَ فَتَعَيَّنَ: الثَّالِثُ ذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَرَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ وَالنَّصْبَ عَلَى الْغَسْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ خُفٌّ * الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمَسْحُ لِحُمِلَ الْمَسْحُ عَلَى الْغَسْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ كَذَا نَقَلَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ: مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ العرب تسمي خفيف الغسل مسحا وردى البيهقي باسناده عن الاعمش قال كانوا يقرؤونها وَكَانُوا يَغْسِلُونَ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِكَلَامِ أَنَسٍ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَنَسًا أَنْكَرَ عَلَى الْحَجَّاجِ كَوْنَ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْغَسْلِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ بَيَانِ السُّنَّةِ فَهُوَ موافق للحجاج كَوْنَ الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْغَسْلِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ بَيَانِ السُّنَّةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَجَّاجِ فِي الْغَسْلِ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الدَّلِيلِ * وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ الْغَسْلَ إنَّمَا أَنْكَرَ القراءة فكأنه لم يكن (1) قِرَاءَةَ النَّصْبِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ أَنَسًا نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دَلَّ عَلَى الْغَسْلِ وَكَانَ أَنَسٌ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ * الثَّالِثُ لَوْ تَعَذَّرَ تَأْوِيلُ كَلَامِ أَنَسٍ كَانَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلِهِمْ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ: وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا مَعْرُوفٍ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِهِ اختلاف العلماء الا أن إسناده ضعيف

_ (1) بهامش نسخة الاذرعي ما نصه كذا في الاصل ولعله (بلغه) اه

بَلْ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ (وأرجلكم بِالنَّصْبِ وَيَقُولُ عَطْفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الْأَعْلَامُ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَجَمَاعَاتُ الْقُرَّاءِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ: وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي نَحْوُ الْجَوَابِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ أَنَسٍ * وَأَمَّا حَدِيثُ رِفَاعَةَ فَهُوَ عَلَى لَفْظِ الْآيَةِ فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ * وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ وَالدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ: الثَّانِي لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْغَسْلُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * الثَّالِث جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَوَجَبَ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ * وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّأْسِ فَمُنْتَقَضٌ بِرِجْلِ الْجُنُبِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا في التيمم ولا يجزئ مسحا بالاتفاق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَيَجِبُ إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وأرجلكم إلى الكعبين) قال أهل التقسير مع الكعبين والكعبان هما العظمان النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَعْبَ مَا قلناه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ النُّعْمَانِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَقَالَ فِي أبواب تسوية الصفوف وقال النعمان

ابن بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ تَعْلِيقَاتِ الْبُخَارِيِّ إذَا كَانَتْ بِصِيغَةِ جَزْمٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَقَوْلُهُ وَرَوَى النُّعْمَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا هُوَ مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِلَفْظَةِ قَالَ كَمَا هِيَ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ مَعْنَاهُ أَتِمُّوهَا وَاعْتَدِلُوا وَاسْتَوُوا فِيهَا. وَقَوْلُهُ يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِهِ إخْبَارٌ عَنْ شِدَّةِ مُبَالَغَتِهِمْ فِي إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا. وَالْمَنْكِبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَقَوْلُ المصنف العظمان النَّاتِئَانِ هُوَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تاء مثناة فوق ثم همزة ومعناه الناشز ان الْمُرْتَفِعَانِ. وَقَوْلُهُ مَفْصِلُ السَّاقِ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ وَفِيهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِالْهَمْزِ وَقَدْ قُرِئَ بِهَا فِي السبع في قوله تعالى فكشفت عن ساقيها وَغَيْرِهِ * وَأَمَّا النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ فَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ وَأَبُوهُ بَشِيرٌ صَحَابِيَّانِ وَأُمُّ النُّعْمَانَ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ أُخْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ صَحَابِيَّةٌ وَوُلِدَ النُّعْمَانُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقُتِلَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى حِمْصٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ يَجِبُ إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ زُفَرُ وَابْنُ دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ وَدَلِيلَهُ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَيْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا سَبَقَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم هذا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ هُمَا النَّاتِئَانِ فِي ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبًا وَاحِدًا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وحكاه

الرافعى وجها لنا وليس بشئ وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الْمُخَالِفِينَ حُجَّةٌ تُذْكَرُ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاللُّغَةُ وَالِاشْتِقَاقُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تعالى (وأرجلكم الي الكعبين) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي كل رجل كعبان ولا يجئ هَذَا إلَّا عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَلَوْ كَانَ كما قال إلَى الْكِعَابِ كَمَا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ يُلْصِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْكَعْبِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ: وَأَمَّا الِاشْتِقَاقُ فَهُوَ أَنَّ الْكَعْبَ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّكَعُّبِ وَهُوَ النُّتُوُّ مَعَ الِاسْتِدَارَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ وَمِنْهُ كَعْبُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْكَعْبِ الَّذِي قلناه لا الذى قالوه قال الْخَطَّابِيُّ وَقَالَتْ الْعَرَبُ كَعْبٌ أَدْرَمُ وَهُوَ الْمُنْدَمِجُ الْمُمْتَلِئُ وَلَا يُوصَفُ ظَهْرُ الْقَدَمِ بِالدَّرَمِ: وَأَمَّا نَقْلُ اللُّغَةِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَحْكِيُّ عَنْ قُرَيْشٍ وَنِزَارٍ كُلِّهَا مُضَرُ وَرَبِيعَةُ لَا يَخْتَلِفُ لِسَانُ جَمِيعِهِمْ أَنَّ الْكَعْبَ اسْمٌ لِلنَّاتِئِ بَيْنَ السَّاقِ والقدم قال وهو أَوْلَى بِأَنْ يُعْتَبَرَ لِسَانُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ الْكَعْبُ مَا أَشْرَفَ فوق الرسغ ونقله أبو عبيد عن الا صمعي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمُفَضَّلِ بْنِ سَلَمَةَ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَهَؤُلَاءِ أَعْلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكَعْبُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ اللُّغَةِ وَالْأَخْبَارِ وَإِجْمَاعِ النَّاسِ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْمُصَرِّحَةُ بِمَا قُلْنَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ لِلْبَهَائِمِ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَا فِي الْآدَمِيِّ قُلْنَا خِلْقَةُ الْآدَمِيِّ تُخَالِفُ الْبَهَائِمَ لِأَنَّ كَعْبَ الْبَهِيمَةِ فَوْقَ سَاقِهَا وَكَعْبُ الْآدَمِيِّ فِي أَسْفَلِهِ فلا يلزم اتفاقهما والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْيَدِ فَإِنْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ مُنْفَرِجَةً فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ بَيْنَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ وَجَبَ التَّخْلِيلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلِّلُوا بَيْنَ أَصَابِعِكُمْ لَا يخلل الله بينها بالنار) * (الشرح) حديث لقيط سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ الدارقطني مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِي التَّخْلِيلِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فخلل بين أصابع قدميه ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كما فعلت رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَاجْعَلْ الْمَاءَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حنبل والترمذي وقال حديث حسن غريب هذا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ مولي التؤمة وَقَدْ ضَعَّفَهُ مَالِكٌ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ فَصَارَ حَسَنًا كما قاله الترمذي. وعن المستوردين شَدَّادِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصِرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضعيف عند أهل الحديث) وأما الْأَحْكَامُ فَهُنَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُسْتَحَبُّ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى بَلْ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْيُسْرَى وقد سبق بيان هذا ود ليله فِي فَصْلِ الْيَدَيْنِ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْدَأُ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى هُوَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ قَبْلَ الْيُسْرَى وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي التَّخْلِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُنْفَرِجَةً اُسْتُحِبَّ التَّخْلِيلُ وَلَا يَجِبُ وَحَدِيثُ لَقِيطٍ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى

مَا بَيْنهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَهَا وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي إيصَالِهِ التَّخْلِيلُ بَلْ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَوْصَلَهُ حَصَلَ الْوَاجِبُ وَيُسْتَحَبُّ مَعَ إيصَالِهِ التَّخْلِيلُ فَالتَّخْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا وَإِيصَالُ الْمَاءِ وَاجِبٌ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمْ إنْ كَانَتْ مُلْتَفَّةً وَجَبَ التَّخْلِيلُ أَرَادُوا بِهِ إيصَالَ الْمَاءِ لِأَنَّهُمْ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَّا بِالتَّخْلِيلِ * وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَكُونُ مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ مُبْتَدِئًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى مِمَّنْ ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي ابو الطيب في تعليه يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ تَحْتِ الرِّجْلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَسْتُ أَرَى لِتَعْيِينِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فِي ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَلَيْسَ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ مُشَابِهًا لَهُ فَلَا حَجْرَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي اسْتِعْمَالِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَخَلَلُ الْأَصَابِعِ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي فِي تَعْيِينِ احدى اليدين شئ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ مُسْتَنِدَ الْأَصْحَابِ فِي تَعْيِينِ الْيُسْرَى الِاسْتِنْجَاءُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْمَشْهُورَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ اسْتِحْبَابِ خِنْصَرِ الْيُسْرَى وَنَقَلَهُ عَنْ معظم الائمة ثم حكي عن ابي ظاهر الزِّيَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُخَلِّلُ مَا بَيْنَ كُلِّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِأُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ لِيَكُونَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَيَتْرُكُ الْإِبْهَامَيْنِ فَلَا يخلل بهنا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ التَّخْلِيلَ مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ وَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ الْيَمِينِ وَفِي الْأُصْبُعِ الَّتِي يُخَلِّلُ بِهَا أَوْجُهٌ الْأَشْهَرُ أَنَّهَا خِنْصَرُ الْيُسْرَى وَالثَّانِي خنصر اليمنى قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ * الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ * الرَّابِعُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ يَدٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ هَذَا حُكْمُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ * وَأَمَّا أَصَابِعُ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثُ ابن عباس الذي قد مناه وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اسْتِحْبَابَ تَخْلِيلِهِمَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ سَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ يُسْتَحَبُّ لِحَدِيثِ لَقِيطٍ فَإِنَّ الْأَصَابِعَ تَشْمَلُهَا وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَخْلِيلُهُمَا بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) في مسائل تتعلق بغسل الرجليل إحْدَاهَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي غَسْلِهِمَا قال الشافعي

رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَنْصِبُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَمِينِهِ أَوْ يَصُبُّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيَدْلُكْهُمَا بِيَسَارِهِ وَيَجْتَهِدُ فِي دَلْكِ الْعَقِبِ لَا سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْهَا وَكَذَا أَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَآخَرُونَ اسْتِحْبَابَ الِابْتِدَاءِ بِأَصَابِعِ رِجْلِهِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ يَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ بَدَأَ بِأَصَابِعِ رِجْلِهِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَصُبُّ عَلَيْهِ بَدَأَ مِنْ كَعْبَيْهِ إلَى أَصَابِعِهِ وَالْمُخْتَارُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الِابْتِدَاءِ بِالْأَصَابِعِ مُطْلَقًا * (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ لِرِجْلِهِ أُصْبُعٌ أَوْ قَدَمٌ زَائِدَةٌ أَوْ انْكَشَطَتْ جِلْدَتُهَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْيَدِ * (الثَّالِثَةُ) إذَا قُطِعَ بَعْضُ الْقَدَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي فَإِنْ قُطِعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا سَبَقَ فِي الْيَدِ * (الرَّابِعَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَعْبَانِ قَدَّرَ بِقَدْرِهِمَا * (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَتْ أَصَابِعُهُ مُلْتَحِمَةً بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ لَا يَلْزَمُهُ شَقُّهَا بَلْ لَا يَجُوزُ (1) لَكِنْ يَغْسِلُ مَا ظَهَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ عَلَى رِجْلِهِ شُقُوقٌ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ بَاطِنَ تِلْكَ الشُّقُوقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهَا أَوْ بَاطِنِ الْأَصَابِعِ لَزِمَهُ الْغَسْلُ ثَانِيًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوُصُولُ هَذَا إذا كان بعد فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ: فَأَمَّا إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَذَابَ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ شَحْمًا أَوْ شَمْعًا أَوْ عَجِينًا أَوْ خَضَّبَهُمَا بِحِنَّاءٍ وَبَقِيَ جِرْمُهُ لَزِمَهُ إزَالَةُ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ فَلَوْ بَقِيَ لَوْنُ الْحِنَّاءَ دُونَ عَيْنِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَعْضَائِهِ أَثَرُ دُهْنٍ مائع فتوضأ وأمس بالماء البشرة وجرى

_ (1) وقغ في تمييز التعجير لقاضي حماه انه يجوز وكانه توهمه في قول الرافعي ملتحمة لم يجب الفتق ولا يستحب اه اذرعي

عليها ولم يثبت صح وضؤه لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ (فَرْعٌ) لَوْ تَنَفَّطَتْ رِجْلُهُ وَلَمْ تَنْشَقَّ كَفَاهُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا فلو انشقت بعد وضؤه لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالِانْشِقَاقِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَطَهَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَادَ الِالْتِحَامُ لَمْ يَلْزَمْهُ شقه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب ان يغسل فوق المرفقين وفوق الكعبين لقوله صلى الله عليه وسلم " تأتي امتي يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع ان يطيل غرته فليفعل) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ نُعَيْمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ منكن فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يُمِرُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إبْطَيْهِ فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تبلغ الحليلة مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ هُنَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ فِي إتْلَافِ الصُّوَرِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِبُلُوغِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَاءِ إبْطَيْهِ. وَعَنْ نُعَيْمٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغَ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيلُ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَمَعْنَى

الْحَدِيثِ يَأْتُونَ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِ ما فوق المرفقين والكعبين ثم جَمَاعَةً مِنْهُمْ أَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحُدُّوا غَايَةَ الِاسْتِحْبَابِ بِحَدٍّ كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَقَالَ جَمَاعَةٌ يُسْتَحَبُّ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْعَضُدِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ يَبْلُغُ بِهِ الْإِبِطَ وَالرُّكْبَةَ * وَقَالَ الْبَغَوِيّ نِصْفَ الْعَضُدِ فَمَا فَوْقَهُ وَنِصْفَ السَّاقِ فَمَا فَوْقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله في كتابه الا ساليب فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَوْقَ الْمِرْفَقِ اُسْتُحِبَّ إمْسَاسُ الْمَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ عَضُدِهِ فَإِنَّ تَطْوِيلَ الْغُرَّةِ مُسْتَحَبُّ وَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ الْغُرَّةَ تَكُونُ فِي الْيَدِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَجْهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إسْبَاغُ الوضوء سنة إطالة لِلْغُرَّةِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْوَجْهِ بِالْغَسْلَةِ حَتَّى يَغْسِلَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ وَيَغْسِلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ مَعَ الْوَجْهِ وَتَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ الْعَضُدِ مَعَ الْمِرْفَقِ وَبَعْضَ السَّاقِ مَعَ الْقَدَمِ * وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَقَالُوا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ غَسْلُ مُقَدَّمَاتِ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ وَكَذَا صَفْحَةُ الْعُنُقِ وَتَطْوِيلُ التَّحْجِيلِ غَسْلُ بَعْضَ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَغَايَتُهُ اسْتِيعَابُ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ قَالَ وَفَسَّرَ كَثِيرُونَ تَطْوِيلَ الغرة بغسل شئ مِنْ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَأَعْرَضُوا عَمَّا حَوَالَيْ الْوَجْهِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَوْفَقُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ * وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ بَاقِي الْعَضُدِ بَعْدَ الْقَطْعِ إنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَغْسِلُ الْبَاقِيَ لِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَالْغُرَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوَجْهِ وَاَلَّذِي فِي الْيَدِ التَّحْجِيلُ: قُلْنَا تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ نَوْعٌ وَاحِدٌ من

السُّنَنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ إشَارَةً إلَى النَّوْعِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُطْلِقُونَ تَطْوِيلَ الْغُرَّةِ فِي الْيَدِ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الْإِطَالَةُ فِي الْيَدِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وهذا الاحتجاج ليس بشئ لِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الْوَجْهِ أَنْ يَغْسِلَ إلَى اللَّبَّةِ وَصَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهُوَ مُسْتَحَبّ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ * قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغُرَّةَ غَيْرُ التَّحْجِيلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا وَرِوَايَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْغُرَّةِ لَا تُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّ فِي هَذَا زِيَادَةً وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَحَدُ الْقَرِينَيْنِ وَيَكُونُ الْآخَرُ مُرَادًا كَقَوْلِهِ تعالى (سرابيل تقيكم الحر) أَيْ وَالْبَرْدَ * وَإِذَا ثَبَتَ تَغَايُرُهُمَا فَأَحْسَنُ مَا فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيِّ وَمُرَادُهُمَا غَسْلُ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا يُلَاصِقُ الْوَجْهَ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهَذَا غَيْرُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَتِمُّ غَسْلُ الْوَجْهِ إلَّا بِهِ (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ هُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْن أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُتَعَدَّى بِهِ مَا حَدَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ فِيمَا بَلَغَنَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ (1) مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَأٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي إذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ يَجِب قَبُولُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح لا هل الْأُصُولِ * وَأَمَّا نَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ فَلَا يُقْبَلُ مَعَ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابِنَا وَأَمَّا كَوْنُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ سُنَّةً بَعْدَ صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ فَالْمُرَادُ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَغَسَلَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه

_ (1) هذا يرده رواية مسلم السابقة فانها صريحة في المجاوزة في اليدين والرجلين وقد وافق القاضي عياض ابن بطال على هذه المقالة على هذه المقالة الباطلة وهو عجيب منها اه اذرعي

وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيِّ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ أُبَيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (1) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَابِ نَحْوُ حَدِيثِ أُبَيِّ قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ * قُلْت قَوْلُهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا وَوُضُوءُ خَلِيلِي إبْرَاهِيمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِيهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ فِي حَدِيثِ ابي هذا خلافا لا صحابنا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الوضوءات فِي مَجَالِسَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَصَارَ غَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ سِتَّ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِلتَّعْلِيمِ وَيَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ كَوْنَهُ فِي مَجَالِسَ * قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَمْ يَنْقُلُوهُ عَنْ رِوَايَةٍ بَلْ قَالُوهُ بِالِاجْتِهَادِ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا كَالْمُتَعَيَّنِ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ إلَّا فِي مَجْلِسٍ وَكَيْفَ كَانَ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِغَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ الله عنه

_ (1) رواه البيهقي ايضا من رواية انس وضعفه قال ولم يقع له اسناد قوي وفيه ابراهيم خليل الرحمن هكذا من رواية ابن عمر رضي الله عنهم اه من هامش الاذرعي

تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الترمذي هذا أحسن شئ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَوَضَّآنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَقُولَانِ هَكَذَا كَانَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مُسْتَحَبَّةٌ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا الرَّأْسَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنُفْرِدُهُ بِفَرْعٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (1) وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ يَكُونُ ثَلَاثًا كَغَيْرِهِ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الثَّلَاثُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّلَاثَ وَكِلَاهُمَا غَلَطٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ الرَّاوِي هُنَا هُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ ابن عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بن مالك بن النجار الانصاري الخزر جى النَّجَّارِيُّ بِالنُّونِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عليه (لم يكن الذين

_ (1) في الاذان ايضا خلاف ضعيف في مذهبنا اه اذرعي

كفروا) وقال امرني الله أن أقر أعَلَيْكَ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَهُوَ أَحَدُ كُتَّابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ عُثْمَانَ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * (فَرْعٌ) فِي تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا كَمَا يُسْتَحَبُّ تَطْهِيرُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَحَكَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ (1) وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَى هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةٌ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ أَيْضًا وَمَال الْبَغَوِيّ إلَى اخْتِيَارِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَحَكَى بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى تَرْجِيحِهِ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اسْتِحْبَابُ الثَّلَاثِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَزَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا يُسَنُّ مَسْحَةٌ وَاحِدَةٌ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ غَيْرُ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ واسحاق بن راهوية واختاره ابن المنذره * فَأَمَّا ابْنُ سِيرِينَ فَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ (1) قَالَ في البيان واختاره أبو نصر البندنيجي صاحب المعتمد اه اذرعي

مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ * وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَاحْتَجُّوا بالاحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما رِوَايَاتِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعَ غَسْلِهِ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مِنْهَا رِوَايَةُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أو في وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الصَّحِيحُ فِي أَحَادِيثِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ مَسْحُ الرَّأْسِ مَرَّةً وَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا وَاعْتَرَفَ بِهِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِالِانْتِصَارِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ التَّيَمُّمِ وَالْخُفِّ وَلِأَنَّ تَكْرَارَهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ الْمَسْحُ غَسْلًا وَلِأَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَدَم التَّكْرَارِ فَقَوْلُهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَحَادِيثَ وَأَقْيِسَةٍ أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيُّ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ منه أن

_ (1) قال البيهقي في الخلافيات بعد ان روى الحديث في مسح الرأس ثلاثا اسناد حسن وسيأتي ما يؤيده اه اذرعي

قَوْلَهُ تَوَضَّأَ يَشْمَلُ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ وَقَدْ مَنَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ الدَّلَالَةَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ مُطْلَقَةٌ وَجَاءَتْ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ الْمُفَسَّرَةُ مُصَرِّحَةً بِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً فَصَرَّحُوا بِالثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَقَالُوا فِي الرَّأْسِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا ثُمَّ قَالُوا بَعْدَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَجَاءَ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مرة ثم غسل رليه ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ دَلَالَةٌ * الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرُبَّمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْحُسْنِ إلَى الصِّحَّةِ بِشَوَاهِدِهِ وَكَثْرَةِ طُرُقِهِ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد * الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ عَنْ عَلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دُون ذِكْرِ التَّكْرَارِ قَالَ وَأَحْسَنُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ وَذَكَرَ مَسْحَ الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ * وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا واعتمد الشيخ أبو حامد الاسفرايني حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ السَّابِقَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ * وَأَمَّا الْأَقْيِسَةُ فَقَالُوا أَحَدُ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَغَيْرِهِ قالوا وَلِأَنَّهُ إيرَادُ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَالْوَجْهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَادَةُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ الْمُبَعَّضَةِ يَحْتَرِزُونَ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ قَالَ وَإِنَّمَا فَعَلُوا

هَذَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْمَذْهَبَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ فِيهِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ * (وَالثَّانِي) لَوْ صَحَّ لَكَانَ حَدِيثُ الثَّلَاثِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ من الزيادة * (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ الثَّلَاثِ لِلِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى مَنْعِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ حيث ان سفيان بن عينية انْفَرَدَ عَنْ رُفْقَتِهِ فَرَوَاهُ مَرَّتَيْنِ وَالْبَاقُونَ رَوَوْهُ مَرَّةً فَعَلَى هَذَا يُجَابُ عَنْهُ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ * وَأَمَّا دَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ رُوَاتِهَا الْمَسْحُ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً كَمَا سَبَقَ فوجب الجمع بينها فَيُقَالُ الْوَاحِدَةُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالثِّنْتَانِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثُ لِلْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ * وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ رُوِيَ الْوُضُوءُ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ فَرُوِيَ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَرُوِيَ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَرُوِيَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ كَيْفَ تَوَضَّأَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُ هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ بَيَانُ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَوْ وَاظَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الثَّلَاثِ لَظُنَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَبَيَّنَ فِي أَوْقَاتٍ الْجَوَازَ بِدُونِ ذَلِكَ وَكَرَّرَ بَيَانَهُ فِي أَوْقَاتٍ وَعَلَى أَوْجُهٍ لِيَسْتَقِرَّ مَعْرِفَتُهُ وَلِاخْتِلَافِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَقْت الْآخَرَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ الثَّلَاثُ أَفْضَلَ فَكَيْفَ تَرَكَهُ فِي أَوْقَاتٍ: فَالْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيَانَ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَوَابُهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَكَانَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ آكَدَ وَأَقْوَى فِي النُّفُوسِ وَأَوْضَحَ مِنْ الْقَوْلِ * وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ

وَالثَّانِي أَنَّ عُمُومَ إطْلَاقِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْحِسَانِ وَغَيْرِهَا * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ فَهُوَ أَنَّهُمَا رُخْصَةٌ فَنَاسَبَ تَخْفِيفَهُمَا (1) وَالرَّأْسُ أَصْلٌ فَإِلْحَاقُهُ بِبَاقِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أُولَى * وَأَمَّا قَوْلُهُمْ تَكْرَارُهُ يُؤَدِّي إلَى غَسْلِهِ فَلَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ الْغَسْلَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِتَكْرَارِ الْمَسْحِ ثَلَاثًا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ مَسَحَ بَدَنَهُ بِالْمَاءِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ بَلْ يُشْتَرَطُ جَرْيُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ * وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خَرَقَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ سَبَقَ بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَطَاءٌ وَغَيْرُهُمَا كَمَا قدمناه عن حكاية بن الْمُنْذِرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ فِي نقل المذاهب باتفاق الفرق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ وَأَسْبَغَ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا به

_ (1) يجاب عن مسح الخف أيضا بأن التكرار فيه يؤدي إلى تعيبه وقد نهى عن اضاعة المال اه اذرعي

(الشَّرْحُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَوْجَبَ الثَّلَاثَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَرْدُودًا باجماع من قبله وبالاحاديث الصَّحِيحَةُ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثَلَاثًا وَبَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ خِلَافُهُ * وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَوْلُهُ وَأَسْبَغَ أَيْ عَمَّمَ الْأَعْضَاءَ وَاسْتَوْعَبَهَا وَمِنْهُ دِرْعُ سَابِغَةٍ وَثَوْبٌ سَابِغٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

فان خَالَفَ بَيْن الْأَعْضَاءِ فَغَسَلَ بَعْضَهَا مَرَّةً وَبَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا جَازَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مرتين (الشَّرْحُ) هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ هَكَذَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ انه مسح رأسه مرة واحدة والزيادة لا ئقة هُنَا لِيَكُونَ الْحَدِيثُ جَامِعًا لِطَهَارَةِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضِهَا ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ تَقَدَّمَ بَيَانه في مسح الرأس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كُرِهَ لِمَا رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وظلم (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وغيرهم باسانيد صحيحه وليس في روايته أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ إلَّا الرواية أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا وَلَيْسَ فِي رِوَايَاتِهِمْ تَصْرِيحٌ بِمَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّ جُمْهُورَ الْمُحَدِّثِينَ صَحَّحُوا الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَطَعَ فِي كِتَابِهِ اللُّمَعِ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِرْسَالِ وَبَيَّنْتُ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ هُنَاكَ وَاضِحًا وَأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى أَسَاءَ وَظَلَمَ فَقِيلَ أَسَاءَ فِي النَّقْصِ وَظَلَمَ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنَّ الظلم مجاوزة الحد ووضع الشئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَقِيلَ عَكْسُهُ لِأَنَّ الظُّلْمَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى النَّقْصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (آتَتْ أُكُلَهَا ولم تظلم منه شيئا) وَقِيلَ أَسَاءَ وَظَلَمَ فِي النَّقْصِ وَأَسَاءَ وَظَلَمَ أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رواية الاكثرين فمن زاد فقد اساء وظلم وَلَمْ يَذْكُرُوا النَّقْصَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً فَلَيْسَتْ مَعْصِيَةً قَالَ وَمَعْنَى أَسَاءَ تَرَكَ الْأَوْلَى وَتَعَدَّى حَدَّ السُّنَّةِ: وَظَلَمَ أَيْ وَضَعَ الشئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ

رضى الله عنه في الام أحب يَتَجَاوَزَ الثَّلَاثَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَضُرَّهُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَضُرَّهُ أَيْ لا يأتم قَالَ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ قَالَ وَلَيْسَ ظاهر الْمَذْهَبُ هَذَا وَالْمُرَادُ بِالْإِسَاءَةِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ التحريم لانه يستعمل أساء فيهما لَا إثْمَ فِيهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وجها في تحريم الزيادة قال وليس بشئ وقال الماوردى الزيادة علي الثلاث لاتسن وَهَلْ تُكْرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الاسفراينى لَا تُكْرَهُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا تُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ لَا أُحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثٍ فَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى لَمْ أَكْرَهْهُ أَيْ لَمْ أُحَرِّمْهُ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ (وَالثَّانِي) لَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ لَكِنَّهَا خِلَافُ الْأُولَى (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي كتاب الوضوء بين النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضَ الوضوء مرة وتوضأ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَلَمْ يَزِدْ قَالَ وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * (فَرْعٌ) الْمَشْهُورُ فِي كتب الفقه وشروح الحديث وغيرها لا صحابنا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَعْنَاهُ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا وغيرهم مع كثرة كتبهم وحكاياتهم الوجوه الْغَرِيبَةُ وَالْمَذَاهِبُ الْمَشْهُورَةُ وَالْمَهْجُورَةُ الرَّاجِحَةُ وَالْمَرْجُوحَةُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الكبير يحتمل أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْصِ نَقْصُ الْعُضْوِ يَعْنِي لَمْ يستوعبه

وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْعُضْوِ وَهِيَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَبَقَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَقَدَ فِيهِ با بين أَحَدُهُمَا بَابُ اسْتِحْبَابِ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْعَضُدِ: وَالثَّانِي بَابُ الْإِشْرَاعِ فِي السَّاقِ وَذَكَرَ فِيهِمَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ عَنْ الثَّلَاثِ إسَاءَةً وَظُلْمًا وَمَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قُلْنَا ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ * (فَرْعٌ) إذَا شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حُكْمِ الْيَقِينِ وَأَنَّهُمَا غَسْلَتَانِ فَيَأْتِي بِثَالِثَةٍ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا جَرَى وَلَا يَأْتِيَ بِأُخْرَى لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الرَّابِعَةِ وَهِيَ بِدْعَةٌ وَالثَّالِثَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَوْلَى مِنْ اقْتِحَامِ بِدْعَةٍ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ لِيَتَيَقَّنَ أَدَاءَ الْفَرْضِ وَالشَّكُّ هُنَا لَيْسَ فِي فَرْضٍ * وَالْوَجْهُ الثَّانِي يغسل

أُخْرَى كَالصَّلَاةِ: وَالْبِدْعَةُ إنَّمَا هِيَ تَعَمُّدُ غَسْلَةٍ رَابِعَةٍ بِلَا سَبَبٍ مَعَ أَنَّ الرَّابِعَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً فَلَيْسَتْ مَعْصِيَةً هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ لَوْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ الْأَعْضَاءَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَهَا مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ عَادَ كَذَلِكَ ثَالِثَةً لَمْ يَجُزْ (1) قَالَ وَلَوْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ جَازَ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ مُتَبَاعِدَانِ يَنْفَصِلُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ: وَأَمَّا الْفَمُ وَالْأَنْفُ فَكَعُضْوٍ فَجَازَ تَطْهِيرُهُمَا مَعًا كَالْيَدَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجب أن يرتب الوضوء فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه وحكي أبو العباس ابن القاص قولا آخر انه ان نسى الترتيب جاز والمشهور هو الاول والدليل عليه قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الي المرافق) الآية فأدخل المسح بين الغسل وقطع حكم النظير عن النظير فدل على أنه قصد ايجاب الترتيب ولانه عبادة يشتمل على أفعال متغايرة يرتبط بعضها ببعض فوجب فيها الترتيب كالصلاة والحج) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ صَحَّ فَهُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ عَمْدًا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ بِلَا خِلَافٍ (2) وَإِنْ نَسِيَهُ فَطَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ القطع ببطلان وضوءه (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ بُطْلَانُهُ وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهُ وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُمَا فِي فَرْعٍ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ ان شاء الله تعالى:

_ (1) معنى قوله لم يجز أي لم يحصل له سنة التثليث لا أنه يحرم لا يصح وضوءه اه اذرعي (2) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط ورأيت في كتاب الترتيب للشيخ ابي الحسن محمد بن خفيف الطرسوسي حكاية قول قديم أن الترتيب لم يجب وقال في البيان وهو اختيار الشيخ أبي نصر في المعتمد اه اذرعي

وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا أَقْوَالٌ وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ أَرْكَانِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ: وَقَوْلُهُ مُتَغَايِرَةٌ يَعْنِي فَرْضًا وَنَفْلًا وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وقيل قوله أفعل مُتَغَايِرَةٌ كِلَاهُمَا احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعْنَاهُ إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا مِمَّا حرم على المحدث حتى يتم وضؤه وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمُخْرَجِ عِبَادَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَا تَقِفُ صِحَّةُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ بَدَنِ الْجُنُبِ جَبِيرَةٌ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ مَسْحًا وَغَسْلًا وَلَا يَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ وَقَوْلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إيجَابَ التَّرْتِيبِ مَعْنَى قَصَدَ أَرَادَ فَأُطْلِقَ الْقَصْدُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَبُسِطَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ نِسْيَانَ تَرْتِيبِ الوضوء هل يكون عذرا وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَمِثْلُهُ لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَوَضَّأَ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ الْإِنَاءَ النَّجِسَ أَوْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ شَجَرًا أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ مَرِضَ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَعْضُوبٌ فَأَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَبَرِئَ أَوْ غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ أَوْ بَاعَهُ حَيَوَانًا عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَبَانَ حِمَارًا أَوْ عَكْسَهُ فَفِي كُلِّ هذه المسائل خلاف والاصح أنه

لا يعذر في شئ مِنْهَا وَالْخِلَافُ فِي بَعْضِهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي بَعْضِهَا وَالْخِلَافُ فِي كُلِّهَا قَوْلَانِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْوُقُوفِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ وَجْهَانِ وَمِثْلُهُ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُعْذَرُ: مِنْهَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ خَلْفَ زَيْدٍ هَذَا فَكَانَ عَمْرًا أَوْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا أَوْ صَلَّى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَكَانَ امْرَأَةً وَعَكْسُهُ أَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ وَهُوَ يَظُنُّهُ حَيًّا فَكَانَ مَيِّتًا أَوْ شَرَطَ فِي الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ نَسَبًا أَوْ وَصْفًا فَبَانَ خِلَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْمَشْرُوطِ أَمْ لَا. وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَقْصُودِي بِهَذَا الْفَرْعِ وَشَبَهِهِ جَمْعُ النَّظَائِرِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الضَّوَابِطِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تريب الْوُضُوءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجِبُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وبه قال سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأصحابهما والمزني وداود واختاره ابن المنذر قال صاحب البيان واختاره أبو نصر البندنجى

مِنْ أَصْحَابِنَا * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِآيَةِ الْوُضُوءِ وَالْوَاو لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَكَيْفَمَا غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ أَعْضَاءَهُ كان ممتثلا للامر قالوا وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا تَرْتِيبٌ كَالْجَنَابَةِ وَكَتَقْدِيمِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَالْمِرْفَقِ عَلَى الْكَعْبِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ارْتَفَعَ حَدَثُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ قَالُوا وَفِيهَا دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ وَعَادَةُ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ مُتَجَانِسَةً وَغَيْرَ مُتَجَانِسَةٍ جَمَعَتْ الْمُتَجَانِسَةَ عَلَى نَسَقٍ ثُمَّ عَطَفَتْ غَيْرَهَا لَا يُخَالِفُونَ ذَلِكَ إلَّا لِفَائِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّرْتِيبُ واجبا لما قطع النظيره فَإِنْ قِيلَ فَائِدَتُهُ اسْتِحْبَابُ التَّرْتِيبِ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ لَا لِلْمَسْنُونِ فَلَيْسَ فِيهَا شئ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ * الدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مَذْهَبَ الْعَرَبِ إذَا ذَكَرَتْ أَشْيَاءَ

وَعَطَفَتْ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ تَبْتَدِئُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ لَا يُخَالَفُ ذَلِكَ إلَّا لِمَقْصُودٍ فَلَمَّا بَدَأَ سُبْحَانَهُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَقَالَ فاغسلوا وجوهكم وامسحوا برؤسكم وَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْآيَةِ دَلِيلَيْنِ آخَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمَا إلَّا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِهِمَا لِئَلَّا يُعَوَّلَ عَلَيْهِمَا: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْفَرَّاءِ وَثَعْلَبٍ وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاسْتَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةُ الدَّلَالَةِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ ضَعِيفٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ صَارَ عُلَمَاؤُنَا إلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ وَتَكَلَّفُوا نَقْلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِأَمْثِلَةٍ فَاسِدَةٍ قَالَ وَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِهِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَمَنْ ادَّعَاهُ فَهُوَ مُكَابِرٌ فَلَوْ اقْتَضَتْ لَمَا صَحَّ قَوْلُهُمْ تَقَاتَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو كَمَا لَا يَصِحُّ تَقَاتَلَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو وَهَذَا الَّذِي قاله الامام هو الصواب المعروف لا هل الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ * الدَّلِيلُ الثَّانِي نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فَعَقَّبَ الْقِيَامَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ بِالْفَاءِ وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا خِلَافٍ وَمَتَى وَجَبَ تَقْدِيمُ الْوَجْهِ تَعَيَّنَ التَّرْتِيبُ إذْ لَا قَائِلَ بِالتَّرْتِيبِ فِي الْبَعْضِ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ وَاشْتِبَاهٌ فَاخْتَرَعَهُ وَتُوبِعَ عَلَيْهِ تَقْلِيدًا وَوَجْهُ بطلانه ان الفاء وان اقتضت التريب لَكِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ مع ما دخلت عليه كشئ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْوَاوِ فَمَعْنَى الْآيَةِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا الْأَعْضَاءَ فَأَفَادَتْ الْفَاءُ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا مما يعلم بالبديهة ولا شك في أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْتَ السُّوقَ فَاشْتَرِ خُبْزًا وَتَمْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ تَقْدِيمُ الْخُبْزِ بَلْ كَيْفَ اشْتَرَاهُمَا كَانَ مُمْتَثِلًا بِشَرْطِ كَوْنِ الشِّرَاءِ بَعْدَ دُخُولِ السُّوقِ كَمَا أَنَّهُ هُنَا يَغْسِلُ الْأَعْضَاءَ بَعْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ * واحتج الاصحاب من السنة بالاحاديث الصحية الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّهُمْ وَصَفُوهُ مُرَتَّبًا مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِفَاتِهِ فِي مَرَّةٍ وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثٍ

وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ صِفَةٌ غَيْرُ مُرَتَّبَةٍ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَوْ جَازَ تَرْكُ التَّرْتِيبِ لَتَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا تَرَكَ التَّكْرَارَ فِي أَوْقَاتٍ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْتِيبِ صَرِيحًا بِحَرْفِ ثم لكنه ضعيف غير معروف (1) * واجتجوا مِنْ الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ مُتَغَايِرَةٍ إلَخْ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى أَفْعَالٍ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَوَجَبَ تَرْتِيبُهَا كَالصَّلَاةِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ فَإِنْ قَالُوا الْوُضُوءُ لَيْسَ عِبَادَةً فَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ عِبَادَةً فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا دَلِيلٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ جميع بدن الجنب شئ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهُ كَالْوَجْهِ بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَغَايِرَةٌ مُتَفَاصِلَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بدن الجنب شئ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَوْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ الوجه إلى اليد لم يجزه: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَأَطْلَقَ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ وَلَوْ وَجَبَ تَرْتِيبُهُمَا لَقَالَ وايمانكم: والثاني ان اليدين كعضو لا نطلاق اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا فَلَمْ يَجِبْ فِيهِمَا تَرْتِيبٌ كَالْخَدَّيْنِ بِخِلَافِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْدِثُ إذَا انْغَمَسَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ فَهُوَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَرْتَفِعُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ مَنَعَ كَمَا سَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ قَرِيبًا

_ (1) احتج البيهقي للترتيب بالحديث الصحيح ابدوا بما بدأ الله به وإذا وجب البداءة بالوجه تعين الترتيب كما سبق وهذا توجيه حسن فان الخبر وان خرج على سبب خاص فان الصحيح ان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اه اذرعي

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ مَنَعْنَا فَذَاكَ: وَإِلَّا فَالتَّرْتِيبُ يَحْصُلُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ فَالْأَصْغَرَ أَوْلَى: وَذَكَرَ امام الحرمين في الا ساليب الْأَدِلَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْوُضُوءُ يَغْلِبُ فِيهِ التَّعَبُّدُ وَالِاتِّبَاعُ لِأَنَّا إذَا أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْخُشُوعُ وَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ولم يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أحد من أصحابه تنكييس الْوُضُوءِ وَلَا التَّخْيِيرُ فِيهِ وَلَا التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَازِهِ وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْ فِعْلِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ إلَّا التَّرْتِيبُ كَمَا لَمْ يُنْقَلْ فِي أركان الصلاة الا التريب وَطَرِيقُهُمَا الِاتِّبَاعُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ تَقْدِيمَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان غسل أربعة أنفس أعضاءه الاربعة دفعة واحدة لم يجزيه الاغسل الوجه لانه لم يرتب) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ رَجُلَيْنِ لِيَحُجَّا عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةَ نَذْرٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَحَجَّا فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْحَجَّتَانِ عَلَى الصحيح المنوص: وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ التَّرْتِيبُ وَلَمْ يَحْصُلْ وَفِي الْحَجِّ أَلَّا يُقَدَّمَ عَلَى حَجَّةِ الاسلام غيرها ولم يقدم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْدِثٌ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ونوى الغسل ففيه وجهان أحدهما انه يجزيه لانه إذا جاز ذلك عن الحدث الا على فَلَأَنْ يَجُوزَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَدْنَى أَوْلَى * وَالثَّانِي لا يجزيه وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَرْتِيبًا وَاجِبًا بِفِعْلِ ما ليس بواجب) * (الشَّرْحُ) إذَا غَسَلَ الْمُحْدِثُ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِنِيَّةِ الغسل كما ذكره المصنف وغيه أَوْ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَغْسِلَ بَدَنَهُ مُنَكِّسًا لَا عَلَى تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَهَلْ

يُجْزِيهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِيهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ وَيَمْكُثَ زَمَانًا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْزِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْغَمِسَ وَلَا يَمْكُثَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ الصِّحَّةُ وَيُقَدَّرُ التَّرْتِيبُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِيمَا سِوَى الْوَجْهِ: وَأَمَّا الْوَجْهُ فَيُجْزِيهِ فِي جَمِيعِهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْخِلَافُ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْزِيهِ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يُجْزِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ التَّرْتِيبِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا أَمْ يَخْتَصُّ حُلُولُهُ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا يَحِلُّ الْجَمِيعُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِالْأَصْلِ وَإِلَّا فَلَا: وَسَأُوَضِّحُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ وَقَالَ صَاحِبُ المستظهرى هذا البناء فاسدو الله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّرْتِيبِ إحْدَاهَا إذَا تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا فَبَدَأَ بِرِجْلَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا الْوَجْهُ إنْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ فَإِنْ تَوَضَّأَ منكسا ثانيا وثالثا ورابعا ثم وضؤه وَلَوْ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ أَحَدَ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْوَجْهُ وَلَوْ تَرَكَ مَوْضِعًا مِنْ وَجْهِهِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَأَعَادَ مَا بَعْدَ الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ اسْتَأْنَفَ الْجَمِيعَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّرْتِيبِ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَسْنُونَةِ وَهِيَ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثُمَّ الْمَضْمَضَةُ ثُمَّ الِاسْتِنْشَاقُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَسْنُونٌ كَتَقْدِيمِ الْيَمِينِ فَلَوْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ علي الكفين أو الاستنشاق علي

المضمضة حص كل ذَلِكَ. وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَا قَدَّمَهُ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي أَرْكَانِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَهُوَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ الْوَاجِبَةُ وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الشِّمَالِ وَقِسْمٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ الْمَسْنُونُ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ قَوْلُ اللَّهِ تعالى (فآمنوا بالله ورسوله) قَالَ لَوْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إيمَانُهُ (الرَّابِعَةُ) ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مَسْأَلَةً التَّلْخِيصِ وَفُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَبَسَطُوهَا وَصُورَتُهَا جُنُبٌ غَسَلَ بَدَنَهُ كُلَّهُ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَالُوا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ الْحَدَثِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دون

رِجْلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ مُرَتِّبًا فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الرِّجْلَيْنِ إنْ شَاءَ غَسَلَهُمَا قَبْلَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ بَيْنَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حُكْمُ الْحَدَثِ بِالرِّجْلَيْنِ لِبَقَاءِ الْجَنَابَةِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا أَثَّرَ في الاعضاء الثلاثة لطهارتها قال صاحب التخليص وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةِ وَآخَرُونَ لَا نَظِيرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُ الْأَعْضَاءِ بَلْ يَغْسِلُهَا كَيْفَ شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ ثُمَّ أَحْدَثَ وَجَبَ تَرْتِيبُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو محمد في الفروق وله إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْضًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ صِفَةِ الغسل والمذهب الاولى: هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ حَدَثٌ وَجَنَابَةٌ انْدَرَجَ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ: فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَنْدَرِجُ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ عَنْ الْحَدَثَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ هُنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنْ الْحَدَثِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَرَّةً عَنْ الْجَنَابَةِ يَفْعَلُهَا مَتَى شَاءَ: وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يَنْدَرِجُ التَّرْتِيبُ وَيَنْدَرِجُ مَا سِوَاهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَكِنْ مُرَتَّبَةً وَجَبَ هُنَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ هَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الِانْدِرَاجُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ قِيلَ الْأَصْغَرُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ

الْأَكْبَرِ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ بِكَمَالِهِمَا فَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ طَرَأَ الْحَدَثُ فَالْوُضُوءُ الْآنَ أَكْمَلُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْغُسْلِ: قُلْنَا مِنْ هَذَا خَرَّجَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَ الَّذِي قَالَهُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَيُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَلَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَحُكْمُ الْجَنَابَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَغْلَبُ وَهُوَ بِأَنْ يُسْتَتْبَعَ أَوْلَى قَالَ فَلَوْ نَسِيَ حُكْمَ الْجَنَابَةِ فِي رِجْلَيْهِ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ تَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ عَنْ رِجْلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ أَعْيَانَ الْأَحْدَاثِ لَا أَثَرَ لَهَا فَلَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهَا وَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَرْتَفِعُ فيهما لانها أغلط مِنْ الْحَدَثِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ وَلَوْ غَسَلَ كُلَّ الْبَدَنِ إلَّا يَدَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَا تَرْتِيبَ فِي يَدَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فَلَهُ غَسْلُهُمَا مَتَى شَاءَ وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَرْكِ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ تَرْكِ عُضْوَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلْقَى فِي الْمُعَايَاةِ عَلَى أَوْجُهٍ فَيُقَالُ وُضُوءٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ مَعَ وُجُودِهِمَا مَكْشُوفَتَيْنِ بِلَا عِلَّةٍ فِيهِمَا وَهَذِهِ صُورَتُهُ كَمَا سَبَقَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيُقَالُ مُحْدِثٌ اقْتَضَى حَدَثُهُ طَهَارَةَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ بَعْضٍ مَعَ سَلَامَتِهَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَيُقَالُ وُضُوءٌ سَقَطَ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِرِجْلَيْهِ لَكِنْ نَقَلَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ غلطوه وقالوا ليس هذا وضوء بِلَا تَرْتِيبٍ بَلْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْكَارُ الْأَصْحَابِ إنْكَارٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (ويوالى بين اعضائه فان فرق تفريقا يسير الم يضر لانه لا يمكن الاحتراز منه وان كان تفريقا كثيرا وهو بقدر ما يجف الماء على العضو في زمان معتدل ففيه قولان قال في القديم لا يجزيه لانها عبادة يبطلها الحدث فابطلها التفريق كالصلاة وقال في الحديث يجزيه لانها عبادة لا يبطلها التفريق القليل فلا يبطلها التفريق الكثير كتفرقة الزكاة فإذا قلنا إنه يجوز فهل يلزمه استئناف النية فيه وجهان احدهما يلزمه لانها انقطعت بطول الزمان والثاني لا يستأنف لانه لم

يقطع حكم النية فلم يلزمه الاستئناف) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ عِبَادَةٌ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْقَلِيلُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ كَمَا يُبْطِلُهَا الْكَثِيرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ تَفْرِيقُ الصَّلَاةِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَبِينُ ذَلِكَ إلَّا فِي تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَصْدًا فَتَفْرِيقُ الصَّلَاةِ هُوَ تَطْوِيلُ رُكْنٍ قَصِيرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ التَّفْرِيقُ الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ هُوَ أَنْ يُسَلِّمَ نَاسِيًا وَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ مَثَلًا وَيَذْكُرَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا سَبَبَ لِبُطْلَانِهَا إلَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ غَيْرُ مُصَلٍّ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ كَمَا عُفِيَ عَنْ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّلَاةِ: وَيُقَالُ زَمَانٌ وَزَمَنٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْقَلِيلُ إلَى آخِرِهِ يُنْتَقَضُ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ التَّفْرِيقُ الْفَاحِشُ دُونَ الْقَلِيلِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بَيْنَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَا يَضُرُّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَدَلِيلُهُمَا ما ذكره المصنف رحمه الله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ فَرَّقَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَوْلَانِ فِي تَفْرِيقٍ بِلَا عُذْرٍ: أَمَّا التَّفْرِيقُ بِعُذْرٍ فَلَا يَضُرُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ الْفُورَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَ فِي الْقَدِيمِ تَفْرِيقَ الصَّلَاةِ بِالْعُذْرِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي فَالطَّهَارَةُ أَوْلَى ثُمَّ مِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يفرغ ماوءه فيذهب لتحصيل غيره أو خاف من شئ فَهَرَبَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَلْ

النِّسْيَانُ عُذْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ فَطَوَّلَ الْأَرْكَانَ الْقَصِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُصَلٍّ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ وَتَارِكُ الْوُضُوءِ لَيْسَ مُشْتَغِلًا بِعِبَادَةٍ. وَفِي ضَبْطِ التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا مَضَى بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ زَمَنٌ يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ الْمَغْسُولُ مَعَ اعْتِدَالِ الزَّمَانِ وَحَالِ الشَّخْصِ فَهُوَ تَفْرِيقٌ كثيرو الا فَقَلِيلٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَأَخُّرِ الْجَفَافِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَلَا بِتَسَارُعِهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا بِحَالِ الْمَبْرُودِ وَالْمَحْمُومِ وَيُعْتَبَرُ التَّفْرِيقُ مِنْ آخِرِ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ اشْتَغَلَ لَحْظَةً ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بَعْدَ جَفَافِ الْوَجْهِ وَقَبْلَ جَفَافِ الْيَدِ فَتَفْرِيقٌ قَلِيلٌ وَإِذَا غَسَلَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَالِاعْتِبَارُ مِنْ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِمَعْنَى هذه الجملة الشيخ أبو حامد والبند نيجي وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارَ اعْتِدَالِ حَالِ الشَّخْصِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَمَتَى كَانَ فِي غَيْرِ حَالِ الِاعْتِدَالِ قُدِّرَ بِحَالِ الِاعْتِدَالِ وَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ يُقَدَّرُ لَوْ كَانَ مَاءً * (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) * التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ هُوَ الطَّوِيلُ الْمُتَفَاحِشُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ حِكَايَةِ شَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَا حَكَاهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا * (والوجه الثالث) * يوءخذ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ مِنْ الْعَادَةِ * (وَالرَّابِعُ) * أَنَّ الْكَثِيرَ قَدْرٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمَامُ الطَّهَارَةِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ هَذَا حُكْمُ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا كَالْوُضُوءِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا * (وَالثَّانِي) * لَا يَضُرُّ تَفْرِيقُهُمَا قَطْعًا * (وَالثَّالِثُ) * الْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَيَبْطُلُ قَطْعًا وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا لَيْسَ بشئ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا كَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ الْكَثِيرَ فَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ الْأُولَى مستصحبة فبنى علي وضوءه وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا أَجْزَأَهُ: وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عُزِّبَتْ فَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللذان

ذكرها الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ اُخْتُلِفَ فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ الْوُجُوبَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أبو حامد وصحح الا كثرون عَدَمَ الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذا قلنا يجب تجديد النية قجددها وبني ففى صحة وضؤه وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ هَذَا الْبِنَاءَ: أَمَّا إذَا فَرَّقَ تَفْرِيقًا يَسِيرًا وَبَنَى فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ إذَا فَرَّقَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا لِعُذْرٍ جَازَ الْبِنَاءُ بِلَا نِيَّةٍ قَطْعًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الْعُذْرِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ الْمُتَفَرِّقَ بِالْعُذْرِ لَهُ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّفْرِيقُ بِلَا عُذْرٍ كَالتَّوْهِينِ لِلنِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ. قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والنخعي وسفيان الثوري وأحمد في رواية وداود وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضُرُّ التَّفْرِيقُ وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَرَبِيعَةَ

وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ إنْ فَرَّقَ بِعُذْرٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا * وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْمُوَالَاةَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَعَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وضؤك فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ فَعَلَ ذلك أعد وضؤك وَفِي رِوَايَةٍ اغْسِلْ مَا تَرَكْتَ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ لم يُوجِبُ الْمُوَالَاةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَلَمْ يُوجِبْ مُوَالَاةً وَبِالْأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى جِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وضؤه وَصَلَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَشْهُورٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا دَلِيلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ بِحَضْرَةِ حَاضِرِي الْجِنَازَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ * وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خَالِدٍ أَنَّهُ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ عُمَرَ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ وَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رِوَايَتَانِ (1) إحْدَاهُمَا للاستحباب والاخري للجواز والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب لمن فرغ من الوضوء أن يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك له وأن

_ (1) هذا الجواب عن الاثر صحيح ويدل عليه ان مذهب عمر رضي الله عنه عدم وجوب الموالاة كما سبق اه اذرعي

محمدا عبده ورسوله لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وضؤه ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صادقا من قلبه فتح الله له ثمانية ابواب من الجنة يدخلها من أي باب شاء ويستحب أيضا أن يقول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ الا أنت أستغفرك وأتوب اليك لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من توضأ وقال سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ الا أنت أستغفرك وأتوب اليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يفتح إلى يوم القيامة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ لَكِنَّ فِي الْمُهَذَّبِ تَغْيِيرَاتٍ فِيهِ فَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فقال اشهد أن لا اله اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ كَاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا قَوْلَهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ وَرُوِيَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي

زَادَهَا التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عُمَرَ وَرَوَى أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسول فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ دَخَلَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ ماجه باسناده ضَعِيفٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ: وَفِي سنن الدارقطني عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ غُفِرَ لَهُ ما بين الوضوء ين وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَبِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي خُدْرَةَ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَكَانَ أَبُوهُ مَالِكٌ صَحَابِيًّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ تُوُفِّيَ أَبُو سَعِيدٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ: وَقَوْلُهُ كُتِبَ فِي رَقٍّ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالطَّابَعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَهُوَ الْخَاتَمُ وَمَعْنَى طُبِعَ خُتِمَ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفْتَحْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعْنَاهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إبْطَالٌ وَإِحْبَاطٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الْفَرَاغِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ هَذَا الذِّكْرَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَيَقُولُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد وعلى آل محمد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ لَا يَنْفُضَ يَدَهُ لقوله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ ثم فلا تنفضوا أيديكم) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ضِدَّهُ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَاوَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وفي رواية مسلم أتيته بالمنديل فلم يمسك وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّفْضِ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُ النَّفْضِ وَلَا يُقَالُ النَّفْضُ مَكْرُوهٌ (1) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّالِثُ) مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا نَفْضَ الْيَدِ وَأَظُنُّهُمْ رَأَوْهُ مباحا فتركوه فمن لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ حديث ميمونة ولم يثبت في النهى شئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم غلامي الْجَنَابَةِ فَأَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى فَإِنْ تَنَشَّفَ جَازَ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ (1) قَالَ ابن كج في التجريد قال الشافعي استحب له إذا توضأ أن لا ينفض يديه اه وإذا كان هذا هو المنصوص والمذهب ولا يلزم من ترك ذكره ان يكون الراجح خلافه فقد قطع به ايضا خلائق من الاصحاب منهم المصنف في المنهاج والله اعلم بالصواب اه من هامش الاذرعي

فوضعا لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَالْتَحَفَ بِهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ) (الشَّرْحُ (أَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَحَدِيثُ قَيْسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَكِتَابِ اللِّبَاسِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْغُسْلِ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ مُخْتَلِفٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ فِي التَّنْشِيفِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ ينشف بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ شئ وقول ميونة أَدْنَيْت أَيْ قَرَّبْتُ وَقَوْلُهَا غُسْلًا هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ مَا يُغْتَسَلُ بِهِ وَلَفْظَةُ الْغُسْلِ مُثَلَّثَةٌ فَهِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُغْسَلُ به الرأس من سدر وخطمى ونحوها وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى الِاغْتِسَالِ وَبِضَمِّهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَاءِ فَحَصَلَ فِي الْفِعْلِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُقَالُ إلَّا بِالْفَتْحِ وَغَلَّطُوا الْفُقَهَاءَ فِي قَوْلِهِمْ بَابُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ بِالضَّمِّ وَهَذَا الْإِنْكَارُ غَلَطٌ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمِلْحَفَةُ وَالْمِنْدِيلُ بِكَسْرِ مِيمِهِمَا فَالْمِلْحَفَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِالْتِحَافِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ وَالْمِنْدِيلُ مِنْ النَّدْلِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَهُوَ الْوَسَخُ

لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ لَعَلَّهُ مِنْ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقَوْلُهُ وَرْسِيَّةٍ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِلْحَفَةٌ وَرِيسَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ سِينٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَمَعْنَاهُ مَصْبُوغَةٌ بِالْوَرْسِ وَهُوَ ثَمَرٌ أَصْفَرُ لِشَجَرٍ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُصْبَغُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ: وَقَوْلُهُ عَلَى عُكَنِهِ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْكَافِ جَمْعُ عُكْنَةٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ الْعُكَنُ الْأَطْوَاءُ فِي بطن المرأة من السمن وتعكن الشئ إذَا رُكِمَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ مُصَنِّفِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ إنْكَارًا عَلَى الْمُصَنِّفِ قَالَ قَوْلُهُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا النكار غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الحديث مصرح بها في الرواية النسائي والبيهقي * وأما ميمونة رواية الحديث فهي أم المؤمنين ميمونة الحارث الهلالية كان اسمها برة فسمها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَالْمَيْمُونُ الْمُبَارَكُ مِنْ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ وَهِيَ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ

بَسَطْتُ أَحْوَالَهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * وَأَمَّا قَيْسٌ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدُ الْمَلِكِ وَقِيلَ أَبُو الْفَضْلِ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وفتح اللام الانصاري وكان قيس وآباوءه الثَّلَاثَةُ يُضْرَبُ بِهِمْ الْمَثَلُ فِي الْكَرَمِ وَقَيْسٌ وَسَعْدٌ صَحَابِيَّانِ تُوُفِّيَ قَيْسٌ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا حُكْمُ التَّنْشِيفِ فَفِيهِ طُرُقٌ مُتَبَاعِدَةٌ لِلْأَصْحَابِ يَجْمَعُهَا خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُطَّلِعِينَ (والثاني) يكره النتشيف حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ قَالَهُ

أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (وَالرَّابِعُ) يُسْتَحَبُّ التَّنْشِيفُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ غُبَارٍ نَجِسٍ وَغَيْرِهِ حكاه الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ كُرِهَ التَّنْشِيفُ وَإِنْ كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَلَا لِعُذْرِ الْبَرْدِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ التَّنْشِيفُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى التَّنْشِيفِ لِخَوْفِ بَرْدٍ أَوْ الْتِصَاقٍ بِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْمِلُ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَنَشَّفُ بِهِ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْمُتَطَهِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي التَّنْشِيفِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَال التَّنْشِيفُ مَكْرُوهٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَةَ التَّنْشِيفِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَحَكَى كَرَاهَتَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرَاهَتُهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَالْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ النِّيَّةُ وَغَسْلُ الْوَجْهِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ وَأَضَافَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ الْمُوَالَاةَ فَجَعَلَهُ سَبْعَةً وَسُنَنُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَإِدْخَالُ الْمَاءِ فِي صماخيه وتخليل أصابع الرجل وَتَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْمَيَامِنِ وَالتَّكْرَارُ وَزَادَ

أبو العباس بن القاص مسح العنق مسح الاذنين فجعله ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى وضؤه فيقول عند الغسل الْوَجْهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوهُ وَعَلَى غَسْلِ الْيَدِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَلَا تُعْطِنِي بِشِمَالِي وَعَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ وَعَلَى مَسْحِ الْأُذُنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قدمى على الصراط فجعله أربع عشرة) * (الشَّرْحُ) أَمَّا وَاجِبَاتُ الْوُضُوءِ فَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَجِبُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ جُزْءٍ مِمَّا يُجَاوِرُهُ لِيَتَحَقَّقَ غَسْلُ الْوَجْهِ بِكَمَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ غَسْلُ الْوَجْهِ لان مرادهم الغسل المجزى وَلَا يُجْزِئُ إلَّا بِذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَاءَ الطَّهُورَ فَرْضًا آخَرَ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي السُّنَنِ مِنْهَا التَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (1) وقد قدمنا في أول الباب وجها أنها سُنَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ لَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ وتطويل الغرة أراد به غسل من فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَفِيهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ وَقَوْلُهُ الابتدإ بِالْمَيَامِنِ يَعْنِي فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ دُونَ الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ وَالتَّكْرَارُ يَعْنِي فِي الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ كَمَا سبق وقولة وزاد أبو العباس ابن الْقَاصِّ مَسْحَ الْعُنُقِ هَذَا قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ القاضي فِي كِتَابِهِ الْمِفْتَاحُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِيهِ أَشَدَّ اخْتِلَافٍ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِأَلْفَاظِهِمْ مُخْتَصَرًا ثُمَّ أُلَخِّصَهُ وَأُبَيِّنَ الصَّوَابَ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَسْحُ الْعُنُقِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا وَرَدَتْ بِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ لَيْسَ هُوَ سُنَّةً وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُوَ سُنَّةٌ وَقِيلَ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ مَسَحَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ يَمْسَحُ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الرَّأْسِ أَوْ الاذن ولا يفرد بماء وقال

_ (1) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط التسمية سنة وقال أبو حامد هيئة وفرق أبو حامد بينهما بان الهيئة ما تهيأ بها لفعل العبادة والسنة ما كانت في افعالها الراتبة وهكذا نقول في غسل الكفين قال قال صاحب الحاوي وهذه ممانعة في العبارة مع تسليم المعني وقال اسحاق وداود بوجوبها فان تركها عمدا بطلت طهارته أو سهوا فباطلة عند داود صحيحة عند اسحاق اه اذرعي

الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُ تَبَعًا لِلرَّأْسِ أَوْ الْأُذُنِ وقال الفواني يُسْتَحَبُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَحْكِي فِيهِ وجهين احدهما انه سنة والثاني أدب قال الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَرَى لِهَذَا التَّرَدُّدِ حَاصِلًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ يَمْسَحُهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَمْ بِبَاقِي بَلَلِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنِ بَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ سنة أم أدب وفيه وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَبِجَدِيدٍ وَإِلَّا فَبِالْبَاقِي وَالسُّنَّةُ وَالْأَدَبُ يَشْتَرِكَانِ فِي النَّدْبِيَّةِ لَكِنَّ السُّنَّةَ تَتَأَكَّدُ قَالَ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ مَسْحَهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَمَيْلُ الْأَكْثَرِينَ إلَى مِسْحِهِ بِالْبَاقِي هَذَا مُخْتَصَرُ مَا قَالُوهُ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُسَنُّ مَسْحُهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ * (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَلَا يُقَالُ مَسْنُونٌ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنِ (وَالرَّابِعُ) لَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الرَّابِعُ هُوَ الصَّوَابُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مُتَابَعَةً لِابْنِ الْقَاصِّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ

مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (1) وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّ مَسْحَ (2) الرَّقَبَةِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ فَغَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا مَوْضُوعٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَذَكَرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَزَادَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ اسْقِنِي مِنْ حَوْضِ نَبِيِّك كَأْسًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ لا تحرمنى رائحة نعيمك وجناتك قال ويقول عند الرأس اللهم أظني تَحْتَ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّكَ وَقَوْلُهُ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ عَلَى الصِّرَاطِ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالصِّرَاطُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَبِإِشْمَامِ الزاى ثلاث لغات وقراآت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَكَذَا ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ زاد بَعْضُهُمْ زِيَادَاتٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الزِّيَادَاتِ وَأَنَا أُلَخِّصُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَضْبِطُهُ ضَبْطًا وَاضِحًا مُخْتَصَرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحْذِفُ أَدِلَّةَ مَا أَذْكُرُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِيَقْرُبَ ضَبْطُهَا وَيَسْهُلَ حِفْظُهَا فأقول: سنن الوضوء ومستحباته منها استقبل الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَجْلِسَ فِي مَكَان لَا يَرْجِعُ رَشَاشُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَأَنْ يَجْعَلَ الْإِنَاءَ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ وَأَنْ يَنْوِيَ مِنْ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِهَا وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَلَفْظِ اللِّسَانِ وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالتَّسْمِيَةُ وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غُرَفٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَالسِّوَاكُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالِاسْتِنْثَارُ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَنْ يَبْدَأَ فِي الْوَجْهِ بِأَعْلَاهُ وَفِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِالْأَصَابِعِ وَيَخْتِمَ بِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ وَيَبْدَأُ فِي الرَّأْسِ بِمُقَدَّمِهِ وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ الْمَاقَيْنِ بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَأَنْ يُدَلِّكَ الْأَعْضَاءَ وَيُحَرِّكَ الْخَاتَمَ وَيَتَعَهَّدَ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْعَقِبِ وَأَنْ يُخَلِّلَ اللِّحْيَةَ وَالْعَارِضَ الْكَثِيفَيْنِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَإِطَالَةُ التَّحْجِيلِ وَمَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَمَسْحُ الصِّمَاخَيْنِ وَغَسْلُ النَّزَعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَكَذَا مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ وَالصُّدْغُ إذَا قُلْنَا هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لِلْخُرُوجِ من الخلاف وتخليل الاصابع والابتدأ باليد

_ (1) قلت ان لم يكن ضعف هذا الحديث الا كونه من رواية ليث بن ابي سليم فهو ضعيف محتمل فان ليثا رحمه الله روى له مسلم مقرونا بغيره وحديثه في السنن الاربعة اعني الترمذي والنائي وابا داود وابن ماجه وروى عنه البخاري في التاريخ وفيه ضعف يسير من جهة حفطه قاله الذهبي في الكاشف وكان ذا صيام وصلاة وعلم كثير واحتج بعضهم قال أبو داود ليس به بأس وقال ابن عدي له احاديث صالحة روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من ثقات الناس ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه وقال الدارقطني صاحب سند استشهد به البخاري في الصحيح فان لم يكن للحديث علة الا كونه من رواية ليث فهو حسن ويقوي القول باستحباب مسح الرقبة اه اذرعي (2) قال ابن الاستاذ في شرح الوسيط في هذا الموضع: قال الروياني ورأيت في تصنيف الشيخ أبي الحسن أحمد بن فارس باسناده عن فليح ابن سليمان عن نافع عن ابي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من توضأ ومسح يديه على عنقه وقي الغلل يوم القيامة وهذا صحيح: هذا لفظه بحروفه اه اذرعي

وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَنْ لَا يُسْرِفَ فِي صَبِّ الْمَاءِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ منها وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَأَنْ يَقُولَ عقب الفراغ أشهد أن لا اله اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَى آخِرِ الذِّكْرِ السَّابِقِ وَأَنْ لَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ وَكَذَا لَا يَنْفُضَ يَدَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَرِهُوا الْكَلَامَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ فَلَا يُسَمَّى مَكْرُوهًا إلَّا بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ الْوُضُوءُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَنَفْلٍ وَأَدَبٍ وَكَرَاهَةٍ وَشَرْطٍ فَالْفَرْضُ سِتَّةٌ وَفِي الْقَدِيمِ سَبْعَةٌ كَمَا سَبَقَ وَالسُّنَّةُ خَمْسَةَ عَشْرَ وَذَكَرَ نَحْوَ بَعْضِ مَا سَبَقَ وَالنَّفَلُ التَّطَهُّرُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْأَدَبُ عَشَرَةٌ (1) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْعُلُوُّ عَلَى مَكَان لَا يَتَرَشَّشُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَأَنْ يَجْعَلَ الاناء عن يساره والواسع عن يَمِينِهِ وَيَغْرِفَ بِهَا وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَبْدَأَ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَبِالْكَفَّيْنِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنْ لَا يَنْفُضَ يَدَيْهِ وَلَا يُنَشِّفَ أَعْضَاءَهُ: وَالْكَرَاهَةُ ثَلَاثَةٌ الْإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ بِشَطِّ الْبَحْرِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَغَسْلُ الرَّأْسِ بَدَلَ مَسْحِهِ: وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ هَذَا كَلَامُهُ وَمُعْظَمُهُ حَسَنٌ: وَقَوْلُهُ غَسْلُ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ زَائِدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٌ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِمَا (أَحَدُهَا) وُجُودُ الْحَدَثِ فَلَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ (وَالثَّانِي) الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ جَمِيعًا وَالْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي مُوجِبِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ هَلْ هُوَ إنْزَالُ الْمَنِيِّ وَالْجِمَاعُ أَمْ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَمْ كِلَاهُمَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ بِوُجُودِ الْحَدَثِ فَهُوَ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ أَوْ أَحْدَثَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِالْفِعْلِ أَوْ الزَّمَانِ وَمَعْنَى الْفِعْلِ أَنْ يُرِيدَ قَضَاءَ فَائِتَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ لِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابن المنذر في

_ (1) الذي رأيته في نسختين باللباب وأما الادب فاثنى عشر شيئا فأهمل المصنف شيئين أحدهما ان يغترف بيمينه وان إذا استعان باحد لحاجة جعله عن يمينه وكذا هو في اصل اللباب وهو الرونق للشيخ أبي حامد والذي نقله الماوردي عن نص الشافعي ان ان المعين يكون عن يساره وبه اجاب الجرجاني في التحرير اه اذرعي

كِتَابِهِ الْإِجْمَاعِ وَآخَرُونَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ ومن في معناها فانه لا يصح وضؤها إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) أَجْمَعُوا أَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ: وَأَمَّا الحدث الاصغر ففيه وجهان لا صحابنا مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَحَدُهُمَا يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَالْجَنَابَةِ وَلَيْسَ بَعْضُ الْبَدَنِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْمُحْدِثَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ بِظَهْرِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ ولولا الْحَدَثُ فِيهِ لَمْ يُمْنَعْ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا اكتفى بغسل الاعضاء الاربعة تخفيفا لتكرره بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ: وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُخْتَصٌّ بِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا ولا يكون شئ من بدنه محدثا ولا بكفيه طَهَارَةُ مَحَلِّ الْمَسِّ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَوْ غَسَلَ وجهه ويديه لم يجز مسه بيايه مَعَ قَوْلِنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: واحتلفوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ الشَّاشِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْوُضُوءِ إلَّا فِي اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ كما سبق (الخامس) يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَإِنْ أَمَسَّهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَجْرِ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ فِي قَوْلِهِ إذَا تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءِ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى غَسْلًا مَا لَمْ يَجْرِ وَلَوْ غَمَسَ عُضْوَهُ فِي الْمَاءِ كَفَاهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى غَسْلًا (السَّادِسَةُ) مَاءُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَلَا فِي الْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ وَالْإِسْرَافُ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسَيَأْتِي هَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أعضائه شمع أو عجين أو حناء واشتباه ذلك فمنع وصول الماء الى شئ من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذَلِكَ أَمْ قَلَّ وَلَوْ بَقِيَ عَلَى الْيَدِ وَغَيْرِهَا أَثَرُ الْحِنَّاءِ وَلَوْنُهُ دُونَ عَيْنِهِ أَوْ أثر

دُهْنٍ مَائِعٍ بِحَيْثُ يَمَسُّ الْمَاءُ بَشَرَةَ الْعُضْوِ وَيَجْرِي عَلَيْهَا لَكِنْ لَا يَثْبُتُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي فَصْلِ غَسْلِ الرِّجْلِ: وَلَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَا يَجِبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْوَجْهِ (التَّاسِعَةُ) إذَا شَرَعَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَلَى غَسْلِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَتَوَقَّفُ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رأسه لم يرتفع الحدث عن شئ مِنْهَا حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ * وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ فَلَوْلَا بَقَاءُ الْحَدَثِ عَلَيْهَا لَجَازَ * وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ موجب لا زالة الْحَدَثِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الطَّهَارَةِ وَلَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهُ بِصَدْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْحَدَثُ يَخْتَصُّ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا شَرَعَ فِي الْوُضُوءِ فَشَكَّ فِي أَثْنَائِهِ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَسْلِهِ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَهَلْ هُوَ كَالشَّكِّ فِي أَثْنَائِهَا فَيَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ أَمْ لا يلزمه شئ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي فِي آخِرِ بَابِ الْأَحْدَاثِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ هُنَا وَآخَرُونَ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وُجُوبَ غَسْلِهِ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الشَّامِلِ قَالُوا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُرَادُ لِغَيْرِهَا فَلَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ الشيخ أبو حامد بأنه لا شئ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا فَقَالَ هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ * وَاحْتَجَّ الرُّويَانِيُّ لِمَا رَجَّحَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ شَكَّ فِي فَرْضٍ مِنْهَا وأراد أن يجمع االيها العصر لم بجز لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ الظُّهْرِ قَالَ وَمِثْلُهُ لَوْ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ

ثُمَّ شَكَّ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْ الْخُطْبَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ إتْمَامَ الْخُطْبَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْمِثَالَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَسَنَعُودُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ تَرْكَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يستحب لمن توضأ أن يصلي رَكْعَتَيْنِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَفِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا لان هذه لها سَبَبٌ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَذَكَرَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا النَّافِلَةُ وَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِّثْنِي بأرجأ عمل عملته في الاسلام فاني سمعت دق نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ مَا عملت عملا أرجأ عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ * وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ وَمَتَى يُسْتَحَبُّ: فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا إنْ صَلَّى بالوضوء الاول فرضا أو نفلا استحب والا فلا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ (وَالثَّانِي) إنْ صَلَّى فَرْضًا اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ فَعَلَ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ مَا يَقْصِدُ لَهُ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ فِي بَابِ الْمَاءِ واختاره (والرابع) إن صلى بالاول

أو سجده لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ أَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي مصحف اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْفُرُوقِ: وَالْخَامِسُ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ شَيْئًا أَصْلًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّجْدِيدِ زَمَنٌ يَقَعُ بِمِثْلِهِ تَفْرِيقٌ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِالْوُضُوءِ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ رَابِعَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ إذَا لَمْ يؤد بالاول كِتَابِهِ شَرْحِ الْفُرُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ بأنه يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ قَالَا وَلَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ التَّجْدِيدُ وَلَا يُكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: أَمَّا التَّيَمُّمُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يُسْتَحَبُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهِمَا إذَا لَمْ نُوجِبْ الطَّلَبَ ثَانِيًا إذَا بَقِيَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْنَا بِتَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ فَيُتَصَوَّرُ لِلنَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَكَذَا لِلْفَرِيضَةِ بَعْدَ النَّافِلَةِ إذَا قَدَّمَ النَّافِلَةَ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِأَصْلِ اسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ أَحَدُنَا يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِلتَّجْدِيدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ عَنْ حَدَثٍ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مقاوم لاحتمال التجديد فلا ترجح التجديد الا بمرجح آخر (الرابعة عشرة) إذَا تَوَضَّأَ الصَّحِيحُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ مَا لَمْ يُحْدِثْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بن بطال ى شرح صحيح البخازي عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَحَكَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ ابن حزم الظاهرى في كتابه كتاب

_ (1) قول أنس وكان احدنا يكفيه فيه اشارة إلى التجديد وهنا يرجح احتمال التجديد فهو ارجح اه أذرعي

الاجماع هذا المذهب عن عمر بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْحَاضِرِ * وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ طاهرا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الْآيَةَ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ فَقَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ رضى اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَكَلَ سَوِيقًا ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ قَالَ يُجْزِي أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَدَّمَتْ لَهُ شَاةً مَصْلِيَّةً فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ حَانَتْ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ حَانَتْ الْعَصْرُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا كَحَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَمَعْنَاهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مُحْدِثِينَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَبِتَقْرِيرِهِ أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ فَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُهُمْ اسْتَبَاحَ فَرِيضَةً وَاحِدَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَا يُبَاحُ لَهُ غَيْرُ فَرِيضَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

وَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِالْوُضُوءِ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا يَرْتَفِعُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ وَكَيْفَ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ جَرَيَانِهِ دَائِمًا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَسَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَحْدَثَ أَحْدَاثًا مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً كَفَاهُ وُضُوءٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ أَجْنَبَ مَرَّاتٍ بجماع امرأة واحدة ونسوة أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ كَفَاهُ غُسْلٌ بِالْإِجْمَاعِ سواء كَانَ الْجِمَاعُ مُبَاحًا أَوْ زِنًا وَمِمَّنْ نَقَلَ الاجماع فيه أبو محمد بن جزم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الدَّوَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَةٍ وَفِيهِمَا أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ أَنْوَاعَ الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ فَجَعَلَهَا عَشَرَةً وَزَادَ فِيهَا غَيْرُهُ فَبَلَغَ مَجْمُوعُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ نَوْعًا مِنْهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءُ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ

عِنْدَ الْأَكْلِ (1) أَوْ الشُّرْبِ (2) وَالْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَعِنْدَ الْغِيبَةِ (3) وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَتِهِ وَدِرَاسَةِ الْعِلْمِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَلِلْخُطْبَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَكَذَا لِلْجُمُعَةِ إذَا لَمْ نُوجِبْ فِيهَا الطَّهَارَةَ وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلِلسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُضُوءُ مِنْ الفصد والحاجة والقئ وأكل لجم الْجَزُورِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ * وَكَذَا يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ نَوْمٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مَسٍّ اُخْتُلِفَ فِي النَّقْضِ بِهِ وَقُلْنَا لَا يَنْقُضُ وَكَذَا فِي مَسِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى وَمَسِّهِ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ الْوُضُوءُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ طَهَارَةَ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فَيُعِيدُ الْوُضُوءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَعَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ صَلَاةً فَإِنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ مُحْدِثٌ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ شَرْعًا. وَإِنْ جَدَّدَ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ: قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا يُجَدَّدُ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَقَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ النَّذْرِ بِانْعِقَادِ نَذْرِ الوضوء وحكي وجها في انعقاد نذر نذر التيمم وهو بمني عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ فَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُ نَذْرِ الْوُضُوءِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِ التَّيَمُّمِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا بَلْ يَكْفِيهِ الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ لِوَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخر هذا الباب بعد

_ (1) قال الحليمي في المنهاج وإذا اراد الجنب أن يعود فقد جاء الحديث أنه يتوضأ ومعناه فليتنظف بغسل فرجه لانه روى في حديث آخر مفسرا إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يعود فليغسل فرجه وفي رواية إخرى فلا يعود حتى يغسل فرجه اه وقال القرطبي في شرح مسلم وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ اهله ثم اراد ان يعاود فليتوضأ منها وضوآن ذهب بعض اهل الظاهر إلى انه الوضوء العرفي وأنه واجب واستحبه احمد وغيره وذهب الفقهاء واكثر اهل العلم إلى انه غسل الفرج ثم استدل له بحديث فيه وليغسل فرجه مكان فليتوضأ وايده بمعنى ظاهر اه من هامش الاذرعي (2) قال القرطبي مساق حديث عائشة يقتضي ان يكون وضوء الجنب للاكل هو وضوء الصلاة لانها جمعت من الاكل =

أَنْ ذَكَرَ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَذَلِكَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يفعله فاستثنى لا خلاله بِذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْوُضُوءِ وَهَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْحُسْنِ فَالْأَجْوَدُ غَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوْ بِإِبْطَالِ مَا أَثْبَتَهُ وَلَمْ تَبْلُغْهُ فَاحْتَاطَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَشْيَاءَ لم يثبها بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَحَذَفَ أَشْيَاءَ أَثْبَتَهَا بَعْضُهُمْ فَالِاسْتِثْنَاءُ حَسَنٌ لِهَذَا مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ الْمَوَاطِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَتْ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ فَتُغْسَلَانِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَوْ أكثرهم هذا لحن لانه جواب النفى بالفإ فَصَوَابُهُ فَتُغْسَلَا بِحَذْفِ النُّونِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُهُ فَتُغْسَلَانِ بِالنُّونِ صَحِيحٌ عِنْدَ عَامَّةِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى إضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا يُؤْذَنُ لهم فيعتذرون أَيْ فَهُمْ يَعْتَذِرُونَ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّزَعَتَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَغَسَلَ رجليه مرة مرة عم بِكُلِّ مَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً هَذَا لفظه فاعترض عليه لا دخل حَدِيثِ مَسْحِ النَّاصِيَةِ وَذِكْرِ النَّزَعَتَيْنِ بَيْنَ أَعْضَاءِ الوضوء والجواب عنه أن هذا كلام اعتراض بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِجَاجَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ عِنْدَ ذِكْرِهِ الِاقْتِصَارَ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ لَهُ مُهِمًّا فَعَجَّلَهُ وَذَكَرَ النَّزَعَتَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ وَحَكَمَ بِأَنَّ بَعْضَهُ يَكْفِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَوْ بَعْضَ النَّزَعَةِ منه

_ = والنوم في الوضوء ويحكي ذلك عن ابن عمر والجمهور على خلافه وان وضوءه عند الاكل غسل يديه وقد روى النسائي هذا عن عائشة مفسرا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ توضأ وان اراد ان يأكل أو يشرب قالت غسل يديه ثم يأكل أو يشرب قلت ويؤيد هذا ما رواه ابو داود وغيره مرفوعا الوضوء قبل الطعام وبعده بركعة والمراد به غسل اليدين والله اعلم اه اذرعي (3) ومنها الوضوء من الغيبة ومن الكذب وانشاد الشعر ومن استغراق الضحك قاله الحليمي في مناهجه اه اذرعي

جَازَ فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ مُهِمًّا اعْتَرَضَ بِهِ بَيْنَ الْجُمَلِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْله فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحمد في السموات والارض وعشيا اعترض قوله تعالى وله الحمد في السموات والارض ومثله قوله تعالي وإنه لقسم لو تعلمون عظيم اعترض لو تعلمون وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالانثى واني سميتها مريم اعْتَرَضَ قَوْله تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ وَضَعَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَمِمَّا جَاءَ مِنْهُ في شعر العرب قول امرئ القيس الاهل اتاها والحوادث جمة * بان امرئ الْقَيْسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا فَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ * وَقَوْلُ الْآخَرِ أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى * بما لا قت لَبُونُ بَنِي زِيَادِ فَاعْتَرَضَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى * وَقَوْلُ الْآخَرِ إلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كِلَالُهَا * إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ فَاعْتَرَضَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ: وَفِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ شَوَاهِدُ لِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) أُنْكِرَ عَلَى صَاحِبِ الْوَسِيطِ مَسَائِلُ وَأَلْفَاظٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَنَبَّهْنَا عَلَى صَوَابِهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ فِي غَسْلِ الْكَفَّيْنِ فَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْيَدِ فَفِي (1) بَقَاءِ الِاسْتِحْبَابِ وَجْهَانِ: وَمِنْهَا قَوْلُهُ إذَا حَلَقَ شَعْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ طهارة موضعه خلافا لا بن خَيْرَانَ وَصَوَابُهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَطْوِيلُ الْغُرَّةِ وَقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة * قال المصنف رحمه الله *

_ (1) هذا الاول ليس بمنكر ومعناه ففي بقاء استحباب تقديم الغسل على الغمس كما سبق خلاف ما توهم صاحب الذخائر من أن المراد أصل غسل اليد فانه لا خلاف فيها اه اذرعي

باب المسح على الخفين

(باب المسح على الخفين يجوز المسح على الخفين في الوضوء لما روى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الخفين فقلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي ولان الحاجة تدعوا إلى لبسه وتلحق المشقة في نزعه فجاز المسح عليه كالجبائر) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بهذا اللفظ ورواه البخاري ومسلم في صحيحهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عن الْخُفَّيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِنِسْيَانِهِ وَإِنَّمَا هُوَ للمقابلة كما يقول الرجل فَعَلْتَ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ فَيَقُولُ بَلْ أَنْتَ فَعَلْتَهُ مُبَالَغَةً فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْهُ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ هَذَا وَالْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فِي الْوُضُوءِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَمِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَنُوَضِّحُهَا كُلَّهَا إنْ شَاءَ الله وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى لُبْسِهِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْجَبِيرَةِ هَكَذَا قَاسَهُ أَصْحَابُنَا وَأَرَادُوا إلْزَامَ طَائِفَةٍ خَالَفَتْ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَوَافَقَتْ فِي الْجَبِيرَةِ فَالْجَبِيرَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (الثَّالِثَةُ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ وَالْخَوَارِجُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عن مالك ستة رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ: الثَّانِيَةُ يَجُوزُ لكنه يُكْرَهُ: الثَّالِثَةُ يَجُوزُ أَبَدًا وَهِيَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: الرَّابِعَةُ يَجُوزُ مُؤَقَّتًا: الْخَامِسَةُ يجوز للمسافر دون الحاضر: السادس عَكْسُهُ وَكُلُّ هَذَا الْخِلَافِ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَيَدُلُّ عليه

الاحاديث الصحيحة المستفيضة في حديث مَسْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ وَتَرْخِيصُهُ فِيهِ وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة ابن الْيَمَانِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وعمر وابن الْعَاصِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قُلْتُ) وَرَوَاهُ خَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَأَحَادِيثُهُمْ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَسَلْمَانَ وَبُرَيْدَةَ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَصَفْوَانَ ابن عَسَّالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرَةَ وَبِلَالٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قال أبو بكر ابن الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اخْتِلَافٌ هُوَ جَائِزٌ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ نَحْوَ هَذَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَائِدَةِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمُدَدٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَتِهِ قَالُوا لِجَرِيرٍ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَالَ جَرِيرٌ وَمَا أَسْلَمْتُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَأَخِّرًا جِدًّا (1) وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَدِيثًا أَحْسَنَ مِنْ حديث جرير وأما

_ (1) كان اسلامه في العاشرة من الهجرة رضي الله عنه اه اذرعي

الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ فِي الْآيَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ لا بس الْخُفِّ بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِينَ شُبْهَةٌ فِيهَا رُوحٌ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَسْحِ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ (1) بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ذَلِكَ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِهِمَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَا رَجَعَا وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطْنَابِ فِي بَسْطِ أَدِلَّتِهَا بِكَثْرَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ سُبَاطَةِ قَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ وعليه وَسَلَّمَ جَعَلَ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَمِنْهَا حديث خزيمة ابن ثَابِتٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْقِيتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَسْحُ الْخُفَّيْنِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَغَسْلُ الرِّجْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ المسح رغبة عن السنة ولا شكا فِي جَوَازِهِ وَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بِهَذَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَفِي غَيْرِهَا وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَمْ يَقُلْ يُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ تَفْضِيلِ غَسْلِ الرِّجْلِ أَنَّهُ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ هُوَ الْأَصْلُ فَكَانَ أَفْضَلَ كَالْوُضُوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ فِي مَوْضِعِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ إذَا وَجَدَ فِي السَّفَرِ مَاءً يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ فَلَوْ اشْتَرَاهُ وَتَوَضَّأَ كَانَ أَفْضَلَ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَفْضِيلَ غَسْلِ الرِّجْلِ أَيْضًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ايضا * وقال الشعبي

_ (1) وفي الحديث عن عائشة أنها سئلت عن المسح على الخفين فقالت سل عليا اه من هامش الاذرعي

والحكم وحماد المسح أفضل وهو أصح الراويتين عَنْ أَحْمَدَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَسْحَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِهَذَا أَمَرَنِي وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا الْحَدِيثَ وَالْأَمْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ كَانَ نَدْبًا وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ أَمْرُ إبَاحَةٍ وَتَرْخِيصٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ أَرْخَصَ لَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ تَأْوِيلٌ آخَرُ أَيْ أَمَرَنِي بِبَيَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْبُرْقُعِ فِي الْوَجْهِ وَأَمَّا الْعِمَامَةُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا وَفِيهَا خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلَائِلِهِ فِي فَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز ذلك في غسل الجنابة لما روى صفوان بن عسل المرادى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن الا من جنابة لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ ثم نحدث بعد ذلك وضوءا ولان غسل الجنابة يندر فلا تدعوا الحاجة فيه إلى المسح على الخف فلم يجز) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ ثُمَّ نُحْدِثُ بعد ذلك وضوء أو هي زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تُعْرَفُ وَقَوْلُهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ هَكَذَا هُوَ أَيْضًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا وَهِيَ إلَّا الَّتِي لِلِاسْتِثْنَاءِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُوِيَ أَيْضًا لَا مِنْ جَنَابَةٍ بِحَرْفِ لَا الَّتِي لِلنَّفْيِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى لَكِنَّ المشهور الا: وقوله لكن من غائط وبول أَوْ نَوْمٍ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِحَرْفِ أَوْ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَرْخَصَ لَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا بَدَلَ قَوْلِهِ يَأْمُرُنَا وَقَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ لَفْظَةُ لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ تَعْطِفُ فِي النَّفْيِ مُفْرَدًا عَلَى مُفْرَدٍ وَتُثْبِتُ لِلثَّانِي مَا نَفَتْهُ عَنْ الْأَوَّلِ تَقُولُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُثْبَتٍ اُحْتِيجَ بَعْدَهَا إلَى جُمْلَةٍ تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَقُمْ فَقَوْلُهُ لَا نَنْزِعَهَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ مَعْنَاهُ أَرْخَصَ لَنَا فِي الْمَسْحِ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِنَزْعِهَا إلَّا فِي حَالِ

الْجَنَابَةِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكِنْ لَا نَنْزِعُ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَوَّلِ أُمِرْنَا بِنَزْعِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ بَيَانُ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْمَسْحُ وَنُبِّهَ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ بَاقِي أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَهِيَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْسُ النِّسَاءِ وَمَسُّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ وَنُبِّهَ بِالْجَنَابَةِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَسَّالٌ وَالِدُ صَفْوَانَ هُوَ بِعَيْنٍ ثُمَّ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَصَفْوَانُ هَذَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَزَا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم اثني عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ: وَقَوْلُهُ مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي هَلْ قَالَ مُسَافِرِينَ أَوْ قَالَ سَفْرًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَكِنْ لَمَّا شَكَّ الرَّاوِي أَيَّهُمَا قَالَ احْتَاطَ فَتَرَدَّدَ ولم يجزم باحدهما وهكذا صوابه سفر بِرَاءٍ مُنَوَّنَةٍ وَيُكْتَبُ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَرُبَّمَا غُلِطَ فِيهِ فَقِيلَ سَفْرِيٌّ بِالْيَاءِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَتَصْحِيفٌ قَبِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ سَفْرًا جَمْعُ سافر كما يقال ركب وراكب وَصَاحِبٌ وَصَحْبٌ وَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يُنْطَقْ بِوَاحِدِهِ الَّذِي هُوَ سَافِرٌ بَلْ قَدَّرُوهُ وَقِيلَ نُطِقَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا جَوَازُ مَسْحِ الْخُفِّ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ الثَّالِثَةُ أَنَّ وَقْتَهُ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ الرَّابِعَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ الْخَامِسَةُ جَوَازُهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ السَّادِسَةُ أَنَّ

الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ وَالنَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمِ غَيْرِ مُمَكِّنِ مَقْعَدِهِ (السَّابِعَةُ) أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالنَّزْعِ لِلْجَنَابَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ وَأَرَادَ الْمَسْحَ لَمْ يَجُزْ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَقَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْخُفِّ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ وَلَا فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَأَغْسَالِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ فَوَجَبَ غَسْلُهَا لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكُلُّ هَذَا مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَزِمَهُ غُسْلُ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي الْخُفِّ فَانْغَسَلَتْ الرِّجْلَانِ ارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْهُمَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ لَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّ فَيَلْبَسَهُ طَاهِرًا وَكَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ غَسَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ صَحَّ وُضُوءُهُ (1) وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بَعْدَهُ حَتَّى يَنْزِعَهُ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ فَغَسَلَهَا فِيهِ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ نَزْعُهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَ النَّزْعِ إذَا أَصَابَ الرِّجْلَ نَجَاسَةٌ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْغَسْلُ فِي الْخُفِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخُفِّ لِلْجَنَابَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ ولم يأمر به للنجاسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وهل هو مؤقت أم لا فيه قولان قال في القديم غير مؤقت لما روى ابي ابن عمارة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله امسح على الخف قال نعم قلت يوما قال ويومين قلت وثلاثة قال نعم وما شئت وروى وما بدالك وروى حتى بلغ سبعا قال نعم وما بدا لك ولانه مسح بالماء فلم يتوقت كالمسح على الجبائر ورجع عنه قبل أن يخرج إلى مصر وقال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام وليا لهن

_ (1) المراد به أنه توضأ وغسل رجليه في الخف لا أنهما غسلا فقط اه من هامش الاذرعي (2) قال القاضي ابن كج وقال في القديم يمسح المسافر بلا تأقيت وبه قال مالك مقتضاه الا يكون الحاضر كذلك وكلام المصنف والشارح وغيرهما يقتضي ان لا فرق اه من هامش الاذرعي

لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم جعل للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذلك فلم تجز الزيادة عليه) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ واما حديث ابي ابن عمارة فرواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أنه ضعيف مضطرب لا يحتح بِهِ وَعُمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِيعَابِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَسْرَ أفصح واشهر ولم يذكر ابن ما كولا وآخرون غير الكسر ورواه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ الضَّمُّ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ عِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ غَيْرُهُ وَقَدْ بَسَطْتُ بَيَانَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَمَا بَدَا لَكَ هُوَ بالف ساكنة قال اهل اللغة يقال بداله في هذا الامر بدأ بِالْمَدِّ أَيْ حَدَثَ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَكُنْ وَيُقَالُ رَجُلٌ لَهُ بَدَوَاتٌ وَالْبَدَاءُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّسْخِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِالْمَاءِ فَلَمْ يَتَوَقَّتْ فَاحْتِرَازٌ مِنْ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتْ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَوْقِيتُ الْمَسْحِ وَأَنَّ الْقَدِيمَ فِي تَرْكِ التَّوْقِيتِ ضَعِيفٌ وَاهٍ جِدًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرُونَ مِنْ الاصحاب فعلى القديم لا يتوقف المسح بالايام (1) لكن لواجنب وَجَبَ النَّزْعُ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ الْقَدِيمِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ مُؤَقَّتٌ فَعَلَى هذا لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَرَائِضَ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ مِنْ فَرَائِضِ الْوَقْتِ سَبْعُ صَلَوَاتٍ إذا جمع بين الصلاتين في المطر فان لم يجمع فست والمسافر ان جمع سبع عشرة والافست عشرة وصورته أن يُحْدِثْ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الوقت ويصلى ثم في اليوم الثاني وَالرَّابِعِ مَسَحَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ هَذَا مَذْهَبُنَا * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي ثور واسحق وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالْمَسْحِ الا

_ (1) قال في البحر وحكى الزعفراني ان الشافعي كان يقول بعدم التوقيت ثم رجع عن ذلك قبل ان يخرج إلى مصر فقيل في المسألة قولان وقيل بالتوقيت قولا واحدا وقال المحاملي في التعليق قال أبو على الحسين ابن الصباح الزعفراني رجع الشافعي إلى التوقيت عندنا ببغداد قبل ان يخرج منها وحكي الساجي عن الزعفراني قال قدم علينا الشافعي ببغداد وهو لا يقول بالتوقيت ثم رجع إلى التوقيت قبل خروجه إلى مصر اه اذرعي

خَمْسَ صَلَوَاتٍ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَخَمْسَ عَشْرَةَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وهو مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي التَّوْقِيتِ بِالزَّمَانِ تَرُدُّهُ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الَّذِي يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ الْمُسَافِرُ سَفَرًا طَوِيلًا وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ وَقَدْرُهُ بِالْمَرَاحِلِ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ إلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَيَّنَهُ هُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ بَيَّنَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَيَّنَهُ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ وَجُمْهُورُهُمْ بَيَّنُوهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَخَالَفَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ المذكورات وبينه في ثلاث مواضع غيرها من المذهب أَحَدُهَا مَسْأَلَةُ نَقْلِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَالثَّانِي فِي سَفَرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بِالْوَلَدِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ وَالثَّالِثُ فِي مَسْأَلَةِ تَغْرِيبِ الزَّانِي فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنَّمَا يَجُوزُ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ ثمان: ثلاثة تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ وَهِيَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ ومسح الخف ثلاثة أيام وثنتان تجوز ان فِي الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَهُمَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَثَلَاثٌ فِي اخْتِصَاصِهَا بِالطَّوِيلِ قَوْلَانِ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَجَوَازُ التَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُ الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ دُونَ الْآخَرَيْنِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَأْتِي قَرِيبًا بَيَانُ صِحَّةِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ السَّفَرُ الْقَصِيرُ الَّذِي يُبِيحُ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالتَّيَمُّمَ وَغَيْرَهُمَا هُوَ مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ مِيلٍ أَوْ نَحْوِهِ هَذَا لَفْظُهُ وكذا قاله غَيْرُهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي تَوْقِيتِ مَسْحِ الْخُفِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالتَّفْرِيعُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُمَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ التَّوْقِيتُ ثَلَاثًا لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ التَّوْقِيتُ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ

وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وشريح وعطاء والثوري وأصحاب الرأى واحمد واسحق وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَوْقِيتَ وَيَمْسَحُ مَا شَاءَ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالشَّعْبِيِّ (1) وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ (2) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَفِي رِوَايَةٍ مُؤَقَّتٌ لِلْحَاضِرِ دُونَ الْمُسَافِرِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَمْسَحُ مِنْ غُدُوِّهِ إلَى اللَّيْلِ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا تَوْقِيتَ بما ذكره المصنف من حديث ابي ابن عِمَارَةَ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَبِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ جَعَلَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا يَعْنِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا توضأ أحدكم وليس خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَوْلَجْت خُفَّيْكَ فِي رِجْلَيْكَ قُلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَهَلْ نَزَعْتَهُمَا قُلْتُ لَا قَالَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَبِسْتُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَمَانٍ قَالَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْخُفَّيْنِ وَقْتًا * وَاحْتَجَّ أصابنا وَالْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي التَّوْقِيتِ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ السَّابِقِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَبِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثٌ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي التَّوْقِيتِ كَثِيرَةٌ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْأَوَّلِينَ بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ فَهُوَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ أَبَدًا بِشَرْطِ مُرَاعَاةِ التَّوْقِيتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ جَوَازِ الْمَسْحِ لا عن توقيته:

_ (1) نقل المحاملي في تعليقه الكبير عن الشعبي أنه قال لا يزيد المقيم على يوم بلا ليلة انتهى وهذا يدل على أنه يقول في التوقيت اه (2) قال في البحر وروى عن ابن ابي ذئب عن مالك انه أبطل المسح على الخفين في آخر ايامه وروى الشافعي عن أنه قال يكره ذلك وعنه رواية ثالثة انه يمسح في الحضر دون السفر وعنه رواية رابعة عكس الثالثة وهو الصحيح عنه وعنه رواية خامسة انه يمسح ابدا من غير تأقيت وعنه رواية سادسة مثل قولنا وكذا نقل عنه المحاملي في تعليقه ست روايات الا انه قال في الاول قال ابن ابي فديك ابطل مالك في آخر عمره المسح على الخفين قال والرابع هو المشهور عنه يمسح المسافر دون المقيم قال مالك اقام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعثمان وعلي بالمدينة ست وثلاثين سنة فما نقل عن احد منهم انه مسح على الخفين قال والسادسة يمسح المسافر من غير تأقيت ما احب اهو مقتضى ما في الكتاب وما نقله الروياني أنه لا تأقيت حاضر والمسافر والمحاملى خص ذلك بالمسافر فيحمل الاول عليه والا فهو رواية سابعة وفيه بعد ثم رأيت المحاملي يقول فيما بعد عن مالك رواية انه يمسح ما شاء مقيما كان أو مسافر فصح أن المنقول عنه سبع روايا ت اه

فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ التَّيَمُّمَ مَرَّةً بَعْدِ أُخْرَى وَإِنْ بَلَغَتْ مُدَّةُ عَدَمِ الْمَاءِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَسْحَةً وَاحِدَةً تَكْفِيهِ عَشْرَ سِنِينَ فَكَذَا هُنَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ إبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لِلْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَنَّ أَنْ لَوْ اسْتَزَادَهُ لَزَادَهُ وَالْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتَ بِهَذَا: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ التَّوْقِيتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَجَعَ إلَيْهِ حِينَ بَلَغَهُ التَّوْقِيتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الموافق للسنة الصحيحة المشهورة أولى والمروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُجَابُ عَنْهُ بِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ والله أعلم * قال الصنف رحمه الله * (وان كان السفر معصية لم يجز أن يمسح أكثر من يوم وليلة لان ما زاد يستفيده بالسفر وهو معصية فلا يجوز أن يستفاد بها رخصة) * (الشَّرْحُ) إذَا كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجُوزُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ هُنَا وَحَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا سَفَرٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَرَادَ الْأَكْلَ وَالْمَسْحَ فَلْيَتُبْ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَفِي الْحَاضِرِ الْمُقِيمِ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَالَ وَبِالْجَوَازِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَبِالْمَنْعِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْمُقِيمِ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي الْعَاصِي بِالْإِقَامَةِ كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ فَأَقَامَ وَيُقَالُ رُخْصَةٌ وَرُخْصَةٌ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا يَسْتَبِيحُ مَنْ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً شيئا من

رُخَصِ السَّفَرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا وَالْجَمْعِ وَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ إلَّا التَّيَمُّمَ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فَوُجُوبُ التَّيَمُّمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ وَالثَّانِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الصلاة اثم تارك لها مع امان الطهارة لانه قادر على استباحة التيمم بالنوبة مِنْ مَعْصِيَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ وَجَدَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَاءً فَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَكَذَا مَنْ بِهِ قُرُوحٌ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْهَلَاكَ وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ وواجد للماء قال القفال في شرح التخليص: فان قيل كيف حرمتهم أَكْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاضِرِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ فِي الْحَضَرِ جَازَ التَّيَمُّمُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْحَضَرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنَّ سَفَرَهُ سَبَبٌ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فِي الضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ فجرح لم يجز له التيمم لذك الْجُرْحِ مَعَ أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَإِنْ قِيلَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْجَرِيحِ الماء يؤدى إلى الهلاك فجوابه ما سبق أنه قادر على استحباحته بِالتَّوْبَةِ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ أَكْلَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الَّتِي تَحِلُّ فِي السَّفَرِ بِسَبَبِ السَّفَرِ غَيْرُ الَّتِي تَحِلُّ فِي الْحَضَرِ وَلِهَذَا لَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ لِعَاصٍ بِسَفَرِهِ وَتَحِلُّ لِلْمُقِيمِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعٌ وَكَلَامٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (ويعتبر ابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف لانها عبادة مؤقتة فكان ابتدأ وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة) * (الشَّرْحُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ أَوَّلِ حدث اللُّبْسِ فَلَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى مَضَى مِنْ بَعْدِ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ ثَلَاثَةٌ إنْ كَانَ مُسَافِرًا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ اللِّبْسِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللبس

ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إنْ كَانَ حَاضِرًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ يَمْسَحُ بَعْدَ الْحَدَثِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَهُوَ الْمُخْتَارُ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ اللِّبْسِ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ مِنْ حِينِ الْمَسْحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةً وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الْمَسْحِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْمَسْحِ * واحتج اصحابنا برواية رواه الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَّرِزِيّ فِي حَدِيثِ صفوان من الْحَدَثَ إلَى الْحَدَثِ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا مَسَحَ عَقِبَ الْحَدَثِ فَإِنْ أَخَّرَ فَهُوَ مُفَوِّتٌ عَلَى نَفْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إذَا أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ وَمَسَحَ فِي السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُدَّةِ بِجَوَازِ الْفِعْل وَمِنْ الْحَدَثِ جَازَ الْفِعْلُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعِبَادَةِ بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ فِي السَّفَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَاضِرٌ ثُمَّ سَافَرَ فِي الوقت فله القصر ومن دخل في الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَارَتْ بِهِ السَّفِينَةُ يُتِمُّ فَدُخُولُ وَقْتِ الْمَسْحِ كَدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وابتداء السمح كَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَخُّصِ بِالْمَسْحِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ بِمُجَرَّدِ اللِّبْسِ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَبِسَهُ ثُمَّ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ حَتَّى يُحْدِثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقِيلَ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ بَلْ تَقْرِيبٌ لِلْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَقِيلَ إنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا وَلَيْسَ بِمُنْتَقَضٍ بِهَا لِأَنَّهُ قَالَ مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا لَا مِنْ حِين وُجُوبِهِ * قال المصنف رحمه الله

(وان لبس الخف في الحضر وأحدث ومسح ثم سافر أتم مسح مقيم لانه بدأ بالعبادة في الحضر فلزمه حُكْمُ الْحَضَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الحضر ثم سافر وان أحدث في الحضر ثم سافر ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة أتم مسح مسافر من حين أحدث في الحضر لانه بدأ بالعبادة في السفر فثبت له رخصة السفر وان سافر بعد خروج وقت الصلاة ثم مسح ففيه وجهان قال أبو اسحق يتم مسح مقيم لان خروج وقت الصلاة عنه في الحضر بمنزلة دخوله في الصلاة في وجوب الاتمام فكذا في المسح وقال أبو علي بن أبي هريرة يتم مسح مسافر لانه تلبس بالمسح وهو مسافر فهو كما لو سافر قبل خروج الوقت ويخالف الصلاة لانها تفوت وتقضي فإذا فاتت في الحضر ثبتت في الذمة صلاة الحضر فلزمه قضاؤها والمسح لا يفوت ولا يثبت في الذمة فصار كالصلاة قبل فوات الوقت) (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا لَبِسَ الْخُفَّ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ فَيَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ بِالْإِجْمَاعِ: (الثَّانِيَةُ) لَبِسَ وَأَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ أَيْضًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ مَسْحُ مُقِيمٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَذَا حَكَاهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ كَمَذْهَبِنَا مَسْحُ مُسَافِرٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْمُدَّةِ فِي الْحَضَرِ قُلْنَا الْحَضَرُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَهِيَ الْمَسْحُ لَا فِي الْمُدَّةِ (الثَّالِثَةُ) أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ أَمْ مُقِيمٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ صَحَّحَهُ جَمِيعُ الْمُصَنِّفِينَ وَقَالَهُ مَعَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ (الرَّابِعَةُ) أَحْدَثَ وَمَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ حِينِ أحدث وبه قال مالك واسحق وَأَحْمَدُ وَدَاوُد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الصمنف وَهُوَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَتَغَلَّبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ فَسَارَتْ وَفَارَقَتْ الْبَلَدَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا صَلَاةَ حَضَرٍ باجماع المسلمين وهذا القياس (1) اعتمده اصحابنا وفيه سُؤَالٌ ظَاهِرٌ فَيُقَالُ كَيْفَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ احْتِمَالَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا أَوْ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ فَالْإِتْمَامُ وَاجِبٌ لَكِنْ لَيْسَ سَبَبُهُ اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ والسفر بل

_ (1) ينبغي ان يقاس على عكس المقيس عليه وهو ما لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ في أثنائها فانه يلزمه الاتمام بالاجماع كما ذكر بعد ولا سبب لوجوبه الا الجمع بين الحضر والسفر فانه نوى القصر عند الاحرام بالصلاة ولا يرد السؤال على هذه المسألة اه اذرعي

سَبَبُهُ فَقْدُ شَرْطِ الْقَصْرِ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ: وَالْجَوَابُ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَتَحْصُلُ بِهِ الدَّلَالَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ مُعَلَّلٌ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ: وَالثَّانِيَةُ فَقْدُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إلْزَامُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فَلَيْسَ لِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ عِنْدَهُ سَبَبٌ إلَّا اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأَوْجَبَ الْإِتْمَامَ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ مَسْحَ مُقِيمٍ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَسَحَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ وَمَسَحَ الْآخَرَ فِي السَّفَرِ فَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ أَمْ مُسَافِرٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحَ مُسَافِرٍ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ مَسَحَ مَسْحَ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ فكأنه لم يأت بشئ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَسْحَ مُقِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ فِي الْحَضَرِ وَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْأَصْحَابُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وان مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مقيم وقال المزني إن مسح يوما وليلة يمسح ثلث يومين وليلتين وهو ثلثا يوم وليلة لانه لو مسح ثم أقام في الحال مسح ثلث ما بقي وهو يوم وليلة فإذا بقي له يومان وليلتان وجب أن يمسح ثلثهما ووجه المذهب أنه عبادة تتغير بالسفر والحضر فإذا اجتمع فيها السفر والحضر غلب حكم الحضر ولم يسقط عليهما كالصلاة) (الشَّرْحُ) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى بَعْدَ الْحَدَثِ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَمَّمَهُمَا وَإِنْ كَانَ مَضَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُ فِي السَّفَرِ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ بِمُجَرَّدِ قُدُومِهِ وَحُكْمُ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مَعْرُوفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فان كان مسح في السفر أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ قَدِمَ فَصَلَوَاتُهُ فِي السَّفَرِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِالْقُدُومِ قَالُوا وَلَوْ قَدِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي السَّفَرِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ الْقُدُومِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا فَإِنَّهُ يُوجِبُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ أَوْ كَمَالَ الْوُضُوءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ تَبْطُلْ وَدَلِيلُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ

هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ هَذَا عُمْدَةُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ * وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مَسَائِلِهِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى الشافعي: قال القاضي أبو الطيب والمحامل قال أبو العباس ابن سُرَيْجٍ فِي التَّوَسُّطِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ إنْ كَانَ الْمُزَنِيّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ هَذَا وَلَكِنْ تُرِكَ لِلْإِجْمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَبِيرُ خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهَذَا فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ تَصْرِيحٌ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ فَيَكُونُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَابِطُ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَمْسَحُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَيُقَالُ بَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبَقِيَ بِفَتْحِهَا فَالْفَتْحُ لغة طي وَالْكَسْرُ هُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وذروا ما بقى من الربا) : وقوله الْمُصَنِّفِ يَغْلِبُ حُكْمُ الْحَضَرِ وَلَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا كَالصَّلَاةِ يَعْنِي لِمَنْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ فَدَخَلَتْ دَارَ الْإِقَامَةِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُوَزِّعُ فَيُقَالُ يُتِمُّهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَنَقَضَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَلَى الْمُزَنِيِّ أَيْضًا بِمَنْ مَسَحَ نِصْفَ يَوْمٍ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَلَا يُقَسِّطُ: وَقَوْلُهُ وَلَوْ مَسَحَ ثُمَّ أَقَامَ أيام فَرْقَ فِيهِ مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُقِيمًا بِوُصُولِهِ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ يُقِيمَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فِي بَلَدٍ بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَأَمَّا إنْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ إقَامَةً دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُدَّةَ مُسَافِرٍ لِأَنَّ رُخَصَ السَّفَرِ بَاقِيَةٌ والله أعلم قال المصنف رحمه الله * (وان شك هل مسح في الحضر أو السفر بنى الامر على انه مسح في الحضر لان الاصل غسل الرجل والمسح رخصة بشرط فإذا لم يتيقن شرط الرخصة رجع إلى اصل الفرض وهو الغسل وان شك هل أحدث في وقت الظهر أو في وقت العصر بنى الامر على أنه احدث في وقت الظهر لان الاصل غسل الرجل فلا يجوز المسح الا فيما تيقنه) * (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ هَكَذَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِمَا وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْمُدَّةُ مِنْ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ ثُمَّ ضَابِطُ المذهب انه متى شك ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ انْقِضَائِهَا بَنَى عَلَى مَا يوجب

غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ والاصحاب فانه حَصَلَ لَهُ هَذَا الشَّكُّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَ فِي السَّفَرِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ اللُّبْسِ وَيَسْتَبِيحَ الْمَسْحَ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا قَالُوا فَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي حَالِ الشَّكِّ لَزِمَهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى فِي حَالِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ فَلَزِمَهُ الاعادة كمال تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَصَلَّى عَلَى شَكِّهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ صَلَّى شَاكًّا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُبْنَى عَلَيْهِ وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَوَافَقَهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ مَا صَلَّى فِي حَالِ شَكِّهِ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فِي مُدَّةِ الشَّكِّ بَلْ يَنْزِعَ الْخُفَّ وَيَسْتَأْنِفَ الْمُدَّةَ فلو مسح الشَّكِّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْمَسْحُ بَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ عَنْ شيخه الشيخ أبي اسحق مُصَنَّفِ الْكِتَابِ وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَقَالَ مَسْحُهُ فِي حَالِ شَكِّهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهَا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ تُجْزِيهِ طَهَارَتُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ضَعِيفٌ أَوْ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ وَهِيَ الْمَسْحُ وُجِدَتْ فِي الشَّكِّ فَلَمْ تَصِحَّ كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ وَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْقِبْلَةِ فصل بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَدَثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا بَانَ الْحَالُ وتيقن أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ مَعَ شَكِّهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ فَلَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ وَأَبْطَلَ الشَّاشِيُّ قَوْلَ صَاحِبِ الشَّامِلِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ قَالَ وَاسْتِشْهَادُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالطَّهَارَةِ إمَّا اسْتِحْسَانًا إنْ كَانَ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَإِمَّا إيجَابًا إنْ كَانَ عَكْسَهُ فَإِذَا كان مأمورا

بِالطَّهَارَةِ ثُمَّ بَانَ الْحَدَثُ فَقَدْ تَيَقَّنَ وُجُودَ ما تطهر بسببه بخلاف مسح الْخُفِّ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي حَالِ شَكِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِيمَا يُفْعَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي حَالِ الشَّكِّ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ يُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يُجْزِيهِ وَإِنْ وَافَقَ الصَّوَابَ * فَمِنْ ذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْوَقْتَ لَا يُجْزِيهِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ فِي دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ شَكَّ إنْسَانٌ فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ الْقِبْلَةَ أَوْ شَكَّ الْمُتَيَمِّمُ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَتَيَمَّمَ لَهَا بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ طَلَبَ الْمَاءَ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَهُ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَصَلَّى شَاكًّا فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ شَكَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَوَافَقَ رَمَضَانَ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يُجْزِيهِ مَا فَعَلَهُ بِلَا خِلَافٍ وَمِثْلُهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُرَتَّبَةٌ فَنَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ الرَّقَبَةَ ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لَا يُجْزِيهِ صَوْمُهُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ النِّيَّةَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَدَمِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي مَوَاطِنِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى مبسوطة: ولو اشتبه ما آن طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَتَوَضَّأَ بِأَحَدِهِمَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ فَبَانَ أَنَّهُ الطَّاهِرُ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَهَذِهِ أمثله يستدل بها على نظائرها وسنوضحها مَعَ نَظَائِرِهَا فِي مَوَاطِنِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُ الْعِبَادَاتِ فَمِنْهُ مَا لَا يَصِحُّ فِي حَالِ الشَّكِّ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ وَمِنْهُ مَا يَصِحُّ وَمِنْهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا أُخْبِرَ رَجُلٌ بِمَوْلُودٍ لَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ بِنْتًا فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنْ كانت أحداهن ما تت فَقَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَبَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَدَّرَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ وَمِنْ الثَّانِي مَا إذَا رَأَى امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حرة نفذ الطلاق والعتق بِلَا خِلَافٍ وَمِنْ الثَّالِثِ إذَا بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أَوْ بَاعَ مالا يظنه لا جنبي فَبَانَ أَنَّ وَكِيلَهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لَهُ أَوْ بَانَ أَنَّ مَالِكَهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ نَظَائِرُ سَنَذْكُرُهَا وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ

بِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْمَسْحِ وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ يُتْرَكُ بِالشَّكِّ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرُوهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَضَمَمْتُ إلَيْهَا نَظَائِرَهَا فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ في نجاسة الماء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (وان لبس خفيه وأحدث ومسح وصلي الظهر والعصر وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قبل الظهر أو بعده بني الامر في الصلاة انه صلاها قبل المسح فتلزمه الاعادة لان الاصل بقاؤها في ذمته وبنى الامر في المدة انها من الزوال ليرجع إلى الاصل وهو غسل الرجل (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مَشْهُورَةٌ بِالْإِشْكَالِ وَإِشْكَالُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ مَسَحَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَهُ مُصَلِّيًا لِلظُّهْرِ وَإِنَّهُ شَكَّ هَلْ صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ أَمْ لَا أوجب اعادتها وقد علم من طريقة سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: الْإِشْكَالُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا فَجَعَلَ الشَّكَّ فِي نَفْسِ الْمَسْحِ وَوَقْتِهِ وَرَبَطَ بِهِ حُكْمَ الْمُدَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ تُعْتَبَرُ مِنْ الْحَدَثِ لَا مِنْ الْمَسْحِ: فَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ فَقَالَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ لَهَا فَإِنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا قَالَ بَلْ صُورَتُهَا أَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِطَهَارَةٍ وَشَكَّ هَلْ كَانَ حَدَثُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَتَوَضَّأَ لَهَا وَصَلَّاهَا أَمْ كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَأَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الزَّوَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الزَّبِيدِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ صُورَةُ المسألة أنه ليس خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ وَأَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ قَبْلَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي السَّفَرِ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ بَعْدَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَلَهُ مدة المسافرين وعليه قضاء الظهر ان كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَلَهُ مُدَّةُ مُقِيمٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الظُّهْرِ فَنَقُولُ لَهُ يَلْزَمُكَ الْأَخْذُ بِالْأَشَدِّ وَهُوَ أَنَّكَ صَلَّيْتَهَا بِغَيْرِ مَسْحٍ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِكَ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ الْمَسْحِ فَالْأَصْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا وَأَمَّا الْمُدَّةُ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ الظُّهْرِ لِيَرْجِعَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ فَوَقْتُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ قَبْلَ الِاسْتِوَاءِ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ وَالظُّهْرُ صَلَّاهَا فِي الْحَضَرِ بِيَقِينٍ

هذا كلام الزبيدى وقال الشيخ عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ حُصُولَ مِثْلِ هَذَا الشَّكِّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُوجِبُ إعَادَتَهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقْتَرِنَ الْحَدَثُ وَالْمَسْحُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ مَسْحُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا وَمَعْنَاهُ هَلْ كَانَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ الْمُقْتَرِنَيْنِ فَاجْتَزَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا اقْتِصَارًا هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو فَأَمَّا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَخِلَافُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا مَا قاله الزبيدى فمحتمل أن يكون مر اد الْمُصَنِّفِ: وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فَالْجَوَابُ الثَّانِي حَسَنٌ (1) وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَوْلٍ غَرِيبٍ ضَعِيفٍ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ مُصَرِّحُونَ بِخِلَافِهِ وَكَذَا كَثِيرُونَ أو الاكثرون من الخراسانيين وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي الْتَزَمَهُ أَنَّ الشك في الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَا يوجب اعادتها كالشك في ركعة بِمَقْبُولٍ بَلْ مَنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الفراغ من الصلاة يلزمه اعادة بها الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَرْكَانِهَا كَرَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فانه لا يلزمه شئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّكِّ فِي أَرْكَانِهَا هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَالطَّهَارَةِ: مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّكَّ فِي الْأَرْكَانِ يكثر فعفى عمه نَفْيًا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الشَّكَّ فِي السَّجْدَةِ وَشِبْهِهَا حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ شَكَّ هَلْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الدُّخُولِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَآخَرُونَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِمَعْنَى مَا قُلْتُهُ فَقَالُوا إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ ثُمَّ جَدَّدَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مسح رأسه من أحد الوضوء ين لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ لَا تُحْصَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الاسفراينى قال في تعليقه في آخر باب الاجارة عَلَى الْحَجِّ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الا ملاء وَلَوْ اعْتَمَرَ أَوْ حَجَّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطواف شك هل طاف متطهر أم لا أجبت أن يعيد الطواف ولا يلزمه ذلك ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُعِيدُ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ منه حكمنا بصحته في الظاهر ولا يوءثر فيه الشك الطارئ

_ (1) قوله حسن فيه نظر فان الظهر صحيح على التقديرين فكيف يجب قضاؤها واما صاحب البيان فكأنه اراد حمل كلام المصنف على المسألة التي نص عليها الشافعي والاصحاب المذكورة بعد لكنه تأويل بعيد واما الزبيدي فجوابه مبني على أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصلاة يؤثر وفيه ما نص عليه في الاملاء وما قاله الشيخ أبو حامد وغيره رحمهم الله اه من هامش الاذرعي

بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَنْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ هَلْ هُوَ مُتَطَهِّرٌ أم لا فانها لا تجزيه لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِأَدَائِهَا فِي الظَّاهِرِ قَالَ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ شَكَّ هَلْ صَلَّى بِطَهَارَةٍ أَمْ لَا أَوْ هَلْ قَرَأَ فِيهَا أَمْ لَا أَوْ هَلْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ لَهُ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشَّكُّ بَعْدَهَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حَسَنَةٌ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ وَهَكَذَا نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْإِمْلَاءِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا خِلَافًا فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ هَلْ يُوجِبُ إعَادَتَهَا أَمْ لَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالُوا إذَا شَكَّ هَلْ أَدَّى بِالْمَسْحِ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا أَخَذَ فِي وَقْتِ الْمَسْحِ بِالْأَكْثَرِ وَفِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْأَقَلِّ احْتِيَاطًا لِلْأَمْرَيْنِ مِثَالُهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ أَمْ تَأَخَّرَ حَدَثُهُ وَمَسْحُهُ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَيَأْخُذُ فِي الصَّلَاةِ بِاحْتِمَالِ التَّأَخُّرِ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ فِي الْمُدَّةِ بِاحْتِمَالِ التَّقَدُّمِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُ الرِّجْلِ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الطَّرَفَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز المسح على كل خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه سواء كان من الجلود أو اللبود أو الخرق أو غيرها فاما الخف المخرق ففيه قولان قال في القديم ان كان الخرق لا يمنع متابعي المشى عليه جاز المسح عليه لانه خف يمكن متابعة المشي عليه فأشبه الصحيح وقال في الجديد إن ظهر من الرجل شئ لم يجز المسح عليه لان ما انكشف حكمه الغسل وما استتر حكمه المسح والجمع بينهما لا يجوز فغلب حكم الغسل كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَاسْتَتَرَتْ الْأُخْرَى)

(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ جِنْسُ الْجُلُودِ بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُلُودِ وَاللُّبُودِ وَالْخِرَقِ الْمُطْبَقَةِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ كَوْنُهُ قَوِيًّا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَالُوا وَمَعْنَى ذَلِكَ أن يمكن المشى عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِ النُّزُولِ وَعِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَفِي الْحَوَائِجِ الَّتِي يَتَرَدَّدُ فِيهَا فِي الْمَنْزِلِ وَفِي الْمُقِيمِ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ لَابِسِي الْخِفَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ فَرَاسِخَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا الْمُخَرَّقُ فَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عليه فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) يَكُونُ الْخَرْقُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ فَاحِشٌ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَا يجوز المسح بلا خلاف (الثالثة) يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَكِنَّهُ يَسِيرٌ جِدًّا بحيث لا يظهر منه شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ كَمَوَاضِعِ الْخَرْزِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي حسين وغيره ما يبقي مِنْ مَوَاضِعِ الْخَرْزِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ نَفَذَ مِنْهُ الْمَاءُ (الرَّابِعَةُ) يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يظهر منه شئ مِنْ الرِّجْلِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَفِيهِ القولان المذكوران في الكتاب وهما مشهور ان أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَسَوَاءٌ حَدَثَ الْخَرْقُ بَعْدَ اللُّبْسِ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ أَوْ مُؤَخَّرِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ تَخَرَّقَ من مقدم الخف شئ فَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّقْيِيدَ بِالْمُقَدَّمِ بَلْ ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ كَذَا أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ أَرَادَ مَوْضِعَ الْقَدَمِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُقَدَّمَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْمُؤَخَّرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَاسْتَتَرَتْ الْأُخْرَى فَقِيَاسٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ مِنْ أُصُولِ الْبَابِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا فِي رِجْلٍ دون الاخرى ومسح عليه وغسل الاخر لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَسَنُوَضِّحُهَا مَقْصُودَةً بِتَفْرِيعِهَا فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ خَرْقًا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ

حَنْبَلٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ واسحق ويزيد بن هرون وَأَبِي ثَوْرٍ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِ الْخِفَافِ: وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إنْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ رِجْلِهِ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ رِجْلِهِ: وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا مَسَحَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إنْ كَانَ الْخَرْقُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ جَازَ: وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ ظَهَرَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ لَمْ يَجُزْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِقَوْلِ الثَّوْرِيِّ أَقُولُ لِظَاهِرِ إبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَوْلًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْخِفَافِ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ على اختلاف مذاهبهم بما احتج بن ابن المنذر وبأنه جوز الْمَسْحِ رُخْصَةٌ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْمُخَرَّقِ وَبِأَنَّهُ لا تخلوا الْخِفَافُ عَنْ الْخَرْقِ غَالِبًا وَقَدْ يَتَعَذَّرُ خَرْزُهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ وَبِأَنَّهُ خُفٌّ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وأجابوا عن استدلا لهم بِإِطْلَاقِ إبَاحَةِ الْمَسْحِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ وهو الخف الصحيح وعن الثاني أن المخرق لَا يُلْبَسُ غَالِبًا فَلَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ بِأَنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ مَنُوطٌ بِالتَّرَفُّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمُخَرَّقِ وَالْمَسْحُ مَنُوطٌ بِالسِّتْرِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْمُخَرَّقِ وَلِهَذَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَوْ لَبِسَهُ مُحْرِمٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * (فَإِنْ تَخَرَّقَتْ الظِّهَارَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ صَفِيقَةً جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ تَشِفُّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ كَالْمَكْشُوفِ) * (الشَّرْحُ) الظِّهَارَةُ وَالْبِطَانَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَقَوْلُهُ تَشِفُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ رَقِيقَةٌ وَالصَّفِيقَةُ الْقَوِيَّةُ الْمَتِينَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا تَخَرَّقَتْ الظِّهَارَةُ وَبَقِيَتْ الْبِطَانَةُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا هذا نصه قال جمهور الاصحاب مراده إذا كَانَتْ الْبِطَانَةُ صَفِيقَةً يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْي عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ

والاصحاب في الطرق وحكي الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهًا غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ رَقِيقَةً كَمَا لو كان الخف طافا وَاحِدًا فَتَشَقَّقَ ظَاهِرُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ يَجُوزُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ اللِّفَافَة لِأَنَّهَا مُفْرَدَةٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الشافعي وكل شئ أُلْصِقَ بِالْخُفِّ فَهُوَ مِنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخَرُّقِ الظِّهَارَةِ دُونَ الْبِطَانَةِ يُقَاسُ مَا إذَا تَخَرَّقَ مِنْ الظِّهَارَةِ مَوْضِعٌ وَمَنْ الْبِطَانَةِ مَوْضِعٌ لَا يُحَاذِيهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْجَوَازِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ وَتَحْتَهُ جَوْرَبٌ يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْبِطَانَةِ لِأَنَّ الْجَوْرَبَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْخُفِّ وَالْبِطَانَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ وَلِهَذَا يُتْبِعُ الْبِطَانَةَ الْخُفَّ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُتْبِعُهُ الْجَوْرَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * (وإن لبس خفاله شَرَجٌ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا بحيث لا يظهر شئ مِنْ الرِّجْلِ وَاللِّفَافَةِ إذَا مَشَى فِيهِ جَازَ المسح عليه) * (الشرح) الشرج بفتح وَالرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ الْعُرْيُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَبِسَ خُفًّا لَهُ شَرَجٌ وَهُوَ الْمَشْقُوقُ فِي مُقَدَّمِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ الشَّقُّ فَوْقَ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا جَازَ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ الشَّقُّ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ لَا يرى منه شئ مِنْ الرِّجْلِ إذَا مَشَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ تُرَى فَإِنْ لَمْ يَشُدَّهُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَإِنْ شَدَّهُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بشرط أن لا يبقى شئ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ اللِّفَافَةِ يَبِينُ فِي حَالِ المشئ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ وَقَطَعُوا بِهِ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي محمد أنه حكي وجها انه لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُشَرَّجِ الْمَشْدُودِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ قِطْعَةَ جِلْدٍ وَشَدَّهَا قَالَ وَالصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ السَّتْرَ حَاصِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا لَبِسَهُ وَشَدَّهُ ثُمَّ فَتَحَ الشَّرَجَ بَطَلَ الْمَسْحُ فِي الْحَالِ وان لم يظهر شئ مِنْ الرِّجْلِ لِأَنَّهُ إذَا مَشَى فِيهِ ظَهَرَتْ الرِّجْلُ فَبِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ

خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ مَعَ السَّتْرِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ لَبِسَ جَوْرَبًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَشِفُّ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُنَعَّلًا فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ لم يجز المسح عليه) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ وَفِيهَا كَلَامٌ مُضْطَرِبٌ لِلْأَصْحَابِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا مُنَعَّلًا وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْ الْقَدَمَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْجَوْرَبَ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدَ الْقَدَمَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِثْلَهُ وَنَقَلَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُجَلَّدَ الْقَدَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ كَيْفَ كَانَ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَجْمَعِينَ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ أَمْكَنَ مُتَابَعَةُ المشى على الجوربين جاز المسح عليهما وَإِلَّا فَلَا وَالْجَوْرَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَوْرَبِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْجَوْرَبَ إنْ كَانَ صَفِيقًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إبَاحَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِلَالٍ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ المبارك وزفر واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ * قَالَ وَكَرِهَ ذلك مجاهد وعمر وابن دِينَارٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وَدَاوُد وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْإِبَاحَةِ * وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ مُطْلَقًا: بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُفًّا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالنَّعْلِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ * وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى مِثْلُهُ مَرْفُوعًا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ كَالْخِرْقَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْلَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فهوءلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هوءلاء لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ: الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الَّذِي يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ: الثَّالِثُ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ لَا أَنَّهُ جَوْرَبٌ مُنْفَرِدٌ ونعل منفردة فكأنه قال مسح على جور بيه الْمُنَعَّلَيْنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ ضَعْفًا وَفِيهِ أَيْضًا إرْسَالٌ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِرِقَّتِهِ أَوْ لِثِقَلِهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَمَا سِوَاهُ لَا تَدْعُو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة)

(الشَّرْحُ) أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِرِقَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ (1) لِمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لِثِقَلِهِ كَخُفِّ الْحَدِيدِ الثَّقِيلِ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِمَا ذكره المصنف وممن قطع به الشيخ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِالْجَوَازِ وَإِنْ عَسُرَ الْمَشْيُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِ اللَّابِسِ لَا الملبوس ولا نظر إلى احوال اللابسين وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على أن خف الحديد الذى يمكن متابعة المشى عليه يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى مَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ المشي عليه معا عُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ صَالِحٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ بُعْدٌ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ جِنْسِ الْخُفَّيْنِ بَلْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جِلْدًا وَالْآخَرُ لِبْدًا وَشِبْهَ ذَلِكَ جَازَ وَلِذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِلْدٍ وَالْآخَرُ مِنْ خَشَبٍ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ هَذَا فِيمَنْ قُطِعَ بَعْضُ إحْدَى رِجْلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اتَّخَذَ خُفًّا وَاسِعًا لَا يَثْبُتُ فِي الرِّجْلِ إذَا مَشَى فِيهِ أَوْ ضَيِّقًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ فِي الضَّيِّقِ الشَّاشِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا الضَّيِّقُ الَّذِي يَتَّسِعُ بِالْمَشْيِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ لَبِسَ خُفًّا وَاسِعَ الرأس يرى

_ (1) قوله بلا خلاف يعني في غير مسألة تخرق الظهارة دون البطانة فانه سبق فيها وجه ضعيف انه لا يجوز المسح وان كانت رقيقة لظاهر النص اه اذرعي

مِنْهُ الْقَدَمُ وَلَكِنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ مَسْتُورٌ مِنْ أَسْفَلَ وَمِنْ الْجَوَانِبِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ جَوَازُ الْمَسْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ مَحَلَّ الْفَرْضِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وبه قطع البندنيجي وصاحب الْحَاوِي وَالْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ كَمَا لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ وَالْمَذْهَبُ الاول قال أصحابنا ولو صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ ضَيِّقَ الْجَيْبِ وَلَكِنْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ بِحَيْثُ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ صَحَّتْ صلاته قالوا فيجب فِي الْخُفِّ السَّتْرُ مِنْ أَسْفَلَ وَمِنْ الْجَوَانِبِ دُونَ الْأَعْلَى وَفِي الْعَوْرَةِ مِنْ فَوْقٍ وَمِنْ الْجَوَانِبِ دُونَ الْأَسْفَلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَمِيصَ يُلْبَسُ مِنْ أَعْلَى وَيُتَّخَذُ لِيَسْتُرَ أَعْلَى الْبَدَنِ وَالْخُفُّ يُلْبَسُ مِنْ أَسْفَلَ وَيُتَّخَذُ لِيَسْتُرَ أَسْفَلَ الرِّجْلِ فَأَخَذَ بِهِ قالوا فالمسألتان مختلفان صُورَةً مُتَّفِقَتَانِ مَعْنًى وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ تُرَى مِنْ تَحْتِهِ عَوْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سِتْرًا وَوَافَقَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ سَتْرُ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ خُفَّ زُجَاجٍ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تُرَى تَحْتَهُ الْبَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِزُجَاجٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا وَصَفَ لَوْنَ الْبَشَرَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهَا عَنْ الْأَعْيُنِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخُفِّ عُسْرُ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ بِسَبَبِ السَّاتِرِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَيْنِ وممن صرح به القفال والصيد لاني والْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُ الروياني في البحر قال القفال يجوز المسح على خف زجاج وقال سائر اصحابنا لا يَجُوزُ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ بَلْ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بَلْ الْجَمِيعُ بِالْجَوَازِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِمَنْعِهِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ جَوَازَهُ عَنْ الاصحاب مطلقا (1) (الخامسة) إذا ليس خُفًّا مِنْ خَشَبٍ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عَصًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِعَصًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ فِي رِجْلِهِ كَقُرُوحٍ وَنَحْوِهَا جَازَ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلزَّمِنِ وَالْمُقْعَدِ وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُ الْمَشْيِ لِحِدَةٍ فِي رَأْسِ الْخُفِّ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (السَّادِسَةُ) لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ قِطْعَةَ أَدَمٍ وَاسْتَوْثَقَ شده بالرباط

_ (1) ومن البعيد أو المحال امكان متابعة المشي الكثير على خف الزجاج الا ان يمشي به على بساط أو ارض دمثة لا حصى ولا حجر بها اه اذرعي

وَكَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُفًّا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّرَدُّدِ غَالِبًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفَّيْنِ قُطِعَا مِنْ فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُمَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَنَقَلَ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَالَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ * (الثَّامِنَةُ) هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُفِّ صَفِيقًا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فَإِنْ كَانَ مَنْسُوجًا بِحَيْثُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ نَفَذَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَائِلًا بَيْنَ الْمَاءِ وَالْقَدَمِ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ وَإِنْ نَفَذَ الْمَاءُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لِوُجُودِ السَّتْرِ قَالَ الْإِمَامُ وَلِأَنَّ عُلَمَاءَنَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لو انتقبت ظهارة الخف من موضع وبطانته مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحَاذِيهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لا يظهر من القدمين شئ وَلَكِنْ لَوْ صُبَّ الْمَاءُ فِي ثُقْبِ الظِّهَارَةِ يَجْرِي إلَى ثُقْبِ الْبِطَانَةِ وَوَصَلَ إلَى الْقَدَمِ جاز المسح فإذا لَا أَثَرَ لِنُفُوذِ الْمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ فِي الْمَسْحِ لَا يَنْفُذُ وَالْغَسْلُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله (وفي الجرموقين وهو الخف الذى يلبس فوق الخف وهما صحيحان قولان قال في القديم والاملاء يجوز المسح عليه لانه خف صحيح يمكن متابعة المشى عليه فاشبه المنفرد وقال في الجديد لا يجوز لان الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب وانما تدعو الحاجة إليه في النادر فلا يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة فان قلنا بقوله الجديد فادخل يده في ساق الجرمون ومسح على الخف ففيه وجهان قال الشيخ ابو حامد الاسفراينى رحمه الله لا يجوز وقال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله يجوز لانه مسح على ما يجوز المسح عليه فاشبه إذا نزع الجرموق ثم مسح عليه وإذا قلنا يجوز المسح علي الجرموق فلم يمسح عليه وادخل يده إلى الخف ومسح عليه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لانه يجوز المسح على الظاهر فإذا أدخل يده ومسح علي الباطن لم يجز كما لو كان في رجله خف منفرد فادخل يده إلى باطنه ومسح الجلد الذي يلي الرجل والثاني يجوز لان كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح علي ما شاء منهما (الشرح) الجرموق بضم الجيم والميم وهو عجمي مُعَرَّبٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْخُفُّ وَلَمْ يَقُلْ وَهُمَا

أَرَادَ الْجُرْمُوقَ الْفَرْدَ وَلَيْسَ الْجُرْمُوقُ فِي الْأَصْلِ مطلق الخف فوق الخف بل هو شئ يُشْبِهُ الْخُفَّ فِيهِ اتِّسَاعٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ أَنَّهُ الْخُفُّ فوق الخف ولان الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِخُفٍّ فَوْقَ خُفٍّ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ اتِّسَاعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ: وَقَوْلُهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ كَالْجَبِيرَةِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ حَتَّى يَجُوزَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَبِيرَةِ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ فِي حَقِّ الْكَسِيرِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَنْ وَالِدِهِ الْجَزْمَ بِذَلِكَ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَخَذَهُ مِنْ إشْعَارِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ أَمْ رَآهُ مَنْقُولًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ لِمَا ذَكَرَهُ أَصْلًا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ بَلْ وَجَدْتُ مَا يُشْعِرُ بخلافه والحافه عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْقُفَّازَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجَبِيرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَارِدَةِ فَكَذَا الْجُرْمُوقُ الَّذِي لَا يَعْسُرُ إدْخَالُ الْيَدِ تَحْتَهُ وَمَسْحُ الْخُفِّ قال وانما قال المصنف رحمه الله رُخْصَةٌ عَامَّةٌ لِيُتِمَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ كَالْجَبِيرَةِ لم يستقم فان الجبيرة يتعلق بِهَا رُخْصَةٌ وَهِيَ الْخَاصَّةُ فِي حَقِّ الْكَسِيرِ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ انْتِفَاءُ الرُّخْصَةِ الْعَامَّةِ ثَبَتَ مَحَلُّ النِّزَاعِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ قَوْلَهُ رُخْصَةٌ عَامَّةٌ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ تَعَلُّقِ رُخْصَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ بَلْ هُوَ لِتَقْرِيبِ الشَّبَهِ مِنْ الْجَبِيرَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَجْرِيَانِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه وخالفهم في كتابه شرح فروح ابن الحداد فصحح الْجَوَازُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَشَرْطُ مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ أن يكون الخفاف وَالْجُرْمُوقَانِ صَحِيحَيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لو انفرد كما قاله المصنف فاما لان كَانَ الْأَعْلَى صَحِيحًا وَالْأَسْفَلُ مُخَرَّقًا فَيَجُوزُ الْمَسْحُ

عَلَى الْأَعْلَى قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأَسْفَلَ فِي حكم اللفافة هكذا قطع به الاصحاب الطُّرُقِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى فِيهِ طَرِيقَيْنِ الْمَنْصُوصُ مِنْهُمَا هَذَا: والثاني أنه على القولين وليس بشئ وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى مُخَرَّقًا وَالْأَسْفَلُ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى وَيَجُوزُ عَلَى الْأَسْفَلِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْأَعْلَى فِي مَعْنَى خِرْقَةٍ لَفَّهَا فَوْقَ الْخُفِّ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْأَعْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ إلَى الْأَسْفَلِ فَإِنْ قَصَدَ مَسْحَ الْأَسْفَلِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَصَدَ مَسْحَ الْأَعْلَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ قَصَدَهُمَا أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ قَصَدَ أَصْلَ الْمَسْحِ فَوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ فَرْضِ الرِّجْلِ بِالْمَسْحِ وَقَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَلَبِسَ فَوْقَهُمَا ثَانِيًا وَثَالِثًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُخَرَّقَةً إلَّا الْأَعْلَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ مَا تَحْتَهُ كَاللِّفَافَةِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَهُ وَمَسَحَ الْأَسْفَلَ فَفِي جَوَازِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْجَوَازُ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَمَسَحَ الرَّأْسَ وَكَمَا لَوْ أَدْخَلَ الْمَاءَ فِي الْخُفِّ وَغَسَلَ الرِّجْلَ: مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَجْهَ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ هُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ تَخْرِيجٌ لَهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ نَقَلَهُ أَبُو حامد في تعليقه عن الاصحاب فقال قال أصحابنا لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَتَمَسَّكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ طَرَحَهُمَا وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ لا يجوز قال والفرق بينه وبين مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ الرَّأْسَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَقَوِيَ أَمْرُهُ وَهَذَا بَدَلٌ فَضَعُفَ فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مع

اسْتِتَارِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ الْمَاسِحَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ الْأَسْفَلِ إلَّا بِطَرْحِ الْأَعْلَى كَمَا قَالَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ من غسل الرجلين الا ينزع الْخُفَّيْنِ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ غَيْرُهُ قَالَ وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ لَا مَعْنَى لَهُ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَمَسَحَ الْأَسْفَلَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَحَلٌّ لِلْمَسْحِ فَأَشْبَهَ شَعْرَ الرَّأْسِ وَبَشَرَتَهُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ إحْدَاهَا إذَا قُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبِسَ الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ جَمِيعًا عَلَى طَهَارَةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ عَلَى حَدَثٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وبه قطع العراقييون وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِأَنَّهُ لَبِسَ مَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ عَلَى حَدَثٍ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ رَقَّعَ فِيهِ رُقْعَةً وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ الْأَصَحُّ مَنْعُ الْمَسْحِ وَهُوَ قَوْلُ الدَّارَكِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلِ الشيخ بي حَامِدٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ هُنَا فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لبس الخف لامن حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْجُرْمُوقِ قَالَ وَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْأَسْفَلِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ قَالَ وَلَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَ فِيهِ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ عَلَى هَذِهِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَفِي جَوَازِهِ عَلَى الْأَعْلَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ

_ (1) هذا الوجه مبني على المعنى الثالث الاتي في المسألة الثانية وهو انهما كخف واحد لكنه ضعيف اه اذرعي

بَدَلٌ عَنْ الْخُفِّ وَالْخُفُّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَسْفَلَ كَلِفَافَةٍ وَالْأَعْلَى هُوَ الْخُفُّ وَالثَّالِثُ أَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ فَالْأَعْلَى ظِهَارَةٌ وَالْأَسْفَلُ بِطَانَةٌ: وَفَرَّعَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْهَا لَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا فَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ جَازَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ: وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا أَوْ خَلَعَهُ مِنْهُمَا بَعْدَ مَسْحِهِ وَبَقِيَ الْأَسْفَلُ بِحَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُ الْأَسْفَلِ بل يجب مسحه وهل يكفيه مَسْحُهُ أَمْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَازِعِ الْخُفَّيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ الْقَوْلَانِ فَحَصَلَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أقوال أحدهها لا يجب شئ وَأَصَحُّهَا يَجِبُ مَسْحُ الْأَسْفَلِ فَقَطْ وَالثَّالِثُ يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ وَالرَّابِعُ يَجِبُ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَالْخَامِسُ يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ: ومنها لو تخرق الا علي مِنْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ نَزَعَهُ فَإِنْ قُلْنَا بالمعني الثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الرِّجْلِ وَوَجَبَ نَزْعُهُمَا مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَفِي اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ القولان: وان قلنا بالمعنى الاولى فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَمَنْ نَزَعَ إحْدَى الْخُفَّيْنِ فَإِذَا نَزَعَهُ عَادَ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يَكْفِيه مَسْحُ الْأَسْفَلِ أَمْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الثَّانِي وَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحُ الْأَسْفَلِ الَّذِي نُزِعَ أَعْلَاهُ وَالثَّانِي اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَمَسْحُ هَذَا الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى: وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ مِنْهُمَا لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا فَلَوْ تَخَرَّقَ مِنْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي أو الثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَجَبَ نَزْعُ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إذَا نَزَعَ فَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَسْحُ الْخُفِّ الَّذِي نَزَعَ جُرْمُوقَهُ وَالثَّانِي اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَالْمَسْحُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى الَّذِي تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ تَحْتَهُ وَمِنْهَا لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ وَالْأَعْلَى مِنْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا وَجَبَ نَزْعُ الْجَمِيعِ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا لَكِنْ إذَا قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ وَكَانَ الْخَرْقَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الخف ما نعا نفوذ الماء: ومنها لو تخرق الا على مِنْ رِجْلٍ وَالْأَسْفَلُ مِنْ أُخْرَى فَإِنْ قُلْنَا بالثالث فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ نَزَعَ الْأَعْلَى الْمُتَخَرَّقَ وَأَعَادَ مَسْحَ مَا تَحْتَهُ وَهَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ أم يجب استئناف الوضوء ما سحا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى

مِنْ الرِّجْلِ الْأُخْرَى فِيهِ الْقَوْلَانِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ مَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ أَمَّا إذَا مَنَعْنَاهُ فَتَخَرَّقَ الْأَسْفَلَانِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّخَرُّقِ عَلَى طَهَارَةِ لُبْسِهِ الْأَسْفَلَ مَسَحَ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لِخُرُوجِ الْأَسْفَلِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْمَسْحِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا لَمْ يَجُزْ مَسْحُ الْأَعْلَى كَاللُّبْسِ عَلَى حَدَثٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى طَهَارَةِ مَسْحٍ فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي تَفْرِيعِ الْقَدِيمِ وَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقًا فِي رِجْلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْخُفِّ فِي الرِّجْلِ الْأُخْرَى فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجُرْمُوقِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَبْنِي عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي خُفٍّ وَغَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ جَازَ وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ إلَى وَضْعِ جَبِيرَةٍ عَلَى رِجْلَيْهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ لَبِسَ فَوْقَهَا الْخُفَّ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ لِأَنَّهُ خُفٌّ صَحِيحٌ وَالْجَبِيرَةُ كَلِفَافَةٍ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْمَنْعَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ كَالْجُرْمُوقِ فَوْقَ الْخُفِّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ لبس خفا ذا طاقتين غَيْرِ مُلْتَصِقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الطَّاقِ الْأَعْلَى فَهُوَ كَمَسْحِ الْجُرْمُوقِ وَإِنْ مَسَحَ الْأَسْفَلَ فَكَمَسْحِ الْخُفِّ تَحْتَ الْجُرْمُوقِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْأَسْفَلِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُفٌّ وَاحِدٌ فَمَسْحُ الْأَسْفَلِ كَمَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ (الْخَامِسَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجُرْمُوقَيْنِ قد سبق ان مذهبنا الجديد الا ظهر مَنْعُ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْمُزَنِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جوازه خلافا * واحتج المجوزون من الحديث بِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُوقَ هُوَ الْخُفُّ لَا الْجُرْمُوقُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَرِيبِهِ وَهَذَا

مُتَعَيَّنٌ لِأَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُرْمُوقَانِ مَعَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا جَمِيعَ آلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والثالث أن الحجار لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجُرْمُوقَيْنِ فَيَبْعُدُ لُبْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ المسألة الشيخ ابا حامد الاسفرايني وَالْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ وَهُمَا أَجَلُّ مُصَنِّفِي الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ بَسَطْتُ أَحْوَالَهُمَا بَعْضَ الْبَسْطِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ وَأُنَبِّهُ هُنَا عَلَى رُمُوزٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا أَبُو حَامِدٍ فَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ وَعَلَى تَعْلِيقِهِ مُعَوَّلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ بَغْدَادَ وَإِمَامَتُهَا وَكَانَ أَوْحَدَ أَهْلِ عَصْرِهِ قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ كَانَ يَحْضُرُ دَرْسَهُ سَبْعُمِائَةِ مُتَفَقِّهٍ قَالَ غَيْرُهُ أَفْتَى وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا فَكَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ وَالثَّالِثَةِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالرَّابِعَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَهُوَ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ عُمَرَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَبَرِسْتَانَ الْإِمَامُ الْجَامِعُ لِلْفُنُونِ الْمُعَمِّرُ بَدَأَ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَلَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُخِلَّ بِدَرْسِهِ يَوْمًا وَاحِدًا إلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ ولد سنة ثمان وأربعين وثلثمائة وتوفى عصر السبب وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَفِيسَةٌ فِي فُنُونِ الْعِلْمِ وَمِنْ أَحْسَنِهَا تَعْلِيقُهُ في المذهب ولم أر لا صحابنا أَحْسَنَ مِنْهُ فِي أُسْلُوبِهِ وَلَهُ الْمُجَرَّدُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ وَشَرْحُ فُرُوعِ ابْنِ الحداد وما أكثر فوائده وله في الاصل وَالْخِلَافِ وَفِي ذَمِّ الْغِنَى وَفِي أَنْوَاعِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ وَكَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ بِالرِّوَايَاتِ الْعَالِيَةِ ويقول الشعر الحسن رحمه الله * قال المصنف رحمه الله * (وان لبس خفا مغصوبا ففيه وجهان قال ابن القاص لا يجوز المسح عليه لان لبسه معصية فلم يتعلق به رخصة وقال سائر أصحابنا يجوز لان المعصية لا تختص باللبس فلم تمنع صحة العبادة كالصلاة في الدار المغصوبة) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ يَقُولُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَجُوزُ (1) وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْمَسْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ وَالذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ مَغْصُوبَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ عَصَى بِالْفِعْلِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ بَيَانُ هَذَا مَعَ غَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا إلَى تَرْجِيحِ مَنْعِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا جَازَ لِمَشَقَّةِ النَّزْعِ وَهَذَا عَاصٍ بِتَرْكِ النَّزْعِ وَاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْذَرَ وَلِأَنَّهُ يَعْصِي بِاللُّبْسِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهُ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ بِالْمَسْحِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا وَالْجُلُوسَ سَوَاءٌ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بالمإ فَقَدْ أَتْلَفَهُ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الصِّحَّةَ (قُلْتُ) لِلْآخَرِينَ أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا تُسْتَفَادُ بِالْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَيُقَاسُ عَلَى التَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ كَالتَّيَمُّمِ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَجُوزُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ فَمَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ شَيْئًا وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَصِحُّ وَيَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا فَأَرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ حَرَامٌ بِلَا شَكَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ لَبِسَ خُفَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي الْمَغْصُوبِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْمَنْعِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْخُفِّ فَصَارَ كَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَلَوْ لَبِسَ الرَّجُلُ خُفًّا مِنْ حَرِيرٍ صَفِيقٍ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالذَّهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ مِنْ جِلْدِ كَلْبٍ (2) أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الصَّلَاةُ وَمَا عَدَاهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ كَتَبَعٍ لَهَا وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عن الرجل ولو

_ (1) صحح ابن الصباغ المنع ايضا اه اذرعي (2) قال الرافعي في شرحه الصغير هنا ما لفظه ولو اتخذ خفا من جلد الكلب أو الميتة فهو نجس العين ولا يحل لبسه في اصح القولين ونص في الام انه لا يجوز المسح عليه وهذا غريب اعني حكاية الخلاف في جواز ليس جلد الكلب الا ان يؤول كلامه وفي تأويله بعد اه اذرعي

كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ تَطْهُرْ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ بقاء النجاسة عليها فكيف يمسح على البدن وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ خُرِزَ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَلَا الصَّلَاةُ فِيهِ وان غسله سبعا احداهن بالتراب لان المإ وَالتُّرَابَ لَا يَصِلُ إلَى مَوَاضِعِ الْخَرَزِ الْمُتَنَجِّسَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالُوا فَإِذَا غَسَلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ سَأَلْتُ الشَّيْخَ أَبَا زَيْدٍ عَنْ الصَّلَاةِ في الخف المخروز بالهلت يَعْنِي شَعْرَ الْخِنْزِيرِ فَقَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ قَالَ الْقَفَّالُ وَمُرَادُهُ أَنَّ بِالنَّاسِ إلَى الْخَرْزِ بِهِ حَاجَةٌ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ بِخَرْزِهِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ فَغُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْخَرْزِ قَالَ وَقِيلَ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ يُصَلِّي فِي الْخُفِّ النَّوَافِلَ دُونَ الْفَرَائِضِ فَرَاجَعَهُ الْقَفَّالُ فِيهِ فَقَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ: وَقَوْلُهُ أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ النَّوَافِلِ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَعَذَّرُ أَوْ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَانَ لَا يُصَلِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ احْتِيَاطًا لَهَا وَإِلَّا فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ الْعَفْوُ فِيهِمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَأَوَّلْتُهُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ نَقْلِ القفال في شرحه التلخيص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ علي طهارة كاملة فان غسل احدى الرجلين فادخلها الخف ثم غسل الاخرى فادخلها الخف لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل كمال الطهارة ثم يعيده إلى رجله والدليل عليه ما روى ابو بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أرخص للمسافر ثلاثة ايام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْقِيتِ وَاسْمُ أَبِي بَكْرَةَ نُفَيْعٌ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ كُنِّيَ بِأَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ احْتَرَزَ بِكَامِلَةٍ عَمَّا إذَا غَسَلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَلَبِسَ خُفَّهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُسَمَّى لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ مَجَازًا فَأَرَادَ نَفْيَ هَذَا المجاوز والتوهم

وَلَوْ حَذَفَ كَامِلَةٍ لَصَحَّ كَلَامُهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْفَرَاغِ وَيُقَالُ لَبِسَ الخف والثوب وغير هما بِكَسْرِ الْبَاءِ يَلْبَسُهُ بِفَتْحِهَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَلْبَسَهُ على طهارة كاملة فلو غمس أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ أو لبسه قبل غسل شئ ثُمَّ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إذَا أَحْدَثَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَخْلَعَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَلْبَسَهُمَا وَلَوْ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّهَا اُشْتُرِطَ نَزْعُ الْأَوَّلِ ثُمَّ لُبْسُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ نَزْعُ الثَّانِي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ نَزَعَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ نَزْعُ الْآخَرِ وَهَذَا الوجه شاذ ليس بشئ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقَدْ وجد والترتيب في اللبس ليس بشرط باللاجماع (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ فِي لُبْسِ الْخُفِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ واسحق وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَجُوزُ لُبْسُهُمَا عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ يُكْمِلُ الطَّهَارَةَ فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ الْمَسْحُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسٍ وَطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ كَالِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يلبس وهو لا بس فَاسْتَدَامَ حَنِثَ فَإِذَا لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ تَطَهَّرَ فَاسْتِدَامَتُهُ اللُّبْسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَالِابْتِدَاءِ قَالُوا وَلِأَنَّ عِنْدَكُمْ لَوْ نَزَعَ ثُمَّ لَبِسَ اسْتَبَاحَ الْمَسْحَ وَلَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ ثُمَّ اللُّبْسِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَبَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وضوئه ثم أهويت لا نزع خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نحن أدخلنا هما عَلَى طُهْرٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيَتَوَضَّأُ أَحَدُنَا وَرِجْلَاهُ فِي الْخُفَّيْنِ قَالَ نَعَمْ إذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ قَالُوا دَلَالَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْمَفْهُومِ وَلَا نَقُولُ بِهِ قُلْنَا هُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَاتَّفَقُوا علي اشتراط

الطَّهَارَةِ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا وَجَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُبَيِّنَةً لِجَوَازِ الْمَسْحِ لِمَنْ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صريح فان قالو إذَا لَبِسَ خُفًّا بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ الْآخَرَ كَذَلِكَ فَقَدْ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَلُبْسُ الْخُفِّ الْأَوَّلِ كَانَ سَابِقًا عَلَى كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الاساليب طرقة حَسَنَةً فَقَالَ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ عَلَى الْمَسْحِ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالطَّهَارَةُ تُرَادُ لِغَيْرِهَا: فَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لِلْمَسْحِ كَانَ مُحَالًا لِأَنَّ الْمَسْحَ يَتَقَدَّمُهُ الْحَدَثُ وَهُوَ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ فَاسْتَحَالَ تَقْدِيرُهَا شَرْطًا فِيهِ مَعَ تَخَلُّلِ الْحَدَثِ فَوَضَحَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي اللُّبْسِ وَكُلُّ مَا شُرِطَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ شُرِطَ تَقْدِيمُهَا بِكَمَالِهَا عَلَى ابْتِدَائِهِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِأَنَّ اللُّبْسَ فِي نَفْسِهِ ليس قربة وإذا أحدث بعد اللبس بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ وَلَا تَنْقَطِعُ الطَّهَارَةُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَأْخَذِ الْمَعْنَى وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ فَتَثْبُتُ حَيْثُ يَتَحَقَّقُهُ وَإِذَا تَرَدَّدَ فِيهِ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ وَلَيْسَ مَعَ الْمُخَالِفِينَ نَصٌّ: وَقَدْ ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا: وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِاشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ وَالنَّزْعُ ثُمَّ اللُّبْسُ مُحَصِّلَانِ لِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عَبَثًا بَلْ طَاعَةً وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ اصْطَادَ صَيْدًا وَبَقِيَ فِي يَدِهِ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ ثُمَّ لَهُ اصْطِيَادُهُ بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي إرْسَالِهِ ثُمَّ أخذه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان لبس خفين على طهارة ثم أحدث ثم لبس الجرموقين لم يجز المسح عليه قولا واحدا لانه لبس علي حدث وان مسح على الخفين ثم لبس الجرموقين ثم أحدث وقلنا انه يجوز المسح علي الجرموق ففيه وجهان أحدهما لا يجوز المسح عليه لان المسح على الخف لم يزل الحدث عن الرجل فكأنه لبس على حدث والثاني يجوز لان مسح الخف قام مقام غسل الرجلين)

(الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا وَاضِحًا فِي فَرْعِ مَسَائِلِ الْجُرْمُوقِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْجَوَازُ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ قَوْلًا وَاحِدًا يَعْنِي سَوَاءٌ قُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يُزِلْ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ هَذَا اخْتِيَارُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ سَنَذْكُرُهُمَا وَاضِحَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وان تطهر ولبس خفيه فاحدث قبل ان تبلغ الرجل إلى قدم الخف لم يجز المسح نص عليه في الام لان الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدأ باللبس وهو محدث (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ ثُمَّ رَدَّهَا لَا يَبْطُلُ مسحه ويجعل حكمه حكم لا بس لَمْ يَنْزِعْ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي آخِرِ الْبَابِ حَيْثُ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي سَاقِ الْخُفِّ قَبْلَ الْغَسْلِ ثُمَّ غَسَلَهَا فِي السَّاقِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَوْضِعَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ وَهَذَا وَاضِحٌ فَإِنَّ إدْخَالَهَا السَّاقَ لَيْسَ بِلُبْسٍ ويجئ فيه وجه الرافعى وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وإذا توضأت المستحاضة ولبست الخفين ثم أحدثت حدثا غير حدث الاستحاضة ومسحت على الخف جاز لها أن تصلي بالمسح فريضة واحدة وما شاءت من النوافل وان تيمم المحدث ولبس الخف ثم وجد الماء لم يجز له المسح علي الخف لان التيمم طهارة ضرورة فإذا زالت الضرورة بطلت من أصلها فيصير كما لو لبس الخف علي حدث: وقال أبو العباس بن سريج يصلى بالمسح فريضة واحدة وما شاء من النوافل كالمستحاضة) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَفِي صُورَتِهَا فِي الْمُهَذَّبِ بَعْضُ الْخَفَاءِ فَصُورَتُهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنْ تَتَوَضَّأَ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ وَتَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى تِلْكَ

الطَّهَارَةِ ثُمَّ تُحْدِثُ بِغَيْرِ حَدَثِ الِاسْتِحَاضَةِ كَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَلَمْسٍ قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ تِلْكَ الْفَرِيضَةَ فَإِذَا تَوَضَّأَتْ جَازَ لَهَا الْمَسْحُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ وَتُصَلِّي بِالْمَسْحِ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ فَإِنْ أَحْدَثَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَلَهَا الْمَسْحُ لِاسْتِبَاحَةِ النَّوَافِلِ وَلَا يَجُوزُ لِفَرِيضَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَوَضَّأَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ وَصَلَّتْ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَحْدَثَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَمْسَحَ فِي حَقِّ فَرِيضَةٍ أَصْلًا لَا فَائِتَةٍ وَلَا مُؤَدَّاةٍ وَلَكِنْ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ لِمَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِكَوْنِهَا لَا تَمْسَحُ لِغَيْرِ فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ بِأَنَّ طَهَارَتَهَا فِي الْحُكْمِ مَقْصُورَةٌ عَلَى اسْتِبَاحَةِ فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ وَهِيَ مُحْدِثَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى حَدَثٍ بَلْ لَبِسَتْ عَلَى حَدَثٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَذْهَبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ أَصْلًا لَا لِفَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لِأَنَّهَا مُحْدِثَةٌ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى مَسْحِ الْخُفِّ بَلْ هِيَ رُخْصَةٌ بِشَرْطِ لُبْسِهِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ: وَالْوَجْهُ الْآخَرُ إنَّهَا تَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ وَلَكِنَّهَا تجدد الطهارة ما سحة لِكُلِّ فَرِيضَةٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاحْتِمَالٍ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى فَرِيضَةٍ وَمَذْهَبُ زُفَرَ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا تَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَفَرًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً حَضَرًا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ لَا تَزِيدُ عَلَى فَرِيضَةٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مَذْهَبُ زُفَرَ وَأَحْمَدَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي جَوَازِ مَسْحِهَا لِفَرِيضَةٍ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَهَارَتَهَا هَلْ تَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجُهُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا مَعَ جَرَيَانِهِ دَائِمًا وَكَذَا قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ هَذَا الْبِنَاءُ فَاسِدٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا مَعَ دَوَامِهِ وَاتِّصَالِهِ

فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَسَنُوَضِّحُ الْخِلَافَ فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِالطَّهَارَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ فِي مَسَائِلِ طَهَارَتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا أَحْدَثَتْ غَيْرَ حَدَثِ الِاسْتِحَاضَةِ أَمَّا حَدَثُ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَضُرُّ وَلَا تَحْتَاجُ بِسَبَبِهِ إلَى اسْتِئْنَافِ طَهَارَةٍ إلَّا إذَا أَخَّرَتْ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَحَدَثُهَا يَجْرِي وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَنْقُضُ طَهَارَتَهَا وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَدَثُ الِاسْتِحَاضَةِ كَغَيْرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهَا أَمَّا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ أَنْ تمسح وشفت فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ بَلْ يَجِبُ الْخَلْعُ وَاسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ انْقِطَاعَ دَمِهَا كَحَدَثٍ طَارِئٍ فَلَهَا الْمَسْحُ وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا لضرورة وقد زالت الطهارة والضرورة فصارت لا بسة عَلَى حَدَثٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَحُكْمُ سَلِسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَجُرْحٌ سَائِلٌ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَذَا الْوُضُوءُ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَإِذَا شُفِيَ الْجَرِيحُ لَزِمَهُ النَّزْعُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الحرمين وغيرهما: وأما التيمم الَّذِي مَحَّضَ التَّيَمُّمَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لَا بِإِعْوَازِ الْمَاءِ بَلْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِوُجُودِ الْمَاءِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بَلْ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُوَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَتَسْتَبِيحُ فَرِيضَةً وَنَوَافِلَ كَمَا سَبَقَ وَالْمَذْهَبُ الْفَرْقُ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ لَا تَسْتَمِرُّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فَنَظِيرُهُ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ يَنْقَطِعَ دَمُهَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله فيغمس يديه في الماء ثم يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى الي ساقه واليسرى إلى اطراف أصابعه لما روى المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه قال وضأت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة تبوك فمسح أعلي الخف وأسفله وهل يمسح على عقب الخف فيه طريقان من اصحابنا من قال يمسح عليه

قولا واحد لانه خارج من الخف يلاقي محل الفرض فهو كغيره ومنهم من قال فيه قولان أحدهما يمسح عليه وهو الاصح لما ذكرناه والثاني لا يمسح لانه صقيل وبه قوام الخف فإذا تكرر المسح عليه بلى وخلق وأضربه وان اقتصر على مسح القليل من أعلاه اجزأه لان الخبر ورد بالمسح وهذا يقع عليه اسم المسح وان اقتصر على ذلك من أسلفه ففيه وجهان قال أبو اسحق يجزيه لانه خارج من الخف يحاذي محل الفرض فهو كاعلاه وقال أبو العباس لا يجزئه وهو المنصوص في البويطي وهو ظاهر ما نقله المزني) (الشَّرْحُ) فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا عَلَى الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (1) بِإِسْنَادِهِ عن عبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ جَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ سَبَبُ الْجَرْحِ فَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِ كَمَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ جَرْحُهُمْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ جَرْحُهُمْ مُبِينَ السَّبَبِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ اعْتَضَدَ بِطَرِيقٍ أَوْ طُرُقٍ أُخْرَى فَقَوِيَ وَصَارَ حَسَنًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) الْمُغِيرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ تَقَدَّمَتَا مَعَ بَيَانِ حَالِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَعَقِبُ الرِّجْلِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْقَافِ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ وَفِيهَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ بِالْهَمْزِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَتَبُوكَ بِفَتْحِ التَّاءِ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَيُقَالُ غَزْوَةٌ وَغُزَاةٌ لغتان مشهور تان وكانت غزوة

_ 1) قال البهيقي في حديث المغيرة ان صح اسناده فهو على الاختيار قال وهو عن ابن عمر من فعله صحيح اه اذرعي

تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهِيَ مِنْ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْخُفِّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَاطِنِهِ الَّذِي يُلَاقِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ وَقَوْلُهُ يُلَاقِي مَحَلَّ الْفَرْضِ احْتِرَازٌ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَقِيلٌ يَعْنِي أَمْلَسَ رَقِيقًا وَقَوْلُهُ وَبِهِ قِوَامُ الْخُفِّ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ أَيْ بَقَاؤُهُ وَقَوْلُهُ وخلق هو بفتح الخاء وبضم اللام وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَخْلَقَ أَيْضًا لُغَةٌ رابعة وقوله وأضربه يقال ضره وأضربه يُضِرُّهُ وَيَضُرُّ بِهِ فَإِذَا حُذِفَتْ الْبَاءُ كَانَ ثُلَاثِيًّا وَإِذَا ثَبَتَتْ كَانَ رُبَاعِيًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّالِثَةُ) فِي أَحْكَامِ الْفَصْلِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ وَأَسْهَلَ وَلِأَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ وَالْأَذَى وَالْيُمْنَى لِغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْيُسْرَى أَلْيَقَ بِأَسْفَلِهِ وَالْيُمْنَى بِأَعْلَاهُ وَأَمَّا الْعَقِبُ فَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِهِ كَذَا رَأَيْته فِيهِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اسْتِحْبَابَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَنَقَلَهُ القاضى أبو حامد والماوردي وغير هما عَنْ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الطَّهَارَةِ الصَّغِيرِ: وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ فَإِنَّهُ قَالَ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُسْرَى تَحْتَ عَقِبِ الْخُفِّ وَكَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدُهُمَا فِي اسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَجْهَانِ: وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ جَزَمَ كَثِيرُونَ الْقَطْعَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُ أَصَابِعِهِ تَحْتَ عَقِبِهِ وَرَاحَتِهِ عَلَى عَقِبِهِ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْوَاجِبُ مِنْ الْمَسْحِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِ أَوْ بَعْضِ أَسْفَلِهِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ عَنْ نَصِّهِ في الجامع الكبير وفي رواية موسى ابن ابي الجارود

وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثُ طُرُقٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهَا لَا يُجْزِئُ مَسْحُ أَسْفَلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وابن الصباغ قال ابن سريج لا يجزى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُجْزِئُ قَوْلًا واحد وهو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَغَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُزَنِيّ وَغَلِطَ فِي اسْتِنْبَاطِهِ وَتَأَوَّلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَاطِنِ دَاخِلَ الْخُفِّ وَهُوَ مَا يَمَسُّ بَشَرَةَ الرِّجْلِ: وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالصَّوَابُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ نَقْلًا وَدَلِيلًا: أَمَّا النَّقْلُ فَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ خلافا واما دعوي ابي اسحق أَنَّ الْمُزَنِيَّ غَلِطَ فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُنَا فِيهَا قَالُوا وَالْمُزَنِيُّ لَمْ يَسْتَنْبِطْ مَا نَقَلَهُ بَلْ نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ سَمَاعًا وَحِفْظًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ حِفْظِي عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ان مسح الباطن وترك الظاهر لا يجوز ثُمَّ إنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ بَلْ وَافَقَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَابْنُ أَبِي الْجَارُودِ وَنَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الاقتصار علي الاعلي عن البنى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الرُّخَصِ الِاتِّبَاعُ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا ثَبَتَ التَّوْقِيفُ فِيهِ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ قَالَ الشَّيْخُ أبوا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا مَعْنَى كَلَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكَانَ مَسْحُ الْأَسْفَلِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ يُلَاقِي النَّجَاسَاتِ وَالْأَقْذَارَ لَكِنَّ الرَّأْيَ مَتْرُوكٌ بِالنَّصِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يُرَى غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْبَاطِنِ الَّذِي يَلِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ قَالُوا وَأَمَّا مَسْحُهُ مع الاعلي استحبابا فعلى طريق التبع للا على لِاتِّصَالِهِ بِهِ بِخِلَافِ الْبَاطِنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهِ خَارِقٌ

لِلْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يجزى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَسْفَلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا خالف أبو إسحق إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ قَبْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ مَسَحَ فَوْقَ كَعْبِهِ مِنْ الْخُفِّ أَوْ مَسَحَ بَاطِنَهُ الَّذِي يَلِي بَشَرَةَ الرِّجْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ حَرْفِ الْخُفِّ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَأَسْفَلِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ عَقِبِهِ فَفِيهِ طُرُقٌ إحْدَاهَا أَنَّهُ كَأَسْفَلِهِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَالثَّانِي إنْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْأَسْفَلُ فَالْعَقِبُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِأَنَّ الْعَقِبَ أَقْرَبُ إلَى الْأَعْلَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا لَا يُجْزِئُ الْأَسْفَلُ فَالْعَقِبُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: وَالرَّابِعُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ قُلْنَا مَسْحُ الْعَقِبِ سُنَّةٌ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أحدهما لا يجزئ كالسباق والثاني يجرئ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ: وَالْخَامِسُ قَالَ الشَّاشِيُّ إنْ قُلْنَا مَسْحُهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لَمْ يُجْزِئْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَأَسْفَلِهِ: وَالسَّادِسُ الْجَزْمُ بِإِجْزَائِهِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِالْيَدِ وَبِأُصْبُعٍ وَبِخَشَبَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ بِخِلَافِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا بَدَلٌ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بَلْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ التَّكْرَارَ مَكْرُوهٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْرَارُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا هُوَ المعتمد ولم يثبت في التكرار شئ فَلَا يُصَار إلَيْهِ * (فَرْعٌ) لَوْ غَسَلَ الْخُفَّ بَدَلَ مَسْحِهِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّأْسِ فَعَلَى الصَّحِيحِ هُوَ مَكْرُوهٌ وَتَقَدَّمَ فِي كَرَاهَةِ غَسْلِ الرَّأْسِ وَجْهَانِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ غَسَلَ الْخُفَّ بَدَلَ مَسْحِهِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسِلْ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ الْقَفَّالِ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرَّأْسِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا إذَا غَسَلَ الْخُفَّ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ ونوى انه يجرئه (1) عن الحسن بن صالح وأصحاب

_ (1) قال في البيان فان اصاب الخف بلل المطر أو نضح عليه الماء قال الشيخ أبو نصر ليس للشافعي فيه نص والذي يجرى على مذهبه انه لا يجزيه على المسح قال أبو نصر لان ما فرضه المسح لا يجري منه الغسل كمسح الرأس قال صاحب البيان وعندي انها على وجهيني كغسل الرأس اه اذرعي

الرأي وسفيان الثوري واسحق وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَصْدُ اسْتِيعَابِ الْخُفِّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ بَلْ السُّنَّةُ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَأَطْلَقَ جُمْهُورُ الاصحاب استحباب استيعاب الخف المسح (1) مِمَّنْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبُلْغَةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ نَجِسًا بِنَجَاسَةٍ يُعْفَى عَنْهَا لَا يَمْسَحُ عَلَى (2) أَسْفَلِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَسْحِ أَعْلَاهُ وَعَقِبِهِ وَمَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرُّويَانِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُ الْيَدِ وَأَسْفَلِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ مَسْحِ أَسْفَلِ الْخُفِّ وَفِي الْوَاجِبِ مِنْ أَعْلَاهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ مَسْحِ أَسْفَلِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ فَأَمَّا اسْتِحْبَابُ الْأَسْفَلِ فَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وابن المبارك واسحق * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأَسْفَلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ ظَاهِرَ الْخُفِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ فَلَا يُسَنُّ كَالسَّاقِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ بَارِزٌ مِنْ الْخُفِّ يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ فَسُنَّ مَسْحُهُ كَأَعْلَاهُ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ فَتَعَلَّقَ بِكُلِّ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ كَالْجَبِيرَةِ وَلِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ فَسُنَّ اسْتِيعَابُهُ كَالرَّأْسِ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ فَاسْتَوَى أَسْفَلُ الْقَدَمِ وَأَعْلَاهُ كَالْوُضُوءِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ الاقتصار عى أَقَلِّ مَا يُجْزِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَسْفَلِهِ ولكني رأيت رسول الله

_ (1) قال في الروضة وليس استيعاب جميعه سنة على اصح الوجهين اه من هامش الاذرعي (2) الذي ذكره الامام والغزالي وغيرهما استثناء النجاسة من غير تقييد وحمل الرافعى ذلك علي انه تفريع علي القول القديم إذا أصاب اسفل الخف نجاسة ودلكها بالارض وكذا صور المسألة صاحب البحر وتخصيصه الاسفل بالذكر يدل علي ذلك وعلى مساق كلام المصنف لو كان على اسفل الخف نجاسة معفو عنها لا يستوعب مسح الاعلى أيضا اه أذرعي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْلَاهُ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَسْفَلِهِ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِيعَابِ وَهَذَا كَمَا صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى السَّاقِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَاذٍ لِلْفَرْضِ فَلَمْ يُسَنَّ مَسْحُهُ كَالذُّؤَابَةِ النازلة عن الرَّأْسِ بِخِلَافِ أَسْفَلِهِ فَإِنَّهُ مُحَاذٍ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَهُوَ كَشَعْرِ الرَّأْسِ الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ عَنْ محل الفرض: الثاني أن هذا منتفض بِمَسْحِ الْعِمَامَةِ (1) مَعَ النَّاصِيَةِ وَبِمَسْحِ الْأُذُنِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ نَجَاسَةٌ لَمْ يَمْسَحْ أَسْفَلَهُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ فَوَافَقَنَا عَلَيْهِ الثوري وأبو ثور وداود: وقال بو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ: وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ ظَاهِرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ مَسْحُ جَمِيعِهِ إلَّا مَوَاضِعَ الْغُضُونِ * وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَقَلُّ الْأَصَابِعِ ثَلَاثٌ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ فِي الطَّهَارَةِ لم يكف فِيهِ مُطْلَقُ الِاسْمِ كَمَا لَوْ بَلَّ شَعْرَةً وَوَضَعَهَا عَلَى الْخُفِّ وَلِأَنَّ مَنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ لَا يُسَمَّى مَاسِحًا وَلِأَنَّ الْمَسْحَ وَرَدَ مُطْلَقًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ مَسَحَ فِي طَهَارَةٍ فَلَمْ يَكْفِ مُطْلَقُ الِاسْمِ كَمَسْحِ وَجْهِ الْمُتَيَمِّمِ * وَاحْتَجَّ أصحابنا بان لامس وَرَدَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تقدير واجبه شئ فتين الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُنْقَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُطْلَقِ الِاسْمِ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نَقْلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إطْلَاقِ إبَاحَةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قَالُوا لَا يُسَمَّى ذَلِكَ مَسْحًا قُلْنَا هَذَا خِلَافُ اللُّغَةِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ الِاسْمِ عِنْدَهُمْ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَلَائِلهمْ فَكُلُّهَا تحكم لا أصل لشئ مِنْهَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: الثَّالِثُ أَنَّهُ قَالَ مَسَحَ بِأَصَابِعِهِ وَلَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِهِ فَإِنْ تَأَوَّلُوهُ فَلَيْسَ تَأْوِيلُهُمْ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا لَا يَكُونُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ هَذَا هُوَ الصحيح المشهور *

_ (1) مسح العمامد لايرد على احمد فانه يجوز الاقتصار عليها اه اذرعي

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَالثَّانِي لَوْ كَانَ حُجَّةً لَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَوْ مَسَحَ بِشَعْرَةٍ فَجَوَابُهُ إنْ سُمِّيَ ذَلِكَ مَسْحًا قُلْنَا بِجَوَازِهِ وَإِلَّا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَقَوْلُهُمْ لَا يسمى المسح بالاصبع مسحالا نُسَلِّمُهُ وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّقْدِيرُ الَّذِي قَالُوهُ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى التَّيَمُّمِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ ذَا بِذَاكَ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الِاسْتِيعَابِ هُنَاكَ دُونَ هُنَا فَتَعَيَّنَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله * (إذا مسح علي الخف ثم خلعه أو انقضت مدة المسح وهو على طهارة المسح قَالَ فِي الْجَدِيدِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَقَالَ فِي القديم يستأنف الوضوء واختلف اصحابنا في القولين فقال أبو اسحق هي مبنية علي القولين في تفريق الوضوء فان قلنا يجوز التفريق كفاه غسل القدمين وان قلنا لا يجوز لزمه استئناف الْوُضُوءِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلَانِ أَصْلٌ فِي نفسه أحدهما يكفيه غسل القدمين لان المسح قائم مقام غسل القدمين فإذا بطل المسح عاد الي ما قام المسح مقامه كالمتيمم إذا رأى الماء والثاني يلزمه استئناف الوضوء لان ما ابطل بعض الوضوء ابطل جميعه كالحدث) (الشرح) قوله قال أبو اسحق هِيَ مَبْنِيَّةٌ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَيْ الْمَسْأَلَةُ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ: قَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ مَسْحِهِمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ قَالَ وَفِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَتَوَضَّأُ هَذَا نَقْلُ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَنْ مَسَحَ خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ غَسَلَهُمَا بِقُرْبِ نَزْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ ينتقض وُضُوءُهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ إذَا أَخْرَجَ إحْدَى قَدَمَيْهِ أَوْ هُمَا مِنْ الْخُفِّ بَعْدَ مَسْحِهِ فَقَدْ انْتَقَضَ الْمَسْحُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ وَقْتِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَوْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ قَدِمَ بَلَدَهُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ لَا يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُسَافِرُ قَدْ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ إكْمَالِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُضُوءًا ثُمَّ يصلى تلك الصلاة * ثم قال بعده با سطر وَإِذَا شَكَّ الْمُقِيمُ هَلْ اسْتَكْمَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْ لَا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَاسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ليلى رضى الله عنهما من كتب الْأُمِّ أَيْضًا إذَا صَلَّى وَقَدْ مَسَحَ

خُفَّيْهِ ثُمَّ نَزَعَهُمَا أَحْبَبْتُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ جَازَ فَهَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ نَقَلْتُهَا وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَخَالَفَهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فَنَقَلَا وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَنَقَلَا جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ وَالثَّانِي يَكْفِي غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِمَا عَلَى سِتِّ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَهُمَا تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ إنْ جَوَّزْنَاهُ كَفَى غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وأبي اسحق وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وجمهور البغداديين: والطريق الثاني القولان أصل بنفسه غير مبنى على شئ وهذا الطريق نقله المصنف وغيره عن الْجُمْهُورِ: وَالثَّالِثُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ طَهَارَةَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ إذَا اُنْتُقِضَتْ هَلْ يَنْتَقِضُ الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَنْتَقِضُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَإِلَّا كَفَى الْقَدَمَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: وَالرَّابِعُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ إنْ قُلْنَا نَعَمْ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الْحَدَثَ عَادَ إلَى الرِّجْلِ فَيَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ كَفَى الْقَدَمَانِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ: وَالْخَامِسُ أَنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ وَمَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ عَلَى غَيْرِ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ كَفَى الْقَدَمَانِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: وَالسَّادِسُ عَكْسُهُ إنْ مَنَعْنَا التَّفْرِيقَ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ حَكَى هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي أَرْجَحِ هَذِهِ الطُّرُقِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الصَّحِيحُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْبِنَاءُ على تفريق الوضوء: وقال الخراسانيين هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجُّوا فِي تَغْلِيطِهِ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنَّ التَّفْرِيقَ لَا يَضُرُّ فِي الْجَدِيدِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي أَنَّ التَّفْرِيقَ بِعُذْرٍ لَا يَضُرُّ وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ عُذْرٌ * الثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ الْخُفَّ ثُمَّ خَلَعَهُ قَبْلَ جَفَافِ

الْأَعْضَاءِ جَرَى الْقَوْلَانِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفْرِيقِ لَا يَضُرُّ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ: وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ بَيْنَ التَّفْرِيقِ هُنَا وهناك بان ما سح الْخُفِّ إذَا نَزَعَهُ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْقَدَمَيْنِ وَالطَّهَارَةُ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَتْ كُلُّهَا فَلِهَذَا جَرَى الْقَوْلَانِ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ الوضوء تفريقا يسيرا فلم يبطل شئ مِمَّا فَعَلَ فَلِهَذَا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا نَصَّ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِئْنَافِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الِاسْتِئْنَافَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ: وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِعُذْرٍ لَا يَضُرُّ فَلَا يُسَلِّمُهُ الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ: وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ نَزَعَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُسَلِّمُهُ صَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَحَامِلِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَصَحُّ الطُّرُقِ الْبِنَاءُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ (1) وَضَعَّفَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُهُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْبِنَاءَ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ الطَّرِيقَ السَّادِسَ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَرْجَحِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ (2) وا ما أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ وُجُوبَ الِاسْتِئْنَافِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَسُلَيْمٌ الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ كَالْمُقْنِعِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالْكِفَايَةِ لَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَالْكَافِي لِلشَّيْخِ نَصْرٍ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الِاكْتِفَاءَ بِالْقَدَمَيْنِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ لِيَخْرُج مِنْ الْخِلَافِ * ثُمَّ إذَا قُلْنَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ فَغَسَلَهُمَا عَقِبَ النَّزْعِ أَجْزَأَهُ فان أخر غلسهما حَتَّى طَالَ الزَّمَانُ فَفِيهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وهو واضح ويجئ حِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي التَّفْرِيقِ بِعُذْرٍ هَلْ يُؤَثِّرُ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا خَلَعَ الْخُفَّيْنِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَإِنْ كان على طهارة الغسل بأن كان

_ (1) جزم المحاملي في الباب بان المسح لا يرفع الحدث وكذا الشيخ أبو حامد اه اذرعي (2) قد صحح الشيخ أبو حامد الطريق الاول وهذا يقتضي تصحيح الاكتفاء بالقدمين وصحيح البهيقي في السنن الصغير وجوب الاستئناف واختار الشيخ في آخر الفصل مذهب الحسن وغيره انه لا شئ عليه لا غسل القدمين ولا غيره واختاره ابن المنذر وهو قوى لان طهارته صحيحة فلا تبطل الا بالحدث كالوضوء اه اذرعي

غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ فَطَهَارَتُهُ كَامِلَةٌ وَلَا يلزمه شي بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا أَرَادَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَسْتَأْنِفُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَدِيدِ الِاسْتِئْنَافُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إسحق هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلَانِ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا معناه بالقيهم غير أبي اسحق فهو تصريح بان أبا اسحق انْفَرَدَ وَاتَّفَقَ الْبَاقُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِ أَبِي اسحق ابن سريج وأبو علي بن أبي هريرة وَالْبَغْدَادِيُّونَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَا يُعْذَرُ الْمُصَنِّفُ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَهُوَ كَثِيرُ النَّقْلِ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا ظَهَرَتْ الرجل انقضت الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ فِي نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي لِأَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ بِمُضَايَقَةِ الْمُدَّةِ وَتَرْكِ تَعَهُّدِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ودليل بطلان صلاته ان طهارته بطلت فِي رِجْلَيْهِ وَوَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَاقِي الْقَوْلَانِ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ قَدْرٌ يَسَعُ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَافْتَتَحَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ ثُمَّ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَفَائِدَتُهُمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ ثُمَّ فَارَقَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ هَلْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (1) (قُلْت) وَفَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَةٍ وَيُسَلِّمَ إنْ قُلْنَا انْعَقَدَتْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصَحُّ الِانْعِقَادُ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ انْعِقَادُ صَلَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ أَوْ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَالثَّانِي يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَلِلْعُلَمَاءِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ أبي ليلى والاوزاعي

_ (1) الخلاف في صحة الاقتداء هو في العالم بحاله اما الجاهل فيصح اقتداؤه كما لو اقتدى بمحدث وقد قيده بالعالم في الروضة ولعله تركه هنا لان قوله ثم فارقه يشعر بان كلامه في العالم اه اذرعي

والحسن بن صالح واسحق وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الثَّالِثُ إنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَقِبَ النَّزْعِ كَفَاهُ وَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: الرَّابِعُ لَا شئ عَلَيْهِ لَا غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ وَلَا غَيْرَهُ بَلْ طَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ يُصَلِّي بِهَا مَا لَمْ يُحْدِثْ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلَعْ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الْأَقْوَى وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ نَزْعُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ تُعْرَفُ أَدِلَّتُهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَرَى فِي خِلَالِ الشَّرْحِ إلَّا مَذْهَبَ الْحَسَنِ فَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِلَا حَدَثٍ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا نَزْعُ الْخُفِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ صِحَّتِهَا كَمَا لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ غَسْلُ الرِّجْلِ وَالْمَسْحُ بَدَلٌ فَإِذَا زَالَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَهُوَ كَنَزْعِهِمَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا يَغْسِلُ الَّتِي نَزَعَ خُفَّهَا وَيَمْسَحُ عَلَى خُفِّ الْأُخْرَى: دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِمَا فَصَارَ ظُهُورُ أَحَدِهِمَا كَظُهُورِهِمَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الرِّجْلَيْنِ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الرِّجْلُ مِنْ الْخُفِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ يَبْطُلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا الْقَاضِي أَبِي الطيب لِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَسْحِ تَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْرَارِ الْقَدَمِ فِي الْخُفِّ وَلِهَذَا لَوْ بَدَأَ بِاللُّبْسِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرِّجْلُ قَدَمَ الْخُفِّ ثُمَّ أَقَرَّهَا لم يجز) * (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَدَأَ بِاللُّبْسِ فَأَحْدَثَ قَبْلَ بُلُوغِ الرِّجْلِ قَدَمَ الْخُفِّ لَمْ يَصِحَّ لُبْسُهُ ولا يستبيح المسح ونص أن لا بس الْخُفَّيْنِ لَوْ نَزَعَ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ السَّاقِ ثُمَّ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ وَنَصَّ عَلَى هَذِهِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا فِي الْقَدِيمِ هَكَذَا * فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا قَدَّمْنَاهُ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ اللبس عى طَهَارَةٍ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِيهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ الْأَصَحُّ أَيْضًا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَبِهِ قَطَعَ المحاملى

فِي كِتَابَيْهِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ (1) وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ عَنْ شَيْخِهِمَا أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي رؤس المسائل والدارمى في الاستذكار والشاشى وغيرهم فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَالْقَدِيمُ لَا يَبْطُلُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَا يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً لَمْ يَذْكُرْهَا الْجُمْهُورُ فَقَالَ كَانَ شَيْخِي يَنْقُلُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَابِسَ الْخُفِّ لَوْ نَزَعَ رِجْلًا مِنْ مَقَرِّهَا وَأَنْهَاهَا مِنْ مَقَرِّهَا إلَى السَّاقِ فَهُوَ نَازِعٌ وَإِنْ بقي منها شئ فِي مَقَرِّ الْقَدَمِ وَهُوَ مَحَلُّ فَرْض الْغَسْلِ فَلَيْسَ نَازِعًا فَإِذَا رَدَّ الْقَدَمَ فَاللُّبْسُ مُسْتَدَامٌ وَلَا يَضُرُّ مَا جَرَى: قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ فِي الطُّرُقِ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ: وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِفَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْقُ جَمْعٍ وَهُوَ أَنَّا عَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاسْتَدَمْنَا مَا كَانَتْ الرِّجْلُ عَلَيْهِ قَالُوا وَنَظِيرُهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِانْفِصَالِ جَمِيعِهِ دُخُولًا أَوْ خُرُوجًا الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقُولُ الْإِحْرَامُ وَالْعِدَّةُ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ زَلْزَلَ الرِّجْلَ فِي الْخُفِّ وَلَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ الْقَدَمِ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ أعلا الخف شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ بَطَلَ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ كَانَ الْخُفُّ طَوِيلًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ إلَى مَوْضِعٍ لو كان الخف معتادا لبان شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ بَطَلَ مَسْحُهُ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُنَا إبْطَالَ الْمَسْحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حنيفة والثوري واحمد واسحق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَبْطُلُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ من النجاسة وذكر الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ مَسَحَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ وَقُلْنَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَعَ الْجُرْمُوقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ كَالْخُفِّ الْمُنْفَرِدِ فَإِذَا نَزَعَهُ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ رأسه وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالثَّانِي لَا يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَعَلَى هَذَا يَكْفِيه الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ نَزْعَ الْجُرْمُوقِ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ مَعَ الْخُفِّ تَحْتَهُ بِمَنْزِلَةِ الظِّهَارَةِ مَعَ البطانة ولو تقلعت الظِّهَارَةُ بَعْدَ الْمَسْحِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي طَهَارَتِهِ: الطريق الثالث ان الجرموق فوق الخف

_ (1) لكن الشيخ أبو محمد في الفروق انما صور المسألة فيما إذا أخرج بعض قدمه إلى الساق ومقتضاه انه إذا أخرج جميعه إلى الساق بطل مسحه كما نقل عن الامام وذكره المصنف هنا عنه اه من هامش الاذرعي

كَالْخُفِّ فَوْقَ اللِّفَافَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ نَزَعَ الْخُفَّ كَمَا يَنْزِعُ اللِّفَافَةَ وَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ فيه قولان) (الشَّرْحُ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ لَكِنَّ بعض الاصحاب يسميها طرقا وبعضهم يسميها أو جها وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ ذَكَرَهَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَاتَّفَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ وَنَقَلَهَا عَنْهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مُوَضَّحًا فِي مَسَائِلِ مَسْحِ الْجُرْمُوقَيْنِ وَأَوْرَدَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَدِيمِ وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ فَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ بِنَزْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَا يَرْجِعُ عَنْ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ فَيَصِحُّ أَنْ يُخَرَّجُ فِيهِ الْقَوْلَانِ قُلْت هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يُجَابُ بِجَوَابَيْنِ حَسَنَيْنِ أَجْوَدُهُمَا أَنَّ جَوَازَ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْقَدِيمِ بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَالْإِمْلَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي (1) أَنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ عَلَى الْقَدِيمِ أَيْضًا فِيمَا إذَا نَزَعَ الْجُرْمُوقَ عَقِبَ الْمَسْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ: إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ مَسْحُ الْخُفِّ لمن لا يحتاج الي شى كَزَمِنٍ وَامْرَأَةٍ تُلَازِمُ بَيْتَهَا وَمُلَازِمٍ لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ: (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا سَلِيمُ الرِّجْلَيْنِ لَوْ لَبِسَ خفا في احداها لا يصح مسح وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رِجْلٌ وَاحِدَةٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى خُفِّهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ بَقِيَتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الرِّجْلِ الْأُخْرَى بَقِيَّةٌ لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتُرَهَا بِمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا جميع فَلَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا فَلَبِسَ الْخُفَّ فِي الصَّحِيحَةِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِصِحَّةِ الْمَسْحِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِمَنْعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الرِّجْلِ الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ (الثَّالِثَةُ) مَسْحُ الْخُفِّ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَيْنِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هُمَا قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ويؤيد كونهما قولين انهم

_ (1) هذا الثاني صحيح ان لم يسلم جريان القولين في نازع الخفين عقب المسح كما سبق والا فلا يصح إذ يجب الاستئناف على القديم كما سبق على انه لا يتصور جريان القولين في نازع الجرموقين أو الخفين على القديم وان تصور الاقتصاد على القدمين بل ان نزع عقب المسح اقتصر على القدمين وان طالت المدة وجب الاستئناف وهذا مذهب مالك والليث كما سبق اه اذرعي

بَنَوْا مَسْأَلَةَ مَنْ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ هَلْ يَسْتَأْنِفُ أَمْ يَكْفِيه غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يرفع الحدت أم لا ولولا انهما قولان لم يصح البناء إذا كَيْفَ يُبْنَى قَوْلَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ: ثُمَّ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي التَّحْرِيرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنَّهُ طهارة تبطل بظهور الاصل فلم ترفع الحدث كالمتيمم وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَسْلِ فَلَمْ يَرْفَعْ كَالتَّيَمُّمِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ وَحُجَّةٌ الْأَصَحِّ فِي أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَنَّهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ فَرَفَعَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرَائِضَ وَلَوْ كَانَ لَا يَرْفَعُ لَمَا جُمِعَ بِهِ فَرَائِضُ كَالتَّيَمُّمِ وَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ لَمْ يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكْرَهُ كَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ إبَاحَةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّ مُدَافَعَةَ الْحَدَثِ فِيهَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لُبْسُ الْخُفِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ وَأَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دُونَ رِجْلَيْهِ وَوَجَدَ خُفًّا يُمْكِنُهُ لُبْسُهُ وَمَسْحُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ وَقَدْ عَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِالتَّرَدُّدِ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وَجْهَانِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذكراها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (الْخَامِسَةُ) أُنْكِرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ مَسْحُ الْخُفِّ يُبِيحُ الصَّلَاةَ إلَى إحْدَى غَايَتَيْنِ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَضَرًا وَثَلَاثَةٍ سَفَرًا وَتَرَكَ غَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَهُمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهَا فِي الْخُفِّ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ وعلى المزني أشياء سبق مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وله الحمد والمنة *

الجزء الثاني

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء الثاني دار الفكر

باب الاحداث التى تنقض الوضوء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (باب الاحداث التى تنقض الوضوء) * [الاحداث التى تنقض الوضوء خمسة: الخارج من السبيلين والنوم والغلبة علي العقل بغير النوم ولمس النساء ومس الفرج: فأما الخارج من السبيلين فانه ينقض الوضوء لقوله تعالي: (أو جاء أحد منكم من الغائط) : ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا من صوت أو ريح) ] [الشَّرْحُ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوْ هَذِهِ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ وَهِيَ وَاوُ الْحَالِ

وأنشد فيه ابياتا قال ولايجوز فِي الْآيَةِ غَيْرُ مَعْنَى الْوَاوِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي مَسْأَلَةِ مُلَامَسَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامستم النساء فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا قَالَ وزيد ابن أَسْلَمَ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَ الْآيَةَ تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْآيَةِ لابد مِنْهُ فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ يُوجِبَانِ الْوُضُوءَ وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أخرج منه شئ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رَوَاهُ

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى يَجِدَ رِيحًا يَعْلَمُهُ وَيَتَحَقَّقُ خُرُوجَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ يَشُمُّهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ أَوْ دُبُرِهِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ دُودًا أَوْ قَيْحًا أَوْ دَمًا أَوْ حَصَاةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْمُعْتَادِ وَلَا فَرْقَ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ بَيْنَ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَدُبُرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ آدَرَ وَهُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَيْنِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِنَا وَلَا يستثنى من الخارج الا شئ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالُوا لِأَنَّ الْخَارِجَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ طَهَارَتَيْنِ وَهَذَا قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَابَةَ فَيَكُونُ جُنُبًا لا محدثا قال الرافعى لان الشئ مَهْمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَثَرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أوهنهما بعمومه كزني الْمُحْصَنِ يُوجِبُ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيَكُونُ جُنُبًا مُحْدِثًا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (2) الْجُمْهُورَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ أَنَّهُ يَكُونُ جُنُبًا لَا مُحْدِثًا وهناك ذكر الْجُمْهُورِ الْمَسْأَلَةَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا فَمُرَادُهُ بِالطَّاهِرِ الدُّودُ وَالْحَصَا وَشِبْهُهُمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْجَسُ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَعْمِيمِ الْأَئِمَّةِ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي تَصْوِيرِ الْجَنَابَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَنْزَلَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فَهُوَ جُنُبٌ غَيْرُ مُحْدِثٍ: وَأَمَّا أَدِلَّةُ الِانْتِقَاضِ بِكُلِّ خَارِجٍ مِنْ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ: أَمَّا الْغَائِطُ فَبِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْبَوْلُ فَبِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْغَائِطِ: وَأَمَّا الرِّيحُ فبالاحاديث الصحيحة التي قدمناها وهى عامة تتناول

_ (1) هذا الذي نقله صاحب البيان وغيره قد صرح به القاضي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ اه من هامش الاذرعى (2) أقول ما قاله القاضي يشهد له ظاهر نصه في الام فانه ذكر جملا مما ينقض الوضوء ثم قال وكل ما خرج من واحد من الفروج ففيه الوضوء وقال قبله فدلت السنة على الوضوء من المذى والبول مع دلالتها على الوضوء من خروج الريح فلم يجز الا ان يكون جميع ما خرج من ذكر أو دبر رجل أو امرأة أو قبل المرأة الذى هو سبيل الحدث يوجب الوضوء اه اذرعي

الرِّيحَ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدُبُرِهِمَا: وَأَمَّا المذى والودى والدود وغيرهما مِنْ النَّادِرَاتِ فَسَنَذْكُرُ دَلِيلَهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ خَمْسَةٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَبَقِيَ مِنْ النَّوَاقِضِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ انْقِطَاعُ الْحَدَثِ الدَّائِمِ (1) كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ إذَا تَوَضَّأَ حُكِمَ بِصِحَّةِ وُضُوئِهِ فَلَوْ انْقَطَعَ حَدَثُهُ وَشُفِيَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَوَجَبَ وُضُوءٌ جَدِيدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي باب الحيض ان شاء الله تعالى: وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ نَزْعُ الْخُفِّ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ وَاضِحًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا نَزَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ وَهَلْ يَعُودُ إلَى الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَمْ إلَى الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ فِيهِ الْقَوْلَانِ: وَالثَّالِثُ الرِّدَّةُ (2) وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهَا تُبْطِلُ التَّيَمُّمَ دُونَ الْوُضُوءِ: وَالثَّانِي تُبْطِلُهُمَا وَالثَّالِثُ لَا تُبْطِلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَكَاهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخُفِّ وَانْقِطَاعِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ مِنْ النَّوَاقِضِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوهُمَا هُنَا لِكَوْنِهِمَا مُوَضَّحَتَيْنِ فِي بَابَيْهِمَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّدَّةِ فَالنَّقْضُ فِي الْوُضُوءِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَمْ يَعْرُجُوا عَلَيْهِ هُنَا: وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِالرِّدَّةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ * وَاحْتَجَّ لِإِبْطَالِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا تَبْقَى مَعَهَا دَوَامًا كَالصَّلَاةِ إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا وَلِعَدَمِ الْإِبْطَالِ بِأَنَّهَا رِدَّةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ فَلَمْ تُبْطِلْهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِقُوَّةِ الوضوء

_ (1) ونقل ابن كج وجهين في ان لمس الميت يوجب الوضوء أم لا ذكرهما من فرع قبل كتاب الحيض من كتابه وفى ايراد انقطاع الحدث الدائم نظن لانه ما ارتفع حدثه وانما هو مسح كالتيمم اه اذرعى (2) قال ابن كج في كتاب التيمم فرع قال الشافعي ولو تيمم ثم ارتد بطل تيممه قال وان توضأ ثم ارتد لم يبطل وضوءه قال ابن كج والجواب * ان لافصل بينهما متى رجع عن قرب فيها وتأويل مسألة التيمم انه اقام في الردة طويلا فوجب عليه أن يحدث طلبا وتيمما مجددا لان سبيل التيمم ان يكون خلفه صلاة الفريضة ومن اصحابنا من قال بظاهر قول الشافعي وفصل بينهما بان التيمم قد اتخفضت مزيته عن مزية الوضوء الا ترى انه يبطل برؤية الماء ولا يجمع بين فرضين ولا يجوز قبل دخول الوقت اه اذرعى

وَضَعْفِ التَّيَمُّمِ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَلَوْ ارتد في اثناء وضوءه ثم اسلم فان أتي بشئ مِنْهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَمْ يَصِحَّ مَا أَتَى بِهِ فِي الرِّدَّةِ: كَذَا قَطَعَ بِهِ امام الحرمين وغيره ويجيئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ حِكَايَةِ الْمَحَامِلِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ وَإِنْ لَمْ يأت بشئ فَقَدْ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ نِيَّةٌ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ جَدَّدَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقُلْنَا لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِالرِّدَّةِ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ النِّيَّةِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْنَا يَضُرُّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ قَرِيبًا بَنَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُوَالَاةِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَحْدِ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ الْغَائِطِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْبَوْلِ من القبل والريح من الدبر والمذى قال ودم الاستحاضة ينقض في قوله عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا رَبِيعَةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّودِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ

وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَالْحَكَمُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَرَوْنَ مِنْهُ الْوُضُوءَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِيهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِي الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النَّادِرَ لَا يَنْقُضُ وَالنَّادِرُ عِنْدَهُ كَالْمَذْيِ يَدُومُ لَا بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَلَيْسَ بَنَادِرِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ وَإِنْ دَامَ إلَّا الْمَذْيَ لِلْحَدِيثِ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّادِرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَلِأَنَّهُ نادر فلم ينقض كالقئ وَكَالْمَذْيِ الْخَارِجِ مِنْ سَلَسِ الْمَذْيِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَذْيِ (يغسل ذكره ويتوضأ وفى رواية فيه الوضوء: وَفِي رِوَايَةٍ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا (فِي الْوَدْيِ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ فَنَقَضَ كَالرِّيحِ وَالْغَائِطِ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالْمُعْتَادِ الَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَغَيْرُهُ أَوْلَى: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرَ نَاقِضِ الْوُضُوءِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَبَيَّنَ فِيهِ جَوَازَ الْمَسْحِ وَبَعْضَ مَا يُمْسَحُ بِسَبَبِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بَيَانَ جَمِيعِ النَّوَاقِضِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَوْفِهَا أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَذْكُرْ الرِّيحَ وَزَوَالَ الْعَقْلِ وَهُمَا مِمَّا ينقض بالاجماع: وأما القئ فَلِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ فَلَمْ يَنْقُضْ كَالدَّمْعِ: وأما سلس المذى فللضررة وَلِهَذَا نَقُولُ هُوَ مُحْدِثٌ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ وَلَا يَتَوَضَّأُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلًا وَجَوَابًا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ) فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَثْبُتُ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ احمد ومحمد ابن الحسن وقال أبو حنيفة لا ينقض قال المصنف رحمه الله * [فان انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ انتقض الوضوء بالخارج منه لانه لابد للانسان من مخرج يخرج منه البول والغائط فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه وان انفتح فوق المعدة فقيه قولان أحدهما ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه وقال في حرملة لا ينتقض لانه في معنى القئ وان لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه وان كان دون المعدة ففيه وجهان أحدهما لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لان ذلك كالجائفة فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه: والثاني ينتقض لانه مخرج منه الغائط فهو كالمعتاد] [الشَّرْحُ] الْمَعِدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِمَا تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِمَا فَوْقَ الْمَعِدَةِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَلَوْ انْفَتَحَ فِي نَفْسِ السُّرَّةِ أَوْ فِي مُحَاذَاتِهَا فَلَهُ حُكْمُ مَا فَوْقَهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (1) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَ صُوَرٍ إحْدَاهَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فحكي عن ابي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَدَّ (2) قَالَ وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَنَسَبُوهُ إلَى الْغَفْلَةِ فِيهِ: الثَّانِيَةُ يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ بِالِانْتِقَاضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: الثَّالِثَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَفِي الِانْتِقَاضِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ (3) : الرَّابِعَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ قَوْلًا وَاحِدًا مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وقال الشيخ أبو حامد والبندنيحي وَالْمَحَامِلِيُّ إنْ قُلْنَا فِيمَا إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَانْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ لَا يُنْقَضُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ خَالَفَهُمْ وَلَيْسَ كما قال والله أعلم *

_ (1) قلت قال بن يونس في شرحه للتعجيز هنا المعدة بين الصدر والسرة وقال صاحب الذخائر فان قيل ما حد المعدة حتى نتبين فوقها ودونها قلنا حد المعدة من السرة إلى ثغرة الصدر فما كان دون السرة فهو دون المعدة وما كان فوق ثغرة الصدر فهو فوق المعدة انتهى لفظه ونقله هذا عن الامام لم اره في النهاية في هذا الموضع صريحا وانما تكلم على المنفتح تحت المعدة وفوقها وفيها ولم يصرح بمحلها انه محاذى للسرة ولا لغيره فالله اعلم ما في الاذرعى (2) قلت وافقه على ذلك أبو الفضل ابن عبدان كذا نقله الرافعى في شرحه الصغير اه اذرعى (3) وقال الرويانى في البحر المذهب المشهور انه لا ينتقض ومن اصحابنا من قال فيه قولان مخرجان انتهى وقطع المحاملى في المقنع بانه ينقض فصار في المسألة ثلاثة طرق اه من هامش الاذرعي

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إحْدَاهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَخْرَجِ الْمُنْفَتِحِ هِيَ إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْمَخْرَجِ عَارِضًا لِعِلَّةٍ قَالَ وَحِينَئِذٍ حُكْمُ السَّبِيلَيْنِ جَارٍ عَلَيْهِمَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِمَا وَوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِمَا فَأَمَّا إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْأَصْلِيِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَسَبِيلُ الْحَدَثِ هو المنفتح وَالْخَارِجُ مِنْهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَالْمُنْسَدُّ كَالْعُضْوِ الزَّائِدِ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وايلاج فِيهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُنْفَتِحِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَكَمْنَا فِي مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ بِالِانْتِقَاضِ بِالْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا كَدَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ حَصَاةٍ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ أَصَحُّهُمَا الِانْتِقَاضُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفَ الْبَغَوِيّ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُعْتَادُ فَإِذَا خَرَجَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ عُدْنَا إلَى الْأَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ الرِّيحُ انْتَقَضَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَطَرَدَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِالْخَارِجِ هَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ فِيهِ بِالْحَجَرِ أَمْ يتعين الماء فيه ثلاثة أوجه (1) أصحهما يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَتَعَيَّنُ فِي الْخَارِجِ النَّادِرِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْقُضُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ قُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَالْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَتَعَدَّى أَحْكَامَ الْحَدَثِ فلا يثبت بالايلاج فيه شئ من احكام الوطئ سِوَى الْغُسْلِ عَلَى وَجْهٍ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وذكر صاحب البيان ان الوجهين

_ (1) قال في الروضة فيه ثلاثة اقوال وقبل اه اذرعى اوجهه

يَجْرِيَانِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَحُصُولِ التَّحْلِيلِ بِهِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَطَرَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْوَجْهَيْنِ فِي المهر وسائر احكام الوطئ (قُلْتُ) وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ فَاسِدٌ: (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ فَوْقَ سُرَّةِ الرَّجُلِ وَنَقَضْنَا بِهِ فَفِي وُجُوبِ سَتْرِهِ وَحِلِّ النَّظَرِ إلَيْهِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ السَّتْرُ وَيَحِلُّ النَّظَرُ لِأَنَّهُ ليس في محل العورة قال الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ لَوْ حَاذَى السُّرَّةَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَيْسَتْ عَوْرَةً (السَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِخُرُوجِ الرِّيحِ مِنْهُ فَنَامَ مُلْصِقًا لَهُ بِالْأَرْضِ فَفِي انْتِقَاضِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ * (فَرْعٌ) الْخُنْثَى الَّذِي زَالَ اشكله إذا خرج من فرجه الزائد شئ فَلَهُ حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ: وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا بَالَ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ (1) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ كَالْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ (2) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَائِدٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَقَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِالِانْتِقَاضِ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (3) وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى فَرْجَهُ وَإِذَا بَالَ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ قَطْعًا * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ذكران فخرج من احدهما شئ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ: ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: (فَرْعٌ) إذَا خَرَجَ دَمٌ مِنْ الْبَاسُورِ إنْ كَانَ دَاخِلَ الدُّبُرِ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ الْبَاسُورُ خَارِجَ الدُّبُرِ لَمْ يَنْقُضْ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ (4) * (فَرْعٌ لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انْفِصَالِهَا فَفِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا يَنْتَقِضُ لِلْخُرُوجِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ الِانْفِصَالِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان ادخل في احليله مسبارا وأخرجه أو زرق فيه شيئا وخرج منه انتقض وضوءه]

_ (1) لفظ الامام في النهاية فرع خروج الخارج من احد سبيلى الخنثي المشكل بمثابة خروج نجاسة من سبيل ينفتح اسفل من المعدة وقد مضى (2) قال في البيان ومن عادته ان يبول منهما في بعض الحالات انتهى والعجب من المصنف اهمال هذا مع انه من تمام تصوير المسألة مع وقوفه على كلام البيان فيه وهو متعين في التصوير لابد منه بلا شك (3) وقال لعله بناه على الاصح عنده يعني ان الخارج من منفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض اه اذرعى (4) ونقله ابن كج عن النص اه

[الشَّرْحُ] الْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْمِسْبَارُ بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ السِّينِ وَهُوَ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ مِنْ حَدِيدَةٍ أَوْ مَيْلٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ يُعْرَفُ بِهِ غَوْرُ الْجُرْحِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا السِّبَارُ بِكَسْرِ السِّينِ وَحَذْفِ الْمِيمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُقَالُ سَبَرْتُ الْجُرْحَ أَسْبُرُهُ سَبْرًا كَقَتَلْتُهُ أَقْتُلُهُ قَتْلًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فِي قُبُلِهِمَا أَوْ دُبُرِهِمَا شَيْئًا مِنْ عُودٍ أَوْ مِسْبَارٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ انتقض الوضوء سواء اختلط به غيره أَمْ لَا: وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ كُلُّهُ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِدْخَالِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ غَيَّبَ بَعْضَ الْمِسْبَارِ فَلَهُ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَلَوْ صَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لَا بِسَبَبِ الْوُضُوءِ بَلْ لِأَنَّ الطَّرَفَ الدَّاخِلَ تَنَجَّسَ وَالظَّاهِرُ لَهُ حُكْمُ ثَوْبِ الْمُصَلِّي فَيَكُونُ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ فَلَوْ غَيَّبَ الْجَمِيعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَوْ لَفَّ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً وَأَدْخَلَهَا فِي دُبُرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَحَصَلَ وَجْهَانِ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الدَّاخِلَةَ هَلْ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَتَنَجَّسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَمْ لَا: وَالْأَشْهَرُ أَنَّ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَنْجَسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا فَرْعًا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ خَيْطًا فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَبَعْضُ الخيط خارج مِنْ فَمِهِ وَبَعْضُهُ دَاخِلٌ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ نَزَعَ الْخَيْطَ غَيْرُهُ فِي نَوْمِهِ أَوْ مُكْرِهًا لَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَقِيَ الْخَيْطُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ: وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَغْسِلَ فَمَهُ إنْ نَزَعَهُ: وَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مُرَاعَاةُ صِحَّةِ الصَّوْمِ (1) أَوْلَى لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ دَخَلَ فِيهَا فَلَا يُبْطِلُهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرٌ إذَا اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِ الْقَضَاءِ فَاتَهُ صَلَاةُ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ (2) فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وَالثَّانِي الصَّلَاةُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ وَلِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الصِّيَامِ ولانها متعددة فانها ثلاث

_ (1) قال في الروضة الاصح مراعاة الصلاة وكذا قال في كتاب الصيام في هذا الكتاب ان الاصح مراعاة الصلاة وهذا اولى فان الاصح تفضيل الصلاة على الصوم واما مسألة الفائتة فالاصح انها يجب قطعها والشروع في الحاضره خلاف ما قاله القاضي اه اذرعي (2) هذا مخالف لما جزم به في كتاب الصلاة الجماعة اه اذرعى

صَلَوَاتٍ وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْقَاضِي كَمَا ذَكَرْتُهَا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَالِهِ لَا يَصِحُّ بَلْ يَنْزِعُهُ أَوْ يَبْتَلِعُهُ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ حَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ مُسْتَدِيمٌ لِإِدْخَالِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ واستدامته كالابتداء كَمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فانه يبطل كابتداء الْجِمَاعِ هَذَا كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُسْتَدِيمَ الْجِمَاعِ يُعَدُّ مُجَامِعًا مُنْتَهِكًا حُرْمَةَ الْيَوْمِ بِخِلَافِ مُسْتَدِيمِ الْخَيْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ونظير الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَهُوَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِهَا وَلَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ إلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَوْ ذَهَبَ إلَى الْوُقُوفِ لَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى الْوُقُوفِ وَيُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْوُقُوفِ أَشَقُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ يَعْرِضُ قَبْلَ ذَلِكَ عَارِضٌ وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الْقَضَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَوَاتُ أَيْضًا وَقَدْ يَمُوتُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ فِي تَكْرَارِ هَذَا السَّفَرِ وَلُزُومِ دَمِ الْفَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَالصَّلَاةُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بِعُذْرِ الْجَمْعِ (1) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الْمَشَقَّةُ وَلَا قَرِيبٌ مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ قَضَائِهَا فِي الْحَالِ: وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا آكَدُ وعلى الفور وهذا ليس بشئ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا: وَالثَّالِثُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَاشِيًا فَيَحْصُلُ الْحَجُّ وَالصَّلَاةُ جَمِيعًا وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا مِنْ أَعْذَارِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي باب صلاة الْخَوْفِ عَنْ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا النَّوْمُ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَوْ مُكِبٌّ أَوْ مُتَّكِئٌ انْتَقَضَ وضوءه لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ الِاضْطِجَاعِ نَقَضَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ كَالْإِحْدَاثِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ قُعُودًا ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن

_ (1) التأخير يعذر الجمع وان كان مشقته اهون فان المأخرة تكون به اداء بخلاف مسألة الوقوف اه اذرعى

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ وَضَعَ جَنْبَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَيُخَالِفُ الْأَحْدَاثَ فَإِنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِعَيْنِهَا وَالنَّوْمُ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ يَصْحَبُهُ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَذَلِكَ لَا يُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ وَيُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ جَالِسًا: وَإِنْ نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ في الجديد ينتقض لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ فَأَشْبَهَ الْمُضْطَجِعَ وَقَالَ في القديم لا ينتقض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ يقول عبدي روحه عندي وجسده ساجدا بَيْنَ يَدَيَّ) فَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَمَا جَعَلَهُ ساجدا] * [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَبَيَانُهَا مَعَ فُرُوعِهَا بِمَسَائِلَ: إحْدَاهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه فصحيح رواه مسلم فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا قَوْلَهُ قُعُودًا فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لَكِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَالَ حَتَّى تَخْفِقَ رؤسهم وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا ثُمَّ يقومون فيصلون ولا يتوضأون: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُبَاهَاةِ بِالسَّاجِدِ فَيُرْوَى مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُكِبُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ

فُلَانٌ عَلَى وَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا لِوَجْهِهِ إذَا صَرَعْتُهُ لِوَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مكبا على وجهه) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ هَذَا مِنْ النَّادِرَاتِ ان يقال أفعلت انا وفعلت غيرى وقوله أو متكئا هو بهمزة آخِرِهِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْوِعَاءِ وَالسَّهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ الدُّبُرُ وَمَعْنَاهُ الْيَقَظَةُ وِكَاءُ الدُّبُرِ أَيْ حَافِظَةٌ مَا فيه من الخروج أي مادام. الْإِنْسَانُ مُسْتَيْقِظًا فَإِنَّهُ يُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَإِذَا نَامَ زَالَ ذَلِكَ الضَّبْطُ وَقَوْلُهُ يُحِسُّ بِهِ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ: قَوْلُهُ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ عَنْ اسْتِوَائِهِ وَأَصْلُ الْمُبَاهَاةِ الْمُفَاخَرَةُ وَالرُّوحُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ أَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَنَسٌ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَالْبُوَيْطِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي النَّوْمِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ فِي كُتُبِهِ وَنَقْلِ الْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَكِّنًا انْتَقَضَ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كان في الصلاة وغيرها: والثاني انه ينقض بكل حال وهذا نصه في البويطي: والثالث إنْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَ وَإِنْ نَامَ فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: وَالرَّابِعُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَهُوَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ: وَالْخَامِسُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ قَائِمًا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَوَّلَهُمَا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْخَمْسَةِ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بشئ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا وَسَأَبْسُطُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قال الائمة

غَلَطَ الْبُوَيْطِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْبُوَيْطِيُّ يَرْتَفِعُ عَنْ التَّغْلِيطِ بَلْ الصَّوَابُ تَأْوِيلُ النَّصِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: قَالَ وَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَتَوَضَّأْ وَإِنْ نَامَ قَائِمًا فَزَالَتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَإِنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ عَنْ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَمَنْ شَكَّ أَنَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أو لم ينم فليس عليه شئ حتى يستيقن النوم فان ذكر أنه رأى رُؤْيَا وَشَكَّ أَنَامَ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنَوْمٍ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمِنْهُ نَقَلْتُهُ: فَقَوْلُهُ إنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَزُلْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَيُتَأَوَّلُ بَاقِي كَلَامِهِ عَلَى النَّائِمِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا نَامَ فِي صَلَاتِهِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا وَلَوْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ إنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ الضَّعِيفِ فَصَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ صَحِيحَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ بَطَلَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا لِمَرَضٍ فَنَامَ فَفِي بُطْلَانِ وُضُوئِهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدِيمِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ وَالتَّفْرِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ لَا يُنْقِضُ وَغَيْرُهُ يُنْقِضُ: إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنَّائِمِ مُمَكِّنًا أَنْ يَتَوَضَّأَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ حَدَثٍ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ: (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالنُّعَاسِ وَهُوَ السِّنَةُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَدَلِيلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي يُصَلِّي فِي اللَّيْلِ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَجَعَلَنِي فِي شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي فَصَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ أَنَّ النَّوْمَ فِيهِ غَلَبَةٌ على العقل وسقوط

_ (1) لكن التأويل لا يتأتى فيما افهمه قوله وان نام قائما فزالت قدماه من موضع قيامه فعليه الوضوء لانه يقتضي ان لا وضوء عليه إذا لم تزل قدماه لكن يعارضه قوله بعد وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا فعليه الوضوء لان هذا يقتضي ان عليه الوضوء وان لم تزل قدماه وطريق الجمع بينهما ان زوال القدم والرؤيا يقتضيان الاستغراق في النوم بخلاف مااذا لم ير رؤيا ولم تزل قدماه وحينئذ لا يتحقق النوم الناقض بل هو نعاس وسنة وعليه يحمل ذلك المفهوم وهذا متعين به والله اعلم اه اذرعى

حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَغَيْرِهَا وَالنُّعَاسُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَفْتُرُ فِيهِ الْحَوَاسُّ بِغَيْرِ سُقُوطٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ النَّوْمِ مَا يَزُولُ بِهِ الِاسْتِشْعَارُ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ النُّعَاسُ يَغْشَى الرَّأْسَ فَتَسْكُنُ بِهِ الْقُوَى الدِّمَاغِيَّةُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَمَنْبِتُ الْأَعْصَابِ فَإِذَا فَتَرَتْ فَتَرَتْ الْحَرَكَاتُ الْإِرَادِيَّةُ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَبْخِرَةٍ تَتَصَعَّدُ فَتُوَافِي أَعْبَاءً مِنْ قُوَى الدِّمَاغِ فَيَبْدُو فُتُورٌ فِي الْحَوَاسِّ فَهَذَا نُعَاسٌ وَسِنَةٌ فَإِذَا تَمَّ انْغِمَارُ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ فَهَذَا أَوَّلُ النَّوْمِ ثُمَّ تَتَرَتَّبُ غَلَبَةُ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِرْخَاؤُهَا وَذَلِكَ غَمْرَةُ النَّوْمِ قَالَ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْغَفْوَةِ وَإِذَا تَحَقَّقْنَا النَّوْمَ لَمْ نَشْتَرِطْ غَايَتَهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَضَ وُضُوءَ النَّائِمِ قَائِمًا وَلَوْ تَنَاهَى نَوْمُهُ لَسَقَطَ: هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ مَنْ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ قَالُوا وَالرُّؤْيَا مِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ إذَا لَمْ يكن ممكنا فان خطر بباله شئ فَشَكَّ أَكَانَ رُؤْيَا أَمْ حَدِيثَ نَفْسٍ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَلَوْ شَكَّ أَنَام أَمْ نَعَسَ وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ: الثَّالِثَةُ لَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ مُمَكِّنًا أَمْ لَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي مَسَائِلِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ لَوْ تَيَقَّنَ رُؤْيَا وَلَا يَذْكُرُ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ قَاعِدًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) : نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ أَلْيَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَإِنْ زَالَتْ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَضَى لَحْظَةٌ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا سَبَقَ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ لَا تَقَعُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ

_ (1) لفظ البيان فان نام جالسا ثم زال عن حالته فان زال الياه أو أحدهما قبل الانتباه بطلت طهارته وان انتبه بزوالهما لم تبطل وان تيقن النوم وشك هل نام قاعدا أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوءه لان الاصل بقاء الطهارة اه وهذه غير مسألة البغوي ومراد البغوي المسألة السابقة قبل هذا النقل عنه بثلاثة اسطر وهى منصوص عليها في الام ومتفق عليها ومن وقف على كلام الام والبغوى تحقق انها هي بعينها وقد قال متصلا بها ولو شك انه كان رؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه وهو فقط للشافعي عقب مسألة النص المذكورة وقوله لا يحمل على النوم قاعدا كلام صحيح وفى كلام الام اشارة إليه وكيف يحمل على النوم قاعدا وهو لا يتذكر النوم

اللَّهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَحَلِّ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا: (الْخَامِسَةُ) نام ممكنا معقده مِنْ الْأَرْضِ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُعَلِّقُونَ عَنْ شَيْخِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ انْتَقَضَ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُعَلِّقِينَ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: (السَّادِسَةُ) قَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَنَوْمُ لَحْظَةٍ وَيَوْمَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ: (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لافرق فِي نَوْمِ الْقَاعِدِ الْمُمَكِّنِ بَيْنَ قُعُودِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُفْتَرِشًا أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْحَالَاتِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَقْعَدُهُ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ أَوْ بِغَيْرِهَا مُتَمَكِّنًا وَسَوَاءٌ الْقَاعِدُ عَلَى الْأَرْضِ وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا يَنْتَقِضُ الوضوء بشئ مِنْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ مُحْتَوِيًا عَلَيْهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: أَحَدُهَا لَا يَنْتَقِضُ كَالْمُتَرَبِّعِ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ كَالْمُضْطَجِعِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَحِيفَ الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا تَنْطَبِقُ أَلْيَاهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ * (الثَّامِنَةُ) إذَا نَامَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَأَلْصَقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهُ وَلَكِنْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَالِسِ الممكن فلو استثفر وتلجم بشئ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ أَيْضًا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ فِي الْخِلَافِ فِيهِ لِلنَّظَرِ مَجَالٌ وَيَظْهَرُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ (التَّاسِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي النَّوْمِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ النَّائِمَ الْمُمَكِّنَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَغَيْرُهُ يَنْتَقِضُ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ طَالَ نَوْمُهُ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ وَلَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشِّيعَةُ * وَقَالَ اسحق بن راهويه وابو عبيد القاسم ابن سلام والمزنى ينقض النوم بِكُلِّ حَالٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ قَلِيلِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزهري وربيعة والاوزاعي

_ ومسألة البيان فيمن نام قاعدا أو شك في التمكن وليست من مسألة البغوي في شئ يعم فيه كمسالة البيان وهو انه ان كان الاصل بقاء الطهارة فالاصل عدم التمكين مع تحقق النوم والاصل شغل الذمة بالصلاة ايضا وقد شككنا في بقاء شرطها اه اذرعى

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إنْ نَامَ عَلَى هيئة من هيآت الْمُصَلِّي كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ لَمْ يَنْتَقِضْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ نَامَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وَلَنَا قَوْلٌ ان نوم المصلى خاصة لا ينقض كَيْفَ كَانَ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ * وَاحْتَجَّ لِأَبِي مُوسَى وَمُوَافِقِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْمَ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمِ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) قَالُوا وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ أَوْجَبْتُمْ الْوُضُوءَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الرِّيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ (لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ) وَهُوَ حديث حسن سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّ النَّائِمَ غَيْرَ الْمُمَكِّنِ يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ غَالِبًا فَأَقَامَ الشَّرْعُ هَذَا الظَّاهِرَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أَقَامَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ الَّتِي تُفِيدُ الظَّنَّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي النَّوْمِ أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَكَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ قَالَ وَلَا أَرَاهُ إلَّا كَمَا قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ ذُكِرَ فِيهَا بَعْضُ النَّوَاقِضِ وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْبَاقِي وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَوْلَ وَهُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي دَفْعِ الشَّكِّ لَا فِي بَيَانِ أَعْيَانِ الْأَحْدَاثِ وَحَصْرِهَا وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَهِيَ أَحْدَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ الْفَصْلِ (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خُرُوجُ الْخَارِجِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَجَوَابُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا الظَّاهِرَ كَالْيَقِينِ كَمَا جَعَلَ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ كَالْيَقِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ

بِكُلِّ حَالٍ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِغْمَاءِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضأون) وَهُوَ صَحِيحٌ ذَكَرْنَاهُ بِطُرُقِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ لِي حَاجَةٌ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ صَلَّوْا وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ لَيْلَةً عَنْ الْعِشَاءِ فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُمَا أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَرَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَذِهِ دَلَائِلُ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ * وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بحديث عمرو ابن شُعَيْبٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ كُنْتُ أَخْفِقُ بِرَأْسِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَبَ عَلَيَّ وُضُوءٌ قَالَ لَا حَتَّى تَضَعَ جَنْبَكَ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُمَا وَفِيمَا سَبَقَ مَا يُغْنِي عَنْهُمَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمِ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ وَهَذَا يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِغْمَاءِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ ذَاهِبُ الْعَقْلِ لا يحسن بشئ أَصْلًا وَالنَّائِمُ يُحِسُّ وَلِهَذَا إذَا صِيحَ بِهِ تَنَبَّهْ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ كَيْف كَانَ دُونَ قَلِيلِهِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم وَهَذَا يَكُونُ فِي النَّوْمِ الْقَلِيلِ وَلِأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِثْقَالِ يَغْلِبُ خُرُوجُ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ القليل والكثير: والجواب عن حديث أنس اناقد بَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بين قليله وكثيره ودعواهم أن خفق الرؤوس إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ لَا يُقْبَلُ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَإِمَّا دَلِيلًا عَلَى الْخَارِجِ وَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَظْهَرُ دَلَالَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مُمَكَّنًا وَأَمَّا الْمُتَمَكَّنُ فَيَبْعُدُ خُرُوجُهُ مِنْهُ وَلَا يُحِسُّ بِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْوَهْمِ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ

الصَّلَاةِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (1) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي قدمناه أَنَّهُ نَامَ جَالِسًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أمن هذا وضوء قال لاحتى تَضَعَ جَنْبَكَ عَلَى الْأَرْضِ) * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ كَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي زَعَمُوهُ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ من الارض فاشبه المضطجع ولانا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلْخَارِجِ فَضَبَطْنَاهُ نَحْنُ بِضَابِطٍ صَحِيحٍ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَضَبَطُوهُ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا مَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِنَّ السَّاجِدَ وَالرَّاكِعَ كَالْمُضْطَجِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي خُرُوجِ الْخَارِجِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّالَانِيِّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد: قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالضَّعْفُ عَلَيْهِ بَيِّنٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ وَتَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَمَّا لَيْسَ بِدَلِيلٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَضَعِيفٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ كَيْف كَانَ بِحَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الحاجة تدعوا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ لِمُجْتَهِدٍ وَنَحْوِهِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُصَلِّي وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَاجِدًا بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَمَدْحُهُ عَلَى مُكَابَدَةِ الْعِبَادَةِ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلَمْ نَرُدَّ مِنْهَا صَحِيحًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ: (الْعَاشِرَةُ) كَانَ مِنْ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا ينقض

_ (1) أبو العالية هذا هو البراء البصري واسمه زياد وقيل كلثوم ثقه بالاتفاق روى له البخاري ومسلم واما قول صاحب البحر من اصحابنا في تضعيف هذا الحديث ان ابا العالية ضعيف فغلط قبيح اه اذرعى

وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ (وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانٌ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي (1) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُوَمَانِ: أَحَدُهُمَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَعَيْنُهُ: وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ فَهُوَ أَنْ يُجَنَّ أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ يَسْكَرَ أَوْ يَمْرَضَ فَيَزُولُ عَقْلُهُ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَوْلَى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ وَغَيْرِهِ وَيُخَالِفُ النَّوْمَ فَإِنَّ النَّائِمَ إذَا كُلِّمَ تَكَلَّمَ وَإِذَا نُبِّهَ تَنَبَّهَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْخَارِجُ وَهُوَ جَالِسٌ أَحَسَّ بِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ قِيلَ أنه قل من جن الاوينزل فالمستحب أن يغسل احتياطا] [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْجُنُونِ وَبِالْإِغْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ لِيُصَلِّيَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُكْرٍ بِخَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِلْحَاجَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَزَالَ عَقْلُهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَا خِلَافَ فِي شئ من هذا الاوجها للخراسانين انه

_ (1) هذا الجواب الثاني ضعيف مخالف لظاهر حديث ولا ينام قلبى فلا يقبل الا بدليل والصحيح الاول اه اذرعي

لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ إذَا قُلْنَا لَهُ حُكْمُ الصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ: حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ مَنُوطٌ بِزَوَالِ الْعَقْلِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَاصِي وَالْمُطِيعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالسُّكْرُ النَّاقِضُ هُوَ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ شُعُورٌ دُونَ أَوَائِلِ النشوة: قال أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَأَمَّا الدُّوَارُ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَهُوَ دُوَارُ الرَّأْسِ فَلَا يَنْقُضُ مَعَ بَقَاءِ التَّمْيِيزِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ وَاضِحٌ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ الْجُنُونِ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْإِغْمَاءُ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ قيل مَنْ يُجَنُّ إلَّا وَيُنْزِلُ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَأَمَّا لَفْظُ النَّصِّ فَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ ما يوجب الغسل وقد قيل ماجن إنْسَانٌ إلَّا أَنْزَلَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا اغْتَسَلَ الْمَجْنُونُ لِلْإِنْزَالِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ أَحْبَبْتُ لَهُ الِاغْتِسَالَ احْتِيَاطًا وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْإِنْزَالَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ الْأُمِّ نَقَلْتُهُ

وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجْنُونِ كَمَا نَقَلْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ الْمَنِيِّ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ يُجَنُّونَ الْإِنْزَالَ وَجَبَ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِنْزَالُ كَمَا نُوجِبُ الْوُضُوءَ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلظَّنِّ الْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْزَالُ غَالِبًا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ: وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْزَالِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفَكّ فَلَا: وَالصَّحِيحُ طريقة المصنف ومن وافقه ان يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ المنى فان القواعد تقتضي أن لاتنتقض الطَّهَارَةُ إلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ: خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي النَّوْمِ بِالنُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْجُنُونِ مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَشَذَّ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْإِغْمَاءِ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا لَمْسُ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَشَرَةَ الرَّجُلِ بِلَا حَائِلٍ بَيْنَهُمَا فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللامس منهما لقوله تعالى (أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا)

وَفِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ فَنَقَضَ طُهْرَ الْمَلْمُوسِ كَالْجِمَاعِ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (افْتَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرَاشِ فَقُمْتُ أَطْلُبُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ) وَلَوْ انْتَقَضَ طُهْرُهُ لَقَطَعَ الصَّلَاةَ وَلِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَنَقَضَ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَوْ ظُفْرَهَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَإِنَّمَا يَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ: وَإِنْ لَمَسَ ذَاتَ رَحِمٍ محرم ففيه قولان أحدهما ينتقض وضوء لِلْآيَةِ: وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِشَهْوَتِهِ فَأَشْبَهَ لَمْسَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَإِنْ مَسَّ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بلمسها الشهوة فاشبه الشعر] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ: أما الطريق الاول فَقَالَتْ (افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أو ساجد يَقُولُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَتْ (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَالْتَمَسْتُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ) إلَى آخِرِهِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى لَكِنَّ قَوْلَهُ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ

في السن الْكَبِيرِ فِي بَابِ ضَمِّ الْعَقِبَيْنِ فِي السُّجُودِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِيهِ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالِاحْتِرَازَاتِ قوله تعالى (أو لمستم النساء) قرئ في السبع لمستم ولا مستم وَالنِّسَاءُ مِنْ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَالرَّهْطِ وَالنَّفَرِ وَالْقَوْمِ وَكَذَا النِّسْوَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ يَلْمِسُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا تأكيد وايضاح ولو حذفه لا ستغنى عَنْهُ فَإِنَّ لَمْسَ الْبَشَرَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَوْلَجَ فيه بَهِيمَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ وَاحْتِرَازٌ أَيْضًا مِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ ذَكَرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ اللَّامِسَ دُونَ الْمَلْمُوسِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَقَوْلُهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسِّ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَقَوْلُهَا افْتَقَدْتُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِمُسْلِمِ فَقَدْتُ وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فقدت الشئ أَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفُقْدَانًا وَفِقْدَانًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وكذا افتقدته افتقده افتقادا وقولها اخمص قديمه هُوَ مُفَسَّرٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَطْنُ قَدَمِهِ قال أهل اللغة الاخمص مادخل مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ فَلَمْ يُصِبْ الْأَرْضَ: وَالشَّيْطَانُ كل جنى مارد ونونه أصل وقيل زائدة فعلى الاول هو مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَعَلَى الثَّانِي مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَهَلَكَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ احْتِرَازٌ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَلَوْ قال لمس يوجب الوضوء على الامس لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَعُمَّ بِاحْتِرَازِهِ الشَّعْرَ وَالْجِمَاعَ وَيَكُونَ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَهَكَذَا عادة المنصف فانه يذكر في قايس الْقَوْلِ الثَّانِي قُيُودًا يُخَرِّجُ بِهَا مَا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَعْمَلْ هُنَا بِعَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ قَدْ احْتَرَزَ عَنْ الْجِمَاعِ بِقَوْلِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَعْنِي فَإِنَّهُ يُنْقَضُ الْمَاسُّ دُونَ الْمَمْسُوسِ

[قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا الْتَقَتْ بَشَرَتَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تُشْتَهَى انْتَقَضَ وُضُوءُ اللَّامِسِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ اللَّامِسُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا تَعْقُبُهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ ذَلِكَ أَمْ حَصَلَ سَهْوًا أَوْ اتِّفَاقًا وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللَّمْسُ أَمْ فَارَقَ بِمُجَرَّدِ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ وَسَوَاءٌ لَمَسَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَلْمُوسُ أَوْ الْمَلْمُوسُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ أَشَلَّ زَائِدًا أَمْ أَصْلِيًّا فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَنَا وَفِي كُلِّهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَنَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْهَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَزَالُ مَلْمُوسَةً وَلَا تَكُونُ لَامِسَةً وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاعِلَةُ بَلْ يَكُونُ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَمْسَ الْعُضْوِ الْأَشَلِّ أَوْ الزَّائِدِ لَا يَنْقُضُ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ كَانَ يَعْتَبِرُ الشَّهْوَةَ فِي الِانْتِقَاضِ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَنَّ اللَّمْسَ إنَّمَا يَنْقُضُ إذَا وَقَعَ قَصْدًا وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ: (الرَّابِعَةُ) هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فَمَنْ قرأ لمستم لم يُنْقَضْ الْمَلْمُوسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْمِسْ وَمَنْ قَرَأَ لَامَسْتُمْ نَقْضَهُ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ وَهَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ الِانْتِقَاضَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ حَرْمَلَةُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ: وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيم وَسَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ وَقَالَ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَامَّةُ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حرملة علي

قَوْلَيْنِ الِانْتِقَاضُ وَعَدَمُهُ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ اللَّمْسِ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْسُوسِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ مَسُّهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ مِنْ الْمَمْسُوسِ وَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ * (فَرْعٌ) لَوْ الْتَقَتْ بَشَرَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِحَرَكَةٍ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَامِسٌ وَلَيْسَ فِيهِمَا مَلْمُوسٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ: (الْخَامِسَةُ) (1) إذَا لَمَسَ أَحَدُهُمَا شَعْرَ الْآخَرِ أَوْ سِنَّهُ أَوْ ظُفْرَهُ أَوْ لَمَسَ بَشَرَتَهُ بِسِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهُمَا الِانْتِقَاضُ لِأَنَّ الشَّعْرَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ فِي الْحِلِّ بِالنِّكَاحِ وَالتَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِ وَعِتْقِهَا بِإِعْتَاقِهِ وَوُجُوبِ غُسْلِهِ بِالْجَنَابَةِ وَالْمَوْتِ وَغَيْرِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاسْتَدَلُّوا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُلَامَسَةُ أن يفضى بشئ منه الي جسدها والشعر شئ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقُضَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ لانه لا يقصد ذلك للشهوة غالبا وانما تَحْصُلُ اللَّذَّةُ وَتَثُورُ الشَّهْوَةِ عَنْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ لِلْإِحْسَاسِ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَمُرَادُهُ بِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ * (فرع) تيقن لمسهاوشك هَلْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَمْ غَيْرَهُ وَهَلْ لَمَسَهَا بِظُفْرِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ: (السادسة) إذا لمس ذات رحم محرما فَفِي انْتِقَاضِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا فِي حَرْمَلَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ لَا يَنْتَقِضُ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ واتفق أصحابنا في جميع الطرق على أن الصحيح الاصاحب الابانة فصحح الانتقاض (2) وهو شاذ

_ (1) لفظه في الام قال رضى الله عنه فان افضي بيده إلى شعرها ولم يمس لها بشرا فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها فلا يمسها ولا يجب عليه وضوء ولا معنى للشهوة لانها في القلب انما المعني للفعل والشعر مخالف للبشرة قال ولو احتاط فتوضأ من لمس شعرها كان أحب إلى انتهى لفظه رضي الله عنه اه اذرعى (2) قلت يوافقه قول الشيخ ابى محمد في السلسلة ان الجديد الانتفاض والقديم منعه اه اذرعى

ليس بشئ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَحْرَمٍ ذَاتِ رَحِمٍ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ: وام الْمُحَرَّمَةُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وزوجة الاب وَالِابْنِ وَالْجَدِّ فَفِيهَا طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ والرافعي وآخرون وَالثَّانِي (1) حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ قَالَ وَهَذَا ليس بشئ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ ثُمَّ حُرِّمَتْ بِالْمُصَاهَرَةِ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِلِعَانٍ أو وطئ شُبْهَةٍ أَوْ بِالْجَمْعِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا قَبْلَ الدخول والمحرمة لمعنى فيها كالمرتدة والمجوسية وَالْمُعْتَدَّةِ فَيَنْقُضُ لَمْسُهَا بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الْمُحَرَّمِ فَلَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: قَالَا لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا ينتقض * (فرع) قال أصحابنا لو لَمَسَ صَغِيرَةً أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى مِنْ مَحَارِمِهِ وَقُلْنَا الصَّغِيرَةُ وَالْعَجُوزُ الْأَجْنَبِيَّةُ تَنْقُضُ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ * (فَرْعٌ) لَمَسَ امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ مَحْرَمٌ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ: (السَّابِعَةُ) لَمَسَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ وَجْهَانِ وَمَنْ قَالَ قَوْلَانِ أَرَادَ أَنَّهُمَا مَخْرَجَانِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ خَرَّجُوهَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصَّغِيرَةِ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَالْجُمْهُورُ صَحَّحُوا الِانْتِقَاضَ: وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَمَحَلٌّ قَابِلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالصَّحِيحُ الِانْتِقَاضُ وَالْخِلَافُ فِي صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى كَمَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا الَّتِي بَلَغَتْ حَدًّا تَشْتَهِيهَا الرِّجَالُ فَتَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ: وَالرُّجُوعُ فِي ضَبْطِ هَذَا إلَى الْعُرْفِ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الصَّغِيرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرَاتِ: قَالَ الدَّارِمِيُّ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ شَيْخًا هَرِمًا وَصَبِيًّا صَغِيرًا لا يشتهيان: قال صاحب الحاوى ويجرى

_ (1) قوله والثانى حكاه الرويانى عجب وهى طريقة صاحب المهذب فيه وفي التنبيه وخلائق من العراقيين اه اذرعى

الْخِلَافُ إذَا لَمَسَ شَيْخٌ فَقَدَ الشَّهْوَةَ وَاللَّذَّةَ بَدَنَ شَابَّةٍ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّ الشَّيْخَ إذَا لمس ينتقض كما لو لَمَسَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمُرَاهِقُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ لَمَسَتْهُ فَوْقَ ثَوْبٍ رَقِيقٍ بِشَهْوَةٍ وَلَمْ تَمَسَّ الْبَشَرَةَ أَوْ تَضَاجَعَا كَذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لَا يَنْتَقِضُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمُلَامَسَةِ: الثَّانِي لَمَسَ لِسَانَهَا أَوْ لِثَتَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِلِسَانِهِ انْتَقَضَ ذَكَرَهُ الدارمي وهو واضح ولو تصادم لساناهما دفعة فلا مسان: الثَّالِثُ لَمَسَ امْرَأَةً مَيِّتَةً أَوْ لَمَسَتْ رَجُلًا مَيِّتًا فَفِي انْتِقَاضِ اللَّامِسِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصباغ والبغوى والروياني والشاشي وآخرون احدهما أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَجُوزِ وَبِهَذَا قَطَعَ الماوردى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ (1) وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ مَيِّتٍ (2) وَكَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ: الرَّابِعُ: لَمَسَ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ امْرَأَةٍ كَيَدٍ وَأُذُنٍ وغيرها أَوْ لَمَسَتْ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ رَجُلٍ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ كَلَمْسِهِ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ وَأَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً وَلَا شَهْوَةً وَلَا لَذَّةً وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الِانْتِقَاضِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَعَلَى عَدَمِهِ فِي الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فمن الاصحاب

_ (1) وابن كج في النواقص وجزم في آخر باب غسل الجمعة بعكسه اه اذرعى (2) في مس ذكر الميت وجه ايضا مع انه اولى بالنقض من مس الميتة لان مس الذكر لم ينظر فيه إلى المعني على الصحيح كما سيأتي بخلاف مسألتنا اه اذرعى

مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ مَسَّ ذكرا ولم يلمس امرأة والتسرع وَرَدَ بِمَسِّ الذَّكَرِ وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ: (الْخَامِسُ) : لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ لَمَسَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بَدَنَ الْمُشْكِلِ أَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَدَنَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ لِلِاحْتِمَالِ فَلَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ انْتَقَضَ هُوَ لِأَنَّهُ لَمَسَ مَنْ يُخَالِفُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ لِلشَّكِّ وَكَذَا لَوْ لَمَسَاهُ لَمْ ينتقض واحد منهما للشك وفى انتقاض الخثى الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ فَلَوْ اقْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذَا الرَّجُلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْدِثَةً فَإِمَامُهَا مُحْدِثٌ: (السَّادِسُ) لَوْ ازْدَحَمَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى بَشَرَةٍ لَا يَعْلَمُ أَهِيَ بَشَرَةُ امْرَأَةٍ أَمْ رَجُلٍ لَمْ يَنْتَقِضْ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ لَمَسَ مَحْرَمًا أم أجنبية أو هل لمس شعرا أم بَشَرَةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: (السَّابِعُ) إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ أَمْرَدَ حَسَنَ الصُّورَةِ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ به قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّمْسِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْتِقَاءَ بَشَرَتَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ينتقض سواء كان بشهوة وبقصد أم لا ولا ينتقص مَعَ وُجُودِ حَائِلٍ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ وَانْتَشَرَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن الحكم وحماد ومالك والليث واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَالْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ: الْمَذْهَبُ * الرَّابِعُ إنْ لَمَسَ عَمْدًا انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَخَالَفَهُ ابْنُهُ فَقَالَ لَا يَنْتَقِضُ بحال: (الخامس) إنْ لَمَسَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَى عَنْهُ انه لا ينقض إلَّا اللَّمْسُ بِالْيَدِ (السَّادِسُ) إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِنْ لَمَسَ

[فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا (السَّابِعُ) إنْ لَمَسَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمَسَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ انْتَقَضَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا ينتقض مطلقا بحديث حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ: وَعَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ ثُمَّ لَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ) وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ يَدَهَا وَقَعَتْ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى وَهُوَ حامل أمامة بنت زينب رضي الله عنهما فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُصَلِّي وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَقَبَضَتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يوثر مَسَّنِي بِرِجْلِهِ) وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحَارِمِ وَالشَّعْرِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ اللَّمْسُ نَاقِضًا لَنَقَضَ لَمْسُ الرجل الرَّجُلِ كَمَا أَنَّ جِمَاعَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ كَجِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ لمستم النساء) وَاللَّمْسُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ قَالَ اللَّهُ تعالى (فلمسوه بايديهم) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) الْحَدِيثَ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَفِي الْحَدِيث الْآخَرِ (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَيْنَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّمْسُ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْجِمَاعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ اللَّمْسُ أَصْلُهُ باليد ليعرف مس الشئ وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي هَذَا قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ طَلَبَ الْغِنَى * وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُقْتَضَى اللَّمْسِ مُطْلَقًا فَمَتَى الْتَقَتْ الْبَشَرَتَانِ انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدٍ أَوْ جِمَاعٍ. وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بن عبد الله ابن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ (قَالَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ

فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَهَذَا إسْنَادٌ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَاهُ: فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ النِّسَاءِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّمْسَ إلَى الْجِمَاعِ كَمَا أَنَّ الوطئ أَصْلُهُ الدَّوْسُ بِالرِّجْلِ وَإِذَا قِيلَ وَطِئَ الْمَرْأَةَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا الْجِمَاعُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِدَوْسِ الْمَرْأَةِ بِالرِّجْلِ فَلِهَذَا صرفنا الوطئ إلَى الْجِمَاعِ بِخِلَافِ اللَّمْسِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا مَشْهُورٌ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً مِنْهَا أَنَّهُ لَمْسٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَنَقَضَ كَالْجِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَا يُعَلَّلُ وِفَاقًا قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ اقْتِضَاءَ الْأَحْدَاثِ الْوُضُوءَ لَيْسَ مِمَّا يُعَلَّلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ وَلَيْسَ لَمْسُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي مَعْنَى لَمْسِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّ لَمْسَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا مَطْمَعَ لَهُمْ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرَّجُلِ وَقَدْ سَلَّمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا تَجَرَّدَا وَتَعَانَقَا وَانْتَشَرَ لَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَيُقَالُ لَهُمْ بِمَ نَقَضْتُمْ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ قَالُوا بِالْقِيَاسِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ قَالُوا لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَدَثِ قُلْنَا الْقُرْبُ مِنْ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا النَّائِمُ فَإِنَّهُ إنَّمَا انْتَقَضَ بِالسِّنَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَشْعُرُ بِالْخَارِجِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ إلَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحْسَنُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وأبو بكر النيسابوري وأبو الحسن الدارقطني وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلَطُ حَبِيبٍ مِنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ إلَى الْقُبْلَةِ فِي الْوُضُوءِ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي لَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ الْمُزَنِيّ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ

صَائِمٌ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى القبلة فوق حائل جمعا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَوْقٍ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ أَبِي رَوْقٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ لَمْ يَسْمَعْ عَائِشَةَ هكذا ذكره الحفاظ منهم أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا سَائِرَ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَبَيَّنَّا ضَعْفَهَا فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ حَمْلِ أُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعِهَا وَوَضْعِهَا مِنْ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ: وَالثَّانِي أَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَالثَّالِثُ أَنَّهَا مَحْرَمٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي وُقُوعِ يَدِهَا عَلَى بَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فَوْقَ حَائِلٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهَا الْآخَرِ أَنَّهُ لَمْسٌ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِيمَنْ هُوَ نَائِمٌ فِي فِرَاشٍ وهذان الجوابان (1) إذا سلمنا انتقاض طهر الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَلَمْسِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ: فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ أَنَّ الشَّعْرَ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَالْمَحْرَمُ وَالرَّجُلُ لَيْسَا مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ دُونَ غَيْرِهِ بِحَدِيثِ أُمَامَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ مَعَهُ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ بِلَا شَهْوَةٍ فَأَشْبَهَتْ مُبَاشَرَةَ الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَالرَّجُلِ وَلِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ فَاشْتُرِطَ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا الشَّهْوَةُ كَمُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقول الله تعالى (أو لمستم النساء) وَلَمْ يُفَرِّقْ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ بِالْأَوْجُهِ الثلاثة السابقة وعن الشعر وما بعده لانه لَيْسَ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ وَعَنْ مُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ التَّرَفُّهِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشَّهْوَةِ بِخِلَافِ هَذَا * وَاحْتَجَّ لِدَاوُدَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أو لمستم) وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْدًا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ وَلَيْسَ فيها فرق ولان الاحداث لافرق

فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ كَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ وَالرِّيحِ: وقولهم اللمس يقتضي القصد غلط لايعرف عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ يُطْلَقُ اللَّمْسُ عَلَى الْقَاصِدِ وَالسَّاهِي كَمَا يُطْلَقُ اسْمُ الْقَاتِلِ وَالْمُحْدِثِ وَالنَّائِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ قَصْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً * وَاحْتَجَّ لِمَنْ خَصَّ النَّقْضَ بِالْيَدِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ: وَاحْتِجَاجُ الْأَصْحَابِ بِالْآيَةِ وَالْمُلَامَسَةُ لا تختص وَغَيْرُ الْيَدِ فِي مَعْنَاهَا فِي هَذَا وَلَيْسَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْيَدِ دَلِيلٌ: وَأَمَّا مَسُّ الذَّكَرِ بِالْيَدِ فَمُثِيرٌ لِلشَّهْوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْيَدِ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ يُثِيرُ الشَّهْوَةِ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ اللَّمْسُ فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ يَنْقُضُ بِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ بِشَهْوَةٍ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الْبَشَرَةِ: وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَ حَائِلٍ لَا تُسَمَّى لَمْسًا وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْمِسُهَا فَلَمَسَ فوق حائل لم يحنث والله أعلم قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا مَسُّ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِبَطْنِ الْكَفِّ نَقَضَ الْوُضُوءَ لِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤن) قَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي هَذَا لِلرِّجَالِ أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ فَقَالَ (إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ) وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْتَقِضْ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَفْضَى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شئ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَالْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَلِأَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةِ لَمْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ الذَّكَرَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ: وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّ خِلْقَتَهُ خِلْقَةُ الْبَاطِنِ وَإِنْ مَسَّ حَلْقَةَ الدُّبُرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ أَنَّهُ أَحَدُ السَّبِيلَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقُبُلَ: وَإِنْ انْسَدَّ

الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ فَمَسَّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ لِلْحَدَثِ فَأَشْبَهَ الْفَرْجَ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير أوحي أوميت انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَهْتِكْ بِهِ حُرْمَةً فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ هَتَكَ بِهِ حُرْمَةً أَوْلَى وَإِنْ مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ يَدًا مَقْطُوعَةً مِنْ امْرَأَةٍ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَسُّ الذَّكَرِ وَيُخَالِفُ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَمْسُ الْمَرْأَةِ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يجب الوضوء وليس بشئ لان البهيمة لاحرمة لها ولا تعبد عليها] * (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ بُسْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فِي سُنَنِهِمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قال البخاري أصح شئ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ وَعَلَيْهِ إيرَادٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَضَعِيفٌ وَفِي حَدِيثِ بُسْرَةَ كِفَايَةٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ مَسَّ ذَكَرَهُ وَرُوِيَ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ بِأَسَانِيدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَقْوَى بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ * أَصْلُ الْفَرْجِ الْخَلَلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَوْلُهُ يَمَسُّونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَالْمَاضِي مَسِسْتُ بِكَسْرِ السِّينِ علي المشهور وعلى اللغية الضَّعِيفَةِ بِضَمِّهَا قَوْلُهَا بِأَبِي وَأُمِّي مَعْنَاهُ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

سَوَاءٌ كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ الْآخِرَةِ عَنْ مِثْلِهِ: قَوْلُهُ الْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ مَعْنَاهُ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَإِلَّا فَالْإِفْضَاءُ يُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِبَطْنِهَا كَمَا يُقَالُ أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَنَحْوُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَشْهُورٌ كَذَلِكَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا مَسَّهَا بِرَاحَتِهِ فِي سُجُودِهِ وَنَحْوُهُ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةٍ لِمَسِّهِ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّلَذُّذَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَاطِنِ فَالْبَاطِنُ هُوَ آلَةُ مَسِّهِ: وَقَوْلُهُ حَلْقَةُ الدُّبُرِ هِيَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا أَيْضًا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَكَذَلِكَ حَلْقَةُ الْحَدِيدِ وَحَلْقَةُ الْعِلْمِ وَغَيْرُهَا كُلُّهُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَلَا تَعَبُّدَ عليها هذه البعارة عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشَرَحَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره فقالوا معناه لاحرمة لَهَا فِي وُجُوبِ سَتْرِ فَرْجِهَا وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ لَا يَنْقُضُ طُهْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ: أَمَّا عَائِشَةُ وَابْنُ الْقَاصِّ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وأما بسرة فبضم الباء واسكان السين الهملة: وَهِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أسد بن عبد العزى وورقة ابن نَوْفَلٍ عَمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أُمُّ أُمِّهِ وَهِيَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَرَضِيَ عَنْهَا: وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَذَا فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ الْمِصْرِيُّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَفْضَتْ إلَيْهِ الرِّيَاسَةُ بِمِصْرَ بَعْدَ أَشْهَبَ وَأَحْسَنَ إلَى الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا فَأَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَخَذَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَيْ دِينَارٍ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ فَإِذَا مَسَّ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ قُبُلَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير حي أوميت ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ مَسِّ الرَّجُلِ قبل المرأة نافضا إذَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ صَغِيرَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ فَيَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِهَا بِلَا خِلَافٍ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الْمَيِّتِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الصَّغِيرِ (2) وَحَكَى غَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِ غَيْرِهِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ بِكُلِّ ذلك ثم انه لا ضبط لسن الصغير حَتَّى لَوْ مَسَّ ذَكَرَ ابْنَ يَوْمٍ انْتَقَضَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ (3) (فَرْعٌ) وَلَوْ مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مَسَّ ذَكَرًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ: (الْخَامِسَةُ) إنْ مَسَّ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَبَطْنُ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ وَإِنْ مَسَّ بِظَهْرِ الْكَفِّ فَلَا وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ في الكتاب وان مس برؤوس الْأَصَابِعِ أَوْ بِمَا بَيْنَهَا أَوْ بِحَرْفِهَا أَوْ بِحَرْفِ الْكَفِّ فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ رُءُوسِ الاصابع أما الْمُنْحَرِفُ الَّذِي يَلِي الْكَفَّ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَفِّ فينقض وجها واحدا قال الرافعي

_ (1) وفيه نظر بل ينبغي ان يكون على الوجهين في مس فرج الصغير اه اذرعى (2) وهذا الوجه مخالف لنصه الصريح في الام اه اذرعى (3) وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ أومس ذلك من صبى وجب عليه الوضوء اه اذرعى

من قال المس برؤوس الْأَصَابِعِ يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ مَا بَيْنَ الْأَظْفَارِ وَالزَّنْدِ فِي الطُّولِ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ هُوَ الْقَدْرُ الْمُنْطَبِقُ إذا وضعف إحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ والتقيد بِتَحَامُلٍ يَسِيرٍ لِيَدْخُلَ الْمُنْحَرِفُ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا لِلْعَانَةِ بِبَطْنِ كَفِّهِ انتقض وان استقبلها بظهر كفه لم ينتقض قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ: (السَّادِسَةُ) إذَا مَسَّ دُبُرَ نَفْسِهِ أَوْ دُبُرَ آدَمِيٍّ غَيْرِهِ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ الْمِفْتَاحُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَمْ يَحْكِهِ هُوَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ حَكَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُصَنِّفِينَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَاصِّ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْقَدِيمِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بالدبر ملتقى المنفذ أما ما رواء ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خلاف (السابعة) إذا انقتح مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقَيْنِ فَهَلْ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فُرُوعِ مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (الثَّامِنَةُ) إذَا مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الِانْتِقَاضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ لِكَوْنِهِ لَا لَذَّةَ فِيهِ وَلَا يُقْصَدُ وَلَا يَكْفِي اسْمُ الذَّكَرِ كَمَا لَوْ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ وَسَوَاءٌ قُطِعَ كُلُّ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضُهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَسَّ مِنْ ذَكَرِ الصَّغِيرِ الْأَغْلَفِ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا لَمْ يُقْطَعُ قَالَ فَإِنْ مَسَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ الذَّكَرِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ (التَّاسِعَةُ) إذَا مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ

_ (1) قال في البحر بطن الكف ما بين الاظفار والزند فان مسه برؤوس الاصابع بطل وضوءه علي الصحيح في المذهب ومن اصحابنا من قال فيه وجهان وهو ضعيف قال والمس بخلال الاصابع لا ينقض نص عليه في الام وقيل فيه وجهان ولا معني له ولو مس بحرف يده لم ينقض نص عليه في البويطى اه اذرعى

وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُنْقَضُ: قَالَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى في تعليقه ابن عبد الْحَكَمِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ حِكَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ جَمِيعًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَمْ يُثْبِتْ أَصْحَابُنَا هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ رَدَّ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى إثْبَاتِهِ وَجَعَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَظَاهِرُهُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ إنَّمَا هُوَ بِالْقُبُلِ أَمَّا دُبُرُ الْبَهِيمَةِ فَلَا يَنْقُضُ قَطْعًا لِأَنَّ دُبُرَ الْآدَمِيِّ لَا يَلْحَقُ عَلَى الْقَدِيمِ بِقُبُلِهِ فدبر البهمية أَوْلَى: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ فِي النَّقْضِ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِقَدِيمٍ وَلَمْ يَحْكِهِ الْأَصْحَابُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ وَهُمَا مِمَّنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ دُونَ الْعِرَاقِ (1) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يَنْقُضُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَرْجِهَا فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَنْقُضُ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا حُكْمُ مَذْهَبِنَا فِي الْبَهِيمَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ يَنْقُضُ وَغَيْرُهَا لَا يَنْقُضُ وَعَنْ اللَّيْثِ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ لِإِطْلَاقِ الْفَرْجِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ حَتَّى تَثْبُتَ السُّنَّةُ بِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ وَإِطْلَاقُ الْفَرْجِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْجُ الْآدَمِيِّ والله أعلم *

_ (1) هذا القول لايمنع ان يكون قديما فان البويطى والمزنى والربيع رووا عن القديم أقوالا كثيرة وهم مصريون اه اذرعى

(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ اللَّمْسُ يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ النَّاسِي وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ: الثَّانِي إذَا مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ مَسَّ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ كَفٍّ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الِانْتِقَاضَ بِالْكَفِّ الزَّائِدَةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَتْ الْكَفَّانِ عَامِلَتَيْنِ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ إحْدَاهُمَا انْتَقَضَ بِهَا دُونَ الْأُخْرَى وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا الِانْتِقَاضَ بِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا إذَا كَانَتْ الزَّائِدَةُ نَابِتَةً عَلَى وَفْقِ سَائِرِ الاصابع الاصلية فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْقُضْ الْمَسُّ بِبَطْنِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ عَلَى سُنَنِ الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ نَقَضَتْ فِي أصح الوجهين والافلا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: (الثَّالِثُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَشَعْرِ الْعَانَةِ مِنْ الرَّجُلِ والمرأة ولا موضع الشعر ولا مابين القبل والدبر ولا مابين الْأَلْيَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ نَفْسُ الذَّكَرِ وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ وملتقى شفرى المرأة فان مست ما رواء الشَّفْرِ (1) لَمْ يَنْقُضْ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ امام الحرمين والبغوى وآخرون ولوجب ذكره قال أصحابنا ان بقى منه شئ شَاخِصٌ وَإِنْ قَلَّ انْتَقَضَ بِمَسِّهِ بِلَا خِلَافٍ وان لم يبق منه شئ أَصْلًا فَهُوَ كَحَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَنْتَقِضُ عَلَى الصَّحِيحِ وان نبت مَوْضِعِ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسَّهَا فَهُوَ كَمَسِّهِ مِنْ غَيْرِ جِلْدَةٍ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ: هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عروة ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ مَسَّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَلْيَةِ وَالْعَانَةِ يَنْقُضُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا * وَاحْتَجَّ لِعُرْوَةِ بِمَا رُوِيَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ كذا قاله أهل الحديث والاصل ان لانقض إلَّا بِدَلِيلٍ وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وبالغين المعجمة وهو أصل الفخذين ويقال لك مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ رُفْغٌ: (الرَّابِعُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَسَّ بِغَيْرِ بَطْنِ الكف من الاعضاء لا ينقض الاصاحب الشَّامِلِ (2) فَقَالَ لَوْ مَسَّ بِذَكَرِهِ دُبُرَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ لِأَنَّهُ مَسَّهُ بِآلَةِ مَسِّهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ صَاحِبَ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وهذا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا خَبَرٌ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ ثُمَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فَقَالَا فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا أَجْنَبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ بِأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ادخال

_ (1) قلت في فتاوى القفال انما لو مس الشعر النابت من الموضع الذي يكون مدخل الذكر أوثقبة البول أو مست موضع ختانها انتقض وضوءها لذلك كله اه اذرعى (2) الذى قاله في الشامل ونقله عنه صاحبه الشاشي في المسألة ان الذى يقتضيه المذهب ان لا ينتقض طهره والذى يقتضيه التعليل ان ينتقض وكذا نقله عنه في الذخائر وزاد فقال وذكر الشيخ أبو بكر ان الشيخ ابا اسحاق ذكر في تعليق الخلاف ما يوافق مقتضى المذهب وهو انه لا ينتقض ووقع في البحر عن الشامل كما وقع هنا وكذا في الصبان وكانهم ارادوا احتماله اه اذرعى

الذكر في دبر الرجل لا ينتقض الْوُضُوءَ فَوَضْعُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّهِ بِهِ وَلَا بِإِدْخَالِهِ لِأَنَّ الْبَابَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَعَانَقَهَا فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ وَأَطَالَ وَانْتَشَرَ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْضُ رِجْلِهِ عَلَى رِجْلِهَا بِلَا قَصْدٍ انْتَقَضَ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ اللَّمْسِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْحَشُ بَلْ لانسبة بَيْنَهُمَا وَوَافَقَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مس بذكره ذكر غيره لم ينتقض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرٌ مَسْدُودٌ فَمَسَّهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ: (السَّادِسُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ انْتَقَضَ بِمَسِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ أَحَدَهُمَا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْعَامِلِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْآخَرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِغَيْرِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي كِتَابَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ بِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ كَالْخُنْثَى وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ وَالدَّلِيل: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدَ الْعَامِلَيْنِ فِي فَرْجٍ لزمه الغسل ولو خرج من أحدهما شئ وَجَبَ الْوُضُوءُ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ فَحُكْمُ الذَّكَرِ جَارٍ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَبَالَتْ مِنْهُمَا وَحَاضَتْ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَإِنْ بَالَتْ وَحَاضَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ: (السَّابِعُ) الْمَمْسُوسُ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْمَلْمُوسِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ هُنَاكَ بِالْمُلَامَسَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَهُنَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمَسِّ وَالْمَمْسُوسُ لَمْ يَمَسَّ: (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِمَسِّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُرْوَةُ بن الزبير وسليمان ابن يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ * وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْمَسُّ بِالْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْقُضُ

بِظَهْرِ الْكَفِّ وَبَطْنِهَا وَأُخْرَى أَنَّ الْوُضُوءَ مُسْتَحَبٌّ وَأُخْرَى يُشْتَرَطُ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَعَمَّارُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَرَبِيعَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْقُضُ مَسُّهُ ذَكَرَ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ (هَلْ هُوَ الابضعة مِنْكَ) وَعَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ عَنْ قَمِيصِهِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ ولانه مس عضو مِنْهُ فَلَمْ يَنْقُضْ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَبِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَاسْتَحْسَنَهُ قَالَ وَرَأَيْتُهُ يَعُدُّهُ مَحْفُوظًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَوَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ قِيلَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَا تَصِحُّ أَحَدُهَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُمْ أَعْلَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَحْتَجُّوا بِهِ: فَإِنْ قَالُوا حَدِيثُ بُسْرَةَ رَوَاهُ شُرْطِيٌّ لِمَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الشُّرْطِيِّ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إمَامِ الائمة محمد بن اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَقُولُ لِأَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَ حَدِيثَ بُسْرَةَ مِنْهَا: فَإِنْ قَالُوا الْوُضُوءُ هُنَا غَسْلُ الْيَدِ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ هَذَا حَقِيقَتُهُ شَرْعًا وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ وَمَعَانٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ تَضْعِيفِهِ: الثَّانِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فان وفادة

طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا في كتب المذهب: الثالث أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ الذَّكَرَ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ: وَالرَّابِعُ أَنَّ خَبَرَنَا أَكْثَرُ رُوَاةً فَقُدِّمَ: الْخَامِس أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فَقُدِّمَ: وَأَمَّا حَدِيثُ ... أَبِي لَيْلَى فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ: الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ: الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَسَّ زَبِيبَتَهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ بَطْنِ الْكَفِّ: الرَّابِعُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ مَسِّ زَبِيبَتِهِ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَعَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَائِبِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ يُنَابِذُ النَّصَّ فَلَا يَصِحُّ: الثَّانِي أَنَّ الذَّكَرَ تَثُورُ الشَّهْوَةُ بِمَسِّهِ غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَسُّ الدُّبُرِ نافض عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْقُضُ وَلَا يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ البهيمة عندنا وبه قال العلماء كافة الاعطاء والليت وَإِذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا ينتقض * قال المصنف رحمه الله تعالى * [وان مس الخنثى المشكل فرجه أو ذكره أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ الوضوء حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذكر الاصلى وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الاصلي لم ينتقض الوضوء ولذا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ منهما لان الطهارة متيقنة ولا يزال ذلك بالشك] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِهِ تَسَاهُلٌ فَأَنَا أَذْكُرُ الْمَذْهَبَ عَلَى ماقاله الْأَصْحَابُ وَاقْتَضَتْهُ الْأَدِلَّةُ ثُمَّ أُبَيِّنُ وَجْهَ التَّسَاهُلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَسَّ

الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَ رَجُلٍ أَوْ فَرْجَ امْرَأَةٍ انْتَقَضَ طُهْرُ الْخُنْثَى وَلَا يَنْتَقِضُ الْمَمْسُوسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِثْلُهُ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمَمْسُوسَ فَرْجُهُ يَنْتَقِضُ فَيَنْتَقِضُ هُنَا لِأَنَّهُ مَلْمُوسٌ أَوْ مَمْسُوسٌ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَرْجَ نَفْسِهِ أَوْ ذَكَرَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ لَكِنْ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِلِاحْتِمَالِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مَعًا أَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ انْتَقَضَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وشك هل الممسوس ثاينا هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخَرُ لَمْ يَنْتَقِضْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (1) أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ: وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُفْرَدَةٌ بِحُكْمِهَا وَقَدْ صَلَّاهَا مُسْتَصْحِبًا أَصْلًا صَحِيحًا فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا كَمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَتَيْنِ وَيُخَالِفُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا فَتَبْقَى وَهُنَا فَعَلَهَا قَطْعًا مُعْتَمِدًا أَصْلًا صَحِيحًا وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْفَرِدٌ بِتَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْعَصْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا مُحْدِثًا قَطْعًا وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَمْ يعارضها شئ (2) وَلَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى أَيَّامًا يَمَسُّ فِيهَا الذَّكَرَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَجُلٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ أَوْ جِهَاتٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ وَصَلَّى فَبَانَ مُحْدِثًا بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَيُبَاحُ تَرْكُهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ ولا يجوز ترك

_ (1) قال في البحر وهذا عندي خطأ بل يلزمه اعادتهما وجها واحدا كمن تيقن انه نسي سجدة في احدى الصلاتين يلزمه اعادتهما اه اذرعى (2) قال في الذخائر والصلاتان معا باطلتان لان لمس الفرج الثاني تحقيقا لمس ما تنتقض به الطهارة وشككنا في عين السبب الناقض فيحتمل ان يكون هو الثاني فتبطل الصلاة الثانية ويحتمل ان يكون هو الاول فتبطل الصلاتان معا والصلاة يؤخذ فيها بالاحتياط فيجب اعادتها كما لو صلى صلاتين بوضؤين عن حدثين ثم تحقق أنه نسي عضوا من أعضاء الطهارة في احدى طهارتيه والجامع بينهما تحقق السبب المفسد وحصول الشك في تعيين السبب دون حصول ما تنتقض به الطهارة قال هذا الذى يقتضيه النظر ولم أر للاصحاب فيها نصا انتهى لفظه اه اذرعى

الطَّهَارَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ اشْتِبَاهَ الْقِبْلَةِ وَالْخَطَأُ فِيهَا يَكْثُرُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْخُنْثَى الصَّلَاةَ بَعْدَ مَسٍّ أَوْ لَمْسٍ أَوْ إيلَاجٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الطَّرِيقَانِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا لَمَسَاهُ أَوْ مَسَّاهُ أَوْ أَوْلَجَ فِيهِ رَجُلٌ أَوْ أَوْلَجَ هو في مرأة ولم توجب طَهَارَةً وَصَلَّى فَبَانَ الْخُنْثَى بِصِفَةٍ تُوجِبُ الطُّهْرَ فَفِي الْإِعَادَةِ الْخِلَافُ هَذَا حُكْمُ مَسِّ الْخُنْثَى نَفْسَهُ أَوْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَمَّا إذَا مَسَّ رَجُلٌ فَرْجَ الْخُنْثَى فَلَا يَنْتَقِضُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَكَذَا إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ الْخُنْثَى فَلَا وُضُوءَ لِلِاحْتِمَالِ وَلَوْ مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَ الْخُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَهَا بِلَمْسِ عُضْوِهَا الزَّائِدِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَالْمَمْسُوسُ لَا يَنْتَقِضُ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب ومرادهم التفريع على المذهب وهو أن المموس لَا يَنْتَقِضُ وَأَنَّ الْعُضْوَ الزَّائِدَ يَنْقُضُ لَمْسُهُ وَلَوْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَ الْخُنْثَى فَهُوَ كَمَسِّ الرجل ذكر الخنثى فتنتقض المرأة لانه ان كان رجلا فقد لمسه وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَهِيَ لَامِسَةٌ أَوْ مَاسَّةٌ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى بِمَا سَبَقَ وَإِنْ مَسَّ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَرْجَيْ الْخُنْثَى انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ مَسَّ من الخنثى ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا: فَيَنْتَقِضُ الرَّجُلُ بِمَسِّهِ ذَكَرَ الْخُنْثَى لَا فَرْجَهُ وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى خُنْثَى فَيُنْظَرُ إنْ مَسَّ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَ مُشْكِلٍ وَذَكَرَ مُشْكِلٍ آخَرَ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَسَّ أَوْ لَمَسَ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَ فَرْجَيْ الْمُشْكِلِ لَمْ يَنْتَقِضْ كَالْوَاضِحِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمَسَ إحْدَى الْخُنْثَيَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ وَمَسَّ الْآخَرُ ذَكَرَ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ انْتَقَضَ مَاسُّ الذَّكَرِ أَوْ انثيين انتقض ماس الفرج أو رجل وَامْرَأَةً انْتَقَضَا جَمِيعًا فَانْتِقَاضُ أَحَدِهِمَا مُتَيَقَّنٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَالْأَصْلُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ الطَّهَارَةُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخُنْثَى وَبَيْنَ مَنْ مَسَّهُ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِاللَّمْسِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ بِتَقْدِيرِ أَحْوَالِهِ وحيث لا ينقض في هذه الصور

يتسحب الْوُضُوءُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِقَاضِ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذَّكَرَ الْأَصْلِيَّ فَهَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ ان كان مس منه ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَاسٌّ أَوْ لَامِسٌ وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يَنْتَقِضُ بِسَبَبِ الْمَسِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ: وَأَمَّا إذا مس منه ماله مِثْلُهُ فَيَنْتَقِضُ بِسَبَبِ اللَّمْسِ أَوْ الْمَسِّ لَا بِالْمَسِّ عَلَى التَّعْيِينِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِكُلِّ سَبَبٍ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مُوهِمٌ وَقَوْلُهُ وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الْأَصْلِيِّ لَمْ يَنْتَقِضْ هَذَا مُكَرَّرٌ وَزِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْأَصْلِيَّ إلا أن فيه ضربا من والتأكيد فلهذا ذكره وقوله وكذا لوتيقنا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثَالُهُ مَسُّ أَحَدِ الْخُنْثَيَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ وَالْآخَرِ فَرْجَ الْأَوَّلِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا أول موضع جرى فيه شئ مِنْ أَحْكَامِ الْخُنْثَى فِي الْكِتَابِ وَلِبَيَانِ أَحْكَامِهِ وَصِفَاتِ وُضُوحِهِ وَأَشْكَالِهِ مَوَاطِنُ: مِنْهَا هَذَا الْبَابُ وَبَابُ الْحَجْرِ وَكِتَابُ الْفَرَائِضِ وَكِتَابُ النِّكَاحِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ هُنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَآخَرِينَ وَبَعْضُهُمْ فِي الْحَجْرِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هُنَاكَ شَيْئًا وَأَكْثَرُهُمْ ذَكَرُوهُ فِي الفرائض ومنهم المصنف في المذهب وَبَعْضُهُمْ فِي النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَبَعْضُهُمْ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ كَالْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ فَصْلَيْنِ حَسَنَيْنِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْخُطْبَةِ أَنِّي أُقَدِّمُ مَا أَمْكَنَ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ مَوَاطِنِهِ فَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُعْظَمَ أَحْكَامِهِ مُخْتَصَرَةً جِدًّا وَسَأُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا أَيْضًا مُفَصَّلَةً وَالْكَلَامُ فِيهِ يَحْصُرُهُ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَبُلُوغِهِ وَالثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ فِي حَالِ الْإِشْكَالِ * أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَفِي مَعْرِفَةِ حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى مَا رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْلُودٍ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَانِ ضَعِيفَانِ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ السِّمَّانِ الرَّاوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هريرة وروى عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُهُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُنْثَى ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنْ يكون له

فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرَّجُلِ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخَارِجُ وَلَا تُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَاتٌ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحُكْمُ هَذَا الثَّانِي أَنَّهُ مُشْكِلٌ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ مِنْ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ فَإِنْ أَمْنَى عَلَى النِّسَاءِ وَمَالَ إلَيْهِنَّ طَبْعُهُ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَامْرَأَةٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِ هَذَا: وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّفْرِيعُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ قِسْمًا ثَالِثًا وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا الْبَوْلُ فَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الرِّجَالِ فَقَطْ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا جَمِيعًا نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا فِي الْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقَدْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا دَلَالَةَ فِي الْبَوْلِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةٌ أُخْرَى: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا يَنْقَطِعَانِ مَعًا وَيَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ لِلْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَتَأَخَّرَ انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلْمُتَأَخِّرِ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلسَّابِقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وقيل لادلالة وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْقِطَاعِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَزْنًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِأَكْثَرِهِمَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لادلالة فِيهِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَلَوْ زَرَقَ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَشَشَ كَعَادَةِ الْمَرْأَةِ فوجهان أصحهما لادلالة فِيهِ: وَالثَّانِي يَدُلُّ فَعَلَى هَذَا إنَّ زَرَقَ بِهِمَا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ رَشَشَ بِهِمَا فَامْرَأَةٌ وَإِنْ زَرَقَ بِأَحَدِهِمَا وَرَشَشَ بِالْآخَرِ فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ لَمْ يَبُلْ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَبَالَ مِنْ ثُقْبٍ آخَرَ فَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِهِ: وَمِنْهَا الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ حَاضَ بِهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَشَرْطُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ إمْكَانِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَأَنْ يَتَكَرَّرَ خُرُوجُهُ لِيَتَأَكَّدَ الظَّنُّ بِهِ ولا يتوهم كونه اتفاقيا ولو امني بالفرجين فوجهان أحدهما لادلالة وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْنَى مِنْهُمَا بِصِفَةِ مَنِيِّ الرجال فَرَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَنِيَّ بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ يَنْفَصِلُ مِنْ رَجُلٍ وَبِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ يَنْفَصِلُ مِنْ امْرَأَةٍ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بصفة مني الرجال اومن فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ أَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِمْ وَمِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِنَّ

فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ تَعَارَضَ بَوْلٌ وَحَيْضٌ فَبَالَ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا دَلَالَةَ لِلتَّعَارُضِ: وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْبَوْلُ لِأَنَّهُ دَائِمٌ مُتَكَرِّرٌ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَمِيلُ إلَى الْبَوْلِ: قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالتَّعَارُضِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فثلاثة أوجه ذكرها البغوي وغيره أحدها وهو قول أبي اسحق إنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ وَالْمَنِيَّ مُشْتَرَكٌ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ إنَّهُ رَجُلٌ لِأَنَّ الْمَنِيَّ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ دَمُ الحيض حقيقة: والثالث لادلالة لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَعْدَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا الْوِلَادَةُ وَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْأُنُوثَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَلَامَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الخناثي لو ألقى الخنثى مضغة وقال القوا بل إنَّهَا مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ حُكِمَ بِأَنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنْ شَكَكْنَ دَامَ الْإِشْكَالُ: قَالَ وَلَوْ انْتَفَخَ بطنه فظهرت امارة حَمْلٍ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَمَّا نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ النَّبَاتُ عَلَى الذُّكُورَةِ وَالنُّهُودُ عَلَى الْأُنُوثَةِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلرِّجَالِ وَالثَّدْيَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلنِّسَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا دَلَالَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَخْتَلِفُ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ اللِّحْيَةِ فِي وَقْتِهِ لَا يَدُلُّ لِلْأُنُوثَةِ وَلَا عَدَمَ النُّهُودِ فِي وَقْتِهِ لِلذُّكُورَةِ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَجَازَ بِعَدَمِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَالنُّهُودُ شَيْئًا مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُتَّفَقِ عليها قلت والحق عندي انه ان كثفت اللحية وعظمت فهو رجل لان هذا لا يتفق للنساء وان خفت فمشكل لانه يتفق للنساء قاله أحمد الاوزاعي: وَأَمَّا نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بانه لادلالة فِيهِ لِلْأُنُوثَةِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ لادلالة: وَأَمَّا عَدَدُ الْأَضْلَاعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ كَانَتْ أَضْلَاعُهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ نَاقِصَةً ضِلْعًا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ تَسَاوَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فامرأة ولم يذكر البول غيره: والثاني لادلالة فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي كُتُبِ التَّشْرِيحِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قِيلَ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَضْلَاعِ لَسْتُ أَفْهَمُهُ وَلَا أَدْرِي فَرْقًا بين الرجال والسناء وقال صَاحِبُ الْحَاوِي لَا أَصْلَ لِذَلِكَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُبَالِ عَلَيْهِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَقُدِّمَ عَلَى الْمُبَالِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ حِسِّيَّةٌ كَالْوِلَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْعَلَامَاتِ شَهْوَتُهُ وَمَيْلُهُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنْ قَالَ أَشْتَهِي النِّسَاءَ وَيَمِيلُ طَبْعِي إلَيْهِنَّ حُكِمَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَى الرِّجَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِمَيْلِ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَيْهِمَا مَيْلًا وَاحِدًا أَوْ لَا أَمِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ مُشْكِلٌ: وَقَالَ اصحابنا وانما

نراجعه في ميله وشهرته وَنَقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ فَأَمَّا مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ حِسِّيَّةٌ وَمَيْلَهُ خَفِيٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الْمَيْلِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ كَسَائِرِ أَخْبَارِهِ وَلِأَنَّ الْمَيْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي هَذَا كَالتَّخْيِيرِ بين الابوين في الحضانة وهذا ليس بشئ لان تخيبره بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ لِلرِّفْقِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِ الْخُنْثَى فَإِنَّهُ إخْبَارٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَلَيْسَ مَوْضُوعًا لِلرِّفْقِ وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى إخْبَارِهِ فُرُوعًا أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ وَفُقِدَتْ الْعَلَامَاتُ وَوُجِدَ الْمَيْلُ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ لِيُحْكَمَ بِهِ وَيُعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَفَسَقَ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: الثَّانِي أَنَّ الْإِخْبَارَ إنَّمَا هُوَ بِمَا نَجِدُهُ مِنْ الْمَيْلِ الجبلى ولايجوز الْإِخْبَارُ بِلَا مَيْلٍ بِلَا خِلَافٍ: (الثَّالِثُ) إذَا أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ بَطَلَ قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ وَتَبَيَّنَّاهُ كَمَا لَوْ حكمنا بأنه رجل بشئ مِنْ الْعَلَامَاتِ ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ فَإِنَّا نُبْطِلُ ذَلِكَ وَنَحْكُمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِذَا أَخْبَرَ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ قَبُولِ رُجُوعِهِ مَا إذَا وَلَدَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بأنوثته رجوعه إلَيْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَلْ يَجْرِي عليه الاحكام الا أن يكذبه الحسن فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا إلَى قَبُولِ الرُّجُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ قَبُولِ الرُّجُوعِ هُوَ فِيمَا عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَمَّا هُوَ لَهُ قَطْعًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ امام الحرمين وأهمله الغزال وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: (الرَّابِعُ) إذَا أَخْبَرَ حُكِمَ بِقَوْلِهِ في جميع الاحكام سواء ماله وما عليه قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ لَوْ قَالَ بَلَغْتُ صَدَّقْنَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ لِلْخُنْثَى قَرِيبٌ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَإِرْثُهُ بِهَا يَزِيدُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَاهُ: وَلَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَجَبَ لَهُ دِيَةُ رَجُلٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ أَقَرَّ الْخُنْثَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى ذَكَرِهِ بأنه رجل

فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُقْبَلُ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَعْدَ الْجِنَايَةِ إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ حَقٍّ لَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتْ مَالًا كَانَ أَوْ قِصَاصًا لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ وَالْخِلَافُ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَمَّا قَبْلَهُ فَمَقْبُولٌ فِي كُلِّ شئ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ وُجِدَ بَعْضُ الْعَلَامَاتِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُرْجَعُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِدَلِيلٍ فلا يترك بظن مثله بل لابد مِنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ لِنَفْسِهِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِالْعَلَامَةِ كَمَا لَوْ تَدَاعَى اثْنَانِ طِفْلًا وَلَيْسَ هُنَاكَ قَائِفٌ فَانْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَجَدْنَا قَائِفًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْقَائِفَ عَلَى إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُهَذَّبِ مُخْتَصَرَةٌ جِدًّا فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخُنْثَى بِعَلَامَةٍ وَلَا إخْبَارِهِ بَقِيَ عَلَى إشْكَالِهِ وَحَيْثُ قَالُوا خُنْثَى فَمُرَادُهُمْ الْمُشْكِلُ وَقَدْ يُطْلِقُونَهُ نَادِرًا عَلَى الَّذِي زَالَ إشْكَالُهُ لِقَرِينَةٍ يُعْلَمُ بِهَا كَقَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ خُنْثَى فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَحْكَامِهِ * إذَا تَوَضَّأَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَوْ اغْتَسَلَ أَوْ تَيَمَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ بِسَبَبِ إيلَاجٍ وَمُلَامَسَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ صَارَ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ يُحْكَمْ بِانْتِقَاضِهَا لِلِاحْتِمَالِ فَفِي مَصِيرِهِ مُسْتَعْمَلًا الْوَجْهَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ في نفل الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَفِي خِتَانِهِ وجهان سبقا في باب السواك الاصح لايختن وَحُكْمُ لِحْيَتِهِ الْكَثِيفَةِ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْوُضُوءِ لافى اسْتِحْبَابِ حَلْقِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوُضُوءِ: ولو خرج شئ مِنْ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ لَمَسَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أو لمسه أحدهما لم يجب الْوُضُوءُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ أَوْ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ خُنْثَى آخَرَ أَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ: وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ رَجُلٌ أَوْ ذَكَرَهُ امْرَأَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَلَوْ مَسَّ إنْسَانٌ ذَكَرًا مَقْطُوعًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ ذَكَرُ خُنْثَى أَوْ ذَكَرُ رَجُلٍ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الْخَنَاثَى يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ قَطْعًا لِلشَّكِّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الْمَقْطُوعِ لِنُدُورِهِ (1) وَلَا يَجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فِي قُبُلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ وَجْهَانِ: وَلَوْ اولج في فرج أو

_ (1) يحتمل ان يكون على الوجهين في العضو المبان من المرأة فان الاصح منهما عدم النقض بخلاف الذكر المقطوع فان الاصح النقض وهذا هو المنصوص في المسألتين وتقدم الفرق بينهما اه اذرعى

أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حكم الوطئ فَلَوْ أَوْلَجَ فِي امْرَأَةٍ وَأَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ رَجُلٌ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْخُنْثَى وَيَبْطُلَ صَوْمُهُ وَحَجُّهُ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْلَجَ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وُطِئَتْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امرأة وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لا نوجب الغسل على الخنثي لانبطل صَوْمَهُ وَلَا حَجَّهُ وَلَا نُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي أَوْلَجَ فِيهَا عِدَّةً وَلَا مَهْرَ لَهَا: وَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ وَنَزَعَهُ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَتْ رَجُلًا وخرج من دبر الرجل شئ فَغَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاجِبٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبٌ لِتَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ خُنْثَيَيْنِ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ فَلَا شئ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْفَرْجَيْنِ. وَلَوْ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي دُبُرِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَا غُسْلَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا امْرَأَتَانِ: وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدُهُمَا فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ فِي دُبُرِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ (1) بِالنَّزْعِ لِاحْتِمَالِ انهما امرأتان ولاغسل: وَإِذَا أَمْنَى الْخُنْثَى مِنْ فَرْجَيْهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَمِنْ أَحَدِهِمَا قِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ وَجْهَانِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ وَحَاضَ مِنْ الفرج وحكمنا ببلوغه وإشكاله لم يجزله تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِذَلِكَ الدَّمِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ: فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ اغْتَسَلَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً: وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ اغْتَسَلَ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ حَتَّى يَغْتَسِلَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَغَوِيّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَا يُمْنَعُ الْمُصْحَفَ وَالْقُرْآنَ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ الدَّمِ: فَإِنْ أَمْنَى مَعَهُ وَجَبَ كَمَا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّ أَحَدِ فَرْجَيْهِ وَيَجِبُ لَهُمَا جَمِيعًا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتِيَاطٌ: (قُلْتُ) وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَهَذَا دَمُ فَسَادٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَاسِدًا: وَبَوْلُ الْخُنْثَى الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا كَالْأُنْثَى فَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: وَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرُونَ: وَقَالَ أَبُو الْفُتُوحِ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ جميع عورة المرأة فان كشف بعضها مِمَّا سِوَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَمَرْنَاهُ بِسَتْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى كَذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ: وَذَكَرَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَيْنِ وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالْمَرْأَةِ وقال أبو الفتوح لا نأمره بالمجافاة

_ (1) قوله لزمهما الوضوء فيه نظر فان المولج في فرجه لا ينتقض وضوءه لاحتمال انهما رجلان الا إذا قلنا المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض الخارج منه اه اذرعى

وَلَا بِتَرْكِهَا بَلْ يَفْعَلُ أَيُّهُمَا شَاءَ وَالْمُخْتَارُ ما قدمناه وإذا نابه شئ فِي صَلَاتِهِ صَفَّقَ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يَؤُمُّ رَجُلًا وَلَا خُنْثَى فَإِنْ أَمَّ نِسَاءً وَقَفَ قُدَّامَهُنَّ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ: قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُ السَّعْيُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَا يُجْزِئُهُ: قَالَ وَلَوْ صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَوْ خَطَبَ أَوْ كَمَلَ بِهِ الْعَدَدُ لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى بَانَ رَجُلًا قَالَ فَفِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ: وَإِذَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ المحارم غسله وإلا فأوجه أصحه عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُغَسِّلُهُ الْأَجَانِبُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ: وَالثَّانِي يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ هُنَاكَ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ تُغَسِّلُهُ ثُمَّ تُبَاعُ وَهَذَا ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ: وَالرَّابِعُ هُوَ كَرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَمْ يَحْضُرْهُمَا إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُيَمَّمُ: وَالثَّانِي يُغَسَّلُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَهَذَا الرَّابِعُ اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ: وَإِذَا مَاتَ مُحْرِمًا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُهُ وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَهُوَ حَسَنٌ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَجَبَ كَشْفُ رَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَجَبَ كَشْفُ الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُهُمَا وَإِنْ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي كَشْفُ أَحَدِهِمَا: وَيَقِفُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَجِيزَتِهِ كَالْمَرْأَةِ: وَلَوْ حَضَرَ جَنَائِزَ قَدَّمَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ ثُمَّ الصَّبِيَّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ: وَلَوْ صَلَّى الْخُنْثَى عَلَى الْمَيِّتِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: وَيَتَوَلَّى حَمْلَ الْمَيِّتِ وَدَفْنَهُ الرِّجَالُ فَإِنْ فُقِدُوا فَالْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا فِي الزَّكَاةِ أُنْثَى لَمْ تُجْزِئْ الْخُنْثَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الذَّكَرَ أَجْزَأَ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِقُبْحِ صُورَتِهِ وَيُعَدُّ نَاقِصًا: وَلَا يُبَاحُ لَهُ حُلِيُّ النِّسَاءِ وَكَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا حُلِيُّ الرِّجَالِ لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ: وَلَوْ كَانَ صَائِمًا فَبَاشَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ اجْتَمَعَا أَفْطَرَ: وَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْفُتُوحِ قَالَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ فَرْجِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلْوِيثَهُ: وَلَوْ أُولِجَ فِي دُبُرِهِ بَطَلَ اعتكافه

وَلَوْ أُولِجَ فِي قُبُلِهِ أَوْ أَوْلَجَ هُوَ فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ كَأَخِيهِ وَأَخَوَاتِهِ يَخْرُجُونَ مَعَهُ وَلَا أَثَرَ لِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَجْنَبِيَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَحْرَمَ فَسَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ فَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَسَتَرَ وَجْهَهُ وَجَبَتْ: وَإِنْ لَبِسَهُ وَسَتَرَ رَأْسَهُ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمَخِيطِ فَإِنْ لَبِسَهُ اُسْتُحِبَّتْ الْفِدْيَةُ: وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ وَلَا يَحْلِقُ بَلْ يُقَصِّرُ وَيَمْشِي فِي كُلِّ المسعى ولا يعسى كَالْمَرْأَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَيْلًا كَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ فَإِنْ طَافَ نَهَارًا طَافَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الذَّبْحِ فَالرَّجُلُ أَوْلَى مِنْهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَوْلَجَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ فِي فَرْجِ الخنثي فليس له حكم الوطئ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَغَيْرِهِ: قَالَ فَإِنْ اخْتَارَ الانوثة بعده تعلق بالوطئ السَّابِقِ الْحُكْمُ: وَلَوْ اشْتَرَى خُنْثَى قَدْ وَضَحَ وَبَانَ رَجُلًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ بِفَرْجَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَثَانَةِ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِفَرْجِ الرِّجَالِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ: وَإِذَا وُكِّلَ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ لِلشَّكِّ فِي أَهْلِيَّتِهِ (1) فَلَوْ أَوْلَجَ فِيهِ غَاصِبٌ قَهْرًا فَلَا مَهْرَ كَمَا سَبَقَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَنِينَ وَلَا عَلَى الْبَنَاتِ وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ: وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ خُنْثَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَابْنٍ فَلَا يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: وَإِنْ كَانَ يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَى الْبِنْتِ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ: وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَحَدِ رَقِيقَيْهِ دَخَلَ فِيهِ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَيُورَثُ الْيَقِينُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَيُوقَفُ مَا يُشَكُّ فِيهِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ إنْ كُنْتَ ذَكَرًا فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ عتق أَوْ الْأُنُوثَةَ فَلَا: وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ رِقُّهُ وَقِيلَ يُقْرَعُ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْرُوثٌ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ فِي سِنٍّ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْوَاضِحِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ ولا بعبارته ولو ثَارَ لَهُ لَبَنٌ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ أُنُوثَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ رَضَعَ مِنْهُ صَغِيرٌ يُوقَفُ فِي التَّحْرِيمِ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى حُرِّمَ لَبَنُهُ والافلا: وَأَمَّا حَضَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حتى يجيئ في جواز استقلاله وانفراد عن

_ (1) قلت صرح أبو الحسن السلمي من ائمتنا في كتابه في الخناثى انه لا يجوز التوكيل في عقد النكاح قال وفي توكيله في الطلاق وجهان بناء على توكيل المرأة فيه ان صححت توكيلها صح توكيلها والا فلا انتهى فقد وافق فقه الشيخ المنقول ولله الحمد اه اذرعى

الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ وَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ ادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ مَعَ الْعَاقِلَةِ: وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقِتَالِ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا إلَّا إذَا قَاتَلَ كَالْمَرْأَةِ وَإِذَا أَسَرْنَاهُ لَمْ يُقْتَلْ إلَّا إذَا اخْتَارَ الذُّكُورَةَ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَيُرْضَخُ لَهُ كَالْمَرْأَةِ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ فَإِنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ مَا مَضَى ولايكون إمَامًا وَلَا قَاضِيًا وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ وَشَهَادَةُ خُنْثَيَيْنِ كَرَجُلٍ: فَهَذِهِ أَطْرَافٌ مِنْ مَسَائِلِ الْخُنْثَى نَقَّحْتُهَا وَلَخَّصْتُهَا مُخْتَصَرَةً وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا فِي مَوَاطِنِهَا وَقَلَّ أَنْ تَرَاهَا فِي غير هذا الموضع هكذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وما سوى هذه الاشياء الخمسة لا ينقض الوضوء كدم الفصد والحجامة والقئ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه] [الشرح] أما حديث أنس هذا فرواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعَّفُوهُ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بخروج شئ من غير السبيلين كدم الفصد والحجامة والقئ وَالرُّعَافِ سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْقَاسِمُ ابن مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ * وَاحْتَجُّوا بما روى عن معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَاءَ فَأَفْطَرَ) قَالَ مَعْدَانُ فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال أنا صَبَبْتَ لَهُ وُضُوءَهُ * وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) فَعَلَّلَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَكُلُّ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ * وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ

الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ) وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ فَقَالَ (أَحْدِثْ لِذَلِكَ وُضُوءًا) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ) وَلِأَنَّهُ نَجِسٌ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَنَقَضَ كَالْبَوْلِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَأَجْوَدُ مِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ لَيْلَةً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ ثم رماه بآخر ثم بثالث ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ خَرَجَ دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ نَقَضَ الدَّمُ لَمَا جَازَ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الدِّمَاءَ لَمْ يَكُنْ يَمَسُّ ثِيَابَهُ مِنْهَا إلَّا قَلِيلٌ يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ * وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ سَيَلَانِ الدِّمَاءِ عَلَى ثيابه وبدنه ويجاب عنه بماذ كرنا * وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مالا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ كَالْجُشَاءِ وَهَذَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْسَنُ مَا أَعْتَقِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أن الاصل أن لانقض حَتَّى يَثْبُتَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ * وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا تُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهَذَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ * وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الوضوء لا بسبب القئ فليس فيه أنه توضأ من القئ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ قَالَ الْحُفَّاظُ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو أحمد ابن عدى والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ أَحْسَنَ بَيَانٍ

وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَحَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فَهِيَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ: وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ إعْلَامُهَا أَنَّ هَذَا الدَّمَ لَيْسَ حَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ لِخُرُوجِهِ مِنْ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ حَيْثُ كَانَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمِنْ الْعَجَبِ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا يَعْتَمِدُونَهُ وَهَذَا أَشَدُّ تَعَجُّبًا: وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ يَزِيدَ وَيَزِيدَ الرَّاوِيَيْنِ مَجْهُولَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ تَمِيمًا: الْجَوَابُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْ سَلْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا الْحَدَثُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ لا وضوء في شئ من ذلك لاني لااعلم مَعَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِيهِ حُجَّةً هَذَا كلام ابن المنذر الذى لاشك فِي إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ وَعَدَمِ تَعَصُّبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * واما قول المصنف لا ينتقض الوضوء بشئ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَنْقُضُهُ خَمْسَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَةً: انْقِطَاعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ وَنَزْعَ الْخُفِّ وَالرِّدَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا * قال المنصف رحمه الله * [وكذلك اكل شئ من اللحم لا ينقض الوضوء وحكي ابن القاص قولا آخر ان اكل لحم الجزور ينقض الوضوء وليس بمشهور والدليل على انه لا ينقض الوضوء ما روى جابر رضى الله عنه (قال كان آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الوضوء مما غيرت النار) ولانه إذا لم ينتقض الوضوء بأكل لحم الخنزير وهو حرام فلان لم ينتقض بغيره أولى] *

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ * وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بشئ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَغَيْرُهُ غَيْرَ لَحْمِ الْجَزُورِ وَفِي لَحْمِ الْجَزُورِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ لَحْمُ الْإِبِلِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْمَشْهُورُ لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ أَوْ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وستري دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ احدها لا يجب الوضوء باكل شئ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وابي مجاز وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ابن عمروابي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصَّةً وَهُوَ قول احمد بن حنبل واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الصَّحَابِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا سَبَقَ * وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (توضؤا مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ) رَوَاهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * واحتج أصحابنا بالاحاديث الصحيحة منها حديث بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَكَلَ عِنْدَهَا

كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ (أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُهُ عَنْ البني صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسُوَيْدِ بن النعمان ومحمد ابن مَسْلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ والمغيرة وابي هريرة وعبد الله بن الحرث وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ نَفَى الْقَوْلَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فَقَالُوا لادلالة فِيهِ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَرَّبَتْ شَاةً مَصْلِيَّةً (أَيْ مَشْوِيَّةً) فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا فَحَانَتْ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) قَالُوا فَقَوْلُهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يُرِيدُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يَعْنِي آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا مُطْلَقًا: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَالُوا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مُتَأَخِّرَةٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَنَاسِخَةٌ لَهُ: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوهُ فَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ جَابِرٍ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُقْبَلُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُخَالِفُ كَوْنَهُ آخِرَ الامرين فلعل هذه القضية هي آخر الامر واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء ويجوز أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْوُضُوءِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِسَبَبِ الْأَكْلِ: وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ نَسْخَ أَحَادِيثِ تَرْكِ الْوُضُوءِ فَهِيَ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ فَلَا تُقْبَلُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ شيخ مسلم قال اختلف في الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَلَمْ يُقَفْ عَلَى النَّاسِخِ مِنْهَا بِبَيَانٍ يُحْكَمُ بِهِ فَأَخَذْنَا بِإِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَعْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهَا عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ: قَالَ (إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ (فَأَمَرَ بِهِ) قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَانْتَصَرَ الْبَيْهَقِيُّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذكرناه وأما ماروى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ) فَمُرَادُهُمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قَالَ وَأَمَّا ماروى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ الْكَبِدِ وَالسَّنَامِ فَأَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمَوْقُوفٌ قَالَ وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَتَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَالْمُعْتَمَدُ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ جَابِرٍ المذكور كان آخر الأمرين ولكن لايرد علهيم لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْتَقِضُ بِأَكْلِهِ نِيئًا وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ هو محمول علي أَكْلُهُ مَطْبُوخًا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمَعْهُودُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ وَالثَّانِي حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْمَضْمَضَةِ قَالُوا وَخُصَّتْ الْإِبِلُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ سَهُوكَةِ لَحْمِهَا وَقَدْ نَهَى أَنْ يَبِيتَ وَفِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ دَسَمٌ خَوْفًا مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ اللَّذَانِ أَجَابَ بِهِمَا أَصْحَابُنَا ضَعِيفَانِ أَمَّا حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا النَّسْخُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الوضوء ممامست النَّارُ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ

مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَأَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصحابة والله أعلم * (فرع) لافرق عِنْدَ أَحْمَدَ بَيْنَ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَمَشْوِيًّا فَفِي كُلِّهِ الْوُضُوءُ وَكَذَا قَوْلُنَا الْقَدِيمُ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهَا * وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً لَا وُضُوءَ مِنْ لَبَنِهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَالْحَاءُ مُهْمَلَةٌ وَالضَّادُ مُعْجَمَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ الطهاردة وَلَمْ يَثْبُتْ نَاقِضٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِي أَكْلِ كَبِدِ الْجَزُورِ وَطِحَالِهِ وَسَنَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَرَقِهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْقُضُ لِمَا سَبَقَ فِي اللَّبَنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَسِيطِ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ خلافا لاحمد فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَحْمَدَ لَا يَنْقُضُ بِمَا مَسَّتْ النَّارُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ بِالْجَزُورِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أعلم * قال المنصف رحمه الله * [وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلى لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا وَالضَّحِكُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ * وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ بِقَهْقَهَةٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَمَشْيَخَةً جُلَّةً سِوَاهُمْ

يَقُولُونَ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقُضُهَا وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَكْحُولٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ رِوَايَتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الضَّحِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَهْقَهَةٌ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَعَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ * وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِالنَّقْضِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الصلاة فتردى فِي بِئْرٍ فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَأَبْطَلَهَا الضَّحِكُ كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِأَنَّ الضَّحِكَ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَنَقَضَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَالْحَدَثِ ولانها صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَمْ يَنْقُضْ الضَّحِكُ فِيهَا الْوُضُوءَ كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها وذكر الاحصاب أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمَعَانِيَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الطَّهَارَةَ صَحِيحَةٌ وَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ مَحْصُورَةٌ فَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً فَلْيُثْبِتْهَا ولم يثبت في النقض بالضحك شئ أَصْلًا: وَأَمَّا مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَرُفْقَتِهِ وَعَنْ عِمْرَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا رَوَوْهُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالُوا وَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوهَ ضَعْفِهَا بَيَانًا شَافِيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِتَفْصِيلِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُنْتَقَضًا بغسل الجنابة فانه يبطله خروج المنى ولا يُبْطِلُهُ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وبقول من قال لا وضوء نقول لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ حُجَّةً قَالَ وَالْقَذْفُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَالضَّحِكُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الرِّدَّةَ لانتقض الْوُضُوءَ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو دَاوُد تَنْقُضُ * وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْبَاطِ مَنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ

كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم) * قال المصنف رحمه الله * [والمستحب ان يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روى عن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لان اتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب الي من أن أتوضأ من الطعام الطيب) وقالت عائشة رضى الله عنها يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء وقال ابن عباس رضى الله عنهما الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان] * [الشَّرْحُ] الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَشْهُورٌ وراه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ أَيْ الْقَبِيحَةِ قَالَ الهروي قال ابن الاعرابي تقول العرب للردئ مِنْ الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ أَعْوَرُ وَالْأُنْثَى عَوْرَاءُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ هَذِهِ الْآثَارَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ وَكَذَا حَمَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا حَمَلَهَا الْمُتَوَلِّي عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَحَكَى الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ قَالَ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَمِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا جَرَى مِنْ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ (1) اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَالْفُحْشِ وَأَشْبَاهِهَا وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ إذَا ضَحِكَ فِي الصلاة ولا يجب شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشِّيعَةِ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَا أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ فَلَا فرق فيه بين ما وجد منه

_ (1) هذا الذي صححه شيخنا رحمه الله هو الحق ان شاء الله تعالى ولعل الذي دعاهم إلى حمل الوضوء على غسل الفم الوضوء من الطعام الطيب فاقول يحتمل ان المراد بالطعام الطيب ما يؤل إليه وفي الاثر عن ابن عباس ما يؤيده اه اذرعى

بِتَعَمُّدِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَا وُجِدَ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ وَاخْتِيَارٍ كَالسَّاهِي وَالْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وَالْجَنَابَةُ تَكُونُ بِاحْتِلَامٍ وَغَيْرِهِ وَالِاحْتِلَامُ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَذْيِ بِالْوُضُوءِ وَهُوَ يَخْرُجُ بِلَا قَصْدٍ وقد سبق في اللمس والمس ساعيا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا لَا يَنْقُضَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَاءِ فِعْلِهَا إلَّا الطَّهَارَةُ إذَا تَمَّتْ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَبْطُلُ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ غَيْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا نَقُولُ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ بَلْ نَقُولُ انْتَهَتْ نِهَايَتُهَا فَإِنْ أَطْلَقْنَا لَفْظَ بَطَلَتْ فَهُوَ مَجَازٌ وذكر جماعة غير القفال أيضا الخلاف واظهر قَوْلُ مَنْ يَقُولُ انْتَهَتْ وَلَا يَقُولُ بَطَلَتْ إلَّا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ انْتَهَى الصَّوْمُ وَلَا يُقَالُ بَطَلَ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ يُقَالُ انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ لَا بَطَلَتْ وقوله لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ الرِّدَّةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا تُحْبِطُ الْعِبَادَاتِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ومن تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يقين الطهارة لان الطهارة يقين فلا يزال ذلك بالشك وان تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقين الحدث لان الحدث يقين فلا يزال بالشك وان تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما نظرت فان كان قبلهما طهارة فهو الآن محدث لانه تيقن أن الطهارة قبلهما ورد عليها حدث فأزالها وهو يشك هل ارتفع هذا الحدث بطهارة بعده أم لا فلا يزال يقين الحدث بالشك وان كان قبلهما حدث فهو الآن متطهر لانه تيقن أن الحدث قبلهما ورد عليه طهارة فأزالته وهو يشك هل ارتفعت هذه الطهارة بحدث بعدها أم لا فلا يزال يقين الطهارة بالشك وهذا كما نقول في رجل أقام بينة بدين وأقام المدعي عليه بينة بالبراءة فانا نقدم بينة البراءة لانا تيقنا أن البراءة وردت على دين واجب فأزالته ونحن نشك هل اشتغلت ذمته بعد البراءة بدين بعدها فلا يزال يقين البراءة بالشك] * (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ

فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ حَصَلَ الشَّكُّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إنْ شَكَّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا مِثْلَهُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا مِثْلُهُ وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ * وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ في الشك استوى الاحتمالان عِنْدَهُ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا (1) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ وَقَدْ قَدَّمْتُ بَيَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالْوُضُوءِ قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَتَطَرَّقُ إلَى تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ لِأَنَّ لِلنَّجَاسَةِ أَمَارَاتٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ والطهارة قال الامام وعندي في هَذَا فَضْلُ مُبَاحَثَةٍ فَأَقُولُ تَمْيِيزُ الْحَيْضِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بِالصِّفَاتِ وَهَذَا اجْتِهَادٌ فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَحْدَاثِ غَيْرُ سَدِيدٍ: ثُمَّ ذَكَر الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ فَرْقًا بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ حَاصِلَهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُظَنُّ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ فَلَا مُبَالَاةَ بِالنَّادِرِ مِنْهَا فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِحُكْمِ الْيَقِينِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَدَامَ الْإِشْكَالُ فَوُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَانِ مُجْزِيَانِ وَإِنْ بَانَ كَوْنُهُ كَانَ مُحْدِثًا فَفِي أَجْزَائِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي آخِرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا عَلِمَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَهَارَةٌ وَحَدَثٌ لَا يَعْلَمُ أَسْبَقَهُمَا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ بِضِدِّ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ وبه قطع المنصف هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ والمتولي وغيرهما لانهما تعارضا وما قبلهما لايعرف وَلَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أو مستصحبة وليس هنا شئ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ وَيَسْقُطَانِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ وَإِلَّا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ من الخراسانيين وحكاه الدارمي

_ (1) هذا هو المشهور المعروف وقال الرافعى الا في طرف الطهارة فانه لو ظنها بعد تيقن الحدث فله ان يصلى بها وهذا غريب بعيد اه اذرعى

وغيره عن ابن المزربان قال الدارمي وغيره ورجع عنه ابن المزربان إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ حِينَ بَلَغَهُ وَهَذَا الوجه غلط لاشك فِيهِ لِأَنَّا عَلِمْنَا بُطْلَانَ مَا قَبْلَهُمَا قَطْعًا فَكَيْف نَحْكُمُ بِبَقَائِهِ وَنَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَعْمَلُ بِمَا يَظُنُّهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ (1) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَأَشَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَهُ غَيْرُهُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَعَارَضَا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَمَا قَبْلَهُمَا تحققنا بطلانه ولابد مِنْ طَهَارَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ صُورَتُهُمَا فِيمَنْ عَادَتُهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ طَهَارَتَهُ تَكُونُ بَعْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الْآنَ مُتَطَهِّرًا وَتُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ فَمَعْنَاهُ حُكْمُ الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: وَقَوْلُهُ الْآنَ هُوَ الزَّمَانُ الْحَاضِرُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَا قَاسَهُ أَصْحَابُنَا لَكِنْ صَوَّرَهَا الْمُتَوَلِّي تَصْوِيرًا حَسَنًا مُشَابِهًا لِمَسْأَلَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ اسْتَشْهَدَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَوْ عَلِمْنَا لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّ عَمْرًا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُطْلَقًا لَمْ يثبت بهذه البينة شئ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هِيَ الْأَلْفُ الَّذِي عَلِمْنَا وُجُوبَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَلَا تُشْغَلُ ذِمَّتُهُ بِالِاحْتِمَالِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ الشك في نجاسة الماء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ومن أحدث حرمت عليه الصلاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة بغير طهور) ويحرم عليه الطواف لقوله صلي الله عليه وسلم (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فيه الكلام) ويحرم عليه مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ولما روى حكيم بن حزام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تمس القرآن الا وأنت طاهر) ويحرم عليه حمله في كمه لانه إذا حرم مسه فلان يحرم حمله وهو في الهتك أبلغ أولى: ويجوز أن يتركه بين يديه ويتصفح أوراقه بخشبة لانه غير مباشر له ولا حامل له وهل يجوز للصبيان حمل الالواح وهم محدثون فيه وجهان احدهما لا يجوز كما لا يجوز لغيرهم: والثانى يجوز لان طهارتهم لا تنحفظ وحاجتهم إلى ذلك

_ (1) واختاره أيضا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في مشكلات الوسيط وقرره تقريرا حسنا ومضف قول ابن القاص وصنف الدارمي في هذه المسألة تصنيفا مستقلا اختار فيه الرابع وقدره وهذا هو الصحيح المختار (قلت) وحكاه في البحر عن اختيار الشيخ أبى حامد وجماعة ورأيت القاضى بن كج أجاب به مقتصرا عليه اه من هامش الاذرعي

ماسة وان حمل رجل متاعا وفى جملته مصحف وهو محدث جاز لان القصد نقل المتاع فعفى عما فيه من القرآن كما لو كتب كتابا إلى دار الشرك وفيه أيات من القرآن وان حمل كتابا من كتب الفقه وفيه آيات من القرآن أو حمل الدراهم الاحدية أو الثياب التى طرزت بآيات من القرآن ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لانه يحمل القرآن: والثاني يجوز لان القصد منه غير القرآن وان كان على موضع من بدنه نجاسة فمس المصحف بغيره جاز وقال القاضى أبو القاسم الصيمري رحمه الله لا يجوز كما لايجو للمحدث أن يمس المصحف بظهره وان كانت الطهارة تجب في غيره وهذا لا يصح لان حكم الحدث يتعدى وحكم النجاسة لا يتعدى محلها] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَدِيثُ (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ (لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ) رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَنَّهُ عن عمرو ابن حَزْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَفِي الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُنَّ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ: قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ وَالدَّرَاهِمُ الْأَحَدِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا (قُلْ هُوَ الله أحد) وأما حكيم ابن حِزَامٍ بِالزَّايِ فَهُوَ أَبُو خَالِدٍ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَ وُلِدَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ غَيْرَهُ وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ (1) وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الصَّيْمَرِيُّ فَهُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْيَةٍ عِنْدَ الْبَصْرَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ أئمة أصحابنا حضر مجلس أبي حامد المرورذى وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَيَّاضِ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَقْضَى القضاة الماوردى صاحب الحاوى وكان حافظ للمذهب حسن التصانيف

_ (1) قوله في الاسلام أي من حين فشى الاسلام وظهر لانه أسلم عام الفتح وهو سنة ثمانية وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين هجرية اه اذرعى

لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْعُلُومِ مِنْهَا الْإِيضَاحُ فِي الْمَذْهَبِ نَحْوُ سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ نفيس وقد بسطت حاله في تهذيب الاسماء: (السمألة الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى المحدت (1) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يستحله وقال أبو حنيفة يكفر لاستهزائه * دلينا أنه معصية فاشبهت الزني وَأَشْبَاهَهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلَا اضْطَرَّ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا * أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلَسُ الْبَوْلِ وَسَائِرُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَمَنْ صَلَّى الْفَرْضَ بِلَا ماء ولا تراب لعدممها أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا: وَحُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْفُقَرَاءِ وَشِبْهُهُمْ مِنْ سُجُودِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَرُبَّمَا كَانُوا مُحْدِثِينَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَمْ لَا وَقَدْ يَتَخَيَّلُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ وَكَسْرٌ لِلنَّفْسِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَغَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَكَيْفَ تُكْسَرُ النُّفُوسُ أَوْ تَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا حَرَّمَهُ وَرُبَّمَا اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخرواله سجدا) وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُتَأَوَّلَةٌ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا السُّجُودِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ وَنَخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ عَصَى وَلَمْ يَصِحَّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ لِلطَّوَافِ وَقَالَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَسَوَاءٌ الطَّوَافُ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ سَوَاءٌ إنْ حَمَلَهُ بِعِلَاقَتِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى رَأْسِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ مَسَّ نفس الاسطر أو ما بينهما أَوْ الْحَوَاشِي أَوْ الْجِلْدَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَفِي مَسِّ الْجِلْدِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَعِيدًا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَسُّ الْجِلْدِ وَلَا الْحَوَاشِي وَلَا مَا بين الاسطر ولا يحرم الانفس المكتوب والصحيح الذى قطع به الجمهور

_ (1) اي القارئ على غير الطهارة اه اذرعى

تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ وَفِي مَسِّ الْعِلَاقَةِ وَالْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ إذَا كَانَ الْمُصْحَفُ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِلْمُصْحَفِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَالْجِلْدِ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الروياني في مس الصندوق أما حَمْلُ الصُّنْدُوقِ وَفِيهِ الْمُصْحَفُ فَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْرِيكُهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَأَمَّا إذَا تَصَفَّحَ أَوْرَاقَهُ بِعُودٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لَهُ وَلَا حَامِلٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْوَرَقَةَ وَهِيَ بَعْضُ الْمُصْحَفِ وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَهُوَ حَرَامٌ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْكُمَّ مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعُودِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ قَالَ وَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ غَالِطٌ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إنْ مَسَّهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ فَوَجْهَانِ وَإِنْ مَسَّهُ بِعُودٍ جَازَ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُصْحَفَ فِي مَتَاعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّانِي يحرم لانه حَامِلُهُ حَقِيقَةً وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ غَيْرِهِ مَعَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مَتَاعًا فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مااذا كَتَبَ كِتَابًا إلَى دَارِ الشِّرْكِ فِيهِ آيَاتٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى دار الشرك كتابا فيه شئ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ فِي ضِمْنِ كِتَابٍ لا يكون لها حكم المصحف والله أَعْلَمُ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ كِتَابَ فِقْهٍ وَفِيهِ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَ حَدِيثٍ فِيهِ أيات أو دراهم أو ثوب أو عمامة طرز بآيات أو طعام نُقِشَ عَلَيْهِ آيَاتٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ جَوَازُهُ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ فِي الثَّوْبِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالدَّرَاهِمِ وَعَكَسَهُ الْمُتَوَلِّي فَقَطَعَ بِجَوَازِ مَسِّ كِتَابِ الْفِقْهِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَيْهَا آيَاتٌ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ الْحَائِطِ أَوْ الْحَلْوَى وَالْخُبْزِ الْمَنْقُوشِ بِقُرْآنٍ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَنْقُوشَةُ بِقُرْآنٍ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ لَا يَتَدَاوَلهُ النَّاسُ كثيرا ولا

يتعاملون به غالبا كالتي عليها صورة الْإِخْلَاصِ وَضَرْبٌ يَتَدَاوَلُونَهُ كَثِيرًا فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ وَفِي الثَّانِي الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمُتَدَاوَلِ وَغَيْرِهِ فَالْفَرْقُ غَرِيبٌ نَقْلًا ضَعِيفٌ دَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَجُوزُ مَسُّ خَاتَمٍ نُقِشَ بِآيَاتٍ وَحَمْلُهُ (1) وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنْ أَصَابَ الْمُصْحَفَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ * وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ تَكْلِيفُهُ الطَّهَارَةَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ وَمَسِّهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِهِ فِي اللَّوْحِ وَذَكَرَ الوجهين في المصحف وقطع الجرجاني بانه لايمنع مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ فِي الْمُكْتَبِ وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا فِي الْمُكْتَبِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ لَلصِّبْيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ مِثْلَهُ الْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مُكَلَّفًا فَكَيْفَ يُقَالُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ لَهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَلَا نَقُولُ قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ * (الثَّانِيَةُ) كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ كَبَعْضِ كُتُبِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِتَضْمِينِهِ قُرْآنًا كَثِيرًا وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ مُتَمَيِّزًا عَنْ التَّفْسِيرِ بِخَطٍّ غَلِيظٍ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ كُرِهَ وَأَمَّا كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ فَجَعَلَهَا الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَقَطَعَ هُوَ بِجَوَازِهَا وَأَمَّا كُتُبُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ جَوَازَ مَسِّهَا وَحَمْلِهَا مَعَ الْحَدَثِ

_ (1) ويمكن الفرق بين الخاتم والدراهم بان الخاتم تلبسه في غالب الاوقات فيشق عليه التطهر له مشقة شديدة بخلاف الدراهم صحح البغوي الوجوب اه من هامش الاذرعى

وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ آخرون انه ان لم يكن فيها شئ مِنْ الْقُرْآنِ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كُتُبِ الْفِقْه (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مس التوراة والانجيل وحملهما كذا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وجهين أحدهما لا يجوز والثاني قَالَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مُبَدَّلَةٌ مَنْسُوخَةٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكْمُ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ مِنْ الْقُرْآنِ حُكْمُ التَّوْرَاةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَتَبَ الْمُحْدِثُ أو الجنب مصحفا نظران حَمَلَهُ أَوْ مَسَّهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ (1) أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُونَ الْمُحْدِثِ: (الْخَامِسَةُ) إذَا كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي لَوْحٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ الْمُحْدِث هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لا يحرم لانه لايراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ عَلَى اللَّوْحِ آيَةٌ أَوْ بَعْضُ آيَةٍ كُتِبَ لِلدِّرَاسَةِ حَرُمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بشئ نَجِسٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ نَقْشُ الْحِيطَانِ وَالثِّيَابِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِذَا كَتَبَ قُرْآنًا عَلَى حَلْوَى وَطَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ كُرِهَ إحْرَاقُهَا (2) (السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ قَالَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ فَيَجُوزُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَنْعُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ خَافَ السَّرِقَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُ الصِّبْيَانُ مِنْ مَحْوِ الْأَلْوَاحِ بِالْأَقْدَامِ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ: (الثَّامِنَةُ) لَوْ خَافَ الْمُحْدِثُ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ أَوْ وُقُوعِهِ بِيَدِ كَافِرٍ جَازَ أَخْذُهُ مَعَ الْحَدَثِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمُصْحَفِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُودِعُهُ الْمُصْحَفَ وَعَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ فَيُبِيحُ الصَّلَاةَ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ: (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ حَمْلُ التَّعَاوِيذِ يَعْنُونَ الْحُرُوزَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي الْفَتَاوَى كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَاسْتِعْمَالُهَا مَكْرُوهٌ وَتَرْكُ تَعْلِيقِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ فِي فَتْوَى أُخْرَى يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُرُوزِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ عَلَى النِّسَاءِ

_ (1) هذا النقل عن الماوردي فيه نظر فانه يوءذن بانه أورد الوجه في المحدث وزاد وجها ثالثا وليس كذلك بل جزم بتمكين المحدث وخص الوجهين بالجنب نعم يخرج من كلامه وجه فارق بين الجنب (2) نقل ابن الرفعة: عن القاضي انه قال لا يجوز احراقها قال وقال في الروضة يكره فليحقق: اه اذرعى

وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا شَمْعٌ وَنَحْوُهُ وَيُسْتَوْثَقُ مِنْ النِّسَاءِ وَشِبْهِهِنَّ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا جُعِلَ عَلَيْهِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمَا يُعَلَّقُ عَلَى النِّسَاءِ الْحُيَّضِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جُعِلَ فِي كِنٍّ كَقَصَبَةِ حَدِيدٍ أو جلد يخرز عليه وقد يستدل للاباحة بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ أن يَحْضُرُونَ) قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: (الْعَاشِرَةُ) إذَا تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ تَيَمُّمًا صَحِيحًا فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَيْهِمْ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ وَشِبْهُهُمَا فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ لِحَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ كِتَابًا فِيهِ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية (الثانية عشرة) قال أصحابنا لايمنع الكافر سماع القرآن ويمنع من الْمُصْحَفِ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رُجِيَ جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ الْمُصْحَفَ وَإِنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحَيْثُ رَآهُ مُعَانِدًا لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ بِحَالٍ وَهَلْ يُمْنَعُ التَّعْلِيمَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يُمْنَعُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُصْحَفِ وَاحْتِرَامِهِ فَلَوْ أَلْقَاهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فِي قَاذُورَةٍ كَفَرَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَتَحْسِينِ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا وَإِيضَاحِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ وَيُسْتَحَبُّ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَفِي تَذْهِيبِهِ وَتَفْضِيضِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَفِي كَرَاهَةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ يُكْرَهُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلسَّلَفِ سَنُوَضِّحُهَا حَيْثُ ذكره الصنف فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَيْعُهُ لِلْكُفَّارِ حَرَامٌ وَفِي انْعِقَادِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْعَقِدُ وَسَنُوَضِّحُهُ مَعَ فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا آدَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَفْضِيلُهَا عَلَى التَّسْبِيحِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَسَأَذْكُرُهُ مُوَضَّحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَهُوَ أَلْيَقُ بِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ مَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَعَنْ الْحَكَمِ (1) وَحَمَّادٍ وَدَاوُد يَجُوزُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ جَوَازُ مَسِّهِ بِظَهْرِ الْكَفِّ دُونَ بَطْنِهِ * وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ كِتَابًا فِيهِ قُرْآنٌ وَهِرَقْلُ محدث يسمه وَأَصْحَابُهُ وَلِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَحْمِلُونَ الْأَلْوَاحَ مُحْدِثِينَ بِلَا انكار ولانه إذ لَمْ تَحْرُمْ الْقِرَاءَةُ فَالْمَسُّ أَوْلَى وَقَاسُوا حَمْلَهُ عَلَى حَمْلِهِ فِي مَتَاعٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ الله تعالى (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العالمين) فَوَصَفَهُ بِالتَّنْزِيلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ وَلِهَذَا قَالَ يَمَسُّهُ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى الْخَبَرِ وَلَوْ كَانَ الْمُصْحَفَ لَقَالَ يَمَسَّهُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى النَّهْيِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى تَنْزِيلٌ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْمُصْحَفِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ صحيح صريح وأما رفع السين فهو نهى بلفظ الخبر كقوله (لاتضار والدة بولدها) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ قَالُوا لَوْ أُرِيدَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُتَطَهِّرُونَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُتَوَضِّئِ مُطَهَّرٌ وَمُتَطَهِّرٌ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ هِرَقْلَ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ كَانَ فِيهِ آيَةٌ وَلَا يُسَمَّى مُصْحَفًا وَأُبِيحَ حَمْلُ الصِّبْيَانِ الْأَلْوَاحَ لِلضَّرُورَةِ وَأُبِيحَتْ الْقِرَاءَةُ لِلْحَاجَةِ وَعُسْرِ الْوُضُوءِ لَهَا كُلَّ وَقْتٍ وَحَمْلُهُ فِي الْمَتَاعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

_ (1) هو الحكم بن عتبة وحماد ابن أبى سليمان شيخ أبى حنيفه اه اذرعى

باب الاستطابة

باب الاستطابة) الِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونَانِ تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالْأَحْجَارِ وَالِاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذًا مِنْ الْجِمَارِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَأَمَّا الِاسْتِطَابَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ نَفْسَهُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ اسْتَطَابَ يَسْتَطِيبُ فَهُوَ مُسْتَطِيبٌ وَأَطَابَ يُطِيبُ فَهُوَ مُطَيِّبٌ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ شِمْرٌ هو مأخوذ من نجوت الشجرة وَأَنْجَيْتُهَا إذَا قَطَعْتُهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَسَتَّرَ بِنَجْوَةٍ قَالَ الازهرى قول شمر أصح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [إذا أراد دخول الخلاء ومعه شئ عليه ذكر الله تعالى فالمستحب أن ينحيه لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وضع خاتمه) وانما وضعه لانه كان عليه محمد رسول الله] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَخَالَفَهُمْ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَضَعَهُ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَيُقَالُ خَاتِمٌ وَخَاتَمٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْخَالِي وَقَوْلُهُ كَانَ إذَا دخل الخلاء أي أراد الدخول: أم حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَلَا تَجِبُ التَّنْحِيَةُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وغيرهما لافرق فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا وَدِينَارًا أَوْ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ عُوذَةٌ وَهِيَ الْحُرُوزُ الْمَعْرُوفَةُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَحِّيَهُ

صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْوَسِيطِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَسْتَصْحِبُ شَيْئًا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يَخْتَصُّ وَقَطَعَ الجمهور بانه يشترك فيه البنيان وَالصَّحْرَاءُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ خَاتَمٌ فَقَدْ قُلْنَا يَنْزِعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا وَدَخَلَ فَقِيلَ يَضُمُّ عَلَيْهِ كَفَّهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ التَّرْخِيصَ في استصحابه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ بِاسْمِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِتْرُ مابين عورات امتى واعين الجن باسم الله) ] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالسِّتْرُ بِكَسْرِ السِّينِ الْحِجَابُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُقَال مَا دُونَ ذَلِكَ الْأَمْرِ سِتْرٌ وَمَا دُونَهُ حِجَابٌ وَمَا دُونَهُ وَجَاحٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْوَجَاحُ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَوْلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ هَكَذَا يُكْتَبُ بِاسْمِ بِالْأَلِفِ وَإِنَّمَا تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تكررها كَذَا عَلَّلَهُ أَهْلُ الْأَدَبِ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي الْخَطِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ أَيْ أَرَادَ الدُّخُولَ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ ذَلِكَ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ يُرِيدُ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ خُبْثٌ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ إنْكَارُ تَسْكِينِ الْبَاءِ وَشِبْهِهِ غلط فان

التَّسْكِينَ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ جَائِزٌ تَخْفِيفًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأَشْبَاهُهَا مِمَّا هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُرِدْ إنْكَارَ الْإِسْكَانِ تَخْفِيفًا وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ مُوهِمَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَامٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ سَاكِنَ الْبَاءِ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ الْخُبْثُ الشَّرُّ وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الشَّيْطَانُ وَالْخَبَائِثُ الْمَعَاصِي قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ: وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَيْ إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ وَكَذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَهَذَا الذِّكْرُ مَجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَسَوَاءٌ فيه البناء والصحراء وقول المصنف يقول اسم اللَّهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ التَّسْمِيَةَ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) وَيُخَالِفُ هَذَا التَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى البسملة لان التعوذ هناك للقراء وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقُدِّمَ التَّعَوُّذُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ هذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا قَالَ (غُفْرَانَكَ) ] [الشرح] الحديث أَبِي ذَرٍّ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طُرُقٍ بَعْضُهَا مَرْفُوعٌ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَإِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضعيف قال الترمذي لايعرف فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ

حَسَنٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ (غُفْرَانَكَ) وَبَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ تَفَاوُتٌ لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ يحصل: وجاء فِي الَّذِي يُقَالُ عَقِبَ الْخُرُوجِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ليس فيها شئ ثَابِتٌ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهَذَا مُرَادُ الترمذي بقوله لايعرف فِي الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَغُفْرَانَكَ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ أَوْ اغْفِرْ غُفْرَانَكَ وَالْوَجْهَانِ مَقُولَانِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (غفرانك ربنا) وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ فِي سَبَبِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الذِّكْرَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَ لَبْثِهِ عَلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ لا يهجر ذكر الله تعال إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَّمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَقَوْلُهَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَغَوَّطُ فِيهِ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ فِي أَلْفَاظِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَاتِ فِي كَلَامِهَا وَصَوْنُ الْأَلْسُنِ مِمَّا تُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالصَّحْرَاءُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ جُنْدَبُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا ابْنُ جُنَادَةَ بِالضَّمِّ وَقِيلَ فِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ خَامِسُ خَمْسَةٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَزُهْدُهُ مِنْ الْمَشْهُورَاتِ تُوُفِّيَ بِالرَّبْذَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَدْ بَسَطْتُ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الاسماء رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الدُّخُولِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَفِي الْخُرُوجِ الْيُمْنَى لِأَنَّ الْيَسَارَ لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لما سواه]

(الشَّرْحُ) الْيَسَارُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ بُدِئَ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ وَقَدْ قَدَّمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَمْثِلَتِهَا وَدَلَائِلِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدِ وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَخْتَصُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَخْتَصُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَبْعَدَ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الغائط ابعد) ويستتر عن العيون بشئ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ به] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ يَا مُغِيرَةُ خُذْ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَائِشُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْحَائِطُ وَالْكَثِيبُ بالثاء المثلثة قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة تُشْبِهُ الرَّبْوَةَ وَهَذَانِ الْأَدَبَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا وَجَاءَ فِيهِمَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْصُلُ هَذَا التَّسَتُّرُ بِأَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ مُحَوَّطٍ يُمْكِنُ سَقْفُهُ أَوْ يَجْلِسَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ وَشِبْهِهِ وَلْيَكُنْ السَّاتِرُ قَرِيبًا مِنْ

آخِرَةِ الرَّحْلِ وَلْيَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَتَسَتَّرَ بِهَا أَوْ جَلَسَ فِي وَهْدَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ أَرْخَى ذيله حصل هذا الغرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ) وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ) وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ فيستقبلهم بفرجه وليس ذلك في البنيان] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ قَوْلِهِ لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوب وَوَقَعَ في المذهب لِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ لِغَائِطٍ وَبِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَبِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ إلَى أَنَّ فِيهِ عِلَّةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أو قد فَعَلُوهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي تفسير قول الله تعالى (أو لو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إنَّمَا جَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّوْبِيخِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِمَا الْإِقْرَارُ بِهِ فَضِيحَةٌ كَمَا يَقْتَضِي الِاسْتِفْهَامُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وَالْمَقْعَدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وهى موضع العقود لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا وَيَكُونَ الْجِدَارُ وَنَحْوُهُ مُرْتَفِعًا قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فان

زَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ أَوْ قَصُرَ الْحَائِلُ عَنْ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ بُنِيَ لِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ فِي الصحراء وتستر بشئ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ زَالَ التَّحْرِيمُ فَالِاعْتِبَارُ بِالسَّاتِرِ وَعَدَمِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ السَّاتِرُ بِالشَّرْطَيْنِ حَلَّ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَحَيْثُ فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ حَرُمَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَحِلُّ فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا بِلَا شَرْطٍ وَيَحْرُمُ فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَرُبَ مِنْ السَّاتِرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي السَّاتِرِ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالدَّابَّةِ وَالْوَهْدَةِ (1) وَكَثِيبِ الرَّمْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَلَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَحْصُلُ بِهِ السَّتْرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَحْصُلُ لِأَنَّهُ لَا يعد ساتر أو أصحهما يَحْصُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ وَلَا يستدير بسوءته وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالذَّيْلِ وَبِهَذَا الثَّانِي قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِقْبَالَ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ يُعَدُّ مِثْلُهُ سَاتِرًا لَمْ يَحْرُمْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ لَكِنَّ الادب ان يتوقاهما ويهيئ مجلسه مائلا عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْكَرَاهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَفْضَلَ الْمَيْلُ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ بِلَا مشقة والله أعلم *

_ (1) قال العمرانى في زوائده ولو كان في وهدة وبينه وبين ما يستره من الارض أو شجرة فوجهان اصحهما حصول الستر والثانى المنع لانه يقع عليه اسم الصحراء اه اذرعي

(فَرْعٌ) إذَا تَجَنَّبَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا حَالَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ أَرَادَ اسْتِقْبَالَهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَإِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية جوزاه عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَحْتَمِلُهُ مَذْهَبُنَا وَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا فِي إخْرَاجِ الرِّيحِ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَقَلَ غَيْرُ العبدرى من اصحابنا ايضا انه لاكراهة فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ لَا فِي الْبِنَاءِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ قِبْلَةً: وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي عليه وسلم أن يستقبل الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِجَوَابَيْنِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً ثُمَّ نَهَى عَنْ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً فَجَمَعَهُمَا الرَّاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُ اسْتَقْبَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِهِمَا النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلٌ

عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهَذَانِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ عَامٌّ لِكِلْتَيْهِمَا فِي كُلِّ مَكَان وَلَكِنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُمَا فِي النَّهْيِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَوْنُهُ كَانَ قِبْلَةً فَبَقِيَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ حَمَلْتُمُوهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى التَّنْزِيهِ قُلْنَا لِلْإِجْمَاعِ فَلَا نَعْلَمُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ خرمه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ هِيَ أربعة مذاهب أحدها مذهب الشافع أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ جَائِزٌ فِي الْبُنْيَانِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا قَوْلُ الْعَبَّاسِ ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَالثَّالِثُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ * وَالرَّابِعُ يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَيَحِلُّ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ حَرَّمَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَةٍ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بول قَالُوا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبِنَاءِ كَالصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَفَى الْحَائِلُ لَجَازَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ

بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ أَوْدِيَةً وَجِبَالًا وَأَبْنِيَةً * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وبحدث ابن عمر رضى لله عَنْهُمَا قَالَ (رَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْكَعْبَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا فَقُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شئ يسترك فلا بأس) رواه أبو داود والدارقطني وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي اجْتِنَابِ الْقِبْلَةِ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ فَإِنْ قَالُوا خَصُّوا الْجَوَازَ بِمَنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ قُلْنَا الرُّخْصَةُ تَرِدُ لِسَبَبٍ ثُمَّ تَعُمُّ كَالْقَصْرِ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فِي المنع والجواز فوجب الجمع بينها ويحصل الجمع بينها بِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى فِقْهٍ وَلَا تَكَادُ تَحْصُلُ بِغَيْرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بِالصَّحْرَاءِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا انه شك في عموم النهي فاحتاط الاستغفار وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا سَبَقَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَنْعُ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَمَا بَعْدَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْفَرْقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قِيَاسٍ وَمَعْنًى يُخَالِفُهُ: وَمَعَ هَذَا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ * وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ قَالُوا وَهُمَا نَاسِخَانِ لِلنَّهْيِ قَالُوا وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ صَحِيحَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا

فَجَمَعْنَا بَيْنَهَا وَاسْتَعْمَلْنَاهَا وَلَمْ نُعَطِّلْ شَيْئًا مِنْهَا: واما قولهم ناسخان فخطأ لان السنخ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ فَمَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاعْتَمَدُوهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ التَّابِعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَرِيبًا مِنْ حَائِطٍ وَاسْتَقْبَلَهُ وَوَرَاءَهُ فَضَاءٌ وَاسِعٌ جَازَ بلا شك صرح به امام الحرمين والبغوى وَغَيْرُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَبَالَ إلَيْهَا فَهَذَا يُبْطِلُ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ الْفَضَاءَ الَّذِي فِيهِ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ الصَّحِيحَ أَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرُخِّصَ فِيهَا فِي الْبِنَاءِ لِلْمَشَقَّةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاهُ * وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (1) وَمَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَاجَةِ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسْبِلَ ثَوْبِهِ إذَا فَرَغَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَإِنْ خَافَهُ رَفَعَ قَدْرَ جاجته والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيَرْتَادُ مَوْضِعًا لِلْبَوْلِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلِيَّةُ دَقَّهَا بِعُودٍ أَوْ حَجَرٍ حَتَّى لَا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي مُوسَى ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَوْلُهُ فَلْيَرْتَدْ أَيْ يَطْلُبُ مَوْضِعًا لَيِّنًا وَأَبُو مُوسَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَشْعَرِ جَدِّ الْقَبِيلَةِ تُوُفِّيَ أَبُو مُوسَى بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وهو ابن

_ (1) قلت قال في تعليقه على التنبيه ان هذا مبني على الخلاف في وجوب ستر العورة في الخلوة ان قلنا واجب وهو الاصح كان رفع الثوب قبل الدنو وان لم يحتج إليه حراما وان قلنا لا يجب الستر في الخلوة كان الرفع مكروها لا محرما انتهى لفظه رحمه الله تعالى اه اذرعى

ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ * وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَطْلُبُ أَرْضًا لَيِّنَةً تُرَابًا أَوْ رَمْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَرْضًا صُلْبَةً دَقَّهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مابلت) قائما منذ أسلمت ولانه لا يؤمن ان يترشش عليه ولايكره ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لعلة بمنبضيه] [الشَّرْحُ] أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْلِيقًا لَا مُسْنَدًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا فَمَا بُلْت بَعْدُ قَائِمًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سباطة قوم فبال قائما) فصحيح روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعِلَّةٍ بمأبضيه رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ لا تثبت هذه الزبادة وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سَبَبِ بَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا أَوْجُهًا أَحَدُهَا قَالَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أن العرب كانت تشتشفى بِالْبَوْلِ قَائِمًا لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَنَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَاكَ وَجَعُ الصُّلْبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَارَ هَذَا عَادَةً لِأَهْلِ هَرَاةَ يَبُولُونَ قِيَامًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إحْيَاءً لِتِلْكَ السُّنَّةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ لِعَلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ فَاحْتَاجَ إلَى الْقِيَامِ إذَا كَانَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيه عَالِيًا مُرْتَفِعًا

وَيَجُوزُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ: وَأَمَّا السُّبَاطَةُ فَبِضَمِّ السِّينِ وَهِيَ مَلْقَى التُّرَابِ وَالْكُنَاسَةِ وَنَحْوِهَا تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مِرْفَقًا لِلْقَوْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ سَهْلًا لَيِّنًا مُنْثَالًا يُخَدُّ فِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى البائل وأما المئبض فَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيم ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ بقلبها ألفا كما في رأس واشباهه والمئبض بَاطِنُ الرُّكْبَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَجَمْعُهُ مَآبِضُ بِالْمَدِّ كَمَسْجِدٍ وَمَسَاجِدَ وَأَمَّا بَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُبَاطَةِ الْقَوْمِ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَهَا يَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ: (الثَّانِي) أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إلَيْهِمْ لِقُرْبِهَا مِنْهُمْ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ أَوْ بِمَعْنَاهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا بِلَا عُذْرٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قائما فثبت عن عمربن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمروسهل ابن سعد انهم بَالُوا قِيَامًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وأبي هريرة وفعله ابن سرين وَعُرْوَةُ وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ ان كان في مكان لا يتطاير إليه من البول شئ فمكروه وان تطاير فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قال المصنف رحمه الله * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي ثُقْبٍ أَوْ سَرَبٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ) وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عليه البول] * [الشرح] حديث ابن سرجى صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ قَالُوا لِقَتَادَةَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ سَرْجِسَ مَا تَكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ وَالثَّقْبُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ تقدمتا في باب صفقة الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ

غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالسَّرَبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: فَالثَّقْبُ مَا اسْتَدَارَ وَهُوَ الْجُحْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَالسَّرَبُ مَا كَانَ مُسْتَطِيلًا: وعبد الله بن سرجس من بنى بَصْرِيٌّ وَأَبُوهُ سَرْجِسُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ أُخْرَى لَا يَنْصَرِفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهي كراهة تنزيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَوَارِدِ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ والظل] [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ البيهقى والسخيمة بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْغَائِطُ وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ كَمَقْبَرَةٍ وَمَجْزَرَةٍ مَوْضِعُ الْقَبْرِ وَالْجَزْرِ وَأَمَّا اللَّعَّانَانِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهُمَا صَاحِبَا اللَّعْنِ أَيْ الَّذِي يَلْعَنُهُمَا النَّاسُ كَثِيرًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد اللَّاعِنَانِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرَانِ الْجَالِبَانِ لِلَّعْنِ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا لَعَنْهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِلَّعْنِ أُضِيفَ الْفِعْلُ إلَيْهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَكُونُ اللَّاعِنُ بِمَعْنَى الْمَلْعُونِ فَالتَّقْدِيرُ اتَّقُوا الْمَلْعُونَ فَاعِلُهُمَا: وَأَمَّا الْمَوَارِدُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ طُرُقُ الْمَاءِ وَاحِدُهَا مَوْرِدٌ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالظِّلِّ مُسْتَظَلُّ النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمُنَاخًا يَنْزِلُونَهُ أَوْ يَقْعُدُونَ تَحْتَهُ قَالُوا وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَمْنَعُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَحْتَهُ فَقَدْ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ حَائِشِ النَّخْلِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وللحائش ظل بلاشك: وَأَمَّا الْبَرَازُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ هُنَا بِفَتْحِ الباء وهو الفضاء الواسع من الارض كنوابه عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا كَنَّوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ وَيُقَالُ تَبَرَّزَ الرَّجُلُ إذَا تَغَوَّطَ كَمَا يُقَالُ تَخَلَّى قَالَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ الْبِرَازَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ غيره

الصَّوَابُ الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الْغَائِطُ نَفْسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِذَا كَانَ الْبِرَازُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْغَائِطُ وَقَدْ اعْتَرَفَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الرُّوَاةَ نَقَلُوهُ بِالْكَسْرِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمُخْتَارَ كَسْرُ الْبَاءِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَأَمَّا قَارِعَةُ الطَّرِيقِ فَأَعْلَاهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَالطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ تقدم بيانهما وأما معاذ الرواى فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَمِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالْأَحْكَامِ شَهِدَ بَدْرًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ وَأَسْلَمَ وَلَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ شَهِيدًا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْأُرْدُنِّ مِنْ الشَّامِ وَقَبْرُهُ بِغَوْرِ بَيْسَانَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ اتِّقَاءُ الْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْمَلَاعِنِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ (1) إشَارَةٌ إلى تحريمه * والله أعلم قال المصنف رحمه الله * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي مَسَاقِطِ الثِّمَارِ لِأَنَّهُ يقع عليه فينجس] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّجَرِ الْمُبَاحِ وَاَلَّذِي يَمْلِكُهُ وَلَا بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرِ وَغَيْرِ وَقْتِهِ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ يصير نحسا فَمَتَى وَقَعَ الثَّمَرُ تَنَجَّسَ وَسَوَاءٌ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَوْلِ اخْتِصَارًا وَتَنْبِيهًا لِلْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الثِّمَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ * قال المصنف رحمه الله * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ الله تبارك وتعالى يمقت علي ذلك] *

_ (1) هو البغوي في شرح السنة وقد صرح به في تعليقه على التنبيه وقد قطع هو والرافعي في كتاب الشهادة ان القعود في الطريق من الصغائر فيما نقلاه عن صاحب العدة بعد ان اعترض كل منهما عليه في اشياء واقراه معا على تحريم التغوط في طريق المسلمين اه اذرعى

[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ للحاكم قال أبوسيعد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْمُتَغَوِّطَيْنِ أَنْ يَتَحَدَّثَا فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذلك) ومعني يضربان الغائط باتيانه قل أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَال ضَرَبْتُ الْأَرْضَ إذَا أَتَيْتُ الْخَلَاءَ وَضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا سَافَرْتُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاشِفَيْنِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخٍ الْمُهَذَّبِ كَاشِفَانِ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُمَا كَاشِفَانِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْبُغْضِ وَقِيلَ تَعَيُّبُ فَاعِلِ ذَلِكَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى قَضَاء الْحَاجَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي الْكَرَاهَةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ رَأَى ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ غَيْرَهَا تَقْصِدُ إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُحْتَرَمَاتِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَجِبُ فِي أَكْثَرِهَا فَإِنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الذَّمَّ لِمَنْ جَمَعَ كُلَّ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ قلنا ما كان بعض موجبات المقت لاشك فِي كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الحاكم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيُكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ أَوْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طهر) ] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَفَوَّتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَمَوْضِعَ الدَّلَالَةِ رَوَى الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيَّ فَقَالَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَفِي رِوَايَةِ

الْبَيْهَقِيّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَرِيبَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى لَا كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ وَاحْتَجَّ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ رَدِّ السَّلَامِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَكَذَا التَّسْبِيحُ وَسَائِرُ الْأَذْكَارِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فَإِنْ عَطَسَ عَلَى الْخَلَاءِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ هُنَا وَفِي حَالِ الْجِمَاعِ ثُمَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ بِالِاتِّفَاقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَرَاهَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ: وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَتَرْكُ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُؤَثِّمُ من ذكر والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * [والمستحب أن يتكأ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا رَوَى سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَيْنَا الْخَلَاءَ أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى) وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ في قضاء الحاجة] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ أَحَدُنَا الْخَلَاءَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى) وَسُرَاقَةُ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا الْمُدْلِجِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يَتَّكِئُ وَيَتَوَكَّأُ بِهَمْزِ آخِرِهِمَا وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا * وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(وَلَا يُطِيلُ الْقُعُودَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ طُولُ الْقُعُودِ عَلَى الْحَاجَةِ تَتَّجِعُ مِنْهُ الْكَبِدُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَاسُورَ فاقعد هو ينا واخرج] [الشَّرْحُ] هَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلُقْمَانُ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (وَلَقَدْ آتينا لقمان الحكمة) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا إلَّا عِكْرِمَةَ فَانْفَرَدَ وَقَالَ كَانَ نَبِيًّا وَقَوْلُهُ تتجع أَوَّلُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ تَجِعَتْ تَتَّجِعُ كَمَرِضَتْ تَمْرَضُ وَالْكَبِدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَالْبَاسُورُ ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ ذَكَرَهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَنَاسُورٌ بِالنُّونِ وَنَاصُورٌ بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهِيَ عِلَّةٌ فِي مَقْعَدَةِ الْإِنْسَانِ وَقَوْلُهُ هُوَيْنَا هُوَ مَقْصُورٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ تَصْغِيرُ هَوْنَى كَحُبْلَى تَأْنِيثُ الْأَهْوَنِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْهُوْنَا كَالدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ هُوْنَا كَمَا قد قيل دنيا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِذَا بَالَ تَنَحْنَحَ حَتَّى يَخْرُجَ إنْ كَانَ هناك شئ وَيَمْسَحُ ذَكَرَهُ مَعَ مَجَامِعِ الْعُرُوقِ ثُمَّ يَنْتُرُهُ] * [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ يَنْتُرُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ وَالنَّتْرُ جَذْبٌ بِجَفَاءٍ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ واستنتر إذَا جَذَبَ بَقِيَّةَ بَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ مِنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقِيمَ سَاعَةً قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَنْتُرَ ذَكَرَهُ هَذَا لَفْظُ نَصِّهِ (1) وَكَذَا قَالَ جَمَاعَاتٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْبِرَ سَاعَةً يَعْنُونَ لَحْظَةً لَطِيفَةً (2) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتُرَ ثَلَاثًا مَعَ التَّنَحْنُحِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَيَمْشِي بَعْدَهُ خُطْوَةً أَوْ خُطُوَاتٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَهْتَمُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَيَمْكُثُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ وَيَتَنَحْنَحُ قَالَ وَكُلٌّ أَعْرَفُ بِطَبْعِهِ قَالَ وَالنَّتْرُ ما ورد به الخبر وهوأن يُمِرَّ أُصْبُعًا لِيُخْرِجَ بَقِيَّةً إنْ كَانَتْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ شئ يُخَافُ خُرُوجُهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ هذا

_ (1) قال في البحر ويستبرئ من البول فيقم ساعة ثم ينتر ذكره قبل الاستنجاء بيده اليسري ثلاثا وهو ان يضع أصبعه علي ابتداء مجرى بوله وهو من عند حلقه الدبر ثم يسلت المجرى بتلك الاصبع إلى رأس الذكر قال والنتر هو الدلك الشديد وقيل يمسك الذكر بيده اليسرى ويضع اصبع يده اليمنى على ابتداء المجرى فإذا انتهى إلى الذكر نتره باليسري وهذا امكن حكاه الساجى انتهى لفظه اه اذرعى (2) لا معنى لقوله لحظة لطيفة بل هو مقيد بالحاجة بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثم مني يخرج يختلف هذا باختلاف أحوال الناس كما قال فيما بعد اه اذرعى

* الْمَقْصُودُ بِأَدْنَى عَصْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى صَبْرِ لَحْظَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يحتاج إلى شئ مِنْ هَذَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ النَّتْرُ وَالتَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُمَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَمْ يَنْتُرْ وَلَمْ يَعْصِرْ الذَّكَرَ وَاسْتَنْجَى عقيب انقطاع البول ثم توضأ فاستئجاءه صَحِيحٌ وَوُضُوءُهُ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شئ آخَرَ قَالُوا وَالِاسْتِنْجَاءُ يَقْطَعُ الْبَوْلَ فَلَا يَبْطُلُ استنجاءه ووضوءه الا أن يتيقن خروج شئ * وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ فِي هَذَا الْأَدَبِ بِمَا رَوَى يزداذ وقيل ازداذ بن فسأة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وقال الاكثرون هو مرسل ولا صحبة ليزداذ وممن نص علي أنه لاصحبة لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ معين وغيره لا نعرف يزداذ فالتعويل على المعنى الذى ذكره الاصحاب ويزداذ بِزَايٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفُسَاءَةُ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِالْمَدِّ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ حَشْوُ الذَّكَرِ بقطنة ونحوها صرح بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الاصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لايبولن أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عامة الوسواس منه] [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُسْتَحَمُّ الْمُغْتَسَلُ سمى مستحما

مُشْتَقًّا مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ بِغَيْنٍ معجمة مفتوحة ثم فاء مشددة مفتوحة كنية عبد الله أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو زِيَادٍ وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يترشش عليه وهذا في غير الا خلية الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ * أَمَّا الْمُتَّخَذُ لِذَلِكَ كَالْمِرْحَاضِ فَلَا بَأْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَشَّشُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَشَقَّةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فِي إنَاءٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (يَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه لقد دعي بالطست يبول فيها فانحبس فَمَاتَ وَمَا أَشْعُرُ بِهِ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَهُمْ والترمذي في كتاب الشمايل هَكَذَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِمَعْنَاهُ: قالا قالت فدعى بِالطَّسْتِ وَلَمْ تَقُلْ لِيَبُولَ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الْبَوْلِ وَالطَّسْتُ بالسين المهملة وهى مؤنثة وعن أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفُوهُ وَأُمَيْمَةُ وَرُقَيْقَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَرُقَيْقَةُ بِقَافَيْنِ وَقَوْلُهَا مِنْ عَيْدَانٍ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ النخل الطوال المتجردة الواحدة عيد انه: (الثَّانِيَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ: وَأَمَّا فِي الْإِنَاءِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فِي إنَاءٍ: وَالثَّانِي التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْبَوْلَ مُسْتَقْبَحٌ فَنُزِّهَ الْمَسْجِدُ مِنْهُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ عَلَى الْقَبْرِ وَيُكْرَهُ البول

بِقُرْبِهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَمَّا الْجَارِي فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُكْرَهُ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ الْبَوْلُ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْجَارِي فَلَا يُحَرَّمُ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَمِمَّا يُنْهَى عَنْهُ التَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَهُوَ وَاضِحٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الرِّيحِ بِالْبَوْلِ لِئَلَّا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَتَنَجَّسَ بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَرَاهَتِهِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ الْبَوْلَ فِي الْهَوَاءِ فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ إنَّهُ مَوْضُوعٌ وَجَاءَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ التَّابِعِيِّ قَالَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبُولَ فِي هَوَاءٍ وَأَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى رَأْسِ جبل (السادسة) قال أصحابنا يستحب أن يهئ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ جُلُوسِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وَغَيْرُهُمْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ حَدِيثِ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النَّبْلَ) فَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالنُّبَلُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ (السَّابِعَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَبُولَ عَلَى مَا مُنِعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ كَالْعَظْمِ وَسَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ * (الثَّامِنَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَضَعَ كُمَّهُ عَلَى رَأْسِهِ ويستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ حَافِيًا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دخل الخلاء

_ (1) اما الاستنجاء في الماء الكثير الراكد فقال في شرح مسلم لا يظهر كراهيته لانه ليس في معني البول ولا يقاربه ولو اجتنبه كان حسنا وفيما قاله نظر وعندي أنه مكروه ولا ينجسه غيره لانه ثبت في الصحيح النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ونص الشافعي والاصحاب على كراهة الاغتسال فيه قليلا كان أو كثيرا وهذا أولى بالكراهة لانه ابلغ في الاستقذار اه اذرعى

غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ: (قُلْت) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهَذَا مِنْهَا: (التَّاسِعَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ هُوَ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ ولا إلى ما يخرج مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ: (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنَّ دَلِيلَ الْقِبْلَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا كَثِيرُونَ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْبَابِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ: الثَّانِي يُفَرَّقُ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْقَ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ: الثَّالِثُ النَّهْيُ فِي الْقِبْلَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ الرَّابِعُ أَنَّهُ فِي الْقِبْلَةِ يَسْتَوِي الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَهُنَا لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهُوا الِاسْتِقْبَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الشافي يكره الاستدبار أيضا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [والاستنجاء واجب من البول والغائط لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وليستنج بثلاثة أحجار) ولانها نجاسة لا تلحق المشقة في ازالها غالبا فلا تصح الصلاة معها كسائر النجاسات] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَسَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَوْلُهُ وَلْيَسْتَنْجِ هُوَ هَكَذَا بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي إزَالَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهَا عِبَارَةٌ حَسَنَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قال فوجب ازالتها لا تنتقض بِنَجَاسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ

لَا يُصَلَّى فِيهِ وَالْغَائِطُ مَعْرُوفٌ وَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَصْلِهِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكُلُّ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ مُلَوَّثٌ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ سُنَّةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباغ والعبد رى وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا أَصْلًا لِلنَّجَاسَاتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْرَ دِرْهَمٍ بَغْلِيٍّ عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَا وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إنْ زَادَ الْخَارِجُ عَلَى دِرْهَمٍ وَجَبَ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ وَلَا يَجْزِيهِ الْحَجَرُ وَلَا يَجِبُ عِنْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ولانها نجاسة لا تجب ازالة أثرها فكذلك عَيْنُهَا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهَا بالماء فلم يجب غيره قال الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ مَسْحِهَا بِالْحَجَرِ فَلَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا كَالْمَنِيِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أبو داود والنسائي وابن اماجه فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا

ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يستنزه من بوله) وروى (لا يستبرى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ * وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجَوَابُ عن حديثهم أنه لاخرج فِي تَرْكِ الْإِيتَارِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيتَارِ الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ أَنَّ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَلَمْ يَرِدْ خَبَرٌ فِي الْأَمْرِ بِإِزَالَةِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَقِيَاسُ الْمُزَنِيِّ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ والبول نجس والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان خرجت منه حصاة أو دودة لا رطوبة معها ففيه قولان أحدهما يجب الاستنجاء لانها لا تخلو من رطوبة والثاني لا يجب وهو الاصح لانه خارج من غير رطوبة فأشبه الريح] * [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شيخه الاصحاب فنقلوهما وجهين نقله وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَادُ يَابِسًا كَبَعْرَةٍ لَا رُطُوبَةَ مَعَهَا فَهِيَ كَالْحَصَاةِ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ الرِّيحَ كَذَا قَاسَهُ الْأَصْحَابُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ وَالنَّوْمِ وَلَمْسِ النِّسَاءِ وَالذَّكَرِ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ ان استنجى لشئ مِنْ هَذَا فَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ يُكْرَهُ الاستنجاء من الريح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

[ويستنجى قبل ان يتوضأ فان توضأ ثم استنجي صح الوضوء وان تيمم ثم استنجي لم يصح التيم وقال الربيع فيه قول آخر انه يصح: قال أبو اسحاق هذا من كيسه: والاول هو المنصوص عليه في الام ووجهه ان التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة من نجاسة النجو فلا تستباح مع بقاء المانع ويخالف الوضوء فانه يرفع الحدث فجاز أن يرفع الحدث والمانع قائم وان تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء: ففيه وجهان أحدهما أنه كنجاسة النحو والثاني أنه يصح التيمم لان التيمم لاتستباح به الصلاة من هذه النجاسة فصح فعله مع وجودها بخلاف نجاسة النجو] * [الشَّرْحُ] إذَا تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْمَاءِ لَافًّا عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً أَوْ نَحْوَهَا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا قَوْلَيْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَفِي التَّيَمُّم قَوْلَانِ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالثَّانِي لَا يَصِحَّانِ وَالثَّالِثُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ غَلِطَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَوْلَا أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَمَا عَدَدْتُهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ في صحة التيمم ليس بمذهب للشافعي وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ غَلَّطَ أَصْحَابُنَا الرَّبِيعَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ كِيسِ الرَّبِيعِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ مَعْنَاهُ لَيْسَ هَذَا مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ الرَّبِيعُ خَرَّجَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ الْأَصَحُّ صِحَّةُ التَّيَمُّمِ فَغَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلِ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى موضع من بدنه نجاسة في غير مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَيَمَّمَ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَفِي صِحَّةِ التيمم

الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُزِيلَهَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بُطْلَانَ التَّيَمُّمِ وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ صِحَّتَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَدَلِيلُهُ مَا ذكره المصنف قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّيَمُّمُ لَا يَسْتَعْقِبُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَحْوَ هَذَا: وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَاهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مع هذا التميمم مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَذَا صَوَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَتُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِجِرَاحَةٍ أَوْ مَرَضٍ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ وَيَجِبُ فِي النَّجَسِ لِقِلَّتِهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ إزَالَتِهَا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ * وَلَوْ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ حَدَثَتْ نَجَاسَةٌ وَقُلْنَا النَّجَاسَةُ الْمُقَارِنَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ فَفِي الْحَادِثَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ كَالرِّدَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ تَيَمَّمَ عَالِمًا بِالنَّجَاسَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ الْمَاءَ لِلتَّيَمُّمِ يَكْفِيه لَهُ وَلِلنَّجَاسَةِ: وَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُهَا أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ يجب طلب الماء لازالتها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [واذ أراد الاستنجاء نظرت فان كانت النجاسة بولا أو غائطا ولم تجاوز الموضع المعتاد جاز بالماء والحجر والافضل أن يجمع بينهما لان الله تعالى اثنى على اهل قباء فقال سبحانه وتعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يصنعون فقالوا نتبع الحجارة الماء: فان أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ ابلغ في الانقاء وان أراد الاقتصار على الحجر جاز

لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (بال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عمر خلفه بكوز من ماء فقال ما هذا يا عمر فقال ماء تتوضأ به فقال ما أمرت كلما بلت ان اتوضأ ولو فعلت لكان سنة) ولانه قد يبتلى بالخارج في مواضع لا يلحق الماء فيها فسقط وجوبه] [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (1) وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ لَكَانَ سُنَّةً أَيْ وَاجِبًا لَازِمًا وَمَعْنَاهُ لَوْ وَاظَبْت عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَصَارَ طَرِيقَةً لِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا * وَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ قُبَاءَ فَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يتطهروا) وَكَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضعيف فيه يونس بن الحرث قد ضعفه الا كثرون وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَفِيهِ جَهَالَةٌ وَعَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ قَالُوا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية (فيه رجال يحبون ان يتطهروا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وفي رواية البيهقى (فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فهل مع ذلك غيره قالوا لاغير أَنَّ أَحَدَنَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ قَالَ هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) : وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ فَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ ضَعَّفَهُ سَبَبَ ضَعْفِهِ وَالْجَرْحُ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا فَيَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بهذه الرواية فهذا

_ (1) هذا الحديث لوثبت لكان في الاحتجاج به لهذه المسألة نظر لانه يحتمل ان المراد الوضوء الشرعي إذ لامانع منه اه من هامش الاذرعي

الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالُوا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ لِأَنَّ الاسنتجاء بالحجر كان معلوما عندهم يغعله جَمِيعُهُمْ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ فَلِهَذَا ذُكِرَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحَجَرُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَلِكَوْنِهِ مَعْلُومًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ فَضْلِهِمْ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عليهم بسببه ويويد هذا قولهم إذا اخرج أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِنْجَاءَهُمْ بِالْمَاءِ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا بَعْدَ التَّمَسُّحِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ: وَهَكَذَا الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُؤَخِّرَ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقُبَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِيهِ لغات الْمَدُّ وَالْقَصْرُ قَالَ الْخَلِيلُ مَقْصُورٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مَمْدُودٌ وَيَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا الصَّرْفُ وَتَرْكُهُ وَالْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ مَدُّهُ وَتَذْكِيرُهُ وَصَرْفُهُ وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ أَصْلُهُ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَحْجَارِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَعْمِلُ الْأَحْجَارَ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فَتَقْدِيمُ الْأَحْجَارِ لِتَقِلَّ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِيُطَهِّرَ الْمَحَلَّ طَهَارَةً كَامِلَةً فَلَوْ اسْتَنْجَى أَوَّلًا بِالْمَاءِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْأَحْجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحِلَّ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَحُذَيْفَةَ

وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا النِّسَاءُ وَقَالَ عَطَاءٌ غَسْلُ الدُّبُرِ مُحْدَثٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَتْ الزَّيْدِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ مِنْ الشِّيعَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ: فَأَمَّا سَعِيدٌ وَمُوَافِقُوهُ فَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لَا يَجِبُ أَوْ أَنَّ الْأَحْجَارَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ: وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَأَذِنَ فِيهِ وَفَعَلَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَسَنَذْكُرُ الْبَاقِيَ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ بِالْمَاءِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْتِي الْخَلَاءَ فَأَتْبَعُهُ أَنَا وَغُلَامٌ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِنِسْوَةٍ (مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ باناء آخر فتوضأ) رواه

لاحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَاءَ مَطْعُومٌ فَلِهَذَا كَرِهَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ سَعْدٌ وَمُوَافِقُوهُ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه علمكم نبيكم كل شئ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ (أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فَإِنْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَدُ المسحات وقد وجد ذلك] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ سَلْمَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ) وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ نَسْتَنْجِيَ بَدَلَ نَجْتَزِئَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ (وَلَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَقَوْلُهُ الْخِرَاءَةُ هِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَبِالْمَدِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ أَدَبُ التَّخَلِّي وَالْقُعُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَسَلْمَانُ الرَّاوِي هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَهُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَعَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا جِدًّا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَقِيلَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ والله أعلم: اما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الصَّيْمَرِيَّ وَصَاحِبَهُ صَاحِبَ

الحاوى فقال إذا بقى مالا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف وبالخرق فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ إزَالَتُهُ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِغَيْرِ الْمَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِزَالَةُ بِالْأَحْجَارِ وَقَدْ أَزَالَ مَا يَزُولُ بِالْأَحْجَارِ وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الثَّانِيَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَلِّفْهُ غَيْرَ الْأَحْجَارِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِإِجْزَاءِ الْأَحْجَارِ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في كل الطرق وحكي الحناطي بالحاء المهلمة وَالنُّونِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا حصل الانقاء بحجرين أو حجر كَفَاهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ مُطْلَقًا ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى الْجِمَارَ فِي الْحَجِّ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ عَدَدُ الرَّمْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمَسْحُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَفْضَلُ مِنْ أَحْرُفِ حَجَرٍ لِلْحَدِيثِ (وليستنج بثلاثة احجار) : قال الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ بَالَ وَتَغَوَّطَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنْ مَسَحَهُمَا بِحَجَرٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ سِتَّ مَسَحَاتٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَسَحَاتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْخِرْقَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي إذَا مَسَحَ بِأَحَدِ وَجْهَيْهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بِوَجْهَيْهَا وَيُحْسَبُ مَسْحَتَيْنِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ بِابْنِ جَابِرٍ إبْرَاهِيمَ بْنَ جَابِرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَجْهًا شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ احمد ابن حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْحَدِيثِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا حصل الانقاء بثلاثة احجار فلا زِيَادَةٍ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ وَجَبَ رَابِعٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ خَامِسٌ وَلَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَجَبَ خَامِسٌ فَإِنْ حَصَلَ به فلا زيادة والاوجب سَادِسٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ سَابِعٌ وَلَا يجب والاوجب وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَصَلَ بِثَلَاثَةٍ فَمَا فَوْقَهَا لَمْ تَجِبْ زِيَادَةٌ: وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ

فَإِنْ كَانَ حُصُولُ الْإِنْقَاءِ بِوِتْرٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ الْإِيتَارَ بِخَامِسٍ وَاجِبٌ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيتَارِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ الْأَحْجَارِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِنْجَاءَ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) قَالُوا ولان المقصود الانقاء ولانه لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَدٌ فَكَذَا الْحَجَرُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الثَّلَاثِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فانها تجرئ عَنْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: الرِّمَّةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الْبَالِي وَبِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) رواه البخاري هكذا ورواه أحمد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ زِيَادَةٌ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ ائْتِنِي بِحَجَرٍ يَعْنِي ثَالِثًا وَفِي بَعْضِهَا ائْتِنِي بِغَيْرِهَا وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رواه مسلم وفى رواية

لاحمد والبيهقي (إذا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيتَارِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ * وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قِيَاسُ الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ فَكَانَ لِلْعَدَدِ فِيهَا اعْتِبَارٌ قِيَاسًا عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلُنَا يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّجْمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَقْيِسَةِ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ (أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فِي هَذَا الْبَيَان الْوَاضِحُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَلَوْ كَفَى الْإِنْقَاءُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ مَعْنًى فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْقَاءَ قَدْ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَاءِ إذَا أَنْقَى كَفَى لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ فَدَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْعَدَدِ: وَأَمَّا الْحَجَرُ فَلَا يُزِيلُ الْأَثَرَ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ ظاهرا لاقطعا فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا ظَنًّا اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِقُرْءٍ وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَدُ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ: فَإِنْ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا غَالِبًا فَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الانقاء شرط بالاتفاق فكيف يخل بِهِ وَيُذْكَرُ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعَ كَوْنِهِ مُوهِمًا لِلِاشْتِرَاطِ: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الْإِنْقَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي يُسْتَغْنَى بظهوره عن ذكره بخلاف العدد فانه لايعرف إلَّا بِتَوْقِيفٍ فَنَصَّ عَلَى مَا يَخْفَى وَتَرَكَ مالا يَخْفَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالُوهُ لَكَانَ إخْلَالًا بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا وَتَعَرُّضًا لِمَا لَا فَائِدَةَ فيه بل فيه إيهام: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ الْوِتْرَ الَّذِي لَا حَرَجَ فِي تَرْكِهِ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَسَحَ ذكره مرتين أو ثلاثا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الثَّلَاثِ * قال المصنف رحمه الله *

[وَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يضع حجرا على مقدم صفحته اليمنى وبمره إلى آخرها ثم يدبر الْحَجَرَ إلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى فَيُمِرُّهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّانِيَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهُ إلَى صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى فيمره عليها من أولها لي أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّالِثَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقْبِلُ بِوَاحِدٍ وَيُدْبِرُ بِآخَرَ وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُمِرُّ حَجَرًا على الصفحة اليميني وَحَجَرًا عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَحَجَرًا عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حَجَرَانِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُمِرُّ كُلَّ حَجَرٍ عَلَى المواضع الثلاثة] * [الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ: أَمَّا الثاني فحديث حسن عن سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ حَسَنٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ فَغَلَطٌ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ حَجَرَيْنِ وَحَجَرًا بِالنَّصْبِ: وَفِي الْمُهَذَّبِ حَجَرَانِ وَحَجَرٌ بِالرَّفْعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ثَلَاثَةَ: وَالثَّانِي عَلَى الِابْتِدَاءِ: وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْوَجْهَيْنِ: فَالْبَدَلُ فِي مَوَاضِعَ كثيرة

كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صحف ابراهيم) والابتداء قَوْله تَعَالَى (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَقَوْلُهُ وَيُحَلِّقُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدِيرُهُ كَالْحَلْقَةِ وَالْمَسْرُبَةُ هُنَا مَجْرَى الْغَائِطِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَلِلْمَسْرُبَةِ مَعْنًى آخَرُ فِي اللُّغَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ المستدق من السرة الي العانة: وجماء ذكرها في الحديث وليست مرادة هنا: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُمِرُّ حَجَرًا مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَصِلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ يُمِرُّ الْحَجَرَ الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى إلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَصِلَ مَوْضِعَ ابْتِدَائِهِ ثم يمر الثالث عَلَى الْمَسْرُبَةِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الثاني يَمْسَحَ بِحَجَرٍ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى وَحْدَهَا ثُمَّ بِحَجَرٍ الْيُسْرَى وَحْدَهَا وَبِالثَّالِثِ الْمَسْرُبَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: وَالثَّالِثُ يَضَعُ حَجَرًا عَلَى مُقَدَّمِ الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ حَجَرًا عَلَى مؤخر الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى أَوَّلِهَا ثُمَّ يُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَرِيبٌ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمَحِلَّ بِكُلِّ حَجَرٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ غَلَّطُوا أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْكَبِيرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ تَأَوَّلُوهُ وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ كُلُّ حَجَرٍ لِلصَّفْحَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْأَفْضَلِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ: وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْوُجُوبِ فَصَاحِبُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الْكَيْفِيَّةَ الثَّانِيَةَ وَصَاحِبُ الثَّانِي لَا يُجِيزُ الْأُولَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي دَرْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الثاني ومن قال بالثاني يُجِيزُ الْأَوَّلَ (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ احْتَاجَ إلَى استعمال

_ (1) قال ابن الصلاح وهذا الذي قاله من عنده مليح اه اذرعى

حَجَرٍ رَابِعٍ وَخَامِسٍ فَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهِ كَصِفَةِ الثَّالِثِ لِأَنَّا أَمَرْنَاهُ فِي الثَّالِثِ بِمَسْحِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ بِالْحَجَرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْمَحِلِّ إلَّا أَثَرٌ فَلَا يُخْشَى انْبِسَاطُهُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ بِقُرْبِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضَعُهُ عَلَى نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَهُ عَلَيْهَا بقى شَيْئًا مِنْهَا وَنَشَرَهَا وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ أَدَارَ الْحَجَرَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ جزا مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَوْ أَمَرَّ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ وَنَقَلَ النَّجَاسَةَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِنْ أَمَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ فَهَلْ يجزئه فيه وجهان: الصحيح يجزيه هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِرَاقِيُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ عُسْرٍ شَدِيدٍ وَلَيْسَ لِهَذَا الِاشْتِرَاطِ أَصْلٌ فِي السنة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) فَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِغَيْرِ الْمَاءِ أَخَذَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى مَا يَسْتَنْجِي بِهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ حَجَرٍ فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَهُ بين ابهامى رجليته؟ ؟ وَمَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَيْهِ بِيَسَارِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ صَبَّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَمَسَحَهُ بِيَسَارِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يَقَعُ بِمَا فِي الْيَدِ لَا بِالْيَدِ فَلَمْ تُمْنَعْ صحته] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ: فَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَسْتَنْجِيَ باليمين)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ولا يستدبرها ولا يستطيب بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا أنا لكم بمنزلة الوالد) فيه تفسير أن ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ أَظْهَرُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابي غيره أَنَّهُ كَلَامُ بَسْطٍ وَتَأْنِيسٍ لِلْمُخَاطَبِينَ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا عَنْ مَسْأَلَتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دينهم لاسيما مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ أَنَا كَالْوَالِدِ فلا تستحيوا منى في شئ من ذلك كما لاتستحيون مِنْ الْوَالِدِ: وَالثَّانِي مَعْنَاهُ يَلْزَمُنِي تَأْدِيبُكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ كَمَا يَلْزَمُ الْوَالِدَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَالْوَالِدِ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَفِي ثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى مَصْلَحَتِكُمْ والشفقة عليكم والله أعلم * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَمِينِهِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ قَالَ وَحَرَّمَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ أَدَبٌ وَلَيْسَ الْيَمِينُ مَعْصِيَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ يُكْرَهُ بِالْيَمِينِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَعِبَارَاتُ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ أَذْكُرْهُمْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَتَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ

لَا يُجْزِئُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَجُوزُ الاستنجاء باليمين فكذا قَالَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُتَوَلِّي (1) وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ التَّهْذِيبِ وَالِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَكَذَا رَأَيْته فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ أَدَبٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ وَهَذَا أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهِيَ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قُلْنَا هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ فِي نُسْخَةِ أَصْلِهِ بِالْمُهَذَّبِ عَلَى لَفْظَةِ يَجُوزُ ان وبقى قوله ولا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بيمينه في شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمْسَكَهُ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ دُونَ الْيَمِينِ فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ مُرْتَكِبًا لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِالْإِمْسَاكِ بَيْنَ الْعَقِبَيْنِ أَوْ الْإِبْهَامَيْنِ وَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ الْيَمِينَ بِإِمْسَاكِ الْحَجَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مَانِعٌ كَقَطْعٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَأْمَنَ انْتِقَاضَ طُهْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يبدأ في الاستنجاء بالماء بقبله

_ (1) كلام المتولي مضطوب فانه ذكر في كلامه على الاستنجاء بالاشياء المحترمة حيث لا يصح ان الفرق بينه وبين الاستنجاء باليمين ان النهى عنه على سبيل الادب ثم قال بعده بورقتين لا يستنجى باليمين مع القدرة على الاستنجاء باليسري واستدل له ثم قال فان استنجى بها صح لان الخلل ليس فيما يقع الاستنجاء به وانما هو في الآلة فصار كما لو توضأ بماء مطلق من آية الذهب والفضة فان يجوز وهذا ظاهر في التحريم كما نقله الشيخ عند انه قال لا يجوز وكلامه الاول يخالفه والله أعلم ويتعين حمل الثاني على الاول اه اذرعى

(الثَّانِيَةُ) إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ مَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ (1) مِنْ الْحَجَرِ طَاهِرَةٍ فَلَوْ مَسَحَهُ ثَلَاثًا عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَ الذَّكَرِ عَلَى جِدَارٍ وَمَسَحَهُ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ مَسَحَهُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ أَجْزَأَهُ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ: (الثَّالِثَةُ) إذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ فِي الدُّبُرِ بِالْمَاءِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَسْتَعْمِلُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِهِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ مِنْ يَدِهِ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا بِزِيَادَةِ الْغَسْلِ وَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مُسْتَبْعَدٌ وَإِنْ كَانَ مَقُولًا: وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْأُصْبُعِ فَعَلَى هَذَا لَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا غُسِلَتْ النَّجَاسَةُ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهَا هَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُمَا وَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يُدَلِّكُ دُبُرَهُ مَعَ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرٌ تُدْرِكُهُ الْكَفُّ بِالْمَسِّ قَالَ وَلَا يَسْتَقْصِي فِيهِ بِالتَّعَرُّضِ لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ: قال وليعلم أن كل مالا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَهُوَ بَاطِنٌ وَلَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ حَتَّى تَبْرُزَ وَمَا ظَهَرَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ: وَحَدُّ ظُهُورِهِ أَنْ يَصِلَهُ الْمَاءُ وَقَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهَا نَجَاسَةً مُطْلَقًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي اسْتِنْجَاءِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْقُبُلُ فَأَمْرُ الرَّجُلِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ سَوَاءٌ فَيَجُوزُ اقْتِصَارُهُمَا عَلَى الْحَجَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْزِئُهَا الْحَجَرُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا وَهُوَ شَاذٌّ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ فِي أَسْفَلِ الْفَرْجِ وَالْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبٍ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَاسْتَوَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ إلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ إذَا جَلَسَتْ انْفَرَجَ أَسْفَلُ فَرْجِهَا فَرُبَّمَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى مَوْضِعِ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ وَهُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ نُزُولُ الْبَوْلِ إلَيْهِ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ وَلَا يَجِبُ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ نُزُولَهُ قَالَ صَاحِبُ البيان وغيره يستحب للبكر أن تدخل

_ (1) في التتمة انه يقرب الذكر من الحائط أي ويجره حتي يسلب الحائط الرطوبة ولا يمسح لانه ينتشر البول على المحل لا محالة وكذا يفعل في الكرة الثانية وفى الثالثة يمسح لان النجاسة قلت على الموضع ولا يخشي انتشارها اه اذرعي

أُصْبُعَهَا فِي الثَّقْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ الثَّيِّبَ أَنْ تُوَصِّلَ الْحَجَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَالِ قِيَامِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وشبههه الشَّافِعِيُّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِهَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَا وَرَاءَ هذا فهو في حكم الباطن فلا يكلف إيصَالَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ إلَيْهِ وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْوَاصِلِ إلَيْهِ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ الثَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ أَمْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنْ انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ دُونَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَقُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْأَصَحُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَصَحُّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَكْثَرِينَ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَجَبَ لِكُلِّ فَرْجٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا لِلْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَّكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم وهو حديث حسن: وعن جرير عن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَ الْغَيْضَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى مِنْ إدَاوَةٍ وَمَسَحَ يَدَهُ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحَ بِهَا فَرْجَهُ وَدَاخِلَ سَرَاوِيلِهِ أَوْ إزَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ وهو الانتضاح: والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * [ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه قال أصحابنا ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل للعين وليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان]

[الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَضَبَطُوهُ بِمَا ضَبَطَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ (1) قَالُوا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَحْجَارُ وَالْأَخْشَابُ وَالْخِرَقُ وَالْخَزَفُ وَالْآجُرُّ الَّذِي لَا سِرْجِين فِيهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِهِ بَلْ يَجُوزُ فِي الْقُبُلِ جِنْسٌ وَفِي الدُّبُرِ جِنْسٌ آخَرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ حَجَرًا وَخَشَبَةً وَخِرْقَةً نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَلَمْ يُجَوِّزْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَكَذَا نَقَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ دَاوُد بَلْ مَذْهَبُهُ الْجَوَازُ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فقال (ابغنى أحجارا استفض بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هريرة الآخر (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) قَالَ أَصْحَابُنَا فَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصهما بِالنَّهْيِ مَعْنًى وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا بِكَوْنِهَا رِكْسًا وَلَمْ يُعَلِّلْ بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَجَرٍ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ ثَلَاثُ حَفَنَاتٍ مِنْ تُرَابٍ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ طَاوُسٍ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ يَسَارُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا بَالَ قَالَ نَاوِلْنِي شَيْئًا أَسْتَنْجِي بِهِ فَأُنَاوِلُهُ الْعُودَ وَالْحَجَرَ أَوْ يأتي حائط يَتَمَسَّحُ بِهِ أَوْ يَمَسُّهُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ يغسله

_ (1) قال في البحر في حد ما يجوز الاستنجاء به قال بعض اصحابنا ان يكون جامدا طاهرا منقيا لا حرمة له ولا متصلا بحيوان ومعني المنقي انه يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ الاصقا لا يخرجه الماء وقال اهل خراسان ان يكون طاهرا منشقا لا حرمة له وقيل بدل المنشف القالع وقيل ان يكون جامدا طاهرا منقيا غير مطعوم وهذا أصح ثم قال في آخر الفصل وقيل حده أن يكون جامدا طاهرا قالعا للنجاسة غير محترم ولا مخلف وفيه احتراز عن التراب إذا لم يجز الاستنجاء به في احد القولين لانه يخلف على المحل جزءا منه انتهى وهذا الذى ذكره آخرا هو كلام المتولي في التتمة وظاهر هذا الكلام من الرويانى ان الحكم يختلف باختلاف هذه الحدود والا لما كان لتعدادها فائدة ولهذا قال في بعضها وهذا أصح فليتأمل اه اذرعى

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَشِبْهُهُ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا غَالِبَ الْمَوْجُودِ لِلْمُسْتَنْجِي بِالْفَضَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهَا وَلَا كُلْفَةَ فِي تَحْصِيلِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَقْتُلُوا أولادكم من إملاق) وقَوْله تَعَالَى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ان خفتم) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَلَى الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَرَدَ الشَّرْعُ بِاسْتِعْمَالِ الْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَرَمْيِ جِمَارِ الْحَجِّ وَبِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَبِاسْتِعْمَالِ الْقَرَظِ فِي الدِّبَاغِ فَأَمَّا الْحَجَرُ فَمُتَعَيَّنٌ فِي الرَّمْيِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَمَّا الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ وَالتُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ فَمُتَعَيَّنَانِ وَفِي التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ قَوْلَانِ وَفِي الدِّبَاغِ طَرِيقَانِ تَقَدَّمَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْقَرَظُ وَالثَّانِي قَوْلَانِ كَالْوُلُوغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُلُوغَ دَخَلَهُ التَّعَبُّدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّبَاغِ وَالِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيُضْطَرُّ كُلُّ أَحَدٍ إلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ مَكَان وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ فَلَوْ كُلِّفَ نَوْعًا مُعَيَّنًا شَقَّ وَتَعَذَّرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَوَقَعَ الْحَرَجِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَالدِّبَاغُ بِخِلَافِهِ فِي كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لانه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به لانه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس فان استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجى بالماء لان الموضع قد صار نجسا بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء ومن أصحابنا من قال يجزئه الحجر لانها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر] *

[الشَّرْحُ] إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَيَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الاحجار بلا خلاف لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ فغلط بلا شك وكأنه اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ عائدا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَبِالنَّجَسِ كَالرَّوْثِ وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَائِعِ فَمُتَّفَقٌ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْمَائِعَ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَيَزِيدُ فِي النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا النَّجَسُ وَهُوَ الرَّوْثُ وَالْحَجَرُ النَّجِسُ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَالثَّوْبُ النَّجِسُ وَغَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أَمْ يَجُوزُ بِالْأَحْجَارِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَنْجَى بِنَجَسٍ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ طَاهِرَةٍ قَالَ حَتَّى لَوْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الطَّارِئَةَ تَابِعَةٌ لِنَجَاسَةِ النَّجْوِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الذى يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَرَأَيْتُ أَنَا فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِجَامِدٍ نَجِسٍ كَفَاهُ بعد الاحجار قال فلو استنجي بكلب فالذي يجئ علي تعليل الاصحاب أنه يجزئه الحجر ولايحتاج إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَكِنَّ نُسَخَ التَّعْلِيقِ تَخْتَلِفُ وَقَدْ قَدَّمْتُ نَظَائِرَ هَذَا: وَالصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجِلْدِ كَلْبٍ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعُ غَسَلَاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ: وَالصَّحِيحُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَجَسٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ

أَبُو حَنِيفَةَ بِالرَّوْثِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ (وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا وَعَنْ سَلْمَانَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أو روث وقال انهما لا يطهران) رواه الدارقطني وَقَالَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِك بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا منه برئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَمَا لَا يُزِيلُ الْعَيْنَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَالزُّجَاجِ وَالْحُمَمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحُمَمَةِ) وَلِأَنَّ ذلك لا يزيل النجو] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ (قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والدارقطني والبيهقي ولم يضعفه أبو داود وضعفه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ: وَالْحُمَمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ وَهِيَ الْفَحْمُ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَكَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحُمَمُ الْفَحْمُ وَمَا أُحْرِقَ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِزْقًا لِلْجِنِّ فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ

الْبَغَوِيّ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْحُمَمَةِ الْفَحْمُ الرَّخْوُ الَّذِي يَتَنَاثَرُ إذَا غَمَزَ فَلَا يَقْلَعُ النَّجَاسَةَ وَالزُّجَاجُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِهَا وَكَسَرَهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ والفاء بن حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وِسَادَاتِهِمْ وَكِبَارِ فُقَهَائِهِمْ وَمُلَازِمِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُدَّامِهِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سَادِسُ سِتَّةٍ وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَدِينَةِ وَتُوُفِّيَ بها سنة اثنين وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَقَدْ ذَكَرْتُ قِطْعَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ رَضِيَ الله عنه: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُسْتَنْجَى بِهِ كَوْنُهُ قَالِعًا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزُّجَاجَ وَالْقَصَبَ الْأَمْلَسَ وَشِبْهِهِمَا لَا يُجْزِئُ: وَأَمَّا الْفَحْمُ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ اخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالُوا وَفِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلَى حَالَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا لَا يَتَفَتَّتُ أَجْزَأَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا يَتَفَتَّتُ لَمْ يجزئه وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الرَّخْوِ وَالصُّلْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَنْجَى بِزُجَاجٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِنْجَاءُ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ حِينَ اسْتَنْجَى بِالزُّجَاجِ بَسَطَ النَّجَاسَةَ بِحَيْثُ تَعَدَّتْ مَحِلَّهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِلَّا فَتَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَبْسُطُ النَّجَاسَةَ وَمُرَادُهُمْ إذَا بَسَطَ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْسُطْ النَّجَاسَةَ يَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله *

[وماله حُرْمَةٌ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَالْعَظْمِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ (هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ) فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِغَيْرِ الْمَاءِ رخصة والرخص لا تتعلق بالمعاصي] * [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ سَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرُوَيْفِعٌ وَأَحَادِيثُهُمْ صَحِيحَةٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا فِي الْفَرْعِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِي آخِرِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَنْجُوا بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرَةِ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ) يَعْنِي الْجِنَّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِيهِ: وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لاتستنجوا بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصَحُّ يَعْنِي فَيَكُونُ مُرْسَلًا: (قُلْت) لَا يُوَافَقُ التِّرْمِذِيُّ بَلْ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَظْمٍ وَلَا خُبْزٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَطْعُومِ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ عَصَى وَلَا يُجْزِئُهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْعَظْمُ طاهر لازهومة عَلَيْهِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا تَحْصُلُ

بِحَرَامٍ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِذَا لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَطْعُومُ كَفَاهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يَنْشُرْ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَظْمِ زُهُومَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أُحْرِقَ عَظْمٌ طَاهِرٌ بِالنَّارِ وَخَرَجَ عَنْ حَالِ الْعَظْمِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّارَ أَحَالَتْهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ الرِّمَّةِ وَهِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِي بِنَارٍ أَوْ مُرُورِ الزَّمَانِ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَقَسَّمَهَا الْمَاوَرْدِيُّ تَقْسِيمًا حَسَنًا فَقَالَ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهُوَ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا فلا يجوز الاستنجاء بشئ مِنْهُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَالثَّانِي مَا يُؤْكَلُ ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمس وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بنواه المنفصل والثالث ماله قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِلُبِّهِ: وَأَمَّا قِشْرُهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ فَيَجُوزُ الاستنجاء بالقشر وكذا اسْتَنْجَى بِرُمَّانَةٍ فِيهَا حَبُّهَا جَازَ إذَا كَانَتْ مُزِيلَةً (وَالثَّانِي) يُؤْكَلُ قِشْرُهُ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ فَلَا يَجُوزُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا (وَالثَّالِثُ) يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّاءِ فَيَجُوزُ بِقِشْرِهِ يابسا لارطبا: وَأَمَّا مَا يَأْكُلُهُ الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ فَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرَ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْآدَمِيِّينَ لَهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ: وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي ثُبُوتِ الربي فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ نَحْوَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اسْتَنْجَى بِمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْيَابِسِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ فَإِنْ انْفَصَلَ الْقِشْرُ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ المحترمة الَّتِي يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا الْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا شئ من علوم الشرع فان استنجي بشئ منه عَالِمًا أَثِمَ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ الْوَجْهَانِ: الصَّحِيحُ لَا يُجْزِئُهُ فَعَلَى

هذا تجزئه الاحجار بعده: ولو استنجي بشئ مِنْ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عَالِمًا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (1) فَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ سُقُوطُهُ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ سَقَطَ الْفَرْضُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَطَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَطَرَدَهُمَا أَيْضًا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحِجَارَةِ الْحَرَمِ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِكُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّ لِمَاءِ زَمْزَمَ حُرْمَةً تَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ ثُمَّ لَوْ اسْتَنْجَى بِهِ أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ ذَكِيٍّ وَلَا مَيِّتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَظْمِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَجِسٍ فَلَيْسَ هُوَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِي معنى عظم الاجلد ذكي غير مدبوع فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ فَيُجْزِئَهُ وَبِالْعَظْمِ فَلَا يُجْزِئَ أَنَّ الْيَمِينَ أَدَاةٌ وَالنَّهْيُ عَنْهَا أَدَبٌ وَالِاسْتِطَابَةُ طَهَارَةٌ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَإِنَّ الْعَظْمَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ كَمَا سَبَقَ عَنْ الْأُمِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِنَظِيفٍ أَنَّ عَلَيْهِ سَهُوكَةٌ: قَالَ الماوردى وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ: وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ أَيْ لَيْسَ بِمُطَهَّرٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْعَظْمِ النَّجِسِ لِأَنَّ الْعَظْمَ النَّجِسَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَوْنُهُ نَجِسًا وَالْأُخْرَى كَوْنُهُ مَطْعُومًا وَالْعَظْمُ الطَّاهِرُ يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا فَقَطْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا تأويل أبي حامد الاسفرايني وَاخْتَارَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ تَغْلِيطُ الْمُزَنِيِّ وبسط

_ (1) قال العجلي في شرح الوجيز ولايجوز الاستنجاء بالذهب والفضة والجواهر النفيسة وبالغير والعصفور لان الكل محترم هذا لفظه اه اذرعي

الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّظِيفِ وَالطَّاهِرِ قَالَ فَمَا فِيهِ زُهُومَةٌ أَوْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَذَلِكَ كَالْعَظْمِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى قَبْلَ الدِّبَاغِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْعَظْمِ وَمِمَّنْ قال لا يجوز احمد وداود * قال المصنف رحمه الله * [وَمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ كَذَنَبِ حِمَارٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ فَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِيَدِهِ وَلِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فَهُوَ كَالطَّعَامِ] [الشَّرْحُ] الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ كَالذَّنَبِ وَالْأُذُنِ وَالْعَقِبِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَغَيْرِهَا وَخَالَفَهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فَقَالَا الْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ فِي مَنْعِ إيلَامِهِ لَا مَنْعِ ابْتِذَالِهِ بِخِلَافِ الْمَطْعُومِ وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَعَدَمُ إجْزَائِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيُجْزِئُ: فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كَفَاهُ الْأَحْجَارُ بَعْدَهُ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِيَدِ آدَمِيٍّ فَفِيهِ كَلَامٌ منتشر حاصله أربعة أوجه الصحيح لا يجزيه لابيده وَلَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لانه عضو مُحْتَرَمٌ: وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ بِيَدِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ حَكَاهُ الماوردى عن ابن خيران وليس بشئ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ بِيَدِهِ وَلَا يَجُوزُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: (وَالرَّابِعُ) يُجْزِئُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ كَمَا يَسْجُدُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْفُورَانِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضعيف أو غلط: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدٍ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالرِّمَّةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَيِّنًا فهو كالخرق وان كان خشنا فهو كالخرف وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَقْلَعُ النَّجْوَ للزوجته وقال

في البويطي يجوز والاول هو المشهور] * [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بِالْمَدْبُوغِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي يَجُوزُ بِهِمَا قَالَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي حَرْمَلَةَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقًا آخَرَ وَهُوَ الْقَطْعُ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَتَأْوِيلِ الآخرين ودليل الجميع ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْمَدْبُوغِ بَيْنَ الْمُذَكَّى وَالْمَيْتَةِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ قَالِعَانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ وَإِنْ جَازَ بِالْمَدْبُوغِ الْمُذَكَّى تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وليس بشئ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ فَقَالَ إنْ كَانَ جِلْدٌ مُذَكًّى وَاسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ وَشَعْرُهُ كَثِيرٌ جَازَ: وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ مَدْبُوغًا وَهُوَ جِلْدٌ مُذَكًّى جَازَ وَإِنْ كَانَ جِلْدُ مَيْتَةٍ فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ هَلْ يُطَهِّرُ بَاطِنَ الْجِلْدِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ قِيلَ الْجِلْدُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عَادَةً وَلَا مَقْصُودٌ بِالْأَكْلِ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ جِلْدَيْنِ بِجِلْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالرِّمَّةِ هِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ الْعَظْمُ الْبَالِي كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُمِّيَتْ الْعِظَامُ رِمَّةً لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرُمُّهَا أَيْ تَأْكُلُهَا وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِحَجَرٍ قَدْ اسْتَنْجَى بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ طَهُرَ بِالْمَاءِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ ثُمَّ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ ثَانِيَةً فَإِنْ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ ثَالِثَةً وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كما

لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَاةٍ قَدْ رَمَى بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا رُفِعَ وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ تُرِكَ: وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعَدُّدُ الْمَرْمِيِّ بِهِ وَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِهِ وَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحُّ فَإِنْ انْبَسَطَتْ النَّجَاسَةُ تَعَيَّنَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَلَلَ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ نَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَاءِ لَا تَنْقَلِبُ نَجَسًا وَإِنَّمَا تُجَاوِرُ النَّجَاسَةَ أَوْ تُخَالِطُهَا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ شَيْخِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِنْ غَسَلَهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مَاءٌ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبًا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا إنْ كَانَتْ الرُّطُوبَةُ يَسِيرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَحَصَلَ بِهِ الْإِنْقَاءُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ حَجَرًا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَمْ يَتَلَوَّثَا فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ صَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَبْعُدُ سَلَامَتُهُ مِنْ نجاسة خفية وَقِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ * (فَرْعٌ) لَوْ رَأَى حَجَرًا شَكَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَوْ غَسْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَشَكَّ فِي غَسْلِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ظاهره وباطنه أو ظاهر جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ إنْ كَانَ مُزِيلًا وَإِنْ كَانَ نَدِيَّ الظَّاهِرِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْحَجَرِ النَّدِيِّ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَرَقُ الشَّجَرِ

الَّذِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَالْحَشِيشُ الْيَابِسَاتُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ خَشِنًا مُزِيلًا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا (الثَّالِثَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله في البويطى ومختصر الربيع علي جَوَازَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالتُّرَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ إذَا كَانَ مُسْتَحْجَرًا تُمْكِنُ الْإِزَالَةُ بِهِ فَإِنْ كَانَ دقيقا لاتمكن الْإِزَالَةُ بِهِ لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَحِلِّ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتُّرَابِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْحَدِيثُ بَاطِلٌ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْحَجَرِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْحَجَرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ التُّرَابُ الرَّخْوُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الضَّعِيفِ يَجِبُ أَرْبَعُ مَسَحَاتٍ وَيُسْتَحَبُّ خَامِسَةٌ لِلْإِيتَارِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بشئ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَرْمَلَةَ إذَا نتف الصوف من الغتم وَاسْتَنْجَى بِهِ كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَهُ؟ ؟ قَالُوا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ: فَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالصُّوفِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ شَاةٍ بَعْدَ ذَكَاتِهَا أَوْ جَزَّهُ فِي حَيَاتِهَا فَلَا كَرَاهَةَ: (الْخَامِسَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْآجُرِّ: قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَهُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحِجَازِ وَمِصْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلِطُونَ بِتُرَابِهِ السِّرْجِينَ: فَأَمَّا مَا خُلِطَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ وَقِيلَ بَلْ عَلِمَ بِخَلْطِهِ بِالسِّرْجِينِ وَجَوَّزَهُ لِأَنَّ النَّارَ تَحْرِقُ السِّرْجِينَ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * [وَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَإِنْ كَانَ غائط فَخَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَهُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَإِنْ خَرَجَ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى ظاهر الْأَلْيَةِ: وَالثَّانِي يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ: لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَكَلُوا التمر ولم يكن ذلك مِنْ عَادَتِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَقَّتْ بِذَلِكَ أَجْوَافُهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَلِأَنَّ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمُعْتَادِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَجُعِلَ الْبَاطِنُ كُلُّهُ حَدًّا وَوَجَبَ الْمَاءُ فِيمَا زَادَ: وَإِنْ كَانَ بَوْلًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا جَاوَزَ مَخْرَجَهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلَهُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَوْلِ لَا يَنْتَشِرُ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ من الدبر فانه لابد مِنْ أَنْ يَنْتَشِرَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَوَجْهُهُ مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالثَّانِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْحَجَرُ فِي الْغَائِطِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِي الْبَوْلِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْغَائِطَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُجَاوِزَ نَفْسَ الْمَخْرَجِ فَيُجْزِئُهُ الْأَحْجَارُ بِلَا خِلَافٍ: الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَهُ وَلَا يُجَاوِزَ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ فَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ تَعَيَّنَّ الْمَاءُ وَنَقَلَ الْبُوَيْطِيُّ نَحْوَهُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَيْسَ على ظاهره بل يكفيه الحرج قَوْلًا وَاحِدًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الْمُزَنِيَّ فِي النَّقْلِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ من الكلام شئ وَصَوَابُهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ وَمَا حَوْلَهُ (1) وَهَذَا وان سموه تأويلا فهو بمعنى التغليط إنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ قَالُوا الِاعْتِبَارُ بِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَادَةِ النَّاسِ أَمْ بِعَادَتِهِ الْحَالُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْتَشِرَ وَيَخْرُجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَلَا يُجَاوِزُ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَمْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فيه

_ (1) يمكن تأويله على المجاوزة الزائدة علي ما حواليه وهذا اولى من تغليطه وهو بمعني التأويل المذكور لكن لا حاجة لى تقدير ساقط اه من هامش الارذعى

قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَالْإِمْلَاءِ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ: وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَدِيمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهَذَا الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ الْمُهَاجِرِينَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب: (الرابع) أن ينتشر إلى ظاهر الاليين فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي جَمِيعِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِنُدُورِهِ وَتَعَذُّرِ فَصْلِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الَّذِي عَلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ: وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يَتَّصِلْ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ السَّابِقِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ أجزأه الْحَجَرُ وَإِنْ جَاوَزَهُ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ: وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَجْهٌ مخالف لهذا وليس بشئ وَلَوْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ انْتِشَارًا مُعْتَادًا وَتَرَشَّشَ مِنْهُ شئ الي محل منفصل قَرِيبٍ مِنْ الْخَارِجِ بِحَيْثُ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ لَوْ اتَّصَلَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الْمُتَرَشِّشِ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنْ انْتَشَرَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَشَفَةِ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا فَطَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ اُخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِنُدُورِهِ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِشَارِ الْغَائِطِ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَنْتَشِرُ أَيْضًا فِي الْعَادَةِ وَيَشُقُّ

ضَبْطُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْحَشَفَةُ فَاصِلًا فَعَلَى هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَائِطِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أبو اسحاق إذا جاوز مخرجه أعلاه حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَذَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الذَّكَرِ تَقْدِيرُهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى أَعَلَا الذَّكَرِ وأسفله ويقال الاليان الاليتان بِحَذْفِ التَّاءِ وَإِثْبَاتِهَا وَحَذْفُهَا أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْأَلْيَةِ مَا يَسْتَتِرُ فِي حال القيام وبظاهرها مالا يستتر * قال المصنف رحمه الله * [وان كان الخارج نادرا كالدم والمذي والودى أو دودا أو حصاة وقلنا يجب الاستنجاء منه فهل يجزئ فيه الحجر فيه قولان أحدهما انه كالبول والغائط وقد بيناهما والثاني لا يجزئ الا الماء لانه نادر فهو كسائر النجاسات] * [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ الْخَارِجُ نَادِرًا كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْوَدْيِ (1) وَالْمَذْيِ وَشِبْهِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ على قولين أصحهما يجزيه الْحَجَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرْمَلَةَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ تَأْتِي لِمَعْنًى ثُمَّ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا كَالْقَصْرِ وَأَشْبَاهِهِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ قَالَهُ فِي الْأُمِّ وَيُحْتَجُّ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ) وَسَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ والطريق الثاني ذكره الخراسانيون أنه يجزيه الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ فِي الْأُمِّ على مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ لَا مِنْ دَاخِلِ الْفَرْجِ بَلْ مِنْ قَرْحٍ أَوْ بَاسُورٍ وَشِبْهِهِ خَارِجَ الدُّبُرِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ خَرَجَ النَّادِرُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمُعْتَادِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا خَرَجَ النَّادِرُ مَعَ الْمُعْتَادِ فَإِنْ تَمَحَّضَ النَّادِرُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ قَطْعًا وَالصَّحِيحُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وهو مقتضى اطلاق الجمهور قال

_ (1) في عد الودى من النادر نظر ظاهر وان ذكره جماعة لانه يخرج عقب البول غالبا بل هو منه بمنزلة العكر من الزيت ولهذا جزم العمرانى بانه معتاد اه اذرعى

الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ نَادِرٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَدَمُ الْبَاسُورِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الدُّبُرِ نَادِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ مِنْ النَّادِرِ (1) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَا يُوهِمُ خِلَافًا فِي كَوْنِهِ نَادِرًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الْحَيْضِ مُعْتَادٌ فَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَدْ يَسْتَشْكِلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ قَالُوا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا غَسْلُ مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ فَيُقَالُ صُورَتُهُ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَلَمْ تَجِدْ مَا تَغْتَسِلُ بِهِ أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبِيحُ لَهَا التَّيَمُّمَ فَإِنَّهَا تَسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ عَنْ الدَّمِ ثُمَّ تَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ أَوْ دَمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّادِرِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ وَتَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُنَا لَا يَصِحُّ اسْتِنْجَاؤُهُ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَكْفِي الْحَجَرُ فِي دَمِ الْحَيْضِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ وَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ وَغَسَلَتْ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَمْ تَغْسِلْ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ فَهُنَا لَا يَصِحُّ (2) اسْتِنْجَاؤُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَلَمْ يُرِيدَا بِقَوْلِهِمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ يُخَالِفُهُمْ بَلْ أرادا انهم هم الذين ابتدؤا بِذِكْرِ ذَلِكَ وَشَهَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فَقَدْ ذَكَرَهُ الخراسانيون أيضا ولكنهم أخذوه من كتب العراقيين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّودِ والحصى إذَا أَوْجَبْنَا الِاسْتِنْجَاءَ مِنْهُ فَهَلْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّادِرِ فَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ هُنَا إنَّمَا يَجِبُ لِتِلْكَ الْبَلَّةِ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ فَيَكْفِي الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ مِثْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي دَمِ الْحَيْضِ أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَلَا من غسل رأس الذكر والله أعلم *

_ (1) ليس الامر كذلك بل الذى تقله العمرانى في البيان ان المذى والودى من المعتاد وبه اجاب المحاملى في المقنع لكن في المذي وحده ولا فرق اه اذرعى (2) قوله لا يصح استنجاؤها اي لا يكفي كما قال لان الاستنجاء وقع صحيحا ولكن وجب غسل الموضع في غسل الحيض فلا تظهر فائدة الا في مسألة التيمم كالجنب إذا بال واستنجى بالحجر اه اذرعى

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ الْغَائِطِ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَتَّى يَسْتَنْجِيَ فَإِنْ قَامَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ تَنْطَبِقُ الْأَلْيَانِ فَتَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحِلِّهَا إلَى مَحِلٍّ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحْجَارٌ وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا فَطَرِيقُهُ أَنْ يَزْحَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْطَبِقَ أَلْيَاهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَجَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَامَ متفاجحا بحيث لا تنطبق الاليان أو استيقن ان النجاسة لم تجاوز مَحِلَّهَا أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ الْخَارِجُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَرَشَّشَ مِنْهُ شئ فَارْتَفَعَ وَعَلِقَ بِالْمَحِلِّ أَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَحِلِّ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فَإِنْ تَمَيَّزَ الْمُرْتَفِعُ وَأَمْكَنَ غَسْلُهُ وَحْدَهُ غَسَلَهُ وَكَفَاهُ الْأَحْجَارُ فِي نَجَاسَةِ الْمَحِلِّ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُرِيدَ الطَّهَارَةَ أَوْ الصَّلَاةَ (الثَّالِثَةُ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْوُضُوءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْقَوْلِ الشَّاذِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ فَعَرِقَ مَحِلُّهُ وَسَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَجَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا سَالَ إلَيْهِ (1) وَإِنْ لَمْ يجاوزه فوجهان: أحدهما يجب غسله والصحيح لا يلزمه شئ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ وَلَوْ انْغَمَسَ هَذَا الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَائِعٍ أَوْ فِيمَا دُونَ قُلَّتَيْنِ نَجَّسَهُ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الام والاصحاب انما يجزى الِاسْتِجْمَارُ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ أَمَّا الْمُغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ وغيرها فلا يجزئه بل لابد مِنْ تَطْهِيرِ مَحِلِّهِ بِالْمَاءِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قُلْنَا لَا يَكْفِي مَسْحُ الْخُفِّ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ بِخِلَافِ الْمُتَوَضِّئِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ وَمَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَتَانِ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لتكرر الوضوء وأما الغسل فنادر فلا تدعوا لحاجة إلَيْهِمَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غَفَّارٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ الدَّمَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ) الحديث قال الخطابي

_ (1) في وجوب غسل ما سال إليه نظر فانه يشق الاحتراز منه فينبغي ان يعفى عنه وقد قاله في الروضة ولو عرق وتلوث بمحل النجو غيره فوجهان أصحهما العفو لعسر الاحتراز بخلاف حمل غيره وهذا يقتضي العفو إذا تلوث به ثوب أو بدن ويدل عليه احوال الصحابة اه اذرعي

باب ما يوجب الغسل

الْمِلْحُ مَطْعُومٌ فَقِيَاسُهُ جَوَازُ غَسْلِ الثَّوْبِ بِالْعَسَلِ كَثَوْبِ الْإِبْرَيْسَمِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الصَّابُونُ وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهُ حِبْرٌ وَنَحْوُهُ قَالَ وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التدلك بالنخالة وغسل الايدى بدقيق الباقلى وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قُوَّةُ الْجَلَاءِ قَالَ وحدثونا عن يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت الْحَمَّامَ بِمِصْرَ فَرَأَيْت الشافعي يتدلك بالنخالة هذا كلام الخطابي * * (باب ما يوجب الغسل) * يُقَالُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُ الْحَيْضِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ غَلِطُوا فِي الضَّمِّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ غَلِطَ هُوَ فِي إنْكَارِهِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَأَشَرْتُ إلَى بَعْضِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ * قال المصنف رحمه الله * [والذى يوجب الغسل ايلاج الحشفة في الفرج وخروج المني والحيض والنفاس: فأما ايلاج الحشفة فانه يوجب الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا التقى الختانان وجب الغسل) التقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وذلك ان ختان الرجل هو الجلد الذي يبقي بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها وإذا تحاذيا فقد التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وان لم يتضاما] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ

بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يَحْصُلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَالْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ بَيَانًا شَافِيًا فَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ خِتَانُ الرَّجُلِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ فِي حَالِ الْخِتَانِ وَهُوَ مَا دُونَ حُزَّةِ الْحَشَفَةِ وَأَمَّا خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ هُوَ مَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَالْمَنِيِّ وَفَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ ثَقْبٌ مِثْلُ إحْلِيلِ الرَّجُلِ هُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَبَيْنَ هَذَا الثَّقْبِ وَمَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ وَفَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَالشَّفْرَانِ تُحِيطَانِ بِالْجَمِيعِ فَتِلْكَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ يُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ وَهِيَ خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَحَصَلَ أَنَّ خِتَانَ المرأة مستقل وَتَحْتَهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَتَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَدْخَلُ الذَّكَرِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ هُوَ خَرْقٌ لَطِيفٌ فَإِذَا اُفْتُضَّتْ الْبِكْرُ اتَّسَعَ ذَلِكَ الْخَرْقُ فَصَارَتْ ثَيِّبًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَإِذَا غَابَتْ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَالْمُحَاذَاةُ هِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتَانِهِ عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ هَذَا آخر كلام الشيخ أبي حامد وغيره يزيد بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ الْفَرْجَ بِعَقْدِ الْأَصَابِعِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَعَقْدُ الثَّلَاثِينَ هُوَ صُورَةُ الْفَرْجِ وَعَقْدُ الْخَمْسَةِ بَعْدَهَا فِي أَسْفَلِهَا هِيَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاَلَّذِي يُوجِبُ اغْتِسَالَ الْحَيِّ أَرْبَعَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ إيلَاجُ حَشَفَةِ الذَّكَرِ فِي فَرْجٍ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَفِي خُرُوجِ الْوَلَدِ وَالْعَلَقَةِ والمضعة خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَيَجِبُ غُسْلُ

الْمَيِّتِ وَلَهُ بَابٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يَجِبُ غُسْلُ الْبَدَنِ بِعَارِضٍ بِأَنْ يُصِيبَهُ كُلَّهُ نَجَاسَةٌ أَوْ تَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَخْفَى مَكَانُهَا أَمَّا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فَيُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْمُرَادُ بِإِيلَاجِهَا إدْخَالُهَا بِكَمَالِهَا فِي فَرْجِ حَيَوَانٍ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ آدَمِيَّةٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْحَيَّةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ رجل أو بهيمة وجب الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ حَيَوَانٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِهِ لَمْ يجب لجواز ان يكون ذلك عضوا زائد فلا يجب الغسل بالشك] * [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كما ذكرها المصنف ودليها ما ذكره (فرع) مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ: إحْدَاهَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِهَا أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ صَبِيٍّ أَوْ فِي قُبُلِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مكرها مُبَاحًا كَالزَّوْجَةِ أَوْ مُحَرَّمًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُولِجِ وَالْمَوْلَجِ فِيهِ الْمُكَلَّفَيْنِ وَعَلَى النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَأَمَّا الصبى إذا أولج في امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَكَذَا إذَا اسْتَدْخَلَتِ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ وَيَصِيرُ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ جُنُبًا وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إذَا أَوْلَجَ فِيهَا رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي صَبِيٍّ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ وَإِذَا صَارَ جُنُبًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ كَمَا إذَا بَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ: وَلَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَا لَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بَلْ يُقَالُ صَارَ مُحْدِثًا وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا كَمَا يَأْمُرُهُ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ كَمَا إذَا بَالَ ثُمَّ بَلَغَ يلزمه الوضوء

وَإِنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُمَيِّزٌ صَحَّ غُسْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ طَهَارَتِهِ إذَا بَلَغَ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَوْلَجَ مَجْنُونٌ أَوْ أُولِجَ فِيهِ صَارَ جُنُبًا فَإِذَا أَفَاقَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: (الثَّانِيَةُ) لَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ رَجُلٍ وجب الغسل عليه وعليها سواء كان عَالِمًا بِذَلِكَ مُخْتَارًا أَمْ نَائِمًا أَمْ مُكْرَهًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ (1) هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قال الدارمي ولاحد عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا مَهْرَ لَهَا لَوْ أَوْلَجَ الْمَقْطُوعَ فِيهَا رَجُلٌ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتٍ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (2) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَادِرٌ قَالَ ثُمَّ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فِيهِ كَلَامٌ يُوَكَّلُ إلَى فِكْرِ الْفَقِيهِ: (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ الْغُسْلِ وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِمَاعِ يُشْتَرَطُ فِيهَا تَغْيِيبُ الحشفة بكمالها في الفرج ولا يشرط زيادة على الحشفة ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شئ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ بَعْضَ الْحَشَفَةِ كَجَمِيعِهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الشُّذُوذِ وَالضَّعْفِ وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) : أَمَّا إذَا قُطِعَ بَعْضُ الذَّكَرِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ قَدْرُهَا فقط تعلقت الاحكام بتغيبه كُلِّهِ دُونَ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا بَابُ الْخِيَارِ فِي النكاح في مسألة العنين ورجح المصنف

_ (1) قال في البحر هما مبنيان على الوجهين في الانتقاض اه اذرعى (2) وقال بلا خلاف بينهم فيه اه اذرعى

منهما أنه لَا يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَعْضِهِ وَلَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَ الْأَكْثَرُونَ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ: وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ حرقة وَأَوْلَجَهُ بِحَيْثُ غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيلَاجِ وَقَدْ حَصَلَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يَلْمِسْ بَشَرَةً وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الحناطى (الثالث) إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ غَلِيظَةً تَمْنَعُ اللَّذَّةَ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُهَا وَجَبَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الثَّالِثِ الْغَلِيظَةُ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ وُصُولَ بَلَلِ الْفَرْجِ إلَى الذَّكَرِ وَوُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَالرَّقِيقَةُ مالا تَمْنَعُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ (الْخَامِسَةُ) إذَا أُولِجَ ذَكَرٌ أَشَلُّ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (السَّادِسَةُ) إذَا انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ غَيْرُ الْأَصْلِيِّ وَحَكَمْنَا بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ فَأَوْلَجَ فِيهِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ الصَّحِيحُ لا يجب ولو أولج في الاصل وَجَبَ بِلَا خِلَافٍ (السَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى إنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ إيلَاجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَالْإِيلَاجَ فِيهِ مَبْسُوطًا (الثَّامِنَةُ) إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَلَا غُسْلَ مَا لَمْ تُنْزِلْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخْفَى فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَمِ الْمَرْأَةِ وَأُذُنِهَا وَإِبِطِهَا وَبَيْنَ أَلْيَتِهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا

غُسْلَ وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ (التَّاسِعَةُ) ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فِي الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ نُزُولُ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَنَابَةِ فَتَعَلَّقَ بِسَبَبِهِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: وَالثَّانِي الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ: وَالثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ بِالْإِنْزَالِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ الْمَوْتِ والوطئ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا كُلِّهِ بَسْطًا كَامِلًا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَةً مَيِّتَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهَلْ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِ الْمَيِّتَةِ إنْ كَانَتْ غُسِّلَتْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا وَشَذَّ الرُّويَانِيُّ فَصَحَّحَ وُجُوبَ إعَادَتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَهْرٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ كَمَا لَا يجب بقطع يد هادية: وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْوَاطِئِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يجب لانه وطئ مُحَرَّمٌ بِلَا شُبْهَةٍ: وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَظِنَّةِ: وَالثَّالِثُ وَقِيلَ إنَّهُ مَنْصُوصٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا فِي الْحَيَاةِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُشْتَرَكَةُ وَجَارِيَةُ الِابْنِ وَنَحْوُهُنَّ فَلَا حَدَّ وَإِلَّا فَيُحَدُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مطلقا: قال أصحابنا وتفسد العبادات بوطئ الْمَيِّتَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ: (الْحَادِيَةَ عشرة) قال صاحب الْحَاوِي وَالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا الاحكام المتعلقة بالوطئ في قبل المرأة تتعلق بالوطئ فِي دُبُرِهَا إلَّا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ: وَالْإِحْصَانُ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّعْنِينِ وَمِنْ الْإِيلَاءِ: وَالْخَامِسُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ إذْنُ الْبِكْرِ بَلْ يبقى اذنها بالسكوت هكذا ذكراه وذكر المحاملى في اللباب سادسا وهو أن الوطئ فِي الدُّبُرِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقُبُلِ: وَسَابِعًا وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ الرَّجُلِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ غُسْلًا ثَانِيًا وخروجه من قبلها يوجبه على تفصيل سندكره قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْت) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ ضَابِطٌ نَفِيسٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَوَائِدُ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ الضَّابِطِ مَسَائِلُ يَسِيرَةٌ فِي بَعْضِهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَالْمُصَاهَرَةِ وَتَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا وُجُوهٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ لَا تَقْدَحُ فِي الضَّابِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةَ عشرة)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِيلَاجِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَدُبُرِهَا وَدُبُرِ الرَّجُلِ وَدُبُرِ الْبَهِيمَةِ وَفَرْجِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ دَاوُد لَا يَجِبُ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يجب بالايلاج في بهيمة ولاميتة * وَاحْتَجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ مُطْلَقًا بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ زَيْدٌ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك: وعن أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ (يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) قَالَ الْبُخَارِيُّ الْغُسْلُ أَحْوَطُ وَذَاكَ الْآخِرُ إنَّمَا بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَدْنَا بَيَانَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ الْغُسْلُ هَذَا كُلُّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُهُ فِي مُسْلِمٍ: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقَالَ لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاك قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت فَلَا غُسْلَ عَلَيْك وَعَلَيْك الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت أَيْ جَامَعْت وَلَمْ تُنْزِلْ وَرُوِيَ أَقْحَطْتُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وَهُوَ الْمَنِيُّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)

وفي رواية البيهقى (أنزل أولم يُنْزِلْ) قِيلَ الْمُرَادُ بِشُعَبِهَا رِجْلَاهَا وَشَفْرَاهَا وَقِيلَ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا وَقِيلَ سَاقَاهَا وَفَخْذَاهَا: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَكْسَلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل حتى تغتسلوا) قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجِمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ جَنَابَةً: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ كَالْحُدُودِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ أَيْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ: وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالُوهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ النَّسْخُ: وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَأَرْسَلُوا إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا وَجَبَ الْغُسْلُ) فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهَا مَنْ خَالَفَ: وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ: وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَمَرَنَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَكْسَلُ وَلَا يُنْزِلُ قَالَ يَغْتَسِلُ فَقُلْت إنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ فَقَالَ زَيْدٌ إنَّ أُبَيًّا نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ نَزَعَ أَيْ رَجَعَ: وَمَقْصُودِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بَيَانُ أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ الْيَوْمَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمُخَالَفَةُ دَاوُد لَا تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَنْعِ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ فِي بَهِيمَةٍ وَمَيْتَةٍ بِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ فَلَمْ يَجِبْ كَإِيلَاجِ أُصْبُعِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ فَأَشْبَهَ قُبُلَ الْمَرْأَةِ الْحَيَّةِ: فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ هَذَا بالمسك فَإِنَّ فِي الْبَحْرِ سَمَكَةً يُولِجُ فِيهَا سُفَهَاءُ الملاحين ببحر البصرة فالواجب مَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَهُ فَرْجٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما أنه منتقض بوطئ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْقُبْحِ الْعَمْيَاءِ الْجَذْمَاءِ البرصاء

المقطعة الاطراف فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ لَذَّةٌ فِي الْعَادَةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الْأُصْبُعَ لَيْسَتْ آلَةً لِلْجِمَاعِ: وَلِهَذَا لَوْ أَوْلَجَهَا فِي امْرَأَةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِخِلَافِ الذكر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذا رأت الماء] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ لَفْظُهُ فِيهِمَا (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) كما وقع في المهذب ومعناه يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وهو المنى: وأما حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالدَّارِمِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الْجَمِيعَ حَضَرُوا الْقِصَّةَ فَرَوَوْهَا: وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ كَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَةً لِأَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَاجَرَ بِهَا الْهِجْرَتَيْنِ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَلَهَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ: وَأَمَّا أُمُّ سُلَيْمٍ فَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ هِيَ جَدَّةُ أَنَسٍ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ الطَّوَائِفِ: قِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ رميثة وقيل أنيفة وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتهنَّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرمها ويكرم اختها ام حزام بِنْتَ مِلْحَانَ وَيُقِيلُ عِنْدَهُمَا وَكَانَتَا خَالَتَيْهِ وَمَحْرَمَيْنِ لَهُ: وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ زَوْجِهَا زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ رضي الله عنه: وَقَوْلُهَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ رُوِيَ يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَرُوِيَ يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَصْلُ بِيَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إحْدَاهُمَا قَالَ الْأَخْفَشُ أَسْتَحِي بِوَاحِدَةٍ لُغَةُ تَمِيمٍ وَأَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ

وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ: وَالِاحْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنْ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْمَنَامَاتِ يُقَالُ حَلَمَ فِي مَنَامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَاحْتَلَمَ وَحَلَمْتُ كَذَا وَحَلَمْتُ بِكَذَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ المنى غالبا فغلب لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) بَيَانٌ لِحَالَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِاحْتِلَامِ وَهِيَ إذَا كَانَ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُهُ وَالْيَقَظَةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ ضِدُّ النَّوْمِ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ خُرُوجِهِ بِجِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ سَوَاءٌ خَرَجَ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ تَلَذَّذَ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَلَوْ بَعْضُ قَطْرَةٍ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغُسْلَ عِنْدَنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ كَمَا لَا يَجِبُ بِالْمَذْيِ لِعَدَمِ الدَّفْقِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَحَدِيثِ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فانه لافرق فِيهِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَذْيِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَنِيِّ: وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ عَلَى الْقُرْبِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ ثَانِيًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ بَعْدَ الْمَنِيِّ أَوْ بَعْدَ بَوْلِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ واحمد في رواية عنه: وقال مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه لاغسل مطلقا وهي اشهر الروايات عن احمد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مَا بَالَ قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي اغْتَسَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْغُسْلُ ثَانِيًا وَهُوَ رواية ثالثة عن أحمد: وعن أبي حَنِيفَةَ عَكْسُ هَذَا إنْ كَانَ بَالَ لَمْ يَغْتَسِلْ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِلَّا

وَجَبَ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ عَنْ شَهْوَةٍ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ حَدَثٍ فَنَقَضَ مُطْلَقًا كَالْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ: (الثَّالِثَةُ) لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فِي الْحَالِ شئ وَلَا عَلِمَ خُرُوجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجِبُ الْغُسْلُ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُ الْمَنِيِّ: دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِالْحَدَثِ كَالْقَرْقَرَةِ وَالرِّيحِ وَلَمْ يخرج منه شئ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَكَذَا هُنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ إلَى فَرْجِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالْغُسْلِ فَأَشْبَهَ إحْلِيلَ الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَزِمَهَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُ دَاخِلِ فَرْجِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَأَشْبَهَ الْعُضْوَ الظَّاهِرَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الذَّكَرِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّاشِيُّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِخَارِجٍ مِنْ مُنْفَتِحٍ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ثَقْبٍ فِي الذَّكَرِ غَيْرِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الصُّلْبِ فَحَيْثُ نَقَضْنَا الْوُضُوءَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ: وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الذَّكَرِ وَالصَّوَابُ تَفْصِيلُ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَنِيِّ الْمُسْتَحْكِمِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحْكِم لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ: وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ دُبُرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِنَاءً عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي لُغَاتِ الْمَنِيِّ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَتَحْقِيقِ صِفَاتِهَا: أَمَّا الْمَنِيُّ فَمُشَدَّدٌ وَيُسَمَّى منيا لانه يمنى أي يصب وسميت مني لِمَا يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ: وَيُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى بِالتَّخْفِيفِ وَمَنَّى بِالتَّشْدِيدِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أفرأيتم ما تمنون) وَفِي الْمَذْيِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْمَذْيُ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْمَذِيُّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وهاتان مشهورتان

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّخْفِيفُ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ: وَالثَّالِثَةُ الْمَذْيِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: وَيُقَالُ مَذَى بِالتَّخْفِيفِ وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ: وَالْوَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأُمَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: وَحَكَى صَاحِبُ مطالع الانوار لغية أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَانِ شَاذَانَ: وَيُقَالُ وَدَى بتخفيف الدال وأودى وَوَدَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ غَيْرَهَا: قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ مَذَى وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْمَذْيُ مِثَالُ الرَّمْيِ وَالْمَذَى مِثَالُ الْعَمَى وَوَدَى وَأَوْدَى وَوَدَّى وَأَمْنَى وَمَنَى وَمَنَّى قَالَ وَالْأُولَى مِنْهَا كُلِّهَا أَفْصَحُ: وَأَمَّا صِفَاتُهَا فَمِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَمَنِيُّ الرجل في حال صحته ابيض ثحين يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ وَيَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ وَيُتَلَذَّذُ بِخُرُوجِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَإِذَا يَبِسَ كَانَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ هَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفْقَدُ بَعْضُهَا مَعَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بِأَنْ يَرِقَّ وَيَصْفَرَّ لِمَرَضٍ أَوْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا لَذَّةٍ لِاسْتِرْخَاءِ وِعَائِهِ أَوْ يَحْمَرَّ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَيَصِيرَ كَمَاءِ اللَّحْمِ وَرُبَّمَا خَرَجَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ: وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ وَفِي الصَّيْفِ رَقِيقٌ: ثُمَّ إنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يشاركه فيها غيره كالثخانة والبياض يشاركه فيهما الودى ومنها مالا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهِيَ خَوَاصُّهُ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي مَعْرِفَتِهِ وَهِيَ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِيبَهُ: وَالثَّانِيَةُ الرَّائِحَةُ الَّتِي تشبه الطلع والعجين كما سبق: الثالثة الْخُرُوجُ بِتَزْرِيقٍ وَدَفْقٍ فِي دَفَعَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةً فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا شئ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا: وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَأَصْفَرُ رَقِيقٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا خَاصِّيَّةَ لَهُ إلَّا التَّلَذُّذُ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِيبَ خُرُوجِهِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ: وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَعَلَى هَذَا لَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ خُرُوجُ مَنِيِّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَنِيِّ الرَّجُلِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا يَطَّرِدُ فِي مَنِيِّهَا الْخَوَاصُّ الثَّلَاثُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْمَذْيُ فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجَ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يَحُسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَشْتَرِك الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا

هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْمَذْيُ قَالَ وَهُوَ أُغْلَبُ فِيهِنَّ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ: وَأَمَّا الْوَدْيُ فَمَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يُشْبِهُ الْمَنِيَّ فِي الثَّخَانَةِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْكُدُورَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ وَيَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ إذَا كَانَتْ الطَّبِيعَةُ مُسْتَمْسِكَةً وعند حمل شئ ثَقِيلٍ وَيَخْرُجْ قَطْرَةً أَوْ قَطْرَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ حِينَئِذٍ طَاهِرًا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَجِبْ الغسل وليس بشئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فان احتلم ولم ير المنى أو شك هل خرج منه المني لم يلزمه الغسل وان رأى المنى ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى انه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه) ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الِاحْتِلَامِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ونقل ابن المنذر الاجماع أَنَّهُ إذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان رأي المني في فراش ينام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل لان الغسل لا يجب بالشك والاولى أنه يغتسل وان كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل واعادة الصلاة من آخر نوم نام فيه] * [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا رَأَى مَنِيًّا فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يُمْنِي فَلَا غُسْلَ

عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَجِبُ على صاحبه لاحتمال أنه من الآخر ولايجوز أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْتَسِلَ (الثَّانِيَةُ) رَأَى الْمَنِيَّ فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَلَا يَلْبَسُهُ غَيْرُهُ أَوْ يَنَامُ فِيهِ وَيَلْبَسُهُ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَيْسَ بشئ وَالصَّوَابُ الْوُجُوبُ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُ الْمَنِيِّ بَعْدَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ يَجُوزُ أَنَّ الْمَنِيَّ كَانَ مَوْجُودًا فِيهَا: ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا إذَا رَأَى الْمَنِيَّ فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ فَإِنْ رَآهُ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله [وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَذْيِ وَهُوَ الْمَاءُ الذي يخرج بأدني شهوة والدليل عليه ماروى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ فِي الشِّتَاءِ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَفْعَلْ إذَا رَأَيْت الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ) وَلَا مِنْ الودى وهو ما يقطر عِنْدَ الْبَوْلِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ الشرع الا في المنى] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ روه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظه في المذهب إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ: وَرَوَاهُ البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَأَمَرْت رَجُلًا وَفِي رواية للنسائي فأمرت عمار بن يسار وفى رواية لمسلم (توضأ وانضح

_ (1) حكاه في البيان عن صاحب الفروع وأبي المحاسن وهو ما أجاب به أبو حاتم القزويني في كتابه تجريد التجريد للمحاملي حيث قال ولو وجد في ثوبه منيا لم يلزمه الاغتسال سواء كان على ظاهره أو باطنه أو في ثوب لا يلبسه غيره أو يلبسه ما لم يتيقن انه خرج منه اه اذرعى

فَرْجَك) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْهُ الْوُضُوءُ) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فَإِذَا نَضَحْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَضَخْتَ بِالْفَاءِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُمَا دَفَقْتَ: وَقَوْلُهُ كُنْتُ مَذَّاءً هو بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ وَمَعْنَاهُ كَثِيرُ الْمَذْيِ كَضَرَّابٍ: وَقَوْلُهُ أَمَرْت الْمِقْدَادَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَمَّارًا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي امرت من ذكركما جاء في معظم الرويات: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْت رَجُلًا فَسَأَلَهُ وَمَعْنَى اسْتَحْيَيْت لِمَكَانِ ابْنَتِهِ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ غَالِبًا لِمُدَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الرَّجُلُ مَعَ أَصْهَارِهِ مَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ والله أعلم: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ لَا يُوجِبَانِ الْغُسْلَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا وبيان حقيقة المذى والودى ولغاتهما قَرِيبًا: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَذْيَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَنَّهُ نَجَسٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلِ إذَا كَانَ نَادِرًا لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ الْحَجَرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَأَنَّ الْمَذْيَ وَغَيْرَهُ مِنْ النَّادِرَاتِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ هُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمُشَافَهَةِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُجَامَلَةُ الْأَصْهَارِ وَالتَّأَدُّبُ مَعَهُمْ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَقَطْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ كُلِّ الذَّكَرِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يجب غسل الذكر والانثيين: دليلنا ماروى سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً فَكُنْت أُكْثِرُ مِنْ الْغُسْلِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ (إنَّمَا يُجْزِئُك مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مِنْ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ فَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الذَّكَرِ وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَعَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَاءِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَك وَأُنْثَيَيْك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَصَابَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِاحْتِمَالِ إصَابَةِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مُسْتَيْقَنٌ وَمَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَشْكُوكٌ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَنِيًّا فَيَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَذْيًا فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ احْتِمَالًا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْسَنَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ بَدَنِهِ وَيَغْسِلَ الثَّوْبَ مِنْهُ (1) لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ منيا أو جبنا عَلَيْهِ غَسْلَ مَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مَذْيًا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ غَسْلَ الثَّوْبِ وَالتَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِهِمَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ اشْتَغَلَتْ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ: وَالتَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ مَذْيًا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَنِيًّا فَلَمْ يَغْتَسِلْ لَهُ وَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْيًا وَلَمْ يَغْسِلْ الثَّوْبَ مِنْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ الْوُضُوءَ مِنْهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَسْقُطَ الفرض بيقين] * [الشَّرْحُ] إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ اغْتَسَلَ كَانَ كَمُحْدِثٍ اغْتَسَلَ: وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ وَلَا يَجِب تَرْتِيبُهَا بَلْ يَغْسِلُهَا كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ هُوَ وُجُوبُهَا وَالتَّرْتِيبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَهَذَا عَجَبٌ منه بل هذا الوجه غلط صريح لاشك فيه

_ (1) قوله لانا الخ هذه العبارة إلى اخر المتن لم تذكر في نسخ الشرح وانما اشار لها الشارح بقوله (وذكر دليله) ونحن اثبتنا الدليل بنصه في عبارة المتن كما التزمنا أننا نذكر جميع عبارة المصنف اه مصححه

فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُرَتِّبْ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُوجَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الْوَجْهَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَفَّالِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا هَذِهِ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَعَلَى المولج فيه الوضوء بلا ترتيب و (الثالثة) مَسْأَلَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ: قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّ الْقَفَّالَ رجع عن المسألتين الاوليين وَقَالَ الْأَصْلُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَبْرَأُ بِهَذَا فَصَرَّحَ الْقَاضِي بِرُجُوعِ الْقَفَّالِ وَأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ خَطَأٌ وَكَأَنَّ مَنْ حَكَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ رُجُوعُ الْقَفَّالِ عَنْهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ جَمِيعًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ (1) وَجَعَلَهُ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِطَهَارَةٍ وَلَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ مُقْتَضَاهُمَا جَمِيعًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فِي ثَوْبٍ آخَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَلَلُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ وَإِمَّا حَامِلُ نَجَاسَةٍ: وَإِنْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى فِي هَذَا الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَنِيٌّ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَةِ الْخُنْثَى جُنُبَانِ وَإِلَّا فَمُحْدِثَانِ فَالْجَنَابَةُ مُحْتَمَلَةٌ فَإِذَا تَوَضَّأَ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ وَهُوَ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الثَّوْبِ مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَيُقَالُ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ طهارة فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أتي به الا إذا جمع بينهما

_ (1) هذا الذى اختاره المصنف فيه نظر فان استصحاب الطهارة حاصل على الوجه الثالث وهو المختار والجواب عن الاعتراض المذكور انا انما اوجبنا الوضوء احتياطا لاحتمال انه مذي ولا يحصل

فَوَجَبَ الْجَمْعُ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ حَسَنٌ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا إذَا مَلَكَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُخْتَلِطَيْنِ وَزْنُهُ أَلْفٌ: سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ بِأَنْ يُزَكِّيَ سِتَّمِائَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الْجُمْهُورُ هُنَا الِاحْتِيَاطَ: فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْيَقِينِ بِسَبْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَأَمَّا الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ الِاغْتِسَالُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي وصل) وَأَمَّا دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ حيض مجتمع ولانه يحرم الصوم والوطئ ويسقط فرض الصلاة فأوجب الغسل كالحيض] * [الشَّرْحُ] أَمَّا تَفْسِيرُ الْآيَةِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمَحِيضُ هُنَا هُوَ الْحَيْضُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَيْضِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَحِيضِ فَعِنْدَنَا هُوَ الدَّمُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدَّمِ كَالْمَبِيتِ وَالْمَقِيلِ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ: وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال (قل هو أذى) وَالْفَرْجُ وَالزَّمَانُ لَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ) أَيْ الدَّمِ وَسَنَزِيدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَإِيضَاحِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها مِنْ طُرُقٍ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا (وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي بَعْضِهَا (فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي) وَالْحَيْضَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ اسْمٌ لِحَالَةِ الْحَيْضِ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ الْكَسْرُ وَغَلِطَ مَنْ فَتَحَ وَجَوَّزَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْفَتْحَ وَهُوَ أَقْوَى: وَحُبَيْشٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثم ياء مثناة من تحت ساكنة

ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ: وَاسْمُ أَبِي حُبَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَبِسَبَبِ النِّفَاسِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أنه يلزمها تمكين الزوج من الوطئ ولا يجوز ذلك الا بالغسل ومالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِ الدَّمِ كَمَا قَالُوا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ الْبَوْلِ قَالُوا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدم وليس بشئ وَعَكَسَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا فَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِهِ لَا بِخُرُوجِهِ كَذَا صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ مَعَ دَوَامِ الحيض غير ممكن ومالا يُمْكِنُ لَا يَجِبُ: قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ جَمِيعِ الدَّمِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ: وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِوُجُوبِهِ بِالِانْقِطَاعِ وَالْبَغَوِيُّ بِالْخُرُوجِ وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ بِالْخُرُوجِ قَاسُوهُ عَلَى الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ أَمْ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَمْ بِالْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتِلْكَ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْقَائِلِينَ هُنَاكَ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِهِ فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي وَقْتِ وُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ: أَحَدُهَا بِخُرُوجِ الدَّمِ: وَالثَّانِي بِانْقِطَاعِهِ: وَالثَّالِثُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ: وَالرَّابِعُ بِالْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ بِالِانْقِطَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا أَجْنَبَتْ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ غُسْلُ الْحَيْضِ إلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَلَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ لِاسْتِبَاحَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَيَأْتِي هَذَا مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ فَائِدَةً أُخْرَى حَسَنَةً فَقَالَ لَوْ اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ لَمْ تُغَسَّلْ

وَإِنْ قُلْنَا بِالْخُرُوجِ فَهَلْ تُغَسَّلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي غُسْلِ الْجُنُبِ الشَّهِيدِ: فَحَصَلَ فِي الْخِلَافِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ الشَّهِيدِ: وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْحَائِضِ إذَا أَجْنَبَتْ: فَإِنْ قِيلَ الْحَائِضُ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ يُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ فَيَنْبَغِي إذَا أَجْنَبَتْ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ: فَالْجَوَابُ أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَأَجْنَبَتْ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ جُنُبٌ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا لِلْجَنَابَةِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَهَا ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهَا وَبَقِيَتْ حَائِضًا مُجَرَّدَةً فَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَدِيمِ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْخُرُوجِ فَاغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا غُسْلَيْنِ غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ وَغُسْلُ الْحَيْضِ لَا يُمْكِنُ صِحَّتُهُ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ كَمَنْ أَحْدَثَ بِنَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ شَرَعَ فِي الْبَوْلِ وَتَوَضَّأَ فِي حَالِ بَوْلِهِ عَنْ النَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي وَقْتِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالنُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ قِيلَ لَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إلَّا تَحْسِينَ اللَّفْظِ وَقِيلَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ فَمَتَى ارْتَفَعَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ قَلَّ وَجَبَ الْغُسْلُ وَدَمُ الْحَائِضِ لَوْ ارْتَفَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَكُونُ حيضا ولا غسل * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ: وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لانه لا يسمى منيا] * [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ: ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِعَدَمِهِ قَوْلُ أبى علي ابن

أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْوَجْهَيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَنِيًّا مُنْعَقِدًا هُوَ التَّعْلِيلُ الْمَشْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا التَّعْلِيلَ وَعِلَّةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَإِنْ خَفِيَتْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُوجَدُ الْوِلَادَةُ بِلَا دَمٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ كَثِيرًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ: وَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا وَلَدٌ بَعْدَ وَلَدٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَاغْتَسَلَتْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّانِي وَجَبَ الْغُسْلُ لِلثَّانِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ بِالْوُجُوبِ فِي الْمُضْغَةِ وَخَصَّ الْوَجْهَيْنِ بِالْعَلَقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِهَا أَمْ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَمْضِيَ سَاعَةٌ: فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَحْدُودٌ بِسَاعَةٍ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيه إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النِّفَاسَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذا ولدت في نهار رمضان ولم ترد ما فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ أَمْ لَا وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ: (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْغُسْلِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ بَطَلَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهَا مَغْلُوبَةٌ كَالِاحْتِلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوِيٌّ فِي الْمَعْنَى ضَعِيفُ التَّعْلِيلِ (1) أَمَّا ضَعْفُ تَعْلِيلِهِ فَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَإِنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً: وَأَمَّا قُوَّتُهُ فِي الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْغُسْلِ أَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَهَذَا يَصْلُحُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ لَا لِبُطْلَانِ الصَّوْمِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا اسْتِمْنَاءٍ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا حَاضَتْ ثُمَّ أَجْنَبَتْ أَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهَا عَنْ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضعيف ذكره الخراسانيون انه يصح غسلها عن الْجَنَابَةِ وَيُفِيدُهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا قَرِيبًا عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَعْضَاءُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَرَقُهُمْ طاهر وهذا لا خلاف فيه بين

_ (1) تعليله مني علي العلة المشهورة وهى انه مني منعقد وأما العلة الاخرى فيبطل كالحيض وقوله فيه وجه ضعيف فيه نظر فانه صحح وجوبه بالانقطاع اه اذرعى

الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَدَنَ الْحَائِضِ نَجِسٌ فَلَوْ أَصَابَتْ مَاءً قَلِيلًا نَجَّسَتْهُ وَهَذَا النَّقْلُ لَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَيْضَتُكِ لَيْسَتْ فِي يَدِك) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كتاب الحيض إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * [وان استدخلت المرأة المنى ثم خرج منها لم يلزمها الغسل] * [الشَّرْحُ] إذَا اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْخَالِهَا قُبُلَهَا أَوْ دُبُرَهَا كَتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَحَكَوْا مِثْلَ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنْ كَثُرَ قَائِلُوهُ وَنَاقِلُوهُ ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى خَيَالٍ إذَا اسْتَدْخَلَتْهُ فِي قُبُلِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَلَذَّذَتْ فَأَنْزَلَتْ مَنِيَّهَا فَاخْتَلَطَ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ الْأَجْنَبِيُّ صَحِبَهُ مَنِيُّهَا لَكِنَّ إيجَابَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا خَيَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ لَا يَجِبُ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَلِيلُهُ النُّصُوصُ فِي أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِمَنِيِّهِ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا دَمَ الْحَيْضِ أَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ فِي دُبُرِهِ أَوْ قُبُلِهِ الْمَنِيَّ وَخَرَجَا فَلَا غُسْلَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بِخُرُوجِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: أَمَّا إذَا جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ قَالَ الْمُتَوَلِّي كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقُولُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً لَا تُنْزِلُ أَوْ كَبِيرَةً لَكِنْ أَنْزَلَ الزَّوْجُ عَقِيبَ الْإِيلَاجِ بِحَيْثُ لَمْ تُنْزِلْ هِيَ فِي الْعَادَةِ فَأَمَّا إذَا امْتَدَّ الزَّمَانُ قَبْلَ إنْزَالِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُنْزِلُ وَيَخْتَلِطُ الْمَنِيَّانِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ثَانِيًا: وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي بِحُرُوفِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وجوب الغسل

ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي فِي هَذَا تَفْصِيلٌ فَذَكَرَ نحو كلام القاضى والله أعلم: قال المصنف رحمه الله * [وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُسْلِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ لَزِمَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اغْتَسَلَ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ غُسْلٌ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ انه تعلق به اباحة الوطئ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فَلَمْ تَجِبْ اعادته كغسل المسلمة: وَالثَّانِي تَجِبُ إعَادَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى كالصوم والصلاة] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ هَذَا: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَيْسٌ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو قَبِيصَةُ وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَأَسْلَمَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلًا قِيلَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ قَالَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ اُحْتُرِزَ بِعِبَادَةٍ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِمَحْضَةٍ عَنْ الْعِدَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْكَافِرَةِ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا أَجْنَبَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِ اللَّهِ تعال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَهُمْ الزَّوْجَاتُ وَالْأَوْلَادُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُسْلِ وُجُوبًا وَلَوْ وَجَبَ لامرهم به وهذا الوجه ليس بشئ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبُولَ ثُمَّ يُسْلِمَ أَوْ يُجْنِبَ ثُمَّ يُسْلِمَ: وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا غُفْرَانُ

الذُّنُوبِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ كن عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ قِصَاصٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ لَيْسَ مُؤَاخَذَةً وَتَكْلِيفًا بِمَا وَجَبَ فِي الْكُفْرِ بَلْ هُوَ إلْزَامُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جُنُبٌ وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ وَلَا يَخْرُجُ بِإِسْلَامِهِ عَنْ كَوْنِهِ جُنُبًا وَالْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَمَنْعِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ أَنَّ الْغُسْلَ مُؤَاخَذَةٌ بِمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ جُنُبًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ يَكْثُرَانِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهُمَا وَيُنَفِّرُ عَنْ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا غُسْلٌ وَاحِدٌ وَلَوْ أَجْنَبَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَجْنَبَ وَاغْتَسَلَ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَأَجَابُوا عَنْ احْتِجَاجِ الْقَائِلِ الْآخَرِ بِالْحَائِضِ فَقَالُوا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِلضَّرُورَةِ صِحَّتُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ قَاسُوهُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَغَسَّلَهَا زوجها ليستبيحها فانها إذا فاقت يلزمها الغسل وهذا على المذهب والمشهور: وَفِيهَا خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْكَافِرِ الْمُغْتَسِلِ فِي الْكُفْرِ وَالْكَافِرَةِ الْمُغْتَسِلَةِ لِحِلِّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ (1) فَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فَصَحَّحَ فِي الْحَائِضِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُجْنِبْ فِي الْكُفْرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قريب من المسجد فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَأَطْلَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أسلم عند

_ (1) وان لم يكن لها زوج أو كان كافرا قال الامام يجب اعادة الغسل وجها واحدا وقال أبو بكر الفارسي بطرد الخلاف في اجزاء الغسل في كل كافر قال وهذا غلط صريح متروك عليه وليس من الرأى ان تحتسب غلطات الرجال من متن المذهب اه اذرعى

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَظْهَرَ الشَّهَادَةَ ثَانِيًا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاغْتِسَالِ وَلِأَنَّهُ تَرْكُ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَجِبْ مَعَهُ غُسْلٌ كَالتَّوْبَةِ مِنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ قَيْسًا أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ السِّدْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ (الثَّانِي) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُمَا أَجْنَبَا لِكَوْنِهِمَا كانت لهما أولاد فأمرهما بالغسل لِذَلِكَ لَا لِلْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ رَأْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ والشيخ نصر وآخرون * واحتجوا لَهُ بِحَدِيثِ عُثَيْمٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَسْلَمْتُ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ) يَقُولُ احْلِقْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ عُثَيْمًا وَكُلَيْبًا لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ وَلَا وُثِّقَا لكن أبا داود رواه ولم يضعفه وقد قال انه إذا ذكر حديث وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ حَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ فَلْيُبَادِرْ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرْهُ لِلِاغْتِسَالِ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحَرَّمُ تَحْرِيمًا شَدِيدًا تَأْخِيرُهُ لِلِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَشَارَ مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى الْمُسْتَشَارِ تَحْرِيمًا غَلِيظًا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخِّرْهُ إلَى الِاغْتِسَالِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْغُسْلَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِيُسْلِمَ مُغْتَسِلًا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى أَعْظَمِ الْمَعَاصِي وَأَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَرَأْسِ الْمُوبِقَاتِ وَأَقْبَحِ الْمُهْلِكَاتِ لِتَحْصِيلِ غُسْلٍ لَا يُحْسَبُ عِبَادَةً لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ فَاعِلِهِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ لَوْ رَضِيَ مُسْلِمٌ بِكُفْرِ كَافِرٍ بِأَنْ طَلَبَ كَافِرٌ مِنْهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ صَارَ مُرْتَدًّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إفْرَاطٌ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً: وَأَمَّا قَوْلُ النَّسَائِيّ (1) فِي سُنَنِهِ بَابُ تَقْدِيمِ غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ثمامة انطلق فاغتسل

_ (1) هذا الذى احتج به النسائي محمول على ما سبق وهو انه اظهر اسلامه بعد الغسل بدليل الرواية الاخرى فانها مصرحة بتقديم الاسلام اه اذرعي

ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِمَا ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَاخِرِ باب نية الوضوء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * [ومن اجنب حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله لانا دللنا علي أن ذلك يحرم على المحدث فلان يحرم على الجنب اولى ويحرم عليه قراءة القرآن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ويحرم عليه اللبث في المسجد ولا يحرم عليه العبور لقوله تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) واراد موضع الصلاة وقال في البويطي ويكره له ان ينام حتى يتوضأ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جنب قال (نعم إذا توضأ احدكم فليرقد) قال أبو على الطبري وإذا اراد ان يطأ أو يأكل أو يشرب توضأ ولا يستحب ذلك للحائض لان الوضوء لا يؤثر في حدثها ويؤثر في حدث الجنابة لانه يخففه ويزيله عن اعضاء الوضوء] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ نَشْرَحَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُخْتَصَرًا ثُمَّ نَعْطِفَ عَلَيْهِ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ الْفُرُوعَ وَالْمُتَعَلِّقَات: أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ مِمَّا يُغْنِي عَنْهُ ان شاء الله تعالى: وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْجُنُبِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَقَوْلُهُ لا يقرأ الجنب روى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَرُوِيَ بِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يراد به النهي وهما صحيحان وممن ذكرهما الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَنَظَائِرُهُمَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاللُّبْثُ هُوَ الْإِقَامَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَبِثَ بِالْمَكَانِ وَتَلَبَّثَ أَيْ أَقَامَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ لَبِثَ يَلْبَثُ لَبْثًا وَلَبَثًا بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا زَادَ فِي الْمُحْكَمِ وَلَبَاثَةً وَلَبِيثَةً يَعْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا: وَأَمَّا الْجَنَابَةُ فَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ وَسُمِّيَ جُنُبًا لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْمَسْجِدَ وَالْقِرَاءَةَ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا وَيُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ يُجْنِبُ وَجُنِبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ يُجْنَبُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْأُولَى

أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ يُقَالُ رَجُلٌ جُنُبٌ وَرَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَامْرَأَةٌ وَامْرَأَتَانِ وَنِسْوَةٌ جُنُبٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ جُنُبَانِ وَأَجْنَابٌ فَيُثَنَّى ويجمع والاول أفصح وأشهر: أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَيَحْرُمُ كَثِيرُهَا وَقَلِيلُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ: وَكَذَا يَحْرُمُ اللَّبْثُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَحْظَةً: وَأَمَّا الْعُبُورُ فَلَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ مَنْ وَطِئَهَا أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا يُسْتَحَبُّ هَذَا الْوُضُوءُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فَلَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا مَا دَامَتْ حَائِضًا فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَتَصِيرُ كَالْجُنُبِ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا كَالْجُنُبِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْوُضُوءَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجُنُبِ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَا يرتفع شئ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّوَائِدِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْفَرْجِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ) وَعَنْ عَائِشَةَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ) وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ إذا أراد أن يأكل: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ) : وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ) فَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ هرون وَهَمَ السَّبِيعِيُّ فِي هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ السَّبِيعِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَتَوَهَّمُوهَا مَأْخُوذَةً عَنْ غَيْرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّ السَّبِيعِيَّ دَلَّسَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ السَّبِيعِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَكَانَ ثِقَةً فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ: (قُلْت) قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ إنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّمَاعَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ اُحْتُجَّ بِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ وَعَلَى الثَّانِي جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ لِنَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حديثها الْآخَرِ وَحَدِيثِ عُمَرَ الثَّابِتَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَالثَّانِي (1) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَيُبَيِّنَ الْجَوَازَ إذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَاعْتَقَدُوا وُجُوبَهُ وَهَذَا عِنْدِي حَسَنٌ أَوْ أَحْسَنُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَهُنَّ تِسْعُ نِسْوَةٍ) فَيُحْتَمَلُ أنه كان يتوضأ بينهما وَيُحْتَمَلُ تَرْكُ الْوُضُوءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ (هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ: (قُلْت) وَإِنْ صَحَّ هَذَا الثَّانِي حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ وَذَاكَ فِي وَقْتٍ وَالْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَامِ فَإِنَّ الْقَسْمَ لا يجوز أقل من ليلة ليلة الا بِرِضَاهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيْرَهُ: قال وقيل لم يرد

_ (1) هذا الثاني هو المختار كما اختاره الشيخ رحمه الله وهو ظاهر الحديث والاول فيه نظر فانه تأويل بعيد لا حاجة إليه إذ لا منافاة بين الروايتين اه اذرعي

بِالْجُنُبِ مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَخَّرَ الِاغْتِسَالَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ الْجُنُبُ الَّذِي يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ تَرْكَهُ عَادَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) : قَالَ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَنْ يَقْتَنِيَ كَلْبًا لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَحِرَاسَةِ الدَّارِ: قَالَ وَأَمَّا الصُّورَةُ فَهِيَ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ أَوْ ثَوْبٍ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْجُنُبَ بِالْمُتَهَاوِنِ وَالْكَلْبَ بِاَلَّذِي يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ هُوَ بِالْخِيَارِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ لِلتَّعَوُّذِ وَفِي الحائض روايتان عنه احداهما تقرأ والثاني لَا تَقْرَأُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ بَعْضَ آيَةٍ وَلَا يَقْرَأُ آيَةً وَلَهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا * وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يحجبه وربما قال يحجزه عن القرآن شئ ليس

الجناية) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الطُّهُورِ وَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَهُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ وَكَانَ قَدْ كَبُرَ وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثِهِ وَعَقْلُهُ بَعْضُ النَّكَرَةِ وانما روى هذا الحديث بعد ما كَبُرَ قَالَهُ شُعْبَةُ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الائمة تحقيق ما قال ثم قال البيقى وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا تَوَضَّأْتُ وَأَنَا جُنُبٌ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَلَا أُصَلِّي وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ) وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِقِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ امْرَأَتَهُ رَأَتْهُ يُوَاقِعُ جَارِيَةً لَهُ فَذَهَبَتْ فَأَخَذَتْ سِكِّينًا وَجَاءَتْ تُرِيدُ قَتْلَهُ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَاقَعَ الْجَارِيَةَ وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُنُبَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ: قَالَتْ بَلَى فَأَنْشَدَهَا الْأَبْيَاتَ الْمَشْهُورَةَ فَتَوَهَّمَتْهَا قُرْآنًا فَكَفَّتْ عَنْهُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَضَحِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ: وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ يَعْرِفُهُ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَلَكِنَّ إسْنَادَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِ دَاوُد (1) بِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ غَيْرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ الْبَاقِيَةُ فَقَدْ سَلَّمُوا تَحْرِيمَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ ادَّعُوا تَخْصِيصًا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ: فَإِنْ قَالُوا جَوَّزْنَا لِلْحَائِضِ خَوْفَ النِّسْيَانِ قُلْنَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بتفكرها بقلبها والله أعلم *

_ (1) مذهب داود قوي فانه لم يثبت في المسألة شئ يحتج به لنا كما اوضحه وقد نقل البيهقى في معرفة السنن والاثا عن الشافعي انه قال احب للجنب ان لا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته اهل الحديث وهذا المذهب هو اختيار ابن المنذر كما سبق والاصل عدم التحريم اه من هامش الاذرعي

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُبُورِهِ فِيهِ بِلَا مُكْثٍ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ مُتَرَدِّدًا أَوْ عَلَى أَيِّ حال كان متوضأ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ أَمْ لَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِثْلَ هَذَا عَنْ عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَالِكٍ وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه واسحاق ابن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا مِنْهُ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَمُرَّ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَيُبَاحُ الْعُبُورُ لِحَاجَةٍ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ وَلَوْ تَوَضَّأَ اسْتَبَاحَ الْمُكْثَ: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي هَذَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ * وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْمُكْثَ مُطْلَقًا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى: وَأَحْسَنُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِمَنْ حَرَّمَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عابرى سبيل) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ مَعْنَاهَا لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهَا الشَّافِعِيُّ تَأَوَّلَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَيْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا وَهُوَ جُنُبٌ وَعَنْ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ (وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ قَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ جَسْرَةَ عَجَائِبُ وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ وَقَالَ الخطابي ضعف جماعة هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالُوا أَفْلَتُ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ (قُلْت) وخالفهم غيرهم فقال احمد ابن حَنْبَلٍ لَا أَرَى بِأَفْلَتَ

بَأْسًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ كُوفِيٌّ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ جَسْرَةُ تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ مَا رَوَاهُ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَلَمْ يَجِدْ لِغَيْرِهِ فيه تضعفيا فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعَّفَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَسْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَفْلَتُ بِالْفَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وُجُوهُ الْبُيُوتِ أَبْوَابُهَا وَقَالَ وَمَعْنَى وَجِّهُوهَا عَنْ الْمَسْجِدِ اصْرِفُوا وُجُوهَهَا عَنْ الْمَسْجِدِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَجَاسَتِهِ جَوَازُ لُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ: وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْمُشْرِكِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَامَ دَلِيلُ تَحْرِيمِ مُكْثِ الْجُنُبِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَّقَ الشَّرْعُ لَمْ يَجُزْ التَّسْوِيَةُ وَالثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَتْلَفَا * وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الْمُكْثَ وَالْعُبُورَ بِحَدِيثِ (لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) وَبِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ الْمُفَسِّرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا عَلِيُّ لَا يحل لاحد يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرِك قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعَ الْبُخَارِيُّ مِنِّي هذا الحديث واستغر به قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ فَكَذَا الْعُبُورُ كَالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَائِضِ وَمَنْ فِي رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَجْنَبَ وَعَدِمَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجَنَابَةُ بَاقِيَةً لِأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُسَافِرِ بَلْ يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ فَلَا تُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ (2) وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيرُهُمْ عَلَى وَفْقِهِ فكان أولى * واحتجوا بحديث جابر (كنا

_ (1) قوله ولم يجد لغيره هكذا ذكره في علوم الحديث وفيه نظر فانه قال وما لم اذكر فيه شيئا فهو صالح أي صحيح أو حسن كما سبق ولم يشترط عدم تضعيف غيره فان ضعفه غيره فهو عند ابى (2) قوله وقد جاء الحديث فيه نظر فانه لم يذكر حديثا في جواز العبور يحتج به والعمدة فيه الاية الكريمة اه اذرعى

نَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَجَازَ عُبُورُهُ كَالْمُحْدِثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْمُكْثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَعَطِيَّةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا شِيعِيَّانِ مُتَّهَمَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِ سَالِمٍ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ بَعْضُ مَا ذَكَرنَا لاسيما وَقَدْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُخَارِيُّ إمَامُ الْفَنِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إبَاحَةُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقَدْ ذكر أبو العباس ابن الْقَاصِّ هَذَا فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: وأما قياسهم على الدر الْمَغْصُوبَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِمَوَاضِعِ الْخُمُورِ وَالْمَلَاهِي وَالطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ عُبُورُهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً أَوْ مُتَعَرِّضَةً لِلْجَرَيَانِ وَهَذَا يُمْنَعُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ تَلْوِيثِهِ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِهِ فَنَظِيرُ الْجُنُبِ مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَلَهُ الْعُبُورُ وَبِهَذَا يجاب عن قياسم عَلَى الْحَائِضِ إنْ حَرَّمْنَا عُبُورَهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ عُبُورِهَا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَصْلٌ] يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَأَذْكَارِهِمْ وَمَوَاضِعِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْوَالِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ مَعْرِفَتُهَا وَقَدْ جَمَعْت فِي هَذَا كِتَابًا لَطِيفًا وَهُوَ (التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ) وَأَنَا أُشِيرُ هُنَا إلَى جُمَلٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى بَعْضِ آيَةٍ وَلَوْ كَانَ يُكَرِّرُ فِي كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِآيَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ جاز وكذا ما أشبههه وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون) إذَا لَمْ تَقْصِدْ الْقُرْآنَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجُوزُ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين)

لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى مَنْعِهِ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عذاب النار) : قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا قَالَ الْجُنُبُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ عصا وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَعْصِ أَيْضًا قَطْعًا لان القصد مرعي في هذه الْأَبْوَابِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ مَا نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وما أشبههه: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَتُهُ بِالْقَلْبِ دُونَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ مَاءً وَلَا تُرَابًا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَحْدَهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَقْرَأْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهَا شَرْعًا فَيَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ: (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَقِرَاءَتُهُ كَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: (الْخَامِسَةُ) غَيْرُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لَوْ كَانَ فَمُهُ نَجِسًا كُرِهَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا وَالِدِي: أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ النَّجِسَةِ: (وَالثَّانِي) لَا يَحْرُمُ كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ كَذَا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ: (السَّادِسَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يتوضأ لها قال امام الحرمين وغيره ولايقال قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ) وَالْمُسْتَحَاضَةُ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ كَالْمُحْدِثِ: (السَّابِعَةُ) لَا يُكْرَه لِلْمُحْدِثِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (1) فِي الْحَمَّامِ نَقَلَهُ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ومالك ونقل عن أبي وائل

_ (1) نقل المصنف في التبيان، عدم الكراهة عن الاصحاب مطلقا فقال قال اصحابنا لا تكره يعني القراءة في الحمام وهذا فيه نظر لا يخفى لان قراءة القرآن عبادة وليس الحمام من موضع العبادة ثم رأيت بعد هذا بزمان جماعة من اصحابنا كرهوا ذلك منهم الحليمى والصيمري وغيرهما اه اذرعى

شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ وَالشَّعْبِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ كَرَاهَتُهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَيَكُونُ عَنْهُ خِلَافٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِكَرَاهَتِهِ فَلَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ: (الثَّامِنَةُ) لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّرِيقِ مَارًّا إذَا لَمْ يَلْتَهِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا قَالَ الشَّعْبِيُّ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَشِّ وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا: (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَالَ خُرُوجِهَا: (الْعَاشِرَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَمَا سِوَى الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَدَلَائِلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَشْهُورَةٌ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فِيهَا وَسَتَأْتِي دَلَائِلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِ الطَّوَافِ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَظِّفَ فَمَه قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ بِسِوَاكٍ وَنَحْوِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَجْلِسَ مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَلَوْ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ جَازَ وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ مَشْهُورَةٌ وَإِذَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ تَعَوَّذَ وجهربه (1) : وَالتَّعَوُّذُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيُحَافِظُ عَلَى قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ بَرَاءَةٍ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَكُنْ شَأْنُهُ الْخُشُوعَ وَالتَّدَبُّرَ وَالْخُضُوعَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَقْصُودُ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وقال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ بَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ يُرَدِّدُ أَحَدُهُمْ الْآيَةَ جَمِيعَ لَيْلَتِهِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَصَعِقَ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ عِنْدِ الْقِرَاءَةِ وَمَاتَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ بِسَبَبِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرْت فِي التِّبْيَانِ جُمْلَةً مِنْ أَخْبَارِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ الله عنهم: ويسن تحسين الصوت بالقرءان لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ: وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التِّبْيَانِ وَسَأَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَخْرُجُ بِتَحْسِينِهِ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ إلَى التَّمْطِيطِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَنْ حُدُودِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ صفة العارفين وشعار عباد الله الصحالحين: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خشوعا) وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابن مسعود

_ (1) هي يعني في غير الصلاة اه اذرعى

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ (حَسْبُك) قَالَ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاء فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ: وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ: قَالَ الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُرَتَّلَةً وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ وَيُسَمَّى الْهَذُّ قَالُوا وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قراءة جزءين فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ بِلَا تَرْتِيلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالتَّرْتِيلُ مُسْتَحَبٌّ لِلتَّدَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيلُ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ الْعَذَابِ أَوْ مِنْ الشَّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ لله تعالى نزه فقال تبارك الله أوجلت عَظَمَةُ رَبِّنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ: وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ قَارِئٍ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ سواء أحسن العربية أم لا سواء كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَتَجُوزُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا تَجُوزُ بِالشَّوَاذِّ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ بَعْدَهَا الَّتِي تَلِيهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَتْرُكْهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّفْرِيقِ كَصَلَاةِ الصبح يوم الجمعة (بآلم) (وهل أتي) وصلاة العيد (بق) (وَاقْتَرَبَتْ) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَلَوْ فَرَّقَ أَوْ عَكَسَ جَازَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَذَمِّهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْإِعْجَازِ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ وَأَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ مِنْ آخِرِ الْخَتْمَةِ إلَى أَوَّلِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ في أيام *

(فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَوِي خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْحَالَيْنِ فَأَمَّا مَنْ يَزِيدُ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرُهُ فِي الْقِرَاءَةِ عن ظهر القلب وهى أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ * (فَرْعٌ) لَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ مُجْتَمِعِينَ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَكَذَا الْإِدَارَةُ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ جُزْءًا أَوْ سُورَةً مَثَلًا وَيَسْكُتَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يَقْرَأَ السَّاكِتُونَ وَيَسْكُتَ الْقَارِئُونَ وَقَدْ ذَكَرْتُ دَلَائِلَهُ فِي التِّبْيَانِ وَلِلْقَارِئِينَ مُجْتَمِعِينَ آدَابٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي آدَابِ الْقَارِئِ وَحْدَهُ وَمِنْهَا أَشْيَاءُ يُتَسَاهَلُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاجْتِنَابِ الضَّحِكِ وَاللَّغَطِ وَالْحَدِيثِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ إلَّا كَلَامًا يَسِيرًا لِلضَّرُورَةِ وَبِاجْتِنَابِ الْعَبَثِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا وَالنَّظَرِ إلَى مَا يُلْهِي أَوْ يُبَدِّدُ الذِّهْنَ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى مَنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا فَيُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ * (فَرْعٌ) جَاءَتْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْرَارَ وَالْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ وَكَذَا ما يَتَأَذَّى الْمُصَلُّونَ وَغَيْرُهُمْ بِجَهْرِهِ فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ الرِّيَاءَ وَلَمْ يَتَأَذَّ أَحَدٌ بِجَهْرِهِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إلَى السَّامِعِينَ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيُزِيدُ فِي النَّشَاطِ وَقَدْ أَوْضَحْت جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ * (فَرْعٌ) يُسَنُّ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَسَنَبْسُطُهُ إنْ شَاءَ

اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَيُسَنُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إلَيْهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ عَادَةُ الْأَخْيَارِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغَ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّالِحِينَ بِقِرَاءَةِ مَنْ سَأَلُوهُ الْقِرَاءَةَ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ افْتِتَاحَ مَجْلِسِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَيَقِفَ عَلَى آخِرِهَا أَوْ آخِرِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَلَا يَتَقَيَّدَ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْشَارِ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي وَسَطِ كَلَامٍ مُرْتَبِطٍ كَالْجُزْءِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ) (وما أبرئ نفسي) (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صبرا) (ومن يقنت منكن) (وما أنزلنا علي قومه) (إليه يرد علم الساعة) (قال فما خطبكم) فكل هذا وشبهه لا يبتدأ به لا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ بِكَمَالِهَا أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى الِارْتِبَاطُ * (فَرْعٌ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا حَالُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ سِوَى الْقِيَامِ وَتُكْرَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ عَلَى الْخَلَاءِ وَفِي حَالِ النُّعَاسِ وَحَالِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ يَسْمَعُهَا وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَقِرَاءَةُ مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ * (فَرْعٌ) إذَا مَرَّ الْقَارِئُ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ كَانَ حَسَنًا وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ (1) وَيَلْزَمُ الْقَارِئَ رَدُّ السَّلَامِ بِاللَّفْظِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُسَلِّمُ الْمَارُّ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ الْقَارِئُ بِالْإِشَارَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَوْ عَطَسَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ عَطَسَ غَيْرُهُ شَمَّتَهُ الْقَارِئُ وَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَوْ الْمُقِيمَ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَتَابَعَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَوْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَةٌ وَأَمْكَنَهُ الْجَوَابُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الطالب اجابه اشارة *

_ (1) أما السلام عليه ففيه نظر واما وجوب الرد باللفظ فقريب لانه يقطع القراءة لاجابة الموذن فهنا اولى اه اذرعى

(فَرْعٌ) إذَا قَرَأَ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَإِذَا قَرَأَ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى) قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَإِذَا قَرَأَ (وقل الحمد الله الذى لم يتخذ ولدا) قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ وَسَأَذْكُرُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مغلولة) (وقالت اليهود عزير ابن الله) وَنَحْوَهُمَا خَفَضَ صَوْتَهُ قَلِيلًا وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا قَرَأَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الْآيَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا * (فَرْعٌ) فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَارَةِ لِلْقِرَاءَةِ أَفْضَلُهَا مَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: وَأَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ اللَّيْلُ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ أَفْضَلُ وَالْقِرَاءَةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْبُوبَةٌ وَأَفْضَلُ النَّهَارِ بعد الصبح ولا كراهة في شئ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ القراءة بعد العصر وليس بشئ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَمِنْ الْأَعْشَارِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنْ الشُّهُورِ رَمَضَانَ * (فَرْعٌ) فِي آدَابِ خَتْمِ الْقُرْآنِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنْ قَرَأَ وَحْدَهُ فَالْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَاسْتَحَبَّ السَّلَفُ صِيَامَ يَوْمِ الْخَتْمِ وَحُضُورَ مَجْلِسِهِ وَقَالُوا يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ الْخَتْمِ وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْخَتْمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَخَتَمَ وَدَعَا وَاسْتَحَبُّوا الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخَتْمِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا وَجَاءَ فِيهِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَيَدْعُو بِالْمُهِمَّاتِ وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَيَخْتَارُ الدَّعَوَاتِ الْجَامِعَةَ وَقَدْ جَمَعْت فِي التِّبْيَانِ مِنْهَا جُمْلَةً وَاسْتَحَبُّوا إذَا خَتَمَ أَنْ يَشْرَعَ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى * (فَرْعٌ) فِي آدَابِ حَامِلِ الْقُرْآنِ لِيَكُنْ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ وَيَرْفَعُ نَفْسَهُ عَنْ

كُلِّ مَا نَهَى الْقُرْآنُ عَنْهُ وَيَتَصَوَّنُ عَنْ دنئ الِاكْتِسَابِ وَلْيَكُنْ شَرِيفَ النَّفْسِ عَفِيفًا مُتَوَاضِعًا لِلصَّالِحِينَ وَضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَخَشِّعًا ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ينبغى لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا النَّاسُ يَخْتَالُونَ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَأَوْا الْقُرْآنَ رَسَائِلَ مِنْ رَبِّهِمْ فَكَانُوا يَتَدَبَّرُونَهَا بِاللَّيْلِ وَيُنَفِّذُونَهَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو وَلَا يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتَّخِذَ الْقُرْآنَ مَعِيشَةً يَكْتَسِبُ بِهَا: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِئْجَارِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَنَا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلْيُحَافِظْ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَيُكْثِرْ مِنْهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي بَيَانِ هَذَا وَعَادَاتِ السَّلَفِ فِيهِ فِي التِّبْيَانِ وَيَكُونُ اعْتِنَاؤُهُ بِتِلَاوَتِهِ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ وَأَبْعَدُ مِنْ الشَّاغِلَاتِ وَالْمُلْهِيَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْحَاجَاتِ وَأَصُونُ فِي تَطَرُّقِ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ مَعَ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَيَانِ مَا فِيهِ الْخَيْرَاتُ كَالْإِسْرَاءِ وَحَدِيثِ النُّزُولِ وَحَدِيثِ فِي اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ وَالْأَحَادِيثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ نِسْيَانِهِ أَوْ نِسْيَانِ شئ مِنْهُ أَوْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) وَفِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) فِي آدَابِ النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فانها من تقوى القلوب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَوْضَحْت شَرْحَهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبَيَّنْت الدَّلَائِلَ فِي أَنَّ مَدَارَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْحِهِ: وَمُخْتَصَرُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا نَصِيحَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وتنزيله لا يشبهه شئ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ وَلَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ عَلَى مِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَتَحْسِينُهَا وَتَدَبُّرُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الْمُلْحِدِينَ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهِ وَنَشْرُ عُلُومِهِ وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ وَإِلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِيحَتِهِ: وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى الاطلاق وتنزيهه وصيانته: واجمعو عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهُ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ زَادَ حَرْفًا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ: وَأَجْمَعُوا على ان من استخف بالقرآن أو بشئ مِنْهُ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ أَلْقَاهُ فِي قَاذُورَةٍ أو كذب بشئ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ أَوْ أَثْبَتَ مَا نفاه أو شك في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ كَفَرَ: وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْكَلَامُ فِي مَعَانِيهِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ: وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ فَحَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَيَحْرُم الْمِرَاءُ فِيهِ وَالْجِدَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ يَقُولُ أُنْسِيتُهَا أَوْ أُسْقِطْتُهَا: ويجوز أن يقول سورة البقرة وسورة انساء وسورة العنكبوت وغيرها ولا كراهة في شئ مِنْ هَذَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَكَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذَا وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ

وَنَحْوُهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ تَظَاهَرَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَأَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَكَرِهَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ التَّابِعِيُّ وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (والله يقول الحق) وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَلَا يُكْرَهُ النَّفْثُ مَعَ الْقِرَاءَةِ لِلرُّقْيَةِ وَهُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَكَرِهَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ الصَّحَابِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ: وَلَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ غَسَلَهُ وَسَقَاهُ الْمَرِيضَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ عَلَى حَلْوَى أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ (فَرْعٌ) فِي الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي أَوْقَاتٍ وَأَحْوَالٍ مَخْصُوصَةٍ: هَذَا الْبَابُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِيهِ وَمُعْظَمُهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي مَوَاطِنِهِ كالسور المستحبة في الصلوات الخاصة كالجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وقاف واقتربت في العيد وسبح وهل أَتَاك فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ فِي صحيح مسلم وغيره وآلم تنزيل وهل أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ويحافظ على يس والواقعة وتبارك الملك وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي كل وقت والكهف يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ كُلَّ لَيْلَةٍ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ وَيَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ (آمَنَ الرَّسُولُ) إلَى آخِرِهَا والْمُعَوِّذتَيْن عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ وَيَقْرَأُ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ آخر آل عمران (ان في خلق السموات والارض) إلَى آخِرِهَا وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَرِيضِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والْمُعَوِّذتَيْن مَعَ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُ بِهِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ يس لِحَدِيثٍ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ آدَابَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَارِئِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا لَا تَنْحَصِرُ فَنَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ منها؟ ؟ ؟ نَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الشَّرْحِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وبالله التوفيق

فصل في المساجد وأحكامها

(فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى حَائِطٍ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَجَابَ وَقِيلَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْإِقَامَةِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ وَلَكِنْ أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا لِلسَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ التَّيَمُّمُ إبَاحَةَ مَحْظُورٍ قَالَ فَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ وَقَرَأَ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ كَانَ جَائِزًا عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِثْلَهُ وَلَا نعرف أحد وَافَقَهُمَا وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أبى الجهيم ابن الحرث الا انه ليس فيه انه تيمم فِي الْمَدِينَةِ بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَتَيَمَّمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَعَادِمًا لِلْمَاءِ وَسَنُعِيدُ الْحَدِيثَ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * * (فَصْلٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَأَحْكَامِهَا) * [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يُنْدَبُ فِيهَا وَمَا تُنَزَّهُ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْرُمُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الْعُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعْبُرَ إلَّا لِحَاجَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَبَرَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ فَلَا: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَقَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَانِ شَاذَانَ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِهَا وَلِمَنْ وَجَدَ طَرِيقًا وَلِغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) : لَوْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْخُرُوجِ لِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ خَافَ جَازَ أَنْ يُقِيمَ لِلضَّرُورَةِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ وَلَا يَتَيَمَّمْ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا مَمْلُوكًا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ وَلَوْ أَجْنَبَ وَهُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ وَيَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ

يَلْبَثُ لَحْظَةً مَعَ الْجَنَابَةِ: قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ تَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ فِيهِ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنَاءٌ صلى بالتيمم ثم يعيد وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ (1) وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْغُسْلُ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجِدْ إنَاءً وَلَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ لِأَنَّا جَوَّزْنَا الْمُرُورَ فِي الْمَسْجِدِ الطَّوِيلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مُكْثُ لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ لِضَرُورَةٍ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا: وَإِذَا دَخَلَ لِلِاسْتِقَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ إلَّا قَدْرَ حَاجَةِ الِاسْتِقَاءِ * (فَرْعٌ) لَوْ احْتَلَمَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ أحدهما أقرب فالاول أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأَقْرَبِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِغَرَضٍ بِأَنْ كَانَتْ دَارُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا فَفِي الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ (2) حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى الْمُسَافِرِ إذا كان له طريقان يقصر في أحدهما دون الآخر فسلك الا بعد لِغَيْرِ غَرَضٍ هَلْ يَقْصُرُ فِيهِ قَوْلَانِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ قَعَدَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ سَمَاعِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ آخَرَ أَوْ وَعْظٍ أَمْ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ أَوْ مَنَعُوا مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ نَهْيٌ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَتَّخِذُوهُ مَرْقَدًا: وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كُنْت تَنَامُ لِلصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا وَمَبِيتًا فَلَا: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ: رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مسعود وابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير ما يدل على كراهتهم النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ: قَالَ فَكَأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا لِمَنْ وَجَدَ مَسْكَنًا أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أَنَامُ فِي المسجد وأنا شاب أعزب وَثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ الْعُرَنِيِّينَ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وثبت في الصحيين أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَامَ فِيهِ وَأَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ نَامَ فِيهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ صَاحِبَةَ الْوِشَاحِ كَانَتْ تَنَامُ فِيهِ وَجَمَاعَاتٌ آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ كَانَ يَبِيتُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَكُلُّ هَذَا في زمن

_ (1) هذا فيه نظر والمختار ما قاله البغوي رحمه الله فان الامتناع الشرعي كالحسى فيتيمم ويقضي اه اذرعي (2) قال في الروضة اصحهما لا يكره ومقتضي هذا البناء ترجيح الكراهة لان الاصح عدم القصر والمختار الاول والفرق ظاهر اه اذرعى

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاتَ الْمُشْرِكُ فِي الْمَسْجِدِ فَكَذَا الْمُسْلِمُ وَاحْتَجَّ بِنَوْمِ ابْنِ عُمَرَ وَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيْنَ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ يَعْنِي لَا كَرَاهَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ فِيهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُمَكَّنُ كَافِرٌ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ مَسْجِدٍ وَيَبِيتَ فيه بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ اللَّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يُمَكَّنُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُؤْذِ بِمَائِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُسْقَطُ الْمَاءُ عَلَى تُرَابِهِ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فَقَالَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي إنَاءٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَيَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَبِلَّهُ وَيَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ التَّرْخِيصَ فِي الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ: (السَّادِسَةُ) لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ وَوَضْعِ الْمَائِدَةِ فِيهِ وَغَسْلِ الْيَدِ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ: (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فِي ذَلِكَ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) يَعْنِي الثُّومَ (فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (مَسَاجِدِنَا) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا وَلَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن جابر قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ

خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا الا خبيثتين الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَرْعٌ) لَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْ الدُّبُرِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ (1) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأذى منه بنوا آدَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّامِنَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: (التَّاسِعَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَيُكْرَهُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِيهِ فِي إنَاءٍ وَلَا يَحْرُمُ وَفِي تَحْرِيمِ الْبَوْلِ فِي اناء في الْمَسْجِدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَسْجِدِ: فَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ فَإِنْ خَافَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُولُهُ وَإِنْ أَمِنَ لَمْ يَحْرُمْ: قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَالْمُحْدِثِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لشئ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه مُسْلِمٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ قَالُوا لِأَنَّهُ بِنَاءٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَلِلْإِمَامِ قَلْعُ مَا غُرِسَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ ونشد الضالة وكذا البيع والشراء والاجارة ونحوها مِنْ الْعُقُودِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لاردها

_ (1) ينبغى ان يكره ذلك إذا تعاطاه لاسيما إذا كان عن غير حاجة بل ينبغى ان يحرم والحديث نص في النهى والله اعلم اه اذرعى

اللَّهُ عَلَيْك فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ ينشد ضالة فقولوا لارد الله عليك) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فقال من دعى إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ ينشد فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ (كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا فَقَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ فَقَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا في مسجد رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَ السَّائِلَ فِي الْمَسْجِدِ شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ إدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُمْ إيَّاهُ ولا يحرم لك لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَسْجِدُ مَقْعَدًا لِحِرْفَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ في المسألة التاسعة: فأما ما يَنْسَخُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَوْ اتَّفَقَ قعوده فيه فخاط ثويا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَقْعَدًا لِلْخِيَاطَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَفَا وَوَضْعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَتَشْبِيكُ الاصابع

وَنَحْوُ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ: (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ عَقْدُ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَذِكْرُ الْمَوَاعِظِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِأُمُورِ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ ضَحِكٌ وَنَحْوُهُ مَا دَامَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ قَالَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ من أنواع الخير: فأما ما فيه شئ مَذْمُومٌ كَهَجْوِ مُسْلِمٍ أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ أَوْ ذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ الْمُرْدِ أَوْ مَدْحِ ظَالِمٍ أَوْ افْتِخَارٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَحَرَامٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ: فَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فَلَحَظَ إلَيْهِ فقال أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) قَالَ نَعَمْ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الثَّانِي حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ وَإِزَالَةُ مَا يُرَى فِيهِ مِنْ نُخَامَةٍ أَوْ بُصَاقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَفَاسِدُ كثيرة منها مضاهات الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا وَمِنْهَا إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَمِنْهَا مَا يترب عَلَى ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِنْ اجتماع

الصِّبْيَانِ وَأَهْلِ الْبَطَالَةِ وَلَعِبِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ وَامْتِهَانِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَحُصُولِ أَوْسَاخٍ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَفْرَادِهَا (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : السُّنَّةُ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ سِلَاحٌ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى حَدِّهِ كَنَصْلِ السَّهْمِ وَسِنَانِ الرُّمْحِ وَنَحْوِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من مر في شئ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ أو ليقبض على نصالها بكفه أو يصيب أحدا من المسلمين منها بشئ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَنْبَغِي لِلْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمِ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ وَمُبَاحٍ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَإِنْ قَلَّ زَمَانُهُ: (الثانية والشعرون) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِصِيَانَتِهِ أَوْ لِحِفْظِ آلَاتِهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا إذَا خِيفَ امْتِهَانُهَا وَضَيَاعُ مَا فِيهَا وَلَمْ يَدْعُ إلَى فَتْحِهَا حَاجَةٌ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ مِنْ فَتْحِهَا مَفْسَدَةٌ وَلَا انْتِهَاكُ حُرْمَتِهَا وَكَانَ فِي فَتْحِهَا رِفْقٌ بِالنَّاسِ فَالسُّنَّةُ فَتْحُهَا كَمَا لَمْ يُغْلَقْ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَنِهِ وَلَا بَعْدَهُ: (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَجْلِسًا لِلْقَضَاءِ فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَاتَّفَقَتْ حُكُومَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهَا فِيهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يكره ان يتخذ على القبر مسجدا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ (1) وَأَمَّا حَفْرُ الْقَبْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ لَهُ حكم المسجد

_ (1) لو قيل بتحريم ايجاد المسجد علي القبر لم يكن بعيدا وقوله أن حفر القبر حرام مع ما تقدم من ان غرس الشجرة وحفر البئر مكروهان لاحتاج إلى فرق بين حفر القبر فقط دون الدفن وبين حفر البئر وغرس الشجرة اه اذرعى

فِي وُجُوبِ صِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَكَذَا سَطْحُهُ وَالْبِئْرُ الَّتِي فِيهِ وَكَذَا رَحْبَتُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي رَحْبَتِهِ وَسَطْحِهِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فِيهِمَا مُقْتَدِيًا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ: (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ نَعْلَيْهِ وَيَمْسَحَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى قَبْلَ دُخُولِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (كُنَّا قُعُودًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِاسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمد وعلى آل مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي أبواب فضلك: وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ: فَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَضْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ: وَأَمَّا هَذِهِ الْأَذْكَارُ فَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَرِّقَةٌ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي الْأَذْكَارِ فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك) (الثَّلَاثُونَ) لَا يَجُوزُ أخذ شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَجَرٍ وَحَصَاةٍ وَتُرَابٍ وَغَيْرِهِ وقد سبق في هذه المسائل تَحْرِيمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ الزَّيْتُ وَالشَّمْعُ الَّذِي يُسْرَجُ فِيهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: أَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْحَصَاةَ لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ) (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسَنُّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَتُهَا وَتَعَهُّدُهَا وَإِصْلَاحُ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ

باب صفة الغسل

عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ بَنَى لِلَّهِ تَعَالَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ كَنِيسَةً وَبَيْعَةً أَوْ مَقْبَرَةً دَرَسَتْ إذَا أُصْلِحَ تُرَابُهَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فيه قبور مشركين فَنُبِشَتْ وَجَاءَ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبَيْعَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْن أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ أَهْلِ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَتْ طَوَاغِيتُهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ وَنَقْشُهُ وَتَزْيِينُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ (1) وَلِئَلَّا تَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَاِتَّخِذُوهَا جَمًّا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ (نَهَانَا أَوْ نُهِينَا أَنْ نصلى فِي مَسْجِدٍ مُشْرِفٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَمُّ الَّتِي لَا شُرَفَ لَهَا: (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي فَضْلِ الْمَسَاجِدِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مساجدها وأبغض البلاد الي الله تعالى أَسْوَاقُهَا) وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهَا كَثِيرَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ مَسْجِدُ فُلَانٍ وَمَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ: (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الْمُصَلَّى الْمُتَّخَذُ لِلْعِيدِ وَغَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنْعِ الْكَافِرِ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَحْضُرْنَ يَوْمَ الْعِيدِ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِاعْتِزَالِهِ لِيَتَّسِعَ عَلَى غيرهن وليتميزن والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (باب صفة الغسل) * [إذا أراد الرجل أن يغتسل من الجنابة فانه يسمي الله تعالى وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْغُسْلَ لِاسْتِبَاحَةِ أمر لا يستباح الا بالغسل كقراءة القرآن والجلوس في المسجد ويغسل كفيه ثلاثا قبل أن يدخلهما في الاناء ثم يغسل ما علي فرجه من الاذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى علي رأسه ثلاث حثيات

_ (1) ينبغي ان يحرم لما فيه من اضاعة المال لاسيما ان كان من مال المسجد اه اذرعى

ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه ثم يتحول من مكانه ثم يغسل قدميه لان عائشة وميمونة رضى الله عنهما وصفتا غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك والواجب من ذلك ثلاثة أشياء النية وازالة النجاسة ان كانت وافاضة الماء علي البشرة الظاهرة وما عليها من الشعر حتي يصل الماء إلى ما تحته وما زاد علي ذلك سنة لما روى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تذاكرنا الغسل من الجنابة عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أما أنا فيكفيني أن اصب علي رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك علي سائر جسدي) [الشَّرْحُ] حَدِيثَا عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُفَرَّقَيْنِ وَفِيهِمَا مُخَالَفَةٌ يَسِيرَةٌ في بعض الالفاظ وحديث جبير بن مطعم صحيح رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا (أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى إفَاضَةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ يَحْثِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ صَحِيحٌ يقال حثيت وأحثى حَثْيًا وَحَثَيَاتِ وَحَثَوْت أَحْثُو حَثْوًا وَحَثَوَاتٍ لُغَتَانِ فصيحتان وَسَائِرُ جَسَدِهِ أَيْ بَاقِيه وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى كَسْرِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ لِأَنِّي رَأَيْت بَعْضَ مَنْ جَمَعَ فِي أَلْفَاظِ الْفِقْهِ قَالَ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وهذا غلط لاشك فِيهِ وَلَا خِلَافَ * وَكُنْيَةُ جُبَيْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَحُلَمَائِهِمْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَصِفَةُ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا زَادَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَازَ وَلَا يَقْصِدُ بِهَا الْقُرْآنَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِلْجُنُبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ذِكْرٌ وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَلَمْ

يَذْكُرُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ التَّسْمِيَةَ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا بِقَوْلِهِمْ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ وُضُوءَ الصَّلَاةِ يُسَمَّى فِي أَوَّلِهِ: وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الغسل لاستباحة مالا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْغُسْلِ كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدُ فَإِنْ نَوَى لِمَا يُبَاحُ بِلَا غُسْلٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْدَبُ لَهُ الْغُسْلُ كَلُبْسِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ كَالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ صِفَةِ النِّيَّةِ وَمَحَلِّهَا وَهُوَ الْقَلْبُ وَوَقْتِهَا وَهُوَ أَنَّ وَاجِبَهُ عِنْدَ أَوَّلِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ: وَيُسْتَحَبُّ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْفَرَاغِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُثَابُ عَلَى مَا قَبْلِهَا مِنْ التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ثَوَابِهِ وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْوُضُوءِ: وَلَوْ نَوَتْ الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ اسْتِبَاحَةَ وطئ الزَّوْجِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا صِفَةُ الْغُسْلِ فَهِيَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهَا الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ نَقَلُوا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُكْمِلُهُ كُلَّهُ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ صَرِيحًا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَكَيْفَ فَعَلَ حَصَلَ الْوُضُوءُ وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا لِلْبُخَارِيِّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ تُتَأَوَّلُ رِوَايَاتُ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرُهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَالْبَاقِي مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا

بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكْمَالُ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ كَمَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ بِمَرَّةٍ مَرَّةٍ فِي بَعْضِهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِلتَّنْظِيفِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ أَخَّرَهُ أَوْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ مَاذَا يَنْوِي بِهَذَا الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ أَجِدْ فِي مُخْتَصَرٍ وَلَا مَبْسُوطٍ تَعَرُّضًا لِكَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ إلَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الشَّهْرُزَوْرِيِّ فَقَالَ يَتَوَضَّأُ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ قَالَ إنْ كَانَ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ أَصْغَرَ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ هَذَا رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لِأَنَّا إنْ أَوْجَبْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لا يشرع وضوآن فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ ان قُلْنَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَجَبَ إفْرَادُهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِهِ بِالنِّيَّةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا وَلَا خِلَافَ انه لا يشرع وضوآن سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَقَطْ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ بِدَلِيلِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى فَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمُرَادُهُمْ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ وَمَا عَلَى الْقُبُلِ مِنْ مَنِيٍّ وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَذَرُ يَتَنَاوَلُ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ: وَنَقَلَ الرافعى عن ابن كج وغيره وحهين فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَى النَّجَاسَةُ أَمْ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمَنِيِّ وَالصَّحِيحُ إرَادَتُهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ

وَلَمْ يَعُدَّ الْأَكْثَرُونَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ وَأَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ جَعْلَهَا مِنْ وَاجِبِ الْغُسْلِ قَالُوا لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ سَوَاءٌ وَلَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ: لَكِنْ يُقَالُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ والغسل وشرط الشئ لَا يُعَدُّ مِنْهُ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يعد ان مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قُلْت وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ صَحِيحٌ وَمُرَادُهُمْ لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ به الا بهذه الثالثة وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْوُضُوءِ: وَأَمَّا النِّيَّةُ وَإِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ فَوَاجِبَانِ بلا خلاف وسواء كن الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْبَشَرَةِ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ وَجَمِيعِ الْبَشَرَةِ تحته بلا خلاف بخلاف الكثيف فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُتَكَرِّرٌ فَيَشُقُّ غَسْلُ بَشَرَةِ الْكَثِيفِ وَلِهَذَا وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ جَمِيعًا مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَغَيْرِهِ (1) فِي صِفَةِ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيَانٌ لِلطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا في قوله تعالى (وان كنتم جنبنا فاطهروا) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ) (2) قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت رَأْسِي وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا زاد علي ذلك سنة فصحيح وَقَدْ تَرَكَ مِنْ السُّنَنِ أَشْيَاءَ: مِنْهَا اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْأَيَامِنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا الِابْتِدَاءُ بِأَعْلَى الْبَدَنِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَتَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَحَبَّاتٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا يَدْخُلُ هُنَا كَتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ وَالتَّنْشِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَأَمَّا مُوَالَاةُ الْغُسْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا تَجْدِيدُ الْغُسْلِ فَفِيهِ وجهان الصحيح لا يستحب

_ (1) في الاستدلال بما سبق علي وجوب غسل البشرة نظر اه اذرعى (2) حديث على هذا قد حسنه الشيخ فيما سبق وضعفه هنا فليحقق أمره ففيه دليل على وجوب غسل البشرة اه اذرعى

والثاني يستحب وسبق بيانه واضحا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ * (فَرْعٌ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَاللُّبَابِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي البسيط والوسيط والوجيز والمتولي والشيخ نضر فِي كُتُبِهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْغُسْلِ مَسْنُونٌ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ ثَلَاثًا فَإِنَّا إذَا رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا اُسْتُحِبَّ التَّكْرَارُ فِي الْوُضُوءِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ كَانَ يَنْغَمِسُ فِي نَهْرٍ انْغَمَسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَإِنَّمَا بَسَطْت هَذَا الْكَلَامَ لِأَنِّي رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا يُنْكِرُونَ عَلَى صَاحِبَيْ التَّنْبِيهِ وَالْوَسِيطِ اسْتِحْبَابَهُمَا التَّكْرَارَ فِي الْغُسْلِ وَيَعُدُّونَهُ شُذُوذًا مِنْهُمَا وَهَذَا مِنْ الْغَبَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَمُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَالنُّقُولِ الْمُتَظَاهِرَةِ * (فَرْعٌ) مذهبنا ان ذلك الْأَعْضَاءِ فِي الْغُسْلِ وَفِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَوَصَلَ بِهِ وَلَمْ يَمَسَّهُ بِيَدَيْهِ أَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ تَحْتَ الْمَطَرِ نَاوِيًا فَوَصَلَ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ أَجْزَأَهُ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا وَالْمُزَنِيَّ فَإِنَّهُمَا شَرَطَاهُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ * وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْرَارُ الْيَدِ وَلَا يُقَالُ لِوَاقِفٍ فِي الْمَطَرِ اغْتَسَلَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إمْرَارُ الْيَدِ فَكَذَا هُنَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابي ذررضى اللَّهُ عَنْهُ (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (1) سَبَقَ ذِكْرُهُ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ فَلَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ فِيهِ كَغُسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَمَّى الْإِفَاضَةُ غُسْلًا مَمْنُوعٌ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ ممنوع أيضا فان المذهب

_ (1) وهذا الحديث يحتج به لوجوب غسل البشرة وهى ظاهر الجلد اه اذرعى

الصَّحِيحَ أَنَّ إمْرَارَ الْيَدِ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) الْوُضُوءُ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا شَرَطَاهُ كَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمَا: وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ (يَكْفِيكِ أَنْ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ) وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ السَّابِقِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي تَأَخَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي السَّفَرِ فِي قَضِيَّةِ الْمُزَادَتَيْنِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ جُنُبٌ فَأَعْطَاهُ إنَاءً وَقَالَ (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك) وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ (فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا وُضُوءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُسْلِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قال المصنف رحمه الله * [وان كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجل] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إيصَالُهُ إلَى مَا يَظْهَرُ فِي حَالِ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجِبُ فِي الْجَنَابَةِ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى مَا وَرَاءَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ قَالَ لِأَنَّا إذَا لَمْ نُوجِبْ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ فَهَذَا أَوْلَى وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الاكثرون * والله أعلم: قال المصنف رحمه الله * [فان كان لها ضفائر فان كان يصل الماء إليها من غير نقض لم يلزمها نقضها لان أم سلمة رضي الله عنها (قالت يا رسول الله اني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للغسل من الجنابة فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فإذا أنت قد طهرت) وان لم يصل الماء إليها إلا بنقضها لزمها نقضها لان ايصال الماء إلى الشعر والبشرة واجب] *

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهَا وَحَالِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَقَوْلُهَا أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ أَشُدُّ فَتْلَ شَعْرِي وَأُدْخِلُ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ وَأَضُمُّهُ ضَمًّا شَدِيدًا يُقَالُ ضَفَّرْتُهُ إذَا فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ بَرِّي فِي جُزْءٍ لَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا الضَّبْطَ لَحْنٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ ضُفُرٌ بِضَمِّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ وَرَأَيْت لِابْنِ بَرِّي فِي هَذَا الْجُزْءِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يَعُدُّهَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ وَتَصْحِيفِهِمْ وَلَيْسَتْ كَمَا قَالَ وَقَدْ أَوْضَحْت كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الضَّفَائِرُ وَالضَّمَائِرُ وَالْغَدَائِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الذَّوَائِبُ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهَا فِي بعض نسجها وَاحِدَتُهَا ضَفِيرَةٌ وَضَمِيرَةٌ وَغَدِيرَةٌ فَإِذَا لُوِيَتْ فَهِيَ عقايص وَاحِدَتُهَا عَقِيصَةٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ وُصُولِ الْمَاءِ بِغَيْرِ نَقْضٍ وَعَدَمِ وُصُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ أُمِّ سملة عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ بِغَيْرِ نَقْضٍ: وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَاجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ وَكَذَا الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَلِلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَشْرُوعَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ وُجُوبَ نَقْضِهَا مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ لَا تَنْقُضُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَتُنْقَضُ فِي الْحَيْضِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ النَّقْضُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ تُغُلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ وَأَنْ تَغْمُرَ ضَفَائِرَهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ شَعْرٌ مَضْفُورٌ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ فِي هذا والله أعلم: قال المصنف رحمه الله * [وان كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امرأة جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله عن الغسل من الحيض فقال (خذى فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف اتطهر بها فقال صلى الله عليه وسلم (سبحان الله تطهري بها) قالت عائشة رضى الله عنها قلت تتبعي بها اثر الدم: فان لم تجد مسكا فطيبا غيره لان القصد تطييب الموضع فان لم تجد فالماء كاف] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ السَّائِلَةَ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْكَافِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتِ أَنَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ خَطِيبَةُ النِّسَاءِ وَالْفِرْصَةُ بكسر

الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةِ وَالْمِسْكُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ بفتح الميم وهو الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةُ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مُطَيَّبَةٌ بِالْمِسْكِ وهذا التطييب مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ تَأْخُذُ مِسْكًا فِي خِرْقَةٍ أَوْ صُوفَةٍ أَوْ قُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا وَتُدْخِلُهَا فَرْجَهَا وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي هَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَنْ تُطَيِّبَ بِالْمِسْكِ أَوْ غَيْرِهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي أَصَابَهَا الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَتَعْمِيمُهُ الْبَدَنَ غَرِيبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَطِيبًا غَيْرَهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ اُسْتُحِبَّ طِينٌ أَوْ نَحْوُهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطِّينَ بَعْدَ فَقْدِ الطِّيبِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمِسْكِ تطييب الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ لِيَكْمُلَ اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بِإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ وَكَمَالِ اللَّذَّةِ وَالثَّانِي لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ إلَى عُلُوقِ الْوَلَدِ: قَالَ فَإِنْ فَقَدَتْ الْمِسْكَ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَتَتْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي دَفْع الرَّائِحَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فِيمَا يسرع إلى العلوق كالقسط الاظفار وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي وَقْتِ اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَقَبْلَهُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وهذا الوجه الثاني ليس بشئ وما تفرع عليه أيضا ليس بشئ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ شَكَلٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ (فَقَالَ تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وسدرتها فتطهر وتحسن الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتُدَلِّكُهُ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتُطَهِّرُ بِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْمَاءُ كَافٍ فَكَذَا عِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ يُقَالُ الْمَاءُ كَافٍ وَجَدَتْ الطِّيبَ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَكَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ أَيْضًا صَحِيحَةٌ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِذَا عدمث الطِّيبَ فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي تَرْكِهَا وَلَا كَرَاهَةَ في حقها

وَلَا عَتَبَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُعْذَرُ المريض شبهه فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله] * [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صاع ولا في الوضوء من مد لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد فان أسبغ بما دونه أجزأه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ بما لا يبل الثرى قال الشافعي رحمه الله: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفى] * [الشَّرْحُ] الثَّرَى مَقْصُورٌ وَهُوَ مَا تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ التُّرَابِ النَّدِيِّ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّاعَ هُنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ كَمَا هُوَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ بِالِاتِّفَاقِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سبق بيان رطل بغداد فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَسْبَغَ أَيْ عَمَّمَ الْأَعْضَاءَ وَمِنْهُ ثَوْبٌ سَابِغٌ أَيْ كَامِلٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَدْرٌ مُعِينٌ بَلْ إذَا اسْتَوْعَبَ الْأَعْضَاءَ كَفَاهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ شَرْطَ غُسْلِ الْعُضْوِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ مُدٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّاعُ وَالْمُدُّ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ) وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ: وَفِي الْبُخَارِيِّ اغْتِسَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّاعِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عَنْ صَاعٍ وَمُدٍّ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ عَائِشَةَ (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وقريبا مِنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ لِلْوُجُوبِ حَدِيثُ عائشة (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ) : رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ

مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلْثَيْ مُدٍّ) : وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (تَوَضَّأَ بما لايبل الثَّرَى) فَلَا أَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَمِّ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي حَرَامٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) رواه أبو داود باسناد صحيح قال المصنف رحمه الله * [ويجوز أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ إناء واحد ويجوز أن يتوضأ أحدهما بفضل وضوء الآخر لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت اني اغتسلت منه فقال صلى الله عليه وسلم (الماء ليس عليه جنابة) واغتسل منه] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ كان الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَمُّوا مَيْمُونَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْجَفْنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَصْعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ فَفَضَلَتْ هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَيْ بَقِيَتْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ

وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاغْتِسَالِهِمَا جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ: وَأَمَّا فَضْلُ الْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ بِهِ أَيْضًا لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَمْ لَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد لَا يَجُوزُ إذَا خَلَتْ به وروى هذا عن عبد الله ابن سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الْحَكَمِ حَسَنٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِلْمَسْأَلَةِ وَإِذَا ثَبَتَ اغْتِسَالُهُمَا مَعًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعْمِلٌ فَضْلَ الْآخَرِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ سَرْجِسَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقْفُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رَفْعِهِ وَرُوِيَ حَدِيثُ الْحَكَمِ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي الرُّخْصَةِ أَصَحُّ فَالْمَصِيرُ إلَيْهَا أَوْلَى: (الْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ مَا سَالَ عَنْهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَدَاوُد وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى فِي رواية

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ حَمِيدًا لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ فَهُوَ كَالْمُرْسَلِ إلا انه مرسل جيد لولا مُخَالَفَتُهُ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الْمَوْصُولَةِ وَدَاوُد لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قُلْت جَهَالَةُ عَيْنِ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ المراد ما سقط من أعضائهما وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنَعَهَا فَضْلَ الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي داود والبيهقي وليغترفا جميعا وهذه الرواية تضعيف هَذَا التَّأْوِيلَ وَيُمْكِنُ تَتْمِيمُهُ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَحْمِلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِظَاهِرِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَصِحَّ وَتَعْمَلَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا بِخِلَافِ الْمُرَادِ مِنْهُ: (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَفَضْلُ مَاءِ الْجُنُبِ طَاهِرٌ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ طَاهِرٌ قَطْعًا لَكِنْ إذَا خَلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ فَسَّرَ فَضْلَ الْجُنُبِ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ فَضْلُ الْجُنُبِ طَاهِرٌ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَجْوَدُ مُطَهِّرٌ (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ فِيهِ نقص وصوابه وهو الذي فضل من طاهرته: أما ماسه فِي شُرْبِهِ أَوْ أَدْخَل يَدَهُ فِيهِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَيْسَ هُوَ فَضْلَ جُنُبٍ وَمَا أَفْضَلَهُ من طاهرته وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ فَهُوَ فَضْلُ جُنُبٍ فَأَوْهَمَ ادخال مالا يَدْخُلُ وَإِخْرَاجَ مَا هُوَ دَاخِلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ مُطَهِّرٌ مُطْلَقًا وَخَالَفَنَا أَحْمَدُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: وَعَنْ الثَّانِي بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا

أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُنُبِ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالثَّلَاثَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ فَحَذَفَ قَوْلَهُ وَغَيْرِهِ لِدَلَالَةِ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجُنُبِ اقْتِدَاءً بِالشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ تَرْجَمُوا هَذَا بِبَابِ فَضْلِ الْجُنُبِ ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ الْجُنُبَ وَغَيْرَهُ: وَيُجَابُ عَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ كَوْنَهُ مُطَهِّرًا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ مُطَهِّرٌ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَوْ يُسْتَعْمَلَ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَلَا اسْتِعْمَالٌ: وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُرَادَ مَسُّهُ (1) فِي الطَّهَارَةِ وَاكْتَفَى بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالْمُرَادُ مَسُّهُ في استعماله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فان أحدث وأجنب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يجب الغسل ويدخل فيه الوضوء وهو المنصوص في الام لانهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة وغسل الحيض (والثاني) انه يجب الوضوء والغسل لانهما حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين فلم يدخل أحدهما في الآخر كحد الزنا والسرقة (والثالث) أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ البدن لانهما متفقان في الغسل ومختلفان في الترتيب فما تفقا فيه تداخلا وما اختلفا فيه لم يتداخلا وسمعت شيخنا أبا حاتم القزويني يحكي فيه وجها رابعا انه يقتصر على الغسل الا انه يحتاج أن ينويهما ووجه لانهما عبادتان متجانستان صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الافعال دون النية كالحج والعمرة] [الشَّرْحُ] لِلْجُنُبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَكُونُ جُنُبًا لَمْ يُحْدِثْ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ: وَحَالٌ يُحْدِثُ ثُمَّ يُجْنِبُ: وَحَالٌ يُجْنِبُ ثُمَّ يُحْدِثُ: فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُجْنِبُ بِلَا حَدَثٍ فَيَكْفِيه غَسْلُ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَيَكُونُ الْوُضُوءُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فِي صُوَرٍ أَشْهَرُهَا أَنْ يُنْزِلَ الْمُتَطَهِّرُ الْمَنِيَّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَظَرٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ فَوْقَ حَائِلٍ أَوْ فِي النَّوْمِ قَاعِدًا فَهَذَا جُنُبٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مُحْدِثًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور الذى قطع

_ (1) الظاهر انه ذكر المس اتباعا شيخه امام الحرمين فانه قال والذي يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض على وجه لا يصير به مستعملا ولهذا استدل الشافعي في الباب باخبار تدل علي طهارة ايديهما اه اذرعى

بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَطْبَقُوا عَلَى تَصْوِيرِ انْفِرَادِ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَدَثِ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْقَاضِيَّ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ جُنُبٌ مُحْدِثٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَلُفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَيُولِجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ: الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُولِجَ فِي فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ فَيَكُونُ جُنُبًا وَلَا يَكُونُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ فَرْجَ آدَمِيٍّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ غَيْرِهَا. هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ قَالَ الرافعى وألحلق بِهَا الْمَسْعُودِيُّ الْجِمَاعَ مُطْلَقًا وَقَالَ إنَّهُ يُوجِبُ الْجَنَابَةَ لَا غَيْرَ قَالَ وَاللَّمْسُ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ يَصِيرُ مَغْمُورًا بِهِ كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْخَارِجِ بِالْإِنْزَالِ يَنْغَمِرُ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ اللَّمْسَ وَمُجَرَّدُ اللَّمْسِ يُوجِبُ شَاةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ الْحَدَثَانِ وَلَا يَنْدَفِعُ أَثَرُ اللَّمْسِ بِخِلَافِ انْدِفَاعِ أَثَرِ خُرُوجِ الْخَارِجِ لِأَنَّ اللَّمْسَ يَسْبِقُ حَقِيقَةَ الْجِمَاعِ فَيَجِبُ تَرْتِيبُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَّتْ حَقِيقَةُ الْجِمَاعِ وَجَبَ أَيْضًا حُكْمُهَا وَفِي الْإِنْزَالِ لَا يَسْبِقُ خُرُوجَ الْخَارِجِ الْإِنْزَالُ بَلْ إذَا أَنْزَلَ حَصَلَ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مَعًا وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ الْحَدَثَيْنِ فَيَدْفَعُ حُلُولُهُ حُلُولَ الْأَصْغَرِ مُقْتَرِنًا بِهِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ المحرم فمنوعة عَلَى وَجْهٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَفِي الْفِدْيَةِ مَعْنَى الزَّجْرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَسَبِيلُ الْجِنَايَاتِ انْدِرَاجُ الْمُقَدَّمَاتِ فِي المقاصد ولهذا لو انفردت مقدمات الزنا أوجبت تَعْزِيرًا فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ وَأَمَّا هُنَا فَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِصُورَةِ اللَّمْسِ وَلِهَذَا اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ يُجْنِبَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَكْفِيه إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ وَيُصَلِّي بِهِ بِلَا وُضُوءٍ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَتَكُونُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الوضوء وله أن يؤخره إلى بعد فراغه من الغسل وله أن يوسطه فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَا يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَهُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ وَتَأْخِيرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ: وَالرَّابِعُ يَكْفِيه غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِلَا وُضُوءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ والغسل

فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْغُسْلِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ الْأَوْجُهِ * الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يُجْنِبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ثُمَّ يُحْدِثُ فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْحَدَثُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يَجْزِيه الْغُسْلُ بِلَا وُضُوءٍ قَطْعًا وَالثَّانِي يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبَا مُحْدِثًا وَتَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ هُنَا الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ قَطْعًا بَلْ لابد مِنْهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْحَدَثُ فَإِنَّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ بِأَنَّ هُنَاكَ وَرَدَتْ الْجَنَابَةُ عَلَى أَضْعَفَ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ وَهُنَا عَكْسُهُ فَأَشْبَهَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَدْخُلُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَلَا يَنْعَكِسُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَخَيَالٌ عَجِيبٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَتَقَدُّمِ الْحَدَثِ فتجئ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ فَقَدْ ذكرنا أن يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَإِذَا قَدَّمَهُ فَهَلْ يُقَدِّمُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَعَهُ أَمْ يُؤَخِّرُهُمَا فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُشْرَعُ وضوآن فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ وضوآن وَلَعَلَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ * وَيُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح * وأما قول المصنف لانهما حقان مُخْتَلِفَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَقَوْلُهُ يَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى رَجْمِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ فِي مَجَالِسَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ عِبَادَتَانِ احْتِرَازٌ عَنْ حَقَّيْنِ لَآدَمِيٍّ وَقَوْلُهُ مُتَجَانِسَانِ احْتِرَازٌ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ صُغْرَى وَكُبْرَى احْتِرَازٌ مِمَّنْ دَخَلَ في الجمعة فخرج الوقت في أثائها فانه يتمها ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الظهر ويحتمل أنه احترز عَنْ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَدْخُلُ في الاخرى لافى الْأَفْعَالِ وَلَا فِي النِّيَّةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحَجِّ

وَالْعُمْرَةِ بِأَنَّ الْحَجَّ يَشْمَلُ كُلَّ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَدَخَلَتْ فِيهِ وَالْغُسْلُ لَا يَشْمَلُ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ والله أعلم قال المصنف رحمه * [فان توضأ من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أو اغتسل من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أجزأه ما غسل من الحدث عن الجنابة لان فرض الغسل في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث واحد] [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ ثُمَّ ذَكَر أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا فَيَجْزِيه الْمَغْسُولُ وَهُوَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ المصنف: الثانية غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ارْتِفَاعُهُ عَنْ جميع أعضاء الوضوء الرأس وغيره وكذا أطلقه جماعة وصرح جَمَاعَةٌ بِارْتِفَاعِهِ عَنْ الرَّأْسِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ فَرْضَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ فَاَلَّذِي نَوَاهُ إنَّمَا هُوَ الْمَسْحُ فَلَا يَجْزِيه عَنْ غَسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا غَسَلَهُ بنية الحدث عن شئ مِنْ الْجَنَابَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ واضحة في باب نية والوضوء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةً كَانَتْ أَوْ دَائِمَةً وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْمَاءِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ وَالْبَوْلَ فِيهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا ذَكَرَ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ كَالْغُسْلِ * وَيَحْتَجُّ لِلْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) فَقِيلَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ (يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْغُسْلُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ قَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يكون بَعْدَ الْبَوْلِ خَوْفًا مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ بَعْدَ الغسل وحكي الدَّارِمِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْبَوْلِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ إذَا غَسَلَ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ أَذًى أَنْ يَدْلُكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَغْسِلَهَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: (الرابعة)

لَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَّا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَانَ خَالِيًا جَازَ الْغُسْلُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ * وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ لِجَوَازِ الغسل عريانا في الخلوة بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ مُوسَى اغْتَسَلَ عُرْيَانًا فَذَهَبَ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ) وَأَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فخر عليه جدار مِنْ ذَهَبٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا قِصَّةَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا * واحتجو الفضل السَّتْرِ بِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (احفظ عورتك الامن زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ (اللَّهُ أَحَقُّ ان يستحيي من النَّاسِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا * وَاحْتَجَّ فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ * (الْخَامِسَةُ) الْوُضُوءُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَنٌ فِي الْغُسْلِ فَإِنْ تَرَكَ الثَّلَاثَةَ صَحَّ غُسْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ سَمَّاهُ مُسِيئًا لِتَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فتاركها مسئ لَا مَحَالَةَ قَالُوا وَهَذِهِ إسَاءَةٌ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ لَا بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَأَمْرُهُ بِاسْتِئْنَافِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ دُونَ الْوُضُوءِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ يُوجِبُونَهُمَا فَأَحَبَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ وَالْوُضُوءُ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا حَدَثَ خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بَعْدَهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْوُضُوءِ دُونَ مَوْضِعِهِمَا فَأَمَرَهُ بِإِيصَالِهِ إلَيْهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ آكَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ: وَالْوُضُوءِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِدَلَائِلِهَا * وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي أَعْضَاءِ الْمُغْتَسِلِ لَكِنْ

تُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِأَعَالِي الْبَدَنِ وَبِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ: (السَّابِعَةُ) يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى غُضُونِ الْبَدَنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدَاخِلِ السُّرَّةِ وَبَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْإِبْطَيْنِ وَمَا بَيْن الْأَلْيَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَحُمْرَةِ الشَّفَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَلَوْ الْتَصَقَتْ الْأَصَابِعُ وَالْتَحَمَتْ لَمْ يَجِبْ شِقُّهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَبَسْطُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمِمَّا قَدْ يُغْفَلُ عَنْهُ بَاطِنُ الْأَلْيَيْنِ وَالْإِبْطُ وَالْعُكَنُ وَالسُّرَّةُ فَلِيَتَعَهَّدْ كُلَّ ذَلِكَ وَيَتَعَهَّدْ إزَالَةَ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الصِّمَاخِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ صِمَاخِ الْأُذُنِ دُونَ مَا بَطَنَ * وَلَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَنَعَ فَفِي صِحَّةِ غَسْلِهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابَيْ السِّوَاكِ وصفة الوضوء: (الثامنة) إذا كان عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ شَعْرِهِ حِنَّاءٌ أَوْ عَجِينٌ أَوْ طِيبٌ أَوْ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَمَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ أَوْ إلَى نَفْسِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بيأن هذا مع فُرُوعٌ حَسَنَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ: وَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ مُتَلَبِّدًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غَسْلُهُ إلَّا بِنَفْشِهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ انْعَقَدَتْ فِي رَأْسِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهَا وَيَصِحُّ الْغُسْلُ وَهِيَ مَعْقُودَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَصِلُ بَاطِنَ مَحَلِّ الْعَقْدِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَبُلُّ مَحَلَّهَا: وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ كَالْمُلَبَّدِ وَقَطْعُ هَذِهِ الشَّعَرَاتِ مُمْكِنٌ بِلَا ضَرَرٍ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ: (التَّاسِعَةُ) لَوْ تَرَكَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ: فَلَوْ نَتَفَ تِلْكَ الشَّعْرَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَاءُ وَصَلَ أَصْلَهَا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ إيصَالُهُ أَصْلَهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى أُصُولِ شَعْرِهِ دُونَ الشَّعْرِ ثُمَّ حَلَقَهُ أَجْزَأَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا (1) وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَقْطَعِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعَرَاتِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْهُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا انْشَقَّ جِلْدُهُ بِجِرَاحَةٍ وَانْفَتَحَ فَمُهَا وَانْقَطَعَ دَمُهَا وَأَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى باطنها الذى يشاهد بلا ضرر

_ (2) صحح في الروضة الثاني وفيه نظر لان غسل البشرة وزوال الشعرة لا يؤتى فيه كمن ترك من الوضوء أو الغسل رجله ثم قطعت اه اذرعى

وَجَبَ إيصَالُهُ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَنَّهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى الِاسْتِبْطَانِ وَإِنَّمَا يُفْتَحُ فَمُهُ لِحَاجَةٍ وَمَحَلُّ الْجِرَاحَةِ صَارَ ظَاهِرًا فَأَشْبَهَ مَكَانَ الِافْتِضَاضِ مِنْ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ وَقَدْ سَبَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَرَزَ بِالِافْتِضَاضِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ لِلْجِرَاحَةِ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ بِالِافْتِضَاضِ: وَلَوْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَالْتَأَمَتْ سَقَطَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ بعد الافتضاض فانه يسقط غسل ما كان ظهر بالافتصاض وَكَمَا لَوْ الْتَحَمَتْ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شَقُّهَا بَلْ يَكْفِيه غَسْلُ مَا ظَهَرَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ فِي بَاطِنِ الْجِرَاحَةِ دَمٌ وَتَعَذَّرَتْ إزَالَتُهُ وَخَشَى زِيَادَةَ سِرَايَتِهَا إلَى الْعُضْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهَا وَلَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا انْدَمَلَتْ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ قُطِعَتْ شَفَتُهُ أَوْ أَنْفُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ إيضَاحُهُمَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الجلدة التى تقطع في الختان: فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ فَمَا تَحْتَهَا كَالظَّاهِرِ * وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَلَا يَكْفِي غَسْلُ مَا تَحْتَهَا فَلَوْ كَانَتْ كَالْمَعْدُومَةِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا فَبَقِيَ مَا تَحْتَهَا بَاطِنًا: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ وَحُكْمُ اسْتِحْبَابِهِ كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُهُ: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ غَسْلَةً وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ النَّجَاسَةُ وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي مَوَاضِعَ بَسَطْتهَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ: وَلَوْ صَبَّ الْجُنُبُ

عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَى ظَهْرِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَلَ عَلَيْهَا فَأَزَالَهَا فَإِنْ قُلْنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ طَهَّرَ الْمَحَلَّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْجَنَابَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ لَا يَصْلُحُ لِلنَّجَسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَفِي طَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَسِ هُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ قَائِمٌ عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ: وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَاءَ فِي حَالَةِ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ مستعلا للحاجة إلى ذلك في الطاهرة الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ طَهَارَةٌ أُخْرَى فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَطْهِيرُ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَكْفِيه الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِيهِ عَنْ النَّجَسِ وَالْجَنَابَةِ إذَا نَوَاهَا فِيهِ الْوَجْهَانِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَحْدَثَ الْمُغْتَسِلُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ بَلْ يُتِمُّهُ وَيُجْزِيه فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْغُسْلَ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فلا يبطله في أثنائه كالاكل والشرب (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَمْلُوكِهِ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ هُنَا وآخرون في النفقان أَحَدُهُمَا يَجِبُ كَزَكَاةِ فِطْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا: لِأَنَّ لِلطَّهَارَةِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْحَجِّ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْهَدْيُ بَلْ يَنْتَقِلُ الْعَبْدُ إلَى الصَّوْمِ وَيُخَالِفُ الْفِطْرَةَ فَلَا بَدَلَ لَهَا ولم يرجحا واحدا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْعَبْدِ وَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ وَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ شِرَاءُ مَاءِ الطَّهَارَةِ لِزَوْجَتِهِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ هُنَا وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ فِي النَّفَقَاتِ وَالْأَظْهَرُ تَفْصِيلٌ ذَكَرِهِ الْبَغَوِيّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ إنْ كَانَ الْغُسْلُ لِاحْتِلَامِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ كَانَ لِجِمَاعِهِ أَوْ نِفَاسٍ لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بسببه وان كان حيض لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ التَّمْكِينِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُنْظَرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إلَى أَنَّ السَّبَبَ مِنْهُ كَاللَّمْسِ أَمْ لَا: وَفِي أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي كِتَابِ

فصل في الاغسال المسنونة

النَّفَقَاتِ الْوُجُوبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ فِي نَوَازِلِهِ: لو كان في الانسان قرحة فبزأت وَارْتَفَعَ قِشْرُهَا وَأَطْرَافُ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ إلَّا الطَّرَفَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقَيْحُ فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ القشرة أجزأه وضوءه في مَعْنَاهُ الْغُسْلُ * * (فَصْلٌ) * (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ) لَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا بَلْ ذَكَرَهَا مُفَرَّقَةً فِي أَبْوَابِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ مَجْمُوعَةً فِي بَابٍ اقْتِدَاءً بِالْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَحْبَبْت مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذِكْرِهَا مَجْمُوعَةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَحْوَطُ وَأَنْفَعُ وَأَضْبَطُ فَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى في هذا الفصل في غاية الاحتصار بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ هَذَا الشَّرْحِ لِكَوْنِي أَبْسُطُهَا ان شاء الله تعالي بفروعها وادلتها وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مَوَاضِعِهَا: فَمِنْهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَفِيمَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ حَضَرَ أَمْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وغيره وهذا ضعيف أو غلط (والرابع) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَمَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَغُسْلِ الْعِيدِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (1) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَبْقَى إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُون عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُحْسَبْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا امام الحرمين فحكي وجها أنه

_ (1) ونقل رحمه الله في شرح مسلم وجها انه يستحب المذكور خاصة فهذا وجه خامس اه اذرعى

يحسب وليس بشئ: وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ أَبْطَلَهُ: دَلِيلُنَا أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ فَإِذَا تَعَقَّبْهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لَمْ يُبْطِلْهُ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ غُسْلَ الْجُمُعَة لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ قَالُوا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي قوم توضؤا وَفَرَغَ مَاؤُهُمْ وَفِي الْجَرِيحِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاسْتَبْعَدَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ التَّيَمُّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَنَابَ عَنْهَا التَّيَمُّمُ كَغَيْرِهَا: وَلِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ نَبْسُطُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ فَاخْتُصَّ بِحَاضِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ: وَيَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَهُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا كَالْجُمُعَةِ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِأَنَّ الْعِيدَ يُفْعَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَقْدِيمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَعَلَى هَذَا فِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السَّحَرِ وَأَصَحُّهَا يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِغُسْلِ الْعِيدِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْكُسُوفَيْنِ وَغُسْلُ الِاسْتِسْقَاءِ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَمِنْهُ أَغْسَالُ الْحَجِّ وَهِيَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يَغْتَسِلُ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ لَهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَبْقَى إلَى آخِرِ النَّهَارِ فَلَا يَجْتَمِعُ لها الناس ولا اغْتَسَلَ لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ فَأَثَرُ الْغُسْلِ بَاقٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَضَافَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ

إلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْغُسْلَ لِطَوَافَيْ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِلْحَلْقِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُسَنُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ جَمِيعُ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا غُسْلَ الطَّوَافِ لِكَوْنِهَا لَا تَطُوفُ (1) وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بين غسل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيُسَنُّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِهِمَا وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَرَاوِزَةِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ وَقَطَعَا بِهِ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ المحاملى في اللباب والغزالي في الخلاصة والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ ثُمَّ قَالَ وَأَنْكَرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ أَمَّا الْحِجَامَةُ فَوَرَدَ فِيهَا أَثَرٌ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إذَا تَنَوَّرَ يَغْتَسِلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ اسْتَحَبَّهُ لِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي مَاءِ الْحَمَّامِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْغُسْلِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ فَعَرِقَ اُسْتُحِبَّ أَلَّا يَخْرُجَ حَتَّى يَغْتَسِلَ: هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْغُسْلُ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحِجَامَةِ وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (كُنَّا نَغْتَسِلُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعِ النَّاسِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَأَيْت فِي الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا أَوْ إشَارَةً ظَاهِرَةً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ أَمْرٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمَرْءُ لَهُ وَيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ الْمُغَيِّرَةَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَمَسَّ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الِاجْتِمَاعَ بِالنَّاسِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَغَيَّرَ فيه البدن قال اصحابنا وآكده هَذِهِ الْأَغْسَالِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الميت وأيهما آكد: فيه قولان مشهوران

_ (1) وينبغي ألا يسن أيضا ان لم يثبت فيه شئ إذ الاستحباب حكم شرعى يحتاج إلى دليل ثابت وكيف يقال يسن ما لم يرد فيه سنة ثابتة اه اذرعي

وذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ: وَالثَّانِي غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ أَحَادِيثَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الغسل من غسل الميت شئ صَحِيحٌ: وَفَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَوْلَاهُمْ أَوْ آكَدِهِمْ حَاجَةً فَوُجِدَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَدْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَالْآخَرُ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِهِ. فِيهِ الْقَوْلَانِ وَسَتَأْتِي دَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْته فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * * (فَصْلٌ) * [فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ (1) ] رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمَيَازِرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ اسناده بذاك القائم: وعن المليح بفتح اليمم قَالَ دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُنَّ فَقُلْنَ مِنْ أَهْلِ الشام فقالت لعلكن من الكورة التى يدخل نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ نَعَمْ قَالَتْ أَمَا إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ يُضَعَّفُ: وَجَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ مُتَعَارِضَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عنه نعم

_ (1) وروى الامام أحمد رضى الله عنه عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول فيه (ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب اه اذرعي

الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ * وَعَنْ علي وابن عمر رضى الله عنهم بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ: وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَكَلَامُهُمْ فِيهِ قَلِيلٌ وَمِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ بِشَرْطِ التَّسَتُّرِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَمَكْرُوهٌ لِلنِّسَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّسَتُّرِ وَلِمَا فِي وَضْعِ ثِيَابِهِنَّ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ مِنْ الْهَتْكِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَأَنْشَدَ دَهَتْك بِعِلَّةِ الْحَمَّامِ نَعَمْ * وَمَالَ بِهَا الطَّرِيقُ إلَى يَزِيدَ قَالَ وَلِلدَّاخِلِ آدَابٌ مِنْهَا أَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرِّهِ حَرَّ النَّارِ وَيَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَرِّهَا ويسأله الجنة وان يكون قصده التنظف وَالتَّطَهُّرَ دُونَ التَّنْعِيمِ وَالتَّرَفُّهِ وَأَلَّا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عَارِيًّا بَلْ يَرْجِعَ وَأَلَّا يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا يُسَلِّمَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَرَجَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ وَرَوَى لِكُلِّ أَدَبٍ مِنْهَا خَبَرًا أَوْ أَثَرًا وَذَكَرَ آدَابًا أُخَرَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِحْيَاءِ فِيهِ كَلَامًا حَسَنًا طَوِيلًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ: دَخَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَّامَاتِ الشَّامِ قَالَ وَعَلَى دَاخِلِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ فَعَلَيْهِ وَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ صَوْنُهَا عَنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَمَسِّهِ فَلَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا وَإِزَالَةَ وَسَخِهَا إلَّا بِيَدِهِ: وَوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا وَأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ كَشْفِهَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ قَالَ وَلَا يَسْقُطُ الْإِنْكَارُ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ قَالَ وَلِهَذَا صَارَ الْحَزْمُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ تَرْكَ دُخُولِ الْحَمَّامِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ عَوْرَاتٍ مكشوفة لاسيما مَا فَوْقَ الْعَانَةِ وَتَحْتَ السُّرَّةِ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ إخْلَاءُ الْحَمَّامِ قَالَ وَالسُّنَنُ عَشْرٌ النِّيَّةُ بِأَنْ لايدخل عَبَثًا وَلَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا بَلْ يَقْصِدَ التَّنَظُّفَ الْمَحْبُوبَ وَأَنْ يُعْطِيَ الْحَمَّامِيَّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ قَائِلًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنْ يَدْخُلَ

وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَمَّامِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالْمُحْتَاطُونَ فِي الْعَوْرَاتِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبَدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَهُوَ مُذَكِّرٌ لِلْفِكْرِ فِي الْعَوْرَاتِ ثُمَّ لَا يَخْلُو النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا الْبَصَرُ وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَلَّا يُكْثِرَ صَبَّ الْمَاءِ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نار جهنم لشبهه بهار وَأَلَّا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَيَكْرَهُ دُخُولُهُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَرِيبًا مِنْ الْغُرُوبِ وَأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا فَرَغَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَهِيَ النظافة ويكره من جهة الطلب صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ وَشُرْبُهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاك اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ وَلَا بِأَنْ يُدَلِّكَهُ غَيْرُهُ يَعْنِي فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّسَاءِ كَلَامًا حَذَفْته لِكَوْنِ كَلَامِ السَّمْعَانِيِّ أَصْوَبَ مِنْهُ قَالَ وَإِذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ لِضَرُورَةٍ فَلَا تَدْخُلْ إلَّا بِمِئْزَرٍ سَابِغٍ قَالَ وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا سِرًّا وَلَا يُسَلِّمُ إذَا دَخَلَ فَقَدْ اتَّفَقَ هُوَ وَالسَّمْعَانِيُّ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَالسَّلَامِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أنها لا تكره ولعل مرادهما الاولى تركها لا أنها مَكْرُوهَةٌ: وَأَمَّا تَرْكُ السَّلَامِ فَقَدْ وَافَقَهُمَا عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ لِدَاخِلِهِ عَلَى مَنْ فِيهِ لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُشْتَغِلِينَ بِالتَّنَظُّفِ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ: والحمام مذكر لا مؤنث كذا نقه الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ عَنْ الْعَرَبِ: وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الماء الحار والله أعلم وبه التوفيق * [باب التيمم] قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْته وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَفَضِيلَةٌ اخْتَصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأُمَمِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ كُلِّ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا: قال المصنف رحمه الله * [يجوز التيمم عن الحدث الاصغر لقوله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صعيدا طيبا) وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ لما روى عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال أجنبت فتمعكت في التراب فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هكذا وضرب يديه على الارض ومسح وجهه وكفيه) ولانه طهارة عن حدث فناب عنها التيمم كالوضوء ولا يجوز ذلك عن ازالة النجاسة لانها طهارة فلا يؤمر بها للنجاسة في غير محل النجاسة كالغسل] * [الشَّرْحُ] أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وقَوْله تَعَالَى (صَعِيدًا طيبا) قِيلَ حَلَالًا وَقِيلَ طَاهِرًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ تَمَعَّكْت أَيْ تَدَلَّكْت وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ تَمَرَّغْت وَهُوَ بِمَعْنَى تَدَلَّكْت: وَرَاوِي الْحَدِيثِ عَمَّارٌ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِهِ فِي آخِرِ السِّوَاكِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعِبَارَةِ عَنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى مِثْلِهِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْته فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ طَهَارَةِ النَّجَسِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَكَذَا الْوِلَادَةُ إذَا قُلْنَا تُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَقَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجِبُ فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي حَالٍ جَائِزٌ فِي حَالٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَا يَجِبُ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ وَتَوَضَّأَ كَانَ أَفْضَلَ وَكَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَرَادَ نَافِلَةً أَوْ فَرِيضَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَمْ يَجِبْ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ جَائِزٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ

الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا عمربن الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ التَّابِعِيَّ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ إنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا * وَاحْتَجَّ لمن منعه بأن الآية فيها إبَاحَتِهِ لِلْمُحْدِثِ فَقَطْ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى قَوْله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ جَمِيعًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَنَّ جُنُبًا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَا يَتَيَمَّمُ قَالَ أَبُو مُوسَى لَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ بهذه الآية (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فقال عبد الله لو رخص لهم لا وشكو إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ وَاحْتَجُّوا مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ السَّابِقِ وَهُوَ فِي الصحيحين وبحديث عمر ان بْنِ الْحُصَيْنِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَك فَلَمَّا حَضَرَ الْمَاءُ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَقَالَ اغْتَسِلْ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَعْزُبُ فِي الْإِبِلِ وَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته: وَمِنْ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ مَا كَانَ طَهُورًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَانَ فِي الْأَكْبَرِ كَالْمَاءِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ التَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ بَلْ فِيهَا جَوَازُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانُهُ فَقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ * (فَرْعٌ) إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَاَلَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا وَنِفَاسُهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيَّ فَقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ السَّابِقَانِ *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَيَتَيَمَّمُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالُوا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ فَرْجِهِ فَغَسَلَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَرْجَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةً هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَ الْجِمَاعِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ إلَّا وَمَعَهُ مَاءٌ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَمْ يُصِبْهَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ جَازَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ مُبَاحٌ فَلَا نَمْنَعُهُ وَلَا نَكْرَهُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ قَالَ (نَعَمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَتَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ وَيُصَلِّي قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ من قول الشافعي بمصران التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ نَجَاسَةٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِلنَّجَاسَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ: وَقَوْلُهُ كَالْغَسْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله *

[والتيمم مسح الوجه واليدين مع المرفقين بضربتين أو أكثر والدليل عليه ما روى أبو أمامة وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى المرفقين) وحكي بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال في القديم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين ووجهه في حديث عمار: وانكر الشيخ أبو حامد ذلك وقال المنصوص في القديم والجديد هو الاول: ووجهه أنه عضو في التيمم فوجب استيعابه كالوجه وحديث عمار ويتأل علي انه مسح كفيه إلى المرفقين بدليل حديث أبي امامة وابن عمر] * [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَمُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الياء بن عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ مِنْ بَنِي بَاهِلَةَ سَكَنَ حِمْصَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالْعُضْوِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ فِي التَّيَمُّمِ احْتَرَزَ بِعُضْوٍ عَنْ مَسْحِ الخف وبالتيمم عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ * وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ حَصَلَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالضَّرْبَتَيْنِ وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ فَإِنَّ أَبَا ثَوْرٍ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَثِقَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ فَنَقْلُهُ عَنْهُ مَقْبُولٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَدِيمِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبَتَانِ بَلْ الْوَاجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِضَرْبَتَيْنِ أَوْ ضَرْبَةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي وَاجِبَاتِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب وابن عمروالحسن الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٍ والليث

وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا ثَلَاثُ ضَرْبَاتٍ ضَرْبَةٌ لِوَجْهِهِ وَضَرْبَةٌ لِكَفَّيْهِ وَضَرْبَةٌ لِذِرَاعَيْهِ: وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ: قَالَ دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ الْيَدَيْنِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ إلَى الْكَفَّيْنِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُهُمَا إلَى الْإِبِطَيْنِ وَمَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقَيْنِ: وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ أَجْنَبْت فَتَمَعَّكْت فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْت فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ فَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَا يَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فَتَرَكْتهَا وَأَقْرَبُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْصُوفَةُ أَوَّلًا وَهِيَ الْمِرْفَقُ وهذا المطلق محمول على ذلك المقيد لاسيما وهى آية واحدة وذكر الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الدَّلِيلَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الآية ثم أسقط منها عضوين في الآية فِي آخِرِ الْآيَةِ فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ يُسْتَوْعَبُ فِي التَّيَمُّمِ (1) كَالْوُضُوءِ فَكَذَا الْيَدَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نأخذ برواية عَمَّارٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوتُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاسُ

_ (1) نقله الاجماع على استيعاب الوجه في التيمم فيه نظر فقد نقل رحمه الله بعد هذا بنحو كراس عن ابى حنيفة أربع روايات وعن سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ ولم يذكر مسح الرأس عند ابن داود ولكن كلامه يشعر أنه لا يوجب الاستيعاب في الموضعين اه اذرعى

وفى ان البدل من الشئ يكون قال البيهقى حديث عمار ثبت مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ الذِّرَاعَيْنِ جيد بشواهده ورواه عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَعَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُسْنَدًا وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ تَعْلِيقًا وَهُوَ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ وَقَالَ (إنِّي لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَهُمْ قَالَ وَأَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْعَبْدِيِّ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ فَقَدْ صَحَّ رفعه من جهة الضحاك ابن عُثْمَانَ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ الْعَبْدِيُّ فِيهِ بِذِكْرِ الذِّرَاعَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ رِوَايَةِ الْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَخَذْنَا بِحَدِيثِ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِلْقِيَاسِ وَأَحْوَطُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَفَّيْنِ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ وَوُجُوبُ الذِّرَاعَيْنِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز التيمم الا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الارض مسجد أو جعل ترابها لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكه) فعلق الصلاة على الارض ثم نزل في التيمم إلى التراب فلو جاز التيمم بجميع الارض لما نزل عن عن الارض إلى التراب ولانه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حُذَيْفَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا لَمْ تُبَحْ لَهُمْ الصَّلَاةُ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالتُّرَابُ مَعْرُوفٌ وَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ اسْمًا ذَكَرْتهَا مُفَصَّلَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَنَقَلَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّبَاغِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَنَّهُ حَكَى فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالذَّرِيرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْأَحْجَارِ الْمَدْقُوقَةِ وَالْقَوَارِيرِ الْمَسْحُوقَةِ وَأَشْبَاهِهَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ مَرْدُودٌ انما أَذْكُرُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِتُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِكُلِّ أجزاء الارض حتى بصخرة مغسولة وقال بعص أَصْحَابِ مَالِكٍ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالْخَشَبِ وَالثَّلْجِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَصْحَابِ: مَالِكٍ أَحَدُهَا: يَجُوزُ: وَالثَّانِي لَا: وَالثَّالِثُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَشْهَرُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَصْنُوعًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلُّ مَا عَلَى الْأَرْضِ * وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا) وَالصَّعِيدُ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ بِالْجِدَارِ وَبِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وفى رواية

لِمُسْلِمٍ (إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَكَفَّيْك) قَالُوا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِتُرَابٍ ذِي غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ كَمَا قُلْتُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِجَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِجِنْسٍ (1) كالدباغ * واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أن يمسح بماله غُبَارٌ يَعْلَقُ بَعْضُهُ بِالْعُضْوِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (الصَّعِيدُ الْحَرْثُ حَرْثُ الْأَرْضِ) وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الصَّعِيدُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَلَى التُّرَابِ وَعَلَى الطَّرِيقِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُخَصَّ بِأَحَدِ الْأَنْوَاعِ إلَّا بدليل ومعنى حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ بِتَخْصِيصِ التُّرَابِ: وَأَمَّا حَدِيثُ (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَمُخْتَصَرٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: وَأَمَّا التَّيَمُّمُ بِالْجِدَارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ لِأَنَّ جُدْرَانَهُمْ مِنْ الطِّينِ فَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْغُبَارِ مِنْهَا وَحَدِيثُ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِقَ بِالْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ فَخَفَّفَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِهِ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَنْفُخُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا عَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَثِيرٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِزَالَةِ جَمِيعِ الْغُبَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالدِّبَاغِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّبَاغِ تَنْشِيفُ فُضُولِ الْجِلْدِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ فَاخْتَصَّتْ بِمَا جَاءَتْ به السنة كالوضوء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فأما الرمل فقد قال آخر في القديم والاملاء يجوز التيمم به وقال في الام لا يجوز فمن اصحابنا من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والاملاء محمول على رمل يخالطه التراب ومنهم من قال على قولين أحدهما يجوز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (انا بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض ونبقى أربعة أشهر لانجد الماء فقال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالارض) والثاني لا يجوز لانه ليس بتراب فأشبه الجص] *

_ (1) قال ابن كج هو منتقض بالحديد وبرادة الحديد والفضة وتراب المعادن اه اذرعى

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الطَّرِيقَيْنِ فِي رَمْلٍ خَالِصٍ لَا يُخَالِطُهُ تُرَابٌ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ان الصحيح طريقة التفصيل وهو انه خَالَطَهُ تُرَابٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنْ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ رَمْلٌ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى رَمْلٍ دَقِيقٍ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُوَ فِي رَمْلٍ خَشِنٍ لَا يَلْصَقُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَالَطَهُ دَقِيقٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّهُ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْجَصَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان أحرق الطين وتيمم بمدقوقه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز التيمم به كما لا يجوز بالخزف المدقوق: والثاني يجوز لان احراقه لم يزل اسم الطين والتراب عن مدقوقه بخلاف الخزف ولا يجوز الا بتراب له غبار يعلق بالعضو فان تيمم بطين رطب أو تراب ند لا يعلق غباره لم يجز لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أنه يمسح بجزء من الصعيد ولانه طهارة فوجب ايصال الطهور فيها الي محل الطهارة كمسح الرأس ولا يجوز بتراب نجس لانه طهارة فلا تجرز بالنجس كالوضوء: ولا يجوز بما خالطه جص أو دقيق لانه ربما حصل علي العضو فمنع وصول التراب إليه ولا يجوز بما استعمل في العضو فأما ما تناثر من أعضاء المتيمم ففيه وجهان أحدها لا يجوز التيمم به كما لا يجوز الوضوء بما تساقط من أعضاء المتوضئ: والثاني يجوز لان المستعمل منه ما بقى علي العضو وما تناثر غير مستعمل فجاز التيمم به ويخالف الماء لانه لا يدفع بعضه بعضا والتراب يدفع بعضه بعضا فدفع ما أدى به الغرض في العضو ما تناثر منه] *

[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا أَحْرَقَ الطِّينَ وَتَيَمَّمَ بِمَدْقُوقِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والبغوى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالْمُحَقِّقِينَ الْجَوَازُ وَهَذَا أَظْهَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَلَطٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَفِيهِ وَفِي الطِّينِ الْخُرَاسَانِيِّ إذَا دُقَّ وَجْهَانِ والاظهر الجواز مطلقا اما ذا أَصَابَتْهُ نَارٌ فَاسْوَدَّ وَلَمْ يَحْتَرِقْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تُرَابٌ وَلَا يُشْبِهُ الْخَزَفَ بِحَالٍ وَلَوْ احْتَرَقَ فَصَارَ رَمَادًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَالْخَزَفِ: نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ التُّرَابِ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ الْغُبَارُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بدلائلها: وقوله تراب ندهو بِتَنْوِينِ الدَّالِ مِثْلُ شَجٍ: (الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ بِتُرَابِ الْمَقَابِرِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْبُوشَةً فَيُوَافِقُنَا * وَاحْتَجَّ المحاملي وغيره بقوله تعالى (صعيدا طيبا) قَالُوا وَالْمُرَادُ طَاهِرًا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي الْآيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالنَّجِسِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التُّرَابُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةً تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وذكره أَصْحَابُنَا هُنَا تُرَابَ الْمَقَابِرِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ نَبْشَهَا فَتُرَابُهَا نَجِسٌ وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ نَبْشِهَا فَتُرَابُهَا طَاهِرٌ وَإِنْ شَكَّ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فَحَيْثُ قُلْنَا طَاهِرٌ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُنْبَشْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهَا مَدْفِنَ النَّجَاسَةِ وَلَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَغَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَقَعَ الْمَطَرُ عَلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ

يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهَا لِأَنَّ صَدِيدَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ فِيهَا لَا يُذْهِبُهُ الْمَطَرُ كَمَا لَا يُذْهِبُ التُّرَابَ قَالَ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالتُّرَابِ مِمَّا يَصِيرُ كَالتُّرَابِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ هُنَا التَّيَمُّمَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ ذَائِبَةٌ فَزَالَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تُطَهِّرُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تُطَهِّرُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَفِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهَا قَوْلَانِ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَعَلَهُ طَاهِرًا فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَهُوَ شَاذٌّ وَمَنْعُ بَيْعِ الْمَدْبُوغِ لَيْسَ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الرَّابِعَةُ) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ زَعْفَرَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي تَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيطُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مُسْتَهْلَكًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَلِيطُ مُسْتَهْلَكًا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي اُسْتُهْلِكَ فِيهِ مَائِعٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ يَجْرِي بطبعه فإذا أصاب المائع موضع جَرَى الْمَاءُ بَعْدَهُ وَأَمَّا الْخَلِيطُ فَرُبَّمَا عَلِقَ بِالْعُضْوِ فَمَنَعَ التُّرَابَ مِنْ الْعُلُوقِ وَلِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةَ التَّطْهِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِخِلَافِ التُّرَابِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ فُتَاتُ الْأَوْرَاقِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالزَّعْفَرَانِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ كَمَا فِي الْمَاءِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَالَطَةِ الدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ وَمُخَالَطَةِ الرَّمْلِ حَيْثُ جَازَ فِي الرَّمْلِ دُونَ الدَّقِيقِ قُلْنَا الدَّقِيقُ يَعْلَقُ بِالْيَدِ كَمَا يَعْلَقُ التُّرَابِ فَيَمْنَعُ التُّرَابَ وَالرَّمْلُ لَا يَعْلَقُ أَمَّا إذَا خَالَطَ التُّرَابَ مَائِعٌ طَاهِرٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ تَغَيَّرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ ثُمَّ جَفَّ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ بِالْجَفَافِ ذَهَبَ مَاءُ الْوَرْدِ وَبَقِيَتْ رائحته المجاورة *

(فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْجَصَّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ وَأَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ فَحَكَى فِي كِتَابِهِ شَرْحِ التَّبْصِرَةِ لَهُ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْجَصِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُحَرَّقًا لَمْ يَجُزْ والا جاز وبهذا الثلث قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ. (الْخَامِسَةُ) التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ صُوَرٌ إحْدَاهَا أَنْ يَلْصَقَ بِالْعُضْوِ ثُمَّ يُؤْخَذَ مِنْهُ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ الْمَاءِ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيسِهِ (1) أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَلْتَفِتُ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَاءِ هُوَ انْتِقَالُ الْمَنْعِ أَمْ تَأَدِّي الْعِبَادَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُصِيبَ الْعُضْوَ ثُمَّ يَتَنَاثَرَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لا يجوز التيمم صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ والفوراني وامام الحرمين وابن الصباغ والبغوى وصاحب العمدة وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْوَجْهُ الْآخَرُ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَسَاقَطَ عَنْ الْعُضْوِ وَلَمْ يَكُنْ لَصِقَ بِهِ وَلَا مَسَّهُ بَلْ لَاقَى مَا لَصِقَ بِالْعُضْوِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ كَالْبَاقِي عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وَالْأَعْفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ التُّرَابُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالتُّرَابِ الْأَرْمَنِيِّ وَلَا بِالْمَأْكُولِ وليس بشئ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالصَّعِيدُ التُّرَابُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا يُتَيَمَّمُ بِبَطْحَاءَ رَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ غَلِيظَةً قَالَ أَصْحَابُنَا السَّبْخَةُ التُّرَابُ الَّذِي فِيهِ مُلُوحَةٌ وَلَا يُنْبِتُ فَالتَّيَمُّمُ به جائز وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا مَنَعَاهُ لقول تعالى (صعيدا طيبا) ودلينا أن النبي صلي الله

_ (1) قال الشيخ أبو عمرو وينبغى الا يصح التيمم به عليهما وهذا حسن لان المنع زال في بعض الصلوات اه اذرعى

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ سَبِخَةٌ وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ فَاسْتَوَى مِلْحُهُ وَعَذْبُهُ كَالْمَاءِ وَأَمَّا الطَّيِّبُ فِي الْآيَةِ فَمَعْنَاهُ الطَّاهِرُ وَقِيلَ الْحَلَال كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْمَدَرُ فَهُوَ التُّرَابُ الَّذِي يُصِيبُهُ الْمَاءُ فَيَجِفُّ وَيَصْلُبُ وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا دُقَّ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَأَمَّا الْبَطْحَاءُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالْمَدِّ ويقال فِيهِ الْأَبْطَحُ ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَالصَّحِيحُ الْأَوْضَحُ مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ التُّرَابُ اللَّيِّنُ فِي مَسِيلِ الْمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ مَجْرَى السَّيْلِ إذَا جَفَّ وَاسْتَحْجَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْقَاعُ وَالثَّانِي الْأَرْضُ الصُّلْبَةُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ بِالْبَطْحَاءِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَجُوزُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تُرَابٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَقَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْحَمْأَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ إذَا جَفَّتْ وَسُحِقَتْ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا لِأَنَّهَا طِينٌ خُلِقَ مُنْتِنًا فَهِيَ كَالْمَاءِ الَّذِي خُلِقَ مُنْتِنًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بمدقوق الكذان وهو جر؟ ؟ ؟ رَخْوٌ يَصِيرُ بِالدَّقِّ كَالتُّرَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْجَمَاعَةُ من موضع واحد كما يتوضؤن مِنْ إنَاءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْوَاحِدُ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ يَسْتَصْحِبُهُ مَعَهُ فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا مَرَّاتٍ كَمَا يَتَوَضَّأُ مِنْ إنَاءٍ مَرَّاتٍ: (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مِنْ غُبَارِ تُرَابٍ عَلَى مِخَدَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ أَدَاةٍ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ فِيهِ غُبَارٌ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الصَّعِيدَ وَهَذَا الوجه ليس بشئ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَبَقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ) وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّعِيدَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى غَيْرِهَا: (الرَّابِعَةُ) الْأَرَضَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ تَأْكُلُ الْخَشَبَ وَالْكُتُبَ وَنَحْوَهَا إذَا اسْتَخْرَجَتْ تُرَابًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ اسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ مَدَرٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهُ بِلُعَابِهَا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فَصَارَ كتراب عجن بخل أو ماء وزد وَإِنْ اسْتَخْرَجَتْ شَيْئًا مِنْ الْخَشَبِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ التُّرَابِ: (الْخَامِسَةُ) لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ إنْ كَانَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا نَظَرَ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التراب في

حَالِ رُطُوبَتِهِ أَوْ أَصَابَهُ عَرَقُهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِعِلْمِهِ بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي تَقَابُلِ الْأَصْلِ والظاهر قال صاحب البحر والاصح الجواز هذا الَّذِي ذَكَرُوهُ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ وَلَيْسَ هُنَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا آخَرَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [ولا يصح التيمم الا بالنية لما ذكرناه في الوضوء وينوى بالتيمم استباحة الصلاة فان نوى رفع الحدث ففيه وجهان أحدهما لا يصح لانه لا يرفع الحدث والثاني يصح لان نية رفع الحدث تتضمن استباحة الصلاة] * [الشَّرْحُ] النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا صِفَةُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ مالا يُبَاحُ إلَّا بِالطَّهَارَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَوَى مُقْتَضَاهُ وَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ (1) يَرْفَعُ فِي حَقِّ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَأَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالِاغْتِسَالِ حِينَ وَجَدَ الْمَاءَ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ السَّابِقُ أَيْضًا (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ فا اوَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ العاص حين تيمم فقال النبي صلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ) وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا ارْتَفَعَ إذْ لَوْ ارْتَفَعَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاغْتِسَالِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ضَعِيفٌ مَعْدُودٌ مِنْ الْغَلَطَاتِ فَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا نَوَى الْمُتَيَمِّمُ رَفْعَ الْحَدَثِ إنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطيب وجماعات: والثاني يصح (2) ونقله بن خيران قولا

_ (1) حكاه ابن كج عن تخريج ابى على بن خيران اعني انه إذا نوى رفع الحدث صح تيممه اه اذرعى (2) انما خرجه ابن خيران كما نقله عنه اعلاه وقال ابن كج إذا نوى رفع الحدث فتيممه باطل وقيل فيه وجه آخر ضعيف انه يجزيه ولو كانت بحالها فنوى رفع الحدث واستباحة صلاة فريضة فحكى أبو الحسين وجهين احدهما تيممه باطل لنية رفع الحدث والثاني صحيح ويستبيح تلك الصلاة لانه نواها وتلغوا نية رفع الحدث اه اذرعي

وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فَكَمُحْدِثٍ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَوْ نويا الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمُتَابِعُوهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ دَاوُد وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَرْفَعُهُ دَلِيلُنَا ما سبق * قال المصنف رحمه الله * وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ صَلَاةً نَافِلَةً لَمْ يَسْتَبِحْ الْفَرِيضَةَ وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو حَاتِمٍ القزويني أن أبا يعقوب الابيوردي عن الاملاء قولا آخر انه يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَهَارَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ كَالْوُضُوءِ وَاَلَّذِي يَعْرِفُهُ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَشَيْخِنَا القاضى أبى الطيب أنه لا يستبيح الْفَرْضَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ حَتَّى يَنْوِيَهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَاسْتَبَاحَ بِهِ الْجَمِيعَ وَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى تَعْيِينِ الْفَرِيضَةِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُفْتَقَرُ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ افْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ افْتَقَرَ إلَى تَعْيِينِهَا كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ: وَالثَّانِي لَا يُحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ] * [الشَّرْحُ] ينبغى المتيمم لِفَرِيضَةٍ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بِعَيْنِهَا فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فوجهان مشهوران في طريقة العراقيين أصحهما بجزئه وَيَسْتَبِيحُ أَيَّ فَرِيضَةٍ أَرَادَ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ طُرُقِ الْمَرَاوِزَةِ عَلَيْهِ قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ مُطْرَحٌ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْفَرِيضَةِ غَلَطٌ وَالْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ هُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْجِيمِ حَكَاهُ عَنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَالْمَذْكُورُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرِيضَتَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ وَجَبَ التَّعْيِينُ لم يستبح واحدة منهما وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا النَّصِّ وَيَقُولَ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ نَوَاهَا وَعَيَّنَهَا وَنَوَى مَعَهَا غَيْرَهَا فَلُغِيَ الزَّائِدُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا

قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَنَوَى اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَإِذَا نَوَى الْحَاضِرَةَ صَلَّى الْفَائِتَةَ وَكَذَا عَكْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ الْفَرِيضَةَ بَلْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ النَّافِلَةَ أَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ * الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَالثَّانِي) فِي اسْتِبَاحَتِهِ قَوْلَانِ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الاستباحة و (الثالث) إنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي اسْتِبَاحَةِ الْفَرْضِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ فَقَطْ اسْتَبَاحَ الْفَرْضَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْإِمَامُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمُ جِنْسٍ تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَيُخَالِفُ مَا لَوْ نَوَى الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا نَفْلًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَحُمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ النَّفَلُ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ فَحُمِلَتْ الصَّلَاةُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى الْجِنْسِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ النَّفَلَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ فِي التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ الا تَابِعًا لِلْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا تَفْرِيعُ مَذْهَبِنَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ كَالْوُضُوءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَأَمَّا أَبُو يَعْقُوبَ الابيوردى ففتح الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيوَرْدَ بَلْدَةٌ بِخُرَاسَانَ قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا أَيْضًا الْبَاوَرْدِيُّ قال والنسبة الاولى هي الصحيحة * قال المصنف رحمه الله * [فان تيمم للنفل كان له أن يصلى على الجنازة نص عليه في البويطى لان صلاة الجنازة كالنفل وان تيمم لصلاة الفرض استباح النفل لان النفل تابع للفرض فإذا استباح المتبوع استباح التابع كما إذا أعتق الام عتق الحمل] [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَيَمُّمَهُ صَحِيحٌ وَحَكَى

جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِلنَّفْلِ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَالُوا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا جوز للضرورة ولا ضرورة إلى النفل (1) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْضُوبُ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَرْضًا جَازَ وَفِي النَّفْلِ قَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ لَوْ تَوَضَّأَتْ لِلنَّفْلِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بها الي النفل وهذا الوجه غلط لاشك فِيهِ وَمُخَالِفٌ لِمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ وَقَدْ جُوِّزْت النَّافِلَةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِلْحَاجَةِ وَالتَّخْفِيفِ فَالتَّيَمُّمُ أَوْلَى فَإِنَّهُ بَدَلٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ حنس النَّوَافِلِ مَا شَاءَ إلَى أَنْ يُحْدِثَ وَلَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا اسْتَبَاحَا الْقِرَاءَةَ وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَحَلَّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَهُ أن يصلى على جائز سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه لا يَسْتَبِيحُهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَبِحْهَا بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَإِلَّا اسْتَبَاحَهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ بِأَدِلَّتِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ أَمَّا إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ نَوَى الْجُنُبُ أَوْ الْمُنْقَطِعُ حَيْضُهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثَ فِي المسجد أو نوت استباحة الوطئ فَإِنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ مَا نَوَوْا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ الوجه السابق في التيمم للنافلة الْمُجَرَّدَةَ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَهَلْ يَسْتَبِيحُونَ صَلَاةَ النَّفْلِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَعَكْسِهِ وَأَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ مَذْكُورٌ فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ وَوَجْهٌ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الوطئ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْغُسْلِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ ضَعِيفَةٌ فَإِذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَسْتَبِيحُ النَّافِلَةَ فَفِي اسْتِبَاحَتِهِ الْفَرْضَ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُهُ وَلَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ

_ (1) هذا التعليل يقتضي انه لا يصح التيمم لنافلة ولا صلاتها بالتيمم الا تبعا ولا استقلالا فافهم اه اذرعى

الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ النَّفْلِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْبَحْرِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ النَّفَلَ لَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَتُهُ مُنْفَرِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَسْتَبِيحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الطَّوَافَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجِنَازَةِ اسْتَبَاحَهَا وَهَلْ هُوَ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ أَمْ لِلْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا (1) كَالنَّافِلَةِ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَهِيَ كَالنَّفْلِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرِيضَةٍ مَكْتُوبَةٍ اسْتَبَاحَهَا وَيَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وبعد هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّفَلَ مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهُ مَا دَامَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا وَلَا يَسْتَبِيحُهُ بَعْدَهُ وَوَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَنَا قَوْلٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَيَسْتَبِيحُهُ بَعْدَهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ أَمَّا إذَا نَوَى الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ مَعًا فستبيحهما جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا وَحِينَئِذٍ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الفرض وبعده في الوقت وَبَعْدَهُ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْمُخَالِفُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وطرد الرافعي فيه الوجه بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهَا وَصَلَّاهَا ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُ سُنَّةِ الظُّهْرِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ تَبَعًا لِلْفَرِيضَةِ: قَالَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ نَسِيَ الْعِشَاءَ فَذَكَرَهَا وَقْتَ الظُّهْرِ قَضَاهَا وَقَضَى الْوِتْرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي قَضَاءِ الْوِتْرِ إذَا فَعَلَ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْوِتْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ إحْدَاهَا فِي ضَبْطِ مَا تَقَدَّمَ مُخْتَصَرًا فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ اسْتَبَاحَهَا وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ دُونَ الْفَرْضِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَفِي قَوْلٍ يُبَاحُ الْفَرْضُ أَيْضًا وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ بِلَا تَعْيِينٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُبَاحُ أَيُّ فَرْضٍ أَرَادَ وَفِي وجه لا يصح

_ (1) وهو ظاهر نصه في الام قال الشافعي وان تيمم ينوى نافلة أو جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له ان يصلي به مكتوبة حتي ينوى بالتيمم المكتوبة اه اذرعى

تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ الْفَرْضَ وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فَلَهُ النَّفَلُ وَحْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ الْفَرْضُ أَيْضًا وَقِيلَ تَيَمُّمُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَحْدَهُ اسْتَبَاحَهُ وَالنَّفَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَفِي وَجْهٍ لَا يُبَاحُ النَّفَلُ وَفِي وَجْهٍ يُبَاحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ وَفِي قَوْلٍ يُبَاحُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ نَوَاهُمَا أُبِيحَا كَيْفَ شَاءَ وَفِي وَجْهٍ لَا يُبَاحُ النَّفَلُ بَعْدَ الْوَقْتِ (1) (الثَّانِيَةُ) نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرِيضَتَيْنِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ نَوَاهَا وَغَيْرَهَا فَلَغَا الزَّائِدَ: وَالثَّانِي لَا يصح لانه نوى مالا يُبَاحُ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ يُصَلِّي أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ يُصَلِّي الْأُولَى فَخَصَّهُ بِالْأُولَى وليس بشئ (2) (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ للخراسانيين أحدهما يَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى الْمُتَوَضِّئُ فَرْضَ الْوُضُوءِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ تَجْدِيدُهُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ التَّيَمُّمِ الْمَفْرُوضِ فَهُوَ كَنِيَّةِ فَرْضِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الطَّهَارَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ وَحْدَهُ أَوْ الطَّهَارَةَ وَحْدَهَا لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الرَّابِعَةُ) لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرُ فَكَانَ جُنُبًا أَوْ عَكْسَهُ صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ فَلَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَقَالَ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَقَضَاهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَلَا تُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدًا قَالَ وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْجُنُبَ يَنْوِي بِتَيَمُّمِهِ مَا يَنْوِيه الْمُحْدِثُ وَهُوَ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فَلَا فَرْقَ * وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَجِبُ تَعْيِينُهَا فَإِذَا نَوَى الظُّهْرَ فقد نوى غير ما عليه

_ (1) هذا عجب لانه لما حكي هذه المسألة في اعالي الصفحة قال في آخرها وطرد الرافعي فيه الوجه القائل بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ ثم جزم هو بجريانه هنا في الصورة بعينها كما تراه اه اذرعي (2) قد يشهد لما قاله الدارمي نصه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ النية في التيمم قال ولو تيمم فجمع بين صلوات فائتات اجزاه التيمم للاولى فيهن ولم يجره لغيرها اه اذرعى

وَالْمُتَيَمِّمُ نَوَى مَا عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى الْمُزَنِيِّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا الصَّوَابُ التَّعْلِيلُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (1) وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُزَنِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَهُ صَحِيحٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَالِطًا فَإِنْ تَعَمَّدَ فَنَوَى الْأَكْبَرَ وَعَلَيْهِ الْأَصْغَرُ أَوْ عَكْسُهُ مَعَ عِلْمِهِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ لِتَلَاعُبِهِ وَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ وَنَسِيَ جَنَابَتَهُ وَكَانَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ جَنَابَتَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ صَلَوَاتِ الْوُضُوءِ، دُونَ صَلَوَاتِ التَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ظَنَّهَا عَلَيْهِ فَبَانَ أَنْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ تيممه بخلاف مالو توضأ لفائتة ظنها فبان ان لافائتة فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَبَانَتْ الْعَصْرَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَبَانَتْ الْعَصْرَ صَحَّ وَالْفَرْقُ مَا فَرَّقَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُبِيحُ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَنِيَّتُهُ صَادَفَتْ اسْتِبَاحَةَ مالا يُسْتَبَاحُ وَالْوُضُوءُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِذَا ارْتَفَعَ اسْتَبَاحَ مَا شَاءَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْهَا لَا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ فَإِنَّ فِعْلَهَا مُبَاحٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الشَّاشِيُّ هَذَا فَحَكَاهُ ثُمَّ قَالَ (2) وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا لِتَوَهُّمِ بَقَائِهَا عَلَيْهِ فَإِذَا تحقق بقاءها عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ هَذَا كَلَامُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ مُحْتَاطًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وقد يفرق بضعف التيمم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وإذا أراد التيمم فالمستحب أن يسمى الله عز وجل لانه طهارة عن حدث فاستحب اسم الله تعالى عليه كالوضوء ثم ينوى ويضرب بيديه على التراب ويفرق أصابعه فان كان التراب ناعما فترك الضرب ووضع اليدين جاز ويسمح بهما وجهه وَيُوصِلُ التُّرَابَ إلَى جَمِيعِ الْبَشَرَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ

_ (1) نقل القاضي حسين عن الاصحاب الانكار علي المزني العلة المذكورة صريح في عدم موافقته عليها وقد قال في أول المسألة واحتج المرنى والاصحاب وذكر العلة وحاصله ان قوله أولا والاصحاب ليس بجيد فكان يليق الاقتصار على نقلها عن المزني فقط أو ينبه على خلاف ما قاله القاضي اه اذرعى (2) هذا الذى قاله الشاشي قد وضعفه في الروضة الارجح قول البغوي وقد سبق في مسألة الشاك في الحدث ما يؤيده وقد أشار هناك إلى ترجيحه اه اذرعى

الوجه والى ما ظهر من الشعور ولا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ والشاربين والعذارين والعنفقة ومن أصحابنا من قال يجب ذلك كما يجب ايصال الماء إليه في الوضوء والمذهب الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف التيمم واقتصر على ضربتين ومسح وجهه باحداهما ومسح اليدين بالاخرى وبذلك لا يصل التراب إلى باطن هذه الشعور ويخالف الوضوء لانه لا مشقة في ايصال الماء إلى ما تحت هذه الشعور وعليه مشقة في ايصال التراب فسقط وجوبه ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمني ويمرها على ظهر الكف فإذا بلغ الكوع جعل أطراف أصابعه على حرف الذراع ثم يمر ذلك إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمره عليه ويرفع ابهامه فإذا بلغ الكوع أمر ابهام يده اليسرى علي ابهام يده اليمني ثم يمسح بكفه اليمني يده اليسرى مثل ذلك ثم يمسح احدى الراحتين بالاخرى ويخلل أصابعهما لما روى أسلع رضى الله عنه قَالَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أنا جنب فنزلت آية التيمم فقال (يكفيك هكذا فضرب بكفيه الارض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم أمرهما علي لحيته ثم أعادهما إلى الارض فمسح بهما الارض ثم ذلك احداهما بالاخرى ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما) والغرض مما ذكرناه النية ومسح الوجه ومسح اليدين بضربتين أو اكثر وتقديم الوجه على اليد وسننه التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْقِطْعَةُ يَجْمَعُ شَرْحُهَا مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ أَسْلَعَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْمُهَذِّبِ فِي اللَّفْظِ وَبَعْضِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَسْلَعُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ أَحْمَدَ وَهُوَ الْأَسْلَعُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ عَوْفٍ التَّمِيمِيُّ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُ راحلته والكف مؤنثة سميت بذلك لِأَنَّهَا تَكُفُّ عَنْ الْبَدَنِ أَيْ تَمْنَعُ مَا يَقْصِدُهُ مِنْ ضَرْبَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ طَرَفُ الْعَظْمِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالرُّسْغُ هو

مفصل الكف وله طرفان وهما عظمان (الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام كُوعٌ وَاَلَّذِي يَلِي الْخِنْصِرَ كُرْسُوعٌ) وَيُقَالُ فِي الْكُوعِ كَاعَ كَبُوعٍ وَبَاعَ وَالذِّرَاعُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَالْإِبْهَامُ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ والراحة معروفة وجمعها راح (المسألة الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ التَّيَمُّمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّبَاغِ وَغَيْرِهِ مِنْ إزَالَاتِ النَّجَاسَاتِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ فِي التَّيَمُّمِ وَوَافَقَ فِي الْوُضُوءِ فَأَلْزَمَهُ مَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْوُضُوءِ فَأَلْحَقْنَا التَّيَمُّمَ بِهِ وَتَقَدَّمَتْ صِفَةُ التَّسْمِيَةِ وَفُرُوعِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِكُلِّ مُتَيَمِّمٍ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ أَمْ أَكْبَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْغُسْلِ (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْوِي وَيَضْرِبُ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ يَنْوِي عِنْدَ مَسْحِ وَجْهِهِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ قَبْلَهُ كَمَا فِي الوضوء وقال الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ ضَرْبِ الْيَدِ عَلَى التُّرَابِ وَيَسْتَدِيمَ النِّيَّةَ إلَى مَسْحِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ قَالَا فَلَوْ ابْتَدَأَ النِّيَّةَ بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ أَوْ نَوَى مَعَ الضَّرْبِ ثم عزبت نيته قبل مسح شئ مِنْ الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ نَقْلُ التُّرَابِ فَمَسْحُ الْوَجْهِ هُوَ الْمَقْصُودُ فَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا قَارَنَتْ النِّيَّةُ نَقْلَ التُّرَابِ وَعَزَبَتْ قبل مسح شئ مِنْ الْوَجْهِ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَضْرِبُ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ فَإِنْ كَانَ نَاعِمًا فَتَرَكَ الضَّرْبَ وَوَضَعَ الْيَدَيْنِ جَازَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الضَّرْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ إذَا لَمْ يَعْلَقْ الْغُبَارُ إلَّا بِالضَّرْبِ أَوْ أَرَادَ التَّمْثِيلَ لَا الِاشْتِرَاطَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَدُ بَلْ الْمَطْلُوبُ نَقْلُ التُّرَابِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِيَدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ فِي ضَرْبَةِ مَسْحِ الْوَجْهِ فَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ

الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا قَالَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ وَجَعَلُوهُ مُسْتَحَبًّا وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ جَمِيعِ الْعِرَاقِيِّينَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَفَائِدَةُ اسْتِحْبَابِ التَّفْرِيقِ زِيَادَةُ تَأْثِيرِ الضَّرْبِ فِي إثَارَةِ الْغُبَارِ وَلِيَكُونَ أَسْهَلَ وَأَمْكَنَ فِي تَعْمِيمِ الْوَجْهِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُفَرِّقُ فِي ضَرْبَةِ الْوَجْهِ فَإِنْ فَرَّقَ فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ وَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ يَصِيرُ نَاقِلًا لِتُرَابِ الْيَدِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي يُحَصَّلُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ لَا يَزُولُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ فَيَمْنَعُ انْتِقَالَ تُرَابٍ آخَرَ وَأَحْسَنَ الْبَغَوِيّ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُفَرِّقُ فِي الضَّرْبَتَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُفَرِّقُ فِي الْأُولَى فَإِنْ فَرَّقَ فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ مَسْحُ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِتُرَابٍ أُخِذَ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ وَإِنْ فَرَّقَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَخَذَ لِلْيَدَيْنِ تُرَابًا جَدِيدًا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا بَقِيَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِهِ تُرَابٌ فَنَقَلَ إلَيْهِ تُرَابًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْفُضَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا فَرَّقَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ صَحَّ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ تُرَابِ الْيَدِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى تُرَابٍ فَمَسَحَ بِيَمِينِهِ جَمِيعَ وَجْهِهِ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبٌ فِي الْمَسْحِ دُونَ أَخْذِ التُّرَابِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا هُوَ الْقَفَّالُ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلَهُ وَقَالَا هَذَا تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غُلُوٌّ وَمُجَاوَزَةُ حَدٍّ وَلَيْسَ بِالْمَرْضِيِّ اتِّبَاعُ شُعَبِ الْفِكْرِ وَدَقَائِقِ النَّظَرِ فِي الرُّخَصِ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْ فِعْلِ الشَّارِعِ مَا يُشْعِرُ بِالتَّسَامُحِ فِيهِ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا عَلَى مَنْ يُرِيدُ التَّيَمُّمَ أَنْ يَنْفُضَ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِنَقْلِ التُّرَابِ اليهما مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي تَقَلُّبَاتِهِ لَا يَخْلُو عَنْ غُبَارٍ يَغْشَاهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى لَيْسَ بِشَرْطٍ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ جَازَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ نَقَلَ الْمُزَنِيّ تَفْرِيقَ الْأَصَابِعِ فِي الْأُولَى قَالَ الْقَفَّالُ فَصَوَّبَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَعِنْدِي أَنَّهُ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ وَلَمْ

يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْأُولَى إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ قُلْت هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْ الْقَفَّالِ بِمُخَالَفَتِهِ جَمِيعَ الْأَصْحَابِ وَدَعْوَاهُ غَلَطَ الْمُزَنِيِّ بَاطِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّ التَّغْلِيطَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلِلْكَلَامِ وَجْهٌ مُمْكِنٌ وَهَذَا النَّقْلُ لَهُ وَجْهٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُ فَائِدَتِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا بَلْ قَدْ وَافَقَهُ فِي نَقْلِهِ الْبُوَيْطِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ كَذَلِكَ رَأَيْته صَرِيحًا فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ مُتَفَرِّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَأَنَا أَنْقُلُهُ مُخْتَصَرًا قَالَ رَوَى الْمُزَنِيّ التَّفْرِيقَ فِي الْأُولَى فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ غَلَّطَهُ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ وَصَوَّبَهُ الْآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ لِمَا بَيْنَهَا وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا: صَحَّحَ الْأَصْحَابُ رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ وَهِيَ الْمَذْهَبُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَطْنَبْتُ فِيهَا هَذَا الْإِطْنَابَ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْته مُخْتَصَرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِأَنِّي رَأَيْت كَثِيرًا مِنْ أَكَابِرِ عصرنا ينتقصون صَاحِبَ الْمُهَذِّبِ وَالتَّنْبِيهُ بِقَوْلِهِ (يُفَرِّقُ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى) وَيَنْسِبُونَهُ إلَى الشُّذُوذِ وَمُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ وَهَذِهِ أُعْجُوبَةٌ مِنْ الْعَجَائِبِ وَحَاصِلُهَا اعْتِرَافُ صَاحِبِهَا بِعَظِيمٍ مِنْ الْجَهَالَةِ وَنِهَايَةٍ مِنْ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ وَتَسْفِيهِهِ لِلْأَصْحَابِ وَكَذِبِهِ عَلَيْهِمْ بَلْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقَدْ صَحَّ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى عَنْ الشَّافِعِيِّ بِنَقْلِ إمَامَيْنِ هُمَا أَجَلُّ أَصْحَابِهِ وَأَتْقَنُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهُمَا الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَصَحَّ التَّفْرِيقُ أَيْضًا عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ يَرْحَمُنَا أَجْمَعِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ) فَكَذَا عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا اسْتِحْبَابَ فِي البداءة بشئ من الوجه دون شئ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِاسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِأَعْلَى الْوَجْهِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالرَّافِعِيُّ وقال صاحب الحاوى مذهب الشافعي أنه يبتدأ بِأَعْلَى وَجْهِهِ كَالْوُضُوءِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ ثُمَّ يَسْتَعْلِي لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْوُضُوءِ إذَا اُسْتُعْلِيَ بِهِ انْحَدَرَ بِطَبْعِهِ فَعَمَّ جَمِيعَ الْوَجْهِ وَالتُّرَابُ لَا يَجْرِي إلَّا بِإِمْرَارِ الْيَدِ

فَيَبْدَأُ بِأَسْفَلِهِ لِيَقِلَّ مَا يَصِيرُ عَلَى أَعْلَاهُ مِنْ الْغُبَارِ لِيَكُونَ أَجْمَلَ لِوَجْهِهِ وَأَسْلَمَ لَعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَيُوصِلُ التُّرَابَ إلَى جَمِيعِ الْبَشَرَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْوَجْهِ وَإِلَى مَا ظهر من الشعر) فأراد بالبشرة الظاهرة مالا شَعْرَ عَلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَشَرَةِ الْمُسْتَتِرَةِ بِالشُّعُورِ وَقَوْلُهُ وَإِلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الشَّعْرِ يَعْنِي الشَّعْرَ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ كذا قال أَصْحَابُنَا قَالُوا وَفِي إيصَالِ التُّرَابِ إلَى ظَاهِرِ مَا خَرَجَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ الْقَوْلَانِ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) فَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الحرمين والغزالي والمتولي والبغوى وَآخَرُونَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ الشُّعُورُ الَّتِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فِي الْوُضُوءِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْعَنْفَقَةُ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَأَهْدَابُ العين وشعر الخدين سواء خفت أم كثفت وكذا اللحية اللخفيفة لِلرَّجُلِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الشَّعْرِ عَلَى الذِّرَاعِ حُكْمُ شَعْرِ الْوَجْهِ حُكِيَ الْخِلَافُ فِيهِ في فتاوى القاضي حسين وجزم القاضى والبغوى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَهُ كَمَا قَالَا فِي الْوَجْهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يُسْتَحَبُّ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ يَدِهِ إلَخْ فَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ بل هي وغيرها سواء وليس هذا بشئ وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الْيَدَيْنِ فَذَكَرُوا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ لِيُبَيِّنُوا صُورَةَ حُصُولِ الِاسْتِيعَابِ بِضَرْبَةٍ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْجَوَابَ عَنْ اعْتِرَاضِ من قال الواجب مسح الكف ققط وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيعَابُ الذِّرَاعَيْنِ مَعَ الْكَفَّيْنِ بضربة فبينوا

تَصَوُّرَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لَهَا وَلَا هُوَ ثَابِتٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمُرَادُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لَا يَزِيدُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَانَتْ سُنَّةً لِكَوْنِهَا مُحَصِّلَةً لِسُنَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَةٍ مَعَ الِاسْتِيعَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس هذا بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفَ أَوْصَلَ التُّرَابَ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِضَرْبَتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِيَدِهِ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ جَازَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَوْلُهُ (ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا) فَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ فَرَّقَ أَصَابِعَهُ فِي الضَّرْبَتَيْنِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا فَرَّقَ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَقُلْنَا يُجْزِيه فَيَجِبُ التَّخْلِيلُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي وُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَمَسْحِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قَصَدَ بِإِمْرَارِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ مَسْحَهُمَا حَصَلَ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ وَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ حِينَ يَضْرِبُ الْيَدَيْنِ عَلَى التُّرَابِ قَالُوا فَإِنْ قِيلَ إذَا سَقَطَ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ صَارَ التُّرَابُ الَّذِي عَلَيْهِمَا مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَجُوزُ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ الَّذِي غُسِلَتْ بِهِ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا يَصِيرُ التُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِانْفِصَالِهِ وَالْمَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْيَدِ الْمَغْسُولَةِ فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا: الثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى هَذَا هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الذِّرَاعَ بِكَفِّهَا بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْكَفِّ الْأُخْرَى فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى لِأَنَّهُمَا كَيَدٍ فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ السُّؤَالُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ يُجْرِي إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَرَفَعَهَا قَبْلَ اسْتِيعَابِ الْعُضْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَهَا لِلِاسْتِيعَابِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَاسِحَةِ صَارَ بالفصل

مُسْتَعْمَلًا: وَالثَّانِي يَجُوزُ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى الْمَمْسُوحِ وَأَمَّا الْبَاقِي عَلَى الْمَاسِحَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ التُّرَابِ الَّذِي يَضْرِبُ عَلَيْهِ الْيَدَ مَرَّتَيْنِ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا قَوْلُ المصنف والواجب مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِضَرْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا وَتَرْتِيبُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ وَسُنَنُهُ التَّسْمِيَةُ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَفِيهِ نَقْصٌ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ النِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَتَقْدِيمُ الْوَجْهِ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ وَنَقْلُهُ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَحَدُهَا الْمُوَالَاةُ وَفِيهَا ثَلَاثُ طُرُقٍ: الْمَذْهَبُ أنها سنة ليست بواجبة ونقدم بَيَانُهَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَيَمْسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وبيساره يمينه وهذا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَغَوِيّ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ النَّقْلِ لِلْوَجْهِ قَبْلَ النَّقْلِ لِلْيَدِ: وَالثَّالِثُ اسْتِيفَاءُ ضَرْبَتَيْنِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وجماعة من الخراسانيين بأنه واجب هذا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَا تَعَرَّضُوا لَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الضَّرْبَتَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ فَجَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُمَا وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِضَرْبَةٍ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَلَا يَنْقُصَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدِ الْيُمْنَى وَثَالِثَةٌ لِلْيُسْرَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ وَقَطَعَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الضَّرْبَتَيْنِ سُنَّةٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْته: فَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ المتفق عليها والمختلف فِيهَا وَقَدْ اسْتَوْفَى الْمُصَنِّفُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقَصْدَ إلَى الصَّعِيدِ وَهُوَ أحد الاركان الستة قلنا بلى ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمِيعَ الْفُرُوضِ بَلْ قَالَ الْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَالْقَصْدُ لَيْسَ مِمَّا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا السُّنَنُ فَكَثِيرَةٌ إحْدَاهَا التَّسْمِيَةُ (الثَّانِيَةُ) تَقْدِيمُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى: (الثَّالِثَةُ) الْمُوَالَاةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَبْدَأَ بِأَعْلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ بِأَسْفَلِهِ كَمَا سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَمْسَحَ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ

بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلَ الْأَصَابِعَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يَجِبَانِ كَمَا سَبَقَ (السَّادِسَةُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالرُّويَانِيُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَسْحَةٍ لِلْوَجْهِ وَمَسْحَةٍ لِلْيَدَيْنِ مَكْرُوهَةٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ كَالْوُضُوءِ وليس بشئ لِأَنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ فِي تَكْرَارِ الْغُسْلِ زِيَادَةَ تَنْظِيفٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (السَّابِعَةُ) أَنْ يُخَفِّفَ التُّرَابَ الْمَأْخُوذَ وَيَنْفُخَهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُبْقِي قَدْرَ الْحَاجَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَخَ فِي يَدَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ يُسْتَحَبُّ وَالْجَدِيدُ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ آخَرُونَ عَلَى حَالَيْنِ إنْ كَانَ كَثِيرًا نَفَخَ وَإِلَّا فلا (الثامنة) ان يديم يده على العضد لَا يَرْفَعُهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِهِ وَفِي هَذَا وَجْهٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَدْ سَبَقَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كَالْوُضُوءِ (الْعَاشِرَةُ) إمْرَارُ التُّرَابِ على العضد تَطْوِيلًا لِلتَّحْجِيلِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ المتولي والبغوى وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ بَعْدَهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَرُبَّمَا دَخَلَ فِي السُّنَنِ بَعْضُ مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ * (فَرْعٌ) يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي تَيَمُّمِ الْجَنَابَةِ كَمَا يَجِبُ فِي تَيَمُّمِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ فَالْبَدَنُ فِي الْغُسْلِ شئ وَاحِدٌ فَصَارَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ فِي التَّيَمُّمِ فَمَحَلَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [قال في الام فان أمر غيره حتى يممه ونوى هو جاز كما يجوز في الوضوء وقال ابن القاص لا يجوز قلته تخريجا: وقال في الام وان سفت عليه الريح ترابا عمه فأمر يديه علي وجهه لم يجزه لانه

لم يقصد الصعيد وقال القاضى أبو حامد هذا محمول عليه إذا لم يقصد فأما إذا صمد للريح فسفت عليه التراب أجزأه وهذا خلاف المنصوص] * [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَى الْآمِرُ إنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَقْطَعَ وَمَرِيضٍ وَغَيْرِهِمَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ وَالْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ كَالْوُضُوءِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَقَوْلُهُ قُلْته تَخْرِيجًا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاصِّ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ عَادَتَهُ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَيَقُولَ عَقِبَهُ قَالَهُ نَصًّا وَإِذَا قَالَ شَيْئًا غَيْرَ مَنْصُوصٍ وَقَدْ خَرَّجَهُ هُوَ قَالَ قُلْتُهُ تَخْرِيجًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَّجَهَا مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرِّيحِ: وَابْنُ الْقَاصِّ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هو أبو العباس وقد ذكرت حاله فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ: أَمَّا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ مُخْتَارٌ وَنَوَى فَهُوَ كَمَا لَوْ صَمَدَ فِي الرِّيحِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ تُرَابًا اسْتَوْعَبَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَصَدَهَا وَصَمَدَ لَهَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْأَصْحَابُ وَجْهَيْنِ وَحَقِيقَتُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ مُطْلَقًا قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ: وَالثَّانِي يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَاخْتِيَارُ الشيخ أبي حامد الاسفرايني قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ قَالَ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَالْأَصَحُّ (1) وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَصَدَ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَصَدَ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَضُرُّ إيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ (تُرَابًا عَمَّهُ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اسْتَوْعَبَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وذكره أبو القاسم ابن البزدى وَغَيْرُهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَطَّاهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَبِمَعْنَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَجْوَدُ وَقَوْلُهُ (صَمَدَ) هُوَ بِالصَّادِ وَالْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قَصَدَ وبمعناه والله أعلم *

_ (1) وهو الذى حكاه ابن كج عن النص مقتصرا عليه اه اذرعى

(فَرْعٌ) إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ تُرَابٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ نُظِرَ إنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَمَسَحَهَا بِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ من الارض وان كان على وجهه فردده عَلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْوَجْهِ وَمَسَحَ به يديه أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْيَدِ وَمَسَحَ بِهِ الْوَجْهَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ جَوَازُهُ لِوُجُودِ النَّقْلِ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْوَجْهِ فَفَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْيَدِ فَفَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهَا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا (1) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْلٍ حَقِيقِيٍّ وَلَوْ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ فَوَصَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَالْأَقْطَعِ وَغَيْرِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَ وَلَا أَرَى لِلْخِلَافِ وَجْهًا لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْدُ التُّرَابِ وَقَدْ حَصَلَ وَلَوْ مَدَّ يَدَهُ فَصَبَّ غَيْرُهُ فِيهَا تُرَابًا أَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ تُرَابًا عَلَى كُمِّهِ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ فَمَسَحَ بِهِ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ (إحْدَاهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى وَضْعِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ يَجُوزُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِيه قَالَ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا وُضِعَ عَلَى الْعُضْوِ يُحَسُّ بِهِ وَيَسِيلُ وَالتُّرَابُ لَا يَتَعَدَّى فيتحقق وصول الماء جَمِيعِ الْعُضْوِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي التُّرَابِ إلَّا بِإِمْرَارِ الْيَدِ قَالَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُ الْمَاءِ وَجَبَ الْإِمْرَارُ وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُولُ التُّرَابِ بِأَنْ كَانَ كَثِيرًا صَحَّ تَيَمُّمُهُ: (2) (الثَّانِيَةُ) قال القاضى حسين والبغوى (3) إذا أحدث المتيمم بعد أخذه التراب: وعليه الاخذ وقبل المسح بطل ذلك الاخذ بخلاف مالو أحدث بعد أخذ الماء قبل غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْوُضُوءِ الْغَسْلُ لَا نَقْلُ الْمَاءِ وَهُنَا الْمَطْلُوبُ نَقْلُ التُّرَابِ وَأَمَّا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ (4) عِنْدَ ضرب

_ (1) وحكاه الامام عن والده وضعفه بانه إذا عبق باليد فقد انقطع حكم الوجه عنه فهو الآن تراب على اليد اه اذرعي (2) هذا الفرق فيه نظر والحق ما قاله البغوي والرافعي فان مأخذ الخلاف أن الوضع من غير امرار هل يسمي مسحا اه اذرعي (3) هذا ما قاله القاضي حسين في تعليقه لكن قال في فتاويه ان الآمر ينوى عند المسح لا عند الضرب وكذا نقله العجل عن فتاويه أيضا مقتصرا اه اذرعى (4) قد تقدم في أول الفرع قبله انه لو كان على يده تراب فمسح به الوجه أو عكسه أجزأه على الاصح فإذا نوى النقل هنا أجزأه لانه مثله اه اذرعى

الْمَأْمُورِ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ النِّيَّةِ وَالضَّرْبِ لَمْ يَضُرَّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ التُّرَابَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الاخذ لان هناك وجد هيأة الْقَصْدِ الْحَقِيقِيِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ ثُمَّ جَامَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي مُدَّةِ إحْرَامِ الْأَجِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ (1) (الثَّالِثَةُ) إذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى تُرَابٍ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ كَانَ التُّرَابُ كَثِيرًا يَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَدَثٌ قَارَنَ النَّقْلَ وَهُوَ رُكْنٌ فَصَارَ كَمُقَارَنَتِهِ مَسْحَ الْوَجْهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي أَخْذُهُ لِوَجْهِهِ صَحِيحٌ وَلَا يَضُرُّ اللَّمْسُ مَعَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الْمَسْحُ لَا الْأَخْذُ فَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَدَيْهِ بَطَلَ مَسْحُ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الْوَجْهُ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً فَضَرَبَهَا عَلَى تُرَابٍ طَاهِرٍ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ جَازَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَلَا يَصِحُّ مَسْحُ الْيَدِ النَّجِسَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَصِحُّ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ مَعَ بَقَائِهَا نَجِسَةً وَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ قَطْعًا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْإِمَامِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ تَيَمَّمَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ بَعْضِ السَّاعِدِ وَجَبَ مَسْحُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِسَّ الْمَوْضِعَ تُرَابًا كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ لَوْ قُطِعَ مِنْ الْمَنْكِبِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَمْسَحَ الْمَنْكِبَ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَوْقَ الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحِهِ بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحُهُ فِي التَّيَمُّمِ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْفُرُوعِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةِ الْكَفِّ والاصبع وتدلى الجلدة يجيئ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ انْقَطَعَتْ أَصَابِعُهُ وَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْيَدِ فَهَلْ يُيَمِّمُهَا فِيهِ وجهان: (قلت) قياس المذهب القطع

_ (1) وهذا الذي قاله الرافعى هو الحق والفرق ضعيف فان الميمم يجب عليه النية عند اخذ ميممه التراب فإذا نوى فقد قصد العبادة ودخل فيها باخذ ميممه التراب والمحجوج عنه ليس كذلك بوجه ما اه اذرعى

بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ مِرْفَقٌ اسْتَظْهَرَ حَتَّى يَعْلَمَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فَلْيَنْزِعْهُ فِي ضَرْبَةِ الْيَدَيْنِ لِيَدْخُلَ التُّرَابُ تَحْتَهُ: قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَكْفِيه تَحْرِيكُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ التُّرَابِ: (السَّادِسَةُ) يُتَصَوَّرُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْجَرِيحِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا ثُمَّ أَرَادَ نَافِلَةً وَيُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الطَّلَبُ ثَانِيًا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ الْمَشْهُورُ لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا فِيهِ تَنْظِيفٌ وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ اسْتِحْبَابَهُ كَالْوُضُوءِ (السابعه) اتفق أصحابنا علي أن يشترط ايصال الغبار الي جميع بسرة الْيَدِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى الْمِرْفَقِ فَإِنْ بَقِيَ شئ مِنْ هَذَا لَمْ يَمَسَّهُ غُبَارٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بَيَانًا فَقَالَ فِي الْأُمِّ لَوْ تَرَكَ مِنْ وَجْهِهِ أَوْ يَدَيْهِ قدرا يدركه الطرف أولا يُدْرِكُهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا كَذَلِكَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي لِلْيَدَيْنِ إذَا أَلْصَقَتْ تُرَابًا بِالْكَفَّيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِلُ مَا لَصِقَ بِالْكَفِّ إلَى مِثْلِ سَعَتِهَا مِنْ السَّاعِدَيْنِ وَلَسْت أَظُنُّ ذَلِكَ الْغُبَارَ يَنْبَسِطُ عَلَى السَّاعِدَيْنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا ثُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْكَفَّيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَلَا يَتَّجِهُ إلَّا مَسْلَكَانِ (أحدهما) المصير إلى القوم الْقَدِيمِ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الْكَفَّيْنِ: (وَالثَّانِي) أَنْ نُوجِبَ إثَارَةَ الْغُبَارِ ثُمَّ نَكْتَفِيَ بِإِيصَالِ جِرْمِ الْيَدِ مَسْحًا إلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ بَسْطِ التُّرَابِ فِي عَيْنِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى جَمِيعِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ يَقِينًا فَإِنْ شَكَّ وَجَبَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَوْضِعِ الشَّكِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ انْبِسَاطَ التُّرَابِ عَلَى جَمِيعِ الْمَحَلِّ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي الِاقْتِصَارَ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْيَدَيْنِ فَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ الْمُغَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الْفِكْرِ بِانْبِسَاطِ الغبار وهذا شئ أَظْهَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ بُدًّا مِنْهُ وَمَا عِنْدِي أن أحدا من الاصحاب يسمح بأن

لَا يَجِبُ بَسْطُ التُّرَابِ عَلَى السَّاعِدَيْنِ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه وَالشَّعْرِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَاتٌ إحْدَاهَا كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالثَّانِيَةُ إنْ تَرَكَ قَدْرَ دِرْهَمٍ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَدُونَهُ يُجْزِيه وَالثَّالِثَةُ إنْ تَرَكَ دُونَ رُبْعِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالرَّابِعَةُ إنْ مَسَحَ أَكْثَرَهُ وَتَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِنْ الذِّرَاعِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ دَلِيلُنَا بَيَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَوْعَبَ الْوَجْهَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوُضُوءِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز التيمم للمكتوبة الا بعد دخول وقتها لانه قبل دخول الوقت مستغن عن التيمم كما لو تيمم مع وجود الماء فان تيمم قبل دخول الوقت لفائتة فلم يصلها حتى دخل الوقت ففيه وجهان قال أبو بكر ابن الحداد يجوز أن يصلى به الحاضرة لانه تيمم وهو غير مستغن عن التيمم فاشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانها فريضة تقدم التيمم على وقتها فاشبه إذا تيمم لها قبل دخول الوقت] * [الشَّرْحُ] شُرُوطُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) كَوْنُ الْمُتَيَمِّمِ أَهْلًا لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: (الثَّانِي) كَوْنُ التُّرَابِ مُطْلَقًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَمِّمُ مَعْذُورًا بِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ بَعْدَهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ عَدَمِهِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ (1) وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي الْوَقْتِ لَمْ يصح بل يشترط الاخذ

_ (1) قد تقدم ان النقل من اليدين إلى الوجه وعكسه كاف علي اصح الوجهين فقياسه هذا إذا أخذه قبل الوقت ثم دخل الوقت وقصد النقل من اليدين إلى الوجه أجزأه على الاصح كما تقدم ويكون قصد النقل من اليدين إلى الوجه استئناف للنقل وهذا واضح اه اذرعى

فِي الْوَقْتِ كَمَا يُشْتَرَطُ الْمَسْحُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ فَأَشْبَهَ الْمَسْحَ: صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ يَصِحَّ لَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِلنَّافِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الْمَنْصُوصِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ لِلنَّفْلِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَفْلًا وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ هَذَا الْخِلَافَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ هَذَا خِلَافُ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا مُعْتَقِدًا دُخُولَ وَقْتِهَا فَانْعَقَدَتْ نَفْلًا وَهُنَا تَيَمَّمَ عَالِمًا بِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَصِحَّ * وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعْنَاهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ صَحَّ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ فِعْلِهَا هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للتيمم وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالتَّيَمُّمِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بِسَبَبِ الفصل وليس بشئ وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ لِيَضُمَّ إلَيْهَا الْعَصْرَ فَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ والده أنه قال اجتهادا لنفسه يبطل الْجَمْعُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّيَمُّمُ لِلْعَصْرِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْجَمْعِ وَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَرَّجَ جَوَازُ فِعْلِهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ لِفَائِتَةٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ هَلْ تُبَاحُ بِهِ الْحَاضِرَةُ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَائِتَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لَمَّا نَوَى وَاسْتَبَاحَهُ فَاسْتَبَاحَ غَيْرَهُ بَدَلًا وَهُنَا لَمْ يَسْتَبِحْ مَا نَوَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَى فَلَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِلْعَصْرِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَائِتَةُ وَقْتُهَا بِتَذَكُّرِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا إذَا تَذَكَّرَهَا فَلَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِمَكْتُوبَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَوَاخِرِ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ

بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا قَالُوا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهَذَا بِشَرْطِ أَلَّا يُفَارِقَ مَوْضِعَهُ وَلَا يَتَجَدَّدَ مَا يُتَوَهَّمُ بِسَبَبِهِ حُصُولُ مَاءٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هَذَا وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ عَقِبَ التَّيَمُّمِ وَلَا يُؤَخِّرُ إلَّا قَدْرَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّنَفُّلِ بِمَا هُوَ مِنْ مَسْنُونَاتِ فَرْضِهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ هَذَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَزِمَ تَعْجِيلُهَا كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ حَدَثَ الْمُسْتَحَاضَةِ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْوَقْتِ حَالَ التَّيَمُّمِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَأَمْثِلَتُهَا فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ حَاضِرَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ تِلْكَ الْحَاضِرَةَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ ابن الحدادى يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عبد الله الخضرى بكسر الحاء وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَائِتَةَ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَائِتَةَ وَاجِبَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْحَاضِرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَافَقَ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ قَضَائِهَا فَائِتَةً أُخْرَى فَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ الْفَائِتَةَ الَّتِي تَذَكَّرَهَا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ فِيهِ الْخِلَافَ فَقَالَ يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ مُتَعَيَّنٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ نَذَرَ صَلَاةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ الْمَنْذُورَةَ بَدَلَ الْمَكْتُوبَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ تَعْيِينَ الْفَرِيضَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ شَرَطْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ لِغَيْرِ مَا عَيَّنَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ * أَمَّا النَّافِلَةُ فَضَرْبَانِ مُؤَقَّتَةٌ وَغَيْرُهَا فَغَيْرُهَا يَتَيَمَّمُ لَهَا مَتَى شَاءَ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ فِيهَا لِنَافِلَةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لَهَا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ النَّافِلَةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ

قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَحَكَى هَذَا الْخِلَافَ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَضَعَّفَاهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ دَخَلَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا زَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ صَلَّى بِهِ وَأَمَّا النَّافِلَةُ الْمُؤَقَّتَةُ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّيَمُّمِ لَهَا دُخُولُ الْوَقْتِ وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِهَا لِأَنَّ أَمْرَهَا أَوْسَعُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا أُجِيزَ نَوَافِلُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ فَوَقْتُ سُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوِتْرِ وَالضُّحَى وَالْعِيدِ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَوَقْتُ الْكُسُوفِ بِحُصُولِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِدُخُولِهِ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي جَمِيعِ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ مِنْ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا وَفِي عِبَارَةِ الْغَزَالِيِّ إيهَامُ اخْتِصَاصِهِ بِالرَّوَاتِبِ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي وَقْتِ التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِغُسْلِ الميت لانها ذَلِكَ الْوَقْتُ تُبَاحُ وَتُجْزِئُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الحرمين والغزالي في كتبه الثلاثة وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالثَّانِي بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَعْدَ التَّكْفِينِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ التَّكْفِينِ تُكْرَهُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً يُغَسِّلُ بِهِ الْمَيِّتَ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ غُسْلِهِ وَجَبَ أَنْ يُيَمِّمَ الْمَيِّتَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَيَمَّمَ هُوَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُيَمِّمَ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فِي وَقْتِهَا اسْتَبَاحَهَا وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي سَبَقَ أَنَّ الْفَرْضَ يُبَاحُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَعَلَى هَذَا الضَّعِيفِ يُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ إنْ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ حَاضِرَةٍ فَأَرَادَهَا بِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ لِلْفَائِتَةِ اسْتَعْقَبَ جَوَازَ فِعْلِ الْفَائِتَةِ بِهِ ثُمَّ دَامَ إمْكَانُ أَدَاءِ فَرْضٍ بِهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ وَهُنَا لَمْ يَسْتَعْقِبْ تيممه ان كان أَدَاءِ فَرْضٍ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِنَفْلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ ذَاكِرٌ فَائِتَةَ فَتَيَمُّمُهُ يَصْلُحُ لِلْفَائِتَةِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَرَادَ الظُّهْرَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ

(فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَكْتُوبَةٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ كَمَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا: إلَى قَوْله تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْقِيَامِ خَرَجَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعِ بَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مقتضاه ولانه يتيمم وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُسْتَغْنٍ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ فِي أَوَاخِرِ الْوَقْتِ قُلْنَا بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِحْرَازِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَمْ تَصِحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَدْ وَافَقُوا عَلَيْهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ ثَبَتَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ حَاوَلَ إثْبَاتَ التَّيَمُّمِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فِي مَعْنَى مَا بَعْدَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ ضَرُورَةٌ فَاخْتَصَّ بِحَالِ الضَّرُورَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَلَا يُضَيَّقُ بِاشْتِرَاطِ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لِلتَّخْفِيفِ جَوَازُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ وَالتَّيَمُّمُ ضَرُورَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالْجَوَابُ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهَا طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ فَالْتَحَقَتْ بِالْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُمْ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ يَنْتَقِضُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِعِتْقِ الْكَفَّارَةِ دُونَ بَدَلِهَا وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَنْتَقِضُ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِنَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ دُونَ بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا نُنَاظِرُ الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُمْ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ فِيهَا وَاَللَّهُ أعلم * (فرع) ذكر المصنف أبا بكر ابن الْحَدَّادِ وَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعِ ذِكْرِهِ * وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدَّمِيهِمْ فِي الْعَصْرِ وَالْمَرْتَبَةِ وَالتَّدْقِيقِ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَكَانَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَذْهَبِ وَانْتَهَتْ إلَيْهِ إمَامَةُ أَهْلِ مِصْرَ فِي زمنه توفى سنة خمس وأربعين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز التيمم بعد دخول الوقت الا لعادم الماء أو الخائف من استعماله فاما الواجد فلا يجوز

له التيمم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ المسلم ما لم يجد الماء) فان وجد الماء وهو محتاج إليه للعطش فهو كالعادم لانه ممنوع من استعماله فاشبه إذا وجد ماء وبينهما سبع] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وخاف فوت وَقْتِ الصَّلَاةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَهَذَا الوجه شاذ ليس بشئ وحكي العبدرى مثله عن الاوزاعي والثوري ورواية عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَهُمَا وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رَجُلٍ تفجأه جِنَازَةٌ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عَلَيْهَا قَالُوا وَلِأَنَّهَا يُخَافُ فَوْتُهَا فَأَشْبَهَ الْعَادِمَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا وَبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مُصَرِّحَةٍ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمُعَةِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا وَهَذَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَالُوا الْجُمُعَةُ تَنْتَقِلُ إلَى بَدَلٍ فَلَا تَفُوتُ مِنْ أَصْلِهَا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ تَفُوتُ الْجُمُعَةُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَفُوتُ بِخُرُوجِهِ وَالْجِنَازَةُ لَا تَفُوتُ بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا عِنْدَنَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ هُوَ عَارٍ وَفِي بيته ثوب لو ذهب إليه فاتتا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَالثَّانِي جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَالشَّيْخِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلسَّلَامِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَخَفَّ أَمْرُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْأَثَرَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَانِ وَقَوْلُهُمْ يُخَافُ فَوْتُهُمَا يَنْتَقِضُ بِالْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا حُكْمُ وَاجِدِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يخاف من استعماله ولايحتاج إلَيْهِ لِعَطَشٍ فَأَمَّا الْخَائِفُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ للعطش فهو كالعادم فيتيم مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَقَلَ ابن المنذر

وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشِ نَفْسِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أو حيوان محترم من مسلم أو أمي أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ بَهِيمَةٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِلَا إعَادَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا مَنْعَ تَحْرِيمٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُحْتَاجِ هِبَةً أَوْ بِعِوَضٍ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَطَشِهِ فَآثَرَ بِهِ مُحْتَاجًا لِعَطَشِهِ وَتَيَمَّمَ جَازَ وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ آثَرَهُ لِوُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِي وَيُعِيدُ عَلَى تَفْصِيلٍ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّهَارَةِ مُتَمَحِّضٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ وَأَمَّا الشُّرْبُ فَمُعْظَمُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ حَقُّ نَفْسِهِ وَالْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ مِنْ عَادَةِ الصَّالِحِينَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا هُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَسَائِرِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَاءِ إلَى سَقْيِهَا بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِهِ فَإِنْ سَقَاهَا وَتَيَمَّمَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ إنْ تَيَمَّمَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّقْيِ فَهُوَ كَإِرَاقَةِ الْمَاءِ سَفَهًا وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْخَوْفِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمَرَضِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَطَشِهِ فِي الْحَالِ وَثَانِي الْحَالِ فَلَهُ تَزَوُّدُ الْمَاءِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ قدامه بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْجُمْهُورُ وَكَذَا لَوْ خَشِيَ عَطَشَ رَفِيقِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلْيَتَزَوَّدْ وَيَتَيَمَّمْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَتَزَوَّدُ لِعَطَشِ رَفِيقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْإِمَامُ وَفِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَزَوَّدُ لِرَفِيقِهِ كَنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّوحَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ فِي غَدِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُهُ فَهَلْ لَهُ التَّزَوُّدُ فِيهِ وَجْهَانِ قُلْت الْأَصَحُّ الْجَوَازُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا نَأْمُرُ الْعَطْشَانَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَجْمَعُهُ وَيَشْرَبُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَانَ وَالِدِي يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ وَلَا يَجُوزُ التيمم قال وما ذكره والدى يجئ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيَّ وَالْمَاوَرْدِيَّ وَآخَرِينَ ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَآخَرُ نَجِسٌ وَهُوَ عَطْشَانُ يَشْرَبُ النَّجِسَ وَيَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا

أَمَرُوا بِشُرْبِ النَّجِسِ لِيَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ فَأَوْلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوُضُوءِ وَيَشْرَبَ الْمُسْتَعْمَلَ قُلْت (1) هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ مُشْكِلٌ وَقَدْ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَتَيَمَّمُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَكُونُ وُجُودُ النَّجِسِ كَالْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّاهِرَ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِلطَّهَارَةِ لَا يَسْلَمُ فَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ لِلطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا عَطِشَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا عَطِشَ قَبْلَهُ فَيَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَحْرُمُ شُرْبُ النَّجِسِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي نَفَقَتِهِ وَمُؤْنَةِ سَفَرِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ (فَرْعٌ) إذَا ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ لِضِيقِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِاتِّحَادِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ وُصُولَ النَّوْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَدْ حَكَى جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَصْبِرُ لِيَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ نَصَّ فِيمَا لو حضر جمع من العراة وليس معهم الاثوب يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَصْبِرُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ ضَيِّقٍ وَهُنَاكَ مَوْضِعٌ يَسَعُ قَائِمًا فَقَطْ نَصَّ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْحَالِ قَاعِدًا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَظْهَرُهُمَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَقَطَعَ بِهَا صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَنَقَلَهَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا أَنَّ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ وَعَارِيًّا وَقَاعِدًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ وَالْقُدْرَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ قَاعِدًا وَبِالتَّيَمُّمِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ في المسائل كلها كالمريض وكر إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالًا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِنُدُورِهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَصَحُّهُمَا تَجِبُ كَالْعَاجِزِ الَّذِي مَعَهُ مَاءٌ لَا يَجِدُ مَنْ يوضئه فانه يتيم وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ فِي الحال وجنس عذرهم غير نادر بخلاف

_ (1) قلت قال المحاملى في كتابه اللباب في باب الاشربة وقال في حرملة إذا وجد ماء طاهرا ونجسا واحتاج إلى الطهارة توضأ بالطاهر وشرب النجس فهذا نص صاحب المذهب وهو يرتفع عن التصويب وقد نقله عن النص الشيخ أبو حامد في الرونق أيضا اه اذرعى

مَا قَاسَ عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَصْبِرُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَاجِزًا مُطْلَقًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النُّصُوصِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ أَمْرَ الْقِيَامِ أَسْهَلُ مِنْ الوضوء والستر ولهذا جاز تركبه فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الْعُرْيُ وَالتَّيَمُّمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ وَالْمَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ مَشْهُورٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْأَصْحَابُ وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَنْفَعُ تَخْفِيفُ أَمْرِهِ فِي النَّفْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِلْفَارِقِ أَنْ يَقُولَ مَا كَانَ وَاجِبًا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ أَهَمُّ مِمَّا وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حِكَايَةِ النُّصُوصِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا نَصَّ لَلشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ وَنَصَّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ وَالثَّانِي أَنَّ لِلْقِيَامِ بَدَلًا وَهُوَ الْقُعُودُ بِخِلَافِ السَّتْرِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَؤُلَاءِ أَلْحَقُوا مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ بِمَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ وَقَالُوا يَتَيَمَّمُ فِي الْحَالِ وَاعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَجْرَيَا الْخِلَافَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْمَاءُ وَلَا عَائِقَ عَنْهُ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ بِهِ وَلَكِنْ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ غَسْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَوْ يَغْتَرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَصَارَتْ صَلَاتُهُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يَشْتَغِلُ بِالْوُضُوءِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَلَا عَلَى الِاسْتِقَاءِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَادِمٌ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَوَجَدَ بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ لَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُدْلِيه إلَّا ثَوْبُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ لَزِمَهُ أدلاوه ثُمَّ يَعْصِرُهُ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ فَإِنْ زَادَ النَّقْصُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَصَلَ الْمَاءُ وَإِلَّا لَمْ يَصِلْ فَإِنْ كَانَ نَقْصُهُ بِالشَّقِّ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ وَثَمَنِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ لزمه

شَقُّهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ مَوْضِعَهُ وَصَلَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِحَفْرٍ قَرِيبٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَجَبَ الْحَفْرُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ * (فَرْعٌ) لَوْ وَجَدَ الْمُسَافِرُ خَابِيَةَ مَاءٍ مُسْبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَضَعَهُ لِلشُّرْبِ لَا لِلْوُضُوءِ ذكره أبو عاصم العبادي ثم صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَرْعٌ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا فِي تَعْلِيقِهِ وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ خَوْفِ الْعَطَشِ] قَالَ: إذَا كَانَ مَعَهُ دَابَّةٌ مِنْ حِمَارٍ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُحَصِّلَ لَهَا الْمَاءَ لِعَطَشِهَا وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ مُحْتَرَمٌ كَكَلْبِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ وجد من يبعه الْمَاءَ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لم يبيعه إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا شِرَاؤُهُ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ غَيْرَ الْمَاءِ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِوُجُوبِ الشِّرَاءِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ جَازَ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ قَهْرًا لِكَلْبِهِ وَدَابَّتِهِ كَمَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَابَرَهُ فَأَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَإِنْ أَتَى عَلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ كَانَ مَضْمُونًا قَالَ وَلَوْ احْتَاجَ كَلْبُهُ إلَى طَعَامٍ وَمَعَ غَيْرِهِ شَاةٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَيْهَا لِكَلْبِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْمَاءِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ لِلشَّاةِ حُرْمَةً أَيْضًا لِأَنَّهَا ذَاتُ رُوحٍ وَمَتَى كَانَ صَاحِبُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مُكَابَرَتُهُ بِحَالٍ فَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الْأَوَّلِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا صَاحِبُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَالثَّانِي الْمُحْتَاجُ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ مُحْتَاجٌ فَهُوَ كَالْمَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْبَرْدِ فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ فَحُكْمُ مُكَابَرَتِهِ حكم الماء هذا كلام القاضي * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز لعادم الماء أن يتيمم الا بعد الطلب لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا

يقال لم يجد الا بعد الطلب ولانه بدل أجيز عند عدم المبدل فلا يجوز فعله الا بعد ثبوت العدم كالصوم في الكفارة لا يفعله حتى يطلب الرقبة ولا يصح الطلب الا بعد دخول الوقت لانه انما يطلب ليثبت شرط التيمم وهو عدم الماء فلم يجز في وقت لا يجوز فيه فعل التيمم والطلب أن ينظر عن يمينه وشماله وأمامه ووراءه فان كان بين يديه حائل من جبل أو غيره صعده ونظر حواليه وان كان معه رفيق سأله عن الماء] * [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ طَلَبِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَإِلَّا فَلَا وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْأَصْلِ فَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَلَمْ تجدوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ فَلَمْ يُصِبْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ وَنَقَلُوا هَذَا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ لِي رُطَبًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعِنَبًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعِنَبَ قَبْلَ طَلَبِ الرُّطَبِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيُ فِي التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ إلَى بَدَلِهِمَا إلَّا بَعْدَ طَلَبِهِمَا فِي مَظَانِّهِمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيَاسِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ النَّصِّ فِي مَظَانِّهِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ قَدْ يُصَادَفُ بِالطَّلَبِ فَوَجَبَ طَلَبُهُ كَالْقِبْلَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّقَبَةِ فَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الرَّقَبَةِ فِي مَظَانِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقَطْعِ بِوُجُوبِ الطَّلَبِ بِكُلِّ حَالٍ هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ وَجْهَيْنِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا يَجِبُ الطَّلَبُ إذَا تَوَقَّعَ وُجُودَ الْمَاءِ تَوَقُّعًا قَرِيبًا أَوْ مُسْتَبْعَدًا فَإِنْ قَطَعَ بِأَنْ لَا مَاءَ هُنَاكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِمَالِ الْبَوَادِي فَيَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ اسْتِحَالَةَ وُجُودِ مَاءٍ لَمْ نُكَلِّفهُ التَّرَدُّدَ لِطَلَبِهِ لِأَنَّ طَلَبَ مَا يُعْلَمُ اسْتِحَالَةُ وُجُودِهِ مُحَالٌ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ هُوَ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنْ لَا مَاءَ هُنَاكَ فَأَمَّا إذَا ظَنَّ الْعَدَمَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ فَيَجِبُ الطَّلَبُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَصَرَّحُوا كُلُّهُمْ بِهِ الاصحاب الا بانة فَإِنَّهُ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

عَلَيْهِ وَقَالَ لَسْت أَثِقُ بِهَذَا النَّقْلِ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي التَّيَمُّمِ الثَّانِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ الطَّلَبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ طَلَبَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الْوَقْتَ لَمْ يَصِحَّ طَلَبُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ كَمَا قُلْنَا فِي التَّيَمُّمِ نَفْسِهِ وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي الْوَقْتِ أَوْ إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي فَرْعٍ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ وَلَا تَجَدَّدَ مَا يَحْتَمِلُ وُجُودَ مَاءٍ كَانَ طَلَبُهُ ثَانِيًا عَبَثًا فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَدَمُ وُجُودِ مَاءٍ إذَا كَانَ نَاظِرًا إلَى مَوَاضِعِ الطلب ولم يتجدد فيها شئ وَهَذَا يَكْفِيه فِي الطَّلَبِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ طَلَبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَ التَّيَمُّمَ فَتَيَمَّمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ جَازَ مَا لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُ تَجْدِيدَ الطَّلَبِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (الرَّابِعَةُ) فِي صِفَةِ الطَّلَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوَّلُ الطَّلَبِ أَنْ يُفَتِّشَ رَحْلَهُ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقُدَّامًا وَخَلْفًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ أَصْلًا بَلْ يَكْفِيه نَظَرُهُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ وَنَحْوُهُ صَعِدَهُ وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ أَوْ الْمُخَلَّفِ فِي رَحْلِهِ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدُورَ فِي الطَّلَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ) هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّلَبَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ قَلِيلًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ عِنْدِي بَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ فَنَضْبِطُهُ وَنَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ مَنْزِلِ الرُّفْقَةِ نِصْفَ فَرْسَخٍ وَلَا نَقُولُ لَا يُفَارِقُ الْخِيَامَ بَلْ يَطْلُبُ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ انْتَهَى إلَيْهِ وَاسْتَغَاثَ بِالرُّفْقَةِ لَمْ يَبْعُدْ عَنْهُ غَوْثُهُمْ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تُشَاغِلْهُمْ بِأَقْوَالِهِمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَاسْتِوَائِهَا فَإِنْ وَصَلَهُ نَظَرُهُ كَفَى وَإِلَّا تَرَدَّدَ قَلِيلًا وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِمَامَ فِي هَذَا الضَّبْطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ هَذَا الضَّبْطُ لَا يُوجَدُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ تَابَعُوهُ عَلَيْهِ

وليس في الطرق مَا يُخَالِفُهُ (قُلْت) بَلْ قَدْ خَالَفَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنَّ ضَبْطَهُمْ الَّذِي حَكَيْته أَوَّلًا يُخَالِفُ ضَبْطَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رُفْقَةٌ فَإِنْ كَانَ وَجَبَ سُؤَالُهُمْ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَهُمْ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَلَا يَبْقَى إلَّا مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفِي وَجْهٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَسْتَوْعِبُهُمْ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ضَعِيفَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ثِقَةً عِنْدَهُ يَطْلُبُ لَهُ سَوَاءٌ فِيهِ الطَّلَبُ بِالنَّظَرِ فِي الْأَرْضِ وَالطَّلَبُ مِنْ الرُّفْقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ يُنَادِي فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ مَنْ يَجُودُ بِالْمَاءِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَوْ قَلَّتْ الرُّفْقَةُ لَمْ يَلْزَمْ الطَّلَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ وَاحِدًا يَطْلُبُ لَهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الطَّلَبِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِمَعْذُورٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْوَجْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ أَنَّهُ إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَكَذَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وَلَوْ طَلَبَ لَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالطَّلَبُ مِنْ الرُّفْقَةِ معتبر بالمنزل الَّذِي فِيهِ رُفْقَتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ فِي غير المنزل المنسوب إلى منزله فيسأل مَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُصَدِّقُهُ عَنْ الْمَاءِ مَعَهُمْ أَوْ فِي مَنْزِلِهِمْ فَمَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ الْمَاءِ بِالْمَنْزِلِ لَمْ يَعْتَمِدْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثِقَةً وَمَنْ أَخْبَرَهُ أَنْ لَا مَاءَ بِيَدِهِ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فَهُوَ مَانِعٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مَعَ أَحَدِ الرُّفْقَةِ مَاءً وَجَبَ اسْتِيهَابُهُ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ إذْ لَا مِنَّةَ فِيهِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ الْهِبَةِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الِاسْتِيهَابُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِصُعُوبَةِ السُّؤَالِ عَلَى أَهْلِ الْمُرُوءَةِ كَمَا لَا يَجِبُ اسْتِيهَابُ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ بِالْمَاءِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا لَوْ وُهِبَتْ الرَّقَبَةُ ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا بِخِلَافِ الْمَاءِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَلَبٌ

فَإِنْ كَانَ سَبَقَ لَهُ طَلَبٌ وَتَيَمَّمَ وَأَرَادَ تَيَمُّمًا آخَرَ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِفَرِيضَةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الطَّلَبِ يَنْظُرُ فَإِنْ احْتَمَلَ وَلَوْ عَلَى نُدُورٍ حُصُولُ الْمَاءِ بِأَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ أَوْ طَلَعَ رَكْبٌ أَوْ سَحَابَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ الطَّلَبُ بِلَا خلاف على حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ فَكُلُّ مَوْضِعٍ تَيَقَّنَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ حُدُوثُ مَاءٍ فِيهِ لِهَذَا السَّبَبِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَاَلَّذِي ظَنَّ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَجِبُ الطلب منه بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ حُدُوثُ مَاءٍ وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كَانَ تَيَقَّنَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا مَاءَ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ بَلْ ظَنَّ الْعَدَمَ فانه يكفى لك فِي الْأَوَّلِ فَهَلْ يَحْتَاجُ فِي الثَّانِي إلَى إعَادَةِ الطَّلَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ يَحْتَاجُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ مَاءٌ مِنْ بِئْرٍ خَفِيَتْ أَوْ بِدَلَالَةِ شَخْصٍ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَكُونُ الطَّلَبُ الثَّانِي أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ ثَانِيًا مِنْ رَحْلِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ عِلْمَ إحَاطَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِذَا طَلَبَ ثَانِيًا وَصَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى وَجَبَ الطَّلَبُ لَهَا ثَالِثًا وَهَكَذَا كُلَّمَا حَضَرَتْ صَلَاةٌ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ تَيَمَّمَ لِلْأُولَى وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ ثَانٍ (1) وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ لِلثَّالِثَةِ وَمَا بَعْدَهَا قَالَ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ طَلَبَ لِلثَّانِيَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ (فَرْعٌ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الطَّلَبَ ثَانِيًا لَا يَضُرُّ التَّفْرِيقُ بِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُتَيَمِّمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بِالطَّلَبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْإِقَامَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَالتَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ أَوْلَى قَالُوا وَلِأَنَّا لَا نُكَلِّفُهُ فِي الطَّلَبِ إلَّا أَنْ يَقِفَ مَوْضِعَهُ وَيَلْتَفِتَ عَنْ جَوَانِبِهِ وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الطلب إذا عدم الماء

_ (1) وينبغي ان يحمل هذا الكلام إلى آخره على انه في كل مرة لا يحصل له يقين العدم بل غلبة الظن فعلى هذا لااشكال فيه الا ان يقال أنه قطع بالوجه القائل بالطلب تعبدا وان تيقن العدم وهذا بعيد اه اذرعي

سَوَاءٌ رَجَاهُ أَوْ تَوَهَّمَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَنَّ وُجُودَهُ بِقُرْبِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فلا * قال المصنف رحمه الله * [فان بذله له لزمه قبوله لانه لامنة عليه في قبوله وان باعه منه بثمن المثل وَهُوَ وَاجِدٌ لِلثَّمَنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ شراه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة والطعام للمجاعة فان لم يبذل له وهو غير محتاج إليه لنفسه لم يجز أن يكابره علي أخذه كَمَا يُكَابِرُهُ عَلَى طَعَامٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَجَاعَةِ وصاحبه غير محتاج إليه لان الطعام ليس له بدل وللماء بدل] * [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ (بَاعَهُ مِنْهُ) صَحِيحٌ وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ لَا يُقَالُ بَاعَ مِنْهُ إنَّمَا يُقَالُ بَاعَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا جَائِزَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَالشِّرَى وَالشِّرَاءُ لُغَتَانِ مَقْصُورٌ بِالْيَاءِ وَمَمْدُودٌ بِالْأَلِفِ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ هِيَ الْمَخْمَصَةُ وَهِيَ شِدَّةُ الْجُوعِ وَهَذِهِ الْقِطْعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّقَبَةِ للكفارة وهذا ليس بشئ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمَنُّ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ ثَمَنَ الْمَاءِ وَعَكْسَهُ فِي وُجُوبِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ كَقَبُولِ الْمَالِ لِيَحُجَّ بِهِ وَأَمَّا هِبَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ فَكَهِبَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَأَمَّا إعَارَتُهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِوُجُوبِ قَبُولِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي اسْتِيهَابِ الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يَجِبُ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِعَارَةُ إنْ كَانَ ثَمَنُ الْآلَةِ قَدْرَ ثَمَنِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يلزم لانها قد تتلف فيضمنها (وَالثَّانِي) يَلْزَمُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلثَّمَنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي ثَمَنِ الْمِثْلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ أُجْرَةُ نَقْلِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هَذَا الْمُشْتَرِي فِيهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ ببعد

الْمَسَافَةِ وَقُرْبِهَا وَعَلَى هَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوَسَطُ الْمُقْتَصَدُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحَدُّ الَّذِي يَسْعَى إلَيْهِ الْمُسَافِرُ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَدَّ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السَّعْيِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَقَدَرَ عَلَى بَذْلِ أُجْرَةٍ لِمَنْ يَنْقُلُ لَهُ الْمَاءَ مِنْهُ لَزِمَهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُعْتَبَرُ ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّ الشَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ فِي وَقْتِ عِزَّةِ الْمَاءِ يُرْغَبُ فِيهَا بِدَنَانِيرَ فلو كلفناه شراه بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ لَحِقَهُ الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَحَكَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُعْتَبَرُ ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ حَالَةَ التَّقْوِيمِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ بَنَاهُ قَائِلُوهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ وَهُوَ وَجْهٌ سَخِيفٌ قَالَ وَالْوَجْهُ الثاني أيضا ليس بشئ قَالَ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِينَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ لَا يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ وَرُبَّمَا رَغِبَ فِي الشَّرْبَةِ حِينَئِذٍ بِدَنَانِيرَ وَيَبْعُدُ فِي الرخص والتخفيفات أن توجب ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءِ الْأَمْرِ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَانْفَرَدَ عَنْ الْأَصْحَابِ فَاخْتَارَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا اخْتَارَهُ غَيْرُهُ وَغَيْرُ مَنْ تَابَعَهُ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا لَمْ يَبِعْ الْمَاءَ إلَّا باكثر من ثمن المثل فلا يلزمه شراه بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ قَلَّتْ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يجب شراه بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ المال محترم ولهذا لو خاف تلف شئ يَسِيرٍ مِنْ مَالِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّهَابُ

وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ جَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة يلزمه شراؤه بالغبن اليسير وقال حسن البصري يلزمه شراه بِكُلِّ مَالِهِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَهُ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدِينٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ نَفَقَتِهِ أَوْ نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ عِيَالِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ حَيَوَانِهِ الْمُحْتَرَمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ السَّفَرِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَمَرْكُوبِهِ لَمْ يَجِبْ صَرْفُهُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ هَذِهِ الْحَاجَاتِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ فِي الْمَاءِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مَالُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ وَلَا ثَمَنُهُ وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ الْمَاءَ وَجَبَ قَبُولُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَقْرَضَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِالْوُجُوبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ الْمَاءَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وان كان فوجهان الصحيح يلزمه شراه وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَازِمٌ فَلَا مُطَالَبَةَ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلثَّمَنِ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ فَيَبْقَى الدِّينُ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَصِلَ بَلَدَ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِ الْأَجَلِ مَا يليق به أولا يُزَادُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ النَّقْدِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَطَعْتُمْ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُؤَجَّلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَقُلْتُمْ فِيمَنْ لَا يَجِدُ طَوْلَ حُرَّةٍ وَوَجَدَ حُرَّةً تَرْضَى بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ لَا يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي وَجْهٍ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ

وَهُوَ الْوَلَدُ فَإِنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ يَكُونُ رَقِيقًا فَرَاعَيْنَا حَقَّهُ وَهُنَا الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِبَدَلٍ وَلَوْ وَجَدَ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجِبْ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَجِبُ مَا لَمْ تُجَاوِزْ الزِّيَادَةُ ثَمَنَ مِثْلِ الْمَاءِ لَكَانَ حَسَنًا وَكَذَا الْعُرْيَانُ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا يُبَاعُ أَوْ يُؤَجَّرُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا وَجَدَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَفِي الْإِعَادَةِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ حَالَ التَّيَمُّمِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى هِبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ بَاقِيًا أَوْ رَجَعَ عَنْ هِبَتِهِ فَفِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَفَهًا وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُمَا حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَجَدَ الْعُرْيَانُ مَاءً وَثَوْبًا يُبَاعَانِ وَمَعَهُ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَزِمَهُ شِرَاءُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا بَدَل لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِعَبْدِهِ سَاتِرَ عَوْرَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ فِي السَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ إلَى ماء للطهارة دُونَ الْعَطَشِ وَوَجَدَ الْمَاءَ مَعَ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَطَلَبَهُ مِنْهُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ قَرْضًا فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْهَرَهُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ ما لو احتياج إلَيْهِ لِشِدَّةِ الْعَطَشِ وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْهَرُهُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّ لِمَاءِ الطَّهَارَةِ بَدَلًا فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ بَذْلُهُ لِطَهَارَةِ هَذَا الْمُحْتَاجِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَارِي أَنْ يَقْهَرَ صَاحِبَ الثَّوْبِ عَلَى أَخْذِهِ لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ خَافَ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ له قَهْرُهُ إذَا لَمْ يَضْطَرَّ صَاحِبُهُ إلَيْهِ هَكَذَا ذكره البغوي وغيره وهو كما ذكروه: قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَقْهَرَهُ وَيُكَابِرَهُ فَإِنْ قَهَرَهُ فَأَدَّى إلَى هَلَاكِ الْمَالِكِ كَانَ هَدَرًا لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ الْمُضْطَرِّ كَانَ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُحْتَاجِ إلَى مَاءِ الطَّهَارَةِ مَاءٌ مَغْصُوبٌ

أَوْ مَرْهُونٌ أَوْ وَدِيعَةٌ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَذَكَرْته لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِيهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَوَضَّأَ بِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ (لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَى الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ كَمَا يُكَابِرُهُ عَلَى طَعَامٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَجَاعَةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْمَاءِ بَدَلٌ) فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَنْتَقِضُ بِالْعَارِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَابِرَ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ لَا بَدَلَ لِلثَّوْبِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُكَابَرَةَ فِي الطَّعَامِ جَازَتْ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِهَذَا حَلَّتْ الْمَيْتَةُ لِلْمُضْطَرِّ: وَأَمَّا الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ وَهَذَا لَمْ يَجِدْهُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان دل علي ماء ولم يخف فوت الوقت ولا انقطاعا عن رفقة ولا ضررا في نفسه وماله لزمه طلبه] * [الشَّرْحُ] الرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وقوله رفقة هُوَ بِالتَّنْكِيرِ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ رُفْقَةً كَانَ مَعَهُمْ وَرُفْقَةً يُصَادِفُهُمْ الْآنَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَعَبَّرُوا بِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى اخْتَصَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَهَذَّبَهَا فَقَالَ إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الماء حوليه فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ يَنْتَشِرُ إلَيْهَا النَّازِلُونَ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالْبَهَائِمِ فِي الرَّعْيِ فَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يُسْعَى إلَيْهِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ: الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ لَفَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْعَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ فِي الْحَالِ وَلَوْ وَجَبَ انْتِظَارُ الْمَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا جَازَ التَّيَمُّمُ أَصْلًا بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الاعتبار من اول وقت الصلاة لَوْ كَانَ نَازِلًا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَلَا بَأْسَ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ وَالْمَسَافَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَجَبَ السَّعْيُ إلَيْهِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَقْتَ الْحَاضِرَةِ مِعْيَارًا لِلْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمَقْصُودُ بِالتَّيَمُّمِ غَالِبًا: (قُلْت) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَشْبَهِ بكلام الائمة

لَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ طَلَبِ الْمَاءِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ وَعِبَارَةَ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ لِلْحَاجَاتِ وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ عَنْ يَمِينِ الْمَنْزِلِ أَوْ يَسَارِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَنَصَّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَتَيَامَنُ وَيَتَيَاسَرُ فِي حَوَائِجِهِ وَلَا يَمْضِي فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ قَهْقَرَى وَجَوَانِبُ الْمَنْزِلِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ دُونَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِمَا قولان بالنقل والتخريج وهو ظهر لان المسافر مادام سَائِرًا لَا يَعْتَادُ الْمُضِيَّ يَمِينًا وَشِمَالًا كَمَا لَا يَرْجِعُ قَهْقَرَى وَإِذَا كَانَ نَازِلًا يَنْتَشِرُ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا وَيَعُودُ وَدَلِيلُ الْجَوَازِ أَنَّهُ فَاقِدٌ وَالْمَنْعُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ هُوَ نَقْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي آخَرَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي طَرِيقِهِ وَتَيَقَّنَ وُصُولَهُ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ وَرَاءَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ الطَّرِيقِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَمَامَهُ فَفِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ قَوْلَانِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي التَّهْذِيبِ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ تَوْجِيهًا وَحُكْمًا: أَمَّا التَّوْجِيهُ فَظَاهِرٌ: وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي حَقِّ السَّائِرِ وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَوَانِبِ فِي حَقِّ النَّازِلِ فِي الْمَنْزِلِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمَنْزِلِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ مَضَى إلَيْهِ وَفِي زِيَادَةِ الطَّرِيقِ مَشَقَّةٌ: وَأَمَّا الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَمُقْتَضَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَانِبِ فِي حَقِّ النَّازِلِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ وَأَيْضًا فَإِنَّ مُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ السَّعْيَ إلَى مَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْإِيجَابَ فِيمَا عَلَى صَوْبِ الْمَقْصِدِ أَوْلَى (1) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَإِذَا جَازَ التَّيَمُّمُ لِمَنْ يَعْلَمُ الْوُصُولَ إلَى الْمَاءِ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ فَأَوْلَى أَنْ

_ (1) هذا الذي رجحه الرافعى قد جزم به في المحرر والذي رجحه الشيخ في أول الفصل هو الذى اختاره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمهما الله وهو ان الاعتبار بالوقت شرط اه اذرعى

يَجُوزَ لِلنَّازِلِ فِي بَعْضِ الْمَرَاحِلِ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ لِزِيَادَةِ مَشَقَّةِ السَّعْيِ إلَيْهِ وَإِذَا جَازَ لِلنَّازِلِ فَالسَّائِرُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ: وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِالْقَضَاءِ لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَاءِ بِدَلَالَةِ ثِقَةٍ وَهُوَ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَعْمَى وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ فَاسِقٍ وَمُغَفَّلٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا إذَا كَانَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ يَخَافُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ عَلَى مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ أَوْ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ مِنْ غَاصِبٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الْمَاءُ كَالْمَعْدُومِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُ وَخَافَ الضَّرَرَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخَوْفُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ قَالُوا وَلَا فَرْقَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَخَافُ عَلَيْهِ بين الكثير والقيل إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَجِبُ احْتِمَالُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً وَأَمَّا إذَا خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَى الْمَاءِ وَهَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا وَهُمَا قَرِيبَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي نَفَقَةِ الرُّجُوعِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ لَا أَهْلَ لَهُ هَلْ تُشْتَرَطُ أم لا مأخذهما في الموضعين انه لا ضرر عليه لكنه تفوته الالفة والمؤانسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فان طلب فلم يجد فتيمم ثم طلع عليه ركب قبل أن يدخل في الصلاة لزمه أن يسألهم عن الماء فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ الْمَاءَ أَعَادَ الطَّلَبَ لانه لما توجه عليه الطلب بطل التيمم] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّكْبُ هُمْ رُكْبَانُ الْإِبِلِ الْعَشَرَةُ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِرُكْبَانِ الْإِبِلِ هَذَا أَصْلُهُ وَمُرَادُ أَصْحَابِنَا بِالرَّكْبِ جَمَاعَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَاءٌ سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى دَوَابَّ أَوْ رَجَّالَةً قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ حَدَثَ مَا يَحْتَمِلُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بِسَبَبِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ رَأَى جَمَاعَةً أَقْبَلَتْ أَوْ سَحَابَةً أَظَلَّتْ بِقُرْبِهِ أَوْ سَرَابًا ظَنَّهُ مَاءً أَوْ مَاءً توهمه ظاهرا فَكَانَ نَجِسًا أَوْ بِئْرًا تَوَهَّمَ أَنَّ فِيهَا مَاءً فَلَمْ يَكُنْ أَوْ أَنَّهُ يُمْكِنُ نُزُولُهَا فَلَمْ يُمْكِنْ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يراد لاباحة

الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ وَإِذَا تَوَجَّهَ بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْإِبَاحَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَاءً فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ابْتِدَاءً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمَ التَّمَكُّنِ يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ فَلَوْ رَأَى بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ وَلَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ فِيهَا وَلَا دَلْوَ أَوْ لَا حَبْلَ مَعَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَوَّلَ مَا رَآهَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا بَطَلَ وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَلَوْ رَأَى مَاءً وَسَبُعًا أَوْ عَدُوًّا يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَإِنْ رَأَى الْمَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ رَأَى الْمَانِعَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ رَأَى المانع أولا أو رآهما معا يَبْطُلْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَمِعَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ رَجُلًا يَقُولُ مَعِي مَاءٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ بَانَ كَاذِبًا وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ مَاءً أَوْ غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ مَاءً لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ إنْ كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَطَلَ لِإِمْكَانِ طَلَبِهِ مِنْهُ وَلَوْ قال معي ماء أو دعنيه فُلَانٌ أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهُ فِي الْمَاءِ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَتَبَعَّضُ الْإِقْرَارُ وَضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ قَوْلِهِ له على الف من ثَمَنَ خَمْرٍ وَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فِي أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى قَوْلَيْنِ لانه وصل افراره بِمَا يُبْطِلُهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخَمْرِ أَوْ تَأَخَّرَ وَهُنَا الْمُؤَثِّرُ فِي التَّيَمُّمِ تَوَجُّهُ الطَّلَبِ ثُمَّ إنْ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ قَوْلًا إلَى التَّيَمُّمِ مِنْ الْإِقْرَارِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ فِي قَوْلِهِ عِنْدِي مَاءٌ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَهُ بِآخِرِ كَلَامِهِ بَانَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي فِي بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ الْمَاءَ أَعَادَ الطَّلَبَ) فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الطَّلَبِ كَانَ أَخَفَّ مِنْ الطَّلَبِ الاول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان طلب ولم يجد جاز له التيمم لقوله تعلى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهل الافضل أن يقدم التيمم أو الصلاة أم لا ينظر فان كان علي ثقة مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ ان يوخر التيمم فان الصلاة في أول الوقت فضيلة والطهارة بالماء فريضة فكان انتظار الفريضة أولي وان كان على إياس من وجوده فالافضل أن يتيمم ويصلى لان الظاهر أنه لا يجد الماء فلا يضيع فضيلة أول الوقت

لامر لا يرجوه وان كان يشك في وجوده ففيه قولان أحدهما ان تأخيرها أفضل لان الطهارة بالماء فريضة والصلاة في أول الوقت فضيلة فكان تقديم الفريضة أولى: والثاني ان تقديم الصلاة بالتيمم أفضل وهو الاصح لان فعلها في أول الوقت فضيلة متيقنة والطهارة بالماء مشكوك فيها فكان تقديم الفضيلة المتيقنة أولى] [الشَّرْحُ] إذَا عَدِمَ الْمَاءَ بَعْدَ طَلَبِهِ الْمُعْتَبَرِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَتَيَقَّنَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ * وَحَكَى صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَوْلًا لَلشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْجَوَازُ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَجِدُهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَيَجِبُ التَّأْخِيرُ قَالَ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَلِلْعَادِمِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ ان يوخر الصلاة ليأتي بها بالوضوء لانه الاصل والا كمل هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ أَفْضَلُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ واحتج له الشيخ أبو حامد الاسفرائيني وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْوُضُوءَ أَكْمَلُ مِنْ التَّيَمُّمِ فَكَانَ رَاجِحًا عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِهِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يُصَلَّى بِهِ صَلَوَاتٌ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ فَرِيضَةٌ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا فَعَلَهُ وَقَعَ أَيْضًا فَرِيضَةً فَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَنَضُمُّ إلَيْهِ أَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ نَصَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ هَذَا التَّيَمُّمَ بَاطِلٌ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ التَّيَمُّمَ حَتَّى يَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ: (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ عَلَى يَأْسٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لِحِيَازَةِ فَضِيلَةِ

أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ هُنَا مَا يُعَارِضُهَا: (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ وَلَا عَدَمَهُ وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ رَاجِيًا ظَانًّا الْوُجُودَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الاصحاب ونص عليهما في مختصر المزني أصحهما بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: وَالثَّانِي التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُمَا يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَشُكَّ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْوُجُودُ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا عَكْسُهُ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الرَّجَاءِ وَالظَّنِّ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْجَزْمُ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ والغزالي والمتولي وآخرين ان كان يطن وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَرْجُو فَفِيهِ قَوْلَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلشَّكِّ وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ فَجَزَمَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ بالتقديم قولا واحد قَالَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا كَانَ يَظُنُّ قَالَ وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَظُنَّ الْوُجُودَ وَلَا الْعَدَمَ وَلَا وُثُوقَ بِهِ وَلَعَلَّ ذَاكَ الْقَائِلَ أَرَادَ بِالظَّنِّ الْيَقِينَ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ نَقْلِ الْقَوْلَيْنِ فِي حَالِ الشَّكِّ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْقَوْلَيْنِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فَقَالُوا لَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا عَدَمَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ أَقْوَى مِنْ الآخر ففيه القولان هذا لفظ وهؤلاء الثلاثة هم شُيُوخُ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَهُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَأَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ صَلَّى بِالْوُضُوءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِهِ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَثْنَائِهِ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ فَقَطَعَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ بِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَطَعَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ رَجَا الْجَمَاعَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَفِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَحَكَى

صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ التَّقْدِيمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ التَّأْخِيرُ لِلْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ إنْ تَيَقَّنَ الْجَمَاعَةَ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَهَا فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ رَجَا الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْهُ فَهَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اخبر انه سيجئ أَئِمَّةٌ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً فَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَسَنَبْسُطُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وهو مذهب احمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَجْرِيَانِ فِي الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ إذَا رَجَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْعَارِي إذَا رَجَا السُّتْرَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمُنْفَرِدِ إذَا رَجَا الْجَمَاعَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُمْ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى حَالِهِمْ أَمْ تَأْخِيرُهَا لِمَا يَرْجُونَهُ قَالَ وَلَا يَتْرُكُ التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ عَلِمَ إقَامَتَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَأَكْمَلَهُ فَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ الِانْحِبَاسِ عَلَى إكْمَالِ الْوُضُوءِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ صَلَّى فِي أَوَاخِرِ الصُّفُوفِ لَمْ تَفُتْهُ فَهَذَا لَمْ أَرَ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا لِغَيْرِهِمْ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ

الْأَخِيرَةِ حَافَظَ عَلَيْهَا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ غَيْرِهَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِإِتْمَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَفِي فَضْلِهِ وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِهَامِ وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [فان تيمم وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ ماء نسيه لم تصح صلاته وعليه الاعادة على المنصوص لانها طهارة واجبة فلا تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا من أعضائه فلم يغسله: وروى أبو ثور عن الشافعي رحمهما الله انه قال تصح صلاته ولا اعادة عليه لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فسقط الفرض بالتيمم كما لو حال بينهما سبع وان كان في رحله ماء واخطأ رحله فطلبه فلم يجده فتيمم وصلى فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا تلزمه الاعادة لانه غير مفرط في الطلب ومن أصحابنا من قال تلزمه لانه فرط في حفظ الرحل] * [الشَّرْحُ] الرَّحْلُ مَنْزِلُ الرَّجُلِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا وَيَقَعُ أَيْضًا اسْمُ الرَّحْلِ عَلَى مَتَاعِهِ وَأَثَاثِهِ وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْمَشْهُورُ * أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ * وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَنَاوَلُ الرَّحْلَ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَقَدْ غَلَطَ وَجَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَهُ بِمَعْنَى الْمَتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ فِي الْفَصْلِ خَمْسُ مَسَائِلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهَا إذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ الْوَاجِبِ مِنْ رَحْلِهِ وَغَيْرِهِ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَانَ عِلْمُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَجَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَالْأُمِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ هَكَذَا حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَاف وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا إعَادَةَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَالثَّانِي لَا إعَادَةَ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَرْعًا فِي مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَوَابِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ فَقَالَ كَثِيرُونَ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكًا أَوْ أَحْمَدَ وَضَعَّفَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا بِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ لَمْ يَلْقَ مَالِكًا وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ رُوَاةِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَلِأَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ رِوَايَتَهُ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَالصَّحِيحُ

فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ حَكَاهُ عَنْهُ الماوردى والطريق الثَّالِثُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالَيْنِ فَنَصُّهُ عَلَى وجوب الاعادة إذا كان الرحل صغيرا يمكن الْإِحَاطَةُ بِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي ثَوْرٍ إذَا كَانَ كبيرا لاتمكن الْإِحَاطَةُ بِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا عَلِمَ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِ بِئْرًا ثُمَّ نَسِيَهَا وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَهَا فَهُوَ كَنِسْيَانِ الْمَاءِ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ الْأَوَّلَانِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْبِئْرَ أَصْلًا ثُمَّ عَلِمَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ فَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا إعَادَةَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ تَجِبُ الْإِعَادَةُ قَالُوا وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ خَفِيَّةً: وَبِالثَّانِي إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ: وَالثَّانِي لَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْأَعْلَامِ بَيِّنَةَ الْآثَارِ وَجَبْت الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الْفَيَّاضِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يُبَاعُ فَنَسِيَ أَنَّ مَعَهُ ثَمَنَهُ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ ذَكَرَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالْكَافِي أَنَّهُ كَنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ كَجٍّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَدْرَجَ غَيْرُهُ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الرَّحْلِ إلَّا بَعْدَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ لَكِنَّ أَصَحَّهُمَا هُنَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَهُنَاكَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَهَذَا الطَّرِيقُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ طَلَبَ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْ فَذَهَبَ لِلطَّلَبِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَأُدْرِجَ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ رَحْلِهِ لِعِلْمِهِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَكَانَ قَدْ أُدْرِجَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِتَقْصِيرِهِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَطَلَبَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ أَمْعَنَ حَتَّى ظَنَّ الْعَدَمَ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَهُمَا مُخْرَجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ

فِي الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ لِنُدُورِهِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ: (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَأَخْطَأَ رَحْلَهُ بَيْنَ الرِّحَالِ لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ أَمْعَنَ فَثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا إعَادَةَ: وَالثَّانِي تَجِبُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ: وَالثَّالِثُ إنْ وَجَدَهُ قَرِيبًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَلَا إعَادَةَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ مُطْلَقًا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ إنْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ أَضَلَّهُ بَيْنَ الرِّحَالِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ غصب رحله الذى فيه الْمَاءُ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ حَالَ دُونَهُ سَبْعٌ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَلَوْ ضَلَّ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ عَنْ الْمَاءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةُ لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ فِي النَّجَاسَةِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَتَى فِي التَّيَمُّمِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَبَا ثَوْرٍ وَأَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِي عَلِيٍّ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَهُنَاكَ بَيَّنَّا اسْمَهُ وَحَالَهُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ أَبِي ثَوْرٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ الَّتِي فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فِي نِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا فِي نِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ وَتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا فَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ لَفْظَةِ نَاسِيًا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وصلي بالتيمم ثم علمه الصحيح في مذهبنا

وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا إعَادَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَأَشْبَهَ السَّبْعَ وَلِأَنَّهُ صَلَّى وَلَا يَعْلَمُ مَعَهُ مَاءً فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ كَمَنْ صَلَّى ثُمَّ رَأَى بِقُرْبِهِ بِئْرًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكْفِي وَاجِدَ الْمَاءَ بِالِاتِّفَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ وَهَذَا وَاجِدٌ وَالنِّسْيَانُ لَا يُنَافِي الْوُجُودَ فَهُوَ وَاجِدٌ غَيْرُ ذَاكِرٍ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَكَمَرِيضٍ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجَزَهُ عَنْ الْقِيَامِ وَكَانَ قَادِرًا وَكَحَاكِمٍ نَسِيَ النَّصَّ فَحَكَمَ بِالْقِيَاسِ وَكَمَنْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَامَ وَكَمَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ عَلَى كَتِفِهِ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يُعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مُجْمَلٌ أَمْ عَامٌّ فَإِنْ قُلْنَا مُجْمَلٌ تَوَقَّفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى بَيَانِ الْمُرَادِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا عَامٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَقَدْ خَصَّ مِنْهُ غَرَامَاتُ الْمُتْلَفَاتِ وَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا وَمَنْ نَسِيَ بَعْضَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَمَنْ نَسِيَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وغيره ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ نِسْيَانُ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ قِيَاسًا عَلَى نِسْيَانِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ وَنَعْتَمِدُهُ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَيَقُولُونَ الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ غَرَامَةِ الْإِتْلَافِ نَاسِيًا وَالْقَتْلِ خَطَأً وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَدِيثُ عَامًّا فَلَيْسَ تَخْصِيصُهُ مُنْحَصِرًا فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَإِنَّ أَكْلَ النَّاسِي فِي الصَّوْمِ وَكَلَامَ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ صَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادُوا يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَإِنْ أَرَادُوا فِي الظَّاهِرِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى اعْتِقَادِهِ فَيَنْتَقِضُ بِمَنْ نَسِيَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى السَّبْعِ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فيه بخلاف

مَسْأَلَتِنَا وَلِهَذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ السَّبْعَ لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَارِيًّا وَلَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَعَادَ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ كَمَا سَبَقَ فَلَا نُسَلِّمُ حُكْمَهَا وَإِنْ كَانَتْ خفية فالقرق أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ فِيهَا إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ النسيان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان وجد بعض ما يكفيه ففيه قولان قال في الام يلزمه أن يستعمل ما معه ثم يتيمم لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد للماء فيجب ألا يتيمم وهو واجد له ولانه مسح ابيح للضرورة فلا ينوب الا في موضع الضرورة كالمسح على الجبيرة وقال في القديم والاملاء يقتصر على التيمم لان عدم بعض الاصل بمنزلة عدم الجميع في جواز الاقتصار عل البدل كما نقول فيمن وجد بعض الرقبة في الكفارة] [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ وَإِذَا وَجَدَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُخْتَارُ الْوُجُوبُ وَدَلِيلُهُ مَعَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (وإذا أمرتكم بشئ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْنَى أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين مَعْنَاهُ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَهَذَا لَمْ يَجِدْهَا وَقَالَ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) وَهَذَا وَاجِدٌ مَاءً وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ إيجَابَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ مَعَ الشَّهْرَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا التَّيَمُّمُ يَقَعُ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ لَا عَنْ الْمَغْسُولِ وَلِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهَا لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَا يُفِيدُهُ الصَّوْمُ وَغَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ يفيد مالا يفيده التيمم وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَقِيلَ مَأْخُوذَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ إنْ جَوَّزْنَاهُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُسْتَقِلَّانِ غير مأخوذين من شئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالُوا وَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا يصح مع

وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالُوا فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُحْدِثُ فِي وَجْهِهِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِمَا بَقِيَ وَيَسْتَعْمِلُهُ الْجُنُبُ أَوَّلًا فِي أَيِّ بَدَنِهِ شَاءَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَرَأْسِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ وَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ صَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِرَأْسِهِ وَأَعَالِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَانَ مُحْتَمَلًا وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالرَّأْسِ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ جَمِيعَ الْبَدَنِ هَذَا إذَا كَانَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَدَثَ يَنْدَرِجُ فِي الْجَنَابَةِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ جُنُبًا فَقَطْ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْدَرِجُ وَكَانَ الْمَاءُ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ وَحْدَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَنْ الْحَدَثِ وَيَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى تَيَمُّمِ الْجَنَابَةِ وَتَأْخِيرِهِ إذْ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَطَرِيقَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ استعمال هَذَا الْمَاءَ النَّاقِصَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّيَّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ هُنَا فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا خِلَافٍ كَبَعْضِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ بِخِلَافِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُهُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَجِدْ ماء ووجد ثلجا أو بردا لَا يَقْدِرُ عَلَى إذَابَتِهِ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْمِيَاهِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ أَنَا هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّأْسِ طَرِيقَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ قَالُوا أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّأْسِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ مَا يَحْكُمُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ تَيَمَّمَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا ثُمَّ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يُؤَثِّرُ هَذَا الْمَاءُ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا كَالْعَدَمِ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ لانه واجد وَالْمَحْذُورُ الَّذِي قَالَهُ الْأَوَّلُ يَزُولُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَوَجَدَ مَا يشتري به بعض ما يكفيه ففى وجب شِرَاهُ الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ إذَا كَانَ معه *

(فَرْعٌ) إذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ الْمَاءِ وَوَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَلْ لاحدهما فطريقان حكاهما البغوي وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ ما يستر بعض الْعَوْرَةَ أَوْ أَحْسَنَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ: وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَضَعَّفَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَقَالَ لَوْ قِيلَ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لَكَانَ أَوْلَى وَوَجَّهَهُ بِمَا لَيْسَ بِتَوْجِيهٍ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَاتٌ فَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا أَمْكَنَ كَبَعْضِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّتْرَةِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِهِمَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ رَأَى مَاءً فَإِنْ احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفِيه لِطَهَارَتِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ ابْتِدَاءً إنْ أَوْجَبْنَاهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) لَوْ مُنِعَ الْمُتَطَهِّرُ مِنْ الْوُضُوءِ إلَّا مَنْكُوسًا فَهَلْ لَهُ التَّيَمُّمُ أَمْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الْوَجْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ (وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا إذَا امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) (قُلْت) فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِمَالٌ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ غُصِبَ مَاؤُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفِيهِ لِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ وَجَبَ عَلَى رَفِيقِهِ غُسْلُهُ بِهِ وَتَيَمُّمُهُ لِلْبَاقِي وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى التَّيَمُّمِ قَالَا فَعَلَى هَذَا لَوْ غَسَّلَهُ بِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِعْمَالِ النَّاقِصِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اسْتِحْبَابُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاءِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَمَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ وَهُوَ الظاهر]

مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذَا الْمَاءَ أَوَّلًا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ فَإِنْ خَالَفَ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَهَا فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُرَادُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَا يُبِيحُهَا لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ عليه وأصحهم يَصِحُّ كَمَا أَنَّ الْجَرِيحَ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يُغَسَّلَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ عَقِبَهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ دُونَ الْحَدَثِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَغَسْلُ النَّجَاسَةِ به أولي يعنى ولا يجب لانه لابد مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ غَسَلَ النَّجَاسَةَ أَوْ تَوَضَّأَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَعَلَى بَدَنِهِ طِيبٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَجَبَ غَسْلُ الطِّيبِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُضُوءُ بِهِ وَجَمَعَهُ لِغَسْلِ الطِّيبِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَجَبَ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحَجِّ * (فَرْعٌ) لو عدم ماء الطهارة وسائر الْعَوْرَةِ وَوَجَدَهُمَا يُبَاعَانِ وَمَعَهُ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ شِرَى السُّتْرَةِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا وَلِأَنَّ النَّفْعَ بِهَا يَدُومُ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِلصَّلَاةِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ الْعُيُونِ وَالْمَاءُ يُخَالِفُهَا فِي كُلِّ هَذَا (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِلْجَنَابَةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَلَزِمَهُ استعماله وان قلنا لا يجب فقال ابْنُ سُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ تَوَضَّأَ بِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ الَّذِي نَابَ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَبَاحَ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَمَّا أَحْدَثَ حُرِّمَتْ النَّوَافِلُ فَإِذَا تَوَضَّأَ ارْتَفَعَ تَحْرِيمُ النَّوَافِلِ وَلَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَمْ يَنُبْ عَنْ الْجَنَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَتَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ جَازَ وَاسْتَبَاحَ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ جَمِيعًا فَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ وَحْدَهَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْتَبِيحُهَا كَمَا يَسْتَبِيحُهَا إذَا نَوَى الْفَرِيضَةَ تَبَعًا وَأَصَحُّهُمَا لَا يَسْتَبِيحُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ لَهَا فَلَا يَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالُوا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ فَيُقَالُ وُضُوءٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ النَّافِلَةُ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَيُقَالُ وُضُوءٌ يَصِحُّ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ النَّفْلِ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْضِ وَيُقَالُ مُحْدِثٌ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِحَدَثِهِ فَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ اسْتَبَاحَهُ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّفْلِ لَمْ يَصِحَّ له ولا لغيره وهذا

السؤال الثالث يجئ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْوُضُوءُ مَعَ الْجَنَابَةِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَوُجُودُهُ بِمَثَابَةِ مَا إذَا طَرَأَ الْحَدَثُ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا فَيُخَرَّجُ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ أَوْ لَا يَجِبُ فلابد مِنْ التَّيَمُّمِ لِلنَّافِلَةِ قَالَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالٌ عَلَى الْجُمْلَةِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ: أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَبَقِيَ عُضْوٌ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَاءً فَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَيَمَّمَ ثَانِيًا ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي ذَاكَ الْعُضْوَ دُونَ وُضُوئِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ قُلْنَا فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ الثَّانِيَّ وَقَعَ عَنْ الْحَدَثِ وَلَمْ يَقْدِرْ بَعْدَهُ عَلَى مَا يُزِيلُ الْحَدَثَ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فَقَدْ تَعَارَضَ فَرْضَانِ أَحَدُهُمَا الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَالثَّانِي الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ هَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَنَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْهُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَفَرْقُهُ بَيْنَ قَوْلِنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا يَجِبُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا أَنْكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا بِنَاءٌ فَاسِدٌ وَتَفْرِيعٌ بَاطِلٌ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُضْوِ الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالتَّيَمُّمُ وَقَعَ عَنْ الْحَدَثِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الْأَظْهَرُ وَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ فَوَجَدَ مَا يكفيه لبدنه إلَّا مَوْضِعًا يَسِيرًا فَاغْتَسَلَ وَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ فتيمم وصلي ثم أحدث ثم وجد ما يكفيه لِلْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذَا الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْبَاقِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا وَنَفْلًا قَالَ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ جَازَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْحَدَثِ الطَّارِئِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِلْجَنَابَةِ فَجَازَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ فَلَوْ أَرَاقَ هَذَا الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ بَلْ يُجَدِّدَ تَيَمُّمًا بَعْدَ الْإِرَاقَةِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْعُضْوِ الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَإِنْ اجْتَمَعَ ميت وجنب أو ميت وحائض انقطع دمها وهناك ماء يكفى أحدهما فان كان لاحدهما كان صاحبه أحق به لانه محتاج إليه لنفسه فلا يجوز له بذله لغيره فان بذله للآخر وتيمم لم

يصح تيممه وان كان الماء لهم كانا فيه سواء وان كان مباحا أو لغيرهما وأراد أن يجود به على أحدهما فالميت أولى لانه خاتمة طهارته والجنب والحائض يرجعان إلى الماء فيغتسلان وان أجتمع ميت وحى على بدنه نجاسة والماء يكفى أحدهما ففيه وجهان أحدهما صاحب النجاسة أولى لانه ليس لطهارته بدل ولطهارة الميت بدل وهو التيمم والثاني الميت أولى وهو ظاهر المذهب لانه خاتمة طهارته وان اجتمع حائض وجنب والماء يكفى أحدهما ففيه وجهان قال أبو إسحق الجنب أولى لان غسله منصوص عليه في القرآن ومن أصحابنا من قال الحائض أولي لانها تستبيح بالغسل ما يستبيح الجنب وزيادة وهو الوطئ وان اجتمع جنب ومحدث وهناك ما يكفى المحدث ولا يكفى الجنب فالمحدث أولى لان حدثه يرتفع به ولا يرتفع به حدث الجنب وان كان يكفى الجنب ولا يفضل عنه شئ ويكفى المحدث ويفضل عندما يغسل به الجنب بعض بدنه ففيه ثلاثة أوجه أحدها الجنب أولى لانه يستعمل جميع الماء بالاجماع وإذا دفعناه الي المحدث بقى ماء مختلف في وجوب استعماله في الجنابة والثاني المحدث أولى لان فيه تشريكا بينهم والثالث أنهما سواء فيدفع الي من شاء منهما لانه يرفع حدث كل واحد منهم ويستعمله كل واحد منهما بالاجماع] * [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمُحْدِثٌ وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُنَاكَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره لان الايثار انما بشرع فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوُونَ كُلُّهُمْ فِي تَحْرِيمِ الْبَذْلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْجُنُبِ أَوْ الْحَائِضِ أَوْ الْمُحْدِثِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَيِّتَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فَلَوْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَبَذَلَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّيْدَلَانِيّ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ فيه وكأنه مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ فِي صِحَّةِ هِبَتِهِ وَجْهَيْنِ وَسَنَشْرَحُهُمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ

سَفَهًا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُ الْبَاذِلِ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَدْ تَلِفَ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ سَفَهًا أَصَحُّهُمَا لَا تَجِبُ وَسَنَشْرَحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ فُرُوعِهِمَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هو الذى قاله الاصحاب في الطريقتين وَلَمْ يُوَضِّحْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِتَفْصِيلِهَا بَلْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَيَمَّمَ وَالْمَاءُ بَاقٍ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ وَقَدْ أنكر بعضهم عَلَيْهِ إطْلَاقَهُ وَلَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ وَهَبَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَمَّا مَنْ وَهَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تَحْرُمُ هِبَتُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ كَمَا لَوْ أَرَاقَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَفِي قَدْرِ مَا تَجِبُ إعَادَتُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَتَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا صَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقُّ بِهِ أَيْ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَحَقُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا اسْتِيعَابُ الْحَقِّ كُلِّهِ كَقَوْلِك فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ غَيْرِهِ وَالثَّانِي عَلَى تَرْجِيحِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ فِيهِ نَصِيبٌ كَقَوْلِك فُلَانٌ أَحْسَنُ وَجْهًا مِنْ فُلَانٍ لَا تُرِيدُ نَفْيَ الْحُسْنِ عَنْ الْآخَرِ بَلْ تُرِيدُ التَّرْجِيحَ قَالَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا) أَيْ لَا يَفْتَاتُ عَلَيْهَا فَيُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَمْ يَنْفِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَيَنْظُرُ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَبْذُلَ نَصِيبَهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ نَصِيبُ الْبَاذِلِ يَكْفِيه وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيه وَقُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لَمْ يَجُزْ بَذْلُهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ: (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ الْمَاءُ لَأَجْنَبِيٍّ فَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحْوَجِهِمْ أَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَحْوَجِ النَّاسِ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَصْرِفُهُ إلَى أَحْوَجِهِمْ فَأَيُّهُمْ أَحَقُّ فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَكَذَا صَوَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَصَوَّرَهَا الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَصَلَ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجُونَ إلَى مَاءٍ مُبَاحٍ وَذَكَرُوا فِيهَا التَّفَاصِيلَ الْمَذْكُورَةَ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ (هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَاءَ الْمُبَاحَ إذَا ازْدَحَمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي تَمَلُّكِهِ

ولا يتوقف الملك عَلَى الْحَاجَةِ بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِاسْتِوَائِهِمْ وَيُقْسَمُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى أَحْدَاثِهِمْ وأحوالهم) قال (ولاخفاء بِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الزَّلَلِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ (لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّقْدِيمَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مُجَرَّدُ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ الْمُبَاحِ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْإِحْرَازِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ تَرْكُ الِاسْتِيلَاءِ والاحراز ايثارا للاحوج) قال (وَالْأَصْحَابُ يُسَلِّمُونَ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَازْدَحَمُوا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَيَقُولَ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ مَلَكَ الْمَاءَ) هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ دَفْعُهُ إلَى الْأَحْوَجِ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا حَضَرَ مَيِّتٌ مَعَ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ مُحْدِثٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ لِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرهَا الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنَّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ فَخُصَّ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَالْأَحْيَاءُ سَيَجِدُونَ الْمَاءَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّت تَنْظِيفُهُ وَلَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ وَالْقَصْدُ مِنْ طَهَارَةِ الْأَحْيَاءِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَيُّ أَحَقُّ مِنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَفْتَقِرُ اسْتِحْقَاقُ الْمَيِّتِ وَتَخْصِيصُهُ إلَى قَبُولِ وَارِثٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِتَكْفِينِ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِ هِبَةِ الْمَاءِ للميت وليس بشئ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ مَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَحَقُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْمَيِّتِ إنْ قُلْنَا بِالْأُولَى فَهُوَ أَحَقُّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِيَةِ فَالنَّجِسُ أَحَقُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَتَحْصُلُ طَهَارَةُ الْمَيِّتِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ حَضَرَ مَيِّتَانِ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ مَوْتِهِمَا فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَاتَا مَعًا فَأَفْضَلُهُمَا أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ (1) (الثَّالِثَةُ) لَوْ حَضَرَ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعَ جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَمُحْدِثٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِطَهَارَتِهِ: (الرَّابِعَةُ) حَضَرَ جُنُبٌ وَحَائِضٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْحَائِضُ أَحَقُّ لِغِلَظِ حَدَثِهَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّ غُسْلَ الْجُنُبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ

لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّ غُسْلَهَا ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْجُنُبُ أَحَقُّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ دُونَ الْحَائِضِ فَقُدِّمَ لِتَصِحَّ طَهَارَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا احْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالصَّيْدَلَانِيّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَمْ يصح عن الصحابة في تيمم الحائض شئ: وَالثَّالِثُ يَسْتَوِيَانِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ اخْتَصَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقُرْعَةَ وَالْآخَرُ الْقِسْمَةَ فَالْقُرْعَةُ أَوْلَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْقِسْمَةُ فِي الثَّانِي هَذَا إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ النَّاقِصِ عَنْ الْكِفَايَةِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْقِسْمَةِ جَازَ إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ: (الْخَامِسَةُ) حَضَرَ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ فَالْمُحْدِثُ أَحَقُّ إنْ لَمْ نُوجِبْ اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الْمُحْدِثُ أَحَقُّ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ حَدَثُهُ بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي الْجُنُبُ أَحَقُّ لِغِلَظِ حَدَثِهِ والثالث يستويان ويجئ فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ الْإِقْرَاعِ وَالْقِسْمَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَيَدْفَعُ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ يَجُودُ بِهِ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُبَاحِ فَيُقْرِعُونَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيَقْسِمُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَا تَخْيِيرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ كَافِيًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْجُنُبُ أَوْلَى إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِيًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُظِرَ إنْ فَضَلَ عن الوضوء منه شئ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْغُسْلِ فَالْجُنُبُ أَوْلَى إنْ لَمْ نُوجِبْ اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُحْدِثُ يَضِيعُ الْبَاقِي وَإِنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّهَا الْجُنُبُ أَحَقُّ وَالثَّانِي الْمُحْدِثُ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ وان لم يفضل من واحد منهما شئ أو فضل عن كل واحد منهما شئ فَالْجُنُبُ أَحَقُّ وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا كان لا يفضل عن واحد منهما شئ فَهُمَا سَوَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْغُسْلُ وَلَا يَكْفِي الْوُضُوءُ إنْ تُصُوِّرَ ذَلِكَ فَالْجُنُبُ أَحَقُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُغْتَسِلُ نِضْوَ الْخَلْقِ فَاقِدَ الْأَعْضَاءِ وَالْمُتَوَضِّئُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ) وَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ غَيْرُ مَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ فَقَدْ

أَسَاءَ وَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ مَاءٌ فَخَافَتْ رُفْقَتُهُ الْعَطَشَ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَأَدَّوْا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ شُرْبُهُ وَعَلَيْهِمْ ضمانه بقيمته يوم الشرب في مكان الشُّرْبِ كَمَا قُلْنَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَسَمَّى الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ هُنَا ثَمَنًا مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الثَّمَنِ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ وَلَكِنْ قَدْ سَمَّتْ الْعَرَبُ الْقِيمَةَ ثَمَنًا (قُلْت) (1) قَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللغة قال الليث ثمن كل شئ قِيمَتُهُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ الثَّمَنُ قِيمَةُ الشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ وَلَمْ نُوجِبْ الْمِثْلَ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِثْلِيًّا لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانُوا فِي بَرِيَّةٍ لِلْمَاءِ فِيهَا قِيمَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى بَلَدِهِمْ وَلَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ فِي الْبَلَدِ فَلَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالثَّمَنِ الْمِثْلُ وَأَنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَ الْمَاءِ لَا قِيمَتَهُ وَهَذَا شَاذٌّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا إذَا غَرِمُوا فِي مَوْضِعِ الشُّرْبِ فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ مِثْلَ الْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَحْرِ وَكَذَا لَوْ غَرِمُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ فَلَهُمْ أَدَاءُ مِثْلِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَمَنْ أَتْلَفَ حِنْطَةً غَرِمَ مِثْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغُرْمِ أَقَلَّ وَلَوْ غَرِمُوا الْقِيمَةَ ثُمَّ اجْتَمَعُوا هُمْ وَالْوَارِثُ فِي مَوْضِعٍ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِمِثْلِ الْمَاءِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فَتَعَذَّرَ الْمِثْلُ فَغَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ هَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ وَيُطَالِبَ بِالْمِثْلِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ إذَا احْتَاجَ الْأَحْيَاءُ إلَى مَاءِ الْمَيِّتِ لِلْعَطَشِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ لِلْعَطَشِ بَلْ لِلطَّهَارَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسِّلُونَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَمَا بَقِيَ حَفِظُوهُ لِلْوَرَثَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ بِهِ بل يتيممون فان توضؤا بِهِ أَثِمُوا وَضَمِنُوهُ عَلَى مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان لم يجد ماء ولا ترابا صلى على حسب حاله لان الطهارة شرط من شروط الصلاة

_ (1) في الصحيح في حديث قطع سارق المجز في مجز قيمته ثلاثة دراهم وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم اه اذرعى

فالعجز عنها لا يبيح ترك الصلاة كستر العورة وازالة النجاسة واستقبال القبلة والقيام والقراءة] [الشرح] قَوْلُهُ (عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ قَدْرِ حَالِهِ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ حَسَبِ صَحَّ الْكَلَامُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ (شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) احْتِرَازٌ مِنْ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ وَلَكِنْ مِنْ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ وَقَوْلُهُ (وَالْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ)) مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ وَمَعْلُومٌ عنده وعند غيره انهما ليسا من الشروط بَلْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْأَرْكَانِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَهُمَا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ بِمَا قَبْلَهُمَا أَوْ يَقُولُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ ليتناول كل المذكورات وكأنه أراد بالشرط مالا تصح الصلاة الا بوجوده لاحقيقته وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُكَلَّفُ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِأَنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ كَانَ فِي أَرْضٍ ذَاتِ وَحْلٍ ولم يجد ماء يخففه بِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَحَدُهَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْحَالِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ مَاءً أَوْ ترابا في موضع يسقط الفرض بِالتَّيَمُّمِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ الْقَدِيمِ (وَالرَّابِعُ) تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ أَيْضًا وَسَتَأْتِي أَدِلَّةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ في القوت وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَالْمَذْهَبُ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ فِي الْوَقْتِ صَلَاةٌ وَلَكِنْ يَجِبُ تَدَارُكُ النَّقْصِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِفِعْلِ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ تَشَبُّهٌ كَالْإِمْسَاكِ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ صَلَّى الْفَرْضَ وَحْدَهُ وَلَا يَجُوزُ النَّفَلُ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تُبَاحُ بالطهارة ولم

تَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ لِلضَّرُورَةِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَصَاحِبُ البيان وجها انه يباح وطؤها وليس بشئ وَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ وَكَانَ جُنُبًا أَوْ مُنْقَطِعَةَ الْحَيْضِ لَمْ يَقْرَأْ فِي الصَّلَاةِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَشَرْحُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يوجب الغسل أصحهما تجب والثاني يحرم بَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَرَأَى الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ كَالْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ فِي الْحَضَرِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لا تبطل وهذا الوجه ليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ لَيْسَ أَحَدٌ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَصِحُّ بِالنَّفْلِ إلَّا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ أَوْ السُّتْرَةَ الطَّاهِرَةَ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ أَعَادَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ وَجَدَ التُّرَابَ فِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي حَالَةٍ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ كَالْحَضَرِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ وَكَيْفَ يُصَلِّي مُحْدِثًا صَلَاةً لَا تَنْفَعُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حُرْمَةِ وَقْتٍ وَإِنَّمَا جَازَتْ صَلَاةُ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْحَالِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَقُلْنَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ فَعَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ ذَلِكَ احْتَاجَ إلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ الْمُؤَدَّاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِعْلُهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ قَالَ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ وَجْهَانِ يَعْنِي يَقْضِي فِي الْحَالِ ثُمَّ يَقْضِي إذَا وَجَدَ الطَّهُورَ (قُلْت) وَالصَّوَابُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا رُبِطَ عَلَى خَشَبَةٍ أَوْ شُدَّ وَثَاقُهُ أَوْ مُنِعَ الْأَسِيرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ

يُصَلُّوا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ بِالْإِيمَاءِ وَيَكُونُ إيمَاؤُهُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ أَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِمْ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ كَالْمَرِيضِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرَضَ يَعُمُّ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي هَذَا وَفِي الْغَرِيقِ يَتَعَلَّقُ بِعُودٍ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ إنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَا إعَادَةَ كَالْمَرِيضِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْغَرِيقِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لَا يُعِيدُ مَا صلى إلَى الْقِبْلَةِ وَيُعِيدُ غَيْرَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ لِنُدُورِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ وَهَذَا شَاذٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَمَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا فَأَعَادَ فَفِي الْفَرْضِ مِنْ صَلَاتِهِ أَرْبَعَةُ أقوال مشهورة حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّ الْمُزَنِيَّ وَأَبَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقْلَاهَا وَقَدْ ذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ عَالِمًا بِاخْتِلَالِهَا مَعَ بَذْلِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ أَمَرْنَاهُ بِالْقَضَاءِ فَقَضَاهَا فَفِي الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي الْأَوْلَى وَالثَّالِثُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَالرَّابِعُ كِلَاهُمَا وَاجِبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا ويطهر فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ بِتَيَمُّمِ الْأُولَى وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْعُولَاتِ عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ زِيَادَاتٌ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَقَالَ بِكُلِّ واحد منهما طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي الْحَالِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَحَكَاهَا أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ وَرِوَايَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَرِوَايَةُ لَا يُصَلِّي وَفِي الْإِعَادَةِ عِنْدَهُمْ خِلَافٌ وَقَالَ أَحْمَدُ يُصَلِّي وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَكَذَا عِنْدَهُ كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ

لَا تَجِبُ إعَادَتُهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْحَابُ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ في الحال بقول الله تعالى (ولا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تقولون ولا جنبا) وبحديث ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَائِضِ قَبْلَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطَّهَارَةِ كَالْحَائِضِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلَادَةً مِنْ أَسْمَاءَ فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةٍ قَالُوا وَلِأَنَّ إيجَابَ الْإِعَادَةِ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ عَنْ يَوْمٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْعُرْيَانِ وَالْمُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ لِلْمَرَضِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّوْا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ حِينَ عَدِمُوا الْمُطَهِّرَ مُعْتَقِدِينَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَلَا قَالَ لَيْسَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً فِي هَذَا الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا قال لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ كَذَا وَكَذَا) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا أَتَى بِالْبَاقِي كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ الْقِبْلَةِ أَوْ رُكْنٍ كَالْقِيَامِ وَاحْتَجُّوا لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَلَمْ تَسْقُطْ الْإِعَادَةُ كَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا حَدَثَهُ وَكَمَنْ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلَ إنْسَانٌ وَجْهَهُ عَنْهَا مُكْرَهًا أَوْ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا نقل

الاتفاق فيه الشيح أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا وَافَقَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْأَوَّلِينَ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى وَاجِدِ الْمُطَهِّرِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ) مَعْنَاهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّ الْحَائِضَ مُكَلَّفَةٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا طَرِيقَ لَهَا إلَى فِعْلِهَا وَلَوْ وَجَدَتْ الطَّهُورَ وَهَذَا بِخِلَافِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ فَصَلَّى وَصَامَ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَحَقَّقَ انه فعله فبل الْوَقْتِ وَأَدْرَكَ الْوَقْتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَقَدْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ ظُهْرَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّ عذرها إذا وقع دام وعمن بعدما أَنَّ أَعْذَارَهُمْ عَامَّةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ شَقَّ وحصل الحرج بخلاف مسألتنا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وأما الخائف من استعمال الماء فهو أن يكون به مرض أو قروح يخاف معها من استعمال الماء أو في برد شديد يخاف من استعمال الماء فينظر فيه فان خاف التلف من استعمال الماء جاز له التيمم لقوله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل الله عز وجل أو قروح أو جدري فيجنب فيخاف أن يغتسل فيموت فانه يتيمم بالصعيد وروى عن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فاشفقت ان اغتسلت ان أهلك فتيممت وصليت باصحابي صلاة الصبح فذكر لك للنبى صلي الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقال سمعت الله تعالى يقول (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رحيما) ولم ينكر عليه) وان خاف الزيادة في المرض وابطاء البرئ قال في الام لا يتيمم وقال في القديم والبويطى والاملاء يتيمم

إذا خاف الزيادة فمن أصحابنا من قال هما قولان أحدهما يتيمم لانه يخاف الضرر من استعمال الماء فاشبه إذا خاف التلف والثاني لا يجوز لانه واجد للماء لا يخاف التلف من استعماله فاشبه إذا خاف أنه يجد البرد ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والبويط والاملاء محمول عليه إذا خاف زيادة تخوفه وحكي أبو علي في الافصاح طريقا آخر انه يتيمم قولا واحدا وان خاف من استعمال الماء شيئا فاحشا في جسمه فهو كما لو خاف الزيادة في المرض لانه يتألم قلبه بالشين الفاحش كما يتألم بزيادة المرض] * [الشَّرْحُ] أَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنْ رَوَوْهُ مِنْ طريقتين مختلتى الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ مَتْنُ إحْدَاهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَمَتْنُ الثَّانِيَةِ أَنَّ عَمْرًا احْتَلَمَ فَغَسَلَ مغابنه وتوضأ وضوه للصلاة ثم صلى بهم وذكر الثاقي؟ ؟ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّيَمُّمَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَعْنِي لِاخْتِلَافِهِمَا وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الْحَاكِمُ وَلَا تُعَلِّلُ رِوَايَةُ التَّيَمُّمِ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ يَرْوِيهَا مِصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ وَرِوَايَةَ التَّيَمُّمِ بصرى عن مصرى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ مَا نُقِلَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا فَغَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وتيمم للباقى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَعَيَّنَ وَقَوْلُهُ مَغَابِنَهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ موحدة مكسورة والمراد بها هذا القرح وَمَا قَارَبَهُ وَالْقُرُوحُ الْجُرُوحُ وَنَحْوُهَا وَاحِدُهَا قَرْحٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَالْجُدَرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَالدَّالُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا وَإِبْطَاءُ الْبُرْءِ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ يُقَالُ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ بُرْءًا بِضَمِّ الْبَاءِ وبرأ برءا بفتحها وبرأ برأ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَهْمُوزٌ فِيهِنَّ

وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ تَخْفِيفًا وَقَوْلُهُ أَشْفَقْت أَيْ خِفْت وَقَوْلُهُ أَهْلِكَ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَحَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فَتْحَهَا وَأَنَّهُ قُرِئَ بِهِ فِي الشَّوَاذِّ وَهَذَا شَاذٌّ إنْ ثَبَتَ وَذَاتُ السَّلَاسِلِ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مِنْ غَزَوَاتِ الشَّامِّ وَكَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَمِيرُهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامٍ يقاله لَهُ الْمُسَلْسَلُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِهِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا الضَّمُّ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِأَشْهُرٍ وَقِيلَ أَسْلَمَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ مَاتَ بِمِصْرَ عَامِلًا عَلَيْهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَيُقَالُ ابْنُ الْعَاصِي وَالْعَاصِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا وَإِثْبَاتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ وَفِي حَدِيثِهِ هَذَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ التَّلَفِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الثَّالِثَةُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ فِي السَّفَرِ يُسْقِطُ الْإِعَادَةَ الرَّابِعَةُ التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ جُنُبًا الْخَامِسَةُ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ الْجَمَاعَةِ لِلْمُسَافِرِينَ السَّابِعَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْوِلَايَةِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ طَهَارَةً أَوْ حَالًا مِنْهُ الثَّامِنَةُ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ أَوْ اللَّهُ يَقُولُ كَذَا وَقَدْ كَرِهَ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله بن الشخير التابعي وقال إنما يقال قَالَ اللَّهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَيَرُدُّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاسْتِعْمَالُ الْأُمَّةِ وَقَدْ ذَكَرْت دَلِيلَهُ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقُرَّاءِ وَكِتَابِ الْأَذْكَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يقول الحق وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِعَمْرٍو لِحُسْنِ اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أما أحكام المسألة فالمرض ثلاث أَضْرُبٍ أَحَدُهَا مَرَضٌ يَسِيرٌ لَا يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَهُ تَلَفًا وَلَا مَرَضًا مَخُوفًا وَلَا إبْطَاءَ بُرْءٍ وَلَا زِيَادَةَ أَلَمٍ وَلَا شينا فَاحِشًا وَذَلِكَ كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَحُمَّى وَشِبْهِهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ

عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مالك أنهم جوزوه للآية ودليلنا أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُبَاحُ بلا ضرورة ولا ضرورة هنا ولانه واجد للماء لَا يَخَافُ ضَرَرًا فَلَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ خَافَ أَلَمَ الْبَرْدِ دُونَ تَعَقُّبِ ضَرَرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَنَدَبَ إلَى الْمَاءِ لِلْحُمَّى فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِهِ وَالِانْتِقَالِ إلَى التَّيَمُّمِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَّرَهَا بِالْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَبَقَ وَرَوَى هَذَا التَّفْسِيرَ مَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَالْجِرَاحَةُ وَنَحْوُهَا يُخَافُ مَعَهَا الضَّرَرُ مِنْ الْمَاءِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا: وَالثَّانِي أَنَّهَا لو كانت عامة خصصناها بِمَا سَبَقَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ أَوْ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ حَكَى فِي خَوْفِ الشَّلَلِ طَرِيقِينَ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا فِي خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ خَافَ مَرَضًا مَخُوفًا قَوْلَيْنِ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِهِمْ كُلِّهِمْ الْقَطْعُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ مَخُوفٍ وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا النَّقْلِ هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرِيضِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّجَّةُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ: وَأَمَّا الْآيَة فَحُجَّةٌ لَنَا وَتَقْدِيرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّ كُنْتُمْ مَرْضَى فَعَجَزْتُمْ أَوْ خِفْتُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يخاف ابطاء البرئ أَوْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَهِيَ كَثْرَةُ الْأَلَمِ وَإِنْ لم تطل مدته أو شدة الضنا وَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي يُخَامِرُ صَاحِبَهُ وَكُلَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ بَرِئَ نُكِسَ وَقِيلَ هُوَ النَّحَافَةُ وَالضَّعْفُ أَوْ خَافَ حُصُولَ شَيْنٍ فَاحِشٍ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الَّذِي يَبْدُو فِي حَالِ الْمِهْنَةِ غَالِبًا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ النُّصُوصُ وَالْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ

لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ لِدَفْعِ الضَّرَرِ والضرر هنا أشد ولانه يجوز الفطر وترك القيام في الصلاة بهذا النوع ودونه فهنا أَوْلَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَأَحْمَدُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ. وَالثَّالِثُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلشَّيْنِ الْفَاحِشِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْخِلَافُ فِي شَيْنٍ فَاحِشٍ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَمَا ذَكَرنَا فَأَمَّا شَيْنٌ يَسِيرٌ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَسَوَادٍ قَلِيلٍ وَشَيْنٌ كَثِيرٌ عَلَى عُضْوٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ فَأَشْبَهَ الصُّدَاعَ وَنَحْوَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُرَخِّصَةُ فِي التَّيَمُّمِ مَانِعَةً مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَمِيعِ فَإِنْ مَنَعَتْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فضل تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ * (فَرْعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مُرَخِّصًا فِي التَّيَمُّمِ وَأَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَارِفًا وَإِلَّا فَلَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ وَاحِدٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ وَبَالِغٍ فَاسِقٍ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ الْكَافِرُ وَيُقْبَلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَالْعَبْدِ وَحْدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ حَكَى فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَجْهًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ من باب الاخبار وإذا لم يجد طبيب بالصفة المشهورة فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ مُوَافَقَةً لَهُ وَلَا مُخَالَفَةً

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ وَلَا بَيْنَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَلَا إعَادَةَ في شئ من هذه الصور الْجَائِزَةِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْحَاضِرُ لِعُمُومِهِ * (فَرْعٌ) إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ ثُمَّ بَرَأَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ * (فَرْعٌ) الْأَقْطَعُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَ مَاءً وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَكَذَا حَكَاهُ آخَرُونَ عَنْ النَّصِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَكَذَا قال صاحب التهذيب في الزمن عنده مالا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَشَذَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سَبُعٌ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وان كان في بعض بدنه قرح يمنع استعمال الماء غسل الصحيح وتيمم عن الجريح وقال أبو إسحق يحتمل قولا آخر أن يقتصر على التيمم كما لو عجز عن الماء في بعض بدنه للاعواز والاول أصح لان العجز هناك ببعض الاصل وها هنا العجز ببعض البدن وحكم الامرين مختلف ألا ترى أن الحر إذا عجز عن بعض الاصل في الكفارة جعل كالعاجز عن جميعه في جواز الاقتصار علي البدل ولو كان نصفه حرا ونصفه عبدا لم يمكن العجز بالرق في البعض كالعجز بالجميع بل إذا ملك بنصفه الحر مالا لزمه ان يكفر بالمال] * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ طَهَارَةِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَرْحٌ وَنَحْوُهُ وَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْخَوْفَ الْمُجَوِّزَ لِلتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ

عَنْ الْجَرِيحِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَاضِي أبو حامد المرودودى فِيهِ قَوْلَانِ كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ وَالثَّانِي يَكْفِيه التَّيَمُّمُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَبْطَلَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّخْرِيجَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ غَسَلَ الصَّحِيحَ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِي طَهَارَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ وَأَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ وَهُنَا أُبِيحَ لِلْجِرَاحَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الحرمين والمتولي وغيرهم وجها أنه يجب تقدم الْغُسْلِ هُنَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى وَجْهِهِ فَخَافَ إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ نُزُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا لَمْ يَسْقُطْ غَسْلُ الرَّأْسِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ أَوْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ فَإِنْ خَافَ انْتِشَارَ الْمَاءِ وَضَعَ بِقُرْبِ الْجِرَاحَةِ خِرْقَةً مَبْلُولَةً وَتَحَامَلَ عَلَيْهَا لِيَقْطُرَ مِنْهَا مَا يَغْسِلُ الصَّحِيحَ الْمُلَاصِقَ لِلْجَرِيحِ قَالَ صَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالْبَحْرِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ أَمَسَّ مَا حَوَالَيْ الْجَرِيحِ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ إفَاضَةٍ وَأَجْزَأَهُ وَقَدْ رَأَيْت نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ نَحْوَ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ خَافَ لَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ إصَابَةَ الْجَرِيحِ أَمَسَّ الْمَاءَ الصَّحِيحَ إمْسَاسًا لَا يُفِيضُ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ إذَا أَمَسَّ الشَّعْرَ وَالْبَشَرَةَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي ظَهْرِهِ اسْتَعَانَ بِمَنْ يَغْسِلُهُ وَيَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْجِرَاحَةِ وَكَذَا الْأَعْمَى يَسْتَعِينُ فان لم يجدا مُتَبَرِّعًا لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَسَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي وَأَعَادَ لِنُدُورِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْغَسْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَسْحِ بِخِلَافِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ كَالْخُفِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا عِصَابَةً لِتُمْسَحَ عَلَيْهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى

إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ وَضْعَ شئ عَلَيْهَا إذَا أَمْكَنَهُ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الرُّخَصِ وَلَيْسَ لِلْقِيَاسِ مَجَالٌ فِي الرخص ولو اتبع لكان أولي شئ وَأَقْرَبُهُ أَنْ يَمْسَحَ الْجُرْحَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ فَوَضْعُ الْعِصَابَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَأَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دُونَ رِجْلَيْهِ وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ أَمْكَنَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لُبْسُ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخِي إيجَابُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ عِنْدِي وَلِشَيْخِي أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا إيجَابُهَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَرُورَةٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْمُمْكِنُ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَرَدُّدًا وَمُرَادُهُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْعِصَابَةِ لِإِمْسَاكِ الدَّوَاءِ أَوْ لِخَوْفِ انْبِعَاثِ الدَّمِ عَصَبَهَا عَلَى طهر على موضع الجراحة ومالا يُمْكِنُ عَصْبُهَا إلَّا بِعُصْبَةٍ مِنْ الصَّحِيحِ فَإِنْ خاف من نزعها لم يجب نزعها بل يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ كَالْجَبِيرَةِ لَا عَنْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ وَجَبَ إمْرَارُ التُّرَابِ عَلَى مَوْضِعِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا خَوْفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْجِرَاحَةِ أَفْوَاهٌ مُفَتَّحَةٌ وَأَمْكَنَ إمْرَارُ التُّرَابِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صَارَتْ ظَاهِرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا أَنْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِيَكُونَ الْغَسْلُ بَعْدَهُ مُزِيلًا آثَارَ الْغُبَارِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ هَذَا حُكْمُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَمَّا الْمُحْدِثُ إذَا كَانَتْ جِرَاحَتُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْجُنُبِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ التَّيَمُّمِ عَلَى غَسْلِ الصَّحِيحِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَوْسِيطِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْغَسْلِ وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ جَمِيعِ الصَّحِيحِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ عُضْوٍ حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ

مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وَجْهِهِ وَجَبَ تَكْمِيلُ طَهَارَةِ الْوَجْهِ أَوَّلًا فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ صَحِيحَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ قَالَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْغَسْلِ وَهُوَ الشَّاذُّ الذى حكيناه في الجنب وليس بشئ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُهُ فِيمَا بَعْدُ وَلَكِنْ لَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَهَارَةِ الْوَجْهِ عَلَى مَا ذَكَرنَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ الرأس ثم غسل الرجلين وإن كانت الجراحة فِي يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ غَسَلَ صَحِيحَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ غَسَلَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ طَهَّرَ الْأَعْضَاءَ قَبْلَهُمَا ثُمَّ تَخَيَّرَ فِيهِمَا بَيْنَ تَقْدِيمِ الغسل والتيمم قال صاحب البيان وإذا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي يَدَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ يَدٍ كَعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ صَحِيحَ الْيُمْنَى ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا أَوْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى غَسْلِ صَحِيحِهَا ثُمَّ يَغْسِلَ صحيح اليسرى ثم يتيمم عن جريحها أو بعكس قَالَ وَكَذَا الرِّجْلَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سُنَّةٌ فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ طَهَّرَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي عُضْوٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي عُضْوَيْنِ وَجَبَ تَيَمُّمَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي ثَلَاثَةٍ وَجَبَ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ غَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ أَوْ عَكَسَ ثُمَّ غَسَلَ صَحِيحَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا أَوْ عَكَسَ ثُمَّ مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ غَسَلَ الْوَجْهَ ثُمَّ طَهَّرَ الْيَدَيْنِ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا ثُمَّ مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ طَهَّرَ الرِّجْلَيْنِ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا (فَإِنْ قِيلَ) إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وجهه ويده فينبغي أن يجزيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ فَيَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ وَجَرِيحِ الْيَدِ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَ اليد فانه يجوز ان يوالى بين تيمميهما فَيَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِ الْيَدِ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَهُمَا وَإِذَا جَازَ تَيَمُّمَاهُمَا فِي وَقْتٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِكُلِّ الْأَعْضَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا وَقَعَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ

فِي طَهَارَةٍ وَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيبُ فَلَوْ جَوَّزْنَا تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَحَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ لَا تَرْتِيبَ هُنَاكَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ غَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ صحيح الرِّجْلَيْنِ وَتَيَمَّمَ لِجَرِيحِهِمَا أَمَّا إذَا عَمَّتْ الْجِرَاحَاتُ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِكَوْنِهِ لا يجب غسل شئ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَالُوا وَلَوْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَكَانَتْ فِي بَعْضٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجَبَ غَسْلُ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَأَرْبَعَةُ تَيَمُّمَاتٍ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِنْ التَّرْتِيبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ فِي الْأُولَى سَقَطَ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَبَقِيَ الْحُكْمُ لِلتَّيَمُّمِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَرْتِيبُ الْوُضُوءِ بَاقٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِذَا تَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعَةَ تَيَمُّمَاتٍ وَصَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى أَعَادَ التَّيَمُّمَاتِ الْأَرْبَعَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ صَحِيحِ الْوَجْهِ وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْوَجْهِ هُوَ اخْتِيَارُهُ وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ لِلْأَصْحَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْمُتَيَمِّمُ لِلْجِرَاحَةِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَكْثُرُ كَالْمَرَضِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي بَدَنِهِ حَبَّاتُ الْجُدَرِيِّ إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ مِنْ غَسْلِ مَا بَيْنَهَا وَجَبَ غَسْلُهُ وَإِنْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ كَالْجَرِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْعَلِيلِ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ نَحْوِهَا اسْتَبَاحَ بِتَيَمُّمِهِ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ فَإِذَا أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَعَادَ التَّيَمُّمَ دُونَ الْغُسْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي إعَادَةِ الْغُسْلِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْمُحْدِثِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَإِنْ كَانَ محدثا اعاد التيمم لا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ غَسْلُ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَجْمَعَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَوْلُ ابْنِ

الْحَدَّادِ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ التَّيَمُّمَ وَغَسْلَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ قَالَ الشَّاشِيُّ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ أَصَحُّ وَبَسَطَ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ فَقَالَ لِأَنَّ مَا غَسَلَهُ مِنْ صَحِيحِ أَعْضَائِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَنَابَ التَّيَمُّمُ عَمَّا سِوَاهُ وَسَقَطَ فَرْضُهُ فَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ غَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ حَدَثٍ غَلَطٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِالتَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بَلْ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَأُمِرَ بِهِ لِكُلِّ فَرْضٍ لا لتغيير صفة الطهارة ولهذا أمرنا المستحاضة بالطهارة الكل فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ حَالُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ كَحَالِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ فِي الْغَسْلِ وَسَقَطَ الْفَرْضُ فِي الْأَعْضَاءِ مُرَتَّبًا هَذَا كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ إذَا أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ وَجَبَ إعَادَةُ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْعَلِيلِ وَفِي غَسْلِ صَحِيحِ الْعَلِيلِ وَمَا قَبْلَهُ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ قِيلَ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ عَلَى مَاسِحِ الْخُفِّ إذَا خَلَعَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُ إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْعَلِيلِ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ جُنُبًا وَالْجِرَاحَةُ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ لِلْجَرِيحِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ لِلنَّافِلَةِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَكَذَا حُكْمُ الْفَرَائِضِ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ فَأَرَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ غَسْلُ مَحَلِّ الْجِرَاحَةِ وَمَا بعده بلا خلاف وفى ما قَبْلَهُ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نَازِعِ الْخُفِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَزِمَهُ غَسْلُ مَحَلِّ الْجِرَاحَةِ وَفِي الْبَاقِي الطَّرِيقَانِ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ ثُمَّ تَوَهَّمَ انْدِمَالَ الْجِرَاحَةِ فرآها لم تندمل فوجهان احدهما تبطل تَيَمُّمُهُ كَتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَاءِ بَعْد التَّيَمُّمِ وَأَصَحُّهُمَا باتفاقهم لا تبطل لِأَنَّ طَلَبَ الِانْدِمَالِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّوَهُّمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ الِانْدِمَالِ عِنْدَ إمْكَانِهِ وَتَعَلُّقِ الظَّنِّ بِهِ لَيْسَ نَفْيًا عَنْ الِاحْتِمَالِ. أَمَّا إذَا

انْدَمَلَ الْجُرْحُ فَصَلَّى بَعْدَ انْدِمَالِهِ صَلَوَاتٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ انْدِمَالَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِ كَذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ الْجَرِيحَ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْجَرِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ صَحِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى غسله ولا يلزمه تيمم وان كان أكثر جريحا كفاه التيمم ولم يلزمه غسل شئ * والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز أن يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة وقال المزني يجوز وهذا خطأ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال من السنة ألا يصلى بالتيمم الاصلاة واحدة ثم يتيمم للصلات الاخرى وهذا يقتضى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولانها طهارة ضرورة فلا يصلى بها فريضتين من فرائض الاعيان كطهارة المستحاضة] * [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ سَوَاءٌ كَانَتَا فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً وَلَا بَيْنَ طَوَافَيْنِ مَفْرُوضَيْنِ وَلَا طَوَافٍ وَصَلَاةٍ مَفْرُوضَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالصَّبِيُّ وَالْبَالِغُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَوَائِتَ بِتَيَمُّمٍ وَبَيْنَ فَائِتَةٍ وَمُؤَدَّاةٍ وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ أَنَّ للمريض جمع فريضتين بتيمم والاوجها حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ جَمْعُ الصَّبِيِّ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ وَلَوْ جَمَعَ مَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مَنْذُورَاتٍ بِتَيَمُّمٍ أَوْ مَنْذُورَةً وَمَكْتُوبَةً أَوْ مَنْذُورَاتٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَجُوزُ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ وَاجِبَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْمَكْتُوبَةَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا يَجُوزُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ أَقَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ كَالنَّافِلَةِ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَكْتُوبَةِ وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُمَا سُنَّةٌ فَلَهُمَا حُكْمُ النَّوَافِلِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمَا واجبتان

لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فَرِيضَةٍ أُخْرَى وَهَلْ يَجُوزُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا: لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ يَفْتَقِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نِيَّةٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ امام الحرمين والبغوى وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالْجُزْءِ لَمْ يَجُزْ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ سِنِينَ ثُمَّ صَلَّاهُمَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ طَافَ بِهِ تَطَوُّعًا جَازَ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ رَكْعَتَيْ هَذَا الطَّوَافِ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّ رَكْعَتَيْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ وَاجِبَةٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قُلْنَا بالمذهب انهما سُنَّةٌ جَازَ قَطْعًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا وَجْهَانِ كَالطَّوَافِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ هَذَا إذَا شَرَطْنَا الطَّهَارَةَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الْعَبَّاسِ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ والنخعي وقتادة وربيعة ويحي الانصاري ومالك والليث واحمد واسحق وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حنيفة ويزيد بن هرون أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ فَرَائِضَ مَا لَمْ يُحْدِثْ قَالَ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فَوَائِتَ بِتَيَمُّمٍ وَلَا يُصَلِّي بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَرِيضَةً أُخْرَى هَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد يَجُوزُ فَرَائِضُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عنه ابن المنذر واحتج لمن حوز فَرَائِضَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَعَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوَافِلَ بِتَيَمُّمٍ وَعَلَى مَسْحِ الْخُفِّ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ الْوَاحِدَ لَا يَجِبُ لَهُ طُهْرَانِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَاقْتَضَى وُجُوبَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى جَوَازِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ علي

مُقْتَضَاهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَلِأَنَّهُمَا مَكْتُوبَتَانِ فَلَا تُبَاحَانِ بِطَهَارَةِ ضَرُورَةٍ كَصَلَاتَيْ وَقْتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ ولانها طهارة ضرورة فلا يباح بها الاقدر الضَّرُورَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ صَلَاةً بَعْدَ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمَاتٍ وَإِنْ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَقُصِرَتْ عَلَى الضَّرُورَةِ وَعَنْ النَّوَافِلِ أَنَّهَا تَكْثُرُ وَيَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ فِي إعَادَةِ التَّيَمُّمِ لَهَا فَخُفِّفَ أَمْرُهَا لِذَلِكَ كَمَا خُفِّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَائِضِ وَعَنْ مَسْحِ الْخُفِّ بِأَنَّهُ طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ مُعْظَمِ الْأَعْضَاءِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا عَنْ الرِّجْلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالتَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ تَخْفِيفٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ إمْكَانِ غَسْلِ الرِّجْلِ وَالتَّيَمُّمُ ضَرُورَةٌ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ فَقُصِرَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ الْحَدَثُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ طَهَارَتَيْنِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْحَدَثِ بَلْ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَالتَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ أَبَاحَ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَالثَّانِي الثانية والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ان نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة ولا يعرف عينها قضى خمس صلوات وفى التيمم وجهان أحدهما يكفيه تيمم واحد لان المنسية واحدة وما سواها ليس بفرض والثاني يجب لكل واحدة تيمم لانه صار كل واحدة منها فرضا وان نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة لزمه خمس صلوات قال ابن القاص يجب أن يتيمم لكل واحدة منها لانه أي صلاة بدأ بها يجوز أن تكون هي المنسية فزال بفعلها حكم التيمم ويجوز أن تكون الفائتة هي التي تليها فلا يجوز اداؤها بتيمم مشكوك فيه ومن أصحابنا من قال يجوز أن يصلى ثماني صلوات بتيممين فيزيد ثلاث صلوات وينقص ثلاث تيممات فيتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب ثم يتيمم ويصلى الظهر

والعصر والمغرب والعشاء فيكون قد صلي احداهما بالتيمم الاول والثانية بالثاني وان نسي صلاتين من يومين فان كانتا مختلفتين فهما بمنزلة الصلاتين من يوم وليلة وان كانتا متفقتين لزمه أن يصلي عشر صلوات فيصلى خمس صلوات بتيمم ثم يتيمم ويصلي خمس صلوات وان شك هل هما متفقتان أو مختلفتان لزمه أن يأخذ بالاشد وهو انهما متفقتان] * [الشَّرْحُ] إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالتَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَحَدُهُمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَيَمُّمٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَبُ الْمَاءِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ وَالثَّانِي يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِكُلِّهِنَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ الْحَدَّادِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُونَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْفَرِيضَةِ فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْفَرِيضَةِ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ هُنَا سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّعْيِينَ أَمْ لَا وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمَّا إذَا نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْوَاحِدَةِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ تَيَمُّمَاتٍ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ فَهُوَ هُنَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ عَمِلَ بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَهِيَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ بِتَيَمُّمَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَيَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْفَائِتَتَانِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ فَقَدْ تَأَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ كَانَتَا الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ حَصَلَتْ الصُّبْحُ بِالْأَوَّلِ وَالْعِشَاءُ بِالثَّانِي وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي الثَّلَاثِ وَالْأُخْرَى صُبْحًا أَوْ عِشَاءً فَكَذَلِكَ: هَكَذَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ ابْنِ الْقَاصِّ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَرَّتَيْنِ يُصَلِّي بكل تيمم الخمس وهذا ليس بشئ ثُمَّ الْمَشْهُورُ وَالْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَعَلَيْهَا يُفَرِّعُونَ وَلَهَا ضَابِطَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنْ يَضْرِبَ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ فِي عَدَدِ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ ثُمَّ يَزِيدَ الْمَنْسِىَّ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْ الضَّرْبِ وَيَحْفَظَ مَبْلَغَ الْمُجْتَمَعِ ثُمَّ يَضْرِبَ الْمَنْسِىَّ فِي نَفْسِهِ فما بلغ نزعته مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْفُوظَةِ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ

عَدَدُ مَا يُصَلِّي وَأَمَّا عَدَدُ التَّيَمُّمِ فَيُقَدَّرُ الْمَنْسِىُّ مِثَالَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَضْرِبُ اثْنَتَيْنِ فِي خمسة ثم تزيد عدد المنسية فيجتمع اثناء عَشْرَ ثُمَّ تَضْرِبُ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَنْزِعُهَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي وَيَكُون بِتَيَمُّمَيْنِ عَلَى عَدَدِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ (الضَّابِطُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ تَزِيدُ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ عَدَدًا لَا يَنْقُصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَتَقْسِمُ الْمَجْمُوعَ صَحِيحًا عَلَى الْمَنْسِيِّ مِثَالُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا الْمَنْسِىُّ صَلَاتَانِ وَالْمَنْسِيُّ مِنْهُ خَمْسٌ تَزِيدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الِاثْنَيْنِ وَالْمَجْمُوعُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ صَحِيحًا وأما كيفية أداء الصلوات فيبتدئ مِنْ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ بِأَيِّ صَلَاةٍ شَاءَ وَيُصَلِّي بكل تيمم ما تَقْتَضِيه الْقِسْمَةُ لَكِنَّ شَرْطَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِالْعَدَدِ المذكور أن يترك في المرة الثانية مَا بَدَأَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَيَأْتِيَ بِالْعَدَدِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ مِثَالُهُ مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ تَرَكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الصُّبْحَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا فِي الْأُولَى وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَبِالثَّانِي الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ لَمْ يُجْزِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءُ مَعَ الظُّهْرِ أَوْ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ الْمَغْرِبِ فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ تِلْكَ وَلَمْ تَحْصُلْ الْعِشَاءُ وَبِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَإِنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ هَذَا بِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بَدَأَ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَالصُّبْحَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالشَّرْطِ وَلَوْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ الْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَالصُّبْحَ وَبِالثَّانِي الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَيْضًا بِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ وَوَفَّى بِالشَّرْطِ فَصَلَّى بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الْعِشَاءَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَنْسِىُّ صَلَاتَيْنِ أَمَّا إذَا نَسِيَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُنَّ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ القص يُصَلِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَتَيَمَّمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ وَعَلَى طَرِيقَةِ ابن الحداد يقتصر على ثلاثة تَيَمُّمَاتٍ وَيُصَلِّي تِسْعَ صَلَوَاتٍ فَعَلَى عِبَارَةِ الْبَيَانِ يَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشْرَ ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ثُمَّ تَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ تِسْعَةً فَتَنْزِعُهَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ تَبْقَيْ تِسْعَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي بِثَلَاثَةِ تَيَمُّمَاتٍ فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالثَّالِثِ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَعَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ يَضُمُّ إلَى الْخَمْسِ أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ لا تنقص

عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الثَّلَاثَةِ بل تزيد عَلَيْهِ وَيَنْقَسِمُ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ تِسْعَةٌ صَحِيحًا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ ضَمَمْنَا إلَى الْخَمْسَةِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَنْقَسِمْ فَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ ثَلَاثًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهَا عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إذَا وَفَّى بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ بِأَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الصُّبْحَ وَبِالثَّانِي الْمَغْرِبَ ثم العصر ثم الظهر وَبِالثَّالِثِ الْعِشَاءَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّتِي عَلَيْهِ الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ وَثَالِثَتُهُمَا الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ فَيَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ وَبِالثَّالِثِ الْعِشَاءُ وَيَبْقَى الصُّبْحُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ رَابِعٍ يُصَلِّيهَا بِهِ وَأَمَّا إذَا نَسِيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَيَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ يَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشْرَ يَنْزِعُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي بِأَرْبَعَةِ تَيَمُّمَاتٍ فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبِالثَّالِثِ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالرَّابِعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ مَا سَبَقَ حُكْمُ تَقْدِيمِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى بَعْضٍ وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذِهِ التَّنْزِيلَاتِ يُنَزَّلُ مَا زَادَ مِنْ عَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَالْمَنْسِىِّ مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الصَّلَاتَانِ أَوْ الصَّلَوَاتُ مُخْتَلِفَاتٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِأَنْ قَالَ نَسِيتُ صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا أَدْرَى صُبْحٌ وَظُهْرٌ أَمْ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ أَمْ عَصْرٌ وَعِشَاءٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ أَمَّا إذا نسى مُتَّفِقَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ هُمَا صُبْحَانِ أَوْ ظُهْرَانِ أو عصران أو مغربان أو عشاآن فيلزمه عشر صلوات وهن صَلَوَاتُ يَوْمَيْنِ وَفِي التَّيَمُّمِ الْوَجْهَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ يَكْفِيهِ تَيَمُّمَانِ يُصَلِّي بِكُلِّ وَاحِدٍ الْخَمْسَ وَلَا يَكْفِيه ثَمَانِ صَلَوَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ صُبْحَانِ أَوْ عشاآن وما أتي بهما الامرة أَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ فَائِتَتَاهُ مُتَّفِقَتَانِ أَمْ مُخْتَلِفَتَانِ فَعَلَيْهِ الْأَغْلَظُ الْأَحْوَطُ وَهُوَ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ (فَرْعٌ) لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا طَوَافَ فَرْضٍ وَإِمَّا صَلَاةَ فَرْضٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالطَّوَافِ وَبِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ يَجِبُ سِتَّةُ تَيَمُّمَاتٍ (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى فَرِيضَةً مُنْفَرِدًا بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا فَأَرَادَ إعَادَتَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُمَا مَاذَا وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ الْفَرْضُ الْأُولَى وَالثَّانِي الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثُ كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَالرَّابِعُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِينَ جَازَ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْقَاضِي

حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالرَّابِعِ فَهُوَ عَلَى الوجهين في المنسية هكذا قاله الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالِاكْتِفَاءُ هُنَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمَنْسِيَّةِ (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى الْفَرْضَ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى وَجْهٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْمَحْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَنَحْوِهِ فَأَرَادَ الْقَضَاءَ عَلَى وَجْهٍ كَامِلٍ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ مَاذَا وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا أَصَحُّهَا الْفَرْضُ الثَّانِيَةُ وَالثَّانِي الْأُولَى وَالثَّالِثُ كِلَاهُمَا وَالرَّابِعُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ قُلْنَا الْفَرْضُ الْأُولَى جَازَ وَإِنْ قُلْنَا كِلَاهُمَا فَرْضٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قُلْنَا إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَنْسِيَّةِ وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا سَبَقَ فِي مِثْلِهِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تقدم نقل على فرض وعكسه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ويجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل لانها غير محصورة فخف أمرها ولهذا أجيز ترك القيام فيها فان نوى بالتيمم الفريضة والنافلة جاز أن يصلي النافلة قبل الفريضة وبعدها لانه نواهما بالتيمم وان نوى بالتيمم الفريضة ولم ينو النافلة جاز أن يصلى النافلة بعدها وهل يجوز أن يصليها قبلها فيه قولان قال في الام له ذلك لان كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة جاز قبلها كالوضوء وقال في البويطى ليس له ذلك لانه يصليها على وجه التبع للفريضة فلا يجوز أن يتقدم على متبوعها ويجوز أن يصلى على جنائز بتيمم إذا لم يتعين لانه يجوز تركها فهي كالنوافل وان تعينت عليه ففيه وجهان احدهما لا يجوز أن يصلى بتيمم أكثر من صلاة لانها فريضة تعينت عليه فهي كالمكتوبة والثاني يجوز وهو ظاهر المذهب لانها ليست من جنس فرائض الاعيان] [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ لِلنَّفْلِ فَقَطْ أَمْ لَهُ وَلِلْفَرْضِ أَمْ لِلْفَرْضِ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ تَبَعًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قُلْنَا بِوَجْهٍ شَاذٍّ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ أَنَّ النَّفَلَ لَا يُبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ أَوْ لِلْفَرْضِ وَحْدَهُ اسْتَبَاحَ الْفَرْضَ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ مَشْرُوحًا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي فَصْلِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَهَا فِي التَّيَمُّمِ حُكْمُ النَّوَافِلِ

فَيَجْمَعُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ بَيْنَ صَلَوَاتِ جَنَائِزَ كَثِيرَةٍ صَلَاةً بَعْدَ صَلَاةٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهِنَّ دَفْعَةً وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَجَنَائِزَ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهَا كَالنَّوَافِلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ وَالثَّانِي كَالْفَرِيضَةِ فَلَا تجمع بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكْتُوبَةٍ وَلَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جِنَازَةٍ وهو قول أبي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أن الكرانيسى نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَيَكُونُ قَوْلًا قَدِيمًا وَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَجَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَنَصَّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا قَاعِدًا وَاخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ أَحَدُهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُلْحَقُ بِالْفَرَائِضِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْقِيَامِ وَالثَّانِي يُلْحَقُ بِالنَّوَافِلِ فِيهِمَا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَعَيَّنَتْ فَكَالْفَرَائِضِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْقِيَامِ وَإِلَّا فَكَالنَّوَافِلِ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَلَهَا حُكْمُ النَّفْلِ فِي التَّيَمُّمِ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ نَحْوُ طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ فَقَالُوا فِيهَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ وَالْقُعُودُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَلَا وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ مُطْلَقًا * وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَتَيْنِ أَوْ جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً بِتَيَمُّمٍ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ صَلَاتَانِ فَوَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَيَمَّمَ بِتَيَمُّمَيْنِ وَصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاتَيْنِ أَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ تيمم واحد والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * [إذا تيمم عن الحدث استباح ما يستباح بالوضوء فان احدث بطل تيممه كما يبطل وضوءه ويمنع مما كان يمنع منه قبل التيمم وان تيمم عن الجنابة استباح ما يستباح بالغسل من الصلاة وقراءة القرآن فان احدث منع من الصلاة ولم يمنع من قراءة القرآن لان تيممه قام مقام الغسل ولو اغتسل ثم احدث لم يمنع من القراءة فكذا إذا تيمم ثم احدث وان تيمم ثم ارتد بطل تيممه لان التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة والمرتد ليس من اهل الاستباحة] * [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا تَيَمَّمَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فهل

يَبْطُلَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصَحُّهَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ دُونَ الْوُضُوءِ الثَّانِي يَبْطُلَانِ وَالثَّالِثُ لَا يَبْطُلَانِ (الثَّانِيَةُ) إذَا تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ اسْتَبَاحَ مَا يَسْتَبِيحُ بِالْوُضُوءِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا إلَّا الْجَمْعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَبَقَ فَإِذَا أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَمُنِعَ مَا كَانَ يُمْنَعُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ (الثَّالِثَةُ) إذَا تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَجَنَابَةٍ وَحَيْضٍ اسْتَبَاحَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُبَاحُ بِالْغُسْلِ فَإِذَا أَحْدَثَ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَسْتَمِرُّ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثُ وَإِنْ أَرَادَ تَيَمُّمًا جَدِيدًا وَهَذَا كُلُّهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كل الطرق إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ فَصَلَّى ثُمَّ أَرَادَ التَّيَمُّمَ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ تَيَمُّمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَجُوزُ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْجَزْمَ بِاسْتِبَاحَتِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ فِي الْحَضَرِ وَصَلَّى هَلْ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَهَلْ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ جُنُبًا كَانَ أَوْ مُحْدِثًا فِيهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ الْحَاضِرَ كَالْمُسَافِرِ فَيُبَاحُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ جُنُبٌ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَلَوْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ وجد ماء لا يكفيه ويكفيه لِلْوُضُوءِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنْ قُلْنَا يَجِبُ استعمال الناقص بطل تيممه في كل شئ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ فَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ عَلَى الصِّحَّةِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَبَطَلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَيَمَّمَ اسْتَبَاحَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا يُعْرَفُ جُنُبٌ يُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي المسجد دون الصلاة ومس الْمُصْحَفِ إلَّا مَنْ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أحدث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ااتيمم لعدم الماء ثم رأى الماء فان كان قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه لانه لم يحصل في المقصود فصار كما لو رأى الماء في أثناء التيمم [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ثُمَّ رَأَى مَاءً يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَقَوْلُنَا تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُجُودُ الماء وقولنا ماء يلزمه استعماله احترازا مِمَّا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ بِأَنْ كَانَ دُونَهُ حَائِلٌ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ

فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْمَاءِ كَالْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَدْرَكَ وَبَيْنَ أَلَّا يَضِيقَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ والاشراف إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سلمة ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا إنْ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّيَمُّمِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ رَآهُ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي الثَّانِيَةِ يُبْطِلُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي سَلَمَةَ بأن وجود المبدل بعد الفراغ مِنْ الْبَدَلِ لَا يُبْطِلُ الْبَدَل كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَكَمَا لَوْ فَرَغَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حاضت واحتج أحصابنا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى رُؤْيَتِهِ في أثناء التيمم وبأن التيمم لايراد لِنَفْسِهِ بَلْ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا وُجِدَ الْأَصْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ لَزِمَ الْأَخْذُ بِالْأَصْلِ كَالْحَاكِمِ إذَا سَمِعَ شُهُودَ الْفَرْعِ ثُمَّ حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَشْهَرِ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوْتَ الْوَقْتِ وَمَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ تَوَهَّمَ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى سَرَابًا وَنَحْوَهُ أَوْ جَمَاعَةً يَجُوزُ أَنَّ مَعَهُمْ مَاءً وَإِنَّمَا يَبْطُلُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِهِ بِأَنْ يَحُولَ دُونَهُ سَبُعٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِنَظَائِرِهَا * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا ظَنَّ الْمُتَيَمِّمُ الْعَارِي الْقُدْرَةَ عَلَى الثَّوْبِ فَلَمْ يَكُنْ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ طَلَبَهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة نظر فان كان في الحضر أعاد الصلاة لان عدم الماء في الحضر عذر نَادِرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كما لو صلي بنجاسة نسيها وان كان في سفر طويل لم يلزمه الاعادة لان عَدَمَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ عُذْرٌ عَامٌّ فَسَقَطَ معه فرض الاعادة كالصلاة مع سلس البول وان كان في سفر قصير ففيه قولان أشهرهما انه لا يلزمه الاعاده لانه موضع يعدم فيه الماء غالبا فأشبه السفر

الطويل وقال في البويطي لا يسقط الفرض لانه لا يجوز له القصر فلا يسقط الفرض عنه بالتيمم كما لو كان في الحضر وان كان في سفر معصية ففيه وجهان أحدهما تجب الاعادة لان سقوط الفرض بالتيمم رخصة تتعلق بالسفر والسفر معصية فلم تتعلق به رخصة والثاني لا تجب لانا لما أوجبنا عليه ذلك صار عزيمة فلم يلزمه الاعاده] [الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا عَدِمَ الْحَاضِرُ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَقِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَجْزِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فلأنه عذر نادر غير متصل احترزنا بِالنَّادِرِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَبِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ مَشْهُورٌ عندهم الثالث لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وجماعة من الخراسانيين وليس بشئ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ عُذْرٌ عَامٌّ فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالتَّيَمُّمِ بِسَبَبِهِ كَالصَّلَاةِ قَاعِدًا لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ دُونَهَا وَإِنْ قَلَّ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَدْ قِيلَ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ قَوْلَانِ وَمِمَّنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْقَصِيرُ كَالطَّوِيلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ تُحِدَّهُ الصَّحَابَةُ رضى الله عنهم بشئ وَحَّدُوا سَفَرَ الْقَصْرِ وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَقْبَلَ مِنْ الْجُرُفِ حَتَّى كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ) هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَهُمَا فَاءٌ مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المدينة

ثلاثة أميال والمربد بكسر الميمم مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَشِبْهِهِمَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ في سفره ثلاثة أوجه الصحيح انه يلزمه ان يصلي بالتيمم ويلزمه الاعاد وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الثَّالِثُ غَرِيبٌ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ له مادمت عَلَى قَصْدِك الْمَعْصِيَةَ لَا يَحِلُّ لَك التَّيَمُّمُ فان تبت اسْتَبَحْتَ التَّيَمُّمَ وَغَيْرَهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَلْ يُقَالُ تُبْ وكل الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَمْرَانِ التَّوْبَةُ وَالصَّلَاةُ فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ وَلَيْسَ التَّيَمُّمُ فِي هَذَا الْحَالِ تَخْفِيفًا بَلْ عَزِيمَةٌ فَلَا تَكُونُ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِإِسْقَاطِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ويلزهم الْخُرُوجُ مِنْهَا كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي اثناء صلاة الحضر وبد بِالتَّيَمُّمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ ضَابِطًا فيما يستبيحه العاصى بسفره ومالا يستبيحه * وبالله متوفيق * (فَرْعٌ) إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَعَدِمَ الْمَاءَ فِيهِ وَصَلَّى بالتيمم فحكمه حكم الحاضرة بِلَا خِلَافٍ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ نَوَى هَذِهِ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَادِيَةِ يَعُمُّ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا إعَادَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِالصُّورَتَيْنِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَقَالَهُ آخَرُونَ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً فَعَدِمَ الْمَاءَ فِيهَا وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا لَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَأَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْقَرْيَةِ نَادِرٌ فَالضَّابِطُ الْأَصْلِيُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ أَنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ إذَا تَيَمَّمَ فِي مَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَلَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْعَدَمُ يَغْلِبُ فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمُقِيمِ لَيْسَ لِعِلَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ نَادِرٌ وَكَذَا عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا بَلْ لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ مِمَّا يَعُمُّ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ

أَوْ مَوْضِعٍ يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ غَالِبًا وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَلَا إعَادَةَ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُقِيمُ بِالرَّبَذَةِ وَيَفْقِدُ الْمَاءَ أَيَّامًا (التُّرَابُ كَافِيكَ وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ) قَالَ وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً وَعَدِمَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ السَّفَرِ بَاقِيًا عَلَيْهِ لِنُدُورِ الْعَدَمِ: وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُقِيمَ يقضي والمسافر لا يقضي جاز عَلَى الْغَالِبِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إلَى ضَيْعَتِهِ وَبُسْتَانِهِ فَعَدِمَ الْمَاءَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَتَنَفَّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَالَ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّهُ سَفَرٌ قَصِيرٌ فَفِي إعَادَةِ مَا صَلَّى فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَر: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يُعِيدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ الصلاة بقوله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَأَبَاحَهُ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمُسَافِرِ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمَا وَبِأَنَّ اباحتها مَعَ إيجَابِ الْإِعَادَةِ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ عَنْ يَوْمٍ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تُفْعَلُ لِتُجْزِئَ وَهَذِهِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِلَا إعَادَةٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِوُجُوبِ الصلاة بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى قوله (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وَهَذَا عَامٌّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَدِمَ الْمَاءَ فَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِلْفَرِيضَةِ كَالْمُسَافِرِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ كَالْمَرِيضِ وَقِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدْ وَافَقُوا عَلَيْهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّفَرَ ذُكِرَ فِيهَا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ لا للاشتراط لقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من املاق) وَالثَّانِي أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى تَيَمُّمٍ لَا إعَادَةَ مَعَهُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّانِيَةُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْأُولَى لِحُرْمَةِ

الْوَقْتِ كَإِمْسَاكِ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ تُفْعَلُ لِتُجْزِئَ فَيُقَالُ وَقَدْ تُفْعَلُ حُرْمَةً لِلْوَقْتِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْإِعَادَةِ بِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ نَسِيَ بعض أعضاء الطهارة عن وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ عَقِبَ السَّلَامِ فَلَا إعَادَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق والمزني وابو الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وغيره عن طاووس وعطاء والقسم بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا وُجِدَ الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَاسْتَحَبَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَمْ يُوجِبْهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ وَاحْتُجَّ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْمَاءَ هُوَ الْأَصْلُ فَوُجُودُهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَوُجُودِ النَّصِّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طيبا وصليا ثم وجدا الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْك صَلَاتُك وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو دَاوُد ذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ بَلْ هُوَ مُرْسَلٌ قُلْت وَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يُرْسَلُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ عَوَامُّ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئَانِ مِنْ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْجُرُفِ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ الثَّانِي رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ (كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَذَكَرَ تَمَامَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ يَقُولُونَ مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا إعَادَةَ

عَلَيْهِ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَرِيضِ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ أَوْ قَاعِدًا وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بَلْ نَظِيرُهُ مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَمَعَهُ مَاءٌ نَسِيَهُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا عَمِلَهُ الصَّحَابِيُّ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ نَزَلَ النَّصُّ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ لا يبطل ما عمله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وان كان معه في السفر ماء فدخل عليه وقت الصلاة فأراقه أو شربه من غير حاجة وتيمم وصلى ففيه وجهان أحدهما يلزمه الاعادة لانه مفرط في اتلافه والثانى لا يلزمه لانه تيمم وهو عادم للماء فصار كما لو أتلفه قبل دخول الوقت] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ صَالِحٌ لِطَهَارَتِهِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِإِرَاقَتِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ سَقْيِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ تَنْجِيسِهِ أَوْ صَبِّ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى التَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ فَوَّتَهُ سَفَهًا لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) وَإِنْ فَوَّتَهُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ كَشُرْبِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ سَقْيِهِ دَابَّةً مُحْتَرَمَةً لِحَاجَتِهَا أَوْ غَسْلِ ثَوْبِهِ لِنَجَاسَةٍ أَوْ تَنَظُّفًا فَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ اناء ان فَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الطَّاهِرِ فَأَرَاقَهُمَا فَلَا إعَادَةَ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَانَ التَّفْوِيتُ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا إعَادَةَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا كَمَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَإِنَّهُ عَاصٍ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا أَجْزَأَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهَانِ هُنَا كَالْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ فَرَّ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ يَنْقَطِعُ إرْثُهَا لِأَنَّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ كَمَا أَنَّ بِالْمَرَضِ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِالْإِرْثِ أَمَّا إذَا مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَلَمَّا بَعُدَ مِنْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَفِي الْإِعَادَةِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْقَطْعُ بِأَنْ لَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ عَادِمٌ لِلْمَاءِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي إتْلَافِهِ وَالثَّانِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقَصِّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَوْ وَهَبَ الْمَاءَ الصَّالِحَ لِطَهَارَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ إلَى ثَمَنِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ واختار الشاشى هذا وقال الاول ليس بشئ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَهَا لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ وَهَبَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ يُشْبِهَانِ مَا لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِلْوَالِي شَيْئًا تَطَوُّعًا عَلَى طَرِيقِ الرِّشْوَةِ هَلْ يَمْلِكُهُ: مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْمِلْكَ لِلْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ وَقَالَ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَحُكْمُ الْإِعَادَةِ مَا سَبَقَ فِي الْإِرَاقَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ الْمَاءُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهُ إنْ قَدَرَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى فِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِرَاقَةِ سفها وليس بشى لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَيْسَ كَالْمَغْصُوبِ لِأَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ بِتَسْلِيمِهِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يد المشترى

وَالْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ فَفِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِي الْإِرَاقَةِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرَاقَةِ وَبَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ فَفِي قَدْرِ مَا يُعِيدُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي فُوِّتَ الْمَاءُ فِي وَقْتِهَا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهَا لِأَنَّ مَا سِوَاهَا فُوِّتَ الْمَاءُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَلَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا وَالثَّانِي يَجِبُ إعَادَةُ مَا يُؤَدِّيهِ غَالِبًا بِوُضُوئِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي فِي حُكْمِ الْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ وَالثَّالِثُ تَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ إلَى أَنْ أَحْدَثَ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وغيره وهذا الوجه والذى قبله ليسا بشئ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ قَائِلَهُمَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَتَيَمَّمَ أَعَادَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِعَادَةَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَصْبِرُ إلَى حَالَةٍ يَصِحُّ فِيهَا التَّيَمُّمُ بِلَا إعَادَةٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ فَحَرَقَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إرَاقَةِ الْمَاءِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ هِبَةُ هَذَا الْمَاءِ اسْتَرَدَّهُ الْوَاهِبُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ من عقود الضمان ومالا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ لَا ضَمَانَ فِي فَاسِدِهِ كَذَا قَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَصْحَابُ الْبَحْرِ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَانْفَرَدَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ ان أتفه الْمَوْهُوبُ لَهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ فَوَجْهَانِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

وان رأى الماء في اثناء الصلاة نظرت فان كان ذلك في الحضر بطل تيممه وصلاته لانه يلزمه الاعادة بوجود الماء وقد وجد الماء فوجب أن يشتغل بالاعادة وان كان في السفر لم تبطل لانه وجد الاصل بعد الشروع في المقصود فلا يلزمه الانتقال إليه كما لو حكم بشهادة شهود الفرع ثم وجد شهود الاصل وهل يجوز الخروج منها فيه وجهان احدهما لا يجوز واليه أشار في البويطى لان مالا يبطل الصلاة لم يبح الخروج منها كسائر الاشياء وقال اكثر اصحابنا يستحب الخروج منها كما قال الشافعي رحمه الله فيمن دخل في صوم الكفارة ثم وجد الرقبة ان الافضل أن يعتق وان رأى الماء في الصلاة في السفر ثم نوى الاقامة بطل تيممه وصلاته لانه اجتمع الحضر والسفر في الصلاة فوجب ان يغلب حكم الحضر فيصير كأنه تيمم وصلي وهو حاضر ثم وجد الماء وان رَأْي الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فاتمها وقد فني الماء لم يجز أن ينتقل حتى يجدد التيمم لان برؤية الماء حرم عليه افتتاح الصلاة وان رأى الماء في صلاة نافلة فان كان قد نوى عددا اتمها كالفريضة وان لم ينو عددا سلم من ركعتين ولم يزد عليهما] [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ رَأَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ مَاءً يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُهُ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يُتِمُّهَا مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لانه لابد مِنْ إعَادَتِهَا فَلَا وَجْهَ

لِلْبَقَاءِ فِيهَا وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْمُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ أَوْ مَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ عَجَزَ عَنْ غَسْلِهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ عَلَيْهِمَا الْإِعَادَةَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ إنَّهُ يُعِيدُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ أما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة بِالتَّيَمُّمِ مَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَوْ الْمُقِيمِ فِي مَوْضِعٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ نَصَّ هُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَنَصَّ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَجَعَلَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَبْطُلَانِ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي لَا يَبْطُلَانِ لِلتَّلَبُّسِ بِالْمَقْصُودِ قَالُوا وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ بِخِلَافِهَا فِيهِمَا وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُتَيَمِّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ الْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا لَا يُبْطِلُهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنْ رَآهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي التَّكْبِيرَةِ وَقَبْلَ فَرَاغِ التَّكْبِيرَةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَمْ أَجِدْ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِفَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرَةِ لَكِنَّ بَعْضَ التَّكْبِيرَةِ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ

فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَنَّ وَالِدَهُ قَالَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَمَرَّ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى حُكْمِ الْحَدَثِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى لَمْ يَأْتِ بِالثَّانِيَةِ فَكَذَا هُنَا قَالَ وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا مَسْأَلَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا هَذِهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ فَنَسِيَهُ وَسَلَّمَ لَا يَسْجُدُ وَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَالِدِي حَسَنٌ عِنْدِي قَالَ وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّمَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الصَّلَاةِ وَقَطَعَ فِي كِتَابِهِ الْحِلْيَةِ بِمَا قَالَهُ وَالِدُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا فَهَلْ يُبَاحُ الْخُرُوجُ مِنْهَا أَمْ يُسْتَحَبُّ أَمْ يَحْرُمُ فِيهِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَالْوُضُوءُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلَانِهَا وَكَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَلَاةِ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا لِلدُّخُولِ فِي الْجَمَاعَةِ وَكَمَا نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تُبْطِلُوا اعمالكم) وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِلْآيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَسْت أَرَاهُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْأَوْجُهَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ أَصْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيَّنٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْلِبَ فَرْضَهُ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَمْ الْأَفْضَلَ أَنْ يُتِمَّهَا فَرِيضَةً قَالَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ الْمُطْلَقُ فَلَيْسَ بِأَفْضَلَ بِلَا شَكٍّ وَزَادَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ الْخُرُوجُ عِنْدِي مَكْرُوهٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ قَالَ الشَّاشِيُّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا يَجْعَلَهَا نَافِلَةً فَإِنَّ تَأْثِيرَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي النَّفْلِ كَتَأْثِيرِهَا فِي الْفَرْضِ أَمَّا إذَا رَأْي الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي

الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي رُؤْيَةِ الحاضر الماء في الصلاة والصحيح الاول ووجه ما ذكر؟ ؟ ؟ ؟ وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِيهَا ثُمَّ نَوَى إتْمَامَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ صَحَّ لِرَكْعَتَيْنِ فَرِيضَةً وَقَدْ الْتَزَمَ الْآنَ رَكْعَتَيْنِ فَرِيضَةً لَمْ يَتَيَمَّمُ لَهَا هَكَذَا ذَكَرَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وخالفهم الماوددى فَقَالَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يُتِمُّهَا وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَأَطْلَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَرَ مَاءً أَتَمَّهَا وَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَجِبُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا وَالْمُقِيمُ تَلْزَمُهُ الاعادة والثانى لا يجب وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاصِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَرَأَى الْمَاءَ فِيهَا بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَطَلَتْ كَصَلَاةِ الْحَاضِرِ وَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ فِي أَثْنَاءِ الْمَقْصُورَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ نَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا وَلَا تَبْطُلُ وَهَذَا ظَاهِرٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ اتَّصَلَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا فِي السَّفَرِ فَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ إنْشَاءَ نَافِلَةٍ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَاقِيًا أَوْ تَلِفَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَلَفِهِ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَلِمَ تَلَفَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَطَعَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِالْجَوَازِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا نَافِلَةً جَازَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرِيضَةً إنْ كَانَ نَوَاهَا لِأَنَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَلَا مُتَوَهِّمٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الثَّانِيَ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَلَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِغَيْرِهَا

فَيَنْبَغِي أَلَّا يَبْطُلَ تَيَمُّمُهُ قَالَ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ لَا يُصَلِّي النَّافِلَةَ أَنْ يَقُولَ إذَا مَرَّ بِهِ رَكْبٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَغَ مِنْهَا وَقَدْ ذَهَبَ الرَّكْبُ لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الطَّلَبِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ واختاره الرويانى أيضا وأورود إيرَادَ صَاحِبِ الشَّامِلِ هَذَا قَالَ فَإِنْ مَنَعَهُ الْأَوَّلُونَ فَهُوَ بَعِيدٌ (قُلْت) الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فِي الْحَالِ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا وَهَذَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ نَافِلَةٍ فَسِتَّةُ أَوْجُهٍ مُفَرَّقَةٍ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهَا مَجْمُوعَةً صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ كَالْفَرِيضَةِ لِدُخُولِهِ فِي صَرِيحِ نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعُرْفُ الشَّرْعِ فِي النَّافِلَةِ رَكْعَتَانِ فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ وَالثَّانِي لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ نَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي عَلِيٍّ السنجي لان السنة في النَّافِلَةَ رَكْعَتَانِ فَالزَّائِدُ كَنَافِلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَالثَّالِثُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا صَلَّى مِنْهَا مُطْلَقًا وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَ نَوَاهَا حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لِأَنَّ مُقْتَضَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ خَالَفْنَا هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا بَطَلَتْ وَالنَّافِلَةُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا وَالرَّابِعُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ مَا شَاءَ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا نَوَى قَالَهُ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ صح دخوله

فِيهَا وَهِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَجَازَ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَمَا لَوْ طَوَّلَ الرَّكَعَاتِ وَالْخَامِسُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً إنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا رَكْعَةٌ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا وَالسَّادِسُ يَبْطُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَالَفْنَاهُ فِي الْفَرِيضَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلِحُرْمَتِهَا وَلِهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّافِلَةِ وَلَوْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قام إلى ثَالِثَةً ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُتِمُّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَيُسَلِّمُ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ قَالَ وَهَذَا كَمَا قَالَ (قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يجئ عَلَى كُلِّ الْأَوْجُهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ فَبَرَأَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَوَجَدَهُ فِي أَثْنَائِهَا (فَرْعٌ) إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ قَالَ وَكَذَا الْمَقْضِيَّةُ الَّتِي عَلَى التَّرَاخِي يَجُوزُ قَطْعُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَكَذَا بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَهُ قَطْعُهَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَعَطَّلُ بِقَطْعِهِ قَالَ وَمِصْدَاقُ مَا ذَكَرْتُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً فَلَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِيُدْرِكَ الْجَمَاعَةَ

قَالَ وَهَذِهِ فُصُولٌ رَأَيْتُهَا فَأَبْدَيْتُهَا وَعِنْدِي أَنَّ الْأَصْحَابَ لَا يَسْمَحُونَ بِهَا وَلَا يُجَوِّزُونَ لِلشَّارِعِ فِي فَائِتَةٍ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِجَوَازِ قَطْعِ الْفَرِيضَةِ فِي أَوَّلِ وقتها ولم يذكر فيها خلافا ولا أن الْأَصْحَابَ لَا يَسْمَحُونَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَأَوْهَمَ الْغَزَالِيُّ بِعِبَارَتِهِ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يُتَابِعْ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْإِمَامَ بَلْ حَكَى كَلَامَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْأَصْحَابِ مَنْ يَسْمَحُ بِذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَصَلَاةِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَسِيطِ هُوَ الصَّوَابُ وَلَيْتَهُ قَالَ فِي الْوَسِيطِ مِثْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَلَا الْمَقْضِيَّةِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي أَوَّلِ بَابِ تَفْرِيقِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ آخِرُ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ (مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ عليه من شهر رضمان أَوْ قَضَاءٍ أَوْ صَوْمِ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً فِي وَقْتِهَا أَوْ قَضَاهَا أَوْ صَلَاةَ نَذْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ مَا كَانَ

مُطِيقًا لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ عَامِدًا كَانَ مُفْسِدًا آثِمًا عِنْدَنَا) هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ الْأُمِّ نَقَلْتُهُ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ جَمَاعَاتٌ وَأَمَّا اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِهَا بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَبَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي بلا عدر وَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ غَيْرُهُ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا في المهذب فقد صرح بذلك في قوله لان مالا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَا يُبِيحُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَاقُونَ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ أُطْنِبَ فِي نَقْلِ كَلَامِهِمْ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْ الْأَصْحَابِ الرَّافِعِيُّ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَأَنْكَرَا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ انْفِرَادَهُمَا عَنْ الْأَصْحَابِ بِتَجْوِيزِ قَطْعِهَا وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الْقَطْعِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تبطلوا اعمالكم) وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَأَمَّا مَسْأَلَتَا الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اللَّتَانِ احْتَجَّ بِهِمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَالْجَوَابُ عَنْهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا مَوْجُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ تلبس بالفرض ولا عذر في قَطَعَهُ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ وَأَمَّا

صَوْمُ الْكَفَّارَةِ فَمَا لَزِمَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَالْقَضَاءِ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ وَمَا لَزِمَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَقَتْلِ الْخَطَأِ فَكَالْقَضَاءِ الَّذِي عَلَى التَّرَاخِي وَكَذَا النَّذْرُ الْمُطْلَقُ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ انْقِسَامُ الْقَضَاءِ إلَى وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا عَصَى بِتَأْخِيرِهِ وَإِلَى وَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَا لَمْ يَعْصِ بِتَأْخِيرِهِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي مُطْلَقًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ رَعَفَ انْصَرَفَ فان لم تجد مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَغْسِلُ بِهِ الدَّمَ غَسَلَهُ وَاسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ قَالُوا وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَاسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ رَعَفَ أَنَّهُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِتَيَمُّمٍ وَوُضُوءٍ كَمَا لَا تَجُوزُ عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ بِأَقْرَاءٍ وَأَشْهُرٍ وَلَا كَفَّارَةٌ بَعْضُهَا عِتْقٌ وَبَعْضُهَا صَوْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وجد الماء في أَثْنَاءَ صَلَاةِ السَّفَرِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا المشهور انه لا يبطل صَلَاتُهُ بَلْ يُتِمُّهَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قال مالك واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ تَبْطُلُ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ

أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ أَوْ الْجِنَازَةِ أَوْ كَانَ الَّذِي رَآهُ سُؤْرَ حِمَارٍ فَلَا تَبْطُلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ الَّذِي أَخْتَارُهُ هُنَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ تعالي (فلم تجدوا ماء) وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَلِأَنَّ مَا أَبْطَلَ الطَّهَارَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا فِيهَا كَالْحَدَثِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَبَطَلَتْ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ مَنَعَ اسْتِدَامَتَهَا كَالْحَدَثِ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ أُقِيمَ مُقَامَ غَيْرِهِ فَبَطَلَ بِظُهُورِ أَصْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَمَاسِحِ الْخُفِّ إذَا ظَهَرَتْ رِجْلُهُ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ جَازَ تَرْكُ الْأَصْلِ فِيهَا لِلْعُذْرِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ فِيهَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَبَرَأَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّةَ إذَا شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْأَقْرَاءِ فَكَذَا هُنَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْصَرِفْ حَتَّى تَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ تَجِدَ رِيحًا) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ فَالتَّمَسُّكُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا لَكِنَّ وُجُودَهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَدِلَّةً كَثِيرَةً لَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِأَكْثَرِهَا فَحَذَفْتُهَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى وَاجِدِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَعَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَلِأَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَالْمُتَيَمِّمُ بِخِلَافِهَا وَعَنْ الْقِيَاسِ الْآخَرِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ مُنَافٍ

بكل حال ولانه يحتمل في الدوام مالا يُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ كطرآن الْعِدَّةِ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِحْرَامِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَنْ الْخُفِّ أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ لِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَوْ لِمُضَايِقَتِهِ الْمُدَّةَ فَنَظِيرُ الْمَاسِحِ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَيُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَقْصِيرِهِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْأُمِّيِّ وَالْعُرْيَانِ أَنَّ هَذِهِ أَحْوَالٌ تُغَيِّرُ صِفَةَ الصَّلَاةِ وَلَا تُبْطِلُهَا وَعَنْ الْمُعْتَدَّةِ أَنَّهَا رَأَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمُتَيَمِّمُ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَيْسَ نَظِيرَهَا وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمُتَيَمِّمِ مِنْ الْعِدَّةِ أَنْ تَحِيضَ بَعْدَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأَشْهُرُ وَتَتَزَوَّجَ وَحِينَئِذٍ لَا أَثَرَ لِلْحَيْضِ وَعِدَّتُهَا صَحِيحَةٌ وَنَظِيرُ الْعِدَّةِ مِنْ التَّيَمُّمِ أَنْ تَرَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وان تيمم للمرض وصلى ثم برأ لم يلزمه الاعادة لان المرض من الاعذار العامة فهو كعدم الماء في السفر] * [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ وَصَلَّى ثُمَّ بَرَأَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ فَلَوْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ حَصَلَ الْحَرَجُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَيُقَالُ بَرَأَ وَبَرِئَ وَبَرُؤَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بيانهن قريبا والله أعلم *

قال المصنف رحمه الله * [وان تيمم لشدة البرد وصلى ثم زال البرد فان كان في الحضر لزمه الاعادة لان ذلك من الاعذار النادرة وان كان في السفر ففيه قولان احدهما لا يجب لان عمرو بن العاص رضى الله عنه تيمم وصلى لشدة البرد وذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالاعادة والثانى يجب لان البرد الذي يخاف منه الهلاك ولا يجد ما يدفع ضرره عذر نادر غير متصل فهو كعدم الماء في الحضر] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَمْرٍو وَحَالُهُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ وَقَوْلُهُ عُذْرٌ نَادِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرَضِ وَعَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ الْمَاءَ وَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ لا لمرض ونحوه خوفا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يغسل عضوا فعضوا ويدثر أَوْ قَدَرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ عَلَى مَاءٍ مُسَخَّنٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ لَا فِي الحضر ولا في السفر لانه واحد لِلْمَاءِ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى به وان لم يقدر علي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يتيمم للباقى وان لم يقدر علي شئ مِنْ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالَ اصحابنا ان

كَانَ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهُمَا وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَذَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ لِحَدِيثِ عَمْرٍو وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرٍو بِأَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَى وَإِنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ ابن الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ إنْ قُلْنَا يُعِيدُ الْمُسَافِرُ فَالْحَاضِرُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَنَقَلَ العبدرى في الكفاية عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يُعِيدُ الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ وَالثَّانِي لَا يُعِيدَانِ وَالثَّالِثُ يُعِيدُ الْحَاضِرُ دُونَ الْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ وَإِنْ مَاتَ وَحَكَوْا عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ لَا الْمُسَافِرُ وَلَا الْحَاضِرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُعِيدُ الْمُسَافِرُ وَفِي الْحَاضِرِ رِوَايَتَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ فَخَافَ الْهَلَاكَ مِنْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَوْ نَزَعَهُ صَلَّى فِيهِ وَأَعَادَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ طَهَارَةِ البدن والله اعلم * قال المصنف رحمه الله

[ومن صلى بغير طهارة لعدم الماء والتراب لزمه الاعادة لان ذلك عذر نادر غير متصل فصار كما لو نسى الطهارة وصلى مع القدرة علي الطهارة] * [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَبَسَطْنَا أَدِلَّتَهُ وَفُرُوعَهُ وَقَوْلُهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ سَبَقَ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا قَرِيبًا وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [إذا كان على بعض أعضائه كسر يحتاج إلى وضع الجبائر ووضع الجبائر على طهر فان وضعها علي طهر ثم أحدث وخاف من نزعها أو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح على الجبائر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عليا رضي الله عنه أن يمسح علي الجبائر ولانه تلحقه المشقة في نزعه فجاز المسح عليه كالخف وهل يلزمه مسح الجميع أم لا فيه وجهان أحدهما يلزمه مسح الجميع لانه مسح أجيز للضرورة فوجب فيه الاستيعاب كالمسح في التيمم والثاني يجزيه ما يقع عليه الاسم لانه مسح علي حائل منفصل فهو كمسح الخف وهل يجب التيمم مع المسح قال في القديم لا يتيمم كما لا يتيمم مع المسح علي الخف وقال في الام يتيمم لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أصابه حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر علي الماء فاغتسل فمات فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا كان يكفيه أن يتيمم ويعصب علي

رأسه خرقة يمسح عليها ويغسل سائر جسده) ولانه يشبه الجريح لانه يترك غسل العضو لخوف الضرر ويشبه لابس الخف لانه لا يخاف الضرر من غسل العضو وانما يخاف المشقة من نزع الحائل كلابس الخف فلما أشبههما وجب عليه الجمع بين المسح والتيمم فان برأ وقدر علي الغسل فان كان قد وضع الجبائر علي غير طهر لزمه اعادة الصلاة وان كان وضعها علي طهر ففيه قولان أحدهما لا يلزم الاعادة كما لا يلزم ماسح الخف والثاني يلزمه لانه ترك غسل العضو لعذر نادر غير متصل فصار كما لو ترك غسل العضو ناسيا] * [الشَّرْحُ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَصْحَابُنَا الْجَبَائِرُ هِيَ الْخَشَبُ الَّتِي تُسَوَّى فَتُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَتُشَدُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْجَبِرَ عَلَى اسْتِوَائِهَا وَاحِدَتُهَا جِبَارَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَجَبِيرَةٌ بِفَتْحِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْجَبِيرَةُ مَا كَانَ عَلَى كَسْرٍ وَاللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَا كَانَ عَلَى قُرْحٍ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى عُضْوِهِ كَسْرٌ وَقَالُوا هَذَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ عُضْوٌ مَكْسُورٌ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ كَسْرٌ وَهَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ بَلْ يُقَالُ عُضْوٌ مَكْسُورٌ وَفِيهِ كَسْرٌ وَعَلَيْهِ كسر كله بمعنى واحد وأم حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ هُوَ كَذَّابٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَعْرُوفٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ وَكِيعٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شئ قال وأقرب شئ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي سَبَقَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَوَضَّأَ

وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَعَصَائِبِ الْجِرَاحَاتِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَيُنْكِرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيًّا فَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَوْهِينِهِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَالْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَسْحٌ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَرُخْصَةٌ وَقَوْلُهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أصحابنا إذا احتاج إلى وضع الجبيرة وضعها فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ نَزْعِهَا وَجَبَ نَزْعُهَا وَغَسَلَ مَا تَحْتَهَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا مِنْ غَسْلِهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ خَافَ الضَّرَرَ مِنْ نَزْعِهَا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهَا وَالْخَوْفُ الْمُعْتَبَرُ مَا سَبَقَ فِي الْمَرَضِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّيَمُّمِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أن يضع

الجبيرة علي شئ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سَتْرِ الْكَسْرِ إلَّا بِهِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ إذَا لَمْ نُوجِبْ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَهَذَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ مطلقا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَضْعُ الْجَبَائِرِ عَلَى طُهْرٍ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ لِوَضْعِ الْجَبِيرَةِ عَلَى عُضْوِهِ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَلَا يَضَعُهَا إلَّا عَلَى وُضُوءٍ) فَإِنْ خَالَفَ وَوَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا مِنْ نَزْعِهَا وَجَبَ نَزْعُهَا ثُمَّ يَلْبَسُهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ نَزْعُهَا بَلْ يَصِحُّ مَسْحُهُ وَيَكُونُ آثِمًا هَكَذَا صرح بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا أَرَادَ لَابِسُ الْجَبِيرَةِ الطَّهَارَةَ فَلْيَفْعَلْ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ غَسْلُ الصَّحِيحِ مِنْ بَاقِي أَعْضَائِهِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمُ أَمَّا غَسْلُ الصَّحِيحِ فَيَجِبُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الصَّحِيحَةِ وَكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ الْجَبِيرَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي فَصْلِ الْجَرِيحِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الطَّرِيقِ فِي الْجَرِيحِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَتَعَيَّنُ التَّيَمُّمُ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ كَسْرَ الْعُضْوِ لَا يَزِيدُ عَلَى فَقْدِهِ وَلَوْ فَقَدَهُ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي قَطْعًا وَأَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَوَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا قَوْلًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَلَا يَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالْمَاءِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَسْحِ كَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَمْ يَكْفِي مَسْحُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالرَّأْسِ وَالْخُفِّ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ

صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ مَعَ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَاَلَّتِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهَا أَنَّ فِيهِ قولين أصحهما عند الجمهور وجوبه هو نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْكَبِيرِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْهُمْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ عَلِيلًا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا وَجَبَ التَّيَمُّمُ كَالْجَرِيحِ وَإِنْ أَمْكَنَ غَسْلُهُ لَوْ ظَهَرَ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ كَلَابِسِ الْخُفِّ وَقَدْ ذَكَر الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْقَوْلَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَوْجَبْنَا التَّيَمُّمَ فَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ كَمَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالْمَاءِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ بَلْ يَمْسَحُ مَا سِوَاهَا لِأَنَّ التُّرَابَ ضَعِيفٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فَوْقَ حَائِلٍ بِخِلَافِ الْمَسْحِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ فَوْقَ الْحَائِلِ مَعْهُودٌ فِي الْخُفِّ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا وَقْتُ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مَسَحَ مَتَى شَاءَ إذْ لَا تَرْتِيبَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا مَسَحَ إذَا وَصَلَ غَسَلَ عُضْوَهَا وَأَمَّا وَقْتُ التَّيَمُّمِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ سَوَاءٌ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَتَفْرِيعًا

وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ جُنُبًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ إنْ شَاءَ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْغُسْلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ وَإِنْ شَاءَ وَسَّطَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ أَحَدُهَا يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ جَمِيعِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ كَالْجُنُبِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ عُضْوٍ حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عنهم فعلي هذا يجئ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ جَبِيرَتَانِ أَوْ جَبَائِرُ وَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ هُنَاكَ فَعَلَى الثَّالِثِ يَتَعَدَّدُ التَّيَمُّمُ بِحَسَبِ الْجَبَائِرِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَكْفِي تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَبَائِرِ كُلِّهَا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ كَمَا يَجِبُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ أَمْ يَكْفِي غَسْلُ مَا بَعْدَ الجبيرة أم لا يجب غسل شئ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غسل شئ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ هُنَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيُفَارِقُ الْمُسْتَحَاضَةَ فَإِنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَحُكْمُ إعَادَةِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ حُكْمُ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِذَا شُفِيَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ لَزِمَهُ غَسْلُ مَوْضِعِهَا وَحُكْمُ وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْكَسْرُ مُحْوِجًا إلَى الْجَبِيرَةِ فَوَضَعَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَضْعِهَا لَكِنْ خَافَ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَرِيحِ فَيَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ هُنَاكَ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْكَسْرِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْمَاءِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَرِيحِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ كَالْخُفِّ كَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلِلشَّافِعِيِّ سِيَاقٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَسْحِ وَوُجُوبُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْكَسْرِ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِذَا تَيَمَّمَ وَكَانَ الْكَسْرُ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَجَبَ مَسْحُهُ بِالتُّرَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْكَسِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ساتر

من جبيرة ولصوق فَلَا إعَادَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَجَرَّدَ لِلْمَرَضِ وَالْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا يَجِبْ مَعَهُ إعَادَةٌ فَمَعَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ مِنْ جَبِيرَةٍ أَوْ لَصُوقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ عَلَى طُهْرٍ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَانْفَرَدَ الْبَغَوِيّ بِتَرْجِيحِ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَتَقْصِيرِهِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ لَمْ تَجِبْ الاعاة وَإِنْ وَضَعَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَجَبَتْ وَالثَّانِي يَجِبُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ لَمْ يُعِدْ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ وَإِنْ وَضَعَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ أَعَادَ فِي الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِعَادَةِ بَيْنَ أَنْ نُوجِبَ التَّيَمُّمَ وَيَفْعَلَهُ أَوْ لَا نُوجِبَهُ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ نُوجِبْ التَّيَمُّمَ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ فَتَيَمَّمَ فَلَا يُعِيدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ في الاعادة وقال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَتْ الْجَبِيرَةُ أَوْ اللَّصُوقُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ

التَّيَمُّمُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَلَمْ أَرَ لِلْجُمْهُورِ تَصْرِيحًا بِمُخَالَفَةِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَلَا بِمُوَافَقَتِهَا لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَلَى صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَمْسَحُ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَإِنْ تَطَاوَلَتْ الْأَزْمَانُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ كَالْخُفِّ كَذَا أَطْلَقُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَيَنْزِعُ الْمُقِيمُ الْجَبِيرَةَ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَضَرًا وَسَفَرًا وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي أَصْلِهِ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى اسْتِدَامَةِ الْجَبِيرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّ الْخُفَّ ينزعه

لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَ نَزْعُ الْجَبِيرَةِ ووضعها بغير ضرر العضو فان اضربه لَمْ يَجِبْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَصُورَةُ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّزْعُ بِغَيْرِ خَلَلٍ يَعُودُ إلى العضو الا بعد يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ أَمْكَنَ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ حَاصِلُهُ رَفْعُ الْخِلَافِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّا قَدَّمْنَا اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ * وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ اللَّصُوقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجُرْحِ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى حَلِّ عِصَابَتِهِ وَغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ قِشْرَ الْبَاقِلَّا وَنَحْوِهِ عَلَى خَدْشِهِ فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَا لَوْ طَلَى عَلَى خَدْشِهِ شَيْئًا قَالَ وَكَذَا الشُّقُوقُ عَلَى الرِّجْلِ إذَا احتاج فيها إلى تقطير شئ يَجْمُدُ فِيهَا (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَزْعُهَا بَلْ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَتَيَمَّمُ كَالْمُحْدِثِ بِخِلَافِ لَابِسِ الْخُفِّ يَلْزَمُهُ النَّزْعُ لِلْجَنَابَةِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ هُنَاكَ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَلَى عُضْوَيْهِ جَبِيرَتَانِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الخفين لان

لُبْسَهُمَا جَمِيعًا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْجَبِيرَتَيْنِ وَلَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ عُضْوِهِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَرَأَ أَمْ لَا كَانْخِلَاعِ الْخُفِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حنيفة انه ان سقطت قبل البرئ لَمْ تُبْطِلْ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُفِّ وَعَلَى مَا بَعْدَ الْبُرْءِ وَلَوْ انْدَمَلَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَبَرَأَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَصَلَّى بَعْدَهُ صَلَوَاتٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فِيهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَوَهَّمَ انْدِمَالَهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَنْدَمِلْ فَفِي بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ الْوَجْهَانِ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ أَصَحُّهُمَا لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ مُسْتَوْفَاةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ [فَصْلٌ] فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ التَّيَمُّمِ (إحْدَاهَا) إذَا تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَوْ عِمَامَةٌ لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثُمَّ خَلَعَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي لَوْ عَدِمَ الْجُنُبُ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَشَرَعَ فِيهَا ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ لَزِمَهُ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَإِنْ نَوَى قَدْرًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا لَوْ نَوَى نَافِلَةً مَحْصُورَةً لَهُ إتْمَامُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ الْآيَةِ لَزِمَهُ قَطْعُهَا (الثَّالِثَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي لَوْ تَيَمَّمَ عَادِمُ الْمَاءِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ أَوْ خُفَّانِ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَزَعَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ

وَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ (فَرْعٌ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ التَّيَمُّمُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَأَدَبٍ وَكَرَاهَةٍ وَشَرْطٍ فَالْفَرْضُ سَبْعَةٌ طَلَبُ الْمَاءِ وَالْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ وَالنِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ وَالتَّتَابُعُ عَلَى قَوْلٍ وَالسُّنَّةُ خمسة التسمية والافتصار عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَنَفْضُ الْغُبَارِ الْكَثِيرِ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَالْأَدَبُ ثَلَاثَةٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالِابْتِدَاءُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَبِالْكَفَّيْنِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْكَرَاهَةُ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ الْكَثِيرِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الضَّرْبَتَيْنِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ التُّرَابِ مُطْلَقًا قَالَ وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ ثَمَنِهِ وَتَوَهُّمُهُ وَارْتِفَاعُ الْمَرَضِ وَالْإِقَامَةُ قَالَ وَيُفَارِقُ التَّيَمُّمُ الْوُضُوءَ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ كَوْنُ التَّيَمُّمِ فِي عُضْوَيْنِ وَلَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا وَلَا يُصَلِّي فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ إلَّا لِعُذْرٍ وَبَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ هذا آخِرُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْعُذْرَ وَدُخُولَ الْوَقْتِ وَقَدْ شَذَّ عَنْ ضَبْطِهِ مَسَائِلُ وَتَفَاصِيلُ وَوُجُوهٌ سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَصْلٌ] فِي حُكْمِ الصَّلَوَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِنَّ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا العذر ضربان

عَامٌّ وَنَادِرٌ فَالْعَامُّ لَا قَضَاءَ مَعَهُ لِلْمَشَقَّةِ وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ مُومِيًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ خَوْفًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَمِنْهُ الْمُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْمُسَافِرُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَأَمَّا النَّادِرُ فَقِسْمَانِ قِسْمٌ يَدُومُ غَالِبًا وَقِسْمٌ لَا يَدُومُ فَالْأَوَّلُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ أَوْ اسْتَرْخَتْ مَقْعَدَتُهُ فَدَامَ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهُ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ فَكُلُّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَلَا يُعِيدُونَ لِلْمَشَقَّةِ وَالضَّرُورَةِ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَدُومُ غَالِبًا فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَأْتِي مَعَهُ بِبَدَلٍ لِلْخَلَلِ وَنَوْعٌ لَا يَأْتِي فَمِنْ الثَّانِي مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَالْمَرِيضُ وَالزَّمِنُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّنْ لَا يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الماء لكن مَنْ يُوَضِّئُهُ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعَرِّفُهُ إيَّاهَا وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ

أَوْ جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَالْمَرْبُوطُ عَلَى خَشَبَةٍ وَمَنْ شُدَّ وَثَاقُهُ وَالْغَرِيقُ وَمَنْ حُوِّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِهَا أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَفِي بَعْضِ هَؤُلَاءِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْمُصَلِّي عُرْيَانًا لِعَدَمِ السُّتْرَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وأشهرهما تجب الصَّلَاةِ قَائِمًا بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالثَّانِي يُصَلِّي قَاعِدًا فَعَلَى هَذَا هَلْ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أم يقتصر علي أدني الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَحْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ بِحَيْثُ لَوْ سَجَدَ لَسَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ هَلْ يُتِمُّ السُّجُودَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى الايماء أم يتخير ويجرى فِيمَنْ وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا لَوْ فَرَشَهُ بَقِيَ عُرْيَانًا وَإِنْ لَبِسَهُ صَلَّى

عَلَى النَّجَاسَةِ وَيَجْرِي فِي الْعَارِي إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا وَالْأَصَحُّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا فَإِذَا قُلْنَا فِي الْعُرْيَانِ لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي المذهب وفيه قَوْلٍ ضَعِيفٍ لَا يُعِيدُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِيمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا تُرَابٍ وَنَظَائِرِهِ وَإِنْ قُلْنَا يُتِمُّ الْأَرْكَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ الْعُرْيُ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْتَادُونَهُ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ أَيْضًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهَا تَجِبُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا يَعْنِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشَارَ إلَى الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَعِزُّ فِي الْحَضَرِ وَلَا يُبْذَلُ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا يَأْتِي مَعَهُ ببدل ففيه

صُوَرٌ مِنْهَا مَنْ يَتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ لِنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَنَحْوِهِ فِي السَّفَرِ أَوْ تَيَمَّمَ مَعَ الْجَبِيرَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَتَقَدَّمَتْ تَفَاصِيلُ الْخِلَافِ فِيهِمْ وَمِنْهَا الْمُتَيَمِّمُ مَعَ الْجَبِيرَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى طُهْرٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ مَسْأَلَةَ الْجَبِيرَةِ مِنْ الْعُذْرِ الْعَامِّ وَهُوَ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَنَقَلَ امام الحرمين الغزالي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ تَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ لَا يَجِبُ

فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ وَأَنَّ الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ خَلَلٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا قَالَا وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيّ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جديد ولم يثبت فيه شئ بَلْ ثَبَتَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ مَا حَكَمْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ بِأَنَّهُ دَائِمٌ وَأَسْقَطْنَا الْفَرْضَ بِهِ فَلَوْ اتَّفَقَ زواله بسرعة

فَهُوَ كَالدَّائِمِ الْمُتَمَادِي نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ وَمَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَاتَّفَقَ دَوَامُهُ لَمْ يُلْحَقْ بِالدَّائِمِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا يَنْقَطِعُ عَلَى قُرْبٍ إلْحَاقًا لِمَا يَشِذُّ مِنْ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَاهَا فِي الْحَالِ مَعَ خَلَلٍ وَأَوْجَبْنَا قَضَاءَهَا فَقَضَاهَا فَفِي الْفَرْضِ مِنْ صَلَاتَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا أَصَحُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّانِيَةُ وَالثَّانِي الْأُولَى وَالثَّالِثُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَالرَّابِعُ كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا قال امام الحرمين

وإذا أوجبنا لصلاة فِي الْوَقْتِ وَأَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ فِي الْوَقْتِ صَلَاةٌ وَلَكِنْ يَجِبُ قضاؤها للنقض قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَتْ صَلَاةً بَلْ تُشْبِهُ الصَّلَاةَ كَالْإِمْسَاكِ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قُلْتُمْ الصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي الْوَقْتِ مَعَ الْخَلَلِ فَاسِدَةٌ كَالْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا قُلْنَا إيجَابُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَاسِدِ مُحَالٌ وَأَمَّا التَّشَبُّهُ فَلَا يَبْعُدُ إيجَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة * قال المصنف رحمه الله *

كتاب الحيض

* (كتاب الحيض) * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويحب المتطهرين) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَأَنْشَدَ: كَحَائِضَةٍ يَزْنِي بِهَا غَيْرُ طَاهِرٍ: قَالَ الْهَرَوِيُّ يُقَالُ حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَعَرِكَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَطَمِثَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَزَادَ غَيْرُهُ وَنَفِسَتْ وَأَعْصَرَتْ وَأَكْبَرَتْ وَضَحِكَتْ كُلُّهُ بِمَعْنَى حَاضَتْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِلْحَيْضِ سِتَّةُ أَسْمَاءٍ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِهَا أَشْهَرُهَا الْحَيْضُ وَالثَّانِي الطَّمْثُ وَالْمَرْأَةُ طَامِثٌ قَالَ الْفَرَّاءُ الطَّمْثُ الدَّمُ وَلِذَلِكَ قِيلَ إذَا افْتَضَّ الْبِكْرَ طَمَثَهَا أَيْ أَدْمَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَمْ يطمثن انس قبلهم ولا جان) : الثَّالِثُ الْعِرَاكُ وَالْمَرْأَةُ عَارِكٌ وَالنِّسَاءُ عَوَارِكُ: الرَّابِعُ الضحك

وَالْمَرْأَةُ ضَاحِكٌ قَالَ الشَّاعِرُ وَضَحِكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصفا * كمثل دم الحرق يَوْمَ اللُّقَا وَالْخَامِسُ الْإِكْبَارُ وَالْمَرْأَةُ مُكْبِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: يَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا * يَأْتِي النِّسَاءَ إذْ أَكْبَرْنَ إكْبَارًا وَالسَّادِسُ الْإِعْصَارُ وَالْمَرْأَةُ مُعْصِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: جَارِيَةٌ قَدْ أَعَصَرَتْ * أَوْ قَدْ دَنَا إعْصَارُهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الحيض السيلان يقال حاض الوادي أي اسال يُسَمَّى حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَيَكُونُ أَسْوَدَ مُحْتَدِمًا أَيْ حَارًّا كَأَنَّهُ مُحْتَرِقٌ قَالَ وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَسِيلُ مِنْ الْعَاذِلِ وَهُوَ عِرْقُ فَمِهِ الَّذِي يَسِيلُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ قَالَ وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْعَاذِلُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ

المعجمة قال الهروي في الغريين وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَيْضُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي أَوْقَاتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض) فَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْله تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فَقِيلَ إنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ وَقِيلَ زَمَانُهُ وَقِيلَ مَكَانُهُ وَهُوَ الْفَرْجُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَحِيضَ هُوَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ وَهُوَ اسْمٌ للموضع كالميت وَالْمَقِيلُ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ وَقَالَ قَوْمٌ زَمَانُ الْحَيْضِ قَالَ وَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُمِّيَ الْحَيْضُ أَذًى لِقُبْحِ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَأَضْرَارِهِ قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَرْبَعٌ الْمَرْأَةُ وَالْأَرْنَبُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَحَيْضُ الْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ (فَرْعٌ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الْحَيْضِ (هذا شئ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ

الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ (فَرْعٌ) يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ وطمثت ونفثت بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَعَرِكَتْ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَيْنَا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ طَمِثَتْ دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَثْبُتُ كَرَاهَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا مَا رَوَيْنَاهُ في سنن البيهقي عن زيذ بْنِ بَاينُوسَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (مَا تَقُولِينَ فِي الْعِرَاكِ قَالَتْ الْحَيْضَ تَعْنُونَ قُلْنَا نَعَمْ قَالَتْ سَمُّوهُ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى) فَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا الْعِرَاكُ وَلَمْ يَقُولُوا الْحَيْضُ تَأَدُّبًا وَاسْتِحْيَاءً مِنْ مُخَاطَبَتِهَا بِاسْمِهِ الصَّرِيحِ الشَّائِعِ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْهُ وَمِنْ ذِكْرِهِ فَقَالَتْ لَا تَتَكَلَّفُوا مَعِي هَذَا وَخَاطِبُونِي بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكِبَارِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا وَقَدْ اخْتَصَرْت أَنَا مَقَاصِدَهُ فِي كَرَارِيسَ وَسَأَذْكُرُ فِي هَذَا الشَّرْحِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أن يضجر

مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَوْضَحُوهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ الْأَحْكَامِ وَكُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ المهذب مجلدا كبييرا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَلَّا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلَّا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ مَطْلُوبَاتٍ وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ به طلب مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الاحتياج إليها لعموم وقوعها وقد رأيت مالا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مالا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ والاعتكاف والحج والبلوغ والوطئ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بما هذه حاله وقد قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجَدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا تَكْمُلُ مُطَالَعَتُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي النِّسَاءُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ طَاهِرٌ وَحَائِضٌ وَمُسْتَحَاضَةٌ وَذَاتُ دَمٍ فَاسِدٍ فَالطَّاهِرُ ذَاتُ النَّقَاءِ وَالْحَائِضُ مَنْ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ فِي زَمَنِهِ بِشَرْطِهِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ تَرَى الدَّمَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ عَلَى صِفَةٍ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَذَاتُ الْفَسَادِ مَنْ يَبْتَدِيهَا دَمٌ لَا يَكُونُ حَيْضًا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى أَثَرِ حَيْضٍ ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ رَأَتْ أَحْمَرَ فَالْأَسْوَدُ حيض وفى الاحمر وجهان قال أبو اسحق هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ مَا دَخَلَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى دَمٍ متصل بالحيض

وليس بحيض واما مالا يَتَّصِلُ بِحَيْضٍ فَدَمُ فَسَادٍ وَلَا يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يُسَمَّى الجميع استحاضة فالواو الاستحاضة نَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَّصِلُ بِدَمِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَنَوْعٌ لَا يَتَّصِلُ بِهِ كَصَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ رَأَتْ الدَّمَ وَكَبِيرَةٍ رَأَتْهُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دَمٌ يَجْرِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي الْمُهَذَّبِ فَقَالَ فِي فَصْلِ النِّفَاسِ وَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ إلَى قَوْلِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ أيضا الجرجاني وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

[إذا حاضت المرأة حرم عليها الطهارة لان الحيض يوجب الطهارة وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَدَّهَا جَمَاعَاتٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ المهذب لكونه صرح بنحر ثم الطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَلَيْسَ إفَاضَةُ الْمَاءِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَغُسْلِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَافَقَ الشَّاشِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي الْعِبَارَةِ فقال في المعتمد يحرم عليها لطهارة وَاَلَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إنَّ مَعْنَى حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ أَيْ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهَا وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِيه وَالثَّانِي مُرَادُهُ إذَا قَصَدَتْ الطَّهَارَةَ تَعَبُّدًا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَتَأْثَمُ بِهَذَا لِأَنَّهَا مُتَلَاعِبَةٌ بِالْعِبَادَةِ فَأَمَّا إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ قَصْدِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَأْثَمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الحائض إذا

أَمْسَكَتْ عَنْ الطَّعَامِ بِقَصْدِ الصَّوْمِ أَثِمَتْ وَإِنْ أَمْسَكَتْ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْحَائِضِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ بَعِيدٍ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْقِرَاءَةُ فَلَوْ اغْتَسَلَتْ صَحَّ غُسْلُهَا وَقَرَأَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ حَائِضٍ هُوَ فِي طَهَارَةٍ لِرَفْعِ حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَتْ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا وَأَمَّا الطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ لِلنَّظَافَةِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الجمرة فمسونة لِلْحَائِضِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ ويدل

عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [ويحرم عليها الصلاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فدعي الصلاة) ويسقط فرضها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كنا نحيض عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء: ولان الحيض يكثر فلو أوجبنا قضاء ما يفوتها شق وضاق] [الشَّرْحُ] الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَالْأَوَّلُ رَوَيَاهُ بِلَفْظِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُ الْحَيْضَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ هُنَا * وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهَا الصَّلَاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا تَقْضِي إذَا طَهُرَتْ قَالَ أَبُو جعفر ابن جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا اجْتِنَابَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَاجْتِنَابَ جَمِيعِ الصِّيَامِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَاجْتِنَابَ الطَّوَافِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَأَنَّهَا إنْ صَلَّتْ أَوْ صَامَتْ أَوْ طَافَتْ لَمْ يُجْزِهَا ذَلِكَ عَنْ فَرْضٍ كَانَ عَلَيْهَا وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جرير وآخرون الاجماع انها لا تقتضي الصَّلَاةَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ فَرَّقُوا فِي حَقِّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فِي الْحَائِضِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُتَّبَعُ فِي الْفَرْقِ الشَّرْعُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) وَأَرَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي الزناد

نَحْوَ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ إنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفَرْقِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَرْقٌ حَسَنٌ فَلْيُعْتَمَدْ * وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَقَالَ وَجَدْت كُلَّ مُكَلَّفٍ مَأْمُورًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُسَايَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُكَلَّفَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهَا غَيْرُ

وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الصَّلَاةِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء كما تحرم صلاة الجنازة لان الطَّهَارَةَ شَرْطٌ (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَا تُقْضَى إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا قَضَاءً لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى قَضَاءَ فَائِتَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ وَهَذَا الذى قاله بو عَلِيٍّ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا يدخل وقتبا إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ صَحَّ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ سَلِمَ لَهُمَا ثُبُوتُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وُضُوءٌ وَلَا تَسْبِيحٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ تَطْهُرُ وَتُسَبِّحُ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ

قَالَ لَنَا (مُرْ نِسَاءَ الْحَيْضِ أَنْ يَتَوَضَّأْنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَيَجْلِسْنَ وَيَذْكُرْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُسَبِّحْنَ) وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الاستحباب عندهما فاما استحباب التسبيح فلا يأمر بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ إنْ قصدت العبادة كما سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [ويحرم الصوم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصلاة فدل أنهن كن يفطرن ولا يسقط فرضه لحديث عائشة ولان الصوم في السنة مرة فلا يشق قضاؤه] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا فِيهِ جَوَازُ الْفِطْرِ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوْمُ جَائِزًا لَا وَاجِبًا كَالْمُسَافِرِ قُلْنَا قَدْ ثَبَتَ شِدَّةُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ فِي الْعِبَادَاتِ وَحِرْصُهُنَّ عَلَى الْمُمْكِنِ مِنْهَا فَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ لَفَعَلَهُ بَعْضُهُنَّ كَمَا فِي الْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ) ثُمَّ قَالَ (وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا

وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِالصَّوْمِ فِي حَالِ حَيْضِهَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فَكَيْفَ تُؤْمَرُ بِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ بِسَبَبٍ هِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إزَالَتِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَتُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحَالِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ كَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُحَقِّقُونَ يَأْبَوْنَ هَذَا الْوَجْهَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْطُهُ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ قَالَ وَمَنْ يَطْلُبُ حَقِيقَةَ الْفِقْهِ لَا يُقِيمُ لِمِثْلِ هَذَا الْخِلَافِ وَزْنًا قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِنَا فِي الاصول والكلام ان تكليف مالا يُطَاقُ جَائِزٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ قُلْت تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا وَشِبْهِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى وَجَبَ عَلَيْكِ صوم فانت طالق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

* [ويحرم الطواف لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي ولانه يفتقر إلى الطهارة ولا تصح منها الطهارة] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا طَوَافٌ مَفْرُوضٌ وَلَا تَطَوُّعٌ وَأَجْمَعُوا أن الحائض والنفساء لا تمنع من شئ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا كُلِّهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ويحرم قراءة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ لَا يَقْرَأْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ علي النهى وبفتحها عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَائِضِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا قَدِيمًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَاخْتَلَفُوا فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَرَادَ بِهِ مَالِكًا وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَجَعَلُوهُ قَوْلًا قَدِيمًا قَالَ الشيخ أبو محمد وجدث أَبَا ثَوْرٍ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَخَافُ النِّسْيَانَ لِطُولِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُعَلَّمَةً فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ حِرْفَتِهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ لَهَا قِرَاءَةُ مَا شَاءَتْ إذْ لَيْسَ لِمَا يَخَافُ نِسْيَانُهُ ضَابِطٌ فَعَلَى هَذَا هِيَ كَالطَّاهِرِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَحِلَّ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَاجَةِ التَّعْلِيمِ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ وَتَفْرِيعَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

وَآخَرُونَ هَذَا حُكْمُ قِرَاءَتِهَا بِاللِّسَانِ فَأَمَّا إجْرَاءُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُ مَا فِيهِ فِي الْقَلْبِ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ غَيْرَ الْقُرْآنِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ هَذَا مَعَ جُمَلٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ الْقُرْآنَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهرى واسحق وأبو ثور وعن مالك وأبى حنية وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا التَّحْرِيمُ وَالثَّانِيَةُ الْجَوَازُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ: وَلِأَنَّ زَمَنَهُ يَطُولُ فَيَخَافُ نِسْيَانَهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهَا وَافَقَ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا دَاوُد وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ دَاوُد لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهَا وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَمَّا خَوْفُ النِّسْيَانِ فَنَادِرٌ فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ غَالِبًا سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٌ وَلَا يُنْسَى غَالِبًا فِي هَذَا الْقَدْرِ وَلِأَنَّ خَوْفَ النِّسْيَانِ يَنْتَفِي بِإِمْرَارِ الْقُرْآنِ عَلَى القلب والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [ويحرم حمل المصحف ومسه لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ويحرم اللبث في المسجد لقوله صلي الله عليه وسلم (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) فأما العبور فانها إذا استوثقت من نفسها جاز لانه حدث يمنع اللبث في المسجد فلا يمنع العبور كالجنابة] *

[الشَّرْحُ] يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّتُهُ وَفُرُوعُهُ الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَأَمَّا عُبُورُهَا بِغَيْرِ لُبْثٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِيثَاقِ بِالشَّدِّ أَوْ لِغَلَبَةِ الدَّمِ حَرُمَ الْعُبُورُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَمِنَتْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَالْجُنُبِ وَكَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَخَافُ تَلْوِيثَهُ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَصَحَّحَ تَحْرِيمَ الْعُبُورِ وَإِنْ أَمِنَتْ لِغِلَظِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا حُكْمُ عُبُورهَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِذَا انْقَطَعَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ عُبُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَطَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَالْحَائِضُ الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ فَتُمْنَعُ مِنْ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ فَإِنَّ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُكْثِ فِيهِ وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ فِي مَسَائِلِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ التَّلْوِيثِ وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ إنْ خَافُوا التَّلْوِيثَ حَرُمَ الْعُبُورُ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ويحرم الوطئ في الفرج لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من

حيث أمركم الله) فان وطئها مع العلم بالتحريم ففيه قولان قال في القديم ان كان في أول الدم لزمه أن يتصدق بدينار وان كان في آخره لزمه أن يتصدق بنصف دينار لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال في الذى يأتي امرأته وهى حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار وقال في الجديد لا يجب لانه وطئ محرم للاذى فلم تتعلق به الكفارة كالوطئ في الدبر] * [الشرح] أجمع المسلمون علي تحريم وطئ الْحَائِضِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وغيرهم من استحل وطئ الْحَائِضِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ قَالُوا وَمَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا وُجُودَ الْحَيْضِ أَوْ تَحْرِيمَهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انه يجئ عَلَى الْقَدِيمِ قَوْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي كفارة كالعامد وهذا ليس بشئ وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا فَفِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بل يعذر وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفِّرَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي يُوجِبُهَا الْقَدِيمُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْقَدِيمِ دِينَارٌ إنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي إقْبَالِ الدَّمِ وَنِصْفُ دِينَارٍ إنْ كَانَ فِي إدْبَارِهِ وَالْمُرَادُ بِإِقْبَالِ الدَّمِ زَمَنُ قُوَّتِهِ وَاشْتِدَادِهِ وَبِإِدْبَارِهِ ضَعْفُهُ وَقُرْبُهُ مِنْ الِانْقِطَاعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وامام الحرمين وجها عن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى أَنَّ إقْبَالَهُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ وَإِدْبَارَهُ مَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ اغْتِسَالِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ الْقَدِيمِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ عَلَى التَّقْسِيمِ وَأَنَّ الدِّينَارَ فِي الْإِقْبَالِ وَالنِّصْفَ فِي الْإِدْبَارِ

وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا شَاذًّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ روي ذلك من عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قلت به قال فكان أبو حامد الاسفراينى وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَلَا يَحْكُونَهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَصِحَّ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ مَحْمُولًا فِي الْقَدِيمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ قُلْت وَاتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَاضْطِرَابِهِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَأَلْوَانًا كَثِيرَةً وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ صَحِيحًا وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحَاكِمُ خِلَافُ قَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْحَاكِمُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا بَيَانًا شَافِيًا وَهُوَ إمَامٌ حَافِظٌ مُتَّفَقٌ عَلَى إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يلزمه شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَنْ أَوْجَبَ دِينَارًا أَوْ نِصْفَهُ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً وَهُوَ مِثْقَالُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ وَالْعِلْمِ بِالْحَيْضِ وَالِاخْتِيَارِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وطئ محرم للاذى احترازا من الوطئ فِي الْإِحْرَامِ وَنَهَارِ رَمَضَانَ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ العلماء فيمن وطي فِي الْحَيْضِ عَامِدًا عَالِمًا - قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَحَكَاهُ

أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الدِّينَارُ وَنِصْفُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْحَالِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَسَنِ وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ يُعْتِقُ رَقَبَةً أَوْ يُهْدِي بَدَنَةً أَوْ يُطْعِمُ عِشْرِينَ صَاعًا وَمُعْتَمَدُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقَالَ أبو اسحق لا يحرم غير الوطئ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصنعوا كل شئ غير النكاح) ولانه وطئ حرم للاذى فاختص به كالوطئ فِي الدُّبُرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ (مَا فَوْقَ الازار) ]

[الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَبَعْضُ حَدِيثٍ: رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبَيْتِ فَسَأَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجل (ويسألونك عن المحيض) الْآيَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ: كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِك إرْبَهُ) وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَحْوُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ) يَعْنِي فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ

وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المحيض) وبالحديث المذكور ولان ذلك حريم لِلْفَرْجِ: وَمَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُبْلَةِ وَلَمْسِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ لغالب النَّاسِ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ إذَا لَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِالْجِمَاعِ استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الاوزار وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحاق المروزى وحكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَرَأَيْته أَنَا مَقْطُوعًا بِهِ فِي كِتَابِ اللَّطِيفِ لِأَبِي الْحَسَن بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَتَأَوَّلَ هؤلاء الازار في حديث عمر رضى الله عنه عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَرْجُ بِعَيْنِهِ وَنَقَلُوهُ عَنْ اللُّغَةِ وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ تَفْسِيرًا لِلْإِزَارِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا سَبَقَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ وَثِقَ الْمُبَاشِرُ تَحْتَ الْإِزَارِ بِضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ

الْفَرْجِ لِضَعْفِ شَهْوَةٍ أَوْ شِدَّةِ وَرَعٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ بَدَلَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي الْجَدِيدُ التَّحْرِيمُ وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُحَرِّمُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَمَّا مَا سِوَاهُ فَمُبَاشَرَتُهَا فِيهِ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملي في المجموع وابن الصباغ والعبد رى وَآخَرُونَ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وكسر الباء من انه لا يباشر شئ مِنْ بَدَنِهِ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا فَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي مُبَاشَرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ في قوله صل الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَبِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ فَوْقَ الازار شئ من دم الحيض أولا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وجها انه ان كان عليه شئ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ حَرُمَ لِأَنَّهُ أَذًى وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التحريم وقياسا على مالو كَانَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ أُخْرَى وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِنَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمَا حَاذَاهُمَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا عَوْرَةً إنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ كَانَتَا كَمَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا لَيْسَتَا عَوْرَةً أُبِيحَا قَطْعًا كَمَا وَرَاءَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَرْعٌ] فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا بين السرة والركبة بغير وطئ: قد ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا وَدَلَائِلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

وطاووس وَشُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ وَقَتَادَةَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ وأبو ثور واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَرْعٌ] إذَا قُلْنَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَفَعَلَهُ مُتَعَمِّدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَدِيمِ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ هُنَا حَدِيثٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فان الوطئ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْض حَلَّ لَهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا لِلْحَدَثِ وَالْحَدَثُ بَاقٍ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) قَالَ مُجَاهِدٌ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الماء فتيممت حل مَا يَحِلُّ بِالْغُسْلِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغُسْلِ فَاسْتُبِيحَ بِهِ مَا يُسْتَبَاحُ بِالْغُسْلِ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَرِيضَةً لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِفِعْلِ الْفَرِيضَةِ كَمَا يَحْرُمُ فِعْلُ الْفَرِيضَةِ بَعْدَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لان الوطئ ليس بفرض فلم يحرم فعل الفريضة كصلاة النفل]

[الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ أَحْكَامٌ (أَحَدُهَا) يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَغْسَالَ الْحَجِّ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ (الثَّانِي) تَحْرُمُ الطَّهَارَةُ بِنِيَّةِ الْعِبَادَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَيْنَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا (الثَّالِثُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) يُحَرِّمُهَا (الْخَامِسُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهَا (السَّادِسُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ (السَّابِعُ) يُحَرِّمُهُ (الثَّامِنُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهُ (التَّاسِعُ) يُحَرِّمُ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْعُبُورُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الْعَاشِرُ) يُحَرِّمُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ. وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الْحَادِيَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الِاعْتِكَافَ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الثَّالِثَ عَشَرَ) يَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ (الرَّابِعَ عشر) يحرم الوطئ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ (السَّادِسَ عَشَرَ) تَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ (السَّابِعَ عَشَرَ) تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ (الثَّامِنَ عَشَرَ) يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَلْ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ أَمْ بِهِمَا فِيهِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمُعْظَمُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ ارْتَفَعَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَارْتَفَعَ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهٍ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعُبُورَ يَبْقَى

تحريمه حتي تغتسل وليس بشئ وَلَا يَرْتَفِعُ مَا حَرُمَ لِلْحَدَثِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَرْتَفِعُ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ قال أصحابنا وإذا تَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا القاضى أبو الطيب لانها استباحت الوطئ بالتيمم والحدث لا يحرم الوطئ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ قَالَ الْقَاضِي ولا نالوا قلنا يحرم الوطئ بَعْدَ الْحَدَثِ لَأَدَّى إلَى تَحْرِيمِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ قَبْلَ الوطئ اما إذا تيممت ثم رأت الماء فيحرم الوطئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا بَطَلَتْ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَعَادَتْ إلَى حَدَثِ الْحَيْضِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يحل الوطئ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ رَأَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْجِمَاعِ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَاغْتَسَلَتْ وَأَمَّا إذَا تيممت وصلت فريضة فهل يصح الوطئ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَمْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَلَوْ تيممت فوطئها ثم أراد الوطئ ثَانِيًا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ

جَوَازُهُ لِارْتِفَاعِ حَدَثِ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَهَذَا ليس بشئ ولو تيممت وصلت فريضة وقلنا يجوز الوطئ بَعْدَهَا فَلَمْ يَطَأْ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ تِلْكَ الفريضة فهل يحل الوطئ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملى فِي كِتَابَيْهِ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَا يَزِيدُ عَلَى الحدث والثانى لا يجوز الوطئ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ رَفَعَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَلِهَذَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِلصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّتْ الْفَرِيضَةَ لِحُرْمَةِ الوقت كما سبق ولا يجوز الوطئ حَتَّى تَجِدَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يجوز الوطئ كالصلاة وهذا ليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُقِيمَةُ فِي هَذَا كَالْمُسَافِرَةِ فَإِذَا عَدِمَتْ الْمُقِيمَةُ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ جريحة فتيممت حل الوطئ وَإِنْ كَانَ صَلَاتُهَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فرع) في مذاهب العلماء في وطئ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلً الْغُسْلِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ حَيْثُ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن سالم ابن عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ ومالك والثوري والليث وأحمد واسحق وأبو ثَوْرٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ أَدْرَكَ الزَّوْجَ الشَّبَقُ أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَصَابَهَا إنْ شَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصَحُّ مِنْ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ مُوَافَقَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ طَاوُسٍ خِلَافُ قَوْلِ سَالِمٍ قَالَ فَإِذَا بَطَل أَنْ يَصِحَّ عَنْ هَؤُلَاءِ قَوْلٌ ثَانٍ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَالْإِجْمَاعِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهو عشرة أيام عنده حل الوطئ فِي الْحَالِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تصل لم يحل الوطئ حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ إذا غسلت فرجها حل الوطئ وحكى عن مالك تحريم الوطئ إذَا تَيَمَّمَتْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْتُهُ وقال ابن جرير أجمعوا علي تحريم الوطئ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الصَّوْمُ وَالطَّلَاقُ وكذا الوطئ ولان تحريم الوطئ هُوَ لِلْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَصَارَتْ كَالْجُنُبِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) وَقَدْ رُوِيَ حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ فَقِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ صَرِيحَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الغسل وقراءة

التَّخْفِيفِ يُسْتَدَلُّ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهَا أَيْضًا يَغْتَسِلْنَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطَيْنِ (أَحَدُهُمَا) انْقِطَاعُ دَمِهِنَّ (وَالثَّانِي) تَطَهُّرُهُنَّ وَهُوَ اغْتِسَالُهُنَّ وَمَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يُبَاحُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ بَلْ شَرْطٌ وَاحِدُ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ فَإِذَا انْقَطَعَ فَأْتُوهُنَّ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلَ اللِّسَانِ فَسَّرُوهُ فَقَالُوا مَعْنَاهُ فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضُ فَاسِدٌ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قال لقيل فإذا تطهرن فَأُعِيدَ الْكَلَامُ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَلَمَّا أُعِيدَ بِلَفْظٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا أَكَلَ فَكَلِّمْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ كَثِيرَةٍ وَمُنَاسِبَاتٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ أَوْلَى مُتَمَسَّكٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى اعْتِبَارُ صُورَةِ الِاتِّفَاقِ فَنَقُولُ اتَّفَقْنَا عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا طَهُرَتْ لِدُونِ الْعَشَرَةِ فَاسْتِمْرَارُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إنْ عُلِّلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ لَزِمَ التَّحْرِيمُ إذَا طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَإِنْ عُلِّلَ بِإِمْكَانِ عَوْدِ الدَّمِ فَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِمَا إذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعَانِيَ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ فَالْوَجْهُ اعْتِمَادُ مَا نَاقَضُوا فِيهِ وَكُلُّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِمَا سَلَّمُوهُ فَإِنْ قِيلَ تَحْرِيمُ الوطئ بِالْحَيْضِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قُلْنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالِانْقِطَاعِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ فَإِنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِانْسِدَادِ طَرِيقِ النَّظَرِ فظاهر القرآن تحريم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِ الصَّوْمِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وهذه ليست بحائض وهنا حرم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَعَنْ الطَّلَاقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ التَّحْرِيمُ لِلْحَيْضِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ هُوَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ وَهُوَ بَاقٍ الثَّانِي أنه ينتقض بالانقطاع لدون أَكْثَرِ الْحَيْضِ الثَّالِثُ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَمْنَعُ الوطئ وَكَذَا غُسْلُهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ لَيْسَتْ امْرَأَةٌ تُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ الْحَيْضِ إلَّا وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ مِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَدِمَتْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ فَإِنَّهَا تمنع من الصلاة دون الوطئ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ هُنَا لِلْحَدَثِ قَالَ وَانْقِطَاعُ الدَّمِ إذا أباح الصلاة أباح الوطئ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَتُصَلِّي وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا

عَلَى الصَّحِيحِ * (فَرْعٌ) لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَوْ السيد الوطئ فَقَالَتْ أَنَا حَائِضٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لم يلتفت إليها وجاز الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ صِدْقُهَا وَلَمْ يَتَّهِمْهَا بِالْكَذِبِ حَرُمَ الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ الصِّدْقُ وَلَكِنْ كَذَّبَهَا فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَحِلُّ الوطئ لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ وَمَنَعَتْ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى حَيْضِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُقَصِّرٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْحَيْضِ وَادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَادَّعَتْ بَقَاءَهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ * (فَرْعٌ) لَوْ طَهُرَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْمَجْنُونَةُ مِنْ الْحَيْضِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حتى يغسلها فإذا ضب الْمَاءَ عَلَيْهَا وَنَوَى غُسْلَهَا عَنْ الْحَيْضِ حَلَّتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ حَاضَتْ الْمَجْنُونَةُ أَوْ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ (فَرْعٌ) إذَا ارتكبت المرأة من المحرمات المذكورة أثمت وتعذر وَعَلَيْهَا التَّوْبَةُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ * (فَرْعٌ) يجوز عندنا وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والعبد رى وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المزني والاوزاعي ومالك والثوري واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَحُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَابْنِ سِيرِينَ مَنْعُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَنْعِ عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهَا بَلْ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حديثها وقال احمد لا يجوز الوطئ إلَّا أَنْ يَخَافَ زَوْجُهَا الْعَنَتَ وَاحْتُجَّ لِلْمَانِعِينَ بِأَنَّ دَمَهَا يَجْرِي فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وَهَذِهِ قَدْ تَطَهَّرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُسْتَحَاضَةُ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا

فكذا في الوطئ ولانه دم عرق فلم يمنع الوطئ كَالنَّاسُورِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ بَلْ وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ يُقْبَلْ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِنَظَائِرِهِ لَا بِالْحَيْضِ الَّذِي لا يشاركه في شئ * [وقال المصنف رحمه الله] (اقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين قال الشافعي رحمه الله اعجل من سمعت من النساء تحتض نساء تهامة يحضن لتسع سنين فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ولا تتعلق به احكام الحيض] * [الشَّرْحُ] تِهَامَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ سُمِّيَتْ تِهَامَةَ مِنْ التَّهَمِ يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودِ الرِّيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا يُقَالُ تَهِمَ الدُّهْنُ إذَا تَغَيَّرَ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي أَقَلِّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي بِالشُّرُوعِ فِي التَّاسِعَةِ وَالثَّالِثُ بِمُضِيِّ نِصْفِ التَّاسِعَةِ وَالْمُرَادُ بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةُ * وَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ اسْتِكْمَالُ تِسْعٍ وَهَلْ هِيَ تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ عَنْ التِّسْعِ مَا نَقَصَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهَذَا مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا تَقْرِيبٌ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يُؤَثِّرُ نَقْصُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُؤَثِّرُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدم واستكمال التسع مالا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تَحْدِيدٌ فَرَأَتْهُ قَبْلَ التِّسْعِ مُتَّصِلًا بِاسْتِكْمَالِهَا نُظِرَ إنْ رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَعْدَ التِّسْعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً جُعِلَ الْجَمِيعُ حَيْضًا وان رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَبَعْدَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْضُهُ قَبْلَ التِّسْعِ وَبَعْضُهُ بَعْدَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ حَيْضًا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَاتِ كُلُّ هَذَا عندي

خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ فَأَيُّ قَدْرٍ وُجِدَ فِي أَيِّ حَالٍ وَسِنٍّ كَانَ وَجَبَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَالْبَارِدَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الدَّمُ لِتِسْعِ سِنِينَ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ الَّتِي لَا يُعْهَدُ فِي أَمْثَالِهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَأَيْت جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وعشرين سنة وقيل انه رآها بصنعاء اليمين قَالُوا هَذَا رَآهُ وَاقِعًا وَيُتَصَوَّرُ جَدَّةٌ بِنْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَحْظَةً فَتَحْمِلُ لِتِسْعٍ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِنْتًا وَتَحْمِلُ تِلْكَ الْبِنْتُ لِتِسْعِ سِنِينَ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ * هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ حَتَّى تَمُوتَ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْوُجُودُ وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحِيضُ لِتِسْعِ سِنِينَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهَا وَفِي الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ لِدُونِ أَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا يتعلق به شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَيُسَمَّى دَمَ فَسَادٍ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ * وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ فِي سِنِّ الْإِمْكَانِ قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْغُلَامِ فِي إنْزَالِ الْمَنِيِّ لِسِنِّ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ سِنٍّ يَجُوزُ أَنْ تُنْزِلَ الْمَرْأَةُ فِيهِ الْمَنِيَّ هُوَ سِنُّ الْحَيْضِ وَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ هِيَ أَسْرَعُ بُلُوغًا مِنْ الْغُلَامِ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هُنَا فِي بَابِ الْحَيْضِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالثَّانِي مُضِيُّ تِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَالثَّالِثُ اسْتِكْمَالُ عَشْرِ سِنِينَ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَجْرِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله *

[وأقل الحيض يوم وليلة وقال في موضع يوم فمن أصحابنا من قال هما قولان ومنهم من قال يوم وليلة قولا واحدا وقوله يوم اراد بليلته ومنهم من قال يوم قولا واحدا وانما قال يوم وليله قبل أن يثبت عنده اليوم فلما ثبت عنده رجع إليه - والدليل على ذلك ان المرجع في ذلك الي الوجود وقد ثبت الوجود في هذا القدر قال الشافعي رحمه الله رأيت امرأة اثبت لى عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وقال الاوزاعي رحمه الله عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقال عطاء رحمه الله رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وقال أبو عبد الله الزبيري رحمه الله كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما واكثره خمسة عشسر يوما لما رويناه عن عطاء وابى عبد الله الزبيري وغالبه ست أو سبع لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جحش رضي الله عنها (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حيضهن وطهرهن) وأقل طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا أعرف فيه خلافا فان صح ما يروى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (في النساء نقصان دينهن ان احداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي) دل ذلك علي ان اقل الطهر خمسة عشر يوما لكن لم أجده بهذا اللفظ الا في كتب الفقه] [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْعَدَدِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَنَصَّ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا أَحَدُهَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوُجُودِ فَإِنْ صَحَّ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ تَعَيَّنَ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامَيْهِ عَلَى حَالَيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ علي قولين وكذا كُلُّ مُجْتَهِدٍ كَمَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ حَدِيثَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى النَّسْخِ وَالتَّعَارُضِ وَضَعَّفَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ

وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِيَوْمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا قَالَ يَوْمٌ فِي مَسَائِلِ الْعَدَدِ اخْتِصَارًا أَوْ حِينَ أَرَادَ تَحْدِيدَ أَقَلِّ الْحَيْضِ فِي بَابِهِ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَوَجَبَ اعْتِمَادُ مَا حَقَّقَهُ فِي مَوْضِعِ التَّحْدِيدِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ يَوْمًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الرَّبِيعُ أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ جِدًّا وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ وَمَا سِوَاهُ مُتَأَوَّلٌ عَلَيْهِ. وَدَلِيلُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَفِي مَظِنَّتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ آخِرُ قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الثِّقَةُ ابْنُ جَرِيرٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عشر باتفاق اصحابنا وذكر المصنف دليله (الثَّالِثَةُ) غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ بِالِاتِّفَاقِ (الرَّابِعَةُ) أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا ثبت وجوده ولا حد لا كثره بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ جَمِيعَ عُمُرِهَا لَا تَحِيضُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ فِي زَمَنِهِ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَمَّا غَالِبُ الطُّهْرِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْحَيْضِ مَاذَا فَالْغَالِبُ أَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا وَطُهْرًا فَغَالِبُ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِيضَاحِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ * وَأَمَّا قَوْلُهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) أَيَّامُ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ ذَاتِ التَّلْفِيقِ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِنَا وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ

مَشْهُورٌ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْفِيقِ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ غَلَطًا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ عَدَمُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا حَدِيثُ (تَمْكُثُ شَطْرَ دَهْرِهَا) فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ في الصحيحين (تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْنَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ حَمْنَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَسَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هو حديث حسن صحيح قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَرَكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الحديث لان رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ لَيْسَ بِذَاكَ (قُلْت) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا يُقْبَلُ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الرَّاوِي وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي تَوْثِيقِهِ وَجَرْحِهِ فَقَدْ صَحَّحَ الْحُفَّاظُ حَدِيثَهُ هَذَا وَهُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ فِي حَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الرَّاوِي بَعْضُ الضَّعْفِ أُجِيزَ حَدِيثُهُ بِشَوَاهِدَ لَهُ أَوْ مُتَابَعَةٍ وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَك اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) الْمُرَادُ غَالِبُ النِّسَاءِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ كُلِّهِنَّ لِاخْتِلَافِهِنَّ وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم (ميقات حيضهن) هو بِنَصْبِ التَّاءِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي وَقْتِ حَيْضِهِنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ حَمْنَةَ فَقِيلَ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ كَانَتْ مُعْتَادَةً سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَرَدَّهَا إلَيْهَا ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِيهَا الْخَطَّابِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ احْتِمَالَيْنِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهَا كانت مبتدأة وكذا اختاره إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ) وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً وَأَوْضَحَ دَلِيلَهُ وَقَالَ هَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَنْ قَالَ كَانَتْ مُعْتَادَةً ذَكَرُوا فِي رَدِّهَا إلَى السِّتَّةِ أَوْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ سِتَّةٌ إنْ كَانَتْ عادتك ستة أو سبعة ان كان عَادَتُك سَبْعَةً الثَّانِي لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَقَالَ تَحَيَّضِي سِتَّةً إنْ لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَك أَوْ سَبْعَةً إنْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَادَتُكِ الثَّالِثُ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ الشُّهُورِ سِتَّةٌ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةً فِي شَهْرِ السِّتَّةِ وَسَبْعَةً فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ فَتَكُونُ لَفْظَةُ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ وَبَسَطْت الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مدار كتاب الحيض ويدخل فِي كُلِّ مُصَنَّفَاتِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَمْنَةَ بنت جحش وعطاء والاوزاعي وا؟ ؟ يرى فَأَمَّا حَمْنَةُ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ هَاءٍ وَأَبُوهَا جَحْشٌ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا عطاء فهو أبو محمد عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَعَطَاءٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فِي الْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِنَا فِي سَلْسَلَةِ التَّفَقُّهِ فَهُوَ شَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ الَّذِي هُوَ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ تُوُفِّيَ عَطَاءٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ واما الاوزاعي فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو مِنْ كِبَارِ تَابِعِي التَّابِعِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ الْبَارِعِينَ كَانَ إمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَنِهِ أَفْتَى فِي سبعين الف مسألة وقيل ثمانين الف تُوُفِّيَ فِي خَلْوَتِهِ فِي حَمَّامِ بَيْرُوتَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَوَسِّدًا بِيَمِينِهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ قِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَوْزَاعِ قَرْيَةٍ كَانَتْ بِخَارِجِ بَابِ الْفَرَادِيسِ مِنْ دِمَشْقَ وَقِيلَ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَمَنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الزُّبَيْرِيُّ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ مَنْسُوبٌ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الله الزبير بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عاصم بن المنذر بن الزبير ابن الْعَوَّامِ وَلِلزُّبَيْرِيِّ كُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَأَحْوَالٌ شَرِيفَةٌ فَهَذِهِ أَحْرُفٌ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ بَسَطَتْ أَحْوَالَ أَصْحَابِهَا وَمَنَاقِبَهُمْ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَبِاَللَّهِ التوفيق *

طُهْرًا مُسْتَقِلًّا كَامِلًا قَالَ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ تَفْرِيعُ الْبَابِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أبو عمرو ابن الصلاح قول الاستاذ ابي اسحق فَقَالَ الصَّحِيحُ اتِّبَاعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ وَنَاهِيكَ إتْقَانًا وتحقيقا واطلاعا وكأن الاصحاب لم يطلعوا علگ النص قال وفى المحيط للشيخ اي محمد الجويني عن الاستاذ ابى اسحق قال كانت امرأة تستفتينى باسفرابين وَتَقُولُ إنَّ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الدَّوَامِ فَجَعَلَتْ ذَلِكَ طُهْرَهَا عَلَى الدَّوَامِ قُلْت وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاخْتَارَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّصَّ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَكْثَرِهِمَا: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لا حدله قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً وَانْقَطَعَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي ادَّعَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَكُونُ دَفْعَةً فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ احمد اكثر ما سمعنا سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ طَائِفَةٌ لَيْسَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ بِالْأَيَّامِ بَلْ الْحَيْضُ إقْبَالُ الدَّمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالطُّهْرُ إدْبَارُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِيمَا نعلم وانكر احمد واسحق التَّحْدِيدَ فِي الطُّهْرِ قَالَ أَحْمَدُ الطُّهْرُ مَا بين الحيضتين علي ما يكون وقال اسحق تَوْفِيَتُهُمْ الطُّهْرَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَاطِلٌ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ اقل الحيض يومان واكثر الثَّالِثُ وَعَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَقَدْ يَكُونُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ إحْدَاهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَكْثَرُهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّهُ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ طُهْرًا فِي الْعَادَةِ وَرَوَى عَبْدُ الملك بن الماجشون

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ وَالْمُرَادُ خَمْسَةَ عشر بلياليها وهذا القيد لابد مِنْهُ لِتَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْأُولَى (فَرْعٌ) لَوْ وَجَدْنَا امْرَأَةً تَحِيضُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ تَطْهُرُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاشْتَهَرَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ مُتَكَرِّرَةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهَا لَا يُعْتَبَرُ حَالُ هَذِهِ بَلْ الحكم علي ما تمهد لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَوْفَى: وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ لِيَكُونَ هَذَا حَيْضَهَا وَطُهْرَهَا لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا قَوْلُ طوائف من المحققين منهم الاستاذ أبو اسحق الاسفرايني وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ (قُلْت) وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ قَدْرًا يُوَافِقُ مَذْهَبَ السَّلَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِاعْتِمَادِ الْوُجُودِ اعْتَمَدْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَ أَحَدٍ لَمْ يُعْتَمَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ وَلَا أَرَى الْعُدُولَ عَنْهُ الِاكْتِفَاءَ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبُ الْمَاضِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَإِنَّا لَوْ فَتَحْنَا بَابَ اتِّبَاعِ الْوُجُودِ في كل ما يحدث واخدنا فِي تَغْيِيرِ مَا يُمَهِّدُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا لَاخْتَلَطَتْ الْأَبْوَابُ وَظَهَرَ الِاضْطِرَابُ وَالْوَجْهُ اتِّبَاعُ مَا تَقَرَّرَ لِلْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ قَبْلَنَا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِحَالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ احْتِمَالَ عُرُوضِ دَمِ الْفَسَادِ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ انْخِرَامِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ لا يجعل كل نقاء

انه خمسة ايام وقال سجنون ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ محمد بن مسلمة خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَصْحَابُهُ الْبَغْدَادِيُّونَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَأَبِي طَالِبٍ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ عَشَرَةٌ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَمَّا أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ أَكْثَرَ الطهر لا حدله وَدَلِيلُهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَمِنْ الِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ مُشَاهَدٌ وَمِنْ أَظْرَفِهِ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ عَنْ أُخْتِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَمَّا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِحَدِيثِ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَقَالَ (لَيْسَ ذَلِكَ الْحَيْضُ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ لِتَقْعُدْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ لتغتسل ولتصلى) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالُوا وَأَقَلُّ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةٌ وَبِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) م وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (الْحَيْضُ ثَلَاثٌ. أَرْبَعٌ. خَمْسٌ. سِتٌّ. سَبْعٌ. ثَمَانٍ. تِسْعٌ. عَشَرٌ) قَالُوا وَأَنَسٌ لَا يَقُولُ هَذَا إلَّا تَوْقِيفًا قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضى الله عنها (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَلِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ شَرْعًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالزُّبَيْرِيِّ وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْعُلَا قَالَتْ حَيْضَتِي مُنْذُ أَيَّامِ الدَّهْرِ يَوْمَانِ قَالَ اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَصَحَّ لَنَا عَنْ غَيْرِ امْرَأَةٍ في زماننا انها قالت حيضتي يومان وعند يزيد بن هرون قَالَ عِنْدِي امْرَأَةٌ تَحِيضُ يَوْمَيْنِ

وَرُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا لَوْ ثبت فمن وجهين (أحدهما) ليس المرد بِالْأَيَّامِ هُنَا الْجَمْعُ بَلْ الْوَقْتُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُعْتَادَةٌ رَدَّهَا إلَى الْأَيَّامِ الَّتِي اعْتَادَتْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَيْضٍ لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَدْ أَوْضَحَ ضَعْفَهَا الدَّارَقُطْنِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ السنن الكبير وَقَوْلُهُمْ التَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ جَوَابُهُ أَنَّ التَّوْقِيفَ ثَبَتَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ سَاعَةٌ فَاعْتَمَدُوا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقِيَاسَ عَلَى النِّفَاسِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَ مَا قُلْنَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ النُّصُوصِ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الْوُجُودِ وَعَنْ النِّفَاسِ أَنَّهُ وُجِدَ لَحْظَةً فَعَمِلْنَا بِالْوُجُودِ فِيهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ثَبَتَ مُسْتَفِيضًا عَنْ السَّلَفِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ كَذَلِكَ عِيَانًا وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَقَلُّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ فَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَالشَّهْرُ يَشْتَمِلُ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا عَشَرَةٌ لِلْحَيْضِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَدَلِيلُنَا بِثُبُوتِ الْوُجُودِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرٌ وقد بينا بطلانه فان قيل روى اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ حَاضَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَتْ تَحْتَهُ وَكَانَتْ تَحِيضُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرَيْنِ فَجَوَابُهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ النُّكَتُ أَنَّ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ ضَعِيفَانِ فَالْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدْ انكره الامام مالك ابن أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالثَّانِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَيْمُونٍ والرجل مجهول والله اعلم

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ كَالنِّفَاسِ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ لو كان حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ وَتَعَلَّقَ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ] [الشَّرْحُ] يُقَالُ الرَّضَاعُ وَالرِّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا وَامْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ فَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ ظَهْرِهَا فَحَامِلَةٌ لَا غَيْرَ وَالدَّمُ مُخَفَّفُ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ المشهورة وفيه لغية شَاذَّةٌ بِتَشْدِيدِهَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْجَدِيدُ أَنَّهُ حَيْضٌ وَالْقَدِيمُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِحَيْضٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا اسْتِحَاضَةٌ أَوْ دَمُ فَسَادٍ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ فَهُوَ كَالْبَوْلِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ صَلَوَاتٍ وَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلَهَا حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَعَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنْ رَأَتْهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَلَيْسَ بِحَيْضٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قال لا فرق بل الخلاف جاز فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا لِغَيْرِ الْحَامِلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة القولان ااقلنا لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا حُكْمَ لَهُ فهو حيض قولا واحدا وقال أبو إسحق الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ إذَا مَضَى لِلْحَمْلِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَيْضٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمِيعِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ وَقَالَ الشَّاشِيُّ إذَا قُلْنَا الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ فَمِنْ مَتَى يَنْقَطِعُ حَيْضُهَا وَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَالثَّانِي مِنْ وَقْتِ حَرَكَةِ الْحَمْلِ (قُلْت) الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ كَالنِّفَاسِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرْضِعَ لَا تَحِيضُ غَالِبًا وَكَذَا الْحَامِلُ فَلَوْ اتَّفَقَ رُؤْيَةُ الدَّمِ فِي حال الرضاع

كَانَ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا فِي حَالِ الْحَمْلِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النُّدُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فِي الْحُكْمِ بِأَنَّهُمَا حَيْضٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَالنِّفَاسِ فَمُرَادُهُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرَأَتْ الدَّمَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا إنَّهُ نِفَاسٌ فَهَذِهِ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ وَدَمُهَا نِفَاسٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَالْحَمْلُ وَالْحَيْضُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ الْحَمْلُ كَمَا قُلْنَا فِي النِّفَاسِ قَالَ صَاحِبُ البيان في مشكلات المذهب مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ دَمُ الْحَامِلِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَالدَّمُ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ نِفَاسٌ فَقَاسَ عَلَى مَا وَافَقَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقَوْلُهُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَالتَّقْرِيبِ مِنْ الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَحَمْلُهَا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ وَحَاضَتْ أَدْوَارًا فَلَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَلَا يحسب شئ مِنْ الْأَطْهَارِ الْمُعَجَّلَةِ قُرْءًا أَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ مِثْلَ إنْ مَاتَ صبى عن زوجته أو فسخ نكاحه بعيبه أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا أَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ تَرَى الدَّمَ عَلَى الْأَدْوَارِ فَإِنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَفِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهَذِهِ الْأَطْهَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وجهان مشهوران سيأتي ايضاحهما في كتاب العدة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا بشبهة فوجبت العدة بالثانية فَهَلْ تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَتَدَاخَلُ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ الطَّلَاقِ فَلَوْ حَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ فَهَلْ يُحْسَبُ أَطْهَارُهَا فِي الْحَمْلِ عَنْ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ وَجْهَانِ أصحهما يحسب

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضُ الْحَامِلِ مُؤَثِّرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَحْسُنُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا قَيَّدْنَاهُ بِهِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَفِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ النفاس أصحهما بالاتفاق أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ بِصِفَةِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يشترط يَكُونَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ إذَا كَانَا دَمَيْ حَيْضٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ النِّفَاسَ سِتِّينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ الثَّانِي حَيْضًا فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا: لِنُقْصَانِ مَا بَيْنَهُمَا عَنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِاخْتِلَافِهِمَا * (فَرْعٌ) إذَا قِيلَ إذَا جَعَلْتُمْ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَحِيضُ فَإِذَا حَاضَتْ حَصَلَ ظَنُّ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ بَانَ خِلَافُهُ عَلَى النُّدُورِ عَمِلْنَا بِمَا بَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي حَيْضِ الْحَامِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ حَيْضٌ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ والحسن وعطاء ومحمد ابن الْمُنْكَدِرِ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلصَّحِيحِ فِي

كَوْنِهِ حَيْضًا أَنَّهُ دَمٌ بِصِفَاتِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي زَمَنِ إمْكَانِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسَادًا لِعِلَّةٍ أَوْ حَيْضًا وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعِلَّةِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِهِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِطَلَبِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ فَجَوَابُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ إنَّمَا كَانَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلَا تَطْوِيلَ هُنَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَمْلِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَلَمْ يعبر الخمسة عشر ففيه قولان أحدهما لا يلفق بل يجعل الجميع حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَأَتْهُ مِنْ النَّقَاءِ طُهْرًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَالثَّانِي يُلَفَّقُ الطُّهْرُ إلَى الطُّهْرِ وَالدَّمُ إلَى الدَّمِ فَيَكُونُ أَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرًا وَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا لَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ الدَّمِ طُهْرًا ولما لم يجز أن يجعل أيام الدم طهرا لم يجز أن يجعل أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى كُلُّ واحد منهما علي حكمه] * [الشَّرْحُ] النَّقَاءُ بِالْمَدِّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا بقاء أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَكَيْفَ يُسَمَّى طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ لِيَكُونَ أَقَلَّ الْحَيْضِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ أَوْ نِصْفَ يَوْمٍ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ التَّلْفِيقِ هَذِهِ فَذَكَرَهَا هُنَا مُخْتَصَرَةً وَذَكَرَ فُرُوعَهَا فِي آخِرِ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهَا كُلَّهَا أَوْ يَجْمَعَ كُلَّ

مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّلْفِيقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُؤَخِّرَ شَرْحَ هذه المسألة إلى هناك وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * [إذا رأت المرأة الدم ليس يَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَانَ ذَلِكَ دَمَ فَسَادٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ عَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لها عادة فخالف عادتها أو لم يكن وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ أَوْ الْكُدْرَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ شَيْئًا) وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ زَمَانَ الْإِمْكَانِ ولم يجاوزه فأشبه إذا رأت الصفرة والكدرة فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا) وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ وُجُودُهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَمَارَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَأَنَّ ذَلِكَ دم الجبلة دون العلة] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) وَإِسْنَادُهَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثَالِ هَذَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَلَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَرِيبٌ

مِنْ مَعْنَاهُ فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عقبة ابن أَبِي عُقْبَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَصَحَّ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهُ لتنظر هل بقى شئ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا وَقَوْلُهَا الْقَصَّةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجِصُّ شَبَّهَتْ الرُّطُوبَةَ النَّقِيَّةَ الصَّافِيَةَ بِالْجِصِّ فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فَهَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ أَمْ مَرْفُوعٌ فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ وَاسْمُ أُمِّ عَطِيَّةَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ وَقِيلَ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنْصَارِيَّةٌ بَصْرِيَّةٌ كَانَتْ تَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ غَاسِلَةً لِلْمَيِّتَاتِ وَذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِفَتْحِهَا وَهِيَ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا كَهَمْزَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مَنْسُوبٌ إلَى إصْطَخْرَ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَاسْمُهُ الْحَسَنُ ابن احمد ولد سنة اربع واربعين ومايتين وتوفى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَأَئِمَّتِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَأَخْيَارِهِمْ وَلَهُ أَحْوَالٌ جَمِيلَةٌ وَكُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَذَكَرْت جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَالطَّبَقَاتِ وَقَوْلُهُ دَمُ الْجِبِلَّةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخِلْقَةِ وَمَعْنَاهُ دَمُ الْحَيْضِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يَكُونُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَلَيْسَ هُوَ دَمُ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَقَالَ الشيخ ابو حامد في تعليقه هُمَا مَاءٌ أَصْفَرُ وَمَاءٌ كَدِرٌ وَلَيْسَا بِدَمٍ وقال امام الحرمين هما شئ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ لَيْسَا عَلَى لَوْنِ شئ مِنْ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ وَلَا الضَّعِيفَةِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ

إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ لِزَمَانٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ وَلَا هِيَ حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تَحِيضُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالْمَسْجِدِ والوطئ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالتَّهْذِيبِ فَحَكَيَا وَجْهًا شَاذًّا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَنْ تُمْسِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهَا وَأَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ وَإِنْ اسْتَدَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي رَأَتْهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْوَجْهُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا فَاتَحَهَا الدَّمُ تُمْسِكُ وَالثَّانِي الْمُعْتَادَةُ إذَا جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا تُمْسِكُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهَا بِالْإِمْسَاكِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُبْتَدَأَةِ قَالَ فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَمْسَكَتْ فَانْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ

فَتَقْضِي الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ وَلَا غُسْلَ فَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَوْمُهَا صَحِيحٌ وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَافَقَ عَادَتَهَا أَوْ خَالَفَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ كُلُّهُ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْضُهُ أَسْوَدَ وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَسْوَدُ أَوْ الاحمر ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهَيْنِ شَاذَّيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حكاه صاحب الحاوى انها إذا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَرَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ لَا يَكُونُ حَيْضًا لِضَعْفِهِ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْأَحْمَرَ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ كَانَ حَيْضًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَتَقَدَّمَ الْأَحْمَرُ كَانَ الْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَحْدَهُ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً كَانَ الْأَحْمَرُ الْأَوَّلُ دَمَ فساد والاحمر والاسود بعده حيض وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إذَا

كَانَ الَّذِي رَأَتْهُ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ المشهور الذى قاله أبو العباس ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونَانِ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً خَالَفَ عَادَتَهَا أَوْ وَافَقَهَا كَمَا لَوْ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَانْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضًا فَإِنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَلَيْسَتْ بِحَيْضٍ وان رأتها معتادة في ايام العادة فهى حَيْضٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ دَمٌ قَوِيٌّ أَسْوَدُ أَوْ أَحْمَرُ وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كَانَتْ حَيْضًا فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ وان لم يتقدمها شئ لم

يَكُنْ حَيْضًا عَلَى انْفِرَادِهَا وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وغيره هذا عن حكاية ابي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّفْرَةِ دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ حَيْضًا تَبَعًا لِلْقَوِيِّ وَإِنْ تَقَدَّمَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَتْ حَيْضًا (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا كَانَتْ كَالنَّقَاءِ (وَالسَّادِسُ) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ تَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ جَارٍ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْجُمْهُورِ اخْتِلَافُهُمْ فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ فَالْإِصْطَخْرِيُّ يَقُولُ مَعْنَاهُ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ فِي أَيَّامِ الْإِمْكَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كُنْت أَقُولُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَتَّى رَأَيْتُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) فَلَمَّا قَالَ هُمَا سَوَاءٌ

عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَيَّامَ الْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ حُكْمُ مَا وَرَاءَ الْعَادَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي حُكْمُ مَرَدِّهَا حُكْمُ أَيَّامِ الْعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الصُّفْرَةِ مِمَّا يَعُمُّ وُقُوعُهُ وَتَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فنوضح أصلها بأمثلة مُخْتَصَرَةً: قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ مَا بَيْنَهُمَا صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لَيْسَ بِحَيْضٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ * وَلَوْ رَأَتْ أَيَّامًا سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَلَا يَخْفَى قِيَاسُ الْبَاقِينَ * وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَيَّامًا صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ كُلُّهُ دَمُ فساد * ولو رأت خمسة صفرة ثم خمسة سَوَادًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهَا حُكْمُ مِنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ يأتي بيانها ان شساء اللَّهُ تَعَالَى أَصَحُّهَا الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ * وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَصْفَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَالثَّانِي حَيْضُهَا السَّوَادُ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الصُّفْرَةُ لِسَبْقِهَا وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ سِتَّةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّ حَيْضَهَا الصُّفْرَةُ * وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ * وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَهَا حُكْمُ مَنْ رَأَتْ عَشَرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا الاوجه الثلاثة

الْأَصَحُّ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْحَيْضُ الْأَسْوَدُ وَالثَّالِثُ فَاقِدَةُ التَّمْيِيزِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ * أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا الْأَسْوَدُ: وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ ثَانٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّوَادِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً صُفْرَةً وَانْقَطَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَيْضُهَا عَشَرَةٌ خَمْسَةُ السَّوَادِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ: وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ كَمَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّ الصُّفْرَةَ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ السَّوَادِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ قَوِيًّا أَسْوَدَ ثَخِينًا ثُمَّ يَرِقُّ فَيَحْمَرُّ ثُمَّ يَصْفَرُّ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتَكُونُ الصُّفْرَةُ مِنْ بَقَايَا الْحَيْضِ فَحُكِمَ بِأَنَّهَا حَيْضٌ وَأَمَّا هُنَا فهذه الصفرة يعقبها حمرة فعلمنا انه لَيْسَتْ بَقِيَّةَ حَيْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْعُفُ ثُمَّ يَقْوَى وَإِنَّمَا اصْفَرَّ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَكَانَ نَقَاءً بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ * هَكَذَا نَقَلَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ بَلْ قَرَّرَاهُ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وأنكره وقال هذا لا يجئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الصُّفْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وانما يجئ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ نَحْوَ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْعَادَةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وأبي حنيفة ومحمد وأحمد واسحق وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ وَالْكُدْرَةُ لَيْسَتْ

بِحَيْضٍ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا دَمٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ فَهُمَا حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمَا حَيْضٌ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا وَمَدَارُ أَدِلَّةِ الْجَمِيعِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ في الكتاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ عَبَرَ الدَّمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً أَوْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً أَوْ نَاسِيَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ نَاسِيَةً مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا الدَّمُ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كان لها عادة ردت إليها لان حَيْضَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَيْضِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَيْضَهَا كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا فَرُدَّتْ إلَيْهَا وَإِلَى أي عادة ترد فيه وجهان احدهما إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ وَالثَّانِي إلَى عَادَةِ نِسَاءِ بَلَدِهَا وَقَوْمِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي أحد القولين وعند انقضاء الست والسبع في الآخر

لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا تَقْضِي مَا يأتي به بعد الخمسة عشر وفيما يأتي بِهِ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَقْضِيه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ زَمَانَ الْحَيْضِ فَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ كَالنَّاسِيَةِ وَالثَّانِي لَا تَقْضِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا صَامَتْ فِي زَمَانٍ حَكَمْنَا بِالطُّهْرِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّاسِيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِحَيْضٍ ولا طهر] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حَمْنَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ بَيَانِ اسْمِهَا وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَالْمُبْتَدَأَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الدَّالِ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ وَلَمْ تَكُنْ رَأَتْهُ وَالْمُمَيِّزَةُ بِكَسْرِ الْيَاءِ فَاعِلَةٌ مِنْ التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَمَعْنَاهُ أقرانها * أما أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَائِضِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهُنَّ مَنْ جَاوَزَ دَمُهُنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاخْتَلَطَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ وَهُنَّ مُنْقَسِمَاتٌ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا (إحْدَاهُنَّ) الْمُبْتَدَأَةُ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ لِزَمَانِ الامكان وجاور خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ عَلَى لَوْنٍ أَوْ عَلَى لَوْنَيْنِ وَلَكِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَحَدُهُمَا حَيْضُهَا يوم وليلة من أول الدم والثاني ستة أو سبعة وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في كتابه المستخص وسليم الرازي في رؤس الْمَسَائِلِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَوْلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي وَبَابِ الْحَيْضِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَلَهُ اصْطِلَاحٌ غريب في ترتيب كتابه وأبو الحسن ابن خَيْرَانَ فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الْكَافِي وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ وَهُوَ تَمَامُ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَهَكَذَا يَكُونُ دَوْرُهَا أَبَدًا ثَلَاثِينَ مِنْهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَفِي طُهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ هَكَذَا حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْجُهًا وَحَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَقْوَالًا أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا تَمَامَ الشَّهْرِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الدَّوْرَ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ثَبَتَ لِلْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلطُّهْرِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ بَاقِي الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا أَبَدًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ لِأَنَّهَا

رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَتُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْته أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ نَصَّا صَرِيحًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ اتِّبَاعُ لَفْظٍ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِتَكْثُرَ صَلَاتُهَا فَإِذَا رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ عَاجَلَهَا الْحَيْضُ فَقَلَّتْ صَلَاتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تُرَدُّ إلَى غَالِبِ الطُّهْرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الرَّدُّ إلَى الْغَالِبِ خَالَفَنَا فِي الْحَيْضِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَيْسَ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ احْتِيَاطٌ فَبَقَّيْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ إلَى الْغَالِبِ مِنْ غَالِبِ الطُّهْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا تُرَدُّ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ السِّتِّ وَالسَّبْعِ فَإِنْ شَاءَتْ جَعَلَتْ حَيْضَهَا سِتًّا وَإِنْ شَاءَتْ سَبْعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَادَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبُلْغَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابى اسحق المروزى قال الرافعى وزعم الخياطي أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ سِتًّا فَحَيْضُهَا سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخَيُّلُ التَّخْيِيرِ مُحَالٌ فَعَلَى هَذَا فِي النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نِسَاءُ زَمَانِهَا فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا لِظَاهِرِ حَدِيثِ حَمْنَةَ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي نِسَاءُ بَلَدِهَا وَنَاحِيَتِهَا وَالثَّالِثُ نِسَاءُ عَصَبَتِهَا خَاصَّةً حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ كَالْمَهْرِ وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ نِسَاءُ قَرَابَاتِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ

الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَاتٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِسَاءُ عَشِيرَةٍ اُعْتُبِرَ نِسَاءُ بَلَدِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي ثُمَّ إنْ كَانَ عَادَةُ النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِتًّا فَحَيْضُ هَذِهِ سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ سِتٍّ أَوْ فَوْقَ سَبْعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَى السِّتِّ إنْ كانت عادتهن دونها والى السبع ان كات فَوْقَهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَدِيثِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى عَادَتِهِنَّ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سِتًّا وَبَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سَبْعًا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ تُرَدُّ إلَى السِّتِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ اسْتَوَى الْبَعْضَانِ فَإِلَى السِّتِّ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِغَالِبِ النِّسْوَةِ وَلَوْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ فَوْقَ سَبْعٍ وَبَعْضُهُنَّ دُونَ سِتٍّ فَحَيْضُهَا السِّتُّ هَذَا بَيَانُ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ ثُمَّ مَا حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كل شئ وَمَا فَوْقَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطاهرات في كل شئ وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْمَرَدِّ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لها فيه حكم الطاهرات في كل شئ فَيَصِحُّ صَوْمُهَا وَصَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَتَحِلُّ لَهَا الْقِرَاءَةُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْجِمَاعُ وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَفْعَلُهُ فِيهِ وَيَصِحُّ قَضَاءُ مَا تَقْضِيه فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ فَائِدَةُ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ أَوْ السِّتَّ أَوْ السَّبْعَ حَيْضٌ لِيَكُونَ الْبَاقِي طُهْرًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمَيِّزَةِ وَالْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ مَا سِوَى أَيَّامِ تَمْيِيزِهَا وَعَادَتِهَا يَكُونُ طُهْرًا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُؤْمَرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْرَأُ وَلَا تُوطَأُ وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ الَّذِي أَدَّتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّيَاتِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَدَلِيلُ هذا

الْقَوْلِ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ طُهْرٌ وَأَنَّهُ حَيْضٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَحَيِّرَةَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا بِيَقِينٍ وَفِيمَا وَرَاءَهُ الْقَوْلَانِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ السِّتِّ وَالسَّبْعِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُحْتَاطُ فِيهِ فَتَغْتَسِلُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ رَجَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا فَإِذَا اسْتَمَرَّ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَرَدِّ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا تُمْسِكُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَالَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَالِهَا فِي الْأَوَّلِ وَهَكَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَيْضٌ فَيُتَدَارَكُ مَا يَنْبَغِي تَدَارُكُهُ مِنْ صَوْمٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ غُسْلَهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ لَمْ يَصِحَّ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا فِيمَا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَثْبُتُ الاستحاضة بمرة واحدة بلا خلاف ولا يجئ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَثْبُتُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الِاسْتِحَاضَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَيَبْعُدُ زَوَالُهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ وَالْمُمَيِّزَةُ

(الثَّانِي) مَا تَثْبُتُ فِيهِ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ وَفِي ثُبُوتِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الثُّبُوتُ وَهُوَ قَدْرُ الْحَيْضِ (الثَّالِثُ) لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِسَبَبِ تَقَطُّعِ الدَّمِ إذَا كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شاء الله (الرَّابِعُ) لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ مُتَكَرِّرَاتٍ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَاسْتَمَرَّتْ لَهَا أَدْوَارٌ هَكَذَا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ أَيَّامِ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا باللقط لو لم يطبق الدم قالوا وكذلو وَلَدَتْ مَرَّاتٍ وَلَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ وَجَاوَزَ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يَصِرْ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً بِلَا خِلَافٍ بَلْ هَذِهِ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ تَعْرِفْ الْمُبْتَدَأَةُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ: حَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ زُفَرَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري واسحق إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفُ تُرَدُّ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وهو أقل الحيض عنده وفى الوطئ إلَى أَكْثَرِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَمْرَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَرِوَايَةٌ كَأَقْرَانِهَا وَعَنْ دَاوُد إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَدَلَائِلُهَا تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وان كانت مبتدأة مميزة هي والتى بدأ بها الام وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَدَمُهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بصفة دم الحيض وهو المحتدم القاني الَّذِي يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَفِي بَعْضِهَا أَحْمَرُ مُشْرِقٌ أَوْ أَصْفَرُ فَإِنَّ حَيْضَهَا أَيَّامُ السَّوَادِ بشرطين (احدهما) ألا يَنْقُصُ الْأَسْوَدُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي أَلَّا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُسْتَحَاضُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وإذا كان الآخر فتوضئ وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ) وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يُرْجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ كَالْمَنِيِّ وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يوما

وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الدَّمِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ السَّوَادَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ رَأَتْ السَّوَادَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ كَانَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْأَسْوَدَ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ هُنَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (انما هو عرق) هو بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ دَمُ عِرْقٍ وَهَذَا الْعِرْقُ يُسَمَّى الْعَاذِلُ؟ ؟ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ عِرْقٌ انْقَطَعَ مُنْكَرٌ فَلَا يُعْرَفُ لَفْظَةُ انْقَطَعَ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ الْمُحْتَدِمُ هُوَ بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ اللَّذَّاعُ لِلْبَشَرَةِ بِحِدَّتِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ احْتِدَامِ النَّهَارِ وَهُوَ اشْتِدَادُ حَرِّهِ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُحْتَدِمَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ حَتَّى أَسْوَدَّ وَالْفِعْلُ مِنْهُ احْتَدَمَ وَأَمَّا الْقَانِئُ فَبِالْقَافِ وَآخِرُهُ همزة علي ورن الْقَارِئِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ فَصَارَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ قَنَأَ يَقْنَأُ كَقَرَأَ يَقْرَأُ وَالْمَصْدَرُ الْقُنُوءُ كَالرُّجُوعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ آخِرَهُ مَهْمُوزٌ وَنَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْأَسْوَدَ الْحَالِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ مُجَسَّدَةُ كَأَنَّهَا سَوَادٌ بِسَبَبِ تَرَاكُمِ الْحُمْرَةِ وَقَدْ أشار المصنف في وصفه إلى هذا * امام احكام الفصل فمذهبنا ان المبتدأة المميزة ترد الي التمييز بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُمَيِّزَةُ هِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعٍ بَعْضُهَا قَوِيٌّ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فَالْقَوِيُّ أَوْ الْأَقْوَى حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَبِمَاذَا يُعْرَفُ تَغَيُّرُ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّوْنِ وَحْدَهُ فَالْأَسْوَدُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَحْمَرُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ وَالْأَكْدَرِ إذَا جَعَلْنَاهُمَا حَيْضًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا مَعَ الرَّائِحَةِ وَخَمْسَةً سَوَادًا بِلَا رَائِحَةٍ فَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْقُوَّةَ تَحْصُلُ بِثَلَاثِ خِصَالٍ وَهِيَ

اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَالثَّخَانَةُ فَاللَّوْنُ مُعْتَبَرٌ كَمَا سبق وماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ إنَّهُ مُحْتَدِمٌ ثَخِينٌ لَهُ رَائِحَةٌ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ اللَّوْنِ كَمَا وَرَدَ التَّعَرُّضُ لِلَّوْنِ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ بَعْضُ دَمِهَا بِإِحْدَى الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ وَالْبَعْضُ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِهَا فَالْقَوِيُّ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صفة وللبعض صفتان فالقوى ماله صِفَتَانِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَتَانِ وَلِلْبَعْضِ ثَلَاثٌ فالقوى ماله ثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَةٌ وَلِلْبَعْضِ صِفَةٌ أُخْرَى فَالْقَوِيُّ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَهَذِهِ صِفَةُ التَّمْيِيزِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَلَّا يَنْقُصَ الْقَوِيُّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لِيُمْكِنَ جَعْلُ الْقَوِيِّ حَيْضًا وَالضَّعِيفِ طُهْرًا وَأَخَلَّ الْمُصَنِّفُ واكثر العراقيين بهذا الشرط الثالث ولابد مِنْهُ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَاتَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ فَاتَ الشَّرْطُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ فَاتَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَتَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ارادوا خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَّصِلَةً وَإِلَّا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ وَهَكَذَا أَبَدًا فَجُمْلَةُ الضَّعِيفِ فِي الشَّهْرِ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَمْيِيزًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ التَّمْيِيزِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي شَرْطًا رَابِعًا وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُ الدَّمَيْنِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ زَادَ سَقَطَ حُكْمُ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّ الضَّعِيفَ إنْ كَانَ مَعَ الْقَوِيِّ الَّذِي قَبْلَهُ تِسْعِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا عَمِلْنَا بالتمييز وجعلنا الضعيف طهرا فان جاوز التسعين ابتدأت بعد التسعين حيضة أخرى وَجَعَلْنَا دَوْرَهَا أَبَدًا تِسْعِينَ يَوْمًا وَهَذَا الَّذِي ذكره الامام المتولي شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ أَحْمَرُ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تُمْسِكَ فِي مُدَّةِ الْأَحْمَرِ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْقَطِعَ الْأَحْمَرُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمَجْمُوعِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا فَإِنْ جَاوَزَ

خَمْسَةَ عَشَرَ عَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ وَيَكُونُ الْأَحْمَرُ طُهْرًا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ أَيَّامِ الْأَحْمَرِ وَقَوْلُهُمْ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ كَيْفَ كَانَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صِفَاتِهِمَا هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الشَّهْرُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ فَإِذَا انْقَلَبَ الدَّمُ الْقَوِيُّ إلَى الضَّعِيفِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِلَابِهِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا يَنْتَظِرُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالُوا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الفرع السابق فان انقطاع الضَّعِيفُ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَيَّنَّا أَنَّ الضَّعِيفَ مَعَ الْقَوِيِّ فِي هَذَا الدَّوْرِ كَانَ حَيْضًا فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصوم والطواف والاعتكاف الْوَاجِبَاتِ الْمَفْعُولَاتِ فِي أَيَّامِ الضَّعِيفِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَلَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ الدَّمَ الْقَوِيَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ خَمْسَةً ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الْخَامِسِ سِتَّةً ثُمَّ ضَعُفَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَحَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْقَوِيُّ وَيَكُونُ الضَّعِيفُ طُهْرًا بِشُرُوطِهَا وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ أَبَدًا عِنْدَ انْقِلَابِ الدَّمِ إلَى الضَّعِيفِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَمَتَى انْقَطَعَ الضَّعِيفُ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْقَوِيُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْقَوِيِّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لَيْسَ بِسَبَبِ الْعَادَةِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ صِفَةُ الدَّمِ فَمَتَى وُجِدَتْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَالْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَمَا قَبْلَ الْأَسْوَدِ وَبَعْدَهُ اسْتِحَاضَةٌ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهَيْنِ ضَعِيفَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لها لان الخمسة الاولى دَمٌ بَدَأَ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ أُولَى أَنْ تَكُونَ حَيْضًا لِأَنَّهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ وَقَدْ انْضَمَّ إليه علامة الحيض وما بعدهما بِمَنْزِلَتِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا الْعَشْرُ الْأُوَلُ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة حَيْضٌ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِاللَّوْنِ وَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لِأَنَّ السَّوَادَ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَبَطَلَ دَلَالَتُهُ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا مِنْ

أَوَّلِ الْأَسْوَدِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا اللَّوْنَ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَسْوَدَ وَانْقَطَعَ فَحَيْضُهَا الْأَسْوَدُ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَيَكُونُ حيضها مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْقَوْلِ الْآخِرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَّجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ يكون حيضا من أول الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا] * [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ الْأَوَّلَةَ هَذِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَقَوْلُهُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ أَيْ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ: وَقَوْلُهُ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ هَكَذَا يُوجَدُ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَهُوَ لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَصَوَابُهُ الْبَدْأَةُ وَالْبَدْأَةُ أَوْ الْبُدَاءَةُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْأُولَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْبَاءَ مَضْمُومَةٌ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَزِيَادَةِ الْأَلْفِ مَمْدُودَةٍ وَمَعْنَاهُنَّ الِابْتِدَاءُ قَبْلَ غَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ دَلَالَتُهُ هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ دُلُولَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُمَيِّزَةُ دَمًا قَوِيًّا وَضَعِيفًا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَتَقَدَّمُ الْقَوِيُّ وَحَالٌ يَتَقَدَّمُ الضَّعِيفُ وَحَالٌ يَتَوَسَّطُ الضَّعِيفُ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَقَدَّمَ قَوِيٌّ وَيَسْتَمِرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَاحِدٌ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ احمرة فَالْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ الْحُمْرَةُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا طُولًا كَثِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ انْقِطَاعِ الْأَحْمَرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعِينَ وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُبْطِلُهُمَا لِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الضَّعِيفَ طُهْرٌ وَلَوْ تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفٌ ثُمَّ أَضْعَفُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ الْمُتَوَسِّطِ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ أَصَحُّهُمَا إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بالسواد فيكونا حَيْضًا وَالصُّفْرَةُ طُهْرًا لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّفْرَةِ وَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْبَغَوِيُّ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بِالصُّفْرَةِ لِلِاحْتِيَاطِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره أصحهما

وَأَشْهُرُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ السَّوَادَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ كِلَاهُمَا طُهْرٌ لِقُوَّةِ السَّوَادِ بِاللَّوْنِ وَالْأَوَّلِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِأَنَّ الْحُمْرَةَ كَالسَّوَادِ لِقُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ السَّوَادَ اسْتَمَرَّ سِتَّةَ عَشَرَ أَمَّا إذَا تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفَانِ تَوَسَّطَ أَضْعَفُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً فَهَذِهِ الصُّورَةُ تُبْنَى عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ تَوَسُّطُ الْحُمْرَةِ فَإِنْ أَلْحَقْنَا هُنَاكَ الْحُمْرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِالصُّفْرَةِ بَعْدَهَا فَهُنَا أَوْلَى بِأَنْ نُلْحِقَ الصُّفْرَةَ بِالْحُمْرَةِ بَعْدَهَا فَيَكُونَ حيضها الاسود والباقي طهر وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّوَادِ قَبْلَهَا فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا إذَا رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعِيفُ وَهِيَ مَسَائِلُ الْكِتَابِ وَلَهَا صُوَرٌ إحْدَاهَا أَنْ يَتَوَسَّطَ قَوِيٌّ بَيْنَ ضَعِيفَيْنِ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ أَوْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ حَكَوْهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ طُهْرًا لِلْحَدِيثِ (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلِأَنَّ اللَّوْنَ عَلَامَةٌ بِنَفْسِهِ فَقُدِّمَ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَالْعُدُولُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا بَعِيدٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا وَسَبْعًا فِي قَوْلٍ وَالثَّالِثُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَوَّلِيَّةِ وَاللَّوْنِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ الْأُولَى مَعَ السَّوَادِ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَإِنْ قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ

الْأُولَى يُقَدَّمُ اللَّوْنُ أَوْ قُلْنَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَمْعِ فَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَتَكُونُ فَاقِدَةً لِلتَّمْيِيزِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ الْأُولَى تَغْلِيبًا لِلْأَوَّلِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ هَفْوَةٌ لَا أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا السَّوَادُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَوَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيٍّ حَيْضُهَا الحمرة وقال أبو إسحق وَجُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَحْدَهُ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْحَيْضُ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَالثَّالِثُ حكاه الخراسانيون حيضها الحمرة لقوة الاولية وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ الثَّالِثَةُ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَخْرِيجَ ابْنِ سُرَيْجٍ هُنَا كَمَا لَمْ يذكره شيخه القاضي أبو الطيب ولابد مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وآخرون الرابعة رأت خمسة عشرة حمر ثم خمسة عشر سوادا ثم استمر السواد فهي فاقدة للتمييز فحيضها يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ النَّاظِرِ إلَى الاولية يَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ فِي الْخَمْسَةَ

عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الْحُمْرَةَ تُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَجَاوُزِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ فَإِذَا جَاوَزَ الْأَسْوَدُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَقَدْ انْقَضَى الْآنَ دَوْرُهَا فَتَبْتَدِئُ الْآنَ حَيْضًا ثَانِيًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَتُمْسِكُ أَيْضًا ذَلِكَ الْقَدْرِ فَصَارَ إمْسَاكُهَا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ فِي قَوْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْرَفُ امْرَأَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ شَهْرًا إلَّا هَذِهِ فَفِيهِ نَقْصٌ وَتَمَامُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَتَوَسَّطَ دَمٌ ضَعِيفٌ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ بِأَنْ رَأَتْ سِوَادَيْنِ بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ فَفِيهِ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ رَتَّبَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي تَرْتِيبًا حَسَنًا فَجَعَلَهُ ثَمَانِيَةَ أَقْسَامٍ وَبَعْضُهَا لَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ لَكِنْ اقْتَضَاهُ التَّقْسِيمُ أَحَدُهَا أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا يُجَاوِزُ الْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وقال أبو اسحق الضَّعِيفُ الْمُتَوَسِّطُ كَالنَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ دَمَيْ الْحَيْضِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ مَعَ السَّوَادَيْنِ وَالثَّانِي طُهْرٌ وَقَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي بِقَوْلِ ابى اسحق الْقِسَمُ الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ رَأَتْ سَبْعَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ حَيْضُهَا السواد الاول مع الحمر وأما السواد الثاني فطهر وقال أبو اسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ. وَتَكُونُ الْحُمْرَةُ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَلَا يجئ قَوْلَا التَّلْفِيقِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي حكاه عن ابى اسحق ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً حُمْرَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً سَوَادًا فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ بِالِاتِّفَاقِ: الثَّالِثُ أَنْ يَنْقُصَ الْجَمِيعُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِأَنْ تَرَى سَاعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَاعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَاعَةً أَسْوَدَ وَيَنْقَطِعُ فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ الرَّابِعُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَيَبْلُغُهُ الْمَجْمُوعُ بِأَنْ تَرَى ثُلُثَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ ثُلُثَهُمَا

حمرة ثم ثلثهما سوادا فعي قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وعلى قول أبى اسحق لَا حَيْضَ وَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْحُمْرَةَ فَلَا يَبْقَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَ الْجَمِيعُ حَيْضًا عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وعلي قول ابى الاسحق الْأَسْوَدَانِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ الْخَامِسُ أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَنْقُصُ الْحُمْرَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض عند ابي واسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سريج حيضها السوا الاول مع الحمرة وعلي قول ابي اسحق حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ دُونَ الْحُمْرَةِ بَيْنَهُمَا (قلت) هذا الذى نقله عن ابي اسحق ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ: السَّادِسُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ سَوَادٍ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتَبْلُغَ الْحُمْرَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سوادا فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ أَبِي اسحق حَيْضُهَا الْأَسْوَدَانِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَا التَّلْفِيقِ: السَّابِعُ أَنْ يَبْلُغَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَكَذَا الْأَحْمَرُ وَيَنْقُصَ السَّوَادُ الْأَخِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ الثَّامِنُ أَنْ يَنْقُصَ الْأَوَّلَانِ دُونَ الْأَخِيرِ بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض وعلى قول أبي اسحق حَيْضُهَا السَّوَادُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَالسَّوَادُ الثَّانِي هُوَ الْحَيْضُ بِالِاتِّفَاقِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ مَعَ السَّوَادِ كَالْحُمْرَةِ مَعَ السَّوَادِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهِمَا وَسَبَقَ فِي مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ تَفْرِيعَاتٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْفَصْلِ * (فَرْعٌ) رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَحَيْضُهَا الْحُمْرَةُ وَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَطُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا حُمْرَةً ثُمَّ لَيْلَةً سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي سَبَقَ عَنْ صَاحِبِ الحاوي في المبتدأة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَإِنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ وَانْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُجْعَلُ حَيْضُهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ] * [الشَّرْحُ] هَكَذَا تُوجَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ رَأَى أَصْلَ الْمُصَنَّفِ وَقَدْ ضَرَبَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَا أَرَاهَا مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ فَيَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُ هَذِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سبع فحيضها

مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْأَحْمَرِ تِسْعَةُ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرًا إلَّا أَنْ تَكُونَ رَأَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ الْأَسْوَدُ مِنْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَهُوَ خمسة عشر أو ستة عشر طهر وتبتدئ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَتَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ: هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ قَدْ امْتَدَّ وَبَدَأَ السَّوَادُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا هَذَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِكَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّا نُحَيِّضُهَا مَنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يوما وليلة قولا واحدا ولا يجئ قَوْلُ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَفِي قَدْرِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَالْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجَزْمُ بِرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جُعِلَ لَهَا حَيْضٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَطُهْرٌ بَعْدَهُ ثُمَّ جُعِلَتْ فِي السَّوَادِ مُبْتَدَأَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ مُعْتَادَةً إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْعَادَةَ تثبت بمرة فانه سبق لها دور هو ستة عشسر يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ رَدَدْنَا هَذِهِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَيَكُونُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ

عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ هُنَا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ إلَى آخِرِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيُمْكِنُ حَمْلُ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً وَانْقَطَعَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْحُمْرَةَ السَّابِقَةَ طُهْرٌ وَالْبَاقِي حَيْضٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ السَّادِسَ سَوَادًا كُلَّهُ ثُمَّ أَطْبَقَتْ حُمْرَةٌ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَ السَّادِسِ طُهْرٌ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ السَّوَادِ حَيْضٌ أَيْضًا وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أحدهما

حَيْضٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً أَوْ عَشْرَةً أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ يَوْمًا سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ السَّوَادَيْنِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ الطَّرِيقَانِ وَمَا بَعْدَ السَّوَادِ الثَّانِي طُهْرٌ (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ لَوْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ به الضعيف وتمادى سنة مَثَلًا وَلَمْ يَعُدْ الدَّمُ الْقَوِيُّ أَصْلًا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قِيَاسُ التَّمْيِيزِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الضَّعِيفُ سِنِينَ قَالَ وَقَدْ يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ اسْتِبْعَادُ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا وَهِيَ تَرَى الدَّمَ دَائِمًا وَلَكِنْ لَيْسَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ مَرَدٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ ضَبْطٌ إلَّا بِالتَّمْيِيزِ فَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ بَلَغَ الدَّمُ الضَّعِيفُ مَا بَلَغَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي انْقِلَابِ الدَّمِ الْقَوِيِّ إلَى الضَّعِيفِ أَنْ يَتَمَحَّضَ

ضَعِيفًا حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ خُطُوطٌ مِنْ السَّوَادِ وَظَهَرَتْ خُطُوطٌ مِنْ الْحُمْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الحيض وانما ينقطع إذا لم يبق شئ مِنْ السَّوَادِ أَصْلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ امام الحرمين رحمه الله * * قال المصنف رحمه الله * [وان كانت معتادة غير مميزة وهي التي كانت تحيض من كل شهر أيام ثم عبر الدم عادتها وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها فانها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم لخمسة عشر فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد علي عادتها: لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فاستفتت لها أم سلمة رضى الله عنها فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل ان يصيبها الذى اصابها فلتدع الصلاة قدر ذلك] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ في مسندهما وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهَا تُهْرَاقُ الدَّمَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ تَصُبُّ الدَّمَ وَالدَّمُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ: وقوله صلى الله عليه وسلم (فلتدع) يحوز فِي هَذِهِ اللَّامِ وَشِبْهِهَا مِنْ لَامَاتِ الْأَمْرِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا فَاءٌ أَوْ وَاوٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَسْرُهَا وَإِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَالْفَتْحُ غَرِيبٌ * أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ لَهَا عَادَةٌ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ عَادَتَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ كَمَا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ

الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ هَذَا الْإِمْسَاكِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لا يجب الامساك واتفقوا أنه لا يجئ هُنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْحَيْضِ هُنَا ثُمَّ ان انقطع علي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيضها أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الْقَدْرِ وَالْوَقْتِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ طُهْرٌ تَقْضِي صَلَاتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ غالبهما أو اقل الطُّهْرِ وَأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ قَصُرَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ أَوْ طَالَتْ طُولًا مُتَبَاعِدًا فَتُرَدُّ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اعْتَادَتْهُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَوْرُهَا أَيَّ قَدْرٍ كَانَ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَعُودُ الْحَيْضُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ وَالطُّهْرُ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ وَهَكَذَا فَدَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا ثَلَاثُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ تِسْعَةً وَثَمَانِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ خَمْسَةَ عشر وتطهر تمام سنة فدورها سنة وكذ إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ سَنَتَيْنِ فَدَوْرُهَا سَنَتَانِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ خَمْسِ سِنِينَ فَدُورُهَا خَمْسُ سِنِينَ وَكَذَا إنْ زَادَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الدَّوْرَ قَدْ يَكُونُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ وَتُرَدُّ إلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُجْعَلَ الدَّوْرُ سَنَةً وَنَحْوَهَا إذْ يَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ قَالَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةُ الدَّوْرِ تِسْعِينَ يَوْمًا الْحَيْضُ مِنْهَا مَا يَتَّفِقُ وَالْبَاقِي طُهْرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ: هَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الرافعي ظاهر المذهب أنه لافرق بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ

أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ * قال المصنف رحمه الله * [فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وجاوز العادة اغتسلت عند مجاوزة العادة لانا علمنا بالشهر الاول أنها مستحاضة فتغتسل في كل شهر عند مجاوزة العادة بمرة وتصلي وتصوم] [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي دَلِيلُهُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَوْلُهُ علما بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ يَعْنِي وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الِاسْتِحَاضَةِ وَقَوْلُهُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي تَصِيرُ طَاهِرًا في كل شئ من الصوم والصلاة والوطئ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَنْبِيهًا بِهِمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا: وَقَوْلُهُ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَهَكَذَا تَفْعَلُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً فِي هَذَا الشَّهْرِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا رَأَتْهُ فِيهِ حَيْضٌ فَتَتَدَارَكُ مَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ قَضَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَلَوَاتٍ أَوْ طَافَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُصَادِفَتِهِ الْحَيْضَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَامَتْ بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَطَافَتْ وَفَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ صَحَّ ذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفَرَّقُوا بأن العادة قوية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَرَّةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا إلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَيْهَا فوجب ردها إليه] * [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ ان ما يثبت بالعادة ومالا يَثْبُتُ وَمَا ثَبَتَ وَمَا يَثْبُتَ بِالتَّكْرَارِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَأَوْضَحْنَاهَا هُنَاكَ وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يثبت بِهِ الْعَادَةُ فِي قَدْرِ الْمَحِيضِ وَالطُّهْرِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعِدَّةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ في

الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سريج وأبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ * وَالثَّانِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ أبي علي ابن خَيْرَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ: وَالثَّالِثُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَرَّةِ وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَرَّتَيْنِ ضَعِيفٌ: وَالرَّابِعُ تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ بِمَرَّةٍ وَلَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُعْتَادَةِ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ لِلْمُبْتَدَأَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَادَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَصْلٌ تُرَدُّ إلَيْهِ فَكَانَ مَا رَأَتْهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ جَعْلِهَا مُبْتَدَأَةً وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ عَادَةٍ تَقَرَّرَتْ وَتَكَرَّرَتْ مَرَّاتٍ فَلَا تُجْعَلُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ فَخَّمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ * فَأَمَّا دَلِيلُ الْأَوْجُهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَ الرَّابِعِ وَاحْتَجُّوا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ بِأَنَّ الْعَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مُتَكَرِّرٍ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَاَلَّذِي يَلِيه فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى وَأَوْلَى مِنْ رَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى

أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ غَالِبِهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَعْهَدْهُ بَلْ عَهِدَتْ خِلَافَهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْآخَرِينَ بِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ الْعَوْدِ فَحُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَادَةِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ وَرَدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ وَرِوَايَةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَبَاقِيه طُهْرًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا تُرَدُّ إلَى الْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَكَرُّرِهَا فِي الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ وَلَوْ انْعَكَسَ فَرَأَتْ فِي الاولى أَرْبَعَةً وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا إلَّا بِمَرَّتَيْنِ رُدَّتْ إلَى الْأَرْبَعَةِ لِتَكَرُّرِهَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ * قَالَ المصنف رحمه الله * [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ كَمَا تَثْبُتُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دَمًا مُبْهَمًا كَانَ عَادَتُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالتَّمْيِيزِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ بَلْ مَتَى انْخَرَمَ التَّمْيِيزُ وَأَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ كَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَمْ تُمَيِّزْ قَطُّ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالسَّرَخْسِيُّ لَا تَرْجِعُ إلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ فِيهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَإِنْ زَادَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّمْيِيزِ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا رَأَتْ بَعْدَ شَهْرِ التَّمْيِيزِ دَمًا مُبْهَمًا اغْتَسَلَتْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَيَّامِ التَّمْيِيزِ وَصَلَّتْ وَصَامَتْ وَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَا تُمْسِكُ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ

لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا اسْتِحَاضَتَهَا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تَغْتَسِلُ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ التَّمْيِيزِ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَمِيعُ مَا رَأَتْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْضٌ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا مَرَّاتٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فِي الدَّوْرِ الَّذِي يَلِيه قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّا نُحَيِّضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ فِي الَّذِي يَلِيه قَالُوا فَحَيْضُهَا أَيْضًا فِي هَذَا الدَّوْرِ وَمَا بَعْدَهُ الْعَشَرَةُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِالرَّدِّ إلَى الْعَشَرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَلَّا يُكْتَفَى بِسَبْقِ الْعَشَرَةِ مَرَّةً قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ عَادَةٌ تَمْيِيزِيَّةٌ فَتَسْحَبُهَا مَرَّةً وَجْهًا وَاحِدًا كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا الْقَدِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْحَالَةِ النَّاجِزَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْقَلْبَ * الْإِشْكَالُ الثَّانِي إذَا أَفَادَ التَّمْيِيزُ عَادَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ قَدْرُ الْقَوِيِّ بَعْدَ انْخِرَامِ التَّمْيِيزِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ أَلَّا يُخْرَمَ بِالرَّدِّ إلَيْهِ بَلْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَزِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا عَلَى دَعْوَى اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَاضَةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ بِمَرَّةٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلْ الخلاف فيها مَشْهُورٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَالَ هَؤُلَاءِ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ شَهْرًا ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ إذْ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُمَيِّزَةٌ

تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ فِي الشهر الاول إلى يوم وليلة ردت اليهما فِي الثَّالِثِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ فِي الثَّالِثِ إلَى الْخَمْسَةِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ قَالَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْخَمْسَةِ وَتَحْصُلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فِيهِ الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ ردها إلى الخمسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَيَثْبُتُ الطُّهْرُ بِالْعَادَةِ كَمَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ فَإِذَا حَاضَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطَهُرَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ جُعِلَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي طُهْرٌ] * [الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ثُبُوتِ الطُّهْرِ بِالْعَادَةِ وَسَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ فِيمَا إذَا زَادَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ عَلَى تِسْعِينَ يَوْمًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيْضًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ حَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ كَانَ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ معتادة: ولو رأت يوما وليلة دما وسنة طُهْرًا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ كَانَ دَوْرُهَا سَنَةً وَيَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَسَنَةٌ طُهْرٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا زَادَ وَنَقَصَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَثْبَتَ عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ ثُبُوتُهَا بِمَرَّةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اختياره القطع بثبوتها بمرة كما قاله امام الحرمين ومن

تابعه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ويجوز أن تنتقل العادة فتقدم وتتأخر ويزيد وَتَنْقُصَ وَتَرُدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَالْحَيْضُ هُوَ الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْأَوَّلَةُ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَوَجَبَ الرَّدُّ إلَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ دَمٌ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وهى الخمسة الاولة وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ لِأَنَّهَا رَأَتْهُ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَلَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بحيض صحيح] *

[الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ كَثِيرُ الْمَسَائِلِ وَيَقْتَضِي أَمْثِلَةً كَثِيرَةً وَقَدْ اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَى مَقْصُودِهِ ولابد فِي الشَّرْحِ مِنْ بَسْطِهِ وَإِيضَاحِ أَقْسَامِهِ وَأَمْثِلَتِهِ: فالعمل بالعادة المنتقلة مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ نَقَصَ طُهْرُهَا فَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرابعة أو الخامسة أو السادسة فقد تأخرث عادتها ولم زد حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَر وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ أَوْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ رَأَتْهُ بعدها فحيض لان التأخر تَابِعٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ الْإِمْكَانَ فَكَانَ حَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ دَمُهَا بَعْدَ عَادَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ تَكَرَّرَتْ فَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ رُدَّتْ

إلَيْهَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً وَطَهُرَتْ بَاقِيه ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ سَبْعَةً وَطَهُرَتْ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تُرَدُّ إلَى الخمسة فانها المتكررة حقيقة على حيالها وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تُرَدُّ إلَى السِّتَّةِ لِأَنَّهَا تَكَرَّرَتْ فَوُجِدَتْ مَرَّةً مُنْفَرِدَةً وَمَرَّةً مُنْدَرِجَةً فِي جُمْلَةِ السَّبْعَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ قَطْعًا أَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فَفِيهِ صُوَرٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا بِأَنْ رَأَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثِينَ طُهْرًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذَا أَبَدًا فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ حَيْضًا وَثَلَاثُونَ طُهْرًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فِيهِ وجهان أحدهما وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي ابْتَدَأَتْ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَهَكَذَا جَمِيعُ الشُّهُورِ كَمَا كَانَتْ عَادَتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خمسة من أول الدم المبتدئ وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ جَعَلْنَا دَوْرَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حيض والباقي

طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا: وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ طُهْرِهَا: وَالثَّانِي أَنَّ طُهْرَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ عِشْرُونَ وَهُوَ الْبَاقِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَتَطْهُرُ بَاقِيه وَهَكَذَا أَبَدًا مُرَاعَاةً لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ قدر أو وقتا فَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ هُوَ الصواب المعتمد واما قول أبي اسحق فَضَعِيفٌ جِدًّا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا قَالَ أبو اسحق هَذَا لِاعْتِقَادِهِ لُزُومَ أَوَّلِ الْأَدْوَارِ مَا أَمْكَنَ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أبى اسحق فَهُوَ مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ مَعْدُودٌ مِنْ هَفَوَاتِهِ قَالَ وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ فِي الْحَيْضِ وَمُعْظَمُ غَلَطِهِ مِنْ إفْرَاطِهِ فِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الدَّوْرِ: وَوَجْهُ غَلَطِهِ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَأَوَّلُ دَمِهَا فِي زَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ طُهْرٌ كَامِلٌ فَالْمَصِيرُ إلَى تَخْلِيَةِ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ الْحَيْضِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ نَقَلَ النَّقَلَةُ عن أبى اسحق غَلَطًا فَاحِشًا فَقَالُوا عِنْدَهُ لَوْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ دَمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ نَقَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً وَهَكَذَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سِنِينَ كَثِيرَةً فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَا حَيْضَ لَهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ السُّقُوطِ وَالرَّكَاكَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ والرافعي وآخرين نقلوا مذهب ابي اسحق كما قدمته وهو أنه لاحيض لَهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا جَاءَ الثَّانِي فَلَهَا مِنْ أَوَّلِهِ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ فَيَسْتَمِرُّ دَوْرُهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَبَدًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي اسحق زَادَ طُهْرُهَا وَصَارَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَصَارَ دَوْرُهَا سِتِّينَ يَوْمًا أَبَدًا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ طُهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ وَانْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَبَدًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ عَادَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَاسْتَمَرَّ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الطُّهْرُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَهُوَ عِشْرُونَ وَإِلَّا فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ دَمًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ طهرت عشرين

ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ وَهَكَذَا مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَاصِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالثَّانِي تَحِيضُ خَمْسَةً وتطهر خمسة وعشرين والثالث تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى عَادَتِهَا القديمة وقد تقدم عن أبى اسحق الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَالْحُكْمُ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِيمَا قَبْلَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِهِ فَقِيلَ قِيَاسُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَقِيلَ بَلْ الرَّابِعُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ حيضتها والدم ناقص عن أقل الطهر ففيها أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَالثَّانِي أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي يَلِيه حَيْضٌ وَمَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ

الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالرَّابِعُ أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَتِحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ فِيهَا فَلَا تُغَيَّرُ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ فَعَلَى هَذَا يَبْقَى دَوْرُهَا كَمَا كَانَ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ نَقَصَ طُهْرُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ دُونَ الخمسة عشر تم رَأَتْ الدَّمَ وَاتَّصَلَ فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى عَادَتِهَا بلا خلاف ووافق عليه أبو العباس أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا ثم طهرت خمسة عشر ثم أطبق الدَّمَ وَاسْتَمَرَّ فَوَجْهَانِ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وغيرهما أنها علي عادتها وَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ طُهْرًا وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ عَشَرَةً ثُمَّ رَأَتْ دَمًا مُتَّصِلًا رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَسْوَدَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ كَانَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَهِيَ أَيَّامُ الْأَحْمَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَرْفَعُهُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي مِثْلِهَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا السَّوَادُ فَحَيْضُهَا هُنَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهَا غير مميزة فحيضها هنا الخمسة الاول وَهِيَ أَيَّامُ عَادَتِهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ الْأُولَى فَحَيْضُهَا هُنَا الْعَشَرَةُ أَيْضًا وَهِيَ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ وَقَدْ زَادَتْ عَادَتُهَا هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ الْوَاحِدَةِ

أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَقَدْ تَكُونُ مُنْتَظِمَاتٍ وَقَدْ لَا تَكُونُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ مِنْ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ خَمْسَةً ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ سَبْعَةً ثُمَّ تَعُودُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ تَعُودُ فِي السَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الثَّامِنِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا فتكررت لها هذا لعادة ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ فَفِي رَدِّهَا إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَيْهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمُتَوَلِّي لِأَنَّهَا عَادَةٌ فَرُدَّتْ إلَيْهَا كَالْوَقْتِ وَالْقَدْرِ وَالثَّانِي لَا تُرَدُّ وصححه الْبَغَوِيّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بَيْنَ انْقِطَاعِ عَادَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوْ سَبْعَةً ثُمَّ خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً وَيَنْتَظِمُ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةً وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةً وَفِي الرَّابِعِ خَمْسَةً وَكَذَا فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَفِي السَّابِعِ سَبْعَةً وَفِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ مُتَكَرِّرَةً ثُمَّ الْخَمْسَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ الْأَعْدَادَ الثَّلَاثَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ سَبْعَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَاتِ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّا إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَالْقَدْرُ الْأَخِيرُ نَسَخَ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَظَاهِرٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ أَقَلُّ مَا تَسْتَقِيمُ فِيهِ الْعَادَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى هَذِهِ الْمَقَادِيرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَأَقَلُّهُ سَنَةٌ فَحَصَلَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا تَكَرَّرَتْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ ثُمَّ إنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَاسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ فِي أَوَّلِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الثَّانِي إلَى السَّبْعَةِ وَفِي الثَّالِثِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الرَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى السَّبْعَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي السَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ إلَى الْخَمْسَةِ ثُمَّ إلَى السَّبْعَةِ وَهَكَذَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ الْخَمْسَةِ ثُمَّ السَّبْعَةِ ثُمَّ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يَخْفَى

بَعْدَ هَذَا مَا إذَا كَانَتْ تَرَى الثَّلَاثَةَ فِي شَهْرَيْنِ ثُمَّ الْخَمْسَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْأَخِيرِ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ وَانْتِقَالِهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لِلِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا فَعَلَى هَذَا إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ أَوْ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ السَّبْعَةِ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْدَارِ لَمْ يَصِرْ عَادَةً لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَكَرُّرِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِحَيْضَةٍ بَلْ بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ قَالَ وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ نَقْلَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ لِغَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا شَيْخُهُ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا تَكَرَّرَتْ فَثَبَتَ انْفِرَادُ الْغَزَالِيِّ بِنَقْلِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ الرَّدَّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إذَا رَدَدْنَاهَا إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فِيمَا بَيْنَ أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَأَكْثَرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا: كَذَاتِ العادة الواحدة لا تحتاط بعد المرد وَالثَّانِي يَلْزَمُهَا لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ الْحَيْضِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجْتَنِبُهَا الزَّوْجُ إلَى آخِرِ السَّبْعَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ عَقِبَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً أُخْرَى عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْم السَّبْعَةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَصُمْهَا وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ أَصْلًا لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهَا صَلَّتْ فِيهِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْمَ الْجَمِيعِ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ اليوم الرابع والخامس لاحتمال طهرهما فِيهِمَا وَلَمْ تُصَلِّ فِيهِمَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ

بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةً وَاغْتَسَلَتْ عَقِبَ السَّابِعِ وَقَضَتْ صَوْمَ السَّبْعَةِ وَصَلَوَاتِ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا ذَكَرَتْ الْعَادَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهَا فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الثَّلَاثِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهَا تَحْتَاطُ فَتَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَقْدَارِ الَّتِي عَهِدَتْهَا وَهِيَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الثَّلَاثِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا تَمَسُّ مُصْحَفًا وَتَجْتَنِبُ الْمَسْجِدَ والقراءة والوطئ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الْخَامِسِ وَفِي آخِرِ السابع وتتوضأ فيما بين ذلك لكل مريضة كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهِيَ طَاهِرٌ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَبَدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يَخْتَصُّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَوْلِنَا تَرُدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ أَمْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَصُّ بِقَوْلِنَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَرُدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا قَوْلَانِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَحْتَاطُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيَجْرِيَانِ هُنَا (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَاتُ مُنْتَظِمَاتٍ بَلْ كَانَتْ هَذِهِ الْعَادَاتُ مُخْتَلِفَاتٍ تَارَةً تَتَقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً يَتَقَدَّمَانِ عَلَى السَّبْعَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً تَتَوَسَّطُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُبْنَى عَلَى حَالَةِ الِانْتِظَامِ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَهُنَا أولى فتر؟ ؟ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَعَدَمُ الِانْتِظَامِ كَالنِّسْيَانِ فَتَحْتَاطُ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا طُرُقًا حَاصِلُهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الرَّدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَالثَّانِي إنْ تَكَرَّرَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِلَّا فَإِلَى أَقَلَّ عَادَاتِهَا لِأَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا

كَالْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ احْتَاطَتْ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ وَإِنْ قُلْنَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَفِي الِاحْتِيَاطِ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَجْهَانِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ الْقَدْرَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهُ وَالْعَادَاتُ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِيَاطِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاحْتِيَاطِ عِنْدَ الْعِلْمِ فِي حَالِ الِانْتِظَامِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاطُ وَالصَّحِيحُ في النسيان وفى حال الِانْتِظَامِ أَيْضًا تَحْتَاطُ لَكِنَّ فِي آخِرِ أَكْثَرِ الْأَقْدَارِ لَا إلَى تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَوَائِلُ الْعَادَاتِ بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي بَعْضِ الْأَشْهُرِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي آخِرِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَسَطِهِ رُدَّتْ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ جَهِلَتْهُ فَهِيَ كَالنَّاسِيَةِ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى انْقِضَاءِ أَقَلِّ عَادَاتِهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الشهر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دما أسود ثم رأت دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَجُعِلَ حَيْضُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ وَهِيَ الْعَشَرَةُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانِ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ قَائِمَةٌ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أولي من اعتبار عادة انقضت] * [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَإِنْ وَافَقَ التَّمْيِيزُ الْعَادَةَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ قَوْلُ ابن سريج وأبى اسحق قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ فِي نَظِيرِهِ وَسَوَاءٌ عَلَى هَذَا زَادَ التَّمْيِيزُ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ نَقَصَ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحَيُّضُهُنَّ) وَلَمْ يُفَصَّلْ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَاسْتَقَرَّتْ وَالتَّمْيِيزُ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ وَلِهَذَا لَوْ زَادَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَاسِيَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَّهْنَاهُ تَوْجِيهًا حَسَنًا فَهُوَ ضعيف عند

الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو اسحق المروزى أنكارا عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَأْخُذَا بِمَذْهَبِ صَاحِبِهِمَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَلَا صَارَا إلَى دَلِيلٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال أبو إسحق هَذَا الَّذِي قَالَاهُ غَلَطٌ لَا يُعْذَرُ قَائِلُهُ (قُلْتُ) وَهَذَا إفْرَاطٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ حَيَّضْنَاهَا الْجَمِيعَ عَمَلًا بالدلالتين وان لم يمكن سقط وَكَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَكِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ مِثَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ بِاتِّفَاقِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ وَعَلَى الثَّانِي حَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ الْعَشَرَةُ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ عَشْرَةِ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ عَشْرَةُ الْحُمْرَةِ مَعَ خمسة السواة وَلَوْ رَأَتْ السَّوَادَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَوْ مَا زَادَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّالِثِ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي الْحُمْرَةُ وعلى الثالث لا يمكن الجمع ويجئ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى اللَّوْنِ فِي حَقِّ الْمُمَيِّزَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا صَاحِبُ الْحَاوِي فَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ الْقَوْلُ بِالتَّمْيِيزِ وَالْقَوْلُ بِالْعَادَةِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَأْخَذِهِ هَلْ هُوَ التَّمْيِيزُ أَوْ الْعَادَةُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ أَوْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاول عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَأْخَذِهِ وَلَوْ رَأَتْ عِشْرِينَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ العدة الخمسة الاولي من أول الاحمر علي عَادَتُهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالُوا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ وَطُهْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسِينَ يَوْمًا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَهَا طُهْرٌ عَلَى عَادَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَادَةَ إذَا انْفَرَدَتْ عُمِلَ بِهَا وَإِذَا انْفَرَدَ التَّمْيِيزُ عُمِلَ بِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَ التَّمْيِيزُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَتُقَدَّمُ الْعَادَةُ إذَا اجْتَمَعَا

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَمُبْتَدَأَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بالتمييز ان وجد * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَإِنْ كَانَتْ ناسية مميزة وهى التى كانت لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ عَادَتَهَا وَلَكِنَّهَا تُمَيِّزُ الْحَيْضَ من الاستحاضة باللون فانها تزد إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنَّهَا لَوْ ذَكَرَتْ عَادَتَهَا لَرُدَّتْ إلى التمييز فإذا نسيت أولى وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ تُقَدَّمُ الْعَادَةُ عَلَى التمييز حكمها حكم من لا تمييز لها] [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ وَحُكْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا تُرَدُّ هُنَا إلَى التَّمْيِيزِ للضرورة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَادَةِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لَمْ يخل أما أن تكون ناسية للوقت والعدة أو ناسية للوقت ذاكرة للعدة أو ناسية للعدة ذاكرة للوقت فان كانت ناسية للوقت والعدة هي الْمُتَحَيِّرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَا تَمْيِيزَ لَهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِدَدِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ يَوْمًا وليلة فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ فَإِنْ عَرَفَتْ مَتَى رَأَتْ الدَّمَ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ شَهْرِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَدَدْنَا لَهَا ثلاثين يوما وحيضناها لانه ليس بعض الايام بان يجعل حيضها بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَسَقَطَ حُكْمُ الْجَمِيعِ وَصَارَتْ كمن لا عادة لها وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا حَيْضَ لَهَا وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وقت انقطاع الحيض ولا يطأها الزَّوْجُ وَتَصُومُ مَعَ النَّاسِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَيَصِحُّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اليوم الخامس عشر بَعْضُهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ يَوْمَانِ ثُمَّ تَصُومُ شَهْرًا آخَرَ فَيَصِحُّ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءَ يَوْمٍ فتصوم أربعة أيام من سبعة عشر يَوْمًا يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَتَصُومُ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهَا وَثَلَاثَةٌ فِي آخِرِهَا فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ الشَّهْرِ وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أربعة في أولها وأربعة في آخِرِهَا وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا من عشرين خمسة في اولها وخمسة في آخِرِهَا وَكُلَّمَا زَادَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَوْمٌ

زَادَ فِي الصَّوْمِ يَوْمَانِ يَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيَوْمٌ فِي آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُعْمَلُ في طوافها] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مَسَائِلِ الناسية هو مِنْ عَوِيصِ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ هِيَ مُعْظِمَةٌ وَهِيَ كَثِيرَةُ الصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالْمَسَائِلِ المشكلات وقد غلط الاصحاب بعضهم بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاهْتَمُّوا بِهَا حَتَّى صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدَةً ضَخْمَةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَقْرِيرِهَا وَتَحْقِيقِ أُصُولِهَا وَاسْتِدْرَاكَاتٍ كَثِيرَةٍ اسْتَدْرَكَهَا هُوَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَسَتَرَى مَا أَنْقُلُ مِنْهَا هُنَا مِنْ نَفَائِسِ التَّحْقِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْت مَقَاصِدَ تِلْكَ الْمُجَلَّدَةِ فِي نَحْوِ خَمْسِ كَرَارِيسَ وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ الِاقْتِصَارَ عَلَى نُبَذٍ يَسِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَعْتَنِي بِحِفْظِ ضَوَابِطِهَا وَأُصُولِهَا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعُ مَا يَرَاهُ مِنْ صُوَرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ نَاسِيَةَ الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا وَتُسَمَّى أَيْضًا مُحَيِّرَةً بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُحَيِّرُ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَّا عَلَى مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عددا لا وقتا وعكسها فلا يسمها الْأَصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ ثُمَّ إنَّ النِّسْيَانَ قَدْ يَحْصُلُ بِغَفْلَةٍ أَوْ إهْمَالٍ أَوْ عِلَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِجُنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكُونُ النَّاسِيَةُ مُتَحَيِّرَةً إذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّاسِيَةِ بَلْ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّذِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهِ أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ نَصُّهُ في باب العدد والطرق الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالثَّالِثُ تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَطْعًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّارِمِيِّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ نَصَّهُ فِي بَابِ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّاسِيَةَ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إذَا ذَكَرَتْ وَقْتَهُ وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ أَيْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَطَرِيقَانِ أَشْهَرُهُمَا أنها عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَمَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ وبهذا الطريق

قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ فِي طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ وَبِهَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ إنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَالُوا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَالْمُشَاهَدُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَأَيْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وا ارددناها إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ حَتَّى لَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً في اثناء الشهر الهلال حكم بطهرها بقى الشَّهْرِ وَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلها بِهَا الْحَيْضَ مِنْ أَوَّلِ هِلَالٍ يَأْتِي عَلَيْهَا فَإِذَا هَلَّ هِلَالُ الرَّابِعِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ تَخْصِيصِهِ بِأَوَّلِ الْهِلَالِ مَعَ انه تحكم لا يقتضيه طبع ولاعادة فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْغَالِبُ أَنَّ أَوَّلَ الْحَيْضِ يَبْتَدِئُ مَعَ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ أَوَّلَ الْهِلَالِ تَهِيجُ الدِّمَاءُ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا وَقَالُوا هَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَاحْتَجَّ لَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَهَذَا قَرِيبٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْهِلَالَ مُبَادَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَهُوَ شَبِيهُ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَالْعِدَدَ وَالدِّيَاتِ وَالْجِزَى وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرَهَا إنَّمَا تَبْتَدِئُ مِنْ حِينِ الشُّرُوعِ سَوَاءٌ وَافَقَ الْهِلَالُ أَوْ خَالَفَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ رَدُّ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّهُ

يُقَالُ لَهَا مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ دَمُكِ فَإِنْ ذَكَرَتْ وَقْتًا فَهُوَ أَوَّلُهُ وَإِلَّا قِيلَ مَتَى تَذْكُرِينَ أَنَّكَ كُنْتِ طَاهِرًا فَإِنْ قَالَتْ يَوْمَ العيد أو عرفات أو نحوه فَحَيْضُهَا عَقِبَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إذَا أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْلِيفِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّهَا قَدْ تُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ دَوْرُهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ فَلَهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ ثَلَاثِينَ حَيْضٍ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا يُعْتَبَرُ الْهِلَالُ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ شَهْرُهَا بِالْهِلَالِ فَلَهَا فِي كُلِّ هِلَالٍ حَيْضٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَتَى أَطْلَقْنَا الشَّهْرَ فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ أَرَدْنَا بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ أَمْ لَا وَلَا نَعْنِي بِهِ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَذَلِكَ الْقَدْرُ حَيْضٌ فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَصَامَتْ وَصَلَّتْ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وما تأتي به من الصلاة لاقضاء فِيهِ وَمَا تَأْتِي بِهِ مِنْ الصَّوْمِ لَا تَقْضِي مَا زَادَ مِنْهُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيمَا بَيْنَ الْمَرَدِّ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ السابقان في المبتدأة ويباح الوطئ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْمَرَدِّ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ الرَّدِّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا عَمَلَ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِغَيْرِهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ بِصِفَةٍ أَوْ عَادَةٍ أَوْ مَرَدٍّ كَمَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَلَا يُمْكِنُ جعلها طاهرا ابدا في كل شئ ولا حائضا أبدا في كل شئ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ وَمِنْ الِاحْتِيَاطِ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا أَبَدًا وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْغُسْلِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي نَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لَيْسَ هُوَ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ فَإِنَّهَا غير مَنْسُوبَةٌ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ وَإِنَّمَا نَأْمُرُهَا بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حَائِضًا أَبَدًا أَسْقَطْنَا الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَبَقِيَتْ دَهْرَهَا لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَعَّضْنَا الْأَيَّامَ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَآخِرَهُ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ

قَالَ وَيَنْضَمُّ إلَى هَذَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ نَادِرَةٌ وَالْمُتَحَيِّرَةُ أَشَدُّ نُدُورًا وَقَدْ يَنْقَرِضُ دُهُورٌ وَلَا تُوجَدُ مُتَحَيِّرَةٌ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَمْ مَجَازًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَنَحْنُ نُفَصِّلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فُصُولٍ مُتَنَوِّعَةٍ لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَقْصُودِ من أحكامها لكثرة انتشارها [فصل] في وطئ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ وَقْتٍ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا نُحَرِّمُهُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهَا دَائِمًا مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَالْمَذْهَبُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ فَعَلَى هذا لو وطئ عصي ولزمها غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ عَلَى القول القديم لانا لم نتيقن الوطئ فِي الْحَيْضِ وَفِي حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ ذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ [فَصْلٌ] فِي قِرَاءَتِهَا الْقُرْآنَ وَدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَمَسِّ الْمُصْحَفَ وَحَمْلِهِ وَتَطَوُّعِهَا بِصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ: أَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِيهِ وَيَحْرُمُ الْعُبُورُ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ وَإِنْ أَمِنَتْ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِغَيْرِ الطَّوَافِ وَأَمَّا دخوله لِلطَّوَافِ فَيَجُوزُ لِلطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَفِي الْمَسْنُونِ وَجْهَانِ سَنُوضِحُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَحَرَامٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا حَلَالٌ لِلْحَائِضِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالشَّاشِيُّ جَوَازَ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ

وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَأَمَّا تَطَوُّعُهَا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَتْهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُتَيَمِّمِ مَعَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَفِي مَنْعِهَا تَضْيِيقٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تَجْوِيزُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ دُونَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَصْلٌ] فِي عِدَّتِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُؤْمَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَحْوَطِ وَالْقُعُودِ إلَى تَبَيُّنِ الْيَأْسِ بَلْ إذَا طَلُقَتْ أَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْفِرْقَةِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٌ وَلَمْ يَكُنْ حَمْلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَحُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالْقُعُودِ إلَى الْيَأْسِ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ وَطَالَ الضَّرَرُ لِاحْتِمَالٍ نَادِرٍ مُخَالِفٍ لِلظَّنِّ وَغَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ إلْزَامِهَا وَظَائِفَ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا وَلِأَنَّ غَيْرَهَا يُشَارِكُهَا فِيهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَالْغَزَالِيُّ فِي الْعِدَدِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ صاحب

التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقُعُودُ إلَى الْيَأْسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ حَتَّى رَأَيْتُ لِلْمَحْمُودِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ مُضِيِّ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَتَيْنِ وَلَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ احْتِيَاطًا لِأَمْرَيْنِ ثُمَّ أَنْكَرَ الدَّارِمِيُّ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَغَلَّطَهُمْ فِي ذَلِكَ وَبَالَغَ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ وَإِيضَاحِ الصَّوَابِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ كُرَّاسَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى نَفَائِسَ وَأَنَا أُشِيرُ إلَى مَقْصُودِهِ مُخْتَصِرًا قَالَ الدَّارِمِيُّ يَنْبَغِي أَنْ نُبَيِّنَ عِدَّةَ غَيْرِهَا لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا فَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَائِلِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ كُلُّ قُرْءٍ طُهْرٌ إلَّا الْأَوَّلَ فَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ طُهْرٍ وَطَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ وَفِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا فِيهِ فَبِدْعَةٌ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ وَهَلْ يُحْسَبُ قُرْءًا فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لم يجامعها فيه حسبت بقية قُرْءًا وَأَتَتْ بِطُهْرَيْنِ بَعْدَهُ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ اُشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَإِنْ حَسِبْنَاهُ قُرْءًا فَكَمَا لَوْ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بَعْدَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ آخِرِ اللَّفْظِ أَمْ عَقِبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مَعَ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَمْ عَقِيبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ في تجزى الجسم هَلْ هُوَ إلَى غَايَةٍ أَمْ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَقَلُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يوما ولحظتان بان يطلقها وقد بقى شئ مِنْ الطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضُ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وَهُوَ الْقُرْءُ الثَّالِثُ ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَبْنِيَ الْعِدَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا طَلَّقَهَا وَكَانَ جُزْءٌ مِنْ آخِرِ لَفْظِهِ أو شئ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَتَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ بَعْدَهُ وَإِنْ طَابَقَ الطَّلَاقُ آخِرَ الطُّهْرِ

اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى آخِرِ لَفْظِهِ وَحُسِبَ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَقِيَ بعد طلاقه شئ مِنْ آخِرِ الطُّهْرِ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ تَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَتَعْتَدُّ بِالثَّانِي وَهُوَ أَغْلَظُ إذَا قُلْنَا بِالطَّلَاقِ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَبِالْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْلَى وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْجُزْءِ إنْ كَانَ الثَّانِي جُزْءًا وَاحِدًا فَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ مُطَابِقَةٌ لِلطَّلَاقِ أَوْ قلنا الطلاق بآخر لفظه والعدة بعد حسب قرءا لان ذلك الْجُزْءَ وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَطَابَقَتْهُ الْعِدَّةُ أَوْ صَادَفَتْهُ الْعِدَّةُ وَتَقَدَّمَهُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ لَفْظِهِ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ تُطَابِقُهُ فَأَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ عَقِيبَهُ لَمْ يُحْسَبْ قُرْءًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ شئ مِنْ الطُّهْرِ لِلْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ جُزْءٌ ان اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِدَّةُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجُزْءًا وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَابِقُ آخِرُ طَلَاقِهِ آخِرَ الطُّهْرِ وَقُلْنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِ اللَّفْظِ وطابقه أول العدة فاقل العدة إذا نوبتان وزيادة واكثرها ثلاث نوب يوم وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَذَلِكَ إنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ وَلَا يُحْسَبُ قُرْءًا عِنْدَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَجَعَلَ أَوَّلَ الْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةُ حَيْضٍ وَطُهْرٍ فَيَكُونُ قُرْءًا ثُمَّ ثَانِيَةٌ يَكُونُ ثَانِيًا ثُمَّ ثَالِثُهُ قُرْءًا ثَالِثًا ثُمَّ يَمْضِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَأَطْوَلُ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ المذهب ثلاث نوب ويوم وليلة وطهر الاجزاء وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا عَاصِيًا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَطَلَّقَهَا فَاتَّفَقَ آخِرُ لَفْظِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَطَابَقَهُ فَنَقُولُ الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَهُوَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَفِيهِ جِمَاعٌ وَقُلْنَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ طُهْرٌ الاجزاء ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةٌ فَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ قُرْءًا ثُمَّ نَوْبَةٌ ثَانِيَةٌ ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِدَّةً عَلَى أَشَدِّ مَذَاهِبِنَا وَلَا يَخْفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعُ مَا فِي الْمَذَاهِبِ وَإِنَّمَا قَصَدْنَا بَيَانَ أَقْصَى الْغَايَتَيْنِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى أَقْصَى المذاهب

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا رَجَعْنَا إلَى الْمُتَحَيِّرَةِ فَنَقُولُ: حُكْمُ عِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالنَّوْبَةِ وَهَذِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا إلَّا أَنَّهُ مَضَى لها حيض وطهر ويدخل في شكلها أَنَّهَا هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ ذَاتُ عَادَةٍ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَلَا تَعْرِفُ عَادَتَهَا وَحُكْمُ هَذِهِ حُكْمُ الْأُولَى لِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ تَحَيُّرًا ثُمَّ النَّوْبَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى بَيْنَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَقَدْ تَعْلَمُ قَدْرَ نَوْبَتِهَا وَإِنْ جَهِلَتْ قَدْرَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مِنْهَا بِأَنْ شَكَّتْ فِي قدرها علمنا عَلَى أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا إلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَتْ حَدًّا فَقَالَتْ أَشُكُّ فِي نَوْبَتِي إلَّا أني أقطع بأنها لاتجاوز شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةً جَعَلْنَا ذَلِكَ نَوْبَتَهَا فَإِنْ أَطْلَقَتْ الشَّكَّ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ فَأَضْعَفُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ نَوْبَتُهَا مِنْ بُلُوغِهَا تِسْعَ سِنِينَ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ نَوْبَةً فَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ ذَلِكَ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا وَتَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى مَعْرِفَةِ الزَّمَنِ الَّذِي بَيْنَ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ وَهَذَانِ الْوَقْتَانِ قَدْ تَعْلَمُهُمَا وَقَدْ تَجْهَلُهُمَا وَقَدْ تَعْلَمُ أَحَدَهُمَا وَتَجْهَلُ الْآخَرَ فَإِنْ شَكَّتْ هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ مُعْتَادَةٌ قَابَلْتَ بَيْنَ الزَّمَانِ الَّذِي اعْتَبَرْنَا بِهِ نَوْبَتَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا الَّتِي هِيَ نَوْبَةُ الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ أَكْثَرَ جَعَلَتْهُ نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّلَاثُونَ أَكْثَرَ جَعَلَتْهَا نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ إغْفَالُ مَنْ قَالَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ان يعلم أن عدتها قل مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ النَّوْبَةِ إلَّا أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي مِنْ رُؤْيَتِهَا دَمَ الِابْتِدَاءِ إلَى دَمِ الِاتِّصَالِ دُونَ ثَلَاثِينَ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فَإِذَا عُلِمَ أَثَرُ النَّوْبَةِ عَمِلْنَا عَلَى أَنَّهُ مَضَى مِنْ الزَّمَانِ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ مَا هُوَ أَغْلَظُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ الْمَذَاهِبِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ طَلَاقِهِ قَبْلَ آخِرِ الطُّهْرِ بِجُزْءٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَقَعُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَلَا وَقْتَ لِلْقُرْءِ مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ أَوَّلُ الْعِدَّةِ عَقِبَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَلَاثِ نُوَبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ فِي اسْتِخْرَاجِ النَّوْبَةِ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ النُّوَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَحَصَلَ ثَلَاثُ نُوَبٍ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَلَوْ أَنَّهُ عَصَى بِجِمَاعِهَا وَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى جَامَعَهَا جَعَلَ جَمَاعَةٌ كَأَنَّهُ وَقَعَ آخِرَهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَلَمْ يُعْتَدَّ

بِذَلِكَ الطُّهْرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثِ نُوَبٍ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَعْرِفَةُ الطُّهْرِ أَنْ تَنْظُرَ الزَّمَانَ الَّذِي حَكَمَتْ بِأَنَّهُ نَوْبَتُهَا فَتُسْقِطُ مِنْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْحَيْضِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْبَاقِي مِنْهُ إلَّا جُزْءًا وَلَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ قُرْءًا ثُمَّ بِثَلَاثِ نُوَبٍ ثُمَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا الْحُكْمَ عَلَى أَصْعُبْ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ عِدَّتُهَا أَطْوَلَ مَا يُمْكِنُ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى قِيَاسِ بَاقِي وُجُوهِ أَصْحَابِنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَدْ تَكُونُ عِدَّتُهَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَالزَّمَانُ الْمُعْتَبَرُ بِهِ نَوْبَتُهَا دُونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يُعْلَمَ أَنَّ سِنَّهَا لَا تَبْلُغُهُ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ سِنَّ الْحَيْضِ لَا يَبْلُغُهُ فَإِنْ بَلَغَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَعِشْ إلَيْهِ فَسَتَبْلُغُ سِنَّ الْيَأْسِ فَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْيَائِسَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ فَلَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا حُكْمُهَا إذَا جَهِلَتْ نَوْبَتَهَا فَعَلِمَتْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَوْبَةً وَجَهِلَتْ الزَّمَانَ مِنْ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ فَعَمِلَتْ عَلَى أَغْلَظِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ النَّوْبَةَ عَمِلَتْ عَلَى قَدْرِهَا وَكَذَا إنْ عَلِمَتْ الزَّمَانَ بَيْنَ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لَكِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِنَوْبَتِهَا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ نَوْبَتِهَا اعْتَدَّتْ بِقَدْرِ نُقْصَانِهِ قُرْءًا ثُمَّ بِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ آخِرَهُ طُهْرٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ وَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ النُّقْصَانِ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَطُولُ بِهَا الْعِدَّةُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ جُمَلٌ مِنْ النَّفَائِسِ وَمَعَ هَذَا فَالْعَمَلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ عَادَتِهَا مَا يَقْتَضِي زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَصْلٌ] فِي طَهَارَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ عَلِمَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ بِأَنْ قَالَتْ أَعْلَمُ: أَنَّ حَيْضَتِي كَانَتْ تَنْقَطِعُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ غُسْلٌ سِوَاهُ وَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ الْمَغْرِبَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ عِنْدَ كُلِّ مَغْرِبٍ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُحْتَمَلُ فِيمَا سِوَاهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا الْغُسْلُ

لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ كَالتَّيَمُّمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا إذَا ابْتَدَأَتْ غُسْلَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفَرَغَتْ مِنْهُ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَلَّا تَفْصِلَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ثُمَّ إذَا اغْتَسَلَتْ هَلْ تَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ عَقِبَ الْغُسْلِ أَمْ لَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَوَضَّأَتْ هَلْ عَلَيْهَا الْمُبَادَرَةُ أَمْ لَهَا التَّأْخِيرُ فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ فَأَخَّرَتْ بَطَلَ غُسْلُهَا وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْمُبَادَرَةِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِيَقِلَّ حدثها وهذا لا يتحقق فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّمِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلْغُسْلِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ الِانْقِطَاعُ وَلَا يَتَكَرَّرُ الِانْقِطَاعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ حَيْضِهَا بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهُ بِقِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَعَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ وَمَا لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ لَكِنْ إنْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ الْغُسْلِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ قَبْلَ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَثْنَائِهِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنهَا بَعْدَ الْغُسْلِ إلَّا فِعْلُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَلَا يَكْفِيهَا الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ السَّابِقَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي غُسْلِهَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ يَكْفِي وُقُوعُ آخِرِهِ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالرَّابِعُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ والله علم * [فَصْلٌ] فِي صَلَاتِهَا الْمَكْتُوبَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَبَدًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يَحْتَمِلُ طُهْرَهَا فَمُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ

ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَمْ يَشْتَرِطُوا صَلَاتَهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بَلْ أَوْجَبُوا الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ مَتَى شَاءَتْ كَغَيْرِهَا وَصَرَّحَ أَكْثَرُهُمْ بِهَذَا وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْبَاقِينَ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَنَقَلَهُ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْخَمْسَ فِي أَوْقَاتِهَا هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وقد صرح بأن لاقضاء الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَيُحْتَمَلُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُهَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَإِذَا كُنَّا نُفَرِّعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَجَبَ مُرَاعَاتُهُ في كل شئ هَذَا قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرهمَا (قُلْتُ) وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْفِهِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ الْوُجُوبُ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّا لَا نُلْزِمُ الْمُتَحَيِّرَةَ كُلَّ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى حَرَجٍ شَدِيدٍ وَالشَّرِيعَةُ تَحُطُّ عَنْ الْمُكَلَّفِ أُمُورًا بدون هَذَا الضَّرَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا كُلُّ مُمْكِنٍ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَا تَقْعُدُ إلَى الْيَأْسِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي طَرِيقَةً أُخْرَى فَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَنْزِلُ تَنْزِيلَيْنِ هُمَا أَغْلَظُ أَحْوَالِهَا أَحَدُهُمَا تَقْرِيرُ دَوَامِ الطهر الي وقت الصلاة وامكان أدائها ووجب الْحَيْضِ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي دَوَامُ الْحَيْضِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ وُجُودُ الطُّهْرِ بَعْدَهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دُونَ الْوُضُوءِ فَحَصَلَ مِنْ التَّنْزِيلَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ تُصَلِّيهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ طهرها فإذا دخل وقت الصعر صَلَّتْ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ ثُمَّ صَلَّتْهَا بِالْغُسْلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ منه ما يسع ما يلزمها به صلاة الْعَصْرِ ثُمَّ أَعَادَتْ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الطُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ

فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَإِنْ قَدَّمَتْ الْعَصْرَ الثَّانِيَةَ عَلَى الظُّهْرِ الثَّالِثَةِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلظُّهْرِ وَإِنْ قَدَّمَتْ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلْعَصْرِ فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِغُسْلِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ صَلَّتْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ وَتُعِيدُ مَعَهَا الْمَغْرِبَ وَتَغْتَسِلُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَتَتَوَضَّأُ لِلْأُخْرَى فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّتْ الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِوُضُوءٍ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ فَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلظُّهْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ وَمَرَّةً ثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِغُسْلٍ لَهَا وَلِلْعَصْرِ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْعَصْرِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِوُضُوءٍ وَثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْمَغْرِبِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ وَمَرَّةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالْغُسْلِ لَهَا وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْعِشَاءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَكَذَا الصُّبْحُ فَتَبْرَأُ بِيَقِينٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي: وَأَمَّا طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ فَظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيعٍ بَلْ تُصَلِّي أَبَدًا وَلَا قَضَاءَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ تُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الطريقة الصلوات الخمس مرتين بستة اغسل وَأَرْبَعِ وُضُوءَاتٍ فَتُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الْعَصْرَ كَذَلِكَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَتَقْضِي الظُّهْرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعَصْرَ ثُمَّ تُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الصُّبْحَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْمَغْرِبَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَقْضِي الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِغُسْلٍ هَذَا كَلَامُهُمْ وَبَسَّطَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَوْضَحَهُ بِأَدِلَّتِهِ وَزَادَ فِيهِ وَأَتْقَنَهُ ثُمَّ لَخَصَّ طَرِيقَتَهُ وَاخْتَصَرَهَا الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إذَا قُلْنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَتُصَلِّيهَا ثُمَّ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَصَلَّتْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَيْضَ صَادَفَ الْمَرَّةَ الْأُولَى وَانْقَطَعَ بَعْدَهَا فَلَزِمَتْهَا وَبِالْمَرَّتَيْنِ تَبْرَأُ مِنْ الصُّبْحِ قَطْعًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ مَتَى صَلَّتْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ أَجْزَأَهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَقْتِ بَلْ لَوْ وَقَعَ بَعْضُهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ إذَا قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ دُونَ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهَا الثَّانِيَةَ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَائِهَا فلا شئ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَوَّلِ زَمَنِ الْغُسْلِ مَعَ الْجُزْءِ الْوَاقِعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ دُونَ رَكْعَةٍ هَذَا حُكْمُ الصُّبْحِ وَأَمَّا الْعَصْرُ

وَالْعِشَاءُ فَتُصَلِّيهِمَا مَرَّتَيْنِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الظُّهْرُ فَلَا يَكْفِي وُقُوعُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا وُقُوعُ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ تُعِيدَ الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعِيدُ الْعَصْرَ وَهُوَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَتُعِيدَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثُمَّ إذَا أَعَادَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ نُظِرَ إنْ قَدَّمَتْهُمَا عَلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ وَجَبَ غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ وَغُسْلٌ لِلْمَغْرِبِ وَإِنَّمَا كَفَاهَا غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَدْ اغْتَسَلَتْ لَهُ وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا ظُهْرٌ وَلَا عَصْرٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُ المغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر والصعر وَعَقِبِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قَضَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَدَاءِ الصُّبْحِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُصَلِّيَةً الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَرَّتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ وَثَمَانِيَةِ أَغْسَالٍ وَإِنْ أَخَّرَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ اغْتَسَلَتْ لِلْمَغْرِبِ وَكَفَاهَا ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَهِيَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا ظُهْرَ وَلَا عَصْرَ عَلَيْهَا وَيَجِبُ وضو لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَتْهُمَا عَنْ أَدَاءِ الصبح وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس باربع وُضُوءَاتٍ وَسِتَّةِ أَغْسَالٍ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدْ أَخَّرَتْ الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِمَا لِتَقْدِيمِهَا الْقَضَاءَ عَلَيْهِمَا فَتَبْرَأُ عَمَّا سِوَاهُمَا وَأَمَّا هُمَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى مَضَى مَا يسع الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يَكْفِ فِعْلُهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّصْوِيرِ السَّابِقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْحَيْضُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَتَكُونُ الصَّلَاتَانِ وَاقِعَتَيْنِ فِي الْحَيْضِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِغُسْلَيْنِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّفَاهِيَةِ وَالضَّرُورَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الاولى وحينئذ تبرأ بيقين ومع هذ كُلِّهِ لَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ مَضَى شَهْرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَطْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُجْزِيَهُ قَضَاءُ صَلَاتَيْ جَمْعٍ وَهُمَا ظُهْرٌ وَعَصْرٌ أَوْ مَغْرِبٌ وَعِشَاءٌ فَإِذَا شَكَكْنَا وَجَبَ قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ خَمْسٍ وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي فِي أَوْسَاطِ الْأَوْقَاتِ لَزِمَهَا أَنْ تَقْضِيَ لَلْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأَ

فصل في صيام المتحيرة

الْحَيْضُ فِي وَسَطِ صَلَاةٍ فَتَبْطُلُ وَيَنْقَطِعُ فِي وَسَطِ أُخْرَى فَتَجِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ: وَمَنْ فَاتَهُ صَلَاتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لَا يَعْرِفُهُمَا لَزِمَهُ صَلَوَاتُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاة لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمُخْتَصَرِ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ الْآنَ مُخَالِفٌ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِكُمْ يَجِبُ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ فَإِنَّكُمْ الْآنَ صِرْتُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةَ عشر الا قضاء خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَضَاءِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَمْرٌ أَغْفَلَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ فِيمَا إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَبْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَمَّا عَلَيْهَا وَكَانَتْ تُؤْثِرُ الْمُبَادَرَةَ وَتَخَافُ الْمَوْتَ فِي آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ فَأَمَّا إذَا أَخَّرَتْ الْقَضَاءَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ عَشَرَ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ نَسَبَنَا نَاسِبٌ إلَى مُخَالِفَةِ الْأَصْحَابِ سَفَّهْنَا عَقْلَهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمُقَاضَاةِ يَتَعَلَّقُ بِمَسَالِكِ الِاحْتِمَالَاتِ وَقَدْ مَهَّدَ الْأَئِمَّةُ الْقَوَاعِدَ كَالتَّرَاجِمِ وَوَكَّلُوا اسْتِقْصَاءَهَا إلَى أَصْحَابِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ لِمَنْ يَبْغِي مَزِيدًا أَنْ يُبْدِيَ شَيْئًا وَرَاءَ مَا ذَكَرْنَا مُفِيدًا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا. وَبِالْجُمْلَةِ النَّظَرُ الَّذِي يُخَفِّفُ فِي أَمْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ بَالِغُ الْمَوْقِعِ مُسْتَفَادٌ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ بِمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا لَا يَجِبُ فِي الشَّهْرِ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ هَذَا بَيَانُ صَلَوَاتِ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَلَاةً مَقْضِيَّةً أَوْ مَنْذُورَةً فَفِيهَا كَلَامٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ صيامها ان شاء الله تعالى (فَصْلٌ فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَصُومَ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَامَتْهُ وَكَانَ تَامًّا اخْتَلَفُوا فِيمَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخُلَاصَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ إمَامُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ

لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَانْقِطَاعِهِ فِي بَعْضِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيُفْسِدُ السِّتَّةَ عَشَرَ وَيَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى مُتَابَعَةِ أَبِي زَيْدٍ وَوَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ واشار إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ يَحْصُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتَأَوَّلُوا النَّصَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ أَنَّ دَمَهَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ يُحْتَمَلُ لَكِنَّ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَسُلُوكُ سَبِيلِ التَّخْفِيفِ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ من الاختلاف هو المشهور في طرق الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى فَحَكَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلَ أَبِي زَيْدٍ وَاخْتِلَافَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِبُ اسْتِدْرَاكُهُ فِي هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْكَمُ لَهَا بِالطُّهْرِ ثَلَاثَةَ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ حَيْضُ الْمُتَحَيِّرَةِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بينها وبين المبتدأة الا في شئ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ ابْتِدَاءَ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ دُونَ الْمُتَحَيِّرَةِ فَأَمَّا تَنْزِيلُهَا عَلَى غَالِبِ الْحَيْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ فَمُتَّجَهٌ لَا يَنْقَدِحُ غَيْرُهُ فَلْيُقَدَّرْ لَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ قَدْ تَفْسُدُ بِالسَّبْعَةِ ثَمَانِيَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا عَوْدٌ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تُرَدُّ إلى مرد المبتدأة قلنا هي مقطعة عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الدَّوْرِ فَأَمَّا رَدُّهَا إلَى الْغَالِبِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَدَدِ الَّذِي انْتَهَى التَّفْرِيعُ إلَيْهِ فَلَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَأَقْصَى مَا يَتَخَيَّلُهُ الْفَارِقُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَلَا نَأْمَنُ إذَا رُدَّتْ إلَى الْغَالِبِ أَنْ تُخَالِفَ تِلْكَ الْعَادَاتِ وَالْمُبْتَدَأَةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا عَادَةٌ فَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ رُبَّمَا كَانَتْ تَحِيضُ عَشْرَةً لَوْ لَمْ تَسْتَحِضْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِأَصْحَابِنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ عَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمُتَقَدِّمِي

أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَامًّا أَمَّا إذَا صَامَتْهُ وَكَانَ نَاقِصًا وَقُلْنَا بِطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ الْكُلَّ يَحْصُلُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ بِأَنَّهَا لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ يَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ احْتِمَالِ الطُّرُوِّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَانْقِطَاعِهِ فِي نِصْفِ السَّادِسِ عَشَرَ فَيَبْقَى ثَلَاثَةَ

عَشَرَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَتَصُومُ رَمَضَانَ وَشَهْرًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمٍ فَقَدْ حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صَامَتْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ النَّاقِصَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَصَامَتْ شَهْرًا كَامِلًا فَحَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا فَبَقِيَ يَوْمٌ قَالَ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فلابد فِيهِ مِنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ قَالَ وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذِّبِ فِي هَذَا فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لله تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ بَلْ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ بَلْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمُخَالِفَتِهَا كَمَا سَبَقَ بَلْ الصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَصُمْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ بَلْ صَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهَذَا الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْمُصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصْحَابِ وَلِلْقَاعِدَةِ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ دَعْوَى لَا تُقْبَلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي صَامَتْهُ وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغَلَّطُوهُ وَأَبْطَلُوا تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَا يَصِحُّ الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ على هذا الذى قلناه

مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصُمْ رَمَضَانَ النَّاقِصَ وَصَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَهُ يَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمٌ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ النَّاقِصَ كَفَاهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ هُنَا وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ يَوْمًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ فِي الْحَجِّ أَوْ تطوعا أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمٍ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ إنْ شَاءَتْ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ آخِرِهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فِي هَذَا غَرَضٌ بِأَنْ تُرِيدَ أَلَّا يَتَخَلَّلَ فِطْرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ سَلِمَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي سَلِمَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ سَلِمَ السَّادِسُ عَشَرَ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمٌ عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالسَّابِعَ عَشَرَ تَمْثِيلٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ضَابِطُ بَرَاءَتِهَا بِثَلَاثَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ وَتُفْطِرَ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ إمَّا الثَّالِثَ وَإِمَّا الْخَامِسَ عَشَرَ وَإِمَّا مَا بَيْنَهُمَا وَتُفْطِرَ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَصُومَ السَّابِعَ عَشَرَ فَهَذَا أَقْصَرُ

مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّوْمَ الثَّالِثَ عَنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَتْرُوكُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْلَ مَا بَيْنَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَقَلَّ فَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا يَوْمٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي الثَّالِثِ وَابْتِدَاءِ حَيْضٍ آخَرَ فِي الثَّامِنِ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَلَوْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ السَّابِعَ عَشَرَ بَدَلَ الثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَقَلُّ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ خَلَّلَتْ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَلَهَا أَنْ تَصُومَ الثَّالِثَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ السَّابِعَ عَشَرَ أَوْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصُومَ السَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَتْرُكَ شَيْئًا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْهُ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَنْقَطِعُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَتَفْسُدُ الثَّلَاثَةُ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ مَعَ يَوْمٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْزِيهَا لِأَنَّهَا إنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ الْخَامِسَ عَشَر اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْخَامِسَ عشر فيفسد هو والاول ويفسد الاخير لطرآن الْحَيْضِ فِي نِصْفِهِ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَيَنْقَطِعُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَبْتَدِئُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ الِانْقِطَاعُ فِي نِصْفِ الثَّانِي وَالِابْتِدَاءُ فِي نِصْفِ السَّابِعَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَنْزِيلِ بَاقِي الصُّوَرِ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَتْ الطَّرَفَيْنِ وَيَوْمًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَجْزِيهَا أَيْضًا وَتَنْزِيلُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نحو

مَا ذَكَرْتُهُ فَبَانَ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ يَوْمٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي طَرِيقِ صَوْمِ الْيَوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الشَّافِعِيِّ نَصَّ أَنَّهُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَر وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ قال الامام واجمع أئمتنا على أَنَّهُ حَسْبُ صَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا اُحْتُمِلَ كَوْنُ الْيَوْمَيْنِ طَرَآ فِي حَيْضَتَيْنِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُتَّجَهُ إلَّا مَعَ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ وَآخِرِهِ ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ فِي نَقْلِ النَّصِّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ

بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَفْسَدَهُ وَكَذَا أَفْسَدَهُ مَنْ حَكَاهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا الْإِفْسَادُ بَنَوْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَيْسَ هُوَ بفاسد بل يكفيها يَوْمَانِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا تُبَالِي بِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ نِصْفَ النَّهَارِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا علي قَوْلُ الِاحْتِيَاطِ تَبْنِي أَمَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى سَبْعَةٍ فَقَالَ الْإِمَامُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَلَكِنْ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرًا مُنْقَاسًا فنحن نتبع الائمة ونفرع عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَمَا قَبْلَهُ مُخْتَصَرٌ وَاضِحٌ جَامِعٌ يَسْهُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ تَعَالَى وَيَتَّضِحُ بِهِ جُمَلٌ مِنْ قَوَاعِدِ صَوْمِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

(فَرْعٌ) فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَاتَّفَقَ جَمَاهِيرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ضَعَّفَتْ الَّذِي عَلَيْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهِ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَتْ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَصَامَتْ نِصْفَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَنِصْفَهُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَنَعْنِي بِالشَّهْرِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ ابْتَدَأَتْ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافَ هَذَا إلَّا لِصَاحِبِ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيَّ فَأَنَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ لِوُضُوحِهَا وَشُهْرَتِهَا وَخِفَّةِ الْكَلَامِ فِيهَا ثُمَّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ الْحَاوِي ثُمَّ الدَّارِمِيِّ وَأَخْتَصِرُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ الْإِيضَاحِ الَّذِي يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْجُمْهُورُ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ ضَعَّفَتْهُمَا وَضَمَّتْ إلَيْهِمَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةَ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا ثَلَاثَةً مَتَى شَاءَتْ ثم تفطر

تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمَانِ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنَّ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّالِثِ حَصَلَ الْأَوَّلَانِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ضَعَّفَتْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً فَتَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَإِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ صَامَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَالْخَمْسَةَ الرَّابِعَةَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ خَمْسَةٍ صَامَتْ سِتَّةً أَوَّلًا ثُمَّ سِتَّةَ أَوَّلهَا السَّادِسَ عَشَرَ *

وَإِنَّ أَرَادَتْ صَوْمَ سِتَّةٍ صَامَتْ سَبْعَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ سَبْعَةً صَامَتْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وهكذا نفعل فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَبْقَى يَوْمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ طَرِيقِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَحْصُلُ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ السَّابِقِ وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ صَامَتْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْهَا مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَصَامَتْ مِثْلَهُ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَصَامَتْ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ أَجْزَأَهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهَا بِيَقِينٍ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: أَمَّا

صَاحِبُ الْحَاوِي فَحَكَى عَنْ الْأَصْحَابِ حِكَايَةً غَرِيبَةً قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةً أَوْ أَكْثَرَ فَكَذَلِكَ تَصُومُ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا يُجْزِيهَا فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ هُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَإِنَّهَا

طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ بَدِيعَةٌ نَفِيسَةٌ بَلَغَتْ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّدْقِيقِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جُمَلٍ مِنْ النَّفَائِسِ الْغَرِيبَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ الْمُهِمَّاتِ اسْتَدْرَكَ فِيهَا عَلَى الْأَصْحَابِ أُمُورًا ضَرُورِيَّةً لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَبَسْطِهَا أَبْلَغَ بَسْطٍ فَذَكَرَ فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَمَا بَعْدَهَا إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ وَفِيهَا مِنْ الْمُسْتَفَادَاتِ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلَى هَذَا الْكِتَابُ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهِ وَلَا يَلِيقُ بِطَالِبٍ تَحْقِيقُ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ الْفِقْهِ مُطْلَقًا جَهَالَتُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَقَدْ أَفْرَدْتُ مُخْتَصَرَ ذَلِكَ فِي كَرَارِيسَ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَهُ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ ذلك تَصُومَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ صَامَتْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مجتمعين فأقل ما يمكن تحصيلهما بِهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ كَمَا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَوْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ ضِعْفُهُ وَوَاحِدٌ فَكَذَا الْيَوْمَانِ ضِعْفُهُمَا وَوَاحِدٌ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ

وَالتَّاسِعَ عَشَرَ وَيُخْلَى الرَّابِعُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ يَبْقَى بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قسما بعد أَيَّامِ التَّخْيِيرِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تصوم منه الخمسة ونحن نريد فِي ذَلِكَ يَوْمًا إلَى الْحَدِّ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ الْمُمْكِنِ وَمَتَى قُلْنَا بَعْدَ هَذَا تَصُومُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَذَا فَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ الْأَوَّلُ فَمَا بَعْدَهُ مِمَّا يَلِيهِ مُتَوَالِيًا وَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ الْآخَرُ وَمَا قَبْلَهُ مِمَّا يَلِيهِ فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَمِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَرْبَعَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بَعْدَ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَإِنْ شَاءَتْ عَكَسَتْ فَنَقَلَتْ الصَّوْمَ وإلا خلا مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ فَيَحْصُلُ عِشْرُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَعَشَرَةٌ فِي عَكْسِهِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ كُلِّ طَرْفٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرْفٍ بَعْدَ الرَّابِعِ يَبْقَى عَشْرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَاضْبُطْ هَذَا الْمَوْضِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ يَكُونُ الصوم وإلا خلا فِي طَرَفٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ لَا ينعكس ومتى خالف طرفا طرفا في شئ من الصوم والا خلا أَوْ الصَّوْمِ خَاصَّةً انْعَكَسَ بِالْبَدَلِ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ مَا فِي كُلِّ طَرَفٍ فِي الْآخَرِ فَحَصَلَ فِي طَرِيقِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ ثَلَاثُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ انْعَكَسَتْ وَعَشَرَةٌ لَمْ تَنْعَكِسْ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَلَهَا أَنْ تُبَدِّلَ مَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِسْمًا وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الصَّوْمَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ وَلَا تنعكس لتساوي الصوم وإلا خلا

فِي كُلِّ طَرَفٍ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ ينعكس لاختلاف اليوم والاخلا وان شاءت صامت من كل طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ يَوْمًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ قِسْمًا * أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طرف الأول والثالث ومن طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ يَوْمًا مِنْهَا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْعَكْسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يومين ومن كُلِّ طَرَفٍ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا يَنْعَكِسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ ثَمَانُونَ أَمَّا إذَا ارادت تحصيل يومين بخسمة مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّابِعِ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ يَبْقَى بَيْنَهُمَا سَبْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَيَنْقَسِمُ هَذَا الْيَوْمُ بِحَسْبِ مَا سَبَقَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةُ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ كِتَابِ الدَّارِمِيِّ مُفَصَّلَةً أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ بِحَسْبِ مَا مَضَى فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ كَمَا سَبَقَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ

بِخَمْسَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّانِي عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي عَشَرَةَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمَيْنِ تَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَحَدَ عَشَرَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الباقي بينهما وهو متعين في جميع أقسام التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ قِسْمًا فَجَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ جُمْلَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفُ قِسْمٍ وَقِسْمٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِصَوْمِ الْيَوْمَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي صِيَامِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَنْ تُضَعِّفَهَا وَتُزِيدَ يَوْمَيْنِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً تَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ أَرْبَعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَسَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَصُومُ ثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَبَسَطَهَا بَسْطًا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ قَرِيبًا مِنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ فَبَلَغَ بِهَا نَحْوَ ثَمَانِ كَرَارِيسَ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا بَيَانُ صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَتَى فِيهَا مِنْ الْعَجَائِبِ وَالتَّدْقِيقَاتِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُشِيرُ هُنَا إلَى بَعْضٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَقَدْ سَبَقَ طَرِيقُ بَسْطِهِ * قَالَ الدَّارِمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ * إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَيَحْصُلُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تُفْرِدَ كُلَّ يَوْمٍ صَامَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا سَبَقَ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَصُومَ يَوْمَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ وَيَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ جَازَ وَحَصَلَ الثَّلَاثَةُ بِثَمَانِيَةٍ الْيَوْمَانِ بِخَمْسَةٍ وَالْيَوْمُ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْ الثَّلَاثَةَ بِحُكْمٍ مُفْرَدٍ كَمَا صَامَتْ الْيَوْمَيْنِ بِحُكْمٍ مفرد فأقل

مَا تَحْصُلُ بِهِ الثَّلَاثَةُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ السَّبْعَةُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَتُخَلِّي مِمَّا يَلِي كُلَّ خَمْسَةٍ يَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَالْأَقْسَامُ تِسْعَةٌ بِعَدَدِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَلَهَا أَنْ تَزِيدَ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَصُومُ السَّبْعَةَ مِنْهَا كَمَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ سَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ والسادس من طرف والاول وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ ثَلَاثَةٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتَبْلُغُ أَقْسَامُهُ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةَ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِسْمًا أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةِ قِسْمٍ وَأَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ والحادي عشر

مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يلى الاحد عشر وتصوم ويوما مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ تَبْلُغُ سِتَّمِائَةِ قِسْمٍ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتُّمِائَةٍ وَسِتُّونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ شَاءَتْ أَبْدَلَتْ الْأَقْسَامَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا فَتَصِيرُ جَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ فَلَا يَصِحُّ [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وان أرادتها متفرقة يَوْمًا فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وان أَرَادَتْ صِيَامَهَا يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَعَلَتْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً وَيَوْمًا فَرْدًا فَعَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ مَا سَبَقَ فِيهَا وَفِي الْيَوْمِ مَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا أَرَادَتْ صِيَامَ أَيَّامٍ فَلَهَا تَفْرِيقُهَا وَصَوْمُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَلَهَا صَوْمُهَا على مَا نَذْكُرهُ فِيهَا فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الدَّارِمِيِّ فَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ صَوْمُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ التِّسْعَةُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ فِيهِمَا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ بِتِسْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ اثْنَانِ وأربعون قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ

وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذا ارادت تحصل أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي السبعة وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ أَرْبَعَةً بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسَبْعَةُ أَقْسَامٍ * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ إنْ أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَوَالِيَةً صَامَتْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُفَرَّقَةً صَامَتْهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ صومها على قياس مامضي صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وأقسامه ستة وثلاثون أن أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ

وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَأَخْلَتْ أَرْبَعَةً ويوما وصامت يوما من اليومين الباقبين وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ خَمْسَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ خَمْسَةٍ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ قِسْمًا * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يوما من اليومين الباقيين ولها الأبدال وأقسامه اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ سِتَّةٍ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ ارادتها

مُفَرَّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَضَى صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَهَذَا النَّوْعُ قِسْمٌ وَاحِدٌ فَلَا تَصِحُّ سَبْعَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهَا * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ: أَقَلُّ مَا يَكْفِيهَا لِلثَّمَانِيَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ أَيُّهَا شَاءَتْ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْهَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَذَا إنْ أَرَادَتْهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا تِسْعَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ تِسْعَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ * [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا عَشْرَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِنْ سِتَّةٍ وعشرون فَتَصُومُ عَشَرَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ * [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ: أقل ما نصح مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ * [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا اثْنَيْ عَشَرَ: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ اثْنَيْ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ * [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: تَصُومُهَا بِثَمَانِيَةَ وَعِشْرِينَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ ثَلَاثَةَ

عَشَرَ فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ * [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ: لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ زَادَ صَوْمُهَا عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَعَلَتْ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَا ذَكَرْنَا وَفِيمَا دُونَهَا مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ اعلم * [فصل] فِي صَوْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا لِنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ جِمَاعٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الشَّهْرِ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَلَا يَنْقَطِعُ التتابع بالحيض المختلل وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ صَامَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ اربعة فعشرين أو خمسة فاحدا وَعِشْرِينَ وَعَلَى هَذَا وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمًا مُتَتَابِعًا وَأَرَادَتْ تَخْلِيلَ فِطْرٍ بَيْنَهُ صَامَتْ ذَلِكَ الْقَدْرَ مُتَوَالِيًا ثُمَّ صَامَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ السَّابِعَ عَشَرَ فإذا ارادت يومين متتابعتين صَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ تَصُومُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَتَصُومُ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ وَخَالَفَهُمْ الدَّارِمِيُّ وَبَسَطَ طَرِيقَتَهُ بَسْطًا مُنْتَشِرًا فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِسِتَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَفِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قِسْمًا أَقَلُّ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِيَوْمٍ وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَصُومُهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهَا تَصُومُ من ايام التخيير الاول والثانى أو الثاني وَالثَّالِثَ أَوْ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا فَيَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْ صِيَامَهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِهِ وَتَصُومُ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ فَتَكُونُ أَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ وَإِنْ

أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ أَيْضًا مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَسِتَّةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السِّتَّةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ عَشَرَةً وَعَشَرَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَهُ قِسْمَانِ وَإِنَّ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَحَدَ عَشَرَ وَأَحَدَ عَشَرَ وَصَامَتْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِزِيَادَةٍ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ أَنْ تُخَلِّيَ اثْنَيْ عَشَرَ وَاثْنَيْ عشر فلا يبقى بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَنْ

تَصُومَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ وَتُخَلِّيَ فِي كل طرف احدى عَشَرَ وَتَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَّا أَنَّهَا تَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ الثَّلَاثَةَ مُتَتَابِعَةً مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ بِيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ وَصَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اخْتِصَارُ الْعِبَارَةِ فَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ وَعُلِمَ أَنَّهَا تَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ الْأَيَّامَ الَّتِي تُرِيدُهَا وَتَصُومُهَا مَرَّةً ثَالِثَةً مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ الْإِخْلَاءِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِخْلَاءَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ بِقَدْرِ مَا أُخْلِيَ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْأَقْسَامَ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِالْقَدْرِ الَّذِي نَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ فَصْلٍ فَالْأَقْسَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بِيَوْمَيْنِ فَنَقْتَصِرُ بَعْدَ هَذَا عَلَى ذِكْرِ الْإِخْلَاءِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِذَا أَرَادَتْهَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي خَمْسَةً وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سِتَّةً وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سَبْعَةً وَأَقْسَامُهُ

ثَلَاثَةٌ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَمَانِيَةً وَلَهُ قِسْمَانِ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي تِسْعَةً وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَتَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ فَتَصِحُّ بِصَوْمِ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ أَرْبَعَةً وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْهَا مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةً وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ سَبْعَةً وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتُخَلِّي سَبْعَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ خَمْسَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وتخلي خمسة في كل طَرَفٍ وَتَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ

تَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ وَمِنْ ثلاثين الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سِتَّةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةٍ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً وَتَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سَبْعَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا فَتَصُومُ مِنْ كل طرف سبعة ونخلي يوما ويوما وتصوم السبعة الباقية فان ارادتها مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَمَانِيَةً مُتَتَابِعَةً فَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ مُتَتَابِعٍ وَكَذَا مَا زَادَ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةٌ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَصْلٌ] فِي تَحْصِيلِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَلَاةً أَوْ صَلَوَاتٍ مَقْضِيَّاتٍ أَوْ مَنْذُورَاتٍ وَهَذَا الَّذِي نذكره فيه

تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفَسَدَ سِتَّةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ يَجْرِي عَلَى قِيَاسِ قَضَاءِ الصوم فإذا ارادت صلاة واحدة مقضية أَوْ مَنْذُورَةً أَوْ نَحْوَهَا صَلَّتْهَا مَتَى شَاءَتْ بِغُسْلٍ ثُمَّ أَمْهَلَتْ زَمَانًا يَسَعُ الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ وَلَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَغُسْلُهَا إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ حِينِ بَدَأَتْ بِالْأُولَى ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ مَرَّةً ثَالِثَةً قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَلَّا تُؤَخِّرَ الثَّالِثَةَ عَنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ بَيْنَ آخِرِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثانية وَلَهَا أَنْ تُنْقِصَهُ عَنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ إنْ كَانَ إمْهَالًا طَوِيلًا بِشَرْطٍ أَلَّا يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ أَقَلِّ الْإِمْهَالِ وَهُوَ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَغُسْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ أَمْهَلَتْ إلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ الثَّالِثَةَ بِغُسْلِهَا بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرُ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَغُسْلِهَا وَلَهَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ صَلَّتْ الثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ الْعَاشِرِ فَلَهَا فِعْلُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِهَا وَغُسْلِهَا مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَوَّلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ يَوْمٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ يَسْتَوْعِبُ يَوْمًا فَيَكُونُ الْإِمْهَالُ الْأَوَّلُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ وَالصَّلَاةُ تَحْصُلُ فِي لَحْظَةٍ فَكَفَى الْإِمْهَالُ بِقَدْرِهَا وَهَذَا الامهال شرط لابد مِنْهُ فَلَوْ أَخَلَّتْ بِهِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لم يجزها

الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا إنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الْأَوَّلَ وَصَلَّتْ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ مُتَّصِلَةً بِالْأُولَى اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الثَّانِي فَصَلَّتْ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةً بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي الْأُولَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ * فَإِنْ أرادت صلوات فهي مخيرة بين طريقين إحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَتُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَفْعَلُهُنَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَغْتَسِلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَاتِ وَسَوَاءٌ اتفقت الصلوت أَمْ اخْتَلَفَتْ وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْإِمْهَالِ مَا سَبَقَ في الصلاة الواحدة * ويكون مجموع الصلوت كَالْوَاحِدَةِ فَتُمْهِلُ بَعْدَ فِعْلِهِنَّ زَمَانًا يَسَعُهُنَّ كُلَّهُنَّ مع الغسل والوضوآت وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَخَفُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ كَمِائَةِ صُبْحٍ ضَعَّفَتْهُنَّ وَزَادَتْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ قَسَمَتْ الْجُمْلَةَ نِصْفَيْنِ فَصَلَّتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِائَةَ صُبْحٍ وَصُبْحًا مُتَوَالِيَاتٍ ثُمَّ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِائَةً وَصُبْحًا وَيَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْجَمِيعِ غُسْلٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا حَصَلَ لَهَا مِائَةُ صُبْحٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى فَسَدَ مَا أَتَتْ بِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَانْقَطَعَ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَبْقَى بَعْدَهَا مِائَةٌ وَإِنْ بَدَأَ فِي الصَّلَاةِ الْمُوَفِّيَةِ مِائَةً مِنْ الْأُولَى وَانْقَطَعَ فِي الموفية مائة من السادس عشر وحصل تِسْعٌ وَتِسْعُونَ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الْمُوَفِّيَةِ عِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ غَيْرَهَا انْقَطَعَ فِي مِثْلِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَحْصُلُ تَمَامُ المائة مما

فصل في طواف المتحيرة

قَبْلَ ابْتِدَائِهِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ جُمْلَةِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ فِي الْأَوَّلِ مِثْلَ زَمَنِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ أَزْمِنَةِ أَفْرَادِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا بِأَنْ أَرَادَتْ عِشْرِينَ صُبْحًا وَعِشْرِينَ ظُهْرًا وَعِشْرِينَ عَصْرًا وَعِشْرِينَ مَغْرِبًا وَعِشْرِينَ عِشَاءً فَهَذِهِ الصُّوَرُ تُخَالِفُ صُورَةَ الْمُتَّفِقَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا قُدِّرَ فَسَادُ صَلَاةٍ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ احْتَمَلَ ذَلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْخَمْسَةِ فَكُلُّ جِنْسٍ يَحْتَمِلُ بُطْلَانَ صَلَاتَيْنِ مِنْهُ فَيَجِبُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الضِّعْفِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ فَتُصَلِّي مِائَةَ صَلَاةٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عِشْرِينَ وَتُرَتِّبُ الْأَجْنَاسَ فَتَبْدَأُ بِالصُّبْحِ مَثَلًا ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَ الْمِائَةِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ زَمَانًا يَسَعُ صَلَاةً ثُمَّ تُعِيدُ الْمِائَةَ مِنْ الْأَجْنَاسِ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَتَبْرَأُ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى انْقَطَعَ فِي سَاعَةِ الْإِمْهَالِ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَتَحْصُلُ الْمِائَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ انقطع الحيض في الصلاة الاول حَصَلَ بَعْدَهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَحَصَلَتْ الْمُوَفِّيَةُ مِائَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي الصُّبْحِ الثَّالِثَةِ فِي الْأَوَّلِ عَادَ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْ الْأَوَّلِ مِائَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَصْبَاحٍ وَحَصَلَ صُبْحَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَصُبْحٌ مِنْ الْمَفْعُولَاتِ السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَعُودُ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ نَقُلْ فِي الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ سَاعَةِ الْإِمْهَالِ وَعَلَى هذا التنزيل تخريج بَاقِي التَّقْدِيرَاتِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ سَاعَةِ الامهال في أول السادس عشر لابد مِنْهُ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُمْهِلْ بَلْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ بَقِيَ عَلَيْهَا صَلَاةٌ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى وَانْقِطَاعِهِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَبْقَى ذَلِكَ مِائَةً إلَّا صَلَاةً فَلَوْ فَعَلَتْ هَذَا لَزِمَهَا إعَادَةُ صُبْحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ) * قَالَ أَصْحَابُنَا فِعْلُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَصَوْمُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَفِعْلُ الطَّوَافِ سَوَاءٌ فَفِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَرَادَتْ وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرِيقُهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الْإِمْهَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ في الصوم

وَالصَّلَاةِ وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التقديرات يجئ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ حَرْفًا حَرْفًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُصَلِّي مَعَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ فَكُلُّ طَوَافٍ مَعَ رَكْعَتَيْهِ وَغُسْلِهِ كَصَلَاةٍ مَعَ غُسْلِهَا فَتَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ قَدْرًا يَسَعُ مِثْلَ طَوَافِهَا وَغُسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيَةً ثُمَّ تُمْهِلُ حتى يمضى تمام خمسة عشرة يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهَا بِغُسْلِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَتُمْهِلُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْلَ وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فان قلناهما سُنَّةٌ كَفَى لَهُمَا غُسْلُ الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ وُضُوءٌ لَا تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالثَّالِثُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلرَّكْعَتَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ فَغُسْلُ الْحَائِضِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَالطَّوَافُ بَاطِلٌ فَلَا تَصِحُّ رَكْعَتَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا أَتَتْ بِهِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ وهذا غلط لاحتمال وقوعهما في حيضين وَبَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالَ وَلَكِنْ تَطُوفُ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حِينِ شَرَعَتْ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ تَطُوفُ ثَانِيًا وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَطُوفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْخُرَاسَانِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ تَخْطِئَتِهِمَا الْأَصْحَابَ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى طَوَافَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ تَعْمَلُ فِي طَوَافِهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا طَافَتْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَتَطُوفُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطُوفُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ

فصل في مسائل ذكرها صاحب البحر تتعلق بالمتحيرة

فِي صَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَنَّهَا تَصُومُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الطَّوَافِ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ هو مُتَعَيِّنًا بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثٍ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَصْلٌ فِي مَسَائِلِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَحَيِّرَةِ) * (إحْدَاهَا) لَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ خَلْفَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ مُصَادَفَةِ الْحَيْضِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ خُنْثَى وَلَيْسَ كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُشَكُّ فِي حَدَثِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَاكَ الطَّهَارَةُ: (الثَّانِيَةُ) صَلَّتْ مُتَحَيِّرَةٌ خَلْفَ مُتَحَيِّرَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا (الثَّالِثَةُ) وَطِئَ الْمُتَحَيِّرَةَ زَوْجُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَهُمَا صَائِمَانِ وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ لِلْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا: (الرَّابِعَةُ) أَفْطَرَتْ مُتَحَيِّرَةٌ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُفْطِرَةَ لِلْإِرْضَاعِ فِدْيَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتَحَيِّرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَقْضِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ شَكَّتْ هَلْ كَانَتْ نَوَتْ صَوْمَهُ أَمْ لَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُحْسَبُ لَهَا الْيَوْمُ وَلَا أَثَرَ لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَوْمِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ لِأَنَّ صِيَامَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كَيَوْمٍ وَاحِدِ فَأَشْبَهَ الشَّكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَوْمِ قَالَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَصَامَ يَوْمًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى أَمْ لَا: هَلْ غَيَّرَ النِّيَّةَ أَمْ لَا هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ هَذَا الشَّكُّ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ حَقِيقَةٌ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (السَّادِسَةُ) لَوْ أَرَادَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْأُولَى وَهِيَ صَحِيحَةٌ يَقِينًا أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَلَيْسَ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَصَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ جَمْعًا لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا تَصِحُّ صَلَاةُ الطَّاهِرِ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ فِي زَمَنٍ مَحْكُومٍ بِأَنَّهُ طُهْرٌ فَصَلَّتْ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فِي الزَّمَنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كما يحرم الوطئ مُطْلَقًا وَأَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ عَقِيبَ الطُّهْرِ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَقِيبَ الْحَيْضِ

لم يجز بناءا عَلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَرْعٌ] يَجِبُ عَلَى الزوج نفقة زوجته المتحيرة: من نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا لِأَنَّ جِمَاعَهَا لَيْسَ مأيوسا منه بخلاف الرتقاء والله أعلم * (قال المصنف رحمه الله) * [وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة العدد فكل زمن تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الحائض وكل زمان تيقنا فيه طهرها ابحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب علي الطاهر احتياطا وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض اوجبنا عليها ان تغتسل فيه للصلاة ويعرف ذلك بتنزيل احوالها ونذكر من ذلك مسائل تدل على جميع أَحْكَامَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ: فإذا قالت كان حيضي عشرة أيام من الشهر لا اعرف وقتها لم يكن لها حيض ولا طهر بيقين لانه يمكن في كل وقت أن تكون حائضا ويمكن أن تكون طاهرا فيجعل زمانها في الصلاة والصوم زمان الطهر وتتوضأ في العشر الاول لكل فريضة ولا تغتسل لانه لا يمكن انقطاع الدم فيه فإذا مضى العشر امرناها بالغسل لامكان انقطاع الدم ثم نلزمها بعد ذلك أن تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لان كل وقت من ذلك يمكن انقطاع الدم فيه فان عرفت وقتا من اليوم كان ينقطع دمها فيه الزمناها ان تغتسل كل يوم في ذلك الوقت ولا يلزمها أن تغتسل في غيره لانا قد علمنا وقت انقطاع دمها من اليوم وان قالت كنت أحيض احدى العشرات الثلاث مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين فنجعل زمانها زمان الطهر فتصلي من أول الشهر وتتوضأ لكل فريضة وتغتسل في آخر كل عشر لامكان انقطاع الدم فيه وأن قالت حيضي ثلاثة أيام في العشر الاول مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين في هذه العشرة فتصلي من أول العشر ثلاثة أيام بالوضوء ثم تغتسل لكل صلاة الا ان تعرف انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل ذلك الوقت في كل يوم وتتوضأ في غيره وان قالت كان حيضي أربعة أيام من العشر الاول صلت بالوضوء أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ والثمان والتسع فان علمت يقين طهرها في وقت ان قالت

كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ واعلم أنى كنت في العشر الاخيرة طاهرا فانها في العشر الاول تتوضأ لكل صلاة لانه لا يحتمل انقطاع الدم فيه فإذا مضت العشر اغتسلت لكل صلاة الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه دون غيره وفي العشر الثالثة طاهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضي خمسة أيام في العشر الاول وكنت في اليوم الاول من العشر الاول طاهرا ففى اليوم الاول طهر بيقين فتتوضأ فيه لكل صلاة فريضة وفى اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل فريضة والسادس حيض بيقين فانه علي أي تنزيل نزلنا لم يخرج اليوم السادس منه فتترك فيه ما تترك الحائض ثم تغتسل في آخره لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الي آخر العاشر ثم تدخل في طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضى ستة أيام في العشر الاول كان لها يومان حيض بيقين وهما الخامس والسادس لانه ان ابتدأ الحيض من أول العشر فآخره السادس وان ابتدأ من الخامس فآخره العاشر والخامس والسادس داخلان فيه بكل حال وان قالت كان حيضي سبعة أيام من العشر الاول حصل لها أربعة أيام حيض بيقين وهى من الرابع الي السابع وان قالت ثمانية كان حيضها بيقين ستة من الثالث الي آخر الثامن فان قالت تسعة كان ثمانية من الثاني إلى آخر التاسع لما بينا وان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت في اليوم السادس طاهرا فانها من أول الشهر إلى آخر السادس في طهر بيقين ومن السابع إلى آخر الشهر في طهر مشكوك فيه فتتوضأ لكل فريضة إلى أن يمضى عشرة أيام بعد السادس ثم تغتسل لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الا أن تعرف الوقت الذى كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم فيه دون غيره وان قالت كان حيضى في كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها واعلم أنى كنت في الخمسة الاخيرة طاهرا واعلم أن لى طهرا صحيحا غيرها في كل شهر فانه يحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الاولي والباقى طهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الثانية والباقى طهر ولا يجوز أن يكون في الخمسة الثالثة لان ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة

الرابعة ويكون ما قبلها طهرا ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة ويكون ما قبلها طهرا فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة في الخمسة الاولي وتصلي لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل فريضة من أول السادس الي آخر العاشر لانه طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الدم في كل وقت منه ومن أول الحادى عشر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين ومن أول السادس عشر تتوضأ لكل صلاة الي اخر العشرين لانه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الخامس والعشرين لانه طهر مشكوك فيه وتغتسل لكل صلاة لانه يحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها ومن أول السادس والعشرين الي آخر الشهر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين وان علمت يقين الحيض في بعض الايام بأن قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وكنت أكون في اليوم العاشر حائضا فانه يحتمل أن يكون العاشر آخر حيضها ويكون ابتداؤها من أول الشهر ويحتمل أن يكون العاشر أول حيضها فيكون آخره التاسع عشر ويحتمل أن يكون ابتداؤها ما بين اليوم الاول من الشهر واليوم العاشر فهى من أول الشهر الي اليوم التاسع في طهر مشكوك فيه ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ لكل صلاة وتصلي واليوم العاشر يكون حيضا بيقين تترك فيه ما يجب علي الحائض تركه وتغتسل في آخره ثم تغتسل لكل صلاة الي تمام التاسع عشر الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه من الوقت إلى الوقت ثم بعد ذلك في طهر بيقين الي آخر الشهر فتتوضأ لكل صلاة فريضة فان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ في اليوم الثاني عشر حائضا فانها في خمسة عشر يوما من آخر الشهر في طهر بيقين وفى اليوم الاول والثانى من أو الشهر في طهر بيقين وفى الثالث والرابع والخامس في طهر مشكوك فيه تتوضأ فيه لكل فريضة وفى السادس الي تمام الثاني عشر في حيض بيقين ومن الثالث عشر الي تمام الخامس عشر في طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة وان قالت كان حيضي خمسة أيام من العشر الاول وكنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرا وفى اليوم الخامس حائضا فانه يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره الي تمام السابع ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره الي تمام الثامن ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره تمام التاسع فاليوم الاول والثانى

طهر بيقين والثالث والرابع طهر مشكوك فيه والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ثم تغتسل في اخر السابع فيكون ما بعده الي تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة وان قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ ولا أعلم موضعهما ولا عددهما فان الشيخ أبا حامد الاسفراييني رحمه الله ذكر ان أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون ما بينهما طهرا وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا ويحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين لانه ان كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني فاليوم السادس عشر آخره وان كان من الخامس عشر فالخامس عشر والسادس عشر داخل في الطهر وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مشكوك فيه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هذا خطأ لانا إذا نزلناها هذا التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها في الشهر الذى بعده بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه علي ما بيناه] * [الشَّرْحُ] إذَا كَانَتْ نَاسِيَةً لِوَقْتِ الْحَيْضِ ذَاكِرَةً لِعَدَدِهِ فَالْقَاعِدَةُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ حَيْضَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ طُهْرَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الطَّاهِرِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَكُلُّ زَمَانٍ احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ أَوْجَبْنَا فِيهِ الِاحْتِيَاطَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الطَّاهِرِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَحُكْمُهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ حُكْمُ الْحَائِضِ ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ الْمُحْتَمِلُ لِلطُّهْرِ وَلِلْحَيْضِ لَا يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَهَا فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي هَذَا أَصْلُ الْفَصْلِ وَتَمْهِيدُ قَاعِدَتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ كُلُّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي

وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِمَنْ يُؤْثِرُ الِاخْتِصَارَ وَلَكِنَّ عادة الاصحاب ايضاحه ويسطه بِالْأَمْثِلَةِ وَأَنَا أُتَابِعُهُمْ وَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَسَائِلَ مُسْتَقْصَاةً مُلَخَّصَةً وَاضِحَةً فِي فُرُوعٍ مُتَرَاسِلَةٍ لِيَكُونَ أَنْشَطَ لِمُطَالِعِيهِ وَأَبْعَدَ مِنْ مَلَالَةِ ناظريه وأيسرفى تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ مِنْهُ فِيهِ وَأَسْهَلَ فِي إدْرَاكِ الطَّالِبِ مَا يَبْغِيهِ وَاَللَّهُ الْكَرِيمُ أَسْتَعِينُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ * [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا وَتَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتهَا فِي دَوْرِي وَلَا أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَهَا فِي هذين المثالين حكم المتحيرة في كل شئ وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَة مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَلَا أَعْرِفُ ابْتِدَاءَهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَهِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ شَهْرٍ هِيَ فَهَذِهِ لَهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَا تَذْكُرُ شَيْئًا أَصْلًا وَحُكْمُهَا مَا سَبَقَ إلَّا فِي الصِّيَامِ فَإِنَّهَا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَلَاثِينَ وَصَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَانَ تَامًّا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي النَّهَارِ أَوْ شَكَّتْ حَصَلَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ قَضَاءَ صَوْمِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ صَامَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا خَمْسَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَلَا يَكْفِيهَا صَوْمُ عَشَرَةٍ لِاحْتِمَالِ الِابْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَيَفْسُدُ سِتَّةٌ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَيَكْفِيهَا الْعَشَرَةُ وَلَوْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الَّتِي قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمٌ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ ابْتِدَائِهِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ صَامَتْهُمَا مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ الِابْتِدَاءَ لَيْلًا وَإِلَّا فَأَرْبَعَةٌ وَضَابِطُهُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ الابتداء أنها تضيف إلى أيام الحيض وما لاحتمال الطرآن فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَتَصُومُ مَا عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ مَعَ الْيَوْمِ الْمُضَافِ ثُمَّ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَمَا ذَكَرْنَا أَضَافَتْ يَوْمًا فَتَصِيرُ سِتَّةً فَتَصُومُ يَوْمَيْنِ وَتُفْطِرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ

تَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ صَامَتْهَا ثُمَّ أَفْطَرَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةً وَهَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذِهِ قَدْ يَكُونُ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَطُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيهِ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَقَدْ يَكُونُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ دُونَ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَكْسُهُ وَطَرِيقَةُ معرفة هذه الاقسام أن ننظر إلَى الْمَنْسِيِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ كَانَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهُوَ يُقَدَّرُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ وَسَطِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَمَا بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطَتْ الْمَنْسِيَّ مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ ثُمَّ أَسْقَطَتْ بَقِيَّةَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ مِنْ الْمَنْسِيِّ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتِلْكَ الْبَقِيَّةُ هِيَ الْقَدْرُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مِثَالُ ذَلِكَ وَهُوَ مِثَالٌ يَجْمَعُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ: قَالَتْ كَانَ حَيْضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَيُجْعَلُ شَهْرُهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى زَمَنٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهَا لِكُلِّ فريضة وتصلي والخامس وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَوَّلِ الْعَشَرَةِ انْتَهَى إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى الْعَاشِرِ بَدَأَ مِنْ الْخَامِسِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ لِدُخُولِهِمَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَغْتَسِلُ فِيهَا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الدَّمَ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ فَيَكْفِيهَا كُلَّ يَوْمٍ غُسْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِيَّ فَرَائِضَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامِ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهِيَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَتَتَوَضَّأُ لِلثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ لِلثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ قَالَتْ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا سِتَّةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَلَوْ قَالَتْ تِسْعَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَتَتَوَضَّأُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي الْعَاشِرِ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لكل فريضة

فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ التِّسْعَةِ الْأُولَى فَالْخَامِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ لِمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ الْعَاشِرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْ آخِرِ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَيَكْفِيهَا الْغُسْلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأُوَلِ تَوَضَّأَتْ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ الْعَاشِرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ ثُمَّ هِيَ طَاهِرَةٌ بِيَقِينٍ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَغْتَسِلُ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ فِي الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَمْسَةُ الثَّالِثَةُ تَتَوَضَّأُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّادِسَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي إحْدَى الْعَشَرَات فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِ الْعَشَرَاتِ فَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي يَوْمَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى أَوْ قَالَتْ ثَلَاثَةٌ أَوْ قَالَتْ أَرْبَعَةٌ أَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ فَتَتَوَضَّأُ مُدَّةَ أَيَّامِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ فَهُوَ مِمَّا عَدُّوهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ مُرَادُ الْمُصَنَّفِ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ لِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا بِيَقِينٍ ثُمَّ اعْتَرَضَ هَذَا الْحَامِلُ وَغَلَّطَ الْمُصَنِّفَ وَلَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْحَامِلُ وَظَلَمَ بِوَضْعِهِ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَى مَحَلًّا مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَقَلُّ مُبْتَدِئٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا قَالَتْ حَيْضِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا وَأَيُّ خفى فِي هَذَا لِيَغْلَطَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَنْزِيلِ أَحْوَالِهَا ثُمَّ قَالَ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى احكامها فذكر ما ذكر ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ يَعْنِي يُعْمَلُ

مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِهِ يُعْرَفُ يَقِينُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهِ فَيُعْمَلُ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْزِيلِ وَهُوَ أَنَّ مَا احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فيه وما تعين لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لَهُ وَحِينَئِذٍ إذَا قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَلَا حَيْضَ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي خَمْسَةٍ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَإِنْ قَالَتْ سَبْعَةٌ فَأَرْبَعَةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الرَّابِعُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتُ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ أَوْ الثَّمَانِ أَوْ التِّسْعِ أَيَّامًا لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ يَوْمَيْنِ أَوْ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ ثَلَاثَةً فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الْأَيَّامِ الْمَنْسِيِّ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ وَعَطَفَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَشَرَةِ (قُلْت) فعي هَذَا تَكُونُ الْخَمْسُ وَالسِّتُّ وَالسَّبْعُ وَالثَّمَانُ وَالتِّسْعُ مَعْطُوفَاتٍ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ تِسْعٌ مِنْ أَيَّامٍ لَا تَزِيدُ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ عَلَى نِصْفِهَا فَذَكَرَ الْمَنْسِيَّ دُونَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا عَنْهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ كِبَارِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورِينَ طَبَقَة أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ رأى جزءا فيه وصية الشيخ أبى اسحق الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالضَّرْبِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ طُهْرِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةً مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ عَيْنَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْغُسْلِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَوْجِيهُ هَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا أَحْذِفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ ذَكَرْت مَا قَدْ يَخْفَى دَلِيلُهُ بَيَّنْته إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت أَكُونُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرًا فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ

وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَمَا بَعْدَ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّانِي فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّالِثِ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى طُهْرٌ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّادِسِ فَالسِّتَّةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ السَّابِعِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ ثُمَّ بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّابِعِ أو الثامن أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ فَالْيَوْمُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ طَاهِرًا وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْحَادِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا اولي طُهْرٌ صَحِيحٌ غَيْرُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاولي والباقى طهر ويحتمل ان تكون الخامسة الثَّانِيَةَ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرَّابِعَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْخَامِسَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ سِوَى الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالثَّالِثَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَتَوَضَّأُ وَالْخَامِسَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالسَّادِسَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الثَّانِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي السَّادِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى وَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ فِي الْخَامِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي هَاتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ نَاسِيَةٍ وَإِنْ قَالَتْ وَكُنْتُ فِي السَّادِسِ حَائِضًا فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ

وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ وَكُنْت فِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْخَامِسُ حَيْضٌ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الثَّانِي طَاهِرًا وَفِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَكَذَا الْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَتَغْتَسِلُ فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْت طَاهِرًا فِي طَرَفَيْ الشَّهْرِ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ اللَّحْظَةُ مَعَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الْآتِي طُهْرٌ * [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ حَيْضِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَا أَعْلَمُهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَكُونُ حَائِضًا فِي الْعَاشِرِ فَتَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَيَكُونُ الْعَاشِرُ حَيْضًا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ عَشَرَ ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ لَا أَعْلَمُهَا وَكُنْت حَائِضًا فِي السَّادِسِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِي عَشَرَ فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ الْحَادِيَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِيَ عَشَرَ فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأَحَدَ عَشَرَ قَبْلَهَا تَتَوَضَّأُ وَمِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ

عَشَرَةٌ وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ حَائِضًا فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَمِنْ أَوَّلِ السَّادِسِ إلَى آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي وان قالت وكنت فِي الْعَاشِرِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ النَّاسِيَةِ [فَرْعٌ] إذَا قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ لَا أَعْلَمُ مَوْضِعَهُمَا وَلَا قدرهما: قال المصنف رحمه الله قال ذكر الشيخ أبو حامد أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضا يوم من أول الشهر أو آخره ويوم وليلة من أول الشهر أو آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهر أو يحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين لانه ان كانت ابتداء الطهر في اليوم الثاني فالسادس عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وقال شيخنا القاضي أبو الطيب هذا خطأ لانا إذا نزلنا هذا التنزيل لم يجز ان يكون ذلك حالها في الشهر الذى بعده بل يجب ان تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وكذا قطع بما قاله أبو حامد وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ الاخير حيضا فيعقبه خمسة عشر طهرا مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي مَا يَسَعُ حَيْضَتَيْنِ قَالَ وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طهر بيقين ليس بِصَحِيحٍ فِيمَا سِوَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَالَ فَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَتْهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ لَا تَحْفَظُ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي حَيْضَتَانِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا في ذلك الشهر بِعَيْنِهِ مَا ذَكَرَهُ وَتَكُونُ فِيمَا سِوَاهُ مُتَحَيِّرَةً هَذَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ: وَهَذَا الْإِنْكَارُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ عَلَى أَبِي حَامِدٍ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ مِنْ عِبَارَةِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ وَاَلَّذِي رَأَيْته أَنَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ إذَا قَالَتْ لِي حَيْضَتَانِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَقْتَضِي تَكَرُّرَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ: وَأَعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرْفَعُ مَحَلًّا وَأَعْظَمُ مَرْتَبَةً مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْهُ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَقَلِّ مُتَفَقِّهٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ علي ما نَقَلْته عَنْ تَعْلِيقِهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ حَيْضَتَانِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا سَبَقَ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ هَذَا وَعِبَارَتُهُ تقتضيه: وأما عِبَارَةُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهَا لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ أَحِيَضُهُ حَيْضَتَانِ وَكُنْتُ أَحِيضُ فِي صَفَرٍ وَجُمَادَى

وَشَوَّالٍ مَثَلًا فَحَصَلَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ خِلَافٌ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمَانِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَيَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيُحْتَمَلُ عكسه يحتمل أَنَّهُ أَرْبَعَةٌ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَكَذَا خَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَمَا بَعْدَهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْمَقْصُودُ حَيْضَتَانِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يُفَكِّرُ أَنَّ الطُّهْرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَتَوَضَّأُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَرْعًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ يَعْنِي شَهْرًا مُعَيَّنًا حَيْضَتَانِ وَلِي فِيهِ طُهْرٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَصَارَ لَهَا طُهْرَانِ وَقَدْ قَالَتْ طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَا احْتَمَلَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ

أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا طُهْرٌ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَيْضًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَعَ لَيْلَتِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعِ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ السَّابِعَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ هُنَا قَبْلَ آخِرِ الشهر لانه لو انقطع لم يبقى بَعْدَهُ طُهْرٌ كَامِلٌ وَلَصَارَ لَهَا فِي الشَّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ طُهْرٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله [وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت فان كانت ذاكرة لوقت ابتدائه بان قالت كان ابتداء حيضى من اول يوم من الشهر حيضناها يوما وليلة من أول الشهر لانه يقين ثم تغتسل بعده وتحصل في طهر مشكوك فيه الي آخر الخامس عشر فتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل فريضة وان كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بان قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة ثم تحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر التاسع والعشرين فتتوضأ لكل فريضة لانه لا يحتمل انقطاع الحيض ولا يجب الغسل الا في آخر الشهر في الوقت الذى تيقنا انقطاع اليحض فيه وان قالت كان حيضي في كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النصفين ويوما في الآخر ولا أدرى أن اليوم في النصف الاول أو الاربعة عشر فهذه يحتمل أن يكون اليوم في النصف الثاني والاربعة عشر في النصف الاول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثاني من الشهر وآخره تمام السادس عشر ويحتمل أن يكون الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي النصف الثاني

فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون فاليوم الاول والآخر من الشهر طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بيقين ومن الثاني إلى الخامس عشر طهر مشكوك فيه ومن أول السابع عشر الي آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه فتغتسل في آخر السادس عشر وفي آخر التاسع والعشرين لانه يحتمل انقطاع الدم فيهما وعلي هذا التنزيل والقياس فان قالت كان حيضى خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر من يوم فالحكم فيه كالحكم في المسألة قبلها الا في شئ واحد وهو أن ههنا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة بعد السادس عشر لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فيكون ذلك الوقت وقت انقطاع الحيض إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بعينه من اليوم فتغسل فيه في مثله] * [الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ فِيمَا إذَا ذَكَرَتْ الابتداء والانقطاع فظاهرتان وحكمهما مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ قَوْلِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ آخر الشهر بلحظة لم ينته الطهر الا آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ بَلْ يَجِبُ تَرْكُ لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِهِ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ فِي لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَمَّا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ وَيَوْمًا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا أَدْرِي هَلْ الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الاول والاربعة عشر في الْآخَرِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَوْمُ فِي الْآخَرِ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ أَوَّلِ الثَّانِي إلَى آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَتَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّابِعَ عَشَرَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا يَوْمَيْنِ طُهْرًا بِيَقِينٍ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَيَوْمَيْنِ حَيْضًا وَهُمَا الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَعَلَيْهَا غُسْلَانِ وَلَهَا زمنان مشكوك فيهما تتوضأ فِيهِمَا وَهُمَا مَا بَيْنَ الثَّانِي وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْأَخِيرِ فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فَائِتَةً فِي أَحَدِ الشَّكَّيْنِ لَمْ يُجْزِهَا فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فِي الشَّكَّيْنِ جَمِيعًا أَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طُهْرٌ

بِيَقِينٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَإِنْ أَرَادَتْ قَضَاءَ مَا فَاتَهَا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ شَهْرًا غَيْرَ يَوْمَيْ الْحَيْضِ وَأَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا يَوْمَا الطُّهْرِ مَعَ أَحَدِ الشَّكَّيْنِ أَمَّا إذَا قَالَتْ حيضى خمسة عشرا خلط أحد النصفين بالآخر بيومين لا أعرف في أَيُّهُمَا الْيَوْمَانِ وَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ سِوَى مَا ذَكَرْنَا ولو قالت حيضى خمسة عشرا خلط بِثَلَاثَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهِ وَثَلَاثَةُ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَسِتَّةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وهكذا كلما زاد الخلط يوما زاد اليقين بالحيض يَوْمَيْنِ فِي الْوَسَطِ وَزَادَ يَقِينُ الطُّهْرِ يَوْمًا فِي كُلِّ طَرَفٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ مِنْهَا بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلَانِ وَالْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأُولَى وَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا فَتَتَوَضَّأُ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ

وَالسَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ وَلَا أَدْرِي هَلْ كُنْتُ أَخْلِطُ بِأَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ أَمْ لَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ قَالَتْ أَخْلِطُ بِيَوْمٍ فَقَطْ ولا يخالفها الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِجُزْءٍ فَقَطْ فَلَهَا جُزْءٌ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَجُزْءٌ مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ طُهْرٌ بيقين ولا تترك بسبب هذين الجزءين صَلَاةً وَيَبْطُلُ صَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ لِحُصُولِ الْحَيْضِ فِي آخِرِهِ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَالَتْ لَا أَدْرِي هَلْ كُنْت أَخْلِطُ بِجُزْءٍ أَمْ بِأَكْثَرَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا هُنَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَنْ يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِاحْتِمَالِ الْخَلْطِ بِأَكْثَرَ مِنْ جُزْءٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ وَالْكَسْرُ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلُ وَنِصْفُ الثَّانِي طُهْرٌ وَمِنْ نِصْفِ الثَّانِي إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْعِدَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ * (فَرْعٌ) قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ثَلَاثًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ كُلِّ عشرة ويحرم وطؤها مادام هَذَا حَالُهَا فَإِنْ أَرَادَتْ طَوَافًا طَافَتْ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَصَاعِدًا أَوْ طَافَتْ فِي يَوْمَيْنِ متلاصقين

* مِنْ طَرَفَيْ عَشَرَتَيْنِ وَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يَوْمَ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَرْبَعًا أَوْ خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانية أَوْ تِسْعًا مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ قَدْرَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ * (فَرْعٌ) قَالَتْ كُنْت أَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ إحْدَى خَمْسَاتِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَلَا أَعْلَمُ هَلْ الْيَوْمَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَيْسَ لَهَا فِي الشَّهْرِ حَيْضٌ مُتَيَقَّنٌ زمانه واليومان الاولان والآخران من الشهر طهر بِيَقِينٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَتَغْتَسِلُ عَشَرَةَ أَغْسَالٍ عَقِبَ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَالثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِيهَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ السَّابِعِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّامِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَبَاقِي التَّقْدِيرَاتِ ظَاهِرٌ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ كل خمسة *

(فَرْعٌ) قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَوْمَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت أَخْلِطُ نَهَارَ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِلَحْظَةٍ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى مُضِيِّ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ الرَّابِعِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَهُ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مِنْ لَيْلَةِ السَّادِسِ وَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِ السَّادِسِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّحْظَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ السَّابِعِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ * (فَرْعٌ) قَالَتْ لَا أَعْرِفُ قَدْرَ حَيْضِي وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مَعَ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ * (فَرْعٌ) قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ وَأَخْلِطُ أَحَدَ نِصْفَيْ الشَّهْرِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَى المذكور *

(فَرْعٌ) قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَطُهْرِي عِشْرُونَ مُتَّصِلَةٌ فَالْعَشَرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْأُولَى وَالثَّالِثَةُ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِمَا (فَرْعٌ) قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ مِنْهَا السَّادِسُ أَوْ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ طُهْرٌ أَيْضًا وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ وَعَقِبَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ * (فَرْعٌ) قَالَتْ كُنْت أَخْلِطُ الْعَشَرَةَ الْأُولَى بِالْوُسْطَى بِيَوْمٍ وَالْوُسْطَى بِالْأَخِيرَةِ بِيَوْمٍ وَلَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي فَلَهَا اثنى عَشَرَ يَوْمًا حَيْضٌ وَهِيَ الْعَاشِرُ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَهَا سِتَّةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ أَخْلِطُ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ بِالثَّالِثَةِ وَالثَّالِثَةَ بِالرَّابِعَةِ فَلَهَا سَبْعَةٌ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهِيَ الْعَاشِرُ إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَلَهَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَمِنْ أَوَّلِ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعَ عَشَرَ * (فَرْعٌ) قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا أَعْلَمُهَا وَكَانَ حَيْضِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَصَامَتْ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ سِتَّةً مُتَوَالِيَةً وَأَجْزَأَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ تَقْلِيلَ الصَّوْمِ فَأَقَلُّ

مَا يَجْزِيهَا صِيَامُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ يَوْمَانِ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ فَيَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْطُلُ إلَّا يَوْمٌ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا أَعْلَمُ مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ الدَّمُ وَصَامَتْ رَمَضَانَ فَسَدَ ستة أيام لاحتمال الطرآن لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَتَصُومُ لَهُ بَعْدَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مُتَتَابِعَةً يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا سِتَّةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنْ أَرَادَتْ تَفْرِيقَ الْقَضَاءِ وَتَقْلِيلَ الصَّوْمِ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً فَتَكُونُ قَدْ صَامَتْ مِنْ الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَبْقَى يَوْمَانِ فَتَصُومُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَصُومُ الْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ ظَاهِرٌ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ الْفُورَانِيَّ فِيهِ فَغَلِطَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَلَهَا صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لَمْ يَجُزْ النَّافِلَةُ إلَّا بِالْغُسْلِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْتَبِيحَ النَّافِلَةَ بِغُسْلِ الْفَرِيضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ تَنْزِيلِ الْمَسَائِلِ وَأَحْكَامِهَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ فِرَقُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُمْ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَذَكَرَ طَرِيقَةً عَجِيبَةً مُخَالِفَةً لِلْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ فَقَالَ إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةٌ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْمُبْتَدَآتِ فِي أَنْ تَحِيضَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ

أَوْ سَبْعٌ ثُمَّ الزَّمَنُ الْمَرْدُودُ إلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا لِأُنَبِّهَ عَلَى فَسَادِهَا لِئَلَّا يغتر بها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [هذا الذى ذكرناه في المستحاضة إذا عبر دمها الخمسة عشر ولم يتخللها طهر فاما إذا تخللها طهر بأن رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر فهى مستحاضة: وقال ابن بنت الشافعي رحمه الله الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم في الخمسة عشر حيضا وفى النقاء الذى بينهما قولان في التلفيق لانا حكمنا في اليوم السادس عشر لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة وما بعده ليس بحيض بل هو طهر فكان بمنزلة مالو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة لانه لو كان النقاء في اليوم السادس عشر يميز لوجب أن يميز في الخمسة عشر كالتمييز باللون فعلى هذا ينظر فيها فان كانت مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثم ترى النقاء عشرة أيام ثم ترى يوما وليلة دما أسود ثم أحمر فترد إلى التمييز فيكون الحيض أيام الاسود وما بينهما علي القولين وان كان لها عادة في كل شهر خمسة أيام ردت إلى عادتها فان قلنا لا يلفق كانت الخمسة كلها حيضا وان قلنا يلفق كانت أيام الدم حيضا وذلك ثلاثة أيام ونقص يومان من العادة ومن أصحابنا من قال يلفق لها قدر العادة من الخمسة عشر يوما فيحصل لها خمسة أيام من تسعة أيام وان كانت عادتها ستة أيام فان قلنا لا يلفق كان حيضها خمسة أيام لان اليوم السادس من أيام العادة لا دم فيه لان الدم في الافراد فلم يجز أن يجعل حيضا لان النقاء انما يجعل حيضا علي هذا القول إذا كان واقعا بين الدمين فعلى هذا ينقص من عادتها يوم وإذا قلنا يلفق من أيام العادة كان حيضها ثلاثة أيام وينقص يومان وإذا قلنا يلفق من خمسة عشر حصل لها ستة أيام من أحد عشر يوما وان كانت عادتها سبعة أيام فان قلنا أن الجميع حيض كان حيضها سبعة أيام لا ينقص منها شئ لان اليوم السابع دم فيمكن استيفاء جميع أيام عادتها وان قلنا يلفق لها من أيام العادة كان حيضها

أربعة أيام وان قلنا يلفق من خمسة عشر كان لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يوما وعلي هذا القياس وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة ففيها قولان أحدهما ترد إلى يوم وليلة فيكون حيضها من أول ما رأت يوما وليلة والباقى طهر وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فهي كمن عادتها ستة أيام أو سبعة أيام وقد بيناه فأما إذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم تجاوز الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ وقال بعض أصحابنا هذه مستحاضة هذه لا يثبت لها حكم الحيض حتى يتقدم لها اقل الحيض ومنهم من قال لا يثبت لها حكم الحيض الا ان يتقدمه اقل الحيض متصلا ويتعقبه اقل الحيض متصلا والصحيح هو الاول وانها علي القولين في التلفيق فإذا قلنا لا يلفق حصل لها أربعة عشر يوما ونصف يوم حيضا وإذا قلنا يلفق حصل لها سبعة أيام ونصف حيضا. وما بينهما من النقاء طهر وان جاوز الخمسة عشر كانت مستحاضة فترد الي التمييز ان كانت مميزة أو الي العادة ان كانت معتادة وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة فان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع كان ذلك كالعادة وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قلنا لا يلفق فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا يوم وليلة من غير تلفيق وان قلنا يلفق من أيام العادة لم يكن لها حيض لان اليوم والليلة كأيام العادة ولا يحصل لها من اليوم والليلة اقل الحيض وان قلنا يلفق من الخمسة عشر لفق لها مقدار يوم وليلة من يومين وليلتين وان رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر فان كان الدم بمجموعه يبلغ اقل الحيض فقد قال أبو العباس وابو اسحق فيه قولان في التلفيق وان كان لا يبلغ بمجموعه اقل الحيض مثل أن ترى ساعة دما ثم ينقطع ثم ترى في آخر الخامس عشر ساعة دما قال أبو العباس إذا قلنا يلفق فهو دم فساد لانه لا يتلفق منه ما يكون حيضا وإذا قلنا لا يلفق احتمل وجهين أحدهما يكون حيضا لان زمان النقاء على هذا القول حيض فلا ينقص الحيض عن أقله بل الخمسة عشر حيض والثاني لا يكون حيضا لان النقاء انما يكون حيضا علي سبيل التبع للدم والدم لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض فلم يجعل النقاء تابعا له وان رأت ثلاثة أيام دما وانقطع فالاول حيض لانها رأته في زمان امكانه والثانى دم فساد ولا يجوز أن يجعل ابتداء الحيض لانه

لم يتقدمه أقل الطهر ولا يمكن ضمه إلى ما رأته قبل الخمسة عشر لانه خارج عن الخمسة عشر وان رأت دون اليوم دما ثم انقطع الي تمام الخمسة عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما فان الحيض هو الثاني والاول ليس بحيض لانه لا يمكن اضافته إلى ما بعد الخمسة عشر ولا يمكن أن يجعل بانفراده حيضا لانه دون أقل الحيض] * [الشَّرْحُ] ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عثمان بن شافع ابن السايب كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَقَعُ فِي اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ تَخْبِيطٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ لَك مُحَقَّقًا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ إمَامًا مُبَرَّزًا لَمْ يَكُنْ فِي آلِ شَافِعٍ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ وَسَرَتْ إليه بركة جده وعلمه وقد بسطت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الطَّبَقَاتِ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ يُقَالُ لَهُ فَصْلُ التَّلْفِيقِ وَيُقَالُ فَصْلُ التَّقَطُّعِ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَخَّرْتُ أَنَا شَرْحَ تِلْكَ الْقِطْعَةِ إلَى هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَهَا حَالَانِ إحْدَاهُمَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا وَلَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي يُجَاوِزُهَا (الْحَالُ الْأَوَّلُ) إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ حَيْضٌ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ التَّلْفِيقِ وَقَوْلَ اللَّقْطِ وَالثَّانِي أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ كِلَاهُمَا حَيْضٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ السَّحْبِ وَقَوْلَ تَرْكِ التَّلْفِيقِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فَصَحَّحَ قَوْلَ التَّلْفِيقِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ قَوْلَ السَّحْبِ فَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَقَالَ فِي مناظرة جرت

بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ فَخَرَّجَهَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَحْوَ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِنْ أصحابنا من قال الجميع حيض قولا واحد وَأَمَّا ذِكْرُهُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَانَ مُنَاظَرَةً وَقَدْ يَنْصُرُ الْإِنْسَانُ فِي الْمُنَاظَرَةِ غَيْرَ مَذْهَبِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ فَقَدْ غَلِطَ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِطَرِيقَتِهِ هذه الشاذة مستندا فحصل في المسألة ثلاث طُرُقٍ * أَحَدُهَا الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالسَّحْبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ وَالثَّالِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ * وَبِالتَّلْفِيقِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَبِالسَّحْبِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَنَا قَوْلُ السَّحْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةً وَسِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَيَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَعَشَرَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي أَيَّامِ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمِ الْقَوْلَانِ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ وَقُلْنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضٍ فَهِيَ كَتَخَلُّلِ النَّقَاءِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ حُمْرَةٌ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَطْعًا * وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ والطواف والقراءة والغسل والاعتكاف والوطئ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّقَاءَ لَيْسَ بِطُهْرٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِ الطَّلَاقِ سُنِّيًّا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ يَوْمٍ طُهْرًا كَامِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ دَمٍ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا وَلَا كُلُّ نَقَاءٍ طُهْرًا مُسْتَقِلًّا بَلْ الدِّمَاءُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَاحِدٌ يُعْرَفُ وَالنَّقَاءُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ وَاحِدٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إذَا رَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَمِلَتْ عَمَلَ الطَّاهِرَاتِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ تَلْفِيقٍ لِاحْتِمَالِ دَوَامِ الِانْقِطَاعِ قَالُوا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَصُومَ وَتُصَلِّيَ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ

وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالِاعْتِكَافُ وَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَلَا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ فَإِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي اليوم الثالث تبينا انها ملفقة فان قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ واباحة الوطئ وَغَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ الْعِبَادَاتِ التي فعلتها في اليوم الثاني فيحب عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ الْمَفْعُولَاتِ عَنْ وَاجِبٍ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صَلَّتْ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ لِأَنَّهُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا صَلَاةَ فِيهِ * وَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ نَفْلًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهَا ثَوَابٌ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَلَا ثَوَابَ عَلَى نَفْسِ الصَّوْمِ إذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا ونتبين ان وطئ الزَّوْجِ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَكِنْ لَا إثْمَ لِلْجَهْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَى الرَّابِعَ عَشَرَ وَجَبَ الِاغْتِسَالُ والصلاة والصوم وحل الوطئ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَعُدْ الدَّمُ فَكُلُّهُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ عَادَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ النَّقَاءَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ وَقُلْنَا أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضٌ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِانْتِظَارِ عَوْدِ الدَّمِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُمْسِكُ فِي النَّقَاءِ الثَّالِثِ وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَقَدْ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ: فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي فَرَأَتْ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَلَيْلَتَهُ دَمًا وَالثَّانِيَ وَلَيْلَتَهُ نَقَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهَا أَبَدًا كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ نَقَاءٍ وَتَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ فقد علمنا

التَّقَطُّعَ بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَلَا تَغْتَسِلُ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ تَثْبُتُ عَادَةُ التَّقَطُّعِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِالْعَادَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ فَلَا تَغْتَسِلُ فِي النَّقَاءِ وَلَا تَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ وَلَا تُوطَأُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَرْجِيحِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنْ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فِرَقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَوْ تَقَطَّعَ دَمُهَا مِرَارًا فِي شُهُورٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ بِلَا تَقَطُّعٍ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ بِتَقَطُّعِ الْحَيْضِ حَتَّى يُلْتَقَطَ لها حيضا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيُحْكَمُ بِتَخَلُّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ قَالَ فَإِذًا كُلُّ دَوْرٍ فِي التَّقَطُّعِ يُقَدَّرُ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّقَطُّعِ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ حِينًا فَبِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى عوده بعيد هذا كله إذا كان المنقطع فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ يَزِيدُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَانْقَطَعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا نِصْفَ يَوْمٍ وَنِصْفَ يَوْمٍ نَقَاءً تَكُونُ ذَاتَ تَلْفِيقٍ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَالنَّقَاءُ كُلُّهُ حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يعد فالدم الذى رأته دم فساد عليها أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ وَبَاقِي الِانْقِطَاعَاتِ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ صَارَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ إذَا رَأَتْ دَمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ نَقَاءً كَذَلِكَ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ السَّحْبِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ لَا * وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى النَّاسِيَةِ احْتِيَاطًا وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَأَمَّا سَائِرُ الِانْقِطَاعَاتِ فَإِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ مَا سَبَقَ مِنْ الدَّمِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُكْمُ الدَّوْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأُولَى أَمَّا إذَا

لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً وهكذا الي آخر الخامس عشر ففيه ثلاثة طُرُقٍ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ مِنْهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ كَمَا إذَا بَلَغَ كُلُّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا أَنْصَافُ الدَّمِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ النَّقَاءَ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا حَيْضَ لَهَا وَكُلُّ ذَلِكَ دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ إنْ تَوَسَّطَ قَدْرُ أَقَلِّ الْحَيْضِ مُتَّصِلًا جَرَى الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ أَمَّا إذَا بَلَغَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ فَثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَيْضًا أَصَحُّهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَهُ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّالِثُ إنْ بَلَغَ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ فَهُوَ وَمَا سِوَاهُ حَيْضٌ وَإِنْ بَلَغَ الْآخَرُ الْأَقَلَّ فَهُوَ حَيْضٌ دُونَ مَا سِوَاهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا بلغ مجموع الدماء اقل الحيض فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ بِأَنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً ثُمَّ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَجْمُوعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا حَيْضَ لَهَا بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالثَّانِي أَنَّ الدِّمَاءَ وَمَا بَيْنَهَا حَيْضٌ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا حَيْضَ: فَحَصَلَ فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الدَّمَيْنِ لِيَجْعَلَ ما بينهما حيضا علي قَوْلِ السَّحْبِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ قَدْرَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُ كُلِّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ سريج وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْمَحْمُودِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُصَنِّفُونَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ بَالِغًا أَقَلَّ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ دَمًا نَاقِصًا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَدَمَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَ نَاقِصَيْنِ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالْآخَرَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الانماطى لا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ نِصْفَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يُفَرَّعُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّحْبِ وَالرَّابِعُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَوَّلِهِمَا الْأَقَلَّ وَالْخَامِسُ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَحَدِهِمَا الْأَقَلَّ أَيَّهُمَا كَانَ وَالسَّادِسُ يشترط

الْأَقَلُّ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ أَوْ الْوَسَطِ * [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ هُمَا فيما إذا كان النقاء زائد عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ فَأَمَّا الْفَتَرَاتُ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ الْجُمْهُورُ لَمْ يَضْبِطُوا الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْ الْفَتَرَاتِ وَالنَّقَاءِ وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا وَتَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَدْتُ ضَبْطَهُ فِي أَتْقَنِ مَظَانِّهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَكْمَلِهَا وَأَصْوَنِهَا فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو إسحق مُصَنِّفُ الْكِتَابِ فِي تَعَالِيقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى لَوَثٌ وَأَثَرٌ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا قُطْنَةً يَخْرُجُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّمِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَائِضٌ قَوْلًا وَاحِدًا طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ وَالنَّقَاءُ هُوَ أَنْ يَصِيرَ فَرْجُهَا بِحَيْثُ لَوْ جَعَلَتْ الْقُطْنَةَ فِيهِ لَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ فَهَذَا مَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالشُّيُوخُ الثَّلَاثَةُ وَلَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي وُضُوحِهِ وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ والوثوق بقابليته وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَضْبِطُوا ذَلِكَ وَإِنَّ مُنْتَهَى الْمَذْكُورِ فِيهِ أَنَّ مَا يُعْتَادَ تَخَلُّلُهُ بَيْنَ دَفَعَاتِ الدَّمِ فَهُوَ مِنْ الْفَتَرَاتِ وَمَا زَادَ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِقَدْرِ الْفَتْرَةِ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْحَالُ الثَّانِي: إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً وَهَكَذَا حتى جاوز خمسة عشر متقطعا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمُلْتَقَطِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ ذَاتُ تَقَطُّعٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

المتقدمين والمتأخرين وقال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً بَلْ السَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَأَمَّا الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ أَحَدُهُمَا السَّحْبُ فَتَكُونُ كُلُّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَالثَّانِي التَّلْفِيقُ فَتَكُونُ أَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا وَالنَّقَاءِ طُهْرًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ هُوَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ دَمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَمَّا بَعْدَهَا فَكَانَتْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً فَالسَّادِسَ عَشَرَ يَكُونُ نَقَاءً فَلَوْ اتَّصَلَ الدَّمُ بِالدَّمِ بِأَنْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ سِتَّةً دَمًا فَالسَّادِسَ عَشَرَ فِيهِ دَمٌ مُتَّصِلٌ بِدَمِ الْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ وَافَقَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَصْحَابَ وَقَالَ هِيَ فِي الْجَمِيعِ مُسْتَحَاضَةٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ وَغَلِطَ فِيهِ ابْنُ سُرَيْجٍ فَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَأَيْتُ الْحُذَّاقَ لَا يَعُدُّونَ قَوْلَهُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَذْهَبِ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً ثُمَّ تَرَى بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَتُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا دَمًا أَحْمَرَ فَهَذِهِ الْمُمَيِّزَةُ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَيَكُونُ الْعَاشِرُ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرًا وَفِي التِّسْعَةِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالتِّسْعَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهَا الْعَاشِرُ لِمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ أَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ رَأَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْحُمْرَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ تَخَلُّلِ النَّقَاءِ بَيْنَهَا فَهِيَ أَيْضًا مُمَيِّزَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ السَّوَادِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّهَا حَيْضٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ

الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ وَضَابِطُهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضَهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ وَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا الْقَوِيُّ دُونَ الْمُتَخَلِّلِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّمْيِيزِ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ مَنْ اجْتَمَعَ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُعْتَادَةً وَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْحَالِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التَّمْيِيزُ تَمْيِيزًا مُعْتَبَرًا كَمَا مَثَّلْنَاهُ فَأَمَّا إنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا يَوْمًا وَيَوْمًا إلَى آخِرِ الشهر فهذه وان كانت صورة مميزة فلبست مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ أَحَدِ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَهُوَ أَلَّا يُجَاوِزَ الدَّمُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ نُظِرَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَصَارَ كَأَنَّ الدِّمَاءَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً فَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فَتُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ ذَاتُ التَّقَطُّعِ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ حَافِظَةٌ لِعَادَتِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهَا أَيَّامُهَا مُتَّصِلَةٌ لَا تَقَطُّعَ فِيهَا فَتُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ كُلُّ دَمٍ يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ جَمِيعُهُ حَيْضًا فَإِنْ كَانَ آخِرُ أَيَّامِ الْعَادَةِ نَقَاءً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَأَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ عَادَتِهَا وَفِيمَا يُلْتَقَطُ مِنْهُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُلْتَقَطُ ذَلِكَ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يُبَالَى بِمُجَاوَزَةِ الْمَلْقُوطِ مِنْهُ قَدْرَ الْعَادَةِ وَالثَّانِي يُلْتَقَطُ مَا أَمْكَنَ مِنْ زَمَانِ عَادَتِهَا وَلَا يُتَجَاوَزُ ذَلِكَ وَلَا يُبَالَى بِنَقْصِ قَدْرِ الْحَيْضِ عَنْ الْعَادَةِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ: كَانَ عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى دَمًا وَنَقَاءً وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ

فَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَنَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمَانِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَمَا سِوَاهَا طُهْرٌ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي ويكون السادس وما بعد طُهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَيَكُونُ قَدْ نَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمٌ وَإِنْ قُلْنَا تُلَفِّقُ مِنْ عَادَتِهَا فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا سَبْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَمَانِيَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ السَّبْعَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا تِسْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَنَقَصَ مِنْ الْعَادَةِ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُ السَّابِعَ عَشَرَ لِمُجَاوَزَتِهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِلَّا فَالْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَأَحَدَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وان لقطنا من العادة فافراها وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ العادة أو الامكان فأفرادها الثمانية قال الْغَزَالِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا نَأْمُرُهَا فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلَ أَنْ تَحِيضَ أَيَّامَ الدِّمَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً والله اعلم *

(الْحَالُ الثَّالِثُ) : أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ عَادَتُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ سَوَاءٌ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا صَلَّتْ وَصَامَتْ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَرَكَتْ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ الدَّمِ كَمَا أَمَرْنَاهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ صِيَامِ أَيَّامِ الدَّمِ وَصَلَوَاتِهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ وَأَمَّا صَلَوَاتُ أَيَّامِ النَّقَاءِ وَصِيَامُهَا فَلَا تَقْضِيهِمَا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ فَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّهَا صَامَتْ مُتَرَدِّدَةً فِي صِحَّتِهِ فَلَا يُجْزِئُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَصِحَّ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ شُهُورِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا إنْ حَكَمْنَا بِاللَّقْطِ لم تقض من الخمسة عشر الا صَلَوَاتِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَصِيَامَهَا إنْ رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ سِوَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْ بِاللَّقْطِ أَيَّامَ الْعَادَةِ وَكَانَ الرَّدُّ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ رُدَّتْ إلَى سَبْعٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ جَاوَزْنَاهَا وَرُدَّتْ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ يَوْمَيْنِ (7) [الْحَالُ الرَّابِعُ] النَّاسِيَةُ وَهِيَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَوَقْتِهَا وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فَعَلَى هَذَا فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ احْتَاطَتْ فِي أَزْمِنَةِ الدَّمِ بِالْأُمُورِ السَّابِقَةِ فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ بِلَا فَرْقٍ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ والانقطاع ونحتاط في ازمة النَّقَاءِ أَيْضًا إذْ مَا زَمَانٌ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أن يكون حيضا لكن لا يلزمها بغسل فِي وَقْتٍ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُطَبِّقَةُ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ أَيْضًا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ لِتَجَدُّدِ خُرُوجِ الْحَدَثِ وَلَا تَجَدُّدَ فِي النَّقَاءِ فَيَكْفِيهَا لزمان

_ (7) وجدنا بهامش بعض النسخ دون بعض عبارة طويلة وفى آخرها لفظ صح وقد ضاع بعض سطورها ولما كانت هذه العبارة للرافعي في الشرح نقلناها بالهامش من نفس الشرح قال رحمه الله بعد قوله من يومين (وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما إذا حكمنا بالسحب فان رددناها إلى يوم واحد قضت صلوات سبعة أيام وهي أيام الدم سوي اليوم الاول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان اظهرهما لا تقضي الا صيام ثمانية أيام وهى أيام الدم كلها والثانى تقضي صيام الخمسة عشر ولفظ الوشيط تعبيرا عن القول الاول أنه لا يلزمها الا قضاء تسعة في رمضان لانها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الاول ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فإذا حسبنا سبعة بقى تسعة والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وانما تلزم الستة عشر إذا أمكن انبساط اكثر الحيض على الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذى نتكلم فيه وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام وهي أيام الدماء التى لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في المرد ثلاثة وان ردت إلى سبع قضت صلوات أربعة أيام وأما الصوم فعلى أحد القولين تقضي صيام الخمسة عشر جميعا وعلي أطهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدم في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما) اه

النَّقَاءِ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَعَلَيْهَا الِاحْتِيَاطُ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الدَّمِ وَعِنْدَ كُلِّ انْقِطَاعٍ وَأَمَّا أَزْمِنَةُ النَّقَاءِ فَهِيَ فِيهَا طَاهِرَةٌ في الوطئ وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ: الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَذَكَرَتْ وَقْتَهَا أَوْ نَسِيَتْ الْوَقْتَ وَذَكَرَتْ الْقَدْرَ فَتَحْتَاطُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ مَعَ رِعَايَةِ مَا نَذْكُرهُ: مِثَالُهُ قَالَتْ أَضْلَلْتُ خَمْسَةً فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا يَوْمًا وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ طُهْرٌ لِأَنَّهُ نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دمى حيضى وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِتَعَذُّرِ الِانْقِطَاعِ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْخَامِسِ وَالسَّابِعِ وَالتَّاسِعِ لِجَوَازِ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَهَلْ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي أَثْنَاءِ السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَسَطِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ وَقَوْلُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَوْ فُرِضَ فِي الْوَسَطِ هُنَا لَزِمَ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِي أَوْ الرَّابِعِ وَهِيَ نَقِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَيَّامَ الْعَادَةِ فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ فِي كُلِّ حُكْمٍ وَأَنَّهَا تَغْتَسِلُ عَقِبَ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدَّمِ في جميع المدة لان المنقطع حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزْنَا أَيَّامَ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ عَلَى تَقْدِيرِ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهِ إلَى الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ لَهَا إلَّا يَوْمَانِ دَمًا وَهُمَا السَّابِعُ وَالتَّاسِعُ فتضم اليهما الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَهِيَ إذًا حَائِضٌ فِي السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهِمَا فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلُهُ نَقَاءً أَمَّا إذَا انْقَطَعَ نِصْفُ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفُهُ نَقَاءً وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَرَى نِصْفَ السَّادِسِ دَمًا أَحْمَرَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ السَّابِعَ وَمَا بَعْدَهُ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَتْ أَنْصَافُ السَّوَادِ حَيْضًا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ الْقَوْلَانِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ من الْحُمْرَةُ وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أنه

لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ أن يتصل الدم يوم وَلَيْلَةً وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةِ رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَرَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ وَنِصْفٌ وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ فِي الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى ست أو سبع فهى كمن عادتها سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ لَقَطْنَا لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ مَعَ اللَّيْلَةِ نَقَاءً لَفَّقْنَا الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا ونصفهما نَقَاءً لَفَّقْنَا مِنْ يَوْمَيْنِ: هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ نحيضها يوما وليلة وان تَرَ الدَّمَ فِي جَمِيعِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ الْإِمْكَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَمَا بَيْنَهُمَا لِمُجَاوَزَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ طُهْرٍ وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْآخَرُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ رَأَتْ دَمًا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الامكان ولا يصم الْأَوَّلُ إلَيْهِ لِمُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا فَالدَّمَانِ جَمِيعًا دَمُ فَسَادٍ وَلَا حَيْضَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ لَا يَسْتَقِلُّ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّهُ إلَى الْآخَرِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَقَدْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ دَمًا فِي أَوَّلِهَا يَوْمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمًا فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا الدَّمُ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَيْضًا الثَّانِي وَأَمَّا

الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَإِنْ لَفَّقْنَا فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيَّضْنَاهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ فَيَتِمُّ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ بِلَيْلَتِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ وَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دَمَ فَسَادٍ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ يَوْمَيْنِ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا وَانْقَطَعَ وَاسْتَمَرَّ الطُّهْرُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ أَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا سِتَّةُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةً نَقَاءً ثُمَّ الْعَاشِرَ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ الدَّمِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَسَبْعَةً نَقَاءً وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ الدَّمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ التَّقَطُّعُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمُبْتَدَئِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالُوا لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا ثُمَّ لَمْ تَزَلْ هَكَذَا حَتَّى رَأَتْ السَّادِسَ عَشَرَ دَمًا وَانْقَطَعَ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ الدَّمِ هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى السادس عشر فان جاوز فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ بنت الشافعي رضى الله عنهم فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعُ إذْ لَيْسَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ دَمٌ سِوَاهُمَا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الْعَادَةِ أَمْ بِزَمَنِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ: أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَانِهَا فَيَكُونُ حَيْضُهَا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ

وَالرَّابِعَ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ إلَيْهَا لِأَنَّهُمَا نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ: وَالثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِهَا وَلَا تُبَالِي بِمُجَاوَزَةِ الزَّمَانِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فَحَصَلَ فِي حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ: وَالْوَجْهُ الرابع أنه الثاني والثالث والرابع الخامس وَالسَّادِسُ: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا بِيَوْمٍ وَرَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَالدَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالنَّقَاءَ فِي الثَّالِثِ وَالدَّمَ فِي الرَّابِعِ وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ لفقنا من العادة فحيضها اليوم الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَقَطْ إذْ لَيْسَ فِي زَمَنِ العادة دم سواهما وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْحَيْضِ الْيَوْمَ الَّذِي سَبَقَ الْعَادَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ الشَّهْرِ * قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَعَلَى هَذَا يُلَفَّقُ لَهَا خَمْسَةٌ وَهِيَ أَيَّامُ الدِّمَاءِ آخِرُهَا الثَّامِنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي لَفَّقْنَا لَهَا خَمْسَةً آخِرُهَا الْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا بُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَنِ الْعَادَةِ حَيَّضْنَاهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ أَوَّلُهَا الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الدَّمُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ فَحَصَلَ فِي قَدْرِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الثَّانِي وَالثَّالِثُ والرابع والوجه الثالث خمسة ايام الدماء اولها الَّذِي سَبَقَ عَادَتَهَا وَآخِرُهَا الثَّامِنُ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا الْعَاشِرُ وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا الدَّمُ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الْحُسْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ بين أبى اسحق وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حال اطباق الدم يعود الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ: مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَالْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا هَكَذَا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عشر قال أبو إسحق حَيْضُهَا أَيَّامُهَا الْقَدِيمَةُ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِثَالُ التَّأَخُّرِ أَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا مُتَقَطِّعًا فَعِنْدَ أبى اسحق الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ لِأَنَّ السَّادِسَ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ فَبِالتَّأَخُّرِ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَصَارَ الثَّانِي أَوَّلَهَا والسادس آخرها وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَقَدْ صَارَ طُهْرُهَا السَّابِقُ

عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَفِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الدَّمُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَأَخَّرْ لَكِنْ تَقَطَّعَ هُوَ وَالنَّقَاءُ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ لَمْ يعد خلاف أبى اسحق بَلْ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالسَّادِسُ كَالدِّمَاءِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْخَامِسُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالتَّاسِعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ الْخَامِسَ لَا يُجْعَلُ حَيْضًا إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ وَلَا التَّاسِعُ إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُمَا ضَعُفَا بِاتِّصَالِهِمَا بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَطَرَدُوا الْوَجْهَ فِي كُلِّ نَوْبَةِ دَمٍ يَخْرُجُ بَعْضُهَا عَنْ الْعَادَةِ إنْ اقْتَصَرْنَا عَلَيْهَا أَوْ عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْنَاهَا: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا: أَمَّا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ مَضْرُوبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا فَإِنْ وَجَدَتْهُ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ مِثَالُهُ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَنَوْبَةُ الدَّمِ يَوْمٌ وَنَوْبَةُ النَّقَاءِ مِثْلُهُ وَتَجِدُ عَدَدًا إذَا ضَرَبَتْ الِاثْنَيْنِ فِيهِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَعْلَمُ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أول دورها ابدا مادام التَّقَطُّعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَطَّعَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَلَا تَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ من ضرب اربعة فيه ثَلَاثِينَ فَاطْلُبْ مَا يُقَرِّبُ الْحَاصِلَ مِنْ الضَّرْبِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثِينَ وَهُنَا عَدَدَانِ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْآخَرُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَاسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَخُذْ بِالزِّيَادَةِ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ الثَّالِثَ وَالثَّلَاثِينَ وَحِينَئِذٍ يعود خلاف ابي اسحق لِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ عَنْ أَوَّلِ الدَّوْرِ فَحَيْضُهَا عِنْدَهُ

فِي الدَّوْرِ الثَّانِي هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَقَطْ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَعَ الثَّامِنِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الثَّالِثِ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَلَا يَبْقَى خِلَافُ أَبِي اسحق وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الرَّابِعِ يَتَأَخَّرُ الدَّمُ وَيَعُودُ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا يَقُولُ إذَا تَأَخَّرَ الدَّمُ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي يَوْمَيْنِ فَقَدْ صَارَ أَوَّلُ الْأَدْوَارِ الْمُجَاوِزَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَيُجْعَلُ هَذَا الْقَدْرُ دَوْرًا لَهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَحِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ أَبَدًا لِأَنَّا نَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدَّوْرُ حَدَثَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَقَدْ اثبتنا عادة للمستحاضة مَعَ دَوَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُمَيِّزَةَ يَثْبُتُ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ عَادَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة ولا تجد عَدَدًا إذَا ضَرَبْتَ السَّبْعَةَ فِيهِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ فَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ لِتَبْلُغَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ وَلَا تَضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ الدَّوْرِ ثُمَّ إذَا صَارَ أَوَّلُ الحيضة التاسع والعشرين فقد تقدم الحيض على اول الدور فعلي قياس ابى اسحق مَا قَبْلَ الدَّوْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَخْفَى: وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا سِتَّةً سِتَّةً وَجَاوَزَ فَفِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الدَّوْرُ الثَّانِي فَإِنَّهَا تَرَى سِتَّةً مِنْ أَوَّلِهِ نقاء وهى أيام عادتها فعند ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ أَصْلًا وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا حَيْضُهَا السِّتَّةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلَيْ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَالثَّانِي حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا فَارَقَتْ مَحِلَّهَا فَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَالسِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ صَادَفَتْ زَمَنَ الْإِمْكَانِ لِأَنَّهُ مَضَى قَبْلَهَا طُهْرٌ كَامِلٌ فوجب جعلها حيضا ويجئ هَذَا الْوَجْهُ حَيْثُ خَلَتْ جَمِيعُ أَيَّامِ الْعَادَةِ عَنْ الدَّمِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْ الدَّمُ الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَلَوْ نَقَصَ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَاسْتُحِيضَتْ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَلَى قَوْلِ السحب أصحها وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذِهِ

الصُّورَةِ وَالثَّانِي تَعُودُ إلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَاللَّيْلَةُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيَّضْنَاهَا الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَةَ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فوجهان حكاهما الامام والغزالي في البسيط الاصح قول ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي تَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّلْفِيقُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: هَذَا كله فيمي كَانَ لَهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَادَةٌ غَيْرُ مُتَقَطِّعَةٍ أَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُتَقَطِّعَةٌ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ مَعَ التَّقَطُّعِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بَعْدَ الِاسْتِحَاضَةِ كَالتَّقَطُّعِ قَبْلَهَا فَمَرَدُّهَا قَدْرُ حَيْضِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ مِثَالُهُ كَانَتْ تَرَى ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَالتَّقَطُّعُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ سَحَبْنَا كَانَ حَيْضُهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَشَرَةً وَكَذَا بَعْدَهَا وَإِنْ لَفَّقْنَا كَانَ حَيْضُهَا سِتَّةً يتوسط بين نصفيها أَرْبَعَةٌ وَكَذَا الْآنَ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّقَطُّعُ بِأَنْ تَقَطَّعَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْآنَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ الدِّمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالتَّاسِعُ إذْ لَيْسَ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الْقَدِيمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دم الا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ تَكْمِيلًا لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا تَسْمِيَتُهُ طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الطُّهْرِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ إهْمَالُهُ بَيَانَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ جَاوَزَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ كما سبق * [قال المصنف رحمه الله] * [دَمُ النِّفَاسِ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُهُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ لِأَنَّهُ حَيْضٌ مُجْتَمِعٌ احْتَبَسَ لِأَجَلِ الْحَمْلِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ فَإِنْ خرج قبل الولادة شئ لَمْ يَكُنْ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَانَ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ جَمِيعُ الْوَلَدِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَامِلِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَصَارَ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَقَالَ أَبُو اسحق وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْقَاصِّ هُوَ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ دَمٌ انْفَصَلَ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ فصار

كَالدَّمِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ الْوِلَادَةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَرَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ نِفَاسٌ وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضٌ وَنِفَاسٌ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضَتَانِ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَهُوَ حَيْضٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقُومُ مقام الطهر في الفصل] * [الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا فِي أَلْفَاظِهَا: النِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخَارِجَ مَعَهُ نِفَاسًا يَقُولُ هُوَ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا النِّفَاسُ الْوِلَادَةُ وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَهَاتَانِ اللُّغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَآخَرُونَ أَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْمُجْمَلِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ فَيُقَالُ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لاغير كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ وَيُقَالُ فِي الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فعال الانفساء وَعُشَرَاءَ لِلْحَامِلِ جَمْعُهَا عِشَارٌ وَيُجْمَعُ النُّفَسَاءُ أَيْضًا نُفَسَاوَاتٍ بِضَمِّ النُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ وَيُجْمَعُ عَلَى نُفُسٍ أَيْضًا بِضَمِّ النُّونِ وَالْفَاءِ قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ نُفْسَى مِثْلُ كُبْرَى وَنَفْسِي بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ امْرَأَتَانِ نُفْسَاوَانِ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الْحَيْضِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَسْرَهَا أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ تَعْدِيَتُهُ بِمِنْ فَيُقَالُ مِنْ أجل الحيض ومن أجل كذا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا) وَقَوْلُهُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَالْحَامِلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أبى اسحق وَأَبِي الْعَبَّاسِ فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ وَقَوْلُهُ أَبُو العباس بن ابى أحمد ابن الْقَاصِّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ ابْنُ الْقَاصِّ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ هُنَا صِفَةً لِأَبِي الْعَبَّاسِ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِأَبِي أَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقَاصَّ هُوَ أَبُو أَحْمَدَ وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَصِفُوا أَبَا الْعَبَّاسِ بِأَحَدِ أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ فَتَارَةً يُقَالُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ وَتَارَةً أَبُو الْعَبَّاسِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَوْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِلَا كُنْيَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا حُكْمُ

الْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ مُخْتَلَفًا فِي بَعْضِهَا أَحَدُهَا أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَكُونُ بُلُوغًا فَإِنَّ الْبُلُوغَ يَحْصُلُ بِالْحَمْلِ قَبْلَهُ والحيض قد يكون بلوغا الثاني لَا يَكُونُ النِّفَاسُ اسْتِبْرَاءً الثَّالِثُ لَا يُحْسَبُ النِّفَاسُ مِنْ عِدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا قَطَعَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ وَلَا يُقْطَعُ الرَّابِعُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِالْحَيْضِ وَفِي انْقِطَاعِهِ بِالنِّفَاسِ وَجْهَانِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ كالصلاة والصوم والوطئ وغيرهما مِمَّا سَبَقَ وَيَسْقُطُ عَنْهَا مَا يَسْقُطُ عَنْ الْحَائِضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَطَلَاقُهَا وَيُكْرَهُ عُبُورُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُمَا وَيَلْزَمُهَا الغسل وقضاء الصوم ونمنع صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْغُسْلِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ النِّفَاسُ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّ بَاقِيَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَوَّلًا لِسُهُولَتِهَا وَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَلِهَذَا قَالَ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ النُّفَسَاءَ لَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ لا خلاف فيه ونقل ابن جريج إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كُلِّ شئ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ النُّفَسَاءَ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ نُفَسَاءَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِيَسْقُطَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَيَّامِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي حَقِيقَةِ النفاس وحكم الدم قبل الولادة وبعدها ومعها فَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَنِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ نِفَاسًا لَزَادَتْ مُدَّةُ النِّفَاسِ علي

سِتِّينَ يَوْمًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ وَصَحَّحَهُ ابن الصباع وَالثَّالِثُ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا وُجُوبُ الْغُسْلِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَمِنْهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ أَصْلًا أَوْ وَلَدَتْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ وَكَانَ الدَّمُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْوَلَدِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْهَا مَنْعُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِجَمِيعِ الْوَقْتِ أَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ مَجْنُونَةً وَأَفَاقَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِالْجُنُونِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تُوجَدْ الْوِلَادَةُ لَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ وَأَوَّلُ نِفَاسِهَا مِنْ حِينِ بَدَأَ بِهَا الدَّمُ الْمُتَّصِلُ بِالْوِلَادَةِ وَالثَّانِي لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَمُرَادُهُ بِمَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَا قَارَبَهَا وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ طُهْرٌ أَصْلًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ وَلِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الطَّلْقِ لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالُوا ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَجْهًا أَنَّ مَا يَبْدُو عند الطلق نفاس لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ ثُمَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا لَا يُجْعَلُ نِفَاسًا لَا يُجْعَلُ حَيْضًا كَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى مَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَجَبَ أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَصَلَ في وقت ابتداء النفاس أوجه أحدها بحسب مِنْ الدَّمِ الْبَادِئِ عِنْدَ الطَّلْقِ وَالثَّانِي مِنْ الدَّمِ الْخَارِجِ مَعَ ظُهُورِ الْوَلَدِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَابْتِدَاءُ النِّفَاسِ يُحْسَبُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ لَا مِنْ

رُؤْيَةِ الدَّمِ وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَمَوْضِعُهُ إذَا كَانَتْ الْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ انْقِطَاعِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْضٌ إنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِلَّا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْحَامِلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْوِلَادَةِ أَمْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْجَارِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْخِلَافَ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * * [وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن العنبري والحجاج ابن ارطاة ابن النِّفَاسَ سِتُّونَ يَوْمًا وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ وَقَدْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَرَى الدَّمَ وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَرَ نِفَاسًا فَسُمِّيَتْ ذات الجفوف] * [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَالْجُفُوفُ بِضَمِّ الْجِيمِ معناه الجفاف وهما مصدران لجف الشئ يَجِفُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا فِي لُغَيَّةٍ: أَمَّا حُكْمُهُ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعْنَاهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِسَاعَةٍ وَلَا بِنِصْفِ سَاعَةٍ مَثَلًا وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُجَرَّدَ مَجَّةٍ أَيْ دَفْعَةٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في التنبيه والاصحاب وحكى ابوعيسي التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهَذَا عَجِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا إطْلَاقُ جَمَاعَةٍ مِنْ اصحابنا ان أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةً

فَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّاعَةُ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ بَلْ الْمُرَادُ مَجَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ نص في أقل النفاس وروى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ السَّاعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي العباس وجميع البغداديين انه محدود الاقل بساعة وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّاعَةَ تَقْلِيلًا لَا تَحْدِيدًا وَأَقَلُّهُ مَجَّةُ دَمٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُزَنِيِّ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذكل قَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ فَإِذَا أَرَادَتْ الطُّهْرَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ أَقَلَّهُ مَجَّةٌ وَبَنَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْدِيدِهِ بِسَاعَةٍ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَقُلْنَا إنَّ الْوِلَادَةَ بِلَا دَمٍ تُوجِبُ الْغُسْلَ فَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ام لابد مِنْ تَأْخِيرِهِ سَاعَةً فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا مَحْدُودٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ ضَعِيفٌ انْبَنِي عَلَى ضَعِيفٍ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ غُسْلِهَا وَكَيْفَ تُمْنَعُ صِحَّتُهُ بِسَبَبِ النِّفَاسِ وَلَا دَمَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِيبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ قُلْنَا الدَّمُ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ نِفَاسٌ أَمْ لَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ غَالِبَ النِّفَاسِ وَتَرْكُهُ عَجَبٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى غَالِبِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا يَزِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْ تركه وكأنه اسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَأْخَذَهُ الْعَادَةُ وَالْوُجُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا حالهما في

أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَشِدَّةِ حِفْظِهِ رَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ إلَّا حَفِظْتُهُ وَأَحْوَالُهُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَقِيلَ سِتٍّ وَأَمَّا الْعَنْبَرِيُّ فَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْبَرِيُّ الْقَاضِي الْبَصْرِيُّ وُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ بَعْدَ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نُسِبَ إلَى الْعَنْبَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ جَدٌّ مِنْ أَجْدَادِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مَحْمُودًا ثِقَةً عَاقِلًا وَهُوَ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَأَمَّا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو أَرْطَاةَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُفْتِينَ بِالْكُوفَةِ اُسْتُفْتِيَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَوُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَقَلِّهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَزَعَمَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ التَّحْدِيدِ بِسِتِّينَ يوما وقال يسئل النِّسَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ كَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ خَمْسُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ اللَّيْثُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ سَبْعُونَ يَوْمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَ

الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِنْ الْغُلَامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَمِنْ الْجَارِيَةِ أَرْبَعُونَ وَعَنْ الضَّحَّاكِ أَكْثَرُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِأَرْبَعِينَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ بِمَعْنَى هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي السِّتِّينَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُهُ زَائِدًا كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالثَّانِي حَمْلُهُ عَلَى نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ إثْبَاتُ الْأَرْبَعِينَ وَاعْتَمَدَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَرْدُودٌ بَلْ الْحَدِيثُ جَيِّدٌ كَمَا سَبَقَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ضَعَّفَهَا الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَسْبَابَ ضَعْفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا أَقَلُّ النِّفَاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَقَلَّهُ عِنْدَنَا مَجَّةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقد سبق أنه مذهب مالك والازاعى وأحمد واسحق وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا مَجَّةٌ كَمَذْهَبِنَا وَالثَّانِيَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْهُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ الْوُجُودُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى وُجِدَ مَنْ لَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا قَالَ صَاحِبُ الحاوى وسبب

اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ذَكَرَ أَقَلَّ مَا بَلَغَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى أَقَلِّ مَا وُجِدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْمُزَنِيّ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ فَغَرِيبٌ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي أَقَلِّهِ كَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرُوهُ كَانَ عَنْ الْمُزَنِيِّ رِوَايَتَانِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوِلَادَةَ فَاعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثاني لانه مادام معهما حَمْلٌ فَالدَّمُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْمُدَّةِ فَإِذَا وُجِدَا اُعْتُبِرَ الِابْتِدَاءُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لو وطأ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَطِئَهَا فانها تستأنف العدة] * [الشَّرْحُ] يُقَالُ زَمَانٌ وَزَمَنٌ لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ توأمين هو بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَعْنَاهُ وَلَدَانِ هُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا تَوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فان كان سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا تَوْأَمَانِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَشْهُورَةٌ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَاهَا أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ النِّفَاسَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ وَزَفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد وَتَوْجِيهُ الْجَمِيعِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثَّانِي فَفِي حُكْمِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي دَمِ الْحَامِلِ أَصَحُّهُمَا

أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ كَاَلَّذِي تَرَاهُ فِي مبادئ خروج الولد وبهذا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالثَّالِثُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ انْفَتَحَ بَابُ الرَّحِمِ فَخَرَجَ الْحَيْضُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُنْسَدٌّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنْ قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ إنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسَانِ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يُبَالَى بِزِيَادَةِ مَجْمُوعِهِمَا عَلَى سِتِّينَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا وَبَعْدَ الثَّانِي سِتِّينَ كَانَا نِفَاسَيْنِ كَامِلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فِي بَطْنٍ وَرَأَتْ عَلَى أَثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ سِتِّينَ فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُ نِفَاسٍ مُسْتَقِلٍّ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسٌ وَاحِدٌ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ وَضَعَتْ الْأَوَّلَ قَالَ جَمَاعَةٌ كَانَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الثَّانِي دَمَ فَسَادٍ وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَوَّلِ وَتَسْتَأْنِفُ نِفَاسًا فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَهُ نِفَاسٌ كَامِلٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ الثَّانِيَ وَتَرَى الدَّمَ عَقِيبَهُ وَلَا يَكُونُ نِفَاسًا قَالَ الْإِمَامُ وَسَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ الدَّمُ بَعْدَ الثَّانِي دَمُ فَسَادٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا وَلَدٌ تَقَدَّمَهُ النِّفَاسُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ يُقَالَ إذَا وَلَدَتْ وَرَأَتْ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ تَمَادَى اجْتِنَانُ الْوَلَدِ الثَّانِي أَشْهُرًا ثُمَّ وَلَدَتْهُ وَرَأَتْ دَمًا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَسْتَعْقِبُ نِفَاسًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) إذَا أَسْقَطَتْ عُضْوًا مِنْ الْجَنِينِ وَبَقِيَ الْبَاقِي مُجْتَنًّا وَرَأَتْ بَعْدَ الْعُضْوِ دَمًا قَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَكُونُ نِفَاسًا فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الدم بين التوأمين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ رَأَتْ دَمَ النِّفَاسِ سَاعَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وليلة فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالثَّانِيَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ نِفَاسٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وُجِدَ

فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَتَارَةً يَتَجَاوَزُ التَّقَطُّعُ سِتِّينَ يَوْمًا وَتَارَةً لَا يَتَجَاوَزُهَا فَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الطُّهْرِ وهو خمسة عشر وما فَأَوْقَاتُ الدَّمِ نِفَاسٌ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ مِثَالُ هَذَا أَنْ تَرَى سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً أَوْ عَشَرَةً أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةً وَنَحْوَهُمَا مِنْ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا إذَا بَلَغَتْ مُدَّةُ النَّقَاءِ أَقَلَّ الطُّهْرِ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا فَفِي الدَّمِ الْعَائِدِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالْعَائِدَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ تَخَلَّلَهُمَا طُهْرٌ كَامِلٌ فَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَدَمَيْ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الدَّمَيْنِ نِفَاسٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طُهْرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّ النَّقَاءَ الْمُتَخَلِّلَ طُهْرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُسْتَثْنَى عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُدَّةُ الْكَامِلَةُ فِي الطُّهْرِ نِفَاسًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ نَاقِصَةً فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ طُهْرًا وَحْدَهَا فَتَبِعَتْ الدم اما إذا كان الدم العائد بعد خمسة عشر النقاء دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّهُ نِفَاسٌ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهُ حَيْضٌ فَهُنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ قَطَعَ حُكْمَ النِّفَاسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ ومحمد والثانى أَنَّهُ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ نِفَاسًا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّمُ الْعَائِدُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّ الْعَائِدَ نِفَاسٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَيْضٌ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا

بِالِاسْتِحَاضَةِ فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدَأَةٌ هِيَ أَمْ مُعْتَادَةٌ أَمْ مُمَيِّزَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ولم ترد دَمًا أَصْلًا حَتَّى مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَهَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ نِفَاسٌ فِيهِ الْوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قُلْنَا أنه حيض فلا نفاس لهذه المرأة أَصْلًا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا ثُمَّ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ يَوْمًا فَإِنْ جَاوَزَهَا نُظِرَ إنْ بَلَغَ زَمَنُ النَّقَاءِ فِي السِّتِّينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ جَاوَزَ الْعَائِدَ فَالْعَائِدُ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّقَاءُ قَبْلَهُ طُهْرٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَهَلْ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ أَمْ غَالِبِهِ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يُرَاعَى التَّلْفِيقُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالدِّمَاءُ فِي أَيَّامِ الْمَرَدِّ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ نِفَاسٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فلا يخفى حكما وَهَلْ يُلَفَّقُ مِنْ الْعَادَةِ أَمْ مِنْ مُدَّةِ الامكان وهى الستين فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ إذَا وَضَعْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقت بالوضع وكم القدر لذى يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّمِ الْعَائِدِ بَعْدَ الطُّهْرِ الْكَامِلِ فِي السِّتِّينَ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَضَعَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِلَحْظَةٍ وَتَرَى الدَّمَ فِي اللَّحْظَةِ ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَحِيضَ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَنَى ابْنُ سُرَيْجٍ هَذَا علي ما إذا رأت النفاس فان لَمْ تَرَهُ أَصْلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا قُلْنَا الدَّمُ الْعَائِدُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا اثْنَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِأَنَّ السِّتِّينَ لَا يَحْصُلُ فِيهَا دَمٌ يُحْسَبُ حَيْضًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم ترى الدم لحظة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ وَعَبَرَ الدَّمُ السِّتِّينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَالْأَقَلِّ وَالْغَالِبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ فِي أَحْكَامِهِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ عند الاشكال] *

[الشَّرْحُ] إذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوْ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ الْأَقَلِّ أَوْ الْغَالِبِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقُ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حكاه المحاملي وبن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى ظَاهِرٍ آخَرَ وَالنِّفَاسُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْأَكْثَرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةً إلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ ان كانت معتادة أو المردود إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً ثُمَّ مَا بَعْدَهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِهِ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قال أبو الحسن بن المرزبانى قال صاحبا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا إنْ زَادَ الدَّمُ بَعْدَ السِّتِّينَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِلَ دَمُ الْحَيْضِ بِدَمِ النِّفَاسِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ حَكَاهُمَا أَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفُ فِي الْحَيْضِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَهَلْ تَكُونُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَّصِلُ الْحَيْضُ بِالنِّفَاسِ كَمَا لَا يَتَّصِلُ حَيْضٌ بِحَيْضٍ وَالثَّانِي يَتَّصِلُ لِاخْتِلَافِهِمَا ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ حكو الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ أَطْلَقُوهَا وَخَصَّصَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ الْأَوْجُهَ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَطَعُوا بِأَنَّ الْمُمَيِّزَةَ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا كَالْحَائِضِ إذَا عَبَرَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَذَكَرَتْ عَادَتَهَا فَقَالَتْ كُنْتُ أَنْفُسُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَثَلًا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الْعَادَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَصِيرُ مُعْتَادَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ ايضا فيحكم لها بالطهر بعد الاربعين عل قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ عَلَى قدر عادتها

فِي الْحَيْضِ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ فَيُجْعَلُ لَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ دَوْرُ الْمُبْتَدَأَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ وَيَكُونُ الطُّهْرُ مُتَّصِلًا بِالْأَرْبَعِينَ وَالْحَيْضُ بَعْدَهُ فَلَوْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَفَافٍ ثُمَّ وَلَدَتْ مَرَّةً وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نَقُولُ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةٌ لَهَا بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ كَاَلَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فِي النِّفَاسِ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إذَا جَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْحَيْضِ أَصَحُّهُمَا الرَّدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ وَهُوَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ نَحْوُ مَجَّةٍ وَالثَّانِي الرَّدُّ إلَى غَالِبِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَزَادَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عن المزني مذهبنا للمزني وحكاه الشيخ أبو حامد وغيره وجها لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقًا آخَرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وابي اسحق وَهِيَ الرَّدُّ إلَى الْأَقَلِّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا عُلِمَ حَالُهَا فِي مَرَدِّهَا فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَيُجْعَلَ لَهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ طُهْرًا ثُمَّ بَعْدَهُ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ حَيْضًا ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ أَيْضًا فَقَدْرُ مَرَدِّهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَالْمُعْتَادَةِ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَتُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَهَلْ يُقَدَّمُ تَمْيِيزُهَا أَمْ الْعَادَةُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مِثْلِهِ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ فَفِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ الي لحظة فِي قَوْلٍ وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وعلى المذهب تؤمر بالاحتياط ورجح إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا الرَّدَّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّلِ الْهِلَالِ لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فإذا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا لِأَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا جَهِلَتْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ أَيْضًا عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لِالْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زمن النفاس

حُكْمُهُمَا حُكْمُهُمَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَإِذَا اتَّصَلَتْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ تُجَاوِزْ السِّتِّينَ فَإِنْ وَافَقَ عَادَتَهَا فَنِفَاسٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نِفَاسٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ شَاهِدَةٌ لِلنِّفَاسِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ شَاهِدٌ فِي الدَّمِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ قَالَ وَسَوَاءٌ الْمُبْتَدَأَةُ وَغَيْرُهَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ شَهْرَهَا عِشْرُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا الدَّمَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاتَّصَلَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا عَلَى عَادَتِهَا فَتَكُونُ نُفَسَاءَ فِي مُدَّةِ الْعِشْرِينَ وَطَاهِرًا فِي مُدَّةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحَائِضًا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ بعدها وان كانت عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ عِشْرِينَ فَإِنَّ شَهْرَهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا وَانْقَطَعَ وَطَهُرَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ حَيْضَهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هِيَ فِي الْحَيْضِ عَلَى عَادَتِهَا وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا فَصَارَ شَهْرَيْنِ بَعْدَ مَا كَانَ عشرين يوما فتكون نفساء في العشرين الاولة وَطَاهِرًا فِي الشَّهْرَيْنِ بَعْدَهَا وَحَائِضًا فِي الْعَشَرَةِ التى بعدها] * [الشَّرْحُ] هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ ونقلوهما عن أبى اسحق كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِمَا قَالَ وَهُمَا مُفَرَّعَتَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ النِّفَاسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَامِلَ الْخِلْقَةِ وَلَا حَيًّا بَلْ لَوْ وَضَعَتْ مَيِّتًا أَوْ لَحْمًا تَصَوَّرَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ أَوْ لَمْ يَتَصَوَّرْ وَقَالَ الْقَوَابِلُ إنَّهُ لَحْمُ آدَمِيٍّ ثَبَتَ حُكْمُ النِّفَاسِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ضَابِطُهُ أَنْ تَضَعَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ (فَرْعٌ) إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ وَاغْتَسَلَتْ جَازَ وَطْؤُهَا كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَطْئِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَلَا يَحْرُمُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ أَرْبَعِينَ: دَلِيلُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ فِي كل شئ فكذا في الوطئ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ: وَإِنَّمَا احْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ غَرِيبٍ وَلَيْسَ

فِيهِ دَلَالَةٌ لَوْ صَحَّ ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ أو بعد ايام فللزوج الوطئ: قال صاحب الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ إذَا انْقَطَعَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَعَلَيْهَا ان تغتسل ويباح الوطئ عَقِيبَ الْغُسْلِ قَالَ فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَ الدَّمِ استحب التوقف عن الوطئ احتياطا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [يَجِبُ عَلَى المستحاضة ان تغتسل الدَّمَ وَتَعْصِبَ الْفَرْجَ وَتَسْتَوْثِقَ بِالشَّدِّ وَبِالتَّلَجُّمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَقَالَتْ إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَلَجَّمِي) فَإِنْ اسْتَوْثَقَتْ ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي الشَّدِّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلى حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) ] * [الشرح] حديث حمنة صحيح راوه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا قَوْلَهُ تَلَجَّمِي فَإِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بَدَلُهُ فَاِتَّخِذِي ثَوْبًا وَهُوَ بِمَعْنَى تَلَجَّمِي ثُمَّ هَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْقُطْنُ وَأَنْعَتُ أَصِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ والبيهقي وليس في روايتهم حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (إنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظُ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الباب بيان حَمْنَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ وَنَعْنِي بِالْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي يَجْرِي دَمُهَا مُسْتَمِرًّا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ لَزِمَهَا الِاحْتِيَاطُ فِي طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ فَتَغْسِلُ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَتَحْشُوهُ بِقُطْنَةٍ وَخِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ وَتَقْلِيلًا لَهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بذلك وحده فلا شئ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَإِنْ

لَمْ يَنْدَفِعْ بِذَلِكَ وَحْدَهُ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عَلَى وَسَطِهَا خِرْقَةً أَوْ خَيْطًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ التِّكَّةِ وَتَأْخُذَ خِرْقَةً أُخْرَى مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتُدْخِلَهَا بَيْنَ فَخْذَيْهَا وَأَلْيَتِهَا وَتَشُدَّ الطَّرَفَيْنِ فِي الْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَحَدُهُمَا قُدَّامَهَا عِنْدَ سُرَّتِهَا وَالْآخَرُ خَلْفَهَا وَتُحْكِمَ ذَلِكَ الشَّدَّ وَتُلْصِقَ هَذِهِ الْخِرْقَةَ الْمَشْدُودَةَ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْجِ إلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا لِمُشَابَهَتِهِ لِجَامَ الدَّابَّةِ وَثَفَرَهَا بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّعْصِيبَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَشْوِ وَالشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ وَاجِبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ فَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا فِيهِ من الضرر الثاني ان تكون صائمة فترك الحشو نهار أو تقتصر عَلَى الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ قَالُوا وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَتَتَوَضَّأُ عَقِبَ الشَّدِّ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجَّمَتْ وَأَخَّرَتْ الْوُضُوءَ وَطَالَ الزَّمَانُ ثُمَّ تَوَضَّأَتْ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَوْثَقَتْ بِالشَّدِّ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ خَرَجَ دَمُهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ فَرْضِهَا ما شاءت من النوفل لِعَدَمِ تَفْرِيطِهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) فَهَذَا مَعَ حَدِيثِ حَمْنَةَ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ واما إذا خرج الدم لتقصيرها فِي الشَّدِّ أَوْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا لِضَعْفِ الشَّدِّ فَزَادَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطُلَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرِيضَةٍ لَمْ تُسْتَبَحْ نَافِلَةٌ لِتَقْصِيرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ إنْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَثُرَتْ وَأَمْكَنَ تَقْلِيلُهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَوَجَبَ التَّجْدِيدُ كَنَجَاسَةِ النَّجْوِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْأَلْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وان لم تزل العصابة عن موضعها ولاظهر الدَّمُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا بِخِلَافِ الْأَمْرِ

بِتَجْدِيدِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَإِذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ فَلَا أَثَرَ لِلزَّوَالِ وَإِنَّمَا الْأَثَرُ لِتَجَدُّدِ النَّجَاسَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ الْمَسْعُودِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاحْتَاجَتْ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ بِأَنْ خَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ فَيَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَفِي تَجْدِيدِ الِاحْتِيَاطِ بِالشَّدِّ الْخِلَافُ وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا بِالْبَوْلِ وَجَبَ تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [وَلَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ نَافِلَةٍ شَقَّ عليها] [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً وَأَمَّا الْمَنْذُورَةُ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كلام عروة ابن الزُّبَيْرِ وَإِذَا بَطُلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِغَيْرِهِ فَيُقَالُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ بِطَهَارَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْهَا بِطَهَارَةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فِي اسْتِبَاحَتِهَا النَّافِلَةَ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِبَاحَةِ المعضوب والميت في حج القطوع وَحَكَوْا مِثْلَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي اسْتِبَاحَةِ النَّافِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بوضوئها اكثر من فريضة عروة ابن الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ بَطُلَتْ طَهَارَتُهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ صَلَّتْ مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ إلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ فَرَائِضَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ (الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) وَهَذَا حديث باطل لا يصرف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشئ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَرَّةً

وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وبه قال عروة ابن الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ دَائِمًا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي) أو ليس فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شئ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي) فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بن عيينة والليث ابن سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْمُسْتَقْبَلُ وَلَا الْمُقَارَنُ وَلَكِنْ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَنَحْوُهُمَا مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ الْقَفَّالَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِالْوُضُوءِ قَوْلَانِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ قَالَا هَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ قَالَا وَيَسْتَحِيلُ ارْتِفَاعُ حَدَثِهَا مَعَ مُقَارَنَتِهِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمُسْتَقْبَلُ وَفِي ارْتِفَاعِ الْمَاضِي وَجْهَانِ وَالْمُقَارَنُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَشْهُرُهَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمَاضِي دُونَ الْمُقَارَنِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّانِي فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ والثالث وهو الصحيح دليلا لا يرتفع شئ مِنْ حَدَثِهَا لَكِنْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مَعَ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّتِهَا فِي الْوُضُوءِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ

نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهَا تَجِبُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا تُجْزِئُ وَالثَّانِي يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ والثالث يجب الجمع بينهما والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [ولا يجوز ان تتوضأ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تجوز قبل الضَّرُورَةِ فَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ يَعُودُ إلَى مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْإِقَامَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَعَ نَجَاسَةٍ يُمْكِنُ حِفْظُ الصَّلَاةِ مِنْهَا وَالثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ وُسِّعَ فِي الْوَقْتِ فَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهَا وان اخرتها حتى خرج الوقت لم يجزها أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّا لَوْ منعنا مِنْ ذَلِكَ صَارَتْ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةً بِالْوَقْتِ وَذَلِكَ لا يجوز عندنا] * [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا وَوَقْتُ الْمُؤَدَّاةِ مَعْرُوفٌ وَوَقْتُ الْمَقْضِيَّةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي باب التيمم فتجئ تِلْكَ الْفُرُوعُ كُلُّهَا هُنَا وَقَدْ سَبَقَ فِي النَّافِلَةِ الْمُؤَقَّتَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرَعَتْ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ أَطْبَقَ آخِرُهُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ صَحَّ وُضُوءُهَا وَصَلَّتْ بِهِ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ وهذا ليس بشئ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ شئ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تُبَادِرَ بِالصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا إنْ أَخَّرَتْ لِاشْتِغَالِهَا بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَإِنْ أَخَّرَتْ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا لِتَفْرِيطِهَا وَالثَّانِي تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا سَوَاءٌ أَخَّرَتْ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ مَا لَمْ تُصَلِّ الْفَرِيضَةَ يَعْنِي بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَشَيْخِهِ الْخُضَرِيِّ قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ فَلَا نُضَيِّقُهُ عَلَيْهَا وَخُرُوجُ الْوَقْتِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لَوْ وَجَبَتْ خَوْفًا مِنْ كَثْرَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعُ لَهَا التَّأْخِيرُ

مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ لَهَا الصَّلَاةُ بَعْدَ الْوَقْتِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الوقت في حق الصلاة كالشئ الْوَاحِدِ فَضُبِطَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ مُشَابِهٌ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْبِدَارِ وَقَالَ آخَرُونَ وَلَوْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ يَسِيرٌ لَمْ يَضُرَّ قَالَ وَضَبْطُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الزَّمَنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ الْمُبَادَرَةُ وَأَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ وَأَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهِمَا خِلَافًا وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْفَرْقُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ من النوافل وتبقى هذه الاستباحة مادام وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ النَّفَلَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالِاسْتِبَاحَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا متزايدة بخلاف المتيمم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّ عَلَيْهَا طَهَارَةَ حَدَثٍ وَطَهَارَةَ نَجَسٍ وَلَمْ تأت عن طهارة النجس بشئ وَقَدْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا فَلَزِمَهَا الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا غَسْلُ الدَّمِ وَإِعَادَةُ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَتَّى عَادَ الدَّمُ فَإِنْ كَانَ عَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِعَوْدِ الدَّمِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا اسْتَفْتَحَتْ الصَّلَاةَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا فَلَمْ تَصِحَّ بِالتَّبْيِينِ كَمَا لَوْ اسْتَفْتَحَ لَابِسُ الْخُفِّ الصلاة وهو شاك في انقضاء مدة المسخ ثم تبين ان المدة لم تنقض] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فَانْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا مُحَقَّقًا حَصَلَ مَعَهُ بُرْؤُهَا وَشِفَاؤُهَا مِنْ عِلَّتِهَا وَزَالَتْ اسْتِحَاضَتُهَا نُظِرَ إنْ حَصَلَ هَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهَا صَحِيحَةً وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا تَسْتَبِيحُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ قَبْلَ

الصَّلَاةِ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَلَمْ تَسْتَبِحْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ الشِّفَاءُ بِآخِرِ الْوُضُوءِ لَمْ تَبْطُلْ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهَا إذَا شُفِيَتْ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَانَ مَرْدُودَانِ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إذَا شُفِيَتْ يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بَلْ تُصَلِّي بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا حَصَلَ الِانْقِطَاعُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ صَلَاتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ كَالْمُتَيَمِّمِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ دُونَ الْمُتَيَمِّمِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ وَقَرَّرَ الْجُمْهُورُ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدَثَهَا ازْدَادَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ يُخَالِفُهَا فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَوَضَّأُ وَتُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَتَبْنِي عَلَى صَلَاتِهَا وَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا حُكْمُ انْقِطَاعِ الشِّفَاءِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهِيَ تَعْتَادُ الِانْقِطَاعَ وَالْعَوْدَ أَوْ لَا تَعْتَادُ لَكِنْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ يَسِيرَةً لاتسع الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ الَّتِي تَطَهَّرَتْ لَهَا فَلَهَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُ الدَّمِ عَلَى قُرْبٍ فَلَا يُمْكِنُهَا إكْمَالُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ بِلَا حَدَثٍ فَلَوْ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا أَوْ خِلَافِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهَارَتِهَا وَوَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ تَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ فَيَلْزَمُهَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ فَلَوْ عَادَ الدَّمُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ فَلَوْ شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ هَذَا الِانْقِطَاعِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا حَالَ الشُّرُوعِ كَانَتْ شَاكَّةً فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ عَوْدَ الدَّمِ أَمَّا إذَا انْقَطَعَ وَهِيَ لَا تَدْرِي أَيَعُودُ أَمْ لا واخبرها به من تثق بمرفتة فَتُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ شِفَاءٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ هَذَا الِانْقِطَاعِ فَإِنْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ

إمْكَانِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ انْقِطَاعٌ يغني عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ نَظَرًا إلَى أَوَّلِ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ خَالَفَتْ أَمْرَنَا أَوَّلًا وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ الدَّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِظُهُورِ الشِّفَاءِ وَكَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِتَفْرِيطِهَا فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الامكان ففى وجوب اعادة الصلاة لوجهان كَمَا فِي الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا شَرَعَتْ مُتَرَدِّدَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَهُوَ حَدَثٌ جَدِيدٌ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: فَهَذَا الْمَجْمُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَعْضُ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الِانْقِطَاعَ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلَّا يَبْعُدَ مِنْ عَادَتِهَا عَوْدُ الدَّمِ وَالثَّانِي أَنْ يَبْعُدَ وَذَكَرَ التَّفْصِيلَ وَالْخِلَافَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ يُفْرَضَانِ فِي الَّتِي لَهَا عَادَةٌ بِالْعَوْدِ قَالَ وَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ الْعَوْدُ مُعْتَادًا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الشُّرُوعُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَوْدُ مُعْتَادًا أَصْلًا قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُعْظَمُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ نُدْرَةُ الْعَوْدِ وَبُعْدُهُ فِي عَادَتِهَا بِعَدَمِ اعْتِيَادِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ دَمُهَا يَنْقَطِعُ فِي حَالٍ وَيَسِيلُ فِي حَالٍ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فِي وَقْتِ انْقِطَاعِهِ إلَّا أَنْ تَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَتَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي حَالِ سَيَلَانِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَرْجُو الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا تَتَحَقَّقُهُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَمْ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي القولين فِي مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ * (فَرْعٌ) تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا يُوجِبُ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ الدَّمُ بَطَلَ وُضُوءُهَا وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُ وَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ أَمْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ غَيْرُ سَائِلٍ

فَانْفَجَرَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ ابْتَدَأَتْ الِاسْتِحَاضَةُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ لغسل النجاسة وتتوضأ المستحاضة وتستأنف الصلاة ويجئ قَوْلٌ فِي الْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَسَلِسُ الْمَذْيِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ نَاصُورٌ أَوْ جُرْحٌ يَجْرِي مِنْهُ الدَّمُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ متصل لعلة فهي كالاستحاضة] * [الشَّرْحُ] سَلِسُ الْبَوْلِ هُنَا بِكَسْرِ اللَّام وَهِيَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي بِهِ هَذَا الْمَرَضُ وَأَمَّا سَلَسٌ بِفَتْحِ اللَّامِ فَاسْمٌ لِنَفْسِ الْخَارِجِ فَالسَّلِسُ بالكسر كالمستحاضة وبالفتح كالاستحاضة وأما الناصور فكذا وَقَعَ هُنَا بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ نَاسُورٌ بِالسِّينِ وَالثَّالِثَةُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ سَلِسِ الْبَوْلِ وَسَلِسِ الْمَذْيِ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَحَشْوِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَالشَّدِّ بِخِرْقَةٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْمُبَادَرَةِ بِالْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَحُكْمُ الِانْقِطَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ: وَأَمَّا صَاحِبُ النَّاصُورِ وَالْجُرْحِ السَّائِلِ فَهُمَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالشَّدِّ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْحِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ النَّاسُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَاخِلِ مَقْعَدَتِهِ بِحَيْثُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي السَّلَسِ الَّذِي هُوَ عَادَةٌ وَمَرَضٌ أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقُبْلَتِهَا فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّهُ لا حرج فيه اما مَنْ اسْتَطْلَقَ سَبِيلَهُ فَدَامَ خُرُوجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَمَّا مَنْ دَامَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ قَالَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَلَّ مَنْ يَدُومُ بِهِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ لِأَنَّ مَعَهُ تَلَفَ النَّفْسِ أَمَّا ذَاتُ دَمِ الْفَسَادِ وَهِيَ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا دَمٌ غَيْرُ متصل

بِالْحَيْضِ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ كَدَمٍ تَرَاهُ مَنْ لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ رَأَتْهُ حَامِلٌ وَقُلْنَا لَيْسَ هُوَ بِحَيْضٍ أَوْ رَأَتْهُ غَيْرُهُمَا فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ قَالَ وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ بِأَنْدَرَ مِنْ الْمَذْيِ وَقَدْ جَعَلْنَاهُ كَالِاسْتِحَاضَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَإِذَا خَرَجَ هَذَا الدَّمُ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَرِيضَةً لَمْ تَصِحَّ النَّافِلَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَا يَدُومُ بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِذَا دَامَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ فَاسِدًا وَصَارَ حَيْضًا وَاسْتِحَاضَةً هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ وَصَلَّتْ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهَا مِنْ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَجُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ مَعَ نَظَائِرِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ سَلِسَ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا سَالَ بَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا اسْتَمْسَكَ فَكَيْفَ يُصَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا قَاعِدًا حِفْظًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ الْقَفَّالُ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُصَلِّي قَاعِدًا * (فرع) يجوز وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَلَا كراهة في ذلك وإن كان الدم هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وقد سيقت الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِذَا تَوَضَّأَتْ اسْتَبَاحَتْ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَعَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَجَامِعُ الْقَوْلِ في المستحاضة انه لا يثبت لها شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَّ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَرَوَى عن إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّهَا لَا تَمَسُّ مُصْحَفًا

وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْحَيْضِ (إحْدَاهَا) لَا تُكْرَهُ مُؤَاكَلَةُ الْحَائِضِ وَمُعَاشَرَتُهَا وَقُبْلَتُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلَا تَمْتَنِعُ من فعل شئ مِنْ الصَّنَائِعِ وَلَا مِنْ الطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَإِدْخَالِ يَدِهَا فِي الْمَائِعَاتِ وَلَا يَجْتَنِبُ الزَّوْجُ مُضَاجَعَتَهَا إذَا سَتَرَتْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَدَلَائِلُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يطهرن) فَالْمُرَادُ بِهِ اعْتِزَالُ وَطْئِهِنَّ وَمَنْعُ قُرْبَانِ وَطْئِهِنَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَعْنَاهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تُخَضِّبَ يَدَهَا بِخِضَابٍ يَبْقَى أَثَرُهُ فِي يَدِهَا بَعْدَ غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ (الرَّابِعَةُ) عَلَامَةُ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَوُجُودِ الطُّهْرِ أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الصفرة والكدرة فإذا انقطع ظهرت سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ التَّرِيَّةُ رُطُوبَةٌ خَفِيَّةٌ لَا صُفْرَةَ فِيهَا وَلَا كُدْرَةَ تَكُونُ فِي الْقُطْنَةِ أثر لا لون قَالَ وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَكَذَا قال البيهقى في السنن الترية هي الشئ الخفى اليسير (قلت) هي التربة بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها للنساء (لا تعجلن حتى ترين القضة البيضاء) تريد بذلك الطهر وقدمنا معناه قال أَصْحَابُنَا وَإِذَا مَضَى زَمَنُ حَيْضِهَا لَزِمَهَا أَنْ تغتسل في الحال لاول صلاة تدركبا وَلَا يَجُوزُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَتْرُكَ صوما ولا صلاة ولا تمتنع من الوطئ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الطاهر ولا تستطهر بشئ أَصْلًا: وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَسْتَطْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي

وَصَلِّي) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِي أَشْيَاءَ أُنْكِرَتْ عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ الْوَسِيطِ: مِنْهَا قَوْلُهُ أَمَّا حُكْمُ الْحَيْضِ فَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ كُلُّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ الثَّانِي الِاعْتِكَافُ الثَّالِثُ الصَّوْمُ الرَّابِعُ الْجِمَاعُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يُطْلِقُهَا لِلْحَصْرِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْحَيْضِ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ لَهُ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْهَا بُطْلَانُ الطَّهَارَةِ وَامْتِنَاعُ صِحَّتِهَا وَوُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ إمَّا بِالِانْقِطَاعِ وَإِمَّا بِخُرُوجِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمِنْهَا حُصُولُ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْبُلُوغُ بِهِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ وَسُقُوطُ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَمَنْعُ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَنَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ تُغْنِي عَنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي فَرْعَانِ الْأَوَّلُ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي تحيضها خَمْسَةً لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَثَبْتَ لَهَا عَادَةً هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ خِلَافَ الصَّوَابِ فَمُرَادُهُ أَنَّهَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ الشَّهْرَ الثَّانِيَ سَوَادًا مُسْتَمِرًّا فَتَرُدُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي إلَى الْخَمْسَةِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ فِي التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ أَمَّا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ طُهْرًا وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ سَنَةً وَأَكْثَرَ كما سبق ومن ذلك قوله حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ) المعروف فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ كلام ام عطية ومن لك قَوْلُهُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهَا مَبَادِئُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِأَوَائِلِ الْأَهِلَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذِ بِأَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي أُمُورٍ الثَّالِثُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ مِنْ أَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ

بَلْ الْأَسْوَأُ صَبْرُهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ هُوَ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي صَلَاةٍ لَا تُفْسِدُ مَا مَضَى كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الطَّرَآنَ وَيُمْكِنُ تَكَلُّفُ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ يُحْتَمَلُ الْحَيْضُ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَمِنْ ذلك قوله إذا قالت اضلت خَمْسَةً فِي شَهْرٍ فَإِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَصُومُهُ كُلُّهُ ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً هَكَذَا قَالَ وَكَذَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ أَخَذَهُ مِنْ كِتَابِ الْفُورَانِيِّ عَلَى عَادَتِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ تَقْضِي سِتَّةً لِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ جُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مِنْ رَمَضَانَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَابِ التَّلْفِيقِ لو حاضت عشر أو طهرت خَمْسَ سِنِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي عِدَّةِ الْآيِسَةِ فَلَوْ تَصَوَّرَ أَنْ يَزِيدَ الدَّوْرُ عَلَيْهِ لَمَا اكْتَفَى بِهِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُقَالُ لَا تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَنَحْنُ لَا نَكْتَفِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالْغَالِبِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَصَامَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجَاوَزَ دَمُهَا وَفِي مَرَدِّهَا قَوْلَانِ فَإِنْ رَدَّتْ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا صامت سبعة في أيام النقاء ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فَإِذَا احْتَسَبْنَا سَبْعَةً مِنْهَا بَقِيَ تِسْعَةٌ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فِيهِ أَشْيَاءَ قَوْلُهُ تِسْعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَصَوَابُهُ ثَمَانِيَةٌ وَقَوْلُهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَصَوَابُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا صَامَتْ سَبْعَةً فَاَلَّذِي بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ فَإِنَّ الطَّرَآنِ وَسَطَ النَّهَارِ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الصَّوَابِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ النَّاسِيَةِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي تَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا أَنَّهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا أَمَرْنَاهَا بِالِاحْتِيَاطِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا تُفَارِقُهَا فِي أَنَّا لَا نَأْمُرُهَا بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فِي وَقْتِ النَّقَاءِ وَلَا بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ إطْبَاقِ الدَّمِ مَأْمُورَةٌ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ هَذِهِ تُفَارِقُهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ مَأْمُورَةً بِتَجْدِيدِ

باب إزالة النجاسة

الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ تُفَارِقُهَا فِي الْأَمْرِ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ لَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ بَابِ النِّفَاسِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَرَأَتْ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ خَمْسَةَ عشر ثم عاد فالعائد حيض أم نِفَاسٌ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِذَا قُلْنَا نِفَاسٌ وَرَأَيْنَا تَرْكَ التَّلْفِيقِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وصوابه نفاس وقد سبق أيضاح كَذَا قَالَ هُنَا وَفِي الْبَسِيطِ وَكَذَا قَالَ شَيْخُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَصَوَابُهُ نِفَاسٌ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة * * (باب ازالة النجاسة) * * قال المصف رحمه الله * [والنجاسة هي البول والقئ والمذى والودى ومنى غير الادمى والدم والقيح وماء القروح والعلقة والخمر والنبيذ والكلب والخنزير وما ولد منهما وما تولد من أحدهما ولبن ما لا يؤكل غير الآدمى ورطوبة فرج المرأة وما تنجس بذلك] * [الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فِي لُغَاتِ النَّجَاسَةِ وَحْدَهَا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّجِسُ هو القذر قالوا ويقال شئ نجس ونجس بكسر الجيم وفتحها والنجاسة الشئ المستقذر ونجس الشئ يَنْجَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النِّجْسُ والنجس والنجس القذر من كل شئ يَعْنِي بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ إسْكَانِ الْجِيمِ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا قَالُوا وَرَجُلٌ نَجَسٌ وَنَجِسٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ فِيهِمَا الْجَمْعُ أَنْجَاسٌ قَالَ وَقِيلَ النَّجَسُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِذَا كَسَرُوا النُّونَ ثَنَّوْا وَجَمَعُوا وَهِيَ النَّجَاسَةُ وَقَدْ أَنْجَسَهُ وَنَجَّسَهُ وَأَمَّا حَدُّ النَّجَاسَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي حَدُّهَا كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لَا لِحُرْمَتِهَا قَالَ وَقَوْلُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ مِنْ السُّمُومِ الَّتِي هِيَ نَبَاتٌ فَإِنَّهَا لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يُبَاحُ الْقَلِيلُ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ وَقَوْلُنَا مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا وَقَوْلُنَا لَا لِحُرْمَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْآدَمِيِّ وَهَذَا الَّذِي

حَدَّدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ مُحَقَّقًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ التُّرَابُ وَالْحَشِيشُ الْمُسْكِرُ وَالْمُخَاطُ وَالْمَنِيُّ وَكُلُّهَا طَاهِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَفِي الْمَنِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا لَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ اسْتِقْذَارِهَا أَوْ ضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الثَّانِيَةُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا يُطْلِقُهَا الْفُقَهَاءُ لِلْحَصْرِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نَجَاسَةَ إلَّا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَهَذَا الْحَصْرُ صَحِيحٌ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا منها شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ علي المذهب كما سبق في باب الآتية وَمِنْهَا الْجَدْيُ إذَا ارْتَضَعَ كَلْبَةً أَوْ خِنْزِيرَةً فَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي وَغَيْرُهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمِنْهَا الْمَاءُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ النَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فالجواب عن الاول أن شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَالْمَيْتَةُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيَقُولَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّعْرَ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الآتية بَلْ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَدْيِ وَالْمَاءِ أَنَّهُ اخْتَارَ طَهَارَتَهُمَا وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَسَبَقَ بَيَانُ صِفَاتِهَا وَلُغَاتِهَا فِي باب ما وجب الْغُسْلَ وَسَبَقَ الْغَائِطُ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَيُقَالُ فِيهَا خَمْرَهُ بِالْهَاءِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَنْكَرَهَا عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي نُونِ خِنْزِيرٍ هَلْ هِيَ أَصْلٌ أَمْ زَائِدَةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ كَعِرْنِيبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْذِفَ الْمَرْأَةَ وَيَقُولَ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وسائر الحيوانات الطهارة سَوَاءٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * [فأما البول فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه) ] *

[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ ضَابِطُونَ بِشَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وهو أبويحيى الْقَتَّاتُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَجَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَهُ مُتَابِعٌ عَلَى حَدِيثِهِ وَشَوَاهِدُ يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا حُسْنَهُ وَجَوَازَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ قَالَ فِيهَا الْمَحْفُوظُ إنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) وَرُوِيَ (يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ) وَرُوِيَ (يَسْتَتِرُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ تَنَزَّهُوا مَعْنَاهُ تَبَاعَدُوا وَتَحَفَّظُوا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبْوَالِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ وَبَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ وَبَوْلُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَبَوْلُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ نَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً لِبَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلِهَا فَأَمَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ فَنَجِسٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ هُوَ طَاهِرٌ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكَبِيرِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَضَحَ ثَوْبَهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَأَمَرَ بِالنَّضْحِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمْ يُنْضَحْ وَأَمَّا بَوْلُ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ طَهَارَتَهُ وَمَا أظنه يصح عنه فان صح فمردود بما ذكرنا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ الْأَبْوَالُ وَالْأَرْوَاثُ طَاهِرَةٌ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَّا الْآدَمِيَّ وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ من الفساد واما بول الحيوانات

لمأكولة وَرَوْثُهَا فَنَجِسَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ بَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرَانِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَسَبَقَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا الْجَزْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ بَوْلَ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ دُونَ رَوْثِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَرْقُ الْحَمَامِ طَاهِرٌ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلَ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعُكْلُ وَعُرَيْنَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَهُمَا قَبِيلَتَانِ وَقَوْلُهُ اجْتَوَوْا بِالْجِيمِ أَيْ اسْتَوْخَمُوا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ البراء موفوعا (مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ) وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالْعَرَبُ تَسْتَخْبِثُ هَذَا وَبِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَعَلَى دَمِ الْمَأْكُولِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَهُوَ جَائِزٌ بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْخَمْرِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ حَدِيثَيْ الْبَرَاءِ وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ وَاهِيَانِ ذَكَرَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُمَا وَبَيَّنَ ضَعْفَهُمَا وَرُوِيَ وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * [وأما الغائط فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار رضى الله عنه (انما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيح) ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَمَّارٍ هَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَيُغْنِي عَنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ الْغَائِطِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ غَائِطِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فِي حَدِيثٍ بَاطِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُ هَذَا الْإِنْكَارِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ خِلَافٌ

لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَتْ نَجِسَةً وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ عَمَّارٍ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [وَأَمَّا سِرْجِينُ الْبَهَائِمِ وَذَرْقُ الطُّيُورِ فَهُوَ كَالْغَائِطِ فِي النَّجَاسَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ وَالرِّكْسُ الرَّجِيعُ وَهَذَا رَجِيعٌ فَكَانَ نَجِسًا وَلِأَنَّهَا خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ فَكَانَ نَجِسًا كَالْغَائِطِ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ جميع الارواث والدرق وَالْبَوْلِ نَجِسَةٌ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَالطَّيْرُ وَكَذَا رَوْثُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ فَرَوْثُهَا وَبَوْلُهَا نَجِسَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا فِي طَهَارَةِ رَوْثِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَا نَفْسَ له سائل وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ نَجَاسَةِ ذَرْقِ الطُّيُورِ كُلِّهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كلها طاهرة الا ذرق الدجاج لانه لانتن إلَّا فِي ذَرْقِ الدَّجَاجِ وَلِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا غَسَلُوا بَوْلَ الْآدَمِيِّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ عَدَمِ النَّتِنِ بِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِبَعْرِ الْغِزْلَانِ وَعَنْ الْمَسَاجِدِ بِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي إزَالَتِهِ مَعَ تَجَدُّدِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَتَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ كَمَا يُعْفَى عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرِّكْسُ الرَّجِيعُ فَكَذَا قَالَهُ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَقُولُ الرِّكْسُ الْقَذَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ فَكَلَامٌ عَجِيبٌ وَصَوَابُهُ فَعَلَّلَ تَرْكَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِهِ بِالْعَظْمِ وَالْمُحْتَرَمَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّهَا رِكْسٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ بِأَنَّهُمَا

رِكْسٌ وَرَجِيعٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ فَيُؤَدِّي الْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَى خُلُوِّ الْكَلَامِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا رِكْسٌ يَشْمَلُ رَوْثَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الدُّودِ وَالْحَصَى وَقَاسَهُ عَلَى الْغَائِطِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ السِّرْجِينِ لَفَظَّةٌ عَجَمِيَّةٌ وَيُقَالُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ سِرْقِينُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وأما القئ فَهُوَ نَجِسٌ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَلِأَنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ نَجِسًا كالغائط] * [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ حَدِيثَ عَمَّارٍ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضَةِ إذَا صَارَتْ دَمًا فَإِنَّهَا لَا تَنْجُسُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وهذا الذى ذكره من نجاسة القئ متفق عليه وسواء فيه قئ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وغيره وسواء خرج القئ مُتَغَيِّرًا أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ خَرَجَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ نَقَلَهُ الْبَرَاذِعِيُّ مِنْهُمْ فِي التَّهْذِيبِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الرُّطُوبَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسَةٌ وَحَكَى الشَّاشِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ طَهَارَتَهَا: دَلِيلُنَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَسَمَّى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الرُّطُوبَةَ بِالْبَلْغَمِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَيْسَ الْبَلْغَمُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَجَاسَتِهِ الْمُزَنِيّ وَأَمَّا النُّخَاعَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الصَّدْرِ فَطَاهِرَةٌ كَالْمُخَاطِ * (فَرْعٌ) الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ حَالَ النَّوْمِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ مِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ اللَّهَوَاتِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَمِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ المعدة فهو نجس بالاجماع وطريق التمييز مِنْهَا أَنْ يُرَاعَى عَادَتُهُ فَإِنْ كَانَ

يَسِيلُ مِنْ فَمِهِ فِي أَوَائِلِ نَوْمِهِ بَلَلٌ وَيَنْقَطِعُ حَتَّى إذَا طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ انْقَطَعَ ذَلِكَ الْبَلَلُ وَجَفَّتْ شَفَتُهُ وَنَشِفَتْ الْوِسَادَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْفَمِ لَا مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِنْ طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ وَأَحَسَّ مَعَ ذَلِكَ بِالْبَلَلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِذَا أَشْكَلَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَالِاحْتِيَاطُ غَسْلُهُ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَسَأَلْتُ أَنَا عُدُولًا مِنْ الْأَطِبَّاءِ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهُ وَالْمُخْتَارُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمَتَى شَكَّ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ وَعَمَّتْ بَلْوَى إنْسَانٍ بِهِ وَكَثُرَ فِي حَقِّهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ وَيَلْتَحِقُ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوَهَا مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَّةُ نَجِسَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ فِي مَسَائِلِ الْمِيَاهِ الْمَرَارَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُرَّةِ نَجِسَةٌ * (فَرْعٌ) الْجِرَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ لِلِاجْتِرَارِ قال اصحابنا هي نجسة صرح به الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى نجاستها * قال المصنف رحمه الله * [وأما المذى فهو نجس لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إذَا رأت المذى فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) ولانه خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول وأما الودى فنجس لما ذكرنا من العلة ولانه يخرج مع البول فكان حكمه حكمه] * [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَذْيِ وَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ بِغَيْرِ غَسْلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يجزيه النضح

وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ) وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ اغْسِلْ وَهِيَ أَكْثَرُ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّضْحِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَسْلِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِمَّا يُنْكَرُ لِأَنَّهُ صِيغَةُ تَمْرِيضٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَوْلُهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ وَقَوْلُهُ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ طَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْوَدْي يَخْرُجُ مَعَ الْبَوْلِ الاجود أن يقال عقبه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وأما منى الادمى فطاهر لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تحت الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلى ولو كان نجسا لما انعقدت معه الصلاة ولانه مبتدا خلق بشر فكان طاهرا كالطين] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّ لَفْظَهُ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُهُ تَحُتُّ المنى أي تفركه وتحته وقوله ولانه مُبْتَدَأُ خَلْقِ بَشَرٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَنِيِّ الْكَلْبِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَةِ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّهَا وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ لَكِنْ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ مَنِيُّهَا بِمُلَاقَاتِهَا كَمَا لَوْ بَالَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَمْنَى فَإِنَّ مَنِيَّهُ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ النَّجِسِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عن عائشة

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وعطاء واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ نَجِسٌ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِي فَرْكُهُ يَابِسًا وَأَوْجَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ غَسْلَهُ يَابِسًا وَرَطْبًا وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رواية لمسلم أنها قالت لرجل أصاب ثوب مَنِيٌّ فَغَسَلَهُ كُلَّهُ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ إنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ نضحت حوله لقدر رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَأْمُرُ بِحَتِّ الْمَنِيِّ) قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى الْبَوْلِ والحيض ولانه يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَلِأَنَّ الْمَذْيَ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ تُحَلِّلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ فَرْكِهِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدْتُهُ أَنَا فِي طَهَارَتِهِ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا فَرْكُهُ تَنَزُّهًا وَاسْتِحْبَابًا وَكَذَا غَسْلُهُ كَانَ لِلتَّنَزُّهِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ) فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا احْتَجَّتْ بِالْفَرْكِ فَلَوْ وَجَبَ الْغَسْلُ لَكَانَ كَلَامُهَا حُجَّةً عَلَيْهَا لَا لَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَتْ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي غَسْلِ كُلِّ الثَّوْبِ فَقَالَتْ غَسْلُ كُلِّ الثَّوْبِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ وَإِنَّمَا يُجْزِيكَ فِي تَحْصِيلِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً وَمُنَاسَبَاتٍ كَثِيرَةً غَيْرَ طَائِلَةٍ وَلَا نَرْتَضِيهَا وَلَا نَسْتَحِلُّ

الِاسْتِدْلَالَ بِهَا وَلَا نَسْمَحُ بِتَضْيِيعِ الْوَقْتِ فِي كِتَابَتِهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالدَّمِ بِأَنَّ الْمَنِيَّ أَصْلُ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ فَهُوَ بِالطِّينِ أَشْبَهُ بِخِلَافِهِمَا وَعَنْ قولهم يخرج من مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ بِالْمَنْعِ قَالُوا بَلْ مَمَرُّهُمَا مُخْتَلِفٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَدْ شُقَّ ذَكَرُ الرَّجُلِ بِالرُّومِ فَوُجِدَ كَذَلِكَ فَلَا نُنَجِّسُهُ بِالشَّكِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ النَّجَاسَةُ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَاطِنِ لَا تُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ مُلَاقَاتُهَا فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ الْمَذْيُ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ بِالْمَنْعِ أَيْضًا قَالُوا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْخُرُوجِ لِأَنَّ النَّفْسَ وَالذَّكَرَ يَفْتُرَانِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَأَمَّا الْمَذْيُ فَعَكْسُهُ وَلِهَذَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْمَذْيِ لَا يَخْرُجُ مَعَهُ شئ من المنى والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ إلَّا مَنِيَّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُ أَصْلِهِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالْبَيْضِ وَمَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّانِي الْجَمِيعُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الطَّعَامِ الْمُسْتَحِيلِ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ لَحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ وَمَا لا يؤكل لحمه فمنيه نجس كلبنه] * [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَدَلَائِلُهَا ظَاهِرَةٌ وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ النَّجَاسَةَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَمَّا مَنِيُّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) الْبَيْضُ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنِيِّهِ الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بِزْرِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدُّودِ كَالْبَيْضِ وَأَمَّا دُودُ الْقَزِّ فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ

الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطيب) وفى الصحيحين أن وبيض الطِّيبِ كَانَ يُرَى مِنْ مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي فَأْرَةِ الْمِسْكِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الظَّبْيَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ كَالْجَنِينِ وَالثَّانِي النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الْفَضَلَاتِ وَالْأَجْزَاءِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنْ انْفَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَنَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّبَنِ وَقِيلَ طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ الْمُتَصَلِّبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) الْبَيْضَةُ الطَّاهِرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ دَمًا فَفِي نَجَاسَتِهَا وَجْهَانِ الْأَصَحُّ النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَالثَّانِي الطَّهَارَةُ كَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ وَلَوْ صَارَتْ مُدِرَّةً وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا اللَّحْمُ إذَا خَنِزَ وَأَنْتَنَ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ نَجِسٌ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا * (فَرْعٌ) هَلْ يَحِلُّ أَكْلُ الْمَنِيِّ الطَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مستخبث قال الله تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْمُخَاطِ وَأَشْبَاهِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُلْنَا بطهارة ببض مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ وَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْبَيْضِ إذَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ أَمْ نَجِسَةٌ وَقَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَقَالَ الْوَلَدُ إذَا خَرَجَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْبَيْضُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وأما الدم فنجس لحديث عمار رضى الله عنه وفى دم السمك وجهان أحدهما نجس كغيره والثانى طاهر لانه ليس بأكثر من الميتة وميتة السمك طاهرة فكذا دمه] [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن أسماء رضى الله عنها قَالَتْ (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ (تحته ثم تقرضه بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالدَّلَائِلُ عَلَى نَجَاسَةِ الدَّمِ مُتَظَاهِرَةٌ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ طَاهِرٌ وَلَكِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الاصول من اصحابنا وغيرهم لاسيما فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّاتِ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي دَمِ السَّمَكِ فَمَشْهُورَانِ وَنَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ أَيْضًا فِي دَمِ الْجَرَادِ وَنَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الدَّمِ الْمُتَحَلِّبِ مِنْ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ النَّجَاسَةُ وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ دَمِ السَّمَكِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وداود وقال أبو حنيفة طاهر وأما دم القمل والبراغيت والقراد والبق ونحوها مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَنَجِسَةٌ عِنْدَنَا كَغَيْرِهَا مِنْ الدِّمَاءِ لَكِنْ يُعْفَى عَنْهَا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الدِّمَاءِ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طَاهِرَةٌ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَكَلَامٌ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِدَمِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ نَجِسٌ مَعَ أَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فَيُقَالَ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ مَأْكُولَةٌ * (فَرْعٌ) مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فقد ذكره أبو إسحق الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَدَلِيلُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ مَا يَبْقَى مِنْ الدَّمِ فِي اللَّحْمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَةُ الدَّمِ فِي الْقَدْرِ لَعَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَحَكَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ

وأبى يوسف واحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ وَالْمَذْكُورُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) قَالُوا فَلَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ دَمٍ بَلْ عن المسفوح خاصة وهو السائل * قال المصنف رحمه الله * [واما القيح فهو نجس لانه دم استحال الي نتن فإذا كان الدم نجسا فالقيح أولي واما ماء القروح فان كان له رائحة فهو نجس كالقيح وان لم يكن له رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا طاهر كالعرق والثانى نجس لانه تحلل بعلة فهو كالقيح] * [الشَّرْحُ] الْقَيْحُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ الْمُتَغَيِّرُ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَقِيلَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ تَحَلَّلَ بِعِلَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَرُطُوبَاتِ الْبَدَنِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ ضَبْطَ الْغَزَالِيُّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ فَقَالَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَاسْتِحَالَةٌ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَرْشَحُ رَشْحًا وَالثَّانِي مَا يَسْتَحِيلُ وَيَجْتَمِعُ فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَالْأَوَّلُ كَالدَّمْعِ وَاللُّعَابِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهُ إنْ كَانَ نَجِسًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَهُوَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وأما الثاني

فكالدم والبول والعذرة والروث والقئ وَالْقَيْحِ وَكُلُّهُ نَجِسٌ وَيُسْتَثْنَى اللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَالْعَلَقَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ وَالْمُخَاطِ وَالدَّمْعِ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ والفرس والفار وَجَمِيعِ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ بَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ جَمِيعِهَا وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَهُوَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَكَذَا لَا كَرَاهَةَ فِي سؤر شئ مِنْهَا وَهُوَ بَقِيَّةُ مَا شَرِبَتْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وأما العلقة ففيها وجهان قال أبو اسحق هِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الرَّحِمِ فَهُوَ كَالْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ هِيَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَهُوَ كَالْكَبِدِ والطحال] [الشَّرْحُ] الْعَلَقَةُ هِيَ الْمَنِيُّ إذَا اسْتَحَالَ فِي الرَّحِمِ فَصَارَ دَمًا عَبِيطًا فَإِذَا اسْتَحَالَ بَعْدَهُ فَصَارَ قِطْعَةَ لَحَمِ فَهُوَ مُضْغَةٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْعَلَقَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَآخَرُونَ وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا كَالْوَلَدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْوَسِيطِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ إنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الِانْفِرَادِ بِنَقْلِ وَجْهٍ فِي نَجَاسَةِ الْمُضْغَةِ فَإِنَّ الْوَجْهَ نَقَلَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ مَسْفُوحٌ أَيْ سَائِلٌ وَقَوْلُهُ كَالْكَبِدِ هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ

الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا وَالطِّحَالُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَى الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ الْكَبِدَ وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ هَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ قُلْتُ وَيَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِهَا لِأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ أَيْضًا فَإِنَّهَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وهذا عند أصحابنا الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى فِيهِ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إمَامًا بَارِعًا مُتْقِنًا صَاحِبَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ لِثَمَانٍ بَقَيْنَ من شهر ربيع الاول سنة ثلاثين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله * [وأما الميتة غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَهُمَا طَاهِرَانِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَلَوْ كَانَا نَجِسَيْنِ لَمْ يَحِلَّ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم (ولا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا غسل كسائر الميتات] [الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَصَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ تَعْلِيقًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَرِوَايَةُ الْمَرْفُوعِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذَا مَاتَا طَاهِرَانِ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وطعامه) وقال تعالي (وهو الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا) وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَفَوَائِدُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الَّذِي مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ أَوْ حَتْفَ نَفْسِهِ وَالطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرُ الطَّافِي وَسَوَاءٌ قُطِعَ رَأْسُ الْجَرَادَةِ أَمْ لَا وَكَذَا بَاقِي مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْجَمِيعَ حَلَالٌ فَمَيْتَتُهَا طَاهِرَةٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الْآدَمِيُّ هَلْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا فِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ

وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ: وَعَجَبٌ إرْسَالُ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالطَّهَارَةِ هُوَ نصفه فِي الْأُمِّ وَبِالنَّجَاسَةِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَأَمَّا قوله تعالي (انما المشركون نجس) فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَجَاسَةَ الْأَعْيَانِ وَالْأَبَدَانِ بَلْ نَجَاسَةُ الْمَعْنَى وَالِاعْتِقَادِ وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسِيرَ الْكَافِرَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا بَاقِي الْمَيْتَاتِ فَنَجِسَةٌ وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَقَالُوا الْمَيْتَاتُ نَجِسَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْآدَمِيُّ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمٌ أَوْ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ أَرْسَلَهُ أَهْلٌ لِلذَّكَاةِ وَالْجَنِينُ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَحَكَمَ بِطَهَارَةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي قَوْلٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّاشِيُّ عَنْهُ وَجْهَيْنِ فِي نَجَاسَةِ الضُّفْدَعِ بالموت ولا يرد شئ مِنْ هَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَمَّا الصَّيْدُ وَالْجَنِينُ فَلَيْسَا مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا ذَكَاتَهُمَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُذَكًّى شَرْعًا وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ السِّكِّينُ مُبَاشَرَةً وَأَمَّا مَا زَادَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فَضَعِيفٌ انْفَرَدَا بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالصَّحِيحُ النَّجَاسَةُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَكَانَ نَجِسًا فَيَنْتَقِضُ بِالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَكْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً فَكَانَ يَنْبَغِي أن يقول من غير ضرر وَلَا اسْتِقْذَارٍ وَقَوْلُهُ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ يَحِلُّ أَكْلُهَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ والا فالميتة يحل أكلها فِي الْمَخْمَصَةِ وَيَحِلُّ أَكْلُ الدَّوَاءِ النَّجِسِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْعُضْوُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ كَأَلْيَةِ الشَّاةِ وَسَنَامِ الْبَعِيرِ وَذَنَبِ الْبَقَرَةِ وَالْأُذُنِ وَالْيَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:

قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وهم يحبون أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلَيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ (مَا تَقَطَّعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَظُفُرِهِ وَمَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ فَفِيهَا كُلِّهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا طَهَارَتُهَا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ كَمَيْتَاتِهَا وَالثَّانِي نَجَاسَتُهَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ لِحُرْمَتِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ فِي يَدِ الْآدَمِيِّ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ وَتَكَرَّرَ نَقْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ يَدِ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ إذَا قُطِعَتْ أَوْ سَقَطَتْ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ مَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ وَالصَّحِيحُ الطَّهَارَةُ كَمَا ذكرناه وأما مشيمة غير الْآدَمِيِّ فَنَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَيَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَصَبُ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّعْرِ وَالْعَظْمِ لِأَنَّهُ يَحُسُّ وَيَأْلَمُ بِخِلَافِهِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بِالْمَوْتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْجُسُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ وأحمد رواية بنجاسته * قال المصنف رحمه الله * [واما الخمر فهي نجسة لقوله عز وجل (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان) وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا النبيذ فهو نجس لانه شراب فيه شدة مطربة فكان نجسا كالخمر] * [الشرح] الخمر نجسة عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالسُّمِّ الَّذِي هُوَ نَبَاتٌ وَكَالْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَاحْتَجَّ

أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ قَرْنُ الْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ بِهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ خَرَجَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَتْ الْخَمْرُ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَلَا يَظْهَرُ مِنْ الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الرِّجْسَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْقَذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا وَالثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ تَنَاوُلِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُسْتَخْبَثًا وَالْمَنْعَ مِنْ الْخَمْرِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا تَغْلِيظًا وَزَجْرًا عَنْهَا قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ وَمَا وَلَغَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَجَاسَةِ الْخَمْرِ بَيْنَ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِ الْعِنَبِ خَمْرًا فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَوَجْهًا أَنَّ باطن حبات العنب المستحيل طاهر وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ النَّجَاسَةُ وَأَمَّا النَّبِيذُ فَقِسْمَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ فَالْمُسْكِرُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَشُرْبُهُ حَرَامٌ وَلَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّنْجِيسِ وَالتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ هُوَ طَاهِرٌ وَيَحِلُّ شُرْبُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ بَيَانُ مَذْهَبِنَا ومذهبه والدلائل من الطرفين مستقصاة وقد ثبتت الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّذِي يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا الِاسْتِفَاضَةَ أَوْ التَّوَاتُرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ طَاهِرٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ هُوَ بشئ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّبِيذِ فَهُوَ مَا لَمْ يَشْتَدَّ: وَلَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَذَلِكَ كَالْمَاءِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ حَبَّاتُ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ مِشْمِشٌ أَوْ عَسَلٌ أَوْ نَحْوُهَا فَصَارَ حُلْوًا وَهَذَا الْقِسْمُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَةٍ

عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ شُرْبِهِ ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ شُرْبِهِ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْبَذُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فيشربه إذا أصبح يومه ذاك والليلة التي تجئ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بقى شئ سَقَى الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهْرَاقُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ فَإِنْ فضل شئ أَهْرَاقَهُ) وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي الزِّيَادَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ مَا لَمْ يَصِرْ مسكرا وان زاد علي الثلاثة وَالْجَوَابُ عَنْ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اُحْتُجَّ بِهَا لِأَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بَلْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بحرام بعد الثلاثة لانه صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَسْقِيهِ الْخَادِمَ) وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَسْقِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوُهَا امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ صَارَ مُسْكِرًا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا مُحَرَّمًا وَلَا يَسْقِيهِ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْخَادِمِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا سَقَاهُ الخادم ولا بريقه لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ وَلَا يَجُوزُ إضَاعَتُهَا وَإِنَّمَا تَرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُرْبَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الضَّبِّ وَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَقِيلَ لَهُ (أَحَرَامٌ هُوَ) قَالَ (لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) وَقَدْ حَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَوْ فِي قَوْلِهِ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَلَا لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ وَاخْتِلَافِ الْحَالِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِبَاذُ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ مِنْ الْخَزَفِ وَالْخَشَبِ وَالْجُلُودِ وَالدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعُ وَالْمُزَفَّتِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرُهَا وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ) وَهِيَ جِرَارٌ خُضْرٌ وَقِيلَ كُلُّ الْجِرَارِ وَالنَّقِيرِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ وَهُوَ المطلي بالزفت والقار فهي منسوخة بحديث يريدة الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا وَقَدْ بَسَطْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) شُرْبُ الْخَلِيطِينَ وَالْمُنَصَّفِ إذَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا لَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنْ يُكْرَهُ فَالْخَلِيطَانِ مَا نُقِعَ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَالْمُنَصَّفُ مَا نُقِعَ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا وَهُوَ مُسْكِرٌ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا) وَفِي رِوَايَةٍ (لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا) وَعَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ وَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بَعْضَهَا أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قال المصنف رحمه الله * [وأما الكلب فهو نجس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دعى ألى دار فأجاب ودعى إلى دار فلم يجب فقيل له في ذلك فقال ان في دار فلان كلبا فقيل له وفى دار فلان هرة فقال الهرة ليست بنجسة) فدل علي أن الكلب نجس] * [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّ الْكِلَابَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ تَعَبُّدًا وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ الله تعالى (فكلوا مما أمكن عليكم) وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ مَوْضِعِ إمْسَاكِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ (كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَأَحْمَدُ هَذَا شَيْخُهُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وغيره هذا الحديث متصلا وقال فيه (وكان الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أو لاهن بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ إتْلَافُ مَالٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ أَيْضًا فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ هُنَا عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ النَّجِسِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ بِأَنَّ لَنَا خِلَافًا مَعْرُوفًا فِي أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْكَلْبُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فهو

مَعْفُوٌّ لِلْحَاجَةِ وَالْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ بِخِلَافِ الْإِنَاءِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مُجِيبًا عَنْهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ وَوُجُوبِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ فَالْكَلْبُ أَوْلَى قَالَ فَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ أَنَّ بَوْلَهَا خَفِيَ مَكَانُهُ فَمَنْ تَيَقَّنَهُ لَزِمَهُ غسله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وأما الخنزير فنجس لانه اسوأ حالا من الكلب لانه مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ ومنصوص على تحريمه فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولي واما ما تولد منهما أو من أحدهما فنجس لانه مخلوق من نجس فكان مثله] * [الشَّرْحُ] نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنَّ مذهب مالك طهارة الخنزير مادام حَيًّا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَذَا احْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَقَوْلُهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ وَسَائِرِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا إلَى قَتْلِهَا لَكِنْ لِضَرَرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا أَوْ من احدهما وحيوان طاهر نَجِسٍ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ مِنْ كَلْبَةٍ وَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَيْسَ بِنَجِسٍ وَقَدْ سَبَقَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَجِسٍ فَكَانَ مِثْلَهُ يُنْقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَمِنْ السِّرْجِينِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ الْمَيْتَةَ لَا تُسَمَّى حَيَوَانًا وقد يمنع من هَذَا الِاعْتِرَاضُ وَيُقَالُ الدُّودُ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْمَيْتَةِ وَنَفْسِ السَّرْجِينِ وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنْ نَحْوِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي مَسْأَلَةِ طَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ: وَأَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ كُلُّهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي

مسائل الفرع * قاله المصنف رحمه الله * [وأما لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ هُوَ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طاهر فكان لبنه طاهرا كالشاة وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ اللَّبَنَ كَلَحْمِ الْمُذَكَّى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَيُؤْكَلُ كَمَا يتناول اللحم المذكى ولحم مالا يؤكل نجس فكذا لبنه] * [الشَّرْحُ] الْأَلْبَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا لَبَنُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيُودِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا طَاهِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ * (وَالثَّانِي) لَبَنُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ (الثَّالِثُ) لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ وَإِنَّمَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلطِّفْلِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ وَحَكَاهُ هُنَاكَ الشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا ليس بشئ بَلْ هُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا حَكَى مِثْلَهُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْآدَمِيَّةَ لَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَمَاتَتْ وَفِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ (الرَّابِعُ) لَبَنُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ نَجَاسَتُهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ طَاهِرَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِنَجَاسَتِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد فَإِنْ قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ فَهَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لِأَنَّهُ يُقَال إنَّهُ يُؤْذِي وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَأَشْبَهَ الْمُخَاطَ: وَجَمَعَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْخِلَافَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ فِي لَبَنِ الْأَتَانِ وَنَحْوِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرْبُهُ وَالثَّالِثُ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ بيعه ولا شربه: وقول المصنف لبن مالا يؤكل

غَيْرَ الْآدَمِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ: إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَهُ لِظُهُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْإِنْفَحَةُ إنْ أُخِذَتْ مِنْ السَّخْلَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَدْ أَكَلَتْ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أخذت من سخلة بحت قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ طَهَارَتُهَا لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَزَالُوا يُجْبِنُونَ بِهَا وَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَكْلِ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِهَا * وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ نَجَاسَةَ الْإِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ كَمَذْهَبِنَا: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ * دَلِيلُنَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ السَّخْلَةِ فَأَشْبَهَتْ الْيَدَ بِخِلَافِ الْبَيْضَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا: وَلَنَا فِي الْبَيْضَةِ في جوف الدجاحة الْمَيْتَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَأَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ تَصَلَّبَتْ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ وَأَمَّا اللَّبَنُ فِي ضَرْعِ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * [وَأَمَّا رطوبة فرج المرأة فالمنصوص أنها نجسة لانها رطوبة متولدة في محل النجاسة فكانت نجسة ومن اصحابنا من قال هي طاهرة كسائر رطوبات البدن] * [الشَّرْحُ] رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ فَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِيهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجَّحَ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ النَّجَاسَةَ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ وَحُكِيَ التَّنْجِيسُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ طهارتها ويستدل للنجاسة

أَيْضًا بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَرَأَيْتَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَسَأَلَ عَلِيَّ بن أبى طالب والزبير ابن الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ بِلَا غُسْلٍ مَنْسُوخَانِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْهَا فَثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ بنجاسة رطوبة الفرج والقائل الآخر يحمله عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَكِنْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَحْسَنُ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمِرْأَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وَأَمَّا مَا تَنَجَّسَ بِذَلِكَ فَهُوَ الْأَعْيَانُ الطَّاهِرَةُ إذا لاقاها شئ من هذه النجاسات واحدهما رطب فينجس بملاقاتها] * [الشرح] هذا الذى قاله واضح لاخفاء بِهِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشْيَاءُ أَحَدُهَا الْمَيْتَةُ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا تُنَجِّسُ مَا مَاتَتْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ (الثَّانِي) النَّجَاسَة الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) الْهِرَّةُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أو مائع قبل ان تغيب لا ننجسه عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الرَّابِعُ) إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمَاءِ

فَلَمْ تُغَيِّرْهُ لَا تُنَجِّسُهُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالنَّجَاسَاتِ (أَحَدُهَا) شَعْرُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا مِنْ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ الشُّعُورِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِيهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَةُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ وسبق فيه ان مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا ذُبِحَ كَانَ نَجِسًا (الثَّانِيَةُ) قال اصحابنا الاعيان جماد وحيوان وماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْخَمْرَ وَكُلَّ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّ النَّبِيذَ طَاهِرٌ وَوَجْهٌ أَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَأَنَّ بَاطِنَ الْعُنْقُودِ إذَا اسْتَحَالَ خَمْرًا طَاهِرٌ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهِيَ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَادِ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ وَقَوْلُنَا وَلَا كَانَ حَيَوَانًا احْتِرَازٌ مِنْ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُنَا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فِي الْحَيَاةِ وَقَوْلُنَا وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ * وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَكُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحَكَى صاحب البيان وجهان عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الدُّودَ الْمُتَوَلَّدَ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ كسائر الحيوان واما ماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ كَالْمَيْتَةِ وَالْفَضَلَاتِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُ الطَّاهِرِ مِنْهُ مِنْ النَّجِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) النَّجَاسَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لها ما لم يتصل بها شئ مِنْ الظَّاهِرِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ فَحَصَلَ بَعْضُهُ فِي الْمَعِدَةِ وَبَعْضُهُ خَارِجٌ فِي الْفَمِ أَوْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهِ إصْبَعَهُ أَوْ عُودًا وَبَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا طَوَافُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّهُ مُسْتَصْحَبٌ بِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ وَالثَّانِي لَا يَثْبُت حُكْمُ النَّجَاسَةِ وقد سبق هناك توجيهما وَبَيَانُ قَائِلِهِمَا وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى غُسْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ وَالنَّجَاسَةُ الْبَاطِنَةُ لَا حكم لها ولهذا اللبن يخرج بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّ النَّجَاسَةَ الْبَاطِنَةَ لَا حُكْمَ

لَهَا وَفِي الْبَيْضِ هُوَ اخْتِيَارُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيهِمَا (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْبَشَرَةِ قَالَ وَكَذَا الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي وَسَخِ الْآدَمِيِّ ضَعِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ عَرَقٌ جَامِدٌ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَكَلَتْ الْبَهِيمَةُ حَبًّا وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةً بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتَ فَعَيْنُهُ طَاهِرَةٌ لَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ لِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لانه وان صار غذاءا لَهَا فَمِمَّا تَغَيَّرَ إلَى الْفَسَادِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً وَخَرَجَتْ فَإِنَّ بَاطِنَهَا طَاهِرٌ وَيَطْهُرُ قِشْرُهَا بِالْغَسْلِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ قَدْ زَالَتْ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَمْ يَنْبُتْ فَهُوَ نَجِسٌ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ هَكَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (السَّابِعَةُ) الزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى السِّرْجِينِ قَالَ الْأَصْحَابُ لَيْسَ هُوَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ نَجَاسَةً مُجَاوِرَةً وَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهَا وَهَكَذَا الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَشَبَهُهُمَا يَكُونُ طَاهِرًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَكَذَا الشَّجَرَةُ إذَا سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا فَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا وَثِمَارُهَا طَاهِرَةٌ كُلُّهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَرْعُ الشَّجَرَةِ وَنَمَاؤُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ دُودٌ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ نَجِسٌ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ * (فَرْعٌ) الْمِسْكُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ أَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ فِي الْبَحْرِ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ قَالَا فَإِذَا قُلْنَا بنجاسة لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَفِي هَذَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اعْتِبَارًا بِجِنْسِهِ وَالثَّانِي طَاهِرٌ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ جَمِيعَ حَيَوَانِ الْبَحْرِ طَاهِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ وَلَبَنُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَبَنُ هَذَا السِّنَّوْرِ الْبَحْرِيِّ وَقَدْ سَمِعْتُ جماعة من

اهل الخبرة بهذا من الثقاة يَقُولُونَ بِأَنَّ الزَّبَادَ إنَّمَا هُوَ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ فَعَلَى هَذَا هُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ قَالُوا إنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَسَ عَمَّا فيه شئ مِنْ شَعْرِهِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا نَجَاسَةُ شَعْرِ مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سِنَّوْرَ الْبَرِّ لَا يُؤْكَلُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة الا شيئان أحدهما جلد الميتة وقد دللنا عليه في موضعه والثانى الخمرة إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خطب فقال (لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله افسادها فعند ذلك يطيب الخل وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ خلا ما لم يتعمدوا الي افساده) ولانه انما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن يحكم بطهارته] * [الشَّرْحُ] أَمَّا قَوْلُهُ لَا يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ إلَّا شَيْئَانِ فَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ إذَا نَجَّسْنَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ بِمَصِيرِهِمَا حَيَوَانًا وَالثَّالِثُ الْبَيْضَةُ فِي جَوْفِ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَصِيرِهَا فَرْخًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ويجاب عن البيضة بأنها ليست نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا تَنَجَّسَتْ بِالْمُجَاوَرَةِ وَأَمَّا الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ فَفَرْعُهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ طَهَارَتُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا فَاكْتُفِيَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَآخِرُهُ قَوْلُهُ يَتَعَمَّدُوا إلى فساده وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ دُونَ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا إلَى آخِرِهِ: قَوْلُهُ أُفْسِدَتْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ خُلِّلَتْ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ إفْسَادَهَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَبْدَأُ وبهمزة آخِرُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا خُلِّلَتْ فَصَارَتْ خَلًّا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَلَكِنْ لَوْ قَلْبَ اللَّهُ الْخَمْرَ خَلًّا بِغَيْرِ عِلَاجِ آدَمِيِّ حَلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَبْدَأُ اللَّهُ إفْسَادَهَا يَعْنِي بِإِفْسَادِهَا جَعْلَهَا خَلًّا وَهُوَ إفْسَادٌ لِلْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ صَلَاحًا لِهَذَا الْمَائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ حَلَالًا وَمَالًا: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

خَلًّا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِمْ كُفَّارًا لَا يُوثَقُ بِأَقْوَالِهِمْ بَلْ يُبَاحُ كَمَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ وَغَيْرُهَا مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْخَلَّ وَغَيْرَهُ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي تَخْصِيصِهِمْ ذَلِكَ بِالذَّبَائِحِ وَمِمَّنْ تَابَعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ الربا والصواب ما ذكرنا وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَفَتْهَا هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ جَاءَتْ بَعْدَهَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا اسْتَحَالَتْ الْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ وَسَأَذْكُرُ فَرْعًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّخَلُّلِ والتخليل إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * [وان خللت بخل أو ملح لم تطهر لما روى ان أبا طلحة رضى الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أيتام ورثوا خمرا فقال (اهرقها فقال افلا اخللها قال لا) فنهاه من التخليل فدل علي انه لا يجوز ولانه لو جاز لندبه إليه لما فيه من اصلاح مال اليتيم ولانه إذا طرح فيها الخل نجس الخل فإذا زالت بقيت نجاسة الخل النجس فلم يطهر وان نقلها من شمس إلى ظل أو من ظل إلى شمس حتي تخللت ففيه وجهان احدهما تطهر لان الشدة قد زالت من غير نجاسة خلفتها والثاني لا تطهر لانه فعل محظور يوصل به الي استعجال ما يحل في الثاني فلم يحل به كما لو قتل مورثه أو نفر صيدا حتى خرج من الحرم إلى الحل] *

[الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلًّا قَالَ لَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو طَلْحَةَ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّخْلِيلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ حَرَامٌ فَلَوْ فَعَلَهُ فَصَارَ خَلًّا لَمْ يَطْهُرْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بَعْدَ هَذَا بِطَرِيقٍ كَالْخَلِّ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ دَلِيلُنَا هَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ ظِلٍّ إلَى شَمْسٍ وَعَكْسِهِ فَالْأَصَحُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا لِيُصِيبَهَا الْهَوَاءُ اسْتِعْجَالًا لِلْحُمُوضَةِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) الْخَمْرُ نَوْعَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا فَالْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِيَصِيرَ خَلًّا وَغَيْرُهَا مَا اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِلْخَمْرِيَّةِ وَفِي النَّوْعَيْنِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَخْلِيلُهَا بِطَرْحِ عَصِيرٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ خُبْزٍ حَارٍّ أَوْ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَإِذَا خُلِّلَتْ فَهَذَا الْخَلُّ نَجِسٌ لِعِلَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ التَّخْلِيلِ وَالثَّانِيَةُ نَجَاسَةُ الْمَطْرُوحِ بِالْمُلَاقَاةِ فَتَسْتَمِرُّ نَجَاسَتُهَا إذْ لَا مزيل لها

وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحُكْمِ بِانْقِلَابِهَا بِهِ طَاهِرًا بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا وَالْمَطْرُوحُ قَصْدًا وَالْوَاقِعُ فِيهَا اتفاقا بالقاء الربح وَغَيْرِهَا وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْمُحْتَرَمَةِ وَتَطْهُرُ بِهِ وَفِي وَجْهٍ تَطْهُرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا إذَا طُرِحَ بِلَا قَصْدٍ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) لَوْ طَرَحَ فِي الْعَصِيرِ بَصَلًا أَوْ مِلْحًا وَاسْتَعْجَلَ بِهِ الْحُمُوضَةَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَصَارَ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا وَالْبَصَلُ فِيهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَاقَاهُ فِي حَالِ طَهَارَتِهِ كَأَجْزَاءِ الدَّنِّ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَطْرُوحَ يَنْجُسُ بِالتَّخَمُّرِ فَتَسْتَمِرُّ نَجَاسَتُهُ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ طَرَحَ الْعَصِيرَ عَلَى خَلٍّ وَكَانَ الْعَصِيرُ غَالِبًا بِحَيْثُ يَغْمُرُ الْخَلَّ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ فَفِي طَهَارَتِهِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ غَالِبًا يَمْنَعُ الْعَصِيرَ مِنْ الِاشْتِدَادِ فَلَا بَأْسَ بَلْ يَطْهُرُ قَطَعَا (الثَّالِثَةُ) إمْسَاكُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا جَائِزٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْخِلَافِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَيَجِبُ إرَاقَتُهَا فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لِلشِّدَّةِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِإِمْسَاكِهَا فَصَارَ كَالتَّخْلِيلِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) مَتَى عَادَتْ الطَّهَارَةُ بِالتَّخَلُّلِ طَهُرَتْ أَجْزَاءُ الظَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ لَمْ تَتَشَرَّبْ شَيْئًا مِنْ الْخَمْرِ كَالْقَوَارِيرِ طَهُرَتْ وَإِنْ تَشَرَّبَتْ لَمْ تَطْهُرْ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ كَمَا يَطْهُرُ مَا يُلَاقِي الْخَلَّ بَعْدَ التَّخَلُّلِ يَطْهُرُ مَا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي حَالِ الغليان قاله القاضي حسين وأبو الربيع الا يلاقى وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَهَذَا الا يلاقى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ قَافٌ وَاسْمُهُ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَنْسُوبٌ إلَى إيلَاق وَهِيَ بِلَادُ الشَّاشِ الْمُتَّصِلَةُ بِالتُّرْكِ قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ وَهِيَ أَحْسَنُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَنْزَهُهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو الرَّبِيعِ هَذَا بَارِعًا فِي الْفِقْهِ تَفَقَّهَ بِمَرْوٍ عَلَى الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ وَبِنَيْسَابُورَ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ وَبِبُخَارَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ وَأَخَذَ الْأُصُولَ عَنْ أبى اسحق الاسفراينى وعليه تفقه أهل الشاش وقد

لسطت؟ ؟ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * (فَرْعٌ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ: بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ: وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ فِي طَهَارَتِهَا وَلَوْ اسْتَحَالَتْ أَجْوَافُ حَبَّاتِ الْعَنَاقِيدِ خَمْرًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا اعْتِمَادًا عَلَى طَهَارَةِ ظَاهِرِهَا وَتَوَقُّعِ طَهَارَةِ بَاطِنِهَا وَجْهَانِ وَطَرَدَهُمَا فِي الْبَيْضَةِ الْمُسْتَحِيلِ بَاطِنُهَا دَمًا وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلِّ شئ إذَا غُسِلَتْ وَغَسْلُهَا مُمْكِنٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُ دِنَانِهَا وَشَقُّ زُقُوقِهَا دَلِيلُنَا أَنَّهَا مَالٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَتِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لا وجوب ولا يثبت شئ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَخَمْرٍ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا فَقُمْتُ وَكَسَرْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَسْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ بَلْ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَهْرِقْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْ إتْلَافَ ظَرْفِهَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْبَيْعِ التَّصَرُّفُ فِي الْخَمْرِ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ وَسَأُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا: أَمَّا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا فَتَطْهُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونَ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَأَمَّا إذَا خُلِّلَتْ بوضع شئ فِيهَا فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ

أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ تَطْهُرُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا طَهُرَتْ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ والثالثة حلال وتطهر دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * [وان احرق السرجين أو العذرة فصار رمادا لم يطهر لان نجاستها لعينها ويخالف الخمر فان نجاستها لمعنى معقول وقد زال] * [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ السِّرْجِينُ وَالْعَذِرَةُ وَعِظَامُ الْمَيْتَةِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَمْلَحَةٍ أَوْ وَقَعَ كَلْبٌ وَنَحْوُهُ وَانْقَلَبَتْ مِلْحًا وَلَا يطهر شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَدَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ طَهَارَةَ هَذَا كُلِّهِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا كُلُّ عَيْنٍ نَجِسَةٍ رَمَادُهَا طَاهِرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ إذْ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ والنار تطهر الارض النجسة وهذا ليس بشئ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْرِ إذَا تخللت والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان احدهما انه نجس لانها اجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد والثانى ليس بنجس لانه بخار نجاسة فهو كالبخار الذى يخرج من الجوف] * [الشَّرْحُ] الْوَجْهَانِ فِي نَجَاسَةِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ النَّجَاسَةُ وَجَمْعُ الدُّخَانِ دَوَاخِنُ وَيُقَالُ فِي الدُّخَانِ دخن أيضا بالفتح ودخ بضم الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَالْبُخَارُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ هَذَا الْمُرْتَفِعُ كَالدُّخَانِ وَسَوَاءٌ دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ كَالسِّرْجِينِ وَدُخَانُ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ فَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا قُلْنَا دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْفَى فَحَصَلَ فِي التَّنُّورِ فَإِنْ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ يَابِسَةٍ طَهُرَ وَإِنْ مَسَحَهُ بِرَطْبَةٍ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ فَعَلِقَ بِالثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ

كَثِيرًا لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغُسْلِ وَإِنْ سُوِّدَ التَّنُّورُ فَأُلْصِق عَلَيْهِ الْخُبْزُ قَبْلَ مَسْحِهِ فَظَاهِرُ أَسْفَلِ الرَّغِيفِ نَجِسٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد * قال المصنف رحمه الله * [وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ أَوْ أَدْخَلَ عُضْوًا مِنْهُ فِيهِ وَهُوَ رَطْبٌ لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ حَتَّى يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) فَعَلَّقَ طَهَارَتَهُ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ فدل أنه لا يحصل بما دونه] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ (إحْدَاهُنَّ) فَغَرِيبَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ فَذَكَرَهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَيَجِبُ غَسْلُ إنَائِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الْغَسْلِ سَبْعًا عَنْ أَبِي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاووس وعمرو بن دينار ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يَكْفِيهِ غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ غَسْلُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ طَهَارَتُهُ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عِنْدَهُ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ وَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثًا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد أَيْضًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَنْجُسُ الطَّعَامُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ بَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ قَالَا وَيَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ تَعَبُّدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ جَازَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَفِي جَوَازِ غَسْلِ هَذَا الْإِنَاءِ بِهَذَا الْمَاءِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ (يَغْسِلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي عَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ كَانَ تَعَبُّدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَجَاسَةُ الطَّعَامِ وَإِتْلَافُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ سَبْعًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى هَذَا الْمَتْنَ فِي الصَّحِيحِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمُنَاسِبَاتٍ لاقوة فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ إرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَوْلَا النَّجَاسَةُ لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ هو متروك الحديث وهذا الْعِبَارَةُ هِيَ أَشَدُّ الْعِبَارَاتِ تَوْهِينًا وَجَرْحًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عنده عجائب وهذه ايضا من اوهن العبارت وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ قَالَ أَبِي كَانَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكْذِبُ قَالَ وَحَدَّثَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَوْضُوعَةٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا تَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَمِنَ لِي أَنْ لَا يُحَدِّثَ فَحَدَّثَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ فِيهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِأَنَّ مَدَارَ الْحَدِيثِ عليه ومدار

مَذْهَبِهِمْ عَلَيْهِ فَأَرَدْتُ إيضَاحَ الْحَدِيثِ وَرَاوِيهِ فَقَدْ يُقَالُ لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا فَفَسَّرْتُهُ وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وفى رِوَايَتِهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِجَازِيٌّ فَلَا يحتج به لو لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ سَبَبٌ آخَرُ يُضَعِّفُهُ وَكَيْفَ وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي حَالُهُ مَا وَصَفْنَاهُ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ مَعَ هَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ حَدِيثُكُمْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَفْتَى بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بثابت عنه فلا يُقْبَلْ دَعْوَى مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ بَلْ قَدْ نقل بن الْمُنْذِرِ عَنْهُ وُجُوبَ الْغُسْلِ سَبْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُنْصِفٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى عِنَايَةٍ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ أَعْنِي نَقَلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فمن بعدهم ان مُعَوَّلَ الطَّوَائِفِ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ عَلَيْهِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الرَّاوِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إذَا كَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِهِ وَمَعْلُومٌ ان هذا لا يجئ فِي مَسْأَلَتِنَا فَكَيْفَ نَجْعَلُ السَّبْعَ ثَلَاثًا وَأَمَّا الجواب عن ما احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ إحْدَاهُنَّ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فَيَكُونُ التُّرَابُ مَعَ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلَتَيْنِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ فَيُقَالُ بِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ سَبْعُ مَرَّاتٍ فَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ هَذِهِ الرواية علي موافقتها سرنا إلَيْهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ فَوَجَبَ العمل به والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ السَّابِعَةِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ وَفِي أَيُّهَا جُعِلَ جاز لعموم الخبر] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَالْحَاصِلُ

أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي غَيْرِ السَّابِعَةِ أَوْلَى فَإِنْ جَعَلَهُ فِي السَّابِعَةِ جَازَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَاهُنَّ بَدَلَ أُولَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةُ بِتُرَابٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَوْلَى وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ جَعَلَ بَدَلَ التُّرَابِ الْجِصَّ أَوْ الْأُشْنَانَ وما أشبهما فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ نُصَّ فِيهِ عَلَى التُّرَابِ فَاخْتَصَّ بِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرُ نَجَاسَةٍ نُصَّ فِيهِ عَلَى جَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ كَالِاسْتِنْجَاءِ وَالدِّبَاغِ وفى موضع القولين وجهان (أحدهما) أنهما فِي حَالِ عَدَمِ التُّرَابِ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّانِي انهما في الاحوال كلها] * [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ بَدَلَ التُّرَابِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَالْجِصُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَالْأُشْنَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حُرْضٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ رَابِعُهَا مُخَرَّجٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَقُومُ غَيْرُ التُّرَابِ مَقَامَهُ وَالثَّانِي يَقُومُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَالثَّالِثُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَالرَّابِعُ يَقُومُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَدَلَائِلُ الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاحْتِرَازَاتُ أيضا ظاهرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ غَسَلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ أَبْلُغُ مِنْ التُّرَابِ فَهُوَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ مَعُونَةً لِلْمَاءِ لِتَغْلِيظِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا لا يحصل بالماء وحده] * [الشَّرْحُ] صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَغْسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ ثَمَانِ مَرَّاتٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ وَتَقُومُ الثَّامِنَةُ مَقَامَ

التُّرَابِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ لَا يَقُومُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا وَلَكِنَّ دَلِيلَ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ جِدًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَطَرَدُوا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ غَمَسَ الْإِنَاءَ أَوْ الثَّوْبَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بل لابد من التراب والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ وَلَغَ كَلْبَانِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعُ مَرَّاتٍ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ فِي الْجَمِيعِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وهو المنصوص في حرملة لان النجاسة لاتتضاعف بعدد الكلاب بخلاف البول] * [الشَّرْحُ] إذَا تَكَرَّرَ الْوُلُوغُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ جِنْسهَا لَا أَثَرَ لَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا وَلَغَ كَلْبٌ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَقَوْلُنَا مِنْ جِنْسهَا احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرَّةً وَالثَّانِي يَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ والثالث انه إن مكان تَعَدُّدُ الْوُلُوغِ مِنْ كَلْبٍ كَفَى سَبْعٌ لِجَمِيعِ وَلَغَاتِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ وَجَبَ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ كَلَامٌ عَجِيبٌ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ عُمْدَةَ الدَّلِيلِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ لِلْوَجْهِ الثَّانِي بَلْ سَلَّمَهُ وَقَرَّرَهُ وَذَكَرَ الْفَرْقَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي بَوْلِ الرَّجُلَيْنِ بِذَنُوبَيْنِ ضَعِيفٌ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ هِيَ الَّتِي فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الْمُدِّ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَذْنِبَةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ ذَنَايِبُ كَقَلُوصٍ وَقَلَايِصَ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وإن ولغ في اناء وقعت فيه نجاسة أخرى أجزأ سَبْعُ مَرَّاتٍ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ تَتَدَاخَلُ

وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ وَدَمٌ أَجْزَأَهُ لهما غسل مرة] * [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ وَلَوْ غَسَلَهُ مَرَّةً ثم وقعت فيه نجاسة غسل ستا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ مَاءِ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَغْسِلُ مِنْ كُلِّ غَسْلَةٍ مَرَّةً لِأَنَّ كُلَّ غَسْلٍ يُزِيلُ سُبْعَ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِنَاءِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْبَلَلِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ وَذَلِكَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ وَإِنْ جَمَعَ مَاءَ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ انْفَصَلَ مِنْ الْإِنَاءِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السَّابِعَةَ طَاهِرَةٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ فَإِذَا اخْتَلَطَ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نجسا] * [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ غُسَالَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرًا فَإِذَا انْفَصَلَتْ غُسَالَةُ وُلُوغِ الْكَلْبِ مُتَغَيِّرَةً بِالنَّجَاسَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ قَطْعًا وَإِنْ انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ كَمَا سَبَقَ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ الْأَخِيرَةِ فَنَجِسَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةَ فَطَاهِرَةٌ تَبَعًا لِلْمَحَلِّ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فَجُمِعَتْ السَّابِعَةُ إلَى السِّتِّ وَلَمْ تَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ الْآنَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجِسٌ لما ذكره المصنف ولو أصاب شئ مِنْ مَاءِ غُسْلِهِ ثَوْبًا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا طاهرة فالثوب طاهر ولا يشترط أَمَّا إنْ قُلْنَا نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ وَفِيمَا يَكْفِي فِي غَسْلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا له حكم ذلك المحل بعد هذه الغسل فَيَجِبُ لَهُ حُكْمُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَيَجِبُ بِعَدَدِ غَسْلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ ويجب التتريب ان كان إنْ كَانَ لَمْ يُتَرِّبْ وَالثَّانِي لَهُ حُكْمُهُ قبل هذه الغسلة فيجب بعددما كَانَ قَبْلَهَا وَالتَّتْرِيبُ إنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا وَالثَّالِثُ يَكْفِيهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دليله * قال المصف رحمه الله * [فَإِنْ وَلَغَ الْخِنْزِيرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُغْسَلُ مَرَّةً وَقَالَ سَائِرُ اصحابنا يحتاج

إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ قَالَ يُغْسَلُ وَأَرَادَ بِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الكلب فهو باعتبار العدد أولى] * [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِي وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ طَرِيقِينَ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ أَحَدُهُمَا يَكْفِي مَرَّةً بِلَا تُرَابٍ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَالثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ مَعَ التُّرَابِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ قَطْعًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَتَأَوَّلُوا نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا تُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِنَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الوجوب حتى يرد الشرع لاسيما فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّعَبُّدِ وَمِمَّنْ قال يجب غسله سبعا أحمد ومالك وفى رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْخِنْزِيرِ فِيمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ قَوْلَيْنِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَهَذَا الْمُتَوَلَّدُ لَا يُسَمَّى كَلْبًا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوُلُوغِ مُخْتَصَرَةٍ جِدًّا (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْلُهُ أَوْ رَوْثُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ شَعْرُهُ أَوْ لعابه أو عضو منه شيثا طَاهِرًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْوُلُوغِ وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ مَرَّةً كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّجَهٌ وَقَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا مِنْ الولوغ انما كان لينفرهم عن مواكلة الْكَلْبِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعًا مَعَ التُّرَابِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ مُقَارَبَتِهَا وَاقْتِنَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) لَا يَكْفِي التُّرَابُ النَّجِسُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ ليس بطهور والثاني يكفى لان الغرض الاستطهار بِهِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ تَنَجَّسَتْ أَرْضٌ تُرَابِيَّةٌ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ كَفَى الْمَاءُ وَحْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ أَجْنَبِيٍّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لا يكفى في استعمال التراب دره على المحل

بل لابد مِنْ مَاءٍ يَمْزُجُهُ بِهِ لِيَصِلَ التُّرَابُ بِوَاسِطَتِهِ الي جميع أجزاء المحل ويتكرر بِهِ وَسَوَاءٌ طُرِحَ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ أَوْ التُّرَابُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ أُخِذَ الْمَاءُ الْكَدِرُ مِنْ مَوْضِعٍ وَغُسِلَ بِهِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْإِنَاءِ وَيُحَرِّكَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِي قَدْرِ التُّرَابِ الْوَاجِبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَقَعُ عليه الاسم والثاني ما يستوعب مَحَلَّ الْوُلُوغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (الْخَامِسَةُ) لَوْ غَسَلَهُ سِتًّا بِالْمَاءِ ثُمَّ مزج بالتراب بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ خَلٍّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَسَلَهُ بِهَا السَّابِعَةَ لَمْ يَكْفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ غَسَلَ السَّبْعَ بخل وتراب فانه لا يجزى بِالِاتِّفَاقِ (السَّادِسَةُ) لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ جَامِدٌ أَلْقَى مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْلَهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ وَيُنْتَفَعُ به كما كان كَمَا فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ وَنَحْوِهِ قاله اصحابنا وممن صرح به صاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ: قَالَ أَصْحَابُنَا ضَابِطُ الْجَامِدِ انه إذا اخذ منه قطعة لايتراد مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَوْضِعَ الْقِطْعَةِ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنْ تَرَادَّ فَهُوَ مَائِعٌ (السَّابِعَةُ) لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إنَاءً آخَرَ وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ (الثَّامِنَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَلَا يَنْجُسُ الْإِنَاءُ إن لم يكن اصابه جرمه الذى لم يصله المائع مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَقَعَ الْإِنَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ وَلَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْأَصْحَابُ مُفَرَّقَةً وَجَمَعَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنْجُسْ وَالثَّانِي يُحْسَبُ ذَلِكَ غَسْلَةً فَيَجِبُ بَعْدَهُ سِتُّ مَرَّاتٍ مَعَ التُّرَابِ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْمَاءِ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّالِثُ يُحْسَبُ سِتًّا وَيَجِبُ سَابِعَةٌ بِتُرَابٍ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ الْكَلْبُ أَصَابَ نَفْسَ الْإِنَاءِ حُسِبَ ذَلِكَ غَسْلَةً وَإِنْ كَانَ أَصَابَ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ

وَتَنَجَّسَ الْإِنَاءُ تَبَعًا حُسِبَ سَبْعًا لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ تَبَعًا لِلْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ الْآنَ فِيهِ وَالْخَامِسُ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ حُسِبَ مَرَّةً وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا طَهُرَ وَلَا حَاجَةَ إلَى مَاءٍ آخَرَ وَلَا تُرَابٍ لِأَنَّ الْمَاءَ يَجُولُ فيه مرارا ولم يصح شئ مِنْ الْأَوْجُهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً (الْعَاشِرَةُ) لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ عَيْنِيَّةً كَدَمِهِ وَرَوْثِهِ فَلَمْ تَزُلْ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا فَهَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سِتًّا أَمْ وَاحِدَةً أَمْ لَا يُحْسَبُ شَيْئًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَصَحِّهَا وَلَعَلَّ أَصَحَّهَا أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُهَا إلَّا بِغَسَلَاتٍ اُسْتُحِبَّ بَعْدَ زَوَالِ العين غسلة ثانية وثالثة فجعل مازالت بِهِ الْعَيْنُ غَسْلَةً وَاحِدَةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا لَمْ يُرِدْ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إرَاقَتُهُ أَمْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يجب اراقتها لان النفوس تطلبها فيخاف الوقع فِي شُرْبِهَا وَالثَّانِي يَجِبُ وَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلْيُرِقْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سائر النجاسات بل الْمُرَادَ هُنَا الزَّجْرُ وَالتَّنْفِيرُ مِنْ الْكِلَابِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا غَلَّظَ بِالْعَدَدِ وَالتُّرَابِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَتَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ ثُمَّ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِالنَّجَاسَةِ كَالْخَلِّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ أَوْ مَائِعٌ وَأَخْرَجَهُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ فَالْمَائِعُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ وَلَغَ بِكَسْرِهَا وَالْمَصْدَرُ مِنْهُمَا وَلْغًا وَوُلُوغًا وَيُقَالُ أَوْلَغَهُ صَاحِبُهُ قَالَ الْوُلُوغُ فِي الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ فَيُحَرِّكَهُ وَلَا يُقَالُ وَلَغَ بشئ مِنْ جَوَارِحِهِ غَيْرِ اللِّسَانِ وَلَا يَكُونُ الْوُلُوغُ لشئ مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الذُّبَابِ قَالَ وَيُقَالُ لَحِسَ الْكَلْبُ الْإِنَاءَ وَقَفَنَهُ وَلَجِنَهُ وَلَجَدَهُ بِالْجِيمِ فِيهِمَا كُلُّهُ بِمَعْنَى إذَا كَانَ فَارِغًا فَإِنْ كَانَ فيه شئ قِيلَ وَلَغَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْ الْوُلُوغِ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا

وَمِنْ شَرَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) سُؤْرُ الْهِرَّةِ والبغل والحمار والسباع والفار وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِذَا وَلَغَ فِي طَعَامٍ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِذَا شَرِبَ مِنْ مَاءٍ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْأَوْجُهُ فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي ماء أو مائع والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [ويجزئ في بول الصبي الذى لم يطعم الطعام النضح وهو أن يبله بالماء وان لم ينزل عنه ولا يجزى في بول الصبية الا الغسل لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بول الرضيع (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) ] * [الشَّرْحُ] فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَأْكُلَا غَيْرَ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ لِلتَّغَذِّي ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُجْزِئُ النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَبَوْلُ الْخُنْثَى كَبَوْلِ الْأُنْثَى مِنْ أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ وَيُشْتَرَطُ فِي النَّضْحِ إصَابَةُ الْمَاءِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الْبَوْلِ وَأَنْ يَغْمُرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْهُ وَالْغَسْلُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيَنْزِلَ عَنْهُ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُمْهُورِ وَشَرَحَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ النَّضْحُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيُكَاثِرَهُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا يُبْلَغُ جَرَيَانُهُ وَتَرَدُّدُهُ وَتَقَطُّرُهُ بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ جَرَيَانُ بَعْضِ الْمَاءِ وَتَقَاطُرُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ عَصْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُرَادُ الْمَاءُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأُولَى النَّضْحُ الْمُجَرَّدُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ السَّيَلَانُ فَلَا تَجِبُ الثَّالِثَةُ قَطْعًا وَتَجِبُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يَكْفِي الْأَوَّلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَهُ شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ فَرَوَاهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجَةِ الْعَبَّاسِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي السَّمْحِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَادِمُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُمَا أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بنت محسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا (جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَوْلَهَا أَثْخَنُ وَأَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ وَالثَّانِي أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا النِّسَاءُ غَالِبًا فَالِابْتِلَاءُ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ * وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ يُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّشُّ وَاسْتَدَلَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ فَرْقٌ مِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَوْ غُسِلَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا وَإِنْ رُشَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ الطَّعَامَ أَجْزَأَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ الشافعي غير هذا قال الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّ أَحَادِيثَ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ إنْكَارًا عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الصَّبِيَّةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ) قَالَ قَوْلُهُ هَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ جَعَلَهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي جَعْلُهُ إيَّاهُ غَلَطًا وَهُوَ يَرْتَفِعُ عَنْ ذَلِكَ ارْتِفَاعًا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ ثُمَّ ذَكَرَ النَّصَّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ لَا مَنْصُوصٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَذْكُرُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا يَقْوَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ فِي بَوْلِ الصَّبِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُهُ قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَمَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجْحَانِ التَّسْوِيَةِ مِنْ حَيْثُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ تَعَاضَدَتْ بِحَيْثُ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيَكْفِي نَضْحُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّ سلمة والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَكْفِي نَضْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الاوزاعي * قال المصنف رحمه الله *

[وما سوى ذلك من النجاسات ينظر فيه فان كانت جامدة كالعذرة أزيلت ثم غسل موضعها علي ما نبينه ان شاء الله تعالى وان كانت ذائبة كالبول والدم والخمر فانه يستحب منه ثلاثا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثلاثا فانه لا يدرى أين بانت يده) فندب صلي الله عليه وسلم الي الثالث للشك في النجاسة فدل علي أن ذلك يستحب إذا تيقن ويجوز الاقتصار علي مرة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال (كانت الصلاة خمسين والغسل من النجاسة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يَزَلْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ حتى جعل الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة) والغسل الواجب من ذلك ان تكاثر النجاسة بالماء حتي تستهلك فيه فان كانت النجاسة علي الارض أجزأته المكاثرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أمر في بول الاعرابي بذنوب) وانما أمر بالدنوب لان ذلك يغمر النجاسة وتستهلك فيه وقال أبو سعيد الاصطخرى وابو القاسم الانماطى الذنوب تقدير فيجب في بول واحد ذنوب وفى بول اثنين ذنوبان والمذهب أن ذلك ليس بتقدير لان ذلك يؤدى الي أن يطهر البول الكثير من رجل بذنوب وما دون ذلك من رجلين لا يطهر الا بذنوبين وان كانت النجاسة علي الثوب ففيه وجهان أحدهما يجزئه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئه حتى يعصر لانه يمكن عصره بخلاف الارض والاول أصح وان كانت النجاسة في اناء فيه شئ فوجهان أحدهما يجزئ فيه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئ حتى يراق ما فيه ثم يغسل لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الْكَلْبِ يَلَغُ في الاناء (فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات) ] * [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْقِطْعَةُ فِيهَا أَحَادِيثُ وَمَسَائِلُ: أَمَّا الاحاديث فالاول حيث (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْعِيفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه أَنْ يَصُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ (فَلْيُهْرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقد قدمناه

فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ يَلَغُ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: أَمَّا الْمَسَائِلُ فَإِحْدَاهَا الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْمَيْتَةِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ بَلْ إذَا وَقَعَتْ عَلَى طاهر ونجسته لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَهَكَذَا إذَا اخْتَلَطَتْ هَذِهِ النَّجَاسَاتُ بِتُرَابٍ وَغَيْرِهِ فَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا طَرِيقَ إلَى طَهَارَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ إلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى فَلَوْ أَلَقَى عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا أَوْ طِينَهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا: الثَّانِيَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ذَائِبَةً كَأَثَرِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ غَسْلُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْوَاجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وعن أحمد ابن حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ كُلِّهَا سبع مرات كالكلب ودليلنا حديث ابن عمرو هو صَرِيحٌ فِي الْمَرَّةِ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ كَحَدِيثِ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ (وَصُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَيْنُ الدَّمِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ طَعْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إلَّا بِغَسَلَاتٍ كَفَاهُ زَوَالُ الْعَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَ ذَلِكَ غَسْلُهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِحَدِيثِ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) : الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الذَّائِبَةِ مِنْ الارض المكاثرة بالماء بحيث يستهلك فِيهِ وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْصَبَّ الْمَاءُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً أَمْ رِخْوَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ حَتَّى يَنْصَبَّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ فِي الثَّوْبِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الخراسانيون وجماعة من العراقين أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ سَبْعَةَ أَمْثَالِ الْبَوْلِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي بَوْلِ كُلِّ رَجُلٍ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ فَلَوْ كَانَ مِائَةً وَجَبَ مِائَةُ ذَنُوبٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ سَبْعَةُ أَضْعَافِهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِذَنُوبَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُكَاثَرَةُ إلَّا بِذَلِكَ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَلَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الثَّوْبِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَرَطْنَا الْعَصْرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِمَا مَاءُ الْمَطَرِ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الذَّائِبَةِ حُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً يَنْزِلُ الْمَاءُ فِيهَا أَجْزَأَهُ صَبُّهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَفْرُهَا وَنَقْلُ تُرَابِهَا دَلِيلُنَا حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَصَبِّ الذَّنُوبِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الْأَمْرِ بِحَفْرِهِ فَضَعِيفٌ * الرَّابِعَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ

فَالْوَاجِبُ الْمُكَاثَرَةُ بِالْمَاءِ وَفِيهِ وَجْهُ سَبْعَةِ الْأَمْثَالِ الذى سبق وليس بشئ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَة غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْأَصَحُّ طَهَارَتُهَا إذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فان شرطناه لم يحكم بطهارة الثوب مادام الْمَاءُ فِيهِ فَإِنْ عَصَرَهُ طَهُرَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَعْصِرْهُ حَتَّى جَفَّ فَهَلْ يَطْهُرُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ الصَّحِيحُ يَطْهُرُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي زَوَالِ الْمَاءِ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَجَبَتْ إزَالَتُهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعَصْرِ مُفَرَّعٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الثوب حكما وهذا ضعيف والمعتمد بالجزم بِالطَّهَارَةِ وَلَوْ عَصَرَهُ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا فِي إنَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ غَمَرَهُ وَلَمْ يُرِقْهُ فَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ وَمَا فِيهِ: فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُمِسَ الثَّوْبُ النَّجِسُ فِي إنَاءٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ نَجُسَ الْمَاءُ وَلَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى النَّجَاسَةِ هُنَا وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ دَاخِلُ الْإِنَاءِ مُتَنَجِّسًا فَصُبَّ فِيهِ مَاءٌ غَمَرَ النَّجَاسَةَ فَهَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ قَبْلَ إرَاقَةِ الْغُسَالَةِ: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ أصحهما الطهارة كالارض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وإن كانت النجاسة خمرا فغسلها وبقيت الرائحة ففيه قولان أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ والثاني يطهر لان الخمر لها رائحة شديدة فيجوز أن تكون لقوة رائحتها تبقى الرائحة من غير جزء من النجاسة وان كانت النجاسة دما فغسله ولم يذهب الاثر اجزأه لما روى أن خولة بنت يسار قالت (يا رسول الله ارأيت لو بقى أثر) فقال صلى الله عليه وسلم (الماء يكفيك ولا يضرك أثره) ] * [الشَّرْحُ] حَدِيثُ خَوْلَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ الْإِمَامِ قَالَ لَمْ نَسْمَعْ بِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ مُحَاوَلَةُ إزَالَةِ طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا فَإِنْ حَاوَلَهُ فَبَقِيَ طَعْمُ النَّجَاسَةِ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ وَهُوَ سَهْلُ الْإِزَالَةِ لَمْ يَطْهُرْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا كَدَمِ

الْحَيْضِ يُصِيبُ ثَوْبًا وَلَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الحت والقرص طَهُرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الذى قطع به الجمهور أن الحث والقرص مستحبان وليسا بشرط وفى وجه شاذهما شَرْطٌ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ وَحْدَهَا وَهِيَ عَسِرَةُ الْإِزَالَةِ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ وَبَوْلِ الْمُبَرْسَمِ وَبَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَذِرَةِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَطْهُرُ وَمِمَّنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَأُمْكِنَ إزَالَتُهَا بِأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ ثُمَّ مَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ بَقَاءِ لَوْنٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ حقيقة هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ وليس بشئ هَذَا تَلْخِيصُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ فَمُرَادُهُ لَوْنٌ يَسْهُلُ إزَالَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَكَذَا مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ اللَّوْنُ لَا يَطْهُرُ وَمُرَادُهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ كَاللَّوْنِ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ كَالطَّعْمِ قَالَ لِأَنَّ اللَّوْنَ لَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطْعًا وَهَذَا الْإِنْكَارُ خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّهُ بِجَهَالَتِهِ فَهِمَ خِلَافَ الصَّوَابِ ثُمَّ اعْتَرَضَ وَالصَّوَابُ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِمَا تَأَوَّلْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَقَاءِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فَإِنْ بَقِيَ رَائِحَةٌ غَيْرُهَا فَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا لَا يَطْهُرُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْخَمْرِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَلَّدَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى عَادَتِهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِطَرْدِهِمَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ الشيخ أبو حامد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * [وإن كان ثوب نجس فغمسه في اناء فيه دون القلتين من الماء نجس الماء ولم يطهر الثوب ومن أصحابنا من قال ان قصد ازالة النجاسة لم ينجسه وليس بشئ لان القصد لا يعتبر في ازالة النجاسة ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون قال أبو العباس بن القاص إذا كان ثوب كله نجس فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقى لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة لانه إذا صب علي بعضه ماء ورد جزء من البعض الآخر علي الماء فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثواب] *

[الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَطْهُرُ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَبِغَسْلِ الْمَجْنُونِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يُوَافِقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاصِّ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ صاحب البيان حكي صاحب الافصاح والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا كَانَ الثَّوْبُ كُلُّهُ نَجِسًا فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَغْسِلَهُ كُلَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فَالْجُزْءُ الرَّطْبُ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ مُلَاصِقٌ لِمَا هُوَ نَجِسٌ ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ حَتَّى يَنْجُسَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِ الثَّوْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ ابْنُ الْقَاصِّ بل بطهر الثَّوْبُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ الَّذِي يُلَاصِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى مَا هُوَ نَجِسٌ حُكْمًا لَا عَيْنًا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ) فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ دُونَ الْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ الْمُتَنَجِّسِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَنَجُسَ السَّمْنُ كُلُّهُ وَأَمَّا ابْنُ الصَّبَّاغِ فَحَكَى أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ النصف الآخر لم يطهر حتى بغسله كُلَّهُ وَحَكَى عَنْهُ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ بَلْ الدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا وُضِعَ نِصْفُهُ فِي الْجَفْنَةِ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَغْمُرُهُ لَاقَى هَذَا الْمَاءُ جُزْءًا مِمَّا لَمْ يَغْسِلْهُ وَذَلِكَ الْجُزْءُ نَجِسٌ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَنَجَّسَهُ وَإِذَا نَجُسَ الْمَاءُ نَجُسَ الثَّوْبُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ الْقَاصِّ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا نَجِسًا كُلَّهُ غَسَلَ بَعْضَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَ الثَّوْبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وجهان الصحيح ما قاله ابن القاص هو أَنَّ جَمِيعَ الثَّوْبِ نَجِسٌ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الافصاح

يَطْهُرُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ فَأْرَةِ السَّمْنِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمْنِ بِأَنَّهُ جَامِدٌ لَا يَتَرَادُّ قَالَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا السَّمْنُ الذَّائِبُ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْآخَرِينَ عَلَى مَا حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ غُسِلَ أَحَدُ نِصْفَيْ ثَوْبٍ ثُمَّ نِصْفُهُ الْآخَرُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُغْسَلَ كُلُّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ غُسِلَ مَعَ النِّصْفِ الثَّانِي مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ طَهُرَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفَيْنِ فَقَطْ طَهُرَ الطَّرَفَانِ وَبَقِيَ الْمُنْتَصَفُ نَجِسًا فيغسله وحده والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * [إذا أصاب الارض نجاسة ذائبة في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح فذهب اثرها ففيه قولان قال في القديم والاملاء يطهر لانه لم يبق شئ من النجاسة فهو كما لو غسل بالماء وقال في الام لا يطهر وهو الاصح لانه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس] * [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَطْهُرُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَالثَّانِي القطع بأنها لا تطهر وتأويل نصفه عَلَى أَرْضٍ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ وَأَصَابَهَا الْمَطَرُ ثُمَّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النجاسة طعم ولا لون ولا رائحة ومن قَالَ بِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَدَاوُد وَمِمَّنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُمَا إذَا زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ فَلَوْ ذَهَبَ أَثَرُهَا بِالظِّلِّ لَمْ تَطْهُرْ عِنْدَهُمْ قَطْعًا وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَمَّا الثَّوْبُ النَّجِسُ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ إذَا زَالَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالشَّمْسِ فَالْمَذْهَبُ القطع بأنه لا يطهر وبه قطع العرقيون وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ طَرَدُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ كَالْأَرْضِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ أَنَّا إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ بِالشَّمْسِ فَهَلْ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فِي الظِّلِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَفَافَ لَا يَكْفِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَجِفُّ بِالشَّمْسِ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَنْقَلِعْ بَعْدُ آثَارُ النَّجَاسَةِ فَالْمُعْتَبَرُ انْقِلَاعُ الْآثَارِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (مَوْضِعٌ ضَاحٍ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الْبَارِزُ والله أعلم *

* قال المصنف رحمه الله * [وَإِنْ طُبِخَ اللَّبَنُ الَّذِي خُلِطَ بِطِينَةِ السَّرْجِينِ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ النَّارَ لَا تُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ وقال أبو الحسن ابن الْمَرْزُبَانِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ مَا فيه من السرجين كالزئبر فيحترق بالنار ولهذا ينتقب مَوْضِعُهُ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ والمذهب الاول] * [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا اللَّبَنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ مُخْتَلِطٌ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِهَا فَالْمُخْتَلِطُ نَجِسٌ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهَذَا فِيهِ عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَإِنْ طُبِخَ أَيْ أُحْرِقَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وخرج أبو زيد والخضرى وآخرون قولان أَنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ فَيَطْهُرُ خَرَّجُوهُ مِنْ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالشَّمْسِ قَالُوا فَالنَّارُ أَبْلَغُ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ غُسِلَ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَفَّالُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْإِحْرَاقِ فَكُسِرَ مِنْهُ مَوْضِعٌ فَمَا ظَهَرَ بِالْكَسْرِ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَا لَمْ يُكْسَرْ مِنْهُ وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ غَيْرِ مَنْبُوشَةٍ لِكَوْنِهَا مَدْفَنَ النَّجَاسَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَفْرِشَ بِهِ فَإِنْ فَرَشَ بِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا صحت مع الكراهة ولو حمله مصل ففى صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَسَدَّ رَأْسَهَا بِنُحَاسٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي غَيْرُ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالْمَعْجُونِ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ خَمْرٍ فَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَيَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا لَوْ عُجِنَ عَجِينٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَلَوْ طُبِخَ هَذَا اللَّبَنُ طَهُرَ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي زَيْدٍ ظَاهِرُهُ وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُدَقَّ حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا ثُمَّ يُفَاضَ الْمَاءُ عَلَيْهِ فلو كان بعد الطبخ رخوا لايمنع نُفُوذَ الْمَاءِ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ الطَّبْخِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالزِّئْبِرِ هُوَ بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ مَا يَعْلُو الثَّوْبَ الْجَدِيدَ كَالزَّغَبِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ هُوَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ راء

سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَالْمَرْزُبَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ زَعِيمُ فَلَاحِي الْعَجَمِ وَجَمْعُهُ مَرَازِبَةٌ ذَكَر هَذَا كُلَّهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ هَذَا هُوَ أَبُو الحسن عل بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْزُبَانُ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ ابْنِ الْقِطَّانِ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ إمَامًا فِي الْمَذْهَبِ وَرِعًا قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنَّ لاحد علي مظلمة وهو يعلم ان الغيية مَظْلِمَةٌ تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وثلثمائة ذكرت احواله في الطبقات والتهذيب * قال المصنف رحمه الله * [فَإِنْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ نَجَاسَةٌ فَدَلَكَهُ عَلَى الْأَرْضِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً رَطْبَةً لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْمَسْحُ كَالثَّوْبِ وَقَالَ في الامالي القديمة يَجُوزُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهِمَا خَبَثٌ فَلْيَمْسَحْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَلِأَنَّهُ تَتَكَرَّرَ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْمَسْحُ كَمَوْضِعِ الاستنجاء] * [الشَّرْحُ] إذَا أَصَابَتْ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ فَأَزَالَ عَيْنَهَا وَبَقِيَ أَثَرُهَا نُظِرَ إنْ دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا تَنْتَشِرُ مِنْ مَحَلِّهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخُفِّ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ جَفَّتْ عَلَى الْخُفِّ فَدَلَكَهَا وَهِيَ جَافَّةٌ بِحَيْثُ لَمْ تَنْتَشِرْ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا مِنْهُ فَالْخُفُّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ هَلْ يُعْفَى عَنْ هَذِهِ النَّجَاسَةِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ المصنف أصحهما عند الاصحاب الجدبد وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَالْقَدِيمُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ هَذَا الْخُفُّ فِي مَائِعٍ أَوْ في ما دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ نَجَّسَهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ مُسْتَنْجٍ بِالْأَحْجَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ الْعَفْوُ فَلَهُ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جُرْمٌ يَلْتَصِقُ بِالْخُفِّ أَمَّا الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ بِحَالٍ الثَّانِي أن يدلكه في حال الجفاف واما مادام رَطْبًا فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ قَطْعًا الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ النَّجَاسَةِ بِالْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَلْطِيخَ الْخُفِّ بِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَأَطْرَافَهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبَةِ فِي الطُّرُقِ كَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الغزالي وصاحبه محمسد بن تحيى جَزَمَا بِالْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ

إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِأَسَانِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيْهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ) رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذَرِ وَالْأَذَى مَا يُسْتَقْذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَذَلِكَ كَمُخَاطٍ وَنُخَامَةٍ وَشَبَهِهِمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَجَوَابُهُ تَقَدَّمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْمَسْحُ فَاحْتَرَزَ بِمَلْبُوسٍ عَنْ مَحَلِّ الاستنجاء وبقوله نجس عن خف المحرم إذ عَلِقَ بِهِ طِيبٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إزَالَتُهُ بِالْمَسْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ مختصرة جدا خشية الاطالة وفرارا من السأآمة؟ ؟ ؟ وَالْمَلَالَةِ (إحْدَاهَا) أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَمْ يُعْصَ بِالتَّلَطُّخِ بِهَا فِي بَدَنِهِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ إزَالَتِهَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَجُسَ الزيت والمسن وَالشَّيْرَجُ وَسَائِرُ الْأَدْهَانِ فَهَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في الفأرة تقطع فِي السَّمْنِ (إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَلَمْ يَقُلْ اغْسِلُوهُ وَلَوْ جَازَ الْغَسْلُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ وَقِيَاسًا عَلَى الدِّبْسِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَائِعَاتِ إذَا تَنَجَّسَتْ فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إنَاءٍ وَيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُكَاثَرَ بِهِ وَيُحَرَّكَ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا تَحْرِيكًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى أَجْزَائِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ حَتَّى يَعْلُوَ الدُّهْنُ ثُمَّ يُفْتَحَ أَسْفَلَ الْإِنَاءِ فَيَخْرُجَ الْمَاءُ وَيَطْهُرَ الدُّهْنُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ليس هو بصحيح وقال صحاب الْعُدَّةِ لَا يَطْهُرُ السَّمْنُ بِالْغَسْلِ قَطْعًا وَفِي غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ: أَمَّا الزِّئْبَقُ فَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وغيرهما أن اصابته نجاسة ولم ينقطع بَعْدَ إصَابَتِهَا طَهُرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ انقطع فهو كالدهن ولا يمكن تطهيره عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ شَيْئًا صَقِيلًا كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا لَمْ تَطْهُرْ بِالْمَسْحِ وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ كَغَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالْمَسْحِ (الرَّابِعَةُ) إذَا سُقِيَتْ السِّكِّينُ مَاءً نَجِسًا ثُمَّ غَسَلَهَا طَهُرَ ظَاهِرُهَا وَهَلْ يَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ أَمْ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَسْقِيَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِمَاءٍ طَهُورٍ يُورِدُهُ عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَوْ طبخ لحم

بِمَاءٍ نَجِسٍ صَارَ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ نَجِسًا وَفِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُغْسَلُ ثُمَّ يُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يُغْلَى مَرَّةً أُخْرَى بِمَاءٍ طَهُورٍ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي مَسْأَلَتَيْ السِّكِّينِ وَاللَّحْمِ بِأَنَّهُ يَجِبُ سَقْيُهَا وَإِغْلَاؤُهَا وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ أَنَّ الْغَسْلَ كَافٍ فِيهِمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي كتاب صلاة الخوف لو أحمى حديد ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهَا سُمًّا أَوْ غَسَلَهَا فِيهِ فَشَرِبَتْهُ ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ لِأَنَّ الطَّهَارَاتِ كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى الْأَجْوَافِ: هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا غُسِلَ السِّكِّينُ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْيَابِسَةِ لَكِنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَهُوَ حَامِلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطْبِ مَعَ قَوْلِنَا بِنَجَاسَةِ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ لَا تَصِلُ بَاطِنَهُ إذْ لَوْ وَصَلَتْ لَطَهَرَتْ بِالْمَاءِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لِلْمَاءِ قُوَّةٌ عِنْدَ الْوُرُودِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَا يَنْجُسُ بِمُلَاقَاتِهَا بَلْ يَبْقَى مُطَهِّرًا فَلَوْ صَبَّهُ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ فَانْتَشَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي الثَّوْبِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الرُّطُوبَةِ وَلَوْ صُبَّ الماء فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ طهور فإذا اداره على جوابنه طَهُرَتْ الْجَوَانِبُ كُلُّهَا هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ قَالَ فَلَوْ انْفَصَلَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا وَقَدْ زَالَتْ النَّجَاسَةُ عَنْ الْمَحَلِّ فَالْمَاءُ نَجِسٌ وَفِي الْمَحَلِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَحَلَّ نَجِسٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ نَجِسٌ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فِي الْمَحَلِّ قَالَ وَلَوْ وَقَعَ بَوْلٌ عَلَى ثَوْبٍ فَغُسِلَ بِمَاءٍ مَوْزُونٍ فَانْفَصَلَ زَائِدَ الْوَزْنِ فَالزِّيَادَةُ بَوْلٌ وَالْمَاءُ نَجِسٌ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ وَفِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ الْوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَطْهُرُ قُلْتُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمِيَاهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ مَعَ زيادة الوزن وليس بشئ فَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الرَّوْثُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِتُرَابٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَمْ يَطْهُرْ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُزَالَ التُّرَابُ الَّذِي وَصَلَتْهُ أَوْ يُطْرَحَ عَلَيْهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ يُغَطِّيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لَوْ طَيَّنَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ طَرَحَ عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ لَكِنْ تُكْرَهُ

الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ وَكَذَا لَوْ دَفَنَ مَيْتَةً وَسَوَّى فَوْقَهَا الطَّاهِرَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وتكره (السابعة) ذكرها صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاصِّ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا غَسَلَ نِصْفَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ نِصْفَهُ قَالَ لَوْ غَسَلَ الثَّوْبَ عَنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ غَسْلِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَمْ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قُلْتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ: قَالَ وَلَوْ خَرَزَ الْخُفَّ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ رَطْبٍ صَارَ نَجِسًا فَإِذَا غَسَلَهُ هَلْ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الَّذِي يَتَخَلَّلُ نقب الْخُفِّ مِنْ الْخَيْطِ نَجِسٌ لِمُلَاصَقَتِهِ الشَّعْرَ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَإِذَا غَسَلَ ظَاهِرَهُ اتَّصَلَتْ الرُّطُوبَةُ بِالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَلَا يَنْفُذُ الْمَاءُ فِيهِ لِيَطْهُرَ الْجَمِيعُ فَيَعُودَ الْمَغْسُولُ نَجِسًا وَالثَّانِي يَطْهُرُ فَيَجُوزُ أَنْ يصلى عليه لافيه وَلَوْ عَرِقَتْ رِجْلُهُ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَهَا فِيهِ رَطْبَةً لَمْ يَنْجُسْ وَلَا تَتَعَدَّى النَّجَاسَةُ مِنْ الْخَرَزِ الَّذِي فِي ثُقْبِ الْخُفِّ إلَى الْمَغْسُولِ وَكَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَخْتَارُ هَذَا الْوَجْهَ (الثَّامِنَةُ) صَبَّ الْمَاءَ عَلَى ثَوْبٍ نَجِسٍ وَعَصَرَهُ فِي إنَاءٍ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً آخر وعصره فخرج غير متغير ثُمَّ جَمَعَ الْمَاءَيْنِ فَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ طاهر وليس بشئ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ إذَا غَسَلَ فَمَهُ النَّجِسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا يَبْتَلِعْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ أَكَلَ نَجَاسَةً (الْعَاشِرَةُ) إذَا كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ رَطْبَةً فَهَبَّتْ

الرِّيحُ فَأَصَابَهُ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غُبَارُ السَّرْجِينِ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي باب المياه (الحادية عشر) لَوْ صَبَغَ يَدَهُ بِصَبْغٍ نَجِسٍ أَوْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ شَعْرَهُ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ بِأَنْ خُلِطَ بِبَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ وَغَسَلَهُ فَزَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ فَهُوَ طَاهِرٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أبو إسحق لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ بَقِيَ لَوْنُ النَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُ الْخِضَابِ فَوَجْهَانِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا عَنْ الْحَاوِي ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا عَجِيبٌ وَاعْتِبَارُ زَوَالِ اللَّوْنِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ الْجَزْمُ بِالطَّهَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ فَإِنْ كَانَ الْخِضَابُ عَلَى شَعْرٍ كَاللِّحْيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقُهُ بَلْ يُصَلِّي فِيهِ وَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَنْصُلَ لِأَنَّهُ يَنْصُلُ عَنْ قُرْبٍ فَإِذَا نَصَلَ أَعَادَ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ وَهُوَ مما ينصل كالحناء انتظر نصوله ثم يعيدما صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْصُلُ كَالْوَشْمِ فَإِنْ أَمِنَ التَّلَفَ فِي إزَالَتِهِ لَزِمَهُ كَشْطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْحِنَّاءِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْرَهَهُ تَرَكَهُ بِحَالِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ نُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الثانية عشر) إذَا تَوَضَّأَ إنْسَانٌ فِي طَسْتٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ لم يفسد الماء ولم يجب نزح شئ مِنْهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْوًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ فِعْلُ مُكَلَّفٍ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ يَكْفِي وُرُودُ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَإِزَالَةُ الْعَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَسْلِ مُكَلَّفٍ أَوْ مَجْنُونٍ أو صبى أو لقاء الرِّيحِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ بِنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَيْهِ أَوْ مُرُورِ السَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ لكن يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ وَجْهٌ بَاطِلٌ

مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ وَقَعَ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ عَلَى أَرْضٍ فَقَلَعَ التُّرَابَ الَّذِي أَصَابَهُ فَإِنْ اُسْتُظْهِرَ حَتَّى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ الْبَوْلُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ الموضع طاهرا والا فلا والله أعلم * قال مصححه عفا الله عنه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد انتهى بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الثاني) من كتابي المجموع للامام ابي زكريا محيي الدين النووي رضى الله عنه ونور ضريحه: والشرح الكبير للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقين من شهر جمادى الاولي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف

الجزء الثالث

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء الثالث دار الفكر

كتاب الصلاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (كتاب الصلاة) * * (الصلاة المكتوبة خمس لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوى صوته ولا نفقه ما يقول حتي دنا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ") * * (الشَّرْحُ) * الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ الشرعية صلاة لاشمالها عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَقِيلَ فِي اشْتِقَاقِهَا وَمَعْنَاهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا فاسدة لاسيما قَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صَلَيْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ إذَا قَوَّمْتُهُ وَالصَّلَاةُ تُقِيمُ الْعَبْدَ عَلَى الطَّاعَةِ وَبُطْلَانُ هَذَا الْخَطَأِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نَذْكُرَهُ لِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَاوٌ وَفِي صَلَيْتُ يَاءٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاشْتِقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ وَقَوْلُهُ ثَائِرُ أَيْ مُنْتَفِشٌ شَعْرُهُ وَهُوَ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ نَسْمَعُ وَلَا نَفْقَهُ هو بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تحث مَضْمُومَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ النُّونَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَقَوْلُهُ دَوِيَّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَمَّهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَاهُ بُعْدُهُ فِي الْهَوَاءِ وَعُلُوُّهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " هُوَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ عَلَى إدْغَامِ إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الطَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الطَّاءِ عَلَى الْحَذْفِ وَأَمَّا

طَلْحَةُ الرَّاوِي فَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ طلحة بن عبيد الله ابن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ ابن تيم بن مرة بن كعب بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ الْخَيْرِ وَطَلْحَةَ الْجُودِ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ من جمادى الاول سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَدُفِنَ بِالْبَصْرَةِ وَحَدِيثُهُ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ جَمَعْتُهَا وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّ فِيهِ بِطُولِهِ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوُجُوبَ الصِّيَامِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْخَمْسُ وَلَا مِنْ الصِّيَامِ غَيْرُ رَمَضَانَ وَأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ النَّوَافِلِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الطَّاعَاتِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُتَأَصِّلٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَجَوَازُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَتَقْرِيرُ هذه الفوائد وما يتعلق بها موضح هناك: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا فَرْضَ عَيْنٍ سِوَاهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِيدِ هَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ وَفِي الْوِتْرِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِمَا فَإِنَّمَا وَجَبَتَا عِنْدَهُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الطَّوَافُ لَا بِالْأَصَالَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمَنْذُورَةَ وَقَدْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُسِخَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حديث سعد ابن هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ قَالَ فِيهِ قُلْتُ " أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَتْ " أَلَسْتَ تَقْرَأُ القرآن فَذَكَرَتْهُ " إلَى أَنْ قَالَتْ " فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله ** (ولا يجب ذلك الا على مسلم بالغ عاقل طاهر فأما الكافر فان كان أصليا لم يجب عليه وإذا

أسلم لا يخاطب بقضائها لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في ايجاب ذلك عليهم تنفيرا فعفى عنه وان كان مرتدا وجبت عليه وإذا أسلم لزمه قضاؤها لانه اعتقد وجوبها وقدر علي التسبب الي أدائها فهو كالمحدث) * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا الْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ في لردة لما ذكره المصنف هذا مذهبا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي الرِّدَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَهَا وَجَعَلُوهُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ مَا قَدْ سَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهَا من فروع الاسلام وأما فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ لَا يُخَاطَبُ بِالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُخَاطَبُ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَالرِّبَا وَأَشْبَاهِهَا دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَاكَ فَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْمَاضِي وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ فَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْكُفْرِ جَمِيعًا لَا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا فَذَكَرُوا فِي الْأُصُولِ حُكْمَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الْفُرُوعِ حُكْمَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ صَلَاةٌ وَلَوْ صَلَّى في كفره ثم أسلم لم نتبين صِحَّتُهَا بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا فَعَلَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ قُرْبَةً لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الآخرة لكن يطعم بها في الذنيا وَيُوَسَّعُ فِي رِزْقِهِ وَعَيْشِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ فَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا " أَيْ قَدَّمَهَا وَمَعْنَى حَسُنَ إسْلَامُهُ أَيْ أَسْلَمَ إسْلَامًا مُحَقَّقًا لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ

أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وفى رواية في الصَّحِيحِ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَك مِنْ الْخَيْرِ " قَوْلُهُ أَتَحَنَّثُ أَيْ أَتَعَبَّدُ فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا يَمْنَعُهُمَا عَقْلٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إثْبَاتِ ثَوَابِهِ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بها مبسوطا في أول شرحي صحيح الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ عِبَادَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يعتد بها فمرادهم لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُجَازِفٌ غَالِطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا لَزِمَ الْكَافِرَ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ بَاقٍ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ عندنا لا تبطل الاعمال بالردة الا أن يتصل بالموت وَعِنْدَهُمْ يَبْطُلُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حبطت أعمالهم) فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِشَرْطَيْنِ الرِّدَّةِ وَالْمَوْتِ عَلَيْهَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ فِي الرِّدَّةِ أَوْ قَبْلَهَا وَهُوَ مُخَاطَبٌ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِجَمِيعِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ هَاجَرَ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَهَا أَمْ جَهِلَهُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفة رحمه الله لا يلزمه وما لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَهَا دَلِيلُنَا عُمُومُ النُّصُوصِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله *

* (وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وعن المجنون حتى يفيق " ولا يجب عليه القضاء إذا بلغ لان زمن الصغر يطول فلو أوجبنا القضاء شق فعفى عنه) * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ الله عنهما رواه أبو داود النسائي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَيَاهُ هُمَا وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ كَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمُهَذَّبِ وقل أن يذكر رواية وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا صَبِيَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ وَيُقَالُ زَمَنٌ وَزَمَانٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لا تكليف عليه ولا يأثم بفعل شي ولا بترك شئ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَرَامَةُ إتْلَافِهِ وَنَحْوُهَا والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (وأما مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مرض فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة " فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح وان زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق لانه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الغرض) * * * (الشَّرْحُ) * مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لِحَاجَةٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ الْجُنُونِ والاغماء ام كَثُرَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَعَلَى مَا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ بِأَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ عَمْدًا عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا أَوْ شَرِبَ دَوَاءً لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ مِمَّا يَزُولُ بِهِ الْعَقْلُ فَزَالَ عَقْلُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ فَإِذَا عَادَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ لِغَلَبَتِهِ بَعْضُ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخر " السكران من اختل كلامه المنظوم باح بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ " وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ أَنْ تَخْتَلَّ أَحْوَالُهُ فَلَا تَنْتَظِمَ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَقِيَّةُ تَمْيِيزٍ وَفَهْمِ كَلَامٍ فَأَمَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ نَشَاطٌ وَهِزَّةٌ لِدَبِيبِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ يختل شئ مِنْ عَقْلِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّاحِي فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِلَا خلاف ولا ينتقض وضوؤه وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء وسنعيده ايضاحا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَحَيْثُ بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يُزِيلُ الْعَقْلَ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ كَثُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ قَلَّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْظَةً أَسْقَطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَيُتَصَوَّرُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ بِجُنُونِ لَحْظَةٍ وَإِغْمَاءِ لَحْظَةٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَحْظَةٌ ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ عَقِبَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَضَاءُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ وَقَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ وان كثر وروى هذا عن طاووس وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شُرْبُ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ لِلْحَاجَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شُرْبِ دَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِذَا زَالَ عَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ زَالَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي قَطْعِ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ إلَى تَعَاطِي مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ دَوَاءٍ فِيهِ سُمٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُ جَازَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ فِي تَنَاوُلِهِ

إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فَإِنْ حَرَّمْنَاهُ وَزَالَ عَقْلُهُ بِتَنَاوُلِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ نُحَرِّمْهُ فَلَا قَضَاءَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ الشَّرَابِ مُسْكِرًا أَوْ كَوْنَ الدَّوَاءِ مُزِيلًا لِلْعَقْلِ لَمْ يَحْرُمْ تَنَاوُلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَهُ مُسْكِرٌ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُسْكِرُ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ وَتَعَاطِيهِ الْحَرَامَ وَأَمَّا مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ كَالْبَنْجِ وَهَذِهِ الْحَشِيشَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَيَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ وثب من موضع فزال عقله ان فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ فَعَلَهُ عَبَثًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَثَبَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مَعَ نظائرها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما فعل الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض وان جن في حال الردة ففاته صلوات لزمه قضاؤها وان حاضت المرأة في حال الردة ففاتها صلوات لم يلزمها قضاؤها لان سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف والمرتد لا يستحق التخفيف وسقوط القضاء عن الحائض عزيمة وليس لاجل التخفيف والمرتد من أهل العزائم) * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا وَلَا قَضَاءَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ فِي حَالِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْفَائِتَةُ فِي حَالِ رِدَّةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ

سقوط القضاء لِلتَّخْفِيفِ وَسُقُوطُهُ عَنْهَا عَزِيمَةٌ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي دَرْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَسِرٌ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ وُجُوبَ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ وَنَحْنُ نُقَرِّرُ الْفَرْقَ فَنَقُولُ: الْعَزِيمَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ وَالرُّخْصَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خلاف الدليل ولمعارض رَاجِحٍ وَإِنَّمَا كَانَ سُقُوطُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ عَزِيمَةً لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَتْهَا فَقَدْ امْتَثَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ التَّرْكِ فَلَمْ تُكَلَّفْ مَعَ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَلَا نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَثْرَتُهَا وَنَدُورُهُ فَيَكُونُ إسْقَاطُ قَضَائِهَا تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً بَلْ سَبَبُ إسْقَاطِ قَضَائِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ قَضَاءِ الصَّوْمِ أَيْضًا لَكِنْ لِلشَّرْعِ زِيَادَةُ اعْتِنَاءٍ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبَ قَضَاءَهُ بِأَمْرٍ مَحْدُودٍ فِي وَقْتٍ ثَانٍ وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ فَمُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ إنْ حَصَلَتْ فهى في وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ لَا فِي عَدَمِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ أَنَّ عَدَمَ قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ رُخْصَةً وَأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ فِي مُسْتَنَدِهِ فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ فِيهِ وَأَمَّا كَوْنُ سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِتَرْكِهَا فِي وَقْتِهَا يُؤْمَرُ بِقَضَائِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ وَظِيفَتِهَا وَلِهَذَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ فَهُوَ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَقِيلَ إنَّ صَوَابَهُ مِنْ أَجْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كتبنا على بنى اسرائيل) وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ * (فَرْعٌ) لَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ وَجَبَ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْجُنُونِ وَفِي مُدَّةِ الْجُنُونِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَكْرَانَ فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا تَعَقَّبَهَا الْجُنُونُ كَانَ مُرْتَدًّا فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِذَا لم

يُعْرَفْ وَقْتُ الْجُنُونِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَمْتَدُّ إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا وَلَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ تَقْضِ أَيَّامَ الْحَيْضِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ حَاضَتْ وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِلْحَيْضِ فَحَاضَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُلْقِيَ الْجَنِينَ فَأَلْقَتْهُ وَنَفِسَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ مُدَّةِ النِّفَاسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي النِّفَاسِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّرْكِ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ كَانَ تَخْفِيفًا وَمَنْ أُمِرَ بِالتَّرْكِ فامنثل الْأَمْرَ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِتَرْكِهِ وَبِقَضَائِهِ وَهُوَ خارج عن القياس للنص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها الا الصبى فانه يؤمر بفعلها لسبع سنين ويضرب على تركها لعشر لما روى سبرة الجهنى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ سَبْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَسَبْرَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ سَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وغيره ويقال سبرة بن عوسجة الجهنى أبوثربة بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو الرَّبِيعِ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهو أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِمَنْطُوقِهِ الصَّبِيَّ

وَالصَّبِيَّةَ فِي الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّفْرِيقُ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ " لَيْسَ أَمْرًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّبِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لِلْوَلِيِّ فَأَوْجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بالشئ ليس امرا بالشئ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خذ من أموالهم صدقة) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا لَا إيجَابًا وَلَا نَدْبًا الا الصبى والصبية فيؤمر ان بها ندبا إذا بلغا سَبْعَ سِنِينَ وَهُمَا مُمَيِّزَانِ وَيُضْرَبَانِ عَلَى تَرْكِهَا إذَا بَلَغَا عَشْرَ سِنِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مميزين لم يؤمرا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ قَالَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا الْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَآخَرُونَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي آخِرِ باب موقف الامام والمأموم وهناك ذكره الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُ هَذِهِ القاعدة قوله تعالي (وأمر أهلك بالصلاة) وقوله تعالى (قو أنفسكم وأهليكم نارا) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْك حَقًّا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّكُمْ راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته " رواه البخاري ومسلم قال الشافي في المختصر " وعلي الاباء والامهات أو يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَقَلُوا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِحُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ وَبِالسِّوَاكِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَضَرْبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْأُمِّ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أُجْرَةَ تَعْلِيمِ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْفَرَائِضِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ في بيان أقسام العلم والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *

* (فان دخل في الصلاة ثم بلغ في أثنائها قال الشافعي رحمه الله " أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين لي أن أن عليه الاعادة " قال أبو اسحق يلزمه الاتمام ويستحب له أن يعيد وقوله أحببت يرجع الي الجمع بين الاتمام والاعادة وهو الظاهر من المنصوص والدليل عليه أن صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب وهو فيها فلزمه الاتمام ولا يلزمه أن يعيد لانه صلي الواجب بشروطه فلا يلزمه الاعادة وعلى هذا لو صلى في أول الوقت ثم بلغ في آخره اجزأه ذلك عن الفرض لانه صلى صلاة الوقت بشروطها فلا يلزمه الاعادة وحكي عن ابى العباس ابن سريج مثل قول أبي اسحق وحكى عنه أنه قال يستحب الاتمام وتجب الاعادة فعلي هذا لو صلي في أول الوقت وبلغ في آخره لزمه أن يعيد لان ما صلي قبل البلوغ نفل فاستحب اتمامه فيلزمه أن يعيد لانه أدرك وقت الفرض ولم يأت به فيلزمه أن يأتي به ومن أصحابنا من قال أن خرج منها ثم بلغ ولم يبق من وقتها ما يمكن قضاؤها فيه لم تلزمه الاعادة وان بقى من وقتها ما يمكنه القضاء فيه لزمه وهذا غير صحيح لانه لو وجبت الاعادة إذا بقى من الوقت قدر الصلاة لوجبت إذا أدرك مقدار ركعة) * * (الشَّرْحُ) * حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ أن يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا وَلَا يَجِبُ والثانى يستجب الْإِتْمَامُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) صَلَّى وَفَرَغَ مِنْهَا وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَلَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ سَوَاءٌ قل الباقي من الوقت ام كثر الثالث قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَ الْجَمِيعِ هذا كله في غير الجمعة أما إذ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ بَلَغَ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ قُلْنَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ يَجِبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالْجُمُعَةِ وَالصَّحِيحُ لَا تَجِبُ كَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ إذَا صَلَّيَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُمَا وَأَمْكَنَهُمَا لَا يَلْزَمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ صَلَّى لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَقَالَ دَاوُد يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بان صلاته وقعت نقلا فَلَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ يَوْمِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا نُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ فَنَقُولُ قَدْ صَلَّى

صَلَاةَ مِثْلِهِ وَوَقَعَتْ نَفْلًا وَامْتَنَعَ بِهِ وُجُوبُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْمُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَلَا مَأْذُونٍ فِيهِ بخلاف مسألتنا * قال المصنف رحمه الله * * (ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فان كان جاحدا لوجوبها فهو كافر ويجب قتله بالردة لانه كذب الله تعالي في خبره وان تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل وقال المزني يضرب ولا يقتل والدليل علي أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " ولانه إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ ولا مال فقتل بتركها كالشهادتين ومتى فيقتل فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له ان صليت والا قتلناك لانه يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر. قال أبو إسحق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ويقال له ان صليت والا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد لانه ليس باكثر من المرتد وفى استتابة المرتد قولان أحدهما ثلاثة أيام والثانى يستتاب في الحال فان تاب والا قتل وكيف يقتل المنصوص انه يقتل ضربا بالسيف وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ولا يكفر بترك الصلاة لان الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح فلم يحكم بكفره ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلي الله عليه وسلم " بين الكفر والعبد ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الاول والخبر متاول) * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا حَدِيثُ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُخَنَّثِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فنفى إلى القنيع فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلهُ فَقَالَ انى نهيت عن قتل المسلمين " واسناده ضعيف فيه مجهول النقيع بالنون وهو الْحِمَى الْمَذْكُورُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَرَوَى هذا الحديث البيهقي من رواية عبيد الله بن عدى بن الخبار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ " بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْعَبْدِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ كما سنذكره فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لِأَنَّهُ إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ فَيُقْتَلُ بِتَرْكِهَا كَالشَّهَادَتَيْنِ " فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ المعلوم من سياق الكلام وان لم يذكره بلفظه

وَالدَّعَائِمُ الْقَوَاعِدُ وَاحِدَتُهَا دِعَامَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بترك واحد منها ولا بتركها كلها: أما حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا أَوْ جَحَدَ وُجُوبَهَا وَلَمْ يَتْرُكْ فِعْلَهَا فِي الصُّورَةِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا إذَا كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ المسلين فَأَمَّا مَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا فَلَا يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ الْجَحْدِ بَلْ نُعَرِّفُهُ وُجُوبَهَا فَإِنْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَدًّا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ وَهُوَ كَوْنُهُ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِأَنَّ الْجَاحِدَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا سَبَقَ اعْتِرَافُهُ به هكذا صرح به صاحب المحمل وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * (فَرْعٌ) من جحد وجوب صوم رمضان والزكاة أَوْ الْحَجِّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَحَدَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا اشتهر واشترك الخواص والعوام فِي مَعْرِفَتِهِ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الخواص كاستحققاق بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَكَإِجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يُكَفَّرْ بِجَحْدِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بَلْ نُعَرِّفُهُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ غَيْرَ جَاحِدٍ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا تَرَكَهَا لعذر كنوم ونسيان وَنَحْوِهِمَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَوَقْتُهُ مُوَسَّعٌ وَلَا اثم عليه الثاني تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ تَكَاسُلًا وَتَهَاوُنًا فَيَأْثَمُ بِلَا شَكٍّ وَيَجِبُ قَتْلُهُ إذَا أَصَرَّ وَهَلْ يُكَفَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُكَفَّرُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْصُورٍ الْفَقِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي لَا يُكَفَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَمَتَى يُقْتَلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذا ضاق

وَقْتُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التنبيه ولم يذكره هنا والثاني يقتل إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَالرَّابِعُ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْخَامِسُ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَدْرًا يَظْهَرُ لَنَا بِهِ اعْتِيَادُهُ التَّرْكَ وَتَهَاوُنُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا تَرَكَ الظُّهْرَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَإِذَا تَرَكَ الْمَغْرِبَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ وَهَلْ تَكْفِي الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحَالِ أَمْ يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْحَالِ وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِ الِاسْتِتَابَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا (الرَّابِعَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا لِلرَّقَبَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ وَيُقَالُ لَهُ صَلِّ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ وَلَا يَزَالُ يُكَرَّرُ عليه حتي يصلي أو يموت هذا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْفَعُ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ قَتْلَهُ فَقَالَ صَلَّيْتُ فِي بَيْتِي تَرَكَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ أَمْ بَاطِلَةً قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُقَالُ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِ تَعَمُّدِ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِعِنَادِهِ وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا وَلَا أُرِيدُ فِعْلَهَا قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا قُتِلَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ * (فَرْعٌ) لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ قُتِلَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ * (فَرْعٌ) لَوْ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَتَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ وَتَابَعَ الرَّافِعِيُّ

الْغَزَالِيَّ عَلَى هَذَا فَحَكَاهُ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَتْ الظُّهْرُ قَضَاءً عَنْهَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ مَا قَالَهُ الشاسى وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي أَدِلَّتِهِ وَقَرَّرَهُ تَقْرِيرًا حَسَنًا فِي فَتَاوِيهِ * (فَرْعٌ) لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ تَارِكَ الصَّلَاةِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَكَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ هَذَا جَوَابًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فَلَوْ جُنَّ قَبْلَ فِعْلِهَا لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ الجنون فلو قتله انسان لزمه القصاص قال وَكَذَا لَوْ سَكِرَ: وَلَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ أَوْ سَكِرَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قِصَاصَ لِقِيَامِ الْكُفْرِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تكا سلا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا: فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يُكَفَّرُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكَفَّرُ وَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ شئ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَكَذَا الرواية " الشرك والكفر بالواو " قالوا وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ " الشِّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ " وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ قَوْلُهُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ فَلَيْسَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ التَّابِعِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَلَالَتِهِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الايمان باسناد صيحيح وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ " الزَّانِ " وَهِيَ لُغَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَاشِيَةُ الزَّانِي بِالْيَاءِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِ الله تعالي (اقتلوا المشركين) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يُوَرِّثُونَ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَيُوَرَّثُونَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَلَمْ يَرِثْ وَلَمْ يُورَثْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ كَفَّرَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ وَرِوَايَةِ شَقِيقٍ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَارَكَ الْكَافِرَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَتْلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَمَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِيَاسُهُمْ لَا يُقْبَلُ مَعَ النُّصُوصِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ * (فَرْعٌ) فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ درنه شئ قالوا لا يبقى من درنه شئ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ

باب مواقيت الصلاة

الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ يغش الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: الْبَرْدَانِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَسَتَأْتِي جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي نَحْوِ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ صلاة الجماعة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (باب مواقيت الصلاة) * * (أول وقت الظهر إذا زالت الشمس وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله غير الظل الذى يكون للشخص عند الزوال والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الاولى حين زالت الشمس والفئ مثل الشراك ثم صلى المرة الاخيرة حين كان ظل كل شئ مثليه ") * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَطَّعًا وَالْوَجْهُ أَنْ نَذْكُرَهُ هُنَا بِكَمَالِهِ وَنَضُمُّ إلَيْهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الْمَوَاقِيتِ: عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حين كان الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كل شئ مِثْلَ ظِلَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حين كان ظل كل شئ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ

لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُ الْبَاقِينَ بِمَعْنَاهُ وَرَوَى حَدِيثَ إمَامَةِ جِبْرِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ ابن عباس وليس في هذا الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ " عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ " إنَّمَا فِيهَا عِنْدَ الْبَيْتِ ثُمَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ محمد يعنى البخاري اصح شئ فِي الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا ان كان اليوم الثاني أمره فابرد الظهر فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ فِي الْمَغْرِبِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ الشَّفَقُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لَا يَكَادُونَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثم أمره فاقام بالظهر حين زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ

سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ " الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ سَنَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّنِي جِبْرِيلُ " هُوَ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ رَسُولُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى رُسُلِهِ الْآدَمِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ تِسْعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَحَكَاهَا عَنْهُ أَيْضًا أبو منصور موهوب ابن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ الْجَوَالِيقِيُّ فِي كِتَابِ الْمُعَرَّبِ وَهِيَ جِبْرِيلُ وَجَبْرِيلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وفتحها وجبرئيل بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وجبرائيل بهمزة ثم ياء مع الالف وجبراييل بياءين بعد الالف وجبرئيل بهمزة بعد الراء وياء وجبرئيل بكسر الهمزة تخفيف اللَّامِ وَجَبْرِينُ وَجَبْرِينُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَنَّ جَبْرَ وَمِيكَ اسْمَانِ أُضِيفَا إلَى إيَّلَ وَآلَ قَالُوا وَإِيَّلُ وَآلُ اسْمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالُوا وَمَعْنَى جَبْرَ وَمِيكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَبْدٌ فَتَقْدِيرُهُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا خطأ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إيَّلَ وَآلَ لَا يُعْرَفَانِ في اسماء الله في اللغة والعربية: وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ آخِرُ الِاسْمِ فِي وُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَكَانَ آخِرُهُ مَجْرُورًا أَبَدًا كَعَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا فِي الْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَقَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قُلْتُ الصَّوَابُ قَوْلُ أبي على فان ما ادعوه لا أصيل لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا لَفْظُ الظُّهْرِ فَمُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي وَسَطِ النَّهَارِ: وقوله صلي الله عليه وسلم (والفئ مثل الشراك) هو بسكر الشِّينِ وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَيْسَ الشِّرَاكُ هُنَا لِلتَّحْدِيدِ وَالِاشْتِرَاطِ بَلْ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَا يَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وأما الظل والفئ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي أَوَائِلِ أَدَبِ الْكَاتِبِ يَتَوَهَّمُ الناس ان الظل والفئ بِمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ " أَنَا فِي ظِلِّكَ " ومنه " ظل الجنة " وظل شجرها انما هو سِتْرُهَا وَنَوَاحِيهَا وَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كل شئ وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا قال وأما الفئ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ لما قبل الزوال فئ وانما سمي بعد الزوال فيأ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أي رجع والفيئ الرُّجُوعُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ كَلَامٌ

نَفِيسٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ خَلَائِقُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَالْمُرَادُ بِالزَّوَالِ مَا يَظْهَرُ لَنَا لَا الزَّوَالُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ عَلَى مَا يَظْهَرُ وَلَكِنْ لَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ وَيَدْخُلُ الْوَقْتُ بِالزَّوَالِ الذى يظهر لنا فلو شرع في تكببرة الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ ثُمَّ ظَهَرَ عَقِبَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَصِحَّ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَتْ التَّكْبِيرَةُ حَاصِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَنَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ الظِّلِّ فَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ قَالَ وَكَذَا الصُّبْحُ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَطَلَعَ الْفَجْرُ بِحَيْثُ عَلِمَ وُقُوعَهَا بَعْدَ طُلُوعِهِ لَكِنْ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبِينَ الْفَجْرُ لِلنَّاظِرِ لَمْ تَصِحَّ الصُّبْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا آخِرُ وقت الظهر فهو إذا صار ظل الشئ مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَإِذَا خَرَجَ هَذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ مُتَّصِلًا بِهِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ إذَا صَارَ ظل الشئ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَقْتُ للظهر وَالْعَصْرِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ فَقَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بعده وقت للظهر وَالْعَصْرِ ثُمَّ يَتَمَحَّضُ الْوَقْتُ لِلْعَصْرِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالِاشْتِرَاكِ فَإِذَا زَادَ عَلَى الْمِثْلِ زِيَادَةً بَيِّنَةً خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْقَى وَقْتُ الظُّهْرِ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَسِيرًا كَانَ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ قَالُوا فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْأَوَّلِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا قَالُوا وَلِأَنَّ الصَّلَوَاتِ زِيدَ فِيهَا عَلَى بَيَانِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلِلِاخْتِيَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

" إذَا صَلَّيْتُمْ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ ثُمَّ إذَا صَلَّيْتُمْ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ تَحْضُرَ الْعَصْرُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ الي أن يسفط الشَّفَقُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي بَعْضِهَا " وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابى موسي السابق عن صحيح مسلم قال فيه في صلاة الطهر فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ " الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ " وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَمْتَدُّ وَرَاءَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَلَا إنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى من لم يصل الصلاة حتي يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَبِأَقْيِسَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى بِي الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشئ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حين صار ظل كل شئ مِثْلَهُ " فَمَعْنَاهُ بَدَأَ بِالْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حين صار ظل كل شئ مِثْلَهُ وَفَرَغَ مِنْ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَحْصُلُ بَيَانُ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لَمْ يَحْصُلْ تَحْدِيدُ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَفَاتَ بَيَانُهُ وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ " الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشئ مثله فمعنا الْإِجْمَاعُ مِنْ إرَادَةِ ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ فَتَأَوَّلْنَاهَا عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ حِينَئِذٍ وَبَقِيَتْ الظُّهْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَنَظِيرُ مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَدِيثِ قول الله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن) وقال تعالى (فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن) المراد بالبلوغ الاول مقارنته وبالثانى حقيقة القضاء الْأَجَلِ وَيُقَالُ بَلَغَ الْمُسَافِرُ الْبَلَدَ إذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ وَبَلَغَهُ إذَا دَخَلَهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدَّمَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَصَارَ صُورَتُهُ صُورَةَ جَمْعٍ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَمَلَهُ إمَامَانِ تَابِعِيَّانِ مِنْ رُوَاتِهِ وَهُمَا أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رواية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْآخَرُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ والثانى أنه

جَمْعٌ بِعُذْرٍ إمَّا بِمَطَرٍ وَإِمَّا مَرَضٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى بَيَانِ جِبْرِيلَ فَتِلْكَ الزِّيَادَاتُ ثَبَتَتْ بِنُصُوصٍ وَلَا نَصَّ هُنَا فِي الزِّيَادَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقُولُ إنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ مِنْ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غروب الشمس أوبى أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فَعَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فعلمنا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَيْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا وَنَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ من شئ قَالُوا لَا قَالَ فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَقْصَرُ مِنْ وَقْتِ الظهر ومن حين يصير ظل الشئ مِثْلَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ رُبْعُ النَّهَارِ وَلَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ بَلْ هُوَ مِثْلُهُ وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ وَمُنَاسِبَاتٍ لَا أَصْلَ لَهَا وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْأَوْقَاتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي دَلَالَةِ بَعْضِهَا نَظَرٌ وَيُغْنِي عَنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْجَزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ عُمْدَتُنَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُخَالِفِ إلَّا حَدِيثٌ سَاقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَاقَ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْأَمْثَالُ مَظِنَّةُ التَّوَسُّعَاتِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ التَّأْوِيلُ مُتَطَرِّقٌ إلَى حَدِيثِهِمْ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى مَا اعْتَمَدْنَاهُ تَأْوِيلٌ وَلَا مَطْمَعٌ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْكُورُ (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَكْثَرُ عَمَلًا أَنَّ مَجْمُوعَ عَمَلِ الْفَرِيقَيْنِ أَكْثَرُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَعَ التَّأَهُّبِ لَهَا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ السُّنَّةِ أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ وَنِصْفِ النَّهَارِ الرَّابِعُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ كَثْرَةُ الْعَمَلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا كَثْرَةُ الزَّمَانِ فَقَدْ يَعْمَلُ الْإِنْسَانُ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ غَيْرُهُ فِي زَمَنٍ مِثْلِهِ أَوْ أطول منه

(فَرْعٌ) لِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اختيار ووقت عذر فوقت أَوَّلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَوَقْتُ الْعُذْرِ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي حَقِّ مَنْ يَجْمَعُ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ هَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنَّ أَوْقَاتَ الظُّهْرِ ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ إذا صار ظل الشئ مِثْلَ رُبْعِهِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا صَارَ مِثْلَ نِصْفِهِ وَالْجَوَازِ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ وَالْعُذْرِ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ * (فَرْعٌ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا بَدَأَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَأَسِّيًا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالظُّهْرِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بَدَأَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِالظُّهْرِ وَفِي الْقَدِيمِ بِالصُّبْحِ قَالَ وَعَلَيْهِ كُلُّ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ بَدَأَ بِالظُّهْرِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ فِي اللَّيْلِ وَوَجَبَتْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي اللَّيْلِ فَأَوَّلُ صَلَاةٍ تَحْضُرُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الصُّبْحُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَبَتْ الظُّهْرُ وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا حِينَئِذٍ ولا ينتظر بها مصير الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ وَحَكَى السَّاجِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ وَلَيْسَ بشئ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ أن يصلي حتى يصير الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَخِلَافُ الْأَحَادِيثِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى السَّابِقُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقُ قَرِيبًا " وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ " وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حِينَ زالت الشمس كان الفيئ حِينَئِذٍ مِثْلَ الشِّرَاكِ مِنْ وَرَائِهِ لَا أَنَّهُ أَخَّرَ إلَى أَنْ صَارَ مِثْلَ الشِّرَاكِ * (فَرْعٌ) فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَعَلَامَتُهُ زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَقَصَ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إلَى الزِّيَادَةِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ مَا يَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ الظِّلِّ باختلاف

الْأَزْمَانِ وَالْبِلَادِ فَأَقْصَرُ مَا يَكُونُ الظِّلُّ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي الصَّيْفِ عِنْدَ تَنَاهِي طُولِ النَّهَارِ وَأَطْوَلُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ عِنْدَ تَنَاهِي قِصَرِ النَّهَارِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّاسِبِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ إنَّ عِنْدَ انْتِهَاءِ طُولِ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ لا يكون بمكة ظل لشئ من الاشخاص عند الزوال لستة وَعِشْرِينَ يَوْمًا قِبَلَ انْتِهَاءِ الطُّولِ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَتَى لَمْ يُرَ لِلشَّخْصِ ظِلٌّ فَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ فَإِذَا رَأَى الظِّلَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ زَالَتْ وَبَاقِي أَيَّامِ السَّنَةِ مُعَرَّفَةُ الزَّوَالِ بِمَكَّةَ كَمَعْرِفَتِهَا بِغَيْرِهَا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ للانسان فيئ بِمَكَّةَ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا قَامَةُ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِ نَفْسِهِ * (فَرْعٌ) فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَقِمِ الصَّلاةَ لدلوك الشمس الي غسق الليل) أَمَّا غَسَقُ اللَّيْلِ فَظَلَامُهُ وَأَمَّا الدُّلُوكُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَصْحَابُنَا هُوَ زَوَالُ الشَّمْسِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْغُرُوبُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَجَزَمَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَابْنُ فَارِسٍ بِأَنَّهُ الزَّوَالُ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَاخْتَارَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْغُرُوبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الظُّهْرَ هَلْ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أم لا مذهبنا الْوُجُوبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِهِ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا إنْ شاء الله * قال المصنف رحمه الله * * (وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله وزاد أدنى زيادة وآخره إذا صار ظل كل شئ مثليه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وصلي بى جبريل العصر حين صار ظل كل شئ مثل ظله ثم صلى المرة الاخيرة حين صار ظل كل شئ مثليه " ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز والاداء إلى غروب الشمس وقال أبو سعيد الاصطخرى إذا صار ظل كل شئ مثليه فاتت الصلاة ويكون ما بعده وقت القضاء والمذهب الاول لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ليس التفريط في النوم انما التفريط في اليقظة ان تؤخر صلاة حتي يدخل وقت صلاة أخرى ") * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى من لم يصل الصلاة حتى يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " وَالْيَقَظَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ

وَالْقَافِ وَأَبُو قَتَادَةَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ رِبْعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ سَلَمِيٌّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ مَدَنِيٌّ يُقَالُ لَهُ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ العصر إذا صار ظل كل شئ مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ إذَا انْقَضَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ " فَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لِبَيَانِ انْتِهَاءِ الظِّلِّ إلَى الْمِثْلِ وَإِلَّا فَالْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ قَبْلَ حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْعَصْرُ عَقِبَهَا قَالَ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا مِنْ وَقْتِ العصر بل هي فاصل بين الوقتين هذا مَا حَكَاهُ فِي الذَّخَائِرِ وَهَذَا الثَّالِثُ لَيْسَ بشئ لقوله صلي الله عليه وسلم " وقت الظهر مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ آخِرُهُ إذَا صَارَ ظل الشئ مِثْلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ وَكَانَتْ قَضَاءً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لَمْ يُخَرِّجْهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ وقتها يمتد حتى تغرب الشمس وانما هُوَ اخْتِيَارٌ لِنَفْسِهِ

وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَا وَقْتِ الْجَوَازِ بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا أَصَحُّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَيْضًا صَحِيحًا ولان الحائض وغيرها من أهل العذار إذَا زَالَ عُذْرُهُمْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْعَصْرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قد خرج لم يلزمهم وَهَذَا الْإِلْزَامُ حَسَنٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي دَرْسِهِ إنَّ الْإِصْطَخْرِيَّ يَحْمِلُ حَدِيثَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِلْعَصْرِ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ وَكَرَاهَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ فَالْفَضِيلَةُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّخْصِ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَيْنِ وَالْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَالَ الِاصْفِرَارِ حَتَّى تَغْرُبَ وَالْعُذْرُ

وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يذكر الله فيها الا قليلا " رواه مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِلْعَصْرِ يَمْتَدُّ إلَى مصير ظل كل شئ مِثْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يمتد الي اصفرار الشمس * قال المصنف رحمه الله * * (وأول وقت المغرب إذا غابت الشمس لما روى ان جبرائيل عليه السلام صلي المغرب حين غابت وافطر الصائم وليس لها الا وقت واحد وهو بقدر ما يتطهر ويستر العورة ويؤذن ويقيم ويدخل فيها فان الدخول عن هذا الوقت اثم لما روى ابن عباس ان جبريل عليه السلام صلي المغرب في المرة الاخيرة كما صلاها في المرة الاولى ولو كان لها وقت آخر لبين كما بين في سائر الصلوات فان دخل فيها في وقتها ففيه ثلاثة أوجه أحدها ان له ان يستديمها إلى غيبوبة الشفق لان النبي صلي الله عليه وسلم قرأ الاعراف في صلاة المغرب والثاني لا يجوز أن يستديمها اكثر من قدر ثلاث ركعات لان جبريل صلي ثلاث ركعات والثالث له ان يصلى مقدار أول الوقت في سائر الصلوات لانه لا يكون مؤخرا في هذا القدر ويكون مؤخرا فيما زاد عليه ويكره ان يسمى صلاة المغرب العشاء لما روى عبد الله ابن مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا تغلبنكم الاعراب علي اسم صلاة المغرب وتقول الاعراب هي العشاء ") *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ هُوَ تَمَامُ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَعْرَابُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ وَحَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ فَرَوَاهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثابت " مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِأَطْوَلِ الطوليين " هذا لفظ البخاري وفى رواية النسائي واسادها صَحِيحٌ عَنْ زَيْدٍ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطوليين المص " وَأَمَّا مُغَفَّلٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة والفاء وكنية عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو زِيَادٍ الْمُزَنِيّ مِمَّنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ سَكَنَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ الْبَصْرَةَ وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ سُقُوطُ قُرْصِهَا بِكَمَالِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَلَا نَظَرَ بَعْدَ تَكَامُلِ الْغُرُوبِ إلَى بَقَاءِ شُعَاعِهَا بَلْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا مَعَ بَقَائِهِ وأما في العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى شئ مِنْ شُعَاعِهَا عَلَى الْجُدَرَانِ وَقُلَلِ الْجِبَالِ وَيُقْبِلُ الظَّلَّامُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَنَقَلَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا ينتهي إلى مغيب الشفق هكخذا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ ثَانِيهِمَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَالَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا قَالَ وَأَنْكَرَهُ جُمْهُورُهُمْ لِأَنَّ الزَّعْفَرَانِيَّ وَهُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ القديم

حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ لَهَا وَقْتًا فَقَطْ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَمْتَدُّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ ثِقَةٌ إمَامٌ وَنَقْلُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ غَيْرِهِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَلَا كَوْنُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ اُخْتُلِفَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْقَدِيمَ وَهُوَ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَفِي دَرْسِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْعِجْلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الشَّفَقُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ ثَوْرُ الشَّفَقِ هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ: أَيْ ثَوَرَانُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَوْرُ الشَّفَقِ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى ثَوْرِهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ قَالَ " ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي حَدِيثِهِ السَّابِقِ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فَإِذَا عُرِفَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ جَزْمًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بَلْ أَحَادِيثُ وَالْإِمْلَاءُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَةِ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الحديث

خِلَافَ قَوْلِهِ يُتْرَكُ قَوْلُهُ وَيُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ مَا صَحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَا وَقْتِ الْجَوَازِ فَهَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ وَكَذَا الْمَغْرِبُ (وَالثَّانِي) أَنَّ حَدِيثَ جِبْرِيلَ مُقَدَّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا فِي الْعَمَلِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رُوَاتَهَا أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَنَّهَا أَصَحُّ إسْنَادًا وَلِهَذَا خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ مَا بَيْنَهُمَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ هَذَا فَعَلَى هَذَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالثَّانِي وَقْتُ جَوَازٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَالثَّالِثُ وَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَمَعَ لِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتَ الِاخْتِيَارِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ عَلَى هَذَا يَكُونُ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِمَّا بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَغِيبِ الشَّفَقِ وَقْتَ اخْتِيَارٍ وَالنِّصْفُ الثَّانِي وَقْتَ جَوَازٍ وَهَذَا ليس بشئ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنْ الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب واما إذَا قُلْنَا لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَهُوَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ طَهَارَةٍ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَأَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَخَمْسُ رَكَعَاتٍ هَذَا هو الصحيح

وَبِهِ قَطَعَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا انه لا يتقدر بالصلاة بل بالعرف فمن أَخَّرَ عَنْ الْمُتَعَارَفِ فِي الْعَادَةِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهَذَا قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ اعْتِبَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ مِنْهَا رَكْعَتَانِ لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ مَقْضِيَّةً فَإِذَا مَضَى هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ انْقَضَى الْوَقْتُ وَمَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْغُرُوبِ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وفيه وجه ان يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَالسَّتْرُ دُونَ التَّيَمُّمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي كل لك الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ بِلَا إطَالَةٍ وَلَا اسْتِعْجَالٍ هَكَذَا اطلق الجمهور قال الفقال تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْأُمُورُ مُتَوَسِّطَةً لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ فِعْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ خَفِيفُ الْحَرَكَاتِ وَالْجِسْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَبَعْضُهُمْ عَكْسُهُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا أَكْلُ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَةَ الْجُوعِ هَكَذَا قَالُوا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ الْجَوَازُ فِي لُقَمٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قدم العشاء فابدؤا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ " فَإِنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِيهَا عَنْ هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ بَلْ دَخَلَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمُدَّهَا وَيَسْتَدِيمَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وآخرون قال البندنجي هذه الاوجه حكاها أبو اسحاق المروزى في الشرح وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّتَهَا أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَتَمَادَى إلَيْهِ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ الاعراف

وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَرَأَ بِالْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا يَمْنَعُ تَأْوِيلَ مَنْ قَالَ قَرَأَ بِبَعْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ قَوْلَهُمْ هَلْ لِلْمَغْرِبِ وَقْتٌ أَمْ وَقْتَانِ وَقَالَ عِبَارَتُهُمْ هَذِهِ غَلَطٌ قَالَ بَلْ لِلصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَلَكِنَّ الْمَغْرِبَ يَقْصُرُ وقتها وغيرها بطول وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ عَنْ هَذَا الْإِنْكَارِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لِلصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَقْتَانِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَانِ مُنْفَرِدَيْنِ وَلَكِنْ وَقْتٌ وَاحِدٌ لَهُ أَوَّلُ وَآخِرٌ كَالصُّبْحِ وَقْتُهَا أَوَّلُ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَوَقْتُهَا الثَّانِي مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَحِينَئِذٍ لَا إنْكَارَ عَلَى طَائِفَةٍ اصْطَلَحَتْ عَلَى هَذَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ قِيلَ كَيْفَ قُلْتُمْ لِلْمَغْرِبِ وَقْتٌ وَاحِدٌ عَلَى الْجَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَمِنْ شَرْطِ الْجَمْعِ وُقُوعُ الصلاتين في احداهما فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وقوع الصلاتين في وقت أحداهما إنَّمَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ إحْدَاهُمَا عَقِبَ الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ لِلْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا الْقَدْرُ يُمْكِنُ فيه الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَقْصُورَةً وَكَذَا تَامَّةً تَفْرِيعًا عَلَى الاصح أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَدَاءٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالسُّؤَالُ قَوِيٍّ وَالْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُنْتَقَضُ بِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِحَيْثُ وَقَعَتْ الظُّهْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْعَصْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ جَمْعُ التَّقْدِيمِ قُلْنَا إنَّمَا صَحَّتْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ وَقَعَتْ الْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لَهَا بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لَا يَصْلُحُ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَقَدْ صَحَّتْ بِالِاتِّفَاقِ فَدَلَّ عَلَى امْتِدَادِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَظَاهِرُ الْفَسَادِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بِحَيْثُ يَقَعُ بَعْضُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ جَازَ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي لَكَانَ فِي صِحَّةِ الْقَصْرِ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَدَاءٌ أم قضاء وبناء علي المقتضية فِي السَّفَرِ فَظَهَرَ بِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ امْتِدَادُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ: قَدْ ذَكَرْنَا إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَبَيَّنَّا الْمُرَادَ بِالْغُرُوبِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا حَتَّى يَشْتَبِكَ النُّجُومُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ ثَانِيهِمَا إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْوَقْتَيْنِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ الاوزاعي ونقل أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ غَيْرَهَا وَالثَّانِيَةُ وَقْتَانِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالثَّالِثَةُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَقَدْ سَبَقَتْ دَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلشِّيعَةِ بِحَدِيثٍ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الْمَغْرِبَ عِنْدَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ " وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَبُرَيْدَةَ أَنَّهُ " صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ " وَهِيَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَمَا سبق وعن رافع

ابن خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بالحجاب " رواه البخاري ومسلم: وعن أبى أيوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: وَعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ * وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُحْتَجُّ لَهُمْ بِهِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا يَصِحُّ وَلَوْ نُقِلَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا كَذَلِكَ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ صَحَّ فِي أَحَادِيثَ سَبَقَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً كَذَا صَرَّحَ به المصنف وغيره للحديث للسابق * * قال المصنف رحمه الله * * (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وهو الحمرة وقال المزني الشفق البياض والدليل عليه ان جبريل عليه السذم صلي العشاء الاخيرة حين غاب الشفق والشفق هو الحمرة وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

" وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ " ولانها صلاة تتعلق باحد النيرين والمتفقين في الاسم الخاص فتعلقت باظهرهما وانورهما كالصبح: وفى آخره قولان قال في الجديد الي ثلث الليل لما روي ان جبريل عليه السلام صلي في المرة الاخيرة العشاء الاخيرة حين ذهب ثلث الليل وقال في القديم والاملاء الي نصف الليل لما روى عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وقت العشاء ما بينك وبين نصف لليل " ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز الي طلوع الفجر قال أبو سعيد الاصطخري إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه فاتت الصلاة وتكون قضاء والمذهب الاول لما روينا من حديث أبى قتادة رضى الله عنه ويكره ان تسمي العشاء العتمة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يغلبنكم الاعراب علي اسم صلاتكم " قال ابن عيينة انها العشاء وانهم يعتمون بالابل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لما روى أبو برزة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النوم قبلها والحديث بعدها) * * (الشَّرْحُ) * فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا فِي الْأَحَادِيثِ أَمَّا حَدِيثَا جِبْرِيلَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَصَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصي " وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ " فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالثَّابِتُ مِنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ " كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِهَذَا لِأَنَّ ثَوْرَهُ هُوَ ثَوَرَانُهُ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَحْمَرِ لَا الْأَبْيَضِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْآخَرُ فَصَحِيحٌ أيضا رواه مسلم ولفظه في مسلم عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ أَنَّ رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ علي اسما صَلَاتِكُمْ إلَّا أَنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ

عُيَيْنَةَ إنَّهَا الْعِشَاءُ إلَى آخِرِهِ كَانَ يَنْبَغِي حذف ذكر ابن عيينة: واما أَبِي بَرْزَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَكِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَهُمَا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ كَانَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا يَعْنِي الْعِشَاءَ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ فَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو قَتَادَةَ وَالْمُزَنِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُمْ وَذِكْرُ أَحْوَالِهِمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ: وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَرَوَى عَنْهُ هُنَا حَدِيثَيْنِ حَدِيثَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَالْحَدِيثَ الْآخَرَ وَقْتُ الْعِشَاءِ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وهو عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي بِالْيَاءِ عَلَى الْفَصِيحِ وَبِحَذْفِهَا عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي أَلْسِنَتِهِمْ ابْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سُعَيْدٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ بن سهم بن عمرو بن هصيص بضم الهاء بصادين مهملتين بن كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ كنية عبد الله أبو محمد وقبل أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِي السِّنِّ إلَّا إحْدَى عَشْرَةَ سُنَّةً وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ " وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا بَلِيغًا وَكَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالطَّائِفِ وَقِيلَ بِمِصْرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً: وَأَمَّا أَبُو بَرْزَةَ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا زَايٌ وَهُوَ أَبُو بَرْزَةَ نَضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ ثُمَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ غَزَا خُرَاسَانَ وَتُوُفِّيَ بِهَا وَقِيلَ بِالْبَصْرَةِ وقيل بنيسابور وقيل في مفازة بَيْنَ سِجِسْتَانَ وَهَرَاةَ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وستين

واما ابن عيينة فهو أبو محمد سفين بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيُّ كُوفِيٌّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ إمَامَ أَهْلِهَا فِي عَصْرِهِ وهو أحد شيوخ الشافعي أحد أَجْدَادِنَا فِي سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهِ سَمِعَ خَلَائِقَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْهُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَأَحَدُ شُيُوخِهِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَوَكِيعٍ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فِيهِ مِنْ آلَةِ الْعِلْمِ مَا في سفين بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ تَفْسِيرًا للحديث منه روينا عن سفين قَالَ قَرَأْت الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وكتبت الحديث وانا ابن سبع سنين وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ يَوْمَ السَّبْتِ غُرَّةَ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ رَحِمَهُ اللَّهُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الْأَحْكَامِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ مَغِيبُ الشَّفَقِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ هَلْ هُوَ الْحُمْرَةُ أَمْ الْبَيَاضُ وَسَنَذْكُرُ فِيهِ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ الَّتِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ وَقَبْلَ الْبَيَاضِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ دُونَ الصُّفْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِزَوَالِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُمَا بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ وَلَمْ يُرَ مِنْهَا شئ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَمَنْ افْتَتَحَهَا وَقَدْ بَقِيَ من الحمرة شئ أَعَادَهَا فَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ الْحُمْرَةَ تَرِقُّ وَتَسْتَحِيلُ لَوْنًا آخَرَ بِحَيْثُ يُعَدُّ بَقِيَّةً لِلَوْنِ الْحُمْرَةِ وَفِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا وَلَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَهَكَذَا عِبَارَاتُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَدْخُلُ الْوَقْتُ بمغيب الحمرة

وَإِنْ بَقِيَتْ الصُّفْرَةُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ * وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أحدهما وهو المشهور في الجديد أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ الْجَدِيدِ يَمْتَدُّ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَحَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كَوْنَهُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَصَحَّحَ أَصْحَابُنَا ثُلُثَ اللَّيْلِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَدَلِيلُ الثُّلُثِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ النِّصْفَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمَانُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَسُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي: هَذِهِ طَرِيقَةُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرَيْنِ وَالنَّصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ مَحْمُولَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَالْمُرَادُ بالثلث أئه آخِرُ وَقْتِ الِابْتِدَاءِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالنِّصْفِ أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِ الِانْتِهَاءِ وَهَذَا الطَّرِيقُ غَرِيبٌ وَالْمُخْتَارُ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَإِذَا ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَقِيَ وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ إذَا ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فَاتَتْ الْعِشَاءُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَتَصِيرُ قَضَاءً وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ أَيْضًا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَا أَرَاهَا إلَّا فَائِتَةً

فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَافَقَ الْإِصْطَخْرِيَّ لِظَاهِرِ هَذَا النص وتأوله الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ فَاتَ دُونَ وَقْتِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّ الْمَعْذُورِينَ إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِتَكْبِيرَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لَهَا لَمَا لَزِمَتْهُمْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ إذَا كَمَلَ الصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَائِضُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْعِشَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ فَهَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّارِحِينَ لِلتَّنْبِيهِ فَنَقَلَ عَنْهُ مُوَافَقَةَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهَذِهِ غَبَاوَةٌ مِنْ هَذَا الشَّارِحِ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ لِطُولِهِ وَالصَّوَابُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ وَإِنْكَارُهُ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لِلْعِشَاءِ أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ وَعُذْرٍ فَالْفَضِيلَةُ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالِاخْتِيَارُ بَعْدَهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ وَالْجَوَازُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَالْعُذْرُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ *

(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ نَوَاحٍ تَقْصُرُ لَيَالِيهِمْ فَلَا يَغِيبُ الشَّفَقُ عِنْدَهُمْ فَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الزَّمَانِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَدْرٌ يَغِيبُ الشَّفَقُ فِي مِثْلِهِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ * (فَرْعٌ) قِيلَ إنَّ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ نِصْفُ سُدُسِ اللَّيْلِ فَإِنْ طَالَ اللَّيْلُ طَالَ نِصْفُ السُّدُسِ وَإِنْ قَصُرَ قَصُرَ * (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى عَتَمَةً وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى عَتَمَةً: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِتَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ مَنْ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ بِالْمَغْرِبِ فَلَوْ قِيلَ الْعِشَاءُ لَتَوَهَّمَ إرَادَةَ الْمَغْرِبِ لانها كانت

مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ بِالْعِشَاءِ وَأَمَّا الْعَتَمَةُ فَصَرِيحَةٌ فِي العشاء الآخرة فاحتمل اطلاق العتمة هنا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَالْعِشَاءُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ بِالْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العشاء) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اسْتِعْمَالُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ مِنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقَالَ الصَّوَابُ الْعِشَاءُ فَقَطْ وَهَذَا غَلَطٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (الْخَامِسَةُ) يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُكْرَهُ بَعْدَهَا ما كان مباحا في؟ فير هَذَا الْوَقْتِ أَمَّا الْمَكْرُوهُ فِي غَيْرِهِ فَهُنَا أشد كراهة وسبب الكراهة انه يتأخر نومه فَيُخَافُ تَفْوِيتُهُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ تَفْوِيتُهُ الصُّبْحَ عَنْ وَقْتِهَا أو عن أوله وهذ الْكَرَاهَةُ إذَا لَمْ تَدَعْ حَاجَةً إلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمَّا الْحَدِيثُ لِلْحَاجَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَكَذَا الْحَدِيثُ بِالْخَيْرِ كَقِرَاءَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومذاكرة الفقه وحكايات الصالحين والحاديث مع الضيف ونحوها فلا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا كُلِّهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ وَجَمَعْتُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَسَبَبُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ فَإِنَّهُ مُخَاطَرَةٌ بِتَفْوِيتِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّفَقِ وَآخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَمَّا الشَّفَقُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِمَغِيبِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحُمْرَةُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَكْحُولٍ وسفين الثَّوْرِيِّ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ مَرْفُوعًا وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن

ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أبى ثور وداود * وقال أبوحينيفة وَزُفَرُ وَالْمُزَنِيُّ هُوَ الْبَيَاضُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ والاوزاعي واختاره ابن المذر قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْحُمْرَةِ بِأَشْيَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ لَا يظهر منها دلالة لشئ يَصِحُّ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي شِعْرِهِمْ وَنَثْرِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَقْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الشَّفَقُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحُمْرَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَكَانَ أحمر وقال ابن فارس في الجمل قَالَ الْخَلِيلُ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَيْضًا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلَ الْفَرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا وَقَالَ الربيدى فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الشَّفَقُ بَقِيَّةُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَحُمْرَتُهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْعَتَمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا فَهَذَا كَلَامُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وبالله التوفيق * قال المصنف رحمة الله * * (ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق الذى يحرم به الطعام والشراب على الصائم وآخره إذا اسفر لما روى ان جبربل عليه السلام صلي الصبح حين طلع الفجر وصلى من الغد حين اسفر ثم التفت وقال هذا وقت الانبياء من قبل قبلك وفيما بين هذين وقت ثم يذهب وقت الاختيار ويبقي وقت الجواز الي طلوع الشمس وقال أبو سعيد الاصطخرى يذهب الوقت وما بعده وقت القضاء والمذهب الاول لحديث أبي قتادة رضي الله عنه ويكره ان تسمى صلاة الغداة لان الله تعالى سماها بالفجر فقال تعالي (وقرآن الفجر) وسماها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فقال " من ادرك ركعة من الصبح فقد ادركها ") * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَحَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَآخِرَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ إذَا أَسْفَرَ أَيْ أَضَاءَ ثُمَّ يَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَخْرُجُ الْوَقْتُ بِالْإِسْفَارِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُهُ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ

وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصُّبْحِ بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَى طُلُوعِ الْحُمْرَةِ يَعْنِي الْحُمْرَةَ الَّتِي قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْفَجْرُ فَجْرَانِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى الْفَجْرَ الْأَوَّلَ وَالْفَجْرَ الْكَاذِبَ وَالْآخَرُ يُسَمَّى الْفَجْرَ الثَّانِي وَالْفَجْرَ الصَّادِقَ فَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا نَحْوَ السَّمَاءِ كَذَنْبِ السَّرْحَانِ وَهُوَ الذِّئْبُ ثُمَّ يَغِيبُ ذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الثَّانِي الصَّادِقُ مُسْتَطِيرًا بِالرَّاءِ أَيْ مُنْتَشِرًا عَرْضًا فِي الاوفق قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفَجْرِ الثَّانِي فبه يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَيَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ وَيَحْرُمُ بِهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ وَبِهِ يَنْقَضِي اللَّيْلُ وَيَدْخُلُ النَّهَارُ ولا يتعلق بالفجر الاول شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ سمي الفجر الاول كاذبا لانه يضئ ثم يسود ويذهب وسمي الثَّانِي صَادِقًا لِأَنَّهُ صَدَقَ عَنْ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ ومما يستدل للفجرين به مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْكُمْ اذان بلال من سحوره فان يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلِيَتَنَبَّهَ نَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَهَا إلَى أَسْفَلَ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سُمْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ اذان بلال ولا الفجر المستطيل لكن الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (كلوا واشربوا ولا يهمنكم السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمْ الْأَحْمَرُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العلم انه لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عَلَى الصَّائِمِ حَتَّى يكون الفجر المتعرض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَوَاتِ النها وأول النهار طلوع الفجر الثاني هذا مذهبا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ بَلْ زَمَنٌ مُسْتَقِلٌّ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا قَالُوا وَصَلَاةُ الصُّبْحِ لَا فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ وَحَكَى الشيخ أبو حامد أيضا عن حذيفة ابن الْيَمَانِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالْأَعْمَشِ رضى الله عنهم انهم قالو آخِرُ اللَّيْلِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَهُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ قَالُوا وَصَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَوَاتِ اللَّيْلِ قَالُوا وَلِلصَّائِمِ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ هَكَذَا نقله أبو حامد عن هؤلاء ولا أظله يَصِحُّ عَنْهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَحُكِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ هِيَ مِنْ صَلَوَاتِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ من الليل يحل فيه الاكل للصائم قالا وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ بَعِيدٌ صِحَّتُهَا مَعَ ظُهُورِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَعَ ظاهر القرآن قان اُحْتُجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجعلنا آنة النهار مبصرة) وَآيَةُ النَّهَارِ هِيَ الشَّمْسُ فَيَكُونُ النَّهَارُ مِنْ طلوعها وبقول أمية ابن أيى الصلت * والشمس تطله كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ * حَمْرَاءَ تُبْصِرُ لَوْنَهَا تَتَوَقَّدُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَثْبُتُ كَوْنُهُ مِنْ النَّهَارِ بِقَوْلِهِ تعالي (فكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخيط الاسود من الفجر) وَبِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ

فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَاللَّيْلُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي اُحْتُجَّ لَهُ بِهَا فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ آيَةٌ لِلنَّهَارِ وَلَمْ يَنْفِ كَوْنَ غَيْرِهَا آيَةً فَإِذَا قَامَتْ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ مِنْ النَّهَارِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْآيَةَ الْعَلَامَةُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يقارن جميع الشئ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ آيَةُ اللَّيْلِ وَلَا يَلْزَمُ مُقَارَنَتُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَدْ نَقَلَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ إمَامُ اللُّغَةِ أَنَّ النَّهَارَ هُوَ الضِّيَاءُ الَّذِي بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ وَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَ قَرِيبَ آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ لَا آخِرَهَا حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ) قُلْنَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْوَ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَأَلْتُ عَنْهُ أَبَا الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مُعْظَمُ صَلَوَاتِ النَّهَارِ وَلِهَذَا يُجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النهار ويولج النهار في الليل) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لِصَلَاةِ الصُّبْحِ اسْمَانِ الْفَجْرُ وَالصُّبْحُ جاء القرآن بِالْفَجْرِ وَالصُّبْحِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ في الاول أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الاسمين لا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا صُبْحًا وَفَجْرًا وَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا غَدَاةً وَلَمْ يَقُولُوا تُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا غَدَاةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وشيخه القاضى أبو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى غَدَاةً غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ غَيْرُ جَازِمٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْغَدَاةِ نهى بل اشهر اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْغَدَاةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْفَجْرُ وَالصُّبْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ فِي الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَخَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ هَلْ تَكُونُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً فِيهِ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الصُّبْحُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَبَطَلَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِيهَا كَطَهَارَةِ مَسْحِ الْخُفِّ: دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ أَنَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ هُنَاكَ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ وَهُنَا لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لُبْثُهُ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ " فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَبَّهْتُ عَلَيْهَا لِيُعْلَمَ حُكْمُهَا بِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحديث الصحيح وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله ** (وتجب الصلاة في أول الوقت لان الامر تناول أول الوقت فاقتضى الوجوب فيه) * * (الشرح) * مذهبنا الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِإِمْكَانِ فِعْلِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الفقهاء: وعن أبي حنيفة روايات احداهما كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ غَرِيبَةٌ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ زُفَرَ عَنْهُ يَجِبُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ صَلَاةَ الْوَقْتِ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ وَحَكَاهَا عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَجِبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَلَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقَعُ صَلَاتُهُ مَوْقُوفَةً فَإِنْ بَقِيَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُكَلَّفًا تَبَيَّنَّا وُقُوعَهَا فَرْضًا وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ تَقَعُ نَفْلًا فَإِنْ بَقِيَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُكَلَّفًا منع ذلك النقل وُجُوبَ الْفَرْضِ عَلَيْهِ * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي كَوْنِهَا لَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَلِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَحَوْلِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَالصَّلَاةِ ثُمَّ الزَّكَاةُ تَجِبُ بِآخِرِهِ فَكَذَا الصَّلَاةُ وَلِأَنَّ مَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَاضِرٌ وَمَضَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ قَصْرُ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَوْ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ

الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ قَصْرُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَرْكِهَا فَإِذَا فَعَلَهَا فِيهِ كَانَتْ نفلا * واحتج اصحابنا بقول اللَّهِ تَعَالَى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غسق الليل) وَالدُّلُوكُ الزَّوَالُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَيْفَ أَنْتَ إذَا بَقِيَتْ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِك فَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ وَهُوَ التَّأَخُّرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا عَنْ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَمَعْنَى صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا لِغَيْرِهَا تَجِبُ فِي الْبَدَنِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ تَجُوزُ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ كُلُّ وَقْتٍ لِجَوَازِهَا وَقْتًا لِوُجُوبِهَا كَالصَّوْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا مَقْصُودَةٌ لَا لِغَيْرِهَا عَنْ الْوُضُوءِ وَبِقَوْلِنَا تَجِبُ فِي الْبَدَنِ عَنْ الزَّكَاةِ وَبِقَوْلِنَا لَا تتعلق بِالْمَالِ عَنْ الْحَجِّ وَبِقَوْلِنَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَتْ الْآنَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَكِنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي سَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ فِي نُسُكِ الْحَجِّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّ الْوَاجِبَ ضربان موسع ومضيق فالموسع تبع فِيهِ التَّوَسُّعَ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَنِ الْمَحْدُودِ لِلتَّوَسُّعِ وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا الْمُضَيَّقُ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَمِنْ هَذَا صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَوْلِ الزَّكَاةِ أَنَّ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ جُوِّزَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ وَإِلَّا فقياس العبادات ان لا تُقَدَّمَ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَكِنْ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِأَوَّلِهِ وَهُمْ بِآخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ أن لنا فيها خلافا ففى وجه قاله الْمُزَنِيّ وَابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا جَازَ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلصَّلَاةِ وَالِاعْتِبَارُ فِي صِفَتِهَا بِحَالِ فِعْلِهَا لَا بِحَالِ وُجُوبِهَا وَلِهَذَا لَوْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْمَاءِ ثُمَّ عجز

عَنْهُمَا صَلَّاهَا قَاعِدًا بِالتَّيَمُّمِ وَأَجْزَأَتْهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَقَضَاهَا وَهُوَ قَادِرٌ لَزِمَهُ القيام والوضوء: والجواب عن قياسهم علي النوفل أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مُطْلَقًا وَالْمَكْتُوبَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي يَوْمِ كَذَا فَلَهُ ان يصليها في أي وقت منه شاء فلو صلاها فِي أَوَّلِهِ وَقَعَتَا فَرْضًا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْوَجْهُ أَنْ نَقُولَ لَهُمْ أَتُسَلِّمُونَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ أَمْ تُنْكِرُونَهُ فَإِنْ أَنْكَرُوهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ قَوَاطِعَ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوْلُ الْوَجِيزُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ تَحْصِيلَ هَذَا الْفِعْلِ وَضَرَبْتُ لِتَحْصِيلِكَ إيَّاهُ هَذَا الْأَمَدَ فَمَتَى فَعَلْتَهُ فِيهِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَقَدْ امْتَثَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَهَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ عَقْلًا وَلَهُ نَظَائِرُ ثَابِتَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَنْسِيَّاتِ وَالصَّوْمِ الْمَتْرُوكِ بِعُذْرٍ وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ قُلْنَا لَهُمْ الْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مُوَسَّعٍ وَمَتَى أَوْقَعَهَا فِيهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وعبادات البدن لا تصح قبل وقت وُجُوبِهَا فَإِنْ قَالُوا لَوْ وَجَبَتْ لَعَصَى بِتَأْخِيرِهَا عن أول الوقت قلنا هذه صفة الواجب الْمُضَيَّقِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ كَالْكَفَّارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ الْوَقْتِ أَوْ آخره هل يلزمه العزم علي فعلها فيه وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ صَاحِبُ الْحَاوِي أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ الْعَزْمُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا عَزْمٍ وَصَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ أَثِمَ وَكَانَتْ أَدَاءً وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِوُجُوبِ الْعَزْمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ صَلِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْعَزْمِ فَإِيجَابُهُ زِيَادَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الصِّيغَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ الْعَزْمِ وَمَاتَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا قُلْنَا قَوْلُكُمْ لَوْ غَفَلَ عَنْ الْعَزْمِ لَا يَكُونُ عَاصِيًا صَحِيحٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْغَافِلَ لَا يُكَلَّفُ أَمَّا إذَا لَمْ يَغْفُلْ عَنْ الْأَمْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْعَزْمُ إلَّا بِضِدِّهِ وَهُوَ الْعَزْمُ علي الترك مطلقا وهذا حرام ومالا خَلَاصَ مِنْ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ مِنْ حَيْثُ وَضْعُ اللِّسَانِ لَكِنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الصِّيغَةِ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْعَزْمُ أَوْ أَوْجَبْنَاهُ وَعَزَمَ ثُمَّ مَاتَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ فَجْأَةً فَهَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ الصَّحِيحُ لَا يَمُوتُ عَاصِيًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَمَنْ قَالَ يَمُوتُ عَاصِيًا فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ السَّلَفِ فَإِنَّا نَعْلَمُ انهم كانوا لا يأثمون مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ وَلَا يَنْسُبُونَهُ إلَى تَقْصِيرٍ لاسيما إذَا اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَنَهَضَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بَلْ مُحَالٌ أَنْ يَعْصِيَ وَقَدْ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ وَمَتَى فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَعْصِيَتُهُ: فَإِنْ قِيلَ جَازَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ قُلْنَا مُحَالٌ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ عَنْهُ فَإِذَا سَأَلْنَا وَقَالَ الْعَاقِبَةُ مسورة عَنِّي وَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَأُرِيدُ تَأْخِيرَهُ إلَى الْغَدِ فَهَلْ لِي تَأْخِيرُهُ مَعَ جَهْلِ الْعَاقِبَةِ أَمْ أَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَعْصِي قَالَ فَلِمَ آثَمُ بِالْمَوْتِ الَّذِي لَيْسَ إلَيَّ وَإِنْ قُلْنَا يَعْصِي خَالَفْنَا الْإِجْمَاعَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَإِنْ قُلْنَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّكَ تَمُوتُ قَبْلَ الْغَدِ عَصَيْتَ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّكَ تَحْيَا فَلَكَ التَّأْخِيرُ قَالَ فَمَا يُدْرِينِي مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تعالى فما قولكم في حق الجاهل فلابد مِنْ الْجَزْمِ بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ تَأْخِيرَهُ أَبَدًا وَلَا يَعْصِي إذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ قُلْنَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ وَلَا يَجُوزُ الْعَزْمُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَّا إلَى مدة تغلب عَلَى ظَنِّهِ الْبَقَاءُ إلَيْهَا كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ سَاعَةٍ إلَى سَاعَةٍ وَتَأْخِيرِ الصَّوْمِ مِنْ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى التَّفَرُّغِ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَتَأْخِيرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلَوْ عَزَمَ الْمَرِيضُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ عَلَى التَّأْخِيرِ شَهْرًا أَوْ الشَّيْخُ الضَّعِيفُ علي التأخير سِنِينَ وَغَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ عَصَى بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَوُفِّقَ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِظَنِّهِ كَالْمُعَزَّرِ إذا ضرب ضربا يهلك أو قطع سلعة وَغَالِبُ ظَنِّهِ الْهَلَاكُ بِهَا يَأْثَمُ وَإِنْ سَلِمَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إلَى سَنَةٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَرَآهُ الشَّافِعِيُّ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ فِي الشَّابِّ الصَّحِيحِ دون الشيح وَالْمَرِيضِ ثُمَّ الْمُعَزَّرُ إذَا فَعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ فَهَلَكَ مِنْهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ وَالْمُخْطِئُ ضَامِنٌ غَيْرُ آثِمٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَلَنَا فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى مَاتَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ اصحها يموت عاصيا الشيخ والشاب الصحيح الثاني لَا يَمُوتُ عَاصِيًا وَالثَّالِثُ يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْعِصْيَانُ مُطْلَقًا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِصْيَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي

كِتَاب الْحَجِّ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قال المصنف رحمه الله * * (والافضل فيما سوى الظهر والعشاء التقديم في أول الوقت لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فقال " الصلاة في اول وقتها " ولان الله تعالى أمر بالمحافظة عليها قال الشافعي رحمه الله ومن المحافظة عليها تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا عرضها للنسيان وحوادث الزمان) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ فَرْوَةَ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعْفُهُ بَيِّنٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ إذَا تَحَقَّقَ طُلُوعُ الْفَجْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ واحمد واسحق وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْإِسْفَارِ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فانه أعظم للاجر " وعن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا صَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِهِ مُغَلِّسًا بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُسْفِرًا بِهَا قَالُوا وَلِأَنَّ الْإِسْفَارَ يُفِيدُ كَثْرَةَ الْجَمَاعَةِ وَاتِّصَالَ الصُّفُوفِ وَلِأَنَّ الْإِسْفَارَ يَتَّسِعُ بِهِ وَقْتُ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَمَا أَفَادَ كَثْرَةَ النَّافِلَةِ كَانَ أَفْضَلَ * وَاحْتَجَّ اصحابنا يقول الله تعالى (حافظوا على الصلوات) وَمِنْ الْمُحَافَظَةِ تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ إذا أخرها عرضها للفوات وبقول اللَّهُ تَعَالَى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) والصلاة تحصل ذلك وبقوله تعالي (واستبقوا الخيرات) وبحديث

عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كُنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْمُتَلَفِّعَاتُ المتلفات وَالْمُرُوطُ الْأَكْسِيَةُ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إذَا رَأَى فِي النَّاسِ قِلَّةً أَخَّرَ وَإِذَا رَأَى كَثْرَةً عَجَّلَ وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " تَسَحَّرَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى قُلْتُ لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بمعناه وعن سهل بن سعدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَعَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ صلاة الفجر

فَصَلَّى بِغَلَسٍ وَكَانَ يُسْفِرُ بِهَا فَلَمَّا سَلَّمَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ إلَى جَانِبِي فَقَالَ هَذِهِ صَلَاتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ أسفر بهما عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَهُوَ ظُهُورُهُ يُقَالُ سَفَرَتْ الْمَرْأَةُ أَيْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصلاة قبل الاسقار لَكِنَّ الْأَجْرَ فِيهَا أَقَلُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّ التَّأْخِيرَ إلَى إسْفَارِ الْفَجْرِ وَهُوَ ظُهُورُهُ الَّذِي يُتَيَقَّنُ بِهِ طُلُوعُهُ أَفْضَلُ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِسْفَارِ فِي اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ فِيهَا الْفَجْرُ إلَّا بِاسْتِظْهَارٍ فِي الْإِسْفَارِ وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِالتَّعْجِيلِ صَلَّوْا بَيْنَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي طَلَبًا لِلثَّوَابِ فَقِيلَ لَهُمْ صَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي وَأَصْبِحُوا بِهَا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِكُمْ فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَلَّوْا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَجْرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ يُؤْجَرُونَ عَلَى نِيَّتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ قَبْلَ عَادَتِهِ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ وَصَلَّى فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ كَانَ يُؤَخِّرُ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَتَوَضَّأُ الْمُحْدِثُ وَيَغْتَسِلُ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ فَقَوْلُهُ قبل

ميقاتها معناه قبل ميقاتها المعتاد بشئ يَسِيرٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِسْفَارُ تُفِيدُ كَثْرَةَ الْجَمَاعَةِ وَيَتَّسِعُ بِهِ وَقْتُ النَّافِلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا تَلْتَحِقُ بِفَائِدَةِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَلِّسُ بِالْفَجْرِ * (فَصْلٌ) وَأَمَّا الظُّهْرُ فِي غيره شِدَّةِ الْحَرِّ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ تَعْجِيلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ أحب ان تصلى في الصيف والشتاء والفئ ذِرَاعٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا دَحَضَتْ الشَّمْسُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ دَحَضَتْ أَيْ زَالَتْ * (فَصْلٌ) وَأَمَّا الْعَصْرُ فَتَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَقِمِ الصلاة طرفي النهار) وبحديث علي ابن شَيْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ نَقِيَّةً " وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ " وَلِأَنَّهَا إذَا أُخِّرَتْ اتَّسَعَ وَقْتُ النَّافِلَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (حافظوا على الصلوات) وقد سبق تقرير وجه الدليل وبالآيتين السَّابِقَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ "

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي " قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَوَالِي قُرَى عِنْدَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُهَا مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَأَبْعَدُهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعَنْ أَبِي أمامة بن سهل بن حبيب وهو صحابي بن صَحَابِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ قَالَ الْعَصْرُ وَهَذِهِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نم تُنْحَرُ الْجَزُورُ فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا وَنُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ ثُمَّ قُطِّعَتْ ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَ فَرَاسِخَ " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ هِشَامٍ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّرْفُ مَا بَعْدَ النِّصْفِ وَعَنْ حَدِيثِ عَلِيِّ ابن شَيْبَانَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ حَدِيثِ رَافِعٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ وَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَأَبُو القسم اللالكائ وغيرهما وقولهم يسع وَقْتُ النَّافِلَةِ سَبَقَ جَوَابُهُ فِي تَقْدِيمِ الصُّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَتَعْجِيلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ * (فَصْلٌ) وَأَمَّا الْعِشَاءُ فذكر المصنف والاصحاب فيها قولين أَحَدُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ

والقديم أن تقديمها فضل كَغَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد روى النعمان ابن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَلَاةِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليها لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهَذَا نَصٌّ فِي تَقْدِيمِهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أبو داود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَقَالَ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ " فَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الآخرة " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّلَاةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَيْرُكُمْ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم " اغتم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ الصَّلَاةَ فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى

أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بعده فلا ندرى أشئ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ (7) وَالْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ فِي فَضِيلَةِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أبى حنيفة وأحمد واسحق وَآخَرِينَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَقْدِيمَهَا أَفْضَلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ سَلِيمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ في كتابيه والشيخ نصر في الكافي والغزالي في الخلاصة والشاشبى فِي الْعُمْدَةِ وَقَطَعَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي بِتَفْضِيلِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أُخِّرَتْ إلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ نِصْفُ اللَّيْلِ فِي قَوْلٍ وَثُلُثُهُ فِي قَوْلٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالُوا وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَتَقْدِيمِهَا قَوْلَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَالَ ابْنُ أَبِي هريرة ليست علي قولين بل على

_ (7) بهامش الاصل لعله يمعناه اه

حَالَيْنِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا لَا يَغْلِبُهُ نَوْمٌ وَلَا كَسَلٌ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهَا وَإِلَّا فَتَعْجِيلُهَا وَجُمِعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِهَذَا وَضَعَّفَ الشَّاشِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ كَمَا زَعَمَ بَلْ وظاهر أَوْ الْأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِيمَا يَحْصُلُ به فضيلة أول لوقت فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَآخَرُونَ يَحْصُلُ بِأَنْ يشتغل أَوَّلَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَضُرُّ الشُّغْلُ الْخَفِيفُ كَأَكْلِ لُقَمٍ وَكَلَامٍ قَصِيرٍ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَجَلَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَشَرَطَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ تَقْدِيمَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ لِنَيْلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلُوا عن عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْقَى وَقْتُ الْفَضِيلَةِ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَكَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ إلَى نِصْفِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَالثَّالِثُ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى يُقَدِّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنْ تَقْدِيمُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ لِتَنْطَبِقَ الصَّلَاةُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا قِيلَ لَا يَنَالُ الْمُتَيَمِّمُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْوَقْتُ أَوْ لَا يَبْقَى إلَّا وَقْتٌ لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَادَةُ الْإِمَامِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الوقت لحيازة فضيلة أَمْ تَأْخِيرُهَا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ * (فَرْعٌ) هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ تُسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ مِنْهَا مَنْ يُدَافِعُ الْحَدَثَ وَمَنْ

حضره طعام وتاق إليه والمتيمم الذى يتيقين الماء في آخر الوقت كذا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيَعْلَمُ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِهِ بِالْعَادَةِ وَالْمُنْفَرِدُ الَّذِي يَعْلَمُ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إذَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّأْخِيرُ عَلَى ما سبق في باب التيمم * قال المصنف رحمه الله * * (واما الظهر فانه ان كان في غير حر شديد فتقديمها أفضل لما ذكرناه وان كان في حر شديد وتصلي جماعة في موضع تقصده الناس من البعد استحب الابراد بها بقدر ما يحصل فيئ يمشى فيه القاصد الي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم) وفى صلاة الجمعة وجهان أحدهما انها كالظهر لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا اشتد البرد بكربها وإذا اشتد الحر ابرد بها والثاني تقديمها أفضل بكل حال لان الناس لا يتأخرون عنها لانهم ندبوا الي التبكير إليها فلم يكن للتأخير وجه:) * ** (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ بِفَتْحِ الْفَاء وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبِالْحَاءِ وَهُوَ غَلَيَانُهَا وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ لَفْظَهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ " هَذَا لَفْظُهُ وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابُ " إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتَقْدِيمُ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إلَى جَمَاعَةٍ وَطَرِيقُهُ فِي الْحَرِّ فَالْإِبْرَادُ بِهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ العراقيين والخرسانيين وفيه وجه شاذ حكاه الخراسانيون أن الايراد رُخْصَةٌ وَأَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ أَفْضَلَ هَكَذَا حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِبْرَادِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْمَشْيَ إلَيْهَا يَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ فَاسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ لِتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ أَوْ كَانَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ وَحَقِيقَةُ الْإِبْرَادِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ

بقدر ما يحصل للحيطان فيئ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُؤَخِّرُ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْتِ وَلِلْإِبْرَادِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَنْ تَكُونَ بلاد حارة وان تصلي جَمَاعَةً وَأَنْ يَقْصِدَهَا النَّاسُ مِنْ الْبُعْدِ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ لَوْ قَرُبَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ الْإِبْرَادُ كَمَا لَوْ بَعُدُوا وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَطَرَدُوهُ فِي جَمَاعَةٍ هُمْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَأْتِيهِمْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَفِيمَنْ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي ظِلٍّ وَفِيمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَا يُبْرِدُونَ بَلْ تُشْتَرَطُ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مُتَابَعَةً لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يُبْرِدُونَ بِهَا وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن سعيد ابن وَهْبٍ عَنْ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَفِي الظُّهْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفِي تَعْجِيلِهَا قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ نسخه * قال المصنف رحمه الله * * (واوكد الصلوات في المحافظة عليها الصلاة الوسطى لان الله تعالى خصها بالذكر فقال تعالى (والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فقرنها بالقنوت ولا قنوت الا في الصبح ولان الصبح يدخل وقتها والناس في أطيب نوم فخص بالمحافظة حتى لا يتغافل عنها بالنوم ولهذا خص بالتثويب) * * * (الشَّرْحُ) * اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى آكَدُّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ الصُّبْحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عُمَرَ ومعاذ ابن جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أنس رحمهم

اللَّهُ وَقَالَ طَائِفَةٌ هِيَ الْعَصْرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ الظُّهْرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ واسامة ابن زَيْدٍ وَعَائِشَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ هِيَ الْمَغْرِبُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الْعِشَاءُ الْآخِرَةِ وَبَعْضُهُمْ إنَّهَا إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا الجملة وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوُسْطَى جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَهَذِهِ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَالصَّحِيحُ مِنْهَا مَذْهَبَانِ الْعَصْرُ وَالصُّبْحُ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا الصُّبْحُ وَصَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ قَالَ وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قولان كما فهم بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُ صَاحِبُ الْحَاوِي * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ أَنَّهَا الْعَصْرُ بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ " يَوْمَ الْأَحْزَابِ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بان العصر تسعى وُسْطَى وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْقُرْآنِ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِهِ تعالى (وقوموا لله قانتين) مِمَّا يُنْكِرُهُ الْمُخَالِفُونَ وَيَقُولُونَ لَا نُسَلِّمُ إثْبَاتَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هَذَا الْقُنُوتُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَكُمْ بَلْ الْقُنُوتُ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كَذَا قَالَ أَهْلُ اللغة

إنَّ هَذَا أَشْهَرُ مَعَانِيهِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِنْكَارِ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ وَعَلَى الدُّعَاءِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ " وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْقُنُوتَ الْعِبَادَةُ وَالدُّعَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْقِيَامِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فَتَظْهَرُ الدَّلَالَةُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوُسْطَى الصبح لانه لا فرض يدعا فِيهِ قَائِمًا غَيْرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ وَلَيْسَتْ الْعَصْرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا قَالَتْ لِمَنْ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا اُكْتُبْ حَافِظُوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطي وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ فَعَطْفُ الْعَصْرِ عَلَى الوسطي يدل علي انها غيرها * قال المصنف رحمه الله * * (ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لقوله صلي الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله) ولانا لو لم نجوز التأخير ضاق علي الناس فسمح لهم بالتأخير فان صلى ركعة في الوقت ثم خرج الوقت ففيه وجهان أحدهما وهو ظاهر المذهب وهو قول ابي علي بن خيران انه مؤد للجميع لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ من العصر ركعة قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) ومن أصحابنا من قال هو مؤد لما صلي في الوقت قاض لما صلي بعد خروج الوقت اعتبارا بما في الوقت وبعده) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ وَجَمَعَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ أَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَيُغْنِي عَنْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَدَّمْتُهَا فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ " لَيْسَ التَّفْرِيطُ فِي النَّوْمِ " وَحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَدِيثِ " وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ ركعة إلى آخره " فرواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ تَقَعُ جَمِيعًا فِي الْوَقْتِ فَإِذَا وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهُ خَارِجَهُ نُظِرَ إنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَصَاعِدًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ البندبنجي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ أَنَّ الْجَمِيعَ اداء:

وَالثَّانِي الْجَمِيعُ قَضَاءٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ: وَالثَّالِثُ مَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِآخِرِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَاءِ الْجُمُعَةِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْوَقْتِ دُونَ رَكْعَةٍ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ قَضَاءٌ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْأَوْجُهِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قُلْنَا الْجَمِيعُ قَضَاءٌ أَوْ الْبَعْضُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ تِلْكَ الصلاة علي قولنا لا تفصر الْمَقْضِيَّةُ وَلَوْ أَرَادَ إنْسَانٌ تَأْخِيرَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَى حَدٍّ يُخْرِجُ بَعْضَهَا عَنْ الْوَقْتِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا قَضَاءٌ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءٌ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الَّذِي صَوَّبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِالْجَوَازِ وليس بشئ أَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا فَمَدَّهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خلاف الاولي والثاني يُكْرَهُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ حَدِيثَ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَالرِّضْوَانُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَوْلُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّأْخِيرَ لَا إثْمَ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلُهُ مُقَصِّرًا وَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَفْوِيتِ الْأَفْضَلِ كَمَا يُقَالُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الضُّحَى فَهُوَ مقصر وان لم يأثم * * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يعذر أحد من أهل الفرض في تأخير الصلاة عن وقتها الا نائم أو ناس أو مكره أو من يؤخرها للجمع بعذر السفر أو المطر لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس التفريط في النوم انما التفريط في اليقظة " فنص علي النائم وقسنا عليك الناسي والمكره لانهما في معناه واما من يؤخر الصلاة لسفر أو مطر فنذكره فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ إذَا رَأَتْ دَمًا يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ فَإِنَّهَا تُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَقَدْ يَنْقَطِعُ لدون يوم

وليلة ونتيقن وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ حِينَ أَخَّرَتْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ مَنْ يُؤَخِّرُهَا لِلْجَمْعِ بِالْمَطَرِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ مَنْ أُكْرِهَ علي تأخيرها فمحمول علي مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَمُنِعَ مِنْ الْإِيمَاءِ بِهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِمَا يُنَافِيهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْإِيمَاءُ بِرَأْسِهِ وَعَيْنِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ لِحُرْمَتِهِ وَيُعِيدُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيقِ وَالْمَصْلُوبِ وَالْمَرِيضِ وغيرهم مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافِ فِيهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجَنَائِزِ بِدُونِ وَرَقَةٍ وَلَوْ أُسِرَ رَجُلٌ وَمُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ فقدر ان يصليها إبماء صَلَّاهَا وَلَمْ يَدَعْهَا وَأَعَادَهَا (قُلْتُ) وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * * قال المصنف رحمه الله * * (إذا بلغ الصبي أو اسلم الكافر أو طهرت الحائض أو النفساء أو افاق المجنون أو المغمى عليه وقد بقى من وقت الصلاة قدر ركعة لزمه فرض الوقت لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العصر) فان بقي من الوقت دون ركعة ففيه قولان روى المزني عنه انه لا يلزمه لحديث أبى هريرة رضي الله عنه ولان بدون الركعة لا يدرك الجمعة فكذلك ههنا وقال في كتاب استقبال القبلة يلزمه بقدر تكبيرة لانه ادراك حرمة فاستوى فيه الركعة والتكبيرة كادراك الجماعة وتخالف الجمعة فانه ادراك فعل فاعتبر فيه الركعة وهذا ادراك حرمة فهو كالجماعة وأما الصلاة التى قبلها فينظر فيها فان كان ذلك في وقت الصبح أو الظهر أن المغرب لم يلزمه ما قبلها لان ذلك ليس بوقت لما قبلها وان كان ذلك في وقت العصر أو في وقت العشاء قال في الجديد يلزمه الظهر بما يلزم به العصر ويلزم المغرب بما يلزم به العشاء وفيما يلزم به العصر والعشاء قولان أحدهما ركعة والثانى تكبيرة والدليل عليه أن وقت العصر وقت الظهر ووقت العشاء وقت المغرب في حق أهل العذر وهو المسافر وهؤلاء من أهل العذر فجعل ذلك وقتا لها في حقهم وقال في القديم فيه قولان أحدهما يجب بركعة وطهارة

والثاني يجب الظهر والعصر بمقدار خمس ركعات أربع للظهر وركعة للعصر وتجب المغرب مع العشاء بأربع ركعات ثلاث للمغرب وركعة للعشاء لان الوقت اعتبر لادراك الصلاتين فاعتبر وقت يكن الفراغ من أحداهما والشروع في الاخرى وغلط أبو إسحق في هذا فقال أربع من العصر وركعة من الظهر وأربع من العشاء وركعة من المغرب وهذا خلاف النص في القديم وخلاف النظر لان العصر تجب بركعة فدل على أن الاربع للظهر وخرج أبو إسحق في المسألة قولا خامسا انه يدرك الظهر والعصر بمقدار احدى الصلاتين وتكبيرة) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا زَالَ الصِّبَا أَوْ الْكُفْرُ أَوْ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ أَوْ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ رَكْعَةٍ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّكْعَةِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ وَحَكَى إمَامُ الحرمين عن والده أن قَالَ مَرَّةً يَكْفِي رَكْعَةُ مَسْبُوقٍ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهَا زَمَنُ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ فِيهِ قولان حكاهما الخراسانيون وبعضهم يحكيا وجهين اصحهما وبه قطع العراقيون يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فعل الركعة وان بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَمَا فَوْقَهَا مِمَّا لَا يَبْلُغُ رَكْعَةً فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْهُ كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَالثَّانِي لَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ زَمَنِ الطَّهَارَةِ الْقَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا تَلْزَمُ بِتَكْبِيرَةٍ فَأَدْرَكَ زَمَنَ نِصْفِ تَكْبِيرَةٍ إنْ تَصَوَّرَ ذَلِكَ فَفِي اللُّزُومِ بِهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسَعُ رُكْنًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَشَرْطُ الْوُجُوبِ بِرَكْعَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ أَنْ يَمْتَدَّ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَانِعِ قَدْرَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ وَفِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ مَانِعٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ مِثَالُهُ بَلَغَ صَبِيٌّ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ ثُمَّ عَادَ جُنُونُهُ أَوْ طَهَرَتْ ثُمَّ جُنَّتْ أَوْ أَفَاقَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فَإِنْ مَضَى فِي حَالِ السَّلَامَةِ مَا يَسَعُ طَهَارَةً وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَجَبَتْ الْعَصْرُ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْتَوِي فِي الْإِدْرَاكِ بِرَكْعَةٍ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدْرَكَةُ صُبْحًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ مَغْرِبًا لَمْ يَجِبْ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَجَبَ مَعَ الْعَصْرِ الظُّهْرُ وَمَعَ الْعِشَاءِ الْمَغْرِبُ بلا خلاف

وَفِيمَا تَجِبُ بِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ بِمَا تَجِبُ به الاولي فتجب الصلاتين بركعة في قول وبتكيرة فِي قَوْلٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا تَجِبُ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ إلَّا بِإِدْرَاكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مَعَ مَا تَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ فَعَلَى قَوْلٍ يُشْتَرَطُ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَعَلَى قَوْلٍ أَرْبَعٌ وَتَكْبِيرَةٌ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَرْبَعُ لِلظُّهْرِ وَالرَّكْعَةُ أَوْ التَّكْبِيرَةُ لِلْعَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ لِيُمْكِنَ الْفَرَاغُ مِنْ الظُّهْرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْعَصْرِ وَتُدْرَكُ الْمَغْرِبُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثَلَاثٌ لِلْمَغْرِبِ وَرَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ الْأَرْبَعُ لِلْعَصْرِ وَالرَّكْعَةُ لِلظُّهْرِ قَالَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ أَرْبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَرَكْعَةٌ لِلْمَغْرِبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالدَّلِيلِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ لِلثَّانِيَةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَيُكْتَفَى فِي الْأُولَى بِرَكْعَةٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ زَمَنُ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا جُمِعَتْ الْأَقْوَالُ حَصَلَ فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ كُلُّ صَلَاةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَالثَّانِي تَكْبِيرَةٌ وَطَهَارَةٌ وَالثَّالِثُ رَكْعَةٌ وَالرَّابِعُ رَكْعَةٌ وَطَهَارَةٌ وَفِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالْخَامِسُ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَالسَّادِسُ هَذَا وَزِيَادَةُ طَهَارَةٍ وَالسَّابِعُ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَالثَّامِنُ هَذَا وَطَهَارَةٌ وَفِيمَا تَلْزَمُ بِهِ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلًا هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ وَالتَّاسِعُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٌ وَالْعَاشِرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٌ وَطَهَارَةٌ وَالْحَادِي عَشَرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَالثَّانِي عَشَرَ هَذَا وَطَهَارَةٌ * (فَرْعٌ) عَادَةُ أَصْحَابِنَا يُسَمُّونَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ فَأَمَّا غَيْرُ الْكَافِرِ فَتَسْمِيَتُهُ مَعْذُورًا ظَاهِرَةٌ وَيُسَمَّى الْكَافِرُ مَعْذُورًا لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بالقضاء بعد الاسلام نخفيفا عَنْهُ كَمَا لَا يُطَالَبُونَ تَخْفِيفًا عَنْهُمْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِأَنَّهُمَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَوَقْتُ إحْدَاهُمَا وَقْتُ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِسَفَرٍ وَهَذَا الْحُكْمُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلُزُومِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَانِ فَقَطْ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ الظُّهْرُ بِإِدْرَاكِ مَا تَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد لا تجب * قال المصنف رحمه الله * * (فاما إذا ادرك جزءا من أول الوقت ثم طرأ العذر بان كان عاقلا في أول الوقت فجن أو

طاهرا فحاضت نظرت فان لم يدرك ما يسع فرض الوقت سقط الوجوب ولم يلزمه القضاء وقال أبويحيى البلخى حكم حكم آخر الوقت فيلزمه في أحد القولين بركعة وفى الثاني بتكبيرة والمذهب الاول لانه لم يتمكن من فعل الفرض فسقط وجوبه ويخالف آخر الوقت فانه يمكنه ان يبني ما بقى على ما أدرك بعد الوقت فلزمه وان أدرك من الوقت ما يسع للفرض ثم طرأ الجنون أو الحيض استقر الوجوب ولزم القضاء إذا زال العذر وحكي عن ابى العباس انه قال لا يستقر حتى يدرك آخر الوقت والمذهب الاول لانه وجب عليه وتمكن من ادائه فاشبه إذا وجبت الزكاة وتمكن من ادائها فلم يخرج حتى هلك المال وأما الصلاة التي بعدها فلا تلزمه وقال أبويحيي البلخي تلزمه العصر بادراك وقت الظهر وتلزمه العشاء بادراك وقت المغرب كعكسه والمذهب الاول لان وقت الاولي وقت للثانية علي سبيل التبع ولهذا لا يجوز فعل الثانية في الجمع حتى يقدم الاولى بخلاف وقت الثانية فانه وقت للاولي لا علي وجه التبع ولهذا يجوز فعلها قبل الاولى) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا طَرَأَ الْعُذْرُ الَّذِي يُمْكِنُ طَرَآنُهُ وَهُوَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنْ كَانَ الْمَاضِي مِنْ الْوَقْتِ دُونَ قَدْرِ الْفَرْضِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَجِبُ شئ ولا يجب القضاء وقال أبويحيي الْبَلْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا حُكْمُ أَوَّلِ الْوَقْتِ حُكْمُ آخِرِهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي قَوْلٍ وَتَكْبِيرَةٍ فِي قَوْلٍ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْ الوقت قبل وجود العذر ما يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إلَّا إذَا أَدْرَكَ جَمِيعَ الْوَقْتِ خَرَّجَهُ مِنْ الْمُسَافِرِ إذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ نَصَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ باول الوقت لم يقصر والمذهب الْوُجُوبُ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْقَصْرِ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَطَوَّلَتْهَا فَحَاضَتْ فِيهَا وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا لَوْ خَفَّفَتْهَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا فَطَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ كانت مسافرة فطرأ الحيض بعدما مَضَى مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَصَرَهَا لَأَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مع امكان فعلها امكان الطَّهَارَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِإِمْكَانِ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ إلَّا إذَا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ طَهَارَةِ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ

وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَالثَّانِي فِي اشْتِرَاطِهِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّقْدِيمُ لَا يَجِبُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الظُّهْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَمْ تَجِبْ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَوْجَبَهُمَا الْبَلْخِيُّ إذَا أدرك من أول الظهر ثمان رَكَعَاتٍ وَمِنْ أَوَّلِ الْمَغْرِبِ سَبْعَ رَكَعَاتٍ هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْحَابُ وَأَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِبَيَانِ اشْتِرَاطِ ثمان رَكَعَاتٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ فِي هَذَا لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَصْلُحُ لِلْعَصْرِ إلَّا إذَا صَلَّيْتَ الظُّهْرَ جَمْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِهِ بَلْ لَوْ كَانَ الْمُدْرَكُ مِنْ وَسَطِهِ لَزِمَتْ الصَّلَاةُ مِثَالُهُ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَعَادَ جُنُونُهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ طَهُرَتْ ثُمَّ جُنَّتْ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ تَلْزَمُ الظُّهْرُ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ كَمَا تَلْزَمُ بِآخِرِهِ مِثَالُهُ أَفَاقَ مُغْمًى عَلَيْهِ بَعْد أَنْ مَضَى مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا يَسَعُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فالمعتبر قدر ثمن رَكَعَاتٍ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا يُقْصِرُ كَفَى قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَيُقَاسُ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفُ سَقَطَ الْوُجُوبُ مَجَازٌ والمراد امتنع الوجوب وابو يحيي اليلخى مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ سَافَرَ إلَى أَقَاصِي الدُّنْيَا فِي طَلَبِ الْفِقْهِ حَتَّى بَلَغَ فِيهِ الْغَايَةَ وَكَانَ حَسَنَ الْبَيَانِ فِي النَّظَرِ عَذْبَ اللِّسَانِ فِي الْجَدَلِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُمَا) * * قال المصنف رحمه الله * * (ومن وجب عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوَادِي وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ في التأخير وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ قَضَاهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ جَازَ لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ اُسْتُحِقَّ لِلْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَاضِرَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا فوجبت البداءة بِهَا كَمَا لَوْ حَضَرَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَاضِرَةَ فَاتَتْ فوجبت البداءة بها) * *

* (الشَّرْحُ) * أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَصَحِيحٌ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلا عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا فَمَا أَيْقَظَنَا إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ لَا ضَيْرَ وَلَا ضَرَرَ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلُوا فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ) وَأَمَّا حَدِيثُ فَوَاتِ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ فَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جاء يوم الخندق بعدما غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فصلى العصر بعدما غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) رَوَاهُ البخاري ومسلم قوله الْبِدَايَةُ لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْبُدَاءَةُ بضمن الْبَاءِ وَالْمَدِّ وَالْبَدْأَةُ بِفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الدَّالِ بَعْدَهَا همزة والبدوءة مَمْدُودَةٌ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا مَنْ لَزِمَهُ صَلَاةٌ فَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ فَاتَتْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِعُذْرٍ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ يَجِبُ قَضَاؤُهَا حين ذكر للحديث وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لحديث عمران ابن حُصَيْنٍ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنْ فَوَّتَهَا بِلَا عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ الَّتِي فَاتَتْ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يُقْتَلْ * (فَرْعٌ) الصَّوْمُ الْفَائِتُ مِنْ رَمَضَانَ كَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي فَوَاتِهِ كَالْفَائِتِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسَّفَرِ فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَحْضُرْ رَمَضَانُ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي فَوَاتِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالصَّلَاةِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَأَمَّا قَضَاءُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ فَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا

الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مَوْضِعِهِمَا أَصَحُّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِفْسَادِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ خَطَأً وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْقَفَّالُ هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ لان الكفارة كالحج الثانية إذ فَاتَهُ صَلَاةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَائِتَةَ عَلَى فَرِيضَةِ الْوَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ وَأَنْ يُرَتِّبَ الْفَوَائِتَ فَيَقْضِيَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ وَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ أَوْ قَدَّمَ الْمُؤَدَّاةَ عَلَى الْمَقْضِيَّةِ أَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ عَلَى الْفَوَائِتِ جَازَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ لِمَا ذكره المصنف ولو شرع في الجاضرة ثم ذكر الفائتة وهو فيها أثم الْحَاضِرَةَ سَوَاءٌ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ ضَاقَ لِأَنَّ الْحَاضِرَةَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَكِنْ يُتِمُّهَا ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ هَكَذَا صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ اصحابنا بهذه المسألة منهم الشيخ أو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ دَخَلَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ فِي الْوَقْتِ سَعَةً فَبَانَ ضِيقُهُ وَجَبَ قَطْعُهَا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَجِبُ إتْمَامُ الْفَائِتَةِ وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ يُصَلُّونَ الْحَاضِرَةَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُصَلِّيَ الْحَاضِرَةَ مُنْفَرِدًا ايضا ان لم يدرك جماعة لان الرتيب مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَالْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ فِيهِ أَيْضًا خِلَافُ السَّلَفِ فَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ ترتيبها ولكن يستحب وبه قال طاووس وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجِبُ مَا لَمْ تَزِدْ الْفَوَائِتُ عَلَى صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قالا فان كان فِي حَاضِرَةٍ فَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً بَطَلَتْ الْحَاضِرَةُ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ وَقَالَ زُفَرُ وَأَحْمَدُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ قَلَّتْ الْفَوَائِتُ أَمْ كَثُرَتْ قَالَ أَحْمَدُ وَلَوْ نسى الفوائت صحت الصلوات التى يصلي بَعْدَهَا قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَلَوْ ذَكَرَ فَائِتَةً وَهُوَ فِي حَاضِرَةٍ تَمَّمَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَةَ ثُمَّ يَجِبُ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ واحتج لهم بحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي

صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ) وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ موسى بن هرون الْحَمَّالُ بِالْحَاءِ الْحَافِظُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا ديون عليه فلا يَجِبُ تَرْتِيبُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَلِأَنَّ مَنْ صَلَّاهُنَّ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ فَقَدْ فَعَلَ الصَّلَاةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ وَصْفٌ زَائِدٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَمْدًا لَزِمَهُ قضاؤها وخالفهم أبو محمد على ابن حزم فقالا لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا أَبَدًا قَالَ بَلْ يُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَبَسَطَ هُوَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَةٌ أَصْلًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ (أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ أَيْ بَدَلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى * * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ ان يصلي خمس صلوات وقال المزني يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَنْوِيَ الْفَائِتَةَ وَيَجْلِسَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَجْلِسَ في الرابعة ويسلم وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بأن يصلي خمس صلوات بخمس نيات) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا نَسِيَ صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْخَمْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ وَفِيهِ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَذْكُورٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي أول بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ كَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ قال لان لجهر يَكُونُ فِي ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فَغَلَبَ وَلَوْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ إنْ عِلْمَ اخْتِلَافَهُمَا وَجَهِلَ عَيْنَهُمَا كَفَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ وَإِنْ عَلِمَ اتِّفَاقَهُمَا أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَشْرَ صَلَوَاتٍ كُلَّ صَلَاةٍ مَرَّتَيْنِ

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ لَوْ كان عليه ظهر أو عصر وجهل أَيَّتَهُمَا هِيَ فَدَخَلَ بِنِيَّةِ إحْدَاهُمَا ثُمَّ شَكَّ أَيَّتَهُمَا نَوَى لَمْ تُجْزِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يَعْرِفُ عَدَدَهَا وَيَعْلَمُ الْمُدَّةَ الَّتِي فَاتَهُ فِيهَا بِأَنْ قَالَ تَرَكْتُ صَلَوَاتٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ وَلَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَالشَّاشِيُّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يُقَالُ لَهُ كَمْ تَتَحَقَّقَ أَنَّك تَرَكْتُ فَإِنْ قَالَ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَأَشُكّ فِي الزِّيَادَةِ لَزِمَهُ الْعَشْرُ دُون الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُقَالُ لَهُ كَمْ تَتَحَقَّقُ أَنَّكَ صَلَّيْتَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَإِذَا قَالَ كَذَا وَكَذَا أَلْزَمْنَاهُ قَضَاءَ مَا زَادَ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا مَا تَحَقَّقَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَنْ شَكَّ بَعْدَ سَلَامِهِ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا شئ عَلَيْهِ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَقَلِّ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِنْ بَعُدَ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ فَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَحَقَّقَ تَرْكُهُ فَحَسْبُ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فِعْلُهُ قُلْتُ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَصَحُّ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ وَيَنْدُرُ تَرْكُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا تَيَقَّنَ تَرْكَهُ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ ركن فان المذهب انه لا يلزمه شئ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مُضِيُّهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي وَقْتٍ وَيَتْرُكُ فِي وَقْتٍ وَلَمْ تَغْلِبْ مِنْهُ الصَّلَاةُ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ فِعْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحداهما إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مُهِمَّةٌ وَمَشْهُورَةٌ فِي كُلِّ الْكُتُبِ حَتَّى فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أصحابنا إذا اشتبه وقتها لغيم أو حبس فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَيُسْتَدَلُّ بِالدَّرْسِ وَالْأَوْرَادِ وَالْأَعْمَالِ وَشِبْهِهَا وَيَجْتَهِدُ الْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ لِأَنَّهُ يُشَارِكُ الْبَصِيرَ فِي هَذِهِ الْعَلَامَاتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا يَجْتَهِدَانِ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمَا ثِقَةٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ بِأَنْ قَالَ رَأَيْتُ الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا لَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ ثِقَةٌ عن أخبار ثقة عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَجَبَ قَبُولُهُ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ لَمْ يَجُزْ لِلْبَصِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الِاجْتِهَادِ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَيَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الِاجْتِهَادِ تَقْلِيدُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِضَعْفِ أَهْلِيَّتِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي تَقْلِيدِ الْأَعْمَى وَإِذَا وَجَبَ الِاجْتِهَادُ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ لِتَقْصِيرِهِ وَتَرْكِهِ الِاجْتِهَادَ الْوَاجِبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَصَلَّى بِالظَّنِّ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ

ظَهَرَتْ فَصَادَفَ الْوَقْتَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَلَامَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَلَالَةٌ أَوْ كَانَتْ فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ لَزِمَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَظُنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَظُنَّهُ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ خَرَجَ الْوَقْتُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ إلَى اسْتِيقَانِ دُخُولِ الْوَقْتِ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ اختاره أبو اسحاق الاسفرايني وهو نظير مسألة الاواني إذا اشتبه أناآن وَمَعَهُ ثَالِثٌ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ فَهَلْ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا لِلصَّحَابِيِّ اعْتِمَادُ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ وَفَتْوَاهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْصِيلُ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِذَلِكَ وَحَيْثُ جَازَ الِاجْتِهَادُ فَصَلَّى بِهِ ان لم يتبين الحال فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ بَانَ وُقُوعُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ أو بعده فلا شئ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْوَاقِعَةَ فِيهِ أَدَاءٌ وَالْوَاقِعَةَ بَعْدَهُ قَضَاءٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَقَصَرَهَا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا تَامَّةً إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ قَصْرُ المقضية وان بان وُقُوعُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَدْرَكَهُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَقَوْلَانِ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَهَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ عَلِمَ الْمُنَجِّمُ الْوَقْتَ بِالْحِسَابِ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ غَيْرُهُ *

(فَرْعٌ) الْمُؤَذِّنُ الثِّقَةُ الْعَارِفُ بِالْمَوَاقِيتِ هَلْ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ وَيَجُوزُ لِلْبَصِيرِ فِي الصَّحْوِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي الْغَيْمِ لِأَنَّهُ فِي الْغَيْمِ مُجْتَهِدٌ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَفِي الصَّحْوِ يُشَاهِدُ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ لِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ قَالَهُ ابْنُ سريج والشيخ أبو حامد وصححه صاحبا التَّهْذِيبِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وقطع به البندنيجى وصاحب العدة قال البندبيجى وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ وَهُمَا مُجْتَهِدَانِ حَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرَّابِعُ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى دُونَ الْبَصِيرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي يَوْمِ صَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ لِكَثْرَتِهِمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ لِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) الدِّيكُ الَّذِي جُرِّبَتْ إصَابَتُهُ فِي صِيَاحِهِ لِلْوَقْتِ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْوَقْتُ لِلصَّلَاةِ وَقْتَانِ وَقْتُ مَقَامٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الْمَقَامِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَقْتُ الْمُقِيمِ فِي وَطَنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَطَرٌ وَأَمَّا وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَقْتُ الْجَامِعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَوَقْتُ صَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَتَلْزَمُهُمْ الصَّلَاتَانِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الْعُذْرِ وَقْتُ الْجَامِعِ وَالْمُرَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ وَقْتُ الصَّبِيِّ وَالْبَاقِينَ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا التَّفْسِيرُ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ قَطْعُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَيْضًا تَحْرِيمُ قَطْعِ الصوم الْوَاجِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَأَوْضَحْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ لاسيما إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى) وَلِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ " وَفِي رواية " فإذا

باب الاذان

أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ والله أعلم * * (باب الاذان) * قال أهل اللغة أصل الاذان الاعلم وَالْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ مَعْرُوفٌ يُقَالُ فِيهِ الْأَذَانُ وَالْأَذِينُ والتأذين قاله الهروي فِي الْغَرِيبَيْنِ قَالَ وَقَالَ شَيْخِي الْأَذِينُ الْمُؤَذِّنُ الْمُعْلِمُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ تَأْذِينًا وَأَذَانًا أَيْ أَعْلَمَ النَّاسَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَوُضِعَ الِاسْمُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ قَالَ وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ بِصَوْتِهِ مَا يَدْعُوهُمْ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِعَقِيدَةِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلٌ علي نوعه من التعليقات وَالسَّمْعِيَّاتِ فَأَوَّلُهُ إثْبَاتُ الذَّاتِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ أَضْدَادِهَا وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعَ اخْتِصَارِ لَفْظِهَا دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفَى ضِدَّهَا مِنْ الشَّرِكَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذِهِ عُمْدَةُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى كُلِّ وَظَائِفِ الدِّينِ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَوْضِعُهَا بَعْدَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْجَائِزَةِ الْوُقُوعَ وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ مِنْ بَابِ الْوَاجِبَاتِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ كَمُلَتْ الْعَقَائِدُ الْعَقْلِيَّاتُ فِيمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ دَعَا إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَدَعَا إلَى الصَّلَاةِ وَجَعَلَهَا عَقِبَ إثْبَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ وُجُوبِهَا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ ثُمَّ دَعَا إلَى الْفَلَاحِ وَهُوَ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنْ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهِيَ آخِرُ تَرَاجِمِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِتَأْكِيدِ الْإِيمَانِ وَتَكْرَارِ ذِكْرِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَلِيَدْخُلَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَبَصِيرَةٍ مِنْ إيمَانِهِ وَيَسْتَشْعِرَ عَظِيمَ مَا دَخَلَ فِيهِ وَعَظَمَةَ حَقِّ مَنْ يَعْبُدُهُ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ مِنْ النفائس الجليلة وبالله التوفيق * * (فصل) * الْأَصْلُ فِي الْأَذَانِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كان المسلمون

حين قاموا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ يُنَادَى بِهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بوقا مثل قرن اليهود فقال عمر أو لا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا النِّدَاءُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ الْأَذَانِ كَانَ قَبْلَ شَرْعِ الْأَذَانِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ ابن عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتبع الناقوس فقال وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ علي الصلاة حى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ بِطَرِيقِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلِلَّهِ الحمد وذلك أثبت * * قال المصنف رحمه الله * * (الاذان والاقامة مشروعان للصلوات الخمس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استشار المسلمين فيما يجمعهم علي الصلاة فقالوا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكر الناقوس فكرهه من أجل النصارى فأرى تلك الليلة عبد الله بن زيد النداء فأخبر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فاذن به) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ

الصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ: وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأُرِيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ هَذَا التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلَةِ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وَالنَّاقُوسُ هُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ لِصَلَاةِ النَّصَارَى جَمْعُهُ نَوَاقِيسُ وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ * وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَكَانَتْ رُؤْيَاهُ الْأَذَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ بِنَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ تُوُفِّيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَشْرُوعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ لِغَيْرِ الْخَمْسِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْذُورَةً أَوْ جِنَازَةً أَوْ سُنَّةً وَسَوَاءٌ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ أَمْ لَا كَالضُّحَى وَلَكِنْ يُنَادَى لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَبْوَابِهَا وَكَذَا يُنَادِي لِلتَّرَاوِيحِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً إذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَذَانِ مِنْ الْأُمِّ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ فَأَمَّا الْأَعْيَادُ وَالْكُسُوفُ وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَكُلُّ نَافِلَةٍ غَيْرِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ فَلَا أَذَانَ فِيهَا وَلَا قَوْلَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً هَذَا نَصُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقِيمُ إذَا قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ فَغَلَطٌ مِنْهُ وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلنَّذْرِ وَلَا يُقَامُ وَلَا يُقَالُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَهَذَا مَشْهُورٌ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لَا يُشْرَعَانِ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَنَقَلَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ رؤوس المسائل وغيره عن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا قَالَا هُمَا سُنَّةٌ فِي صلاة العيدين وهذا إنْ صَحَّ عَنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا فِيهِ السُّنَّةُ وَكَيْفَ كَانَ هُوَ مَذْهَبٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جابر ابن سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وفى المسألة أحاديث كثيرة صحيحة * قال المصنف رحمه الله *

* (وهو أفضل من الامامة ومن أصحبنا من قال الامامة أفضل لان الاذان يراد للصلاة فكان القيام بامر الصلاة اولي من القيام بما يراد لها والاول اصح لقوله تعالي (ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا) قالت عائشة رضى الله عنها نزلت في المؤذنين ولقوله صلى الله عليه وسلم " الائمة ضمناء والمؤذنون امناء فارشد الله الائمة وغفر للمؤذنين " والامين أحسن حالا من الضمين وعن عمر رضى الله عنه قال " لو كنت مؤذنا لما باليت أن لا اجاهد ولا احج ولا اعتمر بعد حجة الاسلام ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا التَّفْسِيرُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَشْهُورٌ عَنْهَا وَوَافَقَهَا عَلَيْهِ عِكْرِمَةُ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى هُنَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا قول ابن عباس وابن سيرين وَابْنِ زَيْدٍ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ إمَامِ هَذَا الْفَنِّ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَوِيٍّ ولكن يغني عنه ما سنذكره وان شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضَّمَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَفَالَةُ وَالْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقِيلَ المراد ضمناء الدعاء أي يعم القوم وَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّامِنُ الرَّاعِي قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الضمان الموجب للغرامة وأما أمانة المؤذين فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ أُمَنَاءُ عَلَى حُرُمِ النَّاسِ يُشْرِفُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَقِيلَ أُمَنَاءُ فِي تَبَرُّعِهِمْ بِالْأَذَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَمِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الضَّمِينِ الضَّمِينُ هُوَ الضَّامِنُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لِأَنَّ الْأَمِينَ مُتَطَوِّعٌ بِعَمَلِهِ وَالضَّامِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ أَمْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالسَّرْخَسِيِّ وَالْبَغَوِيِّ الْأَذَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَغَلِطَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ

الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالثَّالِثِ هُمَا سواء حكاه صاحب البيان والرافعي وَغَيْرُهُمَا وَالرَّابِعُ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ وَجَمِيعِ خِصَالِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ وَالْمَسْعُودِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَذْهَبُ تَرْجِيحُ الْأَذَانِ وَقَدْ نُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِمَامَةِ فَقَالَ أُحِبُّ الْأَذَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اغفر للمؤذين " وَأَكْرَهُ الْإِمَامَةَ لِلضَّمَانِ وَمَا عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا هَذَا نَصُّهُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الْإِمَامَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ أَمُّوا وَلَمْ يُؤَذِّنُوا وَكَذَا كِبَارُ الْعُلَمَاءِ بعدهم وفى الصحيحين عن مالك بن الحويرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " * وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ الْأَذَانَ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ ولا شئ الا شهد له لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نودى للصلاة أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اُذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَذَّنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً وَلِكُلِّ إقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَّحَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ وَثَّقَهُ وَلَهُ شَاهِدٌ يُقَوِّيهِ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلْأَذَانِ وَمُرَاعَاةِ أَوْقَاتِهِ وأما الامامة فلابد لَهُمْ مِنْ صَلَاةٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الْخِلَافَةِ لَأَذَّنْتُ " * (فَرْعٌ) قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَه أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ

أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ حَدِيثٌ جَيِّدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذَانِ قَائِمًا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَيْضًا أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَذَانَ لِقَوْمٍ وَالْإِمَامَةَ لِآخَرِينَ (قُلْتُ) وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَهْيٌ فَكَرَاهَتُهُ خَطَأٌ فَحَصَلَ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ انه يستخب وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْمُؤَذِّنِ إمَامًا وَاسْتِحْبَابِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَضْلٌ وَلِلْإِنْسَانِ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِمَا وَالْفَرَاغُ لَهُمَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَحَالٌ يَعْجِزُ عَنْ الْإِمَامَةِ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَضَعْفِ قِرَاءَتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَذَانِ لِعُلُوِّ صَوْتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَوْقَاتِ فَالِانْفِرَادُ لِلْأَذَانِ أَفْضَلُ وَحَالٌ يَعْجِزُ عَنْ الْأَذَانِ لِضَعْفِ صَوْتِهِ وَقِلَّةِ إبْلَاغِهِ وَيَكُونُ قيما بالامامة لمعرفة أحكامه الصلاة وحسن قرآنه فَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وَحَالٌ يَقْدِرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَصْلُحُ لَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فيه وجهان * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ تَنَازَعَ جَمَاعَةٌ فِي الْأَذَانِ وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاستهموا) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية أبى هريرة والاستهام الاقتراع والنداء بكيسر النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَقَوْلُهُ إذَا تَنَازَعُوا أُقْرِعَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ أَوْ كَانَ لَهُ مُؤَذِّنُونَ وَتَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا وَأَدَّى اخْتِلَافُ أَصْوَاتِهِمْ إلَى تَهْوِيشٍ فَيُقْرَعُ وَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ رَاتِبٌ وَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فَيُقَدَّمُ الرَّاتِبُ وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ مُرَتَّبُونَ وَأَمْكَنَ أَذَانُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِكِبَرِهِ أَذَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يُؤَدِّ اخْتِلَافُ أَصْوَاتِهِمْ إلَى تَهْوِيشٍ أَذَّنُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * * (ومن أصحابنا من قال هما مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أو صَقْعٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ هُوَ سُنَّةٌ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْكِفَايَةِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمَّا اخْتَصَّتْ الْجُمُعَةُ بِوُجُوبِ

الْجَمَاعَةِ اخْتَصَّتْ بِوُجُوبِ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ تَجِبْ كَقَوْلِهِ الصَّلَاةَ جامعة) * * * (الشَّرْحُ) * الصُّقْعُ بِضَمِّ الصَّادِ النَّاحِيَةُ وَالْكُورَةُ وَيُقَالُ صُقْعٌ وَسُقْعٌ وَزُقْعٌ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ ثَلَاثُ لغات وقوله الصلاة جامعة هو بِنَصَبِهِمَا الصَّلَاةَ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ وَقَوْلُهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ تَجِبْ كَقَوْلِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً يَعْنِي حَيْثُ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ جَامِعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَهَذَا الْقِيَاسُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَقَوْلُهُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ هِيَ جَمْعُ شَعِيرَةٍ بِفَتْحِ الشِّين قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ هِيَ مُتَعَبِّدَاتُ الْإِسْلَامِ وَمَعَالِمُهُ الظَّاهِرَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَعَرْتُ أي علمت فهي ظاهرات معلومات. واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كما ذكر المصنف أصحهما أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالثَّالِثُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَحْمَدَ السَّيَّارِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لِكَوْنِهِمَا سُنَّةً قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم للاعرابي المسيئ صَلَاتَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَأَقَلُّ مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ أَنْ يَنْتَشِرَ الْأَذَانُ فِي جَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً صَغِيرَةً بِحَيْثُ إذَا أَذَّنَ وَاحِدٌ سَمِعُوا كُلُّهُمْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَلَدًا كَبِيرًا وَجَبَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ الاذان في جميعهم فان أذن واحد فخسب سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي سَمِعُوهُ دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالْأَذَانِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَالَ لم أر لاصحبنا ايجابه لكل صلاته قَالَ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ مَرَّةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ تَنْدَرِسْ الشِّعَارُ وَاقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ تَفْرِيعًا عَلَى

قَوْلِنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ وَلَا يَحْصُلُ الشِّعَارُ إلَّا بِهِ وَإِذَا قُلْنَا الْأَذَانُ سُنَّةٌ حَصَلَتْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إذَا قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَاتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ وطلبوا بِهِ فَامْتَنَعُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ كَمَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ترك غير مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ سُنَّةٌ فَتَرَكُوهُ فَهَلْ يُقَاتَلُونَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا قَلِيلُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يُقَاتَلُونَ كَمَا لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ترك سنة الظهر والصبح وغيرهما والثانى يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُقَاتَلُونَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُقَاتَلُونَ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ رُجُوعٌ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِلَّا فَلَا قِتَالَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ إلَّا بِأَذَانٍ يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ بِأَنْ يُؤْتَى بِهِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِأَذَانٍ يُفْعَلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْقَوْلُ فِي الْإِقَامَةِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَذَانِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ لِكُلِّ الصَّلَوَاتِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ لَا يَجِبَانِ بِحَالٍ فَإِنْ تَرَكَهُمَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واصحابه واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وقال ابى الْمُنْذِرِ هُمَا فَرْضٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنْ نَسِيَ الْإِقَامَةَ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يعيد مادام الْوَقْتُ بَاقِيًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُمَا سُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَفَرْضَا كِفَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ دَاوُد هُمَا فَرْضٌ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَا بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا وقال مجاهدان نَسِيَ الْإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ أَعَادَ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُمَا وَاجِبَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ واختلفوا في اشتراطهما لصحتها * قال المصنف رحمه الله * * (وهل بسن لِلْفَوَائِتِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الْأُمِّ يُقِيمُ لَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ

الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَفَى الله المؤمنين القتال فدعي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فأمره فاقام الظهر واحسن كما يصلي فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ " وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ وقد فات الوقت والاقامة لِاسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْأُولَى وَحْدَهَا وَيُقِيمُ لِلَّتِي بَعْدَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله فامر بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ " وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَكَانَتَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاهما باذان واقامتين وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ أَمَّلَ اجْتِمَاعَ النَّاسِ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّلْ أَقَامَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَذَانَ يُرَادُ لِجَمْعِ النَّاسِ فَإِذَا لم يؤمل الجمع لذم يَكُنْ لِلْأَذَانِ وَجْهٌ وَإِذَا أَمَّلَ كَانَ لَهُ وَجْهٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ أَيْضًا إذَا أَمَّلَ الِاجْتِمَاعَ لَهَا أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّلْ أَقَامَ وَلَمْ يؤذن) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْإِمَامَانِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِلَفْظِهِ هُنَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْهُ وَابْنُهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لِصِغَرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ الْمَغْرِبَ والعشاء بالمزدلفة بأذن وَإِقَامَتَيْنِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَيَوْمُ الْخَنْدَقِ هُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَيْضًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَيُجَابُ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا بِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي أَيَّامِ الْخَنْدَقِ فَإِنَّ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَانَ فَوَاتُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ

لِلِاشْتِغَالِ بِالْقِتَالِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِضَمِّ الْهَاءِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ الْفَتْحَ هُوَ الْمَشْهُورُ الْأَفْصَحُ وَمَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَرَادَ قَضَاءَ فَوَائِتَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى مِنْهُنَّ وَهَلْ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفِ بِدَلَائِلِهَا أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يُؤَذِّنُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمٌ الرازي في الكفاية وصححه في رؤوس الْمَسَائِلِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ منع الاذان ولو أراد قضاء فائته وحدهما أَقَامَ لَهَا وَفِي الْأَذَانِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ أَصَحُّهَا يُؤَذِّنُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَذَانُ فِي الْجَدِيدِ حَقُّ الْوَقْتِ وَفِي الْقَدِيمِ حَقُّ الْفَرِيضَةِ وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقُّ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ أَرَادَ قَضَاءَ الْفَوَائِتَ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ فَفِي الْأَذَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ أَصَحُّهَا يُؤَذِّنُ وَلَوْ قَضَى فَائِتَةً فِي جَمَاعَةٍ جَاءَ الْقَوْلَانِ الْجَدِيدُ وَالْقَدِيمُ دُونَ نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَلَوْ وَالَى بَيْنَ فَرِيضَةِ الْوَقْتِ وَمَقْضِيَّةٍ فَإِنْ قَدَّمَ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ لِلْمَقْضِيَّةِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَإِنْ قَدَّمَ الْمَقْضِيَّةَ أَقَامَ لَهَا وَفِي الْأَذَانِ لَهَا الْأَقْوَالُ وَأَمَّا فَرِيضَةُ الْوَقْتِ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا يُؤَذِّنُ لِلْمَقْضِيَّةِ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا وَإِلَّا أَذَّنَ وَقَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي بِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِفَرِيضَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ الْمَقْضِيَّةِ بِحَيْثُ يَطُولُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَذِّنُ لِفَرِيضَةِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَوَالِي أَذَانَيْنِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا أَخَّرُوا الْمُؤَدَّاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَأَذَّنُوا لَهَا وَصَلَّوْا ثُمَّ دَخَلَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا قَطْعًا الثَّانِيَةُ إذَا صَلَّى فَائِتَةً قُبَيْلَ الزَّوَالِ مَثَلًا وَأَذَّنَ لَهَا عَلَى قَوْلِنَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ لَهَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ دَخَلَتْ الظُّهْرُ فَيُؤَذِّنُ وَلَمْ

يَسْتَثْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ غَيْرَ هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ولابد مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْأُولَى أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ: قَدْ ذكرنا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ لَا يُؤَذِّنُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَرَادَ فَوَائِتَ أَذَّنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ زِيَادَةً عَلَى أَذَانٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَمْ يُوَالِ بَيْنَ أَذَانَيْنِ * (فَرْعٌ) الْمُنْفَرِدُ فِي صَحْرَاءَ أَوْ بَلَدٍ يُؤَذِّنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ وَوَجْهٌ خَرَّجَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ رَجَا حُضُورَ جَمَاعَةٍ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُنْفَرِدَ أَذَانُ غَيْرِهِ فَإِنْ بَلَغَهُ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ يُؤَذِّنُ وَالْقَدِيمُ لَا والطريق التأني لَا يُؤَذِّنُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَذَانِ حَصَلَ بِأَذَانِ غَيْرِهِ فَإِنْ قُلْنَا يُؤَذِّنُ أَقَامَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤَذِّنُ فَهَلْ يُقِيمُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُقِيمُ وَالثَّانِي حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا يُؤَذِّنُ فَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ نُظِرَ إنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ يَرْفَعْ لِئَلَّا يُوهَمَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يَرْفَعُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَالثَّانِي إنْ رَجَا جَمَاعَةً رَفَعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ فَحَضَرَ قَوْمٌ لَمْ يُصَلُّوا فَهَلْ يُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَرْفَعُ الصَّوْتَ لِخَوْفِ اللَّبْسِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنٌ وَصُلِّيَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ لَا يُرْفَعُ الصَّوْتُ لَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الرَّفْعُ بَلْ نَعْنِي بِهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُرْفَعَ وَإِذَا قُلْنَا الْمُنْفَرِدُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا نَعْنِي بِهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّ الرَّفْعَ أَوْلَى فِي حَقِّهِ وَلَكِنْ نَعْنِي أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَعِنْدَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي

رَفْعِ الْمُنْفَرِدِ صَوْتَهُ هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يعتد بأذانه أَمْ لَا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا رَفْعٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في استحباب الرفع قالوا فيكفى انه يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَشَرَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَذَانُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ وَإِقَامَتُهُ كَهُمَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ سَمِعَ الْمُؤَذِّنِينَ حَوْلَهُ أَمْ لَا هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا في وقت الاولي مِنْهُمَا أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِلثَّانِيَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وان جمع بينهما في وقت الثانية فهي كالفائتين لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَالثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لها) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَهِيَ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى أَذَّنَ لِلْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَبَدَأَ بِالْأُولَى كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلثَّانِيَةِ وَهَلْ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْفَوَائِتِ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب في كل الطريق وَخَالَفَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فَقَالَا إنْ قُلْنَا يؤذن للفائتة فهنا أولي والا فوجهان لانهما مُؤَدَّاةٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْفَوَائِتِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَوَائِتِ فِي الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِقَامَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِأَذَانٍ وَرَوَى الْأَذَانَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ وَقَدْ حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالثَّانِي ان جابر اسْتَوْفَى أُمُورَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْقَنَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوْ خَالَفَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ الْجَمْعُ أَذَّنَ لِلْعَصْرِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَالَ لَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّرْتِيبُ شَرْطٌ أَمْ لَا لِأَنَّا إنْ شَرَطْنَاهُ صَارَتْ الثَّانِيَةُ فَائِتَةً وَالْفَائِتَةُ الْمَفْعُولَةُ بَعْدَ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ نَشْرِطْهُ فَالثَّانِيَةُ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ إذَا شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ فَهِيَ كَالْمَقْضِيَّةِ فَفِي الْأَذَانِ لَهَا الْخِلَافُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا قَطْعًا وَإِنَّمَا يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ إلَى الظُّهْرِ فَقَطْ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ بَدَأَ بالعصر أَذَّنَ لَهَا وَهَلْ

يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا صَحِيحٌ فِي الْعَصْرِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي الظُّهْرِ بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ لِمَ لَا يُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْعَصْرَ فِي حُكْمِ التَّابِعَةِ لِلظُّهْرِ هُنَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ ابى الحسن بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ مخالف للاحاديث الصحيحة ولما قاله الشافعي والأصحاب والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يَجُوزُ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ واما الصبح فيجوز ان يؤذن له بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " وَلِأَنَّ الصُّبْحَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَالنَّاسُ نِيَامٌ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ فَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيمِ الْأَذَانِ لِيُتَأَهَّبَ لِلصَّلَاةِ وسائر الصلوات يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَالنَّاسُ مُسْتَيْقِظُونَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْأَذَانِ وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِاسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ فَلَا يجوز قبل الوقت) * * * (الشرح) * هذا الحديث صحيح وواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا من رواية عائشة وغيرها أن النبي صل الله عليه وسلم قال " ان ابن ام مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بلال " قال البيهقي وابن خُزَيْمَةَ إنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَبِلَالٍ نَوْبٌ فَكَانَ بِلَالٌ فِي نَوْبَةٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي نَوْبَةٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى تَقْدِيمَ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَدْ صَحَّ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ وَعَائِشَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَم * واسم ابن ام مكتوم عمرو ابن قيس وقيل عبد الله ابن زَائِدَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ وَهُوَ ابْنُ خَالِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً في غزواته وشهد فتح القادسية واشتشهد بِهَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْمُ أُمِّ مَكْتُومٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ أما حكم المسألة فلا يجوز الاذان لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ أَوْقَعَ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ

يَصِحَّ بَلْ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْأَذَانِ كُلِّهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ وَقَعَ بَعْضُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْضُهَا بَعْدَهُ بُنِيَ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَمُرَادُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَيَأْتِي بَعْدَهُ بِالتَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ الشَّهَادَةِ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ تكبيرات وليس مراده ان غير ذلك يحسب لَهُ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ قَالَ وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّلَ بَيْنَهَا كَلَامًا يَسِيرًا لَا يَضُرُّ فَالذِّكْرُ أَوْلَى وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْأَصْحَابِ نَحْوَ هَذَا. وَيَجُوزُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ من الليل علي خمسة أوجه أصحها وقول أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ يَدْخُلُ وقت اذانها مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي السَّحَرِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَالثَّالِثُ يُؤَذَّنُ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي قَوْلٍ وَنِصْفُهُ فِي قَوْلٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَالْخَامِسُ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ بَلْ غَلَطٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْلَا عُلُوِّ قَدْرِ الْحَاكِي لَهُ وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ إلَّا مَا صَحَّ وَتَنَقَّحَ عِنْدَهُ لَمَا اسْتَجَزْتُ نَقْلَ هَذَا الْوَجْهِ وَكَيْفَ يَحْسُنُ الدُّعَاءُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ الدُّعَاءِ إلَى المغرب والسرف في كل شئ مُطَّرَحٌ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ هذا القول لا يقوله عليه الْإِطْلَاقِ الَّذِي ظَنَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَلْ إنَّمَا يُجَوِّزُهُ بَعْدَ مُضِيِّ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقِطْعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ فَهُوَ أَيْضًا تَقْيِيدٌ بَاطِلٌ وَكَأَنَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى حَدِيثٍ بَاطِلٍ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ " وَهَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ قَالَ " أَذَّنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبَاءَ وَفِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أَذَانُنَا فِي الصُّبْحِ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ وَنِصْفٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْهُ وهذا المنقول

مَعَ ضَعْفِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ نِصْفِ اللَّيْلِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا عَلَى إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا ولابد مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا دُخُولُ الْوَقْتِ وَإِرَادَةُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ أَقَامَ قُبَيْلَ الْوَقْتِ بِجُزْءٍ لَطِيفٍ بِحَيْثُ دَخَلَ الْوَقْتُ عَقِبَ الْإِقَامَةِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَقِبَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ إقَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَا فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَدْ نُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى هَذَا وَإِنْ أَقَامَ فِي الْوَقْتِ وَأَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ إقَامَتُهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصُّبْحِ مرتان إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْأُخْرَى عَقِبَ طُلُوعِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مكتوم " والافضل أن يكون مُؤَذِّنَانِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فان اقتصر علي أذان واحد جار أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ قَبْلَ الْفَجْرِ وبعضها بعده إذا لم يطل بينهما فضل وَإِذَا اُقْتُصِرَ عَلَى أَذَانٍ وَاحِدٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ وَغَيْرِهَا: أَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِي " أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ ثَلَاثًا " دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ " وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَرَوَاهُ أَبُو داود والبيهقي وغيرهما وضعفوه

* قال المصنف رحمه الله * * (وَالْأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأْذِينَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ " فذكر نحو ما قلناه وان كان في اذان الصبح زاد فيه وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَكُرِهَ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا كره فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةٍ لَمْ يَحْكِهِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا الله " والاقامة إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْإِقَامَةُ مرة لانه لفظ في الاقامة فكان فرادا كَالْحَيْعَلَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الاقامة الا الاقامة ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَنَسٍ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بلفظه واما حديث أبى محذورة في الترجيع فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّهُ وَقَعَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا التَّكْبِيرُ أَرْبَعًا كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي التَّثْوِيبِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الفلاح قال الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ

اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مِعْيَرٍ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَيُقَالُ أَوْسُ بْنُ مِعْيَرٍ وَيُقَالُ سَمُرَةُ بْنُ عُمَيْرٍ وَيُقَالُ أَوْسُ بْنُ مُعَيَّرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ: كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ: وَأَمَّا التَّثْوِيبُ فَمَأْخُوذٌ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ في جامعه ويقال فيه التثوب: وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ لَا تَأْتَلِفُ الْعَيْنُ وَالْحَاءُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مخرجيهما إلا أن يتألف فعل من كمتين مِثْلَ حَيَّ عَلَى فَيُقَالُ حَيْعَلَةٌ وَمِثْلُ الْحَيْعَلَةِ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَالْحَوْقَلَةُ فِي بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَأَشْبَاهُهَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ " هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَقَوْلُهُ " إلَّا الْإِقَامَةَ " يَعْنِي قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَيَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ وَقَوْلُهُ " ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ " لَوْ قَالَ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ كَانَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَدِّ الرَّفْعُ وَالْمُرَادُ الرَّفْعُ وَقَوْلُهُ يَرْجِعُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَضُمُّ الْيَاءَ وَيُشَدِّدُ الْجِيمَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّ التَّرْجِيعَ اسْمٌ لِلَّذِي يَأْتِي بِهِ سرا: أما احكام الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا ذُكِرَ بِإِثْبَاتِ التَّرْجِيعِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ الْجَهْرِ وَهَذَا التَّرْجِيعُ سُنَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا صَحَّ أَذَانُهُ وَفَاتُهُ الْفَضِيلَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا بِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَقَلَ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ الامام

عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ التَّرْجِيعَ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِحَذْفِهِ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمْ يُتْرَكْ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَذْفِهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ بَاقِي الْكَلِمَاتِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّرْجِيعِ أَنَّهُ يَقُولُهُ سِرًّا بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلَاصٍ وَأَمَّا التثويب في الصبح فَفِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَسْنُونٌ قَطْعًا لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْقَدِيمُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ والثاني وهو الجديد انه يُكْرَهُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِطَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهَا أَشْهَرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فعلى هذا هو سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَهُوَ بِالِاشْتِرَاطِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيعِ ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْرَعُ فِي كُلِّ أَذَانٍ لِلصُّبْحِ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ ثُوِّبَ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُثَوَّبْ فِي الثَّانِي فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا عَشْرُ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَهَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالثَّالِثُ قَدِيمٌ أَيْضًا أَنَّهَا تِسْعُ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ أَيْضًا التَّكْبِيرَ فِي آخِرِهَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّابِعُ قَدِيمٌ أَيْضًا أَنَّهَا ثَمَانِ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مَعَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَجْهًا

وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ قَوْلًا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ فِي الْأَذَانِ ثَنَّى جَمِيعَ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ سبع عشرة كلمة وانه لَمْ يَرْجِعْ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ فَجَعَلَهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ محمد ابن اسحاق بن خزيمة من أصحابنا والمذهب اتها إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً سَوَاءٌ رَجَعَ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ هُنَا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ مَرَّةً فَقَطْ وَقَدْ قُلْتُمْ يَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ فَالْجَوَابِ أَنَّهُ وِتْرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَكْبِيرِ الْأَذَانِ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تَكْبِيرَاتِ الاذان الْأَرْبَعِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي نَفَسَيْنِ كُلُّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ وَفِي الْإِقَامَةِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ فَصَارَتْ وِتْرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَلْفَاظِ الاذان: قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً أَسْقَطَ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً أَسْقَطَا التَّرْجِيعَ وَجَعَلَا التَّكْبِيرَ أَرْبَعًا كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إثْبَاتُ التَّرْجِيعِ وَحَذْفُهُ كِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَحَكَى الْخِرَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ فِي إسْقَاطِ التَّرْجِيعِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالُوا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثِ عبد الله بن ريد لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ فِيهِ زيادة وزيادة الثقة مقبولة (والثالث) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّنَهُ إيَّاهُ (وَالرَّابِعُ) عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّرْجِيعِ وَاَللَّهُ أعلم *

* (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي التَّثْوِيبِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّثْوِيبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَلَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّثْوِيبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِيهِ * * (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ سَعِيدُ بن المسيب وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَشَايِخُ جُلَّةٌ مِنْ التَّابِعِينَ سِوَاهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ عَشْرُ كَلِمَاتٍ جَعَلَ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً مِثْلُ الْأَذَانِ عِنْدَهُمْ مَعَ زِيَادَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح وعن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ " وعن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ مِثْلُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ " أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " قَالَ إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " رَوَاهُ أَبُو داود وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَنَّ السَّامِعَ يَعْلَمُ أَنَّهَا إقَامَةٌ فَلَوْ ثُنِيَتْ لَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِالْأَذَانِ وَلِأَنَّهَا لِلْحَاضِرِينَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَكْرِيرٍ لِلتَّأْكِيدِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ: وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَلَمْ يُدْرِكْ أَيْضًا مُعَاذًا هَكَذَا أَجَابَ بِهِ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إفْرَادُ الْإِقَامَةِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْأَذَانِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ سَمِعْتُ الامام محمد بن يحيى الدهلي يَقُولُ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا يَعْنِي الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ فَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْهُ إفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَآخَرُونَ تَثْنِيَتُهَا وَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُمْ وَبَيَّنُوهَا وَقَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا لَا يُعْمَلُ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّ فِيهِ التَّرْجِيعَ وَتَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ

وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالتَّرْجِيعِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بتثنية الاقامة فلابد لَنَا وَلَهُمْ مِنْ تَأْوِيلِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْإِفْرَادِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ فِي الْإِفْرَادِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعُوا أَنَّ الْإِقَامَةَ لَيْسَتْ كَالْأَذَانِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ إذَا كَانَ بِالتَّرْجِيعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ تَفْسِيرَهَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ الْإِقَامَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مَعَ رِوَايَتِهِ الْأَذَانَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِ الصَّحِيحَةِ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ تُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ مَعَ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ مِنْ جِنْسِ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَيُبَاحُ أَنْ يُرَجِّعَ فِي الْأَذَانِ وَيُثَنِّيَ الْإِقَامَةَ وَيُبَاحُ أَنْ يُثَنِّيَ الْأَذَانَ وَيُفْرِدَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ صَحَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا تَثْنِيَةُ الْأَذَانِ بِلَا تَرْجِيعٍ وَتَثْنِيَةُ الْإِقَامَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي صِحَّةِ التَّثْنِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ سِوَى لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَكَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ نَظَرٌ فَفِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ مَا يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّثْنِيَةِ عَادَ إلَى كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ وفى روايه أَبِي مَحْذُورَةَ وَأَوْلَادِهِ عَلَى تَرْجِيعِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ مَا يُؤْذِنُ بِضَعْفِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى تَثْنِيَتَهَا وَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَسَعْدُ الْقَرَظِ وَأَوْلَادُهُ فِي حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ وَقَعَ التَّغْيِيرُ فِي أَيَّامِ الْمِصْرِيِّينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَدْرَكْتُ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الملك ابن أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ يَعْنِي بِالتَّرْجِيعِ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ

عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى مَا حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ وَسَمِعْته يُفْرِدُ الْإِقَامَةَ إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الرِّوَايَةُ فِي الْأَذَانِ تَكَلُّفٌ لِأَنَّهُ خَمْسُ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ يَعْنِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى رؤوس الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُؤَذِّنُو مَكَّةَ آلُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ أَبُو مَحْذُورَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ ثُمَّ وَلَدُهُ بِمَكَّةَ وأذن آل سعد القرظ منذر مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّهُمْ يَحْكِي الاذان والاقامة والتثويب ووقت الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ وَالنَّاسُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيَأْتِينَا مِنْ طَرَفِ الْأَرْضِ مَنْ يُعَلِّمُنَا ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَنَا عَنْ عَرَفَةَ وَمِنًى ثُمَّ يخالفنا ولو خلفنا فِي الْمَوَاقِيتِ لَكَانَ أَجْوَزُ لَهُ مِنْ مُخَالِفَتِنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الظَّاهِرِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَذَّنَ سَعْدُ الْقَرَظِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكَانَ سَعْدٌ وَبَنُوهُ يُؤَذِّنُونَ بِأَذَانِهِ إلَى الْيَوْمِ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ أَذَانُهُمْ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَذَكَرُهُ بِالتَّرْجِيعِ قَالَ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فَأَرَى فُقَهَاءَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَدْ أَجْمَعُوا علي افراد الاقامة واختفوا فِي الْأَذَانِ يَعْنِي إثْبَاتَ التَّرْجِيعِ وَحَذْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حامد

وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّثْوِيبُ سُنَّةٌ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ كَالصُّبْحِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَنَامُ عَنْهَا دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى التَّابِعِيِّ عَنْ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يثوبن في شى مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَ إسْنَادَهُ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِ إسْنَادِهِ مُرْسَلٌ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ بلالا ومن مُجَاهِدٍ قَالَ " كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَقَالَ اُخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَالْمُعْتَمَدُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَذَانِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ شَيْئًا مَوْقُوفًا عَلَى ابن عمر وعلي ابن الحسين رضى الله عنهم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحْنُ نَكْرَهُ الزيادة في الاذان والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يصح الاذان الا من مسلم عاقل فاما الكافر والمجنون فلا يصح أذانهما لانهما ليسا من أهل العبادات ويصح من الصبى العاقل لانه من أهل العبادات ويكره للمرأة أن تؤذن ويستحب لها أن تقيم لان في الاذان ترفع الصوت وفى الاقامة لا ترفع فإذا أذنت للرجال لم يعتد باذانها لانه لا يصح امامتها للرجال فلا يصح تأذينها لهم) * *

* (الشَّرْحُ) * فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ أَذَانُ كَافِرٍ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ فَإِنْ أَذَّنَ فَهَلْ يَكُونُ أَذَانُهُ إسْلَامًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ عِيسَوِيًّا وَالْعِيسَوِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى عِيسَى الْيَهُودِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرَبِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ إذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ اعْتَقَدَ فِيهَا الِاخْتِصَاصَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عِيسَوِيٍّ فَلَهُ فِي نُطْقِهِ بِالشَّهَادَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَهَا حِكَايَةً بِأَنْ يَقُولَ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ كَمَا لَا يَصِيرُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا بِحِكَايَتِهِ الْكُفْرَ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَهَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إنْسَانٌ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فيقولهما قَصْدًا فَهَذَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ أن يقولها ابتداء لا حكاية ولا بِاسْتِدْعَاءٍ فَهَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَصِيرُ لِنُطْقِهِ بِهِمَا اخْتِيَارًا وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ وَسَوَاءٌ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَيَكُونُ بَعْضُ الْأَذَانِ جَرَى فِي الْكُفْرِ. وَلَوْ أَذَّنَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ عَقِبَ فَرَاغِهِ اُعْتُدَّ بِأَذَانِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَرَضَتْ لَهُ الرِّدَّةُ قَبْلَ فَرَاغِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ (1) (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا لَغْوٌ وَلَيْسَا فِي الحال من أهل العبادة

_ (1) ياض بالاصل اه

وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كالمجنون وفيه وجه انه يصح إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى بناء علي صحة تصرفاته وليس بشئ وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي أَوَّلِ النَّشْوَةِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّالِثَةُ) يَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَمَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَمَا لَوْ دَلَّ أَعْمَى عَلَى مِحْرَابٍ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في الاذن في دخول الدر وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَصِحُّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ دُونَهُ يُكْرَهُ أَنْ يُرْتَبَ لِلْأَذَانِ: (الرَّابِعَةُ) لَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ خَبَرُهَا وَأَمَّا إذَا أَرَادَ جَمَاعَةُ النِّسْوَةِ صَلَاةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الاقامة دون الاذان لما ذكره المصنف والثاني لَا يُسْتَحَبَّانِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبَّانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَذَّنَتْ ولم ترفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تَعَالَى هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ وَشَذَّ الْمُصَنِّفُ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَا يُكْرَهُ لَهَا الْأَذَانُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا تُؤَذِّنُ فَلَا تَرْفَعُ الصَّوْتَ فَوْقَ مَا تَسْمَعُ صَوَاحِبُهَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَإِنْ رَفَعَتْ فَوْقَ ذَلِكَ حَرُمَ كما يحرم تكشفها بحضرة الرِّجَالِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَنُ بِصَوْتِهَا كَمَا يُفْتَتَنُ بِوَجْهِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي رَفْعُ صَوْتِهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ أَرَادَتْ الصَّلَاةَ امْرَأَةٌ مُنْفَرِدَةٌ فَإِنْ قُلْنَا الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ لَا يُؤَذِّنُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْفُتُوحِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَلِلنِّسَاءِ الْإِقَامَةُ دُونَ الْأَذَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يسن الاقامة لهن * قال المصنف رحمه الله *

* (والمستحب ان يكون المؤذن حرا بالغا لما روى ابن عباس رضى عنهما مرفوعا " يؤذن لكم خياركم " وقال عمر رضى الله عنه لرجل " من مؤذنوكم فقال موالينا أو عبيدنا فقال ان ذلك لنقص كبير " والمستحب ان يكون عدلا لانه امين علي المواقيت ولانه يؤذن على موضع عال فإذا لم يكن أمينا لم يؤمن ان ينظر إلى العورات) * * * (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَيْ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْدِيرُهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَمَّا الاثر المذكور عن عمر فرواه البيهقى باسناد (1) وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ مُؤَذِّنُوكُمْ هُوَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ رَوَى عَنْ الْعَشَرَةِ وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ رَوَى عَنْ الْعَشَرَةِ غَيْرَهُ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَقَوْلُهُ مَوَالِينَا أَوْ عَبِيدُنَا هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ أَوْ عَبِيدُنَا بِأَوْ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَعَبِيدُنَا بِالْوَاوِ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ أَذَانُ الْعَبْدِ كَمَا يَصِحُّ خَبَرُهُ لَكِنَّ الْحُرَّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أكمل قال صاحب الماوى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَبْدُ فِي الْأَذَانِ كَالْحُرِّ قَالَ فَاحْتَمَلَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا كَالْحُرِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِصَلَاتِهِ كَالْحُرِّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ مَسْنُونَاتِ الصَّلَاةِ وَفُرُوضَهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَكِنْ إنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُ سَيِّدِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةُ) سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ صِحَّةُ أَذَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَيَتَأَدَّى بِهِ الشِّعَارُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مؤذنا لانه فيه تغريرا فانه يخاف غَلَطَهُ (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَدْلًا ذَا صِيَانَةٍ فِي دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا صَحَّ أَذَانُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ

الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَذَانُهُ فِي تَحْصِيلِ وَظِيفَةِ الْأَذَانِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَقَبُولُ خَبَرِهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَإِنْ أَذَّنَ خَصِيٌّ أَوْ مَجْبُوبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَمَنْ أَذَّنَ مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ أَجْزَأَ قال وكذلك الخصي المجبوب وَالْأَعْجَمِيُّ إذَا أَفْصَحَ بِالْأَذَانِ وَعَلِمَ الْوَقْتَ قَالَ وَأَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ خِيَارَ النَّاسِ * (فَرْعٌ) قال الامام الشافعي في الامام والمختصر " واحب ان لا بجعل مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ إلَّا عَدْلًا ثِقَةً " قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قِيلَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقِيلَ أَرَادَ عَدْلًا إنْ كَانَ حُرًّا ثِقَةً إنْ كَانَ عَبْدًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ وَقِيلَ أَرَادَ عَدْلًا فِي دِينِهِ ثِقَةً فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْمَوَاقِيتِ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * * (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا غَرَّ النَّاسَ بِأَذَانِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ مَنْ جُعِلَ الْأَذَانُ فِيهِمْ أَوْ مِنْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ لَنَا " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ " الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ ") * * * (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ هَكَذَا صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ فَمُؤَوَّلٌ وَيَعْنِي بِالِاشْتِرَاطِ فِيمَنْ يُوَلَّى وَيُرْتَبُ لِلْأَذَانِ وَأَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ أَوْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ مَرَّةً فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَوَاقِيتِ بَلْ إذَا عَلِمَ دُخُولَ وَقْتِ الْأَذَانِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ صَحَّ أَذَانُهُ لَهَا بِدَلِيلِ أَذَانِ الْأَعْمَى وَأَمَّا قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ مَنْ جُعِلَ الْأَذَانُ فِيهِمْ ثُمَّ مِنْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله والمخاملي وَزَادَ الشَّافِعِيُّ مَنْ جَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الْأَذَانَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مَرْفُوعًا قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ علي أبى هريرة * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِيهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كان يؤذن مع بلال) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْمَسَائِلُ حُكْمُهَا كَمَا ذُكِرَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَالصَّيِّتُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُوَ شَدِيدُ الصَّوْتِ وَرَفِيعُهُ وَحَدِيثُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سبق وحديث ابي محذورة صحيح أيضا رمما يُسْتَدَلُّ بِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ إذَا كَانَ مَعَ الْأَعْمَى بصير بخبره بِالْوَقْتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لَمْ يُكْرَهْ كَوْنُ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا كَمَا لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَرِهْنَا انْفِرَادَ الْأَعْمَى وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ بِسُؤَالِ غَيْرِهِ وَبِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " حَقٌّ وسنة أن لا يؤذن أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ " وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يكن علي طهارة الصرف لاجل الطهارة فيجئ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا فَيَنْصَرِفُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِأَنَّ الَّذِي رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ كَانَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَهُوَ رَاكِبٌ أَذَّنَ قَاعِدًا كَمَا يُصَلِّي قَاعِدًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَسْتَدِيرُ لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إلَى الْأَبْطُحِ فَأَذَّنَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ " وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ جِهَةٍ فَجِهَةُ الْقِبْلَةِ أُولَى وَالْمُسْتَحَبُّ أن

يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ " وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ للصوت) * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنَّمَا وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَحُجْرٌ بحاء مهملة مضمومة ثم جيم ساكنة كنية وَائِلٍ أَبُو هُنَيْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَقَايَا مُلُوكِ حِمْيَرَ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَعَاشَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ الَّذِي رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ كَانَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ فَرَوَى أَبُو دَاوُد مَعْنَاهُ قَالَ قَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَجِذْمُ الْحَائِطِ أَصْلُهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الذال المعجمة واما حديث " يا بلال قوم فَنَادِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فَصَحِيحَانِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ فجعلت اتتبع فاه ههنا وههنا يَمِينًا وَشِمَالًا يَقُول حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ " قال التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَبُو جُحَيْفَةَ بِجِيمٍ مضمومة ثم حاء مهملة مفتوحة وهو صاحبي مَشْهُورٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عبد الله وقيل وهب الله السؤاى بِضَمِّ السِّينِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ قِيلَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ أَذَّنَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ صَحَّ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا وَالْكَرَاهَةُ فِي الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْمُحْدِثِ وَفِي الْإِقَامَةِ أَغْلَظُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَلَوْ ابْتَدَأَ فِي الْأَذَانِ طَاهِرًا ثُمَّ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ جَنَابَةً أَوْ غَيْرَهَا قَالَ وَلَوْ قَطَعَهُ وَتَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ

هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يَقْطَعُهُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ طُولًا فَاحِشًا وَإِنْ طَالَ طُولًا غَيْرَ فَاحِشٍ فَفِي صِحَّةِ الْبِنَاءِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي الْمَسْجِدِ أَثِمَ بِلُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَصَحَّ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وَقَدْ حَصَلَ وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ الْجُنُبُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يَأْثَمُ وَيَصِحُّ أَذَانُهُ قَالَ وَالرَّحْبَةُ كَالْمَسْجِدِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى الْجُنُبِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَذَّنَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ (فَرْعٌ) فِي مذاهب العلماء في الاذان بغير طهارة: قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَذَانَ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ وَإِقَامَتَهُمَا صَحِيحَانِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ وَلَا إقَامَتُهُ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ الْأَذَانُ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مُتَوَضِّئًا وَأَصَحُّ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ييول فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيَّ فَقَالَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ " حديث صحيح رواه أحمد ابن حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا هُرَيْرَةَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن بلالا يؤذن بليل فكلوا أو اشربوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ

بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ " كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي الْإِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدٌ كَبِيرٌ تَدْعُو الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى الْعُلُوِّ لِلْإِعْلَامِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَصَحَّ أَذَانُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَقَدْ حَصَلَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ وَجْهَيْنِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَذَانُ الْقَاعِدِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْجَمِيعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لَهُ حَدِيثُ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ " كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَانْتَهَوْا إلَى مَضِيقٍ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إيمَاءً يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ فَرِيضَةً وَلِهَذَا أَذَّنَ لَهَا وَصَلَّاهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِلْعُذْرِ وَيَجِبُ إعَادَتُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ " أَذَّنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصُّبْحِ وانا علي راحلنى " فَضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَلْتَفِتَ فِي الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يستدبر لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الِالْتِفَاتِ الْمُسْتَحَبِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ اسْتَحْبَبْتُمْ الْتِفَاتَ الْمُؤَذِّنِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَكَرِهْتُمْ

التفات الخطيب في شئ من الخطبة فما الفرق قلنا الخطب وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَعْرِضَ عَنْهُمْ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ فَإِذَا الْتَفَتَ كَانَ أَبْلَغَ فِي دُعَائِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ أَدَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالِالْتِفَاتِ أَنْ يَلْوِيَ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يُزِيلَ قَدَمَهُ عَنْ مَكَانِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَدِيرُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيرُ فِي الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ بَلَدًا صَغِيرًا وَعَدَدًا قَلِيلًا لَمْ يَسْتَدِرْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِي جَوَازِ الِاسْتِدَارَةِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَلَا يَسْتَدِيرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالسُّنَّةُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقَائِمًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَذَانِ فَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَالْقِيَامَ فِيهَا فَهُوَ كَتَرْكِهِ فِي الْأَذَانِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِقَامَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يُسْتَحَبُّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِالْتِفَاتِ وَالثَّالِثُ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا أَنْ يَكْبُرَ الْمَسْجِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ تَمَّمَهَا فِيهِ وَلَا يَمْشِي فِي أَثْنَائِهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِالْتِفَاتَاتِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالِاسْتِدَارَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْحَيْعَلَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَدُورُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنَارَةٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَدُورُ وَلَا يَلْتَفِتُ الا أن يربد إسْمَاعَ النَّاسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يَلْتَفِتُ وَلَا يَدُورُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنَارَةٍ فَيَدُورُ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يدور بحديث الحجاج ابن ارطاة عن عوف بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فخرج بلال فاذن فاستدار في اذانه " رواه ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِرْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَجَّاجِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ وَالضَّعِيفُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عن من لا يحتج به لو كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا (وَالْجَوَابُ

الثَّانِي) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ تُحْمَلُ عَلَى الِالْتِفَاتِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الحجاج ابن أَرْطَاةَ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَسْمَعْ إنْسَانٌ صَوْتَهُ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُسْتَدَلُّ بِأُصْبُعَيْهِ عَلَى أَذَانِهِ فَإِنْ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الْأُصْبُعَ الْأُخْرَى فِي صِمَاخِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَذَّنَ رَاكِبًا وَأَقَامَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا أَجْزَأَهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسَافِرٍ كُرِهَ وَالْإِقَامَةُ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يُقِيمَهَا الْمُسَافِرُ بعد نزوله لانه لابد مِنْ نُزُولِهِ لِلْفَرِيضَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ أَذَّنَ إنْسَانٌ مَاشِيًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ انْتَهَى فِي آخِرِ أَذَانِهِ إلَى حَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْمَعُهُ أَجْزَأَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ فِي الْحَالَيْنِ * * قال المصنف رحمه الله * * (والمستحب ان يترسل في الاذان ويدرج الاقامة لما روى عن ابن الزبير مؤذن بيت المقدس أن عمر رضى الله عنه قال " إذا أذنت فترسل وإذا اقمت فاحذم " ولان الاذان للغائبين فكان الترسل فيه ابلغ والاقامة للحاضرين فكان الادراج فيه اشبه ويكره التمطيط وهو التمديد والبغى وهو التطريب لما روى ان رجلا قال لابن عمر " انى لاحبك في الله قال وانا ابغضك في الله انك تبغي في اذانك " قال حماد يعني التطريب) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ وكيف ما أَتَى بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَجْزَأَ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ مَا وَصَفْتُ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَيْفَ أَتَى بِهِ قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ الصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ صَوْتُهُ بِتَحْزِينٍ وترقيق ليس فيه جفاء كلام الاعراب ولالين كَلَامِ الْمُتَمَاوِتِينَ وَهَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ

وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا مِيمٌ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا هَكَذَا وَالثَّانِي فَاحْذَرْ بِالرَّاءِ بَدَلَ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ وَتَرْكُ التَّطْوِيلِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ كل شئ أَسْرَعْت فِيهِ فَقَدْ حَذَمْته وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أبو بكر ابن أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَغَازِي وَقَالَ فِيهِ تَخْتَالُ فِي أَذَانِكَ بَدَلَ تَبْغِي وَجَاءَ فِي التَّرَسُّلِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قال لبلال إذا اذنت فترسل وإذا اقمت فاحذر " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا ان نرسل الاذان ونحذر الْإِقَامَةَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ يَتَرَسَّلُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ التَّرْتِيلُ وَالتَّأَنِّي وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمُتَرَسِّلُ الْمُتَمَهِّلُ فِي تَأْذِينِهِ ويبين كلامه تبينا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ جَاءَ عَلَى رِسْلِهِ وَفَعَلَ كَذَا عَلَى رسله أي علي هينته غَيْرُ مُسْتَعْجِلٍ وَلَا مُتْعِبِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ يُدْرِجُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الياء ضم الرَّاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيُقَالُ دَرَّجْتُهُ أَيْضًا بِالتَّشْدِيدِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ أَفْصَحُهُنَّ أَدْرَجْتُهُ وَكَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْإِدْرَاجُ أَشْبَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَصْحَابُنَا إدْرَاجُ الاقامة هوان يَصِلَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَتَرَسَّلُ تَرَسُّلَهُ فِي الْأَذَانِ وَأَصْلُ الْإِدْرَاجِ وَالدَّرَجِ الطَّيُّ وَقَوْلُهُ الْبَغْيُ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ

الصَّوْتِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْبَغْيُ أَنْ يَكُونَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ يَحْكِي كَلَامَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَفَيْهِقِينَ قَالَ وَالْبَغْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ الضَّلَالُ وَالْبَغْيُ الْفَسَادُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْبَغْيُ تَفْخِيمُ الْكَلَامِ وَالتَّشَادُقُ فِيهِ قَالَ وَيُكْرَهُ تَلْحِينُ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِفْهَامِ وَلِأَنَّ السَّلَفَ تَجَافُوهُ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُمْ وَقَوْلُهُ أَنَّكَ تَبْغِي فِي أَذَانِكَ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَةِ أَنَّكَ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَحْسَنُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ تَبْغِي هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وابو الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ كَذَا قَالَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَكَسْرُ الدَّالِ وَالثَّانِيَةُ الْمُقَدَّسُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقُدْسِ وَهُوَ الطُّهْرُ وَيُقَالُ فِيهِ الْقُدْسُ وَالْقُدُسُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَإِيلْيَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فِي الْأَذَانِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " يغفر

لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي جَمْعِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالِغُ بِحَيْثُ يَشُقُّ حَلْقَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ قَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ لَهُ " أَمَا خَشِيتَ أَنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ فَقَالَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتِي " فَإِنْ أَسَرَّ بِالْأَذَانِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاتِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَرْفَعْ الصَّوْتَ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو غَيْرَهُ فَلَا وَجْهَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْإِقَامَةِ دُونَ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ " يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِلْبَيْهَقِيِّ " وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ " كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ " وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الله ابن عبد الرحمن أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ " لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالْمَدَى بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالياء وهو غاية الشئ وَقَوْلُهُ يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ ذُنُوبَهُ لَوْ كَانَتْ أَجْسَامًا غُفِرَ لَهُ مِنْهَا قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنْتَهَى صَوْتِهِ وَقِيلَ تُمَدُّ لَهُ الرَّحْمَةُ بِقَدْرِ مَدِّ الْأَذَانِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَكْمِلَ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اسْتَوْفَى وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فَيَبْلُغَ الْغَايَةَ مِنْ الْمَغْفِرَةِ إذَا بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ الصَّوْتِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَبِي مَحْذُورَةَ " أَمَا خَشِيتَ أَنْ تَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ " فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ منه هَذَا الْقَدْرَ دُونَ قَوْلِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتِي وَالْمُرَيْطَاءُ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ

لُغَتَانِ أَشْهُرُهُمَا الْمَدُّ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ مَمْدُودَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ سِوَى الْمَدِّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَدَّ وَالْقَصْرَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ كَلِمَةٌ جَاءَتْ مُصَغَّرَةً وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إلَى الْعَانَةِ. أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ مَا أَمْكَنَهُ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فَإِنْ اسربه لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْإِسْرَارِ بِبَعْضِهِ وَلَا يَجُوزُ الْإِسْرَارُ بِالْجَمِيعِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لَكِنْ تَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ لَمْ يُبَالِغْ فِي الْجَهْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا لِجَمَاعَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ وموضع الخلاف إذا أسمع نَفْسَهُ فَحَسْبُ فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَذَانٍ وَلَا كَلَامٍ وَإِنْ أَسْمَعَ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ حَصَلَ الْأَذَانُ قَطْعًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَسْمَعَ وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِهِمَا وَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ إقَامَتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ لِجَمَاعَةٍ أَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُشْتَرَطُ إسْمَاعُ مَنْ عِنْدَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعٍ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَمَنْ يَقُولُ لَا يَرْفَعُ الْمُنْفَرِدُ يَحْمِلُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي فَضْلِ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى الاذان للجماعة والله اعلم) * * * قال المصنف رحمه الله * * (وَيَجِبُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَذَانَ لِأَنَّهُ إذَا نَكَسَهُ لَا يَعْلَمُ السَّامِعُ أَنَّ ذَلِكَ أَذَانٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَبْطُلْ الْخُطْبَةُ بِالْكَلَامِ فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ الْأَذَانُ أَوْلَى وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ لِأَنَّ السَّامِعَ يَظُنُّهُ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَإِنْ أَفَاقَ فِي الْحَالِ وَبَنَى عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ المقصود يحصل وَإِنْ ارْتَدَّ فِي الْأَذَانِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّ

مَا فَعَلَهُ قَدْ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَبْطُلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْمَوْتُ وَهَهُنَا رَجَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يبطل) * * * (الشَّرْحُ) * اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَذَانِ لِمَا ذَكَرَهُ فَإِنْ نَكَسَهُ فَمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ صَحِيحٌ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَتَى بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ فَالنِّصْفُ الثَّانِي بَاطِلٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِالنِّصْفِ الثَّانِي وَلَوْ اسْتَأْنَفَ الْأَذَانَ كَانَ أَوْلَى لِيَقَعَ مُتَوَالِيًا وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ كَلِمَاتِهِ أَتَى بِالْمَتْرُوكِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَوْلَى وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْأَذَانِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مَأْمُورٌ بِهَا فَإِنْ سَكَتَ يسير الم يَبْطُلْ أَذَانُهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَبْنِي وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَائِهِ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَبَنَى وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطَسَ لَمْ يُجِبْهُ وَلَمْ يُشَمِّتْهُ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِنْ أَجَابَهُ أَوْ شَمَّتَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ يُكْرَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْفَضْلِ وَلَوْ رَأَى أَعْمَى يَخَافُ وُقُوعَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ حَيَّةً تَدِبُّ إلَى غَافِلٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وجب انذاره

وَيَبْنِي عَلَى أَذَانِهِ وَاذَا تَكَلَّمَ فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ فَالْأَذَانُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَاعِدًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّخْفِيفِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ أَذَانُهُ بِالْيَسِيرِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ فَتَرَدَّدَ فِيهِ إذَا رُفِعَ بِهِ الصَّوْتُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ أَوْ سَكَتَ سُكُوتًا طَوِيلًا أَوْ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْأَذَانِ ثُمَّ أَفَاقَ فَفِي بُطْلَانِ أَذَانِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ السُّكُوتِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَشْبَهُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَحَمْلُ النَّصِّ عَلَى الْفَصْلِ الْيَسِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُنُونُ هُنَا كَالْإِغْمَاءِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ فِي الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ إذَا لَمْ نُوجِبْ الِاسْتِئْنَافَ لِقِلَّةِ الْفَصْلِ أَوْ مَعَ طُولِهِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَبْطُلُ الطَّوِيلُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ الْكَثِيرَيْنِ إذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ يَسِيرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ عِنْدَ السُّكُوتِ الْيَسِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْكَلَامِ بِخِلَافِ السُّكُوتِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا يَبْنِي مَعَ الْفَصْلِ الطَّوِيلِ فَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَبْطُلُ بِالْفَصْلِ الْمُتَخَلَّلِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إعْلَامٌ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ

واما إذا تكلم في الاقامة كلاما يسيزا فَلَا يَضُرُّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ تبطل اقامته دليلنا انه إذا لَمْ تَبْطُلْ الْخُطْبَةُ وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْإِقَامَةُ أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَا كَرِهْتُ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ كُنْتُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ أَكْرَهَ: قَالَ فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَوْ سَكَتَ فِيهِمَا سُكُوتًا طَوِيلًا أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَلَمْ أُوجِبْهُ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِ أَذَانِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَلَا يَبْطُلُ أَذَانُهُ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ وَيُؤَذِّنَ غَيْرُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً فِيهِ فِي حَالِ الْأَذَانِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ صَحَّ وَإِنْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ لَمْ يَصِحَّ بِنَاؤُهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَبَنَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ الصَّحِيحُ مَنْعُهُ وَقِيلَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْبِنَاءَ فَفِي جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالْمَذْهَبُ انه لا يجوز وكذا الحكم لو مات في خلاف الْأَذَانِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أن الْأَذَانُ لَا يَبْطُلُ بِالْكَلَامِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أَبْطَلَهُ بِالْكَلَامِ قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُطْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا الله قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قال أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حى على الصلاة قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال حي علي الفلاح قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال الله أكبر أكبر قال اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا اله الا الله قال لا اله الا الله من

قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " فَإِنْ سَمِعَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ أَتَى بِهَا فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ أَتَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفُوتُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثم صلوا علي فان مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا " ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْوَسِيلَةَ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَإِنْ كَانَ الْأَذَانُ لِلْمَغْرِبِ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ اغْفِرْ لِي: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تقول ذلك ويدعوا اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ الدُّعَاءَ لَا يرد بين الاذان والاقامة " (الشَّرْحُ) حَدِيثَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ هَذَا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " وَقَوْلُهُ الْوَسِيلَةَ هِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ الله لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ "

وَقَوْلُهُ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ دَعْوَةُ الْأَذَانِ سُمِّيَتْ دَعْوَةً تَامَّةً لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَى غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ الصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ أَيْ الَّتِي سَتَقُومُ أَيْ تقام وتحضر وقوله مقاما محمودا هكذا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ مَقَامًا مَحْمُودًا بِالتَّنْكِيرِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ الَّذِي وَعَدْتَهُ بَدَلًا مِنْهُ أَوْ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْنِي الَّذِي وَعَدْتَهُ أَوْ مَرْفُوعًا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الَّذِي وَعَدْتَهُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأَدُّبَ مَعَ الْقُرْآنِ وَحِكَايَةَ لَفْظِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَى هَذَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي أَيْ غَشِيَتْهُ وَنَالَتْهُ وَنَزَلَتْ بِهِ وَقِيلَ حَقَّتْ لَهُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِ أَذَانِهِ هَذِهِ الْأَذْكَارَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَيُسْتَحَبُّ لِسَامِعِهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَيَقُولَ عِنْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْأَذْكَارَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا وَيَقُولَ إذَا سَمِعَ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْغَزَالِيَّ فَحَكَى فِي الْبَسِيطِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَتُهُ

إلَّا فِي كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْمُؤَذِّنَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْهَا وَلَا يُقَارِنَهُ وَلَا يُؤَخِّرَ عَنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْكَلِمَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الْأَذَانِ وَمَرَّتَيْنِ فِي الْإِقَامَةِ فَيَقُولُهَا عَقِبَ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَيَقُولُ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ مَرَّتَيْنِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهِ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ ثم سؤال الوسيلة بعدها للموذن وَالسَّامِعِ وَكَذَا الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْمُتَابِعِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ الْمُؤَذِّنِ فِي غَيْرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ لِيَدُلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَمُوَافَقَتِهِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَدُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ فَاسْتُحِبَّ لِلْمُتَابِعِ ذِكْرٌ آخَرُ فَكَانَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ مُتَابَعَتُهُ لِكُلِّ سَامِعٍ مِنْ طَاهِرٍ وَمُحْدِثٍ وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَنْ هُوَ عَلَى الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ تَابَعَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَإِذَا سَمِعَهُ وَهُوَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دَرْسِ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَطَعَهُ وَتَابَعَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَهُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي اسْتِحْبَابِ مُتَابَعَتِهِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ قَوْلًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فَتَابَعَهُ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُكْرَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ إنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ وَلَا تَرْكُهُ وَلَا يُكْرَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَتُهُ فَإِذَا تَابَعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْأَذْكَارِ وَقَالَ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَالصَّلَاةُ لَا يُبْطِلُهَا الْأَذْكَارُ وَإِنْ قَالَ فِي الْحَيْعَلَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَهَذَا كَلَامُ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ هَذَا كَلَامُ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ

كَانَ عَالِمًا بِالصَّلَاةِ جَاهِلًا بِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامُ آدَمِيٍّ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْإِبَانَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالُوا وَيَسْجُدُ للسهو الناسي وكذا الجاهل إذا لم نبطلها لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ قَالَ فِي مُتَابَعَتِهِ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ قَالَ وَكَذَا لَوْ قَالَ مثله الصلاة خير من النوم قَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَالَ أَقَامَهَا اللَّهُ أَوْ اللَّهُمَّ أَقِمْهَا وَأَدِمْهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالُوا فَلَوْ تَابَعَ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَّنَ فِيهَا لِتَأْمِينِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ التَّأْمِينَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَيْسَ التَّأْكِيدُ فِي مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُصَلِّي كَالتَّأْكِيدِ فِي مُتَابَعَةِ مَنْ لَيْسَ هُوَ فِي صَلَاةٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ سَمِعَهُ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ تَابَعَهُ وَهُوَ عَلَى طَوَافِهِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ * (فَرْعٌ) إذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ هَلْ يَخْتَصُّ اسْتِحْبَابُ الْمُتَابَعَةِ بِالْأَوَّلِ أَمْ يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ كُلِّ مُؤَذِّنٍ فِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَابَعَةُ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا لتصريح الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَمْرِ بِهَا وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَأَمَّا أَصْلُ الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ فِي الْمُتَابَعَةِ فَلَا يَخْتَصُّ وَاَللَّهُ أعلم * (فرع) مذهينا أَنَّ الْمُتَابَعَةَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي إيجَابِهَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُتَابِعُ الْمُؤَذِّنَ فِي جَمِيعِ الكلمات وعن مالك روايتان

احداهما كَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ يُتَابِعُهُ إلَى آخِرِ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعْدَهُ بَعْضُهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ وَبَعْضُهُ تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * (فَرْعٌ) لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ الْمُؤَذِّنِ فِي التَّرْجِيعِ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ " وَالتَّرْجِيعُ مِمَّا يَقُولُ وَلَمْ يقل فقولوا مثل ما ثسمعون وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ * (فَرْعٌ) مَنْ رَأَى الْمُؤَذِّنَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ لَهُ الْمُتَابَعَةُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِهِ وَقِيَاسًا عَلَى تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَإِنَّهُ لَا يشرع لِمَنْ يَسْمَعُ تَحْمِيدَهُ (فَرْعٌ) لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ حَتَّى فَرَغَ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تعرضا لِأَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ الْمُتَابَعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَدَارَكُ عَلَى الْقُرْبِ وَلَا يَتَدَارَكُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ سَمِعَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُتَابِعْهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذْكَارِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَهُوَ كَتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ تَفْصِيلٌ فِي مَوْضِعِهِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي مُتَابَعَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السلف وعن مالك ثلاث روايات احداهما يتابعه والثانية لا والثالثة يتابعه في النافلة دون الفرض * * قال المصنف رحمه الله * * (والمستحب ان يقعد بين الاذان والاقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة لان الذى رآه عبد الله ابن زيد رضى الله عنه في المنام اذن وقعد قعدة ولانه إذا الاذان أوصل بالاقامة فات الناس الجماعة فلم يحصل المقصود بالاذان ويستحب ان يتحول من موضع الاذان الي غيره للاقامة لما رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا ") * *

* (الشرح) * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْقَعْدَةِ قَدْرَ مَا تَجْتَمِعُ الْجَمَاعَةُ إلَّا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَةِ يَجْتَمِعُونَ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقَدُّمِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَذَانِهَا وَإِقَامَتِهَا فَصْلًا يَسِيرًا بِقَعْدَةٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ نَحْوِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ التَّحَوُّلِ لِلْإِقَامَةِ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَذَانِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ أَذَّنَ فَجَاءَ بِلَالٌ لِيُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يقيم " فان اذن واحد وَأَقَامَ غَيْرُهُ جَازَ لِأَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ وَأَقَامَ عبد الله بن زيد) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَعَلَّقَ الْبَيْهَقِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ فَقَالَ إنْ ثَبَتَ كَانَ أَوْلَى مِمَّا رُوِيَ فِي حديث عبد الله ابن زَيْدٍ " أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى الرُّؤْيَا وَيُؤَذِّنُ بِلَالٌ قَالَ فَأَقِمْ أَنْتَ " لِمَا فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ كَانَ بَعْدَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ الْبَيْهَقِيّ فِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَالَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا فَرْقَ وَالْأَمْرُ مُتَّسِعٌ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَوْلَى أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْتُ أن يتولي الاقامة لشئ يُرْوَى أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَحُجَّةُ هَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ الصُّدَائِيِّ لِأَنَّهُ أَقَوْمُ إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ زَيْدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ بَعْدَهُ بِلَا شَكٍّ وَالْأَخْذُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى قَالَ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَادِّعَاءُ النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ: أَمَّا الصُّدَائِيُّ فَبِضَمِّ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ مَنْسُوبٌ إلَى صُدَاءٍ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَهُوَ أَبُو هَذِهِ الْقَبِيلَةِ

وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ صُدَاءٌ حَيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَكَانَ أَذَانُ زِيَادٍ الصُّدَائِيِّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَكُنْ بِلَالٌ حَاضِرًا حِينَئِذٍ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فَقَطْ فَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ وَإِنْ أَذَّنَ جَمَاعَةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْ يُقِيمُ مِنْهُمْ أَقَامَ وَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ وَإِنْ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُؤَذِّنَ الرَّاتِبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ فَاَلَّذِي يُقِيمُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَذَّنَ أَوَّلًا أَجْنَبِيًّا وَأَذَّنَ بَعْدَهُ الرَّاتِبُ فَمَنْ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا الرَّاتِبُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ وِلَايَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَقَدْ أَذَّنَ وَالثَّانِي الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّ بِأَذَانِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ سُنَّةُ الْأَذَانِ أَوْ فَرْضُهُ وَلَوْ أَقَامَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ من له ولاية الاقامة ممن أذن لو أَجْنَبِيٌّ اُعْتُدَّ بِإِقَامَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يعتقد بِهِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ وَاحِدٌ وَيُصَلِّي آخَرُ وَهَذَا ليس بشئ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إلَّا وَاحِدٌ إلَّا إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِهِ الْكِفَايَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمُوا جَمِيعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا أَقَامَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ جَزَمَ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة لا يكره * * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَفِي لفظ الاقامة يقول أقامها الله وأدامها لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الرَّجُلَ مَجْهُولٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ الْعَبْدِيُّ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَشَهْرٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ وَعَلَى الْمُصَنِّفِ إنْكَارٌ فِي جَزْمِهِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّكِّ كَمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ الشَّكَّ فِي أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَعَ الشَّكِّ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ مُتَابَعَتِهِ فِي الْإِقَامَةِ

كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْوَجْهَ الشَّاذَّ الَّذِي قدمناه عن البسيط * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ لِلْجَمَاعَةِ اثْنَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَةً لِأَنَّهُ كَانَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أبلغ في الاعلام) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثَا بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ لِلْمَسْجِدِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنَانِ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَى أَرْبَعَةٍ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَتَابَعَ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ عَلَى هَذَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَثِيرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ وَقَالُوا إنَّمَا الضَّبْطُ بِالْحَاجَةِ وَرُؤْيَةِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَعَلَهُ وَإِنْ رَأَى الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَزِدْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَاجَةِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ لِلْحَاجَةِ أَوْلَى. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا تَضْيِيقَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا لَا يُعْرَفُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُحْدِدْ شَيْئًا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الزِّيَادَةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَكُونُ لَهُ مُؤَذِّنَانِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِ اثْنَانِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَةً فَإِنْ لَمْ يَكْفُوا جَعَلَهُمْ سِتَّةً فَإِنْ زَادَ فَثَمَانِيَةً لِيَكُونُوا شَفْعًا لَا وِتْرًا وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مَشْهُورَةٌ فَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّبْطَ بِالْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَإِنْ بَلَغُوا مَا بَلَغُوا وَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ (قُلْتُ) وَهَذَا قَدِيمٌ لَمْ يُعَارِضْهُ جَدِيدٌ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِهَذَا الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُرَتِّبُهُمْ الْإِمَامُ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَلَوْ أَذَّنَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ لَمْ يُمْنَعُوا يَعْنِي أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ وَاخْتِلَاطٍ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ فَأَكْثَرُ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَمَا صَحَّ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ ام

مَكْتُومٍ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ أَذَّنُوا فِي أَقْطَارِهِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي قُطْرٍ لِيُسْمِعَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَذَّنُوا مَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَقِفُونَ جَمِيعًا عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً فَإِنْ أَدَّى إلَى تَهْوِيشٍ أَذَّنَ وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِنْ تَنَازَعُوا أُقْرِعَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَذَّنُوا جَمِيعًا وَاخْتَلَفَتْ أَصْوَاتُهُمْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِيهِ تَهْوِيشًا عَلَى النَّاسِ وَمَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ يَتَأَخَّرْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَلِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ سَمِعَ الْأَخِيرَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَنْ يُبْطِئَ بِالصَّلَاةِ لَيَفْرُغَ مَنْ بَعْدَهُ بَلْ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ مَنْ بَعْدَهُ الْأَذَانَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ فَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِلَالٌ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنُ الْجُمُعَةِ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةً مُؤَذِّنِينَ وَصَرَّحَ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْجُمُعَةِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَكُونُ الْمُؤَذِّنُونَ يَسْتَفْتِحُونَ الْأَذَانَ فَوْقَ الْمَنَارَةِ جُمْلَةً حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيُسْمِعَ النَّاسَ فَيَأْتُونَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ الْإِمَامُ بِهِمْ وَمَنَعَ النَّاسَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ تِلْكَ السَّاعَةَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " جَلَسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله تعالي: وذكر الحديث " * قال المصنف رحمه الله * * (ويجوز استدعاء الامراء إلى الصلاة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بلالا رضى الله عنه جاء فقال " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمك اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرى أبا بكر فليصل بالناس " قال ابن قسيط وكان بلال يسلم علي أبى بكر وعمر رضي الله عنهما كما كان يسلم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * *

* (الشرح) * ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ مُرِي هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مُرُوا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مُرُوا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. وَأَمَّا ابْنُ قُسَيْطٍ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُمَا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَقَوْلُهُ إنَّ بِلَالًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَعْنِي عِنْدَ اسْتِدْعَائِهِمَا إلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا النَّقْلُ بَعِيدٌ أَوْ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ أَنَّ بِلَالًا لَمْ يُؤَذِّنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَقِيلَ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرِوَايَةُ ابْنِ قُسَيْطٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِدْعَاءِ هُوَ كَمَا قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ سَلَامُ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَقَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ علي الفلاح مكروه وقال صاحب العدة والشيخ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَى بَابِ الْأَمِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَقُولَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَإِنْ أَتَى بَابَهُ وَقَالَ الصلاة أيها الامير فلا بأس * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالْأَذَانِ لَمْ يُرْزَقْ المؤذن من بيت المال لان الْمَالِ جُعِلَ لِلْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَطَوَّعُ رُزِقَ مَنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عليه كالامامة في الصلاة والثاني يجوز لانه عمل معلوم يجوز أخذ الرِّزْقَ عَلَيْهِ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الاعمال) * *

* (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ احْتِرَازٌ مِنْ عَمَلِ الْمَعْصِيَةِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ قَالَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يَعُوزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا لَازِمًا يؤذن متطوعا فان لمه يَجِدْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ أن يرزقه من غيره من الفئ لان لكله مالكا موضوفا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَيَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُ الرِّزْقِ إذَا رُزِقَ مِنْ حَيْثُ وَصَفْتُ أَنْ يُرْزَقُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يُرْزَقَ هَذَا نَصُّهُ بِحَرْفِهِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " آخر ما عبد إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أجرا " رواه الترمذي وقال حديت حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا عَدْلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ الْوَصِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَكَذَا الْإِمَامُ فَلَوْ وَجَدَ فَاسِقًا مُتَبَرِّعًا وَعَدْلًا لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بِرِزْقٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْزُقُ الْعَدْلَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُعْتَمَدِ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا يَرْزُقُ الْعَدْلَ وَالثَّانِي الفاسق اولي وهذا ليس بشئ وَلَوْ وَجَدَ مُتَطَوِّعًا غَيْرَ حَسَنِ الصَّوْتِ وَغَيْرَهُ رَفِيعَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْزُقَ حَسَنَ الصَّوْتِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَرْزُقُهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْزُقُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً لِظُهُورِ تَفَاوُتِهِمَا وَتَعَلُّقِ الْمَصْلَحَةِ بِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ وَوَجَدَ الْأَبُ مُتَبَرِّعَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرِّزْقُ يَكُونُ من خمس خمس الفئ والغنيمة وكذا من أربعة اخماس الفئ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِذَلِكَ بَلْ يَرْزُقُهُ مِنْ كُلِّ مَالٍ هُوَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْأَمْوَالِ الَّتِي يَرِثُهَا بَيْتُ الْمَالِ وَالْمَالِ الضَّائِعِ الَّذِي أَيِّسْنَا مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرِّزْقُ يَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ رَزَقَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَسَاجِدُ وَلَمْ يُمْكِنْ جَمْعُ النَّاسِ

فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ رَزَقَ عَدَدًا مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لِلْمَسَاجِدِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ بِهِمْ الْكِفَايَةُ وَيَتَأَدَّى الشِّعَارُ وَإِنْ أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهُمَا يَجْمَعُهُمْ وَيَرْزُقُ وَاحِدًا فَقَطْ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجْمَعُهُمْ بَلْ يَرْزُقُ الْجَمِيعَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَاتِ وَفِعْلَهَا فِي مَسَاجِدَ أَكْثَرُ فَضِيلَةً مِنْ أَدَائِهَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ بَدَأَ بِالْأَهَمِّ وَهُوَ رزق مؤذن الجامع واذان صلاد الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلِآحَادِ الرَّعِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ كَمْ شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فَيَرْزُقُ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ وَمَعَ وُجُودِ المتبرع وفوق قدر الكفاية صرح بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ (فَرْعٌ) فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلِآحَادِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وكذا نقله المتولي وصاحب الذخائر والعبد رى عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي كِتَابِهِ الزَّوَايَا فِي الْخِلَافِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِأَحَدٍ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دُونَ آحَادِ النَّاسِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ ظَاهِرٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَا لِلْإِمَامِ الِاسْتِئْجَارَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ حَيْثُ يَجُوزُ الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ خِلَافًا وَوِفَاقًا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتُؤَذِّنَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ آحَادُ النَّاسِ فَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ قَالَ وَالْإِقَامَةُ تَدْخُلُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْأَذَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِقَامَةِ وَحْدَهَا إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَذَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ إشْكَالٍ وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي إنْ شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ الْجَعْلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ آخِرِ الْمُدَّةِ بَلْ يَكْفِيهِ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَإِنْ شَرَطَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَشْتَرِطُ كَالْإِجَارَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْأُجْرَةِ أَنَّ الرِّزْقَ أَنْ يُعْطِيَهُ كِفَايَتَهُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَالْأُجْرَةُ مَا يقع

بِهِ التَّرَاضِي وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْتَفِي أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمَاتِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَعَوَامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ يَفْتَحُ الرَّاءَ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرَ اللَّهُ أَكْبَرْ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ قَالَ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا كَقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرْ اللَّهُ أَكْبَرْ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فَحُرِّكَتْ فَتْحَةُ الْأَلْفِ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ لِسُكُونِ الرَّاءِ قَبْلَهَا فَفُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تعالى " الم الله لا إله الا هو " وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ وَأَمَّا بَاقِي الْكَلِمَاتِ فَيُفْرِدُ كُلَّ كَلِمَةٍ بِصَوْتٍ وَفِي الْإِقَامَةِ يَجْمَعُ كُلَّ كَلِمَتَيْنِ بِصَوْتٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ ذِكْرًا أَوْ زَادَ فِي عَدَدِ كَلِمَاتِهِ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى اشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِ الْأَذَانِ عَلَى السَّامِعِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ بَدَلَ اللَّهُ أَكْبَرُ صَحَّ أَذَانُهُ كَمَا لَوْ قَالَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُؤَذِّنِينَ لِيُؤَذِّنُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ بِالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَأْمُرَهُمْ فَيُقِيمُوا فِي الْوَقْتِ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ وَوَقْتُ الْإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِالْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ فَلَوْ أَقَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الرَّاجِحَ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الِاعْتِدَادِ (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَتَرْكُ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجْهُ

ذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِعْلِ الرُّخَصِ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْأَذَانِ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ وَالْمُسَافِرُونَ لَا يَتَفَرَّقُونَ غَالِبًا قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ الْإِقَامَةَ لِصَلَاتِهَا لَمْ أَكْرَهُ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا مَا أَكْرَهُ مِنْ تَرْكِهَا لِلرِّجَالِ وان كنت احب ان نقيم قَالَ فِي الْأُمِّ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ بِأَذَانِ رَجُلٍ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ يَعْنِي لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لَوْ اجْتَازَ رَجُلٌ بِمَسْجِدٍ قَدْ أُذِّنَ فِيهِ اكْتَفَى بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَمْ يَقْصِدْهُ (الثَّامِنَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا: لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يُحْسِنُ وَإِنْ كَانَ أَذَانُهُ لِنَفْسِهِ فان كان لم يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُؤَذِّنَ الْجَمَاعَةِ لَا يُجْزِئُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَعْلِيقِهِ (التاسعة) قاله الدَّارِمِيُّ لَوْ لُقِّنَ الْأَذَانَ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْأَذَانِ إذَا كَانَتْ لَيْلَةً مَطِيرَةً أَوْ ذَاتَ رِيحٍ وَظُلْمَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ إذَا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ أَلَا صَلُّوا في رحالكم قال فَإِنْ قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ ذَكَرُوهُ بِحُرُوفِهِ الَّتِي نَقَلْتُهَا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ

إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ وَقَالَ تَغْيِيرُ الْأَذَانِ من غير ثبت مُسْتَبْعَدٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالسُّنَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَفِي أَثْنَائِهِ فَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنَهُ بِهِ فِي السَّفَرِ " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي ردع فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ وَهُوَ يَوْمُ جُمُعَةٍ " إذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا فَقَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَعَلَهُ مَنْ هُوَ

باب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه

خَيْرٌ مِنِّي " يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " أَذَّنَ مُؤَذِّنُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فَذَكَرَهُ " * قال المصنف رحمه الله * * (باب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه) * * (الطَّهَارَةُ ضَرْبَانِ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ وَطَهَارَةٌ عَنْ نجس فأما الطهارة عن الحدث فهى شرط في صحة الصلاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " وقد مضى حكمها في كتاب الطهارة) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَالْمُرَادُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَالْغُلُولُ بِضَمِّ الْغَيْنِ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْخِيَانَةُ يُقَالُ غَلَّ وَأَغَلَّ أَيْ خَانَ وَقَوْلُهُ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ إمَّا بِالْمَاءِ وَإِمَّا بالتيمم بشرطه سراء صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ جَوَازَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَهَذَا بَاطِلٌ فَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَلَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بغير طهور * * قال المصنف رحمه الله * * (وأما طهارة البدن عن النجاسة فهي شرط في صحة الصلاة والدليل عليها قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ

وفيه خلاف نذكره حيث ذكرء الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِجَمِيعِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ إنْ صَلَّى عَالِمًا بِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا صَحَّتْ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِيَةُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلِمَ أَوْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ وَالثَّالِثَةُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا وَإِزَالَتُهَا سُنَّةٌ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جبير نحوه وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ إلَّا مَالِكًا وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد خَبَثًا بَدَل قَذَرًا وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى وَفِي رِوَايَةٍ دَمَ حَلَمَةٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (وثيابك فطهر) وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ ثِيَابَكَ الْمَلْبُوسَةَ وَأَنَّ مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا لَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِحَدِيثِ " تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ " وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ من وجهين أحدهما أن القذر هو الشئ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا الثَّانِي لَعَلَّهُ كَانَ دَمًا يَسِيرًا أَوْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ

* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ دِمَاءٌ وَغَيْرُ دِمَاءٍ فَأَمَّا غَيْرُ الدماء فينظر فيه فان كان قدرا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يشق الاحتراز منه وان كان قدرا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالطَّرَفِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَلَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَاَلَّذِي يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ وَالثَّالِثُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يُعْفَى وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرْنَا) * * * (الشَّرْحُ) * هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا ذَكَرَ وَأَصَحُّ الطُّرُقِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ سَبْعَ طُرُقٍ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْأَصَحُّ يُعْفَى فِيهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَقْتَضِي أَنَّ وَنِيمَ الذُّبَابِ لَا يُعْفَى عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ إذَا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ لِأَنَّهُ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كدم البراغيث * * قال المصنف رحمه الله * * (وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَيُنْظَرُ فِيهَا فَإِنْ كَانَ دَمَ القمل والبراغيث وما أشبهها فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ شَقَّ وَضَاقَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَشُقُّ غَسْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لانه هَذَا الْجِنْسَ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ فالحق نادره بغالبه وان كان دم غيرها مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الام يغفى عَنْ قَلِيلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَافَاهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ بَثْرَةٍ وَحِكَّةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا هَذَا الْقَدْرُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَلَا عَنْ كَثِيرِهِ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَلَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَالْبَوْلِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الْكَفِّ ولا يعفى عن الكلف والاول اصح) * * * (الشَّرْحُ) * الْبَثْرَةُ بِإِسْكَانِ الثَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ الاسكان أَشْهُرُ وَهِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ وَيُقَالُ بَثِرَ وَجْهُهُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْحِكَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ الْجَرَبُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَمَّا دَمُ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ والقردان وغيرها مِمَّا لَا نَفْسَ

لَهُ سَائِلَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أحدهما قاله الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَأَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُعْفَى عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الْقَلِيلُ هُوَ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا وَتَسَاهَلُوا فِيهِ والكثير ما غلب علي الثوب وطبقه وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ كَلَامًا طَوِيلًا اخْتَصَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَخَصَّهُ فَقَالَ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ الْقَلِيلُ قَدْرُ دِينَارٍ وَفِي قَدِيمٍ آخَرَ الْقَلِيلُ ما دون الكلف وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ طَلَبٍ وَالْقَلِيلُ دُونَهُ وَأَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَقَلِيلٌ وَمَا لَا فَكَثِيرٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ مَا يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ يَتَفَاحَشُ وَأَصَحُّهُمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ وَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي هَلْ هُوَ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ فَلَوْ شَكَّ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَرْجَحُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ لَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ وَالثَّانِي لَهُ حُكْمُ الْكَثِيرِ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الدَّمِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فَعَرِقَ وَانْتَشَرَ التَّلَطُّخُ بِسَبَبِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْكَثِيرِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ يُعْفَى عنه وقال

القاضي حسين لا يعفى. وَلَوْ أَخَذَ قَمْلَةً أَوْ بُرْغُوثًا وَقَتَلَهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَتَلَوَّثَتْ بِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَثُرَ ذَلِكَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُعْفَى عَنْهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ فِي ثَوْبٍ فِي كُمِّهِ وَصَلَّى بِهِ أَوْ بَسَطَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ أَمَّا دم ماله نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ أَصَحُّهَا بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ إنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَافَاهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ يَعْنِي يَعُدُّونَهُ عَفْوًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَعُدُّونَهُ عَفْوًا قَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفُوا إزَالَتَهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّحَفُّظِ مِنْهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِلُمْعَةٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي دَمِ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ آخَرَ وَأَمَّا دَمُ نَفْسِهِ فَضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَثْرَةٍ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ فَلَهُ حُكْمُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ بِالِاتِّفَاقِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا وَفِي كَثِيرِهِ الْوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْعَفْوُ فَلَوْ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ قَلِيلٌ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ السابقين في دوم الْقَمْلَةِ وَنَحْوِهَا إذَا عَصَرَهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا مِنْ الْبَثَرَاتِ بَلْ مِنْ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَدَمٍ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَثَرَاتِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَفِي كَثِيرِهِ الْوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَدُومُ غَالِبًا فَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَأَمَّا مَاءُ الْقُرُوحِ فَسَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ وَحَيْثُ نَجَّسْنَاهُ فَهُوَ كَالْبَثَرَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَيْحُ الْأَجْنَبِيِّ وَصَدِيدُهُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ كَدَمِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْكَلَامَ فِي الدِّمَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْخِلَافَ فِي الْعَفْوِ بِغَيْرِ دم

الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَشَارَ الي انه لا يعفى عن شئ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحُكْمُ وَنِيمِ الذُّبَابِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ حُكْمُ الدَّمِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَ في صلاة فأصابه شئ جَرَحَهُ وَخَرَجَ الدَّمُ يَدْفُقُ وَلَمْ يُلَوِّثْ الْبَشَرَةَ أَوْ كَانَ التَّلْوِيثُ قَلِيلًا بِأَنْ خَرَجَ كَخُرُوجِ الْفَصْدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه في الرجلين الدين حَرَسَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُرِحَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ يُصَلِّي فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ وَدِمَاؤُهُ تَسِيلُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْبَشَرَةِ لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الدَّمِ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ وَلِهَذَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ مِنْ أَبِرِيقٍ عَلَى نَجَاسَةٍ وَاتَّصَلَ طَرَفُ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الدِّمَاءِ: ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ وَلَا يُعْفَى عَنْ نِصْفِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ يُعْفَى عَمَّا دُونَ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مِنْ الدَّمِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ قدر درهم بعلي عُفِيَ عَنْهَا وَيُعْفَى عَنْ أَكْثَرَ وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ يُعْفَى عَنْ قَدْرٍ دُونَ دِرْهَمٍ لَا عن درهم * قال المصنف رحمه الله * * (إذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ صَلَّى وَأَعَادَ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَإِنْ كَانَ عَلَى قَرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ صَلَّى وَأَعَادَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ يُعْذَرُ فِي تَرْكِهَا فَسَقَطَ مَعَهَا الْفَرْضُ كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ صَلَّى بِنَجَسٍ نَادِرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ صَلَّى بنجاسة نسيها) * * * (الشَّرْحُ) * الْقَرْحُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ صَلَّى بِنَجَسٍ نَادِرٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُتَّصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ. أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَعَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ فاتوا منه ما استطتم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَوْلٌ غَرِيبٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ. أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى قَرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ وَهُوَ كَثِيرٌ بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: الْجَدِيدُ الْأَصَحُّ وُجُوبُهَا وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخَوْفِ مَا سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا هَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ عِنْدَهُمْ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا فَلَمْ يَعْلَمْهَا قَطُّ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي النَّاسِي خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْجَاهِلِ وَسَنُوضِحُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (وَإِنْ جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ مِنْ قَلْعِهِ لَزِمَهُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْصَلَهَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا يُخَافُ التَّلَفُ مِنْ إزَالَتِهَا فَأَشْبَهَ إذَا وَصَلَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَلْعِهِ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ فإذا امتنع لزم السلطان أن يفعله كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ مِنْ قَلْعِهِ لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِدْوَانِهِ فَانْتُزِعَ مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالًا وَلَمْ يُمْكِنْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ إلَّا بِضَرْبٍ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ يَسْقُطُ حُكْمُهَا عِنْدَ

خَوْفِ التَّلَفِ وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ خَوْفِ التَّلَفِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ مَاتَ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقْلَعُ حَتَّى لَا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ لِأَنَّ قَلْعَهُ عِبَادَةٌ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعِبَادَةُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ وَإِنْ فَتَحَ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ وَطَرَحَ فِيهِ دَمًا وَالْتَحَمَ وَجَبَ فَتْحُهُ وَإِخْرَاجُهُ كَالْعَظْمِ وَإِنْ شَرِبَ خَمْرًا فَالْمَنْصُوصُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَايَأَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَظْمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يلزمه لان النجاسة حصلت في معدنها فَصَارَ كَالطَّعَامِ الَّذِي أَكَلَهُ وَحَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْبُرَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْبُرَهُ بِنَجِسٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى طَاهِرٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ جَبَرَهُ بِنَجِسٍ نُظِرَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْجَبْرِ وَلَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أو وجد طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ أَثِمَ وَوَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسِهِ وَلَا تَلَفَ عُضْوٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ وَلَا يُعْذَرُ بِالْأَلَمِ الَّذِي يَجِدُهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَسَوَاءٌ اكْتَسَى الْعَظْمُ لَحْمًا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ حَصَلَتْ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا اكْتَسَى اللَّحْمُ لَا يُنْزَعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَمَال إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِنْ خَافَ مِنْ النَّزْعِ هَلَاكَ النَّفْسِ أو عضوا أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ وَخَافَ كَثْرَةَ الْأَلَمِ وَتَأَخُّرَ الْبُرْءِ وَقُلْنَا لَوْ خَافَ التَّلَفَ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ فَهَلْ يَجِبُ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا النَّزْعَ فَتَرَكَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مُتَعَمِّدًا وَمَتَى وَجَبَ النَّزْعُ فَمَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَنْزِعْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَهُمَا جَارِيَانِ سَوَاءٌ اسْتَتَرَ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَنْزِعْ وَجْهًا وَاحِدًا فَإِذَا قُلْنَا يَنْزِعُ فَهَلْ النَّزْعُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي *

(فَرْعٌ) مُدَاوَاةُ الْجُرْحِ بِدَوَاءٍ نَجِسٍ وَخَيَّاطَتُهُ بِخَيْطٍ نَجِسٍ كَالْوَصْلِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَيَجِبُ النَّزْعُ حَيْثُ يَجِبُ نَزْعُ الْعَظْمِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَكَذَا لَوْ فَتَحَ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ وَطَرَحَ فِيهِ دَمًا أَوْ نَجَاسَةً أُخْرَى أَوْ وَشَمَ يَدَهُ أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَنْجُسُ عِنْدَ الْغَرْزِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَظْمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قال الرافعى وفى تعليق الفرا أَنَّهُ يُزَالُ الْوَشْمُ بِالْعِلَاجِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْجُرْحِ لَا يُجْرَحُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بعد التوبة * (فرع) إذا شرب حمرا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَوْ أُسِرَ رَجُلٌ فَحُمِلَ عَلَى شُرْبِ مُحَرَّمٍ أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ وَخَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَهَذَانِ النَّصَّانِ ظَاهِرَانِ أَوْ صَرِيحَانِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِقَاءَةِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) لَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ فَرَدَّهَا مَوْضِعَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِمْ أَنَّ عُضْوَ الْآدَمِيِّ الْمُنْفَصِلَ فِي حَيَاتِهِ نَجِسٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ طَهَارَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَلَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ فَلَهُ أَنْ يَرْبِطَهَا بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَهِيَ طهارة بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا تَصِلُ المرأة بشعرها شعر انسان ولا شعر مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِحَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ آدَمِيٍّ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَسَوَاءٌ شَعْرُ الْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِمَا بِلَا خِلَافٍ لِعُمُومِ

الاحاديث الصحيحة في لعن الواصلة المستوصلة وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ بَلْ يُدْفَنُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ وَسَائِرُ أَجْزَائِهِ وَإِنْ وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أيضا بلا خلاف للحديث ولانه حَمَلَ نَجَاسَةً فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَمْدًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَمَّا الشَّعْرُ الطَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَرَجَّحَهُ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَيُبْطِلُهُ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنْ وصلت باذنه جاز والاحرم وَالثَّانِي يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ كُرِهَ فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّحِيحُ مَا صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا أَقْوَى لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ حَرَامٌ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وباذنه وجهان اصحهما التحريم وقال الرابعي تَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ أَوْ فَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَجَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَجْهَانِ كَالْوَصْلِ قَالَ وَأَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ فَأَلْحَقُوهُ بِالتَّحْمِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ تَجْعِيدُ الشَّعْرِ وَلَا بَأْسَ بِتَصْفِيفِ الطُّرَرِ وَتَسْوِيَةِ الْأَصْدَاغِ وَأَمَّا الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ فَمُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا تَعْمِيمًا لَا تَطْرِيفًا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ اسْتِحْبَابَ الْخِضَابِ لِلْمَرْأَةِ وَمُرَادُهُمْ الْمُزَوَّجَةُ * وَأَمَّا الرَّجُلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِضَابُ إلَّا لِحَاجَةٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي نَهْي الرِّجَالِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ وَأَمَّا الْوَشْمُ وَالْوَشْرُ وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأَسْنَانِ فحرام عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ الْخَلُوقُ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ السِّوَاكِ وَمِمَّا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْوَشْمِ وَالْوَصْلِ وَالْوَشْرِ وَغَيْرِهَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ فَقَالَ " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ قَوْلُهَا تَمَرَّقَ هو بالراء المهملة يعنى انتثر وَسَقَطَ: وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ ويقول انما هلكت بنوا إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمنتمصات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ امرأة في ذلك فقال ومالى لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْمُتَفَلِّجَةُ الَّتِي تَبْرُدُ مِنْ أَسْنَانِهَا لِيَتَبَاعَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَتُحَسِّنُهَا وَهُوَ الْوَشْرُ وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبِ وترققه ليصير حسنا والمنتمصة الَّتِي تَأْمُرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْوَصْلِ فِي الْجُمْلَةِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهَا بَلْ الصَّحِيحُ عَنْهَا كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَالْوَصْلُ بِالصُّوفِ وَالْخِرَقِ كَالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِغَيْرِ الشَّعْرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهذا عام في كل شئ فَأَمَّا رَبْطُ الشَّعْرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَقْصُودِ الْوَصْلِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ وَصْلَ الشَّعْرِ مِنْ الْمَعَاصِي الكبائر للعن فاعله * * قال المصنف رحمه الله *

* (وَأَمَّا طَهَارَةُ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالي " وثيابك فطهر " فَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ صَلَّى عريانا ولا يصلي في الثوب قال في الْبُوَيْطِيُّ وَقَدْ قِيلَ يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيدُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْعُرْيِ يَسْقُطُ بِهَا الفرض ومع النجاسة لا يسقط فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ صَلَاةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ إلَى صَلَاةٍ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ) * * * (الشَّرْحُ) * طَهَارَةُ الثَّوْبِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَسْلِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَالثَّانِي يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْنَا يُصَلِّي عُرْيَانًا فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ قُلْنَا يُصَلِّي فِيهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْضِعًا نَجِسًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ أَنْ يَنْزِعَهُ فَيَبْسُطَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ وَالثَّانِي يُصَلِّي فِيهِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُعِيدُ وَوَجْهُهُمَا مَا سَبَقَ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يَسْقُطُ الْفَرْضُ به وانما يحرم في غير محل الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي يُصَلِّي عَارِيًّا لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِسُتْرَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا إعَادَةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَلْزَمُهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجَسِ وَالْحَرِيرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِلسَّتْرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا *

(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ طَرَفُهُ نَجِسٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ بِهِ وَأَمْكَنَهُ قَطْعُ موضع النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ السُّتْرَةِ لَزِمَهُ قَطْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فلا يلزمه ذكره الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وقال مالك والمزني يصلي فيه وَلَا يُعِيدُ وَقَالَ أَحْمَدُ يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ صَلَّى فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عُرْيَانًا وَلَا إعَادَةَ فِي الْحَالَيْنِ * * قال المصنف رحمه الله * * (فان اضطر الي لبس الثوب لحر أو برد صلى فيه وأعاد إذا قدر لانه صلي بنجس نادر غير متصل فلا يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نسيها) * * * (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ نَادِرٍ احْتِرَازًا مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ ونحوه قوله غير متصل احتراز من دم الاستحضاضة وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِمَا وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا صَلَّى فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِمَا ذَكَرَهُ * قال المصنف رحمه الله * * (وان قدر علي غسله وخفى عليه موضع النجاسة لزمه أن يغسل الثوب كله ولا يتحرى فيه لان التحرى انما يكون في عينين فان شقه نصفين لم يتحر فيه لانه يجوز أن يكون الشق في موضع النجاسة فتكون القطعتان نجستين) * * * (الشَّرْحُ) * هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ حَكَى فِيمَا إذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ بَعْضَهُ كَفَاهُ وَيُصَلِّي فِيهِ لِأَنَّهُ يَشُكُّ بَعْدَ ذَلِكَ في نجاسته والاصل طهارته وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ فِي هَذَا الثَّوْبِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِهِ هُوَ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مُقَدَّمِهِ وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مُؤَخَّرِهِ وَجَبَ غَسْلُ مُقَدَّمِهِ فَقَطْ فَلَوْ أَصَابَتْ يَدُهُ الْمُبْتَلَّةُ بَعْضَ هَذَا الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْيَدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أَصَابَتْهُ طَاهِرٌ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وغيره * قال المصنف رحمه الله ** (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَاشْتَبَهَا تَحَرَّى وَصَلَّى فِي الطَّاهِرِ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ فَجَازَ التَّحَرِّي فِيهِ كَالْقِبْلَةِ فَإِنْ اجتهد فلم يؤد

الِاجْتِهَادُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا صَلَّى عُرْيَانًا وَأَعَادَ لِأَنَّهُ صَلَّى وَمَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا وَنَجَاسَةِ الْآخَرِ فَغَسَلَ النَّجِسَ عِنْدَهُ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا وَصَلَّى فيهما ففيه وجهان قال أبو إسحق تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَقَدْ تَيَقَّنَ حُصُولَ النَّجَاسَةِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي غَسَلَهُ هُوَ الطَّاهِرُ فلم تصح صلاته كالثوب الواحد إذا أصابته نجاسة وخفى مَوْضِعُهَا فَتَحَرَّى وَغَسَلَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِالتَّحَرِّي وَصَلَّى فِيهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ وَثَوْبٍ طَاهِرٍ فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى في ثوب اشتراه لا يعلم حاله وَثَوْبٍ غَسَلَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي أَحَدِ الكمين واشتبه فوجهان قال أبو إسحق لَا يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ مُتَمَيِّزَتَانِ هُمَا كَالثَّوْبَيْنِ فَإِنْ فَصَلَ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ جَازَ التَّحَرِّي فِيهِ بلا خلاف) * * * (الشَّرْحُ) * فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اشْتَبَهَ ثَوْبٌ طاهر بثوب نَجِسٌ لَزِمَهُ التَّحَرِّي فِيهِمَا وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَبَقَ بَيَانُهُ بِأَدِلَّتِهِ فِي بَابِ التَّحَرِّي فِي الْمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ الطَّاهِرِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى لَوْ اشْتَبَهَ عَشْرَةُ ثِيَابٍ أَحَدُهَا طَاهِرٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ اجْتَهَدَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَاشْتَبَهَا وَمَعَهُ ثَالِثٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ أَوْ مَعَهُ مَا يُمْكِنُ بِهِ غَسْلُ ثَوْبٍ هَلْ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي مِثْلِهِ فِي الْأَوَانِي أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَالِثٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي إتْلَافِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ فِيهِ احْتِرَازَاتٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ شَرْطٌ هُوَ الصَّوَابُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُنَاكَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا هُنَاكَ وَقَاسَ عَلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهَا مَعَ أَنَّ جِهَاتِ الْخَطَأِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ جِهَةِ الصَّوَابِ (الثَّانِيَةُ) إذَا اجْتَهَدَ فَتَحَيَّرَ ولم يظهر له بالاجتهاد شئ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى عُرْيَانًا وَمَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَعُذْرُهُ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى فِيهِ وَأَعَادَ لِئَلَّا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَيَانِ أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً وَلَا إعَادَةَ حينئذ وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ بِيَقِينٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَيُعِيدُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ

مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ أَحَدِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ لِأَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يُرِيدُ غَسْلَهُ لَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَتَهُ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ غسل مالا يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ وَهَذَا خَيَالٌ عَجِيبٌ وَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُ مِثْلَهُ لِأُبَيِّنَ بُطْلَانَهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي جَوَابِ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ النَّجِسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ إلَّا بِغَسْلِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا: (الثَّالِثَةُ) إذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا فَغَسَلَ الْآخَرَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا وَجْهًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ وَهَذَا لَيْسَ بشئ فَلَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا وَصَلَّى فَفِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي أَحَدِ كُمَّيْنِ وَاشْتَبَهَ فَفِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ فَلَوْ فَصَلَ أَحَدَهُمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ مُتَمَيِّزَتَانِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ نُجِّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ أَحَدُ أَصَابِعِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَغَسَلَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ غسل أحد كميه بالاجتهاد ثم فصله عَنْ الثَّوْبِ فَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِيمَا لَمْ يَغْسِلْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِأَنَّ النَّجِسَ هُوَ هَذَا الْكُمُّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ

وَيَغْسِلُهُ وَحْدَهُ وَيُصَلِّي فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهِمَا إنْ جَوَّزْنَاهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ الْمُشْتَبَهِينَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَفِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي الْإِنَاءَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الْمُشْتَبَهِينَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَلَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهَلْ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْآخَرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ لِأَنَّ الْمَغْسُولَ أُسْقِطَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَصَارَ كَالتَّالِفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَبَهَ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِثَوْبٍ نَجِسٍ فَلَمْ يَجْتَهِدْ بَلْ صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً تِلْكَ الصلاد قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ كَمَا لَوْ تَرَكَ الِاجْتِهَادَ فِي الْقِبْلَةِ وَصَلَّى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا دَلِيلُنَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْقِبْلَةَ وَيُخَالِفُ مَسْأَلَةَ النَّاسِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاشْتِبَاهَ هُنَاكَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ اليقين بأن يصليهما والفرص هُنَا مُتَعَيَّنٌ وَالِاشْتِبَاهُ فِي شَرْطٍ فَأَشْبَهَ الْقِبْلَةَ الثَّانِي أَنَّ هُنَاكَ لَا يُؤَدِّي إلَى ارْتِكَابِ حَرَامٍ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً لَيْسَتْ عَلَيْهِ فَتَقَعُ نَافِلَةً وَهُنَا

يُؤَدِّي إلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النَّجَاسَةِ حَرَامٌ * (فَرْعٌ) لَوْ ظَنَّ بِالِاجْتِهَادِ طَهَارَةَ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ أَثْوَابٍ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى هَلْ يُجَدِّدُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يُجَدِّدُهُ كَمَا يُجَدِّدُهُ فِي الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يُجَدِّدُهُ قَالَ وَيُخَالِفُ الْقِبْلَةَ فَإِنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَوَاضِعِ وَيَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَقُلْنَا الِاجْتِهَادُ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ اجْتِهَادُهُ أَوْ ظَهَرَ لَهُ طَهَارَةُ الَّذِي كَانَ يَظُنُّ طهارته أو لا صَلَّى فِيهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَظَهَرَ لَهُ طَهَارَةُ الْآخَرِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَكَيْفَ يُصَلِّي الْآنَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْحَاوِي وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ الْآنَ أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ يُصَلِّي إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي لِأَنَّهُ فِي الْأَوَانِي إنْ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي وَلَمْ يَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَوَّلِ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ قَطْعًا وَإِنْ ألزمناه بغسله نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا ممتتع وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ بَلْ يُصَلِّي عُرْيَانًا وتلزمه الاعادة كمسألة الاواني وهذا ضعيف والصحيع الْأَوَّلُ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ أَوْ نَقْضِ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ: أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوَّلًا كَانَ نَجِسًا وَتَيَقَّنَ أَنَّ الثَّانِيَ طَاهِرٌ فَيُصَلِّي فِي الثَّانِي وَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ الْأُولَى طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ كَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله *

* (وان كان عليه ثوب طاهر وطرفه موضوع علي نجاسة كالعمامة علي رأسه وطرفها علي أرض نجسة لم تجز صلاته لانه حامل لما هو متصل بنجاسة) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ تحرك الطرف الذي يلاقى النجاسة بحركته في قيامه وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَمْ لَمْ يَتَحَرَّكْ هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى طَرَفِ عِمَامَتِهِ إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّجَاسَةِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَوْبُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مُلَاقِيًا لِنَجَاسَةٍ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ مُلَاقِيَةٌ وَأَمَّا السُّجُودُ فَالْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى قَرَارٍ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ الْعِمَامَةُ عن كونها قرارا بالحركة بحركة فَإِذَا لَمْ تَتَحَرَّكْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْقَرَارِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ان تحركت بحركته لم تصح والا فتصح * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ إلَى كَلْبٍ صَغِيرٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكَلْبِ لِأَنَّهُ إذَا مَشَى انْجَرَّ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا إلَى كَلْبٍ كَبِيرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ وطرفها علي نجاسة والثانى تصح لان لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا إلَى سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَالشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ السَّفِينَةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَالْحَبْلُ مَشْدُودٌ إلَى بَابِ دَارٍ فيها حش) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْمَسَائِلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرَ وَدَلَائِلُهَا وَاضِحَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ شَدَّهُ إلَى كَلْبٍ صَغِيرٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى كَلْبٍ كَبِيرٍ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى كَبِيرَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى بَابِ دَارٍ فِيهَا حَشٌّ وَهُوَ الْخَلَاءُ صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَدَّهُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِنْ السَّفِينَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً هَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا طَرِيقَةُ

الْخُرَاسَانِيِّينَ فَمُضْطَرِبَةٌ وَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ طَرَفَ حَبْلٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ شَدَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ وَسَطِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ نَجِسٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الطَّرَفُ نَجِسًا أَوْ مُتَّصِلًا بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ بِأَنْ كَانَ فِي عُنُقِ كَلْبٍ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِطَاهِرٍ وَذَلِكَ الطَّاهِرُ مُتَّصِلًا بِنَجَاسَةٍ بِأَنْ شَدَّ فِي سَاجُورٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَهُمَا فِي عُنُقِ كَلْبٍ أَوْ شَدَّهُ فِي عُنُقِ حِمَارٍ عَلَيْهِ حِمْلٌ نَجِسٌ لَمْ تَبْطُلْ وَالْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ الطَّرَفُ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ إمَامُ الحرمين والغزالي ومن تابعهما بالبطلان إذا تحركم وَخَصُّوا الْخِلَافَ بِغَيْرِ الْمُتَحَرِّكِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الشَّدِّ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِصُورَةِ الْقَبْضِ بِالْيَدِ وَاتَّفَقَتْ طُرُقُ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ طَرَفَ الْحَبْلِ تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ دَارٌ فِيهَا حَشٌّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَشْهُرُ وَهُوَ الْخَلَاءُ وَأَصْلُهُ الْبُسْتَانُ وَكَانُوا يَقْضُونَ الْحَاجَةَ فِيهِ فَسُمِّيَ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَشًّا كَالْغَائِطِ وَالْعُذْرَةِ فَإِنَّ الْغَائِطَ فِي الاصل المكان المطمئن والعذرة فناء الدار *

* قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ فِي صَلَاتِهِ وَلِأَنَّ مَا فِي الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي وَإِنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَقَدْ سَدَّ رَأْسَهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حَمَلَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا فَأَشْبَهَ إذَا حَمَلَ النَّجَاسَةَ فِي كمه) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أُمَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهِيَ أُمَامَةُ بِنْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ مِهْشَمٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ لَقِيطٌ وَقِيلَ يَاسِرٌ وَقِيلَ الْقَاسِمُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيَّةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهَا تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ أَوْصَتْهُ بِذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا لَا نَجَاسَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ حَمَلَ حَيَوَانًا مَذْبُوحًا بَعْدَ غَسْلِ مَوْضِعِ الدَّمِ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ فِي بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِصْحَابِهَا بِخِلَافِ الْحَيِّ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَنْفَذُ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ كَطَائِرٍ وَنَحْوِهِ فَحَمَلَهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الصِّحَّةُ وَيُعْفَى عَنْهُ كَالْبَاقِي عَلَى مَحَلِّ نَجْوِ الْمُصَلِّي وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى احْتِمَالِهَا وَلَوْ وَقَعَ هَذَا الْحَيَوَانُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَلَوْ حَمَلَ بيضة صار باطنها دما وظاهرها ظاهرا أَوْ حَمَلَ عُنْقُودًا صَارَ بَاطِنُ حَبَّاتِهِ خَمْرًا وَلَا رَشْحَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ اسْتِتَارٍ خَلْقِيٍّ. أَمَّا إذَا حَمَلَ قَارُورَةً مُصَمَّمَةَ الرَّأْسِ بِرَصَاصٍ أَوْ نَحْوِهِ وَفِيهَا نَجَاسَةٌ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَالْقَائِلُ بِالصِّحَّةِ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا مَسْدُودًا بِخِرْقَةٍ لَمْ تَصِحَّ

صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِشَمْعٍ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا كَالْخِرْقَةِ وَالثَّانِي كَالرَّصَاصِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْدُودَةَ بِخِرْقَةٍ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُ عَلَى الْمُصَمَّمَةِ بِرَصَاصٍ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الرَّصَاصِ لبوافق الْأَصْحَابَ * (فَرْعٌ) لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمِرًا بِالْأَحْجَارِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَحَدِيثُ أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ نَجَيَتْ بِالْمَاءِ وَلَوْ حَمَلَ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَنْ اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ وَعَرِقَ مَوْضِعُ النَّجْوِ فَتَلَوَّثَ به غيره ففى صحة صلاته وجهان لكن الْأَصَحَّ هُنَا الصِّحَّةُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ بِخِلَافِ حمل غَيْرِهِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (طهارة الموضع الذى يصلي فيه شرط في صحة الصلاة لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَبْعَةُ مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الابل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق " * فذكر المجزرة والمزبلة وانما منع الصلاة فيها للنجاسة فدل على أن طهارة الموضع الذي يصلى فيه شرط) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ وكذا ضعفه غيره والمجزرة بفتح الميم ولزاى مَوْضِعُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَالْمَزْبَلَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ وَاحِدُهَا مَعْطِنٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَيُقَالُ فِيهَا عَطَنٌ وَجَمْعُهُ أَعْطَانٍ وَسَنُوضِحُ تَفْسِيرَهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ هُوَ الْكَعْبَةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا سُمِّيَ عَتِيقًا لِعِتْقِهِ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يسلطوا اعلي انْتِهَاكِهِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْهُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَقِيلَ عَتِيقٌ أَيْ مُتَقَدِّمٌ وَقِيلَ كَرِيمٌ من قولهم فرس عتيق: واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَطَهَارَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُلَاقِيهِ فِي قيامه وقعوده

وَسُجُودِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ سَوَاءٌ مَا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ مِنْ سَقْفٍ وَمَا بِجَنْبَيْهِ من حائط وغيره فلو ماس في شئ مِنْ صَلَاتِهِ سَقْفًا نَجِسًا أَوْ حَائِطًا أَوْ غَيْرِهِ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (فَإِنْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ معفو عنها فان صَلَّى عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا حَامِلٍ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طاهرة وفى موضع منها نجاسة) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا كَانَ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ الْحَصِيرِ وَنَحْوِهِمَا نَجَاسَةٌ فَصَلَّى عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ تَحَرَّكَ الْبِسَاطُ بِتَحَرُّكِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ لِلنَّجَاسَةِ وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا تَحَرَّكَ الْبِسَاطُ أَوْ السَّرِيرُ بِحَرَكَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا عِنْدَهُ طَرَفُ الْعِمَامَةِ الَّذِي يُلَاقِي النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَ مَا يُلَاقِي بَدَنَهُ وَثِيَابَهُ طَاهِرًا وَمَا يُحَاذِي صَدْرَهُ أَوْ بَطْنَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ فِي سُجُودِهِ أَوْ غَيْرِهِ نَجِسًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَلَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ حَصَلَتْ مُمَاسَّةُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْفَرْجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم تحصل حصلت المحاذاة فعلي الوجهين الاصح لا تبطل * قال المصنف رحمه الله *

* (فَإِنْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَإِنْ عرف موضعها تجنيها وَصَلَّى فِي غَيْرِهَا وَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهَا شَيْئًا وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا حَامِلٍ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي أرض واسعة فصلي في موضع منها جاز لان الْأَصْلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي بَيْتٍ وَخَفِيَ مَوْضِعُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ فيه حي يَغْسِلَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُصَلِّي فِيهِ حيث شاء كالصحراء وليس بشئ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُ جَمِيعِهَا وَالْبَيْتُ يُمْكِنُ حِفْظُهُ من النجاسة وغسله) * * * (الشَّرْحُ) * فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ نَجَاسَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ تَنَحَّى عَنْهَا وَصَلَّى فِي مَوْضِعٍ لَا يُلَاقِي النَّجَاسَةَ فَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهَا شَيْئًا بِحَيْثُ لا يلاقيه منها شئ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مُهَلْهَلَ النَّسْجِ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ قَرِيبًا (الثَّانِيَةُ) إذَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْضٍ إنْ كَانَتْ وَاسِعَةً صَلَّى فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَسَاجِدِ الْبَلَدِ يُبَالُ فِيهِ وَجَهِلَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيُّهَا شَاءَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَتَحَرَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ فِي بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَا هُجُومًا وَلَا بِاجْتِهَادٍ حَتَّى يَغْسِلَهُ أَوْ يبسط عليه شيئا والثاني له انه يُصَلِّيَ فِيهِ حَيْثُ شَاءَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وهذا الثاني ليس بشئ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَشَيْخَهُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ وَابْنَ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الثَّانِي يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى هَذَا الثَّانِي يَجْتَهِدُ فِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي احد بيتين تجرى كَالثَّوْبَيْنِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى مَوْضِعٍ ثَالِثٍ أَوْ شئ يَبْسُطُهُ أَوْ مَاءٍ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا فَفِي جواز

الِاجْتِهَادِ الْوَجْهَانِ فِي الْأَوَانِي وَالثَّوْبِ الثَّالِثُ أَصَحُّهُمَا الجواز وممن ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ صَاحِبُ الْبَيَانِ * (فَرْعٌ) إذَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْضٍ كَبِيرَةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ وَجَوَّزْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَوَاتٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ وله أن يصلى في مواضع حَتَّى يَبْقَى مَوْضِعٌ بِقَدْرِ النَّجَاسَةِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ كَثِيرٍ يَأْكُلهُ إلَّا تَمْرَةً هَكَذَا ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ سَبَقَ فِي الْأَوَانِي أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءٌ بِأَوَانٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْقَى وَاحِدٌ فِي وَجْهٍ وَفِي وَجْهٍ حَتَّى يَبْقَى عَدَدٌ لَوْ كَانَ الِاشْتِبَاهُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ الهجوم فيحتمل أن يجئ الوجهان ويمكن الفرق * قال المصنف رحمه الله ** (وان حبس في حش ولم يقدر أن يتجنب النجاسة في قعوده وسجوده تجافى عن النجاسة وتجنبها في قعوده وأومأ إلى السجود إلى الحد الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَلَا يسجد على الارض لان الصلاة قد تجزى مع الايماء ولا تجزى مع النجاسة وإذا قدر فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لانه صلي علي حسب حاله فهو كالمريض وقال في الاملاء يعيد لانه ترك الفرض لعذر نادر غير متصل فلم يسقط الفرض عنه كما لو ترك السجود ناسيا وإذا أعاد ففى الفرض أقوال قال في الام الفرض هو الثاني لان الفرض به يسقط وقال في القديم الفرض هو الاول لان الاعادة مستحبة غير واجبة في القديم وقال في الاملاء الجميع فرض لان الجميع يجب فعله فكان الجميع فرضا وخرج أبو إسحق قولا رابعا ان الله تعالي يحتسب له بأيهما شاء قياسا علي ما قال في القديم فيمن صلى الظهر ثم سعى الي الجمعة فصلاها ان الله تعالى يحتسب له بما شاء) * * * (الشَّرْحُ) * قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَشَّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا هُوَ الْخَلَاءُ فَإِذَا حُبِسَ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ

فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ بَعْضِ الْأَرْكَانِ وَإِذَا صَلَّى يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَافَى عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَغَيْرِهِمَا الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ وَيَجِبُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يصع جبهته على الارض وليس بشئ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِذَا صَلَّى كَمَا أَمَرْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحِّ وَمُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْقَدِيمِ فَإِذَا أَعَادَ فَهَلْ الْفَرْضُ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ أَمْ كِلَاهُمَا أو احداهما مُبْهَمَةٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أصحهما عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّانِيَةُ وَادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْفَرْضَ كِلَاهُمَا وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَنَظَائِرِهَا فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَذَكَرْنَا فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ فَرْعًا جَامِعًا لِلصَّلَوَاتِ الْمَفْعُولَاتِ عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ وَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجِبُ وَاسْتَوْفَيْنَاهُ اسْتِيفَاءً بَلِيغًا ولله الحمد وقوله لان الصلاة قد تجزى مع الايماء انما قال قد تجزى لانها في بعض المواضع تجزى كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَصَلَاةِ الْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِهَا لَا تُجْزِي كَصَلَاةِ مَنْ رُبِطَ عَلَى خَشَبَةٍ ونحوه وقد سبن بيانه في باب التيمم * قال المصنف رحمه الله * * (إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا نُظِرَتْ فَإِنْ جَوَّزَ أَنْ تَكُونَ حَدَثَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي تَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه سلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال مالكم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعلنا فقال أتانى جبريل فأخبرني ان فيها قَذَرًا أَوْ قَالَ دَمَ حَلَمَةٍ " فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لَاسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا تَسْقُطُ بالجهل كالوضوء) * *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا لَفْظُهُ هُنَاكَ وَالْحَلَمَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ الْقُرَادُ الْعَظِيمُ وَالْجَمَاعَةُ حَلَمٌ كَقَصَبَةِ وَقَصَبٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ان الصلاة في النعل الطهارة جَائِزَةٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ وَأَنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَدَى بِهَا كَأَقْوَالِهِ وَأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا يجوز سواء كان لمصلحتها أو لغيرها ولولا ذَلِكَ لَسَأَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نَزْعِهِمْ وَلَمْ يُؤَخِّرْ سُؤَالَهُمْ: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ دُونَ قُلَّتَيْنِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ ثُمَّ يَجِدُ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْوُضُوءِ وَيُحْتَمَلُ حُدُوثُهَا بَعْدَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْجَدِيدِ أجاب عن الحديث بأن المراد بالقذر الشئ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَبِدَمِ الْحَلَمَةِ إنْ ثَبَتَ الشئ الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا خَلَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَزُّهًا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَهَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا احْتِيَاطًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَفْرِيطِهِ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ كَالْجَاهِلِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ وَجَبَ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ وُجُودُ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَلَا يَجِبُ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَلَوْ رَأَى النَّجَاسَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا رَآهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَزَالَهَا وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَمْ يَعْلَمْ مَتَى أَصَابَتْهُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ ما يشك كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا وَهَذَا كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ رَأَى الْمَنِيَّ في ثوبه *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا: ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٍ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ واسحق وأبو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ وهو المختار * قال المصنف رحمه الله * * (وَلَا يُصَلِّي فِي مَقْبَرَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ " فَإِنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ فِيهَا النَّبْشُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَطَ بِالْأَرْضِ صَدِيدُ الْمَوْتَى وَإِنْ كَانَتْ جَدِيدَةً لَمْ تُنْبَشْ كُرِهَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الَّذِي بَاشَرَ بِالصَّلَاةِ طَاهِرٌ وَإِنْ شَكَّ هَلْ نُبِشَتْ أَمْ لَا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ يَشُكُّ فِي إسْقَاطِهِ وَالْفَرْضُ لَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَالثَّانِي تَصِحُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْأَرْضِ فَلَا يحكم بنجاستها بالشك) * ** (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ بِهِ أَيْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ: يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ عن ابى هريرة ايضا وعن جندب ابن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ يَقُولُ " إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبول وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا "

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَقْبَرَةَ مَنْبُوشَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يبسط تحته شئ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ نَبْشِهَا صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِنْ شَكَّ فِي نَبْشِهَا فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ قَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ فِي الْحَاوِي الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِالْبُطْلَانِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالصَّوَابُ طَرِيقَةُ مَنْ قَالَ قَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ في الام تصح وقال في الاملاء لا يصح وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْقَبْرِ هَكَذَا قَالُوا يُكْرَهُ وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَبْعُدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ فَحَرَامٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِيهَا وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ اقسام قال ابن المندر رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ ولم يكرها أبو هريرة وواتلة بْنُ الْأَسْقَعِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ أَشْهُرُهُمَا لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهَا وَقَالَ أَحْمَدُ الصَّلَاةُ فِيهَا حَرَامٌ وَفِي صِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَتُهَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَبْشُهَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَزْبَلَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فَوْقَ حَائِلٍ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَقْبَرَةِ * (فَرْعٌ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَقَلَ التَّرْخِيصَ فِيهَا عَنْ أَبِي مُوسَى وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بن

عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * (فَرْعٌ) فِي نَبْشِ قُبُورِ الْكُفَّارِ لِطَلَبِ الْمَالِ الْمَدْفُونِ مَعَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ أَصْحَابُهُ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ كَرَاهَتِهِ فَقِيلَ مَخَافَةُ نُزُولِ عَذَابٍ عَلَيْهِمْ وَسُخْطٍ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ الْعَذَابِ وَالسُّخْطِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ دُخُولِ دِيَارِ الْمُعَذَّبِينَ وَهُمْ ثَمُودُ أَصْحَابُ الْحِجْرِ " خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ الدَّاخِلَ مَا أَصَابَهُمْ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَمَنْ دَخَلَهَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا فَهُوَ ضِدُّ ذَلِكَ وَقِيلَ مَخَافَةَ أَنْ يُصَادِفَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ بَيْنَهُمْ قَالَ وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ نَبْشُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَبْرَ أَبِي رغال واستخراجهم منه قضيب الذهب لذى أَعْلَمهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَدْفُونٌ مَعَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ نَبْشِهِ إنْ كَانَ دَارِسًا أَوْ كَانَ جديدا وعلمنا ان فيه مالا لحربي * * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يصلي في الحمام لحديث أبى سعيد واختلف اصحابنا لاى معنى منعت الصلاة فيه فمنهم من قال انما منع لانه تغسل فيه النجاسات فعلي هذا إذا صلي في موضع تحقق طهارته صحت صلاته وأن صلي في موضع تحقق نجاسته لم تصح وان شك فعلي قولين كالمقبرة ومنهم من قال انما منع لانه مأوى الشياطين لما يكشف فيه من العورات فعلي هذا تكره الصلاة فيه وان تحقق طهارته والصلاة صحيحة لان المنع لا يعود إلى الصلاة) * ** (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ كَوْنُهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ فَتُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ وَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ فِي الْمَسْلَخِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تُكْرَهُ وَالْحَمَّامُ مُذَكَّرٌ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ يُقَالُ حَمَّامٌ مُبَارَكٌ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الماء الحار * قال المصنف رحمه الله * * (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَلَا تُكْرَهُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ " وَلِأَنَّ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لَا يُمْكِنُ الْخُشُوعُ لِمَا يُخَافُ مِنْ نُفُورِهَا وَلَا يُخَافُ نُفُورُ الْغَنَمِ) * *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُغَفَّلٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْأَعْطَانُ فَهِيَ جَمْعُ عَطَنٍ وَاتَّفَقَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَتَفْسِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْعَطَنَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقْرَبُ مَوْضِعَ شُرْبِ الْإِبِلِ تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا ذَوْدًا ذَوْدًا فَإِذَا شَرِبَتْ كُلُّهَا وَاجْتَمَعَتْ فِيهِ سِيقَتْ إلَى الْمَرَاعِي قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَطَنُ هو الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ إذَا شَرِبَتْ الشَّرْبَةَ الْأُولَى فَتُتْرَكُ فِيهِ ثُمَّ يُمْلَأُ لَهَا الْحَوْضُ ثَانِيًا فَتَعُودُ مِنْ عَطَنِهَا إلَى الْحَوْضِ لِتُعَلَّ وَتَشْرَبَ الشَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ الْعَلَلُ قَالَ وَلَا تَعْطَنُ الْإِبِلُ عَنْ الْمَاءِ إلَّا فِي حَمَارَّةِ الْقَيْظِ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ وَمَوْضِعُهَا الَّذِي تُتْرَكُ فِيهِ عَلَى الْمَاءِ يُسَمَّى عَطِنًا وَمَعْطِنًا وَقَدْ عَطِنَتْ تَعْطُنُ وَتَعْطِنُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا عُطُونًا. وَأَمَّا مُرَاحُ الْغَنَمِ بِضَمِّ

الْمِيمِ هُوَ مَأْوَاهَا لَيْلًا هَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ مَأْوَاتُهَا فَإِذَا صَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ أَوْ مُرَاحِ الْغَنَمِ وَمَاسَّ شَيْئًا مِنْ أَبْوَالِهَا أَوْ أَبِعَارِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النجسات بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَسَطَ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَلَا تُكْرَهُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَلَيْسَتْ الْكَرَاهَةُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي نَجَاسَةِ الْبَوْلِ والبعر وانما سبب كراهة اعطان لابل ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ مَا يُخَافُ مِنْ نِفَارِهَا بِخِلَافِ الْغَنَمِ فَإِنَّهَا ذَاتُ سَكِينَةٍ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا رَعَى الْغَنَمَ " وَقَالَ فِي الْإِبِلِ " إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لما فيها من النفار والشرور وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَارِدٍ شَيْطَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَنَمِ مِثْلُ عَطَنِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ عَطَنِ الْإِبِلِ وَأَمَّا مَأْوَى الْإِبِلِ لَيْلًا فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ أَخَفُّ من كراهة العطن * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اخرجوا

مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا " فَلَمْ يصل فيه) * * * (الشَّرْحُ) * الصَّلَاةُ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ مَكْرُوهَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوَاضِعِ الْخَمْرِ وَالْحَانَةِ وَمَوَاضِعِ الْمُكُوسِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَعَاصِي الْفَاحِشَةِ وَالْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالْحُشُوشِ ونحو ذلك فان صلي في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمَاسَّ نَجَاسَةً بِيَدِهِ وَلَا ثَوْبِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ " وَذَكَرَ الْحَدِيث رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ بُطُونَ الْأَوْدِيَةِ لَا تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ كَمَا لَا تُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَبَاطِلٌ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصَّلَاةَ فِي الْوَادِي الَّذِي نَامَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ لَا فِي كُلِّ وَادٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي أَيْضًا لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ بَقَاءَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي مَوْضِعٍ حَضَرَهُ فِيهِ الشيطان لهذا الحديث * * قال المصنف رحمه الله * * (وَلَا يُصَلِّي فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رضى الله عنه " سبع مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَذَكَرَ قَارِعَةَ الطَّرِيقِ " وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْمَمَرِّ وَيَنْقَطِعُ خُشُوعُهُ بِمَمَرِّ النَّاسِ فَإِنْ صَلَّى فِيهَا صَحَّتْ صلاته لان المنع لترك الخشوع أو لمنع النَّاسِ مِنْ الطَّرِيقِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصلاة) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ سبق بيانه وقارعة الطريق اعلاه قاله الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ وَالطَّرِيقُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَالصَّلَاةُ فيها مكروهة

لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ عِلَّةً ثَالِثَةً وَهِيَ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِيهَا قَالُوا وَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي الْبَرَارِيِّ وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ فَوَاتُ الْخُشُوعِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْبَرَارِي إذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَارِقُونَ وَإِذَا صَلَّى فِي شَارِعٍ أَوْ طَرِيقٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ وَلَا يَتَيَقَّنُ فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْقَوْلَانِ السابقان في أبواب المياه في تعارض الاضل وَالظَّاهِرُ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا طَاهِرًا صَحَّتْ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِمُرُورِ النَّاسِ وَفَوَاتِ الخشوع والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لِأَنَّ اللُّبْثَ فِيهَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا يَخْتَصُّ بالصلاة فلا يمنع صحتها) * *

* (الشَّرْحُ) * الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْجُبَّائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلَةٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ الْأُصُولِيُّونَ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُمْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ لَيْسَتْ اجْتِهَادِيَّةً وَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ صَحَّحَ الصَّلَاةَ أَخَذَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ وَمَنْ أَبْطَلَهَا أَخَذَهُ مِنْ التَّضَادِّ الَّذِي بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَيَدَّعِي كَوْنَ ذَلِكَ مُحَالًا بِالْعَقْلِ فَالْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ وَمَنْ صَحَّحَهَا يَقُولُ هُوَ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ مُتَقَرِّبٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَقَرِّبًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عاص به وقال القاضى أبو بكر بن الباقلانى يسقط الفرض عند هذه الصلاة لَا بِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا صَلَّى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ ثَوَابٌ أَمْ لَا فَفِي الْفَتَاوَى الَّتِي نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَمِّهِ ابى نص بْنِ الصَّبَّاغِ صَاحِبِ الشَّامِلِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْمَحْفُوظُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا بِخُرَاسَانَ اخْتَلَفُوا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَالَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الْكَامِلِ إنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ الثَّوَابُ فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى فِعْلِهِ عَاصِيًا بِمُقَامِهِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذَا صَحَّحْنَاهَا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ وَاللُّبُودِ وَالْبُسُطِ وَالطَّنَافِسِ وَجَمِيعِ الْأَمْتِعَةِ وَلَا يُكْرَهُ فِيهَا أَيْضًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ قَالَ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ وَتَجُوزُ فيه لانه ليس ثابتا مِنْ الْأَرْضِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ الْحَائِضِ وَالثَّوْبِ التي تُجَامَعُ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالُوا وَتَجُوزُ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ وَالْقَصَّابِينَ وَمُدْمِنِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِمْ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهَا لَكِنَّ غَيْرَهَا أَوْلَى وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيَانُ خِلَافٍ ضَعِيفٍ فِي هَؤُلَاءِ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ نجاسة يابسة فنفضها ولم يبق شئ منها وصلي صحت صلاته بالاجماع *

باب ستر العورة

* (باب ستر العورة) * * قال المصنف رحمه الله * * (ستر العورة واجب لقوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا) قال ابن عباس كانوا يطوفون بالبيت عراة فهى فاحشة وروى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا تبرز فخذك ولا تنظر الي فخذ حي ولا ميت " فان اضطر الي الكشف للمداواة أو لختان جاز ذلك لانه موضع ضرورة وهل يجب سترها في حال الخلوة فيه وجهان اصحهما يجب لحديث علي رضى الله عنه والثاني لا يجب لان المنع من الكشف للنظر وليس في الخلوة من ينظر فلم يجب الستر) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا التَّفْسِيرُ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما ووافقه في غَيْرُهُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ فيه نكارة ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ جَرْهَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ " غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْهَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ فِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ فَانْحَلَّ إزَارِي ومعي الحجر لم استطع أضعه حى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ارْجِعْ إلَى ثَوْبِكَ فخذه ولا تمثبوا عُرَاةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا تَرَيَنَّهَا أَحَدًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ اللَّهُ أَحَقُّ أن يستحى مِنْهُ مِنْ النَّاسِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةَ لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ القبيحة *

أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ الْعُيُونِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا سَبَقَ مَنْ الْأَدِلَّةِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُهُ فِي الْخَلْوَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ المصنف والبندنيجى فان احتاج إلى الشكف جَازَ أَنْ يَكْشِفَ قَدْرَ الْحَاجَةِ فَقَطْ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ اُضْطُرَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاجَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الضَّرُورَةِ وَلَوْ قَالَ احْتَاجَ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ أَصْوَبَ لِئَلَّا يُوهَمَ اشْتِرَاطُ الضَّرُورَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ حَالَةُ الِاغْتِسَالِ يَجُوزُ فِي الْخَلْوَةِ عَارِيًّا وَالْأَفْضَلُ التَّسَتُّرُ بِمِئْزَرٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ صفة الغسل والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة حائض إلا بخمار " فان انكشف شئ من العورة مع القدرة لم تصح صلاته) * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سُمِّيَتْ حَائِضًا لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهَا وَيَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ شُرُوحِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ وَهَذَا تَسَاهُلٌ لِأَنَّهَا قَدْ تَبْلُغُ سِنَّ الْمَحِيضِ وَلَا تَبْلُغُ الْبُلُوغَ الشَّرْعِيَّ ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَائِضِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وهو أن التى دون البلوغ لا ثصلى والا فلا يقبل صَلَاةُ الصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا بِخِمَارٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالْحُرَّةِ وَإِلَّا فَالْأَمَةُ تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ شرط لصحة الصلاة فان انكشف شئ مِنْ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أكثر المنكشف أم قَلَّ وَكَانَ أَدْنَى جُزْءٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَسَوَاءٌ الْمُصَلِّي فِي حَضْرَةِ النَّاسِ وَالْمُصَلِّي فِي الْخَلْوَةِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَلَوْ صَلَّى فِي سُتْرَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خَرْقٌ تَبِينُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ وَجَبَتْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَإِنْ احْتَمَلَ حُدُوثَ الْخَرْقِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي آخِرِ بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَهَرَ رُبُعُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ قَدْرُ دِرْهَمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ظَهَرَ نِصْفُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ صَلَّى مَكْشُوفَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ سَهَا وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ السُّتْرَةُ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَسِيَ السَّتْرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ظَهَرَ شئ يَسِيرٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ الْعَوْرَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُغَلَّظَةُ: دليلنا أنه ثبت وجوب التسر بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ثَبَتَ السَّتْرُ اقْتَضَى جَمِيعَ الْعَوْرَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ * * قال المصنف رحمه الله * * (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ والركبة ليسا مِنْ الْعَوْرَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ " وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ " وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ عَوْرَةً لَمَا حَرَّمَ سَتْرَهُمَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبراز الكلف لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَأَمَّا الامة ففيها وجهان أحدهما أن جيمع بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا مَوَاضِعَ التَّقْلِيبِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَمَا سِوَاهُ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ عَوْرَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ " أَلَا لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَنْظُرَ إلَى مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ أَوْ دُونَ السُّرَّةِ لَا يَفْعَلُ

ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا عَاقَبْتُهُ " وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَكُونُ رَأْسُهُ عَوْرَةً لَا يَكُونُ صَدْرُهُ عَوْرَةً كالرجل) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْمُحْرِمَةِ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبِسُ الْقُفَّازَيْنِ " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عنه (1) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة وليست السرة والكربة مِنْ الْعَوْرَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَا بين سرته وركبته وأن السرة والركبة ليسا عَوْرَةً فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ: وَالثَّانِي أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْخَامِسُ أَنَّ الْعَوْرَةَ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَأَمَّا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَدَمَانِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ فَتَجْرِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى دُونَ الْخَامِسِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ كَعَوْرَةِ الحرة الا رأسها فليس بِعَوْرَةٍ وَمَا عَدَاهُ عَوْرَةٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْأَمَةُ الْقِنَّةُ وَالْمُعَلَّقُ عَتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ ولا خلاف في شئ مِنْهُنَّ عِنْدَنَا إلَّا الَّتِي بَعْضُهَا حُرٌّ فَفِيهَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ وَصَحَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَغْلِيبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي عَوْرَتِهَا فِي نَظَرِ سَيِّدِهَا والاجانب إليها أحدها انها كالحرة في

_ (1) بياص الاصل اه

حَقِّ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي كَأَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ فَهُوَ كَالرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَجَبَ سَتْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ فَلَوْ خَالَفَ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة ففى صحة صلاة وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّ السَّتْرَ شَرْطٌ وَشَكَكْنَا فِي حُصُولِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِيَ أَبَا الْفُتُوحِ وَكَثِيرِينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ فِيهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَوْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَعَوْرَةَ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ رُكْبَتِهِ إلَى سُرَّتِهِ وَلَيْسَتْ السُّرَّةُ عَوْرَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ دَاوُد وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَحَكَاهُ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ عَطَاءَ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَدَمَاهَا أَيْضًا ليسصا بِعَوْرَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا فَقَطْ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيِّ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا إذَا زُوِّجَتْ أَوْ تَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا لَزِمَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ يَلْزَمُهَا سَتْرُ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ * دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فقال

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَان فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتِهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهَا كَاشِفًا عن فخذيه أو ساقيا فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " فَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْمَكْشُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَحَّ الْجَزْمُ بِكَشْفِ الْفَخِذِ تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَشْفُ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا كُلِّهَا قَالُوا وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غزى خَيْبَرَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عن فخذه حتي أنى لانظر إلى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ انْكَشَفَ الْإِزَارُ وَانْحَسَرَ بِنَفْسِهِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمَّدَ كَشْفَهُ بَلْ انْكَشَفَ لِإِجْرَاءِ الْفَرَسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثبت في رواية في الصحيحن فانحصر الْإِزَارُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مُزَوَّجَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا الزوج منزله كالحرة والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمَا لَا يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ صَفِيقٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ فَإِنْ سَتَرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الستر لا يحصل بذلك) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَحُولُ بَيْنَ النَّاظِرِ وَلَوْنِ الْبَشَرَةِ فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ يُشَاهَدُ مِنْ وَرَائِهِ سَوَادُ الْبَشَرَةِ أَوْ بَيَاضُهَا وَلَا يَكْفِي أَيْضًا الْغَلِيظُ الْمُهَلْهَلُ النَّسْجِ الذى يظهر بعض الْعَوْرَةَ مِنْ خَلَلِهِ فَلَوْ سَتَرَ اللَّوْنَ وَوَصَفَ حَجْمَ الْبَشَرَةِ كَالرُّكْبَةِ وَالْأَلْيَةِ وَنَحْوِهِمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّتْرِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْحَجْمَ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ

وَيَكْفِي السَّتْرُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ وَالْجُلُودِ وَالْوَرَقِ وَالْحَشِيشِ الْمَنْسُوجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَتَرَ بعض عورته بشئ مِنْ زُجَاجٍ بِحَيْثُ تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ صَافٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا غَلَبَتْ الْخُضْرَةُ لِتَرَاكُمِ الْمَاءِ فَإِنْ انْغَمَسَ إلَى عُنُقِهِ وَمَنَعَتْ الْخُضْرَةُ رُؤْيَةَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ أَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ كَدِرٍ صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ وَلَوْ طَيَّنَ عَوْرَتَهُ فَاسْتَتَرَ اللَّوْنُ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ وَجَدَ ثَوْبًا أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَعْلَى وَمِنْ الْجَوَانِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْفَلِ الذَّيْلِ وَالْإِزَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَّسِعُ الذَّيْلِ فَصَلَّى عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ وَرَأَى عَوْرَتَهُ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ أَسْفَلَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ فَحَكَيَا مَا ذَكَرْنَا وَتَوَقَّفَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ وَرَأَيَا فَسَادَهَا وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْقَمِيصِ الْوَاسِعِ الْجَيْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ إمَّا بِاللُّبْسِ كَالثَّوْبِ وَالْجِلْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا بِغَيْرِهِ كَالتَّطَيُّنِ فَأَمَّا الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ ونحوها فإذا دخل إنسان وصلي مشكوف الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُتْرَةً وَلَا يُسَمَّى مُسْتَتِرًا وَلَوْ وَقَفَ فِي جُبٍّ وَهُوَ الْخَابِيَةُ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ يَرَى هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْهُ العورة لم تصح صلاته وان كان صفيقة فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ كَثَوْبٍ وَاسِعِ الذَّيْلِ وَلَوْ حَفَرَ حُفَيْرَةً فِي الْأَرْضِ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ إنْ رَدَّ التُّرَابَ فَوَارَى عَوْرَتَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وإلا فكالجب ذكره المتولي وغيره * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع يغطى به البدن والرجلين وملحفة ضيقة تَسْتُرُ الثِّيَابَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " تُصَلِّي في الدرع والخمار

والملحفة " والمستحب أن تكشف جلبابها حى لَا يَصِفَ أَعْضَاءَهَا وَتُجَافِيَ الْمِلْحَفَةَ عَنْهَا فِي الركوع والسجود حتى لا يصف ثيابها) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي واتفق عليه الاصحاب وقوله تكشف جلبابها هذا لفظ الشافعي رحمه الله وضبطاه فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ تُكَثِّفُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهَا عَنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهَا تُكَثِّفُ كَمَا سَبَقَ ومعناه تتخذه كثيفا أي غليظا ضفيقا والثاني تكثف بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالُوا وَأَرَادَ بِهَا تَعْقِدُ إزَارَهَا حَتَّى لَا يَنْحَلَّ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَتَبْدُو عَوْرَتُهَا وَالثَّالِثُ تَكْفِتُ بِفَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ تَجْمَعُ إزَارَهَا عَلَيْهَا وَالْكَفْتُ الجمع وأما الجباب فَقَالَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْخِمَارُ وَالْإِزَارُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَلْطَفُ مِنْ الْإِزَارِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُوَ الْإِزَارُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ هُوَ ثَوْبٌ أَقْصَرُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَعْرَضُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ ظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْتَحِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثِيَابِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ هُنَا وَهُوَ مُرَادُ الْمَحَامِلِيِّ وغيره وبقولهم هُوَ الْإِزَارُ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ الْإِزَارَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ الْمِئْزَرُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتُجَافِي الْمِلْحَفَةَ فِي الرُّكُوعِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْمِلْحَفَةُ هِيَ الْجِلْبَابُ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَبَّرَ بِأَحَدِهِمَا فِي الْأَوَّلِ وَبِالْآخَرِ فِي الثَّانِي وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ لَهَا أَنْ تَكْتِفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ قَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَكِنْ قَالَ رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جز ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يرخين شبرا فقالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صحيح * * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ مَنْ تَزَّيَّنُ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى وَلَا يَشْتَمِلْ اشتمال اليهود ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ عُمَرُ " إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ويسبله من غير أن يرفع طرق قَالَ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ هَذَا عَنْ الْخَطَّابِيِّ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ قَالَ وَفَسَّرَ الْأَصْمَعِيُّ الصَّمَّاءَ بِالْأَوَّلِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّمَّاءِ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ " فَجَعَلَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ الْمُتَيَسِّرَةِ لَهُ وَيَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وسراويل * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي السَّتْرِ وَلِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَحْصُلُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ إذَا نَظَرَ رَأَى الْعَوْرَةَ زَرَّهُ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيدُ أَفَنُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ نَعَمْ وَلْتَزُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ " فَإِنْ لَمْ يَزُرَّهُ وَطَرَحَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا جَازَ لِأَنَّ التسر يَحْصُلُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقَ الْفَتْحِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَحْلُولَ الْإِزَارِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَحْلُولَ الْإِزَارِ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ فَالرِّدَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ وَيَبْقَى مِنْهُ مَا يَطْرَحُهُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِزَارُ أَوْلَى مِنْ السَّرَاوِيلِ لِأَنَّ الْإِزَارَ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يَصِفُ الْأَعْضَاءَ وَالسَّرَاوِيلُ يَصِفُ الْأَعْضَاءَ) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلْتَزُرَّهُ " يَجُوزُ فِي هَذِهِ اللَّامِ الْإِسْكَانُ وَالْكَسْرُ وَالْفَتْحُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَجَوَّزَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ كَسْرَهَا وَفَتْحَهَا أَيْضًا وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى ثُمَّ الرِّدَاءُ ثُمَّ الْإِزَارُ ثُمَّ السَّرَاوِيلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ تُرَى عَوْرَتُهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَإِنْ زَرَّهُ أَوْ وَضَعَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا يَسْتُرُهُ أَوْ شَدَّ وَسَطَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِزَارَ أَفْضَلُ مِنْ السَّرَاوِيلِ كَمَا قدمناه عن الشافعي واذصحاب ثُمَّ قَالَ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ إنَّ السَّرَاوِيلَ أَفْضَلُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ بِحَيْثُ تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ فِي رُكُوعِهِ وَلَا تَظْهَرُ فِي الْقِيَامِ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ثُمَّ إذَا رَكَعَ تَبْطُلُ أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِانْعِقَادُ وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَفِيمَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبًا عَلَى عُنُقِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَتْ لِحْيَتُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ يَسْتُرُ جَيْبَهُ وَيَمْنَعُ

رُؤْيَةَ الْعَوْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى إزَارِهِ خَرْقٌ فَجَمَعَ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ سَتَرَ الْخَرْقَ بِيَدِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللِّحْيَةِ وَنَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْيَدِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَيْبُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا تُرَى الْعَوْرَةُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ زَرَّهُ أَمْ لَا هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الجبب وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ كَمَا لَوْ رَآهَا غيره من أسفل ذيله * * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ الْقِصَارُ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّيْتَ وَعَلَيْكَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ " فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ صَلَّى فِي سَرَاوِيلَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئًا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَطْرَحُهُ عَلَى عَاتِقِهِ طرح حبلا حتى لا تخلو من شئ ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ " نهى كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَاتِقَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وقال احمد وطائفة قليلة يجب وضع شئ عَلَى عَاتِقِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنْ تَرَكَهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَخَصَّ أَحْمَدُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّزَرَ بِهِ هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ به الاصحاب وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

* (ويكره اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبٍ ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثوب واحد ليس علي فرجه منه شئ ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالصَّمَّاءُ بِالْمَدِّ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا تَفْسِيرُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ المصنف من تفسيرها فغريب قال صاحب المطامع اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ إدَارَةُ الثَّوْبِ عَلَى جَسَدِهِ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَاهُ مَا يَتَوَقَّاهُ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأَصْمَعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاَلَّذِي سَبَقَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ سَدَّ مَنَافِذَهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا صَدْعٌ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَحْتَبِيَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْحُبْوَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاحْتِبَاءُ أَنْ يَقْعُدَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَلْيَيْهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أو بيده والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْدُلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَيْ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا سَدَلُوا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ " كَأَنَّهُمْ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا عَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ ذَيَّلَهَا وَهُوَ يُصَلِّي " قَالَ إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حرام ") * * * (الشَّرْحُ) * يُقَالُ سَدَلَ بِالْفَتْحِ يَسْدُلُ وَيَسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ أَنْ يُرْسِلَ الثَّوْبَ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ محمول على هذا والشملة كاء يُشْتَمَلُ بِهِ وَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ شَمْلَةً إذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هِيَ كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ وَقَوْلُهُ ذَيَّلَهَا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَعْنَاهُ أَرْخَى ذَيْلَهَا وَهُوَ طَرَفُهَا الَّذِي فِيهِ الْأَهْدَابُ وَقَوْلُهُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ بِضَمِّ الْفَاءِ وَاحِدُهَا فُهْرٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبَطِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُهُ

بُهْرٌ وَهِيَ عِبْرَانِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فِي عِيدِهِمْ قَالَ وَقِيلَ هُوَ يَوْمٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ وَيَشْرَبُونَ قَالَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فُخْرٌ يَعْنِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ بِحَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَامِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ليس من الله في شئ أي ليس من دين الله في شئ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَارَقَ دِينَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بغير اسناد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَمَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ فَإِنْ سَدَلَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَمَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ ولا في غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ فَأَمَّا السَّدْلُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ خَفِيفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ لَهُ إنَّ إزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيِّ فَقَالَ لَهُ " لَسْت مِنْهُمْ " هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إزَارَهُ " قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا فَرَّقُوا بَيْنَ إجَازَتِهِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَمْشِي فِي الثَّوْبِ وغيره يمشى عليه ويسبله وذلك من الخيلاء الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ السَّدْلَ فِي الصلاة وكرهه

الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ كَرِهَ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وعبد الله ابن الْحَسَنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي سَدْلِ الْقَمِيصِ وَكَرِهَهُ فِي الْإِزَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ فِي النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ (قُلْتُ) احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ طَرِيقِ عِسْلِ بن سفين وقد ضعفه احمد ابن حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَجَرِّهِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وعنه قال " بينما رجل يصلي مسبل إزَارَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاء فقال اذهب فتوضأ فقال رجل يا رسول الله مالك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ قَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ - أَوْ قَالَ لَا جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارَ وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إزَارَكَ فَرَفَعْتُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ قَالَ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا إسْبَالَ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى المسألة

أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ " وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَجْهَ من المرأة ليس بعورة فهي كالرجل) * ** (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ لَكِنْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا أَيْ مُغَطِّيًا فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَيُكْرَه أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى فِيهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ فِي هَذَا وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لا تمنع صحة الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَلَا عَلَى ثَوْبٍ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يختص يالصلاة وَلَا النَّهْيَ يَعُودُ إلَيْهَا فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا ويجوز المرأة أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَعَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّورَةُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ لِي ثَوْبٌ فِيهِ صُورَةٌ فَكُنْتُ أَبْسُطُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَيْهِ فَقَالَ لِي أَخِّرِيهِ عنى فجعلت منه وسادتين ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي " الْقِرَامُ بِكَسْرِ القاف

سِتْرٌ رَقِيقٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافُ أَحْمَدَ السَّابِقِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَهَذَا التَّحْرِيمُ إذَا وَجَدَ سُتْرَةً غَيْرَ الْحَرِيرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ الْحَرِيرِ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهَا أَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجُلُوسَ وَاللُّبْسَ وَغَيْرَهُمَا وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا اللُّبْسُ تَزَيُّنًا لِزَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ كَمَالُ ذَلِكَ بِاللُّبْسِ لَا بِالْجُلُوسِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ إنَاءِ الذَّهَبِ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلِّي بِهِ وَالْمُخْتَارُ الال وَالْخُنْثَى فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ صُوَرٌ أَوْ صَلِيبٌ أَوْ مَا يُلْهِي فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَعَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصِحُّ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاة مادام عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ صَمْتًا إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه يَقُولُهُ " وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فِي رُوَاتِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ في الدار المغصوبة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ وَوَجَدَ طِينًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَأَشْبَهَتْ الثوب وقال أبو اسحق لا يلزم لانه يتلوث به البدن) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ السَّتْرِ بِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّطَيُّنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ الطِّينُ ثَخِينًا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُغَطِّي الْبَشَرَةَ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لَكِنْ يُغَطِّي الْبَشَرَةَ اُسْتُحِبَّ وَلَا يَجِبُ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي الطِّينِ الثَّخِينِ وَالرَّقِيقِ أما

إذ اوجد وَرَقَ شَجَرٍ وَنَحْوَهُ وَأَمْكَنَهُ خَصْفُهُ وَالتَّسَتُّرُ بِهِ فيجب بلا خلاف نص على في الامام واتفق الاصحاب عليه * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ سَتَرَ بِهِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ لِأَنَّهُمَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَسْتُرُ بِهِ الْقُبُلَ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَيْنِ وَالثَّانِي يَسْتُرُ بِهِ الدُّبُرَ لانه أفخش في حال الركوع والسجود) * ** (الشَّرْحُ) * إذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَزِمَهُ التَّسَتُّرُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ مَرَّاتٍ وَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَسَائِلُ مُتَشَابِهَةٌ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُكَلَّفُ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي صَاعِ الْفِطْرَةِ وَفِي الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَبَعْضِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَسَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَيَسْتُرُ بِهَذَا الْمَوْجُودِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ بلا خلاف لانهما أغلظ فان لم يكن إلَّا أَحَدُهُمَا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْتُرُ الْقُبُلَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا وَالثَّانِي يَسْتُرُ الدُّبُرَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالثَّالِثُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا هُمَا سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ القاضى حسين تستر المرأة القبل والرجل والدبر ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْفَخِذِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ

وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ قُبُلَيْهِ وَدُبُرَهُ سَتَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ وَاحِدًا وَقُلْنَا يَسْتُرُ عَيْنَ الْقُبُلِ سَتَرَ أَيَّ قُبُلَيْهِ شَاءَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ آلَةَ الرِّجَالِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَآلَةَ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هناك رجل * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَهُنَاكَ سُتْرَةٌ تَكْفِي أحدهما قدمت المرأة لان عورتها أعظم) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إنْسَانٌ بثوبه لاحوج النسان إلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَحْوَجِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَى لُبْسِ الْأَحْوَجِ فَتُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْخُنْثَى وَيُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَجُ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ عُرْيَانًا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَوَهَبَ لِغَيْرِهِ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ هَلْ تلزمه الاعادة فيه تفصيل يجئ هنا مثله سواء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ صَلَّى عُرْيَانًا وَلَا يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالْقُعُودِ سِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَجُوزُ تَرْكُهُ مع القدرة بحال والستر لا يجوز تركه فَوَجَبَ تَقْدِيمُ السَّتْرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى التَّمَامِ وَيَحْصُلُ سَتْرُ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ أولي من المحافظة علي بعض الفرض) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً يَجِبُ لُبْسُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَائِمًا وَلَا اعادة عليه هذا

مذهبتا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يُصَلِّي قَاعِدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا مُومِيًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودُ أَفْضَلُ وعن احمد روايتان أحدهما يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِيَةُ الْقُعُودُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَوْا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِي القعود والثالث يتخير والمذهب الصحيح وجب القيام وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * * قَالَ المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ لَمْ تلزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْعُرْيَ عُذْرٌ عَامٌّ وَرُبَّمَا اتَّصَلَ ودام فلو أوجبنا الاعادة لشق فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ عُرْيَانٌ ثُمَّ وجد السترة في اثنائها فان كانت بقريه سَتَرَ الْعَوْرَةَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَأُعْتِقَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً مِنْهَا سَتَرَتْ وَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حتي فرغ من الصلاة) * * * (الشَّرْحُ) * فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا عَدِمَ السُّتْرَةَ الْوَاجِبَةَ فَصَلَّى عَارِيًّا أَوْ سَتَرَ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ أَمْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيمَنْ لَا يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الْوَجْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وهو ضعيف ليس بشئ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ لا أعلم خلافا بعنى بين المسلمين أنه لا بجب الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَارِيًّا لِلْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى بالتيمم ثم رأى الماء في أثنا

صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً سَتَرَ وبنى والاوجب الِاسْتِئْنَافُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ الْبُعْدِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَالُوا فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَبْنِي فَلَهُ السَّعْيُ فِي طَلَبِ السُّتْرَةِ كَمَا يَسْعَى فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَإِنْ وَقَفَ حَتَّى أَتَاهُ غَيْرُهُ بِالسُّتْرَةِ نَظَرَ إنْ وَصَلَتْهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَوْ سَعَى لَوَصَلَهَا فِيهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ زَادَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً وَلَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا إلَّا بِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُنَاوِلْهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهَا فَصَلَّى عَارِيًّا ثُمَّ عَلِمَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا بِهَا وَالثَّانِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَسْتُرَ فِي صَلَاتِهَا مَا تَسْتُرُهُ الْحُرَّةُ فَلَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهَا بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ أَوْ بِمَوْتِهِ إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً فَإِنْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السَّتْرِ مَضَتْ فِي صَلَاتِهَا وَأَجْزَأَتْهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَمَنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَجَهْلِهَا وُجُودَ السُّتْرَةِ فَتَكُونُ عَلَى الطَّرِيقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا صَلَّيْتِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حرة قبلها فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سُتْرَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطيب وابن الصباغ وفرضها ابن الصَّبَّاغِ فِيمَنْ قَالَ إنْ صَلَّيْتِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فأنت حرة الآن * قال المصنف رحمه الله *

* (وان اجتمع جماعة عراة قال في القديم الاولى ان يصلوا فرادى لانهم إذا صلوا جماعة لم يمكنهم ان يأتوا بسنة الجماعة وهو تقديم الامام وقال في الام صلوا جماعة وفرادي فسوى بين الجماعة والفرادي لان في الجماعة ادراك فضيلة الجماعة وفوات فضيلة سنة الموقف وفى الفرادى ادراك فضيلة الموقف وفوات فضيلة الجماعة فاستويا فان كان معهم مكتس يصلح للامامة فالافضل أن يصلوا جماعة لانهم يمكنهم الجمع بين فضيلة الجماعة وفضيلة الموقف بان يقدموه فان لم يكن فيهم مكتس واردوا الجماعة استحب أن يقف الامام وسطهم ويكون المأمون صفا واحدا حتى لا ينظر بعضهم الي عورة بعض فان لم يمكن الا صفين صلوا وغضوا الابصار. وان اجتمع نسوة عراة استحب لهن الجماعة لان سنة الموقف في حقهن لا تتعين بالعرى) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا اجْتَمَعَ رِجَالٌ عُرَاةٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً وَفُرَادَى فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَهُمْ بُصَرَاءَ وَقَفَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ قُدَّامَهُمْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ فَإِنْ نَظَرُوا لَمْ يُؤْثِرْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً أَمْ فُرَادَى يُنْظَرُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ بِحَيْثُ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا اُسْتُحِبَّ الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَقِفُ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ

يَرَوْنَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالِانْفِرَادَ سَوَاءٌ وَالثَّانِي الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُكْتَسٍ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَدِّمُوهُ وَيُصَلُّوا جَمَاعَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُونَ وَرَاءَهُ صَفًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَفَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَلَوْ خَالَفُوا فَأَمَّهُمْ عَارٍ وَاقْتَدَى بِهِ اللَّابِسُ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ. أَمَّا إذَا اجْتَمَعَ نِسَاءٌ عَارِيَّاتٌ فَالْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ إمَامَتَهُنَّ تَقِفُ وَسْطَهُنَّ فِي حَالِ اللُّبْسِ أَيْضًا وَإِنْ اجْتَمَعَ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ عُرَاةٌ لَمْ يُصَلُّوا جَمِيعًا لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَيَكُونُ النِّسَاءُ جَالِسَاتٍ خَلْفَهُمْ مُسْتَدْبِرَاتِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَجْلِسُ الرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ مُسْتَدْبِرِينَ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ فِي مَكَان آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ فِي الفرادي ادراك فضبلة الْمَوْقِفِ قَدْ يَسْتَشْكِلُ إذْ لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ مَوْقِفَانِ يَقِفُ فِي أَفْضَلِهِمَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالْمَوْقِفِ الْمَشْرُوعِ لَهُ بِخِلَافِ إمَامِ الْعُرَاةِ وَقَوْلُهُ وَسْطَهُمْ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَقَوْلُهُ نِسْوَةٌ عُرَاةٌ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ عَارِيَّاتٌ وَيُقَالُ نِسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وضمها لغتان * * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ وَمَعَ إنْسَانٍ كِسْوَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُغْصَبْ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَصَلَّى عُرْيَانًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ السَّتْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي قبوله منة وان اعار جماعتهم صلي فيه واحد بعد واحد فان خافوا ان صلي واحد بَعْدَ وَاحِدٍ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوَقْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي الثَّوْبِ وَقَالَ فِي قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ يَقُومُ فيه إلَّا وَاحِدٌ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَقَلَ الْجَوَابَ في كل واحدة من المسئلتين إلَى الْأُخْرَى وَقَالَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي السُّتْرَةِ يَنْتَظِرُونَ وَإِنْ خَافُوا الْفَوْتَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ فِي الْقِيَامِ لان القيام يسقط مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَتْرُكُهُ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالسَّتْرُ يَتْرُكُهُ إلَى غَيْرِ بدل) * * * (الشَّرْحُ) * يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ أَنْ يُعِيرَهُ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَارَةُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ بِخِلَافِ بَذْلِهِ لِلْعَطْشَانِ إذْ لَا بَدَلَ لِلْعَطَشِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَعَارِيًّا وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إعَارَتِهِ لَمْ يَجُزْ قَهْرُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وبه قطح الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ فِيهِ مِنَّةً وَهَذَا لَيْسَ بشئ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا بِرِضَى الْوَاهِبِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَإِذَا ضَمَمْنَا مَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ إلَى الْهِبَةِ حَصَلَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ قَبُولُ الْعَارِيَّةِ دُونَ الْهِبَةِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَبُولُ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ يَجِبُ فِيهِمَا وَالرَّابِعُ يَجِبُ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْعَارِيَّةِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ مضمومة بخلاف الهبة وهذا ليس بشئ وَحَيْثُ وَجَبَ الْقَبُولُ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ أَمَّا إذَا أَعَارَ جَمَاعَتَهُمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الْمُتَقَدِّمِ أُقْرِعَ بينهم وان ضلق الْوَقْتُ فَفِيهِ نُصُوصٌ لِلشَّافِعِيِّ وَطُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَكَلَامٌ مَبْسُوطٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ولو رجع المعير في العاريد فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ولا اعادة

عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا وَجَدَ سُتْرَةً تُبَاعُ أَوْ تُؤَجَّرُ وَقَدِرَ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ أَوْ الِاسْتِئْجَارُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الحاوى وغيره ويجئ فِيهِ التَّفْرِيعُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَإِذَا وَجَبَ تَحْصِيلُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِقْرَاضُ الثَّمَنِ كَإِقْرَاضِ ثَمَنِ الْمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي التَّيَمُّمِ: (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ الْعَارِي إلَّا ثَوْبًا لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْذَانُ صَاحِبِهِ فِيهِ فَعَلَ وَإِلَّا حَرُمَتْ الصَّلَاةُ فيه وصلى عريانا والا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِذْنِ صَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ طَرَفُهُ نَجِسٌ وَلَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ بِقَطْعِهِ مِنْ النَّقْصِ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ قَطْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَقَدْ سَبَقَتْ فِي طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ لَا يَكْفِي الْعَوْرَةَ وَسَتْرَ النَّجَاسَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا يَبْسُطُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ وَأَتْلَفَهُ أَوْ خَرَقَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَصَى وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَفَهًا وَقَدْ سَبَقَتْ مَسْأَلَةُ الْإِرَاقَةِ وَإِتْلَافِ الثَّوْبِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مُسْتَوْفَاتَيْنِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ قَدَرَ الْعُرْيَانُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الماء ويسجد في الشط لا يلزمه *

باب استقبال القبلة

* قال المصنف رحمه الله * * (باب استقبال القبلة) * * (استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة الا في حالين في شدة الخوف وفى النافلة في السفر والاصل فيه قوله تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)) * * * (الشَّرْحُ) * اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْحَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِيهِمَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْصِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُنَا الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا وشطر الشئ يُطْلَقُ عَلَى جِهَتِهِ وَنَحْوِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى نِصْفِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ فَقَطْ وَقَدْ يراد به المسجد وحولها مَعَهَا وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَّةُ كُلُّهَا وَقَدْ يراد به مكة مع الحرم حولها بِكَمَالِهِ وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ

بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إلَى آخِرِهِ " وَمِنْ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام) وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَكَّةُ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ دُورِ مَكَّةَ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام) قِيلَ مَكَّةُ وَقِيلَ الْحَرَمُ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَنُوَضِّحُهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سواء العاكف فيه والباد) هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ مَعَ الْكَعْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ وَأَمَّا دُورُ مَكَّةَ وَسَائِرُ بِقَاعِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ فَلَمْ يجوزوا بيع شئ مِنْهُ وَلَا إجَارَتَهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يتعلق بالمسجد الحرام وَقَدْ بَسَطْته فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ أَصْلِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ: عن البراء بن عازم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى قُبُلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبُلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قُبُلَ الْبَيْتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إلَى الْكَعْبَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْقِبْلَةِ الْجِهَةُ وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ قبلة لان المصلى يقابها ووتقابله * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِهِ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُصَلِّ وَخَرَجَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ قُبُلَ الْكَعْبَةِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ قِيلَ مَعْنَاهُ مَا اسْتَقْبَلَك مِنْهَا وَقِيلَ مُقَابِلُهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقُبُلِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَلَا يُنْسَخُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَصَلُّوا إلَيْهِ أَبَدًا فَهُوَ قِبْلَتُكُمْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سُنَّةَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ يَقِفُ فِي وَجْهِهَا دُونَ أَرْكَانِهَا وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ جِهَاتِهَا مُجْزِئَةً هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَيَحْتَمِلُ مَعْنًى ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ لَا كُلَّ الْحَرَمِ وَلَا مَكَّةَ وَلَا الْمَسْجِدَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ بَلْ هِيَ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُصَلِّ

قَدْ رَوَى بِلَالٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " صلي في الكعية " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَقُدِّمَ عَلَى النَّافِي وَمَعْنَى قَوْلِ أُسَامَةَ لَمْ يُصَلِّ لَمْ أَرَهُ صَلَّى وَسَبَبُ قَوْلِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ شَيْبَةَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَصَلَّى فلم يره اسامة لا غلاق الْبَابِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَقَوْلُهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ يَجُوزُ فَتْحُ الْحَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَيَّ جِهَةٍ مِنْهَا أَرَادَ فَلَوْ وَقَفَ عِنْدَ طَرَفِ رُكْنٍ وَبَعْضُهُ يُحَاذِيهِ وَبَعْضُهُ يَخْرُجُ عَنْهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَصِحُّ قَالَ الْإِمَامُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا كُلُّهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ " وَلِأَنَّهُ لَوْ طَافَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَأَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَالْمَأْمُومُونَ خَلْفَهُ مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ جَازَ وَلَوْ وَقَفُوا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَامْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ بِقُرْبِهِ وَامْتَدَّ الصَّفُّ فَصَلَاةُ الْخَارِجِينَ عَنْ مُحَاذَاةِ الكعبة باطلة * قال المصنف رحمه الله *

* (فان دخل البيت وصلي فيه جاز لانه متوجه الي جزء من البيت والافضل أن يصلي النفل في البيت لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الحرام " والافضل أن يصلي الفرض خارج البيت لانه يكثر الجمع فكان أعظم للاجر) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ وَلَا النَّفَلُ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ بن الفرج

الْمَالِكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ: دَلِيلُنَا حَدِيثُ بِلَالٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ قَرِيبًا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَيَّ جِدَارٍ شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَابَ إنْ كَانَ مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا وَلَهُ عَتَبَةٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَتَبَةِ كَوْنُهَا بِقَدْرِ ذراع وقيل بشترط قَدْرُ قَامَةِ الْمُصَلِّي طُولًا وَعَرْضًا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَكْفِي شُخُوصُهَا بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنَّفَلُ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ منه خارجها

وَكَذَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً أَوْ أَمْكَنَ الْجَمَاعَةُ الْحَاضِرِينَ الصَّلَاةُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَخَارِجَهَا أَفْضَلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَضَاءُ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ فِي الْكَعْبَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَضَائِهَا خَارِجَهَا قَالَ وكل ما قرب منها كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا بَعُدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا الْمَنْذُورَةُ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا مَوْضِعَ أَفْضَلُ وَلَا أَطْهَرُ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِالْحَدِيثِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ فَمِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْكَعْبَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ يَتَنَاوَلُهَا هِيَ وَالْمَسْجِدَ حَوْلَهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ اخْتِصَاصَ الْحَدِيثِ بِالْكَعْبَةِ بَلْ أَرَادَ بَيَانَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ عَلِمَ أن الكعبة افضله فكانت الصلاة فيها أفضل. فان قيل كيف جزمتم بان الصلاة في الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّتِهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ فَالْجَوَابُ أَنَّا إنَّمَا نَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافٍ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ مُخَالِفًا سُنَّةً صَحِيحَةً كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ بَلَغَتْهُ وَخَالَفَهَا فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعٌ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ فِيهِ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ مِنْ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي الْقُرْبِ مِنْهَا لِلْمُصَلِّي فَكَانَتْ الْفَضِيلَةُ فِي بَطْنِهَا أَوْلَى *

(فَرْعٌ) فِي قَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ صَرَّحَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْبَاقِينَ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِ الْعِبَادَةِ وَتَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الصَّلَاةِ وَالْكَعْبَةُ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْضِعِ وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي كُلِّ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ لَيْسَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ فَصَلَاتُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ النَّفْلِ فِي بَيْتِ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَفِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِتَمَامِ الْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَشَبَهِهِمَا حَتَّى أَنَّ صَلَاتَهُ النَّفَلَ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِينَ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِهِ النَّافِلَةَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا " وَمِنْهَا أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ وَالرَّمَلُ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ فَلَوْ مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ وَأَمْكَنَهُ مَعَ الْبَعْدِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبَعْدِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْقُرْبِ بِلَا رَمَلٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَشْهُورَةٌ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِهِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بين يديه سترة متصلة لَمْ يَجُزْ لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " سَبْعَةُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَذَكَرَ فَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ " وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولم يصل إليه مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ السَّطْحِ وَاسْتَدْبَرَهُ فَإِنْ كَانَ بين يديه عصا مغروزة غير مبنية وَلَا مُسَمَّرَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ

أَحَدُهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمَغْرُوزَ مِنْ الْبَيْتِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْأَوْتَادُ الْمَغْرُوزَةُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْبَيْتِ وَلَا مَنْسُوبَةٍ إلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى فِي عَرْصَةِ الْبَيْتِ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عذر فاشبه إذا صلي علي السطح وقالوا أَبُو الْعَبَّاسِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَلَّى إلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْبَيْتِ فَأَشْبَهَ إذَا خرج من البيت وصلي إلى أرضه) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِرَازٌ مِنْ حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ هِيَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَقَدْ يُقَالُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وَالْعَرْصَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ لَا غَيْرُ (أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْعَالِيَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ بِقُرْبِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَقْبِلًا وَإِنْ وَقَفَ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ نُظِرَ إنْ وَقَفَ على طرفها واستدبر باقبها لم تصح صلاته بالاتفاق لعدم استقبال شئ مِنْهَا وَهَكَذَا لَوْ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَوَقَفَ علي طَرَفَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَدْبَرَ بَاقِيَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَهَا صَحَّ بِلَا خلاف اما إذا وقف في وَسْطَ السَّطْحِ أَوْ الْعَرْصَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بين يديه شئ شَاخِصٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ

عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ تَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَكَمَا لَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ هُنَا مُسْتَقْبِلًا بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي لِابْنِ سُرَيْجٍ جَارٍ فِي الْعَرْصَةِ وَالسَّطْحِ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ فِي السَّطْحِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بين يديه شئ شَاخِصٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْكَعْبَةِ كَبَقِيَّةِ جِدَارٍ وَرَأْسِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِرَاعٌ وَقِيلَ يَكْفِي أَدْنَى شُخُوصٍ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَدْرَ قَامَةِ المصلي طولا دون عرضا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الذى قطع به الجمهور الاول هو ثُلُثًا ذِرَاعٍ وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَتَاعًا وَاسْتَقْبَلَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ شَجَرَةً ثَابِتَةً أَوْ جَمَعَ تُرَابَ الْعَرْصَةِ أَوْ السطح واستقبله أَوْ حَفَرَ حُفْرَةً وَوَقَفَ فِيهَا أَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ السَّطْحِ أَوْ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَ الطَّرَفَ الآخر وهو مرتفع عن موقفه صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ حَشِيشًا نَابِتًا عَلَيْهَا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةً غَيْرَ مسمرة

فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَصَا مُثَبَّتَةً أَوْ مُسَمَّرَةً صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّهُ يُخْرِجُ بَعْضَهُ عَنْ مُحَاذَاتِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيمَنْ خَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ بَعْضِ الْكَعْبَةِ لِوُقُوفِهِ عَلَى طَرَفِ رُكْنٍ قَالَ فَفِي هَذَا تَرَدُّدٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ هَذَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْعَصَا لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَقْبِلًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ وَلِهَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالصِّحَّةِ إذَا كَانَتْ الْعَصَا مُسَمَّرَةً وَقَطَعُوا بِهَا أَيْضًا فِيمَا إذَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَإِنْ كَانَتْ أَعَالِي بَدَنِهِ خَارِجَةً عَنْ مُحَاذَاتِهِ لِكَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا بِبَعْضِهِ جُزْءًا شَاخِصًا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا الْوَاقِفُ عَلَى طَرَفِ الرُّكْنِ فَلَمْ يَسْتَقْبِلْ ببعضه شيئا أصلا * * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ نَظَرْتَ فَإِنْ عَرَفَ الْقِبْلَةَ صَلَّى إلَيْهَا وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنْ عِلْمٍ قَبِلَ قَوْلَهُ وَلَا يَجْتَهِدُ كَمَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ وَلَا يَجْتَهِدُ وَإِنْ رَأَى مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَلَدٍ صَلَّى إلَيْهَا وَلَا يَجْتَهِدُ لِأَنَّ ذَلِكَ بمنزلة الخبر) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا غَابَ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَهَا صَلَّى إلَيْهَا وَإِنْ جَهِلَهَا فَأَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي بَابِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ بَيَانُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْكَافِرِ فِي الْقِبْلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ فِيهِ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ وَالثَّانِي لَا قَالُوا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ هُنَا قَوْلَانِ لِلنَّصَّيْنِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فيه

وَجْهَانِ وَكَذَا فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يُقْبَلُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النَّصَّانِ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ دَلَّهُ عَلَى الْمِحْرَابِ أَوْ أَعْلَمَهُ بِدَلِيلٍ قَبِلَ مِنْهُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ هُنَا كَسَائِرِ أَخْبَارِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي فِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ هُنَا وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْقَبُولَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ. أَمَّا الْمِحْرَابُ فَيَجِبُ اعْتِمَادُهُ وَلَا يَجُوزُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَحَارِيبَ لَا تُنْصَبُ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسَمْتِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَدِلَّةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمِحْرَابَ إنَّمَا يُعْتَمَدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ يَكْثُرُ الْمَارُّونَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُقِرُّونَهُ عَلَى الْخَطَأِ فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَكْثُرُ الْمَارُّونَ بِهَا لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَوْ رَأَى عَلَامَةً فِي طَرِيقٍ

يَقِلُّ فِيهِ مُرُورُ النَّاسِ أَوْ فِي طَرِيقٍ يَمُرُّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَلَا يَدْرِي مَنْ نَصَبَهَا أَوْ رَأَى مِحْرَابًا فِي قَرْيَةٍ لَا يَدْرِي بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ أَوْ الْمُشْرِكُونَ أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً صَغِيرَةً لِلْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى جِهَةٍ يَجُوزُ وُقُوعُ الْخَطَأِ لِأَهْلِهَا فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَلَا يَعْتَمِدُهُ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ قَرْيَةٍ صغيرة أو في مَسْجِدٍ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يَكْثُرُ بِهِ الْمَارَّةُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ بَلَدًا قَدْ خَرِبَ وَانْجَلَى أَهْلُهُ فَرَأَى فِيهِ مَحَارِيبَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ اعْتَمَدَهَا وَلَمْ يَجْتَهِدْ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتُمِلَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْكُفَّارِ لَمْ يَعْتَمِدْهَا بَلْ يَجْتَهِدُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْبَلَدِ الْخَرَابِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّهِ كَالْكَعْبَةِ فَمَنْ يُعَايِنُهُ يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ بِحَالٍ وَيَعْنِي بِمِحْرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ وَمَوْقِفَهُ لانه لم يكن هذا المحراب الْمَعْرُوفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أُحْدِثَتْ الْمَحَارِيبُ بَعْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى مِحْرَابِ الْمَدِينَةِ سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ضُبِطَ الْمِحْرَابُ وَكَذَا الْمَحَارِيبُ الْمَنْصُوبَةُ في

بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الْجِهَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَإِنْ كَانَ مِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَجُوزُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ فِي الْكُوفَةِ خَاصَّةً وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَلَا فِي الْبَصْرَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَعْمَى يَعْتَمِدُ الْمِحْرَابَ بِمَسٍّ إذَا عَرَفَهُ بِالْمَسِّ حَيْثُ يَعْتَمِدُهُ الْبَصِيرُ وَكَذَا الْبَصِيرُ فِي الظُّلْمَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الْأَعْمَى انه يَعْتَمِدُ مِحْرَابًا رَآهُ قَبْلَ الْعَمَى وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْأَعْمَى مَوَاضِعَ لَمَسَهَا صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُخْبِرُهُ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى علي حسب حاله وتجب الاعادة *

* قال المصنف رحمه الله * * (وان لم يكن شئ من ذلك فأن كان ممن يعرف الدلائل فان كان غائبا عن مَكَّةَ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَتِهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يهتدون) فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ كَالْعَالِمِ فِي الْحَادِثَةِ وَفِي فَرْضِهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْقِبْلَةِ لَزِمَهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ كَالْمَكِّيِّ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْجِهَةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَرْضُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا صَحَّتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَخْرُجُ عَنْ العين) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْغَائِبُ عَنْ أَرْضِ مَكَّةَ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَجِدْ مِحْرَابًا وَلَا مَنْ يُخْبِرُهُ عَلَى مَا سَبَقَ لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ وَيَسْتَقْبِلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ كثيرة وفيها كتبء صنفة وَأَضْعَفُهَا الرِّيَاحُ لِاخْتِلَافِهَا وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ وَهُوَ نَجْمٌ صغير

فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَإِذَا اجْتَهَدَ وَظَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ بِعَلَامَةٍ صَلَّى إلَيْهَا وَلَا يَكْفِي الظَّنُّ بِلَا عَلَامَةٍ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّ فِيهَا وَجْهًا ضعيفا ان يكتفى الظَّنُّ فِيهَا بِغَيْرِ عَلَامَةٍ وَذَلِكَ الْوَجْهُ لَا يجئ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ هُنَاكَ الْفَرْقُ وَلَوْ تَرَكَ الْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ الِاجْتِهَادَ وَقَلَّدَ مُجْتَهِدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَظِيفَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلَا اجْتِهَادٍ وَصَادَفَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُقَلِّدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ

وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي فَرْضِ الْمُجْتَهِدِ وَمَطْلُوبِهِ قَوْلَانِ أحدهما جهة الكعبة بدليل صحة صلاته الصف الوطيل وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَأَصَحُّهُمَا عَيْنُهَا اتَّفَقَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ بِأَنَّ مَعَ طُولِ الْمَسَافَةِ تَظْهَرُ الْمُسَامَتَةُ وَالِاسْتِقْبَالُ كَالنَّارِ عَلَى جَبَلٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ فرضه

الْجِهَةُ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ لِلشَّافِعِيِّ وكذا أنكره الشيخ أبو حامد وآخرون سلك إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ طَرِيقَةً أُخْرَى شَاذَّةً ضَعِيفَةً اخْتَرَعَهَا الْإِمَامُ تَرَكْتُهَا لِشُذُوذِهَا وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلْقَوْلِ بِالْعَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ خَرَجَ فَصَلَّى إلَيْهَا وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ حَدِيثُ أسامة ابن زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاحْتَجُّوا لِلْجِهَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عمرو ابن الْمُبَارَكِ وَسَبَقَ دَلِيلُهُمَا * (فَرْعٌ) فِي تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَالثَّانِي) فَرْضُ عَيْنٍ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا فَيَتَعَيَّنُ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ وَكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ

أَطْلَقَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ السلف الزموا آحاد الناس يعلم أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى الْقِبْلَةِ سَهْلٌ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * * (وإن كان في أرض مكة فان كان بينه وبين البيت حائل أصلى كالجبل فهو كالغائب عن

مكة وإن كان بينهما حائل طارئ وهو البناء ففيه وجهان احدهما لا يجتهد لانه في أي موضع كان فرضه الرجوع إلى العين فلا يتغير بالحائل الطارئ والثانى يجتهد وهو ظاهر المذهب لان بينه وبين البيت حائل يمنع المشاهدة فاشبه إذا كان بينهما جبل) * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى بِمَكَّةَ خَارِجَ المسجد فان عاين الكعبة كمن يصل على أبى

قُبَيْسٍ أَوْ سَطْحِ دَارٍ وَنَحْوِهِ صَلَّى إلَيْهَا وَإِذَا بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْعِيَانِ صَلَّى إلَيْهِ أَبَدًا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْمُعَايَنَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْعِيَانِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَهَذَا فَرْضُهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ قَطْعًا وَلَا اجْتِهَادَ فِي حَقِّهِ فَأَمَّا من لا بعاين الْكَعْبَةَ وَلَا يَتَيَقَّنُ الْإِصَابَةَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ أَصْلِيٌّ كَالْجَبَلِ فَلَهُ الِاجْتِهَادُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَلَا يَلْزَمُهُ صُعُودُ الْجَبَلِ لِتَحْصِيلِ الْمُشَاهَدَةِ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً وَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ طَارِئًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ والمحاملي والجرجاني * قال المصنف رحمه الله *

* (فَإِنْ اجْتَهَدَ رَجُلَانِ فَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يُقَلِّدْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُصَلِّي أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ بطلان اجتهاد صاحبه) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ قَالَ تَصِحُّ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ الْآخَرِ وَيَسْتَقْبِلُ كُلُّ واحد ما طهر لَهُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ تَعَاكَسَ ظَنُّهُمَا صَارَ وَجْهُهُ الي وجهه

كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَكُلُّ واحد الي جهة دليلنا ما ذكره المصنف والفرق أن في مسألة الكعبة كل وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلَاةِ إمَامِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي تَيَامُنٍ قَرِيبٍ وَتَيَاسُرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مُرَاعَاةُ ذلك لم يصح الاقتداء والا فيصح * * قال المصنف رحمه الله *

* (وَإِنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ صلاة أخرى ففيه وجهان (أحدهما) يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الِاجْتِهَادَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا تَقُولُ فِي الْحَاكِمِ إذا اجتهد في حادثة ثم حدثث تلك الحادثة مرة أخرى) * * * (الشَّرْحُ) * الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ وَبِهِ قَطَعَ

كثيرون وهو المنصوص في الام وقد سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَصَلَّى وَبَقِيَ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى قَالَ الرَّافِعِيُّ قِيلَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ فَإِنْ فَارَقَهُ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ وَجْهًا وَاحِدًا كَالتَّيَمُّمِ قَالَ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ للنافلة بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله *

* (فَإِنْ اجْتَهَدَ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَأَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَلَّى الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى كَالْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْقَضْ مَا حَكَمَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً بِاجْتِهَادَيْنِ كَمَا لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي قَضِيَّةٍ بِاجْتِهَادَيْنِ وَالثَّانِي يجوز لانا لو ألزمناه أن يستأنف نقضناه مَا أَدَّاهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ بِاجْتِهَادٍ بَعْدَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ) * *

* (الشرح) * في الفصل ثلاث مسائل (احداهما) لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى فَاجْتَهَدَ لَهَا سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الِاجْتِهَادَ ثَانِيًا أَمْ لَا فَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يلزم اعادة شئ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلَا إعَادَةَ فِي شئ مِنْهُنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا

أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُنَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُوَ قول الاستاذ أبي اسحق الْإسْفَرايِينِيّ وَحَكَوْا وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: (الثَّانِيَةُ) لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَحَدُهُمَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَسْتَأْنِفُ بَلْ يَنْحَرِفُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَيَبْنِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الثَّانِي لو

صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ كَالصَّلَوَاتِ وَخَصَّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ الثَّانِي أَوْضَحَ مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ فَإِنْ اسْتَوَيَا تَمَّمَ صَلَاتَهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى وَلَا إعَادَةَ وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ ولم يترجح له شئ مِنْ الْجِهَاتِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَتِهِ وَلَا إعَادَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا

عليه * قال المصنف رحمه الله * * (وان صلي ثم تيقن الخطأ ففيه قولان قال في الام يلزمه أن يعيد لانه تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ في القضاء فلم يعتد بما مضى كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه وقال في القديم والصيام من الجديد لا يلزمه لانه جهة تجوز الصلاة إليها بالاجتهاد فأشبه إذا لم يتيقن الخطا وان صلي إلى جهة ثم رأى القبلة في يمينها أو شمالها لم يعد لان الخطأ في ليمين والشمال لا يعلم قطعا فلا ينقض به الاجتهاد) * *

* (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ تَعَيَّنَ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ إلَى جِهَتَيْنِ فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي إحْدَاهُمَا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَيَّنْ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا وَقَوْلُهُ يَقِينُ الْخَطَأِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَلَّى إلَى جِهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُهَا فَقَدْ تَعَيَّنَ الخطأ بالظن لا باليقين وقوله فيما يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا أَوْ وَقَفَ لِلْحَجِّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَالِطًا * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ اصحابنا رحمهم

اللَّهُ إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَعْرَضَ عَنْهُ وَاعْتَمَدَ الْجِهَةَ الَّتِي يَعْلَمُهَا أَوْ يَظُنُّهَا الْآنَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بَلْ ظَنَّ أَنَّ الصَّوَابَ جِهَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ دَلِيلُ الثَّانِي عِنْدَهُ أَوْضَحَ مِنْ الْأَوَّلِ اعْتَمَدَ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْضَحَ اعْتَمَدَهُ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَالثَّانِي يُصَلِّي إلَى الْجِهَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (الْحَالُ

الثَّانِي) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ مَعَ الْخَطَأِ جِهَةَ الصَّوَابِ أَمْ لَا وَقِيلَ الْقَوْلَانِ إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّوَابَ فَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَهُمَا فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وقيل القولان إذا تيقن الخطأ وتيقن الصَّوَابَ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّوَابَ فَلَا إعَادَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ تَيَقَّنَ خَطَأَ الَّذِي قَلَّدَهُ الْأَعْمَى فَهُوَ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْمُجْتَهِدُ خَطَأَ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْخَطَأَ وَلَكِنْ ظَنَّهُ فَلَا إعَادَةَ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ فِي أَثْنَائِهَا وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا يَظْهَرُ الْخَطَأُ وَيَظْهَرُ الصَّوَابُ مُقْتَرِنًا بِهِ فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ مُتَيَقَّنًا بَنَيْنَاهُ عَلَى تَيَقُّنِ الْخَطَأِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يَنْحَرِفُ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَيَبْنِي وَالثَّانِي تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطَأُ مُتَيَقَّنًا بَلْ مَظْنُونًا فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَوْ الْقَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ السَّابِقِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ رُجْحَانِ الدَّلِيلِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ: الضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ الصَّوَابُ مَعَ الْخَطَأِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوَابِ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى الْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ فَهَلْ يَنْحَرِفُ وَيَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ فِيهِ طريقان أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَحْسُوبَةٍ: مِثَالُ ظُهُورِ الْخَطَأِ دُونَ الصَّوَابِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ قِبْلَتَهُ عَنْ يَسَارِ الْمَشْرِقِ وَكَانَ هُنَاكَ غَيْمٌ فَذَهَبَ وَظَهَرَ كَوْكَبٌ قَرِيبٌ مِنْ الْأُفُقِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُهُ فَعَلِمَ الْخَطَأَ يَقِينًا وَلَمْ يَعْلَمْ الصَّوَابَ إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْكَوْكَبِ فِي الْمَشْرِقِ وَيُحْتَمَلُ الْمَغْرِبُ لَكِنْ قَدْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ يَرْتَفِعَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَشْرِقٌ أَوْ يَنْحَطَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَغْرِبٌ وَتُعْرَفُ بِهِ الْقِبْلَةُ وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُطْبِقُ الْغَيْمُ عَقِبَ ظُهُورِ الْكَوْكَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْجِهَةِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ بِالِاجْتِهَادِ وَظَهَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا وَالصَّلَاةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا انْحَرَفَ وَأَتَمَّهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ يَقِينًا وَقُلْنَا الْفَرْضُ جِهَةُ الْكَعْبَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا

عَيْنُهَا فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ فِي الْأَثْنَاءِ الْقَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ الْخَطَأُ فِي الِانْحِرَافِ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ مَكَّةَ وَإِنَّمَا يُظَنُّ وَمَعَ الْقُرْبِ يُمْكِنُ الْيَقِينُ وَالظَّنُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ خِلَافٍ أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ هَلْ يُتَيَقَّنُ الْخَطَأُ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقُرْبِ مِنْ مَكَّةَ وَالْبُعْدِ فَقَالُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُتَصَوَّرُ * (فَرْعٌ) لَوْ اجْتَهَدَ جَمَاعَةٌ فِي الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمْ فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مَأْمُومٍ لَزِمَهُ الْمُفَارَقَةُ وَيَنْحَرِفُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَهَلْ لَهُ الْبِنَاءُ أَمْ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَهَلْ هُوَ مُفَارِقٌ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِتَرْكِهِ كَمَالَ الْبَحْثِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بِعُذْرٍ وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ انْحَرَفَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بَانِيًا أَوْ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الْخِلَافِ وَيُفَارِقُهُ الْمَأْمُومُ وَهِيَ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ رِعَايَةَ ذَلِكَ وَجَعَلْنَاهُ مُؤَثِّرًا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِهَةِ فَلَا يَقْتَدِي أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ وَلَوْ شَرَعَ الْمُقَلِّدُ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّقْلِيدِ فَقَالَ لَهُ عَدْلٌ أَخْطَأَ بِكَ فُلَانٌ فَلَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يكون قوله عن اجتهاد فان كان قول الْأَوَّلُ أَرْجَحَ عِنْدَهُ لِزِيَادَةِ عَدَالَتِهِ أَوْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شَكَّ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الثَّانِي وَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ اثْنَيْنِ هَلْ يَجِبُ

الْأَخْذُ بِأَعْلَمِهِمَا أَمْ يَتَخَيَّرُ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ فَهُوَ كَتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْبَصِيرِ فَيَنْحَرِفُ وَهَلْ يَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ فِيهِ الْخِلَافُ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الثَّانِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْأَوَّلِ أَرْجَحَ عِنْدَهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَقُولَ لِلْأَعْمَى أَنْتَ مُسْتَقْبِلُ الشَّمْسِ وَالْأَعْمَى يَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُ إلَى غَيْرِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ قَالَ الثَّانِي أَنْتَ عَلَى الْخَطَأِ قَطْعًا وَجَبَ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَقْلِيدَ الاول بطل بقطع هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الدَّلَائِلَ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا عُرِّفَ يُعْرَفُ وَالْوَقْتُ واسع لزمه أن يتعرف ويجتهد في طلبها لانه يمنكه أَدَاءُ الْفَرْضِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُؤَدِّيهِ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا عُرِّفَ لَا يَعْرِفُ فَهُوَ كالاعمى لا فرق بين أن لا يَعْرِفَ لِعَدَمِ الْبَصَرِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَعْرِفَ لِعَدَمِ الْبَصِيرَةِ وَفَرْضُهُمَا التَّقْلِيدُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمَا الِاجْتِهَادُ فَكَانَ فَرْضُهُمَا التَّقْلِيدُ كَالْعَامِّيِّ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَأَصَابَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ شَاكٌّ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ قَلَّدَ أَوْثَقَهُمَا وَأَبْصَرَهُمَا فَإِنْ قَلَّدَ الْآخَرَ جَازَ وَإِنْ عَرَفَ الْأَعْمَى الْقِبْلَةَ بِاللَّمْسِ صَلَّى وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيدِ وَإِنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَبْصَرَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْقِبْلَةَ مِنْ مِحْرَابٍ أو مسجد

أَوْ نَجْمٍ يَعْرِفُ بِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَقْتُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا وَجَدَ مَنْ يقلده اعاد) * * * (الشَّرْحُ) * فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ تَعَلُّمَ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فَرْضُ عَيْنٍ أَمْ كِفَايَةٍ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقِبْلَةَ وَلَا دَلَائِلَهَا فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ فَإِنْ قُلْنَا التَّعَلُّمُ فَرْضُ عَيْنٍ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ فَإِنْ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَقَلَّدَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَظِيفَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَعَلَى هَذَا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ فَهُوَ كَالْعَالِمِ إذَا تَحَيَّرَ وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِيه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُلْنَا التَّعَلُّمُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ صَلَّى بِالتَّقْلِيدِ وَلَا يُعِيدُ كَالْأَعْمَى وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقِبْلَةَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لَمْ يجد من لم يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ أَعْمَى فَفَرْضُهُمْ التَّقْلِيدُ وَهُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ الْمُسْتَنِدُ إلَى اجْتِهَادٍ فَلَوْ قَالَ بَصِيرٌ رَأَيْتُ الْقُطْبَ أَوْ رأيت الخلق العظيم من المسلمين يُصَلُّونَ إلَى هُنَا كَانَ الْأَخْذُ بِهِ قَبُولَ خَبَرٍ لَا تَقْلِيدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَشَرْطُ الَّذِي يُقَلِّدُهُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا ثِقَةً عَارِفًا بِالْأَدِلَّةِ سَوَاءٌ فِيهِ اجْتِهَادُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ له تقليد صبى مميز حكاه (1) والرافعي فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ قَلَّدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالْأَوْلَى تَقْلِيدُ الْأَوْثَقِ وَالْأَعْلَمِ وَهُوَ مراد

_ (1) بياض بالاصل اه

الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ أَبْصَرَهُمَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ حَكَاهُ (1) (الثَّالِثَةُ) إذَا عَرَفَ الْأَعْمَى الْقِبْلَةَ بِاللَّمْسِ بِأَنْ لَمَسَ الْمِحْرَابَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ الْمِحْرَابَ عَلَى مَا سَبَقَ صَلَّى إلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (الرَّابِعَةُ) إذَا دَخَلَ الْأَعْمَى وَالْجَاهِلُ الَّذِي هُوَ كَالْأَعْمَى فِي الصَّلَاةِ بِالتَّقْلِيدِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْأَعْمَى أَوْ عَرَفَ الْجَاهِلُ الْأَدِلَّةَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مِحْرَابٍ أَوْ نَجْمٍ أَوْ خَبَرٍ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا اسْتَمَرَّ فِي صلاته ولا اعادة وان لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاجْتِهَادِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عذر نادر * قال المصنف رحمه الله * * (وان كان ممن يعرف الدلائل ولكن خفيت عليه لظلمة أو غيم فقد قال الشافعي رحمه الله ومن خفيت عليه الدلائل فهو كالاعمى وقال في موضع آخر ولا يسع بصيرا أن يقلد فقال أبو اسحق لا يقلد لانه يمكنه الاجتهاد وقوله كالاعمى أراد به كالاعمي في أنه يصلي ويعيد لا أنه يقلد وقال أبو العباس ان ضاق الوقت قلد وان اتسع لم يقلد وعليه يأول قول الشافعي وقال المزني وغيره المسألة على قولين وهو الاصح أحدهما يقلد وهو اختيار المزني لانه خفيت عليه الدلائل فهو كالاعمي والثانى لا يقلد لانه يمكنه التوصل بالاجتهاد) * *

_ (1) بياص بالاصل اه

* (الشَّرْحُ) * إذَا خَفِيَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ لِغَيْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ غَيْرِهَا ففيه أَرْبَعُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يقلد والثاني لا يُقَلِّدُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُقَلِّدُ قَطْعًا وَالثَّالِثُ لَا يُقَلِّدُ قَطْعًا وَالرَّابِعُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ قَلَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ فَإِنْ قلنا لا يقاد صلي حَسَبِ حَالِهِ وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَإِنْ قُلْنَا يُقَلِّدُ فَقَلَّدَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عليه علي الصحيح وبه قطع المجهور وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِعُذْرٍ نَادِرٍ غَيْرِ دَائِمٍ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الطُّرُقَ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الطُّرُقُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ قَبْلَ ضِيقِهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ التَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْمَذْهَبُ ما حكيناه عن الجمهور * * قال المصنف رحمه الله * * (وأما في شدة الخوف والتحام القتال فيجوز أن يترك القبلة إذا اضطر الي تركها ويصلي حيث امكنه لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضى الله عنهما " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " ولانه فرض اضطر الي تركه فصلي مع تركه كالمريض إذا عجز عن القيام) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ سِيَاقُهُ مُخَالِفٌ لِهَذَا فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَذَكَرَ صِفَتَهَا قَالَ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أي عدوا قال والرجال جمع راجل كصحب وصحاب وهو

الْكَائِنُ عَلَى رِجْلِهِ مَاشِيًا كَانَ أَوْ وَاقِفًا قال وجمعه رجل ورجالة وجالة وَرُجَّالٌ وَرِجَالٌ وَالرُّكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَفَارِسٍ وَفُرْسَانٍ قَالَ وَمَعْنَى الْآيَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ يصلوا قَائِمِينَ مُوفِينَ لِلصَّلَاةِ حُقُوقَهَا فَصَلُّوا مُشَاةً وَرُكْبَانًا قان ذلك يجزيكم قال المفسروه هَذَا فِي حَالَةِ الْمُسَايَفَةِ وَالْمُطَارَدَةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاحِدِيِّ فَصَرَّحَ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ بَلْ هُوَ بَيَانُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ الصَّلَاةُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَمْكَنَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ اُضْطُرَّ إلَى تَرْكِهِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَرْضٌ أَنَّهُ شَرْطٌ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَالْفَرِيضَةِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ رَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى رَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَائِمًا لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْقِيَامُ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَسْقُطْ الِاسْتِقْبَالُ بِلَا عذر * * قال المصنف رحمة الله *

* (وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَيُنْظَرُ فِيهَا فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ يمكنه أن يدور على ظهرها كالعمارية والمحمول الْوَاسِعِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا كَالسَّفِينَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الْقِبْلَةَ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حَيْثُ تَوَجَّهَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ " وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ لِأَنَّهُ أُجِيزَ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ عَنْ السَّيْرِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ وَنَحْوُهُ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ لُغَتَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالْعُمَارِيَّةُ ضَبَطَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ وَضَبَطَهَا غَيْرُهُمْ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ مَرْكَبٌ صَغِيرٌ عَلَى هَيْئَةِ مَهْدِ الصَّبِيِّ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ صُورَتِهِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أراد الراكب في فِي السَّفَرِ نَافِلَةً نُظِرَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدُورَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كَانَ فِي مَحْمِلٍ أَوْ عُمَارِيَّةٍ أَوْ هَوْدَجٍ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَجْزِيهِ الْإِيمَاءُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا فَأَشْبَهَ رَاكِبَ السَّفِينَةِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ وَالْإِيمَاءُ بِالْأَرْكَانِ كَالرَّاكِبِ عَلَى سَرْجٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ

مَشَقَّةً فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ السَّفِينَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْجَوَازَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ مَقْطُورَةً أَوْ مُفْرَدَةً يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ أَمَّا الرَّاكِبُ فِي سَفِينَةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ سواء كانت واقفة أَوْ سَائِرَةً لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَذَا فِي حَقِّ رُكَّابِهَا الْأَجَانِبِ اما ملاحها الذى يسبرها فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَبُو الْمَكَارِمِ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ فِي نَوَافِلِهِ فِي حَالِ تَسْيِيرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْمَاشِي تَرْكُ الْقِبْلَةِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ سَيْرِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْمَلَّاحِ الَّذِي يَنْقَطِعُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَوْلَى وَأَمَّا رَاكِبُ الدَّابَّةِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَحِمَارٍ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدُورَ عَلَى ظَهْرِهَا بِأَنْ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا فله ان يتنفل إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَانْقَطَعَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَسْفَارِهِمْ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَانْقَطَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ التَّنَفُّلِ لِرَغْبَتِهِمْ فِي السَّفَرِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ سَأَلَ الشَّيْخَ أَبَا زَيْدٍ فَعَلَّلَ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَسَأَلَ الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيَّ فَعَلَّلَ بِالثَّانِيَةِ وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَحْسَنُ وهذا معنى قول الغزالي في البسيط لكيلا ينقطع المتعبد عن السفر والمسافر عن التفل وَهَذَا التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ جائز في السفر الطويل والقصير هذا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَالَ فِي

الْبُوَيْطِيِّ وَقَدْ قِيلَ لَا يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ إلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصلاة فعجل الْخُرَاسَانِيُّونَ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ فَجَعَلُوا فِي المسألة قولين احدهما يختص باالسفر الطَّوِيلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَخْتَصُّ وقطع الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ قَالُوا وَقَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ حِكَايَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ لَا قَوْلَ لَهُ وَعِبَارَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْحِكَايَةِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفَطْرِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثًا بان بلك الرُّخَصَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْضِ فَاحْتَطْنَا لَهُ بِاشْتِرَاطِ طَوِيلِ السَّفَرِ وَالتَّنَفُّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا جَازَ قَاعِدًا فِي الْحَضَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله ** (ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ وَاقِفًا نُظِرَتْ فَإِنْ كان في قطار لا يمكنه ان يدبر الدَّابَّةَ إلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُدِيرَ رَأْسَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَإِنْ كَانَ فِي قِطَارٍ أَوْ مُنْفَرِدًا وَالدَّابَّةُ حَرُونٌ يَصْعُبُ عَلَيْهِ إدَارَتُهَا صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَ وَإِنْ كَانَ سَهْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُدِيرَ رَأْسَهَا إلَى الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجْهَهُ رِكَابُهُ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يلزم لِأَنَّهُ يَشُقُّ إدَارَةُ الْبَهِيمَةِ فِي حَالِ السَّيْرِ) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ الرَّاكِبَ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى سَرْجٍ وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي وجوب استقباله القلبة عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا إنْ سَهُلَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا فَالسَّهْلُ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفا أَوْ كَانَتْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا فَهِيَ سَهْلَةٌ وَغَيْرُ السَّهْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُقَطِّرَةً أَوْ صَعْبَةً وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وشيخه القاضى أبو الطيب والثالث مُطْلَقًا فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مُتَوَجِّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ طَرِيقِهِ أَحْرَمَ كَمَا هُوَ وَإِنْ كَانَتْ إلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ إلَّا الي

الْقِبْلَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ وَفِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَقِيلَ قَوْلَانِ وَقِيلَ حَالَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السَّهْلِ وَغَيْرِهِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالرَّاكِبِ دُونَ الدَّابَّةِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ هُوَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالدَّابَّةُ مُنْحَرِفَةٌ أَوْ مُسْتَدِيرَةٌ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَعَكْسُهُ لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطْنَا الاستقبال وإذا لم نشرط الِاسْتِقْبَالَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَعِنْدَ السَّلَامِ أَوْلَى وَإِنْ شَرَطْنَاهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَفِي اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ السَّلَامِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ لزوج جِهَةِ الْمَقْصِدِ فِي جَمِيعِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ عَلَى السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَلَا عُرْفِ الدَّابَّةِ وَلَا الْمَتَاعِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ فَعَلَ جَازَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنْ يَنْحَنِيَ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَيَكُونُ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ مَحْتُومٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ وُسْعِهِ فِي الانحناء واما باقى الاركان فكيفيتها ظاهرة * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مُتَوَجِّهًا إلَى مَقْصِدِهِ فعدلت الي جهة نظرت فان كانت جِهَةَ الْقِبْلَةِ جَازَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَرْضِهِ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فَإِذَا عَدَلَتْ إلَيْهِ فَقَدْ أُتِيَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جِهَةَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ الْعِلْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِبْلَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ بَلَدِهِ أَوْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِذَا عَلِمَ رَجَعَ إلَى جِهَةِ الْمَقْصِدِ قال الشافعي رحمه الله ويسجد للسهو) * * * (الشَّرْحُ) * يَنْبَغِي لِلْمُتَنَفِّلِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَنْ يَلْزَمَ جِهَةَ مَقْصِدِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ سُلُوكُ نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ الشَّرْطُ جِهَةُ الْمَقْصِدِ فَلَوْ انْحَرَفَ الْمُتَنَفِّلُ مَاشِيًا أَوْ حَرَفَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ أَوْ انْحَرَفَتْ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ الِانْحِرَافُ وَالتَّحْرِيفُ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ وَجِهَاتِهِ وَمَعَاطِفِهِ لَمْ يُؤْثِرْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ طَالَ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصِدِهِ وَمُوصِلٌ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ طَالَ هذا التحريف

وَكَثُرَ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيفُ وَالِانْحِرَافُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَقْصِدِ وَهُوَ عَامِدٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ظَنَّ أَنَّهَا جِهَةُ مَقْصِدِهِ فَإِنْ عَادَ عَلَى قُرْبٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَالَ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ الْأَصَحُّ تَبْطُلُ كَكَلَامِ النَّاسِي لَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِهِ وَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَإِنْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ فَانْحَرَفَ بِجِمَاحِهَا وَطَالَ الزَّمَانُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ تَبْطُلُ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ فأما له إنْسَانٌ قَهْرًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالطَّوِيلِ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ نَرَ هَذَا الْخِلَافَ لِغَيْرِهِ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لا تبطل قطعا لعموم الحاجة تم إذَا لَمْ تَبْطُلْ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قَصُرَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يَسْجُدُ وَفِي صُورَةِ الْجِمَاحِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَسْجُدُ: وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ إنْ طَالَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّفَلَ يَدْخُلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَفِيهِ قَوْلٌ غَرِيبٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ * (فَرْعٌ) إذَا انْحَرَفَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ الْقِبْلَةِ نُظِرَ إنْ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ تَحَوَّلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا وَعَادَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ عَلَى قُرْبٍ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي كَلَامِ النَّاسِي إذَا كَثُرَ وَلَوْ أَمَالَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ قَهْرًا فَعَادَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَادَ عَلَى قُرْبٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لانه

نادر * قال المصنف رحمه الله * * (وان كان المسافر ماشيا جاز أن يصلى النافلة حيث توجه لان الراكب أجيز له ترك القبلة حتى لا يقطع الصلاة في السفر وهذا المعنى موجود في الماشي غير أنه يلزم الماشي أن يحرم ويركع ويسجد علي الارض مستقبل القبلة لانه يمكنه أن يأتي بذلك من غير أن ينقطع عن السير) * * * (الشَّرْحُ) * يَجُوزُ لِلْمَاشِي فِي السَّفَرِ التَّنَفُّلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي لُبْثِهِ فِي الْأَرْكَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَهُ التَّشَهُّدُ مَاشِيًا كَمَا لَهُ الْقِيَامَ مَاشِيًا وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ أَيْضًا قَاعِدًا وَلَا يَمْشِي إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَالثَّالِثُ لَا يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ فِي الْأَرْضِ فِي شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ كَالرَّاكِبِ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَجَبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ غَيْرَ الْقِيَامِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ اسْتَقْبَلَ فِي الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَ السَّلَامِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ لَمْ يُشْتَرَطْ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ حَالَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَحُكْمُهُ فِيهِمَا حُكْمُ رَاكِبٍ بِيَدِهِ زِمَامُ دَابَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ دُونَ السَّلَامِ وَحَيْثُ لَمْ نُوجِبْ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يُشْتَرَطُ مُلَازَمَةُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّاكِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ النَّافِلَةَ مَاشِيًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وداود * ومنعها أبو حنيفة ومالك * * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ دَخَلَ الرَّاكِبُ أَوْ الْمَاشِي إلَى الْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِي طَرِيقِهِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَ مَا لَمْ يقطع السير لانه باق علي السير) * *

* (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا دَوَامُ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ فَلَوْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ اُشْتُرِطَ إتْمَامُهَا الي القبلة متمكنا وينزل ان كَانَ رَاكِبًا وَيُتِمُّ الْأَرْكَانَ وَلَوْ دَخَلَ وَطَنَهُ ومحل اقامته أو خل الْبَلَدَ الَّذِي يَقْصِدُهُ فِي خِلَالِهَا اُشْتُرِطَ النُّزُولُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ بِأَرْكَانِهَا مُسْتَقْبِلًا بِأَوَّلِ دُخُولِهِ الْبُنْيَانَ إلَّا إذَا جَوَّزْنَا لِلْمُقِيمِ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِقَرْيَةٍ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ صَارَتْ كَمَقْصِدِهِ وَوَطَنِهِ وَلَوْ مَرَّ بِقَرْيَةٍ مُجْتَازًا فله اتام الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَيْثُ تَوَجَّهَ فِي مَقْصِدِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَلَيْسَتْ وَطَنَهُ فَهَلْ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ يَجْرِيَانِ فِي التَّنَفُّلِ وَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَسَائِرِ الرُّخَصِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِيرُ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَالثَّانِي يَصِيرُ فَيُشْتَرَطُ النُّزُولُ وَإِتْمَامُهَا مُسْتَقْبِلًا وَحَيْثُ أَمَرْنَاهُ بِالنُّزُولِ فَذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّابَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ مُسْتَقْبِلًا فَلَوْ أَمْكَنَ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ وَإِذَا نَزَلَ وَبَنَى ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوبَ وَالسَّفَرَ فَلِيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْكَبَ فَإِذَا رَكِبَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَعِنْدَ الْمُزَنِيِّ لَا تَبْطُلُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالنُّزُولِ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْمُصَلِّي سَائِرًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَلْزَمُهُ الْعُدُولُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا إذَا دَخَلَ بَلْدَتَهُ أَوْ مَقْصِدَهُ فَيَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ لم يفعل بطلت الثاثي إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا بَقِيَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَطَلَتْ الثَّالِثُ أَنْ يَصِلَ الْمَنْزِلَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ فَقَدْ انْقَطَعَ سَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ الرَّابِعُ أَنْ يَقِفَ عَنْ السَّيْرِ بِغَيْرِ نُزُولٍ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رَفِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا بَقِيَ فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ سَارَ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَقَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِسَيْرِ الْقَافِلَةِ جَازَ أَنْ يُتِمَّهَا إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأَخُّرِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرِيدُ لِإِحْدَاثِ السَّيْرِ اُشْتُرِطَ أَنْ يُتِمَّهَا قَبْلَ رُكُوبِهِ لانه بالوفوف لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَمْ

يجز تركه كما لنازل إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ رَكِبَ سَائِرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ النَّافِلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ بَلَدًا فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ لَكِنْ وَقَفَ علي راحلة لانتظار شغل ونحوه وهو في النافة فَلَهُ إتْمَامُهَا بِالْإِيمَاءِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ في جميعها مادام وَاقِفًا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وآخرون * * قال المصنف رحمه الله * * (وإذا كانت النافلة في الحضر لم يجز أن يصليها إلى غير القبلة وقال أبو سعيد الاصطخرى يجوز لانه انما رخص في السفر حتى لا ينقطع الركوع وهذا موجود في الحضر والمذهب الاول لان الغالب من حال الحضر اللبث والمقام فلا مشقة عليه في الاستقبال) * * * (الشَّرْحُ) * فِي تَنَفُّلِ الْحَاضِرِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَجُوزُ لِلْمَاشِي وَلَا لِلرَّاكِبِ بَلْ لِنَافِلَتِهِ حُكْمُ الفريضة في كل شئ غَيْرَ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا وَالثَّانِي قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ لَهُمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مُحْتَسِبَ بَغْدَادَ وَيَطُوفُ فِي السِّكَكِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ لِلرَّاكِبِ دُونَ الْمَاشِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْمَاشِيَ يُمْكِنُهُ أَنْ بدخل مَسْجِدًا بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالرَّابِعُ يَجُوزُ بِشَرْطِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) شَرْطُ جَوَازِ التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ مَاشِيًا وراكبا أن لا يكون سفره مَعْصِيَةٍ وَكَذَا جَمِيعُ رُخَصِ السَّفَرِ شَرْطُهَا أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في باب

مَسْحِ الْخُفِّ وَسَنَبْسُطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُلَاقِي بَدَنَ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ وَثِيَابِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْمَتَاعِ وَاللِّجَامِ وَغَيْرِهَا طَاهِرًا وَلَوْ بَالَتْ الدَّابَّةُ أَوْ وَطِئَتْ نَجَاسَةً أَوْ كَانَ عَلَى السَّرْجِ نَجَاسَةٌ فَسَتَرَهَا وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَوْ أَوْطَأَهَا الرَّاكِبُ نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ النَّجَاسَةَ وَلَا حَمَلَ مَا يُلَاقِيهَا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَلَوْ دَمِيَ فَمُ الدَّابَّةِ وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ وَطِئَ الْمُتَنَفِّلُ مَاشِيًا عَلَى نَجَاسَةٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَتَحَفَّظَ وَيَتَصَوَّنَ وَيَحْتَاطَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ يَغْلِبُ فِيهَا النَّجَاسَةُ وَالتَّصَوُّنُ مِنْهَا عَسِرٌ فَمُرَاعَاتُهُ تَقْطَعُ الْمُسَافِرَ عَنْ أَغْرَاضِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ انْتَهَى إلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ لَا يَجِدُ عَنْهَا مَعْدِلًا فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَلَا شَكَّ لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً فَمَشَى عَلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَامِلَ نَجَاسَةٍ (الثَّالِثَةُ) يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَإِنْ رَكَضَ الدَّابَّةَ لِلْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهَا أَوْ حَرَّكَ رِجْلَهُ لِتَسِيرَ فَلَا بَأْسَ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَلَوْ أَجْرَاهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ كَانَ مَاشِيًا فَعَدَا بِلَا عُذْرٍ قَالَ الْبَغَوِيّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الْمُسَافِرُ رَاكِبَ تَعَاسِيفَ وَهُوَ الْهَائِمُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ تَارَةً وَيَسْتَدْبِرُ تَارَةً وَلَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا مَاشِيًا كما ليس له القصر ولا الترخص بشئ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ لَكِنْ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ فِي طَرِيقٍ معين فهل لها التَّنَفُّلُ مُسْتَقْبِلًا جِهَةَ مَقْصِدِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا مَعْلُومًا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا مَضْبُوطًا فَقَدْ لَا يُؤَدِّي

سَيْرُهُ إلَى مَقْصِدِهِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ فَتَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَنَوَى السَّفَرَ إلَى غَيْرِهِ أَوْ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ فَلْيَصْرِفْ وَجْهَ دَابَّتِهِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ فِي الْحَالِ وَيَسْتَمِرَّ عَلَى صَلَاتِهِ وَتَصِيرُ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ قِبْلَتَهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (السَّادِسَةُ) لَوْ كَانَ ظَهْرُهُ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ مَقْلُوبًا وَجَعَلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ طَرِيقُهُ وَأَصَحُّهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَهَا أَوْلَى (السَّابِعَةُ) حَيْثُ جَازَتْ النَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَمَاشِيًا فَجَمِيعُ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِشَبَهِهَا بِالْفَرَائِضِ فِي الْجَمَاعَةِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلَوْ سَجَدَ لِشُكْرٍ أَوْ تِلَاوَةٍ خارج الصلاة بالايماء على الرحلة فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ فَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنْ قلنا هما سنة جازت علي الراحلة وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ فَلَا وَلَا تَصِحُّ الْمَنْذُورَةُ وَلَا الْجِنَازَةُ مَاشِيًا وَلَا عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى المذهب فيهما وَفِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (الثَّامِنَةُ) شَرْطُ الْفَرِيضَةِ الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقِرًّا فِي جَمِيعِهَا فَلَا تَصِحُّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْمَاشِي الْمُسْتَقْبِلِ وَلَا مِنْ الرَّاكِبِ الْمُخِلِّ بِقِيَامٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ فِي هَوْدَجٍ أَوْ سَرِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ ففى صحة فريضة وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْمُعْتَمَدِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ كَالسَّفِينَةِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ كانت االدابة سَائِرَةً وَالصُّورَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرَارًا وَالثَّانِي تَصِحُّ كَالسَّفِينَةِ وَتَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي السَّفِينَةِ الواقفة

وَالْجَارِيَةِ وَالزَّوْرَقِ الْمَشْدُودِ بِطَرَفِ السَّاحِلِ بِلَا خِلَافٍ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ فِي سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ أَوْ أُرْجُوحَةٍ مَشْدُودَةٍ بِالْحِبَالِ أَوْ الزَّوْرَقِ الْجَارِي فِي حَقِّ الْمُقِيمِ بِبَغْدَادَ وَنَحْوِهِ فَفِي صِحَّةِ فَرِيضَتِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ كَالسَّفِينَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَقَالَ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى سَرِيرٍ فَحَمَلَهُ رِجَالٌ وَسَارُوا بِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ سَائِرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ جَازَتْ الْفَرِيضَةُ قَاعِدًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَإِنْ هَبَّتْ الرِّيحُ وَحَوَّلَتْ السَّفِينَةَ فَتَحَوَّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلى القبلة ويبى عَلَى صَلَاتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ وَحَوَّلَ إنْسَانٌ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ قَهْرًا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا فِي الْبَرِّ نَادِرٌ وَفِي الْبَحْرِ غَالِبٌ وَرُبَّمَا تَحَوَّلَتْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُمْ سَائِرُونَ وَخَافَ لَوْ نَزَلَ لِيُصَلِّيَهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ هَكَذَا ذَكَر الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا لَا تَجِبُ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لِلْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ يَعْلَى بن مرة رضى الله عنه الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ فِي الْأَذَانِ *

(فَرْعٌ) الْمَرِيضُ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا مُتَبَرِّعًا وَلَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَهُوَ وَاجِدُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْغَرِيقُ وَنَحْوُهُمَا تَلْزَمُهُمَا الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُ أَمْكَنَهُمْ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ وَفِيهِمْ خِلَافٌ سَبَقَ فِي باب التيمم والصحيح وُجُوبُ الْإِعَادَةِ (التَّاسِعَةُ) إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ أَنْ لَا إعَادَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ صَلَّوْا رَكْعَةً إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ نَسْخِهِ وَوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ عَلِمُوا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ النَّسْخَ فَاسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوا إلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَتْ الرَّكْعَةُ الْأُولَى إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي جَوَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّسْخِ إذَا وَرَدَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ قَبَلَ بُلُوغُهُ إلَيْهِمْ أَمْ لَا يَكُونُ نَسْخًا فِي حَقِّهِمْ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ حَتَّى يبلغهم فَأَهْلُ قُبَاءَ لَمْ تَصِرْ الْكَعْبَةُ قِبْلَتَهُمْ إلَّا حِينَ بَلَغَتْهُمْ فَلَا إعَادَةَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ فِي الْمُخْطِئِ قَوْلَانِ قال الفرق أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اسْتَقْبَلُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِهِ فَلَا ينسبوا إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أَخْطَأَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ

فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثم وجه الله " بحديث جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فتحيرنا في الفبلة فصلي كل رجل علي وحدة وجعل أحدنا يخط بين يديد فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُجِيزَتْ صَلَاتُكُمْ " وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفَانِ ضَعَّفَ الْأَوَّلَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفَ الثَّانِي الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا وَلَوْ صَحَّا لَأَمْكَنَ حَمْلُهُمَا عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ اجْتَهَدَ فَدَخَلَ فِي الصلاة فعمى فيما اتمه وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ الْأَوَّلَ أَوْلَى مِنْ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ قَالَ فَإِنْ دَارَ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ أَدَارَهُ غَيْرُهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ واستأنفها باجتهاد غيره * * قال المصنف رحمه الله * * (المستحب لمن يصلي إلى سترة أن يدنو منها لما روى عن سهل بن أبى حثمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته " والمستحب أن يكون بينه وبينها قدر ثلاثة أذرع لما روى سهل بن يعد الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يصلى وبينه وبين القبلة قدر ممر العنز " وممر العنز قدر ثلاث أذرع فان كان يصلي في موضع ليس بين يديه بناء فالمستحب أن ينصب بين يديه عصا لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " خرج في حلة حمراء فركز عنزة فجعل

يصلى إليها بالبطحاء يمرون الناس من ورائها الكلب والحمار والمرأة " والمستحب ان يكون ما يستره قدر مؤخرة الرحل لما روى طلحة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال " إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك " قال عطاء مؤخرة الرحل ذراع فان لم يجد عصا فليخط بين يديه خطا الي القبلة لما روى أبو هريرة رصي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم " إذا صلي احدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد شيئا فلينصب عصا فان لم يجد عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر بين يديه " ويكره أن يصلي وبين يديد رجل يستقبله بوجهه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " رأى رجلا يصلى ورجل جالس مستقبله فضربهما بالدرة " فان صلي ومر بين يديه مار دفعه ولم تبطل بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقطع صلاة المرء شئ وادرء واما استطعتم) * * * (الشرح) * حديث سهل بن حَثْمَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا " كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ " وَحَدِيثُ أَبِي جحيفة رواه مسلم وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ طَلْحَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ " وَلَا يُبَالِي مَنْ وَرَاءَ ذَلِكَ " وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ " مَنْ مر وراء ذلك " بزيادة لفظة مرو في رواية

التِّرْمِذِيِّ " مَنْ مَرَّ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ " وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْخَطِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ تَضْعِيفَهُ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَسُنَنِ حَرْمَلَةَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خطا إلا أن يكون في ذلك حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَيُتَّبَعُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْبَيْهَقِيّ هُوَ ضَعِيفٌ لِاضْطِرَابِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ " لَا يَقْطَعُ الصلاة شئ وادرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ عَطَاءٌ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ ذِرَاعٌ فَرَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُ ابى حثمة عبد الله وقيل عامر ابن ساعدة الانصاري المدنى كنية سَهْلٍ أَبُو يَحْيَى وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثمان سينن وَحَفِظَ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ وَأَمَّا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ الْمَدَنِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى سَاعِدَةَ أَحَدِ أَجْدَادِهِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ بَيْنَنَا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ: وَأَمَّا أَبُو جُحَيْفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَطَلْحَةُ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَعُمُرَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْمِيَاهِ وعطاء في الحيض: وفى الذراع لغلتان التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْأَكْثَرُ قَوْلُهُ وَمَمَرُّ الْعَنَزِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ فَرَكَزَ عَنَزَةً هو بفتح النون وهو عَصًا نَحْوُ نِصْفِ رُمْحٍ فِي أَسْفَلِهَا زُجٌّ كزج الرمح الذى فِي أَسْفَلِهِ وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ قَالَ أهل اللغلة لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ وَمُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْبَابِ وَالْبَطْحَاءُ بِالْمَدِّ هِيَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ وَيُقَالُ فِيهَا الْأَبْطُحُ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ علي باب مكة وادرؤ اما استطعتم أي ادفعو وَقَوْلُهُ يَمُرُّونَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهَا كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَمُرُّ النَّاسُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ لُغَةً قَلِيلَةً ضَعِيفَةً وهى لغة اكلو في البراغيث: أما احكام الفصل ففيه مسائل (احداهما) السُّنَّةُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ مِنْ جِدَارٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَدْنُوَ مِنْهَا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ وَنَحْوُهُ غَرَزَ عَصًا وَنَحْوَهَا أَوْ جَمَعَ مَتَاعَهُ أو مرحله ويكون ارتفاع العصا ونحوها ثلثى ذراع فصاعد وَهُوَ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ ذِرَاعٌ كَمَا حَكَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا شَاخِصًا فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يخطر بَيْنَ يَدَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَسُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يُسْتَحَبُّ وَلِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ يُسْتَحَبُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَنُقِلَ فِي الْبَيَانِ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْخَطِّ فَفِي كَيْفِيَّتِهِ اخْتِلَافٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبُ الشَّافِعِيِّ يَجْعَلُهُ مِثْلَ الْهِلَالِ

وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ مُسَدِّدًا يَقُولُ قَالَ ابْنُ دَاوُد الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا إلَى الْقِبْلَةِ وقال غيره بخطه يَمِينًا وَشِمَالًا كَالْجِنَازَةِ وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْخَطِّ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَفِيهِ تَحْصِيلُ حَرِيمٍ للمصلي وقد قدما اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ دُونَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَهَذَا مِنْ نَحْوِ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالْمُخْتَارُ فِي كَيْفِيَّتِهِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِ الْخَطِّ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا بَسَطَ مُصَلَّاهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يُسْتَتَرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا رُبَّمَا شَغَلَتْ ذِهْنَهُ وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا " زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ لاسيما وَقَدْ أَوْصَانَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ * (فَرْعٌ) الْمُعْتَبَرُ فِي السُّتْرَةِ أَنْ يَكُونَ طُولُهَا كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَأَمَّا عَرْضُهَا فَلَا ضَابِطَ فِيهِ بَلْ يَكْفِي الْغَلِيظُ وَالدَّقِيقُ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ كَغِلَظِ الرُّمْحِ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ الْعَنَزَةِ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ مِثْلُ مؤخرة الرجل ولو بدقة شعرة " وعن سبرة ابن مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ الْأَوَّلُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ

وَمُسْلِمٍ وَالثَّانِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودِ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ الْوَلِيدَ بْنَ كَامِلٍ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ عَجَائِبُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذا صلى الي سترة حرم علي غبره الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ وَلَا يَحْرُمُ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَالصَّحِيحُ بل الصواب انه حرام وبه قطع التغوى والمحققون واحتجوا بحديث أبى الجهيم الانصاري الصاحبي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يقف أربعين خيرا له من أن بمر بَيْنَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ رَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إذَا صلي احدكم إلى شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي دَفْعُ مَنْ أَرَادَ الْمُرُورَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ ابى فا؟ قاتله فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدْفَعُهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِالْأَسْهَلِ ثُمَّ الْأَسْهَلِ وَيَزِيدُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَالصَّائِلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَطِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَالْعَصَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سترة لو كَانَتْ وَتَبَاعَدَ عَنْهَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِ الْمَارِّ وَأَصَحُّهُمَا لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى احدكم الي شئ يَسْتُرُهُ " وَلَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ * (فَرْعٌ) إذَا وَجَدَ الدَّاخِلُ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدْيِ الصَّفِّ الثَّانِي وَيَقِفُ فِيهَا لِتَقْصِيرِ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي بِتَرْكِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ إمام الحرمين النهى عن المرور الامر بِالدَّفْعِ إنَّمَا هُوَ إذَا وَجَدَ الْمَارُّ سَبِيلًا سِوَاهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَازْدَحَمَ النَّاسُ فَلَا نَهْيَ عَنْ الْمُرُورِ وَلَا يُشْرَعُ الدَّفْعُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ خِلَافُهُ وَأَكْثَرُ كُتُبِ الْأَصْحَابِ سَاكِتَةٌ عَنْ التَّقْيِيدِ

بِمَا إذَا وَجَدَ سِوَاهُ سَبِيلًا. قُلْتُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السمان فال " رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في يوم جمعة يصلى الي شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ شَابٌّ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ على مروان فقال مالك ولابن أخبك يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلى شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَمَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ كَلْبٌ أَسْوَدُ أَوْ حِمَارٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الدَّوَابِّ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ أهل العلم الا الحسن البصري قانه قَالَ تَبْطُلُ بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وقال احمد واسحق تَبْطُلُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَقَطْ وَاحْتَجَّ لِلْحَسَنِ وَلَهُمَا فِي الْكَلْبِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ قُلْت يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الكلب الاسود من الكلب مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحْسَبُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَجَعَلَهُ مُنْكَرًا وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ ضَعِيفَةً وَاحْتَجَّ لِأَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ مَسْرُوقٍ قَالَ ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَذَكَرُوا الْكَلْبَ وَالْحِمَارَ وَالْمَرْأَةَ فَقَالَتْ " شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَقْبَلْتُ راكبا على حماراتان وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ يَمِينًا إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أحد " رواه البخاري ومسلم وعن الفضل ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ

لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَبَرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلي عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كُنْتُ رَدِيفَ الْفَضْلِ عَلَى أَتَانٍ فَجِئْنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى فَنَزَلْنَا عَنْهَا فَوَصَلْنَا الصَّفَّ فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَحْسَنُهُمَا مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ الْقَطْعُ عَنْ الْخُشُوعِ وَالذِّكْرِ لِلشُّغْلِ بِهَا وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهَا لَا أَنَّهَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ ابْنَ عباص أَحَدُ رُوَاةٍ (1) قَطَعَ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ وَأَمَّا مَا يَدَّعِيهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ النَّسْخِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وهى في آخر الامران يَكُونَ نَاسِخًا إذْ يُمْكِنُ كَوْنُ أَحَادِيثِ الْقَطْعِ بَعْدَهُ وَقَدْ عُلِمَ وَتَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ نَاسِخًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ النَّسْخَ لَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مقدما عليه إذ ليس فيه رد شئ مِنْهَا وَهَذِهِ أَيْضًا قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ وَقَدْ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ غَالِبًا فَكُرِهَ كَمَا كُرِهَ النَّظَرُ إلَى مَا يُلْهِيهِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَرَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا هَذَا إذَا اشْتَغَلَ بِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا بَالَيْتُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ ثُمَّ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ فِي حديث عائشة ما يخالف ما ذكرناه أو لا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي وَهِيَ مُسْتَقْبِلَتُهُ بَلْ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً واضطجاعها في ظلام الليل فوجودها كعدمها إذْ لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا * (فَرْعٌ) لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى النَّائِمِ وَتُكْرَهُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ الَّذِينَ يَشْتَغِلُ بِهِمْ فَأَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي النَّائِمِ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ في المتحدت فلشغل القب وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا المتحدث " فرواه أبو داود ولكن ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَاده رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُسَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَ فَأَمَّا الصَّلَاةُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ فَقَدْ كَرِهَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَشْغَلُ المصلى عن صلاته *

_ (1) بياض بالاصل اه

باب صفة الصلاة

إذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَبِجَنْبِهِ امْرَأَةٌ لَمْ تَبْطُلْ طلاته وَلَا صَلَاتُهَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا هذا مذهبا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةٍ أَوْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ غَيْرَ مُشَارِكَةٍ لَهُ فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ يُشَارِكُهَا فِيهَا وَلَا تَكُونُ مُشَارِكَةً لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَةَ النِّسَاءِ فَإِذَا شَارَكَتْهُ فَإِنْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ رَجُلٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ إلَى جَنْبَيْهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاةُ مَنْ يَلِي الَّذِي يَلِيهَا لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَاجِزًا وَإِنْ كَانَتْ فِي صَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ يحاذيها من ورائها ولم تبطل صلاة يُحَاذِي مَحَاذِيهَا لِأَنَّ دُونَهُ حَاجِزًا فَإِنْ صَفَّ نِسَاءٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُنَّ صَفَّ رِجَالٌ بَطَلَتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِنَّ قَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَ هَذَا الصَّفِّ مِنْ الصُّفُوفِ بِسَبَبِ الْحَاجِزِ وَلَكِنْ نَقُولُ تَبْطُلُ صُفُوفُ الرِّجَالِ وَرَاءَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ صَفٍّ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا إلَى جَنْبِهِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهَا إذا بطلت صلاة الامام بطت صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ أَيْضًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُومِينَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفُ الْحُجَّةِ ظَاهِرُ التَّحَكُّمِ وَالتَّمَسُّكِ بِتَفْصِيلٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَعُمْدَتُنَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ فِي الْبُطْلَانِ وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَنْضَمُّ إلَى هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ قَالُوا نَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُصَلِّيَةً قَالَ أَصْحَابُنَا نَقُولُ إذَا لَمْ تَبْطُلْ وَهِيَ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ فَفِي الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَقَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُقُوفِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والهداية العصمة * * قال المصنف رحمه الله * * (باب صفة الصلاة) * * (إذا أراد أن يصلى في جماعة لم يقم حتي يفرغ المؤذن من الاقامة لانه ليس بوقت للدخول في الصلاة والدليل علنه ما روى أبو أمامة أن بلالا أخذ في الاقامة فلما قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الاقامة مثل ما يقول له فإذا فرغ المؤذن قام) * *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وقول المصنف إذا أراد أن يصلي جَمَاعَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ يَقُومُ أَوَّلًا ثُمَّ يُقِيمُ قَائِمًا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلدُّخُولِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الدُّخُولُ فِيهَا قبل الفراع مِنْ الْإِقَامَةِ لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فَإِنَّهَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَهَا وَقَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ يَعْنِي الدَّلِيلَ عَلَى انه ليس بوقت الدخول لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابَعَهُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ وَلَا يُتَابِعُهُ إلَّا قَبْلَ الدُّخُولِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَقُومَا حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ فإذا فرع قاما مُتَّصِلًا بِفَرَاغِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ نَهَضَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ كَبَّرَ وَكَبَّرُوا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إذَا قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَثَبَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو قِلَابَةَ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ وَالزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ يَقُومُونَ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ بُدُوِّهِ مِنْ الْإِقَامَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَالِكُ لا يؤقف فِيهِ شَيْئًا هَذَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى انه لا يكبر الامام حتى يفرع الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ أَنْ بِلَالًا قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ " كَانَ بِلَالٌ إذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ نَهَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ يَكُونُ كَاذِبًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ كَالْأَذَانِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بِلَالٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا وَهُوَ جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ والمحققين

أَنَّهُ ضَعِيفٌ رُوِيَ مُرْسَلًا وَفِي رِوَايَةٍ مُسْنَدًا فاسناده ضعيف ليس بشئ وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ قَالَ بِلَالٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَيَرْجِعُ الْحَدِيثُ إلَى أَنَّ بِلَالًا كَأَنَّهُ كَانَ يُؤَمِّنُ قَبْلَ تَأْمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي جَوَابُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ طَلَب ذَلِكَ حِينَ عُرِضَ لَهُ حَاجَةٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمَهُّلَ لِيُدْرِكَ تَأْمِينَهُ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَبَيْنَ آخِرِ الْإِقَامَةِ زَمَنًا يَسِيرًا جدا يمكنه إتمام الاقامة وإدراك آخر الفاتحة بل أدراك أَوَّلِهَا بَلْ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَرْوِيهِ إلَّا حَجَّاجُ بْنُ فَرُّوخَ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ: قُلْتُ اتَّفَقُوا عَلَى جَرْحِ الْحَجَّاجِ هَذَا فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بن معين ليس هو بشئ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَقَالَ النسائي ضعيف وقال الدارقطني متروك وهذه أوضع الْعِبَارَاتِ عِنْدَهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةٍ أخرى وهى أن ابن العوام بن حوشب لم يدرك بن أَبِي أَوْفَى كَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا رِوَايَتُهُ عَنْ التَّابِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ قَرُبَ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ فَهَكَذَا قَالَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ وَهُوَ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ حَسَنٌ كَقَوْلِ اللَّهِ تعالي (فإذا بلغن أجلهن) أَيْ قَارَبْنَهُ وَفِي الْحَدِيثِ " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فقد ثم حَجُّهُ " أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَلِأَنَّ مَا أَلْزَمُونَا بِهِ يَلْزَمُهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يسحب لِلْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ أَنْ لَا يَقُومَا حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي آخِرِ بَابِ الْأَذَانِ ينبغى لمن كان شيخا بطئ النَّهْضَةِ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَلِسَرِيعِ النَّهْضَةِ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَسْتَوُوا قِيَامًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَرَادَ الشُّرُوعَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهَا فَشَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلْيَسْتَمِرَّ قَائِمًا وَلَا يَشْرَعْ فِي التَّحِيَّةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَلَا يَجْلِسُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَإِذَا اسْتَمَرَّ قَائِمًا لَا يَكُونُ قَدْ قَامَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَبْتَدِ الْقِيَامَ لَهَا صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ وَفِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ وَهَذَا غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * (فَرْعٌ) إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ بَلْ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَقِبَ فَرَاغِ المؤذن منه الْإِقَامَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ ثَبَتَ

فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ " فَإِنْ قِيلَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عن قَالَ " كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ أن يقوم مقاممه " قُلْنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ إذَا رَأَوْهُ قَدْ خَرَجَ قَبْلَ وُصُولِهِ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا دَحَضَتْ وَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ ": فَإِنْ قِيلَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا أَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " قُلْنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ الْغَالِبُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَوْ انه اراد بقوله قبل ان يخرح الينا أي قبل ان يصلنا * * قال المصنف رحمه الله * * (والقيام فرض في الصلاة المفروضة لما روى عمران ابن الحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لم تستطع فعلي جنب " واما في النافلة فليس بفرض لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يتنفل علي الراحلة وهو قاعد " ولان النوافل تكثر فلو وجب فيها القيام شق وانقطعت النوافل) * *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ البخاري بلفظه وابو حصين صَحَابِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ لَمْ يُسْلِمْ كُنْيَةُ عِمْرَانَ أَبُو نُجَيْدٍ بِضَمِّ النُّونِ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَوَلِيَ قَضَاءَهَا ثُمَّ اسْتَقَالَ فَأُقِيلَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وخمسين واما حديث تنقل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَثَابِتٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وجابر وانس وعامر ابن رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

مسائل تتعلق بالقيام

أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْقِيَامُ فِي الْفَرَائِضِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مِنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِ إلَّا بِهِ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ مُسْلِمٌ أَنَا أَسْتَحِلُّ الْقُعُودَ فِي الْفَرِيضَةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ قَالَ الْقِيَامُ فِي الْفَرِيضَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ كَفَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيَامِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ وَهَلْ

يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْلَالُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَنِدُ فِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى جِدَارٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ اعْتَمَدَ عَلَى عَصًا بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ السِّنَادُ لَسَقَطَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قَائِمًا وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ وَلَا تَصِحُّ مَعَ الِاسْتِنَادِ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ

الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ السِّنَادُ لَمْ يَسْقُطْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا فِي اسْتِنَادٍ لَا يَسْلُبُ اسْمَ الْقِيَامِ فَإِنْ اسْتَنَدَ مُتَّكِئًا بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ عَنْ الْأَرْضِ قَدَمَيْهِ لَأَمْكَنَهُ الْبَقَاءُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ بَلْ معلق نفسه بشئ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَنْتَصِبَ مُتَّكِئًا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِصَابِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِصَابُ بَلْ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا: أَمَّا

الِانْتِصَابُ الْمَشْرُوطُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ نَصْبُ فَقَارِ الظَّهْرِ ليس لِلْقَادِرِ أَنْ يَقِفَ مَائِلًا إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ زَائِلًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَامِ وَلَا أَنْ يَقِفَ مُنْحَنِيًا فِي حَدِّ الرَّاكِعِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ انْحِنَاؤُهُ حَدَّ الرَّاكِعِينَ لَكِنْ كَانَ إلَيْهِ أَقْرَبُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَصِبٍ وَالثَّانِي تَصِحُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ أَطْرَقَ رَأْسَهُ بِغَيْرِ انْحِنَاءٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْتَصِبٌ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ ثُمَّ إذَا

نَهَضَ لَا يَتَأَذَّى بِالْقِيَامِ لَزِمَهُ الِاسْتِعَانَةُ إمَّا بِمُتَبَرِّعٍ وَإِمَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ وَجَدَهَا هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَادِرِ عَلَى الِانْتِصَابِ فَأَمَّا الْعَاجِزُ كَمَنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ وَصَارَ فِي حَدِّ الرَّاكِعِينَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ زَادَ فِي الِانْحِنَاءِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا قَالَا فَإِنْ قَدَرَ

عِنْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الِارْتِفَاعِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَزِمَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ تَمْنَعُ الِانْحِنَاءَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ وَيَأْتِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِحَسْبِ الطَّاقَةِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ حَنَى رَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ فَإِنْ احْتَاجَ فِيهِ إلَى شئ يعتمد عليه أو ليتكئ إلَى جَنْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الِانْحِنَاءَ أَصْلًا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَالِاضْطِجَاعُ دُونَ الْقُعُودِ

قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْتِي بِالْقُعُودِ قَائِمًا لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ مَسَائِلِ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَفُرُوعُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى شئ فِي حَالِ الْقِيَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَسَائِلِ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي جَوَازِ التَّعَلُّقِ بِالْحِبَالِ وَنَحْوِهَا

فِي صَلَاةِ النَّفْلِ لِطُولِهَا فَنَهَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَخَّصَ فيه آخرون قال واما الاتكاء على العصي فَجَائِزٌ فِي النَّوَافِلِ بِاتِّفَاقِهِمْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ بِقَدْرِهِ قَالَ وَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالُوا مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَسْقُطُ لَوْ زَالَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ

مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً فَإِنْ كَانَتْ جَازَ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ قَامَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُلْصِقَ الْقَدَمَيْنِ بَلْ يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ *

(فَرْعٌ) فِي التَّرْوِيحِ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْقِيَامِ قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا أَيْضًا مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا (الثَّالِثَةُ) تَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سثل أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ " طُولُ الْقُنُوتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقُنُوتِ الْقِيَامُ وَتَطْوِيلُ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ بَاقِي الْأَرْكَانِ

غَيْرَ الْقِيَامِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَطْوِيلُ السُّجُودِ وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكَ بكثرة السجود " رواه مسلم وقال بعض العلماء هما سواء وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يقض فيها بشئ وقال اسحاق ابن رَاهْوَيْهِ أَمَّا فِي النَّهَارِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ وَأَمَّا بِاللَّيْلِ فَتَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ فتكثير الركوع والسجود افضل لانه يقرأ جزءه ويربح كثرة

الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ بِطُولِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُوصَفْ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ بِاللَّيْلِ: دَلِيلُنَا عَلَى تَفْضِيلِ إطَالَةِ

الْقِيَامِ حَدِيثُ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ " وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " كَانَ يُطَوِّلُ الْقِيَامَ أَكْثَرَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ أَفْضَلُ من ذكر الركوع

والسجود (الرابعة) الواجب مِنْ الْقِيَامِ قَدْرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَجِبُ مَا زَادَ وَالْوَاجِبُ مِنْ الرُّكُوعِ

وَالسُّجُودِ قَدْرُ أَدْنَى طُمَأْنِينَةٍ وَلَا يَجِبُ مَا زَادَ فَلَوْ زَادَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى مَا يُجْزِئُهُ فَهَلْ

يَقَعُ الْجَمِيعُ وَاجِبًا أَمْ الْوَاجِبُ مَا يُجْزِئُهُ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ (فِيهِ وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَالْأَصَحُّ

أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ وَاجِبًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةِ وَهُمَا مِثْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ وَفِي الْبَعِيرِ الْمُخْرَجُ فِي الزَّكَاةِ عَنْ خَمْسٍ وَفِي الْبَدَنَةِ الْمُضَحَّى بِهَا بَدَلًا عَنْ شَاةٍ مَنْذُورَةٍ: قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ فِي الزَّكَاةِ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَفِيهِ قَوْلَانِ (وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ) فِي تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ: وَفِي الزَّكَاةِ فِي الرُّجُوعِ عِنْدَ التَّعْجِيلِ وَفِي الْبَدَنَةِ فِي الْأَكْلِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ (الْخَامِسَةُ) لَوْ جَلَسَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا رَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ التَّدْبِيرُ فَلَهُمْ الصَّلَاةُ قُعُودًا وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ الرَّقِيبِ إنْ خَافَ لَوْ قَامَ أَنْ يَقْصِدَهُ الْعَدُوُّ صَلَّى قاعدا واجزأته عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى الْكَمِينُ فِي وَهْدَةٍ قُعُودًا فَفِي صِحَّتِهَا قَوْلَانِ: قُلْت أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ *

وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ صُورَتَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّتُهَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَلَوْ صَلَّى النَّافِلَةَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ ثَوَابُ الْقِيَامِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ فَإِنَّ ثَوَابَهَا ثَوَابُ الْقَائِمِ بِلَا خِلَافٍ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِيمَنْ يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ يَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَمِيعُ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْفَرَائِضِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ بَيَانُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قاعدا مع القدرة لان القيام ومعظم أَرْكَانِهَا وَالثَّانِي يَجُوزُ وَالثَّالِثُ إنْ تَعَيَّنَتْ لَمْ يجز والاجاز قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَوَّزْنَا الِاضْطِجَاعَ فِي النَّفْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ كَالْقَاعِدِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي قَالَ إمَامُ الحرمين عندي أَنَّ مَنْ جَوَّزَ الِاضْطِجَاعَ لَا يُجَوِّزُ الِاقْتِصَارَ فِي الْأَرْكَانِ الذِّكْرِيَّةِ كَالتَّشَهُّدِ وَالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى ذِكْرِ الْقَلْبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لابد منه فلا يجزى ذِكْرُ الْقَلْبِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِلصَّلَاةِ صُورَةٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالتَّرْخِيصِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى مقتضاه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ثم ينوى والنية فرض من فروض الصلاة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ولكل امرئ ما نوى " ولانها قربة محضة فلم تصح من غير نية كالصوم ومحل النية القلب فان نوى بقلبه دون لسانه أجزأه ومن اصحابنا من قال ينوى بالقلب ويتلفظ باللسان وليس بشئ لان النية هي القصد بالقلب) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَقَوْلُهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ إنَّمَا قَاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ خَاصٌّ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَهَذَا الْقِيَاسُ يُنْتَقَضُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ طَرِيقُهَا الْأَفْعَالُ كَمَا قَالَهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالنِّيَّةُ فَرْضٌ لَا تَصِحُّ الصلاة الا بها ونقل بن الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْأَشْرَافِ وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ وَالشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَآخَرُونَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ رواية

عن احمد ليست بصحيحة عنه (1) فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُجْمِعَ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَتَلَفُّظِ اللِّسَانِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْحَجِّ إذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عمرة أجزأ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنُّطْقِ قَالَ أَصْحَابُنَا غَلِطَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالنُّطْقِ فِي الصَّلَاةِ هَذَا بَلْ مُرَادُهُ التَّكْبِيرُ: وَلَوْ تَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ: وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ انْعَقَدَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النِّيَّةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَمْ شَرْطٌ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ هِيَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا كَالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ شَرْطٌ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ بن الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ رُكْنٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أنه شرط لا ركن والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير لانه أول فرض من فروض الصلاة فيجب أن تكون مقارنة له) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَإِذَا أَحْرَمَ نَوَى صَلَاتَهُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ) وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ النَّصَّ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ (يَنْوِي مَعَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْمُقَارَنَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ بِالْقَلْبِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ بِاللِّسَانِ ويفرع مِنْهَا مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ بل لا يجوز لئلا يخلو أول التكببر عَنْ تَمَامِ النِّيَّةِ فَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وهو قول أبي منصور ابن مِهْرَانَ شَيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ يَجِبُ أَنْ يقدم النية على أول التكبير بشئ يسبر لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ أَوَّلُهَا عَنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَجِبُ ذَلِكَ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْمُقَارَنَةِ وَسَوَاءٌ قَدَّمَ أَمْ لَمْ يُقَدِّمْ وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وغيره انه لا يجب التدقيق المذكور

_ (1) هكذا بالاصل وفى غير هذا الكتاب نسبة هـ سذا القول لداود فليحرر اه

فِي تَحْقِيقِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْعَامِّيَّةُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِصَلَاتِهِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَاهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنِّيَّةُ هِيَ الْقَصْدُ فَيُحْضِرُ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ الصَّلَاةِ وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ صِفَاتِهَا كَالظُّهْرِيَّةِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَقْصِدُ هَذِهِ الْعُلُومَ قَصْدًا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَيَسْتَصْحِبُهُ حَتَّى يَفْرُغَ التَّكْبِيرُ وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَاقِضٍ لَهَا فَلَوْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ الْخُرُوجَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ النِّيَّةُ عَلَى التَّكْبِيرِ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يَعْرِضُ شَاغِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ * (1) يَجِبُ أَنْ تَتَقَدَّمَ النِّيَّةُ عَلَى التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرَ عَقِبَهَا بِلَا فَصْلٍ وَلَا يَجِبُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَاصِدًا صَلَاةَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمَامِ فَانْتَهَى إلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ فِيهَا وَلَمْ يَحْضُرْهُ أَنَّهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكَفَّارَةِ: وَيَنْوِي مَعَ التَّكْفِيرِ أَوْ قَبْلَهُ قَالَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ التَّكْفِيرِ كَالصَّلَاةِ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قَبْلَهُ يَعْنِي أَوْ قُبَيْلَهُ وَيَسْتَدْعِي ذِكْرَ النِّيَّةِ حَتَّى يَكُونَ ذَاكِرًا لَهَا حَالَ التَّكْفِيرِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ التكفير وفرق بينهما وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ آكَدُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ تَعَيُّنُهَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ والثاني ان الكفارة والزكاة تدخلهما النِّيَابَةُ فَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَقْدِيمِ نِيَّتِهِمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الثَّالِثُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى وُجُوبِهِمَا فَجَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ * * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً لَزِمَهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فَيَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو اسحق يَلْزَمُهُ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ ظُهْرِ الصَّبِيِّ وَظُهْرِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكْفِيهِ نية الظهر وَالْعَصْرِ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَا يَكُونَانِ فِي حَقِّ هَذَا إلَّا فَرْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْأَدَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فانه قَالَ فِيمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْغَيْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَوَافَقَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي الْوَقْتِ وَقَالَ فِي الاسير

إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ فَصَامَ يَوْمًا بِالِاجْتِهَادِ فَوَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَصُومُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا أَرَادَ فَرِيضَةً وَجَبَ قَصْدُ أَمْرَيْنِ بِلَا خِلَافٍ أَحَدُهُمَا فِعْلُ الصَّلَاةِ تَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَلَا يَكْفِي إحْضَارُ نَفْسِ الصَّلَاةِ بِالْبَالِ غَافِلًا عَنْ الْفِعْلِ وَالثَّانِي تَعْيِينُ الصَّلَاةِ الْمَأْتِيِّ بِهَا هَلْ هِيَ ظُهْرٌ أَمْ عصر أو غيرها فَلَوْ نَوَى فَرِيضَةَ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَحَدُهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهَا هِيَ الظُّهْرُ مَثَلًا وَأَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْفَائِتَةَ الَّتِي يَتَذَكَّرُهَا تُشَارِكُهَا فِي كَوْنِهَا فَرِيضَةَ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَصِحُّ وَيَحْصُلُ لَهُ الظُّهْرُ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ الْمَقْصُورَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا صَلَاةٌ بِحِيَالِهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ صَحَّتْ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) الْفَرِيضَةُ وَفِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ اشْتِرَاطُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاوِي بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ وَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ وَصَلَاتُهُ لَا تَقَعُ فَرْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (الثَّانِي) الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ أَوْ فَرِيضَةَ اللَّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاشْتِرَاطَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ (الثَّالِثُ) الْقَضَاءُ وَالْأَدَاءُ وَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يُشْتَرَطَانِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطَانِ وَهَذَا الْقَائِلُ يُجِيبُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُصَلِّي فِي الْغَيْمِ أَوْ الْأَسِيرِ بِأَنَّهُمَا مَعْذُورَانِ وَالثَّالِثُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَمَيَّزُ الوقت بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ أَوْ فَوَائِتُ فَلَا خِلَافَ

أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ وَالظُّهْرُ الْفَائِتَةُ إذَا اشْتَرَطْنَا نِيَّةَ الْقَضَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ قَدْ خَرَجَ فَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ القضاء فبان انه باق اجزأته بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى يَوْمَ الْغَيْمِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَبَانَ وُقُوعُ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ أَجْزَأَتْهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي المسالة وقال الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ بَلْ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ هَذَا كَلَامُهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكَ أَنْ تَقُولَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ وَنِيَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ أَمَّا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنْ جَرَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ عَلَى لِسَانِهِ أَوْ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَصَدَ مَعْنَاهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ بِلَا خلاف وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مَنْ نَوَى الْأَدَاءَ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ عَالِمًا بِالْحَالِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ مِمَّنْ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ بَلْ مُرَادُهُمْ مَنْ نَوَى ذَلِكَ وَهُوَ جَاهِلُ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ لَكِنْ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ خَمْسًا أَوْ ثَلَاثًا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِتَقْصِيرِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّعْيِينِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى نَفْلًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَعَ عَنْ الْوَاجِبِ (وَالثَّانِي) يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبِ دُونَ التَّعْيِينِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ (وَالثَّالِثُ) يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبِ وَالتَّعْيِينِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَفِي نِيَّةِ الوجوب وجهان * قال المصنف رحمه الله * * (وان كانت الصلاة سنة راتبة كالوتر وسنة الفجر لم يصح حتى تعين النية لتتميز عن غيرها وان كانت نافلة غير راتبة اجزأته نية الصلاة) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا النَّوَافِلُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا لَهَا وَقْتٌ أَوْ سَبَبٌ كَسُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالضُّحَى وَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالتَّعْيِينِ فَيَنْوِي مَثَلًا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ وَعِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ الضُّحَى وَنَحْوِهَا وَفِي الرَّوَاتِبِ تُعَيَّنُ بِالْإِضَافَةِ فَيَنْوِي سُنَّةَ الصُّبْحِ أَوْ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا أَوْ سُنَّةَ الْعَصْرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الرَّوَاتِبِ سِوَى سُنَّةِ الصُّبْحِ نية أصل الصلاة

لتأكد سنة الصبح فالتحققت بِالْفَرَائِضِ: وَأَمَّا الْوِتْرُ فَيَنْوِي سُنَّةَ الْوِتْرِ وَلَا يُضِيفُهَا إلَى الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ فَإِنْ أَوْتَرَ باكثر من ركعة نوى بالجميع الوتر إنْ كَانَ بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ كَانَ بِتَسْلِيمَاتٍ نَوَى بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ وَقِيلَ يَنْوِي بما قبل الاخيرة صَلَاةَ اللَّيْلِ وَقِيلَ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْوِتْرِ وَقِيلَ مُقَدِّمَةَ الْوِتْرِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْأَفْضَلِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ دُونَ الِاشْتِرَاطِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَجْهَيْنِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهَا فِي الضَّرْبِ الثَّانِي قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِهِمَا (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النَّفْلِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الِاشْتِرَاطَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (وان احرم ثم شك هل نوى ثم ذكر انه نوى قبل ان يحدث شيئا من افعال الصلاة اجزأه وان ذكر ذلك بعدما فعل شيئا من ذلك بطلت صلاته لانه فعل فعلا وهو شاك في صلاته) * * * (الشرح) * إذا شك هل نوى أم لَا أَوْ هَلْ أَتَى بِبَعْضِ شُرُوطِ النِّيَّةِ أَمْ لَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فِي حَالِ الشَّكِّ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ أَتَى بِكَمَالِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا عَلَى الشَّكِّ وَقِصَرِ الزَّمَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ أَتَى مَعَ الشَّكِّ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ اعْتِدَالٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لما ذكره المصنف وان ابي بر كن قَوْلِيٍّ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ كَالْفِعْلِيِّ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ

قَطَعَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنْ تَيَقَّنَهَا فَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا فَعَلَ رُكْنًا فِي حَالِ الشَّكِّ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِطْلَاقُهُمْ الْبُطْلَانَ مُشْكِلٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ لِجَهْلِهِ (قُلْتُ) إنَّمَا لَمْ يَعْذُرُوهُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِالْفِعْلِ فِي حَالِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ بِخِلَافِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رُكْنًا نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا حيلة في النسيان * * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَخْرُجُ أَوْ شَكَّ هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَطَعَ ذَلِكَ بِمَا أَحْدَثَ فبطلت صلاته كالطهارة إذا قطعها بالحدث) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِبَادَاتُ فِي قَطْعِ النِّيَّةِ عَلَى أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ فَيَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَبِالتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ أَمْ يَبْقَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ أَنْ يَطْرَأَ شَكٌّ مُنَاقِضٌ جَزْمَ النِّيَّةِ وَأَمَّا مَا يَجْرِي فِي الْفِكْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فَهَذَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَطْعًا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَلَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بشئ يُوجَدُ فِي صَلَاتِهِ قَطْعًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ

قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ بَلْ لَوْ رَفَضَ هَذَا التَّرَدُّدَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْغَايَةِ الْمَنْوِيَّةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِدُخُولِ شَخْصٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَمُهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ هَكَذَا فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ وَكَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهُوَ ذَاهِلٌ عَنْ التَّعْلِيقِ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ غَافِلٌ وَالنِّيَّةُ الْأُولَى لَمْ تُؤَثِّرْ وَأَصَحُّهُمَا تبطل وبه قطع الشيخ أبو علي البندنيجي وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَظْهَرُ عَلَى هَذَا ان يقال تبينا بِالصِّفَةِ بُطْلَانُهَا مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّعْلِيقِ فَتَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَأْكُلَ أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمَلِ الْقُلُوبِ والفرق

بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ نَوَى تَعْلِيقَ النِّيَّةِ أَوْ قَطْعَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِجَزْمِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِجَازِمٍ وَأَمَّا مَنْ نَوَى الْفِعْلَ فَاَلَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ بَطَلَتْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثْلُ هَذَا إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِنِيَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَقُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ مَعْرُوفٍ فَقَدْ نَوَى فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي أَثْنَائِهَا فِعْلًا مُبْطِلًا وَلَمْ تَبْطُلْ فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ: فَإِذَا نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُمَا وَنَوَى قَطْعَهُمَا لَمْ يَنْقَطِعَا بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ فَإِذَا جَزَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا

فَفِي بُطْلَانِهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابَيْهِمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَبْطُلُ كَالْحَجِّ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّوْمِ الْبُطْلَانَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ ولكن الاكثرون قَالُوا لَا تَبْطُلُ وَلَوْ تَرَدَّدَ الصَّائِمُ فِي قَطْعِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى دُخُولِ شَخْصٍ وَنَحْوِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ جَزَمَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا تَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) الْوُضُوءُ فَإِنْ نَوَى قَطْعَهُ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ وَإِنْ نَوَى قَطْعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ لِأَنَّ أَثَرَهُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَقْصًى فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً تتعلق بالنية في الصوم وَفِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ

واحمد وقال أبو حنيفة لا تبطل * قال المصنف رحمه الله * * (فان دخل في الظهر ثم صرف النية الي العصر بطل الظهر لانه قطع بنيته ولم تصح العصر لانه لم ينوه عند الاحرام وان صرف نية الظهر الي التطوع بطل الظهر لما ذكرناه وفى التطوع قولان أحدهما لا تصح لما ذكرناه في العصر والثانى تصح لان نية الفرض تتضمن نية النفل بدليل ان من دخل في الظهر قبل الزوال وهو يظن انه بعد الزوال كانت صلاته نافلة) * * * (الشَّرْحُ) * مَتَى دَخَلَ فِي فَرِيضَةٍ ثُمَّ صَرَفَ نِيَّتَهُ إلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى أَوْ نَافِلَةٍ بَطَلَتْ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَلَمْ يَحْصُلْ الَّتِي نَوَاهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ وَفِي انْقِلَابِهَا نَافِلَةً خِلَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ أَتَى بِمَا يُنَافِي الْفَرِيضَةَ دُونَ النَّفْلِيَّةِ فِي أَوَّلِ فَرِيضَةٍ أَوْ اثنائها بطل فرضه هل تَبْقَى صَلَاتُهُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ فِيهِ قَوْلَانِ اخْتَلَفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا بِحَسْبِ الصُّوَرِ فَمِنْهَا إذَا قَلَبَ ظُهْرَهُ إلَى عَصْرٍ أَوْ إلَى نَفْلٍ بِلَا سَبَبٍ أَوْ وَجَدَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا خِفَّةً فِي صَلَاتِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يَقُمْ أَوْ أَحْرَمَ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ قَاعِدًا فَالْأَظْهَرُ فِي

هَذِهِ الْمَسَائِلِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ فَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَإِنْ جَهِلَ وَظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا نَفْلًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْهَا لَوْ وَجَدَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَأَتَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْضِهَا فِي الرُّكُوعِ لَا يَنْعَقِدُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهَا

فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا نَفْلًا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تعليقيهما وَمِنْهَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا الْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَالثَّانِي تَبْطُلُ وَمِنْهَا لَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَتُجْزِيهِمْ وَقَطَعَ بِهَذَا الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي لَا تُجْزِيهِمْ

مسائل تتعلق بالنية

عَنْ الظُّهْرِ بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ فِيهِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تتعلق بالنية (أحداهما) لَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَوُقُوعَ الْفِعْلِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْلِيقَ أَوْ الشَّكَّ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّانِيَةُ) لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي احداهما وجهل عينها لزمه اعادنهما جَمِيعًا (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَلِّ الظُّهْرَ لِنَفْسِكَ وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّاهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَبْدًا بِعِوَضٍ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَنْ صَلَّى وَقَصَدَ دَفْعَ غَرِيمِهِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَدْ سبقت المسألة في نية الوضوء * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يكبر والتكبير للاحرام فرض من فروض الصلاة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بن محمد ابن عقيل قال الترمذي هذا الحديث أصح شئ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُهُ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن محمد ابن عقيل صدوق وقد تكلم فيه وبعض أهل العلم من قبل حفطه قال وسمعت البخاري يقول كان احمد واسحق وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْوُضُوءُ مِفْتَاحًا لان الحديث مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ كَالْغَلْقِ عَلَى الْبَابِ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ إلَّا بِمِفْتَاحٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ التَّحْرِيمِ مِنْ قَوْلِكَ حَرَمْتُ فُلَانًا كَذَا أَيْ مَنَعْتُهُ وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَحِرْمٌ فَسَمَّى التَّكْبِيرَ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُصَلِّي مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ

لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِلَا تَكْبِيرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا وَلَكِنْ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِيمَا لَوْ كَبَّرَ وَفِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ القاها في اثناء التكبيرة لو شَرَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ قَبْلَ ظُهُورِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ ظَهَرَ الزَّوَالُ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَصِحُّ عِنْدَهُ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاحْتُجَّ لِلزُّهْرِيِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَلِلْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) فَعَقَّبَ الذِّكْرَ بِالصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ منها وبقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَدَارِ زيد ودلينا عَلَى الزُّهْرِيِّ حَدِيثُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَحَدِيثُ أَبِي هريرة رضى الله عنه في المسئ صَلَاتَهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ " إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا الْفُرُوضَ خَاصَّةً وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يكبر الاحرام " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَهَذَا مُقْتَضَى وُجُوبِ كُلِّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَا خَرَجَ وُجُوبُهُ بِدَلِيلٍ كرفع اليدين ونحوه فان قليل الْمُرَادُ مَا يَرَى وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَقْوَالِ فَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ رُؤْيَةُ شَخْصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وكل شئ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ أَيْ صَلُّوا كَمَا عَلِمْتُمُونِي أُصَلِّي

وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى النُّطْقِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا عَلَى الْكَرْخِيِّ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ تَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَامٌّ وَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ والثاني ان حمله علي تكبيرة لابد منها بالاتفاق أولي من تكبيرة لا يجب وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلي) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ خِلَافِ الْمُخَالِفِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ أَنَّ الْإِضَافَةَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا تقتضي المغايرة كثوب زبد وَالثَّانِي تَقْتَضِي الْجُزْئِيَّةَ كَقَوْلِهِ رَأْسُ زَيْدٍ وَصَحْنُ الدَّارِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا فَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَلَا غَيْرُهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إذَا نَسِيَهَا فِيهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ حَكَاهُ ابن المنذر عن سعيد بن المسيت وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرِوَايَةً عن حامد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَأْمُومِ مِثْلُهُ لَكِنَّهُ قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ بعد سلام الامام * قال المصنف رحمه الله * * (والتكبير أن يقول الله اكبر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدخل به في الصلاة وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي " فان قال الله الاكبر اجزأته لانه اتي بقول الله اكبر وزاد زيادة لا تخل المعنى فهو كقوله الله الكبر كبيرا) * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدخل في الصلاة بقويه الله اكبر

فَالْأَحَادِيثُ فِيهِ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَإِنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وصاحب التتمة وغيرهما قولان أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ التَّكْبِيرَةِ وَلَا يُجْزِئُ مَا قَرُبَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ أَعْظَمُ وَاَللَّهُ كَبِيرٌ وَالرَّبُّ أَكْبَرُ وَغَيْرُهَا وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَأَمَّا إذَا كَبَّرَ وزاد مالا يُغَيِّرُهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَاَللَّهُ اكبر كبيرا والله اكبر من كل شئ فَيُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّكْبِيرِ وَزَادَ مالا يُغَيِّرُهُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْنَ لَفْظَتَيْ التَّكْبِيرِ لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْبَرُ فَإِنْ طَالَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ الذى لا له إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ اسْمِ التَّكْبِيرِ وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِي التَّكْبِيرِ عَنْ الْوَقْفَةِ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ وَعَنْ زِيَادَةٍ تُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنْ وَقَفَ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَدِّ هَمْزَةِ اللَّهِ أَوْ بِهَمْزَتَيْنِ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَارُ أَوْ زَادَ وَاوًا سَاكِنَةً أَوْ مُتَحَرِّكَةً بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ تَكْبِيرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَلَا يَجُوزُ الْمَدُّ إلَّا عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَلَا يُخْرِجُهَا بِالْمَدِّ عَنْ حَدِّ الِاقْتِصَادِ لِلْإِفْرَاطِ وَإِذَا قَالَ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا اللَّهُ أَكْبَرُ فليقطع الهمزة من قوله الله الكبر وَيُخَفِّفُهَا فَلَوْ وَصَلَهَا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ تصح صلاته وممن صرح به (1) * قال المصنف رحمه لله * * (فَإِنْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُجْزِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الذِّكْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَدَّمَ آيَةً عَلَى آية وهذا يبطل بالتشهد والسلام) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ أَوْ الْأَكْبَرُ اللَّهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَيْكُمْ السلام يجزيه فقيل فيهما قرلان بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُجْزِيهِ فِي السَّلَامِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَسْلِيمًا وَهُوَ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مُعْتَادٌ وَلَا يُجْزِيهِ فِي التَّكْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا وَقِيلَ يُجْزِيهِ فِي قَوْلِهِ الْأَكْبَرُ اللَّهُ دُونَ أَكْبَرُ اللَّهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا زَلَلٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِتَمَيُّزِهِ فِي عِلْمِ اللِّسَانِ وصحح القاضى

_ (1) بياض بالاصل

أَبُو الطَّيِّبِ الْإِجْزَاءَ فِيهِمَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بانه لا يسمي تكبيرا هو اصواب وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ فَضَعِيفٌ وَمِمَّنْ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ أَكْبَرُ اللَّهُ وَالْأَكْبَرُ اللَّهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ سريج وغير وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي البسيط * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ كَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَضَاقَ الْوَقْتُ عن أن يتعلم كبر بلسانه لانه عجر عَنْ اللَّفْظِ فَأَتَى بِمَعْنَاهُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَكَبَّرَ بِلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ اللَّفْظَ مَعَ القدرة عليه) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَإِذَا كَبَّرَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْضِهَا فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يُمْكِنَهُ كَسْبُ الْقُدْرَةِ بِأَنْ كَانَ بِهِ خَرَسٌ وَنَحْوُهُ وَجَبَ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتَهُ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَاطِقًا لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِتَرْجَمَةِ التَّكْبِيرِ وَلَا يُجْزِيهِ العدول الي ذكر آخر ثم جميع اللغاب فِي التَّرْجَمَةِ سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا هَكَذَا قَطَعَ باالاكثرون مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إنْ أَحْسَنَ السُّرْيَانِيَّةَ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةَ تَعَيَّنَتْ لِشَرَفِهَا بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ بِهَا وَبَعْدَهُمَا الْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى مِنْ التُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَأَحْسَنَ الْفَارِسِيَّةَ وَالسُّرْيَانِيَّة فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُكَبِّرُ بِالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ اللُّغَاتِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ (وَالثَّانِي) بِالسُّرْيَانِيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ بِهَا كِتَابًا وَلَمْ يُنْزِلْ بِالْفَارِسِيَّةِ والثالث يتخير بينههما قَالَ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التُّرْكِيَّةَ وَالْفَارِسِيَّةَ فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَارِسِيَّةُ أَمْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ النَّبَطِيَّةَ وَالسُّرْيَانِيَّة فَهَلْ تَتَعَيَّنُ السُّرْيَانِيَّةُ أَمْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التُّرْكِيَّةَ وَالْهِنْدِيَّةَ تَخَيَّرَ بِلَا خِلَافٍ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُمْكِنَهُ الْقُدْرَةُ بِتَعَلُّمٍ أَوْ نَظَرٍ فِي مَوْضِعِ كُتُبٍ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّكْبِيرِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَلَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ

أَوْ مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ فِيهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ التكبير لزمه المسير الي قربة يتعلم بها على الصحيح فيه وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يُجْزِيهِ التَّرْجَمَةُ كما لا يلزمه المسير إلى قرية للوضوء بَلْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ نَفْعَ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ يَدُومُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسِيرِ لِتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَقَالَ عدم الجواب ضَعِيفٌ وَلَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لمن امكنه التعلم آخِرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْعَرَبِيَّةَ ترجم ومتى أمكنه التعليم وَجَبَ وَإِذَا صَلَّى بِالتَّرْجَمَةِ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ فَلَا إعَادَةَ وَأَمَّا فِي الْحَالِ الثَّانِي فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ لِبَلَادَةِ ذِهْنِهِ أَوْ قِلَّةِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا وَإِنْ أَخَّرَ التَّعَلُّمَ مَعَ التَّمَكُّنِ وَضَاقَ والوقت صَلَّى بِالتَّرْجَمَةِ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَقْصِيرِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَهُوَ غَرِيبٌ وغلط * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَ بِلِسَانِهِ خَبْلٌ أَوْ خَرَسٌ حَرَّكَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَرْتُكُمْ بأمر فأتوا منه ما استطعم ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ فَبَلَغَتْ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا قَوْلُهُ وَإِنْ كان بلسانه حبل هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْفَسَادُ وَجَمْعُهُ خُبُولٌ فَإِذَا كَانَ بِلِسَانِهِ خَبْلٌ أَوْ خَرَسٌ لَزِمَهُ أَنْ يُحَرِّكَهُ قَدْرَ إمْكَانِهِ وَلَوْ شُفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَفْصَحَ بِالتَّكْبِيرِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَحْرِيكِهِ قَدْرَ إمْكَانِهِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حكم تشهد وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ القراءة * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يُسِرَّ بِهِ وَأَدْنَاهُ ان يسمع نفسه) * * * (الشرح) * يستحب الامام أَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صِحَّةَ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا لَا يَبْلُغُ صَوْتُهُ إلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ أو كان ضعيف الوصت لمرض

وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ بَلَّغَ عَنْهُ الْمَأْمُومِينَ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى حَسْبِ الْحَاجَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عائشة وسأبسط هذا الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الرُّكُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ بِالتَّكْبِيرِ سَوَاءٌ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَأَدْنَى الْإِسْرَارِ أَنْ يسمع نفسه إذا كان صحيح المسع ولا عارض عند من لغط وَغَيْرِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَالدُّعَاءِ سَوَاءٌ واجبها ونفلها لا يحسب شئ مِنْهَا حَتَّى يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا عَارِضَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رفع بحيث يسمع لو كان كذالك لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهِ قَالَ الشافعي في الام يسمع وَمَنْ يَلِيهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ *

مسائل تتعلق بالتكبير

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرِ (إحْدَاهَا) يَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ الَّذِي يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا يَجِبُ أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا فِي حَالِ قِيَامِهِ فَإِنْ أَتَى بِحَرْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا نَفْلًا الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ النِّيَّةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فَرْضًا إذَا كَبَّرَ وَهُوَ مَسْبُوقٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَتْ تَكْبِيرَتُهُ كُلُّهَا فِي الْقِيَامِ أَمْ وَقَعَ حَرْفٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا لان

الاصل عدم التكبير فِي الْقِيَامِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ إذَا وَقَعَ بَعْضُهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ ثُمَّ قَالَ إنْ وَقَعَ بَعْضُ تَكْبِيرَتِهِ فِي حَالِ رُكُوعِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهَا فِي انْحِنَائِهِ وَتَمَّتْ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ حَدِّ الرُّكُوعِ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَامِ وَلَا يَضُرُّ الِانْحِنَاءُ الْيَسِيرُ قَالَ وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ حَدِّ الرُّكُوعِ وَحَدِّ الْقِيَامِ أَنْ تَنَالَ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ فَهَذَا حَدُّ الرُّكُوعِ وَمَا قَبْلَهُ حَدُّ الْقِيَامِ فَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا طَوِيلَةً خَارِجَةً عَنْ الْعَادَةِ اُعْتُبِرَ عَادَةُ مِثْلِهِ فِي الْخِلْقَةِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَتَى انْحَنَى بِحَيْثُ يَكُونُ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ أَقْرَبُ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَلَا تَصِحُّ تَكْبِيرَتُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي فَصْلِ الْقِيَامِ (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ اللَّهُ كَبِيرٌ قَالُوا

وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ نَعْتًا فِي حُرُوفٍ مَشْهُورَةٍ كقولهم هذا أمر أهوى أَيْ هَيِّنٌ قَالَ الزَّجَّاجُ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ والثاني معناه الله اكبر كبيرا كَقَوْلِك هُوَ أَعَزُّ عَزِيزٍ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ * إنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا * بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أَرَادَ دَعَائِمَهُ أَعَزَّ عَزِيزٍ وَأَطْوَلَ طَوِيلٍ وَقِيلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ مَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ أَوْ يُذْكَرَ بِغَيْرِ الْمَدْحِ وَالتَّمْجِيدِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ في شرح صحيح مسلم هذا أحسن الاقول لما فيه من زيادة المعنى لاسيما عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّا لَا نُجَوِّزُ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ الْكَبِيرُ بَدَلَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا فَنَصَبَ كَبِيرًا عَلَى تَقْدِيرِ كَبَّرْتُ كَبِيرًا (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَتَابَعَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْأَصْحَابِ كَافَّةً لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَبَطَلَتْ بِالْأَشْفَاعِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ وَلَا يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَبِالْأُولَى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالثَّانِيَةِ خَرَجَ مِنْهَا وَبَطَلَتْ وَبِالثَّالِثَةِ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالرَّابِعَةِ خَرَجَ وَبِالْخَامِسَةِ دَخَلَ وَبِالسَّادِسَةِ خَرَجَ وَهَكَذَا أَبَدًا لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ افْتَتَحَ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْأُولَى فَلَوْ نَوَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ أَوْ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَبِالنِّيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِالتَّكْبِيرِ يَدْخُلُ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا افْتِتَاحًا وَلَا دُخُولًا ولا خروخا صع دُخُولُهُ بِالْأُولَى وَيَكُونُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرًا لَا تبطل به الصلاة بل له ويكون باقى

الْأَذْكَارِ (الرَّابِعَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْبِيرٍ (الْخَامِسَةُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِسُرْعَةٍ وَلَا يَمُدَّهَا لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَدُّهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الام: يرفع الامام صوته بالتكبير ويبينه مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تَحْرِيفٍ: قَالَ الْأَصْحَابُ أَرَادَ بِالتَّمْطِيطِ الْمَدَّ وَبِالتَّحْرِيفِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحُرُوفِ كَالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَفِيهَا قَوْلَانِ الْقَدِيمُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمُدَّهَا وَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ يُسْتَحَبُّ مَدُّهَا إلَى أَنْ يصل إلى الركن المستقل إلَيْهِ حَتَّى لَا يَخْلُو جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ مِنْ ذِكْرٍ (السَّادِسَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعَلِّمَ مَمْلُوكَهُ التَّكْبِيرَ وَسَائِرَ الاذكار المفروضة ومالا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ أَوْ يُخَلِّيَهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ وَيَلْزَمُ الْأَبَ تَعْلِيمُ وَلَدِهِ وَقَدْ سَبَقَ بيان تعليم الوالد في مقدمة هذا لشرح وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (السَّابِعَةُ) يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّكْبِيرَ وَسَائِرَ الْأَذْكَارِ الْوَاجِبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ (الثَّامِنَةُ) فِي بَيَانِ مَا يُتَرْجِمُ عَنْهُ بالعجمة ومالا يُتَرْجِمُ أَمَّا الْفَاتِحَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْإِعْجَازَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَعَلَى الْآلِ إذَا أَوْجَبْنَاهَا فَيَجُوزُ تَرْجَمَتُهَا لِلْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَلْفَاظِ الْوَاجِبَةِ فَقِسْمَانِ دُعَاءٌ وَغَيْرُهُ أَمَّا الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ

أَصَحُّهَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَجُوزُ لِلْقَادِرِ فَإِنْ تُرْجِمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالثَّانِي تَجُوزُ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَغَيْرِهِ وَالثَّالِثُ لَا تَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَرِعَ دَعْوَةً غَيْرَ مَأْثُورَةٍ وَيَأْتِي بها العجمية بِلَا خِلَافٍ وَتَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَرَعَ دَعْوَةً بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَذْكَارِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالْقُنُوتِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الدُّعَاءَ بِالْعَجَمِيَّةِ فَهَذِهِ أَوْلَى وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهَا لِلْعَاجِزِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يُتَرْجِمُ لِمَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ دُونَ غَيْرِهِ (1) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِكُلِّ الْأَذْكَارِ بِالْعَجَمِيَّةِ وان كان

_ (1) وقع هنا في بعض النسخ " هذا؟ ؟ ؟ ؟ ؟ المذهب " ولم نجد لها مذاقا فليحرر

يحسنها أبي بِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ خَالَفَ وَقَالَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ فَمَا كَانَ وَاجِبًا كَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ لَمْ يُجْزِهِ وَمَا كَانَ سُنَّةً كَالتَّسْبِيحِ وَالِافْتِتَاحِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسَانِهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ صِحَّتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَصِيرُ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حامد والبدنيجي والمحاملي وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَقَاسَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَتَعَبَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظٍ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ (التَّاسِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّكْبِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَتَجُوزُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ لِمَنْ يحسن العربية ولغيره واحتج قوله بقول الله تعالى (وذكر اسم ربه فصلي) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَقِيَاسًا عَلَى إسْلَامِ الْكَافِرِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَكَانَ يُكَبِّرُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ قَالُوا التَّكْبِيرَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا قُلْنَا قَدْ سَبَقَ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ أَنَّ المفسرين وغيرهم مجموعون عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ

فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُمْ فِيهَا وَعَنْ حَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التكبير المعهود وعن قياسم عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْعَجَمِيَّةِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ (الْعَاشِرَةُ) تنعقد الصلاة بقوله الله الاكبر بالاجماع وتنعقد بقوله الله اكبر عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا تَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ اللَّهُ أَعْظَمُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَنَحْوُهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ تَنْعَقِدُ بِكُلِّ ذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ اللَّهُ أَعْظَمُ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ

إلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِأَيِّ أَسْمَائِهِ شَاءَ كَقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ أَجَلُّ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ أَوْ أَعْظَمُ وَالْقُدُّوسُ أَوْ الرَّبُّ أَعْظَمُ وَنَحْوُهَا وَلَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ يَا اللَّهُ ارْحَمْنِي أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ بِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظِ التَّكْبِيرِ كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ فَفِي انْعِقَادِ صَلَاتِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وذكر اسم ربه فصلي) وَلَمْ يَخُصَّ ذِكْرًا وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ فَأَجْزَأَ كَالتَّكْبِيرِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِلَفْظٍ كَالْخُطْبَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَلَيْسَ هُوَ تَمَسُّكًا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ بَلْ بِمَنْطُوقٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ وَلَهُمْ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ سَبَقَ هُوَ وَجَوَابُهُ * وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا " وَبَيَّنَهُ حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ قَوْلِهِمْ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَالْجَوَابُ عَنْ الْخُطْبَةِ أَنَّ المراد

الْمَوْعِظَةُ وَيَحْصُلُ بِكُلِّ لَفْظٍ وَهُنَا الْمُرَادُ الْوَصْفُ بِآكَدِ الصِّفَاتِ وَلَيْسَ غَيْرُ قَوْلِنَا اللَّهُ أَكْبَرُ فِي مَعْنَاهُ وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَهُوَ حَاصِلٌ بِقَوْلِنَا اللَّهُ الْكَبِيرُ وَلِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَأَمَّا حَدِيثُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ فِي الله اكبر مبالغة وتعظيم لَيْسَ فِي غَيْرِهِ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَا يَجُوزُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ كَمَا لَا يَجُوزُ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَذَانِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ دَلِيلُنَا أَنَّ قَوْلَهُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ هُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَزِيَادَةٌ لَا تغير المعنى فَجَازَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالُوا يَجُوزُ اللَّهُ الْكَبِيرُ الْأَكْبَرُ الْمَوْضُوعُ لِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْأَذَانِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَا نُسَلِّمُهُ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا تُشْرَعُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ وَحَكَى الْقَاضِي أبو الطيب والعبد رى عَنْ الرَّافِضَةِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ عَلَى رَدِّهِ فَلَوْ كَبَّرَ ثَلَاثًا أَوْ كَبَّرَ (1) فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثالثة * قال المصنف رحمه الله * * (ويستحب أن يرفع يديه مع تكبيرة الاحرام حذو منكبيه لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ

_ (1) بياض بالاصل

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الركوع ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالزَّيْدِيَّةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ بَعْضِ العلماء انه أوجب الرفع ورأيت ان فِيمَا عَلِقَ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْإِمَامَ الْبَارِعَ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ سَيَّارٍ الْمَرْوَزِيَّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي طَبَقَةِ الْمُزَنِيِّ قَالَ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَوَجَبَ الرَّفْعُ بِخِلَافِ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ لَا يَجِبُ الرَّفْعُ لَهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَمَّا مَحَلُّ الرَّفْعِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ يَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَالْمُرَادُ أَنْ تُحَاذِي رَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وهكذا قاله المتولي والبغوى والعزالى وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِمَا

ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ بِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَرْفَعُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ (وَالثَّانِي) حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ وَهَذَا الثَّانِي غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَدُّوهُ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَقَدْ رَوَى الرَّفْعَ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لابي دواود فِي حَدِيثِ وَائِلٍ " رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حِيَالَ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ " لَكِنَّ إسْنَادَهَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقِيلَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَةِ الْمَنْكِبَيْنِ وَرِوَايَةِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا عَنْ وَائِلٍ " رَفَعَ إبْهَامَيْهِ إلَى شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ " وَالْمَذْهَبُ الرَّفْعُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ أَصَحُّ إسْنَادًا وَأَكْثَرُ رِوَايَةً لِأَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَمَّنْ رَوَى إلَى مُحَاذَاةِ الْأُذُنَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ رَوَى حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَحَلِّ رَفْعِ الْيَدَيْنِ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ومالك واحمد واسحق وابن المندر وقال أبو حنيفة حذو اذنيه وعن حمد رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَحَكَى الْعُبَيْدِيُّ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ رَفَعَ بديه حتى تجاوز لهما رأسه وهذا باطل لا أصل له) * * * قال المصنف رحمه الله * * (ويفرق بين اصابعه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ ينشر اصابعه في الصلاة نشرا ") * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَبَالَغَ فِي تَضْعِيفِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِحْبَابِ تَفْرِيقِ الاصابع هنا ففطع الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِاسْتِحْبَابِهِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَتَكَلَّفُ الضَّمَّ وَلَا التَّفْرِيقَ بَلْ يَتْرُكُهَا مَنْشُورَةً عَلَى هَيْئَتِهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُفَرِّقُ تَفْرِيقًا وَسَطًا وَالْمَشْهُورُ الاول قال صاحب التهذيب بالتفريق فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ) * * (فَرْعٌ) لِلْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) حَالَةُ الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ استحباب التفريق فيها (الثاني) حَالَةُ الْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَا تَفْرِيقَ فِيهَا (الثَّالِثُ) حَالَةُ الرُّكُوعِ يُسْتَحَبُّ تَفْرِيقُهَا عَلَى الركبتين (الرابع) حالة الركوع يُسْتَحَبُّ ضَمُّهَا وَتَوْجِيهُهَا إلَى الْقِبْلَةِ (الْخَامِسُ) حَالَةُ لجلوس بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا كَحَالَةِ السُّجُودِ (وَالثَّانِي) يَتْرُكُهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَلَا يَتَكَلَّفُ ضَمَّهَا (السَّادِسُ) حَالَةُ التَّشَهُّدِ بِالْيُمْنَى مَقْبُوضَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَالْإِبْهَامَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالْيُسْرَى مَبْسُوطَةً وَفِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السجدتين الصحيح يضمها ويوجهها للقبلة * * قال المصنف رحمه الله * * (ويكون ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انتهائه فان سبق اليد اثبتها مرفوعة حتى يفرغ من التكبير لان الرفع للتكبير فكان معه) * * (الشَّرْحُ) * فِي وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الرَّفْعِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: يَرْفَعُ مَعَ افْتِتَاحِ التَّكْبِيرِ ويرفع يديه عن الرفع مع اقضائه وَيُثْبِتُ يَدَيْهِ مَرْفُوعَةً حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ كُلِّهِ قَالَ فَإِنْ أَثْبَتَ يَدَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ مَرْفُوعَتَيْنِ قَلِيلًا لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا آمُرُهُ بِهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد في

فِي التَّعْلِيقِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحُطُّ يَدَيْهِ قَبْلَ انْتِهَاءِ التَّكْبِيرِ (وَالثَّانِي) يَرْفَعُ بِلَا تَكْبِيرٍ ثُمَّ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مَعَ إرْسَالِ الْيَدَيْنِ وَيُنْهِيهِ مَعَ انْتِهَائِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرْفَعُ بِلَا تَكْبِيرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ قَارَّتَانِ ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ (وَالرَّابِعُ) يَبْتَدِئُ بِهِمَا مَعًا وَيُنْهِي التَّكْبِيرَ مَعَ انْتِهَاءِ الْإِرْسَالِ (وَالْخَامِسُ) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا اسْتِحْبَابَ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَتَمَّ الْبَاقِي وَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمْ الرَّفْعَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا (مِنْهَا) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ ثُمَّ كبروهما كَذَلِكَ " - وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ - أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وفى رواية للبخاري " كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يديه " والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (فإن لم يمكنه رفعهما أو أمكنه رفع احداهما أَوْ رَفْعُهُمَا إلَى دُونِ الْمَنْكِبِ رَفَعَ مَا أَمْكَنَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَإِنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ إذَا رَفَعَ الْيَدَ جَاوَزَ الْمَنْكِبَ رَفَعَ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَبِزِيَادَةٍ هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهَا وَإِنْ نَسِيَ الرَّفْعَ وَذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ أَتَى بِهِ لان محله باق) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْمِعْصَمِ رَفَعَ السَّاعِدَ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ رَفَعَ الْعَضُدَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي لَا يَرْفَعُ لِأَنَّ الْعَضُدَ لَا يُرْفَعُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَجَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِرَفْعِ الْعَضُدِ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَوْ نَقْصٍ أَتَى بِالْمُمْكِنِ فَإِنْ قَدَرَ

مسائل منثورة تتعلق بالرفع

عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَتَى بِالزِّيَادَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعَةً مِنْ أَصْلِهَا أَوْ شَلَّاءَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا رَفَعَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةً وَالْأُخْرَى عَلِيلَةً فَعَلَ بِالْعَلِيلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَرَفَعَ الصَّحِيحَةَ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى أَتَى بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ رَفَعَهُمَا فِي الْبَاقِي فَإِنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالرَّفْعِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: اُسْتُحِبَّ الرَّفْعُ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَ وَكُلُّ مَا قلت يصنعه في تكبيره الاحرام امرته يصنعه فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لمن حمده قَالَ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ وَفَرِيضَةٍ سَوَاءٌ قَالَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَسُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ صَلَّى أَوْ سجد وهو قائم أو قاعدا أَوْ مُضْطَجِعٌ يُومِئُ إيمَاءً فِي أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ قَالَ وَإِنْ تَرَكَ رَفْعَ يَدَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا أَمَرْتُهُ بِهِ أَوْ رَفَعَهُمَا حَيْثُ لَمْ آمُرُهُ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ جِنَازَةٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَلَا سُجُودُ سَهْوٍ عَمَدَ ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ جَهِلَهُ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فِي الْعَمَلِ وَهَكَذَا أَقُولُ فِي كُلِّ هَيْئَةِ عَمَلٍ تَرَكَهَا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ الرَّفْعِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالسُّنَّةُ كَشْفُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي كُلِّ هَذَا * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ

عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِجَنْبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَرَفَعَ الشَّافِعِيُّ يَدَيْهِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ لِمَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إعْظَامًا لِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِهِ وَرَجَاءً لِثَوَابِ اللَّهِ وَقَالَ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى التَّوْحِيدِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حِكْمَةُ الرَّفْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ يَرَاهُ مَنْ لَا يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ فَيَعْلَمُ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِي بِهِ وَقِيلَ هُوَ اسْتِسْلَامٌ وَانْقِيَادٌ وَكَانَ الْأَسِيرُ إذَا غُلِبَ مَدَّ يَدَيْهِ عَلَامَةً لِاسْتِسْلَامِهِ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ أُمُورِ الدُّنْيَا والاقبال بكليته على صلاته * * قال المصنف رحمه الله * * (فإذا فرغ من التكبير فالمستحب ان يضع اليمين علي اليسار فيضع اليمني علي بعض الكف وبعض الرسغ لما روى وائل بن حجر قَالَ " قُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي فنظرت إليه وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى والرسغ والساعد " والمستحب أن يجعلهما تحت الصدر لما روى وائل قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فوضع يديه علي صدره احداهما علي الاخرى ") * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي فَرْعَيْ مسئلتي الْخِلَافَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْيَدُ الْيَسَارُ - فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ - وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ - وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ بِضَمِّ السِّينِ وَجَمْعُهُ أَرْسَاغٌ وَيُقَال رُصْغٌ بِالصَّادِ وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسِّينُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ - لضم الحاء المهملة وبعدها جيم مضمومة - وَكَانَ وَائِلٌ مِنْ كِبَارِ الْعَرَبِ وَأَوْلَادِ مُلُوكِ حِمْيَرٍ كُنْيَتُهُ أَبُو هُنَيْدَةَ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَعَاشَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ أَنْ يَحُطَّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَيَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى اليسرى ويقبض بكف المينى كُوعَ الْيُسْرَى وَبَعْضَ رُسْغِهَا وَسَاعِدِهَا قَالَ الْقَفَّالُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى فِي عَرْضِ الْمَفْصِلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا فِي صَوْبِ السَّاعِدِ وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ المنصوص وفيه وجه مشهور لابي اسحق المروزى انه تجعلهما تحت

سُرَّتِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يُرْسِلُهُمَا إرْسَالًا بَلِيغًا ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ رَفْعَهُمَا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ وَوَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَمْ يُرْسِلُهُمَا إرْسَالًا خَفِيفًا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ فَقَطْ ثُمَّ يَضَعُ قُلْتُ الثَّانِي أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْأَوَّلِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدِ بْنِ جبير والنخعي وابو مجلذ وَآخَرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابه وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُرْسِلُ يَدَيْهِ وَلَا يَضَعُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُرْسِلُهُمَا فَإِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى

لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَضْعِ وَالْإِرْسَالِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ الْوَضْعَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِرْسَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ أو جمهورهم واحتج لهم بحديث المسئ صَلَاتَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ فِي الصَّلَاةِ " قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ صَرِيحَةٌ فِي الرَّفْعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ أَيْضًا قَالَ " قُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَهُ حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا الرُّصْغِ بِالصَّادِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ هُلْبٍ الطَّائِيِّ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ " صَفُّ الْقَدَمَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ مِنْ السُّنَّةِ " رَوَاهُ أبو داود باسناد حسن وعن محمد

ابن أَبَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " ثَلَاثَةٌ مِنْ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ (قُلْتُ) مُحَمَّدٌ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ أَسْلَمُ لَهُ مِنْ الْعَبَثِ وَأَحْسَنُ فِي التَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّذَلُّلِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ إلَّا الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَلِّ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ جَعْلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَدَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ واسحق يجعلها تحت سرته وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالثَّانِيَةُ تَحْتَهَا وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ هَاتَانِ وَالثَّالِثَةُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَفْضِيلَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي غَيْرِ الْأَشْرَافِ أَظُنُّهُ فِي الْأَوْسَطِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذلك شئ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا (وَاحْتَجَّ) مَنْ قَالَ تَحْتَ السُّرَّةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وضع الكف على الاكف تَحْتَ السُّرَّةِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ " رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عبد الرحمن بن اسحق الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله *

* (المستحب ان ينظر الي موضع سجوده لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا استفتح الصلاة لم ينظر الا الي موضع سجوده ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وغيره بمعناه وكلها ضعيفة: واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا يُلْهِي وَكَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْرِيبِ نَظَرِهِ وَقَصْرِهِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ فِي ضَبْطِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَجْعَلُ نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي يَكُونُ نَظَرُهُ فِي الْقِيَامِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي السُّجُودِ إلَى أَنْفِهِ وَفِي الْقُعُودِ إلَى حِجْرِهِ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْبَصَرِ يُلْهِي فَإِذَا قَصَرَهُ كَانَ أَوْلَى وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَرْدِيدَ الْبَصَرِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيَمْنَعُ كَمَالَ الْخُشُوعِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَزِيَادَاتٌ سَنَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ * (فَرْعٌ) أَمَّا تَغْمِيضُ الْعَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي بَابِ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ يُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ الْمُصَلِّي عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ * دَلِيلُنَا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ إنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ الْعَيْنِ فَكَذَا تَغْمِيضُ الْعَيْنَيْنِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَلَمْ أَرَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لِأَنَّهُ يُجْمِعُ الْخُشُوعَ وَحُضُورَ (1) الْقَلْبِ وَيَمْنَعُ مِنْ إرْسَالِ النَّظَرِ وَتَفْرِيقِ الذِّهْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَا تَغْمِيضَ الْعَيْنَيْنِ في الصلاة وفيه حديث قال وليس بشئ * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يقرأ دعاء الاستفتاح وهو سنة والافضل ان يقول ما رواه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انه كان إذا قام للصلاة قال وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له

_ (1) في نسخة خضوع

وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله إلا انت ربى وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب الا انت واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها إلا انت واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَقَلْتُهُ وفى نسخ المذهب مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ مِنْهَا أَنَّهُ في المذهب فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ أَعَمُّ وَقَوْلُهُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّ لَفْظَةَ مِنْ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ ثَابِتَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي بَعْضِهَا وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ رَوَاهُ أَكْثَرُهُمْ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَسَقَطَ فِي الْمُهَذَّبِ قَوْلُهُ أَنْتَ رَبِّي وَيَا لَيْتَهُ نَقَلَهُ من صحيح مسلم أما تَفْسِيرُ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَحْتَمِلُ جُزْءًا كَبِيرًا لَكِنِّي أُشِيرُ إلَى مَقَاصِدِهِ رَمْزًا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُورٌ بِتَدَبُّرِ الْأَذْكَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَاهَا لِيُمْكِنَهُ تَدَبُّرُ مَعَانِيهَا قَوْلُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ قَوْلُهُ وَجَّهْت وَجْهِي قال الازهرى وغيره معناه أَقْبَلْتُ بِوَجْهِي وَقِيلَ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي إلَيْهِ وَيَجُوزُ فِي وَجْهِي إلَيْهِ إسْكَانُ الْيَاءِ وَفَتْحُهَا وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَلَى الْإِسْكَانِ وَقَوْلُهُ (فَطَرَ السَّمَوَاتِ) أَيْ ابْتَدَأَ خَلْقَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَجَمَعَ السَّمَوَاتِ دُونَ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا كَالسَّمَوَاتِ لِأَنَّهُ أَرَادَ جِنْسَ الْأَرَضِينَ وَجَمَعَ السَّمَوَاتِ لِشَرَفِهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَوَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرَضِينَ وَقِيلَ الْأَرْضُونَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَدْفِنُهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ (حَنِيفًا) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ: أَيْ مُسْتَقِيمًا وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْأَكْثَرُونَ الْحَنِيفُ الْمَائِلُ وَمِنْهُ قِيلَ أَحْنَفَ الرَّجُلُ قَالُوا وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مخالفيه: وقال أبو عبيدة الْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَصَبَ حَنِيفًا عَلَى الْحَالِ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِي فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِي وَقَوْلُهُ (وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ أَوْ صَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ (إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصَّلَاةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا قَالَ وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ وَالنَّاسِكُ الَّذِي يُخْلِصُ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ مِنْ النَّسِيكَةِ وَهِيَ النَّقْرَةُ الْخَالِصَةُ الْمُذَابَةُ الْمُصَفَّاةُ مِنْ كُلِّ خَلْطٍ وَالنَّسِيكَةُ أَيْضًا الْقُرْبَانُ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ النُّسُكُ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ وَقَوْلُهُ (ومحياى ومماتي)

أَيْ حَيَاتِي وَمَمَاتِي وَيَجُوزُ فِيهِمَا فَتْحُ الْيَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي لِلَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ لَامُ الْإِضَافَةِ وَلَهَا مَعْنَيَانِ الْمِلْكُ كَقَوْلِكَ الْمَالُ لِزَيْدٍ وَالِاسْتِحْقَاقُ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ هُنَا * وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فِي مَعْنَى رَبٍّ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. الْمَالِكُ. وَالسَّيِّدُ: وَالْمُدَبِّرُ. وَالْمُرَبِّي: قَالَ فَإِنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ رَبٌّ أَوْ مَالِكٌ أَوْ سَيِّدٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ مُدَبِّرُ خَلْقِهِ أَوْ مُرَبِّيهِمْ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. قَالَ وَمَتَى أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَإِنْ حَذَفْتَهَا كَانَ مُشْتَرَكًا فَتَقُولُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ الدَّارِ وَأَمَّا الْعَالَمُونَ فَجَمْعُ عَالَمٍ وَالْعَالَمُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ: الْعَالَمُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ. وَقِيلَ هُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ. قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ وَقِيلَ بَنُو آدَمَ قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِ الْعَالَمِ فَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ كالعالم اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَدَلِيلُهُ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ فِي قَوْلِهِمْ الْعَالَمُ مُحْدَثٌ

وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَدَلِيلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رب العالمين قال رب السموات والارض وما بينهما) وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعِلْمِ فَالْعَالَمُونَ عَلَى هَذَا مَنْ يَعْقِلُ خَاصَّةً قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ أبو الهيثم والازهري لقول الله تعالى (فيكون للعالمين نذيرا) قَوْلُهُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ مَذْهَبَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ قَالَ الْفَرَّاءُ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ امنا بخير فكثرت في الكلام واخناطت فقيل اللهم وتركت مفتوحة الميم قال الْخَلِيلُ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ النِّدَاءِ وَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَبْلَهَا وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَالُ يَا اللَّهُمَّ وَقَوْلُهُ: أَنْتَ الْمَلِكُ أَيْ الْقَادِرُ على كل شئ قَوْلُهُ: وَأَنَا عَبْدُكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ إنِّي لَا أَعْبُدُ غَيْرَكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَا مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبَّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِي: قَوْلُهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ": قَوْلُهُ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ. أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهِ وَسَيِّئُهَا قَبِيحُهَا قَوْلُهُ: لَبَّيْكَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إلْبَابًا أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لبين فحذفت النون للاضافة وقوله: وَسَعْدَيْكَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مساعدة ومتابعة بعد متابعة لدين الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ بَعْدَ: مُتَابَعَةٍ: قَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ. فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ (أَحَدُهَا) مَعْنَاهُ لا يتقرب به اليك قاله الخليل واحمد والنضر بن شميل واسحق بن راهويه ويحيى ابن مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمُزَنِيِّ وقاله ايضا غير مَعْنَاهُ لَا يُضَافُ إلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوُ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُقَالُ يَا خالق كا شئ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ (وَالثَّالِثُ)

مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إلَيْكَ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ (وَالرَّابِعُ) مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ فَإِنَّك خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ فُلَانٌ إلَى بنى فلان إذا كان عداده فيهم أوصفوه إليهم قال الشيخ أبو حامد ولابد مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ جَمِيعًا اللَّهُ فَاعِلُهُمَا وَلَا إحْدَاثَ للعبد فيهما والمتزلة يَقُولُونَ يَخْلُقُهُمَا وَيَخْتَرِعُهُمَا وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمَا صُنْعٌ وَلَا يَسْمَعُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخَيْرَ مِنْ عِنْدِ الله والشر من نفسك الاهمج الْعَامَّةِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لا سني ولا بدعى: قوله أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيْ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ أَعْتَصِمُ بِكَ وَأَلْجَأُ إلَيْكَ: قَوْلُهُ تَبَارَكْتَ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَكَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: تَبَارَكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمُسَافِرٍ وَمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَقَاعِدٍ وَمُضْطَجِعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَلَا يَتَدَارَكُهُ فِي بَاقِي الرَّكَعَاتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا تَرَكَهُ وَشَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ يَعُودُ إلَيْهِ مِنْ بَعْدِ التَّعَوُّذِ وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَكِنْ لَوْ خَالَفَ فَأَتَى بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ذكر ولا يسجد للسهو كَمَا لَوْ دَعَا أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ موضعه قال الشافعي في الامم: وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ حَيْثُ لَا آمُرُهُ به فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِي أَيِّ حَالٍ ذَكَرَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَحْرَمَ مَسْبُوقٌ فَأَمَّنَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِهِ أَمَّنَ ثُمَّ أَتَى بِالِاسْتِفْتَاحِ لِأَنَّ التَّأْمِينَ يَسِيرٌ. وَلَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَكَبَّرَ وَقَعَدَ فَسَلَّمَ مع قعودة قام ولا يأتي بدعا الِاسْتِفْتَاحِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ قُعُودِهِ لَا يَقْعُدُ ويأتى بدعاء الاستفتاح وهذا الذى ذكره مِنْ اسْتِحْبَابِ دُعَاءِ

الِاسْتِفْتَاحِ لِكُلِّ مُصَلٍّ يَدْخُلُ فِيهَا النَّوَافِلُ الْمُرَتَّبَةُ وَالْمُطْلَقَةُ وَالْعِيدُ وَالْكُسُوفُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وغيرها يستثني مِنْهُ مَوْضِعَانِ (أَحَدُهُمَا) صَلَاةُ الْجِنَازَةِ: فِيهَا وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْرَعُ فِيهَا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ لِأَنَّهَا مبنية علي الاختصار والثانى تستحب كغيرها (الوضع الثَّانِي) الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ لَوْ أَدْرَكَ الامام رفعا مِنْ الِاعْتِدَالِ حِينَ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَأْتِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ بَلْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يمكنه دعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة أنى بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الاصحاب قال الشيخ بو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَجِّلَ فِي قِرَاءَتِهِ وَيَقْرَأَ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ ثُمَّ يُنْصِتُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ أَوْ شَكَّ لَمْ يأت بدعاء الاستفتاح فلو خَالَفَ وَأَتَى بِهِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فَهَلْ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَتْرُكُ بَقِيَّةَ الْفَاتِحَةِ أَمْ يُتِمُّهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الصلاة الْجَمَاعَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ مَعَ التَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ كُلُّهُ أَتَى بِالْمُمْكِنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ * (فَرْعٌ) فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ لله فِي إسْكَاتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِثْلُهَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ (1) اللَّهُمَّ وَاغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ " رواه أبو داود الترمذي وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " رواه أبو داود

_ (1) رواية مسلم اللهم نقني من خطاياى كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ الخ فاقتصر الشارح على موضع الخلاف بين الروايتين

وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يصل هَذَا الْحَدِيثُ وَجَاءَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَفْثِهِ الشَّرُّ وَنَفْخِهِ الكبر وهمزة المؤتة أَيْ الْجُنُونُ وَرَوَى الِاسْتِفْتَاحَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَحَادِيثُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّ مَا فِيهَا الْأَثَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ " وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ أَنَّهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بَلْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَعَتْ فِي مُسْلِمٍ مُرْسَلَةً لِأَنَّ عَبْدَةَ بْنَ أبي لبابة لم يسمع عمرو وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ مُتَّصِلًا والفاتحة وفى رواية التَّصْرِيحُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَهُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طيبا مباركا فيه فلما قضى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ ايكم المتكلم بالكمات فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا فَقَالَ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشْرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ أَرَمَّ - بِالرَّاءِ أَيْ سَكَتَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مع رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَالَ رَجُلٌ فِي القوم الله اكبر كبيرا والحمد كثيرا أو سبحان اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ لَهَا كَلِمَةً فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُتَّصِلًا بِحَدِيثِ أنس

الَّذِي قَبْلَهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بِأَيَّتِهَا اسْتَفْتَحَ حَصَّلَ سُنَّةَ الِاسْتِفْتَاحِ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَلِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَجْمَعُ بَيْنَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ: وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ لَا يَتَوَقَّعُونَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ اسْتَوْفَى حَدِيثَ عَلِيٍّ بِكَمَالِهِ وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنهما * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَمَا يسنفتح بِهِ: أَمَّا الِاسْتِفْتَاحُ فَقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ من الصاحبة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ خَالَفَ فيه الا مالكا رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ولا بشئ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ أَصْلًا بَلْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلَى آخِرِ الفاتحة * واحتج له بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِفْتَاحٌ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد الله رب العالمين " وَدَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " المسئ صَلَاتَهُ " مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا عَلَّمَهُ الْفَرَائِضَ فَقَطْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ما سبق في قصل التكبير أن المراد يفتتح الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كانوا يقرؤن الْفَاتِحَةَ قَبْلَ السُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا يأتي بدعاء الاستفتاح وبينه حديث عائشة رضى الله عنها الذي ذكرناه هناك وكيف كان فليس تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَلَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ بِإِثْبَاتِهِ مُقَدَّمَةً لِأَنَّهَا زيادة ثقاه وَلِأَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَفْتَحُ بِوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأصحابه واسحق وَدَاوُد يُسْتَفْتَحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَأْتِي بِوَجَّهْتُ وَجْهِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ

مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ أَجْزَأَهُ وَأَنَا إلَى حَدِيثِ وَجَّهْتُ وَجْهِي أَمِيلُ دَلِيلُنَا أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الاستفتاح بسبحانك اللهم شئ وثبت وجهت وجهي فتعين اعتماده والعلم به والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يتعوذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول ذلك " قال في الام كان ابن عمر رضي الله عنه يتعوذ في نفسه وأبو هريرة رضي الله عنه يجهر به وأيهما فعل قال أبو علي الطبري استحب أن يسر به لانه ليس بقراءة ولا علم على الاتباع ويستحب ذلك في الركعة الاولى قال في الام: يقول في أول كل ركعة: وقد قيل ان قاله في كل ركعة فحسن ولا آمر به أمرى في أول كل ركعة فمن أصحابنا من قال فيما سوى الاولي قولان (أحدهما) يستحب لانه يستفتح القراءة فيها فهي كالاولى (الثانية) لا يستحب استفتاح القراءة في الاولى ومن أصحابنا من قال يستحب في الجميع قولا واحدا وانما في الركعة الاولي اشد استحبابا وعليه يدل قول الشافعي رضى الله عنه) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فَقَالَ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

وَالْمُعْتَمَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم) وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ فِيهَا كَيْفِيَّةُ الِاسْتِعَاذَةِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَحَلِّ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَالْجَوَابُ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ وَمَعْنَى أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَلُوذُ وَأَعْتَصِمُ بِهِ وَأَلْجَأُ إلَيْهِ وَالشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ سُمِّيَ شَيْطَانًا لِشُطُونِهِ عَنْ الْخَيْرِ أَيْ تَبَاعُدِهِ وَقِيلَ لِشَيْطِهِ أَيْ هَلَاكِهِ وَاحْتِرَاقِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ النُّونُ أَصْلِيَّةٌ وَعَلَى الثَّانِي زَائِدَةٌ وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ والمعبد وَقِيلَ الْمَرْجُومُ بِالشُّهُبِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ وَلَا عَلَمٍ عَلَى الِاتِّبَاعِ الْعَلَمُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْعَلَامَةُ وَالدَّلِيلُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ التَّكْبِيرِ * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَهُوَ أَنَّ التَّعَوُّذَ مَشْرُوعٌ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَيَقُولُ بَعْدَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ لَكِنَّ أَفْضَلَهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبَعْدَهُ فِي الْفَضِيلَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَبَعْدَ هَذَا أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ مِنْ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ

مسائل متعلقة بالتعوذ

اللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سَرِيَّةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فَأَشْبَهَ التَّأْمِينَ كَمَا لَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَلَا تَرْجِيحَ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَلَفُوا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَقَلَا التَّعَوُّذَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَغَلَطَا فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا اُسْتُحِبَّ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قُلْنَا يَخْتَصُّ بِالْأُولَى أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ فِي الْأُولَى لَا يَأْتِي بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ مَشْرُوعٌ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَقَدْ فَاتَ فَصَارَ كَالْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَشْرُوعٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِيهَا قِرَاءَةٌ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِالتَّعَوُّذِ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ عَمْدًا (1) فَإِنْ تَرَكَهُ عمدا أو سهوا فليس عليه سجود سهو (الثاني) فِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وهما كالخلاف

_ (1) هذا بالاصل وفيها سقط ولعله (تداركه في الثانية) كما يفهم من عبارة الروضة والام وقد حكي الشارح عبارة الام بالمعني اه

فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ لِكُلِّ مصل من امام ومأموم ومنفرد وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَحَاضِرٍ وَمُسَافِرٍ وَقَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُحَارِبٍ إلَّا الْمَسْبُوقَ الَّذِي يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ فَيَتْرُكُهُ وَيَشْرَعُ فِي الْفَاتِحَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّعَوُّذُ كَالتَّأْمِينِ وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (الرَّابِعَةُ) التَّعَوُّذُ يُسْتَحَبُّ لكل من يريد الشروع في قراءة أَوْ غَيْرِهَا وَيَجْهَرُ الْقَارِئُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِاتِّفَاقِ القراء يكفيه التَّعَوُّذُ الْوَاحِدُ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ فَإِنْ قَطَعَهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْنَفَ التَّعَوُّذَ وَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَتَعَوَّذْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَصْلٍ أَوْ هُوَ فَصْلٌ يَسِيرٌ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّعَوُّذِ وَمَحَلِّهِ وَصِفَتِهِ والجهر به وتكراره في الركعات واستحابه لِلْمَأْمُومِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ * أَمَّا أَصْلُهُ فَاسْتَحَبَّهُ لِلْمُصَلِّي جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ اصحاب الرأى واحمد واسحق وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ أَصْلًا لحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْآيَةُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فَالْآيَةُ أَوْلَى * وَأَمَّا مَحَلُّهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهَا إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ وَهُوَ اللَّائِقُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ * وَأَمَّا صِفَتُهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ الله هو السميع العليم) وقال الحسن ابن صَالِحٍ يَقُولُ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ واحتج بقول الله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله انه سميع عليم) وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعلى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم) فَقَدْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فَلَيْسَتْ بَيَانًا لِصِفَةِ الِاسْتِعَاذَةِ بَلْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى

بِالِاسْتِعَاذَةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ عَلِيمٌ فَهُوَ حَثَّ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ وَالْآيَةُ الَّتِي أَخَذْنَا بِهَا أَقْرَبُ إلَى صِفَةِ الِاسْتِعَاذَةِ وَكَانَتْ أَوْلَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَقَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ * وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ وَقَالَ ابْنُ لَيْلَى الْإِسْرَارُ وَالْجَهْرُ سَوَاءٌ وَهُمَا حَسَنَانِ * وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّ التَّعَوُّذُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَأْمُومِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَوَّذُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا * وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمَا أَوْجَبَاهُ قَالَ وَعَنْ دَاوُد رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) وُجُوبُهُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَدَلِيلُهُ ظاهر الآية ودليلنا حديث " المسئ صلاته " والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ") * ** (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَمُتَعَيِّنَةٌ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا تَرْجَمَتُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا قِرَاءَةُ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَسْتَوِي فِي تَعَيُّنِهَا جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا جَهْرُهَا وَسِرُّهَا وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسَافِرُ وَالصَّبِيُّ وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ وَفِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي تَعَيُّنِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَفِي الْمَأْمُومِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَسْقُطُ الْفَاتِحَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ بِشَرْطِ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ مَحْسُوبَةٌ

للامام احتراز من الامام المحدث والذى قام الخامسة نَاسِيًا وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مُتَعَيَّنَةٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَلْ نُسَمِّيهَا فِي النَّافِلَةِ وَاجِبَةً أَمْ شَرْطًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعَ أَصَحُّهَا ركن والله أعلم هـ (فرع) في مذاهب العلما في القراءة في الصلاة. مذهبا أَنَّ الْفَاتِحَةَ مُتَعَيَّنَةٌ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَادِرِ عَلَيْهَا إلَّا بِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بن الْعَاصِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ عَوْنٍ والاوزاعي ومالك وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لَكِنْ تستحب وفى رواية عنه تجب ولا يشترط وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْهُ (إحْدَاهَا) آيَةٌ تامة (والثانية) ما يتناوله الِاسْمَ قَالَ الرَّازِيّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ (وَالثَّالِثَةُ) ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حنيفة بقول الله تعالي (فاقرؤا ما تيسر منه) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال للمسئ صَلَاتَهُ " كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ من القرآن " رواه البخاري ومسلو بحديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا " وَفِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " قَالُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَقُومُ مَقَامَهَا قَالُوا وَلِأَنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْجَمِيعِ عَلَى الْجُنُبِ وَتَحْرِيمِ مس المحدث وغيرهما وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بفاتحة الكتاب "

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا مَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً قُلْنَا هَذَا خِلَافُ الْحَقِيقَةِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَالسَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ فَلَا يُقْبَلُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فهى خداج " يقولها ثلاثا غَيْرُ تَمَامٍ " فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غير المغضوب

عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " لا تجزى صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رواه الدارقطني وقال اسناده صحيح حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ ابن حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا يتيسر " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَا فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تَتَيَسَّرُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ " أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ كَمَا يُقَالُ صُمْ وَلَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ أَيْ أَكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنْ نَقَصْتَ فَلَا تَنْقُصْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي الْحُرْمَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ منه استواؤها في الاجزاء في الصلاة لاسيما وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَفْسِ الْفَاتِحَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ مِنْ الدَّلَائِلِ لَنَا وَلَهُمْ اقْتَصَرْتُ فِيهَا عَلَى الصَّوَابِ مِنْ الدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِطْنَابِ فِي الْوَاهِيَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي أَصْلِ الْقِرَاءَةِ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وُجُوبُهَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمُتَابِعُوهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَالُوا حَسَنًا قَالَ فَلَا بَأْسَ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنِّي صَلَّيْتُ وَلَمْ أَقْرَأْ قَالَ أَتْمَمْتُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَمَّتْ صَلَاتُكَ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ. الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُدْرِكَا عُمَرَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مَوْصُولَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَقْرَأْ فَأَعَادَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَوْصُولَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَلِلْقِيَاسِ فِي أَنَّ الْأَرْكَانَ لَا تَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتُرِكَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ زَيْدٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مُرَادُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى حَسْبِ مَا فِي الْمُصْحَفِ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ حُرُوفُ الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ أَيْ طَرِيقٌ يُتَّبَعُ وَلَا يُغَيَّرُ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) لِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَكَاهَا الْإِمَامُ أبو اسحق الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ. قَالُوا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا الْمُصْحَفُ وَالتَّعَلُّمُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ الَّذِي يُفْتَتَحُ بِهِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحَمْدَ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ (الثَّانِي) سُورَةُ الْحَمْدِ لِأَنَّ فِيهَا الْحَمْدَ (الثَّالِثُ) وَ (الرَّابِعُ) أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَنَّ مَكَّةَ أُمُّ الْقُرَى حَيْثُ دُحِيَتْ الدُّنْيَا مِنْ تَحْتِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الْعُلُومِ وَالْخَيْرَاتِ كَمَا سُمِّيَ الدِّمَاغُ أُمُّ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَالْمَنَافِعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْأُمُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الرَّايَةُ يَنْصِبُهَا الْأَمِيرُ لِلْعَسْكَرِ يَفْزَعُونَ إلَيْهَا في حياتهم وموتهم وقال الحسن ابن الْفَضْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إمَامٌ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ يُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ سُورَةٍ كَأُمِّ الْقُرَى لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ " (الْخَامِسُ) الصَّلَاةُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي " وَهُوَ صَحِيحٌ كما سبق بيانه قريبا (السادس) لسبع الْمَثَانِي لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (السَّابِعُ) الْوَافِيَةُ - بِالْفَاءِ - لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ فَيُقْرَأُ بَعْضُهَا فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضُهَا فِي أُخْرَى بِخِلَافِ غَيْرِهَا (الثَّامِنُ) الْكَافِيَةُ لِأَنَّهَا تَكْفِي عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يَكْفِي عَنْهَا غَيْرُهَا (التَّاسِعُ) الْأَسَاسُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْعَاشِرُ) الشِّفَاءُ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَسْمِيَتِهَا أُمَّ الْكِتَابِ فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ الْكِتَابَ تَبَعٌ لَهَا وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَزَعَمَا أَنَّ

هَذَا اسْمٌ لِلَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَلَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ (قُلْتُ) هَذَا غَلَطٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الكتاب والسبع الثاني " * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ تُجْزِيهِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كيف كان الركوع والسجود قالوا احسنا قَالَ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ مَا كَانَ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ لم يسقط فرضه بالنسيان كالركوع والسجود) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ فِي مَذْهَبِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وانه جاء انه أَعَادَ الصَّلَاةَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيمَنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ نَاسِيًا حَتَّى سَلَّمَ أَوْ رَكَعَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ بَلْ إنْ تَذَكَّرَ فِي الركوع أو بعده قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَرَأَ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ لَغَتْ الْأُولَى وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ الْأُولَى وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْقَدِيمُ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ فَعَلَى هَذَا إنْ تذكر بعد السلام فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِرَاءَةِ كَمَا لَوْ نسى سجدة ونحوها (والثانى) لا شئ عَلَيْهِ وَرَكْعَتُهُ صَحِيحَةٌ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَمَا لَوْ تَذَكَّر بَعْدَ السَّلَامِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ * (فَرْعٌ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِيهَا خِلَافٌ كَهَذِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَصِحُّ (مِنْهَا) تَرْكُ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا (وَنِسْيَانُ) الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ (وَمَنْ) صَلَّى أَوْ صَامَ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ حَمَلَهَا أَوْ نَسِيَهَا أَوْ أَخْطَأَ فِي الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ سبق بيانها في باب صفة الوضوء * * قال المصنف رحمه الله * * (ويجب ان يبتدئها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَعَدَّهَا آيَةً " وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَثْبَتُوهَا فِيمَا جَمَعُوا مِنْ الْقُرْآنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ بِهَا كَمَا يَجْهَرُ بِسَائِرِ الْفَاتِحَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَلِأَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَكَانَ سُنَّتُهَا الْجَهْرَ كَسَائِرِ الْفَاتِحَةِ) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ وَسَنَذْكُرُ مَا يُغْنِي عَنْهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا بَاقِي السُّوَرِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَبَرَاءَةَ فَفِي الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مِنْهَا ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون اصحهما وَأَشْهَرُهَا وَهُوَ الصَّوَابُ أَوْ الْأَصْوَبُ أَنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا قُرْآنٌ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ بَرَاءَةَ ثُمَّ هَلْ هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ أَمْ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا. فِيهِ وجهان مشهوران لاصحابنا حكاهما المحاملي وصحاب الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ (أَحَدُهُمَا) عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِقِرَاءَتِهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَكُونُ قَارِئًا لِسُورَةٍ غَيْرِهَا بِكَمَالِهَا إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ نَافِيهَا لَا يَكْفُرُ وَلَوْ كَانَتْ قُرْآنًا قَطْعًا لَكَفَرَ كَمَنْ نَفَى غَيْرَهَا فَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِي إثْبَاتِهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِذَا قَالَ هِيَ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ لَمْ يُقْبَلْ فِي إثْبَاتِهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهَا قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ القطع قال امام هَذِهِ غَبَاوَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَائِلِ هَذَا لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْعِلْمِ حَيْثُ لَا قَاطِعَ مُحَالٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هِيَ آيَةٌ حكما لا قطعا وقال أبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سورة غير براءة قطعا ولا خلاف اعندنا أنها تجب قراءتها فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بها لانها كباقي الفاتحة قال الشافعي ولاصحاب وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ

فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي السُّورَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ وَعَدَمِهَا (اعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَسْمَلَةِ عَظِيمَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَلِهَذَا الْمَحَلِّ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ وَصْفِهَا اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِشَأْنِهَا وَأَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ فِيهَا مُفْرَدَةً وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ وَحَوَى فِيهِ مُعْظَمَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا كَبِيرًا (1) وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ هُنَا جَمِيعَ مَقَاصِدِهِ مُخْتَصَرَةً وَأَضُمُّ إلَيْهَا تَتِمَّاتٍ لابد مِنْهَا فَأَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَلِكَ هِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ من السلف قال الحافظ أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ وَقَالَ وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي كونها من الفاتحة احمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَكَّةَ وأكثر أهل العراق وحكاه الخطابي أ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِيَّاتُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كُلِّهَا قُرْآنًا لَا فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ هِيَ آيَةٌ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ هِيَ آيَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ غَيْرَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ وَلَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ بَلْ هِيَ قرآن كسورة قَصِيرَةٍ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ أَيْضًا ورواية عن احمد وقال محمد ابن الْحَسَنِ مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِي الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي اوائل السور

غَيْرَ بَرَاءَةَ وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ النَّمْلِ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحين) فَقُرْآنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ جَحَدَ مِنْهَا حَرْفًا كَفَرَ بِالْإِجْمَاعِ (وَاحْتَجَّ) مَنْ نَفَاهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِالظَّنِّ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بِطُولِهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ مِنْ الْقُرْآنِ سورة ثلاثون آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ " وَهِيَ (تبارك الذى بيده الملك) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد تَشْفَعُ قَالُوا وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً سِوَى الْبَسْمَلَةِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي مَبْدَأِ الْوَحْيِ " أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ له " فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا آخِرِهَا " قَالُوا وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الْقُرْآنِ لَكَفَرَ جَاحِدُهَا وَأَجْمَعْنَا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ (قَالُوا) وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعَدَدِ مُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِ عَدِّهَا آيَةً مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّهَا فِي الْفَاتِحَةِ قَالُوا وَنَقَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ التَّابِعِينَ عَنْ الصحابة رضى الله عنهم افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين قَالُوا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فقال الحمد لله رب العالمين " * وَاحْتَجَّ * أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اجمعوا علي اثباتها في المصحف جميعا في اوائل السور سِوَى بَرَاءَةَ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ فَإِنَّ الْعَادَةَ كِتَابَتُهَا

بِحُمْرَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا اسْتَجَازُوا إثْبَاتَهَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهَا قُرْآنٌ فَيَكُونُونَ مُغَرِّرِينَ بِالْمُسْلِمِينَ حَامِلِينَ لَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا أَقْوَى أَدِلَّتِنَا فِي إثْبَاتِهَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَحْسَنُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا كِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي قصدوا بكتابتها ففى الْخِلَافِ عَنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مِائَةً وَثَلَاثَ عَشَرَةَ آيَةً لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَظْهَرُ الْأَدِلَّةِ كِتَابَتُهَا بِخَطِّ الْقُرْآنِ قَالَ وَنَحْنُ نَقْنَعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالظَّنِّ وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهَا أُثْبِتَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا فِيهِ تَغْرِيرٌ لَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ لِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْفَصْلِ لَكُتِبَتْ بَيْنَ بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالِ وَلَمَا حَسُنَ كِتَابَتُهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْفَصْلَ كَانَ مُمْكِنًا بِتَرَاجِمِ السُّوَرِ كَمَا حَصَلَ بَيْنَ بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهَا كُتِبَتْ لِلتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (وَمِنْ وَجْهٍ رَابِعٍ) أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلتَّبَرُّكِ لَاكْتَفَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْمُصْحَفِ أَوْ لَكُتِبَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةَ وَلَمَا كُتِبَتْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْأَنْعَامِ وَسُبْحَانَ وَالْكَهْفِ وَالْفُرْقَانِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةً إلَى الْبَسْمَلَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَصَدُوا تَجْرِيدَ الْمُصْحَفِ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلِهَذَا لَمْ يَكْتُبُوا التَّعَوُّذَ وَالتَّأْمِينَ مَعَ أَنَّهُ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِمَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَلَا الْآيَاتِ النَّازِلَةَ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ يُبَسْمِلْ وَلَمَّا تلا سورة الكوثر حين نزوله بَسْمَلَ فَلَوْ كَانَتْ لِلتَّبَرُّكِ لَكَانَتْ الْآيَاتُ فِي براءة عائشة اولي مما تبرك فِيهِ لِمَا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ السُّرُورِ بِذَلِكَ وَعَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سبعا من المثانى) قَالَ " هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ قَالَ فَأَيْنَ السَّابِعَةُ قَالَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) " رَوَاهُمَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إذْ أَغْفَى إغْفَاءً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ

لله قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم انا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال " كانت مداثم قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ كُلِّهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (الْأَوَّلُ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلِمَ أَنَّهَا سُورَةٌ (الثَّانِي) " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْلَمُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " الثَّالِثُ " كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ السَّبْعُ مِنْ الْمَثَانِي وَهِيَ السَّبْعُ آيَاتٍ وَأَنَّ الْبَسْمَلَةَ هِيَ الْآيَةُ السَّابِعَةُ " وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحين إحْدَى آيَاتِهَا " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُ إسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثقاة وَرُوِيَ مَوْقُوفًا. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَعَاضِدَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِلظَّنِّ الْقَوِيِّ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا حَيْثُ كُتِبَتْ وَالْمَطْلُوبُ هُنَا هُوَ الظَّنُّ لَا الْقَطْعُ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى مَذْهَبِنَا وَقَالَ لَا يَثْبُتُ الْقُرْآنُ بِالظَّنِّ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (مِمَّا) ذَكَرَهُ حَدِيثَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ

عليه بسم الله الرحمن الرحيم " قال والقاضي معترف بهذا ولكنه تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ وَلَمْ تَكُنْ قُرْآنًا قَالَ وَلَيْسَ كُلُّ مُنَزَّلٍ قُرْآنًا قَالَ الغزالي: وما من منصف إلَّا وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيُضَعِّفُهُ وَاعْتَرَفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ كُتِبَتْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ إخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ وهذا موهم كل أحد انها قرآنا وَدَلِيلٌ قَاطِعٌ أَوْ كَالْقَاطِعِ أَنَّهَا قُرْآنٌ فَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ بَيَانِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا (فان قيل) لو كانت قرآن لَبَيَّنَهَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكتفى بقوله أنها منزلة وباملاتها عَلَى كُتَّابِهِ وَبِأَنَّهَا تُكْتَبُ بِخَطِّ الْقُرْآنِ كَمَا يُبَيِّنْ عِنْدَ إمْلَاءِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّهَا قُرْآنٌ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ وَمِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِنْزَالِ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّوَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لِلْفَصْلِ (قُلْنَا) مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ حَتَّى يَنْزِلَ فَأَخْبَرَ بِنُزُولِهَا وهذه صِفَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ وَتَقْدِيرُ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ بِالشُّرُوعِ فِي سُورَةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْبَسْمَلَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْزِلُ إلَّا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ الْغَرَضُ بَيَانُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً بَلْ ظَنِّيَّةً وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَارِضَةً فَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَرْجَحُ وَأَغْلَبُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَثْبُتُ القران إلا بالتواثر فَمِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ (وَالثَّانِي) أَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْبَسْمَلَةُ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " فَمِنْ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ إنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ لِانْدِرَاجِهَا فِي الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا (الثَّانِي) أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ فَإِذَا انْتَهَى الْعَبْدُ فِي قِرَاءَتِهِ إلَى " الْحَمْدُ لله رب العالمين " وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْبَسْمَلَةُ دَاخِلَةً (الثَّالِثُ) أَنْ يُقَالَ الْمَقْسُومُ مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنْ الْآيَاتِ الْكَامِلَةِ وَاحْتَرَزْنَا بِالْكَامِلَةِ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَقِيلَ الْحَمْدُ لله رب العالمين) وعن قوله تعالى (وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين) وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَغَيْرُ مُخْتَصَّةٍ (الرَّابِعُ) لَعَلَّهُ قَالَهُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ ضَعُوهَا فِي سُورَةِ كَذَا (الْخَامِسُ) أَنَّهُ جَاءَ ذكر البسملة في رواية الدارقطني والبيهقي فقال " فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ اللَّهُ ذَكَرَنِي عَبْدِي " وَلَكِنَّ إسْنَادَهَا ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَاخْتُلِفَ فِي السَّابِعَةِ فَمَنْ جَعَلَ الْبَسْمَلَةَ آيَةً قَالَ السَّابِعَةُ (صِرَاطَ الَّذِينَ) إلَى آخِرِ السُّورَةِ: وَمَنْ نَفَاهَا قَالَ (صِرَاطَ الذين انعمت عليهم) سادسة (وغير المغضوب عليهم) إلَى آخِرِهَا هِيَ السَّابِعَةُ قَالُوا وَيَتَرَجَّحُ هَذَا لان به يحصل حقيقة التنصيف فيكون لله تعالى ثلاث آيات ونصف وللعبد مِثْلُهَا وَمَوْضِعُ التَّنْصِيفِ

(إياك نعبد وإياك نستعين) فَلَوْ عُدَّتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً وَلَمْ يُعَدَّ (غَيْرِ المغضوب عليهم) صار لِلَّهِ تَعَالَى أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ وَلِلْعَبْدِ آيَتَانِ وَنِصْفٌ وَهَذَا خِلَافُ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِالتَّنْصِيفِ (فَالْجَوَابُ) من أوجه (أحدها) منع إرادة حقيقة التنيصف بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الشَّاعِرِ * إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ * وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ قِسْمَانِ فَأَوَّلُهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَآخِرُهَا لِلْعَبْدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنْصِيفِ قِسْمَانِ الثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِعَدَدِ الْآيَاتِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْفَاتِحَةَ إذَا قُسِمَتْ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا كان التنصف فِي شَطْرَيْهَا أَقْرَبَ مِمَّا إذَا قُسِمَتْ بِحَذْفِ الْبَسْمَلَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَقْسِيمُهَا بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ (فَإِنْ قِيلَ) يَتَرَجَّحُ جَعْلُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) لقوله فإذا قال العبد (اهدنا الصراط إلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي فَلَفْظَةُ هؤلاء جمع يقتضى ثلاثة آيَاتٍ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لِلْعَبْدِ إلَّا آيَتَانِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ فَهَذَا لِعَبْدِي وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ ثَابِتَةً فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إلَى الْكَلِمَاتِ أَوْ إلَى الْحُرُوفِ أَوْ إلَى آيَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ قَوْله تعالى (وإياك نستعين) إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَمِثْلُ هَذَا يُجْمَعُ كَقَوْلِ الله تعالى (الحج أشهر معلومات) وَالْمُرَادُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَوْ إلَى آيَتَيْنِ فَحَسْبُ وَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ وَحَقِيقَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ التَّنَصُّفَ تَوَجَّهَ إلَى آيَاتِ الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا التَّنَصُّفُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الصَّلَاةِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ (فَإِنْ قَالُوا) الْمُرَادُ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ (قُلْنَا) بَلْ الْمُرَادُ قِسْمَةُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ أَيْ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا وَهُوَ ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ فَالثَّنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَمَا وَقَعَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا وَالدُّعَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَبْدِ سَوَاءٌ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِقِسْمَةِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ مَا يَقُولُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَبْدِ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْسُومِ لَا أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرُ بَعْضِ الْمَقْسُومِ (فَإِنْ قِيلَ) يَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ تَفْسِيرًا لَذَكَرَهُ عَقِيبَهُ (قُلْنَا) لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْفَاتِحَةِ فَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى قِسْمَةِ الذِّكْرِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَةُ نُفَاةِ الْبَسْمَلَةِ وَقَدْ بَانَ أَمْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ شَفَاعَةِ تبارك وهو ان المراد

مَا سِوَى الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فِيهَا فَلَمَّا نَزَلَتْ أُضِيفَتْ إلَيْهَا بدليل كتابتها في المصحف ويؤيد تأويل هذ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَنْ يُثْبِتُ الْبَسْمَلَةَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَبْدَأِ الْوَحْيِ وَهُوَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَنَظَائِرَ لَهَا مِنْ الْآيَاتِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ سُوَرِهِ فِي النُّزُولِ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُمَا (وَجَوَابٌ آخَرُ) وَهُوَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ نَزَلَتْ أَوَّلًا وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَوَّلُ مَا أَلْقَى عَلَيَّ جِبْرِيلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَنْ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ * وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَسَيَأْتِي جَوَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا فَجَوَابُهُ من وجهين (أحدها) أَنْ يُقْلَبَ عَلَيْهِمْ فَيُقَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قرآن لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا (الثَّانِي) أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ بَلْ بِالْقَطْعِيَّاتِ وَالْبَسْمَلَةُ ظَنِّيَّةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُعَدُّ آيَةً فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَهْلَ العدد ليسوا كل الامة فيكون إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً بَلْ هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ عدوا كذلك اما لانه مذهبهم ففى الْبَسْمَلَةِ وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَأَنَّهَا مَعَ أَوَّلِ السُّورَةِ آيَةٌ (الثَّانِي) أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ " مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشَرَةَ آيَةً " وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ نَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعِهِمْ بَلْ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَسَتَأْتِي قِصَّةُ مُعَاوِيَةَ حِينَ تَرَكَهَا فِي صَلَاتِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَيُّ إجْمَاعٍ مَعَ هَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَوْجُودٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَوَّلُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ ثَبَتَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً مَعَ وُجُودِ الْخِلَافِ لِغَيْرِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ " كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ " وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَكْسُ مَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لبريدة " بأى شئ تَسْتَفْتِحُ الْقُرْآنَ إذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْتُ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَعَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَهْرِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنْ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِهَا حَيْثُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جَمِيعًا فَلَهَا فِي الْجَهْرِ حُكْمُ بَاقِي الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ والقراء فأما الصحابة الذين قالو بِهِ فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَيْسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وشداد بن أوس وعبد الله ابن جعفر والحسين بن علي وعبد الله جَعْفَرٍ (1) وَمُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ حَضَرُوهُ لَمَّا صَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَتَرَكَ الْجَهْرَ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى الْجَهْرِ بِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (قَالَ الْخَطِيبُ) وَأَمَّا التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِالْجَهْرِ بِهَا فَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرُوا وَأَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُحْصَرُوا وَمِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو وَائِلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعِكْرِمَةُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ومحمد ابن كَعْبٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَمَكْحُولٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مغفل بْنِ مُقَرِّنٍ فَهَؤُلَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بَعْدَ التَّابِعِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنُ أبي ذئب والليث بن سعد واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ هَؤُلَاءِ وَزَادَ فِي التَّابِعِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي ومن تابعهم المعنمر بْنُ سُلَيْمَانَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بعض

_ (1) كذا بالاصل

هَؤُلَاءِ وَزَادَ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ وَاخْتَارُوهُ وَصَنَّفُوا فِيهِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ وَأَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي عَبْدِ الله الحاكم وأبي بكر البيهقى والخطيب وابى عمرو بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَفِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قال اجتمع آل مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَهْرِ " بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَنَقَلَ الْخَطِيبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَجْهَرُ " بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لَا يَنْبَغِي الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ لَا يَجْهَرُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقِرَاءَةِ السَّبْعَةِ (مِنْهُمْ) من يري الْبَسْمَلَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ (وَمِنْهُمْ) مِنْ رُوِيَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُبَسْمِلْ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْبَحْثِ فَوَجَدْتُهُ كَمَا ذَكَرْتُهُ. ثُمَّ كُلُّ مَنْ رُوِيَتْ عَنْهُ الْبَسْمَلَةُ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْجَهْرِ بها إلَّا رِوَايَاتٍ شَاذَّةً جَاءَتْ عَنْ حَمْزَةَ رَحِمَهُ الله بالاسرار بها وهذا كله ما يَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ عَلَى تَرْجِيحِ إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا. وَفِي كِتَابِ الْبَيَانِ لِابْنِ أبى هاشم عن أبى القاسم بن المسلسى قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَبَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْفَرْضِ كَانَ هَذَا مَذْهَبَ الْقُرَّاءِ بِالْمَدِينَةِ * وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَهَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمِ أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ سَوَاءٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى

مَسْأَلَةِ إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَرَى الاسرار بها لا يعتقدونه قرآنا بل يرونها من سنته كَالتَّعَوُّذِ وَالتَّأْمِينِ وَجَمَاعَةً مِمَّنْ يَرَى الْإِسْرَارَ بِهَا يَعْتَقِدُونَهَا قُرْآنًا وَإِنَّمَا أَسَرُّوا بِهَا وَجَهَرَ أُولَئِكَ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ. وَاحْتَجَّ مَنْ يَرَى الْإِسْرَارَ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ " صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفى رواية الدراقطنى " فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن مغفل قال " سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم فقل أَيْ بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ فَإِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُهُ فَإِذَا قَرَأْتَ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا جَهَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " قَالُوا وَلِأَنَّ الْجَهْرَ بِهَا مَنْسُوخٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهر بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ الرَّحْمَنَ فَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ " قَالُوا وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ بِمِصْرَ حِين صَنَّفَ كتاب لجهر فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْجَهْرِ بِهَا حَدِيثٌ. قَالُوا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ الْجَهْرُ بِهَا بِدْعَةٌ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى التَّعَوُّذِ. قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَهْرُ ثَابِتًا لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُسْتَفِيضًا كَوُرُودِهِ فِي سَائِرِ الْقِرَاءَةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا والجمهور علي استحباب الجهر بأحاديث وَغَيْرِهَا جَمَعَهَا وَلَخَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَقَالَ (اعْلَمْ) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَهْرِ كَثِيرَةٌ (مِنْهُمْ) مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فهم من

عبارته ولم يرد تصريح بالاسرار بها علي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) عَنْ أَنَسٍ وَهِيَ مُعَلَّلَةٌ بِمَا أَوْجَبَ سُقُوطَ الاحتجاج بها كما سنوضح إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهُمْ) مَنْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " السَّابِقِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْإِسْرَارِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَسْتَدِلُّ بِحَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَى حديثى أنس وابن مغفل لم يَدَعْ أَبُو الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ التَّحْقِيقُ غَيْرَهُمَا فَقَالَ لَنَا حَدِيثَانِ فَذَكَرَهُمَا وَسَنُوَضِّحُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْجَهْرِ فَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ (مِنْهَا) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَرَدَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) مَا هُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " قَالَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " بِقِرَاءَةٍ " وَفِي أُخْرَى " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ " كُلُّ هذه الالفاظ في الصحيح بعضها وفى الصَّحِيحَيْنِ وَبَعْضُهَا فِي أَحَدِهِمَا وَمَعْنَاهُ يَجْهَرُ بِمَا جَهَرَ بِهِ وَيُسِرُّ بِمَا أَسَرَّ بِهِ ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِي صَلَاتِهِ بِالْبَسْمَلَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ الْجَهْرَ بِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ مَذْهَبٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ حفظ عنه واشتهر به رواه عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) حَدِيثُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ قَالَ " صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ حَتَّى إذَا بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَقَالَ النَّاسُ آمِينَ وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَإِذَا قَامَ مِنْ الْجُلُوسِ مِنْ الِاثْنَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَقُولُ إذَا سَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صلاة برسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَأَمَّا الْجَهْرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ صَحَّ وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ مُتَّصِلٍ لَا شَكَّ وَلَا ارْتِيَابَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ فِي صِحَّةِ سَنَدِهِ وَاتِّصَالِهِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو حاتم ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ هذا حديث صحيح وكلهم ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ قَالَ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصحيح: وقال في السنن الكببر وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ فرواه من وجوه متعددة مرضية ثم هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ تَعْلِيلٌ فِي اتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رِجَالِهِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا إدْرِيسُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ افْتَتَحَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هِيَ آية من كتاب الله اقرؤوا إنْ شِئْتُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا الْآيَةُ السَّابِعَةُ " في رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُ إسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَقَالَ الْخَطِيبُ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيَأْمُرُ بِهِ: فَذَكَر هَذَا الْحَدِيثَ " وَقَالَ بَدَلَ قَرَأَ جَهَرَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَلَا عُذْرَ لِمَنْ يَتْرُكُ صَرِيحَ هَذِهِ

الاحاديث عن أبي هريرة ويعتمد روايته حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " وَيَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الْإِسْرَارِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تصريح بشئ مِنْهُمَا وَالْجَمِيعُ رِوَايَةُ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِقَادِ اخْتِلَافِهَا مَعَ أَنَّ هذا الحديث الذى رواه الدارقطني باسناده حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " بِعَيْنِهِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " وفى رواية " كان النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يُقَطِّعُهَا حَرْفًا حَرْفًا " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ النَّبِيُّ صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آية " رواه الحلاكم هـ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ إسْنَادُهُ كلهم ثقات أو هو إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الخبارى وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين آيتين الرحمن الرحيم ثلاث آيات مالك يوم الدين أَرْبَع آيَاتٍ وَقَالَ هَكَذَا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين وَجَمَعَ خَمْسَ أَصَابِعِهِ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَمَّا وَقَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَاطِيعِ أُخْبِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عِنْدَ كُلِّ مَقْطَعٍ آيَةٌ لِأَنَّهُ جَمَعَ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَقَلَ ذلك زيادة في البيان وفى عُمَرَ بْنِ هَارُونَ هَذَا كَلَامٌ لِبَعْضِ الْحُفَّاظِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي حَدِيثِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ فَرَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِسَنَدِهِ وَذَكَرَ الرَّازِيّ لَهُ تأويلات ضَعِيفَةً أَبْطَلْتُهَا فِي الْكِتَابِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ في المستدرك باسنادهما عن سعيد بن جيير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثَيْنِ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَهَرَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " (وَالثَّانِي) " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَهَذَا الثَّانِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَحَصَلَ لَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحَّحَهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزُلْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ حَتَّى قُبِضَ " قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِإِنْصَافٍ وَلَا تَحْقِيقٍ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ فِي الْجَهْرِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فالاستدلال به من اوجه (اولال) أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ وَجَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ مَدًّا " ثُمَّ قَرَأَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم " قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً قَالَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا لِأَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ اخْتَلَفَتْ فِي الْجَهْرِ بَيْنَ حَالَتَيْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَبَيَّنَهَا أَنَسٌ ولما أطلق جوابه وحيث اجاب بالبسلمة دل علي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِهَا في قراءته ولولا ذلك لاجاب أنس (بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

أَوْ غَيْرِهَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم بين اظهرنا إذا أغفى إغفاء ثم رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فصل لربك وانحر) إلَى آخِرِهَا " وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْجَهْرِ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ كَسَائِرِ الْآيَاتِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ عَقِبَ الْحَدِيثِ الْمُحْتَجِّ بِهِ فِي نَفْيِ الْجَهْرِ كَالتَّعْلِيلِ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ

مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا جَهَرَ بِهَا فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ تَلَا مَا أُنْزِلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ جَمِيعَهُ فَجَهَرَ كَبَاقِي السُّوَرِ (قُلْنَا) فَهَذَا دَلِيلٌ لَنَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مِنْ السُّورَةِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ بَاقِيهَا فِي الْجَهْرِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ خِلَافَهُ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) مَا اعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خِلَافًا لِمَا ادَّعَتْهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْإِجْمَاعِ: قال الشافعي أخبرنا عبد المجيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ أَنْ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ صَلَاةً يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّوَرِ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى قَضَى تِلْكَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يُكَبِّرْ حِينَ يَهْوِي حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ مَنْ شَهِدَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ كُلِّ مَكَان يَا مُعَاوِيَةُ أَسَرَقْتَ الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيتَ فَلَمَّا صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِلَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْإِمَامُ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ يَعْقُوبُ أَيْضًا فِي إثْبَاتِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِعَبْدِ الْمَجِيدِ وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَرَوَاهُ ابْنُ خَيْثَمٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ رجالهم كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ

وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قال ثنا الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فَلَمْ يَقْرَأْ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يقرأ للسورة بعدها فذكر الحديث وزاد والانصاري ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلِلسُّورَةِ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ فَنَادَاهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ حِينَ سَلَّمَ يَا مُعَاوِيَةُ أَسَرَقْتَ صَلَاتَكَ أَيْنَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ عَمَّا اورد في إسناد هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ وَيَكْفِينَا أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ صَالِحٌ وَفِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ خلف المعتمر بن سلمان مالا أُحْصِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا وسمعت المعتمر يقول ما آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أُبَيِّ وَقَالَ أُبَيٌّ مَا آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ أنس رضي الله عنه ما آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْحَاكِمُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ الْحَاكِمُ فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُعَارَضَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي تَرْكِ قراءة البسملة وهو كما قال لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِعْلًا ورواية

فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَرْوِي مَا يَفْهَمُ خِلَافَهُ فَهُوَ لَمْ يَقْتَدِ فِي جَهْرِهِ بِهَا إلَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثابت عن أنس " إني لا آلوا أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ قَدْ حَصَلَ لَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ جِيَادٍ فِي الْجَهْرِ وَتَعَرَّضَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِتَضْعِيفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ أَنَسٍ لَمْ نَذْكُرْهَا نَحْنُ وَتَعَرَّضَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ وَطَعَنَ فِيهِ (وَجَوَابُ) مَا قَالَ أَنَّ شَرِيكًا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَيَكْفِينَا أَنْ نَحْتَجَّ بِمَنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالصِّحَّةِ مَا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عن أنس شئ فِي الْجَهْرِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي بَدَأَ الدَّارَقُطْنِيّ بِذَكَرِهِ فِي سُنَنِهِ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي صَلَاتِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا إسْنَادٌ عَلَوِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي تَرْكِهِمْ الْبَسْمَلَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يحتج في المسألة بغيره ثم ساق الدارقطى الروايات في ذلك عن غَيْرِ عَلِيٍّ مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِرِوَايَةٍ عَنْهُ حِينَ قَالَ سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ السَّبْعِ الْمَثَانِي فَقَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَقِيلَ إنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا يَعْتَقِدُهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ فَلَهَا حُكْمُ بَاقِيهَا فِي الْجَهْرِ * وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ رضي الله تعالي عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ إذَا قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ " وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَتَبُوا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَتَبَ أَنْ صَدَقَ سَمُرَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يُثْبِتُ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْخَطِيبُ فَقَوْلُهُ سَكْتَةٌ إذَا قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّ السَّكْتَةَ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ لَا بَعْدَهَا (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بحديث انس " كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَعَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ لَا بِالسُّورَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِعْلًا وَرِوَايَةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ مثل هذه العبارة وَرَدَتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُمَا مِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ جَمِيعِهِمْ اسْمُ السُّورَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ بِالْفَاتِحَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ الْبَسْمَلَةُ فَتَعَيَّنَ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ " فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا منهم يقرأ

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ رِوَايَةٌ لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ الرَّاوِي عَبَّرَ عَنْهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ فَأَخْطَأَ وَلَوْ بَلَّغَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ الْأَوَّلِ لَأَصَابَ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ وَلَمْ يخرج البخاري والترمذي وابو داؤد غَيْرَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ اسْمُ السُّورَةِ كَمَا سَبَقَ وتبث فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وعمر وعمثان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِتَأْوِيلِنَا فَقَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلابد مِنْ تَأْوِيلِ مَا ظَهَرَ خِلَافَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ لِلنَّاسِ فِي تَأْوِيلِهِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ خَمْسُ طُرُقٍ (إحْدَاهَا) وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِتَلَوُّنِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ مع تغاير معانيها فلا حجة في شئ مِنْهَا عِنْدِي لِأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً كَانُوا يَفْتَتِحُونَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَمَرَّةً كَانُوا لَا يجهرون (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة كانوا لا يقرؤنها ومرة لم أسمعهم يقرؤنها ومرة قال وقد سئل عن ذلك كبرت ونسيت فحاصل هذه الطريقة إنما نَحْكُمُ بِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ وَلَا نَجْعَلُ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ وَنَظِيرُ مَا فَعَلُوا فِي رَدِّ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ رَدَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي الْمُزَارَعَةِ لِاضْطِرَابِهِ وَتَلَوُّنِهِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ كَثِيرُ الْأَلْوَانِ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ نُرَجِّحَ بَعْضَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى بَاقِيهَا وَنَرُدَّ مَا خَالَفَهَا إلَيْهَا فَلَا نَجِدُ الرُّجْحَانَ إلَّا لِلرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّهُمْ كانوا يفتتحون بالحمد لله " أَيْ بِالسُّورَةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ

عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَلِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " بأم القرآن " فكأن أنسا أخرج هذ الْكَلَامَ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ قِرَاءَةَ غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها ثم اقترقت الرُّوَاةُ عَنْهُ (فَمِنْهُمْ) مَنْ أَدَّاهُ بِلَفْظِهِ فَأَصَابَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فَهِمَ مِنْهُ حَذْفَ الْبَسْمَلَةِ فَعَبَّرَ عنه بقوله " كانوا لا يقرؤن " أو فلم أسمعهم يقرؤن الْبَسْمَلَةَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فَهِمَ الْإِسْرَارَ فَعَبَّرَ عَنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ رِوَايَاتِ حَدِيثٍ قَضَى الْمُبَيَّنُ مِنْهَا عَلَى الْمُجْمَلِ فَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ رِوَايَةَ يَفْتَتِحُونَ مُحْتَمَلَةٌ فَرِوَايَةُ لَا يَجْهَرُونَ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ (قُلْنَا) وَرِوَايَةُ " بِأُمِّ الْقُرْآنِ " تُعَيِّنُ الْمَعْنَى الْآخَرَ فَاسْتَوَيَا وَسَلِمَ لَنَا مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْجَهْرِ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ وَتِلْكَ لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَهَذِهِ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأُوِّلَتْ وَجُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَأَلْفَاظِهَا (الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا يُنَافِي أَحَادِيثَ الْجَهْرِ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ أَمَّا الرِّوَايَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَجْهَرُونَ فَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بين ذلك سبيلا) فَنَفَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَهْرَ الشَّدِيدَ دُونَ أَصْلِ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ هُوَ رَوَى الْجَهْرَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى يُسِرُّونَ فَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِسْرَارِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ يُسِرُّونَ التَّوَسُّطَ الْمَأْمُورَ بِهِ الَّذِي هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَهْر الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْإِسْرَارِ وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عن ابن عباس انه قال الجهر (بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ أَرَادَ الْجَهْرُ الشَّدِيدُ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ لِجَفَائِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِمَّنْ رَأَى الْجَهْرَ

بالبسملة كما سبق (الطريقة الرابعة) رجحها امام ابْنُ خُزَيْمَةَ وَهِيَ رَدُّ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ تَرْكِهَا وَقَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بِهَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ عَنْ أَنَسٍ وَكَأَنَّ أَنَسًا بَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَى من انكر الاسرار بِهَا فَقَالَ " أَنَا صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ فَرَأَيْتُهُمْ يُسِرُّونَ بِهَا " أَيْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَمْ يُرِدْ الدَّوَامَ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ الْجَهْرِ رِوَايَةً وَفِعْلًا كَمَا سَبَقَ فَتَكُون أَحَادِيثُ أَنَسٍ قَدْ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَوُقُوعِهِمَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ هَذَا عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ وَالْجَهْرُ أَحَبُّ إلَيَّ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ رَوَى " لَمْ يَقْرَأْ " أَيْ لَمْ يَجْهَرْ وَلَمْ أَسْمَعْهُمْ يقرؤن أَيْ يَجْهَرُونَ (الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُقَالَ نَطَقَ أَنَسٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَرْوِيَّةِ فِي مَجَالِسَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْبَيَانِ (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا حَمَلْتُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ (قُلْنَا) مَنَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَهْرَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ فَلَا يَخْتَارُ أَنَسٌ لِنَفْسِهِ إلَّا مَا كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِنْ رُمْنَا تَرْجِيحَ الْجَهْرِ فِيمَا نَقَلَ أَنَسٌ قُلْنَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ الْمُصَرِّحَةُ بِحَذْفِ الْبَسْمَلَةِ أَوْ بِعَدَمِ الْجَهْرِ بِهَا قَدْ عُلِّلَتْ وَعُورِضَتْ بِأَحَادِيثِ الْجَهْرِ الثَّابِتَةِ عَنْ أَنَسٍ وَالتَّعْلِيلُ يُخْرِجُهَا مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الضَّعْفِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا وَإِنْ اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ عَنْ مِثْلِهِ فالتعليل بضعفه لِكَوْنِهِ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ قَادِحَةٍ فِي صِحَّتِهِ كَاشِفَةٍ عَنْ وَهْمٍ لِبَعْضِ رُوَاتِهِ وَلَا يَنْفَعُ حِينَئِذٍ إخْرَاجُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَعِيفٌ وَقَدْ خَفِيَ ضَعْفُهُ وَقَدْ تَخْفَى الْعِلَّةُ عَلَى أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ وَيَعْرِفُهَا الْفَرْدُ مِنْهُمْ فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ إخْرَاجِهِ وَقَدْ عُلِّلَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا بِثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُفَصَّلَةً وَقَالَ الثَّامِنُ فِيهَا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح بالحمد لله رب العالمين أَوْ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ إنَّكَ لتسألني عن شئ مَا أَحْفَظُهُ وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَوَقُّفِ أَنَسٍ وَعَدَمِ جَزْمِهِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْجَزْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاضْطَرَبَتْ أَحَادِيثُهُ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ فَتَعَارَضَتْ فَسَقَطَتْ وَإِنْ تَرَجَّحَ بَعْضُهَا فَالتَّرْجِيحُ الجهر لكثرة

أَحَادِيثِهِ وَلِأَنَّهُ إثْبَاتٌ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَلَعَلَّ النِّسْيَانَ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحُفَّاظُ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَجْهُولٌ: قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ لَا يَقُومُ بِهِ حجة وقال الخطيب أو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ عبد الله مجهول لا يَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى مَجْهُولٍ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَذَكَرُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ فِي الْبَسْمَلَةِ إنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ لَا جَهْرِيَّةٍ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَرْفَعُ قِرَاءَتَهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَغَيْرِهَا رَفْعًا يَسْمَعُهُ مَنْ عِنْدَهُ فَنَهَاهُ أَبُوهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا مُحْدَثٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ (الثَّانِي) جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجَهْرِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ مِنْ أَحْدَاثِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ " لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْرُبُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ يَبْعُدُ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَارِئَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِ فِي أَثْنَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِهَا فَلَمْ يَحْفَظْ عَبْدُ اللَّهِ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ وَهِيَ أَوَّلُ الْقِرَاءَةِ وَحَفِظَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ لِقُرْبِهِ وَإِصْغَائِهِ وَجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ * وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جابر التمامى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ومحمد بن جابر ضعيف باتفاق الحافظ مضطرب الحديث لاسيما فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. هَذَا (وَفِيهِ) ضَعْفٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ ضَعِيفٌ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ (وَلَوْ كَانَتْ) لَكَانَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْجَهْرِ مُقَدَّمَةً لِصِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَلِأَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهَذَا نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ. وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الجهر منسوخ

فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ فَأَنْزَلَ الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك) فيسمع المشركون فيهزءون (ولا تخافت) عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سبيلا) وَفِي رِوَايَةٍ " فَخَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَخَفَضَ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَبْلُغُ أَسْمَاعَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ يَجْهَرُ بها جهرا يسمع أصحابه. وقال أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا نَهَاهُ عَنْ الْجَهْرِ بِهَا نَهَاهُ عَنْ الْمُخَافَتَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا وليس هذا الحكم مختصا بالبسملة بل كان الْقِرَاءَةِ فِيهِ سَوَاءٌ * وَأَمَّا مَا حَكَوْا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ صَحَّحَ فِي سُنَنِهِ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ كَمَا سَبَقَ وَكِتَابُ السُّنَنِ صَنَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بَعْدَ كِتَابِ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَحَالَ فِي السُّنَنِ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الْحِكَايَةُ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ آخِرًا عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطلع عليه اولا ويجور أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا شئ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَحَّتْ فِي غَيْرِهَا وَهَذَا بَعِيدٌ فَقَدْ سَبَقَ اسْتِنْبَاطُ الْجَهْرِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) قال بعض التابعين الجهر بالبسملة بدعة ولا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَمَذْهَبِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقِيقَةُ بِدْعَةٌ وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِدْعَةٌ وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ للاحاديث الصحيحة فيهما وَمَذْهَبُ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْأَكْثَرِينَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ) عَلَى التَّعَوُّذِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمَرْسُومَةٌ فِي الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ التَّعَوُّذِ (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) لَوْ كَانَ الْجَهْرُ ثَابِتًا لَنُقِلَ تَوَاتُرًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكُلِّ حُكْمٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والمنة * قال المصنف رحمه الله * * (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهَا مُرَتَّبًا فَإِنْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا نَاسِيًا ثُمَّ أَتَى بِمَا بَقِيَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَرَأَ عَامِدًا لَزِمَهُ أَنْ يستأنف القراءة كما لو تعمد في خلاف الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا وَإِنْ نَوَى قَطْعَهَا وَلَمْ يَقْطَعْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْنَافُهَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النية بالقلب وقطع ذلك) * *

* (الشَّرْحُ) * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ هَكَذَا " وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى الله وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ وَأَخَّرَ الْمُقَدَّمَ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَا فَعَلَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْمُؤَخَّرِ وَيَبْنِي عَلَى الْمُرَتَّبِ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ يَعْتَبِرُ التَّرْتِيبَ مبطلا للمعني تبطل صلاته كما إذا تعمد كما قالوا إذا تعمد تغيبر التَّشَهُّدِ تَغْيِيرًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ فَمَعْنَاهَا أَنْ يَصِلَ الْكَلِمَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَفْصِلَ إلَّا بِقَدْرِ التَّنَفُّسِ فَإِنْ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فَيُنْظَرُ إنْ سَكَتَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ طَوِيلًا بِحَيْثُ أَشْعَرَ بِقَطْعِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ إعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا أَوْ لِعَائِقٍ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى إمَامُ الحرمين والغزالي عن العرقيين أنه لا تبطل قراءة وليس بشئ وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ السُّكُوتِ لَمْ يُؤَثِّرْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: قَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ وَإِنْ نَوَى قَطْعَهَا وَسَكَتَ طَوِيلًا بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ سَكَتَ يَسِيرًا بَطَلَتْ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ المشهور وبه الْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْفَرْدَةَ لَا تُؤَثِّرُ وَكَذَا السُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا وَإِنْ أَتَى فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ بِتَسْبِيحٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ أَوْ قَرَأَ آيَةً مِنْ غَيْرِهَا عَمْدًا بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقِرَاءَتِهَا هَذَا فِيمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُصَلِّي فَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ إلَيْهِ كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ لِتَأْمِينِ إمَامِهِ وَسُجُودِهِ لِتِلَاوَتِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نذكره قريبان إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُخِلَّ بِالْمُوَالَاةِ نَاسِيًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ قِرَاءَتُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ سَوَاءٌ كَانَ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ بِسُكُوتٍ أَمْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَائِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ فِي

النِّسْيَانِ وَقَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا وَسَوَاءٌ قُلْنَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ نَاسِيًا أَمْ لَا وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إلَى انْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بِالنِّسْيَانِ إذَا قُلْنَا لَا تَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أُعْيِيَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَسَكَتَ للاعياء بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ حِينَ أَمْكَنَهُ صَحَّتْ قِرَاءَتُهُ نص عليه في الامام لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهَا مُرَتَّبًا فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ تَفْسِيرَ التَّرْتِيبِ وَالتَّفْرِيعَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا تَرْكُ تَرْتِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ كَالتَّرْتِيبِ فَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ عَمْدًا لَا تُجْزِيهِ الْقِرَاءَةُ وَاسْتَغْنَى بِهِ عن قوله ويجب الْمُوَالَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ أَوْ آيَةً مِنْهَا كَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَشَكُّكِهِ فِي أَنَّ الْكَلِمَةَ قَرَأَهَا جَيِّدًا كَمَا يَنْبَغِي أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَرَّرَ كَلِمَةً مِنْهَا بِلَا سَبَبٍ كَانَ شَيْخِي يَتَرَدَّدُ فِي إلْحَاقِهِ بِمَا لَوْ أَدْرَجَ فِي اثناء الفاتحة ذكر آخَرَ قَالَ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ مُوَالَاتُهُ بِتَكْرِيرِ كَلِمَةٍ مِنْهَا كَيْفَ كَانَ: هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ جَزَمَ شَيْخُهُ وَهُوَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةِ بِأَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ قِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ كَرَّرَهَا لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّفَكُّرِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَرَّرَ آيَةً لَمْ تَنْقَطِعْ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ قَرَأَ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ شَكَّ هَلْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ أَتَى بِهَا يَجِبُ أَنْ يُعِيدَ مَا قَرَأَ بَعْدَ الشَّكِّ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ فِيهَا غَيْرَهَا. وَقَالَ ابن سريج يجب استئناف الفاتحة وقال التمولي إنْ كَرَّرَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فرع منها بأن وصل إلى (أنعمت عليهم) ثم قرأ (مالك يوم الدين) فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ (مَالِكِ يَوْمِ الدين) أَجْزَأَتْهُ قِرَاءَتُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى (مَالِكِ يَوْمِ الدين) ثن عَادَ فَقَرَأَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) لم تصح قرأته وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التلاوة وهذا كَانَ عَامِدًا فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَنْقَطِعْ قِرَاءَتُهُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَا تَبْطُلُ قِرَاءَتُهُ هُنَا وَأَمَّا صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ إنْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ آيَةً أَوْ آخِرَهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا فَإِنَّهُ لو تعمده بطلت قراءته وان سهى بهى وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ وَهَذِهِ عَادَتُهُ فِيمَا لَمْ يَرَ فيه نقلا والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (فإن قرأ الامام الفاتحة فأمن والمأموم في أثناء الفاتحة فأمن بتأمينه ففيه وجهان (قال) الشيخ

أبو حامد الاسفراينى تنقطع القراءة كما لو قطعها بقراءة غيرها (وقال شيخنا) القاضى أبو الطيب لا تنقطع لان ذلك مأمور به فلا تنقطع القراءة كسؤال في آية الرحمة والاستعاذة من النار في آية العذاب فيما يقرأ في صلاته منفردا) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَتَى فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ بِمَا نُدِبَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ وَسُجُودِهِ مَعَهُ لِتِلَاوَتِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهَا وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهِ ونحو ذلك فهل مُوَالَاةُ الْفَاتِحَةِ (فِيهِ وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تنقطع بَلْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَتَجْزِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْبَسِيطِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ والشاشي والرافعي وغيرهم (الثاني) تَنْقَطِعُ فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَطَّرِدُ الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ مَنْدُوبٍ فَلَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ فَتَحَ الْقِرَاءَةَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوَهُ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي ذِكْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ لِمُصَلِّيهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّؤَالَ فِي آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ لَا يقطع الموالاة وجها واحدا أو لا يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي التَّأْمِينِ. وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ بَلْ الْوَجْهَانِ فِي السُّؤَالِ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ لِآيَةِ الْعَذَابِ مَشْهُورَانِ صَرَّحَ بِهِمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَرَيَانِهِ فِي سُجُودِهِ مَعَ إمَامِهِ لِلتِّلَاوَةِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَيْئَانِ (أَحَدُهُمَا) قِيَاسُهُ عَلَى السُّؤَالِ فِي آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) إضَافَتُهُ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ إلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَحْدَهُ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْإِفْصَاحِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بِأَزْمَانٍ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ لَا يَنْقَطِعُ (وَالثَّانِي) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَنْقَطِعُ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُهُ وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَبُو الطَّيِّبِ

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَقَرَأَ الْإِمَامُ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فَقَالَ الْمَأْمُومُ بَلَى تَنْقَطِعُ قِرَاءَتُهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَسُؤَالِ الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَاف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَحْوَطُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْفَاتِحَةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ أَتَى بِذَلِكَ عَامِدًا عَالَمًا أَمَّا مَنْ أَتَى بِهِ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا تَنْقَطِعُ قراءة بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ مَفْهُومٌ مِمَّا سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِمَا تَخَلَّلَهَا فِي حَالَةِ النسيان قال صاحب التتمة ودليله أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمَا تَخَلَّلَهَا نَاسِيًا أو جاهلا فكذا الفاتحة * قال المصنف رحمه الله ** (وَتَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا رَوَى رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلٌ يُصَلِّي فَلَمَّا انصراف أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَعِدْ صَلَاتَكَ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَقَالَ عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ إلَى أَنْ قال ثم ثُمَّ اصْنَعْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ذَلِكَ وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ فَوَجَبَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ مع القدرة كالركعة الاولى) * * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ رِفَاعَةَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِبَعْضِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ قَوْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ " ثُمَّ اقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ " بَلْ فِيهَا " فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ " وَلَيْسَ فِي أَكْثَرِهَا " ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فصل فإنك لم تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تسير مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا افْعَلْ ذَلِكَ

فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ " وَذَكَرَ تَمَامَهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَفِيهِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ فَائِدَةً قَدْ جَمَعْتُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا رَكْعَةَ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَتَصِحُّ لَهُ الرَّكْعَةُ وَهَلْ يُقَالُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ أَمْ لَمْ تَجِبْ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَحْمِلُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ (1) لَمْ تُحْسَبَ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لِلْمَأْمُومِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ: قَدْ ذكرنا ان مذهبا وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ بَلْ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ إنْ قَرَأَ فِي أَكْثَرِ الرَّكَعَاتِ أَجْزَأَهُ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ إنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ وَعَنْ مَالِكٍ إنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ لَمْ تُجْزِهِ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا أَجُزْأَهُ وَاحْتُجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ قِرَاءَةً فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فاقرءوا ما تيسر منه) وبحديث عبد الله بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ " دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا لِشَابٍّ سَلْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ لَا لَا فَقِيلَ لَهُ لَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ فقال خمشى هَذِهِ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ وَمَا اخْتَصَّنَا دُونَ الناس بشئ إلا بثلات خِصَالٍ أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحِمَارَ عَلَى الْفَرَسِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ خمشا هو بالخاء والشين والمعجمتين أي خمش

_ (1) كذا بالاصل وفيها سقط فحرره

الله وجهه وجلده خشما كقوهم عَقْرَى حَلْقَى. وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَبِحَدِيثِ ابى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه نه قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبَّحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي حَدِيثِ " المسئ صلاته " وقوله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " وَبِحَدِيثِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الركعتين الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وسمعنا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ " يَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ " وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بأشياء لا حاجة إليها مع ما ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ: وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَفَى وَغَيْرُهُ أَثْبَتَ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَكَيْفَ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَكْبَرُ سِنًّا وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاسيما أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ أَحَادِيثِهِمْ عَلَى حَدِيثِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تُبَيِّنُ أَنَّ نَفْيَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ وَالظَّنِّ لَا عَنْ تَحْقِيقٍ فَلَا يُعَارِضُ الْأَكْثَرِينَ الْجَازِمِينَ بِإِثْبَاتِ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جَوَابَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُ تَضْعِيفِهِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَعَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَهُوَ كَذَّابٌ مشهور بالضعف عند

الحافظ. وقد روى عنه عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ " قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُ بَيْنَا بَيْنَ فَأُشْبِعَتْ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا قَالَ وَبَيْنَمَا بِمَعْنَاهُ زِيدَتْ فِيهِ مَا قَالَ وَتَقْدِيرُهُ بَيْنَ أَوْقَاتِ جُلُوسِهِ جَرَى كَذَا وَكَذَا. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ فَوَجَبَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ احْتِرَازٌ مِنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَقَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَفِي هَذَا الْقِيَاسِ رَدٌّ عَلَى جَمِيعِ المخالفين في المسألة: وأما رفاعة ابن رَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ أَبُو مُعَاذٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ أَبُوهُ صَحَابِيًّا نَقِيبًا تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ وَقَالَ فِيهِ رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ نِسْبَةً الي جده وهو صحيح * * قال المصنف رحمه الله * * (وهل تجب على المأموم ينظر فيه فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُسِرُّ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يَجْهَرُ فِيهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَجِبُ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ قُلْنَا وَاَللَّهِ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ هَذَا قَالَ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَقْرَأُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قال اني اقول مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ") * * * (الشَّرْحُ) * هَذَانِ الْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُمَا حَدِيثَانِ حَسَنَانِ وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَضَعَّفَ الثَّانِيَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ أُكَيْمَةَ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ وَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ هو مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَاسْتَدَلُّوا بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ حِينَ مَيَّزَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ هَذَا هُوَ بتشديد الذال وتنوينها كهذا ضبطناه وهكذا

ضبطه البخاري في معالم السنين وكذا ظبطناه في سنن أبى داود والدارقطني والبيهقي وغيرها وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " نَهُذُّهُ هَذًّا " " أَوْ نَدْرُسُهُ درسا " قال الخطابى وغيره: الهذا السُّرْعَةُ وَشِدَّةُ الِاسْتِعْجَالِ فِي الْقِرَاءَةِ هَذَا هُوَ المشهور: قال الخطايى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْهَذِّ هُنَا الْجَهْرُ وَتَقْدِيرُهُ يَهُذُّ هَذًّا وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَهُ وَضَبْطَهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْإِمَامِ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَبِقَوْلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَلَى الْمَسْبُوقِ فِيمَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ بِلَا خِلَافٍ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمْلَاءَ مِنْ الْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَبَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ من الجديد وحكي الرافعي وجها أنها لا تجب عليه فِي السِّرِّيَّةِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِاَلَّتِي يُشْرَعُ فِيهَا الْجَهْرُ فَأَمَّا ثَالِثَةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَرَابِعَةُ الْعِشَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِأَنْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ بَعِيدًا مِنْ (الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَفِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا تَجِبُ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ كَالسِّرِّيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا جَهْرِيَّةٌ وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) بِصِفَةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ الْمَأْمُومُ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَوُّذُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا إذْ لَا قراءة (الثاني) نَعَمْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ سِرِّيٌّ وَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِحَيْثُ يُؤْذِي جَارَهُ بَلْ يُسِرُّ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا وَلَا شَاغِلَ مِنْ لغط وغيره لان هذا اذنى القراءة المجزئة كما سنوضحه إن شاء تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي هَذِهِ السَّكْتَةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ " اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَى آخِرِهِ " (قُلْت) وَمُخْتَارُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ سِرًّا وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَ فِيهَا سُكُوتٌ حَقِيقِيٌّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قِرَاءَتِهِ فِي انْتِظَارِهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَا تَمْنَعُ تَسْمِيَتُهُ سُكُوتًا مَعَ الذِّكْرِ فِيهِ كَمَا فِي السَّكْتَةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ سُكُوتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَهْرِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَدَلِيلُ هَذِهِ السَّكْتَةِ حَدِيثُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ تَذَاكَرَا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ أَنَّهُ " حَفِظَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين) فَحَفِظَ ذَلِكَ سَمُرَةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ وَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إلَيْهِمَا أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ "

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الْمَأْمُومِ صَوْتَهُ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ سَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ والجهرية وهذا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ والشافعي واحمد واسحق وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وإسحق لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي السِّرِّيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وغيره من أصحاب (1) تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم بجب عَلَى الْمَأْمُومِ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا تَقْرَأُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ فَذَكَرَ الْمَذَاهِبَ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرُ وَحَكَى الْإِيجَابَ مُطْلَقًا عَنْ مَكْحُولٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً اُسْتُحِبَّتْ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطيب والعبد رى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مَعْصِيَةٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ عَلَى السُّنَّةِ وَأَحْوَطُهَا ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ فِيهِ ثُمَّ رَوَاهُ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الله بن مسعود وابى بن كعب ومعا ذبن جبل وابن عمر وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهِشَامِ بْنِ عَامِرٍ وَعِمْرَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ومكحول والشعبى وسعيد بن اجبير والحسن البصري رحمهم اللَّهُ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ (1) بياض بالاصل

مِثْلُهُ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مَنْ الَّذِي يُخَالِجُنِي سُورَتِي " فَنَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ " سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَجَبَتْ هَذِهِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ أَقْرَبَ الْقَوْمِ إلَيْهِ مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ " وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ " مَنْ قَرَأَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ " قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ " الْإِمَامُ ضَامِنٌ " وَلَيْسَ يَضْمَنُ إلَّا الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ قَالُوا وَلِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ فَسَقَطَتْ عَنْ الْمَأْمُومِ كَالسُّورَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَكَرَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُصَلٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الْمَأْمُومِ بِمُخَصَّصٍ صَرِيحٍ فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لا تفعلوا لا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الْحَدِيثُ من رواية محمد بن اسحق ابن سيار عن مكحول ومحمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ (عَنْ) لَا يحتج به عند جميح الْمُحَدِّثِينَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا عن ابي اسحق قَالَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ بِهَذَا فَذَكَرَهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي إسْنَادِهِ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا رَوَى حَدِيثَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا (عَنْ) وَفِي الْأُخْرَى (حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي) كَانَ الطَّرِيقَانِ صَحِيحَيْنِ وَحُكِمَ بِاتِّصَالِ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ هنا رواه أَبُو دَاوُد مِنْ طُرُقٍ وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي بَعْضِهَا " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْ عبادة عن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ شَوَاهِدُ ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ شَوَاهِدَ لَهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ " إلَى آخِرِ حَدِيثِ

قَسَمْتُ الصَّلَاةَ وَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَأَطْنَبَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِإِسْقَاطِ الْقِرَاءَةِ بِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شئ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا مُرْسَلٌ وَبَعْضُهَا فِي رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ أَوْ ضُعَفَاءُ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِلَلَ جَمِيعِهَا وَأَوْضَحَ تَضْعِيفَهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَوْ صَحَّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ أَوْ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَتُرِكَتْ لِاسْتِمَاعِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ وَعَنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهَا سَقَطَتْ تَخْفِيفًا عَنْهُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ هَذَا عِنْدَنَا فِي الْقِرَاءَةِ الَّتِي تُسْمَعُ خَاصَّةً وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَ لَنَا سُنَنَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَقِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ فَقِيلَ لم لم تضعه ههنا فقال ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ههنا انما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه وبحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ " إلَى آخِرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمَانِعِينَ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا دَلِيلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَرِيبًا وَحِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ (الثَّانِي) أَنَّ القراءة التي يؤمر بالانصاف لَهَا فِي السُّورَةِ وَكَذَا الْفَاتِحَةُ إذَا سَكَتَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا وَهَذَا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ حَيْثُ قُرِئَ الْقُرْآنُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمَا قَالَا كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " فَمِنْ أَوْجُهٍ (مِنْهَا) الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي جَوَابِ الْآيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ

الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عَنْ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سننه هذه اللفظة ليست بمحفوظة روى البيهقى عن الحافظ ابي علي النيسابوى أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَخَالَفَ التَّيْمِيُّ جَمِيعَ أَصْحَابِ قَتَادَةَ فِي زِيَادَتِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ ثُمَّ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وابى حاتم الدارى أَنَّهُمَا قَالَا لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً قَالَ يَحْيَى بْنُ معين ليست هي بشئ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهَا وَعِلَلَهَا كُلَّهَا: وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ " إلَى آخِرِهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (الْوَجْهَيْنِ) السَّابِقِينَ فِي جَوَابِ الْآيَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ أُكَيْمَةَ مَجْهُولٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ابْنَ أُكَيْمَةَ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُرَاهُ يحدث سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ هَذَا حَدِيثُ رَجُلٍ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ وَلِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ " لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَإِمَامُ أَهْلِ نَيْسَابُورَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن لحينة نحو رواية بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَوَى عَنْ الْحَافِظِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ هَذَا خَطَأٌ لا شك فيه وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمَّنَ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُؤَمِّنُ وَقَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَمَّنَ وَأَمَّنَ الْمَأْمُومُ لما روى أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فأمنوا فان الملائكة يؤمن بِتَأْمِينِهِ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم " إذ أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا " وَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ لَمَا عُلِّقَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْفَاتِحَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي الْجَهْرِ كَالسُّورَةِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجْهَرُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجْهَرُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجْهَرُ لِمَا روى عطاء بن الزُّبَيْرِ " كَانَ يُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُونَ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً " (وَالثَّانِي) لَا يَجْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ كَالتَّكْبِيرَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا يَبْلُغُهُمْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ لَا يَجْهَرُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَهْرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ كبيرا جهر لانه يحتاج الي الجهر لِلْإِبْلَاغِ وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ وَجَهَرَ

به ليسمع الامام فيأتي به) * * * (الشَّرْحُ) * الَّذِي أَخْتَارُهُ أُقَدِّمُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي التَّأْمِينِ فَيَحْصُلُ مِنْهَا بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِيمَا تذكره مِنْ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا امن الامام فأمنوا فلانه مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَإِنْ وَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " إذَا قَالَ الْقَارِئُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضالين فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ وَائِلِ ابن حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ غَيْرِ المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين مد بها صوته " رواه ابودواد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدَيَّ جَرَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ رَوَى له البخاري وناهك بِهِ شَرَفًا وَتَوْثِيقًا لَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر ابن عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن سلمة بن كهيل فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطيالسي كذلك ورواه عنه أبو داود الطالسي وَقَالَ فِيهِ " قَالَ آمِينَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ " وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ " قَالُوا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ " قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَخْطَأَ شُعْبَةُ إنَّمَا هُوَ جَهَرَ بِهَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ فِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ قَالَ وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا

فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ آمِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رواية ابي داود " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا حكم بن خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ آمِينَ وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الاثر عن ابن الزبير تعليقا فقال قال عطاء ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُخَارِيِّ إذَا كَانَ بِصِيغَةِ جَزْمٍ مِثْلَ هَذَا كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْفَصْلِ. وَأَمَّا لُغَاتُهُ فَفِي آمِينَ لُغَتَانِ مشهورتان (أفصحهما) وأشهرهما وأجودهما عند العلماء آمى بِالْمَدِّ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَبِهِ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ (وَالثَّانِيَةُ) أَمِينَ بِالْقَصْرِ وَبِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَكَاهَا ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ وَأَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ عَلَى ثَعْلَبٍ وَقَالُوا الْمَعْرُوفُ الْمَدُّ وَإِنَّمَا جَاءَتْ مَقْصُورَةً فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الشِّعْرَ الَّذِي جَاءَ فِيهَا فَاسِدٌ مِنْ ضَرُورِيَّةِ الْقَصْرِ وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ لُغَةً ثَالِثَةً آمِينَ بِالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ وحكاها عن حمزة ولكسائي وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ آمِّينَ بِالْمَدِّ أَيْضًا وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحُسَيْنِ ابن الْفَضْلِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ قَاصِدِينَ إلَيْكَ وَأَنْتَ الْكَرِيمُ من أل تُخَيِّبَ قَاصِدًا وَحَكَى لُغَةَ الشَّدِّ أَيْضًا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ وَنَصَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ وَنَصَّ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا خَطَأٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ قَالُوا وَهَذَا أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ مِنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ حِينَ دَخَلَ خُرَاسَانَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ فَإِنْ شَدَّدَ مُتَعَمِّدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ لَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ آمِينَ مَوْضُوعَةٌ مَوْضِعَ اسْمِ الِاسْتِجَابَةِ كَمَا أَنَّ صَهٍ مَوْضُوعَةٌ لِلسُّكُوتِ قَالُوا وَحَقُّ آمِينَ الْوَقْفُ لِأَنَّهَا كَالْأَصْوَاتِ فَإِنْ حَرَّكَهَا محرك ووصلها بشئ بَعْدَهَا فَتَحَهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ تُكْسَرْ لِثِقَلِ الْحَرَكَةِ بَعْدَ الْيَاءِ كَمَا فَتَحُوا أَيْنَ وَكَيْفَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهَا (فَقَالَ) الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْفِقْهِ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ (وَقِيلَ) لِيَكُنَّ كَذَلِكَ (وَقِيلَ) افْعَلْ (وَقِيلَ) لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا (وَقِيلَ) لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُكَ (وَقِيلَ) هُوَ طَابَعُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمْ الْآفَاتِ (وَقِيلَ) هُوَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْعَرْشِ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ (وَقِيلَ) هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا (وَقِيلَ) غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً هِيَ بِفَتْحِ اللامين

وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْفَاتِحَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْجَهْرِ حُكْمَهَا " اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ تَابِعٌ عَنْ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَقَوْلُهُ لانه ذكر مسنون في الصلاة فلا بجهر بِهِ الْمَأْمُومُ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ قَالَ وَقَوْلُهُ مَسْنُونٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فَلَوْ حَذَفَهُ لَمْ تُنْتَقَضْ الْعِلَّةُ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِتَقْرِيبِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ لِيَتَنَاوَلَ تَرْكَهُ عَامِدًا وَنَاسِيًا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَهُ وَأَمَّا عَطَاءٌ الرَّاوِي هُنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَطَاء بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحْوَالَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَهُوَ أَبُو خُبَيْبٍ - بِضَمِّ الخاء المعجمة - ويقال له أبو بكر بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وُلِدَ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْهَا وكان صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ فَصِيحًا شُجَاعًا وَلِيَ الْخِلَافَةَ سَبْعَ سِنِينَ وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ رَضِيَ اله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) التَّأْمِينُ سُنَّةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ وَالْمُفْتَرِضُ وَالْمُتَنَفِّلُ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ التَّأْمِينُ لِكُلِّ مَنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ خَارِجَهَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ لَكِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا (الثَّانِيَةُ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَسَرَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِالتَّأْمِينِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إشَارَةٌ إلَى وَجْهٍ فِيهِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ أَوْ الْمُصَنِّفِ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ كَالْإِمَامِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجْهَرُ وَفِي الْقَدِيمِ يَجْهَرُ وَهَذَا أَيْضًا غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ أَوْ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مِنْ الْجَدِيدِ يَرْفَعُ الْإِمَامُ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ وَيُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ أَنْفُسَهُمْ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَرْفَعُ الْإِمَامُ بِهَا صَوْتَهُ فَإِذَا قَالَهَا قَالُوهَا وَأَسْمَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَجْهَرُوا فان فعلوا فلا شئ عَلَيْهِمْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَأَى فِيهِ نَصًّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْجَدِيدِ ثُمَّ لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّتِي قَالَهَا الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجْهَرُ (وَالثَّانِي) يُسِرُّ قال

الماوردى هذه طريقة ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) يَجْهَر قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّالِثُ) إنْ كَثُرَ الْجَمْعُ وَكَبُرَ الْمَسْجِدُ جَهَرَ وَإِنْ قَلُّوا أَوْ صَغُرَ الْمَسْجِدُ أَسَرَّ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ جَهَرَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْ حَيْثُ الْحُجَّةُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ عَلَى مَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَمِّنْ الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ التَّأْمِينُ جَهْرًا بلا خلاف نص عليه في الأم واتفقوا عَلَيْهِ لِيَسْمَعَهُ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ تَرَكَهُ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ قَالَهُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَسْمَعَهُ لَعَلَّهُ يَذْكُرُ فَيَقُولُهُ وَلَا يَتْرُكُونَهُ لِتَرْكِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ وَالتَّسْلِيمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَرْكُهُ هَذَا نَصُّهُ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وأمن المأموم معه قالوا فان فانه التَّأْمِينُ مَعَهُ أَمَّنَ بَعْدَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَا يُسْتَحَبُّ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ في شئ إلَّا فِي هَذَا قَالَ الْإِمَامُ يُمْكِنُ تَعْلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْمُقَارَنَةِ بِأَنَّ الْقَوْمَ لَا يُؤَمِّنُونَ لِتَأْمِينِهِ وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُونَ لِقِرَاءَتِهِ وَقَدْ فَرَغَتْ قِرَاءَتُهُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا " (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْحَدِيثَ الْآخَرَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين فَقُولُوا آمِينَ " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ فَأَمِّنُوا لِيُجْمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ إذَا رحل الامير فارحلوا أي إذا انهيأ للرحيل فتيؤا لِيَكُنْ رَحِيلُكُمْ مَعَهُ وَبَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ آمِينَ فَوَافَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ " فَظَاهِرُهُ الْأَمْرُ بِوُقُوعِ تَأْمِينِ الْجَمِيعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا يُقَالُ آمِينَ إلَّا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَقْضِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ التَّأْمِينَ حَتَّى اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ فَاتَ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ تَرَكَ التَّأْمِينَ نَاسِيًا فَذَكَرَهُ قَبْلَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَمَّنَ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الرُّكُوعِ لَمْ يُؤَمِّنْ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يُؤَمِّنُ فِيهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يُؤَمِّنُ وَقَطَعَ غَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَمِّنَ حَتَّى يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ يُؤَمِّنُ مَرَّةً أُخْرَى بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَإِذَا أَمَّنَ الْمَأْمُومُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ ثُمَّ قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ أَمَّنَ ثَانِيًا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ قَالَ فَلَوْ فَرَغَا مِنْ الْفَاتِحَةِ مَعًا كَفَاهُ أَنْ يُؤَمِّنَ مَرَّةً وَاحِدَةً * (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَصِلَ لَفْظَةَ آمِينَ بِقَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ بَلْ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ جِدًّا لِيُعْلَمَ أَنَّ آمِينَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِلْفَصْلِ اللَّطِيفِ نَظَائِرُهَا فِي السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا سَتَرَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذِهِ السَّكْتَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بتبع التَّأْمِينَ الْقِرَاءَةَ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَسْكُتُ طَوِيلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ فِي التَّأْمِينِ أَنْ يَقُولَ آمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ لُغَاتِهَا وَأَنَّ الْمُخْتَارَ آمِينَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَبِهِ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ قَالَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تعالي كان حسنا لا تنقطع الصلاة بشئ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ العبد وبه في الصلاة كلها في الدين والدينا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّأْمِينِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ يَجْهَرَانِ بِهِ وَكَذَا الْمَأْمُومُ على الاصح وحكى القاضى أبو الطيب والعبد رى الجهر به لجمعهم عن طاوس واحمد واسحق وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُسِرُّونَ بِالتَّأْمِينِ وَكَذَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَأْمُومِ وَعَنْهُ فِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُسِرُّ بِهِ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يَأْتِي بِهِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ عِنْدَهُ وَدَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بَلْ احْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ وَقَوْلِهِ " وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ "

وَاحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ بِآمِينَ لِلسَّامِعِ دُونَ الدَّاعِي وَآخِرُ الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ دَاعٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا غَلَطٌ بَلْ إذَا اُسْتُحِبَّ التَّأْمِينُ لِلسَّامِعِ فالداعي أولى بالاستحباب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَأَحْسَنَ غَيْرَهَا قَرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِقَدْرِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ طَوِيلٍ لَمْ يُعْتَبَرْ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي يَوْمٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ الْأَدَاءِ (وَالثَّانِي) يُعْتَبَرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ عَدَدُ آيِ الْفَاتِحَةِ اُعْتُبِرَ قَدْرُ حُرُوفِهَا وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمِقْدَارِ فِي السَّاعَاتِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عنه " أنه رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْفَظَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي فِي الصَّلَاةِ فقال قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى بَدَلٍ كَالْقِيَامِ وَفِي الذِّكْرِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إسحق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْتِي مِنْ الذِّكْرِ بِقَدْرِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَهَا فَاعْتُبِرَ قَدْرُهَا (وَقَالَ) أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَالتَّيَمُّمِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَحْسَنَ غَيْرَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَقْرَأُ الْآيَةَ ثُمَّ يَقْرَأُ سِتَّ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا فَإِذَا كَانَ يُحْسِنُ بَعْضَهَا وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيمَا لَمْ يُحْسِنْ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَوْ عَدِمَ بَعْضَ الْمَاءِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ الْآيَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ قَامَ بِقَدْرِ سَبْعِ آيَاتٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ القدرة فاشبه إذا تركها وهو يحسن) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْقَدْرِ بِتَعَلُّمٍ أَوْ تَحْصِيلُ مُصْحَفٍ يَقْرَؤُهَا فِيهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ ظُلْمَةٍ لَزِمَهُ تَحْصِيلُ السِّرَاجِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَدَلِيلُنَا الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ان مالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى مِنْ حِينِ أَمْكَنَهُ التَّعْلِيمُ إلَى أَنْ شَرَعَ فِي التَّعْلِيمِ فَقَطْ وَالصَّحِيحُ

الْأَوَّلُ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ لِتَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ بَلَادَتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُعَلِّمِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ يَنْظُرُ إنْ أَحْسَنَ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ وَلَا يُجْزِيهِ دُونَ سَبْعٍ وَإِنْ كَانَتْ طِوَالًا بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا وَلَا يَضُرُّ طُولُ الْآيَاتِ وَزِيَادَةُ حُرُوفِهَا عَلَى حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ حُرُوفِهَا فِيهِ خِلَافٌ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَجْهَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِعَدَدِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وهو الذى نقل المزني (والثاني) لا تجب نص عله الشافعي في باب استبقال القبلة قال تجب سبع آيات طوا لاكن أَوْ قِصَارًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْقِصَ حُرُوفَ الْآيَاتِ السَّبْعِ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ بِقَدْرِ آيَةٍ بَلْ يجزيه أَنْ يَجْعَلَ آيَتَيْنِ بَدَلَ آيَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ مَجْمُوعُ الْآيَاتِ لَا يَنْقُصُ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَالْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْبَدَلِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ حُرُوفَ كُلِّ آيَةٍ مِنْ الْبَدَلِ حُرُوفُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَكُونُ مِثْلَهَا أَوْ أَطْوَلَ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفُوهُ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي سَبْعُ آيَاتٍ نَاقِصَاتٍ كَمَا يَكْفِي صَوْمٌ قَصِيرٌ عَنْ طَوِيلٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ السَّاعَاتِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لَا يُسَلَّمُ بَلْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِالِاسْتِظْهَارِ بِأَطْوَلَ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا هُنَا ثُمَّ إنْ لَمْ يُحْسِنْ سَبْعَ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةً بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَانَ له العدول إلى مفرقة بلا خلاف عليه نص في الام واتفقوا عليه لكن الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَتْ الْآيَةُ الْفَرْدَةُ لَا تُغَيِّرُ مَعْنًى مَنْظُومًا إذَا قُرِئَتْ وَحْدَهَا كَقَوْلِهِ (ثُمَّ نَظَرَ) فَيَظْهَرُ أَنْ لَا نَأْمُرَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ ونجعله كمن لَا يُحْسِنُ قُرْآنًا أَصْلًا فَسَيَأْتِي بِالذِّكْرِ وَالْمُخْتَارُ مَا سَبَقَ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) لَا تُجْزِيهِ الْمُتَفَرِّقَةُ بَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) تُجْزِيهِ الْمُتَفَرِّقَةُ مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَمَّا إذَا كَانَ يُحْسِنُ دُونَ سَبْعِ آيَاتٍ كَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقْرَأُ مَا يُحْسِنُهُ ثُمَّ يَأْتِي بِالذِّكْرِ عَنْ الْبَاقِي لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَاقِي فَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ تَكْرَارُ مَا يُحْسِنُهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الذِّكْرِ فَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يُحْسِنْ بَدَلًا مِنْ الذِّكْرِ وَجَبَ تَكْرَارُ مَا يُحْسِنُهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَحْسَنَ آيَةً أَوْ آيَاتٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ولم يحسن

جميعها فان لم يحسن لباقيها بد؟ وَجَبَ تَكْرَارُ مَا أَحْسَنَهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ الفاتحة بلا خلاف وان حسن لِبَاقِيهَا بَدَلًا فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا الْجُمْهُورُ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَخُرَاسَانَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ قِرَاءَةُ مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الفاتحة ثم يأتي ببدل الباقي لان الشئ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ أَصْلًا وَبَدَلًا (وَالثَّانِي) يَجِبُ تَكْرَارُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَهَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ الَّذِي يُحْسِنُهُ قُرْآنًا أَوْ ذِكْرًا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الذِّكْرِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْآنِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَقْرَأُ مَا يُحْسِنُهُ وَيَأْتِي بِالْبَدَلِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ آخِرَهَا أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ قَرَأَ الَّذِي يَحْفَظُهُ منها فلو عكس لم يجزيه عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا التَّرْتِيبُ بَلْ كَيْفَ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ فَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وقد قال امام الحرمين اثفق أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَعُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ القاتحة فَلْيُقَدِّمْهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْبَدَلَ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي نِصْفَيْ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا فِي نِصْفِهَا وَمَا قَامَ مَقَامَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْوَطَ وَالْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ يُحَفِّظُ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ أَنْ يُكَرِّرَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَأْتِيَ مَعَ ذَلِكَ بِبَدَلِ مَا زَادَ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ هَذَا حُكْمُ مَنْ يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَتَى أَحْسَنَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَنْتَقِلَ إلَى الذِّكْرِ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ دُونَ سَبْعٍ فَهَلْ يُكَرِّرُهُ أَمْ يَأْتِي بِبَدَلِ الْبَاقِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالذِّكْرِ بَدَلَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ بِحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي مِنْهُ قَالَ قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " قَالَ يَا رسول الله هذا لله فمالى قَالَ " قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي " فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنْ الْخَيْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُهُ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي نَفْسِي فَعَلِّمْنِي وَأَرِنِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فاقرأ به

وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا: وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الذِّكْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَتَجِبُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ وَتَكْفِيهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ وَيَجِبُ مَعَهَا كَلِمَتَانِ مِنْ الذِّكْرِ لِيَصِيرَ سَبْعَةَ أَنْوَاعٍ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ أَنْوَاعُ الذِّكْرِ لَا الْأَلْفَاظُ الْمُسْرَدَةُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْضًا في الدليل أنه لا يتعين شئ مِنْ الذِّكْرِ بَلْ يُجْزِيهِ جَمِيعُ الْأَذْكَارِ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ وَلَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُنْقِصَ حُرُوفَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْبَدَلِ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُرَاعَى هُنَا إلَّا الْحُرُوفُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْسَنَ قرآنا غير الفاتحة فانا نراعين الْآيَاتِ وَفِي الْحُرُوفِ خِلَافٌ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ سبعة انوع مِنْ الذِّكْرِ يُقَامُ كُلُّ نَوْعٍ مَقَامَ آيَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالصَّحِيحِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيُ وُجُوبِ زِيَادَةٍ مِنْ الْأَذْكَارِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ وَجَبَ زِيَادَةٌ لَذُكِرَتْ (قيل)

يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ خمس كلمات ولم تجوزوا من الْقُرْآنَ إلَّا سَبْعَ آيَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ (فَالْفَرْقُ) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ لِلْفَاتِحَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا وَالذِّكْرُ بِخِلَافِهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ *. (فَرْعٌ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَذْكَارِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُجْزِيهِ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ والتبكير وَالتَّحْمِيدُ وَالْحَوْقَلَةُ وَنَحْوُهَا وَأَمَّا الدُّعَاءُ الْمَحْضُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ يُجْزِيهِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الْمُرَجَّحُ رَجَّحَهُ الغزالي في البسيط * (فرع) شرع الذِّكْرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْبَدَلِيَّةَ أَمْ يَكْفِيهِ الْإِتْيَانُ بِهِ بِلَا قَصْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ أَتَى بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ بِالتَّعَوُّذِ وَقَصَدَ به بدل الفاتحة احزأه عنها وان قَصَدَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُجْزِيهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحْسِنْ الذِّكْرَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَحْسَنَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ أَتَى بِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي كَمَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ مَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرَةِ * (فَرْعٌ) إذَا أَتَى بِبَدَلِ الْفَاتِحَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ حَيْثُ يَجُوزَانِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَاسْتَمَرَّ الْعَجْزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ مَا بَعْدَهُ فَقَدْ مَضَتْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ كَانَ

فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ فِي الاماملي قَوْلَيْنِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَاتِحَةُ بِكَمَالِهَا (وَالثَّانِي) يَكْفِيهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا بَقِيَ وَإِنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ فَرَاغِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ قَدَرَ الْمُكَفِّرُ بلا صوم عَلَى الرَّقَبَةِ بَعْدَ الصَّوْمِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّمَكُّنُ قَدْ يَكُونُ بِتَلْقِينٍ وَقَدْ يَكُونُ بِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِمَا * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ وَلَا أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ سَاكِتًا ثُمَّ يَرْكَعَ وَيُجْزِيهِ صَلَاتُهُ بِلَا إعَادَةٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا أَتَى بِالْآخَرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الحارث وكنيته عَبْدِ اللَّهِ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو مُعَاوِيَةَ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَنَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قِيلَ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى بَدَلٍ كالقيام قوله مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لِأَرْكَانِهِ وَقَوْلُهُ فَجَازَ أَنْ يُنْتَقَلَ لَوْ قَالَ وَجَبَ كَانَ أَصْوَبَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ كَيْفَ يصلى إذا لم يمكنه التَّعَلُّمَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ الذِّكْرُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ وَلَا أَمْكَنَهُ وَجَبَ أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ قَامَ سَاكِتًا وَلَا يَجِبُ الذِّكْرُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ وَلَا الْقِيَامُ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا عَلَيْهِمَا * * قال المصنف رحمه الله * * (وان قرأ القرآن بالفارسية لم تجزه لان القصد من القرآن اللفظ وذلك لا يوجد في غيره) * * * (الشَّرْحُ) * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْعَرَبِيَّةُ أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَتَى بِتَرْجَمَتِهِ فِي صَلَاةٍ بَدَلًا عَنْ الْقِرَاءَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ

أَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجُوزُ وَتَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِلْعَاجِزِ دُونَ الْقَادِرِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قل الله شهي؟ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ به) قَالُوا وَالْعَجَمُ لَا يَعْقِلُونَ الْإِنْذَارَ إلَّا بِتَرْجَمَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْفُرْسِ سَأَلُوهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَتَبَ لَهُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَقَامَتْ تَرْجَمَتُهُ مَقَامَهُ كَالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيَاسًا عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةً عَلَى غَيْرِ ما يقرأ عمر فلقيه بِرِدَائِهِ وَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَوْ جَازَتْ التَّرْجَمَةُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم اعتراضه في شئ جَائِزٍ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ قُرْآنًا لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ هَذَا النَّظْمُ الْمُعْجِزُ وَبِالتَّرْجَمَةِ يَزُولُ الْإِعْجَازُ فَلَمْ يَجُزْ وَكَمَا أَنَّ الشِّعْرَ يُخْرِجُهُ تَرْجَمَتُهُ عَنْ كَوْنِهِ شِعْرًا فَكَذَا الْقُرْآنُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهُوَ أَنَّ الْإِنْذَارَ يَحْصُلُ لِيَتِمَّ بِهِ وَإِنْ نُقِلَ إلَيْهِمْ مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَسَبْعُ لغاب للعزب وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ هَذِهِ السَّبْعَةَ وَهُمْ يَقُولُونَ يَجُوزُ بِكُلِّ لِسَانٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَنْ فِعْلِ سَلْمَانَ أَنَّهُ كَتَبَ تَفْسِيرَهَا لَا حَقِيقَةَ الْفَاتِحَةِ وَعَنْ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي جَوَازِ تَرْجَمَتِهِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجْهَيْنِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرَادَ مَعْرِفَةُ اعْتِقَادِهِ الْبَاطِنِ وَالْعَجَمِيَّةُ كَالْعَرَبِيَّةِ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ وَالتَّسْبِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ وَالنَّظْمُ الْمُعْجِزُ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ والتنسبيح هَذِهِ طَرِيقَةُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَسَطَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ عُمْدَتُنَا أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِي إعْجَازِهِ اللَّفْظُ قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي الْمُعْجِزِ مِنْهُ فَقِيلَ الاعجار؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وَجَزَالَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ الْمُجَاوِزَةِ لِحُدُودِ جَزَالَةِ الْعَرَبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي جَزَالَتِهِ مَعَ أُسْلُوبِهِ الْخَارِجِ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْجَزَالَةُ وَالْأُسْلُوبُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأَلْفَاظِ ثُمَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ فِي حُكْمِ التَّابِعِ لِلْأَلْفَاظِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْمَتْبُوعُ وَالْمَعْنَى تَابِعٌ فَنَقُولُ بَعْدَ هَذَا التَّمْهِيدِ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ قُرْآنًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَاوَلَةُ الدَّلِيلِ لِهَذَا تَكَلُّفٌ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ بِالْهِنْدِيَّةِ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلَيْسَ مَا لَفَظَ بِهِ قُرْآنًا وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا كَانَ مُرَاغِمًا جَاحِدًا وَتَفْسِيرُ شِعْرِ امْرِئِ الْقِيسِ لَيْسَ شِعْرَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ قُرْآنًا وَقَدْ سَلَّمُوا أَنْ الْجُنُبَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذِكْرُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْمُحْدِثُ لَا يُمْنَعُ مِنْ حَمْلِ كِتَابٍ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَتَرْجَمَتُهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقُرْآنَ معجز

وَلَيْسَتْ التَّرْجَمَةُ مُعْجِزَةً وَالْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَبَ وَوَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِقُرْآنٍ حَصَلَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِالتَّرْجَمَةِ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ ان الصلاة بناها عَلَى التَّعَبُّدِ وَالِاتِّبَاعِ وَالنَّهْيِ عَنْ الِاخْتِرَاعِ وَطَرِيقُ الْقِيَاسِ مُنْسَدَّةٌ وَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِأَوْقَاتِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَإِعَادَةِ رُكُوعِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَكَرُّرِ سُجُودِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهَا وَمَدَارُهَا عَلَى الِاتِّبَاعِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَهَذَا يَسُدُّ بَابَ الْقِيَاسِ حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ فَيَقُومُ السُّجُودُ مَقَامَ الرُّكُوعِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ أَبْلَغَ فِي الْخُضُوعِ. ثُمَّ عَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ التَّرْجَمَةَ لَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى الْجُنُبِ وَيَقُولُونَ لَهَا حُكْمُهُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ وَالِاتِّبَاعِ وَيُخَالِفُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ الَّتِي قُلْنَا يَأْتِي بِهَا الْعَاجِزُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ بِلِسَانِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَعْنَى مَعَ اللَّفْظِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِلُغَةٍ لِبَعْضِ الْعَرَبِ غير اللغة المقروءيها لَمْ تَصِحَّ وَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ وَمَنْ اتى بالترجمة ان كان متعمدا بطلث صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يُعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ للسهود كسائر الكلام ناسيا أو جاهلا * * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة وذلك سنة والمستحب ان يقرأ في الصبح بطوال المفصل لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ فيها بالواقعة فان كان يوم الجمعة استحب ان يقرأ فيها (الم تنزيل السجدة) (وهل أتي علي الانسان) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ ذلك ويقرأ في الاوليين في الظهر بنحو ما يقرا في الصبح لما روى أبوسيعد الخدرى رضي الله عنه قَالَ " حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ اية قدر الم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا

قِيَامَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ من ذلك " ويقرأ في الاوليين من العصر بأوساط المفصل لما رويناه من حديث أبي سيعد رضى الله عنه ويقرأ في الاوليين من العشاء الآخرة بنحو ما يقرأ في العصر لما روى عنه عليه السلام انه قرأ في العشاء الاخرة سورة الجمعة المنافقين ويقرأ في الاوليين من المغرب بقصار المفصل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي المغرب بقصار المفصل " فان خالف وقرأ غير ما ذكرناه جاز لما روى رجل من جهينة " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الصبح إذا زلزلت الارض ") * * (الشَّرْحُ) * الَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ أَقْدَمَ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَيَحْصُلُ مِنْهَا بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَمَا يُحْتَاجُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً - أَوْ قَالَ نصف ذلك - وفي العصر في الركعتين الأوليين فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ " حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً قَدْرَ الم تنزيل السَّجْدَةَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر بالليل إذَا يَغْشَى وَفِي الْعَصْرِ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذات البروج والسماء والطارق ونحوهما من السور " رواه أبودواود وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ وَهِيَ أُمُّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلاتِ عرفا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ أَنَّهَا لَآخِرُ

مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وعن مروان ابن الْحَكَمِ قَالَ " قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مليكة طول الطوليين الاعراف والمائدة رواه النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ " أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لِمَرْوَانَ أَتَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قَالَ نَعَمْ قال - يعنى زيدا - فمحلوقة لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ فيها بأطول الطولين المص " وعن عائشة رضى اله عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْأَخِيرَتَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وعن عبد الله السانحي " أَنَّهُ صَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَغْرِبَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَدَنَوْتُ حَتَّى أَنْ كَادَ تَمَسُّ ثِيَابِي بِثِيَابِهِ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْآيَةِ: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رحمة انك انت الوهاب ": رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَمَا سَمِعْتُ احدا أحسن منه صوتا أو قراءة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السماء انشقت فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ طَوَّلَ فِي الْعِشَاءِ " يَا مُعَاذُ إذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ وَاللَّيْلِ إذَا يغشي " رواه البخاري ومسلم هذا لفظ أحد رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ فِي العشاة الْآخِرَةِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَمَّا الصُّبْحُ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَسَائِرِ رِوَايَاتِهِ وَرِوَايَاتِ مُسْلِمٍ " يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ " عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " صلى لنا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسي وهرون أَوْ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سلعة فَرَكَعَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد أَوْ رُبَّمَا قَالَ فِي ق " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الحفني أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الصبح إذا زلزلت الارض في الركعتين كلها فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الفجر الجمعة الم تنزيل السجدة وهل اتي علي الإنسان " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ فَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذًّا كهذا لشعر لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْحَسَنَةُ وَالضَّعِيفَةُ فِيهِ فَلَا تَنْحَصِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَحَادِيثِ كَانَ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ فَيُطَوِّلُ وَفِي وَقْتٍ لَا يُؤْثِرُونَهُ لِعُذْرٍ وَنَحْوِهِ فَيُخَفِّفُ وَفِي وَقْتٍ يُرِيدُ إطَالَتَهَا فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيَّ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَبَيَانُهَا فَالْمُفَصَّلُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ سُوَرِهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ وَآخِرُهُ (قُلْ أَعُوذُ برب الناس) وَفِي أَوَّلِهِ مَذَاهِبُ قِيلَ (سُورَةُ الْقِتَالِ) وقيل من (الحجرات) وقيل من (قاف) وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ مَشْهُورَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلًا أَنَّهُ مِنْ (الْجَاثِيَةِ) وَهُوَ غَرِيبٌ وَالسُّورَةُ تُهْمَزُ لغتان الْهَمْزِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَوْلُهُ وَقَرَأَ فِيهَا بِالْوَاقِعَةِ هَذَا الْحَدِيثُ أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْوَاقِعَةِ " وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ عَنْهُ. قَوْلُهُ يَقْرَأُ فِيهَا (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ) أَمَّا تَنْزِيلُ فَمَرْفُوعَةُ اللَّامِ عَلَى حِكَايَةِ التِّلَاوَةِ وَأَمَّا السَّجْدَةُ فَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ الم أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَسُورَةُ السَّجْدَةِ ثَلَاثُونَ آيَةً مكية وقوله يقرأ في الاولبين وَالْأُخْرَيَيْنِ هُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ الْمُكَرَّرَةِ فِي حَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً يَعْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ لَا يُقَالُ الآخرة وليس كما بَلْ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أصابت

بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصُّبْحِ وَفِي الاوليين من سائر الصلوات ويحصل أصل الاستحبات بقراءة شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ سُورَةً كَامِلَةً أَفْضَلُ حَتَّى أَنَّ سُورَةً قَصِيرَةً أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ بَعْضَ سُورَةٍ فَقَدْ يَقِفُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْوَقْفِ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ (كَالْحُجُرَاتِ) (وَالْوَاقِعَةِ) وَفِي الظُّهْرِ بِقَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَقَرَأَ بِأَطْوَلَ أَوْ أَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (الم تَنْزِيلُ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَهَلْ أَتَى) فِي الثَّانِيَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ وَيَقْرَأُ السُّورَتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ هو فيما آثر المأمون التَّطْوِيلَ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ لَا يَزِيدُونَ وَإِلَّا فَلْيُخَفِّفْ وقد ذكره أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ كَانَ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مُتَوَالِيًا فَإِذَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةً قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مُتَّصِلَةً بِهَا قَالَ الْمَتُولِي حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى (قُلْ اعوذ برب الناس) يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَلَوْ قَرَأَ سُورَةً ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ التي قبلها فقد خالف الاولي ولا شئ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّورَةِ لِلنَّوَافِلِ يُسْتَحَبُّ فِي رَكْعَتِي سُنَّةِ الصُّبْحِ التَّخْفِيفُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْرَأُ في الاولى منها قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الْآيَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ الْآيَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يَقْرَأُ فِيهِمَا قُلْ يا ايها الكافرون وقل هو الله احد " وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا فِيهِمَا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " رَمَقْتُ النبي صلي الله عليه وسلم عشرين سية مَرَّةً يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالرَّكْعَتَيْنِ قبل الفجر قل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ وَجَرْحِهِ وَقَدْ رَوَى له مسلم والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (وإن كان مأموما نظرت فان كان في صلاة يجهر فيها بالقراءة لم يزد على الفاتحة لقوله صلي الله عليه وسلم " إذا كنتم خلفي فلا تقرءون إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بها " وان كان في صلاة يسر فيها بالقراءة أو في صلاة يجهر فيها الا انه في موضع لا يسمع القراءة قرأ لانه غير مأمور بالانصات

إلى غيره فهو كالامام والمنفرد) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ المأموم لا يشرع له قراةء السُّورَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ولو جهر ولم يسمعه لبعده أو صممه فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ والثانى لا يقرؤها حكاه الخراسانيون * قال المصنف رحمه الله * * (وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ يقرأ السورة فيها زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ (لَا يُسْتَحَبُّ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بفاتحة الكتاب " وقال في الام يستحب لما روينا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يُشْرَعُ فِيهَا الْفَاتِحَةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا السُّورَةُ كَالْأُولَيَيْنِ وَلَا يُفَضِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ أَطْوَلَ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يُفَضِّلُ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحديث قَتَادَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطَالَ لِأَنَّهُ أَحَسَّ بداخل) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ النعمان بن ربعي وقيل عمرو بن ربعي الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ سَمِعْنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا أَيْ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي التَّدَبُّرِ يَحْصُلُ الْجَهْرُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ الْجَهْرِ وَأَنَّهُ لا تبطل الصلاة ولا يقضي سُجُودَ سَهْوٍ أَوْ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ أَوْ أَنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَاسْمُهُ محمد بن علي بن سهل تفقه علي أبى الحسن المروزى وتفقه عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ مُتْقِنًا لِلْمَذْهَبِ وَهُوَ أَحَدُ أَجْدَادِنَا فِي سِلْسِلَةِ الْفِقْهِ توفى رحمه الله سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يُشْرَعُ فِيهَا الْفَاتِحَةُ احْتِرَازٌ مِنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَهَلْ يُسَنُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فَقَالَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ الاصح الاستحباب ممن صحه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَى

الْأَكْثَرُونَ وَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ قُلْتُ وَلَيْسَ هُوَ قَدِيمًا فَقَطْ بَلْ مَعَهُ نَصَّانِ فِي الْجَدِيدِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا على انه إذا قلنا بالسورة في الثانية والرابعة تكون أَخَفَّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَلْ يُطَوِّلُ الْأُولَى فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ لَا يُطَوِّلُ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ القاضي أبو الطيب في تعليعه الصَّحِيحُ أَنْ يُطَوِّلَ الْأُولَى مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ لَكِنَّهُ فِي الصُّبْحِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ وَهَذَا الْمَاسَرْجِسِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يسوي بينهما ذكره اصحابنا العراقيون لنص فِي الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا لحديث ابي قتادة ويدركها قاصدا الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ فَضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ وَكَانَ يُطِيلُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَكَرُّرِ هَذَا وَأَنَّهُ مَقْصُودٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنْ كَانَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ فِي الْقِيَامِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتِظَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي انْتِظَارِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطيب ونقله وقد وافقه غير وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسْبُكَ بِهِ مُعْتَمَدًا فِي هَذَا وَإِذَا قُلْنَا بِتَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الثَّالِثَةِ عَلَى الرَّابِعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَوَّلُ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا وَلِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْأُولَى وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا قلنا تسن السورة في الاخرتين فهي مَسْنُونَةً لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْمَأْمُومِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةُ الْمُتَنَفِّلُ بِرَكْعَتَيْنِ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ وَالْمُتَنَفِّلُ باكثر ان كان يقصر عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنْ تَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ فَهَلْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ فِي الرَّكَعَاتِ الْمَفْعُولَةِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الفرائض * (فرع) المسبؤق بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَتَيْنِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي استحباب السورة له القولان لانها آخر صلاة وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَوْلِهِ تُسْتَحَبُّ السُّورَةُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ أَبُو اسحق تستحب

لَهُ السُّورَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تُسْتَحَبُّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَا أَدْرَكَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ للسورة فاستحب له لثلا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ سُورَتَيْنِ وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عن ابي اسحق اكثر الاصحاب فان كان ذلك في الْعِشَاءِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ لَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فِي جَهْرِهِ قَوْلَيْنِ كَالسُّورَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نُصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَجْهَرُ لِأَنَّ الْجَهْرَ قَدْ فَاتَهُ فَيَتَدَارَكُهُ كَالسِّرِّ وَنُصَّ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ لِأَنَّ سُنَّةَ آخِرِ الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ فَلَا يَفُوتُهُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخِ أبو محمد في التبصرة لو كان الامام بطئ الْقِرَاءَةِ وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ فِيمَا أَدْرَكَ فَقَرَأَهَا لَمْ يُعِدْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا قُلْنَا تَخْتَصُّ الْقِرَاءَةُ بِالْأُولَيَيْنِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَجْزَأَتْهُ الْفَاتِحَةُ وَلَا تُحْسَبُ لَهُ السُّورَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي الِاعْتِدَادِ بِالسُّورَةِ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقِيَامُ وَقَدْ أَتَى بِهَا فِيهِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ عَنْ السُّورَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ مشروعة في الصلاة فرضا والشئ الْوَاحِدُ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَإِنْ تَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ فَقَرَأَهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَةُ السُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِإِسْرَاعِ الْإِمَامِ وَكَانَ يَوَدُّ ان يتمكن فللمأموم ثواب السورة وعلي وَبَالُ تَقْصِيرِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " يصلون لكم فان اصابوا فلكم وان اخطأ وافلكم وَعَلَيْهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْمُتَابَعَةِ إذَا هَوَى الْإِمَامُ لِلرُّكُوعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْ الْفَرْضِ بِنَفْلٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا سنة فلو قتصر عَلَى الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ

الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ تَجِبُ مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ويحتج له بانه المعتاد من فعل النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " فِي كُلِّ صلاه يقرأ فيما أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ اجرأت وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم استدل الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْأَثَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ بَعْضٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ البخاري باسناد ضعيف * * قال المصنف رحمه الله * * (ويستحب للامام أن يجهر بالقراءة في الصبح والاوليين من المغرب والاوليين من العشاء والدليل عليه نقل الخلف عن السلف ويستحب للمأموم ان يسر لانه إذا جهر نازع الامام في القراءة ولانه مأمور بالانصات إلى الامام وإذا جهر لم يمكنه الانصات لغيره فهو كالامام وان كانت امرأة لم تجهر في موضع فيه رجال أجانب لانه لا يؤمن ان يفتتن بها ويستحب الاسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والاخريين من العشاء لانه نقل الخلف عن السلف وان فاتته صلاة بالنهار فقصاها بالليل اسر لانها صلاة نهار وان فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار اسر لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في النهار فارموه بالبعر ويقول ان صلاة النهار عجماء " ويحتمل عندي ان يجهر كما يسر فيما فاته من صلاة النهار فقضاها بالليل) * * * (الشَّرْحُ) * السَّلَفُ فِي اللُّغَةِ هُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُرَادُ هنا أوائل هذه الامة والخلف بفتح الامام يقال بِإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُمْ السَّابِقُونَ لِمَنْ قَبْلَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَقَوْلُهُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ بِالْمَدِّ أَيْ لَا جَهْرَ فِيهَا تَشْبِيهًا بِالْعَجْمَاءِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَاطِلٌ غَرِيبٌ لَا أَصْلَ لَهُ. أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسُّنَّةُ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْإِسْرَارُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ المغرب والثالة وَالرَّابِعَةِ مِنْ الْعِشَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى ذَلِكَ هَذَا حُكْمُ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ جَهْرُ المنفرد

وَإِسْرَارُهُ سَوَاءٌ دَلِيلُنَا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْإِمَامِ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْجَهْرِ لِلتَّدَبُّرِ فَسُنَّ لَهُ الْجَهْرُ كَالْإِمَامِ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَدَبُّرًا لِقِرَاءَتِهِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ غَيْرِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إطَاقَةِ الْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهَا لِلتَّدَبُّرِ كَيْفَ شَاءَ وَيُخَالِفُ الْمُنْفَرِدُ الْمَأْمُومَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْإِمَامِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يُسَنُّ لَهُ الاسرار ويكره له الجهر سواء سمع قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ وَحَدُّ الْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَدَلِيلُ كَرَاهَةِ الْجَهْرِ لِلْمَأْمُومِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ سبح اسم ربك الأعلى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا فَقَالَ قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَالَجَنِيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَى خالجنيها جاذبنيها ونازعنبها وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَتْ تُصَلِّي خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ محارم جهرت بالقراءة سواء صلت بنسوة أو مُنْفَرِدَةً وَإِنْ صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرَّتْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَأَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الحاوى انها تسر سواء صلت مُنْفَرِدَةً أَمْ إمَامَةً وَبَالَغَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ هَلْ صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيَكُونُ جَهْرُهَا أَخْفَضُ مِنْ جَهْرِ الرَّجُلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحُكْمُ التَّكْبِيرِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيُسِرُّ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَيَجْهَرُ إنْ كَانَ خَالِيًا أَوْ بِحَضْرَةِ مَحَارِمِهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا الْفَائِتَةُ فَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ اللَّيْلِ بِاللَّيْلِ جَهَرَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ لَيْلًا أَوْ اللَّيْلِ نَهَارًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْفَوَاتِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ لَكِنْ يَكُونُ جَهْرُهُ نَهَارًا دُونَ جَهْرِهِ لَيْلًا وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفَةٌ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْإِسْرَارِ مُطْلَقًا (قُلْتُ) كَذَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ لَكِنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ نَهَارِيَّةً فَلَهَا فِي الْقَضَاءِ فِي الْجَهْرِ حُكْمُ اللَّيْلِيَّةِ وَلِوَقْتِهَا فِيهِ حُكْمُ اللَّيْلِ وَهَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) لَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ أَوْ عَكَسَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ ولكنه ارتكب

مَكْرُوهًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة واسحق يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ " وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) فِي حُكْمِ النَّوَافِلِ فِي الْجَهْرِ. أَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ فَيُسَنُّ فِيهَا الْجَهْرُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا نَوَافِلُ النَّهَارِ فَيُسَنُّ فِيهَا الْإِسْرَارُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا نَوَافِلُ اللَّيْلِ غَيْرَ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُجْهَرُ فِيهَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُتَوَسَّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ فَيُسَرُّ بِهَا كُلِّهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ بعض السلف بالجهر فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ وَعَنْ الْجُمْهُورِ الْإِسْرَارَ كَمَذْهَبِنَا * (فَرْعٌ) فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَتِّلًا وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن ابى قتادة رضى الله أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ وَمَرَّ بِعُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَرْتُ بِك يَا أَبَا بَكْرٍ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ قَالَ قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ لِعُمَرَ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا وَقَالَ لِعُمَرَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أبو داود اسناد صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ " فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صوتك شئيا ولا لعمر اخفض وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلَالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ كَلَامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ اللَّهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ يَخْفِضُ طَوْرًا وَيَرْفَعُ طَوْرًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عُصَيْفِ بْنِ حَارِثٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ وَقِيلَ صَحَابِيٌّ قَالَ

مسائل مهمة تتعلق بقراءة الفاتحة وغيرها في الصلاة

" قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَرَأَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ قَالَتْ رُبَّمَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ قلت آخر اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً قُلْتُ أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ وَيَخْفِتُ بِهِ قَالَتْ رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبَّمَا خَفَتَ قُلْت الله اكبر الحمد الله الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اعْتَكَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ أَلَا إنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ وَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَكْثَرَهَا مُخْتَصَرَةً خَوْفًا مِنْ الْإِمْلَالِ بِكَثْرَةِ الْإِطَالَةِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ السبع مُتَوَاتِرَةٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ غَيْرَهُ فَغَالِطٌ أَوْ جَاهِلٌ وَأَمَّا الشَّاذَّةُ فَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً فَلَوْ خَالَفَ وَقَرَأَ بِالشَّاذَّةِ أُنْكِرَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى اسْتِتَابَةِ من قرأ بالشواذ وقد ذكرت قصة فِي التِّبْيَانِ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ وَأَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فَمَنْ قَرَأَ بِالشَّاذِّ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ بِتَحْرِيمِهِ عُرِّفَ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عُزِّرَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِالشَّاذَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرُ مَعْنًى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نَقْصُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا قرأ بقراءة من السبع اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا فَلَوْ قَرَأَ بعض الآيات بها وبعضها بغيرها من السبع جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى (الثَّانِيَةُ) تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصلاة بجميع حروفها وتشديد انها وَهُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً فِي الْبَسْمَلَةِ مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ وَلَوْ أَبْدَلَ الضَّادَ بِالظَّاءِ فَفِي صِحَّةِ قِرَاءَتِهِ وَصَلَاتِهِ وَجْهَانِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَمَا لَوْ أَبْدَلَ غَيْرَهُ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ لِعُسْرِ إدْرَاكِ مَخْرَجِهِمَا عَلَى

العوام وشبههم (الثالثا) إذَا لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُخِلُّ الْمَعْنَى بِأَنْ ضَمَّ تَاءَ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسَرَهَا أَوْ كَسَرَ كَافَ إيَّاكَ نَعْبُدُ أَوْ قَالَ إيَّاءَ بِهَمْزَتَيْنِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ وَصَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَتَجِبُ إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ الْمَعْنَى كَفَتْحِ دَالِ نَعْبُدُ وَنُونِ نَسْتَعِينُ وَصَادِ صِرَاطَ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا قِرَاءَتُهُ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ وَلَا صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يُخِلُّ الْمَعْنَى لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ قَالَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِعْجَازِ فِي النَّظْمِ وَالْإِعْرَابِ جَمِيعًا أَوْ فِي النَّظْمِ فَقَطْ (الرَّابِعَةُ) فِي دَقَائِقَ مُهِمَّةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ تَتَعَلَّقُ بِحُرُوفِ الْفَاتِحَةِ قَالَ شَرْطُ السِّينِ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَسَائِرِ الْفَاتِحَةِ أَنْ تَكُونَ صَافِيَةً غير مشوبة تغيرها لَطِيفَةَ الْمَخْرَجِ مِنْ بَيْنِ الثَّنَايَا - يَعْنِي وَأَطْرَافِ اللِّسَانِ - فَإِنْ كَانَ بِهِ لُثْغَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ إصْفَاءِ السِّينِ فَجَعَلَهَا مَشُوبَةً بِالثَّاءِ فَإِنْ كَانَتْ لثغته فَاحِشَةً لَمْ يَجُزْ لِلْفَصِيحِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كانت لثغته يسيرة لس قيها إبْدَالُ السِّينِ جَازَتْ إمَامَتُهُ وَيَجِبُ إظْهَارُ التَّشْدِيدِ فِي الْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ فَإِنْ بَالَغَ فِي التَّشْدِيدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْحَدِّ الْمَعْرُوفِ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ أَنْ يُشَدِّدَ التَّشْدِيدَ الْحَاصِلَ فِي الرُّوحِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَاتِحَةِ فَصْلُ كُلِّ كَلِمَةٍ عَنْ الْأُخْرَى كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَقَشِّفُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ لِلْحَدِّ بَلْ الْبَصْرِيُّونَ يَعُدُّونَ هَذَا مِنْ الْعَجْزِ وَالْعِيِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْصِلَ في قراءة بين البسملة والحمد لله رب العالمين قَطَعَ هَمْزَةَ الْحَمْدِ وَخَفَّفَهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَصِلَ الْبَسْمَلَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقِفَ عَلَى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَقْفٍ وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُبَالِغُ فِي التَّرْتِيلِ فَيَجْعَلُ الْكَلِمَةَ كَلِمَتَيْنِ وَأَصْلُ إظْهَارِ الْحُرُوفِ كَقَوْلِهِمْ نَسْتَعِينُ يَقِفُونَ بَيْنَ السِّينِ وَالتَّاءِ وَقْفَةً لَطِيفَةً فَيَنْقَطِعُ الْحَرْفُ عَنْ الحرف والكلمة عن الكلمة وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّقْطِيعَ وَالْفَصْلَ وَالْوَقْفَ فِي أَثْنَائِهَا وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الْجَائِزُ مِنْ التَّرْتِيلِ أَنْ يُخْرِجَ الْحَرْفَ مِنْ مَخْرَجِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهُ متصلا بلا وقفة وترتيل القرآن وصل الحروف والكلمات علي ضرب من الثاني وليس من الترتيل فصل الحروف ولا الوقت فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمِنْ تَمَامِ التِّلَاوَةِ إشْمَامُ الْحَرَكَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْحَرْفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اخْتِلَاسًا لَا إشْبَاعًا وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْحُرُوفِ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ بِأَنْ يَقُولَ نَسْتَعِينُ تُشْبِهُ التَّاءُ الدَّالَ أَوْ الصَّادَ لَا بِصَادٍ مَحْضَةٍ وَلَا بِسِينٍ مَحْضَةٍ بَلْ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ التَّعَلُّمُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي زَمَنِ التَّفْرِيطِ فِي التَّعَلُّمِ. هَذَا حُكْمُ الْفَاتِحَةِ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَالْخَلَلُ فِي تِلَاوَتِهِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَهُوَ مُتَعَمِّدٌ بِأَنْ قَرَأَ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده العلماء) بِرَفْعِ اللَّهِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ أَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي فِي الشَّوَاذِّ كَقِرَاءَةِ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فاقطعوا ايمانهما) (وفيمن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) (وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) فَهَذَا كُلُّهُ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ خَلَلًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا يَزِيدُ فِي الْكَلَامِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّهَا تُكْرَهُ

هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّاذَّةِ تَغْيِيرُ مَعْنًى فَتَعَمَّدَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ انه اتها وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ شَكٌّ فِي كَلِمَةٍ أَوْ حَرْفٍ مِنْهَا فَلَا أَثَرَ لِشَكِّهِ وَقِرَاءَتُهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَاكًّا فِي تَمَامِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا وَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ غَافِلًا فَفَطِنَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ غَيْرِ المغضوب عليهم ولا الضالين وَلَمْ يَتَيَقَّنْ قِرَاءَةَ جَمِيعِ السُّورَةِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ آخِرَهَا إلَّا بَعْدَ قِرَاءَةِ أَوَّلِهَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً أَوْ حَرْفًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْهَا وَرَكَعَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ رَكَعَ نَاسِيًا فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ القراءة في الركعة الثانية لغو (السادسة) شرطا الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَسْمَعَ نَفْسَهُ إنْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا شَاغِلَ لِلسَّمْعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقِيقَةُ الْإِسْمَاعِ وَهَكَذَا الْجَمِيعُ فِي التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا كُلِّهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِلَا خِلَافٍ (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَخْرَسِ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُحَرِّكُهُ النَّاطِقُ

لان القراءة تتضمن نطقا وتحريك اللسان فقسط مَا عَجَزَ عَنْهُ وَوَجَبَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ وَبَسَطْنَاهَا (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ لِلْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ (الْأُولَى) عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَقُولُ فِيهَا دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ (وَالثَّانِيَةُ) بَيْنَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ (الثَّالِثَةُ) بَعْدَ آمِينَ سَكْتَةٌ طَوِيلَةٌ بِحَيْثُ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ (الرَّابِعَةُ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّورَةِ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ جِدًّا لِيَفْصِلَ بِهَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَتَسْمِيَةُ الاولي سكتة مجاز فانه لا سكت حَقِيقَةً بَلْ يَقُولُ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ لَكِنْ سُمِّيَتْ سَكْتَةً فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا سَبَقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلَامَهُ فَهُوَ كَالسَّاكِتِ وأما الثانية والرابعة فسكتتان حقيقتان وأما الثالثة فقد قدمنا عن السرخى أَنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا دُعَاءً وَذِكْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ السَّكَتَاتِ الْأُوَلِ فِي مواضعها وأما الرابعة فاتفق اصحابنا علي استحتابها ممن صرح يها الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ إذَا اسْتَفْتَحَ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فكتبوا في ذلك الي المدينة الي بْنِ كَعْبٍ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بهذين الفظين وفي رواية له والترمذي " سكتة إذ ااستفح وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُخَالِفُ السَّابِقِينَ بَلْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ إثْبَاتُ السَّكَتَاتِ الثلاث وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّلَاةِ وَفَسَّرُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَصْلُ الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةِ الركوع يكره ذلك بل يفصل بيهنهما (والثاني)

تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ فَيَحْرُمُ أَنْ يَصِلَ الِانْتِقَالَ بِالِانْتِقَالِ بَلْ يَسْكُنَ لِلطُّمَأْنِينَةِ (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَدَبُّرُهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ ترتيلا) وَقَالَ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَقَدْ ذَكَرْتُ جُمَلًا مِنْهَا فِي كِتَابِ آدَابِ الْقُرَّاءِ وَذَكَرْتُ فِيهِ جُمَلًا مُهِمَّةً تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مُعْظَمِ ذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبْ الْغُسْلَ وَفِيهَا نَفَائِسُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ معرفتها وبالله التوفيق (العاشرة) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ وَسَائِرَ السُّوَرِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهُ كَفَرَ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ بَاطِلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوَّلِ كتابه المجاز هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْضُوعٌ وَإِنَّمَا صَحَّ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ ابن مسعود وفيها الفاتحة والمعوذتان * * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يركع وهو فرض من فروض الصلاة لقوله عز وجل (اركعوا واسجدوا) والمستحب أن يكبر للركوع لما روى أبو هريوة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يكبر حين يقوم وحين يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حين يرفع ورأسه ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يرفع رأسه يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا " ولان الهوى الي الركوع فعل فلا يخلو من ذكر كسائر الافعال) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرُّكُوعُ فِي اللُّغَةِ الِانْحِنَاءُ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْحَابُنَا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبَعْضُهُمْ هُوَ الْخُضُوعُ وَأَنْشَدُوا فِيهِ الْبَيْتَ الْمَشْهُورَ * عَلَّكَ أَنْ تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ * وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْهُوِيَّ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَالِانْخِفَاضُ وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْهَوِيَّ بِالْفَتْحِ النُّزُولُ وَالسُّقُوطُ وَالْهُوِيُّ بِالضَّمِّ الصُّعُودُ قَالَ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ والاجماع حديث " المسئ صَلَاتَهُ " مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَيُسَنُّ أَنْ يُكَبِّرَ لِلرُّكُوعِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِلُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ بِالْقِرَاءَةِ بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَمَا سَبَقَ قَالُوا وَيَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِ يَدَيْهِ وهو قائما ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فَإِذَا حَاذَى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى وَيَمُدُّ التَّكْبِيرَ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى حَدِّ الراكعين هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الخراسانيين قولين (أحدهما) هذا وهو الْجَدِيدُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يَمُدُّ التَّكْبِيرَ بَلْ يَشْرَعُ بِهِ قَالُوا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي جَمِيعِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَهَلْ تُحْذَفُ أَمْ تُمَدُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى الذِّكْرِ الَّذِي بَعْدَهَا الصَّحِيحُ الْمَدُّ وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى رَكَعَ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ (اعْلَمْ) أَنَّ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ يُشْرَعُ فِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً مِنْهَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلِّ ركعة أربع للسجدتين والرفعتين مِنْهَا وَالْخَامِسَةُ لِلرُّكُوعِ فَهَذِهِ عِشْرُونَ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثُّلَاثِيَّةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَقَطَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتُ رَكْعَةٍ وَهُنَّ خَمْسٌ وَأَمَّا الثُّنَائِيَّةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا أحد عشر لِلرَّكْعَتَيْنِ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَهَذِهِ كُلُّهَا عِنْدَنَا سُنَّةٌ الا تكبيرة الحرام فَهِيَ فَرْضٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ قَالَ ابْنُ المنذر وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمرو ابن مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ جَابِرٍ وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ وَشُعَيْبٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُشْرَعُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَقَطْ وَلَا يُكَبَّرُ غَيْرُهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ في سرح السُّنَّةِ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا نَقَلْنَاهُ أو أوراد اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ التَّابِعِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يقول اجماع بعد الْخِلَافَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ والقفال والشاشى وغيرهما وقال احمد ابن حَنْبَلٍ جَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبرهن واحتج لمن أسقطهن غير تكبيرة الاحرام بحديث عن الحسن عن بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَكَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ زِيَادَةُ " لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ يَعْنِي إذَا خَفَضَ وإذا رفع " ودليلنا علي أحمد حديث " المسئ صَلَاتَهُ " فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَأَمَرَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ علي الاستحباب جمعا بين الا دلء وَدَلِيلُنَا عَلَى الْآخَرِينَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يرقع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائما ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وعن مطرف قال " صليت أنا وعمران

ابن حصين عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ لَقَدْ صلي بنا هذا صلاة محمد بن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وفيما ذكرناه كفاية والجواب عن حديث بن أَبْزَى مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ رواية الحسن عن ابن عمران ليس (1) (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ وَقَدْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَقُدِّمَتْ رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ (وَالثَّالِثُ) لَعَلَّهُ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ نَحْوَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ جَوَابُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَبِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَعْلَمَ الْمَأْمُومُونَ انْتِقَالَهُ فَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الصَّوْتِ لِمَرَضٍ وَغَيْرِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْهَرَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ جَهْرًا يُسْمِعُ النَّاسَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ سَعِيدِ بن الحارث قال " صلي لنا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا يُصَلِّي " وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصيلنا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رواية ولمسلم أَيْضًا " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يسمعنا " وعن عائشة رضى الله عنهما في قصة مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ " فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أجلس إلَى جَنْبِهِ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بالياس وأبو بكر يسمعهم التكبير " رواه مسلم بفظه والبخاري بمعناه * قال المصنف رحمه الله * * (ويستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه في التكبير لما ذكرناه من حديث ابى عمر رضى الله عنهما في تكبيرة الاحرام) * * * (الشرح) * حديث بن عمر رواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُضْطَجِعٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ

_ (2) كذا بالاصل فليحرر اهـ

تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ هُنَا وَفِي كُلِّ رَفْعٍ وَلَوْ كَانَتْ يداه أو احداهما عليلة فحكمه ما سَبَقَ فِي رَفْعِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَمِيعُ الْفُرُوعِ تجئ هُنَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ (اعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ مُتَكَاثِرَاتٍ لَا سِيَّمَا طَالِبُ الْآخِرَةِ وَمُكْثِرُ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ بِهَا أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ حَتَّى صَنَّفَ الْإِمَامُ عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي إثْبَاتِ الرَّفْعِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَالْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ عَلَى من خالف ذلك فهو كتاب نفيس وهو سَمَاعِيٌّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَسَأَنْقُلُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مُعْظَمَ مُهِمَّاتِ مَقَاصِدِهِ وَجَمَعَ فِيهِ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا جُمْلَةً حَسَنَةً وَسَأَنْقُلُ مِنْ كِتَابِهِ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مهمات مقاصده ولولا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَرَيْتُكَ فِيهِ عَجَائِبَ مِنْ النَّفَائِسِ وَأَرْجُو أَنْ أَجْمَعَ فِيهِ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا: (اعْلَمْ) أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِإِجْمَاعِ من يعتد به وفيه شئ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَأَمَّا) رَفْعُهُمَا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَسَالِمُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ واسحق وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِر عَنْ أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَنَقَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى قَالَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَجْمَع عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ يُرْوَى هَذَا الرَّفْعُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ الْبَدْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْبَدْرِيُّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَوَائِلُ بْنُ حُجُرٍ ومالك ابن الْحُوَيْرِثِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وضى الله عنهم قال وقال الحسن وحميد

ابن هِلَالٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يرفعون أيديهم فلم يستثن أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لم يرفع يديه قال وروينا الرافع أيضا هنا وعن عِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وعمر به عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَالْحَسَنُ بن سيرين وطاوس وَمَكْحُولٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَنَافِعٌ وَعُبَيْدُ الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيسس بن سعيد وعدة كثينرة وكذلك روى عن ام الداراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ اصحابه ومحديى أَهْلِ بُخَارَى مِنْهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَكَعْبُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابن مُحَمَّدٍ الْمُشَيِّدِي وَعِدَّةٌ مِمَّنْ لَا يُحْصَى لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَنْ وَصَفْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - يَعْنِي الْحُمَيْدِيَّ شَيْخَهُ - وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ واحمد بن حنبل واسحق بْنُ إبْرَاهِيمَ يُثْبِتُونَ عَامَّةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرَوْنَهَا حَقًّا وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ هَذَا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَنَقَلَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي بكر الصديق وعمر بن الخطاب بن وعلي أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ الصَّحَابِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَعِدَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي كُلِّ عَصْرٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرأى لا يعرف يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بن عازب رضي الله تعالي عنهما قال " رأيت رسو ل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لا صلين بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ يَرْفَعُوا ايديهم الا عند افتتاح الصلاة " رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصلاة ثم لا يرفع في شئ منها " رواء البيقى وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ " وعن جابر بن سمرة رضي اللله عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا الاناب خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ مِنْ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَفِي اسْتِقْبَالِ

الْقِبْلَةِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَجَمْعٍ فِي المقامين عند الجمرتين " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ " إذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا " وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ السجدتين رفع يديه كذكك وَكَبَّرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّد الْأُوَلِ كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ وغيره وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ في الصلاة كبر ووصف همام - وهو أحد الرواة حيال أذينه - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَلَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رفع يديه فلما سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وعن محمد بن عمرو عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ يَقُولُ " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا فَاعْرِضْ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ فَاعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَنِّعْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَوْلُهُ قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَيْضًا قَالُوا فِي آخِرِهِ " صَدَقْتَ هَكَذَا صَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب قال أبو علي زوى الرَّفْعَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ ثَلَاثُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ جَوَابُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَحُفَّاظِهِمْ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ والشافعي وعبد الله بن الزبيز الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى ابن مَعِينٍ وَأَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهَؤُلَاءِ أَرْكَانُ الْحَدِيثِ وأئمة الاسلام فيه وأما الحافظ والمتأخرون الذين ضعفوا فأكثروا من الْخَبَرِ وَسَبَبُ تَضْعِيفِهِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْمَذْكُورُونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زياد غلط عليه وَأَنَّهُ رَوَاهُ أَوَّلًا " إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ " قَالَ سُفْيَانُ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ وَيَزِيدُ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ لِي أَصْحَابُنَا ان حفظه قد تغير أو قد ساء قَالَ الشَّافِعِيُّ ذَهَبَ سُفْيَانُ إلَى تَغْلِيطِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ يَزِيدُ وَيَزِيدُ يَزِيدُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وسمعت يحيي بن معين يضعف يزيد ابن أَبِي زِيَادٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَمِمَّا يُحَقِّقُ قَوْلَ سُفْيَانَ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَنَّ سُفْيَانَ الثوري وزهير ابن مُعَاوِيَةَ وَهِشَامًا وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ ينهكروها إنَّمَا جَاءَ بِهَا مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِأَخِرَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِمَكَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ " قَالَ سُفْيَانُ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ " يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَعُودُ " فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ مِنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فَصْلًا فِي تَضْعِيفِ حَدِيثِ يَزِيدَ بن أبي زياد هذا قال ولم هذا يرو الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَقْوَى مِنْ يَزِيدَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ نحو ما سبق (والجواب الثاني) ذكره اصحابنا قالوا صَحَّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى

أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَعُودُ إلَى الرَّفْعِ فِي ابْتِدَاءِ اسْتِفْتَاحِهِ وَلَا فِي أَوَائِلِ بَاقِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهَذَا نَفْيٌ فَيُقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ (الرَّابِعُ) أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَتَابَعَهُمَا الْبُخَارِيُّ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَضَعَّفَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الدا قطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عثه فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَيْضًا (أَحَدُهَا) تَضْعِيفُهُ مِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاهِي وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفْعُ الْيَدِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ خِلَافَ مَا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يفعله " قال البيهقى قال الزعفراني قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مسعود يعنى ما روى عنهما أنها كَانَا لَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُمَا لا شبه أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا الرَّاوِي مَرَّةً أَغْفَلَا ذَلِكَ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ ذَهَبَ عَنْهُمَا حِفْظُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَهُ ابْنُ عُمَرَ لَكَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ وَأَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْجَهَالَةِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي في الركوع والرفع منه لكنهم كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي حَالَةِ السَّلَامِ مِنْ الصلاة ويشيرون بها الي الجانبين ويريدون بِذَلِكَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى اخْتِلَاطٍ بِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُبَيِّنُهُ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِينَ (أَحَدِهِمَا) الطَّرِيقُ السَّابِقُ وَالثَّانِي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورحمة الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ

" صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إذَا سَلَّمْنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَنَظَرَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قفال مَا شَأْنُكُمْ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُومِئُ بِيَدِهِ " هَذَا لَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال البخاري وأما احتحاج بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَإِنَّمَا كَانَ فِي الرَّفْعِ عِنْدَ السَّلَامِ لَا فِي الْقِيَامِ قَالَ وَلَا يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا مَنْ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الْمُحْتَجُّ لَكَانَ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الِافْتِتَاحِ وَفِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيَّا عنه لانه يُبَيِّنْ رَفْعًا وَقَدْ بَيَّنَهُ حَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ ثم ذكر باسناده رواية مسلم التى نقلها الْآنَ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فَلْيَحْذَرْ امْرُؤٌ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَوْ يَتَقَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عز وجل (فليذر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يصيبهم عذاب اليم) وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ " فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ وَهَذَا جَوَابُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَوْضَحَهُ (الثَّانِي) أَنَّ هَذَا نَفْيٌ وَغَيْرُهُ إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ تَرْكُ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الرَّفْعَ ثَابِتٌ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ غَيْرِ هَذِهِ السَّبْعَةِ قَدْ بَيَّنَهَا الْبُخَارِيُّ بِأَسَانِيدِهِ وَسَأُفَرِّعُ بِهَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا تَنْقِيحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَدَلَائِلِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَخْتِمُهَا بِمَا خَتَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بن اسحق الْفَقِيهِ قَالَ قَدْ صَحَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثُمَّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مَا يُوجِبُ ان هؤلاء الصحابة لم يرووا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَدْ نَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَيْفِيَّةَ قِيَامِ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ نَسْخَ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا نَسِيَ هَذَا

كَيْفَ لَا يَنْسَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ مَا معني رفع اليدين عند لركوع فَقَالَ مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً نَرْجُو فِيهَا ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ اجْتَمَعَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ عِشَاءً فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ لِمَ لَا تَرْفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوعِ وَرَفْعِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَرْوِي لَك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تعارضني بيزيد ابن أَبِي زِيَادٍ وَيَزِيدُ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُهُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَاحْمَرَّ وَجْهُ الثَّوْرِيِّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَأَنَّكَ كَرِهْتَ مَا قُلْتُ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قُمْ بِنَا إلَى الْمَقَامِ نَلْتَعِنُ أَيُّنَا عَلَى الْحَقِّ فَتَبَسَّمَ الثَّوْرِيُّ لَمَّا رَأَى الْأَوْزَاعِيَّ قَدْ احْتَدَّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ " أَنَّ ابْنِ عُمَرَ كَانَ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يديه إذ رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَمَاهُ بِالْحَصَى " وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عن ام الدارداء رضى الله تعالى عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا وَحِينَ تَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَحِينَ تَرْكَعُ وإذا قالت سمع الله لمن حمد هـ رَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " قَالَ الْبُخَارِيُّ وَنِسَاءُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ " رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ شئ تزيد به صلاتك " قال البخاري ولم يثبث عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المثنى ويحيى بن معين واحمد ابن حنبل واسحق ابن إبْرَاهِيمَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَبْنَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ عِلْمُهُ فِي تَرْكِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ قَالَ وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهُوَ أَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْمًا فِيمَا يُعْرَفُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ عَنْ السَّلَفِ عِلْمٌ فَاقْتَدَى بِابْنِ الْمُبَارَكِ فِيمَا اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ وَقَالَ مَعْمَرٌ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ مَا حَسِبْتُ أن لم يطير قُلْتُ إنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ أَعْلَامِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ ثُمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ قَدْ اتفقوا علي رفع الايادي ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَاتٍ آخَرِينَ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ بِدْعَةٌ فَقَدْ طَعَنَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف ومن بعدهم وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَعُلَمَاءِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَتَّى

شُيُوخِنَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَرْكُ الرَّفْعِ وَلَيْسَ أَسَانِيدُهُ أَصَحَّ مِنْ أَسَانِيدِ الرَّفْعِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا رِوَايَةُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّفْعَ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ والرفع وَرِوَايَةُ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفْعَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَفِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا صَلَاةً وَاحِدَةً وَاخْتَلَفُوا فِيهَا بِعَيْنِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (ويجب ينحنى إلي حد يبلغ راحتاه ركبتيه لانه لا يسمى بما دونه راكعا ويستحب أن يضع يديه علي ركبتيه ويفرق أصابعه لما زوى أبو حميد السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " أمسك راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما وقرج بين اصابعه " ولا يطبق لما روى عن مصعب بن سعد رضى الله عنه صليت الي جنب سعد بن مالك فجعلت يدى بين ركبتي وبين فخذي وطبقتهما فضرب بيدى وقال اضرب بكفيك على ركبتيك وقال يا بنى انا قد كنا نفعل هذا فأمرنا ان نضرب بالاكف على الركب " والمستحب ان يمد ظهره وعنقه ولا يقنع رأسه ولا يصوبه لما روى ان ابا حميد الساعدي رضى الله عنه " وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فركع واعتدال ولم يصوب رأسه ولم يقنعه " والمستحب أن يجافى مرفقيه عن جنيبه لما روى أبو حميد السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فعل فان كانت امرأة لم تجاف بل تضم المرفقين إلي الجنبين لان ذلك أستر لها ويجب ان يطمئن في الركوع لقوله صلي الله عليه وسلم للمسئ صلاته " ثم اركع حتى تطمئن راكعا ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي. حُمَيْدٍ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الْأَخِيرُ صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ كَمَا وَقَعَتَا هُنَا وَأَمَّا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو ابن عطاء انه كان جالسا مع نفر أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرناه صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أنا كنت أحفظكم لطلاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَيْتُهُ إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذ رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارِهِ مَكَانَهَا فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غير مفنرش وَلَا قَابِضَهَا وَاسْتَقْبَلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً لِلْقِبْلَةِ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى عَلَى مَقْعَدَتِهِ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُهُ وَهُوَ فِي عشرة من اصحاب النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا فَاعْرِضْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما منكيبه ثم قال الله اكبر ثم اعتدال فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَنِّعْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ هَوَى إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ اكبر ثم ثنى رجله وقد وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صلاته أخر رجله اليسيرى وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ قَالُوا صَدَقْتَ هَكَذَا صَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا قَامَ مِنْ السجدتين رفع يديه يعنى إذا قام الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِثْلَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ بَعْدَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَقْرَأُ وَقَالَ فيها ثم يركع ويضع على راحتيه على ركبته وقال ثم قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَالَ " إذَا رَكَعَ أَمْكَنَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي السُّجُودِ " وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ " فهذه طرق من حديث التبطبين رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ " صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ وَوَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فخذي فنهايي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ " وَأَمَّا حَدِيثُ " المسئ صلاته " فراواه البخاري ومسلم من رواية ابي هريرة وأما الفاظ الفصل فالتطبيق هو ان يجعل بظن كَفَّيْهِ عَلَى بَطْنِ الْأُخْرَى وَيَجْعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وفخذيه وقوله ولا يقنع رأسه أي يَرْفَعُهُ وَلَا يُصَوِّبُهُ - وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ

وَفَتْحِ الصَّادِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ لَا يُبَالِغُ في خفضه وتنكيسه وقوله يجافى هو غير مصور وَمَعْنَاهُ يُبَاعَدُ وَمِنْهُ الْجَفْوَةُ وَالْجَفَاءُ بِالْمَدِّ وَأَبُو حُمَيْدٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بَطْنٍ مِنْ الْأَنْصَارِ الْمَدَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مصعب بن سعد أَبِي وَقَّاصٍ اسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ وُهَيْبٍ وَيُقَالُ أَهْيَب فَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ المشهود لهم بالجنة ومصعت ابْنُهُ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ ثَنَاهُ وَعَطَفَهُ وَالْفَقَارُ عِظَامُ الظَّهْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَوْلُهُ " فَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ " وَهُوَ بالحاء المهلة أَيْ لَيَّنَهَا وَثَنَاهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَقَوْلُهُ وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ أَيْ اسْتَوَى فِي رُكُوعِهِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَوْ أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا وَلَا يُجْزِيهِ دُونَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَذَا عِنْدَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ وَسَلَامَةِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ انْخَنَسَ وَأَخْرَجَ رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ مَائِلٌ مُنْتَصِبٌ وَصَارَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ بَلَغَتْ راحتاه ركبتيه لم يكن رُكُوعًا لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ بِالِانْحِنَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ مَزَجَ الِانْحِنَاءَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ وكان التمكن من وضع الراحتين علي الرُّكْبَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ رُكُوعًا أَيْضًا ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْحِنَاءِ إلَى الْحَدِّ المذكور الا بمعين أو باعتماد علي شئ أَوْ بِأَنْ يَنْحَنِيَ عَلَى جَانِبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَحْصِيلِ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ انْحَنَى الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ مِنْ قِيَامٍ هَذَا بَيَانُ رُكُوعِ الْقَائِمِ أَمَّا رُكُوعُ الْمُصَلِّي قاعدا فأقله أن ينحنى بحيث يحاذي وجه مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ هَذَا الْقَدْرِ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ وَنَحْوِهَا فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَفِي رُكُوعِ الْعَاجِزِ وَسُجُودِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهُوِيِّهِ غَيْرَ الرُّكُوعِ فَلَوْ قَرَأَ فِي قِيَامِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ فَهَوَى لِيَسْجُدَ ثُمَّ بَدَا له بعد بلوغه حد الركعتين أَنْ يَرْكَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ عَنْ الرُّكُوعِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ قِيَامِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ فَارْتَفَعَ مِنْ الارض فارتفع من الارض إلى حد الركعين لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعَ وَلَوْ انْحَنَى لِلرُّكُوعِ فَسَقَطَ قَبْلَ حُصُولِ أَقَلِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ أَنْ يعود الي الموضع الذى سقط منه وينبى عَلَى رُكُوعِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ سَقَطَ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِئَلَّا يَزِيدَ رُكُوعًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقاضى وأبو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ

في الركوع بلا خلاف لحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَأَقَلُّهَا أَنْ يَمْكُثَ فِي هَيْئَةِ الرُّكُوعِ حَتَّى تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ وَتَنْفَصِلَ حَرَكَةُ هُوِيِّهِ عَنْ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَوْ جَاوَزَ حَدَّ أَقَلِّ الركوع بلا خلاف لحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَلَوْ زَادَ فِي الْهُوِيِّ ثُمَّ ارْتَفَعَ والحركات متصلة ولم يلبث لم تحصل المطمأنينة وَلَا يَقُومُ زِيَادَةُ الْهُوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا أَكْمَلُ الرُّكُوعِ فِي الْهَيْئَةِ فَأَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهْرُهُ وَعُنُقُهُ وَيَمُدَّهُمَا كَالصَّفِيحَةِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَلَا يُثْنِي رُكْبَتَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يَخْفِضُ ظَهْرَهُ عَنْ عُنُقِهِ وَلَا يَرْفَعُهُ وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوِيًا فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ ظَهْرِهِ عَنْ رَأْسِهِ أَوْ جَافَى ظَهْرَهُ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُحْدَوْدَبِ كَرِهْتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَأْخُذُهُمَا بِهِمَا وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ حِينَئِذٍ وَيُوَجِّهُهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في التبصرة ويوجههما نَحْوَ الْقِبْلَةِ غَيْرَ مُنْحَرِفَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَفْرِيقِهَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وقطع به الاصحاب في جيمع الطُّرُقِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الواسيط يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ مقطوعة أو عليلة فعل بلاخرى مَا ذَكَرْنَا وَفَعَلَ بِالْعَلِيلَةِ الْمُمْكِنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَرْسَلَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ مِنْ الزَّنْدَيْنِ لَمْ يبلغ يزنديه ركتبيه وَفِي الرَّفْعِ يَرْفَعُ زَنْدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَالْفَرْقُ ان في تبليغهما إلى الركتبين في الركوع مفارقة من استواء الظهر بخلاف الرافع وَلَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَكِنْ بَلَغَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ تَطْبِيقُ الْيَدَيْنِ بين الركتبين لحديث سعد رضي الله تعالى عَنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالنَّهْيِ وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَتَرْكُ الْمُجَافَاةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ هَذَا كُلِّهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ ضَمُّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُجَافَاةُ وَلَا الضَّمُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخِرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ فِي السجود ان تض؟ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ لَهَا قَالَ وَهَكَذَا أُحِبُّ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَجَمِيعِ الصَّلَاةِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي اسْتِحْبَابِ ضَمِّ الْمَرْأَةِ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ كَوْنُهُ أَسْتَرَ لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ

الْبَيْهَقِيُّ بَابًا ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ مُجَافَاةِ الرَّجُلِ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنَّهَا أَكْمَلُ فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَصُورَتِهَا وَلَا أَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِهَا خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اسْتِحْبَابَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا وَقَدْ ذَكَرْتُ حكم تفريق الاصباع وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي يُضَمُّ فِيهَا أَوْ يُفَرَّقُ فِي فَصْلِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ رَكَعَ وَلَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ إلَى رُكْبَتَيْهِ أَمْ لا لزمه إعادة الركو ع الركرع لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ الرُّكُوعِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ ينحنى بحيث تنال راحتاه ركبته وَلَا يَجِبُ وَضْعُهُمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بين السحدتين وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يكفيه في لركوع أدنى انحناء ولا تجب الطمأنينة في شئ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ (وَاحْتَجَّ لَهُ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى (اركعوا واسجدوا) وَالِانْخِفَاضُ وَالِانْحِنَاءُ قَدْ أَتَى بِهِ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ المسئ صَلَاتَهُ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ لِبَيَانِ أَقَلِّ الْوَاجِبَاتِ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " (فَإِنْ قِيلَ) لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ وَغَفْلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي آخِرِ مَرَّةٍ " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " فَقَالَ لَهُ عَلِّمْنِي فَعَلَّمَهُ وَقَدْ سَبَقَ أَمْرُهُ لَهُ بِالْإِعَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِهِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وهب ابي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَقَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ حَدِيثُهُ في قصة المسئ صلاته بمعني الحديث ابى هريرة وهو صحيح كما سبق صحيح كما سبق بيانه في فصل قراةء الفاتحة وعن ابى مسعود البدرى رضى اللله عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تجرئ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ

حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالصُّلْبُ الظَّهْرُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهَا فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ * (فَرْعٌ) في الركوع: اتفق العلماة من الصاحبة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّطْبِيقُ سُنَّةٌ وَيُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ ابي حميد الساعدي وغيرهما وعن ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ " قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الرُّكَبَ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حديث صحيح والنسائي * قال المصنف رحمه الله * * (والمستحب ان يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الكمال لما روى عن ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " إذا ركع أحدكم فقال سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وذلك أدناه " والافضل أن يضيف (اللهم لك ركعت ولك خشعت وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وبصرى وعظمي ومخي وعصبي) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا ركع قال ذلك " فان ترك التسبيح لم تبطل صلاته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسئ صلاته " ثم راكع حتى تطمئن راكعا " ولم يذكر التسبيح) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مسعود ولهذا قال السافعي فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا فانما يعنى بقوله ثم رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى مَا يُنْسَبُ إلَى كَمَالِ الْفَرْضِ وَالِاخْتِيَارِ مَعًا لَا كَمَالِ الْفَرْضِ وَحْدَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّمَا قَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ مُغَايَرَةٌ في بعض الالفاظ سأذكرها إن شاء اللله تعالي وحديث المسئ صَلَاتَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ. اما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الرَّاكِعُ فَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَيَقُولَ مَا حَكَيْتُهُ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حديث علي رضي الله عنه قال أصحابنا يُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّبْحَةِ بقوله سبحان الله أو سبحان ربي وأدني الْكَمَالِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ آتِيًا بِسُنَّةِ التَّسْبِيحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ أَوَّلَ الْكَمَالِ الثَّلَاثُ قَالَ وَلَوْ سَبَّحَ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ كَانَ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ وَأَعْلَى الْكَمَالِ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ تِسْعٌ وَأَوْسَطُهُ خَمْسٌ وَلَوْ سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ التَّسْبِيحُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَوْلِهِ وَبِحَمْدِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَيُنْكَرُ عَلَى الرَّافِعِيِّ لانه قال وبعضم يُضِيفُ إلَيْهِ وَبِحَمْدِهِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ وَجْهٌ شَاذٌّ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا ويستحب أن يقول اللهم ركعت إلي آخر حديث على رضي الله تعالي عَنْهُ وَهَذَا أَتَمُّ الْكَمَالِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِ الذِّكْرَيْنِ فَالتَّسْبِيحُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الْأَحَادِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْإِتْيَانُ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتَ إلَى آخِرِهِ مَعَ ثَلَاثِ تسبيحات أفضل من حذفه وزيادة التسبيح على ثلاث وهذا الذى قاله واضح لا يجى فِيهِ خِلَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثِ تسبيحات تستحب المنفرد وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَقِيلَ خَمْسٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ وَيَكُونُوا مَحْصُورِينَ لَا يَزِيدُونَ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الرَّاكِعُ فَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ مَا حَكَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَكُلُّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَحْبَبْتُ أَنْ لَا يُقَصِّرَ عنه اما ما كان أو منفردا وهو تحفيف لا تثقيل هذا لفظ نصه وظاهر اسْتِحْبَابُ الْجَمِيعِ لِلْإِمَامِ لَكِنَّ الْأَقْوَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَيُتَأَوَّلُ نَصُّهُ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قال " كان رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم: وسبوح قدوس بضم أولهما وَفَتْحِهِ لُغَتَانِ وَعَنْهَا قَالَتْ " افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فحسبت ثُمَّ رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ يَقُولُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح آل عمران فقرأها افتتح النساء فقرأها نقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح وسبح وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحمد ثم قام قيام طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَإِذَا رَكَعَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَإِذَا رَفَعَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الحمد ملء السموات والارض وما بينهما وملء ما شئت من شئ بَعْدُ وَإِذَا سَجَدَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ " فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَإِذَا سَجَدَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا " قَالَ أَبُو داود ونخاف أن لا تكون هذه لزيادة مَحْفُوظَةً وَفِي رُوَاتِهَا مَجْهُولٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الاعلي وبحمده ثلاثا " رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ ضعيف وعن عوف ابن مالك رضى الله عنه قال قَالَ " قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سجد

بقدر ثم قال في سجوده ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي بَقِيَّةٌ مِنْهَا فِي السُّجُودِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي * (فرع) قال الشافعي وسائر الاصحاب وسائر العلماة قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ (1) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وأنا راكع أو ساجدت " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الاواني نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فاجتهد فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَيْضًا لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَمَا لَوْ رَكَعَ أَوْ سجد في غيره مَوْضِعِهِ وَسَتَأْتِي فُرُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَبْسُطُهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَالتَّكْبِيرَاتُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كُلُّ ذَلِكَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَأْثَمْ وصلاته صحيحة سواء تركه عمدا أو سَهْوًا لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ عَمْدًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وجمور الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ مَذْهَبُ الفقهاء كافة وقال اسحق بن راهويه التسبيح واجب ان تركه عكدا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَقَالَ دَاوُد وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وربنا ولك الحمد وان نسيه بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ تَرَكَ شيئا منه عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَنْهُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فِي فَرْعِ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رأيتوني اصلي " وبالقياس وعلي القراءة واحتج الشافعي والجمهور بحديث المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ هَذِهِ الْأَذْكَارَ مَعَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةَ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَذْكَارُ وَاجِبَةً لَعَلَّمَهُ إيَّاهَا بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالتَّعْلِيمِ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِأَنَّهَا تقال سرا وتخفى كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعَ ظُهُورِهِمَا لَا يُعَلِّمُهَا فهذه اولي واما الاحاديث الواردة

_ (1) كذا بالاصل وفيه سقط لعله مكروهة أو نحوه فليحرر اه

بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَفْعَالَ فِي الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مُعْتَادٌ لِلنَّاسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَهَذَا لَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ فِيهِ عَنْ الْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهِ الذِّكْرُ لِيَتَمَيَّزَ (وَالثَّانِي) غَيْرُ مُعْتَادٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَهُوَ خُضُوعٌ فِي نَفْسِهِ مُتَمَيِّزٌ لِصُورَتِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْعَادَةِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى مُمَيَّزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) التَّسْبِيحُ فِي اللغة معناه التنزيه قال الواحدى اجمنع الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْمَعَانِي عَلَى أَنَّ مَعْنَى تَسْبِيحِ الله تعالي تنزيهه وتبرئته من السؤ قَالَ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ التَّبْعِيدُ مِنْ قَوْلِكَ سَبَحْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا بَعُدْتَ فِيهَا وَسُبْحَانَ الله منصوب على المصدر عنه الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ كَأَنَّكَ قُلْتَ سُبْحَانًا وَتَسْبِيحًا فَجُعِلَ السبحان موضع التسبيح قال سبيويه سَبَّحْتُ اللَّهَ سُبْحَانًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَالْمَصْدَرُ التَّسْبِيحُ وَسُبْحَانَ اسْمٌ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَبِحَمْدِهِ سَبَّحْتُهُ فحذف سبحته اختصار أو يكون قَوْلُهُ وَبِحَمْدِهِ حَالًا أَيْ حَامِدًا سَبَّحْتُهُ وَقِيلَ معناه وبحمده ابتدئ * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يرفع رأسه وسيتحب ان يقول سمع الله لمن حمده لما ذكرناه من حديث ابى هريرة في الركوع ويستحب ان يرفع يديه حذو منكبيه في الرفع لما ذكرناه من حديث ابن عمر في تكبيرة الاحرام فان قال من حمد الله سمع الله له اجزأه لانه اتى باللفظ والمعنى فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لك الحمد ملء السموات وملء الارض ملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد كلنا لَك عَبْدُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من الركوع قال ذلك " ويجب ان يطمئن قائما لما روى رفاعة بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فليتوضأ كما امره اللى تعالى الي ان قال ثم ليركع حتى يطمئن راكعا ثم ليقم حتي يطمئن قائما ثم ليسجد حتي يطمئن ساجدا ") * * * (الشَّرْحُ) * أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ " بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي أَحَقَّ وَوَاوٍ فِي وَكُلُّنَا هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ " حَقٌّ مَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّنَا " بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْتَظِمَ الْمَعْنَى لَكِنَّ الصَّوَابَ مَا ثَبَتَ فِي كُتُبِ الحديث قال الشيخ أبو عمر بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ " قَوْلُهُ " لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ " الي آخره وقوله " وكلنا لك عبد " اعتراض بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ قَالَ أَبُو دَاوُد أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ " أَحَقُّ مَا قَالَ " خَبَرًا لِمَا قَبْلَهُ أَيْ قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ " وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِرَافِ بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَتَدْبِيرِ مَخْلُوقَاتِهِ

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وحديث رفاعة صحيح تقديم بيانه بطوله في فصل القراءة لكن وقع هُنَا " حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا " وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ " حتى تعتدل قائما " واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّكْبِيرِ أَكْبَرُ اللَّهُ فانه لا يجزيه لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حمده وجازاه به وقوله " ملء المسوات وملء الْأَرْضِ " هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ نَصْبُ آخِرِهِ وَرَفْعُهُ مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا ابْنُ خَالَوَيْهِ وَآخَرُونَ وَحُكِيَ عَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الرَّفْعُ وَرَجَّحَ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ النَّصْبَ وَهُوَ المعروف في الروايات الْحَدِيثِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مَالِئًا وَتَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَمَلَأ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَذَكَرْتُ قَوْلَ الزَّجَّاجِ وَابْنِ خَالَوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا وقوله " اهل " منصوب على النداء قيل وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْتَ أَهْلٌ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَالثَّنَاءُ الْمَجْدُ وَالْمَجْدُ الْعَظَمَةُ وَقَوْلُهُ " لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " هُوَ بِفَتْحِ الجيم علي المشهور وقيل بكسرها والصحيح والاول وَالْجَدُّ الْحَظُّ وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ ذَا الْمَالِ وَالْحَظِّ وَالْغِنَى غِنَاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ عِقَابِكَ وانما ينفعه ويمنعه ومن عِقَابِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْإِسْرَاعِ فِي الْهَرَبِ إسْرَاعُهُ وَهَرَبُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُ رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قبل هَذَا فِي فَصْلِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَالِاعْتِدَالُ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَدْ يُتَعَجَّبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ كَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَائِمًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِدَالُ الْوَاجِبُ هُوَ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ رُكُوعِهِ إلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عليها قبل الركوع سواء صلى قائما أو قَاعِدًا فَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ فِي رُكُوعِهِ نَظَرَ إنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مِنْ رُكُوعِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَعْتَدِلَ مِنْهُ وَإِنْ اطْمَأَنَّ لَزِمَهُ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا فَيَعْتَدِلَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا وَلَوْ رَفَعَ الرَّاكِعُ رَأْسَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَشَكَّ هَلَّ تَمَّ اعْتِدَالُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الِاعْتِدَالِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاعْتِدَالِ وَيَجِبُ أَنْ لا يقصد بارتفاعه من الركوع شيئنا غَيْرَ الِاعْتِدَالِ فَلَوْ رَأَى فِي رُكُوعِهِ حَيَّةً وَنَحْوَهَا فَرَفَعَ فَزَعًا مِنْهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطَوِّلَ الِاعْتِدَالَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ لِأَذْكَارِهِ فَإِنْ طَوَّلَ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَتَى بِالرُّكُوعِ الْوَاجِبِ فَعَرَضَتْ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ الِانْتِصَابِ سَجَدَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِدَالُ لِتَعَذُّرِهِ فَلَوْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ بُلُوغِ جَبْهَتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْتَصِبَ قَائِمًا وَيَعْتَدِلَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَإِنْ زالت بعد وضع جبهه عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الِاعْتِدَالِ بَلْ سقط عنه فان خالف وعاد إليه بل تَمَامِ سُجُودِهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ

وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَعُودُ إلَى السُّجُودِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي قَلْبِي مِنْ ايجلبها شئ وَسَبَبُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في حديث المسئ صَلَاتَهُ " حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا " وَقَالَ فِي بَاقِي الْأَرْكَانِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطْمَئِنُّ وَقَالَ " صلوا كما رأنتمونى أُصَلِّي " هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِوَاجِبِ الِاعْتِدَالِ وَأَمَّا أَكْمَلُهُ وَمَنْدُوبَاتُهُ (فَمِنْهَا) أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِمَا مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ وَدَلِيلُ الرَّفْعِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ في فصل الركوع وسبق هنا بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا حَطَّ يَدَيْهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي حَالِ ارْتِفَاعِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ قَالَ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ أَجْزَأَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قال في التكبير أَكْبَرُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُحِيلُ مَعْنَاهُ بِالتَّنْكِيسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَكِنَّ قَوْلَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَوْلَى لانه الذى وردت من الْأَحَادِيثُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ " ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأَذْكَارِ كُلِّهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فَيَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهِ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا لَكِنْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي الْإِمَامُ بِهَذَا كُلِّهِ إذَا رَضِيَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ

كذلك اقتصر علي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ " أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد " وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْفِقْهِ " حَقٌّ مَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّنَا " بِخِلَافِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ إثْبَاتُ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ " رَبَّنَا لَكَ الحمد " وفى روايات الكثيرة " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَاتٍ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " وَفِي رِوَايَاتٍ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب كله جائز قال الْأَصْمَعِيُّ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " فَقَالَ هِيَ زَائِدَةٌ يقول الْعَرَبُ يَعْنِي هَذَا الثَّوْبُ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ رَبَّنَا أَطَعْنَاك وَحَمَدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ قَالَ وَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ سَبَقَ الْآنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَكْبَرُ اللَّهُ قَالُوا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السَّنَةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَسْمَعَ الْمَأْمُومُونَ وَيَعْلَمُوا انْتِقَالَهُ كما يجهر بالكبير وَيُسِرُّ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَأَسَرَّ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُسِرُّ بِهِمَا كَمَا يُسِرُّ بالتكبير فان أَرَادَ تَبْلِيغَ غَيْرِهِ انْتِقَالَ الْإِمَامِ كَمَا يُبَلَّغُ التكبيره جهر بقول سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي حَالِ الِارْتِفَاعِ وَلَا يَجْهَرُ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ والله اعلم *

(فرع) ذكر صاحب التتمة في اشتراط الا عتدال في صلاة النقل وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَلَ هَلْ يَصِحُّ مُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ قَالَ وَوَجْهُ السُّنَّةِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إكْمَالِ الْأَرْكَانِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ بَلْ لَوْ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ إلَى السُّجُودِ أَجْزَأَهُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (اركعوا واسجدوا) واحتج اصحابنا بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لَا تُعَارِضُهُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رأيتوني أُصَلِّي " * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُقَالُ في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يقول في حال ارتفاعه سمع الله لمن حَمِدَهُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَبِهَذَا قَالَ عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ سمع الله لمن حمده فقط المأموم رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ يَجْمَعُ الْإِمَامُ الذِّكْرَيْنِ وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُومُ عَلَى رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ رواه البخاري ومسلم وراه مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ قَالَ اللم رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ

الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الله بن ابي أو في وَغَيْرِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَيَقْتَضِي هَذَا مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ كَالتَّسْبِيحِ فِي الركوع وغيره ولان لصلاة مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ لَا يَفْتُرَ عَنْ الذِّكْرِ في شئ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالذِّكْرَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالِاعْتِدَالِ بَقِيَ أَحَدُ الْحَالَيْنِ خَالِيًا عَنْ الذِّكْرِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " فَقَالَ أَصْحَابُنَا فَمَعْنَاهُ قُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مَعَ مَا قَدْ عَلِمْتُمُوهُ مِنْ قَوْلِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ جَهْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الْجَهْرُ وَلَا يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ سِرًّا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَانُوا يَعْلَمُونَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مَعَ قَاعِدَةِ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا وَكَانُوا يُوَافِقُونَ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْأَمْرِ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَأُمِرُوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) ثَبَتَ عَنْ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قال أنا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فَيَقُولُ فِي ارْتِفَاعِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد حمدا كثير طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الارض الي قوله منك الجد * قال المنصف رحمه الله * * (ثم يسجد وهو فرض لقوله تعالى (اركعوا واسجدوا) ويستحب أن يبتدئ عند الهوى الي السجود بالتكبيرات لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله تعالي عنه في الركوع) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ السُّجُودِ التَّطَامُنُ وَالْمَيْلُ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ أَصْلُهُ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَكُلُّ مَنْ تَذَلَّلَ وَخَضَعَ فَقَدْ سَجَدَ وَسُجُودُ كُلِّ مَوَاتٍ فِي الْقُرْآنِ طَاعَتُهُ لِمَا سَجَدَ لَهُ هَذَا

أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ وَقِيلَ لِمَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ سَجَدَ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ: وَالسُّجُودُ فرض بنص الكتاب والسنن وَالْإِجْمَاعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّكْبِيرُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْجَبَ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عنه وجماعة ومن السلف لا يشرع وذكرنا الدليل علي الجيمع وَيُسْتَحَبُّ مَدُّ التَّكْبِيرِ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمُدَّهُ وَقَدْ سَبَقَ بيانه في فصل الركوع * قال المصنف رحمه الله ** (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " فَإِنَّ وَضْعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأُ إلا انه ترك هيئة) * * * (الشَّرْحُ) * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي السُّجُودِ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّخَعِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ بشار وسفيان الثوري واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ يُقَدِّمُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقَدِّمُ أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَا تَرْجِيحَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ بِأَحَادِيثَ وَلِمَنْ قَالَ بِعَكْسِهِ بِأَحَادِيثَ وَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ حَيْثُ السنة ولكني أَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا قِيلَ عَنْ وَائِلُ بْنُ حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالْمُصَلِّي وأحسن في الشكل ورأى العين وقال الدارقطني قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ كُلَيْبٍ وَشَرِيكٌ لَيْسَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنْ أَفْرَادِ شَرِيكٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ " وَهِيَ زِيَادَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ وَقِيلَ وُلِدَ بَعْدَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي السُّجُودِ سبقت ركبتاه يديه " رواه الدارقطني والبيهقي وأشار إلي تضعيفه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عبد الله

ابن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكُ بُرُوكَ الْجَمَلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نَضَعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَاسِخٌ لِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ وَكَذَا اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ التَّضْعِيفِ بَيِّنٌ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعَّفَهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يحيي ابن مسلمة بْنِ كُهَيْلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا وَيَنْحَطَّ وَكَأَنَّهُ سَاجِدٌ ثُمَّ إنَّهُ يَكُونُ أَوَّلَ مَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ فَإِنْ وَضَعَ وَجْهَهُ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ كَرِهْتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ قَالَ وان أخر التبكير عن ذلك بعني عَنْ الِانْحِطَاطِ وَكَبَّرَ مُعْتَدِلًا أَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ كَرِهْتُ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ أَيُّهُمَا شاء * قال المنصف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَيَسْجُدُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَوَاجِبٌ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ من الارض ولا تنقر نَقْرًا " قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْجَبْهَةِ كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ فان سجد على حائل دُونَ الْجَبْهَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِمَا رَوَى خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يَشْكُنَا " وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ فَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَجَدَ وَأَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ " فَإِنْ تَرَكَهُ أَجْزَأَهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ " وَإِذَا سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ لم يسجد على الانف) * * * (الشرح) * حديث بن عمر وجابر غربيان ضعيفان وقد روى الدارقطني حديث جابر بِلَفْظِهِ هُنَا لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ مسلم بغير هذا فرواه عن زهير عن أبي اسحق السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ " أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا " قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَفِي الظُّهْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْت فِي تَعْجِيلِهَا قَالَ نَعَمْ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ " فَمَا أَشْكَانَا وَقَالَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى اصحانا فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ

لِوُجُوبِ كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَقَالَ هَذَا وَرَدَ فِي الابراد وهذا الاعتراض ضعيف لانهم شكوا حز الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَلَوْ كَانَ الْكَشْفُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَقِيلَ لَهُمْ اُسْتُرُوهَا فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِهَا وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَشْكُنَا وَلَمْ يُجِبْنَا إلَى مَا طَلَبْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِالْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ وَقَوْلُهُ قِصَاصُ الشَّعْرِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وغيره وهو اصل منبته مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَأَمَّا خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ فَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالسَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابن ثلاثة وَسَبْعِينَ سَنَةً * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا كُلِّهَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهَا أَجْزَأَهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ وَضْعُ جَمِيعِهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى الْجَبِينِ وَهُوَ الَّذِي فِي جَانِبِ الْجَبْهَةِ أَوْ عَلَى خَدِّهِ أَوْ صُدْغِهِ أَوْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ عَلَى أَنْفِهِ وَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنْ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي وَضْعِ الْجَبْهَةِ الْإِمْسَاسُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ بِثِقَلِ رَأْسِهِ وَعُنُقِهِ حَتَّى تَسْتَقِرَّ جَبْهَتُهُ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى قُطْنٍ أَوْ حشيش أو شئ مَحْشُوٍّ بِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَتَحَامَلَ حَتَّى يَنْكَبِسَ ويظهر اثره علي يدلو فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ الْمَحْشُوِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي إرْخَاءُ رَأْسِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَامُلِ كَيْفَ فُرِضَ مَحَلُّ السُّجُودِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجِبُ أَنْ يَكْشِفَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَيُبَاشِرَ بِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ حَالَ دُونَ الْجَبْهَةِ حَائِلٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فَإِنْ سَجَدَ علي كنفه أَوْ كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ طَرَفِ كُمِّهِ أَوْ عمامته وهما يتحركان بحركته في القيام والعقود أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى ذَيْلِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ طَرَفِ عِمَامَتِهِ وَهُوَ طَوِيلٌ جِدًّا لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ فَوَجْهَانِ

(الصَّحِيحُ) أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الطَّرَفَ فِي مَعْنَى الْمُنْفَصِلِ (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ الطَّرَفِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى ذَيْلِ غَيْرِهِ أَوْ طَرَفِ عِمَامَةِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ ان تقع بشرته علي بشرتها أو علي ظَهْرِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ كَالْحِمَارِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ عَلَيْهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِحَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَصِحُّ سُجُودُهُ وَصَلَاتُهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا خِلَافٍ إذَا وُجِدَتْ هَيْئَةُ السُّجُودِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى جَبْهَتِهِ جِرَاحَةٌ وَعَصَبَهَا بِعِصَابَةٍ وَسَجَدَ عَلَى الْعِصَابَةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ مَعَ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ لِلْعُذْرِ فَهُنَا أَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَفِيهِ وَجْهٌ يخرج من مسح الجبيرة أو عليه الاعادة والمذهب انه لا اعادة وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَشَرْطُ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ في ازالة العصابة ولو عصب علي جبهة عِصَابَةً مَشْقُوقَةً لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرٍ حَاجَةٍ وَسَجَدَ وَمَاسَّ مَا بَيْنَ شِقَّيْهَا شَيْئًا مِنْ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَكَذَا لَوْ سَجَدَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ ثَوْبٌ مُخَرَّقٌ فَمَسَّ مِنْ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ أَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عليه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ * (فَرْعٌ) إذَا سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ كُمِّهِ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سُجُودَهُ بَاطِلٌ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ مَعَ جَبْهَتِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْفِهِ دون شئ مِنْ جَبْهَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ في الام كرهت ذلك واجزأه وهذا هو الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي يَزِيدَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْجَبْهَةِ والانف على الارض * اما الجبهة جمهور الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِهَا وَأَنَّ الْأَنْفَ لَا يُجْزِي عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَنْفِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى

أَحَدِهِمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُحْفَظُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ * وَأَمَّا الْأَنْفُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ: وَقَالَ سَعِيدُ بن جبير والنخعي واسحق يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْجَبْهَةِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سبعة اعظم علي لجبهه ا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَهَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْجَبْهَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَبِحَدِيثِ خَبَّابٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسُّجُودِ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ وَلَا يَقُومُ الْأَنْفُ مَقَامَ الْجَبْهَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ صريحا لا بفعل ولا يقول وَاحْتَجُّوا فِي أَنَّ الْأَنْفَ لَا يَجِبُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْجَبْهَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَنْفِ وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ضَعْفٌ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْأَنْفِ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ أَحَادِيثِ الْأَنْفِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بن ابى داود ثم الدارقطني ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الدارقطني مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ وَضَعَّفَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السُّجُودِ عَلَى كُمِّهِ وَذَيْلِهِ وَيَدِهِ وَكَوْرِ عِمَامَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سجوده علي شئ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رواية وقال مالك وابو حنيفة والاوزاعي واسحق وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَصِحُّ قَالَ صَاحِبُ التهذيب وبه

قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " لقدر رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم مطير وهو يبقى الطِّينَ إذَا سَجَدَ بِكِسَاءٍ عَلَيْهِ يَجْعَلُهُ دُونَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ الحسن قال " كان اصحاب رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ عَلَى عِمَامَتِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ " وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الاعضاء واحتج اصحابنا وبحديث خَبَّابٍ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ وَبِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للمسئ صَلَاتَهُ " إنَّهُ لَا يَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ - وَذَكَرَ صِفَةَ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ قَالَ - فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ وَرُبَّمَا قَالَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ - وَذَكَرَ تَمَامَ صِفَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ - لا يتم صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قَالَ (فَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ) بِلَا شَكٍّ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ مَجْرُوحٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِسَتْرِ الْجَبْهَةِ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَسْجُدُ عَلَى الْعِمَامَةِ مع بعض الجهبة وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ مُبَاشَرَةُ الْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ فَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ إهْمَالُ هَذَا وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ " فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَلَا يَثْبُتُ في هذا شئ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَضْعُهَا عَلَى قَوْلٍ وَإِنْ وَجَبَ فَفِي كشفها مشقة بخلاف الجبهة * * قال المنصف رحمه الله * * (وأما السجود على اليدين والركبتين والقدمين ففيه قولان (أشهرهما) أنه لا يجب لانه لو وجب لوجب الايماء بها إذا عجز كالجبهة (والثانى) يجب لما ورى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ أَنْ يَسْجُدَ علي سبعة أعضاء يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته " (فإذا قلنا) بهذا لم يجب كشف القدمين والركبتين لان كشف الركبة يفضى إلى كشف العورة فتبطل صلاته والقدم قد يكون في الخف فكشفها يبطل السمح والصلاة وأما اليد ففيه قولان (المنصوص) في

الكتب أنه لا يجب لانها لا تكشف الا لحاجة فهى كالقدم وقال في السبق والرمى قد قيل فيه قول آخر أنه يجب لحديث خباب بن الارت رضي الله عنه) * * * (الشرح) * حديث ابن عباس رضى اله عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي السَّبَقِ وَالرَّمْيِ يَعْنِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ وَهُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ. أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ وَضْعَهَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ظَاهِرُ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ المصنف والبغوى هذا القول هو الْأَشْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الحلية ولارافعى وصحح جماعة قول الوجوب منهم الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَبِهِ قطع الشيخ أبو حامد في التبصرة وهذا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِوَضْعِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُ الْأَوَّلُ يحمل الحديث علي الاسحباب وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ لَهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْوُجُوبُ فَلَا يُصْرَفُ عَنْهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ إلَى تَرْجِيحِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَوْلَانِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ لَمْ يَجِبْ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَجِبُ الركبتان فالقدمان أول وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَذْهَبَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَصَّهُمَا بِالْيَدَيْنِ وَقَالَ لَا تَجِبُ الرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَوْلَ ابن القاص أن في الجيمع قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ وَضْعَ الرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْقَفَّالُ عَنْ الْأَصْحَابِ عَجِيبٌ غَرِيبٌ وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ وَهَا أَنَا أَنْقُلُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ " كَمَالُ السُّجُودِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَرَاحَتِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَأَجْزَأَهُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى بَعْضِ جَبْهَتِهِ دُونَ جَمِيعِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عليه اعادة قال واجب أَنْ يُبَاشِرَ بِرَاحَتَيْهِ الْأَرْضَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا أُحِبُّ هَذَا فِي رُكْبَتَيْهِ بَلْ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَا مُسْتَتِرَيْنِ بِالثِّيَابِ وَأُحِبُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مُتَخَفِّفًا أَنْ يُفْضِيَ بِقَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَسْجُدُ مُتَنَعِّلًا

قال الشافعي وفي قولان (أحدهما) ان عليه أن يسجد على جيمع أعضائه التي أمرته بالسجود عليها من قَالَ بِهَذَا قَالَ إنْ تَرَكَ عُضْوًا مِنْهَا لَمْ يُوقِعْهُ الْأَرْضَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِهِ لَمْ يَكُنْ سَاجِدًا كَمَا إذَا تَرَكَ جَبْهَتَهُ فلم يوقعها الارض وهو يقدر وان سجد علي ظهر كفيه لم يجزئه وَكَذَا إنْ سَجَدَ عَلَى حُرُوفِهَا وَإِنْ مَاسَّ الارض ببعض يديه أصابعهما أو بعضها أو راحتيه أو بعضها أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا فِي الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا مَذْهَبٌ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا سَجَدَ علي جبهته أو على شئ مِنْهَا دُونَ مَا سِوَاهَا أَجْزَأَهُ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ نَقَلْته مِنْ الْأُمِّ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مُقَابَلَةٍ وَفِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فَحَصَلَ لِلْأَصْحَابِ أَرْبَعُ طُرُقٍ فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْجَمِيعِ قَوْلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَفَّالُ: وَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ سِوَى الْأَوَّلِ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا أَذْكُرُهَا لِبَيَانِ حَالِهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا فَمَعْنَاهُ يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِهَا عَلَى الْبَدَلِ فَتَارَةً يَتْرُكُ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَتَارَةً يَتْرُكُ الْقَدَمَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَكَذَلِكَ الرُّكْبَتَانِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ الْجَمِيعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا فأمنكنه أَنْ يَسْجُدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَهَا كُلِّهَا أَجْزَأَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِثْلَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا اعْتَمَدَ مَا شَاءَ وَرَفَعَ مَا شَاءَ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ رَفْعِ الْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَالْمَقْطُوعُ به (قلت) ويتصور رفع لجميع فيما إذا صلي على حجرين بينهما حَائِطٌ قَصِيرٌ فَإِذَا سَجَدَ انْبَطَحَ بِبَطْنِهِ عَلَى الْحَائِطِ وَرَفَعَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ أَوْ اعْتَمَدَ بِوَسَطِ ساقه أو بظهر كفه فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ حُكْمُ رَفْعِ الْكَفِّ كَمَا سَبَقَ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ وَضْعُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ كَفَى وَضْعُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْجَبْهَةِ وَالِاعْتِبَارُ فِي القدمين ببطون الاصابع فلو وضع

غيرذلك لَمْ يُجْزِئْهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى ظَاهِرِ قَدَمِهِ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْيَدَيْنِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ سَوَاءٌ فِيهِ بَاطِنُ الْأَصَابِعِ وَبَاطِنُ الرَّاحَةِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بعض باطن الرَّاحَةِ أَوْ بَعْضِ بَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ أَوْ حَرْفِهِمَا لَمْ يُجْزِئْهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ كما سبق بيانه وكذا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فَقَالَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ السُّجُودُ هُوَ الرَّاحَتَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ يُجْزِيهِ بُطُونُ الْأَصَابِعِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَاجِدًا عَلَى يَدَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا وَضْعَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَمْ يَجِبْ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ كَشْفِ الرُّكْبَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَفِي وُجُوبِ كَشْفِ الْيَدَيْنِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ كَشْفُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ بَاطِنِ كُلِّ كَفٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَعَذَّرَ وَضْعُ أَحَدِ الْكَفَّيْنِ أَوْ أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ لِقَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْضَ فِي الْمُتَعَذِّرَةِ وَلَا يَجِبُ وَضْعُ طَرَفِ الزَّنْدِ مِنْ الْمَقْطُوعَةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَاتَ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْعَضُدِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * * (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ لِمَا روى أبو قتادة رضى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان إذا سجد جافى عضديه " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقِلَّ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إذَا سجد جخ " روى " جخي " والجح الْخَاوِي وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً ضَمَّتْ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (جَخَّى) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (جَخَّ) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ - وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ مُشَدَّدَةٌ - قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ وَالتَّجْخِيَةُ التَّخْوِيَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ جَافَى رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسَنُّ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وعن عبد الله بن بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بين يديه حتي يبدو بياض أبطيه من ورائه " رواه مسلم (1) والوضح البياضن وَعَنْ أَحْمَرَ بْنِ جُزْءٍ بِالزَّايِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جنبيه حتي

_ (1) كذا نالاصل وفيه سقط لعله " وفي رواية لمسلم وضح انطيه الخ " كما يتضح من مراجعة صحيح مسلم له

نأدى لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صحيح قوله نأدى لَهُ بِالْهَمْزَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ رَقَّ لَهُ ورئي لَهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِنَحْوِ مَا ذكرناه * قال المصنف رحمه الله * * (وَيُفَرِّجُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ رجليه " ويوجه بين اصابعه نحو القبلة لما روث عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْتَخُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ " والفتخ تعويج الاصابع ويضم أصابع يديه وَيَضَعُهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ " وَيَرْفَعُ مِرْفَقَيْهِ ويعتمد على راحيته لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَجَدْتَ فَضُمَّ يَدَيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِمَا وَجَرْحِهِمَا وَلَفْظُهُ " إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَغَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَجَدَ وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ وَالْفَتَخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ عَطَفَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ وَائِلٍ قَالَ " كان النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلٍ " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ اسْتَقْبَلَ بِكَفَّيْهِ وَأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَتَفَاجَّ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " يُكْرَهُ أَنْ لَا يَمِيلَ بِكَفَّيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا سَجَدَ " وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ ولا يبسط أحدكم ذراعيه

بنساط الْكَلْبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طويل قال الشافعي والاصحاب يستحب للساجدان يُفَرِّجَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَكُونُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرُ شِبْرٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ تَوْجِيهُهَا بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى بُطُونِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهَا وَيُوَجِّهَ رؤوسها إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَلْ يَضَعُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ عَلَيْهَا هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَمُحَمَّدُ بن لهى في المخيط وهو شاذ مردد مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضُمَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَيَبْسُطَهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَيَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَعْتَمِدَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَيَرْفَعَ ذِرَاعَيْهِ وَيُكْرَهُ بَسْطُهُمَا وَافْتِرَاشُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَطَوَّلَ السُّجُودَ وَلَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى كَفَّيْهِ وَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِحَدِيثِ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " شكي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ سُمَيٍّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ تَابِعِيٌّ قَالَ " شَكَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ إرْسَالُهُ أَصَحُّ مِنْ وَصْلِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ رواية الارسال أصح * * قال المنف رحمه الله * * (ويجب أن يطمئن في سجوده لما رويناه من حديث رفاعة ثم يسجد حتي يطمئن ساجدا *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ رِفَاعَةَ صَحِيحٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَاجِبَةٌ فِي السُّجُودِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ حَدِّ الطُّمَأْنِينَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ به * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ " اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سجد قال ذلك " وان قال في سجود سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ

" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي سُجُودِهِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهَدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فقمن أن يستجاب لكم * * (الشرح) * حديث بن مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الرُّكُوعِ إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ربى العظيم ثلاثا فقد ثم رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ تَضْعِيفِهِ وَبَيَانُ مَعْنَى تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ " أَمَا إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِهَا هُنَا وَحَدِيثُ " أَمَا إنِّي نُهِيتُ " " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَأَمَّا شَرْحُ أَلْفَاظِهَا فَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ حَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ (وَقَوْلُهُ) وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْأُذُنُ مِنْ الْوَجْهِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَعْنَى شَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ أَيْ مَنْفَذَهُمَا (وَقَوْلُهُ) تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيْ تَعَالَى وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ وَالْعُلُوُّ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَبَرَّكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِهِ وَذِكْرِ اسْمِهِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ مَعْنَاهُ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَهُ وَقِيلَ تَعَظَّمَ وَتَمَجَّدَ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ بِمَعْنَى تَعْظِيمٍ وَقِيلَ اسْتَحَقَّ التَّعْظِيمَ (وَقَوْلُهُ) أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ (وَقَوْلُهُ) سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ بِضَمِّ اولهما ويفتح لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَكْثَرُهُمَا الضَّمُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُمَا صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ فارس والترمذي اسمان لغتان لِلَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرُهُ وَمَعْنَاهُ مُسَبَّحٌ مُقَدَّسٌ رَبُّ الملائكة والروح عزوجل وَمَعْنَاهُ الْمُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَمِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ هَكَذَا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ بِالرَّفْعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ وَقِيلَ سُبُّوحًا قُدُّوسًا بِالنَّصْبِ أَيْ أُسَبِّحُ سُبُّوحًا أو اعظم أو اذكر أو ابعد (وَقَوْلُهُ) رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ قِيلَ الرُّوحُ جِبْرِيلُ وَقِيلَ مَلَكٌ عَظِيمٌ أَعْظَمُ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا وَقِيلَ اشرف

الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ خَلْقٌ كَالنَّاسِ لَيْسُوا بِنَاسٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَمِنٌ " هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَمِينٌ وَمَعْنَاهُ حَقِيقٌ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَكْمَلَ بَسْطٍ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسَنُّ التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ " إلَى آخِرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضى الله عنه وادنى سنة التسبيح (1) وما في حديث علي وسبوح وقدوس والدعاء قال القاضى حسين وغيرء فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ فَعَلَى التَّسْبِيحِ أَوْلَى وَقَدْ سبق هذا وما يتعلقن بِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَعُودُ هُنَا وَسَبَقَ هُنَاكَ أَذْكَارُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَمِيعًا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجُلَّهُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدَيَّ علي بطن قدمه فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ هَذَا كُلَّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْقَوْمُ المحضورون وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْتُهُ فِي ذِكْرِ الرُّكُوعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا فَيُثْقِلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ أَوْ مَأْمُومًا فَيُخَالِفُ إمَامَهُ قَالَ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الذِّكْرِ سَوَاءٌ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا النَّصَّ عَنْ الْأُمِّ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو لِئَلَّا يُثْقِلَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ النَّصَّانِ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى يَعْنِي أَنَّهُ يَدْعُو بِحَيْثُ لَا يُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى كراهة قراءة القرآن في الركوع والسحود وَغَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ لِلْحَدِيثِ فَلَوْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَفِي الْفَاتِحَةِ خِلَافٌ سَبَقَ في فصل الركوع وسنو ضحه فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ التَّسْبِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحه الله * * (فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ انْقَلَبَ فَأَصَابَتْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ فَإِنْ نَوَى السُّجُودَ حَالَ الِانْقِلَابِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ للتبرد وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ وَلَمْ يَنْوِ رفع الحدث) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السُّجُودِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهُوِيِّهِ إلَيْهِ غَيْرَهُ وَلَوْ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ الِاعْتِدَالِ قَبْلَ قَصْدِ الْهُوِيِّ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ السُّجُودُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يعود الي الاعتدال يسجد منه لانه لا بد من نية أو فِعْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ بِجَبْهَتِهِ نُظِرَ إنْ وضع

مسائل تتعلق بالسجود

جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ بِنِيَّةِ الِاعْتِمَادِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ السُّجُودِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ هَذِهِ النِّيَّةَ حسب سواء قصد السجود أَمْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ فَانْقَلَبَ وَأَتَى بِصُورَةِ السُّجُودِ فَإِنْ قَصَدَ السُّجُودَ اُعْتُدَّ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِقَامَةَ وَقَصَدَ أَيْضًا صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِقَامَةَ وَلَمْ يَقْصِدْ صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَلْ غَفَلَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَخَرَجَ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ فِي الْوُضُوءِ إذَا عَرَضَتْ فِي أَثْنَائِهَا الْغَفْلَةُ عَنْ نِيَّةِ الْحَدَثِ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْتَدِلَ جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ لِيَسْجُدَ مِنْ قِيَامٍ فَلَوْ قَامَ كَانَ زَائِدًا قِيَامًا مُتَعَمَّدًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَلَكِنْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَسْجُدَ مِنْهُ وَاسْتَضْعَفَهُ وَقَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ السُّجُودَ وَلَا الِاسْتِقَامَةَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ السُّجُودِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسُّجُودِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ التَّنَكُّسُ فِي السُّجُودِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ قَالُوا وَلِلسَّاجِدِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ أَسَافِلُهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ فَتَكُونَ عَجِيزَتُهُ مُرْتَفِعَةً عَنْ رَأْسِهِ وَمَنْكِبَيْهِ فَهَذِهِ هَيْئَةُ التَّنَكُّسِ الْمَطْلُوبَةُ وَمَتَى كَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا فَحُصُولُهَا هَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الرَّأْسِ مُرْتَفِعًا قَلِيلًا فَقَدْ رَفَعَ أَسَافِلَهُ وَتَحْصُلُ هَذِهِ الْهَيْئَةُ أَيْضًا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا شَكٍّ (الثَّانِيَةُ) الا أَنْ تَكُونَ أَعَالِيهِ أَرْفَعَ مِنْ أَسَافِلِهِ بِأَنْ يَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ارْتِفَاعٍ فَيَصِيرَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ حِقْوَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ فانه لا يجزئه بِلَا شَكٍّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ إلَّا هَكَذَا فَيُجْزِئُهُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَسْتَوِيَ أَعَالِيهِ وَأَسَافِلُهُ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ وَعَدَمِ رَفْعِهِ الْأَسَافِلَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِفَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْبَغَوِيُّ وَدَلِيلُ وُجُوبِ أصل التنكس أنه تثبت إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَكِّسُ وَعَنْ أَبِي اسحق السَّبِيعِيِّ قَالَ " وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَعْنِي السُّجُودَ - فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَوْ تَعَذَّرَ التَّنَكُّسُ لِمَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَهَلْ يَجِبُ وَضْعُ وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَى شئ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تابعه (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّنَكُّسُ ووضع الجبهة على شئ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يَجِبُ بَلْ يَكْفِيهِ الْخَفْضُ الْمَذْكُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ هيئة السجود متعذرة فكيفيه الْخَفْضُ الْمُمْكِنُ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ عجز عن وضع الجهبة عَلَى الْأَرْضِ وَأَمْكَنَهُ وَضْعَهَا عَلَى وِسَادَةٍ مَعَ التنكيس لزمه ذلك * قال المنصف رحمه الله تعالى * * (ثم يرفع رأسه لما رويناه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الركوع ثم يجلس مفترشا يفرش رجله لا يسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لما يروى أن ابا حميد الساعدي وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم الي موضعه " ويكره الاقعاء في الجلوس وهو أن يضع اليتيه علي عقبيه كانه قاعد عليها وقيل هو ان يجعل يديه في الارض ويقعد على اطراف أصابعه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الاقعاء افعاء القردة " ويجب ان يطمئن في جلوسه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئن جالسا " ويستحب ان يقول في جلوسه اللهم اغفر لي واجرني وعافنى وارزقني واهدني لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يقول بين السجدتين ذلك ") * * * (الشرح) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّكْبِيرِ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِيهِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَهَذَا لَفْظُ رواية أبي داود والترمذي وأما حديث الافعاء فرواه البيهقى باسناد ضعيف وروى لنهي عَنْ الْإِقْعَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَسٌ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ " ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ: وأما حديث

ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مثله لكنه ذكر " واجري وعافنى " وفى رواية بن مَاجَهْ وَارْفَعْنِي بَدَلَ وَاهْدِنِي وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " رب اغفر لي وارحمني واجرني وارفعني وَاهْدِنِي " فَالِاحْتِيَاطُ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَلْفَاظِهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَأَجِرْنِي وَارْفَعْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي " وَقَوْلُهُ يَفْرُشُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُ الرَّاءِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرْضٌ لِلْحَدِيثِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَدِّ الطُّمَأْنِينَةِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرَّفْعِ شَيْئًا آخَرَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ طُولًا فَاحِشًا فَإِنْ طَوَّلَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ لِجُلُوسِهِ وَيَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَ مِنْ حِينِ يَبْتَدِئُ رَفْعَ الرَّأْسِ وَيَمُدَّهُ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا فَيَكُونَ مَدُّهُ أَقَلَّ مِنْ مَدِّ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ إلَى السُّجُودِ لِأَنَّ الْفَصْلَ هُنَا قَلِيلٌ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلِ إنَّهُ لَا يَمُدُّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ أَوْضَحْتُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ علي كعبها وينصب النبي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَوْلًا أَنَّهُ يُضْجِعُ قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِهِمَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى صِفَةِ هَذَا الْجُلُوسِ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعَ وَمُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ انْقَطَعَتْ أَطْرَافُ أَعْلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبَيْ فَخِذَيْهِ كَانَ كَإِرْسَالِهِمَا فِي الْقِيَامِ يَعْنِي يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَصَابِعُهُ مَضْمُومَةً كَمَا فِي السُّجُودِ أَوْ مُفَرَّقَةً فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَضْمُومَةً لِتَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَسَنُوضِحُهَا فِي فَصْلِ التَّشَهُّدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ وَالْمُخْتَارُ الْأَحْوَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْكَلِمَاتِ السَّبْعِ كَمَا سبق بيان قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدُّعَاءُ بل أي دعاء دعى بِهِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَفْضَلُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يذكره الشافعي في هذا الموضع في شئ مِنْ كُتُبِهِ وَلَمْ

يَنْفِهِ قَالَ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ * (فَرْعٌ) فِي الْإِقْعَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ مَعَ كَثْرَتِهَا لَيْسَ فِيهَا شئ ثَابِتٌ وَبَيَّنَّا رُوَاتَهَا وَثَبَتَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ " قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْنَا إنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ قَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَمَسَّ أَلْيَتَاكَ عَقِبَيْكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ " وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذا رفع رأسه من السجدة الاولى يعقد عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا كَانَا يُقْعِيَانِ ثُمَّ رَوَى عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقْعِي وَقَالَ رأيت العبادلة يفعلون ذلك عبد الله ابن عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَهَذَا الْإِقْعَاءُ الْمَرْضِيُّ فِيهِ وَالْمَسْنُونُ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ هُوَ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ بِأَسَانِيدِهَا عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ ثُمَّ ضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا وَقَالَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ الْإِقْعَاءُ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِقْعَاءِ غَيْرَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مَسْنُونٌ قَالَ وَأَمَّا حديث عائشة رضى الله تعالي عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " كَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ وَأَجَادَ وَأَتْقَنَ وَأَفَادَ وَأَوْضَحَ إيضَاحًا شَافِيًا وَحَرَّرَ

تَحْرِيرًا وَافِيًا رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ وَقَدْ تابعه علي هذا الامام المحقق أبو عمر وبن الصَّلَاحِ فَقَالَ بَعْد أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ هَذَا الْإِقْعَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يديه علي الارض وهذا الافعاء غَيْرُ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَذَلِكَ الْإِقْعَاءُ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ قَاعِدًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَقَدْ اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْبُوَيْطِيُّ قَالَ وَقَدْ خَبَطَ فِي الْإِقْعَاءِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَوْعَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ وَفِيهِ فِي فِي الْمُهَذَّبِ تَخْلِيطٌ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وهذا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَدْ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَأَمَّا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فَلَمْ يحصل له ما حصل للبيهقي وخلاف فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَادَتَهُ فِي حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ بَلْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ وَأَنَّهُ عَقِبُ الشَّيْطَانِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَوَائِلِ بْنُ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُفْتَرِشًا قَدَمَهُ الْيُسْرَى " قَالَ وَرَوَيْتُ كَرَاهَةَ الْإِقْعَاءِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ واحمد واسحق وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَالْإِقْعَاءُ ان يضع اليتيه علي عقبيه ويعقد مُسْتَوْفِزًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ إلَى الْأَرْضِ وَهَذَا إقْعَاءُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَهْلُ مكة يستعلمون الْإِقْعَاءَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخًا وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ فَاسِدٌ من وجه (مِنْهَا) أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ فِيهِ وَادَّعَى أَيْضًا نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا الْجَمْعُ بَلْ أَمْكَنَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْضًا التَّارِيخُ وَجَعَلَ أَيْضًا الْإِقْعَاءَ نَوْعًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعَانِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو (أَحَدُهُمَا) مَكْرُوهٌ (وَالثَّانِي) جَائِزٌ أَوْ سُنَّةٌ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَوَائِلٍ وَغَيْرِهِمَا فِي صِفَةِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووصفهم الاقتراش عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَحْوَالٌ حَالٌ يَفْعَلُ فِيهَا هَذَا وَحَالٌ يَفْعَلُ فِيهَا ذَاكَ كَمَا كَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَكَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَكَمَا طَافَ رَاكِبًا وَطَافَ مَاشِيًا وَكَمَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَأَوْسَطَهُ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى الحسر وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ

أحواله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَفْعَلُ الْعِبَادَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعٍ لِيُبَيِّنَ الرُّخْصَةَ وَالْجَوَازَ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَالْأَوْلَى: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَاهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَمُوَافِقُوهُ مِنْ جِهَةِ الِافْتِرَاشِ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ لَكِنَّ إحْدَى السُّنَّتَيْنِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ لِأَنَّهُ رَوَاهَا وَصَدَّقَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ على مواظبته صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ فَهِيَ أَفْضَلُ وَأَرْجَحُ مَعَ أَنَّ الْإِقْعَاءَ سُنَّةٌ أَيْضًا فَهَذَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْ تَحْقِيقِ أَمْرِ الْإِقْعَاءِ وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ لِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ تَكَرُّرِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاسْتِشْكَالِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهُ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِإِتْقَانِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ * (فَرْعٌ) فِي مذاهب العلماء في الجلوس بين السجدين وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ وَلَا الْجُلُوسُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ وَلَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ وَعَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا قَالَا يَجِبُ أَنْ يَرْتَفِعَ بحيث يكون الي العقود أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُمَا دَلِيلٌ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي مسألة وجوب الاعتدال عن الركوع * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يسجد سجدة أخرى مثل الاولى) * * (الشرح) * قال القاضى أبو الطيب اجمع السملمون عَلَى وُجُوبِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ صفة الاولي في كل شئ ولله أعلم * قال المصنف رحمه الله * * (ثم يرفع رأسه مكبرا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَقُومُ مِنْ السَّجْدَةِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ علي قولين (أحدهما) لَا يَجْلِسُ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ اسْتَوَى قَائِمًا بِتَكْبِيرَةٍ " (وَالثَّانِي) يَجْلِسُ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الحريوث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ لَمْ

ينهض حتى يستوى قاعدا " وقال أبوا سحق إنْ كَانَ ضَعِيفًا جَلَسَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرَاحَةَ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لَمْ يَجْلِسْ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرَاحَةِ وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هذين الحالين فان قلنا يجلس جلس مفتر شا لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَنَى رِجْلَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدَيْهِ فِي الْقِيَامِ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَيَمُدُّ التَّكْبِيرَ إلَى أَنْ يَقُومَ حَتَّى لَا يخلو من ذكر) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَحَدِيثُ وَائِلٍ غَرِيبٌ وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الحويرث رواه البخاري في موضع مِنْ صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْأَخِيرُ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَسَأَذْكُرُهُ بِلَفْظِهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ وَبَيَانُ أَحْوَالِهِمْ إلَّا مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَيُقَالُ ابْنُ الْحَارِثِ اللَّيْثِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ فِيمَا قِيلَ وَقَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ يَعْنِي قَالَ هَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ مَدَّهُ حَتَّى يَجْلِسَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ فَهَلْ تُسَنُّ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فِيهَا النَّصَّانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أحدها) وهو قول ابي سحق المروزى هما محمولان علي حالين فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي ضَعِيفًا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا (الطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الشيخ أبو حامد في تعليقه والبند نيجى والمحاملي في المقنع والفور انى فِي الْإِبَانَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ (أحدهما) يستحب و (الثاني) لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَشْهَرُ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ به علي أن الصيحح مِنْ الْقَوْلَيْنِ اسْتِحْبَابُهَا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُهَا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا قُلْنَا لَا تُسَنُّ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ ابتدأ الكبير مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ وَفَرَغَ مِنْهُ مَعَ اسْتِوَائِهِ قَائِمًا وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قال أصحابنا بنى جِلْسَةٌ لَطِيفَةٌ جِدًّا وَفِي التَّكْبِيرِ ثَلَاثَةُ

أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَيُخَفِّفُ الْجِلْسَةَ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنْ لَا يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ ذِكْرٍ (الثَّانِي) يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ جَالِسًا وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَقُومَ (الثالث) يَرْفَعُ مُكَبِّرًا فَإِذَا جَلَسَ قَطَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَتَيْنِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ شَاذٌّ وَتُسَنُّ هَذِهِ الْجِلْسَةُ عَقِبَ السَّجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَعْقُبُهَا قِيَامٌ سَوَاءٌ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ وَالْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ لِحَدِيثِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي لِلتِّلَاوَةِ لَمْ تُشْرَعْ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ فَجَلَسَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ جُلُوسٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا جُلُوسٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْيَمِينِ على شئ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى هَذِهِ الْجِلْسَةِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْمُتَسَاهِلِينَ بِتَرْكِهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقال تعالي (وما أتاكم لرسول فخذوه) قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَامَ مِنْ الْجِلْسَةِ أَوْ مِنْ السَّجْدَةِ يُسَنُّ أَنْ يَقُومَ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَعْلَمُ وَإِذَا اعْتَمَدَ بِيَدَيْهِ جَعَلَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ وَبُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَضَعُ الْعَاجِنُ " فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بالنون ولو صح كان معناه قائم معتمد بِبَطْنِ يَدَيْهِ كَمَا يَعْتَمِدُ الْعَاجِزُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَاجِنَ الْعَجِينِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ: مَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَأَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَبُو قِلَابَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ نَهَضَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الزياد ومالك والثوري وأصحاب الرأى واحمد واسحق قال قال النعمان ابن ابى عباس أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَذَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا وَاحْتَجَّ لهم بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِيهِ وَبِحَدِيثِ وَائِلِ بن حجر المذكور في الكتاب قال الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَسُنَّ لَهَا ذِكْرٌ كَغَيْرِهَا (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ " رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حديث المسئ صَلَاتَهُ " اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حت تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ مَوْضِعَهُ ثُمَّ نَهَضَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " فَقَالُوا صَدَقْتَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ فِي الرُّكُوعِ والجواب عن حديث المسئ صَلَاتَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا عَلَّمَهُ الْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمَسْنُونَاتِ وَهَذَا مَعْلُومٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ مَرَّاتٍ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَرْكِهَا وَلَوْ كَانَ صَرِيحًا لَكَانَ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) صِحَّةُ أَسَانِيدِهَا (وَالثَّانِي) كَثْرَةُ رُوَاتِهَا وَيَحْتَمِلُ حَدِيثُ وَائِلٍ أَنْ يَكُونَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ تَبَيُّنًا لِلْجَوَازِ وَوَاظَبَ عَلَى مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ بَعْدَ أَنْ قَامَ يُصَلِّي مَعَهُ وَيَتَحَفَّظُ الْعِلْمَ مِنْهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ عِنْدِهِ إلَى أهله " اذهبوا إلي أهليكم ومرهم وَكَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَهَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طُرُقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وقد رآه يجلس للاستراحة فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا أَطْلَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَبِهَذَا يَحْصُلُ الجواب عن فرق أبى اسحق

الْمَرْوَزِيِّ مِنْ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَيُجَابُ بِهِ أَيْضًا عَنْ قَوْلِ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ لَيْسَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ وَائِلٍ وَغَيْرِهِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَكْثَرَ الاحاديث ليس فيها ذكر الجلسة اثباتا لا نَفْيًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ تَنْفِيهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأَحَادِيثِ وَنَجِدُ فِيهَا خِلَافَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا إثْبَاتُهَا وَلَا نَفْيُهَا لَمْ يَلْزَمْ رَدُّ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَاتٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إنَّهَا لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فَمِنْ الْعَجَبِ الْغَرِيبِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا قوله لو شرعت لَكَانَ لَهَا ذِكْرٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذِكْرَهَا التَّكْبِيرُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَمُدُّ حَتَّى يَسْتَوْعِبَهَا وَيَصِلَ إلَى الْقِيَامِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرٌ لَمْ يَجُزْ رَدُّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ النُّهُوضِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَسَائِرِ الرَّكَعَاتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَكْحُولٍ وَعُمَرَ ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد يَقُومُ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ يَعْتَمِدُ صُدُورَ قَدَمَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مسعود وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وعن خالد بن الياس ويقال بن يَاسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى (1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله

_ (1) كذا بالاصل

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قدميه " رواه الترمذي والبيهقي وعن ابن عمران النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ وَائِلِ بْن حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى ابن مسعود يقوم علي صدور قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قال " رأيت بن عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَاحْتَجَّ) الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قال جاءنا مالك ابن الحويرث فصلي بنا فقال " إني لا صلى بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي " قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ " كَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَقَالَ مِثْلُ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ قَالَ أَيُّوبُ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْقَلِبَ وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِهِمْ أَنَّهَا كُلَّهَا لَيْسَ فيها شئ صَحِيحٌ إلَّا الْأَثَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ترك السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضى الله تعالي عَنْهُ فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ رِوَايَةَ خَالِدِ بن الياس وصالحا ضعيفتان واما حديث بن عُمَرَ فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَفِيقُ الْغَزَالِيِّ فِي الرِّوَايَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ فِيهِ " نُهِيَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدَيْهِ " وَرَوَاهُ آخَرَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ خِلَافَ مَا رَوَاهُ الْغَزَالِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَا خَالَفَ الثِّقَاتِ كَانَ

حَدِيثُهُ شَاذًّا مَرْدُودًا وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَقِيلَ إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَمَّا حِكَايَةُ عَطِيَّةَ فَمَرْدُودَةٌ لِأَنَّ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ حَالَ الْقِيَامِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقُ قَالَ إِسْحَاقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ مَالِكٌ لا بأس به * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يرفع اليد إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا أراد أن يركع وبعد ما رفع رأسه من الركوع ولا يرفع بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ " وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ يُسْتَحَبُّ كُلَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ التَّشَهُّدِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَامَ مِنْ الركعتين يرفع يديه " والمذهب الاول) * * (الشَّرْحُ) * الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ مِنْ السُّجُودِ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُسْتَحَبُّ الرَّفْعُ كُلَّمَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ التَّشَهُّدِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا سَجَدَ " لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيّ حَدِيثٌ

يَقْتَضِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ الرَّفْعُ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الاول وهذا هو الصواب ممن قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ دَلِيلُهُ حَدِيثُ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانَ إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم منهم أبو قتادة أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهَا " وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طاالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ فِي أَوَاخِرَ كِتَابِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ " بَدَلَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الركعتان بلا شك كما جاء في فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ السَّجْدَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ الْحَدِيثُ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ وكأنه لم يقف علي طرق روايته ولوقف عَلَيْهَا لَحَمَلَهُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا حَمَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كان رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ جَعَلَ يَدَيْهِ حذو منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذَلِكَ وَإِذَا رَفَعَ لِلسُّجُودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِيهِ رَجُلٌ فِيهِ أَدْنَى كَلَامٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَوْلُهُ رَفَعَ لِلسُّجُودِ يَعْنِي رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَا زَادَهُ عَلِيٌّ وَأَبُو حُمَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَرْفَعُ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ " كُلُّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا صَلَاةً وَاحِدَةً وَتَخْتَلِفُ رِوَايَاتُهُمْ فِيهَا بِعَيْنِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ في حديث أبى حميد وبهذا يقول

وفيه رفع اليدين إذا قام من الركعتين قال ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت وقد قال فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَبِهَذَا أَقُولُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَمْ يَذْكُر الشَّافِعِيُّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ إذا قام الرَّكْعَتَيْنِ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَابْنُ عمرو أبو هريرة وَأَبُو حُمَيْدٍ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ وَصَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ عَلَى ذلك هذا الكلام الْبَغَوِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَسْخِ الْحَدِيثِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ فِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ على بن ابن عمرو أبى حُمَيْدٍ مَعَ أَصْحَابِهِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَكَثْرَةِ رُوَاتِهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِهِ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ابْنَ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي زَمَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَطَبَقَتِهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ الْمُفِيدَةِ التى يحتاج إليها كل الطوائف وقد ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ حَالِهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَهُوَ مُسْتَقْصًى فِي الطَّبَقَاتِ وَتَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * قال المصنف رحمه الله * * (ويصلى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ الْأُولَى إلَّا فِي النِّيَّةِ ودعا الِاسْتِفْتَاحِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للمسئ صَلَاتَهُ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " وَأَمَّا النِّيَّةُ وَدُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلا في الركعة الاولي) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْوَاجِبَاتُ فَقَطْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي الْأُولَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثنتين بعد الجلوس " رواه البخاري وملسم وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ حَدِيثُهُ السَّابِقُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بِطُولِهِ قَالَ فِي آخِرِهِ " ثُمَّ اصنع كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ حَدِيثٌ في معنى حديث أبي هريرة راوه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ ابن السَّائِبِ وَكَانَ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَالرَّاوِي عنه هما أَخَذَ عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ فَلَا

يُحْتَجُّ بِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (واما الْمَسْأَلَةِ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى إلَّا فِي النِّيَّةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعَوُّذِ وَتَقْصِيرِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى فِي الْقِرَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرَ المصنف الخلاف فيهما في الموضعه ولهذا لم يذكره وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ ولا بد منهما فان قيل تركها الشهر تهما قيل فالنية والافتتاح أشهر وقد ذكرهما * قال المصنف رحمه الله * * (فان كانت الصلاة يزيد عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لِلتَّشَهُّدِ لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى عَبْدُ الله بن بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فقال مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ " وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَفَعَلَهُ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى السُّجُودِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا لما روى أبو حميد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جلس كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الْأُولَيَيْنِ جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ اليسرى ونصب قدمه اليمنى) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَبُحَيْنَةُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ المهلمة وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ أَسْلَمَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ اسْمُهَا عَبْدَةُ يَعْنِي وَبُحَيْنَةُ لَقَبٌ وَابْنُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ وَصَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قديما وكان فَاضِلًا نَاسِكًا يَصُومُ الدَّهْرَ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا الْجُلُوسُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ صِفَةِ الِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَالْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَاجِبَتَانِ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّتَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الرَّابِعَةِ مُتَوَرِّكًا فَلَوْ عَكَسَ جَازَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلْجُلُوسِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هَيْئَةٌ لِلْإِجْزَاءِ بَلْ كَيْفَ وُجِدَ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ تَوَرَّكَ أَوْ افْتَرَشَ أَوْ مد رجليه أو نصب ركبتيه أو احداهما أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنَّ السُّنَّةَ التَّوَرُّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالِافْتِرَاشُ فِيمَا سِوَاهُ وَالِافْتِرَاشُ أَنْ يَضَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسَ عَلَى كَعْبِهَا وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَالتَّوَرُّكُ أَنْ يُخْرِجَ جليه وَهُمَا عَلَى هَيْئَةِ الِافْتِرَاشِ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُمَكِّنَ وَرِكَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ الْأَرْضِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْجُلُوسِ لَهُ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ واسحق وَدَاوُد هُوَ وَاجِبٌ قَالَ أَحْمَدُ إنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَقَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " بِأَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ قَامَتْ دَلَائِلُ عَلَى تَمَيُّزِهِمَا. وَأَجَابُوا عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ الْوُجُوبِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجْبُرُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ * (فرع) في مذاهبهم في هيئته الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا وَقَالَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِيهِمَا مُتَوَرِّكًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَجْلِسَ فِيهِمَا مُفْتَرِشًا وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ افْتَرَشَ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا افْتَرَشَ فِي الْأَوَّلِ وَتَوَرَّكَ فِي الثَّانِي * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يَفْرُشُ فِيهِمَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى الله تعالي عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى " وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى " وَاحْتَجَّ لِلتَّوَرُّكِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْجُلُوسَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ هُنَاكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ مُطْلَقَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَتِهِ فَمَنْ رَوَى التَّوَرُّكَ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَمَنْ رَوَى الِافْتِرَاشَ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَا سِيَّمَا وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الثَّانِي أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تذكر لصلاة وَعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ تَخْفِيفُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلْقِيَامِ وَالسُّنَّةُ تَطْوِيلُ الثَّانِي وَلَا قِيَامَ بَعْدَهُ فَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُ وَأَمْكَنَ لِيَتَوَفَّرَ الدُّعَاءُ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَآهُ عَلِمَ فِي أَيِّ التَّشَهُّدَيْنِ * (فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ إذَا جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ يجلس مفترشا لانه ليس آخر صَلَاتِهِ (وَالثَّانِي) يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ وَالرَّافِعِيُّ

(الثَّالِثُ) إنْ كَانَ جُلُوسُهُ فِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِلْمَسْبُوقِ افْتَرَشَ وَإِلَّا تَوَرَّكَ لِأَنَّ جُلُوسَهُ حِينَئِذٍ لِمُجَرَّدِ الْمُتَابَعَةِ فَيُتَابِعُ فِي الْهَيْئَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا جَلَسَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ فِي آخِرِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَفْتَرِشُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِزٌ لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَوَرَّكَ ثُمَّ سَلَّمَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَتَشَهَّدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَفْتَرِشُ في ثلاثة منهن ويتورك في الرابعة * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فخذه وَفِي الْيَدِ الْيُمْنَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَضَعُهَا علي فخذه مَقْبُوضَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا روى ابن عمر رضى الله تعالى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ " وَرَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ افْتَرَشَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عِنْدَ الْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ ووضع اليسرى علي فخذه اليسرى " وكيف يصنع بالابهام فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَضَعُهَا بِجَنْبِ الْمُسَبِّحَةِ عَلَى حَرْفِ رَاحَتِهِ أَسْفَلَ مِنْ الْمُسَبِّحَةِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَالثَّانِي) يَضَعُهَا عَلَى حَرْفِ أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ الْمُسَبِّحَةَ وَالْإِبْهَامَ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامُ مَعَ الْوُسْطَى لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ عقد اصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ وَرَأَيْتُهُ يشير بها ") * *

* (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ قَدَمَهُ بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يده اليمنى علي فخذه وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الصحيح أنه قال " وضع كفه الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَنَحْنُ نُخَيِّرُهُ وَنَخْتَارُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عمرو ابن الزُّبَيْرِ لِثُبُوتِ خَبَرِهِمَا وَقُوَّةِ إسْنَادِهِمَا وَمَزِيَّةِ رِجَالِهِمَا وَرُجْحَانِهِمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ راوي حديث وائل * واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْمُسَبِّحَةُ هِيَ السَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ مُسَبِّحَةً لِإِشَارَتِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ وَسُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاصِمَةِ وَالسَّبِّ (وَقَوْلُهُ) عَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ شَرْطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ عَلَى الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصَرَ عَلَى الرَّاحَةِ كَمَا يَضَعُ الْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ صِفَةَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَتَكُونُ الْيَدُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْحِسَابِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُ الْيُسْرَى جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَيَجْعَلَهَا قَرِيبَةً من طرف الركبة بحيث تساوى رؤوسها الرُّكْبَةَ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّجَ الْأَصَابِعَ أَمْ يضمها فيه وجهان قال الرافعى (الاصح) أنه يُفَرِّجَهَا تَفْرِيجًا مُقْتَصِدًا وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيجِ الْفَاحِشِ في شئ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَأَكْثَرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ (وَالثَّانِي) يَضَعُهَا مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا لَا يُؤْمَرُ بِضَمِّ الْأَصَابِعِ إلَّا فِي السُّجُودِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أعلم: وأما ليمنى فَيَضَعُهَا عَلَى طَرَفِ الرُّكْبَةِ الْيُمْنَى وَيَقْبِضُ خِنْصَرَهَا وَبِنَصْرِهَا وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ وَفِيمَا يَفْعَلُ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ

فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرُوا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ والعزالي حيث حكياها أوجها وهى اقوال مشهورة (أحدهما) يَقْبِضُ الْوُسْطَى مَعَ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَيُرْسِلُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْمُسَبِّحَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَفِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيقِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ قَالُوا (أَصَحُّهُمَا) يُحَلِّقُهُمَا بِرَأْسِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ (وَالثَّانِي) يَضَعُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْن عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْبِضُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ أَيْضًا وَفِي كَيْفِيَّةِ قَبْضِ الْإِبْهَامِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَضَعُهَا بِجَنْبِ الْمُسَبِّحَةِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ (وَالثَّانِي) يَضَعُهَا عَلَى حَرْفِ أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفَ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ كُلِّهَا يُسَنُّ أَنْ يُشِيرَ بِمُسَبِّحَةِ يُمْنَاهُ فَيَرْفَعُهَا إذَا بَلَغَ الْهَمْزَةَ مِنْ قَوْلِهِ لا آله إلا الله ونص الشافعي علي اسْتِحْبَابَ الْإِشَارَةِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشِيرُ بِهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهَلْ يُحَرِّكُهَا عِنْدَ الرَّفْعِ بِالْإِشَارَةِ فِيهِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّكُهَا فَلَوْ حَرَّكَهَا كَانَ مَكْرُوهًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ تَحْرِيكُهَا فَإِنْ حَرَّكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حَكَاهُ (1) عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَالثَّالِث) يُسْتَحَبُّ تَحْرِيكُهَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ وَضْعَ الْيَدَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ " ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَةَ بِهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إذَا دَعَا لَا يُحَرِّكُهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَحْرِيكُ الْأُصْبُعِ فِي الصَّلَاةِ مَذْعَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ " فليس بصحيح قال البيهقى تفرد به

_ (1) بياض بالاصل

مسائل تتعلق بالاشارة بالمسبحة

الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مِنْ الْعَبَثِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالاشارة بالمسبحة (إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ إشَارَتُهُ بِهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثَّانِيَةُ) يَنْوِي بِالْإِشَارَةِ الْإِخْلَاصَ وَالتَّوْحِيدَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عَنْ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " كان يشير بها للتوحيد " وعن ابن عباس رضى الله تعالي عَنْهُمَا قَالَ هُوَ الْإِخْلَاصُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ " مَقْمَعَةُ الشَّيْطَانِ " (الثَّالِثَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَتَيْنِ مِنْ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ سُنَّةَ الْيُسْرَى أَنْ تَسْتَمِرَّ مَبْسُوطَةً (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً سَقَطَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فَلَا يُشِيرُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَرْكُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَتَدَارَكُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَرْكُ الرَّمَلِ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ نَظَائِرُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُجَاوِزُ إشَارَتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * * (وَيَتَشَهَّدُ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أن محمد رَسُولُ اللَّهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ فَيَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَذِكْرُ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الجميع) * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي التَّشَهُّدِ أَحَادِيثُ (أَحَدُهَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثم ليتخبر مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية للبخاري كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تقولوا عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابن عمر وجابر وسمرة ابن جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي بِتَشْدِيدِ الياء انه سمع عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ " قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بن

مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ إذَا تَشَهَّدَتْ قَالَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّشَهُّدِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَأَشَدُّهَا صِحَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِأَيِّهَا تَشَهَّدَ أَجْزَأَهُ لَكِنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ أَفْضَلُ التَّشَهُّدِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا انما رجح الشافعي تشهد ابن عباس على تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِزِيَادَةِ لَفْظَةِ الْمُبَارَكَاتِ وَلِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مباركة طيبة وَلِقَوْلِهِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَقْرَانِهِ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَضْرَابِهِ * وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَرَوَى التَّسْمِيَةَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ صحيح ولا يقبل ذلك منه فان الذى ضَعَّفُوهُ أَحْمَلُ مِنْ الْحَاكِمِ وَأَتْقَنُ * وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَسُمِّيَ التَّشَهُّدَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ (1) الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ وَتَقْدِيرُهُ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ التَّحِيَّةُ الْحَيَا وَالْأَوَّلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّاتُ بِالْجَمْعِ لِأَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَقِيلَ لَنَا قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يُحَيُّونَ بِهِ الْمُلُوكَ لَا يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ قَالُوا تَقْدِيرُهُ وَالْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ بِالْوَاوِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ ولكن حذفت الواو وحذف واو العطب جَائِزٌ (قَوْلُهُ) الصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَاتُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ

الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ والبيان قال صاحب المطالع علي هذا تقديره الصَّلَوَاتِ لِلَّهِ مِنْهُ أَيْ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَقِيلَ الْمَعْبُودُ بِهَا (قَوْلُهُ) الطَّيِّبَاتُ قِيلَ مَعْنَاهُ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرٌ لَهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَا طَابَ وَحَسُنَ مِنْ الْكَلَامِ فَيَصْلُحُ أَنْ يُثْنِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُدْعَى بِهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ بَطَّالٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ مَعْنَاهُ الصَّالِحَةُ " قَوْلُهُ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ تَسْلِيمًا وَسَلَامًا وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ مِنْ الْآفَاتِ كُلِّهَا " قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا " لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا وَفَاوَضْتُ فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ " وَقَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " الْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ رَوَيْنَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ يَقُولُ ليس شئ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَكَانَتْ أَشْرَفَ أَوْقَاتِهِ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليلا) وقال تعالي (فأوحى إلى عبده) والصالحون جمع صالح قال أبو اسحق الزَّجَّاجُ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ من حقوق الله تعالي وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَقَوْلُهُ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ " قَوْلُهُ رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ مَنْ بَعَثَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِتَتَابُعِ الْوَحْيِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا وقع في المهذب وفيه مخذوف تَقْدِيرُهُ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ فَيُنَازَعُ فِيهِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّحِيَّاتِ لَا يَتَضَمَّنُ الْمُبَارَكَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ عِنْدَنَا تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِكَمَالِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْكَلَامِ (1) تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ تَشَهُّدُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا الْجَمِيعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الزَّاكِيَاتُ وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ " لِيَكُونَ جَامِعًا لَهَا كُلَّهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو علي الطبري يستحب أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ التَّسْمِيَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فقال

_ (1) كذا في الاصل و؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ فحرره اه

الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ قَالَ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيّ فَأَسْقَطَا قَوْلَهُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (قُلْتُ) وَكَذَا رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عن الام وقال ابن سريج أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لفظ السلام الثاني فقال " السلام عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ الصَّالِحِينَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَسْقُطْ في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ كُلِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَتَعَيَّنُ لَفْظَةُ التَّحِيَّاتِ لِثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمُبَارَكَاتِ وَمَا بَعْدَهَا وَمِمَّا يَدُلُّ لِسُقُوطِ لَفْظَةِ وَأَشْهَدُ رِوَايَةُ أَبِي مُوسَى السَّابِقَةُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الصَّالِحِينَ فَخَطَأٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالسَّلَامِ عَلَى كُلِّ الْعِبَادِ هُنَا بَلْ خَصَّ بِهِ الصَّالِحِينَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ إسْقَاطُ عَلَيْنَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُمَا (وَالثَّانِي) حَذْفُهُمَا (وَالثَّالِثُ) وُجُوبُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَفِي عَلَيْنَا والصالحين ثلاثة أوجه (أصحها) وجوبهما (والثاني) حذفهما (والثالث) وُجُوبُ الصَّالِحِينَ دُونَ عَلَيْنَا وَفِي الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَالثَّالِثُ) وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي التَّشَهُّدِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَا هُوَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ السَّلَامُ عَلَيْكَ السَّلَامُ عَلَيْنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا وَكَذَا جَاءَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَأَكْثَرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِإِثْبَاتِ

الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ هَذَا جَائِزٌ لَكِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفْضَلُ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ فَيَكُونُ أَحْوَطَ وَلِمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ من الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مَعَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا بَلَغَ الشَّهَادَةَ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسَبِّحَةِ لما روينا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَوَائِلِ بن حجر رضي الله تعالي عَنْهُمْ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُصَلِّي لِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَيْهِ لَشُرِعَتْ عَلَى آلِهِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُصَلِّي عَلَيْهِ لانه قعود شرع فيه التشهد فَشُرِعَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالعقود في آخر الصلاة) * * * (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ قُعُودٌ شُرِعَ فِيهِ التَّشَهُّدُ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمِنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) اسْتِحْبَابُ الْإِشَارَةِ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَبَيَانُ أَحَادِيثِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي السَّابِقِ (الثَّانِيَةُ) لَفْظُ التَّشَهُّدِ مُتَعَيَّنٌ فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِمَعْنَاهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى لَفْظِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ عَجَزَ أَجْزَأَتْهُ تَرْجَمَتُهُ وَعَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَدَلَ أَشْهَدُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ مُرَتَّبًا فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهُ نُظِرَ إنْ غَيَّرَهُ تَغْيِيرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تعمده لانه كلام أجنبي وان لم يغيره فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ فِي التَّشَهُّدِ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (الثَّالِثَةُ) هَلْ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُشْرَعُ وَبِهِ قطع أبو حنيفة واحمد واسحق وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تُشْرَعُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ طريقين

(أَحَدُهُمَا) قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) لَا يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثُ طُرُقٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسَنُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يُشْرَعُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ تُشْرَعْ هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي القنوت ففعلهما في احدهما أو اوجبناها على الاول فِي الْأَخِيرِ وَلَمْ نَسُنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ أَتَى بِهَا فِيهِ فَقَدْ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى لَفْظِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآلِ إذَا سَنَنَّاهُمَا فَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ أَوْ يُطَوِّلَهُ بِذِكْرٍ آخر فال فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ سَوَاءٌ طَوَّلَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَكَذَا نَقَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ قَالُوا حَتَّى يَقُومَ " رَوَاهُ أبو داود والترمزى وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ * قال الصنف رحمه الله * * (ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ مِثْلَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا فيما بيناه من الجهر وقراءة السورة) * * (الشَّرْحُ) * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا وَدَلِيلُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَقُومُ مُكَبِّرًا وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مِنْ حِينِ يَبْتَدِئُ

الْقِيَامَ وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ حِكَايَةُ قَوْلٍ نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَمُدُّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ تَرَكَ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْقِيَامِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (أحدهما) هَكَذَا (وَالثَّانِيَةُ) وَهُوَ أَنَّ شِرْعَتَهُ أَنَّهُ لَا يكبر في قِيَامِهِ فَإِذَا انْتَصَبَ قَائِمًا ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ وَهَذَا الَّذِي يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ أَوْلَى قَالَ وَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ كَالثَّانِيَةِ إلَّا فِي الْجَهْرِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ سَبَقَا هَلْ تُشْرَعُ أَمْ لَا فَإِنْ شُرِعَتْ فَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا سَبَقَ وَجْهَانِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَبَسَطْنَا دَلَائِلَهُ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الصَّلَاةِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهُوَ فَرْضٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السلام ولكن قولوا التحيات لله ") * * * (الشَّرْحُ) * إذَا بَلَغَ آخِرَ صَلَاتِهِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهَذَا الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ فَرْضَانِ عِنْدَنَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا * وَقَالَ أبو حنيفة ومالك الجلوس بقدر التسهد وَاجِبٌ وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَلَا جُلُوسُهُ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَمَالِكًا وَالْأَوْزَاعِيَّ قَالُوا لَوْ تَرَكَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْجُلُوسُ بِقَدْرِ السَّلَامِ فَقَطْ * وَاحْتَجَّ لهم بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَلْفَاظُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عنه موقوقا وَقِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّسْبِيحِ لِلرُّكُوعِ * وَاحْتَجَّ أصحاننا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ

الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يثبت شئ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ شَبِيهٌ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ لَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ مِنْهُمَا عَنْ الْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِيَتَمَيَّزَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حديث المسئ صَلَاتَهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ النِّيَّةَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُعُودَ لِلتَّشَهُّدِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ وَقَدْ وَافَقَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابن عمر وأنه ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَضَعْفُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَنَّهُ) مُضْطَرِبٌ وَالْأَفْرِيقِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَعِيفٌ أَيْضًا ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبَرَ تَرْكَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يَجُزْ هَذَا التَّشَهُّدُ: قَالَ إمَامُ الحرمين في (1) وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَجْبُرُونَ الْأَوَّلَ بِالسُّجُودِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْإِسْرَارِ بِالتَّشَهُّدَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِهِمَا وَاحْتَجُّوا لَهُ بحديث عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِي التَّشَهُّدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَالسُّنَّةُ فِي هذا القعود أن يكون متوركا فيخرج رجليه مِنْ جَانِبِ وَرِكِهِ الْأَيْمَنِ وَيَضَعُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في الاولتين جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وإذا جلس في الاخيرة جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَجَعَلَ بَطْنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ مَأْبِضِ الْيُمْنَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ يَطُولُ فَكَانَ التَّوَرُّكُ فِيهِ أَمْكَنَ وَالْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَقْصُرُ فَكَانَ الِافْتِرَاشُ فِيهِ أَشْبَهَ وَيَتَشَهَّدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) ** (الشَّرْحُ) * وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَتْ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قبل هذا * قال المصنف رحمه الله * * (فإذا فرغ من التشهد صلى علاى لنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فَرْضٌ فِي هذا الجلوس لما روت عائشة

_ (1) بياض بالاصل ولعله في كتاب الاساليب

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ انك حميد مجيد لما روى كعب ابن عجرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ذلك والواجب من ذلك اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تجب للاجماع) * * * (الشَّرْحُ) * الَّذِي أَرَاهُ تَقْدِيمَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ " قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي وَسَطِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْكِبَارِ عَزَاهُ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَهِيَ لِمَا يَدُهُ حَيِيَّةٌ (1) وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ كَيْفَ " نُصَلِّي عَلَيْكَ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صليت

_ (1) كذا بالاصل فحرر

عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهَا أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صحيحهما والدارقطني والبيهقي واحتجوا بها قال الدارقطني هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَوْلُهُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا (وَالثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا فِيهَا كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بما شاء " رواه أبو داود الترمذي وَالنَّسَائِيِّ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وأبو عبد الله الحاكم في صحيحهما وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ - فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ويقال أبو اسحق بْنُ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ توفى بالمدينة سنه اثنين وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمُفَسِّرُونَ الْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ وَهُوَ الَّذِي تُحْمَدُ أَفْعَالُهُ وَالْمَجِيدُ الْمَاجِدُ وَهُوَ مَنْ كَمُلَ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ وَالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا * وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي تَقْرِيبِهِ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالُوا هُوَ قَوْلُ التُّرْبَجِيِّ مِنْ أصحابنا - بمثناه من فوق مضمومة ثم راء ساكنة ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْآلِ الْأَهْلَ وَهُمْ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله

وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قِيلَ قَائِلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَأَمَّا أَقَلُّ الصَّلَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَوْ قال صلى الله علي محمد فوجهان حكلاهما صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى أَحْمَدَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا قَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ صَلَّى الله عليه والكنابة تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَحْمَدَ أَوْ النَّبِيِّ بَلْ تَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَقَلُّ الصلاة علي الآل اللهم صلي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ على النبي صلي الله عليه وآله بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْمُورِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (الصَّحِيحُ) فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَطَعَ به جمهور الاصحاب (والثانى) أنهم عترته الذى يُنْسَبُونَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَسْلُهُمْ أَبَدًا حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُمْ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ التَّابِعِينَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصحابي وسفيان الثور وَغَيْرِهِمَا * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كُلِّهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُحْتَجُّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وأهلك) وَ (قَالَ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ انه عمل غير صالح) فَأَخْرَجَهُ بِالشِّرْكِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ نُوحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الاية انه ليس من أهلك الذى أَمَرْنَاكَ بِحَمْلِهِمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَأَهْلَكَ إِلا من سبق عليه القول منهم) فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) وعن وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جِئْتُ أَطْلُبُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فقالت فاطمة رضي الله تعالى عَنْهَا انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه فاجلس فَجَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَا فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا فَأَجْلَسَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخِذِهِ وَأَدْنَى فَاطِمَةَ مِنْ حِجْرِهِ وَزَوْجَهَا ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ وَأَنَّهُ مُنْتَبِزٌ فَقَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء أهلي اللهم حق قال وائلة قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ قال وأنت من أهلي قال وائلة انها لمن أرجا مَا أَرْجُوهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قال وهو إلى تخصيص وائلة بذلك أقرب من تعميم الامامة كلها به وكانه جعل وائلة فِي حُكْمِ الْأَهْلِ تَشْبِيهًا بِمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ لَا تَحْقِيقًا وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرْمُزَةَ نَافِعٌ السُّلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ " فقال كل مؤمن تَقِيٍّ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ أَبَا هُرْمُزَةَ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآلُ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا فَرْضٌ فِيهِ وَنَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُمَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ مسعود وابى مسعود البدرى رضي الله تعالى عَنْهُمَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ حكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَجُمْلَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وقال اسحق إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا رَجَوْتُ أَنْ تُجْزِئَهُ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (صَلُّوا عليه وسلموا تسليما) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الصَّلَاةَ وَأَوْلَى الْأَحْوَالِ بِهَا حَالُ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصلاة

قَالَ الْكَرْخِيُّ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بالاحاديث الصحيحة السابقة: واجابوا عن حديث " المسئ صَلَاتَهُ " بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَكَرِهِمَا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْجُلُوسَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا ترك للعلم به كما تُرِكَتْ النِّيَّةُ لِلْعِلْمِ بِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَسَيَأْتِي ايضا ج إدْرَاجِهَا وَقَوْلُ الْحُفَّاظِ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (نم يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من اربع من عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يُطِلْ الدُّعَاءَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْعُوَ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر لا اله الا انت ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ دُونَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قال أهل اللغة العذاب كل ما يفني الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ وَسُمِّيَ عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ (وَقَوْلُهُ) فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ أَيْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالْمَسِيحِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِهِ (وَقِيلَ) أَشْيَاءُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ نَبْسُطُهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْمَسِيحُ هُوَ الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ (وَقِيلَ) الْمَسِيحُ الْأَعْوَرُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ وَالدَّجَّالُ مِنْ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ سُمِّيَ بذلك لتمويهه وتغطيته

الحق بباطله وتجبب لَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ أَيْ يُقَدِّمُ مَنْ لَطَفَ بِهِ إلَى رَحْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ بِفَضْلِهِ وَيُؤَخِّرُ مَنْ شَاءَ عن ذلك بعد له * أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَ السَّلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَلَكِنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ أَفْضَلُ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَالْمَأْثُورَةِ فِي غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ ومما يُرِيدُهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي قَوْلِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا وَيَمِيلُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ كُلُّ ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ الصلاة بشئ مِنْهُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ " وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا الدُّعَاءِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْإِمَامِ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدُعَاءَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةُ ذَلِكَ إنْ كَانَ إمَامًا أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلًا لِلتَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَلْفَهُ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ وَحْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْرَهُ مَا أَطَالَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى سَهْوٍ أَوْ يَخَافُ بِهِ سَهْوًا وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ هَذَا نَصُّهُ نَقَلْتُهُ مِنْ الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَدْعِيَةٍ صَحِيحَةٍ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ ايها النبي ورحمة الله وبر كاته السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ

مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ؟ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ دَعَوْتَ بِهِ فِي صَلَاتِكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ أَعِدْ صلاتك وعن عبد الله بن عمر وبن الْعَاصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم قال لرسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ " قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) ظُلْمًا كَثِيرًا - هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَبِيرًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ كَبِيرًا * وَاحْتَجَّ البخاري

وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ أَمَا إنِّي لَا أُحْسِنَ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم حولهما ندندن " رواه ابودواود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (قَالَ) أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّنْدَنَةُ كَلَامٌ لَا يُفْهَمُ وَمَعْنَى حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ أَيْ حَوْلَ سُؤَالَيْهِمَا (إحْدَاهُمَا) سُؤَالُ طَلَبٍ (وَالثَّانِيَةُ) سُؤَالُ رَهَبٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ حُكْمِ الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدين والدنيا وله اللهم الرزقي كَسْبًا طَيِّبًا وَوَلَدًا وَدَارًا وَجَارِيَةً حَسْنَاءَ يَصِفُهَا وَاَللَّهُمَّ خَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا وغير ذلك ولا يبطل صلاته شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وابو ثور واسحق * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ إلَّا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ بِمَا يُطْلَبُ مِنْ آدَمِيٍّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إنْ دَعَا بِمَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ وَشِبْهَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ كَطَلَبِ جَارِيَةٍ وَكَسْبٍ طَيِّبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ * وَاحْتُجَّ لهم بقوله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصِحُّ فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يُسَمَّى دُعَاءً وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا فِي مَوَاضِعَ بِأَدْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَجْرَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ في حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا اعجبه واحب إلَيْهِ وَمَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هريرة " ثم يدعو لفنسه مَا بَدَا لَهُ " قَالَ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ " اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَيَّاشَ بن ابى ربيعة وسلمة بْنَ هِشَامٍ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وطأتك علي مضر واجعلهما عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَهَؤُلَاءِ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْأَحَادِيثُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ التَّشْمِيتِ وَرَدِّ السَّلَامِ أَنَّهُمَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِآدَمِيٍّ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ فِي آخِرِهَا مُتَوَرِّكًا وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَدَعَا عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ فَكُرِهَتْ فِيهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) * *

* (الشرح) * هذا الذى ذكره متفق عليه علي ما ذكره * * قال المصنف رحمه الله * * (ثُمَّ يُسَلِّمُ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ فِيهِ نُطْقٌ كَالطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله حتى يرى بياض خده من ههنا ومن ههنا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَكَثُرَ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ صَغُرَ الْمَسْجِدُ وَقَلَّ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ

تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلِأَنَّ السَّلَامَ لِلْإِعْلَامِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ كَثُرَ اللَّغَطُ فَيُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ لِيُبَلِّغَ وَإِذَا قَلَّ النَّاسُ كَفَاهُمْ الْإِعْلَامُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي تَسْلِيمَةٍ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمَةٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ فَإِنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا كَمَا يَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَيَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى المأمومين من ناحيته في صفه وورائه وَقُدَّامِهِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَرَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكرم اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو العباس ابن سريج وابو العباس

ابن الْقَاصِّ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ نُطْقٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ الْجُرْجَانِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي السَّلَامِ لَوَجَبَ تَعَيُّنُهَا كَمَا قُلْنَا في تكبيرة الاحرام * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: أَمَّا حُكْمُ السَّلَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَأَقَلُّهُ

أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ لَمْ يَصِحَّ سَلَامُهُ فَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَوْ قَالَ سَلَامِي عَلَيْكَ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قَالَهُ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يسجد للسهو تجب إعَادَةُ السَّلَامِ وَإِنْ قَالَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَقُومُ التَّنْوِينُ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَمَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ فَقَدْ غَلِطَ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ نُقِلَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّنْوِينِ وَبِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَقَوْلُهُمْ) التَّنْوِينُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلْفِ وَاللَّامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَكِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي الْعُمُومِ وَالتَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ (أَنَّهُ) يَجْزِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْقِرَاءَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِئُهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَمِلَتْ السَّلَامَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ قال المكصنف رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْقَاصِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الاول قال

الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُعْظَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَحَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ لَمْ تَجِبْ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَعَيَّنٌ لِمَا شُرِعَ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالُوا فَلَوْ عَيَّنَ غَيْرَ الَّتِي هُوَ فِيهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ ثَانِيًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَمْ يَضُرَّ الْخَطَأُ فِي التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهَا الظُّهْرُ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ النِّيَّةُ فَمَعْنَاهُ ان يقصد سلامة الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِهِ فَتَكُونُ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِالسَّلَامِ فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ وَسَلَّمَ بِلَا نِيَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِنْ سَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُعِيدُ السَّلَامَ مَعَ النِّيَّةِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ الْخُرُوجَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ سَيَنْوِي الْخُرُوجَ عِنْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ هَذِهِ النِّيَّةُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ السَّلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوقِعَ السَّلَامَ فِي حَالَةِ الْقُعُودِ فَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ السَّلَامِ وَأَمَّا أَكْمَلُهُ فَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَلْ يُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ أَمْ يُقْتَصَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَلَا تُشْرَعُ الثَّانِيَةُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ تَسْلِيمَتَانِ (وَالثَّانِي) تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ وَلَا لَغَطَ عِنْدَهُمْ فَتَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثِنْتَانِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الثَّالِثَ قَوْلًا قَدِيمًا وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فَيَقْتَضِي ان يكون قولا آخر في الجديد (1) ثلاث وَالْمَذْهَبُ تَسْلِيمَتَانِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ثَبَتَ فَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ سَنَذْكُرُهَا (2) فَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ جَعَلَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَتَانِ فَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُتِمُّهُ مُلْتَفِتًا بِحَيْثُ يَكُونُ تَمَامُ سَلَامِهِ مَعَ آخِرِ الِالْتِفَاتِ فَفِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ خَدَّهُ الْأَيْسَرَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْجُمْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ إمَامُ لحرمين يَلْتَفِتُ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ مِنْ كل جانب قال وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّهُ إسْرَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سلم التسليمتين

_ (1، 2) كذا الاصل فحرر

عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ بَدَأَ بِالْيَسَارِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا إذَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ مِنْهَا وَقَدْ انْقَضَتْ الصَّلَاةُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ مَعَ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى السلام علي من علي يَمِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُسْلِمِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَبِالثَّانِيَةِ علي من علي يَسَارَهُ مِنْهُمْ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَخْتَصُّ بشئ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ نَوَى بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ نَوَاهُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْأُولَى أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضُ المأمومين الرد علي بعض ولكل مِنْهُمْ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَدَلِيلُ هَذِهِ النِّيَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ولا خلاف انه لا يجب شئ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ غَيْرُ نِيَّةِ الْخُرُوجِ فَفِيهَا الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الْمَوْجُودُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى الْمُخْتَصَرِ لِزَاهِرٍ السَّرَخْسِيِّ وَالنِّهَايَةِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْحِلْيَةِ لِلرُّويَانِيِّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يُوثَقُ بِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الْحَدِيثِ فَلَمْ أَجِدْهُ في شئ

مِنْ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَسَبَهَا الطبراني الي موسي ابن قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ وَعَنْهُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد (قُلْتُ) هَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَرَدَ فِي السَّلَامِ: أَمَّا حَدِيثُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّى علقها قال الحكم فِي حَدِيثِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) علقها - هو بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَمَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ السُّنَّةُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم على م تومؤن بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الْفَرْعِ رواه البيهقى من رواية ابن عمر ووائلة بْنِ الْأَسْقَعِ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ فَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تعالي عنها أن النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ الحاكم في السمتدرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قال المصنف

فِي الْكِتَابِ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قال رأيت النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُمَا بن مَاجَهْ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ (الثَّانِي) أَنَّهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ الْأَفْضَلِ وَلِهَذَا وَاظَبَ عَلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ أَشْهَرَ وَرُوَاتُهَا أَكْثَرَ (الثَّالِثُ) أَنَّ فِي رِوَايَاتِ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً مِنْ ثِقَاتٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيمَا يَنْوِي بِالسَّلَامِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السَّابِقُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم يصلى قبل العصر ابع رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى رواية منه فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ " عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله تعالي عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَأَنْ يُسَلِّمَ بعضنا علي بعض " رواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِ أَبِي دَاوُد سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَحْتَجُّونَ به واسناد روايتي الدارقطني وَالْبَيْهَقِيِّ حَسَنٌ وَاعْتَضَدَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا * (فَرْعٌ) فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا - لُغَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " - هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ - (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - قِيلَ ابْنُ هِلَالٍ أَبُو سَعِيدٍ (وَقِيلَ) غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (قَوْلُهُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - يصفه بذلك لِقُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الاسماعيلي ويقال له حسين أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَيُقَالُ الْخَتَنُ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُرْجَانِيُّ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي عَصْرِهِ مُقَدَّمًا فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَالْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ

مُبَرِّزًا فِي عِلْمِ الْجَدَلِ وَالنَّظَرِ وَالْفِقْهِ وَصَنَّفَ شَرْحَ التَّلْخِيصِ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يوم الاضحي سنة ست وثمانين وثلثمائة وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ السَّلَامُ وَلَا هُوَ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَا يُنَافِيهَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ * وَاحْتَجَّ لَهُ بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَقَالَ إذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ " وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو قال " قال رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَحْدَثَ وَقَدْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ " وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " إذَا جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تمت صلاته " * واحتج أصحابنا بحديث " تحليلها لتسليم " وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ مَعَ " قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي " والجواب عن حديث المسئ صَلَاتَهُ أَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَ السَّلَامِ لِعِلْمِهِ بِهِ كَمَا تَرَكَ بَيَانَ النِّيَّةِ وَالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَهُمَا وَاجِبَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْلَهُ " فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ قُضِيَتْ صَلَاتُهُ " إلَى آخِرِهِ زِيَادَةٌ مُدْرَجَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الحفاظ وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابن عمرو فضعيفان بانفاق الحفاظ، ضعفهما مَشْهُورٌ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ هَذَا فِي ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ

أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وعن عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَعَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ التَّابِعِينَ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ * قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَسَلَمَةُ ابن الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ قال ابن المندر عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ كَانَ مَسْجِدُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ وَمَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَةً وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا الْوَاجِبُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَةَ السَّلَامِ وَلَا يَمُدَّهَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْعُلَمَاءِ * وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو دَاوُد والترمذي والبيهقي وغيرهم من أثمة الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " قَالَ

حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَعْنَاهُ لَا يَمُدُّ مَدًّا * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَبْتَدِئَ السَّلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ سَلَامِهِ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَلَوْ قَارَنَهُ فِي السَّلَامِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مفارقته كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي بَاقِي الْأَرْكَانِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي صَلَاةٍ حتي يفرق مِنْهَا فَلَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مُفَارَقَتَهُ فَإِنْ نَوَاهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقُومَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِ البويطي فقال ومن سبقه الامام بشئ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَقُومُ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ قَالَ اصحابنا فان قام بعد فراغه من قوله السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فِي الْأُولَى جَازَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مفارقة الامام فيجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَامَ قَبْلَ شُرُوعِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قام المسبوق مقارنا لِلتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَإِنْ قُلْنَا لِلْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ

أَنْ يُسَلِّمَ مُقَارِنًا لِلْإِمَامِ جَازَ قِيَامُ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ كُلَّ حَالٍ جَازَ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ فِيهَا جَازَ لِلْمَسْبُوقِ الْمُفَارَقَةُ فِيهَا كَمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ الْقِيَامُ مَعَ الْمُقَارَنَةِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ سلم الامام فمكت الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِهِ جَالِسًا وَطَالَ جُلُوسُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ جَازَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ مَحْسُوبٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ يَجُوزُ تَطْوِيلُهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ وقد زالت فان جلس متعمدا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ * (فَرْعٌ) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى انْقَضَتْ قُدْوَةُ الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ وَالْمَسْبُوقِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ الْمُوَافِقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَدَامَ الْجُلُوسَ لِلتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ وَأَطَالَ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ نَقَلْتُهُ بِحُرُوفِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اقْتَصَرَ الْإِمَامُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ تَسْلِيمَتَانِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ ترك لَزِمَ الْمَأْمُومَ تَرْكُهُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فَتَشَهَّدَ بَعْدَ الركعة الرابعة ثم قال قَبْلَ السَّلَامِ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك عمدا بطلت صلاته الظُّهْرِ بِقِيَامِهِ وَصَحَّتْ الْعَصْرُ وَإِنْ قَامَ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ ذَكَرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ وَأَجْزَأَتْهُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا * قَالَ المصنف رحمه الله * * (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى لِمَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُهَلِّلُ فِي أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل قَدِيرٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) * * * (الشَّرْحُ) * اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ

أَنْ يَدْعُوَ أَيْضًا بَعْدَ السَّلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَجَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ الله صلي الله تعالي عليه وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " كُنَّا نَعْرِفُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَيْضًا أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ قَالَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم إذا انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ويصوموا كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَحُجُّونَ بها ويعتمرون يجاهدون وَيَتَصَدَّقُونَ فَقَالَ أَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال أَبُو صَالِحٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهَا يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الدُّثُورُ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَثْرٍ وبفتح الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَعَنْ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير غفرت

خطاياه وإن كاتت مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ ابن أبي وقاص رضي الله تعالي عنه أن رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَاةِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وأعوذ بك من أن ارد إلى أرذال الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ إسْنَادُ مُسْلِمٍ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَهُمَا صَحِيحَتَانِ وَكَانَ يَقُولُ الدُّعَاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ والله اعلم وعن معاذ رضى والله عنه " ان رسول الله صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ يَا مُعَاذُ الله إنِّي لَأُحِبّكَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعْهُنَّ دبر كل صلاة تقول للهم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفى راية أَبِي دَاوُد " بِالْمُعَوِّذَاتِ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ قُلْ هو الله احد مع المعوذتين وروى الطبري فِي مُعْجَمِهِ أَحَادِيثَ فِي فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ هُنَا وَجَاءَ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وله الحميد يحيى ويميت وهو علي كل شئ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا الشِّرْكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قال الترمذي حديث جسن غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ بِحَدِيثِ الِاسْتِغْفَارِ وَحَكَى حديث ثوبان قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَحَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ السَّابِقَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَ في الفصل بعد هذا اختار للامام المأموم أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ فَيُسِرَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بها) يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الدُّعَاءَ (وَلَا تَجْهَرْ) تَرْفَعْ (ولا تخافت) حتى لا تسمع نفسك قال وأحسب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَهَرَ قَلِيلًا يَعْنِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيَتَعَلَّمَ النَّاسُ مِنْهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا لَيْسَ يُذْكَرُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تكبير وَقَدْ ذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ " مُكْثَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولم يذكر جَهْرًا وَأَحْسَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْكُثْ إلَّا لِيَذْكُرَ سِرًّا " قَالَ وَأَسْتَحِبُّ لِلْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَنْ يُطِيلَ الذِّكْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لتفسيره الاية بحديث عائشة رضى الله تعالى عَنْهَا قَالَتْ " فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَرَّ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ تَعْلِيمَ النَّاسِ فَيَجْهَرَ لِيَتَعَلَّمُوا فَإِذَا تَعَلَّمُوا وَكَانُوا عَالِمِينَ أَسَرَّهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِسْرَارِ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هللنا وكبرنا ارتفعت اصواتنا فقال النبي صل الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

وَمُسْلِمٌ (ارْبَعُوا) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - أَيْ اُرْفُقُوا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِحْبَابَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَقِبَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ بِلَا خلاف وأماما اعْتَادَهُ النَّاسُ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ تَخْصِيصِ دُعَاءِ الْإِمَامِ بِصَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الحاوى فقال ان كانت صلاة لا يتنقل بَعْدَهَا كَالصُّبْحِ وَالْعَصْرِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَدَعَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيُخْتَارُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَنْزِلِهِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّخْصِيصِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ فَيَدْعُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا هَذِهِ الْمُصَافَحَةُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ وَلَا تُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ إنْ صَافَحَ مَنْ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَمُبَاحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ صافح من لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْمُصَافَحَةِ وَالسَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُشْبِهُهَا فِي فَصْلٍ عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَفِي اللَّيْلِ وَعِنْدَ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَقَدْ جَمَعْتُ مُعْظَمَ ذَلِكَ مُهَذَّبًا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * * (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَلْبَثَ حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ لِئَلَّا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سلمة رضى الله تعالي عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا

سلم قال النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي سَلَامَهُ فَيَمْكُثُ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ تَوَجَّهَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ بَنِي تَمِيمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مما يَلِي بَنِي سُلَيْمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كل شئ) * * * (الشَّرْحُ) * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَمْ لَا (وَالثَّانِيَةُ) لِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَثَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَيَثْبُتَ الرِّجَالُ قَدْرًا يَسِيرًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ الْمُسَارِعُونَ فِي سَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالُ آخِرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ فَإِذَا انْصَرَفْنَ انْصَرَفَ الْإِمَامُ وَسَائِرُ الرِّجَالِ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا كَيْ يَنْصَرِفْنَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ شهاب " فأرى

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفَدَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ ولان الاختلاط بهن مظنة الفساد (1) لان مُزَيَّنَاتٌ لِلنَّاسِ مُقَدَّمَاتٌ عَلَى كُلِّ الشَّهَوَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَلَسَ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَنْصَرِفَ إذَا قَضَى الْإِمَامُ السَّلَامَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ قَالَ وَتَأْخِيرُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ بَعْدَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب إذا انصرف المصلى أماما كان أوما مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يمينه وعن يساره وتلقاء وجهه رواه (2) ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَجِهَةُ الْيُمْنَى أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " لَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَرَى إلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ " رواه البخاري و (3) مسلم قَالَ " أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ " وَعَنْ هُلْبٍ بِضَمِّ الْهَاءِ الطَّائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ الِانْصِرَافُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ذَلِكَ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَتِلَ فِي الْمِحْرَابِ وَيُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِمَا جَازَ أَنْ يَنْفَتِلَ كَيْفَ شَاءَ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْفَتِلَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُدْخِلُ يَمِينَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَسَارَهُ إلَى النَّاسِ وَيَجْلِسُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يُدْخِلُ يَسَارَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَمِينَهُ إلَى الْقَوْمِ وَيَجْلِسُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِهَذَا الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا حَدِيثٌ فَلَسْت أَرَى فِيهِ إلَّا التَّخْيِيرَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بيته لفعل النافلة

_ (1 - 2) كذا بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل ولعله وروى مسلم عن انس الخ كما يعلم من مراجعة صحيحة فحرر

لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ " لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ نَصِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ وَأَرَادَ التَّنَفُّلَ فِي الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ قَلِيلًا لِتَكْثِيرِ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ بِكَلَامِ إنْسَانٍ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ " أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إلَى السَّائِبِ بْنِ أُخْتِ نُمَيْرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شئ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ نَعَمْ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي

فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إلَيَّ فَقَالَ لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تُكَلِّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ " فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ عَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ الْمُغِيرَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي النَّافِلَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا صَلَّى النَّافِلَةَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَهَا وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاقِيَ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات " والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (وَالسُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَنْ يَقْنُتَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عنه " ان النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " وَمَحِلُّ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ " لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ قال قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ " لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ قُلْ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " إلَى آخِرِهِ وَإِنْ قَنَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ قَالَ قَنَتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الصُّبْحِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنُؤْمِنُ بِك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ اولياءك اللهم غفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وألف بين قلوبنهم وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الدُّعَاءِ لِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْوِتْرِ أَنَّهُ قَالَ " تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَمِّنَّ عَلَى الدُّعَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّنَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ التَّأْمِينُ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ أَوْلَى وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ رَفْعُ الْيَدِ كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَحَكَى فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَلَا يُقْنَتُ فيه من غير حاجة فان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الْفَرَائِضِ لِمَا رَوَى

أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أحد كَانَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ قَالَ ربنا لك الحمد وذكر الدعاء) * * * (الشَّرْحُ) * فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ لَا يُقْنَتُ فِي الصُّبْحِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارَ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ فَهُوَ غَلَطٌ لَا يُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِنَا وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ فَهَلْ يُقْنَتُ فِيهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قطع به الجمهور ان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ كَخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيعِهَا وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَمُتَابِعُوهُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ حِينَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ الْقُرَّاءُ " وَأَحَادِيثُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَكَذَا صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ فَحَيْثُ يَجُوزُ فَالِاخْتِيَارُ فِيهِ إلَى الْمُصَلِّي قَالَ ومنهم من يشعر كلامه بالاسحباب قلت وهذ أَقْرَبُ إلَى السُّنَّةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ فَاقْتَضَى ان يكون سنة وممن صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالَ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقْنَتُ فِي شئ مِنْهُنَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَلَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ عِنْدَ نَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْقُنُوتِ عِنْدَنَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ قَنَتَ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَالِكِيًّا يَرَاهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيُعِيدُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ

قَالَ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ يَنْوِي بِهِ الْقُنُوتَ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ عَمَلٌ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ هَذَا نَصُّهُ وَأَشَارَ فِي التَّهْذِيبِ إلَى وَجْهٍ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَمَا لَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الْقِيَامِ فَحَصَلَ فِيمَنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّالِثُ) يُجْزِئُهُ (وَالرَّابِعُ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ فِي لَفْظِ الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَأَنَّهُ لا يذل من واليت تبارك رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِإِثْبَاتِ الْفَاءِ فِي فَإِنَّكَ وَالْوَاوِ فِي وَأَنَّهُ لَا يَذِلُّ وَتَبَارَكْتَ رَبَّنَا هَذَا لَفْظُهُ فِي رواية الترمذي (1) في رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَلَمْ يُثْبِتْ الْفَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَتَقَعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مُغَيَّرَةً فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ فَإِنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ يُحَافَظُ فِيهَا عَلَى الثابت عن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال " علمتي رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عليك

_ (1) كذا بالاصل

وأنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وَتَعَالَيْتَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القنوت شئ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ عن محمد بن الحنيفة وهو ابن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " إنَّ هذا الدعاء هو الذى كان أبي يدعوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي قُنُوتِهِ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يعلمهم هذا الدعاء ليدعوا بِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يَقُولُهَا في قنوت الليل " قال الْبَيْهَقِيُّ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَعَ لِقُنُوتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الثِّمَانُ هُنَّ اللَّوَاتِي نَصَّ عَلَيْهِنَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَبْلَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَبَعْدَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسَنَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَنْ عَادَيْتَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ بَلْ يُعَمِّمُ فَيَأْتِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ اللَّهُمَّ

اهْدِنَا إلَى آخِرِهِ وَهَلْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ (وَالثَّانِي) تَتَعَيَّنُ كَكَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ هَذَا كَلِمَةً أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَتَعَيَّنُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ بَلْ مُخَالِفٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قُنُوتُ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اللهم إنا تستعينك وَنَسْتَغْفِرُكَ إلَى آخِرِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يقول " اللهم انج الوليد ابن الْوَلِيدِ وَفُلَانًا وَفُلَانًا اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا " فَلْيَعُدَّ هَذَا الَّذِي قِيلَ بِالتَّعَيُّنِ غَلَطًا غَيْرَ مَعْدُودٍ وَجْهًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَقُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَغَيْرِ الْمَأْثُورِ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ دُعَاءٌ أَوْ شَبِيهَةٌ بِالدُّعَاءِ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الدُّعَاءَ وَلَمْ يُشْبِهْهُ كَآيَةِ الدَّيْنِ وَسُورَةِ تَبَّتْ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى الْقُنُوتَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْقُنُوتَ لِلدُّعَاءِ وهذا ليس

بِدُعَاءٍ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَنَتَ بِالْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وغيره قال البيهقى هو صحيح عن عمرو اختلف الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى اخْتِيَارِهَا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَنَتَ بَعْدَ الركوع فقال " اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من مَنْ يَفْجُرُكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى ونحفد ونخشى عذابك ونرجوا رَحْمَتَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى أَخَصْرَ مِنْ هَذَا وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَفِيهِ أَنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُنُوتَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ وَفِي حُسْنِ سِيَاقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَنْ حَفِظَ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَ هَذَا مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ إسْنَادَهُ مُرْسَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَأَمَّا الْآنَ فَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ قُنُوتِ عُمَرَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْأَصَحُّ تَأْخِيرُ قُنُوتِ عُمَرَ وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فَذَكَرَ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ وَقَالَ فِي آخِرِهَا تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " هذا لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ يُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَمَا يُكْرَهُ إطَالَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّل قَالَ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (الْخَامِسَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَفَّالِ وَالْبَغَوِيِّ وحكاه امام الحرمين عن

كثيرين من الاصحاب واشاروا الي ترجيحه واجتجوا بِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ لَا تُرْفَعُ لَهُ الْيَدُ كَدُعَاءِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَفِي الدَّلِيلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إمَامِ طَرِيقَةِ أَصْحَابِنَا الخراسانيين والقاضي أبو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالشَّيْخِ أَبِي محمد وابن الصباغ والمتولي والغزالي والشيح نصر المقدسي في كتبه الثلاث الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرِينَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قتلوا رضي الله تعالى عَنْهُمْ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ عَدَدًا من الصحابة رضي الله تعالى عَنْهُمْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْقُنُوتِ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَنْ عُمَرَ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هريرة رضي الله تعالي عَنْهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَمْ يُشْرَعْ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا يَرْفَعُ فَوَجْهَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ وَالْغَزَالِيُّ

وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (وَالثَّانِي) لَا يَمْسَحُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَسْتُ أَحْفَظُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ هُنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ لَمْ يثبت فيه خبر ولا أثر ولاقياس فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَيُقْتَصَرَ عَلَى مَا نَقَلَهُ السَّلَفُ عَنْهُمْ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ دُونَ مَسْحِهِمَا بِالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ كُفُوفِكُمْ وَلَا تسألوه بظهورها فأذا فرعتم فامسحوا بها وجوهكم " قال أبوا دَاوُد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ هَذَا مَتْنُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الْبَاشَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - عَنْ الَّذِي إذَا دَعَا مَسَحَ وَجْهَهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ لَهُ ثَبْتًا قَالَ عَلِيُّ وَلَمْ أَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَلَهُ رِسَالَةٌ مَشْهُورَةٌ كَتَبَهَا إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا مَسْحَهُ وَجْهَهُ بَعْدَ الْقُنُوتِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ " رواه الترمذ ى وقال حديث غريب انفرد به حماد ابن عِيسَى وَحَمَّادُ هَذَا ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَغَلِطَ فِي قَوْلِهِ إنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا قَالَ غَرِيبٌ وَالْحَاصِلُ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ دُونَ مَسْحِ الْوَجْهِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبَّانِ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبَّانِ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ مِنْ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصُّبْحِ هَلْ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي (أَحَدُهُمَا) لَا يَجْهَرُ كَالتَّشَهُّدِ وَكَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ سَأَلَ الرَّحْمَةَ أَوْ اسْتَعَاذَ مِنْ الْعَذَابِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُوَافِقُهُ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤَمِّنُ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ قَنَتَ وَأَسَرَّ وَإِنْ قُلْنَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ يسمع الامام فوجهان مشهوران للخراسانين (أَصَحُّهُمَا) يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَاءِ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التأمين والقنوت فان قلنا يؤمن فوجهان (أَحَدِهِمَا) يُؤَمِّنُ فِي الْجَمِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا)

وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يُؤَمِّنُ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ دُعَاءٌ وَأَمَّا الثَّنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إلَى آخِرِهِ فَيُشَارِكُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَسْكُتُ وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ لَا يَلِيقُ فِيهِ التَّأْمِينُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لِبُعْدٍ أَوْ غيره وقلنا لو سمع لامن فهنا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقْنُتُ (وَالثَّانِي) يُؤَمِّنُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِيمَا إذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا إذَا قَنَتَ فِي بَاقِي الْمَكْتُوبَاتِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ فِي السِّرِّيَّاتِ وَفِي جَهْرِهِ بِهِ فِي الْجَهْرِيَّاتِ الْوَجْهَانِ قَالَ وَإِطْلَاقُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَحَدِيثُ قُنُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُتِلَ الْقُرَّاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شئ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقُنُوتِ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ " وَفِي الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ عَلَى قُنُوتِ الْإِمَامِ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَنَتَ رسول الله شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ (السَّابِعَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ (الْقُنُوتُ) فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ (مِنْهَا) الدُّعَاءُ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا الدُّعَاءُ قُنُوتًا وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ يُقَالُ فنت له وقنت عليه (قوله) قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ مَعْنَاهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو علي الكفار الذين قتلوا أصحابه القراةء بِبِئْرِ مَعُونَةَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ (وَقَوْلُهُ) ثُمَّ تَرَكَهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ (أَحَدُهُمَا) تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ (وَالثَّانِي) تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ وَلَعْنَتَهُمْ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَتْرُكْهُ (قَوْلُهُ) لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ - (قَوْلُهُ) وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ أَيْ نَتْرُكُ مَنْ يَعْصِيكَ وَيُلْحِدُ فِي صِفَاتِكَ وَهُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ - (قَوْلُهُ) وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ هُوَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ نُسَارِعُ إلَى طَاعَتِكَ وَأَصْلُ الْحَفْدِ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ) إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ - هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ - أَيْ الْحَقَّ وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ) مُلْحِقٌ الْأَشْهَرُ فِيهِ كَسْرُ الْحَاءِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ فِيهِ

الفتح فمن افتح فَمَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِمْ وَمَنْ كسر معناه لحق كما يقال أينبت الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ (قَوْلُهُ) وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي أجمعها علي الخير (قوله) الحكمة هي كُلُّ مَا مَنَعَ الْقَبِيحَ (قَوْلُهُ) وَأَوْزِعْهُمْ أَيْ أَلْهِمْهُمْ (قَوْلُهُ) وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ أَيْ مِمَّنْ هَذِهِ صفته (قوله) أن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْصَارِ الدُّعَاءُ بِالنَّصْرِ عَلَى الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ) لما روى الحسن ابن عَلِيٍّ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سَبْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَيْحَانَتُهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ) الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ قُنُوتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ أَبُو رافع الصائغ واسمه نقيع - بِضَمِّ النُّونِ - مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَخْيَارِهِمْ بَكَى حِينَ أُعْتِقَ وَقَالَ كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أحدهما *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِيهَا سواء نزلت نازلة أو لم تنزل وبها قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي ليلي والحسن ابن صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ لَا قُنُوتَ فِي الصُّبْحِ قَالَ أَحْمَدُ إلَّا الْإِمَامَ فَيَقْنُتُ إذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ وَقَالَ إِسْحَاقُ يَقْنُتُ لَلنَّازِلَةِ خَاصَّةً وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ " رَوَاهُ البخاري ومسلم وفى صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا يَدْعُو لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ " قُلْتُ لِأَبِي يَا أَبِي إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ فَحَدِّثْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شئ مِنْ صَلَاتِهِ " وَعَنْ أَبِي مَخْلَدٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الصُّبْحَ فَلَمْ يَقْنُتْ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَرَاك تقنت فقال ما احفظه عن احمد مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ " وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَصَحَّحُوهُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلْخِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ في مواضع من كتبه والبيهقي ورواه الدارقطني

مِنْ طُرُقٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ " سَأَلْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قُلْتُ عَمَّنْ قَالَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ - التَّابِعِيِّ قَالَ " قَنَتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْفَجْرِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ ذِكْرُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَضُرُّ تَرْكُ النَّاسِ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْ دل الاجماع على نسخه فيها وأما الحواب عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ فَالْمُرَادُ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَلَعْنَتَهُمْ فَقَطْ لَا تَرَكَ جَمِيعَ الْقُنُوتِ أَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ " لَمْ يَزَلْ يَقْنُتْ فِي الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " صَحِيحٌ صَرِيحٌ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكَ اللَّعْنَ وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ أَنَّ رواية الذين اثبتوا القنوت معهم زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُمْ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ من رواية محمد بن جابر السحمى وَهُوَ شَدِيدُ الضَّعْفِ مَتْرُوكٌ وَلِأَنَّهُ نَفْيٌ وَحَدِيثُ أنس إثبات فقدم لزيادة العلم وحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ أَوْ نَسِيَهُ وَقَدْ حَفِظَهُ أَنَسٌ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَغَيْرُهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ حَفِظَ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيِّ وَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ وَأَبُو لَيْلَى مَتْرُوكٌ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ " قَنَتَ فِي الصُّبْحِ " وَعَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عن ابيه عن ام سلمة قال الدارقطني هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ وَلَا يَصِحُّ لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ: قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نزلت قنت

فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ قَدْ قَنَتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصِفِّينَ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَنْ خَالَفَنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا لِقَتْلِ الْقُرَّاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَاقِيهَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ * (فَرْعٌ) فِي مذهبهم فِي مَحِلِّ الْقُنُوتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الخطاب وعثمان وعلي رضى تَعَالَى عَنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروينا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهَذَا قال مالك واسحق وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّخْيِيرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرَيْنِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الفجر يدعوا عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَاصِمٍ قَالَ " سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَكَانَ قبل الركوع أو بعده قال قبله قُلْتُ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ

انك قلت بعد الرُّكُوعِ قَالَ كَذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَكَ من الامر شئ " رواه البخاري وعن حفاف بْنِ إيمَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رَكَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَالْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " إنَّمَا قَنَتَ النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَقُلْتُ كَيْفَ الْقُنُوتُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْقُنُوتَ الْمُطْلَقَ الْمُعْتَادَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يُرِيدُ بِهِ اللَّعْنَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ فهو اولي وعلي هذا درج الخلفاء الرشدون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصحيح في مذهبنا عند الاكثرين استحابه وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالي عَنْهُمْ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرأى قال وكان يزيد ابن أَبِي مَرْيَمَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ: اعْلَمْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ مِنْ لِحْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي رواية للبخاري

" فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا بِمَطَرٍ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " وَثَبَتَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ان الله حى كريم سخى إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَالصِّفْرُ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْخَالِي وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالي عنه في قصة القراء الدين قُتِلُوا قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفْعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ وعن عائشة رضي الله تعالى عَنْهَا فِي حَدِيثِهَا الطَّوِيلِ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ لِلدُّعَاءِ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ قَالَتْ " أتى البقيع فقال فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْحَرَفَ قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ وَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عمر بن الخطاب رضى تعالى عَنْهُ قَالَ " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رجلا فاستقبل نبى الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وعدتني اللهم آت ما وعدتني فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداءه عَنْ مَنْكِبَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) يَهْتِفُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ - يُقَالُ هَتَفَ يَهْتِفُ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ كَانَ يرمى الجمرة سبع حصياة يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَقْبِلُ وَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو ويرفع يديه ثم يرمى جمرة ذَاتَ الْعَقَبَةِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خرجوا بالمساحى فرفع النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيير " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ

صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " لما فرع النبي صلى الله تعالي عليه وسلم من خبير بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ أَبَا عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه استشهد فقال لابي موسي يا ابن أخى امرني النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَمَاتَ أَبُو عَامِرٍ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْتُ إلَى النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفْعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سعد رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف ليصلح بينهم فحانت الصلا فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم أن أئبت مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَمَرَهُ به رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالط عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي أَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ فَلَا تُعَاقِبْنِي فِيهِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال " استقبل رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَتَهَيَّأَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللهم اهد أو ساو أت بهم " وعن جابر رضي الله تعال عَنْهُ " أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله تعالي عليه وسلم هل لك فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَتِهِ مَعَ صَاحِبٍ لَهُ وَأَنَّ صَاحِبَهُ مَرِضَ فَجَزَعَ فَجَرَحَ يَدَيْهِ فَمَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ فَقَالَ غُفِرَ لِي بِهِجْرَتِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا شَأْنُ يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لَنْ يَصْلُحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ نفسك فقصها الطفيلى على النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ

رفع يديه " وعن علي رضي الله تعالي عَنْهُ " قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْوَلِيدِ إلَى النَّبِيِّ صلي الله تعالى عليه وسلم تشكوا إلَيْهِ زَوْجَهَا أَنَّهُ يَضْرِبُهَا فَقَالَ اذْهَبِي إلَيْهِ فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَقَالَتْ إنَّهُ عَادَ يَضْرِبُنِي فَقَالَ اذْهَبِي فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ فَقَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْوَلِيدَ " وعن عائشة رضي الله تعالي عَنْهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى بَدَا ضَبْعَاهُ يدعو لعود عثمان رضى الله تعالي عَنْهُ " وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ " أخبرني من رأى النبي صلي الله تعالي

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ " وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ " كَانَ عُمَرُ رضي الله تعالي عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " وَعَنْ الْأَسْوَدِ أن ابن مسعود رضي الله تعالي عَنْهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي إلَى آخِرِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَصْرَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِالرَّفْعِ فِيهَا فَهُوَ غَالِطٌ غَلَطًا فَاحِشًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

* (وَالْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ فِيهِ وَالرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَعْتَدِلَ وَالسُّجُودُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ وَالصَّلَاةُ على رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ وترتيب افعالها علي ما ذكرناه وَالسُّنَنُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَالنَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَدُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّأْمِينُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرَاتُ سِوَى

تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَمَدُّ الظَّهْرِ وَالْعُنُقِ فِيهِ وَالْبِدَايَةُ بِالرُّكْبَةِ ثُمَّ بِالْيَدِ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْأَنْفِ فِي السُّجُودِ وَمُجَافَاةُ الْمِرْفَقِ عَنْ الْجَنْبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِقْلَالُ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالتَّوَرُّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالِافْتِرَاشُ فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى مَقْبُوضَةً وَالْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى مَبْسُوطَةً وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ وَنِيَّةُ السَّلَامِ علي الحاضرين) * *

* (الشرح) * أما الفروض فهى علي ما ذكر الا أن فيه الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا خِلَافٌ سَبَقَ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَضَمَّ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ إلَى الْفُرُوضِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا مَبْسُوطَةً وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ في البسيط وجهبن فِي أَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ كَالرُّكُوعِ أَمْ رُكْنٌ مُتَكَرِّرٌ كَالرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى رُكْنٌ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ

إنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ وَأَمَّا السُّنَنُ فَمِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسُ وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبَقِيَ مِنْهَا سُنَنٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ كَثِيرًا فِي مَوْضِعِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِذَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَغْنِيَ بِهِ كَمَا لَمْ يَسْتَغْنِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا حَصْرُهَا وَضَبْطُهَا بِالْعَدَدِ فَمِمَّا تَرَكَهُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إذَا رَفَعَهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَضَمُّهَا إلَى القبلة

فِي السُّجُودِ وَتَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي السُّجُودِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ وَالِالْتِفَاتُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ يَمِينًا وشمالا وغيرها مما سبق وكثير من هذا المذكورات يقال استغنى لكونه وصفا لشئ ذَكَرَهُ هُنَا وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وقوله التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ التَّسْمِيعُ فِي الرَّفْعِ وَالتَّحْمِيدُ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ لَا يُشْرَعُ فِي الرَّفْعِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا اعْتَدَلَ وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ فِي مَوْضِعِهِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لِلصَّلَاةِ أَرْكَانٌ وَأَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ وَشُرُوطٌ فَالْأَرْكَانُ هِيَ الْفُرُوضُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا وَالْأَبْعَاضُ سِتَّةٌ أَحَدُهَا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي الْقِيَامُ لِلْقُنُوتِ وَالثَّالِثُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ الْجُلُوسُ لَهُ وَالْخَامِسُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَالسَّادِسُ الْجُلُوسُ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدَيْنِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ * وَأَمَّا الْهَيْئَاتُ وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ أَبْعَاضًا فَكُلُّ مَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ الْأَرْكَانِ وَالْأَبْعَاضِ * وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَخَمْسَةٌ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَعْرِفَتُهُ الْوَقْتَ يَقِينًا أَوْ ظَنَّا بِمُسْتَنَدٍ وَضَمَّ الفورانى والغزالي

الي الشروط ترك فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَتَرْكَ الْأَكْلِ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشُرُوطٍ وَإِنَّمَا هِيَ مُبْطِلَاتُ الصلاة كقع النية وغير ذلك ولا تسمى شروطا لا فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ اسْمَ الشَّرْطِ كَانَ مَجَازًا لِمُشَارَكَتِهَا الشَّرْطَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ اخْتِلَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ بِعُذْرٍ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَفَاقِدِ السُّتْرَةِ وَإِنْ تَرَكَ غَيْرَهُمَا صَحَّتْ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأَبْعَاضِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي هَذَا وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ وبالله التوفيق *

مسائل تتعلق بصفة الصلاة

(فصل) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ فِيهَا بِنَشَاطٍ وَإِقْبَالٍ عَلَيْهَا وَأَنْ يَتَدَبَّرَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ وَيُرَتِّلَهُمَا وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ وَيُرَاقِبَ اللَّهَ تعالي فيها ويسمع من الفكر في غير هذا حتي فرغ منها ويستحضر مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ قال الله تعالي (قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية قال الخشوع في القلب وان تُلِينَ جَانِبَكَ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ وَأَنْ لَا تَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِك. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ الْخُشُوعُ السُّكُونُ فِيهَا وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْخَيْلُ الشُّمْسُ ذَاتُ التَّوَثُّبِ وَالنِّفَارِ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ ذَكَرَ فضل الوضوء وفى آخره ان قال فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِاَلَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ

أُمُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يحضر صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا

مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الْيَسْرِ - بفتح المثناة تحت والعين الْمُهْمَلَةِ - وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ وَالثُّلُثَ وَالرُّبْعَ وَالْخُمْسَ حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا نَحْوَهُ أَوْ مِثْلَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا صحيح وقد ذكر البيهقى اختلاف الرواة فيه وروى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ ابن الزبير رضى الله عنهما إذا قام

فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ وَحَدَثَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ أَرَى فِي كُلِّ حَالٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ التَّشَهُّدَ وَالتَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةَ أَوْ يَزِيدَ فِيهَا شَيْئًا بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ وَرَاءَهُ ممن يثقل لسانه قد بلغ أو يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَرَى لَهُ فِي الحفض وَالرَّفْعِ أَنْ يَتَمَكَّنَ لِيُدْرِكَهُ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَالثَّقِيلُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَعَلَ بِأَخَفِّ الْأَشْيَاءِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَلْيَقُ لَكِنْ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الباب وهنا

ذكرها الشافعي رحمه الله وسعيدها مَبْسُوطَةً بِفُرُوعِهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ وَمَعْرِفَةُ أَعْمَالِهَا قَالَ فَإِنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ فَرْضِيَّةَ الْوُضُوءِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَرْكَانَهَا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا سُنَّةً (وَالثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضَ أَفْعَالِهَا فَرْضًا وَبَعْضَهَا سُنَّةً وَلَا يُمَيِّزُ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ (أَحَدُهُمَا) لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ

وَهِيَ وَاجِبَةٌ (وَأَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ صَلَاتَهُ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَجْهَانِ هَكَذَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَرَائِضَ صَلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّنَفُّلَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ فَإِنْ نَوَى التَّنَفُّلَ بِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلَوْ غَفَلَ عَنْ التَّفْصِيلِ فَنِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيَةٌ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْزَمَ الْأَعْرَابَ وَغَيْرَهُمْ هَذَا التَّمْيِيزَ وَلَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ صَلَاةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّشَهُّدَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَصِفَةَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَحُكْمُهُ مَا سبق فيمن

لَا يُحْسِنُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (الرَّابِعَةُ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى حِفْظِ أَشْيَاءَ سَبَقَتْ مبسوطة في مواضعها (مِنْهَا) أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَنَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَكَذَا فِي الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَتَكُونُ الْأَصَابِعُ مُفَرَّقَةً فِيهَا

كُلِّهَا وَلِلْأَصَابِعِ أَحْوَالٌ فِي الصَّلَاةِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي فَصْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسَبَقَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَفِي الثُّلَاثِيَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَفِي الثُّنَائِيَّةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَأَنَّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَرْبَعَ جِلْسَاتٍ الْجِلْسَةُ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ وَلِلِاسْتِرَاحَةِ وَلِلتَّشَهُّدَيْنِ يَتَوَرَّكُ فِي الْآخِرَةِ وَيَفْتَرِشُ فِي الْبَاقِي وَأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ في المغرب أريع تَشَهُّدَاتٍ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا فِي السُّجُودِ كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيهِ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَأَنْ تخفض صوتها وان نابها شئ فِي صَلَاتِهَا صَفَّقَتْ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا وَأَبْعَاضِهَا

وَأَمَّا الْهَيْئَاتُ الْمَسْنُونَاتُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي مُعْظَمِهَا وتخالفه فيما ذكر الشافعي يخالف النِّسَاءُ الرِّجَالَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) لَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حق الرِّجَالِ (الثَّانِي) تَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ (الثَّالِثُ) تَقِفُ وَاحِدَتُهُنَّ خَلْفَ الرَّجُلِ لَا بِجَنْبِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ (الرَّابِعُ) إذَا صَلَّيْنَ صُفُوفًا مَعَ الرِّجَالِ فَآخِرُ صُفُوفِهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَوْقِفُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا صِفَةُ قُعُودِهَا فِي صَلَاتِهَا فَكَصِفَةِ قُعُودِ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا

وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا صَلَّتْ قَاعِدَةً جَلَسَتْ مُتَرَبِّعَةً وَهَذَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيُّ * وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى خَفْضِ صَوْتِهَا وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ وبالله التوفيق *

الجزء الرابع

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ ويليه فتح العزيز الجزء الرابع دار الفكر

باب صلاة التطوع

بسم الله الرحمن الرحيم (بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَدِّ التَّطَوُّعِ وَالنَّافِلَةِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أن تطوع الصلاة مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ يفعله الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً وَالذَّاهِبُونَ إلَى هَذَا قَالُوا مَا عَدَا الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (سُنَنٌ) وَهِيَ الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمُسْتَحَبَّاتٌ) وَهِيَ الَّتِي فَعَلَهَا أَحْيَانًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا (وَتَطَوُّعَاتٌ) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا مَا سِوَى الْفَرَائِضِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ السُّنَّةَ وَالنَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُرَغَّبَ فِيهِ وَالْمُسْتَحَبَّ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهِيَ مَا سِوَى الْوَاجِبَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ فِعْلُ الطَّاعَةِ وَصَارَ فِي الشَّرْعِ مَخْصُوصًا بِطَاعَةٍ غَيْرِ واجبة * * قال المصنف رحمه الله * (أفضل عبادات البدن الصلاة لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " استقيموا واعلموا ان خير اعمالكم الصلاة ولا يحافظ علي الوضوء الا مؤمن " ولانها تجمع من القرب ما لا يجمع غيرها من الطهارة واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي وسائر الافعال وتطوعها أفضل التطوع) *. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ ماجه فيه فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِيهِ وفى فضائل الصلوات قيل اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ رَوَيَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ بِلَفْظِهِ هُنَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ قَالَ " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ

تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ " إلَخْ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ مِنْ خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ " وَفِي بعض روايات البيهقى ثبات مِنْ وَفِي بَعْضِهَا حَذْفُهَا وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ ضَعْفٌ وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ ثَوْبَانَ جَيِّدٌ لكن من رواية سالم بن ابى الجعدى عَنْ ثَوْبَانَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَسْمَعْ سَالِمٌ مِنْ ثَوْبَانَ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا مُعْضَلًا فَقَالَ بَلَغَنِي إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إلَّا مُؤْمِنٌ " قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ الْزَمُوا طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَنْ تحصو أن تطيقو الِاسْتِقَامَةَ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَقِيلَ لَنْ تُحْصُوا مالكم فِي الِاسْتِقَامَةِ مِنْ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ وَسَائِرِ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ اُخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ قَوْمٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ وقال آخرن الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ وَالصَّوْمُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُحْتَجُّ بِتَرْجِيحِ الصَّوْمِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يفرحهما إذا افطر فرح وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعمِائَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّائِمُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ غَيْرُهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا الدَّلِيلُ لِتَرْجِيحِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ (مِنْهَا) " حَدِيثُ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ " وَقَدْ سَبَقَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ علي الصوم والعرب تبدأ بالاهم (وَحَدِيثُ) ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يذهبن السيئات) فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِي هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قال لجميع أمتى " روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَرَأَيْتُمْ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمس مرات هل يبقى من درنه قالوا لا يبقي من درنه شئ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لم تفشو الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْبَرْدَانِ

الصبح والعصر وعن عمارة بن رويبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَانْظُرْ يا ابن آدم لا يطالبنك الله من ذمته بشئ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا لِتَرْجِيحِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِهَا تَجْمَعُ الْعِبَادَاتِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لا تسقط في حال من الاحوال مادام مُكَلَّفًا إلَّا فِي حَقِّ الْحَائِضِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ يُرَدُّ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ الصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ غَلَطٌ وَغَفْلَةٌ مِنْ مُورِدِهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا تَطَوُّعٌ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ الِاشْتِغَالُ بِحِفْظِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ حِفْظَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ فَإِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَحَدِهِمَا أو يكون غالب عَلَيْهِ مَنْسُوبًا إلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ وَيَقْتَصِرَ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْمُتَأَكَّدِ مِنْهُ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَالتَّفْضِيلِ وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَتَطَوُّعُهَا ضَرْبَانِ ضَرْبٌ تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ (وَضَرْبٌ) لَا تُسَنُّ لَهُ فَمَا سُنَّ لَهُ الْجَمَاعَةُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَهَذَا الضَّرْبُ أَفْضَلُ مِمَّا لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ فِي سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ وَأَوْكَدُ ذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهَا رَاتِبَةٌ بِوَقْتٍ كَالْفَرَائِضِ ثُمَّ صَلَاةُ الْكُسُوفِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لله الذى خلقهن) وَلَيْسَ هَهُنَا صَلَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَلِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَبْوَابٌ نَذْكُرُ فِيهَا أَحْكَامَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ

(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَطَوُّعُ الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَضَرْبٌ) لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ جَمَاعَةٌ صَحَّ وَهُوَ مَا سِوَى ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَفْضَلُهَا وَآكَدُهَا صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَلِأَنَّهَا يُخْتَلَفُ فِي كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ ثُمَّ الْكُسُوفَيْنِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الِانْفِرَادُ بِهَا أَفْضَلُ فَالنَّوَافِلُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَغَيْرِهِمَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ لِأَنَّهَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَأَشْبَهَتْ العيد وهذا اختيار القاضي أبو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ أَفْضَلُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ النبي وَاظَبَ عَلَى الرَّاتِبَةِ دُونَ التَّرَاوِيحِ وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فمن أصحابنا

مَنْ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ بِالتَّرَاوِيحِ أَفْضَلُ مِنْ إقَامَتِهَا جَمَاعَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنَّ الرَّاتِبَةَ الَّتِي لَا تُصَلَّى جَمَاعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَإِنْ شُرِعَتْ لَهَا الْجَمَاعَةُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِسِيَاقِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ: بَلْ قَالَ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَاتٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ " الْحَدِيثَ فَقَدَّمَ الشَّمْسَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَعَ كَثْرَتِهَا وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّمْسِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَمَرِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِدْعَةٌ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَسْقِي تَارَةً بِالصَّلَاةِ وَتَارَةً بِالدُّعَاءِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَلَمْ يَتْرُكْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَلِأَنَّ الْكُسُوفَ يُخَافُ فَوْتُهَا بِالِانْجِلَاءِ كَمَا يُخَافُ فَوْتُ الْفَرِيضَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَتَتَأَكَّدُ لِشَبَهِهَا بِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْكُسُوفَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُسُوفَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ بَلْ فِيهَا طَلَبٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ لَا يُكْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوَا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " لَا يُكْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " يُخَوِّفُ اللَّهُ بهما عباده فإذا رأيتم منهما شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ ومسلم بعضها فِيهِمَا وَبَعْضُهَا فِي أَحَدِهِمَا وَفِيهِمَا أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ نَحْوُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْكُسُوفَ غَالِبًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ بِخِلَافِ الْقَحْطِ فَتَمَحَّضَ الْكُسُوفِ عِبَادَةٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

واما ما لا يسن له الجماعة ضربان راتبة بوقت وغير راتبه فاما الراتبة فمنها السنن الراتبة مع الفرائض وأدنى الكمال فيها عشر ركعات غير الوتر وهى ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين " وحدثتني حفصة بنت عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم " كان يصلى سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر " والاكمل أن يصلي ثمانى عشرة ركعة غير الوتر ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء لما ذكرناه من حديث ابن عمر وأربعا قبل الظهر وأربعا بعدها لما روت ام حبيبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ من حافظ علي أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم علي النار " وأربعا قبل العصر لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة ومن معهم من المؤمنين " والسنة فيها وفى الاربع قبل الظهر وبعدها أن يلم من كل ركعتين لما رويناه من حديث علي رضى الله عنه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَالسَّجْدَتَانِ رَكْعَتَانِ وَحَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ السَّلَامِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاسْمُ أُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَقِيلَ اسْمُهَا هِنْدٌ كُنِّيَتْ بِابْنَتِهَا حبيبة بنت عبد الله ابن جَحْشٍ وَكَانَتْ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهَا: وَفِي الْفَصْلِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ أَيْضًا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امرءا صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَكْمَلُ فِي الرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ غَيْرِ الْوِتْرِ ثَمَانِ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ عَشْرٌ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثمان فاسقط سنة العشاء قاله الْخُضَرِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَزَادَ قبل الظهر ركعتين أخرتين وَقِيلَ بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَكُلُّ هَذَا سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُؤَكَّدِ مِنْهُ * (فَرْعٌ) فِي اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا الِاسْتِحْبَابُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدرن السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقُلْتُ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ المغرب ابتدروا

السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " رواه الْبُخَارِيُّ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي اسْتِحْبَابِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطُّوسِيُّ وَأَبُو زَكَرِيَّا السُّكَّرِيُّ حَكَاهُ عَنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَيُكْرَهُ أن يشرع في شئ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ نَفَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ عَلِمَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لِكَثْرَتِهِمْ وَلِمَا مَعَهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ ابْنُ عُمَرَ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ يَشَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ * (فَرْعٌ) فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا: تُسَنُّ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا صَلَاةٌ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَالْأَكْمَلُ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا هَذَا مُخْتَصَرُ الْكَلَامِ فِيهَا: وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ فَقَالَ أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُنَّتُهَا أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ (1) صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَهِيَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ لَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاَلَّذِي يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا مَا يُصَلِّي بَعْدَ الظُّهْرِ إنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا يُصَلِّي قَبْلَهَا مَا يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ أَبُو نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا نَصَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ غَلَطٌ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مِنْ أَوَاخِرِ كُتُبِ الْأُمِّ قَبْلَ كِتَابِ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِيهِ وَنَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الجمعة ركعتان فهذا ما حضرني

_ (1) كذا بالاصل فحرر اه *

الْآنَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: وَأَمَّا دَلِيلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلِيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا " وَفِي رِوَايَةٍ إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فصلوا بعدها أربعة " رواه مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " إذَا صَلَّيْتُمْ الْجُمُعَةَ فَصَلُّوا بَعْدَهَا أَرْبَعًا ": وَأَمَّا السُّنَّةُ قَبْلَهَا فَالْعُمْدَةُ فِيهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ " وَالْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ في شئ مِنْهُنَّ " فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جدا ليس بشئ وَذَكَرَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ لِمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثِ " صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى " وَسَيَأْتِي أَدِلَّةُ الْمَسْأَلَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهَا تَسْلِيمٌ يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * (وما يفعل قبل الْفَرَائِضِ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الْفَرْضِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْفَرْضِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْفَرَاغِ مِنْ الْفَرْضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى ان يذهب وَقْتِ الْفَرْضِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَبْقَى وَقْتُ سُنَّةِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ والنص الاول اظهر) *

(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ وَقْتُ السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرَائِضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَرِيضَةِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ السُّنَنِ الَّتِي بعد الفرائض بفعل الفريضة ويبقى مادام وَقْتُ الْفَرِيضَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَبْقَى وَقْتُ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّ سُنَّةَ الصُّبْحِ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِفِعْلِ فَرِيضَةِ الصُّبْحِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ سُنَّةَ فَرِيضَةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِفِعْلِ الظُّهْرِ وَيَصِيرُ قَضَاءً وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْتَدُّ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَأَمَّا الْوِتْرُ فَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ فِيهَا بِوَاحِدَةٍ " وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سبح اسم ربك الأعلى) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي الثَّالِثَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَوْتَرَ بِمَا زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَلِأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَوْ كَانَتْ مَوْصُولَةً بِالرَّكْعَتَيْنِ لَمَا جَهَرَ فِيهَا كَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهَا بِتَسْلِيمَةٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْنُتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ

رمضان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ إذَا انْتَصَفَ الشَّهْرُ مِنْ رَمَضَانَ أن تلعن الكفرة في الوتر بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثم يقول اللهم قاتل الكفرة وقال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَمَحِلُّ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ مَحِلُّهُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ فِي الصُّبْحِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ وَوَقْتُ الْوِتْرِ مَا بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يُصَلِّيَهُ بَعْدَ التَّهَجُّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ خَافَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ طَمَعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ) * (الشَّرْحُ) الْوِتْرُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَدْنَى كَمَالِهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ أَكْثَرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَمَنْ قال باحدى عشرة بتأولها عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ حَسَبَ مَعَهَا سُنَّةَ الْعِشَاءِ ولو زاد على ثلاثة عَشْرَةَ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ عَلَى أَوْجُهٍ مِنْ أَعْدَادٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ انْحِصَارِهِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَعْدَادِ إنَّمَا هُوَ فيما لم يجاوز ثلاثة عَشْرَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ مُجَاوَزَتُهَا فَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِهَا وَالْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِيمَا زَادَ عَلَى إقَامَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى انْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَإِذَا أَوْتَرَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ فَمَا دُونَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ أَرَادَ جَمْعَهَا بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخِرِهَا كُلِّهَا جَازَ وَإِنْ أَرَادَهَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَسَلَامٍ وَاحِدٍ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا جَازَ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِتَشَهُّدَيْنِ بَلْ يُشْتَرَطُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِتَشَهُّدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ فِي كل تشهد قال الامام وهذا الوجه ردئ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَكْسَهُ

أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ غَلَطٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةٌ بِإِبْطَالِهِمَا والصواب جواز ذلك كله كما قدمناه ولكن (1) الافضل تشهد ام تشهدان ام هما معافى الْفَضِيلَةِ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ تَشَهُّدًا فَقَطْ أَمَّا إذَا زَادَ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ وَجَلَسَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى السَّلَامِ فِي الْآخِرَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وَيَصِحُّ وِتْرُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً بِتَشَهُّدَاتٍ وَسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُطْلَقَةَ لَا حَصْرَ لِرَكَعَاتِهَا وَتَشَهُّدَاتِهَا بِخِلَافِ الْوِتْرِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَفِي الْأَفْضَلِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَفْصُولَةً بِسَلَامَيْنِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَلِكَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ تَتَجَدَّدُ النِّيَّةُ وَدُعَاءُ التَّوَجُّهِ وَالدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالثَّانِي إنْ وَصَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَحِّحُ الْمَفْصُولَةَ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالْوَصْلُ حَتَّى تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِكُلِّ الْمُقْتَدِينَ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وهل الثلاث الموصولة أفضل أم ركعة فَرْدَةً فِيهِ أَوْجُهٌ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالثَّانِي الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَا هَذَا الْقَائِلُ فَقَالَ الرَّكْعَةُ الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ مِنْ إحْدَى عَشْرَةَ مَوْصُولَةً وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَرْدَةُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَصْلِ بِثَلَاثٍ أَمَّا الْوَصْلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاثٍ فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ نَوَى بِهَا الْوِتْرَ وَإِنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ نوى الوتر ايضا وإذا فصل الركعتان بِالسَّلَامِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ نَوَى بِكُلِّ ركعتين رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) فِي وَقْتِ الْوِتْرِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَدْخُلُ بِفَرَاغِهِ مِنْ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ سَوَاءٌ صَلَّى بينه وبين العشاء نافلة ام لا سواء أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ أَمْ بِأَكْثَرَ فَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَمْ سَهَا وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ أَمْ ظَنَّ جَوَازَهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ ظَانًّا أَنَّهُ تَطَهَّرَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ فَأَوْتَرَ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي الْعِشَاءِ فَوِتْرُهُ بَاطِلٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَدْخُلُ وَقْتُ الْوِتْرِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَبْلَهَا حَكَاهُ إمَامُ الحرمين

_ (1) كذا بالاصل ولعل اداة الاستفهام سقطت من الناسخ *

وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالُوا سواء تعمد ام سَهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ دَخَلَ وَقْتُهُ بِفِعْلِ الْعِشَاءِ وَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ فَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَافِلَةٌ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ فَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْلٌ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهَا نَفْلًا وَبُطْلَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ * وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْوِتْرِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصبح وأما الوقت المستحب للاتيار فقطع المنصف وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَجَّدُ اُسْتُحِبَّ أن يوتر بعد فريضة العشاء وسنتها فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ التَّهَجُّدِ وَيَقَعُ وِتْرُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ تَقْدِيمُ الْوِتْرِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ نَفْلُهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلٍ وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ وَكُلٌّ سَائِغٌ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ الَّذِي سَبَقَ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ وَوَثِقَ بِاسْتِيقَاظِهِ أَوَاخِرَ اللَّيْلِ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوِتْرَ لِيَفْعَلَهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ كل الليل قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وترا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَافَ أَلَّا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمَعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ التَّفْصِيلِ وَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ

حَتَّى أَمُوتَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَأَلَّا أَنَامَ إلَّا عَلَى وِتْرٍ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولَانِ عَلَى مَنْ لَا يَثِقُ بِالْقِيَامِ آخِرَ اللَّيْلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ثُمَّ قَامَ وَتَهَجَّدَ لَمْ يُنْقَضْ الْوِتْرُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بَلْ يَتَهَجَّدُ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ شَفْعًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ قِيَامِهِ رَكْعَةً يُشْفِعُهُ ثُمَّ يَتَهَجَّدُ مَا شَاءَ ثُمَّ يُوتِرُ ثَانِيًا وَيُسَمَّى هَذَا نَقْضُ الْوِتْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَحْبَبْنَا الْجَمَاعَةَ فِي التَّرَاوِيحِ اُسْتُحِبَّتْ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا فِي الْوِتْرِ بَعْدَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ لَمْ يُوتِرْ مَعَهُمْ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً وَأَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانِ وَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِيهِ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْنُتَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ كبار أصحابنا أي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَأَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانِ وَأَبِي مَنْصُورِ بْنِ مِهْرَانَ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ ابن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا السَّابِقِ فِي الْقُنُوتِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي مَوْضِعٍ اسْتَحَبَّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَوْ قَنَتَ حَيْثُ لَا يَسْتَحِبُّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ * (فَرْعٌ) فِي مَوْضِعِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَرْمَلَةَ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَالثَّانِي قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي دَلِيلُ الْجَمِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا قُلْنَا يُقَدِّمُهُ علي الركوع فالصحيح المشهور

أنه يقيت بِلَا تَكْبِيرٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَقْنُتُ ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَفْظُ الْقُنُوتِ هُنَا كَهُوَ فِي الصُّبْحِ وَلِهَذَا لَمْ يذكره المصنف قالوا؟ ؟ ؟ باللهم اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَبِقُنُوتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ قُنُوتِ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اهدني أم تأخيره فيه وجها قَالَ الرُّويَانِيُّ تَقْدِيمُهُ أَفْضَلُ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي غَيْرِ تَعْلِيقِهِ عَنْ شُيُوخِهِمْ تَأْخِيرَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا آكَدُ وَأَهَمُّ فَقُدِّمَ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ يَزِيدُ فِي الْقُنُوتِ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ * (فَرْعٌ) حُكْمُ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ وَرَفْعِ الْيَدِ وَمَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا سَبَقَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرَهُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَفِيهِمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) إذَا أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً أَمْ غَيْرَهَا فِي اللَّيْلِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنَّا نعدله سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ بَيَانًا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَعَ رِوَايَةِ خَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ آخِرَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ كَانَتْ وِتْرًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ

أحاديث كثيرة بالامر بكون آخِرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ " كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " رَوَيَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَدْعُو النَّاسَ إليه وهذه جهالة وغباوة أُنْسِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَتَنَوُّعِ طُرُقِهَا وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فَاحْذَرْ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ فِي فَضْلِ الْوِتْرِ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ هَكَذَا أَيْضًا الْحَاكِمُ علي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَهِيَ قَوْلُهُ الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَغَرِيبَةٌ لَا أَعْرِفُ لَهَا إسْنَادًا صَحِيحًا وَيُغْنِي عَنْهَا مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّالِثُ) حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الوتر فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ (قل يا أيها الكافرون وفي والثالثة (قل هو الله احد) (والمعوذتين) ورواه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أبى بن كعب راه الترمذي النسائي ابن ماجه من راية بن عَبَّاسٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا ذِكْرُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (الرَّابِعُ) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ يُسْمِعُنَاهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذَا اللفظ (الخامس) قيل فان كَانَ يَعْلَمُ حَدِيثَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر رواه النسائي بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ

بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اخْتِصَارًا مِنْ حَدِيثِهَا فِي الْإِيتَارِ بِتِسْعٍ يَعْنِي حَدِيثَهَا السَّابِقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (السَّادِسُ) حَدِيثُ قنوت عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ أَبَقَ أُبَيٌّ هذا لفظ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بَلْ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْهُ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ مَجْهُولٍ (السَّابِعُ) حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَبَيَّنَ سَبَبَ ضَعْفِهَا (الثَّامِنُ) حَدِيثُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ امدكم بصلاة هي خير لكم مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفٌ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ رَجُلَانِ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُعْرَفُ سَمَاعُ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ (التَّاسِعُ) حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من خَافَ أَلَّا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمَعَ الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ * (فَرْعٌ) فِي لُغَاتِ أَلْفَاظِ الْفَصْلِ الْوَتْرُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ شَهِدَ بَدْرًا وَالْعَقَبَةَ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ شهرا حتي يثبت امساكنه توفى في الغزو بالقسطنطنينية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَجَلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عليه (لم يكن الذين كفروا) السُّورَةَ وَقَالَ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَقْرَأَهَا عَلَيْكَ وَحَدِيثُهُ هَذَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ

وقيل عشرين وقيل ثنتين وَعِشْرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ) الْوِتْرُ حَقٌّ أَيْ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَالتَّهَجُّدُ هُوَ الصَّلَاةُ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْوِتْرِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً حَتَّى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ الْوِتْرُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأُمَّةُ كُلُّهَا إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ هُوَ وَاجِبٌ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ فَرْضٌ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَا هُوَ سُنَّةٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذَا * وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يوتر بخمس " الخ وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " ياهل الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الْوِتْرُ " وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا " وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وذكروا اقسية وَمُنَاسِبَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ * واحتج اصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلِيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ وَسَأَلَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَاسْتَنْبَطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَدِلَّةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّلَوَاتِ إنَّمَا هُوَ الْخَمْسُ (الثَّانِي) قَوْلُهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لا

(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَمْسِ إنَّمَا تَكُونُ تَطَوُّعًا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ قَالَ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْخَمْسِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ إلَى فُقَرَائِهِمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الْيَمَنِ كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَلِيلٍ جِدًّا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ الْمُخْدَجِيُّ قَالَ كَانَ بِالشَّامِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فرحت إلي عبادة - يعنى بن الصَّامِتِ - فَقُلْتُ إنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ قَالَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا جَاءَ وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَا عَهْدَ لَهُ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه قال ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْوِتْرُ أَمْرٌ حَسَنٌ جَمِيلٌ عَمَل بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ (فَإِنْ قِيلَ) لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ مَذْهَبَكُمْ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالْمَكْتُوبَةِ وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ هَذَا الْوَاجِبِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ غَيْرَ مَا سَبَقَ لَكِنْ اكثرها ضعيفة لا استحل الاحتجاج بها فيما ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَمِنْ الضَّعِيفِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ حَدِيثُ أَبِي جَنَابٍ - بِجِيمٍ وَنُونٍ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثٌ هُنَّ عَلِيَّ فَرَائِضُ

وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ اسْمُهُ يحيي بن أبي حيينه ضَعِيفٌ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِأُبَيِّنَ ضَعْفَهُ وَأُحَذِّرَ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ قَالَ اصحابنا ولانها صلاة لا تشرع لَهَا الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ كَالضُّحَى وَغَيْرِهَا وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ عَلَى الْأَعْيَانِ مِنْ الْجِنَازَةِ وَالنَّذْرِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ الْمُتَأَكِّدِ ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدْلَلْنَا بِهَا فَهَذَا جَوَابٌ يَعُمُّهَا وَيُجَابُ عَنْ بَعْضِهَا خُصُوصًا بِجَوَابٍ آخَرَ فَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يَكُونُ الوتر إلا ثلاث ركعات وحديث عمر بن شعيب في إسناد الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ في روايته عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ أَبُو الْمُنِيبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَادَّعَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي فِعْلِ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ مَذْهَبُنَا: أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ واحمد واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِعُذْرٍ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي وَقْتِ الْوِتْرِ وَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَمْتَدُّ وَقْتُهُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ انهم قالوا يفوت لطلوع الفجر ومن استحب الاتيان أَوَّلَ اللَّيْلِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمَا أَسَنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ تَأْخِيرَهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَذَكَرْنَا دَلِيلَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ الْوِتْرِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ وَأَكْثَرَهُ إحْدَى عَشْرَةَ

وَفِي وَجْهٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ أَكْثَرِهِ كَانَ أَفْضَلَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ إلَّا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مَوْصُولَةٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَهَيْئَةِ الْمَغْرِبِ قَالَ لَوْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَوَافَقَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ان الركعة الواحدة لا يصح الا ينار بِهَا غَيْرُهُمَا وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ محمد بن كعب القرظبى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ " وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ الْمَغْرِبُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتِي الْوِتْرِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْوِتْرُ ركعة من آخر الليل " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قالت " كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أحب أن يوثر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوثر بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناده صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شئ إلَّا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " رواه الدارقطني وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُمْ التَّطَوُّعَ أَوْ الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَفْصُولَةٍ عَمَّا قَبْلَهَا ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ بِأَسَانِيدِهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وسعد بن أبى وقاص وتميم الدارمي وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: والجواب عما احتجوا به من حديث الثيراء أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ وَعَنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا ثَلَاثٌ فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ: والجواب عن قوله ما أجزأته صَلَاةُ رَكْعَةٍ قَطُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ ولو ثبت لحمل علي الفرائض فقد أَنَّهُ ذَكَرَهُ رَدًّا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ الرَّبَاعِيَةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ قَطُّ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيتَارِ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يَقْرَأُ مَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد مرة والمعوذتين وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تقرأ المعوذتين وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي فَرْعِ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ بِإِثْبَاتِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ والله أعلم *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ هَلْ يَفْصِلُ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الثَّلَاثَةِ بِسَلَامٍ: فَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الْفَصْلَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ الْقَارِئِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ ابن ابي ربيعة ومالك واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَوْصُولَاتٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِيهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّبَيْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ والحسن البصري والنخعي واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَقْنُتُ فِيهِ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بِدْعَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحِلِّ الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ بِهِ أَقُولُ وَحَكَى الْقُنُوتَ قَبْلَ الركوع عن عمر وعلي رضى الله عنهما أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى واصحاب الرأى واسحق وَحُكِيَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمَا جَائِزَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ أَدِلَّةُ الْمَسْأَلَةِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَسَبَقَ هُنَاكَ مَذَاهِبُهُمْ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِلْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يُسَلِّمُ مِنْهَا وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وهذا حديث ضعيف ضعفه بن الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ وَحَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ مِثْلَ حَدِيثِ أُبَيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نَقْضِ الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إذَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَا يُنْقَضُ وِتْرُهُ بَلْ يُصَلِّي مَا شَاءَ شَفْعًا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَسَعْدٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وعلقمة والنخعي

وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ رضى الله عنهم قالت طَائِفَةٌ يَنْقُضُهُ فَيُصَلِّي فِي أَوَّلِ تَهَجُّدِهِ رَكْعَةً تَشْفَعُهُ ثُمَّ يَتَهَجَّدُ ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَابْنِ سِيرِينَ واسحق رضي الله عنهم دليلنا السَّابِقُ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ " وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْوِتْرَ الْأَوَّلَ مَضَى عَلَى صِحَّتِهِ فلا يتوجه إبطاله بَعْدَ فَرَاغِهِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يُفْهَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَحَذَفْتُهَا ههنا اختصارا لطول الكلام وبالله التوفيق * قال المنصف رحمه الله * (وآكد هذه السنن الراتبة مع الفرائض سنة الفجر والوتر لانه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما وأيهما أفضل فيه قولان قال في الجديد الوتر افضل لقوله صلي الله عليه وسلم " إن الله امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر " وقال صلى الله عليه وسلم " من لم يوتر فليس منا " ولانه مختلف في وجوبه وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكأن الوتر آكد وقال في القديم ستة الفجر آكد لقوله صلي الله عليه وسلم " صلوها ولو طردتكم الخيل " ولانها محصورة لا تحتمل الزيادة والنقصان فهي بالفرائض أشبه من الوتر) *

(الشَّرْحُ) الْحَدِيثَانِ الْأَوَّلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي مَسَائِلِ الْوِتْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ " وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم علي شئ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في شئ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَأَفْضَلُ الرَّوَاتِبِ الْوِتْرُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ الْوِتْرُ أَفْضَلُ وَالْقَدِيمُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ تَلِي الْوِتْرَ فِي الْفَضِيلَةِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَفِيهِ وَجْهٌ حكاه الرافعى عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ " ثُمَّ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الرَّوَاتِبِ وَالتَّرَاوِيحِ الضُّحَى ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا لَمْ نُوجِبْهُمَا وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ سُنَّةِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ مُجْمَعٌ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا لِلْأَحَادِيثِ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَتَجُوزُ بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ وَبِتَشَهُّدَيْنِ فَإِذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ يَنْوِي بِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَإِذَا صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَتَشَهُّدَيْنِ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَنُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ كَالْخِلَافِ فِي الْفَرِيضَةِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وقد

سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ الينا الْآيَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تعالوا الآية أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله احد وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي هَذَا وَمِمَّا يستدل به لا يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَ صَلَاةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَيُصَلِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ بِكَلَامٍ

وَدَلِيلُ تَقْدِيمِهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَدَلِيلُ الِاضْطِجَاعِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَذَكَرَتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَتْ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يَجْزِي أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ قَالَ لَا " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهَا حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ كَانَ

يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وتركه سواء ولابد مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ عَائِشَةَ السَّابِقَةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اسْتِحْبَابَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ هُوَ سُنَّةٌ بَلْ سَمَّوْهُ بِدْعَةً وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ فِي بَعْضِهَا الِاضْطِجَاعُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّرِيحِ فِي الْأَمْرِ بِهَا وَكَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ كُلِّهَا بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَضْطَجِعَ أَيْضًا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَدْ صَحَّ اضْطِجَاعُهُ بَعْدَهُمَا وَأَمْرُهُ بِهِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَيَكُونُ سُنَّةً وَتَرْكُهُ يَجُوزُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الِاضْطِجَاعِ الْفَصْلُ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ فَيَحْصُلُ بِالِاضْطِجَاعِ وَالتَّحَدُّثِ أَوْ التَّحَوُّلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاضْطِجَاعُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُخْتَارُ الِاضْطِجَاعُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هِيَ بِدْعَةٌ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ نَفْيٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي السَّفَرِ لَكِنَّهَا فِي الْحَضَرِ آكَدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا وَدَلِيلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال بِهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الطَّوِيلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَجُمَلٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ قَالَ فِيهِ أَنَّهُمْ " كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصبح حتى طلعت الشمس فصاروا حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الصُّبْحِ (الْخَامِسَةُ) مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الرَّاتِبَةِ أَوْ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ ان شاء الله تعالي بدلائلها * * قال المصنف رحمه الله * (ومن السنن الراتبة قيام رمضان وهو عشرون ركعة بعشر تسليمات والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير ان يأمرهم بعزيمة فيقول مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه والافضل ان يصليها في جماعة نص عليه البويطي لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جمع الناس علي ابى بن كعب ومن اصحابنا من قال فعلها منفردا أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقى الشهر والمذهب الاول وانما تأخر النبي صلي الله عليه وسلم لئلا تفرض عليهم وقد رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها) *

(الشرح) حديث ابي هريرة رواه مسلم يلفظه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مُخْتَصَرًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ ثم تأخروا لحديث الْآخَرُ " خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا " فَرَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (قَوْلُهُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ مَعْنَاهُ لَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ أَمْرَ تَحْتِيمٍ وَإِلْزَامٍ وَهُوَ الْعَزِيمَةُ بَلْ أَمْرُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ فِيهِ بِذِكْرِ فَضْلِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحْتِسَابًا أَيْ يَفْعَلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا رِيَاءً وَلَا نَحْوَهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أصحابنا المتقدمين (والثاني) الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْخِلَافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ وَلَا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي المسجد بتخلفه فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا هَذَا الْفَرْقُ

وَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ صَاحِبُ الشامل قال أبو العباس وأبو إسحق صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ * (فَرْعٌ) يَدْخُلُ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلْيُصَلِّهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ قَالَ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي سُنَّةَ التَّرَاوِيحِ أَوْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ أَوْ قِيَامَ رَمَضَانَ فَيَنْوِي فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهَا عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ غَيْرَ الْوِتْرِ وَذَلِكَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ وَالتَّرْوِيحَةُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ أن الاسود بن مزيد كَانَ يَقُومُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْعٍ وَقَالَ مالك التراويح تسع ترويحات وهى ستة وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ * وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَفْعَلُونَهَا هَكَذَا وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يَقُومُونَ رَمَضَانَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ ركعة وكانوا يقومون بالمائتين وكانوا يتوكؤون عَلَى عِصِيِّهِمْ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ مِنْ شِدَّةِ الْقِيَامِ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا قِيَامَ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا سَبَبُهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ طَوَافًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَطُوفُونَ بَعْدَ التَّرْوِيحَةِ الْخَامِسَةِ فَأَرَادَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسَاوَاتَهُمْ فَجَعَلُوا مَكَانَ كُلِّ طَوَافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَزَادُوا سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَفْعَلُوا فِي التَّرَاوِيحِ فِعْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيُصَلُّوهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً لِأَنَّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَرَفًا بِمُهَاجَرَةِ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَدْفِنِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَارُوا أَهْلَ مَكَّةَ وَلَا يُنَافِسُوهُمْ * (فَرْعٌ) فِيمَا كَانَ السَّلَفُ يَقْرَءُونَ فِي التَّرَاوِيحِ: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكُفْرَ فِي رَمَضَانَ قال وكان

الْقَارِئُ يَقُومُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وإذا قام في ثنتى عَشْرَةَ رَكْعَةٍ رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْقِيَامِ فَنَسْتَعْجِلُ الخدم بالسحور مخافة الفجر وروى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِائَتَيْنِ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعَصَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابي عثمان الهندي قال؟ ؟ ؟ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَلَاثَةِ قُرَّاءٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ ثَلَاثِينَ آيَةً وَأَمَرَ أَوْسَطَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَأَمَرَ أَبْطَأَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ عِشْرِينَ آيَةً * (فَرْعٌ) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الرِّجَالُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ والنساء علي سليمان ابن أَبِي حَثْمَةَ وَعَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ كَانَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إماما وللنساء فَكُنْتُ أَنَا إمَامَ النِّسَاءِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ فِعْلَ التَّرَاوِيحِ فِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الْقُمِّيَّ ادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَآخَرُونَ الِانْفِرَادُ بِهَا أَفْضَلُ دَلِيلُنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً كما سبق * * قال المصنف رحمه الله * (ومن السنن الراتبة صلاة الضحي وافضلها ثمان ركعات لما روت ام هاني بنت أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صلاها ثمان ركعات واقلها ركعتان لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " يصح على كل سلامى من احدكم صدقة ويجزى من ذلك ركعتان يصليهما من الضحى " ووقتها إذا اشرقت الشمس الي الزوال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْمُ أُمِّ هَانِئٍ فَاخِتَةُ وَقِيلَ هِنْدُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئٍ الْحُرَّةُ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ وَاسْمُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جُنْدُبٌ وَقِيلَ بُرْبُرٌ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ - وَهُوَ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنَاقِبُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَشْهُورَةٌ قِيلَ كَانَ رَابِعَ مَنْ أَسْلَمَ وَقِيلَ خَامِسَ وَهُوَ كنانى غفاري توفى في خلافة عثمان اثنين وَثَلَاثِينَ بِالرَّبَذَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ سُلَامَى هُوَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَفْصِلُ وَجَمْعُهُ سُلَامَيَاتٌ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ الْمَفَاصِلُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ خَلَقَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ وَقَوْلُهُ إذَا

أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَشْرَقَتْ بِالْأَلِفِ وَمَعْنَاهُ أَضَاءَتْ وَارْتَفَعَتْ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وأشرقت الارض قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ إذَا أَضَاءَتْ وَشَرَقَتْ طَلَعَتْ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا صَلَاةُ الضُّحَى سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وقال الروياتى وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَكْثَرُهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِيهِ حَدِيثٌ فِيهِ ضَعْفٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ سِتٌّ قال اصحابنا ويسلم من كل ركعتين وينوى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ قال إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ تَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَالرَّمْضَاءُ الرَّمْلُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهُ مِنْ الشَّمْسِ أَيْ حِينَ يَبُولُ الْفُصْلَانُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي أَخْفَافِهَا

(فَرْعٌ) فِي مُخْتَصَرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ وُجُوبَهَا أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى التَّرَاوِيحِ لِهَذَا الْمَعْنَى * فَمِنْ الاحاديث حديث ابي ذر وأم هاني وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ في بَعْضِهَا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى قَالَتْ لَا الا ان يجئ مِنْ مَغِيبِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا كَمَا ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عَائِشَةُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَكَمَا ذَكَرَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ وَأَوْصَى بِهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَكُونُ عِنْدَهَا فِي وَقْتِ الضُّحَى إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ يَكُونُ مُسَافِرًا وَفِي وَقْتٍ يَكُونُ حَاضِرًا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ فَلَهُ

تِسْعُ نِسْوَةٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لَهُنَّ فَلَوْ اعْتَبَرْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَمَا صَادَفَ وَقْتَ الضُّحَى عِنْدَ عَائِشَةَ إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَا رَأَتْهُ صَلَّاهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ النَّادِرَةِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُهُ وَعَلِمَتْ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا بِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ فَرَوَتْ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ (2) وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا سِتًّا كُتِبْتَ مِنْ القانتين وان صليتها ثمانى كُتِبْتَ مِنْ الْفَائِزِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ فَقَالَ فِي اسناده نظر وعن نعيم بن همار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنَ آدَمَ لَا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِكَ أَكْفِكَ آخِرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

_ (2) بياض بالاصل فحرر *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (قُلْتُ) وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ وَتَسْمِيَةُ الْمُصَنِّفِ لَهَا رَاتِبَةً صَحِيحَةٌ وَمُرَادُهُ أَنَّهَا رَاتِبَةٌ فِي وَقْتٍ مَضْبُوطٍ لَا أَنَّهَا رَاتِبَةٌ مَعَ فَرْضٍ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الضُّحَى سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَافَّةً وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَرَاهَا بِدْعَةً وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ بِدْعَةً علي انه لم يبلغه الاحاديث المذكورة؟ ؟ ؟ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا أَوْ أَنَّ الْجَهَارَةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا بِدْعَةٌ وَإِنَّمَا سُنَّةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ بَسَطْتُ جَوَابَهُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (ومن فاته من هذه السنن الراتبة شئ فِي وَقْتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ فَلَمْ تُقْضَ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالثَّانِي تُقْضَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ رَاتِبَةٌ فِي وَقْتٍ فَلَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَإِنَّمَا تُفْعَلُ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ الْعَارِضُ)

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رَاتِبَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْكُسُوفِ وَقَوْلُهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا النَّوَافِلُ قِسْمَانِ (أَحَدُهُمَا) غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِعَارِضٍ كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فهذا إذا فات لا يقضى (والثانى) مُؤَقَّتٌ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى وَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا فَهَذِهِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي

الْجَدِيدِ وَالثَّانِي لَا تُقْضَى وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ مَا اسْتَقَلَّ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى قُضِيَ وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ كالرواتب مع الفرائض فلا يقضي وإذا تُقْضَى فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهَا تُقْضَى أَبَدًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَقْضِي فَائِتَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ وَفَائِتَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ وَعَلَى هَذَا تُقْضَى سُنَّةُ الْفَجْرِ مَا دَامَ النَّهَارُ بَاقِيًا وَحَكَوْا قَوْلًا آخَرَ ضَعِيفًا أَنَّهُ يَقْضِي كُلَّ تَابِعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ فَرِيضَةً مُسْتَقْبَلَةً فَيَقْضِي الْوَتْرَ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ وَيَقْضِي سُنَّةَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ والباقى علي هَذَا الْمِثَالُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا بِفِعْلِهَا وَهَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ الْجَمِيعِ أَبَدًا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَاتَهُ الصُّبْحُ فِي السَّفَرِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ وَحَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أَبَى سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وتلكم عَلَى إسْنَادِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ بِطُرُقِ الْحَدِيثِ وَالْأَسْمَاءِ فَيَتَوَهَّمَ ضَعْفَ مَا لَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ ضَعِيفًا وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَدَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَارَ سُنَّةً وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا فِي الْخَصَائِصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهَا وَفِي هَذَا أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي دليلنا هذه الاحاديث الصحيحة * قال المصنفة رحمه الله * (وأما غير الراتبة فهي الصلوات التي يتطوع الانسان بها في الليل والنهار وأفضلها التهجد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بعد المفروضة صلاة الليل " وانها تفعل في وقت غفلة الناس وتركهم الطاعات فكانت افضل وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذاكروا الله في الغافلين كشجرة خضراء بين أشجار يابسة " وآخر الليل أفضل من أوله لقوله تَعَالَى (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وبالاسحار هم يستغفرون) ولان الصلاة بعد النوم اشق ولان المصلين فيه اقل فكان افضل فان جزأ الليل ثلاثة أجزاء فالثلث الاوسط أفضل لما روى عبد الله ابن عمر ورضي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " أحب الصلاة الي الله تعالى صلاة داود كان ينادى نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " ولان الطاعات في هذا الوقت أقل فكانت الصلاة فيه أفضل ويكره أن يقوم الليل كله لما روى عبد الله ابن عمر وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ " تصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل فقلت نعم قال لكنى أصوم وافطر واصلي وانام وآتي النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظُهُ عندهما ان عبد الله ابْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِك عَلَيْك حَقًّا " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرُوِيَا فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ في الحديث الاول عبد الله ابن عُمَرَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَبْدَ الله بن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تأويل له وصوابه عبد الله ابن عمرو ابن الْعَاصِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَحَدِيثُهُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّهَجُّدُ اصله الصلاة

فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ وقَوْله تَعَالَى كَانُوا قليلا من الليل ما يهجعون قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ الْهُجُوعُ النَّوْمُ فِي اللَّيْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقِيلَ إنَّ مَا صِلَةٌ وَالْمَعْنَى كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنْ الليل ويصلون أكثره وقيل معناه كان الليل الذى ينامونه قَلِيلًا وَقِيلَ بِالْوَقْفِ عَلَى قَلِيلًا أَيْ كَانُوا قَلِيلًا مِنْ النَّاسِ ثُمَّ يُبْتَدَأُ مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ أَيْ لَا يَنَامُونَ شَيْئًا مِنْهُ وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ وَالْأَسْحَارُ جَمْعُ سَحَرٍ وَهُوَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ السَّحَرُ السُّدُسُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ وقوله فان جزأ اليل ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ يُقَالُ جَزَّأَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا لغتان فصيحتان حكاهما ابن السكيت وغيره وبعدهما هَمْزَةٌ أَيْ قَسَّمَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِيَامُ الليل سنة متؤكدة وَقَدْ تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِلَا سَبَبٍ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَعَ ما ذكره المصنف فان قسم لليل نِصْفَيْنِ فَالنِّصْفُ الْآخِرُ أَفْضَلُ وَإِنْ قَسَمَهُ أَثْلَاثًا مُسْتَوِيَةً فَالثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُهَا وَأَفْضَلُ مِنْهُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِي صَلَاةِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ كُلَّ اللَّيْلِ دَائِمًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا فَالْجَوَابُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كُلِّهِ دَائِمًا يَضُرُّ الْعَيْنَ وَسَائِرَ الْبَدَنِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي فِي اللَّيْلِ ما فاته

مسائل مهمة تتعلق بصلاة الليل

مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ وَلَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ إذَا صَلَّى اللَّيْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ هَذَا حُكْمُ قِيَامِ اللَّيْلِ دَائِمًا فَأَمَّا بَعْضُ اللَّيَالِي فَلَا يُكْرَهُ إحْيَاؤُهَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ لعشر الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَحْيَا اللَّيْلَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ (إحْدَاهَا) يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْلِ أَنْ يَمْسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَنْ يَتَسَوَّكَ وَأَنْ يَنْظُرَ فِي السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ الْآيَاتِ الَّتِي فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والارض الْآيَاتِ ثَبَتَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ بَعْدَهُمَا كَيْفَ شَاءَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا قال أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا بِدَلَائِلِهِ وَفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) تَطْوِيلُ الْقِيَامِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَأَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (الْخَامِسَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَمْ الْإِسْرَارُ أَمْ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يتاذى؟ ؟ ؟ أَحَدٌ وَلَا يُخَافُ بِهِ رِيَاءٌ وَنَحْوُهُ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَسَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَالسُّنَّةُ تَرْتِيلُ قِرَاءَتِهِ وَتَدَبُّرُهَا وَلَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْآيَةِ لِلتَّدَبُّرِ وَإِنْ طَالَ تَرْدِيدُهَا (السَّادِسَةُ) إذَا نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتْرُكْهَا وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ وَهُوَ نَاعِسٌ لعله يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَالَ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ ما هذا قالو الزينب تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ فَقَالَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَشْهُورَةٌ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إذَا اسْتَيْقَظَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُوقِظَ لَهَا امْرَأَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا اسْتَيْقَظَتْ لَهَا أَنْ تُوقِظَ زَوْجَهَا لَهَا وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا لِحَدِيثِ أم سلمة رضي اله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتْنَةِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ: مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَّةٍ فِي الْآخِرَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلَةً فَقَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّه فَإِذَا شَاءَ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ وكان الانسان أكثر شئ جدلا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَ مِنْ الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قِيَامَ اللَّيْلِ أَنْ لَا يَعْتَادَ مِنْهُ إلَّا قَدْرًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ بِقَرَائِنِ حَالِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَيُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَرْكُهُ وَالنَّقْصُ مِنْهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ لَا يُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ الْمَالِّ وَيَقْطَعُ عَنْكُمْ الثَّوَابَ حَتَّى تَمَلُّوا " وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيمَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عمل عملا انتبه وَكَانَ إذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَتْ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إلَّا رَمَضَانَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ أَبِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاينام من الليل إلا قليلا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ نَوْمِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ نِيَّةً جَازِمَةً لِيَحُوزَ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْعَاشِرَةُ) يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ كُلِّهَا وَآكَدُهُ النِّصْفُ الْآخِرُ وَأَفْضَلُهُ عِنْدَ الْأَسْحَارِ قَالَ الله تعالي (والمستغفرين بالاسحار) وقال تعالي (وبالاسحار هم يستغفرون) وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كل ليلة حين يبقى من ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُو فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَشَبَهِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِصِفَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالي وتنزيهه من الِانْتِقَالِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْمُحْدَثِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عن

الْمُتَكَلِّمِينَ وَالثَّانِي الْإِمْسَاكُ عَنْ تَأْوِيلِهَا مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِ لِقَوْلِهِ تعالي ليس كمثله شئ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ لَا نَعْلَمُ الْمُرَادَ بِهَذَا وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَهُ مَعْنًى يَلِيقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْوِتْرَ يُسَمَّى تَهَجُّدًا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا بَلْ الْوِتْرُ غَيْرُ التَّهَجُّدِ * (فَرْعٌ) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كتب مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * (فَرْعٌ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ " الْقَيْلُولَةُ فِي اللُّغَةِ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَأَفْضَلُ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ") .* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ضَحَّاكِ بْنِ زيد الانصاري النجاى بِالنُّونِ وَالْجِيمِ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو خَارِجَةَ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِعْلُ مَا لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ التَّطَوُّعِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ تَطَوُّعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَسَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا وَعَجِيبٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي تَخْصِيصِهِ بِتَطَوُّعِ النَّهَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَفِعْلُ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفُرُوعَهَا وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ فِيهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي سَبَقَ هُنَاكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله

(وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ تُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " وَإِنْ جَمَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يصلى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ وَيُسَلِّمُ وَأَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وبخمس لا يفصل بينهن بسلام " وَإِنْ تَطَوَّعَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَرَّ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَةً فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً فَقَالَ إنَّمَا هِيَ تَطَوُّعٌ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ ") (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا خفت وفى رواية أبي داود صلاة اليل وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ بَعْضُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَعْضُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِمَعْنَاهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يجلس في شئ إلَّا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّطَوُّعَ يُسَنُّ كَوْنُهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ مَنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْمَسْنُونَ وَمَنْ شَاءَ زَادَ عَلَيْهِ فَزَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ مِنْهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَةٍ * اما حكم المسألة فقال اصحابنا التطوع الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ وَلَا حَصْرَ لَهُ وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا وَلَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا شَرَعَ فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فَيَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ صَلَّى عَدَدًا لَا يَعْلَمُهُ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ اباذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَدَدًا كَثِيرًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ تَدْرِي انْصَرَفْتَ عَلَى شَفْعٍ أَمْ على

وِتْرٍ قَالَ إلَّا أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ اللَّهَ يَدْرِي إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يسجد لله سجدة الا رفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي عَدَالَتِهِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى التَّطَوُّعَ مُطْلَقًا يُكْرَهُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ نذر صلاة هو يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ أَمْ يَجِبُ رَكْعَتَانِ وَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ غَلَطٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى عَدَدًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِنْ بَلَغَتْ كَثْرَتُهُ مَا بَلَغَتْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الْمَنْقُولِ فِي الْوِتْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَوَازُ الزِّيَادَةِ مَا شَاءَ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ فَمَنْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ فَلَهُ جَعْلُهَا عَشْرًا وَمِائَةً وَمَنْ أَحْرَمَ بِعَشْرٍ أَوْ مِائَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَلَهُ جَعْلُهَا رَكْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا تَغْيِيرِ النِّيَّةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ مِثَالُهُ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ بِنِيَّةِ الزِّيَادَةِ جَازَ وَإِنْ قَامَ بِلَا نِيَّةٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَامَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ للسهو فلو بداله فِي الْقِيَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومُ مِنْهُ أَمْ لَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ لِأَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ شَرْطٌ وَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا سَاهِيًا ثُمَّ نَوَى إكْمَالَ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ آخرتين ولا يحسب ما سهي بِهِ وَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا فَلَوْ سَلَّمَ قبل تغيير النِّيَّةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَلَّمَ سَهْوًا أَتَمَّ أَرْبَعًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ جَازَ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ ثَانِيًا لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ سَهْوًا فَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ ثُمَّ إنْ تَطَوَّعَ بركعة فلابد مِنْ التَّشَهُّدِ عَقِبَهَا وَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخر صلاته وهذا التشهد ركن لابد مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ وترا فلابد من التشهد في الآخرة أيضا هذا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَتْ سِتًّا أَوْ عَشْرًا أَوْ عِشْرِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ شَفْعًا كَانَتْ أَوْ وِتْرًا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَثُرَتْ التَّشَهُّدَاتُ وَيَتَشَهَّدُ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ سِتٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا عَهْدَ بِهَا (وَالثَّانِي)

لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ بِحَالٍ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ الْعَدَدُ شَفْعًا فَإِنْ كَانَ وِتْرًا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَةٍ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوِيٌّ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ يَقْتَضِيهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ حَكَاهُ صَاحِبَا الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا غَيْرُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِر الصَّلَاةِ قَالَ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّشَهُّدِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدَيْنِ فَفِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي الْفَرَائِضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ تَكَرَّرَ بَيَانُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ سَبَقَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَجْمَعَ رَكَعَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ بِتَسْلِيمَةٍ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْلِيمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَانٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يصلى بالنهار أربعا واختاره اسحاق * * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فليصل سجدتين من قبل أن يجلس " فان دخل وقد حضرت الجماعة لم يصل التحية لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلا صلاة الا المكتوبة " ولانه يحصل به التحية كما يحصل حق الدخول الي الحرم بحجة الفرض) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ " هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ رَكْعَتَانِ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ غَيْرِ تَحِيَّةٍ بِلَا عُذْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُصَرِّحِ بِالنَّهْيِ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا دَخَلَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ أَمْ فِي غَيْرِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ بِدَلِيلِهِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَكَانَتْ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ أَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً لَمْ تَحْصُلْ التَّحِيَّةُ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَحْصُلُ لِحُصُولِ عِبَادَةٍ وَإِكْرَامِ الْمَسْجِدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِذَا جَلَسَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ بَلْ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا أَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَ رَاتِبَةٍ أَوْ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَحَصَلَ لَهُ مَا نَوَى وَحَصَلَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ ضِمْنًا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْفَرِيضَةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ الرَّاتِبَةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ حَصَلَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطَّرِدَ فِيهِ الْخِلَافُ فيمن نوى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ هَلْ تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ بَلْ كُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِحُصُولِ الصَّلَاةِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَحُصُولِ التَّحِيَّةِ فِيهِمَا وَبِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ لَا يَنْتَهِكَ الْمَسْجِدَ بِالْجُلُوسِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِرَارًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ مَرَّةٍ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ أَرْجُو أَنْ تُجْزِيَهُ التَّحِيَّةُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ

مسائل تتعلق بباب صلاة التطوع

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تُكْرَهُ التَّحِيَّةُ فِي حَالَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ وَقَدْ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ (الثَّانِي) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا عَنْ الطَّوَافِ وَأَمَّا إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ وَيُخَفِّفَهَا وَسَنُوَضِّحُهَا بِدَلَائِلِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَوْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَتْ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ إنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فَلَا يَفْعَلُهَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَقَاسُوا عَلَيْهَا أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَا يَقْضِيهِ بَلْ فَاتَهُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ كَمَا تَفُوتُ التَّحِيَّةُ بِالْجُلُوسِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّحِيَّةَ وَجَلَسَ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ صَلَّاهَا وَهَذَا غَرِيبٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّحِيَّةَ جَهْلًا بِهَا أَوْ سَهْوًا يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُهَا مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدَانَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ لِئَلَّا يُصَادِمَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ مُتَعَيَّنٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَابْنِ عَبْدَانَ وَالْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا في آخر الباب صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يُصَلِّيَ قُبَيْلَهُ إنْ أَمْكَنَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ حبيب ابن عَدِيٍّ الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَخْرَجَهُ الْكُفَّارُ لِيَقْتُلُوهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال دعوني أصلى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّانِيَةُ) مِنْ السُّنَنِ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ وَكَذَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلَ قُدُومِهِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ البخاري ومسلم

وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ (الرَّابِعَةُ) صَلَاةُ الاستخارة سنة وهى أن من أراد مِنْ الْأُمُورِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ ثم دعى بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يقول اذاهم أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الغيوب الله إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَفِي بَعْضِهَا ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بعد الفاتحة قل يا ايها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ يَنْهَضُ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ لِمَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِهِ الْبَحْرِ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَفِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَلَا يُفْعَلَ بِغَيْرِ حَدِيثٍ وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيكَ أَلَا أَمْنَحُكَ أَلَا أَحْبُوكَ أَلَا أَفْعَلُ بِك عَشْرَ خِصَالٍ إذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَك ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أكبر خمس عشر مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ وَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا أو ترفع رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ عُمُرِكَ مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ بِمَعْنَاهُ قال

التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ غَيْرُ حَدِيثٍ قَالَ ولا يصح منه كبير شئ قال وقد رأى ابن المبارك غير وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَذَكَرُوا لفضل فيه وكذا قَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وآخرون أنه ليس فيها حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) في صلاة الحاجة عن ابن أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ ليصل ركعتين ثم ليثنى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلَّا فرجته ولا حاجة هي لك رضاء إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّامِنَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُشْرَعُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا إلَّا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ وَالْوِتْرُ بَعْدَهَا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ وَأَمَّا بَاقِي النَّوَافِلِ كَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَالضُّحَى وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ أَيْ لَا تُسْتَحَبُّ لَكِنْ لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً جَازَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرَيْ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِهَا جَمَاعَةُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حديث عتبان ابن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " جاءه في بيته بعد ما اشْتَدَّ النَّهَارُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَتْ الْجَمَاعَةُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَحَادِيثُهُمْ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ فَفِي مُسْلِمٍ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَى النَّوَافِلِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ وقد سبقت دلائله ومن أَهَمِّهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خاب وخسر فان انتقص من فريضته شيئا قَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اُذْكُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكَمَّلَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ

الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الْعَاشِرَةُ) الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ بصلاة الرغائب وهي ثنتى عَشْرَةَ رَكْعَةً تُصَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَهَاتَانِ الصَّلَاتَانِ بِدْعَتَانِ وَمُنْكَرَانِ قَبِيحَتَانِ وَلَا يُغْتَرُّ بِذَكَرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَإِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يُغْتَرُّ بِبَعْضِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَنَّفَ وَرَقَاتٍ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فَإِنَّهُ غَالِطٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الرحمن بن اسمعيل الْمَقْدِسِيُّ كِتَابًا نَفِيسًا فِي إبْطَالِهِمَا فَأَحْسَنَ فِيهِ وَأَجَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ رَكَعَاتِ التَّطَوُّعِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مذهبنا أنه يجوز في النفل المطلق الْمُطْلَقِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ كَثِيرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّيْلِ أَمْ بِالنَّهَارِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ فِي صَلَاةٍ أَبَدًا قَالَ وَيَجُوزُ نَوَافِلُ النَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَنَوَافِلُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا وَسِتًّا وَثَمَانِيًا وَلَا يَزِيدُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي فَصْلِ الْوِتْرِ الْمُصَرِّحَةُ بِدَلَائِلِ مَذْهَبِنَا * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَفْلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّهَارِ أَرْبَعًا: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى وَصَلَاةُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ " صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي كَوْنِ صَلَاةِ النَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ كَحَدِيثِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَحَدِيثِ رَكْعَتَيْ الضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا تَسْلِيمَ فِيهِنَّ يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ ومداره علي عبيدة ابن مُعَتِّبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ أَنْ يَشْتَغِلَ بنافلة سواه تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَسُنَّةُ الصُّبْحِ وَغَيْرُهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وابن

سِيرِينَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِالرَّكْعَةِ فَلِيُصَلِّ خَارِجًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَلْيَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو حنيفة اركعها فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ مَا دُمْتَ تَتَيَقَّنُ أَنَّكَ تُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَإِنْ خَشِيتَ فَوْتَ الْأَخِيرَةِ فَادْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلي الله عليه وسم " مَرَّ بِرَجُلٍ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَكَلَّمَهُ بشئ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ نَقُولُ مَا قَالَ لَك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رأى رجل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ الصُّبْحُ أَرْبَعًا " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سرخس قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا فُلَانُ بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ بِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) تَصِحُّ النَّوَافِلُ وَتُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْفَرَائِضُ نَاقِصَةً لِحَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " مَثَلُ الْمُصَلِّي مَثَلُ التَّاجِرِ لَا يَخْلُصُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَخْلُصَ رَأْسُ مَالِهِ كَذَلِكَ الْمُصَلِّي لَا تُقْبَلُ نَافِلَتُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى نَافِلَةٍ تَكُونُ صِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى صِحَّةِ الْفَرِيضَةِ كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ والظهر بَعْدَهَا لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وتميم والله أعلم *

باب سجود التلاوة

(باب سجود التلاوة) * قال المصنف رحمه الله * (سجود التلاوة مشروع للقارى والمستمع لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا " فان ترك القارى سجد المستمع لانه توجه عليهما فلا يتركه أحدهما بترك الآخر وأما من سمع القارئ وهو غير مستمع إليه فقال الشافعي لا أؤكد عليه كما أؤكد على المستمع لما روي عن عثمان وعمران ابن الحصين رضي الله عنهم السجدة علي من استمع وعن ابن عباس رضي الله عنهما السجدة لمن جلس لها وهو سنة غير واجب لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " عرضت النجم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يسجد منا أحد ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا قَوْلَهُ كَبَّرَ فَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا وَهَذَا اللَّفْظُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بن ثابت فرواه البخاري ومسلم بمعناه لفظ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ زَيْدٍ قَالَ " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا " وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ " أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا ": وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا الْأَثَرَانِ عَنْ عُثْمَانَ وَعِمْرَانَ ذَكَرَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فسجود التلاوة سنة للقارى وَالْمُسْتَمِعِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ لَا يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ مُصَلٍّ غَيْرَ إمَامِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ سَجَدَ الْقَارِئُ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ يُسَنُّ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَسْجُدَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ لَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ اسْتَمَعَ إلَى قِرَاءَةِ مُحْدِثٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ صَبِيٍّ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَ سَجْدَةً: (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ كَالتَّابِعِ لِلْقَارِئِ: وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَمِعُ لَكِنْ يَسْمَعُ بِلَا إصْغَاءٍ وَلَا قَصْدٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمُسْتَمِعِ: (وَالثَّالِثُ) لَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ * (فَرْعٌ) المصلي إذا كَانَ مُنْفَرِدًا سَجَدَ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِلْعَوْدِ إلَى سُنَّةٍ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ زَائِدًا رُكُوعًا فَلَوْ بَدَا لَهُ قَبْلَ بُلُوغِ

حد الراكعين جَازَ وَلَوْ هَوَى لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ جَازَ كَمَا لَوْ قَرَأَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُتِمَّهُ جَازَ بِلَا شَكٍّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي الْإِصْغَاءُ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنْ أَصْغَى الْمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَةِ قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ هَذَا الْإِصْغَاءِ فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي إمَامًا فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَسَنَذْكُرُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ السُّجُودُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَخَلُّفِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يَتَأَكَّدُ وَلَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ تَخَلَّفَ بِعُذْرٍ وَلَكِنْ لَا يَسْجُدُ فَلَوْ عَلِمَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ السُّجُودُ وَلَوْ هَوَى الْمَأْمُومُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ فَرَفَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي الْهَوِيِّ رَجَعَ مَعَهُ وَلَمْ يسجد وكذا الضعيف البطئ الْحَرَكَةِ الَّذِي هَوَى مَعَ الْإِمَامِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى الْأَرْضِ لَا يَسْجُدُ بَلْ يَرْجِعُ مَعَهُ بِخِلَافِ سُجُودِ نفس الصلاة فانه لابد أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا الْإِصْغَاءُ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَوْ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ سُجُودًا عَمْدًا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَسَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ سَجْدَةٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ويسبحونه وله يسجدون) وَسَجْدَةٌ فِي الرَّعْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بالغدو والاصال) وَسَجْدَةٌ فِي النَّحْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَيَفْعَلُونَ ما يؤمرون) وَسَجْدَةٌ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ويزيدهم خشوعا) وَسَجْدَةٌ فِي مَرْيَمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (خَرُّوا سجدا وبكيا) وَسَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ: (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ان الله يفعل ما يشاء) : (وَالثَّانِيَةُ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تفلحون) وَسَجْدَةٌ فِي الْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَزَادَهُمْ نفورا) وَسَجْدَةٌ فِي النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ العرش العظيم) وَسَجْدَةٌ فِي الم تَنْزِيلُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وهم لا يستكبرون) وَسَجْدَةٌ فِي حم السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وهم لا يسئمون) وَثَلَاثُ سَجَدَاتٍ فِي الْمُفَصَّلِ (إحْدَاهَا) فِي آخِرِ النجم (فاسجدوا لله واعبدوا) : (والثانية) في (إذا السماء انشقت) (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) : (والثالثة) في آخر اقرأ (واسجد واقترب) وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ " وَفِي الْقَدِيمِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَأَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " لم يسجد في شئ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ ") * (الشَّرْحُ) حديث عمرو رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَفِي الْقَدِيمِ أَنَّهَا احدي عشرة كما حكاه المنصف وَهَذَا الْقَدِيمُ ضَعِيفٌ فِي النَّقْلِ وَدَلِيلُهُ بَاطِلٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَمَوَاضِعُ السَّجَدَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف ولا خلاف في شئ مِنْهَا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) سَجْدَةُ حم السَّجْدَةُ فِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ يَسْأَمُونَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: (وَالثَّانِي) أَنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَصْحَابِ ابن مسعود وابراهيم والنخعي وَأَبِي صَالِحٍ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَى الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا وَأَبِي وَائِلٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ: الْمَوْضِعُ الثَّانِي سَجْدَةُ النَّمْلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ العرش العظيم) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَشَذَّ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةُ هي عند قوله تعالي (ويعلم ما يخفون وما يعلنون) قَالَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ الْعَرْشِ العظيم) وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقْلُهُ عَنْ مَذْهَبِنَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (وَأَمَّا سَجْدَةُ ص فَهِيَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وخر راكعا وأناب) وَلَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَرَأَ ص فَلَمَّا مر بالسجدة تشزنا بالسجود فلما رآنا قَالَ " إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ " وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ " وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَجَدَهَا نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُد تَوْبَةً وَسَجَدْنَاهَا شُكْرًا " فَإِنْ قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ فَبَطَلَتْ بِهَا الصَّلَاةُ كَالسُّجُودِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ: (وَالثَّانِي) لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالتِّلَاوَةِ فَهِيَ كَسَائِرِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ البخاري وقوله نشزنا هو بتاء مثناة فوق ثم شين الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْضًا أَيْ تَهَيَّأْنَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَجْدَةُ ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ مَعْنَاهُ لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَلَكِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أبو العباس ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ هِيَ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَقَرَأَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْجُدَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ص رَوَاهُ (1) وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَجَدَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَلَوْ سَجَدَ إمَامُهُ فِي ص لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يُتَابِعُهُ بَلْ إنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ شَاءَ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا كَمَا لَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فَإِنْ انْتَظَرَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ: (وَالثَّانِي) لَا يُتَابِعُهُ أَيْضًا وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ انْتَظَرَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ سلام الامام لانه يعتقدان إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ جَاهِلًا وَأَنَّ لِسُجُودِ السَّهْوِ تَوَجُّهًا عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَلَّ بِهِ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ: (وَالثَّالِثُ) يُتَابِعُهُ فِي سُجُودِهِ فِي ص حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِتَأَكُّدِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَتَأْوِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أن مذهبنا انه سنة وليس بواجب وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعمران بن الحصين ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وابو ثور وداود وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ واحتج له بقول الله تعالي (فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وبقوله تعالي فاسجدوا الله واعبدوا) وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ وَقِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ قَالُوا لَعَلَّهُ سَجَدَ فِي وَقْتٍ آخَرَ قُلْنَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُطْلِقْ الرَّاوِي نَفْيَ السُّجُودِ فَإِنْ قَالُوا لَعَلَّ زَيْدًا قَرَأَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ وَلَا يَحِلُّ السُّجُودُ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِالِاتِّفَاقِ قُلْنَا لَوْ كَانَ سَبَبُ التَّرْكِ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يطلق

_ (1) كذا بالاصل *

زَيْدٌ النَّفْيَ وَزَمَنَ الْقِرَاءَةِ وَمِنْ الدَّلَائِلِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تتطوع " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ مَرَّاتٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَهَا حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ بِلَفْظِهِمَا وَهَذَا الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَالْمَجْمَعُ الْعَظِيمُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَثْبُتَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى هَذَا وَقِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الشُّكْرِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّفَرِ فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ كَسُجُودِ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَهِيَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي ذَمِّ الْكُفَّارِ وَتَرْكِهِمْ السُّجُودَ اسْتِكْبَارًا وَجُحُودًا وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ سُجُودُ الصَّلَاةِ وَالْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي عَدَدِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ أَنَّهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْهَا سَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَتْ ص سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَكِنَّهُ أَسْقَطَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْحَجِّ وَأَثْبَتَ ص وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَقَوْلِنَا وَأَشْهَرُهُمَا إحْدَى عَشْرَةَ أَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَقَوْلِنَا وَالثَّانِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَثْبَتَ ص وَهَذَا مَذْهَبُ اسحاق ابن رَاهْوَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَأَجْمَعُوا عَلَى السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الْحَجِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِيَةِ فممن أَثْبَتَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى وابو عبد الرحمن السلمي وابو العالية وذر بْنُ حُبَيْشٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي السَّبِيعِيَّ التَّابِعِيَّ الْكَبِيرَ " أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَسْجُدُونَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ " وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ إسْقَاطَهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِإِثْبَاتِهَا أَقُولُ وَاخْتَلَفَ العلماء في سجدات المفصل وهي النجم وإذا السماء انشقت وَاقْرَأْ فَأَثْبَتَهُنَّ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وحذفهن جماعة واحتج أَصْحَابُنَا لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَجْدَةُ ص فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السُّجُودِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ سُجُودُ شُكْرٍ كَمَا سَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سجد في إذا السماء انشقت وقال

" سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي إِذَا السَّمَاءُ انشقت واقرأ باسم ربك وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَوْ صَحَّ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلسُّجُودِ وَالْعُمْدَةُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْحَجِّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وأما حديث عقبة بن عامر قَالَ " قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ قَالَ نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَا لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وعن ابن عباس قال سجدة ص ليس مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * (وَحُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ حُكْمُ صَلَاةِ النَّفْلِ يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ بِتَكْبِيرٍ وَرَفَعَ بِتَكْبِيرٍ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ فِي آخِرِ سُورَةٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ وَيَقْرَأَ مِنْ السُّورَةِ بَعْدَهَا شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعُ فَإِنْ قَامَ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا وَرَكَعَ جَازَ وَإِنْ قَامَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الرُّكُوعِ ولم يقم لم يجز لانه يَبْتَدِئْ الرُّكُوعَ مِنْ قِيَامٍ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الشُّرُوطِ حُكْمُ صَلَاةِ النَّفْلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَدُخُولُ وَقْتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ الْآيَةَ أَوْ سَمِعَهَا فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ السِّتَارَةُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ السُّتْرَةُ أَيْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّمٌ بِالصَّلَاةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الْهَوِيِّ إلَى السُّجُودِ وَلَا يَرْفَعُ الْيَدَ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُرْفَعُ فِي الْهُوِيِّ إلَى السُّجُودِ وَيُكَبِّرُ عِنْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُ فِي سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَهَذَا التَّكْبِيرُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِيهِ وَجْهٌ لابي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ لِلْهَوِيِّ وَلَا لِلرَّفْعِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَامَ وَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَامَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ فَإِنْ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ جَازَ إذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِانْتِصَابِ قَائِمًا لِأَنَّ الْهَوِيَّ إلَى الرُّكُوعِ مِنْ القيام واجب

كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ مَسَائِلُ حَسَنَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ إلَى الرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ أَجْزَأَهُ الرُّكُوعُ وَهُوَ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ فِي آخِرِ سُورَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ آخِرِ سُورَةٍ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ آخِرِ سُورَةٍ وَغَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ التَّنْبِيهَ بِآخِرِ السُّورَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّ اسْتِفْتَاحَ سورة أخرى فاتمام الاول أولي والله أعلم (وقال) أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ لِلصَّلَاةِ وَسَجَدَ سَقَطَ بِهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَقَطَ فِي الرُّكُوعِ وَرُوِيَ بِالسُّجُودِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ تَكْبِيرَةُ افْتِتَاحٍ فَهِيَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلسُّجُودِ وَلَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ " وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رسول الله رأيت هذه الليلة في ما يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ وَكَأَنِّي قَرَأْت سَجْدَةً فَسَجَدْتُ فَرَأَيْتُ الشَّجَرَةَ تَسْجُدُ لِسُجُودِي فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ تَقُولُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ الرَّجُلُ عَنْ الشَّجَرَةِ " وَإِنْ قَالَ فِيهِ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ جَازَ وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى السَّلَامِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي البويطي لا يسلم كما لا يُسَلِّمُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى الْمُزَنِيّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يُسَلِّمُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ فَافْتَقَرَتْ إلَى السَّلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ تفتقر الي التشهد المذهب أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَا قِيَامَ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَهُّدٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ سُجُودٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّشَهُّدِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ زَادَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِيهِ " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ نَوَى وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا يفعل

فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلْهَوِيِّ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الْيَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَكْبِيرُ الْهَوِيِّ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْجُهُ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهَا شَرْطٌ (وَالثَّانِي) مُسْتَحَبَّةٌ (وَالثَّالِثُ) لَا تُشْرَعُ أَصْلًا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى شُذُوذِهِ وَفَسَادِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ أَنْ يَقُومَ فَيَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا وَلَا أَصْلًا (قُلْتُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا القيام ولا ثبت فيه شئ يُعْتَمَدُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمُحْدَثَاتِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَزْدِيَّةِ قَالَتْ " رَأَيْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِذَا مَرَّتْ بِسَجْدَةٍ قَامَتْ فَسَجَدَتْ " فَهُوَ ضَعِيفٌ أُمُّ سَلَمَةَ هَذِهِ مَجْهُولَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ سَجَدَ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَسُجُودُ الشَّجَرَةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا وَسَوَاءٌ فِيهِ التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ إسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ اخْتِيَارَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي مَدْحَ هَذَا فَهُوَ حَسَنٌ وَصِفَةُ هَذَا السُّجُودِ صِفَةُ سُجُودِ الصَّلَاةِ فِي كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْأَنْفِ وَمُجَافَاةِ الْمِرْفَقَيْنِ عَنْ الْجَنْبَيْنِ وَإِقْلَالِ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَرَفْعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ وَتَوْجِيهِ أَصَابِعِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَالْمُبَاشَرَةُ بِالْجَبْهَةِ شَرْطٌ وَوَضْعُ الْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ وَكَذَا مُجَافَاةُ الْمِرْفَقِ وَإِقْلَالُ الْبَطْنِ وَتَوْجِيهُ الْأَصَابِعِ وَفِي اشْتِرَاطِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ هُنَاكَ بِفُرُوعِهِمَا وَحُكْمُ رَفْعِ الْأَسَافِلِ عَلَى مَا سبق هناك والطمأنينة ركن لابد مِنْهَا وَالذِّكْرُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِرُكْنٍ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وغيره عن أَبِي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ مَدُّ تَكْبِيرِ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ منه يجئ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَدُّ الْأَوَّلِ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَدُّ الثَّانِي حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى السَّلَامِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ سُجُودِهِ فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران نقلهما البويطى والمزنى كما حكاه المنصف أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُهُ مِمَّنْ صَحَّحَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تلعيقهما وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ السَّلَامُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّشَهُّدُ وَإِنْ شَرَطْنَا السَّلَامَ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّشَهُّدِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا

الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَامِ وَالتَّشَهُّدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يُشْتَرَطُ السَّلَامُ دُونَ التَّشَهُّدِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطَانِ وَالثَّالِثُ لَا يُشْتَرَطَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ قِيلَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَقِيلَ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْهَمَ أَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَيْسَ لَهُ نَصٌّ غَيْرُهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِرَاطِ السَّلَامِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَهُمَا هُوَ هَاهُنَا فِي الْمُهَذَّبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَوْهَمَ أَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُ السَّلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فلما مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَ وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُؤَالِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ لانه دعاء فسواء المأموم والامام فيه كالتأمين) * (الشرح) قال الشافعي واصحابنا يسن للقارى فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ أَوْ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَوْ بِآيَةِ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ أَوْ بِآيَةٍ مَثَلُ أَنْ يَتَدَبَّرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَإِذَا قَرَأَ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قَالَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَإِذَا قرأ (فبأي حديث بعده يؤمنون) قَالَ آمَنَا بِاَللَّهِ وَكُلُّ هَذَا يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي صَلَاتِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْمَأْمُومُ وَالْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالتَّأْمِينِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النبي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البقرة فقلت يركع عند المائدة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَضَى بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ سُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَانَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ حِينَئِذٍ مُقَدَّمَةً عَلَى آلِ عِمْرَانَ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَكَ ذَا الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صحيحة وفى پواية النَّسَائِيّ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ " سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَرَأَ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إلَى آخِرِهَا فَلْيَقُلْ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لا أقسم بيوم القيامة فَانْتَهَى إلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فليقل بلي ومن قرأ والمرسلات فبلغ باى حديث بعده يؤمنون فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاَللَّهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُرْوَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُسَمَّى (قُلْتُ) فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ مَجْهُولٌ فَلَا يُعْلَمْ حَالُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُنَا قَدْ احْتَجُّوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ السُّؤَالُ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ بمذهبنا جمهور العلماء من السلف ممن بعدهم * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب لم تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جاء الشئ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى " وَحُكْمُ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ حُكْمُ سجود التلاوة خارج الصلاة)

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيِّ بَكْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضعيف وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ سُجُودُ الشُّكْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَانْدِفَاعِ نِقْمَةٍ ظَاهِرَةٍ سَوَاءٌ خَصَّتْهُ النِّعْمَةُ وَالنِّقْمَةُ أَوْ عَمَّتْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا إذَا رَأَى مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ فِي بَدَنِهِ أو بغيرها أبو بِمَعْصِيَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِاسْتِمْرَارِ النِّعَمِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَجَدَ لِنِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ اُسْتُحِبَّ إظْهَارُ السُّجُودِ وَإِنْ سَجَدَ لِبَلِيَّةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَاحِبُهَا غير معذور كالفاسق اظهر السجود السُّجُودَ فَلَعَلَّهُ يَتُوبُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَالزَّمِنِ وَنَحْوِهِ أَخْفَاهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهِ لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً أَوْ ضَرَرًا أَخْفَاهُ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَفْتَقِرُ سُجُودُ الشُّكْرِ إلَى شروط الصلاة وحكمه في الصفات وغيرهما حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَفِي السَّلَامِ مِنْهُ وَالتَّشَهُّدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ (الصَّحِيحُ) السَّلَامُ دُونَ التَّشَهُّدِ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطَانِ (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطَانِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ سَجَدَهَا فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي مَسْأَلَةِ سَجْدَةِ ص وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَ بِهَا لِلشُّكْرِ فَفِي جَوَازِ السُّجُودِ وَجْهَانِ فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ وتبطل صلاته وهما كالوجهين فيمن دخل المسجد لَا لِغَرَضٍ آخَرَ * (فَرْعٌ) فِي صِحَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالْإِيمَاءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَأَمَّا سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ جَازَ عَلَى الرَّاحِلَةِ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَجِهَةُ الْمَنْعِ نُدُورُهُ وَعَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ بِالْجَوَازِ وَمَسْأَلَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَرْقَدٍ وَنَحْوِهِ وَأَتَمَّ السُّجُودَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْمَاشِي فِي السَّفَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ شُرُوطُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَنُدُورِهِ (وَالثَّانِي) يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ *

(فَرْعٌ) لَوْ تَصَدَّقَ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ النِّعْمَةُ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ النِّقْمَةُ أَوْ صَلَّى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ حَسَنًا يَعْنِي مَعَ فِعْلِهِ سَجْدَةَ الشُّكْرِ * (فَرْعٌ) لَوْ خَضَعَ إنْسَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَقَرَّبَ بِسَجْدَةٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي سُجُودَ شُكْرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ شَيْخِي يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ يُشَدِّدُ فِي إنْكَارِ هَذَا السُّجُودِ وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَوْ تَطَوَّعَ بِرُكُوعٍ مُفْرَدًا كَانَ حَرَامًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ السَّجْدَةِ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ صَلَاةٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ بَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ غَفَلَ وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ أَوْ يُقَارِبُهُ عَافَانَا اللَّهُ الْكَرِيمُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ فَاتَتْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ فَهَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ " قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الرَّوَاتِبِ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا تُقْضَى وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَطَوَّعُ بِمِثْلِهِ ابْتِدَاءً أَمْ لَا فَعِنْدَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ يَتَطَوَّعُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فَيُشْبِهُ الرَّوَاتِبَ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَحْرُمُ التَّطَوُّعُ بِسَجْدَةٍ فَلَا تُقْضَى كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن أبي بكر الصديق وعلي وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ اسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) الْكَرَاهَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابن المنذر غيرها: (والثانية) أنه ليس بسنة وَاحْتُجَّ لِمَنْ كَرِهَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ الْقَحْطَ وَهُوَ يخطب فرفع يديه ودعى فَسُقُوا فِي الْحَالِ وَدَامَ الْمَطَرُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَرْفَعْهُ عَنَّا فدعي فرفعه فِي الْحَالِ " وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ لِتَجَدُّدِ نِعْمَةِ الْمَطَرِ أَوَّلًا وَلَا لِدَفْعِ نِقْمَتِهِ آخِرًا قَالُوا وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ نِعْمَةٍ فَإِنْ كُلِّفَهُ لَزِمَ الْحَرَجُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَقَدْ بيناه وعن سعيد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قريبا من عروزاء نَزَلَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ قَالَ إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ لِرَبِّي شُكْرًا ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَا نَعْلَمُ ضَعْفَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَمَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ حَسَنٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خر ساجدا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ اليمن بسلام همذان رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ تَوْبَتِهِ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ سُجُودَ الشُّكْرِ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ الصديق وعمر وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي السُّجُودِ حينئذ مشقة

مسائل تتعلق بسجود التلاوة

أَوْ اكْتَفَى بِسُجُودِ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَوْ غَيْرِهَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ (إحْدَاهَا) إذَا قَرَأَ آيَاتِ السَّجَدَاتِ فِي مَكَان وَاحِدٍ سَجَدَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ فَلَوْ كَرَّرَ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ فِي الْمَجْلِسِ نُظِرَ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ سَجَدَ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَسْجُدُ مَرَّةً أُخْرَى لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالثَّانِي تَكْفِيه الْأُولَى قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالثَّالِثُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا سَجَدَ ثَانِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ فَكَالْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ لِلثَّانِيَةِ أَيْضًا كَالْمَجْلِسَيْنِ وَلَوْ قَرَأَ مَرَّةً فِي الصَّلَاةِ وَمَرَّةً خَارِجَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِلْأُولَى قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ قال واطلاقهم يقتضى طرد الخلاف فيه (الثانية) يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَقِبَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ أَوْ اسْتِمَاعِهَا فَإِنْ أَخَّرَ وَقَصُرَ الْفَصْلُ سَجَدَ وَإِنْ طَالَ فَاتَتْ وَهَلْ تُقْضَى فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِمَا (أَظْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَآخَرُونَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا تُفْعَلُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَضَبْطُ طُولِ الْفَصْلِ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ سَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ ففيه الخلاف ولو كان القارئ والمستمع مُحْدِثًا حَالَ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَطَهَّرَ عَلَى قُرْبٍ سَجَدَ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَقَرَأَ قَارِئٌ السَّجْدَةَ وَسَمِعَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا انه لا يجوز ان يسجد لذلك فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ هَلْ يَسْجُدُ فِيهِ طُرُقٌ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَحْسُنُ أَنْ يَسْجُدَ وَلَا يَتَأَكَّدُ كَمَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَسْجُدُ قَطْعًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ

وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ غَيْرِ إمَامِهِ لَا تَقْتَضِي سُجُودَهُ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَا تقتضي إذا فكيف يقضى (الثالثة) لَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاة قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَجَدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ قِرَاءَةٍ وَلَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَهَوَى لِيَسْجُدَ فَشَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ فَسَّرَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْجُدُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ عِنْدَنَا لِلْإِمَامِ كَمَا لَا يُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً وَيَسْجُدُ مَتَى قَرَأَهَا وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَعَلَى مَذْهَبِنَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّجُودِ حَتَّى يُسَلِّمَ لِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (السَّادِسَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي أَوْقَاتِ النهى عن الصلاة وبه قال سالم ابن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكْرَهُ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ اسحاق وَأَبُو ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (السَّابِعَةُ) لَا يَقُومُ الرُّكُوعُ مَقَامَ السُّجُودِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تعالى وخر راكعا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا شرع من قبلنا فان سلمنا انه (1) حَمَلْنَا الرُّكُوعَ هُنَا عَلَى السُّجُودِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَقْصُودُ الْخُضُوعُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ مَا فِي السُّجُودِ فَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ السُّجُودِ فَيُومِئُ بِهِ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ (الثَّامِنَةُ) إذَا سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ مَعَ الْقَارِئِ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ وَلَا يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَهُ

باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها

الرَّفْعُ مِنْ السُّجُود قَبْلَهُ (التَّاسِعَةُ) لَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ فَقَرَأَ فِي سُجُودِهِ سَجْدَةً أُخْرَى لَمْ يَسْجُدْ ثَانِيًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صاحب البحر وجها ان يَسْجُدُ ثَانِيًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (الْعَاشِرَةُ) لَوْ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَجْدَةً قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَا يَسْجُدُ فِيهَا وَهَلْ يَسْجُدْ بَعْدَ فَرَاغِهَا قَالَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَسْجُدُ قَالَ وَأَصْلُهُمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا تُشْرَعُ هَلْ يُسْجَدُ لِتِلَاوَتِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قراءة آية أو ايتين فبهما سَجْدَةٌ لِيَسْجُدَ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ البصري وابن سرين وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَ فِي وقت الكراهة فينبغي ان يجئ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَوْ سَمِعَ رَجُلٌ قِرَاءَةَ امْرَأَةٍ السَّجْدَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ السُّجُودُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ (فَرْعٌ) فِي فَضْلِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَاهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ " * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْمُسَافِرُ قَارِئًا فَقَرَأَ السَّجْدَةَ فِي صَلَاةٍ سَجَدَ بِالْإِيمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ بِالْإِيمَاءِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يَسْجُدُ مطلقا * * (باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها) * * قال المصنف رحمه الله * (إذا قطع شرطا من شروطها كالطهارة والستارة وغيرهما بطلت صلاته) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ السِّتَارَةُ هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَهِيَ السُّتْرَةُ وَتَقْدِيرُهُ الِاسْتِتَارُ بِالسِّتَارَةِ وَلَوْ قَالَ السِّتْرُ كَانَ أَحْسَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ دَخَلَ فِيهَا بِخِلَافِهِ أَوْ دَخَلَ فِيهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ ثُمَّ أَخَلَّ بِهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَإِنْ اخْتَلَّ الشَّرْطُ لِعُذْرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ سَبَقَ فِي مَوَاضِعِهِ فَأَمَّا طَهَارَةُ الْحَدَثِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حاله والاعادة

وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ فبان محدث لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا طَهَارَةُ النَّجَسِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْهَا لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ أَوْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا بِهَا أَوْ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَسَبَقَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ صَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَارِيًّا وَعِنْدَهُ سُتْرَةٌ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَحَيَّرَ وَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ اجْتَهَدَ وَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ فَإِنْ اجْتَهَدَ فِيهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ غَلِطَ وَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَتْ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ جَمْعَهَا ملخصة في موضع واحد وبالله التوفيق * * قال المصنف رحمه الله * (وإن سبقه الحدث ففيه قولان قال في الجديد تبطل صلاته لانه حدث يبطل الطهارة فابطل صلاته كحدث العمد وقال في القديم لا تبطل صلاته بل ينصرف ويتوضأ ويبنى علي صلاته لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن علي ما مضي ما لم يتكلم " ولانه حدث حصل بغير اختياره فاشبه سلس البول فان اخرج علي هذا بقية الحدث الاول لم تبطل صلاته لان حكم البقية حكم الاول فإذا لم تبطل بالاول لم تبطل بالبقية ولان به حاجة الي اخراج البقية لتكمل طهارته) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ اختلف أهل الحديث في الاحتجاج باسماعيل ابن عَيَّاشٍ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ فِي كُلِّ مَا يَرْوِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الشَّامِ خَاصَّةً وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ مَكِّيٌّ مَشْهُورٌ فَيَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عياش عن ابن جريج عن ابنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَأَمَّا من رواه مُتَّصِلًا فَضُعَفَاءُ مَشْهُورُونَ بِالضَّعْفِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ إنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي الْكُتُبِ الصِّحَاحِ فَغَلَطٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَقَوْلُهُ قَلَسَ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ قَلَسَ يَقْلِسُ بِكَسْرِ اللام أي تقايا والقلس باسكان اللام القئ وَقِيلَ هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ

فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَلَسَ لِلتَّقْسِيمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَدَثٌ يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ احْتِرَازٌ مِنْ حَدَثِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في بطلان الصلاة * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ أَحْدَثَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ بِاخْتِيَارِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَإِنْ أَحْدَثَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَالْقَدِيمُ لَا تَبْطُلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بَلْ يَنْصَرِفُ فَيَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ اطْمَأَنَّ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ اطْمَأَنَّ فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ لِأَنَّ الرَّفْعَ إلَى الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ مَقْصُودٌ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ صَرْفَهُ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا الرَّفْعُ حَصَلَ فِي حَالِ الْحَدَثِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ اطْمَأَنَّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا ذَهَبَ لِيَتَطَهَّرَ وَيَبْنِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي تَقْرِيبِ الزَّمَانِ وَتَقْلِيلِ الْأَفْعَالِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَوْ مَأْمُومًا يَقْصِدُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَهُمَا الْعَوْدُ وَكُلُّ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَاءِ وَاسْتِقَائِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدْوُ وَالْبِدَارُ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ فَيَجُوزُ وَلَوْ أَخْرَجَ بَقِيَّةَ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُمْنَعْ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُمْنَعُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا أَنَّ طَهَارَتَهُ بَطَلَتْ وَلَا أَثَرَ لِلْحَدَثِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْبَقِيَّةِ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَلَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فَفِي مَنْعِهِ الْبِنَاءَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جاز البناء ولا فلا ولو رعف المصلي اوقاء أَوْ غَلَبَتْهُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى جَازَ لَهُ عَلَى الْقَدِيمِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَغْسِلَ نَجَاسَتَهُ وَيَبْنِيَ عَلَى صلاته بالشروط السابقة في الحدث نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعُ الْقَدِيمِ الضَّعِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاووس وَأَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِمْ رضى الله عَنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرَ دَلِيلِ الْمَذْهَبَيْنِ والحديث ضعيف والصحابة رضى الله عَنْهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيُصَارُ لِلْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَحَّاهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا مُلَاقَاةُ نَجَاسَةٍ هو معذور فيها فلم تقطع الصلاة كساس الْبَوْلِ وَإِنْ كَشَفَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ عَنْ الْعَوْرَةِ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَلَمْ تُقْطَعْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الثَّوْبُ فِي الصَّلَاةِ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَفَضَهَا فِي الْحَالِ أَوْ وَقَعَتْ رُطُوبَةٌ عَلَى بَعْضِ مَلْبُوسِهِ فَأَلْقَى فِي الْحَالِ أَوْ كَشَفَتْ الرِّيحُ عَوْرَتَهُ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ غُصِبَ ثَوْبُهُ مِنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَارِيًّا صَحَّتْ وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ لِلْمُكْرَهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَحَّاهَا يَعْنِي نَفَضَهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا فَإِنْ حَمَلَهَا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِحَمْلِهَا بِلَا ضَرُورَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا طَرَأَ فِي الصَّلَاةِ حَدَثٌ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ إلَّا حَدَثَ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ فَلَا يَضُرُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَإِنْ طَرَأَ فِيهَا غَيْرُ الْحَدَثِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا أَبْطَلَهَا إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إذَا نُسِبَ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ كَمَنْ مَسَحَ خُفَّهُ فَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ دَخَلَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمَاسُكِ إلَى فَرَاغِهَا وَوَقَعَ الْحَدَثُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ تَخَرَّقَ خُفُّ الْمَاسِحِ فِيهَا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا عَلَى قَوْلَيْ سَبْقِ الْحَدَثِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ قَطْعًا لتقصيره في تعهده قبل الدخول الصَّلَاةِ وَإِنْ طَرَأَ مُنَاقِضٌ لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِتَقْصِيرِهِ فَإِنْ أَزَالَهُ فِي الْحَالِ كَمَنْ كَشَفَتْ الرِّيحُ عَوْرَتَهُ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَفَضَهَا فِي الْحَالِ أَوْ رَطْبَةٌ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الْحَالِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ

وَإِنْ نَحَّاهَا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ احْتَاجَ فِي إزَالَتِهِ إلَى زَمَنٍ بِأَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ يَجِبُ غَسْلُهَا أَوْ أَبْعَدَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فَعَلَى قَوْلَيْ سَبْقِ الْحَدَثِ أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ فَتَدَفَّقَ وَلَمْ يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ * * قال المصنف رحمه الله * (وان ترك فرضا من فروضها كالركوع والسجود وغيرهما بطلت صلاته لقوله صلي الله عليه وسلم للمسئ صلاته أعد صلاتك فانك لم تصل وان ترك القراءة ناسيا ففيه قولان وقد مضى في القراءة) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ تَكَرَّرَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِمَا نُظِرَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَانْتَقَلَ إلَى مَا بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ وَطَالَ الْفَصْلُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا فَذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نحوهما مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرَ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ أَمَّا النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَةُ فَمَنْ تَرَكَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا فَقَوْلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَتَفْصِيلُهُمَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَبِاَللَّهِ التوفيق * * قال المنصف رحمه الله * (وان تكلم في صلاته أو قهقه فيها أو شهق بالبكاء وهو ذاكر للصلاة عالم بالتحريم بطلت صلاته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وروى الضحاك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وان فعل ذلك وهو ناس انه في الصلاة ولم يطل لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين اقصبرت الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصدق ذو اليدين فقالوا نعم فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى اثنتين أخريين ثم سلم " وان فعل ذلك وهو جاهل بالتحريم ولم يطل لم تبطل صلاته لما روى معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال " بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فحدقنى القوم بأبصارهم فقلت واثكلى امياه ما بالكم تنظرون الي فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني - بأبى وأمي هو ما رأيت معلما أحسن تعليما منه والله ما ضربني ولا كهرنى - قال ان صلاتنا هذه لا يصلح

فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " فان سبق لسانه من غير قصد إلى الكلام أو غلبه الضحك لم تبطل لانه غير مفرط فيه فهو كالناسي والجاهل وان اطال الكلام وهو ناس أو جاهل بالتحريم أو مغلوب ففيه وجهان المنصوص في البويطى ان صلاته تبطل لانه كلام الناسي والجاهل والمغلوب كالعمل القليل ثم العمل القليل إذا كثر أبطل الصلاة فكذلك الكلام ومن أصحابنا من قال لا تبطل كأكل الناسي لا يبطل الصوم قل أو كثر وان تنحنح أو تنفس أو نفخ أو بكى أو تبسم عامدا ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته لما روى عبد الله بن عمر قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فلما سجد جعل ينفخ في الارض ويبكى وهو ساجد فلما قضى صلاته قال والذى نفسي بيده لقد عرضت علي النار حتى اني لاطفيها خشية ان تغشاكم " ولان ما لا يبين منه حرفان ليس بكلام فلا تبطل به الصلاة) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَضْعِيفُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَيُغْنِي عنه ما سنذكره من الاحاديث الحصيحة فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي وأما حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِهِ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي الصَّحِيحِ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَقَوْلُهُ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَيْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ نَاسِيًا وَقَوْلُهُ ذُو الْيَدَيْنِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ واسكان الراء والباء الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ قَافٍ وَقَوْلُهُ أَقُصِرَتْ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَرُوِيَ بِفَتْحِ القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ كَوْنِي مَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَسْطُ شَرْحِ

هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ حَدَّقَنِي بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالدَّالُ مُخَفَّفَةٌ وَكَذَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَدَّقَنِي فَمُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ حَدَّقَ بِمَعْنَى نَظَرَ وَنَحْوِهِ إنَّمَا قَالُوا حَدَّقَ بِالتَّشْدِيدِ إذَا نَظَرَ نَظَرًا شَدِيدًا لَكِنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ يُقَالُ حَدَّقَ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ حَدَّقَهُ وَزَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَعْنَى حَدَّقَنِي رَمَوْنِي بِأَحْدَاقِهِمْ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ حَدَّقَنِي بِمَعْنَى أَصَابَ حَدَقَتِي وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ إمَامُ الْعَرَبِيَّةِ فِي زَمَانِنَا بِلَا مُدَافَعَةٍ يَصِحُّ حَدَقَنِي مُخَفَّفًا بِمَعْنَى أَصَابَنِي بِحَدَقَتِهِ كَقَوْلِهِمْ عَنَتْهُ أَصَبْتُهُ بِالْعَيْنِ وَرَكَبَهُ البعير اصابني بركبته قوله واثكل أُمِّيَاهُ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ وَالثُّكْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ كَالنُّجْلِ وَالنَّجَلِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِقْدَانُ المرأة وَامْرَأَةٌ ثَكْلَى إذَا فَقَدَتْهُ وَقَوْلُهُ بِأَبِي وَأُمِّي أي أفديه بهما قوله كهرنى أي ما امتهرنى وفى هذا الحديث وحديث ذى اليدين مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْقَوَاعِدِ وَمُهِمَّاتِ الْفَوَائِدِ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ حَالَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَيُنْظَرُ إنْ نَطَقَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مفهما كقوله ق أوش أوع بِكَسْرِهِنَّ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَطَقَ بِمُفْهِمٍ فَأَشْبَهَ الْحُرُوفَ وَإِنْ نَطَقَ بِحَرْفَيْنِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَفْهَمَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقَعُ عَلَى الْفَهْمِ وَغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبُ اللُّغَوِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ لَا يَكُونُ إلَّا مُفْهِمًا وَلَوْ نَطَقَ بِحَرْفٍ وَمَدَّةٍ بَعْدَهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (اصحها) تبطل لانه كحرفين (والثاني) لا لانه حرف (والثالث) قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ أَتْبَعَهُ بِصَوْتِ غُفْلٍ وهو الذى لا نقصع فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ عَلَى صُورَةِ الْمَدِّ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ أَتْبَعَهُ بِحَقِيقَةِ الْمَدِّ بَطَلَتْ قَالَ لِأَنَّ الْمَدَّ يَكُونُ أَلِفًا أَوْ وَاوًا أَوْ يَاءً وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ إشْبَاعًا لِلْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فَهِيَ مَعْدُودَةٌ حُرُوفًا وَأَمَّا الضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالنَّفْخُ وَنَحْوُهَا فَإِنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاءٌ بَكَى لِلدُّنْيَا أَوْ لِلْآخِرَةِ: وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ إنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بان حَرْفَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ فَمُهُ مُطْبَقًا لَمْ تَبْطُلْ مُطْلَقًا وَإِلَّا

فَإِنْ بَانَ حَرْفَانِ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا بِالتَّنَحْنُحِ فَهُوَ إنْ كَانَ مُخْتَارًا بِلَا حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا وَلَوْ تَعَذَّرَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ فَيَتَنَحْنَحُ وَلَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ الْقِرَاءَةُ وَتَعَذَّرَ الْجَهْرُ إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ وَظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ظَاهِرًا وَأَصَحُّهُمَا أَنَّ لَهُ الدَّوَامَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ صَلَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْذُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتِيهِ فِيهَا فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ فَدَخَلْتُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ رَاوِيهِ وَاضْطِرَابِ إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) فِي الْكَلَامِ بِعُذْرٍ فَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْكَلَامِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ أَوْ الْعُطَاسُ أَوْ السُّعَالُ وَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ أَوْ تكلم ناسيا؟ ؟ ؟ فِي الصَّلَاةِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْبُوَيْطِيِّ والثانى لا تبطل وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالرُّجُوعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى الْعُرْفِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ حَدَّ طُولِ الْفَصْلِ هُنَا أَنْ يَمْضِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ وَوَجْهَانِ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدْرُ الصَّلَاةِ * وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ عَلَى أَكْلِ الصَّائِمِ كَثِيرًا فَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفْطِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ وَجْهًا وَاحِدًا وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْجَهْلُ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ عُذْرًا فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَأَمَّا مَنْ طَالَ عَهْدُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ وَعِصْيَانِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَأَشْبَاهِهَا وَجَهِلَ الْعُقُوبَةَ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُعْذَرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ التَّنَحْنُحِ مُبْطِلًا وَهُوَ طَوِيلُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهَلْ يُعْذَرُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ وَأَصَحُّهُمَا يُعْذَرُ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ مُحَرَّمٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُحَرَّمٌ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يُعْذَرُ وَلَا تَبْطُلُ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قطع

الْبَغَوِيّ تَبْطُلُ لِنُدُورِهِ وَكَمَا لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِعَادَةُ قَطْعًا لِنُدُورِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ يناقض الصلاة بطلت لانه قادر * * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ كَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يُجِبْهُ فَخَفَّفَ الصَّلَاةَ وَانْصَرَفَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت أُصَلِّي قَالَ أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ " وَإِنْ رَأَى الْمُصَلِّي ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ فَأَنْذَرَهُ بِالْقَوْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فهو كَإِجَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يقع في البئر وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أُبَيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن ابى سعيد ابن الْمُعَلَّى أَنَّهُ كَانَ " يُصَلِّي فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَذَكَرَ مَعْنَى قِصَّةِ أُبَيِّ " وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ عل الْمُصَنِّفِ احْتِجَاجَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَرْكَهُ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى وَأَوْهَمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ضَعِيفٌ وَصَرَّحَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى فِي الصَّحِيحَيْنِ فَغَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَوْهِينُهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي دَعْوَاهُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَصْرِهِ إنْسَانًا فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ وَتَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالُوا وَلِهَذَا يُخَاطِبُهُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ بَلْ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَعْمَى فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ رَأَى الْمُصَلِّي مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ كَأَعْمَى يُقَارِبُ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ قَارَبَ الْوُقُوعَ فِي نار ونحوها

أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَافِلٍ قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ ظَالِمٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إنْذَارُهُ إلَّا بِالْكَلَامِ وَجَبَ الْكَلَامُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي لَا تَبْطُلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ واصحهما عند الرافعى تبطل * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَلَّمَهُ إنْسَانٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَرَادَ أن يعلمه انه في الصلاة أو سهى الْإِمَامُ فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ السَّهْوَ اُسْتُحِبَّ لَهُ إنْ كَانَ رَجُلًا أَنْ يُسَبِّحَ وَتُصَفِّقُ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَتَضْرِبُ ظَهْرَ كَفِّهَا الْأَيْمَنِ عَلَى بَطْنِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَابَكُمْ شئ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقْ النِّسَاءُ " فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِنْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ لم تبطل الصلاة لانه ترك سنة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَالِ سَعْدٍ فِي آخِرِ اسْتِقْبَالِ القبلة قال أصحابنا متى ناب المصلي شئ بِأَنْ احْتَاجَ إلَى تَنْبِيهِ إمَامِهِ عَلَى سَهْوٍ أَوْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ رَأَى أَعْمَى يُقَارِبُ الْوُقُوعَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهَا أَوْ أَرَادَ إعْلَامَ غَيْرِهِ بِأَمْرٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَبِّحَ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ هِيَ فَقَدْ خالفنا السُّنَّةَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا وَصِفَةُ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا اللَّفْظِ وَيَجْهَرُ بِهِ جَهْرًا يُسْمِعُهُ الْمَقْصُودَ وَصِفَةُ التَّصْفِيقِ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهْرِ كَفِّهَا الْيُمْنَى بَطْنَ كَفِّهَا الْيُسْرَى أَوْ عَكْسُهُ وَقِيلَ تَضْرِبُ أَكْثَرَ أَصَابِعِهَا الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِهَا الْيُسْرَى وَقِيلَ تَضْرِبُ أُصْبُعَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ وَالْجَمِيعُ مُتَقَارِبٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّ عَلَى بَطْنِ كَفٍّ فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللعب بطلت صلاتها لمنافاته (1) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهَا إذَا فَعَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ جَهِلَتْ تَحْرِيمَهُ لَمْ تَبْطُلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وغيره التسبيح والتصفيق سُنَّتَانِ إنْ كَانَ التَّنْبِيهُ قُرْبَةً وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَمُبَاحَانِ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ التَّسْبِيحِ لِلرَّجُلِ والتصفيق للمرأة إذا نابهما شئ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ مَالِكٌ تُسَبِّحُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَصَدَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ * * قال المصنف رحمه الله *

(وَإِنْ أَرَادَ الْإِذْنَ لِرَجُلٍ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ ادخلوها بسلام آمنين فان قصد التلاوة والاعلام لم تفسد لان تلاوة القرآن لا تبطل وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْآنَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ مِنْ كلام الآدميين) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْكَلَامُ الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ هُوَ مَا سِوَى الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ وَنَحْوُهَا فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بلا خلاف عندنا وقال أبو حنيفة دَلِيلُنَا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقُ قَرِيبًا فلو أتي بشئ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ مَعَ غَيْرِهَا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ ارْتَجَّ أَوْ تَفْهِيمِ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ لِجَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ يَسْتَأْذِنُونَ في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو استؤذن في أخذ شئ فيقول يا يحيي خذ الكتاب بقوة وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْإِعْلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَى تِلْكَ الْآيَةِ أَوْ أَنْشَأَ قِرَاءَتَهَا حِينَئِذٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أنه ان قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ بشئ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ فَتَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا فَلَا تَبْطُلُ أَوْ لَا يَكُونَ فَتَبْطُلُ وَدَلِيلُ إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّظْمِ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ فَإِذَا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ بَلْ لَهُ حُكْمُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْ القرآن من مواضع مفرقة ليس في القرآن على النظم التي أَتَى بِهِ كَقَوْلِهِ يَا إبْرَاهِيمُ بِسَلَامٍ كُنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ فَرَّقَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَمْ يَصِلْ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَمْ تَبْطُلْ يَعْنِي إذَا قَصَدَ الْقُرْآنَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَرَأَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ فَإِنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا ويسجد للسهو وفيما قَالَهُ نَظَرٌ * (فَرْعٌ) قَدْ اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا قِرَاءَةَ الْإِمَامِ إِيَّاكَ نعبد واياك نستعين قالوا إياك نعبد واياك نستعين وَهَذَا بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَأَمَّا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهَا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الدُّعَاءَ وَالْقِرَاءَةَ وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ *

مسائل تتعلق بالكلام في الصلاة

* قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ شَمَّتَ عَاطِسًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ وُضِعَ لِمُخَاطَبَةِ الْآدَمِيِّ فهو كرد السلام وروى يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالرَّحْمَةِ فهو كالدعاء لابويه بالرحمة) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَدْعِيَةُ فِي الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ عَجَمِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ فَالْعَجَمِيَّةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَأَمَّا الدَّعَوَاتُ الْعَرَبِيَّةُ فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ الْمَأْثُورُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ الْمَأْثُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْ الدُّعَاءِ مَا لَيْسَ خِطَابًا لِمَخْلُوقٍ فَأَمَّا مَا هُوَ خِطَابُ مَخْلُوقٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ فَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَوْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَوْ عَافَاكَ اللَّهُ وَنَحْوَ هَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ أَوْ قَالَ لِعَاطِسٍ رحمك الله أو يرحمك اللَّهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْعَاطِسِ هَذَا الْقَوْلُ الْقَرِيبُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ فَلَوْ رَدَّ السلام وشمت الْعَاطِسَ بِغَيْرِ لَفْظِ خِطَابٍ فَقَالَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مَحْضٌ وَيُقَالُ شَمَّتَ الْعَاطِسَ وَسَمَّتَهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَمَعْنَاهُ قال له يرحمك اللَّهُ * وَأَمَّا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى فَهُوَ أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنُ مَيْسَرَةَ بْنُ حَفْصٍ الصَّدَفِيُّ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - الْمِصْرِيُّ وَهُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمِصْرِيِّينَ وَأَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ رَوَى عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ كَثِيرًا وَكَانَ إمَامًا جَلِيلًا تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي يُونُسَ لُغَاتٌ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرُهَا وَبِفَتْحِهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ (إحْدَاهَا) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ قَدْ سَلَّمْتَ قَبْلَ هَذَا فَقَالَ الْإِمَامُ كُنْتُ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ سَهْوٌ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالسَّلَامِ الثَّانِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَيْضًا لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَكْلِيمُهُ الْإِمَامَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّمَ ثَانِيًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ تَكْلِيمَهُ سَهْوٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ شَيْئًا فِي صَلَاتِهِ وَتَلَفَّظَ بِالنَّذْرِ عَامِدًا هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ

فِي مَسْأَلَةِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ الدَّارَكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قَوْلَهُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَلِّي هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) يَتَكَلَّمُ عَامِدًا لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) أَنْ يَتَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ فَيَقُولُ قَدْ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَابَهُ شئ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقْ النِّسَاءُ " وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا لِمَصْلَحَتِهَا لَكَانَ أَسْهَلَ وَأَبْيَنَ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ جَوَابُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَكَلَّمَ نَاسِيًا وَلَا يُطَوِّلَ كَلَامَهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَعُرْوَةُ ابن (1) وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور وغيرهم رضي الله عَنْهُمْ * وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وابو حنيفة واحمد في رواية تبطل ووافق أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ سَلَامَ النَّاسِي لَا يُبْطِلُهَا * وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ تَبْطُلُ بِحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رسول الله صلى

_ (1) كذا بالاصل *

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغُلًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ زِيَادَةُ " وَإِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ " وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا الله أعلمتم بِهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " إنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يصلح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ " الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ " وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ " مَنْ قاء في صلاته أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ " وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ فَقَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ قالوا نعم فصلي ركعتين أخرتين ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا وَهَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبُخَارِيِّ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم صلى لنا وعن عمران ابن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ الدَّلِيلِ لَنَا أَيْضًا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالاعادة قالوا وقياسا علي اللام سَهْوًا وَعُمْدَةُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَاعْتَرَضَ القائلون بالبطلان عليه هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ ابن أَرْقَمَ قَالُوا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَنَقَلُوا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّ

قِصَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَحَابِيٍّ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ صَحِيحَةٍ حَسَنَةٍ مَشْهُورَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَتْقَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ أَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ أَنَّهُ قَبْلَهُ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ فَغَلَطٌ بَلْ شُهُودُهُ لَهُ مَحْفُوظٌ مِنْ روايات الثقاة الْحُفَّاظِ ثُمَّ ذَكَرَ بِأَسَانِيدِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ " صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَةٍ " صَلَّى بِنَا " وَفِي رِوَايَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الركعتين فقام رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بن الحصين ومعاوية بن حريح بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَابْنُ مَسْعَدَةَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَحِبَهُ إلَّا بِالْمَدِينَةِ متأخرا ثم ذكر أحاديثهم بطرقها قال قَالَ وَابْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الْجُيُوشِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَعْرُوفٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رِوَايَةٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَغَلَطٌ وَإِنَّمَا الْمَقْتُولُ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَا نُنَازِعُهُمْ فِي أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي ذَكَرُوهُ فيمن قتل ببدر قال ابن اسحق ذُو الشِّمَالَيْنِ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ فَذُو الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ اسْمُهُ الخرباق بن عمر وذكره مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ غَيْرُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَذُو الْيَدَيْنِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ غَيْرُ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إنَّ الْمُتَكَلِّمَ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ خَاصَّةً ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ اضْطِرَابَهَا فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَذَكَرَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الحجاح تَغْلِيطَهُ الزُّهْرِيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ العلم

بِالْحَدِيثِ الْمُصَنِّفِينَ فِيهِ عَوَّلَ عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَكُلُّهُمْ تَرَكَهُ لِاضْطِرَابِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا عَظِيمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ إنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَتْرُوكٌ لِتَحَقُّقِ غَلَطِهِ فِيهِ هَذَا مختصر قول عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ بَسَطَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرْحَ هَذَا الْحَدِيثِ بَسْطًا لَمْ يَبْسُطْهُ غَيْرُهُ مُشْتَمِلًا علي التحقيق والاتفاق وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْضَ هَذَا مُخْتَصَرًا فَمِمَّا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَتَقَدُّمِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ كَانَ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعُهُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا فَحَدِيثُهُ فِي التَّسْلِيمِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ ثُمَّ نُقِلَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ مَكَّةَ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ عَامِدًا قَالَ لِأَنَّهُ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَبْلَ بَدْرٍ وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بَعْدَ بَدْرٍ وَقَدْ حضرا قصة ذى اليدين وحضرها معاوية ابن حُدَيْجٍ وَكَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عمر أيضا قَالَ فَعَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي العمد لو كَانَ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لَكَانَتْ صَلَوَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ نَاسِخَةً لَهُ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الاوزاعي قال كان اسلام معاوية ابن الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَكَلَّمَ جَاهِلًا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ نَحْوَ مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ قَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ غَيْرُ ذِي الْيَدَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذُو الْيَدَيْنِ بَقِيَ حَيًّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْمُ وَهُمْ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْبَقَاءِ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الصَّلَاةِ مِنْ أَرْبَعٍ إلَى رَكْعَتَيْنِ وَلِهَذَا قال قصرت الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ (وَالثَّانِي) أَنَّ هَذَا خِطَابٌ وَجَوَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ " نَعَمْ " عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ حَمِدَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ تَنْبِيهَ غَيْرِهِ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَالَهُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنْ قَالَهُ جَوَابًا فَهُوَ كَلَامٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ في الصحيحين كما سبق

_ (1) كذابالاصل فلعله (لمنافاة الصلاة) اه *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الضَّحِكِ وَالتَّبَسُّمِ فِي الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّبَسُّمَ لَا يَضُرُّ وَكَذَا الضَّحِكُ إنْ لَمْ يَبِنْ مِنْهُ حَرْفَانِ فَإِنْ بَانَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِهَا بِالضَّحِكِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا بَأْسَ بِالتَّبَسُّمِ مِمَّنْ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا أَعْلَمُ التَّبَسُّمَ إلَّا ضَحِكًا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَنِينِ وَالتَّأَوُّهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَوْفِ النَّارِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَالَ (آهْ) لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ قَالَ (أُوهِ) بَطَلَتْ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ مَذْهَبُنَا انه ان بان مِنْهُ حَرْفَانِ وَهُوَ عَامِدٌ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْفِيفَ وَهُوَ قَوْلُ (أُفٍّ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا قَالَ وَمِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَيَحْيَى بن أبي كثير واحمد واسحق قَالَ وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير * قال المصنف رحمه الله * (وان أكل عامدا بطلت صلاته لانه إذا أبطل الصوم الذى لا يبطل بالافعال فلان يبطل الصلاة أولي وان كان ناسيا لم تبطل كما لا يبطل الصوم) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَكَلَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرافعى وجهان أَنَّ الْأَكْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُهَا وَهُوَ غَلَطٌ وان كان بين اسنانه شئ فابتلعه عمدا أو نزلت من رأسه فَابْتَلَعَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ ابْتَلَعَ شَيْئًا مَغْلُوبًا بِأَنْ جَرَى الرِّيقُ بِبَاقِي

الطَّعَامِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْهُ أَوْ نَزَلَتْ النُّخَامَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إمْسَاكُهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرِّيقِ وَنَقَلَهُ فِيهَا أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ أَمَّا إذَا وَضَعَ سُكَّرَةً أَوْ نَحْوَهَا فِي فِيهِ فَذَابَتْ وَنَزَلَتْ إلَى جَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ وَلَا حَرَكَةٍ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) لَا تَبْطُلُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلٌ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَالضَّابِطُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْمَضْغُ وَحْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وان لم يصل شئ إلَى الْجَوْفِ حَتَّى لَوْ مَضَغَ عِلْكًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَمْضُغْهُ بَلْ وَضَعَهُ فِي فِيهِ فَإِنْ كَانَ جَدِيدًا يَذُوبُ فَهُوَ كَالسُّكَّرَةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لا يذوب لم تبطل كما أَمْسَكَ فِي فَمِهِ حَصَاةً أَوْ إجَّاصَةً فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ قَطْعًا هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَامِدِ فَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ وإن وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْبُطْلَانِ فِي الْكَثِيرِ وَتُعْرَفُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ * (فَرْعٌ) فِي مذاهب الْعُلَمَاءِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ عَامِدًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا قَالَ عَطَاءٌ لَا تَبْطُلُ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَبْطُلُ قَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فروى عن ابن الزبير وسعيد ابن جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا شَرِبَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ طَاوُسٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَعَلَّ مَنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ فَعَلَهُ سَهْوًا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَإِنْ عَمِلَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا لَيْسَ مِنْهَا نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا بِأَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا فَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَسَبَّحُوا لَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ عَامِدًا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ ذِكْرٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ زَادَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال اصحابنا إذا زال فِعْلًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ بِرُكْنٍ وَلَا أَرْكَانٍ وَلَا رَكْعَةٍ وَلَا أَكْثَرَ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ سَهْوًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ كَتَكْرَارِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا الْكِبَارِ تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ قَالَ وحكاه

الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ الْآخِرَ وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْدًا لَا تَبْطُلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَا يُجْزِيهِ عن السورة بعد الفاتحة. * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ إنْ دَفَعَ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ ضَرَبَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ أَوْ أَصْلَحَ رِدَاءَهُ أَوْ حَمَلَ شَيْئًا أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَحَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ إذا سجد وضعفها فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَرَدَّ عليهم فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَخْلُو مِنْ عَمَلٍ قَلِيلٍ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَمَلًا كَثِيرًا بِأَنْ مَشَى خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ أَوْ ضَرَبَ ضَرَبَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ضَرَبَ ضَرْبَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أحدهما) لا تَبْطُلْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَوَضَعَهُمَا إلَى جَانِبِهِ وَهَذَانِ فِعْلَانِ مُتَوَالِيَانِ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُكَرَّرٌ فَهُوَ كَالثَّلَاثِ وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا كَثِيرًا مُتَفَرِّقًا لَمْ تَبْطُلْ صلاته لحديث أمامة بنت أبى العاص فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْحَمْلُ وَالْوَضْعُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تفرق لم بقطع الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَالْفِعْلُ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إحْبَالُ الْمَجْنُونِ لِكَوْنِهِ فِعْلًا وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ قول) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْأَمْرِ بِدَفْعِ الْمَارِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم " قتلوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ خَلْعِ النَّعْلِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ سَبَقَ

بَيَانُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ أَيْضًا: وَأَمَّا حَدِيثُ تَسْلِيمِ الْأَنْصَارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِالْإِشَارَةِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ورواية ابن عمر رضي الله عنهما: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمُخْتَصَرُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ كَثِيرًا أَبْطَلَهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يُبْطِلْهَا بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الضَّابِطُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) الْقَلِيلُ مَا لا يسع زمانه فعل رَكْعَةٍ وَالْكَثِيرُ مَا يَسَعُهَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضعيف أو غلط: (والثانى) كل عمل يَحْتَاجُ إلَى يَدَيْهِ جَمِيعًا كَرَفْعِ عِمَامَةٍ وَحَلِّ أَشْرِطَةِ سَرَاوِيلَ وَنَحْوِهِمَا قَلِيلٌ وَمَا احْتَاجَ كَتَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَعَقْدِ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ كَثِيرٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (والثالث) مَا لَا يَظُنُّ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَالْكَثِيرُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا وَضَعَّفُوهُ بِأَنَّ مَنْ رَآهُ يَحْمِلُ صَبِيًّا أَوْ يَقْتُلُ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُبْطِلُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ قَلِيلًا كَالْإِشَارَةِ بِرَدِّ السَّلَامِ وَخَلْعِ النَّعْلِ وَرَفْعِ الْعِمَامَةِ وَوَضْعِهَا وَلِبْسِ ثَوْبٍ خَفِيفٍ وَنَزْعِهِ وَحَمْلِ صَغِيرٍ وَوَضْعِهِ وَدَفْعِ مَارٍّ وَدَلْكِ الْبُصَاقِ فِي ثَوْبِهِ وَأَشْبَاهِ هَذَا وَأَمَّا مَا عَدَّهُ النَّاسُ كَثِيرًا كَخُطُوَاتٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ وَفَعَلَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ فَتُبْطِلُ الصَّلَاةَ قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ كَالْخُطْوَةِ وَالضَّرْبَةِ قَلِيلٌ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ وَجْهَانِ حكاهما المصنف والاصحاب (أصحها) قَلِيلٌ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّانِي) كَثِيرٌ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ انما يبطل إذا توالي فان تفرق بين خطي خطوة ثم سكت زمنا ثم خطي أُخْرَى أَوْ خُطْوَتَيْنِ ثُمَّ خُطْوَتَيْنِ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ إذَا قُلْنَا لَا يَضُرُّ الْخُطْوَتَانِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ خُطْوَةٍ فَأَكْثَرَ لم يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الضَّرَبَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وغيرها قال أصحابنا وحد التفريق أن يجد الثَّانِيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا رَكْعَةٌ لِحَدِيثِ أُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلَا دَلَالَةَ في هذا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ فِعْلٍ ثَانٍ فِي دُونِ ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لَا تَبْطُلُ بِالْفَعْلَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لَمْ يُتَفَاحَشْ فَإِنْ

تَفَاحَشَتْ وَأَفْرَطَتْ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا قَوْلُهُمْ الثَّلَاثُ الْمُتَوَالِيَةُ تُبْطِلُ أَرَادُوا الْخُطُوَاتِ وَالضَّرَبَاتِ وَنَحْوَهَا: فَأَمَّا الْحَرَكَاتُ الْخَفِيفَةُ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ حَلٍّ وَعَقْدٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كَالْخُطُوَاتِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَثِيرِهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَثُرَتْ مُتَوَالِيَةً لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعُدُّ الْآيَاتِ بِيَدِهِ عَقْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْفِعْل عَمْدًا فَأَمَّا فِعْلُ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ إذَا كَثُرَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَجْهًا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ كَكَلَامِ النَّاسِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ حِينَ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ ثُمَّ عَادَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ - وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ: وَذَكَرَ نَحْوَ الْأُولَى " هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَمَّا فِيهَا فَيُحْتَمَلُ الضَّرْبُ وَالرَّكْضُ وَالْعَدْوُ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ نوضحه فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفِعْلُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوَاضِعَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَفْعَلَهُ نَاسِيًا: (الثَّانِي) أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ: (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا وَكَدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالصَّائِلِ عَلَيْهِ ونحو ذلك *

(فَرْعٌ) لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِنْ الْمُصْحَفِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَحْفَظُهُ أَمْ لَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ نَظَرَ فِي مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَرَدَّدَ مَا فِيهِ فِي نَفْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَالَ لَكِنْ يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ إذَا طَالَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِصِحَّتِهَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ واحمد قال أَبُو حَنِيفَةَ تُبْطِلُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَرَادَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ وَقَرَأَ كَثِيرًا فِي الْمُصْحَفِ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْفَظُهُ أَوْ لَا يَحْفَظُهُ وَقَرَأَ يَسِيرًا كَالْآيَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا تَبْطُلُ وَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى فِكْرٍ وَنَظَرٍ وَذَلِكَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَكَمَا لَوْ تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ فَفِيهِ أَوْلَى وَأَمَّا التَّلْقِينُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُهَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ * * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلًا عَلَى عَبْدِهِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فإذا التفت صرف عنه وجهه " فان كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ ") * (الشَّرْحُ) يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى كُلِّ مَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ السُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّات وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَأَمَّا الِالْتِفَاتُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ إنْ تَحَوَّلَ بِصَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ

لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصلاة هلكة فان كان لابد فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ رَجُلٌ فِيهِ جَهَالَةٌ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِحَاجَةٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذهب يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالنَّاسِ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَر النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الخنظليه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الصُّبْحَ فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشُّعَبِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ " كَانَ أَرْسَلَ فرسا إلى الشعب من أجل الحرس "

* قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ - فاشتد قوله في ذلك حتى قال - لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أَبْصَارُهُمْ " وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يُلْهِيهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جهم واتونى بانبجانية ") . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ مِنْ صُوفٍ وَأَبُو جَهْمٍ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَقِيلَ اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ وَالْأَنْبِجَانِيَّة - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَبِنُونٍ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ومكسورة - وهى كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لَهُ عَلَمٌ فَهُوَ خَمِيصَةٌ وَفِي ضَبْطِهِ وَمَعْنَاهُ كَلَامٌ مُشْتَهَرٌ وَضَّحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْوَدُهُ مَا ذَكَرْتُهُ * قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ تِلَاوَتِهَا وَأَذْكَارِهَا وَمَقَاصِدِهَا مِنْ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ وَمَنْعِ النَّظَرِ مِنْ الِامْتِدَادِ إلَى مَا يَشْغَلُ وَإِزَالَةِ كل ما يخاف اشتغال الْقَلْبِ بِسَبَبِهِ وَكَرَاهَةِ تَزْوِيقِ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ وَحَائِطِهِ وَنَقْشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّاغِلَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ وَإِنْ حَصَلَ فِيهَا فِكْرٌ وَاشْتِغَالُ قَلْبٍ بِغَيْرِهَا وَهَذَا بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ متفق عليهما * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَدُهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يصلى الرجل مختصرا ") . (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى الْمُخْتَصِرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ والفقهاء وقيل هو أن يتوكأ على عصي حكاه الهروي وغيره وقيل أن يختصر السورة فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يُتِمَّ قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَحُدُودَهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قِيلَ نَهَى عَنْهُ

لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ فَلَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَقِيلَ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَكَرَاهَةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى خَاصِرَتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كان المصلي رجلا أو امرأة * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وَثَوْبَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ وَنَهَى أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وثوبه ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْآرَابُ الْأَعْضَاءُ وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقَ العلماء علي النهي عن الصلاة وثوبه مشمرا وكمه أو نحوه أو ورأسه مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودُ شَعْرِهِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْكَرَاهَةَ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاحْتَجَّ لِصِحَّتِهَا أَبُو جعفر محمد بن جريج الطَّبَرِيُّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِعَادَةَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَمْ كَانَ كَذَلِكَ قَبْلَهَا لِمَعْنًى آخَرَ وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ وَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ مَالَكَ وَلِرَأْسِي فَقَالَ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ " قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مَثَّلَهُ بالذى يصلي وهو مكتوف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى مُعَيْقِيبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَمْسَحْ الحصى وأنت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة تسوية الحصى ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ مُعَيْقِيبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَمْسَحْ وَإِنْ مَسَحَتْ فَلَا تَزِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " إذا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى فانه الْمَرْحَمَةَ تُوَاجِهُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُبَيِّنُوا حاله لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ وَكَرِهَ السَّلَفُ مَسْحَ الْجَبْهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مما يتعلق بهما مِنْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِ وَمُعَيْقِيبٌ هَذَا الرَّاوِي يُقَالُ له معيقيب بن أبي فاطمة الدويسي أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ إلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى بَيْتِ المال توفى في آخر خلافة عثمان رضى الله عنه * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يَعُدَّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ الْخُشُوعِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَا هَا فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وعن ابن سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ

فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فمه فان الشيطان يدخل " رواه مسلم قال أَصْحَابُنَا فَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا فَإِنْ تَثَاءَبَ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيُسْتَحَبُّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَأَمَّا عَدُّ الْآيَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ قال ابن المنذر وخص فِيهِ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَطَاوُسٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ بن حكيم والشافعي وأحمد واسحق وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ نَقَلَ أَصْحَابُنَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَدِّ الْآيَاتِ لَكِنْ قَالُوا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ وَلِهَذَا قال فكان تركه اولي * * قال المصنف رحمه الله * (وان بدره البصاق فان كان في غير الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْصُقْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ بَلْ يَبْصُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَإِنْ بَدَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ مَسْجِدًا يَوْمًا فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَتَّهَا بِعُرْجُونٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبْصُقَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنْ أَصَابَتْهُ بَادِرَةُ بُصَاقٍ فَلْيَبْصُقْ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ يَقُولُ بِهِ هَكَذَا " فَعَلَّمَهُمْ أَنْ يَفْرُكُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ: فَإِنْ خَالَفَ وَبَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ دَفَنَهُ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ " وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) * (الشرح) فان أَهْلُ اللُّغَةِ الْبُصَاقُ وَالْبُزَاقُ وَالْبُسَاقُ وَبَصَقَ وَبَزَقَ وَبَسَقَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلُغَةُ السِّينِ قَلِيلَةٌ وَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِنْكَارُهَا بَاطِلٌ فَقَدْ نَقَلَهَا الثِّقَاتُ وَثَبَتَتْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِذَا عَرَضَ لِلْمُصَلِّي بُصَاقٌ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ حَرُمَ الْبُصَاقُ فِيهِ بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَكُمِّهِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَحْرُمْ الْبُصَاقُ فِي الْأَرْضِ فَلَهُ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ وَأَوْلَاهُ فِي ثَوْبِهِ وَيَحُكُّ بَعْضَهُ ببعض

أَوْ يَدَعُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِذَا بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْحَرَامَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ وَنَحْوُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ بِعُودٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّفْنِ إخْرَاجُهَا مِنْ المسجد مطلقا ولا يكفي فدنها فِي تُرَابِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَمَنْ رَأَى مَنْ يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ إنْ قَدَرَ وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ بِدَفْعِهِ أَوْ رَفْعِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ مَحَلِّهِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إذَا بَصَقَ أَوْ رَأَى بُصَاقًا دَلَكَهُ بِأَسْفَلِ مَدَاسِهِ الَّذِي دَاسَ بِهِ النَّجَاسَةَ وَالْأَقْذَارَ فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ تَنْجِيسٌ لِلْمَسْجِدِ أَوْ تَقْذِيرٌ لَهُ وَعَلَى مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا دَلَائِلُهَا فَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ إذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ مَا لاحدكم يقوم مستقبل رَبَّهُ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْزُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وعن يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ سول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْبُزَاقُ فِي المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " رواه الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا

النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذِهِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يَنْبَغِي أَلَّا يَسْكُتَ فِي صَلَاتِهِ إلَّا فِي حَالِ اسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ فَلَوْ سَكَتَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَوْ قِيَامِهِ أَوْ قُعُودِهِ سُكُوتًا يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِنْ سَكَتَ طَوِيلًا لِعُذْرٍ بِأَنْ نَسِيَ شَيْئًا فَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بُطْلَانِهَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ سَكَتَ طَوِيلًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا نَاسِيًا وَقُلْنَا يُبْطِلُ تَعَمُّدُهُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا تَبْطُلُ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ (الثَّانِيَةُ) إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ كَالنُّطْقِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَاللِّعَانِ وَالْقَذْفِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْأَحْكَامِ إلَّا الشَّهَادَةَ فَفِي قَبُولِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَلَوْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُفْهِمُ ففى بطلانها وجهان الصحيح المشهور به قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَلَا فِعْلٍ كَثِيرٍ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ كَلَامِهِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالصِّحَّةِ فِي فَتَاوِيهِ وَصَحَّحَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْوَسِيطِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ عَقَدَ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ فِي صَلَاتِهِ وصح ولم تبطل صلاته وتجئ مَسْأَلَةٌ (1) فِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّ فِيهِمَا خِلَافًا مَعْرُوفًا وَيُتَصَوَّرُ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَغَيْرَهُمَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِهِ ناسيا للصلاة فيصح الجمع بِلَا خِلَافٍ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُضُوعُ وَتَدَبُّرُ قِرَاءَتِهَا وَأَذْكَارِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْفِكْرِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَإِنْ فَكَّرَ فِي غَيْرِهَا وَأَكْثَرَ مِنْ الْفِكْرِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِكْرُهُ فِي مُبَاحٍ أَوْ حَرَامٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حِكَايَةَ وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي فَصْلِ الْفِعْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْفِكْرَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ إذَا كَثُرَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ شاذ مردود وقد نقل الاجماع علي

_ (1) كذا بالاصل يحرر العبارة *

أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْفِكْرِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الله يجاوز لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمُ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا وَدَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (الرَّابِعَةُ) إذَا سَلَّمَ إنْسَانٌ عَلَى الْمُصَلِّي لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ بِالْإِشَارَةِ وَإِلَّا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَفْظًا فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَفْظًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ فَإِنْ قَالَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ فلما فرغ دعاني فقال انك سلمت عليه آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْكَلَامِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ أَطْوَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي قِصَّةِ سَلَامٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إشَارَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ هُوَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحَانِ وَأَمَّا الرَّدُّ بَعْدَ السَّلَامِ فَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أبى مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَأَخَذَنِي مَا قَدِمَ وَمَا حَدَثَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْدَثَ

أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ " فَرَوَاهُ أَبُو داود وقال هذا الحديث (1) وقال الدارقطني قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد أَبُو غَطَفَانَ هَذَا مَجْهُولٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ جَابِرٌ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلِّمَ وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ يَنْصَرِفُ وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْغِرَارُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ وَهُوَ النُّقْصَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ وَلَا تَسْلِيمَ فَرُوِيَ مَنْصُوبًا وَمَجْرُورًا فَمَنْ نَصَبَهُ عَطَفَهُ عَلَى غِرَارٍ أَيْ لَا غِرَارَ وَلَا تَسْلِيمَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَمَنْ جَرَّهُ عَطَفَهُ عَلَى صَلَاةٍ أَيْ لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي تَسْلِيمٍ وَبِهَذَا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَالْغِرَارُ فِي التَّسْلِيمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ إنْسَانٌ فَتَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْقَصَ مِمَّا قَالَ بِأَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقُلْتَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَا تَرُدُّ التَّحِيَّةَ بِكَمَالِهَا بَلْ تَبْخَسُهُ حَقَّهُ مِنْ كَمَالِ الْجَوَابِ قَالَ وَالْغِرَارُ فِي الصلاة له تفسيران أحدهما أن يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا يَعْنِي وَنَحْوَهُمَا وَالثَّانِي يَنْصَرِفُ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى تَفْسِيرِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْخَطَّابِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُبِيحُ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي وَالرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ بِاللَّفْظِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الْحَالِ إشَارَةً وَإِلَّا فَبَعْدَ السَّلَامِ لَفْظًا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمْ أباحوا

رَدَّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِاللَّفْظِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا لَفْظًا وَلَا إشَارَةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا خِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّمُ حَاضِرًا أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَرُدُّ بِقَلْبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي: مُقْتَضَى كَلَامِ أصحابنا انه لا يكره وهو الذى يقتضيه الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَحَكَى كَرَاهَتَهُ عن جابر وعطاء والشعبي وأبي مجلز واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ (الْخَامِسَةُ) يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه وقد حكي ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه واحمد واسحق قَالَ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ قَالَ وَلَا مَعْنَى لِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهَا خِلَافُ السُّنَّةِ (السَّادِسَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ومسلم ابن يَسَارٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَ وكرهه احمد واسحق إلَّا أَنْ يَأْتِيَ غَمٌّ شَدِيدٌ (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَفْقِيعُ الْأَصَابِعِ وَتَشْبِيكُهَا فِي الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَعْبَثَ فِي طَرِيقِهِ وَأَنْ لَا يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ وَأَنْ يُلَازِمَ السَّكِينَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وعلكيم السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ وَالتَّثْوِيبُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ يَحْضُرُهُ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزِيلَ هَذَا الْعَارِضَ ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْعَارِضِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يُزِيلُ الْعَارِضَ فَيَتَوَضَّأُ وَيَأْكُلُ وَإِنْ خرج الوقت ثم يقضيها لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ

باب سجود السهو

مِنْ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إذَا انْتَهَى بِهِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ إلَى أَنْ ذَهَبَ خُشُوعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عن أهل الظاهر بطلانها والله أعلم * (باب سجود السهو) * قال المصنف رحمه الله * (إذا ترك ركعة من الصلاة ساهيا ثم تذكرها وهو فيها لزمه أن يأتي بها وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أربعا لزمه أن يأخذ بالاقل ويأتى بما بقى لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا شك احدكم في صلاته فليلق الشك وليبن علي اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فان كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان وان كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ صَلَّى خَمْسًا شفعن له صلاته وان كان صلي تمام لاربع كانتا ترغيما للشيطان " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَرَكَ رَكْعَةً سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ فِعْلُهَا وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا لَزِمَهُ الْأَخْذُ

بِالْأَقَلِّ وَفِعْلُ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَكْثَرَ فَفِي الْحَالَيْنِ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَيَجِبُ الْبَاقِي وَلَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الشك علي التردد في الشئ سَوَاءٌ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَخْصُوصًا بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَنْهَا تَتَشَعَّبُ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ فَإِذَا قَضَى الْأَذَانَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ " (الثَّانِي) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ - إمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ - فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ

أَمْ نَسِيتَ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يمينا وشمالا فقال مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ " سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " (الثَّالِثُ) عَنْ عَبْدِ الله بن بحينة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَامَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الرَّابِعُ) عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إبْرَاهِيمُ زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يا رسول الله احدث في الصلاة شئ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْت كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ إنَّهُ لو حدث في الصلاة شئ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ احدكم في صلاته فليتحر الصواب فلبتم عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ " فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي

يرى انه صواب " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " (الْخَامِسُ) عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (السَّادِسُ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول " إذا سهي أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى اثْنَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ السِّتَّةُ هِيَ عُمْدَةُ بَابِ سجود السهو وفى الباب أحاديث بمعناها وَأَحَادِيثُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ مِنْ الْبَابِ سَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مُطْلَقًا وَقَالَ إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ تَحَرَّى فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَمِلَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ هَذَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الشَّكُّ فَإِنْ كَانَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَيْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فَقَالَ إنْ كَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَأَمَّا أَحْمَدُ

فَقَالَ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِيمَا جَاءَ فِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاخْتِلَافِ قَالَ وَتَرْكُ الشَّكِّ قِسْمَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتْرُكُهُ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَهَذَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) يَتْرُكُهُ وَيَتَحَرَّى فَهَذَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَرَدَّ الْمُجْمَلَ إلَى المبين وقال البيان انما هو في حديث أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا مَسُوقَانِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالِاخْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَوُجُوبُ الْبَاقِي وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا التَّحَرِّي الْمَذْكُورُ في حديث ابن مسعود فالمراد به بناء عَلَى الْيَقِينِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حَقِيقَةُ التَّحَرِّي طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ وَأَحْرَاهُمَا مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ يَقِينِ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا وَأَمَّا السُّجُودُ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ سَهْوًا لَا مَقْصُودًا قَالُوا وَلَا يَبْعُدُ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَقَعَ فِيهَا السَّهْوُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَارِدَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ الصَّرِيحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمَا وَإِهْمَالُهُمَا فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَدُورُ عَلَيْهِ بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيَانُ مُعْتَمَدِ الْعُلَمَاءِ فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيهَا وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمَطْلُوبَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ فَإِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ رُبَاعِيَّةً سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ تَرَجَّحَ احْتِمَالُ الْأَرْبَعِ وَلَا يُعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ سَوَاءٌ طَرَأَ هَذَا الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَمْ تَكَرَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَارَ عَادَةً لَهُ اجْتَهَدَ وَعَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا عَمِلَ بِالْأَقَلِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَا رَأَيْتُ قَوْلًا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا وَلَا أَبْعَدَ مِنْ السُّنَّةِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ نَقَصَ يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ * * قال المصنف رحمه الله *

(فان ترك ركعة ناسيا وذكرها بعد السلام نظرت فان لم يتطاول الفصل أتى بها وان تطاول استأنف واختلف اصحابنا في التطاول فقال أبو اسحق هو أن يمضى قدر ركعة وعليه نص في البويطي وقال غيره يرجع فيه الي العادة فان كان قد مضى ما يعد تطاولا استأنف الصلاة وان مضى ما لا يعد تطاولا بنى لانه ليس له حد في الشرع فيرجع فيه الي العادة وقال أبو على بن أبي هريرة ان مضى قدر الصلاة التي نسي فيها استأنف وان كان دون ذلك بنى لان آخر الصلاة ينبني على أولها وما زاد علي ذلك لا ينبنى فجعل ذلك حدا) *

(الشَّرْحُ) إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ سِوَى النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ذَكَرَ السَّهْوَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ فَيَأْتِي بِالْبَاقِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ فِي النَّقْلِ وَغَلَطٌ من حيث

الدَّلِيلُ وَهُوَ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِقِ فَوَجَبَ رَدُّهُ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَفِي ضَبْطِهِ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الاصحاب الرجوع الي العرف فان عدوه قنيلا فَقَلِيلٌ أَوْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالثَّانِي قَدْرُ رَكْعَةٍ طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ وَهَذَا هو المنصوص في البويطي واختاره أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرُ

قَدْرُ رَكْعَةٍ خَفِيفَةٍ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَقَطْ وَالثَّالِثُ قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي سَهَا فِيهَا طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرَّابِعُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَنْقُولَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ قَلِيلٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ طَوِيلٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَدْرِ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَامَ إلَى نَاحِيَةِ المسجد وراجع ذى الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الْجَمَاعَةَ فَأَجَابُوا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ لحديث ذى اليدين * قال المصنف رحمه الله * (وان شك بعد السلام في تركها لم يلزمه شئ لان الظاهر انه اداها علي التمام فلا يضره الشك الطارئ بعده ولانا لو اعتبرنا حكم الشك بعدها شق ذلك وضاق فلم يعتبر) *

(الشَّرْحُ) إذَا شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكَعَاتٍ أَوْ رُكْنٍ فَفِي الْمَسْأَلَةِ طريقان (الصحيح) منهما انه لا شئ عَلَيْهِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُ الخراسانيين والطريق الثاني حكاه الخراسانيون فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ هَذَا وَ (الثَّانِي) يجب الاخذ باليقين فان كان الفصل قريبا وجب البناء والا وجب الاستئناف (والثالث) ان قرب الفصل وجب البناء والا فلا شئ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهُهُمَا ظَاهِرٌ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ بَعْضِهِ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ * قال المصنف رحمه الله * (وإن ترك فرضا ساهيا أو شك في تركه وهو في الصلاة لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه ثم يأتي بما بعده لان الترتيب مستحق في أفعال الصلاة فلا يعتد بما يفعل حتي يأتي بما تركه فان ترك سجدة من الركعة الاولي وذكرها وهو قائم في الثانية نظرت فان كان قد جلس عقيب السجدة الاولي خر ساجدا وقال أبو إسحق يلزمه أن يجلس ثم يسجد ليكون السجود عقيب الجلوس والمذهب الاول لان المتروك هو السجدة وحدها فلا يعيد ما قبلها كما لو قام من الرابعة الي الخامسة ساهيا ثم ذكر فانه يجلس ثم يتشهد ولا يعيد السجود قبله وان لم يكن قد جلس عقيب السجدة الاولى حتى قام ثم ذكر جلس ثم سجد ومن أصحابنا من قال يخر ساجدا لان الجلوس يراد الفصل بين السجدتين وقد حصل الفصل

بالقيام الي الثانية والمذهب الاول لان الجلوس فرض مأمور به فلم يجز تركه وان كان قد جلس عقيب السجدة الاولي وهو يظن انها جلسة الاستراحة ففيه وجهان قال أبو العباس لا يجزئه بل يلزمه أن يجلس ثم يسجد لان جلسة الاستراحة نفل فلا يجزئه عن الفرض كسجود التلاوة لا يجزئه عن سجدة الفرض ومن أصحابنا من قال يجزئه كما لو جلس في الرابعة وهو يظن انه جلس للتشهد الاول وتعليل أبى العباس يبطل بهذه المسألة وأما سجود التلاوة فلا يسلم فان من أصحابنا من قال يجزئه عن الفرض ومنهم من قال لا يجزئه لانه ليس من الصلاة وانما هو عارض فيها وجلسة الاستراحة من الصلاة وان ذكر ذلك بعد السجود في الثانية تمت له ركعة لان عمله بعد المتروك كلا عمل حتى يأتي بما ترك فإذا سجد في الثانية ضممنا سجدة من الثانية الي الاولى فتمت له الركعة وان ترك سجدة من أربع ركعات ونسى موضعها لزمه ركعة لانه يجوز أن يكون قد ترك من الاخيرة فيكفيه سجدة ويحتمل أن يكون قد ترك من غير الاخيرة فتبطل عليه الركعة التى بعدها وفي الصلاة يجب أن يحمل الامر علي الاشد ليسقط الفرض بيقين وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شك في عد الركعات أن يأخذ بالاقل ليسقط الفرض بيقين وان ترك سجدتين جعل احداهما من الاولى والاخرى من الثالثة فيتم الاولى بالثانية والثالثة بالرابعة فيحصل له ركعتان وتلزمه ركعتان وان

ترك ثلاث سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدة ومن الرابعة سجدة وتلزمه ركعتان وان ترك أربع سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدة فيلزمه سجدة وركعتان وان ترك خمس سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدتين فيلزمه سجدتان وركعتان وان نسى ست سجدات فقد أتى بسجدتين فجعل احداهما من الاولي والاخرى من الرابعة وتلزمه ثلاث ركعات وان نسى سبع سجدات حصل له ركعة إلا سجدة وان نسى ثماني سجدات حصل له من ركعة القيام والركوع ويلزمه أن يأتي بما بقى فان ذكر ذلك بعد السلام أو شك في تركه بعد السلام فالحكم فيه علي ما ذكرناه في الركعة) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْمَتْرُوكُ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ قَبْلَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ اشْتَغَلَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ بِالْمَتْرُوكِ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ فِعْلِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَمَّتْ الرَّكْعَةُ السَّابِقَةُ وَلُغِيَ مَا بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَوْضِعَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَقَلِّ الْمُمْكِنِ وَيَأْتِيَ بِالْبَاقِي وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا إذَا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِأَنْ تَرَكَ رُكْنًا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ: وَإِلَّا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ هُوَ السَّلَامُ فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ هَذَا ضَابِطُ الْفَصْلِ فَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهَا وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ مِنْ قِيَامِهِ أَمْ يَجِبُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَسْجُدُ مِنْ قِيَامٍ وَلَا يَجْلِسُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ الْفَصْلُ وَقَدْ حَصَلَ بِالْقِيَامِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ

عَقِبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا لِأَنَّهُ رُكْنٌ مَقْصُودٌ وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهِ الطُّمَأْنِينَةُ وَالِاسْتِوَاءُ قَاعِدًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ جَلَسَ كَفَاهُ السُّجُودُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَمْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُجْزِئُهُ الْجَلْسَةُ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ الْجَلْسَةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّهَا جَلْسَةٌ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لَهُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بظنه الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَقَعُ فَرْضًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَحَكَوْا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) إنْ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَفَاهُ السُّجُودُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَزِمَهُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَمْ لَمْ يَجْلِسْ لِيَكُونَ السُّجُودُ مُتَّصِلًا بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهُ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب عن أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ جَلَسَ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَيَنْظُرُ إنْ تَذَكَّرَ بعد السجدتين في الثانية أو في الثانية مِنْهُمَا فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ الْأُولَى وَلَغَى مَا بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَحْصُلُ تَمَامُهَا بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْ بِالثَّانِيَةِ يَبْنِي عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَة فَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجِبُ الْجُلُوسُ حَصَلَ بِالْأُولَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَاهُ حَصَلَ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْجُلُوسَ لَمْ تَتِمَّ رَكْعَتُهُ الْأُولَى حَتَّى يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ فَيَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ * (فَرْعٌ) إذَا تَذَكَّرَ فِي جُلُوسِ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إلَّا سَجْدَتَيْنِ وَحَالٌ رَكْعَتَانِ وَحَالٌ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَتْرُوكَ

ثِنْتَانِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الرَّابِعَةِ صَحَّتْ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ وَحَصَلَتْ الثَّالِثَةُ لَكِنْ لَا سُجُودَ فِيهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِيُتِمَّ ثُمَّ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ رَابِعَةٍ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ فَتُتِمُّ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ بِالرَّابِعَةِ وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَأُخْرَى مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ وَأُخْرَى مِنْ الرَّابِعَةِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَيَحْصُلُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ رَكْعَتَانِ وَيَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ: أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَمَنْ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ وَمَنْ الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً وَمِنْ الرَّابِعَةِ أُخْرَى وَكَذَا صُورَةُ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ ركعتين غير متواليين فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً فَيَسْجُدُهَا ثُمَّ يَأْتِي بركعتين هذا كله إذا عرف مواضع السَّجَدَاتِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَشَدِّ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَتَانِ وَهُوَ غَلَطٌ قَطْعًا وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ إذا كان جَلَسَ عَقِبَ السَّجْدَةِ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذَا قُلْنَا تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الْقِيَامَ يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي بَعْضِ الرَّكَعَاتِ أَوْ لَمْ يَجْلِسْ فِي غَيْرِ الرَّابِعَةِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْقِيَامَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ فَلَا يُحْسَبُ ما بعد السجدة المفعولة حتى يجلس لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ جَلَسَ فِي الثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا رَكْعَةٌ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً ثُمَّ هَذَا الْجُلُوسُ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهِ يَقَعُ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ: أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً

مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَهُوَ فِي الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْآخِرَةِ سَجَدَهَا وَاسْتَأْنَفَ التَّشَهُّدَ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ وَإِنْ عَلِمَهَا مِنْ غَيْرِ الْآخِرَةِ أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ: وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهُمَا ثُمَّ تَشَهَّدَ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ كَفَاهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ وَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ غَيْرِهَا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَيَاتِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَقْسِيمَهُ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ خَمْسِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ مَوْضِعَهُنَّ فَحُكْمُهُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ جَهِلَ مَوْضِعَهُنَّ لَزِمَهُ ثلاث ركعات باتفاق الاصحاب ولكهم مُصَرِّحُونَ بِوُجُوبِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إلَّا الْمُصَنِّفَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ وَهُوَ غَلَطٌ ليس عنه جَوَابٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وجوب الاخد بِأَشَدِّ الْأَحْوَالِ وَهَذَا يُقْتَضَى وُجُوبَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ مِنْ الاولي سَجْدَةً وَمِنْ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ وَكَذَا مِنْ الثَّالِثَةِ فَيُتِمُّ الْأُولَى بِالرَّابِعَةِ وَلَا يَحْصُلُ غَيْرُ رَكْعَةٍ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لَزِمَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ أَيْضًا وَإِنْ تَرَكَ سَبْعًا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ تَرَكَ ثَمَانِيًا لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ الْخَمْسِ فَمَا بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا فِيمَنْ سَجَدَ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ أَوْ عَلَى حَائِلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَطَّرِدُ لَوْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أنه يحصل له ركعتان ويأتي بركعتين اخرين بشرطه المذكور وقال الليث ابن سَعْدٍ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَدْ

تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَعَنْ النَّخَعِيِّ مَنْ نَسِيَ سَجْدَةً سَجَدَهَا مَتَى ذَكَرَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الظُّهْرِ فَذَكَرهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا فَعَلَهُ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عنهما يستانف الصلاة وأما إذَا تَرَكَ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مذهبنا فيه وأنه يعود الي سجوده الاولي وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ عَادَ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأُولَى وَيَعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَعُودُ مَا لَمْ يركع * قال المصنف رحمه الله * (فان نسي سنة نظرت فان ذكر ذلك وقد تلبس بغيرها مثل أن ترك دعاء الاستفتاح فذكر وهو في التعوذ أو ترك التشهد الاول فذكره وقد انتصب قائما لم يعد إليه والدليل عليه ما روى المغيرة ابن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فان استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتين " ففرق ابين ان ينتصب وبين أن لا ينتصب لانه إذ انتصب حصل في غيره وإذا لم ينتصب لم يحصل في غيره فدل علي ما ذكرناه فان نسى تكبيرات العيد حتى افتتح القراءة ففيه قولان قال في القديم ياتي بها لان محلها القيام والقيام باق وقال في الجديد لا ياتي بها لانه ذكر مسنون قبل القراءة فسقط بالدخول في القراءة كدعاء الاستفتاح) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِي رِوَايَةٍ عن زياد بن علافه قَالَ " صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَضَى فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَحْصُلُ بِهَا الدَّلَالَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِثْلَهَا مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمَنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَقَالَ هُمَا صَحِيحَتَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي سُنَّةً وَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا سَوَاءٌ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ أَمْ بِسُنَّةٍ أُخْرَى فَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذَ أَوْ كِلَيْهِمَا حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ يَتْرُكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى يلتبس بِالرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُمَا أَوْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا أَوْ الْقُنُوتَ حَتَّى يَسْجُدَ أَوْ جَلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِسُنَّةٍ أُخْرَى أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي التَّعَوُّذِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ أَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ وَتَعَوَّذَ عَادَ إلَيْهِ مِنْ التَّعَوُّذِ وَالْمَشْهُورُ فِي

الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا فَلَوْ خَالَفَ وَعَادَ مِنْ التَّعَوُّذِ إلَى الِاسْتِفْتَاحِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ مِنْ الِاعْتِدَالِ إلَى الرُّكُوعِ لِتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ أَوْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ التَّعَوُّذِ إلَى السُّجُودِ لِتَسْبِيحِ السُّجُودِ أَوْ من القيام لي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ السُّجُودِ إلَى الِاعْتِدَالِ لِلْقُنُوتِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا سَنَبْسُطُ بَعْضَهَا فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَبَعْضَهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَصْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَيُنْظَرُ إنْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهَا بِلَا خِلَافٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَإِنْ كَبَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ وَمَا بَعْدَهُ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِبَقَاءِ الْقِيَامِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يُعِدْهَا فِي الْجَدِيدِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وفى القديم يعيدها ثم يستأنف الْفَاتِحَةُ وَإِذَا تَدَارَكَ التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ اُسْتُحِبَّ اسْتِئْنَافُهَا وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ وَالصَّحِيحُ الِاسْتِحْبَابُ وَلَوْ أَدْرَكَ

مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقَدْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ معه خمسا على الجديد فإذا أقام إلَى فَائِتَةٍ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (الذي يقتضي سجود السهو امران زيادة ونقصان فاما الزيادة فضربان: قول وفعل: فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسيا أو يتكلم ناسيا فيسجد للسهو والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَلَّمَ من اثنتين وكلم ذا اليدين وأتم صلاته وسجد سجدتين وان قرأ في غير موضع القراءة سجد لانه قول في غير موضعه فصار كالسلام: وأما الفعل فضربان ضرب لا يبطل عمده الصلاة وضرب يبطل فما لا يبطل عمده الصلاة كالالتفات والخطوة والخطوتين فلا يسجد له لان عمده لا يؤثر فسهوه لا يقتضي السجود وأما ما يبطل عمده فضربان متحقق ومتوهم فالمتحقق ان يسهو فيزيد في صلاته ركعة أو ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا أو يطيل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود علي وجه السهو فيسجد للسهو وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى الظهر خمسا فقيل له صليت خمسا فسجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم " وأما المتوهم فهو أن يشك هل صلي ركعة أو ركعتين فيلزمه ان يصلي ركعة أخرى ثم يسجد للسهو لحديث ابى سعيد الخدرى الذى ذكرناه في اول الباب فان قام من الركعتين فرجع الي القعود قبل أن ينتصب قائما ففيه قولان (أحدهما) يسجد للسهو لانه زاد في صلاته فعلا تبطل الصلاة بعمده فيسجد كما لو زاد قياما أو ركوعا (والثانى) لا يسجد وهو الاصح لانه عمل قليل فهو كالالتفات والخطوة *

وأما النقصان فهو أن يترك سنة مقصودة وذلك شيآن: أحدهما أن يترك التشهد الاول ناسيا فيسجد للسهو لما روى ابن بحينة أن النبي صل الله عليه وسلم " قام من اثنتين فلما جلس من اربع انتظر الناس تسليمه فسجد قبل ان يسلم " والثانى أن يترك القنوت ساهيا فيسجد للسهو لانه سنة مقصودة في محلها فتعلق السجود بتركها كالتشهد الاول وان ترك الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التشهد الاول فان قلنا انها ليست بسنة فلا يسجد وان قلنا انها سنة سجد لانه ذكر مقصود في موضعه فهو كالتشهد الاول فان ترك التشهد الاول أو القنوت عامدا سجد للسهو ومن اصحابنا من قال لا يسجد لانه مضاف الي السهو فلا يفعل مع العمد والمذهب الاول لانه إذا سجد لتركه ساهيا فلان يسجد لتركه عامدا اولي وان ترك سنة غير مقصودة كالتكبيرات والتسبيحات والجهر والاسرار والتورك والافتراش وما اشبهها لم يسجد لانه ليس بمقصود في موضعه فلم يتعلق بتركه الجبران وان شك هل سها نظرت فان كان في زيادة هل زاد أم لا لم يسجد لان الاصل انه لم يزد وان كان في نقصان هل ترك التشهد أو القنوت أم لا سجد لان الاصل انه لم يفعل فسجد لتركه) * (الشَّرْحُ) الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الباب واما الاحكام فقال اصحابنا الذي يقتضيه سُجُودَ السَّهْوِ قِسْمَانِ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ ارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ فَنَوْعَانِ تَرْكُ رُكْنٍ وَغَيْرِهِ أَمَّا الرُّكْنُ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَكْفِ عَنْهُ السُّجُودُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ كَمَا سَبَقَ ثُمَّ قَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ التَّدَارُكِ وَقَدْ لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا غَيْرُ الرُّكْنِ فَضَرْبَانِ أَبْعَاضٌ وَغَيْرُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَبْعَاضِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالْقُنُوتُ وَالْقِيَامُ لَهُ وَكَذَا الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ إذَا تَرَكَهُمَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا إنَّهُمَا سُنَّةٌ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بَلْ هِيَ سُنَّةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْعَاضِ مَجْبُورٌ بِسُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّ السُّجُودَ مَشْرُوعٌ لِلسَّهْوِ وَهَذَا غير؟ ؟ ؟ ولان السُّجُودَ شُرِعَ جَبْرًا لِخَلَلِ الصَّلَاةِ وَرِفْقًا بِالْمُصَلِّي إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِعُذْرِهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حامد هذا الوجه عن أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْجُدُ لِأَنَّهُ إذَا شُرِعَ لِلسَّاهِي فَالْعَامِدُ الْمُقَصِّرُ أَوْلَى وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبْعَاضِ

مِنْ السُّنَنِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّوَرُّكِ وَالِافْتِرَاشِ وَالسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةَ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ الزَّائِدَةِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ الْمَسْنُونَاتِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجود لشئ مِنْهَا وَالسُّجُودُ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَتُخَالِفُ الْأَبْعَاضَ فَإِنَّهُ وَرَدَ التَّوْقِيفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَقِسْنَا بَاقِيَهَا عَلَيْهِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهَا سُنَنٌ مُتَأَكَّدَةٌ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ كُلِّ مَسْنُونٍ ذِكْرًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ووجها أَنَّهُ يَسْجُدُ لِنِسْيَانِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لا يسجد لشئ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبْعَاضِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ: أَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصِنْفَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا الضَّرْبَةُ وَالضَّرْبَتَانِ وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ وَالْخَاصِرَةِ وَالْفِكْرُ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّظَرُ إلَى مَا يُلْهِي وَرَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَكَفُّ الثَّوْبِ وَالشَّعْرِ وَمَسْحُ الْحَصَى وَالتَّثَاؤُبُ وَالْعَبَثُ بِلِحْيَتِهِ وَأَنْفِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُسْجَدُ لِعَمْدِهِ وَلَا لِسَهْوِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إلَى أَعْلَامِ الْخَمِيصَةِ وَقَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُهَا وَتَذَكَّرَ تِبْرًا كَانَ عِنْدَهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ في الصلاة ولم يسجد لشئ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي مَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالْكَلَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الزَّائِدَيْنِ فَهَذَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ إذَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا بَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا سُجُودَ وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ وَالْفِعْلِ وَالْكَلَامِ إذَا أَكْثَرَ مِنْهَا سَاهِيًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ تَبْطُلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَلَا سُجُودَ وَإِذَا سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ أَوْ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ قِرَاءَتَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا عَمْدًا لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا يُسْجَدُ لَهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْأَصْحَابُ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ أَرْكَانٌ طَوِيلَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا تَطْوِيلُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالِاعْتِدَالُ عَنْ الرُّكُوعِ رُكْنٌ قَصِيرٌ أُمِرَ الْمُصَلِّي بِتَخْفِيفِهِ فَلَوْ أَطَالَهُ عَمْدًا بِالسُّكُوتِ أَوْ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ أَوْ بِذِكْرٍ آخَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا حَيْثُ وَرَدَ الشَّرْعُ

بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقُنُوتِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ يُطِيلُ الْقِيَامَ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ وَمُرَادُهُ إطَالَةُ الِاعْتِدَالِ وَذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالثَّالِثُ إنْ قَنَتَ عَمْدًا فِي اعْتِدَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَوَّلَهُ بِذِكْرٍ آخَرَ لَا بِقَصْدِ الْقُنُوتِ لَمْ تَبْطُلْ هَذَا نَقْلُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مر بآية فيها سؤال سأل وإذ مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قريبا من قيامه " هذا لفظ رواية ملسم وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ إطَالَةِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْإِطَالَةَ فَالْأَقْوَى جَوَازُهَا بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَوِيلٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَكْثَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا طَوِيلٌ فَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِهِ عَمْدًا وَإِنْ قُلْنَا قَصِيرٌ فَفِي تَطْوِيلِهِ عَمْدًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الِاعْتِدَالِ قَالُوا وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا ذِكْرِيًّا إلَى رُكْنٍ طَوِيلٍ بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ عَمْدًا فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَقَلَ رُكْنًا فِعْلِيًّا وَأَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَطَرَدُوا هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى الِاعْتِدَالِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَطَوَّلَ الِاعْتِدَالَ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ بِالتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ تَبْطُلُ قَطْعًا وَحَيْثُ قُلْنَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَفَعَلَهُ سهوا سجدتين لِلسَّهْوِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ فَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا كَسَائِرِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَأَصَحُّهُمَا يَسْجُدُ لِإِخْلَالِهِ بِصُورَتِهَا وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ وَلِلنَّقْصِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَّا عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ صَاحِبَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَا لَا يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُسْجَدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَقَالَ مَالِكٌ يُسْجَدُ لِتَرْكِ جَمِيعِ الْهَيْئَاتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ أَوْ عَكَسَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ وَلَا لِلْإِسْرَارِ فِي مَوْضِعٍ الْجَهْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثور واسحق أَنَّهُ يُسْجَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُسْجَدُ لترك تكبيرات العيد وعن الحكم واسحق أَنَّهُ يَسْجُدُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ عَمْدًا فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَسْجُدُ وَقَالَ أَحْمَدُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ * (فَرْعٌ) مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي أبواب الفقه أنا إذا تيقنا وجود شئ أَوْ عَدَمَهُ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي تَغَيُّرِهِ وَزَوَالِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ اسْتَصْحَبْنَا حُكْمَ الْيَقِينِ وَطَرَحْنَا حُكْمَ الشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَاسْتَوْعَبْنَاهَا هُنَاكَ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهَا مُوَضَّحًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا شَكَّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالسُّجُودِ وَهُوَ الْأَبْعَاضُ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مُعَيَّنٍ فَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ مُطْلَقًا أَمْ لَا فلا يسجد كما لو شك هل سهي أَمْ لَا فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ قَطْعًا وَإِنْ شَكَّ هَلْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ غَيْرَهُمَا أَمْ لَا أَوْ هَلْ ارتكب منهيا عنه كَكَلَامٍ وَسَلَامٍ نَاسِيًا لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ لَهُ أَمْ لَا فَلْيَسْجُدْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السُّجُودِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ هُوَ تَرَكَ مَأْمُورًا أَوْ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا عَنْهُ سَجَدَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ السُّجُودِ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ عَيْنِهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا سَبَقَ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ السُّجُودِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَطَائِفَةٌ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْحَدِيثُ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ سَبَبَهُ التَّرَدُّدُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَمْ زَائِدَةٌ تَقْتَضِي السُّجُودَ وَهَذَا التَّرَدُّدُ يَقْتَضِي السُّجُودَ فَلَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ وَعَرَفَ أَنَّ الَّتِي يَأْتِي بِهَا رَابِعَةٌ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَسْجُدُ عَلَى الثَّانِي وَضَبَطَ أَصْحَابُ الْوَجْهِ الثَّانِي صُورَةَ الشَّكِّ وَزَوَالِهِ فَقَالُوا إنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ من وقت عروض الشك الي زواله لابد مِنْهُ عَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ سَجَدَ مِثَالُهُ شَكَّ فِي قِيَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثَالِثَةٌ

أَمْ رَابِعَةٌ فَرَكَعَ وَسَجَدَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْقِيَامِ إلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى أَخْذًا بِالْيَقِينِ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الْأُخْرَى أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَلَا يَسْجُدُ لان ما فعله على الشك لابد مِنْهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا رَابِعَةٌ لِأَنَّ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ وَكَوْنِهَا خَامِسَةً كَانَ مَوْجُودًا حِينَ قَامَ * (فَرْعٌ) لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهُ الْمُجْزِئَ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ شَاكٌّ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ فَوَاتَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ جُلُوسِهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ فَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَاسِيًا لِلتَّشَهُّدِ أَوْ جَلَسَ وَلَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ ثُمَّ نَهَضَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَلَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا فَيَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ السَّابِقُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعُودَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ فَإِنْ عَادَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ سُجُودُ السَّهْوِ هُنَا لِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ عَادَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالُوا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى

الْعَوَامّ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْعَامِدِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ هَذَا حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَوْدُ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ لِلتَّشَهُّدِ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِيَتَشَهَّدَ جَازَ وَكَانَ مُفَارِقًا بِعُذْرٍ وَلَوْ انْتَصَبَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَادَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ بَلْ يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ قَائِمًا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي التَّنَحْنُحِ أَصَحُّهُمَا لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ عَادَ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَعَدَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الاول وقام المأموم ناسيا أو نهضا فَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَعَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ

لِأَنَّهَا آكَدُ وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَمُتَابِعُوهُمَا وَالثَّانِي يَحْرُمُ الْعَوْدُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَوْدُ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِالْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَصَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ عَمْدًا فَقَدْ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ قَالَ كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعَوْدُ فَإِنْ عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا قَالَ فَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا بِأَنْ سَمِعَ صَوْتًا فَظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ رَكَعَ

فَرَكَعَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِلنِّزَاعِ فِي صورة قصد القيام مجال ظَاهِرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ عَمْدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَعَلُوهُ مُسْتَحَبًّا (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وغيرهما من مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ

اللَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ وَالْمُرَادُ بِالِانْتِصَابِ الِاعْتِدَالُ وَالِاسْتِوَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ هِيَ أَرْفَعُ مِنْ حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ إذَا عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَسْجُدُ وَالثَّانِي يَسْجُدُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ عَادَ سَجَدَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ اسْتَوَتْ نِسْبَتُهُمَا لَمْ يَسْجُدْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ إنْ عَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ سَجَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ وَرُفْقَتُهُ مُتَقَارِبَتَانِ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْقَفَّالِ أَوْفَى بِالْغَرَضِ وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلَيْنِ وَهِيَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَحَمْلٌ لَهُمَا عَلَى حَالَيْنِ وَبِهَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ

وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا سَهْوَ فِي وَثْبَةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي قِيَامٍ عَنْ جُلُوسٍ أو جلوس عن قيام " رواه الْحَاكِمُ وَادَّعَى أَنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالَيْنِ هُوَ فِيمَا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ نَاسِيًا وَنَهَضَ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا قَوْل الْمُصَنِّفِ فَإِنْ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَهَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُوَافِقُوهُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ زَادَ هَذَا النُّهُوضَ عَمْدًا لَا لِمَعْنًى وَهَذَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وغيره

الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَامَ مُتَعَمِّدًا تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَبَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَعَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّهُوضَ كَانَ جَائِزًا أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَأَنَّهُ جَاءَ وَقْتُ الثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِذَا نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ ثُمَّ إنْ عَادَ قَبْلَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ أَوْ بَعْدَهُ فَحُكْمُ سُجُودِ السَّهْوِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَنْ قِيَامٍ ظَانًّا أَنَّهُ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْحَالَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ تَدَارُكُ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ إعَادَةُ التَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ اتَّفَقَ ذلك في الركعة الثانية

_ (7) هذه الاحاديث سبقت في الشرح *

مِنْ صَلَاةٍ رَبَاعِيَةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ فَكَذَلِكَ يَتَدَارَكُ السَّجْدَتَيْنِ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ إعَادَةَ التَّشَهُّدِ هُنَا سُنَّةٌ وَهُنَاكَ وَاجِبَةٌ وَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ لَا يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ فَإِذَا تَذَكَّرَ تَدَارَكَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامَ وسجد لِلسَّهْوِ أَمَّا إذَا جَلَسَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَقَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَقُومُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا طَوِيلًا فَلَوْ لم يَطُلْ قُعُودُهُ لَمْ يَسْجُدْ وَالتَّطْوِيلُ أَنْ يَزِيدَ علي قدر جلسة الاستراحة هكذا قاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَتَدَارَكُ السَّجْدَةَ

الثَّانِيَةَ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ لَكِنْ طَوَّلَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا إنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَلَسَ عَنْ قِيَامٍ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ تَذَكَّرَ اشْتَغَلَ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ ثُمَّ إنْ طَالَ جُلُوسُهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ كَانَ فِي حَدِّ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ فَإِنَّ تَعَمُّدَهَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَرْكَانًا فَكَانَ تَأْثِيرُهَا أَشَدَّ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَامَ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجُلُوسِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمَ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الْخَامِسَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْحَالَةَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُعِيدُهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ وَجَبَ التَّشَهُّدُ وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ وَكَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ كَفَاهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ فَهَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ

أَمْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا فِيهِ وَجْهَانِ يُحْكَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الرُّجُوعِ لِأَنَّ شَرْطَ الرُّكُوعِ أَلَّا يُقْصَدَ بِالْهَوِيِّ إلَيْهِ غيره وهذا قصد السجود * (فرع) في مذهب الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَعُدْ وَإِلَّا عَادَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ وَإِلَّا عَادَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ عَادَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ عَادَ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وان اجتمع سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ

اثنتين وكلم ذا اليدين واقتصر علي سجدتين ولانه لو لم يتداخل لسجد عقب السهو فلما أخر الي آخر صلاته دل على انه انما أخر ليجمع كل سهو في الصلاة فان سجد للسهو ثم سها ففيه وجهان قال أبو العباس بن القاص يعيده لان السجود لا يجبر ما بعده وقال أبو عبد الله الختن لا يعيده لانه لو لم يجبر كل سهو لم يؤخر) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَابْنُ الْقَاصِّ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ المياه وابو عبد الله الختن سبق فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اجْتَمَعَ فِي صَلَاتِهِ سَهْوَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِنُقْصَانٍ أَوْ بِهِمَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَرِّرُ حقيقة السجود وقد تكرر صؤرته فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا سَجَدَ الْمَسْبُوقُ وَرَاءَ الْإِمَامِ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا لَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَخَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَسْجُدُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ جَابِرًا لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَمِنْهَا لَوْ سَهَا مُسَافِرٌ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ صَارَ مُقِيمًا بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى وَطَنِهِ وَجَبَ الْإِتْمَامُ وَيُعِيدُ السُّجُودَ بِلَا خِلَافٍ وَمِنْهَا لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ السَّلَامِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أحدهما يعيده قال ابْنُ الْقَاصِّ وَأَصَحُّهُمَا لَا يُعِيدُهُ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ بَيْنَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ وُقُوعِ مِثْلِهِ فَيَتَسَلْسَلُ وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ

لا يسجد فلو توهم انه يَقْتَضِي السُّجُودَ فَسَجَدَ أُمِرَ بِالسُّجُودِ ثَانِيًا لِهَذِهِ الزيادة ومنها لو ظن ان سهوه لترك الْقُنُوتِ فَسَجَدَ لَهُ فَبَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعِيدُ السُّجُودَ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْبَرْ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يُعِيدُهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَبْرَ الْخَلَلِ وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَوْ سجدتين فاخذ بالاقل فسجد أُخْرَى فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يُعِدْ السُّجُودَ وَدَلِيلُ هَذَا كُلِّهِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فرع) في مذاهب العلماء في من سَهَا سَهْوَيْنِ فَأَكْثَرَ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا سَهَا سَهْوَيْنِ سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي سَجْدَتَانِ لِكُلِّ سَهْوٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوَانِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً وَالْآخَرُ نَقْصًا سَجَدَ أَرْبَعَ سجدات * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحُكْم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَمَّتَ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إنَّ هذه الصلاة لا يصح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ " وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ حُكْمُ سَهْوِهِ لِأَنَّهُ لما تحمل الامام عنه سهو لَزِمَ الْمَأْمُومَ أَيْضًا سَهْوُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ الْبَابْشَامِيُّ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَقَدْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ المأموم والمذهب الاول لانه لَمَّا سَهَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِسَهْوِهِ فَإِذَا لَمْ يَجْبُرْ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ جَبَرَ المأموم صلاته) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ تَحَمَّلَ الْإِمَامُ سَهْوَهُ وَلَا يَسْجُدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَكْحُولًا فَإِنَّهُ قَالَ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَسَهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ وَكَذَا الْمَأْمُومُ الموافق لو تلكم سَاهِيًا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ إذا سهى فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ وَجَوَّزْنَا ذَلِكَ فَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ بَلْ يَسْجُدُ هُوَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا ظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَسَلَّمَ مَعَهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ تَيَقَّنَ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ تَرَكَ الرُّكُوعَ أَوْ الْفَاتِحَةَ مِنْ رَكْعَةٍ نَاسِيًا فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ الْمَسْبُوقُ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ ظَنَّ الْمَسْبُوقُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ بأن

سَمِعَ صَوْتًا ظَنَّهُ سَلَامَهُ فَقَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ مَا عَلَيْهِ رَكْعَةً مَثَلًا فَأَتَى بِهَا وَجَلَسَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يسلم بعد تَبَيَّنَّا أَنَّ ظَنَّهُ كَانَ خَطَأً فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لِأَنَّ وَقْتَ التَّدَارُكِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى التَّدَارُكِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ قَائِمٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي صَلَاتِهِ أَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومَ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ وَجَبَ إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي قِيَامِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ فَرَكْعَتُهُ مَحْسُوبَةٌ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْقُعُودُ لَمْ يُحْسَبْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَعَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَلْيَرْجِعْ إلَى مُتَابَعَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ وَيَتَمَادَى فِي تَتْمِيمِ صَلَاتِهِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نوى مفارقته الْإِمَامِ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومُ لِأَنَّ نُهُوضَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَيَرْجِعُ ثُمَّ يَقْطَعُ الْقُدْوَةَ إنْ شَاءَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ النُّهُوضَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِيَامُ فَمَا بَعْدَهُ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ قَطْعَ الْقُدْوَةِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ قَائِمًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الرُّجُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ فِي مُكْثِهِ قَائِمًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً فَإِنْ قَرَأَ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يُعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ بَلْ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا * (فَرْعٌ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ لَحِقَ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ وَتُسْتَثْنَى صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَلَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَحْمِلُ هُوَ عَنْ الْمَأْمُومِ سَهْوَهُ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَعْلَمَ سَبَبَ سَهْوِ الْإِمَامِ وَيَتَيَقَّنَ غَلَطَهُ فِي ظَنِّهِ بِأَنْ ظَنَّ الْإِمَامُ تَرْكَ بَعْضِ الْأَبْعَاضِ وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ أَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ فَسَجَدَ فَلَا يُوَافِقُهُ الْمَأْمُومُ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الصُّورَتَيْنِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَتُهُ فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ مُوَافَقَتَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَسَوَاءٌ عَرَفَ الْمَأْمُومُ سَهْوَ الْإِمَامِ أَمْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَمَتَى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي آخر

صلاته سجدتين لزم المأموم متابعته حملا علي له أَنَّهُ سَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْحَالُ هُنَاكَ لَمْ تَجُزْ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أَوْ شَاكًّا فِي فِعْلِ رُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَأَنَّهُ غَالِطٌ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ إلَّا سَجْدَةً سَجَدَ الْمَأْمُومُ أُخْرَى حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ نَسِيَهَا وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ تَأْخِيرَهُ إلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ لَا يَسْجُدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَهُمَا وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ إلَى السُّجُودِ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا وَافَقَهُ فِي السُّجُودِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِ هَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ

الْمَأْمُومُ سَلَّمَ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ بِالسَّهْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ إذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ لِأَنَّ سَلَامَهُ عَمْدًا يَتَضَمَّنُ انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَأْمُومُ فَعَادَ الْإِمَامُ لِيَسْجُدَ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ لَمْ يُتَابِعْهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ بِالسُّجُودِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ مُنْفَرِدًا ثم يسلم وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ بَعْدَ مَا سَهَا أَوْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَتَمَّ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ ثُمَّ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ لَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَهُ وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا فَنَوَى الْمَأْمُومُ مفارقته بعد بلوغ الامام إلى حَدَّ الرَّاكِعِينَ فِي ارْتِفَاعِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ السَّهْوُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ نَوَاهَا قَبْلَهُ فَلَا سُجُودَ لِأَنَّهُ نَوَى مُفَارَقَتَهُ قبل توجه السجود عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ الْمَأْمُومُ بَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يَنْتَظِرُ سُجُودَ الْإِمَامِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ السُّجُودُ مَعَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " إلَخْ * (فَرْعٌ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ وَبِهِ قَالَ

مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْقَاسِمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَسْجُدُ ودليلهما في الكتاب * * قال المصنف رحمه الله * (وان سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ معه وسجد معه ففيه قولان قال في الام يعيد السجود لان الاول فعله متابعة للامام ولم يكن موضع سجوده وقال في القديم والاملاء لا يعيد لان الجبران حصل بسجوده فان سها الامام فيما أدركه معه وسجد معه ثم سها المأموم فيما انفرد به فان قلنا لا يعيد السجود سجد لسهوه وان لم يسجد الامام أو سجد وقلنا يعيد فالمنصوص أنه يكفيه سجدتان لان السجدتين تجبران كل سهو ومن اصحابنا من قال يسجد اربع سجدات لان أحدهما من جهة الامام والآخر من جهته وان سها الامام ثم أدركه المأموم فالمنصوص في صلاة الخوف انه يلزم المأموم حكم سهوه لانه دخل في صلاة ناقصة فنقصت بها صلاته ومن أصحابنا من قال لا تلزمه لانه لو سها المأموم فيما انفرد به بعد مفارقة الامام لم يتحمل عنه الامام

فإذا سهى الامام فيما ينفرد به لم يلزم المأموم وان صلي ركعة منفردة في صلاة رباعية فسها فيها ثم نوى متابعة امام مسافر فسها الامام ثم قام الي رابعة فسها فيها ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) يكفيه سجدتان (والثاني) يسجد أربع سجدات لانه سها سهوا في جماعة وسهوا في الانفراد (والثالث) يسجد ست سجدات لانه سها في ثلاثة أحوال) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ وَسَجَدَ الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ مَعَهُ هَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُعِيدُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ أَمَّا إذَا سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ سَجَدَ مَعَهُ وَهَلْ يُعِيدُهُ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُعِيدُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ سَجَدَ هُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ (وَالثَّانِي) لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ هُوَ أَصْلًا وَإِنْ سَجَدَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا أَصَحُّهُمَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَا سَهْوَ فِي حَقِّهِ وَالثَّانِي يَسْجُدُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا وَحَيْثُ قُلْنَا الْمَسْبُوقُ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ آخَرُ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ اقْتَدَى بِالثَّانِي ثَالِثٌ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ بِالثَّالِثِ رَابِعٌ فَأَكْثَرَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْجُدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُنْفَرِدًا فَصَلَّى رَكْعَةً فَسَهَا فِيهَا ثُمَّ اقْتَدَى بامام

وَجَوَّزْنَاهُ فَصَلَّى الْإِمَامُ ثَلَاثًا وَقَامَ إلَى رَابِعَتِهِ فَنَوَى الْمَأْمُومُ مُفَارَقَتَهُ وَتَشَهَّدَ سَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَوْ كَانَ لَمْ يَسْهُ فِي رَكْعَتِهِ لَكِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَدْ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ وَسَهَا أَيْضًا إمَامُهُ فِي اقْتِدَائِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِي وَجْهٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ أَمَّا إذَا سَهَا الْمَسْبُوقُ فِي تَدَارُكِهِ فَإِنْ كَانَ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ وَقُلْنَا لَا يُعِيدُهُ سَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا يُعِيدُهُ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ سَجَدَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَلَوْ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ إمَامٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَسَهَا إمَامُهُ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى رَابِعَتِهِ وَسَهَا فِيهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَسْجُدُ سجدتين والثاني

أَرْبَعًا وَالثَّالِثُ سِتًّا وَدَلَائِلُهَا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كان قد سجد امامه وسجد مَعَهُ صَارَ فِي صَلَاتِهِ ثَمَانِ سَجَدَاتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ وَسَهَا الْإِمَامُ وَسَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ صَارَ الْإِمَامُ مُتِمًّا قَبْلَ السَّلَامِ فَأَتَمَّ وَأَعَادَ سُجُودَ السَّهْوِ وَأَعَادَ مَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَسَهَا فِيهِ وَقُلْنَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ يَسْجُدُ سِتَّ سَجَدَاتٍ فَيَسْجُدُ هُنَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالَتَيْنِ وَتَصِيرُ سَجَدَاتُهُ ثَمَانِيًا فَإِنْ سَهَا بَعْدَ سَجَدَاتِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ يَسْجُدُ صَارَتْ السَّجَدَاتُ عشرة وَقَدْ تَزِيدُ عَدَدُ السَّجَدَاتِ عَلَى هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا قلنا في هذه الصورة يكفيه سجدتان فعماذا يَقَعَانِ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَسَهْوِ إمَامِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا صَاحِبُ

الْفُرُوعِ (أَحَدُهَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَيَكُونُ سَهْوُ الْإِمَامِ تَابِعًا (وَالثَّالِثُ) عَكْسُهُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا هَذَا كَلَامُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا نَوَى غَيْرَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سُجُودًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ عَامِدًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَعَلَى هَذَا إنْ نَوَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْآخَرَ بِلَا سُجُودٍ وَتَرْكُ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ إذَا نَوَى غَيْرَ الْمَقْصُودِ فلذلك إذَا تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُكْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * (وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً لَهُ وَالسَّجْدَتَانِ " وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لِمَا لا يجب فلا يجب) *

(الشَّرْحُ) سَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ سُنَّةٌ كَقَوْلِنَا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي سَهْوِ النُّقْصَانِ وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا فَأَوْجَبَهُ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّهْوُ لِنَقْصٍ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ لزمه استئناف

الصلاة * قال المصنف رحمه الله * (وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ يَدْخُلُ النَّقْصُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا يَدْخُلُ بِالنُّقْصَانِ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَمْ يَتَطَاوَلْ الْفَصْلُ سَجَدَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ طَالَ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَسْجُدُ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّطَاوُلِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُفْعَلُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَذَكَرَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَبَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ وَكَيْفَ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو العباس ابن الْقَاصِّ يَسْجُدُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّ السُّجُودَ فِي الصلاة بعد تشهد فكذلك هذا وقال أبو اسحق لَا يَتَشَهَّدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الَّذِي تُرِكَ هو السجود فلا يعيد معه غيره) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِي مَحَلِّ سجود

السَّهْوِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَالثَّانِي إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُ وَالثَّالِثُ إنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَإِنْ شاء أخره وهما سواء والطريق الثاني يجزى التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ فَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ زِيَادَةً فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ صِحَّةُ الْأَخْبَارِ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَالَ وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَتُحْمَلُ الْأَقْوَالُ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْجَوَازِ كَمَا سَبَقَ هذا

كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سُجُودَ السهو جائز قبل السلام وبعده وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وبه قال أبو هريرة وسعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَبَقَتْ أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثٌ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ " وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَسَلَّمَ قَبْلَ السُّجُودِ نَظَرْتَ فَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا عَالِمًا بِالسَّهْوِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ فَوَّتَ السُّجُودَ وَلَا يَسْجُدُ وَالثَّانِي يَسْجُدُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ لَا يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَسَجَدَ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا

وَإِنْ سَلَّمَ نَاسِيًا فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَظْهَرُ لَا يَسْجُدُ وَالْقَدِيمُ يَسْجُدُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ ذَكَرَ عَلَى قُرْبٍ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَسْجُدَ فَذَاكَ وَالصَّلَاةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ بِالسَّلَامِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ السَّلَامُ مَرَّةً أُخْرَى وَذَلِكَ السَّلَامُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ

الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ هُنَا أَوْ بِالْقَدِيمِ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ إنَّهُ يَسْجُدُ فَسَجَدَ فَهَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَرْجَحُهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ لَا يَكُونُ عَائِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَكُونُ عَائِدًا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَصَحَّحَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ أَحْدَثَ فِي السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَخَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي السُّجُودِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا هَلْ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَتَشَهَّدُ إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يُكَبِّرْ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ السَّلَامِ بَعْدَ السُّجُودِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ كَبَّرَ وَفِي التَّشَهُّدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شئ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَشَهَّدُ أَمْ لَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَمَّا طُولُ الْفَصْلِ فَفِي حَدِّهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَحَاوَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ضَبْطَ الْعُرْفِ فَقَالَ إذَا مَضَى زَمَنٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ

قَصْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَهُوَ طَوِيلٌ وَإِلَّا فَقَصِيرٌ قَالَ وَلَوْ سَلَّمَ وَأَحْدَثَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ عَلَى قُرْبِ الزَّمَنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدَثَ فَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ وَلَنَا قَوْلُ إنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْفَصْلِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَلَا يَضُرُّ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ

فَإِنْ قُلْنَا بَعْدَهُ فَلْيَسْجُدْ عَقِبَهُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَادَ الْخِلَافُ وَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَحْكُمْ بِعَوْدِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يَتَحَرَّمُ لِلسَّجْدَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا يَتَشَهَّدُ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ السجدتين

كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ (وَالثَّانِي) يَتَشَهَّدُ قَبْلَهُمَا لِيَلِيَهُمَا السَّلَامُ وَإِنْ قُلْنَا يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلِلنَّقْصِ قَبْلَهُ فَسَهَا سَهْوَيْنِ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِيَقَعَ السَّلَامُ بَعْدَ جَبْرِهَا (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ وَلِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ كَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ فَمَتَى يُؤْمَرُ بِتَدَارُكِهِ: قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْجُدُ مَتَى ذَكَرَهُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مَا لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً سَجَدَ مَتَى ذَكَرَهُ ولو بعد شهر وان كان لنقص سجدان قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ * (فَرْعٌ) سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الِافْتِرَاشُ وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَاحِدٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي النَّفْلِ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ فِي النُّقْصَانِ فكان كالفرض في الجبران) * (الشَّرْحُ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ يَسْجُدُ وَالْقَدِيمُ لَا يَسْجُدُ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابن سيرين *

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ التَّكْبِيرَ وَالصَّلَاةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُولَى وَتَمَّتْ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ عَادَ إلَى الْأُولَى فَأَكْمَلَهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ أَرَادَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لِنَازِلَةٍ وَقُلْنَا بِهِ فَنَسِيَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ نَاسِيًا وَنَسِيَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا الْإِتْمَامَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا وَنَسِيَ في كل ركعة سجدة فيسجد لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ فِيمَا إذَا كان تَرَكَ السَّجَدَاتِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ تَفْصِيلُهُ وَاضِحًا (الرَّابِعَةُ) لَوْ جَلَسَ فِي تَشَهُّدٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي فَتَشَهَّدَ شَاكًّا ثُمَّ قَامَ ثُمَّ بَانَ الْحَالُ سَجَدَ للسهو سَوَاءٌ بَانَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي لِأَنَّهُ وَإِنْ بَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ قَامَ شَاكًّا فِي زِيَادَةِ هَذَا الْقِيَامِ فَإِنْ بَانَ الْحَالُ عَقِبَ شَكِّهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فَلَا سُجُودَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَتَى زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ (الْخَامِسَةُ) لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةٍ وَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُولَى فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ بَنَى عَلَيْهَا وَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا (السَّادِسَةُ) لَوْ جَلَسَ بَعْد سَجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ

مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ظَانًّا أَنَّهَا الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَجَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَبَانَ لَهُ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ تَشَهَّدَ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (السَّابِعَةُ) إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً فَنَسِيَ وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ قبل السجود عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السُّجُودِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَلَسَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَكُونُ الْخَامِسَةُ نَافِلَةً فَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ الرَّابِعَةِ بَطَلَتْ فَرِيضَتُهُ بِقِيَامِهِ إلَى الْخَامِسَةِ وَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَتَكُونُ نَفْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ (الثَّامِنَةُ) إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا سَهْوًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى ثم يسجد سجدتين لتصير صلاته وتر (التَّاسِعَةُ) الْمَسْبُوقُ يَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فَيُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَسْجُدُ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا فِعْلَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَالسَّهْوِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " وَلَمْ يَأْمُرْ بِسُجُودِ سَهْوٍ وَحَدِيثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حين فاته رَكْعَةٌ فَتَدَارَكَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَالْحَدِيثَانِ فِي الصحيح مشهوران

باب الساعات التى نهي عن الصلاة فيها

(الْعَاشِرَةُ) لَا يَسْجُدُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ وَالْأَفْكَارِ بِلَا خلاف * قال المصنف رحمه الله * (باب الساعات التى نهي عن الصلاة فيها) (هي خمسة اثنان نهي عنهما لاجل الفعل وهى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حدثنى اناس اعجبهم إلى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس " وثلاثة نهى عنها لاجل الوقت وهى عند طلوع الشمس حتي ترتفع وعند الاستواء حتى تزول وعند الاصفرار حتي تغرب والدليل عليه مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " ثلاث ساعات كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلى فيهن أو نقبر موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب " وهل يكره التنفل لمن صلي ركعتي الفجر فيه وجهان احدهما يكره لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ منكم الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر الا سجدتين " والثانى لا يكره لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ ينه الا بعد الصبح حتى تطلع الشمس ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ وَبَعْد الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ " وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ زِيَادَةُ " وَحِينَ يَقُومَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَسْتُورًا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ غريب * اما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الْفِعْلِ سَبَقَ أَنَّ اللُّغَةَ الْفَصِيحَةَ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَجْلِ وَقَوْلُهُ وَهِيَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَهُمَا وَقَوْلُهُ نَقْبُرُ فِيهِنَّ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَقَوْلُهُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ هُوَ حَالُ الِاسْتِوَاءِ وَقَوْلُهُ تَضَيَّفُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ المفتوحة

وَبَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ تَمِيلُ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَا سُنَّةِ الْفَجْرِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ جُهَنِيٌّ فِي كُنْيَتِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَبُو حَمَّادٍ سَكَنَ مِصْرَ وَتَوَلَّاهَا لِمُعَاوِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَالْوَقْتَانِ الْأَوَّلَانِ تَتَعَلَّقُ كَرَاهِيَتُهُمَا بِالْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ لِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ إذَا فَعَلَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَفَرِيضَةَ الْعَصْرِ وَأَمَّا الْأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ فَتَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ إنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ خَمْسَةٌ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَمِنْ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَحَالُ الِاسْتِوَاءِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْخَمْسَةَ وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَجْوَدُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُصَلِّ العصر

حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَغْرُبَ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ حَالَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِسَبَبَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِسَبَبٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَمْتَدُّ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ إذَا طَلَعَ قُرْصُ الشَّمْسِ بِكَمَالِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَيُسْتَدَلُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ فان حينئذ تسجر جهنم فإذا اقبل الفئ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصَرِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الطُّلُوعِ عَلَى الطُّلُوعِ مُرْتَفِعَةً بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالْجَمْعَ بَيْنَهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْعَصْرِ بَلْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَالثَّانِي يَدْخُلُ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ (وَالثَّالِثُ) بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِحَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُجَابُ عَنْهُ لِلْمَذْهَبِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي إسْنَادِهِ فَإِنْ ثَبَتَ يُؤَوَّلُ عَلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أعلم *

* قال المصنف رحمه الله * (ولا يكره في هذه الاوقات ما لها سبب كقضاء الفائتة والصلاة المنذورة وسجود التلاوة وصلاة الجنازة وما اشبها لما روى عن قيس بن قهد رضي الله عنه قَالَ " رَآنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أصلى ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقلت لم اكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان " فان دخل المسجد في هذه الاوقات ليصلي التحية لا لحاجة غيرها ففيه وجهان (احدهما) يصلى لانه وجد سبب الصلاة وهو الدخول (والثانى) لا يصلى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " وهذا يتحرى بصلاته طلوع الشمس وغروبها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ - بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ

وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ انْقِطَاعٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَكْثَرُونَ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ

طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ عَنْ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِذَاتِ السَّبَبِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا فَمِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ الْفَائِتَةُ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يُسَنُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ فَلَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَضَاءُ نَافِلَةٍ اتَّخَذَهَا وِرْدًا وَلَهُ فِعْلُ الْمَنْذُورَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَصَلَاةُ الطَّوَافِ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَيُكْرَهُ فِيهَا صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَتُكْرَهُ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَأَخِّرٌ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ وَفِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَجْهَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والعبد رى لان سببها متقدم (والثاني) تكر كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَهَكَذَا عَلَّلُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَمْنَعُ الْأَوَّلُ كَرَاهَةَ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَأَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ دَخَلَهُ لِغَرَضٍ كَاعْتِكَافٍ أَوْ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ انْتِظَارِ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَإِنْ دَخَلَهُ لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط وجهان (أَرْجَحُهُمَا) الْكَرَاهَةُ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ واختاره الامام والغزالي وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي كَرَاهَةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهَذَا غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقَدْ حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ *

(فَرْعٌ) لَوْ فَاتَتْهُ رَاتِبَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ اتَّخَذَهَا وِرْدًا فَقَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَهَلْ لَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى مِثْلِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والمتولي وغيرهم أحدهما نعم لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ رَكْعَتَا سُنَّةِ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصَحُّهُمَا لَا وَتِلْكَ الصَّلَاةُ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَابْنُهُ أبو أَيُّوبَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقْنَا جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي إبَاحَةِ الْفَوَائِتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُبَاحُ الْفَوَائِتُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلَا تُبَاحُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ فَتُبَاحُ عند اصفرار الشمس الْمَنْذُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا وَلَا تُبَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إبَاحَةِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عن الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة واحمد واسحق أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ اسْتِوَائِهَا وَلَا تُكْرَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَ الصَّلَاةَ لِسَبَبٍ وَبِلَا سَبَبٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ دَاوُد مَنْعُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ مَا لَهَا سَبَبٌ وَمَا لَا سَبَبَ لَهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " صَلَاتَانِ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَانْحَرَفَ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لم يصليا معه قال على بهما فجئ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا قَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا قَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا قَالَ فَلَا تَفْعَلَا فَإِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَنَّهَا عَامَّةٌ وَهَذِهِ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَ فان قيل

لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثَيْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَخْصُوصَةٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَبَقَا أَحَدُهُمَا جَوَازُ مِثْلِ هَذَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَأَصَحُّهُمَا لَا تُبَاحُ الْمُدَاوَمَةُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ حَدِيثَيْنِ يُسْتَشْكَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ حَدِيثِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ المسجد فلا يجلس حتى يركع الركعتين " فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِلْحَدِيثِ فِيهَا وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ خَاصٌّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَحَدِيثُ التَّحِيَّةِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ خَاصٌّ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَلِمَ رَجَّحْتُمْ تَخْصِيصَ حَدِيثِ النَّهْيِ دُونَ تَخْصِيصِ حَدِيثِ التَّحِيَّةِ قُلْنَا حَدِيثُ النَّهْيِ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذكرناها

فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِالْإِجْمَاعِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ لَمْ يَأْتِ لَهُ مُخَصِّصٌ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّاخِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بِالتَّحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَلَوْ كَانَتْ التَّحِيَّةُ تُتْرَكُ فِي وَقْتٍ لَكَانَ هَذَا الْوَقْتَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحِيَّةَ وَلِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ أَنْ قَعَدَ الدَّاخِلُ وَكُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَعْمِيمِ التَّحِيَّةِ * (فَرْعٌ) عَنْ وَهْبِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ نَقِيَّةٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ

حَسَنٍ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي تَعْمِيمِ النَّهْيِ مِنْ حِينِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُخَالِفُ أَيْضًا مَا عَلَيْهِ مَذَاهِبُ جَمَاهِيرِ العلماء وجوابه من (1) * قال المصنف رحمه الله * (ولا تكره يوم الجمعة عند الاستواء لمن حضر الصلاة لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة " ولانه يشق عليه من كثرة الخلق ان يخرج لمراعاة الشمس ويغلبه النوم ان قعد فعفى عن الصلاة وان لم يحضر الصلاة ففيه وجهان أحدهما يجوز للخبر والثانى لا يجوز لانه لا مشقة عليه في مراعاة الشمس) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ وَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَابْنِ عمرو ضعف أَسَانِيدَ الْجَمِيعِ ثُمَّ قَالَ

والاعتماد على أن النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَبَّ التَّبْكِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مَزِيَّةٌ فِي نَفْيِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تُبَاحُ الصَّلَاةُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ خَاصَّةً سَوَاءٌ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا وَالثَّالِثُ تُبَاحُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِمَنْ حَضَرَهَا دُونَ غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَالرَّابِعُ) تُبَاحُ عِنْدَهُ لِمَنْ حَضَرَهَا وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ (وَالْخَامِسُ) تُبَاحُ عِنْدَهُ لِمَنْ حَضَرَهَا وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ وَكَانَ قَدْ بَكَّرَ إلَيْهَا وَدَلَائِلُهَا تفهم

مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَيْهَقِيُّ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاتباح فيه كغيره من الايام والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِمَكَّةَ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ " وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَلَا خلاف ان الطواف يجوز فكذلك الصلاة) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " يا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ صَلَاةَ الطَّوَافِ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْآثَارِ وَيُحْتَمَلُ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ (قُلْتُ) ويويد الْأَوَّلَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد * لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ يُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " وَأَمَّا حَدِيثُ " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ " فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ

كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا قَالَ وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِب (قُلْتُ) وَعَطَاءٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ الطَّوَافِ وَغَيْرُهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ انما تباح صلاة الطواف حكاه الخراسانيون وجماعة مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ الْبَلْدَةُ وَجَمِيعُ الْحَرَمِ الَّذِي حَوَالَيْهَا وَفِي وَجْهٍ

إنَّمَا تُبَاحُ فِي نَفْسِ الْبَلْدَةِ دُونَ بَاقِي الْحَرَمِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ إنَّمَا تُبَاحُ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَا فِيمَا سِوَاهُ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ النَّهْيَ حَيْثُ ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَمْ تَحْرِيمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ تَصْرِيحًا مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الاصح كراهة تحريم لثبوت لاحاديث فِي النَّهْيِ وَأَصْلُ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُمَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ

أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَفِي انْعِقَادِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا تَنْعَقِدُ كَالصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْحَمَّامِ وَلِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ يقبل الصَّلَاةُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ الله مَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ أَمْ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ قَالَ وَلَا يَحْمِلُنَا هَذَا عَلَى أَنْ نَقُولَ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ أَيْضًا يُضَادُّ الصِّحَّةَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ عِبَادَةً مَأْمُورًا بِهَا وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ راجعان الي نفس الشئ يَتَنَاقَضَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ قُلْنَا تَنْعَقِدُ صَحَّ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ فَالْأُولَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ يَذْبَحُهَا بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ يَصِحُّ نذره ويذبحها بغير مغصوب فان ذبح المغصوب عَصَى وَأَجْزَأَهُ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا خِلَافٍ لان لها سببا *

باب صلاة الجماعة

(باب صلاة الجماعة) * قال المصنف رحمه الله * (اختلف اصحابنا في الجماعة فقال أبو العباس وابو اسحق هي فرض كفاية يجب اظهارها في الناس فان امتنعوا من اظهارها قوتلوا عليها وهو المنصوص في الامامة والدليل عليه ما روى أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية ولابد ولا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان عليك بالجماعة فانما يأخذ الذئب من الغنم القاصية " ومن اصحابنا من قال هي سنة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صلاة الجماعة افضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة ") *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ وَقِيلَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَلَقَبُهُ عُوَيْمِرٌ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَعْدَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشَاهَدِ وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ أُحُدًا وَكَانَ فَقِيهًا حَكِيمًا زَاهِدًا وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ لِعُثْمَانَ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَبْرُهُ بِبَابِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولا بد وهو الْبَادِيَةُ وَاسْتَحْوَذَ أَيْ اسْتَوْلَى وَغَلَبَ وَالْقَاصِيَةُ الْمُنْفَرِدَةُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فَذِكْرُ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ ومفهوم العدد باطل عند الاصولين (الثاني) أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلَّيْنَ وَالصَّلَاةِ وَتَكُونُ لِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ بِحَسْبِ كَمَالِ الصَّلَاةِ وَمُحَافَظَتِهِ عَلَى هَيْئَاتِهَا وَخُشُوعِهَا وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَمَاعَةُ مَأْمُورٌ بِهَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهَا) أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالثَّالِثُ) فَرْضُ عَيْنٍ لكل ليست

بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الثَّالِثُ قَوْلُ اثْنَيْنِ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْمُتَمَكِّنِينَ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وهما أبو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ قول للشافعي وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِمَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف * وهو قولي شيخي المذهب ابن سريج وأبي

اسحق وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ كَوْنَهَا سُنَّةً مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ إقَامَتِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْحَرَجُ إلَّا إذَا أَقَامُوهَا بِحَيْثُ يَظْهَرُ هَذَا الشِّعَارُ فِيهِمْ فَفِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ يَكْفِي إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ يَجِبُ إقَامَتُهَا فِي مَوَاضِعَ بِحَيْثُ يَظْهَرُ فِي الْمَحَالِّ وَغَيْرِهَا فَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْهُمْ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ إذَا ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ وَاخْتَارَهُ (1) اما إذا

_ (1) بياض الاصل فحرر *

قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ فَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهَا فَهَلْ يُقَاتَلُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُقَاتَلُونَ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالثَّانِي) يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيدِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا سُنَنٌ * (فَرْعٌ) لَوْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ من أهل البد وَأَظْهَرُوهَا فِي كُلِّ الْبَلَدِ وَلَمْ يَحْضُرْهَا جُمْهُورُ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ كَمَا إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ هَكَذَا

قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْهَمِّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَكِنْ هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيقِهِمْ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَهْلِ الْبَوَادِي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي فِيهِمْ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ بَلْ يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُ إذَا كَانُوا سَاكِنِينَ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ قَالَ وَكَذَا إذَا قَلَّ عَدَدُ سَاكِنِي قرية هذا كلام امام الحرمين والمختاران أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ وَالْعَدَدَ الْقَلِيلَ فِي الْقَرْيَةِ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ " *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تَكُونُ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَهُنَّ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ اسْتِحْبَابًا كَاسْتِحْبَابِ الرِّجَالِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ تَرْكُهَا وَإِنْ كُرِهَ لِلرِّجَالِ مَعَ قَوْلِنَا هِيَ لَهُمْ سُنَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا (فَرْعٌ) الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ هُوَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ المؤديات اما الجمعة ففرض عين واما المنذورة فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا النوافل فسبق

فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَا يُشْرَعُ لَهُ الجماعة وَمَا لَا يُشْرَعُ وَذَكَرْنَا فِي آخِرِ ذَلِكَ الْبَابِ أَنَّ مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْهَا لَوْ فَعَلَ جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ وَبَسَطْنَا دليله اما الْمَقْضِيَّةُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَقْضِيَّةِ الَّتِي يَتَّفِقُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيهَا بِأَنْ يَفُوتَهُمَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَاتَتْهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ صَلَّاهَا بِهِمْ جَمَاعَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ اللَّيْثِ إنْ صَحَّ عَنْهُ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ خَلْفَ الْقَضَاءِ وَقَضَاءُ صَلَاةٍ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي غَيْرَهَا فَكُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَا أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ خِلَافًا لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ وَقَالَ دَاوُد هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَشَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ فَرْضُ عَيْنٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ

فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلِ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَازِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِيِّ قَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ - قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ - لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله رواهما الدارقطني وعن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضِ عَيْنٍ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ " بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ قَالُوا وَوَجْهُ الدلالة أن المفاضلة انما تكون

حقيقتهما بَيْنَ فَاضِلِينَ جَائِزَيْنِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ الْهَمِّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فُرَادَى وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ صَرِيحٌ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ وَلَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ (فان قيل) لو لم يجز التحريق لماهم بِهِ (قُلْنَا) لَعَلَّهُ هَمَّ بِهِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحَيٌّ بِالْمَنْعِ مِنْهُ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ بَيَانُ فَضْلِهَا وَكَثْرَةُ مُحَافَظَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْمَى فَجَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الْفُقَهَاءُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن اسحق بن خزيمة والحاكم وابو عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالُوا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِكَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعِتَابٍ حِينَ شَكَا بَصَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالُوا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا رُخْصَةَ لَكَ تُلْحِقُكَ بِفَضِيلَةِ مَنْ حَضَرَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ ضَعْفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفَانِ فِي إسْنَادِهِمَا ضَعِيفَانِ وَأَحَدُهُمَا مَجْهُولٌ وهو محمد

ابن سِكِّينٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِكِّينٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَمُحَمَّدٌ بْنُ سِكِّينٍ مَجْهُولٌ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا فِي كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَرَدَّا عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ بِحَدِيثِ مَالِكٍ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ " أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه رَحِيمًا رَفِيقًا فَظَنَّ أَنَّا أَشْتَقْنَا أَهْلَنَا فَسَأَلْنَا عن من تركنا من أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ ارْجِعُوا إلَى أَهْلِيكُمْ فَأُقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ السَّابِقِ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ " الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَمِنْهَا حَدِيثُ " صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " رَوَاهُ البخاري ومسلم - التهجير التكبير إلَى الصَّلَاةِ - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولَ " مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ

فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ * (فَرْعٌ) آكَدُ الْجَمَاعَاتِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الصبح والعشا لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقِينَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (فَرْعٌ) فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَضْلِ المشى الي المساجد وكثرة الخطا وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي النَّاسِ أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَشْيًا وَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كانت خطواته احداهما تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً عَنْ الْمَسْجِدِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا فَنَقْرُبَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَنَهَانَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رِجَالًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ منه وكان لا تخطيه صلاة فقيل له أو قلت له اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إنِّي أُرِيدُ

أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَرَادَ بَنُو سَلَمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهم ارحمه لا يزاله أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لا يمنعه أن ينقلب إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " إسْبَاغُ الْوُضُوءِ على المكاره وكثرة الخطا إلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا تَهُزُّهُ إلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ

فَلَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رَفْعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ " رَوَاهُ البخاري ومسلم وهذا الفظ مُسْلِمٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله * (واقل الجماعة اثنان امام ومأموم لما روى أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الاثنان فما فوقهما جماعة ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ فَإِذَا صَلَّى رَجُلٌ بِرَجُلٍ أَوْ بِامْرَأَةٍ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ بِغُلَامِهِ أَوْ بِسَيِّدَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ حَصَلَتْ لَهُمَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ * قال المصنف رحمه الله *

(وَفِعْلُهَا لِلرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ جَمْعًا وَفِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا النَّاسُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلَاةٌ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى " فَإِنْ كَانَ فِي جِوَارِهِ مَسْجِدٌ مُخْتَلٍ فَفِعْلُهَا فِي مَسْجِدِ الْجِوَارِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَكْثُرُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي مَسْجِد الْجِوَارِ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجَمَاعَتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسَاجِدِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً تُشْتَهَى كُرِهَ لَهَا الْحُضُورُ وَإِنْ كانت عجوز الا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الخروج الا عجوزا في منقليها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فيه رجل لم يبينوا حاله وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَأَشَارَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا إلَى صِحَّتِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ وَحَدِيثُ الْعَجُوزِ فِي مِنْقَلَيْهَا غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٌ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَا صَلَّتْ امرأة أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةٍ فِي بَيْتِهَا إلَّا مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إلَّا عَجُوزًا فِي مِنْقَلَيْهَا " وَالْمِنْقَلَانِ الْخُفَّانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُمَا

الْخُفَّانِ الْخَلَقَانِ وَهُمَا - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ والفتح أشهر وقد أو صحتها فِي التَّهْذِيبِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ لِلرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ شِعَارِ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَسَاجِدُ فَذَهَابُهُ إلَى أَكْثَرِهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلَوْ كَانَ بِجِوَارِهِ مَسْجِدٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ وَبِالْبُعْدِ مِنْهُ مَسْجِدٌ أَكْثَرُ جَمْعًا فَالْمَسْجِدُ البعيد أولي الا في حالتين (احدهما) أن تتعطل جماعة القريب لعدو له عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامًا أَوْ يَحْضُرَ النَّاسُ بِحُضُورِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَرِيبُ أَفْضَلَ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ إمَامُ الْبَعِيدِ مُبْتَدِعًا كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ فَاسِقًا أَوْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ فَالْقَرِيبُ أَفْضَلُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّ مَسْجِدَ الْجِوَارِ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ مَسْجِدُ الْجِوَارِ لاجماعه فِيهِ وَلَوْ حَضَرَ هَذَا الْإِنْسَانُ فِيهِ لَمْ يُحَصِّلْ جَمَاعَةً وَلَمْ يُحَضِّرْ غَيْرُهُ فَالذَّهَابُ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِلنِّسَاءِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ هَلْ تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ وَإِمَامَةُ الرَّجُلِ بِهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بالصلاة ويجهر بالقراءة بكل حال ليكن لا يجوز أن يخلو واحدة بِامْرَأَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مَبْسُوطًا بِدَلِيلِهِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ حُضُورِهِنَّ الْمَسَاجِدَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَلَاتُهَا فِيمَا كَانَ مِنْ بَيْتِهَا أَسْتَرُ أَفْضَلُ لَهَا لِحَدِيثِ عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً تُشْتَهَى كُرِهَ لَهَا وَكُرِهَ لِزَوْجِهَا وَوَلِيّهَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْهَا مَا روى عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى المسجد

فَلَا يَمْنَعُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ " وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ إلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى وَأَمِنَ الْمُفْسِدَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ مَنَعَهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ " لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " بِأَنَّهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ وَاجِبٌ فَلَا تَتْرُكْهُ لِلْفَضِيلَةِ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ كُرِهَ لَهَا أَنْ تَمَسَّ طِيبًا وَكُرِهَ أَيْضًا الثِّيَابُ الْفَاخِرَةُ لِحَدِيثِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهَا قَالَتْ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَتَفِلَات - بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ تَارِكَاتٌ الطَّيِّبَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ لِلنِّسَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا لَهُنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كُلُّ صَلَاةٍ اُسْتُحِبَّ لِلرِّجَالِ الْجَمَاعَةُ فِيهَا اُسْتُحِبَّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلنِّسَاءِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سلمة وعطاء والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ أَحَدًا فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ يُكْرَهُ وَيَجْزِيهِنَّ قَالَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ تَؤُمّهُنَّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ربطة الْحَنَفِيَّةِ قَالَتْ " أَمَّتْنَا عَائِشَةُ فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " وَعَنْ حُجَيْرَةَ قَالَتْ " أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَامَتْ بَيْنَنَا " رَوَاهُمَا الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي حُضُورِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذلك في شئ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الفقها * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ إلَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدِ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النهى عن منعهن المساجد * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لانه يريد ان يتبع غيره فلابد من نية الاتباع فان رأى رجلين يصليان علي الانفراد فنوى الائتمام بهما لم تصح صلاته لانه لا يمكنه ان يقتدى بهما في وقت واحد وان نوى الاقتداء باحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لانه إذا لم يعين لا يمكنه الاقتداء وان كان احدهما يصلي بالآخر فنوى الاقتداء بالمأموم لم تصح صلاته لانه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره وان صلي رجلان فنوى كل واحد منهما انه هو الامام لم تبطل صلاته لان كل واحد منهما يصلي لنفسه وان نوى كل واحد منهما انه مؤتم بالآخر لم تصح صلاته لان كل واحد منهما إئتم بمن ليس بامام) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْجَمَاعَةَ وَالِاقْتِدَاءَ وَالِائْتِمَامَ قَالُوا وَتَكُونُ هَذِهِ النِّيَّةُ مَقْرُونَةً بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَسَائِرِ مَا يَنْوِيهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَإِذَا تَرَكَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَالِانْفِرَادِ وَأَحْرَمَ مُطْلَقًا انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا فَإِنْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ غَيْرِ

تَجْدِيدِ نِيَّةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ارْتَبَطَ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فَأَشْبَهَ الِارْتِبَاطَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَانَ مُنْفَرِدًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا انْتَظَرَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَغَيْرَهُمَا لِيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مَعَهُ وَطَالَ انْتِظَارُهُ فَأَمَّا إذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ فِعْلِهِ مَعَ انْقِضَاءِ فِعْلِهِ أَوْ انْتَظَرَهُ يَسِيرًا جِدًّا فَلَا تَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَمْ تَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْآنَ الْمُتَابَعَةَ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا عَلَى خِلَافِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ شَاكٌّ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِي الشَّكِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمُنْفَرِدَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ شَكِّهِ لَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ لَهُ الْمُتَابَعَةُ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ عَرَضَ لَهُ هَذَا الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ سَلَامُهُ عَلَى سَلَامِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ نَوَى الاقتداء فلا شئ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِيمَنْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ صَلَاتِهِ أَمْ لَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِمَأْمُومٍ أَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِاثْنَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ صَلَّى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَصَلَاتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَكَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا فِي أَنَّهُ إمَامٌ أَمْ ماموم فصلاتهما بَاطِلَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْآخِرِ وَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَعَلِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ فَصَلَاةُ الْأَوَّلِ بَاطِلَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ ظَنَّ الثَّانِي أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِالْأَوَّلِ فَصَلَاتُهُ باطلة أيضا

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ اقْتَدَى بِمَأْمُومٍ وَظَنَّهُ إمَامًا بِأَنْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ وَقَدْ خَالَفَا سُنَّةَ الوقف فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَطَرِيقَانِ (الْمَشْهُورُ) مِنْهُمَا الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَخْرُجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَابَعَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَفَ أَفْعَالَهُ عَلَى أَفْعَالِهِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُحْدِثٍ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِهِ قُلْتُ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَأْمُومِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ نَقَلَ الْأَصْحَابُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى فِي مَرَضِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ " فَمَعْنَاهُ الْجَمِيعُ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ولكن ابو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا اللَّفْظُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَتَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ (فَرْعٌ) فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الِاشْتِرَاطُ كَغَيْرِهَا وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى نِيَّتِهَا * (فَرْعٌ) لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فِي نِيَّتِهِ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ أَوْ إمَامِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ نُظِرَ إنْ لَمْ يُشِرْ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ وَهُوَ يَظُنُّ الْإِمَامَ زَيْدًا فَبَانَ عَمْرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِغَائِبٍ وَهُوَ كَمَنْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَخْطَأَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَكَمَنْ نَوَى الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِهِ فَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ هَذَا الْإِمَامِ فَكَانَ عَمْرًا فَفِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَجْهَانِ لِتَعَارُضِ إشَارَتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الاقتداء ونظيره لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلًا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَفِي وَجْهٍ غَرِيبٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَابْشَامِيِّ وَالْقَفَّالِ أَنَّهُمَا قَالَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَأَشْعَرَ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ

وَالصَّوَابُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لَا تَجِبُ وَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَسَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ رِجَالٌ أَمْ نِسَاءٌ لَكِنْ يَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمَأْمُومَيْنِ وَفِي حُصُولِهَا لِلْإِمَامِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا لَا تَحْصُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْفُورَانِيُ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ (وَالثَّانِي) تَحْصُلُ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِمُتَابِعِيهِ فَوَجَبَ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ عَلِمَهُمْ وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ لم تحصل وان كان منفردا ثم اقندوا بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ اقْتِدَاءَهُمْ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَلَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَعَيَّنَ الْمُقْتَدِيَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ غَلَطَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِ النِّيَّةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ: ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ مالك وآخرون وقال الاوزاعي والثوري واسحق تَجِبُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ إنْ صَلَّى بِرَجُلٍ لَمْ تَجِبْ وان صلى بامرأة أو نساء وجبت * * قال المصنف رحمه الله * (وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء منها المطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كُنَّا إذا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة نادى مناديه ان صلوا في رحالكم) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الرِّحَالُ الْمَنَازِلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ وَوَبَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ أَمْ بَعْدَهُ وَالْوَحَلُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - عَلَى اللغة المشهورة قال الجوهرى يقال بِإِسْكَانِهَا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِالْأَعْذَارِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ أَمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ فَهِيَ سنة متأكدة يكره تَرْكُهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِذَا تَرَكَهَا لِعُذْرٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَتُهَا بَلْ لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَتُهَا بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ سَقَطَ الْإِثْمُ وَالْكَرَاهَةُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى

أَنَّ الْمَطَرَ وَحْدَهُ عُذْرٌ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَفِي الْوَحَلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ عُذْرٌ وَحْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بِعُذْرٍ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (فَرْعٌ) الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ وَالرِّيحُ الْبَارِدَةُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَقُولُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ على سبيل اشتراط الظلمة * * قال المصنف رحمه الله * (وَمِنْهَا أَنْ يَحْضُرَ الطَّعَامُ وَنَفْسُهُ تَتُوقُهُ أَوْ يُدَافِعَ الْأَخْبَثَيْنِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الاخبثان ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْأَخْبَثَانِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَيُقَالُ حَضْرَةُ فُلَانٍ - بِفَتْحِ الحاء وضمها وكسرها - ثلاث لغات مشهورات وهذا الْأَمْرَانِ عُذْرَانِ يُسْقِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَمَاعَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً وَحُضُورُ الشَّرَابِ الَّذِي يَتُوقُ إلَيْهِ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ كَحُضُورِ الطَّعَامِ وَمُدَافَعَةُ الريح كمدافعة البول والغائط *

* قال المصنف رحمه الله * (وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ القصد والدليل عليه ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ " وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا لِمَرِيضٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لِأَنَّ حِفْظَ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَرِيبٌ مَرِيضٌ يَخَافُ مَوْتَهُ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِذَلِكَ اكثر مما يتألم بذهاب المال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ يشق معه القصد وان كان يمكن عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ وَحَرَجًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) فَإِنْ كَانَ مَرَضٌ يَسِيرٌ لَا يَشُقُّ مَعَهُ الْقَصْدُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَضَبَطُوهُ بِأَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُمَرِّضًا لِمَرِيضٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ يَتَعَهَّدُهُ لَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عُذْرٌ لِأَنَّ مَشَقَّةَ تَرْكِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ الْمَطَرِ وَلِأَنَّهُ يَذْهَبُ خُشُوعُهُ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لا يخاف عليه وسواء كَانَ هَذَا الْمَرِيضُ قَرِيبًا أَوْ صِدِّيقًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَرِيبًا لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ وَخَافَ ضَيَاعَهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ يَخَافُ مَوْتَهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ أَوْ يَخَافُ مِنْ غَرِيمٍ لَهُ يَحْبِسُهُ أَوْ يُلَازِمُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيُعْذَرُ بِذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْخَوْفِ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ بَلْ عَلَيْهِ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ وَالْحُضُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ مَا إذَا كَانَ خُبْزُهُ فِي التَّنُّورِ وَقِدْرُهُ عَلَى النَّارِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَهَّدُهُمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَبَقَ أَوْ دَابَّةٌ فَشَرَدَتْ أَوْ زَوْجَةٌ نَشَزَتْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَرْجُو تَحْصِيلَهُ بِالتَّأَخُّرِ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَوْ ظَفَرَ بِهِ المستحق لقتله ويرجوا أَنَّهُ لَوْ غَيَّبَ وَجْهَهُ أَيَّامًا لَذَهَبَ جَزَعُ الْمُسْتَحِقِّ وَعَفَا عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ عَلَى مَالٍ فَلَهُ التَّخَلُّفُ بِذَلِكَ وَفِي مَعْنَاهُ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسَائِرُ الاصحاب فان لم يرجو الْعَفْوَ لَوْ تَغَيَّبَ لَمْ يَجُزْ التَّغَيُّبُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ حد زنا بلغ الامام وكذا كل مالا

يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتَشْكَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَفْوَ مندوب إليه وهذا التغييب طَرِيقٌ إلَى الْعَفْوِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَارِيًّا لَا لِبَاسَ لَهُ فَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ سَوَاءٌ وَجَدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ أَمْ لَا: لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي تَبَذُّلِهِ بِالْمَشْيِ بِغَيْرِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَمِنْهَا أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا وَتَرْتَحِلَ الرُّفْقَةُ ومنها أن يكون ناشد ضَالَّةً يَرْجُوهَا إنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ أَوْ وَجَدَ مَنْ غَصَبَ مَالَهُ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَهُ وَمِنْهَا أَنْ يكون أكل توما أَوْ بَصَلًا وَكُرَّاثًا وَنَحْوَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ بِغُسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ فَإِنْ أَمْكَنَتْهُ أَوْ كَانَ مَطْبُوخًا لَا رِيحَ لَهُ فَلَا عُذْرَ وَمِنْهَا غَلَبَةُ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ إنْ انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ فَهُوَ عذر قال صاحب الحاوى والزلزلة عذر * قال المصنف رحمه الله * (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ الْجَمَاعَةَ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهَا وقال أبو اسحق إنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى أَسْرَعَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشتد إلي الصلاة وقال بادر واحد الصَّلَاةِ يَعْنِي التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعُونَ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم تصلوا وما فاتكم فأتموا ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى فِي الصَّحِيحَيْنِ " وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَاقْضُوا " وَرِوَايَاتٌ " فَأَتِمُّوا " أَكْثَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ لِقَاصِدِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا ام لا وفيه هذا الوجه لابي اسحق وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَعْبَثَ فِي مَشْيِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمُسْتَهْجَنٍ وَلَا يَتَعَاطَى مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ هذا الحديث السابق * (فرع) يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ وَقْتِ الْإِقَامَةِ وَجَاءَ فِي فَضِيلَةِ إدْرَاكِهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ عَنْ السَّلَفِ مِنْهَا هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَشْيَاءُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ ليوتم بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْفَاءَ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِلتَّعْقِيبِ فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِتَعْقِيبِ تَكْبِيرَتِهِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ فَضِيلَةُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِأَنْ يَحْضُرَ تكبير الْإِمَامِ وَيَشْتَغِلَ عَقِبهَا بِعَقْدِ صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ وسوسة

ظَاهِرَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يُدْرِكْهَا (وَالثَّانِي (يُدْرِكُهَا مَا لَمْ يَشْرَعْ الْإِمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) بِأَنْ يُدْرِكَ الرُّكُوعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَالرَّابِعُ) بِأَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ الْقِيَامِ (وَالْخَامِسُ) إنْ شَغْلَهُ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لَمْ يُدْرِكْ بِالرُّكُوعِ وَإِنْ مَنَعَهُ عُذْرٌ أَوْ سَبَبٌ لِلصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَدْرَكَ بِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ هُمَا فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ فَأَمَّا مَنْ حَضَرَ فَقَدْ فَاتَهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ لِقَاصِدِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَمْشِيَ بِسَكِينَةٍ سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسٍ وَأَحْمَدَ وابو ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وهما تابعيان واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا خَافَ فَوْتَ تكبيرة الاحرام اسرع دليلنا الحديث السابق * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ حَضَرَ وَالْإِمَامُ لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَرِيبٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْفُذَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَظِرْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عليهم ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ قِصَّةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدَيْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَةُ وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَدَّمُوا وَاحِدًا وَصَلَّى بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَانٍ كَانَ قَرِيبًا بَعَثُوا إلَيْهِ مَنْ سَيَعْلَمُ خَبَرَهُ لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ عَرَفُوا مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِحِفْظِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَأَحْبُهُمْ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ خَافُوا أَذَاهُ أَوْ فِتْنَةً انْتَظَرُوهُ فَإِنْ طَالَ الِانْتِظَارُ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلُّوا جَمَاعَةً هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ حَضَرَ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْمَأْمُومِينَ صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَلَا يَنْتَظِرُ اجْتِمَاعَ الْبَاقِينَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا آخِرَ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ * (فَرْعٌ) لَوْ جَرَتْ عَادَةُ الْإِمَامِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِعْلِهَا فِي أَثْنَائِهِ أو أوآخره فهل

الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ أَمْ يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ التيمم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ نَافِلَةٍ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ أَتَمَّ النَّافِلَةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ وَإِنْ خَشِيَ فواتها قطع النافلة لان الجماعة أفضل) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ أَنْ تَفُوتَ كُلُّهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ صَلَاتِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حامد والشيخ نصر وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاتَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ سَبَقَتْ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ حَضَرَ مَعَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَبَّرَ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ صَلَاتِهِ منفردا ثم يصلى اماما بان يجئ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَأْمُومًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ بِالْمُتَابَعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُفَرِّقْ وَيَجُوزُ أَنْ يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة كالمسبوق بركعة) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي جَمَاعَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ مِنْهَا فَتَكُونَ نَافِلَةً ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَهَا فِي الْجَمَاعَةِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِينَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ قَالَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إذَا خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ تَمَّمَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ قَطْعُهَا فَلَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ بَلْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمَزْنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي صِحَّتِهَا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لقطع بِبُطْلَانِهَا حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَدَلِيلُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَدَلُّ لِلصِّحَّةِ أَيْضًا بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ قبل مجئ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمُوا أَبَا بكر رضى الله عنه لِيُصَلِّيَ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ وَاقْتَدَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالْجَمَاعَةُ " فَصَارَ أَبُو بَكْرٍ مُقْتَدِيًا فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَرْبَعِ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ (أَحَدُهَا) الْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ بَعْدَ رُكُوعِهِ مُنْفَرِدًا فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ رُكُوعِهِ صَحَّتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) الْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ فِيهَا قَبْل رُكُوعِهِ فَإِنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَهُ بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّالِثُ) الْقَوْلَانِ إذَا اتَّفَقَا فِي الركعة كأولى أَوْ ثَانِيَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا وَكَانَ الْإِمَامُ فِي رَكْعَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ مُتَأَخِّرَةٍ بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ القولين في الاحوال كلها لوجود علتها فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ اقْتَدَى بِإِمَامٍ أَحْرَمَ بَعْدَهُ أَمْ بِإِمَامٍ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ إحْرَامِ هَذَا الْمُقْتَدِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ بِمَنِّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَقَامَ الْمُقْتَدِي وَاقْتَدَى فِي رَكْعَتَيْهِ الْبَاقِيَتَيْنِ بِآخَرَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَمِثْلُهُ هَذَا الَّذِي يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فيحرم خلفه بالعشاء فإذا سلم الامام قال الْمُقْتَدِي لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ الْإِمَامُ بِرَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَيَقْتَدِي بِهِ فِيهِمَا فَفِي صِحَّتِهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهَكَذَا لَوْ اقْتَدَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ بِالتَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بالبطان فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَاخْتَلَفَا فِي الرَّكْعَةِ لَزِمَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ فِي مَوْضِعِ قُعُودِهِ وَيَقُومُ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوَّلًا قَامَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِهِ لِتَتِمَّةِ صلاته لانه مسبوق وان تمت صلاة الامام أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ بَلْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ عِنْدَ تَمَامِهَا وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَطُولِ الدُّعَاءِ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَقِبَهُ وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ بَلْ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ هُوَ لِسَهْوِهِ إنْ كَانَتْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا سَجَدَ عِنْدَ تَمَامِهَا وَإِنْ سَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ حَمَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَحِقَ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ وَيَسْجُدُ مَعَهُ وَيُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَالْمَسْبُوقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ صِحَّةُ صَلَاةِ هَذَا الْمُقْتَدِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الجديد

وتابعه علي هذا صاحب الْمُعْتَمَدِ وَالْبَيَانِ تَقْلِيدًا لَهُ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ صَرِيحًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ قَالَ قَائِلٌ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بما مضي ولسنا نقول بهاذ. (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَتَكُونُ نَافِلَةً هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيهَا خِلَافٌ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فِي التَّرْجِيحِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَفِي هَذَا النَّصِّ وَاتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ فَرِيضَةٍ دَخَلَ فِيهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِلْعُذْرِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَقْصًى فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا إنْ قَلَبَ فَرْضَهُ نَفْلًا لَا يَنْقَلِبُ بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ هُنَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ فِيهِ أَبْطَالَ فَرْضٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ جَمِيعِهِمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُ الْفَرْضِ لِعُذْرٍ وَتَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ عُذْرٌ مُهِمٌّ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ قَطْعُهُ لِعُذْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَحَظِّ نَفْسِهِ فَجَوَازُهُ لِمُصْلِحَةِ الصَّلَاةِ وَلِسَبَبِ تَكْمِيلِهَا أَوْلَى ثُمَّ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ إبْطَالُ فَرْضٍ تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ إبْطَالَ الْفَرْضِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ قُلْنَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْجَمَاعَةَ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا مع الجماعة وممن صرح بها الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي سَبَقَ هُوَ فِيمَا إذَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَرَادَ جَمَاعَةً فَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي فَائِتَةٍ ثُمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي جَمَاعَةٍ فَانٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُصَلِّي تِلْكَ الْفَائِتَةَ فَالْجَمَاعَةُ مَسْنُونَةٌ لَهَا فَهِيَ كفرض الوقت

فيما ذكرناه وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ غَيْرَ تِلْكَ الْفَائِتَةِ لَمْ يَجِبْ التَّسْلِيمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَا قَطْعُهَا لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُشْرَعُ حِينَئِذٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ فَرِيضَةٍ لِمُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ فَرِيضَةٍ أُخْرَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ انْكَشَفَ وَخَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَيَشْتَغِلُ بِالْحَاضِرَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا مُنْفَرِدًا وَأَمْكَنَهُ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا وَحَضَرَ قَوْمٌ يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَعَ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْتِ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا افْتَتَحَ جَمَاعَةً ثُمَّ نَقَلَهَا إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى بِأَنْ أَحْرَمَ خَلْفَ جنب أو محدث لم يعلم حاله ثُمَّ عَلِمَ الْإِمَامُ فَخَرَجَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَأَلْحَقَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ ثَانِيًا أَوْ جَاءَ آخَرُ فَأَلْحَق الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِحَدَثِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَكُونُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ انْعَقَدَتْ جَمَاعَةً ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ نَقَلُوا صَلَاتَهُمْ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَلْبُ الْفَرْضِ إلَى غيره أربعة أنواع (أحدها) ان يحرم بالظهر ظَانًّا دُخُولَ الْوَقْتِ فَيَتَبَيَّنُ عَدَمَهُ فَيَقَعُ نَافِلَةً هَكَذَا جَزَمُوا بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (الثَّانِي) يُحْرِمُ بفريضة ثم ينو قَلْبَهَا فَرِيضَةً أُخْرَى أَوْ مَنْذُورَةً فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي انْقِلَابهَا نَفْلًا قَوْلَانِ سَبَقَا (الثَّالِثُ) يُحْرِمُ بِفَرِيضَةٍ ثُمَّ يَنْوِي قَلْبَهَا نافلة فتبطل علي عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَحَكَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا (الرَّابِعُ) مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ أَنْ يُحْرِمَ بِفَرْضٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُرِيدُ دُخُولَ جَمَاعَةٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِهَا نَافِلَةً وَطَرَدَ جَمَاعَةٌ فِيهَا الْخِلَافَ وَالْمَذْهَبُ وُقُوعُهَا نَافِلَةً وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا مَعْذُورٌ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ نَقْلُ الصَّلَاةِ إلَى صَلَاةٍ أَقْسَامٌ (أَحَدُهَا) نَقْلُ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الثَّانِي) نَقْلُ نَفْلٍ رَاتِبٍ إلَى نَفْلٍ رَاتِبٍ كَوِتْرٍ إلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الثَّالِثُ) نَقْلُ نَفْلٍ إلَى فَرْضٍ فَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الرَّابِعُ) نَقْلُ فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ فَهَذَا نَوْعَانِ نَقْلُ حُكْمٍ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قبل الزوال جاهلا فتقع نفلا

والثانى نفل فيه بِأَنْ يَنْوِيَ قَلْبَهُ نَفْلًا عَامِدًا فَيَبْطُلَ فَرْضُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى فَنَوَى قَطْعَ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الثَّانِي فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِقَطْعِ الِاقْتِدَاءِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ الثَّانِي الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * (وإن حضر وقد اقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْفَرِيضَةَ افْتِتَاحُ نَافِلَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً لِتِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرَهَا لِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَوَاءٌ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَمْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَفْرُغُ مِنْ النَّافِلَةِ وَيُدْرِكُ إحْرَامَ الْإِمَامِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدٌ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وعروة بن الزبير واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إذَا وَجَدَهُ فِي الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى سُنَّتَهَا يَخْرُجُ إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي مَعَهُ الْفَرِيضَةَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَسْرُوقٍ وَمَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَإِنْ خَافَهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَلَّاهُمَا فِي جَانِبِ المسجد والا فليحرم معه * * قال المصنف رحمه الله * (وان أدركه؟ ؟ ؟ القيام وخشى أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراة لانها فرض فلا يشتغل عنه بالنفل فان قرأ بعض الفاتحة فركع الامام ففيه وجهان (أحدهما) يركع ويترك القراءة لان متابعة الامام آكد ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة (والثانى) يلزمه أن يتم الفاتحة لانه لزمه بعض القراءة فلزمه اتمامها) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَضَرَ مَسْبُوقٌ فَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ وَخَافَ رُكُوعَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ من

الْفَاتِحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقُولَ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ بَلْ يُبَادِرُ إلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الدُّعَاءَ وَالتَّعَوُّذَ أَدْرَكَ تَمَامَ الْفَاتِحَةِ اُسْتُحِبَّ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُتِمُّ الْفَاتِحَةَ (وَالثَّانِي) يَرْكَعُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قِرَاءَتُهَا وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا الثَّانِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ المروزى وصححه القفال والمعتبرون أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ رَكَعَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَقِيَّةُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّشَاغُلِ فَإِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ فَتَخَلَّفَ لِيَقْرَأَ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ فَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَيُتِمُّ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَلْحَقَ الْإِمَامَ وَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ وَتُحْسَبُ لَهُ رَكْعَتُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ متابعة الامام فان خَالَفَ وَلَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ بَلْ رَكَعَ عَمْدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ عَامِدًا وَإِنْ قُلْنَا يَرْكَعُ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَحُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ فَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ وَقَرَأَ هَذَا الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ لَحِقَهُ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ فَكَانَ كَالتَّخَلُّفِ بِرَكْعَةٍ فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا وَحُرِّمَ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ قَالَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَعَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَكِنْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْهَوَى إلَى السُّجُودِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ الْآنَ وَالرَّكْعَةُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مَا يُمْكِنْهُ فِيهِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ فَأَمَّا إذَا أَتَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَتَعَوَّذَ ثُمَّ سَبَّحَ أَوْ سَكَتَ طَوِيلًا فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تسقط عنه الفاتحة صرح به الامام * * قال المصنف رحمه الله *

(وَإِنْ أَدْرَكَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَرْكَعُ فَإِنْ كَبَّرَ تكبيرة نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ لَهُ صَلَاةُ نَفْلٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ (وَالثَّانِي) لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ هِيَ شَرْطٌ وَتَكْبِيرَةٍ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) * (الشَّرْحُ) إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَهْوِي إلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هناك لان الْأَشْهَرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَوَقَعَتْ تَكْبِيرَةُ إحْرَامِهِ فِي حَدِّ الرُّكُوعِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْفَاتِحَةِ بَلْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ مُكَبِّرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَكَبَّرَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ بِمُجَرَّدِ تَكْبِيرِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَى بِهَا بِكَمَالِهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَنْوِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فَرِيضَةً (الثَّانِي) أَنْ يَنْوِيَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ (الثَّالِثُ) يَنْوِيهِمَا جَمِيعًا فَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا نَفْلًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) تَنْعَقِدُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ كانت التى أحرم بها نافلة انعقد نَافِلَةً وَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً فَلَا (الْحَالُ الرَّابِعُ) ان لا ينو وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَلْ يُطْلِقُ التَّكْبِيرَ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا تَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) تَنْعَقِدُ فَرْضًا لِقَرِينَةِ الِافْتِتَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَقَعُ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ بِلَا خِلَافٍ ولكنه قياس

ضعيف أو باطل وليس بينهما جَامِعٌ وَعِلَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ كَانَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ فَبَقِيَتْ تَبَرُّعًا وَهَذَا مَعْنَاهُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَهِيَ رُكْنٌ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلِصَلَاةِ النَّفْلِ وَلَمْ تَتَمَحَّضْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ لِلْإِحْرَامِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا وَكَذَا النَّفَلُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اعتبار تكبيرة الاحرام والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِقْدَارَ الرُّكُوعِ الْجَائِزِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ فليتم الظهر أربعا ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى فَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صلى الظهر اربعا " قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَكَبَّرَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ فَإِنْ وَصَلَ الْمَأْمُومُ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَحُسِّبَتْ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَطْمَئِنَّ الْمَأْمُومُ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَأَطْلَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ المسألة ولم يتعرضوا للطمأنينة ولابد مِنْ اشْتِرَاطِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ ارْتِفَاعُ الْإِمَامِ عَنْ أَكْمَلِ الرُّكُوعِ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِذَلِكَ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ إمَامِ الْأَئِمَّةِ محمد بن اسحق ابن خُزَيْمَةَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَعْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِدْرَاكِ بِهِ فَخِلَافُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فَشَكَّ هَلْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَاطْمَأَنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْهُ أَمْ بَعْدَهُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَعَلَهُمَا الْغَزَالِيُّ قَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَكُونُ مُدْرِكًا لان

الْأَصْلَ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ بان كان الامام محدثا أو قدسها وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي رُكُوعِهَا أَوْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ فَأَدْرَكَهُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إنَّمَا يَسْقُطَانِ عن المسبوق لان الامام يحملها عنه وهذا الامام غير حامل لان الرُّكُوعَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ * (فَرْعٌ) إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَدِّ الْمُجْزِئِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ وَهَلْ يُسَنُّ لَهُ التَّشَهُّدُ مَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُسَنُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يُسَنُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُهُ فِي حَقِّهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوقِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْقُعُودِ فيه فانه واجب عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَا فِي الْأَقْوَالِ الْمَحْسُوبَةِ لِلْإِمَامِ وَلَا يَجِبُ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تُحْسَبُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا بِصُورَةِ الْمُتَابَعَةِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ وَمَتَى أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَأَحْرَمَ وَجَلَسَ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ جُلُوسِهِ فَقَامَ إلَى تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَأْتِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ جُلُوسِهِ أَتَى بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي أَوَائِلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ * (فرع) ذكرنا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْمَسْبُوقُ الرُّكُوعَ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ زُفَرُ تُحْسَبُ إنْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ * قال المصنف رحمه الله * (وان كان الامام قد ركع ونسى تسبيح الركوع فرجع الي الركوع ليسبح فادركه المأموم في هذا الركوع فقد قال أبو على الطبري يحتمل أن يكون مدركا للركعة كما لو قام الي خامسة فادركه مأموم فيها والمنصوص في الام أنه لا يكون مدركا لان ذلك غير محسوب للامام ويخالف الخامسة لان هناك قد أتي بها المأموم وههنا لم يأت بما فاته مع الامام) *

(الشَّرْحِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ فَاعْتَدَلَ ثُمَّ تَذَّكَّرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِيُسَبِّحَ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الِاعْتِدَالِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدٍ بِهِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَكِنَّ هذا الركوع لَغْوٌ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ لَغْوٌ وَالْمَسْبُوقُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ هَذَا الرُّكُوعِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَغْوٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِي الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الِاعْتِدَالِ حُكْمًا وَالْمُدْرِكُ فِي الِاعْتِدَالِ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ (وَالثَّانِي) تُحْسَبُ * وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا جَاهِلًا وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْقِيَامَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لِلْمَسْبُوقِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَامِسَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ أَدْرَكَهَا بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَحْمِلْ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَلَا الرُّكُوعَ الْمَحْسُوبَ لِلْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي رُكُوعِ الْخَامِسَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْسِبُ لَهُ الرَّكْعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ - وَجْهًا ضَعِيفًا جِدًّا أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَذَكَرَ وَجْهًا بَعِيدًا مُزَيَّفًا أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْخَامِسَةِ وَهُمَا جَاهِلَانِ بِأَنَّهَا الْخَامِسَةُ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَلَكِنَّ صَلَاتَهُ مُنْعَقِدَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ ثَالِثَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ قَامَ إلَيْهَا سَاهِيًا فَإِنْ قُلْنَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ لَمْ تُحْسَبْ هُنَا رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ وَلَا مِنْ الظُّهْرِ وَإِنْ قُلْنَا تُحْسَبُ فَهُنَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثَا وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَدَّادِ هُنَا أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَحُكْمُ إدْرَاكِ الْمَسْبُوقِ لَهُ فِي رُكُوعِهِ حُكْمُ إدْرَاكِهِ فِي رُكُوعِ الْخَامِسَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا

فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي السُّجُودِ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ جَاهِلًا فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ عَالِمًا بِأَنَّهَا خَامِسَةٌ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي رَكْعَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَغْوٌ وَحَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنْ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْأَفْعَالِ بَلْ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ يَقْعُدُ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لِلْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَسِيَ الْإِمَامُ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَفِي انْعِقَادِهَا هَذَا الخلاف: الصحيح لا تنعقد والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَسْجُدُ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ كَمَا يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحِلَّ التَّكْبِيرِ مِنْ السُّجُودِ وَيُخَالِفُ مَا إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعُ رُكُوعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فصار كالمنفرد) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا أَوْ فِي التَّشَهُّدِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا وَيَجِبُ أَنْ يُكْمِلَ حُرُوفَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَائِمًا كَمَا سَبَقَ بيانه قريبا وفى صِفَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ وَهَلْ يُكَبِّرُ لِلِانْتِقَالِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُكَبِّرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يُكَبِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ أَوْ غَيْرِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لِهَذَا الْمَسْبُوقِ وَإِذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ الَّذِي قَامَ مِنْهُ مَوْضِعَ جُلُوسِ هَذَا الْمَسْبُوقِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَالِثَةِ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ قَامَ مُكَبِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَوْ ثَانِيَةِ رُبَاعِيَّةٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يقوم بلا تكبير لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرٍ لَهُ وَقَدْ كَبَّرَ فِي ارْتِفَاعِهِ عَنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ

وَهُوَ الِانْتِقَالُ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ هُوَ الْآنَ متابع لِلْإِمَامِ فَلَا يُكَبِّرُ (وَالثَّانِي) يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاَلَّذِي فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فَلَعَلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقِهِ (وَالثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَزَمَ بِهِ أَنَّهُ يَقُومُ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَلَا يُكَبِّرُ وَيَقُومُ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً بِتَكْبِيرٍ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ رَكْعَةٍ لَهُ تَكْبِيرٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُكْثُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ جَازَ الْمُكْثُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَطْوِيلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَخْفِيفَهُ وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْن وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ تَمَامِ الْأُولَى فَإِنْ قَامَ قَبْلَ تَمَامِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً فِي فَصْلِ صِفَةِ الصلاة في فصل السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ رَكْعَةٍ فَسَجَدَهَا مَعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَانْصَرَفَ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمهُ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْتِي بِهَا متابعة للامام وقد زالت المتابعة * قال المصنف رحمه الله * (وان ادركه في آخر الصلاة كبر للاحرام وقعد وحصلت له فضيلة الجماعة) * (الشَّرْحُ) قَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُ لِلْقُعُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالتَّشَهُّدُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوقِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ وَلَيْسَ بشئ وَلَا يَقْرَأُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْقِيَامِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ دُونَ فَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ إلَّا إذَا أَدْرَكَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْجَمَاعَةُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (فَإِنْ قِيلَ) لَمْ يُدْرِكْ قَدْرًا يُحْسَبُ لَهُ (قُلْنَا) هَذَا

غَلَطٌ بَلْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ أَدْرَكَهَا مَعَهُ وَهِيَ محسوبة له والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن ادرك الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " مَا أَدْرَكْتَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِكَ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فان كان ذلك في صلاة فبها قُنُوتٌ فَقَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ أَعَادَ الْقُنُوتَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ فعله للمتابعة فإذا بلغ مَوْضِعِهِ أَعَادَهُ كَمَا إذَا تَشَهَّدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَامَ إلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التشهد) * (الشَّرْحُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِيهِ الْقُنُوتَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ قَامَ لِلتَّدَارُكِ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَقِيلَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تُسَنُّ السُّورَةُ فِي جميع الركعات ولا تختص بالاولتين أَمَّا إذَا خَصَّصْنَا فَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ السُّورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لَا يُسَنُّ الْجَهْرُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَقِيلَ فِي الْجَهْرِ قَوْلَانِ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ جَهْرٍ وَأَوْضَحْت الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ ثَالِثَةً وَيَتَشَهَّدُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ آخرها وبه قال سعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العزيز واسحق حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُمْ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ مَا أَدْرَكَهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فاتكم فافضوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ما اركتم فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا

فَأَتِمُّوا أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَأَلْزَمُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُمْ أَوْلَى قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد والماوردي واتمام الشئ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ أَوَّلِهِ وَبَقِيَّةِ آخِرِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَسَنٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَقَامَ لِلتَّدَارُكِ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ رَكْعَةٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَمَّا رِوَايَةُ فَاقْضُوا فَجَوَابُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رُوَاةَ فَأَتِمُّوا أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْقَضَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِعْلِ لَا الْقَضَاءِ الْمَعْرُوفِ فِي الِاصْطِلَاحِ لِأَنَّ هَذَا اصطلاح متأخر الْفُقَهَاءِ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْقَضَاءَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ قَالَ الله تعالى (فاذأ قضيتم مناسككم) (فإذا قضيت الصلاة) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُرَادُ وَمَا فَاتَكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ أَنْتُمْ لَا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فَاتَ الْمَأْمُومَ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ إنَّمَا هو آخرها والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ حَضَرَ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ جَمَاعَةً لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَصَدَ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي سُوقٍ أَوْ مَمَرِّ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْكِيَادِ وَإِنْ حَضَرَ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ صَلَّى اُسْتُحِبَّ لِبَعْضِ مَنْ حَضَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هذا فقام رجل فصلى معه ") *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا " فِيهِ تَسْمِيَةُ مِثْلِ هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ لِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى وَأَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَ الْحَاضِرِ وَأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوقَ لَا يُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ الجماعة تحصل بامام ومأموم: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ اقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجئ إمَامِهِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ كُرِهَ أَيْضًا إقَامَةُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْآذَانِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ تُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ صَلَّوْا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ لِلْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ قَبْلَهَا: أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَأَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَمَذْهَبُنَا كَرَاهَةُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وقال أحمد واسحق وداود وابن المنذر لا يكره * * قال المصنف رحمه الله * (وَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَحَكَى أَبُو اسحق عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ صُبْحًا أَوْ عَصْرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَرَأَى فِي آخِرِ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صلينا

فِي رِحَالِنَا قَالَ فَلَا تَفْعَلَا إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُعِيدُ لِلْخَبَرِ (وَالثَّانِي) لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ قَدْ حَازَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَإِذَا صَلَّى ثُمَّ أَعَادَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَالْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فِي قوله الجديد للخبر ولانه أسقط الفرض بالاولة فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ نَفْلًا وَقَالَ فِي القديم يحتسب الله ايتهما شاء وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ يَزِيدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحًا وَالرِّحَالُ الْمَنَازِلُ مِنْ؟ ؟ ؟ أَوْ وَبَرٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ الْفَرِيضَةَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا فِي الْوَقْتِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يُعِيدُ الظهر والعصر فَقَطْ وَلَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ وَالنَّافِلَةُ بَعْدَهُمَا مَكْرُوهَةٌ وَلَا الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا لَصَارَتْ شَفْعًا هَكَذَا عَلَّلُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعَلَّلَ بِأَنَّهَا يَفُوتُ وَقْتُهَا تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحُكِيَ وَجْهٌ ثَالِثٌ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا أَمَّا إذَا صَلَّى جَمَاعَةً ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ لِحُصُولِ الْجَمَاعَةِ قَالُوا فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يُكْرَهُ غَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ مَا سِوَى الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ لِكَوْنِ الْإِمَامِ أَعْلَمَ أَوْ أَوَرَعَ أَوْ الْجَمْعِ أَكْثَرَ أَوْ الْمَكَانِ أَشْرَفَ اُسْتُحِبَّ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَمِمَّنْ صحرح بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ كَثِيرُونَ لَا يُحْصَوْنَ

وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَإِذَا اسْتَحْبَبْنَا الْإِعَادَةَ لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فَأَعَادَ فَفِي فَرْضِهِ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ وهو الجديد فرضه الاولي لِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهَا وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ " يَعْنِي الثَّانِيَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ " صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّ فرضه احداهما لَا بِعَيْنِهَا وَيَحْتَسِب اللَّهَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَعَبَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَكْمَلُهُمَا وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا فَرْضٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِهَا وَالْأُولَى مُسْقِطَةٌ لِلْحَرَجِ لَا مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَهَذَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّتْهَا طَائِفَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ فَلَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَرْضًا أَيْضًا وَتَكُونُ الْأُولَى مُسْقِطَةً لِلْحَرَجِ عَنْ الْبَاقِينَ لَا مَانِعَةً مِنْ وُقُوعِ فِعْلِهَا فَرْضًا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِغَيْرِ الْجَدِيدِ نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْفَرِيضَةَ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ أَيْضًا قَالُوا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا هَكَذَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ

الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَثَلًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ وَالْأَدِلَّةُ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُهَا كَالْمَرَّةِ الْأُولَى (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنْ يَقُومَ بِلَا سَلَامٍ فَيَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمَ لِتَصِيرَ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا وِتْرًا كَمَا إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ وِتْرًا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلَوْلَا خَوْفُ الِاغْتِرَارِ بِهِ لَمَا حَكَيْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابُ إعَادَةِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي جَمَاعَةٍ سَوَاءٌ صَلَّى الْأُولَى جَمَاعَةً أَمْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَغْرِبِ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَعِنْدَنَا لَا يُضِيفُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ الْجَمِيعَ إلَّا الْمَغْرِبَ لِئَلَّا تَصِيرَ شَفْعًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُعِيدُ الْجَمِيعَ إلَّا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ فَقَطْ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يُعِيدُهَا كُلَّهَا إلَّا الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْأَحَادِيثَ: وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السابقة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ خَلْفَهُ بِتَسْوِيَةِ الصفوف لما روى عَنْ أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعْتَدِلُوا فِي صُفُوفِكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي قَالَ أَنَسٌ فَلَقَدْ رأيت أحدنا يلصق منكبيه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظِهِ لِلْبُخَارِيِّ وَمَعْنَاهُ لِمُسْلِمٍ مُخْتَصَرًا وقوله صلى الله عليه وسلم وتراصوا هو بِتَشْدِيدِ الصَّادِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ تَضَامُّوا وَتَدَانُوا لِيَتَّصِلَ مَا بَيْنَكُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْمَأْمُومِينَ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِهَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَأْمُرُهُمْ بِتَسْوِيَتِهَا ويطوف عليهم

أَوْ يُنَادِي فِيهِمْ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ رَأَى مِنْهُ خَلَلًا فِي تَسْوِيَةِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْمُرَادُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ إتْمَامُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَسَدُّ الْفُرَجِ وَيُحَاذِي الْقَائِمِينَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ صَدْرُ أَحَدٍ ولا شئ مِنْهُ عَلَى مَنْ هُوَ بِجَنْبِهِ وَلَا يَشْرَعُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي حَتَّى يُتِمَّ الْأَوَّلَ وَلَا يَقِفُ فِي صَفٍّ حَتَّى يُتِمَّ مَا قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الصُّفُوفِ عَنْ أَنَسٌ قَالَ قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ " مَعْنَاهُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْله تعالي (واقيموا الصلاة) وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بها القداح حتى رأى انا قد غفلنا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ عباد الله لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ

وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بين المناكب بالاعناق فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهُ الْحَذَفُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ الْحَذَفُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَهِيَ غَنَمٌ سُود صِغَارٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَمَا كَانَ من نقص فليكن في الصف المؤخر " رواه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ غَيْرَ هَذِهِ وَفِي هَذِهِ كِفَايَةٌ * وَأَمَّا فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَمَيَامِنِ الصُّفُوفِ فَسَتَأْتِي فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ جَوَازُ الْكَلَامِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ: وَدَلِيلُنَا هذه الاحاديث الصحيحة السابقة * قال المصنف رحمه الله * (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال " إذ صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ " فَإِنَّ صَلَّى بِقَوْمٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ التَّطْوِيلُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِهِمْ وقد رضوا) *

(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ورويناه أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمْ وَذَا الْحَاجَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ شَيْئًا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ التَّطْوِيلُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ آثَرُوا التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا عَلَى الْإِمَامِ مِنْ التَّخْفِيفِ قَالَ " وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلَهَا فَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا أَحْبَبْتُ مِنْ الْإِكْمَالِ أَوْ زَادَ عَلَى مَا أَحْبَبْتُ مِنْ الْإِكْمَالِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ خَلْفَهُ إذَا جَاءَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ " قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ صَلَّى بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ التَّطْوِيلُ بل قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ حِينَئِذٍ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الاحاديث الصحيحة

فِي تَطْوِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يُؤْثِرُهُ لَمْ يُطَوِّلْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَإِنْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَلَكِنَّ الْمَسْجِدَ مَطْرُوقٌ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِيهَا لَمْ يُطَوِّلْ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَوْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثنين ونحوهما فان لَا يُؤْثِرُهُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَنَحْوَهَا خَفَّفَ وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ متعين * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ رَاكِعٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُكْرَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا يُشْرِكْ بعبادة ربه أحدا) (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَظِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ انْتِظَارٌ لِيُدْرِكَ بِهِ الْغَيْرُ رَكْعَةً فَلَمْ يُكْرَهْ كَالِانْتِظَارِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَتَعْلِيلُ

الْأَوَّلِ يَبْطُلُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ وَيَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ وَرَاءَهُ فَإِنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا ثُمَّ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ وَهُوَ قَائِمٌ لَمْ يَنْتَظِرْهُ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ يَحْصُلُ لَهُ بِالرُّكُوعِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْرِيكِ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ الجماعة) * (الشَّرْحُ) إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ طَوَّلَ لِانْتِظَارِ مُصَلٍّ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يُحِسَّ وَهُوَ رَاكِعٌ مَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ فَهَلْ يَنْتَظِرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْأَكْثَرِينَ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَمْ لَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَطَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ غَلَطٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِهِ وَقِيلَ إنْ عَرَفَ عَيْنَ الدَّاخِلِ لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُلَازِمًا لِلْجَمَاعَةِ انْتَظَرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ انْتَظَرَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَقِيلَ لَا يَنْتَظِرُ قَطْعًا وَإِذَا اخْتَصَرْتُ هَذَا الْخِلَافَ وَجَعَلْتُهُ أَقْوَالًا كَانَ خَمْسَةً (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ (وَالثَّالِثُ) لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ (وَالرَّابِعُ) يُكْرَهُ انْتِظَارُ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ مُلَازِمًا انْتَظَرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ مُطْلَقًا بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْمَسْبُوقُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حِينَ الِانْتِظَارِ وَأَلَّا يَفْحُشَ طُولُ الِانْتِظَارِ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّوَدُّدَ إلَى الدَّاخِلِ وَتَمْيِيزِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ دَاخِلٍ وَدَاخِلٍ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَظِرُ فَانْتَظَرَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بُطْلَانِهَا قَوْلًا ضَعِيفًا غَرِيبًا كَالِانْتِظَارِ الزَّائِدِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُحِسَّ بِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ حُكْمُ الرُّكُوعِ فَفِيهِ الْخِلَافُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ الْخِلَافُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالرُّكُوعِ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُحِسَّ بِهِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ كَالْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ والاكثرون

لَا يَنْتَظِرُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ مُمْكِنٌ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ وَلَا يَفُوتُ بِغَيْرِهِمَا مَقْصُودٌ وَالثَّانِي فِي الِانْتِظَارِ الْخِلَافُ كَالرُّكُوعِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَالثَّالِثُ لَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَفِي الْقِيَامِ الْخِلَافُ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَظِرُ فَشَرْطُهُ مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَهَذَا مُلَخَّصُ حُكْمِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ طَوِيلَةٌ مُشَعَّبَةٌ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْهَا أَنَّ الصَّحِيحَ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَكَرَاهَتُهُ فِي غَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ إذَا قُلْنَا يُكْرَهُ فَطَوَّلَ لَا تَبْطُلُ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ في الصلاة لجماعة فطول ليلحقه قول آخَرُونَ تَكْثُرُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ أَوْ لِيَلْحَقَهُ رَجُلٌ مَشْهُورٌ عَادَتُهُ الْحُضُورُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وسوا كَانَ الْمَسْجِدُ فِي سُوقٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَعَادَةُ النَّاسِ يَأْتُونَهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ

فَوْجًا فَوْجًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ الْمُنْتَظَرُ مَشْهُورًا بِدِينِهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ دُنْيَاهُ وَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذٌ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ بِالتَّأْخِيرِ وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمَأْمُومِينَ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ حَثَّهُمْ ذَلِكَ عَلَى المسارعة الي الصلاة والتكبير أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِيهَا وَحَضَرَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَيَرْجُو زِيَادَةً فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَجِّلَهَا وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ وَإِنْ حَضَرَ الْمَأْمُومُونَ دُونَ الْإِمَامِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ أَيْضًا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ عَادَةَ الْإِمَامِ التَّأْخِيرُ هَلْ الْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ أَمْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَسَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَظَائِرُهَا الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ * (فَرْعٌ) فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَحَسَّ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَلَا يُقَالُ حَسَّ إلَّا فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ غَرِيبَةٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى كُنْيَتُهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الحرب وعبد اللَّهِ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ شَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَسَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في انتظار الامام وهو راجع قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا

اسْتِحْبَابُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وهم تابعيون وعن أحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ يَنْتَظِرُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد لَا يَنْتَظِرُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَبِأَنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا فِي الْعِبَادَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِانْتِظَارُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي سَبَقَ قَرِيبًا " أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْمُسْلِمِ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ " فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عَنْ أَبِي أَوْفَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَمَّى بَعْضُ الرُّوَاةِ هَذَا الرَّجُلَ طُرْفَةَ الْحَضْرَمِيَّ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى رَفْعِ الْإِمَامِ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُومِ: وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَحَادِيثَ التَّخْفِيفِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّا لَا نُخَالِفُهَا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ الَّذِي نَسْتَحِبُّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْحُشُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ انْتِظَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ

الْخَوْفِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَعْوَاهُمْ التَّشْرِيكَ فَلَا نُسَلِّمُ التَّشْرِيكَ وَإِنَّمَا هُوَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَصْدِ مَصْلَحَةِ صَلَاةِ آخَرَ وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِثْلَهُ وَأَسْمَعَ أَصْحَابَهُ التَّكْبِيرَ وَالتَّأْمِينَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْإِمَامِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرَاتِ لِلْإِعْلَامِ بِانْتِقَالِ الْإِمَامِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى غَيْرِ الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ وَلَا يَتَقَدَّمَهُ في شئ مِنْ الْأَفْعَالِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَوْ كَبَّرَ مَعَهُ لِلْإِحْرَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تَنْعَقِدَ فَلَمْ تَصِحَّ وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ أَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ " وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ فِيهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ قَلِيلَةٌ وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ كَثِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ فَلَمَّا رَكَعَ الْإِمَامُ رَفَعَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الْقِيَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْهُ بِسَجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةٍ بينهما وقال أبو اسحق لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السجود) * (الشَّرْحُ) الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُنَا وَفِيهِ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ فِي الْحُرُوفِ لِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ " وَقَوْلُهُ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ " هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ أَنْكَرَهَا الْحَرِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ دُرَّةِ الْغَوَّاصِ وَقَالَ لَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَجَوَّزَهَا غَيْرُهُ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَدْ اخْتَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَحَذَفَ مُعْظَمَ مَقَاصِدِهَا وَأَنَا أَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَوْفَاةَ الْأَحْكَامِ مُخْتَصَرَةَ الْأَلْفَاظِ وَالدَّلَائِلِ: قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ ويحرم عليه ان يتقدمه بشئ مِنْ الْأَفْعَالِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِ سَبْقِهِ بِرُكْنٍ

وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّهُ وَقَرَّرَهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا وَالْمُتَابَعَةُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى أَثَرِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ لِكُلِّ فِعْلٍ مُتَأَخِّرًا عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ وَمُقَدَّمًا عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ يُتَابِعُهُ فِي الْأَقْوَالِ فَيَتَأَخَّرُ ابْتِدَاؤُهُ عَنْ أَوَّلِ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ إلَّا فِي التَّأْمِينِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُقَارَنَتُهُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَوْ خَالَفَهُ فِي الْمُتَابَعَةِ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يُقَارِنَهُ فَإِنْ قَارَنَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ شَكَّ فِي مُقَارَنَتِهِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَأَخَّرَ فَبَانَ مُقَارَنَتُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي الرُّكُوعِ: دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَيُخَالِفُ الرُّكُوعَ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُنَاكَ دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ قَارَنَهُ فِي السَّلَامِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ وَإِنْ قَارَنَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَفُوتُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ تَخَلَّفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ نَظَرْتَ فَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ بِالِاتِّفَاقِ لِمُنَافَاتِهِ لِلْمُتَابَعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ التَّخَلُّفِ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ فَيَشْتَغِلَ الْمَأْمُومُ بِإِتْمَامِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ قَالُوا وَكَذَا لَوْ اشْتَغَلَ بِإِطَالَةِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا بَيَانُ صُورَةِ التَّخَلُّفِ بِرُكْنٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الرُّكْنِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فَالْقَصِيرُ الِاعْتِدَالُ عَنْ الرُّكُوعِ وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالطَّوِيلُ مَا عَدَاهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالطَّوِيلُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْقَصِيرِ وَجْهَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى الْجَزْمِ بِهِ أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فَإِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فَرَكَعَ الْمَأْمُومُ وَأَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِهِ فَلَيْسَ مُتَخَلِّفًا بِرُكْنٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا فَلَوْ اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِمَا فَقِيلَ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا مَقْصُودٌ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فَارَقَ رُكْنًا وَاشْتَغَلَ بِرُكْنٍ آخَرَ مَقْصُودٍ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَقِيلَ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ يُبْطِلُ أم لا وان قلنا لا يُبْطِلُ فَقَدْ تَخَلَّفَ بِرُكْنِ الرُّكُوعِ تَامًّا فَتَبْطُلُ صلاته وإن

قلنا فَمَا دَامَ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يُكْمِلْ الرُّكْنَ الثَّانِي فَلَا تَبْطُلُ فَلَوْ هَوَى إلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي بَطَلَتْ لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِدَالِ قَدْ تَمَّ هَكَذَا رتب المسلة إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ إذَا ارْتَفَعَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَقَدْ حَصَلَ التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ قُلْنَا التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ مُبْطِلٌ أَمَّا إذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنْ اكْتَفَيْنَا بِابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَابْتِدَاءِ الِارْتِفَاعِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ فَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ رُكْنَانِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الرُّكْنَ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِذَلِكَ فَلِلتَّخَلُّفِ شرط آخر وهو أن يلابس بعد تمامها أَوْ تَمَامِهِ رُكْنٌ آخَرُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّخَلُّفِ بِلَا عُذْرٍ أَمَّا الْأَعْذَارُ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْخَوْفُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بَطِئَ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفِ لِسَانِهِ وَنَحْوِهِ لَا لِوَسْوَسَةٍ وَالْإِمَامُ سَرِيعَهَا فَيَرْكَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جماعة من الخراسانيين منهم (1) والرافعي أَحَدُهُمَا يُتَابِعُهُ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ بَاقِيهَا فَعَلَى هَذَا إنْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَسْقُطُ بَاقِيهَا بَلْ يَلْزَمهُ أَنْ يُتِمَّهَا وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْمُتَابَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ الدَّوَامُ عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاتِهِ وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِهِ وَبِهَذَا أَفْتَى الْقَفَّالُ (وَأَصَحُّهُمَا) يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَمِنْهَا أَخَذُوا التَّقْدِيرَ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ إنَّمَا هُمَا إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة وَقَبْل ذَلِكَ لَا يُوَافِقُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَبْلَهُ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا يَجْعَلُ التَّخَلُّفَ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ مُؤَثِّرًا وَأَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ أَوْ يُفَرِّقُ وَيَجْعَلُ الْجُلُوسَ مَقْصُودًا أَوْ رُكْنًا طَوِيلًا فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ التَّقْدِيرُ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ وَلَوْ اشْتَغَلَ الْمَأْمُومُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فراغه من الفاتحة أتمها كبطئ الْقِرَاءَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ أَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ فَقَدْ سَبَقَ فِي رُكُوعِهِ وَإِتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ ثَلَاثَةُ

_ (1) بياص بالاصل فحرر *

أَوْجُهٍ وَمِنْهَا الزِّحَامُ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا النِّسْيَانُ فَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ فِي قِرَاءَتِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ لِقِرَاءَتِهَا لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَلَوْ تَذَكَّرَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَكَعَ لَمْ تَسْقُطْ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ وَفِي وَاجِبِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرْكَعُ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ (وَأَصَحُّهُمَا) تَجِبُ قِرَاءَتُهَا وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ وَعَلَى هَذَا تَخَلُّفُهُ تَخَلُّفُ مَعْذُورٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ بِرُكْنٍ كَامِلٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ يَسِيرَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ فَهَلْ يَعُودُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ وَيَرْكَعَ مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِيَامِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ: وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعَوْدُ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ السَّبْقَ أَمْ سَهَا (وَالثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ يَحْرُمُ الْعَوْدُ فَإِنْ عَادَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ تَقَدُّمُهُ سَهْوًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالدَّوَامِ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْعَوْدُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ لَا يُعِيدُ تِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا

فَيَلْزَمهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا تَخْفَى صُورَةُ التَّقَدُّمِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِي التَّخَلُّفِ وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ ذَلِكَ بِمَا إذَا رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفْعَ هُوَ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ مِثْلَهُ فِي التَّخَلُّفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ أَفْحَشُ وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ وَاجْتَمَعَا فِي الِاعْتِدَالِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا فَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ فَإِنْ اعْتَدَلَ وَسَجَدَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَلَسَ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَوَجْهَانِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ التَّقَدُّمَ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَالتَّخَلُّفِ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّقَدُّمِ فِي الْأَفْعَالِ: وَأَمَّا السَّبْقُ بِالْأَقْوَالِ فَإِنْ كَانَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: وَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهَا ثلاثة أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) لَا يَضُرُّ بَلْ يَجْزِيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ (وَالثَّالِثُ) لَا تَبْطُلُ لَكِنْ لَا تُجْزِئُ بَلْ يَجِبُ قِرَاءَتُهُمَا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بعدها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ فَتَحَ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاةِ " وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرٍ غَيْرِهِ جَهَرَ به المأموم ليسمعه فيقوله وإن سها في فعل سبح به لِيُعْلِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ سَهَا لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمًا حَكَمَ به فشهد شاهدان أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِثْلَ أَنْ يَقْعُدَ وَفَرْضُهُ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَقُومَ وَفَرْضُهُ أَنْ يَقْعُدَ لَمْ يُتَابِعْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَمَا يَأْتِي بِهِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِسُنَّةٍ فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ سُجُودَ السَّهْوِ لَمْ يَتْرُكْهُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فرض المتابعة وإن نَسِيَا جَمِيعًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَا لِلْقِيَامِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ

الْقِيَامَ وَالْمَأْمُومُ قَدْ اسْتَتَمَّ الْقِيَامَ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي فَرْضٍ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى مُتَابَعَتِهِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي فرض) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِشَوَاهِدَ (قَوْلُهُ) فَتَحَ عَلَيْهِ هُوَ - بِتَخْفِيفِ التَّاءِ - أَيْ لَقَّنَهُ وَفَتَحَ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى مُتَابَعَتِهِ هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ تَلْقِينُهُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا إذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعٍ فَسَهَا وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ وَكَذَا إذَا سَهَا عَنْ ذِكْرٍ فَأَهْمَلَهُ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا لِيَسْمَعَهُ فَيَقُولَهُ (الثَّانِيَةُ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي فعل فتركه أو هم بتغيره يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَبِّحَ لِيَعْلَمَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ دَلِيلِ التَّسْبِيحِ فِي هَذَا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ عَمِلَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ مَا نَبَّهَهُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ الْمَأْمُومِينَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِيَقِينِ نَفْسِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلَا يُقَلِّدُهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدَدُهُمْ كَثِيرًا وَكَذَا لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ هُوَ حَاضِرٌ هُنَاكَ وَصَرَّحَ بِلَفْظِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُونَ قَلِيلِينَ أَوْ كَثِيرِينَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُونَ كَثِيرِينَ كَثْرَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ يَبْعُدُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يَرْجِعُ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي الرُّجُوعَ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِقِ فِي بَابِ السَّهْوِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ رُجُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ الْكَثِيرِينَ وَأَجَابَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمْ بَلْ رَجَعَ إلَى يَقِينِ نَفْسِهِ حِينَ ذَكَّرُوهُ فَتَذَكَّرَ وَلَوْ جَازَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ غَيْرِ الْإِنْسَانِ لَصَدَّقَهُ وَتَرَكَ الْيَقِينَ لِرُجُوعِ ذِي اليدين إلى قول رسول

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ " لَمْ تُقْصَرْ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَنْسَ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ بَلْ نَسِيتَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ فِعْلًا فَإِنْ كَانَ فَرْضًا بِأَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ أَوْ عَكْسَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي تَرْكِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا فَفِعْلُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ مُنْفَرِدًا وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً فَإِنْ كَانَ فِي اشْتِغَالِ الْمَأْمُومِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ الْإِتْيَانُ بِهَا فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ أَوْ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِغَالِ الْمَأْمُومِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ بِأَنْ تَرَكَ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ قَدْرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِتَخَلُّفِهِ لِلْقُنُوتِ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ وَلَحِقَهُ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى (الرَّابِعَةُ) إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ قَائِمًا سَهْوًا أَوْ نَهَضَا لِلْقِيَامِ سَاهِيَيْنِ فَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ وَعَادَ الْإِمَامُ إلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ فَفِي الْمَأْمُومِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ (وَالثَّانِي) لَا يَرْجِعُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ الرُّجُوعُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ الرُّجُوعَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْوُجُوبِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ ثلاثة أوجه (أصحها) يَجِبُ الرُّجُوعُ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَدَلِيلُ الْأَصَحِّ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ ثُمَّ يَحْصُلُ مَعَهَا التَّشَهُّدُ وَلَا يَفُوتُ الْقِيَامُ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُ الاخيران مَنْ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ لَا يَرْجِعُ إلَى سُنَّةٍ وَلَا نُسَلِّمُ رُجُوعَهُ إلَى سُنَّةٍ بَلْ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَعَ فُرُوعِهَا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَلْقِينِ الْإِمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَحَكَاهُ ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ مَعْقِلٍ بِالْقَافِ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق قَالَ وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِالتَّلْقِينِ أَقُولُ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِمَنْ كَرِهَهُ بِحَدِيثِ

ابي اسحق السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ لَا تَفْتَحْ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ " وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ حَدِيثُ الْمُسَوَّرِ - بِضَمِّ الْمِيمِ وفتح السين وتشديد الواو - ابن يَزِيدَ الْمَالِكِيُّ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَوَاتِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هلا أذكر تنيها " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي أَصَلَّيْتَ مَعَنَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَامِلِ الصِّحَّةِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْكَارِهُونَ فَضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ وَلِأَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَسْمَعْ أبو اسحق مِنْ الْحَارِثِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا منها * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ كَانَ لَا يَجْهَرُ وَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَصَارَ يَجْهَرُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ فَمُرْ عَلِيًّا فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَ إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إليه بعيده فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِهِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ

فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ جَازَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ تَرْتِيبَ الْأَوَّلِ فَيُشَوِّشُ وَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَقِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَقَدَّمُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْأُولَى قَدْ تَمَّتْ فلا حاجة إلى الاستخلاف) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي اسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخُرُوجِهِ وَتَأَخُّرِ أَبِي بَكْر وَصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهَا) أَبُو بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ أَيْ حزين قوله صلى الله عليه وسلم " أي في صواحب يوسف تظاهرهن علي ما بردن وَإِلْحَاحِهِنَّ فِيهِ كَتَظَاهُرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَنِسْوَتِهَا عَلَى صرف يوسف صلي الله عليه وسلم عَنْ رَأْيِهِ فِي الِاعْتِصَامِ فَحَمَاهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْهُنَّ وَالْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ صَوَاحِبُ وَفِي الْمُهَذَّبِ صَوَاحِبَات وَالْأَوَّلُ أَحْرَى عَلَى اللُّغَةِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْمُهَذَّبِ فَمُرْ عَلِيًّا فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ لَيْسَ لِعَلِيٍّ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ يَبْكِي وَلَا يَسْتَطِيعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي الصَّحِيحِ زِيَادَةٌ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خفة هي - بسكر الْخَاءِ - أَيْ نَشَاطًا وَقُوَّةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيُشَوِّشُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعْدُودَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ قَالُوا وَصَوَابُهُ فَيُهَوِّسُ وَمَعْنَاهُ يُخْلِطُ وَغَلَّطَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ اللَّيْثَ وَالْجَوْهَرِيَّ فِي تَجْوِيزِهِمَا التَّشْوِيشَ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي كِتَابِهِ لَحْنِ الْعَوَامّ أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ التَّشْوِيشَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَنَّهُ من كلام المولدين وخطؤا اللَّيْثَ فِيهِ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الامام عن الصلاة بحديث تَعَمَّدَهُ أَوْ سَبَقَهُ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْ بِلَا سَبَبٍ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ جَوَازُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (والقديم) والاملاء وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي مَرَضِهِ وَمَرَّةً حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ فَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَطَعَ بِالْجَوَازِ وقال

إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً وَهَذَا أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمَّ الْمَأْمُومُونَ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الخليفة صالحا لامامة هؤلا الْمُصَلِّينَ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ امْرَأَةً فَهُوَ لَغْوٌ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ إلَّا أَنْ يَقْتَدُوا بِهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَرَتَّ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِخْلَافُ عَلَى قُرْبٍ فَلَوْ فَعَلُوا فِي الِانْفِرَادِ رُكْنًا امْتَنَعَ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَهُ وَأَمَّا صِفَةُ الْخَلِيفَةِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ مِثْلَهَا فِي عدد الركعات صح بالاتفاق وسوا كان مسبوقا أم غيره وسوا اسْتَخْلَفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ بِاقْتِدَائِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ أَجْنَبِيًّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمْ فِي التَّرْتِيبِ وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْقُعُودِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْأُولَى جَازَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَهُ فِي الثَّالِثَةِ خَالَفَهُ فِي الْهَيْئَاتِ فيجهر وكان ترتيب غَيْرَ مُلْتَزَمٍ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ مَأْمُومٍ مُطْلَقًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَلْ هُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ صَلَاةً فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَهُوَ اقْتِدَاءُ مُنْفَرِدِينَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ قُدْوَتَهُمْ انْقَطَعَتْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ وَيَقُومُ مَوْضِعَ قِيَامِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا قَنَتَ وَقَعَدَ عَقِبَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ يَقْنُتُ فِي الثَّانِيَةِ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا قَبْلَ اقْتِدَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَأَعَادَ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ قَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَالْمَأْمُومُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا جُلُوسًا لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَ

الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ وَهُمَا مَشْهُورَانِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ هُمَا مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَقِيلَ هُمَا وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الجواز ولم يذكره غَيْرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا يُرَاقِبُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُومِينَ إذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ غَيْرِهِ وَإِشَارَتُهُ مِنْ اسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ لِلْخَلِيفَةِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَهْوُ الْخَلِيفَةِ قَبْلَ حَدَثِ الْإِمَامِ يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ فلا يسجد له احد وسهو بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي سُجُودَهُ وَسُجُودَهُمْ وَسَهْوُ الْقَوْمِ قَبْلَ حَدَثِ الْإِمَامِ وَبَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ مَحْمُولٌ وَبَيْنَهُمَا غَيْرُ مَحْمُولٍ بَلْ يَسْجُدُ السَّاهِي بَعْدَ سَلَامِ الْخَلِيفَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ خَلْفَ مُصَلِّي الصُّبْحِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَهُ قَنَتَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ قُنُوتِ الْإِمَامِ فَلَا يَقْنُتُ فِي آخِرِ صلاته ولو احرم بالصبح خلف الظُّهْرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْنُتْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ هَكَذَا نَقَلَهُمَا الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَقْنُتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ دُونَ الْأُولَى وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ بِالْخَلِيفَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَقَدْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُمْ بِحَدَثِ الْأَوَّلِ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ وَلِهَذَا لَحِقَهُمْ سَهْوُ أَنْفُسِهِمْ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِخْلَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ قَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَالْقَوْمُ آخَرَ فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْقَوْمِ أَوْلَى قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَكْثَرَ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَائِفَةٍ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَنْعَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا تَقَدَّمَ خَلِيفَةٌ فَمَنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ مُنْفَرِدًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ تَقَدَّمَ الْخَلِيفَةُ فَسَبَقَهُ حَدَثٌ وَنَحْوُهُ جَازَ لِثَالِثٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ وَنَحْوُهُ فَلِرَابِعٍ وَأَكْثَرَ وَعَلَى جَمِيعِهِمْ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ مَا شُرِطَ فِي الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْإِمَامُ وَعَادَ وَاقْتَدَى بِخَلِيفَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْخَلِيفَةُ فَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ جَازَ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي الْجُمُعَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا وَهُنَاكَ يُشْرَحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَفِي الْمَأْمُومِينَ مَسْبُوقُونَ فَقَامُوا لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فَقَدَّمُوا مَنْ يُتْمِمْهَا بِهِمْ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والمحاملى والجرجاني

وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِخْلَافِ قَالَا وَالْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَمْ يجز هذا وجها واحدا ما ذَكَرْتُهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْجَوَازِ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الِانْتِصَارِ لِأَبِي سَعِيدِ بْنِ عَصْرُونٍ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ وَكَأَنَّهُ اغْتَرَّ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَعَلَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِينَ الِاقْتِدَاءُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِخْلَافِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِحِكَايَةِ مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ عَنْ أَحَدٍ * قال المصنف رحمه الله * (وان نوى المأموم مفارقة الامام وأتم لنفسه فان كان لعذر لم تبطل صلاته " لان معاذا رضي الله عنه اطال القراءة فانفرد عنه اعرابي وذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه " وان كان لغير عذر ففيه قولان (أحدهما) تبطل لانهما صلاتان مختلفتان في الحكم فلا يجوز أن ينتقل من احداهما الي الاخرى كالظهر والعصر (والثانى) يجوز وهو الاصح لان الجماعة فضيلة فكان له تركها كما لو صلي بعض صلاة النفل قائما ثم قعد) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ ثُمَّ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ كَانَتْ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أحمد من رواية بريدة أنه كان في صلاة العشاء فقرأ (اقتربت الساعة) فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَ النَّهْيَ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْعِشَاءِ وَرَدِّ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ رِوَايَاتُ الْعِشَاءِ أَصَحُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَوْلَى وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ رِوَايَةِ القراءة بالبقرة والقراءة باقتربت بِأَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَانْفَرَدَ عَنْهُ أَعْرَابِيٌّ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ الصَّوَابُ انْصَرَفَ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ صاحب ناضخ ونجل هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد اسْمُهُ حَزْمُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ وَقِيلَ اسْمُهُ حَازِمٌ وَقِيلَ سُلَيْمٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَرَامُ - بِالرَّاءِ - بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ

الخطيب البغدادي في المبهمات غَيْرَهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى مَا صَلَّى مَعَهُ لَكِنْ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ قَالُوا وَتَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بِعُذْرٍ وَجَعَلُوا طُولَ الْقِرَاءَةِ عُذْرًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ قَالَ " افْتَتَحَ مُعَاذٌ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ " وَهَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ بَلْ قَطَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ دَلَالَةٌ لِلْمُفَارَقَةِ وَالْبِنَاءِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ لَا أَدْرِي هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ روى هذا الحديث عن سفين دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ وَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ قَبُولُ زِيَادَةِ الثِّقَةِ لَكِنْ يُعْتَضَدُ قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ شاذا ضعيفا مردودا فالشاذ عندهم أن يرووا مَا لَا يَرْوِيهِ سَائِرُ الثِّقَاتِ سَوَاءٌ خَالَفَهُمْ أَمْ لَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ أَمَّا ما لا يخالفهم فَلَيْسَ بِشَاذٍّ بَلْ يُحْتَجُّ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ فَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ شَاذَّةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الامام احمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ " أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْقَوْمِ فَلَمَّا رَأَى مُعَاذًا طَوَّلَ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَلَحِقَ بِنَخْلِهِ يَسْقِيهِ فَلَمَّا قَضَى معاذا الصَّلَاةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ إنَّهُ لَمُنَافِقٌ تعجل عن الصلاة من أجل شقى نَخْلِهِ " وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فِي الْحُكْمِ فَاحْتِرَازٌ مِمَّنْ نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ الْإِتْمَامَ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ لَيْسَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْعَدَدِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخْرَجَ الْمَأْمُومُ نَفْسَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ نُظِرَ إنْ فَارَقَهُ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَقَطْعَ الْقُدْوَةِ بطلت صلاته بالاجماع ومن نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ نَوَى مُفَارِقَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَالْمَذْهَبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَدِيمٌ تَبْطُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الحرمين

وَالْأَعْذَارُ كَثِيرَةٌ وَأَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ أَنَّ كُلَّ مَا جَوَّزَ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً جَوَّزَ الْمُفَارَقَةَ وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقُنُوتِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ فَهَلْ هُوَ عُذْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عُذْرٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ مُعَاذٍ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ الامام بَعْدُ فِي صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَأَمَّا إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ أَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ أَوْ أَتَى بِمُنَافٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفَارِقُهُ وَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا فَارَقُوا الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ وَلَوْ نَوَى الصُّبْحَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَتَمَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَفْرَغَ الْإِمَامُ وَيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهَذَا أَفْضَلُ وَإِنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَسَلَّمَ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ وَكَذَا فِيمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الصُّوَرِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِي الْمُفَارَقَةَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُفَارِقِ وعن أحمد روايتان كالقولين *

باب صفة الائمة

(بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَدًّا يَعْقِلُ وَهُوَ مِنْ أهل الصلاة صحت امامته لما روى عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أُمِّمْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا غُلَامٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ " وَفِي الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا في الجمعة كالبالغ * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَابِرٌ ثُمَّ فِي رواية البخاري في صحيحه وعمر وهذا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَأَبُو سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسَلِمَةُ صَحَابِيٌّ وَأَمَّا عَمْرٌو فَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُؤْيَتِهِ إيَّاهُ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَرَهُ لَكِنْ كَانَتْ الرُّكْبَانُ تَمُرُّ بِهِمْ فَيَحْفَظُ عَنْهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَحْفَظَ قَوْمِهِ لِذَلِكَ فَقَدَّمُوهُ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بُرَيْدٍ - بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِرَاءٍ - وقال أَبُو يَزِيدَ - بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَبِالزَّايِ - وَهُوَ مِنْ بَنِي جَرَمٍ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إذَا بَلَغَ حَدًّا يَعْقِلُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَالتَّمْيِيزُ يَخْتَلِفُ وَقْتُهُ بِاخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ قَبْلَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُمَيِّزُ وَإِنْ بَلَغَ سَبْعًا وَعَشْرًا وَأَكْثَرَ: وَأَمَّا ضَبْطُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَقْتَ صِحَّةِ سَمَاعِ الصَّبِيِّ وَتَمْيِيزِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالُوا الصَّوَابُ يُعْتَبَرُ كُلُّ صَبِيٍّ بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُمَيِّزُ لِدُونِ خَمْسٍ وَقَدْ يَتَجَاوَزُ الْخَمْسَ وَلَا يُمَيِّزُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّبِيِّ الْكَافِرِ وَاَلَّذِي لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَكُلُّ صَبِيٍّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَحَّتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ هكذا صححه المحققون ولا يغتر بتصحيح ابن عَصْرُونٍ خِلَافَهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتِمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي عَبْدٍ وَمُسَافِرٍ صَلَّيَا الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمَا الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ كَالصَّبِيِّ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَفِي الصَّبِيِّ أَنَّ الْكَمَالَ مَشْرُوطٌ فِي الْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْإِمَامِ أَوْلَى وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَقَدْ ضَبَطَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ الْكَلَامَ فِي إمَامِ الْجُمُعَةِ ضَبْطًا حَسَنًا وَلَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ مُسَافِرًا فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ

هذا إذا صليا الجمعة ابتداء فان كان صَلَّيَا ظُهْرَ يَوْمِهِمَا ثُمَّ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَهُمَا مُتَنَفِّلَانِ بِهَا فَفِي صِحَّتِهَا خَلْفَهُمَا مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُتَنَفِّلِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا أَوْ مُتَنَفِّلًا فَإِنْ تَمَّ بِهِ الْعَدَدُ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الصِّحَّةُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُتَنَفِّلِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ (الثَّالِثُ) أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صُبْحًا أَوْ عَصْرًا فَكَالْمُتَنَفِّلِ وَقِيلَ تَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ يُصَلِّي فَرْضًا وَإِنْ صَلَّوْهَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ تَامَّةً وَهِيَ فَرْضُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ عُذْرٌ فَهُوَ كَمُصَلِّي فَيَكُونُ فِي صِحَّتِهَا الطَّرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ بُعْدَ هَذَا الْبُطْلَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ صَلَّوْهَا خَلْفَ مُسَافِرٍ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً فَإِنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ صَحَّ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَكَمَنْ نَوَى الظُّهْرَ تَامَّةً فَتَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ لِلْبَالِغِينَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّتُهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الحسن البصري واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَهَا عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَؤُمُّ فِي مَكْتُوبَةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ غَيْرُهُ فَيَؤُمُّهُمْ الْمُرَاهِقُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنْ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ أَمَّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْجَوَازِ أَقُولُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَصِحُّ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَقَالَ دَاوُد لَا تَصِحُّ فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لا تصح في الفرض وفى

والنفل رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو حنيفة ومالك والثوري والاوزاعي واحمد واسحق لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي مَكْتُوبَةٍ وَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ * وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ " لَا يَؤُمُّ غُلَامٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ " وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ مَنْ جَازَتْ إمَامَتُهُ فِي النَّفْلِ جَازَتْ فِي الْفَرْضِ كَالْبَالِغِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ " أَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ وَالْإِيجَابِ لَا نَفْيُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ صَلَّى هُوَ وَالْيَتِيمُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ صَحَّ فَمُعَارَضٌ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ صِحَّةِ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ: وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ لَمْ يُحْتَجَّ بِبَعْضِهِمْ وَيُخَالِفُ الْمَجْنُونَ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَلَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا صِحَّةُ صَلَاةِ الجمعة خلف المسافر وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ زُفَرَ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ صِحَّتُهَا وَرَاءَ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ أَوْ زَكَّى الْمَالَ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ

فَإِنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ لِأَنَّ عَلَى كُفْرِهِ أَمَارَةً مِنْ الْغِيَارِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تَصِحُّ خَلْفَهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي الائتمام به) * (الشَّرْحُ) الْأَمَارَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَيُقَالُ الْأَمَارَ بِلَا هاء وهى العلامة علي الشئ وَالْغِيَارُ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ وَكَذَا الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَاهِلًا بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَغَيْرِهِمْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِهِ كَمُرْتَدٍّ وَدَهْرِيٍّ وَزِنْدِيقٍ وَمُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ يُخْفِيهَا وَغَيْرِهِمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَوْلِ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلُونَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَنْصُوصُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَالَ وَغَلِطَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْإِعَادَةَ وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو اسحق وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا صَلَّى حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ الشَّافِعِيِّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ مُسْلِمًا يَقْصِدُ الِاسْتِهْزَاءَ

وَمُغَايَظَتَهُ بِالصَّلَاةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ أَبِي الطَّيِّبِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ حَكَوْا قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُتَقَدِّمُونَ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التتمة غريب ضعيف: قال أصحابنا وصورة المسلة إذَا صَلَّى وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الشَّهَادَتَانِ فَإِنْ سُمِعَتَا مِنْهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْكَمُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاسْتِدْعَاءِ غَيْرِهِ أَوْ بِأَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْآذَانِ أَوْ غَيْرِهِ لَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ وَلَا حَاكِيًا وَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْآذَانِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ غَيْرُهُمْ وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ أَيْضًا فِي بَابِ الْأَذَانِ وَمَقْصُودِي بِهَذَا أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَنِّفِينَ نَقَلَهُمَا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ مُسْتَغْرَبًا لَهُمَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ لافساده صلاتهم وتداعيه وَاسْتِهْزَائِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ وَزَكَّى الْمَالَ فَمُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فِي مَسْجِدٍ فَأَلْزَمَهُ أَصْحَابُنَا الصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِلَا شَهَادَةٍ وَضَابِطُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أن كل ما يصير المسلم كافرا ايجحده يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَا يَصِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْكَافِرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثور وداود وقال أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ حَجَّ وَطَافَ أَوْ تَجَرَّدَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ صَارَ مُسْلِمًا وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا يعمر مساجد الله من آمن بالله) وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا

لَهُ بِالْإِيمَانِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نُهِيتُ عن قتال الْمُصَلِّينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ عِمَارَةً: وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَلَاتُنَا: وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِيَادِ المساجد غير مراد فلابد فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْكَافِرِ: وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لكان معناه من عرف بالصلاة الصحيحة * قال المصنف رحمه الله * (وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَلَّى خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ فِسْقِهِ) * (الشرح) هذا الحديث ضعيف رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ورواه الدارقطني مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ مِنْهَا شئ يثبت: وأما صلاة بن عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فَثَابِتَةٌ فِي صحيح البخاري وغيره وفى الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالْأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وكذا تكره وراءه الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ وَتَصِحُّ فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَرَاءَ فَاسِقٍ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَالزَّانِي وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى صِحَّتِهَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ وَمَنْ لَا يَكْفُرُ تَصِحُّ فَمِمَّنْ يَكْفُرُ مَنْ يُجَسِّمُ تَجْسِيمًا صَرِيحًا وَمَنْ يُنْكِرُ الْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَكْفِيرِهِ فَأَطْلَقَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حامد الاسفراينى

وَمُتَابِعُوهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ ومتابعوه المعزلة كفار والخوارج ليسوا بكفار ونقل المتولي بتكفير مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ وَلَمْ يَزَلْ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ يَرَوْنَ الصَّلَاةَ وَرَاءَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ وَمُنَاكَحَتَهُمْ وَمُوَارَثَتُهُمْ وَإِجْرَاءَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ لا كفران الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلَّةِ وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجَازَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ خَلْفَ مَنْ أَقَامَهَا يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَإِنْ كان غير محمود في دينه أن حاله أَبْلَغُ فِي مُخَالَفَةِ حَدِّ الدِّينِ هَذَا لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ وَإِلَّا فَتَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَؤُمَّنَّ الْمَرْأَةُ رَجُلًا " فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تدل على انها امرأة فلم يُعْذَرُ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهَا وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الرَّجُلِ خَلْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امرأة ولا صلاة الخنثى خلف لخنثي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا وَالْإِمَامُ امْرَأَةً) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ وَلَا صَبِيٍّ خَلْفَ امرأة حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبد رى وَلَا خُنْثَى خَلْفَ امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الْخُنْثَى وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ وَسَائِرُ النَّوَافِلِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ تَصِحُّ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَرَاءَهَا حَكَاهُ عَنْهُمْ القاضى أبو الطيب والعبد رى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَرَاءَهَا إلَّا أَبَا ثَوْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا امْرَأَةٌ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ خُنْثَى أَوْ خُنْثَى خَلْفَ خُنْثَى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خُنْثَى ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يُعِيدَا حَتَّى بَانَ الْخُنْثَى الْإِمَامُ رَجُلًا فَهَلْ تَسْقُطُ الْإِعَادَةُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا تَسْقُطُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى كلام العراقيين قالوا ويجزى الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِخُنْثَى فَبَانَ المأموم وَفِيمَا لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ فَبَانَ الْخُنْثَى امْرَأَةً وَلَوْ بَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ذُكُورَةُ الخنثى الامام أو انوثة الخنثي المصلي خلفت امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجَوَازِ إتْمَامِهَا الْقَوْلَانِ كَمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ مَنْ ظَنَّهُ رَجُلًا فَبَانَ خُنْثَى لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَأَمَّا صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَصَحِيحَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا إذَا صَلَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مسألة القارئ خلفت الْأُمِّيِّ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا (وَالثَّانِي) تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وليس بشئ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *

(وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ غَيْرَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَأَتَمَّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَدَثِهِ أَمَارَةٌ فَعُذِرَ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهَا وَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ صَحَّتْ لِأَنَّ الْعَدَدَ قَدْ وُجِدَ وَحَدَثُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الجماعة كما لا يمنع في سائر الصلوات) * (الشَّرْحُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ لِمَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ وَالْمُرَادُ مُحْدِثٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا مُحْدِثٌ أُذِنَ لَهُ فِيهَا كَالْمُتَيَمِّمِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَوَضَّأَتْ أَوْ مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِي الصَّلَاةِ وَرَاءَهُمْ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ بِجَنَابَةٍ أَوْ بَوْلٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَأْمُومُ عَالِمٌ بِحَدَثِ الْإِمَامِ أَثِمَ بِذَلِكَ وَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِحَدَثِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَدَثَ الْإِمَامِ لَزِمَهُ مفارقته وأتم صلاته منفردا بانيا على ما صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْمُتَابَعَةِ لَحْظَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ خَلْفَ مُحْدِثٍ مَعَ عِلْمِهِ بِحَدَثِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَفْعَالِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى سَلَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَأْمُومِ فِي الْحَالَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ قَبْلَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَسْطُرٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا صَحَّتْ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيمَا إذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَقَالَ هُمَا مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ أَصْحَابُنَا غَلَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ولا

يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَجِبُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ الْقَفَّالُ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ تَعَمَّدَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهَا قَوْلَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا عَلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَقَالُوا الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ (قُلْتُ) الصَّوَابُ إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَرَأَيْتُ النَّصَّ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْهُ وَنَقَلَهُ أَيْضًا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَإِمَامٌ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَوَجَّهَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَامِدَ لِلصَّلَاةِ محدثا متلاعب ليست أَفْعَالُهُ صَلَاةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ كَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ صَلَاتَهُ صَلَاةً (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) إنَّ الْحَدَثَ يَخْفَى (فَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ خَفِيَ فَتَعَمُّدُ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا يُسْقِطُ الْإِعَادَةَ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ إذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ في الام

وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهَا قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ (الْمَنْصُوصُ) أَنَّهَا صَحِيحَةٌ (وَالثَّانِي) خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَكِنَّهُ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ هَذَا الْقَوْلُ خَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ فَرَجَعَ إلَيْهِ لِيُسَبِّحَ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي (وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ) فِي التَّنْبِيهِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَاهِلًا بِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَتَجِبُ فِي الْجُمُعَةِ (فَمَحْمُولٌ) عَلَى مَا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ هُنَا وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَدْرَكَ كَمَالَ الصَّلَاةِ أَوْ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ أَمَّا مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَهُ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَحْمِلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إذَا كَانَا مَحْسُوبَيْنِ لَهُ وَلَيْسَا هُنَا مَحْسُوبَيْنِ لَهُ وَمِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا سَاهِيًا الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ لَهُ وَقِيلَ تُحْسَبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَبْسُوطَةً بِزِيَادَةِ فُرُوعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ صَحِيحَةٌ إذَا جَهِلَ الْمَأْمُومُ حَدَثَهُ وَهَلْ تَكُونُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ أَمْ انْفِرَادٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ هُنَا فِي آخِرِ تَعْلِيلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ حَدَثُ الْإِمَامِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْجَمَاعَةِ وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل حاله وَلَا يَمْنَعُ نَيْلَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ أَحْكَامِهَا وَدَلِيلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ صَلَاتَهُ جَمَاعَةً وَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِهَا وَقَدْ بَنَيْنَا الْأَمْرَ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَصَحَّحْنَا صَلَاتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى اعْتِقَادِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا صَلَاةُ فُرَادَى لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِمَامٍ مُصَلٍّ وَهَذَا لَيْسَ مُصَلِّيًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الرُّكُوعِ إنْ قُلْنَا صَلَاتُهُ

جَمَاعَةٌ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ وَإِلَّا فَلَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ وَتَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ إنْ قُلْنَا صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةٌ أَجْزَأَتْ وَإِلَّا فَلَا (الثَّالِثَةُ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ ثُمَّ عَلِمُوا حَدَثَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَارَقُوهُ أَوْ سَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْهُ الْإِمَامُ فَإِنْ قُلْنَا صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةٌ سَجَدُوا لِسَهْوِ الْإِمَامِ لَا لِسَهْوِهِمْ وَإِلَّا سَجَدُوا لِسَهْوِهِمْ لَا لِسَهْوِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِمُدْرِكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْبِنَاءِ في اصطلاح الاصحاب بل يكون أَصْلُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مَبْنِيَّاتٍ عَلَى مَأْخَذٍ وَيَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ فِيهَا بِحَسَبِ انْضِمَامِ مُرَجِّحَاتٍ إلَى بعضها دون بعض كما لو قَالُوا إنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْجَائِزِ وَإِنَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ وَإِنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ أَمْ اسْتِيفَاءٌ وَإِنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَعَارَةَ لِلرَّهْنِ يَكُونُ مَالِكُهَا مُعِيرًا أَمْ ضَامِنًا وَفَرَّعُوا عَلَى كُلِّ أَصْلٍ مِنْ هَذِهِ مَسَائِلَ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهَا وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ فَجُمُعَةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْإِمَامِ إعَادَتُهَا لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّتْ جُمُعَةٌ فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى بَعْدَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالضَّعِيفِ إنَّهَا لَا تَصِحُّ لَزِمَ الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ أَنْ يُعِيدُوا الْجُمُعَةَ وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا وَالْمَأْمُومُونَ كُلُّهُمْ مُحْدِثِينَ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ بَانَ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ مُتَطَهِّرِينَ وَبَعْضُ الْقَوْمِ مُحْدِثِينَ وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمْ فَإِنْ قُلْنَا تَكُونُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ * (فَرْعٌ) لَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ حَدَثَ الْإِمَامِ ثُمَّ لَمْ يُفَارِقْهُ ثُمَّ صَلَّى وَرَاءَهُ نَاسِيًا عِلْمَهُ بِحَدَثِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْإِمَامِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمَأْمُومُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا هُوَ كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً خفيفة فَهُوَ كَمَنْ بَانَ مُحْدِثًا وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْفَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَانَ كَافِرًا مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ وَهَذَا أَقْوَى وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مُحْدِثٍ وَلَا نَجِسٍ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ صَلَّى أَحَدُ هَؤُلَاءِ خَلْفَ أَحَدِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ إلَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَ المحدث *

(فَرْعٌ) لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مَجْنُونًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى فَلَوْ كَانَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَةُ إفَاقَةٍ أَوْ حَالَةُ إسْلَامٍ وَحَالَةُ رِدَّةٍ وَاقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مَنْ يَجْهَلُونَ إسْلَامَهُ فَلَا إعَادَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَكَذَا لَوْ شَكُّوا أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِهِمْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى إسْلَامِهِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ أَسْلَمَ فَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ حَقِيقَةً أَوْ قَالَ كُنْتُ أَسْلَمْتُ ثُمَّ ارْتَدَدْتُ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مَنْ عَلِمُوهُ كَافِرًا وَلَمْ يَعْلَمُوا إسْلَامَهُ فَبَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا قبل الصلاة لزمهم الاعادة بالاتفاق نص عليه فِي الْأُمِّ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ حَتَّى يَعْلَمُوا إسْلَامَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا جَهِلَ الْمَأْمُومُ حَدَثَهُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَابْنِ سيرين والشعبي وأبى حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ فَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَلَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا أَعَادَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ بِحَدِيثِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَأَعَادَ وَأَعَادُوا " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن عاصم ابن حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ وَأَعَادَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَأَعَادُوا " قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا بَانَ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَلَّى وَرَاءَهُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مُرْتَبِطَةٌ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا سَهَا الْإِمَامُ نُوجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودَ السَّهْوِ كَمَا نُوجِبُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ اصابوا فلكم وان أخطوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حضرو قد أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ وقال لنا مكانكم فلم؟ ؟ ؟ قِيَامًا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً فَكَبَّرَ وَصَلَّى بِنَا " (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِحَمْلِهِمَا عَلَى قَضِيَّتَيْنِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَالْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي الْمَسْأَلَةِ غير ما ذكرنا أَكْثَرُهَا ضَعِيفَةٌ فَحَذَفَتْهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ الْبَيَاضِيِّ وَقَالُوا هُوَ مَتْرُوكٌ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَبْلَغُ أَلْفَاظِ الْجَرْحِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ كَذَّابٌ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَرْحِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَتْرُوكٌ رَمَاهُ الْحُفَّاظُ بِالْكَذِبِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ كَذَّابًا فَلَمَّا عَرَفْنَاهُ بِالْكَذِبِ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان آخَرَ حَدَّثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن عاصم بن حمزة عن علاى أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَعَادَ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ انْقِطَاعِهِ أَيْضًا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ لَمْ يَرْوِ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَمْزَةَ شَيْئًا قَطُّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ قُوَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ مُحْدِثًا يُعِيدُ أَصْحَابُهُ وَالْحَدِيثُ بِأَنْ لَا يُعِيدُوا أُثْبِتَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِنْصَافَ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا أَقْيِسَتُهُمْ فَيُجَابُ عَنْهَا بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فَوَجَبَ رَدُّهَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي الصَّلَاةِ وَرَاءَ كَافِرٍ وَامْرَأَةٍ وَمَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ بِخِلَافِ مَنْ جَهِلَ حَدَثَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا كَانَ آثِمًا فَاسِقًا وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ وَاسْتِهْزَائِهِ بِالدِّينِ وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الزِّنَا فِي الْمَسْجِدِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهُ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ أَوْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَةُ بِنِسْوَةٍ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةُ حَيْضٍ لَمْ تَغْتَسِلْ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ طَهَارَتِهِ قَرِيبًا أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا وَمَضَى وَتَطَهَّرَ وَعَادَ وَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَتَابَعُوهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَلَا يَسْتَأْنِفُونَهَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَتَمُّوهَا وَلَا ينتظروه قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا فُرَادَى وَإِنْ شَاءُوا قدموا احدهم يُتِمُّهَا بِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُتِمُّوهَا فُرَادَى قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهِمْ وَالْمَوْضِعُ قَرِيبٌ اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فَإِنْ لم ينتظروه جاز ثم لهم الانفراد الاستخلاف إذَا جَوَّزْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ انْتِظَارُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةٌ * (فَرْعٌ) لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَ السَّكْرَانِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَغَسَلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَهُ وَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فَلَوْ سَكِرَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَ الْمَأْمُومَ مُفَارَقَتُهُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَوْ صَلَّى بِهِمْ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ عَامِدًا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ سَاهِيًا هَذَا لَفْظُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا وَأَمَّا إذَا كَبَّرَ وَتَرَكَ النِّيَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ فَهِيَ كَالْحَدَثِ بَلْ أَوْلَى بِالْخَفَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا مَعَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ أَتَعَمَّدَ ذلك أم نسيه أم جهله *

قال المصنف رحمه الله * (ويجوز للمتوضئ ان يصلى خلف المتيمم لانه اتى عن طهارته ببدل فهو كمن غسل الرجل إذا صلي خلف ماسح الخف وفى صلاة الطاهرة خلف المستحاضة وجهان (أحدهما) يجوز كالمتوضئ خلف المتيمم (والثاني) لا يجوز لانها لم تأت بطهارة النجس ولا بما يقوم مقامها فهو كالمتوضئ خلف المحدث) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ صَلَاةُ غَاسِلِ الرِّجْلِ خَلْفَ مَاسِحِ الْخُفِّ وَصَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِأَنْ تَيَمَّمَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ لِمَرَضٍ وَجِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كمتيمم في الحضر ومن لم تجد مَاءً وَلَا تُرَابًا أَوْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ الْفَاتِحَةِ فَقَصَّرَ وَصَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ أَوْ صَلَّى مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ عَارِيًّا وَقُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ وَلَوْ صَلَّى مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا خَلْفَ مِثْلِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي الصحيح وفيه وجه حكاه الخراسانيون واما صَلَاةُ الطَّاهِرَةِ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ غَيْرِ مُتَحَيِّرَةٍ وَصَلَاةُ سَلِيمٍ خَلْفَ سَلِسِ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَخَلَائِقُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ خِلَافَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي كَانَ يَقْطَعُ بِهِ شَيْخِي وَنَقْلُهُ فِي الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجْهًا وَهُوَ رَكِيكٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاسْتَدَلُّوا لِلصِّحَّةِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُسْتَجْمِرٍ بِالْأَحْجَارِ أَوْ بِمَنْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يُعْفَى عَنْهَا فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ الَّذِي لَا يَقْضِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يوسف واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَؤُمُّهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا أَوْ يَكُونُوا مُتَيَمِّمِينَ مِثْلَهُ قَالَ واجمعوا علي ان المتوضئ يؤم المتيممين *

* قال المصنف رحمه الله * (وَيَجُوزُ لِلْقَائِمِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْقَاعِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ " وَيَجُوزُ لِلرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُومِئِ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ ان يأتم بالعاجز عنه كالقيام) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الظُّهْرِ يَوْمَ السبت أو الاحد توفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ رَوَاهُ البيهقي وقول الصنف رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ النَّجَسِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ عَجَزَ عَنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رُكْنٌ فِعْلِيٌّ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ الصَّلَاةُ وَرَاءَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ وَلِلْقَاعِدِ وَرَاءَ الْمُضْطَجِعِ وَلِلْقَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وراء المومئ بهما ولايجوز للقادر على كل شئ مِنْ ذَلِكَ مُوَافَقَةُ الْعَاجِزِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَلَا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ اسْتِخْلَافُ مَنْ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ قَائِمًا كَمَا اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لان فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ بالقاعد ولان الْقَائِمَ أَكْمَلُ وَأَقْرَبُ إلَى إكْمَالِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّ قَاعِدًا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ أَكْثَرَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَأَمَّ قَاعِدًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ قَاعِدًا أَفْضَلُ مِنْهَا خَلْفَ غَيْرِهِ قَائِمًا بِدَرَجَاتٍ بخلاف غيره *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ وَرَاءَهُ قُعُودًا وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْحُمَيْدِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ وَرَاءَهُ قُعُودًا وَلَا تَجُوزُ قِيَامًا وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَبَعْضُ أصحابه تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ قَاعِدًا مُطْلَقًا * وَاحْتَجَّ لِمَنْ قال تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا " وَاحْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَلِقَوْلِهِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَلِقَوْلِهِ يَقْتَدِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " وَقَوْلُهُ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ يَعْنِي أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ إذَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ضَعِيفَ الصَّوْتِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " أَنَّ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ إلَى جَنْبِ أَبِي

بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ " وَرَوَيَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْإِمَامَ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِهِ وَيُسْمِعَ النَّاسَ التَّكْبِيرَ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُعْظَمُ الرُّوَاةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي نَسْخِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ قَبْلَ هَذَا بِزَمَانٍ حِين آلَى مِنْ نِسَائِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ رِوَايَاتٍ قَلِيلَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرِهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد " وَرَوَيْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ: وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْهَا إنْ صَحَّتْ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَمَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَرَاءَهُ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَادِرِ وَرَاءَ الْقَاعِدِ لَا تَجُوزُ إلَّا قَائِمًا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " لَا يُؤَمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا " فَقَالَ الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وان جابر الْجُعْفِيَّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَرَدِّ رِوَايَاتِهِ قَالُوا وَلَا يَرْوِيه غَيْرُ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صَلَاةِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ خَلْفَ الْمُومِئِ إلَيْهَا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهَا وبه قال زفر * وقال بو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ * * قال المصنف رحمه الله * (وَفِي صَلَاةِ الْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَهُوَ مَنْ لا يحس الفاتحة أو خلف الارت والا لثغ قولان (احدهما) تجوز لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ كَالْقِيَامِ (وَالثَّانِي) لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَحْمِلَ قِرَاءَتَهُ وَهُوَ يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ لِلتَّحَمُّلِ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ إذَا عَجَزَ عَنْ تحمل اعباء الامة) * (الشرح) الاعبا - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ - جمع عبء - بكسر العين واسكان الباء بعدها همزة - كحمل واحمال والعبء الثِّقَلُ وَالْأَعْبَاءُ الْأَثْقَالُ وَقَوْلُهُ عَجَزَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - يَعْجِزُ - بِكَسْرِهَا - وَيَجُوزُ عَكْسُهُ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَقَوْلُهُ رُكْنٌ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ إذَا لم يجد

مَاءً وَلَا تُرَابًا وَصَلَّى بِحَالِهِ وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا (وَقَوْلُهُ) الْأَرَتُّ هُوَ مَنْ يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ والا لثغ من يبدل حرفا بحرف كالراء بالغين والشين بِالثَّاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ اصحابنا الامي من لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا أَوْ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا إلَّا حَرْفًا أَوْ يُخَفِّفُ مُشَدَّدًا لِرَخَاوَةٍ فِي لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِخَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ فهذا الامي والارت والا لثغ إنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ التَّعَلُّمِ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لَا يُطَاوِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ قَارِئٌ لَا يَحْفَظُ الفاتحة كلها أو يحفظ منا شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ الْأُمِّيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَثَالِثٌ مُخَرَّجٌ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ (وَالْقَدِيمُ) إنْ كَانَتْ صَلَاةً جَهْرِيَّةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً صَحَّتْ (وَالثَّالِثُ) المخرج خرجه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَاحْتَجُّوا لِلْقَدِيمِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ عَلَى الْقَدِيمِ هَكَذَا ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ وَهَذَا نَقْلٌ فَاسِدٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاتَّفَقَ الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ صِحَّتَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بالقياس على العجز عن القيام كما ذكره الْمُصَنِّفُ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِيَامِ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَجَهْلُ الْقِرَاءَةِ نَقْصٌ فَهُوَ كَالْكُفْرِ وَالْأُنُوثَةِ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَعُمُّ الْبَلْوَى بِالْعَجْزِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ أُمِّيٌّ أَمْ جَهِلَ ذَلِكَ

هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ الْأَقْوَالُ إذَا كَانَ جَاهِلًا وَإِنْ عَلِمَ لَمْ تَصِحَّ قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَحْفَظُ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ فَإِنْ اتَّفَقَا فِي نِصْفٍ مُعَيَّنٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ حَفِظَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرُ الْآخَرَ فَأَيُّهُمَا صَلَّى خَلْفَ صَاحِبِهِ فَهُوَ قَارِئٌ خَلْفَ أُمِّيٍّ وَهَذَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ لَكِنْ أَفْرَدَتْهُ بِالذِّكْرِ كَمَا أَفْرَدَهُ الْأَصْحَابُ وَلِيُتَنَبَّهَ لَهُ وَلَوْ صَلَّى مَنْ لَا يَحْفَظُ الْفَاتِحَةَ لَكِنَّهُ يَحْفَظُ سَبْعَ آيَاتٍ غَيْرَهَا خَلْفَ مَنْ لَا يَحْفَظُ قُرْآنًا بَلْ يُصَلِّي بِالْأَذْكَارِ فَهُوَ صلاة قارى خَلْفَ أُمِّيٍّ خَرَّجَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اقْتَدَى أَرَتٌّ بِأَلْثَغَ فَهُوَ قَارِئٌ خَلْفَ أُمِّيٍّ لِأَنَّهُ يُحْسِنُ شَيْئًا لَا يُحْسِنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ أُمِّيٍّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَكَذَا الْمَأْمُومُونَ الْأُمِّيُّونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ قِرَاءَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ كَمَا لَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِرِجَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ لِئَلَّا يُورِدُوا مَا إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ الْجُمُعَةَ بِرِجَالٍ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَعْلِيقِهِ (أَرْجَحُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهَا (وَالثَّانِي) تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ فَعَلَى هذا لا يصلح الْإِيرَادُ (وَإِنْ قُلْنَا) تَبْطُلُ فَمَا بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بَلْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ إمَامَةُ رَجُلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْأُصُولَ الْمُقَرَّرَةَ مُتَّفِقَةً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَتَعَدَّى مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى الْمَأْمُومِ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالُوهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ عِنْدَنَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَخْرَسِ إذَا أَمَّ نَاطِقًا فَإِنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَيُنْتَقَضُ بِالْأُمِّيِّ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ قَارِئٍ فَصَلَّى مُنْفَرِدًا صَحَّتْ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا لَحَنَ فِي الْقِرَاءَةِ كُرِهَتْ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ من اقتدى به وان كان لحنا بغير الْمَعْنَى كَضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسْرِهَا أَوْ يُبْطِلُهُ بِأَنْ يَقُولَ (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِينَ) فَإِنْ كَانَ لِسَانُهُ يُطَاوِعُهُ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِلْحَرَامِ وَيَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّعَلُّمِ فَإِنْ قَصَّرَ وَضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْضِي

وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فيه فصلاة مِثْلِهِ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةُ صَحِيحِ اللِّسَانِ خَلْفَهُ كَصَلَاةِ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ كُلِّ أَحَدٍ خَلْفَهُ لِأَنَّ تَرْكَ السُّورَةِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَلَا يُمْنَعُ الِاقْتِدَاءُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةٌ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ قُرْآنًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَلَوْ صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ مَنْ يَنْطِقُ بِالْحَرْفِ بَيْنَ حَرْفَيْنِ كَقَافٍ غَيْرِ خَالِصَةٍ بَلْ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ كَافٍ وَقَافٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْحَرْفِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ نَحْوَ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ * (فَرْعٌ) لَوْ اقْتَدَى قَارِئٌ بِمَنْ ظَنَّهُ قَارِئًا فَبَانَ أُمِّيًّا وَقُلْنَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَ أُمِّيٍّ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الجمهور وسوا كَانَتْ صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً وَلَوْ اقْتَدَى بمن لا يعرف حاله فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ فَلَمْ يَجْهَرْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ فَلَوْ سَلَّمَ وَقَالَ أَسْرَرْتُ وَنَسِيتُ الْجَهْرَ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ لَكِنْ قَالُوا تُسْتَحَبُّ وَلَوْ بَانَ أُمِّيًّا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقُلْنَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَكَالْمُحْدِثِ فَيَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى صَلَاةً سِرِّيَّةً خَلْفَ من لا يعرف حاله فِي الْقِرَاءَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الام * قال المصنف رحمه الله * (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْمُفْتَرِضُ بِمُفْتَرِضٍ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشاء الْآخِرَةَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فِي بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ " هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةُ الْعِشَاءِ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ مَعَ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَالصُّبْحَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْكُسُوفَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِائْتِمَامُ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَفْعَالِ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ العلماء وَبَنُو سَلِمَةَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ الانصار وقوله عشاء الْآخِرَةَ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ تَسْمِيَتُهَا عِشَاءَ الْآخِرَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيَصِحُّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِتَقْدِيرٍ محذوف ومنه قوله تعالي (ولدار الاخرة وبجانب الْغَرْبِيِّ أَيْ دَارُ الْحَيَاةِ) الْآخِرَةِ وَجَانِبُ الْمَكَانِ الغرب : أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ خَلْفَ الْفَرْضِ وَالْفَرْضِ خَلْفَ النَّفْلِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ

فَرِيضَةٍ خَلْفَ فَرِيضَةٍ أُخْرَى تُوَافِقُهَا فِي الْعَدَدِ كَظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ وَتَصِحُّ فَرِيضَةٌ خَلْفَ فَرِيضَةٍ أَقْصَرُ مِنْهَا وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الصُّبْحِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَأْمُومُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقُنُوتِ وَلَوْ أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِالْقُنُوتِ جَازَ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ المغرب جاز بالاتفاق وَيَتَخَيَّرُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لِإِتْمَامِ مَا عَلَيْهِ وَبَيْنَ الِاسْتِمْرَارِ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَقُومَ الْمَأْمُومُ إلَى رَكْعَتِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْقُنُوتِ وَالِاسْتِمْرَارُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ كَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ خَلْفَ الْمَغْرِبِ أَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ جَوَازَهُ كَعَكْسِهِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ فَفَرَغَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَالْمَأْمُومُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَالْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يسيرا اقنت وَإِلَّا فَلَا وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ لِيَقْنُتَ وَإِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ الظُّهْرِ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيَتَشَهَّدُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ التَّشَهُّدَ وَيَنْتَظِرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا وَجُلُوسًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ جَازَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى رَكْعَتَيْهِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا فَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى أُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ ثَانِيًا فِي رَكْعَتَيْهِ فَفِي جَوَازِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَقَدْ سَبَقَتْ مَسْأَلَةُ الْعِشَاءِ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الصَّلَاتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي كُسُوفًا أَوْ جِنَازَةً بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ عَكْسَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ (وَالثَّانِي) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ لِإِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْبَعْضِ فَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْأَذْكَارِ بَيْنَهَا بَلْ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْمُتَابَعَةِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ وَإِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَفَعَ رَأْسَهُ مَعَهُ وَفَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ لِيَعُودَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَيَعْتَدِلَ مَعَهُ عَنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي وَلَا يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ تَابَعَهُ فِيهِ وَصَلَّى مَعَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَرْكَعُ مَعَهُ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ مِنْ

الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ قَالَ وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ رُكُوعٌ مَحْسُوبٌ لِلْإِمَامِ أَمَّا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الْعِيدِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَصَلَاتِهِ خَلْفَ الْكُسُوفِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ زِيَادَاتِ التَّكْبِيرَاتِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ تَصِحُّ قَطْعًا لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ تَكْبِيرَاتِهَا أَرْكَانٌ فَهِيَ كَاخْتِلَافِ الْأَفْعَالِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَلَا يَخْلُ تَرْكُهَا بِالْمُتَابَعَةِ فَإِنْ كَبَّرَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ صَلَّى الْعِيدَ خَلْفَ مُصَلِّي الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ جَازَ وَيُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ وَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَمُفْتَرِضٍ فِي فَرْضٍ آخَرَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ نَفْلٌ خَلْفَ فَرْضٍ وَلَا فَرْضٌ خَلْفَ نَفْلٍ وَلَا خَلْفَ فَرْضٍ آخَرَ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز الفرض خلف نفل وَلَا فَرْضٍ آخَرَ وَيَجُوزُ النَّفَلُ خَلْفَ فَرْضٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ مَنَعَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا " كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَطْلُعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا لَهُمْ " هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الشَّافِعِيِّ في الام ومسنده ثم قال حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَا أَعْلَمُ حَدِيثًا يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا وَلَا أَوْثَقَ يَعْنِي رِجَالًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَبُو عاصم النبل وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ كَرِوَايَةِ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ تَقُومَ دَلَالَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَخْشَى لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا إلَّا بِعِلْمٍ وَحِينَ حَكَى الرَّجُلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل

مُعَاذٍ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلَّا التَّطْوِيلَ (فَإِنْ قَالُوا) لَعَلَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَافِلَةً وَبِقَوْمِهِ فَرِيضَةً (فَالْجَوَابُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا مخالف لصريح الرواية (الثانية) الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ صَرِيحٌ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى تَطَوُّعٍ (الثَّالِثُ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَخَلَائِقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِمُعَاذٍ مَعَ كَمَالِ فِقْهِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ فَرِيضَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَسْجِدِهِ وَالْجَمْعَ الْكَثِيرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى كِبَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَيُؤَدِّيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهَا نَافِلَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ مُعَاذًا يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً مَعَهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ وَفِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ نَافِلَةً (الرَّابِعُ) جواب الخطابي وغيره لا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولاصحابه بِنَافِلَةٍ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلا صلاة إلا المكتوبة " وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ " صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى صَلَاةِ الْمُتِمِّ خَلْفَ الْقَاصِرِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ لَا فِي النِّيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا " إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ لِأَنَّ الْإِمَامَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ فَتَصِيرُ كَالْجُمُعَةِ بغير امام: ومن اصحابنا من قال يجوز كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَلْفَ

مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَفِي فِعْلِهَا خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْإِمَامَ وَالْإِمَامُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ) * (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ سَبَقَ شَرْحُهُمَا وَفَرْعُهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (وَالصَّحِيحُ) صِحَّةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الظُّهْرِ وَخَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِقَوْمٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَرْفَعُ اللَّهُ صَلَاتَهُمْ فَوْقَ رؤوسهم فَذَكَرَ فِيهِ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَكْرَهُهُ الْأَقَلُّ لَمْ يكره أن يؤمهم لان أحد لا يخلو ممن يكرهه *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَةٌ لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ " وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا سَاخِطٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ الَّذِي يَأْتِيهَا بَعْدَ أن تفوته - ورجل اعتبد محرره " وفى رواية البيهقى والدبارأن يأتي بعد فوت الْفَوْتِ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَالدِّبَارُ - بِكَسْرِ الدَّالِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ الدِّبَارُ هُوَ أَنْ يَعْتَادَ حُضُورَ الصَّلَاةَ بَعْدَ فراغ الناس قال واعتباد المحررة أن يعتقه ثم يكتم عنقه وَيُنْكِرَهُ وَيَحْبِسَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَيَسْتَخْدِمَهُ كُرْهًا * أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَرِهَهُ الْأَقَلُّ وَكَذَا إذَا كَرِهَهُ نِصْفُهُمْ لَا يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْكَرَاهَةَ بِكَرَاهَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا

تُكْرَهُ إمَامَتُهُ إذَا كَرِهُوهُ لِمَعْنًى مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ وَكَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ ولا يستحقها أولا يَتَصَوَّنُ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَوْ يَمْحَقُ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً أَوْ يُعَاشِرُ أَهْلَ الْفُسُوقِ وَنَحْوَهُمْ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يكن شئ مِنْ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ وَالْعَتْبُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ إذَا لَمْ يُنَصِّبْهُ السُّلْطَانُ فَإِنَّ نَصَّبَهُ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِمَامِ أَمَّا الْمَأْمُومُونَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا

كَرِهَ حُضُورَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحُضُورُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْتَبِطُونَ بِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى جَيْشٍ أَوْ قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يُكْرَهُ إنْ كَرِهَهُ أَقَلُّهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صاحبا الشامل والتتمة * * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشيطان ") * (الشَّرْحُ) الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمِ هَذَا إذَا خَلَا بِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَمَّ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمٍ لَهُ وَخَلَا بِهَا جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ أَمَّ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَخَلَا بِهَا حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَمَّ بِأَجْنَبِيَّاتٍ وَخَلَا بِهِنَّ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ لَا يَتَمَكَّنُ فِي الْغَالِبِ الرَّجُلُ مِنْ مَفْسَدَةٍ بِبَعْضِهِنَّ فِي حَضْرَتِهِنَّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ فِي كِتَابِهِ فِي الْخَنَاثَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ في

فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسَائِلِ اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ إلَّا أَنْ يكون فيهن محرم له أو زوجة وقطع بانه يحرم خلوة رجل بِنِسْوَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِنَّ مَحْرَمٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَإِنْ خَلَا رَجُلَانِ أَوْ رِجَالٌ بِامْرَأَةٍ فَالْمَشْهُورُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ اتِّفَاقُ رِجَالٍ عَلَى فَاحِشَةٍ بِامْرَأَةٍ وَقِيلَ إنْ كَانُوا مِمَّنْ تَبْعُدُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ جَازَ وَعَلَيْهِ يَتَأَوَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْآتِي وَالْخُنْثَى مَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَمَعَ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ وَمَعَ رَجُلٍ كَامْرَأَةٍ وَمَعَ رِجَالٍ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ نَظَرِ الْخُنْثَى كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي الْخَلْوَةِ بِهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِذَا حَرُمَ النَّظَرُ فَالْخَلْوَةِ أَوْلَى فَإِنَّهَا أَفْحَشُ وَأَقْرَبُ إلَى الْمَفْسَدَةِ وَالْمَعْنَى الْمَخُوفُ فِي الْمَرْأَةِ مَوْجُودٌ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهَا ما روى عَنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْحَمُو قَرَابَةُ الزَّوْجِ وَالْمُرَادُ هُنَا قَرِيبٌ تَحِلُّ لَهُ كَأَخٍ الزَّوْجِ وَعَمِّهِ وَابْنِهِمَا وَخَالِهِ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا أَبُوهُ وَابْنُهُ وَجَدُّهُ فَهُمْ مَحَارِمٌ تَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْأَحْمَاءِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا سِرًّا عَلَى مَغِيبَةٍ إلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمَغِيبَةُ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - الَّتِي زَوْجُهَا غَائِبٌ وَالْمُرَادُ هُنَا غَائِبٌ عَنْ بَيْتِهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ - وَفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ - تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السَّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي الْقِدْرِ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَهَذَا قَدْ يَمْنَعُ دَلَالَتَهُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْخَلْوَةِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ وُجُودِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُسْتَحَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا

عَنْ ذَلِكَ كَابْنِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَبَقَ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ يَجِدَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً مُنْقَطِعَةً فِي بَرِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لَهُ استصحابها بل يجب عليه إذَا خَافَ عَلَيْهَا لَوْ تَرَكَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَهَا بِوُجُودِهِ يَسْتَوِي فِيهِ مَحْرَمُهُ وَمَحْرَمَهَا وَفِي مَعْنَاهُ زَوْجُهَا وَزَوْجَتُهُ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ التِّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ لِمَا يزيد ان فِي الْحُرُوفِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لانها زيادة وهو مغلوب عليها) * (الشَّرْحُ) التِّمْتَامُ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ وَالْفَأْفَاءُ - بِالْهَمْزَةِ بين الفائين وَبِالْمَدِّ - هُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُمَا وَتَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَعْرَابِيِّ لِلْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ واسحق وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَكَرِهَهُ أَبُو مِجْلَزٍ وَمَالِكٌ * * قال المصنف رحمه الله * (السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَكْثَرُهُمْ قِرَاءَةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هجزة فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا " وَكَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قراءة اكثرهم فقها لانهم كانوا يقرؤن الآية ويتعلمون احكامها ولان الصلاة يفتقر صححتها الي القراءة والفقه فقدم اهلهما فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ الْفِقْهِ قُدِّمَ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ الْآخَرُ فِي الْقِرَاءَةِ فَالْأَفْقَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ حَادِثَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ثُمَّ الْأَسَنُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْهِجْرَةَ عَلَى السِّنِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الشَّرَفَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْهِجْرَةِ فَإِذَا قُدِّمَتْ الْهِجْرَةُ عَلَى

السِّنِّ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ الشَّرَفُ أَوْلَى وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ أَخْشَعُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى وَالسِّنُّ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّقْدِيمُ السِّنُّ فِي الْإِسْلَامِ فَأَمَّا إذَا شَاخَ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ وَالشَّرَفُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّقْدِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْهِجْرَةُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ أَحْسَنُهُمْ صُورَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ احسنهم ذكرا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُنَا وَاسْمُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بن عمر والانصاري سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يَشْهَدْهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْمُحَمَّدُونَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بن اسحق صَاحِبُ الْمَغَازِي وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ شَهِدَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْأَسْبَابُ الْمُرَجِّحَةُ فِي الْإِمَامَةِ سِتَّةٌ الْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْوَرَعُ وَالسِّنُّ وَالنَّسَبُ وَالْهِجْرَةُ قَالُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَرَعِ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بَلْ مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ وَمُجَانَبَةِ الشُّبُهَاتِ وَنَحْوِهَا وَالِاشْتِهَارِ بِالْعِبَادَةِ وَأَمَّا السِّنُّ فَالْمُعْتَبَرُ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحُجَّتُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا بَدَلُ سِنًّا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الشَّيْخُوخَةُ بَلْ يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ السِّنِّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى اعْتِبَارِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا النَّسَبُ فَنَسَبُ قُرَيْشٍ مُعْتَبَرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُ قُرَيْشٍ وَأَصَحُّهُمَا يُعْتَبَرُ كُلُّ نَسَبٍ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ وَيَتَسَاوَيَانِ هُمَا فَيُقَدَّمُ سَائِرُ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ وَسَائِرُ الْعَرَبِ عَلَى

الْعَجَمِ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِاعْتِبَارِ النَّسَبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْخِلَافَةِ فَيُسْتَنْبَطُ منه امامة الصلاة وأما الهجرة فيقدم

_ (1) هذه الاحاديث تقدم سياقها من الشرح *

من جاهر إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَمَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَتْ وَكَذَا الْهِجْرَةُ بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةٌ هَكَذَا وَأَوْلَادُ من جاهر أَوْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي التَّرْجِيحِ فَإِنْ اخْتَصَّ وَاحِدٌ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْبَاقِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قُدِّمَ الْمُخْتَصُّ وَيُقَدَّمُ مَنْ لَهُ فِقْهٌ وَقِرَاءَةٌ عَلَى مَنْ لَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَا مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَإِنْ تَعَارَضَتْ الْأَسْبَابُ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَفْقَهَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْأَقْرَأُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قال الثوري واحمد واسحق (وَالثَّالِثُ) يَسْتَوِي الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ وَلَا تَرْجِيحَ لِتَعَادُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ فِيهِمَا وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَالرَّابِعُ) يُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ عَلَى الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي لِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّدَبُّرُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ إلَى هَذَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَهُوَ عَارِفٌ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْفِقْهُ يَعْرِفُ مِنْهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ غَالِبًا أَمَّا مَا يَخَافُ حُدُوثَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَهْمٍ يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ كَثِيرٍ فَأَمْرٌ نَادِرٌ لَا يَفُوتُ مَقْصُودُ الْوَرَعِ بِأَمْرٍ مُتَوَهَّمٍ (وَالْخَامِسُ) أَنَّ السِّنَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَفِيهِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ يُقَدَّمُ السِّنُّ وَالنَّسَبُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَإِنْ تَعَارَضَ سِنٌّ وَنَسَبٌ كَشَابٍّ قُرَشِيٍّ وَشَيْخٍ غَيْرِ قُرَشِيٍّ فَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الشَّيْخِ وَالْقَدِيمُ الشَّابِّ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ يُقَدَّمُ الْهِجْرَةُ عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ فِيهِ الْقَوْلَانِ

(وَالثَّالِثُ) وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) يُقَدَّمُ السِّنُّ ثُمَّ النَّسَبُ ثُمَّ الْهِجْرَةُ (وَالْقَدِيمُ) يُقَدَّمُ النَّسَبُ ثُمَّ الْهِجْرَةُ ثُمَّ السِّنُّ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْقَدِيمَ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ الْهِجْرَةِ ثُمَّ السِّنِّ لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَإِنَّمَا كَانَ خِطَابًا لَهُ وَلِرُفْقَتِهِ وَكَانُوا فِي النَّسَبِ وَالْهِجْرَةِ وَالْإِسْلَامِ مُتَسَاوِينَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَصَحِبُوهُ صُحْبَةً وَاحِدَةً وَاشْتَرَكُوا فِي الْمُدَّةِ وَالسَّمَاعِ وَالرُّؤْيَةِ فَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمْ فِي جَمِيعِ الْخِصَالِ إلَّا السِّنَّ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ لِمَا ذَكَرْتُهُ أَوْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُتْرَكُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الصَّرِيحُ الْمَسُوقُ لِبَيَانِ التَّرْجِيحِ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ السِّتِّ قُدِّمَ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَلَى الْأَوْسَاخِ وَبِطِيبِ الصَّنْعَةِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْفَضَائِلِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ فَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ ذِكْرًا هَكَذَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَانِ التَّقْسِيمَانِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُقَدَّمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ ثُمَّ حُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ حُسْنِ الصُّورَةِ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ أَحْسَنِهِمْ صَوْتًا ثُمَّ حَسَنِ الْهَيْئَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا فَإِنْ كَانُوا فِي السِّنِّ سَوَاءً فَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا " وينكر عن الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَحَكَى الشيخ بو حَامِدٍ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَحْسَنُ وَجْهًا عَلَى الْأَوْرَعِ وَالْأَكْثَرِ طَاعَةً وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَسَاوَيَا كُلِّ وَجْهٍ وَسَمَحَ أَحَدُهُمَا بِتَقْدِيمِ الْآخَرِ وَإِلَّا اقرع والله اعلم *

قال المصنف رحمه الله * (وَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى مِنْهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ علي تكرمته إلَّا بِإِذْنِهِ " فَإِنْ حَضَرَ مَالِكُ الدَّارِ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنَافِعِ وَإِنْ حَضَرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ فِي دَارٍ جَعَلَهَا لِسُكْنَى الْعَبْدِ فَالسَّيِّدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ غَيْرُ السَّيِّدِ مَعَ الْعَبْدِ فِي الدَّارِ فَالْعَبْدُ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ وَإِنْ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ فَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانَ لَهُ مَوْلًى يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَحَضَرَ فَقَدَّمَهُ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنْتَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي مَسْجِدَكَ " وَإِنْ اجْتَمَعَ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوْ مَعَ إمَامِ الْمَسْجِدِ فَالْإِمَامُ أَوْلَى لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ وَلِأَنَّهُ رَاعٍ وَهُمْ رَعِيَّتُهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ الراعى أولي) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتَّكْرِمَةُ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَهِيَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ فِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقِيلَ هِيَ الْمَائِدَةُ وَرَوَى مُسْلِمٌ لَا يُؤَمَّنَّ وَلَا يُجْلَسُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ الْمَضْمُومَةِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْخِطَابِ: وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَقَوْلُهُ) اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَمَعَ الْعَبْدِ وَأَشْبَاهِهِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ: وَقَالَ لَا يَجُوزُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ: قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا حَضَرَ الْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قُدِّمَ عَلَى جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الافقه والاقراء

وَالْأَوْرَعِ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ إذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَنَحْوُهُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْوَالِي قَدَّمَ من شاء من يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَهُ فَاخْتَصَّ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَيُرَاعَى فِي الْوُلَاةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا أَنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا: وَلَوْ اجْتَمَعَ قوم لاوالى مَعَهُمْ فِي مَوْضِعٍ فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا فَإِمَامُهُ أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ مَسْجِدًا لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ فَسَاكِنُ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ اولى بالتقديم والتقدم مِنْ الْأَفْقَهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ سَكَنَهُ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ حَضَرَ شَرِيكَانِ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهُوَ أَحَقٌّ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْمَالِكُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) تَقْدِيمُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) الْمَالِكُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا يَمْلِكُ السُّكْنَى حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ والجمهور المعير احق (والثاني) المتسعير أَحَقُّ لِأَنَّهُ السَّاكِنُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَضَرَ السيد وعبده الساكن فالسيد أولى بالاتفاق لما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي دَارِ المكاتب فالمكاتب أولي والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(وَإِنْ اجْتَمَعَ مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ فَالْمُقِيمُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الْمُقِيمُ أَتَمُّوا كُلُّهُمْ فَلَا يَخْتَلِفُونَ وإذا تقدم المسافر اختلفوا وَإِنْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَالْحُرُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَوْضِعُ كَمَالٍ وَالْحُرُّ أَكْمَلُ: وَإِنْ اجْتَمَعَ فَاسِقٌ وَعَدْلٌ فَالْعَدْلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلَدُ زِنًا وَغَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ بَصِيرٌ وَأَعْمَى فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى فَضِيلَةً وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى مَا يُلْهِيهِ وَفِي الْبَصِيرِ فَضِيلَةً وَهُوَ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ النجاسة وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْأَعْمَى أَوْلَى وَعِنْدِي أَنَّ الْبَصِيرَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ الَّتِي تُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالْأَعْمَى يترك النظر الي ما يلهيه ويفسد الصلاة به) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا كَمَا قَالَهَا فِي الْأَحْكَامِ وَالدَّلَائِلِ إلَّا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا وَجْهَيْنِ وَاخْتَارَ الثَّالِثَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَرْجِيحُ الْبَصِيرِ وَجَعَلَهُ اخْتِيَارًا لَهُ وَلَمْ يَحْكِهِ وَجْهًا لِلْأَصْحَابِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَصِيرَ وَالْأَعْمَى سَوَاءٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إمَامَةِ الْأَعْمَى لِلْبُصَرَاءِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُقَدَّمُ الْعَدْلُ عَلَى فَاسِقٍ أَفْقَهُ وَأَقْرَأَ مِنْهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَرَاءَ الْفَاسِقِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْبَالِغِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِهَا وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَوْ اجْتَمَعَ صَبِيٌّ حُرٌّ وَبَالِغٌ عَبْدٌ فَالْعَبْدُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ وَعَبْدٌ فَقِيهٌ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَالْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى (الصَّحِيحُ) تَسَاوِيهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحُرَّةُ أَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا سَتْرُ رَأْسِهَا (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمُقِيمَ أَوْلَى مِنْ الْمُسَافِرِ فَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِمُقِيمٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُكْرَهُ وَفِي الْإِمْلَاءِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نهى

شَرْعِيٌّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ السُّلْطَانُ أو نائبه كَانَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ السُّلْطَانُ وَلَا نَائِبُهُ (فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِمَامَةُ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ كامامة ولد الزنا فيكون خلاف الْأَوْلَى وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هِيَ مَكْرُوهَةٌ (فَرْعٌ) الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ كَالْفَحْلِ فِي الْإِمَامَةِ لَا فَضِيلَةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) الِاقْتِدَاءُ بِأَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ بِأَنْ يَقْتَدِيَ شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ لَا يَرَى قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا إيجَابَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ وَشِبْهَ ذَلِكَ وَضَابِطُهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً فِي اعْتِقَادِهِ دُونَ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ أَوْ عَكْسِهِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ مُطْلَقًا قَالَهُ

الْقَفَّالُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ اقتداؤه مطلقا قاله أبو اسحق الاسفرايني لِأَنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِمَا نَشْتَرِطُهُ وَنُوجِبُهُ فَلَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَتَى بِمَا نَعْتَبِرُهُ نَحْنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ شَكَكْنَا فِي تَرْكِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الاصح وبه قال أبو اسحق المروزى والشيخ أبو حامد الاسفراينى والبندنيجى والقاضي أبى الطيب والاكثرون ان تحققنا تركه لشئ نَعْتَبِرُهُ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِهِ أَوْ شَكَكْنَا صَحَّ وَهَذَا يَغْلِبُ اعْتِقَادَ الْمَأْمُومِ هَذَا حَاصِلُ الْخِلَافِ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ مَسَّ حَنَفِيٌّ امْرَأَةً أَوْ تَرَكَ طُمَأْنِينَةً أَوْ غَيْرَهَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ علي وجه لا يعتقده والشافعي يعتقده بِأَنْ احْتَجَمَ أَوْ افْتَصَدَ وَصَلَّى صَحَّ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ الْقَفَّالُ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ الامامان الجليلان من أصحابنا لوام وَلِيُّ الْأَمْرِ أَوْ نَائِبُهُ وَتَرَكَ الْبَسْمَلَةَ وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَوْ صلي

باب موقف الامام والمأموم

حَنَفِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَنَفِيُّ بِأَنْ افْتَصَدَ فَفِيهِ الْخِلَافُ إنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَصَلَّى شَافِعِيٌّ الصُّبْحَ خَلْفَ حَنَفِيٍّ وَمَكَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَلِيلًا وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ الْقُنُوتُ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَهُ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْجُدْ وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ خَلْفَ الشَّافِعِيِّ الصُّبْحَ فَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ سَجَدَ الْمَأْمُومُ إنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ بِحَرَائِرَ مُسْتَتِرَاتٍ صَحَّتْ صلاة الجميع لان رأسها ليس بِعَوْرَةٍ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَبْدِ لِلْعَبِيدِ وَلَا لِلْأَحْرَارِ وَلَكِنَّ الْحُرَّ أَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ التَّابِعِيُّ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وقال الضحاك تكره امامته للاحرار ولا يكره للعبيد (الرابعة) قال أبو الطيب لا يكره أن يؤم قوما فيهم أبوه أو أخ له اكبر منه هذا مذهبنا وقال عطاء لا يكره (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ غَيْرُ وَلَدِ الزِّنَا أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ وَلَا يُقَال إنَّهُ مَكْرُوهٌ وأما قول الشيخ ابى حامد والعبد رى إنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَسَاهُلٌ مِنْهُ فِي تَسْمِيَتِهِ مَكْرُوهًا وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا بَأْسَ بِهِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَائِشَةُ أَمُّ المؤمنين وعطاء الحسن وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ موسى والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وداود وابن المنذر * (باب موقف الامام والمأموم) * قال المصنف رحمه الله * (السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الامام لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال " بت

عند خالتي ميمونة فَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه " فان وقف عن يساره رجع إلى يمينه فان لم يحسن علمه الامام كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابن عباس فان جاء آخر أحرم عن يساره ثم يتقدم الامام أو يتأخر المؤمومان لما روى جابر قال " قمت عن يسار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بيدى فادارني حتى أقامنى عن يمينه وجاء جبار بن صخر حتى قام عن يسار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى اقامنا خلفه ولانه قبل أن يحرم الثاني يتغير موقف الاول ولا يزول عن موضعه فان حضر رجلان اصطفا خلفه لحديث جابر وان حضر رجل وصبى اصطفا خلفه لما روى أنس قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلي بنا ركعتين " وان حضر رجال وصبيان يقدم الرجال لقوله صلي الله عليه وسلم " ليليني منكم اولوا الاحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فان كانت معهم امرأة وقفت خلفهم لحديث انس وان كان معهم خنثى وقف الخنثى خلف الرجال والمرأة خلف الخنثى لانه يجوز أن يكون امرأة فلا يقف مع الرجال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ البخاري ومسلم وحديث " ليلينى منكم أولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيَلِيَنِي " ضَبَطْنَاهُ فِي صَحِيحِ مسلم علي وجهين (احدهما) ليلينى بَعْدَ اللَّامِ نُونٌ مُخَفَّفَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا يَاءٌ (وَالثَّانِي) لِيَلِيَنِّي بِزِيَادَةِ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَشْدِيدِ النُّونِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَرَوَوْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِهِمَا وَرُبَّمَا قَرَأَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " اولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ الْكَامِلُونَ فِي الْفَضِيلَةِ (قَوْلُهُ) عَنْ يَسَارِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَكَسَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالصِّبْيَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ عَلَى

الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ كَسْرَهَا وَضَمَّهَا وَالْعَجُوزُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هِيَ أَمُّ سُلَيْمٍ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْيَتِيمُ اسْمُهُ ضُمَيْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ الْمَدَنِيُّ وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ - بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَّارِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ - بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ - الْمَدَنِيُّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ رَجُلًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ قَلِيلًا فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى يَمِينِهِ وَيَحْتَرِزَ عَنْ أَفْعَالٍ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ خَلْفَهُ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا بِالِاتِّفَاقِ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ إمَامٌ وَمَأْمُومَانِ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ واصطفا خلفه سوا كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ أَوْ رَجُلًا وَصَبِيًّا: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَكُونُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومَانِ كُلُّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا ثَبَتَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ حَضَرَ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ وَأَحْرَمَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ قُدَّامَ الْإِمَامِ سَعَةٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْمَأْمُومِينَ سَعَةٌ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُمَا سَعَةٌ وَلَيْسَتْ قُدَّامَهُ تَأَخَّرَا وَإِنْ كَانَ قُدَّامَهُ سَعَةٌ وَوَرَاءَهُمَا سَعَةٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَا وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَأَخُّرُهُمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ متبوع فلا ينتقل (والثاني) تقدمه قاله الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ شَخْصٍ فَهُوَ أَخَفُّ مِنْ شَخْصَيْنِ هَذَا إذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ الثَّانِي فِي الْقِيَامِ فَإِنْ جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَقَدُّمَ وَلَا تَأَخُّرَ حَتَّى يَقُومُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أو يتاخرا *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ لَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُمَا وَلَا إعَادَةَ قَالَ وَلَوْ أَمَّ اثْنَيْنِ فَوَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِجَنْبِهِ وَالْآخَرُ خَلْفَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ خَلْفَ الْأَوَّلِ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا حَضَرَ كَثِيرُونَ مِنْ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ صَبِيٌّ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ليلني منكم اولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " وَأَمَّا تَعَلُّمُ الصَّلَاةِ فَيُمْكِنُ وَإِنْ كَانُوا خَلْفَهُمْ وَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَصِبْيَانٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الْخُنْثَى خَلْفَ الرِّجَالِ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ وَحْدَهَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ دَخَلَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ وَإِنْ حَضَرَ إمَامٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي مَوْقِفِ الرِّجَالِ غَيْرِ الْعُرَاةِ فَإِنْ كَانُوا عُرَاةً فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ إمَامُهُمْ وَإِنْ كَانُوا بُصَرَاءَ فِي ضَوْءٍ فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى فِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُلْنَا جَمَاعَةً وَقَفَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ النِّسَاءَ الْخُلَّصَ الْعَارِيَّاتِ وَالْكَاسِيَاتِ تَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ وَلَوْ صَلَّى خُنْثَى بِنِسْوَةٍ تَقَدَّمَ

عَلَيْهِنَّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ وَمُخَالَفَتُهُ مكروه وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ وَعَنْ النخعي ان يقف وراءه إلى ان يزيد الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ مَأْمُومٌ آخَرُ تَقَدَّمَ فَوَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ جابر وغيرهما * * قال المصنف رحمه الله * (والسنة ان لا يكون موضع الامام اعلا من موضع المأموم لما روى ان حذيفة " صلي علي دكان والناس أسفل منه فجذبه سلمان حتى اقامه فلما انصرف قال اما علمت أن اصحابك يكرهون أن يصلي الامام علي شئ وهم أسفل منه قال حذيفة بلى قد ذكرت حين جذبتني " وكذلك لا يكون موضع المأموم أعلا من موضع الامام لانه إذا كره أن يعلو الامام فلان يكره أن يعلو المأموم أولي فان أراد الامام تعليم المأمومين افعال الصلاة فالسنة ان يقف على موضع عال لما روى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المنبر فكبر وكبر الناس وراءه فقرأ وركع وركع الناس خلفه ثم رفع ثم رجع القهقرى فسجد على الارض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى

سجد بالارض ثم اقبل علي الناس فقال انما صنعت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتي " ولان الارتفاع في هذه الحالة ابلغ في الاعلام فكان اولي) * (الشرح) حديث سهل ابن سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ (وَقَوْلُهُ) لِتُعَلَّمُوا - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ - أَيْ تَعْلَمُوا صفتها واما قصة حذيفة وسليمان فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أَنَّ سَلْمَانَ جَذَبَ حُذَيْفَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فَجَذَبَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَهُوَ الْبَدْرِيُّ الْأَنْصَارِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ وَمُصَنِّفِيهِمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَيُقَالُ جَذَبَ وَجَبَذَ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (قَوْلُهُ) فَلَأَنْ يُكْرَهَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إيضَاحُهُ وَالْقَهْقَرَى - بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ - الْمَشْيُ إلَى خَلْفٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ أو المأموم اعلا مِنْ مَوْضِعِ الْآخَرِ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِتَعْلِيمِهِمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ لِيُبَلِّغَ الْمَأْمُومُ الْقَوْمَ تَكْبِيرَاتِ الْإِمَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ الِارْتِفَاعُ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِارْتِفَاعُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ بِهِ الصلاة * * قال المصنف رحمه الله * (السُّنَّةُ أَنْ تَقِفَ إمَامَةُ النِّسَاءِ وَسْطَهُنَّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَمَّتَا نِسَاءً فَقَامَتَا وَسْطَهُنَّ وَكَذَا إذَا

اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَهُمْ عُرَاةٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الامام وسطهن لانه أستر) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَحَدِيثَا إمَامَةِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ وَيُقَالُ وَسْطُ الصَّفِّ بِإِسْكَانِ السِّينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ جَلَسْتُ وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْتُ وَسَطَ الدَّارِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ اسْمٌ قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ وَسْطُ بِالْإِسْكَانِ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سُكِّنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ بَيْنَ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْفَلَاةِ وَالصَّفِّ وَالْمَسْبَحَةِ وَحَلَقَةِ النَّاسِ فَهُوَ وَسْطُ بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُصْمَتًا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ وَالرَّاحَةِ فَوَسَطٌ بِالْفَتْحِ قَالَ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ خَالَفُوا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَوَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ وَحْدَهُ أَوْ وَقَفَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ أَمَامَهُ لَمْ تَبْطُلْ الصلاة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " وَقَفَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ " وَأَحْرَمَ أَبُو بَكْرَةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَرَكَعَ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ " وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا مَوَاقِفُ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَلَا تَبْطُلُ الصلاة بالانتقال إليها) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلضَّعِيفِ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرَةَ وَلَا تَعُدْ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ - قِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إلَى الْإِحْرَامِ خَارِجَ الصَّفِّ وَقِيلَ لَا تَعُدْ إلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَقِيلَ لَا تَعُدْ إلَى إتْيَانِ الصلاة مسرعا: اما أحكام الْفَصْلِ فَقَدْ سَبَقَ مَقْصُودُهَا فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوَاقِفَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ خَالَفُوهَا كُرِهَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وكذا لو صلي الامام اعلا مِنْ الْمَأْمُومِ وَعَكْسَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَكَذَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى صُفُوفِ الرِّجَالِ بِحَيْثُ لَمْ تَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ أَوْ بِجَنْبِ مَأْمُومٍ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّفِّ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ * (فَرْعٌ) إذَا وَجَدَ الدَّاخِلُ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً أَوْ سِعَةً دَخَلَهَا وَلَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ الْمُتَأَخِّرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَلَا سِعَةً فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِئَلَّا يَحْرِمَ غَيْرَهُ فَضِيلَةَ الصَّفِّ السَّابِقِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْبِذَ إلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا من الصف

ويستحب للمجذوب مساعدته قالوا ولا بجذبه الا بعد احرامه للا يُخْرِجَهُ عَنْ الصَّفِّ لَا إلَى صَفٍّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْمَجْذُوبِ الْمُوَافَقَةُ لِيَحْصُلَ لِهَذَا فَضِيلَةُ صَفٍّ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ وَيُسْتَأْنَسُ فِيهِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن مقاتل بن حنان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ان جاء فلم يجد أحدا فليجتلح إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ فَلِيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أعظم أجر المحتلج * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا أيضا عن زيد ابن ثَابِتٍ الصَّحَابِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ واسحق قال وبه أقول والمشهور عن احمد واسحق أَنَّ الْمُنْفَرِدَ خَلْفَ الصَّفِّ يَصِحُّ إحْرَامُهُ فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ قُدْوَتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ أحمد واسحق وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ " صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ بِالْإِعَادَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ " أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ " وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَهُ حَتَّى فَرَغَ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَهَذَا وَاضِحٌ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَذْبِ مِنْ الصَّفِّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ سِعَةٌ جَذَبَ وَاحِدًا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَاصْطَفَّ مَعَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ والاوزاعي واحمد واسحق كَرَاهَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد * (فَرْعٌ) صَلَاةُ الْمَرْأَةِ قُدَّامَ رَجُلٍ وَبِجَنْبِهِ مَكْرُوهَةٌ وَيَصِحُّ صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمْ أَوْ حَاذَتْهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ بَاطِلَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخر باب استقبال القبلة * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قال في القديم لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ: وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ وَقَفَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَوْقِفَ مُؤْتَمٍّ بِحَالٍ فاشبه إذا وقف في موضع نجس) * (الشَّرْحُ) إذَا تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْضِعِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَظْهَرُ لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ (وَالْقَدِيمُ) انْعِقَادُهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكِنْ سَاوَاهُ لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُكْرَهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُسَاوَاةِ بِالْعَقِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ عَنْ أَصَابِعِ الْإِمَامِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ يَصِحُّ قَطْعًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ الِاعْتِبَارُ بِالْكَعْبِ وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ (وَالثَّانِي) إنْ كَانَ جَاءَ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ وَإِنْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ تَقَدُّمِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمَّا إذَا صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ

الْحَرَامِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ وَيَقِفُوا مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْإِمَامُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْهُ وَهُوَ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْقَوْلَانِ الْجَدِيدُ بُطْلَانُهَا وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ حَكَاهُ الْأَصْحَابُ عن ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ جَمِيعًا فِي الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ قُدَّامَهُ فِي جِهَتِهِ مُسْتَقْبِلَهَا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ أَوْ مُسْتَقْبِلَهُ أَوْ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَ أَقْرَبَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو اسحق فِيهِ الْقَوْلَانِ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا جَازَ وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَإِنْ وَقَفَ الْإِمَامُ خَارِجَهَا وَالْمَأْمُومُ فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ جَازَ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ تَوَجَّهَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ عَادَ الْقَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَقَدُّمِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد يَجُوزُ هَكَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمْ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ واسحق وابى ثور إذا ضاق الموضع * * قال المصنف رحمه الله * (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّاسُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةٌ " وَرَوَى الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ " وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدُوا يَمِينَ الْإِمَامِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ قَالَ " كَانَ يُعْجِبُنَا عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِمَنْ عَنْ يَمِينِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ " فَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسُدَّهَا لِمَا رَوَى أَنَسٌ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فان كان نقص ففى المؤخر ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ فِيهِ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احببنا أن نكون يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ " وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الْإِمَامِ وَسَدِّ الْفُرَجِ فِي الصُّفُوفِ وَإِتْمَامِ الصف الاول ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا وَلَا يُشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ مَا قَبْلَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِدَالُ فِي الصُّفُوفِ فَإِذَا وَقَفُوا فِي الصَّفِّ لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِصَدْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبَاقِينَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْشِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ لحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا وَهَذَا الْحُكْمُ مُسْتَمِرٌّ فِي صُفُوفِ الرِّجَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَا فِي صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ بِجَمَاعَتِهِنَّ عَنْ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ أَمَّا إذَا صَلَّتْ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَأَفْضَلُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالُ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ وَمَقْصُورَةٌ وَأَعْمِدَةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ تقدموا فائتمو بِي وَلِيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ تَبَاعَدَتْ الصُّفُوفُ أَوْ تَبَاعَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بينهما وكان الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَوْضِعُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ صَفٍّ مَعَ الْإِمَامِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَتْ مَسَافَةً قَرِيبَةً صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَرِيبَ بثلثمائة ذِرَاعٍ وَالْبَعِيدَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ فِي الْعَادَةِ وَمَا زَادَ بَعِيدٌ وَهَلْ هُوَ تَقْرِيبٌ أَوْ تَحْدِيدٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَحْدِيدٌ فَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ ذِرَاعٌ لَمْ يُجْزِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ عَلَى سَطْحِهِ أَوْ فِي بَيْتٍ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَتْ لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ " وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالشِّبَاكِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا حَائِلًا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ فَأَشْبَهَ الْحَائِطَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُهُمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ فَهُوَ كَالْحَائِطِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْحَائِلِ وَإِنَّمَا خلق للمنفعة فلا يمنع الائتمام كالنار) * (الشَّرْحُ) لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْمَكَانِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا فِي مَسْجِدٍ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَمْ بَعُدَتْ لِكِبَرِ الْمَسْجِدِ وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الْبِنَاءُ أَمْ اخْتَلَفَ كَصَحْنِ المسجد وصفته وَسِرْدَابٍ فِيهِ وَبِئْرٍ مَعَ سَطْحِهِ وَسَاحَتِهِ وَالْمَنَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا إذَا عَلِمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أعلا مِنْهُ أَوْ أَسْفَلَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ هُوَ إذَا كَانَ سَطْحُهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَهُوَ كَمِلْكٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَالِ

الثالث ان شاء الله تعالي وشرط البنائين فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إلى الآخر والا فلا يعد ان مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ إنْ كَانَ مُغْلَقًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَوَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ عَلَى سَطْحِهِ وباب المرقا مُغْلَقٌ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهُمَا شَاذَانَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ: أَمَّا الْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يُفْتَحُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَلَهَا حُكْمُ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَأَحَدُهُمَا فِي ذَا وَالْآخَرُ فِي ذَاكَ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إنْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَا في مسجدين يحول بينهما نهرا وطريق أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ غَيْرُ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ كَمِلْكٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ فَإِنْ حُفِرَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ أَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ عَدَّهَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بينهما وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ إنْ انْفَصَلَتْ فَهِيَ كَمَسْجِدٍ آخَرَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ هِيَ الْبِنَاءُ الْمَبْنِيُّ لَهُ حَوْلَهُ مُتَّصِلًا بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هِيَ مَا حَوَالَيْهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَهُوَ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَا فِي فَضَاءٍ مِنْ صَحْرَاءَ أَوْ بَيْتٍ وَاسِعٍ وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبُ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) تَقْرِيبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا

التَّقْدِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ حَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا الوجه عن ابن سريج وأبى اسحق وغيرهما فإذا قلنا تقريب فزاد علي ثلثمائة أَذْرُعًا يَسِيرَةً كَثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ قُلْنَا تَحْدِيدٌ ضَرَّ وَلَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ الشَّخْصِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ الصُّفُوفُ وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ أَمْيَالًا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ أَوْ شَخْصٍ وَبَيْنَ مَنْ قدامه علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَفِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ هَذِهِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ إذا لم تكن الصفوف القريبة في الْإِمَامِ مُتَّصِلَةً عَلَى الْعَادَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عليه رجل أوصف صَحَّ إنْ لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ فَإِنْ وَقَفَ آخَرُ عَنْ يَمِينِ الْوَاقِفِ عن يمين الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ مِنْ الْمَأْمُومِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ثَالِثٌ عَلَى يمين الثاني علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَكَذَا رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَأَكْثَرُ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ كَمَا إذَا كَانُوا خَلْفَهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عليه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ مِنْ الْإِمَامِ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ الْقَرِيبَةُ بالامام علي العادة وعلى

هذا ولو وقف واحد عن يمين الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ وَآخَرُ وَرَاءَهُ كَذَلِكَ ثُمَّ وَرَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ عَنْ جنبه آخر أوصف عَلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ ثُمَّ آخَرُ ثُمَّ آخَرُ وَكَثُرُوا صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ إذَا عَلِمُوا صَلَاةَ الْإِمَامِ: أَمَّا إذَا حَالَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَوْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ نَهْرٌ فِي الْفَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ بلا سياحة بِالْوُثُوبِ أَوْ الْخَوْضِ أَوْ الْعُبُورِ عَلَى جِسْرٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى سِبَاحَةٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ مَطْرُوقٌ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَضُرُّ بَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِحُصُولِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمَاءُ لَا يُعَدُّ حَائِلًا وَكَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَارٌ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ الْفَضَاءُ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا بَعْضُهُ مَوَاتًا وَبَعْضُهُ مِلْكًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّاحَةِ الْمَمْلُوكَةِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ وَاَلَّذِي قُدَّامَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ وَوَجْهًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمِلْكَيْنِ لِشَخْصَيْنِ لَا فِي مِلْكِ الْوَاحِدِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْفَضَاءُ مَحُوطًا عَلَيْهِ أَوْ مُسْقَفًا كَالْبُيُوتِ الْوَاسِعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا فِي غَيْرِ فَضَاءٍ فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي صَحْنِ دار أو في صُفَّتِهَا وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ مِنْهَا فَقَدْ يَقِفُ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُ وَخَلْفَهُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَهَا الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ كَجٍّ وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ فِي الْإِفْصَاحِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا وَقَفَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنْ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ بِاَلَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاحِدًا فَإِنْ بَقِيَتْ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَا تَضُرُّ (وَالثَّانِي) تَضُرُّ فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَتَبَةٌ عَرِيضَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا اُشْتُرِطَ وُقُوفُ مُصَلٍّ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُقُوفُ فِيهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرْجَةِ الْيَسِيرَةِ الْأَصَحُّ

لَا تَضُرُّ وَإِنْ وَقَفَ خَلْف الْإِمَامِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا (وَالصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ وَتَلَاحُقِهَا وَمَعْنَى اتِّصَالِهَا أَنْ يقف شخص أوصف فِي آخِرِ بِنَاءِ الْإِمَامِ وَآخَرُ فِي أَوَّلِ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ وَالثَّلَاثَةُ لِلتَّقْرِيبِ قَالُوا فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا مَا لَا يَبِينُ فِي الْحِسِّ لَمْ يَضُرَّ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَشْرُوعُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يُزَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَكَانَ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بَيْتٌ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ اُعْتُبِرَ الِاتِّصَالُ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ كَمَا سَبَقَ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وموافقيه (الطريقة الثانية) طريقة أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ خَلْفٍ وَلَا مِنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ عَلَى الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَبِجَنْبِهِ مَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ صَفٍّ علي ثلثمائة ذِرَاعٍ كَمَا سَبَقَ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ البنائين باب مفتوح فوقف مقابله رجل أوصف أَوْ لَمْ يَكُنْ جِدَارٌ أَصْلًا كَصَحْنٍ مَعَ صُفَّةٍ فَلَوْ حَالَ حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ لم يصل الِاقْتِدَاءُ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَإِنْ مَنَعَ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالشِّبَاكِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَائِلًا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَاقِفِينَ فِي الْبِنَاءِ إمَّا لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ كَمَا شَرَطَهُ أَصْحَابُ الطَّرِيقَةِ الاولى وأما لعدم الزيادة على ثلثمائة ذِرَاعٍ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ وَالْمُنْفَرِدِ خَلْفَهُمْ تَبَعًا وَلَا يَضُرُّ الْحَائِلُ الْمَانِعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَالْمُشَاهَدَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ لَكِنْ يَكُونُ الصُّفُوفُ مَعَ الْوَاقِفِ كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ السَّابِقِ فَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُمَا مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَيُعْتَبَرُ بَاقِي مَا سَبَقَ وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الواقف المذكور واحد أوصف لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ سَمْتِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا جَوَّزْنَا تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ تَكْبِيرَةُ إحْرَامِ الَّذِينَ وَرَاءَ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِالْإِمَامِ إلَّا تَبِعَا لِلْوَاقِفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ

قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ فِي صَحْنِ الدَّارِ وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَان عَالٍ مِنْهَا كَسَطْحٍ وَطَرَفِ صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَفِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّصَالُ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنْ كَانَ رَأْسُ الْوَاقِفِ أَسْفَلَ يُحَاذِي رُكْبَةَ الْوَاقِفِ فِي الْعُلْوِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ إنْ حَاذَى رَأْسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَوَّلُ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالِاعْتِبَارُ بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا أَوْ قَاعِدًا فَلَمْ تُحَاذِ وَلَوْ قَامَ فِيهِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ لَحَصَلَتْ الْمُحَاذَاةُ كَفَى وَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الِانْخِفَاضُ الْقُدْوَةَ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يَحْصُلُ بِهِمْ الِاتِّصَالُ عَلَى سَرِيرٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ وَلَوْ كَانَا فِي بَحْرٍ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَفِينَتُهُ مَشْدُودَةً بِسَفِينَةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يزيد ما بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ كَالصَّحْرَاءِ قَالُوا وَتَكُونُ السَّفِينَتَانِ كَدَكَّتَيْنِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمَاءُ كَالْأَرْضِ وَإِنْ كَانَتَا مُسْقَفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ وَالسَّفِينَةُ ذَاتُ الْبُيُوتِ كَدَارٍ ذَاتِ بُيُوتٍ وَحُكْمُ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْخَانِ حُكْمُ الدَّارِ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ وَالسُّرَادِقَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَهُ فَإِنْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي مَسْجِدٍ وَالْمَأْمُومُ فِي مَوَاتٍ مُتَّصِلٍ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ إذَا لَمْ يَزِدْ ما بينهما علي ثلثمائة ذراع ومن اين تعتبر هذه الذرعان فيه ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ وَالثَّانِي مِنْ آخِرِ صَفٍّ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ وَالثَّالِثُ مِنْ حَرِيمِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاتِ وَحَرِيمُهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَطَرْحِ الْقُمَامَاتِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارُ الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْبَابَ النَّافِذَ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ فَوَقَفَ فِي مُقَابِلَتِهِ جَازَ فَلَوْ اتَّصَلَ صَفٌّ بِالْوَاقِفِ فِي الْمُقَابِلَةِ وَرَاءَهُ وَخَرَجُوا عَنْ الْمُقَابِلَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ لِاتِّصَالِهِمْ بِمَنْ صلاته صحيحة

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِدَارِ بَابٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مَفْتُوحًا أَوْ كَانَ مَفْتُوحًا وَلَمْ يَقِفْ فِي قُبَالَتِهِ بَلْ عَدَلَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ به أكثر المصنفين (والثاني) قاله أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَلَا يَكُونُ حَائِطُ الْمَسْجِدِ حَائِلًا سَوَاءٌ كَانَ قُدَّامَ الْمَأْمُومِ أَوْ عَنْ جَنْبِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمْنَعُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عن ابى اسحق فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا لَيْسَ بصحيح عن ابي اسحق قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْحَائِلُ غَيْرُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَيَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ فَهُوَ كَالْجِدَارِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ فَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرُ مُغْلَقٍ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الِاسْتِطْرَاقِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شِبَاكٌ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ وجهان (اصحهما) عد الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مَانِعٌ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَوَاتِ فَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِي شَارِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالطَّرِيقِ وَلَوْ وَقَفَ فِي حَرِيمِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَالْمَوَاتِ قال والفضاء الْمُتَّصِلُ بِالْمَسْجِدِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَتَّى يَتَّصِلَ الصَّفُّ من المسجد بالفضاء قال وكذا يشترط الاتصال الصَّفِّ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ بِالسَّطْحِ الْمَمْلُوكِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ فِي دَارٍ مَمْلُوكَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ يُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ بِأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٌ بِعَتَبَةِ الدَّارِ وَآخَرُ فِي الدَّارِ مُتَّصِلٌ بِالْعَتَبَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَوْقِفُ رَجُلٍ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْفَضَاءِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَفَّالِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ بَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إذَا لَمْ يزد ما بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ (فَقَوْلُهُ) فَإِنْ تَبَاعَدَتْ الصُّفُوفُ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَالصَّوَابُ حَذْفُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ إذَا عَلِمَ صَلَاتَهُ سَوَاءٌ حَالَ حَائِلٌ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا سبق وقوله وقدر الشافعي القريب بثلثمائة ذِرَاعٍ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ فِي الْعَادَةِ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورُ إنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُرْفِ لَا مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَالذِّرَاعُ مُؤَنَّثٌ وَمُذَكَّرٌ لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَاخْتَارَ

باب صلاة المريض

الْمُصَنِّفُ التَّذْكِيرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ جَازَ هَذَا لَيْسَ تَحْدِيدًا لِلثَّلَاثَةِ بَلْ الثَّلَاثَةُ وَنَحْوُهَا وَمَا قَارَبَهَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَتْ إنَّكُنَّ دُونَهَا فِي حِجَابٍ " هَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَطُولَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ إذَا صَلَّوْا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ القرب بثلثمائة ذِرَاعٍ وَقَالَ عَطَاءٌ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ طَالَتْ الْمَسَافَةُ مِيلًا وَأَكْثَرَ إذَا عَلِمَ صَلَاتَهُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ مَرْفُوعًا " مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ طَرِيقٌ فَلَيْسَ مَعَ الْإِمَامِ " وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ عَنْ تَمِيمٍ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَتَمِيمٌ مَجْهُولٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ صَلَّى فِي دَارٍ أَوْ نَحْوِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَحَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَصِحُّ مُطْلَقًا (الرَّابِعَةُ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِلْمُ الْمَأْمُومِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ صَلَّيَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ بِسَمَاعِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْ خَلْفَهُ وَنَقَلُوا الْإِجْمَاعَ فِي جَوَازِ اعْتِمَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَعْمَى اُشْتُرِطَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَنْبِ كامل ليعتمد موافقته مستدلا بها * (بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعمران بن الحصين " صلى قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ " وَكَيْفَ يَقْعُدُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَقْعُدُ مُتَرَبِّعًا لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِيَامُ يُخَالِفُ قُعُودَ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بدله مخالفا له (والثانى) يعقد مُفْتَرِشًا لِأَنَّ التَّرْبِيعَ قُعُودُ الْعَادَةِ وَالِافْتِرَاشَ قُعُودُ الْعِبَادَةِ فَكَانَ الِافْتِرَاشُ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أن يركع ويسجد أومأ اليهما وَقَرَّبَ وَجْهَهُ إلَى الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مِخَدَّةٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ

أم سلمة رضى الله عنهما سجدت علي مخدة لرمد بِهَا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِمْرَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِعْلُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ وقوله أومأ هو بالهمز وَالْمِخَدَّةِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تُوضَعُ تَحْتَ الْخَدِّ وَأُمُّ سَلَمَةَ سَبَقَ بَيَانُهَا كُنِّيَتْ بابنها سلمة وهو صحابي: وأما الاحكام فاجمعت الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلَّاهَا قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ أَنْ لَا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ وَلَا يَكْفِي أَدْنَى مَشَقَّةٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ فَإِذَا خَافَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ الْغَرَقَ أَوْ دَوَرَانَ الرَّأْسِ صَلَّى قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ الَّذِي أَرَاهُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ لِأَنَّ الْخُشُوعَ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ

وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ جَلَسَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ التَّدْبِيرُ فَلَهُمْ الصَّلَاةُ قُعُودًا وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا أَنَّ صَلَاةَ الْكَمِينِ قَاعِدًا لَا تَنْعَقِدُ وَالْمَذْهَبُ الِانْعِقَادُ وَلَوْ خَافُوا أَنْ يَقْصِدَهُمْ الْعَدُوُّ فَصَلَّوْا قُعُودًا قَالَ الْمُتَوَلِّي أَجْزَأَتْهُمْ بِلَا إعَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ فِي الْفَرِيضَةِ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي النَّافِلَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِقُعُودِهِ هَيْئَةٌ مُشْتَرَطَةٌ بَلْ كَيْفَ قَعَدَ أَجْزَأَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ مِنْ الْهَيْئَاتِ فَفِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ يَقْعُدُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ لِلْمُصَلِّي قَائِمًا فَيَتَوَرَّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَيَفْتَرِشُ فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ: وَأَمَّا الْقُعُودُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْقِيَامِ وَفِي مَوْضِعِهِ فَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ (أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ أَصَحُّ الْجَمِيعِ يَقْعُدُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ (وَالثَّانِي) مُتَرَبِّعًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قال مالك والثوري والليث واحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مُتَوَرِّكًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي (وَالثَّانِي) يَقْعُدُ نَاصِبًا رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى جَالِسًا عَلَى رَجُلِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَدَبِ وَأَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدِ فَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ مَا يُحَاذِي جَبْهَتَهُ ما وارء رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ يُحَاذِي جَبْهَتَهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَأَمَّا سُجُودُهُ فَكَسُجُودِ الْقَائِمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ خَفْضِهَا أَوْمَأَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَدَرَ الْقَاعِدُ عَلَى رُكُوعِ الْقَاعِدِ وَعَجَزَ عَنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَظَرَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَقَلِّ رُكُوعِ الْقَاعِدِ أَوْ أَكْمَلِهِ بِلَا زِيَادَةٍ

فَعَلَ الْمُمْكِنَ مَرَّةً عَنْ الرُّكُوعِ وَمَرَّةً عَنْ السُّجُودِ وَلَا يَضُرُّ اسْتِوَاؤُهُمَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى كَمَالِ الرُّكُوعِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ فِي الِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ عَلَى قَدْرِ الْكَمَالِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ السُّجُودِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَرِّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ لِلسُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ علي صدعه أَوْ عَظْمِ رَأْسِهِ الَّذِي فَوْقَ جَبْهَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ جَبْهَتُهُ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ هُوَ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَقْصِدْ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ أَنَّ الصُّدْغَ مَحِلُّ السُّجُودِ بَلْ قَصَدَ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ عَلَيْهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ بِجَبْهَتِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى مِخَدَّةٍ وَنَحْوِهَا وَحَصَلَتْ صِفَةُ السُّجُودِ بِأَنْ نَكَسَ وَرَفَعَ أَعَالِيَهُ إذَا شَرَطْنَا ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فِعْلُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ عَلَى قَدَمَيْهِ لِقَطْعِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَهُ النُّهُوضُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ النُّهُوضُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخِي وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيسِهِ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى قِيَامًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْهُودًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِي لِأَنَّهُ أقرب إلي القيام * قال المصنف رحمه الله * (قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَيُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَإِذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ صَلَّى بَعْضَهَا مِنْ قُعُودٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةَ نَفْلٌ فَكَانَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَقَعَدَ فِي بَعْضِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِهِ عِلَّةٌ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ وَتَمْنَعُهُ من

الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ عَلَى قدر طاقته) * (الشرح) هذه المسائل على ما ذكرها وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجْهٌ أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةً أَفْضَلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَإِذَا زَادَ السُّورَةَ عَجَزَ صَلَّى الفاتحة وَتَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْلَى فَلَوْ شَرَعَ فِي السُّورَةِ فَعَجَزَ قَعَدَ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ السُّورَةِ لِيَرْكَعَ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذا صلي مع الامام وقعد في بَعْضَهَا أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ مُنْتَصِبًا كَمَنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عَلَى حَسَبِ إمْكَانِهِ فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ زَادَ فِي الِانْحِنَاءِ إنْ قَدَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا قَالَا فَإِنْ قَدَرَ عِنْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الِارْتِفَاعِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَ بِظَهْرِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ الِانْحِنَاءَ دُونَ الْقِيَامِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ حَنَى رَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ فَإِنْ احْتَاجَ فِيهِ إلَى شئ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ إلَى أَنْ يَمِيلَ إلَى جَنْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الِانْحِنَاءَ أَصْلًا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَالِاضْطِجَاعُ دُونَ الْقُعُودِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْتِي بِالْقُعُودِ قَائِمًا لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَجَعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فَقِيلَ لَهُ إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ " لَمَّا وَقَعَ فِي عَيْنِهِ الْمَاءُ حَمَلَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ الْأَطِبَّاءَ عَلَى الْبُرْدِ فَقِيلَ إنَّك تَمْكُثُ سَبْعًا لَا تُصَلِّي إلَّا مُسْتَلْقِيًا فَسَأَلَ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ فَنَهَتَاهُ " (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يخاف الضرر من القيام فاشبه المرض) *

(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَأَصَابَهُ رَمَدٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ لَهُ طَبِيبٌ مَوْثُوقٌ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك وَإِلَّا خِيفَ عَلَيْك الْعَمَى فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِلْقَاءُ وَالِاضْطِجَاعُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ إنْ صَلَّيْت قَاعِدًا أَمْكَنَتْ الْمُدَاوَاةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَجُوزُ الْقُعُودُ قَطْعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَفْهُومُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنْ جَوَّزَ لَهُ الِاسْتِلْقَاءَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِمَّنْ مَنَعَهُ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مَشْهُورَانِ وَهُوَ مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُؤَالُهُ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَوْ غَيْرَهُ بَعَثَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْأَطِبَّاءِ عَلَى الْبُرْدِ وَقَدْ وَقَعَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ فَقَالُوا تُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاك فَسَأَلَ أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه " رواه الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ لَمَّا وَقَعَ فِي عَيْنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاءُ أَرَادَ أَنْ يُعَالَجَ مِنْهُ فَقِيلَ تَمْكُثُ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا لَا تُصَلِّي

إلَّا مُضْطَجِعًا فَكَرِهَهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْأَجَلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى عَائِشَةَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ وَرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ اسْتِفْتَاءِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ تُوُفِّيَتَا قَبْلَ خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَزْمَانٍ وَهَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ بَعَثَهُ أَنْ يَبْعَثَ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ بَلْ بَعَثَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَزَمَنِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَلَا يُسْتَكْثَرُ بَعْثُ الْبُرْدِ مِنْ مِثْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ كان قبل خلافته من روساء بَنِي أُمَيَّةَ وَأَشْرَافِهِمْ وَأَهْلِ الْوَجَاهَةِ وَالتَّمَكُّنِ وَبَسْطَةِ الدُّنْيَا فَبَعْثُ الْبُرْدِ لَيْسَ بِصَعْبٍ عَلَيْهِ وَلَا على من دونه بدرجات والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِرِجْلَيْهِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى جَالِسًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِطَرْفِهِ

وَلِأَنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِذَا اسْتَلْقَى لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ إلا برجليه ويومى إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ وقوله أومأ - هو بالهمز - قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقُعُودُ وَالْقِيَامُ وَالْعَجْزُ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ وَفَوَاتُ الْخُشُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَجْزِ عن القيام وقال امام الحرمين لا يكتفى ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْقُعُودِ أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحافا لَهُ بِالْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ هَذَا الْعَاجِزِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ وَمُقَدِّمِ بَدَنِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اضْطَجَعَ عَلَى يَسَارِهِ صَحَّ وَكَانَ مَكْرُوهًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْئًا لِيَرْتَفِعَ وَيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا الي السماء

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) يَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ وَيَعْطِفُ أَسْفَلَ قَدَمَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَوْلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْخِلَافُ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فَمَنْ قَالَ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ فِي الْأَفْضَلِ لِاخْتِلَافِ أَمْرِ الِاسْتِقْبَالِ بِهَذَا دُونَ ذَاكَ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْقَادِرِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَاتِ فَأَمَّا مَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ فَتُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إذَا صَلَّى عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَتَى بِهِمَا وَإِلَّا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا مُنْحَنِيًا بِرَأْسِهِ وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه وهذا كُلُّهُ وَاجِبٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ فَإِنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَجَبَ أَنْ يُجْرِيَ الْقُرْآنَ وَالْأَذْكَارَ الْوَاجِبَةَ عَلَى قَلْبِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَفْعَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا دَامَ عَاقِلًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَلَوْ انْتَهَى مَا انْتَهَى وَلَنَا وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا شاذ مردود

وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا حِكَايَةُ صَاحِبِ الْوَسِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَمُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْقِطُهَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا هَذَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي الْحَالِ فَإِنْ بَرِئَ لَزِمَهُ القضاء والمعروف عن مالك وأحمد كمذهبنا * قال المصنف رحمه الله * (وإذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز قعد وأتم صَلَاتَهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ وَجَمِيعَهَا قَائِمًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَعْضَهَا قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبَعْضَهَا قَائِمًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا ثُمَّ عَجَزَ اضْطَجَعَ وَإِنْ افْتَتَحَهَا مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَامَ أَوْ قَعَدَ لِمَا ذَكَرْنَا) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ الْقِيَامِ جَازَ الْقُعُودُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ جَازَ الِاضْطِجَاعُ وَيَبْنِي عَلَى ما مضى من صلاته لو صَلَّى قَاعِدًا لِلْعَجْزِ فَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ بِالْقِيَامِ وَيَبْنِي وَلَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَأَطَاقَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الْمُبَادَرَةُ بِالْمَقْدُورِ

وَيَبْنِي ثُمَّ إنْ تَبَدَّلَ الْحَالُ مِنْ الْكَمَالِ إلَى النَّقْصِ بِأَنْ عَجَزَ فِي أَثْنَائِهَا وَانْتَقَلَ إلَى الْمُمْكِنِ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ إدَامَةُ قِرَاءَتِهَا فِي هَوِّيهِ وَإِنْ تَبَدَّلَ مِنْ النَّقْصِ إلَى الْكَمَالِ بِأَنْ قَدَرَ الْقَاعِدُ عَلَى الْقِيَامِ لِخِفَّةِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَامَ وَقَرَأَ قَائِمًا وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَامَ وَقَرَأَ بَقِيَّتَهَا بَعْدَ الِانْتِصَابِ

قَائِمًا وَيَجِبُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ فَإِنْ قَرَأَ فِي حَالِ النُّهُوضِ لَمْ يُحْسَبْ وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ لِيَهْوِيَ مِنْهُ إلَى الرُّكُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذَا الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ يُعِيدَ الْفَاتِحَةَ لِيَقَعَ فِي حَالِ الْكَمَالِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ فِي حَالِ رُكُوعِهِ قَاعِدًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ لَزِمَهُ الِارْتِفَاعُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ عَنْ قِيَامٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ فَإِنْ فَعَلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ فَيَجِبُ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدُ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى رُكُوعِ الْقَائِمِينَ فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا وَلَوْ وَجَدَ الْقُدْرَةَ فِي الِاعْتِدَالِ قَاعِدًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ليعتدل ويطمئن

باب صلاة المسافر

وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يقوم ليقع السجود من قيام (وأصحهما) لَا يَقُومُ لِئَلَّا يَطُولَ الِاعْتِدَالُ وَهُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الْقُنُوتِ لَمْ يَقْنُتْ قَاعِدًا فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَقُومَ فَيَقْنُتَ قَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ صَلَاةِ الْفَرْضِ أَمَّا صَلَاةُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ شَرْحُهَا هُنَاكَ كَامِلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لو رَكَعَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً فَعَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ الِاعْتِدَالَ سَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِدَالُ فَيَسْجُدُ قَالُوا فَلَوْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَجُزْ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالْعَجْزِ فَلَوْ أَتَى به كان زائدا قياما وذكل مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ قَعَدَ وَبَنَى عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا لِلْعَجْزِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ وَبَنَى عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى الْقُعُودِ أَوْ الْقِيَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى وَهَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَارِيًّا فَاسْتَتَرَ عَلَى قُرْبٍ أَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أُمِّيًّا فَتَلَقَّنَ الْفَاتِحَةَ فَيَبْنِي وَبِهَذَا كُلُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ استئنافها * (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ

ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال يعلى بْنُ أُمَيَّةَ قُلْت لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ قَالَ عُمَرُ عجبت مما عجبت منه فَسَأَلْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلو لصدقته " وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْمَاءِ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّاكِبِ فِي الْبَرِّ * (الشرح) حديث يعلى رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْته وَاضِحًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وقَوْله تَعَالَى (إذا ضربتم في الارض) الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ هُوَ السَّفَرُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا فِي الْحَضَرِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا قَصَرَ الرُّبَاعِيَّاتِ رَدَّهُنَّ إلَى رَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ خَوْفٌ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْوَاجِبُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ الثَّالِثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِالْأُخْرَى كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِيهَا وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ الْمَاءِ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّهُ سَفَرٌ دَاخِلٌ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَسَوَاءٌ فِيهِ مِنْ رَكِبَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَالْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيُدِيمُ السَّيْرَ فِي الْبَحْرِ وَالْمُكَارِي وَغَيْرُهُمْ فَكُلُّهُمْ لَهُمْ الْقَصْرُ إذَا بَلَغَ سَفَرُهُمْ مَسَافَةً لَوْ قُدِّرَتْ فِي الْبَرِّ بَلَغَتْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ الْإِتْمَامُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ إلَّا أَنَّ أَبَا حنيفة يشترط ثلاث مراحل وقال الحسن ابن صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ لِلْمَلَّاحِ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَمَا قَالُوهُ يُنْتَقَضُ بِاَلَّذِي يُدِيمُ كِرَاءَ الْإِبِلِ وَغَيْرَهَا وَالسَّيْرَ فِي الْبَرِّ فَإِنَّ له القصر * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز القصر الا في مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ " كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ " وَسَأَلَ عَطَاءٌ ابْنَ عَبَّاسٍ " أَأَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا فَقَالَ إلَى مِنًى فَقَالَ لَا لَكِنْ إلَى جُدَّةَ وَعُسْفَانَ وَالطَّائِفِ " قَالَ مَالِكٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَعُسْفَانَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ تَتَكَرَّرُ مَشَقَّةُ الشَّدِّ وَالتَّرْحَالِ وَفِيمَا دُونَهُ لَا تَتَكَرَّرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يبيح القصر الا في ثلاثة أيام) *

* (الشَّرْحُ) * الْبُرُدُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ - وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَدِلَةً مُعْتَرِضَةً وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ وَقَوْلُهُ وَالتَّرْحَالُ - بِفَتْحِ التَّاءِ - وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَسَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ سَوَاءٌ فِي هَذَا جَمِيعُ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ مَعَ الْخَوْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَلَّذِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي هَاشِمِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ بِالْمَرَاحِلِ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ سَيْرَ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبَ الْأَقْدَامِ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَةُ نُصُوصٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَفِي مَوْضِعٍ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي مَوْضِعٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ وَفِي مَوْضِعٍ أَرْبَعُونَ وَفِي مَوْضِعٍ يَوْمَانِ وَفِي مَوْضِعٍ لَيْلَتَانِ وَفِي مَوْضِعٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالُوا قَالَ أَصْحَابُنَا المراد بهذه النصوص كلها شئ وَاحِدٌ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَحَيْثُ قَالَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَرَادَ سِوَى مِيلِ الِابْتِدَاءِ وَمِيلِ الِانْتِهَاءِ وَحَيْثُ قَالَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَرَادَ أَكْثَرَ بِثَمَانِيَةٍ وَحَيْثُ قَالَ أَرْبَعُونَ أَرَادَ أربعون أُمَوِيَّةً وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ هَاشِمِيَّةً فَإِنَّ أَمْيَالَ بَنِي أُمَيَّةَ أَكْبَرُ مِنْ الْهَاشِمِيَّةِ كُلُّ خَمْسَةٍ سِتَّةٌ وَحَيْثُ قَالَ يَوْمَانِ أَيْ بِلَا لَيْلَةٍ وَحَيْثُ قَالَ لَيْلَتَانِ أَيْ بِلَا يَوْمٍ وَحَيْثُ قَالَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَرَادَهُمَا مَعًا فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ نُصُوصِهِ وَهَلْ التَّقْدِيرُ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) تَحْدِيدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيرًا بِالْأَمْيَالِ ثَابِتًا عَنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي تَقْدِيرِهِ بِالْأَرْطَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنْ كَانَ السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بِمِسَاحَتِهَا فِي الْبَرِّ حَتَّى لَوْ قَطَعَ قَدْرَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا فِي سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهَا مَسَافَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقَصْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ فِي بَعْضِ يَوْمٍ فَلَوْ شَكَّ فِي الْمَسَافَةِ اجْتَهَدَ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْمَسَافَةِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ له شئ بِالِاجْتِهَادِ وَلَوْ حَبَسَتْهُمْ الرِّيحُ فِي الْمَرَاسِي وَغَيْرِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ كَالْإِقَامَةِ فِي الْبَرِّ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ * (فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ السَّفَرِ مَرْحَلَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ مَرْحَلَتَانِ فَلَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرْحَلَةٌ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ لَا ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَنَّاطِيَّ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَقْصُرُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسَافَةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَلَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ واحمد واسحق وأبو ثور وقال عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ تَامٍّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وبه أَقُولُ وَقَالَ دَاوُد يَقْصُرُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَتَّى قَالَ

لَوْ خَرَجَ إلَى بُسْتَانٍ خَارِجَ الْبَلَدِ قَصَرَ * وَاحْتُجَّ لِدَاوُدَ بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَوَازَ الْقَصْرِ بلا تقييد للمسافة وبحديث يحيى بن مزيد قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صلى ركعتين " رواه مسلم وعن خبير بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشْرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ شرط ثلاثة أميال بحديث بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ رَوَاهُ

الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه تعليقا بصفة جَزْمٍ فَيَقْتَضِي صِحَّتَهُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ وعن عطا قال سئل بن عَبَّاسٍ " أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الذى رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الوهاب بن مجاهد عن ابيه وعطا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ " فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَإِسْمَاعِيلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ: وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَصْرُ صَرِيحًا فِي دُونِ مُرْحَلَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَايَةَ سَفَرِهِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَافَرَ سَفَرًا طَوِيلًا فَتَبَاعَدَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ بَلْ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْقَصْرِ إلَّا إذَا تَبَاعَدَ هَذَا الْقَدْرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُسَافِرُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصلاة الا بعد أن يصليهما فلا تدركه

الصَّلَاةُ الْأُخْرَى إلَّا وَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْ الْمَدِينَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ وَقَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَمَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ غَايَةُ سَفَرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ السَّفَرَ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ هَذَا السَّفَرَ الْخَاصَّ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا

زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يوم وليلة وليس مَعَهَا حُرْمَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَا تُسَافِرْ بَرِيدًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْيَوْمِ صَحِيحَةٌ وَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ يَوْمٍ فَقَالَ لَا فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمْ مَا حَفِظَ وَلَا يَكُونُ شئ مِنْ هَذَا حَدًّا لِلسَّفَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ فَحَصَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ تَحْدِيدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بَلْ أَطْلَقَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَى يَوْمَيْنِ وَعَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ وَعَلَى لَيْلَةٍ وَعَلَى بَرِيدٍ وَهُوَ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ فَدَلَّ عَلَى أن الجميع يسمي سفرا والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْصُرُ فِي الْآخَرِ فَسَلَكَ الا بعد لِغَرَضٍ يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ قَصَرَ وَإِنْ سَلَكَهُ لِيَقْصُرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ مَسَافَةٌ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصلاة وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ لِلْقَصْرِ فَلَا يَقْصُرُ كَمَا لَوْ مَشَى فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ طُولًا وَعَرْضًا حَتَّى طال) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ فَإِنْ بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ فِي جَمِيعِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ سَلَكَهُ لِغَرَضٍ أَمْ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ لِأَنَّهُ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُ طَرِيقَيْهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَنَقَصَ الآخر عنها فان سلك الابعد لغرض من الطَّرِيقِ أَوْ سُهُولَتِهِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَاءِ أَوْ الْمَرْعَى أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ بَيْعِ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِ

ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ دِينًا أَوْ دُنْيَا فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَصَدَ التَّنَزُّهَ فَهُوَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَيَتَرَخَّصُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمَذْهَبُ التَّرَخُّصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ سِوَى التَّرَخُّصِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَتَرَخَّصُ قَطْعًا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَتَرَخَّصُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا فَسَلَكَهُ لِغَيْرِ غرض لم يجر الْقَصْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واحمد والمزني وداود يجوز * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ يَقْصُرُ إلَيْهِ الصَّلَاةَ وَنَوَى أَنَّهُ إنْ لَقَى عَبْدَهُ أَوْ صَدِيقَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رَجَعَ لَمْ يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لم يقطع علي سفر يقصر فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَهُمَا سَفَرَانِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مما يقصر فيه الصلاة * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَنَوَى أَنَّهُ مَتَى لَقِيَهُ رَجَعَ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ وَبَلَغَ مَرَاحِلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْهَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ وَجَدَهُ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ فَإِنْ

كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ إذَا ارْتَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَوْ عَلِمَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ مَوْضِعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ جَازَ الْقَصْرُ وَلَوْ نَوَى فِي الِابْتِدَاءِ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ الْآبِقِ وَالْغَرِيمِ وَدَابَّتِهِ الضَّالَّةِ أَوْ المسروقة وغيرها على أنه لابد له من وصول الموضع الفلاتى وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ قَبْلَهُ أَمْ لَا فَلَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى إنْ وَجَدَ الْغَرِيمَ رَجَعَ فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ النِّيَّةُ قَبْل مُفَارِقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ عَرَضَتْ بَعْدَ مُفَارِقَةِ الْعُمْرَانِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَجِدْهُ فَإِذَا وَجَدَهُ صَارَ مُقِيمًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حَتَّى يُوجَدَ الْمُغَيِّرُ (وَالثَّانِي) لَا يَتَرَخَّصُ كَمَا لَوْ عَرَضَتْ النِّيَّةُ فِي الْعُمْرَانِ وَلَوْ نَوَى قَصْدَ مَوْضِعٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فِي بَلَدٍ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ مِنْ مَخْرَجِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمُتَوَسِّطِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ تَرَخَّصَ قَطْعًا مَا لَمْ يَدْخُلْ الْمُتَوَسِّطَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُغَيِّرُ فَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي الْمُتَوَسِّطِ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ سَفَرٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْقَصْرُ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ وَفِي الْبَلَدِ الْمُتَوَسِّطِ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ السَّفَرِ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ مِنْهُ إلَى آخَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَوَى بَلَدًا ثُمَّ بَلَدًا ثُمَّ بَلَدًا ثَالِثًا وَرَابِعًا

وَأَكْثَرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدِ وَاَلَّذِي يَلِيه مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَلَدَيْنِ مِنْهَا دُونَ الْبَاقِي قَصَرَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ دُونَ الْبَاقِي لِأَنَّهَا أَسْفَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلَوْ نَوَى بَلَدًا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى فِي أثناء طريقه مجاوزته فابتدأ سَفَرِهِ مِنْ حِينِ غَيَّرَ النِّيَّةَ فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إذَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى الْمَقْصِدِ الثَّانِي مَرْحَلَتَانِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَرْجِعَ انْقَطَعَ سفره ولا يجوز له القصر مادام فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا جَدِيدًا فَإِنَّمَا يَقْصُرُ إذَا تَوَجَّهَ مِنْهُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَمْضِيَ صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ جَزَمَ بِالرُّجُوعِ * (فَرْعٌ) إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ وَالزَّوْجَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَقْصِدَهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّرَخُّصُ فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَمْ تُؤَثِّرُ نِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ وَتُؤَثِّرُ نِيَّةُ الْجُنْدِيِّ وَيَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَلَوْ عَرَفُوا الْمَقْصِدَ تَرَخَّصُوا كُلُّهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ نَوَى الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ الْإِقَامَةَ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بَلْ لَهُمَا التَّرَخُّصُ عِنْدَنَا قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ التَّرَخُّصُ تَبَعًا لِلْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا الْمَقْصِدَ وَيَصِيرَانِ مُقِيمَيْنِ بِإِقَامَةِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا وَسَافَرُوا بِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهِ لَمْ يَقْصُرْ فَلَوْ سَارَ مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ قَصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَمَّا إذَا علم الموضع الذين يَذْهَبُونَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْهَرَبِ هَرَبَ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى قَصْدَ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِي قَصْدِهِ قَصَرَ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَرْحَلَتَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي الْأَسِيرِ يَتَعَيَّنُ مَجِيئُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنْدِيِّ فَإِذَا سَارُوا مَرْحَلَتَيْنِ يَقْصُرُونَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا

الْمَقْصِدَ وَلَعَلَّ الْبَغَوِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَرَادُوا قَبْلَ مُجَاوَزَةِ مَرْحَلَتَيْنِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَرْبِطَ قَصْدَهُ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ فَأَمَّا الْهَائِمُ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَلَا لَهُ قَصْدٌ فِي مَوْضِعٍ وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا وَلَا لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ أَبَدًا بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُمَا وَبَلَغَ مَرَاحِلَ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا إذَا بَلَغَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَهُمَا التَّرَخُّصُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذَا خَرَجَ مُنْتَجِعًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَ مَكَانًا مُعْشِبًا أقام به لم يجز له الترخص * * قال المصنف رحمه الله * (وَإِذَا كَانَ السَّفَرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ " حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يصلي رَكْعَتَيْنِ وَسَافَرْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ وَسَافَرْت مَعَ عُمَرَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ وَسَافَرْت مَعَ عُثْمَانَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ أَتَمَّ بِمِنًى " فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ فَإِنْ تَرَكَ الْقَصْرَ وَأَتَمَّ جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْت وَقَصَرَ وَأَتْمَمْت فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْت فَقَالَ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ "

وَلِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ فَجَازَ تَرْكُهُ كَالْمَسْحِ علي الخفين ثلاثا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِمْرَانَ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ هُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ عُمْرَةُ رَمَضَانَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا أَرْبَعَ عُمَرَ لَيْسَ مِنْهُنَّ شئ فِي رَمَضَانَ بَلْ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ فَكَانَ أَحِرَامُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَفَعَلَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ قَالَ الْقَلَعِيُّ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ عَنْ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ نُقْصَانَهَا عَنْ أَرْبَعٍ لَيْسَ لِلتَّخْفِيفِ قَالَ وَقَوْلُهُ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ مِمَّا عَفَى عَنْهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَبَذْلُ الْقِصَاصِ مِنْهُ هَكَذَا قَالَهُ الْقَلَعِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّفَرِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا مِمَّنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إلَّا خَمْرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ إسَاغَتُهَا وَهُوَ تَخْفِيفٌ لَا لِلسَّفَرِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا إنْ كَانَ يُدِيمُ السَّفَرَ بِأَهْلِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ الْقَصْرُ وَالْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ بَلَغَ سَفَرُهُ مَرَاحِلَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْقَصْرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا وَطَنَ لَهُ غَيْرُهُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَنْ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ كَرَاهَةَ الْقَصْرِ لَا رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْقَصْرُ لِهَذَا أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى تَزُولَ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الرُّخْصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَكُنْ مُدْمِنَ سَفَرِ الْبَحْرِ وغيره ولا

يَتْرُكُ الْقَصْرَ رَغْبَةً عَنْهُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ أَمْ الْقَصْرُ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَصْرُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَصْرُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ وَالطَّرِيقُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَنَّاطِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَسَنُوضِحُ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَسَنُوضِحُ الْمَسْأَلَةَ في كتاب القيام إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الرُّخْصِ الشَّرْعِيَّةِ هِيَ أَقْسَامٌ (أَحَدُهَا) رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ وَلَهَا صُوَرٌ: مِنْهَا مَنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إلَّا خَمْرًا وَجَبَتْ إسَاغَتُهَا بِهِ وَهِيَ رُخْصَةٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: وَمِنْهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (الثَّانِي) رُخْصَةُ تَرْكِهَا أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِهِ وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِثْلُهُ التَّيَمُّمُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَوَضَّأَ وَيَتْرُكَ رُخْصَةَ التَّيَمُّمِ وَكَذَا الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا إتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِعُذْرِ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ (الثَّالِثُ) رُخْصَةٌ يُنْدَبُ فِعْلُهَا وَذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا الْقَصْرُ وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ جَائِزَانِ وَأَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةُ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فِي اثْنَيْ عَشْرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ أَنَسٍ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي قِلَابَةَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَآخَرُونَ الْقَصْرُ وَاجِبٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الْقَصْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسِ وَجَابِرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ صَلَّى

أَرْبَعًا وَقَعَدَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُ وَتَقَعُ الْأَخِيرَتَانِ نَفْلًا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ هَذَا الْقَدْرَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقَصْرَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ " قَالَ الزُّهْرِيُّ قُلْت لِعُرْوَةِ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ " صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْت مَعَ عُمَرَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَالَ " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِرَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الزِّيَادَةُ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ لَا جُنَاحَ إلَّا فِي الْمُبَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا من ربكم) وقَوْله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النساء وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ اشتاتا) (فَإِنْ قَالُوا) هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَتْ بِهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ ثَابِتٌ

عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ " أُنْزِلَتْ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا شَكُّوا فِي جَوَازِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ جَوَابًا لَهُمْ * وَاحْتَجُّوا مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ ويتم ويفطر ويصوم " رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْمُتَقَدِّمِ فِي إتْمَامِ عُثْمَانَ وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ وَاجِبًا لَمَا وَافَقُوهُ عَلَى تَرْكِهِ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا قَالَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ رَكْعَتَيْنِ حَتْمًا لَمَا جَازَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا خَلْفَ مُسَافِرٍ وَلَا حَاضِرٍ كَالصُّبْحِ (فَإِنْ قَالُوا) الصُّبْحُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا خَلْفَ الظُّهْرِ عِنْدَنَا (قُلْنَا) فَكَذَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ لَا تُصَحِّحُوا الظُّهْرَ فِي الْمُسَافِرِ خَلْفَ مُتِمٍّ وَلِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ فَجَازَ تَرْكُهُ كَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا وَسَائِرِ الرُّخَصِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ قَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَمِنْ إقْرَارِهِ لِعَائِشَةَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا لَكِنَّ الْقَصْرَ كَانَ أَكْثَرَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ " أَنَّ مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَتَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ وَتَأْوِيلُهُمَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ جَائِزًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِهِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ وَقَدْ أَوْضَحْت فَسَادَهُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَضْمَرُوا فِيهِ أُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِمُقِيمٍ وَأَضْمَرْنَا فِيهِ إذَا أَرَادَ الْقَصْرَ وَلَيْسَ أَضِمَارُهُمْ بِأُولَى مِنْ إضْمَارِنَا وَمِمَّا يُوجِبُ تَأْوِيلَهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ

فِي السَّفَرِ أَصْلٌ لَا مَقْصُورَةٌ وَإِنَّمَا صَلَاةُ الْحَضَرِ زَائِدَةٌ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي تَسْمِيَتِهَا مَقْصُورَةً وَمَتَى خَالَفَ خَبَرُ الْآحَادِ نَصَّ الْقُرْآنِ أَوْ إجْمَاعًا وَجَبَ تَرْكُ ظَاهِرِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ " فَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْحَضَرِ وَقَوْلُهُ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ مَعْنَاهُ تَامَّةُ الْأَجْرِ هَذَا إذَا سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِلَّا فَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ فَقَالَ لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ عُمَرَ وَلَكِنْ قد رواه

الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ عن عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالصُّبْحَ شُرِعَتَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يقبلان تغيبر بحال بِخِلَافِ صَلَاةِ السَّفَرِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ لَزِمَهُ أَرْبَعٌ وَلَيْسَ كذلك الجمعة والصبح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرٍ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَمَّا إذَا سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ كَالسَّفَرِ لَقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قِتَالِ

المسلمين فلا يجوز القصر ولا الترخص بشئ مِنْ رُخَصِ الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّ الرُّخْصَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّقَ بِالْمَعَاصِي وَلِأَنَّ فِي جَوَازِ الرُّخْصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا لا يجوز) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا أَوْ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ نَاشِزَةً مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مُتَغَيِّبًا عَنْ غَرِيمِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى قَضَاءِ دِينِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا الْمُزَنِيَّ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا التيمم

فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ أَنَّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَكُونُ كَتَارِكِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَبِيحَ التَّيَمُّمِ وَسَائِرَ الرُّخَصِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ سَفَرٍ مُبَاحٍ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) يَتَرَخَّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ انْعَقَدَ مُبَاحًا مُرَخَّصًا فَلَا يَتَغَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَرَخَّصُ مِنْ حِينِ نَوَى الْمَعْصِيَةَ لِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ يُنَافِي التَّرَخُّصَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَنْ سَافَرَ مُبَاحًا إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ إنْ لَقِيت فُلَانًا رَجَعْت فَهَلْ لَهُ اسْتِدَامَةُ التَّرَخُّصِ فِيهِ وَجْهَانِ أَمَّا إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ وَنَوَى سَفَرًا مُبَاحًا وَاسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ ابْتِدَاءَ سَفَرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى مَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ تَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ طرءان سفر الطاعة كطرءان نِيَّةِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَيَكُونُ فِيهِ الْوَجْهَانِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ ثُمَّ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فِي طَرِيقِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ * (فَرْعٌ) لَيْسَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَسْتَبِيحُهُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَأَمَّا الْمُقِيمُ الْعَاصِي إذَا أَضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَيُبَاحُ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حتى يتوب *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِمَّا يَلْحَقُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَيُعَذِّبَ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ لِغَيْرِ غَرَضٍ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ لَيْسَ بِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلَا يَتَرَخَّصُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: مَذْهَبُنَا جَوَازُ الْقَصْرِ فِي كُلِّ سَفَرٍ لَيْسَ مَعْصِيَةً سَوَاءٌ الْوَاجِبُ وَالطَّاعَةُ وَالْمُبَاحُ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجُوزُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهِ دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوَّلِينَ إطْلَاقُ النُّصُوصِ وَعَلَى الْآخَرِينَ قَوْله تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مخمصة غير متجانف لاثم) وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ رُخَصِ السَّفَرِ لَهَا حُكْمُ الْقَصْرِ فِي هَذَا فَلَا يَسْتَبِيحُ العاصى بسفره شيئا حَتَّى يَتُوبَ وَمِنْهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَجَوَّزَهُ لَهُ أبو حنيفة: دليلنا الاية * * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يُفَارِقَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فَعَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ فَإِنْ اتَّصَلَ حِيطَانُ الْبَسَاتِينِ بِحِيطَانِ الْبَلَدِ فَفَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّ الْبَسَاتِينَ لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ وَبِجَنْبِهَا قَرْيَةٌ فَفَارَقَ قَرْيَتَهُ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَتَانِ مُتَقَارِبَتَيْنِ فَهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانَتْ خِيَامًا مُجْتَمَعَةً لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ جَمِيعَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً قَصَرَ إذَا فَارَقَ مَا يَقْرُبُ مِنْ خَيْمَتِهِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعٍ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَيَخْرُجُوا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا بِالسَّفَرِ وَإِنْ قَالُوا نَنْتَظِرُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا سِرْنَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا لِأَنَّهُمْ قطعوا بالسفر *

(الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَهُ سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ السُّورِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَهُ بَسَاتِينُ وَمَزَارِعُ أَمْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ فَإِذَا فَارَقَ السُّوَرَ تَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تَرَخَّصَ وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ إلَى السُّورِ يَعْنِي مُلْصَقًا بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ السُّوَرِ دُورٌ وَمَقَابِرُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ خَارِجَ السُّورِ دُورٌ أَوْ مَقَابِرُ مُلَاصِقَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَجَبٌ مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ تَرْجِيحَهُ الثَّانِيَ مَعَ تَرْجِيحِهِ الْأَوَّلِ فِي الشَّرْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ سُورٌ أَوْ كَانَ لَهُ سُورٌ فِي بَعْضِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ فَابْتِدَاءُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَةِ الْعُمْرَانَ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ وَالْخَرَابُ الْمُتَخَلِّلُ لِلْعُمْرَانِ مَعْدُودٌ مِنْ الْبَلَدِ وَكَذَا النَّهْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ جَانِبَيْ بَلَدٍ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَسَاكِنُ خَرِبَتْ وَخَلَتْ مِنْ السَّكَّانِ وَلَا عِمَارَةَ وَرَاءَهَا فَإِنْ اتَّخَذُوا مَوْضِعَهَا مَزَارِعَ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ وَذَهَبَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ لَمْ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذُوهُ مَزَارِعَ وَلَا حَوَّطُوا على العابر وَبَقِيَتْ أُصُولُهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْكُونًا فَأَشْبَهَ الصَّحْرَاءَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْبِلَادِ أَمَّا الْبَسَاتِينُ وَالْمَزَارِعُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَحُوطَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي والرافعي وجها انه يشترط وليس بشئ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَسَاتِينِ دُورٌ أَوْ قُصُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا بَعْضَ فُصُولِ السَّنَةِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا هَكَذَا قَالَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ لَهُ الْجُمْهُورُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لانها ليست من البلد فلا يصير مِنْهُ بِإِقَامَةِ بَعْضِ النَّاسِ فِيهَا بَعْضَ الْفُصُولِ قال أصحابنا لو كان للبلد جانبين بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبَغْدَادَ فَعَبَرَ الْمُنْشِئُ لِلسَّفَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْبُنْيَانَ فِي الْجَانِبِ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا بَلَدٌ وَاحِدٌ قَالَ الْقَاضِي

أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ مَيْدَانٌ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ جمع بُنْيَانِ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ: هَذَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ الْكَبِيرَةِ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَهَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ الْمَحُوطَةِ وَلَا الْبَسَاتِينِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَسَاتِينُ أَوْ الْمَزَارِعُ مَحُوطَةً اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ الْمَحُوطَةِ وَلَا الْبَسَاتِينِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ الْمَحُوطَةِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْبَلْدَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ البساتين والمزارع المحوطة ويجئ فِيهَا وَجْهُ الْمُتَوَلِّي: أَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَهُمَا كَمَحَلَّتَيْنِ مِنْ قَرْيَةٍ فَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَإِنْ انْفَصَلَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى فَجَاوَزَ قَرْيَتَهُ جَازَ الْقَصْرُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْأُخْرَى مِنْهَا أَمْ بَعُدَتْ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إذَا تَقَارَبَتَا اُشْتُرِطَ مُفَارَقَتُهُمَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ذِرَاعٌ لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ الْأُخْرَى بَلْ يَقْصُرْ بِمُفَارَقَةِ قَرْيَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ جَمَعَ سُورٌ قُرًى مُتَفَاصِلَةً لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ السُّورِ وَكَذَا لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَلِهَذَا قُلْنَا أَوَّلًا إنْ ارْتَحَلَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهَا وَأَمَّا الْمُقِيمُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيُشْتَرَطُ مُفَارِقَتُهُ لِلْبُقْعَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا رَحْلُهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ فَإِنْ سكن واديا وسار في عرضه فلابد مِنْ مُجَاوَزَةِ عَرْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّسَاعِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَوْدِيَةِ فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهُ لَمْ يُشْتَرَطُ إلَّا مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ الَّذِي يُعَدُّ مَوْضِعَ نُزُولِهِ أَوْ مَوْضِعَ الْحِلَّةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي فَإِنَّهُ يَكْفِيه ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ عَرْضِهِ مُطْلَقًا وَجَانِبَا الْوَادِي كَسُورِ الْبَلَدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَوْ كَانَ نَازِلًا فِي رَبْوَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ يَهْبِطَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي وَهْدَةٌ اُشْتُرِطَ أَنْ يَصْعَدَ وَهَذَا إذَا كَانَتَا مُعْتَدِلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَادِي وَلَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ الْوَادِي وَالْهُبُوطِ وَالصُّعُودِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ فِي خَيْمَةٍ وَمَنْ هُوَ فِي جَمَاعَةٍ أَهْلِ خِيَامٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إذَا فَارَقَ الْخِيَامَ كُلَّهَا مُجْتَمَعَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً إذَا كَانَتْ حِلَّةً

وَاحِدَةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارِقَتُهُ لِحِلَّةٍ أُخْرَى بَلْ الْحِلَّتَانِ كَبَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَضَبَطَ الصَّيْدَلَانِيُّ التَّفَرُّقَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا هَكَذَا فَهِيَ حِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ مَعَ مجاوزة الْخِيَامَ مُجَاوَزَةُ مَرَافِقِهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَرَاحِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ الْخِيَامِ بَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ خَيْمَتِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ قَصَرَ وَلَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا وَإِنْ فَارَقَ مَنْزِلَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ أَرَادَ سَفَرًا فَصَلَّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ نَهَارًا حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجَ بِالنَّهَارِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَإِنْ خَرَجَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ النَّهَارُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا جَاوَزَ حِيطَانَ دَارِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ فَمَذْهَبُ مُجَاهِدٍ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ مُنَابِذٌ لِاسْمِ السَّفَرِ * (فَرْعٌ) إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ ثُمَّ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْبَلَدُ وَطَنَهُ وَلَا أَقَامَ فِيهِ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِالرُّجُوعِ وَلَا بِدُخُولِهِ بَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ فِي رُجُوعِهِ وَفِي نَفْسِ الْبَلَدِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ وَطَنَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ وَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ثَانِيًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي رُجُوعِهِ لَا فِي الْبَلَدِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ وَطَنُهُ لَكِنَّهُ أَقَامَ فِيهِ مُدَّةً فَهَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ غَيْرُ نَاوِي الْإِقَامَةِ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْمُتَوَلِّي (وَالثَّانِي) لَا يَتَرَخَّصُ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَرَخَّصُ إذَا عَادَ فَنَوَى الْعَوْدَ وَلَمْ يَعُدْ

لَمْ يَتَرَخَّصْ بَلْ صَارَ بِالنِّيَّةِ مُقِيمًا وَسَوَاءٌ زَمَنُ الرُّجُوعِ وَزَمَنُ الْحُصُولِ فِي الْبَلَدِ فِي الحالتين فحيث ترخص بترخص فِيهِمَا وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوْضِعِ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنْ كَانَتْ فَهُوَ مُسَافِرٌ فَيَتَرَخَّصُ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعٍ بِنِيَّةِ انْتِظَارِ رُفْقَتِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ خَرَجُوا سَارُوا كُلُّهُمْ وَإِلَّا رَجَعُوا وَتَرَكُوا السَّفَرَ لَمْ يَجُزْ لهم القصر لانهم لم يجزوا بِالسَّفَرِ وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَأَمَّا إذَا قَالَ نَنْتَظِرُهُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا سِرْنَا فَلَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالسَّفَرِ * (فَرْعٌ) فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي تَنْقَطِعُ بِهِ الرُّخَصُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) الْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَضَابِطُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إنْشَاءِ السَّفَرِ مِنْهُ فَبِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ تَنْقَطِعُ الرُّخَصُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْوَطَنِ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ مِنْ التَّرَخُّصِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ بَلْ يَتَرَخَّصُ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يَقْطَعَهُ بِإِقَامَةٍ أَوْ نِيَّةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) يَنْقَطِعُ كَالْوَطَنِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ حَصَلَ فِي طَرِيقِهِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَوْطَنُهَا الْآنَ فَهَلْ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِدُخُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْتَهِي بل له الترخص فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقِيمًا وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ مَرَّ فِي سَفَرِهِ بِوَطَنِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَنَوَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهَا وَيَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا لِأَنَّهُ فِي وَطَنِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسَافِرًا (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَبَلَدِ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَعَلَى أحدهما

العود إلى الوطن لا يَقْتَضِي انْتِهَاءُ السَّفَرِ إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْإِقَامَةِ (وَالثَّالِثُ) صُورَةُ الْإِقَامَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنَشْرَحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالِيًا عَلَى مَكَّةَ وَأَرَادَ الْحَجَّ وَأَحْرَمَ بِهِ قَصَرَ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ فِي خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتِ وَمِنًى فَإِنْ عُزِلَ عَنْ الْوِلَايَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ بُنَيَّةِ السَّفَرِ إلَى مَسَافَةِ القصر وان ولى بلادا كثيرة فَخَرَجَ إلَيْهَا وَنِيَّتُهُ الْمَقَامُ فِي بَعْضِهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ يَدْخُلُهُ غَيْرَ بَلَدِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا فِي وِلَايَتِهِ ويقصر " * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَكُونَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ سَارَتْ السَّفِينَةُ وَحَصَلَتْ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ اتَّصَلَتْ السَّفِينَةُ بِمَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ اُجْتُمِعَ فِي صَلَاتِهِ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ فَغَلَبَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الْإِتْمَامِ فَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ كالمقيم) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كَمَا ذَكَرَهَا بِاتِّفَاقٍ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حكم الاتمام وكذا لو دخل في فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي سَفِينَةِ بَلَدِهِ أَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ بَلَدُهُ أَمْ لَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بَلَدَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَسْتَشْكِلُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ لِأَنَّهُ إنْ نوى الصلاة

تَامَّةً أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْقَصْرِ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَيَكْفِي فِي أَشْكَالِهَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَعَ جَلَالَتِهِ اسْتَشْكَلَهَا فَقَالَ لَيْسَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كثير فَائِدَةٍ ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَتْهُ وَذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ نَقْلٌ قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُقِيمَ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ جَزْمًا وَلَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ هَذَا كَلَامُهُ وَجَزَمَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ الَّذِي نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ و (الجواب) عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ مُطْلَقًا فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ يَسِيرُ وَيُفَارِقُ الْبَلَدَ فِي أَثْنَائِهَا فَيَجِبُ الْإِتْمَامُ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فَقْدُ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِيَةُ) اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِيهَا فبينو أَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْعِبَادَةِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْحَضَرِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَهِيَ إذَا مَسَحَهُ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَعِنْدَنَا يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَيَقُولُ اجْتَمَعَ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ وَاجْتِمَاعُهُمَا يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْحَضَرِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَهَذَا الْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ

أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَوْ نَوَاهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ الْقَصْرُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَصْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْقَصْرُ وَحَكَى الشيخ أبو حامد وصاحب البيان عن المغربي أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَائِهَا أَنْ يَقْصُرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ لِمَا سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا فَمَتَى وَجَدَ جُزْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَجَبَ إتْمَامُهَا تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَصْرِ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ فَلَوْ جَهِلَ جَوَازَهُ فَقَصَرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احتمالا وليس بشئ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَكَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَرَ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتِّفَاقَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَسْأَلَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ عَمْدًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا أَرْبَعًا لِالْتِزَامِهِ الْإِتْمَامَ فَإِنْ صَلَاتُهُ انْعَقَدَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَاهِلُ الْقَصْرَ فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ وَإِذَا أَعَادَهَا فَلَهُ الْقَصْرُ إذَا عَلِمَ جَوَازَهُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يَعْقِدُ صَلَاتَهُ تَامَّةً ثُمَّ فَسَدَتْ وَهُنَا لَمْ تنعقد بِخِلَافِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا نِيَّةُ الْقَصْرِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَةُ ذِكْرِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ الِانْفِكَاكُ عَنْ مُخَالِفَةِ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ والاتمام أو شك فيه جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَاهٍ بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَعُودَ وَيُسْلَمَ مَعَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ بِقِيَامِ الْإِمَامِ سَاهِيًا تَوَجَّهَ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا فَلَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْإِمَامِ فِي سَهْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَامَ إمَامُهُ سَاهِيًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِتَرَدُّدِهِ وَلَوْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ كَانَ حَدَثَ مَا يقتضى الاتمام كنية الاتمام أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ حُصُولِهِ بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي سَفِينَةٍ فَقَامَ لِذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبَهُ وَإِنْ لم يحدث شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَامَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا كَمَا لَوْ قَامَ الْمُقِيمُ إلَى خَامِسَةٍ وَكَمَا لَوْ قَامَ الْمُتَنَفِّلُ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ قَبْلَ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَامَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسْلَمَ فَلَوْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَنْهَضَ مُتِمًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النُّهُوضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاجِبٌ وَنُهُوضُهُ كَانَ لَاغِيًا لِسَهْوِهِ وَلَوْ صَلَّى ثَالِثَةً وَرَابِعَةً سَهْوًا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَتَذَكَّرَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَتْ صَلَاتُهُ مَقْصُورَةً وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ الزَّائِدَتَانِ لَاغِيَتَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِمَا الصَّلَاةُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الاتمام يقتضى

أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَحْسُوبَاتٍ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَصَلَتْ الْوَطَنَ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ وَالْمَأْمُومِينَ الْإِتْمَامُ قَالَ أبو حامد قال مالك للمأمومين القصر * * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالتَّمَامَ فَغَلَبَ التَّمَامُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْصُرَ الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُقِيمٍ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ فَهُوَ كَالْمُؤْتَمِّ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ تَامَّةً فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ أَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَزِمَهُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِفْسَادِ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بالصلاة في السفر أو في الحضر أَوْ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لان الاصل هو التمام والقصر أُجِيزُ بِشُرُوطٍ فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّرُوطُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُسَافِرٍ أَوْ بِمَنْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ خَلْفَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ تَبِعَهُ فِي الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ نوى الْإِتْمَامَ وَإِنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ قَوْلُ ابى اسحق لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ لَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ أئتم بمن الظاهر منه انه يقصر) *

(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بمتم كان الاحسن أن يقول بمقيم لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مؤتم بمقيم كان الاحسن بمتم وقوله لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَسَنُوضِحُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُتِمٍّ فَمَنْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي لَحْظَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتِمُّ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَيُتَصَوَّرُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتِمِّ فِي لَحْظَةٍ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُدْرِكَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ يُحَدِّثَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَأْمُومَ أَوْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ مَقْصُورَةً جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الصُّبْحَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْعَدَدِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الصُّبْحَ لَا يَخْتَلِفُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ الْجُمُعَةِ مُسَافِرًا كَانَ إمَامُهَا أَوْ مُقِيمًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) إنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ جَازَ الْقَصْرُ كَالظُّهْرِ مَقْصُورَةً خَلْفَ عَصْرٍ مَقْصُورَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالصُّبْحِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَمَتَى عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الاتمام فلو اقتدى به ونوى القصر انعقد صَلَاتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقِيمِ يَنْوِي الْقَصْرَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَيْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إمَامَهُ مُسَافِرًا وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ خَلْفَهُ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أو ظنه مسافرا ولم يدرأ نوى الْقَصْرَ أَمْ لَا فَلَهُ الْقَصْرُ وَرَاءَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَضُرُّهُ الشَّكُّ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ نِيَّةُ الْقَصْرِ وَلَوْ عَرَضَ هَذَا الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ بَلْ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ جَهِلَ نِيَّةَ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ فَعَلَّقَ عَلَيْهَا فَقَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ قَصَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَمُقْتَضَى الْأَطْلَاقِ هُوَ مَا نَوَى (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِلشَّكِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ أَفْسَدَهَا فَقَالَ كُنْت نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ قَالَ كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ انْصَرَفَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف

بدليلهما (أصحهما) وهو المنصوص وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ امامه بشئ لَكِنَّهُ عَادَ فَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ رَكْعَتَيْنِ فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ فَيَعْمَلُ بِفِعْلِهِ كَمَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَمْ مُقِيمٌ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ بَانَ الْإِمَامُ مُتِمًّا أَوْ قَاصِرًا أَوْ انصرف وجهل حاله وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا بَانَ قَاصِرًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فستأنفها فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا قَاصِرًا فَبَانَ مُقِيمًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ بَانَ مُقِيمًا مُحْدِثًا نَظَرَ إنْ بَانَ كونه مقيما أو لا لزم الاتمام وان بان اولا محدئا ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَصْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَقْتِدَاؤُهُ (وَالثَّانِي) لَا قَصْرَ لَهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَهُ الْقَصْرُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُقِيمًا ثُمَّ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ سَافَرَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَهُ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فَبَانَ حَدَثَ الْمَأْمُومُ فَلَهُ الْقَصْرُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ الصَّحِيحِ وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْرِفُهُ مُحْدِثًا وَيَعْلَمُهُ مُقِيمًا فَلَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ * (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بمسافرين ومقيمين جاز ويقصر الامام والمسافرين وَيُتِمُّ الْمُقِيمُونَ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمُ سَفَرٍ * (فَرْعٌ) إذَا شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ أَمْ فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ وَأَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي حَالِ الشَّكِّ عَلَى حُكْمِ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَمْ لَا فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَفْعَلْ رُكْنًا فِي حَالِ شَكِّهِ يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَمْ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْي وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَصْرُ وقال طاوس والشعبي

وَتَمِيمُ بْنُ حَذْلَمَ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَهُ اجزأتاه وقال اسحق بن راهويه له القصر خلف المقيم بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ فَرَغَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ تَشَهَّدَ وَحْدَهُ وَسَلَّمَ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاوس وَالشَّعْبِيِّ وَدَاوُد * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي رِوَايَةٍ يَقْصُرُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُ فَصَلَّى خَلْفَهُ الْمُسَافِرُ الْآخَرُ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَدَاوُد يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وقال مالك وابو حنيفة له القصر * * قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ * (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وان صلي بِمُقِيمِينَ فَرَعَفَ وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا أَتَمَّ الرَّاعِفُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّ الرَّاعِفَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ بِالْمُقِيمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فَرْعُ الرَّاعِفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الفرع ولا يلزم الاصل وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) فِي قَوْلِهِ رَعَفَ لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا فَتْحُ الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّهَا وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ رَعَفَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَالرَّاعِفُ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَا يُكْمِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إلَّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا غَلَطٌ فَالرَّاعِفُ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) عند الاصحاب وتأويل المزني وابي اسحق وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ ذَهَبَ فَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ وَاقْتَدَى بِالْمُقِيمِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالُوا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ هَذَا التَّأْوِيلُ قول اكثر اصحابنا وصححه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ أَبِي غَانِمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ حِينَ أَحَسَّ بِالرُّعَافِ وَخَرَجَ مِنْهُ يَسِيرٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا وَحَصَلَ مُؤْتَمًّا بِهِ ثُمَّ انْدَفَقَ رُعَافُهُ فَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِمَصِيرِهِ مُؤْتَمًّا بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ هَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الَّذِي فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ هُوَ الِاسْتِخْلَافُ بِعُذْرٍ فَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الْإِمَامُ إذَا اسْتَخْلَفَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ الْكَثِيرِ

تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَلَا يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِالْمُقِيمِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الْإِحْسَاسُ بِالرُّعَافِ عُذْرٌ وَمَتَى حَضَرَ أَمَامَ حَالِهِ أَكْمَلَ مِنْهُ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مُرَادَهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَدِيمِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ فَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ مُقْتَدِيًا بِمُقِيمٍ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بَاطِلٌ فِي الْقَدِيمِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَدِيمِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فَرْعُهُ فَهُوَ أُولَى هَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا وَضَعَّفَهُ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ بِخِلَافِ الرَّاعِفِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ الْمُسَافِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوُوا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ كَانُوا مُقْتَدِينَ حتى لو نوووا مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ واجبة لزمهم الاتمام أن نووا الاقتدء بِهِ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْقَصْرُ وَلَوْ نَوَى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَتَمَّ النَّاوُونَ وَقَصَرَ الْآخَرُونَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَا اسْتَخْلَفُوا فَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ سَوَاءٌ الْإِمَامُ الرَّاعِفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ أَوْ اسْتَخْلَفُوا مُسَافِرًا فَلِلرَّاعِفِ وَالْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَاسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ فَفِيهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ (وَالثَّانِي) لِلرَّاعِفِ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ فَرْعًا لِلرَّاعِفِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُونَ مُقِيمًا وَالْمُسَافِرُونَ مُسَافِرًا جَازَ وَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ مَعَ إمَامِهِمْ وكذا لو افترقوا ثلاث فرق واكثر * * قال المصنف رحمه الله * (إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ لِأَنَّ بِالثَّلَاثِ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا " لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَأَجْلَى عُمَرُ رَضِيَ الله عنه اليهود ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا " وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ فَلَا يُحْتَسَبُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِيهِ وَإِقَامَتُهُ فِي بَعْضِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُسَافِرٍ إلَّا وَيُقِيمُ بَعْضَ الْيَوْمِ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِقَامَةِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى حَرْبٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَقْصُرُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ " أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اقاموا برام هرمز تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ (وَالثَّانِي) لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا سَفَرَ فِيهَا فَلَمْ يَقْصُرْ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ في غير حرب واما إذا قام فِي بَلَدٍ عَلَى حَاجَةٍ إذَا انْتُجِزَتْ رَحَلَ ولم ينو مدة ففيه

قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْصُرُ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " وَبَقِيَ فِيمَا زَادَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (وَالثَّانِي) يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّهُ إقَامَةٌ عَلَى حَاجَةٍ يَرْحَلُ بَعْدَهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الْقَصْرَ كَالْإِقَامَةِ فِي سَبْعَةَ عَشْرَ وَخَرَّجَ أبو إسحق قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَبْلَغُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَالنِّيَّةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَقْصُرْ فَلَأَنْ لَا يَقْصُرَ إذَا أقام أولى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ وَحَدِيثُ إقَامَةِ الصَّحَابَةِ بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ وَهُوَ مُخْتَلِفٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تِسْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ وَاحِدٍ مِنْ عِشْرِينَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ ثَلَاثَةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ: أَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ أَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ مَعْنَاهُ أَخْرُجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جَلَا الْقَوْمُ خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَأَجْلَيْتهمْ وَجَلَوْتهمْ أَخْرَجَتْهُمْ وَرَامَهُرْمُزَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ - وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَوْلُهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ هُوَ بِالتَّاءِ فِي أَوَّلِ تِسْعَةِ وَقَوْلُهُ الْإِقَامَةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ هُوَ بِالْفَاءِ أَيْ لَا تُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهَا وَالنِّيَّةُ يُمْكِنُ قَطْعُهَا وَإِبْطَالُهَا أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْإِقَامَةِ الْمُقَيَّدَةِ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَمْسَةَ عَشْرَ وَلَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فِي إقَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ لِحَرْبِ هَوَازِنَ فِي عَامِ الْفَتْحِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرْ الصَّلَاةَ " إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فَإِنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ لَمْ يَعُدَّهُمَا وَمَنْ رَوَى ثَمَانَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَقَامَ رسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " لَكِنْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَرِوَايَةُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ (قُلْت) وَرِوَايَةُ الْمُسْنَدِ تَفَرَّدَ بِهَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ إمَامٌ مُجْمَعٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي الْحَدِيثِ إرْسَالٌ وَإِسْنَادٌ حُكِمَ بِالْمُسْنَدِ * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّرَخُّصُ بشئ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ السَّيْرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَفَرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَرْحَلَتَيْنِ هَذَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ وَادٍ يُمْكِنُ الْبَدْوِيُّ الْإِقَامَةَ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَنَحْوُهَا فَفِي انْقِطَاعِ السَّفَرِ وَالرُّخَصِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْقِطَاعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ فَلَا يَتَرَخَّصُ حَتَّى يُفَارِقَهَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ وَلَهُ التَّرَخُّصُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَنِيَّتُهُ لَغْوٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ مَاكِثٌ أَمَّا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لان سبب القصر السَّفَرُ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةٌ أَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّرَخُّصُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ الرُّخَصُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةً دُونَ أَرْبَعَةٍ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي كَيْفِيَّةِ احْتِسَابِ الْأَرْبَعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَحْسِبُ مِنْهَا يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كما يحسب يوم الحدث وَيَوْمَ نَزْعِ الْخُفِّ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) وبه قطع المصنف والجمهور لا يحسبان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ: وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِيرُ وَإِنْ دَخَلَ ضَحْوَةَ السَّبْتِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ مَتَى نَوَى إقَامَةَ زِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا فَمُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ الْأَيَّامُ الْمُحْتَمَلَةُ مَعْدُودَةٌ بِلَيَالِيِهَا وَمَتَى نَوَى أَرْبَعَةً صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ وَلَوْ دَخَلَ في الليل

لَمْ يَحْسِبْ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ وَيَحْسِبُ الْغَدَ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبِ أَمَّا الْمُحَارَبُ وَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ بِحَقٍّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يَقْصُرُ أَبَدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فَلَا يَقْصُرُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ كَانُوا يَتَنَقَّلُونَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ: أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ لِشُغْلٍ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَتَوَقَّعَ انْقِضَاءَ شُغْلِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَنَوَى الِارْتِحَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) منهما قول الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ الْقَصْرُ أَبَدًا سَوَاءُ فِيهِ الْمُقِيمُ لِقِتَالِ أَوْ لِخَوْفِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ لِتِجَارَةٍ وَغَيْرُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ أَصْلًا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْقَصْرُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا فَقَطْ وَقِيلَ عَلَى هَذَا يَجُوزُ سَبْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ عِشْرِينَ وَسَمَّى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ أَقْوَالًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي الْمُحَارَبِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَوْلًا وَاحِدًا وبه قال أبو إسحق كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَوْجُهُ وَسُمِّيَتْ أَقْوَالًا كَانَتْ سَبْعَةً (أَحَدُهَا) لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ إلَى سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا (وَأَصَحُّهَا) إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ (وَالرَّابِعُ) إلَى تِسْعَةَ عَشْرَ (وَالْخَامِسُ) الي عشرين (والسادس) ابدا (والسابع) لِلْمُحَارِبِ مُجَاوَزَةُ أَرْبَعَةٍ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ شُغْلَهُ لَا يَفْرُغُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالْمُقِيمِ لِتِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مُحَارَبًا وقلنا في الحال الاول لا يقصر فههنا

أَوْلَيْ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَرَخَّصُ أَبَدًا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارَبٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَصْلًا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمُحَارَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالُوا هُوَ غَلَطٌ (فَإِنْ قِيلَ) ثَبَتَ فِي صَحِيحَيِّ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَرَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ " فَهَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَوَى إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالُوا لَيْسَ مُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي نَفْسِ مَكَّةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بَلْ طُرُقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا ثلاثة ولم يحسب يوم لدخول وَلَا الثَّامِنَ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِيهِ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَاتَ بِهَا وَسَارَ مِنْهَا يَوْمُ التَّاسِعِ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَسَارَ إلَى مِنَى فَقَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يقصر ثم نفر منها بَعْدَ الزَّوَالِ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُقِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ سَافَرَ عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ وَامْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا فَنَوَى الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ رُخْصُهُمَا كَغَيْرِهِمَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُمَا فِي الْإِقَامَةِ فَلَغَتْ نِيَّتَهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ نَوَى الْجَيْشُ الْإِقَامَةَ مَعَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَنْوِ هُوَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (قُلْت) الْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ يَتَرَخَّصُونَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الْجَزْمُ بِالْإِقَامَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ مُسَافِرَانِ بَلَدًا وَنَوَيَا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْقَصْرِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآخَرُ لَا يَعْتَقِدُهُ كُرِهَ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ صَحَّ وَإِذَا

قَصَرَ الْإِمَامُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَقُومُ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَوْ عَقِبَ سَلَامِهِ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بحدث وغيره هكذا ذَكَرَ الْفَرْعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) لَوْ سَافَرُوا فِي الْبَحْرِ فَرَكَدَتْ بِهِمْ الرِّيحِ فَأَقَامُوا لِانْتِظَارِ هُبُوبِهَا فَهُوَ كَالْإِقَامَةِ لِتَنْجِيزِ حَاجَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَلَوْ فَارَقُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ أَدَارَتْهُمْ الرِّيحُ وَرَدَّتْهُمْ إلَيْهِ فَأَقَامُوا فِيهِ فَهِيَ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا وَلَا تَنْضَمُّ إلَى الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابِ إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَنَوَى أَنَّهُ إذَا وَصَلَهُ أَقَامَ فِيهِ يَوْمًا فَإِنْ لَقَى فُلَانًا أَقَامَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ رَجَعَ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَلْقَ فُلَانًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَرْجِعَ وَإِنْ لَقِيَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ مِنْ حِينِ لَقِيَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ أَنْ لَقِيَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ بُنْيَانَ ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي حَقِيقَةِ السَّفَرِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ فِي بَلَدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ وَإِنْ نَوَى دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ إنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ يوما مع الدُّخُولِ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ في رواية عنه وعبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَيْ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِلَّا فَلَا وقال ابن عباس واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إنْ نَوَى إقَامَةَ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِنْ

نَوَى دُونَهَا قَصَرَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ نَوَى إقَامَةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ أَنَسُ وَابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَاللَّيْثُ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَرْبَعَةً قَصَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى إحْدَى وَعِشْرِينَ قَصَرَ وَيُحْسَبُ عِنْدَهُ يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروى عن بن المسيب قال ان قام ثَلَاثًا أَتَمَّ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْصُرُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَقَالَ رَبِيعَةُ إنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَحُكِيَ عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ أَوْ بَلَدًا لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ لِانْتِظَارِ حَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَقْصُرُ أَبَدًا * وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو مقيم * * قال المصنف رحمه الله *

(وان فاتته صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قولان قال في القديم له أن يقصر لانها صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها في العدد كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر وقال في الجديد لا يجوز له القصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر كالقعود في صلاة المريض وان فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان (أحدهما) لا يقصر لانها صلاة ردت من أربع الي ركعتين فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة والثاني له أن يقصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر والعذر باق فكان التخفيف باقيا كالقعود في صلاة المريض وان فاتته فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ له القصر لانه ثبت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر كما لو نذر أن يصلي أربع ركعات وقال المزني له أن يقصر كما لو فاته صوم في الحضر وذكره في السفر فان له أن يفطر وهذا لا يصح لان الصوم تركه في حال الاداء وكان له تركه وههنا في حال الاداء لم يكن له أن يقصر

فوزانه من الصوم أن يتركه من غير عذر فلا يجوز له تركه في السفر) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَكَانَ قَضَاؤُهَا كَأَدَائِهَا فِي الْعَدَدِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ فَقَضَاهَا فِي الْمَرَضِ قَاعِدًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَجَوَّزَ الْقَصْرَ وَإِنْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) لَهُ الْقَصْرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ فَلَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ فَأَقَامَ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ الْوَقْتِ فلم يصلى حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا فَاتَتْ بِكَمَالِهَا فِي السَّفَرِ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: أَمَّا إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ فَقَوْلَانِ (أصحهما) عند المصنف هنا وعند أبي اسحق المروزى والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَهُ الْقَصْرُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْقَصْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ ثُمَّ سَافَرَ سَفَرًا آخَرَ فَقَضَى فِي السَّفَرِ الْبَاقِي هَلْ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّوَرَ فَقَالَ إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَظْهَرُهَا) إنْ قَضَى فِي سَفَرٍ قَصَرَ وَإِنْ قَضَى فِي حَضَرٍ أَتَمَّ (وَالثَّانِي) يُتِمُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَقْصُرُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) إنْ قَضَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُتِمُّ مُطْلَقًا فَشَرَعَ فِي صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَائِهَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَأَدَاءٌ وَإِنْ كَانَ دُونَهَا فَقَضَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَصَرَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ فَاتَهُ صَلَاةٌ وَشَكَّ هَلْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ أَمْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ لَوْ نَسِيَ الْمُسَافِرُ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ صَارَ حَاضِرًا فِي وَقْتِهَا فَقَضَى الظُّهْرَ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا قَوْلًا وَاحِدًا ولا يكون علي القولين فيمن نسبها فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ هُوَ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَكَأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ حَاضِرٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ فَائِتَةُ سَفَرٍ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ فِي الْأُمِّ يَقُولُ إنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الْأُمِّ خِلَافًا وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا عَنْ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْأُمِّ فَالصَّحِيحُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ * * قال المصنف رحمه الله * (فأما إذا دخل وَقْتُ الصَّلَاةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَيْضِ ثُمَّ لَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فَكَذَا السَّفَرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الاداء لا بحال الوجوب والدليل عليه لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى عَتَقَ صَارَ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ وَهَذَا فِي حَالِ الْأَدَاءِ مُسَافِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ وَيُخَالِفَ الْحَيْضَ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَوْ أَثَّرَ مَا طَرَأَ مِنْهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ أَفْضَى إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّفَرُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَدَدِ فَلَا يُفْضِي إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُ الْقَضَاءَ وَالْقَضَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَفْعَلُ الْأَدَاءَ وَكَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ فِي حَالِ السَّفَرِ وان سافر بعد ما ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ المزني وأبى العباس وقوله ان تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا فَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ قَاضٍ لِمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الوقت لم يجز القصر * (الشَّرْحُ) إذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ قَصْرَهَا وَنَصَّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ

وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ (وَالثَّانِي) لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَلَهُ الْقَصْرُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بظاهر النصين فأوجبوا الصلاة عليها وجوزوا له الْقَصْرَ وَفَرَّقُوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ بَقِيَ قَدْرُ الصَّلَاةِ قَصَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا جُمِعَتْ الصُّورَتَانِ قِيلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْقَصْرُ (وَالثَّانِي) الْإِتْمَامُ (وَالثَّالِثُ) إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءُ قَصْرٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَافَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْقَصْرُ إنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ لَوْ مَضَى زَمَنٌ يَسَعُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى زَمَنٌ لَا يَسَعُهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُرُوضَ السَّفَرِ لَا يُنَافِي إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَعُرُوضُ الْحَيْضِ يُنَافِيهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَاذٌّ مَرْدُودٌ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقاضي وأبو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَقْصُرُ قَالُوا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَضَى قَدْرُهَا صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِهَا بِكَمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَتَى سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ من الوقت شئ وَقُلْنَا لَهُ الْقَصْرُ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى فَاتَتْ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ بَعْدَهُ فَهِيَ فَائِتَةُ سَفَرٍ فَفِي جَوَازِ قَصْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا مُخْتَصَرُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا إشْكَالٌ عَلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ نَقَلَ هُنَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ إذَا فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ قَصَرَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ إذَا أَبَاحَ الْقَصْرَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ فِي الْحَضَرِ فَفِي أَثْنَائِهِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ مَنْعَ الْقَصْرِ هُنَا مَذْهَبًا لَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ إلْزَامًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ وَمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ يَعْتَقِدُ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ قَالَ الْمُزَنِيّ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فَمُرَادُهُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ

خَرَّجَ وَجْهًا عَلَى وَفْقِ إيرَادِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ الْحَائِضِ إلَى الْمُسَافِرِ وَعَكْسِهِ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَهُ الْقَصْرُ وَلَا قَضَاءَ عليها (والثاني) يلزمه الاتمام ويلزمه الْقَضَاءُ (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْقَصْرُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ النَّقْلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُتَنَاقِضٌ وَيَنْدَفِعُ تَنَاقُضُهُ بِمَا ذَكَرْتُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَمَعْنَاهُ لَوْ أُعْتِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَأَمْكَنَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الظُّهْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْفِعْلِ لَا بِتَعَيُّنِ الْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يَقْصُرُ: وَلَوْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا سَبَقَ وبه قال الاوزاعي واحمد واسحق وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقْصُرُ وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَهُ قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَفِيهِ التَّخْرِيجُ السَّابِقُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ في الكتاب * * قال المصنف رحمه الله * (يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " وَفِي السَّفَرِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَفَرٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَجَازَ فِيهِ الْجَمْعُ كَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ عِبَادَةٍ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ فِي السفر القصير كالفطر في الصوم) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُمَا البخاري ومسلم وجد به السير أَسْرَعَ وَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ جَمْعُ الصُّبْحِ إلَى غَيْرِهَا وَلَا الْمَغْرِبِ إلَى الْعَصْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَصِيرِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ جَوَازُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أصحابنا وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَعَلَّهُ

لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ ان رخص السفر ثمان منهما مُخْتَصٌّ بِالطَّوِيلِ وَجَائِزٌ فِيهِمَا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا الْحُجَّاجُ مِنْ الْآفَاقِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بمزدلفة في وقت العشاء بالاجماع وَفِي سَبَبِ هَذَا الْجَمْعِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَبِهِ قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) بِسَبَبِ النُّسُكِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّفَرِ فَفِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ الْقَوْلَانِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَلَا يَجْمَعُ الْعَرَفِيُّ بِعَرَفَاتٍ ولا المزدلفى لِأَنَّهُ وَطَنُهُ وَهَلْ يَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْبُقْعَةِ الْأُخْرَى فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْمَكِّيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ الْجَمْعُ لِكُلِّهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عِبَارَةً أُخْرَى فَقَالَ فِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) مَنْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) جَوَازُهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ فِي الْعَرَفِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ بِمَوْضِعِهِ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ الْجَمْعِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَحُكْمُ الْبُقْعَتَيْنِ فِي الْجَمْعِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَسْفَارِ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَكِنَّ الافضل في عرفات التقديم وفى المزدلفة التَّأْخِيرُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَمْثَالِهِمْ قَالَ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِ السَّفَرِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي عَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِسَبَبِ النُّسُكِ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصلاة حتي يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ يَعْنِي الْجَمْعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَقِيَاسًا عَلَى جَمْعِ الْمُقِيمِ وَجَمْعِ الْمَرِيضِ وَجَمْعِ الْمُسَافِرِ سَفَرًا قَصِيرًا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَمْعِ فِي

أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها حديث ابن عمر قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين المغرب والعشاء إذ جدبه السَّيْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بينهما فان زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ تَرَحَّلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ المغرب والعشاء وإن يرتحل قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْعَصْرَ وَالظُّهْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ " رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فِي إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ هِيَ نُصُوصٌ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا تَأْوِيلٌ وَدَلِيلُهُ فِي الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ وَهِيَ الْجَمْعُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحُجَّاجِ إلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَوَجَدْنَا الرُّخَصَ لَا يُسْتَدْعَى ثُبُوتَهَا نُسُكًا وَلَكِنَّهَا تَثْبُتُ فِي الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ الْأَفْرَادَ الْمُتَرَفِّهِينَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّا لَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ عُسِّرَتْ الرُّخْصَةُ وَضَاقَ مَحَلُّهَا وَتَطَرَّقَ إلَى كُلِّ مُتَرَخِّصٍ إمْكَانُ الرَّفَاهِيَةِ فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِيهِ كَوْنَ السَّفَرِ مَظِنَّةً لِلْمَشَقَّةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَفْرَادِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَبِهَذَا تَمَّتْ الرُّخْصَةُ وَاسْتَمَرَّتْ التَّوْسِعَةُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) الرُّخْصَةُ ثَبَتَتْ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ وَالْمُتَّبَعُ فِيهَا الشرع ولو عللت بالمشقة لَكَانَ الْمَرِيضُ أَحَقَّ بِرُخْصَةِ الْقَصْرِ (قُلْنَا) الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إذَا عَجَزَ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ هِيَ اللَّائِقَةُ بِحَالِهِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْقُعُودِ مِنْهُ وَهُوَ بِلَا شُغْلٍ كَالْمُقِيمِ الَّذِي يُصَلِّي قَائِمًا وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَعَلَيْهِ أَفْعَالٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فَخُفِّفَ لَهُ بِالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) الْمَرِيضُ أَحْوَجُ

إلَى الْجَمْعِ مِنْ الْمُسَافِرِ وَأَنْتُمْ لَا تُجَوِّزُونَهُ (قلنا) الاتيان بصلاتين متعاقبتين افعال كثيرة وقد يَشُقُّ عَلَى الْمَرِيضِ مُوَالَاتُهَا وَلَعَلَّ تَفْرِيقَهَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَشُقُّ عَلَيْهِ النُّزُولُ لِلصَّلَاةِ حَالَ سَيْرِ الْقَوَافِلِ وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنْ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَائِمَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إلَى رَكْعَتَيْهِ وَرِفْقُ الْجَمْعِ واضح: وأما الجواب عن احتجاجهم بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَحَادِيثُ الْجَمْعِ خَاصَّةٌ بِالسَّفَرِ فَقُدِّمَتْ وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَنْ حَدِيثٍ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ " فَإِنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا داود قال روى موقوفا علي ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا هَلْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلسَّلَفِ فَإِنْ سَلَّمْنَا الِاحْتِجَاجَ بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَرِيحَةٌ فِي إخْبَارِهِ عَنْ جَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَدُّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَجْمَعُ فِي حَالِ سَيْرِهِ إنَّمَا يَجْمَعُ إذَا نَزَلَ أَوْ كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِ الْأُولَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَفْيٌ فَالْإِثْبَاتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعَ رُوَاتِهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالْجَوَابُ عَنْ جَمْعِ الْمُقِيمِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَرِيضِ سَبَقَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ السَّفَرِ الْقَصِيرِ إذَا سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ الْجَمْعِ فِيهِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَضَرِ فَإِنَّهُ لَا يَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ بِلَا إعَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَكُمْ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ مَدَارَ التَّيَمُّمِ عَلَى إعْوَازِ الْمَاءِ وَهُوَ يُعْدَمُ فِي الْقَصِيرِ غَالِبًا كالطويل والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الجمع بينهما في وقت الاولة مِنْهُمَا وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كان نازلا في وقت الاولة فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فالافضل ان يؤخر الاولة إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوَالِ " وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ولان هذا ارفق بالمسافر فكان افضل) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَسَبَقَ مَعْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ * * قال المصنف رحمه الله * (فان أراد الجمع في وقت الاولة لَمْ يَجُزْ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ ينوى الجمع وقال المزني الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ

الْعَصْرَ قَدْ يُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى وجه الخطأ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ ان ينوى عند ابتداء الاولة لِأَنَّهَا نِيَّةٌ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْإِحْرَامِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْقَصْرِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَالِ الْجَمْعِ فَأَشْبَهَ إذَا نَوَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالشَّرْطُ الثَّانِي) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلْأُولَى وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الثانية تبعا للاولي فلابد مِنْ تَقْدِيمِ الْمَتْبُوعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) التَّتَابُعُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ طَوِيلٍ بَطَلَ الْجَمْعُ وَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره فلابد مِنْ نِيَّةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا التَّأْخِيرُ الْمَشْرُوعُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتُ الْأُولَى فَجَازَ الْبُدَاءَةُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَأَمَّا التَّتَابُعُ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ مَعَ صَلَاةٍ حَاضِرَةٍ فَجَازَ التفريق بينهما) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لَهَا فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَتْبُوعِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ هَكَذَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَلَوْ بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِفِعْلِ الْأُولَى جَامِعًا وَلَوْ صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ فَبَانَ فَسَادُ الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْجَمْعِ وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجَمْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَوَى الْجَمْعَ وَلَا أَمَرَ بِنِيَّتِهِ وَكَانَ يَجْمَعُ مَعَهُ مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ هَذِهِ النِّيَّةُ فَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ قَدْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الْأُولَى جمعا وقد تفعل سهوا فلابد مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُهَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ نَصَّانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ والخراسانيون قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ يَنْوِي عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَقَالَ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ إذَا نوى قبل التسيلم أَوْ مَعَهُ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَيَجِبُ فِي الْمَطَرِ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْجَمْعِ فَلَمْ يمكن مَحِلًّا لِنِيَّتِهِ وَفِي السَّفَرِ تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ شَرْطٌ فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلنِّيَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا عِنْدَ الْإِحْرَامِ

بِالْأُولَى كَنِيَّةِ الْقَصْرِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا وَلَا يَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلٌ خَرَّجَهُ الْمُزَنِيّ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى ثُمَّ نَوَى الْجَمْعَ ثَانِيًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْمُوَالَاةُ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ اشْتِرَاطُهَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْأُولَى حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ جَازَ وهذا نص مُؤَوَّلٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَيَضُرُّ الطَّوِيلُ وَفِي حَدِّ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَجْهَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَدَّ أَصْحَابُنَا الْقَصِيرَ بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إلى العرف وقد يقتضى العرف احتمال الزيادة عَلَى قَدْرِ الْإِقَامَةِ وَلِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ وَقَالُوا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمِ لَكِنْ يُخَفَّفُ الطلب وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالتَّيَمُّمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بِالطَّلَبِ وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا هَذَا فَصْلٌ يَسِيرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَصْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَمْعِ الْفَصْلَ الْمَانِعَ مِنْ بِنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ أَرَادَ بِنَاءَهَا قَالَ فَكُلُّ مَا مَنَعَ الْبِنَاءَ مَنَعَ الْجَمْعَ وَمَا لَا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَلَّى بَيْنَهُمَا رَكْعَتَيْنِ سُنَّةً رَاتِبَةً بَطَلَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَبْطُلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى طَالَ الْفَصْلُ امْتَنَعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى وَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا سَوَاءٌ طَالَ بِعُذْرٍ كَالسَّهْوِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا جَمِيعًا وَلَهُ إعَادَتُهُمَا جَامِعًا لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهُمَا كَالْعَدَمِ وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ بَنَى عَلَيْهَا وَمَضَتْ الصَّلَاتَانِ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ بِفِعْلِ الثَّانِيَةِ الْبَاطِلَةِ وَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا وَلَوْ لَمْ يَدْرِ أَتَرَكَهُ مِنْ

مسائل تتعلق بجمع المسافر

الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ تَخْرِيجًا مِمَّا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمَذْهَبُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَإِنْ أَرَادَهُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا قَدْرٌ يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ أَخَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْفَرْضَ عَصَى وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا إذَا مَنَعْنَا قَصْرَ الْمَقْضِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ حال الصلاة والموالاة ففيهما طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا كُلَّهَا صَحَّ الْجَمْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهَا وَاجِبَاتٌ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لَا يَجُوزُ قَصْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ قَصْرَ مَقْضِيَّةِ السَّفَرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَرَفَةَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِجَمْعِ الْمُسَافِرِ ( إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا فَصَارَ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ وُصُولِ سَفِينَتِهِ دَارَ الْإِقَامَةِ بَطَلَ الْجَمْعُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا أَمَّا الْأُولَى فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ وَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ بِالْإِقَامَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ

أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهَا (أصحهما) ينقلب نَفْلًا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ انْعَقَدَتْ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ تَتَغَيَّرْ بِعَارِضٍ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ فِي السَّفَرِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِيهَا وَيُخَالِفُ الْقَصْرَ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ لَا يُبْطِلُ فَرْضِيَّةَ مَا مَضَى أَمَّا إذَا صَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَائِهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ قَصَرَ ثُمَّ أَقَامَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالثَّانِي تَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا لِزَوَالِ السَّفَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْجَمْعِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ مُضِيِّ إمْكَانِ فِعْلِهَا فَإِنْ أَقَامَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ إمْكَانِ فِعْلِهَا لَمْ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ مَهْمَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الثانية شئ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا أَمَّا إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى صَارَتْ قَضَاءً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَمَعَ كَانَتْ

الصَّلَاتَانِ أَدَاءً سَوَاءٌ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَمَعَ تَأْخِيرًا فَالْمُؤَخَّرَةُ قَضَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْجَامِعِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْقَاصِرِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ آدَابِ السَّفَرِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَتَى يُصَلِّيهَا وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِي السَّفَرِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْقَصْرِ قَالَ وَالْمُتَّبَعُ فِي الْفَضِيلَةِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَعْنِي خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْجَبَ الْقَصْرَ وَأَبْطَلَ الْجَمْعَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَصَارَ فِيهَا فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْجَمْعَ فان قلنا يشترط فيه الْجَمْعِ حَالَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ جَمْعُهُ وَإِلَّا فيصح لوجود السفر وقت النية * * قال المصنف رحمه الله * (يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الاولة منهما لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر " قال مالك أرى ذلك في المطر وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية فيه قولان قال في الاملاء يجوز كالجمع في السفر وقال في الام لا يجوز لانه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر * (فصل) فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع لان سبب الرخصة حدث بعد الدخول فلم يتعلق به كما لو دخل في صلاة ثم سافر فان أحرم بالاولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع لان العذر موجود في حال الجمع وان عدم فيما سواهما من الاحوال لم يضر لانه ليس بحال الدخول ولا بحال الجمع * (فصل) ولا يجوز الجمع الا في مطر يبل الثياب وأما المطر الذى لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لاجله لانه لا يتأذى به وأما الثلج فان كان يبل الثياب فهو كالمطر وان لم يبل الثياب لم يجز الجمع لاجله فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لاجلها فانها قد كانت فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينقل انه جمع لاجلها وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لانه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها وقال في الاملاء يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يجمع في المسجد وبيوت أزواجه الي المسجد وبجنب المسجد)

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ فِيهِ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ - هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - أَيْ أَظُنُّهُ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا مِثْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَعَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ إمَامٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَدَالَتِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يذكرها البخاري مع أن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً أَوْلَى يَعْنِي رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قَالَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ فِي الْمَطَرِ وَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِالْمَطَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَطَرِ أَيْ لَا يُلْحِقُهُمْ مَشَقَّةً بِالْمَشْيِ فِي الطِّينِ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَجَابَ الشيخ

أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ رِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِرِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ وَلَا مَطَرٍ الْجَمْعُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَيُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الثَّانِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَى هذا الحديث عن ابي الشعشاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عمر وابن دينار قال قلت يا أبا الشعشاء اظنه أخر الظهر عجل الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي تَهْذِيبِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا مَطَرٍ أَيْ وَلَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْجَوَابَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَظِلًّا بِسَقْفٍ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَةً وَالْمُخْتَارُ مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي القديم لا تجوز وقال في الاملاء تجوز هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَقَالُوا قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ فَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَدِيمَ فَحَصَلَ مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ مَعَ نَقْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْجَوَازَ مُخْتَصٌّ بِالْإِمْلَاءِ وَالْمَنْعُ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمْلَاءَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يَرَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ أَصَحُّ مِنْ مَنْعِهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْجَوَازَ عَنْ الاملاء وَهُوَ جَدِيدٌ وَالْمَنْعُ عَنْ الْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْجَدِيدُ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَيْسَ هَذَا التَّوَهُّمُ صَحِيحًا بَلْ الْأَصَحُّ مَنْعُ الْجَمْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْوَحَلُ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ إسْكَانَهَا

أَيْضًا وَقَوْلُهُ لِأَجْلِهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَجْلِهَا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ إذَا بَلَّ الثَّوْب قَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ وَيَبُلَّانِ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَإِنْ لَمْ يَذُبْ وَلَمْ يَبُلَّ الثِّيَابَ وَهُوَ شَاذٌّ غَلَطٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ مُطْلَقًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ خَرَّجَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إتْبَاعًا لِاسْمِ الْمَطَرِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ اسْمَ الْمَطَرِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَأَمَّا الشَّفَّانُ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بَرَدُ رِيحٍ فِيهَا نَدْوَةٌ فَإِذَا بَلَّ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ وَحُكْمِهِ وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ مَطَرٌ وَزِيَادَةٌ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ وَأَمَّا الْوَحَلُ وَالظُّلْمَةُ وَالرِّيحُ وَالْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِهِ وَسَنُفْرِدُ فِي ذَلِكَ فَرْعًا مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثَّلْجِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ لمن يصلى جماعة فِي مَسْجِدٍ يَقْصِدُهُ مَنْ بَعُدَ وَيَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ فَأَمَّا مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ في كن أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي بَابِ دَارِهِ أَوْ صَلَّى النِّسَاءُ فِي بُيُوتِهِنَّ أَوْ الرِّجَالُ فِي الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ أَفْرَادًا فَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ كَمَا سَبَقَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحريم لِأَنَّ الْجَمْعَ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَجْمَعُ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ إلَى الْمَسْجِدِ " أَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةٌ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً

مِنْهَا بَيْتُ عَائِشَةَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَمُعْظَمُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ جَمْعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَاقِي أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَأَمَّا وَقْتُ الْجَمْعِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَعَكَسَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْقَوْلَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِهِ قَالَ أَصْحَابنَا فَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَيُشْتَرَطُ وُجُوبُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا أَوْ بَاطِلًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى وَفِي اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو زيد والبغوى وآخرون يشترط وجها واحدا (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنَّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي انْقِطَاعِهِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْخِلَافُ السابق في طرء ان الْإِقَامَةِ فِي جَمْعِ السَّفَرِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ وَقَالَ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَطَرِ فِي الْأُولَى فَأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَ الْأُولَى وَلَا مَطَرَ ثُمَّ مَطَرَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ الْقَوْلَانِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَجَزَمَ بِهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ في وقت

الثَّانِيَةِ وَجَوَّزْنَاهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ يُصَلِّي الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَطَرُ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَمْ انْقَطَعَ قَبْلَ وَقْتِهَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَلْ يُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا أَخَّرَ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَقَامَ قَبْلَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُقَالَ لَوْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فِعْلِهَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً كَمَا لَوْ صَارَ مُقِيمًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ * وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ فَلَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى الْجُمُعَةِ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَطَرِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ وَفِي السَّلَامِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا فِي غَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ بَلْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمَطَرُ فِيهِمَا كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْجُمُعَةِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ جَازَ إنْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَيَخْطُبُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا سَبَقَ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ جَازَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ أَدَاءً جَازَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتَيْهَا * (فَرْعٌ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز الجمع بالمرص وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ وَلَا الْخَوْفِ وَلَا الْوَحَلِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ كَجَمْعِ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا والاولى أن يفعل اوفقهما بِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قال مالك واحمد يجوز الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قُلْتُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ "

رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَرَضِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ أَوْ دُونَهُ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ آكَدُ مِنْ الْمَمْطُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ الشَّاشِيِّ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِصَرِيحٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا وَمَنْزِلُهُ بَعِيدًا من الْمَسْجِدِ بُعْدًا كَثِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ أَلْحَقْتُمْ الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ دُونَ الْجَمْعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ تَارِكَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي بَدَلَهَا الظُّهْرَ وَتَارِكَ الْجَمَاعَةِ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَيَأْتِي بِبَدَلٍ وَاَلَّذِي يَجْمَعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ بَابَ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا لَحِقَ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَهُوَ عُذْرٌ وَالْوَحَلُ مِنْ هَذَا وَبَابُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَا يَجُوزُ بِكُلِّ شَاقٍّ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ لِمَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَرِيضٍ وَشَبَهِهِ وَلَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِالْوَحَلِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَرْوَانَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ بِلَا خَوْفٍ ولا سفر وَلَا مَرَضٍ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ بِلَا سَبَبٍ قَالَ وجوزه بن سِيرِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَا لَمْ يَتَّخِذْهُ عَادَةً

باب آداب السفر

(بَابُ آدَابِ السَّفَرِ) هَذَا بَابٌ مُهِمٌّ تَتَكَرَّرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَرَأَيْتُ تَقْدِيمَهُ هُنَا لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) اسْتِبَاقُ الْخَيْرَاتِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ هُنَا أَنْسَبُ وَقَدْ بَسَطَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَسْطًا حَسَنًا فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَقَدْ جَمَعْتُ أَنَا جُمَلًا كَبِيرَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيضَاحِ فِي الْمَنَاسِكِ وَجُمْلَةً صَالِحَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَذْكَارِهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْإِشَارَةُ إلَى آدَابِهِ مُخْتَصَرَةً وَفِي الْبَابِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُشَاوِرَ مِنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ وَعِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ على المستشار النصيحة والتخلي من الهوى وخظوظ النُّفُوسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وَتَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانُوا يُشَاوِرُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ " (الثَّانِيَةُ) إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثم يدعوا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الثَّالِثَةُ) إذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج من مَظَالِمِ الْخَلْقِ وَيَقْضِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِمْ وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَسْتَحِلَّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة في شئ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَتْرُكَ لِأَهْلِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ (الرَّابِعَةُ) فِي إرْضَاءِ وَالِدَيْهِ وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ الْوَالِدُ السَّفَرَ أَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ (الْخَامِسَةُ) إذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلَالًا خَالِصَةً مِنْ الشُّبْهَةِ فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ أَوْ غَزَا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ عَصَى وَصَحَّ حَجُّهُ وَغَزْوُهُ فِي الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَأَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْمِلُ فِيهِ الزَّادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجِينَ وَلْيَكُنْ زَادُهُ طَيِّبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) والمراد بالطيب هنا الجيد وبالخبيث الردئ وَيَكُونُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا يُنْفِقُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى قَبُولِهِ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمُمَاحَكَةِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِأَسْبَابِ سَفَرِ حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَسْفَارِ الطَّاعَةِ وَكَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ

(الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُشَارَكَةِ أَسْلَمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ أَذِنَ شَرِيكُهُ لَمْ يُوثَقْ بِاسْتِمْرَارِهِ فَإِنْ شَارَكَ جَازَ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى دُونِ حَقِّهِ وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الرِّفْقَةِ عَلَى طَعَامٍ يَجْمَعُونَهُ يَوْمًا يَوْمًا فَحَسَنٌ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ بَعْضِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ إذَا وَثِقَ بِأَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الرِّبَا في شئ وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ فِي خَلْطِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَزْوَادَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْخَلْطَةِ فِي الْمَوَاشِي وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قَالَ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ قَالَ فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ " (التَّاسِعَةُ) إذَا أَرَادَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِمَا إذْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهَا وَيُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا وَيُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا مِنْ الْعَوَامّ يُخَافُ أَنْ لَا يَصِحَّ حَجُّهُ لِإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ أَرْكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ مُحَقَّقَةً فَاغْتَرَّ بِهِمْ وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَكَذَا الْغَازِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا مُعْتَمَدًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ويتعلم الغازى ما يحتاج إليه مِنْ أُمُورِ الْقِتَالِ وَأَذْكَارِهِ وَتَحْرِيمِ الْهَزِيمَةِ وَتَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَالْغَدْرِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَفْظَ الْإِسْلَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَيَتَعَلَّمُ الْمُسَافِرُ لِتِجَارَةٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَا يَصِحُّ وَمَا يَبْطُلُ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ وَمَا هُوَ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا سَائِحًا مُعْتَزِلًا لِلنَّاسِ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِيدُ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الصَّيْدِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُبَاحُ به الصيد وشرط الزكاة وَمَا يَكْفِي فِيهِ قَتْلُ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ رَاعِيًا تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْمُعْتَزِلِ مَعَ كيفية الرفق بالدواب ورمحها وَإِنْ كَانَ رَسُولًا إلَى سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ تَعَلَّمَ آداب المخاطبات الْكِبَارِ وَجَوَابَ مَا يَعْرِضُ وَمَا يَحِلُّ مِنْ ضِيَافَاتِهِمْ وَهَدَايَاهُمْ وَمَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ مِنْ النُّصْحِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَمَقَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ تَعَلَّمَ مَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ السَّفَرِ وَالتَّصَرُّفِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ الْمَذْكُورِينَ تَعَلُّمُ الْحَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا رُكُوبُ الْبَحْرِ وَاَلَّتِي لَا يَجُوزُ إنْ أَرَادُوا رُكُوبَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ

مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) يُكْرَهُ رُكُوبُ الْجَلَّالَةِ وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْعَذِرَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا مُوَافِقًا رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ كَارِهًا لِلشَّرِّ إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ وَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعَ هَذَا كَوْنُهُ عَالِمًا فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ سُوءِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالضَّجَرِ وَيُعِينُهُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَحُثُّهُ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهُ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا مِنْ الْأَصْدِقَاءِ وَلَا الْأَقَارِبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالصَّدِيقَ الْمَوْثُوقَ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى مُهِمَّاتِهِ وَأَرْفَقُ بِهِ فِي أُمُورِهِ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إرْضَاءِ رَفِيقِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ وَيَحْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَضْلًا وَحُرْمَةً وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَافَرَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيُفَوِّتُ بَعْضَ الْمَطْلُوبَاتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِي حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مخلصين له الدين) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنْ فَاتَهُ فَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ بَاكِرًا وَدَلِيلُ الْخَمِيسِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " وَفِي رواية في الصحيحين " أقل ما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ " " وَدَلِيلُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ " وَدَلِيلُ الْبُكُورِ حَدِيثُ صَخْرٍ الْعَامِرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَكَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (قُلْ يا أيها الكافرون) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا خَلَفَ عَبْدٌ أَهْلَهُ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا " وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَّا وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ سَلَامِهِ (آية الكرسي ولايلاف قُرَيْشٍ) فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا آثَارُ السَّلَفِ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ بَرَكَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ شئ وكل وقت ثم يدعوا

بِحُضُورِ قَلْبٍ وَإِخْلَاصٍ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي سَفَرِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ فَإِذَا نَهَضَ مِنْ جُلُوسِهِ قَالَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَبِكَ اعْتَصَمْتُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا هَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ لَهُ اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي " (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ وَسَائِرَ أَحْبَابِهِ وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ وَيَسَّرَ الْخَيْرَ لَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عبد الله ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُدْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ " أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ الجيش قال استودعك اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي فَقَالَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ قَالَ زِدْنِي قَالَ وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ إذَا اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ " (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ مَنْ يُوَدِّعُهُ وَأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يستحب أن يتصدق بشئ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَكَذَا أَمَامَ الْحَاجَاتِ مُطْلَقًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا صَحَّ عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلِيَّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَيَدْعُو بِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَيُنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ زَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ فَيَقُولُ الشيطان لشيطان

آخَرَ كَيْفَ بِكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَأَرَادَ رُكُوبَ دَابَّتِهِ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) : حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا استوى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا بِاسْمِ الله قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى مُقْرِنِينَ مطيعين وَالْوَعْثَاءُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ - هِيَ الشِّدَّةُ: وَالْكَآبَةُ - بِالْمَدِّ - هِيَ تغيير النَّفْسِ مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُنْقَلَبُ الْمَرْجِعُ وَعَنْ عبد الله ابن سرخس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والجور بَعْدَ الْكَوْنِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا هُوَ فِي صحيح مسلم بعد الكون بِالنُّونِ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ويروى الكور بالواو كِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ أَوْ الزِّيَادَةُ إلَى النَّقْصِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِي الرِّيَاضِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ " شَهِدْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى بِدَابَّتِهِ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ من أي شئ ضَحِكْت قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ يا رسول الله من أي شئ ضَحِكْت قَالَ إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَافِقَ فِي سَفَرِهِ جَمَاعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ

النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنْ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَنْفَرِدَ بِطَرِيقٍ وَلَا يَرْكَبُ اثْنَتَانِ الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ يُخَافُ الْإِفَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ * (1) (فَرْعٌ) قَدْ يُقَالُ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْوَحْدَةُ فِي السَّفَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْوَحْدَةَ وَالِانْفِرَادَ إنَّمَا يُكْرَهَانِ لِمَنْ استأنس فَيُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الِانْفِرَادِ الضَّرَرُ بِسَبَبِ الشَّيَاطِينِ وغيرهم أم الصَّالِحُونَ فَإِنَّهُمْ أَنِسُوا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْحَشُوا مِنْ النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْوَحْدَةِ بَلْ مَصْلَحَتُهُمْ وَرَاحَتُهُمْ فِيهَا (الْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَمِّرَ الرِّفْقَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ افضلهم وأجودهم رأيا ويطيعونه لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا اربعمائة وخير الجيوش أربع آلَافٍ وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَنْ قِلَّةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّحَابَةِ هُنَا الْمُتَصَاحِبُونَ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ كَلْبًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُعَلِّقَ في الدابة جرسا أو يقلدها دثرا سَوَاءٌ الْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رفقة فيها كلب أو جرس " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا يَقُولُ " لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قلادة من وتر أو قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أُرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قال الشيخ أبو عمر وابن الصلاح رحمه الله فان وقع شئ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إزَالَتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ فَلَا تَحْرِمْنِي ثَمَرَةَ صُحْبَةِ مَلَائِكَتِكَ وَبَرَكَتِهِمْ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَمِّلَ الدَّابَّةَ فَوْقَ طَاقَتِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا فَحَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ مَا لَا تُطِيقُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُوَافَقَتُهُ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَلِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ

ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْعُجْمَةِ وَارْكَبُوهَا صَالِحَةً " وَكُلُوهَا صَالِحَةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيحَ دَابَّتَهُ بِالنُّزُولِ عَنْهَا غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وعند عقبة ونحوها ويتنجب النَّوْمَ عَلَى ظَهْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي السَّفَرِ مَشَى قَلِيلًا وَنَاقَتُهُ تُقَادُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا الْمُكْثُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ " رَوَاهُ أبو داود باسناد جيد وعن ابن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً وَابْتَدِعُوهَا سَالِمَةً وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا جَوَازُهُ لِلْحَاجَةِ فَفِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى عَلَى نَاقَتِهِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً فَأَمَّا دَلِيلُ الْمَنْعِ إذَا لَمْ تُطِقْ فَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا جَوَازُهُ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ (مِنْهَا) : حَدِيثُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَهُ حِينَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى الرَّحْلِ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا وَرَاءَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرْدَفَ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَاءَهُ حِينَ تَزَوَّجَهَا بِخَيْبَرَ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ أَكَافٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه

فحملني بين يديه ثم - جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا أَرْدَفَ كَانَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقَّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ " الرَّجُلُ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا وَعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الِاعْتِقَابُ عَلَى الدَّابَّةِ وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ وَقْتًا ثُمَّ يَنْزِلَ وَيَرْكَبَ الْآخَرُ وَقْتًا وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ " فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَعْتَقِبَانِ حَتَّى الْمَدِينَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ اثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو أُمَامَةَ زَمِيلَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إذَا حَانَتْ عُقْبَتُهُمَا قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ نَمْشِ عَنْكَ فَيَقُولُ إنَّكُمَا لَسْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنِّي وَلَا أَرْغَبَ عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (السادس وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الدَّابَّةِ فِي المرعي وَالسُّرْعَةِ وَالتَّأَنِّي بِحَسَبِ الْأَرْفَقِ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ

حَظَّهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقٌ لِلدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى أَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا اُرْفُقُوا فِي سَيْرِهَا لِتَرْعَى حَالَ مَشْيهَا والنفى - بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ سَاكِنَةٍ - وَهُوَ الْمُخُّ وَمَعْنَاهُ أَسْرِعُوا بِهَا حَتَّى تَصِلُوا الْمَقْصِدَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ مُخُّهَا مِنْ ضَنْكِ السَّيْرِ وَالتَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي اللَّيْلِ وَقِيلَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ البخاري ومسلم (السابع وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ السُّرَى فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ " فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ لِلْمُسَافِرِ " (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُكْرَهُ السَّيْرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ترسلوا مواشيكم وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَا يَقْتَضِي إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ فَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسَنُّ مساعدة الرفيق واعانته لقوله صلي " والله " عليه وسلم فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عون أخيه والله صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه فضل طهر فليعد به علي من لا طهر لَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ مَعَهُ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَهُ حَتَّى رَأَيْنَا أنه لاحق لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إنَّ مِنْ إخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عشيرة فليضم أحدكم إليه الرحلين والثلاث فما لاحدنا من ظهر يحمله عُقْبَةٌ يَعْنِي كَعُقْبَةِ أَحَدِكُمْ فَضَمَمْت إلَيَّ اثْنَيْنِ أو ثلاثة مالي الا عقبة الا كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (الثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِكَبِيرِ الرَّكْبِ أَنْ يَسِيرَ فِي آخره والا فيتعهد آخِرَهُ فَيَحْمِلَ الْمُنْقَطِعَ

أَوْ يُعِينَهُ وَلِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِمْ وَيَتَعَرَّضَ اللُّصُوصُ وَنَحْوُهُمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ فَيُرْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يفعله (الحادى وَالثَّلَاثُونَ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الرِّفْقَ وَحُسْنَ الخلق مع الغلام والجمال وَالرَّقِيقِ وَالسَّائِلِ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَجَنَّبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُخَاشَنَةَ وَمُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ وَمُوَارَدَةَ الْمَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَلَعْنَةِ الدَّوَابِّ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ وَيَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَالضَّعِيفِ وَلَا يَنْهَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا يُوَبِّخَهُ على خروجه بلازاد وَرَاحِلَةٍ بَلْ يُوَاسِيهِ بِمَا تَيَسَّرَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَشْهُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ واعرض عن الجاهلين) وقال الله اللَّهُ تَعَالَى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ من عزم الامور) وَالْآيَاتُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا " وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا البذئ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دونها ثم تهبط الي الْأَرْضَ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وشمالا فإذا لم تجد مساعدا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا " رَوَاهُ أَبُو داود وعن عمر ان ابن حُصَيْنٍ قَالَ " بَيْنَمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ - قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ إذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى

الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقال حَلِ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا النَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الْمُصَاحَبَةَ دُونَ بَاقِي التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا مِنْ السَّفَرِ بِهَا فِي وَجْهٍ آخَرَ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَهُ فِي كِتَابِ الرِّيَاضِ (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا صَعِدَ الثَّنَايَا وَشِبْهَهَا وَيُسَبِّحَ إذَا هَبَطَ الْأَوْدِيَةَ وَنَحْوَهَا وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وحده " رواه البخاري ومسلم الفدفد - بفتح الفائين بَيْنَهُمَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ - الْغَلِيظُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يارسول اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي قَالَ " عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ اللَّهُمَّ اطْوِ؟ ؟ ؟ لَهُ الْبَعِيدَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ارْبَعُوا - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا أَوْ مَنْزِلٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا لِحَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرياح وما ذرينا فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا

وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى وَلَدِهِ (الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ) إذَا خَافَ نَاسًا أَوْ غَيْرَهُمْ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُسَنُّ أيضا أن يدعوا بِدُعَاءِ الْكَرْبِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يقول عند عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ * (فَرْعٌ) إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ عَلَى الْمُسَافِرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ إذَا تَغَوَّلَتْ بِكُمْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ " الْغِيلَانُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَهُمْ سَحَرَتُهُمْ وَمَعْنَى تَغَوَّلَتْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لِلْغُولِ وُجُودٌ أَمْ لَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ في تهذيب اللغات (السادسة والثلاثون) إذا استصعبت دَابَّتُهُ قِيلَ يَقْرَأُ فِي أُذُنِهَا (أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه ترجعون) وَإِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ نَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ احبسوا مرتين أو ثلاثلا فَقَدْ جَاءَ فِيهَا آثَارٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَجَرَّبْتُ أَنَا هَذَا الثَّانِي فِي دَابَّةٍ انْفَلَتَتْ مِنَّا وَكُنَّا جَمَاعَةً عَجَزُوا عَنْهَا فَذَكَرْتُ أَنَا هَذَا فَقُلْتُ يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا فَوَقَفَتْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَحَكَى لِي شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَرَّبَهُ فَقَالَ فِي بَغْلَةٍ انْفَلَتَتْ فَوَقَفَتْ فِي الْحَالِ (السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ الْحِدَاءُ وَالرَّجَزُ فِي السَّيْرِ لِلسُّرْعَةِ وَتَنْشِيطِ الدَّوَابِّ وَالنُّفُوسِ وَتَرْوِيحِهَا وَتَيْسِيرِ السَّيْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) : حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوَيْدَكَ يا أنجشة

لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ " قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي ضَعْفَةَ النِّسَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هَنَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا السَّائِقُ فَقَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ خِدْمَةُ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَهُ نَوْعُ فَضِيلَةٍ وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ أَكْبَرَ سِنًّا لِحَدِيثِ أَنَسٍ قال " خرجت مع جرير ابن عَبْدِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ لَا تَفْعَلْ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا آلَيْتَ أَلَّا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا خَدَمْتُهُ قَالَ وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي بَيَانِ كيفية مشى من أعيي * احْتَجَّ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ شَكَا نَاسٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشى فدعا بهما فقال عليكم بالنسلان فنسلنا فَوَجَدْنَاهُ أَخَفَّ عَلَيْنَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ فِي الْوَجْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَجُوزُ الضَّرْبُ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ لِلْحَاجَةِ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذلك وإجماع العلماء وسيأتي في الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ) يَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا جَوَّزَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعِ وَالْقَصْرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ النُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ (الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مَا رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلق لم يضر بشئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ النُّزُولُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ سَبَقَ فِي السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ (الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اإذا سافر فأقبل

اللَّيْلُ قَالَ يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَشَرِّ مَا يَدُورُ عَلَيْكِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَسَدٍ وَأُسُودٍ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالْأُسُودُ الشَّخْصُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَاكِنُ الْبَلَدِ هُمْ الْجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ قَالَ وَالْبَلَدُ الْأَرْضُ مَا كَانَ مَأْوَى الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ بِنَاءٌ وَمَنَازِلُ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَالِدِ إبْلِيسُ وَمَا وَلَدَ الشَّيَاطِينُ (الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ وَيُكْرَهُ تَفَرُّقُهُمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّاسُ إذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ نَوْمِ الْمُسَافِرِ مَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ وَغَلِطَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ نَصَبَ الذِّرَاعَيْنِ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَ فِي النَّوْمِ فَتَفُوتَ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ أَوَّلُ وَقْتِهَا (السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلِيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ نَهْمَتُهُ - بِفَتْحِ النُّونِ - مَقْصُودُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلِيُعَجِّلْ الرِّحْلَةَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير آيبون تائبون حامدون سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم قال " إذا قدم احدكم من سفر فَلْيُهْدِ إلَى أَهْلِهِ وَلْيُطْرِفْهُمْ وَلَوْ كَانَتْ حِجَارَةً " رواه الدارقطني فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ حَمْلِ الْمُسَافِرِ هَدِيَّةً لِأَهْلِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ (الْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَى أَهْلِهِ مَنْ يخبرهم لئلا يقدم بغتة فان كَانَ فِي قَافِلَةٍ كَبِيرَةٍ وَاشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ وُصُولُهُمْ وَوَقْتُ دُخُولِهِمْ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ إرْسَالِهِ مُعَيَّنًا (الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ طُرُوقًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَقْدُمَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَإِلَّا فَفِي آخِرِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقَنَّ أَهْلَهُ لَيْلًا " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَتَسْتَحِدُّ تُزِيلُ شَعْرَ الْعَانَةِ وَالْمُغِيبَةُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا (الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسَنُّ تَلَقِّي الْمُسَافِرِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ اغيلمة بني عبد المطلب فجعل واحد بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سفر تلقي بصبيان أهل بيته وأنه قدم مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يديه ثم جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُسْرِعَ السَّيْرَ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جُدَرَانِ قَرْيَتِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (الرَّابِعَةُ والخمسون) إذا وقع بصره على قريته اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا بِهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حِمَاهَا وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا وَحَبِّبْنَا إلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إلَيْنَا وَقَدْ ثَبَتَ دَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْأَذْكَارِ (الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ إذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْقُدُومِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ بَيْعِ جَمَلِهِ فِي السَّفَرِ قَالَ " وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ المسجد فوجدته

يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْآنَ قَدِمْتَ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَدَخَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فِي سَفَرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ الْقَادِمُ مَشْهُورًا يَقْصِدُهُ النَّاسُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْعُدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَكَان بَارِزٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَاصِدِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ وَلَا يُقْصَدُ ذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ (السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) إذَا وَصَلَ بَيْتَهُ دَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ لَا مِنْ ظَهْرِهِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا حَجُّوا فجاؤا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قبل بابه وكأنه عبر بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتقي واتوا البيوت من أبوابها " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ قَالَ تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنَا أو بالا يُغَادِرُ حَوْبًا قَوْلُهُ تَوْبًا سُؤَالٌ لِلتَّوْبَةِ أَيْ أَسْأَلُك تَوْبًا أَوْ تُبْ عَلَيَّ تَوْبًا وَأَوْبًا بِمَعْنَاهُ مِنْ آبَ إذَا رَجَعَ وَقَوْلُهُ لَا يُغَادِرُ حَوْبًا أَيْ لَا يَتْرُكُ إثْمًا (الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْقَادِمِ مِنْ غَزْوٍ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوٍ فَلَمَّا دَخَلَ اسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَكَ وَأَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ " وَيُقَالُ لِلْقَادِمِ مِنْ حَجٍّ قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ النَّقِيعَةُ وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْمُسَافِرُ الْقَادِمُ وَعَلَى مَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّا يستدل به لها حديث جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرِهِ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (السِّتُّونَ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن ومالك

وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ من الصحابة واحمد واسحق وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَرَوَى حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ " صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قُلْنَا يُسَبِّحُونَ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صلاني يَا ابْنَ أَخِي إنِّي صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اسوة حسنة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا اللَّفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَهَذَا حُجَّةُ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَأَمَّا حُجَّةُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) : الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الشَّائِعَةُ فِي باب استقبال القبلة وغير أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ " وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثُهُ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشمس فساروا حتى ارتفت الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَهُمَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي بَيْتِهَا ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ ضُحًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ سُبْحَةُ الضُّحَى وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ التَّطَوُّعِ: وَاحْتَجَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ

باب صلاة الخوف

صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَفْرَةً فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ رَأَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنًا وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ وَنَافِعٍ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدِيثًا أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَعَطِيَّةُ والحجاج وابن ابى ليلي ضعيف وقد حكم بانه حسن فلعله اعتضده عنده بشئ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ الْأُولَى فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ) يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى مَا يُسَمَّى سَفَرًا سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ مَسِيرَةَ بَرِيدٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ انْطَلِقْ فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم * (باب صلاة الخوف) * قال المصنف رحمه الله * (تجوز صلاة الخوف في قتال الكفار لقوله تعالى (ان كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) وكذلك يجوز في كل قتال مباح كقتال اهل البغى وقطاع الطريق لانه قتال جائز فهو كقتال الكفار واما القتال المحظور كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أموالهم فلا يجوز فيه صلاة الخوف لان ذلك رخصة وتخفيف فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصى ولان فيه اعانة على المعصية وهذا لا يجوز) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ قِتَالٍ لَيْسَ بِحِرَامٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا كَقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَكَذَا الصَّائِلُ عَلَى حَرِيمِ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الدَّفْعَ أَوْ كَانَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ كَقِتَالِ مَنْ قَصَدَ مَالَ الْإِنْسَانِ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَقِتَالِ الْقَبَائِلِ عَصَبِيَّةً وَنَحْوِ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَطَعَ أَصْحَابُنَا العراقيين وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُصِدَ مَالُهُ وَدَافَعَ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا قَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا جَازَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ قَطْعًا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ أَمَّا إذَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْهَزِيمَةُ جَائِزَةً بِأَنْ يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى الضِّعْفِ أَوْ كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا وَفُرُوعِهَا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ مَنَعْنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ لِكَوْنِ الْقِتَالِ مُحَرَّمًا فَصَلَّوْهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّوْهَا فِي الْأَمْنِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي كُلِّ قِتَالٍ مُبَاحٍ فَاسْتَعْمَلَ الْمُبَاحَ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ

وهو مالا إثْمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ وَاجِبٌ وَحَقِيقَةُ الْمُبَاحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا استوى طرفاه بالشرع وانما طلقه الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ الدَّفْعَ عَنْ الْمَالِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ رُخْصَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْفَرِيضَةِ فِيهَا إذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا شُرُوطُ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا وَعَدَدُ ركعاتها فهى في الخوف كالامن من إلَّا أَشْيَاءَ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ خَاصَّةً سَنُفَصِّلُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُ رَكَعَاتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا ابْنَ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَالضَّحَّاكَ واسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْوَاجِبُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَطَاوُسٍ لَكِنْ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ رَكْعَةٌ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْجُمْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ رَكْعَةٌ فَقَطْ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الحضر اربعا في السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْخَوْفِ ظَاهِرَةٌ فَخَفَّفَ عَنْهُ بِالْقَصْرِ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ " (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى وَحْدَهُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْخَوْفِ مَشَقَّةٌ أَنْ يُنْتَقَضَ بِالْمَرَضِ فَإِنَّ مَشَقَّتَهُ أَشَدُّ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ الْخَوْفَ يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَصِفَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَكَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُوعَةً لِكُلِّ أَهْلِ عَصْرِهِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنْفَرِدِينَ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّتْ شريعتها

إلَى الْآنَ وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَبِهَذَا قَالَتْ الْأُمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا أَبَا يُوسُفَ وَالْمُزَنِيَّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ وَذَهَبَتْ بِوَفَاتِهِ " وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَانَتْ ثُمَّ نُسِخَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا كُنْتَ فيهم فاقمت لهم الصلاة) الْآيَةَ قَالَ وَالتَّغْيِيرُ الَّذِي يَدْخُلُهَا كَانَ يَنْجَبِرُ بِفِعْلِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ * وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَهُ صَلَوَاتُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً لَفَعَلَهَا وَلَمْ يُفَوِّتْ الصَّلَاةَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخِطَابُ مَعَهُ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ عَامٌّ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فِي مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجَامِعَ بِحَضْرَةِ كِبَارٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ صَلَّاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي حُرُوبِهِ بِصِفِّينَ وَغَيْرِهَا وَحَضَرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَحُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَأَوْا صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوْفِ لَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِزَمَنِهِ بَلْ رَوَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا مَشْرُوعَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ سبق أنها حجة لنا لان الْخِطَابِ وَالْأَصْلُ التَّأَسِّي (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ انْجِبَارِ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً مُطْلَقًا لَمَا فَعَلُوهَا (وَأَمَّا دَعْوَى) الْمُزَنِيِّ النَّسْخَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا عَلِمْنَا تَقَدُّمَ الْمَنْسُوخِ وَتَعَذُّرَ الجمع بين النصين ولم يوجد هنا

شى مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمَنْقُولُ الْمَشْهُورُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَكَيْفَ يُنْسَخُ بِهِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ جَائِزَةٌ ليس وَاجِبَةً فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَرْكِهَا النَّسْخُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً لَمَا فعلوها ولا نكروا علي فاعليها والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإذا أراد الصلاة لم يخل اما أن يكون العدو في جهة القبلة أو في غيرها فان كان في غيرها ولم يأمنوا وفى المسلمين كثرة جعل الامام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو وطائفة يصلى معهم ويجوز أن يصلى بالطائفة التي معه جميع الصلاة ثم تخرج إلي وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فتصلى معه فيكون متنفلا في الثانية وهم مفترضون والدليل عليه ما روى ابو بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " صلي صلاة الخوف بالذين معه ركعتين وبالذين جاؤا ركعتين فكانت للنبى صلي الله عليه وسلم اربعا وللذين جاؤا ركعتين " ويجوز أن يصلي باحدى الطائفتين بعض الصلاة وبالاخرى البعض وهو أفضل من أن يصلي بكل واحدة منهما جميع الصلاة لانه أخف فان كانت الصلاة ركعتين صلي بالطائفة التى معه ركعة وثبت قائما وأتمت الطائفة لانفسهم وتنصرف إلى وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فيصلى معهم الركعة التى بقيت من صلاته وثبت جالسا واتمت الطائفة لانفسهم ثم يسلم بهم والدليل عليه ما روى صالح بن خوات " عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فذكر مثل ما قلنا ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَوْضِعَهُ لِأَنِّي رَأَيْت إمَامَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَضَافَاهُ إلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً فَأَوْهَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَرْوِهِ وَغَلِطَا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وقوله) عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَخَوَّاتٌ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ - وَصَالِحٌ

تَابِعِيٌّ وَأَبُو خَوَّاتٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَذَاتُ الرِّقَاعِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - مَوْضِعٌ قِبَلَ نَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا فَالصَّحِيحُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا نُقِّبَتْ أَقْدَامُنَا فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنْ الْخِرَقِ وَقَوْلُهُ نُقِّبَتْ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - أَيْ تَقَرَّحَتْ وَتَقَطَّعَتْ جُلُودُهَا وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ كَانَتْ هُنَاكَ وَقِيلَ اسْمُ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَيُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ وَقِيلَ لِأَرْضٍ كَانَتْ مُلَوَّنَةً وَقِيلَ لِرِقَاعٍ كَانَتْ فِي أَلْوِيَتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ - هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ كَسْرُهَا * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ جَاءَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا وَهِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ (وَالثَّانِي) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ (وَالثَّالِثُ) صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِصَلَاةِ الْخَوْفِ نَوْعٌ رَابِعٌ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَوْفِ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ بَطْنَ نَخْلٍ مَوْضِعٌ مِنْ أَرْضِ نَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ فَهِيَ وَذَاتُ الرِّقَاعِ مِنْ أَرْضِ غطفان لكنها صَلَاتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ " واعلم ان نخلا هَذَا غَيْرُ نَخْلَةِ الَّذِي جَاءَ إلَيْهَا وَفْدُ الْجِنِّ تِلْكَ عِنْدَ مَكَّةَ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ (وَالْأُخْرَى) يُصَلِّي بِهَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ وَيُسَلِّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيضَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ وَأَنْ يُخَافَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ شَرْطًا لَصِحَّتِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا

لا تندب على هذه الهيأة إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي) فَهُوَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَمُعْظَمُ مَسَائِلِ الْبَابِ فِيهَا فَتَكُونُ ثَلَاثَةً تَارَةً رَكْعَتَيْنِ صُبْحًا أَوْ مَقْصُورَةً وَتَارَةً ثَلَاثًا وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَتَارَةً أَرْبَعًا إذَا لَمْ تُقْصَرْ فَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَرَّقَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقِفُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ وَفِرْقَةً يَنْحَدِرُ بِهَا الْإِمَامُ إلَى حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ فَيُحْرِمُ بِهِمْ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَهَذَا الْقَدْرُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيمَا يَفْعَلُ بعد ذلك روايتان في الاحاديث الصحيحة (إحداها) أَنَّهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَوَى الْمُقْتَدِي الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَأَحْرَمُوا خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثانية وأطالها حتى يلحقوه ويقرأوا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا ثَانِيَتَهُمْ وَانْتَظَرَهُمْ فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ وَهِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ لَا يُتِمُّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ يَذْهَبُونَ إلَى مَكَانِ إخْوَانِهِمْ فَيَقِفُونَ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصلاة ويقفون سكوتا وتجئ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْأَوَّلُونَ إلَى مَكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا رَكْعَتَهُمْ الْبَاقِيَةَ وَسَلَّمُوا وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَر عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْن عُمَرَ لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تصل فجاؤا فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صلي بهم النبي صلي الله عليه وسلم رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً " وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى رِوَايَةَ سَهْلٍ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى وَفْقِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الخراسانيين

(أَحَدُهُمَا) لَا تَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِيهَا بِلَا ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَزَعَمَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ منسوخة (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ الحديث وعدم معارضه فَإِنَّ رِوَايَةَ سَهْلٍ لَا تُعَارِضُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ فِي يَوْمٍ وَتِلْكَ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَدَعْوَى الْأَوَّلِ النَّسْخَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بَعِيدٌ فَغَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ (أَحَدُهُمَا) نِسْبَتُهُ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي تَضْعِيفُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ مَنْدُوبٌ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُلَّ الصَّلَاةِ وَبِالْبَاقِينَ غَيْرُهُ أَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ مُنْفَرِدِينَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَسْمَحُونَ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِعِظَمِ فَضْلِهَا فَسُنَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الصِّفَةُ لِيَحْصُلَ لِكُلِّ طَائِفَةِ حَظٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْوُقُوفِ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وتختص الاولى بفضيلاه إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ بِفَضِيلَةِ السَّلَامِ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَائِلٌ يَمْنَعُهُمْ لَوْ هَجَمُوا * * قال المصنف رحمه الله * (وتفارق الطائفة الاولى الامام حكما وفعلا فان لحقها سهو بعد المفارقة لم يتحمل عنهم الامام وان سها الامام لم يلزمه سهوه وهل يقرأ الامام في حال انتظاره قال في موضع إذا جاءت الطائفة الثانية قرأ وقال في موضع يطيل القراءة حتي تدركه الطائفة الثانية فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يقرأ حتى تجئ الطائفة الثانية فيقرأ معها لانه قرأ مع الطائفة الاولي قراءة تامة فيجب ان يقرأ مع الثانية ايضا قراءة تامة (والقول الثاني) انه يقرأ وهو الاصح لان افعال الصلاة لا تخلو من ذكر والقيام لا يصلح لذكر غير القراءة فوجب ان يقرأ ومن اصحابنا من قال ان اراد ان يقرأ سورة قصيرة لم يقرأ حتى لا يفوت القراءة علي الطائفة الثانية وان اراد ان يقرأ سورة طويلة قرأ لانه لا يفوت عليهم القراءة وحمل القولين علي هذين الحالين واما الطائفة الثانية فانهم يفارقون الامام فعلا ولا يفارقونه حكما فان سهوا تحمل عنهم الامام وإن سها الامام لزمهم سهوه ومتى يفارقونه قال الشافعي رحمه الله في سجود السهو يفارقونه بعد التشهد لان المسبوق لا يفارق الامام الا بعد التشهد وقال في الام يفارقونه عقيب السجود في الثانية وهو

الاصح لان ذلك اخف ويفارق المسبوق لان المسبوق لا يفارق حتى يسلم الامام وهذا يفارق قبل التسليم فإذا قلنا بهذا فهل يتشهد الامام في حال الانتظار فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالقراءة ومنهم من قال يتشهد قولا واحدا ويخالف القراءة فان في القراءة قد قرأ مع الطائفة الاولى فلم يقرأ حتى تدركه الطائفة الثانية فيقرأ معها والتشهد لم يفعله مع الطائفة الاولى فلا ينتظر) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَامَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى نَوَوْا مُفَارِقِينَ إذَا انْتَصَبُوا قِيَامًا وَلَوْ فَارَقُوهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ جَازَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِيَسْتَمِرَّ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَالَةَ النُّهُوضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْقُدْوَةِ مُسْتَمِرٌّ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْتَدِي سَبْقُ الْإِمَامِ فَإِذَا فَارَقُوهُ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ الْقُدْوَةِ فِي كل شئ فَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَقَوْلُ المصنف والاصحاب يفارقوه حُكْمًا وَفِعْلًا أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ حُكْمًا أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَسْجُدُونَ لِتِلَاوَتِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْتَزِمُهُ الْمَأْمُومُ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَرِدِينَ مُسْتَقِلِّينَ بِفِعْلِهَا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى عَنْ حُكْمِ الْإِمَامِ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ ولا يلحقهم سهوه وجهين (أحدهما) إذا انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا (وَالثَّانِي) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَفْع رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَهُمْ فِيهِ فَسَهَوْا فِيهِ لَمْ يَحْمِلْهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ يَنْوُونَ الْمُفَارَقَةَ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ وَالِانْتِصَابِ فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي وَقْتِ الِانْقِطَاعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَقْتِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَسَهْوُهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَهَا الَّتِي هِيَ ثَانِيَةُ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ لِأَنَّهُمْ فِي قُدْوَةٍ حَقِيقَةً وَفِي سَهْوِهِمْ فِي رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا وَالْإِمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ فِي الْجُلُوسِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَحْمِلُهُ لِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ

سَهْوُهُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ لَهُمْ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قطع المصنف والاكثرون يحمله ويلحقهم سهوه لانهم في حكم القدوة وهو منتظر لهم فهو كَسَهْوِهِمْ فِي سَجْدَةٍ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْهَا وَيُعَبَّرُ عن الوجهين بانهم يفارقوه حُكْمًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ حكما قالوا وتجرى الْوَجْهَانِ فِي الْمَزْحُومِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا سَهَا فِي وَقْتِ تَخَلُّفِهِ وَأَجْرُوهُمَا فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَسَهَا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَوَّزْنَاهُ وَأَتَمَّهَا مَأْمُومًا وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إجْرَاءَهُمَا هُنَا وَقَالَ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ السَّهْوِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْقُدْوَةِ اللَّاحِقَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يلحق الطائفتين فَتَسْجُدُ لَهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى إذَا تَمَّتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ سَهَا بَعْضُهُمْ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى سَجْدَتَيْنِ أَمْ يَسْجُدُ أَرْبَعًا لِكَوْنِهِ سَهَا فِي حَالِ قُدْوَةٍ وَفِي حَالِ انْفِرَادٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (أَصَحُّهُمَا) سَجْدَتَانِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا سجدتان فعماذا تَصِحَّانِ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي بَابِ سجود السهو (احدهما) تَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَيَكُونُ سَهْوُ إمَامِهِ تَابِعًا (وَالثَّانِي) عَكْسُهُ (وَأَصَحُّهَا) يَقَعَانِ عَنْهُمَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ هَلْ يَقْرَأُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ فراغ الاولي ومجئ الثَّانِيَةِ فِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَقْرَأُ وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فَإِذَا جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ قَرَأَ مَعَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَقْرَأُ بَلْ يُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ هَذَانِ نَصَّانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وبعدها سورة طويلة حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا جَاءَتْ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةً قَصِيرَةً لِتَحْصُلَ لَهُمْ قِرَاءَةُ الفاتحة وشئ مِنْ زَمَنِ السُّورَةِ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ لَا سُكُوتَ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يُشْرَعُ فِيهِ إلَّا الْقِرَاءَةُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لا يقرأ حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى الْفَاتِحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا أَيْضًا مَعَ الثَّانِيَةِ وَلَا يُشْرَعُ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ قَبْلَهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَشْتَغِلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الذِّكْرِ كَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ (وَالطَّرِيقُ

الثاني) وبه قال أبو اسحق إنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ يَقْرَأْ لِئَلَّا تَفُوتَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ أَرَادَ سُورَةً طَوِيلَةً قَرَأَ لِأَنَّهُ لَا تَفُوتُهُمْ وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهَا حَالَةُ شُغْلٍ وَحَرْبٍ وَمُخَاطَرَةٍ عَنْ خِدَاعِ الْعَدُوِّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلطَّائِفَتَيْنِ تَخْفِيفُ قِرَاءَةِ رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الِانْتِظَارِ أَمْ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْكَعَ حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ الْإِمَامُ فَأَدْرَكَتْهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ رَاكِعًا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا في غير حالة الخوف كذا قالوه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُحْسَبَ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَلَا تُحْسَبَ حَتَّى يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَارَقُوهُ لِيُتِمُّوا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْوُونَ مُفَارَقَتَهُ وَمَتَى يُفَارِقُونَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ منها الاول والثانى وأحدهما يفارقوونه بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَارَبَ السَّلَامَ فَارَقُوهُ ثُمَّ انْتَظَرَهُمْ وَطُوَّلَ الدُّعَاءَ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَتَهُمْ وَيَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهِمْ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَشْهَرُهَا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ وَيُخَالِفُ الْمَسْبُوقَ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا فَارَقَ لَا يَنْتَظِرُهُ أَحَدٌ وَهُنَا يَنْتَظِرُهُ الْإِمَامُ لِيُسَلِّمَ بِهِ فَكُلَّمَا طَالَ مُكْثُهُ طَالَ انْتِظَارُ الْإِمَامِ وَطَالَتْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ يُفَارِقُهُ عَقِبَ السَّلَامِ كَالْمَسْبُوقِ حَقِيقَةً وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً يَتَشَهَّدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ سِيَاقَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَهَلْ يَتَشَهَّدُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَتَشَهَّدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقْرَأُ عَلَى قَوْلٍ لِيُسَوِّيَ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَهُمْ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِئَلَّا يَخُصَّ الثَّانِيَةَ بِالتَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَشَهَّدُ اشْتَغَلَ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ بِالذِّكْرِ

كَمَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا فِي الْأُولَى لَحِقَ الطَّائِفَتَيْنِ سَهْوُهُ فَإِذَا فَارَقَتْهُ الْأُولَى قَالَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَيْهِمْ إشَارَةً يَفْهَمُونَ بِهَا أَنَّهُ سَهَا لِيَسْجُدُوا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فيه وجهين (أصحهما) وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ سَهْوًا يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا جَلِيًّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ لَمْ يُشِرْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْإِمْلَاءِ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) يُشِيرُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ جَلِيًّا لِأَنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَجْهَلُ السُّجُودَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ تُفَارِقُهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَكَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا سَجَدُوا مَعَهُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ مَعَهُمْ ثُمَّ قَامُوا إلَى رَكْعَتِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي إعَادَتِهِمْ سُجُودَ السَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْبُوقِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ (أَصَحُّهُمَا) يُعِيدُونَ وَإِنْ قُلْنَا يَقُومُونَ عَقِبَ السُّجُودِ وَيَنْتَظِرُهُمْ بِالتَّشَهُّدِ فَتَشَهَّدَ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ فَأَدْرَكُوهُ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ تَشَهُّدِهِمْ فَهَلْ يُتَابِعُونَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) لَا يُتَابِعُونَهُ بل يتشهدون ثم

يسجدون للسهو ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ (وَالثَّانِي) يَسْجُدُونَ لِأَنَّهُمْ تَابِعُونَ له فعلي هذا هل يُعِيدُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِمْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ يَنْبَغِي ان يقطع بانهم لا يعيدونه * * قال المصنف رحمه الله * (وان كانت الصلاة مغربا صلي باحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صلي ليلة الهرير هكذا وقال في الام الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية ركعة وهو الاصح لان ذلك أخف لانه تتشهد كل طائفة تشهدين وعلى القول الآخر تتشهد الطائفة الثانية ثلاث تشهدات فان قلنا بقوله في الاملاء فارقته الطائفة الاولى في القيام في الركعة الثانية لان ذلك موضع قيامها وان قلنا بقوله في الام فارقته بعد التشهد لانه موضع تشهدها وكيف ينتظر الامام الطائفة الثانية فيه قولان قال في المختصر ينتظرهم جالسا حتى يدركوا معه القيام من أول الركعة وإذا انتظرهم قائما فاتهم معه بعض القيام وقال في الام ان انتظرهم قائما فحسن وان انتظرهم جالسا فجائز فجعل الانتظار قائما افضل وهو الاصح لان القيام افضل من القعود وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى + النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ ابن الحصين ورواه مسلم من رواية بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَلَيْلَةُ الْهَرِيرِ - بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِي صِفِّينَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ هَرِيرٌ عِنْدَ حَمْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَأَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى الْمَغْرِبَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ الْقُعُودِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إطَالَةِ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَتَشَهَّدُ كُلُّ طَائِفَةِ تَشَهُّدَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ

عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الثَّانِيَةَ تُفَارِقُ الْإِمَامَ عَقِبَ السُّجُودِ وَلَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فَإِنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ ثَلَاثَةَ تَشَهُّدَاتٍ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً (وَالثَّانِي) عَكْسُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَةً فَارَقَتْهُ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ جَازَ أَنْ يَنْتَظِرَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِانْتِظَارُ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْفَاتِحَةَ وَمَا بَعْدَهَا أَمْ لا يقرأ ويشتغل بِالذِّكْرِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَا تُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ وَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ عَقِبَ سُجُودِهِ فِي الثَّالِثَةِ أَمْ عَقِبَ التَّشَهُّدِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي انه يشتهد فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ حَتَّى يُحْرِمُوا خَلْفَهُ ثُمَّ يَقُومُ مُكَبِّرًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وغيره ويكبرون متابعة له قالوا وانما يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا حَتَّى يُحْرِمُوا لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ من اولها كما ادركها الطائفة الاولي من اولها * * قال المصنف رحمه الله * (وإن كانت الصلاة ظهرا أو عصرا أو عشاء وكان في الحضر صلي بكل طائفة ركعتين وان جعلهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة ففى صلاة الامام قولان (أحدهما) انها تبطل لان الرخصة وردت بانتظارين فلا تجوز الزيادة عليهما (والثاني) انها لا تبطل وهو الاصح لانه قد يحتاج الي أربع انتظارات بأن يكون المسلمون أربعمائة والعدو ستمائة فيحتاج أن يقف بازاء العدو ثلثمائة ويصلى بمائة مائة ولان الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة والجلوس والذكر وذلك لا يبطل الصلاة فان قلنا ان صلاة الامام لا تبطل صحت صلاة الطائفة الاخيرة لانهم لم يفارقوا الامام والطائفة الاولى والثانية والثالثة فارقوه بغير عذر ومن فارق الامام بغير عذر ففى بطلان صلاته قولان فان قلنا ان صلاة الامام تبطل ففى وقت بطلانها وجهان قال أبو العباس تبطل بالانتظار الثالث فتصح صلاة الطائفة الاولى والثانية والثالثة وأما الرابعة فان علموا ببطلان صلاته بطلت صلاتهم

وان لم يعلموا لم تبطل وقال أبو اسحق المنصوص انه تبطل صلاة الامام بالانتظار الثاني لان النبي صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الاولى حتى فرغت ورجعت الي وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى وانتظر بقدر ما أتمت صلاتها وهذا قد زاد علي ذلك لانه انتظر الطائفة الاولي حتي اتمت صلاتها ومضت إلى وجه العدو وانتظر الثانية حتى أتمت صلاتها ومضت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثالثة وهذا زائد علي انتظار رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلي هذا ان علمت الطائفة الثانية بطلت صلاتهم وإن لم يعلموا لم تبطل * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِأَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ أَوْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَمْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَتَشَهَّدُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الْجَمِيعَ وَإِذَا قُلْنَا فِي الْقِيَامِ فَهَلْ يَقْرَأُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ فِيهِ حَتَّى يُحْرِمُوا فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ ركعة وينتظر فراغها ومجئ الَّتِي بَعْدَهَا فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عليهما في المختصر والام وينبغي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ جَوَازُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِيَةُ) تَحْرِيمُهُ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى انْتِظَارَيْنِ وَالرُّخَصُ لَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا النُّصُوصُ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يكون العدو ستمائة والمسلمون أربع مائة فيقف بازائهم ثلثمائة وَيُصَلِّي مَعَهُ مِائَةٌ مِائَةٌ وَلِأَنَّ الِانْتِظَارَ إنَّمَا هُوَ بِإِطَالَةِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَهَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى انْتِظَارَيْنِ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَوْ احْتَاجَ زِيَادَةً زَادَ وَهَذَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أقام لحاجة يرجو قضاها هَلْ يَقْصُرُ أَبَدًا أَمْ لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِثْلُهُ الْوِتْرُ هَلْ هُوَ مُنْحَصِرٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَمْ لا حضر لَهُ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَرْطُهُ الْحَاجَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ هَذَا الشَّرْطَ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَطُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ كَالثَّانِيَةِ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ أَمْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَتَتَشَهَّدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي وَجْهٍ تُفَارِقُهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ وَفِي الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُمْ فَارَقُوا بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَلَاتِهِمْ فُرَادَى وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ بِعُذْرٍ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ إخْرَاجَ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ إلَى اخْتِيَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الْبَقَاءَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ فَكَانَ عُذْرًا وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامُ تَبْطُلُ وَفِي وَقْتِ بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نص الشافعي وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ انْتِظَارَانِ ويحرم الثالث وانما يحصل الثالث بانتظار مجئ الرَّابِعَةِ فَعَلَى هَذَا تُفَارِقُهُ الثَّالِثَةُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ بِمُضِيِّ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِي بِمُضِيِّ قَدْرِ رَكْعَةٍ مِنْ انْتِظَارِهِ الثَّانِي وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى قول صحة صلاته ويجئ وَجْهُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِيمَنْ فَارَقَ بِلَا عُذْرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرُوا كُلُّهُمْ الْخِلَافَ فِيمَا إذا قلنا صلاة الامام صحيحة وهنا أَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ هُنَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ كَانُوا عالمين ولا تبطل إنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَفِيمَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِمَامَ انْتَظَرَ مَنْ لَا يَجُوزُ انْتِظَارُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاةَ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جُنُبٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ جَهِلَ كَوْنَ الْجَنَابَةِ تُبْطِلُ الِاقْتِدَاءَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَلِمَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَعْلَمَ ان هذا لا يبطل الصلاة لان مَعْرِفَةُ هَذَا غَامِضَةٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ لَا سيما إذا رأو الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يخفى حكمها علي احد اإلا فِي نَادِرٍ جِدًّا وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ كَالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْإِمَامَ قَبْلَ بُطْلَانِ

صَلَاتِهِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا تَابَعَتْهُ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا سَبَقَ فِي الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ عَلَى قَوْلِ الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ فَصَلَاةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ صحيحة عن ابن سريج واما عند الجمهور فصلاة الاولتين عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَرْبَعِ وَصَلَاةُ الثَّالِثَةِ بَاطِلَةٌ إنْ عَلِمُوا وَإِلَّا فَصَحِيحَةٌ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ العلم فيه الخلاف السابق وإذا اخْتَصَرْتُ حُكْمَ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ قُلْتُ فِيهِمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُ الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْأُولَتَيْنِ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْآخِرَتَيْنِ إنْ عَلِمَتَا (وَالْخَامِسُ) صِحَّةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَبُطْلَانُ الْإِمَامِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمَتْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَمَّا إذَا فَرَّقَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْفِرْقَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ فَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ حَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامِدَ كَالسَّاهِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ فَعَلَيْهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ قَالَ وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ تَصِحُّ فَهُنَا أولا وَإِلَّا فَقَدْ انْتَظَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَنَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَعَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي الْحَضَرِ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تجوز فِي الْحَضَرِ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْآيَةِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جُوِّزَتْ لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ وَهَذَا مَوْجُودٌ وَلِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَهُمَا تَامَّتَانِ (فان قالوا) يَطُولُ انْتِظَارُهُ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ طُولِهِ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَإِنَّمَا انْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فقط فالجواب أن الانتظار ليس له مَحْدُودٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ تُطَوِّلَ صَلَاتَهَا لنفسها والامام ينظرها وَلَوْ طَالَتْ رَكْعَتُهَا قَدْرَ رَكَعَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي بَلَدٍ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ لَهُمْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقِيلَ فِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ ثُمَّ لِلْجَوَازِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَخْطُبَ بِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ يَجُزْ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الْأُولَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ نَقَصَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَرْبَعِينَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا يَضُرُّ قَطْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فِي صَلَاةِ الخوف (والثانى) انه علي الخلاف فِي الِانْفِضَاضِ وَلَوْ خَطَبَ بِهِمْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا يَجُوزُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ * (فَرْعٌ) صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَعْدَلُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَتِلْكَ صَلَاةُ مفترض خلف متنفل وفيها خلاف للعلماء (والثانى) وهو قول أبي اسحق صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ أَفْضَلُ لِتُحَصِّلَ كُلُّ طَائِفَةٍ فَضِيلَةَ جَمَاعَةٍ تَامَّةٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا قالوا فالطائفة الَّتِي يُصَلِّي بِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَقُلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْرُسُهُ يَكُونُونَ جَمْعًا أَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ

الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى وَاحِدٍ فَأَمَّا اللُّغَةُ فَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ مَسْمُوعٌ مِنْ الْعَرَبِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْوَاحِدُ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فرقة منهم طائفة) فَحَمَلَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَالَ تَعَالَى (وَلْيَشْهَدْ عذابهما طائفة من المؤمنين) وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ تَسْلِيمُ أَنَّ الطَّائِفَةَ يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الطَّائِفَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وَقَالَ تَعَالَى فِي الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ فِي قَوْله تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) فَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِلْقَرِينَةِ وَهُوَ حُصُولُ الْإِنْذَارِ بِالْوَاحِدِ كَمَا حَمَلْنَاهُ هُنَا عَلَى الثَّلَاثَةِ بقرينة وهو ضمير الْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قومهم إذا رجعوا إليهم) فَأَعَادَ عَلَى الطَّائِفَةِ ضَمَائِرَ الْجَمْعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا عَلَى عَوْدِ الضَّمَائِرِ إلَى الطَّوَائِفِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُكْرَهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ إذَا كَانُوا خَمْسَةً سِوَى الْإِمَامِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يَكُونُوا سِتَّةً فَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ صَلَّى مَعَهُمْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ جَمَاعَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ خَالَفَ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَهُمْ خَمْسَةٌ فَأَقَلُّ أَسَاءَ وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ * * قال المصنف رحمه الله * (وان كان العدو من ناحية القبلة لا يسترهم عنهم شئ وفى المسلمين كثرة صلا بهم صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعسفان فيحرم بالطائفتين ويسجد معه الصف الذى يليه فإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف الآخر فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذى سجد في الاولي وسجد الصف الآخر فإذا رفعوا سجد الصف الآخر لما روي جابر وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى هكذا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ من تحت الشين المعجمة - الزرقى الصحابي الانصاري واسمه

زيد ابن الصَّامِتِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَفْظَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عَيَّاشٍ فِيهَا كُلِّهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْن الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا فَرَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفْعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ في نحو الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَكُلُّ طُرُقِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَأَخُّرِ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَتَقَدُّمِ الْمُؤَخَّرِ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الْأُولَى وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِهِمْ جَمِيعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ وَبَعْضَ صف ينتظرون العدو فإذا قَامُوا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَهُمْ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ حَرَسُوا أَوَّلًا إلَّا صَفًّا أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَحْرُسُهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ وَجَلَسُوا سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا مَعًا وَهَذَا نَحْوُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان قَالَ وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَس إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَحَرَسَ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ مِثْلُهُ سَوَاءً وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْقَفَّالُ وَمُتَابِعُوهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُصَلِّي كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ هُوَ الصَّوَابُ قَالُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَوْصَى إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَأَنَّهُ يَتْرُكُ نَصَّهُ الْمُخَالِفَ لَهُ قَالُوا وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ

أو ذهل عنه وقال الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْأُمِّ كَمَا ثبت في الصحيح وصرح فيه سجود الصَّفِّ الَّذِي يَلِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ فَأَشَارَ إلَى جَوَازِهِمَا وَاسْتَغْنَى بِثُبُوتِ الْحَدِيثِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيَجُوزُ أَيْضًا مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي ذَكَرهَا هِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ بَلْ قَالَ وَهَذَا نَحْوُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَأَشْبَهَ تَجْوِيزُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الام أن الكيفة الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ حِرَاسَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَسُجُودُ الثَّانِي رَوَاهَا أَبُو عَيَّاشٍ وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ تَقَدُّمَ الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَتَرْكَهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْأَفْضَلِ لِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَلِتَفْضِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَخُصُّوا بِالسُّجُودِ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِرَاسَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالسُّجُودِ وَلَا يَحْرُسُونَ فِي غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمْ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يسترهم شئ من أبصار المسلمين وأن يكون في الْمُسْلِمُونَ كَثْرَةً تَسْجُدُ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسُ أُخْرَى وَقَدْ ذكر المصنف هذه الشرط قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ عَلَى صَفَّيْنِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا صُفُوفًا كَثِيرَةً ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعُ الصَّفِّ وَلَا صَفَّانِ بَلْ لَوْ حَرَسَ فِرْقَتَانِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَرَسَتْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) إذَا تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّاجِدُونَ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ جَازَ بِلَا شَكٍّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكْثُرَ عَمَلُهُمْ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خُطْوَتَيْنِ بَلْ يَتَقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ خُطْوَتَيْنِ وَيَتَأَخَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ خُطْوَتَيْنِ وَيَدْخُلُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ

بَيْنَ مَوْقِفَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْرُسُ فَيَجُوزُ التَّقَدُّمُ أَيْضًا وَالتَّأَخُّرُ وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ مُلَازَمَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَوْضِعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ التَّقَدُّمُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْمُلَازَمَةُ أَفْضَلُ وَفِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ عُسْفَانَ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَلْ تَتَعَيَّنُ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ * قال المصنف رحمه الله * (ولا يحمل في الصلاة سلاحا نجسا ولا ما يتأذى به الناس كالرمح في وسط الناس وهل يجب حمل ما سواه قال في الام يستحب وقال بعده يجب قال أبو إسحق المروزى فيه قولان (أحدهما) يجب لقوله عز وجل (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أسلحتكم) فدل على أن عليهم جناحا إذا وضعوا من غير اذى ولا مرض (والثانى) لا يجب لان السلاح انما يجب حمله للقتال وهو غير مقاتل في حال الصلاة فلم يجب حمله ومن أصحابنا من قال ان كان السلاح يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين وجب حمله وان كان يدفع به عن نفسه وعن غيره كالرمح والسنان لم يجب وحمل القولين على هذين الحالين والصحيح ما قال ابو اسحق) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابنَا حَمْلُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَصَلَاةِ عُسْفَانَ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْأُمِّ (وَالثَّانِي) وَاجِبٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَالنُّشَّابِ وَالرُّمْحِ اُسْتُحِبَّ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالرَّابِعُ) لَا يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ هَؤُلَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا اسلحتهم) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ حَمَلَ الْأَمْرَ عليه ولان المغالب السَّلَامَةُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ قَالَ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقُ الْحَاجَةِ إلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْخِلَافِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) طَهَارَةُ السلاح فان كان نجسا كالسيف المطلخ بِدَمٍ وَاَلَّذِي سُقِيَ سُمًّا نَجُسَ وَالنَّبْلُ الْمُرَيَّشُ بِرِيشِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ بِرِيشِ مَيْتَةٍ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَلَّا يَكُونَ مَانِعًا مِنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ كَبَيْضَةٍ تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ رَفْعُهَا حَالَ السُّجُودِ فَيَجُوزُ حَمْلُهَا وَلَا يَجِبُ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ كَرُمْحٍ فِي وسط

النَّاسِ فَإِنْ خِيفَ الْأَذَى كُرِهَ حَمْلُهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ خَطَرٌ مُحْتَمَلٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَلَا مَظْنُونٌ فَأَمَّا إذَا تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ غَالِبًا لَوْ تَرَكَهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ قطعا صرح به امام الحرمين وغيره قال الْإِمَامُ وَيَحْرُمُ تَرْكُ السِّلَاحِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بحمل السلاح قال امام الحرمين وليس الْحَمْلُ مُتَعَيِّنًا بَلْ لَوْ وَضَعَ السَّيْفَ بَيْن يَدَيْهِ وَكَانَ مَدُّ الْيَدَ إلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ كَمَدِّهَا إلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ وَلَهُ حُكْمُهُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ فِي تَرْكِهِ خَلَلٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْمَنُ إفْضَاؤُهُ إلَى خَلَلٍ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَا حَمْلَهُ فَتَرَكُوهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ في ارض مغصوبة واولى بالصحة قام إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَخِّصُ فِي تَغْيِيرِ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَخْذُ بِالْجَزْمِ فَتَارِكُهُ كَمَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ بلا خوف وهذا الذى قالاه احتمالا لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الصِّحَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ تَرْكُ السِّلَاحِ لِلْعُذْرِ بِمَرَضٍ أَوَ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أذى من مطر أن تضعوا أسلحتكم) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ وَالسِّلَاحُ يَقَعُ عَلَى السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا التُّرْسُ وَالدِّرْعُ فَلَيْسَ بِسِلَاحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ السِّلَاحُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ فَالْحَرَامُ النجس كالنشاب الْمُرَيَّشِ بِرِيشٍ نَجِسٍ وَالسِّلَاحِ الْمُلَطَّخِ بِدَمٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَكْرُوهُ مَا كَانَ ثَقِيلًا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ كالجوشن وَالتُّرْسِ وَالْجَعْبَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ كَالرُّمْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الناس كره وان كان في طرفهم فَلَا إذَا قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالطَّرِيقِ الثَّانِي إنَّهَا عَلَى حَالَيْنِ كَانَ السِّلَاحُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَوَاجِبٌ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمُسْتَحَبُّ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ غيره ومتخلف الْحَالِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَمْلِ السلاح: الاصح عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَاحْتَجَّ من أوجبه بقوله تعالى (وليأخذوا اسلحتهم) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بكم اذى من مطر ان تضعوا اسلحتكم) قَالُوا وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ الْعُذْرِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَرَفْعُ الْجُنَاحِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الْوُجُوبُ بَلْ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْكَرَاهَةِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ نَقُولُ يُكْرَهُ تَرْكُ السِّلَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِذَا كَانَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَالْجُنَاحُ هَكَذَا أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ * * قال المصنف رحمه الله * (فان اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير

مستقبليها لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وروى نافع عن ابن عمر قال إذا كان الخوف اكثر من ذلك صلى راكبا وقائما يومئ ايماء " قال الشافعي ولا بأس ان يضرب الضربة ويطعن الطعنة فان تابع أو عمل ما يطول بطلت صلاته وحكى الشيخ أبو حامد الاسفراينى عن أبى العباس رحمهما الله أنه قال ان لم يكن مضطرا إليه بطلت صلاته وان كان مضطرا إليه لم تبطل كالمشي وحكي عن بعض اصحابنا أنه قال ان اضطر إليه فعل ولكن تلزمه الاعادة كما نقول فيمن لم يجد ماء ولا ترابا انه يصلي ويعيد فان استفتح الصلاة راكبا أمن فنزل فان استدبر القبلة في النزول بطلت صلاته لانه ترك القبلة من غير خوف وان لم يستدبر قال الشافعي رحمه الله بنى علي صلاته لانه عمل قليل فلم يمنع البناء وان استفتحها راجلا فخاف فركب قال الشافعي ابتدأ الصلاة وقال أبو العباس ان لم يكن مضطرا إليه ابتدأ لانه عمل كثير لا ضرورة به إليه وان كان مضطرا لم تبطل لانه مضطر إليه فلم تبطل كالمشى وقول أبي العباس اقيس والاول أشبه بظاهر النص) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ البخاري بقريب من معناه وقد سبق بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أيضا أن قوله تعالي (رجالا) جَمْعُ رَاجِلٍ لَا جَمْعُ رَجُلٍ وَقَوْلُهُ وَيَطْعُنُ هُوَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا يُقَالُ طَعَنَ فِي النَّسَبِ وَنَحْوِهِ يَطْعَنُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَيَطْعُنُ بِالرُّمْحِ بِضَمِّهَا وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا الْتَحَمَ

الْقِتَالُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ لِقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ وَانْقَسَمُوا فِرْقَتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلُّونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً وَلَهُمْ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْحَالِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَفْضِيلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ هُنَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً لَا يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاقْتِدَاءِ الْعِلْمُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا الْمُشَاهَدَةُ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَرَاهُ لَكِنْ يَعْلَمُ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى مِنْ إتْمَامِ الرُّكُوعِ والسجود أو مأوا بِهِمَا وَجَعَلُوا السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَاشِيَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا فِي الْإِحْرَامِ وَلَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ وَالْفَرْقُ شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ هُنَا وَلَا يَجُوزُ الصِّيَاحُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَاحَ فَبَانَ مَعَهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بلا خلاف لانه ليس محتاج إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَغَيْرِهِ وَلَا تَضُرُّ الْأَفْعَالُ الْيَسِيرَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِيهِ أَوْلَى وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْقِتَالِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ كَالطَّعَنَاتِ وَالضَّرَبَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا أَبْطَلَتْ

بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَبَثٌ وَإِنْ احْتَاجَ إليها ففيه ثلاثة أوجه (أصحهما) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سريج وأبو إسحق وَالْقَفَّالُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْمَشْيِ وَلِأَنَّ مَدَارَ الْقِتَالِ عَلَى الضَّرْبِ وَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ غَالِبًا بِضَرْبَةٍ وَضَرْبَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَبْطُلُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ النَّصِّ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَادَّعَى الْمُحْتَجُّونَ لَهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَتَابُعِ الضَّرَبَاتِ نَادِرٌ فَلَمْ تَسْقُطْ الْإِعَادَةُ كَصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي شَخْصٍ وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي أَشْخَاصٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ

وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْأَوْجُهِ بِأَقْوَالٍ وَمِمَّنْ سَمَّاهَا أَقْوَالًا الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ وَمَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ تَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ تَابَعَ الضَّرَبَاتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ تَلَطَّخَ سِلَاحُهُ بِدَمٍ أَلْقَاهُ أَوْ جَعَلَهُ فِي قُرَابَةٍ تَحْتَ رِكَابِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُ عُذْرًا نَادِرًا وَقَالَ تَلَطُّخُ السِّلَاحِ فِي الْقِتَالِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِهِ تَنْحِيَةَ السِّلَاحِ فَتِلْكَ النَّجَاسَةُ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَجَاسَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَقِّهَا ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ عَلَى القولين في من صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَجَعَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِإِلْحَاقِ الشَّرْعِ الْقِتَالَ لِسَائِرِ مُسْقِطَاتِ الْإِعَادَةِ فِي سَائِرِ الْمُحْتَمَلَاتِ كَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْخَوْفِ مُمْسِكًا عِنَانَ فَرَسِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ نَازَعَهُ فَرَسُهُ فَجَبَذَهُ إليه جبذة أو جبذتين أو ثلاثا وَنَحْوَ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ كَثُرَتْ مُجَاذَبَتُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْجَبَذَاتِ أَخَفُّ عَمَلًا مِنْ الضَّرَبَاتِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَثْرَةَ الْعَمَلِ دُونَ الْعَدَدِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَا تَجُوزُ صلاة الاستسقاء وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ دُونَ الِاسْتِسْقَاءِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَسَبَقَ إيضَاحُ صُورَةٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَجُوزُ لِلْبُغَاةِ وَلَا لِلْقُطَّاعِ وَلَوْ قُصِدَتْ نَفْسُهُ أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ فَاشْتَغَلَ بِالدَّفْعِ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ وَلَوْ قُصِدَ مَالُهُ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهَا (والثاني) منعها لخفة امر وَلَوْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُفَّارٍ إنْ كَانُوا منحرفين لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ كَانَ بِإِزَائِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلَيْهِمْ فَالْهَزِيمَةُ جَائِزَةٌ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ

فَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أَكْمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَاتَهُمْ الْعَدُوُّ لَمْ يَجُزْ صَلَاةُ شَدِّهِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خَائِفِينَ بَلْ يَطْلُبُونَ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِلْخَائِفِ فَإِنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ كَرَّهُمْ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَخْتَصُّ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْقِتَالِ بَلْ تَجُوزُ فِي كُلِّ خَوْفٍ فَلَوْ هَرَبَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ جَمَلٍ أَوْ كَلْبٍ ضَارٍ أَوْ صَائِلٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا فَلَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَلَا يُصَدِّقُهُ غَرِيمُهُ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ حَبَسَهُ فَإِذَا هَرَبَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ طُلِبَ لَا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصليها حكاه عنه (1) وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ ظُلْمٍ فَأَشْبَهَ خَوْفَ الْعَدُوِّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَيَرْجُو الْعَفْوَ إذَا سَكَنَ غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ هَارِبًا وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ فَكَأَنَّهُ مُسَاعِدٌ لَهُ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى الْعَفْوِ إذَا سَكَنَ غَضَبُهُ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَهُ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ غَيْرَ الْقِتَالِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْخَوْفِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْرَادِهِ كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ عَامٌّ فَلَوْ وُجِدَ نَوْعُ مَرَضٍ مِنْهُ نَادِرٍ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْعَامِّ فِي التَّرَخُّصِ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُ وُقُوفِهِ وَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ إنْ صَلَّى لَابِثًا عَلَى الْأَرْضِ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ عَنْ الْقَفَّالِ (الصَّحِيحُ)

_ (1) كذا بالاصل فليحرر *

يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْحَجِّ ضَرَرًا وَمَشَقَّةً شَدِيدَةً وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَمَشَقَّتُهُ دُونَ هَذَا (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الوجه وقال يشبه أَنْ يَكُونَ أَشْبَهَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَالثَّالِثُ) لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَيُحَصِّلُ الْحَجَّ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لَا خَائِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَيَبْنِي وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ بَلْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ رَاجِلًا فَرَكِبَ احْتِيَاطًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وأبي اسحق وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بُطْلَانُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَهُ المصنف في التنبيه (والطريق الثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والبندنيجى والمحاملي والماوردي والمتولي وآخرون (أصحهما) عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ تَبْطُلُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لَا تَبْطُلُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَقْيَسُ فَمَعْنَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَغَيْرِهِ أَقْيَسُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ

بِالرُّكُوبِ فَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِلْحَاجَةِ أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي رَاكِبًا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَأَمِنَ وَجَبَ النُّزُولُ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ نَزَلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وذكر جماعة من الخراسانيين أَنَّهُ إنْ قَلَّ فِعْلُهُ فِي نُزُولِهِ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْهَا بَلْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا يُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْن الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى الْبِنَاءِ فِي النُّزُولِ وَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ فِي الرَّكُوبِ بِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ خَفِيفٌ وَالرُّكُوبَ كَثِيرٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَقَالَ قَدْ يَكُونُ الْفَارِسُ أَخَفَّ رُكُوبًا وَأَقَلَّ شُغْلًا لِفُرُوسِيَّتِهِ مِنْ نُزُولِ ثَقِيلٍ غَيْرِ فَارِسٍ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الْغَالِبَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ نَادِرٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْغَالِبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ حَالَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدُ الْخَفِيفُ الرُّكُوبِ نُزُولُهُ أَخَفُّ مِنْ رُكُوبِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ شخص فِي نُزُولِ أَحَدِهِمَا وَرُكُوبِ الْآخَرِ * (فَرْعٌ) إذَا رأوا سوادا إبِلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ الْحَالُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعَدَمِ الْخَوْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (وَالثَّانِي) لَا إعَادَةَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ حَالَ الصَّلَاةِ واختلفوا

فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا إذَا أَخْبَرَهُمْ ثِقَةٌ بِالْخَوْفِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ ظَنُّوا الْعَدُوَّ مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُمَا جَارِيَانِ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (الْجَدِيدُ) تَجِبُ الْإِعَادَةُ (وَالثَّانِي) قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا إعَادَةَ (وَالْقَدِيمُ) إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبٌ فِيهَا وَإِذَا ضُمَّ إلَيْهَا الطَّرِيقُ السَّابِقُ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يُعِيدُونَ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) يُعِيدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَالرَّابِعُ) يُعِيدُونَ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ ثِقَةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْخِلَافِ فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحَبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ بَلْ هُوَ إلْزَامٌ لَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ أَنَّ كان مَنْ صَلَّى بِحَسَبِ طَاقَتِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قُلْتُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ تَيَقَّنُوا الْغَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْمُصَنِّفِ فِي احْتِجَاجِهِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ لَا إعَادَةَ كَمَا لَوْ رَأَوْا عَدُوًّا فَصَلَّوْهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لَهُمْ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا يُنْسَبُونَ فِيهَا إلَى تَفْرِيطٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَلَطِ في السواد فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَامَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا بَانَ لَهُمْ أَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ عَدُوًّا وَكَذَا لَوْ شَكُّوا فِيهِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقُوا الْعَدُوَّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دُونَهُمْ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نار وما أشبهه فيه طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي تَأَمُّلِ الْحَائِلِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوَادِ السَّابِقَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاتَّفَقُوا

عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَالَ الخراسانيون وتجرى الْقَوْلَانِ فِي كُلِّ سَبَبٍ جَهِلُوهُ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمُوهُ امْتَنَعَتْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَالْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِمْ حِصْنٌ يُمْكِنُ التَّحْصِينُ فِيهِ أَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلًا وَظَنُّوهُ كَثِيرًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ولو صَلَّوْا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ صَلَاةَ عُسْفَانَ جَرَى القولان ولو صلوا صلاة ذات صلاة الرِّقَاعِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهَا فِي الْأَمْنِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا جَرَى الْقَوْلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ هُنَا يُشْبِهَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي نِسْيَانِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَنِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ أَوْ صَامَ فَصَادَفَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَمَنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا وَكَذَا لَوْ نَسِيَهَا عَلَى طَرِيقَةٍ لِبَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ اسْتَنَابَ المغصوب فِي الْحَجِّ فَبَرِئَ وَنَظَائِرُهَا وَقَدْ سَبَقَتْ فِي باب أَبْوَابِهَا (1) * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ: هِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَمُوتُ وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لِلْقِيَاسِ عَلَى إيمَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَنْدَقِ فَمَنْسُوخَةٌ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا سَبَقَ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ سَوَاءٌ الْتَحَمَ الْقِتَالُ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَدَّ وَلَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَإِنْ الْتَحَمَ قَالَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ: دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَيَجُوزُ عِنْدَنَا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا جَمَاعَةً كَمَا يَجُوزُ فُرَادَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ * (فَرْعٌ) لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْأَمْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ فِيهَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ بَطْنِ نَخْلٍ صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ صحيحة

وَفِي صَلَاةِ الْحَارِسِينَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ بِلَا عُذْرٍ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَصَلَاةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِيهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) صَحِيحَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ عَلِمُوا وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِبُطْلَانِ صلاته أم بصورة حَالِهِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ أَوْ أَبْطَلْنَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا فَإِحْرَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قال اصحابنا هو مبنى علي الوجهين السَّابِقَيْنِ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ الْإِمَامَ حُكْمًا أَمْ لَا إنْ قُلْنَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ قَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَبْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ فِعْلًا وَلَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمْ انْفَرَدُوا بِرَكْعَةٍ عَمْدًا وَهُمْ فِي حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يُحْتَمَلُ هَذَا فِي الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ أَحْبَبْتُ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَلَّوْا فِي الْأَمْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي قِتَالٍ حَرَامٍ أَعَادُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ إذَا صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَإِنْ صَلَّوْا إحْدَى صَلَوَاتِ الْخَوْفِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاتِهِمْ فِي الْأَمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه والله اعلم *

باب ما يكره لبسه وما لا يكره

(باب ما يكره لبسه وما لا يكره) * قال المصنف رحمه الله تعالي * (يحرم عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ والجلوس وغيرهما لما روي حذيفة قَالَ " نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ " هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ " وَإِلَى قَوْلِهِ " وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ " فَإِنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ وَالدِّيبَاجُ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ معرب وجمعه دبابيج ودبابج وَقَوْلُهُ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ - بِفَتْحِ النُّونِ - * أَمَّا حكم المسألة فيحرم علي الرجل استعمال الدبياج وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالتَّغَطِّي بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سَتْرًا وَسَائِرُ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهِ ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا مُنْكَرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُنَابِذٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَذَا مَذْهَبُنَا فَأَمَّا اللُّبْسُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ دَلِيلُنَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَلِأَنَّ سَبَبَ تَحْرِيمِ اللُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي الْبَاقِي وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ اللُّبْسُ مَعَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى هَذَا حُكْمُ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ: فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ وَتَمْكِينُهُ مِنْهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي " وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ كَخْ كَخْ " أَيْ أَلْقِهَا وَهُوَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ

وَكَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِمَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الرَّجُلِ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ التَّمْرَةِ فَلِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ لِغَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَجِبُ غَرَامَتُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَهُ حُكْمُ الْبَالِغِينَ في اشيا كَثِيرَةٍ هَكَذَا ضَبَطُوهُ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ ضُبِطَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ لَكَانَ حَسَنًا لَكِنَّ الشرع اعتبر السبع في الامر بالصلاة وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْأَوْجُهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ لِلصِّبْيَانِ لُبْسُ الْحَرِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُنْهَى عَنْهُ هَذَا لَفْظُهُ وَحَمَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْهُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ حَتَّى يَبْلُغَ وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي إلْبَاسِهِمْ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَبَعْضُهُ قُطْنًا فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَيْسَمُ أَكْثَرَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَالْخَزِّ لُحْمَتُهُ صُوفٌ وَسَدَاهُ إبْرَيْسَمٌ حَلَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ " فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلِأَنَّ السَّرَفَ يَظْهَرُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ نِصْفَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ ثَبَتَ بِغَلَبَةِ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ قَلِيلٌ من الحرير والديباج كالجبة المكفوفة بالحرير والمجيب بالديباج وما اشبههما لَمْ يَحْرُمْ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا فِي مَوْضِعِ اصبعين أو ثلاثة أو اربعة " وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جبة مكفوفة الحبيب وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ " فَإِنْ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ بِإِبْرَيْسَمٍ لَمْ يَحْرُمْ لُبْسُهَا لِأَنَّ السَّرَفَ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ) * (الشَّرْحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَيْضًا بِبَعْضِ مَعْنَاهُ فَقَالَ مَكْفُوفَةُ الْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ (وَقَوْلُهُ) إبْرَيْسَم هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ اسْمُ جِنْسٍ مُنْصَرِفٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَوْ بَعْضِهَا فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَالصَّوَابُ إبْرَيْسَمًا وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ كَانَ هِيَ الَّتِي لِلشَّأْنِ والقصة وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَالثَّالِثَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ حَكَاهَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقَوْلُهُ) لُحْمَتُهُ صُوفٌ - هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ لُحْمَةُ النَّسَبِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُمَا بِالْفَتْحِ قَوْلُهُ وَسَدَاهُ - هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ - مَقْصُورٌ وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ جَوَازَ مَدِّهِ وَقَوْلُهُ الْمُصْمَتُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - الثَّانِيَةِ أَيْ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ) إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصْبُعِ الْعُضْوُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمرو ابن الصَّلَاحِ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ سَدَا الْخَزِّ إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ وَاللُّحْمَةُ أَكْثَرُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ

أَنَّ سَدَا كُلِّ ثَوْبٍ مُطْلَقًا أَقَلُّ مِنْ لُحْمَتِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصيغة وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ فَمِنْهَا مَا يَدْفِنُ الصَّانِعُ اللحمة منه في السدا ويجعل السدا هُوَ الظَّاهِرَ وَمِنْهَا مَا يُظْهِرُ اللُّحْمَةَ عَلَى السدا ويدفن السدا فِيهِ وَكَذَلِكَ مِنْهَا مَا يَكُونُ سَدَاهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ لُحْمَتُهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَزُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِحَسَبِ " الصَّنْعَةِ أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ حَرِيرًا وَبَعْضُهُ غَيْرَهُ وَنُسِجَ مِنْهُمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ الْقَفَّالُ وَقَلِيلٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ كَانَ الْحَرِيرُ ظَاهِرًا يُشَاهَدُ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ وَالْمُفَاخَرَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالظَّاهِرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَرِيرُ أَقَلَّ وَزْنًا حَلَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَرُمَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْحِلُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا حَرَّمَ ثَوْبَ الْحَرِيرِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَرِيرٍ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَمَا صَحَّحَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْمُطَرَّزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طِرَازُ الْحَرِيرِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَحَرَامٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَيَجُوزُ لبس الثوب المطرز والمجيب وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْعَادَةَ فِيهِ فان جاوزها حرم بالاتفاق ولو وقع ثَوْبَهُ بِدِيبَاجٍ قَالُوا هُوَ كَتَطْرِيزِهِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ لَوْ رُقِّعَ بِقَلِيلِ دِيبَاجٍ جَازَ مَحْمُولٌ عَلَى ما ذكرناه وَلَوْ خَاطَ ثَوْبًا بِإِبْرَيْسَمٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِذَهَبٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ وَلَوْ اتَّخَذَ سُبْحَةً فِيهَا خَيْطٌ حَرِيرٌ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ اتَّخَذَ جُبَّةً مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَحَشَاهَا حَرِيرًا أَوْ حَشَا الْقَبَاءَ وَالْمِخَدَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ الْحَرِيرَ جَازَ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَأَشَارَ إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَتْ ظِهَارَةُ الْجُبَّةِ حَرِيرًا وَبِطَانَتُهَا قُطْنًا أَوْ ظِهَارَتُهَا قُطْنًا وَبِطَانَتُهَا حَرِيرًا فَهِيَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ

الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا ظِهَارَتُهُ وَبِطَانَتُهُ قُطْنٌ وَفِي وَسَطِهِ حَرِيرٌ مَنْسُوجٌ جَازَ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ * (فَرْعٌ) لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِتَارُ بِهِ عَنْ الْعُيُونِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ البدن * قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ * (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الام فان توقي المحارب لبس الديباج كان احب الي فان لبسه فلا بأس والدليل عليه انه يحصنه ويمنع وصول السلاح إليه) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الدِّيبَاجِ فِي حَالِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الدِّيبَاجُ الثَّخِينُ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَرْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) جَوَازُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى التَّضَبُّبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ وَجَدَ نُحَاسًا وَغَيْرَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ بِأَنَّ الْحَرِيرَ يُسَامَحُ بِقَلِيلِهِ كَالْعَلَمِ وَالْجَيْبِ وَنَحْوِهِمَا وَعَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الدِّيبَاجِ الثَّخِينِ الَّذِي لَا يَقُومُ غيره مقامه في دفع السلاح * قل المصنف رحمه الله * (وان احتاج الي لبس الحرير للحكة جاز له لما روى ان أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام من الحكة ") *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا " وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوَسِيطِ وَقَالَ رَخَّصَ لِحَمْزَةَ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ كَمَا هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ وَلِلْجَرَبِ وَنَحْوِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وفيه وجه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والرافعي وليس بشئ وَيَجُوزُ لِدَفْعِ الْقُمَّلِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لا يجوز الا في السفر واختاره أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي رواية في الصحيحين في هذا الحديث ارخص لَهُمَا فِي ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الباقين * قال المصنف رحمه الله * (واما المذهب فلا يحل للرجال استعماله لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الحرير والذهب " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاناثها " ولا فرق في الذهب بين القليل والكثير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهي عن التختم بالذهب فحرم الخاتم مع قلته ولان السرف في الجميع ظاهر فان كان في الثوب ذهب قد صدئ وتغير بحيث لا يبين لم يحرم لبسه لانه ليس فيه سرف ظاهر فان كان له درع منسوجة بالذهب أو بيضة مطلية بالذهب فاراد لبسها في الحرب فان وجد ما يقوم مقامه لم يجز وان لم يجدو فاجأته الحرب جاز لانه موضع ضرورة فان اضطر إلى استعمال الذهب جاز لما روى " ان عرفجة بن أسعد أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ انفا من فضة فانتن عليه فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتخذ انفا من ذهب " ويحل للنساء لبس الحرير ولبس الحلي من الذهب لحديث علي رضي الله عنه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ إلَّا قَوْلَهُ حِلٌّ لِإِنَاثِهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ

وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ عَرْفَجَةَ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَسْأَلَتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مُعْظَمِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ " أَيْ حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُمَا وَالْحِلُّ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - بِمَعْنَى الْحَلَالِ يُقَالُ حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ بِمَعْنًى وَفِي الْخَاتَمِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَيُقَالُ صدئ يصدأ بالهمز فِيهِمَا كَبَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَبْرَأُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ صَدَأُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ وَسَخُهُ مَهْمُوزٌ وَقَدْ صَدِئَ يَصْدَأُ فَاضْبُطْهُ فَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ فَيَتَوَهَّمُهُ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَدِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَذْكِيرُهَا ودرع المرأة مذكر لا غير والمطلية - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ بِمَعْنَى الْمُمَوَّهَةِ وَالْحَرْبُ مُؤَنَّثَةٌ وَفِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ مُذَكَّرَةٌ قَوْلُهُ مَقَامَهُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قام الشئ مَقَامَ غَيْرِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَقَمْتُهُ مُقَامَهُ بِالضَّمِّ وفاجأته بهمزة بعد الجيم أي بغتته وَالْكُلَابُ - بِضَمِّ الْكَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَفِيهِ سِنٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فَصٌّ حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشَبُّهُهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ وَمَنْ لَبِسَ هَذَا الْخَاتَمَ يُعَدُّ لَابِسَ ذَهَبٍ وَهُنَاكَ حَرُمَ إنَاءُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا لَيْسَ بِإِنَاءٍ (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَمَوَّهَهُ بِذَهَبٍ أَوْ مَوَّهَ السَّيْفَ وَغَيْرَهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ تَمْوِيهًا يَحْصُلُ منه شئ إنْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وإن لم يحصل منه شئ فطريقان (أصحهما) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ أَحَدُهُمَا (يَحْرُمُ) (وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِمَنْ ذَهَبَ أَنْفُهُ أَوْ سِنُّهُ أَوْ انملته أن يتخذ

مكانها ذهبا سوا أَمْكَنَهُ فِضَّةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ شَدُّ السِّنِّ وَالْأُنْمُلَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخَيْطٍ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَنْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهَلْ لِمَنْ ذَهَبَتْ إصْبَعُهُ أَوْ كَفُّهُ أَوْ قَدَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مُسْتَوْفَاةً (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَتْ دِرْعٌ مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ بَيْضَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِهِ أَوْ جَوْشَنٌ مُتَّخَذٌ مِنْهُ وَنَحْوُهَا حَرُمَ لُبْسُهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَيَحْرُمُ حَالَ مفاجأة الحرب أَيْضًا إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَنْسُوجَةً أَوْ بَعْضُهَا وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا لَمْ يَصْدَأْ فَإِنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَبِنْ لَمْ يَحْرُمْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الذَّهَبُ لَا يَصْدَأُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَمِنْهُ مَا لَا يَصْدَأُ وَيُقَالُ الَّذِي يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ يَصْدَأُ وَالْخَالِصُ لَا يَصْدَأُ (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ وَبِالذَّهَبِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُنَّ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أبو عمر لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُنَّ لُبْسُهُ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَالْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ لِلْحَدِيثِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إبَاحَتَهُ لِمُجَرَّدِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِذَاتِ الزَّوْجِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ * (فَرْعٌ) كُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ على الرجل حرمناه علي الخنثى المشكل وكذلك الْحَرِيرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ والرافعي وغيرهم واشار المتولي الا انه يجوز لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ لُبْسُهُمَا فِي الصِّغَرِ فَيَبْقَى وَحُكِيَ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرِيرَ لَهُ احْتِمَالٌ وَقِيَاسُ الْمُتَوَلِّي جَوَازُهُ وَالْمَذْهَبُ التحريم فيهما *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ كُلِّهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَاتَمِ وَالْحَلْقَةِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْقَلَائِدِ وَغَيْرِهَا وَفِي جَوَازِ لُبْسِهِنَّ نِعَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِلْإِسْرَافِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ شِعَارُ عُظَمَاءِ الرُّومِ قَالَ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النواحى فحيث جرت عادت النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَحَيْثُ لَمْ يَجْرِ حَرُمَ حِذَارًا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ والمختار بل الصواب الجواز من غير ترديد لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْحُلِيِّ وَفِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُثْقَبُ وَتُجْعَلُ فِي الْقِلَادَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَقَالَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ لِدُخُولِهِمَا فِي اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ قُلْتُ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ اتِّخَاذُ زِرِّ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ والفرجية منهما قال الرافعى ولعله تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي لُبْسِ الْمَنْسُوجِ بِهِمَا قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ قَالَ ثُمَّ كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فلذلك إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ التَّحْرِيمُ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ وَإِنَّمَا تُبَاحُ الزِّينَةُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ فَأَشْبَهَ اتِّخَاذَ عَدَدٍ مِنْ الْخَلَاخِيلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُهُ إسْرَافُ الرَّجُلِ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ قَالَ ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة والمرأة خلاليل كثيرة لتلبس الواحدة مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الثَّقِيلِ وليس بشئ * (فَصْلٌ) فِي التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ * عَادَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ذِكْرُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ هُنَاكَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ أن هذا الباب أنسب به لاسيما وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ

فِيهِ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ وَالْمُدَمْلَجِ وَالطَّوْقِ وَنَحْوِهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِتَحْرِيمِهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي هَذَا تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ والرانين والخفين وغيرها لان فيه ارعاب الْعَدُوِّ وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالشَّفْرِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَجْرَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ وَقَطَعَ كَثِيرُونَ بِتَحْرِيمِ قِلَادَةِ الدَّابَّةِ مِنْ فِضَّةٍ وَاتَّفَقُوا علي انه لا يجوز تحلية شئ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِذَهَبٍ قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّشَبُّهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ آلَاتِ الْحَرْبِ إنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا بِلَا تَحْلِيَةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُنَّ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ بِلَا تَحْلِيَةٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ بَلْ كَرِهَهُ فَكَذَا عَكْسُهُ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ

بِالنِّسَاءِ وَعَكْسَهُ حَرَامٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ * (فَرْعٌ) فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ: أَمَّا الْأَوَانِي مِنْهَا فَحَرَامٌ وَسَبَقَتْ تَفَارِيعُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الْيَاقُوتِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ حَلَّى شَاةً أو عزالا أَوْ دَجَاجَةً أَوْ غَيْرَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي تَحْلِيَةِ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ وَسِكِّينِ الْمُقَلَّمَةِ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ حَرْبٍ (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِبَاسًا وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا عَلَى النِّسَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالرجل حكاه الرافعى وغير وَفِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَفِي حَرْمَلَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَدِيدِ إكْرَامًا لِلْمُصْحَفِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ وَفِي تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْأَصَحُّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ جَوَازُهُ فِي مُصْحَفِ المرأة وتحريمه في مصحف الرجل (والثانى) جَوَازُهُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) تَجُوزُ حِلْيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَائِرِ الْكُتُبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ بِالْفِضَّةِ فَحَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ خِلَافٍ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَفِي تَحْلِيَةِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مَعَ أَنَّهُ سَرَفٌ (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حُلَّ لِبَعْضِ النَّاسِ اسْتِعْمَالُهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ وَوَجَبَ عَلَى كَاسِرِهِ أَرْشُهَا وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهَانِ

فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا أُجْرَةَ وَلَا أَرْشَ (وَالثَّانِي) ثُبُوتُهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدْبُوغًا فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْأَدَاةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ ان يستعمله في شئ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " وَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَحِلَّ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا قِيرَاطٌ وَفِي أَكْثَرِهَا قِيرَاطَانِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ كَلْبُ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ وَيَحِلُّ أَيْضًا لِحِفْظِ الدُّرُوبِ وَالدُّورِ وَنَحْوِهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كُلَّ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الصَّيْدَ وَالْمَاشِيَةَ وَنَحْوَهُمَا وَأَهْمَلَ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَيَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَقَوْلُهُ) وَأَدَاتُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْآلَةُ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِلشَّافِعِيِّ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يجوز استعمال شئ مِنْهَا فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً وَهِيَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً وَهِيَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْفَرَعِ لم يجز فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لُبْسُ جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَا الْخِنْزِيرِ وَلَا فَرَعِ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِحَالٍ وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا لِمَقَاصِدَ مَخْصُوصَةٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْلَى وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا دَهْنُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ فَاجَأَتْهُ حَرْبٌ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وسائر

الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ وَالثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِاللُّبْسِ وَبِغَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي باب الا نية وَأَمَّا الْجُلُودُ الطَّاهِرَةُ فَيَجُوزُ لُبْسُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي لُبْسُ غَيْرِ الْجُلُودِ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهَا قَالَا " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخِفَافِ وَالْفِرَاءِ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ دُونَ سَائِرِ ثِيَابِهِمْ " وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فيه نظر هذا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ فِي الْبَدَنِ

فَأَمَّا إذَا أَلْبَسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ وَنَحْوَهُمَا جِلْدًا نَجِسًا فَإِنْ كَانَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ فَرَعَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ جِلْدَ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ آدَمِيٍّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ جَلَّلَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بِجِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي غِلَظِ النَّجَاسَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُمَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ تَجْلِيلُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَخِنْزِيرٍ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزَّبْلِ النَّجِسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ أَحَدٌ وَفِي كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِيهِ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ سَوَاءٌ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ أَوْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَمْنٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَ هُنَاكَ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِ النَّجِسِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَفِي غَيْرِ الْبَدَنِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِالدُّهْنِ الْمُتَنَجَّسِ وَشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ السُّفُنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ هَذَا الدُّهْنِ الصَّابُونَ فَيَسْتَعْمِلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَهُ إطْعَامُ الْعَسَلِ الْمُتَنَجَّسِ لِلنَّحْلِ وَالْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ الصَّائِدَةِ وَغَيْرِهَا وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجَّسِ لِلدَّوَابِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ شَحْمِ الْمَيْتَةِ وَمَنَعُوا شَحْمَ الْمَيْتَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واحمد بن صالح والماجشون المالكي لا يجوز شئ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَمِيعَ بِدَلَائِلِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بيع الميتة *

(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالباب (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لُبْسُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ لَا فِي جِنْسِهَا بِخِلَافِ الْحَرِيرِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْخَزِّ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ حَرِيرٌ وَصُوفٌ لَكِنَّ حَرِيرَهُ مُسْتَتِرٌ وَأَقَلُّ وَزْنًا (الثَّانِيَةُ) الْقَزُّ كَالْحَرِيرِ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وحكى المتولي فيه وجهان وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله

نَهَى الرَّجُلَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَرْخَصْتُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْهُ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَلِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ مَا دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " رَآنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كُلِّ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَ الرِّجَالِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَالَ وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ

مَا هُوَ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُ وَكَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ مِمَّا يَصِحُّ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَلَا تُقَلِّدُونِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَنْهَى الرَّجُلَ حَلَالًا بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يُزَعْفِرَ وَيَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ بِغَسْلِهِ عَنْهُ قَالَ فَيَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِي الْمُزَعْفَرِ فَمُتَابَعَتُهَا فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى بِهِ

وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ يَعْنِي بَعْضَ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ وَالْمُخَطَّطِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ وَلَا خِلَافَ في هذا ولا كراهة في شئ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ سُمْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابي حنيفة وعن ابي رمثة " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " رواه مسلم وعن عمر بن حرب قَالَ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ

مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمِرْطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - كِسَاءٌ الْمُرَحَّلُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - الَّذِي فِيهِ صُورَةُ رِحَالِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْأَكْوَارُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً شَامِيَّةً مِنْ صُوفٍ ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِبَرَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْحِبَرَةُ بُرْدٌ مُخَطَّطٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ وَيَكُونُ أَحْمَرَ غالبا (الخامس) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُزْدَرَى بِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ الا لغرض مع الاستغناء والمختار ما قدمناه ومما يَدُلُّ لِلطَّرَفَيْنِ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ

يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ علي رؤوس الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وعن عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ) لَوْ بَسَطَ فَوْقَ ثَوْبِ الْحَرِيرِ ثَوْبَ قُطْنٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ كَمَا لَوْ حَشَا الْجُبَّةَ وَالْمِخَدَّةَ بِهِ وكما لو بسط علي النجاسة ثوب وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ (السَّابِعَةُ) يَحْرُمُ إطَالَةُ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ

وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من جر وبه خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

عن أبي سعد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَجَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً صَحِيحَةً * (فَرْعٌ) الْإِسْبَالُ فِي الْعِمَامَةِ هُوَ إرْسَالُ طَرَفِهَا إرْسَالًا فَاحِشًا كَإِسْبَالِ الثَّوْبِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ والعمامة من جر شيثا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ كُمُّ قميص رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرُّسْغِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ ارسالها شئ وَصَحَّ فِي الْإِرْخَاءِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرابعة *

(فَرْعٌ) لِلْمَرْأَةِ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ لِحَدِيثِ ابن عمر " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ

ترخين شيرا قالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَتُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا تَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ *

(فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ نَعْلًا أَوْ نَحْوَهُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا يقول اللهم

لَك الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صنع له وأعوذ بك من شره وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وغيرهما بِالْيَمِينِ وَيَخْلَعَ بِالْيَسَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ يَحْرُمُ تَنْجِيدُ الْبُيُوتِ بِالثِّيَابِ الْمُصَوَّرَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَسْتِيرِ الْجِلْدِ وَإِطْلَاقُهُ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَتْ " أَخَذْت نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الكراهية في وجهه فجذبه حتى هبله أَوْ قَطَعَهُ وَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ " فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا النَّمَطَ كَانَ فِيهِ صُورَةُ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَاقِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِيقَةِ اللَّفْظِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِهِ بَلْ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهَذَا انما يقتضي

أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ (الْعَاشِرَةُ) يَجُوزُ للرجل لبس خاتم الفضة في خنصره بمينه وَإِنْ شَاءَ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ كِلَاهُمَا صَحَّ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ فَرُبَّمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ هَذَا كَلَامُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ فِي مُعْظَمِ الْبُلْدَانِ شِعَارًا لَهُمْ وَلَوْ كَانَ شِعَارًا لَمَا تُرِكَتْ الْيَمِينُ وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَنُ لِكَوْنِ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ تَفْعَلُهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ

وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَيَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ وَيَجْعَلُ الْفَصَّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنُهَا أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَيَجُوزُ نَقْشُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَبَعْضُهُمْ لِخَوْفِ امْتِهَانِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ إصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ فِيهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ جَعْلُ خَاتَمِهِ فِي خِنْصَرِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " نَهَانِي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ " وَأَشَارَ الرَّاوِي إلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي

دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى قَالَ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي * (فَرْعٌ) يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا خَاتَمُ الذَّهَبِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُكْرَهُ لَهَا خَاتَمُ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ خَاتَمَ ذَهَبٍ فَلْتُصَفِّرْهُ بِزَعْفَرَانٍ وَشِبْهِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهَا * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَقَدْ نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ

مِنْ حَدِيدٍ أَوْ شَبَهٍ بِفَتْحِ الشِّين وَالْبَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ قَالَ مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حُلَّةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يا رسول الله من أي شئ أَتَّخِذُهُ فَقَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ لِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا " اُطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " قَالَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ بِهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُعَيْقِيبٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَانَ خاتم النبي

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ " فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إنَّمَا قَالَ " أَجِدُ رِيحَ الْأَصْنَامِ " لِأَنَّهَا كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنْ الشَّبَهِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَقِيلَ كَرِهَهُ لِسَهُوكَةِ رِيحِهِ قَالَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدٍ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِيُنْعِلْهُمَا جميعا أو ليخلعهما جميعا " وفى رواية ليخفهما جَمِيعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا (الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ وَنَحْوَهُمَا قَائِمًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سَبَبُ النَّهْيِ خَوْفُ انْقِلَابِهِ إذَا انْتَعَلَ قَائِمًا فَأُمِرَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَعْوَنُ وَأَسْلَمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ قَالَ وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِدْخَالِ الْيَدَيْنِ فِي الْكُمَّيْنِ قَالَ فَيُكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدًا فِي كُمِّهِ وَيُخْرِجَ أُخْرَى لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأُمِّ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْجَرَسِ فِي الْبَعِيرِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَصْحَبُ الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس " رواه مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مسلم وعن بنابه - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدُخِلَ عليها بجارية عليها جلاجل تصوت فقال لا تدخلنها عَلَيَّ إلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (السَّادِسَةَ عَشَرَةَ) يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ إذَا تَوَسَّخَ وَإِصْلَاحُ الشَّعْرِ إذَا شَعِثَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (السَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ) يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ

والوسم والوشر سبق بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَتَعْرِيفُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ بِصُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَاِتِّخَاذُ الصُّوَرِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَتَفْرِيعُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَسَبَقَ فِي بَابِ السِّوَاكِ (التَّاسِعَةَ عَشَرَةَ) يَجُوزُ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَنَحْوِهَا مُزَرَّرًا وَمَحْلُولَ الْأَزْرَارِ إذَا لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ فَنَسِيتُ الْخَاتَمَ فَقَالَ عُرْوَةُ فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ إلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرٍّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الْعِشْرُونَ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ

وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ أَبِي مليكة قال " قيل لعائشة أن امرأة تَلْبَسُ النَّعْلَ فَقَالَتْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ

مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى كَاسِيَاتٍ أَيْ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَّاتٍ مِنْ شُكْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَعْنَى مَائِلَاتٍ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ مُمِيلَاتٍ أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ وَقِيلَ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يتمشطن الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا وَمُمِيلَاتٌ

يمشطن غيرهن تلك المشطة ومعنى روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ أَيْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا جَلَسَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ وَنَحْوَهُمَا وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَجْعَلَهُمَا بِجَنْبِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ اتِّخَاذُ السُّتُورِ عَلَى الابواب

وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا وَلَا فِيهَا صور محرمة للاحاديث الصحيحة المشهور فِيهَا (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْقُعُودُ مُتَرَبِّعًا وَمُفْتَرِشًا وَمُتَوَرِّكًا وَمُحْتَبِيًا وَالْقُرْفُصَاءَ وَالِاسْتِلْقَاءُ عَلَى الْقَفَا وَمَدُّ الرِّجْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَاتِ الْقُعُودِ وَنَحْوِهَا ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكْشِفْ عَوْرَتَهُ وَلَمْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ وَوَصَفَ بِيَدَيْهِ الِاحْتِبَاءَ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صحيحة وعن الشريد بن

سويد " قال مربي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْت عَلَى أَلْيَةَ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا أَرَادَ النَّوْمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ اضْطِجَاعٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ عَلَى بَطْنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ

يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَفْضَلُ أَذْكَارِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الَّذِي أَرْسَلْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رواية

لَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِلْبَرَاءِ إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضطجع على شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ " وَعَنْ حُذَيْفَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ

" كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ " رواه البخاري ومسلم وعن طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ - بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ فَاءٍ - قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي إذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِمَنْ قَعَدَ فِي مَكَان أن يفارقه

قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من اللَّهِ تِرَةٌ وَمَنْ اضْطَجَعَ مُضْطَجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ فيه تِرَةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ التِّرَةُ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ - النَّقْصُ وَقِيلَ التَّبِعَةُ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ

فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي آدَابِ الْمَجْلِسِ وَالْجَلِيسِ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَلَا يَجْلِسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ " كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يقوم سبحانك

اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلَّا غُفِرَ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا ذُكِرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ في خاصرته وتقول ان اليهود تفعله (الثامنة والعشرون) في آداب تتعلق بالرؤيا في المنام (1) *

_ (1) كذا بالاصل وفي بعض النسخ سقط الثامنة والعشرون *

باب صلاة الجمعة

(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) هِيَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا - حَكَاهُنَّ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الضَّمُّ وَبِهِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَالْإِسْكَانُ تَخْفِيفٌ مِنْهُ وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَضُحَكَةٌ لِلْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْفَتْحُ لُغَةُ بَنِي عَقِيلٍ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِاللُّغَاتِ الثَّلَاثِ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعُرُوبَةَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَكَانَ يُسَمَّى عُرُوبَةً وَالْعُرُوبَةَ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ وَأَرَادَ إيضَاحَهُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْعُرُوبَةَ وَلَا يَعْرِفُ الْجُمُعَةَ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَزَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَمَا مِنْ دابة الا وهى مصبخة يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ " (قوله) مصبخة - بالخاء المعجمة - وفى رواية ابى داود مسبخه - بِالسِّينِ - أَيْ مُصْغِيَةٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا لله له فهم لنا فيه تبع واليهود غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى بَيْدَ أَنَّهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ مَعَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ ابن الْمُسَيِّبِ أَحَبُّ الْأَيَّامِ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ ضُحَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا أَوْ جُحُودًا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أمره) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ قَوَاعِدُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله) وَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَامْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو دَاوُد لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ عَدَمُ سَمَاعِهِ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ أصحابنا وجميع العلماء الا أبو إسحق الاسفرايني وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجُمُعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ غَيْرَ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَالنَّقْصِ الْمَذْكُورِينَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ غَلِطَ فَقَالَ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالُوا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ فَهِمَهُ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ مَنْ خُوطِبَ بِالْجُمُعَةِ وُجُوبًا خُوطِبَ بِالْعِيدَيْنِ مُتَأَكَّدًا وَاتَّفَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ مَنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ علي غلط قائله قال القاضى أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْكَى هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الْإِشْرَافِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا مَا سَبَقَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرة وفيما قاله نظر * قال المصنف رحمه الله * (ولا تجب الجمعة علي صبى ولا مجنون لانه لا تجب عليهما سائر الصلوات فالجمعة أولي ولا تجب علي المرأة لما روى جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ

الآخر فعليه الجمعة الا على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولانها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لبس كَمَا قَالَ فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهَا الْجُمُعَةَ الِاخْتِلَاطُ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُمْ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ وَصَلَّتْ الْجُمُعَةَ جَازَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسْجِدِهِ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْوَةً لَيْسَ بِحَرَامٍ * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إلَّا أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورِينَ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُغْمًى عليه وسائر من زال عقله أو انغمر بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَيَجِبُ عَلَى السَّكْرَانِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَتَفْرِيعُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَا يُطَالَبُ بِهَا وَهَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا تُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَتَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ سَبَقَ هُنَاكَ وَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلشَّكِّ فِي الْوُجُوبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يُسْتَحَبُّ لِلْعَجُوزِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ حُضُورُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا العيدين * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تجب على المسافر للخبر ولانه مشغول بالسفر وأسبابه فلو أجبنا عليه انقطع عنه ولا تجب

على العبد للخبر ولانه ينقطع عن خدمة مولاه ولا تجب على المريض للخبر ولانه يشق عليه القصر وأما الاعمي فانه ان كان له قائد لزمته وان لم يكن له قائد لم تلزمه لانه يخاف الضرر مع عدم القائد ولا يخاف مع القائد * (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمُسَافِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إذَا سمع نداء لَزِمَتْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجُمُعَةُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهَا أَكْمَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلْخُنْثَى وَالصَّبِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ دُونِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَبَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا الْمُكَاتَبِ وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرُ وَغَيْرُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكوفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ فَلَهُ التَّخَلُّفُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وُجُوبُهَا عَلَى عَبْدٍ يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَقَالَ دَاوُد تَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ دَلِيلُنَا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ كان بينه وبين سيده مهيايأة أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سيده مهايأة وصادف يوم الجمعة نويته لَزِمَتْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْعَبْدِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ

لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا وَلَا تَجِبُ (الثَّالِثَةُ) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَرِيضِ سَوَاءٌ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِتَخَلُّفِهِ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ طَارِقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ كَانَ أَفْضَلَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرِيضِ فِي هَذَا مَنْ بِهِ اسهال كثير قال فان كان بحيث يَضْبِطُ نَفْسَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُ الْمَسْجِدَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَهَذَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ أَخَفُّ مِنْ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِلْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِمَا (الرَّابِعَةُ) الْأَعْمَى إنْ وَجَدَ قَائِدًا مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدُهَا لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي تَلْزَمُهُ إنْ أَحْسَنَ الْمَشْيَ بِالْعَصَا بِلَا قَائِدٍ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَعْمَى الَّذِي يَجِدُ قَائِدًا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الزَّمِنِ إنْ وَجَدَ مَرْكُوبًا مِلْكًا أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ قَالُوا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ الْعَاجِزُ عن المشي له حكم الزمن * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تجب علي المقيم في موضع لا يسمع النداء من البلد الذى تقام فيها الجمعة أو القرية التى تقام فيها الجمعة لما روى عبد الله بن عمرو إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الجمعة على من سمع النداء " والاعتبار في سماع النداء ان يقف المؤذن في طرف البلد والاصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع فإذا سمع لزمه وان لم يسمع لم يلزمه) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَمْرٍو وَاَلَّذِي رَفَعَهُ ثِقَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا شَاهِدًا لَهُ وَرَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

عبد الله بن عمرو ابن الْعَاصِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي النِّدَاءِ لُغَتَانِ كَسْرُ النُّونِ وَضَمُّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا من أهل الكمال وجبت الجمعة علي كل فِيهِ وَإِنْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْبَلَدِ فَرَاسِخَ وَسَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُقِيمُونَ فِي غَيْرِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَعَلُوهَا فِي قَرْيَتِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنُوا وَإِنْ دَخَلُوا الْبَلَدَ وَصَلَّوْهَا مَعَ أَهْلِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَانُوا مُسِيئِينَ بِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسِيئِينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَةٍ فَفِيمَا فَعَلُوهُ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَغَلَّطَ الْأَصْحَابُ قَائِلَهُ أَمَّا إذَا نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ فَلَهُمْ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا جُمُعَةٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ أَوْ قُرًى مُتَقَارِبَةٌ يَبْلُغُ بَعْضَهَا النِّدَاءُ مِنْ بَعْضِهَا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ يَنْقُصُ أَهْلُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَيَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ المعتبر نداء رجل علي الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ وَيُؤَذِّنُ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةٌ فَإِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّذِي يَلِي بَلَدَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي سَمْعِهِ خَلَلٌ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ فِي الْجَوْدَةِ عَادَةَ النَّاسِ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ فيها وإلا فلا وفى وجه مشهوران المعتبران يَقِفَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْجُمُعَةُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ الْمُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ضَعْفِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْبَلَدَ قَدْ يَتَّسِعُ خُطَّتُهُ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ الْمُنَادِي فِي وَسَطٍ لَا يَسْمَعُهُ الطَّرَفُ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى إلَى قَرْيَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أو سور ونحوهما هكذا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بَيْنَ غِيَاضٍ وَأَشْجَارٍ تَمْنَعُ الصوت فيعتبر فيها الارتفاع علي شئ يَعْلُو الْغِيَاضَ وَالْأَشْجَارَ وَلَوْ بَلَغَ النِّدَاءُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ الْقَرْيَةِ دُونَ مَنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا لَزِمَ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْجُمُعَةُ صرح به امام الحرمين والمتولي وغيرهما

_ (1) بياض بالاصل فحرر *

لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِي حِدَّةِ السَّمَاعِ فَلَا تَعْوِيلَ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ فَسَمِعَ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَمْ يَسْمَعُوا أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَسَمِعُوا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاعْتِبَارُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَالِيَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُنْخَفِضَةِ (وَالثَّانِي) عَكْسُهُ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَمَّا إذَا سَمِعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ النَّاقِصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَأَيَّهُمَا حَضَرُوهُ جَازَ وَالْأَوْلَى حُضُورُ أَكْثَرِهِمَا جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَنَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعِينَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ نِدَاءُ الْبَلَدِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ وسعيد بن المسيب واحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَنَافِعٌ مولي بن عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ إذَا فَعَلَهَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَيَبِيتَ فِيهِمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَرَبِيعَةُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَهْلِ الرَّأْيِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجُ الْبَلَدِ سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ " وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " الجمعة عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ " دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا حَدِيثُ) " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ " (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) انه ضعف جِدًّا (وَالثَّانِي) لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مِصْرٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَآخَرُ مَجْهُولٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شئ * * قال المصنف رحمه الله *

(ولا تجب علي خائف علي نفسه أو ماله لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من سمع النداء فلم يجبه فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أو مرض " ولا تجب علي من في طريقه الي المسجد مطر تبتل به ثيابه لانه يتأذى بالقصد ولا تجب علي من له مريض يخاف ضياعه لان حق المسلم آكد من فرض الجمعة ولا يجب علي من له قريب أو صهر أو ذوود يخاف موته لما روى " انه استصرخ علي سعيد بن زيد وابن عمر يسعي الي الجمعة فترك الجمعة ومضى إليه " وذلك لما بينهما من القرابة فانه ابن عمه ولانه يلحقه بفوات ذلك من الالم اكثر مما يلحقه من مرض أو اخذ مال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَحَدِيثُ الِاسْتِصْرَاخِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ يَعْنِي مَجَازًا فَإِنَّهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب ابن نُفَيْلٍ وَقَوْلُهُ اُسْتُصْرِخَ هُوَ مِنْ الصُّرَاخِ وَهُوَ الصَّوْتُ يُقَالُ صَرَخَ يَصْرُخُ - بِضَمِّ الرَّاءِ - فِي المضارع وقوله ذوود هُوَ - بِضَمِّ الْوَاوِ - أَيْ صِدِّيقٌ وَقَوْلُهُ يَخَافُ ضَيَاعَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ عُذْرٍ سَقَطَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ سَقَطَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ إلَّا الرِّيحَ فِي الليل لعدم تصوره وفي الوجل ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) عَنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بِعُذْرٍ فِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) هُوَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ طَبَرِسْتَانَ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يَوْمِ رَدْغٍ أَيْ طِينٍ وَزَلَقٍ لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ وَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ تَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ مَطَرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَطَرَ كَانَ مَوْجُودًا فَلَمْ يُعَلِّلْ سُقُوطَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالطِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الضَّابِطِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاة الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَالَ المصنف

عِبَارَةَ الْأَصْحَابِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَأَعَمَّ: أَمَّا التمريض فقال أصحابنا إنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ مُتَعَهِّدٌ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَحَاجَتِهِ نظر ان ذَا قَرَابَةٍ زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ صِهْرًا أَوْ صَدِيقًا وَنَحْوَهُمْ فَإِنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَوْ غَيْرَ مُشْرِفٍ لَكِنْ يَسْتَأْنِسُ بِهَذَا الشَّخْصِ حَضَرَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا وَلَا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ عُذْرِ الْمَطَرِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ عَنْ الْمُتَخَلِّفِ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ متعهد فان لم يكن متعهدا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إنْ خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ فَهُوَ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا قَالُوا لِأَنَّ؟ ؟ ؟ الْمُسْلِمِ مِنْ الْهَلَاكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِغَيْبَتِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَبْلُغُ دَفْعُهُ مَبْلَغَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لَا يَتَفَرَّغُ لِخِدْمَتِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ لفوات مقصود المتعهد * * قال المصنف رحمه الله تعالي * (ومن لا جمعة عليه لا تجب عليه وان حضر الجامع الا المريض ومن في طريقه مطر لانه انما لم تجب عليهما للمشقة وقد زالت بالحضور) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ نَاقِصٌ يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالْمُسَافِرُونَ الْجَامِعَ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَخَرَّجَ ابْنُ الْقَاصِّ وَجْهًا فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَأَمَّا الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا فَإِذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ وَلَا خِلَافَ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ بَلْ إذَا حضر لزمته الجمعة وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّتِهَا فَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِانْتِظَارِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ بَلْ لَهُ الِانْصِرَافُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ

وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَلْحَقُوا بِالْمَرَضِ الْأَعْذَارَ الْمُلْحَقَةَ بِهِ وَقَالُوا إذَا حَضَرُوا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْضًا إنْ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُ الْمَعْذُورِ بِالصَّبْرِ إلَى فَرَاغِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرَعُوا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُمْ ثُمَّ أَرَادُوا قَطْعَهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَفِي جَوَازِهِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحَدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا قَطْعُهَا لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَنْ فَرْضِهِمَا فَتَعَيَّنَ إتْمَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الا احتمالا لامام الحرمين * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ اتَّفَقَ يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد جاز ان ينصرفوا ويتركوا الجمعة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في خطبته " ايها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من اهل العالية ان يصلي معنا الجمعة فليصل ومن اراد ان ينصرف فلينصرف " ولم ينكر عليه احد ولانهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيؤا بالعيد فان خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة ومن اصحابنا من قال تجب عليهم الجمعة لان من لزمته الجمعة في غير يوم العيد وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد والمنصوص في الام هو الاول) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالْعَالِيَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ قَرْيَةٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَأَهْلُ السَّوَادِ هُمْ أَهْلُ الْقُرَى وَالْمُرَادُ هُنَا اهل القرى الذين يبلغهم النداء ويلزمهم حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي الْبَلَدِ فِي غَيْرِ الْعِيدِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى نَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ يَتَهَيَّأُ مَهْمُوزٌ * اما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اتَّفَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عِيدٍ وَحَضَرَ أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ لِبُلُوغِ نِدَاءِ الْبَلَدِ فَصَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَفِي أَهْلِ الْقُرَى وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تَسْقُطُ (وَالثَّانِي) لَا تَسْقُطُ وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابَ هَذَا الثَّانِي عَنْ قَوْلِ عُثْمَانَ وَنَصِّ الشَّافِعِيّ فَحَمَلَهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ لَا جُمُعَةَ

عَلَيْهِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِيهِ أَوْلَى فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَهُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَضَرُوا الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ يُكْرَهُ لَهُمْ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ زَالَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ فَبَيَّنَ عُثْمَانُ وَالشَّافِعِيُّ زَوَالَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ سُقُوطُهَا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الجمعة علي اهل البلد وسقوطها عن عن اهل القرى وبه قال عثمان ابن عَفَّانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إذَا صَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَجِبْ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَا الظُّهْرِ وَلَا غَيْرِهِمَا إلَّا الْعَصْرَ لَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا أَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ أَحْمَدُ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَلَدِ وَلَكِنْ يَجِبُ الظُّهْرُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا أَهْلِ الْقُرَى * وَاحْتَجَّ الَّذِينَ أَسْقَطُوا الْجُمُعَةَ عَنْ الْجَمِيعِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَالَ " شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فَصَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلِيُصَلِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَخَّرَ أَمْرَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْتَمِعُونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْوُجُوبُ وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِمَا رَوَاهُ هُوَ قَالَ " اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ عِيدٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّى " ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ له فقال أصحاب السُّنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَتَأَوَّلُوا الْبَاقِيَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ مَرْفُوعٌ وَتَأْوِيلُهُ أضعف * * قال المصنف رحمه الله تعالى * (ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة فان صلى الجمعة أجزأه عن الظهر لان الجمعة انما سقطت عنه لعذر فإذا حمل علي نفسه وفعل أجزأه كالمريض إذا حمل علي نفسه فصلى من قيام وان أراد أن يصلي الظهر جاز لانه فرضه غير أن المستحب ان لا يصلي حتى يعلم ان الجمعة قد فاتت لانه

ربما زال العذر فيصلي الجمعة فان صلى في أول الوقت ثم زال عذره والوقت باق لم تجب عليه الجمعة وقال ابن الحداد إذا صلي الصبي الظهر ثم بلغ والوقت باق لزمه الجمعة وان صلى غيره من المعذورين لم تلزمه الجمعة لان ما صلي الصبى ليس بفرض وما صلي غيره فرض والمذهب الاول لان الشافعي نص علي أن الصبي إذا صلى في غير يوم الجمعة الظهر ثم بلغ والوقت باق لم تجب عليه اعادة الظهر فكذلك الجمعة فان صلي المعذور الظهر ثم صلى الجمعة سقط الفرض بالظهر وكانت الجمعة نافلة وحكى أبو إسحق المروزى انه قال في القديم يحتسب الله له بأيهما شاء والصحيح هو الاول وان أخر المعذور الصلاة حتى فاتت الجمعة صلي الظهر في الجماعة قال الشافعي واحب إخفاء الجماعة لئلا يتهموا في الدين قال اصحابنا إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الجماعة لانهم لا يتهمون مع ظهور العذر) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَعْذُورُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَنْ يُتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَاعَى تَصَوُّرُ الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا فَانْتَهَى الْوَقْتُ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ حَصَلَ الْفَوَاتُ فِي حَقِّهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَنْ لَا يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قطع الماوردى والدارمى والخراسانيون وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَنْشَطُونَ لِلْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُتَقَدِّمَةَ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ لَكَانَ حَسَنًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ اُسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَأَنْ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ويستحب

للمعذورين الجماعة في ظهرهم وحكي (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَشْرُوعَةَ هَذَا الْوَقْتَ الْجُمُعَةُ وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُسْتَحَبُّ فِي ظُهْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَسْتَحِبُّ لَهُمْ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ لئلا يتهموا في الدين وينسبون إلى ترك الجماعة تَهَاوُنًا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا إذَا كَانَ عُذْرُهُمْ خَفِيًّا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ حِينَئِذٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُفْطَنُ لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ وَقَدْ يُتَّهَمُ صَاحِبُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعُذْرِهِ

لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الظُّهْرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْجُمُعَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ خَفِيًّا فَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ أُحِبُّ إخْفَاءَ الْجَمَاعَةِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَثِيرُونَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الْجَمَاعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُ ظُهْرُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا الصَّبِيَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا ضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا زَالَ إشْكَالُهُ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَهُوَ الْآنَ مُتَمَكِّنٌ وَهَذَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ صحاب الْأَعْذَارِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هُوَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُنْثَى أَمَّا إذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ كَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِالتَّيَمُّمِ وَهَذَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ كَالْخِلَافِ هناك ويقتضى خلافا في استحباب قطعها والاكتفاء فِيهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بُطْلَانِ هَذِهِ الظُّهْرَ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِاتِّصَالِهَا بِالْمَقْصُودِ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ أَوْ تَمَكَّنَ مَنْ تزويج أَمَةً مِنْ نِكَاحِ حُرَّةٍ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ تَفْرِيعٌ عَلَى إبْطَالِ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ تِلْكَ فَهَذِهِ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَعْذُورِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الْجَدِيدُ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَتَقَعُ الْجُمُعَةُ نَافِلَةً لَهُ كَمَا تَقَعُ لِلصَّبِيِّ نَافِلَةً (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ نَحْوُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ودليل هذه المسائل تفهم مما ذكره المصنف مع ما أشرت إليه * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْذُورِينَ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِمْ فَرْضُهُمْ الظُّهْرُ فَإِنْ صَلَّوْهَا صَحَّتْ وَإِنْ تَرَكُوا الظُّهْرَ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُمْ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا (فان

قِيلَ) إذَا كَانَ فَرْضُهُمْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَكَيْفَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِرَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَى أَهْلِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَعْذُورِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَكَلَّفَهَا فَقَدْ أَحْسَنَ فَأَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرِيضِ إذَا تَكَلَّفَ الْقِيَامَ وَالْمُتَوَضِّئِ إذَا تَرَكَ مَسْحَ الْخُفِّ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَشِبْهِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ كَحُضُورِهَا لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَشَرَحْنَاهُ هُنَاكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا تُشْتَهَى كُرِهَ حُضُورُهَا وَإِلَّا فلا وهكذا صرح به هنا المتولي وغيره * * قال المصنف رحمه الله * (وأما من تجب عليه الجمعة ولا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فانه مخاطب بالسعي إلي الجمعة فان صلي الظهر قبل صلاة الامام ففيه قولان قال في القديم يجزئه لان الفرض هو الظهر لانه لو كان الفرض الجمعة لوجب قضاؤها كسائر الصلوات وقال في الجديد لا تجزئه ويلزمه إعادتها وهو الصحيح لان الفرض هو الجمعة ولو كان الفرض الظهر والجمعة بدل عنه لما أثم بترك الجمعة الي الظهر كما لا يأثم بترك الصوم إلى العتق في الكفارة وقال أبو إسحق ان اتفق اهل بلد علي فعل الظهر أثموا بترك الجمعة إلا أنه يجزيهم لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة والصحيح أنه لا يجزئهم لانهم صلوا الظهر وفرض الجمعة متوجه عليهم) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهَا (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُهَا قَالَ الْأَصْحَابُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَاذَا فَالْجَدِيدُ يَقُولُ الْجُمُعَةُ وَالْقَدِيمُ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهَذَا بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَجَازَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَصْلِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ إذَا عَصَى بِفِعْلِ الظُّهْرِ هل يحكم بصحتها قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا تَرَكَ آحَادُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْجُمُعَةَ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ أَمَّا إذَا تَرَكَهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَيَأْثَمُونَ وَيَصِحُّ ظُهْرُهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْجَمِيعِ وَالْآحَادِ فَفِي الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُمْ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْهَا وَفَرْضُ الْجُمُعَةِ مُتَوَجَّهٌ عَلَيْهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفَرْضُ الْجُمُعَةِ بَاقٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُهَا فَإِنْ حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَهَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ الْأُولَى بَاطِلَةً أَمْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهَا نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي نَظَائِرِهَا كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِالْجُمُعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ مَا دَامَتْ مُمْكِنَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى صِحَّةِ الظُّهْرِ الِاعْتِدَادُ بِهَا حَتَّى لَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَتْهُ الظُّهْرُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَسْقُطُ أَمْ لَا فَإِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فَفِي الْفَرْضِ مِنْهُمَا طريقان (أحدهما) الفرض أحدهما مُبْهَمَةً وَيَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا شَاءَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْفَرْضُ الظُّهْرُ (وَالثَّانِي) الْجُمُعَةُ (وَالثَّالِثُ) كِلَاهُمَا وَهُوَ قَوِيٌّ (وَالرَّابِعُ) إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلِ سَلَامِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ (أَحَدُهُمَا) صِحَّتُهَا قَطْعًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَاتَتْ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ قَالَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ فَوَاتُهَا إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِاحْتِمَالِ عَارِضٍ بَعْدَهَا فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَالْفَوَاتُ فِي حَقِّهِمْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِهَا * ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وبه قال الثوري ومالك وزفر واحمد واسحق وَدَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَبُو ثَوْرٍ يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الظُّهْرُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْجُمُعَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَفُتْ * * قال المصنف رحمه الله * (ومن لزمه الجمعة وهو يريد السفر فان كان يخاف فوت السفر جاز له ترك الجمعة لانه ينقطع

عن الصحبة فيتضرر وأن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال لان الفرض قد توجه عليه فلا يجوز تفويته بالسفر وهل يجوز قبل الزوال فيه قولان (أحدهما) يجوز لانه لم تجب فلا يحرم التفويت كبيع المال قبل الحول (والثاني) لا يجوز وهو الاصح لانه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره على بعد لزمه القصد قبل الزوال ووجوب التسبب كوجوب الفعل فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجز بعد وجوب التسبب) *

(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ يبيح تَرْكَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ إلَّا السَّفَرَ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ بِكُلِّ حَالٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فِيهِ جَازَ لَهُ السَّفَرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي تَأْخِيرِ السَّفَرِ بِأَنْ تَكُونَ الرِّفْقَةُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ السَّفَرُ خَارِجِينَ فِي الْحَالِ وَيَتَضَرَّرُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُمْ جَازَ السَّفَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَيْنَ الزَّوَالِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَحَيْثُ جَوَّزْنَاهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحِلِّهِمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَرَيَانِهَا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ الَّذِي طَرَفَاهُ كَالتِّجَارَةِ فَأَمَّا الطَّاعَةُ وَاجِبَةً كَانَتْ أَمْ مُسْتَحَبَّةً فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي سَفَرِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِجَوَازِهِ وَخَصُّوا الْقَوْلَيْنِ بِالْمُبَاحِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الطَّاعَةِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) قَوْلَانِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا السَّفَرَ فَسَافَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ حَيْثُ بَلَغَ وَقْتُ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا * أَمَّا لَيْلَتُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الا ما حكاه الْعَبْدَرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَافِرُ بَعْدَ دُخُولِ الْعِشَاءِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرِّفْقَةِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن ابن عمرو وَعَائِشَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَمَّا السَّفَرُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَجَوَّزَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بحديث ابن

رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جدا وليس في المسألة حديث صحيح * * قال المصنف رحمه الله * (واما البيع فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كان بعده وقبل ظهور الامام كره فان ظهر الامام واذن المؤذن حرم لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا الي ذكر الله وذروا البيع) فان تبايع رجلان احدهما من اهل فرض الجمعة والآخر ليس من اهل فرضها اثما جميعا لان احدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله عنه ولا يبطل البيع لان النهي لا يختص بالعقد فلم يمنع صحته كالصلاة في ارض مغصوبة) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْرُمْ بِحَالٍ وَلَمْ يُكْرَهْ (الثَّانِيَةُ) إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَشُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ في الاذان حرم البيع علي المتابعين جميعا سواء كان مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ دُونَ الْآخَرِ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُرِهَ لِلْآخَرِ وَلَا يَحْرُمُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ كُرِهَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَحْرُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ النَّصِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ فِي الْحَالِ قَاصِدًا الْجُمُعَةَ فَتَبَايَعَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ يَمْشِي وَلَمْ يَقِفْ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ فَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْعُقُودُ والصنائع وَكُلُّ مَا فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَا يُزَالُ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنْ الْجُمُعَةِ

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا تَبَايَعَا بَيْعًا مُحَرَّمًا بَعْدَ النِّدَاءِ * مَذْهَبُنَا صِحَّتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد فِي رواية عنه لا يصح * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تصح الجمعة إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الجمعة من بلد أو قرية لانه لم تقم الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في أيام الخلفاء الا في بلد أو قرية ولم ينقل أنها أقيمت في بدو فان خرج أهل البلد إلي خارج البلد فصلوا الجمعة لم يجز لانه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو وإن انهدم البلد فاقام أهله علي عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها لانهم في موضع الاستيطان) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تقام في أبينة مجتمعة يستوطنها شتاءا وصيفا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ أَحْجَارٍ أَوْ أَخْشَابٍ أَوْ طِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ سَعَفٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ فِيهِ الْبِلَادُ الْكِبَارُ ذَوَاتُ الْأَسْوَاقِ وَالْقُرَى الصِّغَارُ وَالْأَسْرَابُ الْمُتَّخَذَةُ وَطَنًا فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرْيَةً وَيُرْجَعُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى الْعُرْفِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا دَائِمِينَ فِيهَا شِتَاءً وَصَيْفًا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَصِحُّ مِنْهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا فِي مَسْجِدٍ وَلَكِنْ تَجُوزُ فِي سَاحَةٍ مَكْشُوفَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ مَعْدُودَةً مِنْ خُطَّتِهَا فَلَوْ صَلَّوْهَا خَارِجَ الْبَلَدِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سواء كان بقرب البلدة أو بعيدا منه وسواء صَلَّوْهَا فِي كِنٍّ أَمْ سَاحَةٍ وَدَلِيلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ هَكَذَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي سَقَائِفَ وَمَظَالَّ أَمْ لَا لِأَنَّهُ

محل الاستيطان نص عليه الشافعي والاصحاب وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي غير بناء إلا في هذه المسألة * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تصح الجمعة الا باربعين نفسا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مضت السنة أن في كل ثلاثة اماما وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا " ومن شرط العدد أن يكونوا رجالا أحرارا مقيمين في الموضع فاما النساء والعبيد والمسافرون فلا تنعقد بهم الجمعة لانه لا تجب عليهم الجمعة فلا تنعقد بهم كالصبيان وهل تنعقد بمقيمين غير مستوطنين فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تنعقد بهم لانه تلزمهم الجمعة فانعقدت بهم كالمستوطنين وقال أبو إسحق لا تنعقد لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ إلَى عرفات ومعه أهل مكة وهم في ذلك الموضع مقيمون غير مستوطنين " فلو انعقدت بهم الجمعة لاقامها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا يَعْنِي بَالِغِينَ عُقَلَاءَ وَاحْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلَّ اسْتِيطَانٍ بل هو فضاء لَا يُنَافِيهِ وَلِأَنَّ الْحَاضِرِينَ هُنَاكَ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مقيمون هُنَاكَ وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ الْقَصِيرِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَوْطِنًا وَالِاسْتِيطَانُ شَرْطٌ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا اسحق صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَهُ بِهَذَا * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا بالغين عقلاء احرارا مستوطنين للقرية أَوْ الْبَلْدَةَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا سَفَرَ حَاجَةٍ فَإِنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ شِتَاءً وَسَكَنُوهُ صَيْفًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَيْسُوا مُسْتَوْطِنِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ أَرْبَعِينَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَمَعْنَاهُ أَرْبَعُونَ باالامام فيكونون تسعة وثلاثين اماما وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ قَدِيمًا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ إمَامٍ وَمَأْمُومَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّلْخِيصِ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ هَذَا القول

الَّذِي حَكَاهُ غَرِيبٌ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَغَلَّطُوهُ فيه قال القفال في شرحه التَّلْخِيصِ هَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنْكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ نَقْلَهُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى هو قول ابى على بن أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِمُقِيمِينَ غَيْرِ مُسْتَوْطِنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ اتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْعِ الْآتِي بَيَانُ مَحِلِّ الْوَجْهَيْنِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ اقسام (أحدهما) مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْتَوْطِنُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ (الثَّانِي) مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُمَرِّضُ وَمَنْ فِي طَرِيقِهِ مَطَرٌ وَنَحْوُهُمْ مِنْ الْمَعْذُورِينَ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمَرِيضِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّالِثُ) مَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تصح منه وهو المجنون والمغمي عليه وكذا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى (الْخَامِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ (السَّادِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ مِنْهُ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ وَهُوَ الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ثُمَّ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلِّ مُقِيمٍ لَا يَتَرَخَّصُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُمَا جَارِيَانِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةً يَخْرُجُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً وَشَذَّ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ طَالَ مَقَامُهُ وَفِي عَزْمِهِ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ قَالَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَعْنِي وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِقَامَةِ الْقَلِيلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ وَالْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ نِدَاءُ الْبَلَدِ وَيَنْقُصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُقِيمِينَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي فِيهِمْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشتراط أربعين وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة واحمد واسحق وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِاشْتِرَاطِ خَمْسِينَ وَقَالَ رَبِيعَةُ تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمُحَمَّدٌ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ انْعِقَادَهَا بِثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمَامُ وَهُوَ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ مُعِينٌ بَلْ يُشْتَرَطُ جَمَاعَةٌ تُسْكَنُ بِهِمْ قَرْيَةٌ وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَحْصُلُ بِثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَنَحْوِهِمْ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عن الفاسانى انها تنعقد بواحد منفرد والفاساني لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ نَقَلُوا الاجماع انه لابد مِنْ عَدَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ بخطب قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنْ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا " وَاحْتُجَّ لِلْبَاقِينَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَ طُرُقَهُ كُلَّهَا وَبِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ فَأَشْبَهَ الْأَرْبَعِينَ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ شَرَطَ خَمْسِينَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِي الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ وليس فيما دون ذلك " رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعِيفَانِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَبِأَحَادِيثَ بِمَعْنَاهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَقْرَبُ مَا يُحْتَجُّ به ما احتج به الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ قُلْت كَمْ كُنْتُمْ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره وهو صحيح والنقيع هُنَا بِالنُّونِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْخَضِمَات - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ قَرْيَةٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلٍ مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَلَمَةَ قال أَصْحَابُنَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ التَّوْقِيفُ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ فَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ وَثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يبق

الا اثنا عشر وليس فيه انه ابتداء الصَّلَاةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا هُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ فَحَضَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةَ وَجَاءَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صلاة وقد جاء في رواية للدار قطني وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُمْ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْبَعُونَ رجلا والمشهور في الروايات اثني عَشَرَ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي قَرْيَتِهِمْ وَلَزِمَتْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُوقٌ وَنَهْرٌ أَمْ لا وبه قال مالك واحمد واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا جمعة ولا تشريق إلا في مصر " واحتج أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عبد القيس بحواثا مِنْ الْبَحْرَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ * (فَرْعٌ) لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ إقَامَتُهَا لِأَهْلِ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ كَالْعِيدِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوهَا فِي الصَّحْرَاءِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمَانِ وَتَكَرُّرِ فِعْلِهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " * (فَرْعٌ) لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا بِالْعَبِيدِ وَلَا الْمُسَافِرِينَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ أبو حنيفة تنعقد * * قال المصنف رحمه الله * (فان أحرم بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) ان نقص العدد عن أربعين لم تنعقد الجمعة لانه شرط في الجمعة فشرط في جميعها كالوقت (والثانى) إن بقى معه اثنان أتم الجمعة لانهم

يصيرون ثلاثة وذلك جمع مطلق فأشبه الاربعين (والثالث) إن بقي معه واحد أتم الجمعة لان الاثنين جماعة وخرج المزني قولين آخرين (أحدهما) ان بقى وحده جاز ان يتم الجمعة كما قال الشافعي في إمام احرم بالجمعة ثم أحدث انهم يتمون صلاتهم وحدانا ركعتين (والثاني) أنه ان كان صلي ركعة ثم انفضوا اتم الجمعة وان انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة كما قال في المسبوق إذا ادرك مع الامام ركعة اتم الجمعة وإن لم يدرك ركعة اتم الظهر فمن اصحابنا من اثبت القولين وحكي في المسألة خمسة اقوال ومنهم من لم يثبتهما فقال إذا احدث الامام يبنون على صلاتهم لان الاستخلاف لا يجوز على هذا القول فيبنون على صلاتهم على حكم الجماعة مع الامام وههنا ان الامام لا تتعلق صلاته بصلاة من خلفه واما المسبوق فانه يبنى علي جمعة تمت بشروطها وههنا لم تتم جمعة فيبنى الامام عليها) * (الشَّرْحُ) الِانْفِضَاضُ التَّفَرُّقُ وَالذَّهَابُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي انْفِضَاضِهِمْ عَنْ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ وَلَمْ يُثْبِتُوا الْمُخَرَّجِينَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ بِإِثْبَاتِ الْمُخَرَّجِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَشُرِطَ فِي جَمِيعِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَاطَأَ الْمُقْتَدُونَ ثُمَّ أَحْرَمُوا فَإِنْ تَأَخَّرَ إحْرَامُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ وَلَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ قَالَ الْقَفَّالُ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرْطُ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ الْفَصْلُ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) إنْ بَقِيَ اثْنَانِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا بَطَلَتْ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ لَمْ تبطل وهذه الثلاثة منصوصة ألا ولان فِي الْجَدِيدِ وَالْأَخِيرُ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ صِفَةُ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْجُمُعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ جُمُعَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مَعَهُ صَبِيَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أو إمرأتان أو مسافران أو صبى وعبد أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ إذَا اعتبرنا واحدا كفى واتم الجمعة لان هذا القول يكتفى باسم الجميع أَوْ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ قَالَ وَلِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) الْمُخَرَّجُ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ (وَالْخَامِسُ) إنْ انْفَضُّوا

فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ انْفَضُّوا بَعْدَهَا لَمْ تَبْطُلْ الْجُمُعَةُ بَلْ يُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إنْ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدٌ هَذَا حُكْمُ الِانْفِضَاضِ فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ الْآنَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ حَضَرَ الْعَدَدُ ثُمَّ انْفَضُّوا قَبْلَ افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ لَمْ يَجُزْ افْتِتَاحُهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ وَإِنْ انْفَضُّوا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالرُّكْنِ الْمَفْعُولِ فِي غَيْبَتِهِمْ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَسُومِحَ بِنَقْصِ الْعَدَدِ عَلَى قَوْلٍ وَالْخَطِيبُ لَا يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا الْغَرَضُ إسْمَاعُهُمْ فَمَا جَرَى وَلَا مُسْتَمِعَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْغَرَضُ فَلَمْ تَصِحَّ ثُمَّ إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ وَيُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ أَمْ لَا الْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ (وَالثَّانِي) غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَبْنِي وَبَنَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ أَمْ لَا فَلَا يجب قالوا ولا فرق بين فوات الموالات لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ الْأَوَّلُونَ وَجَاءَ غَيْرُهُمْ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَتَيْنِ قَصُرَ الْفَصْلُ أَمْ طَالَ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وفيه قولان مشهوران (أصحهما) وهو الجديد أصحهما الِاشْتِرَاطُ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي بِهَا وَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا على ثلاثة أوجه حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَالْأَصْحَابُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ أَوْجَبْتُ وَلَكِنَّهُ صُحِّفَ وَمِنْهُمْ مَنْ تأوله وقال اراد باحببت أو جبت قَالُوا وَقَوْلُهُ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَبِهِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ وَتَجِبُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَمَّا وُجُوبُ الْجُمُعَةِ فَلِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْخُطْبَةُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْفِضَاضُهُمْ ثَانِيًا فَصَارَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي سقوطها (والثالث) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ

وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا لَكِنْ يُسْتَحَبَّانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ قَالَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَوْلُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ أَظْهَرُ قَالَ وَقَدْ أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَخْطِئَتِهِ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ الْبُوَيْطِيَّ وَالرَّبِيعَ وَالزَّعْفَرَانِيّ نَقَلُوهُ هَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا قَالَ أَحْبَبْتُ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ أَوْجَبْتُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يُخْطِئْ فِي نَقْلِهِ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الوجه الثالث ضعيف قالوا وهو اضعف الا وجه وَهُوَ كَمَا قَالُوا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى احْتِمَالِ انْفِضَاضِهِمْ ثَانِيًا فَإِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ نَادِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُعِيدَتْ الْخُطْبَةُ وَصُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فَلَا إثْمَ عَلَى وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تُعَدْ وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ إعَادَتَهَا أَثِمَ الْمُنْفَضُّونَ دُونَ الْإِمَامِ وَالْبَاقِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ الِاعْتِبَارُ فِي طول الفصل بالعرف فما عد طويل طويلا وَإِلَّا فَقَصِيرٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَنْ ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ هُنَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّوْا الظُّهْرَ وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ جَازَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ قَوْلِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ وَالْخَطِيبُ سَاكِتٌ أَوْ مُسْتَمِرٌّ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَعَادَ مَا جَرَى مِنْ أَرْكَانِهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِمْ حِينَ عَادُوا أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ بِالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَأَحْرَمُوا ثُمَّ حَضَرَ أَرْبَعُونَ آخَرُونَ وَأَحْرَمُوا بِهَا ثُمَّ انْفَضَّ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَضُرُّ بَلْ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمْ لَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَرْبَعِينَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بعد الاحرام ثم حضر أربعون متصلين بِهِمْ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ يَسْتَمِرُّ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِأَرْبَعِينَ أَيْ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ قال أصحابنا وشروط الجماعة هُنَا كَشُرُوطِهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيُشْتَرَطُ هُنَا أُمُورٌ زَائِدَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ وَوُقُوعُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ وَفِي الْوَقْتِ وَسَبَقَتْ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَمَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ الامام

وَالْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إذْنُهُ فِيهَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سبق * قال المصنف رحمه الله * (وَلَا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر لانهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة الحضر وصلاة السفر وان خطب قبل دخول الوقت لم تصح لان الجمعة ردت إلي ركعتين بالخطبة فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فان دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة لانه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز اتمامها كالحج ويتم الظهر لانه فرض رد من أربع إلى ركعتين بشرط يختص به فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم وان أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت أتم الجمعة لان الاصل بقاء الوقت وصحة الفرض ولا تبطل بالشك وان ضاق وقت الصلاة ورأى ان خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب الوقت لزمهم الجمعة وان رأي انه لا يمكنه ذلك صلي الظهر) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَسَأَذْكُرُ دَلَائِلَهُ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى عَلَى صُورَتِهَا جُمُعَةً وَلَكِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ لَزِمَتْهُ الظُّهْرُ (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ لِلْخُطْبَةِ كَوْنُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا (الثَّالِثَةُ) إذَا شَكُّوا فِي خُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهَا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْوَقْتُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ مَعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ دَخَلُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ شَكُّوا قَبْلَ السَّلَامِ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكُتُبُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ العدة وآخرون للشك في شروطها أما إذَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ ثُمَّ شَكُّوا بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ تُجْزِئهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَهَذَا كمن تسحر ثم شك هل كان طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَالْوُقُوفُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْهِلَالِ لَوْ دَخَلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلُّوا ظُهْرًا قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ جُمُعَةً إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا (الرَّابِعَةُ) إذَا شَرَعُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْهَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي حُكْمِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَجِبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا وَيُجْزِئُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مَشْهُورٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا (وَالثَّانِي) وَهُوَ مُخَرَّجٌ لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ تجب نية الظهر وليس بشئ (الْخَامِسَةُ) لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَقَامَ هُوَ إلَى الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا جُمُعَةً بَلْ يُتِمُّهَا ظهرا ويجئ فِي بُطْلَانِهَا وَانْقِلَابِهَا نَفْلًا مَا سَبَقَ وَالْمَذْهَبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (السَّادِسَةُ) لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَالثَّانِيَةَ خَارِجُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا بَعْضُهُمْ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسَلَّمِينَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ وَالصَّحِيحُ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الْمُسَلِّمُونَ خَارِجَ الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَفِيهِمْ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُونَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ إنَّهُ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي سَلَامِ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ الْوَقْتِ ثُمَّ سَلَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ خَارِجَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَهُمْ إتْمَامُهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (السَّابِعَةُ) إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ خُطْبَتَانِ وَرَكْعَتَانِ يقتصر فيهما علي الوجبات لَزِمَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ نَصَّ عَلَيْهِ في الأم

وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الظُّهْرِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَقَالَ أَصْحَابُهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزوال الا احمد ونقل الماورى فِي الْحَاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَقَوْلِ أَحْمَدَ ونقله ابن المنذر عن عطاء واسحق " قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ " رواه مسلم عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " مَا كُنَّا نقيل ولا نتغدى

إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَبْدِ الله بن سيدان قَالَ " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا عاب ذلك ولا انكره " رواه أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثم نرجع نتتبع الفئ " رواه مسلم وهذا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى شِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غير إبراد وَلَا غَيْرِهِ هَذَا مُخْتَصَرُ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمِيعِ وحملنا عليه الجمع مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَفْصِيلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ إلَى جِمَالِهِمْ كَانَا حِينَ الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ حِينَ الزَّوَالِ لَا يَسَعُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْسُ الزَّوَالِ وَمَا يُدَانِيهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى بِي الْعَصْرَ حين كان كل شئ مِثْلَ ظِلِّهِ " (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ أَنَّهُ حجة لنا في كونها بعد الزال لانه ليس معناه انه ليس للحيطان شئ من الفى وانما معناه ليس لها في كَثِيرٌ بِحَيْثُ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ فَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الظِّلِّ وَإِنَّمَا نَفَى كَثِيرَهُ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ وَأَوْضَحُ مِنْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نَتَتَبَّعُ الفئ فهذا فيه صريح بوجود الفئ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حِيطَانَهُمْ قَصِيرَةٌ وَبِلَادَهُمْ متوسطة من الشمس ولا يظهر هناك الفئ بِحَيْثُ يُسْتَظَلُّ بِهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَهْلٍ " مَا كُنَّا نَقِيلُ ولا نتغدى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ " (فَمَعْنَاهُ) أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ القيلولة والغداء فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الجمعة لانهم ندبوا إلى التكبير إليها فلو اشتغلوا بشئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التكبير إلَيْهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كُنْت أَرَى طُنْفُسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطُّنْفُسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ نَخْرُجُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (فضعيف) باتفاقهم لان أبن سيدان ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُتَأَوَّلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُمْ فِيهَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ وَيَسْتَأْنِفُونَ الظُّهْرَ وَقَالَ عَطَاءٌ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ كَانَ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِنْ كَانَ أقل يتمها ظهرا * * قال المصنف رحمه الله * (ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ الجمعة إلا بخطبتين وروى ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما " ولان السلف قالوا إنما قصرت الجمعة لاجل الخطبة فإذا لم يخطب رجع إلى الاصل ومن شرط الخطبة العدد الذى تنعقد به الجمعة لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا إلي ذكر الله) والذكر الذى يفعل بعد النداء هو الخطبة ولانه ذكر شرط في صحة الجمعة فشرط فيه العدد كتكبيرة الاحرام فان خطب بالعدد ثم انفصوا وعادوا قبل الاحرام فان لم يطل القصل صلى الجمعة لانه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين ثم الفصل اليسير لا يمنع الجمع فكذلك لا يمنع الجمع بين الخطبة والصلاة وإن طال الفصل قال الشافعي رحمه الله أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى بعدها الجمعة فان لم يفعل صلى الظهر واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس تجب إعادة الخطبة ثم يصلى الجمعة لان الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة وما نقله المزني لا يعرف وقال أبو إسحق يستحب أن يعيد الخطبة لانه لا يأمن أن يفضوا مرة أخرى فجعل ذلك عذرا في جواز البناء وأما الصلاة فانها واجبة لانه يقدر علي فعلها فان صلى بهم الظهر جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ أجزأهم وقال بعض أصحابنا يستحب إعادة الخطبة والصلاة على ظاهر النص لانهم انفضوا عنه مرة فلا يأمن أن ينفضوا عنه ثانيا فصار ذلك عذرا في ترك الجمعة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ احْتِرَازٌ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَمَسْأَلَةُ الانفضاض إلى آخرها فسبق شَرْحُهَا وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ وَمِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ حَيْثُ كَانَتْ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَالْعِيدُ بَعْدَهُ لِأَنَّ خُطْبَةَ

الْجُمُعَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ فَأُخِّرَتْ الصَّلَاةُ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ بَعْضَهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخُطْبَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَقَدُّمَ خُطْبَتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخُطْبَةُ شَرْطٌ وَلَكِنْ تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ولا يشترط العدد لسماعها كالاذان وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين * * قال المصنف رحمه الله تعالى * (ومن شرطها القيام مع القدرة والفصل بينهما بجلسة لما روى جابر بن سمرة قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ولانه أحد فرضي الجمعة فوجب فيه القيام والقعود كالصلاة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَكِنْ قَالَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ وَجَابِرٌ وَأَبُوهُ سَمُرَةُ صَحَابِيَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قُعُودَهُ لِلْعَجْزِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ تصح بلا خلاف ولا تصح صلاته هو عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا فَلَوْ عَلِمُوا قُدْرَتَهُ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ قُدْرَتُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِعَجْزِهِ اعْتَمَدُوهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ عَلِمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِقُدْرَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْعَالِمِينَ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْآخَرِينَ إنْ تَمَّ بِهِمْ الْعَدَدُ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْجُلُوسُ خَفِيفٌ جِدًّا قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَقْرِيبًا

وَالْوَاجِبُ مِنْهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا لِلْعَجْزِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَاجِبَةٌ لِيَحْصُلَ الْفَصْلُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ كَلَامَهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ صَحَّتَا لِأَنَّهُ تَخَلَّلَهُ سَكَتَاتٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تُسْتَحَبُّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَائِمًا كَفَاهُ الْفَصْلُ بسكتة غَيْرِ جُلُوسٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهِمَا * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ قَالُوا وَالْقِيَامُ سُنَّةٌ وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ بِاشْتِرَاطِ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَكَذَا القيام دليلنا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ خطبتين قائما يجلس بينهما " * قال المصنف رحمه الله تعالي * (وهل يشترط فيها الطهارة فيه قولان قال في القديم تصح من غير طهارة لانه لو افتقر إلى الطهارة لافتقر إلى استقبال القبلة كالصلاة وقال في الجديد لا تصح من غير طهارة لانه ذكر شرط في الجمعة فشرط فيه الطهارة كتكبيرة الاحرام) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ (وَالْقَدِيمُ) لَا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْقَوْلَانِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنْ خَطَبَ جُنُبًا لَمْ تَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ وَلَا تُحْسَبُ قِرَاءَةُ الْجَنْبِ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي والرافعي في المحرر يجريان الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُونَ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ فَرَاغِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا تُشْتَرَطُ * دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ

مُتَطَهِّرًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي " * * قال المصنف رحمه الله * (وفرضها أربعة أشياء (احدها) ان يحمد الله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب يوم الجمعة فحمد الله تعالى واثنى عليه ثم يقول علي اثر ذلك وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ كأنه منذر جيش ثم يقول بعثت انا والساعة كهاتين واشار باصبعه الوسطي والتي تلي الابهام ثم يقول ان افضل الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فالى " (والثانى) أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كالاذان والصلاة (والثالث) الوصية بتقوى الله تعالي لحديث جابر ولان القصد من الخطبة الموعظة فلا يجوز الاخلال بها (والرابع) أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بن سمرة ولانه احد فرضي الجمعة فوجب فيه القراءة كالصلاة ويجب ذكر الله وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والوصية في الخطبتين وفى قراءة القرآن وجهان (احدهما) يجب فيها لان ما وجب في احداهما وجب

فيهما كذكر اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (والثاني) لا تجب الا في احداهما وهو المنصوص لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من آية قرأ في الخطبة ولا يقتضى ذلك أكثر من مرة ويستحب أن يقرأ سورة ق لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأها في الخطبة فان قرأ آية فيها سجدة فنزل وسجد جاز لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ ثم فعله عمر رضى الله عنه بعده فان فعل هذا وطال الفصل ففيه قولان قال في القديم يبنى وقال في الجديد يستأنف وهل يجب الدعاء فيه وجهان (احدهما) يجب رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسم الخطبة ومن أصحابنا من قال هو مستحب وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب لما روى انه سئل عطاء عن ذلك فقال انه محدث وانما كانت

الخطبة تذكيرا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكَمَالِهِ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَقَوْلُهُ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ القرآن لحديث جابر ابن سمرة حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ وَحَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ ق فِي الْخُطْبَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرأها كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ " وَحَدِيثُ نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِنْبَرِ وَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْخُطْبَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَوْلُهُ وَفَعَلَهُ عُمَرُ هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ وَقَوْلُهُ وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ عو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحميد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ فَذَكَرَهُ وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا عَبْدَ الْمَجِيدِ فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أبو حاتم الرازي والدارقطني * أما لُغَاتُ الْفَصْلِ (فَقَوْلُهُ) يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فِيهِ لُغَتَانِ كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الثَّاءِ وَفَتْحُهُمَا (قَوْلُهُ) وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ واحمرت وجنتاه هذا كله هَذَا كُلُّهُ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلُغُ فِي الْوَعْظِ وَالْوَجْنَةُ الْخَدُّ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالرَّابِعَةُ أُجْنَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ) كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ مَعْنَاهُ يُنْذِرُ قَوْمَهُ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ جَيْشٍ يَقْصِدُهُمْ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ " هُوَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ مَعَ وَهُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ وَالْإِبْهَامُ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ويجوز تذكيرها وسبق بيانها فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ " رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ ضَمُّ الْهَاءِ مَعَ فَتْحِ الدَّالِ وَفَتْحُ الْهَاءِ مَعَ إسْكَانِ الدَّالِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَنْ فَتَحَ فَمَعْنَاهُ الطَّرِيقَةُ وَالْأَخْلَاقُ وَمَنْ ضَمَّ مَعْنَاهُ الْإِرْشَادُ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَ الرِّوَايَتَيْنِ وَسَائِرِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مُوَضَّحَةً فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ) صَلَّى الله عليه

وَسَلَّمَ " كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " هَذَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ كُلُّ مَا عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْت أَمْثِلَتَهَا وَاضِحَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْكَلَامِ لِلرَّدِّ عَلَى مُبْتَدِعٍ أَوْ مُلْحِدٍ تَعَرَّضَ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَنْدُوبَاتِ بِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطُ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالضَّيَاعُ - بِفَتْحِ الضَّادِ - الْعِيَالُ أَيْ مَنْ تَرَكَ عِيَالًا وَأَطْفَالًا يَضِيعُونَ بَعْدَهُ فَلِيَأْتُونِي لِأَقُومَ بِكِفَايَتِهِمْ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَخْلُفْ لَهُ وَفَاءً وَكَانَ هَذَا الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا وَلَا يَجِبُ الْيَوْمَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِيهِ سَعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ عَنْ أَهَمَّ مِنْ هَذَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَسَيَأْتِي كُلُّ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْخَصَائِصِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) الرَّسُولِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكَذَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ قَالَ الرَّسُولُ بَلْ يُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ نَبِيُّ اللَّهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَفِي الْقُرْآنِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) (فَالْجَوَابُ) أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ لَهُ وَتَبْجِيلٌ بِأَيِّ خِطَابٍ كَانَ بِخِلَافِ كَلَامِنَا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ مَعْنَاهُ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ فَجَعَلَهُ وَاجِبًا * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فُرُوضُ الْخُطْبَةِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا (أَحَدُهَا) حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَا يَقُومُ مَعْنَاهُ مَقَامَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَقَلُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (الثَّانِي) الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ أَنَّ لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنَانِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ وَجْهًا مَجْزُومًا بِهِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُمَا مُتَعَيِّنَانِ (الثَّالِثُ) الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَيُّ وَعْظٍ كَانَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الخراسانيين

أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَلَفْظِ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ تَعَبَّدَنَا بِهِ فِي مَوَاضِعَ وَأَمَّا لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالْأَمْرِ بِهِ وَلَا بِتَعَيُّنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قد يتواصى به منكروا الشرائع بل لابد مِنْ الْحَثِّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعَاصِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ فِي الْمَوْعِظَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ بَلْ لَوْ قَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ كَفَى وَأَبْدَى فِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ احْتِمَالًا وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَوَافَقَهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ كَافٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ كَفَى وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ لِلرَّحِيمِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْفِي فِي إحْدَاهُمَا وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الرَّابِعُ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا أيتهما شَاءَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ المزني تجب في الاولي ولا تجزئ فِي الثَّانِيَةِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ غَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجِبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى وَنَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا آيَةٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ حُكْمًا أَوْ قِصَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بشطر آية طويلة كانت وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ (ثُمَّ نَظَرَ) لَمْ يَكْفِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُودَةً آيَةً بَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ سُورَةَ ق قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا بِكَمَالِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَوَاعِدِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَدَلَائِلِهِ والترغيب وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السُّجُودُ عَلَيْهِ وكان عاليا وهو بطئ الْحَرَكَةِ بِحَيْثُ لَوْ نَزَلَ لَطَالَ الْفَصْلُ تَرَكَ السُّجُودَ وَلَمْ يَنْزِلْ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ فَلَا بَأْسَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الَّذِي أَسْتَحِبُّهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْخُطْبَةَ وَيَشْتَغِلَ

بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السُّجُودَ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَغَلُ بِهِ عَنْ الْخُطْبَةِ وَهِيَ فَرْضٌ فَلَوْ نَزَلَ فَسَجَدَ وَعَادَ إلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ فَوَاتَهَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْوَعْظِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ فَإِنْ بَنَى جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا مَوْعِظَةٌ وَقَصَدَ إيقَاعَهَا عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَعَنْ الْقِرَاءَةِ لَمْ تُحْسَبْ عَنْ الْجِهَتَيْنِ بَلْ تُحْسَبُ قِرَاءَةً وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِآيَاتٍ تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهَا فِي ضِمْنِ آيَةٍ جَازَ (الْخَامِسُ) الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَقْصُودُ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْإِمْلَاءِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ وَرُكْنٌ لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ إلَّا بِهِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ فرجح جمهور العراقيين اسحبابه وَبِهِ قَطَعَ شَيْخُهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مواضع من تعليقه وادعى الاجماع أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَطَعَ بِهِ قَبْلَهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَرَجَّحَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وُجُوبَهُ وَقَطَعَ بِهِ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ به الْعِرَاقِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ فَمَحِلُّهُ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرَيْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فَلَوْ دَعَا فِي الْأُولَى لَمْ يُجْزِئْهُ قَالُوا ويكفى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَرَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَخْصِيصِهِ بِالسَّامِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا إذا دعا بِعَيْنِهِ فَأَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجَازَفَةً فِي وَصْفِهِ وَنَحْوَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ

ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَشُرِطَ فِيهِ الْعَرَبِيَّةُ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلِّ اللُّغَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ أَنْ يَخْطُبَ بِلِسَانِهِ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ وَكَذَا إنْ تَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ مَضَى زَمَنُ التَّعَلُّمِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا بِذَلِكَ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَلَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةٌ * (فَرْعٌ) التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَرْكَان الْخُطْبَةِ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ هُوَ بِشَرْطٍ فَلَهُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ شَرْطٌ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْقِرَاءَة ثُمَّ الدُّعَاءِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرَعٌ) لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْخَطِيبِ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ أَحْدَثَ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فَهَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا غَيْرُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ كَانَ شَارَكَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ اسْتِخْلَافُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَالِ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ هُنَا (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا الْوَعْظُ وَلَا يَحْصُلُ بِبِنَاءِ كَلَامِ رَجُلٍ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ هُنَا مَنْعُ الْبِنَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الثَّانِي مِمَّنْ سَمِعَ الْمَاضِيَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَرْكَانَهَا عِنْدَنَا خَمْسَةٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيُّ إنْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ * (فَرْعٌ) شُرُوطُ الْخُطْبَةِ سَبْعَةٌ وَقْتُ الظُّهْرِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ بَيْنَهُمَا وطهارة

الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الخطبتين والستر وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَالسَّابِعُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ سِرًّا وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ صَحَّتْ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهَا وَلَوْ خَطَبَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَدْرًا يَبْلُغهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا صُمًّا فَلَمْ يَسْمَعُوا كُلُّهُمْ أَوْ سَمِعَ دُونَ أَرْبَعِينَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) لَا تَصِحُّ كَمَا لَوْ بَعُدُوا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمِهِ يَحْنَثُ وَكَمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَمِعُوا لَهُ وَيُنْصِتُوا وَالِاسْتِمَاعُ هُوَ شغل القلب بالاسماع وَالْإِصْغَاءِ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَهَلْ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِتَفْرِيعِهِمَا فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْجَدِيدِ يُسْتَحَبُّ الْإِنْصَاتُ وَلَا يَجِبُ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ الْجَدِيدِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ طَرِيقًا غَرِيبًا جَازِمًا بِالْوُجُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَفِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَطِيبِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَحْرُمُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِحَاجَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ وَالْإِمَامِ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَلَوْ رَأَى أَعَمًى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا وَنَحْوَهَا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ غَافِلٍ وَنَحْوِهِ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا خَيْرًا أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لَكِنْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ حَصَلَ بِهَا الْمَقْصُودُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَبَعْدَ فَرَاغِهَا فَيَجُوزُ الْكَلَامُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِمَاعِ فَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ بِالْجَوَازِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَادَى الي الخطبة الثانية ولان الخطبتين كشئ وَاحِدٍ فَصَارَ كَكَلَامٍ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلدَّاخِلِ الْكَلَامَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ إنَّمَا هما فيما بعده قُعُودِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلدَّاخِلِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَفَ وَسَلَّمَ قَالَ

أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ بِاللَّفْظِ وَيُسْتَحَبُّ بِالْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ كَرَدِّ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) اسْتِحْبَابُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ بِخِلَافِ الْمُسَلِّمِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَدُّ السَّلَامُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يُتْرَكُ لَهَا الْإِنْصَاتُ الْوَاجِبُ وَإِذَا قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ جَازَ رَدُّ السَّلَامِ وَالتَّشْمِيتُ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ التَّشْمِيتُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِهِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَأَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهَا لِبُعْدِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الْكَلَامِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ حَرُمَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَيْنَمَةٍ وَتَهْوِيشٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ هَلْ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَكَذَا هُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْكَلَامَ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَ أَثِمَ وَلَا تَبْطُلُ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ أَيْ لَا جُمُعَةَ كَامِلَةٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ هَلْ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا التَّقْدِيرُ بَعِيدٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ أَمَّا بُعْدُهُ فَلِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِي السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ وَإِذَا حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ زَائِدُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ لَمْ يُمْكِنْ أن يفرل تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ مُعَيَّنِينَ حَتَّى يَحْرُمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا وَيَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْبَاقِينَ بَلْ الْوَجْهُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِهَا بِجَمِيعِهِمْ أَوْ بِأَرْبَعِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَقْلِ الْأَصْحَابِ فَلِأَنَّك لَا تَجِدُ لِلْأَصْحَابِ إلَّا إطْلَاقَ قَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ وَوَجْهَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَمَا سَبَقَ والله اعلم *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَتَحْرِيمِ الْكَلَامِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأبو حنيفة واحمد يحرم * واحتج لهم بقول الله تعالي (وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وانصتوا) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبى الدارداء قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فقلت لابي ابن كَعْبٍ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي فلما صلينا قلت له سألتك فلم تكلمني فقال مالك مِنْ صَلَاتِكَ إلَّا مَا لَغَوْتَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَدَقَ أَبِي " حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ فَحَرُمَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَرَّاتٍ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اسكت فسأله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَكَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ " بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمُرَادِ وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ الْكَلَامُ الْفَارِغُ وَمِنْهُ لَغْو الْيَمِينِ وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ جُمُعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّاكِتِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْكَلَامِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ * * قال المصنف رحمه الله * (وسننها أن يكون علي منبر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يخطب على المنبر ولانه أبلغ

في الاعلام ومن سنها إذا صعد المنبر ثم أقبل علي الناس أن يسلم عليهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس بوجهه قال السلام عليكم " ولانه استدبر الناس في صعوده فإذا اقبل عليهم سلم ومن سننها أن يجلس إذا سلم حتى يؤذن المؤذن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذا خرج يوم الجمعة جلس يعنى علي المنبر حتى يسكت المؤذن ثم قام فخطب " ويقف على الدرجة التي تلى المستراح لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقف على هذه الدرجة ولان ذلك أمكن له ويستحب أن يعتمد علي قوس أو عصى لما روى الحكم بن حزن رضي الله عنه قال " وفدت الي النبي صلي الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا علي قوس أو عصي فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات " ولان ذلك أمكن له فان لم يكن معه شئ سكن يديه ومن سننها أن يقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خطبنا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بوجهه " ويستحب أن يرفع صوته لحديث جابر " علا صوته واشتد غضبه " ولانه أبلغ في الاعلام قال الشافعي رحمه الله ويكون كلامه مترسلا مبينا معربا من غير لغى ولا تمطيط لان ذلك أحسن وأبلغ ويستحب أن يقصر الخطبة لما روى عن عثمان " أنه خطب وأوجز فقيل له لو كنت تنفست فقال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الْخُطْبَةِ ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ " صَحِيحٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَإِسْنَادُهُمَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد ضعيف ويغنى عنه ما ثبت في صحيح البخاري عن السائب ابن يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْجُلُوسِ حِينَئِذٍ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْجُودٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُقَابَلَةِ بِأَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ حَزَنٍ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ

حَسَنَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ (1) وَأَمَّا حديث عثمان فرواه مسلم في صحيحه * اما لغات الفصل والفاظه فالمنبر مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ (وَقَوْلُهُ) تَلِي الْمُسْتَرَاحَ هُوَ أَعْلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ لِيَسْتَرِيحَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ حَالَ الْأَذَانِ وَالْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَجُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَكُونُ كَلَامُهُ مُتَرَسِّلًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يَتَمَهَّلُ فِيهِ وَيُبَيِّنُهُ تَبْيِينًا يَفْهَمُهُ سَامِعُوهُ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ اذْهَبْ عَلَى رِسْلِكَ أَيْ عَلَى هِينَتِكَ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ وَلَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ (قَوْلُهُ) مُعْرِبًا أَيْ فَصِيحًا والبغي باسكان الغين المعجمة قال الازهرى أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ صَوْتِهِ يَحْكِي كَلَامَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَفَيْهِقِينَ قَالَ وَالْبَغْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ الضَّلَالُ والبغي الفساد قال التَّمْطِيطُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدِّ الْحُرُوفِ يُقَالُ مَطَّ كَلَامَهُ إذَا مَدَّهُ فَإِذَا أَفْرَطَ فِيهِ قِيلَ مَطَّطَهُ (قَوْلُهُ) لَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْت يَعْنِي مَدَدْتَهَا وَطَوَّلْتهَا (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَئِنَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ أَيْ عَلَامَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى فِقْهِهِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَلِأَنَّ النَّاسَ إذَا شَاهَدُوا الْخَطِيبَ كَانَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا قَامَ فِي الْمِحْرَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهَكَذَا الْعَادَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى يَمِينِ الْمِنْبَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَإِلَّا فَإِلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْطُبُ إلى جذع قبل اتخاذ المنبر " قالوا وَيُكْرَهُ الْمِنْبَرُ الْكَبِيرُ جِدًّا الَّذِي يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ وَعَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إذَا انتهى إليه (الثانية) إذا وصل أعلا الْمِنْبَرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ السَّامِعِينَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ الثَّانِي مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ (الثَّالِثَةُ) يُسَنُّ لَهُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ وَيُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامَ فَشَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ وَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَفِيهِ كَلَامٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَذَانِ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَرَجَةً وَعُمَرَ دَرَجَةً أُخْرَى وَعُثْمَانَ أُخْرَى وَوَقَفَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى الله

_ (1) بياض بالاصل فحرر *

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْنَا) كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ حَجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مُوَافَقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْخَامِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ نَحْوِهَا لِمَا سَبَقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ الْيَدَ الَّتِي يَأْخُذُهُ فِيهَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْغَلَ يَدَهُ الْأُخْرَى بِأَنْ يَضَعَهَا عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيْفًا أَوْ عَصًا وَنَحْوَهُ سَكَّنَ يَدَيْهِ بِأَنْ يَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلَهُمَا وَلَا يُحَرِّكَهُمَا وَلَا يَعْبَثَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ الْخُشُوعُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَبَثِ (السَّادِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يُقْبِلَ الْخَطِيبُ عَلَى الْقَوْمِ فِي جَمِيعِ خُطْبَتَيْهِ وَلَا يلتفت في شئ مِنْهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ الِالْتِفَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْرِهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذَا الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ وَجْهِهِ ولا يلتفت في شئ مِنْ خُطْبَتِهِ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي بَعْضِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَهَذَا غَرِيبٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ الْإِقْبَالُ بِوُجُوهِهِمْ عَلَى الْخَطِيبِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَدَبُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْوَعْظِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَبَبُ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهُ وَاسْتِقْبَالِهِ إيَّاهُمْ وَاسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ فَلَوْ اسْتَدْبَرَهُمْ كَانَ قَبِيحًا خَارِجًا عَنْ عُرْفِ الْخِطَابِ وَلَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ اسْتَدْبَرُوهُ كَانَ قَبِيحًا وَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ اسْتَدْبَرُوا الْقِبْلَةَ فَاسْتِدْبَارٌ وَاحِدٌ وَاسْتِقْبَالُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَخَطَبَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ النَّاسِ صَحَّتْ خُطْبَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ خُطْبَتُهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَطَعَ بِهِ وَأَنَّ لَهُ بَعْضَ الِاتِّجَاهِ وَطَرَدَ الدَّارِمِيُّ الْوَجْهَ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرُوهُ أَوْ خَالَفُوا هُمْ أَوْ هُوَ الْهَيْئَةَ الْمَشْرُوعَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ فَصِيحَةً بَلِيغَةً مُرَتَّبَةً مُبَيَّنَةً مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تَقْعِيرٍ وَلَا تَكُونُ أَلْفَاظًا مبتذلة ملففة فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا كَامِلًا وَلَا تَكُونُ وَحْشِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهَا بَلْ يَخْتَارُ أَلْفَاظًا جَزْلَةً مُفْهِمَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا يَكْرَهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِهِ (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْخُطْبَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَحَتَّى لَا يَمَلُّوهَا قَالَ أَصْحَابُنَا

وَيَكُونُ قِصَرُهَا مُعْتَدِلًا وَلَا يُبَالِغُ بِحَيْثُ يَمْحَقُهَا (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ لَا يَحْضُرَ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَشْرَعُ فِيهَا أَوَّلَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا وَصَلَ الْمِنْبَرَ صَعِدَهُ وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَتَسْقُطُ هُنَا التَّحِيَّةُ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِالْخُطْبَةِ كَمَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِسَبَبِ الطَّوَافِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تُسْتَحَبُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَحِكْمَتُهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ التَّحِيَّةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْخَطِيبِ مُسْتَمِعِينَ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ لَهُمْ شُرْبُ الْمَاءِ لِلتَّلَذُّذِ ولا بأس يشربه لِلْعَطَشِ لِلْقَوْمِ وَالْخَطِيبِ * هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَنَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ إذَا شَرِبَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْجَوَازَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَخْتِمَ خُطْبَتَهُ بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ من المنبر غقب فَرَاغِهِ وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَيَبْلُغُ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَشْيَاءُ (مِنْهَا) مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْخُطَبَاءِ مِنْ الدَّقِّ بِالسَّيْفِ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ وَمِنْهَا الدُّعَاءُ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قَبْلَ جُلُوسِهِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهَا سَاعَةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَذَلِكَ خَطَأٌ إنَّمَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ بَعْدَ جُلُوسِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) الِالْتِفَاتُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَكْرُوهٌ وَمِنْهَا الْمُجَازَفَةُ فِي أَوْصَافِ السَّلَاطِينِ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَذِبُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ السُّلْطَانُ الْعَالِمُ الْعَادِلُ وَنَحْوِهِ (وَمِنْهَا) مُبَالَغَتُهُمْ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِهَا (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَنَصَّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ قَالَ القاضى

أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُلَقِّنُهُ أَرَادَ إذَا استظعمه التلقين بحيث سكت ولم ينطق بشئ وقوله لا يلقنه أراد ما دام الكلام ويرجوا ان؟ ؟ ؟ عَلَيْهِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَنْفَتِحَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْفَتِحْ لُقِّنَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ * قال المصنف رحمه الله * (والجمعة ركعتان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خاب من افترى " ولانه نقل الخلف عن السلف والسنة أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الجمعة وفى الثانية المنافقين لما روى عبد الله بن أبى رافع قال " استخلف مروان ابا هريرة على المدينة فصلي بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين فقلت يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليا رضى الله عنه قرأ بهما قال سمعت حبي ابا القاسم صلي الله عليه وسلم يقرأ بهما " والسنة ان يجهر فيهما بالقراءة لانه نقل الخلف عن السلف) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا تَابِعِيٌّ وَأَبُوهُ أَبُو رَافِعٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ أَسْلَمُ وَيُقَالُ ابراهيم ويقال ثابت ويقال هرمز وله وَقَوْلُهُ حِبِّي - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ مَحْبُوبِي * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَانِ وَعَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ فيهما وتسن القراءة فيهما بِالسُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ

يقرأ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ هل اتاك حديث الغاشية وَقَالَ الرَّبِيعُ وَهُوَ رَاوِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَةِ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ كَانَ حَسَنًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في الجمعة بسبح وهل اتاك ايضا والصواب هاتين سنة وهاتين سُنَّةٌ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ تَارَةً وَبِهَاتَيْنِ تَارَةً وَالْأَشْهَرُ عَنْ الشافعي والاصحاب الجمعة والمنافقين قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْمُنَافِقِينَ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ السُّورَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ السُّنَّةِ الْفَائِتَةِ إلَّا بِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ الْآنَ وَأَمَّا هُنَا فَيُمْكِنُهُ جَمْعُ السُّورَتَيْنِ بِغَيْرِ إخْلَالٍ بِسُنَّةٍ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ الْأَدَبَ لَا يُقَاوِمُ فَضِيلَةَ السُّورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَزِيَّةَ لِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَلَا لِغَيْرِهِمَا وَالسُّوَرُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَالثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * (فَرْعٌ) هَلْ الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَمْ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْآخَرِينَ أَنَّهُ وَجْهَانِ وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَوْلَيْنِ وَوَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا صلاة مستقلة ويستدل له حديث عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِأَنَّ ادِّعَاءَ الْقَصْرِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَعَبَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كُلُّ وَاحِدَةٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ (وَالثَّانِي) الظُّهْرُ أَصْلٌ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ أَصْلٌ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ وَبَنَى الْأَصْحَابُ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً أَمْ مُسْتَقِلَّةً مَسَائِلَ كَثِيرَةً (مِنْهَا) مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ

باب هيئة الجمعة

بَعْدَ هَذَا فِي نِيَّةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ بِمَجْمُوعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ فَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَوْ نَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَنَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّيَّاتِ التَّمْيِيزُ فَوَجَبَ التَّمْيِيزُ بِمَا يَخُصُّ الْجُمُعَةَ قَالَ وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ قلنا ظهر مقصورة فَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَصْرِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الْجُمُعَةِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَصْرِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ * (باب هيئة الجمعة) * قال المصنف رحمه الله * (السنة لمن اراد الجمعة ان يغتسل لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ جاء منكم الي الجمعة فليغتسل ووقته ما بين طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ فان اغتسل قبل طلوع الفجر لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " فعلقه على اليوم والافضل ان يغتسل عند الرواح لحديث ابن عمر ولانه انما يراد لقطع الروائح فإذا فعله عند الرواح كان أبلغ في المقصود فان ترك الغسل جاز لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

" مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أفضل " فان كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة اجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض وان نوى الجنابة ولم ينوى الجمعة اجزأه عن الجنابة وفى الجمعة قولان (أحدهما) يجزئه لانه يراد للتنظيف وقد حصل (والثاني) لا يجزئه لانه لم ينوه فأشبه إذا اغتسل من غير نية وإن نوى الجمعة ولم ينو الجنابة لم يجزئه عن الجنابة وفى الجمعة وجهان (أحدهما) وهو المذهب أنه يجزئه عنهما لانه نواها (والثانى) لا تجزئه لان غسل لجمعة يراد للتنظيف والتنظيف لا يحصل مع بقاء الجنابة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الجمعة " معناه من أراد المجئ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَلِمِ الْبَالِغُ وَبِالْوُجُوبِ وُجُوبُ اخْتِيَارٍ لَا وُجُوبُ الْتِزَامٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ السُّنَّةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ أَوْ نِعْمَتْ الْفِعْلَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ لِإِظْهَارِ السُّنَّةِ أَوْ الْخَصْلَةِ أَوْ الْفِعْلَةِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مَا سَبَقَ ثُمَّ قَالَ وَسَمِعْتُ الْفَقِيهَ أَبَا حَاتِمٍ الشَّارِكِيَّ يَقُولُ مَعْنَاهُ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ لِأَنَّ السُّنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ وَلَعَلَّ الْأَصْمَعِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ فِيمَا جَوَّزَتْهُ السَّنَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِعْمَتْ - بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَرُوِيَ نَعِمْتَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ أَيْ نَعَّمَكَ اللَّهُ وَهَذَا تَصْحِيفٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي فَصْلٍ عَقِيبَ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً تَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يُعْصَى بِتَرْكِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِيمَنْ يُسَنُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهُمْ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ النَّظَافَةُ وَهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الْحُضُورَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من أتى الجمعة

مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّانِي) يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَنَعَهُ عُذْرٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ الْجُمُعَةُ وَالْغُسْلُ فَعَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ الْآخَرَ (وَالثَّالِثُ) لَا يُسَنُّ إلَّا لِمَنْ لَزِمَهُ حُضُورُهَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَالرَّابِعُ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنْ حضرها وغيره لانه كيوم العيد وهو مشهور مِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَوَقْتُ جَوَازِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْعِيدِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيُخَالِفُ الْعِيدَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُ الْغُسْلِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَقْدِيمِ غُسْلِ الْعِيدِ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ ضاق الوقت وتأخر عن التكبير إلَى الصَّلَاةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ وَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا بَلْ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَيَبْقَى غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ لِنَفَادِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ له التيمم ويجوز بِهِ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَلَا تَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ ورجح الغزالي هذا الاحتمال وليس بشئ وَلَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ وَسَنَبْسُطُ دَلَائِلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَى الْغُسْلَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ مَعًا فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ غُسْلِهِ لَهُمَا جَمِيعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِمَا إذَا لَزِمَهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَتْهُمَا أَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا وَلَوْ نَوَى غسل الجمعة لم تحصل الْجَنَابَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ للخراسانيين أَنَّهَا تَحْصُلُ وَسَبَقَ بيانه في

كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ حَصَلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ حُصُولُهُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ (وَالثَّانِي) لَا يَحْصُلُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا اخْتَصَرْتَ قُلْتَ إذَا نَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) حُصُولُهَا دُونَ الْجَنَابَةِ (وَالثَّانِي) حُصُولُهُمَا (وَالثَّالِثُ) مَنْعُهُمَا وَلَوْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ حَصَلَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حُصُولِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرِينَ لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَلَمْ يَنْوِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ حُصُولُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَعْصِي بِتَرْكِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هُوَ فَرْضٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " وَبِحَدِيثِ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلِيَغْتَسِلْ " وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ * وَاحْتَجَّ اصحابنا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَبِهَا " وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِمَّا سَبَقَ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ " وَالْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفَضْلِ يُرَجَّحُ أَحَدَهُمَا فِيهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أتي الجمعة فدنى وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَخَلَ رَجُلٌ وَلَمْ يُسَمِّ عُثْمَانَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَقَرُّوا عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَمْ يَتْرُكُوا أَمْرَهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ قَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَتَحَرَّيَنَّهُ (وَقَوْلُهُ) وَالْوُضُوءَ أَيْضًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ وَتَوَضَّأْتَ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ

مسائل من غسل الجمعة

قَالَتْ " كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فيخرج منهم الريح فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو أنكم تطهرتم ليؤمكم هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَكِنَّهُ أَطْهُرُ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْغُسْلِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ ومكحول ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال احمد ارجوا أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الصَّحَابِيُّ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَعِدْ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ قبل الفجر لم يجزئه عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ والنخعي والثوري واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يُجْزِئُهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَبْطُلُ وَلَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الْغُسْلِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَحَكَى عَنْ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اسْتِحْبَابَهُ (وَمِنْهَا) الْمُسَافِرُ إذَا لَمْ يُرِدْ حُضُورَ الْجُمُعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ تَرَكَهُ فِي السفر ابن عمر وعلقمة وعطاء وقال وروى عن طلحة بن عبيد الله أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلُهُ (وَمِنْهَا) الْمَرْأَةُ إذَا حَضَرَتْ الْجُمُعَةَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَغْتَسِلُ * دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " وعلي مالك اشتراط الذهاب عقب الغسل (قوله) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَفْظَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَعَلَى أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِزِيَادَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تطيب ولا تزين *

* قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يتنظف بسواك وأخذ الظفر والشعر وقطع الروائح ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه لما روى أبو سعيد وأبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجمعة واستن ومس من طيب ان كان عنده ولبس أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وانصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينهما وبين الجمعة التى قبلها " وأفضل الثياب البياض لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم البسوا ثياب البيض فانها اطهر وأطيب " ويستحب للامام من الزينة أكثر مما يستحب لغيره لانه يقتدى به والافضل أن يعتم ويرتدى ببرد لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذلك) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَهُوَ مِنْ رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ومحمد بن اسحق يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا قَالَ أَخْبَرَنِي أَوْ حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا قَالَ عَنْ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى تَدْلِيسٍ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ سَمَاعُهُ وَصَارَ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَحَادِيثُ بِمَعْنَى بَعْضِهِ (مِنْهَا) عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ من سواك وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي النَّدْبِ إلَى إحْسَانِ الثِّيَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ (وَأَمَّا) إزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ (فَاحْتَجَّ) لَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِ السِّوَاكِ فِي النَّدْبِ الْعَامِّ إلَيْهِمَا وانهما من خصال الفطرة المندوب

إليها (وَأَمَّا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الِاعْتِمَامِ فَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا لُبْسُ الْبُرْدِ فَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَنَّ - بِتَشْدِيدِ النُّونِ - أي تسوك ويقال انصت ونصت وتنصت ثلث لغات ذكرهن الازهرى وغيره افصحهن أَنْصَتَ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَسَبَقَ فِي الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وسمرة بن جندب ضم الدَّالِ وَفَتْحِهَا (وَقَوْلُهُ) أَفْضَلُ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ الْبِيضُ وَيَصِحُّ الْبَيَاضُ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْبَسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ أَيْ ثِيَابَ الْأَلْوَانِ البيض والبسوا بفتح الباء * اما أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ أَظْفَارٍ وَشَعْرٍ وَمَا يحتاج الي ازالتهما كَوَسَخٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَدَّهِنَ وَيَتَسَوَّكَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنْ يَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِيَ وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ كَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ كَرَاهَةَ لِبَاسِهِ السَّوَادَ وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَخَالَفَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ فِي الْحَاوِي يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لُبْسُ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ يَلْبَسُونَ الْبَيَاضَ وَاعْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ السَّوَادَ بَنُو العباس في خلاقتهم شِعَارًا لَهُمْ وَلِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِلْعَبَّاسِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ صَفْرَاءَ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَهُ مُؤْثِرًا لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يلبس السواد ويستدل بحديث عمرو ابن حُرَيْثٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْبَسُ الْبَيَاضَ دُونَ السَّوَادِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَالطِّيبِ وَالتَّنَظُّفِ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَذْكُورَةِ وَالظُّفْرِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ النَّاسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَكُلِّ مَجْمَعٍ تَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ قَالَ وَأَنَا لِذَلِكَ فِي الْجُمَعِ وَنَحْوِهَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأُمُورُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ إلَّا النِّسَاءَ فَيُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَتْ مِنْهُنَّ الْحُضُورَ الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَفَاخِرُ الثِّيَابِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا قَطْعُ الرائحة الكريهة وازالة الظفر والشعور المكروهة *

* قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يبكر إلي الجمعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ومن راح الساعة في الثالثة فكانما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ السَّاعَاتِ خَمْسٌ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ سِتُّ سَاعَاتٍ قَالَ فِي الْأُولَى بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ بَقَرَةً وَالثَّالِثَةِ كَبْشًا وَالرَّابِعَةِ بَطَّةً وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وفى الخامسة عصفورا وفى السادسة بيضة واسنادا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّانِ لِمُخَالِفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَعْنَاهُ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي صِفَاتِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِيهِ وَلَا يُكْمِلَ آدَابَهُ وَمَنْدُوبَاتِهِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَتَهُ لِتَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي يَوْمِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الرَّوَاحِ عَقِبَهُ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فِي تجويزه الاغتسال لها قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ الْمُطْلَقِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَاحَ أَيْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَأَمَّا حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ فَسَنَذْكُرُهُ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّبَ بَدَنَةً إلَى آخِرِهِ مَعْنَى قَرَّبَ بَدَنَةً تَصَدَّقَ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَفِي حَقِيقَةِ الْبَدَنَةِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يقع عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ وَالْبَقْرُ الشَّقُّ

وَوَصَفَ الْكَبْشَ بِأَنَّهُ أَقْرَنُ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ فِي صُورَتِهِ وَالدَّجَاجَةُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - يَقَعُ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَيُقَالُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَاتٌ كَسْرَهَا قَالُوا وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ بَلْ طَائِفَةٌ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَحْضُرُونَ يَسْمَعُونَ الْخُطْبَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَنَا وَلِلْجُمْهُورِ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ التَّضْحِيَةُ بِالْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَدَنَةِ وَفِي الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ قَالَ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ فِيهِمَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْقُرْبَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي الْقُرْبَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عند الله اتقاكم) وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وتعتبر الساعات من حين طلوع الفجر لانه أول اليوم وبه يتعلق جواز الغسل ومن أصحابنا من قال يعتبر من طلوع الشمس وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ السَّاعَاتُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ (وَالثَّانِي) مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ الْجَزْمُ بِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ السَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ * وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّوَاحَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ السَّاعَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ كَمَا صَحَّ فِي رِوَايَتَيْ النَّسَائِيّ اللَّتَيْنِ قَدَّمْتُهُمَا فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَلَا يَكْتُبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ ولا يكتب له شئ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ طَيِّ الصُّحُفِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إنَّمَا كَانَ

لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بالذهاب بعد الزوال شئ منه ولا فضيلة للمجئ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يوم الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ) بِلَفْظِ الرَّوَاحِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا نسلم أنه مختص بما بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ ذَلِكَ وَغَلَّطَ قَائِلَهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ مَعْنَى رَاحَ مَضَى إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ وَيَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا في آخر النهار وليس ذلك بشئ لِأَنَّ الرَّوَاحَ وَالْغُدُوَّ عِنْدَ الْعَرَبِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يُقَالُ رَاحَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ وَتَرَوَّحَ وَغَدَا بِمَعْنَاهُ هَذَا لَفْظُ الْأَزْهَرِيِّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَجَبَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مَجَازًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَى رَاحَ قَصَدَ الْجُمُعَةَ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا مُبَكِّرًا قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الزَّوَالِ خَمْسُ سَاعَاتٍ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ تَقُولُ رَاحَ فُلَانٌ بِمَعْنَى قَصَدَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَنْ جَاءَ فِي أول ساعة من هذه الساعة وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ مَنْ جَاءَ فِي آخِرِ السَّاعَةِ وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوفٍ فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ هُمْ عَشْرَةُ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ سبعة وعشرون درجة لكن دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بِالسَّاعَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ

بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيه لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا في طرفي ساعة * * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب ان يمشى إليها وعليه السكينة لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوهما وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ") * (الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم سبق شَرْحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْجُمُعَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَوَاتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَسْرَعَ حِينَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ واسحق * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلي ذكر الله) (فمعناه) إذهبوا أو امضوا لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّهَابِ وَعَلَى الْعَدْوِ فبينت السنة المراد به * * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن لا يركب من غير عذر لما روى أوس بن اوس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ

بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ورواية أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَرُوِيَ غَسَلَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ وَغَسَّلَ بِتَشْدِيدِهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِالتَّخْفِيفِ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ غَسَّلَ أَعْضَاءَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ (وَالثَّالِثُ) غَسَّلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فِي مَعْنَاهُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَحَدُهَا) الْجِمَاعُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ وَيُقَالُ غَسَلَ امْرَأَتَهُ إذَا جَامَعَهَا (وَالثَّانِي) غَسَلَ رَأْسَهُ وَثِيَابَهُ (وَالثَّالِثُ) تَوَضَّأَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَسَّلَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ جَامَعَ شَبَّهَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِالْعَسَلِ وَهَذَا غَلَطٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيفٌ وَالْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ غَسَلَ رَأْسَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ (فَقَالَ) الْأَزْهَرِيُّ يَجُوزُ فِيهِ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فَمَنْ خَفَّفَ فَمَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا وَمَنْ شَدَّدَ مَعْنَاهُ أَتَى الصَّلَاةَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَبَادَرَ إليها وكل من أسرع إلى شئ فَقَدْ بَكَّرَ إلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْ صَلُّوهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُقَالُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ بَاكُورَةٌ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ قال ومعنى ابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ كَمَا يُقَالُ ابْتَكَرَ بِكْرًا إذَا نَكَحَهَا لِأَوَّلِ إدْرَاكِهَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْمَشْهُورُ بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ بَكَّرَ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ إلَى الْجَامِعِ وَابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْأَثْرَمِ صَاحِبِ أَحْمَدَ قَالَ وَدَلِيلُهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ومعناهما واحد قال الخطابي وقال بَعْضُهُمْ بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ أَيْ أَوَّلَهَا وَابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ وَقِيلَ بَكَّرَ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الطَّاعَةِ وَقِيلَ مَعْنَى ابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ (فَقَدْ) قَدَّمْنَا عَنْ حِكَايَةِ

الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ شَيْئَيْنِ (أَحَدُهُمَا) نَفْيُ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَالذَّهَابِ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا (وَالثَّانِي) نَفْيُ الرُّكُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَشَى لَاحْتَمَلَ أَنَّ الْمُرَادَ وجود شئ مِنْ الْمَشْيِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَنَفَى ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَشَى جَمِيعَ الطريق ولم يركب في شئ مِنْهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَمَعَ (فَهُمَا) شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ يَسْتَمِعُ وَلَا يدنوا من الخطبة وقد يدنوا وَلَا يَسْتَمِعُ فَنَدَبَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْغُ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ لَغْوٌ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ اسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَمْشِيَ وأن لا يركب في شئ مِنْ طَرِيقِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يشبك بين أصابعه لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ في صلاة ما كان يعمد الي الصلاة ") * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَعْضُ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ السَّابِقِ إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وأنتم تسعون قال الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ يَذْهَبُ فِي آخِرِ تَعَمُّدِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَلَهُ أَجْرٌ وَثَوَابٌ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْمُصَلِّينَ فَيَتْرُكَ العبث والكلام الردئ فِي طَرِيقِهِ وَالنَّظَرَ الْمَذْمُومَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُصَلِّي * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وغيرهم علي كراهة تشبك الْأَصَابِعِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ مَا دَامَ قَاصِدًا الصَّلَاةَ أَوْ مُنْتَظِرَهَا وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَهُ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ قال الخطابى في شرح هذا الحديث التشبك يفعله

بَعْضُ النَّاسِ عَبَثًا وَبَعْضُهُمْ لِتُفَرْقِعَ أَصَابِعُهُ وَرُبَّمَا قَعَدَ الْإِنْسَانُ فَاحْتَبَى بِيَدَيْهِ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَرُبَّمَا جَلَبَ النَّوْمَ فَيَكُونُ سَبَبًا لِنَقْضِ الْوُضُوءِ فَنُهِيَ قَاصِدُ الصَّلَاةِ عَنْهُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُصَلِّي وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَشَبَّكَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَالْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَقَاصِدِ الصَّلَاةِ وَتَشْبِيكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقِيَامِهِ إلَى نَاحِيَةٍ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يدنو من الامام لحديث أوس ولا يتخطى رقاب الناس لحديث أبى سعيد وأبى هريرة قال الشافعي إذا لم يكن للامام طريق لم يكره أن يتخطى رقاب الناس وإن دخل رجل وليس له موضع وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى رجلا أو رجلين لم يكره له لانه يسير فان كان بين يديه خلق كثير فان رجا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدموا جلس حتى يقوموا وان لم يرج أن يتقدموا جاز أن يتخطي ليصل إلى الفرجة ولا يجوز أن يقيم رجلا من موضعه ويجلس لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن يقول تفسحوا أو توسعوا " فان قام رجل وأجلسه مكانه باختياره جاز له أن يجلس وأما صاحب الموضع فانه ان كان الموضع الذى ينتقل إليه دون الموضع الذى كان فيه في القرب من الامام كره له ذلك لانه آثر غيره في القربة وان فرش لرجل ثوب فجاء آخر لم يجلس عليه فان أراد أن ينحيه ويجلس مكانه جاز وان قام رجل من موضعه لحاجة فجلس رجل مكانه ثم عاد فالمستحب أن يرد الموضع إليه لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " قال الشافعي وأحب إذا نعس ووجد مجلسا لا يتخطى فيه غيره تحول اله لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

مذاهب العلماء في التخطي

وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَنْكَرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ رُوِيَ مَرْفُوعًا وموقوفا الموقوف أَصَحُّ هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى رِوَايَتِهِ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ فَغَيْرُ مقبول لان مداره علي محمد بن اسحق وَهُمَا إنَّمَا رَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ عَنْ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ والحكم مُتَسَاهِلٌ فِي التَّصْحِيحِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ وَالتِّرْمِذِيُّ ذَهَلَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِتَصْحِيحِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَهُ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَلَعَلَّ النُّسَخَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كما نختلف فِي غَيْرِهِ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ غَالِبًا (وَقَوْلُهُ) يَتَخَطَّى غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَيُقَالُ أَيْضًا فَرْجٌ ومنه قوله تعالي (ومالها مِنْ فُرُوجٍ) جَمْعُ فَرْجٍ وَهُوَ الْخُلُوُّ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَوْلُهُ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - يَنْعَسُ - بِضَمِّهَا * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ) الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ التَّقَدُّمِ فِي الصُّفُوفِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ مُحَقِّقًا: الثَّانِيَةُ يُنْهَى الدَّاخِلُ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ عَنْ تَخَطِّي رِقَابَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَى الْمِنْبَرِ وَالْمِحْرَابِ إلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ وَرَأَى فُرْجَةً قُدَّامَهُمْ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي قَالَ الْأَصْحَابُ لَمْ يُكْرَهْ التَّخَطِّي لان الجالسين وراءها مفرطين بِتَرْكِهَا وَسَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ وَكَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ لَا يَتَخَطَّى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا دَخَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَرَجَا أَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إلَيْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْعُدَ مَوْضِعَهُ وَلَا يَتَخَطَّى وَإِلَّا فَلْيَتَخَطَّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّخَطِّي * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُدَّامَهُمْ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهَتَهُ مُطْلَقًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ

إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَتَخَطَّاهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِمْ قَالَ ابن المنذر لا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي لِأَنَّ الْأَذَى يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهَذَا أَذًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَرَاهُ يَتَخَطَّى اجْلِسْ " فَقَدْ آذَيْتَ " (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الدَّاخِلُ رَجُلًا مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ وَسَائِرُ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا السَّابِقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَيَجُوزُ إقَامَتُهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ وَهِيَ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ النَّاسِ وَيَمْنَعَهُمْ الِاجْتِيَازَ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ بِشَرْطِ أَنْ يَضِيقَ الْمَوْضِعُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ اتَّسَعَ تَنَحَّوْا عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يُنَحُّوهُ أَمَّا إذَا قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كرهة فِي جُلُوسِ الدَّاخِلِ وَأَمَّا الْجَالِسُ فَإِنْ انْتَقَلَ الي أقرب شئ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ كُرِهَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْإِيثَارَ بالقرب مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُؤْثِرُونَ علي انفسهم (فَالْمُرَادُ) بِهِ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ وَالْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النفوس مستحب بلا شك وبينته تَمَامُ الْآيَةِ (وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وَقَدْ يُحْتَجُّ لِكَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ مَوْضِعًا يَجْلِسُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ الْبَاعِثُ تَنَحَّى الْمَبْعُوثُ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْرِشَ لَهُ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ ثم يجئ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ فَإِذَا فَرَشَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أن يصلي عليه لكن لَهُ أَنْ يُنَحِّيَهُ وَيَجْلِسَ مَكَانَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ ينحيه بحيث لا يرفعه بِيَدِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (الْخَامِسَةُ) إذَا جَلَسَ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَامَ لِحَاجَةٍ كَوُضُوءٍ وَغَيْرِهِ ثم عاد إليه فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَفِي هَذَا الْحَقِّ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ (الثَّانِي) أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمَهُ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ أَمْ لَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَسَوَاءٌ قَامَ لِحَاجَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهُ أَمَّا إذَا فَارَقَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) إذَا نَعَسَ فِي مَكَانِهِ وَوَجَدَ مَوْضِعًا لَا يَتَخَطَّى فِيهِ أَحَدًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كَانَ أَوْ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لزوال النعاس

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعِهِ وَتَحَفَّظَ مِنْ النُّعَاسِ بِوَجْهٍ يَرَاهُ نَافِيًا للنعاس لم اكرهء بقاه وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا حَضَرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا جَازَ وَلَوْ اتَّكَأَ أَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ أَوْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ قَالَ الشافعي والاصحاب فان كان به علية اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُزَاحِمُ فِيهِ حَتَّى لَا يُؤْذِي وَلَا يَتَأَذَّى * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْكَهْفِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ " وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا لِمَا رَوَى أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ فِيهِ سَاعَةً يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ فَلَعَلَّهُ يُصَادِفُ ذَلِكَ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ رَوَيْنَا عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا أَحَادِيثَ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ أَوْسٍ هَذَا وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكَهْفِ فَغَرِيبٌ وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " قَالَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الِاشْتِغَالُ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَدَلِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَقَدْ سبق في حَدِيثُ سَلْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ النَّدْبُ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " قَائِمٌ يُصَلِّي "

وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا أَحَدُهَا أَنَّهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ (الثَّانِي) عِنْدَ الزَّوَالِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (الثَّالِثُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنْ قَالَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (الْخَامِسُ) مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ صَلَاتِهِ حَكَاهُ عِيَاضٌ (السَّادِسُ) مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَصَلَاتِهِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ (السَّابِعُ) مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ حَكَاهُ عِيَاضٌ (وَالثَّامِنُ) وَهُوَ الصَّوَابُ مَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ (التَّاسِعُ) مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ احمد واسحق قَالَ قَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدُ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ الزَّوَالِ (الْعَاشِرُ) آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَلَائِقُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهَا مَخْفِيَّةٌ فِي كُلِّ الْيَوْمِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَاعْتَرَضُوا عَلَى مَنْ قَالَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَأَجَابُوا بِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ سَبَبٍ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الثَّامِنُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يقضى الصلاة فهذا صحيح صريخ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ باسناده عن مسلم ابن الْحَجَّاجِ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها وهذا الذى قاله القاضى صحيح وأما الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ " فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الترمذي وغيره ورواية محمد بن أبي حميد منكر الحديث سئ الْحِفْظِ وَأَمَّا حَدِيثُ

كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ مداره علي كثير ابن عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَذَّابٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَقَالَ احمد بن حنبل منكر الحديث ليس بشئ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ باسناد صحيح ويحتمل أن هذه منتقلة تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ليلة القدر والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإذا جلس الامام انقطع التنفل لما روى عن ثعلبة بن أبى مالك قال قعود الامام يقطع السبحة وكلامه يقطع الكلام وانهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس علي المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتي يقضى الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا ولان التنفل في هذا الحال يمنع الاستماع إلى ابتداء الخطبة فكره فان دخل والامام على المنبر صلي تحية المسجد لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا جاء احدكم والامام يخطب فليصل ركعتين " فان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل لانه تفوته أول الصلاة مع الامام وهو فرض فلا يجوز أن يشتغل عنه بالنفل) * (الشَّرْحُ) حَدِيث جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَاهُ وَثَعْلَبَةُ هَذَا صَحَابِيٌّ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَقَدْ أَخْبَرَ ثَعْلَبَةُ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَكَلَّمُونَ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَوْلُهُ يَقْطَعُ السُّبْحَةَ - هُوَ بِضَمِّ السِّينِ - وَهِيَ النَّافِلَةُ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ فَوَائِدُ (مِنْهَا) جَوَازُ الصَّلَاةِ حَالَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالتَّنَفُّلِ مَا لَمْ يَقْعُدْ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَانْقِطَاعِ النَّافِلَةِ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ شروعه في الاذان وجوز الْكَلَامِ حَالَ الْأَذَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِالتَّنَفُّلِ مَعْنَاهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ عنه بالتنفل

وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَهُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ امْتَنَعَ ابْتِدَاءُ النافلة ونقلو الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَرُمَ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ جَلَسَ وَهَذَا إجْمَاعٌ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا ابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةً سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى السُّنَّةَ أَمْ لَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ خَفَّفَهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا الْإِنْصَاتُ سُنَّةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْقِرَاءَةِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ حَرُمَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْإِنْصَاتَ أَمْ لَا فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَبْطُلُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً يَدْخُلُ فِيهِ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيَبْقَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَدْ انْقَطَعَ الرُّكُوعُ يَعْنِي التَّنَفُّلَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ يَمْتَنِعُ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَذَانِ قَالُوا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا إذَا دَخَلَ دَاخِلٌ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يصلي رَكْعَتَيْنِ " وَإِنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ فَاتَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ صَلَّى التَّحِيَّةَ هَكَذَا فَصَّلَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ كَمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَرَى الْإِمَامَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِصَلَاتِهِمَا وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُهُمَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يفعل كرهت ذلك له ولا شئ عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالْمَقْبُرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ والحميدي واحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَآخَرُونَ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يُصَلِّي شَيْئًا وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِلَّا فَلَا * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا خَطَبَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ غَرِيبٌ (وَالثَّانِي) لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الاحاديث * * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الكلام قبل أن يبتدئ بالخطبة لما رويناه من حديث ثعلبة بن أبي مالك ويجوز إذا جلس الامام بين الخطبتين وإذا نزل من المنبر قبل أن يدخل في الصلاة لما روى أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل في الحاجة ثم ينتهى الي مصلاه فيصلى " ولانه ليس بحال صلاة ولا حال استماع فلم يمنع من الكلام وإذا بدأ بالخطبة انتصت لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوء ثم انصت للامام يوم الجمعة حتى يفرغ من صلاته غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وزيادة ثلاثة أيام " وهل يجب الانصات فيه قولان (أحدهما) يجب لما روى جابر قال " دخل ابن مسعود والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى أبي فسأله عن شئ فلم يرد عليه فسكت حتى صلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ما منعك أن ترد علي فقال انك لم تشهد معنا الجمعة قال ولم قال تكلمت والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقام ابن مسعود ودخل علي النبي صلي الله عليه وسلم فذكر له فقال صدق أبي " (والثاني) يستحب وهو الاصح لما روى أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر يوم الجمعة فقال متي الساعة فاشار الناس إليه أي اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عند الثالثة ما اعددت لها قال حب الله ورسوله قال انك مع من احببت " فان رأى رجلا يقع في بئر ورأى عقربا تدب إليه لم يحرم عليه كلامه قولا واحدا لان الانذار يجب لحق الآدمى والانصات لحق الله تعالى

ومبناه على المسامحة وان سلم عليه رجل أو عطس فان قلنا يستحب الانصات رد السلام وشمت العاطس وان قلنا يجب الانصات لم يرد السلام ولم يشمت العاطس لان المسلم سلم في غير موضعه فلم يرد عليه وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الانصات الواجب ومن أصحابنا من قال لا يرد السلام لان المسلم مفرط ويشمت العاطس لان العاطس غير مفرط في العطاس وليس بشئ (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَحَدِيثُ أَنَسٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفُوهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُكَلَّمُ فِي الْحَاجَةِ إذَا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ ايام ومن مس الحصا فَقَدْ لَغَا " وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَلَسْت قَرِيبًا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فَقُلْتُ لِأُبَيٍّ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ أَوْ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ أُبَيٌّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأُبَيٍّ وَجُعِلَتْ الْقِصَّةُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ قَالَ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ مَعْنَى الْقِصَّةِ بَيْنَ رَجُلٍ غَيْرِ مسمى وبين ابن مسعود وجعل المصيب بن مَسْعُودٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ فَقَالَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأُبَيٍّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ الْأَخِيرُ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صحيح ورواه غيره بمعناه * واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ أَنْصَتَ وَنَصَتَ وَانْتَصَتَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ أَفْصَحَهُنَّ أَنْصَتَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَنْصَتَهُ وَأَنْصَتَ لَهُ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَقَوْلُهُ) لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ أَيْ جُمُعَةً كَامِلَةً أَوْ شُهُودًا كَامِلًا (قَوْلُهُ) عَقْرَبًا تَدِبُّ - هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا

وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ مَعْنَاهُ مَا بَيْنَ السَّاعَةِ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلِهَا مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ عَشَرَةً وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَالْأَزْهَرِيُّ الْمُهْمَلَةُ أَفْصَحُ وَسَمَّتَهُ وَشَمَّتَهُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالِاسْتِقَامَةُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وقبلها وبعدها وما يتعلق بها مِنْ الْفُرُوعِ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ مِنْ حين يخرج الامام * قال المصنف رحمه الله * (ومن دخل والامام في الصلاة أحرم بها فان أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة فإذا سلم الامام أضاف إليه أخرى وان لم يدرك الركوع فقد فاتت الجمعة فإذا سلم الامام أتم الظهر لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى ") * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ وَقَالَ أَسَانِيدُهَا

صَحِيحَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ تَفُتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ * أَمَّا الاحكام فقال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ اطْمَأَنَّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِثَانِيَةٍ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رُكُوعِهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى أَرْبَعٍ لِلظُّهْرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَنْوِي الظُّهْرُ لِأَنَّهَا الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَلَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُمْ إنْ كَانَ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ أُخْرَى وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ سَجَدَ أُخْرَى وَأَتَمَّ الظُّهْرَ وَلَا تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فِيمَا إذَا سَجَدَهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَتَى بِرَكْعَتِهِ الْأُخْرَى فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ شَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا للجمعة

بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى وَتَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ بِأَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ فَبَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَيَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ هَلْ تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ فَهُنَا أُولَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ وَسَبَقَ هُنَاكَ دَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ الْمُجْزِئَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فَتَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ قَطْعًا لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ هِيَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ وَلَا يَكُونُ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ لَغْوًا إلَّا سَجْدَةً يُتَمِّمُ بِهَا الثَّانِيَةَ

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ومالك والاوزاعي والثوري وأبي يوسف وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ * وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِيهِ أَدْرَكَهَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَ مَذْهَبِنَا أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الذى ذكرته عن رواية الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ زحم المأموم عن السجود في الجمعة نظرت فان قدر أن يسجد علي ظهر انسان لزمه أن يسجد لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم علي ظهر أخيه " وقال بعض

أصحابنا فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ بالخيار ان شاء سجد علي ظهر انسان وان شاء ترك حتي يزول الزحام لانه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود علي الارض فخير بين الفضيلتين والاول أصح لان ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الارض فانه يسجد علي حسب حاله ولا يؤخر وان كان في التأخير فضيلة السجود على الارض وان لم يقدر علي السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام فان زال الزحام لم يخل اما أن يدرك الامام قائما أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا فان أدركه قائما سجد ثم تبعه لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك بعسفان للعذر والعذر ههنا موجود فوجب أن يجوز فان فرغ من السجود فأدرك الامام راكعا في الثانية ففيه وجهان (أحدهما) يتبعه في الركوع ولا يقرأ كمن حضر والامام راكع (والثانى) انه يشتغل بما عليه من القراءة لانه ادرك مع الامام محل القراءة بخلاف من حضر والامام راكع * (فصل) فان زال الزحام فأدرك الامام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه لان هذا موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة وهل يدرك بها الجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم من " ادرك من الجمعة ركعة فليضف إليها اخرى " وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يدرك لان الجمعة صلاة كاملة فلا تدرك الا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة * (فصل) وان زال الزحام وادرك الامام راكعا ففيه قولان (احدهما) يشتغل بقضاء ما فاته ثم

يركع لانه شارك الامام في جزء من الركوع فوجب ان يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركته قائما (والثانى) يتبع الامام في الركوع لانه ادرك الامام راكعا فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة والامام فيها راكع فان قلنا انه يركع معه نظرت فان فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان وبأيهما يحتسب فيه قولان (احدهما) يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الامام راكعا فركع معه (والثاني) يحتسب بالاول لانه قد صح الاول فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسى السجود فقام وقرأ وركع ثم سجد فان قلنا انه يحتسب بالثاني حصل له مع الامام ركعة فإذا سلم أضاف إليه أخرى وسلم وإذا قلنا يحتسب بالاول حصل له ركعة ملفقة لان القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الاولي وحصل له السجود من الثانية وهل يصير مدركا للجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يكون مدركا وقال ابن أبي هريرة لا يكون مدركا فإذا قلنا بقول أبي اسحق أضاف إليها أخرى وسلم وإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة قام وصلي ثلاث ركعات وجعلها ظهرا ومن أصحابنا من قال يجب أن يكون فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظهر قبل ان يصلي الامام الجمعة وهذا قد صلي ركعة من الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة فلزمه ان يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري الصحيح هو الاول والبناء علي القولين لا يصح لان القولين فيمن صلي الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة من غير عذر

والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التى صلاها قبل فراغ الامام ولان القولين فيمن ترك الجمعة وصلي الظهر منفردا وهذا قد دخل مع الامام في الجمعة فلم تجب عليه إعادة ما فعل كما لو أدرك الامام ساجدا في الركعة الاخيرة فانه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الاحرام ولا يلزمه الاستئناف وان خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فان اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده لانه سجد في موضع الركوع ولا تبطل صلاته لانه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها ساهيا وإن اعتقد ان فرضه المتابعة فان لم ينو مفارقته بطلت صلاته لانه سجد في موضع الركوع عامدا وإن نوى مفارقة الامام ففيه قولان (أحدهما) تبطل صلاته (والثاني) لا تبطل ويكون فرضه الظهر وهل يبنى أو يستأنف الاحرام بعد فراغ الامام على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة الامام وأما إذا قلنا ان فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فان فعل ما قلناه وأدرك الامام راكعا تبعه فيه ويكون مدركا للركعتين وان ادركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتبعه في السجود فيه وجهان (أحدهما) يشتغل بقضاء ما فاته لان علي هذا القول الاشتغال بالقضاء أولي من المتابعة ومنهم من قال يتبعه في السجود وهو الاصح لان هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق إذا أدرك الامام ساجدا بخلاف الركعة الاولى فان هناك ادرك الركوع وما قبله فلزمه ان يفعل ما بعده من السجود فإذا قلنا يسجد كان مدركا للركعة الاولى الا ان بعضها أدركه فعلا وبعضها أدركه حكما لانه تابعه الي السجود ثم انفرد بفعل السجدتين وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة على وجهين لانه

ادراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة وان سلم الامام قبل أن يسجد المأموم السجدتين لم يكن مدركا للجمعة قولا واحدا وهل يستأنف الاحرام أو يبنى علي ما ذكرناه من الطريقين فان خالف ما قلناه وتبعه في الركوع فان كان معتقدا ان فرضه الاشتغال بالسجود بطلت صلاته لانه ركع في موضع السجود عامدا وان اعتقد ان فرضه المتابعة لم تبطل صلاته لانه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ويحتسب بهذا السجود ويحصل له ركعة ملفقة وهل يصير مدركا للجمعة علي الوجهين وان زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ في الثانية وقضي ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن السجود فزال الزحام وسجد ورفع رأسه وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ بعضهما فعلا وبعضهما حكما وهل يكون مدركا للجمعة علي الوجهين وان ركع مع الامام الركعة الاولي ثم سها حتى صلى الامام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي أبو حامد يجب ان يكون علي قولين كالزحام ومن اصحابنا من قال يتبعه قولا واحدا لانه مفرط في السهو فلم يعذر في الانفراد عن الامام وفى الزحام غير مفرط فعذر في الانفرد عن الامام) *

(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْصُوفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالْإِعْضَالِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا وَتَشْعِيبِهَا وَاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أُصُولٍ فَاخْتِصَارُ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً فِيهَا مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى أَطْرَافِ خَفِيِّ الْأَدِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى ضَبْطِهَا وَالِاحْتِوَاءِ عَلَيْهَا فَلِهَذَا أَسْلُكُ هَذَا الطَّرِيقَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ ظَهْرِ بَهِيمَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ سَجَدَ عَلَى الظَّهْرِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ لِيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ

فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَلِأَثَرِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّمَا يَسْجُدُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ إذَا أَمْكَنَهُ رِعَايَةُ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَأْتِيُّ بِهِ لَيْسَ بِسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ هُنَا ارْتِفَاعُ رَأْسِهِ وَخُرُوجُهُ عَنْ هَيْئَةِ السَّاجِدِ لِلْعُذْرِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَإِذَا أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ فَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِلَا عُذْرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى ظَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِهَذَا الْعُذْرِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا فَفِي صِحَّتِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَظْهَرُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَالْخُرُوجُ مِنْهَا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ لَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّهْرِ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَنْتَظِرُ التَّمَكُّنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يطول القراءة ليلحقه منتظر السجود (والثاني) يومى بِالسُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بينهما فإذا قلنا بالصحيح فله حالان (احدهما) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ فَإِذَا فَرَغَ من

سُجُودِهِ فَلِلْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ بَعُدَ فِي الْقِيَامِ فَيَفْتَتِحُ الْمَزْحُومُ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْل رُكُوعِ الْإِمَامِ رَكَعَ مَعَهُ وَجَرَى عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ فَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَلَا يَضُرُّهُ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَهَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَهُ حُكْمُهُ فَيَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ وَمِمَّنْ صحح هذا الشيخ أبو حامد والماورى وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ أَنْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ لَمْ يَقْطَعْ الْقُدْوَةَ بَلْ يَقْرَأُ وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ جَهْدَهُ فَيَرْكَعُ وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَاصِدًا لُحُوقَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَتَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّخَلُّفُ بِأَرْكَانٍ وَيَكُونُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ سَهْوُ الْإِمَامِ وَيَحْمِلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا قُلْنَا يَقْرَأُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ضَعِيفٌ وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ (الْحَالُ الثَّانِي) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعَ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالْمَسْبُوقِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَيَسْعَى وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ (الحال الثالث) أن يكون فارغا مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْحَالِ الثَّانِي هُوَ كَالْمَسْبُوقِ تَابَعَ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ كَالْمَسْبُوقِ اشْتَغَلَ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَجْهًا وَاحِدًا لِكَثْرَةِ مَا فَاتَهُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّلًا مِنْ صَلَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَهُ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ التَّخَلُّفَ وَأَمَرْنَاهُ بِالْجَرَيَانِ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ فَعَسَاهُ يُدْرِكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ فِعْلُ السُّنَنِ مُقْتَصِرًا علي الوسط منها (الحال الثاني) للمأموم ان لا يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ

الْقَفَّالِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُّ وَلِهَذَا يُتَابِعُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي الرُّكُوعِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ وَيَجْرِيَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قلنا يتابعه فقد يتمثل ذَلِكَ وَقَدْ يُخَالِفُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ وَرَكَعَ مَعَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ رُكُوعٌ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِرُكُوعٍ آخَرَ كَمَا لَوْ رَكَعَ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَإِنَّ الْمَحْسُوبَ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمَحْسُوبُ لِلْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الثَّانِي حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الْأَوَّلُ حَصَلَتْ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ وَجْهَانِ مشهوران (اصحهما) عند الاحصاب يدرك بها وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهَا ركعة صحيحة (والثانى) لا تدرك بها لانها صلاة يشترط فِيهَا كَمَالُ الْمُصَلِّينَ وَلَا تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ فِيهَا نَقْصٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قُلْنَا يُدْرِكُ بِهَا ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قلنا

لَا يُدْرِكُ بِهَا فَقَدْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الظُّهْرِ وَيَبْنِي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) تُحْسَبُ قَوْلًا وَاحِدًا فَيَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ فيمن احرم بالظهر قبل فوات الجمعة فان الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْل الْجُمُعَةِ بِلَا عُذْرٍ وَهَذَا مَعْذُورٌ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ظُهْرًا بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ مَعَهُ فَإِنَّهُ ينبي عَلَى الظُّهْرِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الطَّرِيقَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزِّحَامَ عُذْرٌ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُذْرٌ أَمَّا إذَا خَالَفَ وَاجِبَهُ فَاشْتَغَلَ بِالسُّجُودِ وَتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ وَلَمْ يَنْوِ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِيُتِمَّ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا كَانَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ لَمْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَهَلْ تَصِحُّ ظُهْرًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صلاها قبل فراغ الجمعة ولنا قول حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ هَذَا كُلُّهُ إذَا خَالَفَ عَالِمًا بِأَنَّ فَرْضَهُ الْمُتَابَعَةُ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ فَرْضَهُ السُّجُودَ وَتَرْتِيبَ نَفْسِهِ أَوْ نَاسِيًا فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ ثم ان فرع وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ

فَإِنْ تَابَعَهُ فَرَكَعَ مَعَهُ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ نَظَرَ إنْ رَاعَى تَرْتِيبَ نَفْسِهِ بِأَنْ قَامَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ له بشئ مِمَّا أَتَى بِهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِتَمَامِ الرَّكْعَةِ وَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ بِكُلِّ حال فكما لا يحسب لَهُ السُّجُودُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ لَا يُحْسَبُ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إذَا فَعَلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَمَّتْ لَهُ مِنْهُمَا رَكْعَةٌ لَكِنَّهَا نَاقِصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) التَّلْفِيقُ فَإِنَّ رُكُوعَهَا مِنْ الْأُولَى وَسُجُودَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَالنَّقْصُ الثَّانِي كَوْنُهَا رَكْعَةً حُكْمِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا مُتَابَعَةً حِسِّيَّةً بَلْ حُكْمِيَّةً وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالرَّكْعَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَانِ كَالْمُلَفَّقَةِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَإِنَّ السُّجُودَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمَا وَجَرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا فَرَغَ مِنْهُمَا وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ يُتَابِعُهُ فِي سجدتيه هذا وَظِيفَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيُحْسَبَانِ لَهُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ رَكْعَةً مُلَفَّقَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَافَقَهُ فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَمَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة فِي حَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَارَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وهل

يَسْتَأْنِفُهَا أَمْ يَبْنِي عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَبْنِي (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ لَوْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ هَذَا كله إذا قلنا متابع الْإِمَامَ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أن يُخَالِفُ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أمكنه ادارك الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ أَنَّ وَاجِبَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ رُكُوعُهُ هَذَا لَغْوًا فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ بَعْدَ هَذَا الرُّكُوعِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُحْسَبُ هَذَا السُّجُودُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُحْسَبُ لِأَنَّهُ سُجُودٌ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِجِهَةِ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ فِعْلَهَا لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَسْجُدَ وَيَحْصُلَ لَهُ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَفِي الْإِدْرَاكِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فَلِلْإِمَامِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ فَارِغًا مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ في السجود

أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ وَيُجْرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقُومُ وَيَقْرَأُ وَيَرْكَعُ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْفَائِتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَابَعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ اشْتَغَلَ بِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا قَدْرًا يُحْسَبُ لَهُ فَلَزِمَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ كَمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِ الْمَزْحُومِ مِنْ السُّجُودِ قَدْ هَوَى لِلسُّجُودِ فَتَابَعَهُ فَقَدْ وَالَى بَيْنَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَهَلْ يُحْسَبُ لِإِتْمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى السَّجْدَتَانِ الاوليان أم الْأُخْرَيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ هَلْ الْمَحْسُوبُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي (أَصَحُّهُمَا) الْأُولَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا الْأُولَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا الْأُخْرَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْحُكْمِيَّةِ وَالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السابقان (أصحهما) الادراك (الحال الثاني) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا بَعْدُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَالْمَسْبُوقِ أَمْ يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقْرَأُ وَيَأْتِي بِالْبَاقِي فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعًا عَلَى القول

الْأَوَّلِ وَهُمَا هُنَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَصَحِّ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَجَزَمَ هُنَا بِأَصَحِّهِمَا وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ أَنَّ الصُّورَةَ غَيْرُ الصُّورَةِ وَطَلَبَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصُّورَةُ هِيَ الْأُولَى بِحَالِهَا وَلَا فَرْقَ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ تابعه ويكون مدركا للركعتين فيسلم مَعَ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ بِهِ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَالْحَاصِلُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ تَرْتِيبُ نَفْسِهِ فَرَكْعَةٌ غَيْرُ مُلَفَّقَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَطْعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ فَيَسْجُدُ ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَهَلْ يَبْنِي عَلَى الرَّكْعَةِ لِإِتْمَامِ الظُّهْرِ أَمْ يَسْتَأْنِفُهَا فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَلَّمَ

الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ الْمَزْحُومُ قَاعِدًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُدْرِكُ لِلْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الزِّحَامُ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَلَّى الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَضُمَّ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ فَيَسْجُدُ وَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ وَيُتَابِعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي الْحَاصِلِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَتَسْقُطُ الْأُولَى وَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) تُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ * (فَرْعٌ) لَوْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ فَسَجَدَ وَقَامَ وَأَدْرَكَهُ قَائِمًا وَقَرَأَ أَوْ رَاكِعًا فَقَرَأَ وَلَحِقَهُ أَوْ قُلْنَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ فَرَكَعَ مَعَهُ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ وَزَالَ

الزِّحَامُ وَسَجَدَ وَرَفَعَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي إدْرَاكِهِ بِهِمَا الْجُمُعَةَ طَرِيقَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في ادراكها الوجهان في الركعة الحكمية وقال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَضَعَّفَ قَوْلَ القاضى أبو الطَّيِّبِ * (فَرْعٌ) لَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَبَقِيَ وَاقِفًا فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ والاصحاب (أحدهما) قاله القاضى أبو حامد المروروزى وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَزْحُومِ هَلْ يَتْبَعُ الْإِمَامَ أَمْ يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ إتْبَاعُ الْإِمَامِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الزَّحْمَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرُّويَانِيِّ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ الْأَوَّلَ هَكَذَا أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ التَّخَلُّفُ بِالنِّسْيَانِ هَلْ هُوَ كَالتَّخَلُّفِ بِالزِّحَامِ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِعُذْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِنُدُورِهِ وَتَفْرِيطِهِ قَالَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَإِنْ تَأَخَّرَ سُجُودُهُ عَنْ سَجْدَتَيْ الْإِمَامِ بِالنِّسْيَانِ ثُمَّ سَجَدَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ كَالزِّحَامِ وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ لِمَرَضٍ وَإِنْ بَقِيَ

ذَاهِلًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) كَالْمَزْحُومِ فَفِي قَوْلٍ يَرْكَعُ مَعَهُ وَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيِّ * (فَرْعٌ) الزِّحَامُ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَغْلَبُ وَلِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ لَا يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا كَالْخِلَافِ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ مَا دَامَ يَتَوَقَّعُ إدْرَاكَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِذَا زُحِمَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَنْ السُّجُودِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) الِاشْتِغَالُ بِمَا عَلَيْهِ وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُتَابِعُهُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ قَطْعًا * (فَرْعٌ) إذَا عَرَضَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا جُمُعَةً فِي صُورَةِ الزِّحَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الاصحاب من العراقيين وغيرهم (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَمْ صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

فَإِنْ قُلْنَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَفَاتَ بَعْضُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا كَالْمُسَافِرِ إذَا فَاتَ بَعْضَ شُرُوطِ الْقَصْرِ وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَهَلْ يُتِمُّهَا ظُهْرًا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يُتِمُّهَا ظُهْرًا لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا أَوْ كَالْبَدَلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخِلَافِ فعلى هذا هل يشترط أن ينوى قبلها ظُهْرًا أَمْ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَظَائِرِهَا (الصَّحِيحُ) تَنْقَلِبُ نَفْلًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُ الْبُطْلَانِ لَا يَنْتَظِمُ تَفْرِيعُهُ إذَا أَمَرْنَاهُ فِي صورة الزحام بشئ فَامْتَثَلَ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِمَا إذَا خَالَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الزِّحَامِ * أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَأَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَ الزَّحْمَةِ فَلَوْ سَجَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِهِ وَالِانْتِظَارِ وَقَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُومِئُ إلَى السُّجُودِ أَمَّا إذَا لَمْ يَزَلْ الزِّحَامُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَغِلُ بِالسُّجُودِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمَزْحُومَ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَبِهِ قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَيُونُسُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وقال مالك أحب أن يتمها أربعا *

* قال المصنف رحمه الله * (إذا أحدث الامام في الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) لَا يستخلف (وقال في الجديد) يستخلف وقد بينا وجه القولين في باب صلاة الجماعة (فان قلنا) لا يستخلف نظرت فان أحدث بعد الخطبة وقبل الاحرام لم يجز أن يستخلف لان الخطبتين مع الركعتين كالصلاة الواحدة فلما لم يجز أن يستخلف

في صلاة الظهر بعد الركعتين لم يجز أن يستخلف في الجمعة بعد الخطبتين وان أحدث بعد الاحرام ففيه قولان (أحدهما) يتمون الجمعة فرادى لانه لما لم يجز الاستخلاف بقوا علي حكم الجماعة فجاز لهم أن يصلوا فرادى (والثاني) أنه إذا كان الحدث قبل أن يصلي بهم ركعة صلوا الظهر وان كان بعد الركعة صلوا ركعة أخرى فرادى كالمسبوق إذا لم يدرك ركعة أتم الظهر وإن أدرك ركعة أتم الجمعة وإن قلنا بقوله الجديد فان كان الحدث بعد الخطبتين وقبل الاحرام فاستخلف من حضر الخطبة جاز وان استخلف من لم يحضر الخطبة لم يجز لان من حضر كمل بالسماع فانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر لم يكمل فلم تنعقد به الجمعة ولهذا لو خطب بأربعين فقاموا وصلوا الجمعة جاز ولو حضر أربعون لم يحضروا الخطبة فصلوا الجمعة لم يجز وإن كان الحدث بعد الاحرام فان كان في الركعة الاولي فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز له لانه من أهل الجمعة وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لانه ليس من أهل الجمعة ولهذا لو صلي بانفراده الجمعة لم تصح وإن كان الحدث في الركعة الثانية فان كان قبل الركوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان بعد الركوع فاستخلف من لم يحضر معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان معه قبل الحدث ولم يكن معه قبل الركوع فان فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يصلي الظهر وجهان فان قلنا يجوز جاز أن يستخلفه وإن قلنا لا يجوز لم يجز أن يستخلفه) *

(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ تَعَمَّدَهُ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ سَبَقَهُ أَوْ بِرُعَافٍ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ أَوْ بِلَا سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ وَالْقَدِيمُ وَالْإِمْلَاءُ مَنْعُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ بِتَفْرِيعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ كَالرَّكْعَتَيْنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ لَكِنْ يُنَصِّبُونَ مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْخُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَفِيمَا يَفْعَلُونَ قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَتَمَّ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ ظُهْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فُرَادَى لِأَنَّ الجمعة تدرك بركعة لا بدونها (والثاني) يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً فِي الْحَالَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا فِي الْحَالَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَمْ ظُهْرًا وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا قُلْنَا لَا يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَنْ يَسْتَأْنِفُوا جُمُعَةً إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ هَذَا كُلُّهُ إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ فان جوزناه

نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْخَلِيفَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صِحَّةِ ظُهْرِ هَذَا الْخَلِيفَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظُّهْرَ هَلْ تَصِحُّ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يصح فهل تبطل أم تبقى نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ فَاقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ عَالِمِينَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا رَكْعَةً وَفِي صِحَّةِ الظُّهْرِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الظُّهْرِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءً طَارِئًا فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ صلاة الجماعة وفيه شئ آخَرُ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ نَافِلَةً وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْجَوَازُ أَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ الْحَدَثِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ فَوَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ (وَأَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ الصَّيْدَلَانِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ الْمَنْعُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْجَوَازُ عَنْ نَصِّهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لَهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ حَضَرَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَجَوَّزْنَا اسْتِخْلَافَهُ نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى جَازَ وَتَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَمْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَلِيفَةَ يُصَلِّي ظُهْرًا وَالْقَوْمَ جُمُعَةً وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ قبل حدثه

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ هَذَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَفِي الْخَلِيفَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا ظُهْرًا (وَالثَّانِي) لَا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي مَوَاضِعَ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا امْتَنَعَ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ هَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ حَدَثِهِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَوْ استخلف بعد رُكُوعِ الثَّانِيَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ جَوَازُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) مَنْعُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَجْهَانِ إنْ جَوَّزْنَاهَا جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهَا وَالْخَلِيفَةُ مَسْبُوقٌ لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ نَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجْلِسُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَ السَّلَامِ أَشَارَ إلَى الْقَوْمِ وَقَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَهُوَ رَكْعَةٌ إنْ جَعَلْنَاهُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ أَوْ ثَلَاثٌ إنْ قُلْنَا فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا وَالْقَوْمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَإِنْ شَاءُوا ثَبَتُوا جَالِسِينَ يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ دَخَلَ مَسْبُوقٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا صَحَّتْ له الجمعة

وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ لِلْخَلِيفَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلَّذِينَ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ رَكْعَةً بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانُوا مُدْرِكِينَ لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَضُرُّ اقْتِدَاؤُهُمْ فِيهَا بِمُصَلِّي الظُّهْرِ أَوْ النَّفْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَأَرَادَ اسْتِخْلَافَ مَنْ يُصَلِّي فَثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَلْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ خَطَبَ بِهِمْ آخَرُ وَصَلَّى وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ مِنْ السَّامِعِينَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَقَدُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ لَهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا غَيْرُهُمْ لَمْ تَنْعَقِدْ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَيْرُ السَّامِعِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِخْلَافِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَالْمُرَادُ بِسَمَاعِهَا حُضُورُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ جاز وان استخلف مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فِيهَا فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إنْ مَنَعْنَا فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهُ كَالصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْمُفَارَقَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ * (فَرْعٌ) إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَفِي الْقَوْمِ مَسْبُوقُونَ فَأَرَادُوا الِاسْتِخْلَافَ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِخْلَافَ لِلْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ له فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَوَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَخْلَفَ هَلْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ نِيَّةُ الْقُدْوَةِ بِالْخَلِيفَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا

بِالْإِشَارَةِ أَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَالْقَوْمُ آخَرَ فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ أَوْلَى فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ وَلَا الْقَوْمُ وَلَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْمِ تَقْدِيمُ وَاحِدٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ التَّقْدِيمُ وَلَمْ يَجِبْ بَلْ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِهَا وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَالْمَسْبُوقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي الصُّورَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ فيتجه علي مقتضاه خلاف في وجوب التقديم وعدمه * * قال المصنف رحمه الله * (السنة أن لا تقام الجمعة بغير اذن السلطان فان فيه افتئاتا عليه فان أقيمت من غير اذنه جاز لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صلى العيد وعثمان رضى الله عنه محصور " ولانه فرض لله تعالى لا يختص بفعله الامام فلم يفتقر إلى اذنه كسائر العبادات) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُعْلَمُ عُثْمَانُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ لِلَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلِهِ الْإِمَامُ احْتِرَازٌ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُقَامَ الْجُمُعَةُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا حُضُورِهِ جَازَ وَصَحَّتْ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ أَوْ إذْنِهِ فِي الْجُمُعَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحُضُورِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانُ فِي الْبَلَدِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ جَازَ لِلْقَاضِي وَوَالِي الشُّرْطَةِ إقَامَتُهَا وَمَتَى قُدِرَ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ * وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْآنَ إلَّا بِإِذْنِ

السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ يُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقِصَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَالْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا خَرَجَ لِلْبَيَانِ اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْفِعْلِ لَا صِفَاتُ الْفَاعِلِ وَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ النُّبُوَّةُ فِي إمَامِ الْجُمُعَةِ وَكَوْنُ النَّاسِ فِي الْأَعْصَارِ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُهَا إذَا أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَقَوْلُهُمْ) يُؤَدِّي إلَى فتنة لا نسلمه لان الاقتئات الْمُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ مِمَّا تُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ صَلَّاهَا مِنْ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ وَمُتَغَلِّبٍ وَغَيْرِ أَمِيرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَرَادَ بِالْأَمِيرِ السُّلْطَانَ وَبِالْمَأْمُورِ نَائِبَهُ وَبِالْمُتَغَلِّبِ الْخَارِجِيَّ وَبِغَيْرِ الْأَمِيرِ آحَادَ الرَّعِيَّةِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ جَمِيعِهِمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا صَلَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَاسِدِينَ وَقَالَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ عَلِيًّا مُتَغَلِّبٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ كَذَبَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ وَجَهِلَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا مَثَّلَ بِذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ غَيْرِ الْأَمِيرِ وَالْمَأْمُورِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ * (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده الا في مسجد واحد والدليل عليه أنه لم يقمها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الخلفاء من بعده في اكثر من موضع واختلف أصحابنا

في بغداد فقال أبو العباس يجوز في مواضع لانه بلد عظيم ويشق الاجتماع في موضع واحد وقال أبو الطيب ابن سلمة يجوز في كل جانب جمعة لانه كالبلدين ولا يجوز اكثر من ذلك وقال بعضهم كانت قرى متفرقة في كل موضع منها جمعة ثم اتصلت العمارة فبقيت على حكم الاصل) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يُجَمَّعُ هُوَ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الميم - وفى بغداد أربع لغات بدالين مهملين وَبِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ وَبَغْدَانُ وَمَغْدَانُ وَيُقَالُ لَهَا مَدِينَةُ السَّلَامِ وَسَبَقَ فِي بَيَانِهَا زِيَادَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَهَذَا النَّصُّ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَشَرْطُ الْجُمُعَةِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ جُمُعَةٌ أُخْرَى وَلَا يُقَارِنَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ دَخَلَ الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ وَهُمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَقِيلَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي حُكْمِ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى مِنْهَا هُنَا وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالرَّابِعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهُ بَلَدٌ كَبِيرٌ يَشُقُّ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الَّتِي تَكْثُرُ النَّاسُ فِيهَا وَيَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أبو العباس بن سريج وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ المهملة والقاضي

أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) (والثاني) إيانما جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِيهَا لِأَنَّ نَهْرَهَا يَحُولُ بَيْنَ جانبينها فَيَجْعَلُهَا كَبَلَدَيْنِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ فَعَلَى هَذَا لَا تُقَامُ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ بَغْدَادَ إلَّا جُمُعَةٌ وَكُلُّ بَلَدٍ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْهَا نَهْرٌ يُحْوِجُ إلَى السِّبَاحَةِ فَهُوَ كَبَغْدَادَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَانِبَانِ كَبَلَدَيْنِ لَقَصَرَ مَنْ عَبَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخِرِ مُسَافِرًا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فالتزم ابن سلمة وجوز الْقَصْرِ (وَالثَّالِثُ) تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً قَدِيمَةً اتَّصَلَتْ الْأَبْنِيَةُ فَأَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَهَا الْقَدِيمَ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ هَذَا شَأْنُهُ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِمَا اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ وَأُجِيبَ بِجَوَابِهِ وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَلَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُنْكِرَهَا بِقَلْبِهِ وَسَطَّرَهَا فِي كُتُبِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجَوَازُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقَةٌ علي جواز الزدة عَلَى جُمُعَةٍ بِبَغْدَادَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فَعُقِدَتْ جُمُعَتَانِ فَلَهُ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) أَنْ تسبق احداها ولايكون الْإِمَامُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَالثَّانِيَةُ باطلة بلا خلاف وفيما يُعْتَبَرُ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْنِ لِلْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) بِالسَّلَامِ مِنْهَا هَكَذَا حَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ فَحَصَلَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ

بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَأَيَّتُهُمَا أُحْرِمَ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الصَّحِيحَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَ سَلَامُ الثَّانِيَةِ وَخُطْبَتُهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ أُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَتَقَدَّمَ سَلَامُ إحْدَاهُمَا وَخُطْبَتُهَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَالِاعْتِبَارُ عَلَى هَذَا بِالْفَرَاغِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِهَمْزَةِ التَّكْبِيرَةِ وَالْأُخْرَى بِالرَّاءِ مِنْهَا فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ بِالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ السَّابِقَةَ بِالْهَمْزَةِ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا افْتِتَاحُ أُخْرَى وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ بِكَمَالِهَا وَلَوْ أَحْرَمَ إمَامٌ بِهَا وَفَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ آخَرُ بِالْجُمُعَةِ إمَامًا ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ مُقْتَدِينَ بِالثَّانِي ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ هِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ الاول لان باحرامه به تعيينت جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَعَلَى جَمِيعِ الْأَوْجُهِ لَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَكَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ السَّابِقَةُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ وُجِدَتْ شُرُوطُهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بها

أُخْرَى وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْجُمُعَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ الْأُولَى افْتِئَاتًا عَلَيْهِ وَتَفْوِيتًا لَهَا عَلَى غَالِبِ النَّاسِ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ يَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ في الجمعة فاخبروا في أثنائها بأن جمعة سَبَقَتْهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ وَهَلْ لَهُمْ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِمْ ظُهْرًا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (الصُّورَةُ الثانية) أن يقع الْجُمُعَتَانِ مَعًا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ ان اتسع الوقت لها (الثالث) أن يشكل الحالى فَلَا يُدْرَى أَوَقَعَتَا مَعًا أَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَتُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَشَذَّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَفِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ حَكَمَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُمْ إذا عادوا جُمُعَةً بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا وَحِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ هَذِهِ

وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ بِهَا فَطَرِيقُهُمْ فِي الْبَرَاءَةِ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كافية في البراء كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يُعْلَمَ سَبْقُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ تَلْتَبِسَ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَشُكُّ فِي بَرَاءَتِهَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ وَفِيمَا يَلْزَمهُمْ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُمْ الظُّهْرُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ جُمُعَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الْخَامِسَةِ أَحَدُهُمَا الظُّهْرُ وَالثَّانِي الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَحْصُلْ بِهَا الْبَرَاءَةُ فَهِيَ كَجُمُعَةٍ فَاسِدَةٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَوْ أَرْكَانِهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَسْبِقَ إحْدَاهُمَا وَنَعْلَمَ السَّبْقَ وَلَا نَعْلَمَ عَيْنَ السَّابِقَةِ بِأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلْإِمَامَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَهُمَا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) الْجُمُعَةُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَالثَّانِي) الظُّهْرُ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَا سَبَقَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ مَعَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ هِيَ الَّتِي فِيهَا السُّلْطَانُ فَهُنَا أُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ أُخْبِرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّ أَرْبَعِينَ أَقَامُوهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَلَدِ وَفَرَغُوا مِنْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ اسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ كان افضل *

(فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَتَعَيَّنْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الْجُمُعَةُ (وَالثَّانِي) الظُّهْرُ قَالَ وَإِنْ عُلِمَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا ثُمَّ أَشْكَلَتْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِبُطْلَانِهِمَا فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّورَتَيْنِ وُجُوبُ الظُّهْرِ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الظُّهْرَ فَكَيْفَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ بَاطِلَةً فَإِنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ وَجَبَ إعَادَتُهَا قَطْعًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَمْ تُجْزِئْ الْجُمُعَةُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الظُّهْرُ لِوُقُوعِ جُمُعَةٍ صحيحة (والثاني) الجمعة لان الاولة لَمْ تُجْزِئْ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ إبْهَامٌ وَضَرْبُ تَنَاقُضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ فَعَلِمَ الْجَنَابَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ جُمُعَةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ فَلَوْ ذَهَبَ وَتَطَهَّرَ وَاسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ وَصَلَاةَ الْجُمُعَةِ ظَانًّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ ثُمَّ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِئْنَافُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ بَلْ إذَا أَضَافَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ أَجْزَأَهُ كَمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا *

مسائل تتعلق بالجمعة

(فرع) في مذاهب العماء فِي إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ أَوْ جُمَعٍ فِي بَلَدٍ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ لَا يَعْسُرُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ فِي مَكَان كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي بَغْدَادَ دُونَ غَيْرِهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ جَانِبَانِ جَازَ فِي كُلِّ جَانِبٍ جُمُعَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَغْدَادَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ جُمُعَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَانِبَانِ أَمْ لَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَدَاوُد يَجُوزُ فِي الْبَلَدِ جُمَعٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا عَظُمَ الْبَلَدُ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ جَازَ جُمُعَتَانِ فَأَكْثَرَ إنْ احْتَاجُوا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ شئ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَكَى عَامَّةُ أَهْلِ الْخِلَافِ كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى عَنْهُ السَّاجِيُّ كَمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُقِيمُوهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مَعَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَلَدِ الصَّغِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُمُعَةِ (إحْدَاهَا) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بدينار

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ " فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " مُدٌّ أَوْ نِصْفُ مُدٍّ " وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّهُ مُتَسَاهِلٌ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَتُجْزِئُ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الْخَامِسَةُ) الِاحْتِبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن ابن عمرو ابن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَنَافِعٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنَا فَنَظَرْت فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن سعد وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ هَذَا كَلَامُ أَبِي دَاوُد وَرَوَى أَبُو داود والترمذي وغيرهما باسانيدهم عن معاذ ابن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَسَنٌ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ فَلَا نُسَلِّمُ حُسْنَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ نُهِيَ عَنْهَا لِأَنَّهَا تَجْلِبُ النَّوْمَ فَتُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ (السَّادِسَةُ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ (إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون علي النبي) جاز لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ (السَّابِعَةُ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان لكم في جمعة حجة وعمرة فالحجة النهجير إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعُمْرَةُ انْتِظَارُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ *

باب في السلام

(بَابٌ فِي السَّلَامِ) وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْوَجْهِ وما يتعلق بها كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ هَذَا الْبَابَ هُنَا وَذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ فَرَأَيْت تَقْدِيمَهُ أَحْوَطَ وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا كُلَّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ وَفُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ فُصُولٌ * (الْأَوَّلُ) فِي فَضْلِ السَّلَامِ وَإِفْشَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عند الله مباركة طيبة) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ منها أو ردوها) وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قال سلام) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خير قال " تطعم الطعام وتقرئ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلِّمْ علي اولئك نفر مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمة اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تحابوا اولا ادلكم علي شئ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَمَّارٌ " ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ " وَرَوَيْنَا هَذَا فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ (الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ السَّلَامِ وَأَحْكَامِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) إبْدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ حَصَلَ أصل السنة

وَأَمَّا جَوَابُ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمْعٍ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا أَجَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ رَدُّوا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَلَوْ رَدَّ غَيْرُ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ وَالْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا يَسْمَعُهُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ سَمَاعًا مُحَقَّقًا وَلَا يَزِيدُ فِي رَفْعِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِمْ زَادَ وَاسْتَظْهَرَ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ عندهم نيام حفض صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْأَيْقَاظُ وَلَا يَسْتَيْقِظُ النِّيَامُ ثبت ذلك عن صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ فِعْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رِوَايَةِ الْمِقْدَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَوَابِ مُتَّصِلًا بِالسَّلَامِ الِاتِّصَالَ الْمُشْتَرَطَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ (الرَّابِعَةُ) يُسَنُّ بَعْثُ السَّلَامِ إلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ تَبْلِيغَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الامانات الي اهلها) وَإِذَا نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا وَقَالَ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ عَلَى الْفَوْرِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّسُولِ مَعَهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (الْخَامِسَةُ) إذَا سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ أَتَى بِاللَّفْظِ لِقُدْرَتِهِ وَيُشِيرُ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ الْإِفْهَامُ فَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الْإِشَارَةَ إلَى اللَّفْظِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَكَذَا فِي جواب سلام الاصم يحب الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (السَّادِسَةُ) سَلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَكَذَا جَوَابُهُ وَلَا تُجْزِئُ

الْإِشَارَةُ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا سَلَامًا وَلَا جَوَابًا وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ فَحَسَنٌ وَسُنَّةٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنْ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ لِلتَّسْلِيمِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَعَ اللَّفْظَ وَالْإِشَارَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِشَارَةِ إلَى السَّلَامِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِشَارَةِ (السَّابِعَةُ) فِي كَيْفِيَّةِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ قال صاحب الحاوى المتولي وَغَيْرُهُمَا أَكْمَلُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيَقُولُ الْمُجِيبُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَقُولُ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَطْ لِيَتَمَكَّنَ الْمُجِيبُ أَنْ يُجِيبَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو ردوها) وَلَا يُمْكِنُهُ أَحْسَنُ مِنْهَا إلَّا إذَا حَذَفَ الْبَادِئُ وَبَرَكَاتُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ عِشْرُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَجَلَسَ فَقَالَ ثَلَاثُونَ " رَوَاهُ

الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا من رواية معاذ ابن أَنَسٍ قَالَ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ أَرْبَعُونَ وَقَالَ هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ * وَأَمَّا أَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْوَاحِدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِابْتِدَاءُ بِهِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الاحياء ودليله الحديث الصحيح عن أبى جرئ بِضَمِّ الْجِيمِ تَصْغِيرُ جَرْوٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ خِطَابًا لَهُ وَلِمَلَائِكَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكَ كَفَى وَصِفَةُ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَوْ تَرَكَ وَاوَ الْعَطْفِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ تُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قَالُوا سلاما قال سلام) ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الجواب عليكم فَقَطْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَيْسَ بِجَوَابٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ جَوَابُ الْعَطْفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ " كُنْتُ أول من حيى النبي صلي الله عليه وسلم بتحية السلام فقال عليك وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ ذكر الاسلام وَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا بِلَا خِلَافٍ وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَنْتَ فِي تَعْرِيفِ السَّلَامِ وَتَنْكِيرِهِ مُخَيَّرٌ * (فَرْعٌ) لو تلاقا رَجُلَانِ فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَةً واحدة ثم صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُبْتَدِئًا بِالسَّلَامِ لَا مُجِيبًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابَ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ وَقَعَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هُوَ كَوُقُوعِهِمَا مَعًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابُ الْآخَرِ وَأَنْكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا اللَّفْظُ يَصِحُّ جَوَابًا فَإِذَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا كَانَ جَوَابًا وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ اللَّهُ تعالي (قالوا سلاما قال سلام) * (فَرْعٌ) إذَا تَلَاقَيَا فَقَالَ الْبَادِئُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَلَامًا فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ (الثَّامِنَةُ) لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقِينَ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ إذَا أَمْكَنَ السَّلَامُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشٌ وَرُبَّمَا أَوْرَثَ عَدَاوَةً (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا مَشَى فِي السُّوقِ وَالشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقُونَ فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ اشْتَغَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ عَنْ الْعُرْفِ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَذَا السَّلَامِ جَلْبُ مَوَدَّةٍ أَوْ دَفْعُ مَكْرُوهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا زَادَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ فَهُوَ أَدَبٌ وَيَكْفِي أَنْ يَرُدَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَدَبٌ قَالَ فَإِنْ كَانُوا جَمْعًا لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ وَالْمَجَالِسِ الْوَاسِعَةِ

الْحَفِلَةِ فَسُنَّةُ السَّلَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الدَّاخِلُ أَوَّلَ دُخُولِهِ إذَا وَصَلَ الْقَوْمَ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ فِي فَرْضِ كِفَايَةِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِمْ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ وَيَجْلِسَ فِيمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا سَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ سُنَّةَ السَّلَامِ حَصَلَتْ بِسَلَامِهِ عَلَى أَوَّلِهِمْ لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ وَاحِدٌ فَعَلَى هَذَا إنْ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَدَبًا قَالَ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَتَى رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ فِيهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْ الْأَوَّلِينَ بُرْدِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ وَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَصَحُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فسلم عليهم سلم عليهم ثَلَاثًا " وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أو حال بينهما شئ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ المسئ صَلَاتَهُ " أَنَّهُ صَلَّى فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَنَسٌ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَاشُونَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكِمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ الْتَقَوْا من ورائهما سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ عَلَى وَفْقِ هَذَا مِنْ الْمَشْهُورَاتِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ

جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لكل واحد من المتلاقين أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ " وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ السَّلَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ قَالَ أَوْلَاهُمَا بِاَللَّهِ تَعَالَى " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْخَامِسَةَ عشر) السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَاشِي بِالسَّلَامِ عَلَى الرَّاكِبِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْمَاشِي أَوْ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى صَرَّحَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أَوْ تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ فَأَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قَوْمٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُجْزِئُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صِحَّةُ سَلَامِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَوُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا فَهِمَهُ الْمُخَاطَبُ سَوَاءٌ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَحِيَّةً وَسَلَامًا وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ نُطْقُهُ بِالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الْجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْأُخْرَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ وَذَلِكَ دُعَاءٌ مُسْتَحَبٌّ جَوَابُهُ

وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا عِنْدَ الِانْصِرَافِ (فَظَاهِرُهُ) مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَاهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصِّبْيَانِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيّ وَغَيْرِهِ قَالَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ " وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَوَابُ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ مِنْ الْبَالِغِينَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِجَوَابِهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ فَرْضٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَسْقُطُ بِهِ كَمَا يصح أذ انه للرجل ويحصل به اداء الشعار وَهَذَا الْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ سُقُوطُهُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَالْأَصَحُّ هُنَا خِلَافُهُ وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي والرافعي في وجوب الرد عليه وجهان بناءا عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ (وَالصَّحِيحُ) وُجُوبُ الرَّدِّ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحسن منها أو ردوها) قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) سَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى

رَجُلٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ أَمَتَهُ كَانَ سُنَّةً وَوَجَبَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا الرَّدُّ وَلَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ الرِّجَالُ جَمْعًا كَثِيرًا فَسَلَّمُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَيْهَا فِتْنَةٌ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السَّلْقِ

فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شغير فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَتُكَرْكِرُ تَطْحَنُ - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرهُ فَسَلَّمْتُ وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الْعِشْرُونَ) فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ وَمَنْ ارْتَكَبَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ

(أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ * وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ هُوَ وَرَفِيقَانِ لَهُ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا قَالَ وَكُنْتُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا تسلموا علي شربة الخمر قال الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُرَدُّ السَّلَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ كَعْبٍ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وخاف ترتب مفسدة في

دين أو دينا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ يَنْوِي حِينَئِذٍ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا سَلَّمَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْنُونِ سَاقِطَةٌ وَكَذَا عِبَارَةُ السَّكْرَانِ فِي الْعِبَادَاتِ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ لكن يقول السلام عليك ولا يقل عَلَيْكُمْ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يزيد

عَلَى هَذَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور حكى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ

وَعَلَيْكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * (فَرْعٌ) لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولُ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي أَوْ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي وَالْمَقْصُودُ إيحَاشُهُ وَأَنَّهُ لَا مُؤَالَفَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ وروى ذلك عن ابن عمر وفى الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ وَاخْتَارَهُ ابن العربي المالكي *

(فرع) لومر بِمَجْلِسٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أَوْ الْمُسْلِمَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) إذَا كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كِتَابًا فِيهِ سَلَامٌ أَوْ نَحْوُهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكْتُبَ نَحْوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ " مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى " * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ بِغَيْرِ السَّلَامِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ هَدَاكَ اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَى تَحِيَّتِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَقُولُ صَبَّحَكَ اللَّهُ

بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ ونحوه فان لم يحتج فالاختيار ان لا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ مودة وقد امرنا باالاغلاظ عَلَيْهِمْ وَنُهِينَا عَنْ وُدِّهِمْ (الثَّالِثَةُ) وَالْعِشْرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُشْرَعُ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا قَالُوا فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِبَوْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ جَوَابُهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ نَائِمًا أو ناعسا

أَوْ فِي حَمَّامٍ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِمَا لَا يُؤَثِّرُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِالْأَكْلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فِيهِ وَكَانَ يَمْضِي زَمَانٌ فِي المضع وَالِابْتِلَاعِ وَيَعْسُرُ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ قَالَ فَأَمَّا إنْ سَلَّمَ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ وَضْعِ لُقْمَةٍ أُخْرَى فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْمُصَلِّي قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ لَا مَنْعَ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْإِشَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ

وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجَدِيدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ فِي الْحَالِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِاللَّفْظِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بَطَلَتْ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ قَالَ وَعَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً وَأَمَّا الْمُلَبِّي بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ لَفْظًا نَصَّ عليه

الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ وَمُقِيمِ الصَّلَاةِ فِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَى الْمُلَبِّي وَالسَّلَامُ فِي حال الخطبة سبق بيانه أما الْمُشْتَغِلُ بِقِرَاءَةٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ سَلَّمَ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ رَدَّ بِاللَّفْظِ اسْتَأْنَفَ الِاسْتِعَاذَةَ ثُمَّ قَرَأَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْأَكْلِ لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الْجِمَاعِ وَالْبَوْلِ كُرِهَ

(الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ أَوْ بَيْتًا غَيْرَهُ أَوْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنْ يُسَلِّمَ فَيَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً من عند الله مباركة طيبة) وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا مَرَّ بِإِنْسَانٍ أَوْ جَمْعٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ السَّلَامُ وَلَا يَتْرُكُ هَذَا الظَّنَّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّلَامِ لَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يخطي الظَّنُّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا

سَبَبٌ لِإِدْخَالِ الْإِثْمِ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ (قُلْنَا) هذا خيال باطن فَإِنَّ الْوَظَائِفَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُتْرَكُ بِهَذَا الْخَيَالِ وَالتَّقْصِيرُ هُنَا هُوَ مِنْ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِمْ وَيُخْتَارُ لمن سلم ولم يرد عليه أن يبرأ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ

والاحسن أن يقول له ان أمكن له رُدَّ السَّلَامَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ التَّحِيَّةُ بِالطَّلْبَقَةِ وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى كَرَاهَةِ

أطال الله بقاك وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ من الحمام بقوله طاب حمامك فنحوه فَلَا أَصْلَ لَهَا وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَلَمْ يصح في شئ لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِرَجُلٍ

الاستئذان وما يتعلق به

خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ " طَهُرْتَ فَلَا نَجَسْت " (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا ابْتَدَأَ الْمَارُّ فَقَالَ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ قَوَّاكَ اللَّهُ أَوْ حَيَّاكَ اللَّهُ أَوْ لَا أَوْحَشَ اللَّهُ مِنْكَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جوابا لكن لو دعى له قبالة دعائه كان حسنا لا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ أَوْ تَأْدِيبَ غَيْرِهِ لِتَخَلُّفِهِ وَإِهْمَالِهِ السَّلَامَ فَيَسْكُتَ * (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي الِاسْتِئْذَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ

الذين من قبلهم) وَقَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهلها) وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَيَا الِاسْتِئْذَانَ ثَلَاثًا مِنْ طُرُقٍ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ فَيَقُومَ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ فِي

دَاخِلِهِ ثُمَّ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ انصرف لحديث ربعى بن حراش قَالَ " حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنَى عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ النبي صلى الله عليه وسلم وفى بيت فقال الج فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَادِمِهِ اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ لَهُ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ كَلَدٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ - ابْنِ الْحَنْبَلِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ

السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى السَّلَامِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُهُ إنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ

عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ وَإِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ (وَالثَّانِي) لَا يُعِيدُهُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعِدْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِحَالٍ وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَكِنْ إذَا تَأَكَّدَ ظَنُّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ بِدَقِّ الْبَابِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَنْ يَقُولَ فلان ابن فُلَانٍ أَوْ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ أَوْ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا أَوْ فُلَانٌ فَقَطْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا أَوْ الْخَادِمُ وَنَحْوُ هَذَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ الْمَشْهُورُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ صَعَدَ بِي جِبْرِيلُ

تشميت العاطس

إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ صَعَدَ إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ مَنْ هَذَا فَيَقُولُ جِبْرِيلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا فَقُلْتُ أَنَا فقال أنا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ صُورَةَ تَبْجِيلٍ لَهُ بِأَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ أَوْ يَقُولَ أَنَا الْقَاضِي فُلَانٌ أَوْ الْمُفْتِي أو الشيخ الْأَمِيرُ وَنَحْوُهُ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَاسْمُهُ الحارث بن ريعى فِي حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مُعْجِزَاتٍ وَعُلُومٍ قَالَ " فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَنَا أَبُو قَتَادَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ " خَرَجْتُ لَيْلَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي قَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ " أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ

فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْعُطَاسِ مَحْمُودٌ وَهُوَ خِفَّةُ الْبَدَنِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَالتَّثَاؤُبُ ضِدُّهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ

قَالَ عَطَسَ " رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فقال الذى يُشَمِّتْهُ عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي فَقَالَ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبي موسى الأشعري قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا

عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " حَقُّ الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ

وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال

كَانَ أَفْضَلَ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ رَبُّكَ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَكُلُّ هذا سنة ليس فيه شئ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّشْمِيتُ وَهُوَ قَوْلُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَالَهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي تَرْكِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِيَامِ بِهَا وَنَيْلِ فضلها كما سبق ابْتِدَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُسَنُّ التَّشْمِيتُ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ذكره تَشْمِيتُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِذَا شُمِّتَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَاطِسُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ

وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَالْأَفْضَلُ الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَأَقَلُّ الْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ صَاحِبَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا غَيْرَ الْحَمْدِ لله لم يستحق التشميت لظاهر

_ (3) بين سطور الاصل ما نصه (اظنه قال عقبه وفي النسائي الا انها كانت عقبا) اه *

الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَوْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ اُسْتُحِبَّ أن يقول الحمد لله وسمع نَفْسَهُ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) هَذَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (وَالثَّانِي) يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) لَا يَحْمَدُ قَالَهُ سَحْنُونَ

وَدَلِيلُ مَذْهَبِنَا الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ

عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ مِنْ إنْسَانٍ مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشَمِّتَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ زَادَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ دَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ عَطَسَ يَهُودِيُّ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ " كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ *

المصافحة والمعانقة والتقبيل ونحوها

(الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِي الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ التَّلَاقِي لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ طلحة بن عبيد الله قَامَ إلَيْهِ فَصَافَحَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَتَلَاقَيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ " يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَأَمَّا مَا أَعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ

وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ خَصُّوهَا بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَفَرَّطُوا فِي أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعَةً فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ مَعَ

الْمُصَافَحَةِ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " لا يحقرن مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ طَلِيقٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وينبغي أن يحذر من مصافحة الامرد الحسن فَإِنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ مِنْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَقَدْ يَحِلُّ النَّظَرُ مَعَ تَحْرِيمِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ والعطاء ونحوها ولا يجوز مسها في شئ من ذلك (الثانية) يكره حتي الظَّهْرِ فِي كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ انس السابق في المسألة الاولي وقوله اننحنى قَالَ لَا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِمَا (الثَّالِثَةُ) الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ إكْرَامِ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أو ولاية مع صيانة أوله حُرْمَةٌ بِوِلَايَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْإِكْرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ لِلْأُمَّةِ

وَخَلَفِهَا وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا جُزْءًا مُسْتَقِلًّا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمْ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالزَّاهِدِ وَالْعَالِمِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِهِ لِغِنَاهُ وَدُنْيَاهُ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ

وَرِجْلِهِ كَيَدِهِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ خَدِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَلْ النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يستثني من تحريم القبلة بِشَهْوَةٍ إلَّا زَوْجَتُهُ وَجَارِيَتُهُ وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ الميت والقادم من سفره ونحوه فسنة ومعانقة القادم من سفر ونحوه سنة وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ وَجْهِ غَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ الطِّفْلِ فَمَكْرُوهَانِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَكْرُوهٌ فِي غَيْرِهِ هُوَ

فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ فَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَيَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ تَقْبِيلُهُ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا تَقْبِيلُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ الْأَوَّلُ عَنْ زَارِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ قَالَ " فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلي

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (الثَّانِي) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِصَّةٍ قَالَ " فَدَنَوْنَا يَعْنِي مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ " رَوَاهُ أبو داود (الثالثة) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَبَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الحسن ابن علي رضي الله عنهما وعنده الاقرع ابن حَابِسٍ فَقَالَ إنْ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الرَّابِعُ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صبيانكم فقالوا وَاَللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمْلِكُ إنْ كَانَ الله نرع مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ بالفاظ (الخامس) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ " (السَّادِسُ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى فَأَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ وَقَبَّلَ خَدَّهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (السَّابِعُ) عَنْ صفوان بن غسان رضى الله

عَنْهُ قَالَ " قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الثَّامِنُ) عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ " دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (التَّاسِعُ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْعَاشِرُ) حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى " الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا إلَخْ " وعن أياس ابن دَغْفَلٍ قَالَ " رَأَيْتُ أَبَا مُدِرَّةَ قَبَّلَ خَدَّ الحسن ابن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ ابْنَهُ سَالِمًا وَيَقُولُ اعْجَبُوا مِنْ شَيْخٍ يُقَبِّلُ شَيْخًا " وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (الْخَامِسَةُ) تُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ والاقارب والاصدقاء والجيران وبرهم واكراههم وَصِلَتُهُمْ وَضَبْطُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ

وينبغى أن يكون زِيَارَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضُونَهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَكْرَهُونَهُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَحْسَنِهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قال أبن تريد قال أريد اخالي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدْرَجَةُ الطَّرِيقُ وتر بها تَحْفَظُهَا وَتُرَاعِيهَا وَعَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ عَادَ مَرِيضًا أو زار اخاله فِي اللَّهِ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادِيَانِ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ صَاحِبِهِ الصَّالِحِ أَنْ

يَزُورَهُ وَأَنْ يَزُورَهُ أَكْثَرَ مِنْ زِيَارَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بين أيدينا وما خلفنا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (السَّادِسَةُ) إذَا تَثَاءَبَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي فَصْلِ الْعُطَاسِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فإن الشيطان يدخل " رواه مسلم وسواء كان التثاءب فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ من ناداك

باب الاذكار المستحبة في الليل والنهار وعند الاحوال العارضة

بِلَبَّيْكَ وَأَنْ يَقُولَ لِلْوَارِدِ عَلَيْهِ مَرْحَبًا أَوْ نَحْوَهُ وَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ أَوْ فعل خيرا حفظك الله أو جزاك اللَّهُ خَيْرًا وَنَحْوَهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ جَلِيلٍ فِي عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ * (بَابُ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ) هَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ جِدًّا وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ مُجَلَّدًا مُشْتَمِلًا عَلَى نفائس لا يستغنى عن مثلها (فمنها) ما له ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاطِنِهِ وَضَمَمْتُ إلَيْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ كَأَذْكَارِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَنَاسِكِ وَالنِّكَاحِ

وَغَيْرِهَا (وَمِنْهَا) مَا لَا يُذْكَرُ غَالِبًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَأَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً بِحَذْفِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ فَمِنْ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحُضُورُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَيَكُونُ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ وَبِهِمَا وَهُوَ الْأَفْضَلُ ثُمَّ الْقَلْبُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ عَامِلٍ بِطَاعَةٍ ذَاكِرٌ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْغُسْلِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَيُنْدَبُ كَوْنُ الذَّاكِرِ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ مُتَخَشِّعًا مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ خَالِيًا نَظِيفَ الْفَمِ وَيَحْرِصُ عَلَى حُضُورِ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرِ الذِّكْرِ وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَدَّ الذَّاكِرِ قَوْلَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَذْفِهِ لِمَا فِي الْمَدِّ مِنْ التَّدَبُّرِ ومن كان له وظيفة من الذكر ففائتة نُدِبَ لَهُ تَدَارُكُهَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ عَادَ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ فَلْيُشَمِّتْهُ

أَوْ سَمِعَ مُؤَذِّنًا فَلْيُجِبْهُ أَوْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُزِلْهُ أَوْ مُسْتَرْشِدًا فَلْيَنْصَحْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا يَقْطَعُهُ إذَا غَلَبَهُ نُعَاسٌ وَنَحْوُهُ وَيُنْدَبُ عَدُّ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ * (فَصْلٌ) فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ والله أَكْبَرُ " لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَفِيهِ الْحَمْدُ لله تملا الميزان وسبحان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ الارض والسموات وفيه الحث علي سبحان وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ رِضَاءَ نَفْسِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ثَلَاثًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " وَفِي مُسْلِمٍ " قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِ الترمذي " غراس الجنة سبحان الله والحمد الله وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " وَفِيهِ " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِهِ " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " وَفِي الْبُخَارِيِّ " مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ " *

(فَصْلٌ) السُّنَّةُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا هُوَ لَهُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ وَإِذَا لَبِسَ جَدِيدًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وخير ما صنع له وأعوذ بك من شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَنْ يُقَالَ للابس الجديد إبلي وَأَخْلِقْ وَأَيْضًا الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمُتْ شَهِيدًا وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّلَامِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ المخرج بسم الله ولجنا وباسم الله ربنا خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْلِ وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ نَظَرَ إلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ آخَرَ آلِ عِمْرَانَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والارض) الْآيَاتُ وَيَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ

وَأَيْضًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَيْضًا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نحيي وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ وَأَيْضًا بِاسْمِ اللَّهِ الذى لا يضر مع اسمه شئ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ رُوِيَ - بِكِسْرِ الشِّينِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَرُوِيَ بِفَتْحِهِمَا وَأَيْضًا عِنْدَ الْمَسَاءِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا رَسُولًا وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ وَيُنْدَبُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَسْتَغْفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب اليك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُنْدَبُ كَثْرَةُ الذِّكْرِ بِالْعَشِيِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ

الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ سبحان الملك الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَنْ يَقُولَ عند الاضطجاع للنوم باسمك اللهم أحيى وَأَمُوتُ وَأَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً وَيُسَبِّحَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَأَيْضًا بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ وَأَنْ يَنْفُثَ فِي كَفَّيْهِ وَيَقْرَأَ قل هو الله أحد والمعوذتين وَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَمَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِهَا وَأَيْضًا اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ العظيم ورب كل شئ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنَزِّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أعوذ بك من شر كل ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوَّلُ فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس قبلك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إلَيْهِ وَأَيْضًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَأَسْقَانَا وَكَسَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ وَلْيَكُنْ مِنْ آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي اليك رهبة

وَرَغْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْك إلَّا إلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ بِلَا ذِكْرٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ فَلِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ يَدْعُو وَإِذَا فَزِعَ فِي مَنَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وأن يحضرون وَإِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَيُحَدِّثُ بِهَا مِنْ يُحِبُّ وَلَا يُحَدِّثُ مَنْ لَا يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمَنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَتْفُلْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَتَحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَإِذَا قُصَّتْ عَلَيْهِ رُؤْيَا قَالَ خَيْرًا رَأَيْتَ وَخَيْرًا يَكُونُ وَلْيُكْثِرْ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ وَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ آكَدُّ وَالِاسْتِغْفَارُ بِالْأَسْحَارِ آكَدُّ * (فَصْلٌ) يُسَنُّ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ دُعَاءُ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَيْضًا يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجوا فَلَا تَكِلنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَيُنْدَبُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَيْضًا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ وَإِذَا خَافَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَأَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ فَلِيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَلْيَقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِذَا أَصَابَهُ شئ فَلْيَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَلْيَقُلْ لِدَفْعِ الْآفَاتِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَعِنْدً الْمُصِيبَةِ إنَّا لِلَّهِ

وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَعِنْدَ النِّعْمَةِ نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَشْكُرُهُ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ اكفني بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاك وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَحْشَةِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونَ وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَنْتَهِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ تَوَسْوُسُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَتَفَلَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُكَرِّرُهَا وَيَقْرَأُ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالْمَلْدُوغِ وَنَحْوَهُمَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِذَا أَرَادَ تَعْوِيذَ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ قَالَ أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ * (فَصْلٌ) وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ وَسَنَذْكُرُ جُمْلَةً مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي كتاب الجنائز حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَيُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ وَأَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَ الْمَرِيضِ وَيُنَشِّطَهُ وَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْسِنُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ وَسَيَأْتِي بَاقِي أَدَبِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَأَذْكَارِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالنِّكَاحِ فِي أَبْوَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِهَادِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أُصُولَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَصْلٌ) فِي الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ * جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِبَاحَتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَمْدُوحِ كَمَالُ إيمَانٍ وَحُسْنُ يَقِينٍ وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ بِحَيْثُ لَا يَغْتَرُّ بِذَلِكَ وَلَا تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وان خيف شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كُرِهَ مَدْحُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَأَمَّا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِلِارْتِفَاعِ وَالِافْتِخَارِ وَالتَّمْيِيزِ عَلَى الْأَقْرَانِ فَمَذْمُومٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ نَاصِحًا أو مشيرا

بِمَصْلَحَةٍ أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُؤَدِّبًا أَوْ مُصْلِحًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَحَاسِنَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَقْرَبَ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَاعْتِمَادِ مَا يَقُولُهُ وَأَنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا تَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِي فَاحْتَفِظُوا بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَكْرُوهًا بَلْ هُوَ مَحْبُوبٌ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ * (فَصْلٌ) يُسْتَحَبُّ إذَا سمع صياح الديك أن يدعوا وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ الْحِمَارِ وَنُبَاحَ الْكَلْبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِذَا رَأَى الْحَرِيقَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قِيَامِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ وَأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَجُلَسَائِهِ وَيُكْرَهُ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا غَضِبَ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَتَوَضَّأَ وَإِذَا أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ عَنْ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَلْيَقُلْ الْمَحْبُوبُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتنِي لَهُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ الْحِجَامَةِ وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ذَكَرَ اللَّهَ بِخَيْرِ مَنْ كرني وَإِذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ ذَكَرَ مَنْ يُحِبُّهُ وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ وَنَحْوِهِمْ وَإِذَا شَرَعَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرٍ فَلْيَقْرَأْ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الباطل كان زهوقا) جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ وَإِذَا عَثَرَتْ دَابَّتُهُ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ بِاسْمِ الله وأن يدعو لمن صنع إليه أو النَّاسِ مَعْرُوفًا وَأَنْ يَقُولَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَإِذَا رَأَى الْبَاكُورَةَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مِكْيَالِنَا وَيُسَنُّ التَّعَاوُنُ علي البر

وَالتَّقْوَى وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَإِذَا سُئِلَ عِلْمًا ليس عنده ويعلمه عند غيره فليدله عَلَيْهِ وَإِذَا دُعِيَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعْرَاضِ مَفْسَدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَالْمُسَارَعَةُ بِهِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ وَأَصَابَهُ بِالْعَيْنِ فَلْيُبَرِّكْ عَلَيْهِ وَهُوَ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يكرهه فليقل الهم لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُسْتَحَبُّ طَيِّبُ الْكَلَامِ وَبَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطَبِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا بَأْسَ بِالْمِزَاحِ بِحَقٍّ وَلَكِنْ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِيهِ أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَمَذْمُومَانِ وَيُسَنُّ الشَّفَاعَةُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُبَاحِ وَيَحْرُمُ فِي الْحُدُودِ وَفِي الْحَرَامِ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْشِيرُ وَالتَّهْنِئَةُ وَيَجُوزُ التَّعَجُّبُ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُخْتَصَرَةً * اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافَنِي وَارْزُقْنِي اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ اللَّهُمَّ اعوذ بك

مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحيا والممات وخلع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَدِّي وهزلي وخطأى وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر وأنت علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عافيتك وفجأة نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ اللَّهُمَّ أُصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأُصْلِح لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأُصْلِحْ آخرتي التي فيها معادي واجعل الحيوة زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْغِنَى وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ

والاعمال والاهواء وسئ الْأَسْقَامِ وَمِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمَنْ شَرِّ قَلْبِي وَمَنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بئست الْبِطَانَةُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ وَهَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ وَفِيمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ * كِفَايَةٌ وَمَنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَوْنُهُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ

الشَّرِيفَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَمَسْحُ وَجْهِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وأن لا يتكلف السَّجْعَ وَلَا بَأْسَ بِدُعَاءٍ مَسْجُوعٍ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَوْنُهُ خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا رَاغِبًا رَاهِبًا وَأَنْ يُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا وَلَا يَسْتَعْجِلَ الْإِجَابَةَ وَأَنْ يَكُونَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ حَلَالًا وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لِلْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بك من شر ما صنعت أبوء لَكَ بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ " هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْتُهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْأَذْكَارِ * وَأَمَّا يتعلق بالالفاظ

الْمَنْهِيِّ عَنْهَا كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالسَّبِّ وَغَيْرِهَا فَسَأَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ الله تعالي *

الجزء الخامس

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ ويليه فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ ويليه التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير للامام أبي الفضل احمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ الجزء الخامس دار الفكر

باب صلاة العيدين

بسم الله الرحمن الرحيم {باب صلاة العيدين} الْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالْمُعَاوَدَةُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَكَانَ أصله عودا بكسر العين بمقلبت الْوَاوُ يَاءً كَالْمِيقَاتِ وَالْمِيزَانِ مِنْ الْوَقْتِ وَالْوَزْنِ وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ قَالُوا وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ * * قال المصنف رحمه الله * {صلاة العيد سنة وقال أبو سعيد الاصطخرى هي فرض على الكفاية والمذهب الاول لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أن رجلا جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن الاسلام فقال صلي الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله علي عباده فقال هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تطوع) ولانها صلاة موقتة لا تشرع لها الاقامة فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى فان تفق أهل بلد علي تركها وجب قتالهم علي قول الاصطخرى وهل يقاتلون على المذهب فيه وجهان (أحدهما) لا يقاتلون لانه تطوع فلا يقاتلون علي تركها كسائر التطوع (والثانى) يقاتلون لانه من شعائر الاسلام وفى تركها تهاون بالشرع بخلاف سائر التطوع لانها تفعل فرادى فلا يظهر تركها كما يظهر في صلاة العيد} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ طَلْحَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَضَبْطُ أَلْفَاظِهِ وَمَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ مَشْرُوعَةٌ وَعَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قُوتِلُوا بِتَرْكِهَا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُقَاتَلُونَ وَقَدْ ذَكَرَ

الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا فَرْضَ سِوَى الْخَمْسِ فَلَوْ كَانَ الْعِيدُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا أَطْلَقَ هَذَا الْإِطْلَاقَ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَكِنْ يَسْقُطُ الْحَرَجُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ عَصَوْا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْجِنَازَةِ وَقَوْلُهُ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْإِقَامَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنْذُورَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا قَوْلُ) الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ (فَقَالَ) أَصْحَابُنَا هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعِيدَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ حَتْمًا لَزِمَهُ الْعِيدُ نَدْبًا وَاخْتِيَارًا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَرْضًا لَزِمَهُ الْعِيدُ كِفَايَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِيدَ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * قال المصنف رحمه الله * {ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى ان تزول والافضل ان يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد رمح والسنة أن يؤخر صلاة الفطر ويعجل الاضحي لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب له " أن يقدم الاضحي ويؤخر الفطر " ولان الافضل ان يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة فإذا اخر الصلاة اتسع الوقت لاخراج صدقة الفطر والسنة أن يضحي بعد صلاة الامام فإذا عجل بادر الي الاضحية} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ابى بكر

وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلْ الْأَضَاحِيَّ وَأَخِّرْ الْفِطْرَ " وَهَذَا مُرْسَلٌ ضعيف ابراهيم ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَفِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَدْخُلُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي والمصنف في التلبيه وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا وَحْدَهُ وَكَانَتْ أَدَاءً مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَاتَتْهُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يأت بها أصلا * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يصلي صلاة العيد في المصلي إذا كان مسجد البلد ضيقا لما روى أن النبي صلي لله عليه وسلم " كان يخرج الي المصلي " ولان الناس يكثرون في صلاة العيد فإذا كان المسجد ضيقا تأذوا فان كان في الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ استخلف ابا مسعود الانصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد وان كان يوم فطر صلى في المسجد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قال اصابنا مطر في يوم عيد فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد " وروى أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر وان كان المسجد واسعا فالمسجد أفضل من المصلي لان الائمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد ولان المسجد أشرف وانظف قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ المسجد واسعا فصلى في الصحراء فلا بأس وان كان ضيقا فصلى فيه ولم يخرج إلى الصحراء كرهت لانه إذا ترك المسجد وصلي في الصحراء لم يكن عليهم ضرر وإذا ترك الصحراء وصلي في المسجد الضيق تأذوا بالزحام وربما فات بعضهم الصلاة} * {الشرح} حديث خروج النبي صلى االله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدَيْنِ صَحِيحٌ رواه البخاري

وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ من رواية جماعة من آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثُ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ أَبَا مَسْعُودٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَالضَّعَفَةُ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْعَيْنِ - بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ ضَعِيفٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ وَتَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ نُظِرَ إنْ كَانَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِهِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْأَقْصَى وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَالْمُصَلَّى لِلْعِيدِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ وَالْخَوْفُ وَالْبَرْدُ وَنَحْوُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ؟ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الصحراء افضل " لان النبي صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ " وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ الْخَارِجِينَ إلَيْهَا فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَكَ الْمَسْجِدَ الْوَاسِعَ وَصَلَّى بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الضَّيِّقِ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بِالضَّعَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْمُصَلَّى أَوْ الْمَسْجِدَ اعْتَزَلَهُ الْحُيَّضُ مِنْهُنَّ وَوَقَفْنَ عِنْدَ بَابِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ صَلَّى الْإِمَامُ فِيهِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِبَاقِي النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ يكون ارفق بهم * قال المصنف رحمه الله * {والسنة ان يأكل في يوم الفطر قبل الصلاة ويمسك يوم النحر حتى يفرغ من الصلاة لما روى بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويوم النحر لا يأكل حتي يرجع فيأكل من نسيكته " والسنة أن يأكل التمر ويكون وترا لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يَخْرُجُ يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا "} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والدارقطني وَالْحَاكِمُ وَأَسَانِيدُهُمْ حَسَنَةٌ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَطْعَمَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ - أَيْ يَأْكُلَ وَنَسِيكَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ أُضْحِيَّتُهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ شَيْئًا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَلِيَأْكُلْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وَكَوْنُهُ وِتْرًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ونحن نأمر من أني الْمُصَلَّى أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ لم يفعل ذلك فلا شئ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَالسُّنَّةُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الا كل لِيُشَارِكَ الْمَسَاكِينَ فِي ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ فِي عِيدِ النَّحْرِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ فَاسْتُحِبَّ مُوَافَقَتُهُمْ قَالَا وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ الفطر يحرم الا كل فندب الا كل فيه قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله وفى الاضحي لا يحرم الا كل قبله فأخر ليميزا * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يغتسل للعيدين لما روى إنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كانا " يغتسلان " ولانه يوم عيد يجتمع فيه الكافة للصلاة فسن فيه الغسل لحضورها كالجمعة وفى وقت الغسل قولان (احدهما) بعد الفجر كغسل الجمعة وروى البويطي أنه يجوز أن يغتسل قبل الفجر لان الصلاة تقام في أول النهار ويقصدها الناس من البعد فجوز تقديم الغسل حتى لا تفوتهم ويجوز علي هذا القول أن يغتسل بعد نصف الليل كما قلنا في أذان الصبح ويستحب ذلك لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضر لان القصد اظهار الزينة والجمال فان لم يحضر الصلاة اغتسل للزينة والجمال والسنة أن يتنظف بحلق الشعر وتقليم الظفر وقطع الرائحة لانه يوم عيد فسن فيه ما ذكرناه كيوم الجمعة والسنة أن يتطيب لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتطيب باجود ما في نجد في العيد "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ فِي اغْتِسَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ أَنَّ ابن عمر " كان يغتسل يوم الفطر بل أَنْ يَغْدُوَ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ اغْتِسَالَ

سلمة بن الا كوع لِلْعِيدِ وَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ هُوَ السُّنَّةُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى " وَمِثْلُهُ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلَةٌ إلَّا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ * وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ فِي الطِّيبِ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْكَافَّةُ مِمَّا أَنْكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُقَالُ النَّاسُ كَافَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالي (ادخلوا في السلم كافة) وقال تعالي (وقاتلوا المشركين كافه) (وَقَوْلُهُ) فَسُنَّ فِيهِ الْغُسْلُ لِحُضُورِهَا الْأَجْوَدُ حَذْفُ لَفْظَةِ حُضُورِهَا لِأَنَّ الْغُسْلَ مَسْنُونٌ لِمَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ وَغَيْرِهِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي جَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَقَالَ وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَرِيحًا وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْعِيدِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَجَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي ضَبْطِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ كَأَذَانِ الصُّبْحِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كَنِيَّةِ الصَّوْمِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ أَنَّ النِّصْفَ الْأَوَّلَ مُخْتَارٌ لِلْعِشَاءِ فَرُبَّمَا ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّ الْأَذَانَ لَهَا فَامْتَنَعَ لخوف اللبس بخلاف الغسل (والثالث) أنه انما يصح قبيل الفجر عند السجود وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ غُسْلِ الْعِيدِ لِمَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَلِمَنْ لَا يَحْضُرُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اتفقوا علي استحباب التطيب والتنظف بازالة الشعور وتقليم الاظفار وازالة الرائحة الكربهة من بدنه وثوبه قياسا علي الجمعة *

* قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يلبس أحسن ثيابه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يلبس في العيد برد حبرة "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ - وَالْحِبَرَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ بِالْيَمَنِ وَهُوَ عَصَبُ الْيَمَنِ قَالَ الازهرى هو نوع من البرد أضيف إلَى وَشْيِهِ وَالْبُرْدُ مُفْرَدَةٌ وَالْجَمْعُ بُرُودٌ وَيُقَالُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ أَيْ مُزَيَّنٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الْعِيدِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " قَالَ وَجَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جُبَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ؟ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلم انما هذه لباس من لاخلاق لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ فَعَلَى هَذَا إنْ اسْتَوَى ثَوْبَانِ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ فَالْأَبْيَضُ أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ غَيْرَ أَبْيَضَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْيَضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَمَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْسِلَهُ لِلْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي استحباب تحسين الثياب والتنظف وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ الْخَارِجُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَاعِدُ فِي: بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فاستووا فيه * * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب أن يحضر النساء غير ذوات الهيئات لما روت أم عطية قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض في العيد فاما الحيض فكن يعتزلن المصلي ويشهدن الخير ودعوة المسلمين " وإذا أردن الحضور تنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن الشهرة من من الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " أي غير عطرات ولانها إذا تطيبت وليست الشهرة من الثياب دعا ذلك إلي الفساد * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأما حديث " لا تمنعوا إيماء اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ * وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِيهِ " وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ " فَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد " وَلْيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ " وَقَوْلُهُ تَفِلَاتٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الْفَاءِ - وَالْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْبِنْتُ الَّتِي بَلَغَتْ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هِيَ الْبَالِغَةُ مَا لَمْ تَعْنِسْ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ قَالَ ثَعْلَبٌ سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ ضَرِّ أَبَوَيْهَا وَاسْتِخْدَامهمَا وَامْتِهَانِهَا بِالْخُرُوجِ فِي الْأَشْغَالِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ فَوْقَ الْمُعْصِرِ وَقَالَ ثَابِتٌ هِيَ الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تَخْرُجْ إلَى زَوْجٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْبِنْتُ عَقِبَ بُلُوغِهَا

قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْبُلُوغِ وَقَوْلُهُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ جَمْعُ خِدْرٍ وَهُوَ السِّتْرُ قَوْلُهُ الشُّهْرَةُ مِنْ الثِّيَابِ هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَّا ذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ وَهُنَّ اللَّوَاتِي يُشْتَهَيْنَ لِجَمَالِهِنَّ فَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ بِحَالٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِذَا خَرَجْنَ اُسْتُحِبَّ خُرُوجُهُنَّ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَلَا يَلْبَسْنَ مَا يُشْهِرُهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُنَّ التَّطَيُّبُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ * هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْعَجَائِزِ اللَّوَاتِي لَا يُشْتَهَيْنَ وَنَحْوِهِنَّ فَأَمَّا الشَّابَّةُ وَذَاتُ الْجَمَالِ وَمَنْ تُشْتَهَى فَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحُضُورُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِنَّ وَبِهِنَّ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورَ (قُلْنَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَوْ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " وَلِأَنَّ الْفِتَنَ وَأَسْبَابَ الشَّرِّ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ شُهُودَ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةَ وَالْأَعْيَادَ وَأَنَا لِشُهُودِهِنَّ الْأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنِّي لِشُهُودِهِنَّ غيرها من الصلوات المكتوبات * * قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ * {قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ويزين الصبيان بالصبغ والحلي ذكورا كانوا أو أناثا لانه يوم زينة وليس علي الصبيان تعبد فلا يمنعون لبس الذهب} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ تَزَيُّنِهِمْ بِالْمُصَبَّغِ وَحُلِيّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَوْمَ الْعِيدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِي تَحْلِيَتِهِمْ بِالذَّهَبِ وَلِبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (أَصَحُّهَا) جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) جَوَازُهُ قبل سبع سنين ومنعه بعدها

* قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يبكر إلى الصلاة ليأخذ موضعه كما قلنا في الجمعة والمستحب أن يمشى ولا يركب لان النبي صلي الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة ولا بأس أن يركب في العود لانه غير قاصد الي قربة} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مُنْقَطِعًا مُرْسَلًا فَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ " مَا رَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيدٍ وَلَا فِي جِنَازَةٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ باسناده من ثلاث طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي رَافِعٍ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا " وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَيَرْجِعُ مَاشِيًا وَلَكِنَّ أَسَانِيدَ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَيِّنَةُ الضَّعْفِ وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ هُوَ حَسَنًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا فَإِنَّ مَدَارَهُ علي الحارث الاعور وانفق الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَ الْحَارِثُ كَذَّابًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَمْشِي إلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جمع الله لك ذَلِكَ كُلَّهُ " وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ فِي قُرْبَةٍ وَلَا نَفَى ثَوَابَهُ فِي الرُّجُوعِ وَرَأَيْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْأَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيَقُولُ قَالَ لَمْ يَرْكَبْ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنْبِ المسجد فلا يتأنى الرُّكُوبُ إلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَكِّرَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَكُونَ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ تَمْرًا كَمَا سَبَقَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذا خرج يوم العيد فأول شئ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ " وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ

عَلَى هَذَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَهَابَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ جَمِيعَ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْكَبَ في شئ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ وَلَا يُعْذَرُ بِسَبَبِ؟ مَنْصِبِهِ وَرِيَاسَتِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي فِي الْعِيدِ وَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ وَأَرْفَعُهُمْ مَنْصِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا ولا بأسن أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ واتفق الاصحاب علي هكذا قَالُوا وَصُورَتُهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ النَّاسُ بِمَرْكُوبِهِ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِهِ لِزَحْمَةٍ وَغَيْرِهَا كُرِهَ لِمَا فيه من الاضرار * * قال المصنف رحمه الله * {وإذا حضر جاز أن يتنفل الي ان يخرج الامام لما روى عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زيد انهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الامام ولانه ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه ولا هناك ما هو أهم من الصلاة فلم يمنع من الصلاة كما بعد العيد والسنة للامام أن لا يخرج الا في الوقت الذى يوافي فيه الصلاة لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يخرج يوم الفطر والاضحى إلى المصلي فأول شئ يبدأ به الصلاة " والسنة أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي اخرى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يخرج يوم الفطر والاضحى من طريق يرجع من آخر "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطريق " ورواه الحاكم من راوية أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ - وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِدَالٍ بَعْدَ الرَّاءِ - هُوَ أبو بردة التابعي ابن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَاسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَصْحِيفِهِ لَا نَشُكُّ؟ فِيهِ فَالصَّوَابُ أَبُو بُرْدَةَ بِالدَّالِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَتَقْدِيمُ الْمُصَنِّفِ لَهُ عَلَى أَنَسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّهُ أَبَا بَرْزَةَ

الصَّحَابِيَّ وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَطَرِيقِهِ وَفِي الْمُصَلَّى قَبْلَ حُضُورِ الْإِمَامِ لَا بِقَصْدِ التَّنَفُّلِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِأَنَّهُ لو صلى أو هم أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ سُنَّةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَلْ يَشْرَعُ أَوَّلَ وُصُولِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَتَحْصُلُ التَّحِيَّةُ فِي ضِمْنِهَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ لِلْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ فِي الطَّرِيقِ الْأَطْوَلِ (وَاخْتَلَفُوا) فِي سَبَبِ ذَهَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ (فَقِيلَ) كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الذَّهَابَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ في طريق ولا يبقى معه شئ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِئَلَّا يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيَرُدَّهُ (وَقِيلَ) لِيُشَرِّفَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ (وَقِيلَ) لِيُعَلِّمَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ وَيُفْتِيَهُمْ (وَقِيلَ) لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ بِإِظْهَارِ الشِّعَارِ (وَقِيلَ) لِئَلَّا يَرْصُدَهُ الْمُنَافِقُونَ فَيُؤْذُوهُ (وَقِيلَ) لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيلَ كَانَ يَخْرُجُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَيَكْثُرُ الزِّحَامُ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِيَخِفَّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إنْ لَمْ نَعْلَمْ الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ الطَّرِيقَ اُسْتُحِبَّ لَنَا مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَلِمْنَاهُ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي إنْسَانٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ (وَالثَّانِي)

قاله أبو اسحق لَا يُسْتَحَبُّ لِفَوَاتِ سَبَبِهِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ سَبَبُ الْعِبَادَةِ وَيَبْقَى أَصْلُهَا كَالرَّمَلِ وَالسَّعْيِ وَنَظَائِرِهِمَا وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي حِكْمَتِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الذَّهَابُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَالرُّجُوعُ فِي الْأَقْصَرِ صَحَّحَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وصحح الشيخ أبو حامد القول الاخيرو أما (قول) إمام الحرمين وغيره ان الرجوع ليس بقربة (فغلطوهم) فيه بل بثاب فِي رُجُوعِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فِي رُجُوعِهِ أَنْ يَقِفَ فِي طَرِيقِهِ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُوَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا * أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لهاسنة قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ النَّفْلِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بَعْدَهَا لَا فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي الْمُصَلَّى لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وابو بردة والحسن البصري واخوه سعيد بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ آخَرُونَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وابن عمر وجابر بن عبد الله بن أبي أو في وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَأَحْمَدَ * وقال آخرون يصلي بعدها لاقبلها حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْبَدْرِيِّ الصَّحَابِيِّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ آخَرُونَ يُكْرَهُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ * وَدَلِيلُنَا مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ اباحة الصلاة حتى يثبت النهى * * قال المضنف رحمه الله * {ولا يؤذن لها ولا يقام لما روى عن بن عباس رضي الله عنهما قال " شهدت العيد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم صلى قبل الخطبة بغير اذان ولا اقامة " والسنة أن ينادى لها الصلاة جامعة لما روى عن الزهري أنه كان ينادى به} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلا أنه قال وعمر أوعثمان وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ " شَهِدْت مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ

بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ " لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لابي بكرو لاعمر وَلَا عُثْمَانَ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى أَحْدَثَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَأَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بِالْمَدِينَةِ حِينَ مَرَّ عَلَيْهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ فَيَقُولُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " لَمَا كَسَفَتْ؟ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ - وَقَوْلُهُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً هُمَا مَنْصُوبَانِ الصَّلَاةَ عَلَى الاغراء وجامعة علي الحال * وأما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعِيدِ وَلَا يُقَامُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ قَالَ وَقَالَ حُصَيْنٌ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدِ زِيَادٌ وَقِيلَ أَوَّلُ من أذن لها معوية وَقِيلَ غَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْكُسُوفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ

فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ فِي الْأَعْيَادِ وَمَا جَمَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً أَوْ الصَّلَاةَ: قَالَ وَإِنْ قَالَ هَلُمَّ إلَى الصَّلَاةِ لَمْ نَكْرَهْهُ وَإِنْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَذَانِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى جَمِيعَ كَلَامِ الْأَذَانِ قَالَ وَلَوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ لِلْعِيدِ كَرِهْته لَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ حي على الصلاة جاز بل هو مستحب وقال الدارمي لَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ واجتناب سائر الفاظ الاذان * * قال المصنف رحمه الله * {وصلاة العيد ركعتان لقول عمر رضى الله عنه " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خاب من افترى " والسنة أن يصلى جماعة لنقل الخلف عن السلف والسنة أن يكبر في الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام وتكبيرة الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ والركوع لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في الفطر في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة الصلاة " والتكبيرات قبل القراءة لما روي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يكبر في العيدين في الركعة الاولى سبعا وفى الثانية خمسا قبل القراءة " فان حضر وقد سبقه الامام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كدعاء الاستفتاح وقال في القديم يقضي لان محله القيام وقد أدركه وليس بشئ والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي العيد " ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالي " لما روى أن الوليد ابن عقبة خرج يوما علي عبد الله بن حذيفة والاشعرى وقال إن هذا العيد غدا فكيف التكبير فقال عبد الله بن

مسعود تكبر وتحمد ربك وتصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم وتدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك فقال الاشعري وحذيفة صدق " والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة بق واقتربت لما روي أبو واقد الليثى " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفطر والاضحي بق واقتربت الساعة " والسنة أن يجهر فيهما بالقراءة لنقل الخلف عن السلف} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ " صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ " إلَى آخِرِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ ليس في هذا الباب شئ أَصَحُّ مِنْهُ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْعِيدِ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمُنْقَطِعٍ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ صَدَقَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ (فَرَوَاهُ) مُسْلِمٌ وَأَمَّا جَدُّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ آخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا الْوَلِيدُ فَهُوَ أَبُو وَهْبِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَاسْمُ أَبِي معيط أبان ابن أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ اخو عثمان ابن عَفَّانَ لِأُمِّهِ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَبُو وَاقِدٍ فَبِالْقَافِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْيَرْمُوكَ وَالْجَابِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَدُفِنَ في مقبرة المهاجرين * وأما قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اُحْتُرِزَ بِالْمَسْنُونِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إذَا نَسِيَهَا أَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا (وَقَوْلُهُ) كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا شَرَعَ فِي الْفَاتِحَةِ قَبْلَ الافتتاح لا يأتي به بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَشُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ أَتَى بِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ إنْكَارَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بَلْ نَظِيرُهَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالِافْتِتَاحِ هُنَا (الثَّانِي) أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَبِمَنْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّورَةِ في الباقتين عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ مَعَ قَوْلِنَا لَا تُشْرَعُ السُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي بالسورة لمسكونها فَاتَتْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

أَمَّا الْأَحْكَامُ فَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَصِفَتُهَا المجزئة كصفة سائر الصلوات وسننها وهيآتها كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَيَنْوِي بِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ هذا اقلها: واما الا كمل فَأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسِوَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ وَالْهَوِيِّ إلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ التَّكْبِيرَاتُ فِي الْأُولَى سِتٌّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ دعاء الا ستفتاح يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ قَدْرَ قِرَاءَةِ آيَةٍ لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ يُهَلِّلُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْأُمِّ وَيُمَجِّدُهُ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أَكْبَرُ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا كَانَ حَسَنًا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْقَفَّالِ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ السَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ بَلْ يَتَعَوَّذُ عَقِبَ السَّابِعَةِ وَكَذَا عَقِبَ الْخَامِسَةِ إنْ قُلْنَا يَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْأُولَى مِنْ الزَّوَائِدِ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَأْتِي بِهِ وَالصَّوَابُ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَصَلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ بَعْضَهُنَّ بِبَعْضٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ بِذِكْرٍ كَرِهْتُ

ذَلِكَ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ سُورَةَ ق وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي صَلَاةِ العيد ايضا بسبح اسم ربك وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْعُدَّةِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي تكبيرات أَوْ بَعْضِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِي تَكْبِيرَاتٍ وَشَكَّ هل نوى الاحرام باحداهن لم تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ: وَلَوْ شَكَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الَّتِي نَوَى التَّحَرُّمَ بِهَا جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَ الزَّوَائِدَ: وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا أَوْ سِتًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يكبر سبعا في الاولى وخسما فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّعَوُّذَ وَنَحْوَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُخَالِفَهُ وَلَوْ تَرَكَ الزَّوَائِدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُنَّ أَوْ تَرْكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالزِّيَادَةُ فِيهِنَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيُسِرُّ بِالذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ * (فَرْعٌ) لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهُنَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ مَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ وَلَا يَقْضِيهِنَّ فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهُنَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ قَبْلَ الرُّكُوعِ إمَّا فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِنَّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِنَّ وَهُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَدِيمُ يَأْتِي بِهِنَّ سَوَاءٌ ذَكَرَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَعِنْدَهُ أَنَّ مَحَلَّهُنَّ الْقِيَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ لَوْ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَهُنَّ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ كَبَّرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُنَّ حَتَّى تَعَوُّذَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهِنَّ لِأَنَّ مَحَلَّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَتَقْدِيمُهُنَّ عَلَى التَّعَوُّذِ سُنَّةٌ

لاشرط وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ قد كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا عَلَى الْجَدِيدِ فَإِذَا قَامَ إلَى ثَانِيَتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا * (فَرْعٌ) تُسَنُّ صَلَاةُ الْعِيدِ جَمَاعَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي الاولى سبعا وفى الثانية خسما وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ والزهرى ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ

الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد * وَقَالَ آخَرُونَ يُكَبِّرُ في كل ركعة سبعا حكاه ابن المذر عن ابن عباس والمغيرة ابن شُعْبَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ فِي الْأُولَى سِتًّا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ وَحَكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَةٌ يكبر في الاولى ثلاثا وفى الثانية ثنتين * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِمَا رُوِيَ " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ وَشُذُوذِهِ وَمُخَالَفَةِ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَنْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ مع ان رواة ما ذهبنا إليه اكثروا حفظ وَأَوْثَقُ مَعَ أَنَّ مَعَهُمْ زِيَادَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَلِّ الكتبير * قد ذكرنا أن مذهبنا أن الكتبيرات الزَّوَائِدَ تَكُونُ بَيْنَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ لِيَتَّصِلَ التَّعَوُّذُ بِدُعَاءِ الاستفتاح وحكى

الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ التَّعَوُّذَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ * مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ فِيهِنَّ وَاسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يوسف لا يرفع اليد الافى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَقُولُهُ * وَمَذْهَبُنَا أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُهُ بَعْدَهُنَّ * وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُولُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُهُ عَقِبَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْجَدِيدَ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَفُوتُ وَلَا يَعُودُ يَأْتِي بِهَا وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَدِيم أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ومالك * * قال المصنف رحمه الله * {والسنه إذا فرغ من الصلاة ان يخطب لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ابا بكر وعثمان رضى الله عنهما " كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة " والمستحب ان يخطب علي منبر لما روى جابر رضي الله قال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الاضحي فلما قضى خطبته نزل من منيره " ويسلم على الناس إذا اقبل عليهم كما قلنا في خطبة الجمعة وهل يجلس

قبل الخطبة فيه وجهان (احدهما) لا يجلس لان في الجمعة يجلس لفراغ المؤذن من الاذان وليس في العيدين اذان (والثانى) يجلس وهو المنصوص في الام لانه يستريح بها ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة ويجوز ان يخطب من قعود لما روى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خطب يوم العيد على راحلته " ولان صلاة العيد يجوز قاعدا فكذلك خطبتها بخلاف الجمعة والمستحب ان يستفتح الخطبة الاولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع لما رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ انه قال هو من السنة ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة من ذكر الله تعالى وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن فان كان في عيد الفطر علمهم صدقة الفطر وان كان في عيد الاضحى علمهم الاضحية لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " ويستحب للناس استماع الخطبة لما روى عن ابن مسعود انه قال يوم عيد " من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يشهد الخطبة " فان دخل رجل والامام يخطب فان كان في المصلي استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيدلان الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها ولصلاة لا يخشى فواتها فكان الاشتغال بها اولي وان كان في المسجد ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يصلى تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد لان الامام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء وقال أبو اسحق المروزى يصلى العيد لانها اهم من تحية المسجد وآكد وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها اولي كما لو حضر وعليه مكتوبة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا قَالَ جَابِرٌ " قَامَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يوم الفطر فصل فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ " فَقَوْلُهُ نَزَلَ مَعْنَاهُ عَنْ الْمِنْبَرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ تَابِعِيٌّ وَالتَّابِعِيُّ إذَا قَالَ مِنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (وَالثَّانِي) مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ فَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قُلْنَا مَرْفُوعٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسَنُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ خُطْبَتَانِ عَلَى مِنْبَرٍ وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ عَلَى

النَّاسِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالصِّفَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِيَامُ فيهما بل يجوز قاعدا ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْأَفْضَلُ قَائِمًا وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَمَا يُفْصَلُ فِي خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوَّلَ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يَجْلِسُ قَبْلَ خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الكتاب (أصحهما) باتفاق الاصحاب يستحب وهو المنوص فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ نَسَقًا وَفِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَدْخَلَ بَيْنَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ الْحَمْدَ وَالتَّهْلِيلَ وَالثَّنَاءَ جَازَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ كَصِفَةِ التَّكْبِيرَاتِ الْمُرْسَلَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ الَّتِي سَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ لَهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ بَلْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا قَالَ البندنيجى يكبر قبل الخطبة الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لان افتتاح الشئ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ خَفِيٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اُسْتُحِبَّ لِلْخَطِيبِ تَعْلِيمُهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الاضحي أحكام الاضحية ويبينهما بَيَانًا وَاضِحًا يَفْهَمُونَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ وَلَا اسْتِمَاعُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ تَرَكَ اسْتِمَاعَ

خُطْبَةِ الْعِيدِ أَوْ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ خُطَبَ الْحَجِّ أَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا كَرِهْته وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَ إنْسَانٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلْعِيدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمُصَلَّى جَلَسَ وَاسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ صَلَّى الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْعِيدَ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْمُصَلَّى ثُمَّ يَحْضُرُ وَيَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يُصَلِّي الْعِيدَ وَتَنْدَرِجُ التَّحِيَّةُ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَيُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ هَلْ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ أَمْ الْعِيدَ وَلَا خلاف أنه مأمور باحدهما لان المجلس لَا يُجْلَسُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ صَلَاةٍ فَإِنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا إلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بِالْمُصَلَّى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ يُصَلِّي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالُوا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُصَلَّى لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ أَفْضَلَ من بيته قال صاحب الشامل وغيره ويخالف سَائِرَ النَّوَافِلِ حَيْثُ قُلْنَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَكَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى كَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْمُصَلَّى فَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَاهَا فِيهِ لِلْإِمَامِ لِتَكْثُرَ الْجَمَاعَةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَوْمًا فَاتَهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ لَهُمْ الخطبة سواء كانوا رجلا أَمْ نِسَاءً وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَطَبَ يَوْمَ الْعِيدِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ البخاراى وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) لَوْ خَطَبَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فهو مسيئ وفى الاعتداد بالخطبة احتمال لامام الحرمين

والصحيح بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي صَحَحْتُهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ قَالَ فَإِنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَلَا كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ وَلِهَذَا قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَكْرَهُ لِلْمَسَاكِينِ إذَا حَضَرُوا الْعِيدَ الْمَسْأَلَةَ فِي حَالِ الْخُطْبَتَيْنِ بَلْ يَنْكَفُّونَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ فان سألوا فلا شئ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا تَرْكَ الْفَضْلِ فِي الِاسْتِمَاعِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَرْبَعُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةَ الْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا يُشْرَعُ فِيهَا خُطْبَتَانِ إلَّا الثَّلَاثَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُنَّ فُرَادَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّأَخُّرِ مِنْ اوجه ذكرناها في باب الجمعة * * قال المصنف رحمه الله * {روى المزني رحمه الله انه يجوز صلاة العيد للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة وقال في الاملاء والقديم والصيد والذبائح لا يصلي العيد حيث لا تصلي الجمعة فمن اصحابنا من قال فيها قولان (احدهما) لا يصلون " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بمنى مسافرا يوم النحر فلم يصل " ولانها صلاة شرع لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ كالجمعة (والثانى) يصلون وهو الصحيح لانها صلاة نفل فجاز لهم فعلها كصلاة الكسوف ومن اصحابنا من قال يجوز لهم فعلها قولا واحدا وتأول ما قال في الاملاء والقديم علي انه اراد لا يصلى بالاجتماع والخطبة حيث لا تصلى الجمعة لان في ذلك افتياتا على السلطان) * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَقَوْلُهُ اجْتِمَاعِ الْكَافَّةِ هَذَا لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يُقَالُ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ الناس فلا يستعمل

بالالف واللام ولا مضافة وانما مستعمل حَالًا فَيُقَالُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ كَافَّةً كَمَا قَالَ الله تعالى (ادخلوا في السلم كافة وقاتلوا المشركين كافة وما ارسلناك الا كافة للناس) وَلَا تَغْتَرَّنَّ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا لَحْنًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْمَقَامَاتِ وَغَيْرِهَا (وَقَوْلُهُ) الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ هُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةٌ تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَقَوْلُهُ) فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ صَلَاةُ نَفْلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ (وَأَمَّا) التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ (فَمَعْنَاهُ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْبَلَدِ بِخُطْبَةٍ وَاجْتِمَاعٍ وَيَتْرُكُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَحُضُورَ خُطْبَتِهِ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ تُفْعَلُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ فِي الْعِيدِ افْتِيَاتًا بِخِلَافِ الْخَمْسِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَهَلْ تُشْرَعُ صَلَاةُ الْعِيدِ لِلْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ لَهُمْ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلاة العيد بمنى بانه تركها لا شتغاله بِالْمَنَاسِكِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ أَحْكَامَهَا وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ مِنْ الْعِيدِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا تُشْرَعُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى الْقَدِيمِ تُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الجماعة وَالْعَدَدِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا خَارِجَ الْبَلَدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهَا بِدُونِ اربعين علي هذا القول والا ان خُطْبَتَهَا بَعْدَهَا وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَصَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ لَمْ يَخْطُبْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَإِنْ صَلَّاهَا مُسَافِرُونَ خَطَبَ بِهِمْ إمَامُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ مَنْ فَاتَتْهُ أَوْ تَرَكَهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ الكسوف والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين بعد الزوال برؤية الهلال ففيه قولان (أحدهما) لا يقضي

(والثاني) يقضي وهو الاصح فان أمكن جمع الناس صلى بهم في يومهم وان لم يمكن جمعهم صلى بهم من الغد لما روى أبو عمير بن انس عن عمومته رضى الله عنهم قالوا " قامت بينة عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد الظهر أنهم رأوا هلال شوال فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفطروا وأن يخرجوا من الغد الي المصلى " وان شهد اليلة الحادى والثلاثين صلي قولا واحدا ولا يكون ذلك قضاء لان فطرهم غدا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان ركبا جاؤا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وإذا اصبحوا يغدوا الي مصلاهم " ورواه الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ لَا تَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْغَدِ إلَى الْمُصَلَّى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ قَالَ وَلَا يجوزان يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِكَيْ يَجْتَمِعُوا فَيَدْعُوا وَلِتُرَى كَثْرَتُهُمْ بِلَا صَلَاةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ " وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي أَوَّلِهِ " الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ " وَقَوْلُهُ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَأَبُو عُمَيْرٍ الْمَذْكُورُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَغَيْرَهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ هَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ اصحابنا فإذا

شَهِدَ عَدْلَانِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَجَبَ الْفِطْرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ صَلُّوهَا وَكَانَتْ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بلا خلاف فيها يَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا تُسْمَعُ بَلْ يُصَلُّونَ الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ وَتَكُونُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا قَالَ وَقَوْلُهُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الصلاة فيه اشكال بل لثبوب الْهِلَالِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ وَابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ لَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً فَأَمَّا مَا سِوَى الصَّلَاةِ مِنْ الْآجَالِ والتعليقات وغيرهما فتثبيت بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ إمَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْفِطْرِ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ فَائِتَةً عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا تَفُوتُ فَتُفْعَلُ فِي الْغَدِ أَدَاءً لِعَظَمِ حُرْمَتِهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مَبْنِيًّا عَلَى قَضَاءِ النَّوَافِلِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُقْضَى لَمْ يُقْضَ الْعِيدُ وَإِنْ قُلْنَا تُقْضَى بُنِيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا كَالْجُمُعَةِ فِي الشُّرُوطِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا كَالْجُمُعَةِ لَمْ تُقْضَ وَإِلَّا قُضِيَتْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَهَلْ لَهُمْ صَلَاتُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ فَلَا وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَازَ ثُمَّ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ ام التأخير الي ضحوة العيد فيه فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ فِي يَوْمِهِمْ لِصِغَرِ الْبَلَدِ فَإِنْ عَسُرَ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا قُلْنَا صَلَاتُهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ قَضَاءٌ فَهَلْ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ أَبَدًا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ في بقية الشهر اما إذا شهدا قبل

الْغُرُوبِ وَعَدْلًا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ فَيُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْعِيدُ فِي يَوْمِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ وَفَوَاتُ الْعِيدِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَفْرَادٍ لَمْ يَجِئْ إلَّا قَوْلَانِ مَنْعُ الْقَضَاءِ وَجَوَازُهُ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ فِي الْمَذْهَبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شَهِدُوا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَعْنَاهُ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ غَدًا فَغَدًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَخَبَرُ أَنَّ مُقَدَّرٌ فِي الظَّرْفِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ النَّاسُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَكَذَا يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ التَّاسِعَ أَوْ الْعَاشِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ فَبِهَذَا نَأْخُذُ قَالَ وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ الظَّاهِرَ وَلَمْ يَظْهَرْ الْفِطْرُ إلَّا يَوْمَ أَفْطَرُوا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا أَبَدًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْضَى صَلَاةُ الْفِطْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا وَإِذَا صَلَّاهَا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ الْخِرَقِيُّ وَالثَّالِثَةُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا جَهْرٍ ولا تكبيرات زوائد وقال اسحق ان صلاها في المصلى فكصلاة الامام والااربعا *

باب التكبير

{باب التكبير} * قال المصنف رحمه الله * {الكتبير سنة في العيدين لما روى نافع عن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين واسامة بن زيد وزيد بن حارثة وايمن ابن ام أيمن رافعا صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلي " وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ من ليلة الفطر لقوله عز وجل (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ماهدا كم) واكمال العدة بغروب الشمس من ليلة الفطر واما آخره ففيه طريقان من أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) ما روى المزني أنه يكبر إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذا حضر فالسنة أن يشتغل بالصلاة فلا معني للتكبير (والثاني) ما رواه البويطي انه يكبر حتي تفتتح الصلاة لان الكلام مباح قبل ان تفتتح الصلاة فكان التكبير مستحبا (والثالث) قاله في القديم حتى ينصرف الامام لان الامام والمأمومين مشغولون بالذكر الي ان يفرغوا من الصلاة فسن لمن لم يكن في الصلاة ان يكبر ومن اصحابنا من قال هو علي قول واحد انه يكبر الي ان تفتتح الصلاة وتأول رواية المزني علي ذلك لانه إذا خرج الي المصلي افتتح الصلاة وقوله في القديم حتى ينصرف الامام لانه ما لم ينصرف مشغول بالتكبير في الصلاة ويسن التكبير المطلق في عيد الفطر وهل يسن التكبير المقيد في ادبار الصلوات فيه وجهان (أحدهما) لا يسن لانه لم ينقل ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى؟ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (والثاني) انه يسن لانه عيد يسن له التكبير المطلق فيسن له التكبير المقيد كالاضحى

والسنة في التكبير أَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثلاثا لما روى عن ابن عباس انه قال " الله اكبر ثلاثا " وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ رضى الله عنهم يكبرون أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا وعن الحسن مثله قال في الام وان زاد زيادة فليقل بعد الثلاث اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك علي الصفا ويستحب رفع الصوت بالتكبير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير لانه إذا رفع صوته سمع من لم يكبر فيكبر " * (فصل) واما تكبير الاضحى ففى وقته ثلاثة أقوال (أحدها) يبتدئ بعد الظهر من يوم النحر الي ان يصلى الصبح من آخر ايام التشريق والدليل علي انه يبتدئ بعد الظهر قوله عز وجل (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) والمناسك تقضي يوم النحر ضحوة واول صلاة تلقاهم الظهر والدليل علي انه يقطعه بعد الصبح ان الناس تبع للحاج وآخر صلاة يصليها الحاج بمنى صلاة الصبح ثم يخرج (والثانى) يبتدئ بعد غروب الشمس من ليلة العيد قياسا على عيد الفطر ويقطعه إذا صلى الصبح من آخر ايام التشريق لما ذكرناه (والثالث) أن يبتدئ بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويقطعه بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق لما روى عمر وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم " كان يكبر في دبر كل صلاة بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق " * (فصل) السنة ان يكبر في هذه الايام خلف الفرائض لنقل الخلف عن السلف وهل يكبر خلف النوافل فيه طريقان من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لانها صلاة راتبة فاشبهت الفرائض ومنهم من قال فيه قولان (احدهما) يكبر لما قلناه (والثاني) لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع ومن فاتته صلاة في هذه الايام فاراد قضاءها في غيرها لم يكبر خلفها لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ في غيرها وان قضاها في هذه الايام ففيه وجهان (أحدهما) يكبر لان وقت التكبير باق (والثانى) لا يكبر لان التكبير خلف هذه الصلوات يختص بوقتها وقد فات الوقت فلم يقض} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا تَكْبِيرُ الْعِيدِ قِسْمَانِ (أَحَدُهُمَا) التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَقَدْ سَبَقَ (وَالثَّانِي) غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ عطية " كنا نومر بِإِخْرَاجِ الْحُيَّضِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ "

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ) وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ مُرْسَلٌ وَمُقَيَّدٌ (فَالْمُرْسَلُ) وَيُقَالُ لَهُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالٍ بَلْ يُؤْتَى بِهِ فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْمُقَيَّدُ) هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِتْيَانُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَالْمُرْسَلُ مَشْرُوعٌ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا وَأَوَّلُ وَقْتِهِ فِي الْعِيدَيْنِ غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُونَ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَاتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُبَاحٌ قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فَالِاشْتِغَالُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْلَى وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ (وَالثَّانِي) إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَالسُّنَّةُ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُكَبِّرُ إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقِيلَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ النَّصَّيْنِ لآخرين عَلَى هَذَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا يَمْتَدُّ إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْهُمَا * وَأَمَّا الْحَاضِرُونَ فَلَا يُكَبِّرُونَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَسْتَمِعُونَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ النَّاسُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ فِي لَيْلَتِي العيدين ويوميهما الي الغاية المذ كورة فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَغَيْرِهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَفِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَبِالْمُصَلَّى وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحُجَّاجُ فَلَا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ ذِكْرُهُمْ التَّلْبِيَةَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَكْبِيرَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ تَكْبِيرِ لَيْلَةَ الْأَضْحَى عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَكْسَهُ وَدَلِيلُ الْجَدِيدِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ولتكبروا الله) وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ فَيُشْرَعُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِلَا خِلَافٍ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهَلْ يُشْرَعُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْرَعُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُعْتَمَدِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفَعَلَهُ وَلَنُقِلَ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ فِيهِ التَّكْبِيرُ الْمُرْسَلُ فَسُنَّ الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى فَعَلَى هَذَا قَالُوا يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّهِ في القديم

وَحُكْمُ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى هذا الوجه يقاس بما سنذ كره إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَضْحَى (وَأَمَّا لاضحى) فالناس فيه ضربان حجاج وغير هم (فاما الحجاح) فيبدؤن التَّكْبِيرَ عَقِبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ والجرياني فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ هُوَ بِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِابْتِدَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي الِانْتِهَاءِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وقطع به الرافعي وغيره من المتأخرين قالوا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُجَّاجَ وَظِيفَتُهُمْ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَلَا يَقْطَعُونَهَا إلَّا إذَا شَرَعُوا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلُ فَرِيضَةٍ تَلْقَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الظُّهْرُ وَآخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَهَا بِمِنًى صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُمْ رُكْبَانٌ وَلَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِنَّمَا يُصَلُّونَهَا بَعْدَ نَفَرِهِمْ مِنْهَا. وَأَمَّا غَيْرُ الحجاج فللشافعي رحمه الله في تكبيرهم ثلاث نُصُوصٍ (أَحَدُهَا) مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَالْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ فِي الْأُمِّ قَالَ لَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ قِيَاسًا عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ قَالَ وَسَمِعْت مَنْ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَقَالَ بِهِ (وَالنَّصُّ الثَّالِثُ) أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ هَذَا كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ

يَبْدَأُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَيَكُونُ مُكَبِّرًا خَلْفَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَبْدَأُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ صَلَاةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً قَالَ وَهَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَقَالَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا وأشهرها) وبها قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّالِثُ) مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَالنَّصَّانِ الْآخَرَانِ لَيْسَا مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُمَا مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَتَأَوَّلُوا أَيْضًا نَصَّهُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ عَلَى أَنَّ المراد التكببر الْمُرْسَلُ لَا الْمُقَيَّدُ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الدَّارَكِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ لِاخْتِلَافِ قَوْلٍ بَلْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ ثَلَاثَةَ أساب فَذَكَرَ فِي ثُبُوتِ التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلَ بَعْضِ السَّلَفِ وَذَكَرَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ الْقِيَاسَ عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ القياس علي الججيج قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي * وَنَقَلَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ حِكَايَةِ الْقَاضِي عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْجَحَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الِابْتِدَاءُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخر التشريق واختارت طائفة مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ ممن اختاره أبو العباس ابن

سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ والبيهقي وغيرهما مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أنه سأله أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " كَانَ يُهَلِّلُ الْمُهَلِّلُ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ مِنْ الصُّبْحِ يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التَّشْرِيقِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ذُكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَمْرُو بْنُ شمرو جابر الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ كِفَايَةٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " كان يجهر في المكتوبات بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الفجرو كان يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا أَعْلَمُ مِنْ رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وغيره * فاما من فعل عمرو على وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَحِيحٌ عَنْهُمْ التَّكْبِيرُ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادِ الْحَاكِمِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ بِعَمْرِو بْنِ شَمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ أَتْقَنُ مِنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ وَأَشَدُّ تَحَرِّيًا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكَبِّرُ خلف الصبح أو

العسر الَّتِي هِيَ الْغَايَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ مِنْهَا فَقَضَاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُكَبِّرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِيهَا فَقَضَاهَا فِيهَا أَيْضًا فَهَلْ يُكَبِّرُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي يُكَبِّرُ بِلَا خلاف لان التكبير شعار لهذه المدة (والطريق الثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَجْهَيْنِ (أَصَحَّهُمَا) يُكَبِّرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لِوَقْتِ الْفَرَائِضِ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِي غير هذه الايام فقضاها فيها فثلاث طُرُقٍ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شِعَارُ هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ * (فَرْعٌ) أَمَّا التَّكْبِيرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرِ فَأَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ تَابِعٌ لِلصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةَ تَابِعَةٌ لِلْفَرِيضَةِ وَالتَّابِعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ وَالطَّرِيقُ (الثَّانِي) يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ تكبر الحائض والجنب وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ التَّكْبِيرُ قَالَ الْقَاضِي وَغَلَّطُوا الْمُزَنِيَّ فِي قوله الذى قبل هذا اولى فانه أو هم أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يكبر الاخلف الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ

الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُؤَوَّلٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) لَا يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ تَوَاتُرًا فِي الْأَمْصَارِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ بجوابين (احدهما) أنه غلط في النقل مِنْ التَّلْبِيَةِ إلَى التَّكْبِيرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ غَلَطٌ في المعني دون الرواية وانا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ مَا تَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدِ دُونَ مَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَيْضًا إنْ كَانَ النَّفَلُ يُسَنُّ مُنْفَرِدًا لَمْ يُكَبِّرْ خَلْفَهُ وَإِنْ سُنَّ جَمَاعَةً كَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَبَّرَ وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ خَلْفَ كُلِّ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ * (فَرْعٌ) هَلْ يُكَبِّرُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) لَا يُكَبِّرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا حُذِفَ أَكْثَرُ أَرْكَانِ الصَّلَوَاتِ مِنْهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ إنْ قُلْنَا يُكَبِّرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَكَالْفَرَائِضِ الْمَقْضِيَّةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ والمذهب علي الجملة استحباب التكببر خَلْفَهَا لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ النَّافِلَةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهَا فَتَطُولُ بِهِ * (فَرْعٌ) إذَا عَرَفْت ما سبق وأردت اخْتِصَارُ الْخِلَافِ فِيمَا يُكَبِّرُ خَلْفَهُ جَاءَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْعُولَةٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ (وَالثَّانِي) يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمَفْعُولَةِ فِيهَا مُؤَدَّاةً كَانَتْ

أَوْ مَقْضِيَّةً فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَهَا (وَالثَّالِثُ) يَخْتَصُّ بِفَرَائِضِهَا مَقْضِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَدَّاةً (وَالرَّابِعُ) لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِهَا الموادة وَسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ الْمُؤَدَّاةِ * (فَرْعٌ) لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الصَّلَاةِ فَتَذَكَّرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ اُسْتُحِبَّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ فَارَقَ مُصَلَّاهُ أَمْ لَا فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ التَّكْبِيرِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ السهو لا تمام الصَّلَاةِ وَإِكْمَالِ صِفَتِهَا فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ كَمَا لَا يُبْنَى عَلَيْهَا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَهُوَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ التَّكْبِيرَ لَا يُكَبِّرُ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَنْ الْحَسَنِ البصري أنه يكبر ثم يقضى وعن مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْضِي ثُمَّ يُكَبِّرُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ * وَاحْتَجَّ الْحَسَنُ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَكَذَا التَّكْبِيرُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يُشْرَعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْرُغْ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَبَّرَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أَوْ تَرَكَهُ وَالْمَأْمُومُ يَرَاهُ أَوْ كَبَّرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أو تركه والمأموم يَرَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتْبَعُ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ وَلَا يُوَافِقُ الْإِمَامَ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ انْقَضَتْ بِالسَّلَامِ (وَالثَّانِي) يُوَافِقُهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَلِجَعْلِهِ شِعَارًا أَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ *

(فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ الْمُنْفَرِدُ وَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) صِفَةُ التَّكْبِيرِ الْمُسْتَحَبَّةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا نَسَقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ اللَّهُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَهُ عَلَى الصَّفَا " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخَصْرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أولانا وأبلانا قال صاحب الشامل والله يَقُولُهُ النَّاسُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في البويطي قال البندنيجي وهذا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ قَالَ وعليه الناس وقال صاحب البحر والعمل عَلَيْهِ وَرَأَيْته أَنَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ لَكِنَّهُ جَعَلَ التَّكْبِيرَ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ * (فَرْعٌ) فِي مذاهب العلماء في الكتبير خَلْفَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ والثوري واحمد واسحق وَدَاوُد لَا يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَمْ يُشْرَعْ كالاذان والاذان وَدَلِيلُنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الصَّلَاةِ وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فِي الشِّعَارِ سَوَاءٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْأَضْحَى * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ كَوْنُهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عصر آخر

التَّشْرِيقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّكْبِيرَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ عن عمر بن الخطاب وعلي أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ يُكَبِّرُ مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ سعيد بن جببر وَرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الْحَسَنِ مِنْ الظُّهْرِ إلَى ظُهْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُكَبِّرُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ * مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ لَهُنَّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرْنَ وَاسْتَحْسَنَهُ أَحْمَدُ * (فَرْعٌ) فِي الْمُسَافِرِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا نَسَقًا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ: وَبِهِ قَالَ مالك وحكي ابن المنذر عن عمرو ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ وَبِهِ قال الثوري وابو حنيفة ومحمد واحمد واسحق وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الله اكبر كبير الله كبيرا الله كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قدير وقال الحكم وحماد ليس فيه شئ مُؤَقَّتٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ * هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ

أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا أَنْ يُكَبَّرَ إمَامُهُ وَحَكَى السَّاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد أَنَّهُمْ قَالُوا التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَاجِبٌ وَفِي الْأَضْحَى مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ فَهُوَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ * وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْعِيدِ إنَّمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ محمد والحكم وحماد ومالك واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ النَّاسِ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ وَأَلْفَاظِهِ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِينَ ضَعِيفَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا (وَقَوْلُهُ) يَأْخُذُ طَرِيقَ الْحَدَّادِينَ قِيلَ بِالْحَاءِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَيْ الَّذِينَ يَجِدُونَ الثِّمَارَ (وَقَوْلُهُ) وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) واكمال العدة بغروب الشمس هذا الاستدال لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهَا الْفَوْرُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِلْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ يَعْنِي حَتَّى يُسَلِّمَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمَعْنَى السَّلَامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ فَرَاغُ الْخُطْبَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ (وَقَوْلُهُ) لانه عيديسن له التكببر المطلق فسن له التكببر الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ كِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ فِي

مسائل تتعلق بالعيدين

الْأَضْحَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ يُوهِمُ خِلَافَ هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ وَالْمُرْسَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرْسَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لا تختص بِوَقْتٍ (قَوْلُهُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثٌ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِتَقْدِيمِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ وَسَبْقُ قَلَمٍ أَوْ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ النُّسَّاخِ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِهِ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَوَّلُ النِّكَاحِ وَأَوَّلُ الْجِنَايَاتِ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّارٌ وَعَلِيٌّ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدَيْنِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ (وَاحْتَجَّ) لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ " مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ

باب صلاة الكسوف

يُقَالُ إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَجَبٍ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ النَّحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّ مَا حَكَيْت فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْإِحْيَاءَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا وَيُعْمَلُ عَلَى وَفْقِ ضَعِيفِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فَضِيلَةَ هَذَا الْإِحْيَاءِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ تَحْصُلُ بِسَاعَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي نَقْلِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مشيخة المدنية وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إحْيَاءَ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَعْزِمَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {بَابُ صَلَاة الْكُسُوف} يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَكَسَفَ الْقَمَرُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَالسِّينِ وَكُسِفَا - بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا كَذَلِكَ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَيُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَقِيلَ الْكُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ فِيهِمَا فَهَذِهِ ثَمَانُ لُغَاتٍ وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَاتُ السِّتُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُمَا مُسْتَعْمَلَانِ فِيهِمَا وَالْأَشْهَرُ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَادَّعَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ أَفْصَحُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * {صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا وَصَلُّوا "} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَجَابِرٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وأبو بكرة

وَالْمُغِيرَةُ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُصَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فُرَادَى وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ في التسوية بين الكسوفين * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يغتسل لها لانها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الغسل كصلاة الجمعة والسنة أن يصلي حيث يصلى الجمعة لان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَاةٌ فِي المسجد " ولانه يتفق في وقت لا يمكن قصد المصلي فيه وربما ينجلى قبل أن يبلغ الي المصلي فتفوت فكان الجامع أولي والسنة ان يدعي لها " الصلاة جامعة " لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأمر رجلا أن ينادى الصلاة جامعة "} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا (وَقَوْلُهُ) شُرِعَ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّلَوَاتِ الخمس: والغسل لَهَا سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِأَوَّلِ الْكُسُوفِ وَيُسَنُّ فِي الْجَامِعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُنَادَى لَهَا الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَيَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ من

الْبَلَدِ وَتُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُنْفَرِدِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي قِيَاسِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَحَكَى الرافعي وجها انه يشترط بصحتها الْجَمَاعَةُ وَوَجْهًا أَنَّهَا لَا تُقَامُ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا إذْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً خَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ طَلَبُوا إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا صَلُّوا فُرَادَى فَإِنْ خَافُوا الْإِمَامَ لَوْ صَلُّوا عَلَانِيَةً صَلُّوهَا سِرًّا وَبِهَذَا قال مالك وأحمد واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صلوا فرادى * قال المصنف رحمه الله * {وهى رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وسجودان والسنة أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة أو قدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع ويقرأ فاتحة الكتاب وبقدر مائتي آية ثم يركع ويسبح بقدر سبعين آية ثم يسجد كما يسجد في غيرها وقال أبو العباس يطيل السجود كما يطيل الركوع وليس بشئ لان الشافعي لم يذكر ذلك ولا نقل ذلك في خبر ولو كان قد أطال لنقل كما نقل في القراءة والركوع ثم يصلي الركعة الثانية فيقرأ بعد الفاتحة قدر مائة وخمسين آية ثم يركع بقدر سبعين آية ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع بقدر خمسين آية ثم يسجد والدليل عليه ما روى ابن عباس قال " كسفت الشمس فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد وانصرف

وقد تجلت الشمس والسنة أن يسر بالقراءة في كسوف الشمس لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال فصلي فقمت الي جانبه فلم أسمع له قراءة " ولانها صلاة نهار لها نظير بالليل فلم يجهر فيها بالقراءة كالظهر ويجهر في كسوف القمر لانها صلاة ليل لها نظير بالنهار فسن الجهر كالشاء} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْإِسْرَارِ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ " قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ " قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ " صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ لَهَا نَظِيرٌ بِاللَّيْلِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةُ لَيْلٍ لَهَا نَظِيرٌ بِالنَّهَارِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْوِتْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوِتْرِ وَلِأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ

لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً بَعْدَ التَّرَاوِيحِ (وَقَوْلُهُ) وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهَا أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهِ قَالَ سُجُودَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ سَجْدَتَانِ فَالسُّجُودَانِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَسَجْدَتَانِ وَهَذَا مُرَادُهُ * اما احكام الفصل فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوف ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ فَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثَانِيًا ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ كَغَيْرِهَا فَلَوْ تَمَادَى الْكُسُوفُ فَهَلْ يَزِيدُ رُكُوعًا ثَالِثًا فَأَكْثَرَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يزيد ثالثا ورابعا وخامسا واكثر حتى يتجلى الْكُسُوفُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا

الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَغَيْرُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَأَدِّي الْكُسُوفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رُكُوعَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالُوا وَرِوَايَاتُ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَقِيَاسُ الصَّلَوَاتِ أَنْ لَا تُقْبَلَ الزِّيَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَانْجَلَى الْكُسُوفُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا الْمَشْرُوعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ وَقِيَامٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ لِلتَّمَادِي إنْ جوزناها جاز النقصان بحسب مدة الكسوف والافلا وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَهَلْ لَهُ اسْتِفْتَاحُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ زِيَادَةِ الركوع (والصحيح) المنع من والزيادة وَالنَّقْصِ وَمِنْ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أَكْمَلُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا ثُمَّ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ ثُمَّ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأَ الْبَقَرَةَ أَوْ نَحْوَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا (وَأَمَّا) الْقِيَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ (أَحَدُهُمَا) نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا وَفِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْهَا (وَالثَّانِي) نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ نَحْوَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي الثَّالِثِ نَحْوَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعِ نَحْوَ الْمَائِدَةِ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابٍ آخَرَ بعد هذا بنحو (1) كراسين كَنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ

_ (1) كذا بالاصل فحرر

وَأَخَذَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُمَا الْوَجْهَانِ السابقان في التعذ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ وَأَمَّا قَدْرُ مُكْثِهِ فِي الرُّكُوعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ (أَحَدُهُمَا) نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي) مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي الركوع الاول نحو مائة آبة مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي قَدْرَ ثُلُثَيْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً مِنْهَا وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ وَنَصَّ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ (وَأَمَّا) كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فِي ضَبْطِهِ فَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً بِالسِّينِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي التَّنْبِيهِ تسعين آية بالتاء في اوله وقال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَدْرَ ثَمَانِينَ آيَةً وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْأَبْهَرِيُّ قَدْرَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَأَمَّا) السُّجُودُ فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا أَنَّهُ يُطَوِّلُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ تَطْوِيلَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ نَصَّ عَلَى تَطْوِيلِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَشْهَرُهُمَا) فِي الْمُهَذَّبِ لَا يُطَوِّلُ بَلْ يَسْجُدُ كَقَدْرِ السُّجُودِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَطْوِيلِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي رُكُوعِهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي

رُكُوعِهِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ واسحق بن راهويه تطويل الجسود كَالرُّكُوعِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطِيلُ السُّجُودَ فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَقَطَعَ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَحْسَنُ مِنْ الْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ بَلْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ لَا قَوْلَ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُ الْقَوْلِ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ لِمَا عُلِمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِهِ فَلْيُتْرَكْ قَوْلُهُ وَلْيُعْمَلْ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ الْحَدِيثُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنَقْلِ الْمَذْهَبِ * وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْته يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ قَالَتْ " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا إلَى أَنْ قَالَتْ ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ " وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ " مَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَرُكُوعُهُ نَحْوٌ مِنْ سُجُودِهِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ " ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ " وَذَكَرَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ قَامَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثم رَكَعَ كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا قَطُّ ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَتَابَعَهُمْ عَلَى تَرْجِيحِهِ جَمَاعَةٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الِاعْتِدَالُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي فَلَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا التَّشَهُّدُ وَجُلُوسُهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى انه لا يطوله وحديث عمرو بن العاصى يقتضى

اسْتِحْبَابَ إطَالَتِهِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ فَالْمُخْتَارُ فِي قَدْرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودَ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ نَحْوُ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي رَفْعِهِ مِنْ كُلِّ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَالْإِسْرَارُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا ضَمَمْنَاهُ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام والمختصر وقال الخطابى الذي يحبئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَبِهِ قال احمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسِرُّ * وَاحْتَجَّ لِلْجَهْرِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فرغ من صلاته فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهُمَا سُنَّةٌ لَيْسَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَتُهُمَا كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ صَلَّاهَا جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ صَلَّاهَا الْمُسَافِرُونَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ وَلَا يَخْطُبُ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا وَيَحُثُّهُمْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَتَاقَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ الْغَفْلَةَ وَالِاغْتِرَارَ وَيَأْمُرُهُمْ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ

وَالِاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي خطبته قال الشافعي الْأُمِّ وَيَجْلِسُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الجمعة هذا نصه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن المجهور * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ * دَلِيلُنَا الا حاديث الصحيحة * قال المصنف رحمه الله * {فان لم يصل حتي تجلت لم يصل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَإِذَا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي " فان تجلت وهو في الصلاة أتمها لِأَنَّهَا صَلَاةُ أَصْلٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وقتها كسائر الصلوات وان جللها غمامة وهى كاسفة صلي لان الاصل بقاء الكسوف وان غربت الشمس كاسفة لم يصل لانه لا سلطان لها بالليل وان غاب القمر وهو كاسف فان كان قبل طلوع الفجر صلي لان سلطانه باق وان غاب بعد طلوع الفجر ففيه قولان قال في القديم لا يصلى لان سلطانه بالليل وقد ذهب الليل وقال في الجديد يصلي لان سلطانه باق ما لم تطلع الشمس لانه ينتفع بضوئه وان صلى ولم ينجل لم يصل مرة أخرى لانه لم ينقل ذلك عن أحد} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ أَصْلٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ وَمِنْ الْمُسَافِرِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ نَوَى قَصْرَهَا وَقُلْنَا إنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ إذْ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَتَمَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ صَلَاةِ الْقَصْرِ

إلَى صَلَاةِ الْإِتْمَامِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَفُوتُ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الِانْجِلَاءُ فَإِذَا انْجَلَتْ جَمِيعُهَا لَمْ يُصَلِّ لِلْحَدِيثِ وَإِنْ انْجَلَى بَعْضُهَا شَرَعَ فِي الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ انْجَلَى جَمِيعُ الْكُسُوفِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَالَ دُونَهَا سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَحْتَ غَمَامٍ وَشَكَّ هَلْ كَسَفَتْ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكُسُوفِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْمَلُ فِي الْكُسُوفِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ (الثَّانِي) أَنْ تَغِيبَ كَاسِفَةً فَلَا يُصَلِّي بَعْدَ الْغُرُوبِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ غَابَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا (وَأَمَّا) صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَتَفُوتُ أَيْضًا بِأَمْرَيْنِ (أَحَدِهِمَا) الِانْجِلَاءُ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) طُلُوعُ الشَّمْسِ فَإِذَا طَلَعَتْ وَهُوَ خَاسِفٌ لَمْ يَبْتَدِئْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَلَوْ بَدَأَ خُسُوفُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ غَابَ فِي اللَّيْلِ خَاسِفًا صَلَّى بِالِاتِّفَاقِ لِبَقَاءِ سُلْطَانِهِ كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ صَلَّى وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ خَاسِفٌ أَوْ خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ يُصَلِّي وَالْقَدِيمُ لَا يُصَلِّي وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ كَمَا لَوْ انْجَلَى الْكُسُوفُ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُخَفِّفُونَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي هَذَا الْحَالِ لِيَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ طَلَعَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ أَنَّهُمَا فِيمَا إذَا غَابَ خَاسِفًا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَغِبْ وَبَقِيَ خَاسِفًا فَيَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ قَطْعًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا صَلَّيْنَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَسَلَّمْنَا مِنْهَا وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَلَا تُسْتَأْنَفُ الصلاة على المذهب وبه قطع الا كثرون ونص عليه في الام وفيه خِلَافٍ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله *

{ولا تسن صلاة الجماعة لآية غير الكسوف كالزلازل وغيرها لان هذه الآيات قد كانت وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لها جماعة غير الكسوف} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا سِوَى الْكُسُوفَيْنِ مِنْ الْآيَاتِ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَنَحْوِهَا لَا تُصَلَّى جَمَاعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال الشافعي في الام والمختصر اولا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَيَدْعُوَ وَيَتَضَرَّعَ لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا * وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لَهُ فِي الزَّلْزَلَةِ وَحْدَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ ثَبَتَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَكَذَا مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه من نحو هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {وإذا اجتمعت صلاة الكسوف مع غيرها قدم اخوفهما فوتا فان استويا في الفوت قدم أو كدهما فان اجتمعت مع صلاة الجنازة قدمت لانه يخشى عليه التغيير والانفجار وان اجتمعت مع المكتوبة في أول الوقت بدأ بصلاة الكسوف لانه بخاف فوتها بالتجلي فإذا فرغ منها بدأ بالمكتوبة قبل الخطبة للكسوف لان المكتوبة يخاف فوتها والخطبة لا يخاف فوتها وان اجتمعت معها آخر الوقت بدأ بالمكتوبة لانهما استوتا في خوف الفوات والمكتوبة آكد فكان تقديمها أولي وان اجتمعت مع الوتر في آخر وقتها قدم صلاة الكسوف لانهما استوتا في الفوت وصلاة الكسوف أو كد فكانت بالتقديم أحق} * {الشَّرْحِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا اجْتَمَعَ صَلَاتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قُدِّمَ مَا يَخَافُ فَوْتُهُ ثُمَّ الْأَوْكَدُ فَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ أَوْ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَخِيفَ فَوْتُ الْعِيدِ أَوْ الْجُمُعَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ قُدِّمَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ لِأَنَّهُمَا أَوْكَدُ مِنْ الْكُسُوفِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فوتهما فطريقان

(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ لانه يخاف فوته (والثاني) حكام الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُقَدِّمُ الجمعة والعيد لتأكد هما قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَبَاقِي الْفَرَائِضِ كَالْجُمُعَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْكُسُوفَ مطلقا لانها أو كد وَأَفْضَلُ وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ أَوْ عِيدٌ قَدَّمَ الْجِنَازَةَ لِأَنَّهُ يَخَافُ تَغَيُّرَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بَعْدَهَا بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَلَا يُشَيِّعُهَا بل يشيعها غيره فان لم يحضر الْجِنَازَةُ أَوْ أُحْضِرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ وَالنَّاسُ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى * وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ واتفقوا عليه لماذ كرناه وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ الْجُوَيْنِيِّ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا بدل

لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ ضَيِّقٌ صَلَّاهُمَا ثُمَّ خَطَبَ لَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَذْكُرُ فِيهِمَا الْعِيدَ وَالْكُسُوفَ وَلَوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَاقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْجُمُعَةِ خَطَبَ لَهَا ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ لِلْكُسُوفِ وَإِنْ اقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْكُسُوفِ بَدَأَ بِهَا ثُمَّ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتَهَا وَذَكَرَ فِيهِمَا شَأْنَ الْكُسُوفِ وَمَا يُنْدَبُ فِي خُطْبَتَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ قال أَصْحَابُنَا وَيَقْصِدُ بِالْخُطْبَتَيْنِ الْجُمُعَةَ خَاصَّةً وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ الْجُمُعَةَ وَالْكُسُوفَ مَعًا لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فانه يقصد هما بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ هَكَذَا قَالُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أن ينوبهما بصلاة واحدة ولهذا لو نوى بر كعتين صَلَاةَ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ ضَمَّ إلَى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ نِيَّةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ ضمنا فلا يضر ذكر ها قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ يَعْنِي وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْعِيدِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ خَطَبَ لِلْجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَدَأَ بِالْكُسُوفِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ خَفَّفَهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا أَشْبَهَهَا قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى صَلُّوا الْكُسُوفَ فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِمِنًى صَلَّاهَا بِمَكَّةَ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ لِلْوُقُوفِ وَخَفَّفَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةَ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُوَ فِي الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْعَصْرِ

صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ وَدَعَا قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذلك الي طلوع الشمس ويخفف لكيلا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدِرَ قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلَاةِ الْقِيَامِ يَعْنِي التراويح بدأ بصلاة الخسوف * (فرع) اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَقَالَتْ هَذَا مُحَالٌ لِأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَكُسُوفَ الْقَمَرِ لَا يَكُونُ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعِ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسِ عَشَرَ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى يَزْعُمُهَا الْمُنَجِّمُونَ وَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَهُ فِيمَا يَقُولُونَ بَلْ نَقُولُ الْكُسُوفُ مُمْكِنٌ فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ المذكورين والله علي كل شئ قَدِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ مَا قُلْنَاهُ فَقَدْ ثبت في الصحيحين أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بِكَارٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وغير هما أنه توفى بوم الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ من

مسائل تتعلق بالكسوف

الْهِجْرَةِ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ وَأُصُولِ الْعَقَائِدِ وَأَيْضًا فَقَدْ نُقِلَ مُتَوَاتِرًا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّانِي) يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْعِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ بِأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَيَقَعُ الْعِيدُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ الَّذِي كُلِّفْنَاهُ (الثَّالِثِ) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا كَانَ تَصْوِيرُ الْفُقَهَاءِ لَهُ حَسَنًا لِلتَّدَرُّبِ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ وَتَنْقِيحِ الْأَفْهَامِ كَمَا يُقَالُ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ تَرْكُ مِائَةِ جَدَّةٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكُسُوفِ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكُسُوفِ لَا أَكْرَهُ لِمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ لَا للعجوز ولا للصببة شُهُودَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ أُحِبُّهَا لهن وَأَحَبُّ إلَيَّ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ أَنْ يُصَلِّينَهَا فِي بُيُوتِهِنَّ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُنَاكَ رَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَلَّى بِهِنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ صَلَّى بِهِنَّ فَلَا بَأْسَ قَالَ فَإِنْ صَلَّى النِّسَاءُ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ الْخُطْبَةُ لَكِنْ لَوْ ذَكَّرَتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدِي

لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ وَلَا لِأَحَدٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ فَيُصَلِّيهَا كُلُّ مَنْ وَصَفْت بِإِمَامٍ تَقَدَّمَهُ وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ إمَامًا وَيُصَلِّيهَا كَمَا وَصَفْت فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَكَذَلِكَ خُسُوفُ الْقَمَرِ قَالَ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الَّذِي وَصَفْت فَذَكَّرَهُمْ لَمْ أَكْرَهْهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا لنأكدها لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ " وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحَمَلَنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَا يدل عليه فان قوله ولا لاحد جلاز لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ وَهَذِهِ

الْعِبَارَةُ يَدْخُلُ فِيهَا الْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَقَدْ أَوْضَحَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابَيْ الْكُسُوفِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَفِي كُلِّ حِينٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا نَافِلَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا وَاجِبَانِ وُجُوبَ سُنَّةٍ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِمَا سُنَّةً وفى انه أرادتا كيد الامر بهما (وقوله) واجبان وجوب سنة ونحو الحديث الصحيح " غسل الجمعة واجب على مُحْتَلِمٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ (الرَّابِعَةُ) الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الركعة الاولي فقد أدرك كُلَّهَا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى بِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِهَا الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مدر كالشئ مِنْ الرَّكْعَةِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَالَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْقَوْمَةِ الَّتِي قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ إدْرَاكَ الرُّكُوعِ إذَا حَصَلَ بِهِ الْقِيَامُ الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ حُصُولُ السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْلَى وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ مِنْ الرَّكْعَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَصَلَّى بَقِيَّتَهَا سَوَاءٌ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَمْ دَامَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْجَلَتْ طَوَّلَهَا كَمَا طَوَّلَهَا

الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَتْ انْجَلَتْ خَفَّفَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ صَلَاةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ خَوْفٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ يصلي صلاة الخسوف صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا وماشيا فان أمكنه الخطبة والصلاة خطب والافلا يَضُرُّهُ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلُّوهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلُّوهَا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ هَذَا نَصُّهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ رُكُوعِ الْكُسُوفِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وركوعان وسجدتان وبه قال مالك واحمد واسحق وابو ثور وداود وغير هم وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هِيَ رَكْعَتَانِ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه خمس ركوعات في كل ركعة وعن اسحق أَنَّهَا تَجُوزُ رُكُوعَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَزَالُ يَرْكَعُ وَيَقُومُ وَيُرَاقِبُ الشَّمْسَ حَتَّى تَنْجَلِيَ فَإِذَا انْجَلَتْ سجدتم صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ فَقَالَ إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كفت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ

باب صلاة الاستسقاء

وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والنسأني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا وَأَجَابُوا عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ رُوَاةً (وَالثَّانِي) أَنَّا نحمل أحاديثا علي الا ستحباب وَالْحَدِيثَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الجوابين أبو إسحق المروزي والشيخ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ للكسوف وكان تاركا للافضل * * (باب صلاة الاستسقاء) * * قال المصنف رحمه الله * {وصلاة الاستسقاء سنة لما روى عباد بن تميم عن عمه قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقى فصلى ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه واستسقي " والسنة أن يكون في المصلى لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قحوط المطر فامر بمنبر فوضع له في المصلى " ولان الجمع يكثر فكان المصلي أرفق بهم} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَلَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَعَمُّ عَبَّادٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ المارني سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ

عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقِيلَ سَقَى نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَيْتُهُ جَعَلْت له سقيا وقحوط الْمَطَرِ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْحَاءِ - امْتِنَاعُهُ وَعَدَمُ نُزُولِهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَ عِبَادَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ قَالَ فِي الْأُمِّ وأصحابنا والاستسقاء أنواع (ادناها) الداعاء بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خَلْفَ صَلَاةٍ فُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ لِذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْسَنُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ (النَّوْعُ) الثَّانِي وَهُوَ أَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُقِيمُ مُؤَذِّنًا فَيَأْمُرُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الدُّعَاءِ فَمَا كَرِهْت مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) أَفْضَلُهَا وَهُوَ الِاسْتِسْقَاءُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَتَأَهُّبٍ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرُونَ وَيُسَنُّ لهم جميعا الصلاة والخطبتان ويستحب ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ إلَّا الْخُطْبَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الِاسْتِسْقَاءُ إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ وَانْقَطَعَ الْغَيْثُ أَوْ النَّهْرُ أَوْ الْعُيُونُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ وَبِالدُّعَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ وَلَمْ يَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُسْتَسْقَوْا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ دُونَ طَائِفَةٍ أَوْ أَجْدَبَتْ طَائِفَةٌ وَأَخْصَبَتْ طَائِفَةٌ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَسْتَسْقُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى سَبَبِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَتُقِيمُ الرَّعِيَّةُ الِاسْتِسْقَاءَ لانفسهم *

* قال المصنف رحمه الله * {إذا اراد الامام الخروج للاستسقاء وعظ الناس وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي لان المظالم والمعاصي تمنع القطر والدليل عليه ما روى أبو وائل عن عبد الله قال " إذا بخس المكيال حبس القطر " وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) قال دواب الارض تلعنهم يقولون يمنع القطر بخطاياهم ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج ويخرج في اليوم الرابع وهم صيام لقوله صلى الله عليه وسلم " دعوة الصائم لا ترد " ويأمرهم بالصدقة لانه ارجأ للاجابة ويستسقى بالخيار من أقرباء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال " اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا اليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ويستسقى بأهل الصلاح لما روى أن معاوية استسقى بيزيد بن الاسود فقال " اللهم انا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي بيزيد بن الاسود يا يزيد ارفع يديك إلي الله تعالي فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتي كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم " ويستسقى

بالشيوخ والصبيان لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا صبيان رضع وبهائم رتع وعباد لله ركع لصب عليهم العذاب صبا " قال في الام ولا آمر باخراج البهائم وقال أبو اسحق استحب اخراج البهائم لعل الله تعالي يرحمها لما روى ان سليمان صلي الله عليه وسلم " خرج ليستسقى فرأى نملة تستسقى فقال ارجعوا فان الله تعالى سقاكم بغيركم " ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لانهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه فان حضروا وتميزوا لم يمنعوا لانهم جاءوا في طلب الرزق والمستحب أن يتنظف للاستسقاء بغسل وسواك لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لها الغسل كصلاة الجمعة ولا يستحب أن يتطيب لها لان الطيب للزينة وليس هذا وقت الزينة ويخرج متواضعا متبذلا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا " ولا يؤذن لها ولا يقيم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسقى فصلي بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا " والمستحب أن ينادى لها الصلاة جامعة لانها صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة ولا يسن لها الآذان والاقامة فيسن لها الصلاة جامعة كصلاة الكسوف} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُهُ " ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَقَالَ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ " وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ مُعَاوِيَةَ بِيَزِيدَ مَشْهُورٌ وَحَدِيثُ " لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَلَفْظُهُ " مَهْلًا عَنْ اللَّهِ مَهْلًا فَإِنَّهُ لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا " وَأَمَّا حَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ النَّمْلَةِ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) وَعَظَ الْإِمَامُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَعْظُ التَّخْوِيفُ وَالْعِظَةُ الِاسْمُ مِنْهُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقُّ لَهُ الْقَلْبُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ يُقَالُ وَعَظْتُهُ وَعْظًا وَعِظَةً فَاتَّعَظَ أَيْ قَبِلَ الْمَوْعِظَةَ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ الْوَعْظُ وَالْمَوْعِظَةُ وَالْعِظَةُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ) الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْمَعَاصِي مُرَادُهُ بِالْمَظَالِمِ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَبِالْمَعَاصِي حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ التَّابِعِينَ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولم

يَرَهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ هو ابن مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ) وَقَالَ مجاهد الي آخر هَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ بِإِسْنَادِهِ عن البراء ابن عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ وهو ان اللاعنين كل شئ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقِيلَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وعن قتادة انهم الملائكة وقيل غيره (قوله) يَقُولُونَ يَمْنَعُ الْقَطْرَ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ يَقُولُونَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّوَابِّ تَقُولُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ

الْعُقَلَاءِ وَكَأَنَّهَا لَمَّا أُضِيفَ اللَّعْنُ إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الْعُقَلَاءِ حَسُنَ إجْرَاءُ لَفْظِهِمْ عَلَيْهَا كقوله تعالي (الهم رجل يمشون بها) الْآيَةَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون ورأيتهم لى ساجدين) وَنَظَائِرُهُ (قَوْلُهُ) قُحِطْنَا هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - وَالْقَحْطُ الْجُدُوبَةُ وَاحْتِبَاسُ الْمَطَرِ (وَقَوْلُهُ) فَتَسْقِينَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَاسْقِنَا بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وقطعها قوله كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ حَذْفُ أَنْ عَكْسُ عَسَى فَإِنَّ الْفَصِيحَ فِيهَا عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومَ وَيَجُوزُ عَسَى زَيْدٌ يَقُومُ (قَوْلُهُ) الصِّبْيَان بِكَسْرِ الصاد وضمها - لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) الْكَسْرُ وَمِثْلُهُ قُضْبَانٌ وَرِضْوَانٌ قَوْلُهُ شُيُوخٌ رُكَّعٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قِيلَ هُوَ جَمْعُ رَاكِعٍ أَيْ الْمُصَلِّي قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ الَّذِينَ انحنت ظهور هم مِنْ الشَّيْخُوخَةِ (قَوْلُهُ) مُتَبَذِّلًا أَيْ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي حَالِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ وَالتَّخَشُّعُ التَّذَلُّلُ وَالتَّضَرُّعُ وَالْخُضُوعُ فِي الدُّعَاءِ وَإِظْهَارُ الْفَقْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لَهَا الْغُسْلُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ

احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ عَنْ السُّنَنِ الراتبة (بقوله) وَالْخُطْبَةُ عَنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَنْ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنما قَاسَ عَلَيْهَا دُونَ الْعِيدِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الْعِيدِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ هَذِهِ الصَّلَاةِ ركعتان كسائر النوافل وأما الا كمل فَلَهَا آدَابٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا (أَحَدُهَا) إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ خَطَبَ النَّاسَ وَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَمُصَالَحَةِ الْمُتَشَاحِنِينَ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي الرَّابِعِ وَكُلُّهُمْ صِيَامٌ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَؤُلَاءِ لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَسْتَغْرِبُ النَّقْلَ فِيهَا لِعَدَمِ أُنْسِهِ قَالَ الْأَصْحَابُ والفرق بيه وَبَيْنَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَاقِفِ بِهَا تَرْكُ صَوْمِهِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الصَّوْمِ فِي الضَّعْفِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهُ آخِرَ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَاقِفَ بِعَرَفَاتٍ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَاقُّ السَّفَرِ وَالشُّعْثُ وَقِلَّةُ التَّرَفُّهِ وَمُعَالَجَةُ وَعْثَاءِ السَّفَرِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الصَّوْمُ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَضَعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْقِي فَإِنَّهُ فِي وَطَنِهِ لم ينله شئ مِنْ ذَلِكَ (الْأَدَبُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَسْقَى بِالْخِيَارِ مِنْ أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَبِالشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا فَفِي الصحيح أن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال " وهل تنصرون

وترزقوا إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فِي نَفْسِهِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَتَشَفَّعُ بِهِ وَيَتَوَسَّلُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي قِصَّةِ أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلي غارفا طبقت عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَتَوَسَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَالِحِ عَمَلِهِ فَأَزَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثًا مِنْ الصَّخْرَةِ وَخَرَجُوا يَمْشُونَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ سَادَةُ الْعَبِيدِ الْعَبِيدَ يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ قال والاماء مثل الحرائر أحب أن يأذن لِعَجَائِزِهِنَّ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ يَخْرُجْنَ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى سَادَتِهِنَّ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيُنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكِبَارُ النِّسَاءِ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ هَذَا نصه واتفق الاصحاب عليه (الثالث) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ (والثانى) يكره اخراجها حكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وهذا الوجه قوله ابى اسحق حَكَاهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ الْكُفَّارِ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا أَكْرَهُ مِنْ هَذَا كَرِجَالِهِمْ قَالَ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ بَالِغِيهِمْ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا خَفَّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ عِنَادًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ أَخَفُّ وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِمْ إذَا مَاتُوا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ

خروج أهل الذمة للاستسقاء

فِي الْكَبِيرِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ لَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ كُفَّارٌ وقد اختلف العلماء فيهم إذا ما توا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ (فَقَالَ) الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ وقالت طائفة لا يحكم لهم بجنة ولانار وَلَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ (وَقَالَ) الْمُحَقِّقُونَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ بِدَلَائِلِهِ (والجواب) عما يعارضبا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وسأذ كره مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في آخر كتاب الجنائز أوفى كِتَابِ الرِّدَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِخْرَاجُ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَآمُرُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْخُرُوجِ قَالَ فَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ فِي يوم خروج المسلمين اوفي غَيْرِهِ لَا يُمْنَعُونَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُمْنَعُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ فِي يَوْمِ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ فِي غَيْرِهِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَطَيَّبَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ فِي زِينَةٍ بَلْ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ وَأَنْ يَخْرُجَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا ماشيا ولا يركب في شئ من طريق ذهابه الالعذر كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسُ) لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ (السَّابِعُ) السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانُ وَالْحُيَّضُ وَالْبَهَائِمُ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَرْفَقُ بِهِمْ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَمَيِّزِينَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَكْحُولٌ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِمْ وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ وَاخْتَارَهُ ابن المنذر * قال المصنف رحمه الله *

{وصلاته ركعتان كصلاة العيد ومن أصحابنا من قال يقرأ في الاولى بق وفى الثانية بسورة نوح صلي الله عليه وسلم لان فيها ذكر الاستسقاء والمذهب انه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد لما روى ان مروان ارسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء فقال " سنة الاستسقاء الصلاة في العيدين الا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلب رداءه فجعل يمينه يساره ويساره يمينه وصلى ركعتين كبر في الاولى سبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الاعلى وقرأ في الثانية هل اتاك حديث الغاشية وكبر خمس تكبيرات "} . {الشرح} حديث ابن عباس ضعيف رواه الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عمر ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ فَذَكَرَهُ وَمُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ سَأَلْت أَبِي عَنْهُ فَقَالَ هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعِمْرَانُ بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ لَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ وَقَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ

لَيْسَ مُطَابِقًا لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ قرأ بسبح وهل اتاك ودعوى المصنف انه يقرأ قاف وافتربت (وجوابه) ان صلاة العيد شرع فيها قاف واقتربت وشرع ايضا سبح وهل أَتَاكَ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدَ الْمَشْرُوعَيْنِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُورَةَ نُوحٍ بِخِلَافِ مَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الوجه الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ والا صحاب صِفَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ ويكبر ويصليها رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَيَأْتِيَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ زَائِدَةٍ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ الزَّوَائِدِ كَمَا سَبَقَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَيَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ قَافٍ وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ فِي الْأُولَى قَافٌ وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَالَ وَإِنْ قَرَأَ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ عَنْ نَصِّهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ كُلًّا سَائِغٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْأَفْضَلِ خِلَافُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قُلْت اتَّفَقَ

أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ إنا أرسلنا نوحا كَانَ حَسَنًا فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ كَانَ حَسَنًا أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لَوْ حَذَفَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ زَادَ فِيهِنَّ أَوْ نَقَصَ مِنْهُنَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَهَلْ يَقْضِي الْمَأْمُومُ التَّكْبِيرَاتِ فِيهِ

الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ (الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ) لَا يَقْضِي هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ حُكْمُ التَّكْبِيرَاتِ هُنَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وِفَاقًا وَخِلَافًا * (فَرْعٌ) فِي وَقْتِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَقْتُهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَالَ الشيخ ابو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ (والوجه الثاني) اول وقتها أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بَلْ تَجُوزُ وَتَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ إلَّا أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَصْوَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ لَمْ أَرَ التَّخْصِيصَ بِوَقْتٍ لِغَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَا تختص

بِيَوْمٍ فَلَا تَخْتَصُّ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهٌ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ بِوُجُودِهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي اضفته إلَيْهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ كَيْفَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ هَذَا نَصُّهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصَحِّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَلَى الْأَصَحِّ فَنَصُّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بوقت أصلا * * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لحديث أبى هريرة والمستحب أن يدعوا في الخطبة الاولى فيقول اللهم " اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك مالا نشكوا الا اليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء اللهم ارفع عنا الجهدو الجوع والعرى

واكشف عنا مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " والمستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية ويحول ما علي الايمن إلي الايسر وما علي الايسر إلى الايمن لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خرج إلى المصلي يستسقى فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الايمن على الايسر والايسر علي الايمين " فان كان الرداء مربعا نكسه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وان كان مدورا اقتصر على التحويل لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " استسقي وعليه وخميصه له سوادء فأراد أن يأخذ بأسفلها

فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها علي عاتقه " ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك لما رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول رداءه وقلبه ظهر البطن وحول الناس معه " قال الشافعي وإذا حولوا ارديتهم تركوها؟ محولة لينزعوها مع الثياب لانه لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرها بعد التحويل ويستحب أن يدعو في الخطبة الثانية سرا ليجمع في الدعاء بين الجهر والاسرار ليكون أبلغ ولهذا قال الله تعالي (انى أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستسقاء فانه كان يرفع يديه حتى يرى بياض ابطيه " * ويستحب أن يكثر في الاستغفار من قوله تعالي (واستغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) لما روى الشعبى أن عمر رضى الله عنه " خرج يستسقى فصعد المنبر فقال " استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم أنهارا استغفروا ربكم انه كان غفارا ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين لو استسقيت فقال لقد طلبت بمجاديح السماء التى يستنزل بها القطر "} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَى قَوْلِهِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَأَمَّا تَمَامُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ حَدِيثُ الْخَمِيصَةِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ * وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا إلَى آخِرِهِ فَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَهُ إلَى آخِرِهِ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ اسْقِنَا يَجُوزُ وَصْلُ الْهَمْزَةِ وَقَطْعُهَا كَمَا سَبَقَ (وَقَوْلُهُ) غَيْثًا هُوَ الْمَطَرُ (قَوْلُهُ) مُغِيثًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ - وَهُوَ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ فَيَرْوِيهِمْ وَيُشْبِعُهُمْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مُنْقِذًا لَنَا مِمَّا اسْتَسْقَيْنَا مِنْهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَاثَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ أَيْ أَصَابَهَا وَغَاثَ اللَّهُ الْبِلَادَ أَيْ أَصَابَهَا بِهِ يَغِيثُهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ غَيْثًا وَغِيثَتْ الْأَرْضُ تغاث غيثا فهي مغيثة ومغيوثة هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَاثَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَرْضَ يَغِيثُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَرَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " بِالْأَلِفِ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ وَلَيْسَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ إنَّمَا يُقَالُ فِي طَلَبِ الْغَيْثِ غِثْنَا قَالَ الْقَاضِي

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ أَيْ هَبْ لَنَا غَيْثًا أَوْ اُرْزُقْنَا غَيْثًا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا عَلَى لُغَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ) هَنِيئًا هُوَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تَعَبَ وَقِيلَ هُوَ الطَّيِّبُ الَّذِي لَا يَنْقُصُهُ شئ قَوْلُهُ مَرِيئًا مَهْمُوزٌ هُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ مُسَمِّنًا للحيوان منمياله (قَوْلُهُ) مَرِيعًا ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ - بِفَتْحِ الْمِيمَ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْمَرَاعَةِ وَهِيَ الْخِصْبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمَرِيعُ ذوالمراعة وَأَمْرَعَتْ الْأَرْضُ أَخْصَبَتْ وَقِيلَ الْمَرِيعُ الَّذِي يُمْرِعُ الْأَرْضَ أَيْ تُنْبِتُ عَلَيْهِ وَرَوَى مُرْبِعًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَرُوِيَ مُرْتِعًا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُمَا بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ) غَدَقًا هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ وقيل الذى قطره كبار (قوله) مجللا هو بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ نَفْعُهُ وَيَتَغَشَّاهُمْ خَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يجلل الارض أي يَعُمَّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ (قَوْلُهُ) طَبَقًا - بِفَتْحِ الطَّاءِ والباء - قال الازهرى هو الَّذِي يُطْبِقُ الْبِلَادَ مَطَرُهُ فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ عَامًّا طبقا قَالُوا بَدَأَ بِالْعَامِّ ثُمَّ أَتْبَعَهُ الطَّبَقَ لِأَنَّهُ صِفَةُ زِيَادَةٍ فِي الْعَامِّ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا وَهُوَ طَلٌّ يَسِيرٌ (قَوْله) سَحًّا هُوَ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسُحُّ - بِضَمِّ السِّينِ - فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْقُنُوطُ الْيَأْسُ (اللَّأْوَاءُ) بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ الْجَهْدُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَقِيلَ يَجُوزُ ضَمُّهَا قِلَّةُ الْخَيْرِ وَالْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ وَأَرْض جِهَادٌ أَيْ لَا تُنْبِتُ شيئا (الضنك) الضيق مالا نشكوا إلَّا إلَيْك بِالنُّونِ وَبَرَكَاتُ السَّمَاءِ كَثْرَةُ مَطَرِهَا مَعَ الرِّيعِ وَالنَّمَاءِ وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَمَرْعًى وَلَمْ

يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ) فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي الْحَدِيثِ وَفِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فَأَرْسِلْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالسَّمَاءُ هُنَا السَّحَابُ وَجَمْعُهَا سُمِيٌّ وَأَسْمِيَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُ فِي تَفْسِيرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا الْمَطَرَ أَوْ السَّحَابَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّمَاءَ الْمُظِلَّةَ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهَا إلَى السَّحَابِ وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدَّرِّ وَالْقَطْرِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَيْثًا مُغِيثًا (قَوْلُهُ) فَإِنْ كَانَ الرداء مربعا نكس هُوَ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ بتشديدها ومن الاول قوله تعالي (ناكسوارء وسهم) وَقُرِئَ قَوْله تَعَالَى (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ لَهُ عَلَمَانِ فِي طرفبه وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَخَزٍّ وَقِيلَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ وَهَذَا يُوَافِقُ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ قَوْلَهُ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَيْرَ سَوْدَاءَ (وَقَوْلُهُ) بِمَجَادِيحِ وَاحِدُهَا مِجْدَحٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِجْدَحُ كُلُّ نَجْمٍ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ يُمْطَرُ بِهِ فَأَخْبَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ الْمَجَادِيحُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْقَطْرُ لَا الْأَنْوَاءُ وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّشْبِيهَ وَقِيلَ مَجَادِيحُهَا مَفَاتِيحُهَا وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِمَفَاتِيحِ السَّمَاءِ (وَقَوْلُهُ) كَانَ لا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستقاء وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَفْعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ

وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا سَبَقَ ذِكْرُ أَكْثَرِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ لَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ وَقَدْ رَآهُ غَيْرُهُ يَرْفَعُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَمْ يَرْفَعْ كَمَا يَرْفَعُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ فِيهِ رَفْعًا بَلِيغًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشَارَ بِظُهُورِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ أَرْكَانُهُمَا وَشُرُوطُهُمَا وهيآتهما كَمَا سَبَقَ فِي الْعِيدِ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْجُلُوسِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ اسْتِحْبَابُهُ لَكِنْ يُخَالِفُهَا فِي ثَلَاثَةِ أشياء (أحداها) يستحب ان يبدل التكببرات الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى تِسْعَ مَرَّاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعًا وَلَا يُكَبِّرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " وَيَخْتِمُ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ

وَمِنْ قَوْله تَعَالَى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غفار) الْآيَةَ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا يَخْطُبُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ اللَّهَ فِيهِمَا وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ هَذَا نَصُّهُ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِغْفَارِ تِسْعًا فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَسَبْعًا فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طرقهم (الثاني) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى دُعَاءٍ غَيْرِهِ جَازَ لَكِنَّ هَذَا أَفْضَلُ وَمِنْ الدُّعَاءِ الْمُسْتَحَبِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حين " (الثالث) يستحب أن يكن في الخطبة الاولي صدر الثَّانِيَةِ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا وَإِذَا أَسَرَّ دَعَا النَّاسُ سِرًّا وَإِذَا جَهَرَ أَمَّنُوا وَيَرْفَعُونَ كُلُّهُمْ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِدَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَإِنْ دَعَا لطلب شئ جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ

فِي هَذِهِ الْحَالَةِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا " فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَقَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَتَيْنِ ويقول استغفر الله لي ولكم هذا لفط الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ومن قول (استغفروا ربكم انه كان عفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم انهارا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَسْقَى " فَكَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ يَبْدَأُ بِهِ دُعَاءَهُ وَيَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِهِ وَيَخْتِمُ بِهِ وَيَكُونُ هُوَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْكَلَامُ قُلْت وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ عِنْدَ الْكَرْبِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا (اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ تَحَوُّلِهِ فِي صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْكُسَهُ مَعَ التَّحْوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا وَيُقَالُ لَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لَمْ يُسْتَحَبَّ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْوِيلِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الجديد الصحيح)

وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ نَكْسُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ قَالَ الْأَصْحَابُ التَّحْوِيلُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَبِالْعَكْسِ وَالنَّكْسُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّحْوِيلُ وَالنَّكْسُ جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب ويفعل الناس بارديتهم كفعل الامام قالوا والحكمة في التحويل والنكس التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَنْزِعُوا الثِّيَابَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ

يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَبْقَى كَذَلِكَ فِي مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَنْزِعُوا ثِيَابَهُمْ تِلْكَ سَوَاءٌ نَزَعُوهَا أَوَّلَ وُصُولِهِمْ الْمَنَازِلَ أَمْ بعده * * قال المصنف رحمه الله * {قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنْ صَلَّوْا وَلَمْ يُسْقَوْا عَادُوا مِنْ الْغَدِ وَصَلَّوْا وَاسْتَسْقَوْا وَإِنْ سُقُوا قبل ان يصلوا صلوا شكرا وطلبا للزيادة}

{الشَّرْحُ} فِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَسْقَوْا بِالصَّلَاةِ فَسُقُوا لَمْ يُشْرَعْ صَلَاةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسْقَوْا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَسْقُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا وَهَلْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ لِلِاسْتِسْقَاءِ أَمْ يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ وَغَيْرِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ (أَحَدُهُمَا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ وَيُصَلُّونَ وَيَسْتَسْقُونَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ يَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُخَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَلَفْظُهُ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ كُلَّمَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا قَبْلَ عَوْدِهِ ثَلَاثًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ كَيْفَ يَبْتَدِئُ الِاسْتِسْقَاءَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ يُضِيفُونَ هَذَا النَّصَّ إلَى الْقَدِيمِ فَقَطْ فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ عَنْ ابى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ (وَالثَّانِي) يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَغَيْرَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَلَمْ يَنْقَطِعُوا عَنْ مَعَايِشِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْغَدِ وَإِلَّا أَخَّرَهُ وَتَأَهَّبُوا وَبِهَذَا قَطَعَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ)

نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ نَقَلَ الْمُزَنِيّ الْجَوَازَ وَالْقَدِيمُ الِاسْتِحْبَابُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَجَمَاهِيرَ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ لَيْسَ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ غَيْرُ هَذِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَسُقُوا قَبْل ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِسْقَاءِ لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى

عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَطَلَبًا لِلزِّيَادَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ سُقُوا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِصِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْمِيَاهُ وَأَرَادُوا الصَّلَاةَ لِلِاسْتِزَادَةِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَشْهَرَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَسَبْقُ فلم أَوْ غَبَاوَةٌ وَإِلَّا فَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي

أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَلَوْ كَانُوا يُمْطَرُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ الْخُرُوجَ بِهِمْ فِيهِ اسْتَسْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ الي انقطاع المطر * قال المصنف رحمه الله * {ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة لحديث عمر رضي الله عنه ويستحب لاهل الخصب أن يدعوا لاهل الجدب ويستحب إذا جاء المطران يقولوا اللهم صيبا هنيئا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رأى المطر قال ذلك " ويستحب أن يتمطر لاول مطر لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أصابنا مطر وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا فقال أنه حديث عهد بر به " ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ويتوضأ منه لما روى أنه جرى الوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجوا بنا إلى هذا الذى سماه الله طهورا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه " ويستحب لمن سمع الرعد أن يسبح لما روى ابن عباس قال " كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال لنا كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك فقلنا فعوفينا "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الْوَادِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا وَالْخِصْبُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ - وَالْجَدْبُ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الْقَحْطُ (قَوْلُهُ) اللَّهُمَّ صَيِّبًا هُوَ بفتح الصاد - وبعدها ياء مشاة مِنْ تَحْتُ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - هَكَذَا صَوَابُهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ اللَّهُمَّ صَبًّا بِحَذْفِ الْمُثَنَّاةِ وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ فَالصَّيِّبُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَطَرُ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الصَّيِّبُ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ مِنْ قَوْلِهِمْ صَابَ يَصُوبُ إذَا نَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ إلى سفل وَقِيلَ الصَّيِّبُ السَّحَابُ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ فَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ صُبَّهُ عَلَيْنَا صَبًّا وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ اللَّهُمَّ سَيْبًا نَافِعًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَالسَّيْبُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - وَهُوَ الْعَطَاءُ (وَقَوْلُهُ) يَتَمَطَّرُ يَتَفَعَّلُ مِنْ الْمَطَرِ وَمَعْنَاهُ يَتَطَلَّبُ وَيَتَحَرَّى نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ بِبُرُوزِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ حَسَرَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَالسِّينُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ كَشَفَ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ حَسَرَ بَعْضَ بَدَنِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ عَهْدٍ

بِرَبِّهِ أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ أَوْ تَنْزِيلِهِ وَالْحَدِيثُ الْقَرِيبُ وَقَوْلُهُ رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرَدٌ فَالْبَرَدُ هُنَا - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ - وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِبَرْدٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلُ إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هَذَا أَحَدُهَا وَدَلِيلُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِكُلِّ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلصَّلَاةِ وظاهر كلامهم أنه لاتشرع الصَّلَاةُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَسْتَسْقِي أَهْلُ الْخِصْبِ لاهل الجدب (الثالثة) السنة أن يدعوا عند

مسائل تتعلق بباب الاستسقاء

نُزُولِ الْمَطَرِ بِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ فَيَقُولَ " اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيًّا وَسَيْبًا نَافِعًا " وَيُكَرِّرَهُ الرَّابِعَةُ السُّنَّةُ أَنْ يَكْشِفَ بَعْضَ بَدَنِهِ لِيُصِيبَهُ أَوَّلُ الْمَطَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي السَّنَةِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ وَيَكْشِفَ مَا عَدَا عَوْرَتَهُ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ وَلَفْظُ الشافعي في اول مطرة وَكَذَا لَفْظُ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْبَاقِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ وَقَدْ مُطِرَتْ السَّمَاءُ " أَخْرِجْ فِرَاشِي وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي " (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا سَالَ الْوَادِي أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الرَّعْدِ أَنْ يُسَبِّحَ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ " سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ " * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ (إحْدَاهَا) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا صَحَّتْ خُطْبَتُهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَكْمَلِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ وحكاه العبدرى عن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى هَؤُلَاءِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ القلبلة ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت " شكي النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ بِالْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَتْ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَرَكَ الامام الاستسقاء لم يتركه الناس قال الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا كَانَ جَدْبٌ أَوْ قِلَّةُ مَاءٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ فِي حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أُحِبَّ لِلْإِمَامِ التَّخَلُّفَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ تَخَلَّفَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي تَخَلُّفِهِ وَتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا إذَا خَلَتْ الْأَمْصَارُ مِنْ الْوُلَاةِ قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا قَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدَّمُوا عبد الرحمن

ابن عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ حِينَ تَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمَطَرِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ ثُمَّ سُقِيَ النَّاسُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فَيُوَفِّيَ نَذْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ لِيَسْتَسْقِيَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ قال وأحب أن يخررج ممن أطاعه منهم من ولده وغير هم قال فان كان في نذر، أَنْ يَخْطُبَ خَطَبَ وَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ جَالِسًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِيَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَالِيًا وَلَا مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِالذِّكْرِ طَاعَةٌ قَالَ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ فَلَهُ أَنْ يَخْطُبَ جَالِسًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ فِي رُكُوبِهِ الْمِنْبَرَ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَذَا الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ قَالَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَمَعَهُ نَاسٌ لَمْ يَحْصُلْ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ إلَّا بِالْخُطْبَةِ قَائِمًا لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهَا إذَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ قَائِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ نَذْرِهِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَسْتَسْقِيَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ اسْتَسْقَى فِي بَيْتِهِ أَجْزَأَهُ هَذَا آخِرُ نَصِّهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الْبَابِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فِيهِ خلاف مبنى على أن النذر يسلك به مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَمْ مَسْلَكَ وَاجِبِهِ (الرَّابِعَةُ) قال الشافعي والاصحاب وإذا كثرت المطار وتضرر الناس بها فالسنة أن يدعى بِرَفْعِهَا اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْرَعُ لِذَلِكَ صَلَاةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ

وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وانقطعت السبل فادع الله بغثنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " قَالَ أَنَسٌ وَاَللَّهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ يَعْنِي الْجَبَلَ الْمَعْرُوفَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذك الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ الله أن يمسكها عنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فِي أَثْنَاءِ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ لِطَلَبِ الْمَطَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا علينا فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ (الْخَامِسَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقال هل تدرون ماذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ الْمُلْحِدِينَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِبَادَ قِسْمَانِ قَالُوا فَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي إثْرِ الْمَطَرِ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَإِنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَأَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ صُنْعٌ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ خَارِجٌ مِنْ الْمِلَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ يُوقِعُ اللَّهُ الْمَطَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لِلنَّوْءِ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرَ جُحُودٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا ضَعِيفًا مُرْسَلًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ * (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَمْ تَزَلْ

الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْإِشَارَةَ إلَى الْبَرْقِ وَالْمَطَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ الرَّعْدُ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ أَجْنِحَتُهُ يَسُقْنَ السَّحَابَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَشْبَهَ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيَاحَ فَإِنَّهَا خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى مُطِيعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنِقْمَةً إذَا شَاءَ * وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَعَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صلي الله عليه وسلم لا نسبوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشْتَدَّتْ الرِّيحُ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَقَحًا لَا عَقِيمًا " رواه ابن السني باسناد صحيح ومعنى لفحا حامل للماء كالمقحة من الابل والعقيم التي لاماء فيبا كَالْعَقِيمِ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا وَلَدَ فِيهَا وَعَنْ أنس عن رسول الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا وَقَعَتْ كَبِيرَةٌ أَوْ هَاجَتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُجْلِي الْعَجَاجَ الْأَسْوَدَ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ في الام اخبرني من لا انهم وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا هَبَّتْ رِيحٌ إلَّا جَثَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا ولا تجعلها رِيحًا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى (انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وأرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح وأرسلنا الرياح مبشرات " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نُصِرْت بِالصَّبَا

وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " أُمِرْنَا أَنْ لَا نُتْبِعَ أبصارنا الكواكب إذَا انْقَضَّ وَأَنْ نَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ما من ساعة من ليل ولانهار إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ فِيهَا يَصْرِفُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ " وَبِإِسْنَادٍ لَهُ ضَعِيفٍ عَنْ كَعْبٍ " أَنَّ السُّيُولَ سَتَعْظُمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ اخبرنا سفيان عن عمر وبن دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " جَاءَ مَكَّةَ سَيْلٌ طَبَقٌ مَا بين الجبلين " إسْنَادٌ صَحِيحٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْإِمْطَارَ فِي كِتَابِهِ إلَّا لِلْعَذَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " وَأَمْطَرْنَا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا اختاره فقد ثبت عن أنس ابن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ (قَوْلُهُ) ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُخَالِفِ إنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْطَرَ إلَّا فِي الْعَذَابِ فَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ أَمْطَرَ فِي الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ الْغَيْثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَالُوا هذا عارض ممطرنا) وَهُوَ مِنْ أَمْطَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْغَيْثَ وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عذاب اليم) *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ كَمَا قال ليس سجود الشكر بشئ أي ليس مسنونا وكما قال دعا النسا ليلة عرفة بالامصار وليس بشئ * واحتج له بقوله تعالى (استغفرا ربكم انه كان غفارا) وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ) وَبِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ " مِنْهَا حَدِيثُ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ " وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَكَوْا إلَيْهِ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهَا فَخَطَبَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ (وَعَنْ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنَى سن له الا جتماع وَالْخُطْبَةُ فَسُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَيْسَ فِيهَا

نَفْيُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الِاسْتِغْفَارُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَبِالصَّلَاةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَمْ نُخَالِفْ الْآيَةَ (الثَّانِي) أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَلِلْأُصُولِيَّيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ خِلَافٌ فِي الاحتجاج به إذا لم يردشر عنا بِمُخَالَفَتِهِ أَمَّا إذَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالصَّلَاةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ وَفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِعْلٌ لِأَحَدِ أَنْوَاعِ الِاسْتِسْقَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا بَيَانَهَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ نَوْعٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيَانُ نَوْعٍ آخَرَ فَلَا تَعَارُضَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الصَّلَاةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الزَّلَازِلِ أَنَّهَا لَمْ يُسَنَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ بينت في الصَّلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ الزَّلَازِلِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا دُونَ الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَالْعِيدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بن

عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وقال مالك وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الْخُطْبَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يوسف

كتاب الجنائز

وَمُحَمَّدٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ انه لا خطبة وانما يدعوا وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِسْقَاءُ بِالصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ كَرَاهَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِدُعَاءٍ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ * {كِتَابُ الْجَنَائِزِ} {بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ} الْجِنَازَةُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - لَا غَيْرُ وَهُوَ مشتق من جنز

- بفتح الجيم - بجنز - بِكَسْرِ النُّونِ - إذَا سُتِرَ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ والموت مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ وَقَدْ مَاتَ الْإِنْسَانُ يَمُوتُ وَيُمَاتُ - بِفَتْحِ الْيَاءِ - وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - وَقَوْمٌ مَوْتَى وَأَمْوَاتٌ وَمَيِّتُونَ وَمَيْتُونَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيَسْتَوِي فِي مَيِّتٍ وَمَيْتٍ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ الله تعالى (ليحي به بلدة ميتا) وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَةً وَيُقَالُ أَيْضًا مَيْتَةٌ كَمَا قال تعالى (الارض الميتة) وَيُقَالُ أَمَاتَهُ اللَّهُ وَمَوَّتَهُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * {الْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا صحابه " اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ قَالُوا إنَّا نَسْتَحْيِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ ليس كذلك ولكن من استحيى مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ومن فعل ذلك فقد استحيي مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ جَمَاعَةً يَحْفِرُونَ قَبْرًا فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى بِدُمُوعِهِ وَقَالَ إخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ جَامِعِهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمَعْنَى فَأَعِدُّوا أَيْ تَأَهَّبُوا وَاتَّخِذُوا لَهُ عُدَّةً وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِلْحَوَادِثِ (وَقَوْلُهُ) الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمَظَالِمُ الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ وَبِالثَّانِي الْمَعَاصِي الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَحَالَةُ الْمَرَضِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ رَقَّ قَلْبُهُ وَخَافَ

فَيَرْجِعُ عَنْ الْمَظَالِمِ وَالْمَعَاصِي وَيُقْبِلُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيُكْثِرُ مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ حَدِيثِ " اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمنكبى فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ " إذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِك لِمَرَضِكَ وَمِنْ حياتك لموتك " * قال المصنف رحمه الله * {ومن مرض استحب له أن يصبر لما روى ان امرأة جاءت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله ادع الله ان يشفينى فقال " ان شئت دعوت الله فشفاك وان شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت اصبر ولا حساب علي) ويستحب أن يتداوى لما روى أبو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ان الله تعالى أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فتداووا ولا تداووا بالحرام " ويكره أن يتمنى الموت لما روى أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فان كان لابد متمنيا فليقل اللهم أحينى ما دامت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لى} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَبَتْ رَوَاهُ الْبَغَوِيّ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ انى امرأة اصرع واني انكشف فَادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يستحب للمريض ومن به سقم وغيه من عوارض الا بدان أَنْ يَصْبِرَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ وَقَدْ جَمَعْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّبْرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَيَكْفِي فِي فَضِيلَتِهِ قَوْله تَعَالَى (انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وَيُسْتَحَبُّ التَّدَاوِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي التَّدَاوِي وَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِيَ تَوَكُّلًا فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُكْرَهُ لِخَوْفِ

فِتْنَةٍ فِي دِينِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ السَّلَفِ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِلْخَوْفِ عَلَى دِينِهِ * (فَرْعٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الدَّوَاءِ والتداوى * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كأنما علي رؤوسهم الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ ههنا وههنا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَتَدَاوَى قَالَ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " إنَّ بَطْنَ أَخِي قَدْ اسْتَطْلَقَ فَقَالَ اسْقِهِ الْعَسَلَ فَأَتَاهُ فَقَالَ قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لِلشُّونِيزِ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " التلبينة مجمة فؤاد الْمَرِيضِ وَتُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ التلببنة حساء من دقيق ويقال له التليين أَيْضًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيَاضَ اللَّبَنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تكرهوا مرضا كم عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ " (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا تتعلق بالتداوي ونحوه *

* قال المصنف رحمه الله * {وينبغى أن يكون حسن الظن بالله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله تعالي "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ فِي مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَعْنَى يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أن الله تعالي يرحمه ويرجوا ذَلِكَ وَيَتَدَبَّرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي كَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ وَمَا يَنْشُرُهُ مِنْ الرَّحْمَةِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ الْخَطَّابِيُّ فَذَكَرَ مَعَهُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ فَمَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يعتر بِهِ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَمُعَانَاتُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ رَاجِيًا رَحْمَتَهُ وَأَمَّا فِي حَالِ الصِّحَّةِ ففيه وجهان لا صحابنا حكاهما القاضى حسين وصاحبه المتولي وغيرهما (احدها) يَكُونُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَوَاءً (وَالثَّانِي) يَكُونُ خَوْفُهُ أَرْجَحَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَدَلِيلُهُ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَقْرُونَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (يَوْمَ تبيض وجوه وتسود وجوه ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم فاما من أوتى كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله)

وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ الا القوم الخاسرون) وقال (لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) وَقَدْ تَتَبَّعْت الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْوَارِدَةَ فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَجَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ فَوَجَدْت أَحَادِيثَ الرَّجَاءِ أَضْعَافَ الْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ الرَّجَاءِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُطْمِعَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحُثَّهُ عَلَى تَحْسِينِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنْ يَذْكُرَ لَهُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ فِي الرَّجَاءِ وَيُنَشِّطَهُ لِذَلِكَ وَدَلَائِلُ مَا ذَكَرْته كَثِيرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ ذَكَرْت مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَبِعَائِشَةَ أَيْضًا وَفَعَلَهُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ العاص بابيه وكله في الصحيح * قال المصنف رحمه الله * {وتستحب عيادة المريض لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَرَنَا " رَسُولُ اللَّهِ

صلي الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض " فان رجاه دعا له والمستحب أن يقول أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك عافاه الله من ذلك المرض " وإن رآه منزولا به فالمستحب أن يلقنه قول لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لقنوا موتا كم لا اله الا الله " وروى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " من كان آخر كلامه لا اله الا الله وجببت له الجنة " ويستحب أن يقرأ عنده سورة يس لما روى معقل بن يسار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " اقرؤا على موتا كم يعني يس " ويستحب أن يضطجع علي جنبه " الايمن مستقبل القبلة لما روت سلمي أم ولد رافع قالت " قالت فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عنها ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة ثم قامت فاغتسلت كاحسن ما يغتسل ولبست ثيابا جددا ثم قالت تعلمين اني مقبوضة الآن ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطِّبِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود والترمذي والنسائي يزيد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْحَاكِمِ كَوْنُهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ عَبْدُ رَبِّهِ بن سعيد بدل ابي خالد

الدَّالَانِيِّ وَعَبْدُ رَبِّهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مُعَاذٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُمَا دَخَلَ الْجَنَّةَ بَدَلَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولَانِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَلْمَى فَغَرِيبٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مَمْدُودٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ قَصْرُهُ وَعَازِبٌ صَحَابِيٌّ (وَقَوْلُهُ) أَمَرَنَا أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَرَنَا بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ وعيادة المريض (قوله) مَنْزُولًا بِهِ أَيْ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (وَقَوْلُهُ) صلي الله عليه وسلم لفتوا مَوْتَاكُمْ أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ باب تسمية الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) وَمَعْقِلٌ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَأَبُوهُ يَسَارٌ - بِيَاءٍ ثُمَّ سِينٍ - وَمَعْقِلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو يَسَارٍ وَسَلْمَى - بِفَتْحِ السِّينِ - وَقَوْلُهُ أُمُّ وَلَدِ رَافِعٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ أُمُّ رَافِعٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِ أَبِي رَافِعٍ وَهِيَ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ مَوْلَاةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَكَانَتْ سَلْمَى قَابِلَةَ بني فاطظمة وَقَابِلَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ وَلَدِهِ (وَقَوْلُهَا) ثِيَابًا جُدُدًا - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ - جَمْعُ جَدِيدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ فَتْحُ الدَّالِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ وَحُذَّاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُشَدَّدًا مِنْ هَذَا الْوَزْنِ مِمَّا ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ سَوَاءٌ الْأَجْوَدُ ضَمُّ ثَانِي جمعه ويجوز فتحه كسور وذلك ونظائر هما وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَنَقْلِهِمْ فِيهِ في تهذيب الاسماء واللغات * وأما الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ

أَنْ يَعُمَّ بِعِيَادَتِهِ الصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَمَنْ يَعْرِفُهُ ومن لا يعرفه لعموم الاحاديث وأما الذى فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَوْلَ صَاحِبِ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ عِيَادَةَ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ وَالْقُرْبَةَ فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ مُتَعَيَّنٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رأسه فقال له اسلم فنظر إلى ابنه وهو عنده فقال له اطع ابا القسم فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِيَادَةُ غِبًّا لَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا قُلْت هَذَا لِآحَادِ النَّاسِ أَمَّا أَقَارِبُ الْمَرِيضِ وَأَصْدِقَاؤُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَأْتَنِسُ بِهِمْ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِمْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَرَوْهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلْيُوَاصِلُوهَا مَا لَمْ يُنْهَ أَوْ يَعْلَمْ كَرَاهَةَ الْمَرِيضِ لِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا عَادَهُ كُرِهَ إطَالَةُ الْقُعُودِ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْجَارِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْعِيَادَةُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ بِرَمَدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ " عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْعَائِدِ إذَا طَمِعَ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ سَوَاءٌ رَجَا حَيَاتَهُ أَوْ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ رَجَاهُ وجاء في الدعاء للمريض أحاديث صحيحة كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَجَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ

يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ - وَفِي رِوَايَةٍ - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لِثَابِتٍ أَلَا أَرْقِيك بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلَى قَالَ " اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَأْسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ

أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عَادَنِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَعُودُهُ قَالَ " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ باسم الله أرقيك من كل شئ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حاسد الله بشفيك بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا رَآهُ مَنْزُولًا بِهِ قَدْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ استحب أن

يُلَقَّنَ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُلَقِّنُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ يُلَقِّنُهُ الشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَذَكُّرُ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلِحَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَقُولَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَشْيَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَيَقُولَ لَا أَقُولُ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَلَكِنْ يَقُولُهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مُعَرِّضًا لَهُ لِيَفْطِنَ فَيَقُولَهَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَوْ يَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قَالُوا وَإِذَا أَتَى بِالشَّهَادَةِ مَرَّةً لَا يُعَاوِدُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا بِكَلَامٍ آخَرَ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بكررها عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وصاحب العدة وغير هم قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ وَارِثٍ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ تَلْقِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا الْوَرَثَةُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يُلَقِّنُهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ حَاسِدًا أَوْ نَحْوَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ سُورَةَ يس

هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ سُورَةَ الرَّعْدِ أَيْضًا (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى قَفَاهُ وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ مذهب مالك وأبى حنيفة يضحع عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ لم يمكن فعلى ففاه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ لِلْمَسْأَلَةِ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ الْفِطْرَةَ وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ وَقَدْ فَعَلْت " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ في توجيه المختضر إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَرِيضِ ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر عَلَى مَا يَشُقُّ مِنْ أَمْرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قرب موته يسبب حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) *

(فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْمَوْتِ فِي بَلَدٍ شَرِيفٍ لِحَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ عمر رضى الله عنه اللهم ارزقتى شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت أَنَّى يَكُونُ هَذَا فَقَالَ يَأْتِينِي بِهِ اللَّهُ إذَا شَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * (فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكْرَهَ الْمَرِيضُ عَلَى الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا دَخَلْت عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ وَعْظُ الْمَرِيضِ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ وَيَنْبَغِي لَهُ هُوَ المحافظة علي ذلك قال الله تعالي (واوفو بالعهد ان العهد كان مسئولا) * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْسِينِ خُلُقِهِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ هَذَا آخِرُ أَوْقَاتِهِ فِي دَارِ الْأَعْمَالِ فَيَخْتِمَهَا بِخَيْرٍ وَأَنْ يَسْتَحِلَّ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَسَائِرَ أَهْلِهِ وَغِلْمَانِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة أو مصاحبة أو تعلق ويرضبهم وَأَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ

يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ يُخَذِّلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ وَهَذَا الْمُخَذِّلُ هُوَ الصَّدِيقُ الْجَاهِلُ الْعَدُوُّ الْخَفِيُّ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَبِتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْثَارُ الْبُكَاءِ وَيُوصِيَهُمْ بِتَرْكِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ ويتعاهده بالدعاء له وبالله التوفيق * * قال المصنف رحمه الله * {فإذا مات تولي ارفقهم به اغماض عينيه لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابى سلمة فاغمض بصره ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البصر ولانها

إذا لم تغمض بقيت مفتوحة فيفتح منظره ويشد لحييه بعصابة عريضة تجمع جميع لحييه يشد العصابة على رأسه لانه إذا لم يفعل ذلك استرخي لحيه وانفتح فمه ققبح منظره وربما دخل الي فيه شئ من الهوام وتلين مفاصله لانه أسهل في الغسل ولانها تبقي جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لان الثياب تحمي الجسم فيسرع إليه التغير والفساد ويجعل علي سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الارض فتغيره ويجعل علي بطنه حديدة لما روى أن مولي أنس مات فقال أنس رضي الله عنه " ضعوا علي بطنه حديدة " لانه ينتفخ فان لم يمكن حديدة جعل عليه طين رطب ويسجي بثوب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم " سجى بثوب حبرة " وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى

ابرائه منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى " ويبادر الي تجهيزه لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثلاث لا تؤخر وهن الصلاة والجنازة والايم إذا وجدت كفؤا " فان مات فجأة ترك حتى يتيقن موته} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ مَوْلَى أَنَسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كتاب النكاح وأشار الي تضعيفه ويقال أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَغَمَّضَهَا - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (وَقَوْلُهُ) يُسَجَّى أَيْ يُغَطَّى وقوله بثوب حبرة هو باضافة ثوب إلَى حِبَرَةٍ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ - نَوْعٌ مِنْ الْبُرُدِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هذا الحديث

نَفْسُ الْإِنْسَانِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ (أَحَدُهَا) بَدَنُهُ قال الله تعالي (النفس بالنفس) (الثَّانِي) الدَّمُ فِي جَسَدِ الْحَيَوَانِ (الثَّالِثُ) الرُّوحُ الَّذِي إذَا فَارَقَ الْبَدَنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ حَيَاةٌ قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ كَأَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تُعَذَّبُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُؤَدَّى هَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَهُ مُطَالَبَةٌ بِمَا عَلَيْهِ وَمَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى لَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ خَلْفَهُ وَفَاءٌ وَأَوْصَى بِهِ (وَقَوْلُهُ) الْأَيِّمُ هي التي لازوج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَمْ ثَيِّبًا (وَقَوْلُهُ) فُجْأَةً أَيْ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا نَزْعٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهَا لُغَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) - بِضَمِّ الْفَاءِ وفتح الجيم وبالمد - والثانية

فَجْأَةٌ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ إذَا مَاتَ أَنْ يُغَمَّضَ عَيْنَاهُ وَتُشَدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ تَجْمَعُهُمَا ثُمَّ بربط فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ فَيَمُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذَهُ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ وَيَخْلَعَ ثِيَابَهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى بَدَنُهُ ثُمَّ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَلَا يَجْمَعَ عَلَيْهِ أَطْبَاقَ الثِّيَابِ وَيَجْعَلَ طَرَفَ هَذَا الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفَهُ الْآخَرَ تَحْتَ رجليه لئلا ينكشف ويوضع على شئ مُرْتَفِعٍ كَسَرِيرٍ وَلَوْحٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُوضَعَ عَلَى بَطْنِهِ شئ ثَقِيلٌ كَسَيْفٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَدِيدِ فَإِنْ عُدِمَ فَطِينٌ رَطْبٌ وَلَا يُجْعَلَ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمُحْتَضَرِ وَيَتَوَلَّى هَذِهِ الْأُمُورَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّاهَا الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَوَلَّاهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ تَوَلَّاهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ جَازَ وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى إبْرَائِهِ مِنْهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد ان كَانَ لِلْمَيِّتِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُبَاعُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ

الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ وَلِيِّهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ هَذَا لَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَحْوُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالْعُدَّةِ لِلطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ الْقَوْلِ عِنْدَ الدَّفْنِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَأْخِرُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ وَإِرْضَاؤُهُمْ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاءِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ " حِينَ وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَةَ جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُبَادَرُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَبِتَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ الْمُبَادَرَةَ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ مَاتَ

فُجْأَةً لَمْ يُبَادَرْ بِتَجْهِيزِهِ لِئَلَّا تَكُونَ بِهِ سَكْتَةٌ وَلَمْ يَمُتْ بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمَوْتِ عَلَامَاتٌ وَهِيَ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْفَصِلَ زَنْدَاهُ وَيَمِيلَ أَنْفُهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ زَادَ الْأَصْحَابُ وَأَنْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَتَقَلَّصَ خُصْيَاهُ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا عُلِمَ مَوْتُهُ فَيُبَادَرُ حِينَئِذٍ إلَى تَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا إذَا مَاتَ مَصْعُوقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ حَرِيقًا أَوْ خَافَ مِنْ حَرْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُبَادَرُ بِهِ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيُتْرَكُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يُخْشَى فَسَادُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ انْطَبَقَ حَلْقُهُ أَوْ غَلَبَ الْمِرَارُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فَإِذَا مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ

أو أمثالها يَجُوزُ أَنْ يُبَادَرَ بِهِ وَيَجِبُ تَرْكُهُ وَالتَّأَنِّي بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ هَذَا آخِرُ كلام ابي حامد في تعليقه قال غَيْرُهُ تَحَقُّقُ الْمَوْتِ يَكُونُ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا يُقَالُ حَالَ إغْمَاضِ الْمَيِّتِ وَيُسْتَحْسَنُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا أَغْمَضْت الْمَيِّتَ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِذَا حَمَلْتَهُ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ تُسَبِّحُ مادمت تَحْمِلُهُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ خَيْرًا وَأَنْ يَدْعُوا لَهُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عقبه في

الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهَا) شَقَّ بَصَرُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الشِّينِ - وَبَصَرُهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَأَهْلِ الضَّبْطِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ يُقَالُ شَقَّ بَصَرُ الْمَيِّتِ وَشَقَّ الْمَيِّتُ بَصَرُهُ إذَا شَخَصَ * (فَرْعٌ) فِيمَا يُقَالُ عِنْدَ الْمَيِّتِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ صَاحِبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً فَقُلْت فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ لِي خَيْرٌ مِنْهُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا الْمَرِيضُ أَوْ الْمَيِّتُ عَلَى الشَّكِّ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْمَيِّتُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَعَنْهَا قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَاخْلُفْ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْت كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْلَفَ اللَّهُ تَعَالَى لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثم احتسبه إلى الْجَنَّةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَرْعٌ) يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ وَصَرَّحَ به الدارمي في الاستذ كار وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي *

باب غسل الميت

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ الصَّبْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُمْ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ لَهُ التَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْأَنِينُ لِأَنَّ طَاوُسًا رَحِمَهُ اللَّهُ كَرِهَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ بَلْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ " قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ " فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ اولى فلعلهم ارادوا بالمكروه هذا * {باب غسل الميت} * * قال المصنف رحمه الله * {وغسله فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى سقط عن بعيره اغسلوه بماء وسدر} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ * قال المصنف رحمه الله *

{فان كان الميت رجلا لا زوجة له فاولي الناس بغسله الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ العم ثم ابن العم لانهم احق بالصلاة عليه فكانوا احق بغسله فان كان له زوجة جاز لها غسله لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابا بكرر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله " وهل يقدم على العصبات فية وجهان (أحدهما) أنها تقدم لانها تنظر منه إلى مالا ينظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة (والثانى) يقدم العصبات لانهم احق بالصلاة عليه} * {الشرح} حديث عائشة هذا ضعيف رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْوَاقِدِيِّ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَهُ شَوَاهِدُ مَرَاسِيلُ قُلْت وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ

فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ وَعُمَيْسٌ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - وَكَانَتْ أَسْمَاءُ مِنْ السَّابِقَاتِ إلَى الْإِسْلَامِ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلَ الرِّجَالُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَزَوْجَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجَةٌ فَأَوْلَاهُمْ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثم ابنه ثم عم ابي الْجَدِّ ثُمَّ ابْنُهُ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ كُلُّهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَهَلْ تُقَدَّمُ عَلَى رِجَالِ الْعَصَبَاتِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (اصحهما) عند الاكثرين لا يقدم بَلْ يُقَدَّمُ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الْأَجَانِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحربر (وَالثَّانِي) تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَإِلَى مَتَى تُغَسِّلُ زَوْجَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وآخرون أصحها) تغسله أبداوان انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْحَالِ وَتَزَوَّجَتْ لانه حق ثبت لها فلا يسقط بشئ من ذلك كالميرات وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ من الاصحاب

وهو مقتضى اطلاق المصنف والا كثرين وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا بِالزَّوَاجِ صَارَتْ صَالِحَةً لِغُسْلِ الثَّانِي لَوْ مَاتَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَاسِلَةً لِزَوْجَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَنْقَطِعُ عَلَائِقُ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ وَتَنَازَعْنَ فِي غُسْلِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَهُ زَوْجَاتٌ فِي وَقْتٍ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا غَسَّلَهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النِّسَاءَ الْمَحَارِمَ وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فقالو يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْمَحَارِمِ غُسْلُهُ وَهُنَّ مُؤَخَّرَاتٌ عَنْ الرِّجَالِ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ وَالزَّوْجِ لِأَنَّهُنَّ فِي حَقِّهِ كالرجال *

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ دَلِيلَ غُسْلِ الزَّوْجَةِ زوجها قضية أَسْمَاءَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الاشراق وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ أَنْ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ عَنْ أحمد أنها ليس لها غسل فَإِنْ ثَبَتَتْ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ * * قال المصنف رحمه الله * {فان ماتت امرأة ولم يكن لها زوج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير محرم ثم الاجنبية فان لم يكن نساء غسلها الاقرب فالاقرب من الرجال علي ما ذكرنا فان كان لها زوج جاز له غسلها لما روت عائشة قالت " رجع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ البقيع فوجدني

وأنا أجد صداعا وأقول وارأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك " وهل يقدم على النساء فيه وجهان (أحدهما) يقدم لانه ينظر الي مالا ينظر النساء منها (والثانى) يقدم النساء علي الترتيب الذى ذكرناه فان لم يكن نساء فأولى الاقرباء بالصلاة فان لم يكن فالزوج وان طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحد هما قبل الرجعة لم يكن للآخر غسله لانها محرمة علية تحريم المبتوتة) {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ ضعيف فيه محمد بن اسحق صَاحِبُ الْمَغَازِي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَمُحَمَّدُ بن اسحق مُدَلِّسٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ عَنْ لَا يُحْتَجُّ به ووقع في المهذب " لومت قَبْلِي لَغَسَّلْتُك " بِاللَّامِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ " فَغَسَّلْتُك " بِالْفَاءِ وَيُقَالُ مِتّ - بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها - لغتان

مَشْهُورَتَانِ وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ مَدْفَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ غَسَّلَهَا النِّسَاءُ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَشْبَاهِهِنَّ ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ فَأَقْرَبُهُنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ يُقَدَّمُ ذَوَاتُ الولاء فان لم يكن فالا جنبيات وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ ذَوَاتَ الْوَلَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَوْلَاهُمَا مَنْ هِيَ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَتُقَدَّمُ الْعَمَّةُ عَلَى الْخَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِسَاءٌ أَصْلًا غَسَّلَهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِهَا كُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مِنْ الرِّجَالِ فَيَدْخُلُ فِي ذلك

ابْنُ الْعَمِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ فَمُرَادُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ العدة وصاحب الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا فَرَتَّبَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَا يَجُوزُ لَهُ غُسْلُهَا بل هو كالأجنبي وان كان الا كثرون قَدْ أَهْمَلُوا بَيَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِالِاتِّفَاقِ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَيْهِمْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ بِتَقْدِيمِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْ النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ

الْأَصَحُّ يُقَدَّمُ عَلَى الرِّجَالِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَمُوَافِقُوهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ غُسْلُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْبَائِنِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَوَافَقَ فِي الْبَائِنِ وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْبَائِنَ * (فَرْعٌ) له غسل زوجته مسلمة كانت أو كتابية (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا جَازَ لَهُ غُسْلُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) مَنْعُهُ لِأَنَّ أختها أو الاربع لومتن فِي الْحَالِ لَغَسَّلَهُنَّ فَلَوْ جَوَّزْنَا غُسْلَ هَذِهِ لَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ غُسْلِ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِالزَّوْجِيَّةِ

(فَرْعٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَبَعْضِهِمْ أَنَّ الرِّجَالَ الْمَحَارِمَ لَهُمْ الْغُسْلُ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بذك وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي التَّرْتِيبِ وَيَقُولُونَ الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لِلسَّيِّدِ غُسْلُ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الزَّوْجَةَ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْبُضْعَ جَمِيعًا (فَإِنْ) قِيلَ فَالْمُكَاتَبَةُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا (قُلْنَا) بِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فَيَعُودُ الْبُضْعُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورَاتِ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُسْتَبْرَأَةً فَلَا يجوز له غسلها بالا تفاق لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَة غُسْلُ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا)

لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ لِغَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً (وَالثَّانِي) جَوَازُهُ كَعَكْسِهِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ وَالْمُسْتَبْرَأَة فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ كَعَكْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) إذَا غَسَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يلف على يده خرقة ليلا يَمَسَّ بَشَرَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَلُفَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُتَابِعُوهُ يَصِحُّ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْتِقَاضِ طُهْرِ الْمَلْمُوسِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَمَّا) اللَّامِسُ فَقَطَعَ الْقَاضِي بِانْتِقَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ نُقَدِّمُهُ فِي الْغُسْلِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) كَوْنُهُ مُسْلِمًا إنْ كَانَ الْمَغْسُولُ مُسْلِمًا فَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِتَقْدِيمِ دَرَجَتِهِ كَافِرًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَنُقَدِّمُ مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يُقَدَّمَ الْمُسْلِمُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ الْكَافِرِ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا قَتَلَ قَرِيبَهُ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غُسْلِهِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا فِي دَفْنِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْعَ حَقَّ الْقَرَابَةِ بَلْ بَالَغَ فِي قَطْعِ الرَّحِمِ هَذَا إذَا قَتَلَهُ ظُلْمًا فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى إرْثِهِ إنْ وَرَّثْنَاهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) لَوْ تَرَكَ الْمُقَدَّمُ فِي الْغُسْلِ حَقَّهُ وَسَلَّمَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ فَلِلَّذِي بَعْدَهُ تَعَاطِيهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَيْسَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتْرُكُوهُ كُلُّهُمْ وَيُفَوِّضُوهُ إلَى النِّسَاءِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَكَذَا لَيْسَ لَهُنَّ تَفْوِيضُهُ إلَى الرِّجَالِ إذَا كَانَتْ الْمَيِّتَةُ امْرَأَةً هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الْمُقَدَّمِ إلَى غَيْرِهِ احْتِمَالَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ كَانَ حُكْمُ نَظَرِ الزَّوْجِ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بَاقِيًا وَزَالَ حُكْمُ نَظَرِهِ بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ فُرْقَةُ الطَّلَاقِ يَنْقَطِعُ بِهَا حُكْمُ النَّظَرِ وَلَا يَنْقَطِعُ بِفُرْقَةِ الْمَوْتِ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْنَا) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ بِرِضَاهُمَا أَوْ بِرِضَاهُ وَفُرْقَةَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ يَبْقَى مِنْ آثَارِهِ مَا لَا يَبْقَى إذَا زَالَ فِي الْحَيَاةِ

وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إذَا بِعْت عَبْدِي فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتّ فَعَبْدِي مُوصًى بِهِ لِفُلَانٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ تَمْنَعُ الْإِرْثَ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الْمَوْتِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَكَانَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى النَّظَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُقَصِّرًا فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ * * قال المصنف رحمه الله * {وان مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أو ماتت امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ وجهان (أحدهما) تيمم والثانى يستر بثوب ويجعل الغاسل علي يده خرقة ثم يغسله وان مات كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لان للكافر عليه ولاية فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جاز لاقاربه من المسلمين غسله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ " وان ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها لان النكاح كالنسب في الغسل وان مات الزوج قال في الام كرهت لها ان تغسله فان غسلته اجزأ لان القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغلسها وان ماتت ام ولد كان للسيد غلسها لانه يجوز له غسلها

في حال الحياة فجاز له غسلها بعد الموت كالزوجة وان مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ لانها عتقت بموته فصارت اجنبية والثانى يجوز لانه لما جاز له غسلها جاز لها غسله كالزوجة} * {الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ وبهذا قطع المصلح فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة وغيرهم وصححه الرواياتي والرفعي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ شَرْعًا بِسَبَبِ اللمس والنظر فييمم كما لو تعذرحسا (وَالثَّانِي) يَجِبُ غُسْلُهُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا امكنه فان اضطر الي النظر نظر قَدْرَ الضَّرُورَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا لِلْمُدَاوَاةِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الحرمين

وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُتْرَكُ (وَالثَّالِثُ) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُيَمَّمُ بَلْ يُدْفَنُ بِحَالِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ غُسْلُ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَمْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ غُسْلُهُ وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَفِي وُجُوبِهِمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُ إطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي حَيَاتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ الشيخ

أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبَانِ بَلْ يُنْدَبَانِ وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ دَفْنُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الا كثرون بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ يَجُوزُ دَفْنُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جَازَ لِأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ فَيُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ مَعَ وُجُودِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَهُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ

وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا مَاتَ وَتَنَازَعَ فِي غُسْلِهِ أَقَارِبُهُ الكفار واقاربه المسلمون فالكفار أحق فان لم يكن له قَرَابَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا وَتَرَكُوا حَقَّهُمْ مِنْ غُسْلِهِ جَازَ لِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلِغَيْرِ قَرِيبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ (فالصواب) جوازها وبه قطع الا كثرون وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ في غسله اباه فرواه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ جَازَ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ غُسْلُهَا وَكَذَا لِسَيِّدِهَا

إنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَلَا مُسْتَبْرَأَةً فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ فَغَسَّلَتْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ صِحَّتُهُ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ (وَالْمَخْرَجُ) بُطْلَانُهُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْغَاسِلِ قَالُوا نَصَّ الشَّافِعِيُّ ان غسل الكافر للمسلم صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إعَادَتُهُ وَنَصَّ فِي الْغَرِيقِ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَلَا يَكْفِي انْغِسَالُهُ بِالْغَرَقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ النَّصَّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْغَرَقِ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَجَعَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغُسْلِ الْكَافِرِ وَانْغِسَالِ الْغَرِيقِ قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يكفى غسل الكافر دون الغرق والفرق بانه لابد فِي الْغُسْلِ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ وَقَدْ وُجِدَ في الكافر دون الغرق هذ هُوَ الْفَرْقُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ فَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ

الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْغَرَقِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَهُنَاكَ نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ وَرِجَالٌ كُفَّارٌ أَمَرْنَ الْكُفَّارَ بِغُسْلِهِ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي صِحَّةِ غُسْلِ الْكَافِرِ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَلِسَيِّدِهَا غُسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَهَلْ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ والا كثرون وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ بِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ حُرَّةً (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه وابو محمد الجوينى ونصر المقدس وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي غُسْلِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ سَيِّدَهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُنَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز لها

غسله لانها صارت للوارث وبه قطع أبو محمد الحويني وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ إلَّا الْقَفَّالَ فَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ لَهَا غُسْلَهُ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ غَسَّلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى صَغِيرًا جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ كما

سنذ كره فِي الصَّغِيرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ (أَحَدُهُمَا) يُيَمَّمُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) هُنَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فَفِيمَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَبِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُكْمُ مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مَشْهُورٌ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةٌ لِتُغَسِّلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اُشْتُرِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ قَالُوا لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَبْعَدٌ قَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَوْ ثَبَتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي شِرَائِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ

الْبَالِغَ وَلَا بِالصَّغِيرِ مَنْ دُونَهُ بَلْ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُشْتَهَى مِثْلُهُ وَبِالْكَبِيرِ مَنْ بَلَغَهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّهُمْ إذَا مَاتَ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يشتهيان جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَإِنْ بَلَغَتْ الصبيه حدا يشتهى فِيهِ لَمْ يُغَسِّلْهَا إلَّا النِّسَاءُ وَكَذَا الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ حَدًّا يُجَامِعُ أُلْحِقَ بِالرِّجَالِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ * نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْإِجْمَاعِ والاشراف والعبد رى وَآخَرُونَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِمَنْعِهِ وَأَمَّا غُسْلُهُ زَوْجَتَهُ فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ

ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَيْسَ لَهُ غُسْلُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَالَتْ فَأَشْبَهَ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ * وَاحْتَجَّ

أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَالْمُعْتَمَدُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى غُسْلِهَا لَهُ (فَإِنْ قِيلَ) الْفَرْقُ أَنَّ عَلَائِقَ النِّكَاحِ فِيهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ (قُلْنَا) لَا اعْتِبَارَ بِالْعِدَّةِ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَلَائِقِ هكذا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ تبعا للعدة لا يتحصل منه شئ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ قَطْعًا فَاعْتِبَارُهَا خَطَأٌ صَرِيحٌ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ أُمَّهُ وَبِنْتَهُ وَغَيْرَهُمَا مِنْ مَحَارِمِهِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ * دَلِيلُنَا أَنَّهَا كَالرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي الْعَوْرَةِ وَالْخَلْوَةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَجْنَبِيِّ لَا يَحْضُرُهُ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحْضُرُهَا إلَّا أَجْنَبِيٌّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ المسيب والنخعي وجماد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَرَوَى فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مُرْسَلًا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والزهرى وقتادة واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ النَّخَعِيِّ

يُغَسَّلُ فِي ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ خِرْقَةً وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ تُدْفَنُ كَمَا هِيَ بِلَا تَيَمُّمٍ وَلَا غُسْلٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الْمَرْأَةِ الصَّبِيَّ وَغُسْلِ الرَّجُلِ الصَّبِيَّةَ وَقَدْرِ سِنِّهِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ تُغَسِّلُهُ إذَا كَانَ فَطِيمًا أَوْ فَوْقَهُ بِقَلِيلٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَقَالَ الاوزاعي ابن اربع أو خمس وقال اسحق ثَلَاثٍ إلَى خَمْسٍ قَالَ وَضَبَطَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ بِالْكَلَامِ فَقَالُوا تُغَسِّلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَيُغَسِّلُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ (قُلْتُ) وَمَذْهَبُنَا يُغَسَّلَانِ مَا لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يُشْتَهَيَانِ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ يُغَسَّلَانِ غُسْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ *

(فَرْعٌ) فِي غُسْلِ الْكَافِرِ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لِلْمُسْلِمِ غُسْلَهُ وَدَفْنَهُ وَاتِّبَاعَ جِنَازَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُهُ وَلَا دَفْنُهُ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ مُوَارَاتُهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لَهُ غُسْلَ أَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ *

* قال المصنف رحمه الله * {ينبغى أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال " لا يغسل موتاكم الا المأمونون " ولانه إذا لم يكن أمينا لم نأمن أن لا يستوفى الغسل وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من قبيح ويستحب أن يستر الميت من العيون لانه قد يكون في بدنه عيب كان يكتمه وربما اجتمع

في موضع من بدنه دم فيراه من لا يعرف ذلك فيظنه عقوبة وسوء عاقبة ويستحب أن لا يستعين بغيره ان كان فيه كفاية فان احتاج الي معين استعان بمن لابد له منه ويستحب أن يكون بقر به مجمرة حتى إن كانت له رائحة لم تظهر والاولى أن يغسل في قميص لما روت عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غسلوه وعليه قميص يصبون عليه الماء ويد لكونه من فوقه " ولان ذلك أستر فكان أولي والماء البارد اولى من المسخن لان البارد يقويه والمسخن يرخيه وان كان به

وسخ لا يزيله الا المسخن أو البرد شديد ويخاف الغاسل من استعمال البارد غسله بالمسخن وهل يجب نية الغسل فيه وجهان (أحدهما) لا يجب لان القصد منه التنظيف فلم يجب فيه النية كازالة النجاسة (والثاني) يجب لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة ولا يجوز للغاسل ان ينظر الي عورته لقول النبي صلي الله عليه وسلم لعلى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حي ولا ميت " ويستحب أن لا ينظر إلى سائر بدنه الا فيما بدله منه ولا يجوز ان يمس عورته لانه إذا لم يجز

النظر فالمس أولى والمستحب ان لا يمس سائر بدنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " غسل النبي صلي الله عليه وسلم وبيدية خرقة يتتبع بها تحت القميص "} * {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ " إلَّا أَنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ

صحيح الا ان فيه محمد بن اسحق صاحب المغازي قال حدثنى يحيى ابْنِ عَبَّادٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَّحَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ حَدِيثَهُ حَسَنٌ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي وَرَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَحَدِيثُهُ هَذَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ " فَسَبَقَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْآخَرُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمِجْمَرَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْفَخِذُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا ويجوز كسرهما وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي الْفَخِذِ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ مِمَّا

ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ حَرْفُ حَلْقٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا فَإِنْ غَسَّلَ الْفَاسِقُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ وَيُسْتَحَبُّ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ خَالٍ وَسَتْرُهُ عَنْ الْعُيُونِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ تَحْتَ السَّمَاءِ أَمْ تَحْتَ سَقْفٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا تَحْتَ سَقْفٍ وَلَيْسَ لِلْغُسْلِ تَحْتَ السَّمَاءِ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ قد احْتَجَّ لَهُ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الافضل

تَحْتَ سَقْفٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْضُرَهُ إلَّا الْغَاسِلُ ومن لا بدله مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ تَتَوَقَّدُ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْغُسْلِ إلَى آخِرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَخِّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ يموت لانه ربما ظهر منه شئ فَيَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ وَيُسْتَحَبُّ

أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ يَلْبَسُهُ عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُجَرَّدَ وَيُغَسَّلَ بِلَا قَمِيصٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلْيَكُنْ الْقَمِيصُ رَقِيقًا سَخِيفًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ وَيَغْسِلُ مِنْ تَحْتِهِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَامُ الْقَمِيصِ وَاسِعَةً فَتَقَ فَوْقَ الدَّخَارِيصِ مَوْضِعًا وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَغَسَلَهُ قالوا فان

لَمْ يَكُنْ الْقَمِيصُ وَاسِعًا يُمْكِنُ تَقْلِيبُهُ فِيهِ نُزِعَ عَنْهُ وَطُرِحَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ يُغَطِّي مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ طُرِحَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُرِحَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَغْطِيَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي هَذَا قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ سنة فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو

سُنَّةٌ أَيْضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّخْصِيصُ وَاَلَّذِي فُعِلَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَكْمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَغُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُسَخَّنِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْمُسَخَّنِ لِخَوْفِ الْغَاسِلِ مِنْ الْبَرْدِ أَوْ الْوَسَخِ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُغَسَّلَ بِالْمُسَخَّنِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُحْضِرُ الْغَاسِلُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثَةَ آنِيَةٍ فَيَجْعَلُ الْمَاءَ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ

الماء عند الغسل ويكون معه انا آن آخَرَانِ صَغِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ يَغْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي الْمُتَوَسِّطِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَفِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْمُرَادُ بِهِمَا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْغَاسِلُ غُسْلَهُ وَاخْتُلِفَ فِي أَصَحِّهِمَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَلَا تَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرُوهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُصَنِّفُ

فِي التَّنْبِيهِ وَالصَّحِيحُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ صِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ ينوى تقلبه عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ أَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ يَنْوِي الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ الْفَرْضَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ للغاسل أو لغيره مس شئ من ستر عَوْرَةِ الْمَغْسُولِ وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بَلْ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ الا الي مالا بدله مِنْهُ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ غُسْلِهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّهُ بِيَدِهِ فَإِنْ نَظَرَ إلَيْهِ أَوْ مَسَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ

لَمْ يَحْرُمْ بَلْ هُوَ تَارِكٌ لِلْأَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُ الْغَاسِلِ مِنْ الْمُعِينِ وَغَيْرِهِ فَيُكْرَهُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ نَظَرِهِ أَوْ يَرَى فِي بَدَنِهِ شَيْئًا كَانَ يَكْرَهُهُ أَوْ يَرَى سَوَادًا أَوْ دَمًا مُجْتَمِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَظُنَّهُ عُقُوبَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى بَدَنِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ وَدَلَائِلُهُ تُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ *

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِ الْمَيِّتِ يَعْنِي حَالَ غُسْلِهِ فَاسْتَحَبَّ ابْنُ سِيرِينَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ تَغْطِيَتَهُ بِخِرْقَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُغَطِّي فَرْجَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ * مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قال احمد وقال أبو حنيفة

ومالك المتسحب غسله مجردا وقال دوادهما سَوَاءٌ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُسَخَّنُ أَفْضَلُ وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ تفضيل. دليلنا ما ذكره المصنف * قال المصنف رحمه الله * {والمستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم بن محمد قال " توفى عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر فنفضه نفضا شديدا وعصره عصرا شديدا ثم غسله "

ولانه ربما كان في جوفه شئ فإذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده وربما خرج بعد ما كفن فيفسد الكفن وكلما أمر اليد علي البطن صب عليه ماء كثيرا حتي ان خرج شئ لم تظهر رائحته ثم يبدأ فيغسل أسافله كما يفعل الحى إذا اراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحى لما روت ام عطية قالت " لما غسلنا ابنة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لنا ابدؤا يميامنها ومواضع الوضوء) ولان الحي يتوضأ إذا أراد الغسل ويدخل أصبعه في فيه ويسوك بها أسنانه ولا يفغر فاه وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قد قلم أظفاره ويكون ذلك بعودلين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ فيستنقع فيه ويفسد بدنه ويغسله ثلاثا كما يفعل الحي في وضوئه وغسله فيبدأ برأسه ولحيته كما يفعل الحي فان كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء الي الجميع ويكون بمشط منفرج الانسان ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الايمن حتى ينتهى الي رجله ثم شقه الايسر حتى حتى ينتهي الي رجله ثم يحرفه علي جنبه الايسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية والمستحب أن تكون الغسلة الاولي بالماء والسدر لما روى ابن عباس ان رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ من بعيره " اغسلوه بماء وسدر " ولان السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء القراح وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غيرها فاجعلي فيه شيئا من الكافور " ولان الكافور يقويه وهل يحتسب الغسل بالسدر من الثلاث أم لا فيه وجهان قال أبو إسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ منها مرة واحدة كما قلنا في الوضوء ويستحب ان يتعاهد امرار اليد علي البطن في كل مرة فان غسل الثلاث ولم ينتظف زاد حتى يتنظف والسنة أن يجعله وترا خمسا أو سبعا لما روت أم عطية إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اغسلنها وترا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ان رأيتن " والفرض مما ذكرناه النية وغسل مرة واحدة وإذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه وينشف بثوب لانه إذا كفن وهو رطب ابتل الكفن وفسد وان غسل ثم خرج منه شئ ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) يكفيه غسل الموضع كما لو غسل ثم أصابته نجاسة من غيره (والثاني) يجب منه الوضوء لانه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحى (والثالث) يجب الغسل منه لانه خاتمة أمره فكان بطهارة كاملة وان تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فانتقل فيه عند العجز إلى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة} *

{الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَحَادِيثِ الْفَصْلِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عطية الصحابية رضي الله عنها واسمها نَسِيبَةُ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - قَالَتْ " (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حَقْوَهُ وَقَالَ أَشْعِرْنَهَا اياه " وفى رواية لهما " أبد أن بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا " وَفِي رِوَايَةٍ للبخاري " فألقيناها خلفا " وفى رواية له " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ اسْمَ هَذِهِ الْبِنْتِ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ مِنْ راحلته فأقعصته أو قال فأقصعته أو قال فأقعصته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تَخِيطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا " وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبَّدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غَيْرِهَا فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ " فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَطِيَّةَ كَمَا سَبَقَ لَا أُمِّ سُلَيْمٍ وَقَدْ كَرَّرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَلَعَلَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ غَرِيبَةٍ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا فَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَشَدُّ قُرْبًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَعْلُومٌ أَنْ أُمَّ عَطِيَّةَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالْغُسْلِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاجْعَلْنَ إنْ رَأَيْتُنَّ اغْسِلْنَهَا " وَابْدَأْنَ وَقَوْلُهَا فَضَفَّرْنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ضَمَائِرِ الْجَمْعِ الْمَوْجُودَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ مِنْ الْغَاسِلَاتِ فَخَاطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً وَخَاطَبَ أُمَّ عَطِيَّةَ تَارَةً (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الفصل (قوله) لما روى القاسم ابن محمد قال تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَمَّا) الْقَاسِمُ فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَجْمَعُوا عَلَى جَلَالَتِهِ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرحمن فهوابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا عَمَّتَهُ عَائِشَةَ رضى الله عنها (قوله) قال لنا ابدؤا بميا منها كذا هو في نسخ المهذب ابدؤا بِمَيَامِنِهَا وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَبَاقِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ

ابْدَأْنَ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ مُؤَوَّلٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ) وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ السِّينِ - قَوْلُهُ وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ مَعْنَى إدْخَالِهَا فَمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ عَلَى أَسْنَانِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَفْغَرُ فَاهُ هُوَ - بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ فَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ لَا يَفْتَحُهُ وَلَا يَرْفَعُ أَسْنَانَهُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بَلْ يُمَضْمِضُهُ فَوْقَهَا الْمُشْطُ مَعْرُوفٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الْمِيمِ - وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَيُقَالُ لَهُ مِمْشَطٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الاولي - ومشقاء مقصور مهموز وغير مهموز وممدود ايضا ومكدو قبلم وَمُرْجِلٌ حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْفَصِيحِ (قَوْلُهُ) خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ أَيْ سَقَطَ (قَوْلُهُ) فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ هكذا هو في المذهب فَاجْعَلِي خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَحْدَهَا وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَاجْعَلْنَ بِالنُّونِ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَالْمَاءُ الْقَرَاحُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ - وَهُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ سِدْرٌ وَلَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي صِفَةِ الْغُسْلِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِدَّ قَبْلَ الْغُسْلِ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ إذَا وَضَعَهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ أَنْ يُجْلِسَهُ إجْلَاسًا رَفِيقًا بِحَيْثُ يَكُونُ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ لَا مُعْتَدِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ إنْ احْتَاجَ إلَى دُهْنٍ لِيُلَيِّنَ دَهَنَهُ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي غُسْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ لِئَلَّا يُمِيلَ رَأْسَهُ وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ الْفَضَلَاتِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ كَمَا سَبَقَ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمُعِينُ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا يُظْهِرَ رَائِحَةَ مَا يَخْرُجُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى هَيْئَةِ الِاسْتِلْقَاءِ وَيُلْقِيه عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ مُنْحَدِرًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يَقِفُ تَحْتَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَهِيَ مَلْفُوفَةٌ بِإِحْدَى الْخِرْقَتَيْنِ دُبُرَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا حَوْلَهَا وَيُنَجِّيهِ كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ ثُمَّ يُلْقِي تِلْكَ الْخِرْقَةَ وَيَغْسِلُ يَدَهُ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُ يَغْسِلُ الْفَرْجَيْنِ بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ فَرْجٍ بِخِرْقَةٍ أُخْرَى فَتَكُونُ الْخِرَقُ ثَلَاثًا وَالْمَشْهُورُ خِرْقَتَانِ خِرْقَةٌ لِلْفَرْجَيْنِ وَخِرْقَةٌ لِبَاقِي الْبَدَنِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَنَائِزِ الصَّغِيرِ يَغْسِلُ بِإِحْدَاهُمَا أَعْلَى بَدَنِهِ وَوَجْهَهُ وَصَدْرَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِهَا مَذَاكِيرَهُ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأُخْرَى فَيَصْنَعُ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو اسحق فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ (وَالثَّانِي) يَغْسِلُ

بِإِحْدَاهُمَا فَرْجَيْهِ وَبِالْأُخْرَى كُلَّ بَدَنِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمُعْظَمِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يَتَعَهَّدُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ قَذَرٍ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا ذكرناه لف الخرقة خرقة الْأُخْرَى عَلَى يَدِهِ وَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ بِمَاءٍ وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ بَلْ يُمِرُّهَا فَوْقَ الْأَسْنَانِ وَيُنْشِقُهُ بِأَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَلَا يُبَالِغَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُمَضْمَضُ الْمَيِّتُ وَلَا يُنْشَقُ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقَ جَذْبُهُ بِالنَّفَسِ وَلَا يَتَأَتَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ الْمَيِّتِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ومواضع الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَهَذَا مِنْهَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُضُوءِ الْحَيِّ (وَأَمَّا) دَلِيلُهُمْ فَمَمْنُوعٌ بَلْ الْمَضْمَضَةُ جَعْلُ الْمَاءِ فِي فِيهِ فَقَطْ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا لَوْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ بَلَعَ الْمَاءَ جَازَ وَحَصَلَتْ الْمَضْمَضَةُ وَإِنَّمَا الْإِدَارَةُ من كمال المضمضة لاشرط لِصِحَّتِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمَضْمَضَةِ فِي صفة الوضوء قال أصحابنا ويدخل اصبعه بشئ مِنْ الْمَاءِ فِي مَنْخَرَيْهِ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَوُضُوءِ الْحَيِّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَكْفِي مَا سَبَقَ مِنْ إدْخَالِ الْأُصْبُعَيْنِ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بَلْ ذَاكَ كَالسِّوَاكِ قَالَ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ قَالَ وَهَلْ يَكْفِي وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَقَادِيمِ الثَّغْرِ وَالْمَنْخِرَيْنِ أَمْ يُوصِلُهُ الدَّاخِلَ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِخَوْفِ الْفَسَادِ وَجَزَمَ بِأَنَّ أَسْنَانَهُ لَوْ كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لَا تُفْتَحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ ان لم يكن قلمها ويكون ذلك بعودلين لِئَلَّا يَجْرَحَهُ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ بِهَذَا الْعُودِ مَا تَحْتَ أَظَافِرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَظَاهِرِ اذنيه وصماخيهما فإذا فرغ من وضوءه جَعَلَهُ كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ وَيُغَسِّلُ ثَلَاثًا كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ فِي طَهَارَتِهِ فَيَبْدَأُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ ثُمَّ لِحْيَتِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ فِي هَذَا عَلَى اللِّحْيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ عَكْسُهُ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ اللِّحْيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ الرَّأْسَ نَزَلَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالسِّدْرِ إلَى لِحْيَتِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ثَانِيًا فَعَكْسُهُ أَرْفَقُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَبْدَأُ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَصَحِيحٌ وَمُرَادُهُ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ وَلَوْ قَالَ رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَرِّحُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ ان كانا متلبدين بمشط واسع الاسنان أو قال المصنف وجماعة منفرج الاسنان وهما بِمَعْنَاهُ قَالُوا وَيَرْفُقُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْتَتَفَ شَعْرُهُ فَإِنْ اُنْتُتِفَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَدَفَنَهُ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ غسل شقه الايمن المقبل من عنفه وصدره وفخذه

وَسَاقِهِ وَقَدَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ مِنْ الْكَفَّيْنِ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَغْسِلُ جَانِبَهُ الايمن مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْمَنَ ثُمَّ يُلْقِيهِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَغْسِلُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْسَرَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ يُضْجَعُ أَوَّلًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَصُبُّهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْجُمْهُورُ وَلَا يُعَادُ غَسْلُ الرَّأْسِ بَلْ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ الْعُنُقِ فَمَا تَحْتَهَا وَقَدْ حَصَلَ الرَّأْسُ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ قَالُوا وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذِهِ الْغَسْلَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْقَرَاحَ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زَادَ حَتَّى تَحْصُلَ فَإِنْ حَصَلَتْ وتر فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ وَمَعْنَاهُ إنْ احْتَجْتُنَّ وَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي الْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَقَدْ أَوْضَحَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَسَخٌ غَسَلَهُ بِالْأُشْنَانِ وَالسِّدْرِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ الْأُشْنَانَ وَالسِّدْرَ فَيُدَلِّكُهُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ السِّدْرَ عَنْهُ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَكُونُ هَذَا غُسْلًا وَاحِدًا وَمَا تَقَدَّمَهُ تَنْظِيفٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى السِّدْرِ وَالْأُشْنَانِ كَانَا غَالِبَيْنِ لِلْمَاءِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ غَسْلَةً حَتَّى يَغْسِلَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ أبو اسحق إذَا غُسِلَ عَنْهُ السِّدْرُ وَالْأُشْنَانُ فَهَذَا غُسْلٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَهَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وابن الضباغ وَآخَرُونَ لَا يُعْتَدُّ بِالْغُسْلِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَزَالَ بِهِ أَثَرُ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهَذِهِ الْغَسْلَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا بِمَاءٍ قَرَاحٍ فَأَشْبَهَتْ مَا بَعْدَهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَاءَ خَالَطَ السِّدْرَ فَهُوَ كَمَا قَبْلَهَا وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ

بِأَنَّ هَذِهِ الْغَسْلَةَ تُحْسَبُ بِلَا خِلَافٍ وَأَنَّ خلاف ابى اسحق إنَّمَا هُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مَعَ السِّدْرِ أَوْ الْخِطْمِيِّ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَا وَكَذَا الَّذِي يُزَالُ بِهِ السِّدْرُ وَإِنَّمَا الْمَحْسُوبُ مَا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَغْسِلُهُ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ ثَلَاثًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِالسِّدْرِ حُسِبَ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَسَّلَهُ بَعْدَ زَوَالِهَا ثَلَاثًا وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ هَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الَّتِي فِيهَا سِدْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وهو قول ابى اسحق يَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ التَّنْظِيفُ فَالِاسْتِعَانَةُ بِمَا يَزِيدُ فِي النَّظَافَةِ لَا يَقْدَحُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ فَاحِشٌ فَسَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِسَابِ بِالْغَسْلَةِ التى بعد هذه وجهان (اصحهما) عند الروايانى تحسب لانه غسله بما لم يخالطه شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا أَصَابَ الْمَحَلَّ اخْتَلَطَ بِالسِّدْرِ وَتَغَيَّرَ بِهِ فَعَلَى هَذَا الْمَحْسُوبِ مَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّ غَسْلَةَ السِّدْرِ وَالْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لَا يُحْسَبَانِ مِنْ الثَّلَاثِ (وَالثَّانِي) يُحْسَبَانِ (وَالثَّالِثُ) تُحْسَبُ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى هَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ففيها نوع أشكال لانه قال وهل يحسبب الْغُسْلُ بِالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أبو اسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَرَّةٌ هَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَهَذَا نَوْعُ تَنَاقُضٍ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَ السِّدْرِ هَلْ تُحْسَبُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ قَرَاحٌ وَلَا أَثَرَ لِمَا يُصِيبُهُ حَالَ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ السِّدْرُ بِحَيْثُ يُغَيِّرُهُ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا الْمُغَيِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا قُلْنَا لَا تُحْسَبُ غَسْلَةٌ بَعْدَهَا ثَلَاثًا وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَا خِلَافَ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَوَافَقَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْمَيِّتِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ كَافُورًا فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ آكَدُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَلْيَكُنْ قَلِيلًا لَا يَتَفَاحَشُ التَّغَيُّرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا وَتَفَاحَشَ التَّغَيُّرُ بِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهُورِيَّتِهِ فِي غَيْرِ الميت (وأما)

فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ وَثَبَتَ فِيهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ إنَّ الْكَافُورَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ (قُلْنَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ تَغْيِيرُ الْكَافُورِ تَغْيِيرُ مُجَاوَرَةٍ لَا مُخَالَطَةٍ وَلَمْ يَزِدْ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ عَلَى هَذَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ علي الصحيح وأحسن من ذكر السوال كَلَامًا فِيهِ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُحْسَبُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْكَافُورِ وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ وَكَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَافُورٍ يَسِيرٍ لَا يَفْحُشُ تَغَيُّرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْكَافُورَ فِي الْبَدَنِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ الْقَرَاحَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي كَافُورٍ يُطْرَحُ فِي الْمَاءِ وَيُغَيِّرُهُ تَغْيِيرًا كَثِيرًا وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَى الْغَسْلَةِ الْوَاجِبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُحْسَبُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً لِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّنْظِيفُ هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْكَافُورِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قال في المختضر وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ مَاءٍ قَرَاحٍ كَافُورًا وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَجْزَأَ ذَلِكَ هَذَا لَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ عِدَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ الْإِنْقَاءُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ وَأَقَلُّ مَا أُحِبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثلاثا فان لم ينق فخمس فان لم ينق فسبع قال ولا يغسله بشئ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَلْقَى فِيهِ كَافُورًا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُهُ وَرَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ قَالَ وَلَسْت أَعْرِفُ أَنْ يُلْقَى فِي الْمَاءِ وَرَقُ سِدْرٍ وَلَا طِيبٌ غَيْرُ كَافُورٍ وَلَا غَيْرُهُ وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِهِ وَيُلْقَى فِيهِ الْكَافُورُ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ جَمِيعُ الْبَابِ الْمَذْكُورِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ وَتَخْصِيصُهُ بِالْأَخِيرَةِ فَغَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ ثَلَاثًا وَأَنْ يَكُونَ في الاولى شئ من سدر وفى الثانية شئ مِنْ كَافُورٍ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْوَاجِبُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ غسل مرة واحدة وكذا النية إن أو جبناها وَلَا يُحْسَبُ الْغُسْلُ حَتَّى يَطْهُرَ مِنْ نَجَاسَةٍ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إمْرَارَ يَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَمَسْحَهُ بِأَرْفَقَ مِمَّا قَبْلَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى الْبَطْنِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ وَتَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَاهُدُهُ هَلْ خرج منه شئ أَمْ لَا وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ وَأَعْضَائِهِ لِيَسْهُلَ تَكْفِينُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ اسْتِحْبَابَ إعَادَةِ التَّلْيِينِ فِي أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ فَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ ليس بمستحب ولا يعرف للشافعي شئ مِنْ كُتُبِهِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَلْيِينَ الْمَفَاصِلِ عَقِبَ الْمَوْتِ لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِيهَا فَأَمَّا عِنْدَ الْغُسْلِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فلم يذكر الشافعي تليين الاعضاء في شئ مِنْ كُتُبِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ فَرَاغِ غُسْلِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ هُنَا لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعَيَّ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى لَيِّنَةً إلَى هَذَا الْوَقْتِ غَالِبًا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هذا التليين لا يوجد للشافعي في شئ من كتبه الافيما حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ دُونَ جَامِعِهِ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ لِتَتَمَاسَكَ أَعْضَاؤُهُ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَعَادَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا عِنْدَ غُسْلِهِ فَلَوْ أَعَادَ تَلْيِينَهَا عِنْدَ غُسْلِهِ جَازَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِاسْتِحْبَابِ إعَادَةِ تَلْيِينِهَا عِنْدَ الْغُسْلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَشَّفَ بِثَوْبٍ تَنْشِيفًا بَلِيغًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ حَيْثُ قُلْنَا الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ ترك التنشيف ان هُنَا ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ إلَى التَّنْشِيفِ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْسِدَ الْكَفَنَ * (فَرْعٌ) إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَقَبْلَ تَكْفِينِهِ نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي إعَادَةِ طَهَارَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) لَا يجب شئ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ التَّكْلِيفِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ وَقِيَاسًا علي مالو أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَنْ يُوَضَّأَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَيٍّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطُّهْرَ وَطُهْرُ الْمَيِّتِ غَسْلُ جميعه هذه الْعِلَّةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ بِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِ وفى التنبيه وسليم الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وُجُوبَ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ في الكفاية والشيخ أبو نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَضَعَّفَ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْوَجْهَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَضْعِيفَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حامد وايجاب الوضوء هو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ غَيْرُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ في مختصر المزني ان خرج منه شئ أَنْقَاهُ وَأَعَادَ غُسْلَهُ فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَكْثَرُونَ

إعَادَةُ الْغُسْلِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ واجبة وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يَجِبُ الْوُضُوءُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ فَلَا يَجِبُ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لَمْ يَأْمَنْ مِثْلَهُ فِي المستقبل فيؤدى الي مالا نِهَايَةَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّكْفِينِ وَبَعْدَهُ بَلْ أَرْسَلُوا الْخِلَافَ وَلَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَمُوَافِقُوهُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَوْجَبْنَا إعَادَةَ الْغُسْلِ لِنَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ فَفِي غَيْرِهَا احْتِمَالٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ النَّجَاسَةِ وَنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تَقَعُ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا وَلَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيٌّ مَيِّتَةً بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ مَيِّتًا بَعْدَ غُسْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلِ لَا يُوجِبُ غَيْرَ غسل النجاسة لم يجب هنا شئ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا نَجَاسَةَ وَإِنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ الْوُضُوءَ أَوْ الغسل أو حبنا هُنَا إنْ قُلْنَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَهُمَا وَمُرَادُهُ إذَا قُلْنَا يُنْتَقَضُ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَمُوَافِقُهُمَا وَلَوْ وُطِئَتْ الْمَيِّتَةُ أَوْ الْمَيِّتُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَجَبَ هُنَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الوطئ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ إلَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ لم يجب هنا شئ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبَاهُ وَمُتَابِعُوهُمْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى نجاسة باطن الفرج والله اعلم اما ادا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنْ قُلْنَا في خروج

النجاسة يجب غسلها لم يجب هنا شئ لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ احْتَرَقَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى لَمْ يُغَسَّلْ بَلْ يُيَمَّمُ وَهَذَا التَّيَمُّمُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الماء الي التيمم كغسل الجناية وَلَوْ كَانَ مَلْدُوغًا بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ يُمِّمَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَذَكَرَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ إسْرَاعُ الْبِلَى إلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَجَبَ غُسْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَنْ يُخَافُ مِنْ غُسْلِهِ تَهَرِّي لَحْمِهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى غُسْلِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وعند أحمد واسحق ييمم قال وبه أقول * * قال المصنف رحمه الله * {وفي تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان (أحدهما) يفعل ذلك لانه تنظيف فشرع في حقه كازالة الوسخ (والثانى) يكره وهو قول المزني لانه قطع جزء منه فهو كالختان (قال) الشافعي ولا يحلق شعر رأسه قال أبو إسحق ان لم يكن لة جمه حلق رأسه لانه تنظيف فهو كتقليم الاظفار والمذهب الاول لان حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف} * {الشَّرْحُ} فِي قَلْمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ وَأَخْذِ شَعْرِ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهَا تُفْعَلُ

(وَالْقَدِيمُ) لَا تُفْعَلُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالْكَرَاهَةِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ (قَالَ) صَاحِبُ الْحَاوِي الْقَوْلُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِاسْتِحْبَابِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا (احد هما) يُكْرَهُ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَخْذَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُسْتَحَبُّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَةِ (فَمَرْدُودٌ) بِمَا قَدَّمْته مِنْ إثْبَاتِ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ جَزْمِ مَنْ جَزَمَ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ هَذَا مَعَ شُهْرَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ لَا سيما الوسبط والمهذب والتنبيه وأما الاصح من القولين فصصح الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ مِنْهَا الْأُمُّ وَمُخْتَصَرُ الْجَنَائِزِ وَالْقَدِيمُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَرْكُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ

تركه ولم بصرح الشافعي في شئ مِنْ كُتُبِهِ بِاسْتِحْبَابِهِ جَزْمًا إنَّمَا حَكَى اخْتِلَافَ شُيُوخِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَتَرَكَهُ وَاخْتَارَ هُوَ تَرْكَهُ فَمَذْهَبُهُ تَرْكُهُ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ فَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُ تَرْكِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَيَتَتَبَّعُ الْغَاسِلُ مَا تَحْتَ أَظَافِيرِ الْمَيِّتِ بِعُودٍ حَتَّى يُخْرِجَ الْوَسَخَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَتْرُكُ أَظَافِيرَهُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا تُزَالُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُودِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَوْ الصَّوَابَ تَرْكُ هَذِهِ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الميت محترمة فلا تنهتك بِهَذَا وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هذا شئ فَكُرِهَ فِعْلُهُ وَإِذَا جُمِعَ الطَّرِيقَانِ حَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْمُخْتَارُ) يُكْرَهُ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تُزَالُ هَذِهِ الشُّعُورُ فَلِلْغَاسِلِ أَنْ يَأْخُذَ شَعْرَ الابط

وَالْعَانَةِ بِالْمِقَصِّ أَوْ الْمُوسَى أَوْ النُّورَةِ فَإِنْ نَوَّرَهُ غَسَلَ مَوْضِعَ النُّورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النُّورَةُ فِي الْعَانَةِ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النُّورَةُ في العانة والابط جميعا وبه حزم صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ التَّخْيِيرُ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ لَا يَمَسُّ وَلَا يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَّا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا الشَّارِبُ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْنَا يُزَالُ أَزَالَهُ بِالْمِقَصِّ كَمَا يُزِيلُهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ حَفُّ الشَّارِبِ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا وَلَكِنْ يَقُصُّهُ بِحَيْثُ لَا تَنْكَشِفُ شَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَفُّ شَارِبِهِ فَمُرَادُهُ قَصُّهُ لَا حَقِيقَةُ الْحَفِّ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يُزِيلُ هَذِهِ الشُّعُورَ وَالْأَظْفَارَ اُسْتُحِبَّ إزَالَتُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي أَوَّلِ بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ يَفْعَلُهَا قَبْلَ غُسْلِهِ قَالَ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُزَنِيّ بِالتَّرْتِيبِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَهُ قُلْت وَكَذَا عَمِلَ الْمُصَنِّفُ وجمهور

الْأَصْحَابِ ذَكَرُوهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَأَنَّهُمْ تَأَسَّوْا بِالْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَقْدِيمِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَلَّمَهَا وَأَمَّا شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْلِقُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ كَانَ لا يعتاد حلق رأسه بأن كان ذاجمة وَهِيَ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ الَّذِي نَزَلَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ لَمْ يُحْلَقْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ حَلْقَهُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يحلق (والثاني) عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا خِتَانُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يخنن فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ

وَالْجُمْهُورُ لَا يُخْتَنُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُخْتَنُ (وَالثَّانِي) يُخْتَنُ (وَالثَّالِثُ) يُخْتَنُ الْبَالِغُ دُونَ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ (وَالصَّحِيحُ) الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يُخْتَنُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ فَلَمْ يُقْطَعْ كَيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ فِي قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ وَيُخَالِفُ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ فَإِنَّهُمَا يُزَالَانِ فِي الْحَيَاةِ للزينة والميت بشارك الْحَيَّ فِي ذَلِكَ وَالْخِتَانُ يُفْعَلُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي الشُّعُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَأَظْفَارِهِ وَمَا اُنْتُتِفَ مِنْ تَسْرِيحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجِلْدَةِ الْخِتَانِ إذَا قُلْنَا يُخْتَنُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصِرَّ كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ وَيُدْفَنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبُ

الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ مَعَهُ بَلْ يُوَارَى فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْقَبْرِ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِحْبَابَ دَفْنِهَا مَعَهُ ثُمَّ قَالَ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تُدْفَنُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * {وإن كانت المرأه غسلت كما يغسل الرجل فان كان لها شعر جعل لها ثلاث ذوائب ويلقى خلفها لما روت أم عطيه رضى الله عنها في وصف غَسَّلَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت " ضفرنا ناصيتها وقرنتها ثلاثة قرون ثم القيناها خلفها "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالذَّوَائِبُ وَالضَّفَائِرُ وَالْغَدَائِرُ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَهِيَ خُصَلُ الشَّعْرِ لَكِنَّ الضَّفِيرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَضْفُورَةً وَأَصْلُ الضَّفْرِ الْفَتْلُ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا فِي اسْتِحْبَابِ تَسْرِيحِ شَعْرِهَا وَجَعْلِهِ ثَلَاثَةَ ضَفَائِرَ خَلْفَهَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُضَفَّرُ شَعْرُهَا وَلَا يُسَرَّحُ بَلْ يُتْرَكُ مرسلا من كتفيها * * قال المصنف رحمه الله *

{ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من غسل ميتا فليغتسل " ولا يجب ذلك وقال في البويطي إن صح الحديث قلت بوجوبه والاول أصح لان الميت طاهر ومن غسل طاهرا لم يلزمه بغسله طهارة كالجنب وهل هو آكد أو غسل الجمعة فيه قولان قال في القديم غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه أصح وقال في الجديد الغسل من غسل الميت آكد وهو الاصح لان غسل الجمعة غير واجب والغسل من غسل الميت متردد بين الوجوب وغيره} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلَ فِي ذِكْرِ طُرُقِهِ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ إنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَا لَا يصح في الباب شئ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ غَسَّلَ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَأَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَبَعْضُهَا مُنْكَرٌ وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْحِجَامَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوُضُوءِ مَنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وقد بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَاتُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا عَنْ أَبِي هريرة غير قوية بعضها لجهالة رواتها وبعضها (1) قال والصحيح انه موقوف عليه وَضَعَّفَ الْمَرْفُوعَ بِهِ أَيْضًا مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْغُسْلُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فيهما شئ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَسَّ حَرِيرًا أَوْ مَيْتَةً لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى هَذَا كَلَامُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ أَمْ لَا فَلَوْ صَحَّ حَدِيثٌ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الحديث للاستحباب قال ابن المنذر في

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

الْإِشْرَافِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والنخعي والشافعي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سرين والزهرى يغتسل وعن النخعي واحمد واسحق يتوضأ قال ابن المنذر لا شئ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَأَيُّهُمَا آكَدُ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ (الثَّانِي) وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ آكَدُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الخلاف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه ان يتحدث به وان رأى ما يكره لم يجز ان يتحدث به لما روى أبو رافع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " من غسل ميتا وكنتم عليه غفر الله له اربعين مرة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَبُو رَافِعٍ اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ وَرَأَى الْغَاسِلُ مَا يَكْرَهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ في الناس

لِلزَّجْرِ عَنْ بِدْعَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ وَالْحَدِيثُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ خَرَجَا عَلَى الْغَالِبِ وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي هَذَا وَعَكْسِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْزِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَكَرِهَهُمَا الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْجُنُبَ * دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ كَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْآدَمِيَّ هَلْ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْجَسُ (وَالثَّانِي) يَنْجَسُ وَأَمَّا غُسَالَتُهُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ فَطَاهِرَةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَنْجَسُ فَالْقِيَاسُ انها نجسة ونقل الدارمي عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ غُسَالَتَهُ طَاهِرَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا بِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ أَمْ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي هَذَا نَظَرٌ (الثَّالِثَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِهَا زَادَ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِالثَّلَاثِ لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ بِهِ وِتْرًا آخَرَ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَيِّ مَحْضُ تَعَبُّدٍ وَهُنَا الْمَقْصُودُ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ (الرَّابِعَةُ) سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ

باب الكفن

فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأحمد وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة لَا يُشْرَعَانِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَابْدَأْنَ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُسَرَّحُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الْكَافُورِ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَفِي غَيْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ زِدْنَا حَتَّى يَحْصُلَ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ الْإِيتَارُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَقْدِيرَ لِلِاسْتِحْبَابِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها * {باب الكفن} * قال المصنف رحمه الله * {تكفين الميت فرض علي الكفاية لقوله صلي الله عليه وسلم " في المحرم الذى خر من بعيره " كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما " ويجب ذلك في ماله للخبر ويقدم علي الدين كما تقدم كسوة المفلس علي ديون غرماءه فان قال بعض الورثة انا أكفنه من مالي وقال بعضهم بل يكفن من التركة كفن من التركة لان في تكفين بعض الورثة من ماله منة علي الباقين فلا يلزم قبولها وان كانت امرأة لها زوج ففيه وجهان قال أبو اسحق يجب علي الزوج لان من لزمه كسوتها في الحياة لزمه كفنها بعد الوفاة كالامة مع السيد وقال أبو على ابن ابي هريرة يجب في مالها لانها بالموت صارت اجنبية فلم يلزمه كفنها والاول اصح لان هذا يبطل بالامة فانها صارت بالموت أجنبية من مولاها ثم يجب عليه تكفينها فان لم يكن مال ولازوج فالكفن على من يلزمه نفقته اعتبارا بالكسوة في الحياة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمُحْرِمِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية ابن عناس وَسَبَقَ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي الصحيحين قوله اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِهِمَا ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْهِ وَالْكِسْوَةُ - بِكَسْرٍ الْكَافِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَكْفِينُ الميت فرض كفاية بالنص والاجماع والا يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ (الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْكَفَنِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قُدِّمَ الْكَفَنُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا صُوَرًا يُقَدَّمُ فِيهَا الدَّيْنُ عَلَى الْكَفَنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ (فَمِنْ) الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ مَالٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ لِشَاةٍ بَقِيَتْ مِنْ اربعين

والمرهون والعبد الجاني والبيع إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَشَبَهُهَا فَيُقَدَّمُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجُرْجَانِيُّ فِي فَرَائِضِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ والخيرى في الفرائض وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَحَنُوطُ الْمَيِّتِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ كَالْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ وَغَيْرِهَا لَهَا حُكْمُ الْكَفَنِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) تَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَسَائِرُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَفَنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ والشافعي واحمد واسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ خِلَاسُ بن عمر وبكسر الْخَاءِ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَقَالَ طَاوُسٌ إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَمِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ هَلْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ أَمْ لَا (الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ تَكْفِينَهُ مِنْ مَالِهِ وَآخَرُ مِنْ التَّرِكَةِ كُفِّنَ مِنْ التَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ مُزَوَّجَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ كَفَنُهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وُجُوبَهُ فِي مَالِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَفِي هذا النقل نظر لان الا كثرين انما نقلوه عن أبى علي ابن ابى هريرة ودليل الوجهين في الكتاب قال البندنيجي والعبد رى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً فَفِيهَا الْوَجْهَانِ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمُوسِرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ مُؤْنَةِ غُسْلِهَا وَدَفْنِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهَا حُكْمُ الْكَفَنِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ في المجموع

وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ فِي مَالِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَمَةِ إنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً بِالْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ مِثْلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَالَ نَفَقَةُ الْأَمَةِ كَانَتْ لِسَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا تَبْطُلُ أَحْكَامُهُ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا كَانَ السَّيِّدُ أَحَقَّ بِدَفْنِهَا وَتَوَلِّيَ تَجْهِيزِهَا (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ وَلَا زَوْجٌ وَجَبَ كَفَنُهُ وَسَائِرُ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَسَيِّدٍ فَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ كَفَنُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَالْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ فِي أَوْلَادِهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ وَالزَّمِنُ وَكَذَا الْوَالِدُونَ لِأَنَّهُمْ بِالْمَوْتِ صَارُوا عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ وَنَفَقَةُ الْعَاجِزِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ من تلزمه نفقته وجبت مونة تَجْهِيزِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ وَهَلْ يُكَفَّنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِثَوْبٍ أَمْ بِثَلَاثَةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ الْإِمَامُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَئِمَّةُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بِثَوْبٍ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَمَّا سِوَاهُ وَبَيْتُ الْمَالِ لِلْمُحْتَاجِ فَإِنْ قُلْنَا بِثَوْبٍ فَتَرَكَ الْمَيِّتُ ثَوْبًا لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا ثَلَاثَةٌ فَهَلْ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ أَمْ يُكْمِلُ ثَلَاثَةً فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْمِلُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ وَجَبَ كَفَنُهُ وَسَائِرُ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَنَفَقَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَجِبُ حِينَئِذٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْعَامَّةِ أَضْيَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الضَّرُورَةُ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْكَفَنُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ مُرَتَّبَةٌ هَكَذَا وَإِذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَهَلْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ أَمْ بِثَلَاثَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ كَبَيْتِ الْمَالِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بِثَوْبٍ *

(فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ دفعة واحدة بهم أو غرق أو غيرهما قَدَّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ يَخَافُ فَسَادَهُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِيهِ قَدَّمَ الْأَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ قَدَّمَ أَسَنَّهُمَا فَإِنْ كانا زوجين اقرع بينهما إذا أمر به * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ فِي مَالِهَا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَا يُكَفَّنُ به الاثوب مَعَ مَالِكٍ لَهُ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * {وأقل ما يخرئ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ كَالْحَيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ لِأَنَّ مَا دونه لا يمسي كَفَنًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ} * {الشَّرْحُ} هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبَا الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين الا كتفاء بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ في الحاوى والقاضي أبو الطب فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ به

من الخراسانيين الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا كُفِّنَ فِيهِ الْمَيِّتُ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَفَّنَ يَوْمَ أُحُدٍ بَعْضَ الْقَتْلَى بِنَمِرَةٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أنه ليس فيه حدلا يقصر عنه وعلى أنه يجزى ما وارئ الْعَوْرَةَ هَذَا لَفْظُ نَصِّهِ وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجِبُ سَاتِرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْأَصَحُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ لِحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اسْتِدْلَالِهِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَفَّنَهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِنَمِرَةٍ غَطَّى بِهَا رَأْسَهُ وَبَدَتْ رِجْلَاهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ

الْإِذْخِرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (فَإِنْ) قِيلَ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى النَّمِرَةِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَبْعُدُ مِمَّنْ خَرَجَ لِلْقِتَالِ ان لا يكون معه غيرهما مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْتَرَى بِهِ كَفَنٌ (وَالثَّانِي) لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَالسَّاتِرُ غَيْرُهَا لَوَجَبَ تَتْمِيمُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * {والمستحب أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ ولفافتين بيض لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كفن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثلاثة اثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) فان كفن في خمسة اثواب لم يكره لان ابن عمر رضى الله عنهما كان يكفن اهله في خمسة اثواب فيها قميص وعمامة ولان اكمل ثياب الحي خمسة قميصان وسراويل وعمامة ورداء ويكره الزيادة علي ذلك لانه سرف وان قال بعض الورثة يكفن بثوب وقال بعضهم بثلاثة ففيه وجهان (احدهما) يكفن بثوب لانه يعم ويستر (والثانى) يكفن بثلاثة لانه الكفن المعروف المسنون والافضل ان لا يكون فيها قميص ولا عمامة لحديث عائشة رضى الله عنها فان جعل فيها قميص وعمامة لم يكره لان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى ابن عبد الله بن ابي بن سلول قميصا ليجعله في كفن ابيه وان كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الثياب لان اظهاره زينة وليس الحال حال زينة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَفَّنَ أَهْلَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ رَوَيْنَا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَاتَ فَكَفَّنَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عبد الله واسم ان عبد الله هَذَا عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عبد الله ابن ابي بن سَلُولَ فَأُبَيٌّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسَلُولُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِلَامَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَهُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ فَلَا يَنْصَرِفُ فَعَبْدُ اللَّهِ الْمَيِّتُ هُوَ ابْنُ أُبَيٍّ وَهُوَ ابْنُ سَلُولَ أَيْضًا فَأُبَيٌّ أَبُوهُ وَسَلُولُ أُمُّهُ وَسَلُولُ زَوْجَةُ أُبَيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالصَّوَابُ فِي كِتَابَتِهِ وقرأته أَنْ تُنَوَّنَ أُبَيٌّ وَيُكْتَبُ

ابْنُ سَلُولَ بِالْأَلِفِ فِي ابْنٍ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كقولهم محمد بن على بن الحنفية واسماعيل بن ابراهيم بن علية وآخرين قد أفردتهم في جزء وأشرت الهيم فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَيِّتُ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرَ إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَأَمَّا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ فَكَانَ مُسْلِمًا صَالِحًا فَاضِلًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْقَمِيصُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ هُوَ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ لِيُطَيِّبَ قَلْبَ ابْنِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ الْمُنَافِقَ كَانَ كَسَا الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبًا حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبًا بَدَلَهُ لِئَلَّا يَبْقَى لِكَافِرٍ عِنْدَهُ يَدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلِهَذَا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَإِنْ) قِيلَ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَلَيْسَ لِلْعِمَامَةِ ذِكْرٌ فِيهِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ إذَا ثبت احدهما ثبت الآخر إذ لافرق (وقولها) سُحُولِيَّةٌ رُوِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِالْفَتْحِ مَدِينَةٌ فِي نَاحِيَةِ الْيَمَنِ مِنْهَا ثِيَابٌ يُقَالُ لَهَا سَحُولِيَّةٌ قَالَ وَأَمَّا السُّحُولِيَّةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ الثِّيَابُ الْبِيضُ وَقَالَ غَيْرُ الْأَزْهَرِيِّ هِيَ بِالْفَتْحِ نِسْبَةٌ إلَى قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ وَبِالضَّمِّ ثِيَابُ الْقُطْنِ وَقِيلَ بِالضَّمِّ ثِيَابٌ نَقِيَّةٌ مِنْ الْقُطْنِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّ أَكْمَلَ ثِيَابِ الْحَيِّ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَكْمَلُ بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِهَا أَجْمَلُ بِالْجِيمِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْكَافُ أَكْثَرُ وَأَحْسَنُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سَرَفٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ السَّرَفُ مَا جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَعْرُوفَ لِمِثْلِهِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَلِفَافَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ الْمِئْزَرُ الَّذِي يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ فَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الصَّبِيِّ فِي ثَلَاثَةٍ كَالْبَالِغِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَفَّنُ الصَّبِيُّ فِي خِرْقَتَيْنِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ ذَكَرٌ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ وَإِنْ كُفِّنَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّ الزِّيَادَةَ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهَا إضَاعَةُ مَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَلَوْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ لَمْ يَبْعُدْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ فَإِنْ كَانَا لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْخِلَافِ يُكْرَهُ التَّكْفِينُ فِي الْقَمِيصِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هذا شئ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ اُسْتُحِبَّ جَعْلُهَا تَحْتَ الثِّيَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا تَكْفِينُهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِثَلَاثَةٍ نَقَلَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ البيان وجها أنه يكفن بساتر العورة هو غلط صريح ولو اتفقت الورثة على ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يُكَفَّنُ في ثوب وطرد النولى فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ نُكَفِّنُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَالَ الْغُرَمَاءُ فِي ثَوْبٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَكْفِينُهُ بِثَوْبٍ لِأَنَّ تَخْلِيصَ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ إكْمَالِ الْكَفَنِ (وَالثَّانِي) يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ كَالْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ الثِّيَابُ اللَّائِقَةُ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُفْلِسِ عَامِرَةٌ فَهُوَ بِصَدَدِ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَلَوْ قَالَتْ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بِثَوْبٍ سَاتِرٍ جَمِيعَ الْبَدَنِ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَشَكَّكَ فِيهِ إنْسَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ ذِمَّتَهُ تَبْقَى مُرْتَهَنَةً بِالدَّيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ لَا غير كنفى ثَوْبٌ سَابِغٌ لِلْبَدَنِ لِأَنَّ الْكَفَنَ حَقُّهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ قَالَ وَلَوْ قَالَ رَضِيت بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ فِي سَاتِرٍ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ قَالَ الامام وهذا الذى ذكره فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وغيره قال اصحابنا الثوب الواحد حق له تَعَالَى لَا تَنْفُذُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي إسْقَاطِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ الْكَفَنِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كان الميت موسرا كفن با علي الْأَجْنَاسِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَبِالْأَوْسَطِ وَبِالْأَدْوَنِ إنْ كَانَ فَقِيرًا * (فَرْعٌ) إنْ قِيلَ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَهَذَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْمُحْرِمِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ فَإِنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَجَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الثَّلَاثَةُ ليتمكن منها * * قال المصنف رحمه الله * " والمستحب أن يكون الكفن بيضاء لحديث عائشة رضى الله عنها والمستحب أن يكون حسنا لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " وتكره المغالاة فيه لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تغالوا في الكفن فانه يسلب

سريعا " والمستحب ان يبخر الكفن لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَبَقَ بَيَانُهُ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وحديثه الاخر رواه احمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شرط مسلم ولكن روى البيهقى باسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يرفعه الايحيى بْنُ آدَمَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَا أظنه الاغلطا قُلْت كَأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فَرَّعَهُ عَلَى قَاعِدَةِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا حُكِمَ بِالْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الفقهاء واصحاب الاصول ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَوْتِرُوا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فاجمروه ثلاثا (وقوله) يكون الكفن بيضاء أي ثيابا بيضاء وَالْإِجْمَارُ التَّبَخُّرُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ - هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ - كَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ إسْكَانَ الْفَاءِ أَيْ فَعَلَ التَّكْفِينَ مِنْ الْإِشْبَاعِ وَالْعُمُومِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ يَكُونُ الْكَفَنُ حَسَنًا وَسَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا مَعْنَى تَحْسِينِهِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ

الْكَفَنُ أَبْيَضَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الكفن قال أصحابنا والمراد بتحسينه بياضه ونظاقته وَسَوْغُهُ وَكَثَافَتُهُ لَا كَوْنُهُ ثَمِينًا لِحَدِيثِ النَّهْيِ عن المغالاة وتكره المغالاة فيه للحديت قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ الثَّوْبُ الْغَسِيلُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَدِيدِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى ثَوْبٍ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ فَقَالَ " اغْسِلُوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا قُلْت إنَّ هَذَا خَلَقٌ قَالَ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - وَالْمُهْلَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا - هِيَ دَمُ الْمَيِّتِ وَصَدِيدُهُ وَنَحْوُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَجُوزُ تَكْفِينُ كُلِّ إنْسَانٍ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ فَيَجُوزُ مِنْ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَيَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَكْفِينِهَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ لَكِنْ يُكْرَهُ تَكْفِينُهَا فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ سَرَفًا وَيُشْبِهُ إضَاعَةَ الْمَالِ بِخِلَافِ اللُّبْسِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ تَجَمُّلٌ لِلزَّوْجِ وَحَكَى صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي زِيَادَاتِ الْمُهَذَّبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ فَلَا يَحْرُمُ تَكْفِينُهَا فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهَيْنِ ثَانِيهمَا لَا يُكْرَهُ قَالَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَفَنِ الْمُبَاحِ حَالُ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْمَالِ فَمِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَأَوْسَطُهَا وَإِنْ كَانَ مُقِلًّا فَخَشِنُهَا هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرِهِمَا (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ إلَّا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْكَفَنَ عَلَى عُودٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يُبَخَّرُ كَمَا يُبَخَّرُ ثِيَابُ الْحَيِّ حَتَّى تَعْبَقَ بِهَا رَائِحَةُ الطِّيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا ويستحب أن يكون الطيب عوداو كون الْعُودُ غَيْرَ مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ فَإِنْ كَانَ مُطَيَّبًا به جاز ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث قال المصنف رحمه الله * {ويستحب أن يبسط أحسنها وأوسعها ثم الثاني الذى يلي الميت اعتبارا بالحي فانه يجعل أحسن ثيابه وأوسعها فوق الثياب وكلما فرش ثوبا نثر فيه الحنوط ثم يحمل الميت الي الا كفان مستورا ويترك علي الكفن مستلقيا على ظهره ويؤخذ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فِيهِ الْحَنُوطَ

والكافور ويجعل بين اليتيه ويشد عليه كما يشد التبان ويستحب أن يؤخذ القطن ويجعل عليه الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين والاذنين وعلي خراج نافذ إن كان عليه ليخفى ما يظهر من رائحته ويجعل الحنوط والكافور علي قطن ويترك علي مواضع السجود لما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال يتتبع بالطيب مساجده ولان هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت بالطيب قال وأحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لان ذلك يقوى البدن ويشده وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْكَافُورِ كَمَا يفعل الحى إذا تطيب قال في البويطي فان حنط بالمسك فلا بأس لما روى أبو سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " المسك من أطيب الطيب " وَهَلْ يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ أَمْ لَا فِيهِ قولان وقيل فيه وجهان احدهما يجب لانه جرت به العادة في الميت فكان واجبا كالكفن والثاني انه لا يجب كما لا يجب الطيب في حق المفلس وان وجبت الكسوة} *

{الشرح} حديت أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ بِزِيَادَةِ مِنْ وَالْأَثَرُ المذكور عن ابن مسعود يتبع الطيب مَسَاجِدَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَنُوطُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ النُّونِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ الْحِنَاطُ بِكَسْرٍ وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْ الطِّيبِ يُخْلَطُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً لَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ حَنُوطٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَدْخُلُ فِي الْحَنُوطِ الْكَافُورُ وَذَرِيرَةُ القصب والصندل الاحمر والابيض (وقوله) كما يستدل التُّبَّانُ هُوَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وهو سراويل قصيرة صغيرة بلاتكة (قَوْلُهُ) وَعَلَى خُرَاجٍ نَافِذٍ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ الْقُرْحَةُ فِي الْجَسَدِ * واما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ أَوْسَعَ اللَّفَائِفِ وَأَحْسَنَهَا وَيُذَرُّ عَلَيْهَا حَنُوطٌ ثُمَّ يبسط الثانية عليها ويذز عَلَيْهَا حَنُوطٌ وَكَافُورٌ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي لِفَافَةٍ ثَالِثَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ كَانَتْ كَالثَّانِيَةِ فِي أَنَّهَا دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي ذَرِّ الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَنُوطِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رحمه الله هذا شئ لم يذكره غير الشافعي من الفقهاء وانا اختاره الشافعي ليلا يسرع بلي الا كفان وَلِيَقِيَهَا مِنْ بَلَلٍ يُصِيبُهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ يُحْمَلُ

الْمَيِّتُ مَسْتُورًا فَيُوضَعُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَاحْتَجُّوا لِبَسْطِ أَحْسَنِ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعِهَا أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَيِّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ أَجْمَلَ ثِيَابِهِ فَوْقَهَا ثُمَّ يُؤْخَذُ قُطْنٌ مَنْزُوعُ الْحَبِّ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ ويدس بين اليته حَتَّى يَتَّصِلَ بِحَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا لِيَرُدَّ شَيْئًا يتعرض للخرج قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُدْخِلُهُ إلَى دَاخِلِ الْحَلْقَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الاصحاب في الطريقين وذكر البغوي وجهين (أحدها) يُكْرَهُ الْإِدْخَالُ (وَالثَّانِي) يُدْخَلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْخَلْ لَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ قَالَ وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْقَفَّالُ رَأَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الجماع الكبير ادخاله وهذا نقل غريب وحكم ضيف وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فيه الحنوط والكافور ثم يدخل بين اليته إدْخَالًا بَلِيغًا وَيُكْثِرُ مِنْهُ لِيَرُدَّ شَيْئًا إنْ جَاءَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ وَيَشُدُّ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرْفِ يَأْخُذُ أَلْيَتَهُ وَعَانَتَهُ ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهِ كَمَا يُشَدُّ التُّبَّانُ الْوَاسِعُ قَالَ الْمُزَنِيّ لا احب ما قال من إبلاع الحشو ولكن يجعل كالوزة من القطن بين اليته ويجعل من تحتها قطن يضم إلى بين أَلْيَتَيْهِ وَالشِّدَادُ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ كَالتُّبَّانِ يُشَدُّ عليه فان جاء منه شئ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَعَهُ ذَلِكَ أَنْ يَظْهَرَ فَهَذَا؟ ان فِي كَرَامَتِهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا تَوَهَّمَ الْمُزَنِيّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ

إدْخَالَ الْقُطْنِ فِي الدُّبُرِ قَالُوا وَأَخْطَأَ فِي توهمه وانا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُبَالَغَ فِي حَشْوِ الْقُطْنِ بين اليته حَتَّى يَبْلُغَ الدُّبُرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ فَقَالَ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَلْقَةَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَمِمَّا يَدُلُّ علي وهم المزني قول الشافعي لرد شئ ان خرج ولو كان مراده انه يُدْخَلَ إلَى دَاخِلِ الدُّبُرِ لَقَالَ يَمْنَعُ مِنْ خروج شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ثم يشد الياه وَيُسْتَوْثَقُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ خِرْقَةً وَيَشُقُّ رَأْسَهَا وَيَجْعَلُ وَسَطَهَا عِنْدَ أَلْيَتِهِ وَعَانَتِهِ وَيَشُدُّ فَوْقَ السُّرَّةِ بِأَنْ يَرُدَّ مَا يَلِي ظَهْرَهُ إلَى سُرَّتِهِ وَيُعْطَفُ الشِّقَّانِ الْآخَرَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ شدشق من كل رأس علي هذا الفخذو مثله عَلَى الْفَخْذِ الْآخِرِ جَازَ وَقِيلَ يُشَدُّ عَلَيْهِ بِخَيْطٍ وَلَا يُشَقُّ طَرَفُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشافعي والمنصف وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الْقُطْنِ وَيَضَعُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ وَيَجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ الْبَدَنِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْمَنْخِرَيْنِ وَالْفَمِ وَالْجِرَاحَاتِ النَّافِذَةِ دَفْعًا لِلْهَوَامِّ وَيُجْعَلُ عَلَى قُطْنٍ وَكَافُورٍ وَتُرِكَ عَلَى مَوَاضِعِ

السُّجُودِ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَبَطْنُ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشافعي في المختصر وفيه وجه حكاه (1) والرافعي أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ عَلَى نَفْسِ هَذِهِ المساجد بلا قطن وهو ضعيف غريب قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ واستحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لانه يقويه ويشده قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْكَافُورِ كَمَا يَفْعَلُ الحي إذا تطيب قال الشافعي في البويطي وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ حُنِّطَ بِالْمِسْكِ فَلَا بَأْسَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ وَقَالَ هُوَ مِنْ فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ أَمْ لافيه قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فَوَجَبَ كَالْكَفَنِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ الطِّيبُ لِلْمُفْلِسِ وَإِنْ وَجَبَتْ كِسْوَتُهُ (وَقَوْلُهُ) قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ هَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَاعْتِنَائِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِقَوْلَيْنِ وَلَا وَجْهَيْنِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْكُونَ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ كَفَنُ الْمَيِّتِ وَحَنُوطُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مَنْعُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَنُوطٌ وَلَا كَافُورٌ رَجَوْت ان يجزئ قال البندنيجي رحمة الله عليه وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الطِّيبِ وَالْحَنُوطِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ امام الحرمين رحمه الله ويجب القطع

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

بِهَذَا وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْكَافُورَ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَنُوطِ وَمِمَّنْ خَصَّ الْوَجْهَيْنِ بِالْحَنُوطِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ فِي نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ جَمِيعًا صاحبا المستظهرى والبيان وسبقهم به البند نيجى كما ذكرناه * * قال المصنف رحمه الله * {ثم يلف في الكفن ويجعل ما بلى الرأس اكثر كالحي ما علي رأسه اكثر قال الشافعي رحمه الله وتثني صنفة الثوب الذى يلي الميت فيبدأ بالايسر علي الايمن وبالايمن على الايسر وقال في موضع يبدأ بالايمن على الايسر ثم الا يسر علي الايمن فمن اصحابنا من جعلهما قولين احدهما يبدأ بالايسر علي الايمن والثاني يبدأ بالايمن علي الايسر ومنهم من قال هي علي قول واحد انه تثنى صنفة الثوب الايسر علي جانبه الايمن وصنفة الثوب الايمن علي جانبه الايسر كما يفعل الحي بالساج يعنى الطيلسان وهذا هو الاصح لان في الطيلسان ما علي الجانب الايسر هو الظاهر ثم يفعل ذلك في بقية الاكفان وما يفضل من عند الرأس بشئ على وجهه وصدره فان احتيج الي شد الا كفان شدت ثم يحل عنه عند الدفن لانه يكره أن يكون معه في القبر شئ معقود فان لم يكن له الا ثوب واحد قصير لا يعم البدن غطي رأسه وترك الرجل لما روى أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قتل يوم احد ولم يكن له الا نمرة فكان إذا غطي بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطى بها رجلاه بدار رأسه فقال النبي صلي الله عليه وسلم " غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه شيأمن الاذخر} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُصْعَبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية خباب بن الارت وقوله

تثنى صنيفة هو بفتح أول تثني والصنيفة - بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ - وَبَعْدَ النُّونِ ياء والمشهور في كتب اللغة صنفة بلاياء قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ زَاوِيَةُ الثَّوْبِ وَكُلُّ ثَوْبٍ مُرَبَّعٍ لَهُ أَرْبَعُ صَنِفَاتٍ قَالَ وَقِيلَ صَنِفَتُهُ طَرَفُهُ وَالسَّاجُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ مُخَفَّفَة - وَجَمْعُهُ سيجان قال الازهرى هو الطيلسان المقور نسبج كَذَلِكَ وَالْإِذْخِرُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ - حَشِيشٌ مَعْرُوفٌ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَالسَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَوْمُ أُحُدٍ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ لا حدى عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالنَّمِرَةُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ - وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ الْأَكْسِيَةِ وَقِيلَ شَمْلَةٌ مُخَطَّطَةٌ مِنْ صُوفٍ وَقِيلَ فِيهَا أَمْثَالُ الْأَهِلَّةِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ ففى الكيفية المستحبة في لف الا كفان الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عند الا كثرين يَبْدَأُ فَيَثْنِي الثَّوْبَ الَّذِي يَلِي بَدَنَ الْمَيِّتِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّ الْمَيِّتِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ ثُمَّ يُلَفُّ الثَّوْبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَثْنِي أَوَّلًا الشِّقَّ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ في المختصر والمنصف والاصحاب رحمهم الله وَإِذَا لَفَّ الْكَفَنَ عَلَيْهِ جَمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ وَرَدَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي وَمَا فَضَلَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ يُجْعَلُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أن يوضع الميت على الا كفان بِحَيْثُ إذَا لُفَّ عَلَيْهِ كَانَ الْفَاضِلُ عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ لِحَدِيثِ مُصْعَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وان لم يكن الاثوب لَا يَعُمُّ كُلَّ الْبَدَنِ سُتِرَ وَتُرِكَتْ الرِّجْلَانِ وَجُعِلَ عَلَيْهِمَا حَشِيشٌ وَنَحْوُهُ لِحَدِيثِ مُصْعَبٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ خِيفَ انْتِشَارُ الا كفان عِنْدَ الْحَمْلِ شُدَّتْ بِشِدَادٍ يُعْقَدُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَدْخَلُوهُ الْقَبْرَ حَلُّوهُ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ في القبر شئ معقود * * قال المصنف رحمه الله *

{وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَخِمَارٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَهَلْ يَكُونُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ دِرْعًا فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَحَدَهَا دِرْعٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَاوَلَ أُمَّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها في كفن ابنته ام كلثوم أزار أو درعا وخمارا وثوبين ملآءا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهَا دِرْعٌ لِأَنَّ الْقَمِيصَ إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ لِتَسْتَتِرَ بِهِ فِي تَصَرُّفِهَا وَالْمَيِّتُ لَا يَتَصَرَّفُ فَإِنْ قُلْنَا لا درع فيها أزرت بازار وَخُمِّرَتْ بِخِمَارٍ وَتُدْرَجُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا دِرْعٌ أُزِّرَتْ بِإِزَارٍ وَتُلَبَّسُ الدِّرْعَ وَتُخَمَّرُ بِخِمَارٍ وَتُدْرَجُ فِي ثَوْبَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا ثَوْبٌ لِيَضُمَّ ثِيَابَهَا فَلَا تَنْتَشِرُ وَهَلْ يُحَلُّ عَنْهَا الثَّوْبُ عِنْدَ الدَّفْنِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يدخل مَعَهَا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشَدُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُحَلُّ وَقَالَ أبو إسحق يُنَحَّى عَنْهَا فِي الْقَبْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ ليس من جملة الكفن} * {الشرح} الحديث المذ كور رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ - بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ - الثَّقَفِيَّةِ الصَّحَابِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم الحقا ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخِرِ قَالَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَا ثَوْبًا ثَوْبًا " إسْنَادُهُ حسن الا رجلا لا اتحقق حاله وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَوْلُهُ ثوبين ملآءا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - وَالْحِقَا - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ - يُقَالُ لَهُ الْحِقْوُ وَالْحَقْوُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْحِقَا وَالْإِزَارُ وَالْمِئْزَرُ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) الْمِلْحَفَةُ وَالثَّوْبُ إنْ أُدْرِجَتْ فِيهِ فَهُمَا المراد بقوله ثوبين ملآأى غَيْرَ مُلَفَّقَيْنِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَأَنَّ الرَّجُلَ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ وَيَجُوزُ إلَى خَمْسَةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَيُكْرَهُ مُجَاوَزَةُ الْخَمْسَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ اسْتِحْبَابُ الْخَمْسَةِ فِي حَقِّهَا مُتَأَكَّدًا كَتَأَكُّدِ الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَذَا حُكْمُ كَفَنِهَا الْمُسْتَحَبُّ (وَأَمَّا) الْوَاجِبُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (أَحَدُهُمَا) ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ (وَأَصَحُّهُمَا) سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كَفَنِ الْمَرْأَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي خَمْسَةٍ فَثَلَاثُ لَفَائِفَ وَقَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَيُجْعَلَانِ تَحْتَ اللَّفَائِفِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) إزَارٌ وَخِمَارٌ وَثَلَاثُ لَفَائِفَ (وَالثَّانِي) إزَارٌ وَخِمَارٌ وَدِرْعٌ وَهُوَ الْقَمِيصُ وَلِفَافَتَانِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فقال احب ان يكون احدا لخمسة دِرْعًا لِمَا رَأَيْتُ فِيهِ مِنْ فِعْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْمُزَنِيِّ

رحمه الله فاشار الي القولين وسماهما جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَدِيمًا وَجَدِيدًا فَجَعَلُوا الْقَدِيمَ اسْتِحْبَابَ الدِّرْعِ وَالْجَدِيدَ عَدَمَهُ قَالُوا وَالْقَدِيمُ هُنَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّ فِيهَا دِرْعًا وَهُوَ الْقَمِيصُ قَالَا وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى الْقَدِيمِ ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إلَّا مِنْ الْمُزَنِيِّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحِّهِمَا) أَنَّ فِيهَا دِرْعًا هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الدِّرْعُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا يُفْتَى بِهِ عَلَى الْقَدِيمِ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدِيمَ يُوَافِقُهُ مُعْظَمُ الْجَدِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمَنْ قَالَ لَا دِرْعَ يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ الْحَدِيثِ وَلَعَلَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْقَمِيصُ بِلَا خِلَافٍ إذَا كَانَ ثَلَاثَةً وَالْخَمْسَةُ فِي الْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ فِي الرَّجُلِ وَإِذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا مُتَفَاوِتَةً فَالسُّفْلَى تَأْخُذُ سُرَّتَهُ وَرُكْبَتَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِيَةُ) مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ (وَالثَّالِثَةُ) تَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ تَكُونُ مُتَسَاوِيَةً فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ يَسْتَوْعِبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ قَالُوا وَلَا فرق

فِي التَّكْفِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْخَمْسَةِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا كُفِّنَتْ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا ثَوْبٌ لِيَضُمَّ أَكْفَانَهَا فَلَا تَنْتَشِرُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ به فقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ هُوَ ثَوْبٌ سَادِسٌ وَيُحَلُّ عَنْهَا إذَا وُضِعَتْ فِي الْقَبْرِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالثَّوْبِ خِرْقَةٌ تُرْبَطُ لِتَجْمَعَ الْأَكْفَانَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ هُوَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ الْخَمْسَةِ وَتُرِكَ عَلَيْهَا فِي الْقَبْرِ كَبَاقِي الْخَمْسَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ان قول ابى اسحق هُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا ذَكَرُوا صُورَةَ الْوَجْهَيْنِ وَخِلَافَ ابى العباس وابى اسحق وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ هَكَذَا شَيْخُ الْأَصْحَابِ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَاقُونَ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي هَذَا فَتُتَأَوَّلُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْخَمْسَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابي اسحق وقلنا بالقميص وهو الدرع شد علهيا الْمِئْزَرُ ثُمَّ الْقَمِيصُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَتَيْنِ ثُمَّ يُشَدُّ الثَّوْبُ السَّادِسُ وَيُنَحَّى فِي الْقَبْرِ وَإِنْ قُلْنَا لَا قَمِيصَ أُزِّرَتْ ثُمَّ خُمِّرَتْ ثُمَّ تُلَفُّ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ ثم يشد الثوب السادس واما علي قول ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَمِيصِ شُدَّ الْمِئْزَرُ ثُمَّ الدِّرْعُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهَا الشَّدَّادُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَةٍ سَابِغَةٍ وَهِيَ الثَّوْبُ الْخَامِسُ فَيَكُونُ الشَّدَّادُ مَسْتُورًا وَإِنْ قُلْنَا لَا قَمِيصَ شُدَّ الْمِئْزَرُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَةٍ سَابِغَةٍ ثُمَّ يُشَدُّ الشَّدَّادُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي الْخَامِسِ وَهُوَ أَسْبَغُهَا وَهَذَا التَّرْتِيبُ هَكَذَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَلَوْ خُولِفَ أَجْزَأَ وَفَاتَتْ الْفَضِيلَةُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أُزِّرَتْ ثُمَّ قُمِّصَتْ ثُمَّ خُمِّرَتْ ثُمَّ لُفَّتْ فِي لِفَافَتَيْنِ بِحَرْفِ ثُمَّ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ تُرِكَ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ الشَّدَّادُ فِي الْقَبْرِ وَلَكِنَّهُ يُحَلُّ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ فِي الْقَبْرِ شئ مَعْقُودٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الدَّفْنِ عَلَى حَلِّ عُقَدِ الثِّيَابِ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {إذا مات محرم لم يقرب الطيب ولم يلبس وَلَمْ يُخَمَّرْ رَأْسُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثوبيه

اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا " وَإِنْ مَاتَتْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ وَفَاةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تُقَرَّبُ الطِّيبَ لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَالطِّيبُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَسْقُطْ تَحْرِيمُهُ بِالْمَوْتِ كَالْمُحْرِمَةِ (وَالثَّانِي) تُقَرَّبُ الطِّيبَ لِأَنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى لَا يَدْعُوَ ذَلِكَ إلَى نِكَاحِهَا وَقَدْ زَالَ هَذَا المعنى بالموت} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا مَاتَ المحرم والمحرمة حرم تطييبه وأخذ شئ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ وَحَرُمَ سَتْرُ رَأْسِ الرجل والباسه مخيطا وعقد اكفانه وحرم ستروجه الحرمة وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجُوزُ إلْبَاسُ الْمَرْأَةِ الْقَمِيصَ وَالْمَخِيطَ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَجِبُ تَجْنِيبُهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ فِي حَيَاتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ بَلْ هُوَ الصواب الذى لابد مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَلَا يُعْقَدُ عَلَى الرَّجُلِ ثَوْبٌ وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ كَمَا لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَقْدُ الرِّدَاءِ وَلَا يَحْرُمُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الطِّيبِ سَوَاءٌ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَسَوَاءٌ الطِّيبُ فِي بَدَنِهِ وَأَكْفَانِهِ وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ وَهُوَ الْكَافُورُ فَكُلُّهُ حَرَامٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ الْكَافُورُ فِي مَائِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّجْمِيرُ وَهُوَ التَّبْخِيرُ عِنْدَ غُسْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ الْجُلُوسِ عِنْدَ الْعَطَّارِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ طَيَّبَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَلْبَسَهُ مِخْيَطًا عَصَى الْفَاعِلُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الْمَيِّتِ عَصَى وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) إذَا مَاتَتْ مُعْتَدَّةٌ مُحِدَّةٌ فَهَلْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (احدهما) وهو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ يَحْرُمُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَحْرُمُ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ اصحابنا الا ابا اسحق الْمَرْوَزِيَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْمُعْتَدَّةِ مَنْصُوصَةً لَلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ المصنف معتدة عن وفاة يحترز به عن معتدة رجعية وغيرها ممن لاحداد عَلَيْهَا وَأَمَّا الْبَائِنُ فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَيْهَا الْإِحْدَادَ فَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَكُونُ فِيهَا الْوَجْهَانِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعْتَدَّةٌ حَادَّةٌ أَوْ مُحِدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِتَدْخُلَ الْبَائِنُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْقَوْلَ لِضَعْفِهِ فَلَمْ يحترز عنه *

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَلْ يَبْطُلُ صَوْمُ الْإِنْسَانِ بِالْمَوْتِ كَمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ أَمْ لَا تَبْطُلُ كَمَا لَا يَبْطُلُ حَجُّهُ بَلْ يَبْقَى حُكْمُهُ وَيُبْعَثُ يَوْمَ القيامة ملبيا فيه وجهان لا صحابنا وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ الْمُحْرِمِ وَتَكْفِينِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ تَطْيِيبِهِ وَإِلْبَاسِهِ مَخِيطًا وَسَتْرِ رَأْسِهِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعطاء والثوري واحمد واسحق وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يُطَيَّبُ وَيُلْبَسُ الْمَخِيطَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ الْكَفَنُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ ثُمَّ نُبِشَ وَسُرِقَ الْكَفَنُ وَتُرِكَ عُرْيَانًا اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ لانه لو لزمهم ثانيا للزمهم الي مالا يَتَنَاهَى وَلَوْ كُفِّنَ ثُمَّ أَكَلَهُ سَبُعٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ كَفَنِهِ فَلِمَنْ يَكُونُ الْكَفَنُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وخلاف

باب الصلاة على الميت

يأني إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ السَّرِقَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يستحب أن يعد الانسان لنفسه كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةٍ يَقْطَعُ بِحِلِّهَا أَوْ مِنْ أَثَرِ بَعْضِ أَهْلِ الْخَيْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْعِبَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ ادِّخَارَهُ حِينَئِذٍ حَسَنٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ عَلَيْهِ بُرْدَةٌ فَطَلَبَهَا رَجُلٌ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا فَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ مَا أَحْسَنْتَ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إنِّي والله ما سألته لا لبسه إنَّمَا سَأَلْتُهُ لِيَكُونَ كَفَنِي قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ " (الثَّالِثَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ تَكْفِينِ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ سُوَيْدُ بن علقمة يُكَفِّنُ فِي ثَوْبَيْنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَفِّنُ فِي خَمْسَةٍ (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وقال احمد واسحق فِي خِرْقَةٍ فَإِنْ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَا بأس وعن الحسن وأصحاب الرأى في ثَوْبَيْنِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَلَاثَةً (وَأَمَّا) الْمَرْأَةُ فَذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهَا فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ والاوزاعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ عَطَاءٌ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَثَوْبٌ تَحْتَهُ وَلِفَافَةٌ فَوْقَهُمَا وَقَالَ سليمان بن موسي درع وخمار ولفافة * {باب الصلاة على الميت} * قال المصنف رحمه الله * {الصلاة علي الميت فرض علي الكفاية لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الله " وفى أدنى ما يكفى قولان (أحدهما) ثلاثة لان قوله صلي الله عليه وسلم صلوا خطاب جمع وأقل الجمع ثلاثة (والثانى) يكفى واحد لانها صلاة ليس من شرطها الجماعة فلم يكن من شرطها العدد كسائر الصلوات ويجوز فعلها في جميع الاوقات لانها صلاة لها سبب فجاز فعلها في كل وقت ويجوز فعلها في المسجد وغيره لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى سهيل بن بيضاء في المسجد " والسنة أن يصلى في جماعة لما روى مالك بن هبيرة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين الاوجب " وتجوز فرادى لان النبي صلي الله عليه وسلم " مات فصلي عليه الناس فوجا فوجا " وان اجتمع نساء لا رجل معهن صلين عليه فرادى فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي الصلاة علي الميت وإن صلين جماعة فلا بأس} *

{الشرح} حديث " صلو خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى عليه وسلم وإسناده ضعيف رواه الدارقطني كَذَلِكَ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَقَالَ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شئ وَتُغْنِي أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَهَا سُنَّةً وَهَذَا مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ صَلَاتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أفواجا فرواه البيهقى بسناده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " لَمَّا صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ أُدْخِلَ النِّسَاءُ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَتَنَافُسِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (وَقَوْلُهُ) أَرْسَالًا - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - أَيْ مُتَتَابِعِينَ (وَقَوْلُهُ) أَفْوَاجًا أَيْ يَدْخُلُ فَوْجٌ يُصَلُّونَ فُرَادَى ثُمَّ فَوْجٌ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ) لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ) سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ هِيَ أُمُّهُ وَاسْمُهَا دَعْدُ وَالْبَيْضَاءُ لَقَبٌ وَاسْمُ أَبِيهِ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ وَكَانَ سُهَيْلُ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ وَالْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَسَنَّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ صَحَابِيٌّ مشهور كندى سكوبى مِصْرِيٌّ كَانَ أَمِيرًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الْجُيُوشِ (وَقَوْلُهُ) الا وجب كذا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْجَبَ بِالْأَلِفِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ إلَّا غُفِرَ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى أَوْجَبَ وَإِنْ صَحَّ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ كَانَ مَعْنَاهُ وَجَبَ لَهُ الْجَنَّةُ (وَقَوْلُهُ) فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ فَيُقَالُ هَذَا تَعْلِيلٌ بِنَفْسِ الْحُكْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ مَرْدُودٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي أَقَلِّ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وصاحب الحاوى (والثاني) يَكْفِي وَاحِدٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ) يُشْتَرَطُ اثْنَانِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَاسُوا الْأَرْبَعَةَ عَلَى حَمْلِ الْجِنَازَةِ وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا بِأَنَّ الْأَفْضَلَ

فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةٍ وَلِأَنَّهُ إذَا قُلْنَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ أَرْبَعَةٌ لَا يُقَالُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْوَاجِبِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْخِلَافِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ اشْتِرَاطَ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِمْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ وَتَكْثِيرَهَا أَفْضَلُ وَهَلْ يَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْخُنَثِي كَالْمَرْأَةِ فِي هَذَا (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِنَّ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلِّينَ فُرَادَى فَإِنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي جِنَازَةِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَمَّا) إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ إلَيْهِنَّ وَلَا يَدْخُلْنَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا رَجُلٌ وَنِسْوَةٌ وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ وَجَبَ عَلَيْهِنَّ التَّتْمِيمُ (وَأَمَّا) الصِّبْيَانُ الْمُمَيِّزُونَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ هَذَا الْفَرْضُ وَهَلْ يَسْقُطُ بِصَلَاتِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَبَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ أَوْ وَاحِدٌ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ وَإِلَّا فَلَا نَصَّ عليه الشافعي واتفق عليه إلا صحاب قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ عَدَدٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَقَعَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةُ شَرْحٍ وَتَفْرِيعٍ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَلَا تُكْرَهُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى صَلَاتَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بأدلتها في باب الساعات (الثَّالِثَةُ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا فِي الْمَسْجِدِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفرايني شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِنَّ من الصحابة رضي الله عنهم وأحمد واسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي ذئب يكره

تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى على جنازة في المسجد فلا شئ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بِكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا انفرد به صالح مولي التوءمة وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فِي عَدَالَتِهِ لَكِنَّ مُعْظَمَ مَا عَابُوا عَلَيْهِ الِاخْتِلَاطُ قَالُوا وَسَمَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ وَاَللَّهُ اعلم (الوجه الثاني) ان الذى ذكره أبو داود في رِوَايَتُهُ فِي جَمِيعِ نُسَخِ كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لَوْ صح (واما) رواية فلا شئ لَهُ فَهِيَ مَعَ ضَعْفِهَا غَرِيبَةٌ وَلَوْ صَحَّتْ لوجب حملها علي فلا شئ عَلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لا نفسكم وان اسأتم فلها) أَيْ فَعَلَيْهَا (الثَّالِثُ) أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ غَالِبًا إلَى أَهْلِهِ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ حَضَرَ دَفْنَهَا غَالِبًا فَنَقَصَ أَجْرُ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَا أَجْرَ كَامِلٌ لَهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ " أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) لَا حُجَّةَ فِي حديث عائشة لا حتمال أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لِعُذْرِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ وَضَعَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَمَرَتْ أَنْ تمر بجنازة سعد ابن أَبِي وَقَّاصِ فِي الْمَسْجِدِ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءَ الافى الْمَسْجِدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ الي المقاعد فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى ان يعيبوا مالا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ نَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سهيل ابن بَيْضَاءَ إلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى ابن بيضاء في المسجد سهيل واخيه " (الرَّابِعَةُ) تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فُرَادَى بِلَا خِلَافٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى جَمَاعَةً لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْجَمْعُ كَانَ أَفْضَلَ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ " مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ

مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ صُفُوفُهُمْ ثَلَاثَةً فصاعد الحديث مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ وَفِي تَمَامِ حَدِيثِهِ وَكَانَ مَالِكٌ إذَا اسْتَقَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ (وَأَمَّا) النِّسَاءُ فَإِنْ كُنَّ مَعَ الرِّجَالِ صَلَّيْنَ مُقْتَدِيَاتٍ بِإِمَامِ الرِّجَالِ وَإِنْ تَمْحَضْنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّينَ مُنْفَرِدَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا فَإِنْ صَلَّتْ بِهِنَّ إحْدَاهُنَّ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كَجَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكُ فُرَادَى * * قال المصنف رحمه الله * {ويكره نعى الميت للناس والنداء عليه للصلاة لما روى عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا إنِّي اخاف ان يكون نعيا " وقال عبد الله " الا يذان بالميت من نعى الجاهلية "} * {الشَّرْحُ} النَّعِيُّ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ لُغَتَانِ وَالتَّشْدِيدُ أَشْهَرُ وَالنِّدَاءُ - بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا مِتُّ فَلَا تؤذنوا بى احدا اني اخاف ان يكن نَعِيًّا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَنْهَى عَنْ النَّعِيِّ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ نَعِيُّ الْمَيِّتِ وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي اخْتَلَفَ اصحابنا هل يستحب الا يذان بِالْمَيِّتِ وَإِشَاعَةُ مَوْتِهِ فِي النَّاسِ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ والا علام فَاسْتَحَبَّهُ بَعْضَهُمْ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ وَالدَّاعِينَ

لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْغَرِيبِ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ آبَائِهِ وَخَصَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ ولكن الاولي الاستفغار لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُكْرَهُ نَعِيُّهُ وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ (فَأَمَّا) تَعْرِيفُ أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ بِمَوْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ النِّدَاءُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِفَ أَصْدِقَاؤُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّعِيِّ هَذَا ما ذكره الا صحاب فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَّى بِهِمْ عَلَيْهِ " وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي إنْسَانٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَيْ يَكْنُسَهُ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي " فَهَذِهِ النُّصُوصُ فِي الْإِبَاحَةِ وَجَاءَ فِي الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُرْوَى ذَلِكَ يَعْنِي النَّهْيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ عَلْقَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ نَعِيِّ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَعِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ مُجَرَّدَ إخْبَارٍ بِمَوْتِهِ فَسُمِّيَ نَعِيًّا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي كَوْنِهِ إعْلَامًا (وَالْجَوَابُ) لِمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ نَعِيِّ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي اشار إليه صاحب التتمة ولا يرد عَلَيْهِ قَوْلُ حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِمُجَرَّدِهِ نَعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعِيًّا وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ الْإِعْلَامَ زِيَادَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى نَعِيِّ الْجَاهِلِيَّةِ (وَالصَّحِيحُ) الذى تقتضيه الاحاديث الصحيحة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِعْلَامَ بِمَوْتِهِ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ إنْ قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذِكْرُ الْمَآثِرِ وَالْمَفَاخِرِ وَالتَّطْوَافِ بَيْنَ النَّاسِ يذكره بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا نَعِيُّ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْإِعْلَامِ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ المحققين والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * {وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء ارجاء لِلْإِجَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَفْجَعُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَانُوا بِالتَّقْدِيمِ أَحَقُّ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَخٌ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ مِنْ أَبٍ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُولَى وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي)

أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَكَانَ فِي التَّرْجِيحِ بِهَا قَوْلَانِ كَمَا نَقُولُ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأُمَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّقْدِيمِ إلَّا أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَرُجِّحَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَقُولُ فِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ بِهَا الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ حِينَ كَانَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّعْصِيبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ الاسن لان دعاؤه ارجى اجابة فان لم يوجد الْأَسَنُّ قُدِّمَ الْأَقْرَأُ الْأَفْقَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَصَلَاتُهُ أَكْمَلُ فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي التَّقْدِيمِ فَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْحُرِّ فَالْحُرُّ أولي لان الحر مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْوَالِي وَالْوَلِيُّ الْمُنَاسِبُ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ الْوَالِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ " وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ الْوَلِيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ فَقَدَّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الوالي كولاية النكاح} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَقَوْلُهُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ الْأَسَنُّ هُوَ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ محمود الطريقة بان يكون فاسقا أو مستدعا هَكَذَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ زَادَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَوْ جَاهِلًا زَادَ الْمَحَامِلِيُّ أَيْضًا فِي الْمَجْمُوعِ أو يهود يا أَسْلَمَ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ بِالسِّنِّ فِي الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَكِنْ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا غَيْرَ محمود الحال نظر (وقوله) لانها ولانه تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ فَقَدَّمَ فِيهِ الْوَلِيَّ عَلَى الْوَالِي كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ احْتِرَازٌ مِنْ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اجْتَمَعَ الْوَلِيُّ الْمُنَاسِبُ وَالْوَالِي فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ أَنَّ الْوَالِيَ أَوْلَى ثُمَّ إمَامُ المسجد ثم الولى و (الجديد) الصحيح أن الوي مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَالِي وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَقْدِيمِ إمَامِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْوَلِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا لِلْقَدِيمِ بِحَدِيثِ لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلِلْجَدِيدِ بِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ فَقَدَّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الْوَالِي كَالنِّكَاحِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْوَالِي عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حنيفة واحمد واسحق قال بن الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْوَلِيِّ الضَّحَّاكُ وَأَبُو يُوسُفَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَرِيبُ الَّذِي يُقَدَّمُ الذَّكَرُ فَلَا يُقَدَّمُ غَيْرُ الْوَلِيِّ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ

يكون القريب أنثى فيقدم الرجل الا جنبي عليها اذلا إمَامَةَ لَهَا حَتَّى يُقَدَّمَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقَرِيبَةِ وَكَذَا الرَّجُلُ أَوْلَى بِإِمَامَةِ النِّسَاءِ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ إمَامَتَهُ أَكْمَلُ (الثَّالِثَةُ) أَوْلَى الْأَقَارِبُ الْأَبُ ثُمَّ الجد. أب الاب وان علائم الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلْأَبِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فِيهِ طَرِيقَانِ حكاهما المصنف والا كثرون (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ تَقْدِيمُهُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَهَا مَدْخَلٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَسْتَوِيَانِ (وَالثَّانِي) تَقْدِيمُهُ كَالْقَوْلَيْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْإِمَامَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُقَدَّمُ بَعْدَهُمَا ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ عَمِّ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَمَّانِ أَوْ ابْنَا عَمِّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمِّ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) تَقْدِيمُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ عُصْبَتُهُ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَالْمَوْلَى مِنْ الْعَصَبَاتِ وَلَهُ حُكْمُهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعَصَبَاتُهُ تُقَدَّمُ ذَوُو الْأَرْحَامِ فَيُقَدَّمُ أَبُ الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ جَدٌّ مَمْلُوكٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْحُرِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَنَازَعَا فِي الْإِمَامَةِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَرْجَى إجَابَةً وَقَالَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ فَقَالَ المصنف والجمهور المسألتان علي ما صنف عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ غَالِبًا وَأَحْضَرُ قَلْبًا وَالْمُرَادُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مُرَاعَاةُ مَا يَطْرَأُ فِيهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَمُرَاعَاةُ أَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا وَقِيلَ فيهما قولان بالنقل والتحريج (احدهما) يقدم الاسن فيهما (والثانى) يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ فِيهِمَا هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمَرَاوِزَةُ بَلْ جَزَمُوا بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَذَكَرُوا فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ الطَّرِيقَيْنِ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا النَّقْلِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ العراقيين ليس في كتبهم الشمهورة بل جمهورهم

قَرَّرُوا النَّصَّ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْهُمْ ذَكَرُوا الطَّرِيقَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ تَرْجِيحِهِمْ الْقَوْلَ الْمَنْصُوصَ فيها وهو تقديم وَجَزَمُوا بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِتَقْرِيرِ النَّصِّ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْجِنَازَةِ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِهَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ التَّخْرِيجَ إلَى غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ بِالسِّنِّ الَّذِي مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ مَضَى مُعْظَمُ عُمُرِهِ فِي الْكُفْرِ وَأَسْلَمَ مِنْ قَرِيبٍ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَاب صِفَةِ الْأَئِمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا السِّنِّ الشَّيْخُوخَةُ بَلْ يُقَدَّمُ أَكْبَرُ الشَّابَّيْنِ عَلَى أَصْغَرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ فَاسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ وَوَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ وَكُلُّ ذلك يجبئ هُنَا إذَا اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَسَنُّ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُودِ الْحَالِ كَمَا سَبَقَ شَرْحُهُ قُدِّمَ الافقه والاقرأ وصار هذا كالمعدوم فَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا فَقُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ (الْخَامِسَةُ) إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ رَقِيقٌ فَالْحُرُّ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اجتمع رقيق فيه وَحُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُقَدَّمُ الْحُرُّ (وَالثَّانِي) الرَّقِيقُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَلَعَلَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا أَوْلَى لِتَعَارُضِ الْفَضِيلَتَيْنِ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ بَعِيدٌ وَعَبْدٌ قَرِيبٌ كَأَخٍ هُوَ عبد وعم حر فثلاثة أوجه (أصحهما) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْحُرُّ أَوْلَى لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَالْحُرُّ أَهْلُهَا دُونَ الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) الْعَبْدُ أَوْلَى لِقُرْبِهِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَأَشَارَ إلَى اخْتِيَارِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْقَرِيبَانِ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَرِيبَةِ وَالصِّبْيَانُ أَوْلَى مِنْ النِّسَاءِ قَالَ إمَامُ الحرمين رحمه الله والدى ذَكَرَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ الْخَالَ وَكُلَّ مُتَمَسِّكٍ بِقَرَابَةٍ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ وَإِنْ كَانَ الْخَالُ عَبْدًا مَفْضُولًا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَبْدٌ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ حُرٌّ فَالْعَبْدُ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ قَالُوا لِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْعَبْدِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهَا خلف الصبي *

(فرع) إذا اجتمع وابان فِي دَرَجَةٍ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ كَانَ أَوْلَى كَمَا سبق فان أراد ان يستنيب أحنبيا فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ (الْأَقْيَسُ) أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ إلَّا بِرِضَاءِ الْآخَرِ قال ولو غاب الولي الا قرب وَوَكَّلَ مَنْ يُصَلِّي فَنَائِبُهُ أَحَقُّ مِنْ الْبَعِيدِ الْحَاضِرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِي الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ أَشَدُّ شَفَقَةً وَأَتَمُّ إرْثًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ العدة شاذ مخالف لما قاله الا صحاب * (فَرْعٌ) لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَهَلْ يُقَدَّمُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى أَقَارِبِ الْمَيِّتِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الاصحاب بلا يُقَدَّمُ وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْقَرِيبِ وَوُلَاتِهِ فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتَهُ بِإِسْقَاطِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى أَجْنَبِيٍّ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَلَهَا عَصَبَةٌ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (والطريق) الثاني فيه حكاه الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَوْصَى أَجْنَبِيًّا فِي أُمُورِ أَوْلَادِهِ وَلَهُمْ جَدٌّ (الصَّحِيحُ) لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ إلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ قَالَ الرافعي وبهذا أفني محمد بن يجي صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَيُقَدَّمُ الوصي على القريب يحكي عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَحْمَدَ قَالَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْأَوْلِيَاءُ أَوْلَى مِنْ الْمُوصَى لَهُ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ تَقْدِيمَ الْوَصِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وابن سيرين وأحمد وإسحق وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَصَلَّى

وَوَصَى عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ فَصَلَّى وَوَصَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَصَلَّى وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقٌّ لِلْقَرِيبِ فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِإِسْقَاطِهِ كَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ وَصَايَا الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يَحْضُرْ الميت عصبة لبه وَلَا ذَوُو رَحِمٍ وَلَا مُعْتِقٌ بَلْ حَضَرَهُ أَجَانِبُ قُدِّمَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ الْبَالِغُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا عَلَى الصبي وإن كان كَمَا سَبَقَ فَإِنْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ أَحْرَارٌ قُدِّمَ أَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَتَنَازَعُوا أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا عَبْدٌ قُدِّمَ مَنْ يُقَدَّمُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَتَنَازَعُوا أُقْرِعَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَحَقَّ الْأَقَارِبِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ غَرِيبٍ أَنَّ الْأَخَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طوقهم يقدم الابن وبنيه عَلَى الْأَخِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَخِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الِابْنُ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنٌ وَزَوْجٌ فَحَقُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِلِابْنِ دُونَ الزَّوْجِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ زَوْجُهَا أَوْلَى مِنْ ابْنِهَا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ زَوْجِهَا قَالَ وَابْنُ الْعَمِّ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ الْوَلِيُّ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الزَّوْجُ أَحَقُّ * دَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِابْنَ عَصَبَةٌ وَأَكْمَلُ شَفَقَةً فَقُدِّمَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الِابْنَ يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُنْتَقَضُ بِالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عليه مع انه يلزمه طاعته * * قال الصنف رحمه الله *

{ومن شرط صحة صلاة الجنازة الطهارة وستر العورة لانها صلاة فشرط فيها الطهارة وستر العورة كسائر الصلوات ومن شرطها القيام واستقبال القبلة لانها صلاة مفروضة فوجب فيها القيام واستقبال القبلة مع القدرة كسائر الفرائض} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْقِيَامُ (فَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَالنَّوَافِلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ خَرَّجُوهُ مِنْ إبَاحَةِ جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا قَائِمًا وَإِلَّا صَحَّتْ قَاعِدًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا تَقْدِيمُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ مَعْدِنٌ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ وَيُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ *

(فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ شَرْطِهَا الْقِيَامُ قَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ تَسْمِيَتُهُ شَرْطًا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَفَرْضٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي سَائِرِ الصلوات وكأنه سماه شرطا مجاز الاشتراك الركن والشرط في الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِمَا وَقَدْ سَمَّى أَبُو حَامِدٍ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ هُنَا شَرْطًا وَهُوَ مَجَازٌ كَمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ احترز مِنْ نَافِلَةِ السَّفَرِ (وَقَوْلُهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِنْ فَرِيضَةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَمَعْنَاهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ لَمْ تَصِحَّ إلَّا بِهِ وَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهَا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا إنْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَسَالِمٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ والاوزاعي واسحق وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ الشعبي ومحمد بن جرير الطبري والشيعة تجوز صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعَ إمْكَانِ الْوَضُوءِ والتيمم لانهها دُعَاءٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّعْبِيُّ قَوْلٌ خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ * دَلِيلُنَا عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) فَسَمَّاهُ صَلَاةً وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّوْا عَلَى صَاحِبِكُمْ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا صَلَاةً وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذَا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الْآيَةُ وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ " وَلِأَنَّهَا لَمَّا افْتَقَرَتْ إلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ وَكَوْنُ مُعْظَمِ مَقْصُودِهَا الدُّعَاءَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنَهَا صَلَاةً * وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ قَوْله تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى قوله تعالى (فلم يجدوا ماء فتيمموا) وهذا عام في صلاة الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يَثْبُتَ تَخْصِيصٌ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة في باب التيمم وبالله التوفيق *

* قال المصنف رحمه الله * {والسنة ان يقف الامام فيها عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة وقال أبو علي الطبري السنة ان يقف عند صدر الرجل وعند عجيزة المرأة لما روى أن أنسا رضي الله عنه " صلي علي رجل فقام عند رأسه وعلي امرأة فقام عند عجيزتها " فقال له العلاء بن زياد هكذا كانت صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى على امراة عند عجيزتها وعلي الرجل عند رأسه قال نعم) فَإِنْ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ فان كان رجل وصبي وامرأة قدم الرجل إلى الامام ثم الصبى ثم الخنثى ثم المرأه لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ صَلَّى علي تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلى الامام والنساء مما يلي القبلة " وروى عمار بن أبي عمار أن زيد بن عمر بن الخطاب وأمه ام كلثوم بنت على رضي الله عنهم ماتا فصلى عليهم سعيد بن العاص فجعل زيدا مما يليه وأمه مما تلى القبلة وفى القوم الحسن والحسين وابو هريرة وابن عمر ونحو من ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والافضل ان يفرد كل واحد منهم بصلاة فان صلي عليهم صلاة واحدة جاز لان القصد من الصلاة عليهم الدعاء وذلك يحصل بالجمع في صلاة واحدة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ هُوَ الصَّوَابُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَقَفَ عِنْدَ صَدْرِهِ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ أَنْصَارِيَّةً وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ وَذَكَر الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَلَهَا خَلْفٌ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ زَوْجِهَا مِنْ الْأُخْرَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُمَا قَالَ عَمَّارُ شَهِدْتُ جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَابْنِهَا فَجَعَلَ الْغُلَامَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ فَأَنْكَرْت ذَلِكَ وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَمَّارٌ هَذَا تَابِعِيٌّ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَجِيزَةُ الْمَرْأَةِ أَلْيَاهَا - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ - * أَمَّا الْأَحْكَامُ فيه مسائل (إحداها)

السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي صِيَانَتِهَا عَنْ الْبَاقِينَ وَفِي الرَّجُلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ عِنْدَ صَدْرِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَقَطَعَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَئِمَّتِنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قال اصحابنا البصريون عند رأسه والبغداديون عند صدره (وَالصَّوَابُ) مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ مِمَّنْ قَالَ هَذَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ السُّنَّةِ عن الشافعي وأحمد واسحق أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فَيَقِفُ عِنْدَ عَجِيزَتِهِ فَلَوْ خَالَفَ هَذَا فَوَقَفَ عِنْدَ عَجِيزَةِ الرَّجُلِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ وَصَدْرِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عنه غيرها وبه قال اسحق وحكاه الترمذي عن أحمد واسحق وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُمَا * دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَتْ جَنَائِزُ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً صَلَاةً وَاحِدَةً وَجَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أن يفرد كل واحد بصلاة الاصاحب

التَّتِمَّةِ فَجَزَمَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ فِيهِ تَعْجِيلَ الدَّفْنِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وأرحبي لِلْقَبُولِ وَلَيْسَ هُوَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَإِنْ كَانُوا نَوْعًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً فَفِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمْ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُوضَعُ الْجَمِيعُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ لَيُحَاذِي الْإِمَامُ الْجَمِيعَ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي حَكَاهُ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوضَعُ الْجَمِيعُ صَفًّا وَاحِدًا رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ جَمِيعَهُمْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَقِفُ فِي مُحَاذَاةِ الْآخِرِ مِنْهُمْ فَإِنْ كان نِسَاءً فَعِنْدَ عَجِيزَتِهَا وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا فَعِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ صَدْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً تَعَيَّنَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا وُضِعُوا كَذَلِكَ فَمَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ يُنْظَرُ إنْ جَاءُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً نَظَرَ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ قُدِّمَ الرَّجُلُ أَوْ الرِّجَالُ ثم الصبى أو الصبيان ثم الخناثا ثُمَّ النِّسَاءُ كَمَا فِي صَلَاتِهِمْ وَرَاءَ الْإِمَامِ وان حضرت جماعة خناثا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ يُوضَعُونَ صَفًّا وَاحِدًا رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ حَتَّى لَا تُقَدَّمُ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْفَضِيلَةِ هُنَا الْوَرَعُ وَالتَّقْوَى وَسَائِرُ الْخِصَالِ الْمَرْعِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْغَلَبَةُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبُ

مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهَذَا الْبَابِ التَّقْدِيمُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَلَا يُقَدَّمُ بِمُجَرَّدِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقَدَّمُ حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ لِمُجَرَّدِ الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ الْحُرَّ مُقَدَّمٌ فِيهَا لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ وَالْحُرُّ أَدْخَلُ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعَبْدِ وَمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ شئ وَإِذَا مَاتَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ اسْتَوَيَا فِي انْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِمَا وَحِينَئِذٍ فَالْوَرَعُ أَقْرَبُ مَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ الْخِصَالِ وَرَضِيَ الْوَرَثَةُ بِتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ قُدِّمَ وَإِنْ تَنَازَعُوا أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَاءَتْ الْجَنَائِزُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ جَاءَتْ مُتَعَاقِبَةً قدم إلى الامام أسبقهما وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا هَذَا إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ فَيُقَدَّمُ بِالذُّكُورَةِ فَلَوْ حَضَرَتْ امْرَأَةٌ أَوَّلًا ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ قُدِّمَ عَلَيْهَا إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الرِّجَالِ التَّقَدُّمُ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ وُضِعَتْ بِقُرْبِ الْإِمَامِ نُحِّيَتْ وَقُدِّمَ إلَيْهِ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ (وَأَمَّا) إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ وَرَاءَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَهُ مَوْقِفٌ فِي الصَّفِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الرَّجُلَ يُقَدَّمُ فَيُنَحَّى الصَّبِيُّ وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْخُنْثَى مُؤَخَّرٌ عَنْ الصَّبِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَتُهُ سَابِقَةٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ * إذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ رَضُوا بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ قُدِّمَ وَلِيُّ السَّابِقَةِ رَجُلًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ دَفْعَةً أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَيِّتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ لَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ حُضُورِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ هَذِهِ الثَّانِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَقَدَّمَ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَفِيهِ وجهان

مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَمَاعَةٌ إنْ جَوَّزْنَا تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ جَازَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ صَلَّى الْمَأْمُومُ قُدَّامَ الْإِمَامِ وَقُدَّامَ الْجِنَازَةِ فَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُهَا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ مَتَى تَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْجَنَائِزِ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا دَفْعَةً * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أنه يقدم الي الامام الرجل ثم الصبيان ثم الخناثا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ وَرَاءَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبُو قَتَادَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ والثوري وأصحاب الرأى وأحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُجْعَلُ النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ عَلَى الصَّبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً جَازَ * هَكَذَا مُكَرَّرٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَذْكُرَ دَلِيلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ

كَانَ قَدْ سَبَقَ دَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ * قال المصنف رحمه الله * {إذا أراد الصلاة نوى الصلاة علي الميت وذلك فرض لانها صلاة فوجب لها النية كسائر الصلوات ثم يكبر أربعا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " كبر علي الميت أربعا وقرأ بعد التكببرة الاولي بأم القرآن " والتكبيرات الاربع واجبة والدليل عليه انها إذا فاتت لزم قضاؤها ولو لم تكن واجبة لم يجب قضاؤها كتكبيرات العيد والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يرفع يديه علي الجنازة في كل تكبيرة وعن عبد الله بن عمر والحسن بن علي رضى الله عنهما مثله وعن زيد بن ثابت وقد رأى رجلا فعل ذلك فقال أصاب السنة ولانها تكبيرة لا تتصل بسجود ولا قعود فسن لها رفع اليد كتكبيرة الاحرام في سائر الصلوات} * {الشَّرْحُ} أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ هَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضعيف عند أهل الحديث لا يصح الا حتجاج بِحَدِيثِهِ لَكِنْ قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ فَفِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فكبر عليه اربعا " وروى الكتبير أَرْبَعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ فَرَوَاهُ (1) وَالْأَثَرُ عن ابن عمر رواه البيهقى باسناد (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ لَا تَتَّصِلُ بِسُجُودٍ وَلَا قُعُودٍ احْتَرَزَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَمِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِي المذهب انه لا يرفع في شئ من ذلك وفى كله خلاف سبق في موضعه * وأما الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وقياسا علي غيرها قل أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ التَّكْبِيرِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ أَوْ هَؤُلَاءِ الموتى ان كانوا جمعا سواء عرف

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

عَدَدَهُمْ أَمْ لَا وَيَجِبُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا وَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ أَمْ يَكْفِي مُطْلَقُ نِيَّةِ الفرض فيه وجهان حكاهما الرواياتي وَالرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) الِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَعْيِينِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عمرو أو امرأة أم رَجُلٌ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَنَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ كَفَاهُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ وَأَخْطَأَ بِأَنْ نَوَى زَيْدًا فَكَانَ عَمْرًا أَوْ الرَّجُلَ فَكَانَتْ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ الْمَيِّتِ وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا فَوَجْهَانِ لِتَعَارُضِ الْإِشَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَائِلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَإِذَا نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى حَاضِرٍ وَالْمَأْمُومُ عَلَى غائب وعكسه أو نوي غائبا ونوى المأمور آخَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الْعَصْرَ (الثَّانِيَةُ) التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ أَرْكَانٌ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِنَّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ خلاف في أن التكبير المشروع خمس أم أَرْبَعٌ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ انْقَرَضَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ الْآنَ عَلَى أَنَّهُ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ نَاسِيًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا لَوْ كَبَّرَ أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصَ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُهُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا فَأَشْبَهَ مَنْ زَادَ رُكُوعًا (وَالثَّانِي) لَا تَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ بَلْ زَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَقَالَ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَخَمْسٍ وَهُوَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ والجميع جَائِزٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُكَبِّرُ خمسا " ولانه ليس اخلال بِصُورَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ كَمَا لَوْ زَادَ تَكْبِيرًا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا فَكَبَّرَ إمَامُهُ خَمْسًا فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ تَابَعَهُ وَإِنْ قُلْنَا الْخَامِسَةُ تَبْطُلُ فَارَقَهُ فَإِنْ تَابَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَا تُشَرَّعُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يُتَابِعُهُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُتَابِعُهُ (وَالثَّانِي) يُتَابِعُهُ لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ وَمِمَّنْ حكي هذا

الطَّرِيقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُتَابِعُهُ فَهَلْ يُسَلِّمُ فِي الْحَالِ أَمْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) يُفَارِقُهُ كَمَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْتَظِرُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِتَأَكُّدِ مُتَابَعَتِهِ وَيُخَالِفُ الْقِيَامَ إلَى خَامِسَةٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا يَلْزَمُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْأَذْكَارِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوبَةٌ لِلْمَأْمُومِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَصِفَةُ الرَّفْعِ وَتَفَارِيعُهُ كَمَا سَبَقَتْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْمَعُ يَدَيْهِ عَقِبَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَاضِعًا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ غَرِيبٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَبَّرَ أَرْبَعًا " وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَالْبَرَاءُ بْنُ عازب وأبو هريرة وابن عامر ومحمد بن الحنفية وعطاء والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ نَحْوُهُ وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتِ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُنْقَصُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ مَا يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ ستاقال ولو كبر الامام خمسا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَرْبَعَ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُتَابِعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُتَابِعُهُ قال ابْنُ الْمُنْذِرِ بِالْأَرْبَعِ أَقُولُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِمَّنْ قَالَ بِخَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَالشِّيعَةُ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خَمْسًا وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا وَرُوِيَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعًا وَكَانَ بَدْرِيًّا وَقَالَ دَاوُد رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ خَمْسًا وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةَ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى الْأَرْبَعِ وَفِي رِوَايَةٍ يُتَابِعُهُ إلَى خَمْسٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فَإِنْ زَادَ إمَامُهُ يُتَابِعُهُ إلَى سَبْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ واختلفوا في سائرها فممن قَالَ بِالرَّفْعِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ابْنُ عُمَرَ وعمر ابن عبد العزيز وعطاء وسالم والزهرى وقيس ابن أبى حازم والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحق وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْفَعُ إلَّا فِي الْأُولَى وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يَرْفَعُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ دَاوُد وَمِمَّنْ قَالَ يَخْتَصُّ بِالْأُولَى الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ " رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ " زَادَ ابن عباس " ثم لا يعود " رواهما الدارقطني وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أنهما ضعيفان * * قال المصنف رحمه الله * {ويقرأ بعد التكبيرة الاولي فاتحة الكتاب لما روى جابر وهى فرض من فروضها لانها صلاة يجب فيها القيام فوجب فيها القراءة كسائر الصلوات وفي قراءة السورة وجهان (احدهما) يقرأ سورة قصيرة لان كل صلاة قرأ فيها الفاتحة قرأ فيها السورة كسائر الصلوات (والثانى) لا يقرأ لانها مبنية على الحذف والاختصار والسنة في قراءتها الاسرار لما روى أن ابن عباس صلي بهم على جنازة فكبر ثم قرأ بأم القرآن فجهر بها ثم صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما انصرف قال " انما جهرت بها لتعلموا انها هكذا) ولا فرق بين ان يصلى بالليل أو النهار وقال أبو القاسم الداركي ان كانت الصلاة بالليل جهر فيها لان لها نظيرا بالنهار يسر فيها فجهر فيها كالعشاء وهذا لا يصح لان صلاة العشاء راتبة في وقت من الليل ولها نظير راتب في وقت من النهار يسن في نظيرها الاسرار فسن فيها الجهر وصلاة الجنازة صلاة واحدة ليس لها وقت تختص به من ليل أو نهار بل تفعل في الوقت الذى يوجد سببها وسننها الاسرار فلم يختلف فيها الليل والنهار وفى دعاء التوجه والتعوذ عند القراءة وجهان قال عامة أصحابنا لا يأتي به لانها مبنية علي الحذف والاختصار وقال شيخنا أبو الطيب يأتي به لان التوجه يراد لافتتاح الصلاة والتعوذ للقراءة وفى هذه الصلاة افتتاح وقراءة فوجب أن يأتي بذكرهما} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ سَبَقَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ هُوَ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فَيَكُونُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ انما جهرت

لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بِهَا (وَأَمَّا) الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةِ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَرَوَاهَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّر ثَلَاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَأَبُو أُمَامَةَ هَذَا صَحَابِيٌّ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (وَقَوْلُهُ) كُلُّ صَلَاةٍ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) الدَّارَكِيُّ - هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَفَقَّهَ علي ابي اسحق المروزى وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الاسفرايني وَعَامَّةُ شُيُوخِ بَغْدَادَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ الدَّارَكِيِّ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ سَنَةٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنْ قَرَأَهَا بَعْدَ تَكْبِيرَةٍ أُخْرَى غَيْرَ الْأُولَى جَازَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ عَنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ والروايانى وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ إذَا كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَرَوَى الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبَّةٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا هِيَ وَاجِبَةٌ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِهَا قَالَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأُحِبُّ ان يكون فِي الْأُولَى وَأَمَّا أَصْلُ قِرَاءَتِهَا فَوَاجِبَةٌ فَرَجَعَ الِاسْتِحْبَابُ إلَى مَوْضِعِهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ فَهَذَا النَّصُّ مَعَ النص الثاني في الام محتملان لا شتراطها فِي الْأُولَى وَمُحْتَمَلَانِ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَصِّهِ الْأَوَّلِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَعِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا فِي الْأُولَى لَكِنَّ مُجْمَلَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ أَصْلَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ وَكَوْنُهَا فِي الْأُولَى أَفْضَلُ وَتَجُوزُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ إخْلَاءِ الْأُولَى مِنْهَا وَقَدْ يُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَاتُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَقُلْ وَقِرَاءَتُهَا فِي الْأُولَى وَلَوْ كَانَ يَرَى ذَلِكَ شَرْطًا لَقَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْمِينِ عَقِبَ

الْفَاتِحَةِ هُنَا كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَذَكَرَهُمَا مَعَ الْمُصَنِّفِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي كِتَابِهِ نَحْوَ كُرَّاسَةٍ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً فَجَهَرَ فِيهَا حَتَّى سَمِعْنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَهُمَا طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مَعَ الْمُصَنِّفِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وغيره (وأما) التعوذ ففيه وجهان مشوران (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتِحْبَابِهِ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ لَا تَطْوِيلَ فِيهِ فَهُوَ يُشْبِهُ التَّأْمِينَ (وَأَمَّا) الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ نَهَارًا وَفِي اللَّيْلِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُسَرُّ أَيْضًا كَالدُّعَاءِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ قَالَهُ الدَّارَكِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ الشيخ أبو حامد الاسفرايني وَصَاحِبَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَالصَّيْدَلَانِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ فَهُمْ قَلِيلُونَ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِينَ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ الْإِسْرَارُ لِأَنَّهُ قَالَ وَيُخْفِي الْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ وَيَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمِ هَذَا نَصُّهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَوْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ لَذَكَرَهُ وَيَحْتَجُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بن سهل

الذى ذكرنه والله اعلم * قال المصنف رحمه اللَّهَ * {وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التكبيرة الثانية لما ذكرناه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وهو فرض من فروضها لانها صلاة فوجب فيها الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كسائر الصلوات} * {الشَّرْحُ} قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ فِيهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاجِبَةً فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا السَّرَخْسِيُّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي الْأَمَالِي عَنْ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله أقلها اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْآلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا تَجِبُ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدعو لمؤمنين وَالْمُؤْمِنَاتِ هَذَا نَصُّهُ (فَأَمَّا) الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حِكَايَةٍ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِيجَابِهِ (وَأَمَّا) الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَفِي اسْتِحْبَابِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَهُ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَالثَّالِثُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ حَكَى هذا الطريق الماوردى والروياني الشاشى وآخرون وقال بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنْكَرُوا نَقْلَ الْمُزَنِيِّ وَقَالُوا هَذَا التَّحْمِيدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ غَلَطَ الْمُزَنِيّ فِي نَقْلِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ هُنَا غَيْرُ سَدِيدٍ وَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ قَالُوا لَمْ يَنْقُلْهَا الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ كِتَابٍ بَلْ سَمِعَهَا مِنْهُ سَمَاعًا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَرِوَايَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ (وَالْأَصَحُّ) اسْتِحْبَابُ التَّحْمِيدِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ بَدَأَ بِالتَّحْمِيدِ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِيهِ غَرِيبٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدِيثًا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ الله عليه مطرف بن مازن كذاب *

* قال المصنف رحمه الله * {ويدعو للميت في التكبيرة الثالثة لما روى أبو قتادة قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جنازة فسمعته يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا " وفى بعضها " اللهم من أحييته منافاحيه عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الاسلام والايمان " وهو فرض من فروضها لان القصد من هذه الصلاة الدعاء للميت فلا يجوز الاخلال بالمقصود وأدني الدعاء ما يقع عليه الاسم والسنة أن يقول ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي رحمه الله قال يقول " اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها واحباؤه فِيهَا إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الا من مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِكَ يَا ارحم الراحمين " وبأى شئ دعا جاز لانه قد نقل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادعية مختلفة فدل علي ان الجميع جائز} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ فَرْضٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَأَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَيِّتُ ضِمْنًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجويني (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ وَلَا يَكْفِي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَمَحَلُّ هَذَا الدُّعَاءِ التَّكْبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِيهَا لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أنه لا يتعين لها دعاء (وأما) الْأَفْضَلُ فَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الحطايا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالَ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الميت لدعاء رسول الله " رواه

مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ الْقَبْرِ " وَذَكَرَ تَمَامَهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرْنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَأَحْيِهِ علي الايمان وفتوفه عَلَى الْإِسْلَامِ " عَكْسُ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي المهذب " فأحيه علي الاسلام وفتوفه عَلَى الْإِسْلَامِ " بِلَفْظِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا وَهَذَا تَحْرِيفٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ

سمعت البخاري رحمهما اللَّهُ يَقُولُ أَصَحُّ رِوَايَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا رِوَايَةُ الْأَشْهَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَقَالَ البخاري أصح شئ فِي الْبَابِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ محفوظ واصح الْبَابِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رجل من المسلمين فأسمعه يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَلَّ جِوَارَكَ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النار وأنت أهل الوفا والحمد فاغفر له وارحمه إنك الفغور الرَّحِيمُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِنَازَةِ " اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتا لِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا جِئْنَا شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَهَذِهِ قِطْعَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ الْتَقَطَ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ دُعَاءً وَرَتَّبَهُ وَاسْتَحَبَّهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قَالَ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا وَمَحْبُوبِهَا وَأَحِبَّائِهِ فيها إلي ظلمة القبر وما هو لا قيه كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ واصبح فقيرا إلي رحتمك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عنه ولقه برحتمك رِضَاكَ وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسَحِ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ برحمتك إلا من مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ ثُمَّ يُنَسِّقُ الْكَلَامَ وَلَوْ ذَكَرَهَا عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَبِيًّا أَوْ صَبِيَّةً اقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إلَى آخِرِهِ وضم إليه اللهم اجعله فرطا لا بويه وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ) خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا - هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ نَسِيمُ الرِّيحِ (قَوْلُهُ) إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وما هو لا قيه قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعْنَى وَمَا هو لا قيه هُوَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ وَهُمَا مُنْكَرٌ ونكير (قوله) كان يشهد ان لاإله إلَّا أَنْتَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ إنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ (قَوْلَهُ) وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُ الشَّفْعِ الزِّيَادَةُ قَالَ فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُزَادَ بِدُعَائِهِمْ مِنْ رَحْمَةِ الله الي ماله بتوحيده وعمله

والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {قال في الام يكبر الرابعة ويسلم وقال في البويطى يقول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ والتسليم كالتسليم في سائر الصلوات لما روى عن عبد الله رضي الله عنه قال أرى ثلاث خلال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلهن تركها الناس (إحداها) التسليم علي الجنازة مثل التسليم في الصلاة والتسليم واجب لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَجِبُ لَهَا الْإِحْرَامُ فَوَجَبَ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالسَّلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحدة ام تسليمتين علي ما ذكرناه في سائر الصلوات} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَقَوْلُهُ) لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ هُوَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ يُقَالُ حَرَمَهُ وَأَحْرَمَهُ فَصِيحَتَانِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَجِبُ لَهَا الْإِحْرَامُ فَوَجَبَ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالسَّلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً أَمْ تَسْلِيمَتَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ صَلَاةٌ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لِلشَّافِعِيِّ هَذَانِ النَّصَّانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الذِّكْرِ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا ذِكْرٌ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ فِيهَا وَحَكَى الرافعي في استحابه طَرِيقَيْنِ (الْمَذْهَبُ) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَالَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَالصَّوَابُ الِاسْتِحْبَابُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَانِ النَّصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ لَيْسَا قَوْلَيْنِ وَلَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْنِ بَلْ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ فِي مَوْضِعٍ وَأَغْفَلَهُ فِي مَوْضِعٍ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ دُعَاءٌ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ هَكَذَا هُوَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ النَّارِ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَالَهُ كَانَ حَسَنًا وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ أَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةِ بِنْتٍ لَهُ فَقَامَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ التكبيرتين يستعفر لَهَا وَيَدْعُو ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ كَبَّرَ أَرْبَعًا فَمَكَثَ سَاعَةً حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا لَهُ فَقَالَ إنِّي لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ أَوْ هَكَذَا صَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّلَامُ رُكْنٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " (وَأَمَّا) صِفَةُ السَّلَامِ فَفِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ هُنَا الْمَشْهُورُ

أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمَتَانِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْدَأُ بِهَا إلَى يَمِينِهِ وَيَخْتِمُهَا مُلْتَفِتًا إلَى يَسَارِهِ فَيُدِيرُ وَجْهَهُ وَهُوَ فِيهَا هَذَا نَصُّهُ وَقِيلَ يَأْتِي بِهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي صِفَةِ الِالْتِفَاتِ يَجْرِي فِي سائر الصلوات إذا قلنا يقتصر على تَسْلِيمَةً فَهَذَانِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) طريقة المصنف والعراقيين وبضع الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ التَّسْلِيمَ هُنَا كَالتَّسْلِيمِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمَتَانِ (وَالثَّانِي) تَسْلِيمَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ قَلَّ الْجَمْعُ أو صغر المسجد فيسلم وَإِلَّا فَتَسْلِيمَتَانِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ تَسْلِيمَةً فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَسْلِيمَتَانِ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هُنَاكَ قَوْلٌ قَدِيمٌ وَهُنَا هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَإِذَا قُلْنَا تَسْلِيمَةً فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّلَامِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ولو قال السلام عليكم من غيرهم ضَمِيرُ الْجَمْعِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدًا وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ يُشَرَّعُ فِي السَّلَامِ هُنَا مَا يُشَرَّعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * {إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ما ادركتم فصلوا " وَيَقْرَأُ مَا يَقْتَضِيَهُ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ لَا مَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ مَعَ الْمُتَابَعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ تُرْفَعُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ فَلَا مَعْنًى لِلدُّعَاءِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَيِّتِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّ غِيبَةَ الْمَيِّتِ لَا تَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلَاةِ} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَقَوْلُهُ) نَسَقًا - بِفَتْحِ السِّينِ - أَيْ مُتَتَابِعَاتٍ بِغَيْرِ ذِكْرٍ بَيْنَهُنَّ (وَقَوْلُهُ) كَبَّرَ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ تكبيرته الأخرى فيكبر معه خلافا لأبي حنيفة وموافيقه فِي قَوْلِهِمْ يَنْتَظِرُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَبَّرَ فِي الْحَالِ وَصَارَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبَلَةَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ

وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَبَّرَ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يُرَاعِي فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ تَرْتِيبَ نَفْسِهِ لَا مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ عَقِبَ فَرَاغِ الْمَسْبُوقِ مِنْ الْأُولَى كَبَّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلتَّكْبِيرَتَيْنِ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُدْرِكُ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ بِالرُّكُوعِ وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ وَالْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُتَابِعَهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وَتَكُونُ التَّكْبِيرَتَانِ حَاصِلَتَيْنِ لَهُ أَمْ يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ طَرِيقَانِ (أصحهما) وبه قال الا كثرون فممن صرح به الفورانى والبنديخى وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة وصاحب الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الغزالي في الوجيز وهو شاذ مرود لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُتَابِعُهُ وتحصل له التكبيرتان للعذر (والطريق الثَّانِي) يَقْطَعُهَا وَيُتَابِعُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَحَصَلَ لَهُ التَّكْبِيرَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يَقْتَصِرُ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ أم يضم إليه تتميم الفاتحة فيه احتمالان ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ وَقَدْ سَقَطَتْ بَقِيَّةُ الْفَاتِحَةِ كَمَا سَقَطَتْ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أما) إذا سلم الامام وقد بقى علي بعض المأمومين بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِتَدَارُكِهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بَيْنَهُنَّ أَمْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ وَالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَذْكَارِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَرْتِيبُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الشَّرْحِ وَالْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالتَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلِيَقْضِ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ نَسَقًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ يُسَلِّمُ وَقَدْ قِيلَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا لِلْمَيِّتِ هَذَا نَصُّهُ وَمِنْ الْبُوَيْطِيِّ نَقَلْتُهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكَبِّرُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ مُتَوَالِيًا قَالَ وَرَأَيْتُ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقُولُ وَلِيَقْضِ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ يُسَلِّمُ قَالَ وَقَدْ قِيلَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا لِلْمَيِّتِ قَالَ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الذكر (أحدهما) يحب وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ (وَالثَّانِي) لَا يجب

صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ حَتَّى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُونَ مَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ رُفِعَتْ لَمْ تبطل صلاتهم بلا خلاف بل يُتِمُّونَهَا وَإِنْ حُوِّلَتْ الْجِنَازَةُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الدَّوَامِ مالا يُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي فَلَمْ يُكَبِّرْ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا لِأَنَّ الْقُدْوَةَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَأَنَّهُ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ * ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ وَاخْتِلَافَهُمْ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِيهَا وَاخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالسُّورَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قال احمد واسحق وَدَاوُد رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ وَرَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اقْرَأْ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدِي يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى هَذِهِ مَذَاهِبُهُمْ * وَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْمَسْبُوقُ الَّذِي فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَدَارُكُ

بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن بن الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيه وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ احمد رحمهم اللَّهُ (وَأَمَّا) الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْحَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبَلَةُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى يُكَبِّرَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ فَيُكَبِّرَهَا مَعَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حنيفة ومحمد بن الحسن واسحق (واما) السلام فذ كرنا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا تَسْلِيمَتَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ

تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ ابن عبد الله وانس ابن مالك ووائلة ابن الاسقع وابى هريرة وعبد الله ابن ابى اوفى وابى إمامة ابن سهل ابن حُنَيْفٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَعِيسَى ابن يُونُسَ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق رضي الله عنهم * * قال المصنف رحمه الله * {إذا صلى على الميت بودر بدفنه ولا ينتظر حضور من يصلى عليه إلا الولي فانه ينتظر إذا لم يخش على الميت التغير فان خيف عليه التغير لم ينتظر وإن حضر من لم يصل عليه صلي عليه وإن حضر من صلى مرة فهل يعيد الصلاة مع من يصلي فيه وجهان (احدهما) يستحب كما يستحب في سائر الصلوات ان يعيدها مع من يصلى جماعة (والثاني) لا يعيد لانه يصليها نافلة وصلاة الجنازه لا يتنفل بمثلها وإن حضر من لم يصل بعد الدفن صلى علي القبر لما روى أن مسكينة ماتت ليلا فدفنوها ولم يوقظوا رسول الله صلي الله عليه وسلم " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الغد علي قبرها " وإلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر فيه اربعة اوجه (احدها) إلي شهر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى علي ام سعد ابن عبادة رضي الله عنهما بعد ما دفنت بشهر " (والثانى) يصلي عليه ما لم يبل لانه إذا بلي لم يبق ما يصلي عليه (والثالث) يصلى عليه من كان من اهل الفرض عند موته لانه كان من اهل الخطاب بالصلاة عليه واما من يولد بعد موته أو بلغ بعد موته فلا يصلي عليه لانه لم يكن من اهل الخطاب بالصلاة عليه (والرابع) يصلي عليه ابدا لان القصد من الصلاة علي الميت الدعاء والدعاء بجوز كل وقت} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمِسْكِينَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهَذِهِ الْمِسْكِينَةُ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مِحْجَنٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ مَوْتِهَا بِشَهْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا قَالَ " صَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ شَهْرٍ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبًا حِينَ مَوْتِهَا قَالَ وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ وَمُرْسَلُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ لِمُجَرَّدِهِ أَمْ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا هُنَاكَ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُبَادَرَ بِدَفْنِهِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ

حُضُورَ أَحَدٍ إلَّا الْوَلِيَّ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ مَا لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ لَمْ يُنْتَظَرْ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ صِيَانَةِ الْمَيِّتِ أَهَمُّ مِنْ حُضُورِ الْوَلِيِّ ثُمَّ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَظَرُ الْوَلِيُّ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ قَرِيبَةٌ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ جَمَاعَةٌ صَلَّوْا عَلَيْهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُصَلِّي عَلَيْهِ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا تُصَلِّيهَا طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمِسْكِينَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَوْ رَجُلًا كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ " فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ فَقَالَ افلا آذنتومنى بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْبُوذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا دُفِنُوا إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ طَائِفَةٍ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ سَقَطَ الْحَرَجُ بِصَلَاتِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ دَفْنُهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَنَّ صَلَاةَ الثَّانِيَةِ نَافِلَةٌ من وجهين (احد هما) مَنْعُهُ بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا سَبَقَ وَسَنَذْكُرُ دَلِيلَهُ وَاضِحًا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْفَرْضِ إذَا حَضَرَ الرِّجَالُ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي (فَإِنْ) قِيلَ كَيْف تَقَعُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَمْ يَأْثَمُوا وَلَيْسَ هَذَا شَأْنُ الْفُرُوضِ (فَالْجَوَابُ) انه قد يكون ابتداء الشئ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا كَمَا إذَا دَخَلَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَكَمَا فِي الْوَاجِبِ عَلَى التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ أَلْفًا أَوْ أُلُوفًا وَقَعَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعُهُمْ فَرْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرْضَ كَانَ يَسْقُطُ بِبَعْضِهِمْ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ بِأَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالْبَاقُونَ مُتَنَفِّلُونَ (فَإِنْ) قِيلَ قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُمْ كَيْف قُلْتُمْ تَقَعُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ فَرْضًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَقِّقِينَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ هَذَا الْفِعْلِ فَلَوْ فَعَلُوهُ وَقَعَ فَرْضًا كَمَا لَوْ فعلوه

مَعَ الْأَوَّلِينَ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَأَمَّا) عِبَارَةُ مَنْ يقوم مَنْ يَقُولُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ فَمَعْنَاهَا سَقَطَ حَرَجُ الْفَرْضِ وَإِثْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ جَمَاعَةٌ أَوْ وَاحِدٌ ثُمَّ صَلَّتْ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى فَأَرَادَ مَنْ صَلَّى أَوَّلًا أَنْ يُصَلِّيَ ثَانِيًا مَعَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بدليلهما وذكرهما هكذا ايضا اكثر الاصحاب (والثالث) يُكْرَهُ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وغيرهما (والرابع) حكاه البغوي إن صلي أو لا مُنْفَرِدًا أَعَادَ وَإِنْ صَلَّى جَمَاعَةً فَلَا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَحَبَّةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ وَعِنْدِي فِي بُطْلَانِهَا احْتِمَالٌ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا فَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ تَقَعُ نَفْلًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا صَلَّى تَقَعُ صَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَا تَكُونُ نَفْلًا كَمَا لَوْ صَلَّتْ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ تَقَعُ فَرْضًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَنْوِي الطَّائِفَةُ بِصَلَاتِهِمْ الْفَرْضَ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِمْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الحرج لا الفرض وبسط اما الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ

هَذَا بَسْطًا حَسَنًا فَقَالَ إذَا صَلَّى عَلَى الميت جمع يقع الا كتفاء بِبَعْضِهِمْ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ صَلَاةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ تَقَعُ فَرِيضَةً وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى بوصفه بالقيام بالفرض مِنْ بَعْضِهِمْ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَرِيضَةِ لِلْجَمِيعِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَإِيصَالِ الْمُتَوَضِّئِ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ دَفْعَةً وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ فَرْضٌ أَمْ الْفَرْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَقَطْ قَالَ وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَيَّلُ الْفَطِنُ فَرْقًا وَيَقُولُ مَرْتَبَةُ الْفَرْضِيَّةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ السُّنَّةِ وَكُلُّ مُصَلٍّ فِي الْجَمْعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْرَمَ رُتْبَةَ الْفَرْضِيَّةِ وَقَدْ قَامَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا لَطِيفٌ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ كَانَتْ كَصَلَاتِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِينَ فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِمِثْلِهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِثْلَ صُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ وَلَكِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُنَّ إذَا صَلَّيْنَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَقَعَتْ صَلَاتُهُنَّ نَافِلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا حَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ أَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى مَتَى تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهَا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ (وَالثَّانِي) إلَى شَهْرٍ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ (وَالرَّابِعُ) يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ (وَالْخَامِسُ) يُصَلِّي مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ فَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ المميز وممن حكي هذا الوجه المصنف في التنبيه وصححه الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالسَّادِسُ) يُصَلَّى عَلَيْهِ أَبَدًا فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ قَبْلَهُمْ الْيَوْمَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا السَّادِسِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَضْعِيفِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَآخَرُونَ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَلِلدَّلِيلِ وَاخْتَلَفُوا

فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْأَوْجُهِ (فَصَحَّحَ) الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْجُرْجَانِيُّ الثَّالِثَ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يُصَلِّي لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُسْلِمَ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ قَالَ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ حَائِضًا يَوْمَ الموت ثم طَهُرَتْ فَالْحَيْضُ يُنَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّتَهَا وَلَكِنْ هِيَ فِي الْجُمْلَةِ مُخَاطَبَةٌ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهَا تُصَلِّي هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ بِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا أَسْلَمَ وَطَهُرَتْ صَلَّيَا وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ ليسا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالُوا لَا يُصَلِّي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ حَالَ الْمَوْتِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُمَا لَا يُصَلِّيَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ (فَأَمَّا) مَنْ بَلَغَ بَعْدَهُ فَلَا وَاحْتَجَّ الْمُتَوَلِّي لِهَذَا الْوَجْهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ لَمْ يُسْقِطْ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِمْ وَإِنَّمَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ وَإِذَا قُلْنَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُرَادُ مَا لَمْ يبق من بدنه شئ لَا لَحْمٌ وَلَا عَظْمٌ فَمَتَى بَقِيَ عَظْمٌ صَلَّى قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَخْتَلِفُ هَذَا باختلاف البقاع فلو شككنا في امحاق أَجْزَائِهِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْبَاقِينَ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيَّ فِي التجريد والصيدلانى والقاضي حسين وَآخَرِينَ قَالُوا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ بَلِيَ وَذَهَبَتْ أَجْزَاؤُهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ والغزالي في البسيط فيه احتمالين (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُصَلَّى لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا

الوجه متوقفة علي العلم ببقاء شئ مِنْهُ وَعِبَارَةُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ تُوَافِقُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ يُصْلَى مَا دَامَ يُعْلَمُ أَنَّ فِي الْقَبْرِ مِنْهُ شَيْئًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يُصَلَّى أَبَدًا فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلِ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً قَالَ وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ جَمَاعَةً وَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ يَقُولُ أَنَا أُصَلِّي الْيَوْمَ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا دُفِنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَأْثَمُ الدَّافِنُونَ وَكُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ أَهْلِ ملك النَّاحِيَةِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّفْنِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ تُسْقِطُ الْفَرْضَ إلَّا أَنَّهُمْ يَأْثَمُونَ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ لَا يُنْبَشُ بَلْ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّ نَبْشَهُ انْتِهَاكٌ لَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ تُجْزِئُهُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ فَاتَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لا يصلي علي الميت الامرة وَاحِدَةً وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ

إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِلَا صَلَاةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَصَلَّى غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فللولي أن يصل عَلَى الْقَبْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ دَفْنِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى شهر واسحق إلَى شَهْرٍ لِلْغَائِبِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَاضِرِ * دَلِيلُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الاحاديث السابقة في المسألة الثانية * قال المصنف رحمه الله * {تجوز الصلاة على الميت الغائب لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ وهو بالمدينة وصلي عليه وصلوا خلفه وان كان الميت معه في البلد لم يجز

أن يصلى عليه حتي يحضر عنده لانه يمكنه الحضور من غير مشقة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّجَاشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ - بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ

مُهْمَلَتَيْنِ هَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ صَحَمَةُ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَالنَّجَاشِيُّ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الحبشة كما سمى كل خليفة لمسلمين أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَلَكَ الرُّومَ قَيْصَرَ وَالتُّرْكَ خَاقَانَ وَالْفُرْسَ كِسْرَى وَالْقِبْطَ فِرْعَوْنَ وَمِصْرَ الْعَزِيزَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ

كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْمُصَلِّيَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي الْبَلَدِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ عِنْدَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يُصَلِّ عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ إلَّا بِحَضْرَتِهِ " وَلِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ " والطريق الثاني) حكاه الخراسانيون أو أكثر هم فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ كَالْغَائِبِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَيِّتِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةٍ تَقْرِيبًا قَالَ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ دَلِيلُنَا حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ بَلْ ذَكَرُوا فِيهِ خَيَالَاتٍ أَجَابَ عَنْهَا أَصْحَابُنَا بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ (مِنْهَا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ طُوِيَتْ الْأَرْضُ فَصَارَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَوْ فُتِحَ هَذَا الباب لم يبق وثوق بشئ مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ لِاحْتِمَالِ انْحِرَافِ الْعَادَةِ فِي تلك القضية مع انه لو كان شئ مِنْ ذَلِكَ لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي بِنَقْلِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ العلاء بن زيدل ويقال بن زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي تَبُوكَ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموت معاوية ابن مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فَطُوِيَتْ الْأَرْضُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ الْعَلَاءِ هَذَا وَأَنَّهُ منكر الحديث * * قال المصنف رحمه الله * {وان وجد بعض الميت غسل وصلي عليه لان عمر رضي الله عنه صلى علي عظام بالشام وصلي أبو عبيدة علي رؤس وصلت الصحابة رضي الله عنهم على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد القاها طائر بمكة من وقعة الجمل} * {الشَّرْحُ} أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَاسْمُهُ عامر ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَتَّابُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَسِيدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ للزبير بن بكر قَالَ وَكَانَ الطَّائِرُ نِسْرًا وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَنْ

تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِنَّمَا نُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ (فَأَمَّا) إذَا قُطِعَ عُضْوٌ مِنْ حَيٍّ كَيْدِ سَارِقٍ وَجَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ شَكَكْنَا فِي الْعُضْوِ هَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ نُصَلِّ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ الاصاحب الْحَاوِي وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ مِنْ الْحَيِّ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (أَحَدُهُمَا) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَعُضْوِ الْمَيِّتِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي رَحِمَهُ اللَّهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ فِي السَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ لَا تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُدْفَنُ وَكَذَا الْأَظْفَارُ الْمَقْلُومَةُ وَالشَّعْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْأَحْيَاءِ لَا يُصَلَّى عَلَى شئ مِنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ دَفْنُهَا قَالَ وَكَذَا إذَا شَكَكْنَا فِي مَوْتِ صَاحِبِ الْعُضْوِ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى بَعْضِ الَّذِي تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ هُوَ فِي الْعُضْوِ (أَمَّا) إذَا وَجَدْنَا شَعْرَ الْمَيِّتِ أَوْ ظُفُرَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْعُضْوِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا مَوْضِعَهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ ثُمَّ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَوَجَدْنَا أُذُنَهُ لم نصل عليها لِأَنَّ انْفِصَالَهَا كَانَ فِي الْحَيَاةِ هَذَا كَلَامُ القاضى رحمه الله ويجئ فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَتَى صَلَّى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فلا بدمن تَقَدُّمِ غُسْلِهِ ثُمَّ يُوَارَى بِخِرْقَةٍ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالدَّفْنُ لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوِ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ بَلْ كُلُّ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ مِنْ عُضْوٍ وَشَعْرٍ وَظُفْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ يُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ وَكَذَلِكَ تُوَارَى الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ تُلْقِيهِمَا الْمَرْأَةُ وَكَذَا يُوَارَى دَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ أَوْ كُلُّهُ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ كَمَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ فِيهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ بَابِ الشَّهِيدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَتَى صَلَّى عَلَى عُضْوِ الْمَيِّتِ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُصَلَّى عَلَى الْعُضْوِ خَاصَّةً قَالَ

وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ جُمْلَتَهُ صَلَّى عَلَيْهَا فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ صَلَّى عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَلَّ الْبَعْضُ أَمْ كَثُرَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ دَاوُد لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ فَلَا غُسْلَ ولا صلاة قال مالك رحمه الله لا يصلى علي اليسير منه * قال المصنف رحمه الله * {إذَا اسْتَهَلَّ السِّقْطُ أَوْ تَحَرَّكَ ثُمَّ مَاتَ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا اسْتَهَلَّ السِّقْطُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَوُرِثَ " وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِسْلَامِ وَالْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كُفِّنَ بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَإِنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ كَمَنْ اسْتَهَلَّ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا يُصَلَّى عَلَيْهِ غُسِّلَ كَغَيْرِ السِّقْطِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَفِي غُسْلِهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يُغَسَّلُ كَالشَّهِيدِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُغَسَّلُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا نَقُولُ فِي الْكَافِرِ} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَأَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَوُرِثَ وَرِوَايَةُ الْمُهَذَّبِ وَرِثَ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - (وَقَوْلُهُ) اسْتَهَلَّ أَيْ صَرَخَ وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَفِي السِّقْطِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلِلسِّقْطِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَسْتَهِلَّ فَيَجِبُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ كَفَنُهُ كَكَفَنِ الْبَالِغِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ (الثَّانِي) أَنْ يَتَحَرَّكَ حَرَكَةً تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ وَلَا يَسْتَهِلُّ أَوْ يَخْتَلِجُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) حكاه

الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يُغَسَّلُ فِيهِ طَرِيقَانِ عِنْدَهُمْ (الْمَذْهَبُ) يُغَسَّلُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُغَسَّلُ (والثانى) لا يغسل (الثالث) أَنْ لَا تَكُونَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَلَا اخْتِلَاجٌ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي غُسْلِهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يُغَسَّلُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ لَكِنْ قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ فِيهِ خِلْقَةُ آدَمِيٍّ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَمُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ بَابَ الْغُسْلِ أَوْسَعُ وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الذِّمِّيُّ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (الصَّحِيحُ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تَخْرِيجًا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ قَرَأْت الْقَدِيمَ كُلَّهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فَقَدْ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى إنْكَارِ كَوْنِهِ فِي الْقَدِيمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنْ أَوْجَبْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الصَّلَاةَ فَالْكَفَنُ التَّامُّ وَاجِبٌ كَمَا سَبَقَ يَعْنِي يُكَفَّنُ كَفَنَ الْبَالِغِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الصَّلَاةَ وَجَبَ دَفْنُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُوَارِيهِ وَهِيَ لِفَافَةٌ قَالَا وَالدَّفْنُ واجب حينئذ

قَوْلًا وَاحِدًا قَالَا ثُمَّ تَمَامُ الْكَفَنِ يَتْبَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ قَالَا وَإِذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ مُضْغَةً لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبُ الْغُرَّةِ وَلَا غَسْلٌ وَلَا تَكْفِينٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا يَجِبُ الدَّفْنُ وَالْأَوْلَى أَنْ تُوَارَى هَذَا كَلَامُهُمَا وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مضغة لم يظهر فيها شئ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فَلَيْسَ لَهَا غُسْلٌ وَلَا تَكْفِينٌ وَتُوَارَى كَمَا يُوَارَى دَمُ الرَّجُلِ إذَا افْتَصَدَ أَوْ احْتَجَمَ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ مَا يَظْهَرُ فِيهِ خِلْقَةُ آدَمِيٍّ يَكْفِي فِيهِ الْمُوَارَاةُ كَيْفَ كَانَتْ فَبَعْدَ ظُهُورِ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ حُكْمُ التَّكْفِينِ حُكْمُ الْغُسْلِ فَجَعَلَهُ تَابِعًا لِلْغَسْلِ وَجَعَلَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْسَبُ (وَأَمَّا) الْمَحَامِلِيُّ فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ السِّقْطِ فِي التَّجْرِيدِ خِلَافَ الْأَصْحَابِ وَخِلَافَ مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ فَقَالَ إنْ سَقَطَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ بِأَنْ سَقَطَ لِفَوْقِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْقُ آدَمِيٍّ كَظُفْرٍ وَغَيْرِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَخَلَّقَ كُفِّنَ وَدُفِنَ وَفِي غُسْلِهِ قَوْلَانِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حامد نحوه ولم أر فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ لَكِنَّ نُسَخَ التَّعْلِيقِ تخلف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ وَالسَّقْطِ * أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَخَالَفَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى صلي عليه والافلا وَهَذَا أَيْضًا شَاذٌّ مَرْدُودٌ * وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يُصَلِّ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الِاسْتِغْفَارُ للميت وهذا لاذنب لَهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا والطفل يصلي عليه " رواه أحد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ احْتِجَاجِ سَعِيدٍ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَأَثْبَتَهَا كَثِيرُونَ مِنْ الرُّوَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَتُهُمْ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَهِيَ أَوْلَى لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ النَّفْيِ (الثَّانِي) أَنَّهَا مُثْبِتَةٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى النَّافِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (الثَّالِثُ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَالَ صَلَّى أَرَادَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاشْتَغَلَ صلى الله عليه وسلم هو بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَنْ قَالَ لَمْ يُصَلِّ أَيْ لَمْ يُصَلِّ بِنَفْسِهِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْمَقْصُودُ الْمَغْفِرَةُ فَبَاطِلٌ

بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ حَتَّى مَاتَ وَعَلَى مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُتَّصِلًا بِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ ذَنْبٍ فَإِنَّ الصَّلَاةَ ثَابِتَةٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا ذَنْبَ لَهُ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) السِّقْطُ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِيهِ وقال مَالِكٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخْتَلِجَ وَيَتَحَرَّكَ وَيَطُولَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ إنْ كَانَ لَهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد رَحِمَهُمَا الله يصلى عليه * * قال المصنف رحمه الله * {وَإِنْ مَاتَ كَافِرٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تعالى (ولا تصلى علي احمد منهم مات ابدا) وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ له وَيَجُوزُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ لِأَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ عليا أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ وَأَعْطَى قَمِيصَهُ لِيُكَفَّنَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ " فَإِنْ اختلط المسلمون بالكفار. ولم يتميزوا صلي عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَيِّتِ بِالنِّيَّةِ وَالِاخْتِلَاطُ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّةِ} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ ابْنِ أُبَيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَدِيثُ ابْنِ أُبَيِّ فِي بَابِ الْكَفَنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ وَيَجُوزُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ (وَأَمَّا) وُجُوبُ التَّكْفِينِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ وَاضِحًا فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ زِيَارَةُ قَبْرِهِ وَالدُّعَاءُ لَهُ وَاتِّبَاعُ جِنَازَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكَفَّارٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِمْ وَتَكْفِينُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَاجِبَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِاسْتِيعَابِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ بِمِائَةِ كَافِرٍ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَتَكْفِينُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ الَّتِي يُدْفَنُونَ فِيهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمِيعِ بِصَلَاةٍ وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَقُولُ فِي الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ يُصَلِّيهِنَّ وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النية وإن

شَاءَ صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ صَلَاةً وَاحِدَةً وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَى كَافِرٍ حَقِيقَةً وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بِالِاتِّفَاقِ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالْجَائِزَيْنِ ومنهم من قتصر عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْفِ الْآخَرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ الشَّهِيدُ بِغَيْرِهِ غُسِّلَ الْجَمِيعُ وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَنُوِيَ بِالصَّلَاةِ غَيْرُ الشَّهِيدِ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ إنَّ السِّقْطَ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّي عليها وَنُوِيّ بِالصَّلَاةِ الْوَلَدُ الَّذِي فِي جَوْفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْتَلَطِينَ مُفْرَدًا وَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلنِّيَّةِ احْتَمَلْنَاهُ لِلْحَاجَةِ وَيَجُوزُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَصُورَتُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت هَذَا عَنْ زكاة مالي الغائب ان كان غائبا والافعن الْحَاضِرِ وَفِي الصَّوْمِ أَنْ يَنْوِيَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي الْحَجِّ أَنْ يَنْوِيَ إحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْدٍ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ الْمَوْتَى إذَا لَمْ يَتَمَيَّزُوا * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ غُسْلِ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ سواء كان عدد المسلين أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بن الحسن إن كان عدد المسلمين أقل أو أَكْثَرَ صُلِّيَ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْعَدَدَانِ لَمْ يُصَلَّ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ مَنْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فغلب التحريم كما لو اختلطت أخته بالجنبية حَرُمَ نِكَاحُهَا. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَى الجميع فوجب ذلك لان مالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ وَقَوْلُهُمْ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ بِغَيْرِهِ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا زَادَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى اخْتِلَاطِ أُخْتِهِ باجنبية ينتقض باخلاطها بِعَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ فِي تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ وَلَا حِرْمَانِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ. * قال المصنف رحمه الله *

{وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِهِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَهُوَ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا " وَإِنْ جُرِحَ فِي الْحَرْبِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَمَنْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ وَهُوَ جُنُبٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أبو العباس ابن سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُغَسَّلُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا شَأْنُ حَنْظَلَةَ فَإِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ فَقَالُوا جَامَعَ فَسَمِعَ الْهَيْعَةَ فَخَرَجَ إلَى الْقِتَالِ " فَلَوْ لَمْ يَجِبْ غُسْلُهُ لَمَا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ حُكْمُهَا بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَمْ يَسْقُطْ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَنْ قُتِلَ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَرْبِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ فِي غَيْرِ حَرْبِ الْكُفَّارِ فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَرْبٍ هُوَ فِيهِ عَلَى الْحَقِّ وَقَاتِلُهُ عَلَى الْبَاطِلِ فَأَشْبَهَ المقتول في معركة الكفار ومن قتل قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أهل العدل} . {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا حَدِيثُ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْهُ لَمَّا كَانَ جُنُبًا وَاسْتُشْهِدَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير متصلا ورواه مرسلا من رواية عماد بْنِ الزُّبَيْرِ وَرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِهَذَا يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فانه ولد قبل سنتين فقط وهذه القضية كَانَتْ بِأُحُدٍ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ والله أعلم (وأما) الشهيد فسمي بذلك لا وجه سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ السِّوَاكِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ هُوَ - بِفَتْحِ اللَّامِ - (قَوْلُهُ) سَمِعَ هَيْعَةً - بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - وَهِيَ الصَّوْتُ الَّذِي يُفْزَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ) طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ حُكْمُهَا بِالشَّهَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ طَهَارَةِ النَّجَسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إزَالَتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَمْ يَسْقُطْ غُسْلُهُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فَهُوَ شَهِيدٌ (قَوْلُهُ) قَتَلَهُ اللُّصُوصُ هُوَ - بِضَمِّ اللَّامِ - جَمْعُ لِصٍّ بِكَسْرِهَا كَحِمْلٍ وَحُمُولٍ * أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الشَّهِيدُ لَا يَجُوزُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ وَلَا يُغَسَّلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْغَسْلُ إنْ

أَدَّى إلَى إزَالَةِ الدَّمِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ مِنْ الْجَزْمِ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ جَمِيعًا وَدَلِيلُهُ حديث جابر مع ما سنذ كره فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالصَّالِحِ وَالْفَاسِقِ (الثَّالِثَةُ) الشَّهِيدُ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُ نَفْسِهِ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ وَطِئَتْهُ دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرُهُمْ أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ لَا يُعْرَفُ هَلْ رَمَى بِهِ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَقِيَ زَمَنًا ثُمَّ مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَسَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَصَّى أَمْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا مَرْدُودًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ وَطِئَتْهُ دَابَّةُ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ حَالَ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِشَهِيدٍ بَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ لَا بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ بَلْ فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) شَهِيدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَبَقِيَ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ سَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ أَكَلَ وَشَرِبَ وَصَلَّى وَتَكَلَّمَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ فَقَوْلَانِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا أَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَهُوَ شَهِيدٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَإِنْ انْقَضَتْ وَهُوَ مُتَوَقَّعُ الْحَيَاةِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِلَا خِلَافٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا قَتَلَ أَهْلُ الْعَدْلِ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي حَالِ الْقِتَالِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَادِلًا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَعَكْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ (وَالثَّانِي) نَصَّ عَلَيْهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ فِي حَرْبِ مُبْطِلِينَ فَأَشْبَهَ الْكُفَّارَ (الْخَامِسَةُ) مَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا امام الحرمين وآخرون (أحدهما) لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وبه قطع المصنف والا كثرون فيه وجهان

(أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَيْسَ بِشَهِيدٍ (وَالثَّانِي) شَهِيدٌ أَمَّا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَمَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَيَكُونُ فِيهِ الطَّرِيقَانِ وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ فقتل مسلما اغتيا لا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِهِمْ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا ثُمَّ قَتَلُوهُ صَبْرًا فَفِي كَوْنِهِ شَهِيدًا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ (السَّادِسَةُ) الْمَرْجُومُ فِي الزِّنَا وَالْمَقْتُولُ قِصَاصًا وَالصَّائِلُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ وَنَحْوُهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي بَعْضِهِمْ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعَةُ) لَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ يَحْرُمُ غُسْلُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَلَمْ يَجُزْ كَغُسْلِ الْمَوْتِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجِبُ غُسْلُهُ بِسَبَبِ شَهَادَةِ الْجَنَابَةِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غُسْلِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْمَوْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب والمحاملى والماوردي والعبد رى وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ غَسَّلْنَاهُ قُلْت وَقَدْ سَبَقَ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ شهيد فيجئ هنا أما إذَا اُسْتُشْهِدَتْ مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ قَبْلَ اغْتِسَالِهَا فَهِيَ كَالْجُنُبِ وَإِنْ اُسْتُشْهِدَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْنَا الْجُنُبُ لَا يُغَسَّلُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْحَائِضِ يَجِبُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ أَمْ بِهِمَا وَفِيهِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَإِنْ قُلْنَا بِرُؤْيَتِهِ فَهِيَ كالجنب والافلا تُغَسَّلُ قَطْعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ إلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهَا لَا تُغَسَّلُ بِالِاتِّفَاقِ وَجَعَلَاهُ إلْزَامًا لِابْنِ سُرَيْجٍ * (فَرْعٌ) لَوْ أَصَابَتْ الشَّهِيدَ نَجَاسَةٌ لَا بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ العراقيين (أصحها) بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يَجِبُ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آثَارِ الشَّهَادَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَدَّى غَسْلُهَا إلَى إزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ لَمْ تغسل والاغسلت وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الثَّالِثَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ وَغُسْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ حِينَ اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا وَذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَوْ ثَبَتَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْغُسْلَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ وَلَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُسْلِهِ وَلِهَذَا احْتَجَّ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرْكِ الْغُسْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الاصحاب قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ رَدًّا لِهَذَا الْجَوَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ تَكْفِينُهُ لَوْ كَفَّنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّنْدُسِ قَالَ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ شَاهَدْنَا تَكْفِينَهُ وَسَتْرَ عَوْرَتِهِ لَمْ نَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهُ وَقَدْ حَصَلَ (وَأَمَّا) الْغُسْلُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَعَبُّدُ الْآدَمِيِّ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ نَحْوَ هَذَا وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ لَوْ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَوْ كَفَّنَتْهُ فِي السُّنْدُسِ لَمْ يُكْتَفَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّامِنَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُنْزَعُ عَنْ الشَّهِيدِ مَا لَيْسَ مِنْ غَالِبِ لِبَاسِ النَّاسِ كَالْجُلُودِ وَالْفِرَاءِ وَالْخِفَافِ وَالدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ وَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَأَمَّا بَاقِي الثِّيَابِ الْمُعْتَادِ لُبْسُهَا الَّتِي قُتِلَ فِيهَا فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَزَعَهَا وَكَفَّنَهُ بِغَيْرِهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فِيهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ قَالُوا وَالدَّفْنُ فِيهَا أَفْضَلُ وَالثِّيَابُ الْمُلَطَّخَةُ بِدَمِ الشَّهَادَةِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَيْهِ كَافِيًا لِلْكَفَنِ الْوَاجِبِ وَجَبَ إتْمَامُهُ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ " رواه أبو داود باسناد فيه عطاء ابن السائب وقد ضعفه الا كثرون ولم يُضَعِّفُ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ في صدره اوفى حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ (التَّاسِعَةُ) الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا بِسَبَبِ حَرْبِ الْكُفَّارِ كَالْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ وَالْغَرِيبِ وَالْمَيِّتَةِ فِي الطَّلْقِ وَمَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أو ذمي أو مأثم فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ وَشِبْهِهِمْ فَهَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ الله ولفظ الشهادة الوارد فيهم الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَهُوَ تَرْكُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا خَاصًّا وَهُمْ أحياء عند ربهم يرز قون وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ (وَالثَّانِي) شَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَالْغَرِيقُ وَأَشْبَاهُهُمْ (وَالثَّالِثُ) شَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً وَنَحْوُهُ فَلَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَالدَّلِيلُ لِلْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ بِالِاتِّفَاقِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) فِي حِكْمَةِ تَرْكِ غُسْلِ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَعَلَّ تَرْكَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ لَأَنْ يَلْقَوْا اللَّهَ بِكُلُومِهِمْ لِمَا جَاءَ أَنَّ رِيحَ دمهم ريح المسك واستغنوا باكرام لَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى من بقى من المسلمين لما يكون في من قَاتَلَ فِي الزَّحْفِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَخَوْفِ عَوْدَةِ الْعَدُوِّ وَرَجَاءِ طَلَبِهِمْ وَهَمِّهِمْ بِأَهْلِهِمْ وَهَمِّ أَهْلِيهِمْ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غسل الشهيد والصلاة عليه * قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْحَاكِمِ وَحَمَّادٍ وَاللَّيْثِ وَمَالِكٍ وتابعوه من اهل المدينة واحمد واسحق وأبو ثور وابن المنذر وقال سعيد بن المسبب والحسن البصري يغسل ويصلي عليه وقال أو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَحَادِيثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَصَلَّى عَلَى حَمْزَةَ صَلَوَاتٍ " (وَمِنْهَا) رِوَايَةُ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ عَشَرَةً عَشَرَةً فِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً " رَوَاهُ أَبُو داود في المراسيل وعن شداد بن الهاد أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " في قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ فِي الصَّلَاةِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهَا كُلِّهَا إلَّا حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالضَّعْفُ فِيهَا بَيِّنٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقْرَبُ مَا رُوِيَ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَكَذَا حَدِيثُ شَدَّادٍ مُرْسَلٌ أَيْضًا فَإِنَّهُمَا تَابِعَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّلَاةِ هُنَا الدُّعَاءُ (وَقَوْلُهُ) صَلَاتُهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ دَعَا لَهُمْ كدعاء صلاة الميت وهذا التأويل لابد مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْرُوفَةَ بِالْإِجْمَاعِ لانه صلي الله عليه وسلم بما فَعَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَعْدَ دَفْنِهِمْ بِثَمَانِ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْرُوفَةَ لَمَا أَخَّرَهَا ثَمَانِ سِنِينَ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَهَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَشَهَادَةُ النَّفْيِ مَرْدُودَةٌ مَعَ مَا عَارَضَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ (فَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ إنَّمَا تُرَدُّ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً (أَمَّا) مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَكَانَ مَحْصُورًا فَيُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ قِصَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَحَاطَ بِهَا جَابِرٌ وَغَيْرُهُ عِلْمًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ فَضَعِيفَةٌ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ إلَّا حَدِيثَ عُقْبَةَ وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ وَاشْتَدَّ إنْكَارُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَتَشْنِيعُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُ يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ مُحْتَجًّا بِرِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ صَلَاةً وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ مِنْ الْقَتْلَى وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُرْفَعُونَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ آخَرِينَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَعَلَى حَمْزَةَ حتى صلى عليه سبعين صَلَاةً قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَهِيدًا فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ صَلَوَاتٍ أَوْ ثَمَانٍ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى عَلَى كُلِّ تِسْعَةٍ مَعَ حَمْزَةَ صَلَاةً فَهَذِهِ سَبْعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ سَبْعُونَ صَلَاةً وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ كَبَّرَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً فَنَحْنُ وَهُمْ

نَقُولُ التَّكْبِيرُ أَرْبَعٌ فَهِيَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَسْتَحْيِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ كان ينبغي له أن يُعَارِضَ بِهِ الْأَحَادِيثَ فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ " هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ معتمدنا في المسألة الا حاديث الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا (وَأَمَّا) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَخَطَأٌ لَمْ يُصَحِّحْهُ الْأَئِمَّةُ لِأَنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ وَحَمْزَةُ أَحَدُهُمْ فَصَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشهداء سبعون وانا يَخُصُّ حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً لَوْ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا صُلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَبِالِاتِّفَاقِ مِنَّا وَمِنْهُ فَإِنَّ مِنْ صَلَّى مَرَّةً لَا يُصَلِّي هُوَ ثَانِيَةً وَلِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الشُّهَدَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ بِلَا غُسْلٍ (فَإِنْ قَالُوا) سَبَبُ تَرْكِ الْغُسْلِ بَقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ " فَظَهَرَ سَبَبُ تَرْكِ الْغُسْلِ وَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ مَشْرُوعَةً كَمَا كَانَتْ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَ الدَّمِ لَوَجَبَ أَنْ يُغَسَّلَ مِنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ خَنْقًا أَوْ بِمُثَقَّلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ دَمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بَقَاءَ الدَّمِ لَيُمِّمَ قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَرْكَ الْغُسْلِ بِسَبَبٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَفْيُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْغُسْلَ مُتَعَيِّنٌ لِإِزَالَةِ الْأَذَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَمِّلُوهُمْ وَادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَا تَهْتَمُّوا بِإِزَالَتِهَا عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِمْ الدِّمَاءُ " قَالَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي يُدْفَنُونَ بِهَا تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنْ تُرِكَ الْغُسْلُ لِلدَّمِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الشَّهَادَةُ تَطْهِيرٌ لِلْمَقْتُولِ عَنْ الذُّنُوبِ فَيُغْنِي عَنْ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْكَ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِتَطْهِيرِهِ بِشَفَاعَةِ الْمُصَلِّينَ (فَإِنْ قِيلَ) الصَّبِيُّ طَاهِرٌ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (قُلْنَا) الشَّهَادَةُ أَمْرٌ طَارِئٌ يَقْتَضِي رُتْبَةً عَظِيمَةً وَتَمْحِيصًا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُغْنٍ عَنْ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي مَرْتَبَةً وَالطَّرِيقَةُ السَّدِيدَةُ عِنْدَنَا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّلٍ لِأَنَّا أَبْطَلْنَا عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّطْهِيرِ رُبَّمَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى السَّيْرِ كَمَا يَنْبَغِي فَنَقُولُ إذَا امْتَنَعَ الْغُسْلُ وَبَدَلُهُ فَهُوَ كَحَيٍّ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّبِيِّ إذَا اُسْتُشْهِدَ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ فاشبه البالغ والمرأة * واحتج بانه لاذنب لَهُ قُلْنَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الذَّنْبِ *

(فَرْعٌ) إذَا رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فِي حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جبل أو في بئر في حَالَ مُطَارِدَتِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَفَنِ الشَّهِيدِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُزَالُ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيدٍ وَجُلُودٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وكل ما ليس من عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ ثُمَّ وَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ كَفَّنَهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مِنْ عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ وَإِنْ شَاءَ نَزَعَهُ وَكَفَّنَهُ بِغَيْرِهِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوٌ وَلَا خف ولا محشو ولا بخير وليه في نرع شئ وَلِأَصْحَابِ دَاوُد خِلَافٌ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْجُلُودَ يُنْزَعُ عَنْهُ وَسَبَقَ دَلِيلُنَا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ * (فَرْعٌ) الْمَقْتُولُ ظُلْمًا فِي الْبَلَدِ بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ إذَا قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ. دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ فَقَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ. (فَرْعٌ) إذا انكشف الْحَرْبُ عَنْ قَتِيلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَثَرٌ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا الصَّلَاة عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الْبُغَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ. (فَرْعٌ) إذَا قَتَلَتْ الْبُغَاةُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * (فَرْعٌ) الْقَتِيلُ بِحَقٍّ فِي حَدِّ زِنًا أَوْ قِصَاصٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَذَلِكَ وَاجِبٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٍ والنخعي والاوزاعي واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْمَقْتُولِ قِصَاصًا دُونَ الْمَرْجُومِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الرَّعِيَّةُ * (فَرْعٌ) مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمَا الْإِمَامُ وَتُصَلِّي بَقِيَّةُ النَّاسِ. (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وُجُوبُ غُسْلِ وَلَدِ الزِّنَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ

(فَرْعٌ) فِي الْإِشَارَةِ إلَى دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ رواية عمران ابن حُصَيْنٍ وَبُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى الْمَرْجُومَةِ فِي الزِّنَا " وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى علي ما عز بَعْدَ أَنْ رَجَمَهُ " وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ ابن سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وضلوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ " قَالَا هَذَا مُنْقَطِعٌ فَلَمْ يُدْرِكْ مَكْحُولٌ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رُوِيَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَايَةَ الضَّعْفِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فِيهِ هَذَا الْمُرْسَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا قَتَلْنَا تَارِكَ الصَّلَاةِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَرُفِعَ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَتَحْذِيرًا مِنْ حَالِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَيُبْنَى أَمْرُهُ عَلَى صِفَةِ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي بَابِ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ مُكَفَّنًا (وَالثَّانِي) يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ وَهَلْ يُنْزَلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمْ يَبْقَى حَتَّى يَتَهَرَّى فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أُنْزِلَ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْتَلَ مَصْلُوبًا وَيُنْزَلَ وَيُغَسَّلَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُرَدَّ وَلَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ (الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صُلِّيَ عَلَى الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ وَغُسِّلُوا فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَلَا يُعْرَفُ عَدَدُهُمْ جَازَ قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَوْ صُلِّيَ عَلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ مِمَّنْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا مُسْتَحَبًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَمَعْرِفَةُ أَعْيَانِ الْمَوْتَى وَأَعْدَادِهِمْ لَيْسَتْ شَرْطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمرو عطاء وابن سيرين وأحمد واسحق وأبى ثور قال وبه أقول ولم يكرهها أَبُو هُرَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْ مالك روايتان كالمذهبين.

باب حمل الجنازة والدفن

{باب حمل الجنازة والدفن} * قال المصنف رحمه الله * {يجوز حمل الجنازة بين العمودين وهو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي مقدمة النعش ويجعلهما علي كاهله ويجوز الحمل من الجوانب الاربعة فيبدأ بياسرة المقدمة فيضع العمود علي عاتقه الايمن ثم يجئ إلى ياسرة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الايمن ثم يأخذ يامنة المقدمة فيضع العمود علي عاتقه الايسر ثم يجئ إلى يامنة المؤخرة فيضع العمود علي عاتقه الايسر والحمل بيني العمودين أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بين العمودين ولانه روى ذلك عن عثمان وسعد بن ابى وقاص وأبي هريرة وابن الزبير رضي الله عنهم} . {الشَّرْحُ} حَدِيثُ حَمْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَالْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ إلَّا الْأَثَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَصَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * والمقدمة - بفتح الدال وكسرها - والكسر أفصح وَالْيَامِنَةُ وَالْيَاسِرَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالسِّينِ - وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِحَمْلِ الجنازة كيفيتان (أحدهما) بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلٌ فَيَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ وَهُمَا الْعَمُودَانِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْخَشَبَةَ الْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَاهِلِهِ وَيَحْمِلُ مُؤَخَّرَ النَّعْشِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَتَوَسَّطُ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَسَّطَ لَمْ يَرَ مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يسقل الْمُتَقَدِّمُ بِالْحَمْلِ أَعَانَهُ آخَرَانِ خَارِجَ الْعَمُودَيْنِ يَضَعُ كل واحد منها واحدا مِنْهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ فَتَكُونُ الْجِنَازَةُ مَحْمُولَةً بِخَمْسَةٍ (وَالْكَيْفِيَّةُ) الثَّانِيَةُ التَّرْبِيعُ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ فيضع احدهما العمودين الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَضَعَ الْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَلِكَ يَحْمِلُ الْعَمُودَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي آخِرِهَا رَجُلَانِ فَتَكُونُ الْجِنَازَةُ مَحْمُولَةً بِأَرْبَعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدِّمِهَا فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ أَيْضًا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ أَيْضًا فيمر بين يديها ولا يجئ مِنْ وَرَائِهَا لِئَلَّا يَكُونَ مَاشِيًا مِنْ خَلْفِهَا فَيَأْخُذَ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدِّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُهُ هَذَا إلَّا إذَا حُمِلَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ من كيفية التربيع واحمل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ

أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ هُوَ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. هَذَا إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَأَمَّا الْأَفْضَلُ مُطْلَقًا فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْت نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ ثُمَّ صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي قَوْلِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ جَوَانِبِهَا وَوَاحِدٌ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْمَلَ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَيْفِيَّتَيْنِ جَائِزَتَانِ والجمع بينهما افضل من الاقتصار علي إحادهما فَإِنْ اقْتَصَرَ فَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ صَرِيحٌ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَلَامُهُ هُنَا يُتَأَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ فَقَوْلُهُ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ يَعْنِي إنْ اقْتَصَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْأَفْضَلِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُوَضِّحْ صُورَةَ التَّرْبِيعِ عَلَى وَجْهِهَا وَخَلَطَ صِفَةَ التَّرْبِيعِ بِمَسْأَلَةِ مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا وَصَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مَا أَوْضَحْنَاهُ أَوَّلًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَوْ حَمَلَ النَّعْشَ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَامِلًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَنْ يَحْمِلَهَا ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ مُقَدَّمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ إلَّا الدَّارِمِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّهُ حُكِيَ فِي الاستذكار عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِاثْنَيْنِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَمْلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُغَلِّسِ الداوودى وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ واحمد واسحق التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَمْلُ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهَا دناءة وسقوط مروءة بل هوبر وَطَاعَةٌ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ الْحَمْلِ وَرُبَّمَا انْكَشَفَ منهن شئ لَوْ حَمَلْنَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ كَحَمْلِهِ فِي قُفَّةٍ وَغِرَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ

وَالْأَصْحَابُ وَيُحْمَلُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ محمل قالوا وأى شئ حمل عليه اجزأ قال القاصي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قَبْلَ أَنْ يُهَيَّأَ لَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ حَتَّى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمَرْأَةِ نَعْشٌ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالنَّعْشُ هُوَ الْمِكَبَّةُ الَّتِي تُوضَعُ فَوْقَ الْمَرْأَةِ عَلَى السَّرِيرِ وَتُغَطَّى بِثَوْبٍ لِتُسْتَرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي يُخْتَارُ لِلْمَرْأَةِ إصْلَاحُ النَّعْشِ كَالْقُبَّةِ عَلَى السَّرِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّيَانَةِ وَسَمَّاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَيْمَةً فَقَالَ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً اُتُّخِذَ لها خيمة تسترها واستدلوا له بقضية جِنَازَةِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قِيلَ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا النَّعْشِ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْصَتْ أَنْ يُتَّخَذَ لَهَا ذَلِكَ فَفَعَلُوهُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهِيَ قَبْلَ زَيْنَبَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَا اُتُّخِذَ ذَلِكَ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَبَاطِلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب الاسراع بالجنازة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " اسرعوا بالجنازة فان تكن صالحة فخيرا تقدمونها إليه وإن تكن سوى ذلك فشرا تضعوثه عن رقابكم " ولا يبلغ به الخبب لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " سألنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السير بالجنازة فقال دون الخبب فان يكن خيرا يعجل إليه وإن يكن شرا فبعدا لاصحاب النار "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ لَفْظُهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَسْرِعُوا بالجنازة فان تكن صالحة فخير تقدمونها وَإِنْ تَكُنْ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وعنده فخبرا تقومونها عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَالضَّعْفُ عَلَيْهِ بَيِّنٌ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْ الْإِسْرَاعِ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ أو تغيره ونحوه فيتأنى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ أَوْ انْتِفَاخٌ زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُمْشَى بِالْجِنَازَةِ عَلَى أَسْرَعِ سَجِيَّةِ مَشْيٍ إلَّا الْإِسْرَاعَ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى مَنْ يَتْبَعُهَا إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهَا أَوْ انْفِجَارُهَا فَيُعَجِّلُوا بِهَا مَا قَدَرُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْ أهل الجنازة الا بطاء في

شئ مِنْ حَالَاتِهَا مِنْ غُسْلٍ وَوُقُوفٍ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي جِنَازَةِ ميمونة رضي الله عنها إذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهُ وَلَا تُزَلْزِلُوهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى خَوْفِ مَفْسَدَةٍ مِنْ الْإِسْرَاعِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَنَحْنُ نَرْمُلُ رَمَلًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بِالْجِنَازَةِ رواه أبو داود والنسأتي بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ

عَلَى الْحَاجَةِ إلَى زِيَادَةِ الْإِسْرَاعِ فِي بَعْضِ الاحوال كما سبق.

* قال المصنف رحمه الله * {ويستحب اتباع الجنازة لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ

صلي الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الداعي ونصر المظلوم

والمستحب ان لا ينصرف من يتبع الجنازة حتي تدفن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من تبع جنازة فصلي عليها فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط اعظم من احد "} * {الشَّرْحُ} هَذَانِ الْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَازِبٌ وَالِدُ الْبَرَاءِ صَحَابِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالتَّشْمِيتُ يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ الْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ وَفِي رِوَايَةٍ لهما

الْقِيرَاطَانِ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ الْقِيرَاطُ مِقْدَارٌ مِنْ الثَّوَابِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَبَيَّنَ فِي هَذَا الحديث مثل احد واعمل ان القراطين بِالدَّفْنِ إنَّمَا هُمَا لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَيَحْصُلُ لَهُ بِالدَّفْنِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا قِيرَاطَانِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى انْفِرَادِهَا قِيرَاطٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ بِبَيَانِ هَذَا وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ أَوْضَحْت كُلَّ هَذَا فِي هَذَا الموضع من شرح صحيح مسلم * واما الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُدْفَنَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُهَا وَلَا يَحْرُمُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ بَلْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ فَهَذِهِ الصِّيغَةُ مَعْنَاهَا رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَقَوْلُهَا وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا مَعْنَاهُ نُهِينَا نَهْيًا شَدِيدًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ وَمَعْنَاهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ مَا تَجْلِسْنَ قُلْنَ نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ قَالَ هَلْ تُغَسِّلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تَحْمِلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي قُلْنَ لَا قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَزْرَقِ وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَعْلَامِ هَذَا الْفَنِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا أَخْرَجَك مِنْ بَيْتِك قَالَتْ أَتَيْت أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فَرَحَّمْتُ إلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ قَالَ لَعَلَّك بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَكُونَ بَلَغْتهَا وقد سمعتك

تَذْكُرُ فِي ذَلِكَ مَا تَذْكُرُ فَقَالَ لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْت الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيك " فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وأحمد وإسحق وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ إلَّا لِلشَّابَّةِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ وَلَدَهَا أَوْ وَالِدَهَا أَوْ زَوْجَهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ يَخْرُجُ مثلها * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قِيرَاطٌ وَبِالدَّفْنِ قِيرَاطٌ آخَرُ وَفِيمَا يَحْصُلُ بِهِ قِيرَاطُ الدَّفْنِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَحَدُهُمَا) إذَا وُورِيَ فِي لَحْدِهِ (وَالثَّانِي) إذَا فُرِغَ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ نُضِّدَ اللَّبِنُ وَلَمْ يُهَلْ التُّرَابُ أَوْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ أَنْ يقال إذا وورى حَصَلَ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ " وَفِي رِوَايَةٍ " حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ " وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقِيرَاطُ الثَّانِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) قَالَ وَهُوَ أَضْعَفُهَا إذَا وُضِعَ فِي اللَّحْدِ (وَالثَّانِي) إذَا نُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ قَالَهُ الْقَفَّالُ (وَالثَّالِثَ) إذَا فُرِغَ مِنْ الدَّفْنِ قُلْت وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الدَّفْنِ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ جبي يُفْرَغَ مِنْهَا أَوْ يَتَأَوَّلُ رِوَايَةَ حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُهَا مَعَ الْفَرَاغِ وَتَكُونُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ قَبْلَ وُصُولِهَا الْقَبْرَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْصِرَافَ عَنْ الْجِنَازَةِ مَرَاتِبُ (إحْدَاهَا) يَنْصَرِفُ عَقِبَ الصَّلَاةِ (الثَّانِيَةُ) يَنْصَرِفُ عَقِبَ وَضْعِهَا فِي الْقَبْرِ وَسَتْرُهَا بِاللَّبِنِ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ (الثَّالِثَةُ) يَنْصَرِفُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ وَفَرَاغِ الْقَبْرِ (الرَّابِعَةُ) يَمْكُثُ عَقِبَ الْفَرَاغِ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمَيِّتِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَسْأَلُ لَهُ التثبيت فالرابعة أكمل المراتب والثالثة تحصل القيراطين وَلَا تُحَصِّلُهُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُحَصَّلُ بِالْأُولَى قيراط بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله * {والسنة أن لا يركب لان النبي صلي الله عليه وسلم " ما ركب في عيد ولا جنازة " فان ركب في الانصراف لم يكن به بأس لما روي جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى جنازة فلما انصرف أتى بفرس معرور فركبه " والسنة أن يمشى أمام الجنازة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يمشى بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان " ولانه شفيع الميت والشفيع يتقدم علي المشفوع له والمستحب ان يمشي أمامها قريبا منها لانه إذا بعد لم يكن معها} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ غَرِيبٌ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ في الام وأبو داود والترمذي والنسأني وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ ذَكَرَ عُثْمَانُ وَهُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَرُوِيَ هَكَذَا مَوْصُولًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ الزُّهْرِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ " وَاَلَّذِي وَصَّلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ إمَامٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد وَابْنُ ماجه الا رواية الوصل وذكره التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ أَصَحَّ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْسَلُ فِي ذلك أصح وقال النَّسَائِيُّ وَصْلُهُ خَطَأٌ بَلْ الصَّوَابُ مُرْسَلٌ (وَأَمَّا) الا حاديث الَّتِي جَاءَتْ بِالْمَشْيِ خَلْفَهَا فَلَيْسَتْ ثَابِتَةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآثَارُ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ (وَقَوْلُهُ) فَرَسٌ مُعْرَوْرًى هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - وَفَتْحِ الرَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنُونَةً هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِفَرَسِ عُرًى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَمَنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ الَّتِي رَكِبَ فِي الِانْصِرَافِ مِنْهَا جِنَازَةُ أَبِي الدَّحْدَاحِ وَيُقَالُ ابْنُ الدَّحْدَاحِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاشِيًا وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إذَا بَعُدَ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ لِمَنْ هُوَ مَعَهَا لَا لِمَنْ سَبَقَهَا إلَى الْمَقْبَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ مُتَّبِعِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ " مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يفرغ من دفنها رجع بقيراطين " * أما الا حكام فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَ الْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ قُدَّامَهَا وَأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا منها وكل ما قَرُبَ مِنْهَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَمْ مَاشِيًا فَالْأَفْضَلُ قُدَّامَهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ اتِّبَاعِهَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا لِكَثْرَةِ بُعْدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ تَابِعِيهَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فضيلة اصل المتابعة ولكن فانه كما لها * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السَّيْرَ أَمَامَهَا أَفْضَلُ سَوَاءٌ الرَّاكِبُ وَالْمَاشِي وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ علي وأبى قتادة وأبي هُرَيْرَةَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَبِهِ قال الاوزاعي واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ خَلْفَهَا وَالْمَاشِي حَيْثُ

شاء منها * قال المصنف رحمه الله * {وإن سبق الي المقبرة فهو بالخيار ان شاء قام حتي توضع الجنازة وإن شاء قعد لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الجنائز حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَعَدَ بعد ذلك وأمرهم بالقعود "} . {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ينى فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " قَامَ فَقُمْنَا وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَامَ مَعَ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ الناس معه وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " رَأَى نَاسًا قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْجِنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ مَعَهُ أَوْ سَوْطٍ أَنْ اجْلِسُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جلس بعدما كَانَ يَقُومُ " وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سَبَبِ الْقُعُودِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَمَرَّ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ فَجَلَسَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اجْلِسُوا خَالِفُوهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الا حاديث الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ بِالْقِيَامِ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ حَتَّى تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ وَأَمَرَ مَنْ تَبِعَهَا أَنْ لَا يَقْعُدُ عِنْدَ الْقَبْرِ حَتَّى تُوضَعَ " ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هَذَانِ الْقِيَامَانِ مَنْسُوخَانِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِالْقِيَامِ الْيَوْمَ سَوَاءٌ مَرَّتْ بِهِ أَمْ تَبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهَا إذَا لَمْ يَرِدْ الْمَشْيَ مَعَهَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ سَلِيمُ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لَهَا وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَقُومَ لَهَا وَإِذَا كَانَ مَعَهَا لَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ وَلَمْ يَثْبُتْ في القعود شئ إلَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ بَلْ لَيْسَ فِيهِ نَسْخٌ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ الْقُعُودِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ * قد ذكرنا ان مَذْهَبَنَا فِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لَهُ الْقُعُودُ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَدَاوُد * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يكره للمسلم اتباع جنازة اقاربه من الكفار لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت ان عمك الضال قد مات فقال اذهب فواره " ولا تتبع الجنازة بنار ولا نائحة لما روى عن عمرو بن العاص قال إذا أنامت فلا تصحبني نار ولا نائحة وعن ابى موسى رضى الله عنه انه وصى لا تتبعوني بصارخة ولا بمجمرة ولا تجعلوا بينى وبين الارض شيئا} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ عَمْرِو ابن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ مِتُّ - بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها - لغتان فصيحتان. أما الا حكام فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ تُتْبَعَ الْجِنَازَةُ بنار قال ابن الصباغ وغيره المراد انه يُكْرَهَ الْبَخُورُ فِي الْمِجْمَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا إلَى الْقَبْرِ وَلَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ قَالَ وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ ذلك عمر وأبو هريرة وعبد الله ابن مُغَفَّلٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَائِشَةُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ أَوْصَوْا أَنْ لَا يُتْبَعُوا بِنَارٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَرِهَ لِلنَّصِّ وَلِأَنَّهُ تَفَاءَلَ بِذَلِكَ فَأْلَ السَّوْءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الِاتِّبَاعِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ مَعَ الْجِنَازَةِ الْمَجَامِرُ وَالنَّارُ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ مِجْمَرَةٌ حَالَ الدَّفْنِ (وَأَمَّا) اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ بِنَائِحَةٍ فَحَرَامٌ فَإِنَّ النَّوْحَ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ التَّعْزِيَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ البنذنيجي رَحِمَهُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَيُسْتَحَبُّ الثَّنَاءُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَآهَا سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَوْ سبحان الملك القدوس * قال المصنف رحمه الله * {دفن الميت فرض علي الكفاية لان في تركه علي وجه الارض هتكا لحرمته ويتأذى الناس من رائحته والدفن في المقبرة أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدفن الموتى بالبقيع ولانه يكثر الدعاء له ممن يزوره. ويجوز الدفن في البيت لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَ في حجرة عائشة رضى الله عنها فان قال بعض الورثة يدفن في المقابر وقال بعضهم في البيت دفن في المقبرة لان له حقا في البيت فلا يجوز اسقاطه ويستحب ان يدفن في أفضل مقبرة لان عمر رضي الله عنه

استأذن عائشة رضى الله عنها ان يدفن مع صاحبيه ويستحب ان يجمع الاقارب في موضع واحد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال نعلم علي قبر أخي لادفن إليه من مات " وان تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقوله صلى الله عليه وسلم مني مناخ من سبق فان استويا في السبق أقرع بينهما} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الدَّفْنِ بِالْبَقِيعِ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَدْفَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَدِيثُ دَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ وَحَدِيثُ اسْتِئْذَانِ عُمَرَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَاحِبَاهُ هُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَدِيثُ مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمِنًى الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ يُنَوَّنُ وَلَا يُنَوَّنُ وَالْمُنَاخُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبِ - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ - وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخَذَ الْحَجَرَ وَجَعَلَهُ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَهُوَ مُسْنَدٌ لَا مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ لَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِأَعْيَانِهِمْ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِصَخْرَةٍ (وَقَوْلُهُ) عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَقَوْلُهُ) وَقَالَ نُعْلِمُ عَلَى قَبْرِ أَخِي هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - مِنْ الْإِعْلَامِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَلَامَةِ وَقَوْلُهُ لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي في كتب الحديث لا دفن إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) دَفْنُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا تَعَطَّلَ أَثِمَ بِهِ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ قال الشافعي رحمه الله لوان رُفْقَةً فِي سَفَرٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَلَمْ يَدْفِنُوهُ نظران كان ذلك في طريق أهل تخترقه المارة أو بقرب قرية للمسلمين فقد أساؤا تَرْكَ الدَّفْنِ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ دَفْنُهُ قَالَ وَإِنْ تَرَكُوهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ أَثِمُوا وَعَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي مَخَافَةٍ مِنْ عَدُوٍّ يَخَافُونَ إنْ اشْتَغَلُوا بِالْمَيِّتِ اصْطَلَمُوا فَاَلَّذِي يُخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ مَا أمكنهم فان تركوه لم يأثم ولانه مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ مُجْتَازِينَ مَرُّوا عَلَى مَيِّتٍ بِصَحْرَاءَ لَزِمَهُمْ الْقِيَامُ بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ تركوه أثمو اثم يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بِثِيَابِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ وَلَا كَفَنٍ لَزِمَهُمْ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أثر غسل وحنوط وكفن دفنوه فان اختار والصلاة عَلَيْهِ صَلُّوا بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي رَحِمَهُ اللَّهُ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ الدَّفْنُ فِي الْبَيْتِ

وفى المقبرة والمقبرة أفضل بالا تفاق وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْتِ الْبُسْتَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا مَقَابِرُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ قُلْتُمْ الدَّفْنَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا دُفِنَ فِي الْبَيْتِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَشْهُرُهَا) وَهُوَ جَوَابُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَ أَصْحَابَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِهِ أَوْلَى. وَإِنَّمَا دُفِنَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُجْرَةِ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَدْفَنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ فَادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ وَلِأَنَّهُمْ خَصُّوهُ بِالْحُجْرَةِ لِكَثْرَةِ زَائِرِيهِ وَقَاصِدِيهِ لِيُخِفَّ عَلَيْهِمْ بقربه (الثاني) أجاب به المتولي أنهم مِنْ دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ التَّنَازُعُ وَالتَّنَافُسُ فِيهِ فَيَطْلُبُهُ كُلُّ قَبِيلَةٍ لِيُدْفَنَ عِنْدَهُمْ (الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ صِيَانَةً لِقَبْرِهِ لِئَلَّا يَزْدَحِمَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَنْتَهِكُوهُ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الِازْدِحَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ دُفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَدَفَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَيِّتِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَ لِلْبَاقِينَ نَقْلُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي مِلْكِي لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِينَ قَبُولُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ مِنَّةً فَلَوْ بَادَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَدَفَنَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ كَفَّنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُنْزَعُ كَفَنُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَبَعِيَّتِهِ إسْقَاطُ حَقِّ أَحَدٍ وَفِي نَقْلِهِ هَتْكُ حُرْمَتِهِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى دَفْنِهِ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ ثُمَّ بَاعَتْهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِدَفْنِهِ ثُمَّ إذَا بَلِيَ أَوْ اتَّفَقَ نَقْلُهُ فَهَلْ يَكُونُ الْمَدْفُونُ لِلْبَائِعَيْنِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ سَيَأْتِي نَظَائِرُهُمَا فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْهَا) لَوْ بَاعَ شَجَرَةً أَوْ بستانها وَاسْتَثْنَى مِنْهُ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ قَلَعَهَا فَهَلْ يَبْقَى الْغَرْسُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ أَمْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّهُ هَلْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةُ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَتْبَعُهَا (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْمَعَ الْأَقَارِبُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ. (الْخَامِسَةُ) لَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ وَتَشَاحَّا فِي مَكَان قُدِّمَ الْأَسْبَقُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ فِي الْبَلَدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الرَّحْمَةِ قَالُوا وَمِنْ ذَلِكَ المقابر المذكورة بالخير ودفن الصالحين فيها * قال المصنف رحمة الله * {ولا يدفن ميت في موضع ميت الا ان يعلم انه قد بلى ولم يبق منه شئ ويرجع فيه الي اهل الخبرة

بتلك الارض ولا يدفن في قبر واحد اثنان لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يدفن في كل قبر الا واحدا فان دعت إلى ذلك ضرورة جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يجمع الاثنين من قتلي احد في ثوب واحد ثم يقول " ايهما كان اكثر اخذا للقرآن فإذا اشير الي احدهما قدمه الي اللحد " وان دعت ضرورة ان يدفن مع امراة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل امامها اعتبارا بحال الحياة} . {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْفِنْ فِي كُلِّ قَبْرٍ إلَّا وَاحِدًا هَذَا صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ مَيِّتٌ فِي مَوْضِعِ مَيِّتٍ حَتَّى يبلي الاول بحيث لا يبقى منه شئ لالحم وَلَا عَظْمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ دَفْنِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ هُوَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ (1) (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ إنْسَانٍ فِي قَبْرٍ فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُسْتَدَامُ الْمَنْعُ مَهْمَا بَقِيَ مِنْ الميت شئ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَظْمٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بهذا في قوله ولم يبق منه شئ. فَأَمَّا إذَا بَلِيَ وَلَمْ يَبْقَ عَظْمٌ بَلْ انْمَحَقَ جِسْمُهُ وَعَظْمُهُ وَصَارَ تُرَابًا فَيَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّفْنُ فِي مَوْضِعِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى أَنْ يُسَوَّى عَلَيْهِ التُّرَابُ وَيَعْمُرُ عِمَارَةَ قَبْرٍ جَدِيدٍ إنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ جَدِيدٌ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُ خَرَابًا لِيُدْفَنَ فِيهِ مَنْ أَرَادَ الدَّفْنَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالرُّجُوعُ فِي مُدَّةِ الْبِلَى إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ وَالْمَقْبَرَةِ قَالُوا فَلَوْ حَفَرَهُ فَوَجَدَ فِيهِ عظام الميت عاد الْقَبْرَ وَلَمْ يُتْمِمْ حَفْرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فَلَوْ فَرَغَ من القبر وظهر فيه شئ مِنْ الْعِظَامِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُجْعَلَ فِي جَنْبِ الْقَبْرِ وَيُدْفَنَ الثَّانِي مَعَهُ وَكَذَا لَوْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْنِ الثَّانِي مَعَ الْعِظَامِ دُفِنَ مَعَهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ رَجُلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَكَذَا صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لا يجوز وعبارة الا كثرين لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ. أَمَّا إذَا حَصَلَتْ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَثُرَ الْقَتْلَى أَوْ الْمَوْتَى فِي وَبَاءٍ أَوْ هَدْمٍ وَغَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَعَسُرَ دَفْنُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قَبْرٍ فَيَجُوزُ دَفْنُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ فِي الْقَبْرِ أَفْضَلُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ الرَّجُلَ ثُمَّ الصَّبِيَّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ قَالَ

أَصْحَابُنَا وَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ الابن أفضل الحرمة الْأُبُوَّةِ وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَلَا يَجُوزُ الجمع بين المرأة والرجل في قبر الاعند تَأَكُّدِ الضَّرُورَةِ وَيُجْعَلُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ لِيَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَيُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الرَّجُلُ وان كان ابناء وَإِذَا دُفِنَ رَجُلَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ فِي قَبْرٍ لِضَرُورَةٍ فَهَلْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أصحهما) وبه قطع جماهير العراقين وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يُجْعَلُ (وَالثَّانِي) لَا يُجْعَلُ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَمْكَنَهُ دَفْنُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنْ خَشَى تَغَيُّرَ أَحَدِهِمْ بَدَأَ بِهِ ثُمَّ بِمَنْ يَخْشَى تَغَيُّرَهُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَ أَحَدٍ بَدَأَ بِأَبِيهِ ثُمَّ أُمِّهِ ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ قُدِّمَ أَكْبَرُهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا أَوْ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ أَقْرَعَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * {ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ فِي مَقْبَرَةِ كُفَّارٍ وَلَا كَافِرٌ فِي مَقْبَرَةِ مُسْلِمِينَ وَلَوْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ وَمَاتَ جَنِينُهَا فِي جَوْفِهَا فَفِيهِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَيَكُونُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا لِيَتَوَلَّوْا غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ موت الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ وَفِي جَوْفِهَا مُسْلِمٌ فَأَمَرَ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْأَثَرُ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وروى البيهقى عن وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَفَنَ نَصْرَانِيَّةً فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ مَقْبَرَةَ النَّصَارَى وَلَا الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَكَأَنَّهَا صُنْدُوقٌ لِلْجَنِينِ. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهَا تُدْفَنُ عَلَى طَرْفِ مَقَابِرِ المسلمين وهذا حسن والله أعلم. * قال المصنف رحمه الله * {ومن مات في البحر ولم يكن بقرب ساحل فالاولى ان يجعل بين لوحين ويلقى في البحر لانه ربما وقع في ساحل فيدفن فان كان اهل الساحل كفارا القى في البحر} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَأَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ بِهِ إلَى السَّاحِلِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ بِهِ وَغَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ لِبُعْدِهِمْ مِنْ السَّاحِلِ أَوْ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الدَّفْنُ فِي الساحل بل

يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُجْعَلُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَيُلْقَى فِي الْبَحْرِ لِيُلْقِيَهُ إلَى السَّاحِلِ فَلَعَلَّهُ يُصَادِفُهُ مَنْ يَدْفِنُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَيُلْقُوهُ إلَى السَّاحِلِ بَلْ أَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُمْ هَذَا لَفْظُهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَمْ يَأْثَمُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ السَّاحِلِ كُفَّارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ جُعِلَ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَأُلْقِيَ فِي البحر وقال المزني رحمه الله يثقل بشئ لِيَنْزِلَ إلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ الْكُفَّارُ فَيُغَيِّرُوا سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ قَالَ الْمُزَنِيّ إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُلْقَى إلَى السَّاحِلِ إذَا كَانَ أَهْلُ الْجَزَائِرِ مُسْلِمِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا كفارا فيثقل بشئ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى الْقَرَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِلْقَاءِ إلَى السَّاحِلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فَيَدْفِنُهُ إلى القبلة واما على قول المزني فيتيقين تَرْكُ دَفْنِهِ بَلْ يُلْقِيهِ لِلْحِيتَانِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الْمُزَنِيَّ ذَكَرَ مَذْهَبَهُ هَذَا فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَصْحَابِ نَقْلَهُمْ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ طَلَبْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَوَجَدْتهَا عَلَى مَا قاله الشافعي في الام وذكر صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَكَأَنَّهُمَا اخْتَارَا مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً إلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فدفنوه فيها ولم يتغير * قال المصنف رحمه الله * {المستحب ان يعمق القبر قدر قامة وبسطة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أوصي ان يعمق قامة وبسطة ويستحب ان يوسع من قبل رجليه ورأسه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " للحافر أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَأَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رجليه " فان كانت الارض صلبة ألحد لقوله النبي صلى الله عليه وسلم " اللحد لنا والشق لغيرنا " وان كانت رخوة شق الوسط} . {الشَّرْحُ} حَدِيثُ " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَأَوْسِعْ من قبل رجله " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ " احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَفِي رواية لاحمد في حديث جرير

" والشق لا هل الْكِتَابِ " وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مرضه الذى مات فيه " الحدوالي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَحَدْت لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدْت لَهُ لُغَتَانِ وَفِي اللَّحْدِ لغتان - فتح اللام وضمها - وهو يُحْفَرَ فِي حَائِطٍ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ قَدْرَ مَا يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَيَسْتُرُهُ وَالشَّقُّ - بِفَتْحِ الشِّينِ - أَنْ يُحْفَرَ إلَى أَسْفَلَ كَالنَّهْرِ وَقَوْلُهُ يُعَمَّقُ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُهُ رِخْوَةً - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ لِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عُمْقُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَامَةٌ بِلَا بَسْطَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَى الْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ أَنْ يَقِفَ فِيهِ رَجُلٌ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى فَوْقِ رَأْسِهِ مَا أَمْكَنَهُ وَقَدَّرَ أَصْحَابُنَا الْقَامَةَ وَالْبَسْطَةَ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي قَدْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُمَا ثَلَاثُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَعَجَبٌ مِنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ بِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَمَّا جَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَاقُونَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حامد والاصحاب لا ستحباب تَعْمِيقِهِ ثَلَاثَ فَوَائِدَ أَنْ لَا يَنْبُشَهُ سَبُعٌ وَلَا تَظْهَرُ رَائِحَتُهُ وَأَنْ يَتَعَذَّرَ أَوْ يَتَعَسَّرَ نَبْشُهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ سَرِقَةَ كَفَنِهِ وَأَمَّا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الدَّفْنِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَقَلُّهُ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَةَ الْمَيِّتِ وَيَعْسُرُ عَلَى السِّبَاعِ غَالِبًا نَبْشُهُ وَالْوُصُولُ إلَى الْمَيِّتِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسَّعَ الْقَبْرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ (الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا فَإِنْ اخْتَارَ الشَّقَّ حَفَرَ حَفِيرَةً كَالنَّهْرِ وَبَنَى جَانِبَيْهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا شَقًّا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَيَسْقُفُ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ أَوْ الْخَشَبِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ وَيُجْعَلُ فِي شُقُوقِهِ قِطَعُ اللَّبِنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْتهمْ عِنْدَنَا يَعْنِي فِي مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ يَضَعُونَ عَلَى السَّقْفِ الْإِذْخِرَ ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ صِفَةِ الشَّقِّ وَاللَّحْدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لِمَا بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ يَكْرَهُ أَنْ يُدْفَنَ الميت في تابوت إلا إذا كانت رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً قَالُوا وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَالُوا وَيَكُونُ التَّابُوتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ التَّابُوتِ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ

الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَأَظُنُّهُ إجْمَاعًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا يَعْنِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْمِيقِ الْقَبْرِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ تَعْمِيقِهِ قَامَةً وبسطة وحكاه ابن المنذر عن عمر ابن الخطاب وعن عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا يُعَمَّقُ إلَى السُّرَّةِ قَالَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُعَمَّقُ جِدًّا وَلَا يَقْرُبُ مِنْ أَعْلَاهُ والله أعلم * * قال المصف رحمه الله * {الاولى أن يتولي الدفن الرجال لانه يحتاج إلي بطش وقوة وكان الرجال أحق وأولاهم بذلك أولاهم بالصلاة عليه لانهم أرفق به وإن كانت امرأة فزوجها أحق بدفنها لانه أحق بغسلها فان لم يكن زوج فالاب ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ فان لم يكن لها ذو رحم محرم ولها مملوك كان المملوك أولي من ابن العم لانه كالمحرم والخصي أولى من الفحل وان لم يكن مملوك فابن العم ثم أهل الدين من المسلمين والمستحب أن يكون عدد الذى يدفن وترا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَهُ علي والعباس واسامة رضى الله عنهم والمستحب أن يسجي القبر بثوب عند الدفن لان النبي صلي الله عليه وسلم ستر قبر سعد بن معاذ رضي الله عنه بثوب لما دفنه} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفنه علي والعباس واسامة رضى الله عنهم هذا الحديث رواه أبو داود والبيهقي وغير هما وَأَسَانِيدُهُ مُخْتَلِفَةٌ فِيهَا ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذِكْرُ الْعَبَّاسِ وَإِنَّمَا فِيهَا عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ دَخَلَ مَعَهُمْ وَصَارُوا أَرْبَعَةً وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَلِيَ دَفْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانُوا أَرْبَعَةً عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وقثم ابن الْعَبَّاسِ وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وَكَانُوا خَمْسَةً وَشُقْرَانُ - بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - وَإِسْكَانِ الْقَافِ هُوَ صَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَبُهُ شُقْرَانُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَتْرِ قَبْرِ سعد ابن مُعَاذٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْعَبَّاسِ رضى الله عنهم باسناد ضعيف * أما الا حكام ففيها مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْأَوْلَى أَنَّ يَتَوَلَّى الدَّفْنَ الرِّجَالُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وعللوه بعلتين (احداها) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ الرِّجَالَ أَقْوَى وَأَشَدُّ بَطْشًا (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ تَوَلَّتْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى انْكِشَافِ بَعْضِ بَدَنِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَيَتَوَلَّى النِّسَاءُ حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُغْتَسَلِ إلَى الْجِنَازَةِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُنَّ يَقْدِرْنَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ يَتَوَلَّى النِّسَاءُ حَلَّ ثِيَابِهَا فِي الْقَبْرِ

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَجِيبٌ وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ مُنْكَرًا بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الدَّفْنِ فَقَالَ وَسَتْرُ الْمَرْأَةِ إذَا أُدْخِلَتْ قَبْرَهَا آكَدُ مِنْ سَتْرِ الرَّجُلِ وَتُسَلُّ كَمَا يُسَلُّ الرَّجُلُ قَالَ وَإِنْ وَلِيَ إخْرَاجَهَا من مغتسلها وحل عقد ثباب إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا وَتَعَاهَدَهَا النِّسَاءُ فَحَسَنٌ وَإِنْ وَلِيَهُ الرِّجَالُ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَوْا اسْتِحْبَابَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي كَوْنِ الرِّجَالِ هُمْ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الدَّفْنَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " شَهِدْنَا بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قبل مَعْنَاهُ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ أَيْ لَمْ يُجَامِعْ وَقِيلَ لَمْ يُقَارِفْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابن المبارك عَنْ فُلَيْحٍ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا مَاتَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ أَهْلَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقَبْرَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ صَالِحِي الْحَاضِرِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا هُنَاكَ رَجُلٌ مَحْرَمٌ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّهُ كان له عذر في نزول

قَبْرِهَا وَكَذَا زَوْجُهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا كَانَتْ أُخْتُهَا فَاطِمَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ مَحَارِمِهَا وَغَيْرُهُنَّ هُنَاكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي إدْخَالِ الْقَبْرِ وَالدَّفْنِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْلَى الرجل بِالدَّفْنِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ الدَّرَجَةُ وَالْقُرْبُ لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ لِأَنَّ الترحيج بِالصِّفَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مُخَالِفٌ لِلتَّرْجِيحِ بِهَا فِي الدَّفْنِ لِأَنَّ الْأَسَنَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَفْقَهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسَنِّ فِي الدَّفْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أَنُكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَدَّهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ فِي الصَّلَاةِ قُدِّمَ فِي الدَّفْنِ وَالْأَسَنُّ مُقَدَّمٌ فِي الصلاة علي الافقه وهو في الدفن وعكسه وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مُشْكِلَةً وَلَا عَتْبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّرْتِيبُ فِي الدَّرَجَاتِ لَا بَيَانُ الصِّفَاتِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ ثُمَّ آبَاؤُهُ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْعَمُّ وَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ يُدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِالْأَبِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسَنَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْأَفْقَهِ هُنَا أَعْلَمُهُمْ بِإِدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ لَا أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ جُمْلَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ كَانَ لَهُ قَرِيبَانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ وَالْآخَرُ بَعِيدٌ وَهُوَ فَقِيهٌ قُدِّمَ الْفَقِيهُ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى الْفِقْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً لَهَا زوح صَالِحٌ لِلدَّفْنِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي غُسْلِهَا وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي التَّعْلِيلِ يُشِيرُ إلَى مُوَافَقَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي فِي جَرَيَانِ وَجْهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مُصَرِّحٌ أَوْ كَالْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ في الدفن والاوفي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَنْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ لَكِنْ عَلَيْهِ إنْكَارٌ فِي إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ النِّسَاءِ فِي دَفْنِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُنَّ أَحَقُّ بِغُسْلِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الدَّفْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهَا مِنْ الْعَصَبَاتِ تَوَلَّى دَفْنَهَا مَحَارِمُهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعَبْدُهَا هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ إنَّ الْعَبْدَ كَالْمَحْرَمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْلِيلُهُ وَتَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عبد فالحصيان الاجانب أولي لضعف شهوتهم فان فقدوا فذووا الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَيْسُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ فُقِدُوا فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ الْأَجَانِبِ قَالَ إمَامُ الحرمين رحمه الله وما أرى تَقْدِيمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَحْتُومًا بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ لِأَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ وَمَنْعِهِمْ مِنْ النَّظَرِ وَشَذَّ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ أَبُو الْمَكَارِمِ فَقَدَّمَ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ

وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ بَلْ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الدَّافِنِينَ وِتْرًا فَإِنْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ وَإِلَّا فَثَلَاثَةٍ وَإِلَّا فَخَمْسَةٍ إنْ أَمْكَنَ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى الْقَبْرُ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أو امرأة هذا هو الشمهور الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَالْمَرْأَةُ آكَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُخْتَصٌّ بِالْمَرْأَةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِالْحَدِيثِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ أَسْتَر فَرُبَّمَا ظَهَرَ مَا يستحب اخفاوه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله. {ويستحب ان يضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا ولان ذلك أسهل ويستحب ان يقول عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رسول الله لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر ويستحب ان يضجع في اللحد على جنبه الايمن لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا نَامَ احدكم فليتو سديمينه " ولانه يستقبل القبلة وكان اولي ويوسد رأسه بلبنة أو حجر كالحى إذا نام ويجعل خلفه شيئا يسنده من لبن أو غيره حتي لا يستلقي علي قفاه ويكره ان يجعل تحته مضربة أو مخدة أو في تابوت لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إذا انزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الارض " وعن ابى موسى رضى الله عنه " لا تجعلوا بيني وبين الارض شيئا " وينصب اللبن نصبا لما روى عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه قال " اصنعوا بى كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم انصبوا على اللبن وهيلوا على التراب " ويستحب لمن على شفير القبر ان يحثو في القبر ثلاث حثيات من تراب لان النبي صلي الله عليه وسلم حتي في قبر ثلاث حثيات. ويستحب ان يمكث على القبر بعد الدفن لما روى عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه وقال استغفروا لاخيكم واسألوا الله له التثبيت فانه الآن يسأل "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِيهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الرَّاوِي أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا المحققين الاحتجاج ان كان القائل من يُوَافِقُهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ سُنَّةٌ بَدَلَ مِلَّةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ إذَا نَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَسَّدْ يَمِينَهُ فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِمَعْنَاهُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن وقال اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك إلَى آخِرِهِ "

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا قَوْلَهُ وَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَثَى فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بِيَدِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله اسناده ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَكُونُ الْحَثْيُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ مُسْتَحْسَنًا فان الحديث جيدا لاسناد كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَقَوْلُهُ) هِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ - بِكَسْرِ الْهَاءِ - عَلَى وُزِنَ بِيعُوا يُقَالُ هَالَهُ يَهِيلُهُ وَفِي الْأَمْرِ هِلْهُ وَمَعْنَاهُ اُنْثُرُوا وصبوا ويقال حثي يحثي وحثيت حثيا وحثى يَحْثُو وَحَثَوْت حَثَوْا بِالثَّاءِ وَالْوَاوِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَآخَرِينَ وَشَفِيرُ الْقَبْرِ طَرْفُهُ (وَقَوْلُهُ) فِي الْحَدِيثِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ التَّثْبِيتَ وَفِي بَعْضِهَا التَّثَبُّتَ بِحَذْفِ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا رُوِيَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُمَا صَحِيحَانِ. أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْمَيِّتِ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ وَهُوَ طَرْفُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا رَفِيقًا (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَسْلَمَهُ إليه الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ وَنَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبٍ وَإِنْ عَفَوْت فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ غَنِيٌّ عن عذابه وهو فقير إلي رحتمك اللَّهُمَّ اُشْكُرْ حَسَنَتَهُ وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ وَأَعِذْهُ مِنْ عذاب القبر واجمع له برحمتك الا مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ اُخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ وَعُدْ عَلَيْهِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبِغَيْرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى

اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ هُنَا (الثَّالِثَةُ) يَجِبُ وَضْعُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نُبِشَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِهِ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَلَوْ أُضْجِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِمَا سَبَقَ فِي الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسَّدَ رَأْسُهُ لَبِنَةً أو حجر أو نحوهما وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَى اللَّبِنَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ إلَى التُّرَابِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ بِالْإِفْضَاءِ بِخَدِّهِ إلَى التُّرَابِ وَمَعْنَاهُ أَنْ ينحى الكفن عن خذه وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ خَلْفَهُ شَيْئًا مِنْ لَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ يَسْنُدُهُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ عَلَى قَفَاهُ (الْخَامِسَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَهُ مِخَدَّةٌ أَوْ مِضْرَبَةٌ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ يُجْعَلَ فِي تَابُوتٍ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَةِ هذه الاشياء والكراهة في التابوب مُخْتَصَّةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ اجْتِمَاعُهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اُتُّخِذَ التَّابُوتُ كَمَا صَرَّحَ " بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ تَعْلِيلُ أَنَّ التَّابُوتَ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً وَأَنَّهُ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ إلَّا فِي هَذَا الْحَالِ وَأَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْمِخَدَّةِ وَالْمِضْرَبَةِ وَشَبَهِهَا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُبْسَطَ تَحْتَ جَنْبِهِ شئ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ شُذُوذٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ صَادِرًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا بِرِضَاهُمْ وَلَا بِعِلْمِهِمْ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَرِهْت أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي قَبْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) إذَا وَضَعَهُ فِي اللَّحْدِ عَلَى الصِّفَةِ السَّابِقَةِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُنْصَبَ اللَّبِنُ عَلَى الْمُنْفَتِحِ مِنْ اللَّحْدِ بِحَيْثُ يَسُدُّ جَمِيعَ الْمُنْفَتِحِ وَيَسُدُّ الْفُرَجَ بِقِطَعِ اللَّبِنِ وَنَحْوِهِ وَيَسُدُّ الْفُرَجَ اللِّطَافَ بِحَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ بِطِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ عَلَى القبر ان يحثى عليه ثلاث حثياث تُرَابٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَدِّ اللَّحْدِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْحَثْيِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ في الحثية الاولي (منها خلقناكم) وفى الثانية (وفيها نعيدكم) وفى الثالثة (منها نخرجكم تارة أخرى) وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا وُضِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ

كيفية إدخال الميت القبر

بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نخركم تارة أخرى " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن زخر عن على بن زيد ابن جدعان عن القاسم وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وان كان ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ وَيُعْمَلُ بِهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَهَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ بِالْمِسَاحِيِّ وَهُوَ مَعْنَى مَا سَنَذْكُرُهُ. فِي الثَّامِنَةِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا الْمُكْثِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حين حضرته الوفاة " فإذا دفنتوني فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى جُمَلٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ (قَوْلُهُ) سُنُّوا عَلَيَّ التراب روى بالسين المهملة وبالمعجمة وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآخِرِهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُوضَعَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوضَعُ عَرْضًا مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ القبر مُعْتَرِضًا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِهِ محمد واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَفْضَلُ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِيهِ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا مَرْفُوعٌ وَلِأَنَّ سَلَّهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ عَمَلُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ اهل مكة والمدينة من الصحابة ومن بعد هم وَهُمْ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) مَا احْتَجَّ به

الْحَنَفِيَّةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ فَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَصَوُّرِ إدْخَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَأَطْنَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَنَسَبَهُ إلَى الْجَهَالَةِ وَمُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَإِنْكَارِ الْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ مِنْ أَقْبَحِ الْغَلَطِ لِأَنَّ شِقَّ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ تَحْتَ الْجِدَارِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ يُوضَعُ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَمُوَافِقِيهِ وَرَأَيْت أَنَا فِي الْأُمِّ مثله وزيادة قال الشافعي الجدار الذى اللحد تَحْتَهُ مِثْلُهُ وَاللَّحْدُ تَحْتَ الْجِدَارِ فَكَيْفَ يُدْخَلُ مُعْتَرِضًا وَاللَّحْدُ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ شئ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُسَلَّ سَلًّا أَوْ يُدْخَلَ مِنْ غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ وَأُمُورُ الْمَوْتَى وَإِدْخَالُهُمْ الْقَبْرَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَنَا لِكَثْرَةِ الْمَوْتِ وَحُضُورِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْحَدِيثِ فيكون الحديث فيها كالتكليف لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَتِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْقُلُ الْعَامَّةُ عَنْ الْعَامَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ يُسَلُّ سَلًّا ثُمَّ جَاءَنَا آتٍ مِنْ غَيْرِ بَلَدِنَا يُعَلِّمُنَا كَيْفَ الْمَيِّتُ ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى رَوَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مُعْتَرِضًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلَةٌ ضَعِيفَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَسْهَلُ فَكَانَ أَوْلَى (وَمَا) ادَّعُوهُ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يُمْكِنَ وَلَا يُنَابَذَ سُنَّةً وَهَذَا لَيْسَ مُمْكِنًا وَمُنَابِذًا لِلسُّنَّةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِثَوْبٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأحمد يستحب في قبر الميت دُونَ الرَّجُلِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريد وَشُرَيْحٍ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ فِي قَبْرِ الرَّجُلِ * قَالَ المصنف رحمه الله * {وَلَا يُزَادُ فِي التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ فَإِنْ زَادُوا فَلَا بَأْسَ بِهِ * وَيُشَخَّصُ الْقَبْرُ مِنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ لِمَا رَوَى القاسم ابن مُحَمَّدٍ قَالَ " دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه فشكفت عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةَ وَلَا لَاطِئَةَ " ويصطح القبر ويضع عَلَيْهِ الْحَصَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ مِنْ حَصْبَاءِ الْعَرْصَةِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُسَنَّمَ لِأَنَّ التَّسْطِيحَ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ صَحَّتْ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ مُوَافَقَةُ الرَّافِضَةِ فيه ويرش عليه فِيهِ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ ابراهيم الْمَاءَ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ زَالَ أَثَرُهُ فَلَا يُعْرَفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَامَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَوَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرًا وَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ فَيُزَارُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجَصَّصَ القبر وأن يبني عليه وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ " نَهَى رسول الله صلي عليه وسلم ان يجصص القبرو أن يبني عليه أو يعقد أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْقَاسِمِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَوْلُهُ لَا مُشْرِفَةَ أَيْ مُرْتَفِعَةً ارْتِفَاعًا كَثِيرًا وَقَوْلُهُ وَلَا لَاطِئَةَ هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أي ولا لا صقة بِالْأَرْضِ يُقَالُ لَطِئَ وَلَطَأَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ فِيهِمَا إذَا لَصِقَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ قَبْرِ إبْرَاهِيمَ وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعُ الْحَصْبَاءِ عَلَيْهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف (واما) حديث عثمان بن مظعون وضع الْحَجَرِ عِنْدَ رَأْسِهِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ الاول من الدفن (وأما) حديث جابر الا خير فرواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهما لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَتِهِمْ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ " وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يُكْتَبَ وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِزِيَادَةِ " يُكْتَبَ عليه وأن يوطأ " وقال حديث حسن وَوَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ الْمُهَذَّبِ وَأَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْقَافِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ يُقْعَدُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ الْجُلُوسُ وَالْحَصْبَاءُ بِالْمَدِّ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْحَصَا الصِّغَارُ وَالْعَرْصَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ كُلُّ جُونَةٍ مُنْفَتِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ فَهِيَ عَرْصَةٌ وَالشِّعَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْعَلَامَةُ وَالرَّافِضَةُ الطَّائِفَةُ الْمُبْتَدِعَةُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِرَفْضِهِمْ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَزِمَ هَذَا الِاسْمُ كل من غلامنهم فِي مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّمَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ الْقَبْرُ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ زَادَ فَلَا بَأْسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَيُسْتَدَلُّ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةِ قَرِيبًا وَهِيَ قَوْلُهُ وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ اسْتَثْنَى فَقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُخْفَى قَبْرُهُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ الْكُفَّارُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لا نَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتُهُ " (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ أَصْحَابُنَا

قَالُوا لَمْ يُرِدْ التَّسْوِيَةَ بِالْأَرْضِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (الثَّالِثَةُ) تَسْطِيحُ الْقَبْرِ وَتَسْنِيمُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) التَّسْطِيحُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَرَّحُوا بِتَضْعِيفِ التَّسْنِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) التَّسْنِيمُ أَفْضَلُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أنه قول عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ رَجَّحَ التَّسْنِيمَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَفْضِيلِ التَّسْطِيحِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ التَّسْنِيمُ أَفْضَلُ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ: وَرَدَّ الْجُمْهُورُ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ في دعوه أَنَّ التَّسْنِيمَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ التَّسْطِيحِ شِعَارَ الرَّافِضَةِ فَلَا يَضُرُّ مُوَافَقَةُ الرَّافِضِيِّ لَنَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُوَافَقَتُهُمْ لَنَا سَبَبًا لِتَرْكِ مَا وَافَقُوا فِيهِ لَتَرَكْنَا وَاجِبَاتٍ وَسُنَنًا كَثِيرَةً (فَإِنْ قِيلَ) صَحَّحْتُمْ التَّسْطِيحَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ قَالَ " رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ الله

قَالَ صَحَّتْ رِوَايَةُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّابِقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَصَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَنَقُولُ الْقَبْرُ غُيِّرَ عَمَّا كَانَ فَكَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ مُسَطَّحًا كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْجِدَارُ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وقيل في زمن عمر بن عبد العزير أُصْلِحَ فَجُعِلَ مُسَنَّمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى الْقَبْرِ حَصْبَاءُ وَهُوَ الْحَصَا الصِّغَارُ لِمَا سَبَقَ وَأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يُكْرَهُ أَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْوَرْدِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخُلُوفِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَامَةٌ شَاخِصَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا هَكَذَا قاله الشافعي والمصنف وسائر الاصحاب الاصاحب الْحَاوِي فَقَالَ يُسْتَحَبُّ عَلَامَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ رَأْسِهِ (وَالْأُخْرَى) عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ حَجَرَيْنِ كَذَلِكَ عَلَى قبر عثمان ابن مَظْعُونٍ كَذَا قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ عُثْمَانَ حَجَرٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْبِنَاءِ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ غَيْرَهُمَا ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ مَقْبَرَةً مُسَبَّلَةً حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُهْدَمُ هَذَا الْبِنَاءُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يهدم ما بني فيها قال وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مِلْكِهِ جَازَ بِنَاءُ مَا شَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ عَلَى الْقَبْرِ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ أَمْ فِي غَيْرِهِ فَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي كَرَاهَةِ التَّجْصِيصِ لِلْقَبْرِ فِي مِلْكِهِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَأَمَّا تَطْيِينُ الْقَبْرِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يكره ونقل ابوعيسي الترمذي في جامعه المشهور أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِتَطْيِينِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى مِظَلَّةً عَلَى قَبْرٍ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَقَالَ دَعُوهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. قال المصنف رحمه الله. {إذا دفن الميت قبل الصلاة صلى علي القبر لان الصلاة تصل إليه في القبر وإن دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ القبلة ولم يخش عليه الفساد في نبشه نبش وغسل ووجه إلى القبلة لانه واجب مقدور علي فعله فوجب فعله وان خشي عليه الفساد لم ينبش لانه تعذر فعله فسقط كما يسقط وضوء الحى واستقبال القبلة في الصلاة إذا تعذر} . {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ الدَّفْنُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ ارْتَكَبُوا الْحَرَامَ وَدَفَنُوهُ أَوْ لَمْ يحضره

مَنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَدُفِنَ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ للصلاة بل تجب للصلاة عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَعَلَى الْقُبُورِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ هَذَا إذَا دُفِنَ وَهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَأَمَّا إذَا أُدْخِلَ اللَّحْدَ وَلَمْ يُهَلْ التُّرَابُ فَيُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) قِلَّةُ الْمَشَقَّةِ وَكَثْرَتُهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ إخْرَاجَهُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ نَبْشٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَبْلَ أَنْ يُهَالَ ليس بنبش دل أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ أَنْ يُهَالَ التُّرَابُ رُفِعَتْ لَبِنَةٌ مِمَّا يُقَابِلُ وَجْهَهُ لِيُنْظَرَ بَعْضُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ (قُلْت) وَهَذَا النَّصُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ فَيَأْثَمُونَ بِلَا خِلَافٍ إنْ تمكنوا من غسله وكان ممن يجب غلسه فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَخُشِيَ فَسَادُهُ لَوْ نُبِشَ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ انتهاك حُرْمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَجَبَ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ فِعْلُهُ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النَّبْشُ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ يُكْرَهُ نَبْشُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ نَبْشُهُ للغسل وإن تغير وفسد قال الرافعي مادام مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الَّذِينَ حَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَعْفِهِ وَفَسَادِهِ أَمَّا إذَا دُفِنَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الدَّفْنُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ كَمَا سَبَقَ قَالُوا فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَتَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِنْ تَغَيَّرَ سَقَطَ فَلَا يُنْبَشُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ إلَّا الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجِبُ التَّوْجِيهُ إلَى الْقِبْلَةِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فَإِذَا تُرِكَ اُسْتُحِبَّ نَبْشُهُ وَلَا يَجِبُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي هَذَا الْبَابِ (أَمَّا) إذَا دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يُنْبَشُ كَمَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُنْبَشُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ وَآخَرُونَ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهُ وَقَدْ حَصَلَ وَلِأَنَّ فِي نَبْشِهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ اُسْتُحِبَّ لِصَاحِبِهَا تَرْكُهُ فَإِنْ أَبَى فَلَهُ إخْرَاجُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ وَتَفَتَّتَ وَكَانَ فِيهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ إذلا حُرْمَةَ لِلْغَاصِبِ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا وَلَوْ دُفِنَ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) يُنْبَشُ كَمَا لَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ بَلْ يُعْطَى صَاحِبُ الثَّوْبِ قِيمَتَهُ لِأَنَّ الثَّوْبَ صَارَ كَالْهَالِكِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَلِأَنَّ خَلْعَ الثَّوْبِ أَفْحَشُ فِي هَتْكِ حُرْمَتِهِ مِنْ رَدِّ

الْأَرْضِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والعبد رى وَهُوَ قَوْلُ الدَّارَكِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ وَكَانَ فِي نَبْشِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وصححه صاحب العدة والشيخ تصر الْمَقْدِسِيُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لِأَنْفُسِهِمَا بَعْدَ حِكَايَتِهِمَا عَنْ الْأَصْحَابِ مَا قَدَّمْته وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي نَبْشِهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ لَا يُنْبَشُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ نَبَشَهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ مِنْ غير غسل اوالي غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَجِبُ نَبْشُهُ لِيُغَسَّلَ وَيُوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ ذَلِكَ بعد اهالة التراب عليه * * قال المصنف رحمه الله * {وان وقع في القبر مال لآدمي فطالب به صاحبه نبش القبر لما روى ان المغيرة بن شعبة رضى الله عنه طرح خاتمه في قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خاتمي ففتح موضع فيه فاخذه وكان يقول انا اقربكم عهدا برسول الله صلي الله عليه وسلم ولانه يمكن رد المال الي صاحبه من غير ضرر فوجب رده عليه وان بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة وان كانت الجوهرة له ففيه وجهان (احدهما) يشق لانها صارت للورثة فهي كجوهرة الأجنبي (والثانى) لا يجب لانه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الورثة} . {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمُغِيرَةَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَهُوَ شَيْخُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَيُقَالُ خَاتَمٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا - وَخَاتَامٌ وَخِتَامٌ وَقَوْلُهُ بَلِعَ بِكَسْرِ اللَّام يُقَال بَلِعَ يَبْلَعُ كَشَرِبَ يَشْرَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ نُبِشَ وَأُخْرِجَ سَوَاءٌ كَانَ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَهُ قليلا أو كثيرا هكذا اطلقه اصحابنا وقيدها الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى التَّقْيِيدِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّبْشِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وبهذا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَمَّا إذَا بَلِعَ جَوْهَرَةً لِغَيْرِهِ. أو غيرها فطريقان (الصحيح) منها وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا شُقَّ جَوْفُهُ وَرُدَّتْ إلَى صَاحِبِهَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ مِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُشَقُّ بَلْ يَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وَهُوَ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الانصاري فضعفه احمد بن حنبل ووثقه الا كثرون وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد مَعَ قَاعِدَتِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا بَيَانَهَا قَالُوا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ وَشَقَّ الْجَوْفِ فِي الْحَيَاةِ لَا يَجُوزُ

لِاسْتِخْرَاجِ جَوْهَرَةٍ وَغَيْرِهَا فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَنْقُلُ عنه صاحب البيان واطلقه انافى هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ قَالَ يُشَقُّ جَوْفُهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَرَثَةُ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا يُشَقُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَمَّا إذَا بَلِعَ جَوْهَرَةً لِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ منهما مع شهر تهما فصحح الجرجاني في الشافعي والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ الشَّقَّ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِأَنَّهُ لَا يُشَقُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في التعليق وقول الاول أنخا صَارَتْ لِلْوَارِثِ غَلَطٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ لِلْوَارِثِ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَأَمَّا الْمُسْتَهْلَكَةُ فَلَا وَهَذِهِ مُسْتَهْلَكَةٌ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمَا شُقَّ جَوْفُهُ بِجَوْهَرَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَحَيْثُ قُلْنَا يُشَقُّ جَوْفُهُ وَتُخْرَجُ فَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الشَّقِّ نُبِشَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ يُشَقُّ مُطْلَقًا وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ لا يشق. * قال المصنف رحمه الله * {وإن مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ جوفها لانه استبقاء حي باتلاف جزء من الميت فأشبه إذا اضطر الي أكل جزء من الميت} * {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا نَصٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ فَأَطْلَقَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْمَسْأَلَةَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ كَمَا أَطْلَقَهَا ابْنُ سُرَيْجٍ بَلْ يعرض علي القوابل فان قلنا هَذَا الْوَلَدُ إذَا أُخْرِجَ يُرْجَى حَيَاتُهُ وَهُوَ ان يكون له سنة اشهر فصاعدا شق جوفها واخرج وإن قلنا لَا يُرْجَى بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُشَقَّ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ (قُلْت) وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي والبغوى وغبرهم في الذى لا يرجى حياته وجهين (احداهما) يُشَقُّ (وَالثَّانِي) لَا يُشَقُّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَإِذَا قُلْنَا لَا تشق لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى تَسْكُنَ حَرَكَةُ الْجَنِينِ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَهُوَ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَبْلَ بَابِ الشَّهِيدِ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ في التنبيه

فقالوا ترك عليه شئ ثَقِيلٌ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ تُدْفَنُ الْمَرْأَةُ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَشَدَّ إنْكَارٍ وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِقَتْلِ حَيٍّ مَعْصُومٍ وَإِنْ كَانَ ميؤوسا مِنْ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ يَقْتَضِي الْقَتْلَ ومختصر المسألة ان رجى حياة الجنين وجب شق جوفها واخراجه والافثلاثة أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا تُشَقُّ وَلَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ (وَالثَّانِي) تُشَقُّ وَيُخْرَجُ (وَالثَّالِثُ) يُثْقَلُ بَطْنُهَا بشئ لِيَمُوتَ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا يُشَقُّ جَوْفُهَا شُقَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَنْبَغِي أَنْ تُشَقَّ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ اصحابنا لا يُكْرَهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ نَهَارًا قَالُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ كَرِهَهُ * وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا فَقَالَ مَتَى دُفِنَ هَذَا فَقَالُوا الْبَارِحَةَ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي قَالُوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا ان نوقضك فصلي عليه " رواه البخاري وعن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ * وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ " إلَى آخِرِهِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِغَيْرِهِ فَصَارَ حَسَنًا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَيْلًا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ دَفْنِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الدَّفْنُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ إجْمَاعَ العلماء عليه وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا

وَغُرُوبِهَا " وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى تَرْكِ ظَاهِرِهِ فِي الدَّفْنِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَحَرِّي هَذِهِ الاوقات لِلدَّفْنِ وَقَصَدَ ذَلِكَ قَالُوا وَهَذَا مَكْرُوهٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا هُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ (الثَّالِثَةُ) فِي نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَبْلَ دَفْنِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أُحِبُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يُكْرَهُ نَقْلُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ نَقْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَلَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِتَعْجِيلِ دَفْنِهِ وَفِي نَقْلِهِ تَأْخِيرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا انتها كه مِنْ وُجُوهٍ وَتَعَرُّضُهُ لِلتَّغَيُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم " رواه أبو داود والترمذي والنسأني بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ كَنَحْوِ مَا سَبَقَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وبنائها وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا وَيَجُوزُ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ بِلَا غُسْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا أَوْ بِلَا كَفَنٍ أَوْ فِي كَفَنٍ مَغْصُوبٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً أَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا لَحِقَ الْقَبْرَ سَيْلٌ أَوْ نَدَاوَةٌ قال أبو عبد الله الزبيري يجوز نقله وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ قُلْت قَوْلُ الزُّبَيْرِيِّ أَصَحُّ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ فِي قَبْرٍ قَالَ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هَيْئَةً غَيْرَ أُذُنِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا " أَخْرَجْته فَجَعَلْته فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي المعارف وغيره ان طلحة بن عبد اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دُفِنَ فرأنه بِنْتُهُ عَائِشَةُ بَعْدَ دَفْنِهِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْمَنَامِ فَشَكَا إلَيْهَا النَّزَّ فَأَمَرَتْ بِهِ فَاسْتُخْرِجَ طَرِيًّا فَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ قَالَ غَيْرُهُ قَالَ الرَّاوِي كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْكَافُورِ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا عَقِيصَتُهُ فَمَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا وَاخْضَرَّ شِقُّهُ الَّذِي يَلِي النَّزَّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ إنْسَانٌ وَيَقُولُ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَيَا عَبْدَ اللَّهِ ابن أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ

باب التعزية والبكاء على الميت

الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا اله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا زَادَ الشَّيْخُ نَصْرٌ ربي الله لا إله الا هو عله تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فَهَذَا التَّلْقِينُ عندهم مستحب ممن نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ التَّلْقِينُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ قَالَ وَرَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ لَكِنْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ قَدِيمًا هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو قُلْت حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ قَالَ " شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي النَّزْعِ فَقَالَ إذَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يا فلان ابن فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لا تشعرون فَلْيَقُلْ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلِقْ بِنَا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ فَيَنْسُبُهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يَا فُلَانَ ابْنَ حَوَّاءَ " قُلْتُ فَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيُسْتَأْنَسُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ " وَاسْأَلُوا لَهُ الثبيت " وَوَصِيَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآنَ وَهَذَا التَّلْقِينُ إنَّمَا " هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ الْمَيِّتِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُلَقَّنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إيقَادُ النَّارِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِيَةِ كَرَاهِيَةُ الْمَبِيتِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَكَرَاهَةُ الْجُلُوسِ عَلَى قَبْرٍ وَدَوْسِهِ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهِ * {بَابُ التَّعْزِيَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ} الْبُكَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ الْمَدُّ أَفْصَحُ وَالْعَزَاءُ بِالْمَدِّ التَّعْزِيَةُ وَهُمَا الصَّبْرُ عَلَى مَا بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ وَعَزَّاهُ أَيْ صَبَّرَهُ وَحَثَّهُ عَلَى الصَّبْرِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصْلُهَا التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه * * قال المصنف رحمه الله * {تعزية أهل الميت سنة لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم من عزى مصابا فله مثل أجره " ويستحب ان يعزي بتعزية الخضر عليه السلام أهل بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أن يقول ان في الله سبحانه وتعالي عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب " ويستحب أن يدعوا للميت فيقول أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وان عزي مسلما بكافر قال أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وان عزى كافرا بمسلم قال أحسن الله عزاك وغفر لميتك وان عزى كافرا بكافر قال اخلف الله عليك ولا نقص عددك ويكره الجلوس للتعزية لان ذلك محدث والمحدث بدعة} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه الترمذي وغيره باسناده ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) قِصَّةُ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ فَذَكَرَ هَذِهِ التَّعْزِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ مِنْهُمْ لِاخْتِيَارِهِمْ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَتَرْجِيحُ مَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيٌّ بَاقٍ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هُوَ حَيًّا وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِهِ فَقَالَ كَثِيرُونَ كَانَ نَبِيًّا لَا رَسُولًا وقال آخرون كان نبيا رسول وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ وَلِيًّا وَقِيلَ كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَدْ أَوْضَحْت اسْمَهُ وَحَالَهُ وَالِاخْتِلَافَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (وَقَوْلُهُ) خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ - هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ - أَيْ بَدَلًا وَالدَّرْكُ اللِّحَاقُ (قَوْلُهُ) وَلَا نَقَصَ عَدَدُك هُوَ بِنَصْبِ الدَّالِ وَرَفْعِهَا (وَقَوْلُهُ) أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك أَيْ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَ مَا ذَهَبَ مِنْك قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ كَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ لِمَنْ وَالِدُهُ حَيٌّ وَمَعْنَاهُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك مِثْلَهُ قَالُوا وَيُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك إذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ حُصُولُ مِثْلِهِ كَالْوَالِدِينَ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةَ مَنْ فَقَدْته عَلَيْك * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ التَّعْزِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى جَمِيعُ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ أَهْلُهُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ شَابَّةً فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا قَالُوا وَتَعْزِيَةُ الصُّلَحَاءِ وَالضُّعَفَاءِ عَنْ احْتِمَالِ الْمُصِيبَةِ وَالصِّبْيَانِ آكَدُ وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيَةٌ وَتَصْبِيرٌ وَمِنْ أَحْسَنِهِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَرْسَلَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا أَوْ ابْنًا فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لِلرَّسُولِ ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وكل شئ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ

وَالْآدَابِ وَقَدْ أَشَرْت إلَى بَعْضِهَا فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) وَقْتُ التَّعْزِيَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إلَى حِينِ الدَّفْنِ وَبَعْدَ الدَّفْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُجَدِّدُ لَهُ الْحُزْنَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَجَزَمَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ بِأَنَّهُ يُعَزَّى قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَا يُعَزَّى بَعْدَ وُصُولِهِ مَنْزِلَهُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا أَمَدَ لِلتَّعْزِيَةِ بَلْ يَبْقَى بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ وَالْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْجَزَعِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قطع أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُعَزَّى وَلَا يُعَزَّى بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَلَمْ يَحْضُرْ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُعَزِّيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَجُوزُ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ بَعْدَ الدَّفْنِ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ مَشْغُولُونَ بِتَجْهِيزِهِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ دَفْنِهِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ فَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوْلَى بِالتَّعْزِيَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فيهم جزع ونحوه فيعجل التَّعْزِيَةَ لِيَذْهَبَ جَزَعُهُمْ أَوْ يَخِفَّ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ كَذَا وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ كَذَا فَهَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَحَاصِلُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالْمُعَزَّى بِهِ وَالْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمُعَزَّى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) هَذَا قال وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ فَبُدِئَ بِهِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك لِأَنَّ الْمَيِّتَ أحوج الي الدعاء (والثالث) يتخير فيقدم من شَاءَ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِرِ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك لِتَكْثُرَ الْجِزْيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُمْ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِبَقَاءِ الْكَافِرِ وَدَوَامِ كُفْرِهِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالُوا يَعْنِي بِالْجُلُوسِ لَهَا أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي بَيْتٍ فَيَقْصِدُهُمْ مَنْ أَرَادَ التَّعْزِيَةَ قَالُوا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفُوا فِي حَوَائِجِهِمْ فَمَنْ صَادَفَهُمْ عَزَّاهُمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ الجلوس لها صرح به المحالي وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وأكره الماثم وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُكَاءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُؤْنَةَ مَعَ مَا مَضَى فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ شِقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رجل فقال ان نساء جعفر وذكر بكائهن فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ التَّعْزِيَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُعَزَّى قبل الدفن لا بعده * * قال المصنف رحمه الله * {ويجوز البكاء علي الميت من غير ندب ولا نياحة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا ابراهيم انا لا نغنى عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه فقال عبد الرحمن ابن عوف يا رسول الله اتبكي اولم تنه عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن النوح " ولا يجوز لطم الخدود ولا شق الجيوب لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لطم الخدود وشق الجيوب ودعي بدعوى الجاهلية "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ جَابِرٍ وَمَعْنَى لَا نُغْنِي عَنْك شَيْئًا أَيْ لَا نَدْفَعُ وَلَا نَكُفُّ (وَقَوْلُهُ) ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ - أَيْ سَالَ دَمْعُهَا وَالْجَاهِلِيَّةُ مِنْ الْجَهْلِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ اسْمٌ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ في الفترة لكثرة جهلهم والندب تعديه مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ مَعَ الْبُكَاءِ كَقَوْلِهَا وَاجَبَلَاه وَاسَنَدَاه واكريماه ونحوها والنياحة رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ وَلَكِنْ قَبْلَهُ أَوْلَى لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الام وأرخص في البكاء قبل الموت فإذ مَاتَ أَمْسَكْنَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَطَائِفَةٌ يُكْرَهُ الْبُكَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ وَلَمْ يَقُلْ الْجُمْهُورُ وَيُكْرَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا الْأَوْلَى تَرْكُهُ قَالُوا وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ محتمل هذا كله في البكاء بلاندب وَلَا نِيَاحَةٍ أَمَّا النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ وَلَطْمُ الْخَدِّ وَشَقُّ الْجَيْبِ وَخَمْشُ الْوَجْهِ وَنَشْرُ الشَّعْرِ وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْرِيمِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَكَذَا وَقَعَ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَحَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي مَعْنَى شَقِّ الْجَيْبِ قَالَ غَيْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ مُخْتَارًا فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ لِأَنَّهُ

غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَأَكْرَهُ الْمَآتِمَ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُكَاءٌ فَمُرَادُهُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ وقد سبق بيانه. (فرع) في الاحاديث الوارة فِي أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَبِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَبَيَانُ تَأْوِيلِهَا وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا * عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " قَالَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ " رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا قِيلَ لَهَا إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إنَّمَا مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه ولم قَالَ " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ وَاجَبَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ أَهَكَذَا أَنْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هما لهم كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَشِبْهُهَا فِي التَّحْرِيمِ وَتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا قَدْ يُشَابِهُ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَاكَرْبَ أَبَتَاهُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَحَادِيثِ تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالْبُكَاءِ فَتَأَوَّلَهَا الْمُزَنِيّ وَأَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْ وَصَّى أَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاحَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَنَوْحِهِمْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وصيتة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ بِبُكَائِهِمْ وَنَوْحِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قَالُوا وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ

وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ. إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ * * وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا فَمَنْ أَوْصَى بِهِمَا أَوْ أَهْمَلَ الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا يُعَذَّبُ بِهِمَا لِتَفْرِيطِهِ بِإِهْمَالِهِ الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا فَأَمَّا مَنْ أَوْصَى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لاصنع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيطَ وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ ايجاب الوصية بتركهما فمن أهملها عُذِّبَ بِهِمَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَمَحَاسِنِهِ فِي زَعْمِهِمْ وَتِلْكَ الشَّمَائِلُ قَبَائِحُ فِي الشَّرْعِ فَيُعَذَّبُ بِهَا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ يَا مُرَمِّلَ النِّسْوَانِ وَمُؤَتِّمَ الْوِلْدَانِ وَمُخَرِّبَ الْعُمْرَانِ وَمُفَرِّقَ الْأَخْدَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَوْنَهُ شَجَاعَةً وَفَخْرًا وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَمَاعِهِ بُكَاءَ أَهْلِهِ وَيَرِقُّ لَهُمْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَجَرَ امْرَأَةً عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى أَبِيهَا وَقَالَ إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبُهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا إخْوَانَكُمْ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَافِرَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ يُعَذَّبُ فِي حَالِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ لَا بِبُكَائِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا مُجَرَّدَ دَمْعِ العين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب للرجال زيارة القبور لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وابكى من حوله ثم قال اني استأذنت ربى عز وجل ان استغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في ان ازور قبرها فاذن لي فزوروا القبور فانها تذكركم الموت " والمستحب ان يقول السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شاء الله بكم لا حقون ويدعو لهم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَخْرُجُ الي البقيع فيقول السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شاء الله بكم لا حقون اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد " ولا يجوز للنساء زيارة القبور لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " لعن الله زوارات القبور "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ الْجُلُودِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَعَزَاهُ إلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَخِيرُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَرْقَدُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ قَالَ

الهروي هو من العضاه وهى كل شجر لَهُ شَوْكٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الْعَوْسَجُ قَالُوا وَسُمِّيَ بَقِيعَ الْغَرْقَدِ لِشَجَرَاتِ غَرْقَدٍ كَانَتْ بِهِ قَدِيمًا وَبَقِيعُ الْغَرْقَدِ هُوَ مَدْفِنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (وَقَوْلُهُ) السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ فَدَارَ مَنْصُوبٌ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ علي النداء المضاف والاول افصح قال وَيَصِحُّ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الْكَافِ وَالْمِيمِ في عليكم والمزاد بِالدَّارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوْ الْمَنْزِلُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا إنْ شاء الله بكم لا حقون فِيهِ أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَدْخُلُ الْكَلَامُ لِشَكٍّ وَارْتِيَابٍ بَلْ عَلَى عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (الثَّانِي) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى بَابِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّخَوُّفِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى (وَلا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله) وَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ تَرَكْتهَا لِضَعْفِهَا وَمِنْ أَضْعَفِهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ وَمَعَهُ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً وَآخَرُونَ يُظَنُّ بِهِمْ النِّفَاقُ " وَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ وَحْدَهُ وَرَجَعَ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ الاعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَنْظُرُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْظُرُهُ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِإِبْطَالِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقِيلَ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ بِدَوَامِ إيمَانِهِ وَيَسْتَحِيلُ بِالدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ وُقُوعُ الْكُفْرِ فَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ بَاطِلٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَكَذَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَتْ هِيَ فَاسِدَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ لَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِهَا وَلَا ضَرُورَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ فِي الْكَلَامِ إلَى حَمْلِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ بَلْ الصَّحِيحُ مِنْهُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا " وَزَادَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا وَالْهَجْرُ الْكَلَامُ الْبَاطِلُ وَكَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ مِنْ الجاهلية فربما كانا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَتَمَهَّدَتْ أَحْكَامُهُ واستشهرت مَعَالِمُهُ أُبِيحَ لَهُمْ الزيارة واحتاط صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَلَا تَقُولُوا هجرا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ قَبْرِ الْمَزُورِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يدنوا مِنْ صَاحِبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَزَارَهُ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُنَّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ

عندي إذا أمن الا فتتان وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ حَرُمَ قَالَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ " لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ " وَإِنْ كَانَتْ زيارتهن للاعتبار مِنْ غَيْرِ تَعْدِيدٍ وَلَا نِيَاحَةٍ كُرِهَ إلَّا إن تكون عجوزا لا تشثهى فَلَا يُكْرَهُ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَمَعَ هَذَا فَالِاحْتِيَاطُ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا " وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ضِمْنِ الرِّجَالِ وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ زِيَارَتَهُنَّ لَيْسَتْ حَرَامًا حَدِيثُ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ واصبري " رواه البحارى وَمُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهَا عَنْ الزِّيَارَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - يَعْنِي إذَا زُرْت الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَقَابِرِ وَيَدْعُوَ لِمَنْ يَزُورُهُ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ وَالدُّعَاءُ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ وَيَدْعُوَ لَهُمْ عَقِبَهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ آدَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ الزَّائِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شاء زار قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا يَزُورُ الرَّجُلُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاةِ فَرُبَّمَا جَلَسَ عِنْدَهُ وَرُبَّمَا زاره قائما أومارا (قَالَ) وَرَوَى الْقِيَامَ عِنْدَ الْقَبْرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانِيُّ وَكَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُحَقِّقِينَ فِي كِتَابِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَلَا يَسْتَلِمُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَاسْتِلَامُ الْقُبُورِ وَتَقْبِيلُهَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ الْآنَ مِنْ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُنْكَرَةِ شَرْعًا يَنْبَغِي تَجَنُّبُ فِعْلِهِ وَيُنْهَى فَاعِلُهُ قَالَ فَمَنْ قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى مَيِّتٍ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَإِذَا أَرَادَ الدُّعَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَحِّرُونَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمُسْتَحَبُّ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَنْ يَقِفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ يُسَلِّمُ وَلَا يَمْسَحُ الْقَبْرَ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَمَسُّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النَّصَارَى (قَالَ) وَمَا ذَكَرُوهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْتَحَبَّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُسَنَّ مَعَ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَأَنْ لَا يُسْتَحَبَّ مَسُّ الْقُبُورِ أولي والله أعلم *

قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز الجلوس علي القبر لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لان يجلس أحدكم علي جمرة فتحرق ثيابه حتي تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس علي قبر " ولا يدوسه من غير حاجة لان الدوس كالجلوس فإذا لم يجز الجلوس لم يجز الدوس فان لم يكن طريق الي قبر من يزوره الا بالدوس جاز له لانه موضع عذر ويكره المبيت في المقبرة لما فيها من الوحشة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أنه يكره الجلوس وأرادوا به كراهة التنزيه كما هو المشهور في استعمال الفقهاء وصرح بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي المقنع لا يجوز فيحمل أَنَّهُمَا أَرَادَا التَّحْرِيمَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُهَذَّبِ مَوَاضِعُ مِثْلُ هَذَا كَقَوْلِهِ فِي الِاسْتِطَابَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَوَطْؤُهُ كَالْجُلُوسِ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَأَمَّا الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ فَمَكْرُوهٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُكْرَهُ * (فَرْعٌ) الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ اصحابنا الخطابى والعبد رى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَخْلَعُ نَعْلَيْهِ لِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ مَعْبَدٍ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قال " بينهما أَنَا أُمَاشِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُظِرَ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ يَا صَاحِبَ السِّبْتَتَيْنِ وَيْحَك أَلْقِ سِبْتَتَيْك فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَجَابُوا) عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدِهِمَا) وَبِهِ أَجَابَ الخطابي انه يشبه انه كرههما المعنى فِيهِمَا لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ - بِكَسْرِ

السِّينِ - هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ فَأَحَبَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ (وَالثَّانِي) لَعَلَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ قَالُوا وَحَمَلَنَا عَلَى تَأْوِيلِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ *

* قال المصنف رحمه الله * {ويكره ان يبني علي القبر مسجدا لما روى أبو مرثد الغنوى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى أن يصلي إليه " وقال لا تتخذوا قبري وثنا فانما هلك بنوا اسرائيل لانهم اتخذا قبور أنبيائهم مساجد " قال الشافعي رحمه الله وأكره ان يعظم مخلوق حتي يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلي من بعده من الناس} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا " وَثَبَتَ مَعْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا " لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ قَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو مَرْثَدٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُهُ كَنَّازُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ - وَآخِرُهُ زَايٌ ابْنُ حُصَيْنٍ وَيُقَالُ ابْنُ الْحُصَيْنِ الْغَنَوِيُّ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ - تُوُفِّيَ بالشام سنة ثني عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً وَحَضَرَ هُوَ وَابْنُهُ مَرْثَدٌ بَدْرًا وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَةِ بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى الْقَبْرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ أَوْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى الْقُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ

الزعفراني رحمه الله ولا يصلي إلي قبر وَلَا عِنْدَهُ تَبَرُّكًا بِهِ وَإِعْظَامًا لَهُ لِلْأَحَادِيثِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب لا قرباء الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يُصْلِحُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لما روى أنه لما قتل جعفر

ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طعاما فانه قد جاء هم أمر يشغلهم عنه "} * {الشَّرْحُ} الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا من رواية

أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يشغلهم - بفتح الْيَاءِ - وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ يَشْغَلُهُمْ عَنْهُ وَاَلَّذِي فِي كتب الحديث يشغلهم بِحَذْفِ عَنْهُ وَكَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه في جمادى سنة ثمان من الهجرة في غزوة مؤنة وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالشَّامِ عِنْدَ الْكَرْكِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أنه يستحب لا قرباء الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا طَعَامًا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ بِحَيْثُ يُشْبِعُهُمْ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُحِبُّ لِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ طَعَامًا يُشْبِعُهُمْ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِعْلُ أَهْلُ الْخَيْرِ قال اصحابنا ويلح علهيم فِي الْأَكْلِ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَلَدٍ آخر

يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ لِأَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِ أَهْلِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِدُخُولِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ اصحابنا رحمه اللَّهُ وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ يَنُحْنَ لَمْ يَجُزْ اتِّخَاذُ طَعَامٍ لَهُنَّ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْقَلْ فيه شئ وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا بِحَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ دَفْنِهِ (وَأَمَّا) الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لاعقر فِي الْإِسْلَامِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أوشيا *

مسائل تتعلق بكتاب الجنائز

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الْجَنَائِزِ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ رَأْسِ الْيَتِيمِ وَدَهْنِهِ وَإِكْرَامِهِ وَلَا يُقْهَرُ وَلَا يُنْهَرُ (الثَّانِيَةُ) الْمُسْتَحَبُّ خَفْضُ الصَّوْتِ فِي السَّيْرِ بالجنازة ومعها فلا يشتغلوا بشئ غير الفكر فيما هي لا قية وَصَائِرَةٌ إلَيْهِ وَفِي حَاصِلِ الْحَيَاةِ وَأَنَّ هَذَا آخرها ولابد مِنْهُ وَقَدْ أَفْرَدَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ والبيهقي في السنن الكبير بَابًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ - قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ ثَلَاثٍ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الْجَنَائِزِ وَعِنْدَ الذِّكْرِ " قَالَ وَذَكَرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ خَفْضَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ القرآن وعند القتال قال ذكره الحسن وسعيد ابن جبيرو النخعي واسحق قول القائل خلف الجنازة استغفر الله له وقال عطاء هي محدثة وقال الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَحْنُ نَكْرَهُ مِنْ ذلك ما كرهوا (الثالثة) عن عبيد ابن خَالِدٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " موت الفجأة أَخْذَةُ أَسِفٍ " وَرُوِيَ مَرْفُوعًا هَكَذَا وَمَوْقُوفًا عَلَى عبيد ابن خَالِدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا بِالْوَجْهَيْنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَسِفُ الْغَضْبَانُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فلما آسفون) وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَجَمَاعَةً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ مَاتُوا فَجْأَةً قَالَ وَهُوَ مَوْتُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ تَخْفِيفٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لُطْفٌ وَرِفْقٌ بِأَهْلِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ الْمُتَيَقِّظِينَ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّقَاتٌ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَاسْتِحْلَالِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْفَجْأَةُ فِي حَقِّهِ أَخْذَةُ أَسِفٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ هُوَ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (الرَّابِعَةُ) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَعْمَلَ أَبُو سعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْسِينِ الْكَفَنِ أَحَادِيثُ قَالَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْعَمَلُ فَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ عمل صالح أوسئ

وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ إذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْسِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَبِدَنَسِ الثِّيَابِ إذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ المراد بالثياب الَّتِي هِيَ الْكَفَنُ قَالَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ غَيْرُ الْحَشْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ البعث مع الثياب والحشر مع العرى والحفاة (الْخَامِسَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عوف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الطَّاعُونِ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَعَاهَدَ نفسه بتقليم اظفاره وأخذ شعر شاربه رابطه وعانته واستدلوا لله بِحَدِيثِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ - بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَتْ كُفَّارُ قريش قتله استعار موسي يستحدبها " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (السَّابِعَةُ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا قَعَدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أَتَى ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ " وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فيقعدانه فيقولان له ماكنت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ اُنْظُرْ إلَى مَقْعَدِك مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا فِي الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا " قَالَ قَتَادَةُ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُمْلَى عَلَيْهِ خَضِرًا إلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ (وَأَمَّا) الْمُنَافِقُ أَوْ الْكَافِرُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْت أَقُولُ مَا يَقُولُ الناس فيه فيقال لا دريت ولا بليت ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ - أو قال أحد كم - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وللآخر النكير فيقولان ما كنت اتقول فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هو عبد الله وسوله أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك تَقُولُ هَذَا فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعِينَ فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِيهِ " وَفِي الْمُنَافِقِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بن حنبل وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (الثَّامِنَةُ) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّعَوُّذِ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ هَذَا فِي الدُّعَاءِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ لِلْكُفَّارِ وَلِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْعُصَاةِ وَشَبَّهُوهُ بالنائم الذى تراه ساكنا غير حاس بشئ وَهُوَ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَكَدٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ما غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ يَهُودٌ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَيِّتِ تَنْفَعُهُ وَتَصِلُهُ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَإِنَّمَا قَصَدْت التَّنْبِيهَ هُنَا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (الْعَاشِرَةُ) عن عبد الله بن عمرو ابن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الاوقاه اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي مَوْتِ الْأَطْفَالِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عن قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ عَزَّ وجل " وان منكم الا واردها) والمختاران الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِلنِّسَاءِ

كتاب الزكاة

مَا مِنْكُنَّ مِنْ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فقالت امرأة واثنين فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاثْنَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أدعوا اللَّهَ لَهُ فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً فَقَالَ دَفَنْتِ ثَلَاثَةً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شديد من النار " رواه مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي حَسَّانَ قَالَ " قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَاتَ لِي ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نطيب انفسنا عن موتانا قال قال نعم صغارهم دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ ابوه - فيأخذ بثوبه - أو قال بيده فلايتنهاها - أَوْ قَالَ يَنْتَهِي - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ الدَّعَامِيصُ جَمْعُ دُعْمُوصٍ كَبُرْغُوثٍ وَبَرَاغِيثَ قَالُوا وَهُوَ الدَّخَّالُ فِي الْأُمُورِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيَّاحُونَ فِي الْجَنَّةِ دَخَّالُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهَا كَمَا أَنَّ الصِّبْيَانَ فِي الدُّنْيَا لَا يُمْنَعُونَ الدُّخُولَ عَلَى الْحُرُمِ وَجَاءَتْ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته وَمِنْهَا أَنَّ مَوْتَ الْوَاحِدِ مِنْ الْأَوْلَادِ حِجَابٌ مِنْ النَّارِ وَكَذَا السَّقْطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ * (1) * (كِتَابُ الزَّكَاةِ) * قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الزَّكَاةُ تَطْهِيرٌ لِلْمَالِ وَإِصْلَاحٌ لَهُ وَتَمْيِيزٌ وَإِنْمَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ قيل قال والاظهر ان اصلها من الزِّيَادَةِ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو زَكَاءً مَمْدُودٌ وكل شئ ازْدَادَ فَقَدْ زَكَا قَالَ وَالزَّكَاةُ أَيْضًا الصَّلَاحُ وَأَصْلُهَا مِنْ زِيَادَةِ الْخَيْرِ يُقَالُ رَجُلٌ زَكِيٌّ أي زائد الخير من قوم ازكياء

_ (1) (حاشية) وجد بالاصل ما نصه * قال مصنفه يحيى بن شرف النووي رحمه الله فرغت منه ضحوة يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين وستمائة * آخر المجلد الثالث من شرح المهذب من تجزئة الشيخ رحمه الله *

وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ إذَا بَيَّنَ زِيَادَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَسَمَّى مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ لِلْمَسَاكِينِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ زَكَاةً لِأَنَّهَا تَزِيدُ فِي الْمَالِ الَّذِي أُخْرِجَتْ مِنْهُ وَتُوَفِّرُهُ فِي الْمَعْنَى وَتَقِيهِ الْآفَاتِ هَذَا كَلَامُ الْوَاحِدِيِّ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فِي الشَّرْعِ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ هُوَ اسْمٌ لاخذ شئ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ عَلَى أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الزَّكَاةَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ لَا أَصْلَ لِهَذَا الِاسْمِ فِي اللُّغَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ مُؤَثِّرًا فِي أَحْكَامِ الزكاة * * قال المصنف رحمه الله * {الزكاة ركن من اركان الاسلام وفرض من فروضه والاصل فيه قوله عز وجل (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) وروى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ذات يوم جالسا فأتاه رجل فقال يا رسول الله ما الاسلام قال الاسلام ان تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان ثم ادبر الرجل فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردوا علي الرجل فلم يروا شيئا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اللُّغَاتِ فِي جِبْرِيلَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وقوله عز وجل (وأقيموا الصلاة) قَالَ الْعُلَمَاءُ إقَامَتُهَا إدَامَتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا بِحُدُودِهَا يقال قام بالامرو اقامه إذا أنى بِهِ مُوفِيًا حُقُوقَهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أُشْبِهُ مِنْ أَنْ تُفَسَّرَ بِيَتَمَوَّنُهَا وَالْمُرَادُ جِنْسُ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ خِلَافًا فِي هَذِهِ هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ ام لا فقالوا قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ مُجْمَلَةٌ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا وَيَجِبُ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَيْسَ فِي الآية بيان شئ مِنْ هَذَا فَهِيَ مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَصْلَ الْوُجُوبِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً بَلْ هِيَ عَامَّةٌ بَلْ كُلُّ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ الزَّكَاةِ فَالْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ تُعْرَفُ بِالسُّنَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّا إذَا قُلْنَا مُجْمَلَةٌ فَهِيَ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً كانت حجة في صل وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ تَعَلُّقًا بِعُمُومِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " وتقيم

الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ " فَخَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ علي المؤمنين) وَثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْمَكْتُوبَةِ لِحَدِيثِ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ " وَحَدِيثِ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَسَمَّى الزَّكَاةَ مَفْرُوضَةً لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا سَمَّى مَا يَخْرُجُ فِي الزَّكَاةِ فَرَائِضَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ وَقِيلَ غَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ اللَّفْظُ وَالْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ تَمْنَعُ تَكْرِيرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الزَّكَاةُ رُكْنٌ وَفَرْضٌ فَتَوْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِكَوْنِهِ يَصِحُّ تَسْمِيَةُ الزَّكَاةِ رُكْنًا وَفَرْضًا وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالزَّكَاةُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * {وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فاما المكاتب والعبد إذا ملكه المولي مالا فلا زكاة عليه لانه لا يملك في قوله الجديد ويملك في قوله القديم إلا أنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة ولهذا لا تجب عليه نفقة الاقارب ولا يعتق أبوه إذا اشتراه فلم تجب عليه الزكاة وفيمن نصفه جر ونصفه عبد وجهان (أحدهما) لا تجب عليه الزكاة لانه ناقص بالرق فهو كالعبد القن (والثانى) أنها تجب فيما ملكه بنصفه الحر لانه يملك بنصفه الحر ملكاتاما فوجب عليه الزكاة كالحر} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَقُلْ تَامَّ الْمِلْكِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا حَسَنٌ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيَانُ صِفَةِ الشَّخْصِ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَكَوْنُهُ تَامَّ الْمِلْكِ صِفَةٌ لِلْمَالِ فَأَخَّرَهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الَّذِي يَلِي هَذَا فِي فَصْلِ صِفَاتِ الْمَالِ وَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ (أَمَّا) وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ لِعُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِيمَنْ سِوَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمَذْهَبُنَا وُجُوبُهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَا فِي عُشْرِ زَرْعِهِ وَلَا فِي مَاشِيَتِهِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ أَيْضًا وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ ضَعْفُ مِلْكِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ اسْتَأْنَفَ لَهُ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ وَإِنْ عَجَزَ فَصَارَ الْمَالُ لِلسَّيِّدِ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ مِنْ حِينَئِذٍ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ

إذَا مَلَكَهُمْ الْمَوْلَى مَالًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ مَا مَلَكَ وَلَا أَثَرَ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَمْلِكُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ زَكَاتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ زَكَاةُ هَذَا الْمَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِخِلَافِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَمَعَ هَذَا تلزمه زكاته (قلت) أما الفرق ظاهر لان ملك الولد تَامٌّ وَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ كثير منهم وجماعة من الخراسانين مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عن العراقيين وقطع به من الخراسانيين المتولي وَصَحَّحَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْوُجُوبَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ قَالَ وَإِذَا وَجَبَتْ كَفَّارَةُ الا حرار فَالزَّكَاةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَالْمِلْكُ التام وقد وجدو حجة الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ لَهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ الْحُرِّ وَلَا عَلَى مَالِ وَلَدِهِ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ هُوَ كَالرَّقِيقِ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَعِدَّتِهَا وَالْحُدُودُ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا عَتَقَ بَعْضُهَا تَحْتَ عَبْدٍ وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْحُرِّ بِقَتْلِهِ وَعَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكُونُ قَاضِيًا وَلَا قَاسِمًا وَلَا مُقَوِّمًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْحَقَ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) جَزَمُوا بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَتَبَعَّضُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ وَعَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُهُ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ لا تتبعض وانما تجب علي تام والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ تسقط عنه كما وَجَبَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِرِدَّتِهِ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ (وَأَمَّا) فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى مِلْكِهِ وَفِي ملكه ثلاثة أقوال (أحدها) يزول بالردة

فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَالثَّانِي) لَا يَزُولُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ الْتَزَمَهُ بِالْإِسْلَامِ فلم يسقط بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ رجع الي الاسلام حَكَمْنَا بِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ فَلَا تَجِبُ عليه الزكاة} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْكُفَّارَ يُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا مَعَ فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْكُفَّارِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ فَقَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ هَذَا دَلِيلٌ نَاقِصٌ عَنْ الدَّعْوَى لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَدَلِيلُ الْمُصَنِّفِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ دُونَ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ يَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ الْحَرْبِيُّ ولا الذمي فلا يلزم واحدا مِنْهُمَا كَمَا لَا تَجِبُ غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِي كُفْرِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُطَالَبْ بِهَا فِي مُدَّةِ الْكُفْرِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَبْلَ رِدَّتِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ عِنْدَنَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) زَمَنُ الرِّدَّةِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كَالنَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ (أَحَدُهَا) يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا زَكَاةَ (وَالثَّانِي) يَبْقَى فَتَجِبُ (وَأَصَحُّهَا) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تبينا بَقَاءَهُ فَتَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ إذَا بَقِيَ مُرْتَدًّا حَوْلًا وَلَمْ نَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمْنَا أو عَلِمْنَا وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ ارْتَدَّ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْحَوْلِ سَاعَةٌ فَلَمْ يُقْتَلْ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فَارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِذَا أَسْلَمَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَاهَا فَأَخْرَجَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يُكْتَبُ لَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قُلْت إذا ارتد لم يخرج الزكاة مادام مُرْتَدًّا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَتَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا مِنْ الْمُرْتَدِّ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَلَى هَذَا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ ملكه

لَا يَزُولُ وَمَضَى حَوْلٌ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَسْلَمَ لَزِمَهُ إخْرَاجُ مَا وَجَبَ فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا وَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَتَسْقُطُ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَلَا تَسْقُطُ الْمُعَاقَبَةُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِمَّا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لِحَقِّ الْمَسَاكِينِ عَاجِلًا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الزَّكَاةِ فيه وجهان الممتنع مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُجْزِئُ لِمَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عن الجمهور والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * {وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ " وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تُرَادُ لِثَوَابِ الْمُزَكَّى وَمُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَيُعْتِقُ عَلَيْهِمَا الْأَبُ إذَا مَلَّكَاهُ فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ في مالهما} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لِأَنَّ يُوسُفَ تَابِعِيٌّ وَمَاهَكَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ وَقَدْ أَكَّدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْمُرْسَلَ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا وَبِمَا رَوَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَقَالَ) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُطْرِفٍ وَرَوَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَأَمَّا مَا رُوِيَ عن ليث بن أبى سلمى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيُحْصِ عَلَيْهِ السِّنِينَ فإذا دفع إليه ما له أَخْبَرَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " فَقَدْ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعَّفَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَيْثًا (قَالَ) وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) رِوَايَةُ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَقُلْ الزَّكَاةُ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالزَّكَاةُ لَا تَأْكُلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَأْكُلُ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ تأكل معظم الزَّكَاةُ مَعَ النَّفَقَةِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ كالبالغ العاقل فان ابا حنيفة رحمه اله وَافَقَنَا عَلَى إيجَابِ الْعُشْرِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي مَالِهِمَا وَخَالَفَنَا في غير كذا في الاصل ولعله تأكل معظمه الزكاة فليحرز

ذَلِكَ (وَأَمَّا) اسْتِدْلَالُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ إذْ لاذنب لَهُمَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تَطْهِيرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فَإِنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ فِي مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ تَطْهِيرًا فِي أَصْلِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ " فَالْمُرَادُ رُفِعَ الْإِثْمُ وَالْوُجُوبُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا إثْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا بَلْ يَجِبُ فِي مَالِهِمَا وَيُطَالَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَلِيُّهُمَا كَمَا يَجِبُ فِي مَالِهِمَا قِيمَةُ مَا أَتْلَفَاهُ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ دَفْعُهَا (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ (فَأَجَابَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله في الاساليب والاصحاب عنه المال لَيْسَ رُكْنًا فِيهِ وَإِنَّمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْمَالُ تَوَصُّلًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ الْإِمَامُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مقصود الزكاة سدخلة الْفَقِيرِ مِنْ مَالِ الْأَغْنِيَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطْهِيرًا لِلْمَالِ وَمَالُ الصَّبِيِّ قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالزَّكَاةُ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا يُخْرِجُ من مالهما غرامة المتلفقات ونفقة الاقارب وغير ذلك مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَوَجِّهَةِ إلَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْوَلِيُّ الزَّكَاةَ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا مَضَى بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَأَمَّا الْمَالُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْجَنِينِ بِالْإِرْثِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُتَيَقَّنُ حَيَاتُهُ وَلَا يُوثَقُ بِهَا فَلَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْمِلْكِ وَاسْتِقْرَارُهُ فَعَلَى هَذَا يَبْتَدِئُ حَوْلًا مِنْ حِينِ يَنْفَصِلُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَجِبُ كَالصَّبِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخِي قَالَ وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قول المصنف الزكاة تراد بثواب المزكي ومواساة الفقير هذان لابد مِنْهُمَا فَبِقَوْلِهِ ثَوَابُ الْمُزَكِّي يَخْرُجُ الْكَافِرُ وَبِقَوْلِهِ مُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ مَالِ الْمُكَاتَبِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ سَوَاءٌ الزَّرْعُ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ شئ كَالْحُرِّ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَاقِي أَمْوَالِهِ * وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ * وَاحْتَجَّ دَاوُد بِقَوْلِهِ تعالي (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) والمكاتب والعبد يدخلان في الخطاب على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ * دَلِيلُنَا ضَعْفُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَلِأَنَّهَا لِلْمُوَاسَاةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ الْعُشْرِ وَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولَانِ عَلَى الْأَحْرَارِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَالِ الْعَبْدِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا زَكَاةَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ العلماء الاما حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمَا أَوْجَبَاهَا عَلَى الْعَبْدِ قَالَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ دَاوُد * (فَرْعٌ) في مذاهبهم في مال الصبى والجنون * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا فِي مَالِهِمَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا زَكَاةَ في مال الصبي وقال سعيد ابن الْمُسَيِّبِ لَا يُزَكِّي حَتَّى يُصَلِّيَ وَيَصُومَ رَمَضَانَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ لَكِنْ لَا يُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ بَلْ يُحْصِيهَا فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَعْلَمَهُ فَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِيمَا مَلَكَهُ زَكَاةٌ لَكِنْ إنْ أَدَّاهَا الْوَصِيُّ ضَمِنَ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا زَكَاةَ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ وَتَجِبُ فِي إبِلِهِ وَبَقَرِهِ وَغَنَمِهِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ زَكَّيْته وَمَا غَابَ عَنِّي فَلَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ إلَّا عُشْرُ الْمُعَشَّرَاتِ وَسَبَقَ بَيَانُ دَلِيلِنَا عَنْ الجميع والجواب عما عارضه * * قال المصنف رحمه الله * {ومن وجبت عليه الزكاة وقدر علي اخراجها لم يجزله تأخيرها لانه حق يجب صرفه الي الآدمى توجهت المطالبة بالدفع إليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها فان أخرها وهو قادر علي ادائها ضمنها لانه أخر ما يجب عليه مع امكان الاداء فضمنه كالوديعة ومن وجبت عليه الزكاة وامتنع من ادائها نظرت فان كان جاحدا لوجوبها فقد كفر وقتل بكفره كما يقتل المرتدلان وجوب الزكاة معلوم من دين الله تعالي ضرورة فمن جحد وجوبها فقد كذب الله وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم فحكم بكفره وان منعها بخلابها أخذت منه وعزر وقال في القديم تؤخذ الزكاة وشطر ما له عقوبة لما روي بهر بن حكيم عن ابيه عن جده عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " ومن منعها فانا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ " والصحيح هو الاول لقوله

صلي الله عليه وسلم ليس في المال حق سوى الزكاة " ولانها عبادة فلا يجب بالامتناع منها أخذ شطر ماله كسائر العبادات وحديث بهز بن حكيم منسوخ فان ذلك حين كانت العقوبات في الاموال ثم نسخت وان امتنع بمنعة قاتله الامام لان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ بَهْزٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ شَطْرُ إبِلِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد شَطْرُ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ إلَى بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) بَهْزٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فقال يحيى بن معين ثقة وسثل أيضا عنه عن أبيه عن جده فقال اسناد صحيح إذا كان دونه ثقة وقال على بن المدينى ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ صَالِحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ ثِقَةٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَلَوْ ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُعْرَفُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ وَاَلَّذِي يَرْوِيه أَصْحَابُنَا فِي التَّعَالِيقِ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ لَا أَحْفَظُ فِيهِ إسْنَادًا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. (قُلْت) وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ " لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالضَّعْفُ ظَاهِرٌ فِي إسْنَادِهِ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْته أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالَ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَانِعِي الزَّكَاةِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) حَقٌّ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْآدَمِيِّ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ (وَقَوْلُهُ) تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّيْنِ المؤجل (وقوله) جاحدا قال اهل اللعة الجحود هو الانكار بعد الاعتراف (وقوله) بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ هو بهز - بفتح الباء الموحدة وبالزاى - بن حكيم ابن معاوية بن حندة - بفتح الحاء المهملة - العشيوى وَجَدُّهُ الرَّاوِي هُوَ مُعَاوِيَةُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزْمَةً - بِإِسْكَانِ الزَّايِ - مِنْ عَزَمَاتِ ربنا - بفتحها - ومعناه حق لا بدمنه وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيّ عَزِيمَةٌ - بِكَسْرِ الزَّايِ - وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَالْمَشْهُورُ عَزْمَةٌ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ مَنَعَهَا هَكَذَا هُوَ بِالْوَاوِ وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ " فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٌ ابْنَةُ لَبُونٍ مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمَنْ مَنَعَهَا فَأَنَا آخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ " وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ) امتنع

بِمَنَعَةٍ - هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُكِيَ جَوَازُ إسْكَانِهَا وَالْمَنَعَةُ بِالْفَتْحِ الْجَمَاعَةُ الْمَانِعُونَ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَنَظَائِرِهِ وَمَنْ سَكَنَ فَمَعْنَاهُ بِقُوَّةِ امْتِنَاعٍ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَانِعِي الزَّكَاةِ كَانَ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَنَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ فَإِذَا وَجَبَتْ وَتَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى التَّمَكُّنِ فَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَصَى وَصَارَ ضَامِنًا فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ تَلِفَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي أَوْ الْفُقَرَاءِ أَمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ فِي الضَّمَانِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهَا بِتَفْرِيعِهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ان قلنا شرط ى الْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ انْتَقَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمَرْهُونُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنِ إلَى الْقِيمَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ مُجَرَّدَ إمْكَانِ الْإِخْرَاجِ بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدِهَا) حُضُورُ الْمَالِ عِنْدَهُ فَإِنْ غَابَ عَنْهُ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزكاة (والثانى) أن يجد المصروف إليه وسيأني فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ الْأَمْوَالَ بَاطِنَةٌ وَظَاهِرَةٌ فَالْبَاطِنَةُ يَجُوزُ صَرْفُ زَكَاتِهَا بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ وَبِالسُّلْطَانِ وَالسَّاعِي فَيَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَصْرُوفِ إلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَ أهل السهمين أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (وَأَمَّا) الظَّاهِرَةُ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَهُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا إمْكَانَ حَتَّى يَجِدَ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ فَأَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ بِأَنْ وَجَدَ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَأَخَّرَ لِيُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ جَعَلْنَاهُ أَفْضَلَ أَوْ أَخَّرَ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ التَّأْخِيرَ فَأَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَتَلِفَ الْمَالُ فهل يضمن فيه وجهان مشهوران (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ ضَامِنًا لِوُجُودِ التَّمَكُّنِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِلْوَجْهَيْنِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَظْهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْحَاضِرِينَ فَإِنْ تَشَكَّكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فَأَخَّرَ لِيَتَرَوَّى جاز بلا خلاف (والثانى) أن لا يَسْتَفْحِلَ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ وَفَاقَتُهُمْ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِالْجُوعِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ لِلْقَرِيبِ وَشَبَهِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّ إشْبَاعَهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا الشخص ولا من هذا المال ولامن مَالِ الزَّكَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يتعين هذا المال لهؤلاء المحتاجين فرفع ضَرُورَتِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهُ لِانْتِظَارِ فضيلة لو لم يعارضها شئ (الشرط الثالث) لامكان الاداء مشتغلا بمهم مِنْ أَمْرِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ

كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ وَنَحْوِهِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نشأ ببادية بعيدة أو نحوه ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بَلْ يُعَرَّفُ وُجُوبَهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حُكِمَ بِكُفْرِهِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا نَشَأَ مُسْلِمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْهُ بَلْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجَحْدُ إنْكَارُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُنْكِرُ قال ابن فارس في الجمل لَا يَكُونُ الْجُحُودُ إلَّا مَعَ عِلْمِ الْجَاحِدِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى كَمُسْلِمٍ مُخْتَلِطٍ بِالْمُسْلِمِينَ صَارَ بِجَحْدِهَا كَافِرًا وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِمَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ مَا يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا (الثَّالِثَةُ) إذا منع الزكاة بخلابها وَأَخْفَاهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا لَمْ يَكْفُرْ بِلَا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي الْكِتَابِ فِي الْمُمْتَنِعِ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا أَنَّهُ يَكْفُرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ تَقْتَضِي الْكُفْرَ بِخِلَافِ هَذَا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَيْنِ آدَمِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إنَّمَا يُعَزَّرُ مُخْفِيهَا وَمَانِعُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي إخْفَائِهَا وَمَنْعِهَا بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِهَا بَعْدَ أَخْذِهَا عَلَى وجهها فان كان عذر بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا بِأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ الْوَاجِبِ أَوْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِذَا مَنَعَهَا حَيْثُ لَا عُذْرَ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَلْ يُؤْخَذُ مَعَهَا نِصْفُ مَالِهِ عُقُوبَةً لَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَحَكَوْا الْأَخْذَ عَنْ مَالِكٍ قِيلَ وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُهُ أَيْضًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ المصنف هنا والا كثرون فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يُؤْخَذُ (وَالْقَدِيمُ) يُؤْخَذُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ وَأَجَابُوا هُمْ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ عَنْ حَدِيثِ بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهذا الجواب ضعيف لوجهين (احدهما) انما ادَّعَوْهُ مِنْ كَوْنِ الْعُقُوبَةِ كَانَتْ بِالْأَمْوَالِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا عُلِمَ التَّارِيخُ وَلَيْسَ هُنَا عِلْمٌ بِذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) الصَّحِيحُ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي حَاتِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَنَعَ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ الزَّكَاةَ وَامْتَنَعُوا بِالْقِتَالِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِتَالَهُمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا ظَهَرَتْ لَهُمْ الدَّلَائِلُ وَافَقُوهُ فَصَارَ قِتَالُهُمْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ وغيره

مِنْ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَ ان يستقر الخلاف كان ذك إجْمَاعًا وَمَثَّلُوهُ بِقِصَّةِ خِلَافِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ إجْمَاعِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَتَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا وَجَبَ الْإِخْرَاجُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ أَخَّرَهَا أَثِمَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِهِمْ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَلَهُ التَّأْخِيرُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا فَقَالَ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَلَى التَّرَاخِي * دَلِيلُنَا قوله تعالي (وآتو الزكاة) وَالْأَمْر عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا عِنْدَ بَعْض أَصْحَابنَا * احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَمَكِّنِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ عِنْدَنَا

وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إنْ أَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ مَالِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةَ إخْرَاجُهَا وَحُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْوَصَايَا بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَهْلِ الرَّأْيِ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ إخْرَاجُهَا وَإِنْ أَخْرَجُوهَا فَصَدَقَةُ تَطَوُّعٍ إلَّا أَنْ يُوصَى بِهَا فَتُخْرَجُ وَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ وَصَّى مَعَهَا بِوَصَايَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا مَعَ الْوَصَايَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَالْوَصَايَا سَوَاءٌ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يقضى " وهو ثابت في الصحيحين * احتجوا بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ شَرْطُهَا النِّيَّةُ فَسَقَطَتْ بِالْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ * (فَرْعٌ) فِيمَنْ أَخْفَى مَالَهُ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ تُؤْخَذُ منه الزكاة

باب صدقة المواشي

وَلَا يُؤْخَذُ شَطْرُ مَالِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَنِصْفُ مَالِهِ عُقُوبَةً لَهُ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ جَمِيعِهَا سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ دَارِ الْحَرْبِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ الزَّكَاةَ أَعْوَامًا ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمْ الْإِمَامُ أَخَذَ مِنْهُمْ زَكَاةَ الْمَاضِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِمَا مَضَى وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامُوا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِمَا مَضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ لَوْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ثُمَّ مَرِضَ وَلَا مَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَقْتَرِضُ وَقَالَ شَاذَانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَقْتَرِضُ لِأَنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ قَالَ فَإِنْ اقْتَرَضَ وَدَفَعَ الزَّكَاةَ وَنَوَى الْوَفَاءَ إذَا تَمَكَّنَ فَهُوَ مَعْذُورٌ بالاتفاق * {باب صدقة المواشي} * قال المصنف رحمه الله * {تجب زكاة السوم في الابل والبقر والغنم لان الاخبار وردت بايجاب الزكاة فيها ونحن نذكرها في مسائلها ان شاء الله تعالي ولان الابل والبقر والغنم تكثر منافعها ويطلب نماؤها بالكبر والنسل فاحتمل المواساة في الزكاة ولا تجب فيما سوى ذلك من المواشي كالخيل والبغال والحمير لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " ولان هذا تقتني للزينة والاستعمال لا للنماء فلم تحتمل الزكاة كالعقار والاثاث ولا

تجب فيما تولد بين الغنم والظباء ولا فيما تولد بين بقر الاهل وبقر الوحش لانه لا يدخل في اطلاق اسم البقر والغنم فلا فيه زكاة الغنم والبقر} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْفَرَسُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْأَثَاثُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُكَرَّرَةٍ - وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَاحِدَتُهُ أَثَاثَةٌ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَيُقَالُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (وَأَمَّا)

الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كُلِّهَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْخَيْلُ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَسَوَاءٌ فِي الْمُتَوَلِّدِينَ كَانَتْ الْإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا فَلَا زَكَاةَ فِي الْجَمِيعِ مُطْلَقًا وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَهَا وَجَبَتْ زَكَاتُهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا زكاة فيها أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا مُطْلَقًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَاكِمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وأبي خيثمة وأبي بكر ابن شَيْبَةَ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَدَاوُد وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرَّقُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فيها ان كانت ذكورا واناثا وان كانت ذكورا متمحضة فلا زكاة عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ بِالْوُجُوبِ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْلُ دُونَ النِّصَابِ قَالَ وَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهَا * واحتج بما روى أبو يوسف عن عورك الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ " * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الدارقطني تفرد به عورك وهو ضعيف جدا واتفقوا على تضعيف عورك وَهُوَ مَجْهُولٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ تَجِبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إنْ كَانَتْ الْإِنَاثُ غَنَمًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ ظِبَاءً فَلَا * دَلِيلُنَا أَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ غَنَمًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَا يُجْزِئُ هَذَا الْحَيَوَانُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَذَا هنا وانا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ لِتَعَدِّيهِ وَتَغْلِيبًا للتحريم والاحرام مبني علي التغليط واما الزكاة فعلي الخفيف وَلِهَذَا لَوْ بِيعَتْ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ سَقَطَتْ الزكاة وغير ذلك من التخفيفات * * قال المصنف رحمه الله * {ولا تجب فيما لا يملكه ملكا تاما كالماشية التى في يد مكاتبه لانه لا يملك التصرف فيه فهو كمال الاجنبي واما الماشية الموقوفة عليه فانه ينبنى على ان الملك في الموقوف الي من ينتقل بالوقف وفيه قولان (احدهما) ينتقل الي الله تعالي فلا تجب زكاته (والثانى) ينتقل الي الموقوف عليه وفى زكاته وجهان (احدهما) تجب لانه يملكه ملكا مستقرا فأشبه غير الموقوف (والثاني) لا تجب لانه ملك

الأشجار الموقوفة من نخل وعنب

ضعيف بدليل أنه لا يملك التصرف في رقبته فلم تجب الزكاة فيه كالمكاتب وما في يده} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى مُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ كَالْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَفِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ المذكوران في الكتاب بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) لَا تَجِبُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مِنْ نَفْسِ الْمَوْقُوفَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْمُطْلَقِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّا إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَشْجَارُ الْمَوْقُوفَةُ مِنْ نَخْلٍ وَعِنَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا عُشْرَ فِي ثِمَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي ثِمَارِهَا إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِلَا خِلَافٍ وَيُخْرِجُهَا مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّمَرَةَ مِلْكًا مُطْلَقًا هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمَسْأَلَةَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إيجَابُ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ الْمَوْقُوفَةِ فِي سَبِيلٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَعَنْ طَاوُسٍ وَمَكْحُولٍ لَا زَكَاةَ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ إنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ لَمْ تَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أقول قال صاحب البيان في باب الزكاة الزَّرْعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ تَجِبُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةٌ سَنُعِيدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ بَابِ زكاة الزرع والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {وأما المال المغصوب والضال فلا تلزمه زكاته قبل أن يرجع إليه وان رجع إليه من غير نماء ففيه قولان (في القديم) لا تجب لانه خرج عن يده وتصرفه فلم تجب عليه زكاته كالمال الذى في يد

مكاتبه وقال (في الجديد) تجب لانه مال يملك المطالبة به ويجبر على التسليم إليه فوجب فيه الزكاة كالمال الذى في يد وكيله فان رجع إليه مع النماء ففيه طريقان قال أبو العباس تلزمه زكاته قولا واحدا لان الزكاة انما سقطت في أحد القولين لعدم النماء وقد حصل له النماء فوجب أن تجب (والصحيح) أنه علي القولين لان الزكاة لم تسقط لعدم النماء لان الذكور من الماشية لانماء لها وتجب فيها الزكاة وانما سقطت لنقان الملك بالخروج عن يده وتصرفه وبالرجوع لم يعد ما فات من اليد والتصرف وان أسر رب المال وأحيل بينه وبين المال فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ هُوَ كالمغصوب لان الحيلولة موجودة بينه وبين المال ففيه قولان (ومنهم) من قال تجب الزكاة قولا واحدا لانه يملك بيعه ممن شاء فكان كالمودع وان وقع الضال بيد ملتقط وعرفه حولا كاملا ولم يختر التملك وقلنا لا يملك حتى يختار التملك علي الصحيح من المذهب فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ هُوَ كما لو لم يقع بيد الملتقط فيكون علي قولين (ومنهم) من قال لا تجب الزكاة قولا واحدا لان ملكه غير مستقر بعد التعريف لان الملتقط يملك باختيار التملك فصار كالمال الذى بيد المكاتب} * {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ضَلَّ مَالُهُ أَوْ غُصِبَ أَوْ سُرِقَ وَتَعَذَّرَ انْتِزَاعُهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَجُحِدَ أَوْ وَقَعَ فِي بَحْرٍ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وُجُوبُهَا وَالْقَدِيمُ لَا تَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَادَ بِنَمَائِهِ وَجَبَتْ والافلا (وَالرَّابِعُ) إنْ عَادَ بِنَمَائِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَادَ بَعْضُ النَّمَاءِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لم يعد شئ منه ومعنى العود بلانماء أَنْ يُتْلِفَهُ الْغَاصِبُ وَيَتَعَذَّرَ تَغْرِيمُهُ فَأَمَّا إنْ غرم أو تلف في يده شئ كان تلف في يد الملك أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّمَاءِ بِعَيْنِهِ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَمَنْ قَطَعَ بِالْوُجُوبِ وعدمه تَأَوَّلَ النَّصَّ الْآخَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ عَوْدِ الْمَالِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ هَلْ يُخْرِجُ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ عَوْدِ الْمَالِ إلَى يَدِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ أَحْوَالٍ قَبْلَ عَوْدِهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَالتَّلَفُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ يُسْقِطُهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَاشِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِمَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ جَمِيعًا فَإِنْ عُلِفَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي أَوَّلِ أُسَامَةِ الغصب وعلفه هل يؤثر ان قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بالغصب

وَالضَّلَالِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا عَادَ الْمَالُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَغُصِبَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ ضَلَّتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى يَدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ عَادَتْ سَوَاءٌ عَادَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْمَغْصُوبِ بَنَى إنْ وَجَدَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَهُ زَكَّى الْأَرْبَعِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَالُ عَنْ النِّصَابِ بِمَا يَجِبُ لِلزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَاشِيَةِ وَقَصٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِقَدْرِ الزَّكَاةِ (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَالُ نِصَابًا فَقَطْ وَمَضَتْ أَحْوَالٌ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تَجِبُ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ قَوْلَ الْوُجُوبِ هُوَ الْجَدِيدُ وَالْجَدِيدُ يَقُولُ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ فَيَنْقُصُ النِّصَابُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يجب شئ إلَّا أَنْ تَتَوَالَدَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ النِّصَابُ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَشَارَ إلَى خِلَافٍ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَوْ دَفَنَ مَالَهُ فِي مَوْضِعٍ تم نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَلَّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ جَازِمَةٌ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ دَفْنِهِ فِي دَارِهِ وَحِرْزِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أُسِرَ رَبُّ الْمَالِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاشِيَتِهِ فَطَرِيقَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ كُفَّارٍ أَوْ مُسْلِمِينَ (الثَّالِثَةُ) اللُّقَطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمَالِكِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ ثُمَّ إنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا حَوْلًا فَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ وَإِنْ عَرَّفَهَا سَنَةً بُنِيَ حُكْمُ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ هَلْ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ بِمُضِيِّ سَنَةِ التَّعْرِيفِ أَمْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَمْ بِالتَّصَرُّفِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِانْقِضَائِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَالِكِ وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالسَّنَةِ الْأُولَى (وَالثَّانِي) لَا زَكَاةَ قَطْعًا لِتَسَلُّطِ الْمُلْتَقِطِ عَلَى تَمَلُّكِهَا (وَأَمَّا) إذَا تَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ فَلَا تَجِبُ زَكَاتُهَا عَلَى الْمَالِكِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا فِي ذِمَّةِ الْمُلْتَقِطِ فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ خِلَافٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) كونها دينا (والثانى) كونها ملا ضَائِعًا ثُمَّ الْمُلْتَقِطُ مَدْيُونٌ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ

لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ان الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ مَلَكَ غَيْرَهَا شَيْئًا يَفِي بِالزَّكَاةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إذَا مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مِلْكِ اللُّقَطَةِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ فِي يَدِ مالكه (والثاني) لا تجب لضعفه لتوقع مجئ الْمَالِكِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ظَفِرَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ أَنْ تَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهَا أَمْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ؟ فَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ فِي عَيْنِهَا فَمِلْكُ الْمُلْتَقِطِ ضعيف لعدم استقراره فلا زكاة والاوجبت أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمُلْتَقِطُ إلَّا بالتصرف فلم يتصرف كَمَا إذَا لَمْ يَتَمَلَّكْ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى مَالًا زَكَوِيًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ في يد البائع فالمذب وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِتَمَامِ الْمِلْكِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا لِضَعْفِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِلِانْفِسَاخِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ * (فَرْعٌ) لَوْ رَهَنَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَحَالَ الْحَوْلُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِتَمَامِ الملك وقيل فيه الخلاف في المغصوب لا متناع التَّصَرُّفِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْمَرْهُونِ فَمِنْ أَيْنَ يُخْرِجُهَا فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في باب زكاة الذهب والفضة * * قال المصنف رحمه الله * {فان كان ماشية أو غيرها من اموال الزكاة وعليه دين يستغرقه أو ينقص المال عن النصاب ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة فيه لان ملكه غير مستقر لانه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء (وقال في الجديد) تجب الزكاة فيه لان الزكاة تتعلق بالعين والدين يتعلق بالذمة فلا يمنع أحدهما الآخر كالدين وارش الجناية وان حجر عليه في المال ففيه ثلاث طرق (أحدها) إن كان المال ماشية وجبت فيه الزكاة لانه قد حصل له نماؤه وان كان غيرها فقيل قولين كالمغصوب (والثانى) تجب الزكاة فيه قولا واحدا لان الحجر لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على السفيه والمجنون (والثالث) وهو الصحيح أنه علي قولين كالمغصوب لانه حيل بينه وبينه فهو كالمغصوب (وأما) قول الاول انه حصل له النماء من الماشية فلا يصح لانه وان حصل النماء إلا انه ممنوع من التصرف فيه ويحول دونه وقول الثاني لا يصح لان حجر السفيه والمجنون لا يمنع التصرف لان وليهما ينوب عنهما في التصرف

وحجر المفلس يمنع التصرف فافترقا} * {الشَّرْحُ} الدَّيْنُ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الجديدة (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَفِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِيَّةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَلَا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَوَاشِي وَالْمَعَادِنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حالا أو مؤجلا وسواء كان من جلس الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَوْلَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فان خالفه وجبت قطعا وليس بشئ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا أَمْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَمْ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ دَيْنُ الْآدَمِيِّ وَدَيْنُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالزَّكَاةِ السَّابِقَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَأَحَاطَتْ بِرَجُلٍ دُيُونٌ وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) يُحْجَرُ وَيُفَرَّقُ مَالُهُ بَيْنَ الْفِرَقِ الْغُرَمَاءِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ وَلَا زَكَاةَ (وَالثَّانِي) أَنْ يُعَيِّنَ لِكُلِّ غَرِيمٍ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ وَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ فَحَالَ الحول قبل أخذه فالمذهب أهه لَا زَكَاةَ أَيْضًا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللُّقَطَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ تَسَلُّطَ الْمُلْتَقِطِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَسَلُّطَ الْغُرَمَاءِ أَقْوَى مِنْ تَسَلُّطِ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ حَقٍّ عَلَى الْمَالِكِ وَلِأَنَّهُمْ مُسَلَّطُونَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَكَانَ تَسْلِيطُهُمْ مُسْنَدَهُ ثُبُوتُ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ إذَا قَبَضُوهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ الْمُفْلِسُ بِوَجْهٍ مَا بِخِلَافِ الْمُلْتَقِطِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ إذَا رَجَعَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ اللُّقَطَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُفَرِّقَ مَالَهُ وَلَا يُعَيِّنُ لِأَحَدٍ شَيْئًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ على

الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَاشِيَةِ وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ كالمغصوب والله أعلم * إذا ثبت هذا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ جَاءَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الْأَعْيَانَ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُمْ الْحَاكِمُ حَيْثُ وَجَدُوهَا فَاعْتَرَضَ الْكَرْخِيُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبَاحَ الشَّافِعِيُّ لَهُمْ نَهْبَ مَالِهِ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِي تَوَهَّمَهُ الْكَرْخِيُّ خَطَأٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَيْنًا جَازَ لَهُ أَخْذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِحَقٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا أَقَرَّ قَبْلَ الْحَجْرِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ ثَبَتَتْ وَإِنْ كَذَّبُوهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَحِينَئِذٍ هل تقدم الزكاة أَمْ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وَإِنْ اقر بالزكاة بَعْدَ الْحَجْرِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْمَحْجُورِ عليه إذا اقر بدين بعد الحجز هَلْ يَقْبَلُ فِي الْحَالِ وَيُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءَ أَمْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا تَثْبُتُ مُزَاحَمَتُهُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ بِكَذَا مِنْ هَذَا الْمَالِ فَمَضَى الْحَوْلُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِ الْمَالِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَالَ صَدَقَةً أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ ضَحَايَا أَوْ لِلَّهِ عَلَى أَنْ أُضَحِّي بِهَذِهِ الشَّاةِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ قَطْعًا وَطَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَعْضُهُمْ فِيهِ الْخِلَافَ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ لِأَنَّ مَا جُعِلَ صَدَقَةً لَا تَبْقَى فِيهِ حَقِيقَةُ مِلْكٍ بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فانه لم يتصدق وانا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَرْبَعِينَ شَاةً أو بمأتى دِرْهَمٍ وَلَمْ يُضِفْ إلَى دَرَاهِمِهِ وَشِيَاهِهِ فَهَذَا دَيْنُ نَذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا دَيْنُ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ أَضْعَفُ وَلِأَنَّ النَّذْرَ يُشْبِهُ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنَّ النَّاذِرَ مُخَيَّرٌ فِي ابْتِدَاءِ نَذْرِهِ فَالْوُجُوبُ بِهِ أَضْعَفُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى نِصَابٍ فِي مِلْكِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أو الا كثرون ضَعْفُ الْمِلْكِ لِتَسَلُّطِ الْمُسْتَحِقِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ مُسْتَحِقَّ الدَّيْنِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَدْيُونِ أَيْضًا لَزِمَ مِنْهُ تَثْنِيَةُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) لَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَا زكاة علهى كَالذِّمِّيِّ وَالْمُكَاتَبِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ

وعلي الثاني تجب الزوال العلة الثَّانِيَةُ وَلَوْ أَنْبَتَتْ أَرْضُهُ نِصَابًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ سَلَمًا أَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً وَعَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَلَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ مَلَكَ نِصَابًا وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ دُونَ نِصَابٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَمُرَادُهُمْ إذَا لَمْ يَمْلِكْ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَيْرَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ فَلَوْ

مَلَكَ مَا يُتِمُّ بِهِ النِّصَابَ لَزِمَهُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَالِ هَكَذَا رَتَّبَ هَذِهِ الصُّوَرَ جماعة من الاصحاب وقطع الا كثرون فيها يما يَقْتَضِيهِ الْأَوَّلُ وَلَوْ مَلَكَ مَالًا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَعَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى عِلَّةِ التَّثْنِيَةِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ زَادَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ عَلَى الدَّيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ الْفَاضِلُ نِصَابًا وَجَبَتْ فيه الزكاة

وفى الباقي القولان وان كان دوم نِصَابٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا فِي الْفَاضِلِ * (فَرْعٌ) إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَرْعَاهَا فَحَالَ حَوْلُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلَطَة بِبَاقِيهَا وَجَبَتْ شَاةٌ: عَلَى الرَّاعِي مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالْبَاقِي عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلَا زَكَاةَ عَلَى واحد منهما وان اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْبَعِينَ والافعلي الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا * (فَرْعٌ) مَلَكَ نِصَابَيْنِ زكويين كَنِصَابِ بَقَرٍ وَنِصَابِ غَنَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ يُوَزِّعُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَنْقُصُ بِهِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ (وَقَالَ) أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ

يُرَاعَى الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مَالًا آخَرَ غَيْرَ زَكَوِيٍّ صَرَفْنَا الدَّيْنَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِلْفُقَرَاءِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ مِثْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ اخْتَصَّ بالجنس *

(فَرْعٌ) الْمَالُ الْغَائِبُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لا نقطاع الطريق أو انقطاع خبره فكالمغصوب وقيل تحب الزَّكَاةُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ وَيُخْرِجُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَصِلَهُ فَإِذَا وَصَلَهُ زَكَّى مَا مَضَى بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ والفضة وسنعيدها ولعله هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ اصْطَحَبَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَتَمَّ فِيهَا الْحَوْلُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الخيار لمن فان قلنا قُلْنَا لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَبْتَدِئُ الْمُشْتَرِي حَوْلًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَحُكْمُ الْحَالَيْنِ مَا سَبَقَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَلَمْ

يَتَعَرَّضُوا لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَمِلْكُهُ مِلْكُ زَكَاةٍ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ مِلْكِهِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ أَيْضًا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ حَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتَقَرَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهَا وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا أَحْرَزَ الْغَانِمُونَ الْغَنِيمَةَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ تَعْجِيلُ قِسْمَتِهَا وَيُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّف هَذَا فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قَسَمَ فَكُلُّ مَنْ أَصَابَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ وَهُوَ نِصَابٌ أَوْ بَلَغَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ مِلْكِهِ نِصَابًا ابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ الْقِسْمَةُ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَخْتَارُوا التَّمْلِيكَ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَمِلْكُهَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الضَّعْفِ يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ وَلِلْإِمَامِ فِي قِسْمَتِهَا أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ أَوْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي سَائِرِ الْقَسْمِ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَإِنْ اخْتَارُوا التَّمَلُّكَ وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ نُظِرَ إنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ أَصْنَافًا فَلَا زَكَاةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْضِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ أَنْصِبَائِهِمْ نِصَابًا وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ نِصَابٍ وَكَانَتْ مَاشِيَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَهُمْ خُلَطَاءُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَاشِيَةٍ وَأَثْبَتْنَا الْخُلْطَةَ فِيهِ. فَإِنْ كَانَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ وَلَا تَبْلُغُ نِصَابًا إلَّا بِالْخُمْسِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْخِلْطَةَ مَعَ أَهْلِ الْخُمْسِ لَا تَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ لِكَوْنِهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَأَشْبَهَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ. هَذَا حُكْمُ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ

وَفِيهِ وَجْهٌ قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ قَبْلَ إفْرَازِ الْخُمْسِ بِحَالٍ وَوَجْهُ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حَالِ عَدَمِ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ. (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إنْ قُلْنَا الْغَنِيمَةُ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا تُمْلَكُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا زَكَاةَ لِضَعْفِ الْمِلْكِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ فِيهَا مَا لَيْسَ زَكَوِيًّا فَلَا زَكَاةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَالْمَذْهَبُ ما قدمنا عن الجمهور والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

{ولا تجب الزكاة الا في السائمة من الابل والبقر والغنم لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب كتاب الصدقة وفيه في صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فيها صدقة وروى بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الابل السائمة " في كل أربعين بنت لبون " ولان العوامل والمعلوفة لا تقتنى للنماء فلم تجب فيها الزكاة كثياب البدن وأثاث

الدار وان كان عنده سائمة فعلفها نظرت فان كان قدرا يبقى الحيوان دونه لم يؤثر لان وجوده كعدمه وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يَبْقَى الْحَيَوَانُ دُونَهُ سقطت الزكاة لانه لم يوجد تكامل النماء بالسوم وان كان عنده نصاب من السائمة فغصبه غاصب وعلفه ففيه طريقان (أحدهما) انه كالمغصوب الذى لم يعلفه الغاصب فيكون علي قولين لان فعل الغاصب لا حكم له بدليل انه لو كان له ذهب فصاغه الغاصب حليا لم تسقط الزكاة عنه (والثاني) أنه تسقط الزكاة قولا واحدا وهو الصحيح لانه لم يوجد شرط الزكاة وهو السوم في جميع الحول فصار كما لو ذبح الغاصب شيئا من النصاب ويخالف الصياغة فان صياغة الغاصب محرمة فلم يكن لها حكم وعلفه غير محرم فثبت حكمه كعلف المالك وان كان عنده نصاب من المعلوفة فاسامه الغاصب ففيه طريقان (أحدهما) أنها كالسائمة المغصوبة وفيها قولان لان السوم قد وجد في حول كامل ولم يفقد الاقصد المالك وقصده غير معتبر بدليل انه لو كان له طعام

فزرعه الغاصب وجب فيه الشعر وإن لم يقصد المالك إلي زراعته (والثانى) لا تجب فيه الزكاة قولا واحدا لانه لم يقصد إلي اسامته فلم تجب فيه الزكاة كما لو رتعت الماشية لنفسها ويخالف الطعام فانه لا يعتبر في زراعته القصد ولهذا لو تبددله طعام فنبت وجب فيه العشر والسوم يعتبر فيه القصد ولهذا لو رتعت الماشية لنفسها لم تجب فيها الزكاة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَحْكَامِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَصَدَقَةُ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ " وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْكِتَابِ فَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ قِطْعَةً مِنْهُ وَكَذَا فَرَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفْرِيقِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الَّذِي فِي التَّقْيِيدِ بِالسَّائِمَةِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا. وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَرْعَى وَلَيْسَتْ مَعْلُوفَةً وَالسَّوْمُ الرَّعْيُ وَيُقَالُ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ تَسُومُ سَوْمًا وَأَسَمْتُهَا أَيْ أَخْرَجْتهَا إلَى الْمَرْعَى وَلَفْظُ السَّائِمَةِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ وَعَلَى الشِّيَاهِ الْكَثِيرَةِ وَحَدِيثُ بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِذِكْرِ حَدِيثِ بَهْزَ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيَانَ أَنَّ سَائِمَةَ الْإِبِلِ وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّوْمِ فِي الْإِبِلِ ثُمَّ إنَّ الْبَقَرَ مُلْحَقَةٌ بِالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ إذْ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا فِي الْمَاشِيَةِ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا سَائِمَةً فَإِنْ عُلِفَتْ فِي مُعْظَمِ الْحَوْلِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عُلِفَتْ قَدْرًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَوَّلُ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاة وَإِنْ كَانَ قدر الا يَبْقَى الْحَيَوَانُ دُونَهُ لَمْ تَجِبْ. قَالُوا وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ هَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ بِالْهَلَاكِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْخَمْسَةِ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا يُعَدُّ مُؤْنَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى رِفْقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ وَقِيلَ

ان هذا الوجه رجع إليه أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَعْتَبِرُ الْأَغْلَبَ: قَالَ الرافعى: فسر الرفق بدرها ونسلها واصوافها وأو بارها قال وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ رِفْقُ إسَامَتِهَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) لَا يُؤَثِّرُ الْعَلَفُ وَتَسْقُطُ بِهِ الزَّكَاةُ إلا إذا زاد على نِصْفَ السَّنَةِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْقِيِّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ عَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِالسُّقُوطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا تَسَاوَيَا (وَالرَّابِعُ) كُلُّ مُتَمَوَّلٍ مِنْ الْعَلَفِ وَإِنْ قَلَّ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَإِنْ أُسِيمَتْ بَعْدَهُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَلْفِ بِأَنْ يَنْوِي عَلَفَهَا وَيَعْلِفَهَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً: قَالَ الرَّافِعِيُّ لَعَلَّ الْأَقْرَبَ تَخْصِيصُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِعَلَفِهِ شَيْئًا فَإِنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ لَا مَحَالَةَ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَبُو الْمَكَارِمِ وَغَيْرِهِ وَلَا أثر لمجردنية الْعَلَفِ وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ مَمْلُوكٍ فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صاحب البيان (أصحهما) (1) (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ عَامِلَةً كَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ نَوَاضِحَ وَالْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا زَكَاةَ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِ الْعَوَامِلِ لِوُجُودِ السَّوْمِ وَكَوْنُهَا عَامِلَةً زِيَادَةُ انْتِفَاعٍ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَالْمَذْهَبُ الاولي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) هَلْ يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ فِي الْعَلَفِ وَالسَّوْمِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كتب الخراسانيين وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَيْهِمَا (مِنْهَا) أَنَّهَا لَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ بِنَفْسِهَا الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ فَفِي انْقِطَاعِ الْحَوْلِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ الِانْقِطَاعُ لِفَوَاتِ شَرْطِ السَّوْمِ فَأَشْبَهَ فَوَاتَ سَائِرِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَوْتِهَا قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا فَطَرِيقَانِ (أصحهما) علي الوجهين لَا زَكَاةَ (وَالثَّانِي) تَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا تَجِبُ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِعَدَمِ الفعل ولو أسامها بلانية فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَحُصُولِ الرِّفْقِ مع فعله ولو علفها لا متناع الراعي بالثلج وقصد ردها إلى الاسامة

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَ؟ تِجَارَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ غَصَبَ سَائِمَةً فَعَلَفَهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لَا زَكَاةَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْعَدَمِ (وَالثَّالِثُ) إنْ عَلَفَهَا بِعَلَفٍ مِنْ مَالِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ غَصَبَ مَعْلُوفَةً وَأَسَامَهَا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا زَكَاةَ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَتَعَتْ بِنَفْسِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبَةِ كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً وَبَذَرَهَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا تُنْبِتُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةٌ وَجَبَتْ بِفِعْلِهِ أَمْ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ نَفْعَ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عَائِدٌ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وغيره فان قلنا على الْمَالِكِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ بِفِعْلِهِ (وَأَشْهُرُهُمَا) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ (وَالثَّانِي) عَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ فَهَلْ يَرْجِعُ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَمْ بَعْدَهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَ الرَّافِعِيُّ إيجَابَ الزَّكَاةِ عَلَى الْغَاصِبِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ قَالَ وَالْجَارِي عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ إنْ أُوجِبَتْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ ثُمَّ يَغْرَمُ له الغاصب والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {ولا تجب إلا في نصاب لان الاخبار وردت في إيجاب الزكاة في النصب علي ما نذكرها في موضعها ان شاء الله تعالى فدل علي أنها لا تجب فيما دونها ولان ما دون النصاب لا يحتمل المواساة فلم تجب فيه زكاة وان كان عنده نصاب فهلك منها واحد أو باعه انقطع الحول فان نتج له واحد أو رجع إليه ما باعه استأنف الحول وان نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول لان الحول لم يخل من نصاب وان خرج بعض الحمل من الجوف ثم هلك واحد من النصاب قبل انفصال الباقي انقطع الحول لان ما لم يخرج الجميع لا حكم له فيصير كما لو هلك واحد ثم نتج واحد} *

(الشرح) قوله نتج - ضم النون وكسر الثاء - وَمَعْنَاهُ وُلِدَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوَاشِي لَا تَجِبُ؟ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِنْ نَقَصَ مِنْ النِّصَابِ وَاحِدٌ قَبْلَ الْحَوْلِ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْقَطَعَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ نُتِجَ لَهُ وَاحِدٌ أَوْ عَادَ مِلْكُهُ فِيمَا زَالَ عَنْهُ فِي الْحَالِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نُتِجَتْ ثُمَّ هَلَكَتْ أُخْرَى لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ وُلِدَتْ وَاحِدَةٌ وَهَلَكَتْ أُخْرَى مِنْ النِّصَابِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ نِصَابٍ وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ التَّلَفُ وَالْوِلَادَةُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ سَبَقَ التَّلَفُ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَبَقَاءُ الْحَوْلِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَالْمَالِكُ فَقَالَ الْمَالِكُ هَذَا النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَالَ السَّاعِي قَبْلَهُ أَوْ قَالَ حَصَلَ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ فان اتهمه السباعي حَلَّفَهُ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَظَائِرَهُ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَالِاعْتِبَارُ فِي النِّتَاجِ بالانفصال فلو خرج بعض الجنين وتم الْحَوْلُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لِمَا ذكره المصنف * * قال المصنف رحمه الله * {ولا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول لانه روى ذلك عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وهو مذهب فقهاء المدينة وعلماء الامصار ولانه لا يتكامل نماؤه قبل الحول فلا تجب فيه الزكاة فان بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَوْ بَادَلَ به نصابا آخر انقطع الحول فيما باع وان مات في اثناء الحول ففيه قولان (احدهما) ينقطع الحول لانه زال ملكه عنه فصار كما لو باعه (والثاني) لا ينقطع بل يبنى الوارث علي حوله لان ملك الوارث مبنى علي ملك المورث ولهذا لو ابتاع شيئا معيبا فلم يرد حتي مات قام وارثه مقامه في الرد بالعيب} *

{الشَّرْحُ} هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صَحِيحٌ عَنْهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْآثَارِ الْمُفَسِّرَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الِاعْتِمَادُ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ عَلَى الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا هُوَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ فَهَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ لِوُجُودِهِ (وَالثَّانِي) مَا هُوَ مَرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْمَاشِيَةِ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِي نِصَابِهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً قَالَ وَقَالَ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ يَوْمَ مَلَكَ النِّصَابَ قَالَ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَوْ بَادَلَ بِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ هَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ النُّسَخِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَمُرَادُهُ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ وَفِيمَا بَادَلَ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الْمَاشِيَةِ فِي مِلْكِهِ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطُ الزَّكَاةِ فَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ ثُمَّ عَادَ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَاسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ من حين يجدد الملك ولو بادل بماشية مَاشِيَةً مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَوْلَ عَلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ حِينِ الْمُبَادَلَةِ وَكَذَا لَوْ بَادَلَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ إنْ لَمْ يكن صير فيا يُبَدِّلُهَا لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا إنْ كَانَ صَيْرَفِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا؟ كُلُّهُ فِي الْمُبَادَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فَلَوْ كَانَتْ سَائِمَةً وَعَلَفَهَا الْمُشْتَرِي قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَعَلَفِ الْغَاصِبِ وَفِي قَطْعِ الْحَوْلِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ)

يُقْطَعُ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَلَوْ بَاعَ مَعْلُوفَةً بَيْعًا فَاسِدًا فاسامها الشمتري فَهُوَ كَإِسَامَةِ الْغَاصِبِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ أَوْ بَادَلَ بِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَيَنْظُرُ إنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا رَدَّ اسْتَأْنَفَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الرَّدِّ سَوَاءٌ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ نُظِرَ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ سَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ لِأَنَّ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ زَكَاتُهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَهِيَ الْإِبِلُ مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَدَّادِ تَجْوِيزُ الرَّدِّ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ. وَأَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ وَجْهًا وَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ نُظِرَ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بَنَى جَوَازَ الرَّدِّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مَرْهُونٌ بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا. وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَسَاكِينُ شُرَكَاءُ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَهُ الرَّدُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الرَّدُّ وَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِعَيْبِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ هَلْ لَهُ رَدُّهُ وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الشَّرِكَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْ يَظْهَرُ مُسْتَحَقًّا فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ. قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوَجْهَ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَ الزَّائِدَ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَإِنْ أَخْرَجَ

الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَبَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ. فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَهَذَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ الْمُخْرَجُ فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ فَيَرُدُّ الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا رَجَعَ بِهِ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ نُقْصَانَهُ كَعَيْبٍ حَدَثَ وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الْعَيْبِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَرُدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا إذَا جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) يَرُدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةَ الْمُخْرَجِ فِي الزَّكَاةِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ لِيَحْصُلَ بِهِ غَرَضُ الرَّدِّ وَلَا تَتَبَعَّضُ الصَّفْقَةُ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ الْبَائِعُ دِينَارَانِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي دِينَارٌ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ (وَالثَّانِي) قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَى الثَّمَنِ ولا يسترد منه إلا ما أقربه وَحُكْمُ الْإِقَالَةِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ بُنِيَ عَلَى حَوْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَانْتَقَلَ الْمَالُ إلَى وَارِثِهِ هَلْ يُبْنَى عَلَى الْحَوْلِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يُبْنَى بَلْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ حِينِ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ * وَاحْتَجُّوا لِلْجَدِيدِ بِأَنَّهُ زَالَ ملكه فصار كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنَّ الرَّدَّ حَقٌّ لِلْمَالِ فَانْتَقَلَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ. وَالزَّكَاةُ حَقٌّ فِي الْمَالِ وَحَكَى (1) والرافعي طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ لَا يُبْنَى وَأَنْكَرُوا الْقَدِيمَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُبْنَى فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الْمَوْرُوثُ مَالَ تِجَارَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنيتة التِّجَارَةِ. وَإِنْ كَانَ سَائِمَةً وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَارِثُ الْحَالَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ أَمْ يَبْتَدِئُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ هَلْ يشترط وقد سبق بيانه

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

(فَرْعٌ) لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَأْنَفَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بل يبنى كما بني الوارث على قوله حكاه (1) وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ فَالْحَوْلُ مُسْتَمِرٌّ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِهِ. وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ هَلَكَ عَلَى الرِّدَّةِ تَبَيَّنَّا الِانْقِطَاعَ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا اسْتِمْرَارَ الْمِلْكِ * (فرع) قال أصحابنا لافرق فِي انْقِطَاعِ الْحَوْلِ بِالْمُبَادَلَةِ وَالْبَيْعِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الْفِرَارُ كراهة تنزيه وقيل حرام وليس بشئ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي باب زكاة الثمار حيث ذكرها المصنف * قال المصنف رحمه الله * {وان كان عنده نصاب من الماشية ثم استفاد شيئا آخر من جنسه ببيع أو هبة فان لم يكن المستفاد نصابا في نفسه ولا كمل به النصاب الثاني لم يحكم له حكم لانه لا يمكن أن يجعل تابعا للنصاب الثاني فيجعل له قسط من فرضه لانه لم يوجد النصاب الثاني بعد ولا يمكن أن يجعل من النصاب الذى عنده لان ذلك انفرد بالحق ووجب فيه الفرض قبل أن يمضى الحول على المستفاد فلا يمكن أن يجعل له قسط من فرضه فسقط حكمه وان كان يكمل به النصاب الثاني بأن يكون عنده ثلاثون من البقر ثم اشترى في أثناء الحول عشرة وجاء الحول علي النصاب وجب فيه تبيع وإذا جاء الحول علي المستفاد وجب فيه ربع مسنة لانه تم به نصاب السنة ولم يمكن ايجاب المسنة لان الثلاثين لم تثبت فيها الخلطة مع العشرة في حول كامل فانفردت بحكمها ووجب فيها فرضها والعشرة ثبت لها حكم الخلطة في حول كامل فوجب فيها بقسطها ربع مسنة وان كَانَ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي وذلك يكون في صدقة الغنم بان يكون عنده أربعون شاة تم يشترى في اثناء الحول أربعين فان الاربعين الاولي يجب فيها شاة لحولها ومع الاربعين الثانية ثلاثة أوجه (أحدها) يجب فيها لحولها شاة لانه نصاب منفرد بالحول فوجب فيه فرضه كالاربعين الاولي (والثاني) يجب فيها نصف شاة لانها لم تنفك عن خلطة الاربعين الاولي في حول كامل فوجب فيها قسطها من الفرض وهو نصف شاة (والثالث) لا يجب شئ وهو الصحيح لانه انفرد الاول عنه بالحول ولم يبلغ الثاني فجعل وقصا بين نصابين فلم يتعلق به فرض} *

_ (1) بياض بالاصل فليحرر

{الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُسْتَفَادُ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ لَا يُجْمَعُ إلَى مَا عِنْدَهُ فِي الْحَوْلِ بِلَا خِلَافٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ فِي النِّصَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَيْهِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا لَا يُضَمُّ فِي الْحَوْلِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ وَالْفَرْقُ بين الضم الي الحول والضم الي النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْفَرْعِ الْآتِي لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَسْلَمِيّ الدِّمَشْقِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * هَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الْفَصْلِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الْمُسْتَفَادُ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ به فرض بلا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْوَقَصِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَيَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي بِأَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعَشَرَةِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ لِلثَّلَاثِينَ لَزِمَهُ لها ثلاثة أرباع مسنة وإذا تم حَوْلٌ ثَانٍ لِلْعَشَرَةِ لَزِمَهُ رُبْعُ مُسِنَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا يَنْعَقِدُ حَوْلُ الْعَشَرَةِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ الْجَمِيعِ * وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً لَزِمَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعَشَرَةِ ثُلُثُ بِنْتِ مَخَاضٍ فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ عَلَى الْعِشْرِينَ فَفِيهَا ثُلُثَا بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِذَا تَمَّ حَوْلٌ ثَانٍ عَلَى الْعَشَرَةِ فَفِيهَا ثُلُثُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهَكَذَا يُزَكِّي أَبَدًا وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ عَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعِشْرِينَ وَلَا يَقُولُ هُنَا لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْعَشَرَةِ حَتَّى يَنْفَسِخَ حول العشرين لان العشر مِنْ الْإِبِلِ نِصَابٌ بِخِلَافِ الْعَشْرِ مِنْ الْبَقَرِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَاشْتَرَى خَمْسًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعِشْرِينَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِ فَعَلَيْهِ خُمْسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْأَصْلِ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَبَدًا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ أَبَدًا وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ الْخَمْسَ لَا تَجْرِي فِي الْحَوْلِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الْأَصْلِ ثُمَّ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذَا الْوَجْهُ طَرَدُوهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي الْعَشْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْغَنَمِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَرْبَعِينَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ وَفِي الثانية اوجه (أصحها) عنده لا شئ فِيهَا (وَالثَّانِي) فِيهَا شَاةٌ (وَالثَّالِثُ) نِصْفُهَا وَذَكَرَ أَدِلَّتَهَا ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ

وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) يَجِبُ فِي الْأُولَى شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا (وَالثَّانِي) نِصْفُ شَاةٍ: وَفِي الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يجب فيها (وَالثَّانِي) ثُلُثُ شَاةٍ هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) كَوْنُهُ جَعَلَ حُكْمَ المسأله مختلفا وليس هو مختلف عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ الاولي وجهان أنه لا يجب في الاربعين المستفادة شئ وَادَّعَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الْأَصَحَّ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي طَرِيقَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَهِيَ إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ مَلَكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَرْبَعِينَ فِيهَا الْقَوْلَانِ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ هَلْ تُؤَثِّرُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ تُؤَثِّرُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا تُؤَثِّرُ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ نِصْفُ شاة وفى الجديد يلزمه للاربعين الاولي شَاةٌ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي ادَّعَى الْمُصَنِّفُ صِحَّتَهُ ان لا شئ فهيا غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ * (وَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذا ملك في أول الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي صَفَرٍ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ أَرْبَعِينَ (فَعَلَى الْقَدِيمِ) يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا (وَفِي الْجَدِيدِ) يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ عِنْدَ كَمَالِ حَوْلِهَا وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ: وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُلُثُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ. هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَمَّا) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مشكلات المذهب (إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ) بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَلَّا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلَانِ كَالثَّانِيَةِ وَهَلَّا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَالْأُولَى (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُولَى تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْأَرْبَعُونَ الثَّانِيَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) نِصْفُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) شَاةٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد وابن الصباغ وغيرهما (والرابع) لا شئ فِيهَا وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي دَلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَوْجُودٌ هُنَا وَكَذَا يَكُونُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أحدها) شاة (والثانى) ثلثها (والثالث) لا شئ هذا كلا صَاحِبِ الْبَيَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الظَّاهِرُ *

(فرع) صنف الامام أبو الحسن علي ابن المسلم بن محمد بْنِ الْفَتْحِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا جُزْءًا فِي مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا وهى: رجل مللك فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ بَعِيرًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهُ بَعِيرًا وَفِي الثَّالِثِ بَعِيرًا وَهَكَذَا إلَى أن تكامل له ثلثمائة وستين بعيرا في ثلثمائة وستون يوما وأسامها كلها من حين ملك واحد مِنْهَا قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْنَى عَلَى أُصُولٍ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مِنْهَا) أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ فِي النِّصَابِ وَلَا يُضَمُّ فِي الْحَوْلِ لِأَنَّ الضَّمَّ فِي الْحَوْلِ إمَّا لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَالِهِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْحَوْلِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَتَوَلَّدَ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ كَالسِّخَالِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ مِنْهُ كَرِبْحِ مَالِ التِّجَارَةِ وَالْمُسْتَفَادُ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَيْسَ مَمْلُوكًا بِمَا مَلَكَ بِهِ مَا عِنْدَهُ وَلَا تَفَرَّعَ عَنْهُ فَلَمْ يُضَمَّ إلَيْهِ فِي الْحَوْلِ بِخِلَافِ الضَّمِّ فِي النِّصَابِ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّصَابِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَالُ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَهُوَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْحَوْلِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إرْفَاقُ الْمَالِكِ (الْأَصْلَ الثَّانِي) أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ هَلْ تُؤَثِّرُ فِيهِ قَوْلَانِ (القديم) تؤثر و (الجديد) لَا (الثَّالِثُ) إذَا ثَبَتَ لِبَعْضِ الْمَالِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَلِبَعْضِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي جَمِيعِهِ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَغْلِبُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي الْجَمِيعِ وَعَلَى الْجَدِيدِ يُفْرَدُ كُلُّ مَالٍ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ ثُمَّ خُلْطَةٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْتَفِقْ بِخُلْطَةِ الثَّانِي فَلَا يَرْتَفِقُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَفِيدِ نِصَابُ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدِهَا) أن يكون الْمُسْتَفَادُ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ دُونَ نِصَابٍ وَيَتِمُّ بِهِ نِصَابٌ بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً فَاسْتَفَادَ عَشْرًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّلَاثِينَ وَجَبَ فِيهَا تَبِيعٌ وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعَشْرِ وَجَبَ فِيهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ (الثَّالِثِ) أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغ النِّصَابَ الثَّانِي كَمَنْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ أَرْبَعِينَ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا وَالْخِلَافُ فِيهَا قَرِيبًا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا مَلَكَ الْأَبْعِرَةَ الْأَرْبَعَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ فَلَمَّا مَلَكَ الْخَامِسَ انْعَقَدَ وَكُلَّمَا مَلَكَ بَعِيرًا بَعْدَهُ ضُمَّ إلَى مَا قَبْلَهُ فِي النِّصَابِ لَا الْحَوْلِ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ حِينَ مِلْكِهِ فَإِذَا جَاءَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ مِنْ

المحرم الآتى كمل الْخَمْسِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَعَلَى الْقَدِيمِ تَغْلِبُ الْخُلْطَةُ فَيَجِبُ فِي الْخَمْسِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ لثلثمائة وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَوَاجِبُهَا تِسْعُ بَنَاتِ لَبُونٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَفِي الْخَمْسِ ثُمُنُهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْخُمْسِ فَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْآتِي كَمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وفى السابع السَّابِعِ وَفِي الثَّامِنِ الثَّامِنُ وَفِي التَّاسِعِ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُ وَقَصٌ بَيْنَ نِصَابَيْنِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى نِصَابٍ وَلَمْ تَبْلُغْ النِّصَابَ الثَّانِي وَهِيَ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّهَا إلَى النِّصَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا ملكت بعده ولا ييني ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْوَقَصَ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالْخَمْسَةِ قَبْلَ حَوْلِ الْوَقَصِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ قَبْلَ حَوْلِهِ وَلِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُبْسَطُ وَاجِبُ النِّصَابِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقَصِ وَلَا يَجِبُ فَرْضٌ آخَرُ قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِلْبِنَاءِ هنا ويجئ عَلَى الْقَدِيمِ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ فِي الْوَقَصِ هُنَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَيَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ الثَّانِي فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى الْجَدِيدِ شَاةٌ وَلَا أَثَرَ لِخَلْطَتِهَا بِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ وَاجِبَ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ وُجُودِ الخلطة وعدمها ثم لا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْخَامِسَ عَشَرَ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ فِي الْخَمْسَةِ عَلَى الْقَدِيم ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ شَاةٌ وَكَذَلِكَ إلَى كَمَالِ الْعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ الرَّابِعَةِ على القديم ثمن بنت لبون وعلى الجديد شَاةٌ ثُمَّ إذَا كَمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَقَدْ أَدَّى زَكَاةَ الْعِشْرِينَ فَفِي الْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَكَّ عَنْ مُخَالَطَةِ الْعِشْرِينَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَعَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ فِي الْأَصْلِ الثَّالِثِ لَا يَثْبُتُ لِلْخَمْسَةِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ثُمَّ الْوَقَصُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ لَبُونٍ وَقَدْ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَبَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ لَمْ يُزَكِّهَا فَعَلَى الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ لِكُلِّ الْمَالِ فَيَجِبُ فِي الْأَحَدَ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَهُوَ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَرُبْعُ عُشْرِهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ (وَالثَّانِي) يَجِبُ شَاتَانِ فِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ وَالصَّوَابُ الاول ثم لا يجب شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي الْعَشْرِ الَّتِي فَوْقَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ عَلَى مُقْتَضَى خُلْطَةِ جُمْلَةِ الْمَالِ وَعَلَى الْجَدِيدِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَقِّهِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ

الجديد ثم لا شئ فِيمَا زَادَ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَسِتِّينَ جزءا من جذعة ثم لا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ جزءا من بنتى اللبون ثم لا شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالتِّسْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خمسة عشر بعيرا فعلى القديم يجب فيها ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ حقتين ثم لا شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ ثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَالثَّمَانِيَةُ الَّتِي بَيْنَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وعشرين ومائة وثلاثين لا شئ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَوَاجِبُهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي التِّسْعَةِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعُشْرُهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ التِّسْعَةُ مُخَالِطَةٌ لِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ فِي التِّسْعَةِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ ثم كلما

كَمُلَ حَوْلُ عَشْرَةٍ وَجَبَ بِحِسَابِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فعلى القديم يجب ربع بنت لبون قى كُلِّ عَشْرَةٍ إلَى آخِرِ الْإِبِلِ وَعَلَى الْجَدِيدِ تُضَمُّ الْعَشَرَةُ إلَى مَا قَبْلَهَا وَيَجِبُ فِي الْعَشَرَةِ حِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِ الْجَمِيعِ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ وَاجِبٌ الْمِائَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ فَفِي الْعَشَرَةِ سُبْعُ حِقَّةٍ وَنِصْفُ سُبْعِ بِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ عَشْرَةٍ أُخْرَى فَفِي الْقَدِيمِ فِيهَا رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي الْجَدِيدِ خُمْسُ حِقَّةٍ فَإِذَا كمل حول مائة وسبعين فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي الْجَدِيدِ كَذَلِكَ فَاتَّفَقَ الْقَوْلَانِ فَإِذَا كَمُلَ حول مائة وستين فَفِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ فَفِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ تُسْعُ حِقَّةٍ وَتُسْعُ بِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حول مائة وتسعين فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وعلى الجديد جزء من تسعة عشر جزاء مِنْ ثَلَاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَخْتَارُ السَّاعِي الْأَغْبَطَ لِلْمَسَاكِينِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (ثَانِيهِمَا) تَتَعَيَّنُ الْحِقَاقُ فَعَلَى الْقَدِيمِ وَاجِبُ الْعَشَرَةِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ إنْ قُلْنَا تَجِبُ الْحِقَاقُ أَوْ كَانَتْ الا غبط وجب خمس حقة والافربع بِنْتِ لَبُونٍ وَحِينَئِذٍ يَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ وَكُلَّمَا حَالَ حَوْلُ عَشْرَةٍ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * {وأما إذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت في أثناء الحول حتى بلغ النصاب الثاني ضمت الي الامهات في الحول وعدت معها إذا تم حول الامهات وأخرج عنها وعن الامهات زكاة المال الواحد لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " أعتد عليهم بالسخلة التى يروح بها الراعى علي يديه " وعن على رضي الله عنه انه قال " عد الصغار مع الكبار " ولانه من نماء النصاب وفوائده فلم يتفرد بالحول وان تماوتت الامهات وبقيت الاولاد وهي نصاب لم ينقطع الحول فيها فإذا تم حول الامهات وجبت الزكاة فيها وقال أبو القاسم بن يسار الانماطي إذا لم يبق نصاب من الامهات انقطع الحول

لان السخال تجرى في حول الامهات بشرط ان تكون الامهات نصابا وقد زال هذا الشرط فوجب أن ينقطع الحول والمذهب الاول لانها جملة جارية في الحول هلك بعضها ولم ينقص الباقي عن النصاب فلم ينقطع الحول كما لو بقي نصاب من الامهات وما قاله أبو القاسم ينكسر بولد أم الولد فانه ثبت له حق الحرية بثبوته للام ثم يسقط حق الام بالموت ولا يسقط من حق الولد. وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شاة وفى أول صفر أربعين وفى أول شهر ربيع الاول أربعين وحال الحول على الجميع ففيه قولان (قال في القديم) تجب فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا لان كل واحدة من الاربعينات مخالطة للثمانين في حال الوجوب فكان حصتها ثلث شاة وقال في الجديد تجب في الاولي شاة لانه ثبت لها حكم الانفراد في شهر وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ لان الاولي لم ترتفق بخلطتها فلم ترتفق هي (والثاني) انه تجب فيها نصف شاة لانها خليطة الاربعين من حين ملكها وفى الثالثة وجهان (أحدهما) انه تجب فيها شاة لان الاولي والثانية لم ترتفقا بخلطتها فلم ترتفق هي (والثانى) تجب فيها ثلث شاة لانها خليطة الثمانين من حين ملكها فكان حصها ثلث شاة} *

{الشَّرْحُ} هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الْأُمَّهَاتُ فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ وَيَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الْآخَرِ وَقَدْ أَوْضَحْته بِدَلَائِلِهِ فِي التَّهْذِيبِ * (وَقَوْلُهُ) عُدْ الصِّغَارَ عَلَيْهِمْ هُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا - وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا هُوَ مُضْعِفٌ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ كشد وَمَدَّ وَقَدَّ الْحَبْلَ (وَقَوْلُهُ) يَنْكَسِرُ بِوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ الْكَسْرُ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْضِ فَإِذَا اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمٍ بِعِلَّةٍ فَوُجِدَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ قِيلَ

لِلْمُسْتَدِلِّ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِكَذَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْعِلَّةُ وَلَكِنْ مَعْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْكَسِرَةٌ بِكَذَا (مِثَالُهُمَا) رَجُلٌ لَهُ ابْنَانِ وَابْنُ ابْنٍ وَهَبَ لِأَحَدِ ابْنَيْهِ شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ لِمَ وَهَبْت لَهُ فَقَالَ لِأَنَّهُ ابْنِي فَقِيلَ لَهُ يُنْتَقَضُ عَلَيْك بِابْنِك الْآخَرِ وَيَنْكَسِرُ بِابْنِ ابْنِك (وَأَمَّا) الْأَنْمَاطِيُّ - بِفَتْحِ الْهَمْزَة - مَنْسُوبٌ إلَى الْأَنْمَاطِ وَهِيَ جمع نمط وهو نوع من النمط والا نماطي هَذَا هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ تَفَقَّهَ عَلَى الْمُزَنِيِّ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ ابن سريج ونسبه المصنف الي جده: (قوله) اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَهُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ - عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ خِطَابٌ مِنْ عُمَرَ لِعَامِلِهِ سُفْيَانَ بن عبد الله بن أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ أَبِي عَمْرٍو وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى الطَّائِفِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَالسَّخْلَةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ سَاعَةَ مَا تَضَعُهُ الشَّاةُ ضَأْنًا كَانَتْ أَوْ مَعْزًا وَالْجَمْعُ سِخَالٌ (وَقَوْلُهُ) شَهْرُ رَبِيعٍ الاول هو بتنوين ربيع بالاضافة ويققال شَهْرُ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَشَهْرُ رَبِيعِ الْآخَرِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ شَهْرُ كَذَا وَإِنَّمَا يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَصَفَرٌ وَجُمَادَى وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَكَذَا الْبَاقِي * (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ (فقال) أصحابنا يضم النتاج إلى الاناث فِي الْحَوْلِ وَتُزَكَّى لِحَوْلِهَا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعَهَا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ بِشَرْطَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَحْدُثَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ سَوَاءٌ كَثُرَتْ الْبَقِيَّةُ مِنْ الْحَوْلِ أَمْ قَلَّتْ فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُضَمُّ فِي الثَّانِي وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ يُضَمَّ فِي الْحَوْلِ الْمَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُضَمُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وقطع به الماوردى والبندنيجى وآخرون (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَحْدُثَ النِّتَاجُ بَعْدَ بُلُوغِ الْأُمَّاتِ نِصَابًا فَلَوْ مَلَكَ دُونَ نِصَابٍ فَتَوَالَدَتْ وبلغه ابتدأ الحول من حين بلغه وهذا لا خلاف فيه وذا وجد الشرطان فمات بعض الامات وبقى نِصَابُ النِّتَاجِ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ نِصَابٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ من المصنفين وقال جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ: يُزَكَّى النِّتَاجُ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ فَإِذَا بَلَغَ هُوَ نِصَابًا أَوْ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمَّاتِ زَكَاةً (وَالثَّانِي) يُزَكِّيه بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بشرط بقاء شئ مِنْهَا وَلَوْ وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شئ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بَلْ يُبْتَدَأُ حَوْلُهُ مِنْ حِينٍ وُجُودِهِ (وَالثَّالِثُ) يُزَكِّيهِ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْهَا نِصَابٌ وَلَوْ بَقِيَ دُونَهُ فلا زكاة في الجميع من حين بلغ نصابا وهذا

_ كذا في اصل والصواب نوع من البسط

الوجه حكاه غير المصنف عن الانماطى ودليل الْجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ الْكِتَابِ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَائِدَةُ ضَمِّ النِّتَاجِ إلَى الْأُمَّاتِ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ بِهِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ فَوَلَدَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَتُضَمُّ وَيَجِبُ شَاتَانِ فَلَوْ تَوَلَّدَ عِشْرُونَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ النِّتَاجِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَفِي أَوَّلِ صَفَرٍ أَرْبَعِينَ إلَى آخِرِهِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي السِّخَالِ الْمُسْتَفَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تُضَمُّ إلَى أُمَّهَاتِهَا فِي الْحَوْلِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُتَوَلِّدَةً مِنْ نِصَابٍ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَحَكَى الْعُكْبَرِيُّ عَنْ الحسن البصري وابراهيم النخعي أنهما قال لَا تُضَمُّ السِّخَالُ إلَى الْأُمَّات بِحَالٍ بَلْ حَوْلُهَا مِنْ الْوِلَادَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُضَمُّ السِّخَالُ إلَى النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ أَمْ اشْتَرَاهَا وَتُزَكَّى بِحَوْلِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا كان عنده عشرون من الغنم فولدت في أَثْنَاءَ الْحَوْلِ وَبَلَغَتْ نِصَابًا زَكَّى الْجَمِيعَ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأُمَّاتِ وَإِنْ اسْتَفَادَ السِّخَالَ مِنْ غَيْرِ الْأُمَّاتِ لَمْ يَضُمَّ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كما لك وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد لَا زَكَاةَ فِي السِّخَالِ تَابِعَةً وَلَا مُسْتَقِلَّةً وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا حَوْلٌ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا غَالِبًا كَذَا نَقَلُوا عَنْهُمَا الِاسْتِدْلَالَ أَيْ بالاثر * واحتج أصحابنا (1) * * قال المصنف رحمه الله * * {إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ولم يمكنه الاداء ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة قبل امكان الاداء فعلي هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط الحول والنصاب وامكان الاداء والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاتة فلم تكن الزكاة واجبة فيه كما قبل الحول (وقال في الاملاء) تجب وهو الصحيح فعلي هذا تجب الزكاة بشرطين الحول والنصاب وامكان الاداء شرط في الضمان لا في الوجوب والدليل عليه أنه لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمَا ضَمِنَهَا بالاتلاف كما قبل الحول فلما ضمن الزكاة بالاتلاف دل على أنها واجبة فان كان معه خمس من الابل هلك منها واحدة بعد الحول وقبل امكان الاداء (فان قلنا) امكان الاداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة لانه نقص المال عن النصاب قبل الوجوب فصار كما لو هلك قبل الحول وان قلنا انه ليس بشرط في الجوب وانما هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسه ووجب أربعة أخماسه. وان كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَتَوَالَدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمكان الاداء ففيه طريقان (أحدهما) أنه يبني علي القولين فان قلنا إمكان الادأ

شرط في الوجوب ضم الاولاد إلى الامهات فإذا أمكنه الاداء زكي الجميع وان قلنا شرط في الضمان لم يضم لانه حصل الاولاد بعد الوجوب فمن أصحابنا من قال في المسالة قولان من غير بناء على القولين (أحدهما) تضم الاولاد الي ما عنده لقول عمر رضى الله عنه " أعتد عليهم بالسخلة التى يروح بها الراعى علي يديه " والسخلة التى يروح بها الراعي علي يديه لا تكون الا بعد الحول وأما ما تولد قبل الحول فانه بعد الحول يمشي بنفسه (والثانى) وهو الصحيح لا يضم الي ما عنده} ** {الشَّرْحُ} * حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ السَّخْلَةِ. قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ فَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ شَرْطٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ * وَاحْتَجُّوا أَيْضًا لِلْقَدِيمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ التَّمَكُّنَ فِيهَا شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا * وَاحْتَجُّوا لِلْأَصَحِّ أَيْضًا بأنه لو تأخر الا مكان مُدَّةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ الثاني يحسب من تمام الاول لا مِنْ الْإِمْكَانِ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُنَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ مَعْنَاهُ يَضْمَنُ مِنْ الزَّكَاة بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصَابِ فَلَوْ هَلَكَ النِّصَابُ كُلُّهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فلا شئ علي المالك بلا خلاف كما ذكر المضنف لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَمْ يُصَادِفْ وَقْتُ الْوُجُوبِ مَالًا وَإِنْ قُلْنَا شرط في الضمان فلم يبق شئ يُضَمْنَ بِقِسْطِهِ فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى التَّالِفِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَا شئ فِيهَا وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وجوب أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَلَوْ تَلِفَ أَرْبَعَةٌ فَعَلَى الاول لا شئ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ خُمْسُ شَاةٍ وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً فَتَلِفَ خَمْسٌ مِنْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وقبل الامكان فعلي الاول لا شئ عليه وعلى الثاني يجب خمس أَسْدَاسِ تَبِيعٍ وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى تِسْعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ أَرْبَعَةٌ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَجَبَ شَاةٌ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ الْفَرْضُ بِالْجَمِيعِ فَالصَّحِيحُ الذى قطع به الجمهور يجب خمس أَتْسَاعِ شَاةٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا وَدَلِيلُهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَوْقَاصِ

هل هي عفو أم لان إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَلِفَ خَمْسٌ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ الوجوب فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَإِنْ قُلْنَا ليس بعفو فأربعة اتساع شاة ولا يحبى وجه أبى استحاق. وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً فَتَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ أَرْبَعُونَ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ فَنِصْفُ شَاةٍ وَعَلَى وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ ملك خمساو عشرين بَعِيرًا فَتَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ خَمْسٌ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَزِمَهُ أربع شياه والا فأربعة أخماسا بِنْتِ مَخَاضٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَتَوَالَدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ ذكر هما المصنف بدليلهما فيها طريق ثالث انه لا يجب شئ فِي الْمُتَوَلِّدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ النِّتَاجُ إلَى الْأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ بَلْ يَبْدَأُ حَوْلَهَا مِنْ حِينِ وِلَادَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمَا ضَمِنَهَا بِالْإِتْلَافِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ بَاقِيَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ (وَأَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ انْتَقَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمَرْهُونُ أَوْ الْجَانِي (وَأَمَّا) قَوْلُهُ التَّفْرِيعُ فِيمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ فَمَعْنَاهُ لَمْ تَجِبْ وَلَيْسَ هُوَ سُقُوطًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا كَثِيرٌ يَسْتَعْمِلُهُ الْأَصْحَابُ نَحْوَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ الْوُجُوبِ مَوْجُودًا ثُمَّ عَرَضَ مَانِعُ الْوُجُوبِ صَارَ كَمُسْقَطِ مَا وَجَبَ فَسُمِّيَ سُقُوطًا مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إمْكَانِ الْأَدَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الضمان علي الاصح فان تلف المال بعده ضمن الزَّكَاةِ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ فَلَا وَقَالَ أَحْمَدُ يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ وَالتَّمَكُّنُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا تَلِفَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يُطَالِبَهُ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي فَيَمْنَعُهُ * وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ طُولِبَ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَيَّزَ الزَّكَاةَ عَنْ مِلْكِهِ وَأَخَذَهَا لِيُسَلِّمَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ وَسَقَطَتْ عَنْهُ وَقَالَ دَاوُد إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ مَنَعَهَا كَانَ ضَامِنًا بِالتَّلَفِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَالِ سَقَطَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقِسْطِهِ * دليلنا القياس علي دين الآدمى * * قال المصنف رحمه الله * * {وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة: فيه قولان (قال في القديم) تجب في الذمة والعين مرتهنة بها ووجهه أنها لو كانت واجبة فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الفقراء من غيرها كحق المضارب والشريك (وقال في الجديد) تجب في العين وهو الصحيح لانه حق يتعلق بالمال يسقط بهلا كه فتعلق بعينه كحق المضارب * (فان قلنا) أنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة فلم يؤد حتى حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة لان الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض فلم يجب في الحول الثاني زكاة لان الباقي دون النصاب * (وإن قلنا) تجب في الذمة وجبت في الحول الثاني وفى كل حول لان النصاب باق علي ملكه) * * {الشَّرْحُ} * قَوْلُهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَيْنِ (وَالْقَدِيمُ) فِي الذِّمَّةِ * هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ تَرْتِيبًا آخَرَ فِي كَيْفِيَّةِ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا هَلْ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفُقَرَاءَ يَصِيرُونَ شُرَكَاءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَالَ فِي الصِّفَةِ فَتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَالْمَرِيضَةُ مِنْ الْمِرَاضِ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ قَهْرًا (وَالثَّانِي) أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ اسْتِيثَاقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِيثَاقِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ (وَالثَّانِي) تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بتلف المال قبل التمكن

فلوقلنا تَعَلُّقُهَا تَعَلُّقُ الْمَرْهُونِ لَمَا سَقَطَتْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لا خلاف في تعلقها العين تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ (وَالثَّانِي) تَعَلُّقَ الرَّهْنِ (وَالثَّالِثُ) تَعَلُّقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَالرَّابِعُ) تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِذَا قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَهَلْ الْمَالُ خلو أو هو رهن بها فِيهِ وَجْهَانِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ أَمْ بِقَدْرِهَا فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بِقَدْرِهَا قَالَ الْإِمَامُ التَّخْصِيصُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَمَا عَدَاهُ هَفْوَةٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ في بيع مال الزكاة هذه كُلُّهُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ

فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وغيره (أحدهما) القطع بتعلقها بِالذِّمَّةِ لِتَوَافُقِ الْجِنْسِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَعَلَى قَوْلِ الِاسْتِيثَاقِ لَا تَخْتَلِفُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ ثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْجِيهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَوْ وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِهَا كَحَقِّ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ فَالْمُضَارِبُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا - وَهُوَ عَامِلُ الْقِرَاضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَجَابَ) الاصحاب

لِلْقَوْلِ الْجَدِيدِ الصَّحِيحِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْإِرْفَاقِ فَيُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا (وَقَوْلُهُ) فِي تَوْجِيهِ الْجَدِيدِ حَقُّ تَعَلُّقٍ بِالْمَالِ فَسَقَطَ بِهَلَاكِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّهْنِ * (فَرْعٌ) إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ فَإِنْ حَدَثَ مِنْهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ سَخْلَةٌ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ يَمْلِكُ سِوَى الْغَنَمِ مَا يَفِي بِشَاةٍ وَجَبَ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ النِّصَابِ انْبَنَى عَلَى الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) يَمْنَعُ لَمْ يجب للحول الثاني شئ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَمْنَعُ وَجَبَتْ الشَّاةُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي (وَإِنْ قُلْنَا)

باب صدقة الأبل

تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ لَمْ يَجِبْ لِلْحَوْلِ الثاني شئ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَلَكُوا شَاةً فَنَقَصَ النِّصَابُ وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَمُخَالَطَتُهُمْ لَا تُؤَثِّرُ كَمُخَالَطَةِ الْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ (وَإِنْ قُلْنَا) تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ أَوْ الرَّهْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ هُوَ كَقَوْلِ الشَّرِكَةِ (وَالصَّحِيحُ) قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ تَسَلُّطِ السَّاعِي عَلَى الْمَالِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْرِي الْخِلَافُ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ أَيْضًا وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا حَوْلَيْنِ وَلَا نِتَاجَ فَإِنْ عَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالذِّمَّةِ وَقُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُهَا أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِهَا فَعَلَيْهِ بِنْتَا مَخَاضٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالشَّرِكَةِ فَعَلَيْهِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلِلثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَتَفْرِيعُ قَوْلِ الرَّهْنِ وَالْأَرْشِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ * وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ حَوْلَيْنِ بِلَا نِتَاجٍ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لَكِنْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهِ أَنَّ قول الشركة لا يجئ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذَا عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا كَالْحُكْمِ فِي الْأُولَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ * فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ فاخرته الي هناك * * (باب صدقة الأبل) * * قال المصنف رحمه الله * * {أول نصاب الابل خمس وفرضه شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وهي التى لها سنة ودخلت في الثانية وفى ست وثلاثين بنت لبون وهي التى لها سنتان ودخلت في الثالثة وفى ست وأربعين حقة وهى التى لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وفى أحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حقتان وفى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حقة والاصل فيه ما روى أنس رضى الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب

لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التى فرض الله عز وجل على المسليمن الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فوقها فلا يعطه فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مخاض أنثى فان لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر وليس معه شئ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ فإذا بلغت احدى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بلغت ستا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حقتان طروقتا الفحل فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ} * * {فان زاد علي عشرين ومائة أقل من واحد لم يتغير الفرض وقال أبو سعيد الاصطخرى يتغير فيجب ثلاث بنات لبون لقوله فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ اربعين بنت لبون ولم يفرق والمنصوص هو الاول لما روى الزهري قال " اقرأني سالم نُسْخَةِ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه فإذا كان إحدى وتسعين ففيها حقتان حتى تبلغ عشرين ومائة فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بنات لبون ولانه وَقْصٌ مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرْضُ بعده باقل من واحدة كسائر الاوقاص} * * {الشَّرْحُ} * مَدَارُ نُصُبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ عَلَى حَدِيثَيْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُهُمَا لِيُحَالَ مَا يَأْتِي عَلَيْهِمَا (فَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ أَنَسٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ والتى أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين علي وجها فَلِيُعْطِهَا وَمِنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أربع وعشرين من الابل فما دونها من الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مخاض أنثى فإذا بلغت ستة وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بلغت سنة وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ ومائة ففي كل أربعين بنت ليون وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صدقة إلا ان يشاء بها فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثلاث

شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ الا أن يشاربها وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الا تسعين ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاربها وَفِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ منه وليس معه شئ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه الحقة ويجعل معها شاتين استيسر تاله أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين در هما أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصدقة هرمة ولاذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ولا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بينهما بالتسوية " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُفَرَّقًا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَجَمَعْتُهُ بِحُرُوفِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فرواه سفيان ابن حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ وَكَانَ فِيهِ " فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شاة وفى عشر شاتان وفى خمس عشر ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا زادت

فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الشِّيَاهِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ فَإِذَا زادت فثلاث شياه الي ثلثمائة فإذا زادت علي ثلثمائة فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ ثُمَّ لَيْسَ فيها شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كان من مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يؤخذ في الصدقة هرمة ولاذات عَيْبٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشياه أثلاثا ثلث خيار وثلث أو ساط وَثُلُثٌ شِرَارٌ وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وأكثر روايات أبو دَاوُد وَغَيْرِهِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ علي عشرين ومائة وفى رواية لابي؟ دواود فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُتَّصِلًا (وَأَمَّا) أَسْنَانُ الْإِبِلِ فَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي ينبغى تقديمها فلا بل - بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا - وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَالْإِبِلُ مُؤَنَّثَةٌ يُقَالُ

إبِلٌ سَائِمَةٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ إذَا وَضَعَتْهُ رُبَعٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ - وَالْأُنْثَى رَبَعَة ثُمَّ هُبَعٌ وَهِبْعَة - بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - فإذ فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَصِيلٌ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ وَالْفِصَالُ الْفِطَامُ وَهُوَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حُوَارٌ - بِضَمِّ الْحَاءِ - فَإِذَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ ابْنُ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ مَخَاضٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُ لَحِقَتْ بِالْمَخَاضِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ ثُمَّ لَزِمَهُ هَذَا الِاسْمُ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ أُمُّهُ وَلَا يَزَالُ ابْنَ مَخَاضٍ حَتَّى يدخل في السنة الثالثة فإذ دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ ابْنُ لَبُونٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ لَبُونٍ هَكَذَا يُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إلَى النَّكِرَةِ هَذَا هو الا كثر وَقَدْ اسْتَعْمَلُوهُ قَلِيلًا مُضَافًا إلَى الْمَعْرِفَةِ قَالَ الشاعر * وابن اللبون إذا ماذ فِي قَرْنٍ * قَالُوا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُ وضعت غيره وصارت ذا لَبَنٍ وَلَا يَزَالُ ابْنَ لَبُونٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ حِقٌّ وَالْأُنْثَى حِقَّةٌ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ وَأَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ فَتَحْمِلَ مِنْهُ وَلِهَذَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ وَطَرُوقَةُ الْجَمَلِ وَطَرُوقَةٌ بِمَعْنَى مَطْرُوقَةٌ كَحَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ بِمَعْنَى مَحْلُوبَةٍ وَمَرْكُوبَةٍ وَلَا يَزَالُ حِقًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ جَذَعٌ - بِفَتْحِ الذَّالِ - وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يَزَالُ جَذَعًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّادِسَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ ثَنِيٌّ وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَسْنَانِ الْمُجْزِئَةِ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَزَالُ ثَنِيًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ رَبَاعٌ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَيُقَالُ رَبَاعِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَلَا يَزَالُ رَبَاعًا وَرُبَاعِيًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ سَدَسٌ - بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِ وَيُقَالُ أَيْضًا سَدِيسٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ - وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ واحد ولا يزال سد ساحتي يدخل في الستة التاسعة فإذا دخل فيها فَهُوَ بَازِلٌ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَبِاللَّامِ - لِأَنَّهُ بَزَلَ نَابُهُ أَيْ طَلَعَ وَالْأُنْثَى بَازِلٌ أَيْضًا بِلَا هَاءٍ وَلَا يَزَالُ بَازِلًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ مُخْلِفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وكسر اللام - والانثى مخلفا أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي قَوْلِ الْكِسَائِيّ وَمُخْلِفَةٌ بالهاء في

قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ حَكَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَوَافَقَهُمَا غَيْرُهُمَا ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْمٌ مَخْصُوصٌ وَلَكِنْ يُقَالُ بَازِلُ عام وبازل عامين ومخلف عام مخلف عَامَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ فَإِذَا كَبُرَ فَهُوَ عَوْدٌ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ - وَالْأُنْثَى عَوْدَةٌ فَإِذَا هَرِمَ فَهُوَ قَحِمٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَالْأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ إلَى هُنَا قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ وَنَقَلَهُ أبو داود السجستاني فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ عَنْ الرِّيَاشِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ لَكِنْ فِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ زِيَادَةُ أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَيُقَالُ مُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ وَمُخْلِفُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْجُمْهُورُ بِخَمْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَم * (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ فَأَوَّلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ قَالَ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ وَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ أَيْ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَوْ مَعْنَاهُ وَنَحْوِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَدَأَ بِإِشَارَةِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ مُؤَنَّثًا قَالَ وَقَوْلُهُ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ أَيْ نُسْخَةُ فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ فَحَذَفَ لَفْظَ نُسْخَةُ وَهُوَ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَتُسَمَّى الْجَذَعَةُ وَالْحِقَّةُ وَبِنْتُ اللَّبُونِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ الْمَأْخُوذَاتُ فِي الزَّكَاةِ فَرَائِضَ وَالْوَاحِدَةُ فَرِيضَةً وَهِيَ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَقَوْلُهُ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى الزَّكَاةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَقَوْلُهُ) الَّتِي فَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ

(وَالثَّانِي) مَعْنَى فَرَضَ سَنَّ (وَالثَّالِثُ) مَعْنَاهُ قَدَّرَ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا إلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُمِّيَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْلِيغُهُ فَرْضًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ شَرَعَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَى الثَّالِثِ بَيَّنَهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَدْ فرص الله لكم تحلة ايمانكم) أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ قَدَّرَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ الْكَافِرُ مُخَاطَبًا بِالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بكل ذلك ومعني على المسلمين أي تؤخد منهم في الدنيا والكافر لا تؤخد مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَلَكِنَّهُ يُعَذَّبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ (وَقَوْلُهُ) وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ الَّتِي بِغَيْرِ وَاوٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ (فَأَمَّا) رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَالْجُمْهُورِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَعَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أَنَّ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ اجْتَمَعَ فِيهَا تَقْدِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَابُهُ (وَأَمَّا) عَلَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ الْأُولَى وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ التى فرض

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ في المهذب التى أمر الله تعالي بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ بِهَا فِي الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - فِيهِمَا وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سُئِلَ - بِضَمِّ السِّينِ - فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ (قَوْلُهُ) فَمَنْ سئلها علي وجهها أي علي حَسْبَ مَا شُرِعَتْ لَهُ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ " اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الضَّمِيرِ فِي لَا يُعْطَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ فِي كُتُبِ الْمَذَاهِبِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُعْطَى الزَّائِدَ بَلْ يُعْطَى أَصْلَ الْوَاجِبِ عَلَى وَجْهِهِ كَذَا صححه أصحابنا في كتبهم ونقل الرافعي الا تفاق عَلَى تَصْحِيحِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يُعْطَى فرض الزكاة ولا شئ مِنْهُ لِهَذَا السَّاعِي بَلْ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى سَاعٍ آخَرَ قَالُوا لِأَنَّهُ بِطَلَبِهِ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ يَكُونُ مُعْتَدِيًا فَاسِقًا وَشَرْطُ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا: وَهَذَا إذَا طَلَبَ الزَّائِدَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَنْ طَلَبَ شَاتَيْنِ عَنْ شَاةٍ فَأَمَّا مَنْ طَلَبَ زِيَادَةً بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ كَانَ مَالِكِيًّا يَرَى أَخْذَ الْكَبِيرَةِ عَنْ الصِّغَارِ فَإِنَّهُ الْوَاجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُعْطَى الزائد لان لَا يَفْسُقُ وَلَا يَعْصِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى فَجَعَلُوهُ حَرَامًا وَهُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ فَسَقَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ فَانْعَزَلَ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ " هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فَالْغَنَمُ مُبْتَدَأٌ وَفِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ هُنَا فِي تقديم الخبر أن المقصود بيان النصب وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَحْسَنَ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاجِبَ وَكَذَا اُسْتُعْمِلَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ النُّصُبِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ فِيهَا حِقَّةٌ " إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ " مُجْمَلٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " بنت مخاض أنثى وبنت لبون أُنْثَى " قِيلَ احْتِرَازٌ مِنْ الْخُنْثَى وَقِيلَ غَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ كَقَوْلِهِمْ رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولاذات عَوَارٍ " وَالْعَوَارُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْعَيْبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولاذات عوار ولا تيس الاما شَاءَ الْمُصَّدِّقُ " وَفِي رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد " إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ " أَيْ فَحْلُهَا الْمُعَدُّ لِضِرَابِهَا وَاخْتُلِفَ في معناه فقال كثيرون أو الا كثرون: الْمُصَّدِّقُ هُنَا - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ - وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ قَالُوا وَالِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى التَّيْسِ خَاصَّةً وَمَعْنَاهُ لَا يُخْرِجُ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ إلَّا بِرِضَاءِ الْمَالِكِ قَالُوا ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ الْهَرِمَةَ وَذَاتَ الْعَيْبِ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُمَا وَلَا لِلْعَامِلِ الرِّضَا بِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالزَّكَاةِ (وَأَمَّا) التَّيْسُ فَالْمَنْعُ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَهُوَ كَوْنُهُ فَحْلَ الْغَنَمِ الْمُعَدَّ لِضِرَابِهَا فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ الْمَالِكُ جَازَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ الغنم كلها ذكورابان مَاتَتْ الْإِنَاثُ وَبَقِيَتْ الذُّكُورُ فَيَجِبُ فِيهَا ذُكُورٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ وَسَطِهَا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ تَيْسِ الْغَنَمِ إلَّا بِرِضَاءِ الْمَالِكِ. هَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ إلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُهُ عَلَى النَّظَرِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ وَأَرَادَ بِالْمُصَدِّقِ السَّاعِيَ وَهُوَ - بِتَخْفِيفِ الصَّادِ - فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ أَيْضًا الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى جَمِيعِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ هُوَ اسْمٌ لِبِلَادٍ مَعْرُوفَةٍ وَإِقْلِيمٍ مَشْهُورٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى مُدُنٍ قَاعِدَتُهَا هَجَرُ قَالُوا وَهَكَذَا يُنْطَقُ بِهِ الْبَحْرَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ بَحْرَانِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَصْلٌ} أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ خلائق فلا يجب فيما دون خمس شئ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ ثُمَّ لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ

حِقَّةٌ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ ولا يجب بعدها شئ حَتَّى تُجَاوِزَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً وَجَبَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَإِنْ زَادَتْ بَعْضَ وَاحِدَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يجب الاحقتان (وَقَالَ) أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ - يَجِبُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَاحْتَجَّ الْإِصْطَخْرِيُّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَالزِّيَادَةُ تَقَعُ عَلَى الْبَعِيرِ وَعَلَى بَعْضِهِ * وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ " فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً " لَكِنْ سَبَقَ أنها ليست متصلة الاسناد فتحتج بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعِيرٌ كَامِلٌ وَتُتَصَوَّرُ المسألة بان يملك مائة وعشرين بعير أو بعض بعير مشترك بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا تَصِحُّ خُلْطَتُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ لِأَنَّهُ وَقْصٌ مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرْضُ بَعْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْأَوْقَاصِ قَالَ القَلَعِيُّ. قوله محدود في الشرع حتراز مِمَّا فَوْقَ نِصَابِ الْمُعَشَّرَاتِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ بَعْدَ النِّصَابِ حَدًّا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَالْوَاجِبُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا سَبَقَ وَهَلْ لِلْوَاحِدِ قِسْطٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْإِصْطَخْرِيُّ لَا (وَقَالَ) الْجُمْهُورُ نَعَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَ مِنْ الْوَاجِبِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جزاء وَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يَسْقُطُ ثُمَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حقة فيجب في مائة وثلاثين بنتالبون وَحِقَّةٌ فَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ هُنَا بِتِسْعَةٍ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةً أَبَدًا فَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَفِي مِائَتَيْنِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَيُّهُمَا يَأْخُذُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَفِي مِائَتَيْنِ وَعَشْرٍ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لبون ومائتين وثلاثين ثلاث حقاق وببتا لَبُونٍ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ بِنْتَ مَخَاضٍ لَهَا سَنَةٌ وَبِنْتَ لَبُونٍ سَنَتَانِ والحقة ثلاث والحذعة اربع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَفِي الاوقاص التى بين النصب قولان (قال) في القديم والجديد يتعلق الفرض بالنصب وما بينهما من الاوقاص عفو لانه وقص قبل النصاب فلم يتعلق به حق كالاربعة الاولة (وقال) في البويطى يتعلق الفرض بالجميع لحديث انس فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا

بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مخاض فجعل الفرض في النصاب وما زاد ولانه زيادة علي نصاب فلم يكن عفوا كالزيادة على نصاب القطع في السرقة (فان قلنا) بالاول فملك تسعا من الابل فهلك بعد الحول وقبل امكان الاداء اربعة لم يسقط من الفرض شى وان قلنا بالثاني سقط اربعة اتساعه} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ فِي الْأَوْقَاصِ الَّتِي بَيْنَ النُّصُبِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَفْوٌ وَيَخْتَصُّ الْفَرْضُ بِتَعَلُّقِ النِّصَابِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَقَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ دَلِيلَهُمَا فَلَوْ كَانَ مَعَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ (فَإِنْ قُلْنَا) التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَجَبَتْ شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الْوَقَصُ عَفْوٌ وَجَبَتْ شَاةٌ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَجَبَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ بَلْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضمان ولابد مِنْ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ خَمْسَةِ أَتْسَاعِ شَاةٍ عَلَى قَوْلِنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الْفَرْضَ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ هُوَ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ

وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ شَاةً كَامِلَةً مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ ووجهه ابن الصباع بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ فَلَا يُؤَثِّرُ تَلَفُهَا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنَا مُحْصَنٍ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ غَلِطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا التَّفْرِيعِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُفَرَّعَةٍ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا * (فَرْعٌ) الْوَقَصُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا - لُغَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ - الْفَتْحُ - وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْإِسْكَانُ وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْفَتْحِ وَصَنَّفَ الْإِمَامُ ابْنُ بِرِّيٍّ الْمُتَأَخِّرُ جُزْءًا فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُصِبْ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ فَذَكَرَ مِنْ لَحْنِهِمْ قَوْلَهُمْ وَقْصٌ بِالْإِسْكَانِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي باب زكاة البق رأيضا وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا الْوَقْصُ بِالْإِسْكَانِ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ فِي اللُّغَةِ الْأَوَّلُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ بِالْفَتْحِ فَالْأَوَّلُ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ * وَاحْتَجَّ مَانِعُ الْإِسْكَانِ بِأَنَّ فَعْلًا السَّاكِنَ الْمُعْتَلَّ الْفَاءِ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ جاء قطب واقطاب ووعد واوعاد وَوَعْرٌ وَأَوْعَارٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَحَصَلَ فِي الْوَقْصِ لُغَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّنْقُ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ - هُوَ أَيْضًا مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ الْوَقْصُ وَالشَّنْقُ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الاصمعي الشنق يختص باوقاص الابل والوقص يختص بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَاسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في البويطي الشنق في أو قاص الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا وَيُقَالُ أَيْضًا وَقْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الْوَقْسُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ كَذَا هُوَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِالسِّينِ وَكَذَا رواه البيهقى في معرفة السنن والاثاو بِإِسْنَادِهِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال البهيقي كَذَا فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الْوَقْسُ

بِالسِّينِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ بِالصَّادِ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ وَرَوَيْتُهُ أَنَا فِي الْمُسْنَدِ الَّذِي يَرْوِيهِ الرَّبِيعُ إنَّمَا هُوَ بِالصَّادِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ حَدِيثَ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأَوْقَاصِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَوْقَاسُ بِالسِّينِ فَلَا تَجْعَلْهَا صَادًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْوَقْصِ (وَأَمَّا) مَعْنَاهُ فَيَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ وَاسْتَعْمَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَاسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَصٌ قَبْلَ نِصَابٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ به حق كالاربعة الاولة (وَأَمَّا) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَقَالَ) فِي البويطى ليس في الشنق من الابل والبقر والغنم شئ قَالَ وَالشَّنْقُ مَا بَيْنَ السِّنِينَ مِنْ الْعَدَدِ قال وليس في الاوقاص شئ قَالَ وَالْأَوْقَاصُ مَا لَمْ تَبْلُغْ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الْوَقْسُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ قال الاوقاس مَا دُونَ الثَّلَاثِينَ يَعْنِي مِنْ الْبَقَرِ وَمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ فَحَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يُقَالُ وَقَصٌ وَوَقْصٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا - وَشَنَقَ وَوَقْسٌ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مالازكاة فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ نِصَابَيْنِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْأَرْبَعَةِ الأولة قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ الأولة وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَوْقَاصِ * قد ذكرنا ان الاصح مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَقَالَ ابن المنذر قال أكثر العلماء لا شئ في الاوقاص *

(فَرْعٌ) أَكْثَرُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْأَوْقَاصِ فِي الابل تسعة وَعِشْرُونَ وَفِي الْبَقَرِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي الْغَنَمِ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعُونَ فَفِي الْإِبِلِ مَا بَيْنَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَفِي الْبَقَرِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ وَفِي الْغَنَمِ مَا بين مائتين وواحدة واربعمائة *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * * {من ملك من الابل دون الخمس والعشرين فالواجب في صدقته الغنم وهو مخير بين أن يخرج الغنم وبين ان يخرج بعيرا فإذا اخرج الغنم جاز لانه الفرض المنصوص عليه وإن اخرج البعير جاز لان الاصل في صدقة الحيوان ان يخرج من جنس الفرض وانما عدل الي الغنم ههنا رفقا برب المال فإذا اختار أصل الفرض قبل منه كمن ترك المسح عل الخف وغسل الرجل وان امتنع من اخراج إلزكاة لم يطالب الا بالغنم لانه هو الفرض المنصوص عليه وان اختار اخراج البعير قبل منه أي بعير كان ولو أخرج بعيرا قيمته أقل من قيمة الشاة اجزأه لانه افضل من الشاة لانه يجزئ عن خمس وعشرين فلان يجزئ عما دونها اولي وهل يكون الجميع فرضه أو بعضه فيه وجهان (احدهما) ان الجميع فرضه لانا خيرناه بين الفرضين فايهما فعل كان هو الفرض كمن خير بين غسل الرجل والمسح علي الخف (والثانى) ان الفرض بعضه لان البعير يجزئ عن الخمس والعشرين فدل على ان كل خمس من الابل يقابل خمس بعير وان اختار اخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثنى في السن لِمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ " أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نهينا عن الاخذ من راضع لين وانما حقنا في الجذعة والثنية " وهل يجزئ فيه الذكر فيه وجهان (من أصحابنا) من قال لا يجزئه للخبر وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَلَمْ يَجُزْ فيها الذكر كالفرض من جنسه (وقال) أبو إسحق يجزيه لانه حق لله تَعَالَى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ فَجَازَ فيه الذكر والانثى كالاضحية وتجب عليه من غنم البلدان كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ وان كانا سواء جاز من ايهما شاء لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اعتبر فيه عرف البلد كالطعام في الكفارة وان كانت الابل مراضا ففى شاتها وجهان (أحدهما) لا تجب فيه الا ما تجب في الصحاح وهو ظاهر المذهب لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِ فَلَمْ يختلف بصحة المال ومرضه كالا ضحية وقال أبو علي بن خيران تجب عليه شاة بالقسط فتقوم الابل الصحاح والشاة التى تجب فيها ثم تقوم الابل المراض فيجب فيها شاة بالقسط لانه لو كان الواجب من جنسه فرق بين الصحاح والمراض فكذلك إذا كان من غير جنسه وجب ان يفرق بين الصحاح والمراض} * * {الشَّرْحُ} * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا مَلَكَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَوَاجِبُهَا الشَّاةُ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَجْزَأَهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ * وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ بَقَرَةٍ * وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ

عن خمس وعشر بن فعما دُونَهَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَجِبَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ فَإِذَا تَكَلَّفَ الْأَصْلَ أَجْزَأَهُ فَإِذَا أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ أَوْ عَشْرٍ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ أو عشرين أجزأه سواء كانت قيمته كقيمة شاة أَوْ دُونَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْبَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا النَّاقِصُ عَنْ شَاتَيْنِ عَنْ عَشْرٍ وَلَا النَّاقِصُ عَنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا أَوْ قَلِيلَةَ الْقِيمَةِ لِعَيْبٍ أَجْزَأَ الْبَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنْ كَانَتْ صِحَاحًا لَمْ يُجْزِئْهُ النَّاقِصُ (وَوَجْهٌ رَابِعٌ) لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ حَيَوَانٌ إمَّا بَعِيرٌ وَإِمَّا شَاةٌ وَفِي الْعَشْرِ حيوانان شَاتَانِ أَوْ بَعِيرَانِ أَوْ شَاةٌ وَبَعِيرٌ وَفِي الخمس وعشرة ثَلَاثُ حَيَوَانَاتٍ وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَاقِي مِنْ الْغَنَمِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْبَعِيرُ الْمَخْرَجُ عن عشرين وان كانت قيمته دون قيمة شَاةٍ وَشَرْطُ الْبَعِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْ عِشْرِينَ فَمَا دونها أن يكون بنت مخاضن فَمَا فَوْقَهَا بِحَيْثُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ الْعِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا مِرَاضًا فَأَخْرَجَ مِنْهَا مَرِيضًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَدْوَنَهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجْهُهُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا. وَإِذَا أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا أَمْ خَمْسَةٌ فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَمِيعُ يَقَعُ فَرْضًا لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبَعِيرِ وَالشَّاةِ فَأَيُّهُمَا أَخْرَجَ وَقَعَ وَاجِبًا كَمَنْ لَبِسَ الْخُفَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ وقع وَاجِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْخُمْسَ فَقَطْ لَجَازَ إخْرَاجُ خُمْسُ بَعِيرٍ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ (وَالثَّانِي) أَنَّ خُمْسَ الْبَعِيرِ يَقَعُ فَرْضًا وَبَاقِيهِ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَدَلَّ على أن كل خمس انه مِنْهُ عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَنَحَرَ بَدَنَةً أَوْ نَذَرَ شَاةً فَنَحَرَ بَدَنَةً وَفِيمَنْ مَسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ أَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةً عَلَى الْمُجْزِئِ فَهَلْ يَقَعُ الْجَمِيعُ فَرْضًا أَمْ سُبْعُ الْبَدَنَةِ وَأَقَلُّ جُزْءٍ من

الرَّأْسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْبَدَنَةِ وَالْمَسْحِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْبَعْضُ وَفِي الْبَعِيرِ فِي الزَّكَاةِ كُلُّهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سُبْعِ بَدَنَةٍ وَبَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ وَلَا يُجْزِئُ هُنَا خُمْسُ بَعِيرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: مَنْ يَقُولُ الْبَعْضُ هُوَ الْفَرْضُ يَقُولُ هُوَ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ بِالْبَاقِي * قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْإِبِلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بَدَلٌ عَنْ الْإِبِلِ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) أَصْلٌ فَالْبَعِيرُ كُلُّهُ فَرْضٌ كَالشَّاةِ وَإِلَّا فَالْخُمْسُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ عَجَّلَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ لِهَلَاكِ النِّصَابِ أَوْ لِاسْتِغْنَاءِ الْفَقِيرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ فَإِنْ قُلْنَا الْجَمِيعُ رَجَعَ فِي جَمِيعِهِ وَإِلَّا فَفِي الْخُمْسِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا رُجُوعَ فِيهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا: الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ الْإِبِلِ هِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ من المعزوفى سِنِّهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا مَشْهُورَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْجَذَعَةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيَّةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُهَذَّبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ لِلْجَذَعَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَلِلثَّنِيَّةِ سَنَةً وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنَّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ (وَالثَّالِثُ) وَلَدُ الضَّأْنِ مِنْ شَاتَيْنِ صَارَ جَذَعًا لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وان كان لهر مين فَلِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ * (فَرْعٌ) الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ هِيَ جَذَعَةُ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَخْرَجَ الْأُنْثَى أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ وَإِنْ أَخْرَجَ الذَّكَرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَلَا تَأْخُذْ الا كولة ولا الربا وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ والثنية وذلك عدل بين غداء الْمَالِ وَخِيَارِهِ " صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبِلُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَفِيهَا الْوَجْهَانِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَشَذَّ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَحَكَوْا فيه طريقين (أصحهما) هذا و (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ أصحابنا

وَالْوَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي شَاةِ الْجُبْرَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الشَّاةُ مِنْ غَنَمِ البلدان كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ فان استويا جاز من أيها شَاءَ. هَذَا كَلَامُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي طريقة الخراسانيين (وأما) المذهب الشمهور الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الخراسانين وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يجب من غنم البلدان كَانَ بِمَكَّةَ فَشَاةٌ مَكِّيَّةٌ أَوْ بِبَغْدَادَ فَبَغْدَادِيَّةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ بَلْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَلَا نَظَرَ إلَى الْأَغْلَبِ فِي الْبَلَدِ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ بَلَدِهِ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. هَذَا نَصُّهُ. قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّوْعَيْنِ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ وَأَرَادَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ النَّوْعُ الْغَالِبُ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْقَلِيلِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ نَقَلَ نُصُوصًا أُخَرَ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ ورجحها وساعده الامام على ترجيحها وقال الرافعى: قال الا كثرون بِتَرْجِيحِ التَّخْيِيرِ وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ وَأَنْكَرَ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ نَقْلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا غَالِبَ غَنَمِ الْبَلَدِ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وهذا الذى أنكره الرافعي انكار صيحح وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ جَمَاهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ يَمْلِكُ غنما ولا يجزئ غنم البلد كما إذ ازكى غَنَمَ نَفْسِهِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ الْبَلَدِ وَهَذَا أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً لَكِنَّهُ غَرِيبٌ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ الْبَلَدِ (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) تَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ الْبَلَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ غَنَمٌ فَأَخْرَجَ غَيْرَهَا مِنْ الْغَنَمِ خَيْرًا مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى شَاةً وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يُخْرِجَ دُونَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِبِلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا صَحِيحَةً بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبِلُ صِحَاحًا أَوْ مِرَاضًا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَمَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ كان صحيحا سليما لكن ان

كَانَتْ الْإِبِلُ صِحَاحًا وَجَبَ شَاةٌ صَحِيحَةٌ كَامِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا فَلَهُ يُخْرِجَ مِنْهَا بَعِيرًا مَرِيضًا وَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ فَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ كَمَا تَجِبُ فِي الصِّحَاحِ لِأَنَّهُ لَا يعتبر فيه صفة ماله فلم يختتلف بِصِحَّةِ الْمَالِ وَمَرَضِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ تَجِبُ شَاةٌ بِالْقِسْطِ فَيُقَالُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا مِرَاضًا خَمْسُمِائَةٍ وَصِحَاحًا أَلْفٌ وَشَاةُ الصِّحَاحِ تُسَاوِي عَشْرَةً فَتَجِبُ شَاةٌ صَحِيحَةٌ تُسَاوِي خَمْسَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ شَاةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَرَّقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْأَصْنَافِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ إذَا أَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الْأَغْبَطِ وَوَجَبَ أَخْذُ التَّفَاوُتِ وَلَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرَيْهِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهُ دَرَاهِمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ " أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نُهِينَا عَنْ الْأَخْذِ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَإِنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ " هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مُخْتَصَرًا قَالَ " فَإِذَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَأْخُذُ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ بِرَاضِعِ لَبَنٍ السَّخْلَةُ وَمَعْنَاهُ لَا تُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةٍ وَثَنِيَّةٍ أَيْ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَثَنِيَّةِ مَعْزٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِرَاضِعِ لَبَنٍ هُنَا ذَاتُ الدَّرِّ قَالَ وَالنَّهْيُ عَنْهَا يُحْمَلُ على وجهين (أحدهما) أن لا يَأْخُذَهَا السَّاعِي لِأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ الْمَالِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَلَا يَأْخُذُ رَاضِعَ لَبَنٍ وَتَكُونُ لَفْظَةُ من زائدة كما يقال لانا كل من الحرام أي الحرام (والوجه الثاني) أن لا تعد ذَاتَ الدَّرِّ الْمُتَّخَذَةِ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا: هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ حُمِلَتْ ذَاتُ الدَّرِّ عَلَى مَعْلُوفَةٍ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِذَاتِ الدَّرِّ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ وَتَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى ضَعْفِ كَلَامِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ كَمَا اغْتَرَّ بِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ نَهَايَةِ الْغَرِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ - وَسُوَيْدٌ جُعْفِيٌّ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَقَالَ أَنَا أَصْغَرُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ وَعَمَّرَ كَثِيرًا قِيلَ مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَلَغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ

وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الذَّكَرُ كَالْفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ: قوله أصل احْتِرَازٌ مِنْ ابْنِ لَبُونٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ (وَقَوْلُهُ) فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّبِيعِ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ فَجَازَ فِيهِ الذَّكَرُ والانثي كلا ضحية (وَقَوْلُهُ) حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ فِي الْأُنْثَى (وَقَوْلُهُ) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ احْتِرَازٌ مِنْ النِّصَابِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا عَدَا ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُرْفُ الْبَلَدِ احْتِرَازٌ من المسلم فيه والقرض والنذر (قوله) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِصِحَّةِ الْمَالِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الْمُزَكَّى فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نُصُبِ الْإِبِلِ * أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ كَمَا سَبَقَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بنت مخاض الا ماروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " فِيهَا خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ " * وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ جَاءَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عن علي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ " وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ووهائه وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ فِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي وَأَبِي عُبَيْدٍ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ واحمد انه لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ السَّاعِيَ يَتَخَيَّرُ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ * وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَيَجِبُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حقتان وأربع شياه وفى مائة وخمس وأربععين حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَبَدًا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ

يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ مَذْهَبِنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَغْلِيطِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا النَّقْلِ وَتَغْلِيطِ شَيْخِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي نَقْلِهِ مِثْلَهُ وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ. فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَجَاءَتْ آثَارٌ ضَعِيفَةٌ تَمَسَّكَ بِهَا كُلُّ من ذهب من هؤلاء الائمة: ومذهبنا وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَمَا خَالَفَهُ ضَعِيفٌ أَوْ دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَمَنْ وَجَبَتْ عليه بنت مخاص فان كانت في ماله لزمه إخراجها وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل منه ولا يرد معه شئ لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذى كتبه ابو الصديق رضي الله عنه فمن لم تكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فانه يقبل منه وليس معه شئ ولان في بنت مخاض فضيلة بالانونة وفى ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا وان لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشترى بنت مخاض ويخرج لانه أصل فرضه وله أن يشترى ابن لبون ويخرج لانه ليس في ملكه بنت مخاض وان كانت ابله مهازيل وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه اخراجها فان أراد اخراج ابن لبون فالمنصوص انه يجوز لانه لا يلزمه اخراج ما عنده فكان وجوده كعدمه كَمَا لَوْ كَانَتْ إبِلُهُ سِمَانًا وَعِنْدَهُ بِنْتُ مخاض مهزولة ومن اصحابنا من قال لا يجوز لان عنده بنت مخاض تجزئ ومن وجب عليه بنت لبون وليست عنده وعنده حق لم يؤخذ منه لان بنت اللبون تساوى الحق في ورود الماء والشجر وتفضل عليه بالانوثة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ وَلَا عَيْبٍ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى ابْنِ لَبُونٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ تكن عنده وعنده ابن لبون فاراد دفعها عنها وجب قبوله ولا يكون معه شئ لَا مِنْ الْمَالِكِ وَلَا مِنْ السَّاعِي وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ ابْنِ لَبُونٍ كَقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَيُجْزِئُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ بِنْتِ

مَخَاضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُودِ لَمْ يَجُزْ ابْنُ لَبُونٍ فَكَذَا إذَا عُدِمَا وَتَمَكَّنَ مِنْ شِرَائِهِمَا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَعِيبَةٌ فَهِيَ كالمعدومة فيجزئه ابن لبون بلا خلاف بعموم الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ إبِلُهُ سِمَانًا وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْزُولَةٌ وَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ مَهْزُولَةً وَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ نَفِيسَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ ابْنِ لَبُونٍ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ بِنْتَ مَخَاضٍ مُجْزِئَةً (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ الا جزاء وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَوَافَقَهُ عَلَى تَرْجِيحِهِ الْبَغَوِيّ. وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ شِيعَتِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (الرَّابِعَةُ) لَوْ فَقَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلَادِ اللَّبُونِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ ابْنُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ وَكِلَاهُمَا مُجْزِئٌ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مُشَوَّهُ الْخَلْقِ كَالْمَعِيبِ وَلَوْ أَخْرَجَ خُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ المخاض لم يجزئه بالا تفاق لا حتمال أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَوْ وَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلَادِ لَبُونٍ لَمْ يُجْزِئْهُ بلا خلاف لاحتمال أنه ذكرو لا يجزئ الذَّكَرُ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ (الْخَامِسَةُ) لَوْ وجبت بنت مخاض فقدها وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَابْنَ لَبُونٍ فَإِنْ أَخْرَجَ ابْنَ اللَّبُونِ جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ اللَّبُونِ مُتَبَرِّعًا جَازَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْجُبْرَانِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (السَّادِسَةُ) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا فَأَخْرَجَ حِقًّا أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ لَبُونٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَوَاتِ. وَلَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حِقًّا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يُجْزِئُهُ لِمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والجمهور وحكي صاحب الحاوى وجماعة فِي إجْزَائِهِ وَجْهَيْنِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ بِالْجَوَازِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ * (فَرْعٌ) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ ابْنَ لَبُونٍ أَيْضًا فَفِي كَيْفِيَّةِ مُطَالَبَةِ السَّاعِي لَهُ بِالْوَاجِبِ وَجْهَانِ حكاهما صاحب الحاوى (احدهما) يخيره بين بنت مَخَاضٍ وَابْنِ لَبُونٍ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْإِخْرَاجِ (وَالثَّانِي) يُطَالِبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ قُبِلَ مِنْهُ * (فَرْعٌ) لَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ لَكِنْ يَمْلِكُ بِنْتَ مَخَاضٍ مَغْصُوبَةً أَوْ مَرْهُونَةً فَلَهُ إخْرَاجُ ابْنِ لَبُونٍ لِأَنَّهُ غير متكمن مِنْهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تعالي اعلم

قال الصمنف رحمه الله * ومن وجبت عليه جذعة أو حقة أو بنت لبون وليس عنده الا ما هو أسفل منه بسنة أخذ منه مع شاتين أو عشرين درهما وإن وجب عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة وليس عنده الا ما هو أعلي منه بسنة أخذ منه ودفع إليه المصدق شاتين وعشرين درهما لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أبا بكر الصديق رضي لله عنه كتب له لما وجهه الي البحرين كتابا وفيه " ومن بلغت صدقته من الابل الجذعة وليست عنده وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقته الحقة وليس عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بنت لبون ويعطي معها شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فانها تقبل منه بنت لبون ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فاما إذا وجبت عليه جذعة وليت عنده وعنده ثنية فان أعطاها ولم يطلب جبرانا قبلت لانها أعلي من الفرض بسنة وان طلب الجبران فالمنصوص انه يدفع إليه لانها أعلي من الفرض بسنة فهي كالجذعة مع الحقة ومن أصحابنا من قال لا يدفع الجبران لان الْجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَا معني لدفع الجبران وان وجبت عليه بنت مخاص وليس عنده الافصيل وأراد أن يعطى ويعطي معه الجبران لم يجز لان الفصيل ليس بفرض مقدر وان كان معه نصب مراض ولم يكن عنده الفرض فاراد أن يصعد الي فرض مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز لان الشاتين أو العشرين درهما جعل جبرانا لما بين الصحيحين فإذا كانا مريضين كان الجبران أقل من الشاتين أو العشرين الدرهم فان اراد ان ينزل الي فرض دونه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهما جاز لانه متطوع بالزيادة ومن وجبت عليه الشاتان أو العشرون درهما كان الخيار إليه لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الخيار فيه الي من يعطى في حديث انس فان اختار ان يعطي شاة وعشرة دراهم لم يجز لان النبي صلي الله عليه وسلم خيره بين شيئين فلو جوزنا ان يعطى شاة وعشرة دراهم خيرناه بين ثلاثة اشياء ومن وجب عليه فرض؟ ووجد فوقه فوقه فرضا واسفل منه فرضا فالخيار في الصعود والنزول الي رب المال لانه هو الذى يعطي فكان الخيار له كالخيار في الشاتين والعشرين الدرهم ومن اصحابنا من قال الخيار إلى المصدق وهو المنصوص لانه يلزمه ان يختار ما هو انفع للمساكين ولهذا إذا اجتمع الصحاح والمراض لم يأخذ المراض فلو جعلنا الخيار إلى رب المال اعطى ما ليس بنافع ويخالف الخيار في الشاتين والعشرين الدرهم فان ذلك جعل جبرانا علي سبيل التخفيف فكان ذلك الي من يعطي

وهذا تخيير في الفرض فكان الي المصدق ومن وجب عليه فرض ولم يجد الا ما هو اعلي منه بسنتين اخذ منه واعطى اربع شياه أو اربعين درهما وان لم يجد الا ما هو أسفل منه بسنتين اخذ منه أربع شياه أو أربعون درهما لان النبي صلي الله عليه وسلم قدر ما بين السنين بشاتين أو عشرين درهما فدل علي ان كل ما زاد في السن سنة زاد في الجبران بقدرها فان أراد من وجب عليه أربعون درهما أو أربع شياه ان يعطي شاتين عن أحد الجبرانين وعشرين درهما عن الجبران الآخر جاز لانهما جبرانان فجاز أن يختار في أحدهما شيئا وفى الآخر غيره ككفارتي يمينين يجوز ان يخرج في احدهما الطعام وفى الاخرى الكسوة وان وجب عليه الفرض ووجد سنا أعلى منه بسنة وسنا أعلى منه بسنتين فترك الاقرب وانتقل إلى الا بعد ففيه وجهان (أحدهما) انه يجوز لانه قد عرف ما بينهما من الجبران (والثانى) لا يجوز وهو الصحيح لان النبي صلي الله عليه وسلم أقام الاقرب مقام الفرض ثم لو وجد الفرض لم ينتقل إلى الاقرب فكذلك إذا وجد الاقرب لم ينتقل الي الا بعد} *

{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَازَ أَنْ يُخْرِجَ حِقَّةً مَعَ جُبْرَانٍ وَالْجُبْرَانُ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَأْخُذُ السَّاعِي جُبْرَانًا وَلَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا: وَصِفَةُ شَاةِ الْجُبْرَانِ هَذِهِ صِفَةُ الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَقَدْ سَبَقَ بيانها وفى اشتراط الا نوثة إذا كان المالك هو دافع الجبران الْمَذْكُورَانِ فِي تِلْكَ الشَّاةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بل بجزئ الذَّكَرُ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الشَّاةَ هُوَ السَّاعِي وَلَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِالذَّكَرِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يُخْرِجُهَا هِيَ النقرة الخالصة قال امام الحرمين وكذا دراهم الشَّرْعِيَّةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَإِنْ احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَهَا فِي الْجُبْرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بيت المال شئ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَصَرَفَهُ فِي الْجُبْرَانِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ والبغوي وصاحب البيان والرافعي وآخرون (وأما) تعين الشَّاتَيْنِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَالْخِيرَةُ فِيهِ لِدَافِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ السَّاعِي أَوْ رَبُّ الْمَالِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الجمهور وذكر امام الحرمين والسرخسي وغيرهما فيما إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ رَبَّ الْمَالِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلسَّاعِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ السَّاعِيَ لَزِمَهُ دَفْعُ مَا دَفْعُهُ أَصْلَحُ لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ اُسْتُحِبَّ لَهُ دَفْعُ الاصلح للمساكين

وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْآخَرِ (أَمَّا) الْخِيَرَةُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ إذَا فَقَدَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ وَوَجَدَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَنْزَلَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلسَّاعِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ: إنْ طَلَب السَّاعِي النُّزُولَ وَالْمَالِكُ الصُّعُودَ فَإِنْ عَدِمَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ لَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَيَّرْنَا السَّاعِيَ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ دَفْعَ غَيْرِ الْأَنْفَعِ لِلْمَسَاكِينِ فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَ الْأَنْفَعِ لَزِمَ السَّاعِي قَبُولَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مَصْلَحَةٌ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنْ اسْتَوَى مَا يُرِيدُهُ هَذَا وَذَاكَ فِي الْغِبْطَةِ فَالْأَظْهَرُ اتِّبَاعُ الْمَالِكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ سَلِيمَةً فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إلَى سِنٍّ مَرِيضٍ وَيَأْخُذَ مَعَهُ الْجُبْرَانَ لَمْ يَجُزْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي أَنَّا إنْ قُلْنَا الْخِيرَةُ لِلْمَالِكِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ قُلْنَا الْخِيرَةُ لِلسَّاعِي فَرَآهُ غِبْطَةً لِلْمَسَاكِينِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ قَالَ وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا الْخِيَرَةُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُبْرَانَ الْمُسَمَّى بَدَلًا عَمَّا بَيْنَ السِّنَّيْنِ السَّلِيمَتَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ دُونَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ لَهُ الْخِيَرَةُ وَلَوْ أَرَادَ النُّزُولَ وَهِيَ مَعِيبَةٌ وَيَبْذُلُ الْجُبْرَانَ قُبِلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِزِيَادَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ واتفقوا عليه. قال أصحابنا: وانما يجئ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ إذَا عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ أَوْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ أَوْ نَفِيسَةٌ فَأَمَّا إنْ وَجَدَهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَأَرَادَ النُّزُولَ أَوْ الصُّعُودَ مَعَ جُبْرَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلسَّاعِي أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ

فَكَالْمَعْدُومَةِ وَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ نَفِيسَةٌ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ ذَاتَ لَبَنٍ أَوْ أَكْرَمَ إبِلِهِ لم يلزمه اخراجها ولا يجوز للساعي احذها بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ بِهَا الْمَالِكُ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَيَنْتَقِلُ إلَى سِنٍّ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْوَجْهَ السَّابِقَ فيما إذا الزمه بِنْتُ مَخَاضٍ وَإِبِلُهُ مَهْزُولَةٌ وَلَمْ يَجِدْ بِنْتَ مَخَاضٍ إلَّا نَفِيسَةً أَنَّهَا لَا تَكُونُ كَالْمَعْدُومَةِ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يَنْزِلُ فَنَزَلَ وَدَفَعَ الْجُبْرَانَ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ السِّنُّ الَّذِي نَزَلَ إلَيْهِ مَعَ الْجُبْرَانِ يَبْلُغُ قِيمَةَ السِّنِّ الَّذِي نَزَلَ عَنْهُ أَمْ لَا وَلَا نَظَرَ إلَى التَّفَاوُتِ لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالنَّصِّ (وَأَمَّا) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ فَإِنْ دَفَعَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا. قُبِلَتْ مِنْهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ طَلَبَ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهُ بِسَنَةٍ فَهِيَ كالجذعة مع الحقة (والثانى) لالان الجبران علي خلاف الدليل ولا يتجاوز بِهِ أَسْنَانُ الزَّكَاةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَلِأَنَّ الْجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا الْجُبْرَانُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الْمَنْعَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ الا فصيل ابثي لَهُ دُونَ سَنَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ مَعَ الْجُبْرَانِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِدَرَجَتَيْنِ وبثلاث ويكون مع الدرجتين جبرانان وَمَعَ الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ (مِثَالُ ذَلِكَ) وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَحِقَّةً وَوَجَدَ جذعة دفعها واخذ ثلاث جُبْرَانَاتٍ وَإِنْ وَجَدَ حِقَّةً دَفَعَهَا وَأَخَذَ جُبْرَانَيْنِ وان وَجَبَتْ جَذَعَةٌ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الْحِقَّةَ وَبِنْتَ اللَّبُونِ دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فَإِنْ وجد بنت لبون دفعها مع جبرانيين وَهَلْ يَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِدَرَجَتَيْنِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَتَيْنِ فِيهِمَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ

الباقون (مثاله) وجبت بنت لبون فقدها وَوَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً فَإِنْ أَخْرَجَ الْحِقَّةَ وَطَلَبَ جبرانا جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَ الْجَذَعَةَ وَرَضِيَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ طَلَبَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَقْلِيلِ الْجُبْرَانِ وَمُسْتَغْنٍ عَنْ الْجُبْرَانِ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْأَصْلَ وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَفَقَدَهَا وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَأَرَادَ النُّزُولَ إلَى بِنْتِ مَخَاضٍ وَدَفَعَ جُبْرَانَيْنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الْحِقَّةَ وَوَجَدَ جَذَعَةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الْجَذَعَةِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْجِهَةِ الْمَعْدُولِ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً فَصَعِدَ إلَى الْجَذَعَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْجُبْرَانَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا ابْنَ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا ثُمَّ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زِيَادَةٌ عَلَى جُبْرَانٍ وَاحِدٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ بِلَا جُبْرَانٍ أَوْ لَزِمَهُ جَذَعَةٌ فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ أَوْ حِقَّتَيْنِ بِلَا جُبْرَانٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَمَّا فَوْقَ إبِلِهِ فَعَنْهَا أَوْلَى (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ فِي الْوَاجِبِ مَعْنًى لَيْسَ هُوَ فِي الْمَخْرَجِ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ ابْنَ لَبُونٍ لِيَقُومَ مَقَامَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَيُعْطَى مَعَهُ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ فِي حُكْمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَصَارَ كَمُعْطِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ أُقِيمَ مَقَامَ بِنْتِ

مَخَاضٍ إذَا كَانَتْ هِيَ الْفَرْضَ وَلَيْسَتْ هِيَ هُنَا الْفَرْضَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ إحْدَى وَسِتُّونَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ إلَّا مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَكْفِيهِ وَحْدَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا وَلَا جُبْرَانٌ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ جُبْرَانٌ أَنْ يُبَعِّضَهُ فَيَدْفَعَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ دَافِعُ الْجُبْرَانِ هُوَ السَّاعِيَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِالتَّبْعِيضِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ تَبْعِيضُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّبْعِيضِ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ كَمَا لَوْ قَنَعَ بِشَاةٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ السَّاعِي دَفْعَ شَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ (فَمُرَادُهُمْ) إذَا لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِأَخْذِ الْمُبَعَّضِ. وَلَوْ تَوَجَّهَ جُبْرَانَانِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ السَّاعِي جَازَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِهِمَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَنْ الْآخَرِ شَاتَيْنِ وَيُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ ثَلَاثَةُ جُبْرَانَاتٍ فَأَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ وَعَنْ الْآخَرِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ عَكْسَهُ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ جُبْرَانٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ وَاجِبٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْجُبْرَانِ الْوَاحِدِ وَشَبَّهَهُ الْأَصْحَابُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُطْعِمُ خَمْسَةً وَيَكْسُو خَمْسَةً وَلَوْ وَجَبَ كَفَّارَتَانِ جَازَ أَنْ يطعم عشرة ويسكو عَشْرَةً * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَعَلَ الشَّاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا تَقْدِيرًا فِي جُبْرَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَلَمْ يَكِلْ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ السَّاعِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ عِنْدَ الْمِيَاهِ غَالِبًا وَلَيْسَ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَلَا مُقَوِّمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فَضُبِطَتْ بِقِيمَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّاعِ فِي الْمُصَرَّاةِ أَوْ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَمِائَةٍ مِنْ الابل في قبل النَّفْسِ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ * (فَرْعٌ) فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ * حَدِيثُ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ في أول الباب (وقوله) وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ لَفْظُ صَدَقَةُ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ بَلْ مُضَافٌ إلَى الْجَذَعَةِ وَالْجَذَعَةِ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ (وَأَمَّا) الْمُصَدِّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ (فَهُوَ) السَّاعِي وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ (وَأَمَّا) الْمَالِكُ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْمُصَّدِّقُ - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يُقَالُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَفَقَدَهَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُخْرِجُ أَعْلَى مِنْهَا بِسَنَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا أَوْ أسفل بسنة ويدفع جيرانا وَهُوَ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَالَ ابراهيم النخعي واحمد وأبو ثور وداود واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْجُبْرَانَ شَاتَانِ أَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ السِّنِّ الْوَاجِبِ * وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ شِرَاءُ ذَلِكَ السِّنِّ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ السَّاعِي يَأْخُذُ السِّنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَهُ وَيَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا * احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ * وَاحْتُجَّ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.* * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {وَإِنْ اتَّفَقَ فِي نِصَابٍ فَرْضَانِ كَالْمِائَتَيْنِ هِيَ نصاب خمس بنات لبون ونصاب ربع حِقَاقٍ (فَقَدْ قَالَ فِي الْجَدِيدِ) تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْحِقَاقُ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَغَيُّرُ الْفَرْضِ بِالسِّنِّ لَمْ يُغَيَّرْ بِالْعَدَدِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ لِمَا رَوَى سَالِمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ " فَعَلَى هَذَا إنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ فِي الشَّيْئَيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَالْمُكَفِّرِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَإِنْ وَجَدَهُمَا اخْتَارَ الْمُصَدِّقُ أَنْفَعَهُمَا لِلْمَسَاكِينِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَخْتَارُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَقَدْ مَضَى دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُصَدِّقُ الْأَدْنَى نَظَرْت فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يُظْهِرْ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ وَجَبَ رَدُّ الْمَأْخُوذِ أَوْ بَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ الْفَضْلَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصِّنْفَيْنِ وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فَكَانَ الْفَضْلُ مُسْتَحَبًّا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ يَسِيرًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ به جزء مِنْ الْفَرْضِ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْفَرْضِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ فَإِنْ عُدِمَ الْفَرْضَانِ فِي الْمَالِ نَزَلَ إلَى بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ صَعِدَ إلَى الْجِذَاعِ مَعَ الْجُبْرَانِ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ وَبَعْضُ الْآخَرِ أَخَذَ الْمَوْجُودَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْآخَرِ مَعَ الْجُبْرَانِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ كَامِلٌ فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى الْجُبْرَانِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَأَعْطَى الثَّلَاثَ الْحِقَاقَ وبنت لبون مغ الْجُبْرَانِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى

أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً وَأَخَذَ الْجُبْرَانَ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى حِقَّةً وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَعَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ جُبْرَانٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي ثَلَاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ وَبِنْتَ لَبُونٍ وَجُبْرَانًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ وَلِأَنَّهُ إذَا أَعْطَى ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَعَ الْجُبْرَانِ تَرَكَ بَعْضَ الْفَرْضِ وَعَدَلَ إلَى الْجُبْرَانِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُبْرَانِ إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا كَامِلًا وَإِنْ وَجَدَ الْفَرْضَيْنِ مَعِيبَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ بَلْ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ الْفَرْضَ الصَّحِيحَ وَإِمَّا أَنْ تَصْعَدَ مَعَ الْجُبْرَانِ أَوْ تَنْزِلَ مَعَ الْجُبْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَشْرَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ ثَمَانِي حِقَاقٍ فان راد أَنْ يَأْخُذَ عَنْ مِائَتَيْنِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَعَنْ مِائَتَيْنِ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ فجاز أن يأخذ في أحدهما جنسا وفى الآخر جِنْسًا آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ فَأَخْرَجَ فِي إحْدَاهُمَا الْكِسْوَةَ وَفِي الْأُخْرَى الطَّعَامَ * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ حَدًّا يَخْرُجُ فَرْضُهُ بِحِسَابَيْنِ كَالْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ الْوَاجِبُ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَمْ أَرْبَعُ حِقَاقِ فِيهِ نَصَّانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) الْحِقَاقُ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) أَحَدُهُمَا وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَدِيدِ وَتَأَوَّلُوا الْقَدِيمَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحِقَاقَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ لَا أَنَّهَا تَجِبُ مُطْلَقًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الْفَرْضُ أَحَدُهُمَا (وَالثَّانِي) الْفَرْضُ الْحِقَاقُ حَتْمًا فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أَوْ وَجَدَ الْحِقَاقَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ تَعَيَّنَ إخْرَاجُهَا وَإِلَّا نَزَلَ إلَى بَنَاتِ اللَّبُونِ أَوْ صَعِدَ إلَى الْجِذَاعِ مَعَ الْجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى الْحِقَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعَ هَذَا الْقَوْلِ لِضَعْفِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا فَلِلْمَالِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ مِنْ أَحَدِ الصنفين بكماله دون الآخر وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ الصِّنْفِ الْآخَرِ بِلَا خِلَافٍ لَمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَ الصِّنْفُ الْآخَرُ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ أَمْ لَا وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ الصُّعُودُ وَلَا النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ قَالُوا وَسَوَاءٌ عُدِمَ كُلُّ الصِّنْفِ الْآخَرِ أَمْ بَعْضُهُ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ الصِّنْفَانِ وَأَحَدُهُمَا مَعِيبٌ فَهُوَ كالمعدوم (الحال الثاني) أن لا يوجد في ماله شئ مِنْ الصِّنْفَيْنِ أَوْ يُوجَدَا وَهُمَا مَعِيبَانِ فَإِذَا أَرَادَ تَحْصِيلَ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يُحَصِّلَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِذَا حَصَّلَ أَحَدَهُمَا صَارَ وَاجِدًا لَهُ وَوَجَبَ قَبُولُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ الْأَجْوَدِ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ الْوَجْهُ الضَّعِيفُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ أنه يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَا يُجْزِئُهُ ابن لبون والمذهب كذا في الاصل ولعله فيؤخذ ولا يكلف

الْقَطْعُ بِجَوَازِ ابْنِ لَبُونٍ وَكَذَا هُنَا الْمَذْهَبُ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَفْضُولِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ صَارَ موجودا عنده قال المصنف والاصحاب وله أن لا يُحَصِّلَ الْحِقَاقَ وَلَا بَنَاتِ اللَّبُونِ بَلْ يَنْزِلُ أو يصعد مع الجيران وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا لَكِنْ قَالُوا يَنْزِلُ مِنْ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ الْحِقَاقِ إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْعَدَ مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى خَمْسِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ وَلَا أَنْ يَنْزِلَ مِنْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ إلَى أربع بنات مخاض ويدفع ثمان جُبْرَانَاتٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى النُّزُولِ أَوْ الصُّعُودِ بِسِنِينَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ النُّزُولُ وَالصُّعُودُ هُنَا بِسِنِينَ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ حِقَّةٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تَكْفِيهِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ أَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّةً فَدَفَعَهَا وَطَلَبَ جُبْرَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي صُورَتَيْ الِاسْتِشْهَادِ لَا يَتَخَطَّى وَاجِبَ مَالِهِ وَفِيمَا نحن يَتَخَطَّى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَدِمَ الْفَرْضَيْنِ وَمَا يَنْزِلُ إلَيْهِ وَمَا يَصْعَدُ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ وان شاء أعلا مِنْهُمَا أَوْ أَسْفَلَ مَعَ الْجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَشِرَاءُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُوجَدَ الصِّنْفَانِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رضى الله عنه وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ لِلْمَسَاكِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَيُرَاعَى حَظُّهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَأَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الْأَغْبَطِ فَفِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمَالِكِ بِأَنْ أَخْفَى الْأَغْبَطَ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ أَوْ ظَنَّهُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَأَمُّلٍ أَوْ بِهِمَا لَمْ يَقَعْ الْمَأْخُوذُ عَنْ الزكاة وإن لم يقصر واحد منها وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَاقِيًا فِي يَدِ السَّاعِي لَمْ يَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرَا وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهَا قَالَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ (وَالثَّالِثُ) إنْ فَرَّقَهُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَظَهَرَ الْحَالُ حُسِبَ عَنْ الزَّكَاةِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَّا فَلَا (وَالرَّابِعُ) إنْ دَفَعَهُ الْمَالِكُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الْأَدْنَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَلَا نَظَرَ إلَى السَّاعِي (وَالْخَامِسُ) لَا يُجْزِئُهُ بِكُلِّ حَالٍ (وَالسَّادِسُ) يُجْزِئُهُ بِكُلِّ حَالٍ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا مَرَّةً اخرى وعلي الساعي ردما أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا وَحَيْثُ قُلْنَا يَقَعُ عَنْهَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ قَدْرِ التَّفَاوُتِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فيه وجهان مشهوران ذكر هما الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَبٌّ وَوَجَّهُوهُ بِالْقِيَاسِ بِمَا إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ الْإِمَامِ إلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ

عن الزكاة واخذها لا يجب شئ آخَرُ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ وَكَانَ بَاقِيًا يُسْتَحَبُّ اسْتِرْدَادُهُ وَدَفْعُ الْأَغْبَطِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِلرِّفْقِ بِالْمَسَاكِينِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ أَخَذَ الْحِقَاقَ وَجَبَ خَمْسُونَ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعَشْرَةً وَجَبَ عَشْرَةٌ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا لَا يَحْصُلُ بِهِ شِقْصٌ مِنْ نَاقَةٍ دَفَعَ دَرَاهِمَ لِلضَّرُورَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ أشار إلى انه يوقف فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ. وَإِنْ حَصَلَ بِهِ شِقْصٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ شِرَاؤُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْفَرْضِ وَلَا تُجْزِئُ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ بِنَفْسِهَا اتفقوا علي تصحيحه ممن صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يَشُقُّ قَالُوا وَلِأَنَّهُ يَعْدِلُ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَفَقَدَ الشَّاةَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُهَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ وَيُجْزِئُهُ وَكَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ لَبُونٍ لَا فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْقِيمَةِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ جَوَّزْنَا الدَّرَاهِمَ فَأَخْرَجَ شِقْصًا جَازَ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَفِيهِ أَدْنَى نَظَرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَإِنْ أَوْجَبْنَا شِرَاءَ شقص ففيه أربعة أوجه (أصحها) يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَغْبَطِ لِأَنَّهُ الاصل (والثانى) يجب من جنس الْمُخْرَجِ لِئَلَّا يَتَبَعَّضَ الْمُخْرَجُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالرَّابِعُ) يَجِبُ شِقْصٌ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَاةٍ وَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي. وَحَيْثُ قُلْنَا يُخْرِجُ شِقْصًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ إلَى السَّاعِي إنْ أَوْجَبْنَا صَرْفَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي. وَإِنْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ وَقُلْنَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي فَهُنَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ جُبْرَانُ الْمَالِ الظَّاهِرِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصْنَافِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا دَفْعُ التفاوت واجب فانه قُلْنَا مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ كَيْف شَاءَ ولا يتعين لا ستحبابه الشِّقْصُ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا عِبَارَاتِهِمْ بِإِخْرَاجِ التَّفَاوُتِ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ دَرَاهِمَ أو دنانير ومراد الجمع نَقْدُ الْبَلَدِ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ بِأَنْ يَجِدَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ وَأَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ

أصلا فيدفعها وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ بَنَاتِ اللَّبُونِ مَعَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَجُبْرَانٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْحِقَاقِ مَعَ جَذَعَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ حِقَّةً مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بِنْتَ اللَّبُونِ مَعَ الجبران مقام حقة ووجه الاحزاء أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى الْجُبْرَانِ إذَا أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً فَدَفَعَ الْحِقَّةَ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَيَجْرِيَانِ فِي نَظَائِرِهَا وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْجَوَازُ (الْحَالُ الْخَامِسُ) أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شئ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّتَيْنِ فَلَهُ إخْرَاجُهُمَا مَعَ جَذَعَتَيْنِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيُخْرِجُ خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَلَهُ إخْرَاجُهُنَّ مَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَجُبْرَانَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيُخْرِجَ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ بِدَلَهَا وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْبَغَوِيّ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْحَالِ الرَّابِعِ قَالَ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أو ثلاث مسنات وحكمها بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ وِفَاقًا وَخِلَافًا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَخْرَجَ صَاحِبُ الْإِبِلِ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَمْ يُخْرِجْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعمِائَةٍ فَعَلَيْهِ ثَمَانُ حِقَاقٍ أَوْ عَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَيَعُودُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعَ حِقَاقٍ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْمُصَنِّفِينَ وَمَنَعَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لِتَفْرِيقِ الْوَاجِبِ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُ فِي الْمِائَتَيْنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ كُلَّ مِائَتَيْنِ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ فَصَارَ كَكَفَّارَتَيْ يَمِينَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ فِي إحْدَاهُمَا وَيَكْسُوَ فِي الْأُخْرَى بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْمِائَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهَا كَتَفْرِيقِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَجَابُوا بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ التَّفْرِيقِ فِي الْمِائَتَيْنِ لَيْسَ هُوَ لِمُجَرَّدِ التَّفْرِيقِ بَلْ الْمَانِعُ تَشْقِيصٌ. وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَمَّا فَوْقَ مِائَتَيْنِ فَعَنْ مِائَتَيْنِ أَوْلَى وَيُجْرَى خِلَافُ الْإِصْطَخْرِيِّ مَتَى بَلَغَ الْمَالُ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ بَنَاتُ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقُ فَلَا تَشْقِيصَ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ وَيُجْرَى مِثْلُهُ فِي الْبَقَرِ إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (فَإِنْ قِيلَ) ذَكَرْتُمْ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ الْأَغْبَطَ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَغْبَطَ الصِّنْفَيْنِ هُوَ الْمُخْرَجُ وَكَيْفَ يجوز البعض

باب زكاة البقر

مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ ذَاكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ (الْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ فِي اجْتِمَاعِ النَّوْعَيْنِ قَالَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الْغِبْطَةَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ لَكِنْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ. هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي مُعْظَمِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ فِي الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْقِيمَةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي إنَّ السَّاعِيَ لَا يَفْعَلُ التَّبْعِيضَ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْمَصْلَحَةِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَغْبَطِ لِلْمَسَاكِينِ (فَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سَالِمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ " هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَفْظُهُ فِي الْإِبِلِ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ " وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ يَذْكُرْ سَالِمٌ سَمَاعَهُ لَهَا مِنْ أَبِيهِ لكن قَرَأَهَا مِنْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قوله) اختار المصدق اتفعهما لِلْمَسَاكِينِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ هُوَ السَّاعِي وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَأَمَّا لَفْظُ الْمَسَاكِينِ فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَنَظَائِرِهِ وَيُرِيدُونَ بِهِ أَصْحَابَ السُّهْمَانِ كُلَّهُمْ وَهُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ هُمْ أَحَدُ الْأَصْنَافِ. وَكَذَلِكَ يُطْلِقُونَ الْفُقَرَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ وَذَلِكَ لِكَوْنِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَشْهَرُ الْأَصْنَافِ وَأَهَمُّهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {بَابُ زَكَاةِ البقر} {اول نصاب البقر ثلاثون وفرضه تبيع وهو الذى له سنة وفى اربعين مسنة وهي التي لها سنتان وعلى هذا ابدا في كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. والدليل عليه ما روى معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اليمن وأمرني ان آخذ من كل اربعين بقرة بقرة ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة " وان كان فرضه التبيع فلم يجد لم يصعد إلى المسنة مع الجبران وان كان فرضه المسنة فلم يجد لم ينزل الي التبيع مع الجبران فان ذلك غير منصوص عليه والعدول الي غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ معمر عن الزهري عن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ " قَالَ الزُّهْرِيُّ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " في كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ " أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا لِأَهْلِ الْيَمَنِ ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ. وَالْبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ بَاقُورَةٌ وَبَقَرَةٌ وَتَقَعُ الْبَقَرَةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَهُوَ مشتق من بقرت الشئ إذَا شَقَقْتُهُ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ وَسُمِّيَ التَّبِيعُ تَبِيعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّ قَرْنَيْهِ يَتْبَعَانِ أُذُنَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ وَيُقَالُ لَهُمَا جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ وَالْمُسِنَّةُ لِزِيَادَةِ سِنِّهَا وَيُقَالُ لَهَا ثَنِيَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه والاصحاب: أول نصابب البقر ثلاثون وفيها تبيع ثم لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ يَسْتَقِرُّ الْحِسَابُ فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةٍ فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ وَثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَتِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَمِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَمِائَةٍ وَعِشْرُونَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَدْ سَبَقَ مُسْتَوْفًى وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعَانِ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ خَمْسَةُ أَتْبِعَةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ اخْتَصَرْت قُلْتَ: أَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أربعين مسنة: قال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَةً أَوْ مسنة أو مسنا قيل مِنْهُ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَوْ وَجَبَ مُسِنَّةٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ أَخْرَجَ مُسِنًّا لَمْ يُقْبَلْ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ ثُمَّ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبِيعَانِ عَنْ مسنة لان الشرع اوجب في اربعين سنا أَبَدًا فَلَا يَجُوزُ نُقْصَانُ السِّنِّ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ لَا يَجُوزُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا قَاسَ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّبِيعَيْنِ يُجْزِيَانِ عَنْ سِتِّينَ فَعَنْ أَرْبَعِينَ أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فَإِنَّهُمَا ليستافرضا نِصَابٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ التَّبِيعُ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُسِنَّةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ

باب زكاة الغنم

الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي كتابه التحرير: التبيع ماله دون سنة وقيل ماله سنة والمسنة مالها سَنَةٌ وَقِيلَ سَنَتَانِ * وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ التبيع ما اسكمل سَنَةً وَقِيلَ الَّذِي يَتْبَعُ أُمَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ دُونَ سَنَةٍ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى جَمَاعَةٌ أَنَّ التَّبِيعَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْمُسِنَّةُ لَهَا سَنَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ أَوْ مُسِنَّةٌ فَفَقَدَهُ لَمْ يَجُزْ الصُّعُودُ أَوْ النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي زَكَاةِ الابل والله سبحانه وتعالي اعلم * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * {بَابُ زَكَاةِ الغنم} * {اول نصاب الغنم اربعون وفرضه شاة الي مائة واحدى وعشرين فيجب شاتان إلى مائتين وواحدة فيجب ثلاث شياه ثم يجب في كل مائة شاة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ وفيه وفى الغنم فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان فإذا زادت علي المائتين شاة ففيها ثلاث شياه الي ثلاثمائة فان كانت الغنم أكثر من ذلك ففى كل مائة شاة " والشاة الواجبة في الغنم الجذعة من الضأن والثنية من المعز والجذعة هي التى لها سنة وقيل ستة أشهر والثنية التي لها سنتان} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ الْمَشْهُورُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ هُوَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ أرجوا أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الحديث في رواية سفيان ابن حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وغير واحد عن اصحاب الزهري عن الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَافِظِ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ وَافَقَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَلَوْ احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ فِيهِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَشَاةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا ثَلَاثُ شِيَاهٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ " فَهَذِهِ الزيادة تردما حُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فِي قَوْلِهِمَا إذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ وَجَبَ اربع شياه الي اربعمائة فإذا زات وَاحِدَةٌ فَخَمْسُ شِيَاهٍ وَمَذْهَبُنَا

ومذهب العلماء كافة غيرهما أنه لا شئ فِيهَا بَعْدَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ قَالَ أَصْحَابُنَا. أَوَّلُ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ شَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا ثم لا شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ ثم لا شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَثَلَاثُ شِيَاهٍ ثُمَّ لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بَعْدَ هَذَا بِمِائَةٍ مِائَةٍ. وَأَكْثَرُ وَقْصِ الْغَنَمِ مِائَتَانِ إلَّا شَاتَيْنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ: الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ هُنَا جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعَزٍ وَسَبَقَ بَيَانُ سِنِّهِمَا وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِحَاحًا لَمْ يُؤْخَذْ فِي فَرْضِهَا مَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ - وَرُوِيَ لاذات عَيْبٍ " وَإِنْ كَانَتْ مِرَاضًا أُخِذَتْ مَرِيضَةٌ وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا الرب الْمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا صِحَاحًا وَبَعْضُهَا مِرَاضًا أُخِذَ عَنْهَا صَحِيحَةٌ بِبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ صَحِيحٍ وبعض قيمة فرض مريض لانالو أَخَذْنَا مَرِيضَةً لَتَيَمَّمْنَا الْخَبِيثَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون) وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كِبَارَ الْأَسْنَانِ كَالثَّنَايَا وَالْبَزْلِ فِي الْإِبِلِ لَمْ يُؤْخَذْ غَيْرُ الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عليه لانالو أَخَذْنَا كِبَارَ الْأَسْنَانِ أَخَذْنَا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خذعة ثُمَّ نَأْخُذُهَا فِي إحْدَى وَسِتِّينَ فَيُؤَدِّيَ إلَى التسوية بين الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِغَارًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهَا صَغِيرَةٌ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لو مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ " وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا كَبِيرَةً أَضْرَرْنَا بِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أبو إسحق تُؤْخَذُ الْفَرَائِضُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِالْقِسْطِ فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْكِبَارِ ثُمَّ يُقَوَّمُ فَرْضُهُ ثُمَّ يُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الصِّغَارِ وَيُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْمَالُ مِمَّا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالسِّنِّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْقَلِيلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالْعَدَدِ أُخِذَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْقَلِيلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ فَأَخْذُ الصَّغِيرِ مِنْ الصِّغَارِ كَالْغَنَمِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ سِتٍّ وَسَبْعِينَ فَصِيلَانِ ومن احدى وتسعين فصيلان وان كانت الماشية اناثا أو ذكور وَإِنَاثًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لَمْ يُؤْخَذْ فِي فَرْضِهَا إلَّا الْإِنَاثُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهَا بِالْإِنَاثِ عَلَى مَا مَضَى وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الذَّكَرِ مِنْ الْإِنَاثِ تَيَمُّمَ الخبيث وقد قال الله تعالى (ولا تيموا الخبيث منه تنفقون) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْبَقَرِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ فِي فَرْضِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ إلَّا الْإِنَاثُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي فَرْضِ الثَّلَاثِينَ جَازَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِحَدِيثِ مُعَاذٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَإِنْ

كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مِنْ الْغَنَمِ أُخِذَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَجُوزُ إلَّا الْأُنْثَى فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْإِنَاثِ وَالْفَرْضُ الَّذِي فِيهَا ثُمَّ يُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الذُّكُورِ وَيُؤْخَذُ أُنْثَى بِالْقِسْطِ حَتَّى لَا يُؤَدِّي إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْأُنْثَى لِأَنَّ الْفَرَائِضَ كُلَّهَا إنَاثٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا فَوَجَبَتْ الْأُنْثَى وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجُوزُ فِيهِ الذُّكُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الزَّكَاةَ وُضِعَتْ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُوَاسَاةِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْإِنَاثَ مِنْ الذُّكُورِ أَجْحَفْنَا بِرَبِّ الْمَالِ قَالَ أَبُو إسحق إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِنْفًا وَاحِدًا أُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ كانت أنواعا كالضان والمعز والجواميس والبقر والبخاتي والعراب فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْفَرْضُ مِنْ الْغَالِبِ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً أَخَذَ السَّاعِي أنفع النوعين للمساكين لا نالو أَلْزَمْنَاهُ الْفَرْض مِنْ كُلّ نَوْعٍ شَقَّ فَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ كُلّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَالثِّمَارِ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْن وَعِشْرُونَ مِنْ الْمَعْزِ قُوِّمَ النِّصَابُ مِنْ الضَّأْنِ فَيُقَالُ قيمته مثلا مائة ثم يُقَوَّمُ فَرْضَهُ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ وَيُقَوَّمُ نِصَابُ الْمَعْزِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ثُمَّ يُقَوَّمُ فَرْضُهُ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَيُقَالُ لَهُ اشْتَرِ شَاةً من أن النوعين شئت بسبعة ونصف وأخرج} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْعَوَارَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا - وَهُوَ الْعَيْبُ وَهَذَا الْفَصْلُ وَمَسَائِلُهُ لَيْسَ لِلْغَنَمِ خَاصَّةً بَلْ لِلْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُفْرِدَهُ بِبَابٍ وَلَا يُدْخِلَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَمَعَ هَذَا فَذِكْرُهُ هُنَا لَهُ وَجْهٌ * وَحَاصِلُ الْفَصْلِ بَيَانُ صِفَةِ الْمَخْرَجِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى * إنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كَامِلَةً أَخْرَجَ الْوَاجِبَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً فَأَسْبَابُ النَّقْصِ خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا) الْمَرَضُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا مِرَاضًا أُخِذَتْ مِنْهَا مَرِيضَةٌ متوسطة لئلا يضرر الْمَالِكُ وَلَا الْمَسَاكِينُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا صَحِيحًا وبعضها مريضا فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَأَكْثَرُ لَمْ تجز المريضة ان كَانَ الْوَاجِبُ حَيَوَانًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَنِصْفُ مَاشِيَتِهِ صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ كَبِنْتَيْ لَبُونٍ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَكَشَاتَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَجِبُ صَحِيحَتَانِ بِالْقِسْطِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تنفقون) (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ يُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَرِيضَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَشَاتَيْنِ

فِي مِائَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ وَاحِدَةٌ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُجْزِئُهُ مَرِيضَةٌ وَصَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَجِبُ صَحِيحَتَانِ بِالْقِسْطِ وَلَا تُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَرِيضَةٌ لِأَنَّ الْمُخْرَجَتَيْنِ يُزَكِّيَانِ أَنْفُسَهُمَا وَالْمَالَ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ تُزَكِّي الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تُزَكِّيَ مَرِيضَةٌ صَحِيحَةً * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْقَسَمَ الْمَالُ إلَى صِحَاحٍ وَمِرَاضٍ وَأَوْجَبْنَا صَحِيحَةً لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ نَفْسِ مَالِهِ وَلَا يُكَلَّفُ صَحِيحَةً كَامِلَةً مُسَاوِيَةً لِصَحِيحَةِ مَالِهِ فِي الْقِيمَةِ بَلْ يجب صحيحة لَائِقَةً بِمَالِهِ (مِثَالُهُ) أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا صِحَاحٌ ونصفها مراض قيمة كل صحيحة منها دنياران وَقِيمَةُ كُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارٌ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ وَذَلِكَ دِينَارٌ وَنِصْفُ * وَلَوْ كَانَتْ الصِّحَاحُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَرُبُعِ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ وَهُوَ دِينَارٌ وَرُبُعُ عُشْرِ دِينَارٍ وَالْمَجْمُوعُ رُبُعُ عُشْرِ الْمَالِ وَمَتَى قُوِّمَ جُمْلَةُ النِّصَابِ وَكَانَتْ الصَّحِيحَةُ الْمُخْرَجَةُ رُبُعَ عُشْرِ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ كَفَاهُ فَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شاة فلتكن قيمة الشاتين المأخوذتين جزئين مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ: وَإِنْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَلْتَكُنْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْمَأْخُوذَةِ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ وَقِسْ عَلَى هَذَا سَائِرَ النُّصُبِ وَوَاجِبَاتِهَا فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَكُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارَانِ وَجَبَ صَحِيحَةٌ بِنِصْفِ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وغيره * قال الرافعي ولك ان تقول هلاكان مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ أَمْ لَا وَإِنْ عَلَّقْنَاهُ بِهِ فَالْحُكْمُ كَمَا ذكروه وإلا فليقسط الْوَاجِبُ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ مُوَزَّعَةً بِالْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَقْصِ وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ بَعِيرٍ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ صِحَاحٌ وَبَاقِيهَا مِرَاضٌ لَزِمَهُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ صِحَاحٌ قِيمَتُهُنَّ خُمُسُ عُشْرِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا صَحِيحٌ إلَّا ثَلَاثَ حِقَاقٍ أَوْ ثِنْتَانِ أَوْ وَاحِدَةٌ أُخِذَ صَحِيحٌ بِقَدْرِ الصِّحَاحِ بِالْقِسْطِ وَأُخِذَ الْبَاقِي مِرَاضًا وَفِيهِ الْوَجْهُ الضَّعِيفُ السَّابِقُ عَنْ الْبَغَوِيِّ والوجه السابق عن ابى محمد * (النقص الثَّانِي) الْعَيْبُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرَضِ سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ الْمَاشِيَةُ مَعِيبَةً أَوْ انْقَسَمَتْ مَعِيبَةً وَصَحِيحَةً وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ هَذَا مَعَ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا مَعِيبَةً وَفِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ إحْدَاهُمَا مِنْ أَجْوَدِ الْمَالِ مَعَ عَيْبِهَا وَالْأُخْرَى دُونَهَا فَهَلْ يَأْخُذُ الاجود كما يأخذ الاغبط في بَنَاتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ أَمْ الْوَسَطَ

فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (الصَّحِيحُ) الْوَسَطُ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيَأْخُذْ خَيْرَ الْمَعِيبِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَسَطِهِ لَا أَعْلَاهُ وَلَا أَدْنَاهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ غَيْرُ مُرَادٍ وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْوَسَطُ وَلَكِنْ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَسَطُ وَجْهَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَيْبُ فَلَا يُؤْخَذُ أَقَلُّهَا عَيْبًا وَلَا أَكْثَرُهَا عَيْبًا ولكن يؤخذ الوسط في العيب (والثانى) تعتبر القيمة فلا يؤخذ أقلها قيمة وَلَا أَكْثَرُهَا قِيمَةً بَلْ أَوْسَطُهَا. وَحَمَلَ الْأَصْحَابُ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ فَرِيضَةَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَتْ مَعِيبَةً فَيُؤْخَذُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْحِقَاقِ أَوْ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَلَكِنْ مِنْ أَوْسَطِهَا عَيْبًا. هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْجَبَ أَخْذَ خَيْرِ الْمَعِيبِ مِنْ جميع ماله قال وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَخْذَ خَيْرِ الْفَرْضَيْنِ مِنْ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَلَمْ يُرِدْ خَيْرَ جَمِيعِ الْمَالِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَقِيلَ أَرَادَ بِخَيْرِ الْمَعِيبِ أَوْسَطَهُ وَعَلَى هَذَا فِي اعْتِبَارِ الْأَوْسَطِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَوْسَطُهَا عَيْبًا (مِثَالُهُ) أَنْ يَكُونَ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ وَاحِدٌ وَبِبَعْضِهَا عَيْبَانِ وَبِبَعْضِهَا ثَلَاثَةُ عُيُوبٍ فَيَأْخُذَ مَا بِهِ عَيْبَانِ (وَالثَّانِي) أَوْسَطُهَا فِي الْقِيمَةِ (مِثَالُهُ) أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا خَمْسِينَ وَقِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا مِائَةً وَقِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا مِائَةً وَخَمْسِينَ فيأخذ منها ما قيمة مِائَةٌ قَالَ فَحَصَلَ لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ يأخذ خير الفرضين لاغير وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ يَأْخُذُ خَيْرَ الْمَعِيبِ مِنْ السِّنِّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَشَدُّهَا غِلَظًا يَأْخُذُ خَيْرَ الْمَالِ كُلِّهِ (وَالثَّالِثُ) يَأْخُذُ أَوْسَطَهَا عَيْبًا (وَالرَّابِعُ) أَوْسَطَهَا قِيمَةً هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَفِيهِ إثْبَاتُ خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (النَّقْصُ الثَّالِثُ) الذُّكُورَةُ فَإِذَا تَمَحَّضَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا أَوْ انْقَسَمَتْ ذكورا واناثا لم يجز عنها الذَّكَرُ إلَّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا ابْنُ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ مَخَاضٍ وهذا الذى ذكرنا من تعيين (2) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ وهو قول أبي اسحق وَأَبِي الطِّيبِ بْنِ سَلَمَةَ كَالْمَرِيضَةِ مِنْ الْمِرَاضِ وعلي هذا يؤخذ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابن لبون يؤخذ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وعن ابى على ابن خَيْرَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَلَى هَذَا تَتَعَيَّنُ الْأُنْثَى ولكن لا يؤخذ شئ كان يؤخذ لو تمحضت

_ (1) (2) الانثى بالاصل فليحرر

إنَاثًا بَلْ تُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ لَوْ كَانَتْ إنَاثًا وَتُقَوَّمُ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْهَا وَيُعْرَفُ نِسْبَتُهَا مِنْ الْجُمْلَةِ وَتُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ الذُّكُورُ وَيُؤْخَذُ أُنْثَى قِيمَتُهَا مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الاثات وَالذُّكُورِ تَكُونُ دُونَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الْإِنَاثِ وَفَوْقَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الذُّكُورِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيطِ السَّابِقِ فِي الْمِرَاضِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى هذا الوجه ان تكون قيمتهما سَوَاءً وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) إنْ أَدَّى أَخْذُ الذَّكَرِ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ نِصَابَيْنِ لَمْ يُؤْخَذْ وَإِلَّا أُخِذَ (مِثَالُهُ) يُؤْخَذُ ابْنُ مَخَاضٍ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَحِقٌّ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَجَذَعٌ مِنْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ وَاخْتَلَفَ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَلَا يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (وَأَمَّا) الْبَقَرُ فَالتَّبِيعُ مَأْخُوذٌ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِهِ وَهُوَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ تَعَيَّنَتْ إنْ تَمَحَّضَتْ إنَاثًا أَوْ انْقَسَمَتْ كَمَا سَبَقَ فِي الْإِبِلِ وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْإِبِلِ (الْأَصَحُّ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ جَوَازُ الذَّكَرِ. وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْغَنَمُ فَإِنْ تمحضت اناثا أو انقسمت ذكورا واناثا تعينت الانثى بلا خلاف وان تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ لِأَنَّ وَاجِبَهَا شَاةٌ وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ فِيهِمَا عَلَى أُنْثَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْإِبِلِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ إنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا وَكَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ فِي أَرْبَعِينَ من البقر ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَجُوزُ إلَّا الْأُنْثَى (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ: يَجُوزُ فِيهِ الذَّكَرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ في الام. قال أبو اسحق: إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. فَهَذَا الَّذِي فَرَّعَهُ أَبُو اسحق فِي ابْنِ لَبُونٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ أَبُو اسحق مُنْفَرِدًا بِهِ بَلْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقَدْ تُسْتَشْكَلُ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ابي اسحق هذا التفريع لان ابا اسحق يقول لا يجزئ الذَّكَرُ فَكَيْفَ يُفَرِّعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ (وَجَوَابُ) هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب فذكر أبو اسحق تَفْرِيعًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْوِيمِ ابْنِ لَبُونٍ وَاخْتَارَ وَجْهًا آخَرَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ خَرَّجَهُ وَهُوَ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْأُنْثَى وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كلاميه ومثل هذا موجود لابي اسحق فِي مَوَاضِعَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ النَّجَاسَاتِ لِهَذَا نَظِيرٌ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّرْحِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ هَذَا السُّؤَالَ ثُمَّ قَالَ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ سَائِرَ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا هَذَا التَّفْرِيعَ لِابْنِ خَيْرَانَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ

زَلَلِ النَّاسِخِ وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فقد اتفق أبو إسحق وَابْنُ خَيْرَانَ عَلَى التَّفْرِيعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّخْرِيجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (النَّقْصُ الرَّابِعُ) الصِّغَرُ وَلِلْمَاشِيَةِ فيه ثلاثة أحوال (أحدهما) أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَوْ قَدْرُ الْفَرْضِ مِنْهَا فِي سِنِّ الْفَرْضِ فَيَجِبُ سِنُّ الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهُ وَلَا يُقْنَعُ بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا كِبَارًا أَوْ صغارا وهذا لا خلاف فيه (الثاني) أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فَوْقَ سِنِّ الْفَرْضِ فَلَا يُكَلَّفُ الْإِخْرَاجَ مِنْهَا بَلْ يُحَصِّلُ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ ويخرجها وله الصعود والنزول منع الْجُبْرَانِ فِي الْإِبِلِ كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنْ يكون الجميع دون سن الفرض وقد يسنبعد تَصَوُّرُ هَذَا لِأَنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ حَدَّ الْإِجْزَاءِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ لَهُ صُوَرًا (مِنْهَا) أَنْ تحدث الْمَاشِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فِصْلَانٌ أَوْ عُجُولٌ أَوْ سِخَالٌ ثُمَّ تَمُوتُ الْأُمَّهَاتُ وَيَتِمُّ حَوْلُهَا وَالنِّتَاجُ صِغَارٌ بَعْدُ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ حَوْلَ النِّتَاجِ يَنْبَنِي عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ بَلْ بِنُقْصَانِهَا عَنْ النِّصَابِ فَلَا تجئ هَذِهِ الصُّورَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعَزِ وَيَمْضِيَ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ وَاجِبَهَا ثَنِيَّةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا الَّتِي اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنْ كانت الماشية غنما ففيما يؤخذ من الصغار المتمحضة طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ هَذَا لِلصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ احد بل وافقوه فحصلت منه دلا لتان (إحْدَاهُمَا) رِوَايَتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذَ الْعَنَاقِ (وَالثَّانِيَةُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا كَبِيرَةً أَجْحَفْنَا بِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ والسرخسى والبغوى وغيرهم قولين (القديم) لا يوخذ إلَّا كَبِيرَةٌ لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ قَالُوا وَكَذَا إذَا انْقَسَمَ المال إلى صغار وكبار فتؤخد كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ وَالرَّافِعِيُّ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ لِلضَّرُورَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا تَتَعَيَّنُ الْكَبِيرَةُ بَلْ تُجْزِئُهُ الصَّغِيرَةُ كَالْمَرِيضَةِ مِنْ الْمِرَاضِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ إبِلًا أَوْ بَقَرًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا اثْنَيْنِ وَحَذَفَ ثَالِثَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَخَلَائِقُ مِنْهُمْ (وَأَمَّا) الْخُرَاسَانِيُّونَ فَالْأَوْجُهُ فِي كُتُبِهِمْ أَشْهَرُ مِنْهَا فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَجُوزُ أَخْذُ الصِّغَارِ مُطْلَقًا كَالْغَنَمِ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ السَّاعِي وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَأْخُذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْفَصِيلِ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ

وَعِشْرِينَ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا تُجْزِئُ الصَّغِيرَةُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ تُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالشَّاشِيِّ وَهُوَ قول ابن سريج وأبى اسحق المروزى (والثالث) لَا يُؤْخَذُ فَصِيلٌ مِنْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا فَوْقَهَا وَكَذَا مِنْ الْبَقَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِشَيْئَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ التَّسْوِيَةَ الَّتِي تَلْزَمُ فِي إحْدَى وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا تَلْزَمُ فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ فان الواجب في ست وسبعين بنتالبون وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ فَإِذَا أَخَذْنَا فَصِيلَيْنِ فِي هَذَا وَفِي ذَلِكَ سَوَّيْنَا فَإِنْ أَوْجَبَ الِاحْتِرَازَ عَنْ التَّسْوِيَةِ فَلْيَحْتَرِزْ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ (الثاني) أَنَّ هَذِهِ التَّسْوِيَةَ تَلْزَمُ فِي الْبَقَرِ فِي ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ وَقَدْ عَبَّرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِعِبَارَةٍ تَدْفَعُ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَقَالُوا تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّسْوِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْمَنْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَمَا فَوْقَهَا وَجَوَّزَ فَصِيلًا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إذْ لا تسوية في تجويز وَحْدَهُ (النَّقْصُ الْخَامِسُ) رَدَاءَةُ النَّوْعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ والاصحاب ان اتحدث نَوْعُ الْمَاشِيَةِ وَصِفَتُهَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَيُّهَا شَاءَ إذْ لَا تَفَاوُتَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا مَعَ أَنَّهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ وَلَا عَيْبَ فِيهَا وَلَا صِغَرَ وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ السَّابِقَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَخْتَارُ السَّاعِي خَيْرَهُمَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَأْخُذُ مِنْ وَسَطِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ كُلُّهَا أَرْحَبِيَّةٌ - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ مَهْرِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ضأنا أو معزا أخذ الفرض منها. وذكرى الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ ثَنِيَّةٍ مِنْ الْمَعَزِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عَنْ أَرْبَعِينَ ضَأْنًا أَوْ جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَزًا (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ لِاتِّفَاقِ الْجِنْسِ كالمهرية مع الارحبية (والثانى) المنع كالبقر عَنْ الْغَنَمِ (الثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ الْمَعْزُ عَنْ الضأن ويجوز العكس كما يؤخذ في الْإِبِلِ الْمَهْرِيَّةِ عَنْ الْمُجَيْدِيَّةِ وَلَا عَكْس فَإِنَّ الْمَهْرِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمُجَيْدِيَّةِ. وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قريب من هذا الثالث فانه قَالَ لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مِنْ الضَّأْنِ الْوَسَطِ فَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ الشَّرِيفَةِ تُسَاوِي جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَالظَّاهِرُ إجْزَاؤُهَا وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَعِيبَةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ سَلِيمَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَالِهِ سَلِيمَةً وَغَالِبُهُ مَعِيبٌ لَمْ يُجْزِئْهُ مَعِيبَةٌ وَلَوْ كَانَ ضَأْنًا وَمَعْزًا أخذنا ما عزة كَمَا تَقَرَّرَ (وَأَمَّا) إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعًا بِأَنْ انْقَسَمَتْ الْإِبِلُ إلَى بَخَاتِيٍّ وعراب وإلى اوحبية وَمَهْرِيَّةٍ وَمُجَيْدِيَّةٍ أَوْ انْقَسَمَتْ الْبَقَرُ إلَى جَوَامِيسَ وَعِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ وَعِرَابٍ وَدِرْبَانِيَةٍ أَوْ انْقَسَمَتْ الْغَنَمُ إلَى ضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَيَضُمُّ بَعْضُهَا إلَى بعض في اكمال النصاب بلا خلاف لا تحاد الْجِنْسِ وَفِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الزَّكَاةِ

مِنْهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ فَيُؤْخَذُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ولكن المراد النظر إلي لانواع بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ وَالتَّقْسِيطُ فَمِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ الْمَأْخُوذُ جَازَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يكون المأخوذ من اعلا الْأَنْوَاعِ كَمَا لَوْ انْقَسَمَتْ إلَى صِحَاحٍ وَمِرَاضٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُجَابُ عَمَّا قَالَ بِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ فَلَمْ نَأْخُذْهَا مَتَى وَجَدْنَا صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الام أنه إذا اختلفت الْأَنْوَاعُ أَخَذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الثِّمَارِ. قالوا وهذا القول لا يجئ فِيمَا إذَا كَانَا نَوْعَيْنِ فَقَطْ وَلَا فِي ثَلَاثَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَجْوَدِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْقَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ أَخْذُ وَاجِبِ كُلِّ نَوْعٍ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ مِنْهُ فَإِنْ اُحْتُمِلَ أُخِذَ كَذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ أَرْحَبِيَّةٍ وَمِائَةَ مَهْرِيَّةٍ فَيُؤْخَذُ حِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ وَحِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَنُوَضِّحُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَشْرٌ مَهْرِيَّةٌ وَعَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَخَمْسٌ مُجَيْدِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْرِيَّةٌ أَوْ أَرْحَبِيَّةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ أَرْحَبِيَّةٍ وَنِصْفِ مُهْرِيَّةٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَغْلَبُ. وَعَلَى الثَّانِي يُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَعْطَى بِقِيمَةِ خُمُسَيْ مَهْرِيَّةٍ وَخُمُسَيْ أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمُسِ مُجَيْدِيَّةٍ وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَهْرِيَّةٍ عَشَرَةً وَأَرْحَبِيَّةٍ خَمْسَةً وَمُجَيْدِيَّةٍ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا أُخِذَ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ كَانَ قيمتها ستة ونصف ولا يجئ هنا قول الوسيط ويجئ وَجْهُ ابْنِ كَجٍّ (الْمِثَالُ الثَّانِي) لَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْمَعْزِ وَعَشْرٌ مِنْ الضَّأْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُ ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعْزًا وَلَوْ كَانَتْ الثَّلَاثُونَ ضَأْنًا أَخَذْنَا جَذَعَةَ ضَأْنٍ وَعَلَى الثَّانِي يُؤْخَذُ ضَائِنَةٌ أَوْ عَنْزٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبُعِ ضَائِنَةٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَبِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ضائنة وربع عنز في الصورة الثانية ولا يجئ قَوْلُ اعْتِبَارِ الْوَسَطِ وَعَلَى وَجْهِ اعْتِبَارِ الْأَشْرَفِ يَجِبُ أَشْرَفُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (أَمَّا) حَدِيثُ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ (فَصَحِيحٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُ (قوله) بِبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ صَحِيحٍ وَبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ مَرِيضٌ (هُوَ) بِتَنْوِينِ فَرْضٍ (قَوْلُهُ) كَالثَّنَايَا وَالْبُزْلِ هُوَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ - جَمْعُ بَازِلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ كذا في الاصل ولعله الوسط

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عِقَالًا. وَالْعَنَاقُ - بِفَتْحِ العين - الانثى الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٍ وَعُنُوقٍ (قَوْلُهُ) كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (أَمَّا) الضَّأْنُ فَمَهْمُوزٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِالْإِسْكَانِ كَنَظَائِرِهِ وَهُوَ جَمْعٌ وَاحِدَةُ ضَائِنٍ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ضَأَنٌ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضَئِينٍ وَهُوَ فَعِيلٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ كَغَازِي وَغَزِيِّ وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ ثُمَّ نُونٍ وَجَمْعُهَا ضَوَائِنُ وَالْمَعْزُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ واسكانها - وهو اسم جنس الواحد منه ما عز والانثي ما عزة وَالْمَعْزَى وَالْمَعِيزُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَالْأُمْعُوزُ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - بِمَعْنَى الْمَعْزِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أول بابيهما. والجاموس معروف قال الجوالقي: هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْبَخَاتِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وكذا ما أشبه مِنْ الْجُمُوعِ الَّتِي وَاحِدُهَا مُشَدَّدٌ يَجُوزُ فِي الجمع التشديد والتخفيف كالدرارى وَالسَّرَارِي وَالْعَوَارِيّ وَالْأَثَافِي وَأَشْبَاهِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ فَكَذَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الرِّبَا وَكَذَا فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَقَرَ نَوْعًا لِلْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَا مُنْتَظِمٍ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْبَقَرَ جِنْسٌ وَنَوْعَاهُ الْجَوَامِيسُ وَالْعِرَابُ وَهِيَ الْمُلْسُ الْمَعْرُوفَةُ الْجَرْدُ الْحِسَانُ الْأَلْوَانِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللغة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يؤخذ في الفرض الربي وهى الَّتِي وَلَدَتْ وَمَعَهَا وَلَدُهَا وَلَا الْمَاخِضَ وَهِيَ الْحَامِلُ وَلَا مَا طَرَقَهَا الْفَحْلُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا يَكَادُ يَطْرُقُهَا الْفَحْلُ إلَّا وَهِيَ تَحْبَلُ ولا الا كولة وَهِيَ السَّمِينَةُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْأَكْلِ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ الَّذِي أُعِدَّ لِلضِّرَابِ وَلَا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَهِيَ خِيَارُهَا الَّتِي تُحْرِزُهَا الْعَيْنُ لِحُسْنِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ " وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قَالَ لِعَامِلِهِ سُفْيَانَ " قُلْ لِقَوْمِك إنَّا نَدَعُ لَكُمْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَذَاتَ اللَّحْمِ وَفَحْلَ الْغَنَمِ وَنَأْخُذُ الْجَذَعَ وَالثَّنِيَّ وَذَلِكَ وَسَطٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي الْمَالِ " وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ فَلَوْ أَخَذْنَا خِيَارَ الْمَالِ خَرَجْنَا عَنْ حَدِّ الرِّفْقِ فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا فَمَرَرْت بِرَجُلٍ فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ فَلَمْ أَجِدْ فيه إلا بنت مخاض فقلت له أدبنت مخاض فانها صدقتك فقال ذلك مالا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لا قرض الله تعالي من مالى مالا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا قُلْتُ لَهُ مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك قَرِيبٌ فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ فَافْعَلْ فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَك اللَّهُ فيه وقبلناه منك فقال فها هي ذه فخذها فامر رسول الله بِقَبْضِهَا وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ " وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَخْذِ الْخِيَارِ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا رَضِيَ قبل منه} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَكَانَ يَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَ فَقَالُوا تَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا فَلَمَّا قَدِمَ علي عمر رضي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَر ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " نَعَمْ نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا نَأْخُذُهَا وَلَا نَأْخُذُ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الْغَنَمِ وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ " وَهَذَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ غِذَاءُ الْمَالِ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ - وَبِالْمَدِّ وَهِيَ جَمْعُ غَذِيٍّ - بِتَشْدِيدِ الياء - وهو الردئ (وَأَمَّا) الرُّبَّى - فَبِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ - مَقْصُورَةً وجمعها رباب - بضم الراء - بِكَسْرِهَا - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأُمَوِيُّ الرُّبَّى مِنْ وِلَادَتِهَا إلَى شَهْرَيْنِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: الرُّبَّى مِنْ الْمَعْزِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ فِي الْإِبِلِ وَالْأَكُولَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَحَزَرَاتٌ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَرَوَاهُ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ وَزَادَ ابْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ الرَّاوِي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ عُمَارَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَدْ وُلِّيتُ الصَّدَقَاتِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَأَخَذْتُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً لِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةِ بَعِيرٍ وَقَوْلُهُ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ هِيَ - بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ مُثَنَّاهُ مِنْ فَوْقٍ ثُمَّ مِنْ تَحْتٍ - وَهِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ الْقَوِيَّةُ (وَقَوْلُهُ) تَعْرِضُ عَلَيْهِ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - (أَمَّا) حُكْمُ الْفَصْلِ (فَهُوَ) كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرُّبَّى وَلَا الْأَكُولَةِ وَلَا الْحَامِلِ وَلَا الَّتِي طَرَقَهَا الْفَحْلُ وَلَا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَلَا فَحْلِ الْمَاشِيَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَخْذُ الذَّكَرِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَائِسِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَالِكُ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّبَّى وَغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِالرُّبَى قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ عَهْدٍ بِالْوِلَادَةِ جَرْيًا علي القياس قال وحكوا وجها بعيد البعض الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَهْزُولَةً لِقُرْبِ وِلَادَتِهَا وَالْهُزَالُ عَيْبٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا سَاقِطٌ فَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَكُونُ غَيْرُ الرُّبَّى مَهْزُولَةً وَالْهُزَالُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ الْهُزَالُ الظَّاهِرُ الْبَيِّنُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ قَدْ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيطِ قَائِلِهِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ بَذَلَ الْحَامِلَ قُبِلَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ كَالْكَرِيمَةِ فِي نَوْعِهَا أَوْ صِفَتِهَا فال؟ وَنَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ مَنَعَ قَبُولَهَا قال لان

الْحَمْلَ عَيْبٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْبَهَائِمِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَا يَتَعَمَّدُ السَّاعِي أَخْذَ كَرِيمَةِ مَالِهِ فَلَوْ تَبَرَّعَ الْمَالِكُ بِإِخْرَاجِهَا قُبِلَتْ وَأَجْزَأَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ قال ومن أئمتينا مَنْ قَالَ لَا تُقْبَلُ لِلنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الْكَرَائِمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ نَهْيُ السُّعَاةِ عَنْ الْإِجْحَافِ بِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَحَثِّهِمْ عَلَى الْإِنْصَافِ وَلَا يَفْهَمُ مِنْهُ الْفَقِيهِ غَيْرَ هَذَا. قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا حَوَامِلَ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ حَامِلًا وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَمَا يُعْفَى عَنْ الْوَقْصِ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ حَسَنٌ لَطِيفٌ وَفِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحْمِلُ حَيَوَانَيْنِ الْأُمُّ وَالْجَنِينُ وَإِنَّمَا فِي الْأَرْبَعِينَ شَاةً فَلَا وَجْهَ لِتَكْلِيفِهِ حَامِلًا وَقَدْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا إيجَابُ الْخِلْفَاتِ فِي الدِّيَةِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ اتِّبَاعِيَّةٌ لَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِي مِقْدَارِهَا وَصِفَتِهَا وَمَنْ يَتَحَمَّلُهَا فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَةِ صاحب التقريب قال اما لو كانت ماشيئته سَمِينَةً لِلْمَرْعَى فَيُطَالِبُهُ بِسَمِينَةٍ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كَشَرَفِ النَّوْعِ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ الْمَالِكُ بِالْحَامِلِ قُبِلَتْ مِنْهُ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً غَيْرَ دَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُجْزِئُ الْحَامِلُ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فِي الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَلَهُ رَدُّهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَقَالَ الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْحَمْلَ نَقْصٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ لما يخاف عليهم مِنْ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْلُ فَضِيلَةٌ فِيهَا قَالُوا وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَلَهُ رَدُّهَا بِذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَى بَهِيمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ عَيْبًا فِيهَا بَلْ هُوَ فَضِيلَةٌ وَلِهَذَا أَوْجَبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ أَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فَقَالُوا: إنَّمَا لَا تُجْزِئُ الْحَامِلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ يُهْزِلُهَا وَيَقِلُّ بِسَبَبِهِ لَحْمُهَا فَلَا تُجْزِئُ وَالْمَقْصُودُ فِي الزَّكَاةِ كَثْرَةُ الْقِيمَةِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَذَلِكَ فِي الْحَامِلِ فَكَانَتْ اولي بالجواز وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {ولا يجوز أخذ القيمة في شئ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ لَمَّا عَلَّقَهَا عَلَى الْأَنْعَامِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهَا فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ سِنًّا أَعْلَى مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بِنْتَ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَلَأَنْ تُجْزِئَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْلَى كَالْبَدَنَةِ لَمَّا أَجْزَأَتْ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَأَنْ تُجْزِئَ عَنْ وَاحِدٍ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُسِنَّةٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ سِتِّينَ فَلَأَنْ يُجْزِئَ عن اربعين اولي} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وبه كذا في الاصل والصواب عليهن

قطع المصنف وجماهير الاصحاب وفيه وَجْهٌ أَنَّ الْقِيمَةَ تُجْزِئُ حَكَاهُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) إذَا أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ كَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَنَظَائِرُهُ فَتُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أُبَيِّ السَّابِقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وأما) إذا اخرج تبيعين عن مسنة فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ القيمة في شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد إلَّا أَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وعكسه وقال أبو حنيفة يجوز فإذا لَزِمَهُ شَاةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا دَرَاهِمَ بِقِيمَتِهَا أَوْ اخرج عنها ماله قيمة عنده كالكلب والثياب * وَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا مَنْفَعَةَ عَيْنٍ بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْفُقَرَاءِ دَارًا يَسْكُنُونَهَا بِقِيمَةِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ صَاعٍ جَيِّدٍ عَنْ نِصْفِ صَاعٍ وَسَطٍ لَزِمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ لَا تُجْزِئُ قِيمَتُهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى عَنْ خَمْسَةٍ جِيَادٍ دُونَهَا فِي الْجَوْدَةِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤَدِّي فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْأَوَّلُ كَذَا حَكَاهُ أَبُو بَكْرِ الرَّازِيّ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْعُرُوضِ عَنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ بِقِيمَتِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ * وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ لِلْقِيمَةِ بِأَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ حَيْثُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَخْذِ زَكَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا " ائْتُونِي بِعَرَضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ " قَالُوا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ فَجَازَتْ قِيمَتُهُ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَالٌ فأشبهت المنصوص عليه ولانه لما لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ عَنْ الْعَيْنِ إلَى الْجِنْسِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ غَنَمِهِ عَنْ غَنَمٍ غَيْرَهَا جَازَ الْعُدُولُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَّ عَلَى بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ وَتَبِيعٍ وَمُسِنَّةٍ وَشَاةٍ وَشِيَاهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا فِي الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي وَافَقُوا عَلَيْهَا وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ * وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعٌ من تمر صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ " إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ القيمة ولو جازت لببنها فقد تدعوا لحاجة إلَيْهَا؟ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ كذا في الاصل * كذا في الاصل ولعله سقط لفظ جاز

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ " وَلَوْ جَازَتْ الْقِيمَةُ لَبَيَّنَهَا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ دَفَعَ حِقَّةً وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا " وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْجُبْرَانِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ فَقَدَّرَ الْبَدَلَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُجْزِئَةً لَمْ يُقَدِّرْهُ بَلْ أَوْجَبَ التَّفَاوُتَ بِحَسْبِ الْقِيمَةِ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلِيلِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُتَّبَعَ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَعَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ وَلَوْ وَجَدَ سِلْعَةً هِيَ أَنْفَعُ لِمُوَكَّلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفَتُهُ وَإِنْ رَآهُ أَنْفَعَ فَمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ (فَإِنْ قَالُوا) هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ فِي زَكَاةِ الصَّبِيِّ إنَّ مَقْصُودَهَا سَدُّ الْخَلَّةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْحَاجَةِ فَلَا تُتَّبَعُ الْأَعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عليها (قلنا) لاننكر أَنَّ الْمَقْصُودَ الظَّاهِرَ سَدُّ الْحَاجَةِ وَلَكِنَّ الزَّكَاةَ مَعَ ذَلِكَ قُرْبَةٌ فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فَلَا يُعْتَدُّ بما أخرج لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ * وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالنِّيَّةِ وَالِاسْتِنَابَةِ أَخَذَهَا السُّلْطَانُ عَمَلًا بِالْفَرْضِ الْأَكْبَرِ وَلِهَذَا إذَا أَخْرَجَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بِلَا نِيَّةٍ * وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا وَلَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ لَهُ شَيْئًا مِنْ جِنْسِهَا أَخَذَ مَا يَجِدُ ثُمَّ إذَا اُضْطُرَّ إلَى صَرْفِ مَا أَخَذَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الزَّكَاةِ فَقَدْ خُرِّجَتْ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْعِبَادَةُ تَقْتَضِي النِّيَّةَ وَالِاتِّبَاعَ وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى سَدِّ الْخَلَّةِ فَالِاخْتِيَارُ يُوجِبُ النِّيَّةَ وَالِاتِّبَاعَ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَقَدْرًا فَإِنْ عَسُرَتْ النِّيَّةُ أَوْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ غَلَبَ مَقْصُودُ الزَّكَاةِ وَهُوَ سَدُّ الْخَلَّةِ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ أَطْرَافِ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْ الْجِزْيَةِ لَا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الزَّكَاةِ عَنْ الْحَبِّ حَبًّا وَعَقَّبَهُ بِالْجِزْيَةِ " فَقَالَ " خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَغَافِرَ " (فَإِنْ قِيلَ) فَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْجِزْيَةِ * قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (الْجَوَابُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُعَاذًا عَقَدَ معهم الجزية علي أخذ شئ عن زروعهم قال أصحابنا ومما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ لَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ مَذْهَبَ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إلَى مِخْلَافٍ آخَرَ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ الَّتِي يَجُوزُ نَقْلُهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ابْنِ اللَّبُونِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا لِلْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ أَخَذْنَاهُ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يُؤْخَذُ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَلَوْ كَانَ قِيمَةً عَلَى مَا تَقُولُونَ لَجَازَ دَفْعُهُ مَعَ وُجُودِهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى عَرَضِ التِّجَارَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ وَالْمُخْرَجُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ كَمَا أَنَّ الشَّاةَ الْمُخْرَجَةَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ هِيَ وَاجِبُهَا لَا أَنَّهَا قِيمَةٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَهُ أَصْحَابُنَا بِإِخْرَاجِ

نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط وَشَاةٍ عَنْ شَاتَيْنِ بِقِيمَتِهِمَا ثُمَّ الْمُعْتَمَدُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا جَازَ إخْرَاجُهُ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا قِيَاسٌ فَلَا يَلْزَمُنَا مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ لَا مِنْ عَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُدُولًا عَنْ الْوَاجِبِ إلَى الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا يُعْدَلُ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَفَقَدَ الشَّاةَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُهَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ وَيُجْزِئُهُ كَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ لَبُونٍ لَا في ماله ولا بالثمن فإنه يعدل إلى الْقِيمَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ أَخْذُ الْأَغْبَطِ وَأَخَذَ السَّاعِي غَيْرَهُ وَأَوْجَبْنَا التَّفَاوُتَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ نَظَائِرَهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّفَاوُتِ عِنْدَ إمْكَانِ الشِّقْصِ ثُمَّ قَالَ فَلْيُخْرَجْ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ مَتَى أَدَّى الْحِسَابُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إلَى تَشْقِيصٍ فِي مَسَائِلِ الْخُلْطَةِ فَفِي جَوَازِ الْقِيمَةِ عَنْ الشِّقْصِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ * قَالَ وَلَوْ لَزِمَهُ شَاةٌ عَنْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ بَعْدَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَعَسُرَ تَحْصِيلُ شَاةٍ وَمَسَّتْ حَاجَةُ الْمَسَاكِينِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُخْرِجُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تأخيز حَقِّ الْمَسَاكِينِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَامْتَنَعَ يَأْخُذُ الْإِمَامُ أَيَّ شئ وَجَدَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَنْصُوصَ كَمَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ قَادِرًا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَفِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُمْتَنِعِ مِنْ النِّيَّةِ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ فَهَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ كَلَامِهِ فِي الْأَسَالِيبِ نَحْوُ هَذَا * وَمِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُجْزِئُ فِيهَا الْقِيمَةُ مَا إذَا أَلْزَمَهُمْ السُّلْطَانُ بِالْقِيمَةِ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْخُلْطَةِ فِيمَا إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ قِيمَةَ الْفَرْضِ فَقَالَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الكبيرة عن السخال وهكذا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِجْزَاءِ القيمة التي اخذها الساعي ونقله أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ قَالُوا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ السَّاعِي فِيمَا يَسُوغُ فيه الاجتهاد فوجب امضاؤه قالوا وهذا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ

باب الخلطة

الْمَرْوَزِيُّ لَا تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا السَّاعِي وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى خَلِيطِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِلْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تعالي وللدليل وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى * {باب الخلطة} {لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ وَهُوَ أَنْ يجعل ما الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْجَمَاعَةِ كَمَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي مَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَ نَفْسَيْنِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ نِصَابٌ مُشَاعٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَكَذَلِكَ إذا كان لكل واحد مَالٌ مُنْفَرِدٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْحَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَخَلَطَاهَا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أربعون ملكاها معا فخلطاها صارا كَمَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (والثانى) أن يكون المال المختلط نصابا (والثالث) أن يمضى عليهما حول كامل (والرابع) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المراح (والخامس) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المسرح (والسادس) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمَشْرَبِ (وَالسَّابِعُ) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الاخر في الراعي (والثامن) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْفَحْلِ (وَالتَّاسِعُ) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمَحْلَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانَ فِيهِ لَا يفرق بين مجتمع ولا يجمع ببن مُفْتَرِقٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ " وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ صَارَا كما الْوَاحِدِ فِي الْمُؤَنِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ زَكَاتُهُ زكاة المال الواحد} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخُلْطَةُ - بِضَمِّ الْخَاءِ - وَالْمُرَاحُ - بِضَمِّ الْمِيمِ - وَهُوَ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا وَالْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَبِفَتْحِهَا مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَسَنُوَضِّحُ الْمُرَادَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعال قَالَ أَصْحَابُنَا: الْخُلْطَةُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا مُشَاعًا بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُمَا مُتَجَاوِرَانِ مُخْتَلِطَانِ فِي الْمَرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَرْعَى وَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَتُسَمَّى الْأُولَى خُلْطَةَ شُيُوعٍ وَخُلْطَةَ اشْتِرَاكٍ وَخُلْطَةَ أَعْيَانٍ وَالثَّانِيَةُ خُلْطَةَ أو صاف وخلطة جوار وكل واحدة من الخطتين تُؤَثِّرُ فِي الزَّكَاةِ وَيَصِيرُ مَالُ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الاشخاص كما الْوَاحِدِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ أَثَرُهَا فِي

وُجُوبِ أَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي تَكْثِيرِهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي تَقْلِيلِهَا (مِثَالَ الْإِيجَابِ) رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ شَاةً يَجِبُ بِالْخُلْطَةِ شَاةٌ ولو انفردا لم يجب شئ (ومثال التكثير) خلط مائة وشاة بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ فَقَطْ أَوْ خَلَطَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ بَقَرَةً بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُسِنَّةٌ وَنِصْفُ تَبِيعٍ وَلَوْ انْفَرَدَا لَزِمَهُ مُسِنَّةٌ فَقَطْ أَوْ خَلَطَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَوْ انْفَرَدَ لَزِمَهُ حِقَّتَانِ (وَمِثَالُ التَّقْلِيلِ) ثَلَاثَةُ رِجَالٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ خَلَطُوهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ شَاةٍ وَلَوْ انْفَرَدَ لَزِمَهُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّ خُلْطَةَ الْجِوَارِ لَا أَثَرَ لَهَا قال وليس بشئ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخُلْطَتَيْنِ فِي الْإِيجَابِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَخْذِ * وَبِمَذْهَبِنَا فِي تَأْثِيرِ الْخُلْطَتَيْنِ قال عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُلْطَتَيْنِ مُطْلَقًا وَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى حُكْمِ الِانْفِرَادِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا فَصَاعِدًا أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ وَإِلَّا فَلَا * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْخُلْطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " فَهُوَ نَهْيٌ لِلسَّاعِي وَلِلْمُلَّاكِ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ فَنَهَى الْمُلَّاكَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ أَوْ خَشْيَةَ كَثْرَتِهَا وَنَهَى السَّاعِي عَنْهُمَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ قِلَّتِهَا (مِثَالُ التَّفْرِيقِ) مِنْ جِهَةِ الْمُلَّاكِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً فَوَاجِبُهُمْ شَاةٌ مُقَسَّطَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ تَفْرِيقُ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ عِنْدَ قُدُومِ السَّاعِي لِتَسْقُطَ الزَّكَاةُ فِي الظَّاهِرِ (وَمِثَالُهُ) مِنْ جِهَةِ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً فَلَيْسَ لِلسَّاعِي تَفْرِيقُهَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً وَإِنَّمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ شَاةٍ (وَمِثَالُ) الْجَمْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُلَّاكِ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعُوهَا عِنْدَ قُدُومِ السَّاعِي بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ (وَمِثَالُهُ) مِنْ جِهَةِ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ عِشْرُونَ شَاةً مُنْفَرِدَةً وَلِآخَرَ عِشْرُونَ مُنْفَرِدَةً فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يجمعها ليأخذ شاة بل يتركهما متفرقتين وَلَا زَكَاةَ أَوْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ شَاةٍ وَلِآخَرَ مِثْلُهَا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي جَمْعُهُمَا لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ بَلْ يَتْرُكُهُمَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شاة فقط وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا يُضَمُّ مَالُهُ إلَى مَالِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مَالَ الْكَافِرِ وَالْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِزَكَاتِيٍّ فَلَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ كَالْمَعْلُوفَةِ لَا يَتِمُّ بِهَا

نِصَابُ السَّائِمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا دُونَ النِّصَابِ بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ مِنْ الغنم فخالط صاحبه بتسع عشرة وَتَرَكَ شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ دُونَ النِّصَابِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُرَاحِ أَوْ الْمَسْرَحِ أَوْ الْمَشْرَبِ أَوْ الرَّاعِي أَوْ الْفَحْلِ أَوْ الْمِحْلَب لَمْ يُضَمَّ مَالُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا عَلَى الْفَحْلِ وَالرَّعْيِ وَالْحَوْضِ " فَنَصَّ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا سِوَاهَا وَلِأَنَّهُ إذا تميز كل واحد بشئ مما ذكرناه لم يصر كمال الواحد في المؤن وفى الاشتراط فِي الْحَلْبِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُحْلَبَ لَبَنُ أَحَدِهِمَا فَوْقَ لَبَنِ الْآخَرِ ثم يقسم كما يخلط المسافرون ازوادهم يَأْكُلُونَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ شَرْطُ حَلْبِ أَحَدِهِمَا فَوْقَ الْآخَرِ لِأَنَّ لَبَنَ أَحَدِهِمَا قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ لَبَنِ الْآخَرِ فَإِذَا اقْتَسَمَا بِالسَّوِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بيع وهل تشترط نية الخطلة فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا شَرْطٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الزَّكَاةِ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مُؤْنَةٍ وَاحِدَةٍ وذلك يحصل من غير نية} * {الشرح} حديث سعد رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِيهِ الْفَحْلُ وَالرَّاعِي وَفِي بَعْضِهَا وَالرَّعْيُ بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَرْوِيٌّ فِي الْحَدِيثِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَ الْكَافِرِ وَالْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِزَكَاتِيٍّ الصواب عند أهل العربية ليس بزكوى كَرَحَوِيٍّ وَبَابِهِ وَسَبَقَ أَنَّ الْمُرَاحَ مَأْوَاهَا لَيْلًا (وَأَمَّا) الْمَسْرَحُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ الْمَرْتَعُ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ طَرِيقُهَا إلَى الْمَرْعَى وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ لِتَسْرَحَ وَالْجَمِيعُ شَرْطٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الميم - الاناء الذى يحلب فيه والمحلب - بِالْفَتْحِ - الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَفِي الْمِحْلَبِ وَجْهَانِ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَهُوَ غريب ضعيف (وأما) أَحْكَامُ الْفَصْلِ (فَقَالَ) أَصْحَابُنَا نَوْعَا الْخُلْطَةِ يَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ أُمُورٍ وَتَخْتَصُّ خُلْطَةُ الْجِوَارِ بِشُرُوطٍ فَمِنْ الْمُشْتَرَكِ كَوْنُ الْمُخْتَلَطِ نِصَابًا فَلَوْ مَلَكَ زيد عشرين شاة وعمر وعشرين فَخَلَطَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِتِسْعَ عَشْرَةَ وَتَرَكَا شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ خَلَطَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِتِسْعَ عشرة وشاة بِشَاةٍ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْأَرْبَعِينَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَتَانِ بِأَرْبَعِينَ (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْمُخَالِطَيْنِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ إنْ كَانَ نَصِيبُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِصَابًا زَكَّاهُ زَكَاةَ الانفراد وإلا فلا شئ عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) دَوَامُ الْخُلْطَةِ سَنَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الشُّرُوطُ الْمُخْتَصَّةُ بِخُلْطَةِ الْجِوَارِ فَمَجْمُوعُهَا عَشَرَةٌ (مِنْهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) مُخْتَلَفٌ فِيهِ (أَحَدُهَا)

اتِّحَادُ الْمَرَاحِ (الثَّانِي) اتِّحَادُ الْمَشْرَبِ بِأَنْ تُسْقَى غَنَمُهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ مِنْ مِيَاهٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ لَا تَخْتَصُّ غَنَمُ أَحَدِهِمَا بِالشُّرْبِ مِنْ مَوْضِعٍ وَغَنَمُ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِهِ (الثَّالِثُ) اتِّحَادُ الْمَسْرَحِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثم تساق الْمَرْعَى (الرَّابِعُ) اتِّحَادُ الْمَرْعَى وَهُوَ الْمَرْتَعُ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا (الْخَامِسُ) اتِّحَادُ الرَّاعِي وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ شَرْطٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) شَرْطٌ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِرَاعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَعْنَى اتِّحَادِ الرَّاعِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِرَاعٍ فَأَمَّا إذَا كان لما شيتهما رَاعِيَانِ أَوْ رُعَاةٌ لَا يَخْتَصُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْخُلْطَةُ صَحِيحَةٌ (السَّادِسُ) اتِّحَادُ الْفَحْلِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ شَرْطٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) شَرْطٌ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِنْزَاءِ فِي مَكَان وَاحِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ أَنْ تَكُونَ الْفُحُولُ مُرْسَلَةً فِي مَاشِيَتِهِمَا لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِفَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفُحُولُ مُشْتَرَكَةً أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُسْتَعَارَةً أَوْ غَيْرَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كون الفحول مشتركة واتفقوا على ضعفه وهذا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْفَحْلِ هُوَ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمَا نوعا واحدا فلو كان أَحَدِهِمَا ضَأْنًا وَمَالُ الْآخَرِ مَعْزًا وَخَلَطَاهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَحْلٌ يَطْرُقُ مَاشِيَتَهُ فَالْخُلْطَةُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يُمْكِنُ اخْتِلَاطُهُمَا فِي الْفَحْلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا ذُكُورًا وَمَالُ الْآخَرِ إنَاثًا مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّ الْخُلْطَةَ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (السَّابِعُ) اتِّحَادُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ مَالُهُمَا شَرْطٌ كَاتِّحَادِ الْمُرَاحِ فَلَوْ حَلَبَ هَذَا مَاشِيَتَهُ فِي أَهْلِهِ وَذَاكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا خُلْطَةَ (الثامن) اتحاد الحالب وهو الشَّخْصُ الَّذِي يَحْلُبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِحَالِبٍ يُمْنَعُ عَنْ حَلْبِ مَاشِيَةِ الْآخَرِ (التَّاسِعُ) اتِّحَادُ الْإِنَاءِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَهُوَ الْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بشرط كمالا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إنَاءٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ الْمَحَالِبُ فَوْضَى بَيْنَهُمْ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمِحْلَبٍ أَوْ مَحَالِبَ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْآخَرِ. وَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ خَلْطُ اللَّبَنِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا غَالِبًا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَعَلَى هَذَا يَحْلُبُ أَحَدُهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَيُفْرِغُهُ فِي وِعَائِهِ ثُمَّ يَحْلُبُ الْآخَرُ فِيهِ (والثاني) يشترط وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَيَحْلُبُ لَبَنَ أَحَدِهِمَا فَوْقَ لَبَنِ الْآخَرِ

وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ قَدْرِهِمَا. قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يضر جهالة مقدا ره وَيَتَسَامَحُونَ بِهِ كَمَا فِي خَلْطِ الْمُسَافِرِينَ أَزْوَادَهُمْ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي فِي خَلْطِ اللَّبَنِ وَلَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا لِكَوْنِهِ أَكُولًا. وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ الْأَصَحِّ وَفَرَّقُوا بَيْنَ اللَّبَنِ والازواد بان المسافرين يدعوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَى طَعَامِهِ فَهُوَ إبَاحَةٌ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ خَلْطِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إباحة * واحتح بَعْضُ الْأَصْحَابِ لِلْأَصَحِّ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّبَنَ نَمَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ الِاخْتِلَاطُ فِيهِ كَالصُّوفِ هَذَا مُخْتَصَرُ الْكَلَامِ فِي الْحَالِبِ وَالْمِحْلَبِ وَخَلْطِ اللَّبَنِ قَالَ اصحابنا: وسبب الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ خَلْطِ اللَّبَنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالزَّعْفَرَانِيّ فِي شُرُوطِ الْخُلْطَةِ وَأَنْ يَحْلُبَا مَعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ اتِّحَادَ الْحَلَّابِ شَرْطٌ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ اتِّحَادُ الْإِنَاءِ وَخَلْطُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الرِّبَا وهذا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْحَلَّابِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثلاثة أوجه (أصحها) قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي حِكَايَتِهِ فَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَاحِدًا وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ الْحَالِبُ وَاحِدًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي حِكَايَةِ مَذْهَبِ أبى اسحق وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلُبَا مَعًا وَيَخْلِطَا اللَّبَنَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَالْإِنَاءِ وَخَلْطُ اللَّبَنِ وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ يُشْتَرَطُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَلَا اتِّحَادُ الْإِنَاءِ وَلَا خَلْطُ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) نِيَّةُ الْخَلْطِ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فيما لو اتفقت الماشية في شئ مِمَّا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ بِنَفْسِهَا أَوْ فَرَّقَهَا الرَّاعِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكَانِ إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ هَلْ تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ أَمْ لَا (أَمَّا) إذا فرقاهاهما أو احدهما في شى مِنْ ذَلِكَ قَصْدًا فَتَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا بِلَا خِلَافٍ لِفَقْدِ الشَّرْطِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يُؤَثِّرُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ لَوْ اطَّلَعَا عَلَيْهِ فَأَقَرَّاهَا عَلَى تَفَرُّقِهَا انقطعت الخلطة قال اصحابنا ومتي ارتفعت وَجَبَ عَلَى مَنْ بَلَغَ نُصِيبُهُ نِصَابًا زَكَاةُ الانفراده إذَا تَمَّ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْمِلْكِ لَا من يوم ارتفاعها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ *

{فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ بِالْحَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ مِنْ الْغَنَمِ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَوْلِ ثُمَّ خَلَطَاهُ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ حَوْلُهُمَا مُتَّفِقًا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابَهُ فِي الْمُحَرَّمِ ثُمَّ خَلَطَاهُ فِي صَفَرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) يُبْنَى حَوْلُ الْخُلْطَةِ عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالَيْهِمَا لَزِمَهُمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بِآخِرِ الْحَوْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً ثُمَّ تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ لم تجب الاشاة وَلَوْ كَانَتْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَجَبَتْ شَاتَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ هَهُنَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجَبَتْ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ لِأَنَّهُ قَدْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في بعض الحول فكان زكاتهما زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ وُجِدَتْ زِيَادَةُ شَاةٍ أَوْ هَلَاكُ شَاةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تَغَيَّرَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يُزَكِّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُمَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَإِنْ كَانَ حَوْلُهُمَا مُخْتَلِفًا بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ ثُمَّ خَلَطَا فِي أول رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُزَكِّيَانِ أَبَدًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَوْلِ فَزَكَّيَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كَالسَّنَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُمَا ارْتَفَقَا بِالْخُلْطَةِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا وَإِنْ ثَبَتَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاشْتَرِي آخَرُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَلَطَهَا بِغَنَمِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّ الثَّانِي مَلَكَ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَالْأَوَّلُ قَدْ ثَبَتَ لِغَنَمِهِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَفِي الْمُشْتَرِي فِي صَفَرٍ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ فِي الْمُحَرَّمِ لَمْ يَرْتَفِقْ بِالْخُلْطَةِ فَلَا يَرْتَفِقُ الْمَالِكُ فِي صَفَرٍ (والثاني) تجب عليه صنف شَاةٍ لِأَنَّ غَنَمَهُ لَمْ تَنْفَكَّ عَنْ الْخُلْطَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى فِي الْمُحَرَّمِ وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ شَاةً وَمَضَى عَلَيْهَا نِصْفُ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ إنَّ حَوْلَ الْخُلْطَةِ لَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ انْقَطَعَ حَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا لَمْ يَبِعْ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ إنَّ حَوْلَ الْخُلْطَة يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الِانْفِرَادِ إلَى الْخُلْطَةِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي نُقْصَانِ الزَّكَاةِ وَزِيَادَتِهَا دُونَ قَطْعِ الْحَوْلِ وَأَمَّا الْمُبْتَاعُ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَجَبَ عَلَى

الْمُبْتَاعِ الزَّكَاةُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ بِحَوْلِ الْحَوْلِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ فَيَنْقُصُ النصاب وقال أبو اسحق فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنَّهُ إذَا بَاعَ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا يَعُودُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا إذَا بَاعَ عِشْرِينَ مِنْهَا بِعَيْنِهَا نُظِرَتْ فَإِنْ أَفْرَدَهَا وَسَلَّمَهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ فان سلمها وهي مختلفة بِمَا لَمْ يَبِعْ بِأَنْ سَاقَ الْجَمِيعَ حَتَّى حَصَلَ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ وحكمه حكم مالو بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ ينقطع الحول لانه لما أقردها بِالْبَيْعِ صَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا عَنْ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الِاخْتِلَاطُ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ وَلِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَةً وَتَمَّ الْحَوْلُ فَفِيهِ أربعة أوجه (احدهما) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ رُبْعُهَا عَلَى صَاحِبُ الْعِشْرِينَ وَالْبَاقِي عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ لِأَنَّ مَالَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيُضَمُّ الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ إلَى الْعِشْرَيْنِ الْمُخْتَلِطَةِ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَى الْعِشْرِينَ الْمُخْتَلِطَةِ انْضَمَّتْ أَيْضًا إلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِهِ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ كَأَنَّهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ فَوَجَبَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةَ تُضَمُّ إلَى الْعِشْرِينَ بحكم الملك فتصير ستين فَيَصِيرُ مُخَالِطًا بِجَمِيعِهَا لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَصَاحِبُ الْعِشْرِينَ مُخَالِطٌ بِالْعِشْرِينَ الَّتِي لِصَاحِبِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ فَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ فَلَا خُلْطَةَ لَهُ بِهَا فَلَمْ يَرْتَفِقْ بِهَا فِي زَكَاتِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِشْرِينَ مُخَالِطٌ بِعِشْرِينَ فَلَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ وَصَاحِبُ السِّتِّينَ لَهُ مَالٌ مُنْفَرِدٌ وَمَالٌ مُخْتَلَطٌ وَزَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَقْوَى فَغَلَبَ حُكْمُهَا (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ إلَّا نِصْفَ سُدُسِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ لِصَاحِبِ السِّتِّينَ أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً فَتُزَكَّى زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِسِتِّينَ شَاةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا شَاةٌ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ مِنْهَا ثُلُثَا شَاةٍ وَلَهُ عِشْرُونَ مُخْتَلِطَةٌ فَتُزَكَّى زكاة الخلطة فَتُزَكَّى زَكَاةَ الْخُلْطَةِ فَكَانَ جَمِيعُ الثَّمَانِينَ مُخْتَلِطَةً فَيَخُصُّ الْعِشْرِينَ مِنْهَا رُبْعُ شَاةٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ شاة الانصف سُدُسِ شَاةٍ ثُلُثَا شَاةٍ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ وَرُبْعُ شَاةٍ فِي الْعِشْرِينَ الْمُخْتَلِطَةِ وَأَقَلُّ عَدَدٍ يُخْرَجُ مِنْهُ رُبْعٌ وَثُلُثَانِ اثْنَا عَشَرَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَالرُّبُعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ شَاةٍ وَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ فِي الْأَرْبَعِينَ الْحَاضِرَةِ} *

(فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً فَخَالَطَ بِكُلِّ عِشْرِينَ رَجُلًا لَهُ عِشْرُونَ شَاةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَلَى مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يُجْعَلُ بِضَمِّ الْغَنَمِ بَعْضُهَا إلى بعض وهل كان جميعها مختلطة فيحب فِيهَا شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ نِصْفُهَا وَعَلَى الشُّرَكَاءِ نِصْفُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ وَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا إنَّ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ يَجِبُ هَهُنَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ لِأَنَّ غَنَمَهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَابِتَةٌ فِي الْعِشْرِينَ الَّتِي لَهُ وَفِي الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِهِ وَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا إنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ يَجِبُ هَهُنَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَمُّ الْأَمْلَاكِ الثَّلَاثَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ فِي شُرُوطِ الْخُلْطَةِ (وَأَمَّا) السِّتُّونَ فَإِنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّ كُلِّ عِشْرِينَ مِنْهَا إلى واحد من الثلاثة الثَّلَاثَةِ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ السِّتِّينَ قَدْ انْضَمَّ غَنَمُكَ بعضا إلَى بَعْضٍ فَضُمَّ السِّتِّينَ إلَى غَنَمِ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فَتَصِيرُ ثَمَانِينَ فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الاربعين * {فصل} فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان * قال أبو اسحق إذا وجد ما يجب علي كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن ياخذ من أي النصيبين شاء * وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ أن ياخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب احدهما لانا جعلنا المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع علي خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لانه غارم فكان القول قوله كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لانه ظلمه فلا يرجع به على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال علي قول مالك فانه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لانه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة فانها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه (والثانى) يرجع وهو الصحيح لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الْكَبِيرَةَ عن السخال} *

{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله تعالى * إذا لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيطَيْنِ حَالَةُ انْفِرَادٍ بِأَنْ وَرِثَا مَاشِيَةً أَوْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ دفعة واحدة شائعة أو مخلوطة وأدما الْخُلْطَةَ سَنَةً كَامِلَةً زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ النصاب وبلغ بالخلط نِصَابًا زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ قَطْعًا (فَأَمَّا) إذَا انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ فَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي حَوْلِ الْخَلِيطَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ يَقَعُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اتَّفَقَ فِي حَقِّهِمَا فَتَارَةً يَتَّفِقُ حَوْلَاهُمَا وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ فَإِنْ اتَّفَقَا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ خَلَطَاهَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) ثُبُوتُ الْخُلْطَةِ فَيَجِبُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بِآخِرِ الْحَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً فَتَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا شَاةٌ * وَلَوْ كَانَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ وَجَبَ شَاتَانِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَلْ يُزَكِّيَانِ فِيهَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَخَالَطَ فِي بَعْضِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْجَوَابُ عَنْ حُجَّةِ الْقَدِيمِ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ وُجِدَتْ زِيَادَةُ الشَّاةِ أَوْ عَلَفُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تَغَيَّرَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يَضْبِطْ الْجُمْهُورُ الزَّمَنَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَوْلِ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ يَجْرِي الْقَوْلَانِ مَتَى خَلَطَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِزَمَنٍ لَوْ عُلِفَتْ الْمَاشِيَةُ فِيهِ صَارَتْ مَعْلُوفَةً وَسَقَطَ حُكْمُ السَّوْمِ قَالَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا اخْتِيَارُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ وَإِنْ خَلَطَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يبق الا يوم لم تثبت الْخُلْطَةُ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ حُجَّةِ الْقَدِيمِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْفَائِدَةُ وَالنَّمَاءُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ كَالسِّخَالِ الْمُتَوَلِّدَةِ فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَسِخَالٍ اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا لَا تُضَمُّ وَهَذَا هُوَ نَظِيرُ الْخُلْطَةِ في أثناء الحول فانها ضم غَيْرَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ المصنف والاصحاب (وأما) في السنة الثانية فما بَعْدَهَا فَيُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجَمِيعِ الْأَصْحَابِ ولا يجئ فِيهِ خِلَافُ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ حَوْلُهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا اتَّفَقَ الْحَوْلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي

أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَخَلَطَا فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْحَوْلِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ لَزِمَ الْأَوَّلَ عِنْدَ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ شَاةٌ وَلَزِمَ الثَّانِي فِي أَوَّلِ صَفَرٍ شَاةٌ أَيْضًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ وَأَمَّا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْخُلْطَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ شَاةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ شَاةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ صَفَرٍ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَيُزَكِّيَانِ أَبَدًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِاخْتِلَافِ حَوْلِهِمَا أَبَدًا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَنَّهُ خَرَّجَهُ مِنْ الْقَوْلِ الْجَدِيدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَيْسَ هُوَ لِابْنِ سُرَيْجٍ بَلْ هُوَ لِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ضعفه لانهما ارتفقا بالخلطة في سَنَةً كَامِلَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا (أَمَّا) إذَا اتَّفَقَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ دُونَ الْآخَرِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَمَلَكَ الْآخَرُ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَخَلَطَهَا حِينَ مَلَكَهَا أَوْ خَلَطَ الْأَوَّلُ أَرْبَعِينَهُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَ الثَّانِي أَرْبَعِينَهُ لِثَالِثٍ فَقَدْ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ شَهْرًا وَلَمْ يَنْفَرِدْ الثَّانِي أَصْلًا فَتُبْنَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَ الْأَوَّلَ شَاةٌ فِي الْجَدِيدِ وَنِصْفُهَا فِي الْقَدِيمِ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَ الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا المصنف والاصحاب (اصحهما) يلزمه نصف شاة لان غَنَمِهِ لَمْ تَنْفَكَّ عَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ) الْمَنْسُوبِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ لَا تَثْبُتُ أَبَدًا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حُجَّةِ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْمُشْتَرَى فِي صَفَرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِكَوْنِ الْمَالِكِ فِي الْمُحَرَّمِ لَمْ يَرْتَفِقْ بِخُلْطَتِهِ فَلَا يَرْتَفِقُ هُوَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِقُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْمَالِكِ فِي الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ لَوْ تَفَاصَلَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ الثَّانِي لَزِمَ الثَّانِي شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ فَقَدْ ارْتَفَقَ بِالْخُلْطَةِ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي صُوَرٍ بَنَاهَا الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ (مِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَرْبَعِينَ أَوَّلَ صَفَرٍ فَعَلَى الْجَدِيدِ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَهُ لَلْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَهُ لَلْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ نِصْفُ شَاةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ. وَعَلَى الْقَدِيمِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ شَاةٍ لِكُلِّ أَرْبَعِينَ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يُتَّفَقُ الْقَوْلَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَهَكَذَا أَبَدًا مَا لَمْ يَنْقُصْ النِّصَابُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كَمَا تَمْتَنِعُ الْخُلْطَةُ فِي حَقِّ الشَّخْصَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ التَّارِيخِ تَخْتَلِفُ فِي

مَلِكَيْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ ثُمَّ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأُولَى لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ وَفِيمَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُلُثُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ ثُمَّ يَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ كَامِلَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ وَمَلَكَ آخَرُ عِشْرِينَ أَوَّلَ صَفَرٍ وَخَلَطَا عِنْدَ مِلْكِ الثَّانِي فَإِذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَ الْأَوَّلَ شَاةٌ عَلَى الْجَدِيدِ وَثُلُثَاهَا عَلَى الْقَدِيمِ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَ الثَّانِي ثُلُثُ شَاةٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ خَالَطَ فِي جَمِيعِ حَوْلِهِ. وَعَلَى قِيَاسِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ شَاةٌ أَبَدًا في كل حول ولا شئ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ أَبَدًا لِاخْتِلَافِ التَّارِيخِ وَلَوْ مَلَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ثَمَانِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَوَّلَ صَفَرٍ كَانَ الْمُسْلِمُ كَمَنْ انْفَرَدَ بِمَالِهِ شَهْرًا ثُمَّ خَالَطَ * (فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِي طَرَآنِ خُلْطَةِ الْجِوَارِ فَلَوْ طَرَأَتْ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فَفِي انْقِطَاعِ حَوْلِ الْبَائِعِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ حَوْلُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ خَلَطَا إنْ قُلْنَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ انْقَطَعَ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ نَصِّهِ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ لِاسْتِمْرَارِ النِّصَابِ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ ثُمَّ بِصِفَةِ الِاخْتِلَاطِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ النِّصَابُ فِي وَقْتٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ خَطَأٌ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الِانْفِرَادِ إلَى الْخُلْطَةِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي زِيَادَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ وَنَقْصِهِ لَا فِي قَطْعِ الْحَوْلِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ لَزِمَ الْبَائِعَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ تَمَّ حَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَيَنْظُرُ إنْ أَخْرَجَ الْبَائِعُ وَاجِبَهُ وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ مِنْ المشترك فلا شئ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِ الْمَجْمُوعِ عَنْ النِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالذِّمَّةِ لَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ الْجَزْمُ بِانْقِطَاعِ حول المشترى فلا يلزمه شئ لانه بمجرد دخول الحول زال مالك الْبَائِعِ عَنْ نِصْفِ شَاةٍ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ فَنَقَصَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْمُشْتَرِي بَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حوله واستدل له المنصف وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إذَا بَاعَ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ

وَضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقَ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا يَعُودُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ مَوْضِعٍ هَلْ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَوْدُهُ بَعْدَ الزوال وفيه خلاف (وأما) إذَا بَاعَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عِشْرِينَ بِعَيْنِهَا (فَإِنْ) أَفْرَدَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي مُنْفَرِدَةً زَالَتْ الْخُلْطَةُ إنْ كَثُرَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ فَإِنْ خَلَطَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَا الْحَوْلَ وَإِنْ كَانَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ يَسِيرًا فَفِي انْقِطَاعِ حَوْلِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِانْقِطَاعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ لَمْ يُفْرِدْهَا بَلْ تَرَكَ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً وَبَاعَهُ الْعِشْرِينَ الْمُعَيَّنَةَ وسلم إليه جميع الاربعين لتصير العشرين مَقْبُوضَةً فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الْمَذْهَبُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ النِّصْفَ مُشَاعًا فَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْعِشْرَيْنِ الْبَاقِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَنْقَطِعُ الِانْفِرَادُ بِالْبَيْعِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَمْ يَزُلْ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُهُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ مِنْ خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا لِتَعَلُّقِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُ الْبَائِعِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَفِي وَاجِبِهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا وَلَوْ كَانَ لِهَذَا أَرْبَعُونَ وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ غَنَمِهِ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حَوْلَاهُمَا واستأنفا من وقت المبايعة لا نقطاع الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ غَنَمِهِ شَائِعًا بِنِصْفِ غَنَمِ صَاحِبِهِ شَائِعًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ والأربعينان مُتَمَيِّزَتَانِ فَحُكْمُ الْحَوْلِ فِيمَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْبَعِينِهِ كَمَا إذَا كَانَ لِلْوَاحِدِ أَرْبَعُونَ فَبَاعَ نِصْفَهَا شَائِعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ مَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا مَالٌ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (الْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُ شَاةٍ (وَالْجَدِيدُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَإِذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ التَّبَايُعِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ رُبْعُ شَاةٍ عَلَى الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) رُبْعُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) نِصْفُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا طَرَأَ الِانْفِرَادُ عَلَى الْخُلْطَةِ انْقَطَعَتْ فَيُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ مُخْتَلِطَةً فَخَالَطَهُمَا ثَالِثٌ بِعِشْرِينَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِمَا ثُمَّ مَيَّزَ أَحَدُ الْأَوَّلِينَ ماله قبل تمام الحول فلا شئ عَلَيْهِ عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَعَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حوله وفيه وجه ابن سريح. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ مُشْتَرَكَةً فَقَسَمَاهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ وَهُوَ مُضِيُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ

نِصْفُ شَاةٍ ثُمَّ إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْقِسْمَةِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ لِمَا مَلَكَهُ وَهَكَذَا أَبَدًا فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَلْزَمُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نصف شاة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ مَاشِيَةٌ مُخْتَلِطَةٌ وَغَيْرُ مُخْتَلِطَةٍ مِنْ جِنْسِهَا بِأَنْ مَلَكَ سِتِّينَ شَاةً خَالَطَ بِعِشْرَيْنِ مِنْهَا عشرين لغيره خلط جِوَارٍ أَوْ شُيُوعٍ وَانْفَرَدَ بِالْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ فَكَيْفَ يُزَكَّيَانِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ (أَصَحُّهُمَا) وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ غَيْرَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْخُلْطَةَ مِلْكٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي الثَّمَانِينَ وَتَصِيرُ كَأَنَّهَا كُلُّهَا مُخْتَلِطَةٌ لِأَنَّ مَالَ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ وَتَعَدَّدَتْ بُلْدَانُهُ وَالْخُلْطَةُ تَجْعَلُ الْمَالَيْنِ كَمَالٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ صَاحِبُ السِّتِّينَ مُخَالِطًا بِجَمِيعِ السِّتِّينَ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ وَوَاجِبُ الثَّمَانِينَ شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ رُبْعُ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا خُلْطَةُ عَيْنٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ حُكْمُهَا عَلَى عَيْنِ الْمُخْتَلَطِ لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَطُ حَقِيقَةً فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ خَلِيطُ عِشْرِينَ وَفِي صَاحِبِ السِّتِّينَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّ لَهُ مَالَيْنِ مُخْتَلَطًا وَمُنْفَرِدًا وَالْمُنْفَرِدُ أَقْوَى فَغَلَبَ حُكْمُهُ فَصَارَ كَمَنْ لَهُ سِتُّونَ شَاةً مُنْفَرِدَةً (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّ مَالَهُ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَقَدْ ثَبَتَ لِبَعْضِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فَكَأَنَّهُ خَلَطَ سِتِّينَ بِعِشْرِينَ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَاةٍ وَنِصْفُ سُدُسٍ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثَا شَاةٍ وَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِجَمِيعِ السِّتِّينَ وَيَخُصُّ الْعِشْرِينَ رُبْعُ شَاةٍ كَأَنَّهُ خَالَطَ بِالْجَمِيعِ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ المروزى والحصري (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَسُدُسُ شَاةٍ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثَانِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفٌ مُوَافَقَةً لِخَلِيطِهَا حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ (وَالْخَامِسُ) يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِأَرْبَعِينَ وَخَالَطَ بِعِشْرِينَ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَالُوا هُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (أَمَّا) إذَا خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ منفردة ففى واجبهما القولان ان فلنا خُلْطَةَ مِلْكٍ فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ قُلْنَا خُلْطَةُ عَيْنٍ فَفِيهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ فَرَّقَهَا الْأَصْحَابُ وَجَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ (وَالثَّانِي) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّ لَهُ سِتِّينَ مُخَالَطَةً لِعِشْرِينَ (وَالثَّالِثُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَكَأَنَّ الْجَمِيعَ مُخْتَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَنِصْفُ سُدُسٍ حِصَّةُ الْأَرْبَعِينَ مِنْهَا ثُلُثَانِ كَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِكُلِّ مَالِهِ وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ رُبْعٌ كَأَنَّهُ خَالَطَ السِّتِّينَ بِالْعِشْرِينِ (وَالْخَامِسُ) عَلَى كُلِّ واحد خمسة أسداس فقط حسة العشرين منها سدس كأنة خلطها بِالْجَمِيعِ (وَالسَّادِسُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَسُدُسٌ ثُلُثَانِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفٌ عَنْ الْعِشْرِينَ (وَالسَّابِعُ)

عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَلَا فَرْقَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةَ فِي بَلَدِ الْمَالِ الْمُخْتَلَطِ أَمْ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلُ صاحب الستين وحول الآخر أم اخلتفا لَكِنْ إنْ اخْتَلَفَا زَادَ النَّظَرُ فِي التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ رُبْعُهَا عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ وَبَاقِيهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِيمَا إذَا خَالَطَ ببعض ماله واحد وَبِبَعْضِهِ آخَرَ وَلَمْ يُخَالِطْ أَحَدٌ خَلِيطَهُ الْآخَرَ فَإِذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَخَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَالْعِشْرِينَ الْأُخْرَى بِعِشْرِينَ لِآخَرَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْخُلْطَةُ خُلْطَةُ مِلْكٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ نصف شاة وأما الاخرين فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مَضْمُومٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَهَلْ يُضَمُّ إلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِ خَلِيطِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُضَمُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) لَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ شَاةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْخُلْطَةُ خُلْطَةُ عَيْنٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْعِشْرِينَيْنِ نِصْفُ شَاةٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَرْبَعِينَ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ لَكِنْ الَّذِي يَجْتَمِعُ مِنْهَا هُنَا ثَلَاثَةٌ (أَصَحُّهَا) هُنَا نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثَا شَاةٍ وَلَوْ مَلَكَ سِتِّينَ خَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِرَجُلٍ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ نِصْفُ شَاةٍ وَفِي أَصْحَابِ الْعِشْرِينَاتِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَى كل واحد منهم سدس شاة والافربعها وَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْعِشْرِينَاتِ نِصْفُ شَاةٍ وَفِي صَاحِبِ السِّتِّينَ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ شَاةٌ (وَالثَّانِي) نِصْفُهَا (وَالثَّالِثُ) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا (وَالرَّابِعُ) شَاةٌ وَنِصْفٌ عَنْ كُلِّ عِشْرِينَ نِصْفٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي نَظِيرِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَأْخَذِهَا وَالْأَصَحُّ مِنْهَا وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَخَالَطَ بِكُلِّ خَمْسٍ خَمْسًا لِآخَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُ حِقَّةٍ وَفِي وَاجِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عُشْرُ حِقَّةٍ (وَالثَّانِي) سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ شَاةٌ وَفِي صَاحِبِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ (عَلَى الْأَوَّلِ) بِنْتُ مَخَاضٍ (وَعَلَى الثَّانِي) نِصْفُ حِقَّةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) خَمْسُ شِيَاهٍ. وَلَوْ مَلَكَ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ فَخَلَطَ خَمْسًا بِخَمْسَ عَشَرَةَ لِغَيْرِهِ وَخَمْسًا بِخَمْسَ عَشَرَةَ لِآخَرَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ الْعَشْرِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي صَاحِبَيْهِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطٍ فقط فعليه ثلاثة أخمسا بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ. (وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ

الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي صَاحِبِ الْعَشَرِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ (عَلَى الْأَوَّلِ) يَلْزَمُهُ شَاتَانِ (وَعَلَى الثَّانِي) رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) خُمُسَا بِنْتِ مَخَاضٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) شَاتَانِ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا خَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لِرَجُلٍ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ لَزِمَهُ الْأَغْبَطُ مِنْ نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمْسَيْ حِقَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الابل واجبها الا غبط من خمس بنات لبون وأربع حِقَاقٍ وَجُمْلَةُ الْأُصُولِ هُنَا مِائَتَانِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَطَاءِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ بنت لبون وثمنها وتسعة أشعار حِقَّةٍ وَإِنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى خَلِيطِهِ فَقَطْ لَزِمَهُ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ جَذَعَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ لَزِمَ كُلَّ واحد من الخلطاء تسعة أشعار حِقَّةٍ وَفِي صَاحِبِ الْعِشْرِينَ الْأَوْجَهُ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَرْبَعُ شِيَاهٍ (وَعَلَى الثَّانِي) الْأَغْبَطُ مِنْ نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمْسَيْ حِقَّةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) أَرْبَعَةُ أجزاء من ثلاثة عشر جزاء مِنْ جَذَعَةٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَالْأَوَّلِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ أَوَائِلُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَوْلِ (مِثَالُهُ) فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ اخْتَلَفَ الْحَوْلُ فَيُزَكُّونَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَوْلِهِ وَفِي بَاقِي السِّنِينَ يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُزَكُّونَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِالْخُلْطَةِ وَعَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا تَثْبُتُ لَهُمْ الْخُلْطَةُ أَبَدًا وَلَوْ خَلَطَ خَمْسَ عَشْرَةَ شَاةً بِمِثْلِهَا لِغَيْرِهِ وَلِأَحَدِهِمَا خَمْسُونَ مُنْفَرِدَةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فلا شئ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَ عَشَرَةَ لِأَنَّ الْمُخْتَلَطَ دُونَ نِصَابٍ وَعَلَى الْآخَرِ شَاةٌ عَنْ الْخَمْسِ وَالسِّتِّينَ كمن خلط ذِمِّيًّا (وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا أَثَرَ لِهَذِهِ الْخُلْطَةِ لِنُقْصَانِ الْمُخْتَلَطِ عَنْ النِّصَابِ (وَأَصَحُّهُمَا) تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ وَتُضَمُّ الْخَمْسُونَ إلَى الثَّلَاثِينَ فَتَجِبُ شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ فَقَطْ ثُمُنُ شَاةٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ وَالْبَاقِي عَلَى الآخر * * قال المصنف رحمه الله * (1) {فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان * قال أبو اسحق إذا وجد ما يجب علي كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن ياخذ من أي النصيبين شاة * وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ أن ياخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب احدهما لانا جعلنا المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع علي خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لانه غارم فكان القول قوله

_ (1) سبق طبع المتن واعادناه ثانيا طبق الاصل

كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لانه ظلمه فلا يرجع به على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال علي قول مالك فانه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لانه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة فانها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه (والثانى) يرجع وهو الصحيح لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الْكَبِيرَةَ عن السخال} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْخَلِيطَيْنِ قَدْ يَقْتَضِي التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ يَقْتَضِي رُجُوعَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ الرُّجُوعُ وَالتَّرَاجُعُ يكثر ان فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَقَدْ يَتَّفِقَانِ فِي خُلْطَةِ الشُّيُوعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَأَمَّا) خُلْطَةُ الْجِوَارِ فَتَارَةً يُمْكِنُ السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فَرْضَ الْجَمِيعِ مِنْ نَصِيبِ أيهما شاء وَإِنْ لَمْ يَجِدْ السِّنَّ الْمَفْرُوضَ إلَّا فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَخَذَهُ (مِثَالُهُ) أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ يَأْخُذُ الشَّاةَ مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا إلَّا فِي أَحَدِهِمَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ وَجَدَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَخَذَهَا مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا مِرَاضًا أَوْ مَعِيبَةً أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (أَمَّا) إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْفَرْضِ الَّذِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أحدهما) ونقله المصنف والاصحاب عن أبى إسحق يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لِيُغْنِيَهُمَا عَنْ التَّرَاجُعِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هريرة وجمهور أصحابنا المقتدمين وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْخُذُ مِنْ جَنْبِ الْمَالِ مَا اتَّفَقَ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَهُ تَعَمُّدُ الْأَخْذِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ وَسَوَاءٌ الْأَخْذُ مِمَّنْ لَهُ أَقَلُّ الْجُمْلَةِ أَوْ أَكْثَرُهَا بَلْ لو اخذ كما قال أبو اسحق ثَبَتَ التَّرَاجُعُ أَيْضًا هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُهُ عِنْدَ النَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَمَالٍ وَاحِدٍ (مِثَالُ الْإِمْكَانِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ مِائَةُ شَاةٍ أَمْكَنَ أَخْذُ شَاةٍ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ ثَلَاثُونَ وَأَمْكَنَ أَخْذُ مُسِنَّةٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَبِيعٍ مِنْ الثَّانِي (أَمَّا كَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ (فَإِذَا) خَلَطَ عِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ بِعِشْرِينَ فَأَخَذَ السَّاعِي شَاةً مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً وَلَا يُقَالُ أَيْضًا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الشَّاةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ النِّصْفِ فَإِنَّ الشَّاةَ قَدْ تَكُونُ جُمْلَتُهَا تُسَاوِي عِشْرِينَ وَلَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي نِصْفِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِضَرَرِ الْبَعْضِ فَنِصْفُ الْقِيمَةِ عَشْرَةٌ وَقِيمَةُ النِّصْفِ

ثَمَانِيَةٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لَا بِقِيمَةِ النِّصْفِ لِأَنَّ الشَّاةَ الْمَأْخُوذَةَ أُخِذَتْ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ جُمْلَتِهَا مُوَزَّعَةً عَلَى جُمْلَةِ الْمَالِ وَلَوْ قُلْنَا قِيمَةُ النِّصْفِ لَأَجْحَفْنَا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ الشَّاةُ فَاعْتَمِدْ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ قِيمَةُ النِّصْفِ فَإِنَّهُ مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ كَمَا أَوْضَحْتُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ شَاةً ولآخر عشرة فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاةَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْقِيمَةِ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ مِنْ صَاحِبِ الْمِائَةِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الشَّاتَيْنِ وَلَا نَقُولُ بِقِيمَةِ ثُلُثَيْ شَاةٍ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسِينَ رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الشِّيَاهِ لِهَذَا وَنِصْفُهَا لِهَذَا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ فَإِنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَتَانِ فَفِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ ذكرها المصنف والاصحاب في كتاب الكتابة (أصحها) يَسْقُطُ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ على رضاهما ولارضاء أَحَدِهِمَا (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ رِضَا أَحَدِهِمَا (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا (وَالرَّابِعُ) لَا يَسْقُطُ وَإِنْ رَضِيَا وَمَحِلُّ الْأَقْوَالِ إذَا اسْتَوَى الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ جَرَتْ الْأَقْوَالُ فِيمَا اتَّفَقَا فِيهِ. وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ فَوَاجِبُهُمَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِمَا وَعَلَى الْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِمَا فَإِنْ أَخَذَهُمَا السَّاعِي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا وَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ رَجَعَ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِ وَأُنْكِرَ هَذَا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُوَافِقِيهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَتْ غَنَمُهُمَا سَوَاءً وَوَاجِبُهُمَا شَاتَانِ فَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الشَّاتَيْنِ الْمَأْخُوذَتَيْنِ مُخْتَلِفَةً لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ منهما على صاحبه بشئ لانه لم يأخذ منه الاما عَلَيْهِ فِي غَنَمِهِ لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ تَبِيعًا وَمَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً فَلَا تَرَاجُعَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةُ شَاةٍ فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ

الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَخِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَخِلَافُ الرَّاجِحِ دَلِيلًا فَالْأَصَحُّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَرَاجُعَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ فَرْضِهِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ * (فَرْعٌ) لَوْ ظَلَمَ السَّاعِي فَأَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ وَوَاجِبُهُمَا شَاةٌ واحدة أو أخذ نفيسة كلما خض وَالرُّبَى وَحَزَرَاتِ الْمَالِ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَاجِبِ لَا قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ السَّاعِي ظَلَمَهُ فَلَا يُطَالِبُ غَيْرَ ظَالِمِهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَاقِيًا استرده وأعطاه الواجب والااسترد الفضل والفرض ساقط عنه وهذا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخَذَ زِيَادَةً بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ أَخَذَ كَبِيرَةً عَنْ السِّخَالِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهُمَا) يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَرْجِعُ بِهَا وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا قِيمَةَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يُجْزِئُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ اتفق الاصحاب علي تصحيحه ونقل الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المجرد والبندنيجي وصاحب الحاوى والمحالي وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالُوا وَهُوَ الصحيح وقول ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ دفع القيمة ولا يرجع علي خليطه بشئ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْوَاجِبَ وَنَقَلَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ هذا الوجه عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ * (فَرْعٌ) * حَيْثُ ثَبَتَ لا حدهما الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمَأْخُوذِ وَنَازَعَهُ فِي الْقِيمَةِ وَلَا بَيِّنَةَ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ (أَمَّا) خُلْطَةُ الِاشْتِرَاكِ (فَإِنْ) كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ فَأَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ الْمَالِ فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالشَّاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كانت شركتهما مناصفة أو بالثلث أَوْ الرُّبْعِ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ مُنَاصَفَةً فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَعَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعِيهِ يتراجعان ان اختلفت القيمة فان تساوت فيه أَقْوَالُ التَّقَاصِّ وَعَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لَا تَرَاجُعَ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرَاجُعُ فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا فِي صورتين (احدهما) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْسُ الْمَفْرُوضِ كَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا لَيْسَ فِيهَا بنت مخاض

وَأَرْبَعِينَ شَاةً لَيْسَ فِيهَا جَذَعَةٌ وَلَا ثَنِيَّةٌ فَأَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بقسطه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَأَمَّا الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي وَهِيَ الْأَثْمَانُ وَالْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ فَفِيهَا قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) لَا تَأْثِيرَ لِلْخُلْطَةِ فِي زَكَاتِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا عَلَى الحوض والفحل والرعى) ولان الخلطة اتما تَصِحُّ فِي الْمَوَاشِي لِأَنَّ فِيهَا مَنْفَعَةٌ بِإِزَاءِ الضَّرَرِ وَفِي غَيْرِهَا لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَا وَقَصَ فِيهَا بَعْدَ النِّصَابِ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم " لا يجمع بين مفترق وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ " وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ فِي زَكَاتِهِ كَالْمَاشِيَةِ وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَمَالِ الْوَاحِدِ فِي الْمُؤَنِ فَهِيَ كالمواشي} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالنِّقْدَانِ وَعُرُوضُ التجارة (أما) خلطة الاشتراك (ففيها) لقولان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما (الْقَدِيمُ) لَا تَثْبُتُ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ تَثْبُتُ (وَأَمَّا) خُلْطَةُ الْجِوَارِ فَفِيهَا طُرُقٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ فِيهَا الْقَوْلَانِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَثْبُتُ فِي الْقَدِيمِ وَفِي ثُبُوتِهَا فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَا تَثْبُتُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي النَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ وَفِي ثُبُوتِهَا فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ الْقَوْلَانِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهَا وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا اخْتَصَرْت قُلْت فِي الْخَلِيطَيْنِ اربعة أقوال (الجديد) ثبوتها وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَالثَّانِي) لَا يَثْبُتَانِ (وَالثَّالِثُ) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشَّرِكَةِ دُونَ الْجِوَارِ (وَالرَّابِعُ) تَثْبُتُ الْخُلْطَتَانِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَكَذَا خُلْطَةُ النَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ خُلْطَةَ شَرِكَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهُمَا جَمِيعًا فِي الْجَمِيعِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ إلَى آخِرِهِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْقَدِيمُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْمَاشِيَةِ لِلِارْتِفَاقِ وَالِارْتِفَاقُ هُنَا مَوْجُودٌ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَرَّاثِ وَجَذَّاذِ النَّخْلِ وَالنَّاطُورِ وَالْحَارِثِ وَالدُّكَّانِ وَالْمِيزَانِ وَالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْجَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْخُلْطَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَفُّ نَخِيلٍ أَوْ زَرْعٍ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الْمُلَقِّحُ وَاللَّقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي دُكَّانٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسُ دَرَاهِمَ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ أَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ أَوْ خِزَانَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِيزَانٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَلَى إثْبَاتِ الْخُلْطَتَيْنِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ كَانَ نَخِيلٌ مَوْقُوفَةً عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ فَأَثْمَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْهَدَ نَخِيلَهُ أَوْ جَعَلَ أُجْرَتَهُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ

باب زكاة الثمار

بِعَيْنِهَا بَعْدَ خُرُوجِ ثَمَرَتِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَشَرَطَ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الثَّمَرَتَيْنِ نِصَابًا لَزِمَهُ الْعُشْرُ * قال المصنف رحمه الله * * {باب زكاة الثمار} * {وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِمَا رَوَى عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِي الْكَرْمِ إنَّهَا تُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ فَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا " وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ تَعْظُمُ مَنْفَعَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَقْوَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُقْتَاتَةِ فهى كالانعام في المواشى} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَتَّابًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَنْ يُسْنَدَ أَوْ يُرْسَلُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَرْمِ " يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَيُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ اللنخل تَمْرًا " فَجَعَلَ النَّخْلَ أَصْلًا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحْسَنُهُمَا) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ خيبر فتحث أَوَّلَ سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْرُصُ النَّخْلَ فَكَانَ خَرْصُ النَّخْلِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ فَلَمَّا فَتَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ وَبِهَا الْعِنَبُ الْكَثِيرُ أَمَرَ بِخَرْصِهِ كَخَرْصِ النَّخْلِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّخْلَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَصَارَتْ أَصْلًا لِغَلَبَتِهَا (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ سُمِّيَ الْعِنَبُ كَرْمًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ الْمُسْلِمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ المؤمن " وعن وائل ابن حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَقُولُوا الْكَرْمَ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبَ وَالْحَبَلَةَ "

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَبَلَةُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا - (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ بِتَسْمِيَتِهَا كَرْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ أَوْ خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِغَيْرِهِ فَأَوْضَحَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهَا بَيَانًا لِجَوَازِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَمَّتْ الْعَرَبُ الْعِنَبَ كَرْمًا وَالْخَمْرَ كَرْمًا (أَمَّا) العنب فالكرم ثَمَرِهِ وَكَثْرَةِ حَمْلِهِ وَتَذَلُّلِهِ لِلْقِطْفِ وَسُهُولَةِ تَنَاوُلِهِ بِلَا شَوْكٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا غَضًّا طَرِيًّا وَزَبِيبًا وَيُدَّخَرُ قُوتًا وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الْعَصِيرُ وَالْخَلُّ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَصْلُ الْكَرْمِ الْكَثْرَةُ وَجَمْعُ الْخَيْرِ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ كَرْمًا لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَنَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ لِكَثْرَةِ حَمْلِهَا وَشَاةٌ كَرِيمَةٌ كَثِيرَةُ الدرو النسل (وَأَمَّا) الْخَمْرُ فَقِيلَ سُمِّيَتْ كَرْمًا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحُثّهُمْ عَلَى الْكَرَمِ وَالْجُودِ وَتَطْرُدُ الْهُمُومَ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا لِتَضَمُّنِهِ مَدْحَهَا لِئَلَّا تَتَشَوَّقَ إلَيْهَا النُّفُوسُ وَكَانَ اسْمُ الْكَرْمِ بالمؤمن وبقلبه اليق واعلق لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ وَاجْتِمَاعِ الْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وعتاب الراوى - بتشديد التاء المثناة - فوق وابو اسيد - بفتح الهمزة - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {وَلَا تَجِبُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَلَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُقْتَاتَةِ وَلَا تجب في طلع الفحال لانه لا يجئ مِنْهُ الثِّمَارُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزَّيْتُونِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ جَعَلَ فِي الزَّيْتِ الْعُشْرَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " فِي الزَّيْتُونِ الزَّكَاةُ " وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَخْرَجَ الزَّيْتَ عَنْهُ جَازَ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الزَّيْتَ أَنْفَعُ مِنْ الزَّيْتُونِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ * (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ليس بقوت فلا تجب فيه زكاة كالخضروات * وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْوَرْسِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى بَنِي خُفَّاشٍ " أَنْ أَدُّوا زَكَاةَ الذُّرَةِ وَالْوَرْسِ " (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ نبت لا يقتات به فاشبه الخضروات * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ قَالَ لَا عُشْرَ فِي الْوَرْسِ لَمْ يُوجِبْ فِي الزَّعْفَرَانِ وَمَنْ قَالَ يَجِبُ فِي الْوَرْسِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوجِبَ فِي الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّهُمَا طَيِّبَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُوجَبَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَرْسَ شَجَرٌ لَهُ سَاقٌ وَالزَّعْفَرَانُ نَبَاتٌ * وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْعَسَلِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) يحتمل ان تجب فيه ووجهه مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي شَبَّابَةَ - بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ - كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْلٍ كَانَ عِنْدَهُمْ الْعُشْرَ مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً * (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُوتٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ كَالْبَيْضِ * وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْقُرْطُمِ وَهُوَ حَبُّ الْعُصْفُرِ (فَقَالَ فِي

القديم) تجب إنْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا تَجِبُ لانه ليس بقوت فاشبه الخضروات} * {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَرَاوِيهِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ * قَالَ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الزَّيْتُونِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي زكاة الزيتون أن يؤخذ فمن عصر زيتونه حين يعصره فيا سقت السماء أو كان بعلا الشعر وفيما سقى برش الناضح نصف الشعر " وَهَذَا مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ اشْتِهَارُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ مُعَاذِ ابن جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَعْلَى وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ يَعْنِي رِوَايَتَهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لما لَمَّا بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ " لَا تَأْخُذَا فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ " (وَأَمَّا) الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفٌ أَيْضًا وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضِعْفِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى ضِعْفِهِ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ كَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بَنِي شَبَّابَةَ فِي الْعَسَلِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا كَبِيرُ شئ فقال الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قَالَ الْبُخَارِيُّ ليس في زكاة العسل شئ يَصِحُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي في هذا الفصل ضعيفة (أما) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَبَنُو خُفَّاشٍ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ النَّاسِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ - وَهُوَ غَلَطٌ وَبَنُو شَبَابَةٍ - بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ اخرى (وقوله) بطن أي بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بَنِي شَبَابَةٍ يَكُونُونَ فِي الطَّائِفِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَمُخْتَصَرُهَا أَنَّهَا كما قالها المصف (وَأَمَّا) بَسْطُهَا فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ

وَطَلْعِ فُحَّالِ النَّخْلِ وَالْخَوْخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْمَوْزِ وَأَشْبَاهِهَا وَسَائِرِ الثِّمَارِ سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَلَا خلاف في شئ مِنْهَا إلَّا الزَّيْتُونَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ ان شاء الله تعالي ووجه أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلُهُ (وأما) الزيتون فيه القولان اللدان ذكرهما المصنف بدليلهما وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كلها هو القول الجديد لانه ليس لقول الْقَدِيمِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُ وُجُوبِهِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَهُوَ نُضْجُهُ وَاسْوِدَادُهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ نِصَابًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ خَرَجَ اعْتِبَارُ النصاب فيه وفي سائر ما اختص القديم بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ زَيْتُونًا لَا زَيْتًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وجهين إذا كان مما يجئ منه الزيت (أحدهما) هذا (والثاني) يعتبر زينا فَيُؤْخَذُ عُشْرُهُ زَيْتًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ اصحابنا ثم ان كان زيتونا لا يجئ منه زيت أخذت الزكاة مه زيتونا بالاتفاق ان كان يجئ مِنْهُ زَيْتٌ كَالشَّامِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ إنْ أَخْرَجَ زَيْتُونًا جَازَ لِأَنَّهُ حَالَةُ الِادِّخَارِ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ أُخْرِجَ عُشْرَهُ زَيْتًا لِأَنَّهُ نِهَايَةُ ادِّخَارِهِ وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَكَى فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّيْتُونِ وَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابن المرزبان وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أنه يجوز أن يخرح زَيْتًا أَوْ زَيْتُونًا أَيَّهمَا شَاءَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُ الزَّيْتُونِ دُونَ الزيت قال لان الاعتبار به بالاتفاق فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ زَيْتًا وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ زَيْتُونًا وَالزَّيْتُ أَوْلَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ الزَّيْتُ (وَالثَّالِثُ) يَتَعَيَّنُ الزَّيْتُونُ قال صاحب التتمة وغيره فذا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ

إخْرَاجِ الزَّيْتُونِ وَالزَّيْتِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ دِبْسَ التَّمْرِ وَلَا خَلَّ التَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ قُوتٌ وَالْخَلَّ وَالدِّبْسَ لَيْسَا بِقُوتٍ وَلَكِنَّهُمَا أُدْمَانِ (وَأَمَّا) الزَّيْتُونُ فَلَيْسَ بِقُوتٍ بَلْ هُوَ أُدْمٌ وَالزَّيْتُ أَصْلَحُ لِلْأُدْمِ مِنْ الزَّيْتُونِ فَلَا يَفُوتُ الْغَرَضُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ بِلَا خِلَافٍ لِمَعْنَيَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْوَرِقَ يُخْفِيهِ مَعَ صِغَرِ الْحَبِّ وَتَفَرُّقِهِ فِي الْأَغْصَانِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خَرْصِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ تَعْجِيلُ الِانْتِفَاعِ بِثَمَرَتِهِمَا قَبْلَ الْجَفَافِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الزَّيْتُونِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَخْرَجَ الْعُشْرَ زَيْتًا فَالْكَسْبُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ عَصْرِ الزَّيْتِ لَا نَقْلَ فِيهِ عِنْدِي قَالَ وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ نَصِيبِ الفقراء منه إليم وليس كالقصل والتبن الذى يختلف عَنْ الْحُبُوبِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَالِكِ مُؤْنَةُ تَمْيِيزِ الزَّيْتِ كَمَا عَلَيْهِ مُؤْنَةُ تَجْفِيفِ الرُّطَبِ وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ إلَّا فِي الْحَبِّ دُونَ التِّبْنِ قَالَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْوَرْسُ فَالصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ فيه وأوجبها القديم وسبق دليلهما قان أو جبناها لَمْ نَشْرُطْ فِيهِ النِّصَابَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ بَلْ تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ طَرَدَ قَوْلَيْنِ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ مَا اخْتَصَّ الْقَدِيمُ بِإِيجَابِ زَكَاتِهِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّيْتُونِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا بِفَرْقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الزَّيْتُونِ مُقَيَّدٌ بِالنِّصَابِ وَمُطْلَقٌ فِي الْوَرْسِ فَعُمِلَ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حَسْبِ وُرُودِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرْسِ نِصَابٌ بِخِلَافِ الزَّيْتُونِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَرْسَ ثَمَرُ شَجَرٍ يَكُونُ بِالْيَمَنِ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هُوَ شَجَرٌ يُخْرِجُ شَيْئًا كَالزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) الزَّعْفَرَانُ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَرْسِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَتَجِبُ فِي الْقَدِيمِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا وَحُكْمُ النِّصَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَرْسِ (وَأَمَّا) الْعَسَلُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ والا كثرون فِيهِ الْقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ (وَالْقَدِيمُ) وَجْهَانِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَمَنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَا تَجِبُ فِي الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ قَالُوا وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُتَأَوَّلًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى تَطَوُّعِهِمْ

بِهِ وَقِيلَ إنَّمَا دَفَعُوهُ مُقَابَلَةً لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْحِمَى وَلِهَذَا امْتَنَعُوا مِنْ دَفْعِهِ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ طَالَبَهُمْ بِتَخْلِيَةِ الْحِمَى لِسَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي المجموع فان أو جبناها فَفِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ خِلَافٌ (الْمَذْهَبُ) اعْتِبَارُهُ وَقَالَ ابن ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الزَّيْتُونِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّخِيلُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْقُرْطُمُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وبضمها لُغَتَانِ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُهَا وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَانِ (وَأَمَّا) الْعُصْفُرُ نَفْسُهُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قِيلَ هُوَ كَالْقُرْطُمِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا قَالَ وَيُمْكِنُ تَشْبِيهُهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانُ (وَأَمَّا) التُّرْمُسُ فَفِي الْجَدِيدِ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِيهِ (وَأَمَّا) الْفُجْلُ فَالْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وُجُوبَهَا فِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ المذكورات * مذهبنا أنه لا زكاة في غيره النخل والعنب من الاشجار ولا في شئ مِنْ الْحُبُوبِ إلَّا فِيمَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَلَا زكاة في الخضروات وبهذا كله قال مالك وأبو يوسف ومحمده وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ الفارسي والحشيش الذى ينبت بنفسه قال الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ في شئ مِنْ الزُّرُوعِ زَكَاةٌ إلَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ (فَأَمَّا) مالا يُكَالُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَصَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ وَالرَّيَاحِينِ وَجَمِيعِ الْبُقُولِ فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَأَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ الزَّكَاةَ فِي الْحِنَّاءِ * وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ وَقَالَ دَاوُد مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ ضَرْبَانِ (مُوسَقٌ) و (غيره) فَمَا كَانَ مُوسَقًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا بَلَغَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهَا وَمَا كَانَ غَيْرَ مُوسَقٍ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ (وَأَمَّا) الزَّيْتُونُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنْ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو عُبَيْدٍ * وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُخْرَصُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَيْتًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخْرَصُ بَلْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بَعْدَ عَصْرِهِ وَبُلُوغِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (وَأَمَّا) الْعَسَلُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْعُشْرُ * وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ غَيْرِهَا * وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَشَرَطَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ في قليله

وكثيره قال ابن المنذر لبس فِي زَكَاتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا إجْمَاعٌ فَلَا زكاة فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا تَجِبُ الزكاة في ثمر النخل والكرم إلا أن يكون نصابا ونصابه خمسة أوسق لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " فيما دون خمسة اوسق صدقة " والخمسة أوسق ثلثمائة صاع وهى ألف وستمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تحديدا أَوْ تَقْرِيبٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فلو تقص منه شئ يسير لم تسقط الزكاة والدليل عليه أن الوسق حمل البعير قال النابغة * أين الشظاظان واين المربعه * واين وسق الناقه المطبعة * وحمل البعبر يزيد وينقص (والثانى) أنه تحديد فان نقص منه شئ يسير لم تجب الزكاة لما رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الوسق ستون صاعا " ولا تجب حتي يكون يابسه خمسة اوسق لحديث ابي سعيد " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صدقة " وإن كان رطبا لا يجئ منه تمر أو عنبا لا يجئ منه زبيب ففيه وجهان (احدهما) يعتبر نصابه بنفسه وهو أن يبلغ يابسه خمسة أوسق لان الزكاة تجب فيه فاعتبر النصاب من يابسه (والثاني) يعتبر بغيره لانه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالجناية التي ليس لها أرش مقدر في الحر فانه يعتبر بالعبد} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي " الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا " ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فِيهِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أن الوسق ستون صاعا وفي الوصق لُغَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَأَفْصَحُهُمَا - فَتْحُ الْوَاوِ - (وَالثَّانِيَةُ) - كَسْرُهَا - وَجَمْعُهُ أَوْسُقٌ فِي الْقِلَّةِ وَوُسُوقٌ فِي الْكَثْرَةِ وَأَوْسَاقٌ وَسَبَقَتْ اللُّغَاتُ فِي بَغْدَادَ وَفِي الرَّطْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ (وَالشِّظَاظَانِ) - بِكَسْرِ الشِّينِ - الْعُودَانِ اللَّذَانِ يُجْمَعُ بِهِمَا عُرْوَتَا الْعَدْلَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ (وَالْمِرْبَعَةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الموحدة - وهى عصي قَصِيرَةٌ يَقْبِضُ الرَّجُلَانِ بِطَرَفَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ طَرَفٌ وَيَعْكِمَانِ الْعَدْلَ عَلَى أَيْدِيهِمَا مَعَ الْعَصَا وَيَرْفَعَانِهِ إلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ (وَقَوْلُهُ) النَّاقَةُ المطبعة هي - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ الْمُثْقَلَةُ بِالْحَمْلِ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا النَّابِغَةُ الشَّاعِرُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ أَبُو لَيْلَى النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ وَالنَّابِغَةُ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَقِيلَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ قَالُوا وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ النَّابِغَةُ لِأَنَّهُ قَالَ الشِّعْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ تَرَكَهُ نَحْوَ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ نَبَغَ فِيهِ فَقَالَهُ وَطَالَ عُمْرُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والاسلام وهو أسن من النابغة الذبياني هكذا بالاصل ايضا ولعله ليس فيما الخ

* وَمَاتَ الذُّبْيَانِيُّ قَبْلَهُ وَعَاشَ الْجَعْدِيُّ بَعْدَ الذُّبْيَانِيِّ طَوِيلًا قِيلَ عَاشَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَبُسِطَتْ أَحْوَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ نِصَابًا وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقً * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَقَالَا تَجِبُ فِي كل كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ حَتَّى لَوْ كَانَ حَبَّةً وَجَبَ عُشْرُهَا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ وَأَحَادِيثُ غَيْرِهِ بِمَعْنَاهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَوَاشِي وَالنَّقْدَيْنِ (الثَّانِيَةُ) الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ بالبغداى وَسَبَقَ تَحْقِيقُ الرَّطْلِ وَمِقْدَارُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ ويجئ برطل دمشق ثلثمائة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا وَنِصْفُ رَطْلٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ وَسُبْعَا أُوقِيَّةٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ رَطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَقْدِيرِ الْأَوْسُقِ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ تَحْدِيدٌ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا. وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِأَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا قُلْنَا هُوَ تَقْرِيبٌ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ نَقْصُ خَمْسَةِ أرطال. ونقل إمام الحرمين عن القراقيين ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ فِي تَقْدِيرِهِ كَلَامًا طويلا حاصله الاوسق هي الاوقار والوقر المتقتصد مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَنًّا وَالْمَنُّ رَطْلَانِ فَكُلُّ قَدْرٍ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ لَمْ تَعُدْ مُنْحَطَّةً عَنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِهِ لَا يَضُرُّ نَقْصُهُ وَإِنْ عُدَّتْ مُنْحَطَّةً ضَرَّ وَإِنْ أُشْكِلَ ذَلِكَ فالاظهر على قلة بِالتَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِبَقَاءِ اسْمِ الْأَوْسُقِ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَمِيلَ النَّاظِرُ إلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ اسْتِصْحَابًا لِلْقِلَّةِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ الْكَثْرَةَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِمِقْدَارٍ مَوْزُونٍ يُضَافُ إلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ لَا بِمَا يَحْوِيهِ الْمُدُّ مِنْ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ثُمَّ قَالَ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الِاعْتِبَارُ بِالْكَيْلِ لَا بِالْوَزْنِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَثْنَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ الْعَسَلَ فَقَالَ الِاعْتِبَارُ فِي نِصَابِهِ بِالْوَزْنِ إذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الزَّكَاةَ قَالَ وَتَوَسَّطَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالَ هُوَ عَلَى التَّحْدِيدِ فِي الْكَيْلِ وَعَلَى التَّقْرِيبِ فِي الْوَزْنِ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالْكَيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَنَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفًا وَسَأَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ إيضَاحًا فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ لَهُ رُطَبٌ لا يجئ منه تمر أو عنب لا يجئ مِنْهُ زَبِيبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ

الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ (وَالثَّانِي) بِغَيْرِهِ مِمَّا يُجَفَّفُ وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَمْرًا لَا رُطَبًا فَفِي وَجْهٍ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاتِهِ أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ بِنَفْسِهِ لَوْ يَبِسَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَفِي وَجْهٍ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بِغَيْرِهِ فَيُقَالُ: لَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُجَفَّفُ بُلُوغُهُ نِصَابًا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ فَإِنْ بَلَغَ الرُّطَبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ. وَإِنْ كَانَ لَوْ قُدِّرَ تَمْرًا لَا يَبْلُغُهَا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا الرُّطَبُ فَلَا زَكَاةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ جَفَافٍ وَادِّخَارٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي حَالِ. كَمَالِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُعْتَبَرُ النِّصَابُ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لِلْحَدِيثِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ " فَعَلَى هَذَا هَلْ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُعْتَبَرُ رُطَبًا فَإِنْ بَلَغَ الرُّطَبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يعتبر تمرا بنفسه لويبس (وَالثَّالِثُ) يُعْتَبَرُ تَمْرًا مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ أَنْوَاعِ الرُّطَبِ إلَيْهِ وَعَلَى الْأَوْجُهِ يَجِبُ إخْرَاجُ وَاجِبِهِ فِي الْحَالِ رُطَبًا وَلَا يُؤَخَّرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَفَافٌ يُنْتَظَرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْخِلَافُ هُوَ فِيمَا لَا يُغَيِّرُهُ تَجْفِيفُهُ وَلَوْ جُفِّفَ جاء منه تمر ردئ حَشَفٌ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ بالكلية لم يجئ فيه الِاعْتِبَارِ بِنَفْسِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَضُمُّ مَا لَا يُجَفَّفُ إلَى مَا يُجَفَّفُ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا كَانَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ لَا يُجَفَّفُ وَلَا يُدَّخَرُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الخضروات (قلنا) الخضروات لَا يُجَفَّفُ جِنْسُهَا وَلَا يُدَّخَرُ (وَأَمَّا) الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فَيُجَفَّفُ جِنْسُهُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ فوجب الحاقه بالغالب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى * {وتضم ثمر العام الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وان اختلفت أوقاته بأن كان له نخيل بتهامة ونخيل بنجد فأدرك ثمر التى بتهامة فجذها وحملت التى بنجد واطلعت التى بنجد واطلعت التى بتهامة وأدركت قبل أن تجذ التي بنجد لم يضم أحدهما الي الآخر لان ذلك ثمرة عام آخر وان حملت نخل حملا فجذ ثم حملت حملا آخر لم يضم ذلك الي الاول النخل لا يحمل في عام مرتين} * {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرَةً جِدًّا وهى في كلام الاصحاب مبسوطة بساطا شَافِيًا وَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُعْظَمَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَصَرَهُ وَلَخَّصَهُ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ الثَّانِي لَا تُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ سَوَاءٌ أَطْلَعَتْ ثَمَرَةُ الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ

الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخِيلٌ أَوْ عِنَبٌ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ لَمْ يُضَمَّ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا لَا يَكَادُ يُتَصَوَّرُ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُمَا لَا يَحْمِلَانِ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي التِّينِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا لِحُكْمِهَا لَوْ تَصَوَّرَ. ثُمَّ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فَصَّلَ فَقَالَ: إنْ أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ الْحَمْلَ الثاني بعد جذاذ الاولي فَلَا ضَمَّ وَإِنْ أَطْلَعَتْ قَبْلَ جِذَاذِهِ وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَمْلِ نَخْلَتَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ لَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ الضَّمِّ لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْحَمْلِ الثَّانِي هُوَ الْحَادِثُ بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ (أَمَّا) إذَا كَانَ نَخِيلٌ أَوْ أَعْنَابٌ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُ ثِمَارِهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا أَوْ لِاخْتِلَافِ بِلَادِهَا حَرَارَةً وَبُرُودَةً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نُظِرَ إنْ أَطْلَعَ الْمُتَأَخِّرُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَأَصْحَابُ الْقَفَّالِ لاضم لِأَنَّ الثَّانِي حَدَثَ بَعْدَ انْصِرَامِ الْأَوَّلِ فَأَشْبَهَ ثَمَرَةَ الْعَامِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يُضَمُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ أَطْلَعَ الْمُتَأَخِّرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ جِذَاذِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيمَا بَعْدَ الْجِذَاذِ يُضَمُّ (فَهُنَا) أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُضَمُّ لِحُدُوثِ الثَّانِي بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يُضَمُّ لِاجْتِمَاعِهِمَا علي رؤس النَّخْلِ كَمَا لَوْ أَطْلَعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ. (فَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ فَهَلْ يَقُومُ وَقْتُ الْجِذَاذِ مَقَامَ الْجِذَاذِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقُومُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجِذَاذِ كَالْمَجْذُوذَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ لِلْعَامِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا بَعْضُ ثَمَرَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَثْبُتْ الضَّمُّ بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. لِجِذَاذِ الثِّمَارِ أَوَّلُ وَقْتٍ ونهاية يكون تَرْكُ الثِّمَارِ إلَيْهَا أَوْلَى وَتِلْكَ النِّهَايَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ مَوَاضِعِ اخْتِلَافِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ نَجْدًا وَتِهَامَةً فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يَسْرُعُ إدْرَاكُ الثَّمَرَةِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ. فَإِذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ نَخِيلٌ تِهَامِيَّةٌ وَنَخِيلٌ نَجْدِيَّةٌ فَأَطْلَعَتْ التِّهَامِيَّةُ ثُمَّ النَّجْدِيَّةُ لِذَلِكَ الْعَامِ وَاقْتَضَى الْحَالُ ضَمَّ النَّجْدِيَّةِ إلَى التِّهَامِيَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَضَمَمْنَا ثُمَّ أَطْلَعَتْ التِّهَامِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى فَلَا تُضَمُّ التِّهَامِيَّةُ الثَّانِيَةُ إلَى النَّجْدِيَّةِ وَإِنْ أَطْلَعَتْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَى النَّجْدِيَّةِ لَزِمَ ضَمُّهَا إلَى التِّهَامِيَّةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ النَّجْدِيَّةُ مَضْمُومَةً إلَى التِّهَامِيَّةِ الْأُولَى بِأَنْ أَطْلَعَتْ بَعْدَ جِذَاذِهَا ضَمَمْنَا التِّهَامِيَّةَ الثَّانِيَةَ إلَى النَّجْدِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. قَالَ

الرافعى وهذا قد لا يسلمه سائر الصحاب لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِضَمِّ ثَمَرَةِ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَبِأَنَّهُ لَا تُضَمُّ ثَمَرَةُ عَامٍ الي ثمرة آخَرَ وَالتِّهَامِيَّةُ الثَّانِيَةُ حَمْلُ عَامٍ آخَرَ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ: إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلَةِ بَلَحٌ ويسر وَرُطَبٌ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالُوا وَلَوْ كَانَ بَعْضُ نَخْلِهِ أَوْ عِنَبِهِ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَبَعْضُهَا حَمْلًا فَإِنَّ ذَاتَ الْحَمْلِ يُضَمُّ إلَى مَا يُوَافِقُهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ الْحَمْلَيْنِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: فَإِنْ أُشْكِلَا فَلَمْ يُعْلَمْ مَعَ أَيِّهِمَا كَانَ ضُمَّ إلَى أَقْرَبِ الْحَمْلَيْنِ إلَيْهِ والله سبحانه وتعالي أعلم * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَمَا شَرِبَ بِالْعُرُوقِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ كَالنَّوَاضِحِ وَالدَّوَالِيبِ وَمَا أَشْبَهَهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَرَضَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا - وَرُوِيَ عَثَرِيًّا - الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نصف العشر " والبعل الذى شرب بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ الشَّجَرُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ فَيَجْرِي كَالسَّاقِيَةِ وَلِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي أَحَدِهِمَا تَخِفُّ وَفِي الْأُخْرَى تَثْقُلُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ. وَلَوْ كَانَ يُسْقَى نِصْفُهُ بِالنَّوَاضِحِ وَنِصْفُهُ بِالسَّيْحِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ اعْتِبَارًا بِالسَّقْيَتَيْنِ وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّقْيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ السَّيْحِ وَجَبَ الْعُشْرُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّقْيَ بِالنَّاضِحِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَلِأَحَدِهِمَا قُوَّةٌ بِالْغَلَبَةِ فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْقِسْطِ عِنْدَ التَّمَاثُلِ وَجَبَ فِيهِ بِالْقِسْطِ عِنْدَ التَّفَاضُلِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَإِنْ جَهِلَ الْقَدْرَ الَّذِي سَقَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُعِلَا نصفين لانه لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ التَّسْوِيَةُ بينهما كالدار في يد اثنين} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ قَالَ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ الْعَامَّةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَكَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ الْبَعْلِ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا الْعَثَرِيُّ - فَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ

مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الثَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا وَأَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْسِيرَهُ الْعَثَرِيِّ وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَلَعِيُّ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ وَلَيْسَ نَقْلُهُ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ صَحِيحًا وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَلِيلٍ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ: الْعَثَرِيُّ مَا سُقِيَ مِنْ النَّخْلِ سَيْحًا وَالسَّيْحُ الْمَاءُ الْجَارِي قَالَ وَيُقَالُ هُوَ الْعِذْيُ والعذى الزرع الذى لا يسقيه الاماء الْمَطَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ إلَّا هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِي وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعَثَرِيَّ مَخْصُوصٌ بِمَا سُقِيَ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ فَيُجْعَلُ عَاثُورًا وَشَبَّهَ سَاقِيَّتَهُ بِحُفَرٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ وَسُمِّيَ عَاثُورًا لِأَنَّهُ يَتَعَثَّرُ بِهِ الْمَارُّ الَّذِي لَا يَشْعُرُ بِهِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ تَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ (وأما) النواضح فجمع ناضح وهو مَا يُسْقَى عَلَيْهِ نَضْحًا مِنْ بَعِيرٍ وَبَقَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّضْحُ السَّقْيُ مِنْ ماء بثر أو نهر بساقية والساقية وَالنَّاضِحُ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ الَّذِي يُسْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ وَالدَّوَالِيبُ جَمْعُ دُولَاب - بِفَتْحِ الدَّالِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الْعُشْرُ وَكَذَا الْبَعْلُ وَهُوَ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَكَذَا مَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أو نهر اوعين كَبِيرَةٍ فَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُشْرُ وَأَمَّا مَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ أَوْ الدِّلَاءِ أَوْ الدَّوَالِيبِ وَهِيَ الَّتِي تُدِيرُهَا الْبَقَرُ أَوْ بِالنَّاعُورَةِ وَهِيَ الَّتِي يُدِيرُهَا الْمَاءُ بِنَفْسِهِ فَفِي جَمِيعِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَبَقَ نَقْلُ الْبَيْهَقِيّ الْإِجْمَاعَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْقَنَوَاتُ وَالسَّوَاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ الَّتِي تَكْثُرُ مُؤْنَتُهَا فَفِيهَا الْعُشْرُ كَامِلًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تُشَقُّ لِإِصْلَاحِ الضَّيْعَةِ وَكَذَا الْأَنْهَارُ إنَّمَا تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِنَفْسِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ النَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ فِيهَا لِنَفْسِ الزَّرْعِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّ الشيخ أبا سخل الصُّعْلُوكِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَفْتَى أَنَّ مَا سُقِيَ بنماء الْقَنَاةِ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ كَانَتْ الْقَنَاةُ أَوْ الْعَيْنُ كَثِيرَةَ الْمُؤْنَةِ لَا تَزَالُ تَنْهَارُ وَتَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِ حفر وجب نصفه الْعُشْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُؤْنَةٌ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ وَكَسْحِهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَجَبَ الْعُشْرُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ اشْتَرَى مَاءً وَسَقَى بِهِ وَجَبَ نصف العشر قال وكذا لو سقاه بما مَغْصُوبٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ جَارٍ عَلَى كُلِّ مَأْخَذٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاحِ الضَّيْعَةِ بِخِلَافِ الْقَنَاةِ.

ثُمَّ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ وَرَجَّحَ إلْحَاقَهُ بِالْمَغْصُوبِ لِوُجُودِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ وَكَمَا لَوْ عَلَفَ مَاشِيَتَهُ بِعَلَفٍ مَوْهُوبٍ (قُلْتُ) وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا لَا تَقْتَضِي الهبة ثوابا (فان قلنا) تقتضيه فنص الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) إذَا اجْتَمَعَ فِي الشَّجَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الزَّرْعِ الْوَاحِدِ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّوَاضِحِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَزْرَعَ عَازِمًا عَلَى السَّقْيِ بِهِمَا فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ نِصْفُ السَّقْيِ بِهَذَا وَنِصْفُهُ بِذَلِكَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الطَّرِيقِينَ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ بِكَمَالِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِيمَا إذَا تَفَاضَلَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ يُقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا (وَالثَّانِي) يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّقْسِيطِ وَكَانَ ثُلُثَا السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالثُّلُثُ بِالنَّضْحِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَغْلَبِ فَزَادَ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ الْعُشْرُ وَإِنْ زَادَ الْآخَرُ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَجِبُ كُلُّ الْعُشْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَسَّطْنَا أَمْ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ فَهَلْ النَّظَرُ إلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ أَمْ غَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي كُتُبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تختلف بعدد السقيات والمراد السقيات المقيدة (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَيْشِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَنَمَائِهِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِالنَّظَرِ إلَى النَّفْعِ قَالُوا وَقَدْ تَكُونُ سَقْيَةٌ أَنْفَعُ مِنْ سَقَيَاتٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْعِبَارَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّانِيَةِ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمُدَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ النَّفْعُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَصَاحِبُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى يَعْتَبِرُ الْمُدَّةَ: قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَذَكَرُوا فِي الْمِثَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَانَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسَقَى فِيهِمَا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاحْتَاجَ فِي الصَّيْفِ فِي الشَّهْرَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ فَسُقِينَ بِالنَّضْحِ. فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّقْسِيطِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ

أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ فَعَلَى قَوْلِ التَّقْسِيطِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ وَلَوْ سَقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ جَمِيعًا وَجَهِلَ الْمِقْدَارَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجَهِلَ أَيَّهُمَا هُوَ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ إلَّا ابْنَ كَجٍّ وَالدَّارِمِيَّ فَحَكَيَا وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ البراءة مما زاداو إلا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ: إنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ وَجَبَ نِصْفُ العشر لانه اليقين وان قلنا بالتقسط فالواجيب يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَنْقُصُ عَنْ نِصْفِهِ فَيَأْخُذُ الْيَقِينَ وَيَقِفُ عَنْ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ قَالَ وان فشككنا هَلْ اسْتَوَيَا أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْغَالِبِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَإِنْ قَسَّطْنَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ (والثانى) يجب زيادة علي نصف العشر بشئ وَإِنْ قَلَّ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ ما قدمناه (الحال الثاني) يزرغ نَاوِيًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ يَقَعُ الْآخَرُ فَهَلْ يستصحب حكم ما نواه أو لا أَمْ يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالُوا وَعَلَى هَذَا فَفِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشافعي رضى الله تعالي عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سُقِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ حَائِطَانِ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ الزَّرْعِ سُقِيَ أَحَدُهُمَا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآخَرُ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَأَخْرَجَ مِنْ الْمَسْقِيِّ بِمَاءِ السَّمَاءِ الْعُشْرَ وَمَنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ زَادَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَجَبَ الْفَرْضُ فِيهِ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فوجب فيه بحساب كَزَكَاةِ الْأَثْمَانِ} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ علي النصاب

بِحِسَابِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ " الحديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ حَتَّى يَبْدُو الصَّلَاحُ فِي الثِّمَارِ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ أَنْ يَحْمَرَّ الْبُسْرُ أَوْ يَصْفَرَّ وَيَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ لِأَنَّهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهُ فَهُوَ كَالرُّطَبَةِ وَبَعْدَهُ يُقْتَاتُ وَيُؤْكَلُ فَهُوَ كالحبوب} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقْتُ وُجُوبِ زَكَاةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ الله عنه أو مأ فِي الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ الا عند فعل الحصاد قال وليس بشئ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ وَقْتَ الزَّكَاةِ هُوَ الْجَفَافُ فِي الثِّمَارِ وَالتَّصْفِيَةُ فِي الْحُبُوبِ وَلَا يَتَقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهِ كَبُدُوِّهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي البيع فإذا بدا الصلاح في أقل شئ مِنْهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَكَذَا اشْتِدَادُ بَعْضِ الْحَبِّ كَاشْتِدَادِ كُلِّهِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَا أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ بُدُوِّ الصَّلَاحِ هُنَا كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَمُخْتَصَرُهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنْ يَحْمَرَّ الْبُسْرُ وَيَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ عِنَبًا أَسْوَدَ فَحَتَّى يَسْوَدَّ أَوْ أَبْيَضَ فَحَتَّى يَتَمَوَّهَ. قِيلَ أَرَادَ بِالتَّمَوُّهِ أَنْ يَدُورَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ وَقِيلَ أَنْ تَبْدُوَ فِيهِ الصُّفْرَةُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا مُثْمِرَةً أَوْ وَرِثَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ بَدَا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فِي مِلْكِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ نَخِيلَهُ الْمُثْمِرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِمُكَاتَبٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ فَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِبَيْعٍ مُسْتَأْنَفٍ أَوْ هبة

أَوْ إقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِ ذلك فلا زكاة لانه لم يكن مالكاله حَالَ الْوُجُوبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ فُسِخَ وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ نَخِيلًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَبَدَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ فِي يَدِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُشْتَرِي الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَ النَّخْلَ وَالثَّمَرَ جَمِيعًا فَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصلاح فشرطه أن يباع بشرط القطع فلم يُقْطَعْ حَتَّى بَدَا فَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ثُمَّ إنْ رَضِيَا بِإِبْقَائِهَا إلَى الْجِذَاذِ جَازَ وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى قَوْلَ أَنَّ البيع ينفسخ كما لو اتفقا عِنْدَ الْبَيْعِ عَلَى الْإِبْقَاءِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِالْإِبْقَاءِ لَمْ تُقْطَعْ الثَّمَرَةُ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ إنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ يُفْسَخُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي وَطَلَبَ الْقَطْعَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُفْسَخُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُفْسَخُ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ ذلك لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ وَحَيْثُ قُلْنَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَفُسِخَ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِخْرَاجِ إذَا صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ حَبًّا مُصَفًّى وَيَصِيرُ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ حَقٌّ يَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَصِيرِهِ تَمْرًا أَوْ حَبًّا فَلَوْ أَخْرَجَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ فِي الْحَالِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي غَرِمَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَيْفَ يَغْرَمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ أَمْ لَا (وَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِثْلِيَّيْنِ * وَلَوْ جَفَّ

عِنْدَ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ * وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِحَالٍ لِفَسَادِ الْقَبْضِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى. وَالْمُخْتَارُ مَا سَبَقَ وَهَذَا كله في الرطب والعنب اللذين يجئ منهما تمر وزبيب (فاما) مالا يجئ مِنْهُ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُؤْنَةُ - تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَجِذَاذِهِ وَحَصَادِ الْحَبِّ وَحَمْلِهِ وَدِيَاسِهِ وَتَصْفِيَتِهِ وَحِفْظِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةٍ تَكُونُ كُلُّهَا مِنْ خَالِصِ مَالِ الْمَالِكِ لا يحسب منها شئ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْمُؤْنَةُ مِنْ وَسَطِ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِتَحَمُّلِهَا الْمَالِكُ دُونَ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ المال للجميع فوزعت المؤنة عليه قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ إنَّمَا كَانَ لِتَكَامُلِ الْمَنَافِعِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَالِكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم * قال ولا يجوز اخذ شئ مِنْ الْحُبُوبِ الْمُزَكَّاةِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ قُشُورِهَا إلَّا الْعَلَسَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَالِكُهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ فِي قِشْرِهِ فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ وَسْقًا لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي قِشْرِهِ أَصْوَنُ وَإِنْ شَاءَ صَفَّاهُ مِنْ الْقُشُورِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَصْوَنَ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَعَذَّرُ كَيْلُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {فَإِنْ أَرَادَ ان يبيع الثمرة قبل بدو الصلاح نظرت فان كان لحاجة لم يكره وان كان يبيع لفرار من الزكاة كره لانه فرار من القربة ومواساة المساكين وان باع صح البيع لانه باع ولا حق لاحد فيه} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا كَالتَّمْرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ وَالْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ نَوَى بِمَالِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا لِلْقِنْيَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ إلَى ثَمَنِهِ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَقْصِيرٌ وَلَا يُوصَفُ بِفِرَارٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ وَإِنَّمَا بَاعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفِرَارِ فَالْبَيْعُ

صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قطع الجمهور وشذ الدارمي وصاحب الا بانة فَقَالَا هُوَ حَرَامٌ وَتَابَعَهُمَا الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَهَذَا غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى الْبَائِعِ فِرَارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا بَاعَ فِرَارًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إذَا تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ فِرَارًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْحَوْلُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يُعْذَرُ فِيهِ أَوْ لَا يُعْذَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَارِ هُنَا وَالْفِرَارِ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ عَلَى قَوْلٍ (فَالْفَرْقُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّ الحق في الارث لمعين فاحتيط له لَهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَتَسْقُطُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لِلرِّفْقِ كَالْعَلْفِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذلك بخلاف الارث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ بَاعَ بعد بدو الصلاح ففى البيع في قدر الفرض قولان (أحدهما) أنه باطل لان في أحد القولين تجب الزكاة في العين وقدر الفرض للمساكين فلا يجوز بيعه بغير اذنهم وفى الآخر تجب في الذمة والعين مرهونة به وبيع المرهون لا يجوز من غير اذن المرتهن (والثانى) انه يصح لانا ان قلنا الزكاة تتعلق بالعين الا أن احكام الملك كلها ثابتة والبيع من أحكام الملك وان قلنا أنها تجب في الذمة والعين مرتهنة به الا أنه رهن يثبت بغير اختياره فلم يمنع البيع كالجناية في رقبة العيد (فان قلنا) يصح في قدر الفرض (ففيما) سواه أولى (وان قلنا) لا يصح في قدر الفرض ففيما سواه قولان بناء علي تفريق الصفقة} * {الشَّرْحُ} إذَا بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا فيه سواء كان تمرا أو حبا مَاشِيَةً أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَإِنْ بَاعَ جَمِيعَ الْمَالِ فَهَلْ يَصِحُّ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي أَنَّ الزَّكَاةَ هَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ مُخْتَصَرُهُ أربعة أقوال (أصحها تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ (وَالثَّانِي) تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَالثَّالِثُ) تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ

(وَالرَّابِعُ) لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ بَلْ بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَتَكُونُ الْعَيْنُ خَلْوًا مِنْ التَّعَلُّقِ فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَتَكُونُ الْعَيْنُ خَلْوًا مِنْهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِهَا تعلق الموهون فقولان أشار المصنف إلى دليلهما (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ أَيْضًا لِأَنَّ هذه العلقة ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ لِمُعَيَّنٍ فَسُومِحَ بها بمالا يُسَامَحُ بِهِ فِي الْمَرْهُونِ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ بَاعَ مالا يَمْلِكُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الْأَرْشِ فَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجَانِي فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ صَحَّ هَذَا وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ صَحَّحْنَا صَارَ بِالْبَيْعِ مُلْتَزِمًا الْفِدَاءَ فَحُصِلَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَحَيْثُ صَحَّحْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَفِي الْبَاقِي أَوْلَى وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا فِيهِ فَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَقَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَإِنْ قلنا تعلق الرهن قلنا الِاسْتِيثَاقُ فِي الْجَمِيعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِيثَاقِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَقَطْ فَفِي الزائد قولا تفريق الصفقة والاصح في طريق الصَّفْقَةِ الصِّحَّةُ وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْبَيْعَ وَكَانَ الْمَالُ ثَمَرَةً فَالْمُرَادُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مَنْعَ إنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وإن قلنا غيره ففيه كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فِي فَصْلِ الْخَرْصِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْحَاصِلُ) مِنْ هَذَا الْخِلَافِ كُلِّهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا فِي الْجَمِيعِ نُظِرَ إنْ أَدَّى الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلسَّاعِي أن يأخذ من عين الْمَالِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الزَّكَاةِ عَلَى جميع الاقول بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَخَذَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْمَأْخُوذِ وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي فِيهِ الْخِلَافُ المشهور في انفساخ البيع بتفريق الصففة فِي الدَّوَامِ وَالْمَذْهَبُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ حَالًّا فَإِنْ فُسِخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ فِي الْبَاقِي فَهَلْ يَأْخُذُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ بِالْبَاقِي فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ بِقِسْطِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ السَّاعِي مِنْهُ الْوَاجِبَ وَلَمْ يُؤَدِّ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْخِيَارُ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ مَالِكٌ لِلْجَمِيعِ وَقَدْ يُؤَدِّي الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَدَّى

الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يَسْقُطُ لِزَوَالِ الْعَيْبِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ (وَالثَّانِي) لَا يَسْقُطُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ مَا دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي مُسْتَحَقًّا فَيَرْجِعُ السَّاعِي إلَى عَيْنِ الْمَالِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْجَانِي ثُمَّ فَدَاهُ هَلْ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي خِيَارُهُ أَمَّا إذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَصَحَّحْنَا فِي الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي وَإِجَازَتُهُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَدَاءِ الْبَائِعِ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَا لتبعيض الصفقة وإذا أجاز فهل يجز بِقِسْطِهِ أَمْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ يُجِيزُ بِالْجَمِيعِ فِي الْمَوَاشِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُ الزَّكَاةِ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَى الزَّكَاةِ أَوْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ (أَقْيَسُهُمَا) الْبُطْلَانُ وهما مبنيان علي كيفة ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الزَّكَاةَ شَائِعَةٌ فِي الْجَمِيعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّيَاهِ وَغَيْرِهَا بِالْقِسْطِ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَحِلَّ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ قَدْرُ الْوَاجِبِ فَقَطْ وَيَتَعَيَّنُ بِالْإِخْرَاجِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ الزَّكَاةِ فَقَطْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ وَإِنْ فَرَّعْنَا على تعلق الْأَرْشِ فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْجَانِي صَحَّ هَذَا وَإِلَّا فَالتَّفْرِيعُ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الرَّهْنِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فِي بَيْعِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ (فَأَمَّا) بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَوْ رَهَنَ الْمَالَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهُوَ كَبَيْعِهِ فَيَعُودُ فِيهِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فَإِنْ صَحَّحْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَفِي الزَّائِدِ أَوْلَى وَإِنْ أَبْطَلْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَالْبَاقِي يُرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فَالرَّهْنُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّهْنِ إذَا صَحِبَ حَلَالًا وَحَرَامًا فَإِنْ صَحَّحْنَا الرَّهْنَ فِي الْجَمِيعِ فَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلِلسَّاعِي أَخْذُهَا مِنْهُ فَإِذَا أَخَذَ انْفَسَخَ الرَّهْنُ فِيهَا وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَبْطَلْنَا فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَقَطْ وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِدَفْعِ

الزَّكَاةِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَمَّا) إذَا رَهَنَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَتَمَّ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَيْنٍ وَفِي كَوْنِ الدَّيْنِ مَانِعًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ سَبَقَا هُنَاكَ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَمْنَعُ فَإِنْ قُلْنَا الرَّهْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَقُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُهَا أَوْ يمنعها وكان له مال آخر بقى بِالدَّيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنْ لَمْ يَمْلِكْ الرَّاهِنُ مَالًا آخَرَ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى الثَّانِي) لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ سَابِقٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالزَّكَاةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مبنية علي المسامحة بخلاف أرش الجنابة؟ ولان أرش الجنابة؟ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ يَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ بحلاف الزَّكَاةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ مِنْ الْإِبِلِ يُبَاعُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أُخِذَ مِنْ الْمَرْهُونِ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إذَا أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ فَأَيْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ طَرِيقَانِ إنْ عَلَّقْنَاهُ بِالذِّمَّةِ اخذ وان علقناها بِالْعَيْنِ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَرْهُونِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فَإِنْ قُلْنَا يُؤْخَذُ فَإِنْ كَانَ النِّصَابُ مِثْلِيًّا أَخَذَ الْمِثْلَ وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَخَذَ الْقِيمَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْغَرَامَاتِ (أَمَّا) إذَا مَلَكَ مَالًا آخَرَ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ بَاقِي أَمْوَالِهِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْعَيْنِ وقال جماعة يؤخذ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِدَاءُ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم * قال الصمنف رحمه الله تعالى * {فان أكل شيئا من الثمار أو استهلكه وهو عالم عزر وغرم وإن كان جاهلا غرم ولم يعزر} * {الشَّرْحُ} لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الثمار قبل الخرض لَا بِبَيْعٍ وَلَا أَكْلٍ وَلَا إتْلَافٍ حَتَّى يُخْرَصَ فَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ غَرِمَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا تَحْرِيمَهُ عُزِّرَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْخَرْصِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شيئا ولا يتصرف في شئ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ يَخْرُصَانِ

عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا غَرِمَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ يُنْظَرُ إنْ أَتْلَفَهُ رُطَبًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَضْمَنُ بقيمته لانه ليس مثليا فأشبه مالو أتلفه أجنبي (والثانى) يضمنه بمثله رطبا لانه رَبَّ الْمَالِ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الزَّكَاةِ ضَمِنَهُ بِجِنْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً فَأَتْلَفَهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَنْوَاعُ قَلِيلَةً ضَمِنَ كُلَّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الرُّطَب عَلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْوَاعُ كَثِيرَةً ضمن الوسط قيمة أو رطبا * * قال المصنف رحمه الله * {فَإِنْ أَصَابَ النَّخْلَ عَطَشٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَخَافَ أَنْ يَهْلِكَ جَازَ أَنْ يَقْطَعَ الثِّمَارَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ تَرْكَهَا لِحَقِّ الْمَسَاكِينِ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لهلاك ماله فيخرج عن حد الْمُوَاسَاةِ وَلِأَنَّ حِفْظَ النَّخِيلِ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُصَدِّقِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّائِبِ عَنْهُمْ وَلَا يَقْطَعُ إلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِنْ قَطَعَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْمُصَدِّقِ وَهُوَ عَالِمٌ عَزَّرَهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَا يُغَرِّمُهُ مَا نَقَصَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ وان نقصت به الثمرة} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَصَابَ النَّخْلَ عَطَشٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَخَافَ هَلَاكَهَا أَوْ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ أَوْ هَلَاكَ بَعْضِهَا إنْ لَمْ تُقْطَعْ الثَّمَرَةُ أَوْ خَافَ ضَرَرَ النَّخْلِ أَوْ الثَّمَرَةِ جَازَ قَطْعُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ إمَّا بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَطْعِ الجميع قطع الجميع وان اندفع بقطه الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّمْرِ يَابِسًا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْقَطْعَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ أَرَادَ الْقَطْعَ فَيَنْبَغِي لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْعَامِلَ فَإِنْ اسْتَأْذَنَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ عَنْ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْعَامِلَ بَلْ اسْتَقَلَّ الْمَالِكُ بِقَطْعِهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ والسرخسي وغيره من الخراسانيين ونقله القاضى ابوالطيبب فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الِاسْتِقْلَالِ عُزِّرَ * وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّ الاستئذان مستحب

فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَا يُعَزَّرُ وَبِهَذَا قَالَ الصيدلانى والبغوى وطائفة وسواء قلنا يجبب الاستئذان ام يستحب الا يَغْرَمُ الْمَالِكُ مَا نَقَصَ بِالْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَإِذَا أَعْلَمَ الْمَالِكُ السَّاعِي قَبْلَ الْقَطْعِ وَأَرَادَ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يَخْرُصَ الثِّمَارَ وَيُعَيِّنَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فِي نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا فَقَوْلَانِ منصوصان للشافعي رضي الله تعالى عنه. قَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَمْ إفْرَازُ حَقٍّ فَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَ ثُمَّ لِلسَّاعِي بَيْعُ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَقْطَعَهُ وَيُفَرِّقَهُ بَيْنَهُمْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ لِلْفُقَرَاءِ شَيْئًا بَلْ قُطِعَتْ الثِّمَارُ مُشْتَرَكَةً قَالَ الْأَصْحَابُ فَفِي جَوَازِ الْقِسْمَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَتْ الْمُقَاسَمَةُ كَيْلًا وَوَزْنًا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَفِي جَوَازِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ بِمِثْلِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَذْكُورَانِ فِي بَابِ الرِّبَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكَيْلِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ

مُقَاسَمَةُ السَّاعِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً فَلَا يُكَلَّفُ فِيهِ تَعَبُّدَاتِ الرِّبَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ والاصحاب عن أبى اسحق وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ كَيْلًا وَوَزْنًا وَقَالَ غَيْرُهُ كَيْلًا فَقَطْ وَهُوَ الْأَقْيَسُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ لَا يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا لَهُ فِي الْأَخْذِ مَسْلَكَانِ (أَحَدُهُمَا) يَأْخُذُ قِيمَةَ عُشْرِ الرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ (وَالثَّانِي) يُسَلِّمُ عُشْرَهُ مُشَاعًا إلَى السَّاعِي لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمَسَاكِينِ وَطَرِيقُهُ فِي تَسْلِيمِ عُشْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ كُلَّهُ فَإِذَا تَسَلَّمَهُ السَّاعِي برئ المالك من العشرو صار مَقْبُوضًا لِلْمَسَاكِينِ بِقَبْضِ نَائِبِهِمْ ثُمَّ لِلسَّاعِي بَعْدَ قَبْضِهِ بَيْعُ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُ هُوَ وَالْمَالِكُ الْجَمِيعَ وَيَقْسِمَانِ الثَّمَنَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ فَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا بَيَانُ جَوَازِ أَخْذِ الْقِيمَةِ في مواضع الضرورة والصحيح الذى عليه الا كثرون مَنْعُهُ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ

وَجْهًا آخَرَ أَنَّ السَّاعِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ الْقَاعِدَةِ وَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ فَيَفْعَلُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمَسْلَكِ الثَّانِي قَالَ الْأَصْحَابُ: ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلُ فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي إخْرَاجِ الْوَاجِبِ عَنْ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِنَا الْمَسَاكِينُ شُرَكَاءُ فِي النِّصَابِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ التَّرْجِيحُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْهُمْ شُرَكَاءَ فَلَيْسَ تَسْلِيمُ حَقِّ السَّاعِي قِسْمَةً حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْقِسْمَةِ بَلْ هُوَ تَوْفِيَةُ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً فَإِنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ وَأَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا حِينَ أَتْلَفَهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَتْلَفَهَا رُطَبًا مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَزِمَهُ عُشْرُهَا تَمْرًا فَهَلَّا لَزِمَهُ فِي

إتْلَافِهَا لِلْعَطَشِ عُشْرُهَا تَمْرًا (قُلْنَا) الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَطَشَ وَلَا ضَرَرًا فِي تَرْكِهَا لَزِمَهُ تَرْكُهَا وَدَفْعُ التَّمْرِ بَعْدَ الْجَفَافِ فَإِذَا قَطَعَ فَهُوَ مُفَرِّطٌ مُتَعَدٍّ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِذَا خَافَ الْعَطَشَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا وَلَا التَّمْرُ بَلْ لَهُ الْقَطْعُ وَدَفْعُ الرُّطَبِ فلم يلزمه غيره والله تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ أَصَابَهَا عَطَشٌ كَانَ لَهُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَنُ عُشْرِهَا أَوْ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ فَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ يَتَخَرَّجَانِ مِمَّا سَبَقَ (أَحَدَهُمَا) أَنَّهُ يَبِيعُ الثَّمَرَةَ بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمَالِكِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَيَأْخُذُ ثَمَنَ الْعُشْرِ إنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَسَاكِينِ فِي بَيْعِهَا وَإِلَّا فَعُشْرُهَا وَتَنْزِلُ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عُشْرِ الثَّمَرَةِ لَا ثَمَنِ عُشْرِهَا (التَّأْوِيلُ الثَّانِي) إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا وَإِنْ تَلِفَتْ فَقِيمَتُهَا وَعَبَّرَ عَنْ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ وَسَبَقَ بَسْطُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فَتَنْزِلُ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَلَى أَنَّ الثمرة كانت باقية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَالْمُسْتَحَبُّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ مَنْ يَخْرُصُ لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَيُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا يُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا وَلِأَنَّ فِي الْخَرْصِ احْتِيَاطًا لِرَبِّ الْمَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْخَرْصِ وَيَعْرِفُ الْمُصَدِّقُ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فَيُطَالَبُ بِهِ وَهَلْ يَجُوزُ خارص واحد أم لَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَجُوزُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ خَارِصَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ مُقَوِّمَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً خَرَصَ عَلَيْهِ نَخْلَةً نَخْلَةً وَإِنْ كَانَتْ نَوْعًا وَاحِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَخْرُصَ نَخْلَةً نَخْلَةً وَبَيْنَ أَنْ يَخْرُصَ الْجَمِيعَ دَفْعَةً فَإِذَا عَرَفَ مَبْلَغَ الْجَمِيعِ ضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ ضَمِنَ حَقَّهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ الْخَرْصِ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِجَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَخَذَ بِمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ حَلَّفَهُ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا واجبة فان خلف

سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِسَبَبٍ يَخْفَى كَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَلْ الْيَمِينُ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ تَصَرَّفَ رَبُّ الْمَالِ فِي الثِّمَارِ وَادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ قَدْ أَخْطَأَ فِي الْخَرْصِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ فِي قَدْرٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فِيهِ كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وان كان في قدر يجوز أن يجطئ فِيهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَلْ تَجِبُ اليمين أو تستحب علي الوجهين} * {الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) خَرْصُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ سُنَّةٌ هَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حِكَايَتِهِ وَجْهًا أَنَّ الْخَرْصَ وَاجِبٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا مَدْخَلَ لِلْخَرْصِ فِي الزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ لعدم التوقيف فيه ولعدم الاحاطة كالا حاطة بِالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَوَقْتُ خَرْصِ الثَّمَرَةِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عنا قيدها وَيَقُول خَرْصُهَا كَذَا وَكَذَا ثُمَّ يَفْعَلُ بِالنَّخْلَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ بَاقِي الْحَدِيقَةِ

ولا يجوز الافتصار عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسُ الْبَاقِي بِهِ لِأَنَّهَا تتفاوت وانما يخرص رطبا ثم يقدر ثمرا لِأَنَّ الْأَرْطَابَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الثَّمَرِ وَجَبَ خَرْصُ شَجَرَةٍ شَجَرَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ جَازَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَجَازَ أَنْ يَطُوفَ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ يَخْرُصُ الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً رُطَبًا ثُمَّ يُقَدِّرُ تَمْرًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي اخْتَلَفَ أصحابنا في قول الشافعي يطيف بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لَا يَصِحُّ الْخَرْصُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَوَجَبَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً (وَالثَّالِثُ) قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الثِّمَارُ عَلَى السَّعَفِ ظَاهِرَةً كَعَادَةِ الْعِرَاقِ فَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ اسْتَتَرَتْ بِهِ كَعَادَةِ الْحِجَازِ فَشَرْطٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الذى قطع به المصنف والا كثرون أنه يخرص جميع النخل والعنب وفيه قول للشافعي أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ نَخْلَةً أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الرَّجُلِ فِي قِلَّةِ عِيَالِهِ وَكَثْرَتِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْبُيُوعِ وَالْقَدِيمِ. وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرُّبْعَ أَوْ الثُّلُثَ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بن بيان عَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ " إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَلَا هُوَ مَشْهُورٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم (الثالثة) هل يكتفى خَارِصٌ وَاحِدٌ أَمْ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِخَارِصٍ كَمَا يَجُوزُ

حَاكِمٌ وَاحِدٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ (وَأَصَحُّهُمَا) وأشهرهما وبه قطع المصنف والا كثرون فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ خَارِصٌ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي التَّقْوِيمِ اثْنَانِ وَحُكِيَ وَجْهٌ إنْ خُرِصَ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ اُشْتُرِطَ اثْنَانِ وَإِلَّا كَفَى وَاحِدٌ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَتَوَهَّمَ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ فَرْقِ الشَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ غَلَطٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا فَرْقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا فِي الْأُمِّ في جَوَازُ تَضْمِينِ الْكَبِيرِ ثِمَارَهُ بِالْخَرْصِ دُونَ الصَّغِيرِ فَاشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ شَرَطْنَا الْعَدَدَ أَمْ لَا فَشَرْطُ الْخَارِصِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَالِمًا بِالْخَرْصِ (وَأَمَّا) الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَذَكَرَ الشَّاشِيُّ فِي اشْتِرَاطِهِمَا وَجْهَيْنِ مُطْلَقًا (وَالْأَصَحُّ) اشْتِرَاطُهُمَا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ إنْ قُلْنَا يَكْفِي خَارِصٌ كَالْحَاكِمِ اُشْتُرِطَتْ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ كَيَّالًا وَوَزَّانًا (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ كَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي الْمَكَارِمِ لَك أَنْ تَقُولَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فَهُوَ كَالْحَاكِمِ فَيُشْتَرَطَانِ وَإِنْ شَرَطْنَا اثْنَيْنِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الْحُرِّيَّةُ وَأَنْ تُشْتَرَطَ الذُّكُورَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَيُقَامُ امْرَأَتَانِ مَقَامَ الْآخَرِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ دون العدد

فَلَوْ اخْتَلَفَ الْخَارِصَانِ فِي الْمِقْدَارِ قَالَ الدَّارِمِيُّ توقفنا حتي نتبين المقدار منها أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ (وَالثَّانِي) يَخْرُصُهُ ثَالِثٌ وَيُؤْخَذُ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى خَرْصِهِ مِنْهُمَا وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) الْخَرْصُ هَلْ هُوَ عِبْرَةٌ أَمْ تَضْمِينٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) تَضْمِينٌ وَمَعْنَاهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرَةِ وَيَنْتَقِلُ إلَى ذِمَّةِ الْمَالِكِ (وَالثَّانِي) عِبْرَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ لِلْقَدْرِ وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرَةِ وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ: وَمَنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي كُلِّ الثِّمَارِ بَعْدَ الْخَرْصِ إنْ قُلْنَا تَضْمِينٌ جَازَ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثِّمَارَ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ مَا خَرَصَ وَلَوْلَا الْخَرْصُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ عِبْرَةٌ فَضَمَّنَ السَّاعِي الْمَالِكَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ تَضْمِينًا صَرِيحًا وَقَبِلَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَغْوًا وَيَبْقَى حَقُّهُمْ عَلَى مَا كَانَ وَإِنْ قُلْنَا تَضْمِينٌ فَهَلْ نَفْسُ الخرص تضمين أم لابد مِنْ تَصْرِيحِ الْخَارِصِ بِذَلِكَ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) علي وجهين (احدهما) نفسه تضمين (والثاني) لابد مِنْ التَّصْرِيحِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَكْفِي تَضْمِينُ الْخَارِصِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِ

الْمَالِكِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وبه قطع الجمهور انه لابد مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّضْمِينِ وَقَبُولِ الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ ضَمِنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْمَسَاكِينِ كَمَا كَانَ وَهَلْ يَقُومُ وَقْتَ الخرص مقام الخرص ان قلنا لابد مِنْ التَّصْرِيحِ لَمْ يَقُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَقُومُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ نُظِرَ ان تلفت كلها فلا شئ عَلَى الْمَالِكِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْمَاشِيَةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يُقَصِّرُ الْمَالِكُ فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ الدَّفْعُ وَأَخَّرَ وَوَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ فانه

يَضْمَنُ قَطْعًا لِتَفْرِيطِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أو الضمان فان قلنا بالاول فلا شئ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي زَكَّى الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي ثُمَّ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يلزمه زكاة

مَا بَقِيَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثَّمَرَةَ أَوْ أَكَلَهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ أَوْ التَّخْفِيفَ عَنْ الشَّجَرَةِ أَوْ غَرَضًا آخَرَ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ضَمِنَ لِلْمَسَاكِينِ ثُمَّ لَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْخَرْصِ فَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ ضَمِنَ لَهُمْ عُشْرَ التَّمْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْخَرْصِ وَإِنْ قُلْنَا عِبْرَةٌ فَهَلْ يَضْمَنُ عُشْرَ الرُّطَبِ أَمْ قِيمَةَ عُشْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْإِتْلَافُ قَبْلَ الْخَرْصِ فَيُعَزَّرُ وَالْوَاجِبُ ضَمَانُ الرُّطَبِ إنْ قُلْنَا لَوْ جَرَى الْخَرْصُ لَكَانَ عِبْرَةً (فَإِنْ قُلْنَا) لَوْ جَرَى لَكَانَ تَضْمِينًا (فَوَجْهَانِ) (أَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ الرُّطَبَ (وَالثَّانِي) ضَمَانُ التَّمْرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عُشْرِ التَّمْرِ وَقِيمَةِ عُشْرِ الرُّطَبِ * وَالْحَالَانِ مفروضان في رطب يجيئ منه تمر وعنب يجيئ مِنْهُ زَبِيبٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ فِي الْحَالَيْنِ ضَمَانُ الرُّطَبِ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسَةُ) تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِيمَا خُرِصَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ التَّضْمِينِ وَالْعِبْرَةِ إنْ قُلْنَا بِالتَّضْمِينِ تَصَرَّفَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْعِبْرَةِ فَنُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الزَّكَاةِ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى نُفُوذِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكِنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا سائر التصرفات في شئ مِنْ الثِّمَارِ إذَا لَمْ يَصِرْ التَّمْرُ فِي ذِمَّتِهِ بِالْخَرْصِ فَإِنْ أَرَادُوا نَفْيَ الْإِبَاحَةَ دُونَ فَسَادِ الْبَيْعِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَدَعْوَى الْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ غير مسلمة

وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَعْشَارِ التِّسْعَةِ سَوَاءٌ انْفَرَدَتْ بِالتَّصَرُّفِ أَمْ تَصَرَّفَ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ فِي قَدْرِ الزكاة فلا لعديه إلَى الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْخَرْصِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ خَارِصًا مُتَوَلِّيًا حَكَّمَ عَدْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ الْمَخْرُوصَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضِهَا نُظِرَ إنْ أَضَافَ الْهَلَاكَ إلَى سَبَبٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ بِأَنْ قَالَ هَلَكَتْ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ وَعَلِمْنَا كَذِبَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى كَلَامِهِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) مستحبة فلا زكاة عليه فيما يدعي هلا كه سَوَاءٌ حَلَفَ أَمْ لَا (وَالثَّانِي) وَاجِبَةٌ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ أُخِذَتْ مِنْهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ لَا بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ وَادَّعَى سُقُوطَهَا وَلَمْ يَثْبُتْ الْمُسْقِطُ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ وَإِنْ أَضَافَ الْهَلَاكَ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَالنَّهْبِ وَالْجَرَادِ وَنُزُولِ الْعَسْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ عُرِفَ وُقُوعُ ذَلِكَ السَّبَبِ وَعُمُومُ أَثَرِهِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ ثِمَارِهِ بِهِ حَلَفَ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وُقُوعُ السَّبَبِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ لا مكانها ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْهَلَاكِ بِهِ (وَالثَّانِي) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ (وَالثَّالِثُ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إذَا كَانَ ثِقَةً حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ: وَحَيْثُ حَلَّفْنَاهُ فَهِيَ مستحبة على الاصح وقيل واجبة (أما) إذَا اُقْتُصِرَ عَلَى دَعْوَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِسَبَبٍ (فَقَالَ)

الرَّافِعِيُّ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَبُولُهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (الثَّامِنَةُ) إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ إجْحَافًا فِي الْخَرْصِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَارِصَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى مَيْلَ الْحَاكِمِ أَوْ كَذَّبَ الشَّاهِدَ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخْطَأَ وَغَلَطَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَإِنْ بَيَّنَهُ وَكَانَ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ فِي مِثْلِهِ كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي مِائَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُطَّ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ وَفِي الْيَمِينِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) مُسْتَحَبَّةٌ هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فَوْقَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ (أَمَّا) إذَا ادَّعَى بَعْدَ الكيل غلطا يسيرا في الخرص يقدر مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ كَصَاعٍ مِنْ مِائَةٍ فَهَلْ يُحَطُّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّيْدَلَانِيِّ قَالَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يقبل لانا لم نتحقق النقص لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْكَيْلِ وَلَوْ كِيلَ ثانيا لو في (وَالثَّانِي) يُقْبَلُ وَيُحَطُّ عَنْهُ لِأَنَّ الْكَيْلَ تَعْيِينٌ وَالْخَرْصُ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى (قُلْتُ) وَهَذَا الثَّانِي أَقْوَى. قَالَ الْإِمَامُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ حَصَلَ النَّقْصُ لِزَلَلٍ قَلِيلٍ فِي الْخَرْصِ وَيَقُول الْخَارِصُ بَلْ لِزَلَلٍ فِي الْكَيْلِ وَيَكُونُ بَعْدَ فَوَاتِ عَيْنِ الْمَخْرُوصِ (أَمَّا) إذَا ادَّعَى نَقْصًا فَاحِشًا لَا يُجَوِّزُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وُقُوعَ مِثْلِهِ غَلَطًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَطِّ جَمِيعِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يُقْبَلُ فِي حَطِّ الْمُمْكِنِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُقْبَلُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ مُعْتَدَّةٌ بِالْأَقْرَاءِ انْقِضَاءَهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَكَذَّبْنَاهَا وَأَصَرَّتْ عَلَى الدَّعْوَى حَتَّى جَاءَ زَمَنُ الْإِمْكَانِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِانْقِضَائِهَا لِأَوَّلِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَلَا يَكُونُ تَكْذِيبُهَا فِي غَيْرِ الْمُحْتَمَلِ مُوجِبًا لِتَكْذِيبِهَا فِي الْمُحْتَمَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ فاقر الما لك بأن الثمر زَادَ عَلَى الْمَخْرُوصِ قَالَ أَصْحَابُنَا: أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ لِلزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ ضُمِّنَ أَمْ لَا لِأَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ فَتَلِفَ بَعْضُ الْمَخْرُوصِ تَلَفًا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَأَكَلَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَعْرِفْ السَّاعِي مَا تَلِفَ فَإِنْ عَرَفَ الْمَالِكُ مَا أَكَلَ زَكَّاهُ مَعَ الْبَاقِي وَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْأَصَحِّ وَوُجُوبًا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَ مَا أَكَلْتُهُ

وَلَا مَا تَلِفَ قَالَ الدَّارِمِيُّ قُلْنَا لَهُ إنْ ذَكَرْتَ قَدْرًا أَلْزَمْنَاكَ بِهِ فَإِنْ اتَّهَمْنَاكَ حَلَّفْنَاكَ وَإِنْ ذَكَرْتَ مُجْمَلًا أَخَذْنَا الزَّكَاةَ بِخَرْصِنَا (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا اخْتَلَفَ السَّاعِي وَالْمَالِكُ فِي جِنْسِ الثَّمَرِ أَوْ نَوْعِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ تَلَفًا مُضَمَّنًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فَإِنْ أَقَامَ السَّاعِي شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ قُضِيَ لَهُ وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ رُطَبٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى النَّخْلِ فَخَرَصَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَلْزَمَ ذِمَّتَهُ لَهُ تَمْرًا جَافًّا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَتَصَرَّفُ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَلْتَزِمُ لِصَاحِبِهِ التَّمْرَ إنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ بِالْخَرْصِ وَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ عِبْرَةٌ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بَعِيدٌ فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ وَمَا يَجْرِي فِي حَقِّ الْمَسَاكِينِ لَا يُقَاسُ بِهِ تَصَرُّفُ الشُّرَكَاءِ فِي أَمْلَاكِهِمْ الْمُحَقَّقَةِ وَإِنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَمُسْتَنَدُهُ خَرْصُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَهُودِ فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمْ التَّمْرَ وَكَانَ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ فِي حَقِّ الْمُلَّاكِ وَالْغَانِمِينَ. قال الامام: والذى لابد مِنْهُ مِنْ مَذْهَبِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْخَرْصَ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينِ يَكْفِي فِيهِ إلْزَامُ الْخَارِصِ ولا يشترط رضى الْمَخْرُوصِ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ فَلَا بد من رضي الشركاء لا محالة * * قال المصنف رحمه الله * {ولا تؤخذ زكاة الثمار الا بعد أن تجفف لحديث عتاب بن أسيد " فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا " فان أخذ الرطب وجب رده وان فات

* وجب رد قيمته. ومن أصحابنا من قال: يجب رد مثله. والمذهب الاول لانه لامثل له لانه يتفاوت ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض فان كانت الثمار نوعا واحدا أخذ الواجب منه لقوله عز وجل * (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لكم من الارض) * وان كانت أنواعا أخذ من كل نوع بقسطه فان كانت أنواعا كثيرة أخرج من أوسطها لامن النوع الجيد ولا من النوع الردئ لان أخذها من كل صنف يشق فأخذ الوسط} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَتَّابٍ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ وَقْتِ وُجُوبِ الْعُشْرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ وَبَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَأَنَّ مؤونة ذَلِكَ كُلِّهِ تَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا تُحْسَبُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الزَّكَاةِ بَلْ تَجِبُ مِنْ خَالِصِ مَالِ الْمَالِكِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الرُّطَبَ وَجَبَ رَدُّهُ فَإِنْ فَاتَ غَرِمَهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ بِمِثْلِهِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَمْلِكُهُ مِنْ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ نَوْعًا واحدا اخذت منه الزكاة فان أخرج اعلا مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ أَخْرَجَ دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وان اختلف أَنْوَاعُهُ وَلَمْ يُعْسَرْ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْحِصَّةِ بِأَنْ كَانَتْ نَوْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْحِصَّةِ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب ونص الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَوَاشِي عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ مَحْذُورٌ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ الثِّمَارِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ فِي الثِّمَارِ قَوْلَيْنِ كَالْمَوَاشِي (أَحَدَهُمَا) الْأَخْذُ مِنْ الْأَغْلَبِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْأَخْذِ بِالْقِسْطِ مِنْ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) إذَا عُسِرَ الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِأَنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ ثَمَرُهَا (فَفِيهِ) طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ الوسط لا الجيد ولا الردئ رعاية

لِلْجَانِبَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) يَخْرُجُ مِنْ الْوَسَطِ (وَالثَّانِي) يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَالثَّالِثُ) مِنْ الْأَغْلَبِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ أَيْضًا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْوَسَطِ فَتَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ جَازَ وَلَزِمَ السَّاعِي قَبُولُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) * ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ كِتَابِهِ الْفُرُوقُ أَنَّ تَمْرَ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا. سِتُّونَ أَحْمَرُ وَسِتُّونَ اسود * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ كَانَتْ الثمرة رطبا لا يجئ منه التمر كالهلياث والسكر أو عنبا لا يجئ منه الزبيب وأصاب النخل عطش فخاف عليها من ترك الثمار ففى القسمة قولان ان قلنا أن القسمة فرز النصيبين جازت المقاسمة فيجعل العشر في نخلات ثم المصدق ينظر فان رأى أن يفرق عليهم فعل وان رأى

البيع وقسمة الثمن فعل وأن قلنا ان القسمة بيع لم يجز لان يكون بيع رطب برطب وذلك ربا فعلي هذا يقبض المصدق عشرها مشاعا بالتخلية بينه وبينها ويستقر عليه ملك المساكين ثم يبيعه وياخذ ثمنه ويفرق عليهم وان قطعت الثمار فان قلنا أن القسمة تمييز الحقين تقاسموا كيلا أو وزنا وان قلنا انها بيع لم تجز المقاسمة بل يسلم العشر الي المصدق ثم يبيعه ويفرق ثمنه وقال أبو إسحق وأبو علي بن أبى هريرة المقاسمة كيلا ووزنا علي الارض لانه يمكنه ان يخلص حقوق المساكين بالكيل والوزن ولا يمكن ذلك في النخل والصحيح انه لا فرق بين ان تكون على الشجر وبين ان تكون علي الارض لانه بيع رطب برطب علي هذا القول} *

باب زكاة الزرع

{الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا في هذا الباب والهليات بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَالسُّكَّرُ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى لَفْظِ السُّكَّرِ الْمَعْرُوفِ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والمنة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {بَابُ زَكَاةِ الزرع} {وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَيُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْجَاوَرْسِ وَالْأُرْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْبَعْلُ وَالسَّيْلُ وَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ " (فَأَمَّا) القثاء والبطيخ والرمان والقضب والخضر فعفوعفا

عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلِأَنَّ الْأَقْوَاتَ تَعْظُمُ مَنْفَعَتُهَا فَهِيَ كَالْأَنْعَامِ فِي الْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْقُطْنِيَّةِ وَهِيَ العدس والحمص والماش واللوبيا والباقلا وَالْهُرْطُمَانُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاقْتِيَاتِ وَيُدَّخَرُ لِلْأَكْلِ فَهُوَ كالحنطة والشعير} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَآخِرُهُ " عَفَا عنها رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا أَنَّ مُعَاذًا كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يساله عن الخضروات وهي البقول فقال " ليس فيها شئ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ قَالَ وَلَيْسَ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا شئ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا

عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صَدَقَةٌ يَعْنِي عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوجِبُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَأَحَادِيثَ مَرَاسِيلَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَرَاسِيلُ إلَّا أَنَّهَا مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُؤَكِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَمَعَهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَقَوْلُهُ) وَالْجَاوَرْسُ هُوَ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ قِيلَ هُوَ حَبٌّ صِغَارٌ مِنْ حَبِّ الذُّرَةِ وَأَصْلُهُ كَالْقَضْبِ إلَّا أَنَّ الذُّرَةَ أَكْبَرُ حَبًّا مِنْهُ وَفِي الْأُرْزِ سِتُّ لُغَاتٍ (إحْدَاهَا) فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدُ الزَّاي (وَالثَّانِيَةُ) كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ مَضْمُومَةٌ (وَالثَّالِثَةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّاي كَكُتُبٍ (وَالرَّابِعَةُ) مِثْلُهَا لَكِنْ

سَاكِنَةُ الرَّاءِ (وَالْخَامِسَةُ) رُنْزٌ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَيْنَ الرَّاءِ وَالزَّاي (وَالسَّادِسَةُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّاي (وأما) القثاء فبكسر القاف وضمها لغتان مشهوران الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ. وَالْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُقَالُ طِبِّيخٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَتَقْدِيمُهَا لُغَتَانِ. وَالْقَضْبُ بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الرُّطَبَةُ وَقَوْلُهُ " عَفَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيْ لَمْ يُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا لَا أَنَّهُ أَسْقَطَ وَاجِبًا فِيهَا وَالْقَطْنِيَّةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ فِي الْبُيُوتِ أَيْ تُخَزَّنُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّخْنَ وَالْأُرْزَ مَعْدُودَانِ فِي الْقُطْنِيَّةِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بَلْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ فِي الْحَاوِي الْقُطْنِيَّةُ هِيَ الْحُبُوبُ الْمُقْتَاتَةُ سِوَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَأَمَّا الْحِمَّصُ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ لَا غَيْرِ وَأَمَّا مِيمُهُ فَفَتَحَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَكَسَرَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَاللُّوبِيَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ

هو مذكر يمد ويقصر يقال هُوَ اللُّوبِيَا وَاللُّوبْيَاءُ وَاللُّوبْيَاحُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لَيْسَ عربيا بالاصالة والباقلا يُمَدُّ مُخَفَّفًا وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَيُقْصَرُ مُشَدَّدًا وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ لُغَتَانِ وَيُقَالُ الْفُولُ وَالْهُرْطُمَانُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ وَهُوَ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ الْخُلَّرُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قُوتًا وَالثَّانِي مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ. قَالُوا فَإِنْ فَقَدَ الْأَوَّلَ كَالْأَسْبِيُوشِ وَهُوَ بَزْرُ الْقَطُونَا أَوْ الثَّانِي كَالْعُثِّ أَوْ كِلَاهُمَا كَالثُّفَّاءِ فَلَا زَكَاةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ مَنْ

أَطْلَقَ الْقَيْدَ الْأَوَّلَ فَأَمَّا مَنْ قَيَّدَ فَقَالَ أَنْ يَكُونَ قُوتًا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الثَّانِي إذْ لَيْسَ فِيمَا يُسْتَنْبَتُ مما يقتات اختيارا فَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرَاسَانِيُّونَ غَيْرَهُمَا وَشَرَطَ الْعِرَاقِيُّونَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا أَنْ يُدَّخَرَ وَيَيْبَسَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَهُمَا هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّنْبِيهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُلَازِمَانِ لِكُلِّ مُقْتَاتٍ مُسْتَنْبَتٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُنَا مِمَّا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ تَقْصِدَ زِرَاعَتَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يكون من جنس ما تزرعونه حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْحَبُّ مِنْ مَالِكِهِ عِنْدَ حمل الغلة أو وقعت العصافير عَلَى السَّنَابِلِ فَتَنَاثَرَ الْحَبُّ وَنَبَتَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا بِلَا

خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي فِي مَسَائِلِ الْمَاشِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يُقْتَاتُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سبق فيما يُقْتَاتُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْعُثِّ وَبِهِ مَثَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَبُّ الْغَاسُولِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ حَبٌّ أَسْوَدُ يَابِسٌ يُدْفَنُ حَتَّى يَلِينَ قِشْرُهُ ثُمَّ يُزَالُ قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ وَمَثَّلُوهُ أَيْضًا بِحَبِّ الْحَنْظَلِ وَسَائِرِ بِزُورِ الْبَرَارِي قال اصحابنا ويخرج عن المقتات الخضروات وَالثُّفَّاءُ وَالتُّرْمُسُ وَالسِّمْسِمُ وَالْكَمُّونُ وَالْكَرَاوْيَا وَالْكُزْبَرَةُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُقَالُ لَهَا الْكُسْبَرَةُ أَيْضًا وَبِزْرُ الْقُطْنِ وَبِزْرُ الْكَتَّانِ وَبِزْرُ الْفُجْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يشبهه فلا زكاة

في شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ حَبَّ الْفُجْلِ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ وَالْقَدِيمُ الضَّعِيفُ وُجُوبُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ أَرَ هَذَا النَّقْلَ لِغَيْرِهِ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ عن وجوب الزكاة في التُّرْمُسَ وَالثُّفَّاءَ لَا يُقْتَاتُ أَصْلًا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَاتُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ علي انه لا زكاة فيها والثفا بضم الثاه الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ حَبُّ الرَّشَادِ وَكَذَا فَسَّرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالتُّرْمُسُ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلْبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ قَالَ وَلَا زَكَاةَ فِي السُّمَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَجِبُ فِي الْحُبُوبِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَلَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقْتَاتُ لِأَنَّهَا لَيْسَ مِمَّا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ وَهُوَ شرط للوجوب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي نِصَابٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ إلَّا الْأُرْزُ وَالْعَلَسُ فَإِنَّ نِصَابَهُمَا

عشرة أوسق فانهما يدخران في القشر ويجئ مِنْ كُلِّ وَسْقَيْنِ وَسْقٌ وَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثِّمَارِ فَإِنْ زاد علي خمسة أوسق شئ وَجَبَ فِيهِ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَوَجَبَ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ كالاثمان} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ مِنْ تَمْرٍ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ وَالْعَلَسُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ يَكُونُ مِنْهُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ طَعَامُ أَهْلِ صَنْعَاءَ وَقَوْلُهُ يَتَجَزَّأُ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ الزَّرْعِ إلَّا فِي نِصَابٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَ

فِيهِ زِيَادَةٌ مَعَ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ مِنْ التِّبْنِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قُشُورُهَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) قشر لا يدخر اللحب فيه ولا يأكل مَعَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي النِّصَابِ (وَالثَّانِي) قِشْرٌ يُدَّخَرُ الْحَبُّ فِيهِ وَيُؤْكَلُ مَعَهُ كَالذُّرَةِ فَيَدْخُلُ الْقِشْرُ فِي الْحِسَابِ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُزَالُ كَمَا تُقَشَّرُ الْحِنْطَةُ وَفِي دُخُولِ القشرة السفلي من الباقلى وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ الْمَذْهَبُ لَا يَدْخُلُ وَهَذَا غَرِيبٌ (الثَّالِثُ) يُدَّخَرُ الْحَبُّ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي حِسَابِ النِّصَابِ وَلَكِنْ يُوجَدُ الْوَاجِبُ فِيهِ كَالْأُرْزِ وَالْعَلَسِ أَمَّا الْعَلَسُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الام يبقي بعدد ياسه عَلَى كُلِّ حَبَّتَيْنِ مِنْهُ كِمَامٌ لَا يَزُولُ إلَّا بِالرَّحَى الْخَفِيفَةِ أَوْ بِمِهْرَاسٍ وَإِدْخَارُهُ فِي ذلك الْكِمَامِ أَصْلَحُ لَهُ وَإِذَا أُزِيلَ

كَانَ الصَّافِي نِصْفَ الْمَبْلَغِ فَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ إزَالَةَ ذَلِكَ الْكِمَامِ عَنْهُ وَيُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ بَعْدَ الدِّيَاسِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ لِتَكُونَ مِنْهُ خَمْسَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ إنْ نجئ مِنْهُ الْقِشْرَ الْأَعْلَى اعْتَبَرَ فِي صَافِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُبُوبِ وَإِنْ تَرَكَ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى اشْتَرَطَ بُلُوغَهُ بِقِشْرِهِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ وَأَمَّا الْأُرْزُ فَيُدَّخَرُ أَيْضًا فِي قِشْرِهِ وَهُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ مَعَ الْقِشْرِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ إنْ تُرِكَ فِي قِشْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَلَسِ وَإِنْ أُخْرِجَتْ قِشْرَتُهُ اعْتَبَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَكَمَا قُلْنَا فِي الْعَلَسِ وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُ وَمِنْ الْعَلَسِ وَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا لِأَنَّهُمَا يُدَّخَرَانِ فِيهِمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأُرْزِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ

قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الثُّلُثُ فَيُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ قَدْرًا يَكُونُ الصَّافِي مِنْهُ نِصَابًا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي كَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجْعَلُ الْأُرْزَ كَالْعَلَسِ فَلَا يَحْسِبُ قِشْرَهُ الْأَعْلَى وَيَقُولُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ بِقِشْرِهِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا أَثَرَ لِهَذَا الْقِشْرِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِقِشْرِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ هَذَا الْقِشْرَ مُلْتَصِقٌ بِهِ وَرُبَّمَا طُحِنَ مَعَهُ بِخِلَافِ قِشْرِ الْعَلَسِ فَإِنَّهُ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِطَحْنِهِ مَعَهُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ سَائِرِ أَصْحَابِنَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِي الزُّرُوعِ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا كَالْوَاجِبِ فِي الثِّمَارِ بِلَا فَرْقٍ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَهُوَ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَنَحْوِهِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بالنواضح ونحوها وسبق تفصيله واضحا هناك ويحب فيما زاد

عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَتُضَمُّ الْأَنْوَاعُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِد بَعْضهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ فَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مِنْهَا وَلَا يُضَمُّ السُّلْتُ إلَى الشَّعِيرِ وَهُوَ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَيُشْبِهُ الشعير

فِي طُولِهِ وَبُرُودَتِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُضَمُّ السُّلْتُ إلَى الشَّعِيرِ كَمَا يُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يضم لانهما جنسان بخلاف العلس والحنطة} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَمُّ جِنْسٌ مِنْ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ إلَى جِنْسٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَعَلَى أَنَّهُ يُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إلى بعض

فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَهَذَا ضَابِطُ الْفَصْلِ: قَالُوا فَلَا يُضَمُّ الشَّعِيرُ إلَى الْحِنْطَةِ وَلَا هِيَ إلَيْهِ وَلَا التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَلَا هُوَ إليه ولا الحمص الي العدس ولا الباقلي الي الهرطمان ولا اللوبيان إلَى الْمَاشِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا وَيُضَمُّ أَنْوَاعُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَاللَّوْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يُضَمُّ أَنْوَاعُ الزَّبِيبِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْوَاعُ الْحِنْطَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَكَذَا أَنْوَاعُ باقى

الحبوب ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَلَسَ يُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أوسق حنطة ووسقاق مِنْ الْعَلَسِ قَبْلَ تَنْحِيَةِ الْقِشْرِ ضَمَّهَا إلَى الْحِنْطَةِ وَلَزِمَهُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ عَلَسًا وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ إنْ كَانَ قَدْ يُنَحِّي الْعَلَسَ مِنْ قِشْرِهِ كَانَ وَسْقُهُ كَوَسْقِ الْحِنْطَةِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ وَاضِحًا وَأَمَّا السُّلْتُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ

الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ هُوَ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ فِي اللَّوْنِ وَالْمَلَاسَةِ وَالشَّعِيرَ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ وَعَكَسَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا فَقَالُوا صُورَتُهُ صُورَةُ الشَّعِيرِ وَطَبْعُهُ حَارٌّ كَالْحِنْطَةِ وَالصَّوَابُ مَا قاله العراقيون هو الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَفِي حُكْمِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا يُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ

وَلَا إلَى الشَّعِيرِ بَلْ إنْ بَلَغَ وَحْدَهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْطَعُ بِهِ شَيْخِي وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيُضَمُّ إلَيْهَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ

يَعْنِي السِّنْجِيَّ إنْ ضَمَمْنَا السُّلْتَ إلَى الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِهِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى الشَّعِيرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ قُلْنَا هُوَ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ جَازَ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ وَبِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَهُوَ كَمَا قَالَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّمِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُضَمُّ الْأَنْوَاعُ مِنْ الْجِنْسِ بَعْضُهَا

الي بعض ولا تضم الا جناس فَلَا تُضَمُّ حِنْطَةٌ إلَى شَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُضَمُّ أَجْنَاسُ الْقُطْنِيَّةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَلَا يُضَمُّ الْحِمَّصُ إلَى الْبَاقِلَاءِ وَالْعَدَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَشَرِيكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى

الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ إلَيْهِمَا وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ كُلُّهَا بَعْضُهَا الي بعض لكن لَا تُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ضَمَّ الْقَمْحِ إلَى الشَّعِيرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ ضَمَّ الْحُبُوبِ مُطْلَقًا قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ يَعْنِي غَيْرَهُمَا

إنْ صَحَّ عَنْهُمَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا تضم الا بل إلَى الْبَقَرِ وَلَا إلَى الْغَنَمِ وَلَا الْبَقَرُ إلَى الْغَنَمِ وَلَا التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِيمَا قَالُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

{فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُ الزَّرْعِ فَفِي ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ فَكُلُّ زَرْعَيْنِ زُرِعَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ مِنْ صَيْفٍ أَوْ شِتَاءٍ أَوْ رَبِيعٍ أَوْ خَرِيفٍ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادُ فَرْعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ

الْحَصَادِ فَإِذَا اتَّفَقَ حَصَادُهُمَا فِي فَصْلٍ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْوُجُوبِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ زِرَاعَتُهُمَا في فصل واحد وحصادهما في فصل لِأَنَّ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ الطَّرَفَانِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَالرَّابِعُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زِرَاعَةِ عَامٍ وَاحِدٍ كَمَا قُلْنَا

في الثمار} * {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْأَقْوَالُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ جِدًّا وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَخَّصَ مُتَفَرَّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهَا فَقَالَ لَا يُضَمُّ

زَرْعُ عَامٍ إلَى زَرْعِ عَامٍ آخَرَ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتِلَافُ أَوْقَاتِ الزِّرَاعَةِ لِضَرُورَةِ التَّدْرِيجِ كَمَنْ يَبْتَدِئُ الزِّرَاعَةَ وَيَسْتَمِرُّ فِيهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ لَا يُقْدَحُ بَلْ كُلُّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِلَا خلاف ثم الشئ قَدْ يُزْرَعُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا كَالذُّرَةِ تُزْرَعُ فِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ فَفِي

ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ عَشْرَةُ أَقْوَالٍ أَكْثَرُهَا مَنْصُوصَةٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إنْ وَقَعَ الْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالثَّانِي) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَاجْتِمَاعُهُمَا فِي سَنَةٍ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَرْعِ الْأَوَّلِ وَحَصْدِ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا

عَرَبِيَّةً كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ (1) (وَالرَّابِعُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ أَوْ زَرَعَ الثَّانِي وَحَصَدَ الْأَوَّلَ فِي سَنَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالْخَامِسُ) الِاعْتِبَارُ بِجَمِيعِ السَّنَةِ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ إمَّا الزَّرْعَيْنِ أَوْ الْحَصَادَيْنِ (وَالسَّادِسُ) إنْ وَقَعَ الْحَصَادَانِ فِي فصل واحد ضم والا فلا

_ (1) كذا في الاصل باسقاط الثالث ويؤخذ من الرافعي ان الثالث هو ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة واحدة ولا نظر إلى الحصاد

(وَالسَّابِعُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّامِنُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (التَّاسِعُ) أَنَّ الْمَزْرُوعَ بَعْدَ حَصْدِ الْأَوَّلِ لَا يُضَمُّ كَحِمْلَيْ شَجَرَةٍ والعاشر خرجه أبو إسحق أَنَّ مَا بَعْدَ زَرْعِ سَنَةٍ يُضَمُّ وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ وَالْحَصَادِ قَالَ وَلَا أَعْنِي بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَإِنَّ الزَّرْعَ لَا يَبْقَى هَذِهِ الْمُدَّةَ وَإِنَّمَا أَعَنَى بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ

هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ زَرْعُ الثَّانِي بَعْدَ حَصْدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ زَرْعُ الثَّانِي بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالضَّمِّ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الْحُصُولِ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ بَعْلٌ لَمْ يَنْعَقِدْ حَبُّهُ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ

الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى مَا بَدَأَ فِيهِ الصَّلَاحُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَاصِلَةَ هِيَ مُتَعَلَّقُ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا وَالْمُنْتَظَرُ فِيهَا صِفَةُ الثَّمَرَةِ وَهُنَا مُتَعَلِّقُ الزَّكَاةِ الْحَبُّ وَلَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ حَشِيشٌ مَحْضٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ ثُمَّ تُسْتَخْلَفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الثَّانِيَةُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مُرَادِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أحدهها مراده

إذَا سَنْبَلَ وَاشْتَدَّتْ فَانْتَثَرَ بَعْضُ حَبَّاتِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَقْرِ الْعَصَافِيرِ أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ فَنَبَتَتْ الْحَبَّاتُ الْمُنْتَثِرَةُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَدْرَكَتْ وَالثَّانِي مُرَادُهُ إذَا نَبَتَتْ وَالْتَفَتَ وَعَلَا بَعْضُ طَاقَاتِهَا فَغَطَّى الْبَعْضَ وَبَقِيَ الْمُغَطَّى أَخْضَرَ تَحْتَ الْعَالِي فَإِذَا حُصِدَ الْعَالِي أَصَابَتْ الشَّمْسُ الا خضر فَأَدْرَكَ وَالثَّالِثُ مُرَادُهُ الذُّرَةُ الْهِنْدِيَّةُ فَإِنَّهَا تُحْصَدُ سَنَابِلُهَا وَيَبْقَى سُوقُهَا فَتَخْرُجُ سَنَابِلُ أُخَرُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ

بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُرَادِ بِالنَّصِّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّصَّ قُطِعَ مِنْهُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَ تَفْرِيعًا عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْعَشَرَةِ السَّابِقَةِ فذكروا في الصورة الاولي طريقين أحدها الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْأَقْوَالِ فِي الزَّرْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ هَذَا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِالضَّمِّ (وَالثَّانِي) عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الثَّالِثَةِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ الضَّمِّ وَالثَّالِثُ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ أَحْسَنَ وَأَجَادَ فِي تلخيصها فال الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ الْمَالِكُ هَذَانِ زَرْعَا سَنَتَيْنِ فَقَالَ السَّاعِي بَلْ سَنَةٌ فَالْقَوْلُ

قَوْلُ الْمَالِكِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَاَلَّذِي يَدَّعِيه لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ فكانت باليمين مستحبة والله أعلم *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَبُّ فَإِذَا انْعَقَدَ الحب وجبت لانه قبل ان ينعقد كالخضروات

وَبَعْدَ الِانْعِقَادِ صَارَ قُوتًا يَصْلُحُ لِلِادِّخَارِ فَإِنْ زَرَعَ الذُّرَةَ فَأَدْرَكَ وَحُصِدَ ثُمَّ سَنْبَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَهَلْ يُضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُضَمُّ كَمَا لَوْ حَمَلَتْ النحلة فجدها ثُمَّ حَمَلَتْ حَمْلًا آخَرَ

وَالثَّانِي يُضَمُّ وَيُخَالِفُ النَّخْلَ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ فَجُعِلَ لِكُلِّ حَمْلٍ حُكْمٌ وَالزَّرْعُ لَا يُرَادُ للتأبيد فكان الحملان كعام واحد} *

{الشَّرْحُ} أَمَّا مَسْأَلَةُ الذُّرَةِ فَسَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَالْأَصَحُّ الضَّمُّ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا أَيْضًا فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهَا وَذَكَرَ هُنَاكَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ ضعيفين وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ الْحُبُوبِ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ كَمَا لَا تؤخذ زكاة الثمار إلا بعد الجفاف} *

{الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَأَنَّ مُؤْنَةَ التَّصْفِيَةِ وَالْحَصَادِ علي المالك ولا يحسب شئ مِنْهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَبَقَ هُنَاكَ نَفَائِسُ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ وَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِ الزَّرْعِ عِنْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّرْعِ فَوَجَبَتْ عَلَى مَالِكِهِ كَزَكَاةِ التِّجَارَةِ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَالِ دُونَ مَالِكِ الدُّكَّانِ

وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَجَبَ الْخَرَاجُ في وقته ويجب الْعُشْرُ فِي وَقْتِهِ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا وُجُوبَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ لِلْأَرْضِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ لِلزَّرْعِ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَأُجْرَةِ المتجر وزكاة التجارة} *

{الشَّرْحُ} الْمَتْجَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ هُوَ الدُّكَّانُ (أما الا حكام) فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الثَّمَرِ وَالْحَبِّ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ أَرْضٍ مستأجرة أو من أرض علهيا خَرَاجٌ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْعُشْرُ مَعَ الْأُجْرَةِ وَكَذَا مَعَ الْخَرَاجِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ. قَالَ الرافعى والاصحاب

وَتَكُونُ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَفْتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً قَهْرًا وَيُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ يُعَوِّضُهُمْ عَنْهَا ثُمَّ يَقِفُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ويضربه عَلَيْهَا خَرَاجًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ

عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يفتح بلدة صلحا على أن الارض للمسليمن وَيَسْكُنُهَا الْكُفَّارُ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ فَالْأَرْضُ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْخَرَاجُ أُجْرَةٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَكَذَا إذَا انْجَلَى الْكُفَّارُ عَنْ بَلْدَةٍ وَقُلْنَا أَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤَدِّيه مَنْ سَكَنَهَا

مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَمَّا إذَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ سَكَنُوا فِيهَا بِخَرَاجٍ فَهَذَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جِزْيَةٌ وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي فُتِحَتْ قَهْرًا وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَثَبَتَتْ فِي أَيْدِيهِمْ

وَكَذَا الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْأَرْضُ الَّتِي أَحْيَاهَا الْمُسْلِمُونَ فَكُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ وَأَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْهَا ظُلْمٌ قَالَ وَأَمَّا النَّوَاحِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ حَالُهَا فِي الْأَصْلِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ

عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَدَامُ الْأَخْذُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي فَتَحَهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا صَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا جَرَى طُولَ الدَّهْرِ جَرَى بِحَقٍّ: فَإِنْ قيل هل

يَثْبُتُ حُكْمُ أَرْضِ السَّوَادِ مِنْ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ فِي الْأَخْذِ كَوْنُهُ حَقًّا وَفِي الْأَيْدِي الْمِلْكُ فَلَا يَتْرُكُ وَاحِدًا مِنْ الظَّاهِرَيْنِ إلَّا بِيَقِينٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ الْمَأْخُوذَ

ظُلْمًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُشْرِ فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْعُشْرِ فَهُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْخُلْطَةِ الصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ

فعلي هذا ان لم ييلغ قدر العشر اخرج الباقي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اجْتِمَاعِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مَذْهَبُنَا اجْتِمَاعُهُمَا وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا وُجُوبَ

الْآخَرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَبِيعَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى

والليث وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عن ابن مسعود مرفوع لا يجتمع عشرو خراج فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي

هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا " وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ دِهْقَانَ بَهَرَ الْمَلِكَ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَلِّمُوا إلَيْهِ الْأَرْضَ وَخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ فَأَمَرَ

بِأَخْذِ الْخَرَاجِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ الْعُشْرِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِهِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْعُشْرُ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ سَبْخَةً لَا مَنْفَعَةَ لَهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عشر

فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُهُمَا مَعًا كَمَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ سَنَةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاتَانِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرْكِ وَالْعُشْرَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

" فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَعَادِنِ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ

بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَلِأَنَّ الْعُشْرَ وَجَبَ بِالنَّصِّ فَلَا يَمْنَعُهُ الْخَرَاجُ الْوَاجِبُ بِالِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فَهُوَ أَنَّهُ

حَدِيثٌ بَاطِلٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي معرفة السنن

وَالْآثَارِ هَذَا الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ هَكَذَا مَرْفُوعًا وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مَكْشُوفُ الْأَمْرِ فِي الضَّعْفِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ قَالَهُ

أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ

(أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجِزْيَةُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْفِتَنِ الْكَائِنَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَمْنَعُوا الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ وَجِزْيَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا زَعَمُوهُ

لَلَزِمَ أَنْ لَا تَجِبَ زَكَاةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالتِّجَارَةِ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَأَمَّا قِصَّةُ الدُّهْقَانِ فَمَعْنَاهَا خُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَرَاجَ

لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا تَوَهَّمُوا سُقُوطَهُ بِالْإِسْلَامِ كَالْجِزْيَةِ وَأَمَّا الْعُشْرُ فَمَعْلُومٌ لَهُمْ وُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَخْذَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ مِنْهُ وَكَذَا زَكَاةُ النَّقْدِ وَغَيْرُهَا وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ إلْزَامَهُ بالصلاة

وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابُ عُمَرَ لِمُتَوَلِّي الْخَرَاجِ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْأَعْشَارِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ أَخْذِ الْعُشْرِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَجِبُ فِيهِ

عُشْرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَجِبُ الْعُشْرُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْخَرَاجُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي نَفْسِ الزَّرْعِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ عَنْ الْأَرْضِ سَوَاءٌ زَرَعَهَا أَمْ أَهْمَلَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْخَرَاجُ يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرْكِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ

وَإِنَّمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَلِأَنَّ هَذَا فَاسِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

(فرع) إذا كان لمسلم ارض لاخراج عليها وعليه العشر فباعها لذمى فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الذِّمِّيِّ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عُشْرٌ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عليه الخراج أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ

عُشْرٌ وَاحِدٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حتى لا تخلو االْأَرْضُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ دَلِيلُنَا أَنَّهَا ارض لاخراج عَلَيْهَا فَلَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ كَمَا لَوْ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ وَيُنْتَقَضُ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِمَا إذَا بَاعَ الْمَاشِيَةَ لِذِمِّيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) وَإِذَا أَجَّرَ أَرْضَهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ عُشْرَ زَرْعِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الزَّارِعِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَوْ اسْتَعَارَ ارضا فزرعها

* فَعُشْرُ الزَّرْعِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا هَكَذَا وَالثَّانِيَةُ رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ عَلَى الْمُعِيرِ وَهَذَا عَجَبٌ *

مسائل تتعلق ببابي زكاة الثمار والزروع

(فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابَيْ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ (إحْدَاهَا) لَا يَجِبُ الْعُشْرُ عِنْدَنَا فِي ثمار الذمي والمكاتب وزوعهما وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زَرْعِ الذِّمِّيِّ وَثَمَرِهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ

الْعُشْرُ " وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَاسْتَوَى الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِيهِ كَالْخَرَاجِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ

النَّخْلِ تَمْرًا وَإِذَا كَانَ زَكَاةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ أَوْ يُقَالُ حَقٌّ يُصْرَفُ إلَى أَهْلِ الزَّكَوَاتِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الذِّمِّيِّ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ

الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ حَقُّ الْعُشْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّرْعِ عَلَى سَبِيلِ الطُّهْرَةِ لِلْمُزَكِّي (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ والثمار لم يجب فيها بعد ذلك شئ وان بقيت في يَدُ مَالِكِهَا سِنِينَ

هَذَا مَذْهَبُنَا: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ عَلَى مَالِكِهَا الْعُشْرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَالْمَاشِيَةِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تعالى علق

وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهِ وَالْحَصَادُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ الْعُشْرُ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتَكَرَّرُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ وَمَا اُدُّخِرَ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ فَهُوَ مُنْقَطِعُ النَّمَاءِ مُتَعَرِّضٌ لِلنَّفَادِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَالْأَثَاثِ وَالْمَاشِيَةِ

فَإِنَّهَا مُرْصَدَةٌ لِلنَّمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ (جِذَاذِ) اللَّيْلِ " وَهُوَ صِرَامُ النَّخْلِ لَيْلًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصِّرَامُ نَهَارًا لِيَسْأَلَهُ

النَّاسُ مِنْ ثَمَرِهَا فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيمَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَفِيمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ وَقْتَ الصِّرَامِ وَالْحَصَادِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده)

وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ المراد بها الزكاة والله تعالى أعلم *

(فَرْعٌ) رَوَيْنَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " امر من كل جاد عَشْرَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي المسجد " في اسناده محمد

ابن إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ فَيَكُونُ ضعيفا قال الخطابى معنى جاد عشرة اوسق أي ما يجد مِنْهُ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ وَالْقِنْوُ الْغُصْنُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْبُسْرِ لِيَأْكُلَهُ الْمَسَاكِينُ قَالَ وهذا من

صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَرَادَ السَّاعِي أَخْذَ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةً ثُمَّ يَأْخُذُ السَّاعِي الْعَاشِرَ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةَ عَشْرَ ثُمَّ لِلسَّاعِي وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِلْمَالِكِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَلِلسَّاعِي ثَلَاثَةً وَإِنَّمَا بَدَأَ لِلْمَالِكِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَكْثَرُ وَبِهِ يُعْرَفُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُهَزُّ الْمِكْيَالُ وَلَا يُزَلْزَلُ وَلَا تُوضَعُ الْيَدُ فَوْقَهُ وَلَا يُمْسَحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بَلْ يُصَبُّ فِيهِ مَا يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ يُفَرَّغُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَيْنِ إنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَالْغُرَبَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَدْ

سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ: وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ قَالَ هَذَا النَّصُّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ مَثَلًا وَجَبَ الْعُشْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الثِّمَارَ وَالْغَلَّةَ ملكا تاما يتصرفون

فِيهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ إنْسَانٍ نِصَابًا وَجَبَ عُشْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَقَصَ وَبَلَغَ نَصِيبُ جَمِيعِهِمْ نِصَابًا وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ بُنِيَ عَلَى صِحَّةِ الخلطة في الثمار والزروع والصحيح صِحَّتُهَا وَثُبُوتُ حُكْمِهَا فَيَجِبُ الْعُشْرُ وَالثَّانِي لَا يصح ولا عشر والله تعالي أعلم (السادسة)

قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ أَنَّ مُؤْنَةَ الْحَصَادِ وَالْحِرَاثَةِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَجِذَاذِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَلْ يَجِبُ عُشْرُ الْجَمِيعِ وَسَبَقَتْ هُنَاكَ فُرُوعٌ فِيهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ هو

عُشْرُ زَرْعِهَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ وَسْقَانِ وَسْقٌ لِلْعُشْرِ يُصْرَفُ إلَى أَهْلِ الزَّكَوَاتِ وَوَسْقٌ لِلْخَرَاجِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْخَرَاجِ قَالَ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ فِي الْخَرَاجِ حَصَلَ مَالًا لَهُ وَقَدْ صَرَفَهُ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ

فَهُوَ كَمَا أَوْفَاهُ فِي دَيْنٍ فَوَجَبَ عُشْرُ الْجَمِيعِ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ فَأَجَرَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ ولا شئ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) أَنَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى

الزَّارِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الزَّارِعِ فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بَطَلَ الْعَقْدُ (وَالثَّالِثُ) عَلَى مَا يَشْتَرِطَانِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّامِنَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ خِلَافٌ فِي ثُبُوتِهَا فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ وَخُلْطَةُ الجوار جميعا قال اصحابنا هذه العبارة مقدمة (وَالثَّانِي) لَا تَثْبُتَانِ (وَالثَّالِثُ) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ دون الجوار

لَا تَثْبُتَانِ لَمْ يَكْمُلْ مِلْكُ إنْسَانٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُمَا كَمُلَ بِمِلْكِ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَخَلَفَ نَخِيلًا مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الْحَالَيْنِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ

فَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعْتَبَرٌ عَلَى انْفِرَادِهِ مُنْقَطِعٌ عَنْ شُرَكَائِهِ فَمَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ اقْتَسَمُوا أَمْ لَا وَإِنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ اقْتَسَمُوا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ زَكَّوْا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَمَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا

زكاه ومن لم يبلغه نصيبه فَلَا زَكَاةَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةُ الْجِوَارِ أَوْ أَثْبَتْنَاهَا وَكَانَتْ مُتَبَاعِدَةً أَوْ فُقِدَ بَعْضُ شُرُوطِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَأَثْبَتنَا خُلْطَةَ الْجِوَارِ فَيُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ اقْتَسَمُوا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح

زَكَّوْا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ لِاشْتِرَاكِهِمْ حَالَةَ الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَانِ (أَحَدُهُمَا) اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِحَالٍ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ فَقَالُوا قَدْ احْتَرَزَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فَقَالَ فِي الْأُمِّ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنْ اقْتَسَمُوا قِسْمَةً صَحِيحَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ نَبَّهَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَفَاضَلَا مُفَاضَلَةً صَحِيحَةً قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهَا وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ سِتَّةً وَبَعْضُهُمْ خَمْسَةً وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لِتَصْوِيرِهَا وَمُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ مَعَ تَدَاخُلِهِ أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَحِينَئِذٍ لَا حَجْرَ فِي الْقِسْمَةِ (الثَّانِي) إذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ فَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّخْلِ مُثْمِرًا وَبَعْضُهَا غير مثمر فجعل هذا سهما وذلك سَهْمًا وَيَقْسِمُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ فَيَكُونُ بَيْعَ نَخْلٍ وَرُطَبٍ بِنَخْلٍ مُتَمَحِّضٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ (الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ نَخْلَتَيْنِ وَالْوَرَثَةُ شَخْصَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ أَصْلِهَا وثمرها بدينار وباع نصيبه وباعه نصيبه من الاخرى لصاحبه بدينار وتقاضا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ الثَّمَرَةِ وَالشَّجَرَةِ

مَعًا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا كُلَّهَا بِثَمَرَتِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ إذا أفرد الثمرة بالبيع (الرابع) أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَرَةِ إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ جِذْعِهَا فَيَجُوزُ بَعْدَ الصَّلَاحِ وَلَا يَكُونُ رِبًا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى جِذْعِ الْبَائِعِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ بَعْضُ التَّرِكَةِ نَخْلًا وَبَعْضُهَا عُرُوضًا فَيَبِيعُ أَحَدُهُمَا حصة من النخل والثمرة بِحِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَيَصِيرُ لِأَحَدِهِمَا جَمِيعُ النَّخْلِ وَلِلْآخَرِ جَمِيعُ الْعُرُوضِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَتْ مُقْنِعَةً لِأَنَّهَا بَيْعُ جِنْسٍ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ قِسْمَةَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا فَذَكَرْنَاهَا (السَّادِسُ) جَوَابٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ قِسْمَةُ الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ تَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشافعي

فِي الصَّرْفِ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالْخَرْصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا يَدْفَعُ إشْكَالَ بَيْعِ الْجُزَافِ وَلَا يَدْفَعُ إشْكَالَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (قُلْتُ) نَصُّهُ عَلَى جَوَازِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلَنَا وَجْهٌ مَعْرُوفٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرطب بالرطب علي رؤس النَّخْلِ لِلْأَجَانِبِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُتَقَاسِمَيْنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ (السَّابِعُ) ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ حَكَى أَبُو حَامِدٍ جَوَازَ قِسْمَةِ النَّخْلِ الْمُثْمِرِ وَلَا حُكْمَ لِلثَّمَرِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ بَقِيَّةَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا نَظَرٌ وَتَدَاخُلٌ وَاَللَّهُ

تَعَالَى أَعْلَمُ * الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ جَوَازُ الْقِسْمَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا أن الزكاة تتعلق بالعين فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْقِسْمَةِ مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ بِأَنْ يَخْرُصَ الثِّمَارَ عَلَيْهِمْ وَيَضْمَنُوا حَقَّ الْمَسَاكِينِ فَلَهُمْ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّا قَدَّمْنَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ فكذا الْقِسْمَةُ إنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ وَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ فَلَا مَنْعَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ نَخِيلٌ مُثْمِرَةٌ فَبَدَأَ الصَّلَاحُ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ بَيْعِهَا فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَرَثَةِ

لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ مَا لَمْ تُبَعْ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ بِالْإِرْثِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا زَكَاةَ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ الْإِرْثَ أَمْ لَا: فَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ يُزَكُّونَ زَكَاةَ خُلْطَةٍ أَمْ انْفِرَادٍ عَلَى مَا سَبَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ ثُمَّ إنْ كَانُوا مُوسِرِينَ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ منهم

وَصُرِفَتْ النَّخِيلُ وَالثِّمَارُ إلَى دُيُونِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كانوا معشرين فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مَرْهُونٌ بِهَا خَرَجَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنْ سَوَّيْنَا وَزَّعْنَا الْمَالَ عَلَى الزَّكَاةِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ قَدَّمْنَا قَدَّمْنَا مَا يُقَالُ بِتَقْدِيمِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أُخِذَتْ سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ أَوْ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ

(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ ثُمَّ إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يَفِ الْبَاقِي بِالدَّيْنِ غَرِمَ الْوَرَثَةُ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ إذَا أَيْسَرُوا لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ وَبِسَبَبِ وُجُوبِهَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ لَمْ يَغْرَمُوا كَمَا قُلْنَا فِي الرهن أما إذا أطلعت النخيل بعد موته فالثمرة متمحضة للورثة قُلْنَا بِالْعَيْنِ لَمْ يَغْرَمُوا كَمَا قُلْنَا فِي الرهن أما إذا أطلعت النخيل بَعْدَ مَوْتِهِ فَالثَّمَرَةُ مُتَمَحِّضَةٌ لِلْوَرَثَةِ

لا يصرف إلى دين الغرماء منها شئ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَحُكْمُهَا كَمَا لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى فِي كِتَابِ النَّذْرِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمْسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعْشِرَاتِ فَشَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمَرِيضَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْخُمْسِ ثُمَّ بَعْدَ الْخُمْسِ يَجِبُ عُشْرُ الْبَاقِي لِلزَّكَاةِ إنْ كَانَ نِصَابًا

وَلَا عُشْرَ فِي ذَلِكَ الْخُمْسِ لِأَنَّهُ لِفُقَرَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ قَالَ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمْسِ مَالِي يَجِبُ إخْرَاجُ الْعُشْرِ زكاة أو لا ثُمَّ مَا بَقِيَ بَعْدَهُ يَتَصَدَّقُ بِخُمْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) لَا يَجِبُ فِي الزَّرْعِ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وأتوا حقه يوم حصاده) هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا إلَى الْمَسَاكِينِ يَوْمَ حَصَادِهِ ثُمَّ

يُزَكِّيهِ يَوْمَ التَّصْفِيَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا حَصَدَ الزرع ألقي لهم من السنابل وإذا جد النَّخْلَ أَلْقَى لَهُمْ مِنْ الشَّمَارِيخِ ثُمَّ يُزَكِّيهِمَا إذَا كَالَهُمَا دَلِيلُنَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الزَّكَاةِ " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تطوع " * قال مصححه عفا عنه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد انتهي بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الخامس) من كتابي المجموع للامام ابي زكريا محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه * والشرح الكبير للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقبن من شهر ذى الحجة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة والف

الجزء السادس

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء السادس دار الفكر

باب زكاة الذهب والفضة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالي * (باب زكاة الذهب والفضة) (زكاة الذهب والفضة: تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله عز وجل (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ولان الذهب والفضة معد للنماء فهو كالابل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان لان ذلك معد للاستعمال فهو كالابل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة ونصاب الذهب عشرون مثقالا لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شئ) ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) والاعتبار بالمثقال الذى كان بمكة ودراهم الاسلام الذى كل عشرة وزن سبع مثاقيل لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة) ولا يضم أحدهما الي الآخر في اكمال النصاب لانهما جنسان فلم يضم أحدهما الي الآخر كالابل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالا من الذهب وخمسة دراهم عن مائتي درهم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب الصدقات (في الرقة ربع العشر) وروى عاصم بن ضمرة عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (ليس في أقل من عشرين دينارا شئ وفى عشرين نصف دينار) ويجب فيما زاد علي النصاب بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَوَجَبَ فيما زاد بحسابه ويجب في

الجيد الجيد وفى الردئ الردئ فان كانت أنواعا قليلة وجب في كل نوع بقسطه وان كثرت الانواع أخرج من الوسط كما قلنا في الثمار وان كان له ذهب مغشوش أو فضة مغشوشة فان كان الذهب والفضة فيه قدر الزكاة وجبت الزكاة وان لم تبلغ لم تجب وان لم يعرف قدر ما فيه من الذهب والفضة فهو بالخيار ان شاء سبك ليعرف الواجب فيخرجه وان شاء اخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَالرِّقَةُ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هِيَ الْوَرِقُ وَهُوَ كُلُّ الْفِضَّةِ وَقِيلَ الدَّرَاهِمُ خَاصَّةً وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الرِّقَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا وَلَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ إنَّ الرِّقَةَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّهَبِ بَلْ هِيَ الْوَرِقُ وَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْته وَأَصْلُهَا وِرْقَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالزِّنَةِ مِنْ الْوَزْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ (الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عن علي عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ وَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَابْنِ عُمَرَ فَغَرِيبَانِ وَيُغْنِي عَنْهُمَا الْإِجْمَاعُ فَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى مَعْنَاهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَفِي مُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَالْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعُونَ بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إما إلي الجنة وإما إلي النار) وأما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَاللُّؤْلُؤُ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ لُؤْلُؤ بِهَمْزَتَيْنِ وَلُولُو بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزِ أَوَّلِهِ دُونَ ثَانِيه وَعَكْسُهُ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ اللُّؤْلُؤُ الْكِبَارُ وَالْمَرْجَانُ الصِّغَارُ وقيل عكسه (وقوله) وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ وَزْنِ عَشْرَةٍ سَبْعَةُ

مَثَاقِيلَ هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هُنَا كُلُّ أُوقِيَّةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّهُ صُحِّفَ فِي نُسْخَةٍ وَشَاعَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ احتراز من الماشية (وقوله) في الردئ الردئ هُوَ مَهْمُوزٌ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا الْمَسْكُوكُ وَالتِّبْرُ وَالْحِجَارَةُ مِنْهُمَا وَالسَّبَائِكُ وَغَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا إلَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) لَا زَكَاةَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وسائر النحاس والزجاج وإن حسنت صنعتها وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَلَا زَكَاةَ أَيْضًا فِي الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي حِلْيَةِ بَحْرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ فَلَا زَكَاةَ فيه ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ الْخُمْسُ فِي الْعَنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْخُمْسُ فِي كُلِّ مَا يَخْرُجُ

مِنْ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَحَكَى الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا حَتَّى فِي الْمِسْكِ وَالسَّمَكِ ودليلنا الاصل ان لا زكاة الافيما ثَبَتَ الشَّرْعُ فِيهِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي العنبر زكاة انما هو شئ دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَهُوَ بِدَالٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ قَذَفَهُ وَدَفَعَهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ (الثَّالِثَةُ) لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ بِوَقِيَّةِ الْحِجَازِ وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَأَمَّا الْمِثْقَالُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَقَدْرُهُ مَعْرُوفٌ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرَادُ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الَّتِي كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَسَأُفْرِدُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلًا نَفِيسًا أَذْكُرُ فِيهِ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ فِي حَالِ الدِّينَارِ والدرهم وقدرهما وما يتعلق بتحقيقهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ حَبَّةً أَوْ بَعْضَ حَبَّةٍ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ عندنا وإن راج رواج الوزن وَزَادَ عَلَيْهِ لِجَوْدَةِ نَوْعِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ مِنْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَحَبَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ وَيَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ وَعَنْهُ إنْ نَقَصَتْ دَانَقًا أَوْ دَانَقَيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إذَا نَقَصَتْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ واحتج لهما بأنها كالمائتين في المعاملة (احتج) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْبَابِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا دُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُسَامِحُ بِهِ صَاحِبُهُ إذَا نَقَصَ تَبَرُّعًا فَلَوْ طَالَبَ بِنُقْصَانِ الْحَبَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَوْ نَقَصَ نِصَابُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَنَحْوَهَا فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَكَانَ تَامًّا فِي بَعْضِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ لَا تَجِبُ لِلشَّكِّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ النِّصَابِ وَالثَّانِي تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِيهِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ وَقَالَ الصَّوَابُ لَا تَجِبُ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ (الرَّابِعَةُ) لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ وَلَا هِيَ إلَيْهِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُضَمُّ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَيَكْمُلُ النَّوْعُ من أحدهما بالنوع الآخر والجيد بالردئ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وبالردائة الْخُشُونَةُ وَالتَّفَتُّتُ عِنْدَ الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) وَاجِبُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ أَمْ زَادَ زِيَادَةً قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسَةُ) يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاتِهِمَا أَنْ يَمْلِكَهُمَا حَوْلًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مُعْظَمَ السَّنَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ وَلَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا ثُمَّ تَمَّتْ بَعْدَ سَاعَةٍ انْقَطَعَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا حَوْلٌ كَامِلٌ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ هُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلُّهُ جَيِّدًا أَخْرَجَ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَهُ مَعِيبًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ مَغْشُوشًا لَمْ يُجْزِئْهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَعْضُ جَيِّدًا وَالْبَعْضُ رَدِيئًا فَأَخْرَجَ عَنْ الْجَمِيعِ رَدِيئًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يُجْزِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا عِنْدِي خَطَأٌ مَحْضٌ صَرِيحٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ له استرجاع المعيب والردئ وَالْمَغْشُوشِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ مَحْكِيَّانِ فِي الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ (أَحَدُهُمَا) لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَعِيبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ سَلِيمَةٍ فَأَعْتَقَ مَعِيبَةً فَإِنَّهَا تُعْتَقُ وَلَا تُجْزِيهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ ما له قَبْلَ الْحَوْلِ. قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا بَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ كَوْنَهَا زَكَاةَ هَذَا الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَوَجَّهْ الرُّجُوعُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا

فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْمَسَاكِينُ أَخْرَجَ التَّفَاوُتَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمُخْرَجُ بِجِنْسٍ آخَرَ فَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ مِثَالُهُ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ جَيِّدَةٍ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً مَعِيبَةً فَقَوَّمْنَا الْخَمْسَةَ الْجَيِّدَةَ بِذَهَبٍ. فَسَاوَتْ نِصْفَ دِينَارٍ وَسَاوَتْ الْمَعِيبَةُ خُمُسَيْ دِينَارٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ جَيِّدٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مَالِهِ جَيِّدًا فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ رَدِيئًا كَفَاهُ الاخراج من نفسه أو من ردئ مثله وهذا الاخلاف فِيهِ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَأَخْرَجَ أَجْوَدَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذهب أنواعا بعضها جيد وبعضها ردئ أَوْ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ قَلَّتْ الْأَنْوَاعُ وَجَبَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أَخْرَجَ مِنْ أَوْسَطِهَا لَا مِنْ الْأَجْوَدِ وَلَا مِنْ الْأَرْدَأِ كَمَا سَبَقَ فِي الثِّمَارِ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الصَّحِيحِ عَنْ الْمَكْسُورِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ إذَا لَزِمَهُ دِينَارٌ جَمَعَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَإِنْ وَجَبَ نِصْفُ دِينَارٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا كَامِلًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً فَإِذَا تَسَلَّمُوهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِي الدِّينَارِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لَأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نَصِيبَهُ أَوْ يَشْتَرِي نَصِيبَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَى صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُكَسَّرُ عَنْ الصَّحِيحِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ (وَجْهٌ ثَانٍ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ حِصَّتَهُ مُكَسَّرًا (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ (وَوَجْهٌ رَابِعٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ فَرْقٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ مَغْشُوشَةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهَا نِصَابًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَمَتَى تَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا تَكُونُ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ فِيهَا مِائَتَيْنِ وَلَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّتْ إلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ غَيْرِهِ لَبَلَغَ نِصَابًا تَجِبُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خمس اواق من الورق صدقه) والله تعالي أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَغْشُوشَةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ خَالِصَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو متطوع بالزيادة ولو أخرج عن مِائَتَيْنِ خَالِصَةٍ خَمْسَةً مَغْشُوشَةً فَقَدْ سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيه وَأَنَّ

لَهُ اسْتِرْدَادَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الالف المغشوشة يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ رُبْعَ الْعُشْرِ أَجْزَأَهُ بِأَنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا سَوَاءً فَأَخْرَجَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ الْفِضَّةِ فِيهَا مَعَ عِلْمِهِ بِبُلُوغِهَا نِصَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أن يسبكها ويخرج ربع العشر خَالِصِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ مَا يَتَيَقَّنُ أن فِيهِ رُبْعُ عُشْرِ خَالِصِهَا فَإِنْ سَبَكَهَا فَفِي مؤنة السبك وجهان حكاهما صاحبا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَكَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ (وَالثَّانِي) تَكُونُ مِنْ الْمَسْبُوكِ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ الْمُشْتَرَكِ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ فِي الْمَغْشُوشِ كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الْفِضَّةِ عِلْمًا لَكِنِّي اجْتَهَدْتُ فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى كَذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفٌ مِنْ أَحَدِهِمَا سِتُّمِائَةٌ وَمَنْ الْآخَرِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلَا يَعْرِفُ أَيُّهُمَا الذَّهَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ احْتَاطَ فَزَكَّى سِتَّمِائَةَ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةَ فِضَّةً أَجْزَأَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُمَيِّزَهُ بِالنَّارِ. قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَقُومُ مَقَامَ النَّارِ الِامْتِحَانُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ قَدْرُ الْمَخْلُوطِ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فِي مَاءٍ وَيُعَلَّمَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْتَفِعُ إلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُخْرَج وَيُوضَع مِثْلُهُ مِنْ الفضه الخالصة ويعلم علي موضع الارتفاع وهذه العلامة تقع فَوْقَ الْأَوْلَى لِأَنَّ أَجْزَاءَ الذَّهَبِ أَكْثَرُ اكْتِنَازًا ثُمَّ يُوضَعَ فِيهِ الْمَخْلُوطُ وَيُنْظَرَ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِهِ أَهُوَ إلَى عَلَامَةِ الذَّهَبِ أَقْرَبُ أَمْ إلَى عَلَامَةِ الْفِضَّةِ وَيُزَكَّى كَذَلِكَ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ إنْ كَانَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ فَلَهُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي لَمْ يُقْبَلْ ظَنُّهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ أَوْ التَّمْيِيزُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ قَالَ ويحتمل ان يجوز الاخذ بما شَاءَ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّ اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَجْهًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ولان فيه افسادا للنقود واضرار ابذوى الْحُقُوقِ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ وَانْقِطَاعَ الْأَجْلَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَى الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَخْفَى فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ

فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وإن كَانَتْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ لا يؤمن فيه لغش وَالْإِفْسَادُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا قَالَ الْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ إمْسَاكِ الْمَغْشُوشِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يغربه وَرَثَتَهُ إذَا مَاتَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْحَيَاةِ كَذَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ فَإِنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَوْ صُفِّيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُورَةٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَطْلِيَّةِ بِزِرْنِيخٍ وَنَحْوِهِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْغِشِّ كَالْعَدَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا كَالْمَغْشُوشِ بِنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ فِيهَا مَعْلُومَةً لَا تَخْتَلِفُ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى عَيْنِهَا الْحَاضِرَةِ وَفِي الذِّمَّةِ أَيْضًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الَّتِي فِيهَا مَجْهُولَةً فَفِي صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا مُعِينَةٌ وَفِي الذِّمَّةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ فِيهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهَا بِالنُّحَاسِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادُهَا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِضَّةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ لِأَنَّ مقصوده الفضه وهى مجهولة وكما لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَوَاهِرِ وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ مَعِيبَةً وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا قَرْضُهَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا غَالِبًا لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَيَجُوزُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْآخَرِينَ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ قَالَ الصيتمرى وَصَاحِبُهُ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا كَانَ قَدْرُ الْفِضَّةِ فِي الْمَغْشُوشَةِ مَجْهُولًا فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يكون الغش بشئ مَقْصُودٍ لَهُ قِيمَةٌ كَالنُّحَاسِ وَهَذَا لَهُ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ غَيْرَ مُمَازِجَةٍ لِلْغِشِّ كَالْفِضَّةِ عَلَى النُّحَاسِ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا لَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الآخر

غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُشَاهَدٍ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا كَالْفِضَّةِ الْمَطْلِيَّةِ بِذَهَبٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ مُمَازِجَةً لِلنُّحَاسِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهْلِ بِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَعْجُونَاتِ وَفِي جَوَازِهَا عَلَى أَعْيَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وأبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ حِنْطَةٍ مَخْلُوطَةٍ بِشَعِيرٍ وَكَالْمَعْجُونَاتِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ بِخِلَافِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ (الحال الثاني) أن يكون الغش بشئ مستهلك لاقيمة لَهُ حِينَئِذٍ كَالزِّئْبَقِ وَالزِّرْنِيخِ فَإِنْ كَانَا مُمْتَزِجِينَ لَمْ تَجُزْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ مُمْتَزِجٌ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُمْتَزِجَيْنِ بَلْ كَانَتْ الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِ الزِّرْنِيخِ وَالزِّئْبَقِ صَارَتْ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُشَاهَدٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ: هَذَا كُلُّهُ لَفْظُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَالْحُكْمُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بالدنانير الخالصة وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ بِمَغْشُوشَةٍ وَلَا بِخَالِصَةٍ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الرِّبَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَتْلَفَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إنْسَانٌ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا ذَهَبًا لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مَضْبُوطَةً فَيَجِبُ مِثْلُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِتَفْسِيرِ الْكَنْزِ الْمَذْكُورِ في قوله تبارك وتعالي (الذين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فبشرهم بعذات اليم) وَجَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الْكَنْزِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا أَمْ ظَاهِرًا فَأَمَّا مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بكنز سواء كان مدفونا أم بارز أو ممن قَالَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ في ضحيحه مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه أن اعرابيا قال لابن

فَوَيْلٌ لَهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ فِي أَحْكَامِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ قَالَ أحمد بن شبيب وذكر اسناده وأحمد اين شَبِيبٍ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ الْمَشْهُورِينَ وَقَدْ عَلِمَ أهل العناية بصنعة الْحَدِيثِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ إذَا اسْتَعْمَلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي شَيْخِهِ كَانَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ مَا أُسْقِطَ فِي أَوَّلِ إسْنَادِهِ وَاحِدٌ فأكثر وكل هذا موضح فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ فَقَالَ (هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديت حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية (الذين يكنزون الذهب والفضة) كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقُوا فَقَالُوا يا نبى الله انه اكبر علي أصحابك هذه الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَكَبَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ مَا يُكْنَزُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) رواه أو دَاوُد فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَنْزُ مَا لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَمَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا قَالَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ دَاوُد فَقَالَ ابْنُ دَاوُد الْكَنْزُ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْمَدْفُونُ سَوَاءٌ أَدَّيْت زَكَاتَهُ أَمْ لَا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الْكَنْزُ الْمُحَرَّمُ فِي الْآيَةِ هُوَ مَا لَمْ تُنْفِقْ منه في سبيل الله في الغز وقال وكل من الاعتراضين غلط والصواب قال الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والله اعلم *

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَمَبْدَأُ أَمْرِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ وَضَبْطُ مِقْدَارِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَابِ * الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ * قَالَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الْمُعَدَّلَةِ مِنْهَا الْعَشَرَةُ بِسَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الْأَوْزَانِ فِي الْبُلْدَانِ فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ وَمِنْهَا الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَهُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ الْجَارِي بَيْنَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ شِرَاهَا بَرِيرَةَ إنْ شَاءَ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فَعَلْت تُرِيدُ الدَّرَاهِمَ فَأَرْشَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْوَزْنِ وَجَعَلَ الْمِعْيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ تَزَلْ الدَّرَاهِمُ عَلَى هَذَا الْعِيَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا غَيَّرُوا السِّكَكَ وَنَقَشُوهَا بِسِكَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا قال النبي صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِأَمْرِ النَّاسِ مِمَّنْ يَعْنِي بِهَذَا الشَّأْنِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ضَرْبَيْنِ الْبَغْلِيَّةُ السَّوْدَاءُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيَّةُ أَرْبَعَةٌ وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا مُنَاصَفَةً مِائَةٌ بَغْلِيَّةٌ وَمِائَةٌ طَبَرِيَّةٌ فَكَانَ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَكَاةً فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ بَنِي أُمَيَّةَ قَالُوا إنْ ضَرَبْنَا الْبَغْلِيَّةَ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهَا الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَضُرُّ الْفُقَرَاءَ وَإِنْ ضَرَبْنَا الطَّبَرِيَّةَ ضُرَّ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَجَمَعُوا الدِّرْهَمَ الْبَغْلِيَّ وَالطَّبَرِيَّ وَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَأَمَّا الدِّينَارُ فَكَانَ يُحْمَلُ إلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَلَمَّا أَرَادَ عبد الملك ابن مَرْوَانَ ضَرْبَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَأَلَ عَنْ أَوْزَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجْمَعُوا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمِثْقَالَ اثْنَانِ وعشرون قيراطا الاحبة بِالشَّامِيِّ وَأَنَّ عَشَرَةً مِنْ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَضَرَبَهَا كَذَلِكَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: اسْتَقَرَّ فِي الْإِسْلَامِ وزن الدراهم سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ اسْتِقْرَارِهَا عَلَى هَذَا الْوَزْنِ فَقِيلَ كَانَتْ فِي الْفُرْسِ ثَلَاثَةُ أَوْزَانٍ مِنْهَا دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ الْمِثْقَالِ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَدِرْهَمٌ اثْنَا عَشَرَ وَدِرْهَمٌ عَشَرَةٌ فَلَمَّا اُحْتِيجَ فِي الاسلام

إلَى تَقْدِيرِهِ أُخِذَ الْوَسَطُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْزَانِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا مِنْ قَرَارِيطِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا الْبَغْلِيُّ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أربعة المعربى ثَلَاثَةُ دَوَانِيقَ وَالْيَمَنِيُّ دَانِقٌ وَاحِدٌ فَقَالَ اُنْظُرُوا أَغْلَبَ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا فَكَانَ الْبَغْلِيُّ وَالطَّبَرِيُّ فَجَمَعَهُمَا فَكَانَا اثْنَيْ عَشَرَ دَانِقًا فَأَخَذَ نِصْفَهُمَا فَكَانَ سِتَّةَ دَوَانِيقَ فجعله درهم الْإِسْلَامِ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ الملك بن مروان قال أبو الزياد أَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِضَرْبِهَا فِي الْعِرَاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ بَلْ ضَرَبَهَا فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِهَا فِي النَّوَاحِي سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ قَالَ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَمْرِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعِينَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكَاسِرَةِ ثُمَّ غَيَّرَهَا الْحَجَّاجُ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَتَقَعُ بِهَا الْبِيَاعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. قَالَ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ من ذلك أنه لم يكن منها شئ مِنْ ضَرْب الْإِسْلَامِ وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مِنْ ضَرْبِ فَارِسٍ وَالرُّومِ وَصِغَارًا وَكِبَارًا وَقِطَعَ فِضَّةٍ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَلَا منقوشة ويمنية ومغربية فرأو اصرفها إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ وَتَصْيِيرَهَا وَزْنًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ وَأَحْيَانًا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْمَوَازِينِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَكَيْفَ كَانَتْ تُعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الله تعالي في الزكاة وغيرها وحقوق المعباد وَهَذَا كَمَا كَانَتْ الْأُوقِيَّةُ مَعْلُومَةً أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِهَذَا الْوَزْنِ وَهُوَ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمِثْقَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ فِي زَمَنِ رَسُولِ الله كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ مَعْرُوفَةَ الْمِقْدَارِ وَهِيَ السَّابِقَةُ

نصاب الذهب والفضة وضم أحدهما الي الآخر وغير ذلك

إلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَبِهَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُهُ كَانَ هُنَاكَ دَرَاهِمُ أُخْرَى أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّرَاهِمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ كُلُّ دِرْهَمٍ ستة دوانيق كل عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا عَلَى هَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَأَمَّا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ حَزْمٍ بَحَثْت غَايَةَ الْبَحْثِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ فَكُلٌّ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بمكة وزنه ثنتان وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ وَعُشْرُ عُشْرُ حَبَّةٍ فَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَهُوَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَأَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ على المائتين فقال الجمهور يخرح مِمَّا زَادَ بِحِسَابِهِ رُبْعَ الْعُشْرِ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَمْ كَثُرَتْ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وابن عمر والنخعي وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ والحسن

البصري والشعبى ومكحول وعمرو ابن دينار والزهرى وابو حنيفة لا شئ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا دِرْهَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نِصَابَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ويجب فيما ما زاد بحسابه ربع العشر قلت الزيادة أم كَثُرَتْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ إذَا كَانَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَقِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ فَرُوِيَ عَنْهُ هَذَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا هُوَ دُونَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (1) وَفِي دُونِ عِشْرِينَ إذَا سَاوَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ وَإِنْ بلغت مائى دِرْهَمٍ وَتَجِبُ فِي عِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهَا مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وابو حنيفة

_ (1) كذا بالاصل ولعل الصواب واختلفوا الخ

وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ * وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الذَّهَبِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ دُونَ عِشْرِينَ مثقالا فلا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ * وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ تَنْقُصُ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالذَّهَبُ يَنْقُصُ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نَقْصًا يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ يَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أن مذهبنا أنه لا زكاة وبه قال استحاق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْمَلُ نِصَابُ الدَّرَاهِمِ بِالذَّهَبِ وَلَا عَكْسُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا إلَّا نِصْفًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَشَرِيكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمِّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَضُمُّ الْقَلِيلَ إلَى الْكَثِيرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حنيفة انه يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَهُ ذَهَبَ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْأَجْزَاءِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليس فبما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) (الثَّالِثَةُ) مذهبنا ومذهب

الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره من أصحابنا عن المغربي وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عددا وَزْنًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عددا وزنها مائتان فلا شئ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مِائَتَانِ عَدَدًا وَزْنُهَا مِائَةٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمَا لِمُخَالَفَتِهِ النُّصُوصَ وَالْإِجْمَاعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ (الرَّابِعَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ مِثْلَ نِصْفِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ بِغِشِّهِ نِصَابًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغِشَّ إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا غِشَّ فِيهَا فَرَدَّ عَشَرَةً فِيهَا سِتَّةٌ فِضَّةً وَالْبَاقِي غُشَّ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهَا وَيَبْرَأُ الْمُقْتَرِضُ بِهَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ خَالِصَةً فَأَخْرَجَ زَكَاتَهَا خَمْسَةً مَغْشُوشَةً قَالَ تَجْزِيهِ قَالَ الماوردى وفساد هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) (الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ

انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَكْمُلُ النِّصَابُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَلِفَتْ كُلُّهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَتَلِفَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ تَمَامَ الْمِائَتَيْنِ وَتَمَامَ الاربعين وجبت زكاة الجميع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَ له دين نظرت فان كان دينا غير لازم كمال الكتابة لم يلزمه زكاته لان ملكه غير تام عليه فان العبد يقدر أن يسقطه وان كان لازما نظرت فان كان علي مقر ملئ لزمه زكاته لانه مقدور على قبضه فهو كالوديعة وان كان علي ملئ جاحد أو مقر معسر فهو كالمال المغصوب وفيه قولان وقد بيناه في زكاة الماشية وان كان له دين مؤجل ففيه وجهان قال أبو اسحق هو كالدين الحال علي فقير أو ملئ جاحد فيكون علي قولين وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تجب فيه

الزكاة فإذا قبضه استقبل به الحول لانه لا يستحقه ولو حلف أنه لا يستحقه كان بارا والاول أصح لانه لو لم يستحقه لم ينفذ فيه ابراؤه وان كان له مال غائب فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يرجع إليه وان لم يقدر عليه فهو كالمغصوب) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الدَّيْنُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ لَازِمًا وَهُوَ مَاشِيَةٌ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ أَرْبَعُونَ شَاةً سَلَمًا أَوْ قَرْضًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ شَرْطَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ السَّوْمُ وَلَا تُوصَفُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بِأَنَّهَا سَائِمَةٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَهُوَ مُسْتَقَرٌّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ تعذر استيفاؤه لا عسار مَنْ عَلَيْهِ أَوْ جُحُودِهِ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مَطْلِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَهُوَ كَالْمَغْصُوبِ: وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ طُرُقٌ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ زَكَاةِ الماشية والصحيح وجوبها وقيل يجب في الممطول والدين علي ملئ غَائِبٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْوُجُوبُ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حُصُولِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ (1) فِي يَدِهِ أَخْرَجَ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ هَذَا مَعْنَى الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِيفَاؤُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى ملئ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُهُ وَقُلْنَا الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِلَا شَكٍّ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبِ (أَصَحُّهُمَا) يجب الزكاة (والثاني) لا تجب أو هذه طريقة أبى اسحق المروزى

_ (1) كذا في الاصل ولعل الصواب إذا حصل الخ

(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ نَقْدًا تُسَاوِي سِتَّةً مُؤَجَّلَةً وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يسلم أربعة نقدا نساوي خَمْسَةً مُؤَجَّلَةً فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْإِخْرَاجِ إلَى الْقَبْضِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ فَقِيرًا عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لِيُوقِعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا لِأَنَّ شَرْطَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَمْلِيكًا مُحَقَّقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْمَالُ الْغَائِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خبره فهو كالمغصوب هكذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ نَافِذٌ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ قَبْلَ عَوْدِهِ وَقَبْضِهِ وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُخْرِجُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ الزَّكَاةَ * هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فَإِنْ كان سائرا غير مستقر لم تجب إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَإِذَا وَصَلَ أَخْرَجَ عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ وَمَا وَجَدْته خِلَافُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَنَزِّلْهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُظَنُّ مُخَالِفًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ) وَهَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ سَائِرًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعِدَّةِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا فِي الْحَالِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ) أَصْحَابُنَا كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجَبَ ضَمُّهُ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ لِإِكْمَالِ النِّصَابِ وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِمَا فِي الْحَالِ وَكُلُّ دَيْنٍ لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجِبُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَالًا يَبْلُغُ وَحْدَهُ نِصَابًا وَيَبْلُغُ بِالدَّيْنِ نِصَابًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا مَعَهُ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ لزمه زكاتهما عن الماضي شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قلنا إخْرَاجُ قِسْطِ مَا مَعَهُ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الدَّيْنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَزِمَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَكُلُّ دَيْنٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عَوْدِهِ عَنْ الْمَاضِي بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْحَوْلَ إذَا قَبَضَ فَهَذَا لَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابُ ما معه وإذا قبضه لا يزكيهما عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُمَا الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٌ وَمِائَةٌ غَائِبَةٌ فَإِنْ كانت الغائبة مقدورا عليها لزمه زكاة الحاضرة في الحال في موضعها والغائبه فِي مَوْضِعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا عَادَ فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَاضِرِ لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ وان قلنا تجب زَكَاتُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْحَاضِرِ فِي الْحَالِ فيه الوجهان

السَّابِقَانِ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شرط في الوجوب ام الضَّمَانُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا فِي الْحَالِ أَوْجَبْنَاهَا فِيهِ وَفِي الْغَائِبِ إنْ عَادَ وَإِلَّا فَلَا * قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُجْرَةُ دَارٌ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَجِبُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا فَأَشْبَهَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجِبُ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْهَدِمُ الدَّارُ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِالرِّدَّةِ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا زَكَاةُ الصَّدَاقِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَيَلْزَمُهَا الْإِخْرَاجُ عَنْ جَمِيعِهِ فِي آخِرِ كل حول بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ بِالْفَسْخِ بِرِدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ غَيْرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ وَقَبَضَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بدليلهما (مِثَالُهُ) آجَرَهَا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةٍ وَسِتِّينَ دِينَارًا كُلُّ سَنَةٍ بِأَرْبَعِينَ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ مِلْكِ الْمِائَةِ وَقَبْضِهَا زَكَاةُ جَمِيعِ الْمِائَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي البويطى قال صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمُصَنَّفِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ

(وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْقَدْرِ الَّذِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَفِي غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ حِصَّةِ السَّنَةِ وَهُوَ دِينَارٌ عَنْ أَرْبَعِينَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا السنتين وهى أربع دَنَانِيرَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارَانِ وَقَدْ أَخْرَجَ فِي السنة الاولي دينار افيسقط عَنْهُ وَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَوَاجِبُهَا تِسْعَةُ دَنَانِيرَ لكل سنة ثلاثة وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ أَرْبَعَةً فَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وستين دينارا في السنين الماضية تِسْعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا وَاجِبَ السَّنَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى سِوَى مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَزَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةَ لِسَنَتَيْنِ وَعِنْدَ السنة الثالثة والرابعة يقاس بما ذكرناه امام إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الْمِائَةِ وَالسِّتِّينَ وَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ يُخْرِجُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ مَا بَقِيَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ قَالُوا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْجَمِيعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ الْقَوْلَانِ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ وَالْإِخْرَاجُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا إنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كله إذا كانت الاجرة مساوية فِي كُلِّ السِّنِينَ كَمَا مَثَّلْنَاهُ أَوَّلًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ زَادَ الْقَدْرُ الْمُسْتَقِرُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ علي ربع المائة فِي بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ هَلْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهَا أَوْ كَانَتْ مُعِينَةً أَمْ لَا فَرْقَ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ نَقَلَةِ الْمَذْهَبِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَتَفْصِيلًا إلَّا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَجِبُ زَكَاةُ كُلِّ الْمِائَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَا أَخَذَ حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ رَدُّ مِثْلِهِ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ حُكْمُ الزَّكَاةِ حُكْمُهَا فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعُودَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَحَقُّ بالخلاف من الاولى وما ذكره القاضى اختيار مِنْهُ لِلْوُجُوبِ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا هَذَا آخِرُ كلام

الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنْ فِي مِلْكِهِ قَوْلَانِ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَكَالصَّدَاقِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ وَنُصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مَوْقُوفًا فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ مِنْ الْمُدَّةِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى الْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ بِالِانْهِدَامِ رَجَعَ بِمَا قَابَلَهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا قَابَلَهَا كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّ مِلْكَ

الزَّوْجِ عَلَى الصَّدَاقِ مُسْتَقِرٌّ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لِبِضْعِهَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ لم يرجع بشئ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالثَّانِي أَنَّ رُجُوعَ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ إذَا عَرَضَ فَسْخٌ أَوْ بِنِصْفِهِ إذَا عَرَضَ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ إنَّمَا هُوَ ابتداء جلب ملك فلا يمنع استقرارا مِلْكِ الزَّوْجَةِ عَلَى الصَّدَاقِ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِقِسْطِ الْأُجْرَةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فرع) لو انهدمت الدار في أثاء الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا يَنْفَسِخُ في الما عَلَى الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا سَبَقَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْجَمِيعِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَلَزِمَهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ قَالَ وَأَمَّا زَكَاتُهَا فَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ إنَّ مِلْكَهُ

غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا زَكَاةَ لانه كلما مَضَى مِنْ مُدَّةٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ إنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ فَحُكْمُهُ عَكْسُ مَا سَبَقَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَزَالَ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُزَكِّي الْبَاقِي وَهَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِصَّتِهَا فَإِذَا مضتت السنة الرابعة زال ملكه عن ما بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ فَلَا يُزَكِّيه وَلَا رُجُوعَ بِمَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ السِّلْعَةَ حَتَّى حَالَ حَوْلٌ عَلَى الثَّمَنِ فِي يَدِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إخْرَاجُ زَكَاةِ النَّقْدِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْأُجْرَةِ لان الثمن

قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ لِلتِّجَارَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهَا قَبْلَ قَبْضِهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا إنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةِ مُسْتَقِرٌّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ الْفَسْخِ فَمِلْكُ الثمن والسلعة مستقر فيجب زكاتهما وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسْخَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِي الْأُجْرَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَكَذَا الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَسْلَمَ نِصَابًا فِي ثَمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَعَذُّرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ زَكَاةُ النِّصَابِ الَّذِي قَبَضَهُ بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْأُجْرَةِ فَأَمَّا الْمُسْلَمُ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ الْمُسْلَمِ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ تأجيل الثمر يمنع وجو ب زَكَاتِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم *

(فَرْعٌ) إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِنِصَابٍ وَمَاتَ الْمُوصِي وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ يَحْصُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الزَّكَاةُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ يَبْطُلُ بِرِدَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِزَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِلْوَارِثِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِضَعْفِهِ بِتَسَلُّطِ الْمُوصَى لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَقَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ * (فَرْعٌ) إذَا أَصَدَقَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً بِأَعْيَانِهَا لَزِمَهَا الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا من يوم الاصداق

سواء دخل بِهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخْرِجٌ مِنْ الْأُجْرَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ كَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الزَّوْجِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ عَادَ نِصْفُ الْمَاشِيَةِ إلَى الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يميز فهما خليطان فعليهما عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ تَكُونَ قَدْ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَاشِيَةِ فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) نِصْفُ الْجُمْلَةِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْغَنَمِ أَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَخَذَ النِّصْفَ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَالثَّانِي) نِصْفُ الْغَنَمِ الْبَاقِيَةِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأُمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنِصْفِ عَيْنِ الصَّدَاقِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعَيْنِ فَيَرْجِعُ فِي نِصْفِ مَا بَقِيَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الصَّدَاقِ فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ أَصْدَقهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَحَالَ الْحَوْلُ فَبَاعَتْ بَعِيرًا وَاشْتَرَتْ مِنْ ثَمَنِهِ شَاةً أَخْرَجَتْهَا زَكَاةً فَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ يَنْصَرِفُ الْمُخْرَجُ إلَى حِصَّتِهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِعَشْرَيْنِ شَاةً فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الحكم كما سبق من القولين الباقيبن مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْصَرِفُ هُنَا إلَى نَصِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ هُنَاكَ فَيَرْجِعَ الزَّوْجُ بِعِشْرِينَ كَامِلَةً لِأَنَّهَا بِاخْتِيَارِهَا صَرَفَتْ الْمُخْرَجَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فالمذهب وبه قطع العراقيون وغيرهم بأخذ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَخْرُجُ الزَّكَاةُ أَصْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ تَعُودُ إلَى الزَّوْجِ شَائِعًا فَإِذَا جَاءَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا شَاةً رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَلَوْ اقْتَسَمَاهَا قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا فَفِي صِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ فَصَحِيحَةٌ فَعَلَى هَذَا لَهُمَا عِنْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِالزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ

(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقِيًا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا فِي يَدِهَا دُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهَا اسْتَقَرَّ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا تَالِفَيْنِ فَأَيُّهُمَا يُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا وَالثَّانِي لِلسَّاعِي مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيمَا كَانَ بِأَيْدِيهِمَا فَإِنْ طَالَبَ الزَّوْجَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ طَالَبَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِهَا بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْهَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهَا فيأخذ الساعي الزكوة مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا فَفِي بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ متقدم فصار قدر الزكوة كَالْمُسْتَحَقِّ حَالَ الْقِسْمَةِ فَعَلَى هَذَا بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ يكون لوجود الزوج بعض الصداق دُونَ بَعْضِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي ذِمَّتِهَا وَأَخْذُ السَّاعِي كَانَ بَعْدَ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فلم يبطلها كما لو اتلفت المرأة شيأ مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ بِقِسْمَةٍ فَعَلَى هَذَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجَةِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ المأخوذة ان كَانَتْ مِثْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ السَّاعِيَ ظَلَمَهُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وقل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَتَقَاسَمَا قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ الْمُقَاسَمَةُ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ صَحَّتْ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ فَجَاءَ السَّاعِي لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَإِنْ وَجَدَ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ مِنْ عَيْنِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَمِمَّا أَخَذَهُ الزَّوْجُ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَاقٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَصْدَقهَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ مَضَتْ أَحْوَالٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُشْتَرَطُ فِي زَكَاتِهِ السَّوْمُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

قال المصنف رحمه الله تعالي * (ومن ملك مصوغا من الذهب والفضة فان كان معدا للقنية وجبت فيه الزكاة لانه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ وان كان معدا للاستعمال نظرت فان كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أوما يحلي به المصحف أو يؤزر به المسجد أو يموه به السقف أو كان مكروها كالتضبيب القليل للزينه وجبت فيه الزكاة لانه عدل به عن اصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وبقى علي حكم الاصل وان كان لاستعمال مباح كحلي النساء وما اعدلهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان (احدهما) لا تجب فيه الزكاة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (ليس في الحلي زكاة ولانه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الابل والبقر (والثاني) تجب فيه الزكاة واستخار الله فيه الشافعي واختاره لما روى ان امرأة من اليمن جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معها ابنتها في يدها مسكتان غليظتان من الذهب فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتعطين زكاة هذا فقالت لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ايسرك ان يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما والقتهما إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ هما لله ولرسوله ولانه من جنس الاثمان فاشبه الدراهم والدنانير وفيما لطخ به اللجام وجهان قال أبو الطيب بن سلمة هو مباح كالذى حلي به المنطقة والسيف فيكون على قولين وقال أبو إسحق لا يحل وهو المنصوص لان هذا حلية للدابة بخلاف السيف والمنطقة فان ذلك حلية للرجل في الحرب فحل وإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه الا انه يمكن اصلاحه للبس ففيه قولان (أحدهما) تجب فيه الزكاة لانه لا يمكن لبسه فوجبت فيه الزكاة كما لو تفتت (والثانى) لا تجب لانه للاصلاح واللبس اقرب وان كان لها حلي معد للاجارة ففيه طريقان أحدهما انه تجب فيه الزكاة قولا واحدا لانه معد لطلب النماء فأشبه إذا اشتراه للتجارة والثانى انه علي قولين لان النماء المقصود قد فقد لان ما يحصل من الاجرة قليل فلم يؤثر في ايجاب الزكاة كأجرة العوامل من الابل والبقر وإذا وجبت الزكاة في حلي تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه ويسلمه إليهم بتسليم مثله ليستقر ملكهم عليه كما قلنا في الرطب الذى لا يجئ منه تمر وقال أبو العباس يخرج زكاته بالقيمة لانه يشق تسليم بعضه والاول أظهر) *

(الشرح) أما الاحاديث ولآثار الْوَارِدَةُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ وَعَدَمِهَا فَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسْكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ (أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ عن خالد بن الحرب عَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا إسناد حسن وراه التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا رواه الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالْمُثَنَّى وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفَانِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شئ هَذَا آخِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا التَّضْعِيفُ الَّذِي ضعفه الترمذي بناه عَلَى انْفِرَادِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ به وليس هو منفردا بَلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحُسَيْنٌ ثِقَةٌ بِلَا خِلَافٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَمِنْ رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا ثُمَّ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُعْتَمِرٍ وَحَدِيثُ مُعْتَمِرٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صُغْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك يارسول اللَّهِ قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ هُوَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ * وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْت أَلْبَسُ أوضاحا من ذهب فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ يُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ نَافِعٍ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ورى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَ

أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ) وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها كانت تحلى بنانها الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيه نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ فِي الْأُمِّ وَرَوَاهَا عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عمرو ابن دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحُلِيِّ أَفِيه زَكَاةٌ فَقَالَ جَابِرٌ لَا فَقَالَ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ كَثِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَا أَدْرِي أَثَبَتَ عَنْهُمَا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُمَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَرَوَى فِيهِ شَيْئًا ضَعِيفًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ السَّابِقَ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من رواية حسين المعلم عن عمرو ابن شُعَيْبٍ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ بِبَعْضِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حُسَيْنُ أَوْثَقُ مِنْ الْحَجَّاجِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ رِوَايَاتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهَا صَحِيفَةٌ كَتَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ الْبَيْهَقِيُّ

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عَمْرِو مِنْ أَبِيهِ وسماع أبيه من جده عبد الله ابن عَمْرٍو قَالَ وَقَدْ انْضَمَّ إلَى حَدِيثِهِ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْفَتَخَاتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِين كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فيه محفوظا غير ان رواية القسم وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مدهبها مِنْ إخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَتْهُ عنه الافيما عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِي يَرْوِيه فُقَهَاؤُنَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ لَا أَصْلَ لَهُ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ فَمَنْ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا كَانَ مُغَرَّرًا بِدِينِهِ دَاخِلًا فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ أَمْثَالِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَحَصَلَ فِي ضِمْنِهِ بَيَانُ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَمَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ الْحُلِيِّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً أَوْ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ: قَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمَلٍ مِنْهُ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَحِلُّ مِنْ الْحُلِيِّ وَيَحْرُمُ فِي هَذَا الْبَابِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَكُلُّ مُتَّخِذٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ إذَا حَكَمَ بِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُبَاحًا كَحُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمِنْطَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ قولان مشهوران أصحهما عند الاصحاب لا كمالا تَجِبُ فِي ثِيَابِ الْبَدَنِ وَالْأَثَاثِ وَعَوَامِلِ الْإِبِلِ والبقر وهذا مع الانار السَّابِقَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا نصه في البويطي والقديم قال السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ

وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَوْنَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَآخَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُ الْفُورَانِيِّ إنَّ الْقَدِيمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالْجَدِيدَ لَا تَجِبُ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ لَا تَجِبُ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ كَمَا نُصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا مُبَاحًا بَلْ قصد كنزه واقتناءه فالمذهب الصحيح المشهور لذى قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا مُبَاحًا فِي عَيْنِهِ لَكِنْ لم يقصد به استعمالا ولا كنز أو اقتناء أو اتخذه لِيُؤَجِّرَهُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْأُجْرَةِ كَأُجْرَةِ الْمَاشِيَةِ الْعَوَامِلِ وَالثَّانِي تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا زَكَاةَ فِيهِ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُتَّخَذَ لِلْإِجَارَةِ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُحَرَّمًا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا زكاة في الاصح قال أصحابنا والمحرم نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ لَعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي وَالْمَلَاعِقِ وَالْمَجَامِرِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُحَرَّمٌ بِالْقَصْدِ بِأَنْ يَقْصِدَ الرَّجُلُ بِحُلِيِّ النِّسَاءِ الَّذِي يَمْلِكُهُ كَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ أَنْ يَلْبَسَهُ أَوْ يُلْبِسَهُ غِلْمَانَهُ أَوْ قَصَدَتْ الْمَرْأَةُ بِحُلِيِّ الرِّجَالِ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ أَنْ تَلْبَسَهُ أَوْ تُلْبِسَهُ جَوَارِيهَا أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ أو أعد الرجل لِنِسَائِهِ وَجَوَارِيه أَوْ أَعَدَّتْ الْمَرْأَةُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِزَوْجِهَا وَغِلْمَانِهَا فَكُلُّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا بَلْ قَصَدَ كَنْزَهُ وَاقْتِنَاءَهُ أَوْ إيجَارَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْقَصْدِ الطَّارِئِ بَعْدَ الصِّيَاغَةِ فِي جمع مَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْمُقَارَنِ فَلَوْ اتَّخَذَهُ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالٍ مُحَرَّمٍ ثُمَّ قَصَدَ مُبَاحًا بَطَلَ الْحَوْلُ إذَا قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَلَوْ عَادَ الْقَصْدُ الْمُحَرَّمُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الِاسْتِعْمَالَ ثُمَّ قَصَدَ كَنْزَهُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا نَظَائِرُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ حُلِيَّ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ حُلِيَّ الرِّجَالِ بِلَا قَصْدٍ وَقُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ الِاتِّخَاذَ مُبَاحٌ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الزَّكَاةِ بِالشَّكِّ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَانْكَسَرَ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أحدها) أن ينكسر بحيث لا يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ فَلَا تَأْثِيرَ لِانْكِسَارِهِ بِلَا خِلَافٍ ويبقي في زكاته القولان (الثاني) ينكسر بحيث يمنع الِاسْتِعْمَالُ وَيَحُوجُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَأَوَّلُ الْحَوْلِ وَقْتَ الِانْكِسَارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدَهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (والثالث) ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لَا يَحْتَاجُ إلَى صَوْغٍ وَيَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ بِالْإِلْحَامِ فَإِنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَنْزَهُ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الِانْكِسَارِ وَإِنْ قَصَدَ إصْلَاحَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا زَكَاةَ وَإِنْ تَمَادَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ

لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَا وَلَا ذَاكَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحُلِيِّ فَالذَّهَبُ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَعَلَى الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ التَّحْرِيمِ عَلَى الرِّجَالِ مَوْضِعَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَفِي مَعْنَى الْأَنْفِ السِّنُّ وَالْأُنْمُلَةُ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا ذَهَبًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ أو يده لى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَمَا جَازَ مِنْ هَذَا مِنْ الذَّهَبِ فَمِنْ الْفِضَّةِ أَوْلَى وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَبَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) تَمْوِيهُ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وغيرهما للرجل ان كان يحصل منه شئ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ التَّحْرِيمُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ (هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (وَالثَّانِي) الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَأَمَّا اتِّخَاذُ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ لِلْخَاتَمِ فَقَطَعَ الْأَصْحَابُ بِتَحْرِيمِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهُ بالضبية الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّخَتُّمُ بِهَا وَهَلْ لَهُ مَا سِوَى الْخَاتَمِ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالدُّمْلُجِ وَالسِّوَارِ وَالطَّوْقِ وَالتَّاجِ فِيهِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيه يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ الْحُلِيِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْعَابِ الْعَدُوِّ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالْخُفِّ وَالرَّانِينَ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالثُّفْرِ لِلدَّابَّةِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قال أبو الطيب ابن سَلَمَةَ مُبَاحٌ كَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ

وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ كُتُبٍ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ لِأَنَّ هَذَا حِلْيَةٌ لِلدَّابَّةِ لَا لِلرَّجُلِ بِخِلَافِ الْمِنْطَقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَيَجْرِيَانِ فِي تَحْلِيَةِ أَطْرَافِ السُّيُورِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ الْقِلَادَةِ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ تحلية شئ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذَّهَبِ وَكَذَا بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَالتَّشَبُّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَقَالَ آلَاتُ الْحَرْبِ إمَّا أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَلَابِسِ الرَّجُلِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ الايرى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ قَالَ الشَّاشِيُّ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا غَيْرَ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ لِلنِّسَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْت) وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ حَرَامٌ وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الصحيح أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ وَاَللَّهُ تعالى أعلم *

(فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ جَمِيعًا كَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالْخَاتَمِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالدَّمَالِجِ وَالْقَلَائِدِ وَالْمَخَانِقِ وَكُلِّ مَا يُتَّخَذُ فِي الْعُنُقِ وَغَيْرِهِ وَكُلِّ مَا يَعْتَدْنَ لُبْسَهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَأَمَّا لُبْسُهَا نِعَالَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ الظَّاهِرِ وَالْخُيَلَاءِ وأصحهما عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِبَاحَةُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ لِبَاسُ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النَّوَاحِي فَحَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ لَا يَجُوزُ لانه تشبيه بالرجال وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِلْمَرْأَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْإِبَاحَةُ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهَا لِبَاسٌ حَقِيقِيٌّ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا اتِّخَاذُ زِرِّ لقميص وَالْجُبَّةِ وَالْفَرْجِيَّةِ مِنْ ذَهَبِ وَلَا فِضَّةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ تَحْرِيمُ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِهَا (قُلْت) إنْ تَكُنْ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَإِذَا جَازَ الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ فَالزِّرُّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فَإِنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كان كلخلخال وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ تَحْرِيمُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُبَاحٌ * (فَرْعٌ) لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً أَوْ الْمَرْأَةُ خَلَاخِلَ كَثِيرَةً ليلبس الواحد منها بَعْدَ الْوَاحِدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ القطع بالجواز لعموم النصوص المطلقة والثاني فيه وَجْهَانِ كَالْخَلْخَالِ الَّذِي فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ * (فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا يَتَحَلَّى بِهِ لُبْسًا فَأَمَّا غَيْر اللُّبْسِ فَمِنْهُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَكَذَا اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ الْمُضَبَّبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ وَسِكِّينِ الْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ وَالدَّوَاةِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ بِالذَّهَبِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا

التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ هَذِهِ كُلِّهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَقِيلَ هِيَ كالرجل فيكون فيها الوجهان الا فِي حَقِّهَا وَحَقِّ الرَّجُلِ سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا حُلِّيَتْ بِذَهَبٍ * (فَرْعٌ) لَوْ اتَّخَذَ مُدْهِنًا أَوْ مُسْعِطًا أَوْ مُكْحُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَا ظَرْفُ الْغَالِيَةِ اللَّطِيفِ حَرَامٌ أَيْضًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمُكْحُلَةٍ وَظَرْفِ غَالِيَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِوَاءِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَحْلِيَةُ رُبْعِهَا بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ قَطْعًا * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَتَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا كَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ فِي رَبْطِ سِنِّهِ وَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِتَحْرِيمِ الْمِيلِ البندنيجي *

(فَرْعٌ) فِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ (وَجْهَانِ) أَوْ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَنُصَّ فِي سنن الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الْأُمِّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَهَذَا شُذُوذٌ مِنْهُ فَلْيُعْرَفْ وَأَمَّا تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَحَرَامٌ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ تَحْلِيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ غِلَافِهِ بِالذَّهَبِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ بَاقِي الْكُتُبِ غير القرآن فحرام باتفاق الاصحاب ومن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ هُنَا وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَمْوِيهُ سَقْفِهِ وَتَعْلِيقُ قَنَادِيلِهَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أصحهما) التحريم وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا عَمِلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْجَوَازُ تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِعْظَامًا لِلدِّينِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى سَتْرِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا حَرَامٌ وَجَبَتْ زكاته بلا خلاف والا فعلي القولين في الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ هَذَا إذَا كَانَ التَّمْوِيهُ وَالْقَنَادِيلُ وَنَحْوُهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ فَاعِلِهَا

فَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَيْهِ إمَّا مِنْ غَلَبَةٍ وَإِمَّا بِأَنْ وَقَفَهَا الْفَاعِلُ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَفِي صِحَّةِ وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى هذه الجهة مع تحريمهما نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الْفَاعِلُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَخْرَجَهَا بِالِاسْتِظْهَارِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ وَإِلَّا فَلْيُمَيِّزْهُ بِالنَّارِ فَإِنْ كَانَ لَوْ ميز لم يجتمع منه شئ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يجتمع منه شئ وصار مستهلكا فلا يحرم استدامته والله تعالي أَعْلَمُ وَأَمَّا تَمْوِيهُ سَقْفِ بَيْتِهِ وَجِدَارِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ الاتفاق عليه قالوا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ لِإِعْظَامِ الْمَسْجِدِ كَمَا جَازَتْ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ حيت جَوَّزْنَاهُ دُونَ سَائِرِ الْكُتُبِ (قَالَ) الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كان المموه مستهلكا لا يحصل منه شئ بالسبك لَمْ يَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ وَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ إنْ بَلَغَ وَحْدَهُ نِصَابًا أَوْ بِانْضِمَامِ مَالٍ آخَرَ لَهُ *

(فَرْعٌ) لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا عَلَى قَوْمٍ يَلْبَسُونَهُ لُبْسًا مُبَاحًا أَوْ يَنْتَفِعُونَ بِأُجْرَتِهِ الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ الْمُعَيَّنِ * (فَرْعٌ) لَوْ حَلَّى شَاةً أَوْ غَزَالًا أَوْ غَيْرَهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ * (فَرْعٌ) حَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي تَحْلِيَةِ ولي الصِّبْيَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ فِي إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ دليل الاوجه (وأصحها) جَوَازُ تَحْلِيَتِهِمْ مَا دَامُوا صِبْيَانًا وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَالثَّانِي) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ * (فَرْعٌ) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا لُبْسُ حُلِيِّ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ مُرْصَدَاتٍ لِلتَّزَيُّنِ لِلْأَزْوَاجِ وَالسَّادَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ الْقَاضِي أَبُو الفتوح والبغوى وصاحب البيان وآخرون وهو مباحا له في صغره ولم يتحقق تحريمه الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِي الصِّغَرِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ زَادَ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَفِي زَكَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ وُجُوبَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُحَرَّمٌ (وَالثَّانِي) فِي وُجُوبِهَا لقولان فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحُ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ تَحْرِيمَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ وإنما حرمناه للاحتياط والله تعالي أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَأَمَّا الْمُتَّخَذَةُ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ اسْتِعْمَالِ

وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فَهُوَ لِلْقُنْيَةِ وَمَكْرُوهٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ وَالْمُتَّخَذَ لِلْقُنْيَةِ يَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ إذَا جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ فَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْحُلِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ لَا يُعَدُّ وَجْهًا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَلَيْسَ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهِ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ فِي ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لِصَانِعِهِ وَالْأَرْشِ عَلَى كَاسِرِهِ وَكَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاضِحًا وَيَظْهَرُ فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ فَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ بِأَنْ كَانَ لَهَا خَلَاخِلُ وَزْنُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ فُرِضَ مِثْلُهُ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُحَلَّاةِ لِلرِّجَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ الْحُلِيِّ مَتَاعًا بِأَنْ سَلَّمَهُ كُلَّهُ إلَى السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ نَائِبِهِمْ فَإِذَا تَسَلَّمَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَبِيعُ السَّاعِي نَصِيبَ الْمَسَاكِينِ إمَّا لِلْمَالِكِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُونَهُ هُمْ إنْ قَبَضُوهُ هُمْ أَوْ وَكِيلُهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَصُوغًا كَخَاتَمٍ وَسِوَارٍ لَطِيفٍ وَغَيْرِهِمَا وَزْنُهُ خَمْسَةٌ وَقِيمَتُهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ نَفْسِ الْمَكْسُورِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمَسَاكِينِ طَلَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ وَبِهِمْ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَيِّدَةً لجودة سبكها ولينها بحيث تساوى سبعة ونصفا اجزاءه لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ ذَهَبًا يُسَاوِي سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لِلْحَاجَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ والاصحاب والمذهب الاول ويندفع الْحَاجَةُ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ له إناء وزنه مائتان ويساوى ثلثمائة فَإِنْ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَ الْإِنَاءِ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ وَكَيْفِيَّةُ إخْرَاجِهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحُلِيِّ وَإِنْ حَرَمْنَاهُ وَهُوَ الاصح ولا قيمة لصنعة شَرْعًا فَلَهُ إخْرَاجُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفِيسَةً وَلَهُ كَسْرُهُ وَإِخْرَاجُ خَمْسَةٍ مِنْهُ وَلَهُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ مُشَاعًا وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الذَّهَبِ بَدَلًا عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَى كَاسِرِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْإِنَاءِ إنْ جَوَّزْنَا وَجَبَ وَإِلَّا

فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ كالرجال دون النساء وعكسه ويجب عَلَى كَاسِرِهِ ضَمَانُ صَنْعَتِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الضَّبَّةُ الَّتِي عَلَى الْإِنَاءِ إذَا حَكَمْنَا بِكَرَاهَتِهَا فَلَهَا حُكْمُ الْحَرَامِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُبَاحِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِإِبَاحَتِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الصَّيْمَرِيُّ ثُمَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُتَابِعُوهُمَا هُنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ إذَا أَكْرَى حُلِيَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَنْ لَا يُكْرِيَهُ بِجِنْسِهِ بَلْ يُكْرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَلَوْ أَكُرَى الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) بُطْلَانُهُ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلهُ الرِّبَا وَلِهَذَا يَجُوزُ إجَارَةُ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ الربا هُنَا مَدْخَلٌ لَمْ يَجُزْ هَذَا * (فَرْعٌ) إذَا اتَّخَذَ أَنْفًا أَوْ سِنًّا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ شَدَّ سِنَّهُ بِهِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا زَكَاتُهُ فَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ الْعُضْوُ وَتَرَاكَبَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ والشعبي ومحمد ابن عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وابو ثور وابو عبيد وبن والمنذر وَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أيضا عن ابى الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَالزُّهَرِيِّ وَاحْتَجَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي اول الفصل والآثار وروى البيهقى عن بن عمر وبن الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَكَاةَ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم *

باب زكاة التجارة

(باب زكاة التجارة) * قال المصنف رحمه الله * (تجب الزكاة في عروض التجارة لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (في الابل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى البز صدقته ولان التجارة يطلب بها نماء المال فتعلقت بها الزكاة كالسوم في الماشية) * (الشرح) هذا الحديث رواه الدارقطني فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ) وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالزَّايِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَصَرَّحَ بالزاى الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي القديم اخلتف النَّاسُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا هَذَا نَصُّهُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ هَذَا تَرْدِيدُ قَوْلٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ فِي وُجُوبِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْقَدِيمَ وَاتَّفَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكُلُّ مَنْ حَكَى هَذَا الْقَدِيمَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَجِبُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُجُوبُهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَدِيمِ إثْبَاتُ قَوْلٍ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ وَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الْوُجُوبُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْوُجُوبِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قال رويناه عن عمر بن الخطاب وبن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقسم بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحارث وجارحة بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وسلمان بْنِ يَسَارٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ والاوزاعي والشافعي والنعمان واصحابه وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ لَا زَكَاةَ في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِذَا نُضَّتْ لَزِمَهُ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وهو في الصحيحين وقد سبق بيانه وربما جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ وَاحْتَجَّ

أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ (فان رسول الله صلي الله عليه سلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي إسْنَادِهِ جَمَاعَةٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُمْ وَلَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَعَنْ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَكَانَ يَبِيعُ الْأُدُمَ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا حماس اد زكاة مالك فقلت مالي مَالٌ إنَّمَا أَبِيعُ الْأُدُمَ قَالَ قَوِّمْهُ ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهُ فَفَعَلْتُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَافِظُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَمَعْنَاهُ لا زكاة في عينه بخلاف الانعمام وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قول بن عَبَّاسٍ فَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى عَرَضٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّالِفَةِ وَلِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ زَكَاةِ التجارة كما سبق وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى * (ولا يصير العرض للتجارة الا بشرطين أحدهما ان يملكه بعقد فيه عوض كالبيع والاجارة والنكاح والخلع والثاني ان ينوى عند العقد انه تملكه للتجارة وأما إذا ملكه بارث أو وصية أو هبة من غير شرط الثواب فلا تصير للتجارة بالنية وإن ملكه بالبيع والاجارة ولم ينو عند العقد انه للتجارة لم يصر للتجارة وقال الكرابيسي من أصحابنا إذا ملك عرضا ثم نوى انه للتجارة صار للتجارة كما إذا كان عنده متاع للتجارة ثم نوى القنية صار للقنية بالنية والمذهب الاول لانه ما لم يكن للزكاة من أصله لم يصر للزكاة بمجرد النية كالمعلوفه إذا نوى إسامتها ويفارق إذا نوى القنية بمال التجارة لان القنية هي الامساك بنية القنية وقد وجد الامساك والنية والتجارة هي التصرف بنية التجارة وقد وجدت النية ولم يوجد التصرف فلم يصر للتجارة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مِنْ أَصْلِهِ احْتِرَازٌ مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَنَوَى اسْتِعْمَالَهُ فِي حَرَامٍ أَوْ نَوَى كَنْزَهُ واقتناه فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّ أَصْلَهُ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا مَالُ التِّجَارَةِ هُوَ كُلُّ مَا قُصِدَ الِاتِّجَارُ فِيهِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ بمعاوضة محضة وتفصيل هذه القيودان مُجَرَّدَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ بِهِ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ قُنْيَةٍ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجَعَلَهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ للتجارة هذا هو

لمذهب وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وهو مذهب احمد واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْحَوْلِ بِنَفْسِ الشِّرَى سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَإِذَا صَارَ لِلتِّجَارَةِ اسْتَمَرَّ حُكْمُهَا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ بَلْ النِّيَّةُ مُسْتَصْحَبَةٌ كَافِيَةٌ وَفِي مَعْنَى الشِّرَى مَا لَوْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ عَلَى عِوَضٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بلا خلاف سواء كان الدَّيْنُ قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ ضَمَانَ مُتْلَفٍ وَهَكَذَا الِاتِّهَابُ بِشَرْطِ الثَّوَابِ إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْهِبَةُ بِلَا ثَوَابٍ وَالِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التِّجَارَةِ وَلَا أَثَرَ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِهَا وَلَا يَصِيرُ الْعَرَضُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَهَكَذَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِرْدَادُ فَلَوْ بَاعَ عَرَضَ قُنْيَةٍ بِعَرَضِ قُنْيَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا فَرَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْأَوَّلَ عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ أَوْ وَجَدَ صَاحِبُهُ بِمَا أَخَذَ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَقَصَدَ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَوْبُ قُنْيَةٍ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ انْقَطَعَ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَلَا يَكُونُ الثَّوْبُ لِلتِّجَارَةِ بخلاف مالو كَانَ الثَّوْبُ لِلتِّجَارَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَرَضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرَضًا آخَرَ وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَ التَّاجِرَانِ ثُمَّ تَعَامَلَا يَسْتَمِرُّ حُكْمُ التِّجَارَةِ فِي الْمَالَيْنِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَوْبُ تِجَارَةٍ فَبَاعَهُ بِعَبْدٍ لِلْقُنْيَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَعُدْ إلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ قَصْدَ الْقُنْيَةِ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَلَيْسَ الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقُنْيَةَ بِمَالِ التِّجَارَةِ الَّذِي عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قُنْيَةً بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ جَعْلَهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ حَتَّى تَقْتَرِنَ النِّيَّةُ بِتِجَارَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَوْ خَالَعَ وَقَصَدَ بعرض الْخُلْعِ التِّجَارَةَ فِي حَالِ الْمُخَالَعَةِ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ وَنَوَيَا حَالَ الْعَقْدِ التِّجَارَةَ فِي الصَّدَاقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَكُونُ مَالَ تِجَارَةٍ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ مِنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ثَبَتَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الخراسانيين وذكر بعض العراقيين فيه (وجهان) أَصَحُّهُمَا هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ وَطَرَدَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ الدَّمِ وَاَلَّذِي آجَرَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ إذَا نَوَى بِهِمَا التِّجَارَةَ وَفِيمَا إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ فِي الْمَنَافِعِ بِأَنْ كَانَ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَغَلَّاتِ وَيُؤَجِّرُهَا لِلتِّجَارَةِ فَالْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ مَصِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ إذَا صَارَ لِلتِّجَارَةِ وَنَوَى بِهِ الْقُنْيَةَ صَارَ لِلْقُنْيَةِ وَانْقَطَعَ

حُكْمُ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي * (إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كنصاب السائمة والكرم والنخل نظرت فان وجد فيه نصاب احدى الزكاتين دون الاخرى كخمس من الابل لا تساوي مائتي درهم أو اربع من الابل تساوى مائتي درهم وجبت فيه زكاة ما وجد نصابه لانه وجد سببها ولم يوجد ما يعارضه فوجبت وان وجد نصابهما ففيه طريقان قال أبو اسحق ان سبق حول التجارة بان يكون عنده نصاب من الاثمان مدة ثم اشترى به نصابا من السائمة وجبت زكاة التجارة فيه وان سبق وجوب زكاة العين بان اشترى نخلا للتجارة فبدا فيها الصلاح قبل ان يحول حول التجارة وجبت زكاة العين لان السابق منهما قد وجد سبب وجوب زكاته وليس هناك زكاة تعارضها فوجبت كما قلنا في ما وجد فيه نصاب احدى الزكاتين دون الاخرى وان وجد سببهما في وقت واحد مثل ان يشترى بما تجب فيه الزكاة نصابا من السائمة للتجارة ففيه قولان (قال) في القديم تجب زكاة التجارة لانها أنفع للمساكين لانها تزداد بزيادة القيمة فكان ايجابها أولي (وقال) في الجديد تجب زكاة العين لانها اقوى لانها مجمع عليها وزكاة التجارة مختلف في وجوبها ولان نصاب العين يعرف قطعا ونصاب التجارة يعرف بالظن فكانت زكاة العين اولي وقال القاضى أبو حامد في المسألة قولان سواء اتفق حولهما أو سبق حول أحدهما (والاول) اصح فان كان المشترى نخيلا وقلنا بقوله القديم قوم النخيل والثمرة واخرج الزكاة عن قيمتها وإن قلنا بقوله الجديد لزمه عشر الثمرة وهل يقوم النخيل فيه قولان (احدهما) لا يقوم لان المقصود هو الثمار وقد اخرجنا عنها العشر والثاني يقوم ويخرج الزكاة من قيمتها لان العشر زكاة الثمار فاما الاصول فلم يخرج زكاتها فوجب ان تقوم وتخرج عنها الزكاة) * (الشرح) قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إذا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ لَمْ يُجْمَعْ فِيهِ بَيْنَ وُجُوبِ زَكَاتَيْ التِّجَارَةِ وَالْعَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ إحْدَاهُمَا وَفِي الْوَاجِبِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْعَيْنِ أَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا يُعْرَفُ نِصَابُهَا قَطْعًا بِالْعَدَدِ وَالْكَيْلِ وَأَمَّا التِّجَارَةُ فَتُعْرَفُ ظَنًّا وَدَلِيلُ التِّجَارَةِ أَنَّهَا أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَا وَقْصَ فِيهَا

فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ أَخْرَجَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ مِنْ السائمة ويضم السِّخَالِ إلَى الْأُمَّاتِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتِّجَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُقَوَّمُ فِي الثِّمَارِ الثَّمَرَةُ وَالنَّخِيلُ وَالْأَرْضُ وَفِي الزَّرْعِ يُقَوَّمُ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ وَالْأَرْضُ وَفِي السَّائِمَةِ تُقَوَّمُ مَعَ دُرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَمَا اُتُّخِذَ مِنْ لَبَنِهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ النِّتَاجَ مَالُ تِجَارَةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَأْثِيرَ لِنَقْصِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ نِصَابَ الْعَرَضِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ اشْتَرَى نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا عَرَضًا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فَعَلَى (قَوْلِ) اعْتِبَارِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَعَلَى (قَوْلِ) الْعَيْنِ يَنْقَطِعُ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ مِلْكِ الْعَرَضِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا مَلَكَ نِصَابَ الزَّكَاتَيْنِ وَاتَّفَقَ الحولان أما إذا لم يكمل الانصاب أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْمَالُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ كَانَ دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ زَكَاةِ مَا بَلَغَتْ بِهِ نِصَابًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا بِزَكَاةِ الْعَيْنِ فَنَقَصَتْ الْمَاشِيَةُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ عَنْ نِصَابِهَا ونقلناها الي زكاة فَهَلْ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَيْنِ أَمْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لَا لِلتِّجَارَةِ فَاشْتَرَى بِهِ عَرَضَ تِجَارَةٍ هَلْ يَبْنِي حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَى حَوْلِ السَّائِمَةِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَأْنِفُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِنُقْصَانِ الْمَاشِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ بَلَغَتْ نِصَابًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالنِّتَاجِ وَلَمْ تَبْلُغْ الْقِيمَةُ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا زَكَاةَ لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) يَنْتَقِلُ إلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ لِإِمْكَانِهَا فَعَلَى هَذَا هَلْ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ نَقْصِ الْقِيمَةِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ مِنْ وَقْتِ تَمَامِ النِّصَابِ بِالنِّتَاجِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا كَمُلَ نِصَابُ الزَّكَاتَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْحَوْلَانِ بِأَنْ اشْتَرَى بِمَتَاعِ التِّجَارَةِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مَعْلُوفَةً لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَسَامَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وصححه البغوي والرافعي وآخرون وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَوْلِ التِّجَارَةِ مَعَ أَوَّلِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق وأبو علي وابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ

الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ بِأَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يُقَدِّمُ أَسْبَقَهُمَا حَوْلًا فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِسَبْقِ حَوْلِهَا وَحُجَّةُ هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ فَإِنْ قُلْنَا بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فَسَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ فَإِنْ غَلَّبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أُخِذَتْ زَكَاتُهَا وَإِنْ غَلَّبْنَا الْعَيْنَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَيَبْطُلُ مَا سَبَقَ مِنْ حَوْلِ التِّجَارَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا هَذَا لِئَلَّا يَبْطُلَ بَعْضُ حَوْلِهَا وَيَفُوتُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَعَلَى هَذَا يُسْتَفْتَحُ حَوْلُ زَكَاةِ الْعَيْنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ حَوْلِ التِّجَارَةِ وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَمَّا إذَا اشْتَرَى نَخِيلًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَأَدْرَكَ الزَّرْعَ وَبَلَغَ الْحَاصِلُ نِصَابًا فَهَلْ الْوَاجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ أو العين فيه القولان (الْأَصَحُّ) الْعَيْنُ فَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ أَحَدُ النِّصَابَيْنِ أَوْ كَمُلَا وَاخْتَلَفَ الْحَوْلَانِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ هَذَا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ حَاصِلَةً عِنْدَ الشِّرَى وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ أَمَّا إذَا أَطْلَعَتْ بَعْدَ الشِّرَى فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ حَدَثَتْ مِنْ شَجَرِ التِّجَارَةِ وَفِي ضَمِّهَا إلَى مَالِ التِّجَارَةِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ) ضَمُّهَا (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَعَلَى هَذَا هِيَ كَالْحَاصِلَةِ عِنْدَ الشِّرَى وَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ أَوْ أَرْبَاحٍ مُتَحَدِّدَةٍ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ رِبْحٍ يَنِضُّ لِيَكُونَ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَمِّ الرِّبْحِ النَّاضِّ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مَالَ تِجَارَةٍ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ فِيهَا وَتَخْتَصُّ زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالْأَرْضِ وَالْأَشْخَاصِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا فَإِنْ غَلَّبْنَا زَكَاةَ الْعَيْنِ أَخْرَجَ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عَنْ قِيمَةِ جِذْعِ النَّخْلَةِ وَتِبْنِ الزَّرْعِ فِيهِ (وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ هُمَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ وَبَقِيَ الْجِذْعُ وَالتِّبْنُ بِلَا زَكَاةٍ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ فَوَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ مُنْفَرِدًا (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّمَرَةُ وَالْحَبُّ وَقَدْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُمَا وَفِي أَرْضِ النَّخِيلِ وَالزَّرْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْجِذْعِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ من الخراسانيين تجب الزكاة فيها وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ أَصْلًا لِلثَّمَرَةِ وَالْحَبُّ بِخِلَافِ الْجِذْعِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ بِمَا يَدْخُلُ فِي الْأَرْضِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ النَّخِيلِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَمَا لَا يَدْخُلُ فَمَا لَا يَدْخُلُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَدْخُلُ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِنَقْلِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ بَيَاضٌ

غَيْرُ مَشْغُولٍ بِزَرْعِ وَلَا نَخْلٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَجْهًا وَاحِدًا فَإِذَا أَوْجَبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَرْضِ وَالْجِذْعِ وَالتِّبْنِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابًا فَهَلْ تُضَمُّ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ إلَيْهَا لِإِكْمَالِ النِّصَابِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهُ أَدَّى زَكَاتَهُمَا (وَالثَّانِي) تُضَمُّ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا لِإِيجَابِ زَكَاةٍ أُخْرَى فِي الثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِذَا قُلْنَا بِزَكَاةِ الْعَيْنِ فَزَكَاهَا لَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَ زَكَاةِ التجارة عن الثمرة وَالْحَبِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ حَوْلِ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِ الْعُشْرِ لَا مِنْ وَقْتِ بُدُوِّ الصِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَرْبِيَةُ الثِّمَارِ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهِ زَمَنُ التَّرْبِيَةِ فَأَمَّا إذَا غَلَّبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فَتُقَوَّمُ الثَّمَرَةُ وَالْجِذْعُ وَيُقَوَّمُ فِي الزرع الحب والتبن وتقوم الْأَرْضَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مَزْرُوعَةً لِلتِّجَارَةِ أَمْ اشْتَرَى بَذْرًا وَأَرْضًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فِيهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَوْ اشْتَرَى الثِّمَارَ وَحْدَهَا لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ بَدَا فِي مِلْكِهِ جَرَى الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ أَمْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَزَرَعَهَا بِبَذْرٍ لِلْقُنْيَةِ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزَّرْعِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا * (فَرْعٌ) لَوْ اتَّهَبَ نِصَابًا مِنْ المسائمة بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِالِاتِّهَابِ وَاحْتَجَّ الْبَغَوِيّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَخِيلًا أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أو سائمة للتجارة فوجب نصاب احديهما دُونَ الْأُخْرَى وَجَبَتْ زَكَاتُهَا لِإِمْكَانِهَا دُونَ الْأُخْرَى * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ حُلِيًّا يُبَاحُ لَهَا لُبْسُهُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَسُهُ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ الرَّجُلُ دَوَابَّ التِّجَارَةِ ثُمَّ إنْ قُلْنَا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَجَبَتْ هُنَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ زَكَاةٌ فَهَلْ تَجِبُ هُنَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ أَمْ الْعَيْنِ فِيهِ الْقَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الصِّيغَةِ إنْ قُلْنَا بِالتِّجَارَةِ اعتبرت الصيغة وَإِلَّا فَلَا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ اشْتَرَى عبدا للتجارة وجبت عليه فطرته لوقتها وزكاة التجارة لحولها لانهما حقان يجبان بسببين مختلفين فلم يمنع (أحدهما) الآخر كالجزاء والقيمة وحد الزنا والشرب) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ عُمُومِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ فِي زَكَاةِ فِطْرِ

الْعَبِيدِ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْقِيمَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَالْجَزَاءُ لِلْمَسَاكِينِ وَلِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ اشْتَرَى للتجارة عرضا لا تجب فيه الزكاة لم يخل اما أن يشترى بعرض أو نقد فان اشتراه بنقد نظرت فان كان نصابا جعل ابتداء الحول من حين ملك النصاب من النقد ويبنى حول العرض الذى اشتراه عليه لان النِّصَابَ هُوَ الثَّمَنُ وَكَانَ ظَاهِرًا فَصَارَ فِي ثمن السلعة كامنا فبنى حوله عليه كما لو كان عينا فاقرضه فصار دينار وان اشتراه بدون النصاب انعقد الحول عليه من حين الشراء سواء كانت قيمة العرض نصابا أو اقل (وقال) أبو العباس لا ينعقد الحول إلا أن يكون قيمته من أول الحول الي آخره نصابا كسائر الزكوات والمنصوص في الام هو الاول لان نصاب زكاة التجارة يتعلق بالقيمة وتقويم العرض في كل ساعة يشق فلم يعتبر إلا في حال الوجوب ويخالف سائر الزكوات فان نصابها في عينها فلم يشق اعتباره في جميع الحول وإن اشتراة بعرض للقنية نظرت

فان كان من غير أموال الزكاة انعقد الحول عليه من يوم الشراء وان اشتراه بنصاب من السائمة ففيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى يبنى حول التجارة علي حول السائمة لان الشافعي رحمه الله قال في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشئ تجب فيه الصدقة لم يقوم عليه حتى يحول عليه الحول من يوم ملك ثمن العرض والدليل عليه أنه ملكه بما يجزى في الحول فبنى حوله علي حوله كما لو اشتراه بنصاب من الاثمان وقال اكثر اصحابنا لا يبنى علي حول السائمة وتأولوا قوله في المختصر والدليل عليه أن الزكاة تتعلق بقيمة العرض والماشية ليست بقيمة فلم يبن حوله علي حولها ويخالف الاثمان لانها قيمة وانما كانت عينا ظاهرة فخفيت كالعين إذا صارت دينا) * (الشَّرْحُ) النِّصَابُ وَالْحَوْلُ مُعْتَبَرَانِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ النِّصَابَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَسَمَّاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَقْوَالًا وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا مَنْصُوصٌ وَالْآخَرَانِ مُخْرَجَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَتَقْوِيمُ الْعَرْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَشُقُّ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوُجُوبِ وَهُوَ آخِرُ الْحَوْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ لِأَنَّ نِصَابَهَا مِنْ عَيْنِهَا فَلَا يَشُقُّ اعْتِبَارُهُ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ الْحَوْلُ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ (وَالثَّالِثُ) يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ دُونَ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَ نِصَابًا فِي الطَّرَفَيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى حِكَايَةِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَبَقَهُمَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَاشْتَرَى عَرْضًا للتجارة بشئ يَسِيرٍ جِدًّا انْعَقَدَ الْحَوْلُ فَإِذَا بَلَغَ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ عَرْضُ التِّجَارَةِ دُونَ النِّصَابِ فَبَاعَهُ بِسِلْعَةٍ أُخْرَى دُونَ نِصَابٍ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ الْحَوْلُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ خلافا سنذكره كذا في نسختين إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فَإِنْ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ بان اشتراه بعشرين دينارا أو بمأتى درهم فابتدأ

لحول مِنْ حِينِ مَلَكَ ذَلِكَ النَّقْدَ وَيَبْنِي حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ النِّصَابَ هُوَ الثَّمَنُ وَكَانَ ظَاهِرًا فَصَارَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ كَامِنًا فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْنًا فَأَقْرَضَهُ مَلِيئًا فَصَارَ دَيْنًا هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ النَّقْدِ فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَهُ فِي ثَمَنِهِ انْقَطَعَ حَوْلُ النَّقْدِ وابتداء حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ الشِّرَى بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ النَّقْدُ الَّذِي اشْتَرَى بِعَيْنِهِ دُونَ نِصَابٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ انْعَقَدَ مِنْ حِينِ الشِّرَى وَإِنْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ لَمْ يَنْعَقِدْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ قَبْلَ الشِّرَى لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يكن مال تجارة لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ اشْتَرَى بِغَيْرِ نَقْدٍ فَلِلثَّمَنِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ نِصَابًا أَوْ كَانَتْ دُونَهُ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ بِأَنْ مَلَكَ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وجمهور أصحابنا المتقدمين وصححه جميعا الْمُصَنِّفِينَ أَنَّ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ يَنْقَطِعُ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَلَا يَبْنِي لِاخْتِلَافِ الزَّكَاتَيْنِ قَدْرًا وَوَقْتًا بِخِلَافِ بِنَاءِ التِّجَارَةِ عَلَى النَّقْدِ (وَقَالَ) أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْمَاشِيَةِ كَمَا يُبْنَى عَلَى النَّقْدِ وَاحْتَجَّ لَهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اشْتَرَى العرض بدراهم أو دنانير أو شئ يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ لَمْ يُقَوَّمْ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ ثَمَنَ الْعَرَضِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ إذَا اشْتَرَى مَاشِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا عَرْضَ التِّجَارَةِ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) أَنَّ المراد بثمن العرض الدراهم والدناينر خَاصَّةً وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ وَيَعُودَ الْجَوَابُ أَوْ التَّفْرِيعُ إلَى بَعْضِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَوْلُ التِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ يُبْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبِنَاءُ التِّجَارَةِ عَلَى النَّقْدِ سَبَقَ تَصْوِيرُهُ وَبِنَاءُ النَّقْدِ عَلَى التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ لِلْقُنْيَةِ فَيُبْنَى حَوْلُ النَّقْدِ عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ كعكسه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

قال المصنف رحمه الله * (إذا باع عرض التجارة في أثناء الحول بعرض للتجارة لم ينقطع الحول لان زكاة التجارة تتعلق بالقيمة وقيمة الثاني وقيمة الاول واحدة وإنما انتقلت من سلعة الي سلعة فلم ينقطع الحول كمائتي درهم انتقلت من بيت إلى بيت وان باع العرض بالدراهم أو الدنانير نظرت فان باعه بقدر قيمته بنى حول الثمن على حول العرض كما يبنى حَوْلَ الْعَرْضِ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ بَاعَهُ بزيادة مثل أن يشترى العرض بمائتين فباعه في أثناء الحول بثلثمائة ففيه طريقان من أصحابنا من قال يزكي المأتين لحولها ويستأنف الزيادة قولا واحدا وقال أبو إسحق في الزيادة قولان (احدهما) بزكيها لحول الاصل لانه نماء الاصل فيزكى يحول الاصل كالسخال (والثانى) يستأنف الحول بها لانها فائدة غير متولدة مما عنده فلا يزكي بحوله كما لو استفاد الزيادة بارث أو هبة فإذا قلنا يستأنف الحول للزيادة ففى حولها وجهان (أحدهما) من حين ينض لانه لا يتحقق وجودها قبل أن ينض (والثانى) من حين يظهر وهو الاظهر لانه قد ظهر فإذا

نض علمنا انه قد ملكه من ذلك الوقت فان كان عنده نصاب من الدراهم فباعه بالدراهم أو بالدنانير فان فعل ذلك لغير التجارة انقطع الحول فيما باع واستقبل الحول فيما اشترى وإن فعله للتجارة كما يفعل الصيارف ففيه وجهان (أحدهما) ينقطع الحول لانه مال تجب الزكاة في عينه فانقطع الحول فيه بالمبادلة كالماشية (والثانى) لا ينقطع الحول لانه باع مال التجارة للتجارة فلم ينقطع الحول لو باع عرض بعرض) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يَنِضُّ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ هَذَا شَأْنُ التِّجَارَةِ (الثَّانِي) إذَا بَاعَ الْعَرْضَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنْ بَاعَهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَهِيَ رَأْسُ الْمَالِ بَنَى حَوْلَ الثَّمَنِ عَلَى حَوْلِ الْعَرْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا بَنَى حَوْلَ الْعَرْضِ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ فِي اثناء الحول بثلثمائة ففيه طريقان مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُزَكِّي الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ (وَالثَّانِي) يُزَكِّي الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُفْرِدُ الرِّبْحَ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِذَا قُلْنَا يُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ فَفِي ابْتِدَائِهِ وَجْهَانِ مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِ النُّضُوضِ (وَالثَّانِي) مِنْ حِينِ الظهور وهذا الوجه قول ابن سريح وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ هَذَا إذَا أَمْسَكَ النَّاضَّ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ فَلَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ النَّاضَّ فَيَكُونُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يُزَكِّي الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا

نَضَّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَوْ نَضَّ بَعْدَهُ نظران ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَهَرَتْ بَعْدَ تمامه فوجهان حكاهما الرافعى (احدهما) هكذا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا هَذَا كُلُّهُ إذَا صَارَ الْمَالُ نَاضًّا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَمَّا إذَا صَارَ نَاضًّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَبَاعَ الْعَرْضَ بِدَنَانِيرَ فَيُقَوِّمُهَا إذَا انْقَضَى الْحَوْلُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُزَكِّي رِبْحَهَا لِحَوْلِ الْأَصْلِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْعَرْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ دَرَاهِمَ لَا يُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ إلَّا بِهَا فَالدَّنَانِيرُ كَالْعَرْضِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ فِي ضَمِّ الرِّبْحِ إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا كَانَ النَّاضُّ مِنْ جِنْسِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَضَّ مَالُ التِّجَارَةِ وَفِيهِ رِبْحٌ: أَمَّا إذَا حَصَلَ رِبْحٌ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَمْ يَنِضَّ بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَنِضَّ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ وهو يساوى ثلثمائة فيحسب زكاة ثلثمائة عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ رَأْسِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ سواء كانت الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ بِارْتِفَاعِ السُّوقِ وسواء كانت الزِّيَادَةُ فِي الْقِيمَةِ حَاصِلَةً يَوْمَ الشِّرَى أَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ حَتَّى يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ لَحْظَةٍ فَفِي كُلِّ هَذَا يُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى الْأَصْلِ وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ نَمَاءٌ فِي السِّلْعَةِ فَأَشْبَهَ النِّتَاجَ فِي الْمَاشِيَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى الْأَصْحَابُ الْقَطْعَ بِهَذَا لَكِنَّ مَنْ يَعْتَبِرُ النصاب في جميع الحول قَدْ لَا يُسَلِّمُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الرِّبْحِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقُولَ ظُهُورُ الرِّبْحِ فِي أَثْنَائِهِ كَنَضُوضِهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَالَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ (قُلْتُ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احتمال

ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي النِّتَاجِ فَإِنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَاشِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالنِّتَاجُ مَضْمُومٌ إلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا إذَا ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَالرِّبْحُ مَضْمُومٌ إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لَا فِي الْأَوَّلِ كَالنِّتَاجِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْقُنْيَةِ فَبَاعَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التِّجَارَةَ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِالْمَاشِيَةِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ قَصَدَهُ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَحْرِيمٍ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَإِنْ بَاعَهُ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ كَالصَّيْرَفِيِّ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي الْبَيْعِ وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا لِمَا اشْتَرَاهُ فَإِنْ بَاعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَوْلِهِ لِلتِّجَارَةِ انْقَطَعَ حَوْلُهُ وَاسْتَأْنَفَ حَوْلًا آخَرَ لِمَا اشْتَرَاهُ وَهَكَذَا أَبَدًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بَلْ يُبْنَى الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ حَكَوْهُمَا وَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ قَوْلَيْنِ فَقَالَ الْجَدِيدُ يَنْقَطِعُ وَالْقَدِيمُ لَا يَنْقَطِعُ * (فَرْعٌ) لِابْنِ الْحَدَّادِ وَشَرَحَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً أُخْرَى ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قُلْنَا ان الربح من الناض لا يفرد بحول فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِ الْمِائَةِ لِحَوْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ قلنا يفرد فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسِينَ دِينَارًا لِأَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ بِأَرْبَعِينَ مِنْهَا عِشْرُونَ رَأْسُ مَالِهِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ رِبْحٌ اسْتَفَادَهُ يَوْمَ بَاعَ الْأَوَّلَ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى نِصْفِ السِّلْعَةِ فَيُزَكِّيَهُ بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لانه ربح للعشرينين سِتِّينَ وَكَانَ ذَلِكَ كَامِنًا وَقْتَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْعِشْرِينَ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ حَوْلَهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَضُمُّ إلَيْهَا رِبْحَهَا لِأَنَّهُ صَارَ نَاضًّا قَبْلَ تمام حولها فإذا مضت ستة

شهر أُخْرَى فَعَلَيْهِ زَكَاةُ رِبْحِهَا وَهِيَ الثَّلَاثُونَ الْبَاقِيَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي أَخْرَجَ زَكَاتَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا أَيْضًا لِلْحَوْلِ الثَّانِي مَعَ الثَّلَاثِينَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هو قول الْحَدَّادِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ النَّاضَّ لَا يُفْرَدُ رِبْحُهُ بِحَوْلٍ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ ضَعَّفَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يُخْرِجُ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي زَكَاةَ عِشْرِينَ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ عِشْرِينَ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ رِبْحًا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ السِّتِّينَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا اسْتَقَرَّتْ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي فَمِنْهُ يَبْتَدِئُ حَوْلَهَا فِيهِ (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي يُخْرِجُ زَكَاةَ عِشْرِينَ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّ السِّتِّينَ الَّتِي هِيَ رِبْحٌ حَصَلَتْ فِي حَوْلِ الْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ الرِّبْحُ الْأَوَّلُ فَضُمَّتْ إلَيْهَا فِي الْحَوْلِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَبِعْ السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيُزَكِّي عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ خَمْسِينَ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الثَّانِي الْخَمْسِينَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الرِّبْحَ الْأَخِيرَ مَا صَارَ نَاضًّا: وَلَوْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْنِ عرضا فباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ وَبَاعَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسِتِّمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ سِتِّمِائَةٍ وَإِنْ أَفْرَدْنَاهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى مِائَةً فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى زَكَّى الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ هَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَيُزَكِّي عِنْدَ البيع الثاني ما تبين ثُمَّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى مِائَةً ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةٌ أشهر أخرى زكى ثلثمائة وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي زَكَّى الْأَرْبَعَمِائَةِ الْبَاقِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِخَمْسِينَ مِنْهَا فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى مَا دُونَ النِّصَابِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ فَلَوْ اشْتَرَى الْعَرْضَ بِمِائَةٍ فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ اسْتَفَادَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمَّا تَمَّ حَوْلُ الْعَرْضِ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ الْمُسْتَفَادَةَ لَمْ يَتِمَّ حَوْلُهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ ضُمَّتْ إلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّمَا تُضَمُّ إلَيْهِ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْحَوْلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِينَ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مائة درهم

فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَةً أَوَّلَ صَفَرٍ فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَةً ثَالِثَةً فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ عَرْضِهَا نِصَابًا زَكَّاهَا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ قَوَّمَ عرضها فان بلغت قيمته مع الاولي نِصَابًا زَكَّاهُمَا وَإِنْ نَقَصَا عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِنِصَابٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَصَارَ نَاضًّا فِي خِلَالِ الْحَوْلِ نَاقِصًا عَنْ النِّصَابِ فَإِنْ نَضَّ بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَنَضَّ بِغَيْرِهِ دَنَانِيرَ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ تُقَوَّمُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ نَضَّ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ بِأَنْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ كَمَا لَوْ نَضَّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَكَمَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ وَلَمْ يَنِضَّ (وَالثَّانِي) يَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ عَلَى عَيْنِ الدراهم وقد نقص نصابها بخلاف مالو نَضَّ مِنْ غَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْحَوْلَ هُنَاكَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عَيْنِهِ إنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى قِيمَتِهِ وَنِصَابُ الْقِيمَةِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَنِضُّ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَتَمَّ الْحَوْلُ وَهِيَ فِي يَدِهِ قُوِّمَتْ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ كَالْعُرُوضِ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَإِلَّا فَهَلْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْحَوْلِ أَمْ لَا يَسْقُطُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ نِصَابًا لَزِمَهُ الزَّكَاةُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ بِتَبَدُّلِ الْحَوْلِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ الزَّكَاةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى الدَّنَانِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا كَمَا لَوْ كَانَ عَرْضًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَا يَنْتَقِلُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ (وَالثَّانِي) يَنْتَقِلُ وَيَبْطُلُ حول الدراهم حيت لم يبلغ قيمة مافى يَدِهِ نِصَابًا وَالدَّنَانِيرُ فِي نَفْسِهَا فَاعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ الزَّكَاةُ إلَى الدَّنَانِيرِ فَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ يُحْسَبُ حَوْلُ الدَّنَانِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ وَقْتِ التَّقْوِيمِ لِأَنَّ حَوْلَ الدَّرَاهِمِ بَطَلَ عِنْدَ التَّقْوِيمِ وَالثَّانِي مِنْ حِينِ نَضَّتْ الدَّنَانِيرُ هَذَا كَلَامُ البغوي والوجه الاول أصح والله أعلم *

قال المصنف رحمه الله تعالى (إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَرْضِ التِّجَارَةِ وَجَبَ تقويمه لاخراج الزكاة فان اشتراه بنصاب من الاثمان قوم به لانه فرع لما اشترى به فوجب التقويم به وان اشتراه بعرض للقنية قوم بنقد البلد لانه لا يمكن تقويمه باصله فوجب تقويمه بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ قوم باكثرهما معاملة وان كانا متساويين نظرت فان كان باحدهما يبلغ نصابا وبالآخر لا يبلغ نصابا قوم بما يبلغ به لانه قد وجد نصاب تتعلق به الزكاة فوجب التقويم به وإن كان يبلغ بكل واحد منهما نصابا ففيه اربعة أوجه (أحدهما) انه يقوم بما شاء منهما وهو قول ابي اسحق وهو الاظهر لانه لامزية لاحدهما علي الآخر فخير بينهما (والثاني) يقوم بما هو أنفع للمساكين كما إذا اجتمع في النصاب فرضان أخذ ما هو أنفع للمساكين (والثالث) يقوم بالدراهم لانها اكثر استعمالا (والرابع) يقوم بنقد اقرب البلاد إليه لان النقدين تساويا فجعلا كالمعدومين فان قومه ثم باعه بزيادة علي قيمته قبل اخراج الزكاة ففيه وجهان (احدهما) لا يلزمه زكاة تلك الزيادة لانها زيادة حدثت بعد الوجوب فلم تلزمه زكاتها كالسخال الحادثة بعد الحول (والثانى) تلزمه لان الزيادة حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الوجوب فهو بمنزلة الماشية إذا سمنت بعد الحول فانه يلزمه اخراج فرض سمين وان اشتراه بما دون النصاب من الاثمان ففيه وجهان (أحدهما) يقوم بنقد البلد لانه ملكه بما لا تجب فيه الزكاة فاشبه إذا ملكه بعرض للقنية (والثانى) انه يقوم بالنقد الذى اشتراه به لانه اصل يمكن ان يقوم به فيقوم به كما

لو كان نصابا فان حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعَرْضِ فَقُوِّمَ فَلَمْ يَبْلُغْ النصاب لم تجب فيه الزكاة فان زادت قيمته بعد الحول بشهر فبلغت نصابا ففيه وجهان قال أبو اسحق لا تجب الزكاة حتى يحول عليه الحول الثاني مِنْ حِينِ حَالَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَوْلَ يبتدئ من حين الشراء وقد تم الحول وهو ناقص عن النصاب فلم تتعلق به الزكاة وقال أبو علي بن ابي هريرة إذا بلغت قيمته نصابا بعد شهر وجبت فيه الزكاة لانه مضي عليه حول بعد الشراء بشهر وهو نصاب فوجبت فيه الزكاة) * (الشرح) قال اصحابنا رحمهم الله إذَا أَرَادَ التَّقْوِيمَ فَلِرَأْسِ الْمَالِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) يَكُونُ نَقْدًا نِصَابًا بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ درهم أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ بَلَغَ بِهِ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا: فَلَوْ نَقَصَ بِهِ عَنْ النِّصَابِ وَبَلَغَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَرْضًا فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَقَصْدُ التِّجَارَةِ مُسْتَمِرٌّ فَحَالَ الْحَوْلُ وَالدَّنَانِيرُ فِي يَدِهِ وَهِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ وَلَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا بِالدَّرَاهِمِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (قَوْلًا غَرِيبًا) أَنَّ التَّقْوِيمَ أَبَدًا يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كان رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا أَمْ لَا وَحَكَى الشَّيْخُ أبو حامد الماوردى وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ له بالقياس علي مالو أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ لَا بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَاحْتَجَّ الاصحاب للمذهب بان العرض لما فرع

ما اشْتَرَاهُ بِهِ وَإِذَا أَمْكَنَ تَقْوِيمُهُ بِأَصْلِهِ كَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمُتْلَفِ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فَوَجَبَ تَقْوِيمُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نَقْدًا دُونَ نِصَابٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُقَوَّمُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَهُوَ قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى حَوْلُهُ عَلَى حَوْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَمَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا مَلَكَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ فَإِنْ مَلَكَ بِأَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَرْضًا وَهُوَ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ مِائَةً أُخْرَى فَلَا خِلَافَ أن التقويم يَكُونُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ مِلْكِ الدراهم (قلت) ويجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَمْلِكَ بِالنَّقْدَيْنِ جَمِيعًا وَهَذَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا فَيُقَوَّمُ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى نِسْبَةِ التَّقْسِيطِ يَوْمَ الْمِلْكِ وَطَرِيقَةُ تَقْوِيمِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مثل مالو اشْتَرَى الْعَرْضَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَنِصْفُ الْعَرْضِ مُشْتَرًى بِدَنَانِيرَ وَنِصْفُهُ بِدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَثُلُثَاهُ مُشْتَرًى بِدَرَاهِمَ وَثُلُثُهُ مُشْتَرًى بِدَنَانِيرَ وَهَكَذَا يُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخِرِ فَإِنْ نَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا لَبَلَغَ نِصَابًا لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَيَكُونُ حَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حِينِ مِلْكِ ذَلِكَ النَّقْدِ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دون النصاب فان قلنا بقول أبى اسحق إنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ كَالْعَرْضِ يُقَوَّمُ الْجَمِيعُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ كَالنِّصَابِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُقَوَّمُ مَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَمَا قَابَلَ الدَّنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ الْجَمِيعُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَنُصُوصُ زَكَاتِهَا صَرِيحَةٌ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ

فَيُقَوَّمُ مَا مَلَكَهُ بِالنَّقْدِ الَّذِي هُوَ نِصَابٌ بِرَأْسِ مَالِهِ وَمَا مَلَكَهُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِرَأْسِ مَالِهِ (وَالثَّانِي) بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ فِضَّةً قُوِّمَ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا قُوِّمَ بِالْفِضَّةِ أَيْضًا وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ قَرِيبًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آخِرِ حَوْلِهِ وَيَكُونُ حَوْلُ الَّذِي مَلَكَهُ بِنِصَابٍ مِنْ حِينِ مَلَكَ ذَلِكَ النِّصَابَ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْعَرَضَ وَإِذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمُقَوَّمِ بِهِ فَلَا ضَمَّ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَ نقد بان ملك العرض بعرض قُنْيَةٍ أَوْ مَلَكَهُ بِخُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَيُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ واتفق عليه الاصحاب سواء كان دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنْ بَلَغَ بِهِ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَإِنْ نَقَصَ بِهِ عَنْ النِّصَابِ وَبَلَغَ بِنَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْغَالِبِ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ بِالِاتِّفَاقِ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مُتَشَابِهَانِ فِي الرَّوَاجِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ قُوِّمَ بِمَا بَلَغَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بلغ بكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرِينَ من الاصحاب وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ فَيُقَوِّمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لانه لا مزيد لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا سَبَقَ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ (وَالثَّالِثُ) يَتَعَيَّنُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَلِأَنَّهَا أَرْفَقُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ ثَبَتَتْ زَكَاتُهَا بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الِاسْتِدْلَال بَاطِلٌ لِأَنَّ زَكَاةَ الذَّهَبِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالرَّابِعُ) يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فَصَارَا كَالْمَعْدُومَيْنِ فَانْتَقَلَ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ (الْحَالُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا أَوْ غيره

بِأَنْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَبْدَ قُنْيَةٍ فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ يُقَوَّمُ بِهَا وَمَا قَابَلَ الْعَبْدَ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ النَّقْدُ دُونَ نِصَابٍ عَادَ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُقَوَّمُ بِرَأْسِ مَالِهِ (وَالثَّانِي) بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَكَمَا يَجْرِي التَّقْسِيطُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجْرِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ بِأَنْ اشْتَرَى بِنِصَابٍ دَنَانِيرَ بَعْضُهَا صِحَاحٌ وَبَعْضُهَا مُكَسَّرَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَيُقَوَّمُ مَا يَخُصُّ الصَّحِيحَ وَمَا يَخُصُّ الْمَكْسُورَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَوَّمَ الْعَرْضَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كان البيع بعد اخراج الزكاة فلا شئ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهَا تُضَمُّ إلَى الْمَالِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْوُجُوبُ فَأَشْبَهَتْ الْمَاشِيَةَ إذَا سُمِّنَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ سَمِينَةٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابِ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا كَالسِّخَالِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَيُخَالِفُ السِّمَنَ فَإِنَّهُ وَصْفٌ تَابِعٌ وَلَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ أَنْ قَوَّمَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَبَاعَهَا بِنَقْصٍ عَمَّا قَوَّمَهَا بِهِ نُظِرَ إنْ نَقَصَتْ نَقْصًا يَسِيرًا وَهُوَ الْقَدْرُ الذى لا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا زَكَاةُ مَا بِيعَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا قِيمَتُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ نَقْصًا كَثِيرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ بِأَنْ قَوَّمَهَا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثُمَّ نَقَصَتْ فَبَاعَهَا بخمس وَثَلَاثِينَ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي قُوِّمَ بِهَا لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ بِتَفْرِيطِهِ هَكَذَا فَصَّلَهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ البيان *

(فَرْعٌ) إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعَرْضِ فَقُوِّمَ فَلَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَبَلَغَتْ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ والماسرجسي تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ النصاب فخرج عَنْ الْمَاضِي وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَقَدْ زَادَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا إذا وجبت فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَفِي أَكْثَرَ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والاصحاب وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ حَوْلٌ ثَانٍ مِنْ حِينِ حَالَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ انْقَضَى وَلَا زَكَاةَ فِيهِ فَوَجَبَ ان لا يجب شئ حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَشَيْخَهُ الْقَاضِيَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا زَادَ قِيمَتُهُ فَبَلَغَتْ نِصَابًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مَتَى زَادَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ تَمَامِ الثَّانِي فَفِيهِ وجهان * * قال المصنف رحمه الله * (إذا قوم العرض فقد قال في الام يخرج الزكاة مما قوم به وقال في القديم فيه قولان (أحدهما) يخرج ربع عشر قيمته (والثاني) يخرج ربع عشر العرض وقال في موضع آخر لا يخرج الا العين والورق والعرض فمن أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) يخرج من الذى قوم به لان الوجوب يتعلق به (والثانى) يخرج من العرض لان الزكاة تجب لاجله (والثالث) يخير بينهما لان الزكاة تتعلق بهما فيخيره بينهما وقال أبو اسحق فيه قولان (أحدهما) يخرج مما قوم به (والثاني) انه بالخيار فقال أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ (احدهما) يخرج مما قوم به (والثاني) يخرج العرض) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ زَكَاةُ عَرْضِ التِّجَارَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا وَقْصَ فِيهِ كَالنَّقْدِ وَفِيمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ طُرُقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَاصِلُهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَبِهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ مِمَّا قُوِّمَ *

بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ ولا تجزى الْقِيمَةُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ قَدِيمَانِ ضَعِيفَانِ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ (طَرِيقًا رَابِعًا) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَرْضُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ مِمَّا يَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ أَخْرَجَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا فَمِنْ الْقِيمَةِ نَقْدًا * (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ قَالُوا إذَا اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِائَتَيْ قَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ آخِرَ الْحَوْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (قَالُوا) فَلَوْ أَخَّرَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ حَتَّى نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَعَادَتْ إلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ نُظِرَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَقُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ الصَّحِيحِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ ضَمَانِهِ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ كَالْغَاصِبِ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ فَبَلَغَتْ الْقِيمَةُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ كان قبل امكان الاداء وقلنا هو شَرْطُ الْوُجُوبِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي مَالِهِ وَمَالِ الْمَسَاكِينِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكْفِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بَلَغَتْ الْحِنْطَةُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَارَتْ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا

* قال المصنف رحمه الله تعالى * (إذا دفع الي رجل الف درهم قراضا على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صار ألفين بنيت علي ان المضارب متى يملك الربح وفيه قولان (أحدهما) يملكه بالمقاسمة (والثاني) يملكه بالظهور فان قلنا بالاول كانت زكاة الجميع علي رب المال فان أخرجها من عين المال فمن أين تحسب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه تحسب من الربح لانها من مؤن المال فتحتسب من الربح كأجرة النقال والوزان والكيال (والثاني) تحتسب من رأس المال لان الزكاة دين عليه في الذمة في أحد القولين فإذا قضاه من المال حسب من رأس المال كسائر الديون (والثالث) انها تحسب من رأس المال والربح جميعا لان الزكاة تجب في رأس المال والربح في حسب المخرج منهما (وان قلنا) ان العامل يملك حصته من الربح بالظهور وجب علي رب المال زكاة ألف وخمسمائة واخراجها على ما ذكرناه وتجب علي العامل زكاة خمسمائة غير انه لا يلزمه اخراجها لانه لا يدرى هل يسلم له أم لا فلم يلزمه اخراج زكاته كالمال الغائب فان أخرج زكاته من غير المال جاز وان أراد أخراجه من المال ففيه وجهان (أحدهما) ليس له لان الربح وقاية لرأس المال فلا يخرج منه الزكاة (والثاني) ان له ذلك لانهما دخلا علي حكم الاسلام ووجوب الزكاة) *

(الشرح) عامل القراض لا بملك حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَقْدًا قِرَاضًا وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْعَامِلُ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ جَمِيعًا فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى احْتِمَالٍ فِي تَخْرِيجِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَالِكِ فِي نَصِيبِ الْعَامِلِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَوْلُ الرِّبْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ إلَّا إذَا صَارَ نَاضًّا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ثُمَّ إنْ أَخْرَجَ الْمَالِكُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ نَفْسِ مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حُكْمِ الْمُخْرَجِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الرِّبْحِ كَالْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَكَيَّالٍ وَوَزَّانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا أَنَّ فُطْرَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مِنْ الرِّبْحِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وكذا اروش جناياتهم (والثانى) بحسب مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ دَيْنٌ عَلَى الْمَالِكِ فَحُسِبَ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا لَوْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ الْمَالِ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا آخَرَ (وَالثَّالِثُ) يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا تَجِبُ فِيهِمَا فَحُسِبَتْ فِيهِمَا وَيَكُونُ الْمُخْرَجُ كطائفة مِنْ الْمَالِ اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ وَيُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا مِثَالُهُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَتَانِ وَالرِّبْحُ مِائَةٌ فَثُلُثَا الْمُخْرَجِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثُهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ (إنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَكَالْمُؤَنِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِرْدَادٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ (ان قلنا) بالعين فكالمؤن وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْبِنَاءَ وَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِمَرْضِيٍّ قَالَ وَلَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُ الْخِلَافِ عَلَى قَوْلِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ شُيُوعِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ فِي الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا الْعَامِلُ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ حِصَّةِ الْعَامِلِ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحُكْمُ الْإِخْرَاجِ وَالْحَوْلِ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَتْ السِّلْعَةُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ زَكَّى الرِّبْحَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ نَضَّ الرِّبْحُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَهَلْ يُضَمُّ إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ أَمْ يُفْرَدُ بِحَوْلٍ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ثُمَّ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ أَيْنَ يُحْسَبُ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ هَذَا حُكْمُ الْمَالِكِ (وأما)

الْعَامِلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ حَكَاهَا الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَغَيْرُهُمْ الْقَطْعُ بِوُجُوبِهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ قَادِرٌ عَلَى الْفَسْخِ وَالْمُقَاسَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِهِ فَلَزِمَهُ الزَّكَاةُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِي الْحَالِ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لِاحْتِمَالِ الْخُسْرَانِ فَأَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَضَعَّفَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَامِلِ وَفِي ابْتِدَاءِ حَوْلِهِ فِي نَصِيبِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْمَنْصُوصُ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ حِينَئِذٍ (وَالثَّانِي) مِنْ حِينِ يُقَوَّمُ الْمَالُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبْحُ إلَّا بِذَلِكَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ مِنْ حِينِ الْمُقَاسَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ إلَّا مِنْ حِينَئِذٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْعَامِلَ لَا زَكَاةَ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ بَلْ مَالِكٍ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا كَامِلِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَوْلُهُ إلَّا مِنْ الْمُقَاسَمَةِ رُجُوعٌ إلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) حَوْلُهُ حَوْلُ رَأْسِ الْمَالِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا أَيْضًا غَلَطٌ صَرِيحٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَكَيْفَ يُبْنَى مِلْكُهُ وَحَوْلُهُ عَلَى حَوْلِ غَيْرِهِ ولا خلاف ان حول الانسان يبنى على حول غيره لا الْوَارِثُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ المورث والخامس أَنَّهُ مِنْ حِينِ اشْتَرَى الْعَامِلُ السِّلْعَةَ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْعَامِلِ وَنَصِيبُهُ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا لَكِنَّهُ مَعَ جُمْلَةِ الْمَالِ يَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخُلْطَةَ فِي النَّقْدَيْنِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَهَذَا إذَا لَمْ نَقُلْ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْهَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ قَالَ أصحابنا وإذا أوجبنا الزكاة علي الحامل لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورُ فَإِذَا اقْتَسَمَا زَكَّى مَا مَضَى وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ صَاحِبُ الابانة والبيان وَآخَرُونَ عَنْهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ في يده ولا تصرفه فلا يكون أكثر مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي تُرْجَى سَلَامَتُهُ

مسائل تتعلق بزكاة التجارة

وَيُخَافُ تَلَفُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ أَمْ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ يَسْتَقِلُّ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيهِ وَلِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْقِرَاضِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَلَعَلَّهُ يَخْسَرُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ هَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وبهذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مِنْ أَهْلِهَا دُونَ الْعَامِلِ وَقُلْنَا الْجَمِيعُ لِلْمَالِكِ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَكْمُلُ نَصِيبُهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا بِنَصِيبِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَلَا تَصِحُّ خُلْطَتُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ دُونَ الْمَالِكِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهُ لِلْمَالِكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا لِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا أَوْ كَانَ لَهُ مَا يَتِمُّ بِهِ نصاب ولا تثبت الخلطة ولا يجئ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ هُنَا إلَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى إخْرَاجِ زَكَاةٍ مِنْ الْمَالِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَانِعُ مَنْعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَامَلَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أعلم * (فرع) في مسائل تتعلق بزكاة التجارة إحدها إذَا بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ صِحَّةُ بَيْعِهِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا كَبَيْعِ السَّائِمَةِ وَالثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ وَالنَّقْدِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) إنْ قُلْنَا يُخْرِجُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ قُلْنَا يُخْرِجُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَبَاعَهَا قَبْلَ إخْرَاجِ الشَّاةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ سَبَقَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَهَذَا الطَّرِيقُ قَالَهُ (1) وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ بَاعَ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ أَمْ بِقَصْدِ اقْتِنَاءِ الْمَالِ أَمْ بِلَا قَصْدٍ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ صَارَ مَالَ قُنْيَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى الِاقْتِنَاءَ بِلَا بَيْعٍ وَلَوْ وَهَبَ مَالَ التِّجَارَةِ أو أعتق عبدها قال الرافعي هو

_ (1) بياض بالاصل فحرر

كَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْإِعْتَاقَ يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَاشِيَةِ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهَا قَالَ وَلَوْ بَاعَ مَالَ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَإِنْ لَمْ تُصَحَّحْ الْهِبَةُ بَطَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرُ وَفِي الثَّانِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَنِصَابِ الْمَاشِيَةِ وَسَبَقَ حكمه (الثاني) أن لَا يَجِبُ فِي عَيْنِهِ كَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَعْلُوفَةِ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلْ يَكُونُ نِتَاجُهَا مَالَ تِجَارَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يَكُونُ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ قَالُوا وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ نَقَصَتْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَصَارَتْ بِالْوِلَادَةِ ثَمَانَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ جَبَرَ نَقْصُ الْأُمِّ بِالْوَلَدِ وَزَكَّى الْأَلْفَ وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ تِسْعَمِائَةٍ جُبِرَتْ الْمِائَةُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ وَمُقْتَضَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ لَا يُجْبَرُ بِهِ الْأُمُّ كَالْمُسْتَفَادِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثِمَارُ أَشْجَارِ التِّجَارَةِ كَأَوْلَادِ حَيَوَانِهَا فَفِيهَا الْوَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يُجْعَلُ الْأَوْلَادُ وَالثِّمَارُ مَالَ تِجَارَةٍ فَهَلْ يَجِبُ فِيهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا زَكَاةٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نُوجِبُ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ وَلَيْسَ أَصْلًا فِي التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا ضَمَمْنَاهَا إلَى الْأَصْلِ وَجَعَلْنَاهَا مَالَ تِجَارَةٍ فَفِي حَوْلِهَا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) حولها حول الاصل كنتائج السائمة وكلزيادة الْمُتَّصِلَةِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْ رِبْحِ النَّاضِّ فَعَلَى أَحَدِهِمَا ابْتِدَاءُ حَوْلِهَا مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَظُهُورِ الثِّمَارِ (الثَّالِثَةُ) حَكَى الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ فَرْعًا وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِعِشْرِينَ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ زَكَاةُ عِشْرِينَ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِمِائَةٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ فِي الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ قَوْلًا إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ بِتَسَلُّطِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِي الدار فتصرفه معرض للنقص مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ المرأة فيه لا ينقص لَوْ فُرِضَ فُرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ يُتَوَجَّهُ تَفْرِيعُهُ فَالْوَجْهُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرُ عِشْرِينَ دِينَارًا فان ملكه وان كان معرضا في لزوال في الشقص فيبذل في مقابلته عشرون دينار أو عين الْمَالِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَإِنَّمَا المقصود المالية وهى موجودة دائمة في مقدار

باب زكاة المعدن والركاز

عِشْرِينَ دِينَارًا قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهًا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي مَالِيَّةِ الدَّارِ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ كَنُقْصَانِ صِفَةٍ فِي الشقص فيأخذه الشَّفِيعُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الْعِشْرِينَ كَمَا لَوْ نَقَصَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ نَقْصَهُ بِالزَّكَاةِ بِسَبَبِ قَصْدِهِ التِّجَارَةَ لَا في نفسه والله أعلم * (باب زكاة المعدن والركاز) * قال المصنف رحمه الله تعالى * (إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أو في أرض يملكها نصابا من الذهب أو الفضة وجبت عليه الزكاة لان النبي صلى الله عليه وسلم اقطع بلال بن الحرث المزني المعادن القبلية واخذ منه الزكاة فان استخرجها مكاتب أو ذمى لم يجب عليه شئ لانها زكاة والزكاة لا تجب علي مكاتب ولا ذمى وان وجده في أرض مملوكة لغيره فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ فَإِذَا أخذه مالكه وجبت عليه زكاته) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أقطع لبلال ابن الحرث الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَوْ أَثْبَتُوهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إقْطَاعُهُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَعْدِنِ دُونَ الْخُمْسِ وَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مَوْصُولًا فرواه البيهقى عن ربيعة عن الحرث بن بلال بن الحرث عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ وانه أقطع بلال بن الحرث الْعَقِيقَ أَجْمَعَ وَالْمَعَادِنُ الْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ تُصَحَّفُ والفرع بضم الفاء واسكان الراء وبالعين المعجمة بِلَادٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَمُشْتَقٌّ مِنْ الْعُدُونِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى جنات عدن وَسُمِّيَ مَعْدِنًا لِأَنَّ الْجَوْهَرَ يَعْدِنُ فِيهِ أَيْ يُقِيمُ وَقَوْلُهُمْ زَكَاةُ الْمَعْدِنِ أَيْ زَكَاةُ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعْدِنِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ وَشَرْطٌ للذى يجب

عليه ان يكون حرا مسلما والمكاتب وَالذِّمِّيُّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ خِلَافٌ وَهُوَ جَارٍ هُنَا وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ عَبْدًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَلَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ النَّيْلُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ هُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِتَمْلِيكِ السيد فان قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَالْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ والله علم * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْمُسْتَخْرِجِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مَالِكُهُ لَزِمَهُ زَكَاتُهُ * (فَرْعٌ) قال أصحابنا لا يمكن الذمي من حَفْرُ مَعْدِنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا الْأَخْذُ مِنْهَا كَمَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فِيهَا وَلَكِنَّ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ إزْعَاجِهِ يُمَلَّكُهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُهُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَنُعِيدُهُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُمَلَّكُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُبْنَى عَلَى أَنَّ مَصْرِفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَاذَا فَإِنْ أَوْجَبْنَا فِيهِ رُبْعَ الْعُشْرِ فَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْخُمْسَ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) مصرف خمس الفئ وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أُخِذَ مِنْ الذِّمِّيِّ الْخُمْسُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ لَمْ يُؤْخَذْ منه شئ قال الماورى فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ مَمْنُوعًا مِنْ الْمَعْدِنِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَلَّكَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَلَّكُ مَا أَحْيَاهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ ضَرَرَ الْإِحْيَاءِ مُؤَبَّدٌ فَلَمْ يُمَلَّكْ بِهِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ عَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ كسائر الزكوات وإذا قلنا مصرف الفئ فَلَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ الْمُكَاتَبُ مَعْدِنًا أَوْ رِكَازًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ غَنِيمَةً مِنْ الْكُفَّارِ فَيَجِبُ فِيهَا الْخُمْسُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ يَمْلِكُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا أَوَّلًا وَيَمْلِكُ أَهْلُ الْخُمْسِ حِينَئِذٍ الْخُمْسَ وَفِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ يَمْلِكُ كُلَّهُ بِالْوُجُودِ وَلَكِنْ يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحُرِّ إخْرَاجُ وَاجِبِهِ زَكَاةً وَالْمُكَاتَبُ لَا زكاة عليه فيما ملكه كسائر أملاكه هذا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ زَكَاةُ المعدن *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اشْتَرَى الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَرْضًا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ فَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ عَمَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا يتعرض له في واحد منهما * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وُجِدَ شيئا غير الذهب والفضة كالحديد والرصاص والفيروزج والبلور وغيرهما لم تجب فيه الزكاة لانها ليست من الاموال المزكاة فلم بحب فيها حق المعدن وان وجد دون النصاب لم يلزمه الزكاة لانا بينا أن ذلك زكاة فلا يجب في غير النصاب ولانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاعتبر فيه النصاب كالعشر) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ إذَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَقِيقِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ جماهير الاصحاب في الطرق كلها وقال الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي وجوب الزكاة فيها قولين قَالَ وَنَقَلَ الْقَيْصَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَدِيمِ قَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهَا كَالزَّكَاةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا مُنْكَرًا أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي الْمُنْطَبِعَاتِ كَالْحَدِيدِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَقَدْ ثَبَتَ في الذهب والفضة بالاجماع فيه بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُسْتَخْرَجِينَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ النِّصَابُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ اشْتِرَاطُهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) اشْتِرَاطُهُ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ وَاجِبَهُ الْخُمْسُ أَوْ رُبْعُ الْعُشْرِ (إنْ قُلْنَا) رُبْعُ الْعُشْرِ فَالنِّصَابُ شَرْطٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَبِالْقِيَاسِ الذى ذكره المصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وُجِدَ النصاب في دفعات نظرت فان لم ينقطع العمل ولا النيل ضم بعضه إلى بعض في

اتمام النصاب وان قطع العمل لعذر كاصلاح الاداة ضم ما يجده بعد زوال العذر إلى ما وجده قبله وان ترك العمل فيه لغير عذر لم يضم ما وجده بعد الترك الي ما وجده قبله وان اتصل العمل وانقطع النيل ثم عاد ففيه قولان (قال) في القديم لا يضم الثاني الي الاول لانه إذا لم يضم ما وجده بعد قطع العمل الي ما وجده قبله فلان لا يضم ما وجده بعد قطع النيل بغير اختياره وهو المقصود أولي وقال في الجديد يضم لان انقطاع النيل بغير اختياره وانقطاع العمل باختياره) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِ نِصَابِ الْمَعْدِنِ أَنْ يُوجَدَ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ مَا نَالَهُ دَفَعَاتٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمُسْتَخْرَجِ فِي مِلْكِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ هُوَ إدَامَتُهُ في الوقت الذى جرت المعادة بِالْعَمَلِ فِيهِ وَاتِّصَالُ النَّيْلِ هُوَ أَنْ لَا يحفد المعدن وخفده أن يُخَرِّجُ مِنْهُ بِالْعَمَلِ شَيْئًا وَأَمَّا إذَا تَتَابَعَ العمل ولم يتواصل النيل بل خفد الْمَعْدِنُ زَمَانًا ثُمَّ عَادَ النَّيْلُ فَإِنْ كَانَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ يَسِيرًا ضُمَّ أَيْضًا وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كاليومين والثلاثة (قولان) الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ الضَّمُّ (وَالْقَدِيمُ) لَا ضَمَّ وَذَكَرَ المصنف دليلهما أما إذَا انْقَطَعَ الْعَمَلُ وَكَانَ النَّيْلُ مُمْكِنًا بِحَيْثُ لَوْ عَمِلَ لَنَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُضَمَّ سواء طال الزمان أم لا قَصُرَ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ وَإِنْ قُطِعَ لِعُذْرٍ ضُمَّ سواء طال الزمان ام لا مادام التَّرْكُ لِعُذْرٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَى فِيهِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَّ قَالَ وَفِي حَدِّ الطُّولِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ (وَالثَّانِي) ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (وَالثَّالِثُ) يَوْمٌ كَامِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَعْذَارُ كَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَهَرَبِ الْعَبِيدِ والاجراء وهذه أَعْذَارٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عذران (والثانى) لا وقطع الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُمَا مِنْ الْأَعْذَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى حَكَمْنَا بِعَدَمِ الضَّمِّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُضَمُّ إلَى الثَّانِي * وَأَمَّا الثَّانِي فَيُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُضَمُّ إلَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ * (فَرْعٌ) وَلَوْ وَجَدَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابَيْنِ وَبَلَغَ نِصَابًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِهَا وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عليهما الا أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا يُتِمُّ بِهِ النِّصَابَ *

(فَرْعٌ) فِي ضَمِّ الْمَمْلُوكِ مِنْ الْمَعْدِنِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ وَهُوَ مُفَرَّقٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَصَرْتُ كَلَامَهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إذَا نَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ وَهُوَ يَمْلِكُ مِنْ جِنْسِهِ نِصَابًا فَصَاعِدًا فَإِمَّا أَنْ يَنَالَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَوْلِ مَا عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَفِي الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُومًا إلَى مَا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّقْدِ زَكَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَيْضًا فِيمَا نَالَهُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ حَقَّ النَّقْدِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَحَقَّ الْمَعْدِنِ فِيهِ الْأَقْوَالُ: الصَّحِيحُ رُبْعُ الْعُشْرِ * وَأَمَّا إذا ناله قبل تمام الحول فلا شئ عَلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ وَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ فِيمَا وَجَدَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِيمَا عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَفِيمَا نَالَهُ ربع العشر عند تمام حوله وبهذا كان ما يَمْلِكُهُ مِنْ جِنْسِهِ دُونَ نِصَابٍ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَنَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِائَةً نُظِرَ إنْ نَالَهَا بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِ مَا عِنْدَهُ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ فِيمَا نَالَهُ الْوَجْهَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ حَقٌّ وَيَجِبُ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ بِالنَّيْلِ وَعَلَى الثاني لا يجب شئ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يَمْضِيَ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ النَّيْلِ فَيَجِبَ فِي الْجَمِيعِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا نَالَهُ حَقُّهُ وَفِيمَا كَانَ عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ كَمُلَ بِالنَّيْلِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ دُونَ نِصَابٍ فلم يكن في حوله قلت وهذا لوجه الْمَنْسُوبُ إلَى أَبِي عَلِيٍّ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنَّفُ فِي فَصْلِ الرِّكَازِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارُوهُ وَرَجَّحُوهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لا شئ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ نِصَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا إذَا نَالَهُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ الْمِائَةِ فَلَا يَجِبُ في المائة التى كانت عنده شئ بلا خلاف ولا يجئ وَجْهُ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ وَأَمَّا الْمِائَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ المعدن فيجئ فِيهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَقَلَهُ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ مُعْظَمَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَنَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ إذَا كَانَ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ نِصَابٍ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ حَوْلٌ حَتَّى يُفْرَضَ لَهُ وَسَطٌ وَآخِرٌ أَوْ يُحْكَمَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ يَوْمَ النَّيْلِ وَلَا شَكَّ فِي بُعْدِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ للنيل لكن الشَّيْخَ أَبُو عَلِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِنَقْلِهِ وَلَا اخْتَارَهُ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا

نَقَلَهُ مُتَعَجِّبًا مِنْهُ مُنْكِرًا لَهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَلِيٍّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ الْإِفْرَاطِ فِي رَدِّ الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجَعْلُهُ غَلَطًا شَاذًّا لَا يُعْرَفُ لَيْسَ كما قالوه بل هو منصوص ما قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ * وَأَمَّا إذَا كَانَ الذي عنده مال تجارة فيجئ فِيهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ إلَّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ فَإِذَا نَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ شَيْئًا فِي آخِرِ حَوْلِ التِّجَارَةِ فَفِيهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ وَفِي مَالِ التِّجَارَةِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ كَانَ نِصَابًا وَكَذَا إنْ كَانَ دُونَهُ وَبَلَغَ بِالْمَعْدِنِ نِصَابًا وَاكْتَفَيْنَا بِالنِّصَابِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَإِنْ نَالَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ وَإِنْ نَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ نُظِرَ إنْ كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَجَبَ فِي النَّيْلِ حَقُّ الْمَعْدِنِ لِانْضِمَامِهِ إلَى مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَنَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْحَوْلِ الثَّانِي بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَنَّ عَرْضَ التِّجَارَةِ إذَا قُوِّمَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَنَقَصَ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَلَغَ نِصَابًا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ بُلُوغِهِ نِصَابًا أَمْ يُنْتَظَرُ مُضِيُّ الْحَوْلِ الثَّانِي بكماله (فان قُلْنَا) بِالثَّانِي وَهُوَ انْتِظَارُ مُضِيِّ الْحَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ الْوَجْهَانِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُعْتَبَرُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ وَجَدَهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلِ الركاز وفى كلامه مخالفة للراجح في الْمَذْهَبِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الرِّكَازِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ حُكْمُ الْمَعْدِنِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَفَاقَا وَخِلَافًا بلا فرق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (ويجب حق المعدن بالوجود ولا يعتبر فيه الحول في أظهر القولين لان الحول يراد لكمال النماء وبالوجود يصل الي النماء فلم يعتبر فيه الحول كالمعشر وقال في البويطي لا يجب حتى يحول عليه الحول لانه زكاة مال تتكرر فيه الزكاة فاعتبر فيه الحول كسائر الزكوات) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ تَتَكَرَّرُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْشَرِ وَقَوْلُهُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ لَوْ قَالَ

كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ قَوْلَهُ كسائر الزكوات يدخل فيه المعشر ولا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ مَشْهُورَانِ (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (إنْ قُلْنَا) فِيهِ الْخُمُسُ لَمْ يُعْتَبَرْ الْحَوْلُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ والمذهب أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَفِي زَكَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ زَكَاةٌ وَزَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ لِأَنَّهُ مال تجب كالركاز فيه بالوجود فتقدرت زكاته بالخمس كالزكاة (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وجب فيه الخمس وان أصابه بثعب وَجَبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَلَفَ قَدْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُؤَنِ كزكاة الزرع *

(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ مَشْهُورَةٌ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ رُبْعِ الْعُشْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ نَصُّهُ (فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي ضَبْطِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤْنَةِ وَعَدَمِهَا الْحَاجَةُ إلَى الطَّحْنِ وَالْمُعَالَجَةِ بِالنَّارِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا فَمَا احْتَاجَ فَرُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهَا فَالْخُمُسُ * قال المصنف رحمه الله تعالى *

(ويجب اخراج الحق بعد التميز كما قلنا في العشر انه يجب فيه التصفية والتجفيف) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَوْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ بِتُرَابِهِ وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّخْلِيصُ وَالتَّصْفِيَةُ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى السَّاعِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ

الْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ قَالُوا فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاعِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ فَلَوْ مَيَّزَ السَّاعِي الْقَدْرَ الَّذِي قَبَضَهُ وَخَلَّصَهُ مِنْ التُّرَابِ أَجْزَأَ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ اسْتَرْجَعَ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَزِمَ المالك الاتمام ولا شئ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ * وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ السَّاعِي قَبْلَ التَّمْيِيزِ وَغَرِمَهُ فَإِنْ

كَانَ تُرَابَ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ تُرَابَ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاعِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَكَذَا نَقَلَهُ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَحَكَى فِي الْأَمَالِي وَجْهًا عَنْ أَبِي اسحق أَنَّهُ إذَا مَيَّزَهُ السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَ الْإِخْرَاجِ عَلَى هَيْئَةِ الْوَاجِبِ كَمَنْ لَزِمَهُ جَذَعَةُ ضَأْنٍ فَأَخْرَجَ سخلة فبقيت

فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ حَتَّى صَارَتْ جَذَعَةً فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعْدِنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّخْلَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ وَحَقُّ الْمَعْدِنِ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ لَكِنْ مُخْتَلَطٌ بِغَيْرِهِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْرٌ فَأَخْرَجَ رُطَبًا وَبَقِيَ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينِ حَتَّى صَارَ

مسائل تتعلق بالمعدن

تَمْرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الماوردى وغيره وحكى السرخسى فيه وجهان عن أبي اسحق قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُؤْنَةُ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ عَلَى الْمَالِكِ بلا خلاف كمؤنة الحصاد والدباس ولا يحسب شئ مِنْهَا مِنْ مَالِ الْمَعْدِنِ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْمُؤْنَةِ كَانَ آثِمًا ضَامِنًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَلَوْ امْتَنَعَ من التخليض أجبر عليه والله أعلم * (فرع) مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدِنِ (إحْدَاهَا) الْحَقُّ الْمَأْخُوذُ مِنْ وَاجِدِهِ زَكَاةٌ عِنْدَنَا

هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ أَمْ رُبْعُ الْعُشْرِ (وَقِيلَ) إنْ قُلْنَا بِرُبْعِ الْعُشْرِ فَهُوَ زَكَاةٌ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) زَكَاةٌ (وَالثَّانِي) تُصْرَفُ فِي مصارف خمس خمس الفئ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ من أصحابنا وقد سبق عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ * وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَصْرِفِهِ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ مَعْدِنًا أَوْ رِكَازًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْمَوْجُودِ أَوْ (1) يُنْقِصُهُ عَنْ النِّصَابِ فَفِي مَنْعِ الدَّيْنِ زَكَاتَهُمَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي سَائِرِ الزَّكَوَاتِ (الْأَصَحُّ) لَا يُمْنَعُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ قَبْلَ التَّخْلِيصِ

لَا بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ * دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُ التُّرَابِ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ لَهُ فِي بَقَائِهِ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَافَقَ عَلَيْهِ * وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِجَوَازِ بَيْعِ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بَيْعُ الذَّهَبِ مُخْتَلَطًا بِالْفِضَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَأَمَّا إذَا بَاعَ تُرَابَ الْمَعْدِنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَأَخَذَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ثُمَّ وُجِدَ فِيهِ فُتَاتٌ يَسِيرٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ التُّرَابِ دُونَ مَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ يَجُوزَ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فيه شئ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي جَلَاءِ الصُّفْرَةِ (الرَّابِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعْدِنِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا اخْتِصَاصُ الْوُجُوبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مُنْطَبِعٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَفِي الزِّئْبَقِ رِوَايَتَانِ وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ وَاجِبَ الْمَعْدِنِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَحْمَدَ واسحق وابو ثور * وقال أبو حنيفة الخمس وحكاه (1) ابن الزهري وابو عبيد واصحاب الرأى وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا فِي الْمَعْدِنِ زَكَاةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ في وَالنِّصَابُ عِنْدَنَا شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ دَاوُد وَالْمُزَنِيُّ يُشْتَرَطُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ سَبَقَ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا حَقُّ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ صَرْفُهُ إلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ دُونَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ

أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ جَمِيعُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ والذمى إذا اخذا من المعدن شيئا فلا شئ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَمُؤْنَةُ تَخْلِيصِ نَيْلِ الْمَعْدِنِ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُ كَأُجْرَةِ نَقْلِ الْغَنِيمَةِ وَبِنَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ كَالْغَنِيمَةِ وَعِنْدَنَا هُوَ زَكَاةٌ كَمُؤْنَةِ الْحَصَّادِينَ وَلَوْ وَجَدَ الْمَعْدِنَ فِي مِلْكِهِ وَجَبَ فِيهِ الْحَقُّ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ وَبِهِ قال ملك وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يَحُولَ حَوْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (ويجب في الركاز الخمس لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وفى الركاز الخمس) ولانه اتصل إليه من غير تعب ولا مؤنة فاحتمل فيه الخمس ولا يجب ذلك إلا علي من تجب عليه الزكاة لانه زكاة ولا تجب إلا فيما وجد في موات أو مملوك لا يعرف مالكه لان الموات لا مالك له وما لا يعرف مالكه بمنزلة مالا مالك له فأما إذا وجده في أرض يعرف مالكها فان كان ذلك لحربي فهو غنيمة وان كان لمسلم أو لمعاهد فهو لمالك الارض فان لم يدعه مالك الارض فهو لمن انتقلت الارض منه إليه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرِّكَازُ هُوَ الْمَرْكُوزُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْمَثْبُوتُ وَمِنْهُ رَكَزَ رُمْحَهُ يَرْكُزُهُ بِضَمِّ الْكَافِ إذَا غَوَرَهُ وَأَثْبَتَهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِلَا خِلَافٍ عندنا قال المنذر وبه قال جميع لعلماء قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ إنْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا علي من عليه الزكاة سواء كان رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَحُكْمُ وُجُودِ الْعَبْدِ مَا سَبَقَ فِي الْمَعْدِنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى مُكَاتَبٍ وَذِمِّيٍّ وَفِيهِمَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَحْكِ عَنْهُ خِلَافَهُ بَلْ زَادَ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَهَذَا لَفْظُهُ فِي الْأَشْرَافِ قَالَ: قَالَ كل ما أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ان سبيل الركاز سبيل الفئ لَا سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ

غَرِيبٌ مَرْدُودٌ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ كَمَا لَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَمْلِكُ الرِّكَازَ كَمَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وحكى الماوردى عن سفين الثوري ان المرأة والعبد ولصبي لَا يَمْلِكُونَ الرِّكَازَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الرِّكَازَ كسب لو اجده وهولاء مِنْ أَهْلِ الِاكْتِسَابِ كَمَا يَكْسِبُونَ بِالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَإِذَا مَلَكُوا بِالِاكْتِسَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الرِّكَازُ فقال أصحابنا له حالان (حداهما) أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْمُرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عهد فهو ركاز سواء كان مَوَاتًا أَوْ مِنْ الْقِلَاعِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي عَمَرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَقِيلَ رِكَازٌ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُقَطَةٌ (وَالثَّانِي) رِكَازٌ وَلَوْ وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلُقَطَةٌ هَذَا هو المذهب وهب قطع البغوي والجمهور قال الرافعي ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ رِكَازٌ وَمَا عَدَا هَذَا الْمَوْضِعَ قِسْمَانِ مَمْلُوكٌ وَمَوْقُوفٌ والملوك نَوْعَانِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ فِيهِ كَنْزًا لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَاجِدُ بَلْ إنْ دعاه مَالِكُ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ كَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي فِي دَارِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كونه بلايمين مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ مِلْكُ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَلِمَنْ قَبْلَهُ وهكذا حتي ينتهى الي الذى احي الْأَرْضَ فَيَكُونَ لَهُ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ أَمْ لَا لان بالاحياء ملك مافى الْأَرْضِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مدفون منقول لا يعد جزء مِنْ الْأَرْضِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي انْتَقَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ مَيِّتًا فَوَرَثَتُهُ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لِمُوَرِّثِنَا وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ سُلِّمَ إلَى الْمُدَّعِي نَصِيبُهُ وَسُلِكَ بِالْبَاقِي مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ قَالَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً قَالَ وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِأَنَّ الرِّكَازَ يُمْلَكُ

بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْقَفَّالُ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَ ملك الركاز بالاحياء علي مالو دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارًا فَأَغْلَقَ صَاحِبُهَا الْبَابَ لَا عَلَى قَصْدِ ضَبْطِهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهَا لَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهَا كَذَلِكَ الْمُحْيِي لَا يَمْلِكُ الْكَنْزَ لَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَجَبَ طَلَبُهُ وَرَدُّ الْكَنْزِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ أَوْلَى بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ كَمَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا فَفَتَحَ الباب وافلقت مَلَكَهَا مَنْ اصْطَادَهَا قُلْتُ وَهَذَا احْتِمَالٌ أَبْدَاهُ إما الْحَرَمَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْكَنْزَ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ كَالْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمُحْيِي لَا يَمْلِكُ الْكَنْزَ بِالْإِحْيَاءِ فَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَخْرَجَ الْخُمُسَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فَإِذَا احْتَوَتْ يَدُهُ عَلَى الْكَنْزِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِلْأَرْضِ وَقَدْ مَضَتْ سُنُونَ وَجَبَ إخْرَاجُ خُمُسِ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَلَكَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ السِّنِينَ إلَى أَنْ صَارَ فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ فيه الخالاف

لسابق فِي الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَفِي الْخُمُسِ كَذَلِكَ إنْ قُلْنَا لَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِنْ عَلَّقْنَاهَا بِهَا فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ زَكَاةِ الْمَوَاشِي فِيمَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَتَكَرَّرَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَإِنْ كَانَ أَحْيَاهَا فَمَا وَجَدَهُ رِكَازٌ وَعَلَيْهِ خُمُسُهُ وَالْبَاقِي لَهُ وَيَجِبُ الْخُمُسُ فِي وَقْتِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى احتمال الامام الذي سبق بيانه ولصحيح مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ بَلْ يلزمه عرضه على من ملك الارض عنه ثُمَّ الَّذِي قَبْلَهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ ثُمَّ هَكَذَا يَنْتَهِي إلَى الْمُحْيِي كَمَا سَبَقَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً فَالْكَنْزُ لِمَنْ في يده الارض كذا ذكره البغوي (الحال الثَّانِيَةُ) أَنْ يَجِدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَنْظُرَ إنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ فَإِنْ كَانُوا لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ فَهُوَ كَمَوَاتِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غَنِيمَةٌ وَلَا يُخْمَسُ بَلْ كُلُّهُ لِلْوَاجِدِ * وَقَالَ مَالِكٌ يكون بين الجيش وقال الاوزارعى يُؤْخَذُ خُمُسُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَيْشِ * دَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ فَقَدْ وَافَقُونَا فِيهَا وان كانوا يذبون عنه ذَبِّهِمْ عَنْ الْعُمْرَانِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ رِكَازٌ كَاَلَّذِي لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هُوَ كَعُمْرَانِهِمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُمْ نُظِرَ إنْ أُخِذَ بِقَهْرٍ وَقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَنُقُودِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ فَيَكُونُ خُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ واربعة أخماسه لواحده وَإِذَا أُخِذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا قَهْرٍ فَهُوَ فئ ومستحقه أهل الفئ كذا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٍ أَمَّا إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْكَنْزِ لَا بِقِتَالٍ وَلَا بِغَيْرِهِ كما ليس له خيانتهم في أمتعتهم فان أخذه لَزِمَهُ رَدَّهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ قَالَ ثُمَّ فِي كَوْنِهِ فَيْئًا إشْكَالٌ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَهُمْ بِلَا قِتَالٍ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ خُفْيَةً فَيَكُونُ سَارِقًا وَإِمَّا جِهَارًا فَيَكُونُ مُخْتَلِسًا وكالاهما مِلْكٌ خَاصٌّ لِلسَّارِقِ وَالْمُخْتَلِسِ قَالَ وَتَأْيِيدُ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بأنه غنيمة منهم الصيد لانى وابن الصباغ قلت وكذا اطلق المصنف آخرون أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَحَيْثُ قُلْنَا غَنِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ وَجَدَهُ اخْتَصَّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي جَيْشٍ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَيْشِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ وُجِدَ فِي قَبْرٍ جَاهِلِيٍّ أَوْ فِي خَرِبَةٍ فَهُوَ رِكَازٌ

(فَرْعٌ) إذَا وُجِدَ الرِّكَازُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَعُرِفَ مَالِكُ أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ رِكَازًا وَلَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ بل يجب حفظه حتى يجئ صَاحِبُهَا فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَجِيئِهِ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا كَانَ لُقَطَةً كَمَا لَوْ وُجِدَ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ضَرْبَ الْإِسْلَامِ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَكَانَ لُقَطَةً كَالثَّوْبِ الْمَوْجُودِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا وُجِدَ فِي مِلْكٍ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إذَا بَنَى كَافِرٌ بِنَاءً وَكَنَزَ فِيهِ كَنْزًا وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَعَانَدَ فَلَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ هَلَكَ وَبَادَ أَهْلُهُ فَوُجِدَ ذَلِكَ الْكَنْزُ كَانَ فَيْئًا لَا رِكَازًا لِأَنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ أَمْوَالُ الْجَاهِلِيَّةِ الْعَادِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ هَلْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةٌ أَمْ لَا فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُمْ فمالهم فئ فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَا سَبَقَ قَالَ لِأَنَّهُ مَالُ مُشْرِكٍ رَجَعَ إلَيْنَا بِلَا قِتَالٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَنْزُ رِكَازًا إذَا لم يعلم حاله وهل بلغته الدعوة يحل ماله أم لا فلا فيحل * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ إنْسَانًا أَرْضًا فَظَهَرَ فِيهَا رِكَازٌ فَهُوَ لِلْمُقْطَعِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِقْطَاعِ كَمَا يَمْلِكُهَا بِالشِّرَى وَكَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا فَوَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَإِنَّهُ لِلْمُحْيِي سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ هَذَا كَلَامُهُ وَمُرَادُهُ أَقْطَعَهُ الْأَرْضَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَتِهَا وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَلَكَهَا سَوَاءٌ عَمَّرَهَا أَمْ لَا فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَهُوَ لِلْمُقْطَعِ قَالَ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لنصه *

(فَرْعٌ) لَوْ تَنَازَعَ بَائِعُ الدَّارِ وَمُشْتَرِيهَا فِي رِكَازٍ وُجِدَ فِيهَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي وَأَنَا دَفَنْتُهُ وَقَالَ الْبَائِعُ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ مَلَكْتُهُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ تَنَازَعَ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ أَوْ مُؤَجِّرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ هَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي والمستعير المستأجر بِأَيْمَانِهِمْ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمْ فَهُوَ كَالنِّزَاعِ فِي مَتَاعِ الدَّارِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَرْضِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ هَذَا إذَا اُحْتُمِلَ صِدْقُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يُحْتَمَلُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ فَلَا يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْيَدِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ لَمْ يَدْفِنْهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَقَعَ نِزَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ رُجُوعِ الدَّارِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ فَإِنْ قَالَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ أَنَا دَفَنْتُهُ بَعْدَ عَوْدِ الدَّارِ إلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ قَالَ دَفَنْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّارِ مِنْ يَدِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) الْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ الْمَالِكَ اعْتَرَفَ بِحُصُولِ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فيده تنسسخ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمِلْكُ مُسْتَطْرَقًا يَسْتَوِي النَّاسُ فِي اسْتِطْرَاقِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِيهِ تَأَمُّلٌ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي حُكْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) إذَا وَجَدَ غَيْرُ مَالِكِ تِلْكَ السَّاحَةِ الْكَنْزَ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكُ الْأَرْضِ مُحْيِيًا ابْتِدَاءً وَجَهِلْنَا مُحْيِيهَا فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَاجِدِ أَخْذُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْهُ فِي مَكَان مُبَاحٍ لَا اخْتِصَاصَ بِهِ لاحد

وَهَذَا شَرْطٌ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا فَالِاسْتِطْرَاقُ شَائِعٌ وَالْمَنْعُ زَائِلٌ وَلَيْسَ مَالِكُ الْأَرْضِ مُحْيِيًا قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْوَاجِدَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي حُكْمِ التَّنَازُعِ فَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَا وَضَعْتُهُ فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَالِكُ الْأَرْضِ لِلْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ (وَالثَّانِي) الْوَاجِدُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْكَنْزِ فِي الْحَالِ وَلَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ إخْرَاجِ الْكَنْزِ مِنْ الْأَرْضِ صُدِّقَ مَالِكُ الارض بيمينه بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَلَا يَجِبُ الا في مال جاهلي يعلم ان مثله لا يضرب في الاسلام لان الظاهر انه لم يملكه مسلم الي أن وجده وان كان من ضرب الاسلام كالدراهم الاحدية وما عليه اسم المسلمين فهو لقطة وان كان يمكن أن يكون من مال المسلمين ويمكن أن يكون من مال الجاهلية بأن لا يكون عليه علامة لاحد فالمنصوص انه لقطة لانه يحتمل الامرين فغلب حكم الاسلام ومن أصحابنا من قال هو ركاز لان الموضع الذى وجد فيه موات يشهد بأنه ركاز) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْكَنْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوَاتِ وَنَحْوُهُ مِمَّا سَبَقَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمٌ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَاتِ فَهَذَا رِكَازٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِوَاجِدِهِ (وَالثَّانِي) أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ أَوْ آيَةٌ أَوْ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالدَّرَاهِمِ الْأَحَدِيَّةِ بِتَخْفِيفِ الْحَاء وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا (قُلْ هو الله أحد) فَهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ عَلِمَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَطَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ بِأَنَّهُ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ سَنَةً ثم يتملكه ان لم يظهر مالكه (والطريق الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَكُونُ لُقَطَةً بَلْ يَحْفَظُهُ عَلَى مَالِكِهِ أَبَدًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يُمْسِكُهُ الْوَاجِدُ أَبَدًا وَأَنَّ لِلسُّلْطَانِ حِفْظَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ حِفْظَهُ أَبَدًا فَعَلَ وَإِنْ رَأَى اقْتِرَاضَهُ لِمَصْلَحَةٍ فَعَلَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَمْلِكُهُ الواجد بحال قال أَبُو عَلِيٍّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَسْقُطُ مِنْ مَالِكِهَا فِي مَضِيعَةٍ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ لِوَاجِدِهَا تَمَلُّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي أَخْذِهَا وَحِفْظِهَا وَأَمَّا الْكَنْزُ الْمَذْكُورُ فَمُحْرَزٌ بِالدَّفْنِ غَيْرُ مُضَيَّعٍ فَأَشْبَهَ الْإِبِلَ الْمُمْتَنِعَةِ مِنْ السِّبَاعِ إذَا وَجَدَهَا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِلتَّمَلُّكِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ طَيَّرَتْ

الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ أَوْ حِجْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو عَلِيٍّ غَيْرَهُ فِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ وَقَالَ الثَّوْبُ الْمَذْكُورُ لُقَطَةٌ يُعَرَّفُ وَيُمَلَّكُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْكَنْزَ الْمَذْكُورَ لُقَطَةٌ قَالَ إمَامُ الحرمين ولو انكشفت الارض عن كنز بِسَيْلٍ وَنَحْوِهِ فَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ وَهَذَا الْمَالُ الْبَارِزُ ضَائِعٌ قَالَ وَاللَّائِقُ بِقِيَاسِهِ أَنْ لَا يُثْبِتَ الْتِقَاطَهُ لِلتَّمَلُّكِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِ الْوَضْعِ كَمَا حَكَيْنَا عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَصَرَّحَ بِأَنَّ مَا ظَهَرَ بِالسَّيْلِ فَوَجَدَهُ إنْسَانٌ كَانَ رِكَازًا قَطْعًا قَالَ وَلَوْ رَآهُ ظَاهِرًا وَشَكَّ هَلْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ أَمْ كَانَ ظَاهِرًا بِغَيْرِ السَّيْلِ فَهَلْ هُوَ لُقَطَةٌ أَمْ رِكَازٌ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَكَّ هَلْ هُوَ دَفْنُ إسْلَامٍ أَمْ جَاهِلِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَوْجُودِ عَلَامَةٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ دَفْنِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ وُجِدَتْ مِثْلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ حُلِيًّا أَوْ إنَاءً فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَوْلًا وَوَجْهًا وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ رِكَازٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ يَكُونُ رِكَازًا وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَبِهِ قَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ والمصنف والباقون لانه مملوك فلا يستباح الابيقين وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ هُنَا رِوَايَتَانِ حكاهما الرافعي (احداهما) مُوَافَقَةُ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِهِ لُقَطَةً (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ كَمَا قَالَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ مُدَارٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبِهِمْ وَيَدْفِنُهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ وَأَخَذَهُ وَمَلَكَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي لَا عَلَامَةَ فِيهِ يَكُونُ لُقَطَةً فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ رِكَازٌ فَالْحُكْمُ مُدَارٌ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (ويجب حق الركاز في الاثمان وفى غير الاثمان قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ لانه حق مقدر بالخمس فلم يختص بالاثمان كخمس الغنيمة (وقال) في الجديد لا يجب لانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاختص بالاثمان كحق المعدن ولا يعتبر فيه الحول لان الحول يعتبر لكامل النماء وهذا لا يتوجه في

الركاز وهل يعتبر فيه النصاب فيه قولان (قال) في القديم يخمس قليله وكثيره لان مأخمس كثيره خمس قليله كالغنيمة (وقال) في الجديد لا يخمس ما دون النصاب لانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاعتبر فيه النصاب كحق المعدن) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ إذَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَجَبَ فيه الخمس سواء كان مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَهُ وَفِي غَيْرِهِمَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ نصه في الام والاملاء من كتبه الجديد لا يجب (والثانى) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْبُوَيْطِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَمَّا الْحَوْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَأَمَّا النِّصَابُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ اشْتِرَاطُهُ قَطْعًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ) اشْتِرَاطُهُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يُشْتَرَطُ * وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ وَكَوْنُهُ نِصَابًا ذَهَبًا وَفِضَّةً شَرْطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْوَاجِدُ لَخَمَّسْتُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَوْ وَجَدْتُ فُخَّارَةً لَخَمَّسْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ لَا انه واجب قال أصحابنا وإدا أَوْجَبْنَا الْخُمُسَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَخَذَ خمس الموجود لا قيمته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (فعلى هذا يعنى إذا شرطنا النصاب إذا وجد مائة درهم ثم وجد مائة اخرى لم يجب الخمس في واحد منهما وان وجد دون النصاب وعنده نصاب من جنسه نظرت فان وجد الركاز مع تمام الحول في النصاب الذى عنده ضمه إلي ما عنده وأخرج الخمس من الركاز وربع العشر من النصاب لان الحول لا يعتبر في الركاز فيصير الركاز مع النصاب كالزيادة مع نصاب حال الحول عليهما وان

وجده بعد الحول علي النصاب ضمه عليه لان الحول قد حال علي ما معه والركاز كالزيادة التى حال عليها الحول وان وجده قبل الحول علي النصاب لم يخمس لان الركاز كبعض نصاب حال عليه الحول وإذا تم حول البعض ولم يتم حول الباقي لم تجب الزكاة فإذا تم حول النصاب أخرج زكاته وإذا تم حول الركاز من حين وجده أخرج عنه ربع العشر وسقط الخمس فأما إذا كان الذى معه أقل من النصاب فان كان وجد الركاز قبل تمام الحول علي ما معه لم يضم إليه بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا تم الحول أخرج الزكاة وإن وافق وجود الركاز حال حول الحول فالمنصوص في الام انه يضم إلى ما عنده فإذا بلغ النصاب أخرج من الركاز الخمس ومن الذى معه ربع العشر لان الركاز لا يعتبر فيه الحول فيجعل كالموجود معه في جميع الحول ومن اصحابنا من قال لا يضم بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا حال الحول أخرج عنهما ربع العشر) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ إلَى آخِرِ الْبَابِ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي فَصْلِ الْمَعْدِنِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ فِي تَتْمِيمِ النِّصَابِ وَجَمِيعِ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ سَوَاءٌ وِفَاقًا وَخِلَافًا بِلَا فَرْقٍ هَذَا إذَا شَرَطْنَا النِّصَابَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَوَاضِعَ جَزَمَ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ مَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مِنْ الرِّكَازِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَ مِائَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ كمل النصاب فاذاتم لَزِمَهُ رُبُعُ الْعُشْرِ كَسَائِرِ

مسائل تتعلق بالركاز

النُّقُودِ الَّتِي يَمْلِكُهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الرِّكَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالرِّكَازِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ حُكْمُهُ فِي الْمَعْدِنِ كَمَا سَبَقَ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وَجَدَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَدَّمْنَاهُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ احْتِمَالُ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لِلْمُسْلِمِينَ فهو كما لهم الضَّائِعِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَأَخَذَهُ فَفِي أَخْذِ حَقِّ الرِّكَازِ مِنْهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الْمَعْدِنِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ رِكَازٌ فَلَمْ يَدَّعِهِ وَادَّعَاهُ اثْنَانِ فَصَدَقَ أَحَدُهُمَا سُلِّمَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَدَ مِنْ الرِّكَازِ دُونَ النِّصَابِ وَلَهُ دَيْنٌ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا وَجَبَ خُمُسُ الرِّكَازِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَوْ مَدْفُونًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا وَالرِّكَازُ نَاقِصٌ لَمْ يُخْمَسْ حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَةَ مَالِهِ وَحِينَئِذٍ يُخْمَسُ الرِّكَازُ النَّاقِصُ عَنْ النِّصَابِ سَوَاءٌ بَقِيَ الْمَالُ أَمْ تَلِفَ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ يَوْمَ حُصُولِ الرِّكَازِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الزَّكَوَاتِ وَهُوَ زَكَاةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ خمس خمس الفئ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَجْهًا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَأَخْرَجَ خُمُسَهُ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ اسْتِرْجَاعُ الرِّكَازِ مِنْ وَاجِدِهِ مَعَ خُمُسِهِ الْمُخْرَجِ وَلِلْوَاجِدِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْخُمُسِ عَلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ فعه إلَيْهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى أَهْلِ السَّهْمَانِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ كَانَ تَالِفًا فِي يَدِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ضَمَّنَهُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ وَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ خِيَانَةٍ ضَمَّنَهُ فِي مَالِهِ (السَّادِسَةُ) في مذاهب الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ الرِّكَازِ

ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ النِّصَابِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن مالك واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَبِهِ قَالَ جل اهل العمل قَالَ وَهُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَقُّ الرِّكَازِ فِي غَيْرِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ فِي كُلِّ مَوْجُودٍ رِكَازٌ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مالك واحمد واسحق وأبو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ من مذهبنا انه لا شئ عَلَيْهِ فِي الرِّكَازِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أن عليه الخمس كالمسلم ونقل عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا حِكَايَتَهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالرِّكَازُ الْمَوْجُودُ فِي مَوَاتِ دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ يَمْلِكُهُ وَاجِدُهُ عِنْدَنَا كَمَوَاتِ دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ مَالِكٌ يَكُونُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ لَا لِلْوَاجِدِ (وَأَمَّا) الْمَوْجُودُ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَرِكَازٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غنيمة ولا شئ فيه بل كله لو اجده بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ غَنِمَ وَحْدَهُ فَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ وَمَصْرِفُ الرِّكَازِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ عندنا * وقال أبو حنيفة مصرف الفئ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَالرِّكَازُ الْمَوْجُودُ فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَكُونُ لِسَاكِنِهِ عِنْدَنَا إذَا ادَّعَاهُ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ يَكُونُ لو اجده والله أعلم *

باب زكاة الفطر

(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ) يُقَالُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاء لَا غَيْرُ وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ التى هي الخلقة أي زكاة الخلقة ومن ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الْحَاوِي * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ)) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وحكي صاحب الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ وَالْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ * وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَتُسَمَّى وَاجِبَةً وَفَرْضًا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَمَّارٍ عَرِيبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ابن حُمَيْدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي عَمَّارٍ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِنْ صَحَّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ سَبَقَ الْأَمْرُ بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ وُجُوبِهَا (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَأْمُرْنَا لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ سَبَقَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَمُّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي وَقْتِ شَرْعِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا وَجَبَتْ بِهِ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ وهو الظواهر التى في كتاب السنة لِعُمُومِهَا فِي الزَّكَاتَيْنِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِغَيْرِ مَا وَجَبَتْ بِهِ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا سَابِقٌ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ أَمْ بِالسُّنَّةِ فَقِيلَ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ قَيْسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ بالقرآن وانما السنة مبينة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

(ولا يجب ذلك الاعلي مسلم فاما الكافر فانه ان كان أصليا لم تجب عليه للخبر وان كان مرتدا فعلي ما ذكرناه في أول الكتاب من الاقوال الثلاثة (وأما) المكاتب فالمذهب أنها لا تجب عليه لانه لا يلزمه زكاة المال فلا يلزمه زكاة الفطر كالكافر ومن أصحابنا من قال تلزمه لان زكاة الفطر تابعة للنفقة ونفقته علي نفسه فكذلك فطرته وهذا يبطل بالذمي فان نفقته على نفسه ولا تلزمه الفطرة ولا تجب إلا على من فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وقت الوجوب ما يؤدى في الفطرة فان لم يفضل عن نفقته شئ لم تلزمه لانه غير قادر فان فضل بعض ما يؤديه ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لانه عدم بعض ما يؤدى به الفرض فلم يلزمه كما لو وجبت عليه كفارة وهو يملك بعض رقبة (والثاني)

يلزمه لانه لو ملك نصف عبد لزمه نصف فطرته فإذا ملك نصف الفرض لزمه أخراجه في فطرته) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا شُرُوطُ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ ثَلَاثَةٌ الاسلام والحرية واليسار (فلاول) الْإِسْلَامُ فَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ أَوْ متولدة مُسْلِمَةٌ فَفِي وُجُوبِ فِطْرَتِهِمْ عَلَيْهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَهُنَاكَ نُوضِحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ

قال امام الحرمين لاصائر إلَى أَنَّ الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ يَنْوِي بَلْ يَكْفِي إخْرَاجُ الْكَافِرِ وَنِيَّتُهُ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ تَحْتَ ذِمِّيٍّ وَدَخَلَ وَقْتُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ فِي حَالُ تَخَلُّفِ الزَّوْجِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِي مُدَّةِ التَّخَلُّفِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا فَلَا فِطْرَةَ وَإِلَّا فَالْفِطْرَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِطْرَتُهُ كَزَكَاةِ مَالِهِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَزُولُ فَلَا تَجِبُ زَكَاةٌ وَلَا فِطْرَةٌ (وَالثَّانِي) يَبْقَى فَيَجِبَانِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَهُ فَيَجِبَانِ وَإِلَّا فَلَا وَحُكْمُ فِطْرَةِ الرَّقِيقِ الْمُرْتَدِّ حُكْمُ فِطْرَةِ السَّيِّدِ الْمُرْتَدِّ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ هَذَا كُلُّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْكَافِرِ بِالْإِخْرَاجِ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا أَصْلُ الخطاب

فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الاجماع أن الكافر لافطرة عليه لنفسه (الشرط الثَّانِي) الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَ عَلَى الرَّقِيقِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا فِطْرَةُ غَيْرِهِ وَلَوْ مَلَكَهُ السَّيِّدُ عَبْدًا وقلنا بملكه سَقَطَتْ فِطْرَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرْخَسِيَّ فَحَكَيَا قَوْلًا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَهَذَا

شاذ باطل (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يُسَمِّيهَا أَقْوَالًا وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضعيف وسيده لا تلزمه نفقته (والثاني) تجب عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ تَبَعًا لِلنَّفَقَةِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ عَنْهُ

حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ عَنْ السَّيِّدِ لِاسْتِقْلَالِ الْمُكَاتَبِ بِاكْتِسَابِهِ وَلِأَنَّهَا تَكْثُرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ هَلْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ تَجْرِي فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ وَالصَّحِيحُ لَا يَلْزَمُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ فِطْرَةَ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ كَنَفْسِهِ وَفِي وُجُوبِهَا الخلاف (الصحيح) لا تلزمه (واما) المدبر والمستولدة فكالقن فتجب فطرته على سيده لاعلي نَفْسِهِ وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَى مالك بعضه أن تَكُنْ مُهَايَأَةٌ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) الْيَسَارُ فَالْمُعْسِرُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِحَالِ الْوُجُوبِ فَمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ

صاع فهو موسر وان لم يفضل شئ فهو معسر ولا يلزمه شئ فِي الْحَالِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَيْسَرَ عَقِبَ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِلَحْظَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ قَالَ الشافعي والاصحاب لكن يستحب لَهُ الْإِخْرَاجُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ أَيْسَرَ يَوْمَ الْعِيدِ لَزِمَهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْيَسَارَ شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا على أن طرءآن الْإِسْلَامِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَذَلِكَ الْيَسَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى بَعْضِ الرَّقَبَةِ غَلَطٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ والفرق بينه وبين الكفارة

مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ لَهَا بَدَلًا (وَالثَّانِي) أَنَّ بَعْضَ الرَّقَبَةِ لَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَبَعْضُ الصَّاعِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفُهُ لِمُعْسِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ومن فضل عن قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ مَا يَخْرُجُ فِي الْفِطْرَةِ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مُوسِرٌ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ضَبْطِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ وَزَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَاعْتَبَرَ كَوْنَ الصَّاعِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدِهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ وَقَالَ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَا يُحْسَبُ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا نَظَرْتَ كُتُبَ الْأَصْحَابِ لَمْ تَجِدْ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ كَالْبَيَانِ وَالِاسْتِدْرَاكِ لَمَّا أَهْمَلَهُ الْأَوَّلُونَ وَرُبَّمَا اسْتَشْهَدْتُ بِكَوْنِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا دَسْتَ ثوب يكتسيه وَلَا شَكَّ فِي اعْتِبَارِهِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مُبْقًى عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ لَكِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ حَكَى وَجْهًا أَنَّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ لَا يُبَاعُ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا لَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يُشْتَرَطُ في الفطرة كونه فاضلا عن كِفَايَتِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ قُوتُ يَوْمِهِ كَالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مَا يَقْتَضِي وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَ الْأَبَ فِطْرَتُهُ كَفِطْرَةِ الِابْنِ فَلَوْلَا أَنَّ العبد غير غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَسَقَطَ بِسَبَبِهِ فِطْرَةُ الِابْنِ وَإِذَا شَرَطْنَا كَوْنَ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْمَسْكَنِ فَإِنَّمَا نَشْتَرِطُهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ بِعْنَا خَادِمَهُ وَمَسْكَنَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ قَالَ وَاعْلَمْ ان دين الْآدَمِيَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صَرْفِهِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَمْنَعُهُ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ عَلَى قَوْلٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلٍ كَانَ

ضبط اليسار الذى تجب به الفطرة

مبعدا هذا لفظه وفيه شي سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ شَرْحِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ مَعَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَمَّا سَبَقَ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ هَذَا لَفْظُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ هَلْ يُبَاعُ بَعْضُهُ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُبَاعُ وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَبْدٌ وَذَكَرَ مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامُ هُوَ الصَّحِيحُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ضَبْطِ الْيَسَارِ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفِطْرَةُ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا قيمته نصاب فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَأَثَاثِهِ الَّذِي لَا بُدَّ منه قال العبدرى ولا يحفط هَذَا عَنْ أَحَدِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا شئ له فلا فطرة عَلَيْهِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَة مِنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ فَاضِلًا عَنْ النَّفَقَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا وَإِنْ عَلَوْا فِطْرَةُ وَلَدِهِمَا وَوَلَدِ وَلَدِهِمَا وَإِنْ سَفَلُوا وَعَلَى الولد وولد الولد فِطْرَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا وَإِنْ عَلَوْا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ) فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ أَوْ لِلْوَالِدِ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ فِطْرَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ فطرته لِحَقِّ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ بِالْإِبَاقِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ (قَالَ) فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ نَفْسَيْنِ وَجَبَتْ الْفِطْرَةُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةُ فَجَازَ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِهِ

الْفِطْرَةُ كَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ وَلَهَا مَمْلُوكٌ يَخْدُمُهَا وَجَبَ عليه فطرته لانه يجب عليه نفقته فَإِنْ نَشَزَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا فِطْرَةُ مُسْلِمٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ كَافِرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفِطْرَةِ تَطْهِيرُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ قَدْ طَهَّرَ نَفْسَهُ بِالْفِطْرَةِ والكافر لا يلحقة تطهير) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا قَوْلَهُ (مِمَّنْ تَمُونُونَ) فَرَوَاهُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا فَالْحَاصِلُ أَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ (مِمَّنْ تَمُونُونَ) لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَأَمَّا بَاقِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ كما سبق * وأما حكم الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْفِطْرَةُ قَدْ يَجِبُ أَدَاؤُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ تَجِبُ عَنْ غَيْرِهِ وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ عَنْ غَيْرِهِ ثَلَاثٌ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِطْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِطْرَةُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أُمُورٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ سَتَظْهَرُ بِالتَّفْرِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ بَلْ عَلَيْهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا وَسَتَأْتِي مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَمِنْ الْمُسْتَثْنَى أَنَّ الِابْنَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْإِعْفَافِ وَهَلْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَطَائِفَةٍ وُجُوبُهَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَآخَرِينَ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ لَا تَجِبُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي فِطْرَةِ مُسْتَوْلَدَةِ الْأَبِ وَأَمَّا زَوْجَةُ الِابْنِ الْمُعْسِرِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَا فِطْرَتُهَا عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْفَافُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ وَسَائِرُ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتِهِمْ وَلَا فِطْرَتُهُمْ (وَأَمَّا) الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُمْ وَمَنْ لَا فَلَا فَلَوْ كَانَ الِابْنُ الْكَبِيرُ فِي نَفَقَةِ أَبِيهِ فَوَجَدَ قُوتَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ فَقَطْ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى الِابْنِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَفِي سُقُوطِ الْفِطْرَةِ عَلَى الْأَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لَا تَجِبُ كَالِابْنِ الْكَبِيرِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (وَالثَّانِي) تَجِبُ

لنأكدها بِخِلَافِ الْكَبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَرِيبِ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَ الْمُنْفِقُ فِطْرَتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْقَرِيبِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَالْمُسْتَوْلَدَة فَتَجِبُ فِطْرَتُهُمْ عَلَى السَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (حُرٍّ وَعَبْدٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَى سَيِّدِهِمْ كَالنَّفَقَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْمَرْهُونِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَالِ الْمَرْهُونِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا نَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِمَا بَلْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وَهُنَاكَ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ قَالَ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ قُلْنَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ فِطْرَةَ الْعَبْدِ فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَزَكَاةَ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ مَالٌ آخَرُ أَخَرَجَهَا مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ (وَالثَّانِي) لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ بِأَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْآبِقُ وَالضَّالُّ فَفِيهِمَا طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَزَكَاةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ فِطْرَتِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ كَالْآبِقِ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْغَائِبُ فَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ وكان في طاعة سيده رحبت فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ عِتْقَ هَذَا العبد لا يجزئ عنه الْكَفَّارَةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ شُغْلُ الذِّمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ وَشَكَكْنَا فِي الْبَرَاءَةِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِطْرَةَ فِي الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَمُنْقَطِعِ الْخَبَرِ وَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ الْإِمْلَاءِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ يَتَعَذَّرُ فيه الآداء وما زَكَاةُ الْفِطْرِ فَتَجِبُ

عَمَّا لَا يُؤَدَّى عَنْهُ وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِي تَعْجِيلِ الْإِخْرَاجِ بَعِيدٌ قَالَ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَإِيجَابِ تَعْجِيلِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَفِطْرَةُ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَلَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ مُهَايَأَةٌ فَالْفِطْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ النَّصِيبَيْنِ وَعَلَى السَّيِّدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ عَلَى قَدْرِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ فَهَلْ تَخْتَصُّ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَ زَمَنُ الْوُجُوبِ فِي نَوْبَتِهِ أَمْ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَكْسَابَ وَالْمُؤَنَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَمْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا الْمُعْتَادُ وَعَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ نَادِرَةٌ أَمْ لَا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ (فَأَحَدُ) الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ دُخُولُ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ وَفِي الْفِطْرَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ النَّادِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ (والثاني) علي وجهين (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَدْخُلُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَزْمَ بِهَذَا قَالَ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُعَاوَضَةُ كَسْبِ يَوْمٍ بِكَسْبِ يَوْمٍ وَالْفِطْرَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ ضَعِيفٌ وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْفِطْرَةَ عَنْ الْبَدَنِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّيْدَلَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ بَلْ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً وَالرَّاجِحِ عِنْدَ الْآخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ دُخُولُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ كُلُّهُمْ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى دُخُولِهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفَرَّقَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَتَكَرَّرُ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَنِ وَالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ فانها قد تَقَعُ فِي النَّوْبَتَيْنِ جَمِيعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ جَنَى هَذَا الْمُشْتَرَكُ وَبَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجِنَايَةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْأَرْشَ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فسبق بيانه في الفصل المتقدم والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ كما سبق قال ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجِبُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تَجِبُ فِطْرَةُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ نَاشِزَةً لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِوُجُوبِ فِطْرَتِهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا بِالنُّشُوزِ خَرَجَتْ عَنْ إمْكَانِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ لَمْ تَنْشِزْ هِيَ بَلْ حَالَ أَجْنَبِيٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اطلاق الوجوب وُجُوبُ فِطْرَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ كَالْمَرِيضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وطرد أبو الفضل ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهَا الْخِلَافَ السَّابِقَ

فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدَانَ يَتَأَيَّدُ بِأَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمْكِينُ بِسَبَبٍ نَادِرٍ فَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ عَامٌّ وَكَذَا لَوْ حُبِسَتْ فِي دَيْنٍ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً وَالزَّوْجُ كَبِيرًا أَوْ عَكْسُهُ أَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ النفقات والاصح وجوب نفقتة الكبيرة دون الصغيرة سواء كان الزَّوْجُ صَغِيرًا وَهِيَ صَغِيرَةً أَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَفِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا وَفِيهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ إنْ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهَا وَإِلَّا فَهُمَا عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ نَفَقَتَهَا فَكَذَا الْفِطْرَةُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا (وَأَمَّا) الْبَائِنُ فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ عَنْهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لَهَا وَيَلْزَمُهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْفِطْرَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْحَامِلِ أَمْ لِلْحَمْلِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا تَجِبُ فطرته هذا إذا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً فَإِذَا كَانَتْ أَمَةً فَفِطْرَتُهَا

بِاتِّفَاقِهِمْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ فَلَا فِطْرَةَ كَمَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهُ لَوْ بَرَزَ الْحَمْلُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) للحمل وَجَبَ وَسَوَاءٌ رَجَّحْنَا الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ أَمْ الثَّانِي فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تُخْدَمُ في العادة لها خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَهَا يَخْدُمُهَا لَزِمَ الزَّوْجَ فِطْرَةُ الْخَادِمِ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ عَنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قِيلَ عَلَيْهِ فِطْرَةُ خَادِمِهَا الْمَمْلُوكِ لَهَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْخَادِمَ مِنْ تَتِمَّةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ فِطْرَةَ الزَّوْجَةِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَإِنْ أَخْدَمَهَا حُرَّةً صحبتها لتخدمها واتفق عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِنْ أَخْدَمَهَا مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا أَيْضًا وَإِنْ اكْتَرَى لَهَا خَادِمًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ الْخَادِمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَقْتَضِي النَّفَقَةَ (أَمَّا) إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُخْدَمُ فِي الْعَادَةِ بَلْ عَادَةُ مِثْلِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لَهَا خَادِمٌ فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِمَمْلُوكَتِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِخْدَامِ وَعَلَيْهِ فِطْرَةُ الْخَادِمِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا بِالْإِخْدَامِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ تَخْدُمَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ الْخَادِمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الزوج وبه قال علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالثَّوْرِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا بَلْ هِيَ عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا فِطْرَةُ مُسْلِمٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ زَوْجَةُ أو مملوك كافر لم يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ عندنا وبه قال على ابن أبى طالب وجابر ابن عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ

وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والنخعي والثوري * وقال أبو حنيفة وأصحابه واسحق تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أصحابنا العبد ينفق علي زوجته من كبسه وَلَا يُخْرِجُ عَنْهَا الْفِطْرَةَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِطْرَةُ نَفْسِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْضًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي قال أَصْحَابُنَا وَلَوْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ مِنْهُ عَنْ زَوْجَتِهِ اسْتِقْلَالًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يُخْرِجُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) يُخْرِجُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَأْذُونٌ لَهُ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْدَفِعُ * (فَرْعٌ) إذَا أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ فَفِي نَفَقَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهَا) تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ (وَالثَّانِي) عَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ (وَالثَّالِثُ) فِي كَسْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ هُنَاكَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَجْهًا وَاحِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ السَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هُنَاكَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَقُولُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَمُرَادُهُمْ إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالثَّالِثِ إنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ عَبِيدَ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ فَهَذَا أَوْلَى فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْخِلَافِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ فِطْرَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَبِيدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَوْقُوفُونَ عَلَى مَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ لَا فِطْرَةَ فِيهِمْ عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَجِبُ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فعليه فطرته

وَإِنْ قُلْنَا لِلَّهِ تَعَالَى فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا فِطْرَةَ (وَقِيلَ) لَا فِطْرَةَ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْحَاصِلُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْأَصَحَّ لَا فِطْرَةَ * (فرع) عبيد التجارة تحب فِطْرَتُهُمْ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ * (فَرْعٌ) تَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الَّذِي فِي مَالِ الْقِرَاضِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ لَهُ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُمْ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءُ بْنُ يسار والزهرى ومالك وابو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ فِطْرَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى سَيِّدَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَبْدِ الملك ومحمد بن الحسن وابو ثور واسحق * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يجب علي واحد منهما شئ قَالَ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ قَالَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ * (فَرْعٌ) مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ وَعَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ نِصْفُ الْفِطْرَةِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ * وَقَالَ مَالِكٌ على مالكه نصف صاع لا شئ عَلَى الْعَبْدِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَجِبُ جَمِيعُ الصَّاعِ عَلَى سَيِّدِهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شئ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْعَبْدِ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ وَسَوَاءٌ كان لَهُ كَسْبٌ أَمْ لَا هَذَا * مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ بَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْكَسْبِ لَهَا وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى الْأَبِ وَسَائِرِ الْوَالِدَيْنِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَعَلَى الْوَلَدِ فِطْرَةُ وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا بِشَرْطِ أَنْ تكون نفقته واجبة فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ فَإِذَا كَانَ الطِّفْلُ مُوسِرًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ وَلَا جَدِّهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مال الصبي عصي وضمنه *

قال المصنف رحمه الله * (ولا تجب حتى تفضل الفطرة عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته لان النفقة أهم فوجبت البداية بها وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) فَإِنْ وُجِدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ فَفِيهِ أربعة أوجه (أحدها) يبدأ بمن يبدأ بنفقته فان فضل صاع أخرجه عن نفسه فان فضل صاع آخر اخرجه عن زوجته فان فضل صاع آخر اخرجه عن ولده الصغير فان فضل صاع آخر اخرجه عن أبيه فان فضل صاع آخر اخرجه عن أمه فان فضل صاع آخر اخرجه عن ولده الكبير لانا قلنا الفطرة تابعة للنفقة وترتيبهم في النفقة كما ذكرنا فكذلك في الفطرة (والثانى) تقدم فطرة الزوجة علي فطرة نفسة لانها تجب بحكم المعاوضة (والثالث) يبدأ بنفسه ثم بمن شاء (والرابع) أنه بالخيار في حقه وحق غيره لان كل واحد منهم لو انفرد لزمه فطرته فإذا اجتمعوا تساووا) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ولفظه (وابدأ بِمِنْ تَعُولُ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ (وَلَفْظُهُ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شئ فلاهلك فان فضل عن أهلك شئ فَلِذِي قَرَابَتِكَ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْبِدَايَةُ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ البداءة أو البداه أو البدوه وقد سبق مثله في مواقيت الصلاة * أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْفِطْرَةُ حَتَّى تَفْضُلَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ مَنْ يَلْزَمُهُ عَنْ نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ وَتَفْضُلَ عَنْ سَائِرِ الْمُؤَنِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا وَفِي الدَّيْنِ خِلَافٌ سَبَقَ وَكَذَا فِي الْخَادِمِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) الْأَوَّلُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا وَلَهُ جَمَاعَةٌ وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مُوَزَّعًا عَنْهُمْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِغَيْرِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالرَّابِعِ وَقُلْنَا وُجِدَ بَعْضُ صَاعٍ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ فِطْرَةِ وَاحِدٍ وَلَمْ يُخْرِجْهَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قلنا يخرج الصاع عن نفسه فاخرجه عَنْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَتَثْبُتُ فِطْرَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَاعَانِ فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَهُ أَقَارِبُ فِي مَرْتَبَةٍ كَابْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْهُمَا مُوَزَّعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْإِقْرَاعِ وَلَهُ مَجَالٌ فِي نَظَائِرِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِطْرَةَ الْأُمِّ عَلَى فِطْرَةِ الْأَبِ وَوَجْهًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَيُخْرِجُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَوَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ فطرة

الِابْنِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّ النَّصَّ ورد بنفقته والفطرة تتبعها ووجها عن بن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِطْرَةَ الْأَقَارِبِ عَلَى فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ سَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا ضَمَمْنَا هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ مَعَ وَجْهِ التَّوْزِيعِ إلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةُ أَوْجُهٍ مُتَبَايِنَةٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ أَحَدِ الْجَمَاعَةِ لَا بِعَيْنِهِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ التَّخْيِيرَ قَالُوا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ فَإِنَّ النَّصَّ أَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّخْيِيرِ فَالْمَذْهَبُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَإِنْ قِيلَ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْأَقَارِبَ يُرَتَّبُونَ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا يُرَتَّبُونَ فِي النَّفَقَةِ وَذَكَرُوا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ تَقْدِيمُ الِابْنِ الصَّغِيرِ ثُمَّ الْأَبِ ثُمَّ الْأُمِّ ثُمَّ الِابْنِ الْكَبِيرِ فَقَدَّمُوا الْأَبَ عَلَى الْأُمِّ وَقَالُوا فِي النَّفَقَاتِ الْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ يُرَتَّبُونَ هُنَا كَالنَّفَقَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ النَّفَقَةَ تحب لِسَدِّ الْخَلَّةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَكْثَرُ حَاجَةً وَأَقَلُّ حِيلَةً وَأَكْثَرُ خِدْمَةً لِلْوَلَدِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا بِالنَّفَقَةِ الَّتِي تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا (وَأَمَّا) الْفِطْرَةُ فَلَا تجب لحاجه ولا لذفع ضَرَرٍ بَلْ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ كَالنَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ مُرَتَّبَةً كَمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مُرَتَّبَةً وَكَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِهِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَتَرْتِيبُهُمْ فِي النَّفَقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ فَضَلَ عَنْ مُؤْنَتِهِ صَاعٌ وَاحِدٌ وَلَهُ عَبْدٌ أَخْرَجَ الصَّاعَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ فِي فِطْرَةِ الْعَبْدِ جُزْءًا مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَصَحُّهَا) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اللُّزُومَ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ تَصْحِيحُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ السَّابِقِ فِي فِطْرَةِ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إذَا احْتَاجَ إلَى خِدْمَتِهِ * قال المصنف رحمه الله * (ومن وجبت فطرته علي غيره فهل يجب ذلك علي المؤدى ابتداء أو يجب علي المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدى فيه وجهان (احدهما) تجب علي المؤدى ابتداء لانها تجب في ماله (والثاني) تجب على المؤدى عنه لانها

تجب لتطهيرة فان تطوع المؤدى عنه واخرج بغير اذن المؤدى ففيه وجهان (إن قلنا) انها تجب على المؤدى ابتداء لم تجزئه كما لو اخرج زكاة ماله عنه بغيير إذنه (وإن قلنا) يتحمل جاز لانه اخرج ما وجب عليه وإن كان من يمونه مسلما وهو كافر فعلي الوجهين (إن قلنا) انها تجب عليه ابتداء لم تجب لانه إيجاب زكاة علي كافر (وإن قلنا) انه يتحمل وجب عليه لان الفطرة وجبت علي مسلم وإنما هو متحمل) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْفِطْرَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الشَّخْصِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ فِيهَا خِلَافٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ هُوَ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَآخَرُونَ هُوَ قَوْلَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هُوَ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً وَلَا يُلَاقِي الْوُجُوبُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَطَرَدُوهُ فِي كُلِّ مُؤَدٍّ عَنْ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَقَرِيبٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ فَقَطْ (فَأَمَّا) فِطْرَةُ الْمَمْلُوكِ وَالْقَرِيبِ فَتَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَقَالَ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ بَعِيدٌ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِهِمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ فَهَلْ هُوَ كَالضَّمَانِ أَمْ كَالْحَوَالَةِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْجُرْجَانِيَّاتِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَالْحَوَالَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمُؤَدِّي لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا الْمُتَحَمِّلُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُؤَدِّي أَجْزَأَهُ عَلَى هذا القول وسقطت عن الْمُؤَدِّي وَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْمَضْمُونِ عَنْهُ لَمَا أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفَرَّعَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِهِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مُسْلِمُونَ فَهَلْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي (وَإِنْ قلنا) علي المؤدى ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ هُنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَلَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَزِمَهُ نَفَقَةُ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَمْلُوكٍ فَأَدَّاهَا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَدَّاهَا الْقَرِيبُ بِاسْتِقْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَدَّتْهَا الزَّوْجَةُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَنْ لزمته

أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ أَدِّ فِطْرَتِي أَوْ زَكَاةَ مَالِي فَأَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحَمُّلِ إنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا وَوَجْهُهُمَا مَا ذَكَرَهُ المصنف والصحيح الاجزاء وهو نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ أَمْ لَا إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ قَالَ لِأَنَّ لَهُ الْإِخْرَاجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَالضَّامِنِ وَالْمَرْأَةُ فِي مَعْنَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ إخْرَاجَ الْقَرِيبِ يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ أَمْ لَا وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَأَيْسَرَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الِابْنُ الْفِطْرَةَ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا الْوُجُوبُ يُلَاقِي الْأَبَ لَزِمَهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ وَإِلَّا فَعَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ (الرَّابِعَةُ) إذَا تَزَوَّجَ مُعْسِرٌ بِمُوسِرَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ الْمُوسِرَةَ عَبْدٌ أَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ مُعْسِرٌ فَهَلْ عَلَى الْمُوسِرَةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ فِطْرَتُهَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحَمُّلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ لَهُ زَوْجَةٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ لَزِمَ الِابْنَ فِطْرَتُهَا كَفِطْرَةِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَالِابْنُ أَوْلَى وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ السَّرَخْسِيُّ * (فَرْعٌ) فِيمَا يَدْخُلُهُ التَّحَمُّلُ * ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهُ هُنَا أَرْبَعَ صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَدَاءُ الزَّكَاةِ صَرْفًا إلَى الْغَارِمِ قَالَ وَهَذَا تَحَمُّلٌ حَقِيقِيٌّ وَارِدٌ عَلَى وُجُوبٍ مُسْتَقِرٍّ (الثَّانِيَةُ) تَحَمُّلُ الدِّيَةِ عَنْ الْقَاتِلِ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْجَانِي ثُمَّ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (الثَّالِثَةُ) الْفِطْرَةُ وَفِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (الرَّابِعَةُ) كَفَّارَةُ جِمَاعِهِ زَوْجَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَلْ هِيَ عَنْهُ أَوْ عَنْهُ وَعَنْهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ * * قال المصنف رحمه الله * (وإن كان له زوجة موسرة وهو معسر فالمنصوص أنه لا تجب الفطرة عليها وقال فيمن زوج أمته من معسر ان علي المولى فطرتها فمن أصحابنا من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما علي قولين (احدهما) لا تجب لانها زكاة تجب عليه مع القدرة فسقطت بالاعسار

كفطرة نفسه (والثانى) تجب لانه إذا كان معسرا جعل كالمعدوم ولو عدم الزوج وجبت فطرة الحرة علي نفسها وفطرة الامة علي سيدها وكذلك ههنا ومن اصحابنا من قال (ان قلنا) يتحمل وجبت علي الحرة وعلي مولي الامة لان الوجوب عليهما والزوج متحمل فإذا عجز عن التحمل بقى الوجوب في محله (وإن قلنا) تجب عليه ابتداء لم تجب على الحرة ولا علي مولي الامة لانه لاحق عليهما وقال أبو اسحق تجب علي مولي الامة ولا تجب علي الحرة لان فطرتها على المولي لان المولي لا يجب عليه التبوئة التامة فإذا سلم كان متبرعا فلا يسقط بذلك ما وجب عليه من الزكاة والحرة غير متبرعة بالتسليم لانه يجب عليها تسليم نفسها فإذا لم يقدر علي فطرتها سقطت عنها الفطرة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ احْتَرَزَ بِالزَّكَاةِ عَنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (وَقَوْلُهُ) وَعَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مفتوحة بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَبَعْدَ الْوَاوِ هَمْزَةٌ وَهِيَ التَّسْلِيمُ وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَشْهُورٌ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ حُكْمَهُ وَدَلِيلَهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَإِنَّهُ مُعْسِرٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا وَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ الْمُوسِرَةَ فِطْرَتُهَا فَأَخْرَجَتْهَا ثُمَّ أَيْسَرَ الزَّوْجُ لَمْ تَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا كَمَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ إذَا أَيْسَرَ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالِاسْتِدْلَالُ لَهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزوجة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَمَتَى تَجِبُ الْفِطْرَةُ فِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا عَلَى يَوْمِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ (وَقَالَ) فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَالْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ جُعِلَتْ طهرة للصائم بدليل ماروى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وَانْقِضَاءُ الصَّوْمِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ رُزِقَ وَلَدًا أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى عبدا

وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَهُمْ عِنْدَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ وَإِنْ رُزِقَ وَلَدًا أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ مَاتُوا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُمْ وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُمْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَسْقُطُ كَمَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمَالِ (وَالثَّانِي) لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ من أول رَمَضَانَ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِسَبَبَيْنِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ مِنْهُ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا جَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْآخَرِ كَزَكَاةِ الْمَالِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الحول ولايجوز تقديمها علي رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ فَهُوَ كَإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ) فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى خَرَجَ الْيَوْمُ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ فلا يسقط عنه بفوات الوقت) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِغُسْلِ الْعِيدِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ) طُهْرَةً وَطُعْمَةً - بِضَمِّ الطَّاءِ - فِيهِمَا (وَقَوْلُهُ) أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ هُوَ - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ - وَإِنَّمَا قَيَّدْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا أُنْسَ لهم بشئ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يَضُمُّونَهَا وَهَذِهِ غَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَالصَّوَابُ الفتح لانه رباعى فالامر فيه يفتح الْهَمْزَةِ كَأَعْطَى وَأَنْفَقَ وَأَخْرَجَ يَقُولُ يَا قَوْمُ أَنْفِقُوا وَأَخْرِجُوا وَأَعْطُوا وَأَغْنُوا السَّائِلَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - فِي الْجَمِيعِ مَعَ قَطْعِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنفقوا. وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ) وَقَالَ تَعَالَى فِي أَغْنَى رُبَاعِيًّا (ووجدك عائلا فاغنى) (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ فِي الطَّرِيقَيْنِ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ تَجِبُ

بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثَّالِثُ) تَجِبُ بِالْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا فَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا وُجُوبَ خَرَّجَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ وَبَقُوا إلَى الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُمْ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْمُخْرَجِ وَتَجِبُ فِي الْقَدِيمِ وَلَوْ وُجِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَمَاتُوا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ وَجَبَتْ فِي الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ وَالْمُخْرَجِ وَلَوْ وُجِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَمَاتُوا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ بِالِاتِّفَاقِ وَارْتِدَادُ الزَّوْجِ وَالرَّقِيقِ وَطَلَاقُهَا الْبَائِنُ كَالْمَوْتِ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَعَلَى الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ (الْمَشْهُورِ) أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَاسْتَمَرَّ مِلْكُهُ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِطْرَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْقَدِيمِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْمُخْرَجِ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ لَمْ يَقَعَا فِي مِلْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ الْعَبْدِ بَيْنَ الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ وَانْتَقَلَ الْعَبْدُ لِلْوَارِثِ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِطْرَةُ هَذَا الْعَبْدِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَفِي الْقَدِيمِ عَلَى الْوَارِثِ وَعَلَى الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ ثُمَّ إنَّ الْوَارِثَ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمُوَرِّثِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا وَطَلَعَ الْفَجْرُ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ وَقُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَجِبُ الْفِطْرَةُ مُشْتَرَكَةً بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قُلْنَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَمْ لَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْفَرِدْ به وقت الوجوب (الثانية) لَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) لَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ الْمُؤَدِّي وَلَا الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَكِنْ تَلِفَ المال بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَفِي سُقُوطِ الْفِطْرَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) قَالَ (أَصَحُّهُمَا) تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَالثَّانِي) لَا وَالْفَرْقُ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ وَقِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ وُجُوبِهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذكره المصنف

_ (1) كذا بالاصل فحرر

وفى قت التَّعْجِيلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي الصَّوْمِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُخْرِجَهَا يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا فِي يَوْمِ الْعِيدِ كُلِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَصَى وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَسَمُّوا إخْرَاجَهَا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ قَضَاءً وَلَمْ يَقُولُوا فِي الزَّكَاةِ إذَا أَخَّرَهَا عَنْ التَّمَكُّنِ إنَّهَا قَضَاءٌ بَلْ قَالُوا يَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ أَدَاءً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَفِعْلُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ قَضَاءً كَالصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى الْقَضَاءِ فِي الِاصْطِلَاحِ وَهُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا وُجُوبُهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ وبه قال الثوري واحمد واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ * وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الشمس * * قال المصنف رحمه الله * (والواجب صَاعٌ بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لحديث ابن عمر قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة الفطر صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي لما روى عمر ابن حبيب القاضى قال (حججت مع أبى جعفر فلما قدم المدينة قال ائتوني بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعايره فوجده خمسة أرطال وثلث برطل أهل العراق)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْحِكَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ قَاضِي الْبَصْرَةِ فَضَعِيفَةٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى تَضْعِيفِ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ هَذَا وَنَسَبَهُ ابْنُ معين الي الكذب وقد أوضحت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (وَقَوْلُهُ) فَعَايَرَهُ أَيْ اعْتَبَرَهُ قال أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ عَايَرْتُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَعَاوَرْتُهُ إذَا اعْتَبَرْتُهُ وَلَا يُقَالُ عَيَّرْتُهُ * وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ صَاعٌ بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خمسة ارطال وثلث بالبغدادي من أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَهُ سَوَاءٌ الْحِنْطَةُ وَغَيْرُهَا وَرَطْلُ بغداد مائة

وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِغَيْرِ أَسْبَاعٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْوَى قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ الْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا قُلْتُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ ضَبْطُ الصَّاعِ بِالْأَرْطَالِ فَإِنَّ الصَّاعَ الْمُخْرَجُ بِهِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ مَا يُوضَعُ فِيهِ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ أَوْزَانَ هَذِهِ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَحْسَنُهُمْ فِيهَا كَلَامًا الْإِمَامُ أَبُو الْفَرْجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ صَنَّفَ فِيهَا مَسْأَلَةً مستقبلة وَكَانَ كَثِيرَ الِاعْتِنَاءِ بِتَحْقِيقِ أَمْثَالِ هَذِهِ وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ صَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ الصَّاعُ مَوْجُودٌ وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِظْهَارُ بِأَنْ يُخْرِجَ مَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبٌ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَحْوَهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْنَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ مُدَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفِ وَلَا دُونَ رَطْلٍ وَرُبْعٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّهُ عَلَى حَسَبِ رَزَانَةِ الْمَكِيلِ مِنْ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ وَصَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَفِي الْحَبِّ الَّذِي يُخْرِجُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ كُلِّ قُوتٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ (كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبٍ تَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَدَاءُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ من

قوته وقال أبو العباس وأبو إسحق تَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ تَعَلَّقَ بِالطَّعَامِ فَوَجَبَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ كَالطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ عَدَلَ عَنْ قُوتِ الْبَلَدِ إلَى قُوتِ بَلَدٍ آخَرَ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ اجود اجزأه وان كان دونه لم يجزه فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَيْسَ بَعْضُهَا بِأَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَفْضَلِهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ قُوتِهِمْ الْأَقِطُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (قَالَ) أَبُو إسحق يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَقَالَ) الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُ يجزئه للخير (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَشْبَهَ اللَّحْمَ فَإِذَا قُلْنَا يُجْزِئُهُ فَأَخْرَجَ اللبن اجزأه لانه اكمل منه لانه يجئ مِنْهُ الْأَقِطُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْجُبْنَ جَازَ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْمَصْلَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ الْأَقِطِ لِأَنَّهُ لَبَنٌ مَنْزُوعُ الزُّبْدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا قُوتَ فِيهِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقُوتِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ فِي فِطْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ جِنْسَيْنِ لِأَنَّ مَا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ نَفْسَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ قُوتُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ واحد منهما مِنْ قُوتِهِ بَلْ يُخْرِجَانِ مِنْ أَدْنَى الْقُوتَيْنِ (وقال) أبو اسحق يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ صاع من قوته لان كل احد مِنْهُمَا لَمْ يُبَعِّضْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قُوتُ الْعَبْدِ أَوْ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِحَقِّهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ بَلَدِهِ كَالْحُرِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ حَبٍّ مُسَوَّسٍ لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ جَوْفَهُ فَيَكُونُ الصَّاعُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّقِيقِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْحَبِّ فَلَمْ يَجُزْ كَالْخُبْزِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ (فَقَدْ) قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى سُفْيَانُ الدَّقِيقَ وَوَهِمَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عنه) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَقْوَاتِ الَّتِي يَجِبُ فيها العشر فلا يجزئ شئ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا الْأَقِطَ وَالْجُبْنُ وَاللَّبَنُ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مِنْ الْقُوتِ الْمُعَشَّرِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا ذكره الاصحاب

ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ الْأَقْوَاتِ الْمُعَشَّرَةِ تُجْزِئُ فِي الجملة ولا يستثنى منها شئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ لَا يجزئ العدس والحمص وإن كان قوتا لهم وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا) الْأَقِطُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا المصنف والاصحاب (أحدهما) وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِإِجْزَائِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أو صاعا شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَالْأَقِطُ ثَابِتٌ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِلْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَأَشْبَهَ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ وَبِهَذِهِ الطريقة قال القاضي أبو حامد المروروذى والصواب الاولى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إجْزَاءِ الْأَقِطِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْحَضَرِ وقال الماوردى الخلاف في اهل البادية وأما أَهْلُ الْحَضَرِ فَلَا يُجْزِئُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ قُوتَهُمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَقِطَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُبْنَ أَكْمَلَ مِنْهُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وصححه الماوردى لانه ليس معشر وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا جَازَ الْأَقِطُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ قُوتُهُ الْأَقِطُ هَلْ لَهُ إخْرَاجُ اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ إذَا جَوَّزْنَا الْجُبْنَ وَاللَّبَنَ جَازَ مَعَ وُجُودِ الْأَقِطِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ الْأَقِطُ لَمْ يُجْزِئْهُ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ قَطْعًا وَأَمَّا المخيض والكشك والسمن والمصل فلا يجزئ شئ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى اللبن وكذا الجبن المنزوع الزبد وسواء كانت هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قُوتَهُ وَقُوتَ الْبَلَدِ أَمْ لَا لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَزَائِرِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَقْتَاتُونَ السَّمَكَ وَالْبَيْضَ فَلَا يُجْزِئُهُمْ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) اللَّحْمُ فَالصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ كَالْأَقِطِ قال وكأنهم رَأَوْا اللَّبَنَ أَصْلَ الْأَقِطِ وَهُوَ عُصَارَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ بَاطِلٌ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ مع كثرتها القطع بأنه لَا يُجْزِئَ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا هُوَ

الصواب (وأما) الاقوال النَّادِرَةُ الَّتِي لَا عُشْرَ فِيهَا كَالْغَثِّ وَالْحَنْظَلِ فَلَا يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ اقْتَاتُوا ثَمَرَةً لَا عُشْرَ فِيهَا كَالتِّينِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُجْزِئُ الْحَبُّ الْمُسَوَّسُ وَلَا الْمَعِيبُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِذَا جَوَّزْنَا إخْرَاجَ الْأَقِطِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ الْمُمَلَّحِ الَّذِي أَفْسَدَتْ كثرة المللح جَوْهَرَهُ فَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ ظَاهِرًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْسِدْهُ أَجْزَأَهُ لَكِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُجْزِئُ الْحَبُّ الْقَدِيمُ وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ لِأَنَّ الْقِدَمَ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَغَيْرُ الْقَدِيمِ أَوْلَى ثُمَّ الْجُمْهُورُ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالرَّائِحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ كَمَا لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّ الدَّقِيقَ يُجْزِئُ لِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَلَّطَ الْأَصْحَابُ الْأَنْمَاطِيَّ فِي هَذَا قَالُوا وَذِكْرُ الدَّقِيقِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ ذِكْرُ الدَّقِيقِ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذِكْرَ الدَّقِيقِ فَتَرَكَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أُنْكِرَ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ الدَّقِيقُ فَتَرَكَهُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عباس منقطعا موقوفا علي طريق التواهم قَالَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ لَا تُسَاوِي ذِكْرَهَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابي الفضل ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُ الْخُبْزُ وَالسَّوِيقُ لِأَنَّهُمَا أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْحَبَّ أَكْمَلُ نَفْعًا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ وَاَللَّهُ اعلم * قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَقَتْ دَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وهو قول ابن سريج ابي اسحق المروزى (والوجه الثاني) انه يتعين قوت نقسه وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر والام لِأَنَّهُ قَالَ أَدَّى مِمَّا يَقْتَاتُهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وعن الاصطخرى

وصححه الشيخ أبو حامد وابو الفضل ابن عَبْدَانَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلُوا النَّصَّ عَلَى مَا إذَا كَانَ قوته قوت البلد كما هو الغائب فِي الْعَادَةِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ فَيُخْرِجُ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قُوتِهِ وَغَيْرَ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهَذَا الثَّالِثُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وجها وحكاه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْتَبَرُ قُوتُ الْبَلَدِ أَوْ قُوتُ نَفْسِهِ فَعَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَوَقَعَ فِي التنبيه والحاوى والمجرد للقاضي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إذَا عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا النَّقْلُ مُؤَوَّلٌ وَاَلَّذِينَ أَطْلَقُوهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ إلَّا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ مِنْ قُوتِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَى أَدْنَى مِنْهُ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ وَمُرَادُهُمْ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يَقُولُ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ فَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا ذِكْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَوَّلًا ثُمَّ نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْوَاجِبِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا التَّخْيِيرُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ الْبَلَدِ فَعَدَلَ إلَى دُونِهِ لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا واجدا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَأَنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ بَعْضُهَا مَنْصُوصٌ لِلشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهَا) الْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ (وَالثَّانِي) قُوتُ نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّخْيِيرِ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْعُدُولُ إلَى مَا دُونَ الْوَاجِبِ (وَإِنْ قلنا) يتعين قُوتِهِ أَوْ قُوتِ بَلَدِهِ فَعَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا عدل إلى اعلا مِنْ الْوَاجِبِ فَيُجْزِئُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي اجزاء الاعلا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ مِنْ الْمَاشِيَةِ فاخرج اعلا منها (والثانى) لا يجزئه لانه لا غَيَّرَ الْوَاجِبَ كَمَنْ أَخْرَجَ حِنْطَةً عَنْ شَعِيرٍ اسْتَغَلَّهُ أَوْ دَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ أَوْ بَقَرَةً عَنْ شَاةٍ وَنَظَائِرَهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ الشَّعِيرِ وَلَا الدَّنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ بَلَدِهِ جِنْسًا ثُمَّ يَصِيرُ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وفيما يعتبر به الاعلا وَالْأَدْنَى وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ صَلَاحِيَتِهِ لِلِاقْتِيَاتِ (وَالثَّانِي) زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْوَاتِ وَالْبِلَادِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فِي الْأَكْثَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْجُمْهُورُ

وَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهُمَا) التَّمْرُ أَفْضَلُ وَخَيْرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُخْرِجُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ (وَالثَّانِي) قَالَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال على ابن ابى طالب واسحق ابن رَاهْوَيْهِ الْبُرُّ أَفْضَلُ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إنَّ أَفْضَلَهُمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لَكَانَ مُتَّجَهًا هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَشْهُورُ تَرْجِيحُ الْبُرِّ مُطْلَقًا وَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ الْأُرْزِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ تَرْجِيحُ التَّمْرِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الشَّعِيرِ وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ وَتَرَدَّدَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَفِي الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَشْبَهُ تَقْدِيمُ التَّمْرِ عَلَى الزَّبِيبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُتَعَيَّنُ وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ الشَّعِيرِ عَلَى الزَّبِيبِ وَإِذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ قُوتُ نَفْسِهِ كَانَ يَلِيقُ بِهِ الْبُرُّ وَهُوَ يَقْتَاتُ الشَّعِيرَ بُخْلًا لَزِمَهُ الْبُرُّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ يَلِيقُ به الشعير وهو يقتات البر فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَكَذَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ الشَّعِيرُ (وَالثَّانِي) تَتَعَيَّنُ الْحِنْطَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَوْجَبْنَا غَالِبَ قُوتِ الْبَلَدِ فَكَانُوا يَقْتَاتُونَ اجناسا لا فِيهَا أَخْرَجَ مَا شَاءَ مِنْهَا وَالْأَفْضَلُ أَعْلَاهَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ عالب قُوتِ الْبَلَدِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الْمُعْتَبَرُ غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة لَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ يَوْمَ الْعِيدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ قُلْتُ هَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ قُوتُ السَّنَةِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا اعْتَبَرْنَا قُوتَ الْبَلَدِ وَقُوتَ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقُوتُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَقْوَاتِ فَفِي بَعْضِهَا يَقْتَاتُونَ أَوْ يَقْتَاتُ جِنْسًا وَفِي بَعْضِهَا جِنْسًا آخَرَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي إنْ اخرج من الاعلا أَجْزَأَهُ وَكَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ اقْتَصَدَ وَأَخْرَجَ مِنْ الْأَدْنَى فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُخْرَجًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ قُوتِهِ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قُوتٌ يُجْزِئُ بِأَنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ لَحْمًا أَوْ تِينًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَا يُجْزِئُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقُرْبِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) إذَا اعْتَبَرْنَا غَالِبَ قُوتِ الْبَلَدِ وَكَانَ لَهُ عَبْدٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (إنْ قُلْنَا) إنَّ

الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا السَّيِّدُ فَالِاعْتِبَارُ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً فَبِقُوتِ بَلَدِ السَّيِّدِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ الْوَاحِدَةِ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ وَاجِبِهِ والآخر اعلامنه كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يكسو خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجْ صَاعًا من واحد منهما كما انه مأمور بااطعام عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ وَلَمْ يَكْسُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَشَرَةً وَلَمْ يُطْعِمْهُمْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَحَكَى وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يُجْزِئُ إذَا كَانَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ ونصف أعلا وَإِلَّا السَّرَخْسِيَّ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَبْعِيضُهُ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ هَذَا وَنِصْفٌ مِنْ هَذَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ النِّصْفَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كان أحدهما أعلا مِنْ الْوَاجِبِ قَالَ وَرَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازَهُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَوْ قَرِيبَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ أَوْ زوجة وقريب أو وعبد فاخرج عن أحد هما صاعا من واجبه وعن الآخر صاعا اعلا منه اجزأه بالتفاق كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فَأَطْعَمَ عَشَرَةً وَكَسَا عَشَرَةً يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفَ آخَرَ فَأَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهِمَا نِصْفًا مِنْ وَاجِبِهِ وَعَنْ الْآخَرِ نِصْفًا مِنْ أَعَلَا مِنْهُ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ مَلَكَ رَجُلَانِ عَبْدًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الْغَرِيبِ إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ أَخْرَجَا مَا شَاءَ بِشَرْطِ اتِّحَادٍ وَإِنْ أَوْجَبْنَا غَالِبَ قُوتِ البلد وكانا هما والعبد في بلد واحدا أَخْرَجَا عَنْهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ يَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ ابْتِدَاءً أَمْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْعَبْدِ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ اُعْتُبِرَ بَلَدُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَبَلَدُ السييدين وَإِنْ كَانَ السَّيِّدَانِ فِي بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ أَوْ اعْتَبَرْنَا قُوتَ الشَّخْصِ بِنَفْسِهِ أَوْ اخْتَلَفَ قُوتُهُمَا فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق المروزى وأبو علي أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَلَا يَضُرُّ التَّبْعِيضُ لِأَنَّهُمَا إذَا أَخْرَجَا هَكَذَا كُلُّ شَخْصٍ وَاجِبَهُ مِنْ جِنْسٍ كَثَلَاثَةٍ كَانُوا مُحْرِمِينَ فَقَتَلُوا ظَبْيَةً فَذَبَحَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ شَاةٍ وَأَطْعَمَ آخَرُ بقيمة ثلث شاة وصام الثالث عدل ذلك اجزأة بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يُخْرِجَانِ من اذني الْقُوتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّبْعِيضُ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ مِنْ أَعْلَاهُمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالرَّابِعُ) مِنْ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فِي

نَفَقَةِ وَلَدَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي إخْرَاجِهِمَا الْفِطْرَةَ عَنْهُ كَالْقَوْلِ فِي السَّيِّدَيْنِ وَكَذَا مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ إذَا أَوْجَبْنَا نِصْفَ الْفِطْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْأَصَحُّ) يُخْرِجَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ (وَالثَّانِي) مِنْ جِنْسٍ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَخْرَجَ إنْسَانٌ الْفِطْرَةَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ أَذِنَ فَأَخْرَجَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي دَفْعِ زَكَاةِ مَالِهِ وَفِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ وَلَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ وَلَدٌ صَغِيرٌ مُوسِرٌ فَحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ الْأَبُ فِطْرَةَ الْوَلَدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا رَشِيدًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ لَوْ أَخْرَجَ الْوَلِيُّ فِطْرَةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ تَبَرُّعًا فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَلَّى الْأَدَاءَ عَنْهُ مِمَّا مَلَّكَهُ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَإِذَا أَذِنَ جَازَ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بِالْإِذْنِ كَأَنَّ الصَّبِيَّ تَمَلَّكَ مِنْهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِخْرَاجِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ونقله الماوردى عن الاصحاب قال وقال ذقر وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ تَجِبُ فِطْرَةُ الْأَطْفَالِ عَلَى أَبِيهِمْ وَنَفَقَتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَلْزَمُ الْوَلِيُّ إخْرَاجُ فِطْرَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ مِنْ مَالِهِمْ وَكَذَا فِطْرَةُ عَبِيدِهِمْ وَجَوَارِيهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُمْ كَمَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ وَقَضَاءُ دُيُونٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ بِإِتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد * وَقَالَ أَحْمَدُ تَلْزَمُهُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ نِصْفُ الشَّخْصِ مُكَاتَبًا حَيْثُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا جَوَّزْنَا كِتَابَةَ بَعْضِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَجَبَ نِصْفُ صَاعٍ عَلَى مالك نصفه القن ولا شئ فِي النِّصْفِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَمِثْلُهُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُعْسِرٍ وَمُوسِرٍ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفُ صَاعٍ ولا شئ عَلَى الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُهَايَأَةِ لَيْسَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ لَا يَجِبُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ الْمُكَاتَبُ يَعْنِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَوَجْهٌ أَنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ عَبْدًا وَقُلْنَا يَمْلِكُ لَا فِطْرَةَ عَلَى السَّيِّدِ الثَّانِي لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ (الثَّالِثُ) عَبْدٌ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابتداء والاصح وجوبها كما سبق ويجئ رَابِعٌ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ قُبَيْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عبد كما سنو ضحه ان شاء الله تعالي قريبا ويجئ خَامِسٌ وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ إلَّا عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ

لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ الْعَبْدِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا كُلِّهَا وَيَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَصَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ زَمَنَ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ صَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كخيار الشرط ولو تم البيع فُسِخَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ تَخَالُفٍ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (السَّابِعَةُ) لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْعَبْدُ لِلْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِمْ فِطْرَتُهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقِسْطِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ بَنَى عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا يمنع وقال الاسطخرى يَمْنَعُ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ أَمْ لَا وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلى انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي المال المرهون والمغضوب لِتَزَلْزُلِ الْمِلْكِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ الاصطخرى فان بيع في الدين فلا شئ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْفِطْرَةُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وغيره وَجْهًا أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ فِي تَرِكَةِ السَّيِّدِ كَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ فَفِطْرَةُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَفِي تقديمهما عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ودين الآدمى (اصحها) يقدمان دين الله تعاعلي (وَالثَّانِي) دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بتقديم فطرة العبد لتعلقها بالعبد كارش جناية قَالَ الشَّيْخِ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ لِأَنَّ فِطْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِالذِّمَّةِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الطَّرِيقَ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ فَقَالُوا بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَفِي فِطْرَةِ السَّيِّدِ الْأَقْوَالُ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِتَقْدِيمِ فِطْرَةِ الْعَبْدِ وَفِطْرَةِ السَّيِّدِ أَيْضًا لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ وَالْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ تقديم قطرة نفسه وفطرة نَفْسِهِ وَفِطْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى جَمِيعِ الدُّيُونِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ مَاتَ بعدما أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَهُ رَقِيقٌ فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ قَالَ الرافعي وفى هذا النص رد علي ماقاله إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ سِيَاقَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا إذَا طَرَأَتْ الْفِطْرَةُ عَلَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَانِعًا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ

كَذَلِكَ فَاللَّفْظُ مُطْلَقٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا إذَا طَرَأَتْ الْفِطْرَةُ عَلَى الدَّيْنِ وَعَكْسِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ (الثَّامِنَةُ) أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَمَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَالْفِطْرَةُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ فَإِنْ قُلْنَا الموصى له يملك الوصية بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي لَزِمَهُ الْفِطْرَةُ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ بَلْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا حَالَ الْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يملك إلا بالقبول نبي عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ لِمَنْ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْوَرَثَةِ فَعَلَى هَذَا فِي الْفِطْرَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (وَالثَّانِي) لَا فِطْرَةَ لِضَعْفِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ مَعَ هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهَا تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ فِي الْوَصِيَّةِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَبِلَ فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَرَثَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَبِلَ الموصي له اورد فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَقَبُولُ وَارِثِهِ كَقَبُولِهِ وَالْمِلْكُ يَقَعُ لِلْمُوصَى لَهُ الْمَيِّتِ فَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْفِطْرَةَ إذَا قَبِلَ بِنَفْسِهِ فَهِيَ فِي تَرِكَتِهِ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ سِوَى الْعَبْدِ فَفِي بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهُ لِلْفِطْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ الْأَصَحُّ لَا يُبَاعُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ إذا قبلوا لان وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ مِلْكَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ وُهِبَ لَهُ عَبْدٌ فَقَبِلَ فَأَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى الْوَاهِبِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ إنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ وَيَتَبَيَّنُ بِالْقَبْضِ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا دَفَعَ ثَمَنَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ عَلَقَةً وَهِيَ حَقُّ الْحَبْسِ لَقَبْضِ الثَّمَنِ فَصَارَ كَعَلَقَةِ الْخِيَارِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِطْرَةُ سَوَاءٌ دَفَعَ ثَمَنَهُ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى الْأَقْوَالِ فِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي وَالْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتُقَسَّمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأُحِبُّ دَفْعَهَا إلَى ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِينَ لَا تلزمه نفقتهم

* بِحَالٍ قَالَ فَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * سَأَلَ رَجُلٌ سَالِمًا فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدْفَعُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ بَلَى وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَيْهِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُفَرِّقَ الفطرة بنفسه كما أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا النَّصِّ وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَوْ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ الْفِطْرَةُ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا أَجْزَأَهُ وَلَكِنَّ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَطْرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَالَ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَالِي نَزِهًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَبَّ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْعَاشِرَةُ) لَا تَجِبُ فطرة الجنين لاعلي أَبِيهِ وَلَا فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ بَعْدَ غُرُوبِهَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ مَا لَمْ يَكْمُلْ خُرُوجُهُ مُنْفَصِلًا وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ كُلُّ مِنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ لَا يُوجِبُ فِطْرَةً عَنْ الْجَنِينِ قَالَ وَكَانَ أَحْمَدُ يَسْتَحِبُّهُ وَلَا يُوجِبُهُ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُهُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ أَدَائِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا من الصدقات المفروضات وتطوع هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الحاوى إذ أَخْرَجَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا عَنْ فِطْرَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الدَّافِعُ مِمَّنْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِعَيْنِهَا بَلْ لَهُ أَخْذُ غَيْرِهَا * وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا صَارَتْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَجَازَ أَخْذُهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِأَنَّهُ دَفَعَهَا لِمَعْنًى وَهُوَ الْيَسَارُ بِالْفِطْرَةِ وَأَخَذَهَا بِمَعْنَى الْحَاجَةِ وَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَمْ يَمْتَنِعَا كَمَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِرْثٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ المجموع والتجريد إذَا دَفَعَ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ وَالْفَقِيرُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فَدَفَعَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ فِطْرَتِهِ جَازَ لِلدَّافِعِ الْأَوَّلِ أَخْذُهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ قَسْمَ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ الدَّافِعُ مُحْتَاجًا جَازَ دَفْعُهَا بِعَيْنِهَا إلَيْهِ لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ فَجَازَ كَمَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَوْ شراء اوهبة قَالَ فِي التَّجْرِيدِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ كما يجوزان يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِغَيْرِهِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ دَفْعِهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ لَا يُنَافِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَقْتَضِي غِنًى يُنَافِي الْمَسْكَنَةَ وَالْفَقْرَ فَإِنَّ زَكَاةَ الْمَالِ قَدْ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَحِلُّ أَخْذُهَا

مسائل من مذاهب العلماء في الفطرة

بِجِهَاتٍ غَيْرَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ كَالْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَابْنِ السَّبِيلِ الْمُوسِرِ فِي بَلَدِهِ وَالْغَازِي فَإِنَّهُمْ تَلْزَمُهُمْ زَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ وَيَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ فَلَا يُمْتَنَعُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى إنْسَانٍ وَجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ (وأما) لسرخسي فَقَالَ إذَا لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ صَاعٌ وَكَانَ فَقِيرًا لَيْسَ لَهُ كِفَايَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ فَلَهُ أَخْذُ فِطْرَةِ غَيْرِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الزَّكَوَاتِ ثُمَّ إنْ أَخْرَجَ فِطْرَتَهُ أَوَّلًا فَلَهُ أخذ فطرة غيره الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ وَفِطْرَةِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي صَرَفَهَا وَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْفِطْرَةِ الَّتِي صَرَفَهَا هُوَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ أَوَّلًا فِطْرَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَ فِطْرَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا إلَى غَيْرِ دَافِعِهَا جَازَ فَإِنْ أراد صرفها الي دافعها إليه ففيه الوجهان (الصَّحِيحُ) الْجَوَازُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْمَنْعِ شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ والاصحاب وللدليل فحصل منهذا كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْفِطْرَةُ أَوْ زَكَاةُ الْمَالِ وَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْفِطْرَةِ والزكاة من غيره سواء كان الاخذ من نفس المدفوع أو غيره ومن الامام أو غَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ عَنْهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ دُونَهَا وَوُجُوبُهَا إمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الضَّمَانِ أَوْ الْحَوَالَةِ وَكِلَاهُمَا لَا مُطَالَبَةَ به بِهِ فَإِنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ بِالْأَدَاءِ وَلَا الْمُحِيلُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْقَرِيبِ والمملوك حكم الزوجة (الثالث عشرة) روينا عن وكيع ابن الْجَرَّاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْفِطْرَةِ * قَدْ سَبَقَ جُمَلٌ مِنْهَا مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعِهَا وَأَذْكُرُ هُنَا جُمَلًا مِنْ مُهِمَّاتِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْدَرِجًا فِيمَا مَضَى (مَسْأَلَةٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وُجُوبُهَا عَلَى كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ صلى وصام وعن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَجِبُ الا علي من طاق الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ سَائِرُ الصحابة والتابعين وجميع الفقهاء لحديث ابن عمر السَّابِقِ (مَسْأَلَةٌ) الْمُشْرِكُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا دَاوُد فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ قَالَ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْكَسْبِ لِأَدَائِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) قَالَ الْجُمْهُورُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ (مَسْأَلَةٌ) لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ

زَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ الْكَافِرَيْنِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ الذِّمِّيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بن جبير والنخعي والثوري واسحق وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) (مَسْأَلَةٌ) الْعَبْدُ الْآبِقُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تجب وقال الزهري واحمد واسحق تَجِبُ إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ * وَقَالَ مالك تجب أن لم تطل غيبته ويؤنس مِنْهُ (مَسْأَلَةٌ) لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ أَوْ عَبِيدٌ كَثِيرُونَ مُشْتَرَكُونَ مُنَاصَفَةً وَجَبَ عَنْ كُلِّ عَبْدٍ صَاعٌ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الملك الماجشون واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأبو يوسف لا شئ علي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِائَةُ عَبْدٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ صَاعٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ (وَأَمَّا) مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ (فَمَذْهَبُنَا) وُجُوبُ صَاعٍ عَلَيْهِ نِصْفُهُ وَعَلَى مَالِكِ نِصْفِهِ نِصْفُهُ إذا لم يكن مهايأة وقال أبو حنيفة عليه نصف صاع ولا شئ عَلَى سَيِّدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُ صاع ولا شئ عَلَى الْعَبْدِ * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صاع ولا شئ عَلَى سَيِّدِهِ * وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ عَلَى سيده صاع ولا شئ عَلَى الْعَبْدِ (مَسْأَلَةٌ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِلطِّفْلِ مَالٌ فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ لَزِمَ أَبَاهُ فِطْرَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لِلطِّفْلِ مَالٌ فَفِطْرَتُهُ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ فِي مَالِ الْأَبِ (وَأَمَّا) الْيَتِيمُ الَّذِي لَهُ مَالٌ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ فِي مَالِهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا تَجِبُ (وَأَمَّا) الْجَدُّ فَعَلَيْهِ فِطْرَةُ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْزَمُهُ (مَسْأَلَةٌ) سَبَقَ الْخِلَافُ فِي فِطْرَةِ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِ التِّجَارَةِ وَالْقِرَاضِ (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا سَبَقَ وَمِمَّنْ قَالَ لَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَلْزَمُ سَيِّدَهُ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ الْفِطْرَةُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ

عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبِهِ قَالَ صَاحِبَاهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد * وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ قَبْلَهُ * وَقَالَ أَحْمَدُ تَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَطْ كَذَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُمَا وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُخْرِجَهَا يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ قَالَ وَجَوَّزَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ تَقْدِيمَهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَعَلَهَا فِي يَوْمِهِ لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَتْ أَدَاءً وَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَتَكُونُ قَضَاءً وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ قَالَ وقال الحسن ابن زِيَادٍ وَدَاوُد إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ سَقَطَتْ فَلَا يُؤَدِّيهَا بَعْدَهَا كَالْأُضْحِيَّةِ إذَا مَضَى وَقْتُهَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ شَذُّوا بِهَذَا عَنْ الْإِجْمَاعِ وَخَالَفُوا النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الْعَامَّةَ فِي كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيُنْقَضُ مَذْهَبُهُمْ بِزَكَاةِ الْمَالِ فَقَدْ وَافَقُوا مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ (مَسْأَلَةٌ) لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفِطْرَةِ إلَى كَافِرٍ عِنْدَنَا * وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إلَى ذِمِّيٍّ وَاخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَجَوَّزَهَا لهم أبو حنيفة وعن عمر وبن ميمون وعمر وبن شرحبيل ومرة الهمذانى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُعْطُونَ (مَسْأَلَةٌ) الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ صَاعٌ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَ سَوَاءٌ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ وَلَا يجزئ دون صاع من شئ مِنْهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كذا نقله عن لاكثرين الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ والحسن البصري وأبو العالية وأبو الشعثاء واسحق وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُجْزِئُ مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا صَاعٌ

قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَّا أَبَا ضيفة فَقَالَ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعِ زَبِيبٍ كَنِصْفِ صَاعِ برقال وَرَوَيْنَا إجْزَاءَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعروة بن الزبير ومصعب ابن سَعْدٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ * وَعُمْدَتُهُمْ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَطَبَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْمَدِينَةِ (أَرَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سعيد وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا) الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ اجْتِهَادٌ لَهُ لَا يُعَادِلُ النُّصُوصَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَالْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ إلَّا اجْتِهَادُ مُعَاوِيَةَ (مَسْأَلَةٌ) الصَّاعُ الْمُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْحَرَمَيْنِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِيِّينَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ حِينَ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْرُ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ الدَّلَائِلَ فِي كَوْنِ الصَّاعِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بَسْطًا حَسَنًا قَالَ وَأَمَّا مَا رواه صالح بن موسي الصلحى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ (جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ صَاعٌ وَالْوُضُوءُ بِرِطْلَيْنِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) فَإِنَّ صالحا

باب تعجيل الصدقة

تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَتَوَضَّأُ بِرِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ) إسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قَدْرِ الصَّاعِ الْمُعَدِّ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ بِمِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وقال أبو حنيفة يجوز وحكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عبد العزيز والثوري قال وقال اسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا تُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (مَسْأَلَةٌ) الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْفِطْرَةِ إلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ زَكَاةُ الْمَالِ وَجَوَّزَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى وَاحِدٍ فَقَطْ قَالُوا وَيَجُوزُ صَرْفُ فِطْرَةِ جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا وُجُوبُ الْفِطْرَةِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْأَجْنَاسُ الْخَمْسَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالْأَقِطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (باب تعجيل الصدقة) * قال المصنف رحمه الله تعالي * (كل مال وجبت فيه الزكاة بالحول والنصاب لم يجز تقديم زكاته قبل أن يملك النصاب لانه لم يوجد سبب وجوبها فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع والدية قبل القتل وان ملك النصاب جاز تقديم زكاته قبل الحول لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ العباس رضي الله عنه (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليجعل زكاة ماله قبل محلها فرخص له في ذلك ولانه حق مال اجل للرفق فجاز تعجيله

قبل محله كالدين المؤجل ودية الخطأ وفى تعجيل زكاة عامين وجهان (قال) أبو اسحق يجوز لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (تسلف من العباس صدقة عامين) ولان ما جاز فيه تعجيل حق العام منه جاز تعجيل حق العامين كدية الخطأ (ومن) أصحابنا من قال لا يجوز لانها زكاة لم ينعقد حولها فلم يجز تقديمها كالزكاة قبل أن يملك النصاب) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَفْظُهُ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّابِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَعْنِي مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ (إنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ عَامَ أَوَّلٍ لِلْعَامِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا قَالَ وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ مُرْسَلًا يَعْنِي رِوَايَةَ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وكذا قال الدارقطني اخْتَلَفُوا فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْإِرْسَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ أَمْ لَا (أَنَّهُ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) قال البيهقي يعنى به حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ اخْتِلَافَ طُرُقِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَصَحُّهَا رِوَايَةُ الْإِرْسَالِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّا كنا احتجنا فاستلفنا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ بين ابي البخترى وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلتَّعْجِيلِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَاعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فهي عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا ثُمَّ قَالَ يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالصِّنْوُ - بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - المثل وهذا الفظ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ نافع (أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر الذين يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا يُعْطَوْنَ

قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إذَا عَرَفْتَ هَذَا حَصَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ باحد أربعة أمور وَهِيَ أَنْ يُسْنَدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يُرْسِلَ أَوْ يَقُولَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِهِ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَرُوِيَ هُوَ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فَحَصَلَتْ الدَّلَائِلُ الْمُتَظَاهِرَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ والأصحاب رحمهم اللَّهُ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالثَّانِي فِي آخِرِهِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَلَهُ التَّعْجِيلُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ انْعِقَادِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَالدَّلِيلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَيْنِيَّةً فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَيُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُرُوضِ بِآخِرِ الْحَوْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً مَعْلُوفَةً فَعَجَّلَ شَاةً وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى إسَامَتِهَا حَوْلًا ثُمَّ أَسَامَهَا لَمْ يَقَعْ المعجل زكاة بلا خلاف لان المعلوفة لَيْسَتْ مَالَ زَكَاةٍ فَهُوَ كَمَا دُونَ النِّصَابِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ وَلَا حَوْلَ لِلْمَعْلُوفَةِ بِخِلَافِ عَرَضِ التِّجَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ عَجَّلَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ فَوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا المصنف بدليلهما وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَأَجَابَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَسَلُّفُ دَفْعَتَيْنِ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ صَدَقَةُ عَامٍ أَوْ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْجَوَازَ وَهُوَ قَوْلُ أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ والجرجاني والشاشى والعبد رى وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ الْمَنْعَ

قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ الْمَنْعَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْجَوَازِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَامَيْنِ وَأَكْثَرَ حَتَّى لَوْ عَجَّلَ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْمُعَجَّلِ نِصَابٌ فَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسُونَ شَاةً فَعَجَّلَ عَشْرًا مِنْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ جَازَ فَلَوْ نَقَصَ الْمَالُ بِالتَّعْجِيلِ عَنْ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ لِغَيْرِ الْعَامِ الْأَوَّلِ وَجْهًا وَاحِدًا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عَلَى نِصَابٍ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ وَإِذَا جَوَّزْنَا صَدَقَةَ عَامَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ زَكَاةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ كَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إذَا جمع في وقت الصلاة الثانية * * قال المصنف رحمه الله تعالي * (وان ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتوالد من سخالها أربع شاة فتوالدت وصارت اربعمائة اجزأه زكاة المائتين وفى زكاة السخال وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه تقديم زكاة علي النصاب (والثاني) يجوز لان السخال جعلت كالموجودة في الحول في وجوب زكاتها فجعلت كالموجودة في تعجيل زكاتها وان ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ثم توالدت اربعين سخلة وماتت الامهات وبقيت السخال فهل يجزئه ما أخرج عن الامهات عن زكاة السخال فيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه لانه عجل الزكاة عن غير السخال فلا يجزئه عن زكاة السخال (والثاني) يجزئه لانه لما كان حول الامهات حول السخال كانت زكاة الامهات زكاة السخال وان اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة فاخرج منها زكاة اربعمائة درهم ثم حال الحول والعرض يساوى اربعمائة اجزأه لان الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول والدليل عليه أنه لو ملك سلعة تساوى مائة فحال الحول وهى تساوى مائتين وجبت فيها الزكاة وان مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاةً ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول لزمته شاة أخرى وكذلك لو ملك مائتي شاة فاخرج شاتين ثم نتجت شاة سخلة أخرى قبل الحول لزمته شاة اخرى لان المخرج كالباقي علي ملكه ولهذا يسقط به الفرض عند الحول فجعل كالباقي في ملكه في ايجاب الفرض) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ الْأُمَّهَاتُ هَذِهِ إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِيهَا وَالْأَصَحُّ وَالْأَشْهَرُ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتِ بِالْهَاءِ أَفْصَحُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ (وَقَوْلُهُ) مَلَكَ سِلْعَةً تُسَاوِي مِائَةً أَيْ مَلَكَهَا لِلتِّجَارَةِ (وَقَوْلُهُ) نُتِجَتْ هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ - أَيْ وَلَدَتْ (وقوله) سخلة منصوب مفعول ثان لنتحبت * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ فَإِنْ كَانَ

ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ بِأَنْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بمائتين فعجل أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ أَجْزَأَهُ عَنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ الْوَجْهَانِ كَمَسْأَلَةِ السِّخَالِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وإن كان زَكَاةَ عَيْنٍ بِأَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَصَلَ لَهُ الْمِائَتَانِ الْأُخْرَيَانِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَادِثِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَوَقَّعَ النِّصَابَ الثَّانِيَ مِنْ نَفْسِ الَّذِي عِنْدَهُ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ ثُمَّ حَدَثَتْ سَخْلَةٌ أَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ فَعَجَّلَ أَرْبَعًا فَتَوَالَدَتْ وَبَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ عَجَّلَ شَاتَيْنِ وَلَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَتَوَالَدَتْ وَبَلَغَتْ عَشْرًا فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ عجل شاة عن اربعين فهلكت الامهات بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَ مِنْ السِّخَالِ فِيهِ وَجْهَانِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْجَمِيعِ الْمَنْعُ وَجَمَعَ الدَّارِمِيُّ فِي مَسْأَلَتَيْ الرِّبْحِ وَالنِّتَاجِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) جَوَازُ تَعْجِيلِ زَكَاةِ النِّصَابِ الثَّانِي فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ فِي الرِّبْحِ دُونَ النِّتَاجِ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ فَهَلَكَتْ الْأَبْعِرَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّاةَ الْمُعَجَّلَةَ عَنْهَا فَقَدْ أَوْمَأَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِيهِ إلَى وَجْهَيْنِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا مَلَكَ عَرَضًا بمائتي درهم فعچل زكاة ألف عنها وعن ربحها فباعها عند الْحَوْلِ بِأَلْفٍ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْأَلْفِ قَالَ فَإِنْ بَاعَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِأَلْفٍ (فَإِنْ قُلْنَا) يَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا لَمْ يُجْزِئْهُ التَّعْجِيلُ عَنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعِ الْأَصْلِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ أَلْفًا فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَ ثُمَّ مَلَكَ أَلْفًا آخَرَ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاةِ الْأَلْفِ الثاني لانه تعجيل قبل المالك وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفَانِ مُتَمَيِّزَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَلْفٍ ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاةِ الْأَلْفِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ حَالَ التَّعْجِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاةً ثُمَّ وَلَدَتْ شَاةٌ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ شَاةٌ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَيَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَنَا الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ فِي شَيْئَيْنِ (أَحَدِهِمَا) فِي إجْزَائِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ (وَالثَّانِي) في ضمه إلى الْمَالِ وَتَكْمِيلِ النِّصَابِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ قَالَ أصحابنا

فَلَوْ كَانَتْ الْمُعَجَّلَةُ مَعْلُوفَةً فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَالِكُ اشْتَرَاهَا وَأَخْرَجَهَا وَلَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ لَمْ يَجِبْ شَاةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ وَالْمُشْتَرَاةَ لَا يَتِمُّ بِهِمَا النِّصَابُ وَإِنْ جاز اخراجهما عَنْ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (إذا عجل زكاة ماله ثم هلك النصاب أو هلك بعضه قبل الحول خرج المدفوع عن أن يكون زكاة وهل يثبت له الرجوع فيما دفع ينظر فيه فان لم يبين أنها زكاة معجلة لم يجز له الرجوع لان الظاهر أن ذلك زكاة واجبة أو صدقة تطوع وقد لزمت بالقبض فلم يملك الرجوع وإن بين أنها زكاة معجلة ثبت له الرجوع لانه دفع عما يستقر في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستقرار ثبت له الرجوع كما لو عجل اجرة الدار ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة وإن كان الذى عجل هو السلطان أو المصدق من قبله ثبت له الرجوع بين أو لم يبين لان السلطان لا يسترجع لنفسه فلم يلحقه تهمة وان عجل الزكاة عن نصاب ثم ذبح شاة أو أتلفها فهل له ان يرجع فيه وجهان (احدهما) يرجع لانه زال شرط الوجوب قبل الحول فثبت له الرجوع كما لو هلك بغير فعله (والثاني) لا يرجع لانه مفرط وربما اتلف ليسترجع ما دفع فلم يجز له أن يرجع وإذا رجع فيما دفع وقد نقص في يد الفقير لم يلزمه ضمان ما نقص في اصح الوجهين لانه نقص في ملكه فلم يلزمه ضمانه ومن اصحابنا من قال يلزمه لان ما ضمن عينه إذا هلك ضمن نقصانه إذا نقص كالمغصوب وان زاد المدفوع نظرت فان كانت زيادة لا تتميز كالسمن رجع فيه مع الزيادة لان السمن يتبع الاصل في الرد كما نقول في الرد بالعيب وان زاد زيادة تتميز كالولد واللبن لم يجب رد الزيادة لانها زيادة حدثت في ملكه فلم يجب ردها مع الاصل كولد المبيعة في الرد بالعيب وان هلك المدفوع في يد الفقير لزمه قيمته وفى القيمة وجهان (احدهما) يلزمه قيمته يوم التلف كالعارية (والثانى) يلزمه قيمته يوم الدفع لان ما حصل فيه من زيادة حدثت في ملكه فلم يلزمه ضمانها) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَّلَ زَكَاتَهُ ثُمَّ هَلَكَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ خَرَجَ الْمَدْفُوعُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ شَرْطَ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَلَمْ يُوجَدْ (وَأَمَّا) الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْمَالِكَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَبَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَقَالَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا اسْتَرْجَعْتُهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هَذِهِ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا رُجُوعَ حَكَاهُ امام الحرمين

وَآخَرُونَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ وُجِدَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَقَعَ نَفْلًا كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ صَدَقَتِي الْمُعَجَّلَةُ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا رُجُوعَ لَهُ إذًا لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهَا هَلْ تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَلَهُ نَظَائِرُ سَبَقَتْ هُنَاكَ وَإِنْ دَفَعَهَا الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي وَذَكَرَ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ مُعَجَّلَةٌ فَقَطْ وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي أَوْ الْمَالِكُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَلَا عَلِمَهُ الْقَابِضُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ (وَالثَّانِي) لَا يثبت مطلقا لتفريط الدافع (وَالثَّالِثُ) إنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي رَجَعَ وَإِنْ دَفَعَ الْمَالِكُ فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الثَّالِثِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ وَفِي الْمَالِكِ لَا يَسْتَرِدُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَسْتَرِدُّ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مالا ظانا ان له عليه دين فَلَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَا يَسْتَرِدُّ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ تَقَعُ فَرْضًا وَقَدْ تَقَعُ تَطَوُّعًا فَإِذَا لَمْ تَقَعْ فَرْضًا وَقَعَتْ تَطَوُّعًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ ظَانًّا بَقَاءَهُ فَبَانَ تَالِفًا فَإِنَّهُ يَقَعُ تَطَوُّعًا وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ فَقَالَ يَسْتَرِدُّ الْإِمَامُ دُونَ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْمَالِكَ يُعْطِي مِنْ مَالِهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَقَعَ نَفْلًا وَالْإِمَامُ لَا يُعْطِي مِنْ مَالِ الْغَيْرِ إلَّا فَرْضًا فَكَانَ دَفْعُهُ الْمُطْلَقَ كَالْمُقَيَّدِ بِالْفَرْضِ قَالَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَالِكِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حالين فقوله يسترداد إذَا أَعْلَمَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَحَيْثُ قَالَ لَا يَسْتَرِدُّ أَرَادَ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ التَّعْجِيلَ سَوَاءٌ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مَفْرُوضَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ أَثْبَتْنَا الرُّجُوعَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَقَالَ الْمَالِكُ قَصَدْتُ بِالْمَدْفُوعِ التَّعْجِيلَ وَأَنْكَرَ الْقَابِضُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ عِلْمَ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِعِلْمِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْلِفُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا قَالَهُ الدَّافِعُ لَضَمِنَ (وَالثَّانِي) لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ دَعْوَى رَبِّ الْمَالِ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَمْ تُسْمَعْ (فَإِنْ قُلْنَا) يَحْلِفُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الدَّافِعِ وَوَارِثِ الْقَابِضِ صُدِّقَ الْوَارِثُ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْقَابِضِ وَإِذَا قُلْنَا لَا رُجُوعَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّعْجِيلَ وَلَا عَلِمَهُ الْقَابِضُ فَتَنَازَعَا فِي ذِكْرِهِ أَوْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ فَتَنَازَعَا فِيهِ أَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِهِ

أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَهَا مُعَجَّلَةً فَتَنَازَعَا فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى إنْسَانٍ وَقَالَ دَفَعْتُهُ عَارِيَّةً وَقَالَ الْقَابِضُ بَلْ هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ بِيَمِينِهِ (وَالثَّانِي) يُصَدَّقُ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ الْمَقْبُوضَ قال الماوردى ولابد مِنْ يَمِينِهِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَضَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْقَابِضِ الزَّكَاةَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ بِلَا سَبَبٍ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَهُوَ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاتِي أَوْ صَدَقَتِي الْمَفْرُوضَةُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَمَنْ ذَكَرَ التَّعْجِيلَ دُونَ الرُّجُوعِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلًا وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ الْمَالِكَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَسْتَرِدُّ وَأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَرِدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْمَدْفُوعِ زَكَاةً كَمَوْتِ الْقَابِضِ وَتَغَيُّرِ حَالِهِ وَتَلَفِ النِّصَابِ وَنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ بِأَنْ كَانَ سَائِمَةً فَعَلَفَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَهُ الْمَالِكُ أَوْ أَتْلَفَ مِنْهُ مَا نَقَصَ بِهِ النِّصَابُ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَالنَّفَقَةِ أَوْ الْخَوْفِ عَلَيْهِ أَوْ ذَبَحَهُ لِلْأَكْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثَبَتَ الرجوع قطعا وان كان لغير حاجة فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِصْطَخْرِيُّ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَتَى ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ تَالِفًا ضَمِنَهُ الْقَابِضُ إنْ كَانَ حَيًّا وَوَرَثَتُهُ فِي تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا بِبَدَلِهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَالدَّرَاهِمِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهَلْ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِمِثْلِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ اقْتَرَضَ حَيَوَانًا فَمَاذَا يَرُدُّ قَالَ وَمَأْخَذُ الخلاف أن الشافعي قال برد مِثْلَ الْمُعَجَّلِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَظَاهِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمِثْلِيِّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الدَّفْعِ أَمْ يَوْمَ التَّلَفِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَوْمَ الدَّفْعِ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَنْقَدِحُ عِنْدِي وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إيجَابُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى التَّلَفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ حَاصِلًا لِلْقَابِضِ وَنَتَبَيَّنُ أَنَّ الْيَدَ يَدُ ضَمَانٍ كَمَا فِي الْمُسْتَامِ وَهَذَا بَعِيدٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَعَ ثُبُوتِ ظَاهِرِ الْمِلْكِ لِلْقَابِضِ وَهَذَا الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا

لِلْأَصْحَابِ وَضَعَّفَهُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرُّجُوعِ وَهُوَ غَلَطٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ رَجَعَ فيها ودفعها أو غيرها إلى مستحقي الزَّكَاةِ إنْ بَقِيَ الدَّافِعُ وَمَالُهُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ عَيْنِ الْمَأْخُوذِ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَمْ يَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ الْمُجْزِئَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْإِمَامُ أَخَذَ الْمَدْفُوعَ وَهَلْ يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمَالِكِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَإِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْقِيمَةَ عِنْدَ تَلَفِ الْمُعَجَّلِ فَهَلْ يُجْزِئُ صَرْفُهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ عِنْدَنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَيْنَ أَوَّلًا وَعَلَى هَذَا فَفِي افْتِقَارِهِ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمَالِكِ الْوَجْهَانِ كَالْعَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْتَقَرُ وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ بَاقِيًا وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ يَرْجِعُ فِيهِ وَهَلْ لَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَظَاهِرُ النَّصِّ لَا أَرْشَ لَهُ كَذَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ كَمَنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَرَجَعَ وَالْعَيْنُ نَاقِصَةٌ وَمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ لَمْ يَغْرَمْهُ الْوَلَدُ فَنَقْصُهُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهُ بَعْدَ اسْتِرْجَاعِهِ عَنْ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ أَوْ إلَى وَرَثَةِ الْقَابِضِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِنُقْصَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ بِصِفَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ زَائِدًا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ أَخَذَهُ مَعَ زِيَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْقَابِضِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ إذَا حَدَثَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّدِّ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَابِضُ حَالَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ فَأَمَّا إنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْقَبْضِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ كَغَنِيٍّ وَعَبْدٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَيُغَرِّمُهُ أَرْشَ النَّقْصِ بِلَا خلاف في هذا كله وان كان؟ ؟ ؟ ؟ الْحَوْلِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا مَحْسُوبًا عَنْ الزَّكَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَيْثُ جَرَتْ حَالَةٌ تَسْتَوْجِبُ الِاسْتِرْجَاعَ

فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْمِلْكِ وَالرُّجُوعِ فِيهِ بَلْ يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ حَصَلَ ثُمَّ انْتَقَضَ قَالَ وَلَيْسَ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الرَّاجِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَامَ مِلْكَ الْمُتَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ لِأَنَّ الْقَابِضَ هُنَا لَمْ يَمْلِكْ إلَّا بِسَبَبِ الزَّكَاةِ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ زَكَاةٌ زَالَ الْمِلْكُ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ بِأَرْشِ النقص أو الزيادة المنفصلة هو فيما إذ اجرت الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ قَبْلَ حُدُوثِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ فَأَمَّا إذَا جَرَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لِلرَّاجِعِ فَإِنَّهَا إنَّمَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ أَوْ تَلَفٌ بَعْدَ سَبَبِ الرُّجُوعِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي وُجُوبُ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْقَابِضِ وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ حَدَثَ سَبَبُ الرُّجُوعِ ضَمِنَهَا فَتَلَفُهَا بَعْدَهُ أَوْلَى بِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَنْ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ دَفَعَ زَكَاةً فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْهَا فَهُوَ مَضْمُونٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَشْهِدُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْصِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِهِ إذَا رَجَعَ فِي الْعَيْنِ بِمَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِالثَّوْبِ فَرَدَّهُ وَصَادَفَ الثَّمَنَ نَاقِصَ الصِّفَةِ قَالَ يَأْخُذُهُ نَاقِصًا وَلَا شئ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّقْصِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مشكل فانه لو قد تَلَفُ الثَّمَنِ رَجَعَ بِبَدَلِهِ فَإِلْزَامُهُ الرِّضَا بِهِ مَعِيبًا بَعْدَ الرَّدِّ بَعِيدٌ (قُلْتُ) الصَّوَابُ الْمُتَعَيَّنُ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ بَعِيرَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ وَوُجِدَ سَبَبُ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِي الْبَاقِي وَبَدَلِ التَّالِفِ وَفِي بَدَلِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا (الْأَصَحُّ) قِيمَتُهُ (وَالثَّانِي) مِثْلُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ * (فَرْعٌ) الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَابِضَ يَمْلِكُ الْمُعَجَّلَ مِلْكًا تَامًّا وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَرَضَ مَانِعٌ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْمِلْكِ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا الْمِلْكَ فَلَوْ بَاعَ الْقَابِضُ ثُمَّ طَرَأَ الْمَانِعُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ اسْتَمَرَّ الْبَيْعُ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَهُ وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَأَرَادَ الْقَابِضُ رَدَّ بَدَلِهَا دُونَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَقْفِ فَلَهُ ذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَفِي جَوَازِ الا بدال الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي مِثْلِهِ فِي الْقَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ أَمْ بِالتَّصَرُّفِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّصَرُّفِ فَلَيْسَ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَبْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لَهُ (وَالثَّانِي) لَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَثْبَتْنَا الرُّجُوعَ فَفِيهِ تَقْدِيرَانِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا الْأَصْحَابُ وَحَوَّمَ عَلَيْهِمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (أَحَدُهُمَا)

أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَ الدَّافِعِ لَمْ يَزُلْ وَكَانَ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَدْفُوعَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْقَرْضِ فَإِنْ وَقَعَتْ الزَّكَاةُ مَوْقِعَهَا وَإِلَّا فَهُوَ قَرْضٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ قَالَ فَعَلَى هَذَا (إنْ قُلْنَا) الْقَرْضُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَابِضِ الْإِبْدَالُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ وَلَوْ بَاعَهَا ثُمَّ طَرَأَ الْمَانِعُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وإن عجل الزكاة ودفعها إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل الحول لم يجزئه المدفوع عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ معجلة لم يرجع وإن بين رجع وإذا رجع فيما دفع نظرت فان كان من الذهب أو الفضة وإذا ضمه الي ما عنده بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة لانه قبل أن يموت الفقير كان كالباقي علي ملكه ولهذا لو عجله عن النصاب سقط به الفرض عند الحول فلو لم يكن كالباقي على حكم ملكه لم يسقط به الفرض وقد نقص المال عن النصاب ولانه لما مات صار كالدين في ذمته والذهب والفضة إذا صارا دينا لم ينقطع الحول فيه فيضم إلى ما عنده وإن كان الذى عجل شاة ففيه وجهان (أحدهما) يضم إلى ما عنده كما يضم الذهب والفضه (والثانى) لا يضم لانه لما مات صار كالدين والحيوان إذا كان دينا لا تجب فيه الزكاة وان عجل الزكاة ودفعها إلي فقير فاستغنى قبل الحول نظرت فان استغنى بما دفع إليه اجزأه لانه دفع إليه ليستغني به فلا يجوز أن يكون غناه به مانعا من الاجزاء ولانه زال شرط الزكاة من جهة الزكاة فلا يمنع الاجزاء كما لو كان عنده نصاب فعجل عنه شاة فان المال قد نقص عن النصاب ولم يمنع الاجزاء عن الزكاة وان استغنى من غيره لم يجزه عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا وهل يرجع على ما بيناه وإن دفع إلى فقير ثم استغنى ثم افتقر قبل الحول وحال الحول وهو فقير ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه كما لو عجل زكاة ماله ثم تلف ماله ثم استفاد غيره قبل الحول (والثانى) أنه يجزئه لانه دفع إليه وهو فقير وحال الحول عليه وهو فقير) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ كَوْنِ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً مُجْزِئًا بَقَاءُ الْقَابِضِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ فَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ أَوْ اسْتَغْنَى بِغَيْرِ الْمَالِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اسْتَغْنَى بِالْمَدْفُوعِ مِنْ الزَّكَوَاتِ أَوْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ وَيُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أبو إسحق وَهَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَدْفُوعِ فَاسْتَغْنَى بِرِبْحِهِ وَنَمَائِهِ أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَيْهِ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَرَضَ مَانِعٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَائِهِ وَصَارَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِي

الطَّرَفَيْنِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّافِعِ بَقَاؤُهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَلَوْ ارْتَدَّ وَقُلْنَا الرِّدَّةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ كُلُّ مَالِهِ أَوْ نَقَصَ هُوَ وَالْمُعَجَّلُ عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنِ الْمُعَجَّلُ زكاة وان بقينا مِلْكَ الْمُرْتَدِّ وَجَوَّزْنَا إخْرَاجَ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي إجْزَائِهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ خِلَافٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزكاة وهل يحسب في فِي صُورَةِ الْمَوْتِ عَنْ زَكَاةِ الْوَارِثِ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قُلْنَا) الْوَارِثُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ المورث أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قطع السرخسى وآخرون لانه تعجيل قبل مالك النصب (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَدِيمِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُحْسَبُ فَتَعَدَّدَتْ الْوَرَثَةُ حُكِمَ بِالْخَلْطَةِ إنْ كَانَ الْمَالُ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ مَاشِيَةٍ وَقُلْنَا بِثُبُوتِ الْخَلْطَةِ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ أَوْ اقْتَسَمُوا وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ فَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (قَالَ) أَصْحَابُنَا وَالْمُعَجَّلُ مَضْمُومٌ إلَى مَا عِنْدَ الدَّافِعِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَطْرَأْ مَانِعٌ أَجْزَأَهُ مَا عَجَّلَ وَكَانَتْ تِلْكَ الشَّاةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَاقِيَاتِ عِنْدَهُ فِي شيثين فِي إتْمَامِ النِّصَابِ بِهَا وَفِي إجْزَائِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَوْ تَالِفَةً ثُمَّ إنْ تَمَّ الْحَوْلُ بَعْدَ التَّعْجِيلِ وَالْمَالُ عَلَى حَالِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي تَقْدِيرِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي دُونَ النِّصَابِ بِأَنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب أن المعجل كالباقي في ملكه حتى يكمل به النصاب وجزئ وَلَيْسَ بِبَاقٍ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً (وَقَالَ) صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يُقَدَّرُ كَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ لِيَنْقَضِيَ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَقَالَ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ نَافِذٌ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يُقَالُ بِبَقَاءِ مِلْكِ الدَّافِعِ قَالَ الرافعى هذا الِاسْتِبْعَادُ صَحِيحٌ إنْ أَرَادَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَقَاءَ مِلْكِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ أَرَادَ مَا قَالَهُ فَقَوْلُهُ صَوَابٌ (وَأَمَّا) إذَا طَرَأَ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ المعجل زكاة فينظران كَانَ الدَّافِعُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ نِصَابٌ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ دُونَ نصاب فحيث لا يثبت الاستراد أَوْ يَثْبُتُ وَلَا يَبْلُغُ الْبَاقِيَ مَعَ الْمُسْتَرَدِّ نصاب لَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَكَأَنَّهُ تَطَوُّعٌ بِشَاةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ فَاسْتَرَدَّ وَتَمَّ بِالْمُسْتَرَدِّ النِّصَابُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ فِي كتب العراقيين

وَالسَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِمْ (أَحَدُهَا) يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ وَلَا زَكَاةَ لِلْمَاضِي لِنَقْصِ مِلْكِهِ عَنْ النِّصَابِ (وَالثَّانِي) إنْ كَانَ مَالُهُ نَقْدًا زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً فَلَا لِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا مسى مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ بَلْ لَفْظُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ ثَانِيًا قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ بِعَيْنِهِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْقَابِضِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إذَا اسْتَرَدَّ وَقُلْنَا كَأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْمَاضِي (وَإِنْ قُلْنَا) يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْمَاضِي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّانِي الشَّاةُ المقبوضة حصلت الحيلولة بين المالك وبينهما فيجئ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ يُشْعِرُ بِجَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ تَسْلِيمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمُعَجَّلِ قَالَ وَكَيْفَ كَانَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِلْمَاضِي قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ عَجَّلَ مِنْ أَلْفِ شَاةٍ عشر افتلف ماله قبل الحول الا ثلثمائة وَتِسْعِينَ وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْقَابِضِ ضُمَّتْ إلَى مَا عِنْدَهُ حَيْثُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ فيصير المال اربعمائة وواجبه اربع شياه فيحسب اربعا عن الزكاة يسترد سِتًّا إنْ كَانَ الْقَابِضُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ الْعَشْرَ وَيُخْرِجُ أَرْبَعًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ تَالِفًا فِي يَدِ الْقَابِضِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي فِي يَدِ الْمَالِكِ نِصَابًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ لِحَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ الضَّمَانُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا تَجْدِيدَ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ بَاقِيًا جَاءَ هُنَا قَوْلًا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ (الْأَصَحُّ) الْوُجُوبُ هَذَا إنْ كَانَ الْمُزَكَّى نَقْدًا فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ بِحَالٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَابِضِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ الماشية وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ تُقَامُ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ هُنَا نَظَرًا لِلْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ الْمُعَجَّلَةَ يَوْمَ الدَّفْعِ غَنِيًّا وَيَوْمَ الْوُجُوبِ فَقِيرًا لَمْ تَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) لَوْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِنْتُ الْمَخَاضِ الْمُعَجَّلَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ فِي يَدِ الْقَابِضِ بَلْ يَسْتَرِدُّهَا ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى هكذا ذَكَرُوهُ وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرَجُ تَالِفًا وَالنِّتَاجُ لَمْ يَزِدْ عَلَى احد عشر فلم تَكُنْ إبِلُهُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَّا بِالْمُخْرَجِ يَنْبَغِي أَلَا تَجِبَ بِنْتُ لَبُونٍ لِأَنَّا

إنَّمَا نَجْعَلُ الْمُخْرَجُ كَالْبَاقِي فِي يَدِ الدَّافِعِ إذَا حَسَبْنَاهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ مَحْسُوبًا عَنْهَا فَلَا بَلْ هُوَ كَهَلَاكِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ السَّابِقُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحُوهُ يُنَازَعُ فِي هَذَا * (فَرْعٌ) لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَمَاتَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَ الحول فقد سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَدْفُوعُ زَكَاةً وَيُسْتَرَدُّ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ ثَانِيًا عَلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَ مَعَهُ نِصَابٌ وَكَذَا إنْ تَمَّ نِصَابًا بِالْمَرْجُوعِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُوسِرًا فَلَوْ مَاتَ معسرا لا شئ لَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا السَّرَخْسِيُّ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْقَابِضَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَقْتَ الْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ هَذَا الْمُعَجَّلُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ التَّعْجِيلِ وَالرِّفْقِ بِالْمَسَاكِينِ فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالْإِجْزَاءِ نَفَرَ النَّاسُ عَنْ التَّعْجِيلِ خَوْفًا مِنْ هَذَا (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْإِمَامَ يَغْرَمُ لِلْمَالِكِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَدْرَ الْمَدْفُوعِ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ اخراج الزكاة جمعا بين المصلحتين والدليلين * * قال المصنف رحمه الله * (وإن تسلف الوالي الزكاة وهلك في يده نظرت فان تسلف بغير مسألة ضمنها لان الفقراء أهل رشد فلا يولي عليهم فإذا قبض مالهم بغير اذنهم قبل محله وجب عليه الضمان كالوكيل إذا قبض مال موكله قبل محله بغير اذنه وان تسلف بمسألة رب المال فما تلف من ضمان رب المال لانه وكيل رب المال فكان الهلاك من ضمان الموكل كما لو وكل رجلا في حمل شئ الي مكان فهلك في يده وان تسلف بمسألة الفقراء فما هلك من ضمانهم لانه قبض باذنهم فصار كالوكيل إذا قبض دين موكله باذنه فهلك في يده وان تسلف بمسألة الفقراء ورب المال ففيه وجهان (أحدهما) ان ما يتلف من ضمان رب المال لان جنبته أقوى لانه يملك المنع والدفع (والثاني) انه من ضمان الفقراء لان الضمان يجب على من له المنفعة ولهذا يجب ضمان العارية على المستعير والمنفعة ههنا للفقراء فكان الضمان عليهم) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَهْلُ رُشْدٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الشين - ويجوز بفتحهما (وَقَوْلُهُ) يُولِي عَلَيْهِمْ هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - أَيْ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ جَنَبَتَهُ هِيَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ - (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاخْتَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ وَمُخْتَصَرُ مَا نَقَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَخَذَ مِنْ الْمَالِكِ مَالًا لِلْمَسَاكِينِ قَبْلَ تَمَامِ

حَوْلِهِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَأْخُذُهُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ فَيُنْظَرُ إنْ اقْتَرَضَ بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمْ سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ وَهَلْ يَكُونُ الْإِمَامُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى المساكين أم لا ينظران عَلِمَ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ يَقْتَرِضُ لِلْمَسَاكِينِ بِإِذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ ظَنَّ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ يَقْتَرِضُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهِمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ الامام يأخذه من مال الصدقة أو يحسبه عَنْ زَكَاةِ الْمُقْرِضِ وَلَوْ أَقْرَضَهُ الْمَالِكُ لِلْمَسَاكِينِ ابتذاء مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهِمْ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْإِمَامِ بلا تفريض فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَا عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمَالِكِ وَلَوْ اقْتَرَضَ الْإِمَامُ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ جَمِيعًا فَهَلْ هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ أَوْ الْمَسَاكِينِ فِيهِ وَجْهَانِ يَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْحَالِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وان اقترض بغير سؤال المالك والمساكين نظران اقْتَرَضَ وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَقَعَ الْقَرْضُ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ إنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ أَقْرَضَهُمْ فَقَدْ أَقْرَضَهُمْ مَالَ نَفْسِهِ فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْقُرُوضِ وَإِنْ كَانَ اقْتَرَضَ لهم وبهم حَاجَةٌ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمَسَاكِينِ يَقْضِيهِ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ الصدقة كالولي إذا اقترض لليتيم فهلك المال في يده بلا تفريط بكون الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ خَالِصِ مَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ غَيْرُ مُتَعَيَّنِينَ وَفِيهِمْ أَهْلُ رُشْدٍ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ الصَّدَقَةِ عَنْهُمْ بِلَا عُذْرٍ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِمْ بِالتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُمْ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الْيَتِيمِ فَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْمَالَ الَّذِي اقْتَرَضَهُ إلَيْهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَالْإِمَامُ طَرِيقٌ فَإِذَا أَخَذَ الزَّكَوَاتِ وَالْمَدْفُوعَ إلَيْهِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَلَهُ أَنْ يَحْسِبَهُ عَنْ زَكَاةِ الْمُقْرِضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الزَّكَوَاتِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ مِنْهَا بَلْ يَقْضِي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ الْمَالَ لِيَحْسِبَهُ عَنْ زَكَاةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ كَالْقَرْضِ (إحْدَاهَا) أَنْ يَأْخُذَ بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَالِكُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَعَلَى الْمَالِكِ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِغَيْرِ تفريط نظران خَرَجَ الْمَالِكُ عَنْ صِفَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَلَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهَلْ يَكُونُ الْإِمَامُ طَرِيقًا فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا

فِي الِاقْتِرَاضِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ يَقَعُ الْمُخْرَجُ عَنْ زَكَاتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقَعُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي (وَالثَّانِي) لَا يَقَعُ فَعَلَى هَذَا لَهُ تَضْمِينُ الْمَسَاكِينِ وَفِي تَضْمِينِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسَاكِينِ مَالٌ صَرَفَ الْإِمَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ الزَّكَوَاتُ ذَلِكَ الْقَدْرَ إلَى آخَرِينَ عَنْ جِهَةِ الَّذِي تَسَلَّفَ مِنْهُ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسَاكِينُ مُتَعَيَّنِينَ أَمْ لَا فَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا سَبَقَ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أن صورة المسألة ان يكونو مُتَعَيَّنِينَ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا فَلَا أَثَرَ لِسُؤَالِهِمْ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ إذَا تَسَلَّفَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةِ أَحَدٍ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِطَلَبِ غَيْرِ الْمُتَعَيَّنِينَ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا وَجْهًا فِي الْمُتَعَيَّنِينَ أنه لا اعتبر بِطَلَبِهِمْ بَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لا يلزم من تعينهم حَالَ الطَّلَبِ تَعِينُهُمْ حَالَ الْوُجُوبِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شاذان ضعيفان مردودان (المسألة الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَسَلَّفَ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْمَسَاكِينِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وقع الموقع والارجع الْمَالِكُ عَلَى الْمَسَاكِينِ دُونَ الْإِمَامِ وَإِنْ تَلِفَ في يد الامام لم يجزئ المالك سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطِ الْإِمَامِ أَمْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالتَّالِفِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ثُمَّ إنْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَسَلَّفَ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ جَمِيعًا (فَالْأَصَحُّ) عِنْدَ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمَسَاكِينِ (وَالثَّانِي) مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ (الرابعة) أن يتسلف بغير سؤال اللمالك وَالْمَسَاكِينِ لِمَا رَأَى مِنْ حَاجَتِهِمْ فَهَلْ تَكُونُ حَاجَتُهُمْ كَسُؤَالِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ وَخَرَجُوا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ اسْتَرَدَّهُ الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ خَرَجَ الدَّافِعُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَالٌ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَرَّطَ أَمْ لَمْ يُفَرِّطْ وَعَلَى الْمَالِكِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي تَنَزُّلِ الْحَاجَةِ مَنْزِلَةَ سُؤَالِهِمْ هُمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ (أَمَّا) إذَا كَانُوا غَيْرَ بَالِغِينَ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ هَلْ تُدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ من الزمه نَفَقَتُهُ كَأَبِيهِ وَغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ إلَى قِيمَةٍ (وَالثَّانِي) لَا لِاسْتِغْنَائِهِ بِسَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الصَّرْفَ

إلَيْهِ فَحَاجَةُ الْأَطْفَالِ كَسُؤَالِ الْبَالِغِينَ فَتَسَلُّفُ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ وَاسْتِقْرَاضُهُ لَهُمْ كَاسْتِقْرَاضِ قَيِّمِ الْيَتِيمِ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي يَلِي أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ فَإِنْ كان واليا مُقَدَّمًا عَلَى الْإِمَامِ فَحَاجَتُهُمْ كَحَاجَةِ الْبَالِغِينَ لِأَنَّ لَهُمْ مَنْ يَسْأَلُ التَّسَلُّفَ لَوْ كَانَ مَصْلَحَةً لَهُمْ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ إلَى الصبى فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين وتجئ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَنَحْوِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لَوْ تَلِفَ الْمُعَجَّلُ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْحُصُولَ فِي يَدِهِمَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَالْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَسَاكِينِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ إنْ فَرَّطَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِمْ ضَمِنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَلَيْسَ مِنْ التَّفْرِيطِ انْتِظَارُهُ انْضِمَامَ غَيْرِهِ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيقُ كُلِّ قَلِيلٍ يَحْصُلُ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاكِينِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَهْلُ السَّهْمَانِ جَمِيعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ آحَادِ الصِّنْفِ بَلْ سُؤَالُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَوْ حاجتهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (فاما ما تجب الزكاة فيه من غير حول كالعشر وزكاة المعدن والركاز فلا يجوز فيه تعجيل الزكاة وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ تعجيل العشر (والصحيح) أنه لا يجوز لان العشر يجب بسبب واحد وهو ادراك الثمرة وانعقاد الحب فإذا عجله قدمه علي سببه فلم يجز كما لو قدم زكاة المال علي النصاب) * (الشَّرْحُ) قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَسَبَقَ شَرْحُهُ (وَالثَّانِي) غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ (مِنْهَا) زَكَاةُ الْفِطْرِ وَسَبَقَ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ اللَّيْلَةَ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ وَوَجْهٍ يَجُوزُ قَبْلَ رَمَضَانَ وَأَوْضَحْنَاهَا فِي بَابِهَا (وَمِنْهَا) زَكَاةُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحُصُولِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) زَكَاةُ الزَّرْعِ تَجِبُ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابَيْهِمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ وَقْتُ ثُبُوتِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ تَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَتَجْفِيفِ الثِّمَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْإِخْرَاجُ بَعْدَ مَصِيرِ الرُّطَبِ تَمْرًا وَالْعِنَبِ زَبِيبًا لَيْسَ تَعْجِيلًا بَلْ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا قَبْلَهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ قَبْلَهُ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ (وَالثَّالِثِ) لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْجَفَافِ (وَأَمَّا) الزَّرْعُ فَالْإِخْرَاجُ عَنْهُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ تَعْجِيلًا وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ

الْحَبِّ وَبَعْدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهُ بعد الاشتداد والا دراك وَمَنْعُهُ قَبْلَهُ وَالثَّانِي جَوَازُهُ بَعْدَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ * (فَرْعٌ) ضَبَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ (فَمِنْهَا) الزَّكَاةُ وَالْفِطْرَةُ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا (وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ وَالظِّهَارُ وَلَهَا تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي أَبْوَابِهَا (وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجِمَاعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قطع القاضى أبو الطيب في المجرد هنا وآخرون وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) لَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى رَمَضَانَ وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ رَمَضَانَ لِلشَّيْخِ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْضًا عَلَى لمذهب وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِي قَالَ الزِّيَادِيُّ وَلِلْحَامِلِ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى الفطر ولا يقدم الافدية يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ فِدْيَةِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَتَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ بِمَعْصِيَتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِلَا خِلَافٍ (وَمِنْهَا) دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (فَأَمَّا) الْقِرَانُ فَيَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُمَا وَالتَّمَتُّعُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ قَطْعًا وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ فَرَاغِهَا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَرَادَ تَقْدِيمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ جَرْحِهِ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ لِعَدَمِ السَّبَبِ قَالَ وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ قَالَ وَهَذَا كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ إنْ فَعَلَهَا بَعْدَ الْجَرْحِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لَا يَحْتَاجُ مُخْرِجُ الزَّكَاةِ إلَى لَفْظٍ أَصْلًا بَلْ يَكْفِيهِ دَفْعُهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ دَفْعِ دَيْنٍ إلَى مُسْتَحِقِّهِ قَالَ الْإِمَامُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ والمحققون من غيرهم ولا تحتاج الْهِبَةُ وَالْمِنْحَةُ فَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ اللَّفْظِ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى لَفْظٍ وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَسَنُعِيدُ إيضَاحَ هَذَا كُلِّهِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَفِي الزَّكَاةِ وَجْهٌ شَاذٌّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَفْظُهُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخر قسم الصدقات *

باب قسم الصدقات

(باب قسم الصدقات) القسم هنا وقسم الفئ وَالْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ كُلُّهُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ) (وَأَمَّا) الْقِسْمُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - فهو النصيب وليس مرادا هنا (واعلم) هَذَا الْبَابَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَجَمِيعُ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ وجماهير الاصحاب في آخر ربع البيوع مقرونا بقسم الفئ وَالْغَنِيمَةِ وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَاكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تُشَارِكُ الْغَنِيمَةَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُهَا بَعْدَ الْجَمْعِ وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ هُنَا مُتَّصِلًا بكتاب الزكاة وتابعه المصنف والجرجاني والمتولي وآخرونن وهو أحسن والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز لرب المال أن يفرق زكاة الاموال الباطنة بنفسه وهى الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عنده دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) ويجوز أن يوكل من يفرق لانه حق مال فجاز أن يوكل في أدائه كدين الادمين ويجوز أن تدفع الي الامام لانه نائب عن الفقراء فجاز الدفع إليه كولى اليتيم وفى الافضل ثلاثة أوجه (أحدها) أن الافضل أن يفرق بنفسه وهو ظاهر النص لانه على ثقة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره (والثانى) أن الافضل أن يدفع الي الامام عادلا كان أو جائرا لما روى أن المغيرة بن شعبة قال لممولي له وهو علي أمواله بالطائف (كيف تصنع في صدقة مالي قال منها ما أتصدق به ومنها ما أدفع الي السلطان فقال وفيم أنت من ذلك فقال انهم يشترون بها الارض ويتزوجون بها النساء فقال ادفعها إليهم فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن ندفعها إليهم) ولانه أعرف بالفقراء وقدر حاجاتهم ومن أصحابنا من قال ان كان عادلا فلدافع فإليه أفضل وان كان جائرا فتفرقته بنفسه أفضل لقوله صلي الله عليه وسلم (فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سُئِلَ فوقه فلا يعطه) ولانه علي ثقة من أدائه الي العادل وليس علي ثقة من أدائه الي الجائر لانه ربما صرفه في شهواته (فأما) الاموال الظاهرة وهى الماشية والزروع والثمار والمعادن ففى زكاتها قولان (قال) في القديم يجب دفعها إلى الامام فان فرقها بنفسه لزمه الضمان لقوله عز وجل (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ولانه مال للامام فيه حق المطالبة فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية

قال في الجديد يجوز أن يفرقها بنفسه لانها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن) * (الشَّرْحُ) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ انه سمع عثمان ابن عَفَّانَ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فمن كان منكم عليه دين قليقض دينه حتى تخلص اموالكم فتئودوا منها الزكاة) قال كالبيهقي وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ فِي ذكر المنبر كذا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبُخَارِيِّ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ بِهِ إثْبَاتُ الْمِنْبَرِ وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَرَادَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى أَصْلَهُ لَا كُلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ وَسَمَّى فِي رِوَايَتِهِ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ فَقَالَ هُوَ هُنَيْدٌ يَعْنِي - بِضَمِّ الْهَاءِ - وَهُوَ هُنَيْدُ الثَّقَفِيُّ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ (الْآخَرُ فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى حَقِّهَا) فَهُوَ صَحِيحٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ غَيَّرَهُ هُنَا وَفِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (مِنْهَا) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ان أناسا من المصدقين يأتونا فَيَظْلِمُونَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ نَعَمْ إذَا أَدَّيْتَهَا إلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكَ أَجْرُهَا وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (اجْتَمَعَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فِيهَا صَدَقَةٌ يَعْنِي بَلَغَتْ نِصَابَ الزَّكَاةِ فَسَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنْ أَقْسِمَهَا أَوْ أَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَأَمَرُونِي جَمِيعًا أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ) وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْتُ لَهُمْ (هَذَا السُّلْطَانُ يَفْعَلُ مَا تَرَوْنَ فَأَدْفَعُ إلَيْهِمْ زَكَاتِي فَقَالُوا كُلُّهُمْ نَعَمْ فَادْفَعْهَا) رَوَاهُمَا الْإِمَامُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ (سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبْغِضُونَ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ فَإِنْ عدلوا فلا نفسهم وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ مُخْتَلِفٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (ادْفَعُوا صَدَقَاتِكُمْ إلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ فَمَنْ بَرَّ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَثِمَ فَعَلَيْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أو حسن وعن قزعة مولي زياد بن ابيه ان ابن عمر قال (ادفعوها إلَيْهِمْ وَإِنْ شَرِبُوا بِهَا الْخَمْرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا فِي هَذَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِمَّا جَاءَ فِي تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ قَالَ (جِئْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي قَالَ وَقَدْ عَتَقْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ بِهَا أَنْتَ فَاقْسِمْهَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ حَقُّ مال فاحتراز مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ احْتِرَازٌ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَالِكِ أَنْ يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه وهذا الاخلاف فِيهِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالرِّكَازُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَجْهٌ أَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنَّهَا بَاطِنَةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ذَكَرَ أَكْثَرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَانَتْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لكونها لا تعرف انها لِلتِّجَارَةِ أَمْ لَا فَإِنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ سَبَقَتْ فِي بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الزُّرُوعُ وَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارُ وَالْمَعَادِنُ فَفِي جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ (وَالْقَدِيمُ) مَنْعُهُ وَوُجُوبُ دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا أَوْ جَائِرًا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لانه مع الجور نافذ الحكم هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّرْفُ إلَيْهِ إنْ كَانَ جَائِرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ يَجُوزُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْجَائِرِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ جَائِرًا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا أَوْ جَائِرًا فِيهَا يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا عَادِلًا فِي غَيْرِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَكَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْبَغَوِيّ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا القول

الْقَدِيمِ لَوْ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَعَلَيْهِ دَفْعُهَا ثَانِيًا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قَالُوا وعليه أن ينتظر بها مجئ الساعي ويؤخرها مادام يَرْجُوهُ فَإِذَا أَيِسَ مِنْهُ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ وَأَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (الثَّانِيَةُ) لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ الَّتِي لَهُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ شَاءَ وَكَّلَ فِي الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَإِنْ شَاءَ فِي التَّفْرِقَةِ عَلَى الْأَصْنَافِ وكلا هما جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ قَضَاءَ الديون ولانه قد تدعوا الْحَاجَةُ إلَى الْوَكَالَةِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ وَكَّلَهُ فِي دَفْعِهَا مِنْ مَالِ الْمُوَكَّلِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ فَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ كَمَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (الثَّالِثَةُ) لَهُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا اجزأه الدفع إليه بالاجماع وان كان جائرا أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ (الرَّابِعَةُ) فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ تَفْرِيقِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ خِيَانَةِ الْوَكِيلِ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ فَمَا لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَالِكِ بِخِلَافِ دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِهِ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَالِكِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بِنَفْسِهِ وَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ فَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ بَاطِنَةً والامام عادل فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ سُقُوطَ الفرض به بخلاف تفرقه بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُصَادِفُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ وَبِالْمَصَالِحِ وَبِقَدْرِ الْحَاجَاتِ وَبِمَنْ أَخَذَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ لها وهذا الوجه قول ابن سريح وأبى اسحق قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا بِنَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ المصنف وتأوله

الْأَكْثَرُونَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أولى من الوكيل لامن الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَتَعْلِيلُهُ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّ أَدَاءَهَا عَنْهُ يَحْصُلُ بِيَقِينٍ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ جَارَ فِيهَا لَا إلَى الْوَكِيلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) الدَّفْعُ إلَيْهِ أَفْضَلُ لِمَا سَبَقَ (وَأَصَحُّهُمَا) التَّفْرِيقُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الزَّكَاةِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ إذَا جَوَّزْنَا لَهُ تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ فِي الْأَفْضَلِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مُطْلَقًا أَوْ بَاطِنَةً وَهُوَ عَادِلٌ وَإِلَّا فَتَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) الدَّفْعُ إلَى الْعَادِلِ أَفْضَلُ وبنفسه أفضل من الجائر (والخامس) في الظاهرة الدَّفْعُ أَفْضَلُ وَالْبَاطِنَةُ بِنَفْسِهِ (وَالسَّادِسُ) لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْجَائِرِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ حِكَايَةً عَنْ الْأَصْحَابِ لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَذْلًا لِلطَّاعَةِ فَإِنْ امْتَنَعُوا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانُوا مُجِيبِينَ إلَى إخْرَاجِهَا بِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَأْتِ السَّاعِي وَقُلْنَا يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الامام اخرها رب المال مادام يرجو مجئ السَّاعِي فَإِذَا أَيِسَ مِنْهُ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَنْ التَّأْخِيرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ وَجَاءَ السَّاعِي مُطَالِبًا صَدَّقَ رَبَّ الْمَالِ فِي إخْرَاجِهَا بِيَمِينِهِ وَالْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ لِلْوُلَاةِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا بَلْ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ أَحَقُّ بِتَفْرِقَتِهَا فَإِنْ بَذَلُوهَا طَوْعًا قَبِلَهَا الْإِمَامُ مِنْهُمْ فان علم الامام مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا بِنَفْسِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تُفَرِّقَهَا بِنَفْسِكَ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعَهَا إلَيَّ لِأُفَرِّقَهَا فِيهِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْمُطَالَبَةُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ

الْمُطَالَبَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ طَلَبَ السَّاعِي زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لَا يَجِبُ دَفْعُ الزِّيَادَةِ إلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ أَمْ لَا خَوْفًا مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَاَللَّهُ اعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويجب علي الامام أن يبعث السعاة لاخذ الصدقة لان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء من بعده (كانوا يبعثون السعاة) ولان في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ ولا يبعث الا حرا عدلا ثقة لان هذا ولاية وأمانة والعبد والفاسق ليسا من أهل الولاية والامانة ولا يبعث الا فقيها لانه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ ومالا يؤخذ ويحتاج الي الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة واحكامها ولا يبعث هاشميا ولا مطلبيا ومن اصحابنا من قال يجوز لان ما يأخذه علي وجه العوض والمذهب الاول لما روى أن الفضل بن العباس رضي الله عنهما (سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يوليه العمالة علي الصدقة فلم يوله وقال أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ عَنْ اوساخ الناس) وفى مواليهم وجهان (احدهما) لا يجوز لما روى أبو رافع قال (ولى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا من بنى مخذوم علي الصدقة فقال اتبعنى تصب منها فقلت حتي اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لي ان مولي القوم من انفسهم وانا اهل بيت لا تحل لنا الصدقة) (والثانى) يجوز لان الصدقة انما حرمت علي بنى هاشم وبنى المطلب للشرف بالنسب وهذا لا يوجد في مواليهم وهو بالخيار بين ان يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه اجرة المثل من الزكاة) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَعْثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فصحيح مشهور مستفيد رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَةِ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (استعمل ابن اللبينة عَلَى الصَّدَقَاتِ) وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْفَضْلِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المطلب قال (اتيت انا والفضل بن عباس رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْهِ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ

وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ (إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وَلَيْسَ فِي صَحِيحِهِ (أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ ما يغنيكم عن أوساخ الناس) (واما) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لَا يَبْعَثُ إلَّا حُرًّا عَدْلًا ثِقَةً لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ ثِقَةً لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَكُونُ إلَّا ثِقَةً (وَقَوْلُهُ) رُوِيَ أَنَّ الْفَضْلَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَنْ أَمْثَالِ هَذَا وَالْغَرَضُ بِتَكْرَارِهِ التَّأْكِيدُ فِي تَحَفُّظِهِ (وَقَوْلُهُ) يُوَلِّيهِ الْعَمَالَةَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَهِيَ الْعَمَلُ وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وهو العامل واتفقوا علي أنه يُشْتَرَطَ فِيهِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا فِي أَبْوَابِ الزَّكَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِقْهُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ لِلْعَامِلِ عَامًّا فِي الصَّدَقَاتِ فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْفِقْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ رِسَالَةٌ لَا وِلَايَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مُشْكِلٌ وَالْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُهُ (الثَّانِيَةُ) هَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْعَامِلِ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً أَوْ صَدَقَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) أُجْرَةً جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ يُشْبِهُ الْإِجَارَةَ من حيث التقدر بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيُشْبِهُ الصَّدَقَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لا يشترط عقد إجارة وَلَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَا عَمَلٌ مَعْلُومٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ العامل من أهل الفئ وهى الْمُرْتَزِقَةُ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الدِّيوَانِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ وَالْوَجْهَانِ فِي الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ هُمَا فِيمَنْ طَلَبَ عَلَى عَمَلِهِ سَهْمًا مِنْ الزَّكَاةِ فَأَمَّا إذَا تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا وَمُطَّلِبِيًّا إذًا أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا فَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ فَمَوْلَاهُمْ أَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلَيْنِ (الرَّابِعَةُ) الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَعَثَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ مَجِيئِهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الزَّكَاةِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ

بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذلك ولان الحاجة تدعوا إلَيْهِ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ فَتُؤَخَّرُ الْأُجْرَةُ حَتَّى يُعْرَفَ عَمَلُهُ فَيُعْطَى بِقَدْرِهِ (وَأَمَّا الثَّانِي) فَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَصْلُ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَإِنْ شَاءَ سَمَّاهُ إجَارَةً وَإِنْ شَاءَ جُعَالَةً وَلَا يُسَمِّي أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِي) لَا تَفْسُدُ بَلْ يَكُونُ قَدْرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْبَاقِي يَجِبُ فِي مَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ صَحِيحُ العبارة والالتزام * قال المصنف رحمه الله * (ويبعث لما سوى زكاة الزروع والثمار في المحرم لما روى عن عثمان رضى الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم) ولانه أول السنة فكان البعث فيه أولى والمستحب للساعي ان يعد الماشية علي الماء ان كانت ترد الماء وفي افنيتهم ان لم ترد الماء لما روى عبد الله بن عمر وبن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم أو عند افنيتهم) فان اخبره صاحب المال بالعدد وهو ثقة قبل منه وان بذل له الزكاة اخذها ويستحب ان يدعوا له لقوله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم) والمستحب أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قال (جاء أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة ماله فقال اللهم صل علي آل ابي اوفى) وبأى شئ دعا جاز قال الشافعي رضى الله عنه احب ان يقول (آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وبارك لك فيما ابقيت) وان ترك الدعاء جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وترد في فقرائهم ولم يأمره بالدعاء)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُثْمَانَ سَبَقَ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (وَأَمَّا) لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَفِيهَا (لَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إلَّا فِي دُورِهِمْ) (وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ عِنْدَ مِيَاهِهِمْ أَوْ عِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ شَكٌّ مِنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَبِأَفْنِيَتِهِمْ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اوفى رِوَايَةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ومعناه ان كانت ترد الماء فعلي اناء وَإِلَّا فَعِنْدَ دُورِهِمْ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ رِوَايَةِ مُعَاذٍ (وَقَوْلُهُ) أَفْنِيَتُهُمْ جَمْعُ فِنَاءٍ - بكسر الفاء

وَبِالْمَدِّ - وَهُوَ مَا امْتَدَّ مَعَ جَوَانِبِ الدَّارِ وقَوْله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) أَيْ تُطَهِّرُهُمْ بِهَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ (تُطَهِّرُهُمْ) بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لَا جَوَابٌ وَقُرِئَ فِي غَيْرِ السَّبْعِ بِالْجَزْمِ عَلَى الْجَوَابِ وقَوْله تَعَالَى (وَتُزَكِّيهِمْ) قِيلَ تُصْلِحُهُمْ وَقِيلَ تَرْفَعُهُمْ مِنْ مَنَازِلِ الْمُنَافِقِينَ إلَى مَنَازِلِ الْمُخْلِصِينَ وَقِيلَ تُنَمِّي أَمْوَالَهُمْ (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ (إنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وَإِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ رَحْمَةٌ (وَقِيلَ) طُمَأْنِينَةٌ (وَقِيلَ) وَقَارٌ (وَقِيلَ) تَثْبِيتٌ وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ كُنْيَةُ ابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَأَبُو أَوْفَى وَابْنُهُ صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ مَشْهُورَانِ وَشَهِدَ ابْنُهُ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ من الهجرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) آجَرَكَ اللَّهُ: فِيهِ لُغَتَانِ قَصْرُ الْهَمْزَةِ وَمَدُّهَا وَالْقَصْرُ أَجْوَدُ وَطَهُورًا - بِفَتْحِ الطَّاءِ - أَيْ مُطَهَّرًا (وَقَوْلُهُ) آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ وَسَطُ قَوْلِهِ وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ وَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى لِتَكُونَ الدَّعْوَتَانِ الْأُولَتَانِ اللَّتَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ الْمُتَعَلِّقَتَانِ بِالْمَدْفُوعِ مُتَّصِلَتَيْنِ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَمْوَالُ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَهُوَ الْمُعَشَّرَاتُ فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ السَّاعِي لَأَخْذِ زَكَوَاتِهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا وَهُوَ إدْرَاكُهَا بِحَيْثُ يصلهم وقت الجذاذ وَالْحَصَادِ (وَضَرْبٌ) يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَهُوَ الْمَوَاشِي وَغَيْرُهَا فَالْحَوْلُ يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يُعَيِّنَ شَهْرًا يَأْتِيهِمْ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّهْرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ صَيْفًا كَانَ أَوْ شِتَاءً لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْمُحَرَّمِ لِيَصِلَهُمْ فِي أَوَّلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْيِينِ الشَّهْرِ مُسْتَحَبٌّ وَمَتَى خَرَجَ جَازَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي عَدُّ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْمَاءِ إنْ كَانَتْ تَرِدُهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ وَلَا يُكَلِّفُهُمْ رَدَّهَا مِنْ الْمَاءِ إلَى الْأَفْنِيَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَهَا فِي الْمَرَاعِي فَإِنْ كَانَ لرب المال ماشيتان عند مائين أُمِرَ بِجَمْعِهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَرِدُ مَاءً لَكِنَّهَا تَكْتَفِي بِالْكَلَأِ فِي الرَّبِيعِ وَلَا تَحْضُرُ الْأَفْنِيَةَ فَلِلسَّاعِي أَنْ يُكَلِّفَهُمْ إحْضَارَهَا إلَى الْأَفْنِيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ خَرَجَ إلَيْهَا كَانَ أَفْضَلَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَخْبَرَهُ صَاحِبُهَا بِعَدَدِهَا وَهُوَ ثِقَةٌ فَلَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ لَمْ يَخْتَبِرْهُ أَوْ اخْتَبَرَهُ وَصَدَّقَهُ وَأَرَادَ الِاحْتِيَاطَ بَعْدَهَا عَدَّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْمَعَ فِي حَظِيرَةٍ وَنَحْوِهَا وَيُنْصَبَ عَلَى الْبَابِ خَشَبَةً مُعْتَرِضَةً وَتُسَاقَ لتخرج وَاحِدَةً وَيُثَبِّتُ كُلَّ شَاةٍ إذَا بَلَغْتِ

الْمَضِيقَ فَيَقِفُ الْمَالِكُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ جَانِبٍ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ مِنْ جَانِبٍ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَضِيبٌ يُشِيرُ بِهِ إلَى كُلِّ شَاةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ أَضْبَطُ فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدِّ وَكَانَ الفرض يختلف بذلك اعادا الْعَدَّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ اُسْتُحِبَّ ان يدعوا لِلْمَالِكِ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا الدُّعَاءُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمَالِكُ الدُّعَاءَ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ سَأَلَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْدُبُ وَلَا يَجِبُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فَحَقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَيُجِيبَ هَذَا الْقَائِلَ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ لَهُ كَمَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نُصُبَ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَلْزَمُهُمْ الدُّعَاءُ فَحَمَلَ الْأَصْحَابُ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ وَكَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قِيَاسًا عَلَى أَخْذِ الْفُقَرَاءِ (وَأَمَّا) إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْأَصْنَافِ دُونَ السَّاعِي فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَدْعُوا لَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وليس بشئ (وَأَمَّا) صِفَةُ الدُّعَاءِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَبَعًا فَيُقَالُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ التَّحْرِيمُ وَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ وَقِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُسَمَّى مَكْرُوهًا فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) مَكْرُوهٌ (وَالثَّانِي) حَرَامٌ (وَالثَّالِثُ) خِلَافُ الْأَوْلَى (وَالرَّابِعِ) مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَخَذَ الصَّدَقَةَ وَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَخَصَّهُ فَقَالَ: قَالَ الْأَئِمَّةُ لَا يُقَالُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ مَخْصُوصَةً فِي لِسَانِ السَّلَفِ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا عَزَّ وَجَلَّ مَخْصُوصٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَمَا لَا يُقَالُ مُحَمَّدٌ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يُقَالُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مَنْصِبُهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَهُ لِمَنْ شَاءَ بِخِلَافِنَا قَالَ

وَهَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَمْ مُجَرَّدُ تَرْكِ أَدَبٍ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ فِي الوسيط ووجهه إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيٌ مَقْصُودٌ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدْ صَارَ هَذَا شِعَارًا لَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ بِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ تَجُوزُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ فَتَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ غَيْرُ الانبياء تبعا لهم فيقال صل على محمد وعلي آل محمد وأزوجه وَذُرِّيَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّ السَّلَفَ اسْتَعْمَلُوهُ وَأُمِرْنَا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَائِبٌ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيُقَالُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ: هَكَذَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَسْنُونِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ (وأما) استحبابه في المخاطبة فمعروف والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ فَيُقَالُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ رَحِمَهُ اللَّه وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ قَوْلَ رضي الله عَنْهُ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ وَيُقَالُ فِي غَيْرِهِمْ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَطْ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اسْتِحْبَابُهُ وَدَلَائِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ صَحَابِيًّا ابْنَ صَحَابِيٍّ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وكذا ابن الزبير وابن جعفر واسامة ابن زيد ونحوهم ليشمله واباه جميعا * قال المصنف رحمه الله * (وإن منع الزكاة أو غل أخذ منه الفرض وعزره على المنع والغلول (وقال) في القديم يأخذه الزكاة وشطر ماله ومضي توجيه القولين في أول الزكاة وإن وصل الساعي قبل وجوب الزكاة ورأى أن يستسلف فعل وإن لم يسلفه رب المال لم يجبره علي ذلك لانها لم تجب بعد فلا يجبر على أدائه وإن رأى أن يوكل من يقبضه إذا حال الحول فعل فان رأى أن يتركه حتى يأخذه مع زكاة القابل فعل وإن قال رب المال لم يحل الحول علي المال فالقول قوله وان رأى تحليفه حلفه احتياطا وان قال بعته ثم اشتريته ولم يحل الحول عليه أو قال اخرجت الزكاة عنه وقلنا يجوز أن يفرق بنفسه ففيه وجهان (أحدهما) يجب تحليفه لانه يدعى خلاف الظاهر فان نكل عن اليمين أخذ منه الزكاة (والثانى) يستحب تحليفه ولا يجب لان الزكاة موضوعة علي الرفق فلو أوجبنا اليمين خرجت عن باب الرفق

ويبعث الساعي لزكاة الثمار والزرع في الوقت الذى يصادف فيه الادراك ويبعث معه من يخرص الثمار فان وصل قبل الادراك ورأى أن يخرص الثمار ويضمن رب المال زكاتها فعل وان وصل وقد وجبت الزكاة وبذل له أخذها ودعا له فان كان الامام اذن للساعي في تفريقها فرقها وان لم يأذن له حملها إلى الامام) * (الشرح) فيه مسائل (إحداها) إذا الزمته زَكَاةٌ فَمَنَعَهَا أَوْ غَلَّهَا أَيْ كَتَمَهَا وَخَانَ فِيهَا أَخَذَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الْفَرْضَ مِنْهُ وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ يَأْخُذُهُ وَسَبَقَ شَرْحُ القولين بدليلهما وفرعها فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ: وَلَوْ غَلَّ صَدَقَتَهُ عُزِّرَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهَالَةَ وَلَا يُعَزَّرُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَادِلًا: هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَتَمَ مَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ عَنْ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ ثُمَّ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ أُخِذَ فَرْضُهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي جَائِرًا فِي الزِّيَادَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ الْوَاجِبِ أولا يَصْرِفُهَا مَصَارِفَهَا لَمْ يُعَزِّرْهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي كتمه وان كان عادلا فان لم يَدَّعِ الْمَالِكُ شُبْهَةً فِي الْإِخْفَاءِ عَزَّرَهُ لِأَنَّهُ عَاصٍ آثِمٌ بِكِتْمَانِهِ وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً بِأَنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ تَحْرِيمَ كِتْمَانِهَا أَوْ قَالَ ظَنَنْتُ أَنَّ تَفْرِقَتِي بِنَفْسِي أَفْضَلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا فِي حَقِّهِ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ لِقِلَّةِ اخْتِلَاطِهِ بِالْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ لَمْ يُعَزِّرْهُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فَإِنْ اتَّهَمَهُ فِيهِ حَلَّفَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَعَزَّرَهُ (وَأَمَّا) مَانِعُ الزَّكَاةِ فَيُعَزَّرُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَخْفَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا أَوْ نَحْوُهُ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَصَلَ السَّاعِي أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ حَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ وَدَعَا لَهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْحَوْلُ لَمْ يَتِمَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ سَأَلَهُ السَّاعِي تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ إجَابَتُهُ وَتَعْجِيلُهَا فَإِنْ عَجَّلَهَا بِرِضَاهُ أَخَذَهَا وَدَعَا لَهُ وَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنْ رَأَى السَّاعِي الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُهَا عِنْدَ حُلُولِهَا وَيُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِهَا فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُؤَخِّرَهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَعَلَ وَيَكْتُبُهَا لِئَلَّا يَنْسَاهَا أَوْ يَمُوتَ فَلَا يَعْلَمُهَا السَّاعِي بَعْدَهُ وَرَوَوْا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَخَّرَ الزَّكَاةَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَكَانَ عَامَ مَجَاعَةٍ) وَإِنْ رَأَى أَنْ يَرْجِعَ فِي وَقْتِ حُلُولِهَا لِيَأْخُذَهَا فَعَلَ وَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِ الْمَالِ فَوَّضَ التَّفْرِيقَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَبِالْإِذْنِ أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) إذَا اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْمَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ قَوْلُ الْمَالِكِ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ بِأَنْ قَالَ لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدُ أَوْ قَالَ هَذِهِ السِّخَالُ اشْتَرَيْتُهَا وَقَالَ السَّاعِي بَلْ تَوَلَّدَتْ مِنْ النِّصَابِ أَوْ قَالَ تَوَلَّدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ فَقَالَ السَّاعِي قَبْلَهُ أَوْ قَالَ السَّاعِي كَانَتْ مَاشِيَتُكَ نِصَابًا ثُمَّ تَوَالَدَتْ فَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ تَمَّتْ نِصَابًا بِالتَّوَالُدِ فَالْقَوْلُ

قَوْلُ الْمَالِكِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَإِنْ رَأَى السَّاعِي تَحْلِيفَهُ حَلَّفَهُ وَالْيَمِينُ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهَا لَمْ يُكَلَّفْ بِهَا وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَمْ يُعَارِضْ الْأَصْلَ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمَالِكِ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَلَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ قَالَ فَرَّقْتُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِي وَجَوَّزْنَا ذَلِكَ لَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) مستحبة صححه الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم المحاملي في المقنع (فان قُلْنَا) مُسْتَحَبَّةٌ فَنَكَلَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قُلْنَا) وَاجِبَةٌ فَامْتَنَعَ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ هَذَا اخذنا بِالنُّكُولِ بَلْ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ وَالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّكَاةَ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَيَدَّعِي مُسْقِطُهَا وَلَمْ يُثْبِتْهُ بِيَمِينِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الاصحاب الا أبا العباس ابن الْقَاصِّ فَقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكِمَ فِيهَا بِالنُّكُولِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَنَظِيرُ هَذَا اللِّعَانُ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا لَاعَنَ لَزِمَ الْمَرْأَةَ حَدُّ الزِّنَا فَإِنْ لَاعَنَتْ سَقَطَ وَإِنْ امْتَنَعَتْ لَزِمَهَا الْحَدُّ لَا بِامْتِنَاعِهَا بَلْ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا لِعَانُهَا مُسْقِطٌ لِمَا وَجَبَ بِلِعَانِهِ فَإِذَا لَمْ تُلَاعِنْ بَقِيَ الْوُجُوبُ وَهَكَذَا الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ هَذَا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِي وَدِيعَةٌ وَقَالَ السَّاعِي بَلْ هُوَ مِلْكٌ لَكَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اسْتِحْبَابًا قَطْعًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلظَّاهِرِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ السَّاعِي لَأَخْذِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَادِفُ إدْرَاكَهَا وَحُصُولَهَا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاعِي مَنْ يَخْرُصُ لِيَخْرُصَ مَا يَحْتَاجُ إلَى خَرْصِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ ذَكَرَانِ حُرَّانِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) إذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا فِي مَوْضِعِهَا فَرَّقَهَا وَإِنْ أَمَرَهُ بحملها حيث يجوز الجمل إمَّا لِعَدَمِ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ وَالسَّاعِي يَرَيَانِ جَوَازَ النَّقْلِ حَمَلَهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّفْرِقَةِ وَلَا أَمَرَهُ بِالْحَمْلِ فَمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الْحَمْلِ إلَى الْإِمَامِ وَهَكَذَا هُوَ لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فَلَا يَتَوَلَّى إلَّا مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْوِلَايَةَ

فِي أَخْذِ الزَّكَوَاتِ لَمْ يَقْتَضِ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي الْجَزْمَ يجواز نَقْلِ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَقْلِ رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ رُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَرُبَّمَا اقْتَضَى جَوَازُ النقل للامام والساعي والتفرقة حَيْثُ شَاءَ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ ولا للساعي بيع شئ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بَلْ يُوَصِّلُهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَإِنْ وَقَعَتْ ضَرُورَةٌ بِأَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَاشِيَةِ أَوْ خَافَ هَلَاكَهُ أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ خَطَرٌ أَوْ احْتَاجَ إلَى رَدِّ جُبْرَانٍ أَوْ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ أَوْ قَبْضِ بَعْضِ شَاةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ جَازَ الْبَيْعُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي مَوَاضِعَ لِلضَّرُورَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَجَبَتْ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ بَيْعُهَا وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَجْمَعُهُمْ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ وَكَذَا حُكْمُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ الْبَغَوِيّ فَقَالَ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَإِنْ رَأَى الْبَيْعَ وَتَفْرِقَةَ الثَّمَنِ فَعَلَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا بَاعَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيُسْتَرَدُّ الْمَبِيعُ فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذا تلف من الماشية شئ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْمَالِكِ إنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ بِأَنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ عَرَفَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَمْكَنَهُ التَّفْرِيقُ عَلَيْهِمْ فَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْ كَالْوَكِيلِ وَنَاظِرِ مَالِ الْيَتِيمِ إذا تلف في يده شئ بِلَا تَفْرِيطٍ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الزَّكَاةَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَلَا عُذْرَ لَهُ حَتَّى تَلِفَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَهَا كَمَا سَبَقَ قَالَ وَالْوَكِيلُ بِتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ لَوْ أَخَّرَ تَفْرِقَتَهَا حَتَّى تَلِفَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْ قَالَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَمَعَ السَّاعِي الزَّكَاةَ ثُمَّ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلى الامام اسحق أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ البيان عن صاحب الفروع * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب ان يسم الماشية التى يأخذها في الزكاة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسم ابل الصدقة) ولان بالوسم تتميز عن غيرها فإذا شردت ردت الي

موضعها ويستحب ان يسم الابل والبقر في افخاذها لانه موضع صلب فيقل الالم بوسمه ويخف الشعر فيه فيظهر ويسم الغنم في آذنها ويستحب ان يكتب في ماشية الزكاة لله أو زكاة وفى ماشية الجزية جزية أو صغار لان ذلك اسهل ما يمكن) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا قَالَ أَنَسٌ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ وَفِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ (يَسِمُ غَنَمًا) (أَمَّا) أَحْكَامُهُ وَفُرُوعُهُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ وَسْمُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي لِلزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ الْوَسْمُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمُثْلَةِ وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَبِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ولان الحاجة تدعوا إلى الوسم لتتميز إبل الصدقة من إبل الجزية وغيرها ولا نهار بما شَرَدَتْ فَيَعْرِفُهَا وَاجِدُهَا بِعَلَامَتِهَا فَيَرُدُّهَا وَلِأَنَّ مَنْ أخرجها يكره له شراؤها فيعرفها لِئَلَّا يَشْتَرِيَهَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا صَدَقَةٌ لَا يَعْرِفُ كَوْنَهَا صَدَقَتَهُ وَإِنَّمَا يكره شراء صدقتة غَيْرِهِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّهَا صَدَقَةٌ احْتَاطَ فَاجْتَنَبَهُ وَقَدْ يَعْرِفُ أَنَّهَا صَدَقَتُهُ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِهِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْمُثْلَةِ وَالتَّعْذِيبِ فَهُوَ عَامٌّ وَحَدِيثُنَا وَالْآثَارُ خَاصَّةٌ باستحباب الوسم فخصت ذَلِكَ الْعُمُومَ وَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثانية) قال أصحابنا وأهل اللغة الوسم أثركية وَيُقَالُ بَعِيرٌ مَوْسُومٌ وَقَدْ وَسَمَهَ وَسْمًا وَسِمَةً والميسم الشئ الَّذِي يُوسَمُ بِهِ وَجَمْعُهُ مَيَاسِمُ وَمَوَاسِمُ وَأَصْلُهُ مِنْ السِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ مَوْسِمُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ مُعَلَّمٌ يَجْمَعُ النَّاسَ وَفُلَانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ وَعَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ أَيْ عَلَامَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ وَسْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمِ فِي أَذَانِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ وَسَمَ فِي غَيْرِهِ جَازَ إلَّا الْوَجْهَ فَمَنْهِيٌّ عن الموسم فِيهِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي كَيْفِيَّةِ النَّهْيِ عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ وَقَالَ صَاحِبُ

الْعُدَّةِ الْوَسْمُ عَلَى الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى اللَّعْنِ وَقَدْ ثَبَتَ اللَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ سِمَةِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ فِي مَاشِيَةِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ (وَأَمَّا) مَاشِيَةُ الزَّكَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ أَوْ زَكَاةٌ أَوْ لِلَّهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمَزْنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَبُ لِلَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ كَجٍّ والدارمى والقاضى أبو الطيب في المجرد والمحاملي وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَخَلَائِقُ آخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يُكْتَبُ صَدَقَةٌ أَوْ زَكَاةٌ قَالَ فَإِنْ كُتِبَ عَلَيْهَا لِلَّهِ كَانَ أَبْرَكَ وَأَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كِتَابَةِ لِلَّهِ قَالَ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ الْوَجِيزَ وَبَعْضُ مَنْ شَرَحَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تَتَمَعَّكُ وَتَضْرِبُ أَفْخَاذَهَا بِأَذْنَابِهَا وَهِيَ نَجِسَةٌ وَيُنَزَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ إثْبَاتَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُنَا لِغَرَضِ التَّمْيِيزِ وَالْإِعْلَامِ لَا عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ قَالَ وَيَخْتَلِفُ التَّعْظِيمُ وَالِاحْتِرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَا عَلَى قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْرُمْ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سِمَةُ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ سِمَةِ الْبَقَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسِمَةُ الْبَقَرِ أَلْطَفُ مِنْ سِمَةِ الْإِبِلِ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْوَسْمُ مُبَاحٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلصَّدَقَةِ وَلَا لِلْجِزْيَةِ وَلَا يُقَالُ مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) حَيَوَانُهُمَا فَيُسْتَحَبُّ وَسْمُهُ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَكْوِي فِي الْجَاعِرَتَيْنِ وَهُمَا أَصْلُ الْفَخِذَيْنِ ولفظ رواية مسلم بوهم أَنَّ الَّذِي كَانَ يَكْوِي فِي الْجَاعِرَتَيْنِ هُوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ أَنَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ خِصَاءُ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَا فِي صِغَرِهِ وَلَا فِي كِبَرِهِ قَالَ وَيَجُوزُ خِصَاءُ الْمَأْكُولِ فِي صِغَرِهِ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا وَهُوَ طِيبُ لَحْمِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي كِبَرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ الشَّيْطَانِ (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله) فَخَصَّصَ مِنْهُ الْخِتَانَ وَالْوَسْمَ وَنَحْوَهُمَا وَبَقِيَ الْبَاقِي دَاخِلًا فِي عُمُومِ الذَّمِّ وَالنَّهْيِ * (فَرْعٌ) الْكَيُّ بِالنَّارِ إنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ حَرَامٌ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَفِي تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ كَوَى نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ جَازَ فِي نَفْسِهِ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَتَرْكُهُ فِي نَفْسِهِ لِلتَّوَكُّلِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قِيلَ يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِكَ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ قَالَ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) متفق عليه وعن عمر ان ابن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِمْرَانَ أَيْضًا قَالَ (وَكَانَ يُسَلَّمُ عَلِيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فَاكْتَوَى بِسَبَبِهِ وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكَيِّ لِفَضْلِهِ وَصَلَاحِهِ فَلَمَّا اكْتَوَى تَرَكُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ فَعَلِمَ ذَلِكَ فَتَرَكَ الكى مرة اخرى وكان محتاجا ليه فَعَادُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَهْدَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً فَرَكِبَهَا فَقُلْتُ لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِقِلَّةِ الْخَيْلِ وَلِضَعْفِهَا * (فَرْعٌ) يَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَفِي تَوْثِيقِهِ خِلَافٌ وَرَوَى لَهُ مسلم في صحيحه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَلَا يَجُوزُ للساعي ولا للامام ان يتصرف فيما يحصل عنده من الفرائض حتي يوصلها الي أهلها لان الفقراء اهل رشد لا يولي عليهم فلا يجوز التصرف في مالهم بغير اذنهم فان أخذ نصف شاة أو وقف عليه شئ من المواشى وخاف هلاكه أو خاف ان يؤخذ في الطريق جاز له بيعه لانه موضع ضرورة وان لم يبعث الامام الساعي وجب علي رب المال ان يفرق الزكاة بنفسه علي المنصوص لانه حق للفقراء والامام نائب عنهم فإذا ترك النائب لم يترك من عليه أداؤه ومن اصحابنا من قال (ان قلنا) ان الاموال الظاهرة يجب دفع زكاتها إلى الامام لم يجزان يفرق بنفسه لانه مال توجه حق القبض فيه إلى الامام فإذا لم يطلب الامام لم يفرق كالخراج والجزية) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كَمَا ذَكَرَهَا وَسَبَقَ شَرْحُهَا قَرِيبًا قَبْلَ الْوَسْمِ وَمَسْأَلَةُ النَّصِّ سَبَقَ شَرْحُهَا مع نظائرها أول الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(ولا يصح اداء الزكاة إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ولانها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَنْ ينوى حال الدفع لانه عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا بِفِعْلِهِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي ابتدائها كالصلاة (والثاني) يجوز تقديم النية عليها لانه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لاداء الوكيل فجاز تقديم النية عليها بخلاف الصلاة ويجب أن ينوى الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال فان نوى صدقة مطلقة لم تجزه لان الصدقة قد تكون نفلا فلا تنصرف الي الفرض الا بالتعيين ولا يلزمه تعيين المال المزكي عنه وان كان له نصاب حاضر ونصاب غائب فاخرج الفرض فقال هذا عن الحاضر أو الغائب اجزأه لانه لو أطلق النية لكانت عن أحدهما فلم يضر تقييده بذلك فان قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عن زكاته وان لم يكن سالما فهو عن الحاضر فان كان الغائب هالكا اجزأه لانه لو اطلق وكان الغائب هالكا لكان هذا عن الحاضر وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فهذا عن زكاته أو تطوع لم يجزه لانه لم يخلص النية لِلْفَرْضِ وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سالما فهذا عن زكاته وان لم يكن سالما فهو تطوع وكان سالما أجزأه لانه أخلص النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لَكَانَ هذا مقتضاه فلم يضر التقييد وان كان له من يرثه فأخرج مالا وقال ان كان قد مات مورثي فهذا عن زكاة ما ورثته منه وكان قد مات لم يجزه لانه لم يبن النية على أصل لان الاصل بقاؤه وان وكل من يؤدى الزكاة ونوى عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الدفع الي الفقراء أجزأه وان نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه لان الزكاة فرض علي رب المال قلم تصح من غير نية وان نوي رب المال ولم ينو الوكيل ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا لان الذى عليه الفرض قد نوى في وقت الدفع الي الوكيل فتعين المدفوع للزكاة فلا يحتاج بعد ذلك إلى النية (ومن) أصحابنا من قال يبني علي جواز تقديم النية (فان قلنا) يجوز أجزأه (وان قلنا) لا يجوز لم يجزه وان دفعها الي الامام ولم ينو ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه وهو ظاهر النص لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضُ فاكتفى بهذا الظاهر عن النية (ومن) أصحابنا من قال لا يجزئه وهو الاظهر لان الامام وكيل للفقراء ولو دفع الي الفقراء لم يجز الا بالنية عند الدفع فكذلك إذا دفع الي وكيلهم وتأول هذا القائل قول الشافعي رحمه الله علي من امتنع من أداء الزكاة فأخذها الامام منه قهرا فانه يجزئه لانه تعذرت النية من جهته فقامت نية الامام مقام نيته) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ الِاحْتِرَازِ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَفْتَقِرُ الزَّكَاةُ إلَى نِيَّةٍ وَوَافَقَ عَلَى افْتِقَارِ الصَّلَاةِ إلَى النِّيَّةِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُنْتَقَضُ بِالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ (وَقَوْلُهُ) وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ في حال الدفع لانها عبادة يدخل فيهما بِفِعْلِهِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي ابْتِدَائِهَا كَالصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ بِفِعْلِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِفَةِ النِّيَّةِ وَتَفْرِيعِهَا وَبِوُجُوبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ لَا تَجِبُ وَيَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا نِيَّةٍ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتُخَالِفُ الدَّيْنَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّ لَمَّا لَمْ يَفْتَقِرْ الْمُتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْبَدَنِ كَالْقِصَاصِ وَحْدِ الْقَذْفِ إلَى نِيَّةٍ لَمْ يَفْتَقِرْ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمَالِ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ إلَى النِّيَّةِ فَكَذَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَالِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عِبَادَةً وَإِنْ كان فيه حق لله تعالي وبهذا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ دُونَ لَفْظِ لِسَانِهِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكْفِيهِ اللَّفْظُ بِاللِّسَانِ دُونَ نِيَّةِ الْقَلْبِ (وَالثَّانِي) لَا يَكْفِيهِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَلْبُ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَشْهَرُ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ الاصح اشتراط نية القلب وممن قال بالاكتفا بِاللِّسَانِ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ إلَى هَذَا فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ نَوَى فِي نَفْسِهِ أَوْ تَكَلَّمَ فَإِنَّمَا أَعْطَى فَرْضَ مَالٍ فَأَقَامَ اللِّسَانَ مَقَامَ النِّيَّةِ كَمَا أَقَامَ أَخْذَ الْإِمَامِ مَقَامَ النِّيَّةِ قَالَ وَبَيَّنَهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَجْعَلَ النِّيَّةَ فِي الزَّكَاةِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ افْتِرَاقُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي بَعْضِ حَالِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُجْزِئُ أَنْ يَأْخُذَهَا الْوَالِي بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَتُجْزِئُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الصَّلَاةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ النِّيَّةَ لابد مِنْهَا قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ قَالَ بِلِسَانِهِ هَذَا زَكَاةُ مَالِي أَجْزَأَهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا النَّصِّ فَقَالَ صاحب التقريب فيما حكاه عنه

لصيدلاني أَرَادَ الشَّافِعِيُّ لَفْظَ اللِّسَانِ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَكْفِي اللَّفْظُ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَلْبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ قَالَ وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الزَّكَاةَ تَخْرُجُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ (وَالثَّانِي) جَوَازُ النِّيَّةِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَتْ نِيَّةُ الْقَلْبِ مُتَعَيِّنَةً لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهَا مُبَاشَرَتُهَا لِأَنَّ النِّيَّاتِ سِرُّ الْعِبَادَاتِ وَالْإِخْلَاصُ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ فَقَدْ حَصَلَ فِي النِّيَّةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكْفِي اللَّفْظُ أَوْ نِيَّةُ الْقَلْبِ أَيُّهُمَا أَتَى بِهِ كَفَاهُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَعْيِينُ نِيَّةِ الْقَلْبِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْقَفَّالِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الزَّكَاةِ جائزة فلما ذاب شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ فِيهَا جَازَ أَنْ يَنُوبَ الْقَلْبُ عَنْ اللِّسَانِ قَالَ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْحَجُّ حَيْثُ تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ لَا يَنُوبُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ وَفِي الزَّكَاةِ يَنُوبُ فِيهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنَابَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ جَازَ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَفِي اسْتِنَابَةِ الْكَافِرِ فِي إخْرَاجِهَا نَظَرٌ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ نِيَّةِ الزَّكَاةِ أَنْ يَنْوِيَ هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي أَوْ زَكَاةُ مَالِي أَوْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَيَتَعَرَّضُ لِفَرْضِ الْمَالِ لِأَنَّ مثل هذا قد يقع كفارة ونذرا وهذه الصور كُلُّهَا تُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ لَمْ تُجْزِئْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ نَفْلًا فَلَا يُجْزِئُهُ بِمُجَرَّدِهَا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً بِنِيَّةِ الْعِتْقِ الْمُطْلَقِ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى صَدَقَةَ مَالِي أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الزَّكَاةِ وَلَوْ نوى الزكاة ولم يعترض لِلْفَرْضِيَّةِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ للفرضية وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا الطَّرِيقَ وَهَذَا الدَّلِيلَ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ تَكُونُ نَافِلَةً فِي حَقِّ صَبِيٍّ وَمَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ نِيَّةَ الْفَرِيضَةِ مَعَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ البغوي إن قا ل هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي كَفَاهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ اسْمٌ لِلْفَرْضِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَالِ وَإِنْ قَالَ زَكَاةٌ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا (وَأَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ ولو قال هذا فرضى قال البندنيجى لم يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يجزئه وومؤول وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) فِي وَقْتِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ النِّيَّةُ حَالَةَ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ الْأَصْنَافِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ

(وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْعِ لِلْغَيْرِ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ الْقَصْدَ سَدُّ خُلَّةِ الْفَقِيرِ وبهذا قال أبو حنيفة وصححه البندنينجي وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكَفَّارَةِ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْوِيَ مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْكَفَّارَةُ وَالزَّكَاةُ سَوَاءٌ قَالُوا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ تَأَوَّلَ عَلَى مَنْ نَوَى قَبْلَ الدَّفْعِ وَاسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ إلَيْهِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ وَالتَّأْوِيلَانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ إجْرَاءُ النَّصِّ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْوَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَنْوِيَ حِينَ يَزِنُ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَيَعْزِلُهُ وَلَا يَنْوِي عِنْدَ الدَّفْعِ وَأَشَارَ إلَى هَذَا التَّصْوِيرِ الماوردى والبغوى (الرابعة) قال أصحابنا لا يشرط تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى فِي النِّيَّةِ فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَاضِرَةً وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَائِبَةً فَأَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ زَكَاةِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ بِلَا تَعْيِينٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فَأَخْرَجَ شَاتَيْنِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَوْ أَخْرَجَ بِلَا تَعْيِينٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَلَهُ جعل جعل عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ عَيَّنَ مَالًا لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى بِالْخَمْسَةِ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَبَانَ تَالِفًا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْآخَرِ: وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْخَمْسَةُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَبَانَ أَحَدُهُمَا تَالِفًا وَالْآخَرُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ السَّالِمِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ وَقَعَ عَنْ السَّالِمِ فَلَا يَضُرُّهُ التَّقْيِيدُ بِهِ وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ الْحَاضِرِ وَكَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّرَدُّدُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا عَنْ الْحَاضِرِ أَوْ عَنْ الْغَائِبِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ خَمْسَةٌ أُخْرَى إنْ كَانَا سَالِمَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْوَقْتُ دَخَلَ وَإِلَّا فَعَنْ الْفَائِتَةِ لَا يجزئه بالاتفاق لان التعيين شرط في الصَّلَاةِ وَحَكَوْا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ تَرَدُّدًا فِي إجْزَائِهِ عَنْ الْحَاضِرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى إجْزَائِهِ عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِإِجْزَائِهِ أَيْضًا عَنْ الْحَاضِرِ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَوْ هِيَ صَدَقَةٌ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْحَاضِرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لم يخلص الْقَصْدُ لِلْفَرْضِ وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ فَكَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ صرح به المصنف والاصحاب لانه أخلص النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لَكَانَ هَذَا مُقْتَضَاهُ فَلَا يَضُرُّ التَّقْيِيدُ بِهِ. وَكَذَا لو

قَالَ هَذَا عَنْ زَكَاةِ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَهُوَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ فَكَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَوْ بَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَالُوا وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَكَاةُ الْغَائِبِ فَبَانَ تَالِفًا لا يجوز له الِاسْتِرْدَادُ إلَّا إذَا صَرَّحَ فَقَالَ هَذَا عَنْ زَكَاةِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا اسْتَرْدَدْته وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ الْخَمْسَةَ وَقَالَ إنْ كَانَ مُورِثِي مَاتَ وَوَرِثْت مَالَهُ فَهَذِهِ زَكَاتُهُ فَبَانَ أَنَّهُ مَاتَ وَوِرْثَهُ فَلَا تُحْسَبُ الْخَمْسَةُ عَنْ زَكَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَالِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فَاعْتُضِدَ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ بِأَصْلِ الْبَقَاءِ وَنَظِيرُهُ مَنْ قَالَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَبَانَ مِنْهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتَيْ زَكَاةِ الْغَائِبِ وَالْإِرْثِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ جَزَمَ الْوَارِثُ فَقَالَ هَذَا زَكَاةُ مَا وَرِثْتُهُ عَنْ مُوَرِّثِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا والفرق بين هذا وبين مالو بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا فانه صح عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نية بخلاف الزكاة. وأما إذ قَالَ هَذَا عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ الْمُخْرَجِ إلَى زَكَاةِ الْحَاضِرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى الْحَاضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) تَصِحُّ هَذِهِ الصُّوَرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ نَقْلَ الزَّكَاةِ فَكَيْفَ تَصِحُّ عَنْ الْغَائِبِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُتَصَوَّرُ إذَا جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَتُتَصَوَّرُ بِالِاتِّفَاقِ إذا كان غائبا عن محلسه وَلَكِنَّهُ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ لَا فِي بَلَدٍ آخَرَ وَتُتَصَوَّرُ فِيمَنْ هُوَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ وَمَعَهُ مَالٌ وَلَهُ مَالٌ آخَرُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَمَوْضِعُ تَفْرِيقِ الْمَالَيْنِ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا وَكَّلَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْأَصْنَافِ أَوْ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الْأَكْمَلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكَّلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِالزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ نَوَى (وَأَصَحُّهُمَا) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى التَّفْرِيقِ (إنْ) جَوَّزْنَا أَجْزَأَ هَذَا (وَإِلَّا) فَلَا وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَلَوْ وَكَّلَهُ وَفَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ وَنَوَى الْوَكِيلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا نِيَّةٍ وَدَفَعَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَنْوِ لَكِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ حَالَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْأَصْنَافِ أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُوَكِّلِ قَارَنَتْ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَأَشْبَهَ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ

صَرْفِ الْوَكِيلِ إلَى الْأَصْنَافِ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ (1) بالاجزاء ويحتمل انه فَرْعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ عَلَى الدَّفْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ هُنَا إنَّ النَّائِبَ لَوْ نَوَى وَحْدَهُ لَا يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ أَجْزَأَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي الْحَجِّ عَكْسُهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّائِبِ وَهُوَ الْأَجِيرُ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْمُسْتَأْجَرِ وَلَا تَنْفَعُ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وغيره أن الفرض في الحج يَقَعُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ فَاشْتُرِطَ قَصْدُهُ الْأَدَاءَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِيَنْصَرِفَ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَأَمَّا هُنَا فَالْفَرْضُ يَقَعُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ فَاكْتَفَى بِنِيَّتِهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْحَجِّ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ فَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ وَيَلْزَمُهُ النِّيَّةُ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ زَكَاةً وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَعَلَيْهِ اسْتِرْدَادُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِتَفْرِيطِهِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (السَّابِعَةُ) إذَا تَوَلَّى السُّلْطَانُ قَسْمَ زَكَاةِ إنْسَانٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ دَفَعَهَا طَوْعًا وَنَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ كَفَاهُ وأجزأه وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ السُّلْطَانِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فِي الْقَبْضِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ وَنَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ أَيْضًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضُ فَاكْتَفَى بِهَذَا الظَّاهِرِ عَنْ النِّيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَقْبِضُ نِيَابَةً عَنْ الْمَسَاكِينِ وَلَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْمَسَاكِينِ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ فَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى نَائِبِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَأَوَّلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ فَيُجْزِئُهُ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا قُلْتُ وَهَذَا النص يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُجْزِئُهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ وَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْإِمَامِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ الْإِمَامُ قَهْرًا فَإِنْ نَوَى رب المال حال الاخذ أجزأه ظاهر أو باطنا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ رَبُّ الْمَالِ نَظَرَ إنْ نَوَى الْإِمَامُ أَجْزَأَهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ ثَانِيًا وَهَلْ يُجْزِئُهُ بَاطِنًا فِيهِ وَجْهَانِ

مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظاهر كلام المصنف وجمهور العراقيين وتقام نِيَّةُ الْإِمَامِ مَقَامَ نِيَّتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقُومُ نِيَّةُ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ أَيْضًا لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ فِي الْبَاطِنِ قَطْعًا وَهَلْ يَسْقُطُ فِي الظَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَيْضًا (الْأَصَحُّ) لَا يَسْقُطُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) وُجُوبُ النِّيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَصَى هَكَذَا قَالَ هَذَا كُلَّهُ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصَ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (إنْ قُلْنَا) لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ كَالْوَلِيِّ (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ الْمَالِكُ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ وَكَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فَصَلَّى مِائَةَ صَلَاةٍ نَافِلَةً لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ * هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ أَيْضًا عَنْ الزَّكَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وقال محمد يجزئه عن زكاة ذلك البغض وَلَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَكَانَتْ تَطَوُّعًا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ تَمَحَّضْ لِلْفَرْضِ فَلَمْ تَصِحَّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهَا الْوَكِيلُ وَقَعَ عَنْ الفرض إذا كان القابض مستحقا * قال المصنف رحمه الله * (ويجب صرف جميع الصدقات إلى ثمانية أصناف وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمون وفى سبيل الله وابن السبيل (وقال) المزني وابو حفص البابشامي يصرف خمس الركاز الي من يصرف إليه خمس الفئ والغنيمة لانه حق مقدر بالخمس فأشبه خمس الفئ والغنيمة (وقال) أبو سعيد الاصطخرى تصرف زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لانه قدر قليل فإذا قسم علي ثماينة اصناف لم يقع ما يدفع إلى كل واحد منهم موقعا من الكفاية والمذهب الاول والدليل عليه قوله تعالي (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل) فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل علي انه مملوك لهم مشترك بينهم) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ كَانَ مُفَرِّقُ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَوَجَبَ صَرْفُهَا إلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ الْبَاقِينَ إنْ وُجِدُوا وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ مِنْهُمْ

وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صِنْفٍ مِنْهُمْ مَعَ وُجُودِهِ فان تركه ضَمِنَ نَصِيبَهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الْخِلَافِ وَبِمَذْهَبِنَا فِي اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ وداود وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَهُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ * قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَهُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ * قَالَ مَالِكٌ وَيَصْرِفُهَا إلَى أَمَسِّهِمْ حَاجَةً. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنْ كَانَتْ قَلِيلَةً جَازَ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَإِلَّا وَجَبَ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ وَحَمَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ قَالُوا وَمَعْنَاهَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَهُوَ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدنانير لزيد وعمر وَبَكْرٍ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ فَكَذَا هُنَا (وَأَمَّا) خُمُسُ الرِّكَازِ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِ بَاقِي الزكوات وقال المزني وأبو حفص يصرف مصرف خمس الفئ وَالْغَنِيمَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ (وَأَمَّا) زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ صَرْفِهَا إلَى الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ كَبَاقِي الزَّكَوَاتِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ تُصْرَفُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْإِصْطَخْرِيَّ يُجَوِّزُ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الصَّرْفِ عِنْدَهُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ صِنْفِ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَحَكَى عَنْهُ الْجُمْهُورُ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ صنف كان ممن صرح بهذا عنه الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وآخرون وقال المحاملي في كتابيه المجموع والتجريد والمتولي بصرفها عنده الي ثلاثة من الفقراء دون غيرهم وصرح المتولي بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عِنْدَهُ بِالدَّفْعِ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ جَوَّزَ الْإِصْطَخْرِيُّ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ مِنْ صِنْفٍ أَوْ مِنْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ وَشَرَطَ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنْ يُفَرِّقَهَا الْمُزَكِّي بِنَفْسِهِ قَالَ فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي لَزِمَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي تَعْمِيمَ الْأَصْنَافِ لانها تكثير فِي يَدِهِ فَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْمِيمُ وَشَرَطَ مَالِكٌ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ خَاصَّةً هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتِيَارَهُ قال الرافعي ورأيت بخطه الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَدْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ

أبا اسحق الشِّيرَازِيَّ يَقُولُ فِي اخْتِيَارِهِ وَرَأْيِهِ إنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَرَدَّ أَصْحَابُنَا مَذْهَبَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّهَا قَلِيلَةٌ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَمْعُهَا مَعَ زَكَاةِ غَيْرِهِ فَتَكْثُرُ قَالُوا وَيُنْتَقَضُ قَوْلُهُ أَيْضًا بِمَنْ لَزِمَهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ بِأَنْ تَلِفَ مُعْظَمُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى الْأَصْنَافِ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّقَ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ وَكِيلُهُ فَأَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي فَيَلْزَمُهُ صَرْفُ الْفِطْرَةِ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَوْجُودِينَ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صِنْفٍ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ زَكَاةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَزَكَاةَ شَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ صنفا ولا يرجح صِنْفًا عَلَى صِنْفٍ وَسَنُوَضِّحُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ هُوَ الْإِمَامُ قَسَّمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ (سَهْمُ) لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ على وجه العوض وغيره يأخذه على قدر الْمُوَاسَاةِ فَإِذَا كَانَ السَّهْمُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الْأَصْنَافِ وَقَسَّمَهُ عَلَى سِهَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ تَمَّمَ وَمِنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُتَمِّمُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَلَوْ قِيلَ يُتَمِّمُ مِنْ حَقِّ سَائِرِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتَمِّمُ مِنْ حَقِّ سَائِرِ الْأَصْنَافِ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُمْ فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِمْ (وَالثَّانِي) يُتَمِّمُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ صِنْفٍ سَهْمًا فَلَوْ قسمنا ذلك علي الْأَصْنَافَ وَنَقَصْنَا حَقَّهُمْ فَضَّلْنَا الْعَامِلَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَمَّمَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ سهامهم لانه يشبه الحاكم لانه يستوفى به حَقَّ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَيُشْبِهُ الْأَجِيرَ فَخُيِّرَ بَيْنَ حَقَّيْهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كان بَدَأَ بِنَصِيبِهِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ تَمَّمَ مِنْ سِهَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَدَأَ بِسِهَامِ الْأَصْنَافِ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ وجد سهم الْعَامِلَ يَنْقُصُ تَمَّمَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ فَضَلَ عَنْ قَدْرِ حَاجَةِ الاصناف شىء تَمَّمَ مِنْ الْفَضْلِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمْ شئ تَمَّمَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَيُعْطِي الْحَاشِرَ وَالْعَرِيفَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمَّالِ وَفِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وجهان (قال) أبو على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ

لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْإِيفَاءِ وَالْإِيفَاءُ حَقٌّ عَلَى رَبِّ المال فكانت اجرته عليه (وقال) أبو اسحق تَكُونُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا ذَلِكَ علي رب المال زدنا عليه الْفَرْضِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ قَسْمَ الزَّكَاةِ فان لم يكن عَامِلٌ بِأَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَرَّقَهَا عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ وَسَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَوَجَبَ صَرْفُ جَمِيعِهَا إلَى الْبَاقِينَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَمَا لَوْ فُقِدَ صِنْفٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ بَدَأَ الْإِمَامُ بِنَصِيبِ الْعَامِلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذِهِ الْبُدَاءَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بِلَا خلاف قال اصحابنا وينبعي. لِلْإِمَامِ وَلِلسَّاعِي إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ تَفْرِيقُ الزَّكَوَاتِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ وَقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمِيعِ الزَّكَوَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ لِيَتَعَجَّلَ وُصُولَ حُقُوقِهِمْ إلَيْهِمْ وَلِيَأْمَنَ مِنْ هَلَاكِ الْمَالِ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَةِ عمله قل أم اكثر وهذا متفق عليه فان كان نصيبه من الزكاة قدر اجرته فقط أخذه وإن كان كثر مِنْ أُجْرَتِهِ أَخَذَ أُجْرَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْأَصْنَافِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ وَجَبَ إتْمَامُ أُجْرَتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ فِيهِ هَذِهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُتَمِّمُ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وهذا الخلاف انما هو في جَوَازُ التَّتْمِيمِ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ (وَأَمَّا) بَيْتُ الْمَالِ فَيَجُوزُ التَّتْمِيمُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ كُلَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُقَسِّمُ جَمِيعَ الزَّكَوَاتِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ جَازَ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطِي الْحَاشِرَ وَالْعَرِيفَ وَالْحَاسِبَ وَالْكَاتِبَ وَالْجَابِيَ وَالْقَسَّامَ وَحَافِظَ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ السَّهْمِ الْمُسَمَّى بِاسْمِ الْعَامِلِ وَهُوَ ثُمُنُ الزَّكَاةِ لا انهم يُزَاحِمُونَ الْعَامِلَ فِي أُجْرَةِ مِثْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَاشِرُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَالْعَرِيفُ هُوَ كَالنَّقِيبِ لِلْقَبِيلَةِ وَهُوَ الَّذِي يُعَرِّفُ السَّاعِيَ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا ولا حق في الزكاة للسلطان ولا لوالي الْإِقْلِيمِ وَلَا لِلْقَاضِي بَلْ رِزْقُهُمْ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ فِي مَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ عَامِلِ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْكِفَايَةُ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَاتِبٍ وَاحِدٍ أَوْ حَاسِبٍ أَوْ حَاشِرٍ وَنَحْوِهِ زِيدَ فِي الْعَدَدِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَفِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَعَادِّ الْغَنَمِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَلَى رب

الْمَالِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْعَادِّ الَّذِي يُمَيِّزُ نَصِيبَ الْأَصْنَافِ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ فَأَمَّا الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ فَأُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ وَمُؤْنَةُ إحْضَارِ الْمَاشِيَةِ لِيَعُدَّهَا الْعَامِلُ تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهَا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ قَالَ وَأُجْرَةُ حَافِظِ الزَّكَاةِ وَنَاقِلِهَا وَالْبَيْتُ الَّذِي تُحْفَظُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ وَالنَّاقِلُ هَاشِمِيًّا وَمُطَّلِبِيًّا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مَحْضٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِي أُجْرَةِ رَاعِي أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَحَافِظِهَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ تَجِبُ فِي جُمْلَةِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ خاصة والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وسهم للفقراء والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فيدفع إليه ما تزول به حاجته من اداة يعمل بها ان كان فيه قوة أو بضاعة يتجر فيها حتي لو احتاج الي مال كثير للبضاعة التى تصلح له ويحسن التجارة فيه وجب أن يدفع إليه وإن عرف لرجل مال وادعى أنه افتقر لم يقبل منه الا ببينة لانه ثبت غناه فلا تقبل دعوى الفقر الا ببينة كما لو وجب عليه دين آدمى وعرف له مال فادعى الاعسار فان كان قويا وادعى انه لا كسب له اعطى لما روى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ " أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الصدقة فصعد بصره اليهما وصوب ثم قال اعطيكما بعد ان اعلمكما انه لا حظ فيها لغنى ولا قوى مكتسب " وهل يحلف فيه وجهان (احدهما) لا يحلف لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحلف الرجلين (والثاني) يحلف لان الظاهر انه يقدر علي الكسب مع القوة) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ " أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جلدين ففال إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ " هَذَا لَفْظُ إسْنَادِ الْحَدِيثِ وَمَتْنُهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ (وَقَوْلُهُ) جَلْدَيْنِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ قَوِيَّيْنِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ والاول غلط صريح وهو عبيد الله ابن عدى ابن الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ ابْنِ نَوْفَلَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ

ابن قصي وهذا لا خلاف فيه ببن العلماء من جميع الطوائف وكذا هذ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِيهِ شئ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وعبيد الله تابعي فحعل الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ هكذا هُوَ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالرَّجُلَانِ صَحَابِيَّانِ لا يضر جهالة عينها لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَقَوْلُهُ صَعَّدَ بَصَرَهُ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَهُ وَقَوْلُهُ وَصَوَّبَهُ اي حفصه وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ أَدَاةٍ يَعْمَلُ بِهَا هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي حَقِيقَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ سَهْمًا فِي الزَّكَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا بِمَالٍ وَلَا بِكَسْبٍ وَشَرَحَهُ الْأَصْحَابُ فَقَالُوا هُوَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ أَصْلًا أوله مالا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَاجَتِهِ بِأَنْ كَانَ يَحْتَاجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ فَقِيرٌ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَوْبٌ يَلْبَسُهُ مُتَجَمِّلًا بِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَقْرَهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعَبْدِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ وَهُوَ فِي سَائِرِ الْأُصُولِ مُلْحَقٌ بِالْمَسْكَنِ قُلْتُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ بِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ كَالْمَسْكَنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ أَخْذَهُ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيَابِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقَدْرُ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الدَّيْنُ لَا حُكْمَ لِوُجُودِهِ وَلَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ قَالَ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْطِي سَهْمَ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا عِنْدَهُ إلَى الدَّيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِمَنْ مَالُهُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَى أَنْ يَصِلَ مَالُهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلُ فَلَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِي اشْتِرَاطِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (وَأَمَّا) الْكَسْبُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ عَنْ أَصْلِ الْكَسْبِ قَالُوا وَالْمُعْتَبَرُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمُرُوءَتِهِ (وَأَمَّا) مَا لَا يَلِيقُ بِهِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ قَالُوا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لَانْقَطَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا) من لا يتأنى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا

بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الْمُشْتَغِلِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَسْتَحِقُّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ نَجِيبًا يُرْجَى تَفَقُّهُهُ وَنَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ بِهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ عِبَادَتِهِ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْعِلْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْكَسُوبُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ * (فَرْعٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْفَقِيرِ الزَّمَانَةُ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ السُّؤَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا يُشْتَرَطُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ قَالُوا الْجَدِيدُ لَا يُشْتَرَطُ وَالْقَدِيمُ يُشْتَرَطُ وَتَأَوَّلَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ الْقَدِيمَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَوْلِنَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ الْمَطْعَمُ وَالْمَلْبَسُ والمسكن وسائر مالا بد له مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ بِغَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا إقْتَارٍ لِنَفْسِ الشَّخْصِ وَلِمَنْ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ * (فَرْعٌ) الْمُكْفَى بِنَفَقَةِ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالْفَقِيرَةُ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ يُنْفِقُ عَلَيْهَا هَلْ يُعْطَيَانِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أقاربه أَوْصَى لَهُمْ فَكَانَا فِي أَقَارِبِهِ هَلْ يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يَسْتَحِقَّانِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) يَسْتَحِقَّانِ قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ (وَالثَّالِثُ) يَسْتَحِقُّ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ عِوَضًا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيَسْتَقِرُّ قَالَهُ الْأَوْدَنِيُّ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَرِيبَ يَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى الدَّوَاءِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ فَانْدَفَعَتْ حاجاته وَالزَّوْجَةُ لَيْسَ لَهَا إلَّا مُقَدَّرٌ وَرُبَّمَا لَا يَكْفِيهَا قَالَ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فَالزَّكَاةُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُعْطَيَانِ كَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْوَقْفِ بِاسْمِ الْفَقْرِ وَلَا يَزُولُ اسْمُ الْفَقْرِ بِقِيَامِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ تَوَجُّهِ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْخِلَافُ فِي الْقَرِيبِ إذَا أَعْطَاهُ غَيْرُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهِمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْمُنْفِقُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ

مُسْتَغْنٍ بِنَفَقَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّفَقَةَ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ وَالْغَارِمِ وَالْغَازِي وَالْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَكَذَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِئَلَّا يُسْقِطَ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مُؤْنَةَ السَّفَرِ دُونَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَفَرًا وَحَضَرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ (وَأَمَّا) فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ فَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي الزَّوْجِ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِالصَّرْفِ إلَيْهَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّفَقَةَ بَلْ نَفَقَتُهَا عِوَضٌ لَازِمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ فَقِيرًا فَإِنَّ لَهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مَعَ الْأُجْرَةِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى النَّفَقَةِ بِتَرْكِ النُّشُوزِ فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ بِلَا خِلَافٍ وَمِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ من المولفة وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ عَامِلَةً وَلَا غَازِيَةً وَأَمَّا سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنْ سَافَرَتْ مَعَ الزَّوْجِ لَمْ تُعْطَ مِنْهُ سَوَاءٌ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَلَا تُعْطَى مُؤْنَةَ السَّفَرِ إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا فان كان باذنه واوجبنا نَفَقَتَهَا أُعْطِيت مُؤْنَةَ السَّفَرِ فَقَطْ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا أُعْطِيت جَمِيعَ كِفَايَتِهَا وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ تعط منه لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى هَذِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى طَاعَتِهِ وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ فَإِنْ تَرَكَتْ سَفَرَهَا وَعَزَمَتْ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذَاتَ مَالٍ فَلَهَا صَرْفُ زَكَاتِهَا إلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ سَوَاءٌ صُرِفَتْ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ نَحْوِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَالْأَخِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَدَفْعُهَا إلَى الزَّوْجِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَ كِفَايَتِهِ وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ يَعْنِي وَالْفَقْرِ قَالَ فَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَحُكْمُ كِتَابِهِ حُكْمُ أَثَاثِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ قَالَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ فِي

فَهْمِ الْحَاجَةِ إلَى الْكِتَابِ فَالْكِتَابُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِثَلَاثَةِ أَغْرَاضٍ التَّعْلِيمُ وَالتَّفَرُّجُ بِالْمُطَالَعَةِ وَالِاسْتِفَادَةُ فَالتَّفَرُّجُ لَا يُعَدُّ حَاجَةً كَاقْتِنَاءِ كُتُبِ الشِّعْرِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا فِي الدُّنْيَا فَهَذَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَمْنَعُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ (وَأَمَّا) حَاجَةُ التَّعْلِيمِ فَإِنْ كَانَ لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ فَهَذِهِ آلَتُهُ فَلَا تُبَاعُ فِي الْفِطْرَةِ كَآلَةِ الْخَيَّاطِ وَإِنْ كَانَ يَدْرُسُ لِقِيَامِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَمْ تُبَعْ وَلَا تَسْلُبُهُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ لِأَنَّهَا حَاجَةٌ مهمة حَاجَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِفَادَةُ وَالتَّعَلُّمُ مِنْ الْكِتَابِ كَادِّخَارِهِ كتاب طب ليعالح نَفْسَهُ بِهِ أَوْ كِتَابَ وَعْظٍ لِيُطَالِعَهُ وَيَتَّعِظَ به فان كان في البلد طبيب واوأعظ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُحْتَاجٌ ثُمَّ رُبَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُطَالَعَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يضبط فيقال مالا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّنَةِ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَتُقَدَّرُ حَاجَةُ أَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابُ الْبَدَنِ بِالسَّنَةِ فَلَا يُبَاعُ ثِيَابُ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَلَا ثِيَابُ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَالْكُتُبُ بِالثِّيَابِ أَشْبَهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَّا إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ قَالَ احداهما أَصَحُّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنُ قُلْنَا اكْتَفِ بِالْأَصَحِّ وَبِعْ الْأَحْسَنَ وَإِنْ كَانَا كِتَابَيْنِ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا مَبْسُوطٌ وَالْآخَرُ وَجِيزٌ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الِاسْتِفَادَةَ فَلِيَكْتَفِ بِالْمَبْسُوطِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّدْرِيسَ احْتَاجَ إلَيْهِمَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْوَعْظِ أَنَّهُ يكتفى بالواعظ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَاعِظِ كَانْتِفَاعِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبُ عِلْمٍ وَهُوَ عَالِمٌ جَازَ دَفْعُ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ قَالَ وَلَا تُبَاعُ كُتُبُهُ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) سُئِلَ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْقَوِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالتَّكَسُّبِ بِالْبَدَنِ هَلْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ والمساكين فقال نعم وهذا صحيح جار عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِرْفَةٌ تَلِيقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي قَدْرِ الْمَصْرُوفِ إلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُعْطِيَانِ مَا يَخْرُجُهُمَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْغِنَى وَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الكفاية علي الدوام وهذا هو نص للشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ اصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجى مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ

مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْقِوَامُ وَالسِّدَادُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ حَتَّى يُصِيبَ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَذِكْرُ الثَّلَاثَةِ فِي الشَّهَادَةِ للاستظهار لا للاشتراط قال اصحابنا فان كان عَادَتْهُ الِاحْتِرَافَ أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ حِرْفَتَهُ أَوْ آلَاتِ حِرْفَتِهِ قَلَّتْ قِيمَةُ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَتْ وَيَكُونُ قَدْرُهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ربحه ما يفى بكفايته غالبا تَقْرِيبًا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْحِرَفِ وَالْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَقَرَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ فَقَالُوا مَنْ يَبِيعُ الْبَقْلَ يُعْطَى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَشْرَةَ وَمَنْ حِرْفَتُهُ بَيْعُ الْجَوْهَرِ يُعْطَى عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مَثَلًا إذَا لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ الْكِفَايَةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَمَنْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ خَبَّازًا أَوْ عَطَّارًا أَوْ صَرَّافًا أُعْطِيَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ خَيَّاطًا أَوْ نَجَّارًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ قَصَّابًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّنَائِعِ أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآلَاتِ الَّتِي تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الضِّيَاعِ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ ضَيْعَةً أَوْ حِصَّةً فِي ضَيْعَةٍ تَكْفِيهِ غَلَّتُهَا عَلَى الدَّوَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَرِفًا وَلَا يُحْسِنُ صَنْعَةً أَصْلًا وَلَا تِجَارَةً وَلَا شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ أُعْطِيَ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ لِأَمْثَالِهِ فِي بِلَادِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِكِفَايَةِ سَنَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّ مِنْهُ كِفَايَتَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ يُعْطَى مَا يُنْفِقُ عَيْنَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إعْطَائِهِ كِفَايَةَ عُمْرِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ وَلَا يُزَادُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَيَحْصُلُ كِفَايَتُهُ مِنْهَا سَنَةً سنة وبهذا قطع أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ كِفَايَةُ الْعُمْرِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ

الرافعى هو قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرِينَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا عُرِفَ لِرَجُلٍ مَالٌ فَادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَصِفَتِهَا كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ دَعْوَاهُ الْهَلَاكَ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ أَوْ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَإِنْ لم يعرف له مَالٌ وَادَّعَى الْفَقْرَ أَوْ الْمَسْكَنَةَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْفَقْرُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَسْبِ كَشَيْخٍ هَرِمٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفِ الْبِنْيَةِ وَنَحْوِهِمَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ شَابًّا قَوِيًّا لَمْ يُكَلَّفْ الْبَيِّنَةَ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالرِّفْقِ فَلَا يُكَلَّفُ يَمِينًا وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ حَالِهِمَا عَدَمَ الْكَسْبِ وَالْقُدْرَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ هَذَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَحْلِفُ فَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ شَرْطٌ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ نَكِلَ فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ لَمْ يُعْطَ وَإِلَّا اعطى ولو قال لامال لِي وَاتَّهَمَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا كَسْبَ لِي فيجئ فِي تَحْلِيفِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ هَكَذَا نَقَلُوهُ وَهُوَ ظاهر * قال المصنف رحمه الله * (وسهم للمساكين والمسكين هو الذى يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ إلا انه لا يكفيه وقال ابو اسحق هو الذى لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فأما الذى يجد ما يقع موقعا من كفايته فهو الفقير والاول اظهر لان الله تعالى بدأ بالفقراء والعرب لا تبدأ إلا بالاهم فالاهم فدل علي ان الفقير امس حاجة وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اللَّهُمَّ احينى مسكينا وامتني مسكينا " وكان صلي الله عليه وسلم " يتعوذ من الفقر " فدل علي ان الفقر اشد ويدفع الي المسكين تمام الكفاية فان ادعي عيالا لم يقبل منه إلا ببينة لانه يدعي خلاف الظاهر) *

(الشَّرْحُ) أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ " فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ " أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا " فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَقَدْ اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفَقْرِ وَسَأَلَ الْمَسْكَنَةَ وَقَدْ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ الْكِفَايَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ لَهُ بَعْضُ الكفاية قال البيهقى وقد روى في حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَ " مِنْ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ " فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَاذَ مِنْ الْحَالِ الَّتِي شَرَّفَهَا فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ وَلَا مِنْ الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْيَى وَيُمَاتَ عَلَيْهَا قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفَةً لِمَا مَاتَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَاتَ مَكْفِيًّا بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قال ووجه هذه الْأَحَادِيثِ عِنْدِي أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ اللَّذَيْنِ يَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى الْقِلَّةِ كَمَا اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ دُونَ حَالِ الْفَقْرِ وَمَنْ فِتْنَةِ الْغِنَى دُونَ حَالِ الْغِنَى قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ كَانَ قَالَ " أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا " فَإِنْ صَحَّ طَرِيقُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ مَسْكَنَةً يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إلَى الْقِلَّةِ بَلْ مسكنة معناها الاخبات التواضع وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْجَبَابِرَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَأَنْ لَا يُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ الْأَغْنِيَاءِ الْمُتْرَفِينَ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ الْمَسْكَنَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ السُّكُونِ يُقَالُ تَمَسْكَنَ الرَّجُلُ إذَا لَانَ وَتَوَاضَعَ وَخَشَعَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ كَمَا حَكَاهُ المصنف عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ بَلْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ لَكِنْ يَظْهَرُ فِي الْوَصِيَّةِ للفقراء دون المساكين أو للمساكين دون دُونَ الْفُقَرَاءِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ لِلْفُقَرَاءِ وَبِمِائَةٍ لِلْمَسَاكِينِ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَوْ حَلَفَ لِيَتَصَدَّقَنَّ عَلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالنَّذْرِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ غَيْرَ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَنْفِ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يُعْطِيَ الصِّنْفَ الْآخَرَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا

عَلَيْهِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى أَطْلَقَ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ تَنَاوَلَ الصِّنْفَيْنِ وَإِنْ جَمَعَا أَوْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ وَجَبَ التَّمْيِيزُ حِينَئِذٍ وَيَحْتَاجُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِ النَّوْعَيْنِ أَيُّهُمَا أَسْوَأُ حَالًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (أَمَّا) حَقِيقَةُ الْمِسْكِينِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا مِثَالُهُ يَحْتَاجُ إلَى عَشْرَةٍ وَيَقْدِرُ علي ثماينة أَوْ سَبْعَةٍ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْكَسْبِ الْمُعْتَبَرِ وَالْمَالِ الْمُعْتَبَرِ وَأَنَّ الْفَقِيرَ والمسكين يعطيان تمام كفايتها وَسَبَقَ كَيْفِيَّةُ إعْطَاءِ الْكِفَايَةِ وَجَمِيعُ الْفُرُوعِ السَّابِقَةِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ اصحاحبنا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْمِسْكِينُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ كِفَايَتَهُ فَيُعْطَى تَمَامَ الْكِفَايَةِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعْطَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا * دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَالنُّصُوصُ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُقْبَلُ تَقْيِيدُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ادَّعَى الْفَقِيرُ أَوْ الْمِسْكِينُ عِيَالًا وَطَلَبَ أَنْ يُعْطَى كِفَايَتَهُ وَكِفَايَتَهُمْ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعِيَالِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُعْطَى إلَّا ببينة لامكانها وبهذا قطع المصنف والاكثرون * قال المصنف رحمه الله تعالي * (وسهم للمولفة وهم ضربان مسلمون وكفار فأما الكفار فضربان ضرب يرجي خير وضرب يخاف شره وقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ وهل يعطون بعده فيه قولان (احدهما) يعطون لان المعنى الذى به اعطاهم النبي صلي الله عليه وسلم قد يوجد بعده (والثاني) لا يعطون لان الخلفاء رضي الله عنهم بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يعطوهم وقال عمر رضى الله عنه " انا لا نعطي علي الاسلام شيئا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليفكر " فإذا قلنا انهم يعطون فانهم لا يعطون من الزكاة لان الزكاة لا حق فيهما للكفار وإنما يعطون من سهم المصالح وأما المسلمون فهم اربعة اضرب (احدها) قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الاسلام لان النبي صلي الله عليه وسلم أعطى الزبرقان بن بدر وعدى بن حاتم (والثانى) قوم أسلموا ونيتهم في الاسلام ضعيفة فيعطون لتقوى نيتهم لان النبي صلي الله عليه وسلم أعطى ابا سفيان بن حرب وصفوان ابن امية والاقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل أحد منهم مائة من الابل وهل يعطى هذان الفريقان بعد النبي صلي الله عليه وسلم فيه قولان (احدهما) لا يعطون لان الله تعالي اعز الاسلام فأغنى عن التألف بالمال (والثانى) يعطون لان المعنى الذى به اعطوا قد يوجد بعد النبي صلي الله عليه وسلم ومن اين يعطون فيه قولان (احدهما) من

الصدقات للآية (والثانى) من خمس الخمس لان ذلك مصلحة فكان من سهم المصالح (والضرب الثَّالِثُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ أعطوا قاتلوهم (والضرب الرابع) قوم يليهم قوم من أهل الصدقات ان اعطوا جبوا الصدقات وفى هذين الضربين أربعة أقوال (احدهها) يعطون من سهم المصالح لان ذلك مصلحة (والثاني) من سهم المؤلفة من الصدقات للآية (والثالث) من سهم الغزاة لانهم يغزون (والرابع) وهو المنصوص انهم يعطون من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة لانهم جمعوا معنى الفرقين) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ إعْطَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَلَّفَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ " وَصَفْوَانُ يَوْمئِذٍ كَافِرٌ قَالَ صَفْوَانُ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وانه لا بغض النَّاسِ إلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى أَنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ إعْطَاءِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ رَافِعِ بن خديج (وأما) الزِّبْرِقَانُ فَبِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَهُوَ أَحَدُ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ وِسَادَاتِ بَنِي تَمِيمٍ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبٌ له واسمه الحصين ابن بلد ابن امْرِئِ الْقِيسِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَيَّاشٍ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لُقِّبَ بِالزِّبْرِقَانِ لَحُسْنِهِ وَقِيلَ لِصُفْرَةِ عِمَامَتِهِ وَمِنْهُ زَبْرَقْت الثَّوْبَ إذَا صَفَّرْتُهُ وَكَانَ يَلْبَسُ عِمَامَةً مُزَبْرَقَةً بِالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ قَمَرُ نَجْدٍ لِحُسْنِهِ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ وَوَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْرَمَهُ وَوَلَّاهُ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ بُسِطَتْ أَحْوَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَكُلُّهُمْ صَحَابَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسُمِّيَ هَذَا الصِّنْفُ مُؤَلَّفَةً لِأَنَّهُمْ يَتَأَلَّفُونَ بِالْعَطَاءِ وَتُسْتَمَالُ بِهِ قُلُوبُهُمْ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُؤَلَّفَةُ ضَرْبَانِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ وَالْكُفَّارُ صِنْفَانِ (مَنْ) يُرْجَى إسْلَامُهُ (وَمَنْ) يُخَافُ شَرُّهُ فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْغَنَائِمِ لَا مِنْ الزَّكَاةِ وَهَلْ يُعْطَوْنَ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يُعْطَوْنَ لِلْحَدِيثِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ لَا يُعْطَوْنَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَكَانَ مِلْكًا لَهُ خَالِصًا يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْطَوْنَ أُعْطُوا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ أَيْضًا مِنْ الْمَصَالِحِ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ (وَأَمَّا) الْمُؤَلَّفَةُ الْمُسْلِمُونَ فَأَصْنَافٌ

(صنف) لهم شرف في قومهم يطلب يتألفهم إسْلَامُ نُظَرَائِهِمْ (وَصِنْفٌ) أَسْلَمُوا وَنِيَّتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ فَيَتَأَلَّفُونَ لِتَقْوَى نِيَّتِهِمْ وَيَثْبُتُوا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي هَذَيْنِ وَهَلْ يُعْطَوْنَ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْطَوْنَ فَمِنْ أَيْنَ يُعْطُونَ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ فَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ لِلْآيَةِ (وَالثَّانِي) يُعْطَوْنَ مِنْ الْمَصَالِحِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُعْطَوْنَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمُ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ (وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ أُعْطُوا قَاتَلُوهُمْ وَيُرَادُ بِإِعْطَائِهِمْ تَأَلُّفُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ (وَالرَّابِعُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ عَلَيْهِمْ زَكَوَاتٌ وَيَمْنَعُونَهَا فَإِنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ قَاتَلُوهُمْ وَقَهَرُوهُمْ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ وَحَمَلُوهَا إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ الزَّكَوَاتِ وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى مُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ لِتَجْهِيزِ مَنْ يَأْخُذُهَا وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ يُعْطِيَانِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ مِنْ أَيْنَ يُعْطَوْنَ فِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَوْجُهًا وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ (وَالثَّانِي) مِنْ الْمَصَالِحِ (وَالثَّالِثُ) مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ (وَالرَّابِعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَسَهْمِ الْغُزَاةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْقَوْلِ الرَّابِعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أحدها) أن هذا تفريع عَلَى أَنَّ مَنْ جَمَعَ سَبَبَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الزَّكَاةِ يُعْطَى بِهِمَا (فَأَمَّا) إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَلَا يُعْطَى هَؤُلَاءِ إلَّا مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ السَّهْمَيْنِ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَعْطَيْنَا غَيْرَهُمْ بسببين أم لا للمصلحة فِي هَؤُلَاءِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ التَّأَلُّفُ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ فَمِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الزَّكَوَاتِ وَقِتَالِ مَانِعِيهَا فَمِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَا السهم وإن شاء اعطاهم من ذلك وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُؤَلَّفَ لِقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَجَمْعِهَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَرْسَلَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْأَصَحِّ مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَائِفَةٌ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ لَا يُعْطَى الصِّنْفَانِ الْآخَرَانِ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَحَقُّ بِاسْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ فِي الْآخَرَيْنِ مَعْنَى الْغُزَاةِ وَالْعَامِلِينَ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَدْ صَارَ إلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ثُمَّ لِسِيَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ إثْبَاتُ سَهْمِ المؤلفة وانه يستحقه الصنفان الاولان وانه يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَيْضًا وَبِهِ أَفْتَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ

هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الصَّرْفُ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُؤَلَّفًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لانه مما يظهر والصحيح ماقاله أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنْ قَالَ نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي لَمْ يقبل قوله الا ببينة وتقل الرَّافِعِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ أَطْلَقَ مُطَالَبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي صِفَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفَقِيرِ (الصَّحِيحُ) انه يتصور * * قال المصنف رحمه الله * (وسهم للرقاب وهم المكاتبون فإذا لم يكن مع المكاتب ما يؤدى في الكتابة وقد حل عليه نجم اعطى ما يؤديه وان كان معه ما يؤديه لم يعط لانه غير محتاج وان لم يكن معه شئ ولا حل عليه نجم ففيه وجهان (احدهما) لا يعطى لانه لا حاجة إليه قبل حلول النجم (والثانى) يعطى لانه يحل عليه النجم والاصل انه ليس معه ما يؤدى فان دفع إليه ثم اعتقه المولي أو ابرأه من المال أو عجز نفسه قبل ان يؤدى المال إلى المولي رجع عليه لانه دفع إليه ليصرفه في دينه ولم يفعل وإن سلمه الي المولى وبقيت عليه بقية فعجزه المولى ففيه وجهان (احدهما) لا يسترحع من المولي لانه صدقه فيما عليه (والثاني) يسترجع لانه انما دفع إليه ليتوصل به إلى العتق ولم يحصل ذلك فان ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فان صدقه المولي ففيه وجهان (احدهما) يقبل لان ذلك اقرار علي نفسه (والثانى) لا يقبل لانه متهم لانه ربما واطأه حتى يأخذ الزكاة) * (الشرح) في الفصل مسائل (احداها) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُصْرَفُ سَهْمُ الرِّقَابِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكبير والمتولي وبه قال علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ جبير والزهرى والليث ابن سَعْدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمُرَادُ بِالرِّقَابِ أَنْ يُشْتَرَى بِسَهْمِهِمْ عَبِيدٌ وَيُعْتَقُونَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ العنبري واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قوله عزوجل

وفى الرقاب) كقوله تبارك وتعالي (وفى سبيل الله) وهناك يجب الدفع الي المجاهدين فكذا هنا يجب الدَّفْعُ إلَى الرِّقَابِ وَلَا يَكُونُ دَفْعًا إلَيْهِمْ إلَّا عَلَى مَذْهَبِنَا (وَأَمَّا) مَنْ قَالَ يُشْتَرَى به عبيد فليس بدفع إليهم وإنما هو دفع الي ساداتهم وَلِأَنَّ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ يُسَلَّمُ السَّهْمُ إلَى الْمُسْتَحَقِّ وَيُمَلِّكُهُ إيَّاهُ فَيَنْبَغِي هُنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّهُمْ بِقَيْدٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُمْ وَلِأَنَّ مَا قَالُوهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ هَذَا السَّهْمِ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ لِهَذَا السَّهْمِ مَا يَشْتَرِي بِهِ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَهَا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إلَى الْإِمَامِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِهِ (وَأَمَّا) عَلَى مَذْهَبِنَا فَيُمْكِنُهُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا (فَإِنْ قِيلَ) الرِّقَابُ جَمْعُ رَقَبَةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَتْ فِيهِ الرَّقَبَةُ فَالْمُرَادُ عِتْقُهَا (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الرَّقَبَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا خصصناها في الكفارة بالعبد اقن بِقَرِينَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْقِنِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَتَحْرِيرُ رقبة) وَلَمْ تُوجَدُ هَذِهِ الْقَرِينَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُكَاتِبِينَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبِينَ لَذَكَرَهُمْ بِاسْمِهِمْ الْخَاصِّ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا مُنْتَقَضٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَفِي سبيل الله) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يُذْكَرُوا بِاسْمِهِمْ الْخَاصِّ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبِينَ لَاكْتَفَى بِالْغَارِمِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمَا سَهْمًا مُسْتَقِلًّا كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً صَحِيحَةً (أَمَّا) الْفَاسِدَةُ فَلَا يُعْطَى بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَإِنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الدَّارِمِيُّ وابن كج والرافعي (الثالثة) إذَا حَلَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَفَاءٌ دُفِعَ إلَيْهِ وَفَاءً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ لَمْ يُعْطَ لِاسْتِغْنَائِهِ عنه وان لم يكن معه شئ وَلَا حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فَفِي إعْطَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا مَعَ شُهْرَتِهِمَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يُعْطَى صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الرَّابِعَةُ) إذا دفعت إليه الزكاة ثم اعتقه السيد أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ عَجَّزَ نَفْسُهُ قَبْلَ دَفْعِ الْمَالِ إلَى السَّيِّدِ وَالْمَالُ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ رَجَعَ الدَّافِعُ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيمَا إذَا حَصَلَ الْعِتْقُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَرْجِعُ (وَالثَّانِي) لَا يَرْجِعُ بَلْ يَبْقَى مِلْكًا لِلْمُكَاتَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَلَمْ أَرَ أَنَا فِي كِتَابِ الْمُتَوَلِّي تَرْجِيحًا لَهُ بَلْ ذَكَرَ وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ

وغيره فيه طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا فَفَرْضُ الزَّكَاةِ بَاقٍ عَلَى الدَّافِعِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْمُكَاتَبِ فَقَضَى مَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ فِي يَدِهِ وَكَذَا لَوْ قَضَاهُ أَجْنَبِيٌّ قَالُوا وَضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى اسْتَغْنَى عَمَّا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَعَتَقَ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَالْمَذْهَبُ أنه يرجع عليه به لاستغنائه عنه هذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ فان تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ عَتَقَ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا غُرْمَ وَوَقَعَتْ الزَّكَاةُ مَوْقِعَهَا وَلَا شئ عَلَى الدَّافِعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بِإِتْلَافِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَغْرَمُهُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَتْلَفَهُ الْمُكَاتَبُ هَذَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا غُرْمُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ مَالًا مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي يَدِهِ فَإِذَا تَلِفَ غَرِمَهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذا عتق (فَأَمَّا) إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ وَالْمَالُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ الْبَغَوِيّ إلَى الْقَطْعِ بِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هذا ففى الامالي للسرخسي ان الضمان يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّ الْمَالَ حَصَلَ عِنْدَهُ بِرِضَى صَاحِبِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ فِي مَالٍ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى السَّيِّدِ فلو سلمه الي السيد وبقيت بقية فَعَجَّزَهُ السَّيِّدُ بِهَا وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهَكَذَا حَكَاهُمَا الْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَوْلَيْنِ وذكر أن ابا اسحق الْمَرْوَزِيَّ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ (أَصَحَّهُمَا) أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَرْجِعُ فِيهِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ وَيَكُونُ فَرْضُ الزَّكَاةِ بَاقِيًا عَلَى الدَّافِعِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ وَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الدَّافِعِ وَلَوْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْمِلْكَ فِي الْمَقْبُوضِ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى السَّيِّدِ إذَا قُلْنَا بِالرُّجُوعِ * وَلَوْ سَلَّمَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ إلَى السَّيِّدِ وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ السَّيِّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِلْمَقْبُوضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ وَاسْتَمَرَّ فِي الْكِتَابِ وَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَ عَنْ الدَّافِعِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم *

وَلَوْ قَبَضَ السَّيِّدُ الدَّيْنَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَعَتَقَ وَالْغَرِيمُ مِنْ الْمَدِينِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ هِبَةً لَمْ يَرْجِعْ الدَّافِعُ عَلَيْهِمَا بَلْ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ مَلَكَهُ هَذَا بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ الْكِتَابَةِ مَعَ إمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ فَهَلْ يُقْبَلُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُقْبَلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَصَحَّحَ في الترير عَدَمَ الْقَبُولِ وَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ الْآخَرُ مِنْ احْتِمَالِ المواطأة فضعيف لان هذا الدفع يكون مراعا فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ الْمَالَ مِنْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الِاسْتِفَاضَةُ وَضَبَطَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ضَبْطًا حَسَنًا فَنَذْكُرُ كَلَامَهُ مُخْتَصَرًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ قَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ مُفَرَّقًا قَالَ: قَالَ الْأَصْحَابُ مَنْ سَأَلَ الزَّكَاةَ وَعَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ جَازَ الصرف إليه بلا خلاف ولم بخرجوه عَلَى الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ مَعَ أن للتهمة ههنا مجال أَيْضًا (قُلْتُ) الْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَلَيْسَ هُنَا إضْرَارٌ بِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ فَالصِّفَاتُ قِسْمَانِ خَفِيَّةٌ وَجَلِيَّةٌ فَالْخَفِيُّ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ فَلَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهِمَا بِبَيِّنَةٍ لِعُسْرِهَا فَلَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى هَلَاكَهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ولو ادعي عيالا فلابد مِنْ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْجَلِيُّ فَضَرْبَانِ (أحدهما) يتعلق الاستحقاق فِيهِ بِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَلِكَ فِي الْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ فَيُعْطَيَانِ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ ثُمَّ إنْ لَمْ يُحَقِّقَا مَا ادَّعَيَا وَلَمْ يُخْرِجَا اُسْتُرِدَّ مِنْهُمَا مَا أَخَذَا وَإِلَى مَتَى يُحْتَمَلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ وَأَنْ يُعْتَبَرَ تَرْصُدُهُ لِلْخُرُوجِ وَكَوْنُ التأخير لانتظار أو للتأهب بأهب السفر ونحوهما (الضرب الثاني) يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الْحَالِ وَهَذَا الضَّرْبُ يَشْتَرِكُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ فَالْعَامِلُ إذَا ادَّعَى الْعَمَلَ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا السَّيِّدُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكَفِّي وَيُعْطِيَانِ (وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ) فَإِنْ قَالَ نِيَّتِي ضَعِيفَةٌ فِي الْإِسْلَامِ قُبِلَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيفٌ مُطَاعٌ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاشْتِهَارُ الْحَالِ بَيْنَ النَّاسِ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ قَالَ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الْحَالِ وَاحِدٌ

يُعْتَمَدُ كَفَى (الثَّانِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَأَيْتُ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِ مُدَّعِي الْغُرْمِ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ هَلْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ (الثَّالِثُ) حكى بعض المأخرين أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ سَمَاعُ الْقَاضِي وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالِاسْتِشْهَادُ بَلْ الْمُرَادُ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ عَلَى صِفَاتِ الشُّهُودِ قَالَ ثُمَّ إنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ إلْحَاقَ الِاسْتِفَاضَةِ بِالْبَيِّنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ تَعْمِيمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ يُطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ الْأَصْنَافِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ وَتَحْصِيلِ الْوَفَاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَارِمُ فِي هَذَا كَالْمُكَاتَبِ * (فَرْعٌ) قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزكاة قال الدارمي فكذلك الغارم وقال الرَّافِعِيُّ نَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ لَهُ إنْفَاقَهُ وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغَارِمُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي إنْفَاقِهِ مُخَاطَرَةً بِمَالِ الزَّكَاةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُكَاتَبُ مَا أَدَّى بِهِ النُّجُومَ وَعَتَقَ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ لَكِنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَيُعْطَى الْأَلْفَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ لَا مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى سَيِّدِهِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى السَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ فَلَوْ صُرِفَ إلَى السَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يُجْزِئْ الدَّافِعُ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ البغوي وغيره

لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِهِ قَدْرُ الْمَصْرُوفِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَحْوَطُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ فِي صَرْفِهِ فِي الْكِتَابَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَدْفَعُهُ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ النَّجْمَ الْأَخِيرَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِهِ فَالدَّفْعُ إلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَالدَّفْعُ إلَى الْمُكَاتَبِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُنَمِّيهِ بِالتِّجَارَةِ فِيهِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْعِتْقِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعَ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجُوزُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ الْقِنِّ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ كَافِرًا وَسَيِّدُهُ مُسْلِمًا لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُسْلِمًا وَالسَّيِّدُ كَافِرًا جَازَ الدَّفْعُ إلَى الْمُكَاتَبِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُكْتَسِبًا فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُكْتَسِبِ فَيُعْطَى حَيْثُ يُعْطَى غَيْرُهُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ لَا يُعْطَى إذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ يُؤَدِّي مِنْهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَصَارَ حَامِلًا مَالًا عتيدا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي * (وسهم للغارمين وهم ضربان ضرب غرم لاصلاح ذات البين وضرب غرم لمصلحة نفسه (فأما) الاول فضربان (أحدهما) من تحمل دية مقتول فيعطى مع الفقر والغنى لقوله صلي الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغازى في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق علي المسكين فأهدى المسكين إليه " (والثانى) من حمل مالا في غير

قتل لتسكين فتنة ففيه وجهان (احدهما) يعطى مع الغنى لانه غرم لاصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول (والثانى) لا يعطي مع الغني لانه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمن ثمنا في بيع: وأما من غرم لمصلحة نفسه فان كان قد أنفق في غير معصية دفع إليه مع الفقر وهل يعطى مع الغنى فيه قولان: قال في الام لا يعطى لانه يأخذ لحاجته الينا فلم يعط مع الغني كغير الغارم: وقال في القديم والصدقات من الام يعطى لانه غارم في غير معصية فأشبه إذا غرم لاصلاح ذات البين فان غرم في معصية لم يعط مع الغنى وهل يعطي مع الفقر ينظر فيه فان كان مقيما علي المعصية لم يعط لانه يستعين به علي المعصية وإن تاب ففيه وجهان (أحدهما) يعطي لان المعصية قد زالت (والثانى) لا يعطى لانه لا يؤمن أن يرجع الي المعصية ولا يعطى الغارم الا ما يقعضي به الدين فان أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضي عنه قبل تسليم المال استرجع منه وان ادعى انه غارم لم يقبل الا ببينة فان صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقه المولى) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَنْ عَطَّاءِ ابن يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالثَّانِي) عَنْ عَطَّاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَفِيهَا أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ عُيَيْنَةَ أَرْسَلَاهُ وَأَنَّ مَعْمَرًا وَالثَّوْرِيَّ وَصَلَاهُ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْحُفَّاظِ الْمُعْتَمَدِينَ وَقَدْ تَقَرَّرَتْ الْقَاعِدَةُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا كَانَ الْحُكْمُ لِلِاتِّصَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (إمَّا) حَدِيثٌ مُسْنَدٌ (وَإِمَّا) مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (وَإِمَّا) قَوْلُ صَحَابِيٍّ (وَإِمَّا) قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِيهِ أَكْثَرُ فَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) الْغَارِمُ فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ وَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْغُرْمِ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى (إن عذابها كان غراما) وَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَرِيمًا لِمُلَازَمَتِهِ صَاحِبَهُ (وقوله) لاصلاح ذات البين قال الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ لِإِصْلَاحِ حَالَةِ الْوَصْلِ بَعْدَ الْمُبَايَنَةِ قَالَ وَالْبَيْنُ يَكُونُ فُرْقَةً وَيَكُونُ وَصْلًا وَهُوَ هُنَا وَصْلٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (لَقَدْ تقطع بينكم) أَيْ وَصْلُكُمْ وَقَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْنِ أَيْ أَصْلِحْ الْحَالَ الَّتِي بِهَا تَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْغَارِمُونَ ضَرْبَانِ (الضَّرْبُ) الْأَوَّلُ مَنْ غَرِمَ الاصلاح ذَاتِ الْبَيْنِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَدِينَ مَالًا وَيَصْرِفَهُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ طَائِفَتَيْنِ أَوْ شَخْصَيْنِ فَيَسْتَدِينُ مَالًا وَيَصْرِفُهُ فِي تَسْكِينِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ

فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَمٍ تَنَازَعَ فِيهِ قَبِيلَتَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَاتِلُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ فَهَذَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَلَا فرق بين غناه بالنقد والعقار وغيرهما * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ كَانَ فَقِيرًا دُفِعَ إلَيْهِ وَكَذَا إنْ كَانَ غَنِيًّا بِالْعَقَارِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يُعْطَى (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ الْفَقْرِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِالْعُرُوضِ غَيْرِ الْعَقَارِ فَهُوَ كَالْغَنِيِّ بِالْعَقَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ كَالنَّقْدِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَإِنْ اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فِي غَيْرِ دَمٍ بِأَنْ تَحَمَّلَ قِيمَةَ مَالٍ مُتْلَفٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابِ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهُ غارم لاصلاح ذات البين فاشبه الدم (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ الْفَقْرِ لِأَنَّهُ غُرْمٌ فِي غَيْرِ قَتْلٍ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِنَفْسِهِ وقاسه المصنف علي مالو ضمن مالا وهذا فيه تقصيل طَوِيلٌ سَأَذْكُرُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْغَارِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا. إنَّمَا يُعْطَى الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مادام الدين باق عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمَنْ اسْتَدَانَهُ مِنْهُ ودفعه في الاصلاح أو كان تَحَمَّلَ الدِّيَةَ مَثَلًا لِأَهْلِ الْقَتِيلِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا بَعْدُ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَا يُؤَدِّيهِ فِي دَيْنِهِ أَوْ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ فَلَوْ كَانَ قَضَاهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَدَّاهُ ابْتِدَاءً مِنْ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَارِمٍ إذا لا شئ عَلَيْهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَنْ غَرِمَ لِصَلَاحِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَإِنْ اسْتَدَانَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ سَهْوًا فَهَذَا يُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا قَادِرًا بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ عَلَى مَا يَقْضِي بِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالصَّدَقَاتِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهُ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِذَاتِ الْبَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْطَى كَمَا لَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ وَابْنُ السَّبِيلِ مَعَ الْغِنَى بِخِلَافِ الغارم لذات

الْبَيْنِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ عَامَّةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ مَا يَقْضِي بِهِ بَعْضَ الدَّيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ الْبَاقِيَ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا وَقَدَرَ عَلَى قَضَائِهِ بالا كتساب فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُعْطَى كَالْفَقِيرِ (وَالصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ حَاجَتَهُ بِالْكَسْبِ فِي الْحَالِ وَمَا مَعْنَى الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَقْتَضِي كَوْنَهُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَسْكَنُ وَالْمَلْبَسُ وَالْفِرَاشُ وَالْآنِيَةُ وَكَذَا الْخَادِمُ وَالْمَرْكُوبُ إنْ اقْتَضَاهُمَا حَالُهُ بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ وان ملكها قال وقال بعض المتأخرين ولا يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ هُنَا بَلْ لَوْ مَلَكَ قدر كفايته وَكَانَ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ لَنَقَصَ مَالُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ تُرِكَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الْبَاقِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَقْرَبُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَكُونُ دَيْنُهُ لِطَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَكَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُعْطَ قَبْلَ التَّوْبَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لان فِي إعْطَائِهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَ فَهَلْ يُعْطَى فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ صَاحِبَيْ الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ لَا يُعْطَى وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ فِي إعْطَائِهِ إعَانَةً لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يُعْطَى وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقَنَّعِ وَأَبُو خَلَفٍ السُّلَمِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى (والغارمين) وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ هُنَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ يَظْهَرُ فِيهَا صَلَاحُ الْحَالِ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ يُعْطَى عَلَى أَصَحِّ الوجهين إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ والظاهر ماقاله الرُّويَانِيُّ إنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ أُعْطِيَ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِي إعْطَائِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يُعْطَى وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ الْآنَ (وَالثَّانِي) يُعْطَى لِأَنَّهُ يُسَمَّى غَارِمًا (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ يَحِلُّ تِلْكَ السَّنَةِ أُعْطِيَ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَاتِ تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهَانِ هُنَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ النَّجْمُ هَلْ يعطى قال وقد يرتب هَذَا الْخِلَافُ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ ثُمَّ تَارَةً يُجْعَلُ الْغَارِمُ أَوْلَى بِأَنْ يُعْطَى لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ

الْمُكَاتَبِ وَتَارَةً يُجْعَلُ الْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِأَنْ يُعْطَى لِأَنَّ لَهُ التَّعْجِيلَ لِغَرَضِ الْحُرِّيَّةِ (قُلْتُ) وَجَمَعَ الدَّارِمِيُّ مَسْأَلَتَيْ الْمُؤَجَّلِ فِي الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَذَكَرَ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُعْطَيَانِ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) يُعْطَى الْمُكَاتَبُ لَا الْغَارِمُ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ قال اصحابنا انما يعطي الغارم مادام الدين عليه فان وفاه أو ابرئ مِنْهُ لَمْ يُعْطَ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَى قَدْرَ حَاجَتِهِ فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا فَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ مِنْهُ بَلْ أُبْرِئَ مِنْهُ أَوْ قُضِيَ عَنْهُ أَوْ قَضَاهُ هُوَ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بل من غَيْرِهِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ الدَّيْنُ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ وَلَوْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ فَقَضَى الدَّيْنَ بِبَعْضِهِ فَفِي الْبَاقِي الطَّرِيقَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ تَحَمَّلَ دِيَةَ قَتِيلٍ فَأَعْطَيْنَاهُ فَبَانَ الْقَاتِلُ وَضَمِنَ الدِّيَةَ اُسْتُرِدَّ مِنْ الْغَارِمِ الْقَابِضِ مَا أَخَذَ وصرف إلي غارم آخر فان كان سَلَّمَهَا إلَى مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ وَلَا يُطَالَبُ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِالدَّفْعِ قَالَ فَإِنْ تَطَّوَّعَ بِأَدَائِهَا أُخِذَتْ وَجُعِلَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ لِيَدْفَعَ إلَى أولياء القتيل فأبرؤا النَّاسَ قَبْلَ قَبْضِهِمْ مِنْهُ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ * (فَرْعٌ) إذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَارِمٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ بَيَانُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ فَفِي قَبُولِهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي تَصْدِيقِ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبَ فِي الْكِتَابَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُ تَصْدِيقِ السَّيِّدِ وَالْغَرِيمِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا ضَمِنَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مَالًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ فَيُعْطَى الضَّامِنُ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرْعُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الضَّامِنُ وَقَضَى بِالْمَأْخُوذِ الدَّيْنَ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَاحْتَاجَ الْإِمَامَ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَانِيًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا أَعْطَيْنَاهُ فَقَضَى بِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنَ إذَا قَضَى مِنْ عِنْدِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ فَلَا يُعْطَى الضَّامِنُ لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فلا يضيع عليه شئ هَذَا إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ فَإِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ يُعْطَى فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أُعْطِيَ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُعْسِرًا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُعْطَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ

(أَصَحُّهُمَا) يُعْطَى (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُوسِرًا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَفِي الضَّامِنِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُعْطَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُعْطَى لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَإِذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِخِلَافِ الْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ صَرْفُ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَوْ صُرِفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِئْ الدَّافِعُ عَنْ زَكَاتِهِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ لِيَتَحَقَّقَ وُقُوعُهُ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُكَاتَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا إذَا كَانَ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَأَرَادَ الْمَدِينُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ لِيَبْلُغَ قَدْرَ الدَّيْنِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ سَهْمِ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ لِيَبْلُغَ قَدْرَ الدَّيْنِ بِالتَّنْمِيَةِ وَهَلْ يَجُوزُ إنْفَاقُهُ وَيَقْضِي مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ * (فَرْعٌ) حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ دِيَةَ قَتِيلٍ عَنْ قَاتِلٍ مَجْهُولٍ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَإِنْ ضَمِنَهَا عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ أُعْطِيَ مَعَ الْفَقْرِ دُونَ الْغِنَى وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا تَأْثِيرَ لِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الضَّمَانِ عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ وَجْهَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الدَّمِ بَيْنَ مَنْ لَا يُخْشَى فِتْنَتُهُمْ فتحملها فوجهان * (فَرْعٌ) ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ مَا اسْتَدَانَهُ لِعِمَارَةِ مسجد وَقِرَى الضَّيْفِ فَهُوَ كَمَا اسْتَدَانَهُ لِنَفَقَتِهِ وَمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْغِنَى بِالْعَقَارِ وَلَا يُعْطَى مَعَ الْغِنَى بِالنَّقْدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ غَارِمٌ وَأَخَذَ الزَّكَاةَ فَبَانَ كَذِبُ الشُّهُودِ فَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ أَخَذَ الزَّكَاةَ بِالْفَقْرِ فَبَانَ غَنِيًّا الْأَصَحُّ لَا تُجْزِئُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى مُعْسِرٍ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ زَكَاتِهِ وَقَالَ لَهُ جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّتِهِ فلا يبرأ الا باقباضها (والثاني) تجزئه وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَّاءٍ لِأَنَّهُ

لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ جَازَ فَكَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ له عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَدِيعَةً وَدَفَعَهَا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَمْ لَا (أَمَّا) إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ الشَّرْطِ فِي الْمَهْرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ هُنَا وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ نَوَيَا ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرِطَاهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ الزكاة وإذا رده إليه عن الدين برئ مِنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ قَالَ الْمَدِينُ ادْفَعْ إلَيَّ عَنْ زَكَاتِكَ حَتَّى أَقْضِيَكَ دَيْنَكَ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَمَلَكَهُ الْقَابِضُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمَدِينِ اقْضِ مَا عَلَيْكَ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ عَلَيْكَ عَنْ زَكَاتِي فَقَضَاهُ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا زَكَاةً وَوَاعَدَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ لِيَصْرِفَهَا الْمُزَكِّي فِي كِسْوَةِ الْمِسْكِينِ وَمَصَالِحِهِ فَفِي كَوْنِهِ قَبْضًا صَحِيحًا احْتِمَالَانِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ عَلَيْهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ حِنْطَةٌ عِنْدَ فَقِيرٍ وَدِيعَةً فَقَالَ كُلْ مِنْهَا لِنَفْسِكَ كَذَا وَنَوَى ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ فَفِي إجْزَائِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ (وَجْهُ) الْمَنْعِ أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَكِلْهُ وَكِيلُ الْفَقِيرِ لِنَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ خُذْهُ لِنَفْسِكَ وَنَوَاهُ زَكَاةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا تِرْكَةَ لَهُ هَلْ يُقْضَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ وَمَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ كَالْحَيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا مَاتَ الْغَارِمُ لَمْ يُعْطِ وَرَثَتُهُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعِنْدَنَا لَا يُدْفَعُ فِي دَيْنِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يُصْرَفُ مِنْهَا فِي كَفَنِهِ وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إلَى وَارِثِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَ أَهْلُ الرَّأْي وَمَالِكٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُقْضَى دَيْنُ الْمَيِّتِ وَكَفَنُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إذَا اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ دُفِعَ مَا يفك به تركته وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (وسهم في سبيل الله وهم الغزاة إذا نشطوا غزوا واما من كان مرتبا في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فانهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لانهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفئ ويعطى الغازى مع الفقر والغنى للخبر الذى ذكرناه في الغارم ويعطى ما يستعين به على الغزو

من نفقة الطريق وما يشترى به السلاح والفرس ان كان فارسا وما يعطي السائس وحمولة تحمله ان كان راجلا والمسافة مما تقصر فيها الصلاة فان أخذ ولم يغز استرجع منه) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ نَشِطُوا بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَالدِّيوَانُ بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْحَمُولَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ سَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُصْرَفُ إلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ بَلْ يَغْزُونَ مُتَطَوِّعِينَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى * وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مُرِيدِ الْحَجِّ وَرَوَى مِثْلَهُ عن ابن عمر رضي الله عنهما * وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ أُمِّ مَعْقِلٍ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَصَابَنَا مَرَضٌ فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ فَقَالَ يَا أُمَّ مَعْقِلٍ ما منعك أن تخرجي معنا قالت قالت لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ قَالَ ذَلِكَ حَبِيسِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي تَقْرَأُ عليك السلام ورحمة الله انها سَأَلَتْنِي الْحَجَّ مَعَكَ قَالَتْ أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ فَقُلْتُ ذَلِكَ حَبِيسِي فِي سَبِيلِ الله فقال أما انك لو حججتها عليه كان في سبيل الله وَإِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقرئها السلام ورحمة الله تعالي وبركاته واخبرها انها تعدل حجة يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي إسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) الْأَوَّلُ حَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ فِيهِ عَنْ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي الِاسْتِعْمَالِ المنبادر إلَى الْأَفْهَامِ أَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْغَزْوُ وَأَكْثَرَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ كَذَلِكَ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ فِي فَصْلِ الْغَارِمِينَ " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ " فَذَكَرَ مِنْهُمْ الْغَازِي وَلَيْسَ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مَنْ يُعْطَى بِاسْمِ الْغُزَاةِ إلَّا الَّذِينَ نُعْطِيهِمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا (فَالْأَوَّلُ) ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّانِي أَنَّ

الْحَجَّ يُسَمَّى سَبِيلَ اللَّهِ وَلَكِنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ علي الغزو لما ذكرناه والله تعالي اعلم * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْغُزَاةُ الْمُرَتَّبُونَ فِي دِيوَانِ السُّلْطَانِ وَلَهُمْ فِيهِ حَقٌّ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ بِسَبَبِ الْغَزْوِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَصْفٌ آخَرُ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ أُعْطُوا بِهِ بِأَنْ يَكُونَ غَارِمًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ الْمُرَتَّبِينَ فِي الدِّيوَانِ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَوَاتِ الْمُتَطَوِّعِينَ بِالْغَزْوِ وَيَتْرُكَ سَهْمَهُ مِنْ الدِّيوَانِ جُعِلَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَصِيرَ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ جُعِلَ مِنْهُمْ فَيُعْطَى من الفئ وَلَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا حق لاهل الصدقات في الفئ ولا لاهل الفئ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَنْ يَكْفِيهِمْ شَرَّ الْكُفَّارِ وَلَا مَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمُرْتَزِقَةِ مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران في طريقة خراسان (أصهحما) لا يعطون كما لا يصرف الفئ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ (وَالثَّانِي) يُعْطَوْنَ لِأَنَّهُمْ غُزَاةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُعْطَى الْغَازِي مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْغَزْوِ فَيُعْطَى نَفَقَتَهُ وَكِسْوَتَهُ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَالْمَقَامِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَ وَهَلْ يُعْطَى جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ أَمْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَمِيعُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَيَجْرِيَانِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ وَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ الْفَرَسَ إنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا وَمَا يَشْتَرِي بِهِ السِّلَاحَ وَآلَاتِ الْقِتَالِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلْغَازِي وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ لَهُ الْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ رَاجِلًا لَمْ يُعْطَ لِلْفَرَسِ شَيْئًا وَيُعْطَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَيَرْكَبُهُ فِي الطَّرِيقِ إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ كَانَ السَّفَرُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ إلَى الْغَازِي ثَمَنَ الْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَاتِ ثُمَّ الْغَازِي يَشْتَرِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ اسْتَأْذَنَهُ الْإِمَامُ فِي شِرَاهَا لَهُ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَأَذِنَ جَازَ فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْغَازِي بِغَيْرِ إذْنِهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَسْلِيمُ مَالِ الزَّكَاةِ إلَى الْغَازِي أَوْ إذْنِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ وَالْآلَاتِ إلَى الْغَازِي أَوْ ثَمَنَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لَهُ فَيَمْلِكُهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْرَاسًا وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَجَعَلَهَا وَقْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعْطِيهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّونَهُ إذَا انْقَضَتْ حَاجَتُهُمْ وَتَخْتَلِفُ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ بِحَسْبِ

قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ (وَأَمَّا) نَفَقَةُ عِيَالِ الْغَازِي فَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ يُعْطَى نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَمَقَامًا وَرُجُوعًا قَالَ وَسَكَتَ الْمُعْظَمُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِيَالِ وَلَكِنْ إعْطَاؤُهُ إيَّاهَا لَيْسَ بَعِيدًا كَمَا يَنْظُرُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ إلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ فَيَعْتَبِرُ غِنَاهُ لِعِيَالِهِ كَنَفْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يُعْطَى الْغَازِي مِنْ الزَّكَاةِ إذَا حضر وقت الخروج ليهئ بِهِ أَسْبَابَ سَفَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْغَزْوِ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ بَيَانُ كَمْ يُمْهَلُ فِي الْخُرُوجِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ امْتَنَعَ الْغَزْوَ بِسَبَبٍ آخَرَ اُسْتُرِدَّ مَا بَقِيَ مَعَهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَلَوْ غَزَا وَرَجَعَ وبقى معه شئ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْبَاقِي قَدْرًا صَالِحًا اُسْتُرِدَّ مِنْهُ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ كَانَ زَائِدًا وَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْفَاضِلُ يَسِيرًا لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَفِي مِثْلِهِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ يُسْتَرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ أَيْضًا وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى النَّصِّ وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أنا دفعنا إلَى الْغَازِي لِحَاجَتِنَا وَقَدْ فَعَلَ وَدَفَعْنَا إلَى ابْنِ السَّبِيلِ لِحَاجَتِهِ وَقَدْ زَالَتْ (أَمَّا) إذَا قتر الغازى علي نفسه وفضل شئ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُقَتِّرْ لَمْ يَفْضُلْ لَمْ يُسْتَرَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَيْهِ كِفَايَتَهُ فَلَمْ نَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا قَتَّرَ كَالْفَقِيرِ إذَا أَعْطَيْنَاهُ كِفَايَتَهُ فَقَتَّرَ وَفَضَلَ فَضْلٌ عِنْدَهُ لَا يسترجع منه والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وسهم لابن السبيل وهو المسافر أو من ينشئ السفر وهو محتاج في سفره فان كان سفره طاعة أعطي ما يبلغ به مقصده وان كان معصية لم يعط لان ذلك اعانة علي المعصية وان كان سفره في مباح ففيه وجهان (أحدهما) لا يعطى لانه غير محتاج الي هذا السفر (والثاني) يعطى لان ما جعل رفقا بالمسافر في طاعة جعل رفقا بالمسافر في مباح كالقصر والفطر) * (الشَّرْحُ) السَّبِيلُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ وَسُمِّيَ الْمُسَافِرُ ابْنَ السَّبِيلِ لِلُزُومِهِ لِلطَّرِيقِ كَلُزُومِ الْوَلَدِ وَالِدَتَهُ وَالْمَقْصِدُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى هَذَا السَّفَرِ مِمَّا يُنْكَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُبَاحَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ابْنُ السَّبِيلِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَنْ أَنْشَأَ سَفَرًا مِنْ بَلَدٍ كَانَ مُقِيمًا بِهِ سَوَاءٌ وَطَنُهُ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) غَرِيبٌ مُسَافِرٌ يُجْتَازُ بِالْبَلَدِ فَالْأَوَّلُ يُعْطَى مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا مُطْلَقًا وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَةِ بَلَدٍ يُجْتَازُ بِهِ إذَا مَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُعْطَى الْمُسَافِرُ بشرط

حَاجَتِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ فِي غَيْرِ سَفَرِهِ فَيُعْطَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ كِفَايَتُهُ فِي طَرِيقِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَمْوَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ أَوْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِ الْإِعْطَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ طَاعَةً كَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَزِيَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ دُفِعَ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كقطع الطريق ونحوه لم بدفع إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا كَطَلَبِ آبِقٍ وَتَحْصِيلِ كَسْبٍ أَوْ اسْتِيطَانٍ فِي بَلَدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) يُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَوْ سَافَرَ لِتَنَزُّهٍ أَوْ تَفَرُّجٍ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ كَالْمُبَاحِ فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى قَطْعًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْفُضُولِ وَإِذَا أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ قَطَعَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ أُعْطِيَ مِنْ حِينَئِذٍ مِنْ الزكاة لانه الآن ليس سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مَا يَكْفِيهِ إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي طَرِيقِهِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لَا يَكْفِيهِ أُعْطِيَ مَا يَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ وَيُهَيَّأُ لَهُ مَا يَرْكَبُهُ إنْ كَانَ سَفَرُهُ مِمَّا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا وَسَفَرُهُ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُعْطَ الْمَرْكُوبُ وَيُعْطَى مَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ زَادَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَصِفَةُ تَهْيِئَةِ الْمَرْكُوبِ أَنَّهُ إنْ اتَّسَعَ الْمَالُ اُشْتُرِيَ لَهُ مَرْكُوبٌ وَإِنْ ضَاقَ اُكْتُرِيَ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَمْ لَا وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يُعْطَى جَمِيعَ مؤنة سفره أَمْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَمِيعُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى كِفَايَتَهُ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ مَالٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُعْطَى لِلرُّجُوعِ فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَى عِنْدَ رُجُوعِهِ وَوَجْهًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَزْمُهُ أَنْ يَصِلَ الرُّجُوعَ بِالذَّهَابِ أُعْطِيَ لِلرُّجُوعِ وَإِنْ كَانَ عَزْمُهُ إقَامَةَ مُدَّةٍ لَمْ يُعْطَ لِلرُّجُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي إقَامَتِهِ فِي الْمَقْصِدِ فَإِنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أُعْطِيَ لَهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَلَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَسَائِرُ الرُّخَصِ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَمْ يُعْطَ لَهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا ابْنَ سَبِيلٍ وَانْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْغَازِي فَإِنَّهُ يُعْطَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَتْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَازِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَوَقُّعِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالْإِقَامَةِ اسْمُ الْغَازِي بَلْ يَتَأَكَّدُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يُعْطَى

وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا لِحَاجَةٍ يُتَوَقَّعُ تَنَجُّزُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا رجع ابن السبيل وقد فضل معه شئ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ سَوَاءٌ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُقَتِّرْ لَمْ يَفْضُلْ لَمْ يَرْجِعْ بِالْفَاضِلِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْغَازِي بَيَانُ هَذَا وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَازِي حَيْثُ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ إذَا قَتَّرَ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْغَازِي يَأْخُذُهُ عِوَضًا لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَقِيَامِهِ بِالْغَزْوِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ وَابْنُ السَّبِيلِ يَأْخُذُهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْنَا وَقَدْ زَالَتْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْمَرْكُوبُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وحكى الرافعي وجها أنه لا يُسْتَرَدُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ الْغَزْوَ صُدِّقَ وَأُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا في فصل المكاتب وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يَقَعُ عَلَى مُنْشِئِ السَّفَرِ وَالْمُجْتَازِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُعْطَى الْمُنْشِئُ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُجْتَازِ * (فَرْعٌ) لَوْ وَجَدَ ابْنُ السَّبِيلِ مَنْ يُقْرِضُهُ كِفَايَتَهُ وَلَهُ فِي بَلَدِهِ وِفَادَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقْتَرَضَ مِنْهُ بَلْ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ في كتابه التجريد * * قال المصنف رحمه الله * (ويجب أن يسوى بين الاصناف في السهام ولا يفضل صنفا علي صنف لان الله تعالى سوى بينهم والمستحب أن يعم كل صنف إن أمكن وأقل ما يجزئ أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف لان الله تعالى أضاف إليهم بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة فان دفع الي اثنين ضمن نصيب الثالث وفى قدر الضمان قولان (أحدهما) القدر المستحب وهو الثلث (والثاني) أقل جزء من السهم لان هذا القدر هو الواجب فلا يلزمه ضمان ما زاد) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ فَإِنْ وُجِدَتْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ وَجَبَ لِكُلِّ صنف ثمن وان وجد مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَجَبَ لِكُلِّ صِنْفٍ خَمْسٌ وَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ صِنْفٍ عَلَى صِنْفٍ بِلَا خِلَافٍ عندنا سواء اتفقت حاجاتهم وعددهم أم لا ولا يستثنى من هَذَا إلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّ حَقَّهُ مُقَدَّرٌ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فَإِنْ زَادَ سَهْمُهُ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِلَّا الْمُؤَلَّفَةُ فَفِي قَوْلٍ يَسْقُطُ نَصِيبُهُمْ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَهُمْ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ حَاجَاتُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرَّقَ بينهم علي قدر حاجاتهم فَإِنْ اسْتَوَتْ سَوَّى وَإِنْ تَفَاضَلَتْ فَاضَلَ بِحَسْبِ الحاجة استحبابا وفرق الْأَصْحَابُ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ حَيْثُ وَجَبَتْ وَآحَادُ الصِّنْفِ حَيْثُ اُسْتُحِبَّتْ بِأَنَّ الْأَصْنَافَ مَحْصُورُونَ فيمكن التسوية

بِلَا مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ آحَادِ الصِّنْفِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ محصورين فانه يجب تعميمهم والتسوية بَيْنَهُمْ وَهُنَا فِي الزَّكَاةِ لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَقِيرٌ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وههنا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقُّونَ لَا تَسْقُطُ بَلْ يَجِبُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا قَسَّمَ الْمَالِكُ فَأَمَّا إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ فلا يجوز له التفنيل عِنْدَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَعْمِيمَ جَمِيعِ آحَادِ الصِّنْفِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ وَالْمَالِكُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيمُ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ (الثَّالِثَةُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أنه يستحب تعميم كل صنف ان أَمْكَنَ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَثِيرُونَ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ اسْتِيعَابُ آحَادِ الصِّنْفِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ بِزَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ جَمِيعَ الْآحَادِ وَلَكِنْ يَسْتَوْعِبُهُمْ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ وَلَهُ صَرْفُ زَكَاةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنْ قَسَّمَ الْمَالِكُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِيعَابُ فَلَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ إنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ نَقْلَ الزَّكَاةِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اُسْتُحِبَّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الاستيعاب وان قسم المالك ففيه كلاما الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ بِوُجُوبِ الاستيعاب إن قسم الامام وكذان قَسَّمَ الْمَالِكُ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَيَنْزِلُ إطْلَاقُ الْبَاقِينَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَحَيْثُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ وَالْغُرَبَاءِ الْمَوْجُودِينَ حَالَ التَّفْرِقَةِ وَلَكِنْ الْمُسْتَوْطِنُونَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْعَامِلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِلَا خِلَافٍ وَعَجَبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَسْتَثْنِهِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا خلاف في اشتراطه ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْبَاقِينَ إلَّا ابْنَ السَّبِيلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثَلَاثَةٌ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَاحِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْجَمْعِ بِخِلَافِ بَاقِي الْأَصْنَافِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ وَحَكَاهُ آخَرُونَ بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا غَيْرَ الماسرجسى قال قال أبو اسحق

وَابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ مُوَحَّدًا فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ كَبَاقِي الْأَصْنَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَبْعُدُ طَرْدُ الْوَجْهِ فِي الْغُزَاةِ لِقَوْلِ الله سبحانه وتعالي (وفى سبيل الله) بِغَيْرِ جَمْعٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صُرِفَ جَمِيعُ نَصِيبِ الصِّنْفِ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ وُجُودِ ثَالِثٍ غُرِمَ لِثَالِثٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِي قَدْرِ الْغُرْمِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) أَقَلُّ جُزْءٍ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) الثُّلُثُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بِاجْتِهَادِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِيَانَتُهُ فَإِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَ اجْتِهَادُهُ فَلَزِمَهُ الثُّلُثُ وَلَوْ صُرِفَ جَمِيعُ نَصِيبِ الصِّنْفِ إلَى وَاحِدٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمَا وَعَلَى الثَّانِي الثُّلُثَانِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا قُلْنَا يَضْمَنُ الثُّلُثَ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ فَلَوْ كَانَتْ حَاجَةُ الثَّالِثِ حِينَ اسْتَحَقُّوا التَّفْرِقَةَ مِثْلَ حَاجَةِ الْآخَرِينَ جَمِيعًا ضَمِنَ لَهُ نِصْفَ السهم ليكون معه مثلهما لانه يستحب التفرقة علي قدر حوائجهم (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مُتَعَيِّنِينَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ثَلَاثَةٍ مِنْ صِنْفٍ أُعْطِيَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَهَلْ يُصْرَفُ بَاقِي السَّهْمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا أَمْ يُنْقَلُ إلَى بلد آخر قال المتولي هو كما لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فِي بَلَدٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيِّ وَنَقَلَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ إذَا أَكَلَهَا كُلَّهَا كَمْ يَضْمَنُ وَفِي الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ كَمْ يَضْمَنُ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ اجْتَمَعَ في شخص واحد سببان فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لا يعطي بالسببين بل يقال له اختر أيهما شئت فنعطيك به (ومنهم) من قال ان كانا سببين متجانسين مثل أن يستحق كل واحد منهما لحاجته الينا كالفقير الغارم لمصلحة نفسه أو يستحق بكل واحد منهما لحاجتنا إليه كالغازي الغارم لاصلاح ذات البين لم يعط الا بسبب واحد وان كانا سببين مختلفين وهو أن يكون بأحدهما يستحق لحاجتنا إليه وبالآخر يستحق لحاجته الينا أعطى بالسببين كما قلنا في الميراث إذا اجتمع في شخص واحد جهتا فرض لم يعط بهما وان اجتمع فيه جهة فرض وجهة تعصيب أعطي بهما (ومنهم) من قال فيه قولان (أحدهما) يعطى بالسببين لان الله تعالي جعل للفقير سهما وللغارم سهما

وهذا فقير وغارم (والثاني) يعطي بسبب واحد لانه شخص واحد فلا يأخذ سهمين كما لو تفرد بمعني واحد) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ مَشْهُورَةٌ (وَأَصَحُّهَا) طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ صَحَّحَهَا أَصْحَابُنَا وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ سُلَيْمُ الرَّازِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ طَرِيقًا رَابِعًا أَنَّهُ يُعْطَى بِهِمَا إلَّا بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الطَّرِيقُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ تَكَلَّمُوا فِي الْمُمْكِنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَوَّزْنَا إعْطَاءَهُ بِسَبَبَيْنِ جَازَ بِأَسْبَابٍ أَيْضًا قَالَ وَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْطَى إلَّا بِسَبَبَيْنِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْطَى بِسَبَبَيْنِ بِأَنْ كَانَ عَامِلًا فَقِيرًا فَوَجْهَانِ مبنيان على الوجهين فيما يأخذه الْعَامِلُ هَلْ هُوَ أُجْرَةٌ أَمْ زَكَاةٌ إنْ قُلْنَا أُجْرَةٌ أُعْطِيَ بِهِمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشيح نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ إذَا قُلْنَا لَا يُعْطَى إلَّا بسبب واحد فأخذ بالفقر كان لِغَرِيمِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِدَيْنِهِ وَيَأْخُذُ مَا حَصَلَ لَهُ وَكَذَا إنْ أَخَذَ بِكَوْنِهِ غَارِمًا فَإِذَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ فَقِيرًا وَجَبَ إعْطَاؤُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فُقِدَ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فَلَمْ يُوجَدُوا فِي الْبَلَدِ وَلَا غَيْرِهِ قُسِّمَتْ الزكاة بكمالها عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ بَاقِي الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ وَعَجِيبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ تَرَكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ ذِكْرِهِ لَهَا فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ الْمَرْدُودَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ لا للموصى له الآخر ان الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَإِذَا لَمْ تَتِمُّ أَخَذَ الْوَرَثَةُ الْمَالَ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فَدَيْنٌ لَزِمَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِفَقْدِ الْمُسْتَحِقِّ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْنَافِ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يَصْبِرْ حَتَّى يَجِدَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَإِنَّهَا ترجع الي الورثة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ سهم العامل لانه لا عمل له فيقسم الصدقة علي سبعة لكل صنف سهم علي ما بيناه فان كَانَ فِي الْأَصْنَافِ أَقَارِبُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ نفقتهم فالمستحب أن يخص الاقرب لما روت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الصدقة علي المسكين صدقة وهى علي ذى القرابة صدقة وصلة ") *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ " وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ باسنادهما عن سلمان ابن عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالشُّجْنَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَرَابَةَ الْإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَهُمَا وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ جَمَعْتُ مُعْظَمَهَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ إنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ سَهْمُ الْعَامِلِ هُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَبَقَ مِثْلُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي الْأَصْنَافِ أَقَارِبُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَخُصَّ الْأَقْرَبَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَفِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ صَرْفُهَا إلَى الْأَقَارِبِ إذا كانو بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَانِبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَيُقَدِّمُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِهَؤُلَاءِ لِحَدِيثِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِ " رَوَاهُ ومسلم ثُمَّ بِذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَأَوْلَادِ الْخَالِ ثُمَّ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَةِ ثم المولى من أعلي وأسفل ثم الجارفان كَانَ الْقَرِيبُ بَعِيدَ الدَّارِ فِي الْبَلَدِ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْأَقَارِبُ خَارِجِينَ عَنْ الْبَلَدِ فَإِنْ مَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ قُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ وَإِلَّا فَالْقَرِيبُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَحَيْثُ كَانَ الْقَرِيبُ وَالْجَارُ الْأَجْنَبِيُّ بِحَيْثُ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمَا قُدِّمَ الْقَرِيبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي * (ويجب صرف الزكاة الي الاصناف في البلد الذى فيه المال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معاذا إلى اليمن فقال صلي الله عليه وسلم " أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وترد علي فقرائهم " فان نقل إلى الاصناف في بلد آخر ففيه قولان (أحدهما) يجزئه لانهم من أهل الصدقات فاشبه أصناف البلد الذى فيه المال (والثاني) لا يجزئه لانه حق واجب لاصناف بلد فإذا

نقل عنهم الي غيرهم لا يجزئه كالوصية بالمال لاصناف بلد ومن أصحابنا من قال القولان في جواز النقل ففى أحدهما يجوز والثانى لا يجوز (فاما) إذا نقل فانه يجزئ قولا واحدا والاول هو الصحيح فان كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد آخر قال الشافعي رضي الله عنه إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه فمن أصحابنا من قال انما أجاز ذلك علي القول الذى يجوز نقل الصدقة فاما على القول الآخر فلا يجوز حتى يخرج في كل بلد نصف شاة ومنهم من قال يجزئه ذلك قولا واحدا لان في اخراج نصف شاة في كل بلد ضررا في التشريك بينه وبين الفقراء والصحيح هو الاول لانه قال كرهت وأجزأه فدل علي انه على احد القولين ولو كان قولا واحدا لم يقل كرهت وفى الموضع الذى ينقل إليه طريقان (من) أصحابنا من قال القولان فيه إذا نقل الي مسافة تقصر فيها الصلاة (فاما) إذا نقل الي مسافة لا تقصر فيها الصلاة فانه يجوز قولا واحدا لان ذلك في حكم البلد بدليل انه لا يجوز فيه القصر والمسح (ومنهم) من قال القولان في الجميع وهو الاظهر) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (وقوله) لا يجرز فيه الفصر وَالْفِطْرُ وَالْمَسْحُ يَعْنِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي آخِرِ الْحَضَانَةِ وَفِي تَغْرِيبِ الزَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَظِنَّتِهِ وَهُمَا بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَبَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ الزَّكَاةَ فِي بَلَدِ الْمَالِ فَلَوْ نَقَلَهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثلاث طرف (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ النَّقْلِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَرَّمُ (وَالثَّانِي) لَا يُحَرَّمُ ولا خلاف انه يجزىء وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُمَا فِي الْجَوَازِ وَالْإِجْزَاءِ مَعًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَيُجْزِئُهُ وَتَعْلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَطَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَبِالْإِجْزَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْلِ إلَى مسافة القصر ودونها كما صححه المصنف كذا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْخِلَافِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) لَا يُجْزِئُ النَّقْلُ مُطْلَقًا وَلَا يجوز (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ وَيَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يُجْزِئُ وَلَا يَجُوزُ (والرابع) يجزئ ويجوز لدون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز إليها وإذا منعنا النقل ولم نعتبر مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَسَوَاءٌ

نُقِلَ إلَى قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ أَمْ بَعِيدَةٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فِي مَوْضِعِهَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي النَّقْلِ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الطَّرِيقَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ أَصْحَابِ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا يَرْتَحِلُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا يَرْتَحِلُونَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى مَنْ بينه وبينه مالا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ إذَا كَانَ فِي سَوَادِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَأَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِيهِ قال (فاما) إذا كان بلدين بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَلَا يُنْقَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُضَافُ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُنْسَبُ هَذَا كلام الشَّامِلِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ فِي ظَاهِرِهِ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا فِي نَقْلِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ فيه ونقل وصية من أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ بَلَدًا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ كَالزَّكَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لان الاطماع لا تمتد إليها امْتِدَادِهَا إلَى الزَّكَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ * (فَرْعٌ) حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ أَوْ وَجَبَ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ فِيمَا إذَا وَجَبَ النَّقْلُ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَجِبْ وَنَقَلَهُ رَبُّ الْمَالِ فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ أَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَرُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِيهِ وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ لَهُ وَالتَّفْرِقَةِ كَيْفَ شَاءَ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قبل وسيم الْمَاشِيَةِ أَنَّ السَّاعِيَ يَنْقُلُ الصَّدَقَةَ إلَى الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي تَفْرِقَتِهَا وَهَذَا نَقْلٌ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَطْعُ بِجَوَازِ النَّقْلِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ بِبَلَدٍ وَالْمَالُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالِاعْتِبَارُ بِبَلَدِ الْمَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَيَمْتَدُّ إلَيْهِ نَظَرُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَيُصْرَفُ الْعَشْرُ إلَى الْأَصْنَافِ بِالْأَرْضِ الَّتِي حُصِلَ منها المعشر وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةُ إلَى أَصْنَافِ الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ مَالُهُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِبَادِيَةٍ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَصْنَافِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى الْمَالِ فَإِنْ كَانَ تَاجِرًا مُسَافِرًا صَرْفَهَا حَيْثُ حَالَ الحول *

(فَرْعٌ) إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ صَرَفَ زَكَاةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ بِبَلَدِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْجَمِيعَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ إذَا مَنَعْنَا النَّقْلَ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ تَشْقِيصٌ فَإِنْ وَقَعَ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً عِشْرِينَ بِبَلَدٍ وَعِشْرِينَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَأَدَّى شَاةً فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصِ ابن الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ إنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ مَنَعْنَا نَقْلَهَا وَجَبَ فِي كُلِّ بَلَدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الطَّرِيقَ بِمَا لَيْسَ بِمُرَجَّحٍ وَاسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِ الشافعي رضي الله عنه بمالا دَلَالَةَ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَرَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ مَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ أَمْ لا وعلله الاصحاب بعلتين (احداهما) أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَالًا فَيَخْرُجُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ فِي بَلَدِ مَالِهِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي التَّشْقِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِمَا مالو كَانَ لَهُ مِائَةٌ بِبَلَدٍ وَمِائَةٌ بِبَلَدٍ فَعَلَى الْأُولَى لَهُ إخْرَاجُ الشَّاتَيْنِ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ فِي كُلِّ بَلَدٍ شَاةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وجبت عليه الزكاة وهو من أهل الخيم الذين ينتجعون لطلب الماء والكلا فانه ينظر فيه فان كانوا متفرقين كان موضع الصدقة من عند المال الي حيث تقصر فيه الصلاة فإذا بلغ حدا تقصر فيه الصلاة لم يكن ذلك موضع الصدقة وان كان في حلل مجتمعة ففيه وجهان (أحدهما) انه كالقسم قبله (والثاني) ان كل حلة كالبلد) * (الشَّرْحُ) (قَوْلُهُ) الْخَيْمِ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الياء والواحدة خيمة كتمرة وتمر وبيضة وَبَيْضٌ وَيَجُوزُ خِيَمٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَبَدْرَةٍ وَبِدَرٍ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ مَحْذُوفُ الْأَلِفِ مِنْ خِيَامِ كَمَا فِي قَوْله ثعالي (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) وقرئ قيما وقالوا فيه مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحِلَلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِلَّةٍ بِكَسْرِهَا أَيْضًا وَهُمْ الْحَيُّ النَّازِلُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَرْبَابُ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمُقِيمُونَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَادِيَةِ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا فَعَلَيْهِمْ صَرْفُ زَكَاتِهِمْ إلَى مَنْ فِي مَوْضِعِهِمْ مِنْ الْأَصْنَافِ سَوَاءٌ الْمُقِيمُونَ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَوْطِنُونَ

وَالْغُرَبَاءُ الْمُجْتَازُونَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَهْلُ الْخِيَامِ الْمُتَنَقِّلُونَ وَهُمْ صِنْفَانِ (أَحَدُهُمَا) قَوْمٌ مُقِيمُونَ فِي مَوْضِعٍ من البادية لا يظعنون عنه شاء وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ فَلَهُمْ حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَيَصْرِفُونَ زَكَاتَهُمْ إلَى مَنْ فِي مَوْضِعِهِمْ فَإِنْ نَقَلُوا عَنْهُ كَانُوا كَمَنْ نَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (الصِّنْفُ الثَّانِي) أَهْلُ خِيَامٍ يَنْتَقِلُونَ لِلْجِهَةِ وَهُمْ الَّذِينَ إذَا أَخْصَبَ مَوْضِعٌ رَحَلُوا إلَيْهِ وَإِذَا أَجْدَبَ مَوْضِعٌ رَحَلُوا مِنْهُ فَيُنْظَرُ فِيهِمْ فَإِنْ كَانَتْ حِلَلُهُمْ مُتَفَرِّقَةً صَرَفُوا الزَّكَاةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَهُمْ مَنْ كَانَ من المال علي مسافة لا تقصر فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى هؤلاء قولا واحدا ولا يجئ فِيهِمْ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْلًا فَإِنْ نُقِلَتْ عَنْهُمْ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِنْ مَوْضِعِ الْمَالِ كَانَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَمِيعِ هَذَا الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كان مع أَهْلِ الْخِيَامِ قَوْمٌ مِنْ الْأَصْنَافِ يَنْتَقِلُونَ بِانْتِقَالِهِمْ وَيَنْزِلُونَ بِنُزُولِهِمْ فَالصَّرْفُ إلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَى جِيرَانِهِمْ الَّذِينَ لَا يَظْعَنُونَ بِظَعْنِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ جِوَارًا فَإِنْ صُرِفَ إلَى الْآخَرِينَ جَازَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ خِيَامُهُمْ مُتَفَرِّقَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً وَكُلُّ حِلَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ عَنْ الْأُخْرَى تَنْفَرِدُ عَنْهَا فِي الْمَاءِ وَالْمَرْعَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) انهم كالمتفرقين (وأصحهما) ان كل حلة كَقَرْيَةٍ فَعَلَى هَذَا النَّقْلِ مِنْهَا كَالنَّقْلِ مِنْ الْقَرْيَةِ (وَأَمَّا) أَهْلُ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا قَرَارَ لَهُمْ بَلْ يَطُوفُونَ الْبِلَادَ أَبَدًا فَيَصْرِفُونَهَا إلَى مَنْ مَعَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَإِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وجبت الزكاة وليس قي البلد الذى فيه المال احد من الاصناف نقلها إلى اقرب البلاد إليه لانهم اقرب الي المال فان وجد فيه بعض الاصناف ففيه طريقان (احدهما) يغلب حكم المكان فيدفع الي من في بلد المال من الاصناف (والثانى) يغلب حكم لاصناف فيدفع إلى من في بلد المال بسهمهم وينقل الباقي الي بقية الاصناف في غير بلد المال وهو الصحيح لان استحقاق الاصناف اقوى لانه ثبت بنص الكتاب واعتبار البلد ثبت بخبر الواحد فقدم من ثبت حقه بنص الكتاب فان قسم الصدقة علي الاصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم ونصيب الباقين على قدر كفايتهم دفع الي كل واحد منهم ما قسم له ولا يدفع إلي من نقص سهمه عن كفايته من نصيب الباقين شئ لان كل صنف منهم ملك سهمه فلا ينقص حقه لحاجة غيره وان كان نصيب بعضهم ينقص عن

كفايته ونصيب البعض يفضل عن كفايته فان قلنا المغلب اعتبار البلد الذى فيه المال صرف ما فضل الي بقيه الاصناف في البلد وان قلنا المغلب اعتبار الاصناف صرف الفاضل الي ذلك الصنف الذى فضل عنهم بأقرب البلاد) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عُدِمَ فِي بَلَدٍ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ وَجَبَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى مَوْضِعِ الْمَالِ فَإِنْ نُقِلَ إلَى الا بعد كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ وَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ نُقِلَ نَصِيبُ الْمَعْدُومِ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ طَرِيقَيْنِ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا بِالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِمَا يَصِيرَانِ طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ يُغَلَّبُ حُكْمُ الْأَصْنَافِ فَيُنْقَلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ يُغَلَّبُ حُكْمُ الْبَلَدِ فَيُرَدُّ عَلَى بَاقِي الاصناف في البلد لان عدم الشئ فِي مَوْضِعِهِ كَعَدَمِهِ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي موضع آخر (فان قلنا) ينقل نُقِلَ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَصُرِفَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ فَإِنْ نُقِلَ إلَى أَبْعَدَ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ وَفَرَّقَهُ عَلَى الْبَاقِينَ ضَمِنَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُنْقَلُ فَنُقِلَ ضَمِنَ وَلَوْ وُجِدَ كُلُّ الْأَصْنَافِ وَنَقَصَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْكِفَايَةِ وَزَادَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْكِفَايَةِ فَهَلْ يُصْرَفُ مَا زَادَ إلَى هَذَا الصِّنْفِ النَّاقِصِ سَهْمُهُ أَمْ يُنْقَلُ إلَى الصِّنْفِ الَّذِينَ زَادَ سَهْمُهُمْ عَنْهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُصْرَفُ إلَى النَّاقِصِينَ فَكَانُوا أَصْنَافًا قُسِّمَ بَيْنَهُمْ بالسوية ولو زادنصيب جَمِيعِ الْأَصْنَافِ عَلَى الْكِفَايَةِ أَوْ نَصِيبُ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُ الْآخَرِينَ نُقِلَ مَا زَادَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وجبت عليه زكاة الفطر وهو في بلد وماله فيه وجب اخراجها إلى الاصناف في البلد لان مصرفها مصرف سائر الزكوات وان كان ماله في بلد وهو في بلد آخر ففيه وجهان (أحدهما) أن الاعتبار بالبلد الذى فيه المال (والثاني) أن الاعتبار بالبلد الذى هو فيه لان الزكاة تتعلق بعينه فاعتبر الموضع الذى هو فيه كالمال في سائر الزكوات) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِيهِ وَجَبَ صَرْفُهَا فِيهِ فَإِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ كَانَ كَنَقْلِ بَاقِي الزَّكَوَاتِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ وان كان في بلد وماله في آخَرَ فَأَيُّهُمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) بَلَدُ الْمَالِ كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بَلَدُ رَبِّ الْمَالِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ

فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ وَهُوَ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ بَعْضُ مَالِهِ مَعَهُ فِي بَلَدٍ وَبَعْضُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله * (إذا وجبت الزكاة لقوم معينين في بلد فلم يدفع إليهم حتي مات بعضهم انتقل حقه إلى ورثته لانه تعين حقه في حال الحياة فانتقل بالموت إلى ورثته) * (الشرح) قال اصحابنا رحمهم الله تعالي لشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصَّانِ (قَالَ) فِي مَوْضِعٍ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ السَّهْمَانِ يوم القسمة إلَّا الْعَامِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْوُجُوبِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ وُجُوبِ الزكاة كان حقه لورثته سوأ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَهَذَا النَّصُّ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ فِيهِ يُعْتَبَرُ الْوُجُوبُ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ وَجَبَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فِي بَلَدٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ صِنْفٍ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَيَتَعَيَّنُ نَصِيبُ ذَلِكَ الصِّنْفِ لَهُمْ وَلَا يَتَغَيَّرُ بحدوث شى فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَجَبَ نَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَإِنْ غاب أو استغي فَحَقُّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ لَمْ يُشَارِكْهُمْ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ وَقْتُ الْقِسْمَةِ أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ بِأَنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَتَعَيَّنُ لَهُمْ وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتَغْنَى فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ شَارَكَهُمْ فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْوُجُوبِ فَقِيرًا وَقْتَ الْقِسْمَةِ أُعْطِيَ مِنْهَا * هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ حَالُ الْوُجُوبِ أَرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَوْ أَقَلُّ وَمَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَجَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَلَا يَجُوزُ دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله صلي لله عليه وسلم " نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة " ولا يجوز دفعها إلى مطلبي لقوله صلى الله عليه وسلم " ان بني هاشم وبني المطلب شئ واحد وشبك بين اصابعه " ولانه حكم واحد يتعلق بذوى القربي فاستوى فيه الهاشمي والمطلبى كاستحقاق الخمس

وقال أبو سعيد الاصطخرى إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لانهم انما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم والمذهب الاول لان الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس وفى مواليهم وجهان (أحدهما) يدفع إليهم (والثانى) لا يدفع إليهم وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ) * (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الحسن ابن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَخٍ كَخٍ ليطرحها ثم قال أما شعر ت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ " وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وإنها لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ هذا الباب في بعث الامام للسعاة (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ " أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المطلب شئ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (وَقَوْلُهُ) صلي الله عليه وسلم شئ وَاحِدٌ رُوِيَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَمْزِ آخِرِهِ وَرُوِيَ سِيٌّ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بلا همز والسى بِالْمُهْمَلَةِ الْمِثْلُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " بَعَثَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إبِلٍ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ يُبَدِّلُهَا " (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ أَجَابَ بِهِمَا الْبَيْهَقِيُّ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمِ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَضَ مِنْ الْعَبَّاسِ لِلْفُقَرَاءِ إبِلًا ثُمَّ أَوْفَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَبِهَذَا الثَّانِي أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * أَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ بَيَّنَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي فَصْلِ بَعْثِ السُّعَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ وَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ وَلَوْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَكَانَ أَجْوَدَ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالزَّكَاةُ حَرَامٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا مَا سَبَقَ فِيمَا إذا كَانَ أَحَدُهُمْ عَامِلًا وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ وَفِي مَوَالِيهمْ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ ولو منعت بنوا هاشم وبنوا الْمُطَّلِبِ حَقَّهُمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ هَلْ تَحِلُّ الزَّكَاةُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا تَحِلُّ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ مُحَمَّدُ ابن يَحْيَى صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ يُفْتِي بِهَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ إذَا انْقَطَعَ

حَقُّهُمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ من الفئ وَالْغَنِيمَةِ أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاسْتِبْدَادِهِمْ بِهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ صَرْفَ الزَّكَاةِ إلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَوَافَقَ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ * وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (ولا يجوز دفعها إلى كافر لقوله صلي الله عليه وسلم " أمرت أن آخذ الصدقة من اغنيائكم وأردها علي فقرائكم ") * (الشرح) هذا الحديث رواه البخار وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ " وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ نَقْلِ الزَّكَاةِ وغيره ولايجوز دفع شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى كَافِرٍ سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْمَالِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْ عمرو بن ميمون وعمر بن شرحبيل ومرة الهمذاني أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُعْطَوْنَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ جَوَازَ صرف الزكاة إلى الكفار * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز دفعها الي غني من سهم الفقراء لقوله صلي الله عليه وسلم " لا حظ فيها لغنى ولا قوى مكتسب " ولا يجوز دفعها الي من يقدر على كفايته بالكسب للخبر ولان غناه بالكسب كغناه بالمال) * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى غَنِيٍّ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَا إلَى قَادِرٍ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِهِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ (وَأَمَّا) الصَّرْفُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَعَ الْغِنَى فَيَجُوزُ إلَى الْعَامِلِ وَالْغَازِي وَالْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَالْمُؤَلَّفِ وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمُكَاتَبِ مَعَ الْغِنَى وَلَا ابْنِ السَّبِيلِ إنْ كَانَ غَنِيًّا هُنَا وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ وَلَا يُعْطَى الْغَارِمُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مَعَ الْغِنَى عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ فَتَمْنَعُ إعْطَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) بَاقِي الْأَصْنَافِ فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ بِلَا خِلَافٍ

لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي الْحَالِ إلَى مَا يَأْخُذُونَ بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الْغَارِمِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَالْمُكَاتَبِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا لَا يُعْطَيَانِ إذَا قَدَرَا عَلَى الْكَسْبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في فصليهما والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز دفعها الي من تلزمه نفقته من الاقارب والزوجات من سهم الفقراء لان ذلك انما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة} * {الشَّرْحُ} هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَقَدْ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَكْمَلَ بَسْطٍ وَأَنَا أَنْقُلُ فِيهَا عُيُونَ مَا ذَكَرُوهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ وَلَا وَالِدِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ نفقته من سهم الفقراء والمساكين لعلتين (احداهما) أَنَّهُ غَنِيٌّ بِنَفَقَتِهِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ يَجْلِبُ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَهُوَ مَنْعُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالْغَارِمِينَ وَالْغُزَاةِ إذَا كَانَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ ان كان ممن يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ إلَيْهِ وَهُوَ إسْقَاطُ النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السييل أَعْطَاهُ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَيُعْطِيهِ الْمَرْكُوبَ وَالْحَمُولَةَ لِأَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ وَلَا يُعْطِيهِ قَدْرَ نَفَقَةِ الْحَضَرِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يُعْطِيهِ الْحَمُولَةَ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْحَمُولَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي السَّفَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ إذَا كَانَ عَامِلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلَ شَيْئًا مِنْ زَكَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَرَادَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْإِمَامُ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَ رَبِّ الْمَالِ وَوَالِدِهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ إذَا كَانَ عَامِلًا مِنْ زَكَاةِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الذى يعطيه هو الذى يلزمه نفقته فلو اعطاه غيره فَقَدْ أَطْلَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يعطي لانه مستغن بالنفقة الواجبة عَلَى قَرِيبِهِ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الوالد فقيرا أو مسكينا وقلنا في فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الزَّوْجَةُ (فَإِنْ) أَعْطَاهَا غَيْرُ الزَّوْجِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَفِيهَا الْوَجْهَانِ كَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ (وَأَمَّا) الزَّوْجُ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ

يُعْطِيَهَا شَيْئًا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النفقة عن نفسه بل نقتها عِوَضٌ لَازِمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَمْ فَقِيرَةً كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ فَقِيرًا فَإِنَّ لَهُ صَرْفَ الزكاة إليه مع الاجرة وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعَلَيْهَا التَّفْرِيعُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا مُسْتَقْصَاةٌ فِي سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {فَإِنْ دفع الامام الزكاة الي من ظاهره الفقر ثم بان انه غني لم يجزئ ذلك عن الفرض فان كان باقيا استرجع ودفع الي فقير وان كان فانيا اخذ البدل وصرفه الي فقير فان لم يكن للمدفوع إليه مال لم يجب علي رب المال ضمانه لانه قد سقط عنه الفرض بالدفع إلى الامام ولا يجب علي الامام لانه امين غير مفرط فهو كالمال الذى تلف في يد الوكيل وان كان الذى دفع رب المال فان لم يبين عند الدفع أنه زكاة لم يكن له أن يرجع لانه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع فإذا ادعى الزكاة كان متهما فلم يقبل قوله ويخالف الامام فان الظاهر من حاله انه لا يدفع الا الزكاة فثبت له الرجوع وان كان قد بين انها زكاة رجع فيها ان كانت باقية وفي بدلها ان كانت فانية فان لم يكن للمدفوع إليه مال فهل يضمن رب المال الزكاة فيه قولان (أحدهما) لا يضمن لانه دفع بالاجتهاد فهو كالامام (والثانى) يضمن لانه كان يمكنه ان يسقط الفرض بيقين بان يدفعه إلى الامام فإذا فرق بنفسه فقد فرط فلزمه الضمان بخلاف الامام وان دفع الزكاة الي رجل ظنه مسلما فكان كافرا أو الي رجل ظنه حرا فكان عبدا فالمذهب أن حكمه حكم مالو دفع الي رجل ظنه فقيرا فكان غنيا ومن أصحابنا من قال يجب الضمان ههنا قولا واحدا لان حال الكافر والعبد لا يخفى فكان مفرطا في الدفع اليهما وحال الغنى قد يخفي فلم يكن مفرطا} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ وَدَفَعَهَا الْإِمَامُ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَبَانَ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْ الزَّكَاةِ فَيُسْتَرْجَعُ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ سَوَاءٌ بَيَّنَ الْإِمَامُ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ مِنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ تَطَوُّعًا وَلَا يَدْفَعُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ زَكَاةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ وَيَصْرِفُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ مِنْ الْقَابِضِ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فيه ثلاث طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَضْمَنُ قَطْعًا لِتَفْرِيطِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُخْفَوْنَ إلَّا بِإِهْمَالٍ

(وَالثَّالِثُ) لَا يَضْمَنُ قَطْعًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَلَوْ فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ فَبَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ بَيَّنَ رَجَعَ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ فَفِي بَدَلِهَا فَإِذَا قَبَضَهُ صَرَفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ وَالْإِخْرَاجُ ثَانِيًا عَلَى الْمَالِكِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَجِبُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يَجِبُ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ بَيَّنَ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ ام لم يبين ومنعنا الاسترجاع ولو دفعها رَبُّ الْمَالِ إلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا وَجَبَ الِاسْتِرْجَاعُ فَإِنْ اسْتَرْجَعَ أَخْرَجَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الْمَذْهَبُ) أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ سَهْمَ الْغَازِي وَالْمُؤَلَّفِ فَبَانَ امْرَأَةً فَهُوَ كَمَنْ بَانَ عَبْدًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِيمَا لَوْ بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَبْدًا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لانه وجب وَجَبَ عَلَيْهِ بِرِضَى مُسْتَحِقِّهِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ بِرِضَى مُسْتَحِقِّهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَمَنْ وَجَبَتْ عليه الزكاة وتمكن من ادائها فلم يفعل حتي مات وجب قضاء ذلك من تركته لانه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمى فان اجتمع الزكاة ودين الآدمى ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال (احدها) يقدم دين الآدمى لان مبناه علي التشديد والتأكيد وحق الله تعالى مبني علي التخفيف ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة قدم قتل القصاص (والثانى) تقدم الزكاة لقوله صلي الله عليه وسلم في الحج " فدين الله احق ان يقضي " (والثالث) يقسم بينهما لانهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء} * {الشرح} هذا الحديث في صحيحي الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الصَّوْمِ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ من الصلاة (وقوله) لزمه في حيال الْحَيَاةِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ (أَمَّا) حكم الفصل

فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا عَصَى وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ مَذْهَبٌ عَجِيبٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا طَرِيقٌ إلَى سُقُوطِهَا * وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى ودين لآدمي كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ففيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) يُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي) دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يَسْتَوِيَانِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَتِهِمَا وَحَكَى بَعْضُ الخراسانيين طريقا آخر ان الزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ تُقَدَّمُ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَسْتَرْسِلُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ وَقَدْ تَكُونُ الزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَتْلَفُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْإِمْكَانِ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَهُ تِرْكَةٌ فَالزَّكَاةُ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ * وَأَجَابُوا عَنْ حُجَّةِ مَنْ قَدَّمَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ وَقِيَاسُهُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا قدمنا حق الآمي هُنَاكَ لِانْدِرَاجِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ضِمْنِهِ وَحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ إعْدَامُ نَفْسِ الْمُرْتَدِّ وَيَدِ السَّارِقِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ يُسَمِّي مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَاشِيَةِ صَدَقَةً وَمِنْ الْمُعَشَّرَاتِ عُشْرًا وَمَنْ النَّقْدَيْنِ زَكَاةً فَقَطْ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ يُسَمَّى الْجَمِيعُ صَدَقَةً وَزَكَاةً وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سُنَنِهِ تَرْجَمَتُهُ بَابُ الْأَغْلَبِ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ فِي التَّمْرِ الْعُشْرَ وَفِي الْمَاشِيَةِ الصَّدَقَةَ وَفِي الْوَرِقِ الزَّكَاةَ قَالَ وَقَدْ سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ صَدَقَةٌ وَزَكَاةٌ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " ليس مافى دون خمس ذود صدقه ولا مافى دون خمس أواق صدقة ولا فيم دون خمسة أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُوتُ فَيَتْرُكُ غَنَمًا أَوْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْ أَعْظَمَ مَا يكون تطوه بِأَظْلَافِهَا " الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ " يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا

كَمَا تُؤَدَّى مِنْ زَكَاةِ النَّخْلِ تَمْرًا " وَهَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ زَكَاةِ الثِّمَارِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالْفَرْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ الزَّكَاةَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ زكاة ولا تكلم بشئ أَصْلًا أَجْزَأَهُ وَوَقَعَ زَكَاةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَآخَرُونَ وَهِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ تَفَارِيعِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامِهِمْ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ: إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَبَانَ غَنِيًّا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يَرْجِعْ وَاسْتَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ فِي آخِرِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ الْفَقِيرِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ شَيْئًا قَالَ وَقَالَ أَبُو علي بن أبي هريرة لابد مِنْ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ كَالْهِبَةِ وَهَذَا لَيْسَ بشئ فَنَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى فَقِيرٍ وَالدَّافِعُ غَيْرُ عَارِفٍ بِالْمَدْفُوعِ بِأَنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَعْلَمُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمِسْكِينِ فَفِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ احْتِمَالَانِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ فَكَذَا مَعْرِفَةُ الدَّافِعِ هَذَا كَلَامُهُ (وَالْأَظْهَرُ) الْإِجْزَاءُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يَسْأَلُ الْآخِذُ دَافِعَ الزَّكَاةِ عَنْ قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ مَا يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثمن بكماله حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ قَالَ وَهَذَا السُّؤَالُ وَاجِبٌ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ هَذَا إمَّا لِجَهْلٍ وَإِمَّا لِتَسَاهُلٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ احْتِمَالُ التَّحْرِيمِ (الرَّابِعَةُ) الْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ إظْهَارُ إخْرَاجِهَا لِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ وَلِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ فِي نَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ إذَا أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ سَنَتِهِ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خُصُّوا بِصَدَقَةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ في الثانية فيعطون من صدقة العامين وَمَنْ كَانَ غَازِيًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ أَوْ مؤلفا لم يخصوا بشئ (السادسة) لا يجوز دفع القيمة في شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَاَللَّهُ تعالي اعلم *

[باب صدقة التطوع] * قال المصنف رحمه الله* {لا يجوز ان يتصدق بصدقة التطوع وهو محتاج الي ما يتصدق به لنفقته أو نفقة عياله لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يارسول الله عندي دينار فقال انفقه على نفسك قال عندي آخر قال انفقه علي ولدك قال عندي آخر قال انفقه علي أهلك قال عندي آخر قال انفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت اعلم به " وقال صلي الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " ولا يجوز لمن عليه دين وهو مُحْتَاجٌ إلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لانه حق واجب فلم يجز تركه بصدقة التطوع كنفقة عياله} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الدِّينَارِ الثَّالِثِ " أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ زَوْجِكَ " كَذَا جَاءَ عَلَى الشَّكِّ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُقَالُ لَهَا زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَحَذْفُ الْهَاءِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي كُلِّ الدَّنَانِيرِ " أَنْفِقْهُ عَلَى كَذَا " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " تَصَدَّقَ بِهِ " بَدَلَ أَنْفِقْهُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بلفظه باسناد صحيح ورواه مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ " وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا مَعَهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ هَلْ يَتَصَدَّقُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقِيلَ الْإِنْفَاقُ عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ وَلَا مُخْتَارَةٍ هَذَا لَفْظُهُ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ لِأَنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَعُولُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ ثُمَّ بِقَرَابَتِهِ

ثُمَّ مَنْ شَاءَ هَذَا نَصُّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ نَوِّمِي الصِّبْيَانَ وَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَقَدِّمِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إنَّمَا هُوَ ضِيَافَةٌ وَالضِّيَافَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَضْلُ عَنْ عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا حَتَّى أن جماعة من العلماء أوجبوها (الثاني) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ بَلْ كَانُوا قَدْ أَكَلُوا حَاجَتَهُمْ (وَأَمَّا) الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ فَرِحَيْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ نَوِّمِي صِبْيَانَكِ وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ كَانُوا جِيَاعًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَتْرُكُونَ الْأَكْلَ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ وَلَوْ كَانُوا شِبَاعًا فَخَافَ إنْ بَقُوا مُسْتَيْقِظِينَ أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ عَلَى الْعَادَةِ فَيُنَكِّدُوا عَلَيْهِمَا وَعَلَى الضَّيْفِ لِقِلَّةِ الطَّعَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يَكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُسْتَحَبُّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يحمل كلام الاصحاب المطلق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * {فان فضل عما يلزمه استحب له ان يتصدق لقوله صلى الله عليه وسلم " ليتصدق الرجل من ديناره وليتصدق من درهمه وليتصدق من صاع بره وليتصدق من صاع تمره " وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اطعم جائعا اطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم يوم القيامة ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله تعالى من خضر الجنة " ويستحب الاكثار منه في شهر رمضان لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ الناس بالخير وكان اجود ما كون في رمضان " فان كان ممن يصبر علي الاضافة استحب له التصدق بجميع ماله لما روى

عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق ابا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ابقيت لاهلك فقلت مثله واتي أبو بكر رضى الله عنه بكل ماله فقال له رسول صلي الله عليه وسلم ما ابقيت لاهلك فقال ابقيت لهم الله ورسوله فقلت لااسابقك إلى شئ ابدا " وان كان ممن لا يصبر علي الاضافة كره له ذلك لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بينما نحن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء رجل بمثل البيضة من الذهب اضابها من بعض المعادن فأتاه من ركنه الايسر فقال يارسول الله خذها صدقة فوالله ما اصبحت املك غيرها فأعرض عنه ثم جاءه من رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثم اتاه من بين يديه فقال مثل ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاتها مغضبا فحذف بها حذفة لو اصابه لاوجعه أو عقره ثم قال صلي الله عليه وسلم يأتي احدكم بماله كله يتصدق به ثم يجلس بعد ذلك يتكفف الناس انما الصدقة عن ظهر غنى "} * {الشَّرْحُ} (أَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ " لِيَتَصَدَّقْ الرَّجُلُ مِنْ دِينَارِهِ " إلَى آخِرِهِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُ صَحِيحٌ إلَّا أنه من رواية محمد ابن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة ومحمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالظَّمَأُ الْعَطَشُ وَالرَّحِيقُ الْخَمْرُ الصَّافِيَةُ وَخُضْرُ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ ثِيَابُهَا الْخُضْرُ (قَوْلُهُ) وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ رُوِيَ بِرَفْعِ الدَّالِ وَنَصْبِهَا وَالرَّفْعُ أَجْوَدُ (وَحَدِيثُ) عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْوَسِيطِ فِي آخِرِهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَيْنَكُمَا كَمَا بَيْنَ كَلِمَتَيْكُمَا " فَزِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ في الحديث (وقوله) بينما نَحْنُ أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ قُعُودِنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَوْلُهُ) مِنْ رُكْنِهِ بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ جَانِبِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ تَغْيِيرٌ فِي تَرْتِيبِهِ وَلَفْظِهِ وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ من ذهب فقال يارسول اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ

أو لعقرته " ثم ذكرنحو الْبَاقِي (وَقَوْلُهُ) فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ هَاتِهَا هُوَ بكسر التاء وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَقَوْلُهُ) مُغْضَبًا بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ (وَقَوْلُهُ) فَحَذَفَهُ بِهَا الْحَاذِفُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَفَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ رَمَاهُ بِهَا وَإِنَّمَا قَيَّدْتُهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِأَنِّي رَأَيْتُ مِنْ صَحَّفَهُ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا حَذَفَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَقَوْلُهُ) لَأَوْجَعَهُ أَوْ عَقَرَهُ أَيْ جَرَحَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ عَقَرَتْهُ " يَعْنِي الْقِطْعَةَ الْمَحْذُوفَ بِهَا (وَقَوْلُهُ) يَتَكَفَّفُ النَّاسَ أَيْ يَطْلُبُ الصَّدَقَةَ وَيَتَعَرَّضُ لِأَخْذِ مَا يَكْفِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَسْتَكْفِ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال فيه تكفف واستكف (وَقَوْلُهُ) عَنْ ظَهْرِ غِنَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ غِنًى يَعْتَمِدُهُ وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ وذكر صَاحِبُ الْحَاوِي لَهُ مَعْنَيَيْنِ هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ معناه الاستغناء عن اداء الواجبات والاصح ماقاله غيرهما إنَّ الْمُرَادَ غِنَى النَّفْسِ إنَّمَا تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِمَنْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ وَاسْتَغْنَتْ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَبَتَ يَقِينُهُ وَصَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وما يلزمه شئ أَنْ يَتَصَدَّقَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَهِيَ فِي رَمَضَانَ آكَدُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ عَنْ الْمَكَاسِبِ بِالصِّيَامِ وَإِكْثَارِ الطَّاعَاتِ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ فِيهِ أَشَدَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّعَ فِيهِ عَلَى عِيَالِهِ وَيُحْسِنَ إلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ وَجِيرَانِهِ لاسيما فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ * قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَعِنْدَ الْكُسُوفِ وَالسَّفَرِ وَبِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هِيَ آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ الْفَاضِلِ عَنْ دَيْنِهِ وَنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسَائِرِ مُؤَنِهِمْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) نَعَمْ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَصَحُّهَا) إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والجمهور وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يخص بالصدقة الاقارب لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود " زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم " وفعلها في السر أفضل لقوله عز وجل (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) ولما رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصنائع

المعروف تقى مصارع السوء " وتحل صدقة التطوع للاغنياء ولبني هاشم وبني المطلب لما روى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال انما حرمت علينا الصدقة المفروضة "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا " أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَامْرَأَةً أُخْرَى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجُنَا وَيَتَامَى في حجورنا هل بجزئ ذَلِكَ عَنْهُمَا عَنْ الصَّدَقَةِ - يَعْنِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم لهما أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " وَفِي صَحِيحَيْ البخاري ومسلم عن ميمونة ام المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ " صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ (1) وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرب وتدفع مسبة السُّوءِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ (قُلْتُ) فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْخَزَّازِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَمَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْعُمْرِ الْبَرَكَةُ فِيهِ بِالتَّوْفِيقِ لِلْخَيْرِ وَالْحِمَايَةِ مِنْ الشَّرِّ وَقِيلَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ بِأَنْ يُقَالُ لَهُمْ عُمْرُ فُلَانٍ إنْ لَمْ يَصِلْ رَحِمَهُ خَمْسُونَ سَنَةً فَإِنْ وَصَلَهُ فَسِتُّونَ فَيَزِيدُ بِالصِّلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ (وأما) بالنسبة الي علم الا تَعَالَى فَلَا زِيَادَةَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَعِيشُ السِّتِّينَ وَاَللَّهُ تعالي أعلم (وأما) جعفر بن محمد فهو جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْقَرِيبِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ دَفْعُهَا إلَى قَرِيبٍ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) تَرْتِيبُ الْأَقَارِبِ فِي التَّقْدِيمِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي آخِرِ بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال اصحابنا ويستحب تخصيص الاقارب

_ (1) بياض بالاصل فحرر

على الاجانب بالزكاة حيت يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافُ وَسَائِرُ جِهَاتِ الْبِرِّ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَقَارِبِ فِيهَا حَيْثُ يَكُونُونَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ بِصَدَقَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ أَشَدَّهُمْ لَهُ عَدَاوَةٌ لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ وَيَرُدَّهُ إلَى الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَحُظُوظِ النُّفُوسِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ الله في ظله يوم لاظل إلَّا ظِلُّهُ " فَذَكَرَ مِنْهُمْ " وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّافِلَةُ يُنْدَبُ إخْفَاؤُهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ (الثَّالِثَةُ) تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِلْأَغْنِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وَيُثَابُ دَافِعُهَا عَلَيْهَا وَلَكِنَّ الْمُحْتَاجَ أَفْضَلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ أَخْذُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ فَوُجِدَ لَهُ دِينَارَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا سَأَلَ الْغَنِيُّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ (1) إذَا كَانَ غَنِيًّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِمَالٍ أَوْ بِضَيْعَةٍ فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ وَمَا يَأْخُذُهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ هذا لفظه وقال الغزالي وغيره من اصحابا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَالِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَجْهَانِ قَالُوا وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَشْدِيدٌ أَكِيدٌ فِي النَّهْيِ عَنْ السُّؤَالِ وَظَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ (وَأَمَّا) السُّؤَالُ لِلْمُحْتَاجِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مكروه صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) هَلْ تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ تَحِلُّ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَحِلُّ (وَالثَّانِي) تحرم (واما) صدقة التطوع للنبى

_ (1) بياض بالاصل فحرر

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إمَامُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُ منهم القفال والمروزي امام الخراسانيين وغيرهم منهم (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ فَحَصَلَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَحِلُّ لَهُمْ دُونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالثَّانِي) لَهُمْ وَلَهُ (وَالثَّالِثُ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا تَيَسَّرَ وَلَا يَسْتَقِلُّهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِهِ لِقِلَّتِهِ وَحَقَارَتِهِ فان قليل الْخَيْرُ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَبِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَارَكَ فِيهِ فَلَيْسَ هُوَ بِقَلِيلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيرا يره) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِّي بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " اتقوا النار ولو بشق ثمرة " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا ولو فرس شاة " قال أهل اللغة الفرس مِنْ الْبَعِيرِ وَالشَّاةِ كَالْحَافِرِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ * {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ الصُّلَحَاءَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ وَأَهْلَ الْمُرُوءَاتِ وَالْحَاجَاتِ فَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ عَلَى كَافِرٍ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ جَازَ وَكَانَ فِيهِ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ قال صاحب البيان قال الصميرى وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَسِيرَ حَرْبِيٌّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ " قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ ان يستعف عن سرقته واما الزانية فلعلها تستعف عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ وَيُنْفِقُ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ

يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ له قالوا يارسول اللَّهِ إنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍّ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " بَيْنَمَا كَلْبٌ يَطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " الموق الخف * (فرع) يكره تعمد الصدقة بالردئ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون) وَيُسْتَحَبُّ تَعَمُّدُ أَجْوَدِ مَالِهِ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا تُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يختار أجل ماله وأبعد مِنْ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَتِهِ وَالْفَلُوُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الواو ويقال بكسر الفاء وإسكان اللام هو وَلَدُ الْفَرَسِ فِي صِغَرِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ يَا أيها الرسل كلوا من مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طيبات ما رزقناكم ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ومطعمه حرام ومشربه جرام وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رواه مسلم * {فرع} من دفع الي وكليه أَوْ وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِسَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ دَفْعُهُ إلَى ذَلِكَ الْمُعِينِ استحب له أن لا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ * {فَرْعٌ} قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بشئ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ زَكَاةً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ عَنْ نَذْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَا يُكْرَهُ مِلْكُهُ مِنْهُ بِالْإِرْثِ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ غَيْرِهِ إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ * وَاسْتَدَلُّوا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " حَمَلْتُ عَلَى فَرَسِي فِي سَبِيلِ

اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فقال لا تشتره وإن أعطا كه بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عند النبي صلي الله عليه وسلم إذا أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَاشْتَرَاهَا مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَمَلَكَهَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ * {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ دَفْعُ الصَّدَقَةِ بِطِيبِ نَفْسٍ وَبَشَاشَةِ وَجْهٍ وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِهَا فَلَوْ مَنَّ بَطَلَ ثَوَابُهُ قَالَ الله تعالى (ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ الْمُسْبِلُ إزَارَهُ أَوْ ثَوْبَهُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ * {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ المعاياة لَوْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ جَازَ التَّصَدُّقُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ * {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ (مِنْهَا) قَالَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ الْمُحْتَاجَ هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَكَانَ الْجُنَيْدُ وَإِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ وَجَمَاعَةٌ يَقُولُونَ الاخذ من الصدقة أَفْضَلُ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ وَلِئَلَّا يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْآخِذِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا أَهْوَنُ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَوْ تَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ كُلُّهُمْ أَخْذَهَا أَثِمُوا وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِاسْتِحْقَاقِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَى هَذَا لَا يَتَصَدَّقُ فليأخذ الصدقة فان اخراج الزكاة لابد منه وان كان لابد مِنْ إخْرَاجِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُضَيِّقْ بِالزَّكَاةِ تَخَيَّرَ وَأَخْذُ الزَّكَاةِ أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ وَذَكَرَ أَيْضًا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي إخْفَاءِ أَخْذِ الصدقة واظهاره أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضِيلَةٌ وَمَفْسَدَةٌ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخْذُ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُ الْأَخْذِ فِي الْخَلَاءِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى سَقْيِ الْمَاءِ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي

الْكِتَابِ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ تَخْصِيصِ الصَّدَقَةِ بِالصُّلَحَاءِ (وَمِنْهَا) عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا وَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ سَعْدًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عَنْ سَعْدٍ بِمَعْنَاهُ " قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ الْمَاءُ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَيْضًا فَهُوَ مُرْسَلٌ لَكِنَّهُ قد أسند قريب مِنْ مَعْنَاهُ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحَادِيثِ الفضائل ويعمل فيها بالضعف فَبِهَذَا أَوْلَى وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إنْ سَقَيْتُهَا قَالَ نَعَمْ فِي كل ذات كبد حرى أَجْرٌ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ * {فَرْعٌ} فِي قوله تعالي (ويمنعون الماعون) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ هُوَ إعَارَةُ الْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَسَائِرِ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ هُوَ الزَّكَاةُ * {فَرْعٌ} تُسْتَحَبُّ الْمَنِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ لَهُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ ذَاتُ لَبَنٍ فَيَدْفَعُهَا إلَى مَنْ يَشْرَبُ لَبَنَهَا مدة ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعون خصلة أعلا من مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعِدِهَا إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ بِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً أَوْ الشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً غَدَتْ بِصَدَقَةٍ صَبُوحِهَا وَغَبُوقِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ صَحِيحَةٌ * {فَرْعٌ} فِي ذَمِّ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالْحَثِّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ وَوُجُوهِ الْخَيْرَاتِ * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون) وَقَالَ تَعَالَى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عنقك) وقال عز وجل (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ اعط منفقا خلفا ويقول اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْفِقْ يُنْفَقُ عَلَيْكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه " انهم ذبحوا شاة فقال رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ تَصَدَّقُوا بِهَا إلَّا كَتِفَهَا فَقَالَ بَقِيَتْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا كَتِفَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * {فَرْعٌ} فِي فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَتَخَافُ الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * {فَرْعٌ} فِي أَجْرِ الْوَكِيلِ فِي الصَّدَقَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ إذَا أَمْضَاهُ بِشَرْطِهِ * عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنَفِّذُ مَا أُمِرَ بِهِ فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَضَبَطُوا الْمُتَصَدِّقِينَ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ * {فَرْعٌ} يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ بِمَا أَذِنَ فِيهِ صَرِيحًا وَبِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَعَيِّنٌ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَمْلُوكِ الْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِ سَيِّدِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَنْفَقَتْهُ وَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ فَلَهَا أَجْرٌ وَلَهُ أَجْرٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ " أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ

لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَاهُ فَقَالَ لِمَ ضَرَبْتَهُ فَقَالَ يُعْطِي طَعَامِي مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَهُ فَقَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوْلَايَ قَالَ نَعَمْ وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ " وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَرْضَى بِهِ سَيِّدُهُ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ سَيِّدَهُ يَرْضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَمْ يَرْضَ لِكَوْنِهِ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ فَيُثَابُ السَّيِّدُ عَلَى إخْرَاجِ مَالِهِ وَيُثَابُ الْعَبْدُ عَلَى نِيَّتِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ كَوْنِ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَنَّهُ قِسْمَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءٌ فَقَدْ يَكُونُ أَجْرُ صَاحِبِ الْعَطَاءِ أَكْثَرَ وَقَدْ يَكُونُ أَجْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخَازِنِ وَالْمَمْلُوكِ أَكْثَرَ بِحَسَبِ قَدْرِ الطَّعَامِ وَقَدْرِ التَّعَبِ فِي إنْفَاذِ الصَّدَقَةِ وَإِيصَالِهَا إلَى الْمَسَاكِينِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى " وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى السَّائِلَةُ " وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ " الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ " وَعَقَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بَابًا * {فَرْعٌ} يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْجَنَّةِ وَيُكْرَهُ مَنْعُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تسأل بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْجَنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كافئتموهم " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " فَأَثْنُوا عَلَيْهِ " بَدَلَ فَادْعُوَا لَهُ * {فَرْعٌ} إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ حَلَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَلَا تَطَلُّعٌ إلَيْهِ جَازَ له اخذه بلا كراهية وَلَا يَجِبُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غير سائل ولا مشرف فخذه ومالا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ قَالَ فَكَانَ سَالِمٌ لَا يسأل احدا شَيْئًا أُعْطِيَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فيه ومن أَخَذَهُ بِإِشْرَافٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من اليد السفلي قال

حكيم فقلت يارسول اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوَا حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الذى قسم الله له في هذا الفئ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قوله) يَرْزَأُ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ لم يأخذ من احد شيئا واصل الزرء النَّقْصُ أَيْ لَمْ يَنْقُصْ أَحَدًا شَيْئًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم اقره على هذا أو كذا أبو بكر وعمر وسائر الصحابة الحاضرون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْهَا وَالسُّلَامَى الْعُضْوُ وَالْمَفْصِلُ وَجَمْعُهُ سَلَامِيَّاتٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامُ محففة فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ * اعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّدَقَةِ إعْطَاءُ الْمَالِ وَنَحْوِهِ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ ذَلِكَ) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعرف صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعنه ايضا قال " قلت يارسول اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قُلْتُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تصنع لا خرق قلت يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أيضا " ان ناسا قالوا يارسول اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قال أو ليس قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ بِهِ إن كل تسبيحة صدقة وتكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعرف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفى بضع أحدكم صدقة قالوا يارسول اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ أَوْ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ

كتاب الصيام

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى ستين وثلثمائة مِفْصَلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عن منكر عدد الستين والثلثمائة فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مامن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صدقة ولا يرزأه إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شئ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَيَرْزَأَهُ أَيْ يُنْقِصُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَقَارِبِ وَالْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْهَارِ وَصِلَةِ أَصْدِقَاءِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَقَدْ جَاءَتْ فِي جَمِيعِ هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ جَمَعْتُ مُعْظَمَهَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * [كِتَابُ الصِّيَامِ] فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ إمْسَاكٍ يُقَالُ صَامَ إذَا سَكَتَ وَصَامَتْ الْخَيْلُ وَقَفَتْ وفى الشرع امساك مخصوص عن شئ مخصوص في زَمَنٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَالُ رَمَضَانُ وشهر رمضان هذا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانُ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بَلْ لَا يُقَالُ إلَّا شَهْرُ رَمَضَانَ سَوَاءٌ إنْ كان هناك

قَرِينَةٌ أَمْ لَا وَزَعَمُوا أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالطَّرِيقُ إلَيْهِمَا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ " وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ فَإِنَّ مِنْ رُوَاتِهِ نَجِيحَ السندي وهو ضعيف سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلى الشهر فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَقُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبَانِ الْآخَرَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ فيه شئ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَسْمِيَتِهِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا كَانَ رَمَضَانُ " وَأَشْبَاهُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَا يَجِبُ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يَجِبُ بِنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ " وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ *

{فَرْعٌ} رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين من قبلكم الْآيَةَ) فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَهَذَا حَوْلٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سفر فعدة من أيام أخر) فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ " فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام بعد ما قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ عَاشُورَاءَ فَصَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا شَهْرَ رَبِيعٍ إلَى شَهْرِ رَبِيعٍ إلَى رَمَضَانَ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كتب على الذين من قبلكم) " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا أُحِيلَ الصَّوْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ قدم الناس المدينة وَلَا عَهْدَ لَهُمْ بِالصِّيَامِ فَكَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ (شَهْرُ رمضان) فَاسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَسَخَهُ (وَأَنْ تَصُومُوا خير لكم) فأمروا

بِالصِّيَامِ " وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَمَا تَقَرَّرَتْ قَاعِدَتُهُ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا (وأن تصوموا خير) لكم فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ " * {فَرْعٌ} قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه) " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ * {فَرْعٌ} صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ تِسْعَ سِنِينَ لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ *

{فرع} قال اصحابنا وغيرهم كان أول الْإِسْلَامُ يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ من حِينِ يَنَامُ أَوْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَأَيُّهُمَا وجد أو لا حَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ الْجَمِيعُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لا * واحتجوا بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا عِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةٌ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاسود) " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلُّوا الْعَتَمَةَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كنتم تختانون انفسكم) وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالي * {صوم رمضان ركن من اركان الاسلام وفرض من فروضه والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رمضان "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَقَوْلُهُ) وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهِ تَوْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ لِجَوَازِ تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا وَفَرْضًا وَلَوْ اقْتَصَرَ علي ركن

لَكَفَاهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إطْلَاقِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ وَكَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ فِي الْحَجِّ دُونَ الْآيَةِ (قُلْنَا) مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا مِنْ الْآيَةِ (وَأَمَّا) الْفَرْضِيَّةُ فَتَحْصُلُ مِنْهُمَا وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ كَوْنُ صَوْمِ رَمَضَانَ رُكْنًا وَفَرْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ واجمعوا على أنه لا يجب غيره * * قال المصنف رحمه الله * {ويتحم وجوب ذلك علي كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم فأما الكافر فانه ان كان أصليا لم يخاطب في حال كفره لانه لا يصح منه فان اسلم لم يجب عليه القضاء لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الاسلام وان كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة لانه لا يصح منه فان اسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر لانه التزم ذلك بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) {الشرح} (قوله) يتحم وُجُوبُ ذَلِكَ أَيْ وُجُوبُ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ مُتَحَتِّمٌ أَيْضًا لَكِنْ يُؤَخِّرَانِهِ ثُمَّ يَقْضِيَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ أَيْ لَمْ نُطَالِبْهُ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُونَ بِفِعْلِهَا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ وَقَدْ سبقت المسألة

مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) فِي المرتد لم يخاطب به في الرِّدَّةِ مَعْنَاهُ لَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لَمْ نُطَالِبْهُ بِهِ فِي رِدَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لَكَانَ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُطَالَبُ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ صَامَ فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يثاب عليه وقد سبقت المسألة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مُدَّةِ الرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يوافق عليها * قال المصنف رحمه الله * {وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ويؤمر بفعله لسبع سنين إذا اطاق الصوم ويضرب علي تركه لعشر قياسا على الصلاة فان بلغ لم يجب عليه قضاء ما تركه في حال الصغر لانه لو وجب ذلك لوجب عليه اداؤه في حال الصغر لانه يقدر على فعله ولان أيام الصغر تطول فلو اوجبنا عليه قضاء ما يفوت شق} {الشرح} هذا الحديث صحيح رواه ابودواد والنسائي في كتاب الحدود من سنهما مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ باسناد صحيح رواه أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي الْحُدُودِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَمَعْنَى رَفْعِ الْقَلَمِ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رُفِعَ بَعْدَ وضعه (وقوله) لو وجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ يُنْتَقَضُ بِالْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالدَّلِيلُ الصَّحِيحُ أن يقال: زمن الصبى ليس زمن تكليف لِلْحَدِيثِ وَالْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ بِأَمْرٍ جديد ولم يجئ فيه امر جديد (اما) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ: وَإِذَا أَطَاقَ الصَّوْمَ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ لِسَبْعِ سِنِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا وَيَضْرِبَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ بِلَا خِلَافٍ

{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ أَرْبَعَةٌ النَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَمَنْ زال عقله بجنون لا يجب عليه لقوله صلي الله عليه وسلم " وعن المجنون حتى يفيق " فان أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في الجنون لانه صوم فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب كما لو فات في حال الصغر وان زال عقله بالاغماء لم يجب عليه في الحال لانه لا يصح منه فان افاق وجب عليه القضاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام أخر) والاغماء مرض ويخالف الجنون فانه نقص ولهذا لا يجوز الجنون علي الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويجوز عليهم الاغماء} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) سَقَطَ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِنَقْصٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَجْنُونُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَإِذَا أَفَاقَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي الْجُنُونِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَسَوَاءٌ أَفَاقَ بَعْدَ رَمَضَانَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا مَذْهَبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ أَفَاقَ بَعْدَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ لا بعده ودليل المذهب في الكتاب وحكاها الرافعي ثلاثة أقوال قال وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُنْفَرِدِ فَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ فَفِي وُجُوبِ القضاء وجهين قَالَ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ اتِّصَالِهِ بِالرِّدَّةِ وَاتِّصَالِهِ بِالسُّكْرِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَيَجِبُ فِي الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ فِي السَّكْرَانِ إلَّا قَضَاءَ أَيَّامِ السُّكْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ مُسْتَمِرٌّ بِخِلَافِ السُّكْرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي حَالِ الْإِغْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَنَا قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَلْزَمُهُ

الصَّوْمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْإِغْمَاءَ الْمُسْتَغْرِقَ لِجَمِيعِ رَمَضَانَ لَا قَضَاءَ فِيهِ كَالْجُنُونِ وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ هَكَذَا نَقَلَ الْجُمْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْرَقَ الْإِغْمَاءُ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمًا مِنْهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا فِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ بِمَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ شَرِبَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ بِعُذْرٍ آخَرَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ زَوَالِ عَقْلِهِ (وَأَمَّا) مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمِ كَخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَيَكُونُ آثما بالترك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {فان أسلم الكافر أو افاق المجنون في أثناء يوم من رمضان استحب له امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمه ذلك لان المجنون افطر بعذر والكافر وان افطر بغير عذر الا أنه لما أسلم جعل كالمعذور فيما فعل في حال الكفر وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَهُ وَلَا بضمان ما أتلفه ولهذا قال اللَّهِ تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولا يأكل عند من لا يعرف عذره لانه إذا تظاهر بالاكل عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان وهل يجب عليه قضاء ذلك فيه وجهان (أحدهما) يجب لانه ادرك جزءا من وقت الفرض ولا يمكن فعل ذلك الجزء من الصوم الا بيوم فوجب أن يقضيه بيوم كما نقول في المحرم إذا وجب عليه في كفارة نصف مد فانه يجب عليه بقسطه صوم نصف يوم ولكن لما لم يمكن فعل ذلك الا بيوم وجب عليه صوم يوم (والثانى) لا يجب وهو المنصوص في البويطى لانه لم يدرك من الوقت ما يمكن الصوم فيه لان الليل يدركه قبل التمام فلم يلزمه كمن أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم جن وان بلغ الصبى اثناء يوم من رمضان نظرت فان كان مفطرا فهو كالكافر إذا اسلم والمجنون إذا افاق في جميع ما ذكرناه وإن كان صائما ففيه وجهان (احدهما) يستحب اتمامه لانه صوم فاستحب اتمامه ويجب قضاؤه لانه لم ينو الفرض من أوله فوجب قضاؤه (والثاني) يلزمه اتمامه ويستحب قضاؤه لانه صار من اهل الوجوب في اثناء العبادة فلزمه اتمامه كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ} *

{الشَّرْحُ} قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تركه ولا بضمان ما أتلفه إنما لَا يُطَالَبُ الْمُتْلِفُ الْحَرْبِيُّ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُطَالَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْحَرْبِيِّ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ دَلِيلٌ لِلذِّمِّيِّ (أما) أحكام الفصل (ففى) المسألة طريقان (احدهما) طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَالصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجِبُ (وَقَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالثَّانِيَةُ) طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي إمْسَاكِ الْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يَجِبُ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا لِتَقْصِيرِهِ (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالصَّبِيَّ لِتَقْصِيرِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ دُونَ الْمَجْنُونِ قَالُوا وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ الْمُفْطِرَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُمْ قِيلَ يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فَالْمَذْهَبُ لُزُومُ إتْمَامِهِ بِلَا قَضَاءٍ وَقِيلَ يُنْدَبُ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَبَنَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِمْسَاكِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْبِنَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ مَنْ أَوْجَبَ الْإِمْسَاكَ لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ لَمْ يُوجِبْ الْإِمْسَاكَ (وَالثَّانِي) إنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثُ) إنْ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وجب القضاء والا فلا والله أعلم * قال أَصْحَابُنَا: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ صَائِمًا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ كَبَاقِي الْأَيَّامِ * قَالَ أَصْحَابُنَا: وَحَيْثُ لَا يَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ الْإِمْسَاكُ يُسْتَحَبُّ لهم أن لا يَأْكُلُوا بِحُضُورِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمْ لِمَا ذكره المصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهم الصوم لانه لا يصح منهما فإذا طهرتا وجب عليهما القضاء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " في الحيض كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصلاة " فوجب القضاء علي الحائض بالخبر وقيس عليها النفساء لانها في معناها فان طهرت في أثناء النهار استحب لها أن تمسك بقية النهار ولا يجب لما ذكرناه في الصبى إذا بلغ والمجنون إذا أفاق} *

{الشرح} حديث عائشة هذا رواه مسلم بلف ظه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُقْتَصَرًا عَلَى نَفْيِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهَا) " كُنَّا نُؤْمَرُ " (مَعْنَاهُ) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِذَلِكَ وَهُوَ صاحب الامر عند الاطلاق (وقوله) طَهَرَتَا بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَائِهَا لِلصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ حِكْمَتَهُ تَكَرُّرُ الصَّلَاةِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ خَالَفَا فِي الْحِكْمَةِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ أَمْسَكَتْ لَا بِنِيَّةِ الصَّوْمِ لم تأثم وانما تأثم إذَا نَوَتْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي بَابِ الْحَيْضِ دَلَائِلَ هَذَا كُلِّهِ مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ هُنَاكَ إلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ لَهَا إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهَا خِلَافًا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء انما هو بأمر مجدد وليس وَاجِبًا عَلَيْهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الْحَيْضِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ بِحَالٍ وَيَتَأَخَّرُ الْفِعْلُ إلَى الْإِمْكَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ والصواب الاول وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَمَنْ لا يقدر علي الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذى يجهده الصوم والمريض الذى لا يرجبي برؤه فانه لا يجب عليهما الصوم لقوله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) * وفى الفدية قولان (أحدهما) لا تجب لانه سقط عنه فرض الصوم فلم تجب عليه الفدية كالصبى والمجنون (والثانى) يجب عليه عن كل يوم مد من طعام وهو الصحيح لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " مِنْ أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح " وقال ابن عمر رضى الله عنهما " إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا " وروى أن أنسا رضي الله عنه " ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فافطر وأطعم " وان لم يقدر علي الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجي البرء لم يجب عليه الصوم للآية فإذا برئ وجب عليه القضاء لقوله عز وجل (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ

علي سفر فعدة من أيام أخر) وان أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر لانه أبيح له الفطر للضرورة والضرورة موجودة فجاز له الفطر} * {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَالْأَثَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَثَرُ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ جَهَدَ وَأَجْهَدَ إذَا حَمَّلَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَجَهَدَهُ أَفْصَحُ (وَقَوْلُهُ) بَرَّأَ هَذَا هُوَ الْفَصِيحُ ويقال برئ وبرؤ وَقَدْ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ واصحاب: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ أَيْ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُمَا الْفِدْيَةُ على أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمَا وَالْفِدْيَةُ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَامَّةِ كُتُبِهِ * وَنَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنْ لَا فِدْيَةَ عليه وقال في الْبُوَيْطِيُّ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ فَصَامَ فَلَا فِدْيَةَ وَالْعَجُوزُ كَالشَّيْخِ فِي جَمِيعِ هَذَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُهُ القضاء لما ذكره المصنف هذا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ يُشَقُّ احْتِمَالُهَا قَالُوا وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: ثُمَّ الْمَرَضُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ إنْ كان مطبقا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ يَحُمُّ وَيَنْقَطِعُ وَوَقْتُ الْحُمَّى لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حُمَّى يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ إنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ أَفْطَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَخَافَ الْهَلَاكَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا لقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَفِي انْعِقَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَبَنَى الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَنَقَلُوهُمَا فِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّيْخِ الْعَاجِزِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِلْعَجْزِ أَمْ يُخَاطَبُ ابْتِدَاءً بِالْفِدْيَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ * {فَرْعٌ} إذا أوجبنا الفدية علي الشيخ والمريض المأيوس مِنْ بُرْئِهِ وَكَانَ مُعْسِرًا هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْكَفَّارَةِ (والاصح) في الكفارة بقاؤهها فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْيَسَارِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَتِهِ فَهِيَ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ كَالْفُطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ لَمْ يَفْدِ حَتَّى مَاتَ لزم اخراجها من تركته قال لان الاطعام فِي حَقِّهِ كَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ لَوْ مَاتَا قَبْلَ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَجِبْ شئ وَإِنْ زَالَ عُذْرُهُمَا وَقَدَرَا عَلَى الْقَضَاءِ لَزِمَهُمَا فَإِنْ مَاتَا قَبْلَهُ وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ فَكَذَا هُنَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي * {فَرْعٌ} إذَا أَفْطَرَ الشَّيْخُ الْعَاجِزُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ بَلْ بِالْفِدْيَةِ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ قَدَرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْبَغَوِيّ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَجِّ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ عَلَى تَوَهُّمِ دَوَامِ عُذْرِهِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّيْخِ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ سَوَاءٌ في الطعام البر والتمر والشعير وغيرهما مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ هَذَا إذَا كَانَ يَنَالُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَأَنَّهَا مُدٌّ طاووس وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي * قال أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُدُّ حِنْطَةٍ أَوْ مُدَّانِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ الْعَاجِزَيْنِ الْفِطْرَ *

{فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ تَعْجِيلُ الْفِدْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِهِ وليس بشئ ودليله القياس علي تعجيل الزكاة * * قال المصنف رحمه الله * {فاما المسافر فانه ان كان سفره دون أربعة برد لم يجز له أن يفطر لانه اسقاط فرض للسفر فلا يجوز فيما دون أربعة برد كالقصر وان كان سفره في معصية لم يجز له أن يفطر لان ذلك اعانة علي المعصية وان كان سفره أربعة برد في غير معصية فله أن يصوم وله ان يفطر لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حمزة ابن عمرو الاسلمي قال يارسول الله اصوم في السفر فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان شئت فصم وان شئت فافطر " فان كان ممن لا يجهده الصوم في السفر فالافضل ان يصوم لما روى عن انس رضي الله عنه انه قال للصائم في السفر " ان افطرت فرخصة وان صمت فهو افضل " وعن عثمان ابن أبى العاص أنه قال الصوم أحب الي ولانه إذا أفطر عرض الصوم للنسيان وحوادث الزمان فكان الصوم أفضل وان كان يجهده الصوم فالافضل أن يفطر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال ما بال هذا قالوا صائم يارسول الله فقال ليس من البر الصيام في السفر " فان صام المسافر ثم اراد أن يفطر فله أن يفطر لان العذر قائم فجاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر ويحتمل عندي أنه لا يجوز له أن يفطر في ذلك اليوم لانه دخل في فرض المقيم فلا يجوز له أن يترخص برخصة المسافر كما لو دخل في الصلاة بنية الاتمام ثم أراد أن يقصر ومن أصبح في الحضر صائما ثم سافر لم يجز له ان يفطر في ذلك اليوم وقال المزني له أن يفطر كما لو أصبح الصحيح صائما ثم مرض فله أن يفطر والمذهب الاول والدليل عليه انه عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا بدأ بها في الحضر ثم سافر لم يثبت له رخصة السفر كما لو دخل في الصلاة في الحضر ثم سافر في اثنائها ويخالف المريض فان ذلك مضطر الي الافطار والمسافر مختار} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَالْأَثَرَانِ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَعُثْمَانُ هَذَا صَحَابِيٌّ ثَقَفِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) أَرْبَعَةِ بُرُدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ

وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَقَوْلُهُ) إسْقَاطُ فَرْضٍ لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لَا فَرْضٌ (وَقَوْلُهُ) لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَصَلَّى قَاعِدًا (قَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي سَفَرٍ آخَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَفِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِنْ كان سفره دون مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَيْسَ مَعْصِيَةً فَلَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: لَهُ الصَّوْمُ وَلَهُ الْفِطْرُ (وَأَمَّا) أَفْضَلُهُمَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ فالفطر افضل والا فالصوم افضل وذكر الخراسانيون قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ إنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ تَحْصُلُ الرُّخْصَةُ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَهُنَا إذَا أَفْطَرَ تَبْقَى الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً وَلِأَنَّ فِي الْقَصْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إيجَابِ الْفِطْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي الْحَالِ بِالصَّوْمِ لَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ مِنْهُ وَكَانَ سَفَرُ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ (الثَّانِيَةُ) إذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا فِدْيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام اخر) مَعْنَاهُ وَأَرَادَ الْفِطْرَ فَلَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَصْبَحَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ فِي نَهَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ وفيه احتمال لمصنف وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْحَاوِي بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ تَامَّةً الْتَزَمَ الْإِتْمَامَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَا الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا صَامَ ثُمَّ افطر فلا يترك الصوم الا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ دَوَامِ عُذْرِهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالنَّصِّ وَقَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ (اصحهما) لا يلزمه لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ (الرَّابِعَةُ) إذَا سَافَرَ الْمُقِيمُ فَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ له اربعة احوال (أَنْ) يَبْدَأَ السَّفَرَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَنْ لَا يُفَارِقَ الْعُمْرَانَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَهُ الْفِطْرُ وَهُوَ مذهب احمد واسحق وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ غَيْرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يوم من رمضان هو صائم

فِيهِ صَوْمًا لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَقَالَ اضْرِبُوا عَلَى قَوْلِي قَالَ وَكَانَ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ " أَفْطَرَ فَظُنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُرَاعُ الْغَمِيمِ عِنْدَ عُسْفَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنِ الْمَدِينَةِ نَحْوُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَلَمْ يُفْطِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ يُسَافِرُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي مُبِيحِ الْفِطْرِ وَلَا يُبَاحُ بِالشَّكِّ (الرَّابِعُ) أَنْ يُسَافِرَ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى الصيام فهذا ليس بصائم لا خلاله بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ هَذَا الْيَوْمَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ حَاضِرٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وصاحب البيان وهو ظاهر ويجئ فِيهِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَالْوَجْهُ الْمُوَافِقُ لَهُ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان قدم المسافر وهو مفطر أو برأ المريض وهو مفطر استحب لهما امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يجب ذلك لانهما أفطرا بعذر ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما لخوف التهمة والعقوبة وان قدم المسافر وهو صائم أو برأ المريض وهو صائم فهل لهما أن يفطرا فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يجوز لهما الافطار لانه ابيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرا وباطنا فجاز لهما الافطار في في بقية النهار كما لو دام السفر والمرض (وقال) أبو اسحق لا يجوز لهما الاقطار لانه زال سبب الرخصة قبل الترخص فلم يجز الترخص كما لو قدم المسافر وهو في الصلاة فانه لا يجوز له القصر} * {الشرح} فيه مسائل (احداها) قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُمَا مُفْطِرَانِ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا وأوجبه أبي حَنِيفَةَ * دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا أَفْطَرَا بِعُذْرٍ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَا أَنْ لَا يَأْكُلَا عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُ عُذْرَهُمَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قول ابى اسحق وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ رُخَصُهُ وَلَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُوَ صَائِمٌ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالمسافر (اصحهما) يَحْرُمُ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَحْرُمُ الْفِطْرُ وجها واحدا

(الرَّابِعَةُ) لَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَوْمًا وَلَا أَكَلَ فِي نَهَارِهِ قَبْلَ قُدُومِهِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لَهُ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ كَالْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ حُرْمَةٌ لِلْيَوْمِ * {فَرْعٌ} لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَلَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ غَيْرَهُ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ صَامَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى وَلَا غيره * هذا هذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَرِيضِ كَقَوْلِنَا وَقَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَصِحُّ مَا نَوَى * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَرِيضِ * {فَرْعٌ} إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ نهار وَهُوَ مُفْطِرٌ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَرَأَتْ مِنْ مَرَضٍ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا * دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ * {فَرْعٌ} إذَا دَخَلَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَيُفْطِرَ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ فَإِنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحَرُمَ الْفِطْرُ وَعَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ التابعين انه يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَلَا يَمْتَنِعُ السَّفَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا وَأَفْطَرَ " وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ شَهِدَ كُلَّ الشَّهْرِ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ فَإِنْ شَهِدَ بَعْضَهُ لزمه صوم ما شهد منه في البلد ولابد مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْفِطْرِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ وَهَذِهِ الْمَرَاحِلُ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قال في القصر وقال قوم يجوز في كُلُّ سَفَرٍ وَإِنْ قَصَرَ وَسَبَقَتْ هَذِهِ الْمَذَاهِبُ بِأَدِلَّتِهَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ * مَذْهَبُنَا جَوَازُهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بعدهم قال العبدرى هو قول العلماء قالت الشِّيعَةُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ " كَانَ ابن عمر وسعيد ابن جُبَيْرٍ يَكْرَهَانِ صَوْمَ الْمُسَافِرِ " قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " إنْ صَامَ قَضَاهُ " قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ " وَعَنْ عَبْدِ الرحمن ابن عَوْفٍ قَالَ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " وَحَكَى أَصْحَابُنَا بُطْلَانَ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ ماهذا قالوا صائم فقال ليس الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ " وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " كنا مع رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ فَمِنَّا مَنْ يَقِي الشَّمْسَ بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الا بينة وَسَقَوْا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يكره أن تؤتي معصية " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ " إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يارسول أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ما فينا صَائِمٍ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وعبد اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ وَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " سَافَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عمرة في رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُمْتُ وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْت فَقَالَ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) الاحاديث التى احتجوا بِهَا الْمُخَالِفُونَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وفى بعضها التصريح بذلك ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (وَأَمَّا) الْمَنْقُولُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ بِلَا ضرر هل الافضل صومه في رَمَضَانَ أَمْ فِطْرُهُ * قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وأنس بن مالك وعثمان بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ وقال ابن عباس وابن عمرو ابن المسيب والشعبى والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ

الْمَالِكِيُّ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا هُوَ الْأَيْسَرُ وَالْأَسْهَلُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الْفِطْرُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّائِمِينَ " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حتى بلغ كرع الْكَدِيدِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُمَّ أَفْطَرَ قَالَ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبعون الا حدث فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّابِقُ " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ السَّابِقِ فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن زواحة وبحديث أبي سعيد السابق " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ " إلَى آخِرِهِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ " قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ " فِي صِيَامِ النَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ عَلَى حُمُولَةٍ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ حَيْثُ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ " (فَهُوَ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَنُقِلَ عَنْ البخاري تضعيفه وانه ليس بشئ وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنْ أَفْطَرْتُ فَهُوَ رُخْصَةٌ وَإِنْ صُمْتُ فَهُوَ أَفْضَلُ " حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَسٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِفَضْلِ الْفِطْرِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أعلم *

* قال المصنف رحمه الله * {فان خافت الحامل والمرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة لانهما أفطرتا للخوف على أنفسهما فوجب عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء بدلا عن الصوم وفى الكفارة ثلاثة أوجه (قال) في الام يجب عن كل يوم مد من الطعام وهو الصحيح لقوله تعالي (وعلي الذين يطيقونه فدية) قال ابن عباس نسخت هذه الآية وبقيت للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا (والثاني) ان الكفارة مستحبة غير واجبة وهو قول المزني لانه افطار بعذر فلم تجب فيه الكفارة كافطار المريض (والثالث) يجب علي المرضع دون الحامل لان الحامل أفطرت لمعنى فيها فهى كالمريض والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجب عليها الكفارة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا فَكَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِدْيَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الحاوى: هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ فَحَصَلَ في الحامل قَوْلَانِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أن الفدية ليست يواجبة عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الثَّالِثَ مَخْرَجًا مِنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ فِي الْحَامِلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الثَّالِثَ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ

وَخَلْقٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَقَطَعُوا بِالْوُجُوبِ عَلَى الْمُرْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ فَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ فِيهِ طريقان (اصحهما) وبه قطع البغوي (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * {فَرْعٌ} إذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُرْضِعِ إذَا أَفْطَرَتْ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا (فَالصَّحِيحُ) بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْإِفْطَارُ وَتَفْدِي كَمَا فِي وَلَدِهَا بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ إنْ تَضَرَّرَ الرَّضِيعُ بِالصَّوْمِ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِهِ مَنْ سَافَرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَغَرَضِ غيره بأجرة وغيرها وشد الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَلَا خِيَارَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَعَلَى مَنْ تَجِبُ فِدْيَةُ فِطْرِهَا فِي هَذَا الْحَالِ فِيهِ احْتِمَالَانِ هَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَمْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لو استأجر للمتمتع فَهَلْ يَجِبُ دَمُهُ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ وَجْهَانِ كَذَا قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا عَلَى الْمُرْضِعِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ مَرَاضِعُ فَأَرَادَتْ واحدة ان تأخذ سبيا تُرْضِعُهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ لَهَا الْفِطْرُ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا عليها * {فرع} لو كانت المرضع والحامل مُسَافِرَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَفْطَرَتْ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وان لم تقصد الترخص أفطرت لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَا عَلَى نَفْسِهَا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ بِالْجِمَاعِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ فِي جِمَاعِ الْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ لَا كَفَّارَةَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا فَأَفْطَرَتَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمَا إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَا غَيْرَ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتَا لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذلك أربع

مَذَاهِبَ (قَالَ) ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا (وَقَالَ) عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيَفْدِيَانِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ (وَقَالَ) مَالِكٌ الْحَامِلُ تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَلَا فِدْيَةَ والمرضع تفطر وتقضى وتفدى قال ابن المنذر وبقول عطاء أقول * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَلَا يَجِبُ صوم رمضان الا برؤية الهلال فان غم عليهم وجب عليهم أن يستكملوا شعبان ثم يصوموا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صُومُوا لرؤيته وأفطرو لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَكَذَا النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لرؤيته فان حالت دونه غياية فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (الْغَيَابَةُ) السَّحَابَةُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غبى عليكم فاكملوا العدد " وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ " أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يتحفظ من شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِذَا غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تقوموا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى

تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فإن غم عليكم فأقدروا له " فقال أحمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَأَوْجَبَ هَؤُلَاءِ صِيَامَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَدَرْتُ الشئ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَقْدِرُهُ وَأَقْدُرهُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ بِتَشْدِيدِهَا وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَدَرْنَا فنعم القادرون) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ صريحة فاكملوا العدة ثَلَاثِينَ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ فَاقْدُرُوا لَهُ الْمُطْلَقَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ: وَمَنْ قَالَ بِتَقْدِيرِ تَحْتَ السَّحَابِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِصَرِيحِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَمَنْ قَالَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ الشَّهْرُ هكذا وهكذ " الْحَدِيثَ قَالُوا وَلِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِذَلِكَ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحِسَابَ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْبُلْدَانِ الْكِبَارِ فَالصَّوَابُ ماقاله الْجُمْهُورُ وَمَا سِوَاهُ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ بِصَرَائِحِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غَبِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ غَامَتْ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صوموا للرؤيته " الْمُرَادُ رُؤْيَةُ بَعْضِكُمْ وَهَلْ هُوَ عَدْلٌ أَمْ عَدْلَانِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلَّا بِدُخُولِهِ وَيُعْلَمُ دُخُولُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ غُمَّ وَجَبَ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ يَصُومُونَ سَوَاءٌ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً غَيْمًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ " مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتِّبُ وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا غَالِبًا مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنَاسِكَ والعشر حكاه الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يذكر

صَاحِبُ التَّتِمَّةِ غَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " " وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كان كصيام الدهر " ونظائر ذلك فكل هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أَمْ نَقَصَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِهِمَا وَهِيَ الصَّوْمُ والحج * وقال المصنف رحمه الله {فان اصبحوا يوم الثلاثين وهم يظنون أنه من شعبان فقامت البينة أنه من رمضان لزمه قضاء صومه لانه بان أنه من رمضان وهل يلزمهم امساك بقية النهار فيه قولان (أحدهما) لا يلزمهم لانهم أفطروا بعذر فلم يلزمهم إمساك بقية النهار كالحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام (والثانى) يلزمهم لانه أبيح لهم الفطر بشرط أنه من شعبان وقد بان انه من رمضان فلزمهم الامساك وإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة لما روى شقيق بن سلمه قال " أتانا كتاب عمر رضى الله عنه ونحن بخانقين أن الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم إلهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه بالامس " وان رأوا الهلال في بلد ولم يروه في آخر فان كانا بلدين متقاربين وجب على اهل البلدين الصوم وإن كانا متباعدين وجب على من راى ولم يجب على من لم ير لما روى كريب قال " قدمت الشام فرأيت الهلال ليله الجمعة ثم قدمت المدينة ففال عبد الله بن عباس متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال انت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال تصوم حتى نكمل العدة أو نراه قلت أولا تكتفى برؤية معاوية قال هكذا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ كُرَيْبٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ شَقِيقٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ ثَانِيهِمَا أَوَاخِرُ الْكِتَابِ فِي شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) بِخَانِقِينَ هُوَ بِخَاءٍ معجمه ونون ثم قاف مكسورتين وهى بلد بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَكُرَيْبٌ هَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ثَبَتَ كَوْنُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ فَثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَلِيلُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّانِي)

يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ من الخراسانيين قل الْمُتَوَلِّي وَالْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ثُبُوتِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ فان كن أَكَلَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْأَكْلِ فهنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِمْسَاكَ فَأَمْسَكَ فَهَلْ هُوَ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ صاحب الحاوي قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يُسَمَّى صَوْمًا شَرْعِيًّا قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ إمساك شرعي لانه لا يحزئه عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا وَنَسَبُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صوم الي أبي اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ: فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إمْسَاكِهِ ثَوَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوَابَ صَوْمٍ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ ثُمَّ أَمْسَكَ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ حِينِ أَمْسَكَ قَالَ صاحب الشامل: وهذا لا يجئ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ بنية من النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا نَفْلٍ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ أبو إسحق أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُهُ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَلَا يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّانِي) يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فَاسِدَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ فولليلة الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: إنْ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ

فَلِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ بَعْدَهُ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ سَوَاءٌ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَأَخِرُهُ وَقَالَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَرَأَوْهُ فَلِلْمَاضِيَةِ وَبَعْدَهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ رَأَوْهُ فِي أَخِرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَبْلَهُ فيه روايتان عنه (أحدهما) لِلْمَاضِيَةِ (وَالثَّانِيَةُ) لِلْمُسْتَقْبَلَةِ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا وإذا رأيتموه بعد ما تَزُولُ الشَّمْسُ فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَصُومُوا " وَاحْتَجَّ أصحابنا بماذ كره الْمُصَنِّفُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصحيح عن سالم بن عبد الله ابن عُمَرَ " أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا فَأَتَمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صِيَامَهُ إلَى اللَّيْلِ وَقَالَ لَا حَتَّى يرى من حيث يروه بِاللَّيْلِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " لَا يصلح أَنْ يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْهُ لَيْلًا مِنْ حَيْثُ يرى " وروينا في ذلك عن عثمان ابن عفان وعبد الله ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَأَمَّا) مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا قَارَبَ زَمَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ فِي رَمَضَانَ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَرَوْهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ تَقَارَبَ البلدان فحكمهما حكم بَلَدٌ وَاحِدٌ وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْآخَرِ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَبَاعَدَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ البلد الاخرى وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ به الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ جمهور العراقيين والصيدلاني وغيرهم أن التباعذ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالتَّقَارُبُ ان لا يَخْتَلِفَ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّ مَطْلَعَ هؤلاء مطلع هؤلاء فإذ رَآهُ هَؤُلَاءِ فَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِلْآخَرَيْنِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي التَّأَمُّلِ أَوْ لِعَارِضٍ بِخِلَافِ مُخْتَلِفِي الْمَطْلَعِ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِاتِّحَادِ الْإِقْلِيمِ وَاخْتِلَافِهِ فَإِنْ اتَّحَدَ فَمُتَقَارِبَانِ والا فمتباعدان وبهذا قال الصيمري وآخرون (والثالث) أَنَّ التَّبَاعُدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَالتَّقَارُبَ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابٍ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ كَمَا سَبَقَ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِ الْمَطَالِعِ لَمْ يَلْزَمْ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ لِلْحَدِيثِ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ

لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ بِطَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا رَأَوْهُ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ فَثَلَاثَةُ أوجه (احدها) يلزم الذين لم يروا الان فَرْضَ رَمَضَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ ثبت رمضان (والثاني) لا يلزمهم لِأَنَّ الطَّوَالِعَ وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَطْلَعِهِمْ وَمَغْرِبِهِمْ أَلَا تَرَى الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمُ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ قَدْ يَتَعَجَّلُ غُرُوبُهَا فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ ثُمَّ كُلُّ بَلَدٍ يُعْتَبَرُ طُلُوعُ فَجْرِهِ وَغُرُوبُ شَمْسِهِ فِي حَقِّ أَهْلِهِ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ (الثَّالِثُ) إنْ كَانَا مِنْ إقْلِيمٍ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا رَآهُ أَهْلُ نَاحِيَةٍ دُونَ نَاحِيَةٍ فَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ لَزِمَهُمْ كُلَّهُمْ وَضَابِطُ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَنَّهُ إذَا أَبْصَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ إلَّا لِعَارِضٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ فَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمْ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى وَلَا يَخْفَى عَلَى أُولَئِكَ بِلَا عَارِضٍ لَزِمَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فلا * فحصل في المسألة ست وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ بِرُؤْيَتِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُ أَهْلَ إقْلِيمِ بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ يُوَافِقُ بَلَدَ الرُّؤْيَا فِي الْمَطْلَعِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَصَحُّهَا (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدِ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ دُونَ غيرهم وهو فيما حكاه السرخسي (والخامس) يلزم من دون مسافة القصر دون غيرهم (والسادس) لَا يَلْزَمُ غَيْرَ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ * قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّ وَالْكُوفِيِّ يَعْنِي مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ * {فَرْعٌ} لَوْ شرع في الصوم في بلد ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لَمْ يَرَوْا فِيهِ الْهِلَالَ حِينَ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ مِنْ حِينِ صَامَ (فَإِنْ قُلْنَا) لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَ الْأَوَّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَعُمُّ الروية كُلَّ الْبِلَادِ لَزِمَ أَهْلَ الْبَلَدِ الثَّانِي مُوَافَقَتُهُ فِي الْفِطْرِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ لَزِمَهُ هُوَ الْفِطْرُ كَمَا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ ويفطر سرا ولو سافر من بلد لم يروا فيه إلي بلد رؤى فِيهِ فَعَيَّدُوا الْيَوْمَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فإن عممنا الحكم أو قلنا

لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الثَّانِي عَيَّدَ مَعَهُمْ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ وَقُلْنَا لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ فِي بَلَدٍ وَأَصْبَحَ مُعَيِّدًا مَعَهُمْ فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى بَلَدٍ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فَصَادَفَ أَهْلَهَا صَائِمِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ إذَا قُلْنَا لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الْحِكَايَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ لَكِنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَرَوْهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ التَّاسِعَ والعشرين المنتقل إلَيْهِمْ لِتَأَخُّرِ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ قَالَ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يُعَمَّمْ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّ لِلْمُنْتَقِلِ حُكْمَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ وأهل الْبَلَدِ الثَّانِي إذَا عَرَفُوا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَنَّهُ عِيدٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يوم الثلاثين ولو اتفق هَذَا السَّفَرُ لِعَدْلَيْنِ وَقَدْ رَأَيَا الْهِلَالَ بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا فِي الْبَلَدِ الثَّانِي فَهَذِهِ شَهَادَةُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَيَجِبُ الْفِطْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْبِلَادِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ قَضَوْا يَوْمًا وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمَا * وَلَوْ كَانَ عَكْسَهُ بِأَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى قَوْمٍ مُعَيِّدِينَ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ أَوْ قلنا حُكْمُ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا افطر قضى بوما إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا * * قال المصنف رحمه الله تعالى * {وفى الشهادة التي يثبت بها رؤية هلال شهر رمضان قولان (قال) في البويطي لاتقبل إلا من عدلين لما روى الحسين ابن حريث الجدلي جديلة قيس قال " خطبنا أمير مكة الحارث ابن حاطب فقال أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ننسك لرؤيته فان لم نره فشهد شاهدان عدلان نسكنا يشهادتهما (وقال) في القديم والجديد يقبل من عدل واحد وهو الصحيح لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم اني رأيته فصام رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُ الناس بالصيام " ولانه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض (فان قلنا) يقبل من واحد فهل بقبل من العبد والمرأة فيه وجهان (أحدهما) يقبل لان ما قبل فيه قول الواحد قبل من العبد والمرأة كاخبار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالثَّانِي) لا يقبل وهو الصحيح لان طريقها طريق الشهادة بدليل أنه لا يقبل من شاهد الفرع مع حضور شاهد الاصل فلم يقبل من العبد والمرأة كسائر الشهادات ولا يقبل في هلال الفطر إلا شاهدان لانه اسقاط فرض فاعتبر فيه العدد اجتياطا للفرض فان شهد واحد على رؤية هلال رمضان فقبل قوله وصاموا ثلاثين يوما وتغيمت

السماء ففيه وجهان (أحدهما) أنهم لا يفطرون لانه افطار بشاهد واحد (والثاني) انهم يفطرون وهو المنصوص في الام لانه بينة ثبت بها الصوم فجاز الافطار باستكمال العدد منها كالشاهدين وقوله إن هذا إفطار بشاهد لا يصح لان الذى ثبت بالشاهد هو الصوم والفطر ثبت على سبيل التبع وذلك يجوز كما نقول إن النسب لا يثبت بقول أربع نسوة ثم لو شهد أربع نسوة بالولادة ثبتت الولادة وثبت النسب على سبيل التبع للولادة وإن شهد اثنان علي رؤية هلال رمضان فصاموا ثلاثين يوما والسماء مصحية فلم يروا الهلال ففيه وجهان (قال) أبو بكر بن الحداد لا يفطرون لان عدم الهلال مع الصحو يقين والحكم بالشاهدين ظن واليقين يقدم علي الظن (وقال) اكثر أصحابنا يفطرون لان شهادة اثنين يثبت بها الصوم والفطر فوجب أن يثبت بها الفطر وإن غم عليهم الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بالحساب أنه من شهر رمضان ففيه وجهان (قال) أبو العباس يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ إذا عرف بالبينة (والثاني) أنه لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن رأى هلال شوال وحده افطر وحده لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وافطروا لرؤيته ويفطر لرؤية هلال شوال سرا لانه إذا أظهر الفطر عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان} * {الشرح} حديث الحسين ابن حُرَيْثٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيره وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قال الدارقطني تفرد به مروان ابن مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ (وَقَوْلُهُ) حسين ابن حُرَيْثٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ حُرَيْثٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْأَسْمَاءِ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ (وَقَوْلُهُ) الْجَدَلِيُّ جَدِيلَةُ قَيْسٍ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ بَنِي جَدِيلَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ بِالْعَيْنِ المهملة احتراز من جديلة طي وَغَيْرِهَا وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ وَحَالُ قَبِيلَتِهِ فِي تهذيب الاسماء واللغات (وقوله) الحارث ابن حَاطِبٍ هُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ * وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَصَدَّقَهُ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) نَنْسُكُ هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ العبادة ومن قال بالمذهب أنه يثبت الهلال بعدل واحد أجاب عَنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بِأَنَّ النُّسُكَ هَهُنَا عِيدُ الْفِطْرِ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ بِعَدْلَيْنِ (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ ثَلَاثُ

طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَمُعْظَمُ كُتُبِهِ فِي الْجَدِيدِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي الْقَطْعُ بِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ ثَبَتَ بِعَدْلٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ كَسَائِرِ الشُّهُورِ (وَالثَّانِي) يَثْبُتُ بِعَدْلٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ ثُبُوتُهُ بِعَدْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطْنَا عَدْلَيْنِ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَكِنَّهَا شَهَادَةُ حِسْبَةٍ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِالدَّعْوَى وان اكتفينا بعدل فهل هو بطريق الروابة أَمْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ الْقَائِلُ شَهَادَةٌ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَائِلُ رِوَايَةٌ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ (أَصَحَّهُمَا) أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ رِوَايَةٌ فَيُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ قَطْعًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ أَمْ رِوَايَةٌ (إنْ قُلْنَا) شَهَادَةُ شَرْطٍ وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَوْثُوقُ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ شَرَطْنَا اثْنَيْنِ أَوْ قُلْنَا شَهَادَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) رِوَايَةٌ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُقْبَلُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ إنْ قَبِلْنَاهَا قَبْلَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ (وَأَمَّا) الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الحرمين وآخرون قالو وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ الْحَدِيثَ (وَالْأَصَحُّ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ كَوْنِ السَّمَاءِ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً * {فَرْعٌ} إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَيَعْتَقِدُ صِدْقَهُ أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ ولم يذكر ذلك عند القضي فَقَدْ قَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقُولِ لَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ لَزِمَ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَلْ يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ المصنف ثبوته

كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُدُودِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَيْسَتْ مَالِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ عَلَى الزَّكَاةِ وَإِتْلَافِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ: فَعَلَى هَذَا عَدَدُ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأُصُولِ فَإِنْ شَرَطْنَا الْعَدَدَ فِي الْأُصُولِ فَحُكْمُ الفروع هنا حكمهم فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ جَمِيعًا فِيهِ القولان المشهوران (أصحهما) يَكْفِي وَعَلَى هَذَا لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فَإِنْ قُلْنَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ الرِّوَايَةُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكْفِي وَاحِدٌ كَرِوَايَةِ الحديث (والثانى) يشترط اثنان قال البغوي وهو الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَبَرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ فَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ إخْبَارُ حُرَّيْنِ ذَكَرَيْنِ أَمْ يَكْفِي امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصْحُهُمَا) الْأَوَّلُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ إذَا قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَرْعِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي قَبُولَهُ إذَا اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ مِنْ نِزَاعٍ وَاحْتِمَالٍ ظَاهِرٍ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ فَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ أَمْ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِاشْتِرَاطِ اثْنَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِحَضْرَةِ الْأَصْلِ عَلَى شَهَادَتِهِ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وغيره بأنها لا تقبل ولا يبعد تخريح خِلَافٍ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا رِوَايَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَبِلْنَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلًا وَصُمْنَا عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَهَلْ نُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ نُفْطِرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ مبنى على قول عدل واحد والمذول لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فثبت الافطار يعد اسْتِكْمَالِ الْعَدَدِ مِنْهَا كَالشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ الْأَصْحَابُ قَوْلَ الْآخَرِ قَالُوا لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ وَحْدُهُ (وَأَمَّا) الْفِطْرُ فَثَبَتَ تَبَعًا كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ عَلَى النَّسَبِ اسْتِقْلَالًا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِالْوِلَادَةِ ثَبَتَتْ وَثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا

لَهَا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ الْقَوْلَانِ جاريان سواء كانت لسماء مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ الْوَجْهَانِ إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ وَاسْتِتَارِهِ بِالْغَيْمِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ: إذَا صُمْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَفِي الْفِطْرِ الْوَجْهَانِ فَفَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا غَيَّمَتْ وقال البغوي قيل الوجهان إذا كانت مصحية فان تغيمت وَجَبَ الْفِطْرُ قَطْعًا قَالَ وَقِيلَ هُمَا فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ (أَمَّا) إذَا صُمْنَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) نُفْطِرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَأَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الجمهور أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ نُفْطِرُ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثَبَتَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا لَمْ نَرَ الهلال وقد اكملناها فَوَجَبَ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ الصَّحْوِ يَقِينٌ فَلَا نَتْرُكُهُ بِقَوْلِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ ظَنٌّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مُزَيَّفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنُقِلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا قَالَ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ قَضَيْنَا صَوْمَ أَوَّلِ يَوْمٍ أَفْطَرْنَاهُ لانه بان أنه من آخر رمضان لكن لَا كَفَّارَةَ عَلَى مِنْ جَامَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى مِنْ أَثِمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ لِعُذْرِهِ (وَأَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَلَا قَضَاءَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بِالْحِسَابِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهَانِ (قَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ عَرَفَهُ بِالْبَيِّنَةِ (وَقَالَ) غَيْرُهُ لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ هذا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يَصُومُ بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ وَقَالَ قَوْمٌ يَلْزَمُ قَالَ فَإِنْ صَامَ بِقَوْلِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا عَرَفَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ أَنَّ غَدًا من رمضان أو اخبره عارف بذلك فَصَدَّقَهُ فَنَوَى وَصَامَ بِقَوْلِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَصَلَ لَهُ بِهِ غَلَبَةُ ظَنٍّ فأشبه مالو أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ النُّجُومَ وَالْحِسَابَ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ قَالَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِذَلِكَ قَالَ ابن الصباغ أما بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ هذا كلام

صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّ الْحَاسِبَ وَالْمُنَجِّمَ لَا يَعْمَلُ غَيْرُهُمَا بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَعْمَلُ غَيْرُ الْحَاسِبِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ هُوَ الصَّوْمُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ الْحِسَابَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ بِمَا يَقْتَضِيهِ حِسَابُ الْمُنَجِّمِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ الصَّوْمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَا مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَأَمَّا) الْجَوَازُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يجوز تقليد المنجم في حسابه لافى الصَّوْمِ وَلَا فِي الْفِطْرِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَلِمَ بِهِ وُجُودَ الْهِلَالِ وَذَكَرَ أَنَّ الْجَوَازَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ فَلَوْ عَرَفَهُ بِالنُّجُومِ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ بِهِ قَطْعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْمُسَوَّدَاتِ تَعَدِّيَةَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى غَيْرِ الْمُنَجِّمِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يَلْزَمُ الْحَاسِبُ وَلَا الْمُنَجِّمُ وَلَا غَيْرُهُمَا بِذَلِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ فَرْضِهِمَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لَهُمَا وَيُجْزِئُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا (وَالْخَامِسُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُفْطِرُ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ سِرًّا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِلتُّهْمَةِ فِي دِينِهِ وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ قال اصحابنا: ولو رؤى رَجُلٌ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ يَأْكُلُ بِلَا عُذْرٍ عُزِّرَ فَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْأَكْلِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ الْبَارِحَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مالو شَهِدَ أَوَّلًا فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَا يُعَزَّرُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَالصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ صَامَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الصَّوْمِ بِرُؤْيَتِهِ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ جَامَعَ فِيهِ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سيرين وابو ثور واسحق بن راهويه لا يلزمه * وقال أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَلَكِنْ إنْ جَامَعَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْفِطْرِ لِمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِيهِ * دَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَدِيثُ وَلِأَنَّ يَقِينَ نَفْسِهِ أَبْلَغُ مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) لَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَا سَائِرِ الشُّهُورِ غَيْرَ

هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ السَّابِقِ قَرِيبًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَالًا وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قُلْتُ بِمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ لَمْ أَكُنْ مُبْعِدًا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ هَلْ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ رَمَضَانَ أَمْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ خَاصَّةً (فَأَمَّا) الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا عُلِّقَ عَلَى رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَيْهِ وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَا يَتِمُّ حَوْلُ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ الْمُؤَجَّلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآجَالِ بِلَا خلاف بل لابد في كل ما سوى الصوم مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ كَامِلَيْ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ * {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ مَاتَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ فِي إثْبَاتِ إرْثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ وَحِرْمَانِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذكره في آخر كتاب الصيال وَالرِّدَّةِ * {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْبَيَانِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ عَقَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَنْ يَثِقُ بِخَبَرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَصَدَّقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ وَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ عَاقِلٌ (فَأَمَّا) إذَا صَامَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ * {فَرْعٌ} لَوْ كَانَتْ لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ فَرَأَى إنْسَانٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ اللَّيْلَةُ أَوَّلُ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْمَنَامِ لَا لِصَاحِبِ الْمَنَامِ وَلَا لغيره ذكره القاضي حسين فِي الْفَتَاوَى وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَرَّرْتُهُ بِدَلَائِلِهِ

فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ شَرْطَ الرَّاوِي وَالْمُخْبِرَ وَالشَّاهِدَ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا حَالِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّوْمَ لَا تَيَقُّظَ فِيهِ وَلَا ضَبْطَ فَتُرِكَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْمَنَامِ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ الرَّاوِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هلال * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا ثُبُوتُهُ بِعَدْلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) ثُبُوتُهُ وَسَوَاءٌ أَصْحَتْ السَّمَاءُ أَوْ غَيَّمَتْ وَمِمَّنْ قَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ قَالَ يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ عَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث والماجشون وإسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ رَجُلَانِ أو رجل وامرأتان كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ غير رَمَضَانُ إلَّا بِاثْنَيْنِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً لَمْ يَثْبُتْ رَمَضَانُ بِوَاحِدٍ وَلَا بِاثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدَدِ الِاسْتِفَاضَةِ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَنْظُرَ الْجَمَاعَةُ الْكَبِيرَةُ إلَى مَطْلَعِ الْهِلَالِ وَأَبْصَارُهُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيَرَاهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دُونَهُمْ * وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ اثْنَيْنِ بِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سبق بيانه قريبا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرُهُمْ وقال الحاكم هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَيْرِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وكذا رواه أَبُو دَاوُد مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ مُرْسَلًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مَوْصُولًا وَمِنْ طُرُقٍ مُرْسَلًا وَطُرُقُ الِاتِّصَالِ صَحِيحَةٌ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَنَّ مَعَ مَنْ وَصَلَهُ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْعُمْدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَانَ لَا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الْإِفْطَارِ الا شهادة رجلين " فرواه الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ

قَالَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ كِفَايَةٌ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وأحسبه قال وأمر الناس بالصيام وَقَالَ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ بَعْضُهُمْ دُونَ جُمْهُورِهِمْ لِحُسْنِ نَظَرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وليس هذا ممتنعا ولهذا لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يُنْقَضْ بِالْإِجْمَاعِ وَوَجَبَ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِيلًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَوَجَبَ نَقْضُهُ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَنْسُكُ هِلَالَ شَوَّالٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ ولابد مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُكْمَ الْأَهِلَّةِ وَاعْتَمَدُوا الْعَدَدَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ نَحْرِكُمْ " وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " وَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " أَيْ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَفِي روايات " الشهر هكذا وهكذا وهكذ وأشار باصابعه الْعَشْرِ وَحَبَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نجسب الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لما صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " مَا صُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْتُ مَعَهُ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَالْجَوَابُ) " عَنْ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " أَيْ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا أَوْ لَا يَنْقُصَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَعًا غَالِبًا وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ نَحْرِكُمْ " أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ مُنْكَرٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حسن ولفظه

" الْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصحيح من مذهبنا أنه لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وحكاه ابن المنذر عن الليث والماجشون المالكى ولم يحك عن أحد قبولها * * قال المصنف رحمه الله * {وإن اشتبهت الشهور علي اسير لزمه ان يتحرى ويصوم كما يلزمه ان يتحرى في وقت الصلاة وفى القبلة فان تحرى وصام فوافق الشهر أو ما بعده اجزأه فان وافق شهرا بالهلال ناقصا وشهر رمضان الذى صامه الناس كان تاما ففيه وجهان (احدهما) يجزئه وهو قول الشيخ ابي حامد الاسفراينى رحمه الله تعالى لان الشهر يقع علي مابين الهلالين ولهذا لو نذر صوم شهر فصام شهرا ناقصا بالاهلة اجزأه (والثاني) انه يجب عليه صوم يوم وهو اختيار شيخنا القاضي ابي الطيب وهو الصحيح عندي لانه فاته صوم ثلاثين وقد صام تسعة وعشرين يوما فلزمه صوم يوم وان وافق صومه شهرا قبل رمضان قال الشافعي لا يجزئه ولو قال قائل يجزئه كان مذهبا قال أبو اسحق المروزى لا يجزئه قولا واحدا وقال سائر اصحابنا فيه قولان (احدهما) يجزئه لانه عبادة تفعل في السنة مرة فجاز ان يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ كالوقوف بعرفة إذا اخطأ الناس ووقفوا قبل يوم عرفة (والثانى) لا يجزئه وهو الصحيح لانه تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ في القضاء فلم يعتد له بما فعله كما لو تحرى في وقت الصلاة قبل الوقت} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ عِبَادَةٌ تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً احْتِرَازٌ مِنْ الْخَطَأِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالِاحْتِرَازُ فِي قَوْلِهِ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي قَاسَهُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قطع المصنف والاصح انه لا يُجْزِئُهُمْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ مَحْبُوسٍ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ اشتهبت عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بلا

اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اجْتَهَدَ وَصَامَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ أَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَهَذَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ الْإِصَابَةُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا فِي الشَّهْرِ قَالَ وَدَلِيلُنَا إجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ اجتهد في القبلة ووافقها وأما الشك فانهما يَضُرُّ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِاجْتِهَادٍ بِدَلِيلِ الْقِبْلَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ صَامَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ بَعْدَ وجوبه ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ هَذَا الصَّوْمُ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) قَضَاءً لِأَنَّهُ خَارِجُ وَقْتِهِ وَهَذَا شَأْنُ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) أَدَاءً لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مااذا كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ قُلْنَا قَضَاءً لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَصَامَ شَهْرًا تَامًّا وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ وَرَمَضَانُ تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَافَقَ غَيْرَ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ صَوْمَ الْعِيدِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عَلَيْهِ إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَيَقْضِي يَوْمًا إنْ نَقَصَ بَدَلَ الْعِيدِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمًا إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَإِلَّا فَيَوْمَيْنِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بَدَلَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِنْ وَافَقَ ذى الْحِجَّةِ حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ تَمَّ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا الْعِيدُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ ناقصا

قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى أَرْبَعَةً إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَخَمْسَةً وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِكُلِّ حَالٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَذُو الْحِجَّةِ كَشَوَّالٍ كَمَا سَبَقَ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يُصَادِفَ صَوْمُهُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ فَيُنْظَرُ إنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ لَزِمَهُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ (وَإِنْ) لَمْ يَبِنْ الْحَالُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) لَا قَضَاءَ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَادَفَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ هَلْ هُوَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ لِلضَّرُورَةِ أَجْزَأَهُ هُنَا وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ كَمَا جُعِلَ أَدَاءً بَعْدَ وَقْتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا قَبْلَهُ وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَضَاءٌ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ هُنَا وَهَذَا الْبِنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ قَوْلَيْنِ (وَأَمَّا) مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءُ قَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْحَالُ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي قَضَاءِ الْمَاضِي مِنْهُ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا بَانَ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ جَمِيعِ رَمَضَانَ والله تعالى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا صَامَ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ صَوْمُهُ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ كَيَوْمِ الْعِيدِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ * {فَرْعٌ} ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّوْمِ إذَا صَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ مَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْأَوَانِي إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ النَّجَسِ وَصَلَّى هَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي تَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رِحْلَةٍ وَتَيَمَّمَ أَوْ نَسِيَ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ أَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ رَأَوْهُ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا أَوْ بَانَ بَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فَبَانَ غَنِيًّا أو أحج

عن نفسه لكونه معضوبا فبرأ أو غلطوا ووفقوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ خِلَافٌ بَعْضُهُ كَبَعْضٍ وَبَعْضُهُ مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ أَوْ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُقَرَّرَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مَبْسُوطَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ مَجْمُوعَةً ايضا في باب طهارة البدن وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الاسير ونحوه إذا اشتبهت عليه الشهور يَتَحَرَّى وَيَصُومُ بِمَا يَظْهَرُ بِالْعَلَامَةِ أَنَّهُ رَمَضَانُ فلو تحرى فلم يظهر له شئ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ وَيَلْزَمُهُ القضاء كالمصلى إذا لم تظهر له الْقِبْلَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ رَمَضَانَ بِيَقِينٍ وَلَا ظَنٍّ لَا يَلْزَمُهُ الصِّيَامُ كَمَنْ شَكَّ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (وَالثَّانِي) قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ وَلَا ظَنَّهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرَادَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ جَاءَ أَوْ مَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ وَلَا ظَنَّ عَيْنَهُ لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ يَصُومُ وَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ فِي رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَأَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الثَّابِتَ بِنَوْعِ دَلَالَةٍ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ صَادَفَ شَهْرًا غَيْرَهُ فلا كفارة لان الكفارة لحرمة - ضرمان وَلَمْ يُصَادِفْ رَمَضَانَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَوَلَّيْ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِيَامِ الْأَسِيرِ بِالِاجْتِهَادِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَادَفَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ

وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ فَقَالَ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَبَقَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ * {فَرْعٌ} إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ اللَّيْلَ وَلَا النَّهَارَ بَلْ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الظُّلْمَةُ دَائِمًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ لِلْأَصْحَابِ (أَحَدُهَا) يَصُومُ وَيَقْضِي لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ (وَالثَّانِي) لَا يَصُومُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ جَهَالَةِ الْوَقْتِ (وَالثَّالِثُ) يَتَحَرَّى وَيَصُومُ وَلَا يَقْضِي كَيَوْمِ الْغَيْمِ فِي الصَّلَاةِ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي وَالصَّوْمُ ولا قضاء عليه هذا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيمَا بَعْدُ الْخَطَأُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَادَفَ اللَّيْلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بلا خلاف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {ولا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غير نية كالصلاة وتجب النية لكل يوم لان صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس لا يفسد بفساد ما قبله ولا بفساد ما بعده فلم يكفه نية واحدة كالصلوات ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب بنية من النهار لما روت حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصيام من الليل فلا صيام له " وهل تجوز نيته مع طلوع الفجر فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ لانه عبادة فجازت بنية تقارن ابتداءها كسائر العبادات (وقال) أكثر أصحابنا لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة رضي الله عنها ولان أول وقت الصوم يخفى فوجب تقديم النية عليه بخلاف سائر العبادات فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جميع الليل فيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا تجوز إلا في النصف الثاني قياسا علي أذان الصبح والدفع من المزدلفة (وقال) أكثر أصحابنا يجوز في جميع الليل لحديث حفصة ولانا لو أوجبنا النية في النصف الثاني ضاق علي الناس ذلك وشق وان نوى بالليل ثم أكل أو جامع لم تبطل نيته وحكي عن أبي اسحق انه قال تبطل لان الاكل ينافى الصوم فأبطل النية والمذهب الاول وقيل ان أبا اسحق رجع عن ذلك والدليل ان الله تعالي أحل الاكل الي طلوع الفجر فلو كان الاكل يبطل النية لما جاز أن يأكل الي الفجر لانه يبطل النية} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةِ الِاخْتِلَافِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَوْقُوفًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الطُّرُقِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ طُرُقِهِ ضَعِيفًا أو موقوفا فَإِنَّ الثِّقَةَ الْوَاصِلَ لَهُ مَرْفُوعًا مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرُ الْحُفَّاظِ رِوَايَةً لِطُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ النَّسَائِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَوْقُوفًا علي حفصة وفى بعضها موقوفا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ عائشة وحفصة موقوفا عليهما وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر قَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي إسْنَادِهِ وَفِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (قُلْتُ) وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الرَّافِعِينَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " يُبَيِّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَفِي بَعْضِهَا يُجْمِعَ وَيُجَمِّعُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَكُلُّهُ بِمَعْنًى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَاحْتِرَازٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهَا (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ اللِّسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَكْفِي عَنْ نِيَّةِ الْقَلْبِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ مَعَ الْقَلْبِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (الثَّانِيَةُ) تَجِبُ النِّيَّةُ كُلَّ يَوْمٍ سَوَاءٌ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَوْ نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ لِغَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ تَصِحُّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا لَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَغَيْرُهُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ النِّيَّةَ قَدْ فَسَدَ بَعْضُهَا (الثالثة) تبييت النية شرط في صوم رمضان وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا الْقَضَاءُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلَا صَوْمُ

فدية الحج غيرها مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صَوْمِ النَّذْرِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي أنه يَسْلُكُ بِهِ فِي الصِّفَاتِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَمَنْدُوبِهِ (إنْ قُلْنَا) كَوَاجِبٍ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ كَالنَّفْلِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْمُتَوَلِّي هُنَا وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ من الخراسانيين في كتاب النذور وَالْمَذْهَبُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ فِي النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْمَنْدُوبِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ هُنَا عَامٌّ فِي اشْتِرَاطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ خُصَّ مِنْهُ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ عَلَى الْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَوَى قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى مَعَ الفجر فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرِ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَآخَرُونَ وَالْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ إمْسَاكَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِيَكْمُلَ له الصوم جَمِيعِ النَّهَارِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِيَسْتَوْعِبَهُ (فَغَلَطٌ) لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجِبُ فِيهِ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر) وَإِنَّمَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَتَحَقَّقَ كَمَالُ النَّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَوْمَ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا نَوَاهُ وَفِي انْعِقَادِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ * {فَرْعٌ} لَا يَصِحُّ صَوْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَتَقْدِيرُهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ (الرَّابِعَةُ) تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي جميع الليل مابين غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ

حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ وَبَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي فَقَالَ هُوَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَغْلِيطِهِ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ فِيهِ وَجْهَانِ فَعِبَارَةٌ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِمَا إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ مَعَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي جَارٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا النِّيَّةَ مَعَ الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا مَعَ الْفَجْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَبْلَهُ وَهَذَا لَا خلاف فيه فلابد من تأويل كلام المصنف والله تعالى أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قِيَاسُ ابْنِ سَلَمَةَ عَلَى أَذَانِ الصُّبْحِ وَالدَّفْعِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَقِيَاسٌ عَجِيبٌ وَأَيُّ علة تجعهما وَلَوْ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْأَذَانِ وَالدَّفْعِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لَا حَرَجَ فِيهِ بِخِلَافِ النِّيَّةِ فَقَدْ يَسْتَغْرِقُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِالنَّوْمِ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ وَهَذَا حَرَجٌ شَدِيدٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى بِاللَّيْلِ الصَّوْمَ ثُمَّ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَهَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا حكاه المصنف وكثيرون بل الاكثرون عن ابن اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُنَافِيَاتِ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فِي اللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ قَالَ وَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ اسْتَمَرَّ نَوْمُهُ إلَى الْفَجْرِ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ ابى اسحق غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ المصنف وآخرون وقيل أن أبا اسحق رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ هَذَا النقل لا يصح عن ابي اسحق وقال إمام الحرمين رجع أبو اسحق عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا الذى قاله أبو إسحق غَلَطٌ قَالَ وَحَكَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ لما بلغه قول ابي اسحق هَذَا قَالَ هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ويستتاب أبو إسحق هَذَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ ابى بكر الحزنى أنه حكى للاصطخري قول ابي اسحق هذا فقال خرق الاجماع حكاه الحزني لابي اسحق بحضرة ابن القطان فلم يتكلم أبو اسحق قَالَ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ النية لا تبطل بشئ مِنْ هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ الْغَفْلَةَ هَلْ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ النَّوْمِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَهَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى ابى اسحق قَالَ وَالْمَذْهَبُ اطِّرَاحُ كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

* قال المصنف رحمه الله * {وأما صوم التطوع فانه يجوز بنية قبل الزوال وقال المزني لا يجوز الا بنية من الليل كالفرض والدليل علي جوازه ماروت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أصبح اليوم عندكم شئ تطعمون فقالت لا فقال انى إذا صائم " ويخالف الفرض لان النفل أخف من الفرض والدليل عليه انه يجوز ترك الصيام واستقبال القبلة في النفل مع القدرة ولا يجوز في الفرض وهل يجوز بنية بعد الزوال فيه قولان (روى) حرملة انه يجوز لانه جزء من النهار فجازت نية النفل فيه كالنصف لاول (وقال) في القديم والجديد لا يجوز لان النية لم تصحب معظم العبادة فأشبه إذا نوى مع غروب الشمس ويخالف النصف الاول فان النية هناك صحبت معظم العبادة ومعظم الشئ يجوز أن يقوم مقام كل الشئ ولهذا لو ادرك معظم الركعة مع الامام جعل مدركا للركعة ولو ادرك دون المعظم لم يجعل مدركا لها فان صام المتطوع بنية من النهار فهل يكون صائما مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فيه وجهان (قال) أبو اسحق يكون صائما من وقت النية لان ما قبل النية لم يوجد فيه قصد القربة فلم يجعل صائما فيه (وقال) اكثر اصحابنا انه صائم من اول النهار لانه لو كان صائما من وقت النية لم يضره الاكل قبلها} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رواه مسلم ولفظه قَالَتْ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عندكم شئ فقلت يارسول الله ما عندنا شئ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اصوم (وقوله) صلى الله عليه وسلم " إذا أَصُومُ " مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ نِيَّةَ الصِّيَامِ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَسَأَذْكُرُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِمَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ فَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهِ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ تَصِحُّ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَصِحُّ وَنَصَّ فِي كِتَابَيْنِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كُتُبِ الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالنِّيَّةِ بَلْ يَبْقَى بَيْنَهُمَا زَمَنٌ وَلَوْ أَدْنَى لَحْظَةً صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ

وَصَحَّحْنَاهُ فَهَلْ هُوَ صَائِمٌ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فَقَطْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَبْلَهُ أَمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهُ الْقَائِلُ يُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ هُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ قَالُوا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِبَادَةَ قَبْلَ النِّيَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ فَقَدْ يُدْرِكُ بَعْضَ الْعِبَادَةِ وَيُثَابُ كَالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابَ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ باتفاق الاصحاب وبهذا ردوا على ابى اسحق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ نَوَى الْوُضُوءَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَمْ يَنْوِ قَبْلَهُ فانه لا يُثَابُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَوْ حُذِفَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْهُ صَحَّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ اُشْتُرِطَتْ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ أَوَّلِ النِّيَّةِ فَفِي اشْتِرَاطِ خُلُوِّ أَوَّلِ النَّهَارِ عَنْ الاكل والجماع وغيرها وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فعل غير ذلك من المنافيات ثُمَّ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ وَيُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطيب في المجرد وَجْهًا مُخَرَّجًا قَالَا وَالْمُخَرِّجُ لَهُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ جَمَاعَةٍ من الصحابة أبي طَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَا أَظُنُّهُ صَحِيحًا عَنْهُمْ (فان قلنا) بالذهب أَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ شَرْطٌ فَلَوْ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ حَائِضًا ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَنَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: فِي السِّلْسِلَةِ الْوَجْهَانِ فِي وَقْتِ ثَوَابِ الصَّائِمِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قدوم زيد فقدم ضحوة وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ إنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

{ولا يصح صوم رمضان الا بتعيين النية وهو ان ينوى انه صائم من رمضان لانه قربة مضافة إلى وقتها فوجب تعيين الوقت في نيتها كصلاة الظهر والعصر وهل يفتقر إلى نِيَّةُ الْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ يلزمه ان ينوى صوم فرض رمضان لان صوم رمضان قد يكون نفلا في حق الصبى فافتقر إلى إلى نية الفرض ليتميز عن صوم الصبى (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يفتقر الي ذلك لان رمضان في حق البالغ لا يكون الا فرضا فلا يفتقر إلى تعيين الفرض فان نوى في ليلة الثلاثين من شعبان فقال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان أو عن تطوع فكان من رمضان لم يصح لعلتين (احداهما) انه لم يخلص النية لرمضان (والثانية) ان الاصل انه من شعبان فلا تصح نية رمضان ولو قال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان وان لم يكن من رمضان فانا صائم عن تطوع لم يصح لعلة واحدة وهو أن الاصل أنه من شعبان فلا تصح نية الفرض فان قال ليلة الثلاثين من رمضان ان كان غدا من رمضان فانا صاثم عن رمضان أو مفطر فكان من رمضان لم يصح صومه لانه يخلص النية للصوم وان قال ان كان غدا من رمضان فانا صائم عن رمضان وان لم يكن من رمضان فانا مفطر فكان من رمضان صح صومه لانه اخلص النية للفرض وبني على أصل لان الاصل انه من رمضان} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قُرْبَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُهَا عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا نَذْرٌ وَلَا فِدْيَةُ حَجٍّ وَلَا غير ذلك من الصيام الواحب إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " فَهَذَا ظاهر في اشتراط التعيبن لِأَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ فُهِمَ اشْتِرَاطُهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّانِيَةُ) صِفَةُ النِّيَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُجْزِئَةِ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَكَذَا رَمَضَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا وَجْهَ الْحَلِيمِيِّ السَّابِقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قبلها (وأما) الاداء والفرضية فَفِيهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ مُوَضَّحًا بِدَلِيلِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وَهُنَاكَ أَنَّ الاداء لا يشترط (وأما) الفرضية فَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ هُنَاكَ وَهُنَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الاكثرين هناك

الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَيْضًا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا وَصَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ الْبَالِغِ قَدْ تَكُونُ نَفْلًا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا فِي جَمَاعَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ذَكَرَهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) لا تجب وبه قطع العراقيون (وأما) لتقييد بِهَذِهِ السَّنَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِهِ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ وهو بمعني فرض هذا السنة وهو ايضا غلط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ إذَا نَوَى يَوْمًا وَأَخْطَأَ فِي وَصْفِهِ لَا يَضُرُّهُ (مِثَالُهُ) نَوَى لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ صَوْمَ الْغَدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ صَوْمَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَوْ نَوَى وَهُوَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ صَوْمَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ لَكِنْ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهُوَ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطيلب وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي جميع هذه الصور ولا فرق بينها * {فَرْعٌ} قَالَ الرَّافِعِيُّ اشْتِرَاطُ الْغَدِ فِي كَلَامِ الاصحاب في تفسير التعيبن قَالَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التبييت * {فرع} حكم التعيبن فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وسبقت الاشارة الي شئ مِنْهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَيَصْحُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ كَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ (الثالثة) قال أصحبنا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً فَلَوْ نَوَى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ رَدَّدَ نِيَّتَهُ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ان كان

مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا بَانَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلٍ يَسْتَصْحِبُهُ وَلَا ظَنٍّ يَعْتَمِدُهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رَمَضَانَ ولانه إذا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ بِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَتَطَوَّعُ أَوْ قَالَ أَصُومُ أَوْ أُفْطِرُ وَصَادَفَ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ وان قال اصوم غدا عن رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ فَكَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ فأجزأه استصحابا للاصل (الحال الثاني) أن يعتد كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ اعْتِقَادُهُ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ ثم بان أنه من رمضان أجزأه هذا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَحْصُلُ ظَنًّا بِأَنْ اعْتَمَدَ قَوْلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فبان منه اجزأه بلا خلاف هكذا نقله الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّبْيَانَ وَصَرَّحَ بِهِ كُلَّهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فَصَرَّحَ بِالصِّبْيَانِ ذَوِي الرُّشْدِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ مَنْ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ وَكَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاعْتِمَادِ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَصِحَّةِ الصَّوْمِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قَالَ فِي نِيَّتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرَ طَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى أَصْلٍ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ الْخِلَافِ وَإِنْ جَزَمَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْجَزْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ لَهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَإِنْ سَمَّاهُ جَزْمًا قَالُوا وَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ اسْتِنَادِ الِاعْتِقَادِ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا الصَّوْمُ مُسْتَنِدًا إلَى دَلَالَةِ الْحِسَابِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَيَجِبُ الصَّوْمُ وَيُجْزِئُ إذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ مَا قَدْ يَبْقَى مِنْ الِارْتِيَابِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحُصُولِ الِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قَالَ

أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَمَارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَصَادَفَ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ تَطَوُّعًا لم يجزئه غن الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَيَصِحُّ نَفْلًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ وَاَللَّهُ تعالي اعلم * {ومن دخل في الصوم ونوى الخروج منه بطل صومه لان النية شرط في جميعه فإذا قطعها في اثائه بقي الباقي بغير نية فبطل وإذا بطل البعض بطل الجميع لانه لا ينفرد بعضه عن بعض ومن اصحابنا من قال لا يبطل لانه عبادة تتعلق الكفارة بجنسها فلم تبطل بنية الخروج كالحج والاول أظهر لان الحج لا يخرج منه بما يفسده والصوم يخرج منه بما يفسده فكان كالصلاة} * {الشرح} قوله تتعلق الْكَفَّارَةُ بِجِنْسِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) يُخْرَجُ مِنْ الصَّوْمِ بِمَا يُفْسِدُهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْحَجِّ بِمَا يُفْسِدُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ صَارَ خَارِجًا مِنْهُ فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِهَذَا الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَكِنْ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يُفْسِدْ بِجِمَاعِهِ صَوْمًا (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَإِذَا افسده بِالْجِمَاعِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ بَلْ حُكْمُ إحْرَامِهِ بَاقٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَلَوْ قتل بعد صيد أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَلْ هُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ فَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُمَا مفترقان في الخروج وعدمه متفقان فِي وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِي صَوْمٍ ثُمَّ نَوَى قطعه فهل يبطل فيه وجهان مشهوان ذكر المصنف دليلهما (اصحهما) عند المصنف والغوى وَآخَرِينَ بُطْلَانُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ ومالا يَبْطُلُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَسَبَقَ أَيْضًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ * هَذَا إذَا جَزَمَ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ فِي الْحَالِ فَلَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ عَلَى دُخُولِ زَيْدٍ مَثَلًا فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ جَزَمَ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ فَدَخَلَ زَيْدٌ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ هَلْ يَبْطُلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَبْطُلُ

مسائل تتعلق بنية الصوم

حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ صِفَةِ اصلاة وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ بَعْدَ سَاعَةٍ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ * وَمَتَى نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَقُلْنَا إنَّهُ يَبْطُلُ فَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهُ فِي الْحَالِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانُ إمْكَانِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ صَائِمًا عَنْ نَذْرٍ فَنَوَى قَلْبُهُ إلَى كَفَّارَةٍ أَوْ عَكْسِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الَّذِي كَانَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تُبْطِلُهُ بَقِيَ عَلَى ماكان وَلَا أَثَرَ لِمَا جَرَى (وَإِنْ قُلْنَا) تُبْطِلُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَمْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ فِيمَنْ نَوَى قَلْبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَصْرًا وَشَبَهَهُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي انْقِلَابِهِ نَفْلًا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَرَمَضَانُ لَا يَقَعُ فِيهِ نَفْلٌ أَصْلًا كما سنوضحه قريبا ان شاء الله تعلي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ (إحْدَاهَا) إذَا نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ فِي اللَّيْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً يَتِمُّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ مُعْتَادَةً عَادَتُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَهِيَ تُتِمُّ فِي اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَيَتِمُّ بِاللَّيْلِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ نِيَّتُهَا وَصَوْمُهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عَادَتِهَا فَقَدْ بَنَتْ نِيَّتَهَا عَلَى أَصْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَا يَتِمُّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي اللَّيْلِ أَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ * (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ أَوْ عَزَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِهِ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَصْدُ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ أَتَسَحَّرُ لِأَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي النِّيَّةِ قَالَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأَحْكَامِ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَتَسَحَّرُ لِلصَّوْمِ أَوْ أَشْرَبُ لَدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً لِلصَّوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ لِيَصُومَ صَوْمَ كَذَا فَقَدْ قَصِدَهُ * (الثَّالِثَةُ) لَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ الصَّوْمِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ إلَى تَمَامِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ قَصَدَ تَعْلِيقَهُ وَالشَّكَّ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَشَأْنُهُ أَنْ يُوقِعَ مَا نَطَقَ بِهِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ صَوْمُهُ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَعَ

صَاحِبُ الْبَيَانِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ابي الطَّيِّبِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْأُمُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ مَا اتَّصَلَ بِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنْ قَصَدَ الشَّكَّ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَمْكِينِهِ صَحَّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ * (الرَّابِعَةُ) إذَا نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ حتى طلع الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ اللَّيْلُ وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُ النَّهَارِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ الصَّوْمَ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْتَاطُ بِالنِّيَّةِ (الْخَامِسَةُ) * إذَا نَوَى وَشَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أن يجئ فِيهِ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَإِنَّ فِي حُصُولِ الرَّكْعَةِ لَهُ خِلَافًا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ * وَلَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَجْزَأَهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ به صاحب البيان قال هو والصميرى وَلَوْ أَصْبَحَ شَاكًّا فِي أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَتَعَيَّنُ رَمَضَانُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى فِيهِ الْحَاضِرُ أَوْ الْمُسَافِرُ أَوْ الْمَرِيضُ صَوْمَ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لَا عَمَّا نَوَاهُ وَلَا عَنْ رَمَضَانَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ إلَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَوْ أَصْبَحَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ غَيْرَ نَاوٍ فَنَوَى التَّطَوُّعَ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَصِحُّ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ التَّطَوُّعُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالصَّائِمِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ جِنْسُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ فَرْضِ التَّشَبُّهِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يحرم احراما آخر صحيحا لم بنعقد لانه يلزمه الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّابِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ النِّيَّةِ لَوْ نَوَى فِي اللَّيْلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا لِأَنَّ تَرْكَ النية ضد للنية بخلاف مالو أكل في الليل بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ ضِدَّهَا (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ صَوْمٌ أَصْلًا لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَنْوِ رَمَضَانَ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا نِيَّةُ اللَّيْلِ وَهَلْ يَنْعَقِدُ نَفْلًا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَاجِبًا لَا يَدْرِي

مذاهب العلماء في نية الصوم

هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَنَوَى صَوْمًا وَاجِبًا أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ قَالَ أَصُومُ غدا ان شاء زيد أو ان نَشَطْتُ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ وَإِنْ قَالَ ماكنت صَحِيحًا مُقِيمًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ (الْحَادِيَةَ عشر) لَوْ شَكَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَلْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَنَّهُ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَالْبَغَوِيُّ وآخرون وقاسه البغوي علي مالو شك المصلي في النية ثم تذكرها قَبْلَ إحْدَاثِ رُكْنٍ (الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الثَّانِي فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مشهوران حكاهما البغوي وآخرون جزم الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةٍ فنوى قضاءه من صوم أُخْرَى غَلَطًا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عليه كفارة قَتَلَ فَأَعْتَقَ بِنِيَّةِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ عَنْ وَاجِبِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ احْتِمَالَيْنِ لَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّقْلَ فِيهَا * (الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ) فِي مَسَائِلَ جَمَعَهَا الدَّارِمِيُّ هُنَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ عَلَى شَكٍّ وَذَكَرَ الْمَسَائِلَ السَّابِقَةَ قَرِيبًا إذَا نَوَى يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الْغَدِ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ قَالَ وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنْ كُنْتُ مُحْدِثًا فَهَذَا لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَتَبَرُّدٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَقَالَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَنَوَى إنْ كَانَتْ دَخَلَتْ فَعَنْهَا وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَقَالَ أُصَلِّي عَنْهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ فَكَانَتْ أَجْزَأَهُ وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُهَا إنْ كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إنْ كَانَتْ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْرَجَ دارهم وَنَوَى هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كُنْتُ كَسَبْتُ نِصَابًا أَوْ نَافِلَةً أَوْ قَالَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَلَوْ أَحْرَمَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاكٌّ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِحْرَامِي بِعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَهُوَ حَجٌّ فَكَانَ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ حَجًّا صَحِيحًا وَلَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بافيا فَجُمُعَةٌ وَإِلَّا فَظُهْرٌ فَبَانَ بَقَاؤُهُ فَفِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ وَالتَّطَوُّعُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كافة الا عطاء ومجاهد وَزُفَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الصَّوْمُ مُتَعَيَّنًا بان يكون صحبحا مقما فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا صَوْمُ النَّذْرِ

وَالْكَفَّارَةِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ * وَاحْتُجَّ لِعَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ رَمَضَانَ مُسْتَحَقُّ الصَّوْمِ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَبِحَدِيثِ حَفْصَةَ السَّابِقِ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ لُغَةً وَشَرْعًا وَلَا يتميز الشرعي عن اللغوى الا بالنية فوجبت للتمييز (وَالْجَوَابُ) عَمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا قَدْرُ الْفَرْضِ فَإِنَّ هَذَا الزَّمَانَ مُسْتَحِقٌّ لِفِعْلِهَا وَيَمْنَعُ مِنْ إيقَاعِ غَيْرِهَا فِيهِ وَتَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِيهِ صَلَاةٌ أُخْرَى لَكِنْ لَوْ فُعِلَتْ انْعَقَدَتْ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا لَوْ فُعِلَتْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ مالك واحمد واسحق وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَكَذَا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَوَافَقْنَا عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَعَثَ يوم عشوراء إلَى أَهْلِ الْعَوَالِي وَهِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَصُومُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ " قَالُوا وَكَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ وَقِيَاسًا عَلَى صوم الفل * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَفْصَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ عَاشُورَاءَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يكن واجبا وانما كان تطوعا متأكدا شديدا التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا فَكَانَ ابْتِدَاءُ فَرْضِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ حِينِ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يخاطبوا بما قبله كاهل قبا فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَهَا بَلَغَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَهُمْ فِيهَا مِنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحُكْمُ إلَّا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ قَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَيَصِيرُ هَذَا كَمَنْ اصبح بلا نية ثم نذر في أثاء النَّهَارِ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاشُورَاءُ وَاجِبًا فَقَدْ نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أنه ليس بواجب وإذا نسخ حكم شئ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّطَوُّعِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ وَثَبَتَ حَدِيثُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ حَدِيثَ التَّبْيِيتِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَغَيْرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ صَوْمٍ * مَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ نِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة واسحق بن راهوايه وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ جَمِيعِهِ كَفَاهُ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لكل يوم وعن احمد واسحق رِوَايَتَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) كَمَالِكٍ * وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَفَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ * مَذْهَبُنَا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لا يصح إلا بنعيين النِّيَّةِ وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ (والثانى) يشترط قالة أبو اسحق المروزى وبوجوب التعيين قال مالك وأحمد واسحق وداود والجمهور واوجب هؤلاء الاربعة نية الفرضية وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَوْ نَوَى فِيهِ صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا أَوْ تَطَوُّعًا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَكَذَا صَوْمُ النَّذْرِ الْمُتَعَيَّنِ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ قَالَ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَنَوَى فَرْضًا آخَرَ وَقَعَ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَإِنْ نَوَى تَطَوُّعًا فَهَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَمَا نَوَى أَمْ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وانما لكل امرء مَا نَوَى " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ (وَأَجَابُوا) عَنْ الْحَجِّ بِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَلِهَذَا لَا يُخْرَجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى إحْرَامٍ كَإِحْرَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الزَّوَالِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لكن يأثم وقال أبو يوسف عليه الكفارة قَالَ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا كَفَّارَةَ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ كَالْجِمَاعِ فِي هَذَا قَالَ لِأَنَّ صَوْمَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مُرَاعًى حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صَحَّ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ فَقَدْ أَسْقَطَ الْمُرَاعَاةَ فَكَأَنَّهُ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ رَمَضَانَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ * وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَائِمٍ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّتُهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِهِ قَالَ علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَطَلْحَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَمَالِكٌ وَزُفَرُ وَدَاوُد لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَنْ يَسْرُدُ

الصَّوْمَ فَصَحَّحَ نِيَّتَهُ فِي النَّهَارِ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يوم فقال هل عندكم شئ قلنا لا قال فانى إذا صائم " رواه مسلم وفى رواية قال " إذا أصوم " رواها الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ أَنَّهُ عَامٌّ فَنَخُصُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَدَا لَهُ الصَّوْمُ بَعْدَ مَا زَالَتْ الشمس فصام والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {ويدخل فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِغُرُوبِ الشمس لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ إذَا اقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغابت الشمس من ههنا فقد أفطر الصائم " ويجوز أن يأكل ويشرب ويباشر الي طلوع الفجر لقوله تَعَالَى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخيط الاسود من الفجر) فان جامع قبل طلوع الفجر وأصبح وهو جنب جاز صومه لانه عز وجل لما أذن في المباشرة إلي طلوع الفجر ثم أمر بالصوم دل علي انه يجوز أن يصبح صائما وهو جنب وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم " فان طلع الفجر وفى فيه طعام فأكله أو كان مجامعا فاستدام بطل صومه وان لفظ الطعام أو أخرج مع طلوع الفجر صح صومه وقال المزني إذا اخرج مع طلوع الفجر لم يصح صومه لان الجماع إيلاج واخراج فإذا بطل بالايلاج بطل بالاخراج والدليل علي انه يصح صومه ان الاخراج ترك للجماع وما علق علي فعل شئ لا يتعلق بتركه كما لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو عليه فبدأ ينزعه لم يحنث وان اكل وهو يشك فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بقاء الليل وإن أكل وهو شاك في غروب الشمس لم يصح صومه لان الاصل بقاء النهار} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهِ " بَعْدَ الشَّمْسِ مِنْ هَهُنَا " وَإِنَّمَا قَالَ " وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِمَعْنَاهُ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى " إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا ذَكَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَإِقْبَالَ اللَّيْلِ وَإِدْبَارَ النَّهَارِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُرُوبَهَا عَنْ الْعُيُونِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَغِيبُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ عَنْ الْعُيُونِ وَلَا تَكُونُ غَرَبَتْ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها فرواه البخاري ومسلم أيضا من روايتها وَمِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا وَقَوْلُهَا " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ذَكَرَتْ الْجِمَاعَ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ وَإِنَّ الْمُحْتَلِمَ مَعْذُورٌ لِكَوْنِهِ قَدْ يُدْرِكُهُ

الصُّبْحُ وَهُوَ نَائِمٌ مُحْتَلِمٌ بِخِلَافِ الْمُجَامِعِ فَبَيَّنَتْ أَنْ تِلْكَ الْجَنَابَةَ مِنْ جِمَاعٍ ثُمَّ أَكَّدَتْهُ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِبَيَانِهِ فَقَالَتْ غَيْرِ احْتِلَامٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغُسْلِ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ هَلْ كَانَ الِاحْتِلَامُ مُتَصَوَّرًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُجِيبُ الْآخَرُ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْهُ لِلتَّوْكِيدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ يُقَالُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَذِنَ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ (وَقَوْلُهُ) لَفَظَ الطَّعَامَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ غُرُوبِهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِكْمَالُ النَّهَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ (الثَّانِيَةُ) يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحْقِيقُ صِفَتِهِ في باب مواقيت الصلاة ويصير منلبسا بِالصَّوْمِ بِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْمُرَادُ الطُّلُوعُ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا لَا الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَيَتَبَيَّنُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ طُلُوعُ فَجْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا غُرُوبُ شَمْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا

فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْفَجْرِ تَتَعَلَّقُ كُلُّهَا بِالْفَجْرِ الثَّانِي ولا يتعلق بالفجر الاول الكاذب شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ دَلَائِلِهِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهِ * {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ الْآنَ حِينَ تَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ تَسَحَّرَ ثُمَّ صَلَّى قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ مَسْرُوقٌ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ قَالَ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَمِيلُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَ عَلَى الْآخَرِينَ قَالَ إِسْحَاقُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ * وَحَكَى أصحابنا عن الاعمش واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا جَوَّزَا الْأَكْلَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُمَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر قلت يارسول اللَّهِ إنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ وَسَادَكَ لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ سَهْلِ بن سعد رضي الله عنهما قال " أُنْزِلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخيط الاسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادو الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ " رواه البخاري ومسلم وفى رواية مسلم رئتهما بِالرَّاءِ مَهْمُوزٍ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ

هَكَذَا وَقَالَ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رواه البخاري ومسلم * وسبق باب مواقيت الصلاة غير هذه من الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْفَجْرُ لِلْآيَةِ الكريمة (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) وَلِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رواية عن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ قَالَ " أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَنْظُرَانِ الْفَجْرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَصْبَحْتُ وَقَالَ الْآخَرُ لَا قَالَ اخْتَلَفْتُمَا أَرِنِي شَرَابِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرِنِي شَرَابِي جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَلَوْ كان قد تبين لما اختلف الرَّجُلَانِ فِيهِ لِأَنَّ خَبَرَيْهِمَا تَعَارَضَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَصْبَحْتُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمُقَارَبَةِ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَرَّحُوا بِذَلِكَ فَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ هُجُومًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَةِ السَّحُورِ لَا يَجُوزُ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ عَلَى الشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ وَلِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ بَلْ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا نعرف أحد من العلماء قال بتحريمه إلا مالك فَإِنَّهُ حَرَّمَهُ وَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ بَابًا فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ فَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَلَمْ يَنْقُلْ الْمَنْعَ إلَّا عَنْ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَفْضَلُ لِلشَّاكِّ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَفْعَلَ غَيْرَهُ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الصَّوْمِ احْتِيَاطًا (الرَّابِعَةُ) لَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ الشَّكُّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ * وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ سَبَقَتْ أَدِلَّةُ المسألة في المسألة قبلها قال أصحابنا وينبغي للصائم أن لا يَأْكُلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَلَوْ غَلَبَ علي ظنه غروبها باجتهاد بورد أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره وجها للاستاذ أبي اسحق الاسفراينى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِصَبْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ فَبَانَتْ طَالِعَةً أَوْ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا صَارَ مُفْطِرًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ

فيهما لانه معذر وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ غَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ وَمِنْ الْأَسِيرِ إذَا اجْتَهَدَ فِي الصَّوْمِ وَصَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلشَّاكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي الثَّانِيَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ هَجَمَ عَلَى الْأَكْلِ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ بِلَا ظَنٍّ وَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ بَانَ التَّيَقُّنُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ فِي النَّهَارِ اسْتَمَرَّتْ صِحَّةُ صَوْمِهِ وَإِنْ دَامَ الْإِبْهَامُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ وَلَا الصَّوَابُ فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ وَلَوْ أَكَلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِالِاجْتِهَادِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ فَاسْتَمَرَّ الْإِبْهَامُ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ قلنا بقول الاستاذ أبى اسحق إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ وصادف اكله الليل حيث قلنا لاقضاء عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ أَوْ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَصَادَفَ الصَّوَابَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ هُنَاكَ شَرَعَ فِي الْعِبَادَةِ شَاكًّا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَلَمْ يَصِحَّ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ الشَّكَّ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ بَلْ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَشَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ وُجِدَ مُفْسِدٌ لَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِيهَا وَقَدْ بَانَ أَنْ لَا مُفْسِدَ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْهَا أَمْ لَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَجَامَعَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تجب علي من أفسد الصوم يجماع أَثِمَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ الْمَذْكُورِ لِوُجُوبِهَا (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا جَامَعَ فِي اللَّيْلِ وَأَصْبَحَ وَهُوَ جُنُبٌ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ فَنَوَتَا صَوْمَ الْغَدِ وَلَمْ يَغْتَسِلَا صَحَّ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وابن مسعود وأبي ذر وزيد ابن ثَابِتٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَبِي هريرة والحسن البصري وعن طاوس وعروة

ابن الزُّبَيْرِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ جَنَابَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَصِحُّ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ " مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ * دَلِيلُنَا نَصُّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إلي الليل) وَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا إذَا بَاشَرَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتَا " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لَهُمَا فِي الصَّحِيحِ " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ " وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مثلنا يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لارجو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَنْسُوخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِمَاعَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إذَا أَصْبَحَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ أَنْ يَصُومَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يفتى بما سمعه من الفضل ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّسْخَ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعَ إلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهُ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إنْ احْتَلَمَ فِي اللَّيْلِ وَأَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ وَأَصْبَحَ جُنُبًا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ احْتَلَمَ فِي النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَوْمِ الْجُنُبِ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ فَإِنْ لَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فَلَوْ لفظه في الحال فسبق منه شئ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْأَصَحُّ فِي

الْمَضْمَضَةِ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لِلنَّزْعِ عِنْدَ الْفَجْرِ ثَلَاثُ صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَنْ يَحُسَّ بِالْفَجْرِ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَنْزِعُ بِحَيْثُ يَقَعُ آخِرُ النَّزْعِ مَعَ أَوَّلِ الطُّلُوعِ (وَالثَّانِيَةُ) يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَعْلَمُ الطُّلُوعَ فِي أَوَّلِهِ فَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَحْظَةً وَهُوَ مُجَامِعٌ لَا يَعْلَمُ الْفَجْرَ ثُمَّ يَعْلَمَهُ فَيَنْزِعَ (أَمَّا) الثَّالِثَةُ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ مَكَثَ بَعْدَ عِلْمِهِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَكَثَ بَعْدَ بُطْلَانِ الصوم على الْوَجْهِ الضَّعِيفِ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصُّورَتَانِ الْأُولَتَانِ فَهُمَا مُرَادَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ فِيهِمَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وفد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَعَلِمَ طُلُوعَهُ ثُمَّ مَكَثَ مُسْتَدِيمًا لِلْجِمَاعِ فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَهُوَ كَالِاسْتِدَامَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَعْلَمُ الْفَجْرَ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ (فَأَجَابَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ عِلْمِيَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرَائِضِ مِائَةُ جَدَّةٍ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّرٌ لِأَنَّا إنَّمَا تَعَبَّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورَ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ فَيَرْصُدُ بِحَيْثُ لَا حَائِلَ فَهُوَ أَوَّلُ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ (مِنْهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانِ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ واحمد وابو ثور والجمهور وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد صَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ * وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " رواه البيهقي وغيره فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ

الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ الي الليل) وَهَذَا قَدْ أَكَلَ فِي النَّهَارِ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ " مَنْ أَكَلَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ فَقَدْ أَفْطَرَ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ " أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قِيلَ لهشام فامروا بالقضاء فقال بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بن أسلم أن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعْنَى الْخَطْبُ يسير قضاء يوم مكانه قال البيهقى ورواه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عُمَرَ مُفَسَّرًا فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْقَضَاءِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ صَدِيقًا لِعُمَرَ قَالَ " كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ فصعد الموذن لِيُؤَذِّنَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ الشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ " لَا نُبَالِي وَاَللَّهِ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي تَظَاهُرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ فِي تَرْكِ الْقَضَاءِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَافِظِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ فَرَأَيْنَا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَأَنَّا قَدْ أَمْسَيْنَا فَأُخْرِجَتْ لَنَا عِسَاسٌ مِنْ لَبَنٍ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَرِبْنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ ذَهَبَ السَّحَابُ وَبَدَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَقُولُ لِبَعْضٍ نَقْضِي يَوْمَنَا هَذَا فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا نَقْضِيهِ وَمَا يُجَانِفُنَا الْإِثْمُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ شَيْبَانُ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ عَتَّابٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ يَقُولُ ابْنُ سُفْيَانَ يُحْمَلُ عَلَى زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ المخالفة للروايات

الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْدَهَا مِمَّا خُولِفَ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزَيْدٌ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِمَنِّهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ " أَفْطَرْنَا مَعَ صُهَيْبٍ الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَطَشٍّ فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَعَشَّى إذْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صُهَيْبٌ طُعْمَةُ اللَّهِ أَتِمُّوا صِيَامَكُمْ إلَى اللَّيْلِ وَاقْضُوا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَوْلُهُ عِسَاسٍ مِنْ لَبَنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِسِينٍ مهملة مكررة وهى الاقداح واحدها عسي بِضَمِّ الْعَيْنِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ " أَنَّهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ عَامٌّ خُصَّ منه غرامات المتلفات وانتفاض الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ سَهْوًا وَالصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ نَاسِيًا وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَيَخُصُّ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَوْلَجَ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مذهبا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَزُفَرُ وَدَاوُد يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَصُومَ إذَا أَرَادَ الصِّيَامَ قَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صِيَامَهُ * {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ وَيُتِمَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " رَوَاهُ

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ " وَفِي وراية " وكان المؤذن يؤذن إذا بزع الْفَجْرُ " فَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرِّوَايَةَ الاولي وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُنَادَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَقَعُ شُرْبُهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا بَزَغَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ يَكُونَ خبرا عن الْأَذَانِ الثَّانِي وَيَكُونُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ " خَبَرًا عَنْ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {ويحرم علي الصائم الاكل والشرب لقوله سبحانه وتعالي (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام الي الليل) فان أكل أو شرب وهو ذاكر للصوم عالم بتحريمه مختار بطل صومه لانه فعل ما ينافى الصوم من غير عذر وان استعط أو صب الماء في اذنه فوصل الي دماغه بطل صومه لما روى لقيط بن صبرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " إذا استنشقت فابلغ الوضوء الا أن تكون صائما " فدل علي أنه إذا وصل إلى الدماغ شئ بطل صومه ولان الدماغ أحد الجوفين فبطل الصوم بالواصل إليه كالبطن وان احتقن بطل صومه لانه إذا بطل بما يصل إلى الدماغ بالسعوط فلان يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى وان كان به جائفة أو آمة فداواها فوصل الدواء الي جوفه أو إلى الدماغ أو طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ الطعنة الي جوفه بطل صومه لما ذكرنا في السعوط والحقنة وان زرق في احليلة شيئا أو أدخل فيه ميلا ففيه وجهان (أحدهما) يبطل صومه لانه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه فتعلق بالواصل إليه كالفم (والثانى) لا يبطل لان ما يصل الي المتانة لا يصل الي الجوف فهو بمنزلة مالو ترك في فمه شيئا} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَلَفْظُهُمْ عَنْ لَقِيطٍ " قَالَ قلت يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانُ حَالِ لَقِيطٍ وَابْنُ صَبِرَةَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ لَقِيطٍ " فَأَبْلِغْ الوضوء " وهذه اللفظة غير

مَعْرُوفَةٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّعُوطِ بِضَمِّ السِّينِ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ وهو جعل الشئ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ إلَى الدِّمَاغِ وَالسَّعُوطُ بِفَتْحِهَا اسم للشئ الَّذِي يَتَسَعَّطُهُ كَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ هُنَا بِالضَّمِّ (وَقَوْلُهُ) فَلَأَنْ يَبْطُلَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَالْآمَّةُ) بِالْمَدِّ هِيَ الْجِرَاحَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الرَّأْسِ بِحَيْثُ تَبْلُغُ أُمَّ الدِّمَاغِ وَالْمَنْفَذُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَثَانَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ مَقْصُودُ الصَّوْمِ وَدَلِيلُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ الدَّاخِلَ الْمُفْطِرَ بِالْعَيْنِ الْوَاصِلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ وَفِيهِ قُيُودٌ (مِنْهَا) الْبَاطِنُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْفِ (وَالثَّانِي) يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْوَاصِلَ إلَيْهِ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ غِذَاءٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَفْرِيعِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلْقَ كَالْجَوْفِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الْوَاصِلِ إلَيْهِ وَقَالَ إمام الحرمين إذا جاوز الشئ الْحُلْقُومَ أَفْطَرَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مِمَّا يُفْطِرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِبَطْنِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ وَهِيَ الْآمَّةُ فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَوْ خَرِيطَةَ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا عِنْدَنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَثَانَةِ لَا يُفْطِرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَمَّا) الْحُقْنَةُ فَتُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لا تفطر وهو شاذ وان كَانَ مُنْقَاسًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُقْنَةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَسَوَاءٌ وَصَلَتْ إلَى الْمَعِدَةِ أَمْ لَا فَهِيَ مُفْطِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَنَا (وَأَمَّا) السُّعُوطُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَمَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ فِي الِاسْتِعَاطِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حد الباطن وَحَصَلَ بِهِ الْفِطْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ وَالْخَيْشُومِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ إليه القئ أَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً أَفْطَرَ وَلَوْ أَمْسَكَ فِيهِ تَمْرَةً وَدِرْهَمًا وَغَيْرَهُمَا لَمْ يُفْطِرْ مَا لم ينفصل من التمرة ونحوها شئ وَلَوْ تَنَجَّسَ هَذَا الْمَوْضِعُ وَجَبَ غَسْلُهُ وَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ في

أَشْيَاءَ (مِنْهَا) أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ مِنْهُ الرِّيقَ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْجُنُبِ والله تعالى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَثَانَةِ أَوْ زَرَّقَ فِيهِ مِيلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا والله اعلم * {فرع} لو اوصل الدَّوَاءُ إلَى دَاخِلِ لَحْمِ السَّاقِ أَوْ غَرَزَ فِيهِ سِكِّينًا أَوْ غَيْرَهَا فَوَصَلَتْ مُخَّهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا * {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ بَعْضُ السِّكِّينِ خَارِجًا ام لا * {فرع} إذا ابتلع طرف خيط وَطَرَفُهُ الْآخَرُ بَارِزًا أَفْطَرَ بِوُصُولِ الطَّرَفِ الْوَاصِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ الِانْفِصَالُ مِنْ الظَّاهِرِ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَجْهًا فِيمَنْ أَدْخَلَ طَرَفَ خَيْطٍ جوفه أو دبره وبعضه خارج أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ فِي الليل وطرفه الآخر خارج فَأَصْبَحَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهُ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِطَرْفِهِ الْبَارِزِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ إذَا غَسَلَ فَمَهُ بَعْدَ النَّزْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ غَيْرُهُ إلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ فَيَنْزِعَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَنْزِعُهُ أَوْ يَبْلَعُهُ (وَالثَّانِي) يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ وَيَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ * {فَرْعٌ} لَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ أَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهَا أَوْ قُبُلَهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ خَارِجًا بَطَلَ الصَّوْمُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا إلَّا الْوَجْهَ الشَّاذَّ السَّابِقَ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هذا قال أصحابنا وينبغى للصائمة أن لا تُبَالِغَ بِأُصْبُعِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ قَالُوا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا إذَا قَعَدَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَهُ حكم الظاهر فيلزمها تطهيره ولا يلزمها مجاورته فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا زِيَادَةً عَلَيْهِ بَطَلَ صَوْمُهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ * هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْوَاصِلُ إلَى الْبَاطِنِ مُتَّصِلًا بِخَارِجٍ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَصَلَ الْبَاطِنَ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ غَابَ كُلُّهُ * {فَرْعٌ} لَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَاءً أَوْ دُهْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف (والثانى) لا يفطر قاله أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ

الْمَكْسُورَةِ وَبِالْجِيمِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كلا كتحال وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا يَصِلُهُ بِالْمَسَامِّ كَالْكُحْلِ وَكَمَا لَوْ دَهَنَ بَطْنَهُ فَإِنَّ الْمَسَامَّ تَتَشَرَّبُهُ وَلَا يُفْطِرُ بِخِلَافِ الْأَنْفِ فَإِنَّ السُّعُوطَ يَصِلُ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُهُ فَيَكُونُ ذَكَرَ الْفِطْرَ فِي بعض كتبه * * قال المصنف رحمه الله تعالي * {ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل فان استف ترابا أو ابتلع حصاة أو درهما أو دينارا بطل صومه لان الصوم هو الامساك عن كل ما يصل الي الجوف وهذا ما امسك ولهذا يقال فلان يأكل الطين ويأكل الحجر ولانه إذا بطل الصوم بما وصل الي الجوف مما ليس باكل كالسعوط والحقنة وجب ان يبطل ايضا بما يصل مما ليس بمأكول وان قلع ما يبقى بين اسنانه بلسانه وابتلعه بطل صومه وان جمع في فمه ريقا كثيرا وابتلعه ففيه وجهان (احدهما) يبطل صومه لانه ابتلع ما يمكنه الاحتراز منه مما لا حاجة به إليه فاشبه مااذا قلع مابين اسنانه وابتلعه (والثاني) لا يبطل لانه وصل إلى جوفه من معدنه فاشبه ما يبتلعه من ريقه علي عادته فان اخرج البلغم من صدره ثم ابتلعه أو جذبه من رأسه بطل صومه وان استقاء بطل صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه " ولان القئ إذا صعد تردد فيرجع بعضه الي الجوف فيصير كطعام ابتلعه} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ فِيهِ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وقد سبق مَرَّاتٍ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ إمَّا صَحِيحٌ وَإِمَّا حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ ابن حَسَّانَ قَالَ وَبَعْضُ الْحُفَّاظِ لَا يَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حنبل يقول ليس من ذا شئ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " إذَا تَقَايَأَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وإذا ذرعه القئ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ " وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْحَارِثَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ معدان لقيت

ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَخْبَرَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَقَالَ صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ " فَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى القئ عَامِدًا وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صائما تطوعا قال وروى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ " أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فَقَاءَ فَأَفْطَرَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي قِئْتُ " قَالَ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَمْدِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلَا مَنْ احْتَلَمَ وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَهُوَ مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ عَلَى مَنْ ذرعه القئ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ وَالِاحْتِلَامُ وَالْحِجَامَةُ " قَالَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هُوَ الْأَوَّلُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا وَضَعَّفَهُ وَقَالَ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا سَعِيدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الا من حديث عيسى ابن يُونُسَ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَا يصح اسناده قال وقد رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَفَضَالَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا قَالَ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ذرعه القئ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِذَا اسْتِقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَقَالَ هُمَا صَحِيحَانِ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَذَا نَصَّ عَلَى حُسْنِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ وَكَوْنُهُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ والفقه والاصول (وقوله) ذرعه

القئ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَاصِلِ بِالسَّعُوطِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَّ فِيهِ وَهُوَ حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ السَّابِقُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب رحمهم الله إذا ابتلع الصائم مالا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ كَدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَارًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَيْطًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَحَكَوْا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَبْتَلِعُهُ وَيَقُولُ لَيْسَ هُوَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بَقِيَ فِي خَلَلِ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ فَيَنْبَغِي إنْ يُخَلِّلَهُ فِي اللَّيْلِ وَيُنَقِّيَ فَمَهُ فان اصبح صائما وفى خلل اسنانه شئ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدَلِيلُنَا فِي فِطْرِهِ أَنَّهُ ابْتَلَعَ مَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى يَدِهِ ثم ابتلعه ولدليل عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْجِمَاعِ لِفُحْشِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا جَرَى بِهِ الرِّيقُ فَبَلَعَهُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي فِطْرِهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ عَمَلًا بِالنَّصَّيْنِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ إنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ وَحَيْثُ قَالَ يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا قَدَرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَهُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: إنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يُفْطِرْ كَغُبَارِ الطريق وإلا افطر لنقصيره كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ ينازعهما فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُبَالَغَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِالنَّهْيِ عَنْهَا وَلِأَنَّ مَاءَ الْمُبَالَغَةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا يَسِيرًا جِدًّا كَحَبَّةِ سِمْسِمٍ أَوْ خَرْدَلٍ وَنَحْوِهِمَا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُفْطِرُ عِنْدَنَا وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ فِي الْبَاقِي فِي خَلَلِ الْأَسْنَانِ (الثَّالِثَةُ) ابْتِلَاعُ الرِّيقِ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا لَا يُفْطِرُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَتَمَحَّضَ الرِّيقُ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَفْطَرَ بِابْتِلَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ أَوْ نَجِسًا كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ أَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ هُوَ الرِّيقُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الرِّيقِ

وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِهِ بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ بَصَقَ حَتَّى ابْيَضَّ الرِّيقُ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ فَفِي إفْطَارِهِ بِابْتِلَاعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ قَالَ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا هُوَ الصحيح عند غيره وقطع به المتولي وآخرون وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ وَلَا يَطْهُرُ الْفَمُ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَكَلَ بِاللَّيْلِ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ فَابْتَلَعَ الرِّيقَ أَفْطَرَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ فَلَوْ خَرَجَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِ لِسَانِهِ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ فَرَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْعَفْوِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ خَرَجَ إلَى شَفَتِهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ افطر ولو اخرج لِسَانُهُ وَعَلَيْهِ رِيقٌ حَتَّى بَرَزَ لِسَانُهُ إلَى خَارِجِ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ ولا يثبت حكم الخروج للشئ إلَّا بِانْفِصَالِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارٍ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ (وَالثَّانِي) فِي إبْطَالِهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ جَمَعَ الرِّيقَ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ فَرْجِهِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انفصالها هل ينتقض وضوؤه فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَنْتَقِضُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْتَلِعَهُ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ جَمَعَهُ قَصْدًا ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَهَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ وَلَوْ اجْتَمَعَ رِيقٌ كَثِيرٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ * {فَرْعٌ} لَوْ بَلَّ الْخَيَّاطُ خَيْطًا بِالرِّيقِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ حَالَ الْفَتْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ لَمْ يُفْطِرْ بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ بَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ شئ يَدْخُلُ جَوْفَهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْمُتَوَلِّي وَإِنْ كَانَتْ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ وَابْتَلَعَهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابَعُوهُ وَالْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ لَا يُفْطِرُ قَالَ كَمَا لَا يُفْطِرُ بِالْبَاقِي مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مفارقة معدنه وَانْفِصَالِهِ وَخَصَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ كَانَ عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ * {فَرْعٌ} لَوْ اسْتَاكَ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ فَانْفَصَلَ مِنْ رُطُوبَتِهِ أو خشبه المتشعب شئ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ * {فَرْعٌ} اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ وَفِي حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ وَمِصْدَعٌ وَهُمَا مِمَّنْ اُخْتُلِفَ فِي جَرْحِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَصَقَهُ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

قَالَ أَصْحَابُنَا النُّخَامَةُ إنْ لَمْ تَحْصُلْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ لَمْ تَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ بِانْصِبَابِهَا مِنْ الدِّمَاغِ فِي الثقبة النافدة مِنْهُ إلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ نَظَرَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهَا وَمَجِّهَا حَتَّى نَزَلَتْ إلَى الْجَوْفِ لَمْ تَضُرَّ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى فَضَاءِ الْفَمِ أَوْ ارْتَدَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يفطر لان جنسها معفو عنه وهذا شاذ مرود وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَمَجِّهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى جَرَتْ بِنَفْسِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَإِنَّمَا تَرَكَ الدَّفْعَ فَلَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ وَصَلَ الْغُبَارُ إلَى جَوْفِهِ مَعَ إمْكَانِ إطْبَاقِ فِيهِ وَلَمْ يُطْبِقْهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمر وبن الصَّلَاحِ وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْرَبُ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرًا لِأَصَحِّهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَقَايَأَ عَمْدًا بَطَلَ صومه وان ذرعه القئ أَيْ غَلَبَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَهَذَانِ الطَّرَفَانِ لَا خلاف فيهما عندنا وفى سبب الفطر بالقئ عَمْدًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ يُفْهَمَانِ مِنْ كَلَامِ المصنف (أصحهما) ان نفس الاستقاءة مُفْطِرَةٌ كَإِنْزَالِ الْمَنِيِّ بِالِاسْتِمْنَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُفْطِرَ رجوع شئ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ فَلَوْ تَقَايَأَ عَمْدًا مَنْكُوسًا أَوْ تَحَفَّظَ بِحَيْثُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يرجع شئ إلَى جَوْفِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمُفْطِرُ نَفْسُ الِاسْتِقَاءَةِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع شئ (فَإِنْ قُلْنَا) الِاسْتِقَاءَةُ مُفْطِرَةٌ بِنَفْسِهَا فَهُنَا أَوْلَى (وان قلتا لا يفطر الا برجوع شئ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ إذَا سَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وحيث افطر بالقئ عَمْدًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم * {فرع} إذا اقتلع تخامة مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لانه مما تدعو إليه الحاجة (والثاني) يفطر كالقئ قَالَ الْغَزَالِيُّ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْبَاطِنِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الظَّاهِرِ وَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُهْمَلَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْحَلْقِ وَالْحَلْقُ بَاطِنٌ وَالْمُعْجَمَةُ تَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَ الْغَلْصَمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مِمَّا بَعْدَ مَخْرَجِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ أَيْضًا مِنْ الظَّاهِرِ وَعَجَبٌ كَوْنُهُ ضَبَطَ بِالْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَسَطِ الْحَلْقِ وَلَمْ يَضْبِطْ بِالْهَاءِ أَوْ الْهَمْزَةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ (وَأَمَّا) الْخَاءُ الْمُعْجَمَةِ فَمِنْ أَدْنَى الْحَلْقِ وَكُلُّ هَذَا مشهور لاهل العربية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في القئ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ

عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ قَالَ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَعَلْقَمَةُ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَالَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ قَالَ وَأَمَّا من ذرعه القئ فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ومالك والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ: وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَتَانِ الْفِطْرُ وَعَدَمُهُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لا يفطر بالقئ عَمْدًا قَالَ وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي فِطْرِ من ذرعه القئ خِلَافٌ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ تَقَايَأَ فَاحِشًا أَفْطَرَ فَخَصَّهُ بِالْفَاحِشِ * دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا (مِنْهَا) الْحُقْنَةُ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عطاء والثوري وابى حنيفة واحمد واسحق وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) السُّعُوطُ إذَا وَصَلَ لِلدِّمَاغِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن الثوري والاوزاعي وابو حنيفة ومالك واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ دَاوُد لَا يُفْطِرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ (وَمِنْهَا) لَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ فِي أُذُنَيْهِ فَوَصَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَصِلَ حَلْقَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حنيفة والمشهور عن ابي حنيفة انه يفطران كَانَ دَوَاءٌ رَطْبًا وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَمِنْهَا) لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ فَوَصَلَتْهُمَا أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُفْطِرُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَفَذَتْ الطَّعْنَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخِرِ أَفَطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) الطَّعَامُ الْبَاقِي بَيْنَ أَسْنَانِهِ إذَا ابْتَلَعَهُ قَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَى الصَّائِمِ فِيمَا يَبْلَعُهُ مِمَّا يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ مِمَّا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ قَالَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُفْطِرُ وَبِهِ أَقُولُ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

{وتحرم المباشرة في الفرج لقوله سبحانه وتعالى (فالآن باشروهن) إلى قوله عز وجل (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فان باشرها في الفرج بطل صومه لانه احد ما ينافى الصوم فهو كالاكل وان باشر فيما دون الفرج فانزل أو قبل فانزل بطل صومه وإن لم ينزل لم يبطل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قبلت وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت قبلت وانا صائم فقال ارأيت لو تمضمضت وان صائم " فشبه القبلة بالمضمضة وقد ثبت انه إذا تمضمض فوصل الماء الي جوفه افطر وان لم يصل لم يفطر فدل علي ان القبلة مثلها فان جامع قبل طلوع الفجر فاخرج مع الطلوع وانزل لم يبطل صومه لان الانزال تولد من مباشرة هو مضطر إليها فلم يبطل الصوم وان نظر وتلذذ فانزل لم يبطل صومه لانه انزل من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم وان استمنى فانزل بطل صومه لانه انزال عن مباشرة فهو كالانزال عن القبلة ولان الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية في الاثم والتعزير فكذلك في الافطار {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِمَّا غَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَّهُ هُوَ الْمُقَبِّلُ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُقَبِّلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ السَّائِلُ وَهَذَا لَفْظُ الحديث في سنن أبي داود وسند أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فقلت يارسول اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ " هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالْجَمْعُ بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعها فِي الشَّبَهِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ بِالْمَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى نُزُولِهِ إلَى الْبَطْنِ فَيَفْسُدُ الصَّوْمُ كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُفْطِرٍ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ فَكَذَا الْآخَرُ (وَقَوْلُهُ) هَشَشْتُ مَعْنَاهُ نَشَطْتُ وَارْتَحْتُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَفْطَرَ هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَضْمَضَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ عَلَى الصَّائِمِ وَعَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ لِلْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ فَأَبْطَلَهُ كَالْأَكْلِ وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ فِي الْحَالَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِحُصُولِ الْمُنَافِي وَلَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ صبي أو اولج في قبل بهمية أَوْ دُبُرِهَا بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سواء أنزل أم لا * وقل أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّوَاطِ كَمَذْهَبِنَا * وَقَالَ فِي الْبَهِيمَةِ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ

صومه وإلا فلا وسواء في الوطئ وطئ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ فَكُلُّهُ يُفْطِرُ بِهِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالصَّوْمِ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا لِعَدَمِ الْفِطْرِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ " وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ ضَمَّ امْرَأَةً إلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَأَنْزَلَ قَالَ وَهُوَ عِنْدِي كَسَبْقِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ قَالَ فَإِنْ ضَاجَعَهَا مُتَجَرِّدًا فَهُوَ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ فِي الشَّرْحِ رَمْزًا إلَى هَذَا قُلْتُ قَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهَا فَوْقَ خِمَارٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ قَالَ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِهِ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمْ يجب فيه شئ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ المقتص مِنْهُ فَهَذَا هُوَ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَظَرَ إلَى امرأة ونحوها وَتَلَذَّذَ فَأَنْزَلَ بِذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءٌ كَرَّرَ النَّظَرَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ هُوَ كَالْجِمَاعِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وعن مالك روايتان (أحدهما) كَالْحَسَنِ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ تَابَعَ النَّظَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاطَ فَقَضَى يَوْمًا فَحَسَنٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا إذَا فَكَّرَ بِقَلْبِهِ مِنْ غير نظر فتلدذ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَإِذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ (الْخَامِسَةُ) إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِيِّ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ فَأَنْزَلَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا ويشبه أن يكونا مبنبين عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إلَى جَوْفِهِ قُلْتُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ فِي مَسْأَلَةِ حَكِّ الذَّكَرِ لِعَارِضٍ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُفْطِرُ مَنْ قاء وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ به وسبق بيانه في مسالة القئ والله تعالي أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَتَلَذَّذَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُفْطِرُ دَلِيلُنَا أَنَّهُ خَارِجٌ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَمْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا كَامِلًا مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَإِنْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَرَأَى الدَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ حَاضَتْ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا وَلَمْ يُنْزِلْ عَنْ مُبَاشَرَةٍ من آلة الرجال لم يبطل صومه في يوم انْفِرَادِ الدَّمِ أَوْ الْإِنْزَالِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِفِطْرِهِ لِلِاحْتِمَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ * قال المصنف رحمه الله {وان فعل ذلك كله ناسيا لم يبطل صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَكَلَ ناسيا أو شرب ناسيا فلا يفطر فانما هو رزق رزقه الله " فنص على الاكل والشرب وقسنا عليه كل ما يبطل الصوم من الجماع وغيره وان فعل ذلك وهو جاهل بتحريمه لم يبطل صومه لانه يجهل تحريمه فهو كالناسي وان فعل ذلك به بغير اختياره بان اوجر الطعام في حلقه مكرها لم يبطل صومه وان شد امرأته ووطئها وهى مكرهة لم يبطل صومها وان استدخلت المرأة ذكر الرجل وهو نائم لم يبطل صومه لحديث ابي هريرة " ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه " فدل. على ان كل ما حصل بغير اختياره لم يجب به القضاء ولان النبي صلى الله عليه وسلم اضاف أكل الناسي إلى الله تعالى واسقط به القضاء فدل على ان كل ما حصل بغير فعله لا يوجب القضاء وان أكره حتي أكل بنفسه أو أكرهت المرأة حتى مكنت من الوطئ فوطئها ففيه قولان (أحدهما) يبطل الصوم لانه فعل ما ينافى الصوم لدفع الضرر وهو ذا كر للصوم فبطل صومه كما لو أكل لخوف المرض أو شرب لدفع العطش (والثانى) لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فاشبه إذا أوجر في حلقه *} {الشرح} حديث أبى هريرة " من ذرعه القئ " سبق بيانه في مسالة القئ وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا " إلَى آخِرِهِ رواه الترمذي والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ الَّذِي هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ

مذاهب العلماء في الأكل وغيره ناسيا

وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا نَسِيَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَدَّ امْرَأَتَهُ لَوْ قَالَ امْرَأَةً لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ تَقَايَأَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي أَكْلِ النَّاسِي إذَا كَثُرَ وَجْهَيْنِ كَكَلَامِ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ إذَا كَثُرَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَمِرُّ بِهِ النِّسْيَانُ حَتَّى يَأْكُلَ كَثِيرًا وَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جِمَاعِ النَّاسِي طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَجِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْحَجِّ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ جِمَاعِ النَّاسِي فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ أَنَّ المحرم له هيئة يتذكر بها حاله فَإِذَا نَسِيَ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ الصَّائِمِ * وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ نَاسِيًا * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا يفطر بشئ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا دُونَ الْأَكْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ صَوْمُ النَّاسِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ * وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ولا شئ فِي الْأَكْلِ * دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ والله تعالى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَوْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فَصَّلَ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) إذَا فَعَلَ بِهِ غَيْرُهُ الْمُفْطِرَ بِأَنْ أَوْجَرَ الطَّعَامَ قَهْرًا أَوْ أَسَعَطَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ أَوْ طُعِنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِحَيْثُ وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ جَوْفَهُ أَوْ رُبِطَتْ الْمَرْأَةُ وَجُومِعَتْ أَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةً فَلَا فِطْرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ نَائِمًا أَفْطَرَتْ هِيَ دُونَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

وسواء في ذلك امرأته وَزَوْجُهَا وَالْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فيما إذا أَوْجَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَلَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَقُلْنَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فَأَوْجَرَهُ غَيْرُهُ شَيْئًا فِي حَالِ إغْمَائِهِ لِغَيْرِ الْمُعَالَجَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَنَّاطِيِّ وَإِنْ أَوْجَرَهُ مُعَالَجَةً وَإِصْلَاحًا لَهُ فَهَلْ يفطر فيه وجهان مشوران فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ كَغَيْرِ المعالجة لانه لاصنع لَهُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُعَالَجِ لِمَصْلَحَتِهِ فَصَارَ كَفِعْلِهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُولِجَ الْمُحْرِمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ طَعْنَةً وَصَلَتْ جَوْفَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ حكاهما الدارمي (أقيسهما) لا يفطر إذ لافعل لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ أُكْرِهَ الصَّائِمُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْرَبَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ فَمُكِّنَتْ فَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا (وَالْأَصَحُّ) لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الوجيز والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ الْبُطْلَانَ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحَرَّرِ * واحتجوا لعدم الطلان بأنه بالا كراه سَقَطَ أَثَرُ فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُورًا بِالْأَكْلِ لَا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ لَا يُفْطِرَ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّهُ أَكَلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَانَ كَالْآكِلِ لدفع الجوع والعطش ففوقوا بينهما بأن الاكراه قادح فِي اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَقْدَحَانِ في اختياره بل يزيد انه قال اصحابنا فان قلنا يفطر المنكرة فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ وأما إذا اكره رجل على الوطئ فيبني على الخلاف المشهور أنه هل يتصور إكراهه علي الوطئ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ فَفِي إفْطَارِهِ الْقَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ جِمَاعًا يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: لَوْ شُدَّتْ يَدَا الرَّجُلِ وَأُدْخِلَ ذَكَرُهُ فِي الْفَرْجِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا قَصْدٍ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَنْزَلَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِيلَاجِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَا حَدَثَ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ أَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ سَقَطَ أَثَرُهَا بِالْإِكْرَاهِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ لِأَنَّ زال لَا يَحْدُثُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْكَفَّارَةِ

وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ مُفْطِرًا بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِلشُّبْهَةِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي قُلْتُ هَذَا الْخِلَافُ فِي فِطْرِهِ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الطَّلَاقِ فَقَصَدَ إيقَاعَهُ فَفِي وُقُوعِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَقَعُ لِأَنَّ اللَّفْظَ سَقَطَ أَثَرُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَبَقِيَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَقَعُ لِوُجُودِ قَصْدِ الطَّلَاقِ بِلَفْظِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ تَفَكُّرٌ وَقَصْدٌ وَتَلَذُّذٌ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يبطل والله تعالي أعلم * * قال المنصف رحمه الله تعالى * {وإن تمضمض أو استنشق فوصل الماء الي جوفه أو دماغه فقد نص فيه علي قولين (فمن) أصحابنا من قال القولان إذا لم يبالغ فأما إذا بالغ فيبطل صومه قولا واحدا وهو الصحيح لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للقيط بن صبرة " إذا استنشقت فأبلغ الوضوء إلا أن تكون صائما " فنهاه عن المبالغة فلو لم يكن وصول الماء في المبالغة يبطل الصوم لم يكن للنهى عن المبالغة معني ولان المبالغة منهى عنها في الصوم وماتولد من سبب منهي عنه فهو كالمباشرة والدليل عليه انه إذا جرح انسانا فمات جعل كأنه باشر قتله (ومن) اصحبنا من قال هي على قولين بالغ أو لم يبالغ (احدهما) يبطل صومه لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قبل وهو صائم " أرأيت لو تمضمضت " فشبه القبلة بالمضمضة وإذا قبل فأنزل بطل صومه فكذلك إذا تمضمض فنزل الماء إلى جوفه وجب ان يبطل صومه (والثانى) لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فلم يبطل صومه كغبار الطريق وغربلة الدقيق} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَحَدِيثُ قُبْلَةِ الصَّائِمِ وَتَشْبِيهِهَا بِالْمَضْمَضَةِ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي وُضُوئِهِ كَمَا يُسْتَحَبَّانِ لِغَيْرِهِ لَكِنْ تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فَلَوْ سَبَقَ الْمَاءُ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا وَصَلَ الْمَاءُ مِنْهُمَا جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا وَالْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ غَسَلَ فَمَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كَسَبْقِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَوْ بَالَغَ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لِحَاجَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُبَالَغَةِ

لِلنَّجَاسَةِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ ولو سبق الماء من غسل تبرد أو من الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَأَوْلَى بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّابِعَةِ الْجَزْمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ لَا لِغَرَضٍ فَسَبَقَ وَنَزَلَ إلَى جَوْفِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) يُفْطِرُ (وَالثَّانِي) عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَنْوِ صَوْمًا فتمضمض ولم يبالغ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لاأثر لِمَا سَبَقَ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ قُلْنَا إنَّ السَّبْقَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ صَحَّ صَوْمُهُ هَذَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هَذَا كَلَامُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ نَفِيسَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَوُجِدَ مِنْهُ عُطَاسٌ أَوْ نَحْوُهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ صَوْمُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ الْمَاءُ فِي وُضُوءِ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كانت نَافِلَةً أَفْطَرَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي وُضُوءِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً قَالَ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي الْفَمِ بَعْدَ الْمَجِّ إلَّا رُطُوبَةٌ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْمَوْضِعِ إذْ لَوْ انْفَصَلَتْ لَخَرَجَتْ فِي الْمَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فَسَبَقَ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ بَالَغَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا بُطْلَانُ صَوْمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الصوم مطلقا مالك وأبو حنيفة والمرنى قال الماوردى وهو قول أكثر الفقهاء وقال الحسن البصري وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لبلي أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ لِفَرِيضَةٍ فَلَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَمُخْتَارٌ فِي النَّافِلَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا فِيهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّ حُكْمَ الْفِطْرِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَكَلَ وَقَضَى وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ قَضَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَدَخَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَلَّفُ إطْبَاقَ فَمِهِ عِنْدَ الْغُبَارِ وَالْغَرْبَلَةِ لان

فِيهِ حَرَجًا فَلَوْ فَتْحَ فَمَهُ عَمْدًا حَتَّى دخله الغبار ووصل وجهه فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا كَثُرَ وَفِيمَا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ وَصَلَّى وَنَظَائِرِ ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * {وان أكل أو جامع وهو يظن أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ أو يظن أن الشمس قد غربت ولم تغرب لزمه القضاء لما روى حنظلة قال " كنا بالمدينة في شهر رمضان وفى السماء شئ من السحاب فظننا أن الشمس قد غابت فأفطر بعض الناس فأمر عمر رضى الله عنه من كان قد افطر أن يصوم يوما مكانه " ولانه مفطر لانه كان يمكنه أن يثبت إلي أن يعلم فلم يعذر} * {لشرح} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَدَلِيلُهَا وَفُرُوعُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ كُلِّهِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ سَبَقَا هُنَاكَ وَسَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * {ومن أفطر في رمضان بغبر الجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لقوله صلي الله عليه وسلم " من استقاء فعليه القضاء " ولان الله تعالي أوجب القضاء علي المريض والمسافر مع وجود العذر فلان يجب مع عدم العذر أولي ويجب امساك بقية النهار لانه أفطر بغير عذر فلزمه امساك بقية النهار ولا يجب عليه الكفارة لان الاصل عدم الكفارة الا فيما ورد به الشرع وقد ورد الشرع بايجاب الكفارة في الجماع وما سواه وليس في معناه لان الجماع أغلظ ولهذا يجب به الحد في ملك الغير ولا يجب فيما سواه فبقي على الاصل وان بلغ ذلك السلطان عزره لانه محرم ليس فيه حد ولا كفارة فثبت فيه التعزير كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ الجماع من غير عذر عامدا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فأنرل أَوْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَامِسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ الطَّعَامِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ الْمُرْضِعَ وَالْحَامِلَ وَهُمَا مَعْذُورَتَانِ فَهَذَا أَوْلَى وهذا الوجه حكاه

البندنيجى عن أبى علي بن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا عَلِمَ الساطان أَوْ نَائِبُهُ بِهَذَا عَزَّرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * {فَرْعٌ} ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ * قَالُوا لَوْ رَأَى الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْغَرَقِ وَنَحْوَهُ ولم يمكنه تخليصه الا بالفظر لِيَتَقَوَّى فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ جَازَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لُزُومُهَا كَالْمُرْضِعِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْإِمْسَاكُ تَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا إمْسَاكَ عَلَى مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا لَا كَفَّارَةَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثم من امسك تشببها فَلَيْسَ هُوَ فِي صَوْمٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ ارْتَكَبَ الممسك محظورا فلا شئ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سِوَى الْإِثْمِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا في مَسْأَلَةِ الْإِمْسَاكِ إذَا بَانَ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَلَى كُلِّ مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَكَلَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ إذَا قُلْنَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَيَجِبُ عَلَى من نسبي النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ وَالْمَرِيضُ إذَا بَرَأَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عُدْوَانًا * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ بَدَلَهُ وَإِمْسَاكَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِذَا قَضَى يَوْمًا كَفَاهُ عَنْ الصَّوْمِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قال العبدى هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثلاثين يوما وقال النخعي يلزمه صوم ثلاثة الاف يوم كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَقْضِيهِ صَوْمُ الدَّهْرِ * وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَالْفِدْيَةُ فمذهبنا انه لا يلزمه شئ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ

أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مالا يُتَغَذَّى بِهِ فِي الْعَادَةِ كَالْعَجِينِ وَبَلْعِ حَصَاةٍ وَنَوَاةٍ وَلُؤْلُؤَةٍ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَكَذَا إنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ اسْتَمْنَى فلا كفارة وقال الزهري والاوزاعي والثوري واسحق: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى فِي كُلِّ فِطْرٍ لِمَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ ابن المذر وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هُشَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَمَرَ الذى أفطر في فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ " وَفِي رِوَايَةٍ عن هشيم عن ليث ابن أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُرْسَلَةٌ وَالثَّانِيَةَ فِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذَا اخْتِصَارٌ وَقَعَ مِنْ هُشَيْمٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ لَيْثٍ عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هريرة رضى الله عنه مفسرا في قصته الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُفَسَّرًا بِأَنَّهُ فِي قِصَّةِ الْوَاقِعِ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ وَلَا يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِطْرِ بالاكل شئ هذا كلام البيهقى والله اعلم * * قال المصنف رحمه الله * {وان افطر بالجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الذى واقع اهله في رمضان بقضائه " ولانه إذا وجب القضاء علي المريض والمسافر وهما معذوران فعلي المجامع أولي ويجب عليه إمساك بقية النهار لانه افطر بغير عذر وفى الكفارة ثلاثة أقوال (أحدها) تجب علي الرجل دون المرأة لانه حق مال مختص بالجماع فاختص به الرجل دون المرأة كالمهر (والثاني) تجب علي كل واحد منهما كفارة لانه عقوبة تتعلق بالجماع فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا (والثالث) تجب عليه عنه وعنها كفارة لان الاعرابي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فعل مشترك بينهما فاوجب عتق رقبة فدل علي أن ذلك عنه وعنها} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَفْظُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ يارسول اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تعتق رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تصوم شهرين

مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تطعم سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بعزق فيه تمر فقال تصدق بهذا فقال أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَعَلَى أفقر مني يارسول اللَّهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ " فَأَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَفِيهَا قَالَ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ " وَاسِنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هَذِهِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا ضَعَّفَهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ وَالْحَدِّ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ في وطئ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ تُعْتَبَرُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَقَوْلُهُ) تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ قَتْلِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الرجل دون المرأة (أما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَجِبُ (وَالثَّانِي) ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَتَنْدَرِجُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَحَكَى بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَوَجْهًا وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْمَأَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ إلَى قَوْلَيْنِ سَوَاءٌ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ أَمْ بِغَيْرِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إذَا لم نوجب عليها كفارة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ فَأَمَّا الزَّوْجَةُ الْمَوْطُوءَةُ فَإِنْ كَانَتْ مُفْطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَائِمَةً وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً فَمَكَّنَتْهُ طَائِعَةً فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي مَالِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهَا بَلْ يَخْتَصُّ الزَّوْجُ بِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ فَعَلَى هَذَا هل الكفارة التي تلزم الزوح عَنْهُ خَاصَّةً أَمْ عَنْهُ وَعَنْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا هُوَ عَنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَرُبَّمَا قِيلَ مَنْصُوصَانِ وَرُبَّمَا قِيلَ وَجْهَانِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَجْمَعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَيَقُولُ فِي الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِ عنه وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِ خاصة عن نفسه فقط وانه لا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ (وَالرَّابِعُ) يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَالِهِ كَفَّارَتَانِ كفارة

عنه وكفارة عنها * قال المصنف رحمه الله تعالي * {والكفارة عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا والدليل عليه ماروى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم " أمر الذى وقع على امرأته في يوم من شهر رمضان أن يعتق رقبة قال لاأجد قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقٍ من تمر فيه خمسة عشر صاعا قال خذه وتصدق به قال علي أفقر من أهلى والله مابين لابتى المدينة أحوج من اهلي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بدت نواجذه قال خذه واستغفر الله تعالى واطعم أهلك " (فان قلنا) يجب عليه دونها اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وان كان من اهل الاطعام اطعم (وان قلنا) يجب علي كل واحد منهما كفارة اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كان من اهل العتق اعتق ومن كام مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم كرجلين افطرا بالجماع (فان قلنا) يجب عليه كفارة عنه وعنها اعتبر حالهما فان كانا من أهل العتق اعتق وان كانا من اهل الاطعام اطعم وان كانا من اهل الصيام وجب على كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الصوم لا يتحمل وان اختلف حالهما نظرت فان كان الرجل مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ اعتق رقبة ويجزئ عنهما لان من فرضه الصوم إذا أعتق اجزأه وكان ذلك افضل من الصوم وان كان من اهل الصوم وهي من اهل الاطعام لزمه ان يصوم شهرين ويطعم عنها ستين مسكينا لان النيابة تصح في الاطعام وانما اوجبنا كفارتين لان الكفارة لاتتبعض فوجب تكميل نصف كل واحد منهما وان كان الرجل من من اهل الصوم وهى من اهل العتق صام عن نفسه شهرين واعتق عنها رقبة وان كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصوم اطعم عن نفسه ولم يصم عنها لان الصوم لا تدخله النيابة وان كانت المرأة أَمَةً وَقُلْنَا إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا عتق فان قلنا انها تملك المال اجزأ عنها العتق كالحرة المعسرة وان قدم الرجل من السفر وهو مفطر وهي صائمة فقالت انا مفطرة فوطئها فان قلنا ان الكفارة عليه لم يلزمه ولم يلزمها وان قلنا ان الكفارة عنه وعنها وجب عليها الكفارة في مالها لانها غرته بقولها انى مفطرة وان اخبرته بصومها فوطئها وهي مطاوعة فان قلنا ان الكفارة عنه دونها لم يجب عليه شئ (وان قلنا) ان الكفارة عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كانت من أهل الصيام لزمها أو تصوم وان وطئ المجنون زوجته وهي صائمة مختارة (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها لم تجب (وان قلنا) تجب عنه وعنها فهل يتحمل الزوج فيه وجهان

(فال) أبو العباس لا يتحمل لانه لا فعل له (وقال) أبو اسحق يتحمل لانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كان الزوج نائما فاستدخلت المرأة ذكره (فان قلنا) الكفارة عنه دونها فلا شئ عليه (وان قلنا) عنهما لم يلزمه كفارة لانه لم يفطر ويجب عليها ان تكفر ولا يتحمل الزوج لانه لم يكن من جهته فعل وان زني بها في رمضان (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها وجبت عليه كفارة (وان قلنا) عنه وعنها وجب عليها كفارتان ولا يتحمل الرجل كفارتها لان الكفارة انما تتحمل بالملك ولا ملك ههنا} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَأَصْلُهَا مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ السِّتْرُ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَتُذْهِبُهُ هَذَا أَصْلُهَا ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ صُورَةٌ مُخَالِفَةٌ أَوْ انْتِهَاكٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ كَالْقَاتِلِ خَطَأً وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إنَّمَا قيل لمن اعتق نسمة اعتق رَقَبَةً وَفَكَّ رَقَبَةً فَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ وَمِلْكَهُ كَالْحَبْلِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَالْغُلِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْهُ فَإِذَا أُعْتِقَ فَكَأَنَّهُ أُطْلِقَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَهْذِيبُ الْعِتْقِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) فِي الْكِتَابِ بِعَرَقِ تَمْرٍ هو بفتح العين والراء ويقال أيضا باسكاء الرَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ والزنبيل بكسر الزاى والزنبيل بفتحها والفقة وَالسَّفِيفَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَاءٍ مُكَرَّرَةٍ وَكُلُّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْوِعَاءِ الْمَعْرُوفِ لَيْسَ لِسِعَتِهِ قَدْرٌ مَضْبُوطٌ بَلْ قَدْ يَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي داود " فيه خمسة عشر صاعا " (وقوله) مابين لابتي المدينة يعني حريتها وَالْحَرَّةُ هِيَ الْأَرْضُ الْمُكَبَّسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَيُقَالُ لَهَا لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ (وَقَوْلُهُ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نَوَاجِذُهُ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالنَّوَاجِذُ هِيَ الْأَنْيَابُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنُ هُنَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَالُ هِيَ الْأَضْرَاسُ وَهِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَقُلْنَا إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا تَمْلِكُ أَجْزَأَ عَنْهَا الْعِتْقُ هَكَذَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا يَجِبُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورِ وَصِفَةُ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَبَيَانُ الْعَجْزِ عَنْهَا الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ وَالْعَجْزُ عَنْ الصَّوْمِ الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلي

الاطعام وبيان التتابع وما يَقْطَعُهُ وَالْإِطْعَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَقْصَى فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِبَ كِتَابِ الظِّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ فِيمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ عَنْ نفسه فقط ولا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَهِيَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ وَلَا نظر الي المرأة لانه لا يعتلق بِهَا وُجُوبٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم ولا يلزم واحد مِنْهُمَا مُوَافَقَةُ صَاحِبِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا بَلْ هُمَا كَرَجُلَيْنِ أَفْطَرَا بِالْجِمَاعِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَهَذَا مَحَلُّ التَّفْصِيلِ وَالتَّفْرِيعِ الطَّوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ يَتَّفِقُ حَالُهُمَا وَقَدْ يَخْتَلِفُ فَإِنْ اتَّفَقَ نُظِرَ إنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ الرَّجُلُ رَقَبَةً عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ بِأَنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ حُرَّيْنِ مُعْسِرَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُتَحَمَّلُ (وَأَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ حالهما فقد يكون أعلا حَالًا مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَدْنَى فَإِنْ كَانَ أعلا نُظِرَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يُجْزِئُ الاعتقاد عنهما لان من فرضه الصوم أو الْإِطْعَامُ إذَا تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو افضل كذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَعَلَيْهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَتْ مِنْ اهله هكذا اطلقه الاصحاب وقال المصنف هنا لَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهَا كَالْحُرَّةِ الْمَعْسَرَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ الْأَمَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْمَرْأَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا الصَّوْمُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَفِيمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِطْعَامُ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَخْرَجَ وَظِيفَتَهُ وَهِيَ الْعِتْقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ فَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْدُودَةٌ مِنْ مؤن

الزَّوْجَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ (أَمَّا) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا جَمِيعًا (فَأَمَّا) إنْ أَرَادَ الصِّيَامَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهَا قَالُوا لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَصِحُّ فِيهِمَا قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا كَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي إجْزَاءِ الْإِعْتَاقِ عَنْهُمَا عَنْ الصِّيَامِ أَنْ يُجْزِئَ هُنَا الصِّيَامُ عَنْ الْإِطْعَامِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ أعلا حَالًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَدْنَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَطْعَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَزِمَهَا الصِّيَامُ عَنْ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ صَامَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْعَمَ ولزمه الاعتاق عنها إذا قدر والله تعالى أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْنُونًا فَوَطِئَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ مُخْتَارَةً (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا (وَإِنْ قلنا) تجب كفارة عنه دونها فلا شىء عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ كَفَّارَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا وَلَا يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي (والثانى) قاله أبو اسحق تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ عَنْهَا لِأَنَّ ماله صالح للتحمل ولانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُرَاهِقًا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَاسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فَكَالْمَجْنُونِ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا صَائِمًا وَهِيَ حَاضِرَةً صَائِمَةً فَإِنْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّرَخُّصَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فَصَارَ كَقَاصِدِ التَّرَخُّصِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَجَامَعَ وَكَذَا الصَّحِيحُ إذَا مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ثُمَّ جَامَعَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عليه فهو كغيره فيجئ فِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَحُكْمُ التَّحَمُّلِ مَا سَبَقَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ وَكَانَتْ صَائِمَةً فَوَطِئَهَا (فَإِنْ قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ

قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا الْمَجْنُونُ لَا يَتَحَمَّلُ وَإِلَّا فَلَيْسَ الْعُذْرُ هُنَا بِأَوْضَحَ مِنْهُ فِي الْمَجْنُونِ * قُلْتُ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا فِي صُورَةِ المجنون (أما) ادا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ بِصَوْمِهَا فَوَطِئَهَا مُطَاوِعَةً (فان قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ لَزِمَهَا الصِّيَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * {فرع} إذا أكرهها علي الوطئ وَهُمَا صَائِمَانِ فِي الْحَضَرِ فَلَهُمَا حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَقْهَرَهَا بِرَبْطِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَطَأَ فَلَا تُفْطِرُ هِيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَنْهُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) أَنْ يُكْرِهَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ فَفِي فِطْرِهَا قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تُفْطِرُ فَيَكُونُ كَالْحَالِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) تُفْطِرُ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَحْدُهُ قَطْعًا * {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي سَبَقَ كُلُّهُ فِيمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ كَفَّارَتَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا زَوْجِيَّةَ هُنَا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا شئ عليها (وان قلنا) عنه وعنها فعليها في مالها كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {وإن جامع في يومين أو في أيام وجب لكل يوم كفارة لان صوم كل يوم عبادة منفردة فلم تتداخل كفارتها كالعمرتين وإن جامع في يوم مرتين لم يلزمه للثاني كفارة لان الجماع الثاني لم يصادف صوما} * {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تطيب في الاحترام قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَا شئ عَنْ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةِ فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ دُونَهَا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ عَنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا دَخَلَهُ التَّحَمُّلُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ قَالَ فَإِذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يوم واحد

لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ عَنْ الوطئ الاول ولا يلزمه شئ لباقي الوطآت وعلي الثاني يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَةٌ عَنْ وَطْئَتِهِ الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُوجِدُ التَّحَمُّلَ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْ الْأُولَى بِوَطْئِهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَوَطِئَهُمَا فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَمَّا) عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنْ قدم وطئ الْمُسْلِمَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ قَدَّمَ المسلمة لزمه كفارتان عنه وعنها ولا شئ بِسَبَبِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ لَزِمَهُ لِنَفْسِهِ كَفَّارَةٌ ثُمَّ أُخْرَى عَنْ الْمُسْلِمَةِ هَذَا كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يَوْمٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْكَفَّارَةُ عَنْهُنَّ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ وَذَكَرَ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ نَحْوَ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ كَرَّرَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ان كان الوطئ الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ اخرى لانه وطئ مُحَرَّمٌ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا مُنْعَقِدًا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ * {فَرْعٌ} فِي مذاهبهم في من وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ فِي الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ قَالَ وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ ففى رواية عنه هو كَرَمَضَانَ وَاحِدٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ وَقَاسَهُ عَلَى الْحُدُودِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الحدود المبنية علي الدرء والاسقاط * * قال المصنف رحمه الله * {وان رأى هلال رمضان فرد الحاكم شهادته فصام وجامع وجبت عليه الكفارة لانه افطر في شهر رمضان بالجماع من غير عذر فاشبه إذا قبل الحاكم شهادته} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ صَامَهُ وَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الفطر كما سبق ولا شئ عَلَيْهِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ والله اعلم *

* قال المصنف رحمه الله * {وإن طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بالفجر وجبت عليه الكفارة لانه منع صوم يوم من رمضان بجماع من غير عذر فوجبت عليه الكفارة كما لو وطئ في أثناء النهار وان جامع وعنده أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ أو أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت لم تجب عليه الكفارة لانه جامع وهو يعتقد انه يحل له ذلك وكفارة الصوم عقوبة تجب مع المأثم فلا تجب مع اعتقاد الاباحة كالحد وإن أكل ناسيا فظن أنه أفطر بذلك ثم جامع عامدا فالمنصوص في الصيام انه لا تجب الكفارة لانه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم فأشبه إذا وطئ وعنده انه ليل ثم بان انه نهار وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله يحتمل عندي انه تجب عليه الكفارة لان الذى ظنه لا يبيح الوطئ بخلاف مالو جامع وظن أن الشمس غربت لان الذى ظن هناك يببح له الوطئ فان أفطر بالجماع وهو مريض أو مسافر لم تجب الكفارة لانه يحل له الفطر فلا تجب الكفارة مع اباحة الفطر وان أصبح المقيم صائما ثم سافر وجامع وجبت عليه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في هذا اليوم فكان وجوده كعدمه وإن أصبح الصحيح صائما ثم مرض وجامع لم تجب الكفارة لان المريض يباح له الفطر في هذا اليوم وإن جامع ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في يومه فلا يسقط عنه ما وجب فيه من الكفارة وإن جامع ثم مرض أو جن ففيه قولان (احدهما) لا تسقط عنه الكفارة لانه معني طرأ بعد وجوب الكفارة فلا يسقط الكفارة كالسفر (والثانى) انه تسقط لان اليوم يرتبط بعضه ببعض فإذا خرج آخره عن ان يكون الصوم فيه مستحقا خرج أوله عن ان يكون صوما أو يكون الصوم فيه مستحقا فيكون جماعه في يوم فطر أو في يوم صوم غير مستحق فلا تجب به الكفارة} * {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِهَا قَوْلَيْنِ (الْمَنْصُوصُ) وُجُوبُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهَذَا الْجِمَاعِ صَوْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مَنَعَ انْعِقَادَ الصَّوْمِ لَا لِإِفْسَادِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ وَمَنْ قَالَ انْعَقَدَ صَوْمُهُ ثُمَّ فَسَدَ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ هُنَا عَلَى وُجُوبِ الكفارة

بِالِاسْتِدَامَةِ وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا وَاسْتَدَامَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ بِالِاسْتِدَامَةِ قَالُوا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَهْرُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَوَّلَ الْفِعْلِ كَانَ مُبَاحًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْمَهْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَفَّارَةٌ فوجبت الكفارة باستدامته لئلا يخلوا جِمَاعٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا عَنْ كَفَّارَةٍ وأما المهر فلا يجب لان أول الوطئ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ مَهْرَ النِّكَاحِ يُقَابِلُ جميع الوطئات فَلَمْ يَجِبْ بِاسْتِدَامَتِهِ مَهْرٌ آخَرُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ مِمَّنْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنَهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجِهَا وَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ مَهْرَانِ بالوطئة الْوَاحِدَةِ مَهْرٌ لِلزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا بِشُبْهَةٍ وَمَهْرٌ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِكَاحَهُ والله أعلم * {فرع} لو أحرم بالحج مجامعا ففيه ثلاث أَوْجُهٍ سَأُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهَا) لَا يَنْعَقِدُ حَجُّهُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مَعَ خُرُوجِ الْحَدَثِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ حَجُّهُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ حَجُّهُ ولا شئ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَسَدَ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ مَكَثَ أَوْ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلِ بَدَنَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَنَّ الصَّوْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِفْسَادِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ جَامَعَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَبَانَ غَلَطُهُ فَلَا كَفَّارَةَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي بِالْجِمَاعِ يَقُولُ بِمِثْلِهِ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُمْ فِيمَنْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ لَا كَفَّارَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ بِظَنِّ ذَلِكَ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ بِالظَّنِّ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ مُحَرَّمٌ صَادَفَ الصَّوْمَ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ لِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ ثُمَّ جَامَعَ فَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ تَبْطُلُ كَمَا لَوْ جَامَعَ أَوْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ

نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ الْأُمِّ وَفِيهِ الِاحْتِمَالُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَكَرَ دَلِيلَهُمَا أَمَّا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَيُفْطِرُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَمَكَثَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ هَتْكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ أَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ فَجَامَعَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَبَّلَ ثُمَّ جَامَعَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُفْتِيَهُ فَقِيهٌ أَوْ يَتَأَوَّلَ خَبَرًا فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الَّذِي اغْتَابَ ثُمَّ جَامَعَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَفْتَى أَوْ تَأَوَّلَ خَبَرًا * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إفْسَادَ صَوْمٍ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ فَإِنْ قَصَدَ بِالْجِمَاعِ التَّرَخُّصَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِذَا جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي فَصْلِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فَجَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (السَّابِعَةُ) لَوْ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ كطرآن الْمَرَضِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَفْسَدَ الصَّحِيحُ صَوْمَهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وبه قطع لبغوى (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَسْقُطُ (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الكتاب ولو أفسده بِجِمَاعٍ ثُمَّ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ أَوْ مَوْتٌ فِي يَوْمِهِ فَقَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحَّهُمَا) السُّقُوطُ لِأَنَّ يَوْمَهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلصَّوْمِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَصُورَةُ الْحَيْضِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُفْطِرَةَ بِالْجِمَاعِ يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ * هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِطَرَآنِ الْجُنُونِ وَالْمَرَضِ وَالْحَيْضِ مَالِكٌ وابن ابى ليلي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ تَسْقُطُ وَأَسْقَطَهَا زَفَرُ بِالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ دُونَ الْمَرَضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ إلَّا ابن الماجشون المالكي فاسقطها به * قال المصنف رحمه الله تعالي * {ووطئ المرأة في الدبر واللواط كالوطئ في الفرج في جميع ما ذكرناه من افساد الصوم ووجوب

القضاء والكفارة لان الجميع وطئ ولان الجميع في ايجاب الحد فكذلك في إفساد الصوم وايجاب الكفارة (وأما) إتيان البهيمة ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال ينبنى ذلك علي وجوب الحد (فان قلنا) يجب فيه الحد أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع في الفرج (وإن قلنا) يجب فيه التعزير لم يفسد الصوم ولم تجب به الكفارة لانه كالوطئ فيما دون الفرج في التعزير فكان مثله في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ومن أصحابنا من قال يفسد الصوم وتجب الكفارة قولا واحدا لانه وطئ يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به افساد الصوم وإيجاب الكفارة كوطئ المرأة} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ طَرِيقَانِ فَعَبَّرَ بِالْوَجْهَيْنِ عَنْ الطَّرِيقَيْنِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ علي أن وطئ الْمَرْأَةِ فِي الدُّبُرِ وَاللِّوَاطَ بِصَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ كوطئ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبُلِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فِي دُبُرِهَا أَوْ قُبُلِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى إيجَابِ الْحَدِّ بِهِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الدارمي عن أبى علي ابن خيران وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالْحَدِّ وَلِهَذَا يَجِبُ في وطئ الزَّوْجَةِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْحَدِّ * وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْزَلَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَا كَفَّارَةَ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ أَنْزَلَ أَفْسَدَ كَمَا لو قبل فانزل * {فرع} الوطئ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ووطئ أَمَتِهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ وَالْكَافِرَةِ وَسَائِرِ النِّسَاءِ سَوَاءٌ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَإِمْسَاكِ بقية النهار وهذا الاخلاف فِيهِ * {فَرْعٌ} إذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَاتِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ أَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ مَا يَأْثَمُ بِالْإِفْطَارِ بِهِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةٌ فَوْقَ كَفَّارَةِ المرضع ودون كفارة المجامع وهذان الوجهان

علط وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَمْنَى مُتَعَمِّدًا بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِمْنَاءَ فَأَنْزَلَ فَلَا كَفَّارَةَ وَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا فِي الدُّبْرِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أبو حنيفة عليه القضاء وفى الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ (أَشْهَرُهُمَا) عَنْهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّحْلِيلُ فَأَشْبَهَ الوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ جِمَاعٌ أَثِمَ بِهِ لِسَبَبِ الصَّوْمِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْقَتْلِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي المباشرة فيما دون الفرج * قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا سَوَاءٌ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِنْزَالِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ دَاوُد كُلُّ إنْزَالٍ تجب به الكفارة حتى الاستمناء الا إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ المبارك واسحق وقال أحمد يجب بالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْكَفَّارَةُ وَفِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ رِوَايَتَانِ * وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي الْفَرْجِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَمَا قَالَهُ الْآخَرُونَ يُنْتَقَضُ بِالرِّدَّةِ * {فَرْعٌ} قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الضَّابِطُ في وجوب الكفارة بالجماع أنها تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَفِي هَذَا الضَّابِطِ قُيُودٌ (أَحَدُهَا) الْإِفْسَادُ فَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَقِيلَ فِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِثْمِ (الثَّانِي) قَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ (الثَّالِثُ) قَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى المذهب كما بيناه قريبا (الرابع) قَوْلُنَا تَامٍّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا جُومِعَتْ فَإِنَّهَا يَحْصُلُ فِطْرُهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْجِمَاعُ التَّامُّ إلَّا وَقَدْ أَفْطَرَتْ لِدُخُولِ دَاخِلٍ فِيهَا فَالْفِطْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَأَحْكَامُ الْجِمَاعِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِتَغْيِيبِ كُلِّ الْحَشَفَةِ فيصدق

عَلَيْهَا أَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ جَامَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُنَا بِسَبَبِ الصَّوْمِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُسَافِرِ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ جَائِزٌ لَهُ وانما أثم بالزنا ولو زنا الْمُقِيمُ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَقُلْنَا الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِجِمَاعِ النَّاسِي فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ نَاسٍ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا لا شئ عَلَيْهَا وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ مُسْتَثْنَى عَنْ الضَّابِطِ * {فَرْعٌ} لَوْ صَامَ الصَّبِيُّ رَمَضَانَ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ وَقُلْنَا إنَّ وَطْأَهُ فِي الْحَجِّ يُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ البدن ففى وجوب كفارة الوطئ فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَسَأُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالي * {ومن وطئ وطئا يوجب الكفارة ولم يقدر علي الكفارة ففيه قولان (احدهما) لا تجب لقوله صلي الله عليه وسلم " استغفر الله تعالي وخذ واطعم اهلك " أو لانه حق مال يجب لله تعالي لا علي وجه البدل فلم يجب مع العجز كزكاة الفطر (والثاني) انها تثبت في الذمة فإذا قدر لزمه قضاؤها وهو الصحيح لانه حق لله تعالى يجب بسبب من جهته فلم يسقط بالعجز كجزاء الصيد} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَقَوْلُهُ) حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَقَوْلُهُ) لِلَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتْعَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ القلعي ليس هو احتراز بَلْ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ * أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تعالي ثلاثة أَضْرُبٍ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ (ضَرْبٌ) يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مَحْضٌ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ قَالَ صَاحِبُ العدة ودم التمتع والقران قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالنَّذْرُ وَكَفَّارَةُ قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَدَمُ التَّمَتُّعِ وَالطِّيبُ وَاللِّبَاسُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَمَتَى قَدِرَ عَلَى أَحَدِ الْخِصَالِ لَزِمَتْهُ (وَالثَّانِي) لَا تَثْبُتُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَشَبَهُهَا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَاخَذَةٌ عَلَى فِعْلِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ * وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا

مسائل تتعلق بالجماع في صوم رمضان

بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال " اطعمه أَهْلَكَ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْأَهْلِ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقُونَ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ دليل لثبوتها فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لانه لما ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجْزَهُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ ثُمَّ مَلَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرَقَ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ لِقُدْرَتِهِ الْآنَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمَا أَمَرَهُ بِهَا (وَأَمَّا) إطْعَامُهُ أَهْلَهُ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ صَارَ مِلْكًا لَهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ إلَيْهِ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَتَأْخِيرُهَا لِمِثْلِ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِهَذَا بَعْدَ إعْلَامِهِ بِعَجْزِهِ فَفَهِمَ الْأَعْرَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ (الثاني) أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وهذا ليس وَقْتِ الْحَاجَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً إلَى زَوْجَةِ الْمُكَفِّرِ وَأَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَبَاقِيَ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ وَقَاسَ الْجُمْهُورُ عَلَى الزَّكَاةِ وَبَاقِي الْكَفَّارَاتِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ * {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ (إحْدَاهَا) إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهِ صَوْمًا (الثَّانِيَةِ) إذَا وَطِئَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَقَالَ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ تَحْرِيمَهُ وَجَهِلْتُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ (الثَّالِثَةِ) إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَفِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ الصَّلَاةِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أبي هريرة السابق في قصة الاعرايى وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي جبرانها (الثانية) يجب علي المفكر مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ * هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ

خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِإِيجَابِ قَضَائِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ سِوَى الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ قَضَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (الرَّابِعَةُ) هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ * وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَنَحْرِ بَدَنَةٍ وَاحْتَجَّا بِحَدِيثَيْنِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبَيْهِمَا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْحَسَنِ فَضَعِيفٌ جِدًّا وحديث مالك يجاب عنه بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حَدِيثُنَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْتِيبِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (الْخَامِسَةُ) يُشْتَرَطُ فِي صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ التَّتَابُعُ وَجَوَّزَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَفْرِيقَهُ لِحَدِيثٍ فِي صَوْمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّرْتِيبِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالتَّتَابُعِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ (السَّادِسَةُ) إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَهُوَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ سَوَاءٌ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَغَيْرُهَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ حِنْطَةً أَوْ صَاعٌ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَفِي الزَّبِيبِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ صَاعٌ وَرِوَايَةٌ مُدَّانِ (السَّابِعَةُ) لَوْ جَامَعَ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ قَتَادَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {إذَا نَوَى الصوم مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وعليه القضاء وقال المزني يصح صومه كما. لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار والدليل علي أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح فإذا انفردت النية عن النرك لم يصح وأما النوم فان أبا سعيد الاصطخرى قال إذا نام جميع النهار لم يصح صومه كما إذا أغمي عليه جميع النهار والمذهب أنه يصح صومه إذا نام والفرق بينه وبين الاغماء ان النائم ثابت العقل لانه إذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافة ولان النائم كالمستيقظ ولهذا ولايته ثابتة علي ماله بخلاف المغمي عليه وان نوى الصوم ثم اغمى عليه في بعض النهار فقد قال في كتاب الظهار ومختصر البويطي إذا كان في أوله مفيقا صح صومه وفى كتاب الصوم إذا كان في بعضه مفيقا اجزأه وقال فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إذا كانت صائمة فاغمى عليها أو حاضت بطل صومها وخرج أبو العباس قولا آخر أنه ان كان مفيقا في طرفي النهار صح صومه فمن أصحابنا من قال المسألة علي قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا

في اول النهار وتأول ما سواه من الاقوال علي هذا ومن اصحابنا من قال فيها اربعة أقوال (احدها) انه تعتبر الافاقة في اوله كالنية تعتبر في اوله (والثانى) انه تعتبر الافاقة في طرفيه كما ان في الصلاة يعتبر القصد في الطرفين في الدخول والخروج ولا يعتبر فيما بينهما (والثالث) انه تعتبر الافاقة في جميعه فإذا اغمي عليه في بعضه لم يصح لانه معنى إذا اطرأ أسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (والرابع) تعتبر الافاقة في جزء منه ولا اعرف له وجها وان نوى الصوم ثم جن ففيه قولان (قال) في الجديد يبطل الصوم لانه عارض يسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (وقال) في القديم هو كالاغماء لانه يزيل العقل والولاية فهو كالاغماء} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَارِضٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ يُنْتَقَضُ بِالْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ وَكَانَ قَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو سعيد الاصطخرى لا يصح وحكاه الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ وَنَامَ بَاقِيَهُ صَحَّ صَوْمُهُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَنَمْ النَّهَارَ وَلَكِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِهِ صَحَّ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ ذِكْرِهِ حَرَجًا (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ النوم انه يصح خرجه المزني وغيره عن أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ دون بعض ففيه ثلاثة طرق (احداها) إنْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشافعي في باب الصيام من مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ النَّصَّيْنِ الْآخَرَيْنِ فَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ عَائِدٌ إلَى الْحَيْضِ خَاصَّةً لَا إلَى الْإِغْمَاءِ قَالُوا وَقَدْ يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا وَتَأَوَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَأْوِيلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِغْمَاءِ هُنَا الْجُنُونُ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ نَصَّهُ فِي الظِّهَارِ وَالْبُوَيْطِيُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِفَاقَةَ فِي أَوَّلِهِ لِلتَّمْثِيلِ بِالْجُزْءِ لَا لاشتراط الاول (والطريق الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوَّلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظِّهَارِ وَتَأَوَّلَ نَصُّ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ (أَصَحُّ) الْأَقْوَالِ يَشْتَرِطُ الْإِفَاقَةَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ (وَالثَّانِي) فِي أَوَّلِهِ خَاصَّةً (وَالثَّالِثُ) فِي طَرَفَيْهِ (وَالرَّابِعُ) فِي جَمِيعِهِ كَالنَّقَاءِ مِنْ الحيض وهذا الرَّابِعُ تَخْرِيجٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ خَرَّجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ إلَّا القول الاول

الْأَصَحَّ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ كُلِّهِ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى الصوم باليل وَجُنَّ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُ صَوْمِهِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ هُوَ كَالْإِغْمَاءِ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْقَوْلَيْنِ وَجْهَيْنِ كَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَآخَرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا طَرِيقَيْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِالْجُنُونِ فِي لَحْظَةٍ كَالْحَيْضِ * وَلَوْ جُنَّ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسَةُ) لَوْ حَاضَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَوْ ارْتَدَّ بَطَلَ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ لَوْ نَفِسَتْ بَطَلَ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ (إنْ قُلْنَا) لَا غُسْلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا وَإِلَّا بَطَلَ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (السَّابِعَةُ) حَيْثُ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إمَّا لِوُجُودِ الْإِغْمَاءِ فِي كُلِّ النَّهَارِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ نِيَّتِهِ بِاللَّيْلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ رَمَضَانَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ * {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ نَهَارًا بِسَبَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لَيْلًا وَبَقِيَ سُكْرُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ صَحَا فِي بعضه فهو كالاغماء في بعض النهار * * قال المصنف رحمه الله تعالي * ويجوز للصائم ان ينزل الماء وينغطس فيه لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال " حدثني مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ صائف يصب على رأسه الماء من شدة الحر والعطش وهو صائم " ويجوز أن يكتحل لما روى عن أنس " انه كان يكتحل وهو صائم ولان العين ليس بمنفد فلم يبطل الصوم بما يصل إليها "} * {الشَّرْحُ} أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صحيحة واسناد مالك وداود النسائي وأبى علي شرط البخاري ومسلم ولفظ رواياتهم " مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْعَطَشِ " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ " الْحَرُّ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ " هَذَا لَفْظُهُ وَكَذَا لَفْظُ الْبَاقِينَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ أَبَا بَكْرٍ صَحَابِيٌّ وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ الَّذِي رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الصَّحَابِيَّ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الِاسْمِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلِهَذَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَنَسٍ فِي الِاكْتِحَالِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا رَجُلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي ضَعَّفَهُ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَ بِمَنْفَذٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ لَيْسَ وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَالْمَشْهُورُ الْفَصِيحُ لَيْسَتْ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ (وَأَمَّا) الْمَنْفَذُ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (احداهما) يجوز للصائم ان ينزل في الْمَاءِ وَيَنْغَطِسَ فِيهِ وَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ يَغْتَسِلُ " (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلصَّائِمِ الِاكْتِحَالُ بِجَمِيعِ الْأَكْحَالِ وَلَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِجَوْفٍ وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا إلَى الْحَلْقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ عِنْدَنَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ تَنَخَّمَهُ أَمْ لَا * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاكْتِحَالِ * ذَكَرْنَا أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ بِهِ سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى الصَّحَابِيَّيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا يَبْطُلُ بِهِ صَوْمُهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَجُوزُ بِالْإِثْمِدِ وَيُكْرَهُ بِالصَّبْرِ * وَقَالَ الثوري وإسحق يكره * وقال مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَفْطَرَ * وَاحْتَجَّ لِلْمَانِعِينَ بِحَدِيثِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ نَذْكُرُهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ " اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ بقية عن سعيد ابن أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ شَيْخِ بَقِيَّةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَعِيدُ الزُّبَيْدِيُّ هَذَا مِنْ مَجَاهِيلِ شُيُوخِ بَقِيَّةَ يَنْفَرِدُ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ مَرْدُودَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْمَعْرُوفِينَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اشْتَكَتْ عَيْنِي أفأ كتحل وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الباب شئ وعن

نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مملوءتان الْكُحْلِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " فِي إسناد مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ لِأَنَّ رَاوِيهِ مُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ * وَاحْتَجُّوا بِالْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ بَيَّنَّا إسْنَادَهُ وفى سنن ابي دواد عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ ما ذكره المصنف * * قال المصنف رحمه الله * {ويجوز أن يحتجم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قال في الام ولو ترك كان احب الي لما روى عبد الرحمن بن ابي ليلي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انهم قالو " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجامة والوصال في الصوم إبقاء علي أصحابه "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَفْظِ رِوَايَةِ الْمُهَذَّبِ (وَقَوْلُهُ) إبْقَاءً بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْقَافِ وَبِالْمَدِّ أَيْ رِفْقًا بِهِمْ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا تُفْطِرُهُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ يُفْطِرُ بِالْحِجَامَةِ مِمَّنْ قَالَهُ مِنْهُمْ أبو بكر ابن الْمُنْذِرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ النيسابوري والحاكم أبو عَبْدِ اللَّهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَصْدُ كَالْحِجَامَةِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهَا لا الحاجم ولا لمحجوم وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وابن سيرين وعطاء والاوزاعي وأحمد وإسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أحمد وإسحق يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَلْزَمُ الْمُحْتَجِمَ فِي رَمَضَانَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ

مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لثمان عشرة خلت مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أبو داود والنساثى وابن ماجه بأسانيد صحيحة وعن رافع به خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الباب حديث ثوبان وعن علي ابن الْمَدِينِيِّ قَالَ لَا أَعْلَمُ فِيهَا أَصَحَّ مِنْ حديث رافع بن خديج قال الحاكم قد حكم أحمد لاحد الحديثين بالصحة وعلى للآخر بالصحة وحكم إسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِالصِّحَّةِ ثم روى الحاكم باسناده عن اسحق أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ هَذَا إسْنَادٌ صحيح تقوم به الحجة قال اسحق وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ وَبِهِ نَقُولُ قال الحاكم رضى الله عن اسحق فَقَدْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ لِحَدِيثٍ صِحَّتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَالَ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ مُسْتَقِيمَةٍ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ صَحَّ عِنْدِي حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " مِنْ رِوَايَةِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَثَوْبَانَ قَالَ عُثْمَانُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ صَحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اسامة ابن زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ رِوَايَةِ عَطَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وعن عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ هَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهْمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الْحَافِظِ قَالَ حَدِيثُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ إنَّ ابْنَ عُمَرَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ قَالَ " سُئِلَ أَنَسٌ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ " عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُمَا إلَّا إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ

الْخُدْرِيِّ قَالَ " رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ مِنْ طريق آخر قال كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَوَّلُ مَا كرهتت الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ في الحجامة للصائم " وكان أنس يحتحم وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ والحسين بن على وزيد ابن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَحَادِيثَ أُخَرَ فِي بَعْضِهَا ضعف والمعتمد ما ذكرنا وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَصْدِ وَالرُّعَافِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ اختلاف وتابعه عليه والخطابى البيهقى وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانَ الْفَتْحِ فَرَأَى رَجُلًا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَقَدْ ثبت في صحيح البخاري في حديث بْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عليه وسلم محرما في حجة الوادع سنة عشرة مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ الْفَتْحُ سَنَةَ ثَمَانٍ بِلَا شَكٍّ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ شَدَّادٍ بِسَنَتَيْنِ وَزِيَادَةٍ قَالَ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ويدل علي النسح أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي قِصَّةِ جَعْفَرٍ " ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بعد في الحجامة " هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ السَّابِقُ أَيْضًا فِيهِ لَفْظُ التَّرْخِيصِ وغالب مَا يُسْتَعْمَلُ التَّرْخِيصُ بَعْدَ النَّهْيِ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عباس أصح ويعضده أيضا القياس فوجب تقدبمه (الْجَوَابُ الثَّالِثِ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَالْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فِي صَوْمِهِمَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِفْطَارِهِمَا أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لَا جُمُعَةَ لَكَ أَيْ لَيْسَ لَكَ أَجْرُهَا وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ عنه (الجواب الرَّابِعِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَرَّضَا لِلْفِطْرِ (أما) المحجوم فلضعفه بخروج الدم فربما لحقه مَشَقَّةٌ فَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ بِسَبَبِهَا (وَأَمَّا) الحاجم فقد يصل جوفه شئ من الدم أو غيره إذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلَازِمِ كَمَا يُقَالُ لِلْمُتَعَرِّضِ لِلْهَلَاكِ هَلَكَ فُلَانٌ وَإِنْ كَانَ باقيا سالما وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ " أَيْ تَعَرَّضَ لَلذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ

(الْخَامِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا قريب المغرب فقال أفطرا أَيْ حَانَ فِطْرُهُمَا كَمَا يُقَالُ أَمْسَى الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَوْ قَارَبَهُ (السَّادِسِ) أَنَّهُ تَغْلِيظٌ وَدُعَاءٌ عَلَيْهِمَا لِارْتِكَابِهِمَا مَا يُعَرِّضُهُمَا لِفَسَادِ صَوْمِهِمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ خُزَيْمَةَ اعْتَرَضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهُ قَالَ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَا يُفْطِرُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ وَالْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِجَامَتِهِ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ فَاحْتَجَمَ وَصَارَ مُفْطِرًا وَذَلِكَ جَائِزٌ هَذَا كَلَامُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَالَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَثْبَتَ لَهُ الصِّيَامَ مَعَ الْحِجَامَةِ وَلَوْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهَا لَقَالَ أَفْطَرَ بِالْحِجَامَةِ كَمَا يُقَالُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَلَا يُقَالُ أَكَلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ قُلْتُ وَلِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ ويؤيده باقى الاحاديث المذكروة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {قال واكره له العلك لانه يجفف الفم ويعطش ولا يفطر لانه يدور في الفم ولا ينزل الي الجوف شئ فان تفرك وتفتت فوصل منه شئ الي الجوف بطل الصوم ويكره له أن يمضغ الخبز فان كان له ولد صغير ولم يكن له من يمضغ غيره لم يكره له ذلك} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَالْعِلْكُ بِكَسْرِ العين هو هذا الْمَعْرُوفُ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْعَيْنِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْفِعْلَ وَهُوَ مَضْغُ الْعِلْكِ وَإِدَارَتُهُ وَقَوْلُهُ يَمْضَغُ هُوَ بفتح الصاد وَضَمِّهَا لُغَتَانِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْعِلْكُ لِأَنَّهُ يجمع الريق ويورث العطش والقئ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ " لَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ الصَّائِمُ " وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأَكْرَهُ الْعِلْكَ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِالْجِيمِ وَبِالْحَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَرُبَّمَا ابْتَلَعَهُ وَذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ يُطَيِّبُ الْفَمَ وَيُزِيلُ الْخُلُوفَ قَالَ وَمَنْ قَالَهُ بِالْحَاءِ فَمَعْنَاهُ يَمْتَصُّ الرِّيقَ وَيُجْهِدُ الصَّائِمَ فَيُورِثُ الْعَطَشَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُفْطِرُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْكِ وَلَا بِنُزُولِ

الرِّيقِ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنْ تَفَتَّتَ فَوَصَلَ من جرمه شئ إلى جوفه عمدا وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ نَزَلَ طَعْمُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ رِيحُهُ دُونَ جُرْمِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّعْمَ بِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ ابْتَلَعَ الرِّيقَ وَفِيهِ طَعْمُهُ أَفْطَرَ وليس بشئ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ لَهُ مَضْغُ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا ذَوْقُ الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ مَضَغَ أَوْ ذَاقَ وَلَمْ يَنْزِلْ إلَى جوفه شئ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى مَضْغِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مَضْغِهِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ " لَا بَأْسَ أَنْ يتطاعم الصائم بالشئ " يعني المرقة ونحوها * قال المصنف رحمه الله * {ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهة كراهة تحريم وان لم تحرك شهوته قال الشافعي فلا بأس بها وتركها أولي والاصل في ذلك ماروت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لاربه " وعن ابن عباس انه ارخص فيها للشيخ وكرهها للشاب ولانه في حق احدهما لا يأمن ان ينزل فيفسد الصوم وفى الاخر يأمن ففرق بينهما} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يصنع ذلك فقال يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إنِّي صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ فَفِيمَ " رَوَاهُ أبو داود قد سبق بيانه حيث ذكره المصنف ومما جاء في كراهتها للشاب وَنَحْوِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رُخِّصَ لِلْكَبِيرِ الصَّائِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَكُرِهَ لِلشَّابِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَرَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي والبيهقي باسانيدهم الصحيحة عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا للشاب هكذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ هَذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجاء شاب فقال يارسول اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَا فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ميمونة مولاة النبي صلي الله عليه قَالَتْ " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ قَدْ أَفْطَرَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ باسناد ضعيف قال الدارقطني روايه مَجْهُولٌ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر قالت كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُبْلَةِ (وَقَوْلُهَا) لِإِرْبِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الراء وروى أيضا بفتحهما جميعا * (أما) حكم الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا وَسَوَاءٌ قَبَّلَ الْخَدَّ أَوْ الْفَمَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ وَالْمُعَانَقَةُ لَهُمَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَرَّكَتْ شهوته كراهة تحريم عند المنصف وشيخه القاضي أبى الطيب والعبد رى وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَإِذَا قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَتُهَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا فَإِنْ قَبَّلَ مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ والحسن واحمد واسحق قال وكان سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ لَا يَرَى بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْقُبْلَةَ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي رَمَضَانَ وَأَبَاحَتْهَا طَائِفَةٌ للشيخ دون الشاب ممن قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ خَافَ الْمُجَاوَزَةَ مِنْ الْقُبْلَةِ إلَى غَيْرِهَا لَمْ يُقَبِّلْ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يوما مكانه وحكاه الماورى عن محمد ابن الحنفية وعبد الله ابن شُبْرُمَةَ قَالَ وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةُ لَا تُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ فَإِنْ أَنْزَلَ مَعَهَا أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ فِي الاحاديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

* قال المصنف رحمه الله* {وينبعى للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشم فان شوتم قال انى صائم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا كَانَ احدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل انى صائم "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرَّفَثُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ وَمَعْنَى شَاتَمَهُ شَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليقل اني صائم ذكر العلماء فيه تأويلين (احدهما) يقوله بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعُهُ لِصَاحِبِهِ لِيَزْجُرَهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) وبه جزم المتولي يقوله فِي قَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَيُذَكِّرُهَا أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلِيقُ بِهِ الْجَهْلُ وَالْمُشَاتَمَةُ وَالْخَوْضُ مَعَ الْخَائِضِينَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الرِّيَاءَ إذَا تَلَفَّظَ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقْصِدُ زَجْرَهُ لَا لِلرِّيَاءِ وَالتَّأْوِيلَانِ حَسَنَانِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ ينز صومه عن الغليبة وَالشَّتْمِ مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ * وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالْقُبْلَةُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ " وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِوَى الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ وَفَضِيلَتَهُ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا يَكُونُ بصيانته عن اللغو والكلام الردئ لَا أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ " فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ * * قال المصنف رحمه الله تعالي * {ويكره الوصال في الصوم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا إنك تواصل يارسول اللَّهِ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ

عند ربي يطعمنى ويسقيني " وهل هو كراهة تحريم أو كراهة تنزيه فيه وجهان (أحدهما) أنه كراهة تحريم لان النهي يقتضي التحريم (والثانى) أنه كراهة تنزيه لانه إنما نهى عنه حتي لا يضعف عن الصوم وذلك أمر غير محقق فلم يتعلق به أثم فان واصل لم يبطل صومه لان النهي لا يرجح إلى الصوم فلا يوجب بطلانه} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والوصال بكسر الواو ويطعمني بضم الياء ويسقيي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا * أَمَّا حُكْمُ الْوِصَالِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَمْ تَنْزِيهٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ رَسُولِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَظَرَهَا عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوِصَالَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِتَصْحِيحِ تَحْرِيمِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ والخطابى في المعالم وسليم الدارى فِي الْكِفَايَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أن يَصُومُ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا يَتَنَاوَلُ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا لَا مَاءً وَلَا مَأْكُولًا فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ شَرِبَ فَلَيْسَ وِصَالًا وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْأَكْلَ إلَى السَّحَرِ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِوِصَالٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الوصال أن لا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ وَيَزُولُ الْوِصَالُ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَإِنْ قَلَّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْبَنْدَنِيجِيِّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ والبغوى في التهذيب الوصال أن لا يَأْكُلَ شَيْئًا فِي اللَّيْلِ وَخَصُّوهُ بِالْأَكْلِ فَضَعِيفٌ بَلْ هُوَ مُتَأَوِّلٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِ أَحَدِ الْقَرِينَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (سرابيل تقيكم الحر) أَيْ وَالْبَرْدَ وَنَظَائِرُهُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ بَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ مَا يَزُولُ بِهِ الْوِصَالُ فَقِيلَ يَزُولُ الْوِصَالُ بِقَطْرَةٍ يَتَعَاطَاهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَا يَكْفِي اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَنْ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَقَدْ أَفْطَرَ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدْ أَطْلَقُوا فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْوِصَالِ أَنَّهُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ فِي الليل وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْوِصَالُ أَنْ يَصِلَ صَوْمَ اللَّيْلِ بِصَوْمِ النَّهَارِ قَصْدًا فَلَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ بِاللَّيْلِ لَا عَلَى قَصْدِ الْوِصَالِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِهِ لَمْ يُحَرَّمْ

وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْعِصْيَانُ فِي الْوِصَالِ لِقَصْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ اللَّيْلِ كَالْحَائِضِ إذَا صَلَّتْ عَصَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَلَاةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ خِلَافُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْوِصَالُ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ دُونَ نِيَّةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ نَوَى الْإِفْطَارَ أَمْ لَا هَذَا كَلَامُهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْوِصَالَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي اللَّيْلِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ * {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ حَرَّمْنَاهُ أَوْ كَرَّهْنَاهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّنَا (إمَّا) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ (وَإِمَّا) تَنْزِيهٍ وَمُبَاحٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي الْحَاوِي وَمِنْهَاجِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَعَالِمِ لِلْخَطَّابِيِّ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَكْلَ حَقِيقَةً إذْ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ وَلَقَالَ مَا أَنَا مُوَاصِلٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي فَرْعِ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " وَلَا يُقَالُ ظَلَّ إلَّا فِي النَّهَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ الْجَنَّةِ كَرَامَةً لَهُ لَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمَّةُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ تَأْوِيلًا ثَالِثًا مَعَ هَذَيْنِ قَالَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ مِنْهَا لِضَعْفِهِ بِالْوِصَالِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْوِصَالِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وبه قال الجمهور وقال العبدرى هو قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ أَبِي نَعِيمٍ يُوَاصِلَانِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبْرٍ قَالَ وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ وَاللَّبَنُ أَلْطَفُ غِذَاءً وَالصَّبْرُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْوِصَالِ * عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن

الْوِصَالِ قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مثلكم إنى أطعم وأسقى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ في رمضان فواصل الناس فنهاههم قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الوصال فقال رجل فانك يارسول اللَّهِ تُوَاصِلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي ربى ويسقيني فلما أبوا ان يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين ابوأن يَنْتَهُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ قِيلَ إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَاكْلَفُوا بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا بِرَغْبَةٍ وَنَشَاطٍ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كهيأتكم إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُوَاصِلُوا قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْهُ قَالَ " وَاصَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَوَاصَلَ نَاسٌ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لواصلنا وصالا يدع الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي أَوْ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي بَابِ لو من كتاب التمنني من صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " لَا تواصلوا فأيكم ارد أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ تواصل يارسول الله قال إنى لست كهيأتكم إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي " رواه البخاري * * قَالَ الْمُصَنَّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يتسحر للصوم لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " تسحروا فان في السحور بركة " ولان فيه معونة علي الصوم ويستحب تأخير السحور لما روى انه قيل لعائشة " ان عبد الله يعجل الفطر ويؤخر السحور فقالت هكذا كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل " ولان السحور يراد للتقوى علي الصوم والتأخير أبلغ في ذلك فكان اولي والمستحب ان يعجل الفطر إذا تحقق غروب الشمس لحديث عائشة رضي الله عنها ولما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ان اليهود والنصاري يؤخرون "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَهُوَ حديث صحيح

وَإِنَّمَا تُقَالُ صِيغَةُ التَّمْرِيضِ فِي ضَعِيفٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ " لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ " وَفِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ " أَنَّ الْيَهُودَ " وكذا رواه البيهقى في السنن الكبير وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ مُنْفَرِدٍ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَبُو دَاوُد إسنادها صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْمَأْكُولُ كَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ وَبِضَمِّهَا وَهُوَ الْفِعْلُ وَالْمَصْدَرُ وَسَبَبُ الْبَرَكَةِ فِيهِ تَقْوِيَتُهُ الصَّائِمَ عَلَى الصَّوْمِ وَتَنْشِيطُهُ لَهُ وَفَرَحُهُ بِهِ وَتَهْوِينُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الصَّوْمِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ سُنَّةٌ وَأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَفْضَلُ وَعَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ سُنَّةٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ كُلُّهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلِأَنَّ فِيهِمَا إعَانَةً عَلَى الصَّوْمِ وَلِأَنَّ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْكُفَّارِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فَصَلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " وَلِأَنَّ محل الصوم هو الليل فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ السَّحُورِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ صَارَ مُفْطِرًا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ قَالَ اصحابنا وإنما يستحب تأخير السحور مادام مُتَيَقِّنًا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَمَتَى حَصَلَ شَكٌّ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ وَقْتِ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَتَسَحَّرْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ السَّحُورِ فَإِنْ تَسَحَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا أَخَّرَ الْإِفْطَارَ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصْلُحُ فِي اللَّيْلِ هَذَا نَصُّهُ * {فَرْعٌ} وَقْتُ السَّحُورِ بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ * {فَرْعٌ} يَحْصُلُ السَّحُورُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ وَيَحْصُلُ بِالْمَاءِ أَيْضًا وَفِيهِ حَدِيثٌ سَنَذْكُرُهُ * {فَرْعٌ} قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ * {فَرْعٌ} فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ * عَنْ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " فصل مابين صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ "

رَوَاهُ مُسْلِمٌ * أَكْلَةُ السَّحَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هِيَ السحور وعن المقدام بن معدى كرب عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " عَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِمَعْنَاهُ وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةٍ وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ " دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَتْ كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ " وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تزال امتى بخير ماعجلو الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَكْلَةُ السَّحَرِ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفِينَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُمَا يَرَيَانِ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ وَاسِعًا لَا أَنَّهُمَا يَتَعَمَّدَانِ فَضِيلَةً فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُؤَخِّرَانِ

الْإِفْطَارَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُ التَّعْجِيلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سَحُورًا " (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إفْطَارَنَا وَنُؤَخِّرَ سَحُورَنَا وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ (وَأَصَحُّ) مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " نعم سحور المؤمن التمر " * قال المصنف رحمه الله * {والمستحب أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فعلى الماء لما روى سلمان بْنِ عَامِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر علي تمر فان لم يجد فليفطر علي ماء فانه طهور " * والمستحب أن يقول عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أفطرت لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صام ثم أفطر قال اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت " ويستحب أن يفطر الصأم لما روى زيد بن خالد الجهيني إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من فطر صائما فله مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شئ "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ معروف وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَلَا يُخَلِّلُ بَيْنَهُمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ السَّابِقُ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ يُفْطِرُ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى حَلَاوَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ كَمَا صَرَّحَ به الحديث

الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ التَّمْرَ وَنَقَلَ مِنْهُ إلَى الْمَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ * {فَرْعٌ} ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَمُجَّهُ وَكَأَنَّ هَذَا شَبِيهٌ بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخَلُوفَ (الثَّانِيَةُ) قال المصنف وسائر الاصحاب يستحب ان يدعوا عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " وَفِي كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً ما ترد " وكان ابْنُ عَمْرٍو إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ التي وسعت كل شئ اغْفِرْ لِي " (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ الصَّائِمَ وَيُفَطِّرَهُ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَدِيثِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَشَائِهِ فَطَّرَهُ عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ لَبَنٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ بعض الصحابة قال " يارسول اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مزقة لبن " * قال المصنف رحمه الله * {إذا كان عليه قضاء ايام من رمضان ولم يكن له عذر لم يجز ان يؤخره الي ان يدخل رمضان آخر فان أخره حتي أدركه رمضان آخر وجب عليه لكل يوم مد من طعام لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى ادركه رمضان آخر يطعم عن الاول فان اخره سنتين ففيه وجهان (احدهما) يجب لكل سنة مد لانه تأخير سنة فاشبهت السنة الاولي (والثانى) لا يجب للثانية شئ لان القضاء مؤقت بما بين رمضانين فإذا اخره عن السنة الاولي فقد اخره عن وقته فوجبت الكفارة وهذا المعنى لا يوجد فيما بعد السنة الاولي فلم يجب بالتأخير كفارة والمستحب ان يقضي ما عليه متتابعا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ ولا يقطعه " ولان فيه مبادرة إلى اداء الفرض ولان ذلك اشبه بالاداء فان قضاه متفرقا جاز لقوله تعالي (فعدة من ايام اخر) ولانه تتابع وجب لاجل الوقت فسقط بفوات الوقت وان كان عليه قضاء اليوم الاول فصام ونوى به اليوم الثاني فانه يحتمل ان يجزئه لانه تعيين اليوم غير واجب ويحتمل ان لا يجزئه لانه نوى غير ما عليه فلم يجزئه كما لو كان عليه عتق عن اليمين فنوى عتق الظهار * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ (وَأَمَّا)

الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِطْعَامِ فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاسِنَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ أَيْضًا وَلَفْظُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ قَالَ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " وَلَفْظُ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ تَتَابُعٌ وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ أو في النذر الْمُتَتَابِعِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ وَنَحْوُهُمَا جَازَ لَهُ التأخير مادام عُذْرُهُ وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ رَمَضَانَات وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ أَدَاءِ رَمَضَانَ بِهَذَا الْعُذْرِ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَإِنْ لم يكن عُذْرٌ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بلا خلاف بل عليه قضاوه قبل مجئ رَمَضَانَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا بَلْ إلَى سِنِينَ إنَّ تَأْخِيرَ الصَّوْمِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ تَأْخِيرٌ لَهُ إلَى زَمَنٍ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ فَهُوَ كَتَأْخِيرِهِ إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْفَائِتِ وَيَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْفَائِتِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ مَعَ الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى مَضَى رَمَضَانَانِ فَصَاعِدًا فَهَلْ يَتَكَرَّرُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ أَمْ يَكْفِي مُدٌّ عَنْ كُلِّ السِّنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَتَكَرَّرُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ السِّنِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ أَفْطَرَ عُدْوَانًا وَقُلْنَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَتَانِ فِدْيَةٌ لِلْإِفْطَارِ عُدْوَانًا وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ إنْ عَدَدْنَا الْفِدْيَةَ بِتَعَدُّدِ رَمَضَانَ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَقُلْنَا الْمَيِّتُ يُطْعَمُ عَنْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدٌّ عَنْ الصَّوْمِ وَمُدٌّ عَنْ التَّأْخِيرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ

وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا سِوَى ابْنِ سُرَيْجٍ (وَالثَّانِي) يَجِبُ مُدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يُضْمَنُ بِمُدٍّ وَاحِدٍ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا غَلَطٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَصَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَيَجِبُ مُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِذَا قُلْنَا بالاصح وهو التكرر فَكَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَقُلْنَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَالْمَذْهَبُ وجوب ثلاثة امداد لكل يَوْمٍ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ السُّنُونَ زَادَتْ الْأَمْدَادُ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ الثَّانِي مَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الفدية في الحال عما لا يسعه الْوَقْتِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ هَلْ يحنث في الحال أم بعد مجئ الغد * {فرع} إذ أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ * {فَرْعٌ} إذَا أَخَّرَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ الْمُدَّ عن السنة فالمذهب انه لا شئ عَلَيْهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَكَرُّرِ مُدٍّ آخَرَ لِتَأْخِيرِهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (المسألة الثانية) إذا كان عليه قضاء شئ مِنْ رَمَضَانَ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ فَرَّقَهُ جَازَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى بِهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الِاحْتِمَالَيْنِ لَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرَ النَّقْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ وَإِغْمَاءٍ وَسَفَرٍ وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا أَوْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ رَمَضَانَ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الفائتة بلا عذر (ارجحهما) عند أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا (وَالثَّانِي) وهو الصحيح صححه الخراسانيون ومحققوا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ

الْمُفْسَدَةِ (الْأَصَحُّ) عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا كله في آخر بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وهى كَالصَّوْمِ سَوَاءٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا وَجَبَتْ بِسَبَبٍ محرم وغيرها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَيَلْزَمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ محمد والزهرى والاوزاعي ومالك والثوري واحمد واسحق إلَّا أَنَّ الثَّوْرَيَّ قَالَ الْفِدْيَةُ مُدَّانِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد يَقْضِيهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا دَامَ سَفَرُهُ وَمَرَضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَعْذَارِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ الثَّانِي فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بن ابى سليمان والاوزاعي ومالك واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ عَنْ الْحَاضِرِ وَيُفْدِي عَنْ الْغَائِبِ وَلَا قَضَاءَ عليه *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَفْرِيقِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَتَتَابُعِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَتَابُعُهُ وَيَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ ابي طالب ومعاذ ابن جَبَلٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري وابو حنيفة ومالك واحمد واسحق وابي ثَوْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّتَابُعُ قَالَ دَاوُد هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ التَّتَابُعُ وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ فِي التَّتَابُعِ * {فَرْعٌ} يَجُوزُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ غَيْرَ رَمَضَانَ الثاني وأيام العيد والتشريق ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُو الْحِجَّةِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ قَضَاءَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ من أيام أخر) * * قال المصنف رحمه الله تعالي * {ولو كان عليه قضاء شئ من رمضان فلم يصم حتي مات نظرت فان أخره لعذر اتصل بالموت لم يجب عليه شئ لانه فرض لم يتمكن من فعله إلي الموت فسقط حكمه كالحج وإن زال العذر وتمكن فلم يصمه حتى مات أطعم عنه لكل مسكين مد من طعام عن كل يوم وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يصام عنه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اله عليه وسلم قال " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " ولانه عبادة تجب بافسادها الكفارة فجاز أن يقضي عنه بعد الموت كالحج والمنصوص في الام هو الاول وهو الصحيح والدليل عليه ماروى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من مات وعليه صيام فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " ولانه عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فلا تدخلها النيابة بعد الموت كالصلاة (فان قلنا) أنه يصوم عنه وليه اجزأه فان أمر أجنبيا فصام عنه باجرة أو بغير أجرة اجزأه كالحج (وإن قلنا) يطعم عنه نظرت فان مات قبل أن يدركه رمضان آخر أطعم عنه عن كل يوم مسكين وإن مات بعد ما ادركه رمضان آخر ففيه وجهان (احدهما) يلزمه مدان مد للصوم ومد للتأخير (والثاني) يكفيه مد واحد للتأخير لانه إذا أخرج مدا للتأخير زال التفريط بالمد فيصير كما لو أخره بغيره تفريط فلا تلزمه كفارة} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ غَرِيبٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الكفارة

احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَعْضُوبِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ وَدَامَ عُذْرُهُ إلَى الْمَوْتِ كَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ أَوْ إغْمَاؤُهُ أَوْ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا أَوْ حَمْلُهَا أَوْ إرضاعها ونحو ذلك بالموت لم يجب شئ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ لَا صِيَامَ وَلَا إطْعَامَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ قَضَائِهِ سَوَاءٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَا يَقْضِيهِ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَشْهَرُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَلَا يَصِحُّ صِيَامُ وَلِيِّهِ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَأَكْثَرِ الْقَدِيمَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَيَصِحُّ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ ولكن لا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الصَّوْمُ بَلْ هُوَ إلَى خِيَرَتِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَسَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا أَبْسُطُ أدلته فيه إن شاء الله تعالي * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَأَمَرَ الْوَلِيُّ أَجْنَبِيًّا فَصَامَ عَنْ الْمَيِّتِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالْحَجِّ وَلَوْ صَامَ الْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلًّا بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا (وأما) المراد بالولي الذى يصوم عنه فقال إمام الحرمين يحتمل ان يكون من له الولاية يعني ولاية المال ويحتمل مطلق القرابة ويحتمل أن يشترط الارث ويحتمل أن يشترط العصوبة ثم توقف الامام فيه وقال لا نقل فيه عندي قال الرافعى وإذا فحصت عن نظائره وجدت الاشبه اعتبار الارث هذا كلام الرافعي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ مطلق القرابة قال لان الولى مشتق من الولي باسكان اللام وهو القرب فيحمل عليه ما لم يدل دليل علي خلافه وهذا الذى اختاره أبو عمر وهو الاصح المختار وفي صحيح مسلم من رواية ابن عباس ومن رواية بُرَيْدَةَ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لامرأة ماتت أمها وعليها صوم صومي عن امك " وهذا يبطل احتمال الولاية والعصوبة فالصحيح ان الولي مطلق القرابة واحتمال الارث ليس ببعيد والله اعلم * {فرع} قد ذكرنا فيمن مات وعليه صوم وتمكن منه فلم يصمه حتى مات انه علي قولين (الجديد) المشهو في المذهب وصححه اكثر الاصحاب انه يجب الاطعام عنه لكل يوم مد من طعام ولا يجزئ الصيام عنه وبالغ الاصحاب في تقوية هذا القول وانه مذهب للشافعي حتى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ نص الشافعي في كتبه القديمة والجديدة قال وحكي عنه انه قال في بعض كتبه القديمة

يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ قال فيه قد روى ولك فِي ذَلِكَ خَبَرٌ فَإِنْ صَحَّ قُلْتُ بِهِ فجعله قولا ثانيا فال وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " إنْ صَحَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِطْعَامُ أَيْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيَامِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ وَلَا تَدْخُلُ الصَّوْمَ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ بِلَا خِلَافٍ هذا هو المشهور عند الاصحاب (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ جَازَ فَهُوَ عَلَى الْقَدِيمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهَذَا الْقَدِيمُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت. يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ أَفَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا تَعْلِيقًا بِمَعْنَاهُ وَعَنْ بريدة قال " بينا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أتته امرأة فقالت يارسول اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قالت يارسول اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَنَجَّاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ فَجَاءَتْ بِنْتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ في السنن الكبير هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةً بِمَعْنَاهَا ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الصِّيَامِ قَالَ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ قَدْ رُوِيَ فِي الصوم عن الميت شئ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا صِيمَ عَنْهُ كَمَا يُحَجُّ عَنْهُ (وَأَمَّا) فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ رَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ يصوم عنه وليه " قال وإنما لم أخذ بِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ مَعَ حِفْظِ الزُّهْرِيِّ وَطُولِ مُجَالَسَةِ عُبَيْدِ الله لابن عَبَّاسٍ فَلَمَّا رَوَى غَيْرُهُ عَنْ

رجل عن ابن عباس غير مافى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن ابن عَبَّاسٍ " أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِهِ عَنْهَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا أَنَّ في رواته سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " يَعْنِي عَنْ الصَّوْمِ عَنْ أُمِّهَا وكذلك رواه الحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ بُرَيْدَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ من رواية عائشة ورواية لم بُرَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِتَابَيْنِ فَالْأَشْبَهُ أن تكون قصة السؤال عَنْ الصِّيَامِ بِعَيْنِهِ غَيْرُ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا رَوَى عن بريدة بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَجَّاجِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيُطْعِمُ عَنْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ يُطْعِمُ عَنْهُ وَفِي النَّذْرِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ضَعَّفَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ قَالَتْ يُطْعَمُ عَنْهَا وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ فِي الصِّيَامِ عَنْهُ لِأَنَّ مَنْ يُجَوِّزُ الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ يُجَوِّزُ الْإِطْعَامَ عَنْهُ قَالَ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ نَظَرٌ وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ أَصَحُّ إسْنَادًا وَأَشْهَرُ رِجَالًا وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهَا وَنَظَائِرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ صَوْمِ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواحب لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاتْرُكُوا قَوْلِي الْمُخَالِفَ لَهُ وَقَدْ صَحَّتْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَمَا سَبَقَ وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهِ وَعَلَى حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ

فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْإِطْعَامِ عَنْهُ فَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يَقْضِهِ قَالَ " يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ بُرٍّ " قال البيهقى هذا خطأ من وحهين (أَحَدُهُمَا) رَفْعُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ (الثَّانِي) قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ محمد ابن ابي ليلي وانه لا يحتح بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فِي الْفِقْهِ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ تَضْعِيفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِرِوَايَتِهِمَا فَغَلَطٌ مِنْ زَاعِمِهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ وَلَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ في كتب المحدثين والاصوليين لاسيما وَحَدِيثَاهُمَا فِي إثْبَاتِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الصَّحِيحِ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي فُتْيَاهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا بِمَنْعِ الصَّوْمِ ضَعِيفٌ لَمْ يُحْتَجَّ بها لو لم يعارضها شئ كَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ أَصْحَابِنَا " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " أَيْ أَطْعَمَ بَدَلَ الصِّيَامِ فَتَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ باقى الا حديث * {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا لَا يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ بَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يُطْعَمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً مَعَ نَظَائِرِهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَلِيلٍ وَسَبَقَ تَفْرِيعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ * {فَرْعٌ} حُكْمُ صَوْمِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (فَفِي) الْجَدِيدِ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَفِي) الْقَدِيمِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَدِيمُ كَمَا سَبَقَ * {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا إنَّهُ يجوز صوم الولى عن الميت وصوم الاجنبي باذن الْوَلِيِّ فَصَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ إنْسَانًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ صَوْمِ جَمِيعِ رَمَضَانَ فَهَذَا مِمَّا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا أَوْ قَادِرًا *

{فَرْعٌ} لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَفْعَلْهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ صَلَاةٌ وَلَا اعْتِكَافٌ * هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الام وغيره ونقل الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ يعتكف عنه وليه وفى وراية يُطْعِمُ عَنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ هَذَا فِي الصَّلَاةِ فَيُطْعَمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِطْعَامِ فِي الِاعْتِكَافِ فَالْقَدْرُ الْمُقَابِلُ بِالْمُدِّ هُوَ اعْتِكَافُ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اعْتِكَافَ لَحْظَةٍ عِبَادَةٌ تَامَّةٌ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ حَكَى أَنَّهُ يُطْعَمُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا لِغَيْرِ الصَّيْدَلَانِيِّ * {فَرْعٌ} فِي حُكْمِ الْفِدْيَةِ وَبَيَانِهَا سَوَاءٌ الْفِدْيَةُ الْمُخْرَجَةُ عَنْ الميت وعن المرضع وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَمَنْ عَصَى بِتَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا وَأَلْزَمْنَاهُ الْفِدْيَةَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ فدية في الصَّوْمِ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ جِنْسُهُ جِنْسُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ فِي أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَفِي الثَّانِي قُوتُ نَفْسِهِ وَفِي الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْرِيعُ السَّابِقُ هُنَاكَ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الْحَبُّ الْمَعِيبُ وَلَا الْقِيمَةُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ هُنَاكَ وَمَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ أَوْ الْمَسَاكِينُ وَكُلُّ مُدٍّ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ صَرْفُ أَمْدَادٍ كَثِيرَةٍ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالشَّهْرِ الْوَاحِدِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ إمْدَادِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ كُلِّ مُدٍّ إلَى مِسْكِينٍ وَلَا يُصْرَفُ إلَى مِسْكِينٍ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ مدان لان الكفارة شئ وَاحِدٌ (وَأَمَّا) الْفِدْيَةُ عَنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَكُلُّ يوم مستقل بِنَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَاتَهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا طَاوُسًا وَقَتَادَةَ فَقَالَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَأَشْبَهَ الشَّيْخَ الْهَرِمَ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * واحتجو أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِأَنَّ الشَّيْخَ عَامِرُ الذِّمَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى مَاتَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلَيْنِ (أَشْهُرُهُمَا) يُطْعَمُ عَنْهُ لكل يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) فِي الدَّلِيلِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِالصِّيَامِ عَنْهُ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود وقال ابن عباس وأحمد وإسحق

يُصَامُ عَنْهُ صَوْمُ النَّذْرِ وَيُطْعَمُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ الصِّيَامُ عَنْهُ لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ *

مسائل تتعلق بكتاب الصيام

{فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصِّيَامِ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِمَا رَوَاهُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عمر

قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ والتوفيق لما تجب وَتَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِاَلَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا " هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَذْكَارٌ أُخَرُ ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الصَّائِمِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا فِي كُلِّ ذَلِكَ (الثَّالِثَةُ) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ إنِّي صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ فَلَا أَدْرِي أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ أَوْ صَحِيحَةٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ صَمْتُ

يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ لِلصَّائِمِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ينم بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ " دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ فَرَآهَا لَا تَتَكَلَّمُ فقال مالها لَا تَتَكَلَّمُ فَقَالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً فَقَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ هَذَا مِنْ عمل الجاهلية فتكلمت " رواه البخاري في صححيه (قَوْلُهُ) امْرَأَةٌ مِنْ أَحْمَسَ هُوَ بِالْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ أَحْمَسِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نُسُكِهِمْ الصُّمَاتُ وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَعْتَكِفُ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ فَيَصْمُتُ لَا يَنْطِقُ فَنُهُوا يَعْنِي فِي الْإِسْلَامِ عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِالذِّكْرِ وَالْحَدِيثِ بِالْخَيْرِ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ لِأَصْحَابِنَا وَلِغَيْرِهِمْ أَنَّ الصَّمْتَ إلَى اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُلَازِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الصَّمْتَ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَهُ أَصْلٌ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَهُوَ قِصَّةُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فلن أكلم اليوم انسيا) أَرَادَ بِالصَّوْمِ الصَّمْتَ فَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا يَلْزَمُنَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ جَعَلَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَمَنْ قَالَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَا يَلْزَمُنَا قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَهُوَ كَلَامٌ بَنَاهُ علي أن شَرْعِنَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ الصَّوَابُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالي الْجُودُ وَالْأَفْضَالُ يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهُوَ فِي رَمَضَانَ آكَدُ وَيُسَنُّ زِيَادَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " رواه البخاري وسلم قال العلماء (قوله) كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ فِي الْإِسْرَاعِ وَالْعُمُومِ وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا دَخَلَ العشر الاواخر أحيى اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كَانَ يَجْتَهِدُ فِي العشر الاواخر مالا يجتهد

فِي غَيْرِهِ " وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَيَرْفَعُ الْمِئْزَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أنس قال " قيل يارسول اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ صَدَقَةُ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُودُ وَالْأَفْضَالُ مُسْتَحَبٌّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالسَّلَفِ وَلِأَنَّهُ شَهْرٌ شَرِيفٌ فَالْحَسَنَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِصِيَامِهِمْ وزيادة طاعاتهم عَنْ الْمَكَاسِبِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْمُوَاسَاةِ وَإِعَانَتِهِمْ * {فَرْعٌ} قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَنْ يُحْسِنَ إلَى أرحامه وجيرانه لاسيما فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عليه للحديث السابق قريبا عن ابن عباس ويسن الاعتكاف فيه وآكده الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يعتكف الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَعْنَاهُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُولَى وَالْعَشْرَ الْوَسَطَ مِنْ رَمَضَانَ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ صَوْنُ نَفْسِهِ فِي رَمَضَانَ عَنْ الشَّهَوَاتِ فَهُوَ سِرُّ الصَّوْمِ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْتَرِزُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالْكَلَامِ القبيح والمشاتمة والمسافهة وكل مالا خَيْرَ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولَةٌ على بيان الجواز والا فالكثير من مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْفَجْرِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَوْمِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ غَرِيبٌ أَنَّ السِّوَاكَ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ صَوْمٍ لَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ السِّوَاكِ مَبْسُوطَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اسْتَاكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السِّوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ بِشَرْطِ أَنْ يَحْتَرِزَ عن ابتلاع شئ مِنْهُ أَوْ مِنْ رُطُوبَتِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَالِاسْتِيَاكُ قَبْلَ الزَّوَالِ بِالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَيُّوبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثور وداود كرهه بِالرَّطْبِ جَمَاعَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ ومالك واحمد واسحق وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَكَرِهَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ عطاء ومجاهد واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ (الْعَاشِرَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَيْضَ والنفاس والجنون والردة كل واحد منها يُبْطِلُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ طَالَ أَمْ كَانَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ وَصَوْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي لَا يُمَيِّزُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ السَّكْرَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ الصَّوْمِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ إلَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمَ كَمَا سَبَقَ فِيهِمَا وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ للصوم احترازا عَنْ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلِي فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمُ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديث حسن * [باب صوم التطوع] (والايام التي نهى عن الصوم فيها) * قال المصنف رحمه الله * {يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال لما روى أبو أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " من صام رمضان ثم أتبعه ستا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيِّ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ " مِنْ غَيْرِ هَاءِ التَّأْنِيثِ فِي آخِرِهِ هَذِهِ لُغَةُ الْعَرَبِ الْفَصِيحَةُ الْمَعْرُوفَةُ يَقُولُونَ صُمْنَا خَمْسًا وَصُمْنَا سِتًّا وَصُمْنَا عَشْرًا وَثَلَاثًا وَشَبَهُ ذَلِكَ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مُذَكَّرَا وَهُوَ الْأَيَّامُ فَمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذِكْرِ الْأَيَّامِ يَحْذِفُونَ الْهَاءَ فَإِنْ ذَكَرُوا الْمُذَكَّرَ أَثْبَتُوا الْهَاءَ فَقَالُوا صُمْنَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِهِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورِينَ وَفُضَلَائِهِمْ الْمُتْقِنِينَ وَمُعْتَمَدِيهِمْ الْمُحَقِّقِينَ الْفَرَّاءُ ثُمَّ ابْنُ السِّكِّيتِ

وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين قال أبو إسحق الزجاج وفى تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ سِرْنَا خَمْسًا بَيْنَ يَوْمٍ وليلة وأنشد الجعدى * فطفت ثَلَاثًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ * وَمِمَّا جَاءَ مِثْلَهُ في القرآن العظيم قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ من اليوم العاشر وتدخل الليلة الحادية عشر ومئله قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إلا عشرا) أَيْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِتَغْلِيبِ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ اللَّيْلُ فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيَالِي هِيَ الْأَوَائِلُ غَلَبَتْ لِأَنَّ الْأَوَائِلَ أَقْوَى وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ خَرَجْنَا لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ وَخِفْنَا لَيَالِيَ إمَارَةِ الْحَجَّاجِ وَالْمُرَادُ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ ان يصومها متتايعة فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عن أول شَوَّالٍ جَازَ وَكَانَ فَاعِلًا لِأَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وداود * وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ صَوْمُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَصَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ أَهْلُ الْجَفَاءِ وَالْجَهَالَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ * وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصُومُهَا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ ثَبَتَتْ فِي ذَلِكَ بِلَا مُعَارِضٍ فَكَوْنُهُ لَمْ يَرَ لَا يَضُرُّ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ فَيُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَسَائِرِ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَهَذَا لا يقوله أحد * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب لغير الحاج ان يصوم يوم عرفة لما روى أبو قتادة قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صوم عاشوراء كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة قبلها ماضية وسنة بعدها مستقبلة " ولا يستحب ذلك للحاج لما روت ام الفضل بنت الحارث " ان اناسا اختلفوا عندها في يوم عرفة فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فارسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف علي بعيره بعرفة فشرب " ولان الدعاء في هذا اليوم يعظم ثوابه والصوم يضعفه فكان الفطر افضل} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ " عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالسَّنَةَ الْبَاقِيَةَ " وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ وَرَوَيَا أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أُخْتِهَا مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْمُ أُمِّ

الْفَضْلِ لُبَابَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ أُمُّ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِخْوَتِهِ وَكَانُوا سِتَّةَ نُجَبَاءَ وَلَهَا أُخْتٌ يُقَالُ لَهَا لُبَابَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ أُمُّ خَالِدِ بْنِ الواليد وكن عشر أخوات وميمونة بنت الحرث أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إحْدَاهُنَّ وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِعَرَفَةَ (وَأَمَّا) الْحَاجُّ الْحَاضِرُ فِي عَرَفَةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِطْرُهُ لِحَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهُ صَوْمُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ الْكَرَاهَةَ بَلْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ كَمَا قَالَهُ الشافعي (وأما) قول المصنف وامام الحرمين لا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْحَاجِّ فَعِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ اسْتِحْبَابَ فِطْرِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَعَنْ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ " سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ فَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عنه " وراه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا دَلَالَةَ فِيهِمَا لِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِيَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ * {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ الشَّخْصُ مِمَّنْ لَا يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ فَالصَّوْمُ أَوْلَى لَهُ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا وَفِي الشِّتَاءِ وَلَا يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ عَنْ الدُّعَاءِ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ لَهُ قَالَ وَبِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ الصَّوْمَ بِعَرَفَةَ لَا يُضْعِفُهُ فَصَامَهُ كَانَ حَسَنًا وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْفِطْرِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أصحابنا وصرجوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ فِطْرِهِ وَرَوَاهُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي العاص الصحابي وعائشة واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ اسْتِحْبَابَ الصَّوْمِ وَاسْتَحَبَّهُ عَطَاءٌ فِي الشِّتَاءِ وَالْفِطْرَ فِي الصَّيْفِ وَقَالَ قَتَادَةُ لَا باس

بِالصَّوْمِ إذَا لَمْ يُضْعِفْ عَنْ الدُّعَاءِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْفِطْرُ بِعَرَفَةَ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ عَرَفَةَ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الشافعي والاصحاب قال الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِأَنَّ الْحَاجَّ ضَاحٍ مُسَافِرٌ وَالْمُرَادُ بِالضَّاحِي الْبَارِزُ لِلشَّمْسِ لِأَنَّهُ يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصُومَ مَعَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ دُعَاءٍ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْوُقُوفَ يَكُونُ آخِرَ النَّهَارِ وَوَقْتَ تَأْثِيرِ الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَالِاسْتِسْقَاءُ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الصِّيَامِ مَعَ أَنَّهُ مُقِيمٌ * {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ * {فَرْعٌ} قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ اُخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيُّهُمَا أفضل فقل بَعْضُهُمْ يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صِيَامَهُ كَفَّارَةَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " خير يوم طلعت فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ " هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَالْمَشْهُورُ تَفْضِيلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي تَعْلِيقِ الطلاق في تعليق عَلَى أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مامن يَوْمٍ يُعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ " * {فَرْعٌ} قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبِلَةَ " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ في هاتين السنتين فلا يعص فِيهِمَا وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ أَمَّا السَّنَةُ الْأُولَى فَتُكَفِّرُ ما جرى فيها قال واختلف الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْبَاقِيَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وقال بعضهم معناه إذا ارتكب فيها مَعْصِيَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ الْمَاضِي كَفَّارَةً لَهَا كَمَا جَعَلَهُ مُكَفِّرًا لِمَا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْأُخْرَى يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ السَّنَةُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَرَادَ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً قَالَ وهذا لا يوجد مثله في شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الزَّمَانَ الْمُسْتَقْبَلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَيْنِ

الِاحْتِمَالَيْنِ بِحُرُوفِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكُلُّ مَا يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ إمرى مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصلاة الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ما لم تغش الكبائر " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقول " الصلوات الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مكفرات لما بينهن من الذنوب إذا اجتنب الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرَ لم يكفر شيئا لا الكبائر لَا الْكَبَائِرَ وَلَا الصَّغَائِرَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أو رحمة الله تعالي (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا فَإِذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الصلاة وإذا كفرت الصَّلَوَاتُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الْجُمُعَات وَرَمَضَانُ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْأَشْرَافِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ فِي بَابِ الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " قَالَ هَذَا قَوْلٌ عام يرجى لم قَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا أَنْ تُغْفَرَ لَهُ جَمِيعُ ذنوبه صغيرها وكبيرها * * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب أن يصوم يوم عاشورا لحديث أبي قتادة ويستحب أن يصوم يوم تاسوعاء لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لئن بقيت الي قابل لاصومن اليوم التاسع "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن

صيام يوم عاشورا فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عباس فرواه مسلم بلفظه وفى رواية مسلم زِيَادَةٌ " قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ اسْمَانِ مَمْدُودَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ في كتب اللغة وحكى عن ابن عمر والشيبابى قصرهما قال أصحابنا عاشورا هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَتَاسُوعَاءُ هُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ التاسع من المحرم ثبت ذلك عنه فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوَرْدِ رِبْعًا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَكَذَا تُسَمِّي بَاقِيَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَلَى هَذَا عِشْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ والصحيح ومما قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَأَمَّا) تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَبَعِيدٌ وَفِي صَحِيحِ مسلم عن ابن عباس ما يرده قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يصوم عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ " وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وغيرهم علي استحباب صوم عاشورا وتاسوعا وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا " (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ كَمَا نهى أن يصوما يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ (الثَّالِثَ) الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ * {فَرْعٌ} اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ أَمْ لَمْ يَجِبْ فِي وَقْتٍ أَبَدًا عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَهُمَا احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لم يكن واجبا قط (والثاني) أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ الْيَوْمُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ فَأَمَّا دَلِيلُ مَنْ قَالَ كَانَ واجبا فأحاديث كشيرة صَحِيحَةٌ (مِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَعَثَ رَجُلًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ إلَى قَوْمِهِ يَأْمُرُهُمْ فَلْيَصُومُوا هَذَا الْيَوْمَ وَمَنْ طَعِمَ مِنْهُمْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية سلمة بن الاكوع وروياه في صحيحهما بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الرُّبَيِّعِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الباء بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا فُرِضَ صِيَامُ رَمَضَانَ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ عَاشُورَاءَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أو المسلمون قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا اُفْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَالَ " إنَّمَا كَانَ يَوْمًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه قبل أن ينزل رَمَضَانُ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سُمْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ عاشورا وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عِنْدَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِهِ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " دَلِيلٌ عَلَى تَخْيِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةُ الْيَوْمِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَمْ يَصِحَّ التَّخْيِيرُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بَلْ كَانَ سُنَّةً بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ " أَنَّهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قال الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ " لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ لِأَنَّ لم لنفي الماضي وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شاء صامه وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى تَأَكُّدِ الاستحباب جمعا بين الا حديث (وَقَوْلُهُ) فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ أَيْ تُرِكَ تَأَكُّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَمَنْ شَاءَ صَامَ ومن شاء أفطر * * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب صيام ايام البيض وهي ثلاثة من كل شهر لما روى أبو هريرة قَالَ " أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِوَقْتِهَا وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ مَتَى صَامَهَا حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ قُلْتُ مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ قَالَتْ مَا كَانَ يُبَالِي مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ " وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَخْصِيصُ أَيَّامِ الْبِيضِ فِي أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثًا فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ

قتادة ابن مِلْحَانَ قَالَ كَانَ " رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيَّامَ البيض ثلاث عشرة ورابع عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَالْأَيَّامُ الْبِيضُ وَفِي بَعْضِهَا وَأَيَّامُ الْبِيضِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ أَوْضَحُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَيَّامُ الْبِيضِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَيَّامُ الْبِيضِ بِإِضَافَةِ أَيَّامٍ إلَى الْبِيضِ وَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ التَّنْبِيهِ أَوْ أَكْثَرِهَا الْأَيَّامُ الْبِيضُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَعْدُودٌ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ لِأَنَّ الْأَيَّامَ كُلَّهَا بِيضٌ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ أَيَّامُ الْبِيضِ أَيْ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ قَالُوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشْرَ وَالرَّابِعَ عَشْرَ وَالْخَامِسَ عَشْرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهَا الثَّانِي عَشْرَ وَالثَّالِثَ عَشْرَ وَالرَّابِعَ عَشْرَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي تَفْسِيرِهَا وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) سَبَبُ تَسْمِيَةِ هَذِهِ اللَّيَالِي بِيضًا فَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِطُلُوعِ الْقَمَرِ مِنْ. أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ * {فَرْعٌ} أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الْبِيضِ لَا يَجِبُ صَوْمُهَا الْآنَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَمْ لا فقيل كانت واجية فَنُسِخَتْ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيلَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَطُّ وَمَا زَالَتْ سُنَّةً قَالَ وَهُوَ أَشْبَهَ بمذهب الشافعي رحمه الله * * قال المصنف رحمه الله * {ويستحب صوم يوم الاثنين والخميس لما روى اسامة ابن زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يصوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال أن الاعمال تعرض يوم الاثنين والخميس "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الدارمي وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ لَفْظُ الدَّارِمِيِّ كَلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَقَالَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ " قُلْتُ يارسول اللَّهِ إنَّكَ تَصُومُ حَتَّى لَا تَكَادَ تُفْطِرُ وتفطر حتي لا تكاد أن تَصُومُ إلَّا فِي يَوْمَيْنِ إنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتُهُمَا قَالَ أَيُّ يَوْمَيْنِ قُلْتُ يوم الاثنين والخميس قال ذانك يوما تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ

ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اُنْظُرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعَ بَلْ يُقَالُ مَضَتْ أَيَّامُ الِاثْنَيْنِ قَالَ وَقَدْ حَكَى البصريون اليوم الاثن والجمع الثنى وذكر الفراء أَنَّ جَمْعَهُ الأثانين وَالْأَثَّانِ وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ الْيَوْمُ الثَّنِيُّ فَعَلَى هَذَا جَمْعُهُ الْأَثْنَاءُ وَقَالَ الجوهرى لا يثني ولا يجمع لانه متي فَإِنْ أَحْبَبْتَ جَمْعَهُ قُلْتَ أَثَانِينَ (وَأَمَّا) يَوْمُ الْخَمِيسِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ قَالَ النَّحَّاسُ جَمْعُهُ أَخْمِسَةٌ وَخَمْسٌ وَخُمْسَانُ كَرَغِيفٍ وَرَغْفٍ وَرُغْفَانَ وَأَخْمِسَاءُ كَأَنْصِبَاءِ وَأَخَامِسِ حَكَاهُ الْفَرَّاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى استحباب صوم الاثنين والخميس والله أعلم * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الصَّوْمِ الْمُسْتَحَبِّ صَوْمُ الاشهر الحرم وهي ذوالقعدة وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَفْضَلُهَا رَجَبٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ الله تعالى " افضل الصوم بعد مضان شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ " وَمِنْ الْمَسْنُونِ صَوْمُ شَعْبَانَ وَمِنْهُ صَوْمُ الْأَيَّامِ التِّسْعَةِ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وَجَاءَتْ فِي هَذَا كُلِّهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا " أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وقد تغيرت حالته وهيئة فقال يارسول اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي قَالَ وَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ قَالَ فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ قَالَ ما اكلت

طَعَامًا مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلَّا بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ ثُمَّ قَالَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ قَالَ زِدْنِي قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ زِدْنِي قَالَ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي اول الحديث (فأما) من لا يَشُقَّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ منه صياما في شعبان " روراه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا " قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لِأَنَّ مُرَادَهَا بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَلَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي سِنِينَ وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِهِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ. فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي سَنَتِهِمْ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ (فَالْجَوَابُ) لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَتْ تَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مامن أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يارسول اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشئ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَعَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَا وَخَمِيسَيْنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ وَفِي رِوَايَةٍ " لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ في صحيحه فقال العلماء هو متأول علي انها لم تره ولا يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَوْ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الاحاديث * قال المصنف رحمه الله * {ولا يكره صوم الدهر إذا أفطر أيام النهي ولم يترك فيه حقا ولم يخف ضررا لما روت أم كلثوم مولاة أسماء قالت " قيل لعائشة تصومين الدهر وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام الدهر قالت نعم وقد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن صيام الدهر ولكن من افطر يوم النحر ويوم الفطر فلم يصم الدهر " وسئل عبد الله بن عمر عن صيام الدهر فقال " أولئك فينا من السابقين ايعني من صام الدهر " فان خاف ضررا أو ضيع حقا كره " لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخا بين سلمان وبين أبي الدرداء فجاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم سلمة متبذلة فقال ما شانك فقالت إن اخاك ليس له حاجة في شئ من الدنيا فقال سلمان يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا ولاهلك عليك حقا ولجسدك عليك حقا فصم وأفطر وقم ونم وأت اهلك واعط كل ذى حق حقه فذكر أبو الدرداء لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قال سلمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ (وَقَوْلُهُ) فَرَأَى أُمَّ سَلَمَةَ مُتَبَذِّلَةً هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أُمُّ سَلَمَةَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَصَوَابُهُ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا وَاسْمُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ خَيْرَةُ وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ وَلِأَبِي الدَّرْدَاءِ زَوْجَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ وَهِيَ تَابِعِيَّةٌ فَقِيهَةٌ فَاضِلَةٌ حَكِيمَةٌ اسْمُهَا هَجِيمَةُ وَقِيلَ جَهِيمَةُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ (1) وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ " كُنَّا نَعُدُّ أُولَئِكَ فِينَا مِنْ السَّابِقِينَ " (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ نَحْوَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ سَرْدُ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَحَاصِلُ حكمه عندنا انه

_ (1) كذا بالاصل فحرر

إنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوَّتَ حَقًّا بِصِيَامِ الدهر كره له وإن يَخَفْ ضَرَرًا وَلَمْ يُفَوِّتْ حَقًّا لَمْ يُكْرَهْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفَعَلَ فَهُوَ فَضْلٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا بَأْسَ بِسَرْدِ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ الْخَمْسَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَمْ يُفَوِّتْ بِهِ حَقًّا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وغيره عن جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ نَقَلُوا عَنْهُ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْجُمْهُورِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " يارسول اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يارسول اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صُمْ إنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إنْ شِئْتَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سرد الصوم لا سِيَّمَا وَقَدْ عَرَضَ بِهِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه ومسلم قَالَ " مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مَرْفُوعًا وموقوفا علي أبى موسى واحتج بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه البيهقى باسناد (1) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ فَقَالَ " كُنَّا نَعُدُّ أُولَئِكَ فِينَا مِنْ السَّابِقِينَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ " كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إلَّا يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَابَعَهَا عَلَيْهِ خَلَائِقُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَامَ الدَّهْرَ حَقِيقَةً بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يَجِدُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَأْلَفُهُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا دُعَاءً وَمَعْنَاهُ لَا صَامَ صَوْمًا يَلْحَقُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ كَبِيرَةٌ وَلَا أَفْطَرَ بَلْ هُوَ صَائِمٌ لَهُ ثَوَابُ الصَّائِمِينَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِصَوْمِ الدَّهْرِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ النَّهْيُ خِطَابًا لَهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ الرخصة وكان يقول يا ليتي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ وَأَقَرَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ * {فَرْعٌ} فِي تَسْمِيَةِ بَعْضِ الْأَعْلَامِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِمَّنْ صام الدهر غير أيام النهي الخمسة العيدان وَالتَّشْرِيقِ (فَمِنْهُمْ) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو أُمَامَةَ وَامْرَأَتُهُ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهِ وَحَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فِي صَحِيحِ البخاري ومنهم سعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ سِينٌ وَسَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ عبد الرحمن ابن عَوْفٍ التَّابِعِيُّ سَرَدَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ (2) وَمِنْهُمْ الْبُوَيْطِيُّ وَشَيْخُنَا ابو ابراهيم اسحق بن احمد المقدسي الفقيه الامام الزاهد *

_ (1) كذا بالاصل فحرر (2) قوله ومنهم البويطى وشيخنا الي آخره انما هو في نسخة المصنف حاشية في اعلا الصفحة وآخر الفرع بياض بعد صاحب ابن مسعود

{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ الْأَعْيَادُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَشَهْرُ رمضان وقضاؤه مستثناة فان فاته شئ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَزَالَ الْعُذْرُ لَزِمَهُ قَضَاءُ فَائِتِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ النَّذْرِ وهل يكون نذره متناولا لايام القضاء فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَكُونُ لِأَنَّ تَرْكَ الْقَضَاءِ مَعْصِيَةٌ فَتَصِيرُ أَيَّامُ الْقَضَاءِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فلا تدخل فِي النَّذْرِ فَعَلَى هَذَا يَقْضِي عَنْ رَمَضَانَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ وجهان حكاهما البند نيجى وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) هُوَ كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يَتَنَاوَلُهَا النَّذْرُ لِأَنَّهُ كَانَ يُتَصَوَّرُ صَوْمُهَا عَنْ نَذْرِهِ فَأَشْبَهَتْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا إذَا قَضَى رَمَضَانَ هَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا كَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَدَامَ عُذْرُهُ حَتَّى مَاتَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى صَوْمِهِ عَنْ النَّذْرِ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْفِدْيَةَ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ به فصار كالشيخ الهرم هكذا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هَذَا الْحُكْمُ جَارٍ سَوَاءٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ ثُمَّ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالصَّوْمِ فَيَجِبُ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَتْ آكَدَ مِنْ النَّذْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْفِدْيَةِ عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ مَا سَبَقَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا صَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يُمْكِنْ قَضَاؤُهُ وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَإِلَّا فَتَجِبُ قَالُوا وَلَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا فَإِنْ مَنَعَهَا فَلَا قَضَاءَ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا أَوْ مَاتَ لَزِمَهَا الصَّوْمُ فان افطرت بلا عذرا اثمت ولزمتها الفدية * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

{ولا يجوز للمرأة ان تصوم التطوع وزوجها حاضر الا باذنه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تصوم المرأة التطوع وبعلها شاهد إلا باذنه " ولان حق الزوج فرض فلا يجوز تركه بنفل} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * لَفْظُ الْبُخَارِيِّ " لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ " إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ صَوْمُ تَطَوُّعٍ وزوجها حاضر إلا باذنه لهذا الْحَدِيثِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ حَرَامًا لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِمَعْنًى آخَرَ لَا لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِذَا صَامَتْ بِلَا إذْنٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الثَّوَابُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذَا لَفْظُهُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ (وَأَمَّا) صومها التطوع في غيبة لزوج عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ (وَأَمَّا) قَضَاؤُهَا رَمَضَانَ وَصَوْمُهَا الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ فَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَمَةُ الْمُسْتَبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَالزَّوْجَةِ (وَأَمَّا) الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا وَالْعَبْدُ فَإِنْ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ بِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ نَقَصَا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا وَلَمْ يَنْقُصَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ استحب له اتمامها فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال هل عندك شئ فقلت لا فقال إذا أَصُومُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيَّ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ هل عندك شئ فقلت نعم فقال إذا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ فَرَضْتُ الصَّوْمَ "} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَسَنَذْكُرُ لَفْظَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَمَعْنَى فَرَضْتُ الصَّوْمَ نَوَيْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ منهما بلا عذر لقوله تعالي " ولا تبطلو اعمالكم " هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (وَأَمَّا) الْخُرُوجُ مِنْهُ بِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ سَوَاءٌ خَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْأَعْذَارُ مَعْرُوفَةٌ (مِنْهَا) أَنْ يَشُقَّ عَلَى ضَيْفِهِ أَوْ مُضِيفِهِ صَوْمُهُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ فَيَأْكُلَ مَعَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنَّ لِزُوَّارِكَ عَلَيْكَ حَقًّا " وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضيفه " رواهما البخاري ومسلم (وما) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ " فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى ضَيْفِهِ أَوْ مُضِيفِهِ صَوْمُهُ التَّطَوُّعَ فَالْأَفْضَلُ بَقَاؤُهُ وَصَوْمُهُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) إذَا دَخَلَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يلزمه اتمامهما بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدهمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا بِلَا خِلَافٍ *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبَقَاءُ فِيهِمَا وَأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ لَيْسَ بِحِرَامٍ وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر ابن عبد الله وسفيان الثوري واحمد واسحق وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا لِعُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا إثْمَ وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ فَإِنْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ بِعُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ يَظُنُّهُمَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ فِي أَثْنَائِهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَيْهِ هَلْ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا أَمْ لَا * واحتج لم أَوْجَبَ إتْمَامَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَصَلَاتِهِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فيهما يقوله تعلى (ولا تبطلوا اعمالكم) وَبِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ " رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالُوا وَهَذَا الاستثناء متصل فمقتضاه وجوب التطوع بمحرد الشُّرُوعِ فِيهِ قَالُوا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْدِرُ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَطَّوَّعَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الِانْقِطَاعِ فِيهِ بِغَيْرِ دليل * واحتجوا ايصا بِالْقِيَاسِ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَعُمْرَتِهِ فَإِنَّهُمَا يَلْزَمَانِ بِالشُّرُوعِ بِالْإِجْمَاعِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فقال هل عندكم شئ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ اتانا يوما آخر فقلنا يارسول اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ " فقلنا يارسول اللَّهِ قَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَحَبَسْنَاهُ لَكَ

فَقَالَ أَدْنِيهِ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَفْطَرَ " هَذَا لَفْظُهُ وعن عائشة ايضا قالت " دخل على رسو لله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فقال اعندك شئ فقلت لا قال إني إذا أَصُومُ قَالَتْ وَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ أعندك شئ قلت نعم قال إذا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ فَرَضْتُ الصَّوْمَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وعن ابى جحيفة قال " آخا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ فِي الدُّنْيَا حَاجَةٌ فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَنَامَ ثم ذهب يقوم قال نَمْ فَنَامَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ سَلْمَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وعن أم هاني قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصائم المتطوع أميره نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَاتٍ " أَمِينُ أَوْ أَمِيرُ نَفْسِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَلْفَاظُ رِوَايَاتِهِمْ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " إذَا أَصْبَحْتَ وأنت ناوى الصَّوْمَ فَأَنْتَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شِئْتَ صُمْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِإِفْطَارِ التطوع بأس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ " فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ رَفْعُهُ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى مِثْلَهُ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهَا لِضَعْفِ رُوَاتِهَا وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا بَأْسَ أَنْ أُفْطِرَ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرٌ أَوْ قَضَاءُ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ طَلْحَةَ فَهُوَ ان مَعْنَاهُ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَطَّوَّعَ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا وَهُوَ إنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَالْفَرْقُ ان الحج لا يخرج منه الافساد لِتَأَكُّدِ الدُّخُولِ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَبَقَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ * وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ عائشة فقالت حفصة يارسول اللَّهِ إنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رواه الثقاة الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَكَذَا مُنْقَطِعًا بينه وبين عائشة وحفصة مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومعمر وأبى جُرَيْجٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ رَوَاهُ البيهقى باسناد جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ فَاشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها حَقًّا فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ " قال البيهقى هكذا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَوَهَمُوا فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قُلْتُ لَهُ احدثك عروة عن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ " فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا لَكِنْ حَدَّثَنِي نَاسٌ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " أَصْبَحْتُ أَنَا وحفصة

صَائِمَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ فَأَكَلْنَاهَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَرَتْنِي حفصة وكانت بنت أبيها فذكر ت ذلك له فقال اقضيا يوما مكانه " وكذلك رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابي جُرَيْجٍ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عينية عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن عائشة فذكره وَقَالَ فِيهِ " صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ سُفْيَانُ فَسَأَلُوا الزُّهْرِيَّ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالُوا أَهُوَ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ لَا ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا قَالَ سُفْيَانُ فَقِيلَ لَلزُّهْرِيِّ هُوَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا قَالَ سُفْيَانُ وَكُنْتُ سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ أَبِي الْأَخْضَرِ حَدَّثَنَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَيْسَ هُوَ عَنْ عُرْوَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّ صَالِحًا

أُتِيَ مِنْ قِبَلِ الْعَرْضِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لَوْ كَانَ من حديث معمر مَا نَسِيتُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ شَهِدَ ابْنُ جريج وابن عينية عَلَى الزُّهْرِيِّ وَهُمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْلُ مَنْ وَصَلَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ * وَاحْتَجَّ بِحِكَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَسُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَبِإِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَقَدْ وَهِمَ فِيهِ وَقَدْ خَطَّأَهُ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمَا ثم رواه باسناده عن زميل ابن عَبَّاسٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أوجه أخر عن عائشة لا يصح شئ مِنْهَا وَقَدْ بَيَّنْتُهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ السَّابِقَ مِنْ طَرِيقٍ قَالَا فِيهِ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا فَقَالَ إنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ وَأَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ " وَأَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ " صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَأَتَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إنْ شثت " قَالُوا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَصِحَّ في وجوبه شئ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَحُمِلَ الْقَضَاءُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ الْمَكْتُوبَةِ وَالْقَضَاءِ والنذر وضيام الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ قبيل هذا الباب *

* قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز صوم يوم الشك لما روى عن عمار رضي الله عنه انه قال " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فان صام يوم الشك عن رمضان لم يصح لقوله صلي الله عليه وسلم " ولا تستقبلوا الشهر استقبالا " ولانه يدخل في العبادة وهو في شك من وقتها فلم يصح كما كما لو دخل في الظهر وهو يشك في وقتها وإن صام فيه عن فرض عليه كره وأجزأه كما لو صلي في دار مغصوبة وإن صام عن تطوع نظرت فان لم يصله بما قبله ولا وافق عادة له لم يصح لان الصوم قربة فلا يصح بقصد معصية وإن وافق عادة له جاز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم " إن وصله بما قبل النصف جاز وإن وصله بما بعده لم يجز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رمضان "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَمَّارٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " لَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بَلْ رَوَاهُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يُحَدِّثُ بِهِ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ أَحْمَدُ وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ لَا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ النَّسَائِيُّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كفارة أجزأه وفى كراهيته وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وهو

مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى كَالْوَقْتِ الَّذِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ (وأما) إذا صامه تطوع فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ بِأَنْ كَانَ عَادَتُهُ صَوْمَ الدَّهْرِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ جَازَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ احْتَجَّ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ فَصَوْمُهُ حَرَامٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ خَالَفَ وَصَامَ أَثِمَ بِذَلِكَ وَفِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلصَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ قَالُوا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ صَوْمِهِ إنْ صَحَّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَلْيَصُمْ يَوْمًا غَيْرَهُ فَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ نَذْرِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا قَبْلَ نِصْفِ شَعْبَانَ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ لَمْ يُجْزِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا صَامَ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ غَيْرَ يَوْمِ الشَّكِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وغيره من الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَأَجَابَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ " بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَخَافُ الضَّعْفَ بِالصَّوْمِ فَيُؤْمَرُ بِالْفِطْرِ حَتَّى يَقْوَى لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُوَافِقُوهُ وَالْجَوَابَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُتَوَلِّي يُنَازَعُ فِيهِمَا *

{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا وَقَعَ فِي أَلْسِنَةِ الناس إنه رؤى وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ إنَّهُ رَآهُ أَوْ قَالَهُ وَقُلْنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْعَبِيدِ أَوْ الْفُسَّاقِ وَهَذَا الْحَدُّ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالُوا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ برؤيته أحد فليس بيوم شك سواء كانت السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرافعي

وَجْهًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَافِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْفَاءِ إن كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فَهُوَ شَكٌّ وَحَكَى أَيْضًا وَجْهًا آخَرَ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْجَائِزَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَإِنْ شَهِدَ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَدْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ بِشَكٍّ وَلَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ قِطَعُ سَحَابٍ

يمكن رؤية الهلال من خللها وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى تَحْتَهَا وَلَمْ يُتَحَدَّثْ بِرُؤْيَتِهِ فوجهان (قال) الشيخ أبو محمد هو يوم شك (وقال) غيره ليس بيوم شك وهو الاصح وقال إمام الحرمين ان كان ببلد يستقل أهله بطلب الهلال فليس بشك وان كَانُوا فِي سَفَرٍ وَلَمْ تَبْعُدْ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْقُرَى فَيُحْتَمَلُ جَعْلُهُ يَوْمَ شَكٍّ هَذَا كَلَامُهُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مسعود وابن عمار وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي وَائِلٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَيْضًا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وأختها أسماء نصومه من رمضان وكانث عَائِشَةُ تَقُولُ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ إنْ صَامَ الْإِمَامُ صَامُوا وَإِنْ أَفْطَرَ أَفْطَرُوا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً وَجَبَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَذْهَبِ الْحَسَنِ هَذَا بَيَانُ مَذَاهِبِهِمْ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ فَلَوْ صَامَهُ تَطَوُّعًا بِلَا عَادَةٍ وَلَا وَصْلَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وبه قال الجمهور وحكاه العبدرى وعثمان وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ * وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِصَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَصُومُونَهُ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَقَالَتْ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رمضان وعن أَبِي هُرَيْرَةَ لَأَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ الشَّهْرِ بِصَوْمٍ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَصَحَّ مِنْ هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا قَالَهُ عند شهادة رجل على رؤية الْهِلَالِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ (وَأَمَّا) مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ " قَالَ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عبد العزيز بن حكيم الخضرمى قال رأيت ابن عمر بأمر رجلا يفطر فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ قَالَ وَرِوَايَةُ يزيد بن هرون تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ

فِي الصَّوْمِ إذَا غُمَّ الشَّهْرُ دُونَ أَنْ يَكُونَ صَحْوًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمُتَابَعَةُ السَّنَةِ الثَّابِتَةِ وَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْلَى بِنَا وَهُوَ مَنْعُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنُ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَقَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ زِيَادَةٌ قَالَ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ شَعْبَانُ تسعا وعشرين نظر له فان رؤى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صائما فال وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَفِي رواية فان غمى عليكم الشهر

فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَرْتُ الشئ أَقْدُرُهُ وَأَقْدِرُهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ومنه قوله تعالي (فقدرنا فنعم القادرون) * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ " فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وهو تفسير لاقدروا لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ " فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَاقْدُرُوا لَهُ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إكْمَالُ الْعُدَّةِ ثَلَاثِينَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالُوا وَيُوَضِّحُهُ وَيَقْطَعُ كُلَّ احْتِمَالٍ وَتَأْوِيلٍ فِيهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ " فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ " أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تعالي قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ

بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شئ كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ صَاحِبِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ قَالَ لَا نَعْرِفُ مِثْلَ هذ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ " لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ " هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يتحفظ من شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ عَمَّارٍ قَالَ " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْأَحَادِيثُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُونَ سَبَقَ بَيَانُهُ والله أعلم *

{فَرْعٌ} اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا يَعْلَى مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيَّ صَنَّفَ جُزْءًا فِي وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ ثُمَّ صَنَّفَ الْخَطِيبُ الحافظ أبو بكر بن احمد بن علي بن ثابت البغدادي جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْفَرَّاءِ وَالشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَسَبْتُهُ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ وَقَدْ حصل الجزءان عندي والله الْحَمْدُ وَأَنَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مقاصديهما ولا اخل بشئ يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِمَا مَضْمُومًا إلَى مَا قَدَّمْتُهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْفِرَاءِ جَاءَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) وُجُوبُ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ رَوَاهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَمُهَنَّا وَصَالِحٌ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وأسماء وبكر ابن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ وَابْنِ أَبِي مريم وطاوس ومطرف ومجاهد فهولاء ثَمَانِيَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَبْعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ صَوْمُهُ بَلْ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْ عَادَتَهُ (وَالثَّالِثَةُ) إنْ صَامَ الْإِمَامُ صَامُوا وَإِلَّا أَفْطَرُوا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ الْفَرَّاءِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَوَّلَ شيوخنا أبو القاسم الحزقى وَأَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ * وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ إذَا كَانَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ صَامَ " قَالَ وَالدَّلَالَةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ

وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ " وَكَانَ يُصْبِحُ فِي الْغَيْمِ صَائِمًا " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرُهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ " وَرُوِيَ عَنْهُ " صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَأَفْطِرُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ " (قُلْنَا) الْمُرَادُ لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي فِي الصَّحْوِ وَكَذَا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُمْسِكًا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ قِيَامِ بَيِّنَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَنُسَمِّي إمْسَاكَهُ صَوْمًا (قُلْنَا) الْإِمْسَاكُ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ لَأَمْسَكَ فِي يَوْمِ الصَّحْوِ لاحتمال قيام بنية بِالرُّؤْيَةِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا قَالَ الله تعالي (ومن قدر عليه رزقه) أَيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ التَّضْيِيقَ بِأَنْ يَجْعَلَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ ثَلَاثِينَ لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُتَكَرِّرٌ فِي الْقُرْآنِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصِّيَامِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْنَا) لَيْسَ هَذَا بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) يَعْنِي هلال شوال فنستعمل اللفطين عَلَى مَوْضِعَيْنِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقَيَّدُ مُحْتَمَلًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ اُقْدُرُوا لَهُ زَمَانًا يَطْلُعُ فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ وَهَذَا الزَّمَانُ يَصْلُحُ وُجُودُ الْهِلَالِ فِيهِ وَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَلَمْ يعرف لهم مخالف في الصحابة عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كَانَ أَبِي إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَأْنُ الْهِلَالِ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ بصيام

يَوْمٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَأَنْ أَتَعَجَّلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَخَّرَ لِأَنِّي إذَا تَعَجَّلْتُ لَمْ يَفُتْنِي وَإِذَا تَأَخَّرْتُ فَاتَنِي " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " إنَّ رَمَضَانَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ مُتَقَدِّمُونَ فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَلْيَتَقَدَّمْ وَلَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَالَتْ " لَأَنْ أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الرَّاوِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خلاف ظاهر للصحابة فَقَدْ رَوَى مَنْعَ صَوْمِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ وَفِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " إنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ يَوْمَ الشَّكِّ وَالنَّحْرِ وَالْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ " أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " وعن ابْنِ مَسْعُودٍ " لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا تَصُومُوا الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ لَا يُسْبَقُ فِيهِ الْإِمَامُ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ " إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ رَمَضَانَ فَصُمْ وَإِذَا لَمْ تَرَهُ فَصُمْ مَعَ جُمْلَةِ النَّاسِ وَأَفْطِرْ مَعَ جُمْلَةِ الناس " ونهى

حُذَيْفَةُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ صَوْمِهِ (قُلْنَا) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ نَهَى عَنْ الصِّيَامِ أَرَادَ إذَا كَانَ الشَّكُّ بِلَا حَائِلِ سَحَابٍ وَكَانَ صِيَامُهُمْ مَعَ وُجُودِ الْغَيْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ صَوْمِهِ تَطَوُّعًا وَتَقَدُّمًا عَلَى الشهر ومن صام منهم صام عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) فنحن ايضا نتأول مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ صَامَ منهم صام مع وجود شهادة شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَقَدْ رُوِيَ

ذَلِكَ مُسْنَدًا عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ وَقَالَ لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " (قُلْنَا) لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْبَانَ وَصَارَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَصُومُهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَفِيمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا " لَأَنْ نَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ " وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي يَوْمِ شَكٍّ وَلِأَنَّ ابن عمر كان ينظر الهلال فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْمٌ أَصْبَحَ صَائِمًا وَإِلَّا أَفْطَرَ وَهَذَا يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ لَا بِشَهَادَةٍ ولانهم سَمَّوْهُ يَوْمَ الشَّكِّ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شَكٍّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَعَلَّهُمْ صَامُوهُ تَطَوُّعًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا " لَأَنْ نَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ " فَسَمَّوْهُ شَعْبَانَ وَشَعْبَانُ لَيْسَ بِفَرْضٍ (قُلْنَا) هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الِاحْتِيَاطَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَهَذَا الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَمَنْ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَوْمٌ يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِي صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ فَوَجَبَ صِيَامُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْهِلَالِ وَاحِدٌ وَاحْتَرَزْنَا بِيَسُوغُ الِاجْتِهَادُ عَنْ يَوْمِ الصَّحْوِ وَلِهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَطْلَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى الصَّحْوِ لِأَنَّهُ رُوِيَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَوَجَبَتْ مَعَ الشَّكَّ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صلاتين واحترزنا ببدينة عَنْ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَبِمَقْصُودِهِ عَمَّنْ شَكَّ هَلْ أحدث أم لا فلا شئ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَالَ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَامَهُ

تطوعا أو عن نذر أَوْ قَضَاءً (وَالثَّانِي) حَمْلُهُ عَلَى الشَّكِّ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ قَالَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا العدة " وجوابه أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ * وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا العدة ثلاثين " (وجوابه) أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْمِلُوا رَمَضَانَ وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ " وَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي رُؤْيَتِهِ إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مَعْنَاهُ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ السَّابِقِ قَالَ " أَهْلَلْنَا هِلَالَ رَمَضَانَ فَشَكَكْنَا فِيهِ فَبَعَثْنَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَجُلًا فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثلاثين " (قلنا) هذا محمول على مااذا كَانَ الْإِغْمَامُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ يُغَمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَنَعُدُّ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَصُومُ ثَلَاثِينَ فَيَحُولُ دُونَ مَطْلَعِ هِلَالِ شَوَّالٍ غَيْمُ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ مِنْ الْآنَ ثَلَاثِينَ وَنَعُدُّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا فَيَصِيرُ الصَّوْمُ وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ كَمَا إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ فَاتَتْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَلَوَاتُ الْيَوْمِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ " هَذَا الْيَوْمُ يُكْمِلُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يوما " قال واحتج بحديث حذيقة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صُومُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ

أفطروا الا ان تروه قبل ذلك " وجوابه مَا سَبَقَ قَبْلَهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْإِغْمَامُ فِي طَرَفَيْ رَمَضَانَ قَالَ " فان قيل) هذا التأويل باطن لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ " فَعُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صُومُوا " وَالصَّوْمُ إنَّمَا هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " فَإِنْ غُمَّ عليكم فعدوا رمضان ثلاثين ثم افطرروا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَامَ فِي أَوَّلِهِ وَفِي آخره والذى في أوله يقتضى الاعتداد به فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِدَادَ بِهِ فِي آخِرِ رَمَضَانَ (قُلْنَا) التَّأْوِيلُ صَحِيحٌ لِأَنَّا نُكْمِلُ عِدَّةَ شَعْبَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ صُومُوا رَاجِعًا إلَى هَذَا الْيَوْمِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ بَعْدَهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " فَمَعْنَاهُ إذَا غُمَّ فِي أَوَّلِهِ وَغُمَّ فِي آخِرِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ نَصُومُ يوما وهو الحادى والثلاثون من رمضان فنعد رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَقَدْ حَصَلَ العددان (أحدهما) بعد الآخر ويتخللها صَوْمُ يَوْمٍ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا عَلَى رَمَضَانَ لَمْ يَقَعْ يوم الشك وكذا لا يحل فيه الذين الْمُؤَجَّلُ إلَى رَمَضَانَ فَكَذَا الصَّوْمُ (وَجَوَابُهُ) أَنَّا لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا نُسَلِّمَ ذَلِكَ وَنَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ نُسَلِّمَهُ وَهُوَ أَشْبَهُ وَنُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) انه قد يثبت الصوم بمالا يثبت الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْحُلُولُ وَهُوَ شَهَادَةُ

عَدْلٍ وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ إسْقَاطَ حَقٍّ ثَابِتٍ لِمُعَيَّنٍ بِالشَّكِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إيجَابُ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ عَلَى الْبَدَنِ فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا مَعَ الشَّكِّ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِلْأَصْلِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْبُضْعَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَسْقُطَانِ بِالشَّكِّ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَسَحَّرَ الرَّجُلُ وَهُوَ شَاكٌّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ وُقُوفُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يُسْقِطْ الْعِبَادَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ وُجِدَا (وَأَمَّا) فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ يُسْقِطُ الصَّوْمَ (وَجَوَابٌ) آخَرُ وَهُوَ أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُمْ السَّحُورَ مَعَ الشَّكِّ لَحِقَتْهُمْ الْمَشَقَّةُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي إلْزَامِهِمْ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ نَادِرٌ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ لو منعناهم الوقوف مع الشك لفتهم وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ شَكٌّ فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ كَالصَّحْوِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ يَبْطُلُ بِآخِرِ رَمَضَانَ إذَا حَالَ غَيْمٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ صَحْوٌ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْغَيْمِ فَوَجَبَ صَوْمُهُ احْتِيَاطًا قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ صَامَهُ في الصحوا لَا يَجِبُ فِي الْغَيْمِ كَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ مَا سَبَقَ وَلِأَنَّا تَحَقَّقْنَا

فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ كَوْنَهُ مِنْ شَعْبَانَ بِخِلَافِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ وَلِهَذَا لَوْ حَالَ الْغَيْمُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ صُمْنَا وَلَوْ حَالَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ لَمْ نَصُمْ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا يَجِبُ الدُّخُولُ فِيهَا حَتَّى يُعْلَمَ وَقْتُهَا كَالصَّلَاةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (أَمَّا) الْأَصْلُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ وَهُوَ إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ (وَأَمَّا) الْفَرْعُ فَإِنَّ الْأَسِيرَ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ صَامَ بِالتَّحَرِّي (وَجَوَابٌ) آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْيَقِينِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ وَاحْتُجَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الشَّكِّ وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ إلَّا بِجَزْمِ النِّيَّةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْأَسِيرِ إذَا صَامَ بِالِاجْتِهَادِ وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَصَلَّاهُنَّ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ حَلَفَ أَنَّ الْهِلَالَ تَحْتَ الْغَيْمِ (قُلْنَا) لَا يَحْنَثُ لِلشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ

وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ وَلَا هُوَ تَحْتَ الْغَيْمِ كَمَا لَوْ طَارَ طَائِرٌ فَحَلَفَ أَنَّهُ غُرَابٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِغُرَابٍ أَوْ تَجَهَّلْنَاهُ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ وَطِئَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (قُلْنَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (فَإِنْ قِيلَ) هَلْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ (قُلْنَا) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ لَا يُصَلِّي وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَلِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يَحْكُمُوا بِالْهِلَالِ تَحْتَ الْغَيْمِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ (قُلْنَا) لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ

مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (قُلْنَا) لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ حَتَّى يَدْخُلَهَا فِي يَوْمَيْنِ يَوْمِ الشَّكِّ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا فَحَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَدْخُلَ بَعْدَ جَمِيعِ صَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَاحِدَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ القاضي أبو يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابٍ لِبَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إليه الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الْمُكَمِّلَ لِعِدَّةِ شَعْبَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا ظُهُورُ اعْتِلَالِهِ يغني الناظر فيه عن إبطاله إذا لحق لَا يَدْفَعُهُ بَاطِلُ الشُّبُهَاتِ وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ لَا يُسْقِطُهَا فَاسِدُ التَّأْوِيلَاتِ وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهَا الْتِبَاسٌ فَرُبَّمَا خَفِيَ حُكْمُهَا عَنْ بعض الناس ممن قَصَرَ فَهْمُهُ وَقَلَّ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عِلْمُهُ وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوا لَهُ فيما استحفظهم ويبذلوا الجهد فيما قلدهم

ويهجوا لِلْحَقِّ سُبُلَ نَجَاتِهِمْ وَيَكْشِفُوا لِلْعَوَامِّ عَنْ شُبُهَاتِهِمْ لاسيما فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ وَيَبِينُ فِي الدِّينِ ضَرَرُهُ وَمِنْ أَعْظَمِ الضَّرَرِ إثْبَاتُ قَوْلٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ السَّلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ وَأَنَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَذْكُرُ مِنْ السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ وَأُورِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَحَابَتِهِ الْأَخْيَارِ الْمَرْضِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ خَالِفِيهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ مَا يُوَضِّحُ مَنَارَ الْحَقِّ وَدَلِيلَهُ وَيَرُدُّ مَنْ تَنَكَّبَ سَبِيلَهُ وَيُبْطِلُ شُبْهَةَ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَتَأْوِيلَهُ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ " ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نهى عن صوم ستة أيام الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " ثُمَّ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ " لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ " وَحَدِيثَ حُذَيْفَةَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ

إذَا غُمَّ الْهِلَالُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ " وَحَدِيثَ " أَحْصُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ " وَسَبَقَ بَيَانُهُ ثُمَّ قَالَ: بَابُ الْأَمْرِ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ: قَالَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتِهِمْ بِأَسَانِيدِهِ مِنْ طُرُقٍ وَأَلْفَاظَهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " ثُمَّ قَالَ الْخَطِيبُ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ لَيْسَ بواجب وهو إذا كانت السماء متغيمة فِي آخِرِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَوْمُ الثَّلَاثِينَ يَوْمُ الشَّكِّ فَكَرِهَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ صِيَامَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمٍ فَيَصُومُهُ عَنْ عَادَتِهِ أَوْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيَأْتِي ذَلِكَ في صيامه فيصومه قال فمن مَنَعَ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ

مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَتَابَعَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو وائل وعبد الله ابن عُكَيْمٍ الْجُهَنِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ومسلم ابن يَسَارٍ وَأَبُو السِّوَارِ الْعَدَوِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَتَابَعَهُمْ مِنْ الْخَالِفِينَ وَالْفُقَهَاءِ المجتهدين ابن جريج والاوزاعي والليث والشافعي واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَنْ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا (وَأَمَّا) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَوْمُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَرُوِيَ عَنْهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْمٌ صَامَهُ وَإِلَّا أَفْطَرَهُ قَالَ الْخَطِيبُ وَزَعَمَ الْمُخَالِفُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَلَيْهَا التَّعْوِيلُ عِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَرَاهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ * خَالِفْ تُعْرَفْ * وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَدَلَالَتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي كَلَامِ ابن الْفَرَّاءِ وَمُخْتَصَرُهُمَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وَهُوَ الرَّاوِي فَاعْتِمَادُهُ أَوْلَى (وَالثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عمر فاختلفت الروايات عنه اختلافا يؤل إلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " ثُمَّ رَوَى عَنْهُ " فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطِيبُ بِأَسَانِيدِهِ مِنْ طُرُقٍ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ ثُمَّ قَالَ

الخطيب فقد ثَبَتَ بِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَسَّرَ الْمُجْمَلَ وَأَوْضَحَ الْمُشْكِلَ وَأَبْطَلَ شُبْهَةَ الْمُخَالِفِ وَكَشَفَ عُوَارَ تَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَاقْدُرُوا لَهُ " مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ بِرِوَايَةٍ " فَعُدُّوا لَهُ ثلاثين يوما " " وفأكملوا العدة ثلاثين " " وفأقدروا لَهُ ثَلَاثِينَ " مَعَ مُوَافَقَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنَ عُمَرَ عَلَى رِوَايَتِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ذَكَرَ الْخَطِيبُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِهَا " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " وَفِي الثَّانِيَةِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " قَالَ الْخَطِيبُ (وَأَمَّا) تَعَلُّقُ الْمُخَالِفِ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ وَيُفْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ وَفُتْيَاهُ أَصَحُّ مِنْ فِعْلِهِ يَعْنِي لِتَطَرُّقِ التَّأْوِيلِ إلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ " سَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ فَقَالُوا نَسْبِقُ قَبْلَ رَمَضَانَ حَتَّى لا يفوتنا منه شئ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أُفٍّ أُفٍّ صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَأَفْطِرُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا عبد العزيز بن حكيم فقال يحيى ابن مُعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " لَا أَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا أَصِلُهُ بِصِيَامٍ " وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ " ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ يَوْمُ الشَّكِّ فَقَالَ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُهُ " قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ قَوْلَهُ الَّذِي رَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فيجب أن يحمل ماروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُمْسِكًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ هَلْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ بِالرُّؤْيَةِ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ " لَا أَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ " وَقَوْلُهُ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُهُ " يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ الصِّيَامَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ مُمْسِكًا (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إمْسَاكِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ (قُلْنَا) فَائِدَتُهُ تَعْظِيمُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِابْنِ عُمَرَ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي اقْتِفَاءِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاقْتِدَاءِ

بِأَفْعَالِهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مَحْفُوظَةٌ قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْمُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَصُمْهُ تَطَوُّعًا وَإِنْ تَطَوَّعْتُ بِجَمِيعِ السَّنَةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الشَّكِّ فِي الصَّحْوِ قَالَ وَهَكَذَا قَوْلُهُ " صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ " الْمُرَادُ مَعَ الصَّحْوِ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ لَا يَصُومُهُ بِحَالٍ وَكَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ مِنْ يَوْمِ الشَّكِّ إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ السَّحَابِ لَا مَعَ الصَّحْوِ مَعَ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وجه الا ماقاله لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِثُبُوتِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ الصَّرِيحَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ مَا ادَّعَى الْمُخَالِفُ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ جَعَلَ الْمُخَالِفُ الْعِلَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ الْمُجْمَلِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مُجَرَّدَ فِعْلِهِ مَعَ احْتِمَالِهِ غَيْرَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ تَرْكُ رَأْيِهِ وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " تَمَارَى النَّاسُ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْيَوْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَدًا فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ صُومُوا ثُمَّ قَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا " قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ الشَّافِي بِاللَّفْظِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ

التَّأْوِيلَ وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَاقَ السَّبَبَ الَّذِي خرج الكلام عليه قال الخطيب والمراء فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إنَّمَا يَقَعُ إذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ لَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى الرُّؤْيَةِ قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فِيهِ كِفَايَةٌ عما سواه فذكره باسناده عَنْهُ ثُمَّ قَالَ " أَصْبَحْنَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صِيَامًا وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا فَقُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ فَقَالَ أَفْطِرُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَمَارِيًا فِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ " يَعْنِي لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَوْلُهُ إنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا شَعْبَانَ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ قدروا شعبان ثلاثين ثم صوموا في الحادى والثلاثين وقدرت الشئ وَقَدَّرْتُهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون) ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْفَرَّاءِ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ قَالَ فِي قَوْله تعالى (فقدرنا فنعم القادرون) ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُمَا شَدَّدَا وَخَفَّفَهَا

الْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ قَالَ الْفَرَّاءُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَقُولُ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ التَّشْدِيدَ وَالتَّخْفِيفَ ثُمَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَكَانَ أَوْحَدَ وَقْتِهِ فِي التَّفْسِيرِ ثُمَّ الْفَرَّاءِ ثُمَّ ثَعْلَبٍ إنَّهُمْ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً قَالَ وكذلك قاله غيرهم مِنْ النُّحَاةِ فَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أن في الحديث مالا يحتاج معه الي غَيْرُهُ فِي وُضُوحِ الْحُجَّةِ وَإِسْقَاطِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم " فاقدروا له ثَلَاثِينَ " أَيْ فَعُدُّوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ بِمَعْنَى عُدُّوا وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَاقْدُرُوا لَهُ " مَا يدل علي وجوب تقدير شعبان بثلاثين إذا لَيْسَ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِينَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ يَكُونُ قَدْرًا لِلشَّهْرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ مِنْ الْغُرْفَةِ وَقَدْ آلَى شَهْرًا فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ " إنَّ الشَّهْرَ

تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا صُمْنَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ مَا أَعْظَمَ غَفْلَةَ هَذَا الرَّجُلِ وَمَنْ الذى تازعه فِي أَنَّ الشَّهْرَ تَارَةً يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَتَارَةً يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَأَيُّ حَجَّةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِينَ أَوْلَى مِنْ التَّقْدِيرِ بِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَاطِلٌ وَمُحَالٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِتَمَامِ الْعَدَدِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم " فاقدروا له ثَلَاثِينَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ان يكون لهم الخيرة من امرهم) قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ثَلَاثِينَ (قُلْنَا) لِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي وَهُوَ أَعْرَفُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُفْسِدُهُ مِنْ مُعَارَضَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُوجِبُ تَأْوِيلَ فِعْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُخَالِفُ وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْآيَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا فَالِاحْتِيَاطُ فِي اتِّبَاعِ السُّنَنِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهَا دُونَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بِالْآرَاءِ وَالْحَمْلِ لَهَا عَلَى الْأَهْوَاءِ وَمَنْزِلَةُ مَنْ زَادَ فِي الشَّرْعِ كَمَنْزِلَةِ مَنْ نَقَصَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ (قُلْنَا) هَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِاحْتِمَالِ رجوعه

إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ * قَالَ الْخَطِيبُ لَا يَجُوزُ لاحد ان يزيل الْكَلَامَ عَنْ أَصْلِهِ الْمَوْضُوعِ وَظَاهِرِهِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَعْرُوفِ وَيَعْدِلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " رَاجِعٌ إلَى الْغَيْمِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَفِي انْتِهَائِهِ وَقَدْ بَيَّنَ النَّصُّ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ وعمومته وَحَقِيقَتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صوموا لرؤيته وأفطرو لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ

عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ بِيَوْمٍ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " فَإِنْ غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صوموا لرويتة وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ * قَالَ الْخَطِيبُ وَاسْتَدَلَّ الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَاجِعٌ إلَى غَمِّ هِلَالِ شَوَّالٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " قَالَ الْخَطِيبُ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ غَمِّ الْهِلَالِ آخِرَ الشَّهْرِ وَأَنَّهُ يَجِبُ إكْمَالُ عِدَّةِ الصَّوْمِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ (فَأَمَّا) بَيَانُ حُكْمِ غَمِّهِ في أول رمضان فمستفاذ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " ثُمَّ صُومُوا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " فَعُدُّوا شَعْبَانَ " وَفِي الْأُخْرَى " فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا " وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَصُومُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِ هِلَالِ شَوَّالٍ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ غَيْمٌ عَدَدْنَا حِينَئِذٍ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ نَعُدُّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَيَكُونُ إحْدَى وَثَلَاثِينَ * قَالَ الْخَطِيبُ مَنْ خَلَتْ يَدَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ وَعَدَلَ عَنْ نَهْجِ السَّبِيلِ لَجَأَ إلَى مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَمَعَ كَوْنِهِ إحْدَى الْعَظَائِمِ وَالْكُبَرِ وَأَعْجَبَ

مَا وَقَفَ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّظَرِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى أَصْلٍ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَا أَوْرَدَ أَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ الْحَدِيثِ الْعَامِّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَبَطَلَتْ دلالة الْأَخْبَارُ وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ بِظَاهِرٍ وَتَعَلَّقَ كُلُّ مُبْطِلٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَئِنْ سَاغَ لِلْمُخَالِفِ هَذَا التَّأْوِيلُ الْبَاطِلُ لِيَسُوغَنَّ لِغُلَاةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَسْبِقُونَ النَّاسَ فِي الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ أَنْ يَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " أَنَّ الْمُرَادَ تَقَدُّمُ الصِّيَامِ لِلرُّؤْيَةِ وَتَقَدُّمُ الْفِطْرِ لِلرُّؤْيَةِ قَالَ الْخَطِيبُ وَمُخَالِفُنَا يَعْلَمُ فساد هذا التأويل الذى قاله فيقال لَهُ أَسَمِعْتَ هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ زعمه فليأت بخبر واحد يتضمنه وأن واحدا مِنْ السَّلَفِ كَانَ إذَا غُمَّ عَلَيْهِ هِلَالُ شَوَّالٍ اسْتَأْنَفَ عَدَدَ شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي خَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ وَهَيْهَاتَ أَنْ يَجِدَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ خِلَافُ الصَّوَابِ فَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ (فَإِنْ قَالَ) اسْتَخْرَجْتُهُ بِنَظَرِي (قُلْنَا) الِاسْتِخْرَاجُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَصْلٍ وَلَا سَبِيلَ لَكَ إلَيْهِ * قَالَ الْخَطِيبُ وَزَعَمَ الْمُخَالِفُ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ وَهَذِهِ دَعْوَى مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهَا بُرْهَانٌ وَلَا يَعْجَزُ كُلُّ مَنْ غَلَبَ هواه علي شىء أَنْ يَدَّعِيَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ * قَالَ الْخَطِيبُ وَأَنَا أَذْكُرُ هُنَا مَا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَالِفِينَ (فَأَمَّا) الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَوَاهَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ كُلَّمَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا وَلَا يَتَقَدَّمَنَّ الشَّهْرَ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقُولُهَا ثَلَاثًا وفى رواية أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ الْمُجَنَّدَةِ " صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا

وَأَفْطِرُوا " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال كان عثمان لا يجيز شهادة لواحد فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى رَمَضَانَ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو ابن دينار قلت له من ذكره عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوْحٌ قَالَ الْخَطِيبُ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ عُثْمَانُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فَالْغَيْمُ أَوْلَى أَنْ لَا يَعْتَمِدَهُ وَعَنْ مُجَالَدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَعَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ " أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " قُلْتُ مُجَالِدٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْخَطِيبُ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِخَبَرٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ " أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الْخَطِيبُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يَقْبَلُ شهادة العدل

الْوَاحِدِ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ لِهِلَالِ رَمَضَانَ ثُمَّ رَأَى عَلِيٌّ قَبُولَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَقَالَ " أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أحب إلى من أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " فَصِيَامُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ صَارَ إلَيْهِ * قَالَ الْخَطِيبُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يصوم الا للرؤية أو اكمال الْعَدَدِ لِشَعْبَانَ مَا أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ " صُمْنَا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَمَرَنَا عَلِيٌّ بِقَضَاءِ يَوْمٍ " قَالَ الْخَطِيبُ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِلْكَ السَّنَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَشَعْبَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَغُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فَأَكْمَلَ عَلِيٌّ وَالنَّاسُ الْعَدَدَ لِشَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَصَامُوا فَرَأَوْا الْهِلَالَ عَشِيَّةَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي الصَّوْمِ كَقَوْلِ الْمُخَالِفِ مِنْ اعْتِمَادِ الْغَيْمِ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ بَعْدَ صَوْمِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَأَمَّا) ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ

فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ مِنْهُ " وَعَنْ صِلَةَ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَتَى بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَنْ حُذَيْفَةَ " أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا تَصِلُوا رَمَضَانَ بشئ وَلَا تَقَدَّمُوهُ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ " وَعَنْهُ " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ (وَأَمَّا) ما رويناه عن معاوية ابن صَالِحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ " سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " لَأَنْ أَتَقَدَّمَ فِي رَمَضَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَخَّرَ لِأَنِّي إنْ تَقَدَّمْتُ لَمْ يَفُتْنِي " فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُحْفَظُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو مَرْيَمَ مَجْهُولٌ فَلَا يُعَارَضُ بِرِوَايَتِهِ مَا نَقَلَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ * قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْمُخَالِفُ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي إسحق قَالَ رَأَيْتُ هِلَالَ الْفِطْرِ إمَّا عِنْدَ الظُّهْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأَفْطَرَ نَاسٌ فَأَتَيْنَا أَنَسًا فاخبرناه فقال " هَذَا الْيَوْمُ يُكْمِلُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ إلَيَّ قَبْلَ صِيَامِ النَّاسِ أَنِّي صَائِمٌ غَدًا فَكَرِهْتُ الْخِلَافَ عَلَيْهِ فَصُمْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ يَوْمِي هَذَا إلَى اللَّيْلِ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَنَسٌ عَلَى صَوْمِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ * قَالَ الْخَطِيبُ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ قَالَ أَنَسٌ إنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ مُعْتَقِدًا وُجُوبَهُ وَإِنَّمَا تَابَعَ الْحَكَمَ بْنَ أَيُّوبَ وَكَانَ هُوَ الْأَمِيرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ فِيهِ وَلَعَلَّ الْأَمِيرَ عَزَمَ عَلَيْهِ

فِي ذَلِكَ فَكَرِهَ مُخَالَفَتَهُ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ كَذَا رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَسْبُكَ بِهِ فَهْمًا وَعَقْلًا وَصِدْقًا وَفَضْلًا وَمِنْ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ لِي مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الْخَطِيبُ أَرَادَتْ عَائِشَةُ صَوْمَ الشَّكِّ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَدْلٌ فَيَجِبُ صَوْمُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ شَهِدَ بِبَاطِلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَرَادَتْ بِقَوْلِهَا مُخَالَفَةَ مَنْ شَرَطَ لِصَوْمِ رَمَضَانَ شَاهِدِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَسْرُوقًا رَوَى عَنْهَا النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ ثُمَّ رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ وَمِنْ ذَلِكَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ تَقَدَّمَتْهُ وَصَامَتْ وَتَأْمُرُ بِذَلِكَ قَالَ الْخَطِيبُ لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ تَقَدُّمِهَا بِالصَّوْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ حُجَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّا جاء عن التابعين فيه مارويناه فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ " مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَمْرُ رَجُلًا أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لَا تَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي تَشُكُّ فِيهِ إذَا كَانَ فِيهِ سَحَابٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَا بَأْسَ بِصَوْمِهِ إلَّا أَنْ يُغَمَّ الْهِلَالُ " وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ " لَا يُصَمْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا مَا صُمْتُ يَوْمَ الشَّكِّ " وَعَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا مَا صمت يوم الشك وعن ابراهيم قال مامن يوم أبغض إلى أَنْ أَصُومَهُ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي وَائِلٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا

يَكْرَهُونَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَا أَتَعَمَّدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ أَتَعَمَّدُهُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ الْخَطِيبُ وَذَكَرَ الْمُخَالِفُ شُبَهًا مِنْ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ اعْتَمَدَ الْآثَارَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ قِيَاسٍ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَيَحْرُمُ الْعَمَلُ بِهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَعَ تَوَسُّعِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالْقِيَاسِ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ الْقِيَاسِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ إذَا قَابَلَ الْقِيَاسَ نَصٌّ يُخَالِفُهُ أَوْ كَانَ فَاسِدًا لِنَقْصٍ أَوْ مُعَارَضَةِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ كَقِيَاسِ الْمُخَالِفِ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ فَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَجِبْ بِالشَّكِّ بَلْ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِكُلِّ صَلَاةٍ وَشَكَكْنَا

فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ ولا طريق له إلَى الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ يَوْمِ الشَّكِّ أَنْ يَشُكَّ هَلْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِيهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ الْمُخَالِفِ وَقِيَاسٌ آخَرُ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الْخَطِيبُ لَيْسَ بِهَذَا الْمُخَالِفُ مِنْ الْغَبَاوَةِ مَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَكِنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَمْرًا أَلْجَأَهُ إلَيْهَا وَكَيْفَ اسْتَجَازَ أَنْ يَقُولَ يَوْمُ الشَّكِّ أَحَدُ طَرَفَيْ الشَّهْرِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَا يَسْلَمُ لَهُ (فَإِنْ قَالَ) بَنَيْتُهُ عَلَى أَصْلٍ (قيل) له هو مخالف للنص فيجب اطراحه ويقال له أو قُلْتَ يَوْمُ الشَّكِّ أَحَدُ طَرَفَيْ رَمَضَانَ فَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهَيْهَاتَ السَّبِيلُ إلَى ذَلِكَ (وَإِنْ قُلْتَ) الشَّكُّ أَحَدُ طَرَفَيْ شَعْبَانَ (قِيلَ) أَصَبْتَ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ شَعْبَانَ (ثُمَّ يُقَالُ) الْأَصْلُ بَقَاءُ شَعْبَانَ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ قَالَ الخطيب قال المخالف لا يَمْتَنِعُ تَرْكُ الْأَصْلِ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَكَمَا لَوْ شَكَّ مَاسِحُ الْخُفِّ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ فَلَا يمسح ولو شكت المستحاضة في انقطاع الخيص تَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ فَسَبَقَ جَوَابُهَا (وَأَمَّا) مَاسِحُ الْخُفِّ فَشَرْطُ مَسْحِهِ بَقَاءُ الْمُدَّةِ فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ إلَى الاصل وهو غسل الرجلين (واما) السمتحاضة فَسَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ فَإِذَا شَكَّتْ فِيهِ رَجَعَتْ إلَى الْأَصْلِ وَمُقْتَضَى هَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ لَا يَجِبَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الخطيب رحمه الله * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى *

{ويكره أن يصوم يوم الجمعة وحده فان وصله بيوم قبله أو بيوم بعده لم يكره لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا أن يصوم قبله أو يصوم بعده "} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ (مِنْ) ذَلِكَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ " سَأَلْتُ جَابِرًا أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بقيام مِنْ بَيْنِ سَائِرِ اللَّيَالِيِ وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فافطري "

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ من غرة كل شهر ثلاثة أيام وقل ما كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ فان وصله يصوم قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَدًا فَوَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ كَانَ إذَا صَامَهُ مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ مالو كَانَ مُفْطِرًا فَعَلَهُ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ فِي جَامِعِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أَنْهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَى اخْتِيَارٍ لِمَنْ كَانَ إذَا صَامَهُ مَنَعَهُ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي لَوْ كَانَ مُفْطِرًا فَعَلَهَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُفْرَدًا قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ قَالَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَلَى مَنْ كَانَ الصَّوْمُ يُضْعِفُهُ وَيَمْنَعُهُ عَنْ الطَّاعَةِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ مُخْتَصَرًا وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ غَيْرَهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ وَجْهَانِ (الْمَنْصُوصُ) الْجَوَازُ وَيُحْتَجُّ لِظَاهِرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ (وَمَنْ) قَالَ بِالْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ

أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الْخَمِيسَ فَوَصَلَ الْجُمُعَةَ بِهِ وَهَذَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ * {فَرْعٌ} قَالَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ الْحِكْمَةُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَرْجَى فَهُوَ يَوْمُ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّبْكِيرِ إلَى الصَّلَاةِ وَانْتِظَارِهَا وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِكْثَارِ الذِّكْرِ بَعْدَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فضل الله واذكروا الله كثيرا) وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ أَيْضًا الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي يَوْمِهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَاجِّ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ الْفِطْرُ كَمَا سَبَقَ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ مَا قَدْ يَحْصُلُ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ (وَقِيلَ) سَبَبُهُ خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ بِحَيْثُ يُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ مَا شُرِعَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالشَّعَائِرِ (وَقِيلَ) سببه لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ وَهَذَا بَاطِلٌ وَمُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الْخَيَالِ الْبَعِيدِ وَبِيَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا كَرَاهَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو يوسف واحمد واسحق وابن المنذر وقال ملك وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُكْرَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ ينهى عن صيام يوم الجمعة قال وصامه قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأُرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ فَهَذَا كَلَامُ مَالِكٍ

وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ * وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ فِي النَّهْيِ وَسَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ فَلَا يُفْرِدُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ مَا رَأَى مَنْ يَنْهَى فَيُعَارِضُهُ أَنَّ غَيْرَهُ رَأَى فَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ إفْرَادِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فِيهَا فَإِنَّهَا لَمْ تبلغه قال الداوودى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا حَدِيثَ النَّهْيِ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ * {فَرْعٌ} يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ فَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ. أَوْ بَعْدَهُ مَعَهُ لَمْ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ إفْرَادِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنْ يَخْتَصَّهُ الرَّجُلُ بِالصِّيَامِ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُقْبَلُ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَلَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ وَهُوَ حديث جويرة السَّابِقُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَلَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثُوهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا أَيُّ الْأَيَّامِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا لَهَا قَالَتْ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهَا فَقَالُوا إنَّا بَعَثْنَا إلَيْكِ هَذَا فِي كَذَا وَكَذَا فَذَكَرَ أَنَّكِ قُلْتِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَتْ صَدَقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ

وَيَوْمَ الْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ " هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْحَاكِمِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنَ وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ والخميس " رواه الترمذي وقالت حديث حسن والصواب علي الجلة مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُ السَّبْتِ بِالصِّيَامِ إذَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً لَهُ لِحَدِيثِ الصَّمَّاءِ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي دَاوُد إنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى نَسْخِهِ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صِيَامِ السَّبْتِ فَكُلُّهَا وَارِدَةٌ فِي صَوْمِهِ مَعَ الْجُمُعَةِ وَالْأَحَدِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِيهَا لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ السَّبْتِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الصَّمَّاءِ لِحَاءَ عِنَبَةٍ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وبالحاء المهملة وبالمد وهو قشر الشجرة ويمضغه بفتح الضاد وضمها لغتان * قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز صوم يوم الفطر ويوم النحر فان صام فيه لم يصح لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن صيام هدين اليومين أما يوم الاضحى فتأكلون من لحم نسككم وأما يوم الفطركم من صيامكم "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى عن صيام يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ " وَرَوَيَا مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنْ صَامَ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا لَمْ ينعقد نذره ولا شئ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ غَيْرِهِمَا قَالَ فَإِنْ صَامَهُمَا أَجْزَأَهُ مَعَ أَنَّهُ حرام ووافق علي انه يصح صومهما عن نذر مطلق * دلينا نه نَذَرَ صَوْمًا مُحَرَّمًا فَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَنْ نَذَرَتْ صوم أيام حيضها *

* قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز ان يصوم ايام التشريق صوما غير صوم التمتع فان صام لم يصح صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى عن صيام ستة ايام يوم الفطر ويوم النحر وايام التشريق واليوم الذى يشك فيه انه من رمضان " وهل يجوز للمتمتع صومه فيه قولان (قال) في القديم يجوز لما روى عن ابن عمر وعائشة انهما قالا " لم يرخص في ايام التشريق الا لمتمتع لم يجد الهدى " (وقال) في الجديد لا يجوز لان كل يوم لا يجوز فيه صوم غير المتمتع لم يجز فيه صوم التمتع كيوم العيد} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ باسناد ضعيف عى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ صِيَامٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَالْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ يَوْمِ النحر " هذا لفظه وضعف اسناده ويعني عَنْهُ حَدِيثُ نُبَيْشَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وأنس من الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ

التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا " لَمْ يُرَخَّصْ في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى " وفى لِلْبُخَارِيِّ عَنْهُمَا قَالَا " الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنَى " فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَرْفُوعَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وَرُخِّصَ لَنَا فِي كَذَا وَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ مَرْفُوعٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ النَّحْرِ وَيُقَالُ لَهَا أَيَّامُ مِنَى لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُقِيمُونَ فِيهَا بِمِنَى وَالْيَوْمُ (الْأَوَّلُ) منها يُقَالُ لَهُ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنَى (وَالثَّانِي) يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّفْرُ فِيهِ لِمَنْ تَعَجَّلَ (وَالثَّالِثُ) يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَسُمِّيَتْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ وَالْهَدَايَا أي ينشرونها ويقددونها وايام

التشريق هم الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا لَا لِمُتَمَتِّعٍ وَلَا غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَادِمِ الْهَدْيَ صَوْمُهَا عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَصُومَهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي مَنْعِ صَوْمِهَا وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُتَمَتِّعِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هَذَا الْقَائِلُ بالجواز هو أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ حَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَوْمٌ لَهُ سَبَبٌ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ لَهُ سَبَبٌ (فَأَمَّا) تَطَوُّعٌ لَا سَبَبَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطيب والمحاملي والسرخسي وصاحب بالعدة وَآخَرُونَ وَأَكْثَرُ الْقَائِلِينَ قَالُوا هُوَ نَظِيرُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا مالها سبب دون مالا سَبَبَ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أن إباحتها للمتمتع للحاجة أو لكونه سَبَبًا وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا مَنْ عَلَّلَ بِالْحَاجَةِ خصه بالتمتع فَلَمْ يُجَوِّزْهَا لِغَيْرِهِ

وَمَنْ عَلَّلَ بِالسَّبَبِ جَوَّزَ صَوْمَهَا عَنْ كُلِّ صوم له سبب دون مالا سَبَبَ لَهُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ مُخْتَصٌّ بِصَوْمٍ له سبب ولا يصح فيها مالا سَبَبَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا تقبل هذه غير صوم التمتع لِضَرُورَةٍ تَخْتَصُّ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهَا كَيَوْمِ الشَّكِّ ثُمَّ ذَكَرَ مُتَّصِلًا بِهِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ أَنَّهُ إنْ صَامَهُ بِلَا سَبَبٍ فَهُوَ منهي عنه وفى صحته وجهان قد سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ فيها صوم أصلا لا للمتمتع ولا لغيره (والارجح) في

الدليل صحتها للمتمتع وَجَوَازُهَا لَهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي التَّرْخِيصِ لَهُ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَلَا عُدُولَ عَنْهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ جِهَةٍ ضَعِيفَةٍ وَضَعَّفَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّامِلِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِيهَا وَأَنَّ الْجَدِيدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا صَوْمٌ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ لِمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ السَّلَفِ الْعُلَمَاءِ بِامْتِنَاعِ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ وَلِغَيْرِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وأبي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ والاوزاعي ومالك واحمد واسحق في رواية عنه يجوز للمتمتع صومها * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز ان يصوم في رضمان غير رمضان حاضرا كان أو مسافرا فان صام عن غيره لم يصح صومه

عن رمضان لانه لم ينوه ولا يصح عما نوى لان الزمان مستحق لصوم رمضان فلا يصح فيه غيره} * {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا قَالَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَبْسُوطَةً فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَذَكَرْنَا بَعْدَهُ خلاف أبي حنيفة * * قال المصنف رحمه الله تعالي * {ويستحب طلب ليلة القدر لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه " ويطلب ذلك في ليالى الوتر من العشر الاخير من شهر رمضان لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " التمسوها في العشر الاخير في كل وتر " قال الشافعي رحمه الله والذى يشبه أن يكون ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين والدليل عليه ماروى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " أريت هذه الليلة ثم أنسيها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين قال أبو سعيد فانصرف علينا وعلي جبهته وانفه أثر الماء والطين في صبيحة يوم إحدى وعشرين " وروى عبد الله بن انيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثم أنسيتها وأراني أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وعشرين فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ أثر الماء والطين علي جبهته " قال الشافعي ولا أحب ترك طلبها فيها كلها قال اصحابنا إذا قال لامرأته انت طالق ليلة القدر فان كان في رمضان قبل مضى ليلة من ليالى العشر حكم بالطلاق من الليلة الاخيرة من الشهر وان كان قد مضت ليلة وقع الطلاق في السنة الثانية في مثل تلك الليلة التي قال فيها ذلك والمستحب ان يقول

فيها اللهم انك عفو تجب العفو فاعف عنى لما روى " ان عائشة رضى الله عنها قالت يارسول الله ارأيت ان وافقت ليلة القدر ماذا أقول قال تقولين اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ أنيس بضيم الْهَمْزَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ فِي ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى قِيَامِهَا إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بَيَانُ الذُّنُوبِ الَّتِي تُغْفَرُ وَبَيَانُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ الْوَارِدَةِ فِيهِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَيْلَةُ القدر ليلة فَاضِلَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر) إلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ قَالُوا وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) مَعْنَاهُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ لَيَالِيِ السَّنَةِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَيَكُونُ كَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهَا وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيْ لَيْلَةَ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا كلهم هي التى يفرق فيها كل أمر حكيم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَالَ

جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هِيَ لَيْلَةُ نصف شعبان وهذا خطأ لقوله تعلي (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فَهَذَا بَيَانُ الْآيَةِ الْأُولَى وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِلْمَلَائِكَةِ فِيهَا مَا يُعْمَلُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيَأْمُرُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ وَظِيفَتِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُخْتَصَّةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إلَّا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سَبَبِ نُزُولِ السُّورَةِ (الثَّالِثَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكُهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَجْتَهِدُ فِي

طلبها في العشر الاواخر من رمضان مالا يجتد فِي غَيْرِهِ " وَأَنَّهُ " كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مُبْهَمَةٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا وَلَا تَزَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكُلُّ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا لَكِنَّ لَيَالِيَ الْوِتْرِ أَرْجَاهَا وَأَرْجَى الْوِتْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ

مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَرْجَاهَا عِنْدَهُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَهُمَا أَرْجَى لَيَالِيهَا عِنْدَهُ وَبَعْدَهُمَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقَالَ إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا وهما المزني وصاحبه أبو بكر محمد ابن اسحق بن خزيمة أنها منتقلة فِي لَيَالِي الْعَشْرِ تَنْتَقِلُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ إلَى لَيْلَةٍ وَفِي بَعْضِهَا إلَى غَيْرِهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِتَعَارُضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا طَرِيقَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إلَّا بِانْتِقَالِهَا * قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التجريد وصاحب التنبه وَغَيْرُهُمَا تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَجْهًا وَادَّعَى الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تُلْتَمَسُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَآكَدُهُ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ وَآكَدُ الْعَشْرِ لَيَالِي الْوِتْرِ هَذَا لَفْظُهُ فِي التَّجْرِيدِ وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ لَهَا وَمَا يَدُلُّ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَعَلَامَتُهَا أَنَّهَا لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ وان الشمس تطلع في صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ لَهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ وَفِيهَا حَدِيثٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قِيلَ) فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِمَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِمَطْلَعِ الْفَجْرِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اجتهاده في

يَوْمِهَا الَّذِي بَعْدَهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فَإِذَا عُرِفَتْ لَيْلَتُهَا فِي سَنَةٍ اُنْتُفِعَ بِهِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (الرَّابِعَةُ) يُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ وَالِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِيهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الدُّعَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِيهَا بِمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا بِالْعِبَادَةِ إلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفجر) قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا سَلَامٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ استحب ان يكون اجتهاد في يومها كاجتهاده في ليلتها هذا نصه فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْجَدِيدِ نَصٌّ يُخَالِفُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدَّمَةِ الشَّرْحِ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْجَدِيدِ بِمَا يُخَالِفُهُ وَلَا بِمَا يُوَافِقُهُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَوْ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ رَمَضَانَ أَوْ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ لَيْلَةِ الْحَادِي

وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِمَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِي الْعَشْرِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بعد مضي ليالى العشر طلقت وعتق فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الليلة التى قبل تممه سواء كان قاله في الليل أو فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِمَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ هَكَذَا تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهَا الْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ طَلُقَتْ فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ الطَّلَاقُ لَيْلَةً عَنْ مَحَلِّ وُقُوعِهِ وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمَنْ وافقه أنه إن قاله قبل مضي شئ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ عَتَقَ وَطَلُقَتْ فِي آخِرِ يَوْمٍ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَى آخِرِ يَوْمٍ بَلْ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أول لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِوُجُودِ الِاسْمِ وَمِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ طَلُقَتْ بِانْقِضَاءِ لَيَالِي الْعَشْرِ وَهُوَ تساهل أيضا وصوابه أول جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ هَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ المسألة عن الاصحاب ووافقهه الْجُمْهُورُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُعَيَّنَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَا تَنْتَقِلُ بَلْ هِيَ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا كُلَّ سَنَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَتَقَ وَإِنْ عَلَّقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَتَكُونُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ فَرَّعُوا عَلَى انْتِقَالِهَا مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ تَعْيِينُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قالو ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَيَّنُ أَوْ تَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَعْيِينِهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِالشَّكِّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يُحْتَمَلُ في كلام غير صاحب اشامل (وأما)

هو فقال لا يقع الطلاق الافي آخِرِ الشَّهْرِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِهَا وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ أَيْضًا (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي مُنْتَصَفِ رَمَضَانَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قال الرافعى وغير لَا نَعْرِفُ اعْتِبَارَ مُضِيِّ سَنَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي كُتُبِ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُهُ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ قَالَ إمَامُ

الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالي مُتَرَدِّدٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ وَيَمِيلُ إلَى بَعْضِهَا مَيْلًا لَطِيفًا قَالَ وَانْحِصَارُهَا فِي الْعَشْرِ ثَابِتٌ عِنْدَهُ بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا قَالَ وَالطَّلَاقُ يُنَاطُ وُقُوعُهُ بِالْمَذَاهِبِ الْمَظْنُونَةِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُهُ إلى الغزالي

مِنْ الِانْفِرَادِ بِمَا قَالَهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي انْحِصَارِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتَعَيُّنِهَا فِي لَيْلَةٍ *

{فَرْعٌ} ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُنَا تَفْسِيرًا مُخْتَصَرًا لِسُورَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمِنْ أَحْسَنِهِمْ لَهُ ذِكْرًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالُوا قَوْله تعالي (إنا أنزلناه) أَيْ الْقُرْآنَ فَعَادَ الضَّمِيرُ إلَى مَعْلُومٍ مَعْهُودٍ قَالُوا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاءِ الدُّنْيَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا آيَةً وَآيَتَيْنِ وَالْآيَاتِ وَالسُّورَةَ عَلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ قَالُوا وقَوْله تَعَالَى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شهر) مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ

الْعِبَادَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَقِيَامِ لَيْلِهَا لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وقَوْله تَعَالَى (تنزل الملائكة والروح) أي جبريل عليه السلام (باذن ربهم) أي بامره (من كل أمر سلام) أَيْ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَلِّمُونَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا مُدْمِنِ خَمْرٍ أَوْ مُصِرٍّ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ مُشَاحِنٍ فَمَنْ أَصَابَهُ السَّلَامُ غُفِرَ لَهُ مَا تقدم وقوله تعالي (حتي مطلع الفجر) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا سَلَامٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ *

مذاهب العلماء في مسائل في ليلة القدر

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ السَّبْتِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَاسْتَوْعَبَهَا وَأَتْقَنَهَا وَمُخْتَصَرُ مَا حَكَاهُ أَنَّهُ قَالَ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِطَلَبِهَا قَالَ وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا رُفِعَتْ وَكَذَا حَكَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ الْجُمْهُورُ وَسَمَّاهُمْ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ هُوَ قَوْلُ الرَّوَافِضِ وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم " حين تلاحا رَجُلَانِ فَرُفِعَتْ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ الْأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرَعَهُ هَؤُلَاءِ الشَّاذُّونَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَغَبَاوَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ تَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ " هَكَذَا هُوَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهَا رفع عِلْمُهُ بِعَيْنِهَا ذَلِكَ

الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعَ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الجماعة اختلفوا في محلها فقيل هي منتقلة تَكُونُ فِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ وَفِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَيُقَالُ كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَ بِأَحَدِ أَوْقَاتِهَا فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا قَالَ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ والثوري وأحمد وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَإِنَّمَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَقِيلَ فِي كُلِّهِ وَقِيلَ إنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا بَلْ هِيَ لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ لَا تُفَارِقُهَا وَعَلَى هَذَا قِيلَ هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي حنيفة وصاحبيه وقيل بل في كُلُّ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وجماعة وقيل بل في العشر الاواسط وَالْأَوَاخِرِ وَقِيلَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَقِيلَ بِأَشْفَاعِهَا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ بَلْ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ تُطْلَبُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ سَبْعَ عشرة

أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقِيلَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ والحسن وقتادة رضي الله عنهم وقيل ليلة سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقِيلَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ قول زيد ابن أَرْقَمَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أيضا وحكي عن علي أيضا قيل آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ هَذَا آخِرُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ غَيْرُ الْقَاضِي هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مُفَرَّقَةً (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْحَاوِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ

الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يُقْبَلُ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِهِ مَشْهُورٌ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ إنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَمُخَالِفٌ لِنَقْلِ الْجُمْهُورِ * {فَرْعٌ} اعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَرَاهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من بني آدم كل سنة في رَمَضَانَ كَمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَأَخْبَارُ الصَّالِحِينَ بِهَا وَرُؤْيَتُهُمْ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا حَقِيقَةً فَغَلَطٌ فَاحِشٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رأى ليلة القدر أن يكتمها ويدعو بِإِخْلَاصٍ وَنِيَّةٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ لِلدِّينِ وَالْآخِرَةِ * {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالَ الْقَفَّالُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثم أنسيتها "

لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْوَارَ عَيَانًا ثم أنسى في أول ليلة رأى ذلك لان مثل هذا قل ما يُنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ أُنْسِيَ كَيْفَ قِيلَ لَهُ * {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ

الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارى رؤيا كم قد تواطأت فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعِهِ تَبْقَى فِي سَابِعِهِ تَبْقَى فِي خَامِسِهِ تَبْقَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ " خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ

الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ خَرَجْتُ لَأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ بيان عينها لا رَفْعُ وُجُودِهَا فَإِنَّهُ لَوْ رَفَعَ وُجُودَهَا لَمْ يَأْمُرْ بِطَلَبِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَى " عَسَى أَنْ يكون خيرا لكم " أي لترغبوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنَسِيتُهَا في العشر الغوابر " رواه امسلم الغوابر الْبَوَاقِي وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ " اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا

وَقَالَ إنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ ثم اعتكف الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ ثُمَّ كَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ إنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ وَقَالَ إنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَأَصْبَحَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ المسجد فابصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة انفه فيها الطِّينَ وَالْمَاءَ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ " رواه مسلم وعن عبد الله ابن أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأُرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ وَأَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابن أُنَيْسٍ يَقُولُ ثَلَاثٌ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابي عبد الله عبد الرحمن بن الصنائحي قَالَ " خَرَجْنَا مِنْ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ ضُحًى فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ دَفَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَمْسٍ قُلْتُ مَا سَبَقَكَ إلَّا بِخَمْسٍ هَلْ سَمِعْتُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا قَالَ أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أَوَّلُ السَّبْعِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَقِيلَ إنَّهُ جَيِّدٌ وَلَمْ أَرَهُ وَعَنْ زِرٍّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ " سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ إنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ الناس اما

إنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ثم حلف لَا يَسْتَثْنِيَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقُلْتُ باى شئ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ قَالَ بِالْعَلَامَةِ أو بالآية النى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لِزِرٍّ مَا الْآيَةُ قَالَ تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ " وعن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ " لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ موسي بن عقبة عن ابي اسحق عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " سُئِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ رَوَاهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عن ابي اسحق موقوفا على ابن عمر لم يرفعاه إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كلام أبو دَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ

الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا فَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِرَفْعِهِ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ ثِقَةٍ وَعَنْ عِيسَى بْنِ عبد الله ابن انيس الجهينى عن ابيه قال " قلت يارسول اللَّهِ إنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا وَأَنَا أُصَلِّي بِحَمْدِ اللَّهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَقَالَ انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَقِيلَ لِابْنِهِ كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ قَالَ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَتِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ ثُمَّ

أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنَسِيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ انكم اعلم بالعدد منا قال اجل نحن احق

بِذَلِكَ مِنْكُمْ قُلْتُ مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ قَالَ فَإِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُطْلُبُوهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ سَكَتَ " رَوَاهُ أَبُو داود

وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وهو حكيم بن سيف الدقى فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ صَدُوقٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لَيْسَ بِالْمُتْقِنِ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ أَنَا كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْهَا يَعْنِي أَشَدَّ الناس مسألة عنها فقلت يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَلْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا فَإِذَا قُبِضُوا وَرُفِعُوا رُفِعْتَ مَعَهُمْ أَوْ هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ لَا بَلْ هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِي فِي أَيِّ شَهْرِ رَمَضَانَ هِيَ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ

الْأَوَاخِرِ وَالْعَشْرِ الْأُوَلِ ثُمَّ حَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَ فَاهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي فِي أَيِّ عشر هِيَ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَلَا تسألني عن شيء بَعْدَ هَذَا ثُمَّ حَدَّثَ وَحَدَّثَ فَاهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فقلت يارسول اللَّهِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَتُحَدِّثَنِي فِي أَيِّ الْعَشْرِ هِيَ فَغَضِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبا ما غضب علي مِثْلَهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ قَالَ الْتَمِسُوهَا في السبع الاواخر ولا تسألني عن شئ بَعْدُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جفنه " رواه مسلم قال الْبَيْهَقِيُّ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ لَيَالِيهَا وَهِيَ لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ بلجة

لا حارة ولا باردة كأن فيها قمر لا يخرج شيطانها حني يضئ فَجْرُهَا " رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلُ فِي كِتَابِهِ * * قال المصنف رحمه الله * [كتاب الاعتكاف] اصل الاعتكاف في اللغة اللبث والحبس وَالْمُلَازَمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ الِاعْتِكَافُ لُزُومُ الْمَرْءِ شَيْئًا وَحَبْسُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بِرًّا كَانَ أَوْ إثْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون) وَقَالَ تَعَالَى (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى اصنام لهم) وَقَالَ تَعَالَى فِي الْبِرِّ (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكفون في المساجد) وَسَمَّى الِاعْتِكَافَ الشَّرْعِيَّ اعْتِكَافًا لِمُلَازِمَةِ الْمَسْجِدِ يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مشهورتان عكفا وعكوفا أي اقام علي الشئ وَلَازَمَهُ وَعَكَفْتُهُ أَعْكِفُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ عَكْفًا لَا غَيْرُ قَالُوا فَلَفْظُ عَكَفَ يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَمَا ذَكَرْنَا كَرَجَعَ وَرَجَعْتُهُ وَنَقَصَ وَنَقَصْتُهُ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي سَبَقَ قريبا في فِي أَحَادِيثِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُهَا وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاعْتِكَافُ فِي الشَّرْعِ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شخص مخصوص بنية *

* قال المصنف رحمه الله * {الاعتكاف سنة لما روى أبى ابن كعب وعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان " يعتكف العشر الاواخر من رمضان " وفى حديث عائشة " لم يزل يعتكف حتى مات " ويجب بالنذر لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه "} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بزيادته المذكورة وحديث أبى ابن كَعْبٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٍ فَقَطْ وَثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَآخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَأَمَّا) حديث عائشة " من نذر ان يطع اللَّهَ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (أَمَّا) الْحُكْمُ فَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ وَيُسْتَحَبُّ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ هُنَا وَفِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِرَجَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اعتكاف الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ منه لكيلا يفوته شئ منه ويخرج بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ العيد ان صلوها في المصلى * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يصح إلا من مسلم عاقل طاهر فأما الكافر فلا يصح منه لانه من فروع الايمان ولا يصح من الكافر كالصوم وأما من زال عقله كالمجنون والمبرسم فلا يصح منه لانه ليس من أهل العبادات فلا يصح منه الاعتكاف

كالكافر} * {الشَّرْحُ} شُرُوطُ الْمُعْتَكِفِ ثَلَاثَةٌ (الْإِسْلَامُ) (وَالْعَقْلُ) (وَالنَّقَاءُ) عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ وَلَا اعْتِكَافُ زَائِلِ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُكْرٍ وَلَا مُبَرْسَمٍ وَلَا صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ لَهُمْ وَشَرْطُ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ حَائِضٍ وَلَا نُفَسَاءَ وَلَا جُنُبٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّ مُكْثَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ أَوْ الرِّدَّةُ أَوْ الْجَنَابَةُ فِي أَثْنَاءِ الِاعْتِكَافِ فَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ كَمَا يَصِحُّ صِيَامُهُمْ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ اذن الزوج والسيد فَلَوْ خَالَفَا صَحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * {ولا يجوز للمرأة ان تعتكف بغير اذن الزوج لان استمتاعها ملك للزوج فلا يجوز ابطاله عليه بغير اذنه ولا يجوز للعبد ان يعتكف بغير اذن مولاه لان منفعته للمولي فلا يجوز ابطالها عليه بغير اذنه فان نذرت المرأة الاعتكاف باذن الزوج أو نذر العبد الاعتكاف باذن مولاه نظرت فان كان غير متعلق بزمان بعينه لم يجز أن يدخل فيه بغير اذنه لان الاعتكاف ليس علي الفور وحق الزوج والمولي علي الفور فقدم علي الاعتكاف وان كان النذر متعلقا بزمان بعينه جاز ان يدخل فيه بغير اذنه لانه تعين عليه فعله باذنه وان اعتكفت المرأة باذن زوجها أو العبد باذن مولاه نظرت فان كان في تطوع جاز له ان يخرجه منه لانه لا يلزمه بالدخول فجاز اخراجه منه وان كان في فرض متعلق بزمان بعينه لم يجز اخراجه منه لانه تعين عليه فعله في وقته فلا يجوز اخراجه منه وان كان في فرض غير متعلق بزمان بعينه ففيه وجهان (احدهما) لا يجوز اخراجه منه لانه وجب ذنه ودخل فيه باذنه فلم يجز اخراجه منه (والثانى) ان كان متتابعا لم يجز اخراجه منه لانه لا يجوز له الخروج فلا يجوز اخراجه منه كالمنذور في زمن بعينه وان كان غير متتابع جاز اخراجه منه لانه يجوز له الخروج منه فجاز اخراجه منه كالتطوع (وأما) المكاتب فانه يجوز له ان يعتكف بغير اذن المولى لانه لا حق للمولي في منفعته فجاز ان يعتكف بغير اذنه كالحر ومن نصفه حر ونصفه عبد ينظر فيه فان لم يكن بينه وبين المولي مهايأة فهو كالعبد وان كان

بينهما مهايأة فهو في اليوم الذى هو للمولى كالعبد لان حق السيد متعلق بمنفعته وفى اليوم الذى هو له كالمكاتب لان حق المولي يتعلق بمنفعته} * {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ انه يَصِحَّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ اعْتِكَافُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ اعْتَكَفَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا كَانَ لَهُمَا اخراجهما منه بلا خلاف وان نذرا الاعتكاف باذن الزوج والمولى فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ جَازَ لَهُمَا الدُّخُولُ فِيهِ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ دخولهما فيه بغير اذن لما ذكر الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) إذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا أَذِنَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنَا جَازَ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ إنْ أَذِنَا فِيهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الزَّوْجِ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ دَخَلَا فِي اعْتِكَافٍ منذور فان نذراه بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَلَهُمَا الْمَنْعُ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهِ فَإِنْ شَرَعَا فَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ فَإِنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ وَكَانَ الزَّمَانُ مُتَعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ وَلَكِنْ شَرَطَا التَّتَابُعَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا لِأَنَّ الْمُتَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهُ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ وَالزَّمَانُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا شَرَطَا التَّتَابُعَ فَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دليلهما

هذا كله إذا نذرا بغير اذن الزوج والسيد فان نذرا بِإِذْنِهِمَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُمَا الشُّرُوعُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا شَرَعَا فِيهِ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ إذَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَفِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ هَذَا الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ وَالْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْأَمَةُ الْقِنَّةُ (الثَّالِثَةُ) الْمُكَاتَبُ لَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْجِزُ نَفْسَهُ فَتَعُودُ مَنَافِعُهُ وَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَبَعْضُهُ حُرٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ مُهَايَأَةٌ فَهُوَ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَإِنْ كَانَ مُهَايَأَةٌ فَهُوَ فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَالْمُهَايَأَةُ بِالْهَمْزِ فِي آخرها وهى المناوبة وقول المصنف لانه لَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الْإِخْرَاجُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ بِالشُّرُوعِ وَكَذَا الْجُمُعَةُ فِي حَقِّهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ * {فَرْعٌ} لَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافًا فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَبَاعَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ مِلْكِهِ لَكِنْ إنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ في فسخ البيع * * قال المصنف رحمه الله * {ولا يصح الاعتكاف من الرجل الا في المسجد لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فدل علي انه لا يجوز الا في المسجد ولا يصح من المرأة الا في المسجد لان من صح اعتكافه في

المسجد لم يصح اعتكافه في غيره كالرجل والافضل ان يعتكف في المسجد الجامع لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ في المسجد الجامع ولان الجماعة في صلواته اكثر ولانه يخرج من الخلاف فان الزهري قال لا يجوز في غيره وان نذر ان يعتكف في مسجد غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ المدينة والمسجد الاقصي جاز ان يعتكف في غيره لانه لا مزية لبعضها على بعض فلم تتعين وان نذر أن يعتكف من المسجد الحرام لزمه ان يعتكف فيه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنِّي نذرت ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال اوف بنذرك " ولانه افضل من سائر المساجد فلا يجوز ان يسقط فرضه بما دونه وان نذر ان يعتكف في مسجد المدينة أو المسجد الاقصي ففيه قولان (احدهما) يلزمه ان يعتكف فيه لانه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فتعين بالنذر كالمسجد الحرام (والثاني) لا يتعين لانه مسجد لا بجب قصده بالشرع فلم يتعين بالنذر كسائر المساجد} *

{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسُمِّيَ الْجَامِعَ لِجَمْعِهِ النَّاسَ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَالزُّهْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيُّ الزهري المدنى التابعي الامام في فنون وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ اسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ فَإِنَّهُ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّذْرَ الْجَارِي فِي الْكُفْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصحيح * وفى الفصل مسائل (احدها) لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ فِي مسجد بيت المزأة وَلَا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ هَذَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بيتها وقد انكر القاضى أبو الطبيب في تعليقه وجماعة هذا القول وقالوا لا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطُوا مَنْ نَقَلَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الخراسانين أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ إنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَفِي صِحَّةِ اعْتِكَافِ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ كُرِهَ خُرُوجُهَا إلَى الْجَمَاعَةِ كُرِهَ خُرُوجُهَا لِلِاعْتِكَافِ وَمَنْ لَا فَلَا (الثَّانِيَةُ) يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَأَوْمَأَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إلَى اشْتِرَاطِ الْجَامِعِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَرَحْبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا مِنْهُ (الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ

بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ فِي تَعْيِينِهِ قَوْلَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الخراسانيين في تعينه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلِاعْتِكَافِ كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلصَّلَاةِ لَوْ نَذَرَهَا فِيهِ (والثانى) يَتَعَيَّنُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ حَقِيقَةً الِانْكِفَافَ فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ وَالتَّقَلُّبُ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ انْكِفَافٌ عَنْ أَشْيَاءَ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ فَنِسْبَةُ الِاعْتِكَافِ إلَى الْمَكَانِ كَنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَى الزَّمَانِ وَلَوْ عَيَّنَ النَّاذِرُ يَوْمًا لِصَوْمِهِ تَعَيَّنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَلْيَتَعَيَّنْ الْمَسْجِدُ بِالتَّعَيُّنِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلِاعْتِكَافِ مَسْجِدٌ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا عَيَّنَهُ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ فيهما بأن النذر مردود إلى أصل الشرع وقد وجب الصَّوْمُ بِالشَّرْعِ فِي زَمَنٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُهُ فِي غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ صَوْمُ رمضان كذا فِي النَّذْرِ (وَأَمَّا) الِاعْتِكَافُ فَلَمْ يَجِبْ مِنْهُ شئ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا ذَلِكَ الْمَسْجِدُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِلصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهُ لِلِاعْتِكَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ عَيَّنَ يَوْمًا لِلصَّوْمِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْهَبِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي تَعَيُّنِهِ طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) لَا وَإِنْ عين مسجد

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) لَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّعَيُّنِ فَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ قَطْعًا وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَا يَلْتَحِقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا في الفضيلة وان عين االمسجد الْأَقْصَى لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِيَنْتَقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَكِنْ لَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ فِي خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ علي مثل تلك السافة فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَطْوَلَ بَطَلَ الِاعْتِكَافُ * {فَرْعٌ} لَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ فَفِي تَعَيُّنِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ وَلَا التَّأْخِيرُ فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَجْزِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ وَكَانَ قَضَاءً (وَالثَّانِي) لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَعَيُّنِ زَمَنِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

{فرع} في مذاهب العلماء في مسجد الِاعْتِكَافِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الْمَسْجِدِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وبه قال مالك وداود وحكى ابن المذر عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ وَحَكَى هو وغيره عن حذيفة ابن الْيَمَانِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ لَا يَصِحُّ إلَّا في الجامع * وقال أبو حنيفة وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا وَتُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ * وَاحْتَجَّ لهم بحديث عن جوبير عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصْلُحُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ حُذَيْفَةَ قُلْتُ وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَهَذَا الْحَدِيثُ مرسل ضعيف فلا يُحْتَجُّ بِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ لِاشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَخُصَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاشَرَةِ بِالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلِاعْتِكَافِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي الْمَسَاجِدِ صَحَّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُ مَنْ خَصَّهُ بِبَعْضِهَا إلَّا بدليل ولم يصح في التخصيص شىء صريح *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عندنا علي الصحيح وبه قال ملك وأحمد وداود * وقال أبو حنيفة يصح * * قال المصنف رحمه الله * {وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي شَهْرِ رضمان " فَإِنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ جَازَ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ " وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمْ يَصِحَّ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا بِصَوْمٍ فَاعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُجْزِئُهُ الِاعْتِكَافُ عَنْ النَّذْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ تَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عن الاخرى فلم يلزم بَيْنَهُمَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ

فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ صِفَةً مَقْصُودَةً فِي الآخر} * {الشَّرْحُ} أَمَّا اعْتِكَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَصَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَوْفِ بِنَذْرِكَ اعْتَكِفْ لَيْلَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " قال يارسول اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا قَالَ اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا " (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا وَيَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَبِاللَّيْلِ وَفِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ وَهِيَ الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا فِي اللَّيْلِ الْمُجَرَّدِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ بِاللَّيْلِ لَا تَبَعًا وَلَا مُنْفَرِدًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِصَوْمٍ مِنْ أَجْلِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مُسْتَحَقًّا شَرْعًا مَقْصُودًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَسَنَبْسُطُ أَدِلَّتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَنَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ صَائِمٌ أَوْ أَيَّامًا هُوَ فِيهَا صَائِمٌ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ الصَّوْمِ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَلَا عَكْسُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَلَوْ اعْتَكَفَ هَذَا النَّاذِرُ فِي رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَكَذَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ إفْرَادُهُمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ وَهُوَ قول

جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنَّفِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِيهِ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةٍ صَائِمًا فَجَامَعَ لَيْلًا فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَأْنِفُهُمَا (وَالثَّانِي) يَسْتَأْنِفُ الصوم دون الاعتكاف لان الصوم لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُمَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ لَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الِاعْتِكَافِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ كَعَكْسِهِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ لُزُومُ الْجَمْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَرَى لِمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهًا بَلْ يَجْرِي الْوَجْهَانِ سَوَاءٌ نَذَرَ الصَّوْمَ مُعْتَكِفًا أَوْ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أَوْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ وَفِي لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ لَهُ التَّفْرِيقُ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ مُتَقَارِبَانِ فِي أَنَّ كُلًّا منهما كف بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ فَلَمْ يُشْتَرَطْ جَمْعُهُمَا فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ لَوْ أَفْرَدَ الصَّلَاةَ بِالنَّذْرِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَرَكْعَةٌ فِي الْآخَرِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْجَمْعَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي يَوْمِ اعْتِكَافِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِيعَابُ الْيَوْمِ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ رَكْعَةٌ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قال الرافعي ولك ان تقول ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنْ تَرَكْنَا الظَّاهِرَ فَلِمَاذَا يُعْتَبَرُ تَكْرِيرُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ كل يوم وهلا اكتفى به مرة وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ وَوَافَقَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَهُوَ أَفْضَلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا فِي قِيَاسِهِ إلَى وُجُوبِ جَمْعِهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَوْجِيهِ أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهَذَا الذي قاله

شَاذٌّ مَرْدُودٌ بَلْ غَلَطٌ لَا يُعَدُّ خِلَافًا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا فِي كِتَابِ النَّذْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مُعَيَّنَةً لَزِمَهُ الصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَفِي لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجَوَازِ التَّفْرِيقِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَتَابَعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ * {فَرْعٌ} لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ آخَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يلتزم الصَّوْمُ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْصُلُ الصَّوْمُ لَوْ اعْتَكَفَ في رمضان اتفافا * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ ابْنُ عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وإسحق فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِصَوْمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ * وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعْتَكَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ صياما في رممضان " وَبِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حسين قلت وسويد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اعْتِكَافٍ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ بديل وهو ضعيف وفي رواة قَالَ " اعْتَكِفْ وَصُمْ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ " وَقَالَ عَشْرَةٌ مِنْ شَوَّالٍ " وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُوَلُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّهُ نذر

أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَوْفِ بِنَذْرِكَ اعْتَكِفْ لَيْلَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا " وَهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ وَلَا الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ وَسَأَلَهُ عَنْ اعْتِكَافِ يَوْمٍ فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ فَيَحْصُلُ مِنْهُ صِحَّةُ اعْتِكَافِ اللَّيْلَةِ وَحْدَهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ " نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَبِحَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رفعه هذا الشيخ وغيره لا يرفعه يعنى أبا بكر محمد بن اسحق السُّوسِيَّ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي يَرْوِيهِ بَعْضُ الثِّقَاتِ مَرْفُوعًا وَبَعْضُهُ مَوْقُوفًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَحُذَّاقُ الْمُحَدِّثِينَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي رَمَضَانَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ فِي شَوَّالٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحِقٌّ لِغَيْرِ الِاعْتِكَافِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ " لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ " فَمِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَالثَّانِي) لَوْ ثَبَتَ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْأَكْمَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بديل فمن هذين الوجهين * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَيَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي العشر الاخير مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا شَاءَ مِنْ سَاعَةٍ وَيَوْمٍ وَشَهْرٍ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وكثير وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ مَا يَقَعُ عليه الاسم

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ أَقَلَّ من يوم} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُبَيِّ وَعَائِشَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْمُهُ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَفِيهَا وُلِدَ الشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَفِي يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ كَمَا سَبَقَ دَلِيلُهُ وَبَيَانُهُ وَأَفْضَلُهُ مَا كَانَ بصوم وَأَفْضَلُهُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَفْضَلُهُ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ اعْتِكَافُهُ عَنْ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ الِاعْتِكَافَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ (وَأَمَّا) أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي مَا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا بل لابد مِنْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِمَا يُسَمَّى عُكُوفًا وَإِقَامَةً (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَالْمُرُورِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ أَصْلًا كَمَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَالْمُرُورِ بِعَرَفَاتٍ فِي الْوُقُوفِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحْصُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْمُرُورِ حتي لو دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ بَابٍ وَنَوَى فَقَدْ حَصَلَ الِاعْتِكَافُ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُرُورِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ انه لا يصح إلا يوما أَوْ مَا يَدْنُو مِنْ يَوْمٍ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ

مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَادَةِ أَنْ تُخَالِفَ الْعِبَادَةَ وَعَادَةُ النَّاسِ القعود في المسجد السَّاعَةَ وَالسَّاعَاتِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ اعْتِكَافًا فَشَرَطَ زِيَادَةً عَلَيْهِ لِتَتَمَيَّزَ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ أَكْثَرِ النَّهَارِ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفِي صِحَّتِهِ بِنِيَّةٍ بَعْدَهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ إنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِشَرْطِ لُبْثٍ وَإِنْ قَلَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ لُبْثٌ يَزِيدُ. عَلَى طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَكُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَفْضَلَ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ عُمْرِ الْإِنْسَانِ جَمِيعِهِ وَيَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِ الْعُمْرِ وَسَنُفْرِدُهُ بِمَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَلَوْ نَذَرَ اعتكاف سَاعَةً صَحَّ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ عَنْ نَذْرِهِ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ سَاعَةً وَيَخْرُجُ سَاعَةً وَكُلَّمَا دَخَلَ نَوَى الِاعْتِكَافَ صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهًا ضَعِيفًا وكأنه راجع إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهَا بِكَمَالِهَا فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ إكْمَالِهَا جَازَ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ وَلَمْ يَقْدِرْ شَيْئًا دَامَ اعْتِكَافُهُ مادام في المسجد *

{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الِاعْتِكَافِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ وَلَوْ لَحْظَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ بِكَمَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ * دَلِيلُنَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَمْ يحده الشرع بشئ يَخُصُّهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ (وَأَمَّا) الصَّوْمُ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ في اشتراط الصوم شئ صريح * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ دَخَلَ فِيهِ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَسْتَوْفِيَ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ كَمَا يَغْسِلُ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ لِيَسْتَوْفِيَ غَسْلَ الْوَجْهِ بِيَقِينٍ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِهِلَالِ شَوَّالٍ تَامًّا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ نَاقِصًا لِأَنَّ الْعَشَرَةَ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِهِ وَكَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا اعْتَكَفَ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا آخَرَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ عِبَارَةٌ عَنْ عَشَرَةِ آحَادٍ بخلاف العشرة} * {الشَّرْحُ} هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ ذَكَرَهُمَا أَصْحَابُنَا كَمَا قَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ فِي مُعْتَكَفِهِ بَعْدَ هِلَالِ شَوَّالٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى إنْ صَلَّوْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ نَاقِصًا اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ يَعْنِي يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ويستحب في الثانية أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا

قَبْلَ الْعَشْرِ لِاحْتِمَالِ نَقْصِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ دَاخِلًا فِي نَذْرِهِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْعَشْرِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَوْ فَعَلَ هَذَا ثُمَّ بَانَ نَقْصُهُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ غَلَطًا فَبَانَ مُحْدِثًا هَلْ يصح وضوؤه وَالْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مَتَى يَدْخُلُ فِي اعْتِكَافِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فِي لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَيَخْرُجَ عَنْ نَذْرِهِ بِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ تَمَّ أَوْ نَقَصَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابه وقال الاوزاعي وإسحق وأبو ثور يجزئه الدخول طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَلَا يَلْزَمُهُ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَشْرَ اسْمٌ لليالي مع الايام وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا نَظَرْت فَإِنْ كَانَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا سَوَاءٌ كَانَ الشهر تاما أو ناقصا لان الشهر عبارة عما بين الهلالين تَمَّ أَوْ نَقَصَ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ نَهَارِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ خَصَّ النَّهَارَ فَلَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ فَإِنْ فَاتَهُ الشَّهْرُ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِي أَدَائِهِ بِحُكْمِ الْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَ كَالتَّتَابُعِ فِي يَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا لِأَنَّ التَّتَابُعَ هَهُنَا وَجَبَ لِحُكْمِ النَّذْرِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَكَانَ قَدْ مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرٍ مَاضٍ مُحَالٌ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَاعْتَكَفَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ لِأَنَّ اسْمَ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَإِنْ اعْتَكَفَ شَهْرًا بِالْعَدَدِ لَزِمَهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ بِالْعَدَدِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ نَذَرَ نذر اسماه فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ " وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّقًا جَازَ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِأَنَّ الْمُتَتَابِعَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَفَرِّقِ فَجَازَ أَنْ يُسْقِطَ أَدْنَى الْفَرْضَيْنِ بِأَفْضَلِهِمَا كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنْ أَطْلَقَ النَّذْرَ جَازَ مُتَفَرِّقًا ومتتابعا كما لو نذر صوم شهر} *

{الشرح} هذا الحديث رواه (1) أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَطْلَقَ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا تَامًّا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ نَاقِصًا وَيُجْزِئُهُ النَّاقِصُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قَالَ أَيَّامَ الشَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ اللَّيَالِي أَوْ يَقُولُ اللَّيَالِيَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ فَلَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي أَوْ عَكْسِهِ وَلَكِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا باللفظ (والثانى) يكون كاللفظ لان النية تميز الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ كَمَا لَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَرَادَ الْأَيَّامَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَيَّامُ خَاصَّةً بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا بِلِسَانِهِ وَنَوَى بِقَلْبِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ أَمْ يَكْفِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ فَاتَهُ الِاعْتِكَافُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا وَشَرَطَ التَّتَابُعَ بِأَنْ قَالَ نَذَرْتُ اعْتِكَافَ هَذَا الشَّهْرِ مُتَتَابِعًا أَوْ هذه الايام العشرة متتابعا فَفَاتَهُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَتَابِعًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجِبُ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ فِيهِ ضَرُورَةً فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ أَمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَضَى بِأَنْ قَالَ أَعْتَكِفُ شَهْرَ رَمَضَانَ سَنَةً سَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَهُوَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِفَسَادِ نَذْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ أَمَّا إذَا نَوَى اعْتِكَافَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ شهر بالهلال تَمَّ أَوْ نَقَصَ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْهِلَالِ فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَدْ صَارَ شَهْرُهُ عَدَدِيًّا فَيَلْزَمُهُ اسْتِكْمَالُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَرَطَ التَّفْرِيقَ جَازَ مُتَفَرِّقًا وَهَلْ يَجُوزُ مُتَتَابِعًا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا سَمَّاهُ وَإِنْ لَمْ يشرط التَّتَابُعَ وَلَا التَّفْرِيقَ فَيَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ

_ (1) بياض بالاصل فحرر

التَّتَابُعُ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَفَاتَهُ وَخَرَجَ الشَّهْرُ نَاقِصًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الْعَشْرَ الَّذِي الْتَزَمَهُ إنَّمَا كَانَ تِسْعَةً بِلَيَالِيِهَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وغيره وهو ظاهر * قال المصنف رحمه الله * {وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجَ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَسْتَوْفِيَ الْفَرْضَ بِيَقِينٍ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي سَاعَاتِ أَيَّامٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا مِنْ شُهُورٍ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْيَوْمَ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشمس} * {الشرح} قال أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَهُ لَيْلُهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجَ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الدُّخُولُ قبل الفجر والمكث إلى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ إمْسَاكُ جُزْءٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِاسْتِكْمَالِ الْيَوْمِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ الْيَوْمَ فِي سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ بِأَنْ يَعْتَكِفَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ سَاعَاتٍ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْيَوْمَ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ القيصري من أصحابنا انه ان نَوَى الْيَوْمَ مُتَتَابِعًا لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَطْلَقَ أَجْزَأَهُ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَكَثَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَفِي إجْزَائِهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِاللَّيْلِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَوْ هُوَ نَصُّهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ فِي سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ أَمْ لَا لِحُصُولِ التَّوَاصُلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ كَمَا لَوْ خَرَجَ فِي اللَّيْلِ وبهذا الطريق قال أبو اسحق المروزى حكاه عَنْهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِيَوْمٍ مُتَوَاصِلِ السَّاعَاتِ وَاعْتِكَافُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي نَذْرِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ عَادَ فَسَوَاءٌ مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ فَبِمُجَرَّدِ حُصُولِ اللَّيْلِ حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قاله أبو اسحق

مُنْقَاسٌ مُتَّجِهٌ وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى خلافه قال وعرض علي ابى إسحق نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ مَعَ مَصِيرِهِ إلَى أَنَّ تَفْرِيقَ سَاعَاتِ الْيَوْمِ لَا يُجْزِئُ فَقَالَ نَصُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ إلَّا الصَّبْرَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْمُعْتَكَفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِاللَّيْلِ بَلْ يَجِبُ مُكْثُهُ لِتَحَقُّقِ التَّوَاصُلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمٌ وَلَيْسَتْ اللَّيْلَةُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ التَّتَابُعُ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُجْعَلَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَطْعَ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ ثُمَّ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَاعَاتُ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَكَفَ أَقْصَرَ الْأَيَّامِ جَازَ ثُمَّ قَالَ إنْ فَرَّقَ عَلَى سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ فِي سِنِينَ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ اعْتَكَفَ فِي أَيَّامٍ مُتَبَايِنَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالْجُزْئِيَّةِ إنْ كَانَ ثُلُثًا فَقَدْ خَرَجَ عَنْ ثُلُثِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ نَظَرًا إلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ وَلِهَذَا لَوْ اعْتَكَفَ مِنْ يَوْمٍ طَوِيلٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ لَمْ يَكْفِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ المتولي وغيره ولو نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى اعْتِكَافِ اليوم على سَبَقَ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيَمْكُثُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَلَوْ أَرَادَ تَفْرِيقًا مِنْ سَاعَاتِ لَيَالِيَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَفْرِيقِ سَاعَاتِ الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامٍ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَبَقِيَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلَةِ الْأُخْرَى فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَقَالَ أبو اسحق فِيهِ الْوَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَاعْتَكَفَ بَدَلَهُ لَيْلَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ الزَّمَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُلْتَزَمَةِ فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِالنَّهَارِ فَصَلَّاهُمَا بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ الزَّمَانَ فِي نَذْرِهِ فَفَاتَ فَاعْتَكَفَ بَدَلَ الْيَوْمِ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ فَاتَهُ صَلَاةُ نَهَارٍ إمَّا مَكْتُوبَةٌ أَوْ مَنْذُورَةٌ فَقَضَاهَا فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَسَبَبُهُ أَنَّ اللَّيْلَ صَالِحٌ لِلِاعْتِكَافِ كَالنَّهَارِ وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ فَوَجَبَ قَضَاءُ الْقَدْرِ الْفَائِتِ فأما الوقت فيسقط حكمه بالفوات *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ لَيْلٌ يَتَخَلَّلُ نَهَارَ الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا كَاللَّيَالِيِ الْعَشْرِ (وَالثَّانِي) إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْهَا الْيَوْمَانِ وَإِنْ لَمْ يشرط التَّتَابُعَ لَمْ يَلْزَمْهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ مِنْهَا الْيَوْمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا (وَالثَّالِثُ) لَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا شَرَطَ فِيهِ التَّتَابُعَ أَمْ أَطْلَقَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَا يَتَنَاوَلُهُ نَذْرُهُ فلا يلزمه يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ كَلَيْلَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَزِمَهُ اعْتِكَافُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وفى لياليها الاوجه الثلاثة} * {الشرح} قال أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَهُ لَيْلَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ فَقَالَ قَالَ أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضَمُّ اللَّيْلَةِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا قَالَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَاهَا لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا مَعَ الْيَوْمِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّيْلَةَ لَمْ يَذْكُرُهَا وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا يَلْزَمُ بِهَا النَّذْرُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ وَهَذَا شَائِعٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ فَعَمِلَتْ النِّيَّةُ فِيهِ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ اللَّيْلَةَ تَلْزَمُ فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْيَوْمِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ دَخَلَتْ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَرَحْنَاهُ قَبْلُ هَذَا لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الْيَوْمَانِ وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمَرَاوِزَةِ أَنَّهُمْ قَطَعُوا بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرَاوِزَةُ الْخِلَافَ فِي اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالتَّتَابُعِ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوْ نَوَاهُ لَزِمَتْهُ الليل الْمُتَخَلِّلَةُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) طريقه المصنف وَقَلِيلِينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيَاضَ

النهار فقط (والثاني) لا تلزمه الا إذَا نَوَاهَا (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى التَّتَابُعَ أَوْ صَرَّحَ بِهِ لَزِمَتْهُ اللَّيْلَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَآخَرُونَ أَنَّهَا لا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّتَابُعِ تَوَالِيَ الْيَوْمَيْنِ فَالصَّوَابُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَوَاصُلَ الاعتكاف فالصواب ما قاله الاكثرون هذا الَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِهِ فَقَالَ إذا نوى اعتكاف يومين متتابعا لَزِمَتْهُ اللَّيْلَةُ مَعَهُمَا وَإِنْ نَوَى الْمُتَابَعَةَ فِي النَّهَارِ كَالصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّيْلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَتَابُعًا فَوَجْهَانِ وَإِنْ نَذَرَ لَيَالِيَ فَإِنْ نَوَى مُتَتَابِعَةً لَزِمَتْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ نَوَى تَتَابُعَ اللَّيَالِي لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التابع فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ فَفِي النَّهَارِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا هَذَا الْخِلَافُ وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةً أَوْ ثَلَاثِينَ فَفِي وُجُوبِ اعْتِكَافِ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ هَذَا الْخِلَافُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ هَذَا وَحَكَى طَرِيقًا آخَرَ وَاخْتَارَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اللَّيَالِي هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ وَهِيَ تَنْقُصُ عَنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ بِوَاحِدٍ أَبَدًا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يلزمه ليال بِعَدَدِ الْأَيَّامِ هَكَذَا صَرَّحُوا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا صَرَّحَ بِنَفْيِ الخلاف فيه الرافعي وكان ينبغي ان يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ يَوْمًا لَزِمَتْهُ لَيْلَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ دَخَلَ فِيهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَشْرُوحَةً وَتَكُونُ اللَّيَالِي هُنَا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ كَمَا فِي الشَّهْرِ وَلَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَفِي دُخُولِ اللَّيَالِي الْخِلَافُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَحْمَدَ وَعِنْدَنَا لَا يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ وَفِي لُزُومِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْيَوْمَيْنِ تَثْنِيَةٌ لِلْيَوْمِ وَلَيْسَ فِي الْيَوْمِ لَيْلَةٌ فَكَذَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * {وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فَرْضًا لَزِمَهُ تَعْيِينُ الْفَرْضِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ فَإِنْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا)

يَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَطَعَ شَرْطَ صِحَّتِهِ فَأَشْبَهَ إذَا قَطَعَ نِيَّةَ الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِنِيَّةِ الخروج كالحج} * {الشرح} هدا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ (أَمَّا) الْحُكْمُ فلا يصح اعتكاف إلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فَرْضًا بِالنَّذْرِ لَزِمَتْهُ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ ثُمَّ إذَا نَوَى الِاعْتِكَافَ وَأَطْلَقَ كَفَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَادَ احْتَاجَ إلَى اسْتِئْنَافِ النِّيَّةِ سَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بِنِيَّةٍ منه غيرها فاشترط للدخول الثَّانِي نِيَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أُخْرَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَلَوْ عَزَمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يَقْضِيَ الْحَاجَةَ ثُمَّ يَعُودُ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فكيف يكتفى بعزيمة سابقة قلت ووجه ماقاله الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ النِّيَّةَ عِنْدَ إرَادَتِهِ الْخُرُوجَ صَارَ كَمَنْ نَوَى الْمُدَّتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ نَوَى صَلَاةَ النَّفْلِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى فِي آخِرِهَا جَعَلَهَا أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا بِلَا خِلَافٍ وَيَصِيرُ كَمَنْ نَوَى الْأَرْبَعَ فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ زَمَنًا فَإِنْ عَيَّنَهُ بان نوى اعتكاف أَوَّلَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَفِي اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ النية إذا خرج ثم عاد أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي إنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ لانه لابد منه وان خرج لغرض آخر اشتراط التَّجْدِيدُ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ (وَالثَّانِي) إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْخُرُوجِ اُشْتُرِطَ التَّجْدِيدُ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُشْتَرَطُ التَّجْدِيدُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ إنْ خَرَجَ لِأَمْرٍ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ اُشْتُرِطَ التَّجْدِيدُ وَإِنْ خَرَجَ لما لا يقطعه ولابد مِنْهُ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ لِلِاحْتِلَامِ لَمْ يُشْتَرَطْ وان كان منه بدأو طَالَ الزَّمَانُ فَفِي

اشْتِرَاطِ التَّجْدِيدِ وَجْهَانِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَيَّامًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا التَّتَابُعَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ فَأَمَّا إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ أَوْ كَانَتْ الْأَيَّامُ الْمَنْذُورَةُ مُتَوَاصِلَةً فَسَنَذْكُرُ حُكْمَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ الْمُتَتَابِعَ وَمَا لَا يَقْطَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا شَرَطَ فِي اعْتِكَافِهِ خُرُوجَهُ لِشُغْلٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ فَخَرَجَ لِذَلِكَ ثُمَّ عَادَ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا البغوي وغيره (صحهما) عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ أَمَّا إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ وَنَوَى إبْطَالَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ أَمَّا إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ وَنَوَى إبْطَالَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ لِأُرَجِّلَهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ فَقَدْ فَعَلَ مَا يُنَافِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَبَطَلَ كَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ وَرِجْلَهُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُ بِإِخْرَاجِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلِ لَا يَصِيرُ خَارِجًا وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا خَرَجْتُ مِنْ الدَّارِ وأخرج رأسه أو رجله لم يحنث} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلِيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا " هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَثَبَتَ لَفْظُ الْإِنْسَانِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا اعتكف يدني إلى رَأْسَهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي

رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كذلك في كتاب الطهارة الا أن فِي رِوَايَتِهِ " يُخْرِجُ إلَيَّ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " وَقَوْلُهَا مُجَاوِرٌ أَيْ مُعْتَكِفٌ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " وَقَوْلُهَا يُبَاشِرُنِي أَيْ بِالْيَدِ وَنَحْوِهَا وَالْمُبَاشَرَةُ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ شَرَطَ فِيهِ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ لَمْ يَبْطُلْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ رَأْسَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الِاعْتِكَافِ مَنْذُورًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْذُورِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَالتَّطَوُّعُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا الَّذِي يقطع الاعتكاف المتتابع وَيُحْوِجُ إلَى اسْتِئْنَافِ الْمَنْذُورِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) فَقْدُ بعض شروط الاعتكاف وهى الامور التى لابد مِنْهَا لِصِحَّتِهِ كَالْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ وَكَذَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شاء الله تعالي ويستثني من هذا طرآن الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْطَعَانِهِ وَإِنْ كَانَا يَمْنَعَانِ انْعِقَادَهُ أَوَّلًا (وَالثَّانِي) الْخُرُوجُ بِكُلِّ الْبَدَنِ عَنْ كُلِّ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ قُيُودٍ (الْأَوَّلُ) الْخُرُوجُ بِكُلِّ بَدَنِهِ احْتَرَزُوا بِهِ عَمَّنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا وَهُوَ قَاعِدٌ مَادُّهُمَا فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَبَقِيَ رَأْسُهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ خَارِجٌ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (الْقَيْدُ الثَّانِي) الْخُرُوجُ عَنْ كُلِّ الْمَسْجِدِ احْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ الْخُرُوجِ إلَى مَنَارَةِ الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْقَيْدُ الثَّالِثُ) الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ فَأَمَّا الْخُرُوجُ لِعُذْرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله *

{وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلِأَنَّ ذلك خروج لما لابد مِنْهُ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ سِقَايَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ نُقْصَانُ مُرُوءَةٍ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبَةِ بَيْتِ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَشَمَ وَشَقَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يُكَلَّفْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْأَبْعَدِ ولا يبطل اعتكافه لانه حروج لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَأَشْبَهَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غيره} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ لَغُسْلِ الِاحْتِلَامِ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثانية) إذا كان للمسجد سقاية لم يكلفه قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا بَلْ لَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ دَارُ صَدِيقٍ لَهُ وَأَمْكَنَهُ دُخُولُهَا لَمْ نُكَلِّفْهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ لَهُ بَيْتَانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ جَازَ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ الذَّهَابُ إلَى الْأَبْعَدِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً بُعْدًا فَاحِشًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعًا كَسِقَايَةٍ أَوْ بَيْتِ صَدِيقٍ يَأْذَنُ فِيهِ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَجَدَ وَكَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ دُخُولُ غَيْرَ دَارِهِ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إلَى غَيْرِ دَارِهِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ جُمْلَةً مَقْصُودَةً من أوقات الاعتكاف في الذهاب والمجئ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ

الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ بَعُدَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الْوَجْهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِالْأَوَّلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُزَنِيّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ بَعُدَ لَا أَعْرِفُهَا لِلشَّافِعِيِّ وَتَأَوَّلَهَا غير أبى حامد علي مااذا كان المنزل بعيدا بعدا غَيْرَ مُتَفَاحِشٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي طَرِيقَةً تُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَسِقَايَةٍ مُسْبِلَةٍ فَإِنْ كَانَ عَادَةُ مِثْلِهِ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي السِّقَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَجُزْ الذَّهَابُ إلَى مَنْزِلِهِ فَإِنْ ذَهَبَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ الْمُتَتَابِعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ عَادَةُ مِثْلِهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي السِّقَايَةِ فَوَجْهَانِ قَالَ وَهُمَا شَبِيهَانِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ هُدِّدَ بِمَا يذهب مروءته علي فعل شئ فَفَعَلَهُ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعُ بَلْ لَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ عَادَةِ مَشْيِهِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي تَكْلِيفِهِ الْمَشْيَ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ خَرَجَ فِي الثَّانِي عَنْ حَدِّ عَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِلْحَاجَةِ لِعَارِضٍ يَقْتَضِيهِ كَإِسْهَالٍ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ لَا يَضُرُّهُ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ (وَالثَّانِي) يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِنُدُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَوْقَاتُ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَجِبُ تداركها وقضاؤها في الاعتكاف المنذور لعلتين (احداهما) أَنَّ الِاعْتِكَافَ مُسْتَمِرٌّ فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا الصَّحِيحِ قَطَعَ آخَرُونَ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ فِي الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَذْهَبَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ رَاكِبًا مَعَ الْمَرْأَةِ فِي هَوْدَجٍ وَنَحْوِهِ

وَصَوَّرُوهُ أَيْضًا فِي وَقْفَةٍ لَطِيفَةٍ جِدًّا (وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُسْتَثْنًى لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ ثُمَّ عَادَ فَفِي اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأُولَى بَاقِيَةٌ حُكْمًا كَمَا لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَفْعَالِ الْحَجِّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ قُرْبَ الزَّمَانِ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّجْدِيدَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ * (فَرْعٌ) إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاسْتَنْجَى فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ تَابِعًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا) إذَا احْتَاجَ إلَى الْوُضُوءِ لِغَيْرِ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَمَنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اسْتِنْجَاءٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ الْخُرُوجُ لَهُ وَلَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ يَعْنِي أَنَّ التَّجْدِيدَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِامْتِنَاعِ الْخُرُوجِ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَلَا يُؤْثِرُ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الزَّمَانُ مَحْسُوبًا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَيَعُدُّ فِي حَالِ خُرُوجِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُعْتَكِفًا قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِضِدِّهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا وَلَكِنَّهُ زَمَنٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الِاعْتِكَافِ كَمَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ تَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ زَمَنِ الْإِجَارَةِ (وَالثَّانِي) يَكُونُ مُعْتَكِفًا تِلْكَ الْحَالَ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ في تلك الحال أو استمتع بقبلة وأنزل وَقُلْنَا بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّ مُفْسِدَ الْعِبَادَةِ إذَا لم يصادفها لا يفسدها كوطئ الصَّائِمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَأَوْضَحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّتَابُعِ وَإِنْ بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ قَالَ حَتَّى قَالَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُعْتَكِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتَدَلُّوا بِالِاعْتِدَادِ بِهَذَا الزمان

وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ وَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَقْطَعُ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي حَالِ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَهُ اعْتِكَافُهُ وَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُقَالَ لَا يَفْسُدُ وَيُعَدُّ الْجِمَاعُ الْوَاقِعُ فِيهِ كَالْجِمَاعِ الْوَاقِعِ فِي لَيَالِي الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ وَقَالَ الْقَائِلُونَ لَيْسَ الْخَارِجُ مُعْتَكِفًا وَلَكِنَّ زَمَانَ خُرُوجِهِ مُسْتَثْنًى وَكَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا أَوْقَاتَ خُرُوجِي لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَجَابُوا عَنْ الْجِمَاعِ وَحَمَلُوا كَوْنَهُ مُفْسِدًا عَلَى اشْتِغَالِ الْخَارِجِ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحَاجَتِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ لَوْ عَادَ مَرِيضًا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ الْجِمَاعُ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَى بُعْدٍ فِي تَصْوِيرِهِ لَمْ يَفْسُدْ الِاعْتِكَافُ وَهَذَا بَعِيدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فَإِنَّهُ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ وَإِنْ قَرُبَ زَمَانُهُ أَظْهَرُ تَأْثِيرًا مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إنْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِازْوِرَارِ فَلَا بَأْسَ بذلك ولو ازاو وَعَادَ الْمَرِيضَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ عَلَى وَجْهٍ كَانَ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي الْأَنَاةِ فَإِنَّ هَذَا يَقْدَحُ فِي الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ إلَى قضاء الحاجة وذكر الْأَصْحَابُ أَنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَوْ أَكَلَ لُقَمًا فَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَجِدْ كُلَّ مَقْصُودِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ طُولُ زَمَانٍ مُعْتَبَرٍ وَالْجِمَاعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُؤَثِّرٌ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ تَكَلَّفَ تَصْوِيرَهُ فَرَضَهُ فِي جَرَيَانِهِ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِالذَّهَابِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ * (فَرْعٌ) لَوْ جَامَعَ الْخَارِجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي مُرُورِهِ بِأَنْ كَانَ فِي هَوْدَجٍ أَوْ جَامَعَ فِي وَقْفَةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَأَنْزَلَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يُؤَثِّرُ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَهُمَا آخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُنَافَاةً لِلِاعْتِكَافِ مِمَّنْ أَطَالَ الْوُقُوفَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ زَمَنًا وَلَيْسَ هو في هذه الحالة معكتفا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * {وَيَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَيْتِ لِلْأَكْلِ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يأكل في المسجد فلا حاجة له وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي الْمَسْجِدِ ينقص المروءة فلم يلزمه} *

{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى مَنْزِلِهِ لِلْأَكْلِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ بِظَاهِرِ النَّصِّ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْأَكْلِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَلَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ أَكَلَ لُقَمًا إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ مُخْتَارًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَا يُقِيمُ لِلْأَكْلِ وَجَعَلَاهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَخَالَفَهُمَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْأَكْلِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقَامَةُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِي مُرُورِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الْخُرُوجُ لِشُرْبِ الْمَاءِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ عَطِشَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلشُّرْبِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَيْتِ لِلشُّرْبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ تَبَذُّلًا بِخِلَافِ الشُّرْبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ اسْتِطْعَامَ الطعام مكروه واستسقاء الماء غير مكروه * * قال المصنف رحمه الله * {وَفِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَنَارَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ لِيُؤَذِّنَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ وَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ فَصَارَتْ كَالْمَنَارَةِ الَّتِي فِي رَحْبَةِ الْجَامِعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَشْبَهَتْ غير المنارة وقال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ مِمَّنْ يَأْلَفُ النَّاسَ صَوْتُهُ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لان الحاجة تدعو إلَيْهِ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَأْلَفُوا صَوْتَهُ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لانه لا حاجة إليه} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا أَنْ يصعد المنارة وإن كانت خَارِجًا هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمَنَارَةِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ أَوْ يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَلَا يَضُرُّ الْمُعْتَكِفَ صُعُودُهَا سَوَاءٌ صَعِدَهَا لِلْأَذَانِ أَوْ غَيْرِهِ كَسَطْحِ الْمَسْجِدِ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَارَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ أَوْ بَابُهَا مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ فلا يبطل

الِاعْتِكَافُ بِصُعُودِهَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ صَعِدَهَا الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ لَوْ كَانَتْ الْمَنَارَةُ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلَةً بِهِ وَبَابُهَا لَاطٌّ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ صُعُودَهَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَإِنْ كَانَتْ لاتعد مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حَرِيمَ الْمَسْجِدِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَلَكِنَّ النَّصَّ قَاطِعٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا مَعَ الِاحْتِمَالِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْخَارِجَ إلَيْهَا خَارِجٌ إلَى بُقْعَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلِاعْتِكَافِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاخْتَصَرَهُ الرافعى فقال وأبدى امام الحرمين احمالا فِي الْخَارِجَةِ عَنْ سَمْتِهِ قَالَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُنَازِعُهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي فَرْعٍ بَعْدَ هَذَا التَّصْرِيحِ بِخِلَافِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ إمام الحرمين رحمه الله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا رَحَبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بَلْ تَكُونُ مُنْفَصِلَةً عَنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُؤَذِّنِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) لَا يَبْطُلُ فِي الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ فِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا وَهَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ لَكِنْ يُتَأَوَّلُ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ رَاتِبًا وَهَكَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ فَإِنَّهُمَا قَالَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ وَالرَّحْبَةِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ صُعُودَهَا لِلْأَذَانِ وَلَا يَضُرُّهُ فِي اعْتِكَافِهِ قَالَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَمَنْ مَنَعَهُ تَأَوُّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ فِي الرَّحْبَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِصُعُودِ الْمَنَارَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَخَذَ بِظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ يَبْطُلُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الَّتِي فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجًا لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَةِ لَا يَعُدُّونَ الرَّحْبَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى الرَّاتِبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَنَارَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَبْنِيَّةٌ لَهُ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا

بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ الرَّاتِبُ وَغَيْرُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هو الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَنَارَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهِيَ مُلْصَقَةٌ بِحَرِيمِهِ قَالَ وَلَمْ يشرط الْجُمْهُورُ فِي صُورَةِ الْخِلَافِ سِوَى كَوْنِ بَابِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَالَ وَزَادَ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ فِي رَحَبَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ بَيْنَهَا وبينه طريق فهذا الذى ذكره الرافعي لا يخالف ما نقلته عن اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْرِطُوا مَا شَرَطَهُ الْغَزَالِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في المجرد قال قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَنَارَةِ قُلْتُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنَارَةٍ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهَا إلَيْهَا كَمَا سَبَقَ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنَارَةَ الَّتِي فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ وَغَيْرِهِ صُعُودُهَا وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ حَقِيقَةِ هَذِهِ الرَّحْبَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ الْمُرَادُ بِالرَّحْبَةِ مَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَسْجِدِ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ قالا والرجبة مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الرَّحْبَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ لِلْمَنَارَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ فِيهَا لِأَنَّهُ طَاعَةٌ (الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهَا فِي رحبة المسجد فالحكم فيها كالحكم لَوْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ رَحَبَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَتْ فِي رَحَبَتِهِ إلَّا أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَهَا بَابٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهَا لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ (وَالرَّابِعَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِهِ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَعِبَارَةُ شَيْخِهِ أَبِي حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ نَحْوُ هَذَا وَكَلَامُ غَيْرِهِمَا نَحْوُهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بخلاف ما استدل به إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَنَارَةِ الْمُتَّصِلُ بَابُهَا بِالْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَوَعَدْنَا بِذِكْرِ التَّصْرِيحِ بنقل خلافه والله أعلم *

{فَرْعٌ} اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ صَلَّى فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حائل يمنع الاستطارق والمشاهدة لم يضره لان الرحبة مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا سَبَقَ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ بَابُ جَامِعِ دِمَشْقَ وَهُوَ بَابُ السَّاعَاتِ فَلَوْ صَلَّى الْمَأْمُومُ تَحْتَ السَّاعَاتِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْجَامِعِ هَلْ تَصِحُّ صلاته لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَحَبَةٍ وَإِنَّمَا الرَّحْبَةُ صَحْنُ الْجَامِعِ وَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَصْفًا فِيهِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَابْنِ

الصَّبَّاغِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَأَمَّلْتُ مَا صَنَّفَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاسْتِدْلَالَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ دلالة علي المقصود والله أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ دَخَلَ الْمُؤَذِّنُ الْمُعْتَكِفُ إلَى حُجْرَةٍ مُهَيَّأَةٍ لِلسُّكْنَى بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ وَبَابُهَا إلَى الْمَسْجِدِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَا فِي الْمَنَارَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لِإِقَامَةِ شِعَارِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} الْمَنَارَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ مَنَارَةُ السِّرَاجِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا خِلَافٍ وَجَمْعُهُمَا مَنَاوِرُ وَمَنَائِرُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَالْأَصْلُ مَنَاوِرَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا مِنْ النُّورِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ مَنْ قَالَ مَنَاوِرُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ مِنْ النُّورِ وَمَنْ قَالَ مَنَائِرَ بِالْهَمْزِ فَقَدْ شَبَّهَ الْأَصْلِيَّ بِالزَّائِدِ كَمَا قَالُوا مَصَائِبُ وَأَصْلُهُ مَصَاوِبُ وَالْمَنَارَةُ مُفْعَلَةٌ مِنْ الِاسْتِنَارَةِ وَقَالَ صاحب الحكم جَمْعُهَا مَنَاوِرُ عَلَى الْقِيَاسِ وَمَنَائِرُ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ قَالَ ثَعْلَبٌ مَنْ هَمَزَ شَبَّهَ الْأَصْلِيَّ بالزائد (وأما) سيبويه فيحمل ماهمز مِنْ هَذَا عَلَى الْغَلَطِ * {فَرْعٌ} رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ قال الجوزى هي بِفَتْحِ الْحَاءِ وَجَمْعُهَا رَحَبٌ وَرِحَابٌ وَرَحَبَاتٌ كَقَصَبَاتٍ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ عَرَضَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِكَافِ تَطَوُّعٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِكَافِ فَرْضٍ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ الَّتِي لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُهَا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ الي الخروج لان غيره يقوم مقامه} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِكَافٍ مَفْرُوضٍ هُوَ بِتَنْوِينِ اعْتِكَافٍ وَيَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَفْرُوضٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ الْمَرِيضَ وَلَا يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تطوع وَأَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ خَرَجَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافًا مَنْدُوبًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَغَيْرُهُ يَقُومُ مقامه

فِيهَا وَلَا يَتْرُكُ الِاعْتِكَافَ الْمُتَعَيِّنَ لِغَيْرِ مُتَعَيِّنٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْكَنَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِإِحْضَارِ الْمَيِّتِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ جَازَ الْخُرُوجُ لَهَا والا فلا حكاه الدارمي والسرخسي وغيرهما ونسبها الدَّارِمِيُّ إلَى ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِدَفْنِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ لِذَلِكَ فَيَخْرُجُ وَإِذَا رَجَعَ بَنَى وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا لَمْ نُجَوِّزْ الْخُرُوجَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَخَرَجَ لِذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَصَلَّى فِي طَرِيقِهِ عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ وَقَفَ لَهَا يَنْتَظِرُهَا أَوْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَيْهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ لَهَا وَلَا عُدُولٍ إلَيْهَا فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ وَلَمْ يَخْرُجْ لَهُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا الطَّرِيقِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَوَجْهَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ ان شاء الله تعالى إذا وقف لَهَا وَلَمْ يُطِلْ الزَّمَانَ (وَالصَّحِيحُ) فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا وجهان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وهو غلط أو كالغلط وَالْمَذْهَبُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَدْرَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَدًّا لِلْوَقْفَةِ الْيَسِيرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِكُلِّ غَرَضٍ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ وَيَأْكُلَ لُقَمًا قَدْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الخروج للاكل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ وَالِاعْتِكَافُ تَطَوُّعٌ فَخُيِّرَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ اخْتَارَ الْخُرُوجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مظطر إلَيْهِ فَإِنْ خَرَجَ لِمَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَالْأَكْلِ فَسَأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ جَازَ وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ وَقَفَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَتْ إذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ إلَّا وَهِيَ تَمْشِي وَلَا تَقِفُ " وَلِأَنَّهُ لَا يترك والاعتكاف بِالْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَبِالْوُقُوفِ يَتْرُكُ الِاعْتِكَافَ فبطل} *

{الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ " ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ اعْتِكَافَ تَطَوُّعٍ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا الْبَقَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا طَاعَتَانِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا فَاسْتَوَيَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَكَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا لَا نَذْرًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَأَمَّا) الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَى سُنَّةٍ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ إنْ خَرَجَ لِعِيَادَةِ المريض مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِذَلِكَ فِي نَذْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ وَإِذَا عَادَ بَنَى عَلَى اعْتِكَافِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ لِقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ عَادَتْ تَبْنِي وَفِيهِ وَجْهَانِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي غَرِيبٌ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا السَّرَخْسِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ الْمَرِيضِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ ثُمَّ يَعُودُ وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ مَرِيضٍ فِي الْمَسْجِدِ (أَمَّا) إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَعَادَ فِي طَرِيقِهِ مَرِيضًا فَإِنْ لَمْ يَقِفْ لِسَبَبِ الْعِيَادَةِ وَلَا عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ بِسَبَبِهَا بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى السُّؤَالِ جَازَ وَلَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ الْمُتَتَابِعُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ زَمَانًا بِسَبَبِهِ وَإِنْ وَقَفَ لِلْعِيَادَةِ وَأَطَالَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْعِيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَلَمْ يَخْرُجْ بِسَبَبِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّجُوعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي هَذَا إلَى الْعُرْفِ حَتَّى إنْ كَانَ الْمَرِيضُ فِي دَارِهِ الَّتِي يَقْصِدُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَطَرِيقُهُ فِي صَحْنِهَا وَالْمَرِيضُ فِي بَيْتٍ أَوْ حُجْرَةٍ مِنْهَا فَهُوَ قَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ آخَرَ فَهُوَ طَوِيلٌ وَلَوْ ازْوَرَّ عَنْ الطَّرِيقِ لِعِيَادَةِ

الْمَرِيضِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) يَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ وَقَفَ لِلِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَرِيضِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ هَذَا كَلَامُهُ ويجئ فِيمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْوُقُوفَ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} لَوْ خَرَجَ لِزِيَارَةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ فَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَزَارَهُ فِي طَرِيقِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ عيادة المريض فيجئ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ مِنْ اعْتِكَافِ نَذْرٍ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حنيفة واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جبير والنخعي يجوز قال ابن المنذر روى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ * وَاحْتُجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمُعْتَكِفُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هَيَّاجٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدٍ الرَّحْمَنِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ مَتْرُوكَا الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي هَذَا الْبَابِ مَجْمُوعَةً وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا قَالَتْ " إنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَهَذَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدَانِ في فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةِ الْإِسْنَادِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ليث ابن أبي سليم وعن عبد الرحمن ابن اسحق عن الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جنازة ولا يمس امرأة وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لا بد

له منه ولا اعتكف إلا بصوم ولا اعتكف إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والبيهقي وغيرهما وعبد الرحمن ابن اسحق هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ قَالَ أبو داود عن عبد الرحمن بن اسحق لَا يَقُولُ فِيهِ قَالَتْ السُّنَّةُ وَجَعَلَهُ قَوْلَ عائشة وقال الدارقطني فقال إنَّ قَوْلَهُ السُّنَّةُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الحديث فقد وهم وفال الْبَيْهَقِيُّ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْحُفَّاظِ إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ وَأَنَّ مَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فقد وهم فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {فَإِنْ حَضَرَتْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَالِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِالِاعْتِكَافِ وَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا يبطل الاعتكاف كَالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ (وَقَالَ) فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْ الْخُرُوجِ بِأَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَامِعِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي صَوْمِ الشهرين المتتابعين فخرج بصوم رمضان} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَعْتَكِفْ فِي الْجَامِعِ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا بَطَلَ خُرُوجُهُ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مُدَّةُ ذَهَابِهِ وَمُكْثِهِ فِي الْجَامِعِ وَرُجُوعُهُ فَإِذَا عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ بَنَى عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى السرخسى قولا أنه يُحْسَبُ لَهُ زَمَانُ الْخُرُوجِ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا مقصر بترك الجامع أو لا بِخِلَافِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مُتَتَابِعًا وَلَمْ يَنْقُضْ فَفِي بُطْلَانِهِ بِالْخُرُوجِ خِلَافٌ حَكَاهُ المصنف والمحملي فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَخَلَائِقُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَغَلِطَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَيْثُ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ حِكَايَتَهُ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ إنَّمَا يَحْكِيهِمَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَجْهَيْنِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ انْقِطَاعُ التَّتَابُعِ وَبُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ

وَتَعْلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ خُرُوجَهُ لِلْجُمُعَةِ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ أَقَلَّ مِنْ أُسْبُوعٍ ابْتَدَأَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ فِي أَوَّلِ مَسْجِدٍ شَاءَ وَيَخْرُجُ لِلْجُمُعَةِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَإِنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْجَامِعِ ابْتَدَأَ بِهِ مَتَى شَاءَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ وَجَبَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فِي الْجَامِعِ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَمْرَضَ وَتَسْقُطَ عَنْهُ الْجُمُعَةُ أَوْ يَتْرُكُهَا عَاصِيًا وَيَدُومُ عَلَى اعْتِكَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ مِنْ اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَقَدْ ذَكَرَ النصنف دليل المذهبين والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ شَهَادَةٍ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِأَدَائِهَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَقُدِّمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ يُنْظَرُ فِيهِ إنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا فَقَدْ رَوَى الْمُزَنِيّ أَنَّهُ قَالَ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ فِي المعتكفة تَخْرُجُ وَتَعْتَدُّ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فَنَقَلَ أَبُو العباس جواب كل واحد مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ فِيهِمَا لِأَنَّ السَّبَبَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وحمل أبو اسحق الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي الشَّهَادَةِ تَبْطُلُ وَفِي الْعِدَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَزَوَّجُ لِتَطْلُقَ فَتَعْتَدُّ وَالشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ لِيُؤَدِّيَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُحْتَاجَةٌ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ النِّكَاحُ لِلنَّفَقَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّاهِدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى التَّحَمُّلِ} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ هَذَا يصح في الشاهد والمعتدة التى زوجته بِرِضَاهَا وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُجْبَرَةِ وَهِيَ الْبِكْرُ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَكَذَا الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ وكذا الامة * (أما) حكم

الفصل فقال أصحابنا إذا خرج لاداء الشهاة لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ وَلَا الْأَدَاءُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ التَّحَمُّلُ دُونَ الْأَدَاءِ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ دُونَ التَّحَمُّلِ فَيَبْطُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وقول ابى اسحق وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ وَالتَّحَمُّلُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ يُحْضِرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا ضَعِيفٌ غَرِيبٌ هَذَا كُلُّهُ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ (فَأَمَّا) إذَا كان الاعتكاف تطوعا وطلب الشهادة فيكون كغير االمعتكف فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُتَعَيِّنَةً لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ سَوَاءٌ دُعِيَ لِأَدَائِهَا أَوْ لِحَمْلِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ إذَا عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي امْتِنَاعِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ إضْرَارٌ بِالْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَيِّنَةً بِأَنْ كَانَ لِصَاحِبِ الشَّهَادَةِ شُهُودٌ آخَرُونَ فَفِي لُزُومِ الْإِجَابَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِفَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُودِ لَهُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ طَلَبِهَا فَرْضٌ كَمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْضٌ وَلَكِنَّ الشَّهَادَةَ آكَدُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ يُخَافُ فَوْتُهُ وَالِاعْتِكَافُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا دُعِيَ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالتَّحَمُّلِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ متتابعا أم لَا لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِفَرْضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُهُ وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يكن شرط التتابع جاز الخروج لانه لَا يُبْطِلُ بِخُرُوجِهِ عِبَادَتَهُ فَيَخْرُجُ فَإِذَا عَادَ بَنَى وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِبْطَالُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ لَا يَجُوزُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا دُعِيَ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَهُنَاكَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارِمِيُّ غَيْرَ هَذَا والله أعلم *

{فَرْعٌ} إذَا شَرَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي الِاعْتِكَافِ فَوَجَبَتْ عليها عدة وفاة أو فراق فَخَرَجَتْ لِقَضَائِهَا هَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَا يَبْطُلُ حَتَّى إذَا نَذَرَتْ مُتَتَابِعًا أكملت العدة ثم عادت إلى الْمَسْجِدَ وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى (وَالثَّانِي) فِي بطلانه قولان (المنصوص) لا يبطل (والثاني) خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْعِدَّةِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَشَرَعَتْ فِيهِ فَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ لَزِمَهَا الْعَوْدُ إلَى مَسْكَنِهَا لِلِاعْتِدَادِ فَإِذَا خَرَجَتْ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهَا الطَّرِيقَانِ قَالَ فَأَمَّا إنْ شَرَعَتْ فِي الِاعْتِكَافِ بِإِذْنِهِ وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى مَنْزِلِهَا لِلِاعْتِدَادِ أَمْ لَهَا الْبَقَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَنْقَضِيَ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَهَا الْبَقَاءُ فَخَرَجَتْ بَطَلَ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ فَعَادَتْ هَلْ تَبْنِي بَعْدَ الْعِدَّةِ أَمْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ نَحْوَهُ وَزَادَ أَنَّهَا إذَا لَزِمَهَا الْخُرُوجُ لِلْعِدَّةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَمَكَثَتْ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَمْ تَخْرُجْ عَصَتْ وَأَجْزَأَهَا الِاعْتِكَافُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ شِئْتُ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كَالشَّاهِدِ الْمُخْتَارِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا كَعِدَّةٍ وَجَبَتْ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهَا قُلْتُ الاول أصح والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * {وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا لَا يَأْمَنُ مَعَهُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ كَانْطِلَاقِ الْجَوْفِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ خَرَجَ كَمَا يَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَسِيرًا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَمْ يَخْرُجُ وَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَحْتَاجُ إلَى الْفِرَاشِ وَيَشُقُّ مَعَهُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لانه لم يخرج باختياره} *

{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ مَرِضَ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ وَاعْتِكَافُهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بَرَأَ أَوْ خُلِّيَ بَنَى فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ بُرْئِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرَضُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَرَضٌ يسير لا تشق معه الافامة فِي الْمَسْجِدِ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ بِسَبَبِهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ نَذْرًا مُتَتَابِعًا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (الثَّانِي) مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ لحاجته إلى الفراش وَالْخَادِمِ وَتَرَدُّدِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لَهُ الخروج فإذا خرج ففى انقطاع التتاتع طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أن الاصح هنا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ وَتَعْلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (الثَّالِثُ) مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ كَانْطِلَاقِ الْبَطْنِ وَإِدْرَارِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالسَّلَسِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ الْخُرُوجُ وَفِي انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَنْقَطِعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَمَّا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَفَاقَ فَاعْتِكَافُهُ بَاقٍ لَا يَبْطُلُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زَمَانَ الْإِغْمَاءِ مَحْسُوبٌ مِنْ الِاعْتِكَافِ كما ذكرنا في الصئم إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ الزَّمَانُ عَنْ الِاعْتِكَافِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا فِي الصَّائِمِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَبْطُلُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ الْمُعْتَكِفُ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ زَمَانُ نَوْمِهِ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَهْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا إذَا أَخْرَجُوهُ فَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُوَ كَالْمَرِيضِ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْإِخْرَاجِ وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ أَمَّا إذَا جُنَّ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَلِيُّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَفَاقَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ لَا يُحْسَبُ زَمَانُ الْجُنُونِ مِنْ اعْتِكَافِهِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ أَدَاؤُهَا فِي حال الجنون فان أخرجه الْمُوَلِّي فَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ إلَى حِفْظِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُبْطِلْ تَتَابُعَ اعْتِكَافِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ

حِفْظُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الْجُنُونِ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا أَرَادَ الْمُعْتَكِفُ الْخُرُوجَ لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَأَخُّرُهُ جَازَ الْخُرُوجُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَرَضِ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْخَفِيفِ وَغَيْرِهِ كما سبق * * قال المصنف رحمه الله * {قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ سَكِرَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَنَى عَلَى اعْتِكَافِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ طرف (فَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ فِي السكران علي مااذا سَكِرَ وَأُخْرِجَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ يَبْطُلُ فِيهِمَا لِأَنَّ السَّكْرَانَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَقَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرْتَدُّ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أهل العبادات وتأول قوله في المرتد إذَا ارْتَدَّ فِي اعْتِكَافٍ غَيْرِ مُتَتَابَعٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَيُتِمُّ مَا بَقِيَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ حَمَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي السَّكْرَانِ يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَقَامِ فِي الْمَسْجِدِ لانه لا يجوز اقراه فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْمُرْتَدُّ مِنْ أَهْلِ الْمَقَامِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اقراره فيه} * {الشَّرْحُ} هَذَانِ النَّصَّانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ والاصحاب فيهما طرق متشعبة جمعها الرَّافِعِيُّ وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ طُرُقٍ (أصحها) بطلان اعتكاف السكران والمرتد جمعيا بِطَرَآنِ السُّكْرِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ نَصَّهُ فِي السَّكْرَانِ انه في اعتكاف متابع فَيَنْقَطِعُ وَنَصُّهُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ اعْتِكَافٌ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ فَإِذَا أَسْلَمَ بَنَى لِأَنَّ الرِّدَّةَ عِنْدَنَا لَا تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ إلَّا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) فِيهِمَا قَوْلَانِ (وَالرَّابِعُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَبُطْلَانُهُ فِي السَّكْرَانِ دُونَ الْمُرْتَدِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَصْحَابِهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَالْخَامِسُ) يَبْطُلُ السُّكْرُ لِامْتِدَادِ زَمَانِهِ وَكَذَا الرِّدَّةُ إنْ طَالَ زَمَنُهَا وَإِنْ قَصَرَ بَنَى (وَالسَّادِسُ) يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ

دُونَ السُّكْرِ لِأَنَّهُ كَالْيَوْمِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا تُنَافِي الْعِبَادَاتِ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ والغزالي قال الرافعي ولم يذكره غيرهما وممن صحح الطريق الاول هو بُطْلَانُ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ وَلَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ هَذَا النقل عَنْ الشَّافِعِيِّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْ السُّكْرِ وَأَسْوَأُ حَالًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا عَنْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ أَمْ يَبْقَى صَحِيحًا فَيُبْنَى عَلَيْهِ إذَا زَالَ السُّكْرُ وَالرِّدَّةُ فَأَمَّا زَمَنُ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يُعْتَدُّ بِزَمَانِ السُّكْرِ قَالَ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاعْتِبَارِ بِزَمَانِ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الرِّدَّةَ إذَا طَرَأَتْ فِي الصِّيَامِ تُبْطِلُهُ وَفِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ (قُلْنَا) لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَتَخَلَّلُهُ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِ ذلك بخلاف الصيام وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فِي مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ الْحَيْضِ لَمْ يَبْطُلْ فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَاضَتْ فِي صوم ثلاثة ايام متتابعة} * {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ إذَا حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ خَرَجَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ وَبَنَتْ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ القاضى أبو الطيب وغيره وقال أَصْحَابُنَا إذَا حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَتْ وَطَهُرَتْ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا تَطَوُّعًا وَأَرَادَتْ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ بَنَتْ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ بَنَتْ وَإِنْ كَانَ متتبابعا فَإِنْ كَانَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ الْحَيْضِ غَالِبًا بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا لَمْ يُبْطِلْ التَّتَابُعَ بَلْ تَبْنِي عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً يُمْكِنُ خفظها مِنْ الْحَيْضِ كَخَمْسَةَ عَشْرَ فَمَا دُونَهَا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَطَائِفَةٌ (وَالثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي انْقِطَاعِ تَتَابُعِ صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْحَيْضِ إذَا أَوْجَبْنَا تَتَابُعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مِنْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصَحُّ الِانْقِطَاعُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ نَفِسَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَاضَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

{فَرْعٌ} وَالْمُسْتَحَاضَةُ الْمُعْتَكِفَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا نَذْرًا سَوَاءٌ المنتابع وغيره لانها كالطاهر لكن تَحْتَرِزُ عَنْ تَلْوِيثِ الْمَسَاجِدِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي " وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُعْتَكِفَةِ إذَا حَاضَتْ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِذَا خَرَجَتْ سَكَنَتْ فِي بَيْتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا ثُمَّ تَعُودُ إلَى اعْتِكَافِهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وأبي حنيفة قال وقال أَبُو قِلَابَةَ تَضْرِبُ خِبَاءَهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّخَعِيُّ تَضْرِبُهُ فِي دَارِهَا حَتَّى تَطْهُرَ فتعود الي الاعتكاف * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُتِمَّ الِاعْتِكَافَ ثُمَّ يَخْرُجَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الخروج وان خاف فوت الحج خرج للج لِأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِالشَّرْعِ فَلَا يَتْرُكُهُ بِالِاعْتِكَافِ فإذا خرج بطل اعتكافه لان الخروج باختياره لانه كان يسعه أن يؤخره} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْمُعْتَكِفِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إتْمَامُ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ إدْرَاكُ الْحَجِّ لَزِمَهُ إتْمَامُ الِاعْتِكَافِ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ وَيَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ الْمُتَتَابِعُ فَإِذَا عَادَ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله * {وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ خَرَجَ مُكْرَهًا مَحْمُولًا لَمْ يبطل اعتكافه للخبر ولاثه لَوْ أَوْجَرَ الصَّائِمُ فِي فِيهِ طَعَامًا لَمْ

يَبْطُلْ صَوْمُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا فَإِنْ أَكْرَهَهُ حَتَّى خرج بنفسه فيه قَوْلَانِ كَالصَّائِمِ إذَا أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ سَبَبَهُ وَهُوَ الشُّرْبُ وَالسَّرِقَةُ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَسْرِقْ لِيَخْرُجَ وَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ خَافَ مِنْ ظَالِمٍ فَخَرَجَ وَاسْتَتَرَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ بِسَبَبٍ هو معذور فيه فلم يبطل اعتكافه} * {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لِلِاعْتِكَافِ لَمْ يَبْطُلْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ قَالَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ أَكَلَ كَثِيرًا نَاسِيًا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ حُمِلَ مُكْرَهًا فَأُخْرِجَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ فَارَقَ الْمَسْجِدَ بِعُذْرٍ وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كالاكره عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ وَالطَّرِيقُ (الثَّانِي) لَا يَبْطُلُ قولا واحد أو لو خَافَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ ظَالِمٍ فَخَرَجَ وَاسْتَتَرَ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ وممن ذكر الْقَوْلَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنَهُ جَزَمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَائِفِ مِنْ ظَالِمٍ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَذَكَرَ فِي الْمُكْرَهِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ وَهَذَا الْإِنْكَارُ وَإِنْ كَانَ مُتَّجِهًا (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الظَّالِمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قال البغوي ولو خاف من شئ آخَرَ غَيْرَ الظَّالِمِ فَخَرَجَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَمُرَادُهُ إذا حاف مِنْ حَيَّةٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ انْهِدَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَأَمَّا) إذَا خَافَ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَهُوَ ظَالِمٌ بِالتَّغَيُّبِ عَنْهُ فَإِذَا خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ قَوْلًا وَاحِدًا

وان خاف ممن عليه ذين وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَخَرَجَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ فَهُوَ خَارِجٌ لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) إذَا أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا خَلَّاهُ السُّلْطَانُ عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَبَنَى قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ مُحِقًّا فِي إخْرَاجِهِ فَأَخْرَجَهُ لِغَيْرِ عُقُوبَةٍ بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ يُمَاطِلُ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهِ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَخَارِجٌ بِاخْتِيَارِهِ فِي الْحَقِيقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا لَهُ فِي إخْرَاجِهِ بِأَنْ أَخْرَجَهُ لِمُصَادَرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْ لدين هو عَاجِزٍ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُكْرَهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَغَوِيّ والمتولي والرافعي ولعل الاولون فَرَّعُوهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ (الثَّالِثُ) أَنْ يُخْرِجَهُ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً شَرْعِيَّةً مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَعْزِيرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ تَتَابُعُهُ فَإِذَا عَادَ بَنَى وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ تَتَابُعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) فيه وجهان (أصحهما) لا يبطل تتابعه بهذا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَشَارَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَالْمُنْفَرِدِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ إذَا أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْأَكْثَرُونَ فَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدًا فَاعْتَكَفَ فِيهِ ثُمَّ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَامَ حَتَّى يُتِمَّ اعْتِكَافَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ خَرَجَ فَإِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ عَادَ وَتَمَّمَ اعْتِكَافَهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ بَقِيَ مَوْضِعٌ يُمْكِنُ الْإِقَامَةُ فِيهِ أَقَامَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ إنْ كَانَ اعْتِكَافًا مَنْذُورًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ تُمْكِنُ الْإِقَامَةُ فِيهِ خَرَجَ فَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ في غيره من المساجد وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ

بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ عَادَ وَتَمَّمَ اعْتِكَافَهُ فَلَهُ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) مُرَادُهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ وَلَا مُتَعَلِّقٍ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا انْهَدَمَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ انْتَظَرَ بِنَاءَهُ وَإِنْ شَاءَ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) مُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَانْهَدَمَ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُ قَالَهُ لِلِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي نذر فيه * * قال المصنف رحمه الله * {وإن خرج لعذر ثم زال العذر وتمكن من العود فلم يعد بطل اعتكافه لانه ترك الاعتكاف من غير عذر فأشبه إذا خرج من غير عذر} * {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ ثُمَّ قَضَى شُغْلَهُ وَزَالَ عُذْرُهُ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمَسْجِدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ إنْ كَانَ نَذْرُهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ أَخَّرَ الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ إذَا عَادَ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُهُ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * * قال المصنف رحمه الله * {وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فَإِنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ فَأَشْبَهَ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ بِشَهْوَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ يَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَبَطَلَ بِهَا كَالْجِمَاعِ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُبْطِلُ الْحَجَّ فَلَمْ تُبْطِلْ الاعتكاف كالمباشرة بغير شهوة (وقال) أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ كَالْقُبْلَةِ فِي الصَّوْمِ كَانَ مَذْهَبًا وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ فِيهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْقُبْلَةُ فِي الِاعْتِكَافِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَأَبْطَلَتْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ " وَإِنْ

بَاشَرَ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ أَبْطَلَتْهَا مُبَاشَرَةُ الْعَامِدِ لَمْ تُبْطِلْهَا مُبَاشَرَةُ النَّاسِي كَالصَّوْمِ وَإِنْ بَاشَرَهَا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالنَّاسِي وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ في الصلاة والصوم} * {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَقَوْلُهُ) مُبَاشَرَةٌ لَا تُبْطِلُ الْحَجَّ احتراز من الجماع * (أما) حكم الْفَصْلِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِالْيَدِ وَالْقُبْلَةِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ أَوْ لِقُدُومِهَا مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ وَجَمِيعُ الْمُبَاشَرَاتِ بِالشَّهْوَةِ بِلَا خِلَافٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ يَحْرُمُ فِيهِ قَوْلَانِ فَغَلَطٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهَا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي إفْسَادِ الِاعْتِكَافِ بِهَا وَكَلَامُهُ فِي تَفْرِيعِ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِفْسَادِ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَقَرِيبٌ مِنْ عِبَارَتِهِ عِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَحْرُمُ وَيُفْسِدُ كَمَا فِي الْحَجِّ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا فِي الصَّوْمِ هَذَا لَفْظُهُ وَفِيهِ إنْكَارَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فيه التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِفْسَادِ (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ وَيُفْسِدُ كَمَا فِي الْحَجِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ مِنْ الْمُبَاشَرَاتِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ لِبَيَانِ الْغَلَطِ فِيهِمَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِمَا وَيُتَوَهَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ جِمَاعُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا جَامَعَ حَالَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَقَدْ سَبَقَ تَضْعِيفُهُ فَإِنْ جَامَعَ نَاسِيًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ في الصوم والله أَعْلَمُ * وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يُفْسِدُهُ مِنْ الوطئ إلَّا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ قَالَ

إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْسُدَ بالوطئ في الدبر ووطئ البهيمة إذا لَمْ نُوجِبْ فِيهِمَا الْحَدَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ عَجَبٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يفسد بكل وطئ سَوَاءٌ الْمَرْأَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَاللِّوَاطُ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِالذَّكَرِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْفَرْجِ وَكَلَامُ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ أَصْحَابِنَا أَجْمَعِينَ فِي جَمِيعِ الطرق مصرح بما ذكرته ومن أظرف الْعَجَائِبِ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَتَفَذُّذِهِ فِي الْعُلُومِ مُطْلَقًا رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا فَفِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اضْطَرَبَتْ النُّصُوصُ فِيهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) فِي فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي الْعُدَّةِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِفْسَادِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ اخْتَلَفُوا (مِنْهُمْ) مَنْ قَالَ هُمَا إذَا أَنْزَلَ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ قَطْعًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ قَوْلَانِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا هَذَا نَقْلُ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مَعَ الْإِنْزَالِ يَفْسُدُ بِهَا الِاعْتِكَافُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَيْنِ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ قَالَ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي الْحِكَايَةِ ولا اتجاه له أصلا ثم قال والظاهر اعْتِبَارِ فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِفَسَادِ الصَّوْمِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا (وَالثَّانِي) يَفْسُدُ أَنْزَلَ أَمْ لَا قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ أَنْزَلَ فَقَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ لَا يُعْرَفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الْإِنْزَالَ فِي شئ مِنْ كُتُبِهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَالصَّوْمِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَالصَّوْمِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ لِعَيْنِهَا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَالِاعْتِكَافُ كَالْحَجِّ وَلَيْسَتْ فِي الصَّوْمِ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِذَا لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فَسَادُ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ قِيلَ هُمَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ

أَنْزَلَ فَسَدَ وَقِيلَ هُمَا إذَا أَنْزَلَ وَإِلَّا فَلَا يَفْسُدُ وَقِيلَ هُمَا فِي الْحَالَيْنِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ مِثْلَهُ لَكِنْ لَمْ يَنُصَّا عَلَى الْأَصَحِّ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّ جُمْهُورَ العراقيين لا يعتبرون الانزال واعتبره أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَرَاهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا إذَا لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ لَا يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَا فَوَجْهَانِ لِأَنَّ كَمَالَ اللَّذَّةِ بِاصْطِكَاكِ الْبَشَرَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ أَمَّا إذَا نَظَرَ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ قَطْعًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ به هنا والدارمى والله أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الْبَغَوِيّ كُلُّ مَوْضِعٍ لَزِمَ الْمُعْتَكِفَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ إمَّا بِاحْتِلَامٍ وَإِمَّا بِجِمَاعٍ نَاسِيًا أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ وَأَنْزَلَ وَقُلْنَا لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ فَمَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلِاغْتِسَالِ وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَا يُحْسَبُ زَمَانُ الْجَنَابَةِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَذَلِكَ زَمَانُ السُّكْرِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ يُحْسَبُ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا لَوْ أَكَلَ حَرَامًا آخَرَ وَقِيلَ يُحْسَبُ زَمَانُ السُّكْرِ دُونَ زَمَانِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ عِصْيَانَ الْجُنُبِ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَعِصْيَانُ السَّكْرَانِ لِلشُّرْبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ حَتَّى لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَاعْتَكَفَهُ جُنُبًا لَا يُحْسَبُ لَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ جُنُبًا لَا يُحْسَبُ لَهُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ لِلْقُرْبَةِ وَمَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بَلْ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ يُحْسَبْ زَمَانُ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلْزَمُ الْجُنُبَ الْمُبَادَرَةُ بِالْغُسْلِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَاتِ لِكَيْ لَا يَبْطُلَ تَتَابُعُهُ قَالُوا وَلَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلِاغْتِسَالِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَسْجِدِ وَلِمُرُوءَتِهِ * {فَرْعٌ} الْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ كَالرَّجُلِ الْمُعْتَكِفِ فِي تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ وَفِي إفْسَادِهِ بِهِمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمَةِ الذَّاكِرَةِ الْمُخْتَارَةِ وَالنَّاسِيَةِ وَالْجَاهِلَةِ وَالْمُكْرَهَةِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

{فَرْعٌ} إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ ذَاكِرًا لَهُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وبه قال جماهير العلماء قال الماوردى هو قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَالزُّهْرِيَّ فَقَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْوَاطِئِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْوَاطِئِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَعَنْ الْحَسَنِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ عَجَزَ أَهْدَى بَدَنَةً فَإِنْ عَجَزَ تَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جِمَاعِ الْمُعْتَكِفِ نَاسِيًا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَفْسُدُ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ عَامٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ فَيُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ * قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَلَا * وَقَالَ مَالِكٌ يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ المنذر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * {وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ مَا يَلْبَسُهُ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْ مَلَابِسِهِ " وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَنُقِلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَطَيَّبَ لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ عَلَيْهِ الطِّيبُ لَحَرُمَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ كَالْإِحْرَامِ " وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّطَيُّبُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تُحَرِّمُ التَّطَيُّبَ فَلَا تُحَرِّمُ النِّكَاحَ كَالصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُقْرِئَ غَيْرَهُ وَيَدْرِسَ الْعِلْمَ وَيُدَرِّسَ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ لَا يُتْرَكُ بِهِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْأَمْرِ الْخَفِيفِ فِي مَالِهِ وَصَنْعَتِهِ وَيَبِيعَ ويبايع وَلَكِنَّهُ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ مَوْضِعًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ رَأَيْتُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا أَكْثَرَ مِنْ

الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَارَ قُعُودُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا لِلِاعْتِكَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ والاول مرجوع عنه لان مالا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ الِاعْتِكَافَ لَمْ يُبْطِلْ كَثِيرُهُ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ عمل قليل لابد مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَضَعَ فِيهِ الْمَائِدَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَفُ لِلْمَسْجِدِ وَيَغْسِلُ فِيهِ الْيَدَ وَإِنْ غسل في الطست فهو أحسن} * {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ وَيَأْكُلَا وَيَتَطَيَّبَا بِمَا شَاءَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لَهُمَا مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالْمَأْكُولِ مَا كَانَ جَائِزًا قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَسَوَاءٌ رَفِيعُ الثِّيَابِ وَغَيْرُهُ وَلَا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَلْبَسَ رَفِيعَ الثِّيَابِ وَلَا يَتَطَيَّبَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الطِّيبِ كَالْحَجِّ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُخَالِفُ الْحَجَّ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِيهِ كَشْفُ الرَّأْسِ وَاجْتِنَابُ الْمَخِيطِ وَتَحْرِيمُ النِّكَاحِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي الِاعْتِكَافِ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَأَنْ يُزَوِّجَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُقْرِئَهُ غَيْرَهُ وَأَنْ يَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمَهُ غَيْرَهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ وَلِأَنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ إلَى النَّاسِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَفْضِيلِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَالْأَوْلَى لِلْمُعْتَكِفِ الِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَتَسْبِيحٍ وَذِكْرٍ وَقِرَاءَةٍ وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا وَمُطَالَعَةً وَكِتَابَةً ونحو ذلك ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مَعَ نَفْسِهِ قَالَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا يَشْتَغِلَ بِكِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَلَا بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا لَا يُشْرَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَمْرَ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ وَالِاشْتِغَالَ بِهِ طَاعَةٌ فَاسْتُحِبَّ لِلْمُعْتَكِفِ كَالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ شُرِعَ فِيهَا أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ وَالْخُشُوعُ وَتَدَبُّرُهَا وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعَ الْإِقْرَاءِ وَالتَّعْلِيمِ (وَأَمَّا)

الطَّوَافُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُهُ وَلَا يُكْرَهُ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَأْمُرَ فِي الْخَفِيفِ مِنْ مَالِهِ وَصَنْعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ وَأَنْ يَبِيعَ ويشترى ويؤجر ونحوهما مِنْ الْعُقُودِ بِحَيْثُ لَا يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ إنْ كَانَ اعْتِكَافَ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ اسْتَأْنَفَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لِإِبَاحَةِ الْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الِاعْتِكَافِ بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لَهُمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رسلكما انما هي صفية بنت حتى فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُكْثِرَ مِنْهُ فَإِنْ أَكْثَرَ كُرِهَ وَهَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى إبَاحَةِ الْبَيْعِ لِلْمُعْتَكِفِ فَقَالَ وَلَا بَأْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيَخِيطَ وَيُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيَتَحَدَّثَ بِمَا أَحَبَّ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا هَذَا نَصُّهُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَوَافَقَهُ عليه من ذَكَرْنَاهُ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَعَمَلَ الصَّنَائِعِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَإِنْ بَاعَ الْمُعْتَكِفُ أَوْ اشْتَرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي الْقَدِيمِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُكْثِرُ مِنْ التِّجَارَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الِاعْتِكَافِ قَالَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَكْرَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى شِرَاءِ قوته وما لا بد له مِنْهُ لَمْ يُكْرَهْ قَالَ فَأَمَّا الْخِيَاطَةُ فَإِنْ خَاطَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِكَرَاهَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَكْرَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ بَاعَ مُعْتَكِفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَرِهْتُهُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْمَسْجِدِ لَا بِسَبَبِ الِاعْتِكَافِ قَالَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْتَكِفُ وَيَشْتَرِيَ وَيَخِيطَ وَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ (أَرْجَحُهُمَا) الْكَرَاهَةُ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَجْلِهِ (فَأَمَّا) الْمَسْجِدُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِتَحْصِيلِ قُوتِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَصْدَ بِهِ التِّجَارَةَ وَطَلَبَ الزِّيَادَةِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ به ونقل

الْبُوَيْطِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) كَرَاهَتُهُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْمُعْتَكِفِ نَصَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْبَيْعُ نَادِرًا لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ اتَّخَذَهُ عَادَةً مُنِعَ مِنْهُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يشترى له الخبز خرج له هذا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ كَرَاهَةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِضَرُورَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا بِأَدِلَّتِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ إذَا خاط ما تدعوا حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ (فَأَمَّا) غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُعْتَكِفُ إذَا اتَّخَذَ مَسْجِدًا مَحَلًّا لِذَلِكَ وَأَكْثَرَ فِيهِ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا

فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا غَلَطٌ كَمَا سَبَقَ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَالَ الدَّارِمِيُّ تُكْرَهُ الْخِيَاطَةُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَيْعِ وَقَلِيلُهَا لِحَاجَةٍ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وعمل الصنائع في المسجد مكروه للمعتكف وغيره وَقَلِيلُ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ كَثِيرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إنْ خَاطَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ عَمِلَ عَمَلًا مُبَاحًا يَسِيرًا أَوْ خَاطَ شَيْئًا مِنْ ثَوْبِهِ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنْ قَعَدَ يَحْتَرِفُ بِالْخَيَّاطَةِ أَوْ بِحِرْفَةٍ أُخْرَى كُرِهَ وَعِبَارَاتُ بَاقِي الْأَصْحَابِ نَحْوُ هَذَا والله أعلم *

وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُبَاحُ أَوْ يُنْدَبُ وَأَنَّ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَالْبَوْلُ حَرَامٌ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَفِي إنَاءٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُهُمَا فِيهِ حَرَامٌ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَمَكْرُوهٌ فِي الْإِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُصَّ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْقَصَصَ وَعْظٌ وَتَذْكِيرٌ قَالَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ فَعَلَ

فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَصَصِ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَالْمَغَازِي وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَوْضُوعٌ وَلَا مالا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَوَامّ وَلَا مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التواريخ والقصص من قصص الانبياء وحكاياتهم فِيهَا أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ جَرَى لَهُ كَذَا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ * {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ إذَا سَبَّهُ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُجِيبَهُ كَمَا لَا يُجِيبُهُ الصَّائِمُ فَإِنْ أَجَابَهُ وَسَبَّ غَيْرَهُ أَوْ جَادَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ كُرِهَ وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَبْطُلُ ثَوَابُهُ أَوْ يَنْقُصُ هَذَا لَفْظُهُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَشْرَبَ وَيَضَعَ الْمَائِدَةَ وَيَغْسِلَ يده بحيث

لَا يَتَأَذَّى بِغُسَالَتِهِ أَحَدٌ وَإِنْ غَسَلَهَا فِي الطَّسْتِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَضَعَ سُفْرَةً وَنَحْوَهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ وَأَصْوَنَ قَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَعَافُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ كَالْمُطْلَقِ فِي هَذَا لِأَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَعَافُ شُرْبَهُ وَنَحْوَهُ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِسْقَاطِ مَائِهِ فِي ارضه مع انه مستعمل وممن صرح بِهِ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ نَقَلَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ غَسْلُ الْيَدِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ طشت كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فَرَشُّهُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَفُ مِنْ غُسَالَةِ الْيَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْسِلَ الْيَدَ حَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ نَظَرِ النَّاسِ وَعَنْ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَكَيْفَمَا فَعَلَ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْمُعْتَكِفِ النَّوْمُ وَالِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِلْقَاءُ وَمَدُّ رِجْلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ أَوْلَى وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمُعْتَكِفِ وَشِرَائِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا كراهته الا لما لا بد له مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ يَشْتَرِي الْخُبْزَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَشْتَرِي وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةٌ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ الْيَسِيرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعِنْدِي لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مالا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ قَالَ فَأَمَّا سَائِرُ التِّجَارَاتِ فَإِنْ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَإِنْ خَرَجَ لَهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ الانسان فَبَاعَ وَاشْتَرَى فِي مُرُورِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَاَللَّهُ أعلم *

{فَرْعٌ} مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْمُعْتَكِفِ تحت سقف ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ سَقْفٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا دَخَلَ بَيْتًا انْقَطَعَ اعْتِكَافُهُ * {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطِّيبِ لِلْمُعْتَكِفِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ عَطَاءٌ لَا تَتَطَيَّبُ الْمُعْتَكِفَةُ قَالَ فَإِنْ خَالَفَتْ لَمْ يُقْطَعْ تَتَابُعَهَا قَالَ وَقَالَ مَعْمَرٌ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُعْتَكِفُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ ذَلِكَ قَالَ وَلَعَلَّ عَطَاءً إنَّمَا كَرِهَ طِيبَهَا لِكَوْنِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفَةِ الطِّيبُ إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى المسجد * * قال المصنف رحمه الله تعالي * {فصل إذا فعل في الاعتكاف ما يطلبه من خروج أو مباشرة أو مقام في البيت بعد زوال العذر نطرت فان كان ذلك في تطوع لم يبطل ما مضى من اعتكافه لان ذلك القدر لو أفرده بالاعتكاف واقتصر عليه اجزأه ولا يجب عليه اتمامه لانه لا يجب المضي في فاسده ولا يكره بالشروع كالصوم وإن كان في اعتكاف منذور نظرت فان لم يشرط فيه التتابع لم يبطل مامضي من اعتكافه لما ذكرناه في التطوع ويلزمه أن يتمم لان الجميع قد وجب عليه وقد فعل البغض فوجب الباقي وإن كان قد شرط فيه التتابع بطل التتابع ويجب عليه أن يستأنفه ليأتي به علي الصفة التي وجب عليها] * {الشَّرْحُ} هَذَا الْفَصْلُ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا قَطَعَ التَّتَابُعَ فِي النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ بِنِيَّةٍ جديدة قال أصحابنا وكل عذر لم نجعله قَاطِعًا لِلتَّتَابُعِ فَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَجِبُ الْعَوْدُ فَلَوْ أَخَّرَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ وَيَجِبُ قَضَاءُ الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى غَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ وَلَا الذَّهَابُ له والمجئ مِنْهُ وَإِذَا عَادَ فَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ ينظر فان

مسائل تتعلق بكتاب الاعتكاف

كان خروجه لقضاء الحاجة ومالا بد له مِنْهُ كَالِاغْتِسَالِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ وَقِيلَ إنْ طَالَ الزَّمَانُ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِهَا وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) ماله مِنْهُ بُدٌّ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ تَجْدِيدُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى شَمِلَتْ جَمِيعَ الْمَنْذُورِ وَهَذَا الْخُرُوجُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ وَطَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَاهُ ثُمَّ عَادَ وَلَوْ عَيَّنَ لِاعْتِكَافِهِ مُدَّةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ ثُمَّ جَامَعَ أَوْ خَرَجَ خُرُوجًا بِلَا عُذْرٍ فَفَسَدَ اعْتِكَافُهُ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِيَ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وُجُوبُ تَجْدِيدِهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ هُنَا لِتَخَلُّلِ الْمُنَافِي الْقَاطِعِ لِلِاعْتِكَافِ وَلَا يُغْتَرُّ بِجَزْمِ صَاحِبَيْ الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ هُنَا وَقَوْلِهِمَا إنَّ الزَّمَانَ مُسْتَحَقٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَقَدْ صَحَّ دُخُولُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ فَفَسَدَتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الِاعْتِكَافِ وَبَعْضُهَا مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ (أَحَدُهَا) إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ إنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِثْلُ مَرَضٍ خَفِيفٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ شُهُودِ جِنَازَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ أَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَحَّ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ وَالْحَنَّاطِيَّ فَحَكَيَا قَوْلًا آخَرَ شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَبَطَلَ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَابَعَهُمَا عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ الشَّاذِّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ فَكَأَنَّهُ شرط الاعتكاف في زمان دن زَمَانٍ وَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ

أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ نُظِرَ إنْ عَيَّنَ نَوْعًا فَقَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا لِعِيَادَةِ الْمَرْضَى أَوْ لِعِيَادَةِ زَيْدٍ أَوْ تَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ أَوْ جِنَازَةِ زَيْدٍ خَرَجَ لِمَا عَيَّنَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهَمَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُ الْخُرُوجَ بِالشَّرْطِ فَاخْتَصَّ بِالْمَشْرُوطِ وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا لِشُغْلٍ أَوْ عَارِضٍ جَازَ الْخُرُوجُ لِكُلِّ عَارِضٍ وَجَازَ الْخُرُوجُ لِكُلِّ شُغْلٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ فَالْأَوَّلُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَادَةِ وَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَالْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَالْقُبُورِ وَزِيَارَةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهَا (وَالثَّانِي) كَلِقَاءِ السُّلْطَانِ وَمُطَالَبَةِ الغريم ولا يبطل التتابع بشئ مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّغْلِ الدُّنْيَوِيِّ كَوْنُهُ مُبَاحًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِقَتْلٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا فَخَرَجَ لَهُ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَلَهُ الْبِنَاءُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّ نَذْرَهُ بِحَسَبِ الشَّرْطِ قَالُوا وَلَيْسَتْ النِّظَارَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ الشُّغْلِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَضَى الشُّغْلَ الَّذِي شَرَطَهُ وَخَرَجَ لَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَالْبِنَاءُ عَلَى اعْتِكَافِهِ فَإِنْ أَخَّرَ الْعَوْدَ بَعْدَ قَضَاءِ الشُّغْلِ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ تَتَابُعُهُ وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ أَقَامَ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَقَالَ فِي نَذْرِهِ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ قَطَعْتُ الِاعْتِكَافَ

فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ شَرَطَ الْخُرُوجَ كَمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ يَلْزَمُهُ بَعْدَ قضاء الشغل الرجوع وَالْبِنَاءُ عَلَى اعْتِكَافِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّتُهُ وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَلْ إذَا عَرَضَ الشُّغْلُ الَّذِي شَرَطَهُ انْقَضَى نَذْرُهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَجَازَ الْخُرُوجُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ أَمْرَضَ أَوْ أُسَافِرَ فَمَرِضَ أَوْ سافر فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهَا إنْ عَرَضَ عَارِضٌ أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ إنْ جَاعَ أَوْ ضَيَّفَهُ إنْسَانٌ أَوْ ضَافَ بِهِ أَحَدٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَذَكَرَهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي الصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ فَإِذَا وُجِدَ الْعَارِضُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الِاعْتِكَافِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ فَإِنَّ مَا يَتَقَدَّمُ مِنْهُ عَلَى الْخُرُوجِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ فِي الصَّلَاةِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ وَلَيْسَ تَصْحِيحُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ وَشَرَطَ فِيهِ الْخُرُوجَ إنْ عَرَضَ عَارِضٌ انْعَقَدَ النَّذْرُ كَمَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ الْمَشْرُوطُ وَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ بِهَذَا الشَّرْطِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ كَالِاعْتِكَافِ (وَالثَّانِي) لا قال صاحب الحاوى وغيره والفرق أَنَّ الْحَجَّ أَقْوَى وَلِهَذَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ أَوْلَى مِنْ الْحَجِّ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَجُّ أَوْلَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بهذه الدراهم إلا ان تعرض حارجة وَنَحْوُهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الشَّرْطِ أَيْضًا فإذا احتاج فلا شئ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْقُرُبَاتِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ الشرط ولا شئ عَلَيْهِ إذَا بَدَا كَسَائِرِ الْعَوَارِضِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَرَةِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ الْإِلْزَامَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَهَلْ يُقَالُ الِالْتِزَامُ بَاطِلٌ أَمْ صَحِيحٌ وَيَلْغُو الشَّرْطُ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا ينعقد

النَّذْرُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُقَارِبُ هَذَا وَهِيَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مَهْمَا أَرَادَ فَفِي وَجْهٍ يَبْطُلُ الْتِزَامُ التَّتَابُعِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَتَى شَرَطَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ وَخَرَجَ فَهَلْ يَجِبُ تَدَارُكُ الزَّمَانِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ نَذَرَ مُدَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ مُطْلَقٍ وَجَبَ التَّدَارُكُ لِيُتِمَّ الْمُدَّةَ الْمُلْتَزَمَةَ وَتَكُونُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلَ ذَلِكَ الْغَرَضِ مَنْزِلَةَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ وَإِنْ نَذَرَ زَمَانًا مُعَيَّنًا كَرَمَضَانَ أَوْ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ التَّدَارُكُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي النَّذْرِ الْخَالِي مِنْ الشَّرْطِ وَإِذَا خَرَجَ لِلشُّغْلِ الَّذِي شَرَطَهُ ثُمَّ عَادَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ قَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِذَا قَدَرَ قَضَاهُ قَالَ الْمُزَنِيّ يُشْبِهُ إذَا قَدِمَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْ يَقْضِيَ مِقْدَارَ مامضي مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ اعْتَكَفَ يَوْمًا كَامِلًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِنَّ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ قَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِالِاعْتِكَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُ إنْ قَدِمَ لَيْلًا فلا نذر وان قدم نهارا لم يمكن صِيَامُ مَا بَقِيَ وَيُمْكِنُهُ اعْتِكَافُ مَا بَقِيَ فَإِنْ تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ نَذْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْ نَاذِرَ الِاعْتِكَافِ شئ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ شَرْطِ نَذْرِهِ وَهُوَ الْقُدُومُ نَهَارًا وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا لَزِمَهُ اعْتِكَافُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مضى من اليوم قبل قدومه من يوم آخَرَ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ

قُدُومِ زَيْدٍ (إنْ قُلْنَا) يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ قَالَ وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ كَأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ جَمِيعِ الْيَوْمِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ قُدُومَ زَيْدٍ فِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قضاء مامضي مِنْ يَوْمِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا كَامِلًا لِيَكُونَ اعْتِكَافُهُ مُتَّصِلًا فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ وَقْتَ قُدُومِ زَيْدٍ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَفِيمَا يَقْضِيهِ الْقَوْلَانِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ كَامِلٌ أَمْ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ عِنْدَ الْقُدُومِ (إنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ يلزمه قضاء مامضي لَزِمَهُ هُنَا قَضَاءُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَإِلَّا فَالْبَقِيَّةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لا يلزمه قضاء شئ اصلا لعجزه وقت الوجو ب كما لو نذرت صوم يوم بعينه فحلضت فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالُوا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ إذَا تَعَذَّرَتْ بِالْمَرَضِ لَزِمَ قَضَاؤُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ فَهَلْ يُطْعِمُ عَنْهُ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا يطعم عنه في الاعتكاف هو قال أَبُو حَنِيفَةَ يُطْعَمُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة وابى ثور انه يعتكف عنه هكذا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الْمُتَوَلِّيَ فَقَالَ لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَقَدْ بَقِيَ مُعْظَمُ النَّهَارِ لَزِمَ النَّاذِرَ الِاعْتِكَافُ بِلَا خِلَافٍ وفيما يلزمه وَجْهَانِ (الْمَذْهَبُ) مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَعَ قضاء قدر مامضي وَإِنْ قَدِمَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ دُونَ نصفه فأربعة اوجه (أحدها) لا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ

أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) يلزمه ما بقى مع قضاء مامضي (وَالثَّالِثُ) مَا بَقِيَ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) مَا بَقِيَ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ بِحَيْثُ تُسَمَّى تِلْكَ السَّاعَةُ اعْتِكَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ قَالَ اصحابنا مراده إذا كَانَ نَذْرٌ تَبَرَّرَ بِأَنْ قَصَدَ إنْ أَمْكَنَنِي كَلَامُهُ لِمَحَبَّتِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ وَصَلَاحِهِ أَوْ لِامْتِنَاعِ زَيْدٍ مِنْ كَلَامِ النَّاذِرِ وَرَغْبَةِ النَّاذِرِ فِي كَلَامِهِ أَوْ لِغِيبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ هَذَا يَلْزَمُهُ (فَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ بل كان نذر لجاج وَقَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي بَابِ النَّذْرِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ انْعَقَدَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى فَاتَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَيَقْضِيهِ كَيْفَ شَاءَ مُتَتَابِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قال مصححه عفا عنه: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلي آله وصحابته ومن تبعهم الي يوم الدين ورضي الله عن علماء الاسلام العاملين: قد انتهي بعون الله تعالي وتسهيله طبع {الجزء السادس} من كتابي المجموع للامام أبي زكريا محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه * {والشرح الكبير} للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمى {تلخيص الحبير} * في غرة جمادى الاولى سنة أربعة وأربعين وثلثمائة وألف

الجزء السابع

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء السابع دار الفكر

كتاب الحج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى * كتاب الحج الْحَجُّ يُقَالُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ أَكْثَرُ السَّبْعَةِ بِالْفَتْحِ وَكَذَا الْحِجَّةُ فِيهَا لُغَتَانِ وَأَكْثَرُ الْمَسْمُوعِ الْكَسْرُ وَالْقِيَاسُ أصله الْقَصْدُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مِنْ قَوْلِكَ حَجَجْتُهُ إذَا أَتَيْتَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ اللَّيْثُ أَصْلُ الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ زيارة شئ تُعَظِّمُهُ وَقَالَ كَثِيرُونَ هُوَ إطَالَةُ الِاخْتِلَافِ إلَى الشئ واختاره ابن جرير قال أهل اللغة يقول حَجَّ يَحُجُّ - بِضَمِّ الْحَاءِ - فَهُوَ حَاجٌّ وَالْجَمْعُ حُجَّاجٌ وَحَجِيجٌ وَحَجٌّ - بِضَمِّ الْحَاءِ - حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ كنازل ونزل قال الْعُلَمَاءُ ثُمَّ اخْتَصَّ الْحَجُّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِقَصْدِ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ حَكَاهُمَا الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ (أَشْهَرُهُمَا) وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَيْرَهُ أَصْلُهَا الزِّيَارَةُ (وَالثَّانِي) أَصْلُهَا الْقَصْدُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَصَّ الِاعْتِمَارُ بِقَصْدِ الْكَعْبَةِ لانه قصد إلَى مَوْضِعٍ عَامِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي طَرَفٍ مِنْ فَضَائِلِ الْحَجِّ قَالَ الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجِنَّةُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * الْمَبْرُورُ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَكِنْ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) رَوَاهُ مسلم وعن ابن عباس عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً - أَوْ حجة معى -) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى * (الحج ركن من أركان الاسلام وفرض من فروضه لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا اله الا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وححج البيت وصوم رمضان) وفي العمرة قولان (قال) في الجديد هي فرض

لما روت عائشة قالت (قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد قال جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) (وقال) في القديم ليست بفرض لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن العمرة أهي واجبة قال لا وأن تعتمر خير لك) والصحيح الاول لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَفَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضعيف فيما ينفرد به) * (الشرح) حديث ابن عمرو رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) وَجَاءَ (وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَسَمِعَهُ ابْنُ عمرو مَرَّتَيْنِ فَرَوَاهُ بِهِمَا وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى الناس حج البيت) لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا وَلَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لِهَذَا مِنْ الْآيَةِ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَإِسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ السَّائِلِ (الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ هَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ صَدَقْتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ رواه مسلم في الصحيح ولم يسبق مَتْنَهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا للعمرة وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ بِهِ لِلْبَيْهَقِيِّ مَوْجُودٌ من صحيح مسلم وروى الدارقطني هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ أيضا بما رواه باسناده عن أبي زرين

العقيلي الصحابي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ الله إنى شيخ كبير لا أستطيع الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لَا أعلم في إيجاب حديث العمرة أجود من حديث أبي زرين هَذَا وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وحديث أبي زرين هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ تعتمر خير لك) فرواه الترمذي في جماعة مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عَنْ محمد بن المنكدر وجابر (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا وليس فيها شئ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَجَّاجِ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عن محمد ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مَرْفُوعًا وَالْمَحْفُوظُ إنَّمَا هُوَ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحَجَّاجِ قَالَ وَهَذَا وَهَمٌ إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْمَتْنُ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ

جَابِرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ) وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (وَأَمَّا) قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إنَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَدَلِيلُ ضَعْفِهِ أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ محمدا بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ وَلِأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَضْعِيفِ الججاج بسبب آخر غير التدليس فادا كَانَ فِيهِ سَبَبَانِ يَمْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الاحتجاج بِهِ وَهُمَا الضَّعْفُ وَالتَّدْلِيسُ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُهُ صَحِيحًا وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الشافعي انه قال ليس في المرة شئ ثابت انها واجبة فالحاصل ان الحديث صحيح ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَفَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ فَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغُلِّطَ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي رَفَعَهُ إنَّمَا هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ كَمَا سَبَقَ لَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالُوا إنَّمَا رَفَعَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ حَدِيثَ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ قَالَ وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا خِلَافَهُ قَالَ (الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا لَا يَصِحُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) قَوْلُهُ ابْنُ لَهِيعَةَ وَصَوَابُهُ الْحَجَّاجُ ابن أَرْطَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ رَفَعَهُ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَفَعَهُ (وَالثَّالِثُ) قَوْلُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ قَوْلِهِ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ

ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَفِيمَا شَارَكَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاسْمُ ابن لهيعة عبد الله ابن لهيعة ابن عقبة الحضرمي ويقال العاهي الْمِصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَاضِي مِصْرَ (وَقَوْلُهُ) وَأَنْ تَعْتَمِرَ هُوَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - قَالَ أَصْحَابُنَا ولو صح حديث الحجاج ابن أَرْطَاةَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي حَقِّ السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْحَجُّ رُكْنٌ وَفَرْضٌ مُجْمَعٌ بَيْنَهُمَا فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ (وَأَمَّا) اسْتِدْلَالُهُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ بِالْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى (ولله على الناس حج البيت) فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ * (وَأَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَالْحَجُّ فَرْضُ عَيْنٍ على كل مستطع بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَظَاهَرَتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَهَلْ هِيَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا فَرْضٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ يَعْنِي مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) هِيَ فَرْضٌ فَهِيَ فِي شَرْطِ صِحَّتِهَا وَصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهَا وَوُجُوبِهَا وَإِحْرَامِهَا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَالْحَجِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاسْتِطَاعَةُ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ لوجوبها جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وابن المسيب وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وأبو بردة ابن أبى موسى الحضرمي وعبد الله ابن شَدَّادٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ عُبَيْدٍ وَدَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ هِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ أَكْثَرُ مِنْ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بالشرع لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن الاقرع ابن حابس سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (آلْحَجُّ كُلَّ عَامٍ قَالَ لَا بَلْ حَجَّةٌ) وروى سراقة بن مالك قال (قلت يا رسول الله أعمرتنا هذه لعامنا أم للابد قال لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ القيامة)) *

(الشَّرْحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قال ذروني ما تركتكم هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا استعطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فَدَعُوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سُرَاقَةَ فَرَوَاهُ الدارقطني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلى يوم القيامة) قال الدارقطني رواته كلهم ثقاة وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَتُوُفِّيَ سُرَاقَةُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ سُؤَالَ سُرَاقَةَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ لَكِنْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِيهِ تَفْسِيرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ دَخَلَتْ افعال العمرة في افعال الحج إذا جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِرَانِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عن الشافعي واحمد واسحاق قال والترمذي وَغَيْرُهُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْفُجُورِ فَأَذِنَ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَ جَوَازَهُ وَقَطَعَ الْجَاهِلِيَّةَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلِهَذَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَهُ الْأَرْبَعَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثَلَاثًا مِنْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ

وَالرَّابِعَةَ مَعَ حَجَّتِهِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَاَللَّهِ مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إلَّا لِيَقْطَعَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كانوا يقولون إذا عفا الوبر برأ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ فَقَدْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا فَذَكَرَ بَعْضَهُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ أَكْثَرُ مِنْ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بِالشَّرْعِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِالشَّرْعِ عَنْ النَّذْرِ وَعَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ (إذَا قُلْنَا) يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَالْحِجَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الباب والعمرة - بضم العين والميم وبضم العين وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُسْتَطِيعِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالشَّرْعِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عن بعض الناس أنه يجب كلسنة قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مرة قالوا وهذا خلاف الاجماع يقابله مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَمَنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ بَلْ يُجْزِئُهُ حِجَّتُهُ السَّابِقَةُ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مَتَى تُحْبِطُ الْعَمَلَ فَعِنْدَهُمْ تُحْبِطُهُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا أَمْ لَا فَيَصِيرُ كَمَنْ لَمْ يَحُجَّ وَعِنْدَنَا لَا تُحْبِطُهُ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافر فاولئك حبطت أعمالهم) وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا فِي أول كتاب الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ *

(ومن حَجَّ وَاعْتَمَرَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دخول مكة لحاجة نظرت فان كان لقتال أو دخلها خائفا من ظالم يطلبه ولا يمكنه أن يظهر لاداء النسك جاز أن يدخل بغير احرام لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يوم الفتح بغير احرام لانه كان لا يأمن أن يقاتل ويمنع النسك وان كان دخوله لتجارة أو زيارة ففيه قولان (أشهرهما) أنه لا يجوز أن يدخل الا لحج أو عمرة لما روى ابن عباس أنه قال (لا يدخل أحدكم مكة الا محرما ورخص للحطابين) (والثاني) أنه يجوز لحديث الاقرع بن حابس وسراقة بن مالك وإن كان دخوله لحاجة تتكرر كالحاطبين والصيادين جاز بغير نسك لحديث ابن عباس ولان في ايجاب الاحرام على هؤلاء مشقة فان دخل لتجارة وقلنا إنه يجب عليه الاحرام فدخل بغير احرام لم يلزمه القضاء لانا لو ألزمناه القضاء لزمه لدخوله للقضاء قضاء فلا يتناهى قال أبو العباس بن القاص ان دخل بغير احرام ثم صار حطابا أو صيادا لزمه القضاء لانه لا يلزمه للقضاء قضاء) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَحِيحٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ) (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ كَزِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ كَانَ مَكِّيًّا مُسَافِرًا فَأَرَادَ دُخُولَهَا عَائِدًا مِنْ سَفَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْمَرْوَزِيِّ وَقَطَعَ به سليم الرازي في كتابه الكافية وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْمَسْعُودِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ الْوُجُوبَ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الِاسْتِحْبَابَ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ هَذَا حُكْمُ من يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ (أَمَّا) مَنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِ وَالْحَشَّاشِ وَالصَّيَّادِ وَالسَّقَّا وَنَحْوِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيمَنْ لا يتكرر لا يلزمه لا يلزم الْإِحْرَامُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِمَا قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي حَكَيَاهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْقَفَّالُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ فَقَدْ أَطْلَقَهُ كَثِيرُونَ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ وَقَيَّدَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ بانه في كل سند مَرَّةٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ في عامة كتبه يدخلها

الخطاب وَنَحْوُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ وَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ يُحْرِمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَسْتَهِينَ بِالْحَرَمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ (إنْ قُلْنَا) غَيْرُ الْحَطَّابِ وَنَحْوُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَالْحَطَّابُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قال وقال أبو إسحق قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ يُحْرِمُونَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا غَيْرُ مَشْهُورٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْبَرِيدُ الَّذِي يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ إلَى مَكَّةَ لِلرَّسَائِلِ فَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ وقال القاضي أبو الطيب وصاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ كَالْحَطَّابِ لِتَكَرُّرِ دُخُولِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْحَطَّابِ فَفِي الْبَرِيدِ وَجْهَانِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لدخول مَكَّةَ عَلَى مَنْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لا يتكرر ولا على من يدخل لمتتكرر كَالْحَطَّابِ وَلَا عَلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ فَلِلْوُجُوبِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يجئ الدَّاخِلُ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَمِ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِدُخُولِهِ كَمَا لَا يُشْرَعُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ مِنْهُ (وَالثَّانِي) أَلَّا يَدْخُلَهَا لِقِتَالٍ وَلَا خَائِفًا فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالِ بُغَاةٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْقِتَالِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُبَاحِ أَوْ خَائِفًا مِنْ ظالم أو غريم يمسه وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَمُخَاطَرَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خلاف (الثالث)

أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ أَذِنَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَلَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَكَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ سَيِّدُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ فَزَالَ بِإِذْنِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قلنا بوجوب الاحرام واجتمعت شروطه فدخل إحْرَامٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور لاقضاء لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ الثَّانِيَ إحْرَامٌ يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ فَيَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَشْرُوعٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فإذا دخل بغير إحرام فات لحصول الِانْتِهَاكِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَجَلَسَ وَلَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ فَإِنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا (الطَّرِيقُ الثَّانِي) فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) لاقضاء (والثانى) يجب القضاء وحكاه المصنف

والاصحاب ابْنِ الْقَاصِّ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَّلَ أَصْحَابُنَا عدم القضاء بعلتين (احدهما) أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الدُّخُولَ الثَّانِيَ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ آخَرَ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ وَفَرَّعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يتكرر دخوله كالحاطبين ثُمَّ صَارَ مِنْهُمْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَرُبَّمَا نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ قَالَ (وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَبِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ أَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلْبُقْعَةِ فَلَا يَقْضِي كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَتَرَكَهُ وَتَرَكَ الْقَضَاءَ عَصَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْبُرُ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ فِي النُّسُكِ بِالْإِحْرَامِ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي نُسُكٍ قَالُوا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِحْرَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالصُّورَتَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ دُخُولِ مَكَّةَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ وَهَذَا الْخِلَافُ صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الماوردى والدارمى والقاضى أبو الطب فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبُلْغَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ صَرَّحُوا بِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَوَلِّي

وَالْبَاقُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ هَلْ يَنْزِلُ دُخُولُ الْحَرَمِ مَنْزِلَةَ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَعَمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَبْعُدُ تخريجه على خلاف في نظائره كأنه أرادا بِنَظَائِرِهِ إبَاحَةَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فَإِنَّهَا تُبَاحُ بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْحَرَمِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَجَبٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) كَوْنُهُ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوحِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ صَرِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَغَيْرِهَا (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ قَالَ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْحَرَمَ كمكة بلا خلاف والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ مَكَّةَ لِلْقِتَالِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالُوا وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَلْتَجِئَ إلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ وَقَطَعَ الْأَصْحَابُ هُنَا بِجَوَازِ قِتَالِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي كِتَابِ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ خِلَافًا فِي قِتَالِهِمْ فِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقَاتَلَ (قَدْ يُقَالُ) إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ صُلْحًا وَفَتَحَهَا صُلْحًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَبَا سُفْيَانَ وَكَانَ لَا يَأْمَنُ غَدْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَدَخَلَ صُلْحًا وَهُوَ مُتَأَهِّبٌ لِلْقِتَالِ إنْ غَدَرُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

فَرْعٌ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الحرم لحاجة لا تكرر كَالتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ وَلَا يَجِبُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ الْحَرَمِ أَمْ بَعُدَتْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ * وَقَالَ مالك وأحمد يلزمه * وقال أبو حنيفة يلزمه إنْ كَانَتْ دَارُهُ فِي الْمِيقَاتِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ جَازَ دُخُولُهُ بِلَا إحْرَامٍ وَإِلَّا فَلَا * وَاحْتَجُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ * وَاحْتَجَّ كَثِيرُونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) وَدَلِيلُنَا الصح حَدِيثُ (آلْحَجُّ كُلَّ عَامٍ قَالَ لَا بَلْ حَجَّةٌ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِبُقْعَةٍ فَلَمْ تَجِبْ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُعَارِضُهُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ وَاجِبًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) فَالْمُرَادُ بِهِ الْقِتَالُ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي الْإِحْرَامَ وَإِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْقِتَالِ وَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ الْحَرَمِ فَدَخَلَ بِغَيْرِ إحرام عصى والمذهب أنه لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا صَارَ حَطَّابًا وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَابْنِ الْقَاصِّ بقول إنَّمَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ لِلْخَوْفِ مِنْ التَّسَلْسُلِ فَإِذَا صَارَ حَطَّابًا زَالَ التَّسَلْسُلُ فَإِنَّ الْحَطَّابَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ لِلدُّخُولِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْإِحْرَامَ وَجَبَ لِحُرْمَةِ الدُّخُولِ وَالْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَاتَ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا جَلَسَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا وَالصَّوَابُ فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ هنا

قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَكَمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ فَاتَ وَقْتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ كَمَا لَوْ فَرَّ فِي الزَّحْفِ مِنْ اثْنَيْنِ غير متحرف لقتال ولا مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مَتَى لَقِيَ اثْنَيْنِ مِمَّنْ يَجِبُ قِتَالُهُمَا وَجَبَ قِتَالُهُمَا بِاللِّقَاءِ لَا قَضَاءً قَالَ أَصْحَابُنَا فعلي هذا التعليل وصار حَطَّابًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِ فَوَاتِ انْتِهَاكِ الْحُرْمَةِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا لم تقض تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهَا سُنَّةً أَمَّا الْإِحْرَامُ فَوَاجِبٌ فينبغي فضاؤه قال الاصحاب (فالجواب) أن التحية لم بترك قَضَاؤُهَا لِكَوْنِهَا سُنَّةً فَإِنَّ السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ إذَا فَاتَتْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْضَ لِتَعَلُّقِهَا بِحُرْمَةِ مَكَان صِيَانَةً لَهُ مِنْ الِانْتِهَاكِ وَقَدْ حَصَلَ فَلَوْ صَلَّاهَا لَمْ يَرْتَفِعْ مَا حَصَلَ مِنْ الِانْتِهَاكِ وَكَذَا الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَاعْتُرِضَ عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاصِّ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَضَاءُ وَيَدْخُلَ فِيهِ إحْرَامُ الدخول الثاني كما إذا دخل محرما بحجة الاسلام فانه يدخل فِيهِ إحْرَامُ الدُّخُولِ وَكَمَا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فَرِيضَةً فَيَدْخُلُ فِيهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (وَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْإِحْرَامَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ وَاجِبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَنْ أَهَلَّ بِحِجَّتَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ احرامه بهما بل ينعقد بأحداهما وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاصِّ غَلَطٌ وَلَيْسَ الْعِلَّةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ التَّسَلْسُلِ بَلْ فوات

الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ اعْتَرَضَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى تَعْلِيلِ ابْنِ الْقَاصِّ فَقَالَ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ سَوَاءٌ صَارَ حَطَّابًا أَوْ لَا وَإِلَّا فَيَبْطُلُ أَنْ يَجِبَ بِمَصِيرِهِ حَطَّابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قال ابن القاص في التخليص كُلُّ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ إذَا تَرَكَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الْكَفَّارَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُنْتَقَضُ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) إمْسَاكُ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فَلَوْ تَرَكَ الْإِمْسَاكَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَرْكِ الْإِمْسَاكِ كفارة ولا قضاء الامساك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَلَا يَجِبُ الحج والعمرة إلا على مسلم عاقل بالغ حر مستطيع (فأما) الكافر فان كان أصليا لم يصح منه لان ذلك مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ولا يخاطب به في حال الكفر فانه لا يصح منه فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُخَاطَبْ بِمَا فَاتَهُ فِي حال الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم (الاسلام يجب ما قبله) ولانه لَمْ يَلْتَزِمْ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَضَمَانِ حُقُوقِ الآدميين وان كان مرتدا لم يصح منه لما ذكرناه ويجب عليه لانه التزم وجوبه فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مسلم ذكره في أوائل الكتب فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - مِنْ الْجَبِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَرَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ يَحُتُّ - بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدُهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ (مِنْ الْحَتِّ وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ خَبَرُ آحَادٍ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الْقَطْعَ وَتَرَكَ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) فَيُنْكَرُ اسْتِدْلَالُهُ بِظَنِّيٍّ مَعَ وُجُودِ الْقَطْعِيِّ (وَجَوَابُهُ) أن الآية الكريمة تقتضي غفران الذنوب لاسقاط حُقُوقٍ وَعِبَادَاتٍ سَبَقَ وُجُوبُهَا (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَصَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ هُنَا هُوَ الْوَجْهَ لِانْطِبَاقِهِ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ كَانَ

أَصْلِيًّا فَيَعْنِي بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُرْتَدِّ وَيَدْخُلُ في الاصلى الذى وَالْحَرْبِيُّ سَوَاءٌ الْكِتَابِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقَوْلُهُ) مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ فَيُنْتَقَضُ بِالْكَفَّارَةِ وَالْعِدَّةِ وَأَشْبَاهِهِمَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رُكْنٌ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا يُخَاطَبُ بِهِ فِي حَالِ الْكُفْرِ مَعْنَاهُ لَا نُطَالِبُهُ بفعل الصلاة فِي حَالِ الْكُفْرِ (وَأَمَّا) الْخِطَابُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبَسَطْنَا هُنَاكَ الْكَلَامَ فِيهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُخَاطَبْ بِمَا فَاتَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ كفره واجدا للزاد والرحلة وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا اعْتِبَارَ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ بِهَا بَلْ يُعْتَبَرُ حَالُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَيَكُونُ إسْلَامُهُ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ الْمُسْلِمِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ بَعْدَهُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَضَمَانِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قَدْ يُقَالُ هَذَا الدَّلِيلُ نَاقِصٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا فِي الْكَافِرِ وَالْحَرْبِيِّ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ حُقُوقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَمْ يَلْتَزِمَا الْحَجَّ فَلَمْ يَلْزَمْهُمَا إذَا أسلما كمالا يَلْزَمُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَبَسَطْت هُنَاكَ بَيَانَهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ وُجُوبَهُ فَقَدْ يُقَالُ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَدُّ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْئًا فِي حَالِ قِتَالِ الْإِمَامِ لِلطَّائِفَةِ الْمُرْتَدَّةِ الْعَاصِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَطَاعَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ دَامَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا يَجِبُ الْحَجُّ على مسلم بالغ عاقل حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ الشُّرُوطِ لَمْ يَجِبْ بِلَا خِلَافٍ فَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَا يُطَالَبُ بِفِعْلِهِ فِي الدُّنْيَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْكِتَابِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِذَا اسْتَطَاعَ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يَسْتَطِيعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْكُفْرِ لَا أَثَرَ لَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتَطَاعَ فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَالْحَجُّ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ (وَأَمَّا) الْإِثْمُ بِتَرْكِ الْحَجِّ فَيَأْثَمُ الْمُرْتَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَهَلْ يَأْثَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ إنَّهُ مُخَاطَبٌ أَثِمَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِي الْحَجِّ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) لَا يَصِحُّ مِنْهُ بِحَالٍ وَهُوَ الْكَافِرُ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَنْ يَصِحُّ لَهُ لَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ الْمُسْلِمَانِ فَيُحْرِمُ عَنْهُمَا الْوَلِيُّ وَفِي الْجُنُونِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثُ) مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَعَبْدًا (وَالرَّابِعُ) مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ الْبَالِغُ الْحُرُّ (الْخَامِسُ) مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ الْمُسْتَطِيعُ قَالُوا فَشَرْطُ الصِّحَّةِ الْمُطْلَقَةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْلِيفُ بَلْ يَصِحُّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنَّفْسِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَشَرْطُ وُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَوْ تَكَلَّفَ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ الْحَجَّ وَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ وَقَعَ عَنْهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مَعَ الاستطاعة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وأما المجنون فلا يصح منه لانه ليس من أهل العبادات فلم يصح حجه ولا يجب عليه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ)) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَجْنُونِ (وَأَمَّا) صِحَّتُهُ فَفِيهَا وَجْهَانِ (جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ (وَجَزَمَ) الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ بِصِحَّتِهِ مِنْهُ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فِي الْعِبَادَاتِ قَالُوا وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَائِلِ الْعَقْلِ ويرجى برؤه عن قريب فهو كالمريض قال الْمُتَوَلِّي فَلَوْ سَافَرَ الْوَلِيُّ بِالْمَجْنُونِ إلَى مَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغَ أَفَاقَ فَأَحْرَمَ صَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ إلَّا أَنَّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ إفَاقَتِهِ فَقَدْرُ نَفَقَةِ الْبَلَدِ يَكُونُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَالزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مُدَّةُ إفَاقَتِهِ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْحَجِّ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْبَاقِيَةُ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ لِلْحَجِّ إفَاقَتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ والسعى دون ما سواها * * قال المصنف رحمه الله * (وأما الصبي فلا يجب عليه الحج للخبر ويصح منه لما روى عن ابن عباس (أن امرأة رفعت صبيا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ محفتها فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نعم ولك أجر) فان كان مميزا فأحرم باذن الولى صح احرامه وان احرم بغير اذنه ففيه وجهان قال أبو إسحق يصح كما يصح احرامه بالصلاة وقال أكثر أصحابنا لا يصح لانه يفتقر في أدائه إلى المال فلم يصح بغير اذن الولي بخلاف الصلاة وان كان غير مميز جاز لامه أن تحرم عنه لحديث ابن عباس ويجوز لابيه قياسا على الام ولا يجوز للاخ والعم أن يحرم عنه لانه لا ولاية لهما على الصغير فان عقد له الاحرام فعل بنفسه ما يقدر عليه ويفعل عنه وليه ما لا يقدر عليه لما روى جابر قَالَ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ) وعن ابن عمر قال (كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمي عنه) وفى نفقة الحج وما يلزمه من الكفارة قولان (أحدهما يجب في مال الولى لانه هو الذى أدخله فيه (والثانى) يجب في مال الصبى لانه وجب لمصلحته فكان في ماله كأجرة المعلم) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْمِحَفَّةِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ - وَهِيَ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النساء كالهودج الا انها لاتقتب بِخِلَافِ الْهَوْدَجِ فَإِنَّهُ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ يَكُونُ مُقَتَّبًا وَغَيْرَ مُقَتَّبٍ وَكَانَ سُؤَالُ الْمَرْأَةِ المذكورين فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سنة عشر من الهجرة قبل وفات رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الصَّبِيِّ وَيَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءً فِي الصُّورَتَيْنِ الصَّغِيرُ كَابْنِ يَوْمٍ وَالْمُرَاهِقُ ثُمَّ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اسْتَقَلَّ وَأَحْرَمَ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا نَقَلَهُ إيضا ابن الصباغ والبغوى وآخرون وصححه المصنفون

قال أصحابنا (فان قلنا) يصح فلو ليه تَحْلِيلُهُ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ اسْتِقْلَالُ الصَّبِيِّ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ يَصِحُّ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْوَلِيِّ عَنْهُ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا وَلِهَذَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَكَذَا الْحَجُّ قَالَ الْقَاضِي (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ قُلْتُمْ لَا يَتَوَلَّى الصَّبِيُّ إخْرَاجَ فِطْرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَجَوَّزْتُمْ هُنَا إحْرَامَهُ بِنَفْسِهِ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْنَا) الْحَجُّ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْفِطْرَةُ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَافْتَرَقَا وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ يَتَوَلَّاهَا الْوَلِيُّ وَالْإِحْرَامُ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ فَهُمَا سَوَاءٌ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ (أَمَّا) الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ حَلَالًا وَسَوَاءٌ كَانَ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَمُوَاجَهَتُهُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْقَاضِي وَالدَّارِمِيُّ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ بِبَغْدَادَ وَالصَّبِيُّ بِالْكُوفَةِ فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْإِحْرَامُ فَلَا يصح في غيبته ولانه لَوْ جَازَ الْإِحْرَامُ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ لَجَازَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ عَنْهُ فِي غَيْبَتِهِ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ وَهُوَ غَائِبٌ لَا يَعْلَمُ الْإِحْرَامَ فَرُبَّمَا أَتْلَفَ صَيْدًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الَّتِي لَوْ عَلِمَ الاحرام لا جتنبها (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نِيَّةُ الْوَلِيِّ وَذَلِكَ يَصِحُّ وَيُوجَدُ مَعَ غَيْبَةِ الصَّبِيِّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لما ذكرناه من خوف فعل المخطورات والله أعلم *

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ فَقَدْ اضْطَرَبَتْ طُرُقُ أَصْحَابِنَا فِيهِ فَأَنْقُلُ جُمْلَةً مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ ثُمَّ أَخْتَصِرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْأَبَ يُحْرِمُ عَنْهُ وَيَأْذَنُ لَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْجَدِّ وَلَا إذْنُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَصِحُّ كَمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِجَدِّهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ عَلَى الكفر على خلاف مشهور المذهب الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَدَّ عَقَدَ الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ لَا لِلطِّفْلِ وَصَارَ الطفل تَبَعًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِحُكْمِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةُ مَوْجُودَةٌ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ فَلَا يُحْرِمُ الْجَدُّ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَعْقِدُ لِلطِّفْلِ فَيَقْتَضِي وِلَايَةً وَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَعَدَمِ جَدٍّ أَقْرَبَ مِنْهُ (وَأَمَّا) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنْ يَكُونَ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ صَحَّ إحْرَامُهُ عَنْ الصَّبِيِّ وَإِذْنُهُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْمُمَيِّزِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَايَةٌ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ

سَوَاءٌ فِي هَذَا الْأُمُّ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ وَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ وَسَائِرَ الْعَصَبَاتِ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ وَلِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَفِي الْأُمِّ طَرِيقَانِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَإِحْرَامُهَا عَنْهُ كَإِحْرَامِ الْأَخِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ لَهَا وِلَايَةٌ بِأَنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهَا تَلِي الْمَالَ بَعْدَ الْجَدِّ صَحَّ إحْرَامُهَا وَإِذْنُهَا فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَهُوَ اختيار المصنف والطائفة لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأُمَّ أَحْرَمَتْ عَنْهُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ وَلَا إذْنُهُ هَذِهِ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْقِيقِ الْوَلِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَمَّا الْوَلِيُّ الذى يحرم عن الصبى ويأذن للميز فقال الشيخ أبو حامة وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ مَالَهُ بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ فَإِنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْحَضَانَةِ وَتَعْلِيمِ الصَّبِيِّ وَتَأْدِيبِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ أَوْ تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ صَحَّ إحْرَامُهُمْ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَإِذْنُهُمْ لِلْمُمَيِّزِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ تَعْلِيمُهُ وَتَأْدِيبُهُ وَالْإِنْفَاقُ فِي ذلك من ماله (واصحهم) لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ فَهُمْ كَالْأَجَانِبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فِي التأديب والتعليم لانها قليلة فسومح بها (واما) الْأُمُّ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهَا تَلِي المال بعد الجد فلها الاحرام والاذى وإن

قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَلِي الْمَالَ بِنَفْسِهَا فَهِيَ كَالْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ قَالَ صاحب البيان هذه طريقة أبى حامد عامة اصحابنا قل وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ الْأُمُّ تُحْرِمُ عَنْهُ لِلْحَدِيثِ وَيَجُوزُ لِلْأَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُمِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْأَجْرُ لِحَمْلِهَا لَهُ وَمَعُونَتِهَا لَهُ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْإِحْرَامُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ وَأُمُّ الْأُمِّ لِأَنَّ وِلَادَتَهُمَا لَهُ حَقِيقَةٌ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَجُوزُ لِأَبِيهِ وَجَدِّهِ أَبِي أَبِيهِ وَلِوَصِيِّهِمَا وَفِي الاخ وابنه والعم وابنه وجهان والام ان قُلْنَا بِقَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَكَالْأَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَمِّ وَالْأَخِ هَذَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَرَجَّحَ الدَّارِمِيُّ صِحَّةَ إحْرَامِ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وِلَايَةُ الْمَالِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لِلْأَبِ وَالْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ الْإِحْرَامُ وَالْإِذْنُ لِلْمُمَيِّزِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأُمِّ عِنْدَ عَامَّةِ اصحابنا وجوزه الاصطخرى وأم الْإِخْوَةُ وَالْأَعْمَامُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ فَلَيْسَ لهم لاحرام عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمْ الحصانة وَالْقِيَامَ بِالْمَصَالِحِ وَتَأْدِيبَهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ وَتَعْلِيمَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ قَالَ فَأَمَّا الوصي

وَالْقَيِّمُ فَجَوَّزَ لَهُمَا الْإِحْرَامَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ لَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِحْرَامُ عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُهُ فَهُوَ كَالنِّكَاحِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ الْإِحْرَامُ عَنْهُ وَفِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَسَبَقَ تَعْلِيلُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْوَلِيُّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْهُ أَوْ يَأْذَنُ لَهُ هُوَ الْأَبُ وَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ وَقَالَ آخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَرْجَحُهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْعُ وَفِي الْأَخِ وَالْعَمِّ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ وَفِي الْأُمِّ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وِلَايَتِهَا الْمَالَ فَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ تَلِي الْمَالَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَا تَلِي الْمَالَ فَلَا تَلِي الْإِحْرَامَ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ أَذِنَ الْأَبُ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَصَحَّهُمَا (وَالْأَصَحُّ) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ الْأَبُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِابْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ به الولى ثم اعطاه لمن يحصره الحج ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْوَلِيِّ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَيَأْذَنُ لِلْمُمَيِّزِ وَحَاصِلُهُ جَوَازُ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَكَذَا الْجَدُّ عِنْدَ عدم

الْأَبِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُهُ لِلْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَمَنْعُهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيَّةٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ الْحَاكِمِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِيهِ أَوْجُهٌ (احدها) لا يجوز الا للاب ولجد عِنْدَ عَدَمِهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلِلْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَمَعَ وُجُودِهِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِلْأُمِّ (وَالرَّابِعُ) لِهَؤُلَاءِ وَلِلْأُخُوَّةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَاتِ (وَالْخَامِسُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِلْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ صِفَةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ أَنْ يَنْوِيَهُ لَهُ وَيَقُولَ عَقَدْتُ الْإِحْرَامَ فَيَصِيرُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ كَمَا إذَا عَقَدَ لَهُ النِّكَاحَ فَيَصِيرُ مُتَزَوِّجًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَنْوِي أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِ أَوْ عَقَدَهُ لَهُ أَوْ جَعَلَهُ مُحْرِمًا قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ كَيْفِيَّةُ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ لَهُ الْإِحْرَامَ وَجَعَلَهُ مُحْرِمًا فَيَنْوِيَهُ فِي نَفْسِهِ * (فَرْعٌ) الصَّوَابُ فِي حَقِيقَةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يُضْبَطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَتَى صَارَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِهِ أَوْ إحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَفَعَلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يُغَسِّلُهُ الْوَلِيُّ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَيُجَرِّدُهُ عَنْ المحيط وَيُلَبِّسُهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالنَّعْلَيْنِ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ المشئ ويطيبه وينظفه

وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ ثُمَّ يُحْرِمُ أَوْ يُحْرِمُ عَنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُجَنِّبَهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الرَّجُلُ فَإِنْ قَدَرَ الصَّبِيُّ عَلَى الطَّوَافِ بِنَفْسِهِ عَلَّمَهُ فَطَافَ وَإِلَّا طَافَ بِهِ كما سنوصحه فِي مَسَائِلِ الطَّوَافِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ صَلَّى الْوَلِيُّ عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَمَرَهُ بِهِمَا فَصَلَّاهَا الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَيُشْتَرَطُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ عَرَفَاتٍ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَكْفِي حضور عَنْهُ وَكَذَا يَحْضُرُ مُزْدَلِفَةَ وَالْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَسَائِرَ الْمَوَاقِفِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ مِنْ الصَّبِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْمَعُ الْوَلِيُّ فِي إحْضَارِهِ عَرَفَاتٍ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنْ تَرَكَ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَوْ تَرَكَ مَبِيتَ الولي الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مَبِيتَ لَيَالِيَ مِنًى وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَجَبَ الدَّمُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فِدْيَةِ ما يرتكبه الصبى من المخطورات عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَأَمَّا) الطِّفْلُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرَّمْيِ أَمَرَهُ بِهِ الْوَلِيُّ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الرَّمْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ فِي يَدِ الطِّفْلِ ثُمَّ يَأْخُذَ بِيَدِهِ وَيَرْمِيَ بِالْحَصَاةِ وَإِلَّا فَيَأْخُذُهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيهَا الْوَلِيُّ وَلَوْ لَمْ يَضَعْهَا فِي يَدِهِ بَلْ رَمَاهَا الْوَلِيُّ ابْتِدَاءً جَازَ (أَمَّا) إذَا كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ رَمْيٌ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ رَمَى وَنَوَى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ الصَّبِيِّ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَحَدُهُمَا) يَقَعُ عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ نَوَاهُ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي يَقَعُ عَنْ الْوَلِيِّ لَا عَنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى أَنْ لَا يَتَبَرَّعَ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْفَرْضِ وَلَوْ تَبَرَّعَ وَقَعَ فَرْضًا لَا تَبَرُّعًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ إذَا حَمَلَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَطَافَ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ صُورَةَ الطَّوَافِ وَهِيَ الدَّوَرَانُ وُجِدَتْ مِنْ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فَنَظِيرُهُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَطُوفَ الْوَلِيُّ غَيْرَ حَامِلٍ لِلصَّبِيِّ وَيَنْوِيَ عَنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ دَابَّةً وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَطَافَتْ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ سائقا أو قائدا وإنما ضبطره بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَطَافَ عَلَيْهَا صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فرع) قال أصحابنا نفقة الصبي سَفَرِهِ فِي الْحَجِّ يُحْسَبُ مِنْهَا قَدْرُ نَفَقَتِهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَفِي الزَّائِدِ بِسَبَبِ السَّفَرِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ أبو حامد والمحاملي والمتولي وغيرهم النصوص فِي الْإِمْلَاءِ مُخَرَّجٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُهُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَحَّحْنَاهُ حَلَّلَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِالزَّائِدِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَهْمَلَهُ لِظُهُورِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ إذَا سَافَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقُلْنَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ عَامِلَ الْقِرَاضِ مُعَطَّلٌ فِي سَفَرِهِ عَنْ بَعْضِ مَكَاسِبِهِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْحَضَرِ فَجَرَتْ لَهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ السَّفَرِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِمَصْلَحَتِهِ فَكَانَتْ فِي مَالِهِ كَأُجْرَةِ التَّعْلِيمِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَصَحِّ أَنَّ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطْلَقًا وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَجْهٌ

أَنَّ أُجْرَةَ تَعَلُّمِهِ مَا لَيْسَ مُتَعَيَّنًا بَعْدَ البلوغ كما زاد على الفاتحة والفقه وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فَحَصَلَ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَجِّ فِي مَالِ الْوَلِيِّ وَوُجُوبُ أُجْرَةِ تَعَلُّمِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعَلُّمِ كَالضَّرُورِيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي صِغَرِ الصَّبِيِّ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا لَا تُجْحِفُ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُسَلِّمَ النَّفَقَةَ إلَى الصَّبِيِّ وَلَكِنْ إنْ كَانَ مَعَهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سَلَّمَ الْمَالَ إلَى أُمِّهِ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الصَّبِيِّ فَإِنْ كان المال من مال الولى فلا شئ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ضَمِنَهُ الْوَلِيُّ لِتَفْرِيطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ الصَّبِيِّ من مخطورات الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ قَطْعًا وَإِنْ تَعَمَّدَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ عَمْدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) خَطَأٌ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ لِأَنَّ عَمْدَهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَعَمْدِ الْبَالِغِ وَلِهَذَا لَوْ تَعَمَّدَ فِي صَلَاتِهِ كَلَامًا أَوْ فِي صَوْمِهِ أَكْلًا بَطَلَا وَحَكَى الدَّارِمِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَلْتَذُّ بِالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرًا أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَمْدًا وَقُلْنَا عَمْدُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَسَهْوُهَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَهِيَ

كالطيب واللباس ومنى وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فَهَلْ هِيَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَمْ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا مَا سَبَقَ فِي النَّفَقَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هذا القول هو النصوص فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَجْهًا مُخَرَّجًا وَأَمَّا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَفِي الْأُمِّ أَنَّهَا في مال الصبي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِآدَمِيٍّ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَفِي مَالِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ هَذَا الْوَجْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كُلِّ فِدْيَةٍ تَجِبُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَتَى قُلْنَا الْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ فَهِيَ كَالْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْبَالِغِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَإِنْ اقْتَضَتْ صَوْمًا أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ (وإذا قُلْنَا) إنَّهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَتْ مرتبة

فَحُكْمُهَا حُكْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَتْ فِدْيَةَ تَخْيِيرٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ فِي حَالِ الصِّبَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وهو قول القاضى أبو حامد المروروزى لِأَنَّ صَوْمَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ يَقَعُ وَاجِبًا وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِمَّنْ يَقَعُ عَنْهُ وَاجِبٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ هَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ فِي فِدْيَةِ التَّخْيِيرِ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَالِ فِيهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَأَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى خِلَافٍ فِيهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ * (فَرْعٌ لَوْ طَيَّبَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ وَأَلْبَسهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ طَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَهَلْ يَكُونُ الصَّبِيُّ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ يُتَوَجَّهْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ مُطَالَبَةٌ وَإِلَّا طُولِبَ وَرُجِعَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ

أو الولى عند يساره أو إمكان الْأَخْذِ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَرِيقًا وَإِنْ فَعَلَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَمَصْلَحَتِهِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا فِي مَالِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ كَمُبَاشَرَةِ الصَّبِيِّ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوَلِيُّ (وَالثَّانِي) الصَّبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أَلْجَأَهُ الْوَلِيُّ إلَى التَّطَيُّبِ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ فَوَّتَهُ الْوَلِيُّ الْحَجَّ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا تَمَتَّعَ الصَّبِيُّ أَوْ قَرَنَ فَحُكْمُ دَمِ التَّمَتُّعِ وَدَمِ الْقِرَانِ حُكْمُ الْفِدْيَةِ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمَوْجُودِ هُنَاكَ * (فَرْعٌ) لَوْ جَامَعَ الصَّبِيُّ فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَقُلْنَا عَمْدُهُ خَطَأٌ فَفِي فَسَادِ حَجِّهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْبَالِغِ إذَا جَامَعَ نَاسِيًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْسِدُ حَجَّهُ (وَالثَّانِي) يُفْسِدُ وَإِنْ جَامَعَ عَامِدًا وَقُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ فَسَدَ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا فَسَدَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي

أبو الطيب في تعليقه وجهين والمشهوران قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ اتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ صَحِيحٌ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّبَا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَحَتْ حَالَةُ الصِّبَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الصَّبِيِّ فِي هَذَا صَلَحَتْ لِإِجْزَائِهِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الصِّبَا لَيْسَ مَحَلَّ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بَلَغَ يُنْظَرُ فِي الْحِجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ

لَأَجْزَأَتْهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ بَلَغَ قَبْلَ فوات الوقوف وقع القضاء عن حجة الإسلام وان كانت بحيث لا تجزى لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْفَسَادِ بِأَنْ بَلَغَ بَعْدَ الوقوف لم يقع القضاء عن حجة الإسلام بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِيَ فَإِنْ نَوَى الْقَضَاءَ أَوَّلًا وَقَعَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَهَذَا أصل لكل حجة فاسدة إذا قضيت هل تَقَعُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيهَا هَذَا التَّفْصِيلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَشَرَعَ فِيهِ وَبَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ فَسَدَ حَجُّ الصَّبِيِّ وَقُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وجبت الكفارة وهى بدنة وإن توجب القضاء ففى

الْبَدَنَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشامل وآخرن وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَإِذَا وجبت البدنة فهل تجب في مالى الْوَلِيِّ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَنَفَقَةُ الْقَضَاءِ هَلْ تَجِبُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ أَمْ الصَّبِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْبَدَنَةِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَرْعَ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا فَرَأَيْتُ ذِكْرَهُ هُنَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ (مُوَافَقَةُ) الْجُمْهُورِ (وَالْمُبَادَرَةُ) إلَى الْخَيْرَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ صَامَ الصَّبِيُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَامَعَ فِيهِ جِمَاعًا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَقُلْنَا إنَّ وَطْأَهُ فِي الحج عامدا يوجب الفدية ففى وجوب كفارة الوطئ فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَلْزَمُهُ كَمَا تَلْزَمُهُ البدنة بافساد الصوم (وَالثَّانِي) لَا تَلْزَمُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ إذَا نَوَى الْوَلِيُّ أَنْ يَعْقِدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَعْقِدْهُ ثُمَّ عَقَدَهُ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يُحْرِمْ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ الْإِحْرَامَ لِلصَّبِيِّ ثُمَّ فَوَّتَ الْحَجَّ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ لَا عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ (أَمَّا) الْوَلِيُّ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَلَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الاحرام *

(فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ قَالَ وَلَوْ خَرَجَ الْوَلِيُّ بِالْمَجْنُونِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْمَجْنُونِ مِنْ مَالِهِ نُظِرَ إنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ غَرِمَ الْوَلِيُّ زِيَادَةَ نَفَقَةِ السَّفَرِ وَإِنْ أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَحَجَّ فَلَا غُرْمَ لِأَنَّهُ قَضَى ما عليه ويشترط إفاقته عند الاحرام والوقوف وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِحَالَةِ الْحَلْقِ قَالَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ نُسُكًا اشْتِرَاطُ الْإِفَاقَةِ فِيهِ كسائر الاركان هذا كلام الرافعى وقال هو قَبْلَ هَذَا الْجُنُونِ كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ نَحْوَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ إفَاقَتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي وُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) وُقُوعُهُ تَطَوُّعًا فَلَا يُشْتَرَطُ فيه شئ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَلِهَذَا قَالُوا هُوَ كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ مَبْسُوطًا فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا العراقيون والخراسانيون وغيرهم بأن الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ غُشِيَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُ وليه عنه وَلَا رَفِيقِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ زَائِلِ الْعَقْلِ وَيُرْجَى بُرْؤُهُ عَنْ قُرْبٍ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ خَرَجَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُ وَلِيِّهِ وَلَا رَفِيقِهِ عَنْهُ سَوَاءٌ كان اذن غلط فِيهِ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ إحْرَامُ رَفِيقِهِ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَفْوِيتُ الْإِحْرَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَدَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ لِلْعَجْزِ كَالطَّوَافِ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى الطِّفْلِ قَالَ الْقَاضِي وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ بَلَغَ فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْإِحْرَامِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالنَّائِمِ (فَإِنْ قِيلَ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا نُبِّهَ لَا يَنْتَبِهُ بِخِلَافِ النَّائِمِ (قُلْنَا) هَذَا الْفَرْقُ يَبْطُلُ بِإِحْرَامِ غَيْرِ رَفِيقِهِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الطَّوَافِ لَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حتى لو كَانَ مَرِيضًا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ الطَّوَافُ عَنْهُ بَلْ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الطِّفْلِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ يُرْجَى زَوَالُهُ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الصِّبَا وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ لِلصَّبِيِّ دُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْرِمَ لَهُ فَيَصِيرَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ كَانَ مَرِيضًا مَأْيُوسًا مِنْهُ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ أَنَّ نَائِبَ الْمَرِيضِ يَحْتَاجُ أَنْ يَفْعَلَ عَنْهُ كُلَّ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَذِّرَةُ مِنْهُ بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِنَّهُ يَتَأَتَّى مِنْهُ مُعْظَمُ الْأَفْعَالِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) عَدَمُ وُجُوبِهِ عَلَى الصَّبِيِّ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَعَنْ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا حَجَّ ثم افاق أو الصبى ثم بلغ انه لا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جِنَايَاتِ الصِّبْيَانِ لَازِمَةٌ لَهُمْ (وَأَمَّا) صِحَّةُ حَجِّ الصَّبِيِّ فَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ * وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ) إلَى آخِرِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَقِيَاسًا عَلَى النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لانه لَوْ صَحَّ مِنْهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَهُ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ

صَبِيًّا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله ألهذا أحج قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ السائب ابن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَحَّحَهُمَا مِنْهُ وَكَذَا صَحَّحَ حَجَّهُ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ وَنَقْلُهُ خَطَأٌ مِنْهُ وَصَحَّحَ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي النَّافِلَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (رُفِعَ الْقَلَمُ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ لَا إبْطَالُ أَفْعَالِهِ (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُكْتَبُ عليه شئ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ الْكِتَابَةِ لَهُ وَحُصُولُ ثَوَابِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النَّذْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَنْكَسِرُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُهُمَا وَيَصِحَّانِ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْكَسْرَ هُوَ أَنْ تُوجَدَ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ وَالنَّقْضُ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَلَا حُكْمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ الصَّبِيِّ سَاقِطٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ فِعْلٌ وَنِيَّةٌ فَهُوَ كَالْوُضُوءِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِالْوُضُوءِ (وَالثَّانِي) أَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَيْسَ فِي صِحَّتِهِ تَغْلِيظٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَهُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ

(وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي المسألة الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ دَلَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَالْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَكَلُّفٌ بَعْدَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ قَالَ وَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُمْ فَرْقٌ أَصْلًا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ (فَإِنْ قَالُوا) فِي الْحَجِّ مُؤْنَةٌ (قُلْنَا) تِلْكَ الْمُؤَنُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ (فَإِنْ قَالُوا) فِيهِ مَشَقَّةٌ (قلنا مشقة المواظبة عَلَى الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَشُرُوطِهِمَا أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ صَحَّحَ حَجَّ الصَّبِيِّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَسَائِرُ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِّ وَمِصْرَ قال وكل ما ذَكَرْنَاهُ يَسْتَحِبُّ الْحَجَّ بِالصِّبْيَانِ وَيَأْمُرُ بِهِ

قَالَ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُحَجُّ بِالصَّبِيِّ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَجَّ بِأُغَيْلِمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَحَجَّ السَّلَفُ بِصِبْيَانِهِمْ قَالَ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَفَعَتْ الصَّبِيَّ وَقَالَتْ (أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) قَالَ فَسَقَطَ كُلُّ مَا خَالَفَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا فِرْقَةً شَذَّتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُحَجُّ بِهِ إلَّا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنَعُوا ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا يَعْمَلُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْقِرَاءَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إذَا صَحَّحْنَاهُمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ من مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ كَحَدِيثِ (ألهذا احج قال نعم ولك أجر) وحديث السائب ابن يزيد وحديث جابر وغيرها مِمَّا سَبَقَ هُنَا وَحَدِيثِ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ تَصْوِيمِ الصِّبْيَانِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَدِيثِ (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ) وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثِ إمَامَةِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ واشباه ذلك *

* قول المصنف رحمه الله تعالي * (وأما العبد فلا يجب عليه ويصح منه لانه من أهل العبادة فصح منه الحج كالحر فان أحرم باذن السيد وفعل ما يوجب الكفارة فان ملكه السيد مالا وقلنا انه يملكه لزمه الهدى (وإن قلنا) لا يملك ولم يملكه السيد فعليه الصوم وللسيد أن يمنعه من الصوم لانه لم يأذن في سببه وان أذن له في التمتع أو القران وقلنا لا يملك المال صام وليس للمولى منعه من الصوم لانه وجب باذنه (وإن قلنا) يملك ففي الهدى قولان (أحدهما) يجب في مال السيد لانه وجب باذنه (والثاني) لا يجب عليه لان اذنه رضاء بوجوبه علي عبده لا في ماله ولان موجب التمتع في حق العبد هو الصوم لانه لا يقدر على الهدى فلا يجب عليه الهدى) * (الشَّرْحُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَيْسَ هُوَ مُسْتَطِيعًا وَيَصِحُّ مِنْهُ الْحَجُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً وَقَالَ داود لا يصح بغير اذنه * دليلنا ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ نُسُكُهُ صَحِيحًا أَوْ أَفْسَدَهُ وَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ إحْرَامَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيُخَالِفُ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى قَوْلٍ لان يد المستأحر تَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إتْمَامِ نُسُكِهِ فَإِنْ

حَلَّلَهُ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُزَوَّجَةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ تَبَرُّعٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْعَارِيَّةِ فَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فلمشترى تحليله ولاخيار لَهُ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَآخَرُونَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ فَأَحْرَمَ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ وَتَصَرَّفَ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ تَحْلِيلُهُ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ بُطْلَانُ تَصَرُّفِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ رُجُوعَ السَّيِّدِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وجها واحدا

لانه أحرم بغير اذن ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ وَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ بَعْدَ إحْرَامِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ كَالْعَارِيَّةِ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ عَقَدَ عَقْدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ إبْطَالُهُ كَالنِّكَاحِ وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ إبْطَالُهُ كَالزَّوْجِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا لَا يُبْطِلُ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي حَجٍّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ فِي عُمْرَةٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَقِيلَ لَا يُحَلِّلُهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ ثُمَّ قَالَ فِيمَا إذَا أَذِنَ فِي حَجٍّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ظَنِّي أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَنْ خِلَافٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَحَصَلَ فِي الصُّورَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ

(أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ فيما إذا أذن في عمرة فأحرم يحج دُونَ عَكْسِهِ (وَالثَّانِي) لَهُ تَحْلِيلُهُ فِيهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّارِمِيِّ (وَالثَّالِثُ) لَيْسَ لَهُ فِيهِمَا وَهَذَا غَلَطٌ فِي صُورَةِ الْإِذْنِ فِي عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَوْ أَذِنَ فِي الْحَجِّ أَوْ التَّمَتُّعِ فَقَرَنَ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّمَتُّعِ إذْنٌ فِي الْحَجِّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِي كَلَامِ الدَّارِمِيِّ إشَارَةٌ إلَى خِلَافٍ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَكَذَا إنْ أَذِنَ فِي الْإِفْرَادِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَكَذَا لَوْ أَذِنَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْإِفْرَادِ فَقَرَنَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ أَذِنَ فِي الْإِحْرَامِ

مُطْلَقًا فَأَحْرَمَ وَأَرَادَ صَرْفَهُ إلَى نُسُكٍ وَأَرَادَ السَّيِّدُ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) هُوَ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ إذَا قَالَتْ رَاجَعْتَنِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي وَقَالَ قَبْلَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) قَوْلَانِ فَمِثْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ وَقَوْلُهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَمِثْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُرَاعَى السَّابِقُ بِالدَّعْوَى فَمِثْلُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ فَلَهُ في تحليله قبل دخول

ذى العقدة وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ دُخُولِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ أذن له في الاحرام من كان فَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ وَمُرَادُ الدَّارِمِيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدَ مِنْهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَذِنْتَ لِي فِي الاحرام

وَقَالَ السَّيِّدُ لَمْ آذَنْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ حِجًّا فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ فَإِنْ صَحَّحْنَا فَعَلَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ وَبَعْدَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي فِعْلِهِ رَقِيقًا فَفَعَلَهُ فَفِي صِحَّتِهِ الْوَجْهَانِ الْمَشْهُورَانِ في قضاء الصبى والعبد الحجة الْفَاسِدَةِ فِي حَالِ الصِّبَا وَالرِّقِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ نَذْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ

كَالْعَبْدِ الْقِنِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إحْرَامِ العبد وما يتعلق به وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَفِي جَوَازِ تَحْلِيلِهِ لِسَيِّدِهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كَمَنْعِهِ مِنْ سَفَرِ التِّجَارَةِ (وَالثَّانِي) لَهُ تَحْلِيلُهُ قَطْعًا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ مَنْفَعَةً فِي سَفَرِهِ لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا أَفْسَدَ الْعَبْدُ الْحِجَّةَ بِالْجِمَاعِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ وَجْهَانِ كَالصَّبِيِّ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ (الصَّحِيحُ) لُزُومُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهَذَا الطَّرِيقُ غَرِيبٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ عَلَى قَوْلٍ وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ رِقِّهِ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّبِيِّ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ فَإِنْ قُلْنَا (1) لَمْ يَلْزَمْ السيد أن

_ (1) كذا بالاصل فجرر

يَأْذَنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ إنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْإِفْسَادِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَآخَرُونَ إنْ قُلْنَا الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْإِذْنُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَإِذَا قُلْنَا يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ فِي حَالِ الرِّقِّ فَشَرَعَ فِيهِ فَعَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بعرفات

أوحال الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَضَى بعد العتق فهو كالصبي إذ قَضَى بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ حَالَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ الْقَضَاءُ عَنْ حجة الاسلام لانه لولا فَسَادُ الْأَدَاءِ لَأَجْزَأَهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْقَضَاءُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حِجَّةُ الْقَضَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا قَرِيبًا فِي جِمَاعِ الصَّبِيِّ فِي الْإِحْرَامِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْقَاعِدَةَ الْمُتَنَاوِلَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَاَللَّهُ أعلم *

(فرع) كل دم لزم العبد المحرم يفعل مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ وَالصَّيْدِ أَوْ بِالْفَوَاتِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ بِحَالٍ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ ثُمَّ إنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يملك المال بتمليك السيد على الْقَدِيمِ يَمْلِكُ بِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ وَقُلْنَا يَمْلِكُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَعَلَى الْجَدِيدِ فَرْضُهُ الصَّوْمُ وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ فِي حَالِ الرِّقِّ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَا بِإِذْنِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْتِزَامِهِ وَلَوْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَحُكْمُ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ حُكْمُ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ بِإِذْنِهِ فَهَلْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى السَّيِّدِ أَمْ لَا قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَجِبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَهْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْمَهْرِ وَلِلدَّمِ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَأُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا بَدَلَ لِدَمِ الْإِحْصَارِ صَارَ السَّيِّدُ ضَامِنًا عَلَى الْقَدِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ بَدَلٌ فَفِي صَيْرُورَتِهِ ضَامِنًا لَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الدَّمَ عَلَى السَّيِّدِ فَوَاجِبُ الْعَبْدِ الصَّوْمُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِإِذْنِهِ فِي سَبَبِهِ ولو ملكه سيده هديا وقلنا بملكه أَرَاقَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهُ وَلَوْ أَرَاقَهُ السَّيِّدُ عَنْهُ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ أَرَاقَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حَصَلَ الْإِيَاسُ مِنْ تَكْفِيرِهِ وَالتَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلِهَذَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا خِلَافٍ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ صَوْمِهِ وَوَجَدَ هَدْيًا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ اعْتَبَرْنَا فِي الْكَفَّارَةِ حَالَ الْأَدَاءِ أَوْ الْأَغْلَظَ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا حَالَ الْوُجُوبِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَهَلْ لَهُ الْهَدْيُ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ يَجِدُ الْهَدْيَ (وَالثَّانِي) لا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ حَالَ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ رِقِّهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْحِجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَهَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ جَوَّزْنَا لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلَهُ اردنا انه يأمره بالتحلل لانه يَسْتَقِلُّ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيَمْنَعَهُ الْمُضِيَّ وَيَأْمُرَهُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ أو يفعلها به ولا يرتفع الاحرام بشئ مِنْ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَحَيْثُ جَازَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ جَازَ لِلْعَبْدِ التَّحَلُّلُ وَطَرِيقُ التَّحَلُّلِ أَنْ يَنْظُرَ (فَإِنْ) مَلَّكَهُ السَّيِّدُ هَدْيًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ ذَبَحَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَحَلَقَ وَنَوَى بِهِ أَيْضًا التَّحَلُّلَ وَإِنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَالْحُرِّ فَيَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى وُجُودِ الْهَدْيِ إنْ قُلْنَا لَا بَدَلَ لِدَمِ الْإِحْصَارِ أَوْ عَلَى الضوم إنْ قُلْنَا لَهُ بَدَلٌ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى أَظْهَرِهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ وَالْحَلْقِ إنْ قُلْنَا هُوَ نسك (والطريق الثاني) لقطع بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِي انْتِظَارِ الْعِتْقِ وان منافعه لسيده وقد يستعمله في مخطورات الْإِحْرَامِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَحْلِيلَ الْعَبْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ اعلم *

(فَرْعٌ) حَيْثُ جَازَ تَحْلِيلُهُ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحْلِيلُ بَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْحَجِّ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا جَازَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ فَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَلَهُ حُكْمُ الْفَوَاتِ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ هَكَذَا صرح به الدارمي وغيره وهو ظاهر * قال المصنف رحمه الله تعالي * (وان حج الصبى ثم بلغ أو حج العبد ثم اعتق لم يجزئه ذلك عن حجة الاسلام لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة اخرى وايما عبد حج ثم اعتق فعليه حجة اخرى) فان بلغ الصبي أو عتق العبد في الاحرام نظرت فان كان قبل الوقوف بعرفة أو في حال الوقوف بعرفة اجزأه عن حجة الاسلام لانه اتي بافعال النسك في حال الكمال فاجزاه وان كان ذلك بعد فوات الوقوف لم يجزئه لانه لم يدرك وقت العبادة وان كان بعد الوقوف وقبل فوات وقته ولم يرجع إلى الموقف فقد قال أبو العباس يجزئه لان ادراك العبادة في حال

الكمال كفعلها في حال الكمال والدليل عليه أنه لو أحرم ثم كمل جعل كانه بد أبالاحرام في حال الكمال وإذا صلي في أول الوقت ثم بلغ في آخر الوقت جعل كانه صلى في حال البلوغ (والمذهب) أنه لا يجزئه لانه لم يدرك الوقوف في حال الكمال فاشبه إذا اكمل في يوم النحر ويخالف الاحرام لان هناك ادرك الكمال والاحرام قائم فوزانه من مسألتنا أن يدرك الكمال وهو واقف بعرفة فيجزئه وههنا أدرك الكمال وقد انقضي الوقوف فلم يجزئه كما لو أدرك الكمال بعد التحلل عن الاحرام ويخالف الصلاة فان الصلاة تجزئه بادراك الكمال بعد الفرغ منها ولو فرغ من الحج ثم أدرك الكمال لم يجزئه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِيهِ وَرِوَايَةُ الْمَرْفُوعِ قَوِيَّةٌ وَلَا يَضُرُّ تَفَرُّدُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ بِهَا فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَقْبُولٌ ضَابِطٌ روى عنه البخاري ومسلم في صحيحهما (وَقَوْلُهُ) كَمَلَ هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا - ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَفِي الْكَسْرِ ضَعْفٌ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ فَلَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يكون تَطَوُّعًا فَإِنْ اسْتَطَاعَا بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُمَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ اجماع من يعتد به للحديث المذكور لان حَجَّهُ وَقَعَ تَطَوُّعًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَعْدَهُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ لَكِنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ

فَوَاتِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أو في حَالَ الْوُقُوفِ فَيُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُمَا وَالْخِلَافُ يُتَصَوَّرُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ كَامِلًا فَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ كَمَلَ حَالَةَ الْإِحْرَامِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِأَنْ وَقَفَ يَوْمَ عَرَفَاتٍ ثُمَّ فَارَقَهَا ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى عَرَفَاتٍ فَحَصَلَ فِيهَا وَوَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقٍ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَلَغَ وَهُوَ وَاقِفٌ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فوجهان مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُجْزِئُهُ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَاضِحًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي حَالِ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي وَقْتِهِ أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَإِنْ كان

سَعَى فِي حَالِ الصِّبَا وَالرِّقِّ فَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْإِحْرَامِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سريج (أصحهما) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَالِ النَّقْصِ فَوَجَبَتْ إعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ (وَأَمَّا) السَّعْيُ فَانْقَضَى بِكَمَالِهِ فِي حَالِ النَّقْصِ فَإِذَا وَقَعَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا دَمَ إذْ لَا إسَاءَةَ وَلَا تَقْصِيرَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِفَوَاتِ الْإِحْرَامِ الْكَامِلِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّ كَمَالَهُ أَنْ يُحْرِمَ بَالِغًا حُرًّا مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَجِبُ قَوْلًا واحد وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَعُدْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا فَلَا دَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وفيه وجه انه لا يسقط الدم بالعود هُنَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا

وَحَيْثُ أَجْزَأَهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ فَهَلْ نَقُولُ وَقَعَ إحْرَامُهُمَا أَوَّلًا تَطَوُّعًا ثُمَّ انْقَلَبَ فَرْضًا عَقِبَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَمْ وَقَعَ إحْرَامُهُمَا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَدْرَكَا بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فَرْضًا وَإِلَّا فَنَفْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَقَعَ تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ فَرْضًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّا إنْ قُلْنَا وَقَعَ نَفْلًا وَسَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ بَلَغَ وَجَبَتْ إعَادَةُ السَّعْيِ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا إذَا أَفْسَدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ حَجَّهُمَا وَقُلْنَا يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ وَلَا يَصِحُّ فِي الصِّبَا وَالرِّقِّ أَوْ قُلْنَا يَصِحُّ وَلَمْ يَفْعَلَاهُ حَتَّى كَمَلَا بِالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَجَّةُ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ لَأَجْزَأَتْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَقَعَ الْقَضَاءُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تجزى عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْإِفْسَادِ بِأَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ لم يقع القضاء عن حجة الإسلام بل عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِيَ فَإِنْ نَوَى الْقَضَاءَ أَوَّلًا وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ إذَا قُضِيَتْ هَلْ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاضِحًا فِي جِمَاعِ الصَّبِيِّ قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ الْحَجُّ وَبَلَغَ وَعَتَقَ فَإِنْ كَانَ الْبُلُوغُ وَالْعِتْقُ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ مجتان حجة الفوت وحجة الاسلام ويبدأ بالاسلام قال وإن أفد الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الوقوف اجزأته حجة الْإِسْلَامِ وَيَبْدَأُ بِالْإِسْلَامِ قَالَ وَإِنْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَجْزَأَتْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ بَدَنَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْإِفْسَادِ وَالْأُخْرَى لِلْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي حُكْمِ إحْرَامِ الْكَافِرِ وَمُرُورِهِ بِالْمِيقَاتِ وَإِسْلَامِهِ فِي إحْرَامِهِ وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَصْحَابُ أَجْمَعُونَ مَعَ مَسَائِلِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَتَرْجَمُوا لِلْجَمِيعِ بَابًا وَاحِدًا وَقَدْ ذَكَرَ

الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةً مِنْهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ فَرَأَيْتُ ذِكْرَهُ هُنَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَمُبَادَرَةً إلَى الْخَيْرَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَتَى كَافِرٌ الْمِيقَاتَ يُرِيدُ النُّسُكَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَلَزِمَهُ الْحَجُّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَلَهُ الاخير لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَالْأَفْضَلُ حَجُّهُ مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَعَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ عَادَ مِنْهُ مُحْرِمًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَلْ أَحْرَمَ وَحَجَّ مِنْ مَوْضِعِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ كَالْمُسْلِمِ إذَا جَاوَزَهُ بِقَصْدِ النُّسُكِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا المزني فانه قال لا دم لانه مريد وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ فَأَشْبَهَ غَيْرَ مُرِيدِ النُّسُكِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا اسلم وامكنه الحج مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لا اثر لاحرامه في الكفر في شئ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ وَطِئَ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ مَرَّ كَافِرٌ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ لِيَحُجَّ قَابِلًا مِنْهَا وَأَسْلَمَ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ كَانَ حِينَ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ أَرَادَ حِجَّ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ بَعْدَهَا فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى تَارِكِ الْمِيقَاتِ إذَا حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَهَذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ سَنَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَوَى حَالَ مُرُورِهِ حِجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَوْ كَانَ حِينَ مُرُورِهِ لَا يُرِيدُ إحْرَامًا بشئ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفَعَلَهُ مِنْ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ سِوَى مَا سَبَقَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ إذَا أَحْرَمَا وَبَلَغَ وَعَتَقَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُمَا عَنْ حجة الاسلام وبه قال أبو اسحاق بن راهويه وقال بن الحسن البصري واحمد في العبد * وقال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُجْزِئُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَبْلُغْ ويعتق إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ فَلَا يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْوُقُوفِ أَوْ فِي

الْوَقْتِ وَلَمْ يَعُدْ إلَى عَرَفَاتٍ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُجْزِئُهُمَا إنْ كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ باقيا وان لم يرجعا والصحيح الْأَوَّلُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ولم يذكر في المسألة خلافا لغير ابن سريج قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ خِلَافًا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ وَالْعَبْدَ إذَا حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ أَنَّ عَلَيْهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إنْ اسْتَطَاعَا وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ دَاوُد وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ بُطْلَانُهُ وَلَوْ مَرَّ الْكَافِرُ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا نُسُكًا وَجَاوَزَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (1) يَسُدُّ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ دفع المال إليه بل يصبحه الْوَلِيُّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُنَصِّبُ قَيِّمًا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَعَ السَّفِيهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ أَوْ حَجٍّ نَذَرَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ إلَى فَرَاغِهِ وَلَوْ شَرَعَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ تَزِيدُ عَلَى نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَفِي مَعَ قَدْرِ النَّفَقَةِ الْمَعْهُودَةِ بِمُؤْنَةِ سَفَرِهِ وَجَبَ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ * (فَرْعٌ) يَصِحُّ حَجُّ الْأَغْلَفِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحُجُّ الْأَغْلَفُ حَتَّى يُخْتَنَ) فَضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْخِتَانِ مِنْ الْإِشْرَافِ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ * (فَرْعٌ) إذَا حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ أَوْ رَاكِبًا دَابَّةً مَغْصُوبَةً أَثِمَ وَصَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبد رى وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ * وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْحَجَّ

افعال مخصوصة والتحريم لمعنى خارج عنها * قال المصنف رحمه الله * (فأما غير المستطيع فلا يجب عليه لقوله عز وجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلا) فدل على أنه لا يجب على غير المستطيع والمستطيع اثنان مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره والمستطيع بنفسه ينظر فيه فان كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْصُرُ فِيهَا الصلاة فهو إن يكون صحيحا واجدا للزاد والماء بثمن المثل في المواضع التى جرت العادة ان يكون فيها في ذهابه ورجوعه وواجدا لراحلة تصلح لمثله بثمن المثل أو بأجرة المثل وان يكون الطريق آمنا من غير خفارة وان يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير والاداء (فأما) إذا كان مريضا تلحقه مشقة غير معتادة فلا يلزمه لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ إنْ شاء يهوديا أو نصرانيا)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَيْرَ قَوِيٍّ فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ نَحْوَهُ وَالْخُفَارَةُ - بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ - حكاهن صاحب الحكم وَهِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الطَّرِيقِ لِلْحِفْظِ وَفِي الطَّرِيقِ لُغَتَانِ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَذْكِيرَهُ بِقَوْلِهِ آمِنًا وَلَمْ يَقُلْ آمِنَةً (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا وَشُرُوطِهَا وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ نوعان كما ذكره المصنف (استطاعة) بمباشرته بِنَفْسِهِ (وَاسْتِطَاعَةٌ) بِغَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ شُرُوطُهُ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ بَدَنُهُ صَحِيحًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ فِيهِ قُوَّةٌ يَسْتَمْسِكُ بِهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنْ وَجَدَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (فَإِنْ لَمْ يجد الزاد لم يلزمه لما روى ابن عمر قال (قام رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله

ما يوجب الحج فقال الزاد والراحلة) فان لم يجد الماء لم يلزمه لان الحاجة الي الماء أشد من الحاجة إلى الزاد فإذا لم يجب علي من لم يجد الزاد فلان لا يجب علي من لم يجد الماء أولي وان وجد الماء والزاد باكثر من ثمن المثل لم يلزمه لانه لو لزم ذلك لم يامن ان لا يباع منه ذلك الا بما يذهب به جميع ماله وفى ايجاب ذلك إضرار فلم يلزمه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ بريد الحوزى قال الترمذي وقد تكلم فيه بعض أهل مَنْ قَدْ قَلَّ حِفْظُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) وقد اتفقت الاحفاظ على تضعيف ابراهيم الحوزى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْحَجِّ وَإِنْ أَطَاقَهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا منقطع ومنها ما يمتنع أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَثْبِيتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابن عمر هذا من رواية الحوزى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَنَى الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ يَمْتَنِعُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَثْبِيتِهِ قَالَ وانما امتنعوا من تثبيته لانه يعرف بالحوزى وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ من طريق غير الحوزى ولكنه اضعف من الحوزى قَالَ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَرَاهُ إلَّا مُوهَمًا فَالصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ البصري عن النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي المسألة احاديث اخر لا يصح شئ منها (واشهرها) حديث ابراهيم الحوزى وينضم إليه مرسل الحسن وقد روى الدارقطني هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَصِحُّ شئ مِنْهَا وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ مُتَسَاهِلٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ الزَّادِ وَالْمَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَرَتْ العادة بوجودها فِيهَا وَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ لم يجب الحج لان وجود الشئ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ كَعَدَمِهِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ أَوْعِيَةِ الزَّادِ وَالْمَاءِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَفَرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ

جَدْبٍ وَخَلَتْ بَعْضُ الْمَنَازِلِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِحَمْلِ الزَّادِ مِنْهَا مِنْ أَهْلِهَا أَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثَمَنُ الْمِثْلِ الْمُعَيَّنُ فِي الْمَاءِ وَالزَّادِ هُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِنْ وَجَدَهُمَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُمَا والحج سواء كانت الاسعار غالية أم رخصية إذَا وَفَى مَالُهُ بِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَحَمْلِ الزَّادِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى (1) وَحَمْلِ الْمَاءِ مَرْحَلَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَنَحْوِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَالْمَوَاضِعِ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ آلَاتِ الْحَمْلِ (وَأَمَّا) عَلَفُ الدَّوَابِّ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ فِي حَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ فِيهِ الْعَادَةَ كَالْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فِيهِ مَانِعٌ كَعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ الْعَلَفِ أَوْ أَنَّ فِيهِ عدوا أو نَحْوَ ذَلِكَ فَتَرَكَ الْحَجَّ فَبَانَ أَنْ لَا مانع فقد استقر عليه وجوب الحج صرح بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْمَانِعِ وَلَا عَدَمَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَصْلٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْحَجُّ وَهَذَا فِي الْعَدُوِّ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) فِي وُجُودِ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا * (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ وَالْمَاءِ وَلَكِنَّهُ كَسُوبٌ يَكْتَسِبُ مَا يَكْفِيهِ وَوَجَدَ نَفَقَةً فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ تَعْوِيلًا عَلَى الْكَسْبِ حكى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَكْتَسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا كِفَايَةَ يَوْمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ فِي أَيَّامِ *

_ (1) بياض بالاصل فحرر

الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا وَيَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَ) الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا تُجْعَلُ كَمِلْكِ الصَّاعِ فِي وُجُوبِ الفطرة هذا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ لَمْ يجد راحلة لم يلزمه لحديث ابن عمر وان وجد راحلة لا تصلح لمثله بان يكون ممن لا يمكنه الثبوت على القتب والزاملة لم يلزمه حتي يجد عمارية أو هودجا وان بذل له رجل راحلة) من غير عوض لم يلزمه قبولها لان عليه في قبول ذلك منة وفي تحمل المنة مشقة فلا يلزمه وإن وجد بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ اجرة المثل لم يلزمه لما ذكرناه في الزاد) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الزَّامِلَةُ بَعِيرٌ يَسْتَظْهِرُ بِهِ الْمُسَافِرُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ طَعَامَهُ وَمَتَاعَهُ (وَأَمَّا) الْعِمَارِيَّةُ - فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَالصَّوَابُ تَخْفِيفُ مِيمِهَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْهَوْدَجِ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمِحَفَّةِ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِهَا أَوْ أُجْرَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَكَانَ عَادَتَهُ أَمْ لَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاذِرِ الْحَجُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْمِلٍ وَلَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي حَقِّهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَحْمِلِ بَلْ يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ

عَلَى رَاحِلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَبَةً وَإِنْ كَانَتْ زَامِلَةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنْ كَانَ شَيْخًا هَرَمًا أَوْ شَابًّا ضَعِيفًا أَوْ عَادَتُهُ التَّرَفُّهَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَحْمِلِ وَرَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِلْمَحْمِلِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَلَوْ وَجَدَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ وَنَحْوُهَا بِحَيْثُ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ وُجُودُ الْمَحْمِلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُسْتَمْسِكٍ عَلَى الْمُقْتَبِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِرُكُوبِ اثْنَيْنِ فِي مَحْمِلٍ فَإِذَا وَجَدَ مُؤْنَةَ مَحْمِلٍ أَوْ شِقَّ مَحْمِلٍ وَوَجَدَ شَرِيكًا يَرْكَبُ مَعَهُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّرِيكَ لَمْ يَلْزَمْهُ سَوَاءٌ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ أَوْ الشِّقِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يبعد تخريجه عَلَى إلْزَامِ أُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ قَالَ وَفِي كَلَامِ إمام الحرمين اشارة إليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وُجِدَ الزاد والراحلة لذهابه ولم يجد لرجوعه نظرت فان كان له أهل في بلده لم يلزمه وان لم يكن له أهل ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه لان البلاد كلها في حقه واحدة (والثاني) لا يلزمه لانه يستوحش بالانقطاع عن الوطن والمقام في الغربة فلم يلزمه) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ اُشْتُرِطَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَسَائِرِ مُؤَنِ الْحَجِّ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فَإِنْ مَلَكَهُ لِذَهَابِهِ دُونَ رُجُوعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِلَا خِلَافٍ

إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَحَكَيَا وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ هَلْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِلرُّجُوعِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ أَصَحَّهُمَا الِاشْتِرَاطُ فَلَا يَلْزَمُهُ إذا لم يقدر علي ذلك ودليلهما فِي الْكِتَابِ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ يُخَصُّ الْوَجْهَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ له ببلده مسكنا فِيهِ احْتِمَالَاتٌ لِلْإِمَامِ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُ التَّخْصِيصُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمَعَارِفُ وَالْأَصْدِقَاءُ كَالْعَشِيرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ مُتَيَسِّرٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَيْسَ له عشيرة ولا اهل * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وُجِدَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَالْمُؤَجَّلُ يَحُلُّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ فِي الْحَجِّ لَمْ يَجِدْ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَجَلًا لَا يَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ وَنَقَلَ كَثِيرُونَ

أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِتَأْخِيرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَانَ حَالًّا عَلَى ملئ مُقِرٍّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَهُوَ كَالْحَالِّ فِي يَدِهِ وَيَجِبُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عليه الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عليه بسبب دبن عَلَيْهِ فَعَدَمُ وُجُوبِ الِاسْتِدَانَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يلزمه الحج لان النقة عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِمَسْكَنٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ خَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ) * (الشَّرْحُ) أَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكِسْوَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُ وَسُكْنَاهُ كَنَفَقَتِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُؤَنِ (أَمَّا) إذَا احْتَاجَ إلَى مَسْكَنٍ أَوْ خَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَنْصِبِهِ أَوْ زَمَانَتِهِ وَنَحْوِهِمَا وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يَلْزَمُهُ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الرَّافِعِيُّ عن

الْأَكْثَرِينَ وَقَاسُوهُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِيهِمَا وَعَلَى ثِيَابِهِ وَمَا في معناها من ضرورات حَاجَاتِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَبَيْعُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي ذَلِكَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ بِهِ أيضا البندنيجي وصححه الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا يَسْتَأْجِرُ مَسْكَنًا وَخَادِمًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَمْ يَنُصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهَا فَإِذَا اشْتَرَطْنَا لِوُجُوبِ الْحَجِّ زِيَادَةً عَلَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فَلَمْ يُوجَدَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ مَالٌ يَصْرِفُهُ فِيهِمَا ولا يفضل شئ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ لَائِقٌ بِخِدْمَةِ مِثْلِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ بِبَعْضِ الدَّارِ وَوَفَى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ وَيَكْفِيهِ لِسُكْنَاهُ بَاقِيهَا أَوْ كَانَا لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا أو في الزَّائِدُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ هُنَا وَكَذَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ أن الاصحاب أطلقوه هنا قال لكن فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ النَّفِيسَيْنِ الْمَأْلُوفَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِهِمَا هُنَا وَهَذَا لَمْ يَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ جَرَيَانُهُمَا بِلَازِمٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بدلا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فَقِيهًا وَلَهُ كُتُبٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا لِلْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ

لَهُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ إلَّا نُسْخَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى كُلِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ نُسْخَتَانِ لَزِمَهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ فِي مُجَرَّدِهِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ كُتُبِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ نُسْخَتَانِ مِنْ كِتَابٍ فَيَجِبُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يَلْزَمُ الْفَقِيهَ بَيْعُ كُتُبِهِ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَصَرْفُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَكَذَا الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ الضَّعِيفَةِ فِي وُجُوبِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ لِلْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يُلْزِمُهُ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَهُوَ الْجَارِي عَلَى عَادَةِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا فِي الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَعَلَى مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ وَبَابِ التَّفْلِيسِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فِي أَوَّلِ بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفَقِيرِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح لان الحاجة الي ذلك علي الفور والحج ليس علي الفور) * (الشَّرْحُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْحَجُّ وَاحْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ لِخَوْفِ الْعَنَتِ فَصَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ أَهَمُّ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ حَاجَةَ النِّكَاحِ نَاجِزَةٌ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَصْرِفُ مَا مَعَهُ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِهَذَا وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ العراقيين وغيرهم

قالوا يجب الحج علي من أراد التزويج لَكِنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى التَّرَاخِي ثُمَّ إنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ فَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ صرح خلائق من الصحاب بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ لَهُ صَرْفُ هَذَا الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَيَبْقَى الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كتابه الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّافِعِيِّ فِيمَا قَالَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَفَهْمِهِ عَنْهُمْ (وأما) نقله عن إمام الحرمين فصحيح وَقَدْ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ بِهِ فَقَالَ لَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا وَهَذَا لَفْظُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قال قال العراقيون لو فضل شئ وَخَافَ الْعَنَتَ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَكَانَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ بَلْ لَهُ صَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ لان في تأخيره ضرر به والحج على التراخي قال فإذا لَا اسْتِطَاعَةَ وَلَا وُجُوبَ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِعِينَ بِهِ قِيَاسُ طُرُقِنَا وَإِنْ لم نجده منوصوصا فِيهَا هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الِاسْتِطَاعَةُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بَلْ قالوا تجب الْحَجُّ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ وَصَرْفُ الْمَالِ إلَى النِّكَاحِ وَيَكُونُ الْحَجُّ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ وَفِي حِكَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَالصَّوَابُ اسْتِقْرَارُ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمَلَاذِ فلا يمنع وجوب الحج والله اعلم *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ احْتَاجَ إليه فِي بضاعة يَتَّجِرُ فِيهَا لِيُحَصِّل مَا يَحْتَاج إلَيْهِ لِلنَّفَقَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فهو كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ لانه واجد للزاد والراحلة) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ يكسب بِهَا كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ أَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُحَصِّلُ مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ كفاية وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِذَا حَجَّ بِهِ كَفَاهُ وَكَفَى عياله ذاهبا وراجعا ولا يفضل شئ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ قَالَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُفْلِسِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ وَيَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِضَاعَةً فَجَوَازُهُ فِي الْحَجِّ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَهُمَا الرُّكْنُ الْمُهِمُّ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالْوُجُوبِ لَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا مَلَكَهَا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَجِدُهُ ذَخِيرَةً قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فَمُرَادُهُ انه يترك له ذلك برضي الْغُرَمَاءِ فَأَمَّا بِغَيْرِ رِضَاهُمْ فَلَا يُتْرَكُ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ هُوَ الصَّحِيحُ عند جماهير الاصحاب فمن صححه

الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ سِوَى ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا أَعْرِفُ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ عَنْهُ وَلَا أجده في شئ من كتبه قال أبو حامة وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ خِلَافٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ غَلَطٌ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَامَّةَ أَصْحَابِنَا قَالُوا بِالْوُجُوبِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ غَلَّطُوا ابْنَ سُرَيْجٍ فِي هَذَا وَزَيَّفُوا قَوْلَهُ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ وَبِالْوُجُوبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِعَدَمِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ إجْمَاعَ مَنْ قَبْلَهُ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ أَحْمَدَ وَابْنَ سُرَيْجٍ مَحْجُوجَانِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُمَا وَاَللَّهُ اعلم *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وله صنعة يكتسب بها كافيته لِنَفَقَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بِمَشَقَّةٍ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا فاستحب له اسقاط الفرض كالمسافر إذ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ وَيَحْتَاجُ إلَى تَكَفُّفِ النَّاسِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِمَسْأَلَةٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَكْرُوهَةٌ وَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَحَمُّلَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فكره) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ تَحَمُّلُهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (وَقَوْلُهُ) يَتَكَفَّفُ مَعْنَاهُ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ

فِي طَرِيقِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَلَا يجب ذلك ودليلهما ما بين فِي الْقَادِرِ عَلَى الصَّنْعَةِ فَإِنْ أَكْرَى نَفْسَهُ فَحَضَرَ مَوْضِعَ الْحَجِّ لَزِمَهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ الْآنَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاضُ مَالٍ يَحُجُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ مُتَخَلِّيًا عَنْ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ فَحَجَّ وَاتَّجَرَ صَحَّ حَجُّهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ لَكِنْ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْ التِّجَارَةِ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُ هَذَا مَعَ مَا سَبَقَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عباس قال (كانت عكاظ ومكة وذو المحار اسواما فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَالُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

أَيْضًا (أَنَّ النَّاسَ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ كَانُوا يتبايعون بمني وعرفات وذى المحار وَمَوَاسِمِ الْحَجِّ فَخَافُوا الْبَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا من ربكم فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ (كُنْتُ رَجُلًا أُكْرَى فِي هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ لَيْسَ لَك حَجٌّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَلَيْسَ يُحْرِمُ وَيُلَبِّي وَيَطُوفُ بالبيت ويفضى من عرفات ويرمي الحجار قُلْتُ بَلَى قَالَ فَإِنَّ لَك حَجًّا جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتنِي عَنْهُ فَسَكَتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم) فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ لَكَ حَجٌّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فقال (أو أجر نَفْسِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنْسُكُ مَعَهُمْ الْمَنَاسِكَ إلَى آخِرِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَعَمْ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَادَتُهُ سُؤَالُ النَّاسِ أَوْ الْمَشْيُ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدَ واسحق وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْبَغَوِيّ هو قول العماء وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ عِكْرِمَةُ الِاسْتِطَاعَةُ صِحَّةُ الْبَدَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَابِ حديث مسند قال وحديث (ما لسبيل قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) ضَعِيفٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وقد سبق بيانه *

* قال المصنف رحمه الله * (وإن كان الطريق غير آمن لم يلزمه لحديث ابي امامة ولان في ايجاب الحج مع الخوف تغريرا بالنفس والمال وإن كان الطريق آمنا الا انه محتاج إلى خفارة لم يلزمه لان ما يؤخذ من الخفارة بمنزلة ما زاد علي ثمن المثل واجرة المثل في الزاد والراحلة فلا يلزمه ولانه رشوة علي واجب فلم يلزمه) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَسَبَقَ في الفصل المذكوران الْخُفَارَةَ - بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا - وَالرِّشْوَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ أَمْنُ الطَّرِيقِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْبَضْعِ (فَأَمَّا) الْبَضْعُ فَمُتَعَلِّقٌ بِحَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَسَنَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وليس للامن الْمُشْتَرَطُ أَمْنًا قَطْعِيًّا قَالَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ

الْغَالِبُ فِي الْحَضَرِ بَلْ الْأَمْنُ فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَأَمَّا) النَّفْسُ فَمَنْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ آمِنًا فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ طَرِيقِهِ أَوْ أَبْعَدَ إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الْأَبْعَدِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَأَمَّا) الْبَحْرُ فَسَنَذْكُرُ الْخَوْفَ مِنْهُ عَقِيبَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمَالُ فَلَوْ خَافَ عَلَى مَالِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ رَصَدِيٍّ أَوْ غيره لم

يَلْزَمْهُ الْحَجُّ سَوَاءٌ طَلَبَ الرَّصَدِيُّ شَيْئًا قَلِيلًا أو كثيرا إذا تعين ذلك الطريق ولم يَجِدْ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ الَّذِي يَخَافُهُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كان العدو كافرا وَأَطَاقَ الْحَاجُّ مُقَاوَمَتَهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا الْحَجَّ وَالْجِهَادَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسْتَحَبَّ الْخُرُوجُ وَلَا الْقِتَالُ قال أصحابنا ويكره بذل المال للرصديين لِأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْن وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ فَفِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِهِ وَوُجُوبِ الْحَجِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أصحهما) عِنْدَهُ وُجُوبُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أُهَبِ الطَّرِيقِ فَهُوَ كَالرَّاحِلَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّ سَبَبَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ خَوْفُ الطَّرِيقِ وَخُرُوجُهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى خُفَارَةٍ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بالخفارة ما يأخذه الرصديون في المراصد وَهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَكُونُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِمِثْلِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ويحتمل أنهم أرادو الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ خِلَافَ مَا قَالَهُ وَلَكِنْ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبَ الْحَجِّ إذَا وَجَدُوا مَنْ يَصْحَبُهُمْ الطَّرِيقَ بِخُفَارَةٍ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَحَّحَهُ إمَامَانِ مِنْ مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا أبو القاسم الرافعى وأبو عمر وبن الصلاح مع اطلاعهما على عبارة الصحاب الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ امْتَنَعَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ مَقِيسٌ عَلَى أُجْرَةِ الْخَفِيرِ وَاللُّزُومُ فِي الْمَحْرَمِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْأُجْرَةِ مَعْنًى فِي الْمَرْأَةِ فَهُوَ كَمُؤْنَةِ الْمَحْمِلِ فِي حَقِّ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ وَإِنْ أَخَّرُوا الخروج بحيث لا يبلغوا مكة الا بان يقطعوا في كل أكثر من يوم مَرْحَلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَالَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ بِيَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَتْبَعَهُمْ هَذَا كُلُّهُ إذَا خَافَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَتْ آمِنَةً بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فيها لزمه ولا يشترط الرفقة *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ لَمْ يكن له طريق الا في البحر فقد قال في الام لا يجب عليه وقال في الاملاء ان كان أكثر معاشه في البحر لزمه فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يجب لانه طريق مسلوك فاشبه البر (والثانى) لا يجب لان فيه تغريرا بالنفس والمال فلا يجب كالطريق المخوف ومنهم من قال ان كان الغالب منه السلامة لزمه وان كان الغالب منه الهلاك لم يلزمه كطريق البر ومنهم من قال ان كان له عادة بركوبه لزمه وان لم يكن له عادة بركوبه لم يلزمه لان من له عادة لا يشق عليه ومن لا عادة له يشق عليه) * (الشَّرْحُ) اخْتَلَفَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقَالَ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ فِي الْبَرِّ طَرِيقٌ يُمْكِنُ سُلُوكَهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيمَا حَكَاهُ صاحب الشامل والتتمة وغيرهما أنه ان كن الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكَ إمَّا لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَإِمَّا لِهَيَجَانِ الْأَمْوَاجِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَجَبَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) لَا يَجِبُ (وَالرَّابِعُ) فِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ عَادَتُهُ رُكُوبَهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (وَالسَّادِسُ) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ لَهُ جُرْأَةٌ وَبَيْنَ الْمُسْتَشْعِرِ وَهُوَ ضَعِيفُ الْقَلْبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَشْعِرَ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلَانِ (وَالسَّابِعُ) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُ الجريئ وفى المستشعر قولان (والثامن) يلزم الجريئ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَشْعِرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ فَفِي اسْتِحْبَابِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ يُسْتَحَبُّ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ حَرُمَ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ (والثانى) لا يحرم لكن يُكْرَهُ قَالَ إمَامُ

الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهِيَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ نوجب ركوب البحر فتوسطه بِحَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي فِي رُكُوبِهِ إلَى الْحَجِّ أَمْ لَهُ الِانْصِرَافُ إلَى وَطَنِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى مَكَّةَ أَكْثَرَ مِمَّا قَطَعَهُ مِنْ الْبَحْرِ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَزِمَهُ التَّمَادِي قَطْعًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِاسْتِوَاءِ الْجُهْدَيْنِ فِي حَقِّهِ (وَالثَّانِي) لَا قَالُوا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ طَرِيقٌ فِي الْبَرِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ قَطْعًا لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ فِي الرُّجُوعِ مِنْ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أُحْصِرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَهَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ أَمْ لَا وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الرَّجُلِ (أَمَّا) الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ رُكُوبَ الْبَحْرِ عَلَى الرَّجُلِ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهَا خِلَافٌ (وَالْأَصَحُّ) الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ لِضَعْفِهَا عَنْ احْتِمَالِ الْأَهْوَالِ وَلِكَوْنِهَا عَوْرَةً مُعَرَّضَةً لِلِانْكِشَافِ وَغَيْرِهِ لِضِيقِ الْمَكَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهَا لَمْ يُسْتَحَبَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي اسْتِحْبَابِهِ لَهَا حِينَئِذٍ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الرَّجُلِ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ قَوْلَيْنِ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْبَحْرِ (أَمَّا) الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَدِجْلَةَ وَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ رُكُوبُهَا قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَلَا يَعْظُمُ الْخَطَرُ فِيهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ كَالْبَحْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ عِنْدَ غَلَبَةِ الْهَلَاكِ كَمَا سَبَقَ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ لِلتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ وَكَذَا الْمَنْدُوبَةُ أَوْلَى وَهَلْ يَحْرُمُ رُكُوبُهُ فِي الذَّهَابِ إلَى الْعَدُوِّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا (أَحَدُهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّ الْخَطَرَ الْمُحْتَمَلَ فِي الْجِهَادِ هُوَ الحاصل بسبب القتل وليس هذا منه (والثاني) لَا يَحْرُمُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَدُوِّ يُنَاسِبُهُ فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْجِهَادُ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَدُوِّ لَمْ يَنْفُذْ احْتِمَالُ الْعَدُوِّ فِي السَّبَبِ وَاَللَّهُ أعلم *

(فرع) إذا كان البحر مفرقا أَوْ كَانَ قَدْ اغْتَلَمَ وَمَاجَ حَرُمَ رُكُوبُهُ لِكُلِّ سَفَرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بايديكم إلى التهلكة) ولقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم) هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (فَرْعٌ) مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَجُّ فِي الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الاحاديث حديث ابن عمر وبن الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يركبن أحد بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا وَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ البخاري هذا الحديث ليس بصحيح رواه البيهقى من طرق عن ابن عمرو وموقوفا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَ أعمي لم يجب عليه الا ان يكون معه قائد لان الاعمي من غير قائد كالزمن ومع القائد كالبصير) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ وُجِدَ لِلْأَعْمَى زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَمَنْ يَقُودُهُ وَيَهْدِيهِ عِنْدَ النُّزُولِ وَيُرْكِبُهُ وَيُنْزِلُهُ وَقَدَرَ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الِاسْتِئْجَارُ لِلْحَجِّ عَنْهُمَا والحالة هذه وان لم يكن كذلك لم يلزمها الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمَا وَيَكُونَانِ مَعْضُوبَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْحَجِّ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ القطان عن ابن أبى هربرة عن أبي على ابن خَيْرَانَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا سَبَقَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَادِرٌ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَأَشْبَهَ الْبَصِيرَ وَقَاسَهُ الْمَاوَرْدِيُّ علي جاهل الطريق وأفعال الحج وعلى الصم فَإِنَّهُمَا يَلْزَمُهُمَا الْحَجُّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ إذَا وَجَدَا الْقَائِدَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِهَادِ أَنَّ الْجِهَادَ يَحْتَاجُ إلَى الْقِتَالِ وَالْأَعْمَى لَيْسَ من أَهْلَ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَائِدُ فِي حَقِّ الْأَعْمَى كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ يَلْزَمْهَا إلَّا أَنْ تَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنْهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا جَازَ مِنْ غَيْرِ نِسَاءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حَتَّى لَتُوشِكَ الظَّعِينَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا بِغَيْرِ جِوَارٍ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ قَالَ عَدِيٌّ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ بِغَيْرِ جِوَارٍ) وَلِأَنَّهَا تصير مستطيعة بما ذكرناه ولا تصير مستعطيعة بغيره) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ (بينا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَى إلَيْهِ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَتْ بِكَ الْحَيَاةُ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ) هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرًا وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِ طَوِيلٍ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ جِوَارٍ - فَبِكَسْرِ الْجِيمِ - وَمَعْنَاهُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَذِمَّةٍ وَالْحِيرَةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ مَدِينَةٌ عِنْدَ الْكُوفَةِ وَالظَّعِينَةُ الْمَرْأَةُ وَيُوشِكُ - بِكَسْرِ الشين - أي يدع وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَجُّ إلَّا إذَا أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمِ نَسَبٍ أَوْ غَيْرِ نَسَبٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فَأَيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وُجِدَ لَزِمَهَا الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شئ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ وَجَدَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً أَمْ لَا وَقَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ وَحْدَهَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَسْلُوكًا كَمَا يَلْزَمُهَا إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَطَائِفَةٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا سَبَقَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا سَيَقَعُ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَاز لِأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الحرب

إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْخَوْفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا خَرَجَتْ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَحْرَمٌ لَهَا أَوْ زَوْجٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ تَنْقَطِعُ بِجَمَاعَتِهِنَّ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ فَإِنْ فُقِدَ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ قَالَ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُنَّ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَى الرَّجُلِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ سِوَى الْقَفَّالِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ منهن محرم أو زوج قال ويقصد بِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ حُكْمَ الْخَلْوَةِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُوَ بِنِسْوَةٍ وَلَوْ خَلَا رَجُلٌ بِنِسْوَةٍ وَهُوَ مَحْرَمُ إحْدَاهُنَّ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا خَلَتْ امْرَأَةٌ بِرِجَالٍ وَأَحَدُهُمْ مَحْرَمٌ لَهَا جَازَ وَلَوْ خَلَا عِشْرُونَ رَجُلًا بِعِشْرِينَ امْرَأَةً وَإِحْدَاهُنَّ مَحْرَمٌ لِأَحَدِهِمْ جَازَ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِسَاءٍ مُفْرَدَاتٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُنَّ مَحْرَمًا لَهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِي الْخَلْوَةِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحُرُوفِهِ وَحَكَى فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْرِيمِ خَلْوَةٍ بنسوة منفردا بهن وهذا الذى ذكره الامام وصاحب العدة والمشهور جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لَهُ فيهن لعدم المفسدة غالبا لان النساء يستحين مِنْ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ * (فَرْعٌ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ لِسَفَرِ زِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَالْحَجِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سفر لبس بِوَاجِبٍ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ وَيُسْتَدَلُّ لِلتَّحْرِيمِ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَيْسَ مَعَهَا ذُو حُرْمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مَسِيرَةَ يَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ) وَسَأُعِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا مَعَ ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الْبَالِغِ وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمَحْرَمِ مَا شُرِطَ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسْوَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ كَأَخَوَاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نِسْوَةٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وسواء كان طريقا مَسْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَسْلُوكٍ لِأَنَّ خَوْفَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَدِينِهَا بِالْمُقَامِ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ وَإِنْ خَافَتْ فِي الطَّرِيقِ سَبُعًا لَمْ يَجِبْ سُلُوكُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتَفْصِيلِهَا هُنَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ في كتاب السير * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (فَإِنْ لَمْ يبق من الوقت ما يتمكن فيه من السير لاداء الحج لم يلزمه لانه إذا ضاق الوقت لم يقدر علي الحج فلم يلزمه فرضه) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إمْكَانُ السَّيْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ فَإِذَا وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَتَكَامَلَتْ وَبَقِيَ بَعْدَ تَكَامُلِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ وَجَبَ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ جَازَ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لَكِنَّهُ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الشَّرَائِطِ

زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالُوا والمراد أَنْ يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَجُّ إذَا سَارَ السَّيْرَ الْمَعْهُودَ فَإِذَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يقطع في يوم أو بعض الايام كثر مِنْ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ هَذَا الشَّرْطَ وَهُوَ إمْكَانُ السَّيْرِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا الْإِمْكَانُ شَرَطَهُ الْأَئِمَّةُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَأَهْمَلَهُ الْغَزَالِيُّ فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الرَّافِعِيِّ اعْتِرَاضَهُ هَذَا عَلَى الْغَزَالِيِّ وَجَعْلَهُ إمْكَانَ السَّيْرِ رُكْنًا لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ اسْتِقْرَارِ الْحَجِّ لِيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ وَلَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ وُجُوبِ الْحَجِّ بَلْ مَتَى وُجِدَتْ الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ لَزِمَهُ الْحَجُّ فِي الْحَالِ كَالصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُهَا ثُمَّ اسْتِقْرَارُهَا فِي الذِّمَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ زَمَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا هَذَا اعْتِرَاضُهُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَمَا نُقِلَ (وَأَمَّا) إنْكَارُ الشَّيْخِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ من استطاع إليه سبيلا) وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ فَلَا حِجَّ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَطِيعًا وَهُوَ عَاجِزٌ حِسًّا (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِمْكَانِ تَتْمِيمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ إمْكَانَ السَّيْرِ وَأَمْنَ الطَّرِيقِ لَيْسَا بِشَرْطٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مستطيعا بدونهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَلَمْ يَجِدْ رَاحِلَةً نَظَرْت فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْحَبْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْحَبْوِ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي السَّيْرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوَاضِعِ النُّسُكِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَجَبَ عليه لانه يصير مستطيعا بذلك) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ فِي مَكَّةَ أَوْ كَانَتْ دَارُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَشَقَّةٌ كَثِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ أَوْ يَنَالُهُ بِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ اُشْتُرِطَتْ الرَّاحِلَةُ لِوُجُوبِ

الْحَجِّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَحْمِلُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوبُ وَلَا يَلْزَمُهُ الزَّحْفُ وَالْحَبْوُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ شَاذٌّ أَوْ غَلَطٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ مَكَّةَ كَالْبَعِيدِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا بِوُجُودِ الرَّاحِلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِ الزَّادِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْقَرِيبِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّادَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى هَذَا الْقَرِيبِ وُجُودُ الزَّادِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فِي اعْتِبَارِ زَادِهِ كَلَامًا حَسَنًا قَالُوا إنْ عَدِمَ الزَّادَ وَكَانَ لَهُ صَنْعَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ وَيَفْضُلُ لَهُ مُؤْنَةُ حَجَّةٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ أَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يفضل منها شئ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْحَجِّ أَضَرَّ بِعِيَالِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُقَامُهُ عَلَى عِيَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْقَرِيبَ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ إذَا أَطَاقَ الْمَشْيَ هُوَ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْحَرَمِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ مَكَّةَ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَضَبَطَهُ آخَرُونَ بِالْحَرَمِ فَقَالُوا الْقَرِيبُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْخِلَافُ نَحْوَ الْخِلَافِ فِي حَاضِرِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ مَكَّةَ أَمْ مِنْ الْحَرَمِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَكِنَّ الْأَشْهَرَ هُنَا اعْتِبَارُ مَكَّةَ وَهُنَاكَ اعْتِبَارُ الْحَرَمِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ والله اعلم

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ أَعْوَنُ عَلَى الْمَنَاسِكِ) * (الشَّرْحُ) الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الاملاء غيره أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ وَنَصَّ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ وأنه إذ أَوْصَى بِحَجِّهِ مَاشِيًا لَزِمَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنْهُ مَنْ يَحُجُّ مَاشِيًا وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَمُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْمَنَاسِكِ وَالدُّعَاءِ وَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ فِي طَرِيقِهِ وَأَنْشَطُ لَهُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْمَشْيُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ) وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُمَا قَبْلُ الْإِحْرَامِ فَإِذَا أَحْرَمَ فَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَمَنْ ضَعُفَ وَسَاءَ خُلُقُهُ بِالْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحِجِّ مَاشِيًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَّبَعُ فِيهَا مَا سَمَّاهُ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ بِدِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَنْهُ بِدِينَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَجِّ مَاشِيًا وَرَاكِبًا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الرَّاكِبَ أَفْضَلُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ دَاوُد مَاشِيًا أَفْضَلُ * وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ (وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ - أَوْ نَصَبِكِ -) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ (عَلَى قَدْرِ عَنَائِكِ وَنَصَبِكِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (مَا آسى علي شئ مَا آسَى أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا) وَعَنْ عبيدة وعمير قال ابن عباس (ما ندمت على شئ فَاتَنِي فِي شَبَابِي إلَّا أَنِّي لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَلَقَدْ حَجَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِيًا وَإِنَّ النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ وَلَقَدْ قَاسَمَ اللَّهَ تَعَالَى مَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حتي كان يعطى الخف ويمسك النعل)

ابن عمير يقول ذلك رواية عن الحسن ابن عَلِيٍّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى رَجَعَ إلَيْهَا كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ وَحَسَنَاتُ الْحَرَمِ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ) وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ حَجَّا مَاشِيَيْنِ وَمَنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِهَذَا كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ لِمَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ وَصِيَامُ الصَّيْفِ أَفْضَلُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا) (فَإِنْ قِيلَ) حَجَّ رَاكِبًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ (1) وَكَانَ يُوَاظِبُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ عَلَى الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ فَأَمَّا مَا لَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ وَمِنْهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحُجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الْمَنَاسِكِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَجُّ عَلَى الْمُقْتَبِ وَالزَّامِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحْمِلِ لِمَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَدِيثُ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ (حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَةً) رَوَاهُ البخاري والله اعلم *

_ (1) كذا بالاصل وسقط منه مبدأ الجواب

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَالْمُسْتَطِيعُ بِغَيْرِهِ اثْنَانِ (أَحَدُهُمَا) مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ وَلَهُ مَالٌ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَكِنْ لَهُ وَلَدٌ يُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْتَطِيعًا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ الْحَجُّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَ الْوَلَدَ بِأَدَائِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْحَجِّ بِوَلَدِهِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْحَجِّ بِطَاعَتِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ فَالْمَعْضُوبُ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُطِيعُهُ غَيْرَ الْوَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِطَاعَتِهِ لِأَنَّ فِي الْوَلَدِ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَضْعَةٌ مِنْهُ فَنَفْسُهُ كَنَفْسِهِ وَمَالُهُ كَمَالِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَجِبْ الْحَجُّ بِطَاعَتِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِمَنْ يُطِيعُهُ فَأَشْبَهَ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْحَاكِمَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِذْنِ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِي) لَا يَنُوبُ عَنْهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يُجَهِّزْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَمْ يُنِبْ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي تَجْهِيزِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ الطَّاعَةَ ثُمَّ رَجَعَ الْبَاذِلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْمَبْذُولِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ لم يجز للباذل أن يرجع (والثاني) أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْبَذْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا بَذَلَ (وَأَمَّا) إذَا بَذَلَ لَهُ مَالًا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الطَّاعَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إيجَابُ كَسْبٍ لِإِيجَابِ الْحَجِّ فلم يلزمه كالكسب بالتجارة) * (الشرح) قوله لانه بضعة منه هو بفتح الباء لا غير وهي قطعة اللَّحْمِ وَأَمَّا الْبِضْعُ وَالْبِضْعَةُ فِي الْعَدَدِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ كَسْرُ الْبَاءِ وَفَتْحُهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَأَمَّا الْمَعْضُوبُ فَهُوَ بِالْعَيْنِ المهملة والضاد المعجمة وأصل المعضب القطع كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَيُقَالُ له أيضا

الْمَعْصُوبُ - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - قَالَ الرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ أَوْ ضَرَبَ عَصَبَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَوَّلُهَا بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمَعْضُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ يُرْجَى زَوَالُهَا فَلَيْسَ هُوَ بِمَعْضُوبٍ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا بَعْدَ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ كَانَ كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شديدة أو كان شابا نضؤ الْخَلْقِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا مَعْضُوبٌ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ يُطِيعُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ أَوْ وَجَدَهُ وَطَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَوْ دَامَ حَالُهُ هَكَذَا حَتَّى مَاتَ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَوَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ وَحَجَّ الْأَجِيرُ عَنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِالْمَالِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَعْضُوبِ وَلَدٌ لَا يُطِيعُهُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ أَوْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَحُجَّ الْوَلَدُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَعْضُوبِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ يُطِيعُهُ وَقَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَعْضُوبِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلْوَلَدِ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَعْضُوبَ الِاسْتِنَابَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَنْ نَفْسِهِ فِي صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يجد ما لا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَحُجُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ باحرة الْمِثْلِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيمَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَرُجُوعًا

وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ خَاصَّةً وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ ذَلِكَ مُدَّةَ ذَهَابِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ إذَا لم يفارق ولده أمكنه تحصيل نفقتهم ثُمَّ إنْ وَفَى مَا يَجِدُهُ بِأُجْرَةِ رَاكِبٍ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفِ إلَّا بِأُجْرَةِ مَاشٍ فَفِي وُجُوبِ الِاسْتِئْجَارِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى عَاجِزٍ عَنْ الرَّاحِلَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ بِخِلَافِ مَنْ يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْأَجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ الْحَجُّ لِأَنَّ وُجُودَ الْأَجِيرِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَعَدَمِهِ كَمَا فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْأَجِيرُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَوَجَدَ الْمَعْضُوبُ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَثِيرُ مِنَّةٍ وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِشَرْطِهِ فَلَمْ يَسْتَأْجِرْ فَهَلْ يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ الحاكم لا متناعه أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الْقَادِرُ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ كَمَا يُؤَدِّي زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا لَزِمَهُ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى صَارَ مَعْضُوبًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَبْقَى عَلَى التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا عَلَى الْفَوْرِ فَامْتَنَعَ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ أَنْ لَا يَجِدَ الْمَالَ لَكِنْ يَجِدُ مَنْ يُحَصِّلُ لَهُ الْحَجَّ وَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبْذُلَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِيَسْتَأْجِرَ بِهِ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُهُ وَادَّعَى الْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْحَجُّ عَلَى هَذَا فِي ذِمَّتِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثَّانِي) أَنْ يَبْذُلَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِيهِ أَوْ بَنَاتِهِ أَوْ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا الْإِطَاعَةَ فِي الْحَجِّ عَنْهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْإِذْنُ لِلْمُطِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيع كُتُبِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَحَكَى فِي الْأَمَالِي وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ أَبِي طَاهِرِ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُطَاعَ الْحَجُّ بِذَلِكَ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ اللُّزُومُ وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَى الْمُطَاعِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الْمُطِيعُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ فَرْضُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُطِيعُ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاجِبَةٌ

عَنْ إسْلَامٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ (وَالثَّالِثُ) أن يكون موثوقا بوفائه بطاعته (والرابع) أن لا يَكُونَ مَعْضُوبًا هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْأَصْحَابُ في الطريقين اتفقوا عَلَيْهَا إلَّا الدَّارِمِيَّ فَقَالَ إذَا كَانَ عَلَى الْمُطِيعِ حَجٌّ فَفِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُطَاعِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ (والثاني) يلزمه ويلزم الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ لِلشَّكِّ فِي حُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ وَلَوْ تَوَسَّمَ فِيهِ أَمْرَ الطَّاعَةِ وَظَنَّهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْحَجِّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُهُ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُصَرِّح بِالطَّاعَةِ لِأَنَّ الظَّنَّ قَدْ يُخْطِئُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقُدْرَةَ بِذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَوْ بَذَلَ الْمُطِيعُ الطَّاعَةَ وَجَبَ عَلَى الْوَالِدِ الْمُطَاعِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَهَلْ يَنُوبُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) لَا لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ بِالطَّاعَةِ فَمَاتَ الْمُطِيعُ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَوْ رَجَعَ عَنْ الطَّاعَةِ وَصَحَّحْنَا رُجُوعَهُ فَإِنْ مَضَى بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زَمَنُ إمْكَانِ الْحَجِّ اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الْحَجِّ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ موروث ولم يعلم به هكذا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَلَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هُوَ كَمَنْ فَقَدَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَى هَذَا أنه يجئ هنا خلاف كذاك الْخِلَافُ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَجُّ وَلَا يعذر بالجهل لانه مقصر (والثاني) بعذر وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ هُوَ شَبِيهٌ بِالْمَالِ الضَّالِّ فِي الزَّكَاةِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تقول لا يجب الحج بِمَالٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ وَلَا اسْتِطَاعَةَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَالِ وَالطَّاعَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ وَرِثَ الْمَعْضُوبُ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى مَاتَ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ مِنْ تِرْكَتِهِ هَذَا الْخِلَافُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بشئ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ حَجِّ أَهْلِ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا

أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى الْمُطَاعِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ الْوَجْهَانِ إذَا بَذَلَ الطَّاعَةَ وَقَبِلَهَا الْوَالِدُ فَأَمَّا إذَا بَذَلَهَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَالِدُ وَلَا الْحَاكِمُ إذَا قُلْنَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ فَلِلْبَاذِلِ الرُّجُوعُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْذُلَ الْأَجِيرُ الطَّاعَةَ فَيَجِبُ قَبُولُهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الرُّجُوعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَالْأَخُ كَالْأَجْنَبِيِّ مُطِيعًا لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُ يَثْقُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَاسْتِخْدَامِ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ (وَأَمَّا) ابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ فَكَالْأَخِ (وَأَمَّا) الْجَدُّ وَالْأَبُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا كَالْأَخِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَقِيلَ هُمَا كَالْوَلَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَمَنْعِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ رَجَعَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْأَبُ رَجَعْتُ بَعْدَ قَبُولٍ وَقَالَ الِابْنُ بَلْ قَبْلَهُ فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا صَحَّحْنَاهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَصَحَّحَ مَنْعَ الرُّجُوعِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَذْلِ الماء للتيمم ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِأَنَّ لِلْمَاءِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَبْذُلَ لَهُ الْوَلَدُ الْمَالَ فَهَلْ يَجِبُ قَبُولُهُ والحج فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمَنُّ بِهِ بِخِلَافِ خِدْمَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى بَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقَبُولَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَالْوَلَدُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجِبُ وَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ لِلْمَعْضُوبِ أَبُوهُ فَهَلْ هُوَ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَبَذْلِ الْوَلَدِ فِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) كَالْوَلَدِ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ بَيْنَهُمَا غَالِبًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ كُلُّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ يَحُجُّ رَاكِبًا فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ لِيَحُجَّ مَاشِيًا فَفِي لُزُومِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ هُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ اسْتِئْجَارِ الْمَاشِي وَهُنَا أولى مَنْعُ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ وَلَدِهِ وفى معناه الوالد إذا أطاع وأوجبنا قبوله ولا يجئ التَّرْتِيبُ إذَا كَانَ

الْمُطِيعُ أَجْنَبِيًّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْمُطِيعُ مَاشِيًا أَبًا أَوْ وَلَدًا وَيَجِبُ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْقَبُولَ وَالْمُطِيعُ مَاشٍ فَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَعُوِّلَ عَلَى الْكَسْبِ فِي طَرِيقِهِ فَفِي وُجُوبِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ يَنْقَطِعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَعُوِّلَ عَلَى السُّؤَالِ قَالَ الْإِمَامُ فَالْخِلَافُ قَائِمٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِ مَفَازَةٍ لَيْسَ بِهَا كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ يَنْفَعُ لَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ بِلَا خِلَافٍ لانه لا يَحْرُمُ التَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ عَلَى الِابْنِ الْمُطِيعِ فَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ اسْتَحَالَ وُجُوبُ اسْتِنَابَتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْمُطِيعِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَعَلَّلَ الْمُتَوَلِّي الْوُجُوبَ بِأَنَّ الْمُطَاعَ صَارَ قَادِرًا فَلَزِمَهُ الْحَجُّ كَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا يَكْفِيهِ لِحَجِّ فَرْضٍ وَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِذَلِكَ الْمَالِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَمَكُّنِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَفْسَدَ الْمُطِيعُ الْبَاذِلُ حَجَّهُ انْقَلَبَ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَجِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ لا بويه فَقَبِلَا لَزِمَهُ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَالَ وَإِذَا قَبِلَ الْوَالِدُ الْبَذْلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَعْضُوبِ حَجَّةُ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ فَهِيَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنْ الْمَعْضُوبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَكَاهُ المتولي عن القاضى أبي حامد المروروزى وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَجِبُ عِنْدَ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَارِثُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَالدَّيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُخَالِفُ مَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَهَا أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ على أحد

الطَّرِيقَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلَاءَ وَالْوَلَاءُ يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُسْتَحِيلٌ (وَأَمَّا) صِحَّةُ الْحَجِّ فَلَا تَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكٍ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَلَهُ تَرِكَةٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمَعْضُوبُ فَتَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةَ سَوَاءٌ طَرَأَ الْعَضَبُ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا وَاجِدًا لِلْمَالِ ولوجوب الاستنابة صورتان سبق بينهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَعْضُوبُ إذَا كَانَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا تَكْثُرُ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَادِرًا لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ الرَّاحِلَةُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا طَلَبَ الْوَالِدُ الْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الِاسْتِئْجَارِ مِنْ الْوَلَدِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلَدِ إجَابَتُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ وَلَا الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِعْفَافِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَلَدَ عِنْدَ حَاجَةِ الْأَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ ليس عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوَالِدِ فِي امْتِنَاعِ الْوَلَدِ مِنْ الْحَجِّ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الشرع فإذا عَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْفَافِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْأَبِ وَاضْطِرَارُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالنَّفَقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِيَحُجَّ عَنْ الْمُطَاعِ الْمَعْضُوبِ فَإِنْ كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُطَاعَ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَقُلْنَا يَجِبُ الْحَجُّ بِطَاعَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَنْ يُطِيعُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ بِنَفْسِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ بَذْلُ مَالٍ وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ بِبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ وَهَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ بَذْلَ الْأَجْنَبِيِّ الْمَالَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَقَدْ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ بِاللُّزُومِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ لِلْمَعْضُوبِ مَالٌ ولم يستأجر من يحج عنه فهل يستأجر الحاكم مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لِامْتِنَاعِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْمُطَاعُ مِنْ الْإِذْنِ

لِلْمُطِيعِ الْبَاذِلِ لِلطَّاعَةِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّانِي) لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِذْنِ لِلْمُطِيعِ أَنَّ لِلْمَعْضُوبِ غَرَضًا فِي تَأْخِيرِ الِاسْتِئْجَارِ بِأَنْ يَنْتَفِعُ بِمَالِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْبَاذِلُ لِلْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ * (فَرْعٌ) إذَا بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَقَبِلَهَا الْأَبُ ثم مات الباذل قبل الحج قال الدرامى إن كَانَ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ قَضَى مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لِلْبَاذِلِ الرُّجُوعُ يَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي اخْتِيَارِ الرُّجُوعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْبَاذِلَ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُ الْبَاذِلَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ جَاوَزَهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِدْيَةٌ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَشُرُوطُ الْبَاذِلِ الَّذِي يَصِحُّ بَذْلُهُ وَيَجِبُ بِهِ الْحَجُّ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَدَاءُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يكون بالغا عاقلا حرامسلما (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِبَذْلِهِ لَهُ (وَالرَّابِعُ) أَنْ لَا يَكُونَ مَعْضُوبًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَقَدْ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ بِإِيضَاحِهَا فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً لِتُحْفَظَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ مَعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ بَقَاءُ الْمُطِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ مُدَّةَ إمْكَانِ الْحَجِّ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا وُجُوبَ كَمَا إذَا اسْتَجْمَعَ أَسْبَابَ الِاسْتِطَاعَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفَاتَ بَعْضُهَا قَبْلَ إمْكَانِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجِبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ إذَا وَجَدَ مَالًا وَأَجِيرًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ إلَّا

أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ * وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) وبقوله تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ استطاع إليه سبيلا) وَهَذَا لَا يَسْتَطِيعُ وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ فيها النيابة مع القدرة فكذا مع العجر كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رزين الفضلى أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (ان ابي شيخا كبيرا لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ (أَنَّ جَارِيَةً شَابَّةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ أبى شيخا كبيرا قَدْ أَقَرَّ وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ فَأَدِّي عَنْ أَبِيكِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَبْدِ الله ابن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دِينٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْجُجْ عَنْهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (1) وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْمَعْضُوبِ السَّعْيَ وَهُوَ بَذْلُ المال والاستئجار وعن قَوْله تَعَالَى (مَنْ اسْتَطَاعَ) أَنَّ هَذَا مُسْتَطِيعٌ بِمَالِهِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الْمَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَعْضُوبِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَالًا يَحُجُّ بِهِ غَيْرُهُ فَوَجَدَ مَنْ يُطِيعُهُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ * وَدَلِيلُنَا وَدَلِيلُهُمْ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَحَجَّ الْمَعْضُوبُ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ وَقَدَرَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ * قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ الصحيح

_ (1) رياض بالاصل فحرر

مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ العلماء * وقال أحمد واسحاق يجزئه * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أن يقدمه لقوله تعالى (فاستبقوا الخيرات) ولانه إذا أخره عرضه للفوات بحوادت الزمان ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة لان فريضة الحج نزلت سنة ست وأخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى سنة عشر من غير عذر فلو لم يجز التأخير لما أخره) (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَدْ يُنْكَرُ فَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْتَحْ مَكَّةَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْحَجِّ إلَّا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنه لم يتمكن مِنْ حِينِ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الْحَجِّ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَكَّنَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَنَةَ تِسْعٍ وَتَمَكَّنَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَحُجَّ وَيَحُجُّوا إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ أنه تمكن من سنة ست (أما) حكم الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَ عليه الحج بنفسه أو بغيره تعجليه لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ مِهْرَانَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ مِهْرَانَ وَمِهْرَانُ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ ابن أبي حاتم سئل أبوذرعة عَنْهُ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وجب على التَّرَاخِي عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَقَالَ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَضَبَ فَإِنْ خَشِيَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا إمَامُ الحرمين والبغوى والمتولي وصحاب العدة وآخرون قال الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَتَغَيَّرُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَجْرِي هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ خَافَ أَنْ يَهْلِكَ مَالُهُ هَلْ لَهُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُمْ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا نَصَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي هَذَا الْفَصْلِ (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ) وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ السَّابِقِ (مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَوَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ كَالصَّوْمِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ كَالْجِهَادِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَأَخَّرَهُ إمَّا أَنْ تَقُولُوا يَمُوتُ عَاصِيًا وَإِمَّا غَيْرَ عَاصٍ (فَإِنْ قُلْتُمْ) لَيْسَ بِعَاصٍ خَرَجَ الْحَجُّ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا وَإِنْ (قلتم) عاص فأما أن تقولوا عصى بِالْمَوْتِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْصِيَ بِالْمَوْتِ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَانْصَرَفَ عَنْهَا فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَتِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ فَأَقَامَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةَ ثَمَانٍ بِأَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَانْصَرَفَ عَنْهَا قَبْلَ الْحَجِّ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله تعالى عَنْهُ فَأَقَامَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةَ تِسْعٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ قَادِرِينَ عَلَى الْحَجِّ غَيْرَ مُشْتَغِلِينَ بِقِتَالٍ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ كُلِّهِمْ سَنَةَ عَشْرٍ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهِ هَذَا دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَخْبَارِ قَالَ (فَأَمَّا) نُزُولُ فَرْضِ الْحَجِّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَكَمَا قَالَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لَهُ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ (وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيَكَ هَوَامُّك قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ

اللَّهِ قَالَ أَبُو دَاوُد فَقَالَ قَدْ آذَاكَ هو ام رَأْسِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ قَالَ فَفِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ الي آخره) رواه البخاري ومسلم قَالَ أَصْحَابُنَا فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ) إلَى آخِرِهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ وَنَزَلَ بعدها قوله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا حُنَيْنًا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَسَّمَ غَنَائِمَهَا وَاعْتَمَرَ مِنْ سَنَتِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ إلا أياما يَسِيرَةٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مَعَ أَنَّهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا حِينَئِذٍ مُوسِرِينَ فَقَدْ غَنِمُوا الْغَنَائِمَ الْكَثِيرَةَ وَلَا عُذْرَ لَهُمْ وَلَا قِتَالَ وَلَا شُغْلَ آخَرَ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَنَةِ ثَمَانٍ بَيَانًا لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ وَلِيَتَكَامَلَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ فَيَحُجَّ بِهِمْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ويحضرها الخلق فيبلغوا عنه المناسك وَلِهَذَا قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيُبَلِّغْ (الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ وَلْتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَنَزَلَ فِيهَا قوله تعالي (اليوم أكملت لكم دينكم) قال أبو زرعة الرازي فيما روينا عَنْهُ حَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَلْفًا كُلُّهُمْ رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ فَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي زُرْعَةَ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْ أَحَدٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحِفْظِهِ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أَخَّرَهُ إلَى سَنَةِ عَشْرٍ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِطَاعَةِ لِعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْجِهَادِ (فَجَوَابُهُ) مَا سَبَقَ قَرِيبًا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نسمع فجاء رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ خَلْقَ الْأَرْضَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَبِاَلَّذِي خَلْقَ السَّمَاءَ وَخَلْقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِاَلَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صَدَقَ قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حِجَّ الْبَيْتِ من استطاع إليه سبيلا صَدَقَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ

كِتَابِ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَصْلَهُ وفى رواية البخاري أن هذا الرجل أبا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَقُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ حبيب وآخرون وغيره سَنَةَ سَبْعٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هدى ان يفتتح الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَيَجْعَلُهُ عُمْرَةً وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ مَعَ التَّمَكُّنِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَفَعَلَهُ يُسَمَّى مُؤَدِّيًا لِلْحَجِّ لَا قَاضِيًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ هَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَلَوْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ لَكَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً (فَإِنْ قَالُوا) هَذَا يُنْتَقَضُ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ثُمَّ فَعَلَهُ كَانَ أَدَاءً مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ (قُلْنَا) قَدْ مَنَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَوْنَهُ أَدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَالَ بَلْ هُوَ قَضَاءٌ لِبَقَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لَهَا لَا لِنَفْسِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ فَلَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ وَأَخَّرَهُ ثُمَّ فَعَلَهُ لَا تَرُدُّ شَهَادَتُهُ فِيمَا بَيْنَ تَأْخِيرِهِ وَفِعْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ ولو حرم لردت لارتكابه المسئ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَقُولَ الْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَجِبُ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَسَاكِينِ العاجزة وهو الزكاة فيجب على الفور لانه الْمَعْنَى مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ بِهَا (وَالثَّانِي) مَا

تعلق بغير مصلحة المكلف وتعلق باوقات شريقة كالصلاة وصوم رمضان فيتعن فِعْلُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ لَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِعْلُهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ (وَالثَّالِثُ) عِبَادَةٌ تَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَتُبْسَطُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ الْإِيمَانُ فَيَجِبُ التَّدَارُكُ إلَيْهِ لِيَثْبُتَ وُجُوبُ اسْتِغْرَاقِ الْعُمْرِ بِهِ (وَالرَّابِعُ) عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ وَلَا حَاجَةٍ وَلَمْ تُشْرَعْ مُسْتَغْرِقَةً لِلْعُمْرِ وَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَهِيَ الْحَجُّ فَحُمِلَ أَمْرُ الشَّرْعِ بِهَا لِلِامْتِثَالِ الْمُطْلَقِ وَالْمَطْلُوبُ تَحْصِيلُ الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي لِعَدَمِ الْوَقْتِ الْمُخْتَصِّ وَكَذَا الْقِيَاسُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إذَا فَاتَ لَا يَخْتَصُّ قَضَاؤُهُ بِزَمَانٍ وَلَكِنْ تَثْبُتُ آثَارٌ اقْتَضَتْ غَايَتَهُ بِمُدَّةِ السَّنَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَنَا طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِامْتِثَالُ الْمُجَرَّدُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ نَقْلنَا الكلام معه إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْحَجُّ عِبَادَةٌ لَا تُنَالُ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَلَا يتأتى الاقدام عليها بعينها بل يقتضى التشاغل بِأَسْبَابِهَا وَالنَّظَرِ فِي الرِّفَاقِ وَالطُّرُقِ وَهَذَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ يَقْتَضِي مُهْلَةً فَسِيحَةً لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِوَقْتٍ وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَةُ فِي إضَافَةِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا قَرِينَةٌ فِي اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ لِلتَّرَاخِي فَنَقُولُ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا كلام امام الحرمين رحمه الله (اما) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَأَنَّ الامر يقتضى الفور فمن وجهين (احدهما) ان أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا قَالُوا إنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَهُنَا قَرِينَةٌ وَدَلِيلٌ يَصْرِفُهُ إلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلِيُعَجِّلْ) (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ فَوَّضَ فَعْلَهُ إلَى إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُفَوِّضْ تَعْجِيلَهُ إلَى اخْتِيَارِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ جَمَعَا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا) فَمِنْ أَوْجُهٍ

(أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الذَّمَّ لِمَنْ أَخَّرَهُ إلَى الْمَوْتِ وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى تَحْرِيمِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْمَوْتِ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِجَوَازِهِ هُوَ التَّأْخِيرُ بِحَيْثُ يُفْعَلُ قَبْلَ الْمَوْتِ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ مُعْتَقِدًا عَدَمَ وُجُوبِهِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ فَهَذَا كَافِرٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَالَ (فَلِيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِهِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ وَإِلَّا فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فَلَمْ يَحُجَّ وَمَاتَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ بَلْ هُوَ عاص فوجب تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّ وَقْتَهُ مَضِيقٌ فَكَانَ فِعْلُهُ مُضَيَّقًا بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْي الْإِمَامِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْجِهَادِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا أَخَّرَهُ وَمَاتَ هَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدِنَا موته عصايا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا عَصَى لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَمَا إذَا ضَرَبَ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أو المعلم

الصَّبِيَّ أَوْ عَزَّرَ السُّلْطَانُ إنْسَانًا فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ نظرت فان مات قبل أن يتمكن من الاداء سقط فرضه ولم يجب القضاء وقال أبويحيى البلخي يجب القضاء وأخرج إليه أبو إسحق نص الشافعي رحمه الله فرجع عنه والدليل علي أنه يسقط أنه هلك ما تعلق به الفرض قبل التمكن من الاداء فسقط الفرض كما لو هلك النصاب قبل أن يتمكن من اخراج الزكاة وان مات بعد التمكن من الاداء لم يسقط الفرض ويجب قضاؤه من تركته لما روى بريدة قال (أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ ولم تحج قال حجى عن أمك) ولانه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمى ويجب قضاؤه عنه من الميقات لان الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال لانه دين واجب فكان من رأس المال كدين الآدمى وان اجتمع الحج ودين الآدمى والتركة لا تتسع لهما ففيه الاقوال الثلاثة التى ذكرناها في آخر الزكاة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ حَجِّ النَّاسِ مِنْ سَنَةِ الْوُجُوبِ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْوُجُوبِ لَتَبَيُّنِ عَلَامَةِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وكان أبويحيى الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تِرْكَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ أَخْرَجَ إليه أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلَهُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِأَنَّ مَاتَ بَعْدَ حَجِّ النَّاسِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تِرْكَتِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَرُجُوعُ النَّاسِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ فَرَاغِ أَفْعَالِ الْحَجِّ حتى لو مات بعد انتصاب لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمَضَى إمْكَانُ السَّيْرِ إلَى مِنَى والرمي بها والى مكة والطواف بها استقرار الْفَرْضُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ وَإِنْ هَلَكَ مَالُهُ بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ أَوْ بَعْدَ مُضِيّ إمْكَانِ الرُّجُوعِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ هَلَكَ مَالُهُ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ إمْكَانِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ

لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَقَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّ مَالَهُ لَا يَبْقَى إلَى الرُّجُوعِ هَذَا حَيْثُ نَشْتَرِطُ أَنْ يَمْلِكَ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْهَا اسْتَقَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أُحْصِرُوا وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ فَتَحَلَّلُوا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا عَجْزَهُ وَعَدَمَ إمْكَانِ الْحَجِّ هَذِهِ السَّنَةِ فَلَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ وَحَجُّوا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ حَجُّوا فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا إذَا عَاشَ وَبَقِيَ مَالُهُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الحج وأمكنه الاداء فمات يعد اسْتِقْرَارِهِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تِرْكَتِهِ كَمَا سَبَقَ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ وَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَهَلْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّهَا) يُقَدَّمُ الْحَجُّ (وَالثَّانِي) دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ قَوْلًا غَرِيبًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ الْحَجَّةَ الواجبة الا إذا أوصى حج عنه من الثلث وهذا قولا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ فَلَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ بَقِيَ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ الْحَجُّ عَنْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ كَانَ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ إذْنُهُ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُهُ كَمَا سَبَقَ لِإِمْكَانِ أَدَائِهِ وَلَوْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ أَجْنَبِيٌّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ كَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ وَيَبْرَأُ الْمَيِّتُ بِهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ وَاسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحُجَّ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهَلْ نَقُولُ مَاتَ عَاصِيًا فِيهِ أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَاصِيًا وَاتَّفَقَ الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا

عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالُوا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَعْصِي لِأَنَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ (وَالثَّالِثُ) يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُعَدُّ مُقَصِّرًا لِقِصَرِ حَيَّاتِهِ فِي الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى صَارَ زَمِنًا (وَالْأَصَحُّ) الْعِصْيَانُ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَإِذَا زَمِنَ وَقُلْنَا بِالْعِصْيَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْفَوْرِ بِخُرُوجِهِ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ التَّرْفِيهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى الْمَيِّتِ أَمْ لَهُ تَأْخِيرُ الِاسْتِنَابَةِ كَمَا لَوْ بَلَغَ مَعْضُوبًا فَإِنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الِاسْتِنَابَةِ قَطْعًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى هذا لو امتن وَأَخَّرَ الِاسْتِنَابَةَ هَلْ يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا وَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَزَكَاةِ الْمُمْتَنِعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَقَدْ سَبَقَ الْوَجْهَانِ وَنَظَائِرُهُمَا قَرِيبًا فِيمَا إذَا بَذَلَ لِلْمَعْضُوبِ وَلَدُهُ الطَّاعَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ هَلْ يَقْبَلُ الْحَاكِمُ عَنْهُ (الْأَصَحُّ) لَا يَقْبَلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَمُوتُ عَاصِيًا فَمِنْ أَيْ وَقْتٍ يُحْكَمُ بِعِصْيَانِهِ فِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَيْهَا جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره هذا قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ (وَالثَّانِي) مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى لِاسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ فِيهَا (وَالثَّالِثُ) يَمُوتُ عَاصِيًا وَلَا يُضَافُ الْعِصْيَانُ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الخلاف في احكام الدنيا صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُحْكَمْ لِبَيَانِ فِسْقِهِ وَلَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ بَيْنَ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِنْ قُلْنَا عِصْيَانُهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُنْقَضْ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ فِسْقَهُ لَمْ يُقَارِنْ الْحُكْمَ بَلْ طَرَأَ بَعْدَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ قُلْنَا عِصْيَانُهُ مِنْ الْأَوْلَى فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ أَنَّ فِسْقَ الشُّهُودِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا حُكْمُ الْحَجِّ وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُوسَعِ فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ هَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَمُوتُ عَاصِيًا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْحَجِّ الْعِصْيَانُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الصلاة معلوم وقريب فلا يعد مفرط فِي التَّأْخِيرِ إلَيْهِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ مَوَاقِيتِ الصلاة ان تأخير لواجب الموسع انما بجوز لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ إلَى أَنْ يَفْعَلَ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذلك فلا يحل التَّأْخِيرُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فَمَاتَ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ مِنْ تِرْكَتِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةُ المذكور في الكتاب * * قال المصنف رحمه الله تعالي * (وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين (احدهما) في حق الميت إذا مات وعليه حج والدليل عليه حديث بريدة (والثاني) في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة الا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ امرأة من خثعم أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه قال نعم قالت اينفعه ذلك قال نعم كما لو كان علي أبيك دين فقضيته نفعه) ولانه أيس من الج بنفسه فناب عنه غيره كالميت وفى حج التطوع قولان (احدهما) لا يجوز لانه غير مضطر إلى الاستنابة فيه فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح (والثانى) انه يجوز وهو الصحيح لان كُلُّ عِبَادَةٍ جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتْ النيابة في نفلها كالصدقة فان استاجر من يتطوع عنه وقلنا لا يجوز فان الحج للحاج وهل يستحق الاجرة فيه قولان (أحدهما) أنه لا يستحق لان الحج قد انعقد له فلا يستحق الاجرة كالصرورة (والثاني) يستحق لانه لم يحصل له بهذا الحج منفعة لانه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الصرورة فان هناك قد سقط عنه الفرض (فاما) الصحيح الذى يقدر على الثبوت علي الراحلة فلا تجوز النيابة عنه في الحج لان الفرض عليه في بدنه فلا ينتقل الفرض إلى غيره الا في الموضع الذى وردت فيه الرخصة وهو إذا أيس وبقى فيما سواه على الاصل فلا تجوز النيابة عنه فيه (وأما) المريض فينظر فيه قان كان غير مايوس منه لم يجز أن يحج عنه غيره لانه لم يياس من فعله بنفسه فلا تجوز النيابة عنه فيه كالصحيح فان خالف وأحج عن نفسه ثم مات فهل يجزئه عن حجة الاسلام فيه قولان (احدهما)

يجزئه لانه لما مات تبينا أنه كان مأيوسا منه (والثانى) لا يجزئه لانه أحج وهو غير مأيوس منه في الحال فلم يجزه كما لو برأ منه وان كان مريضا مأيوسا منه جازت النيابة عنه في الحج لانه مايوس منه فاشبه الزمن والشيخ الكبير فان أحج عن نفسه ثم برأ من المرض ففيه طريقان (احدهما) انه كالمسألة التى قبلها وفيها قولان (والثاني) أنه يلزمه الاعادة قولا واحدا لانا تبينا الخطأ في الاياس ويخالف ما إذا كان غير مأيوس منه فمات لانا لم نتبين الخطا لانه يجوز انه لم يكن مأيوسا منه ثم زاد المرض فصار مأيوسا منه ولا يجوز ان يكون مأيوسا منه ثم يصير غير مأيوس منه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبَقَ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَجِّ الْمَعْضُوبِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا رَوَيَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ وَهُنَاكَ سَبَقَ بَيَانُ لَفْظِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْجَمَ لَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ (بَابُ الْحَجُّ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ أَوْ الْعَاجِزِ) وَنَحْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى جَوَازِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَقَدْ يُنْكَرُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ عَنْ الْحَيِّ الْمَعْضُوبِ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ جَوَازُهُ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْلَى فَيَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلْمَيِّتِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) كُلُّ عِبَادَةٍ جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتْ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهَا كَالصَّدَقَةِ يُنْتَقَضُ بِالصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ فِي الْفَرْضِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَجُوزُ فِي النَّفْلِ بِلَا خِلَافٍ (وَقَوْلُهُ) كَالصَّرُورَةِ هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لا يبقى أحد في الاسلام بلا حج وَلَا يَحِلُّ لِمُسْتَطِيعٍ تَرْكُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَلَا حصل

لَهُ ثَوَابٌ هَكَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَالْمُخْتَارُ حُصُولُ الثَّوَابِ لَهُ بِوُقُوعِ الْحَجِّ لَهُ (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَيْأَسْ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وكسرها لغتان مشهورتان (وقوله) برأ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ سَيَأْتِي (1) مُتَعَلِّقَةٌ بِاللَّفْظِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ) الْإِيَاسُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا وَالْأَحْسَنُ الْيَأْسُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ الْمُسْتَقَرِّ فِي الذِّمَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْمَعْضُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَيِّتُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَعْضُوبِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (فَأَمَّا) حَجُّ التَّطَوُّعِ فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ عَنْ حَيٍّ ليس بمعضوب ولا خلاف عن جمهور الاصحاب في (2) جَوَازِهِ وَلَا عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَهَلْ يَجُوزُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْصَى بِهِ أَوْ حَيٍّ مَعْضُوبٍ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصَحِّهِمَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُصَنَّفُ هُنَا وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعَ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْفَرْضِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي النَّفْلِ فَيَلْتَبِسُ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ فِي الْفَرْضِ لِلْحَاجَةِ وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي النفل وقد سبق في التيمم وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُمَا لَا يَفْعَلَانِ النَّفَلَ أَبَدًا تَخْرِيجًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ فَيَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَعْضُوبِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَجُوزُ مِنْ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ أَمْ لَا بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ حَجٌّ وَلَا لَزِمَهُ حَجٌّ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي جَوَازِ الْإِحْجَاجِ عَنْهُ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِوُقُوعِهِ وَاجِبًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالتَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ جَازَ حَجَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ جَازَ أن يكون الاجير عبدا وصبيا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُمَا فِيهَا وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُمَا فِي حَجَّةِ النَّذْرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ جَائِزِ التَّبَرُّعِ جَازَ وإلا فلا قال أصحابنا وإذا صَحَحْنَا النِّيَابَةَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الاجرة المسماة بلا خلاف وهل يستحق أجرة المثل فيه قولان

_ (1) كذا في الاصل ولعل الصواب سبق بيانهما في باب التيمم (2) كذا في الاصل ولعل الصواب في عدم جوازه

مَشْهُورَانِ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (1) (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الصُّورَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ إذَا مَاتَ بِذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَوْ مَاتَ فِيهِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ بِأَنْ قُتِلَ أَوْ لَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَنَحْوُهَا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ سَقْفٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ قَوْلًا وَاحِدًا لانا لم نتبين كون المرض غير مرجوا لزوال (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَرَضُ وَالْعِلَّةُ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ فَإِنْ حَجَّ النَّائِبُ وَاتَّصَلَ بِالْمَوْتِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ شُفِيَ فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) القطع بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَتَيْنِ يُجْزِئُهُ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ فَعَمَّنْ يَقَعُ الْحَجُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَعَلَيْهِ فَرْضٌ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ يَقَعُ عَنْ تَطَوُّعِ المستأجر ويكون ذا غَرَرًا فِي وُقُوعِ النَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ كَالرِّقِّ وَالصِّبَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا (وَالثَّانِي) يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنَيَانِ عَلَى أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ صَرَفَ الْإِحْرَامَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَنْصَرِفُ بَلْ يَبْقَى لِلْمُسْتَأْجِرِ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّ لِأَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَرْضًا كَأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْهُ (وَالثَّانِي) لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ وَالْفَرْقُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ حَيْثُ قُلْنَا الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَالْأَصَحُّ في الاولي المبنية لا يستحق أن في الثانية وقع الحج قرضا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا اسْتَأْجَرَهُ وَفِي الْأُولَى لَمْ يَقَعْ عَنْهُ وَقَاسَ أَصْحَابُنَا وُجُوبَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي صُورَةِ صَرْفِ الْإِحْرَامِ إلَى نَفْسِ الْأَجِيرِ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ إنْسَانٌ لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْحَائِطَ لِنَفْسِهِ فَبَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَجِيرَ فِي صَرْفِ الْإِحْرَامِ جَائِرٌ مُخَالِفٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْصَرِفُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا فِي أَصْلِ مَسْأَلَتِنَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَهَلْ هِيَ المسمى أن أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) الْمُسَمَّاةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَبْطُلْ (وَالثَّانِي) أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَيَّنُ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ الْمُسَمَّى (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو محمد

_ (1) هكذا الاصل وفيه سقط يعلم بمراجعة عبارة المتن

لا يبعد تخريجه الْوَجْهَيْنِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا غَيْرَ مَأْيُوسٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ اسْتَنَابَ وَمَاتَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حَجِّ الْأَجِيرِ أَجْزَأَهُ وَوَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ تَفَاحَشَ ذَلِكَ الْمَرَضُ فَصَارَ مَأْيُوسًا مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) يُعْرَفُ كَوْنُ الْمَرِيضِ مَأْيُوسًا مِنْهُ بِقَوْلِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الخبرة ذكره (1) وينبغي ان يجئ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِسُهُولَةٍ أَمْرُ التَّيَمُّمِ * (فَرْعٌ) الْجُنُونُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوَالِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ جُنَّ لَا يُسْتَنَابُ عَنْهُ فَإِذَا مَاتَ حَجَّ عَنْهُ وَإِنْ اسْتَنَابَ وَحَجَّ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَّاتِهِ ثُمَّ أَفَاقَ لَزِمَهُ الْحَجُّ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الْمَرِيضِ إذَا شُفِيَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَرِيضِ إذَا اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرَ الْمَأْيُوسِ مِنْهُ لَا يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَجِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدْ وَدَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ فِعْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَجْزَأَهُ * وَاحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَعْضُوبِ قُلْنَا الْمَعْضُوبُ آيِسٌ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ هَذَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ لَا يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد * وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ اسْتِنَابَتَهُ فِي التَّطَوُّعِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْفَرْضِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ حَيٍّ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَعْتَكِفُ تَطَوُّعًا * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا مِنْ تِرْكَتِهِ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وابن المنذر وقال النخعي وابن أبى ذئيب لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ يُتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْحَجِّ وَيُهْدَى عَنْهُ أَوْ يُتَصَدَّقُ أَوْ يُعْتَقُ عنه *

_ (1) بياض بالاصل

قال المصنف رحمه الله تعالى * (ولا يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال أحججت عن نفسك قال لا قال فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) ولا يجوز أن يعتمر عن غيره من لم يعتمر عن نفسه قياسا علي الحج قال الشافعي رحمه الله وأكره أن يسمي من لم يحج صرورة لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صرورة في الاسلام) ولا يجوز أن يتنفل بالحج والعمرة وعليه فرضهما ولا يحج ويعتمر عن النذر وعليه فرض حجة الاسلام لان النفل والنذر أضعف من حجة الاسلام فلا يجوز تقديمهما عليها كحج غيره على حجه فان أحرم عن غيره وعليه فرضه انعقد أحرامه لنفسه لما روى في حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أحججت عن نفسك قال لا قال فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة) فان أحرم بالنفل وعليه فرضه انعقد إحرامه عن الفرض وان أحرم عن النذر وعليه فرض الاسلام انعقد احرامه عن فرض الاسلام قياسا على من أحرم عن غيره وعليه فرضه فان أمر المعضوب من يحج عنه عن النذر وعليه حجة الاسلام فاحرم عنه انصرف إلى حجة الاسلام لانه نائب عنه ولو أحرم هو عن النذر انصرف إلى حجة الاسلام فكذلك النائب عنه وان كان عليه حجة الاسلام وحجة نذر فاستئجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة فقد نص في الام أنه يجوز وكان أولى لانه لم يقدم النذر عن حجة الاسلام ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه لا يحج بنفسه حجتين في سنة وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بَعْضُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَبَاقِيهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّرُورَةُ - بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - قَدْ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صر بنفسه عن أخراجها فِي الْحَجِّ وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ صَرُورَةٌ لِأَنَّهُ صَرَّ بِنَفْسِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا فِي النِّكَاحِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شبرمة فرواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ قَالَ أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عن شبرمة) هذا لفظ أبي دَاوُد وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ

شُبْرُمَةَ فَقَالَ مَنْ شُبْرُمَةَ فَذَكَرَ أَخًا لَهُ أَوْ قَرَابَةً فَقَالَ أَحَجَجْتَ قَطُّ قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شبرمة) قال البيهقي هذا إسناده صَحِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَذَلِكَ مَرْفُوعًا قَالَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ومن رواه مرفوعا حافظ ثقة فلا يفسره خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سمع رجلا يقول لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شُبْرُمَةُ فَقَالَ أَخٌ لِي فَقَالَ هَلْ حَجَجْتَ قَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ) قال البيهقى قال الدارقطني هَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهْمٌ قَالَ إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ كَانَ يَرْوِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) شُبْرُمَةُ - فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَةٍ (أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ) فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا لِمَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ إذَا أَوْجَبْنَاهَا أَوْ عُمْرَةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْغَيْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وبه قال ابن عباس والاوزاعي وأحمد اسحق وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ عَنْ الْغَيْرِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وايوب السجستاني وعطاء والنخعي وابو حنيفة (1) نُظِرَ إنْ ظَنَّهُ قَدْ حَجَّ فَبَانَ لَمْ يَحُجُّ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِتَغْرِيرِهِ وَإِنْ عِلْمَ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَقَالَ يَجُوزُ فِي اعْتِقَادِي أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ فحج الاجير الاخير وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ سَبَقَ نَظَائِرُهُمَا (وَأَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَجِّ مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ أَوْ لِلْعُمْرَةِ مَنْ اعْتَمَرَ وَلَمْ يَحُجَّ فَقَرَنَ الْأَجِيرُ وَأَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ أَحْرَمَ بِمَا استؤجر له عن المستأجر وبالاخير عَنْ نَفْسِهِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (الْجَدِيدُ) الاصح يقعان عن لاجير لِأَنَّ نُسُكَيْ الْقِرَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْآخَرُ عَنْ الْأَجِيرِ وَقَطَعَ كَثِيرُونَ بِالْجَدِيدِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَ النُّسُكَانِ جَمِيعًا عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَجُوز أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَيَعْتَمِرَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنِ وَارِثٍ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَقْضِي دينه (أما) إذا استأجر رجلان شخصا

_ (1) كذا في الاصل ولعله سقط لفظ (ينعقد وهل يستحق الاجرة)

مذاهب العلماء فيمن عليه حجة الاسلام وحجة نذر

(أَحَدُهُمَا) لِيَحُجَّ عَنْهُ (وَالْآخَرُ) لِيَعْتَمِرَ عَنْهُ فَقَرَنَ عَنْهُمَا فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعَانِ عَنْ الْأَجِيرِ وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ نَذْرَ حَجَّةً نَظَرَ إنْ نَذَرَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَنْصَرِفْ حَجُّهُ إلَيْهِ بَلْ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ نَذْرَهُ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) والرافعي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) انْصِرَافُهُ إلَى الْأَجِيرِ (وَالثَّانِي) لَا ينصرف ولو أحرم رجل يحج تطوع ثم ندر حَجًّا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى النَّذْرِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (2) (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْعِشَاءِ عَتَمَةٌ وَلِلْمَغْرِبِ عِشَاءٌ وَلِلطَّوَافِ شَوْطٌ قَالُوا وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً لِصَرِّهِ النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكِهَا وَتُسَمِّي مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ صَرُورَةً لِأَنَّهُ صَرَّ الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي (وَقَوْلُهُ) يُكْرَهْ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ شَوْطًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اسْتَعْمَلَاهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا جَوَابٌ ضَعِيفٌ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي مَسَائِلِ الطَّوَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) كَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً وَاسْتِدْلَالَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا يَحُجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةُ نَذْرٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ تَقْدِيمِ حَجَّةِ الاسلام وبه قال ابن عمرو عطاء وأحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ وَفَاءَ نَذْرِهِ فَهِيَ عَنْ النَّذْرِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مَنْ قَابِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ) هَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَبَعْضًا مِنْهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَحَذَفَ بَعْضًا مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ هُنَا وَتُرْجَمَ لَهُ بَابًا مُسْتَقِلًّا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذِكْرِهِ هُنَا إلَّا الْمُصَنِّفُ فَأَرَدْتُ موافقة المزني والاصحاب

_ (1) بياض بالاصل (2) كذا في الاصل وسقط منه المسألة الثانية والثالثة فليحرر

فَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَ مَا ذَكَرُوهُ مُخْتَصِرَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْحَجِّ وَعَلَى الْعُمْرَةِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا كَالزَّكَاةِ وَيَجُوزُ بِالْبَذْلِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ والصحاب قَالُوا وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ حُجَّ عَنَى وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ حَيْثُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي صُورَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَفِي الْمَعْضُوبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأُجْرَةُ الْحَجِّ حَلَالٌ مِنْ أَطْيَبِ الْمَكَاسِبِ * (فَرْعٌ) الِاسْتِئْجَارُ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) اسْتِئْجَارُ عَيْنِ الشَّخْصِ (وَالثَّانِي) إلْزَامُ ذِمَّتِهِ الْعَمَلَ مِثَالُ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ أَنْ يَقُولَ الْمَعْضُوبُ استأجرتك أن تحج عَنْ مَيِّتِي وَلَوْ قَالَ اُحْجُجْ بِنَفْسِكَ كَانَ تَأْكِيدًا (وَمِثَالُ الثَّانِي) أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ الْحَجِّ لِي أَوْ لَهُ وَيَفْتَرِقُ النَّوْعَانِ فِي أُمُورٍ سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ شُرُوطٌ وَآثَارٌ وَأَحْكَامٌ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْإِجَارَةِ وَاَلَّذِي نَذْكُرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ قَدْ يُعَيَّنُ فِيهِ زَمَنُ الْعَمَلِ وَقَدْ لَا يُعَيَّنُ وَإِذَا عُيِّنَ فَقَدْ تُعَيَّنُ السَّنَةُ الْأُولَى وَقَدْ تُعَيَّنُ غَيْرُهَا فَأَمَّا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَإِنْ عَيَّنَّا السَّنَةَ الْأُولَى جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ وَالْحَجُّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا مَقْدُورًا لِلْأَجِيرِ فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجَ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا تَنْقَطِعُ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ عَيَّنَّا غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي سَنَةٍ فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ السَّنَةُ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْإِجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا السَّنَةُ الْأُولَى بَلْ يَجُوزُ تَعَيُّنُ السَّنَةِ الْأُولَى وَتَعَيُّنُ غَيْرِهَا فَإِنْ عَيَّنَ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا تَعَيَّنَتْ وَإِنْ أطلق حمل عى الْأُولَى وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مَرَضُ الْأَجِيرِ وَلَا خَوْفُ الطَّرِيقِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا أَيْضًا ضِيقُ الْوَقْتِ إنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يَسْتَنِيبَ بِحَالٍ وَأَمَّا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ إنْ قَالَ أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَإِنْ قَالَ اُحْجُجْ بِنَفْسِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِ الْأُجَرَاءِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْفَصْلَ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَخَطَّأَهُ

فِيهِ وَقَالَ الْإِجَارَةُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَاطِلَةٌ لان الدينية مع الربط بالغنيمة يتاقضان كمن أسلم في ثمرة انسان مُعِينٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إشْكَالٌ قَوِيٌّ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ إلَى ضَرْبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ (أَحَدُهُمَا) بَيْعُ عين وهو أن يبيع عينا بعينه فَيَقُول بِعْتُكَ هَذَا فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ اقْتَضَى الصِّحَّةَ وَتَسْلِيمَ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ فَإِنْ تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَأْخِيرَ السَّلَمِ وَلَوْ سَاعَةً بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يُفْتَقَرُ الْعَقْدُ إلَيْهِ وَرُبَّمَا تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الثَّانِي وَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ وَهُوَ السَّلَمُ فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْحُلُولَ وَإِنْ شَرَطَ أَجَلًا صَحَّ بِخِلَافِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ فَلَا غَرَرَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ عَلِمَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صرح به امام الحرمين والبغوى وَالْمُتَوَلِّي وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لا يشترط وللاصحاب أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المروزى والا كثرون وَوَافَقَ الْمُصَنَّفُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ وَيُحْمَلُ عَلَى مِيقَاتِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ عَلَى حَجٍّ شَرْعِيٍّ وَالْحَجُّ الشَّرْعِيُّ لَهُ مِيقَاتٌ مَعْقُودٌ شَرْعًا وَغَيْرُهَا فَانْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُقَرِّرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ النَّقْدُ الْغَالِبُ وَيَكُونُ كَمَا قَرَّرَاهُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْقَوْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَوَجَبَ بَيَانُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ طَرِيقَانِ مُخْتَلِفَا الْمِيقَاتِ أَوْ طَرِيقٌ يُفْضِي إلَى مِيقَاتَيْنِ كَقَرْنٍ وَذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَالْجُحْفَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الشَّامِّ فَإِنَّهُمْ تَارَةً يَمُرُّونَ بِهَذَا وَتَارَةً يَمُرُّونَ بِهَذَا اشْتَرَطَ بَيَانُهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي طريقي الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ حَيٍّ اُشْتُرِطَ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ فَلَا لِأَنَّ الْحَيَّ قَدْ يَتَعَلَّقُ لَهُ بِهِ غَرَضٌ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي حَقِّهِ تَحْصِيلُ الْحَجِّ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وضعفه الشيخ

أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَقَالُوا هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ليس بشئ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالرَّابِعُ) يُشْتَرَطُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطَا تَعْيِينَهُ فَأَهْمَلَاهُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لَكِنْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ عَيَّنَّا مِيقَاتًا أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَتَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ عَيَّنَّا مِيقَاتًا أَبْعَدَ عَنْ مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِهِ صَحَتْ الْإِجَارَةُ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمِيقَاتُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ وَأَمَّا تَعْيِينُ زَمَانِ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ لِلْإِحْرَامِ وَقْتًا مَضْبُوطًا لَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ فَلَوْ شُرِطَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ جَازَ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ وَأَفْسَدَهُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ كَمَا فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اُشْتُرِطَ بِلَا خلاف بيان أنهما أفراد أَوْ تَمَتُّعٌ أَوْ قِرَانٌ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ (فَرْعٌ) نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمَعْضُوبُ مَنْ حَجَّ عَنَى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَجَّ عَنْهُ إنْسَانٌ اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ قَالَ الْمُزَنِيّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِأَنَّ هَذَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأَجْرِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجَعَالَةِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) وُقُوعُ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ كَمَا نص عليه الشَّافِعِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ وَالْجَعَالَةُ تَجُوزُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ فَالْمَعْلُومُ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مُعْظَمَ الْإِصْحَابِ مَالُوا إلَى هَذَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ لَا تَجُوزُ الْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ يمكن الاسئجار عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِذْنُ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ إلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ وَكَّلْتُ مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فِي بَيْعِهَا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا التَّوْكِيلِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ امام الحرمين أن شيخ وَالِدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِ الْإِذْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فَقَالَ مَنْ حج عنى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَسَمِعَهُ رَجُلَانِ وَأَحْرَمَا عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ إنْ سَبَقَ

إحْرَامُ أَحَدِهِمَا وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وَيَسْتَحِقُّ السَّابِقُ الْمِائَةَ وَإِحْرَامُ الثَّانِي يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ شك في السبق والمعية لم يقع شئ مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَقَعُ إحْرَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَنْ عَقَدَ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَوْ قَالَ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَحْرَمَ عَنْهُ رَجُلَانِ أحدهما بعد الآخر وقع الاحرام السَّابِقِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وَلَهُ عَلَيْهِ الْمِائَةُ وَلَوْ أَحْرَمَا مَعًا وَقَعَ حَجُّ كُلِّ واحد منهما عن نفسه ولا شئ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَوَّلٌ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ دَرَاهِمُ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْقَائِلِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَحَجَّ الْأَجِيرُ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَكُلَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ فَالْإِذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ صَحَّ وَاسْتَحَقَّ أجرة الْمِثْلِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ تَجْوِيزَ تَقْدِيمِ إجَارَةِ الْعَيْنِ عَلَى وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَأَنَّ لِلْأَجِيرِ انْتِظَارَ خُرُوجِهِمْ وَيَخْرُجُ مَعَ أَوَّلِ رُفْقَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيَقْتَضِي اشْتِرَاطُ وُقُوعِ الْعَقْدِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ حَتَّى قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَّا فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ مِنْ ذَلِكَ

الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَشْتَغِلْ عَقِبَ الْعَقْدِ بِالْخُرُوجِ أَوْ بِأَسْبَابِهِ مِثْلُ شِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَ وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَكَّةَ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ عَقِبَ الْعَقْدِ قَالَ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَوْ جَرَى الْعَقْدُ فِي وَقْتِ تراكم الثلوج والانداء فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْوَسِيطِ لِأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِهَا مَضْبُوطٌ (وَالثَّانِي) لَا لِتَعَذُّرِ الِاشْتِغَالِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ انْتِظَارِ خُرُوجِ الرُّفْقَةِ فَإِنَّ خُرُوجَهَا فِي الْحَالِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخُرُوجِ بِلَا شَكٍّ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا النَّقْلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ هُوَ شُذُوذٌ مِنْ الْبَغَوِيِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي الشَّامِلِ والغمة وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ عَلَى الْعَادَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَمَّا عَقْدُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَالِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عَقْدُ إجَارَةِ الْعَيْنِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَاتِّصَالِ الْقَوَافِلِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلِ الْحَجِّ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَالِاشْتِغَالَ بشراء الزاد والتأهب للسفر منزلة منزل السَّفَرِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ قَبْلَ الرُّفْقَةِ وَلَوْ استأجره أَخَاهُ مِنْ قَبْلِ زَمَانِ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ بَاطِلَةٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّوَجُّهِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ إلَّا أَنْ يَسِيرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَمْ يَسْتَأْجِرْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ في أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَيْرِهِ إلَى الْحَجِّ عَقِبَ الْعَقْدِ قَالَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا

مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُمْكِنُ ابْتِدَاءُ الْحَجِّ فِيهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُدْرِكُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى شَرْطِ تَأْخِيرِ السَّلَمِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَحَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَأْخُذَ فِي أَفْعَالِهِ عَقِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَتَأَخَّرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّيْرِ إلَى الْحَجِّ وَالْخُرُوجِ له من البلد ولا تجوز قَبْلَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَثِيرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب في المجرد لا تجوز إجَارَةُ الْعَيْنِ إلَّا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّبَبِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي بِلَادٍ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ السَّيْرِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَبِلَادِ الْعِرَاقِ لَمْ يَجُزْ عَقْدُهَا إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ السَّيْرِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَبِلَادِ خُرَاسَانَ جَازَ تَقْدِيمُ الْعَقْدِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عَقْدُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَكَان لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ عَنْهُ فَإِنْ وَصَلَ الْعَقْدُ بِالرَّحِيلِ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَجُوزُ وَقِيلَ إنْ كَانَ بِبَلَدٍ

قَرِيبٍ كَبَغْدَادَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا جَازَ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يَشْرُعْ فِي الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ انْفَسَخَتْ بِلَا خلاف الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُعَيِّنَا سَنَةً فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ كَتَعْيِينِ السَّنَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ وَإِنْ عَيَّنَا السَّنَةَ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا وَأَخَّرَ عَنْهَا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ (أَظْهَرُهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) يَنْفَسِخُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَبِهِ قَطَعَ غَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الْمَعْضُوبُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ لِيَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ مَيِّتٍ فقال المصنف وسائر أصحاب الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْأُجْرَةِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْجَارِ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ

وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْوَرَثَةِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَسَيُعِيدُونَ بِالْفَسْخِ اسْتِرْدَادَ الْأُجْرَةِ وَصَرْفَهَا إلَى إحْرَامٍ آخَرَ أَحْرَى بِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَى قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَذَكَرَ احْتِمَالَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي تَرْكِ الْفَسْخِ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْفَسْخِ لِخَوْفِ إفْلَاسِ الْأَجِيرِ أَوْ هَرَبِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ ضَمِنَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ وَأَثْبَتَهُمَا الْأَئِمَّةُ (أَحَدُهُمَا) صَوَّرَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ مَثَلًا وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ

مستحقة الصرف إليه (والثاني) قال أبو إسحق فِي الشَّرْحِ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْعَقْدَ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِيهِ وَأَنْ لَا يَسْتَقِلَّ بِهِ فَإِذَا نَزَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَإِنْ نَزَلَ عَلَى الثَّانِي هَانَ أَمْرُهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (أَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ من مال نَفْسِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ فَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ الْمَعْضُوبِ لِنَفْسِهِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ لِنَفْسِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَمَاتَ الْمَعْضُوبُ وَأَخَّرَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ عَنْ السَّنَةِ الْمُعِينَةِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةً قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَارِثِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذْ لَا مِيرَاثَ فِي هَذِهِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْأَجِيرُ عَلَى السَّنَةِ الْمُعِينَةِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَجَّلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ الْمَحِلِّ فَإِنَّ فِي وُجُوبِ قَبُولِهِ خلاف وتفصيل بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَأْخِيرِ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِيُحْفَظَ فِي الذِّمَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَجِّ (فَرْعٌ) إذَا انْتَهَى الْأَجِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْإِحْرَامِ إمَّا بِشَرْطِهِ وَإِمَّا بالشرع إذا لم يشترط تعيينها يُحْرِمْ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ بالحج فله

حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ فيصح الحج عن المستأجر للاذن ويحط شئ من الاجرة المسماة لا خلاله بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ الْمُلْتَزَمِ وَفِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ خِلَافٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا سَارَ الْأَجِيرُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَحَجَّ فَالْأُجْرَةُ تَقَعُ عَنْ مُقَابَلَةِ أَصْلِ الْحَجِّ وَحْدَهَا أَمْ مُوَزَّعَةً عَلَى السَّيْرِ وَالْأَعْمَالِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ (أَصَحُّهُمَا) تُوَزَّعُ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ جَمِيعًا (وَالثَّانِي) عَلَى الْأَعْمَالِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي يُقَسَّطُ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ وَإِنْ قَالَ لِتَحُجَّ عَنِّي مِنْ بَلَدِ كَذَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا وَحَمْلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ فَإِنْ خَصَصْنَاهَا بِالْأَعْمَالِ وُزِّعَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُقَابَلَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةَ الْحَجَّةِ الْمُسَمَّاةِ مِنْ مَكَّةَ دِينَارَانِ وَالْمُسَمَّاةُ مِنْ الْمِيقَاتِ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَالتَّفَاوُتُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَيَحُطُّ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الْمُسَمَّى وَإِنْ وَزَّعْنَا الْأُجْرَةَ عَلَى السَّيْرِ وَالْأَعْمَالِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تُحْسَبُ لَهُ الْمَسَافَةُ هُنَا لِأَنَّهُ صَرَفَهَا إلَى غَرَضِ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَعَلَى هَذَا تُوَزَّعُ عَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَيَقَعُ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَعَلَى حَجَّةٍ تَنْشَأُ مِنْ مَكَّةَ فَيَحُطُّ مِنْ الْمُسَمَّى بِنِسْبَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمُنْشَأَةِ مِنْ الْبَلَدِ مِائَةً وَالْمُنْشَأَةُ مِنْ مَكَّةَ عَشْرَةً حَطَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُسَمَّى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يُحْسَبُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَصَدَ الْحَجَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ عُرِضَ لَهُ الْعُمْرَةُ فَعَلَى هَذَا تُوَزَّعُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَعَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ تِسْعِينَ حَطَّ عُشْرَ الْمُسَمَّى فَحَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا هَذَا الْأَخِيرُ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إنَّ الْأَجِيرَ فِي مَسْأَلَتِنَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا فِي غَيْرِ صُورَةِ الِاعْتِمَارِ أَنَّ إسَاءَةَ الْمُجَاوَزَةِ هَلْ تَنْجَبِرُ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ حتى لا يحط شئ من الاجرة أم لا وذلك الخلاف يجئ هنا ذكره أبو الفضل ابن عبدان وآخرون فإذا الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَحْطُوطِ * (فَرْعٌ) لِلْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْحَطِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَيُقْطَعُ بِعَدَمِ الِانْجِبَارِ هُنَا لِأَنَّهُ ارْتَفَقَ بِالْمُجَاوَزَةِ هُنَا حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ فَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ فَهَلْ يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (إنْ

قلنا) الاجرة موزعة الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ لَمْ يُحْسَبْ السَّيْرُ لِانْصِرَافِهِ إلَى عُمْرَةٍ وَوُزِّعَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ بلد الاجارة إحرامها من اليمقات وَعَلَى حَجَّةٍ مُنْشَأَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ قَطْعِ مَسَافَةٍ وَيُحَطُّ بِالنِّسْبَةِ مِنْ الْمُسَمَّى (وَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ أَوْ وَزَّعْنَاهَا عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيْرِ وَحُسِبَتْ الْمَسَافَةُ فَلَا حَطَّ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَثِيرُونَ غَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ أَوْ الشَّرْطِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبًا وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ جَاوَزَ الْأَجِيرُ الْمِيقَاتَ الْمُعْتَبَرَ بِالشَّرْطِ أَوْ الشَّرْعِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَيُنْظَرُ إنْ عَادَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فلا دم ولا يحط من الاجرة شئ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ أَوْ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ لِلْإِسَاءَةِ بِالْمُجَاوَزَةِ وَهَلْ يَنْجَبِرُ بِهِ الْخَلَلُ حَتَّى لَا يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْجَبِرُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَيَجِبُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ لِأَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الدَّمُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَطَّ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ يُحَطُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْحَطِّ وَتَأَوَّلُوا مَا قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ وُجُوبِ الْحَطِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِ عَنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهِ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَطِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالِانْجِبَارِ فَهَلْ نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الدَّمِ وَنُقَابِلُهَا بِالتَّفَاوُتِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى جَبْرِ الْخَلَلِ وَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِأَنَّ الدَّمَ يَجْبُرُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ فَلَا يَنْجَبِرُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الدَّمِ فَعَلَى هَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الدَّمِ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ حَصَلَ الِانْجِبَارُ وَلَا حَطَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَجَبَ الزَّائِدُ هَذَا إذَا قُلْنَا بِالِانْجِبَارِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْحَطُّ فَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنَّ الاجرة في مقابلة ماذا (إن قلنا) مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ فَقَطْ وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ (وَإِنْ قُلْنَا) فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْمَالِ وَالسَّيْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَزَّعْنَا الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ إحْرَامِهَا من الميقات على حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ إحْرَامِهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ وَعَلَى هَذَا يَقِلُّ الْمَحْطُوطُ ثُمَّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ

وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرَاسِخِ وَحْدَهَا أَمْ يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ السُّهُولَةُ وَالْحُزُونَةُ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي (أَمَّا) إذَا عَدَلَ الْأَجِيرُ عَنْ طَرِيقِ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ مِيقَاتُهُ مِثْلُ الْمُعْتَبَرِ أَوْ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ والجمهور أنه لا شئ عليه وحكى القاضى حسين والبغوى وَغَيْرِهِمَا فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَمَنْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِالشَّرْطِ تَعَيَّنَ الْمَكَانُ (أَمَّا) إذَا عَيَّنَّا مَوْضِعًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ الشَّرْعِيِّ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ كَمَا سَبَقَ إذْ لَا يَجُوزُ لِمُرِيدِ النُّسُكِ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ بِأَنْ عَيَّنَّا الْكُوفَةَ فَيَلْزَمُ الْأَجِيرَ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ فَلَوْ جَاوَزَهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْوَاجِبَ بِالشَّرْطِ فَأَشْبَهَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الدَّمَ يَجِبُ فِي مُجَاوَزَةِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَجَبَ حَطُّ قِسْطٍ مِنْ الْأُجْرَةِ قَطْعًا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الدَّمَ فَفِي حُصُولِ الِانْجِبَارِ بِهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يَنْجَبِرُ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ تَرَكَ نُسُكًا لَا دَمَ فِيهِ كَالْمَبِيتِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ إذَا قُلْنَا لا دم فيهما لزمه رد شئ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْجَبِرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا دَمٌ يَنْجَبِرُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَإِنْ لَزِمَهُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَاللُّبْسِ والقلم لم يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شيأ مِنْ الْعَمَلِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِهَذَا وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَيَجِب الدَّمُ فِي مَالِ الْأَجِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَ الْإِحْرَامَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَأَخَّرَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَفِي الِانْجِبَارِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا لِأَنَّهُ تَرْكَ مَقْصُودًا هكذا حكى المسألتين عن القاضى حسين الرافعى ثُمَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا مُفَرِّعِينَ عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَشْرُوطَ الشَّرْعِيَّ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْكُوفَةِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا

(وَإِنْ قُلْنَا) الْحَجُّ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِ الْمَشْيِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي وُجُوبِ رَدِّ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أُجْرَةِ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هو الاصح * (فرع) قال أصحابنا إذا اتسأجره لِلْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَارَةً يَمْتَثِلُ وَتَارَةً يَعْدِلُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنْ امْتَثَلَ فَقَدْ وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَطَ الْقِرَانَ (وَالثَّانِي) عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ الْمُتَرَفِّهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَرْطَاهُ عَلَى الْأَجِيرِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ مَجْهُولٍ وَإِجَارَةٍ لِأَنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْهَدْيِ عَلَى الْأَجِيرِ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج) وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةِ بِكَمَالِهَا (فَأَمَّا) إذَا عَدَلَ فَيَنْظُرُ إنْ عَدَلَ إلَى الْإِفْرَادِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْأُجْرَةِ حِصَّةَ الْعُمْرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ نَظَرَ فَإِنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُقْرِنْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَى الْأَجِيرِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ وَهَلْ يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمْ تَنْجَبِرُ الْإِسَاءَةُ بِالدَّمِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِنْ عَدَلَ إلَى التَّمَتُّعِ فَقَدْ أشار المتولي إلى أنه إن كانت الاجارة عَيْنٍ لَمْ يَقَعْ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ قَرِيبًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ نَظَرَ إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْعَلُ مُخَالِفًا لِتَقَارُبِ الْجِهَتَيْنِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ امْتَثَلَ وَفِي كَوْنِ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ الْوَجْهَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْعَلُ مُخَالِفًا فَيَجِبُ الدم علي الاجير لا ساءته وفى حط

شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْأَجِيرِ إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (قِيلَ) يُحَطُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْأَصَحُّ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَطُّ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ آخَرَ لِأَنَّ الْقِرَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَتَضَمَّنُهُ قَالَ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ فَامْتَثَلَ فَهُوَ كَمَا لو استأجره للقران فامثتل وَإِنْ أَفْرَدَ نَظَرَ إنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَعَادَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا وان أَخَّرَ الْعُمْرَةَ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعِينِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَعَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شئ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بالعمرة من الميقات وفى حط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِنْ قَرَنَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بالنسكين من الميقات وكان مامروا بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ إنْ عدد الافعال للنسكين فلا شئ عليه والا فهل يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَفْعَالِ فِيهِ وَجْهَانِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الدَّمَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أم الاجير * (فرع) لو استاجر لِلْإِفْرَادِ فَامْتَثَلَ فَذَاكَ فَلَوْ قَرَنَ نُظِرَ إنْ كانت الاجارة عَلَى الْعَيْنِ فَالْعُمْرَةُ وَاقِعَةٌ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ فَقَرَنَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعٍ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَ فَصْلِ الِاسْتِئْجَارِ وَذَكَرْنَا فِيهِ قَوْلَيْنِ بِتَفْرِيعِهِمَا (الْجَدِيدُ) الْأَصَحُّ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ الْأَجِيرِ (وَأَمَّا) إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَيَقَعَانِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى الْأَجِيرِ الدم وهل يحط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ لِلْخَلَلِ أَمْ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فِيهِ الْخِلَافُ وَإِنْ تَمَتَّعَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَيَرُدُّ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِتَقْدِيمِهَا أَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ وَقَعَا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَزِمَ الْأَجِيرَ دَمٌ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الحج وفى حط شئ مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَقَرَنَ الْأَجِيرُ أَوْ تَمَتَّعَ وَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ الْمَيِّتِ بِكُلِّ حَالٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ فِي وُقُوعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ فَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ صَحَّ وَوَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنَ وَارِثٍ وَلَوْ قَالَ الْحَيُّ لِلْأَجِيرِ حُجَّ

عَنِّي وَإِنْ تَمَتَّعْتَ أَوْ قَرَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقَعَ النُّسُكَانِ (1) بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ فَاعْتَمَرَ أَوْ لِلْعُمْرَةِ فَحَجَّ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِمَيِّتِ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ عَنْ حَيٍّ وَقَعَتْ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ * (فَرْعٌ) إذَا جَامَعَ الْأَجِيرُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ الْحَجُّ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِهِ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ وَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ يَبْقَى صَحِيحًا وَاقِعًا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَفْسُدُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا قُلْنَا تَنْقَلِبُ الْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ إلَى الْأَجِيرِ وَلَا تُضَافُ بَعْدَ الْفَسَادِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْمَطْلُوبَةَ لَا تَحْصُلُ بِالْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا غَيْرَ مُفْسِدٍ وَهُوَ أَجِيرٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَجَّةِ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا فَوَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْحَجُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْإِضَافَاتُ وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ لَا تُبْرِئُ الذِّمَّةَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ وَاقِعًا عَنْ الْأَجِيرِ وَيَرُدُّ الْأُجْرَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَإِذَا قَضَى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَعَمَّنْ يَقَعُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ وَلَوْ سَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِفْسَادِ لَكَانَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَكَذَا قَضَاؤُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ الْأَجِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ الْفَاسِدَ وَقَعَ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْقَضَاءِ حَجَّةٌ أُخْرَى فَيَقْضِي عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَحُجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى أَوْ يَسْتَنِيبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ * هَذَا إنْ كَانَ مَعْضُوبًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَنْ مَيِّتٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَحُجَّ الْأَجِيرُ فِي السَّنَةِ الْمُعِينَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَمَنَعَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ صَرَفَ الْإِحْرَامَ إلَى نَفْسِهِ ظَنَّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَأَتَمَّ الْحَجَّ عَلَى هَذَا الظَّنِّ فَلَا يَنْصَرِفُ الْحَجُّ إلَى الْأَجِيرِ بَلْ يَبْقَى لِلْمُسْتَأْجِرِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ (2) وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَإِذَا انْعَقَدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ الْأُجْرَةَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ (أحدهما) لا يستحق شيئا

_ (1) كذا بالاصل * * (2) بياض بالاصل فحرر

لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ يَسْتَحِقُّ لِحُصُولِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَاهُ الْأَجِيرُ ظَانًّا أَنَّ الْحَائِطَ لَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجِيرِ فِي الْحَجِّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِي الْبِنَاءِ لَمْ يَجُرْ وَلَا خَالَفَ وَفِي الْحَجِّ جَارٍ وَخَالَفَ فَإِنْ قُلْنَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ فِي الْحَجِّ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَفْسُدْ فَبَقِيَ الْمُسَمَّى (وَالثَّانِي) أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَقْدَ بِنِيَّتِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ بَنَاهُمَا الْأَئِمَّةُ عَلَى مَا إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى صَبَّاغٍ لِيَصْبِغَهُ بِأُجْرَةٍ فَجَحَدَ الثَّوْبَ وَأَصَرَّ عَلَى أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ صَبَغَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَدِمَ وَرَدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى مَالِكِ الثَّوْبِ فِيهِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فِي أثنائه هل تجوز النيابة عَلَى حَجِّهِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَالْقَدِيمُ) يَجُوزُ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَبْطُلُ الْمَأْتِيُّ بِهِ إلَّا فِي الثَّوَابِ وَيَجِب الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تِرْكَتِهِ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوَّعَا أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَجِبْ وَعَلَى الْقَدِيمِ قَدْ يَمُوتُ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ يَمُوتُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنْ بَقِيَ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْحَجِّ وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ وَقَفَ وَلَا يَقِفُ إنْ كَانَ وَقَفَ وَيَأْتِي بِبَاقِي الْأَعْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِوُقُوعِ إحْرَامِ النَّائِبِ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى إحْرَامٍ أُنْشِئَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ فَبِمَ يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قال أبو إسحق يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى فَيُجْزِئَانِهِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ وَلَا يَبِيتُ وَلَا يَرْمِي لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَكِنْ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إذَا ابْتَدَأَهُ وَهَذَا لَيْسَ مُبْتَدَأً بَلْ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْرَامٍ قَدْ وَقَعَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ أَحْرَمَ إحْرَامًا لَا يُحَرِّمُ اللُّبْسَ وَالْقَلْمَ وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْمَيِّتُ هَذَا كُلُّهُ إذًا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُمَا لَمْ تَجُزْ النِّيَابَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ جَبْرُ الْبَاقِي بِالدَّمِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَوْهَمَ بَعْضُهُمْ إجْرَاءَ الْخِلَافِ وَهَذَا غَلَطٌ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) يَمُوتُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ

(أَحَدُهُمَا) لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُ إلَى بَابِ الدَّارِ ثُمَّ هَرَبَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ بَعْضَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ لَهُ قِسْطُهُ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِبِنَاءِ عَشْرَةِ أَذْرُعِ فَبَنَى بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا إنَّمَا هِيَ الْتِزَامٌ بِشَرْطٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشرط بكماله لا يلزمه شئ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالثَّانِي الْأَصَحُّ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ مَاتَ بَعْدِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (وَقِيلَ) يَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ قَطْعًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شاذ ضعيف فإذا قلنا يستحق فهل يسقط عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ أَمْ عَلَيْهَا وَعَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ جَمِيعًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا (فَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَطَائِفَةٍ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالْمَسَافَةِ جَمِيعًا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي قُسِّطَ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ وَإِنْ قَالَ لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا قُسِطَ عَلَيْهِمَا وَحَمْلُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ هَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى فِعْلِ الْأَجِيرِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَلَا بِنَاءَ لِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبْنِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ في الفرع قبله في جوزا الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أمكنهم في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وَإِنْ تَأَخَّرَ إلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا سَبَقَ (وَإِنْ جَوَّزْنَا) الْبِنَاءَ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَبْنُوا ثُمَّ الْقَوْلُ فِيمَا يُحْرِمُ بِهِ النَّائِبُ وَفِي حُكْمِ إحْرَامِهِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُقَابِلُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ بِسَبَبٍ إلَى الْحَجِّ وَلَيْسَ بِحَجٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةً كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ فَأَحْضَرَ الْآلَةَ وَأَوْقَدَ النَّارَ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْبِزَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا هَذَا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَّلَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَيْئًا

مِنْ الْمَقْصُودِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سعيد الاصطخرى وأبى بكر الصرفى يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ المسافة وافيا بهذا نسبه العرامطة وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانَ أَنَّهُ إنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَهَذَا نَحْوُ مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَرْكَانِ وَقَبْلَ فَرَاغِ بَاقِي الْأَعْمَالِ فَيُنْظَرُ إنْ فات وقتها أو لم يفت ولكن لَمْ نُجَوِّزْ الْبِنَاءَ وَجَبَ جَبْرُ الْبَاقِي بِالدَّمِ مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ وَهَلْ يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بَعْد مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ وَجَبْرُهُ بِالدَّمِ وَهُوَ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ الرَّدِّ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ وَكَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ على العين انفسخت في الْأَعْمَالُ الْبَاقِيَةُ وَوَجَبَ رَدُّ قِسْطِهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ وَلَا دَمَ فِي تِرْكَةِ الْأَجِيرِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اسْتَأْجَرَ وَارِثُ الْأَجِيرِ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ يُفْعَلَانِ بَعْدَ التحللين ولا يلزم الدم ولا رد شئ مِنْ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) إذَا أُحْصِرَ الْأَجِيرُ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَرْكَانِ تَحَلَّلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ولا على المستأجر كانه أحصر وتحلل فان كان حَجَّةَ تَطَوُّعٍ أَوْ كَانَتْ حَجَّةَ إسْلَامٍ وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الِاسْتِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ اسْتَطَاعَهَا هَذِهِ السَّنَةَ سَقَطَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فَإِذَا تَحَلَّلَ الْأَجِيرُ فَعَمَّنْ يَقَعُ مَا أَتَى بِهِ فيه وجهان (أَصَحُّهُمَا) عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ مَاتَ إذْ لَا تَقْصِيرَ (وَالثَّانِي) عَنْ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ فَعَلَى هَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْأَجِيرِ وعلي الاول هو على المستاجر في اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ وَدَامَ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ انْقَلَبَ الْإِحْرَامُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ وَلَوْ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِنَوْمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ إحْصَارٍ انْقَلَبَ الْمَأْتِيُّ بِهِ إلَى الْأَجِيرِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِفْسَادِ وَلَا شئ لِلْأَجِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَلْ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَهُ إلَى حِينِ انْقَلَبَ الْإِحْرَامُ إلَيْهِ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ * (فَرْعٌ) لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَعْضُوبُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمام الحرمين (أحدهما) وهو قول الشيخ أبو مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وكذا كل

مَنْ فِي ذِمَّتِهِ حَجَّةٌ مُرْسَلَةٌ بِإِجَارَةٍ فَإِذَا نَوَى التَّطَوُّعَ بِالْحَجِّ انْصَرَفَ إلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَوَى التَّطَوُّعَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ دُونَ التَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْأَصْحَابِ يَقَعُ تَطَوُّعًا لِلْأَجِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَبُو مُحَمَّدٍ انْفَرَدَ بِهِ وَلَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّا إنَّمَا نُقَدِّمُ وَاجِبَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِهِ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْحَجِّ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى فِي مَرَاتِبِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَيْسَ مِنْ خَاصَّةِ الْحَجِّ وَلَوْ أَلْزَمَ الْأَجِيرُ ذِمَّتَهُ بِالْإِجَارَةِ مَا لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ لَكَانَ حُكْمُ الْوُجُوبِ فِيهِ حُكْمَ الْوُجُوبِ فِي الْحَجِّ قَالَ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ تَكُونُ تَطَوُّعًا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِئْجَارَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وهو الصح فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ اللُّزُومَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أصحابنا لو استاجر رجلان يَحُجُّ عَنْهُمَا فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا مَعًا أَنْعَقَدَ إحْرَامُهُ لِنَفْسِهِ تَطَوُّعًا وَلَا يَنْعَقِدُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَعَنْ نَفْسِهِ مَعًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَنْ اثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَانْعَقَدَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ * (فَرْعٌ) إذَا اسْتَأْجَرَهُ اثْنَانِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا أَوْ أَمَرَاهُ بِلَا إجَارَةٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَكَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شاء قبل التلبس بشئ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ * دَلِيلُنَا أَنَّ مَالِكًا يَعْتَقِدُ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ بِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا يَشَاءُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ صَرَفَهُ إلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ * وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِإِحْرَامٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ فِيهِ (قُلْنَا) نَقِيضُ مَا أُسْنِدَ لِلنِّيَابَةِ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَاهُ لِيَحُجَّ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَقَدَا مَعًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِمَا وَإِنْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فالاول صحيح والثانى باطل وإن عقدا الْعَقْدَيْنِ فِي الذِّمَّةِ صَحَّا فَإِنْ تَبَرَّعَ بِالْحَجِّ عَنْ أَحَدِهِمَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم لم يصح قَالَ وَأَمَّا الْجَعَالَةُ عَلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ

عِنْدَ الْقَبْرِ وَمُشَاهَدَتِهِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا تدخلة النيابة وان كانت على الادعاء عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّتْ لِأَنَّ الدُّعَاءَ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ وَلَا تَضُرُّ الجبالة بِنَفْسِ الدُّعَاءِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ الْإِجَارَةِ لِلْحَجِّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بَلْ يُعْطِي رِزْقًا عَلَيْهِ قَالَ أبو حنيفة يعطيه نفقة الطريق فان فضل منها شئ رَدَّهُ وَيَكُونُ الْحَجُّ لِلْفَاعِلِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ ثَوَابُ نَفَقَتِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كالصلاة والصوم ولان الْحَجَّ يَقَعُ طَاعَةً فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ عَمَلٌ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَتَفْرِقَةِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا نُسَلِّمُ دُخُولَ النِّيَابَةِ بَلْ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْفَاعِلِ (قُلْنَا) هَذَا مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي إذْنِ النَّبِيِّ صلي الله وسلم في الحج عن العاجز وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ) (وَحُجَّ عَنْ أَبِيك) وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِشَاهِدِ الْفَرْعِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ (قُلْنَا) شَاهِدُ الْفَرْعِ لَيْسَ ثَابِتًا عَنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى شَهَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ لَجَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِأَصْلِ الْحَقِّ لَا عَلَى شَهَادَتِهِ وَدَلِيلٌ آخر وهو أَنَّ الْحَجَّ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْجِهَادِ (قُلْنَا) الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ (وَأَمَّا) الرِّزْقُ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الْحَجِّ (وعن) قولهم الْحَجُّ يَقَعُ طَاعَةً فَيُنْتَقَضُ بِأَخْذِ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُفْرِدَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَرَنَ عَنْهُ وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ يَعْتَمِرَ فَقَرَنَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وجهه * دليلنا أنه أمره يحج وَعُمْرَةٍ فَأَتَى بِهِمَا وَزَادَهُ خَيْرًا بِتَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ جُمَلًا مِنْ ذِمِّيٍّ لِلْحَجِّ عَلَيْهَا لَكِنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيُوَجِّهُ مَعَ جُمَلِهِ مُسْلِمًا يَقُودُهَا وَيَحْفَظُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وإذا كان المسلم عند نَصْرَانِيٌّ خَلَفَهُ فِي الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ مَعَهُ الْحَرَمَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ الْمُوصِي أَحِجُّوا عَنِّي فُلَانًا فَمَاتَ فُلَانٌ وَجَبَ إحْجَاجُ غَيْرِهِ كَمَا

لَوْ قَالَ اعْتِقُوا عَنِّي رَقَبَةً فَاشْتَرَوْا رَقَبَةً لِيَعْتِقُوهَا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَجَبَ شِرَاءُ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِمَا تَحْصِيلُ الْعِبَادَةِ فَإِذَا مَاتَ مِنْ غير ايقاعها أقيم غيره مقامه * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَلَا يَجُوزُ الاحرام بالحج الا في أشهر الحج والدليل عليه قوله عز وجل (الحج أشهر معلومات فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فسوق ولا جدال في الحج) والمراد به وقت إحرام الحج لان الحج لا يحتاج الي أشهر فدل على أنه أراد به وقت الاحرام ولان الاحرام نسك من مناسك الحج فكان موقتا كالوقوف والطواف وأشهر الحج شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الحجة وهو إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر لما روى عن ابن مسعود وجابر وابن الزبير رضى الله عنهم انهم قالوا (أشهر الحج معلومات شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الحجة) فان أحرم بالحج في غير أشهره انعقد احرامه بالعمرة لانها عبادة مؤقتة فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها كَصَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فانه ينعقد احرامه بالنفل ولا يَصِحُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ مِنْ حَجَّةٍ لان الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة فلا يمكن اداء الحجة الاخرى) * (الشَّرْحُ) (قَوْلُهُ) لِأَنَّ الْوَقْتَ يَسْتَغْرِقُ أَفْعَالَ الْحَجَّةِ الْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْحَجَّةَ تَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمَهَا الْحَجَّ وَمَعْنَى الْفَرْضِ فِي اللُّغَةِ الْإِلْزَامُ وَالْإِيجَابُ (وَأَمَّا) الرَّفَثُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ وَقَالَ كَثِيرُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّعَرُّضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ وَذِكْرُهُ بِحَضْرَتِهِنَّ فَأَمَّا ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ النِّسَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَآخَرِينَ (وَأَمَّا) الْفُسُوقُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَالْجُمْهُورُ هُوَ الْمَعَاصِي كُلُّهَا (وَأَمَّا) الْجِدَالُ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ جِدَالِ صَاحِبِهِ وَمُمَارَاتِهِ حَتَّى يُغْضِبَهُ وَسُمِّيَتْ الْمُخَاصَمَةُ مُجَادَلَةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يروم أن يقتل صَاحِبَهُ عَنْ رَأْيِهِ وَيَصْرِفَهُ عَنْهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا مَعْنَاهُ هُنَا وَلَا شَكَّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُرَادُ إبْطَالُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهِ وفعلهم النساء وهو النسئ وَالتَّأْخِيرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ ابْنَ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْمَعَانِي وَغَيْرُهُمْ ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ وَمَعْنَاهَا نَهْيٌ أَيْ لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ فِي قِرَاءَةِ *

هذه الآية فقرأ ابن كثير وأبو عمر (فلا رفث ولا فسوق) بالرفع والتنوين وقرأ باقى السبعة بالنصب فيهما بِلَا تَنْوِينٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ اللَّامَ مِنْ جدال (وأما) قوله تعالى (الحج أشهر) والمراد شهران وبعض الثالث فجار عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فِي إطْلَاقِهِمْ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وَيَكْفِيهَا طُهْرَانِ وَبَعْضُ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ فَهَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ العلماء (وأما) النحويون واصحاب المعاني ومحققوا المفسرين فذكرو فِي الْآيَةِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَقْدِيرُهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ (وَالثَّانِي) تَقْدِيرُهَا الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ أي لاحج إلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا خِلَافَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ مِنْ حَجِّهِمْ فِي غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَذْفُ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِلْأَشْهُرِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ إضْمَارٍ وَهُوَ أَنَّ الْأَشْهُرَ جعلت نفس الحج لكون الْحَجُّ فِيهَا كَقَوْلِهِمْ لَيْلٌ نَائِمٌ لِمَا كَانَ النَّوْمُ فِيهِ جُعِلَ نَائِمًا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَكَانَ مُؤَقَّتًا كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَمَقْصُودُهُ بِهِ إلْزَامُ تَعْبِيرِ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ إنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ولا يأتي بشئ مِنْ أَفْعَالِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ لَا يَكُونَانِ فِي كُلِّ السَّنَةِ بَلْ هُمَا مُؤَقَّتَانِ فَقَاسَ الْمُصَنِّفُ الْإِحْرَامَ عَلَيْهِمَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ أَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ أَوْ القعدة بفتح القاف على المشهور حكى كَسْرُهَا وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (وَأَمَّا) الْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ فَسَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لانها عبادة مؤقتة فقال القلمى اُحْتُرِزَ بِمُؤَقَّتَةٍ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ مَا إذا توضأ للطهر مثلا قبل الزوال فانه يصح وضوؤه للظهر وغيرها وَتَنْعَقِدُ طَهَارَتُهُ الَّتِي عَيَّنَهَا بِعَيْنِهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا فَتَوَضَّأَ أَوْ اغتسل بنية الحدث أو الجنابة الذين يوجدا في المستقبل فانه لا يصح له وما نواه ولا ينعقد وضوؤه تَجْدِيدًا وَلَا غُسْلُهُ مَسْنُونًا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ التَّيَمُّمِ وَهُوَ إذَا تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرِيضَةً وَلَا نَافِلَةً

فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلِأَنَّهُ تَيَمَّمَ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا (وَأَمَّا) النَّافِلَةُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ تَبَعًا للفريضة فإذا لم يستبيح المتبوع لم يستبيح التَّابِعَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالنَّفْلِ فَهَكَذَا قَاسَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ في المختصر وهذا الذي قاله مِنْ انْعِقَادِ الظُّهْرِ نَفْلًا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَبَانَ خِلَافُهُ (فَأَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَالِمًا بِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ جِدًّا سَبَقَ هُنَاكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قِيَاسَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا كَانَ جَاهِلًا عَدَمَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَيْسَتْ صُورَةُ الْحَجِّ مِثْلَهَا إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ظَانًّا جَوَازَ ذَلِكَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فَيَنْبَنِي الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ آخِرُهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ (فَأَمَّا) كَوْنُ أَوَّلِهَا أَوَّلَ شَوَّالٍ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا امْتِدَادُهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جمهور الاصحاب في الطريقين وحكي الخراسانيون وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ لَيْلَةَ الْعَشْرِ بَلْ آخِرَ الشَّهْرِ آخِرَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً ثَلَاثُ طُرُقٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مُجْزِئَةٌ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَا يُحْسَبُ عُمْرَةً كَمَنْ فَاتَهُ الحج قال المتولي وأخرجه السِّتَّةِ إنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِعَدَمِ الْوَقْتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهِمَا فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ كَانَ عُمْرَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَا يُحْسَبُ عُمْرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا عُمْرَةٌ مُجْزِئَةٌ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ

الاصحاب فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الرَّافِعِيُّ فَحَكَى فِيهِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحصرى يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ صَرَفَهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْعُمْرَةَ فَتَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِحُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرُ مِنْ حَجَّةٍ لِأَنَّ الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة لانه مادام في أفعال الحج لَا يَصْلُحُ إحْرَامُهُ لِحَجَّةٍ أُخْرَى وَلَا يَفْرُغُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهَا وَلَوْ صَحَّ الْإِحْرَامُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ لَمْ يُمْكِنَ حَجَّةٌ أُخْرَى لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَا تَنْعَقِدُ الْأُخْرَى وَلَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتَهُ عِنْدِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الدُّخُولُ فِيهِمَا قِيَاسًا عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجَّةً أُخْرَى أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا عُمْرَةً أُخْرَى فَالثَّانِيَةُ لَغْوٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَمَا الْفَرْقُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُلْغَى وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَمْ بِعُمْرَةٍ فَهِيَ عُمْرَةٌ قَطْعًا وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ قَبْلَهَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ كَانَ حَجًّا لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَى الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ هذا نصه بحروفه وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الطَّاهِرِيُّ فَقَالَ قَوْلُهُ ان اراد به الليالى فهو خطأ لا اللَّيَالِيَ عَشْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْأَيَّامَ فَهُوَ خَطَأٌ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُذَكَّرَةٌ فَالصَّوَابُ تِسْعَةٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَيَّامُ والليالي وغلب لفظ الثأنيث عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ لَفْظَ التأنيث في اسم العدد يقولون ضمنا عشرا ويريدون الليالى والايام ويقولون ضمنا خَمْسًا وَيُرِيدُونَ الْأَيَّامَ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تعالي (يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) والمراد الليالى وَالْأَيَّامِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لبثتن الا عشرا) ومنه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ

هَذَا كُلِّهِ وَاضِحًا فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ يَقُولُونَ صُمْنَا عَشْرًا وَلَوْ قُلْتَ صُمْتُ عَشَرَةً لَمْ تَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا أَفْرَدَ الشَّافِعِيُّ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالذِّكْرِ وَذَكَرهَا بَعْدَ التِّسْعِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَفْرَدَهَا لِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَفْرَدَهَا لَتَعَلُّقِ الْفَوَاتِ بِهَا * (فَرْعٌ) فِي مذاهب العملاء فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ * لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ عِنْدَنَا فَإِنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِهَا انْعَقَدَ عُمْرَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ * وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ * وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ * وَقَالَ دَاوُد لَا يَنْعَقِدُ * وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ يُكْرَهُ قَالُوا فَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ * وَاحْتُجَّ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مواقيت للناس والحج) فَأَخْبَرَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ كُلَّهَا مَوَاقِيتُ للناس والحج ولانها عبادة لا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِهَا فَلَمْ تختص بِوَقْتٍ كَالْعُمْرَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الْأَفْعَالِ فِيهِ وَهُوَ شَوَّالٌ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ قَالُوا وَلِأَنَّ التَّوْقِيتَ ضَرْبَانِ تَوْقِيتُ مَكَان وَزَمَانٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ صَحَّ فَكَذَا الزَّمَانُ قَالُوا وَأَجْمَعَنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ لَكِنْ اخْتَلَفْنَا هَلْ يَنْعَقِدُ حَجًّا أَمْ عُمْرَةً فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لَمَا انْعَقَدَ * وَاحْتَجَّ اصحابنا بقوله تعالي (الحج اشهر معلومات) قَالُوا وَتَقْدِيرُهُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَفْعَالُ الْحَجِّ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ فِي أَشْهُرٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ (فان) قالوا قد قال الزجاج ان جُمْهُورُ أَهْلُ الْمَعَانِي وَالنَّحْوِيِّينَ مَعْنَى الْآيَةِ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ (قُلْنَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَفِي التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَائِدَةٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (فَإِنْ قِيلَ) تَقْدِيرُ وَقْتِ الْإِحْرَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ لَا يَصِحُّ كَالسَّعْيِ فَإِنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهَا (قُلْنَا) هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ فِيهِ (فَإِنْ) قَالُوا نَحْنُ لَا نُجِيزُ الْحَجَّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْإِحْرَامَ بِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْحَجِّ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ

الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْمُحْرِمَ يَدْخُلُ بِهِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ دَخَلَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ (سُئِلَ جَابِرٌ أَهِلُّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ لَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا يُحْرَمُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَ الْإِحْرَامُ بِهَا مُؤَقَّتًا كَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ آخِرُ (1) أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى (يسألونك عن الاهلة) فَهُوَ أَنَّ الْأَشْهُرَ هُنَا مُجْمَلَةٌ فَوَجَبَ حَمْلَهَا عَلَى الْمُبَيَّنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ معلومات) وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) مَعَ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أنه محمول عَلَى دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَإِذَا أَخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ لَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى الْعُمْرَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ أَفْعَالَهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَكَذَا إحْرَامُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ الأفعال فيه وهو شوال فعلم أنه لا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ (وَالثَّانِي) يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا يَجُوزُ عَقِيبَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ التَّوْقِيتُ ضَرْبَانِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّوْقِيتِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّمَانُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِ (فَجَوَابُهُ) إنَّمَا صَحَّ إحْرَامُهُ عِنْدَنَا بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَنَظِيرُهُ إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ غَلَطًا يَصِحُّ نَفْلًا لَا ظُهْرًا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى عن ابن عمرو ابن عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وأصحاب داود شوال وذو القعدة وعشر أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَخَالَفَ أَصْحَابُ دَاوُد

_ (1) كذا في الاصل ولعله من اركان

فِي هَذَا وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وموافقيه في يوم النحر فهو عِنْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مِنْهَا وَقَدْ نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي آخِرِهَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي بيننا وبين أبي حنيفة يُجَوِّزُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمَا فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إيقَاعُ الْفِعْلِ إلَّا فِي أَوْقَاتِهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يُوَافِقُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يُخَالِفُونَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْخِلَافِ إلَّا فِي شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يُكْرَهُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْعُمْرَةُ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةٌ فِي جَمِيعِ ذِي الْحِجَّةِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ الْمُتَوَلِّي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تُكْرَهُ عندنا في شئ مِنْ السَّنَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَافِقَنَا مَالِكٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ يُخَالِفَنَا وَهَكَذَا قول الْعَبْدَرِيُّ إنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَنْ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَ دَمٌ وَهَذَا أَيْضًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ عِنْدَنَا بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَخَّرَهُ سِنِينَ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا أَشْهُرُ الْحَجِّ شَهْرَانِ وَعَشْرُ لَيَالٍ قَالُوا وَإِذَا أُطْلِقَتْ اللَّيَالِي تَبِعَتْهَا الْأَيَّامُ فَيَكُونُ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا وَلِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يُفْعَلُ فِيهِ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكِ فَكَانَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَيَوْمِ عَرَفَةَ * وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الْأَشْهُرَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنٍ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُهُ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحَةٌ * وَأَجَابَ أصحابنا عن قول الحنيفة إذَا أُطْلِقَتْ اللَّيَالِي تَبِعَتْهَا الْأَيَّامُ بِأَنَّ ذَلِكَ عند ارادة المتكلم ولا نسلم وجود الْإِرَادَةِ هُنَا بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُهَا فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِمَا قَالَتْهُ الصَّحَابَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يُفْعَلُ فِيهِ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكُ فَيُنْتَقَضُ بايام التشريق (والجواب) عن قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنْ اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) واجمعنا نحن ومالك علي أن القراء هِيَ الْأَطْهَارُ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي بَقِيَّةِ طُهْرٍ حُسِبَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا فَاتَّفَقْنَا عَلَى حمل الاقراء على قرئين وَبَعْضٍ وَاتَّفَقَتْ الْعَرَبُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ فِي التَّوَارِيخِ وَغَيْرِهَا يَقُولُونَ كَتَبْتُ لِثَلَاثٍ وَهُوَ فِي بَعْضِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ * قَدْ ذكرنا أن مذهبنا أنه ينعقد احداهما (1) ويلزمه

_ (1) كذا في الاصل وفيه سقط ولعله وعند ابي حنيفة الخ فحرر

فعل الْأُخْرَى وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَاقِضًا لِإِحْدَاهُمَا حَتَّى يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا أَنَا فَأَرَاهُ نَاقِضًا لِإِحْدَاهُمَا حِينَ يُحْرِمُ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلى مكة دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وأما العمرة فانها تجوز في أشهر الحج وغيرها لما روت عائشة رضي اله عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعتمر عمرتين في ذى القعدة وفى شوال) وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رمضان تعدل حجة) ولا يكره فعل عمرتين وأكثر في سنة لما ذكرناه من حديث عائشة رضى الله عنها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ بِغَيْرِ عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مالك وأبى هريرة ووهب بن حبيس قال ويقال هرم ابن حينس رضى الله عنهم قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنُ رَاهْوَيْهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلُ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ الله أحد تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر عمرتين فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَفِي شَوَّالٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهُنَّ فِي ذِي القعدة الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً قَطُّ إلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ وَمَا اعْتَمَرَ قَطُّ فِي رَجَبٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ جَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ فَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ وَلَا يُكْرَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَسَوَاءٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَغَيْرُهَا في جوزها فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يُكْرَهُ عُمْرَتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا فِي

الْيَوْمِ الْوَاحِدِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي رَمَضَانَ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَاقِي السَّنَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي بَعْضِ السَّنَةِ لِعَارِضٍ لَا بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَذَلِكَ كَالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي التَّحَلُّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إحْرَامِ الْقَارِنِ قَالَ أصحابنا ولو تَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ التَّحَلُّلَيْنِ وَأَقَامَ بِمِنَى لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِهَا لِوُجُوبِ مُلَازَمَةِ إتْمَامِ الْحَجِّ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يلزمه بذلك شئ (فَأَمَّا) إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصورتين أن المقيم بمعنى يَوْمَ النَّفْرِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا مِنْ عَلَائِقِ الْإِحْرَامِ بِالتَّحَلُّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى نُسُكٍ مُشْتَغِلٌ بِإِتْمَامِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ وَهُمَا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ فَلَا تَنْعَقِدُ عُمْرَتُهُ مَا لَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ بِخِلَافِ مَنْ نَفَرَ فَإِنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَغَيْرِ الْحَاجِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فِي وقت ولا تنعقد عمرته لا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي حَالِ جِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جِمَاعِ الْمُحْرِمِ * وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِ الْعُمْرَةِ هُنَا العدم أَهْلِيَّةِ الْمُحْرِمِ لَا لِعَارِضٍ فَهُوَ كَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَافِرَ وَنَحْوَهُ لَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْعُمْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ولا تكره في شئ مِنْهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ (1) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ الشَّرْعِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْخَبَرُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَانُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بِلَا كَرَاهَةٍ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعُمْرَةِ فِيهِ كَمَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ فِيهِ اسْتِدَامَةُ الْعُمْرَةِ لَا يُكْرَهُ فِيهِ إنْشَاؤُهَا كَبَاقِي السَّنَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ عَائِشَةَ (فَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَجْوَدُهَا أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْهَا احد ممن يعتمد *

_ (1) كذا في الاصل وفيه سقط يعلم نصه مما بعده ما نص قول عائشة فليحرر

وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يُشْتَهَرْ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ صَحَّ وَاشْتُهِرَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهَا أَيَّامُ الْحَجِّ فَكُرِهَتْ فِيهَا الْعُمْرَةُ فَدَعْوَى بَاطِلَةٌ لَا شُبْهَةَ لَهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْ الجمهور الماوردى والسرخى والعبد رى وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وعطاء وغيرهم رضى الله عنهم وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً كَالْحَجِّ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَلَائِقُ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجٍّ فَفَعَلَتْ وَصَارَتْ قَارِنَةً وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ وَسَعَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وعمرتك فطلبت من النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْمِرَهَا عُمْرَةً أُخْرَى فَأَذِنَ لَهَا فَاعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ عُمْرَةً أُخْرَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَنَقَلْته مُخْتَصَرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَتْ عُمْرَتُهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ أَعْمَرَهَا الْعُمْرَةَ الْأُخْرَى فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَ لَهَا عُمْرَتَانِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا (أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ أَيْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثُ عُمَرَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَعْوَامًا فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمَا (وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَشَوَّالٍ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَكِنْ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَدْ احْتَجُّوا بِهِ وَصَدَّرَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ الْبَابَ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَوْنِ الْعُمْرَتَيْنِ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَهَذَا تَعْلِيقٌ ضَعِيفٌ * وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالُوا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَمْ

يُكْرَهْ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ كَالصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ قَالَ لَا يَعْتَمِرُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ السَّابِقَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا (اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) فَفَعَلَتْ ثُمَّ اعْتَمَرَتْ وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا إلَّا عُمْرَةً وَاحِدَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْهَا يَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْهَا وَالْإِعْرَاضَ عَنْهَا لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُخْرَجُ مِنْهُمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا رَفْضُهَا رَفْضَ أَعْمَالِهَا مُسْتَقِلَّةً لِأَنَّهَا أَحْرَمَتْ بَعْدَهَا بِالْحَجِّ فَصَارَتْ قَارِنَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اُرْفُضِيهَا) أَيْ اُتْرُكِي أَعْمَالَهَا الْمُسْتَقِلَّةَ لِانْدِرَاجِهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَأَمَّا) امْتِشَاطُهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَنَا الِامْتِشَاطُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ مَالِكٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ فَهُوَ أَنَّ الْحَجَّ مُؤَقَّتٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فِي السَّنَةِ وَالْعُمْرَةُ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَتُصَوِّرَ تَكْرَارُهَا كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (ويجوز افراد الحج عن العمرة والتمتع بالعمرة إلى الحج والقران بينهما لما روت عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنا من اهل بالحج ومنا من اهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة) والافراد والتمتع افضل من القران وقال المزني القران افضل والدليل علي ما قلناه أن المفرد والمتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله والقارن يقتصر على عمل الحج وحده فكان الافراد والتمتع أفضل وفى التمتع والافراد قولان (أحدهما) أن التمتع أَفْضَلُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (تَمَتَّعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ) (والثانى) أن الافراد افضل لما روى جابر قَالَ (أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يحج ليس معه عمرة) ولان التمتع يتعلق به وجوب دم فكان الافراد أفضل منه كالقران (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فانه يحتمل انه أراد أمر بالتمتع كما روى أنه رجم ماعزا وأراد انه أمر برجمه والدليل عليه ان ابن عمر هو الراوى وقد رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افرد بالحج)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهَا إلَّا حَدِيثَ جَابِرٍ فَلَفْظُهُمَا فِيهِ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ) (وَأَمَّا)

قَوْلُهُ لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ فَلَيْسَتْ فِي رِوَايَتِهِمَا وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَالْإِطْلَاقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كِلَيْهِمَا وَالتَّعْلِيقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ (1) فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْخَمْسَةُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الثَّلَاثَةَ الْأَوْلَى (وَأَمَّا) النَّوْعَانِ الآخر فَذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الانواع الثلاثة الاولى ففيه طرق وأقول مُنْتَشِرَةٌ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا الثَّانِي نَصَّهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ (وَالثَّالِثُ) أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَالُوا نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَشَرْطُ تَقْدِيمِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ فِي سَنَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ * هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَتِهِ أَمْ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وكافة الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّعِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ غيرهم من العلماء في النهى عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَأْوِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْهُ تَنْزِيهًا وَحَمْلًا لِلنَّاسِ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْإِفْرَادُ لَا أَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ (1) هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى) (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ التَّمَتُّعِ الَّذِي فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ فَسْخُ الحج الي العمرة لان

_ (1) لعله كاحرام زيد مثلا (2) بياض بالاصل

ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا لَهُمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ * وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ وهو ضعيف ولا ينبعى أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِهِ مَا قَدِمْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ أبو حنيفة وسفيان الثوري واسحق بن راهويه والمزني وابن المنذر وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَحْمَدُ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ * وَحَكَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ * وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا أَفْضَلِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ في اختلاف الحديث ليس شئ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لَا علم فيه خلافا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادُ الْحَجِّ وَالْقِرَانِ وَاسِعٌ كُلُّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) قَالَ الشَّافِعِيُّ (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ يَعْنِي رِوَايَتَهُمْ لِلْإِفْرَادِ دُونَ حَدِيثِ مَنْ قَالَ قَرَنَ (قِيلَ) لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ سِيَاقِهِ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ وَفَضْلِ حِفْظِهَا عَنْهُ وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْهُ هَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ليس شئ مِنْ الْخِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمٍ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ كُلَّهَا جَائِزَةٌ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى الرُّوَاةِ حَيْثُ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى نَقْلِهَا وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بالاحاديث

وَتَرْتِيبِ مُخْتَلَفِهَا وَالْجَمْعِ بَيْنَهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَضَادَّةٍ بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا اسْتَيْسَرَ الْخِلَافُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّهَا مَنْقُولَةٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٌ عَنْهُ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (أَمَّا) الْإِفْرَادُ فَبَيِّنٌ فِي قَوْله تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا) (وَأَمَّا) التَّمَتُّعُ فَفِي قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَفِي قَوْله تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخِيرَةِ لِلْقِرَانِ نَظَرٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَذْهَبِهِمْ فِي تَرْجِيحِ الْقِرَانِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا لَا دَلَالَة فِي الْآيَةِ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ جَمْعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الذِّكْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَمْعُهُمَا فِي الْفِعْلِ نَظِيرُهُ قَوْله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا يَعْنِي اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا قَبِيحٌ قَالَ ثُمَّ عَذَرَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ كُلَّهَا جَائِزَةٌ لَمْ يَهْتَمُّوا بِمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يَعْلَمُونَهُ عِلْمًا قَطْعِيًّا وَيَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ بَلْ اقْتَصَرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَمَا رواه وتسمعه مِنْهُ مَعَ أُمُورٍ فَوْقَ ظَنِّهِ فِي رِوَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (فَأَمَّا) جَوَازُهَا كُلُّهَا فَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ) (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ فَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ (فَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْآنَ فِي قَوْلِهَا (وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قالت (خرجنا مع رسول الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَذْكُرُ لَنَا الْحَجَّ فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمَثْت وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهَا ثُمَّ رَجَعُوا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ يَعْنِي إلَى مِنًى) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ

بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ (بِمَ أَهَلَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَلَمْ تَأْتِنِي عَامَ أَوَّلٍ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّ أَنَسًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَرَنَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ أَنَسًا كَانَ يدخل علي النساء وهن منكشفات الرؤوس وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج مُنْفَرِدًا) (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ (أَهْلَلْنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ فَقَدِمْنَا صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ) خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَتَحَلَّلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) (قَوْلُهُ) آخِرُ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ يَعْنِي السَّعْيَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ قَالَ (أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَصَلَّى الصُّبْحَ وَقَالَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دعى بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ (يَا بُنَيَّ أَفْرِدْ الْحَجَّ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ (وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه بِإِفْرَادِ الْحَجِّ * (وَأَمَّا) تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (تَمَتَّعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحج وأهدى فساق معه الهدى من دى الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ منكم أهدى فانه لا يحل من شئ حتى يقضي حجته وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شئ ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثم لم يحلل من شئ حرم منه حتى قضا حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بالبيت ثم حل من كل شئ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ مِثْلُ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِيمَا سَبَقَ فِي إفْرَادِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ هَذَا قَالَ وَكَوْنُهُ قَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا * وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ (سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقَالَ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) الْعُرُشُ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَهِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ (وَقَوْلُهُ) وَهَذَا كَافِرٌ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ (فَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَوْمئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ) وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ (سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجِّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ وَالْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ لَا يَصْنَعُ مِثْلَ هَذَا إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سَعْدٌ بِئْسَ مَا قلت يا بن أَخِي قَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْمِي بِالْيَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ بِمَ أهللت قلت أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ لَا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَالصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْت فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هِيَ حَلَالٌ قَالَ الشَّامِيُّ إنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ (تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى

الله عليه وسلم تمتعنا مَعَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ قَالَ (مُتِّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رجل برايه ما شاء) وعن أبى حمزة بِالْجِيمِ قَالَ (تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَمَرَنِي بِهَا فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ (اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وعثمان وهما بعسفان فكان عثمان ينهى عَنْ الْمُتْعَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا مِنْكَ فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا قَالَ بَكْرٌ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن سليمان بن حارث وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ قَالَ (سَمِعَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ أَنَسٍ وَأَبُو قِلَابَةَ فَقِيهٌ) قال وقد روى حمية ويحيى بن ابى اسحق عَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ قَالَ سُلَيْمَانُ وَلَمْ يَحْفَظَا إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) فَأَمَّا سَمْعُ أَنَسٍ فَعَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَالِاشْتِبَاهُ وَقَعَ لِأَنَسٍ لَا لِمَنْ دُونَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ رَجُلًا كَيْفَ صُورَةُ الْقِرَانِ لَا أَنَّهُ قَرَنَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بين حجة وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِوَادِي الْعَقِيقِ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَفِي بَعْضِهَا وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ فِي نفسه وعن العتبي بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ (كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ فاهلكت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمَّا أَتَيْتُ الْعُذَيْبَ لَقِيَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ قَالَ فَكَأَنَّمَا أَلْقَى عَلَيَّ جَبَلٌ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا وَإِنِّي أَسْلَمْتُ وَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَقَالَ لِي اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَالَ عُمَرُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم) واه أبو داود والنسائي

باسناد صحيح قال الدارقطني فِي كِتَابِ الْعِلَلِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ الْقِرَانِ لَا تَفْضِيلُهُ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بِالْإِفْرَادِ (قُلْتُ) وَهَذَا أَوَدُّ مَا قُلْتُهُ مِنْهُ فِي تَأْوِيلِ نَهْيِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ التَّمَتُّعِ وَأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِتَفْضِيلِهِ أَمْرَ الْإِفْرَادِ لَا لِبُطْلَانِ التَّمَتُّعِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (إنَّمَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ بَعْدَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُهَا مِنْ عُمْرَتِكَ أَيْ مِنْ إحْرَامِكَ قَالَ إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ أَيْ حَتَّى يَحِلَّ الْحَاجُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ نَزَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ جَعَلَ إحْرَامَهُ حَجًّا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ بَابًا فِي جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ثُمَّ بَابًا فِي تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ ثُمَّ بَابَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَذَكَرَ فِي كُلٍّ نَحْوَ ما ذكرته من الاحاديث ثُمَّ قَالَ بَابُ كَرَاهَةِ مَنْ كَرِهَ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ وَبَيَانِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كُنَّا اخْتَرْنَا الْإِفْرَادَ فَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُضِيَ فِيهِ يَنْهَى عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ عُمَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُرْوَ هُنَا عَنْ عُمَرَ بَلْ عَنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ مُسْمًى وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ) تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَلْيَقُلْ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى السَّابِقُ فِي الْقِرَانِ وَأَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ قُلْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّمَتُّعِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرِ خِلَافَةِ عُمَرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى سَأَلَ عُمَرَ عَنْ نَهْيِهِ فَقَالَ عُمَرُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الحج تقطر رؤسهم) رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ وَأَصْحَابُهُ) وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ تَحْتَ الْأَرَاكِ ثُمَّ يروحون) (والاعراس) كناية عن وطئ السنام وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ فِي تَمَتُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذى أخرني سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الزهري فقلت لسالم فلم ينه عَنْ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْأَتَمَّ للعمرة ان تفردوها من أشهر الحج (الحج

_ (1) كذا بالاصل ولعله هذا يؤيد أو نحوه فليراجع

أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ فَأَخْلِصُوا فِيهِنَّ الْحَجَّ وَاعْتَمِرُوا فِيمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الشُّهُورِ قَالَ وَإِنْ أَعْمَرَ بِذَلِكَ لَزِمَهُ إتْمَامُ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) وَذَلِكَ أَنَّ الْعُمْرَةَ إنَّمَا يُتَمَتَّعُ بِهَا إلَى الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَالْعُمْرَةُ فِي غير اشهر الحج تتم لا هَدْيٍ وَلَا صِيَامٍ فَأَرَادَ عُمَرُ بِتَرْكِ التَّمَتُّعِ اتمام الْعُمْرَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِهَا وَأَرَادَ أَيْضًا أَنْ تُكَرَّرَ زِيَارَةُ الْكَعْبَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ فَكَرِهَ التَّمَتُّعَ لِئَلَّا يَقْتَصِرُوا عَلَى زِيَارَةِ مَرَّةٍ فَتَرَدَّدَ الْأَئِمَّةُ فِي التَّمَتُّعِ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ يَرَوْنَ ذَلِكَ حَرَامًا قَالَ وَلَعَمْرِي لَمْ يَرَ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ حَرَامًا وَلَكِنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إحْسَانًا لِلْخَيْرِ وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَالِمٍ قَالَ (سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا فَقِيلَ إنَّك تُخَالِفُ أَبَاكَ فَقَالَ إنَّ أَبِي لَمْ يَقُلْ الَّذِي يَقُولُونَ إنَّمَا قَالَ أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ إنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ فَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ عُمَرُ) وَعَنْ سَالِمٍ قَالَ (كَانَ ابن عمر يفنى بِاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّخْصَةِ فِي التَّمَتُّعِ وَبَيَّنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ نَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهُمْ ابْنُ عُمَرَ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ أَرَأَيْتُمْ إنْ كان عمر نهي عن ذَلِكَ يَبْغِي فِيهِ الْخَيْرَ وَيَلْتَمِسُ فِيهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ فَلِمَ كَرِهْتُمُوهَا وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَمِلَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ إنَّ عمر لم يقل ذلك لان الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ وَلَكِنَّهُ قَالَ ان اتمام العمرة أن تفردوها مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ) ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ (قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَهَيْتَ عَنْ الْمُتْعَةِ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ كَثْرَةَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ وَمَنْ تَمَتَّعَ فَقَدْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم) وعن أَبِي نُصْرَةَ قَالَ (قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ جَابِرٌ عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله كما أمركم الله وابتوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ أَتَمُّ بِحَجِّكُمْ وَأَتَمُّ بِعُمْرَتِكُمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ * وعن عبد الله ابن شَقِيقٍ (كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ كَلِمَةً ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتَ

أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أجل ولكنا كُنَّا خَائِفِينَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَرَادَ بِكُنَّا خَائِفِينَ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَكَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ (كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ انما أراد فسخهم الحج إلى العمرة وهو أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَجْعَلُوهُ عُمْرَةً لِيُنْقَضَ بِذَلِكَ عَادَتُهُمْ فِي تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مَا دَلَّ عَلَى ذلك * وعن محمد بن اسحق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يقول وفي حج ثم فسخها بعمرة ولم يكبر ذَلِكَ إلَّا الرَّكْبُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي هَذَا مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ (عَنْ) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ (عَنْ) لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ * وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهَا عُمْرَةٌ) * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَظُنُّهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (1) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَثَبَتَ بِمُضِيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ ثُمَّ بِاخْتِلَافِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي كَرَاهَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ الْإِفْرَادِ كَوْنُ إفْرَادِ الْحَجِّ عن العمرة أفضل والله أعلم * (فَرْعٌ) فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ طُرُقُهَا * قَدْ سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُفْرِدًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ جَمِيعِهَا بِبَعْضِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَصَنَّفَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ كِتَابًا فِيهَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَارَ الْقِرَانَ وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا قَالَهُ (وَالصَّوَابُ) الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَصَارَ قَارِنًا وَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ جَائِزٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وعلي الاصح لا يجوز لنا وحاز لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ السَّنَةَ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) كَمَا سَبَقَ * فَإِذَا عَرَفْتَ مَا قُلْنَاهُ سَهُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (فَمَنْ) رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا وهم الاكثرون كما سبق أراد أنه اعمر اول الاحرام (ومن)

_ (1) كذا بالاصل فحرر

رَوَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا أَرَادَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ آخره وما بعد احراه (وَمَنْ) رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِالْتِذَاذُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِأَنْ كَفَاهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَمَلٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عُمْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرَدَةً لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَعَلَى هَذَا الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ يَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ فَبَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَحَلَّلُوا مِنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ (وَقِسْمٌ) بِعُمْرَةٍ فَبَقُوا فِي عُمْرَتِهِمْ حَتَّى تَحَلَّلُوا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ (وَقِسْمٌ) بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فِيهَا وَلَا أَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْلِبُوا حَجَّهُمْ عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَعَلَى هَذَا تَنْتَظِمُ الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِ الصَّحَابَةِ (فَمَنْ) رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بعضهم وهم الطائفة الذين علم ذلك مِنْهُمْ وَظَنَّ أَنَّ الْبَاقِينَ مِثْلُهُمْ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِتِلْكَ الْمُصْلِحَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُ أَنَّ ذلك من أفجر الفجور فاراد بَيَانَهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي جَمَعَتْ مِنْ الْخَلْقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ قَبْلَهَا مِثْلُهَا لِيَظْهَرَ فِيهِمْ ذَلِكَ وَيَشْتَهِرَ جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ عِنْدَ جَمْعِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَشْتَهِرْ اشْتِهَارَ هَذِهِ (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهَا وَكُلُّ هَذَا لَا يُخْرِجُ الْإِفْرَادَ عَنْ كَوْنِهِ الْأَفْضَلَ وَتَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَحَادِيثَ الَّتِي جَاءَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ كَمَا قَالُوا رَجَمَ ما عزا أي امر برجمه وهذا ضعيف برده صَرِيحُ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ وَكَفَرَةٌ مِنْ الْمُلْحِدِينَ فِي الْأَحَادِيثِ وَالرُّوَاةِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قارنا وهى

_ (1) بياض بالاصل ولعلها العمرة

حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَفْعَالِ وَلَوْ يُسِّرُوا لِلتَّوْفِيقِ واغتنوا يحسن الْمَعْرِفَةِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْفَعُوهُ قَالَ وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِبَيَانِ هَذَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَجَوَّدَ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَالَهُ تَطْوِيلٌ وَلَكِنَّ الْوَجِيزَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الْآمِرِ بِهِ لِجَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ بَنَى فُلَانٌ دَارًا إذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا إذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ * وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إلَّا مَا سَمِعَ وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التناقض لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُثْبِتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ * فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ فِيهَا تَكَاذُبٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إحْرَامًا مَوْقُوفًا وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ عُلَمَاءَ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْ مُجِيدٍ مُنْصِفٍ وَمِنْ مُقَصِّرٍ مُتَكَلِّفِ وَمِنْ دَخِيلٍ مُكْرَهٍ وَمِنْ مُقْتَصِرٍ مُخْتَصِرٍ وَأَوْسَعُهُمْ نَفَسًا فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَإِنْ كَانَ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ بْنِ الْمُهَلِّبِ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ القصار البغدادي والحافظ أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وأولي ما يقال في هذا علي ما لخصناه من كلامهم واخترناه من اختيار انهم مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ أن

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ مِنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جواز جمعها إذْ لَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذنا الافضل فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَبِهِ تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنْ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بل إخبار عن حاله حين أمر صحابه بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلَبَهُ إلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالِفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْهَدْيِ فِي آخِرِ إحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ لِسَبَبِ الْهَدْيِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أمره وقد اتفق جمهور العملاء عَلَى جَوَازِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِهِ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ لفظ المتعة يلق عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتْ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ * قَالَ وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا وَالْقِرَانُ إخْبَارًا عَنْ إحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمْ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إهْلَالُهُمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا إنَّهُ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ (هل فِي هَذَا الْوَادِي وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ قَالَ القاضى في موضع آخَرَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مِنْهُمَا لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَرُدُّهُ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بخلافه *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْإِطْلَاقِ وَاخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا وَفِي كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَفِي الْجَوَابِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْمُلْحِدِينَ عَلَيْهَا وَذَكَرْنَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ جَائِزَةٌ وَأَوْضَحْنَا الْجَوَابَ عَمَّا نُقِلَ مِنْ كَرَاهَةِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الاصح تفضيل الافراد ورجحه الشافعي والاصحاب وغيرها بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهَا) أَنَّ رُوَاتَهُ أَخَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَجَّةِ فَإِنَّ مِنْهُمْ جَابِرًا وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ سِيَاقًا لِحَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فانه ذكرها من أَوَّلَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى فَرَاغِهِ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ لَهَا وَاعْتِنَائِهِ بِهَا (وَمِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ كنت تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا عَنْهُ وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ وَقُرْبُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَاطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ فِقْهِهَا وَعِظَمِ فِطْنَتِهَا (وَمِنْهُمْ) ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ بِالْمَحِلِّ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَحِفْظِهِ أَحْوَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَخْفِهَا وَأَخْذِهِ إيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ حَجَّ عُمَرُ بِالنَّاسِ عَشْرَ حِجَجٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ كلها مفردا لو ولم يَكُنْ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَى الْإِفْرَادِ مَعَ أَنَّهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ وَقَادَةُ الْإِسْلَامِ وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعِهِمْ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُمْ مَا يُوَضِّحُ هَذَا (وَمِنْهَا) أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَذَلِكَ الدَّمُ دَمُ جبران لسقوط الميقات وبعض الاعمال ولان مالا خلل فيه ولا يحتاج إلَى جَبْرٍ أَفْضَلُ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَكَرِهَ عمر وعثمان وغيرهما ممن ذكرناه قَبْلَ هَذَا التَّمَتُّعِ وَبَعْضُهُمْ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ وَإِنْ كَانُوا يُجَوِّزُونَهُ عَلَى مَا سَبَقَ تَأْوِيلُهُ فَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ

لَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَفْضَلُ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَرْجِيحِ الْقِرَانِ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لله) وَمَشْهُورٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ وَبِحَدِيثِ العتبى بْنِ مَعْبَدٍ السَّابِقِ وَقَوْلِ عُمَرَ لَهُ هُدِيتَ نسنة نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَدِيثِ وَادِي الْعَقِيقِ (وَقُلْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ) قَالُوا وَلِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ وَلَيْسَ هُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا بَلْ دَمَ عِبَادَةٍ وَالْعِبَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْبَدَنِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّ الْقَارِنَ مُسَارِعٌ إلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالُوا وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ تَحْصِيلَ الْعُمْرَةِ فِي زَمَنِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْرَفُ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْقِرَانِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَحَادِيثَ الْإِفْرَادِ أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّ أَحَادِيثَ الْقِرَانِ مُؤَوَّلَةٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أنه ليس فيها الا الامر باتمامها وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ قَرْنُهُمَا فِي الْفِعْلِ كما قوله تعالي (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (وَأَمَّا) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فَمَعْنَاهُ الْإِحْرَامُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ كَرَاهَتُهُ للتمتع وأمره بالافراد (والجواب) عن حديث العتبي بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ عُمَرَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْقِرَانَ سُنَّةٌ أَيْ جَائِزٌ قَدْ أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ بَلْ الْمَعْرُوفُ عَنْ عُمَرَ تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ وَادِي الْعَقِيقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سَبَقَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ ذِكْرِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْقِرَانِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ هُوَ عِنْدَنَا دَمُ جُبْرَانٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصِّيَامَ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ كَانَ دَمَ نُسُكٍ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَارِنَ لَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا فَلَيْسَ شَرْطَ وُجُوبِ دَمِ الْجُبْرَانِ أَنْ يَكُونَ فِي ارْتِكَابِ حَرَامٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي مَأْذُونٍ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِلْأَذَى أَوْ لَبِسَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ أَكَلَ صَيْدًا لِمَجَاعَتِهِ أَوْ احْتَاجَ إلَى التَّدَاوِي بِطَيِّبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَرَامًا (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالَ الْمُزَنِيّ إنَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ لِمَعْنًى كَمَنْ عدم الماء في السفر وعلم وجوده في أَوَاخِرَ الْوَقْتِ فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَكَتَأْخِيرِ صَلَاةِ عيد الفطر وتأخير صلاة الاضحى إلَى امْتِدَادِ النَّهَارِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ الْإِفْرَادَ فِعْلُ كُلِّ عِبَادَةٍ وحدها وافرادها بوقت فكان أفضل من جمعها كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (وَأَمَّا)

قَوْلُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ تَحْصُلُ الْعُمْرَةُ فِي زَمَنِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْرَفُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ هُوَ أَشْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمْرَةِ بَلْ رُخْصَةٌ فِي فِعْلِهَا فِيهِ وَإِنَّمَا شَرَفُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى لحج وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَرْجِيحِ التَّمَتُّعِ بِالْأَحَادِيثِ السابقة وبقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) فَتَأَسَّفَ عَلَى فَوَاتِ الْعُمْرَةِ وَالتَّمَتُّعِ فَدَلَّ عَلَى رُجْحَانِهِ * وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَمَنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ (وَأَمَّا) تَأَسُّفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَبُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ هَدْيٌ أُمِرُوا بِجَعْلِهَا عُمْرَةً فَحُصِلَ لَهُمْ حُزْنٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ هَدْيٌ وَيُوَافِقُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَتَأَسَّفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ وَرَغْبَةً فِيمَا يَكُونُ فِي مُوَافَقَتِهِمْ لَا أَنَّ التَّمَتُّعَ دَائِمًا أَفْضَلُ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعُمْرَةِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ والله أعلم *

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي آخِرِ بَابِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَقَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُطْلَقًا وَكَانَ ينظر الْقَضَاءَ وَهُوَ نُزُولُ جِبْرِيلَ بِبَيَانِ مَا يَصْرِفُ إحْرَامَهُ الْمُطْلَقَ إلَيْهِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَهُ بِصَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ الْمُفْرَدِ * وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ فِي هَذَا بَابًا قَالَ بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ ثُمَّ أُمِرَ بِإِفْرَادِ الْحَجِّ وَمَضَى فِيهِ واستدل له البيهقى عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ) * وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثَ جَابِرٍ الطَّوِيلَ بِكَمَالِهِ قَالَ فِيهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الحمد لله وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ الناس بهذا الذى يهلون به فم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسنانوى إلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَذَكَرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ * قَالَ فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ (قُلْتُ) ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِمْ إحْرَامًا مُطْلَقًا بَلْ مُعَيَّنًا وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَشْهُورُ فِي الْأَحَادِيثِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ فَسَخَهُ إلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهُ وَقَلْبُهُ عُمْرَةً وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهَا حَجًّا لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الصباغ والعبد رى وآخرون وبه

قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ * وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا لِلصَّحَابَةِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هُوَ جَائِزٌ الْآنَ * وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَّى الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ * فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ (حِلٌّ كُلُّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْحِلُّ كُلُّهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً الا من كان مع هَدْيٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا وَيُقَصِّرُوا وَيُحِلُّوا إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمرى ما استدبرت ما أهديت ولولا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمث فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ قَالَتْ فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا إلى منا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سعيد

قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا فَلَمَّا قَدِمْنَا مكة أمرنا أن نجعلها أعمرة إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ التروية ورحنا إلي منا أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ رُحْنَا أَيْ ردنا الرَّوَاحَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ (أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجعلوا اهلا لكم بِالْحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَتَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ عِنْدَ أَحَدٍ إلَّا عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَنْ أخذ عِكْرِمَةَ وَعِنْدِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخَذَهُ عَنْ مُسْلِمٍ قُلْتُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي كَامِلٍ بِلَا وَاسِطَةٍ * قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْبُخَارِيُّ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيمَا أَخَذَهُ عَرَضًا وَمُنَاوَلَةً لَا سَمَاعًا وَالْعَرَضُ وَالْمُنَاوَلَةُ صَحِيحَانِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ كَانَ خَاصًّا بِالصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ ليحرم كما بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا أَفْجَرُ الْفُجُورِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وموافقوهم للتخصيص بحديث الحرث بن بلال بن الحرث عَنْ أَبِيهِ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلا الحرث بن بلال ولم أر في الحرث جَرْحًا وَلَا تَعْدِيلًا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ضَعْفَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ عِنْدِي وَلَا أَقُولُ بِهِ قال وقد روى الفسخ فأحد عشر صحابيا أين يقع الحرث بْنُ بِلَالٍ مِنْهُمْ قُلْتُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ حَتَّى يُقَدَّمُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْفَسْخَ لِلصَّحَابَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا حُكْمَ غَيْرِهِمْ وَقَدْ وَافَقَهُمْ الحرث بْنُ بِلَالٍ فِي إثْبَاتِ الْفَسْخِ لِلصَّحَابَةِ لَكِنَّهُ زاد زيادة لا تخالفهم وهى اختصاص

الْفَسْخِ بِهِمْ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي ذَرٍّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَرَادَ بِالْمُتْعَةِ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَحَدٍ * وَاحْتَجَّ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا في ذلك برواية محمد بن اسحق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ في من حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ هَذَا لَا يحتج به لان محمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسُرَاقَةَ (بَلْ لِلْأَبَدِ) أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ دُخُولُ أَفْعَالِهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الْقِرَانُ وَحَمَلَهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ انْدَرَجَتْ فِي الْحَجِّ فَلَا تَجِبُ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ دُونَ الْعُمْرَةِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يُكْرَهُ لَهُ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَإِنْ تَمَتَّعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يكره له التمتع والقران وإن تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ دَمٌ * وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الحرام) فَأَبَاحَ التَّمَتُّعَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خاصه ولان المتمتع شرع له أن لا يلم بأهله وَالْمَكِّيُّ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْغَرِيبَ إذَا تَمَتَّعَ لَزِمَهُ دَمٌ وَقُلْتُمْ إذَا تَمَتَّعَ مَكِّيٌّ فَلَا دَمَ وَهَذَا يدل على أن نكسه نَاقِصٌ عَنْ نُسُكِ الْغَرِيبِ فَكُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ النُّسُكِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ كَانَ قُرْبَةً وَطَاعَةً فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ كَالْإِفْرَادِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهَا فَمَنْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فَلَا دَمَ فَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَوْلُهُ تَعَالَى (ذلك لمن لم يكن أهله) ولم يقيل عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ (قُلْنَا)

اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أَيْ فَعَلَيْهَا وقَوْله تَعَالَى (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) أَيْ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ) شرط وقوله تعالى (فما استيسر من الهدى) جَزَاءُ الشَّرْطِ وقَوْله تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ إلَّا بَنِي تَمِيمٍ أَوْ قَالَ ذلك لمن يكن من نبي تَمِيمٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى الْجَزَاءِ دُونَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دُخُولُ الدَّارِ كَذَا هَهُنَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ الْمُتَمَتِّعُ شُرِعَ لَهُ أَنْ لَا يَلُمَّ بِأَهْلِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فِي التَّمَتُّعِ وَلِهَذَا لَوْ تَمَتَّعَ غَرِيبٌ عَنْ أَهْلِهِ فَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُ وَكَذَا لَوْ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ فَتَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمْ مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ نُسُكَهُ نَاقِصٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْغَرِيبِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَزِمَ الْغَرِيبَ الدَّمُ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِالتَّمَتُّعِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالْمَكِّيُّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مِنْ مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ فِي سَنَتِهِ أَمْ لَا وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ الْعُمْرَةِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ قَبْلَ حَجَّتِهِ وَكَانَ أَصْحَابُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَقْسَامًا مِنْهُمْ مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَجَّ قَبْلَ الْعُمْرَةِ) كما سبق * * قال المصنف رحمه الله تعالى * (والافراد أن يحج ثم يعتمر والتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامه والقران أن يحرم بهما جميعا فان احرم بالعمرة ثم ادخل عليها الحج قبل الطواف جاز ويصير قارنا لما روى (ان عائشة رضي الله عنها احرمت بالعمرة فحاضت فدخل عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلى بالحج واصنعي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بالبيت ولا تصلى) وان ادخل عليها الحج بعد الطواف لم يجز واختلف أصحابنا في علته (فمنهم) من قال لا يجوز لانه قد أخذ في التحلل (ومنهم) من قال لا يجوز لانه قد أتى بمقصود العمرة وإن أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة ففيه قولان (أحدهما) يجوز لانه أحد النسكين فجاز إدخاله علي الآخر كالحج (والثاني)

لا يجوز لان أفعال العمرة استحقت باحرام الحج فلا يعد إحرام العمرة شيئا (فان قلنا) إنه يجوز فهل يجوز بعد الوقوف يبني على العلتين في إدخال الحج علي العمرة بعد الطواف (فان قلنا) لا يجوز إدخال الحج على العمرة بعد الطواف لانه أخذ في التحلل جاز ههنا بعد الوقوف لانه لم يأخذ في التحلل (وان قلنا) لا يجوز لانه أتى بالمقصود لم يجز ههنا لانه قد أتى بمعظم المقصود وهو الوقوف وإن أحرم بالعمرة وأفسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه وجهان (أحدهما) ينعقد الحج ويكون فاسدا لانه إدخال حج على عمرة فأشبه إذا كان صحيحا (والثاني) لا ينعقد لانه لا يجوز أن يصح لانه إدخال حج على احرام فاسد ولا يجوز أن يفسد لان احرامه لم يصادفه الوطئ فلا يجوز افساده) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ (وَلَا تُصَلِّي) فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ صُوَرٌ مُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا (أَمَّا) الْإِفْرَادُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَسَيَأْتِي بَاقِي صُوَرِهِ فِي شُرُوطِ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) التَّمَتُّعُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَفْرُغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يُنْشِئَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ وَيُسَمَّى مُتَمَتِّعًا لِاسْتِمْتَاعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ جَمِيعُ الْمَحْظُورَاتِ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَلِوُجُوبِهِ شُرُوطٌ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْقِرَانُ فَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا فَتُدْرَجَ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَيَتَّحِدُ الْمِيقَاتُ وَالْفِعْلُ فَيَكْفِي لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَحَلْقٌ وَاحِدٌ وَإِحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدُخَّل عَلَيْهَا الحج أي أحرم به نظر ان ادخله فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَغَا إدْخَالَهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِي أَشْهُرِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَفِي صِحَّةِ إدْخَالِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِدْخَالُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي حال ادخاله وهو وقت صالح

للحج ولو أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ في شئ مِنْ طَوَافِهَا صَحَّ وَصَارَ قَارِنًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِيهِ وَخَطَى مِنْهُ خُطْوَةً لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِلشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَلَمْ يَمَسَّهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ صَحَّ وصار قارنا لانه لم يتلبس بشئ مِنْ الطَّوَافِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَلَمْ يَمْشِ ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْمَشْيِ فَإِنْ كَانَ اسْتِلَامُهُ لَيْسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِلَامِ لِلطَّوَافِ صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ * كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ اسْتِلَامُهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَطُوفَ فَفِي صِحَّةِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِلطَّوَافِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَبْعَاضِ الطَّوَافِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَصَحَّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا صَحَّ إحْرَامُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَجْزَأَهُ وَصَحَّ تَزَوُّجُهُ هَذَا كَلَامُ الماورى * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ قُلْتُ إنَّهُ لا يصح بلا خلاف وفي علة بُطْلَانِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَى الْمُصَنِّفُ مِنْهَا اثْنَيْنِ (أَحَدُ) الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ (وَالثَّانِي) لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي فَرْضٍ من فورضها (وَالثَّالِثُ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمُعْظَمِ أَفْعَالِهَا (وَالرَّابِعُ) لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي سَبَبِ التَّحَلُّلِ وَهَذَا الرَّابِعُ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ نَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الثَّالِثَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَجَوَّزْنَاهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِأَنْ أَفْسَدَهَا بِجِمَاعٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجًّا فَفِي صِحَّةِ إدْخَالِهِ وَمَصِيرِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَصِيرُ مُحْرِمًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ (وَالثَّانِي) لَا يَصِيرُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ قُلْنَا يَصِيرُ فَهَلْ يَكُونُ حَجُّهُ صَحِيحًا مُجْزِئًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ مُتَقَدِّمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ

تَابِعٌ لِعُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا مِنْ أَصْلِهِ أَمْ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَجَامَعَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا إذْ لَوْ انْعَقَدَ صَحِيحًا لَمْ يَفْسُدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْعِقَادِهِ مُفْسِدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يفيد لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي النُّسُكَيْنِ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَلَا يَفْسُدُ قَضَى الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ * كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ إذَا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ حَجِّهِ فَاسِدًا (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِلْعُمْرَةِ وَشَاةٌ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَيَصِيرُ قَارِنًا (وَالْجَدِيدُ) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ فَإِلَى مَتَى يَجُوزُ الْإِدْخَالُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُفَرَّعَةٍ عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا أَصَحُّهَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي السَّعْيِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ * قَالَهُ الْخُضَرِيُّ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ فَرْضًا مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ سَعَى لَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ لِيَقَعَ عَنْ النُّسُكَيْنِ جَمِيعًا كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ وَإِنْ وَقَفَ ما لم يشتغل بشئ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ سَعَى فَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وُجُوبُ إعَادَتِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يجب والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجب علي المتمتع دم لقوله تعالى (فمن تمتع بالععمرة الي الحج فما استيسر من الهدى) ولا يجب عليه الا بخمسة شروط (أحدها) أن يعتمر في أشهر الحج فان اعتمر في غير أشهر الحج لم يلزمه

دم لانه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج فلم يلزمه دم كالمفرد فان أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وأتى بأفعالها في أشهر الحج ففيه قولان (قال) في القديم والاملاء يجب عليه دم لان استدامة اللاحرام بمنزلة الابتداء ولو ابتداء الاحرام بالعمرة في أشهر الحج لزمه الدم فكذلك إذا استدامه (وقال) في الام لا يجب عليه الدم لان الاحرام نسك لا تتم العمرة الا به وقد أتى به في غير أشهر الحج فلم يلزمه دم التمتع كالطواف (والثاني) أن يحج من سنته فاما إذا حج في سنة اخرى لم يلزمه دم لما روى سعيد ابن المسيب قَالَ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يعتمرون في اشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا ولان الدم انما يجب لترك الاحرام بالحج من الميقات وهذا لم يترك الاحرام بالحج من الميقات فانه ان أقام بمكة صارت مكة ميقاته وان رجع إلى بلده وعاد فقد احرم من الميقات (والثالث) ان لا يعود لاحرام الحج إلى الميقات فاما إذا رجع لاحرام الحج إلى الميقات وأحرم فلا يلزمه دم لان الدم وجب بترك الميقات وهذا لم يترك الميقات فان احرم بالحج من جوف مكة ثم رجع إلى الميقات قبل ان يقف ففيه وجهان (احدهما) لا دم عليه لانه حصل محرما من الميقات قبل التلبس بنسك فاشبه من جاوز الميقات غير محرم ثم احرم وعاد الي الميقات (والثانى) يلزمه لانه وجب عليه الدم بالاحرام من مكة فلا يسقط بالعود إلي الميقات كما لو ترك الميقات واحرم دونه ثم عاد بعد التلبس بنسك (والرابع) ان يكون غير حاضرى المسجد الحرام (فاما) إذا كان من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه لقول اللَّهِ تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام) وحاضر والمسجد الحرام أهل الحرم ومن بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لان الحاضر في اللغة هو القريب ولا يكون قريبا الا في مسافة لا تقصر فيها الصلاة وفي الخامس وجهان وهو نية التمتع (أحدهما) انه لا يحتاج إليها لان الدم يتعلق بترك الاحرام بالحج من الميقات وذلك يوجد من غير نية (والثانى) أنه يحتاج إلى نية التمتع لانه جمع بين العبادتين في وقت احداهما فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين (فإذا قلنا) بهذا ففى وقت النية وجهان (أحدهما) انه يحتاج إلى أن ينوى عند الاحرام بالعمرة (والثانى) يجوز أن ينوى ما لم يفرغ من العمرة بناء على القولين في وقت نية الجمع بين الصلاتين فان في ذلك قولين (أحدهما) ينوى في ابتداء الاولى منهما (والثاني) ينوى ما لم يفرغ من الاولي) * (الشرح) هذا الاثر الْمَذْكُورُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ

أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الدَّمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِوُجُوبِ هَذَا الدَّمِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ مَنْ مَسْكَنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَقِيلَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ وَهَذَا غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَالْآخَرُ بَعِيدٌ فَإِنْ كَانَ مَقَامُهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَى مَقَامُهُ بِهِمَا وَكَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا دَائِمًا أَوْ أَكْثَرُ فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ عَزْمُهُ الرُّجُوعَ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّفْصِيلَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إلَّا الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا وَلَكِنْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ دَمًا بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ اسْتَوْطَنَ غَرِيبٌ مَكَّةَ فَهُوَ حَاضِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الْعِرَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ قَصَدَ الْغَرِيبُ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ مِنْ الْعُمْرَةِ أو نوى الاقامة بها بعد ما اعْتَمَرَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ عندنا بلا خلاف وقال طاووس يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ عِنْدَنَا بِلَا خلاف وقال طاووس يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مَسْأَلَةً وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ التَّوَقُّفِ قَالَ وَلَمْ أَجِدْهَا لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مَرِيدٍ نُسُكًا فَاعْتَمَرَ عَقِبَ دُخُولِهِ مَكَّةَ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذَا صَارَ مِنْ الْحَاضِرِينَ إذْ لَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْإِقَامَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ قَصْدَ مَكَّةَ هَلْ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ اشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ يُنَازِعُهُ فِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَنَقْلُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ الْإِقَامَةِ بَلْ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ وَفِي الْوَسِيطِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُدَانِي هَذِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْغَرِيبُ الْمِيقَاتَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ نُسُكًا وَلَا دُخُولَ الْحَرَمِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَنْ يَعْتَمِرَ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ وَحَجَّ بَعْدَهَا عَلَى صُورَةِ التَّمَتُّعِ هَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ (أَحَدُ)

الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ حِينَ بَدَا لَهُ كَانَ فِي مَسَافَةِ الْحَاضِرِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِوُجُودِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمُخْتَارُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَيْسَ بِحَاضِرٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ دم جبر أن دَمُ نُسُكٍ وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ (قُلْتُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَدَمَ الْقِرَانِ دَمُ جَبْرٍ وَإِنَّمَا الْقَائِلُ بِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلِيلِهِ فِي مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ * (فَرْعٌ) هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا قَرَنَ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ أَمْ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ إدْرَاجًا لِلْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فِي الْمِيقَاتِ كَمَا أُدْرِجَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَفْعَالِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ في آفاقى إذَا كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْقِرَانَ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا وَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقال طاووس يَلْزَمُهُ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) نَصَّهُ فِي الْأُمِّ لَا دَمَ (وَالثَّانِي) نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ يَجِبُ الدَّمُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حالين ان أقام بالميقات محرما بالعمرة حتى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَوْ عَادَ إلَيْهِ فِي أَشْهُرِهِ مُحْرِمًا بِهَا وَجَبَ الدَّمُ وَإِنْ جَاوَزَهُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فَلَا دَمَ وَلَوْ وُجِدَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ وَبَعْضَ أَعْمَالِهَا قَبْلَ أَشْهُرِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا دَمَ إذَا لَمْ تتقدم الْإِحْرَامُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ دَمَ التَّمَتُّعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَفِي وُجُوبِ دَمِ الْإِسَاءَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بالحج من مكة (وأصحهما) لا لان المسئ مَنْ يَنْتَهِي إلَى الْمِيقَاتِ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَيُجَاوِزُهُ

_ (1) بياض بالاصل فحرر

غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهَذَا جَاوَزَهُ مُحْرِمًا (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَقَعَ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فلوا اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَلَا دَمَ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ أَمْ رَجَعَ وَعَادَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يُشْتَرَطُ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ خَيْرَانَ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَاسْتَمَرَّ فَلَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ وَإِلَى مَسَافَةِ مِثْلِهِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَفِي سُقُوطِهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه مُحْرِمًا وَلَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ مِيقَاتُ عُمْرَتِهِ الْجُحْفَةَ فَعَادَ إلَى ذَاتِ عِرْقٍ فَهَلْ هُوَ كَالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ دونه (واصحهما) نععم لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ لَيْسَ سَاكِنُوهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَالْمُعْتَبَرِينَ وَقَطَعَ الْفُورَانِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ بعد عمرته من مَكَّةَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (إنْ قُلْنَا) الْمُتَمَتِّعُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَلَوْ أَحْرَمَ العمرة مِنْ الْمِيقَاتِ وَدَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ طَوَافِهِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ قَارِنٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ (إنْ قُلْنَا) إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الدَّمُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ مشهوران قال الخضري يشترط وقال الجمهور لا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ فَوَاتُ هَذَا الشَّرْطِ فِي صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ شَخْصٌ لِحَجٍّ وَآخَرُ لِعُمْرَةٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ اجيرا في عمرة فيفرغ منه ثم يحل لِنَفْسِهِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لِحَجٍّ فَيَعْتَمِرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَحُجَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجَبَ نِصْفُ دَمِ التَّمَتُّعِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْحَجُّ وَنِصْفُهُ عَلَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْعُمْرَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ (أَمَّا) فِي الصُّورَةِ الاولى فقال إن اذن المستأجر ان في التمتع

فَالدَّمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَجِيرِ وَعَلَى قِيَاسِهِ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالنِّصْفُ عَلَى الْآذِنِ وَالنِّصْفُ عَلَى الْأَجِيرِ (وَأَمَّا) فِي الصورتين الاخرتين فقال إن أذن له المتسأجر فِي التَّمَتُّعِ فَالدَّمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ عَلَى الْأَجِيرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ بَعْدَ هَذَا أُمُورًا (أَحَدُهَا) أَنَّ إيجَابَ الدَّمِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْأَجِيرِ بِكُلِّ حَالٍ (الثَّانِي) إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْمُسْتَأْجِرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الثَّالِثَةِ وَكَانَ مِيقَاتُ الْبَلَدِ مُعَيَّنًا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ نَزَّلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ دَمُ الْإِسَاءَةِ لِمُجَاوَزَةِ مِيقَاتِ نسكه (الثالث) إذا أوجبنا الدم علي الستأجرين وَكَانَا مُعْسِرَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَكِنَّ صَوْمَ التَّمَتُّعِ بَعْضُهُ فِي الْحَجِّ وَبَعْضُهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا حجا وقد سبق في فروع الاجارة في من اُسْتُؤْجِرَ لِيَقْرِنَ فَقَرَنَ أَوْ لِيَتَمَتَّعَ فَتَمَتَّعَ وَكَانَ المستأجر معسرا وقلنا الدم (1) خلافا بَيْنَ الْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فَعَلَى قِيَاسِ الْبَغَوِيِّ الصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعَلَى قِيَاسِ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَمَا لَوْ عَجَزَ الْمُتَمَتِّعُ عَنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ جَمِيعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَصُمْ فِي الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا فتفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة بِبَعْضِ الْقِسْمَيْنِ فَيُكْمِلَانِ وَيَصُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا إذَا أوجبنا الدم في الصورتين الاخرتين عَلَى الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الخضرى فإذا اعتمر عن السمتاجر ثُمَّ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَفِي كَوْنِهِ مُسِيئًا الخلاف السابق في من اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مكة لكن الاصح هنا أنه مسئ لِإِمْكَانِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حِينَ حَضَرَ الْمِيقَاتُ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الدَّمُ فَفَوَاتُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي فَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ فِي قَوْلِنَا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الدَّمَ فَلَهُ أَثَرَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَإِذَا عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ سَقَطَ عَنْهُ الدم بلا خلاف والمسئ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَإِذَا عَادَ فَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ خِلَافٌ وَأَيْضًا فَالدَّمَانِ يَخْتَلِفُ بَدَلُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الشَّرْطُ السَّادِسُ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَفِي اشْتِرَاطِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِرَانُ فَإِنْ شَرَطْنَاهَا فَفِي وَقْتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهَا) حَالَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعُمْرَةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الشَّرْطُ) السَّابِعُ) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الميقات فلو جاوزة مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَقَدْ نَصَّ الشافعي أنه ليس

_ (1) بياض بالاصل فحرر

عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ بَلْ يَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنْ بَقِيَتْ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَعَلَيْهِ الدَّمَانِ مَعًا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ صَاحِبَيْ الْبَيَانِ وَالشَّامِلِ ذَكَرَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ وِفَاقًا وَخِلَافًا وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ فَلَوْ فَاتَهُ شَرْطٌ كَانَ مُفْرِدًا (وَالثَّانِي) لَا يُعْتَبَرُ بَلْ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا مَتَى أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَرْجَحِ مِنْهُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ الْقَفَّالُ يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الرافعى الاشبه أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ لَا يُعْتَبَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) إذَا اعْتَمَرَ الْمُتَمَتِّعُ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَهِيَ فِي حَقِّهِ كَهِيَ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لِلْإِحْرَامِ وَإِحْرَامُهُ مِنْ خَارِجِ مَكَّةَ أَوْ خَارِجِ الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا إلَى مَسَافَتِهِ فَحُكْمُهُ كُلُّهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ فِي الْمَكِّيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا اقْتَضَى الْحَالُ وُجُوبَ دَمِ الْإِسَاءَةِ وَجَبَ أَيْضًا مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى الْحِلِّ وَأَحْرَمَ مِنْ طَرَفِهِ بِالْحَجِّ فَإِنْ عَادَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَاتٍ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ دُونَ دم الْإِسَاءَةِ وَإِنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ الْإِسَاءَةِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دَمٌ وَاحِدٌ لِلتَّمَتُّعِ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَجَبَ لترك

الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ مِنْهُ مَسَافَةً قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ فَهَلْ هُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَمْ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) كَمَكَّةَ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِحْرَامِ وَتَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) كَالْحِلِّ لِأَنَّ مَكَّةَ صَارَتْ مِيقَاتَهُ فَهُوَ كَمَنْ لزم الْإِحْرَامُ مِنْ قَرْيَتِهِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَجَاوَزَهَا وَأَحْرَمَ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إذَا حَجَّ رَجُلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فِي أَشْهُرِ الحج فلما ما تَحَلَّلَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أدنى الحل أو تمتتع أَوْ قَرَنَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ أَفْرَدَ عَنْ غَيْرِهِ فَحَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْهُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ أَوْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ عَنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَحْرَمَ عَنْهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ والتمتع قال فأما إذَا اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ اعْتَمَرَ عَنْ غَيْرِهِ من ادني الحل فعليه الدم خلافا أبى حَنِيفَةَ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْإِحْرَامَيْنِ إذَا كَانَا عَنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ فِعْلُهُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِذَا تَرَكَ الْمِيقَاتَ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَ الدَّمُ كَمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ تحلل مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ يَعْتَمِرُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ الدَّمُ لِلْعُمْرَةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الْعُمْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ * (فَرْعٌ) إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ صَارَ حَلَالًا وَحَلَّ لَهُ الطِّيبُ وَاللِّبَاسُ وَالنِّسَاءُ وَكُلُّ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ تَحَلَّلَ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَحَلَّلَ بَلْ يُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَتَحَلَّلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا لِحَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا لِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ

هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ أَكْمَلَ أَفْعَالَ عُمْرَتِهِ فَتَحَلَّلَ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَفْصَةَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ) فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَعْدَهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ فَصَحَّتْ الرِّوَايَاتُ * (فَرْعٌ) إذَا تَحَلَّلَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ الْعُمْرَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ هَذَا إنْ كَانَ وَاجِدَ الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ عَادِمَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّادِسِ لِأَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَوَاجِبُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَصُومَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَيَتَعَيَّنُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَهِيَ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَحْمَدُ واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن عمر ابن الْخَطَّابِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ الصحابة والعملاء وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ * دَلِيلُنَا مَا ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ يعني حجة الوداع وقد أهلو بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ

فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً) وفى رواية قال (تحللا فوقعنا النساء وتطيبنا ولبثنا ثِيَابَنَا وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعَ لَيَالٍ ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ يَعْنِي بِالْحَجِّ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) وَفِي رِوَايَةٍ (حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ وَفِي رِوَايَةٍ (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى) هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبَعْضُهَا فِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عبيد بن جريح فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ أَجَابَهُ ابْنُ عُمَرَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْسِ فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَوَجْهُ قِيَاسِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَحْرَمَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالذَّهَابِ إلَيْهِ فَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْإِحْرَامَ إلَى حَالِ شُرُوعِهِ فِي الحج وَتَوَجُّهِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ سَبَقَتْ (مِنْهَا) إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَ أَفْعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وقتادة وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ يَلْزَمُهُ وَمِنْهَا إذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْقُطُ (وَمِنْهَا) حَاضِرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فيها الصلاة وقال ابن عباس وطاووس وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ هُوَ مَنْ كَانَ بِالْحَرَمِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَذِي طُوًى وَقَالَ مَكْحُولٌ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيقَاتِ أَوْ دُونَهُ (وَمِنْهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ مَا لَمْ يَفْتَتِحْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِهِ عَلَيْهَا بَعْدَ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ عَطَاءٌ والشافعي وأبو ثور قال وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ وَيَصِيرُ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مصر ونقل

مَنْعَهُ عَنْ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيَهُ قَالَ ابْنُ المنذر وبقول مالك أقول (وَمِنْهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُرِيدًا لِلْمُقَامِ بِهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ يَعْنِي وَعَلَيْهِ الدَّمُ (وَمِنْهَا) إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مِيقَاتِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عندنا وقال طاووس يجب * قال المصنف رحمه الله * (ويجب دم التمتع بالاحرام بالحج لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فما استيسر من الهدى) ولان شرائط الدم انما توجد بوجود الاحرام بالحج فوجب أن يتعلق الوجوب به وفى وقت جوازه قولان (أحدهما) لا يجوز قبل أن يحرم بالحج لان الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصوم والصلاة (والثانى) يجوز بعد الفراغ من العمرة لانه حق مال يجب بسببين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ (وَقَوْلُهُ) حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وقوله) يجب بسببين احتراز من حق مَالٍ يَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهَا مِمَّا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَوَقْتَ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) وَقْتُ جَوَازِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعُمْرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ سَبَبٌ وَيَجُوزُ بَعْدَ الاحرام بالحج بلا خلاف ولا يتوقت بوقت كسائر دماء الجبران لكن الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهَلْ تَجُوزُ إرَاقَتُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ وَالْمَشْهُورُ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ (والثانى) يجوز

لِوُجُودِ بَعْضِ السَّبَبِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فَالْحَاصِلُ فِي وَقْتِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (وَأَصَحُّهَا) بَعْدَ فَرَاغِهَا (وَالثَّالِثُ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (وَأَمَّا) جَوَازُهُ فَذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحج فما استيسر من الهدى) وَمَعْنَاهُ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ وَبِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا فَوَجَبَ الدَّمُ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ مَا جُعِلَ غاية تعلق الحكم بأوله كقوله تعالى (وأتموا الصيام إلى الليل) ولان شروط التمتع وجدت فوجب الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْعُلَمَاءُ قَوْله تَعَالَى (فمن تمتع بالعمرة) أَيْ بِسَبَبِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَتَّعُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِسَبَبِ الْعُمْرَةِ قَالُوا وَالتَّمَتُّعُ هُنَا التَّلَذُّذُ وَالِانْتِفَاعُ يُقَالُ تَمَتَّعَ بِهِ أَيْ أَصَابَ مِنْهُ وَتَلَذَّذَ بِهِ وَالْمَتَاعُ كُلُّ شئ يُنْتَفَعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّهُمَا وَافَقَا عَلَى جَوَازِ صَوْمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَعْنِي صَوْمَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْهَدْيُ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ دَمُ جُبْرَانٍ فَجَازَ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَقَبْلَ يَوْمِ النحر كدم فدية الطيب واللباس وغيرهما يخالف الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى وَقْتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا دَمُ التَّمَتُّعِ شَاةٌ صِفَتُهَا صِفَةُ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَقُومُ مَقَامَهَا سُبْعُ بدنة أو سبع بقرة * قال المصنف رحمه الله *

(فان لم يكن واجدا للهدى في موضعه انتقل إلى الصوم وهو صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رجع لقوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فأما صوم ثلاثة أيام فلا يجوز قبل الاحرام بالحج لانه صوم واجب فلا يجوز قبل وجوبه كصوم رمضان ويجوز بعد الاحرام بالحج إلى يوم النحر والمستحب أن يفرغ منه قبل يوم عرفة فانه يكره للحاج صوم يوم عرفة وهل يجوز صيامها في أيام التشريق فيه قولان وقد ذكرناهما في كتاب الصيام (وأما) صوم السبعة ففيه قولان قال في حرمه لا يجوز حتى يرجع إلى أهله لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كان معه هدى فليهد ومن لم يكن يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رجع إلى أهله) وقال في الاملاء يصوم إذا أخذ في السير خارجا من مكة لقوله تعالي (وسبعة إذا رجعتم) وابتداء الرجوع إذا ابتدأ بالسير من مكة فإذا قلنا بهذا ففى الافضل قولان (أحدهما) الافضل أن يصوم بعد اللابتداء بالسير لان تقديم العبادة في أول وقتها أفضل (والثاني) الافضل أن يؤخر إلى أن يرجع إلي الوطن ليخرج من الخلاف فان لم يصم الثلاثة حتى رجع الي أهله لزمه صوم عشرة أيام وهل يشترط التفريق بينهما وجهان (أحدهما) ليس بشرط لان التفريق وجب بحكم الوقت وقد فات فسقط كالتفريق بين الصلوات (والثانى) أنه يشترط وهو المذهب لان ترتيب احدهما على الآخر لا يتعلق بوقت فلم يسقط بالفوات كترتيب أفعال الصلاة (فان قلنا) بالوجه الاول صام عشرة أيام كيف شاء (وان قلنا) بالمذهب فرق بينهما بمقدار ما وجب التفريق بينهما في الاداء) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ هذا (وأما) حكم الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصوم لقوله تعالى (فمن لم يجد) وهذا مجمع عليه فان قدم

الهدى في موضعه لزمه صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ فِيهَا الْعَدَمُ مُطْلَقًا وَالْفَرْقُ أَنَّ بدل الدم موقت بِكَوْنِهِ فِي الْحَجِّ وَلَا تَوْقِيتَ فِي الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ قال أصحابنا فان وَجَدَ الْهَدْيَ وَثَمَنَهُ لَكِنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ وَلَوْ وَجَدَ الثَّمَنَ وَعُدِمَ الْهَدْيُ فِي الْحَالِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ هَلْ يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ * قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ يَرْجُو الهدى ولا يتيقنه جاز الصوام * وَهَلْ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ الْهَدْيِ فِيهِ قَوْلَانِ كَالتَّيَمُّمِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إذَا غَابَ مَالُهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ يُقْسَمُ ثَلَاثَةً وَسَبْعَةً فَالثَّلَاثَةُ يَصُومُهَا فِي الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا علي الاحرام بالحج ولا يجوز صوم شئ مِنْهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ * وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُكْرَهُ صَوْمُهُ فَخِلَافُ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ هَذَا إذَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عَلَى الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ * قال أصحابنا يستحب للتمتع الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ السَّادِسِ * وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ هَدْيًا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى السَّابِعِ لِيُمْكِنَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ (وَأَمَّا) وَاجِدُ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الثلاثة ولا شئ مِنْهَا عَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (ثلاثة في الحج) * قال أصحابنا واذ فَاتَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ يَسْقُطُ الصَّوْمُ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وآخرون عن أبى اسحق وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وحكاه

صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ عَنْهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ فَوَاتُهَا بِفَوَاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تَفُوتُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كان يعد فِي الْحَجِّ وَكَانَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ التَّشْرِيقِ قَضَاءً وَإِنْ بَقِيَ الطَّوَافُ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تعالى (ثلاثة فِي الْحَجِّ) هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهًا آخَرَ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فان قلنا) أيام الشتريق يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهَا فَصَامَهَا كَانَ صَوْمُهَا أَدَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) السَّبْعَةُ فَوَقْتُهَا إذَا رَجَعَ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرْمَلَةَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْوَطَنِ فَالْمُرَادُ بِهِ كلما يُقْصَدُ اسْتِيطَانُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ سَوَاءٌ كَانَ بَلَدُهُ الْأَوَّلَ أَمْ غَيْرَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ بِهَا وَهَلْ يَجُوزُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى وَطَنِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَبْلَ وَقْتِهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رَاجِعًا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغُ فَأَخَّرَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ جَازَ وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ التَّقْدِيمُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ ولا يجوز صوم شئ مِنْ السَّبْعِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ جَوَّزْنَا صِيَامَهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاجِعًا وَلِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ تَحَلَّلَ * وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّ الْمُرَادَ بالرجوع إلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ هَذَا قَوْلًا غَيْرَ قَوْلِ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الاصحاب انهما شئ وَاحِدٌ قَالَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ قَوْلًا آخَرَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَجَبٌ فَإِنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ غَيْرُ الفراغ

فَقَدْ يَفْرُغُ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ مَكَّةَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا بَعْدَ التَّشْرِيقِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا فِي مَعْنَى نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ مَذْهَبُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَصُومُهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي مَكَّةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ مَذْهَبُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَصُومُهَا إذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى بَعْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَاهُ أَيْضًا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ فَحُصِلَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (وَالثَّانِي) إذَا تَوَجَّهَ مِنْ مَكَّةَ رَاجِعًا إلَى أَهْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ (وَالرَّابِعُ) إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَجُوزُ صِيَامُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ أَمْ الْفَرَاغِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا قُلْنَا الرُّجُوعُ الْفَرَاغُ * قَالَ أصحابنا وإذا لم يصم يالثلاثة فِي الْحَجِّ وَرَجَعَ لَزِمَهُ صَوْمُ الْعَشَرَةِ فَالثَّلَاثَةُ قضاء والسبع أَدَاءٌ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ السَّابِقُ أَنَّهُ لا يصومها بل يستقر الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ هَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عند الصمنف وَالْجُمْهُورِ يَجِبُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ تَفْرِيقُ الْأَدَاءِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا بَلْ يَكْفِي التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَفِي قَدْرِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ تَتَوَلَّدُ مِنْ أَصْلَيْنِ سَبَقَا وَهُمَا صَوْمُ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ التشريق وان الرجوع مماذا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ رُجُوعُهُ إلَى الْوَطَنِ فَالتَّفْرِيقُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَبِهَذَا جَزَمَ المصنف وغيره (وان قلنا) ليس له صومها والرجوع الفراغ فالتفريق باربعة ايام فقط (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ صَوْمُهَا وَالرُّجُوعُ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطَنِ فَالتَّفْرِيقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ فَقَطْ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ صَوْمُهَا وَالرُّجُوعُ الْفَرَاغُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدَاءِ تَفْرِيقٌ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ كُلَّهُ عَلَى وُجُوبِ التَّفْرِيقِ * فَإِنْ أَرَدْتَ اخْتِصَارَ الْأَقْوَالِ التي تجئ في من لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ كَانَتْ سِتَّةً (احدها) لا صوم

بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْهَدْيِ (وَالثَّانِي) عَلَيْهِ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ (وَالثَّالِثُ) عَشَرَةٌ وَيُفَرِّقُ بِيَوْمٍ فَصَاعِدًا (وَالرَّابِعُ) يُفَرِّقُ بِأَرْبَعَةٍ فَقَطْ (وَالْخَامِسُ) يُفَرِّقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ (وَالسَّادِسُ) بِأَرْبَعَةٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ وَهَذَا أَصَحُّهَا فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً مُتَوَالِيَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ قَضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ نَشْتَرِطْ التَّفْرِيقَ فَإِنْ شَرَطْنَاهُ وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّفْرِيقِ بِيَوْمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْيَوْمِ الرَّابِعِ وَيُسْتَحَبُّ مَا بَعْدَهُ فَيَصُومُ يَوْمًا آخَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي وَجْهٍ لَا يعتد بشئ سِوَى الثَّلَاثَةِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي وَجْهِ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِالثَّلَاثَةِ أَيْضًا إذَا نَوَى السَّابِعَ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْأَخِيرَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ تَفْرِيقَ الصَّوْمِ وَمُتَابَعَتَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ فَسَادَ بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُ الثَّلَاثَةِ لِفَسَادِ السَّبْعَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ شَرَطْنَا التَّفْرِيقَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الْقَدْرِ * هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْقَوْلِ الْأَخِيرِ يُفَرِّقُ بِقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا أَرْبَعَةٍ وَفِي الْقَوْلِ الْخَامِسِ بِقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ إلَّا يَوْمًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ * قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَقَلُّ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ قَالُوا وَاخْتَلَفَ أصحابنا في معناه فقال أبو إسحق هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنْ كُلِّ صَوْمٍ لَهُ سَبَبٌ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيُفْطِرَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَصُومُ التَّشْرِيقَ عَنْ سَبْعَةٍ * قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا الْوَجْهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ أَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا قول للشافعي مستقل ليس مبنى على شئ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَالتَّفْرِيقُ يَحْصُلُ بِيَوْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِيهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهَانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ قَوْلًا مُخْرَجًا مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ *

(فَرْعٌ) يَنْوِي بِهَذَا الصَّوْمِ صَوْمَ التَّمَتُّعِ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا نَوَى صَوْمَ الْقِرَانِ وَإِذَا صَامَ الثلاثة في الحج والسبعة بعد الرجوع إلى يَلْزَمْهُ نِيَّةُ التَّفْرِقَةِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (فان دخل في الصوم ثم وجد الهدى فالافضل أن يهدى ولا يلزمه وقال المزني يلزمه كالمتيمم إذا رأى الماء وان وجد الهدى بعد الاحرام بالحج وقبل الدخول في الصوم فهو مبني على الاقوال الثلاثة في الكفارات (أحدها) أن الاعتبار بحال الوجوب ففرضه الصوم (والثانى) الاعتبار بحال الاداء ففرضه الهدى (والثالث) الاعتبار بأغلظ الحالين ففرضه الهدى) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ السَّبْعَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهْدِيَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَلْزَمُهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي السَّبْعَةِ وَالْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَبَيْنَهُمَا فِي رُؤْيَةِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِدَلَائِلِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَا هَدْيَ ثُمَّ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَةِ بِمَاذَا وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهَا) الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَهُوَ نص الشافعي في هذه المسألة * * قال المصنف رحمه الله * (ويجب على القارن دم لانه روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ولانه إذا وجب على التمتع لانه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلان يجب على القارن وقد جمع بينهما في الاحرام أولى وإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع على ما بيناه) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْقَارِنَ دَمٌ بلا خلاف لما ذكره الصمنف فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَتَفْرِيعُهُ وَهَذَا الدَّمُ شَاةٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ كَمَا سَبَقَ * هَكَذَا ذَكَرَهُ

الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَحَكَيَا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ بَدَنَةٌ وَهُوَ مذهب الشافعي وقال طاووس وحكاه العبدرى عن الحسن بن علي بن سُرَيْجٍ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ محمد دَاوُد لَا دَمَ عَلَيْهِ وَبِالشَّاةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى مَنْ ذَكَرْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ الْقَارِنُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَى الشَّعْبِيِّ لِأَنَّ الْقَارِنَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِذَا كَفَى الْمُتَمَتِّعَ الدم فالقارن أولى ويحتمل انه رد على طاووس لِأَنَّ الْقَارِنَ أَقَلُّ فِعْلًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِ فَإِذَا لَزِمَ الْمُتَمَتِّعَ الدَّمُ فَالْقَارِنُ أَوْلَى وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ قال الماوردى والتأويل الْأَوَّلُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالثَّانِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ تصدق عما أمكنه صَوْمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ هَذَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فعليه الصيام فان مات من صاعته فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُهْدَى عَنْهُ (وَالثَّانِي) لَا هدى ولا إطعام * هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْهَدْيِ وَلَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ الدَّمُ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ فَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ وعليه دم الوطئ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ دَمُ اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يسقط لانه انما يجب بالتمتع لتحصل الْحَجِّ وَلَمْ يَحْصُلْ الْحَجُّ بِتَمَامِهِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ صُورَةَ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ فراغ الحج وهو موسر وذكرهما الماوردى في من مَاتَ قَبْلَ فَرَاغِ أَرْكَانِ الْحَجِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَرْكَانِ وَقَدْ بَقِيَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ لَزِمَ الدَّمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ

وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ حصل هذا كله في من مَاتَ وَهُوَ وَاجِدُ الْهَدْيِ فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا فَقَدْ مَاتَ وَفَرْضُهُ الصَّوْمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ (وَالثَّانِي) يُهْدَى عَنْهُ قال أصحابنا وهذا القول يتصور فيهما إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الصَّوْمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الصَّوْمِ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ هُوَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ فَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ علي القول القديم وفى الجديد يطعم عنه مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ فَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ وَجَبَ عَشْرَةُ أَمْدَادٍ وَإِلَّا فَبِالْقِسْطِ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَمَسَاكِينِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَيَّنُونَ فَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يجز لانه مال وجب الاحرام فَتَعَيَّنَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ كَالدَّمِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَعَيَّنُونَ بَلْ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ فَإِنْ صُرِفَ إلَى غَيْرِهِمْ جَازَ لِأَنَّ هَذَا الْإِطْعَامَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَذَا بَدَلُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَكُونُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ إلَى الدَّمِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى هَذَا الصَّوْمِ مِنْ الْأَمْدَادِ فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرد شَاةٌ وَفِي يَوْمٍ ثُلُثُ شَاةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ ثلثاها وأشار أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إلَى أَنَّ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ كَإِتْلَافِ الْمُحْرِم شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ وَفِي الشَّعْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مشهورة عن الاصحاب (أَحَدُهَا) مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ شَاةٍ وغلط أصحابنا أبا اسحق فِي هَذَا وَنَقَلَ تَغْلِيطَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ صَاحِبُ الشامل وغيرهم (والقول الثاني) لا يجب شئ أَصْلًا وَأَمَّا الْمُتَمَكِّنُ الْمَذْكُورُ فَصَوْمُ الثَّلَاثَةِ يُتَمَكَّنُ مِنْهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي زَمَنٍ يَسَعُ صَوْمَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ وَلَا يَكُونُ عَارِضٌ مِنْ مرض وغيره وذكر إمام الحرمين انه لا يجب شئ فِي تَرِكَتِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّ دَوَامَ السَّفَرِ كَدَوَامِ الْمَرَضِ وَلَا يَزِيدُ تَأْكِيدُ الثَّلَاثَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ

صَوْمَ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِيهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ (وَأَمَّا) السَّبْعَةُ (فَإِنْ قُلْنَا) الرُّجُوعُ إلَى الْوَطَنِ فَلَا يُمْكِنُ قَبْلَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُ قَبْلَهُ ثُمَّ داوم السَّفَرِ عُذْرٌ هَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا اسْتَحْبَبْنَا التَّأْخِيرَ إلَى وُصُولِهِ الْوَطَنَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْفَرَاغِ فَهَلْ يُهْدَى عَنْهُ إذَا مَاتَ فِيهِ وَجْهَانِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مُتَمَتِّعٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَانْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عمر وعائشة واسحق وابن المنذر وابو حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي حَالِ الْعُمْرَةِ * وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) لَوْ فَاتَهُ صَوْمُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمَانِ أَحَدُهُمَا لِلتَّمَتُّعِ وَالثَّانِي لِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ * وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (أَصَحُّهَا) كَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) دَمٌ وَاحِدٌ (وَالثَّالِثَةُ) يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ مُؤَقَّتٌ فَإِذَا فات وجب قضاؤه كَرَمَضَانَ لَا غَيْرَ (وَأَمَّا) صَوْمُ السَّبْعَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَصُومُهَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ * وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وعطاء ومجاهد وقتادة وابن المنذر (الثاني) يَصُومُهَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْ حَجِّهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ الْهَدْيَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * باب المواقيت * قال المصنف رحمه الله * (ميقات أهل المدينة ذو الحليفة وميقات اهل الشام الجحفة وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل اليمن يلملم لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذى الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن) قال ابن عمر رضى الله عنهما وبلغني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (يهل أهل اليمن من يلملم وأهل الشام من الجحفة) (وأما) أهل العراق فميقاتهم ذات عرق وهل هو منصوص عليه أو مجتهد فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ هو غير منصوص عليه ووجهه ما روى عن ابن عمر قال (لما فتح المصران أتوا عمر رضى

الله عنه فقالوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حد لاهل نجد قرنا وانا إذا أردنا أن نأتى قرنا شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق) ومن أصحابنا من قال هو منصوص عليه ومذهبه ما ثبتت به السنة والدليل عليه ما روى جابر بن عبد الله قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يهل أهل المشرق من ذات عرق) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عرق (قال الشافعي رحمه الله ولو أهل أهل المشرق من العقيق كان أحب إلى لانه روى عن ابن عباس قال (في وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ المشرق العقيق) ولانه أبعد من ذات عرق فكان أفضل) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ هَكَذَا وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ اليمن يلملم وقال هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ مَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ) وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ) إلَخْ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَضَعِيفٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ومهل أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ) فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ بمجرد هذا ورواه ابن ماجه من راوية ابراهيم بن بريد الْجُوزِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ موفوعا بِغَيْرِ شَكٍّ لَكِنَّ الْجُوزِيَّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا شَكٍّ أَيْضًا لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ * وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَّتَ لِأَهْلِ العراق ذات عرق) رواه أبوداد والنسائي والدارقطني وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَنْكَرَ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ رِوَايَتَهُ هَذِهِ وَانْفِرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ ثِقَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ

الْعَقِيقَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ * وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَعَطَاءٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الِاحْتِجَاجُ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (مِنْهَا) أَنْ يَقُولَ بِهِ بعض الصحابة أو أكثر العلماء وهذا وقد اتَّفَقَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَوَاهُ مُرْسَلًا قَالَ قَدْ رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا وَالْحَجَّاجُ ظَاهِرُ الضَّعْفِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَأَمَّا) أَلْقَابُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظِهِ (فَقَوْلُهُ) ذُو الْحُلَيْفَةِ هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَحْوُ سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ (وَأَمَّا) الْجُحْفَةُ فَبِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ جُحْفَةُ لِأَنَّ السَّيْلَ جَحَفَهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي (وَأَمَّا) يَلَمْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَاللَّامَيْنِ وَقِيلَ لَهُ أَلَمْلَمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحُكِيَ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَهُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَأَمَّا) قَرْنُ فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمُبَارَكِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَغَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ فِيهِ فِي شَيْئَيْنِ فَتْحُ رَائِهِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى قَرْنَ قَبِيلَةٍ مِنْ مُرَادٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرْنِ) (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُهِلُّ) مَعْنَاهُ يُحْرِمُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (وَأَمَّا) ذَاتُ عِرْقٍ فَبِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ خَرِبَتْ (وَأَمَّا) الْعَقِيقُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ يُقَالُ لِكُلِّ مَسِيلِ مَاءٍ شَقَّهُ السَّيْلُ فَأَنْهَرَهُ وَوَسَّعَهُ عَقِيقٌ قَالَ وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ اربعة أعقة

وهى أودية عادية (منها) عقيق بدفق مَاؤُهُ فِي غَوْرِ تِهَامَةَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ (وَقَوْلُهُ) لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ يَعْنِي البصرة والكوفة ومعني فتحا نشئا أَوْ أُنْشِئَا فَإِنَّهُمَا أُنْشِئَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُمَا مَدِينَتَانِ إسْلَامِيَّتَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُمَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ * قَالَ أَصْحَابُنَا مِيقَاتُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ (أَمَّا) الزَّمَانِيُّ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَأَمَّا) الْمَكَانِيُّ فَالنَّاسُ فِيهِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَفِي مِيقَاتِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِ وَجْهَانِ وَغَيْرِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) نفس مكة وهو ما كان داخل مِنْهَا (وَالثَّانِي) مَكَّةُ وَسَائِرُ الْحَرَمِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ دَلِيلُ الْأَصَحِّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَالْحَرَمَ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ بُنْيَانَ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ في الحرم فهو مسئ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ كَمُجَاوَزَةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ وَعَلَى الثَّانِي حَيْثُ أَحْرَمَ فِي الْحَرَمِ لَا إسَاءَةَ (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَ خَارِجَ الْحَرَمِ فمسئ بِلَا خِلَافٍ فَيَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ إلَى الْحَرَمِ عَلَى الثَّانِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَتَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ وَيُحْرِمُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْ الْكَعْبَةِ إمَّا تَحْتَ الْمِيزَابِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَيَأْتِيَ الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ) (وَأَمَّا) الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْمَكِّيِّ فَهُوَ كَغَيْرِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ واضحا في الباب قبل (الضرب والثاني) غَيْرُ الْمَكِّيِّ وَهُوَ صِنْفَانِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا أَوْ الْحِلَّةُ الَّتِي يَنْزِلُهَا الْبَدَوِيُّ فَإِنْ أَحْرَمَ بعد مجاوزتها إلى مكة فمسئ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (الصِّنْفُ الثَّانِي) مِنْ مَسْكَنِهِ فَوْقَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَيُسَمَّى هذا الافاقى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الميقات بَلَدِهِ وَالْمَوَاقِيتُ الشَّرْعِيَّةُ خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا) ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ مِيقَاتُ مَنْ تَوَجَّهَ مِنْ الْمَدِينَةِ (وَالثَّانِي) الْجُحْفَةُ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ هكذا قاله الْأَصْحَابُ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ مِصْرَ فِي التَّنْبِيهِ (الثَّالِثُ)

يَلَمْلَمُ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الْيَمَنِ (الرَّابِعُ) قَرْنٌ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى إيضَاحِهِ (الْخَامِسُ) ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِينَ مِنْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا مِيقَاتُ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ أَيْ مِيقَاتُ تِهَامَةَ الْيَمَنُ لَا كُلَّ الْيَمَنِ فَإِنَّ الْيَمَنَ تَشْمَلُ نَجْدًا وَتِهَامَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالْأَرْبَعَةُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَصَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ وَفِي ذَاتِ عِرْقٍ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ اجْتَهَدَ فِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ) (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْأَكْثَرِينَ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ كَوْنَهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ وَقَّتَهُ قِيَاسًا عَلَى قَرْنِ وَيَلَمْلَمَ قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَفِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ مِنْ السلف طاووس وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَاحْتَجَّ) مَنْ قَالَ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ (وَاحْتَجَّ) الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالُوا وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُ مُفْرَدَاتِهَا ضَعِيفَةً فَمَجْمُوعُهَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَصِيرُ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَيُحْتَجُّ بِهِ وَيُحْمَلُ تَحْدِيدُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِاجْتِهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْدِيدُ النبي صلى الله عليه وسلم فحدده باجتهاد فَوَافَقَ النَّصَّ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ نَصَّيْهِ السَّابِقَيْنِ إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ طُرُقُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَقَوِيَ وَصَارَ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنَّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ لَوْ أَحْرَمَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَفْضَلَ وَهُوَ واد وراء

ذات عرق مما بلي الْمَشْرِقَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْعَقِيقِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ قِيلَ وَفِيهِ سَلَامَةٌ مِنْ الْتِبَاسٍ وَقَعَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ لان ذات عرق قربة خرجت وَحُوِّلَ بِنَاؤُهَا إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَالِاحْتِيَاطُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مَوْضِعِ بِنَائِهَا الْآنَ قَالُوا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَتَى مِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَطْلُبَ آثَارَ الْقَرْيَةِ الْعَتِيقَةِ وَيُحْرِمَ حِينَ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهَا أَحْرَمَ وَاسْتَأْنَسَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ بِحَدِيثِ تَوْقِيتِ الْعَقِيقِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْيَانُ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لَا تُشْتَرَطُ بَلْ الْوَاجِبُ عَيْنُهَا أَوْ حَذْوُهَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الطَّرَفُ الابعد من مكة حتى لا يمر بشئ مِمَّا يُسَمَّى مِيقَاتًا غَيْرَ مُحْرِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ إلَى مَكَّةَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الِاسْمِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَا بِاسْمِ الْقَرْيَةِ وَالْبِنَاءِ فَلَوْ خَرِبَ بَعْضُهَا وَنُقِلَتْ عِمَارَتُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِاسْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ بل الاعتبار بموضع الاول * قال المصنف رحمه الله * (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ ولاهل نجد قرنا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ أَتَى عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دَارُهُ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ ثُمَّ كَذَلِكَ أهل مكة يهلون من مكة)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَلَفْظُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا مَرَّ شَامِيٌّ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ عِرَاقِيٌّ مِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُ الْإِقْلِيمِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَهَكَذَا عَادَةُ حَجِيجِ الشَّامِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ بِالْمَدِينَةِ فَيَكُونُ مِيقَاتُهُمْ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلَا يَجُوزُ لهم تأخير الاحرام إلى الجحفة * * قال المصنف رحمه الله * (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ فِيهِ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَمِيقَاتُهُ إذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا اجْتَهَدَ فِي مِيقَاتِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اعْتَبَرَ ما ذكرناه) * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا

وَيَجْتَهِدُ فَيُحْرِمُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ حَذْوُ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَظْهِرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ حاذى اليمقات أَوْ فَوْقَهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إلَى وُجُوبِ هَذَا الِاسْتِظْهَارِ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) إذَا أَتَى مِنْ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ وَلَا حَاذَاهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَوْقِيتِهِ ذَاتَ عِرْقٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ فِيهِ لَكِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مَا يُحَاذِيهِمَا وَإِنْ تَفَاوَتَا فيها وَتَسَاوَيَا فِي الْمَسَافَةِ إلَى طَرِيقِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ مِنْ الْمُحَاذِي لِأَبْعَدِ الْمِيقَاتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ لِأَقْرَبِهِمَا (وَأَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ مُحَاذَاةُ أَبْعَدِهِمَا وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مُحَاذَاةُ مِيقَاتَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ بِانْحِرَافِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ وَالْتِوَائِهِ أَوْ لِوُعُورَةٍ وَغَيْرِهَا فَيُحْرِمُ مِنْ الْمُحَاذَاةِ وَهَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبْعَدِ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ أَقْرَبِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ وَفَائِدَتُهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَانْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ يُفْضِي إلَيْهِ طَرِيقَا الْمِيقَاتَيْنِ وَأَرَادَ الْعَوْدَ لِرَفْعِ الْإِسَاءَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ هَلْ يَرْجِعُ إلَى هَذَا الميقات أم إلى ذاك ولو تفاوتا الْمِيقَاتَانِ فِي الْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى طَرِيقِهِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ أَمْ إلَى مَكَّةَ فيه وجهان (أصحهما) إليه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ومن كان دَارُهُ فَوْقَ الْمِيقَاتِ فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا (إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دويرة أهلك) وفى الافضل قولان (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَرْتَكِبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَمِنَ ذَلِكَ فَكَانَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دَارِهِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ووجبت له الجنة))

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ إحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مُسْتَفِيضٌ رواه البخاري ومسلم في صحيحهما مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ الشافعي وغيره باسناد (1) (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (وَغُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) بِالْوَاوِ وَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالصَّوَابُ (أَوْ وَجَبَتْ) بِأَوْ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ عَبْدِ الله بن عبد الرحمن ابن يُحَنَّسَ أَحَدُ رُوَاتِهِ هَكَذَا هُوَ بِأَوْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ ابْنَ يُحَنَّسَ هُوَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ وَيُحَنَّسَ بِمُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ مَكْسُورَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَأَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمِمَّا فَوْقَهُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِمَّا فَوْقَ الْمِيقَاتِ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِمَّا قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) مِمَّا فَوْقَهُ أَفْضَلُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَنْصُوصَانِ فِي الْجَدِيدِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ عَنْ الْجَدِيدِ (أَحَدُهُمَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) الافضل الاحرام من الميقات نص عليه الْبُوَيْطِيِّ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطَعَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ هُوَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يتوقى المخيط والطيب

_ (1) كذا بالاصل فحرر

مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ وَكَذَا نَقَلَ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ أَنَّهُ كَرِهَ فِي الْجَدِيدِ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ تَابَعَ الْفُورَانِيَّ فِي هَذَا النَّقْلِ وَهُوَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِمَا وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْفُورَانِيَّ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ التَّغْلِيطِ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ الَّذِي كَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ انه هو التجرد عن المحيط لَا الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بَلْ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ كَرِهَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ تَفْضِيلَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ باستحبابه من دويرة أهله (والثالث) ان أمن عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَدُوَيْرَةُ أَهْلِهِ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْمِيقَاتُ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ فِي حَجَّتِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا (وَأَحْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ المدينة ذى الحيلفة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَكَذَلِكَ أَحْرَمَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهَكَذَا فَعَلَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ الْفَضْلِ فَتَرَكَ النبي صلى الله عليه سلم الْإِحْرَامَ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذَا شَكٌّ فِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ليبين جوازه

(فالجواب) من أوجه (أحدها) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ الجواز بقوله صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) (الثَّانِي) أَنَّ بَيَانَ الْجَوَازِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ فَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ يَسِيرَةً عَلَى أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَيُدَاوِمُ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَدَاوَمَ عَلَى الثَّلَاثِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ (الثَّالِثُ) أَنَّ بَيَانَ الْجَوَازِ إنَّمَا يَكُونُ فِي شئ اُشْتُهِرَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِ بِحَيْثُ يُخَافُ أَنْ يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا * وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ دَلِيلٍ صَرِيحٍ صَحِيحٍ فِي مُقَابِلَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ إسْنَادَهُ ليس بقوى فيجاب عنه باربعة أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ إسْنَادَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ (الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ بَيَانَ فَضِيلَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ فَوْقِ الْمِيقَاتِ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الْجَوَابُ يُبْطِلُ فَائِدَةَ تَخْصِيصِ الْمَسْجِدِ الاقصي (فالجواب) ان فيه فائدة وهى تبين قَدْرَ الْفَضِيلَةِ فِيهِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَكَرِّرِ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ فَكَانَ فِعْلُهُ الْمُتَكَرِّرُ أَفْضَلَ (الرابع) أن هذه الفضيلة جائت فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّ لَهُ مَزَايَا عَدِيدَةً مَعْرُوفَةً وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبِهِ قَالَ عطاء والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحق وَرُوِيَ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَرَجَّحَ آخَرُونَ دُوَيْرَةَ أَهْلِهِ وهو الْمَشْهُورَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وعبد الرحمن وأبى إسحق يَعْنِي السَّبِيعِيِّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَّا وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ *

(فَرْعٌ) إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مِيقَاتِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ حَيْثُ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ أَنَّ مِيقَاتَ الْمَكَانِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ مِيقَاتِ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ومن كان داره دون الميقات فيمقاته موضعه ومن جاوز الميقات قاصدا إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه كما إذا دخل مكة لحاجة ثم اراد الاحرام كان ميقاته من مكة) * (الشَّرْحُ) مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فيمقاته مَوْضِعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَدْنَى إلَى مَكَّةَ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ الخمسة فان خرج من قرية وَفَارَقَ الْعُمْرَانَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ ثُمَّ أَحْرَمَ كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِلْإِسَاءَةِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ أَطْرَافِ الْخِيَامِ إلَى مَكَّةَ وَيَجُوزُ مِنْ الطَّرَفِ الْأَدْنَى إلَى مَكَّةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَهَا إلَى جِهَةِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ * وَإِنْ كَانَ فِي وَادٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَيْهِ مُحْرِمًا فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ إلَى مَكَّةَ جَازَ فَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ سَاكِنًا مُنْفَرِدًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا يُفَارِقُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ كُلَّهُ أصحابنا في الطريقين قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَتَرَكَهُ وَقَصَدَ الْمِيقَاتَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ إذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْ مَكَّةَ بَلْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا مَرَّ الْآفَاقِيُّ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا نَحْوَ الْحَرَمِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ قَصْدُ النُّسُكِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ حَيْثُ عَنَّ له هذا القصد وان كان قاصد الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ فَعَنَّ لَهُ النُّسُكُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) مَنْ أَرَادَ الْحَرَمَ لِحَاجَةٍ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ فَهَذَا يَأْثَمُ بِمُجَاوَزَتِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهُوَ كَمَنْ قَصَدَ النُّسُكَ وَجَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ * وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَهُوَ كَمَنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ دُخُولَ الْحَرَمِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا ان من مسكنه بين مكة والميقات فيمقاته موضعه وبه قال طاووس وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ مُجَاهِدٌ يُحْرِمُ

مِنْ مَكَّةَ * وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ (أَمَّا) إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثور وابن المنذر * وقال احمد واسحق يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ * (فَرْعٌ) حَكَى الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ بِلَادٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَتَكُونُ دُونَ مِيقَاتِ الْمَدَنِيِّ وَابْنُ عُمَرَ مَدَنِيٌّ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا تَأْوِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْفُرْعِ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ مَكَانُهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فَرَجَعَ قَاصِدًا إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا بَلَغَ الْفُرْعَ بَدَا لَهُ أَنْ يرجع إلى مكة فميقاته مكانه * قال المصنف رحمه الله * (ومن كان من اهل مكة واراد الحج فميقاته من مكة وان اراد العمرة فميقاته من ادني الحل والافضل ان يحرم مِنْ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعتمر منها فان اخطأها فَمِنْ التَّنْعِيمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعمر عائشة من التنعيم) * (الشَّرْحُ) أَمَّا إحْرَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَصَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا من رواية محرش الْكَعْبِيِّ الْخُزَاعِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مُحَرِّشٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَبَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ هَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي ضَبْطِهِ وَلَا يَذْكُرُ ابْنُ مَاكُولَا وَجَمَاعَةٌ الا هذا (والثانى) محرش بكسر الميم اسكان الْمُهْمَلَةِ (وَالثَّالِثُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِمَّنْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَمَّا الْجِعْرَانَةُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَكَذَا الْحُدَيْبِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ هما

بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَالصَّحِيحُ تَخْفِيفُهُمَا وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ وَالتَّنْعِيمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَعِيمٌ وَعَنْ شِمَالِهِ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ نَفْسُ مَكَّةَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ مَكَّةُ وَسَائِرُ الْحَرَمِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَوْطِنَهَا أَوْ عَابِرَ سبيل (المسألة الثانية) إذا كان بمكة مسستوطنا أو عبار سبيل وأراد العمرة فيمقاته أَدْنَى الْحِلِّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَكْفِيهِ الْحُصُولُ فِي الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَيْ الْجِهَاتِ كَانَ جِهَاتُ الْحِلِّ هَذَا هُوَ الْمِيقَاتُ الْوَاجِبُ (وَأَمَّا) المصتحب فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أُحِبُّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَخْطَأَهُ مِنْهَا فَمِنْ التَّنْعِيمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْهَا وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْفَضِيلَةِ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهَذَا فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَلَا خِلَافَ في شئ منه الا ان الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الِاعْتِمَارَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَقَدَّمَ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى التَّنْعِيمِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَغَلَطٌ وَمُنْكَرٌ لَا يُعَدُّ من المذهب الا أن يتأول على إذَا أَرَادَ أَفْضَلَ أَدْنَى الْحِلِّ التَّنْعِيمَ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ أَحْسَنُ مِنْ تَخْطِئَتِهِ وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ خَفِيَّةً أَوْ غَرِيبَةً لِيُعْذَرَ فِي الْغَلَطِ فِيهَا وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ لِلْإِحْرَامِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ التَّنْعِيمِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ الْمَدْخَلَ لِعُمْرَتِهِ مِنْهَا وَهَذَا صَحِيحٌ معروف في الصحيحين وغيرهما وكذلك استدل محققوا الْأَصْحَابِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال هُوَ الصَّوَابُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَإِنْ قِيلَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَكَيْفَ أَعْمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَعْمَرَهَا مِنْهُ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ وَقَدْ كَانَ خُرُوجُهَا إلَى التَّنْعِيمِ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَانْصِرَافِهِمْ وَوَاعَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَوْضِعٍ فِي الطَّرِيقِ هَكَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا بَيَانُ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَيُحْرِمُ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ السَّابِقِ فِي أَحْكَامِ التَّمَتُّعِ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَذَكَرْنَا فِيهِ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ * قال المصنف رحمه الله * (ومن بلغ الميقات مريدا للنسك لم يجز أن يجاوزه حتى يحرم لما ذكرناه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما فان جاوزه وأحرم دونه نظرت فان كان له عذر بأن يخشي ان يفوته الحج أو الطريق مخوف لم يعد وعليه دم وان لم يخش شيئا لزمه ان يعود لانه نسك واجب مقدور عليه فلزمه الاتيان به فانه لم يرجع لزمه الدم وان رجع نظرت فان كان قبل ان يتلبس بنسك سقط عنه الدم لانه قطع المسافة بالاحرام وزاد عليه فلم يلزمه دم وان عاد بعد ما وقف أو بعد ما طاف لم يسقط عنه الدم لانه عاد بعد فوات الوقت فلم يسقط عنه الدم كما لو دفع من الموقف قبل الغروب ثم عاد في غير وقته) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا انْتَهَى الْآفَاقِيُّ إلَى الْمِيقَاتِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ الْقِرَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ بالاجماع فان جاوزه فهو مسئ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا كَالشَّامِيِّ يَمُرُّ بِمِيقَاتِ الْمَدِينَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى جَاوَزَ مَوْضِعًا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ أو أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَمَضَى وَعَلَيْهِ دَمٌ إذَا لَمْ يَعُدْ فَقَدْ أَثِمَ بِالْمُجَاوَزَةِ وَلَا يَأْثَمُ يترك الرُّجُوعِ فَإِنْ عَادَ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَعُودُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ

بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ لَا دَمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ الْمِيقَاتِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ وَجَبَ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَوْدِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ مجاوزة الميقات ثم يعود إلى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِي سُقُوطِ الدَّمِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُمَا قَوْلَانِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ وَجْهَانِ * قَالَ وَالصَّحِيحُ قَوْلَانِ وَسَوَاءٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ رَجَعَ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ لَكِنَّهُمْ شَرَطُوا رُجُوعَهُ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُفَصَّلُ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَهُ لَمْ يَسْقُطْ سَوَاءٌ كَانَ النُّسُكُ ركنا كالوقوف والسعى أو سنة كطواف الوقوف وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّلَبُّسِ بِالسُّنَّةِ فَيَسْقُطُ بِالْعَوْدِ بَعْدُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ كَمَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ مِمَّا دُونَ الْمِيقَاتِ وَعَادَ إلَيْهِ بَعْدَ طَوَافِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَيُخَالِفُ الْمُعْتَمِرَ فَإِنَّهُ عَادَ بَعْدَ فِعْلِهِ معظم أفعال النسك والحاج لم يأت بشئ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ الْوَاجِبَةِ فَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِزَوَالِ الْإِسَاءَةِ بِالْعَوْدِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَلْ يَكُونُ مُسِيئًا بِالْمُجَاوَزَةِ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ * الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ مُحْرِمًا (وَالثَّانِي) يَصِيرُ مُسِيئًا لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ حَصَلَتْ بِنَفْسِ الْمُجَاوَزَةِ فَلَا يَسْقُطُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ فِي كُلِّ هَذَا بَيْنَ الْمُجَاوِزِ لِلْمِيقَاتِ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنْ يَفْتَرِقُونَ فِي فِي الْإِثْمِ فَلَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَالنِّسْيَانُ عُذْرٌ عِنْدَنَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ كَالْأَكْلِ وَالصَّوْمِ وَالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَمَأْمُورٌ بِهِ وَالْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ أَدْخَلَ النُّسُكَ الْآخَرَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ أَوْ عَكْسُهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَفِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ

(أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْمِيقَاتِ إحْرَامًا مُبْهَمًا فَلَمَّا جَاوَزَ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَأَحْرَمَ دُونَهُ اتم فَإِنْ عَادَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ عَادَ مُلَبِّيًا أَمْ غَيْرَ مُلَبٍّ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ عَادَ مُلَبِّيًا سَقَطَ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَا * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى الْمُجَاوِزِ مُطْلَقًا قَالَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ * وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقْضِي حَجَّتَهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَا حَجَّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ سمعت الشريفي الْعُثْمَانِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ إذَا جَاوَزَ الْمَدَنِيُّ ذَا الْحُلَيْفَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ فَبَلَغَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مِيقَاتِ بَلَدٍ آخَرَ كَذَاتِ عِرْقٍ أَوْ يَلَمْلَمَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مُجَاوَزَةِ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِرَادَتِهِ النُّسُكَ لَمَّا بَلَغَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَصَارَ كَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِهَا لَا دَمَ عَلَيْهِ هَذَا نَقْلُ صاحب البيان وهو محتمل وفيه نظر * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر الاحرام من موضع فوق الميقات لزمه الاحرام منه فان جاوزه وأحرم دونه كان كمن جاوز الميقات واحرم دونه في وجوب العود والدم لانه وجب الاحرام منه كما وجب من الميقات فكان حكمه حكم الميقات وان مر كافر بالميقات مريدا للحج فاسلم دونه واحرم ولم يعد إلى الميقات لزمه الدم وقال المزني لا يلزمه لانه مر بالميقات وليس هو من أهل النسك فاشبه إذا مر به غير مريد للنسك ثم أسلم دونه واحرم وهذا لا يصح لانه ترك الاحرام من الميقات وهو مريد للنسك فلزمه الدم كالمسلم وان مر بالميقات صبي وهو محرم أو عبد وهو محرم فبلغ الصبى أو عتق العبد ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب عليه دم لانه ترك الاحرام بحجة الاسلام من الميقات (والثانى) لا يلزمه لانه جاوز الميقات وهو محرم فلم يلزمه دم كالحر البالغ) *

(الشَّرْحُ) (أَمَّا) مَسْأَلَةُ النَّذْرِ فَهِيَ كَمَا قَالَهَا الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ وَمَسْأَلَةُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فَقَدْ سَبَقَتَا وَاضِحَتَيْنِ بِفُرُوعِهِمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الحج عند احرام الصبي وبالله التوفيق * * قال المصنف رحمه الله * (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَخَرَجَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَأَحْرَمَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى وَقَفَ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ دون الميقات وإن خرج من مكة لى خارج البلد وأحرم في موضع من احرم فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَنَّ مَكَّةَ وَالْحَرَمَ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ هُوَ الْبَلَدُ وَقَدْ تَرَكَهُ فَلَزِمَهُ الدَّمُ وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَأَحْرَمَ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ نَظَرْتَ فَإِنْ خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَمْ يَلْزَمْهُ دم لانه دخل الحرم فَأَشْبَهَ إذَا أَحْرَمَ أَوَّلًا مِنْ الْحِلِّ وَإِنْ طَافَ وَسَعَى وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُعْتَدُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عَنْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْحَرَمَ بِإِحْرَامٍ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ كَغَيْرِ الْمَكِّيِّ إذَا جَاوَزَ مِيقَاتَ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ ودخل مكة وطاف وسعى) * (الشَّرْحُ) أَمَّا إحْرَامُ الْمَكِّيِّ بِالْحَجِّ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مُسْتَوْفًى وَأَمَّا إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِيقَاتَهُ الْوَاجِبَ فِيهَا أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَالْمُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَإِنْ فَاتَهُ فَالتَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ فَإِنْ خَالَفَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ لَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ بَلْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَجْمَعَ فِي عُمْرَتِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَمَا يَجْمَعُ الْحَاجُّ فِي حَجِّهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُقُوفُهُ بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَهُمَا فِي الْحَرَمِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الحلق لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الوطئ وَاقِعًا قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُتَحَلِّلٌ فَيَكُونُ كَجِمَاعِ النَّاسِي وَفِي كَوْنِهِ مُفْسِدًا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُفْسِدًا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَعُودَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ

وَكَفَّارَةُ الْجِمَاعِ وَدَمُ الْحَلْقِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ جِمَاعَ النَّاسِي لَا يَفْسُدُ فَعُمْرَتُهُ عَلَى حَالِهَا فَلَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَرْجِعَ فَيَطُوفَ وَيَحْلِقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ الْجِمَاعِ وَأَمَّا دَمُ الْحَلْقِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي حَلْقِ النَّاسِي (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ فَيُعْتَدَّ بِذَلِكَ وَتَتِمَّ عُمْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي سُقُوطِ دَمِ الْإِسَاءَةِ عَنْهُ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ سُقُوطُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِسُقُوطِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ في من جاوز الميقات غير محرم (فإذا قلنا) بالمذهب فَالْوَاجِبُ خُرُوجُهُ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ الْأَعْمَالِ إمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ وَإِمَّا بَعْدَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ فِي بَلَدِهِ أَنْ يَخْرُجَ مُتَوَجِّهًا فِي طَرِيقِ حَجِّهِ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَلَا يُقِيمَ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْمَكِّيِّ عِنْدَ إرَادَتِهِ التَّوَجُّهَ إلَى مِنًى وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُ هَذَا وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * بَابُ الْإِحْرَامِ وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ (إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لاحرامه) وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اغْتَسَلَتْ لِلْإِحْرَامِ لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (أَنَّ أسماء بنت عميس ولدت محمد ابن أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ) وَلِأَنَّهُ

غُسْلٌ يُرَادُ بِهِ النُّسُكَ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَائِضُ وَالطَّاهِرُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لِأَنَّهُ غُسْلٌ مَشْرُوعٌ فَانْتُقِلَ فِيهِ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ فِي الْأُمِّ وَيُغْتَسَلُ لِسَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ تَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَاسْتُحِبَّ لَهَا الِاغْتِسَالُ وَلَا يُغْتَسَلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ النَّاسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَضَافَ إلَيْهَا فِي الْقَدِيمِ الْغُسْلَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لَهُمَا وَلَمْ يستحبه في الجديد لان وَقْتَهُمَا مُتَّسَعٌ فَلَا يَتَّفِقُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِيهِمَا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْقَاسِمِ فِي قِصَّةِ أَسْمَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْقَاسِمِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ هَكَذَا مُرْسَلًا كَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ فَذَكَرَهُ بِكَمَالِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي إرْسَالَ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْقَاسِمَ تَابِعِيٌّ وهو القاسم ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ هَكَذَا مُتَّصِلًا بِذِكْرِ عَائِشَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي روايته الاخرى وغيرهم فالحديث متصل صصحيح وَكَفَى بِهِ صِحَّةً رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ فِي صَحِيحِهِ وَوَصْلُهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رواية عبيد الله بن عمر العميري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَنَاهِيكَ بِهَذَا صِحَّةً وَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَسْمَاءُ هَذِهِ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَبُوهَا عُمَيْسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كتاب الطهارة والبيداء بفتح الباء وبالمد والمراد به هنا مكن بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُرُوهَا) أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ لِتُهِلَّ يَجُوزُ فِي لَامِ لِتُهِلَّ الْكَسْرُ وَالْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ (مُرْهَا) وَفِي بَعْضِهَا (مُرُوهَا) بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مَحْمُودُ بْنُ خيلياشي بْنِ عبد الله الخيلياشى انه رآه هكذا بخط المصنف

(وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَابُ الْإِحْرَامِ وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ فَكَذَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مِنْ يَحْرُمُ وَلَيْسَ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ صَدَّرَ الْبَابَ بمقدمات الاحرام من الاغتسال والتنظف وَالتَّطَيُّبِ وَالصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْرَامَ نَفْسَهُ وَهُوَ النِّيَّةُ فَكُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي تَرْجَمَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَلَوْ كَانَ بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى إرَادَةِ مَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ لَكَانَتْ التَّرْجَمَةُ قَاصِرَةً لِأَنَّهُ يَكُونُ مُدْخِلًا فِي الْبَابِ مَا لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ وَهُوَ مُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ وَهِيَ مُعْظَمُ الباب فتعين ما قلناه والحمد الله وَهُوَ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ غُسْلٌ يُرَادُ لِلنُّسُكِ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالْجُمُعَةِ وَأَرَادَ بِالنُّسُكِ مَا يَخْتَصُّ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (وَقَوْلُهُ) غُسْلٌ مَشْرُوعٌ ذَكَرَ الْقَلَعِيُّ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ لِلدُّخُولِ عَلَى السُّلْطَانِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَقْرِيبَ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الِاحْتِرَازِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ هَذَا الْغُسْلُ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِغَيْرِ غُسْلٍ جَائِزٌ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا نَسِيَ الْغُسْلَ يَغْتَسِلُ إذَا ذَكَرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ أَنَّهُ غُسْلٌ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَسْتَحِبُّ الغسل عند الاحرام للرجل والصبي والمرأة الحائض والنفساء وكل من اراد الاحرام قال اكره تَرْكَ الْغُسْلِ لَهُ وَمَا تَرَكْتُ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ ولقد كنت أغتسل له مريضا له فِي السَّفَرِ وَأَنِّي أَخَافُ ضَرَرَ الْمَاءِ وَمَا صَحِبْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ رَأَيْتُهُ تَرَكَهُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ عَدَا بِهِ أَنْ رَآهُ اخْتِيَارًا قَالَ وَإِذَا أَتَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ الْمِيقَاتَ وَعَلَيْهِمَا مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ طُهْرُهُمَا وَأَدْرَكَهُمَا الْحَجُّ بِلَا عِلَّةٍ أَحْبَبْتُ اسْتِئْخَارَهُمَا لِيَطْهُرَا فَيُحْرِمَا طَاهِرَتَيْنِ وَإِنْ أَهَلَّتَا غَيْرَ طَاهِرَتَيْنِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا فِدْيَةَ قَالَ وَكُلُّ مَا عَمِلَتْهُ الْحَائِضُ عَمِلَهُ الرَّجُلُ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ لَا يَعْمَلَهُ كُلَّهُ إلَّا طَاهِرًا قَالَ وَكُلُّ عَمَلِ الْحَجِّ تَعْمَلُهُ الْحَائِضُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَرَكْعَتَيْهِ هَذَا آخِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَلَى جَمِيعِ هَذَا إلَّا قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ

الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ (وَالصَّوَابُ) اسْتِحْبَابُهُ لَهُمَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَغْتَسِلَانِ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْإِحْرَامِ كَمَا يَنْوِي غَيْرُهُمَا وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي نِيَّتِهِمَا احْتِمَالٌ (الثَّانِيَةُ) إذَا عَجَزَ الْمُحْرِمُ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ يَتَيَمَّمُ الْعَاجِزُ * قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ احْتِمَالًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يتيمم قال وذاك الاحتمال جَارٍ هُنَا وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ أَحْسَنُ وَأَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي قَوْلِهِمْ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَعُمُّ عَدَمَ الْمَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ واحد (وأما) إذا وجد من الماء مالا يكفه لِلْغُسْلِ فَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ إنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَعَ التَّيَمُّمِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يقتصر علي الوضوء فليس بمعقول وَلَا يُوَافَقُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا يَقُومُ الْوُضُوءُ مَقَامَ الْغُسْلِ وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ الْجُنُبَ الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ وَاجِدٌ لِمَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ وَلَا يُفِيدُهُ التَّيَمُّمُ شَيْئًا وَلَا يَصِحُّ لِلْقُدْرَةِ على الماء ويفيده الوضوء رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ أَعْضَائِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ هُوَ عَادِمٌ لِمَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ فنظيره من الجنب أن يكون عاد ما لِمَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَ الوضوء أو يتيم مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يَغْتَسِلُ الْمُحْرِمُ لِسَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا الِاغْتِسَالُ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ كَذَا هُوَ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نُصُوصِهِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَلَيْسَ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الْأُمِّ أَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ بَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ ذَكَرَهَا قَالَ فِي الْأُمِّ عَقِبَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ وَأَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْبَدَنِ بِالْعَرَقِ وَغَيْرِهِ تَنْظِيفًا لِلْبَدَنِ قَالَ فَلِذَلِكَ أُحِبُّهُ لِلْحَائِضِ قَالَ وَلَيْسَ وَاحِدٌ من هذا واجبا والله أعلم * (وقوله) وللوقوف بِمُزْدَلِفَةَ يَعْنِي الْوُقُوفَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ قزح وذلك الوقف يَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

فِي هَذَا الْغُسْلِ إنَّهُ لِلْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ صَرِيحًا وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي فَقَالُوا الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْغُسْلَ لِلْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَلْ جَعَلُوا الْغُسْلَ السَّابِعَ هُوَ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَبِيتَ بِهَا لَيْسَ فِيهِ اجْتِمَاعٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى غُسْلٍ بِخِلَافِ الوقوف فالصواب أن الغسل السابع للوقوف بِالْمُزْدَلِفَةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمَبِيتِ بِهَا وَقَوْلُهُمْ لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ يَعْنُونَ الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَغْتَسِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ غُسْلًا وَاحِدًا لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَلَا يَغْتَسِلُ لِكُلِّ جَمْرَةٍ فِي انْفِرَادِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْحَجِّ سَبْعَةٌ فَقَطْ هُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَضَافَ إلَيْهَا فِي الْقَدِيمِ اسْتِحْبَابَهُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ أَضَافَ إلَى هَذَيْنِ الْغُسْلَيْنِ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ غُسْلًا ثَالِثًا وَهُوَ الْغُسْلُ لِلْحَلْقِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُهُ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وقد ذكر المصنف دليله والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ثم يتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين ونعلين لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ليحرم أحدكم في ازار ورداء ونعلين) والمستحب أن يكون ذلك بياضا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فيها موتاكم) والمستحب أن يتطيب في بدنه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قبل أن يطوف بالبيت) ولا يطيب ثوبه لانه ربما نزعه للغسل فيطرحه على بدنه فتجب به الفدية والمستحب أن يصلي ركعتين لما روى ابن عباس وجابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بذى الحليفة ركعتين ثم أحرم) وفى الافضل قولان (قال) في القديم الافضل أن يحرم عقب الركعتين لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل في دبر الصلاة) (وقال) في الام الافضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته ان كان راكبا وإذا ابتدأ السيران كان راجلا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رُحْتُمْ إلَى منى

متوجهين فأهلوا بالحج) ولانه إذا لبى مع السير وافق قوله فعله وإذا لبي في مصلاه لم يوافق قوله فعله فكان ما قلناه أولى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من المدينة بعد ما تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ولم ينه عن شئ مِنْ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ يُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تردع علي الجلد حتى أصبح بذى الحيلفة رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ) ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (وَقَوْلُهُ) تَرْدَعُ الْجِلْدَ أَيْ تُلَطِّخُهُ إذَا لُبِسَتْ وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقٍ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ دَالٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ عَيْنٌ مُهْمَلَتَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّدْعُ بِالْعَيْنِ المهملة أثر من الطيب كالزعفران والرذع بالمعجمة الطين وقال أبو بكر ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَلِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ) قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ يَقُولُونَ يَلْبَسُ الَّذِي يُرِيدُ الْإِحْرَامَ إزَارًا وَرِدَاءً هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرَةَ وَغَيْرِهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في من لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَثَبَتَ فِيهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من لم يجد الازار فليلبس السروال وَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ) وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ) فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْجَنَائِزِ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ جِدًّا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ قَالَتْ (كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي بعض

الرِّوَايَاتِ مَفَارِقِ (وَفِي بَعْضِهَا) (وَبِيصِ الْمِسْكِ) وَالْمَفَارِقُ جَمْعُ مَفْرِقٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ هُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ حَيْثُ يَنْفَرِقُ الشَّعْرُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَالْوَبِيصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْبَرِيقُ وَاللَّمَعَانُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا رَوَيَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ركعتين بذى الحيلفة فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمُ الْفَوَائِدِ فِيهِ مَنَاسِكُ وَمُعْظَمُهَا ذُكِرَ فِيهِ كُلُّ مَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ إلَى فَرَاغِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِطُولِهِ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كِفَايَةٌ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قائمة أحرم ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ ضَعِيفُ الاسناد لان في اسناده حصيف الجررى قَالَ وَهُوَ غَيْرُ قَوِيٍّ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ البيهقى ان حصيف غَيْرُ قَوِيٍّ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْحُفَّاظِ وَالْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْبَيَانِ فَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَوَثَّقَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ هُوَ صَالِحٌ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَسَنٌ لَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَارَ بِصِفَةِ الْحَسَنِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ أن النى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رُحْتُمْ إلَى مِنًى مُتَوَجِّهِينَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ البخاري عن جابر (أَنَّ إهْلَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذى الحليفة حين استوت به رَاحِلَتُهُ) وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ) الْغَرْزُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا زَايٌ رِكَابٌ وَكَانَ كُورَ الْبَعِيرِ إذَا كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ فَهُوَ رِكَابٌ وَقِيلَ يُسَمَّى غَرْزًا مِنْ أَيْ شئ كَانَ * وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَاسْتَوَتْ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ بِتَرَجُّحِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَنْ قَالَ بِتَرَجُّحِ الْإِحْرَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ باسناده عن محمد بن اسحق عن حصيف عن سعد بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْجَبَ فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسَ بِذَلِكَ إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ حَجَّةً وَاحِدَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَهُ فِي مَجْلِسِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ علا على شَرَفَ الْبَيْدَاءِ وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حين علا شرف البيداء) قال البيهقي حصيف غَيْرُ قَوِيٍّ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يُحْرِمَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَفِي أَيْ شئ أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمحيط كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ أَبْيَضَيْنِ لما ذكره الصمف قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وصاحب البيان وآخرون من الطريقتين الثواب الجديد في هذا أفظل مِنْ الْمَغْسُولِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدِيدٌ فَمَغْسُولٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَدِيدَيْنِ وَنَظِيفَيْنِ فَقَدْ يُوهِمُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا نَظِيفَيْنِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لَهُ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي

آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُنَاكَ يَنْبَسِطُ الْكَلَامُ فِيهِ بِأَدِلَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ الطِّيبُ الَّذِي يَبْقَى لَهُ جِرْمٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَاَلَّذِي لَا يَبْقَى وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في جميع الطرق * وحكى الرافعي وجها أو التَّطَيُّبَ مُبَاحٌ لَا مُسْتَحَبٌّ * وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ التَّطَيُّبُ بِحَالٍ * وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وجها أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّطَيُّبُ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ * وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي تَحْرِيمِ مَا يَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بشئ وَالصَّوَابُ اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ قَالَ وَبِهِ قَطَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابُ * وَسَنَبْسُطُ أَدِلَّتَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ والعجوز وقالوا والفرق بينه وبين الجمعة فانه يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُتَطَيِّبَاتٍ لِأَنَّ مَكَانَ الْجُمُعَةِ يَضِيقُ وَكَذَلِكَ وَقْتُهَا فَلَا يُمْكِنُهَا اجْتِنَابُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ النُّسُكِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا تَطَيَّبَ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تطيبت ثم لزمتها عدة يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ آدَمِيٌّ فَالْمُضَايَقَةُ فِيهِ أَكْثَرُ * وَلَوْ أَخَذَ طِيبًا مِنْ مَوْضِعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ * وَلَوْ انْتَقَلَ الطِّيبُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى موضع بالعرق فوجهان (أصحهما) لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاحٍ (وَالثَّانِي) عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ تَرَكَهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحِلِّ الْإِذْنِ لانه حصل بغير اختياره فَصَارَ كَالنَّاسِي وَلِأَنَّ حُصُولَهُ هُنَاكَ تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ عَنْ الْأَصْحَابِ * وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً (الثَّالِثَةُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يستحب تطيب ثَوْبِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي جَوَازِ تطيبه طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ جَوَازُهُ فَإِذَا طَيَّبَهُ وَلَبِسَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لُبْسَهُ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ فَإِنْ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا بَعْدَ إحْرَامِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ كَمَا سَبَقَ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الثَّوْبِ وَلَا يُسْتَهْلَكُ وَيَلْبَسُهُ أَيْضًا بَعْدَ نَزْعِهِ فَيَكُونُ مُسْتَأْنِفًا لِلطِّيبِ فِي الْإِحْرَامِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ بِمَا لَا يَبْقَى لَهُ جِرْمٌ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَالُوا فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ الْوُجُوبُ كَمَا لَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي)

لَا فِدْيَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ النَّزْعُ وَاللُّبْسُ فَصَارَ مَعْفُوًّا عَنْهُ * وَحَكَى الْمُتَوَلِّي فِي طِيبِ الثِّيَابِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ غَرِيبٌ جِدًّا هَذَا كُلُّهُ فِي تَطَيُّبِ ثِيَابِ الْإِحْرَامِ (أَمَّا) إذَا طَيَّبَ الْبَدَنَ فَتَعَطَّرَ ثَوْبُهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أُحِبُّ للمرأة أن تخضب لِلْإِحْرَامِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ لَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ تُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْخِضَابُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَجَمَالٌ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ إلَى الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ لِزَوْجِهَا كُلَّ وَقْتٍ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَمْ تُرِدْ الْإِحْرَامَ كُرِهَ لَهَا الْخِضَابُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ يُخَافُ بِهِ الْفِتْنَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ الْعَجُوزُ وَالشَّابَّةُ كَمَا سَبَقَ فِي التَّطَيُّبِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ اخْتَضَبَتْ تَخْضِبُ يَدَيْهَا إلَى الْكُوعَيْنِ وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَخْضِبُ الْكَفَّيْنِ تَعْمِيمًا ولا تطوف الْأَصَابِعَ وَلَا تَنْقُشُ وَلَا تُسَوِّدُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مَنْهِيٌّ عَنْ الْخِضَابِ قَالُوا وَكَذَلِكَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ تَمْسَحَ وجهها أيضا بشئ مِنْ الْحِنَّاءِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي خضاب كفها أن يستر لَوْنُ الْبَشَرَةِ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ وَقَدْ يَنْكَشِفُ الْكَفَّانِ أَيْضًا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْحِنَّاءَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ فَاسْتُحِبَّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعى عمرتك وانقضى رَأْسَكَ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ) وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَتْ عَلَى وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَانَا) هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْخِضَابُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِلْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اخْتَضَبَتْ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَ بِطِيبٍ عِنْدَنَا فَإِنْ اخْتَضَبَتْ

وَلَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا الْخِرَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ رَأَيْتُ أَنْ تَفْتَدِيَ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَبِينُ لِي أَنَّ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الاختلاف من قول الشافعي مع تحريمه القفاز مِنْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُخْتَلِفٌ فِي سَبَبِ تَحْرِيمِ الْقُفَّازَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الْفِدْيَةَ فِي الْخِرْقَةِ الْمَلْفُوفَةِ يَدُلُّ علي أن تحريم القفازين إنما كان لان إحْرَامِ الْمَرْأَةِ يَتَعَلَّقُ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَإِنَّمَا جَوَّزَ لَهَا سَتْرَ كَفَّيْهَا بِكُمَّيْهَا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ * وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّيْنِ لَيْسَا عَوْرَةً فَوَجَبَ كَشْفُهُمَا مِنْهَا كَالْوَجْهِ قَالُوا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ فِيهِ الْفِدْيَةَ فِي الْخِرَقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الْقُفَّازَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَعْمُولَانِ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّيْنِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْخُفَّانِ * وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ إحْرَامُهَا بِعُضْوٍ تَعَلَّقَ تحريم المحيط بِغَيْرِهِ كَالرَّجُلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا سَائِرُ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنَّمَا حَكَى نَصَّهُ فِي الْأُمِّ قَالَ إنْ لَمْ يَشُدَّ الْخِرْقَةَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ وَقَطَعَ آخَرُونَ بِأَنَّ لَفَّ الْخِرَقِ عَلَى يَدَيْهَا مَعَ الْحِنَّاءِ أَوْ دُونَهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ * وَالْحَاصِلُ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) أَنَّ لَفَّ الْخِرَقِ مَعَ الْحِنَّاءِ وَغَيْرِهِ عَلَى يَدَيْ الْمَرْأَةِ لَا فِدْيَةَ فِيهِ (وَالثَّانِي) فِي وُجُوبِهَا قَوْلَانِ (وَالثَّالِثُ) إنْ لَمْ تَشُدَّهَا لَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِلْإِحْرَامِ مَعَ مَا سَبَقَ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وقلم الاظفار وغسل الرأس بدر أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِمَا وَعَجَبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ أَهْمَلَ هذا في المذهب مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَمَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ بِصَمْغٍ أَوْ خِطْمِيٍّ أَوْ عَسَلٍ وَنَحْوِهَا وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَجْعَلَ فِي رَأْسِهِ شَيْئًا مِنْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِيَتَلَبَّدَ شَعْرُهُ فَلَا يَتَوَلَّدُ فِيهِ الْقَمْلُ وَلَا يَتَشَعَّثُ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ * وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ مُلَبِّدًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ملبدا)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا (مُلَبَّدًا) فَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرَوَاهُ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ وَرَوَيْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الطُّرُقِ (مُلَبِّيًا) وَلَا مُخَالِفَةَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٍ وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُحِلَّ فَقَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ كَانَ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا كَفَى عَنْ ركعتي الاحرام كتحية المسجد وتندرج فِي الْفَرِيضَةِ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْدَرِجَ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْمِيقَاتِ مسجدا استحب أن يصليها فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى (قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَالْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ يُصَلِّيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِظَارُ فَوَجْهَانِ (الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ سَبَبًا لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَكُرِهَتْ الصَّلَاةُ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِأَنَّ سَبَبَهَا إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ السَّاعَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الْإِحْرَامِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ صَلَاةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ جَالِسٌ أَمْ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مُتَوَجِّهَةً إلَى مَقْصِدِهِ حِينَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْقَدِيمُ) عَقِبَ الصَّلَاةِ (وَالْأَصَحُّ) نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْأَفْضَلَ حِينَ تَنْبَعِثُ بِهِ دَابَّتُهُ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ إنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ حِينَ يَتَوَجَّهُ إلَى الطَّرِيقِ إنْ كَانَ مَاشِيًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطِّيبِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ

وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةُ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَأَبُو حنيفة والثوري وأبو يوسف وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ * وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُكْرَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الحلوق فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْلَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتَطَيِّبِ بَعْدَ إحْرَامِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا السَّابِقَيْنِ وَهُمَا صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كما سبق ولان الطيب معنى يراد لِلِاسْتِدَامَةِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْإِحْرَامُ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ كَالنِّكَاحِ (والجواب) عن حديث يعلى مأوجه (أحدها) أن هذا الحلوق كَانَ فِي الْجُبَّةِ لَا فِي الْبَدَنِ وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّزَعْفُرِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَعْفَرِ الرَّجُلُ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ خَبَرَهُمْ مُتَقَدِّمٌ وَخَبَرُنَا مُتَأَخِّرٌ فَكَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ بِالْجِعْرَانَةِ كَانَ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَخَبَرُنَا كَانَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا شَكٍّ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ كَانَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحج بعد الهجرة غيرها بالاجماع (فَإِنْ قِيلَ) فَلَعَلَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا (أُطَيِّبُهُ لِإِحْرَامِهِ) أَيْ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ وَغَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهَا قَالَتْ (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ الطِّيبَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمِرِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَبَعْدَهُ حَتَّى تَفْرُغَ عُمْرَتُهُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ الطِّيبُ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطِّيبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَأَمَرَ بِإِزَالَتِهِ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُتَطَيِّبِ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَبْطُلُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَيَبْطُلُ عَلَيْهِمْ بِالنِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي عِيَاضًا وَغَيْرَهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الطِّيبِ تَأَوَّلُوا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّهُ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَهُ فَذَهَبَ

الطِّيبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالُوا وَيَزِيدُ هَذَا قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا) هَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا تَطَيَّبَ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ ثُمَّ زَالَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَا يَبْقَى مَعَ ذلك طيب ويكون قولها) ثم أصبح ينضخ طِيبًا) كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْ أصبح ينضخ طِيبًا قَبْلَ غُسْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ كَانَ ذَرِيرَةً وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبُهُ الْغُسْلُ قَالُوا وَقَوْلُهَا (كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) الْمُرَادُ أثره لاجرمه هَذَا اعْتِرَاضُهُمْ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ لِلْإِحْرَامِ لِقَوْلِهَا (طَيَّبْتُهُ لِإِحْرَامِهِ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّطَيُّبَ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلنِّسَاءِ وَيَعْضِدُهُ قَوْلُهَا) كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ) وتأويلهم المذكر غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمُخَالِفَتِهِ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لِلْإِحْرَامِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إحْرَامُهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ وَانْبِعَاثِ الرَّاحِلَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الدالة للمذهبين واضحة والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وينوى الاحرام ولا يصح الاحرام إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ والصلاة ويلبي لنقل الخلف عن السلف فان اقتصر على النية ولم يلب أجزأه وقال أبو عبد الله الزبيري لا ينعقد إلا بالنية والتلبية كما لا تنعقد الصلاة الا بالنية والتكبير والمذهب الاول لانها عبادة لا يجب النطق في آخرها فلم يجب في أولها كالصوم) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ وَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَالسَّلَفُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ وَالْخَلَفُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ سَبَقَ بَيَانُ حَالِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ (وَقَوْلُهُ) لَا يَجِبُ النُّطْقُ فِي آخِرِهَا احْتِرَازٌ

مِنْ الصَّلَاةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لمريد الاحرام أن ينويه بقلبه ويتلفظ بِذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَيُلَبِّي فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِ التَّلْبِيَةِ فَهَذَا أَكْمَلُ مَا يَنْبَغِي لَهُ فَالْإِحْرَامُ هُوَ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ وَهِيَ قَصْدُ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) اللَّفْظُ بِذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ لِتَوْكِيدِ مَا فِي الْقَلْبِ كَمَا سَبَقَ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْقَلْبِ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَلْبِ دُونَ لَفْظِ اللِّسَانِ صَحَّ إحْرَامُهُ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ (أَمَّا) إذَا لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَبَّى بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَإِنْ لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشئ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ وَتَأَوَّلُوا رِوَايَةَ الرَّبِيعِ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ تَلَفَّظَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَنْوِهِ فَيُجْعَلُ لَفْظُهُ تَعْيِينًا لِلْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ مَا سَمَّى لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالتَّسْمِيَةِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا لَوْ أَطْلَقَ التَّلْبِيَةَ انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ مُطْلَقًا يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا قَالَ فَإِنْ تَكَلَّفَ لَهُ مُتَكَلِّفٌ وَقَالَ مِنْ ضَرُورَةِ تَجْرِيدِ الْقَصْدِ إلَى التَّلْبِيَةِ مَعَ انْتِفَاءِ سائر المقاصد سوى الاحرام ان يجزى فِي الضَّمِيرِ قَصْدُ الْإِحْرَامِ (قُلْنَا) هَذَا لَيْسَ بشئ لِأَنَّهُ إذَا فَرَضَ هَذَا فَهُوَ إحْرَامٌ بِنِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالنِّيَّةِ (قُلْتُ) وَالتَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّا سَنَذْكُرُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُطْلَقَ لَا يَصِحُّ صَرْفُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ نَصَّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مُحْتَاجٌ إلَى قَيْدٍ آخَرَ وَمَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا أَصْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزبير وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ

أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدِهِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلِانْعِقَادِ فَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ وَأَثِمَ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الِاعْتِبَارُ بِالنِّيَّةِ فَلَوْ لَبَّى بِحَجٍّ وَنَوَى عُمْرَةً فَهُوَ مُعْتَمِرٌ وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ وَنَوَى حَجًّا فَهُوَ حَاجٌّ وَإِنْ لَبَّى بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الْقِرَانَ فَقَارِنٌ وَلَوْ لَبَّى بِهِمَا وَنَوَى أَحَدَهُمَا انْعَقَدَ مَا نَوَى فَقَطْ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلْبِيَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِالتَّلْبِيَةِ بِلَا نِيَّةٍ * وَقَالَ دَاوُد وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ قَالَ دَاوُد وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) * وَاحْتَجَّ دَاوُد لِوُجُوبِ رَفْعِ الصَّوْتِ بالتلبية بحديث جلاد بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ أَوْ قَالَ بِالتَّلْبِيَةِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ النَّسَائِيُّ (جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَك أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ) وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّلْبِيَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وله أن يعين ما يحرم به من الحج أو العمرة لان النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فان أهل بنسك ونوي غيره انعقد ما نواه لان النية بالقلب وله أن يحرم إحراما مبهما لما روى أبو موسى الاشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كيف أهللت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت) وفى الافضل قولان (قال) في الام التعيين أفضل لانه إذا عين عرف

ما دخل فيه (والثاني) أن الابهام أفضل لانه احوط فانه ربما عرض مرض أو إحصار فيصرفه إلى ما هو اسهل عليه * وإن عين انعقد ما عينه والافضل ان لا يذكر ما أحرم به في تلبيته على المنصوص لما روى نافع قال (سئل ابن عمر أيسمي احدنا حجا أو عمرة فقال اتنبئون الله بما في قلوبكم إنما هي نية أحدكم) ومن اصحابنا من قال الافضل أن ينطق به لما روي أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (لبيك بحجة وعمرة) ولانه إذا نطق به كان ابعد من السهو فان ابهم الاحرام جاز ان يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عمرة لانه يصلح لهما فصرفه الي ما شاء منهما) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ وَحَدِيثُ إحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ فَصَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ) يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ احْتِجَاجُهُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى لِجَوَازِ إطْلَاقِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْلَاقٌ وَإِبْهَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ إحْرَامِهِ بِإِحْرَامِ غَيْرِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذِهِ (وَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الدَّلَالَةُ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ بِجَوَازِ التَّعْلِيقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَمُخَالِفَةِ الْقَوَاعِدِ فَالْإِطْلَاقُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لِلْإِحْرَامِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَنْعَقِدَ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا فَيَنْعَقِدَ مَا يَنْوِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فلوا احرم بححتين أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْأُخْرَى وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ (الثَّانِي) أَنْ يَنْعَقِدَ مُطْلَقًا وَيُسَمَّى الْمُطْلَقُ مُبْهَمًا كَمَا نَوَى ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَيَكُونُ الصَّرْفُ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَلَوْ طَافَ أَوْ سَعَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قبل النية وان أحرم قبل الشهر فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ جَازَ وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ بَلْ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً (وَالثَّانِي) يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إحْرَامُهُ قَدْ وَقَعَ مُطْلَقًا

(أَمَّا) إذَا صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَهُوَ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَلْ الْأَفْضَلُ إطْلَاقُ الْإِحْرَامِ أَوْ تَعْيِينُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ التَّعْيِينَ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَفْضَلُ * فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ فِي تَلْبِيَتِهِ بِمَا عَيَّنَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِحَجٍّ أَوْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فيما سوى التلبية الاولى فأما الْأُولَى الَّتِي عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ فِيهَا مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ وَلَا يَجْهَرُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ بَلْ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْهَرُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ حَجًّا وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ أَوْ عَكْسُهُ انْعَقَدَ مَا فِي قَلْبِهِ دُونَ لِسَانِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة قريبا بفروعها واضحة * قال المصنف رحمه الله * (فان قال اهلالا كاهلال فلان انعقد إحرامه بما عقد به فلان إحرامه فان مات الرجل الذى علق اهلاله باهلاله أو جن ولم يعلم ما أهل به يلزمه أن يقرن ليسقط ما لزمه بيقين فان بان أن فلانا لم يحرم انعقد إحراما مطلقا فيصرفه إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لانه عقد الاحرام وإنما علق عين النسك على إحرام فلان فإذا سقط إحرام فلان بقى إحرامه مطلقا فيصرفه إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ السَّابِقِ ثُمَّ لِزَيْدٍ أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَيُمْكِنَ مَعْرِفَةُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَيَنْعَقِدَ لِعَمْرٍو مِثْلُ إحْرَامِهِ إنْ كَانَ حَجًّا فَحَجٌّ وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً فَعُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ قِرَانًا فَقِرَانٌ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ بِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ كَانَ عَمْرٌو مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَتُّعُ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُ زَيْدٍ مُطْلَقًا انْعَقَدَ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا وَيَتَخَيَّرُ كَمَا يَتَخَيَّرُ زَيْدٌ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ إلَى مَا يَصْرِفُ إلَيْهِ زَيْدٌ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ

وبه قطع الجمهور وحكي (1) والرافعي وَجْهًا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الصَّرْفِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (1) قَالَ الْبَغَوِيّ إلَّا إذَا أَرَادَ إحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْدٍ بَعْدَ تَعْيِينِهِ فَيَلْزَمُهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ إحْرَامُ زَيْدٍ فَاسِدًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُ عَمْرٍو لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَاغٍ (وَأَصَحُّهُمَا) انْعِقَادُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فَاسِدَةً هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِصَلَاةٍ صَحِيحَةٍ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ وَالصَّحِيحُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ زَيْدٌ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ قَبْلَ إحْرَامِ عَمْرٍو فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) مُعَيَّنًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَفَّالِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عَمْرٌو مُعْتَمِرًا وَعَلَى الثَّانِي قَارِنًا (وَالْوَجْهَانِ) فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطُرُ التَّشْبِيهُ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا في أوله فان خطر التشبيه باحرام زَيْدٍ فِي الْحَالِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا خَطَرَ بِلَا خِلَافٍ * وَلَوْ أَخْبَرَهُ زَيْدٌ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ خِلَافُهُ فَهَلْ يَعْمَلُ بِخَبَرِهِ أَمْ بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَقْيَسُهُمَا) بِخَبَرِهِ * وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحْرَمْتُ بِالْعُمْرَةِ فَعَمِلَ بِقَوْلِهِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَقَدْ بَانَ أَنَّ إحْرَامَ عَمْرٍو كَانَ مُنْعَقِدًا بِحَجٍّ فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ تَحَلَّلَ وَأَرَاقَ دَمًا وَهَلْ الدَّمُ فِي مَالِهِ أَمْ فِي مَالِ زَيْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) فِي مَالِهِ * مِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ مُحْرِمًا أَصْلًا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ عَمْرٌو جَاهِلًا بِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ بِأَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ انْعِقَادُ إحْرَامِ عَمْرٍو مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْتُ فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ * وَيُخَالِفُ قَوْلَهُ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ لِأَصْلِ الْإِحْرَامِ فَلِهَذَا يَقُولُ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَهَذَا الْمُعَلَّقُ وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) هَهُنَا فَأَصْلُ الْإِحْرَامِ مَجْزُومٌ بِهِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ

وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِصُورَتَيْنِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ (إحْدَاهُمَا) لَوْ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلَانِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فَأَحْرَمَ عَنْهُمَا لَمْ يَنْعَقِدْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَانْعَقَدَ عَنْ الْأَجِيرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ فَلَغَتْ الْإِضَافَةُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ أَمْ على الْعَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إحْدَى إجَارَتَيْ الْعَيْنِ فَاسِدَةً إلَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ استأجر رجل لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَغَتْ الْإِضَافَتَانِ وَبَقِيَ الْإِحْرَامُ لِلْأَجِيرِ فَلَمَّا لَغَتْ الْإِضَافَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَبَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ جَازَ أَنْ يَلْغُوَهَا التَّشْبِيهُ وَيَبْقَى أَصْلُ الْإِحْرَامِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ مُحْرِمًا وَتَتَعَذَّرُ مُرَاجَعَتُهُ لِجُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةٌ وَهِيَ إنْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ نَسِيَهُ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ أُحِبُّ أَنْ يَقْرِنَ وَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ (وَقَالَ) فِي الْجَدِيدِ هُوَ قَارِنٌ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) القطع بجوز التَّحَرِّي وَتَأْوِيلُ الْجَدِيدِ عَلَى مَا إذَا شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَمْ قَرَنَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى (قَوْلَيْنِ) الْقَدِيمُ جَوَازُ التَّحَرِّي وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ وَالْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ قَارِنًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * فَإِذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِ زَيْدٍ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكُونُ عَمْرٌو كَمَنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ وَفِيهِ الطَّرِيقَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يَتَحَرَّى بِحَالٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقِرَانُ وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ فِي الْجَدِيدِ مَا يُخَالِفُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّكَّ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ وَقَعَ عَنْ فِعْلِهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّحَرِّي بِخِلَافِ إحْرَامِ زَيْدٍ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِزَيْدٍ هُوَ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو فِي الْحَالِ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ أَمَّا إذَا عَلَّقَ إحْرَامَهُ فَقَالَ إذَا أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْمُعَلَّقِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ وَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لا ينعقد

قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ تَجْوِيزِ تَعْلِيقِ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ الْغَيْرِ تَجْوِيزُ هَذَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ إلَّا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ وَذَاكَ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ العقود يقبلهما جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ بِنُسُكٍ مُتَّفِقٍ كَانَ كَأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِعُمْرَةٍ وَالْآخِرُ بِحَجٍّ كَانَ هَذَا الْمُعَلِّقُ قَارِنًا وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَارِنًا قَالَ فَلَوْ قَالَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ الْكَافِرِ وَكَانَ الْكَافِرُ قَدْ أَتَى بِصُورَةِ إحْرَامٍ فَهَلْ يَنْعَقِدُ لَهُ مَا أَحْرَمَ بِهِ الْكَافِرُ أَمْ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ انْعِقَادُهُ مُطْلَقًا * قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ انْعَقَدَ مُطْلَقًا كَالطَّلَاقِ * وَلَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ بِنِصْفِ نُسُكٍ انْعَقَدَ بِنُسُكٍ كَالطَّلَاقِ وَفِيمَا نَقَلَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالنِّيَّةُ الْجَارِيَةُ الْكَامِلَةُ شَرْطٌ فِيهَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ وَيَقْبَلُ الْإِخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَأُحْصِرَ زَيْدٌ وَتَحَلَّلَ لَمْ يَجُزْ لِعَمْرٍو أَنْ يَتَحَلَّلَ بمجرد ذلك (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ عَمْرٌو كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فَأُحْصِرَ زَيْدٌ وَتَحَلَّلَ لَمْ يَجُزْ لِعَمْرٍو أَنْ يَتَحَلَّلَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ إنْ وُجِدَ عَمْرٌو فِي إحْصَارٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ ارْتَكَبَ زَيْدٌ مَحْظُورًا فِي احرامه فلا شئ عَلَى عَمْرٍو بِذَلِكَ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَ فِي نِيَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ هَذَا نَقْلُ الدَّارِمِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فِيمَنْ نَوَى الصَّوْمَ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ لَوْ قَالَ

لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُؤَثِّرُ فِي النُّطْقِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّاتِ وَالْعِتْقُ يَنْعَقِدُ بِالنُّطْقِ وَلِذَلِكَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وَالْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَوَى الطَّلَاقَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ كَالصَّرِيحِ فَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان أحرم بحجتين أو عمرتين لم ينعقد الاحرام بهما لانه لا يمكن المضي فيهما وتنعقد احداهما لانه يمكنه المضى في احداهما قال في الام ولو استأجره رجلان ليحج عنهما فأحرم عنهما انعقد احرامه عن نفسه لانه لا يمكن الجمع بينهما ولا تقديم أحدهما على الآخر فتعارضا وسقطا وبقى احرام مطلق فانعقد له ولو استأجره رجل ليحج عنه فأحرم عنه وعن نفسه انعقد الاحرام عن نفسه لانه تعارض التعيينان فسقطا وبقى احرام مطلق فانعقد له) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِهِ وَذَكَرْنَا بَعْدَهَا تَعْلِيلَ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فيهما (وَأَمَّا) مَسْأَلَتَا الْأَجِيرِ فَسَبَقَتَا قَرِيبًا فِي الْحَالِ الثَّانِي مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي تَعْلِيقِ الْإِحْرَامِ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ وَسَبَقَتَا أَيْضًا فِي فَصْلِ الاستئجار للحج والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان أحرم بنسك معين ثم نسيه قبل أن يأتي بنسك ففيه قولان (قال) في الام يلزمه أن يقرن لانه شك لحقه بعد الدخول في العبادة فيبنى فيه على اليقين كما لو شك في عدد ركعات الصلاة (وقال)

في القديم يتحرى لانه يمكن أن يدرك بالتحري فيتحرى فيه كالقبلة (فإذا قلنا) يقرن لزمه أن ينوى القران فإذا قرن أجزأه ذلك عن الحج وهل يجزئه عن العمرة (ان قلنا) يجوز ادخال العمرة على الحج أجزأه عن العمرة أيضا (وان قلنا) لا يجوز ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه لانه يجوز ان يكون أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة فلم يصح وإذا شك لم يسقط الفرض (والثاني) انه يجزئه لان العمرة انما لا يجوز ادخالها على الحج من غير حاجة وههنا به حاجة إلى ادخال العمرة على الحج والمذهب الاول (فان قلنا) انه يجزئه عن العمرة لزمه الدم لانه قارن (وان قلنا) لا يجزئه عن العمرة فهل يلزمه دم فيه وجهان (أحدهما) لا دم عليه وهو المذهب لانا لم نحكم له بالقران فلا يلزمه دم (والثاني) يلزمه دم لجواز ان يكون قارنا فوجب عليه الدم احتياطا وان نسى بعد الوقوف وقبل طواف القدوم فان نوى القران وعاد قبل طواف القدوم أجزأه الحج لانه ان كان حاجا أو قارنا فقد انعقد احرامه بالحج وان كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة فصح حجه ولا يجزئه عن العمرة لان ادخال العمرة على الحج لا يصح في أحد القولين ويصح في الآخر ما لم يقف بعرفة فإذا وقف بعرفة لم يصح فلم يجزئه وان نسى بعد طواف القدوم وقبل الوقوف (فان قلنا) ان ادخال العمرة على الحج لا يجوز لم يصح له الحج ولا العمرة لانه يحتمل انه كان معتمرا فلا يصح ادخال الحج على العمرة بعد الطواف فلم يسقط فرض الحج مع الشك ولا تصح العمرة لانه يحتمل أن لا يكون أحرم بها أو أحرم بها بعد الحج فلا يصح وان قلنا انه يجوز ادخال العمرة على الحج لم يصح له

الحج لجواز أن يكون أحرم بالعمرة وطاف لها فلا يجوز أن يدخل الحج عليها وتصح له العمرة لانه أدخلها على الحج قبل الوقوف فان أراد أن يجزئه الحج طاف وسعى لعمرته ويحلق ثم يحرم بالحج ويجزئه لانه ان كان معتمرا فقد حل من العمرة وأحرم بالحج وان كان حاجا أو قارنا فلا يضره تجديد الاحرام بالحج ويجب عليه دم واحد لانه ان كان معتمرا فقد حلق في وقته وصار متمتعا فعليه دم التمتع دون دم الحلق وان كان حاجا فقد حلق في غير وقته فعليه دم الحلق دون دم التمتع وان كان قارنا فعليه دم الحلق ودم القران فلا يجب عليه دمان بالشك ومن أصحابنا من قال يجب عليه دمان احتياطا وليس بشئ) * (الشَّرْحُ) إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَهُ وَشَكَّ هَلْ هُوَ حَجٌّ أَمْ عُمْرَةٌ أَمْ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أُحِبُّ أَنْ يَقْرِنَ وَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ هُوَ قَارِنٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ التحرى وتأويل الجديد علي إذا ما شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَمْ قَرَنَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي اقتصر عليه المصنف والجمهور الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ الْقَدِيمُ يَجُوزُ التَّحَرِّي وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي بَلْ يَقْرِنُ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ المحاملي وهو نَصُّهُ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْإِمْلَاءِ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ تَحَرَّى فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا بِأَمَارَةِ عَمَلٍ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي ظَنَّهُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً قَالُوا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَلْ يَعْمَلُ عَلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الْقَدِيمِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَحَرَّى بَلْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ

إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ ثُمَّ نَسِيَهُ فَأُحِبُّ أَنْ يقرن القران عَلَى مَا فَعَلَهُ قَالَ فَإِنْ تَحَرَّى رَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ عَنْ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا قلنا بالقديم فتحرى فادى اجتهاده الي شئ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ النُّسُكُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ النُّسُكُ بَلْ فَائِدَةُ التَّحَرِّي التَّخَلُّصُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَهَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ جِدًّا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَلِلشَّكِّ حالان (أحدهما) أن يعرض قبل عمل شئ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَارِنٌ قَالَ الْأَصْحَابُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي الْقِرَانَ وَيَصِيرُ نَفْسُهُ قَارِنًا وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِلَا نِيَّةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ إذَا لَبَّى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَهُ فَهُوَ قَارِنٌ وَكَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ يَصِيرُ قَارِنًا وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ نَفْسُهُ قَارِنًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ وَكَذَا يُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِالْأَعْمَالِ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ بِيَقِينٍ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ بَعْدَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهَا جَائِزٌ فَثَبَتَ لَهُ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَإِنْ جَوَّزْنَا إدْخَالَهَا عَلَى الْحَجِّ أَجْزَأَتْهُ أَيْضًا عَنْ عمرة الاسلام والا فوجهان (اصحهما) يجزئه والثانى لا تجزئه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا

وزيف الاصحاب قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ هَذَا وَبَالَغُوا فِي إبْطَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ لزمه دم القران فان لم يجزئه لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ الدَّمُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَوَجْهُهُ مَعَ شِدَّةِ ضَعْفِهِ أَنَّ نِيَّةَ الْقِرَانِ وُجِدَتْ وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ إلَّا أَنَّا لَمْ نَعْتَدَّ بِالْعُمْرَةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الدَّمِ وُجُوبُهُ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال أَحْسَنُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُ نَفْسَهُ قَارِنًا وَقَوْلَ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُهُ أَنْ ينوى القران ليس المراد بجميعه تختم وجوب الاقران فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ نِيَّةُ الْحَجِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقِرَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ ذَكَرَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ الشَّاكُّ التَّحَلُّلَ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ النُّسُكَيْنِ قَالَ فَلَوْ اقْتَصَرَ بَعْدَ النِّسْيَانِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَتَى بِأَفْعَالِهِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ قَطْعًا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ وَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً بِالْحَجِّ وَكَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَمْ يَنْوِ الْقِرَانَ وَلَكِنْ قَالَ صَرَفْتُ إحْرَامِي إلَى الْحَجِّ حُسِبَ لَهُ الْحَجُّ لانه ان كان محرما بالحج فقد جدد إحْرَامًا بِهِ فَلَا يَضُرُّهُ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ قَارِنًا قَالَ وَلَوْ قَالَ صَرَفْتُ إحْرَامِي إلَى عُمْرَةٍ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَيْهَا وَإِذَا أَتَى بِأَعْمَالِهَا لَا تُحْسَبُ لَهُ الْعُمْرَةُ وَلَا يَتَحَلَّلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الاحرام بالعمرة وأتى بأعمال القران فيحصل لله التَّحَلُّلُ بِلَا شَكٍّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا تَبْرَأُ مِنْهَا وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ لَمْ يُجَدِّدْ إحْرَامًا بَعْدَ النِّسْيَانِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ حُصِلَ التَّحَلُّلُ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ عُمْرَةٍ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْرِضَ الشك بعد فعل شئ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الاول) ان يعرض بعد الوقوف بعرفة وقبل الطواف فيجزئه الحج انه إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِهِ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ إذَا

قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعُمْرَةُ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ لِأَنَّ تَقْسِيمَهُ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ فِيمَا سَبَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فإذا قلنا بجوزاه وَحَصَلَتْ الْعُمْرَةُ وَجَبَ دَمُ الْقِرَانِ وَإِلَّا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُمَا قَرِيبًا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (أَصَحُّهُمَا) لَا دَمَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا عِنْدَ مَصِيرِهِ قَارِنًا ثُمَّ وَقَفَ مَرَّةً ثَانِيَةً وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عَنْ الْحَجِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَيَانِ وَمُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ إطْلَاقُهُمْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْ ذِكْرِهِ بِوُضُوحِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مِنْ سِيَاقِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَعْرِضَ الشَّكُّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِذَا نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِأَعْمَالِ الْقَارِنِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْحَجُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فَيَمْتَنِعُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الطَّوَافِ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ حِيلَةً لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتَمِّمَ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ يَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يُحْرِمَ بالحج ويأتي بأفعاله فإذا هَذَا صَحَّ حَجُّهُ وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ الْإِحْرَامُ بِهِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَقَدْ تَحَلَّلَ مِنْهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَهَا بِالْحَجِّ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَأَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَلَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَلَمْ يُدْخِلْ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْوِ

الْقِرَانَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ قَالُوا وَكَذَا إنْ كَانَ فَقِيهًا وَفَعَلَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ بِاجْتِهَادِهِ فَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ وَأَمَّا إذَا اسْتَفْتَانَا فَهَلْ نُفْتِيهِ بِذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لَا نُفْتِيهِ بِجَوَازِ الْحَلْقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ أَوْ قَارِنٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ قَبْلَ وَقْتِهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْقَفَّالُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا قَالُوا وَهَذَا كَمَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةُ إنْسَانٍ جَوْهَرَةً لِغَيْرِهِ لَا يُفْتَى صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِذَبْحِهَا وَأَخْذِ الْجَوْهَرَةِ وَلَكِنْ لَوْ ذَبَحَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَذْبُوحَةً وَحَيَّةً قَالُوا وَكَذَا لَوْ تَقَابَلَتْ دَابَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ عَلَى شَاهِقٍ وتعذر مرورهما لا يفني أَحَدُهُمَا بِإِهْلَاكِ دَابَّةِ الْآخَرِ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ خلص دَابَّتَهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ دَابَّةِ صَاحِبِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) نفتيه بها قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَيَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ فِي الْحَالِ الَّذِي يَكُونُ حَرَامًا مُحَقِّقًا لِلْحَاجَةِ فَاسْتَبَاحَهُ هُنَا وَلَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ أو لا فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَيْضًا لِيَحْسِبَ لَهُ فِعْلَهُ وإلا فتلغوا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْوَجْهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (واعلم) أن المصنف الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَذَكَرَ إعَادَةَ الطَّوَافِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَخِلَافُ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الطَّوَافَ بل قالوا يسعى ويحلق فقط فهذا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ أَوَّلًا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَيَانِ وَمُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الطَّوَافُ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ طَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ أَفْتَيْنَاهُ بِمَا قَالَهُ ابن الحداد وموافقوه أم لم نُفْتِهِ بِهِ فَفَعَلَهُ لَزِمَهُ دَمٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَقَدْ حَلَقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ تَمَتَّعَ فَيُرِيقُ دَمًا عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ كَمَا يُكَفِّرُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ دَمًا وَلَا طَعَامًا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَصَوْمِ المتمتع فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دَمَ التَّمَتُّعِ فَذَاكَ وَإِنْ كان دم الحق أَجْزَأَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَقَعُ الْبَاقِي تَطَوُّعًا وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ فِي صَوْمِ

الثَّلَاثَةِ وَيَجُوزُ تَعْيِينُ التَّمَتُّعِ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةٍ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَبْرَأَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ هَذَيْنِ بِوَجْهَيْنِ وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَعَ وُجُودِ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ فِي التَّمَتُّعِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَوْ أَطْعَمَ هَلْ تبرأ ذمته فيه كلاما الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْإِمَامِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اسْتَجْمَعَ الرَّجُلُ شُرُوطَ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنْ لم يستجمعهما كَالْمَكِّيِّ لَمْ يَجِبْ الدَّمُ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَقْصُودٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ دَمِ الْحَلْقِ وَإِذَا جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا بِالْقِرَانِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ مَعَ الدَّمِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْرِضَ الشَّكُّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ فَإِنْ أَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ (أَمَّا) الْحَجُّ فَلِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَلَا يَنْفَعُهُ الْوُقُوفُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَلِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَلَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى الْقِرَانَ وَأَتَى بِأَعْمَالِ الْقَارِنِ فَإِجْزَاءُ الْعُمْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الضَّرْبِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ مَعَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَتَى بِأَعْمَالِهَا أَجْزَأَتْهُ الْعُمْرَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَمَتَّعَ بالعمرة إلى الحج فطوف لِلْحَجِّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ ذَلِكَ وَلَا سَعْيُهُ بَعْدَهُ وَبَانَ أَنَّ حَلْقَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَيَصِيرُ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مُدْخِلًا لِلْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْحَجِّ تَوَضَّأَ وَأَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي أَيْ الطَّوَافَيْنِ كَانَ حَدَثُهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَإِذَا أَعَادَهُمَا صَحَّ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ قَارِنٌ أَوْ مُتَمَتِّعٌ وَيَنْوِي بِإِرَاقَتِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الدَّمَ فَصَامَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا آخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَالِقٌ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْعُمْرَةِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَبَيُّنِ الْحَدَثِ فِي طواف الْعُمْرَةِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنْ جَامَعَ بَعْدَ

الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُفَرَّعُ عَلَى أَصْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جِمَاعُ النَّاسِي هَلْ يُفْسِدُ النُّسُكَ وَيُوجِبُ الْفِدْيَةَ كَالْعَمْدِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصْلُ الثَّانِي) إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ بِجِمَاعٍ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا هَلْ يُدْخِلُ وَيَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ الْقِرَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ الْحَجُّ صَحِيحًا مُجْزِئًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَعَلَى هَذَا هل يَنْعَقِدُ صَحِيحًا أَمْ يَفْسُدُ أَمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا إذْ لَوْ انْعَقَدَ صَحِيحًا لَمْ يَفْسُدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ انْعِقَادِهِ مُفْسِدٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقِرَانِ مَبْسُوطَةً (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ مَضَى فِي النُّسُكَيْنِ وَقَضَاهُمَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَلَا يَفْسُدُ قَضَى الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَا يَجِبُ لِلْإِفْسَادِ إلَّا بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وحكي إمام الحرمين وجهين آخرين إذا حكما بِانْعِقَادِ حَجِّهِ فَاسِدًا (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ لِلْعُمْرَةِ وَشَاةٌ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا * إذَا عَرَفْتَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فَإِنْ قَالَ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَاسِدَانِ والجماع واقع قبل التحلل لكن لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَهَلْ يَكُونُ كَالنَّاسِي فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (وَالثَّانِي) لَا فَإِنَّهُ لَمْ تَفْسُدْ الْعُمْرَةُ وَبِهِ صَارَ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وَقْتِهِ إنْ كَانَ حَلَقَ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ أَفْسَدْنَا الْعُمْرَةَ فَعَلَيْهِ لِلْإِفْسَادِ بَدَنَةٌ وَلِلْحَلْقِ شَاةٌ وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَدْخَلَهُ عَلَى عُمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَإِنْ لَمْ نُدْخِلْهُ فَهُوَ فِي عُمْرَتِهِ كَمَا كَانَ فَيَتَحَلَّلُ مِنْهَا وَيَقْضِيهَا وَإِنْ أَدْخَلْنَاهُ وَقُلْنَا بِفَسَادِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِمَا ثُمَّ يَقْضِيهِمَا وَإِنْ قَالَ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَدْ صَحَّ نُسُكَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَإِنْ قَالَ لا أدرى في الطَّوَافَيْنِ كَانَ أَخَذَ فِي كُلِّ حُكْمٍ بِالْيَقِينِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مَا لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَثَهُ كَانَ

فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إنْ كَانَا وَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُحْدِثًا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَتَأْثِيرُ الْجِمَاعِ فِي إفْسَادِ النُّسُكَيْنِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالشَّكِّ وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أن لافساد وَعَلَيْهِ دَمٌ إمَّا لِلتَّمَتُّعِ إنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي طَوَافِ الْحَجِّ وَإِمَّا لِلْحَلْقِ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ الْعُمْرَةَ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ ذَبْحُ بذنة وَشَاةٍ إذَا جَوَّزْنَا إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَارَ قَارِنًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب أن يكثر من التلبية ويلبى عند اجتماع الرفاق وفى كل صعود وهبوط وفى ادبار الصلوات وإقبال الليل والنهار لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبى إذا رأى ركبا أو صعد أكمه أو هبط واديا وفى ادبار المكتوبة وآخر الليل) ولان في هذه المواضع ترتفع الاصوات ويكثر الضجيج وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أفضل الحج العج والثج) ويستحب في مسجد مكة ومنى وعرفات وفيما عداها من المساجد قولان (قال) في القديم لا يلبي (وقال) في الجديد يلبي لانه مسجد بني للصلاة فاستحب فيه التلبية كالمساجد الثلاثة وفى حال الطواف قولان (قال) في القديم يلبى ويخفض صوته (وقال) في الجديد لا يلبى لان للطواف ذكرا يختص به فكان الاشتغال به أولي ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية لما روى زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (جاءني جبريل عليه

السلام فقال يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَك أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالتلبية فانها من شعائر الحاج) وان كانت امرأة لم ترفع الصوت بالتلبية لانه يخاف عليها الافتتان والتلبية أو يقول لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شريك لك لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شريك لك) قال الشافعي رحمه الله فان زاد على هذا فلا بأس لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يزيد فيها (لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغبة اليك والعمل) وإذا رأي شيئا يعجبه قال لبيك ان العيش عيش الآخرة لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أعجبه ما هم فيه فقال (لبيك إن العيش عيش الآخرة) والمستحب إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانه موضع شرع فيه ذكر الله سبحانه وتعالى فشرع فيه ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالاذان ثم يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار لما روى خزيمة بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ تلبيته في حج أو عمرة سأل الله تعالي رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار ثم يدعو بما أحب)) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادَهَا ابْنُ عُمَرَ من كلامه وهذ لَفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمران تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ والرغباء إلَيْكَ وَالْعَمَلُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ فَرَوَاهُ ابن ماجه وأبو حاتم البسني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ روى بعضهم هذا الحديث عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قَالَ التِّرْمِذِيُّ ولا يصح هذا قال والصحيح عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي

أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن جلاد بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلْبِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اسمعيل بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يسمع من عبد الرحمن ابن يَرْبُوعٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ عَنْ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ عَنْ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هو عندي مرسل محمد ابن الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ (قُلْتُ) فَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ سَعِيدًا قَالَ هُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِيهِ سَعِيدٌ (قُلْتُ) ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ وَغَيْرُهُ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي فديك هذا الحديث وقالوا عن سعيد ابن عبد الرحمن عن أبيه قال ليس بشئ قال البيهقى وكذ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ فِي آخِرِهِ وَاسْمُهُ سَهْلٌ مَوْلَى المغيرة بن أبى الغيث عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا بَلَغْنَا الرَّوْحَاءَ حَتَّى سَمِعْتُ عَامَّةَ النَّاسِ قَدْ بُحَّتْ أَصْوَاتُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ) فَرَوَاهُ

الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ أَبُو حَرِيزٍ هَذَا ضَعِيفٌ * قَالَ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ وَهُوَ أَيْضًا ضعيف عن ابى الزياد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (وَأَمَّا) (حَدِيثُ لَبَّيْكَ أن العيش الْآخِرَةِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ) لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ قَالَ حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُمْ فِيهِ فَزَادَ فِيهَا لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَسِبْت أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ * هَكَذَا رَوَيَاهُ مُرْسَلًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ خزيمة بن ثابت فرواه الشافعي والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زايده عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ) قَالَ صَالِحٌ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ وَكَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصالح ابن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ صَرَّحَ بِضِعْفِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالرِّفَاقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرِّفَاقُ جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْجَمَاعَةُ يَتَرَافَقُونَ فَيَنْزِلُونَ مَعًا وَيَرْحَلُونَ مَعًا وَيَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ تَقُولُ رَافَقْتُهُ وَتَرَافَقْنَا وَهُوَ رفيقي وَمُرَافِقِي وَجَمْعُ رَفِيقٍ رُفَقَاءُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي كُلِّ صَعُودٍ وَهُبُوطٍ فَالصَّعُودُ وَالْهُبُوطُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يُصْعَدُ فِيهِ وَيُهْبَطُ مِنْهُ وَبِضَمِّهِمَا وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ هُنَا بِالْوَجْهَيْنِ (وَأَمَّا) الْأَكَمَةُ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَهِيَ دُونَ الرَّابِيَةِ (وأما) لعج فَرَفْعُ الصَّوْتِ وَالثَّجُّ إرَاقَةُ الدِّمَاءِ (وَقَوْلُهُ) فِي كلام ابن عمرو (الرغبة إلَيْكَ) كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَالرَّغْبَةُ) وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَالرَّغْبَاءُ) وَفِيهَا لُغَتَانِ الرَّغْبَاءُ بفتح الراء والمد والرغبى بضم

بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ وَمَعْنَاهَا الرَّغْبَةُ (وَقَوْلُهُ) الْعَيْشُ عَيْشُ الْآخِرَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْهَنِيَّةَ الْمَطْلُوبَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَأَمَّا) لَفْظُ التَّلْبِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ التَّلْبِيَةُ مُثَنَّاةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ وَلُزُومًا لِطَاعَتِكَ فثني للتوكيد لا تثنية حقيقة بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أَيْ نِعْمَتَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْيَدِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُحْصَى * وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا مُثَنًّى قَالَ وَأَلِفُهُ إنَّمَا انْقَلَبَتْ يَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُثَنًّى بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ * قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ فَاسْتَثْقَلُوا الجمع بين ثلاث يأت فَأَبْدَلُوا مِنْ الثَّلَاثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا مِنْ الظَّنِّ تَظَنَّيْتُ وَالْأَصْلُ تَظَنَّنْت * وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ وَاشْتِقَاقِهَا (فَقِيلَ) مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا (وَقِيلَ) مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً وَلَدَهَا عاطفة عليه (وقيل) معناها إخْلَاصِي لَكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حُبٌّ لُبَابٌ إذا كان خالصا محصنا وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ (وَقِيلَ) مَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَإِجَابَتِك مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إذَا أَقَامَ فيه ولزمه قال ابن الانباري وبهذا قال الخليل وأحمد قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَذِّنْ فِي الناس بالحج) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَيْ قربامنك وطاعة والالباب القرب وقال أَبُو نَصْرٍ مَعْنَاهُ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ خَاضِعٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ) لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إنَّ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الحديث وأهل للغته * قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ (قَالَ) ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ أَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ (وَقَوْلُهُ) وَالنِّعْمَةَ لَكَ الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَجُوزُ رَفْعُهَا على الِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَقَوْلُهُ) وسعديك قال القاضى اعرابها وتثنيتها كما سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهَا مُسَاعَدَةً لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ (وَقَوْلُهُ) وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ (أَيْ) الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ (وَقَوْلُهُ) الرَّغْبَاءُ اليك

وَالْعَمَلُ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّلْبِيَةِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا وَجُنُبًا وَحَائِضًا وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا فِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَحُدُوثِ أَمْرٍ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ نُزُولٍ أَوْ اجْتِمَاعِ رُفْقَةٍ أَوْ فَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَوَقْتِ السَّحَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ نُسُكٍ وَفِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ يُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يُلَبِّي لِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْقَوْلَانِ فِي أَصْلِ التَّلْبِيَةِ فَإِنْ اسْتَحْبَبْنَاهَا اسْتَحْبَبْنَا رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا وَإِلَّا فَلَا وَجَعَلَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يُسْتَحَبَّ رَفْعُهُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَفِي الرَّفْعِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وهما مشهوان ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يُلَبِّي وَالْقَدِيمُ يُلَبِّي وَلَا يَجْهَرُ وَلَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ لِخُرُوجِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ رَفْعُ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لا يضر بنفسه ولا تجهر بها المرأة بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى سَمَاعِ نَفْسِهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ * هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَكَذَا قال غيره لا يحرم لئن يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَيَخْفِضُ الْخُنْثَى صَوْتَهُ كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَوْتُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ التَّلْبِيَةِ دُونَ صَوْتِهِ بِهَا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بل يكررها وهى (لبيك للهم لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَلِطُوا بَلْ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَلَا تُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُسْتَحَبُّ إذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ * وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ

مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ تَلْبِيَتِهِ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنْ لَوْ سُلِّمَ عَلَيْهِ رَدَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فِي حَالِ تَلْبِيَتِهِ * وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ يُلَبِّي بِلِسَانِهِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ * قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يُحْسِنْ التَّلْبِيَةَ أُمِرَ بِالتَّعْلِيمِ وَفِي مُدَّةِ التَّعْلِيمِ يُلَبِّي بِلِسَانِ قَوْمِهِ وَهَلْ يَجُوزُ بِلُغَةٍ أُخْرَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّلْبِيَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ تُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا لَبَّى فَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُلَبِّيَ ثَلَاثًا * قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُكَرِّرَ قَوْلَهُ لَبَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالثَّانِي) يُكَرِّرُ قَوْلَهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالثَّالِثُ) يُكَرِّرُ جَمِيعَ التَّلْبِيَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ * هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ وَالْأَوَّلَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ فِيهِمَا تَغْيِيرًا لِلَّفْظِ التَّلْبِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً * هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ * وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حُكِيَ عَنْ أَبِي علي بن خيران وأبي علي بن أبي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَاجِبَةٌ قَالَ وَزَعَمَا أَنَّهُمَا وَجَدَا للشافعي نصا يدل عَلَيْهِ * قَالَ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ نص يدل عليه هذا كلام الْحَاوِي * وَقَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الطَّبَرِيُّ يَعْنِي أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ * قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ التَّلْبِيَةِ فِي كُلِّ مَكَان وَفِي الْأَمْصَارِ وَالْبَرَارِيِّ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَمَسَاجِدِهَا لَا يُكْرَهُ وَلَيْسَ لَهَا مَوْضِعٌ تَخْتَصُّ بِهِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ مَسْنُونٌ فِي الصَّحَارِي * قَالَ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يلبى في المصر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وإذا أحرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ

محله) ويحرم حلق شعر سائر البدن لانه حلق يتنظف به ويترفه به فلم يجز كحلق الرأس وتجب به الْفِدْيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صيام أو صدقة أو نسك) ولما روى كعب ابن عجرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لعلك اذاك هوام رأسك قلت نعم يا رسول الله قال احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة) ويجوز له أن يحلق شعر الحلال لان نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه كما لو اراد ان يعممه أو يطيبه ويحرم عليه ان يقلم اظفاره لانه جزء ينمى وفى قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الاحرام منه كحلق الشعر وتجب به الفدية قياسا على الحلق) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وهو ام الرَّأْسِ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْقُمَّلُ (وَقَوْلُهُ) حَلْقٌ يَتَنَظَّفُ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي عَيْنِهِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ قَلْعِهِ شَعْرَ الْحَلَالِ (وَقَوْلُهُ) جُزْءٌ يَنْمِي قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الْأُصْبُعِ الْمُتَآكِلَةِ وَجِلْدَةِ الْخِتَانِ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي قَطْعِهِ تَرْفِيهٌ وَتَنْظِيفٌ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ قَطْعُ جُزْءٍ ينمي ولا شئ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْفِيهٌ وَلَا تَنْظِيفٌ قَالَ وَجَمْعُهُ بَيْنَ التَّرْفِيهِ وَالتَّنْظِيفِ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَفَاهُ (وَقَوْلُهُ) جُزْءٌ يَنْمِي هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ يَنْمُو لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إزَالَةِ شَعْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ إزَالَتِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْحَلْقِ وَلَا بِالرَّأْسِ بَلْ تَحْرُمُ إزَالَةُ الشَّعْرِ قَبْلَ وجوب التَّحَلُّلِ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ وَسَوَاءٌ الْإِزَالَةُ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْإِبَانَةُ بِالنَّتْفِ أَوْ الْإِحْرَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِزَالَةُ الظُّفْرِ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ

من مذاهب العلماء متعلقة بالحلق والقلم

سَوَاءٌ قَلَّمَهُ أَوْ كَسَرَهُ أَوْ قَطَعَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ سَوَاءٌ كُلُّ الظُّفْرِ وَبَعْضُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَ أَصَابِعِهِ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ وَظُفْرٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ وَشَبَّهَ أَصْحَابُنَا هَذَا بِمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ الْأُمَّ مَهْرُهَا وَلَوْ قَتَلَتْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَهْرُ لِانْدِرَاجِ الْبُضْعِ فِي الْقَتْلِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَلَوْ كَشَطَ الْمُحْرِمُ جِلْدَةَ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ وَالشَّعْرُ تَابِعٌ وَلَوْ افْتَدَى كَانَ أَفْضَلَ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ مَشَطَ لِحْيَتَهُ فَنَتَفَ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فلو شك هل كان منقلعا أَمْ اُنْتُتِفَ بِالْمُشْطِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فِدْيَةَ لِلِاحْتِمَالِ مَعَ أَصْلِ الْبَرَاءَةِ (وَالثَّانِي) تجب الفدية لظاهر * هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ حَلَقَ لِعُذْرٍ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ الْحَلَالِ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا يُحَرِّمُ حَلْقَ جَمِيعِ شُعُورِ الْبَدَنِ وَالرَّأْسِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا فِدْيَةَ فِي شَعْرٍ غير الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ الْحَلَالِ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ قَالَ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَيَجْرِي مَجْرَى حَلْقَ الرَّأْسِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَلَمَ أَظْفَارَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِكَمَالِهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ أَوْ دُونَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ حُكْمُ الْأَظْفَارِ حُكْمُ الشَّعْرِ يَتَعَلَّقُ الدَّمُ بِمَا يُمِيطُ الْأَذَى وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَلْمُ أَظْفَارِهِ كُلِّهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ * هَكَذَا نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ قَلْمِ الظُّفْرِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِدَاوُد وَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافٌ سَبَقَ مَرَّاتٍ (وَأَمَّا) حَكُّ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَتِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ جبير والثوري وأصحاب (1) وأحمد وإسحق وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خلافا لكن قالوا برفق لئلا ينتف شعر والله أعلم *

_ (1) بياض في الاصل فحرر

* قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه أن يستر رَأْسُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ (لا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) وتجب به الفدية لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الفدية كالحلق ويجوز أن يحمل على رأسه مكتلا لانه لا يقصد به الستر فلم يمنع منه كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ في عيبة المتاع حين لم يقصد حمل المصحف ويجوز أن يترك يده على رأسه لانه يحتاج إلى وضع اليد على الرأس في المسح فعفى عنه ويحرم عليه لبس القميص لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في المحرم (لا يلبس الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْخُفَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فيقطعهما أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ ما مسه ورس أو زعفران وتجب به الفدية لانه فعل محظور في الاحرام فتعلقت به الفدية كالحلق ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالابرة أو ملصقا بعضه إلى بعض لانه في معنى المخيط والعباءة والدارعة كالقميص فيما ذكرناه لانه في معني القميص ويحرم عليه لبس السراويل لحديث ابن عمر رضى الله عنهما وتجب به الفدية لما ذكرناه من المعني والتبان والران كالسراويل فيما ذكرناه لانه في معني السراويل وان شق الازار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز لانهما كالسروايل وما على الساقين كالبابكين ويجوز أن يعقد عليه ازاره لان فيه مصلحة له وهو أن يثبت عليه ولا يعقد الرداء عليه لانه لا حاجة به إليه وله أن يغرز طرفيه في إزاره وان جعل لازاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر به جاز وان اتزر وشد فوقه تكة جاز قال في الاملاء وان زَرَّهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ شَوَّكَهُ لَمْ يَجُزْ لانه يصير كالمحيط وإن يجد ازارا جاز أن يلبس السراويل ولا فدية عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يجد نعلين فليلبس الخفين) فان لم يجد رداء لم يلبس القميص لانه يمكنه أن يرتدى به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل ثم وجد الازار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر وتجب به الفدية لما ذكرناه من القياس علي الحلق فان لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فان لبس الخف مقطوعا من

أسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص وتجب عليه الفدية ومن أصحابنا من قال يجوز ولا فدية عليه لانه قد صار كالنعل بدليل انه يجوز المسح عليه وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة وما ذكره من المسح لا يصح لانه وان لم يجز المسح إلا انه يترفه به في دفع الحر والبرد والاذى ولانه يبطل بِالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين وتحب به الفدية لانه ملبوس علي قدر العضو فأشبه الخف ولا يحرم عليه ستر الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى خر من بعيره (ولا تخمروا رأسه) فخص الرأس بالنهي ويحرم على المرأة ستر الوجه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مسه الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ) وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ ما اختير مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خف وتجب به الفدية قياسا على الحلق ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس الا بستره لانه لا يمكن ستر الرأس إلا بستره فعفى عن ستره فان أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت على وجهها شيئا لا يباشر الوجه لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٍ فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا) ولان الوجه من المرأة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه فكذلك المرأة في الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف لحديث ابن عمر رضى الله عنهما ولان جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه وهل يجوز لها لبس القفازين فيه قولان (احدهما) انه يجوز لانه عضو يجوز لها ستره بغير المحيط فجاز لها ستره بالمحيط كالرجل (والثاني) لا يجوز للخبر ولانه عضو ليس بعورة منها فتعلق به حرمة الاحرام في اللبس كالوجه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَلْبَسْ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْخُفَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الكعبين ولا يلبس من اثياب مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ)

فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ (وَلَا يَلْبَسُ الْقَبَاءَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عن القفازين والنقاب وما مسه الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ ما أحبين مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصٍ أَوْ خُفٍّ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حسن وهو من رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي إلَّا أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَكْثَرُ مَا أُنْكِرَ عَلَى ابن اسحق التَّدْلِيسُ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ حَدَّثَنِي اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٍ فإذا حاذونا سدلت احدانا جلبابها مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) * فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَتَخْمِيرُ الرَّأْسِ تَغْطِيَتُهُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ احْتَرَزْنَا بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْغِيبَةِ فِي الصِّيَامِ وَنَحْوِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُحَرَّمُ الْإِحْرَامِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْمِكْتَلُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الزَّنْبِيلُ بِفَتْحِ الزاى والقفة العرق والفرق بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالسَّفِيفَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ (وَقَوْلُهُ) لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي عَيْبَةِ الْمَتَاعِ هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ وِعَاءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ وَجَمْعُهَا عِيَبٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَبَدْرَةٍ وَبِدَرٍ وَعِيَابٌ وَعِيَبَاتٌ ذَكَرَهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ (وَأَمَّا) الْبُرْنُسُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُمَا الْبُرْنُسُ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ؟ بِهِ دراعة كانت اوجبة أو ممطرا والممطر بكسر الميم الْأُولَى وَفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُلْبَسُ فِي الْمَطَرِ يتوفى بِهِ (وَأَمَّا) الْوَرْسُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثمار (وقوله) محيطا بِالْإِبَرِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ

وفتح الباء جمع ابرة (واما) لقباء فَمَمْدُودٌ وَجَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ (وَيُقَالُ) تَقَبَّيْت الْقَبَاءَ * قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ قِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَبْوِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ (وَأَمَّا) الدُّرَّاعَةُ فَمِثْلُ الْقَمِيصِ لَكِنَّهَا ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ وَهِيَ لَفَظَّةٌ غَرِيبَةٌ (وَأَمَّا) التُّبَّانُ فَبِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ سَرَاوِيلُ قَصِيرَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْكَفَنِ (وَأَمَّا) الرَّانّ فَكَالْخَفِّ لَكِنْ لَا قَدَمَ لَهُ وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ الْخُفِّ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ جَعَلَ لِإِزَارِهِ حُزَّةً وَأَدْخَلَ فِيهَا التِّكَّةَ وَاتَّزَرَ بِهِ جَازَ التِّكَّةُ بِكَسْرِ التَّاءِ مَعْرُوفَةٌ (وَقَوْلُهُ) حُزَّةً كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ حُزَّةُ السَّرَاوِيلِ وَحُجْزَةُ السَّرَاوِيلِ بِحَذْفِ الْجِيمِ وَإِثْبَاتِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُجْمَلِ وَالصِّحَاحِ وَآخَرُونَ وَهِيَ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا التِّكَّةُ (وَقَوْلُهُ) إنْ زَرَّهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ شَوَّكَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كالمحيط فَشَوَّكَهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْنَاهُ خَلَّهُ بِشَوْكٍ أَوْ بِمِسَلَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَأَمَّا) الْقُفَّازَانِ فَبِقَافِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فاء مشددة وبالزاى وهو شئ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى الْكَفَّيْنِ وَالسَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالْحَرَامُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ (وَضَرْبٌ) بِبَاقِي الْبَدَنِ (وَأَمَّا) الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فلا يجوز للرجل ستر رأسه لا بمحيط كَالْقَلَنْسُوَةِ وَلَا بِغَيْرِهِ كَالْعِمَامَةِ وَالْإِزَارِ وَالْخِرْقَةِ وَكُلُّ مَا يُعَدُّ سَاتِرًا فَإِنْ سَتَرَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ تَوَسَّدَ وِسَادَةً أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ أَوْ اسْتَظَلَّ بمحمل وهودج جَازَ وَلَا فِدْيَةَ سَوَاءٌ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ أَمْ لَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ بَاطِلٌ * قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَرَهُ هُنَا لِغَيْرِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا أَوْ حِمْلًا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ السَّتْرَ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي مَتَاعٍ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (والثانى)

يَحْرُمُ وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا الْبَغَوِيّ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ * وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَكَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمِكْتَلِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ * قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا لَا نَعْرِفُهُ في شئ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ * وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا طَلَى رَأْسَهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لا يستر فلا فدية وإن كان تخينا سَاتِرًا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لِأَنَّهُ سَتْرٌ وَلِهَذَا لَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ سَتْرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ فِدْيَةِ الْحَلْقِ الِاسْتِيعَابُ بَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِسَتْرِ قَدْرٍ يُقْصَدُ سَتْرُهُ لِغَرَضٍ كَشَدِّ عِصَابَةٍ وَإِلْصَاقِ لُصُوقٍ لِشَجَّةٍ وَنَحْوِهَا هكذا ضبطه امام الحرمين والغزالي واتففق الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا فِدْيَةَ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وهذا ينقض مَا ضَبَطَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ سَتَرَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَحْوِيهِ الْخَيْطُ قَدْ يُقْصَدُ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَغَيْرِهِ فَالْوَجْهُ الضَّبْطُ بِتَسْمِيَتِهِ سَاتِرَ كُلِّ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضِهِ * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا يُنْتَقَضُ مَا قَالَاهُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمَا قالا قدر يَقْصِدُ سَتْرَهُ وَالْخَيْطُ

لَيْسَ بِسَاتِرٍ * وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْخَيْطِ حَيْثُ جَازَ شَدُّ الرَّأْسِ بِهِ وَالْعِصَابَةِ الْعَرِيضَةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا بِخِلَافِ الْعِصَابَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ مَا يعتاد الستر به وما لا يعتاد كيقلنسوة مقورة وتجب الفدية بتغطيته الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْآذَانِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِكَفِّ غَيْرِهِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ غَطَّاهُ بِكَفِّ نَفْسِهِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ صاحبا الحاوى والبحر فيه وجهين (لصحيح) هذا (والثاني) وجوب الْفِدْيَةُ لِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَى كَفِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ كفه والله علم * (الضَّرْبُ الثَّانِي) فِي غَيْرِ الرَّأْسِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ مَا عَدَا الرَّأْسَ مِنْ بَدَنِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَسَنُوضِحُ تَفْصِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عليه لبس المحيط وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا هُوَ عَلَى قدر عضو من البدن فيحرم كل محيط بالبدن أو بعضو منه سواء كان محيطا بِخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ القميص والسراويل والتبان والدارعة وَالْخُفِّ وَالرَّانِّ وَنَحْوِهَا فَإِنْ لَبِسَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُخْتَارًا عَامِدًا أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ قَصُرَ الزَّمَانُ أَمْ طَالَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْبُرْنُسِ وَالْخُفِّ وَلَوْ لَبِسَ الْقَبَاءَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ أَمْ لَا وسواء فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَقْبِيَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَقْبِيَةِ خُرَاسَانَ ضَيِّقُ الْأَكْمَامِ قَصِيرُ الذَّيْلِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمِّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْبِيَةِ الْعِرَاقِ وَاسِعُ الْكُمِّ طَوِيلُ الذَّيْلِ لَمْ تَجِبْ حَتَّى يُدْخِلَ يَدَيْهِ كُمَّيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ * وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا طَرَحَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ مُطْلَقًا * وَلَوْ أَلْقَى عَلَى بَدَنِهِ قَبَاءً أَوْ فَرْجِيَّة وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ صَارَ عَلَى بَدَنِهِ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ عُدَّ لَابِسَهُ لزمته الفدية وإن كل بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا فِدْيَةَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَاللُّبْسُ الْحَرَامُ الْمُوجِبُ

لِلْفِدْيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُعْتَادُ فِي كُلِّ ملبوس فلو التحف بقميص أو قباء أَوْ ارْتَدَى بِهِمَا أَوْ اتَّزَرَ بِسَرَاوِيلَ فَلَا فدية لانه لبس لَيْسَ لُبْسًا لَهُ فِي الْعَادَةِ فَهُوَ كَمَنْ لَفَّقَ إزَارًا مِنْ خِرَقٍ وَطَبَّقَهَا وَخَاطَهَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ بِعَبَاءَةٍ أَوْ إزَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَفَّهَا عَلَيْهِ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ وَأَنْ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هذا كله وهذا الذى ذكرناه في المطقة وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَكَرِهَهُمَا وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّحْرِيمُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَخِيطِ بَلْ سَوَاءٌ الْمَخِيطُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ مَلْبُوسٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ قدر عضو منه بححيث يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ دِرْعُ الزَّرْدِ وَالْجَوْشَنُ وَالْجَوْرَبُ وَاللِّبْدُ وَالْمُلَزَّقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ سَوَاءٌ الْمُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الازار ويشد عليه خيطان وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا بِنَحْوِ ذَلِكَ * هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْإِزَارِ حُجْزَةً وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ لانه يصير كَالسَّرَاوِيلِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْقِدُ عَلَى إزَارِهِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَعْقِدُ الْمُحْرِمُ عليه أزراره لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِ الْإِزَارِ قَالَ وَالْإِزَارُ مَا كَانَ مَعْقُودًا. هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّ المراد بالعقد العقد بالخياطة فهذا احرام كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ وَالْأَصْحَابُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ فِي طَرَفِ إزَارِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاسْتِمْسَاكِ (وَأَمَّا) عَقْدُ الرِّدَاءِ فَحَرَامٌ

وَكَذَلِكَ خَلُّهُ بِخِلَالٍ أَوْ بِمِسَلَّةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ رَبْطُ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ وَنَحْوِهِ وَكُلُّهُ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْفِدْيَةِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى تَحْرِيمِ عَقْدِ الرِّدَاءِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ حَيْثُ جَازَ عَقْدُ الْإِزَارِ دُونَ الرِّدَاءِ بِأَنَّ الْإِزَارَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْعَقْدِ دُونَ الرِّدَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا عَقَدَهُ أَوْ رَدَّهُ أَوْ خَلَّهُ بِخَلَالٍ أَوْ مِسَلَّةٍ أَوْ جَعَلَ لَهُ شَرْجًا وَعُرًى وَرَبَطَ الشَّرْجَ بِالْعُرَى لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ * هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ السَّابِقِ فِي تَحْرِيمِ عَقْدِ الرِّدَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ عَقْدُ الرِّدَاءِ كَمَا لَا يَحْرُمُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ إلَّا أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ يُكْرَهُ عَقْدُهُ فَإِنْ عَقَدَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَخِيطًا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَجْوِيزَهُ عَقْدَ الرِّدَاءِ قَالَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ

أَبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ لَا فِدْيَةَ فِي عَقْدِ الرِّدَاءِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ عَقْدِهِ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا شَقَّ الْإِزَارَ نِصْفَيْنِ وجعل له ديلين وَلَفَّ عَلَى كُلِّ سَاقٍ نِصْفًا وَشَدَّهُ فَوَجْهَانِ (الصحيح) المنصوص في الام نصا صريحا ووجوب الْفِدْيَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلُوهُ أَيْضًا عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ وَأَطْبَقَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ لا فدية قاله إمام الحرمين قاله الرَّافِعِيُّ الَّذِي نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لِأَنَّهُ كَالسَّرَاوِيلِ قَالَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا فِدْيَةَ بِمُجَرَّدِ اللَّفِّ وَعَقْدِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ إنْ كَانَتْ خياطة أو شرج وَعُرًى وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ولا فدية فيه لان الاحاطة عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَمَا لَوْ اتحف بِإِزَارٍ وَقَمِيصٍ وَعَبَاءَةٍ * وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَابَهَ السَّرَاوِيلَ فِي الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَإِنْ زَرَّ الْإِزَارَ أَوْ شَوَّكَهُ أَوْ خَاطَهُ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَالَفَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الدَّلِيلِ * (فَرْعٌ) يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمَرْأَةِ خِلَافٌ سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ لِسَاعِدِهِ أَوْ لِعُضْوٍ آخَرَ شَيْئًا مَخِيطًا أَوْ لِلِحْيَتِهِ خَرِيطَةً يُعَلِّقُهَا بِهَا إذَا خَضَبَهَا فَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُفَّازِ وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ

الْجُوَيْنِيُّ فِي تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْرِيمُ الْمَلَابِسِ الْمُعْتَادَةِ وَهَذَا لَيْسَ مُعْتَادًا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لُبْسَ الْخُفِّ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْخُفُّ صَحِيحًا أَوْ مُخَرَّقًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (وَأَمَّا) لُبْسُ الْمَدَاسِ وَالْحِمْحِمِ وَالْخُفِّ الْمَقْطُوعِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِهِمْ تَحْرِيمُهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ إلَى سَاقَيْ خُفَّيْهِ أَوْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ إلَى قَرَارِ الْخُفِّ دُونَ الْأُخْرَى فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسَ خُفَّيْنِ هَذَا كَلَامُهُ (فَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إدْخَالُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى قَرَارِ الْخُفِّ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ بَلْ الصَّوَابُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِوُجُودِ مُخَالَفَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَحُصُولِ السَّتْرِ * هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَكَلَامُ غَيْرِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحَرَامِ الْمُوجِبِ لِلْفِدْيَةِ بَيْنَ مَا يَسْتَوْعِبُ الْعُضْوَ أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ سَتَرَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ إلَى سُرَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ (وأما) المسألة الاولى فينبغي أن يجئ فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا فِي الْقَدَمِ هَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ أَمْ لَا (الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ فَلَا يَكُونُ لُبْسًا فَلَا فِدْيَةَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ الْمَسْحُ فَيَكُونُ لُبْسًا فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جِرَاحَةٌ فَشَدَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي الرَّأْسِ الْمَخِيطُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ لَفَّ وَسَطَهُ بِعِمَامَةٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فَلَا فِدْيَةَ لَهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ اللُّبْسُ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ لكن الصبى لا يأثم وتجب الْفِدْيَةُ وَهَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِ أَمْ مَالِ الولي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ عُذْرٌ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ ففيه مسائل (احداها) إذَا احْتَاجَ إلَى سَتْرِ رَأْسِهِ أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِعُذْرٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ أَوْ احْتَاجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى سَتْرِ الْوَجْهِ جَازَ الستر ووجبت الفديد لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى من رأسه ففدية) الْآيَةَ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ رِدَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُ الْقَمِيصِ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ ولو لم يجد ازار أو وجد سراويل نظران لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إزَارٌ لِصِغَرِهِ أَوْ لِعَدَمِ آلَةِ الْخِيَاطَةِ أَوْ لِخَوْفِ التَّخَلُّفِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ لُبْسُهُ وَلَا فِدْيَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ * وَإِنْ تَأَتَّى مِنْهُ إزَارٌ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ فَهَلْ يَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ عَلَى حَالِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ العراقييين وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ إزَارًا فَإِنْ لَبِسَهُ سَرَاوِيلَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قطع الفواراني وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى السَّرَاوِيلِ

وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ قَطْعِهِ مَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ مَالٍ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِالسَّرَاوِيلِ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ عَلَى صِفَتِهِ فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ * صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلَّيْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ فَقَدَ الرِّدَاءَ وَوَجَدَ الْقَمِيصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ بَلْ يَرْتَدِي بِهِ كَمَا سَبَقَ * وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ لِعَدَمِ الْإِزَارِ فَلَبِسَهُ فَلَا فِدْيَةَ * وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ فَلَوْ وَجَدَ الْإِزَارَ لَزِمَهُ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ إنْ كَانَ عَالِمًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ * وَإِذَا وَجَدَ السَّرَاوِيلَ وَوَجَدَ إزار يُبَاعُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ أَوْ كَانَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ جَازَ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ الْإِزَارُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بَلْ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ لِمَشَقَّةِ الْمِنَّةِ فِي قَبُولِهِ وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَمَنُهُ فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ وَلَدَهُ فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ ببذل الولد المال للمعضوب وَسَبَقَ فِي بَذْلِ ثَمَنِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ مِثْلُهُ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ لو اعير ازار لَمْ يَجُزْ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي وُجُوبِ قَبُولِهِ عَارِيَّةَ الثَّوْبِ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وُجُوبُهُ وَهُنَا أَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ كَطُولِ زَمَانِ لُبْسِهِ هنا في العادة ولو كان مع سَرَاوِيلُ قِيمَتُهُ قِيمَةُ إزَارٍ فَقَدْ أَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ أنه يلزمه أن يستبدل به ازار إذَا أَمْكَنَهُ * وَالصَّوَابُ

التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ * قَالَ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُضِيِّ زَمَانٍ تَظْهَرُ فِيهِ عَوْرَتُهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ جَازَ لُبْسُ الْمَدَاسِ وَهُوَ الْمُكَعَّبُ وَلُبْسُ خُفَّيْنِ مَقْطُوعَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ * وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ لِفَقْدِ النَّعْلَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَجَبَ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا قُلْنَا فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِزَارِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَدَاسِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى النَّعْلَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الْإِبَاحَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَسْحِ يُنْتَقَضُ بِالْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَعَ تَحْرِيمِ لُبْسِهِ وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَازَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ لَمْ يَضُرَّ اسْتِتَارُ ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ بِبَاقِيهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِعَقْدِ الْإِزَارِ وَالْخُفِّ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ لِعَقْدِهِ أَوْ لِعَدَمِ بَذْلِ مَالِكِهِ أَوْ عَجْزٍ عَنْ ثَمَنِهِ وَأُجْرَتِهِ وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ أَوْ نَسِيئَةٍ أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَم * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي سبق كله في أحكام الرجل (أَمَّا) الْمَرْأَةُ فَالْوَجْهُ فِي حَقِّهَا كَرَأْسِ الرَّجُلِ فَيَحْرُمُ سَتْرُهُ بِكُلِّ سَاتِرٍ كَمَا سَبَقَ فِي رَأْسِ الرَّجُلِ وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَسَائِرِ بَدَنِهَا بِالْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ

كَالْقَمِيصِ وَالْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَتَسْتُرُ مِنْ الْوَجْهِ الْقَدْرَ اليسير الذى بلى الرَّأْسَ لِأَنَّ سَتْرَ الرَّأْسِ وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِذَلِكَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْوَجْهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهَا أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا مُتَجَافِيًا عَنْهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ فَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أو خوف

فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ * فَإِنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَتْ الثَّوْبَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَرَفَعَتْهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ اسْتَدَامَتْهُ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَحْرِيمُهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَيَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ (وَالثَّانِي) لَا يَحْرُمُ وَلَا فِدْيَةَ وَلَوْ اخْتَضَبَتْ وَلَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً فَوْقَ الْخِضَابِ أَوْ لَفَّتْهَا بِلَا خِضَابٍ فَالْمَذْهَبُ لَا فِدْيَةَ وَقِيلَ قَوْلَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنْ لَمْ تَشُدَّ الْخِرْقَةَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ عِنْدَ اسْتِحْبَابِ الْحِنَّاءِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ *

(فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ حُكْمُ الْحُرَّةِ (فَأَمَّا) الْأَمَةُ فَفِي عَوْرَتِهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا (وَالثَّانِي) جَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا رَأْسَهَا ويديها وساقيها * قال فعلى هذا الثاني فيها وَجْهَانِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ هِيَ كَالْحُرَّةِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ فِي كل ما ذكرناه قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ وَفِي سَاقَيْهَا وَرَأْسِهَا وَجْهَانِ كَالْقُفَّازَيْنِ لِلْحُرَّةِ * قَالَ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ كَالرَّجُلِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي حُكْمِ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِي) كَالْمَرْأَةِ * قَالَ وَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا حُرًّا وَنِصْفُهَا رَقِيقًا فَهَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) (أَمَّا) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَتَرَ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ سَتَرَ رَأْسَهُ فَلَا فِدْيَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ فَإِنْ قَالَ أَكْشِفُ رَأْسِي وَوَجْهِي قُلْنَا فِيهِ تَرْكٌ لِلْوَاجِبِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ يُؤْمَرُ بِكَشْفِ الْوَجْهِ كَانَ صَحِيحًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَكَشْفُ وَجْهِهِ لَا يُؤْثِرُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ الْوَاجِبُ قال صاحب البيان وعلى قياس قَوْلِ أَبِي الْفُتُوحِ إذَا لَبِسَ الْخُنْثَى قَمِيصًا والخف أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا فَلَا فِدْيَةَ لِجَوَازِ كونه امرأة ويستحب ان لا يستتر بِالْقَمِيصِ وَالْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَخِيطِ * هَكَذَا ذَكَرَ حُكْمَ الْخُنْثَى جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه

لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ كَمَا نَأْمُرُهُ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَسْتَتِرَ كَالْمَرْأَةِ قَالَ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ احْتِيَاطًا كَمَا يَلْزَمُهُ السَّتْرُ فِي صَلَاتِهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ خُفَّيْنِ بِشَرْطِ قَطْعِهِمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهِمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ وَالنَّخَعِيِّ * وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ لُبْسُهُمَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ * وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ يَعْنِي الْمُحْرِمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَوَّلِ الفصل إلى

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَلِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُجْمَلٌ فَوَجَبَ تَرْجِيحُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَافِظَانِ عَدْلَانِ لَا مخالفة بينهما لكن زاد أَحَدَهُمَا زِيَادَةٌ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا جَازَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ وَإِنْ عَدِمَ الْإِزَارَ فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ * وَقَالَ الرَّازِيّ مِنْ الخفية يَجُوزُ لُبْسُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ * وَدَلِيلُنَا حَدِيثِ ابْنِ عمر وابن عباس المذكوين فِي الْفَرْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ عَدِمَ النَّعْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَمْ يَجِدْ الرِّدَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لُبْسُهُ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ عَدَلَ إلَى السَّرَاوِيلِ وَلِأَنَّ السَّرَاوِيلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يتزز بِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِالْقَمِيصِ (وَإِذَا قُلْنَا) لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِالسَّرَاوِيلِ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْقَبَاءِ سَوَاءٌ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِمَعْنَاهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ * وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْخِرَقِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَجُوزُ لُبْسُهُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ * دَلِيلُنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْقَبَاءَ وَلَا ثَوْبًا يَمَسُّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ) رَوَاهُ

الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ ذِكْرُ الْقَبَاءِ صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ فَكَانَ مُحَرَّمًا مُوجِبًا لِلْفِدْيَةِ كَالْجُبَّةِ (وأما) تَشْبِيهُهُمْ إيَّاهُ بِمَنْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ فَلَا يَصِحُّ لان ذلك لا يُسَمَّى لُبْسًا فِي الْقَمِيصِ وَيُسَمَّى لُبْسًا فِي القباء ولانه غير معتاد في القميص ومعتاد فِي الْقَبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ في المحمل بما شاء زاكيا وَنَازِلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّمَانُ يَسِيرًا فِي الْمَحْمَلِ فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَوَافَقُونَا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ * وَقَدْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس ابن أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ (صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْطَرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وعن ابن عُمَرَ (أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يعود كما ولدته امه) وراه البيهقى وضعفه * دليلنا حَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والآخر

رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فقد ذكرنا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَكَذَا فِعْلُ عُمَرَ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَلَوْ كَانَ فَحَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ كَرَأْسِهِ * وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ (وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ ابن ثَابِتٍ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ حُرُمٌ) وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّ الْقَاسِمَ لَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ وَأَدْرَكَ مَرْوَانَ * وَاخْتَلَفُوا فِي إمْكَانِ إدْرَاكِهِ زَيْدًا * وَرَوَى مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ) (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ لِصِيَانَةِ رَأْسِهِ لَا لِقَصْدِ كَشْفِ وَجْهِهِ فَإِنَّهُمْ لَوْ غَطَّوْا وَجْهَهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولَانِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ سَتْرِ رأس الميت ووجهه وَالشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ يَقُولُونَ يُبَاحُ سَتْرُ الْوَجْهِ دُونَ الرَّأْسِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَمُعَارَضٌ بِفِعْلِ عُثْمَانَ وَمُوَافِقِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كَرَاهَتَهُ وَعَنْ مالك انه لا يجوز * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه استعمال الطيب في ثيابه وبدنه لِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أو زعفران) وتجب به الفدية قياسا على الحلق ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب وتجب به الفدية قياسا علي ما مسه الورس والزعفران وإن علق بخفه طيب وجبت به الفدية لانه ملبوس فهو كالثوب ويحرم عليه استعمال الطيب في بدنة ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا أن يستعط به ولا يحتقن فان استعمله في شئ من ذلك لزمته الفدية لانه إذا وجب ذلك فيما يستعمله في الثياب فلان يجب فيما يستعمله في بدنه أولي وإن كان الطيب في طعام نظرت فان ظهر في طعمه أو رائحته لم يجز أكله وتجب به الفدية وان ظهر ذلك في لونه وصبغ به اللسان من غير طعم ولا رائحة فقد قال في المختصر الاوسط

من الحج لا يجوز وقال في الام والاملاء يجوز قال أبو إسحق يجوز قولا واحدا وتأول قوله في الاوسط على ما إذا كانت له رائحة وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لان اللون احدي صفات الطيب فمنع من استعماله كالطعم والرائحة (والثاني) يجوز وهو الصحيح لان الطيب بالطعم والرائحة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ إنَّمَا قَاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ السَّابِقِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ عَلِقَ بِخُفِّهِ طِيبٌ قَالَ الْفَارِقِيُّ وَفَرْضُ هَذَا فِي النَّعْلِ أَوْلَى لِأَنَّ النَّعْلَ يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ وَالْخُفُّ يَحْرُمُ لُبْسُهُ قَالَ وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَهُ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَعَلِقَ بِهِ الطِّيبُ فَيَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي النَّعْلِ وَفِي الْخُفِّ كَمَا ذَكَرَهُ وَفِيمَا لَوْ لَبِسَ خُفًّا مَقْطُوعًا لِلْعَجْزِ عَنْ النَّعْلَيْنِ وَفِيمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُمَا وَعَلِقَ بِهِ طِيبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ تَحْرِيمَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتِعْمَالُ الطِّيبِ هُوَ أَنْ يَلْصَقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الطِّيبِ فَلَوْ طَيَّبَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ بِغَالِيَةٍ أَوْ مِسْكٍ

مَسْحُوقٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ الالصاق بظاهر البدن لو بَاطِنِهِ بِأَنْ أَكَلَهُ أَوْ احْتَقَنَ بِهِ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ لَطَخَ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهِ اثم ولزمته الفدية ولا خلاف في شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْحُقْنَةَ وَالسَّعُوطَ فَفِيهِمَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِمَا * حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضعيف (والمهشور) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُبَخَّرًا بِالطِّيبِ أَوْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالطِّيبِ أَوْ عَلِقَ بِنَعْلِهِ طِيبٌ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ عَبِقَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ دُونَ عَيْنِهِ بِأَنْ جَلَسَ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُبَخَّرُ أَوْ فِي بَيْتٍ يُبَخِّرُ سَاكِنُوهُ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ ثم ان لم يقصد الموضع لاشمام الرَّائِحَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَصَدَ لِاشْتِمَامِهَا فَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ لِشَمِّ الطِّيبِ * قَالَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ احْتَوَى عَلَى مِجْمَرَةٍ فَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ بَدَنُهُ أَوْ ثِيَابُهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ

بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا وَلَوْ مَسَّ طيبا يابسا كالمسك والكافور والدريرة فَإِنْ عَلِقَ بِيَدِهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ هَكَذَا يَكُونُ وَإِنْ لم يعلق بيده شئ مِنْ عَيْنِهِ لَكِنْ عَبِقَتْ بِهِ الرَّائِحَةُ فَفِي وجوب الفدية قولان (الاصح) عند الاكثرين وهو نَصُّهُ فِي الْأَوْسَطِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا عَنْ مجاوزة فَأَشْبَهَ مَنْ قَعَدَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُبَخَّرُ (وَالثَّانِي) تَجِبُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ نصه فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ لِأَنَّهَا عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ رَطْبًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَطْبٌ وَقَصَدَ مَسَّهُ فَعَلِقَ بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَابِسٌ فَمَسَّهُ فَعَلِقَ بِيَدِهِ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مَسَّهُ قَاصِدًا فَصَارَ كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَطْبٌ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ عَلِقَ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَنْ رش عليه ما وَرْدٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِي نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ القديم وذلك ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ عَدَمَ الْوُجُوبِ (قُلْتُ) هَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِي اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ نَاسِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ شَدَّ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا أَوْ عَنْبَرًا فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ جُبَّتِهِ أو لبسته المرأة حشوا بشئ مِنْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ قَطْعًا لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ شَدَّ الْعُودَ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا بِخِلَافِ شَدِّ الْمِسْكِ وَلَوْ شَمَّ الْوَرْدَ فَقَدْ تَطَيَّبَ وَلَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ فَلَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُ أَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثوبه ولو حمل مسكا أو طيبا غيره فِي كِيسٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَشْدُودًا أَوْ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ أَوْ حَمَلَ الْوَرْدَ فِي وِعَاءٍ فَلَا فِدْيَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَشُمُّ قَصْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا فِي قَارُورَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ فَلَا فِدْيَةَ أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ مَشْقُوقَةً أَوْ مَفْتُوحَةَ الرَّأْسِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طيبا ولو جاش عَلَى فِرَاشٍ مُطَيَّبٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ أَوْ نَامَ عَلَيْهَا مُفْضِيًا إلَيْهَا بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ لزمته الفدية ولو فرض فوقه ثوبا

ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ إنْ كَانَ الثَّوْبُ رَقِيقًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا * وَلَوْ دَاسَ بِنَعْلِهِ طِيبًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ * (فَرْعٌ) لَوْ خَفِيَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ أَوْ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ أَوْ لِغُبَارٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ * وَلَوْ انْغَمَرَ بشئ مِنْ الطِّيبِ فِي غَيْرِهِ كَمَاءِ وَرْدٍ انْمَحَقَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ على أصح الوجهين فلوا انْغَمَرَتْ الرَّائِحَةُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ أَوْ الطَّعْمُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطَّعَامِ الْمُطَيَّبِ (أَمَّا) إذَا أَكَلَ طَعَامًا فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ طِيبٌ آخَرُ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَخْلُوطًا بِالطِّيبِ لَا لِجِهَةِ الْأَكْلِ فَيُنْظَرُ إنْ اُسْتُهْلِكَ الطِّيبُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ فَقَطْ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ طِيبًا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فِدْيَةَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأَوْسَطِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا فِدْيَةَ قَطْعًا * وَإِنْ بَقِيَ الطَّعْمُ فَقَطْ فَثَلَاثُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أصحها) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ كَالرَّائِحَةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ طَرِيقَانِ (وَالثَّالِثُ) لَا فِدْيَةَ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ * وَحَكَى البنديجى طَرِيقًا رَابِعًا لَا فِدْيَةَ قَطْعًا وَلَوْ أَكَلَ الحليحتين الْمُرَبَّى فِي الْوَرْدِ نُظِرَ فِي اسْتِهْلَاكِ الْوَرْدِ فيه وعدمه قال الرافعي ويجئ فيه هذا التفصيل وأطلق الدَّارِمِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَرْدٌ ظَاهِرٌ وجبت الفدية قال المارودى وَالرُّويَانِيُّ لَوْ أَكَلَ الْعُودَ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لانه لا يعد تطيبا إلَّا بِالتَّبَخُّرِ بِهِ بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ أَخَشْمَ لَا يَجِدُ رَائِحَةً فَاسْتَعْمَلَ الطِّيبَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ وُجِدَ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَ لِحْيَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شُعُورِهِ الَّتِي لَا يَنْفَعُهُ نَتْفُهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعِدَّةِ وَالْبَيَانِ *

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ لَبِسَ إزَارًا مطيبا لزمه فدية واحدة للطيب ولا شئ عَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ لِأَنَّ لُبْسَ الْإِزَارِ مُبَاحٌ قَالَ وَإِنْ جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ الْغَالِيَةَ لَزِمَهُ فِدْيَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلطِّيبِ وَالثَّانِيَةُ لِتَغْطِيَتِهِ رَأْسَهُ وَهُمَا جِنْسَانِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ * هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَكَذَا نَقَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ لَبِسَ إزَارًا غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَلَبِسَ فَوْقَهُ إزَارًا آخَرَ مُطَيَّبًا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ وَجْهَانِ يَعْنِي هَلْ تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ أَمْ فِدْيَتَانِ الْأَصَحُّ فِدْيَةٌ لِأَنَّ جِنْسَ الْإِزَارِ مُبَاحٌ وَلَوْ طَبَّقَ أُزُرًا كثيرة بعضها فوق بعض جاز * قال المصنف رحمه الله * (والطيب ما يتطيب به ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والصندل والورد والياسمين والورس والزعفران وفى الريحان الفارسى والمرزنجوش واللينوفر والنرجس قولان (أحدهما) يجوز شمها لما روى عثمان رضي الله عنه (أنه سئل عن المحرم يدخل البستان فقال نعم ويشم الريحان) وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا رَائِحَةٌ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَإِذَا جَفَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَائِحَةٌ (والثانى) لا يجوز لانه يراد للرائحة فهو كالورد والزعفران (وأما) البنفسج فقد قال الشافعي ليس هو بطيب فمن أصحابنا من قال هو طيب قولا واحدا لانه تشم رائحته ويتخذ منه الدهن فهو كالورد وتأول قول الشافعي على المربب بالسكر ومنهم من قال هو بطيب قولا واحدا لانه يراد وفيه قولا واحدا لانه يراد للتداوي ولا يتخذ من يابسه طيب ومنهم من قال هو كالنرجس والريحان وفيه قولان لانه يشم رطبه ولا يتخذ من يابسه طيب (وأما) الاترج فليس بطيب لقوله صلى الله عليه وسلم (وليلبسن ما أحببن من المعصفر لانه يراد للون فهو كاللون والحناء ليس بطيب لما روى (إنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كن يختضبن بالحناء وهن محرمات) ولانه يراد للون فهو كالعصفر * ولا يجوز أن يستعمل الادهان المطيبة كدهن الورد والزنبق ودهن البان المنشوش وتجب بها الفدية لانه يراد للرائحة (وأما) غير المطيب كالزيت والشيرج والبان غير المنشوش فانه يجوز استعمالها في غير الرأس واللحية لانه ليس فيه طيب ولا تزيين ولا يحرم استعمالها في شعر الرأس واللحية لانه يرجل الشعر ويزينه وتجب به الفدية فان استعمله

في رأسه وهو أصلع جاز لانه ليس فيه تزيين وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لانه يحسن الشعر إذا نبت * ويجوز أن يجلس عند العطار وفى موضع يبخر لان في المنع من ذلك مشقة ولان ذلك ليس بتطيب مقصود والمستحب أن يتوقى ذلك الا أن يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهى تجمر فلا يكره ذلك لان الجلوس عندها قربة فلا يستحب تركها لامر مباح * وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة والمسك في نافجة ولا فدية عليه لان دونه حائلا * وإن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان (أحدهما) لا فدية عليه لانه رائحة عن مجاورة فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه (والثانى) يجب لان المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك * وان كان عليه طيب فاراد غسله فالمستحب أن يولى غيره غسله حتي لا يباشره بيده فان غسله بنفسه جاز لان غسله ترك له فلا يتعلق به تحريم كما لو دخل دار غيره بغير اذنه فاراد ان يخرج * وإن حصل عليه طيب ولا يقدر علي ازالته بغير الماء وهو محدث ومعه من الماء ما لا يكفى الطيب والوضوء غسل به الطيب لان الوضوء له بدل وغسل الطيب لا بدل له وان كان عليه نجاسة استعمل الماء في ازالة النجاسة لان النجاسة تمنع صحة الصلاة والطيب لا يمنع صحة الحج *

(الشرح) أما حديث (وليلبس مَا أَحْبَبْنَ) فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ فغريب وصح عن ابن عباس معناه فدكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَنَّهُ قَالَ (يَشُمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَتَدَاوَى بِأَكْلِ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ بِشَمِّ الرَّيْحَانِ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَكْسَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ فَرَوَى بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ شَمَّ الرَّيْحَانِ لِلْمُحْرِمِ (والثانى) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ عَنْ الرَّيْحَانِ أَيَشُمُّهُ الْمُحْرِمُ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ فَقَالَ لَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُنَّ يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ مُحْرِمَاتٌ) فَغَرِيبٌ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَإِنَّمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ فَقَالَتْ (كَانَ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبُّ رِيحَهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحِنَّاءَ لَيْسَ بِطِيبٍ فَقَدْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ وَلَا يُحِبُّ رِيحَ الْحِنَّاءِ) (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْيَاسَمِينُ وَالْيَاسَمُونُ إنْ شِئْتَ أَعْرَبْتَهُ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْإِعْرَابَ فِي النون لغتان (وَأَمَّا) الْوَرْسُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثمار (وأما) الريحان الفارسى فهو الضمران (وَأَمَّا) الْمَرْزَنْجُوشُ فَمِيمٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ جِيمٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ وَاوٌ ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُشْبِهُ الغسلة بكسر العين والعوام يصحنونه (وَأَمَّا) اللِّينُوفَرُ فَهَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ بِلَامَيْنِ وَذَكَرَ أَبُو حَفْصِ بْنُ مَكِّيٍّ الصَّقَلِّيُّ الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ (تَثْقِيفُ اللِّسَانِ) أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ نيلوفر بفتح النون واللام ونينوفر بنلونين مفتوحتين وَلَا يُقَالُ نَيْنَوْفَر بِكَسْرِ النُّونِ وَجَعَلَهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا رَائِحَةٌ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَإِذَا جَفَّتْ لَمْ يكن لها رائحة يعني فلا يكون طبيا لِأَنَّ الطِّيبَ هُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الطِّيبُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّ رَائِحَتَهَا تَخْتَصُّ بِحَالِ الرُّطُوبَةِ (قَوْلُهُ) وَيَشُمُّ الرَّيْحَانَ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ (قَوْلُهُ) الْأُتْرُجُّ هُوَ بضم الهمزة والراء وإسكان التَّاءِ بَيْنَهُمَا وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَيُقَالُ تُرُنْجٌ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (وَأَمَّا) الْحِنَّاءُ فَمَمْدُودٌ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدَةُ حِنَّاءَةٌ كَقِثَّاءٍ وَقِثَّاءَةٍ (قَوْلُهُ) كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالزَّنْبَقِ هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ ثُمَّ نُونٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ

مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ قَافٌ وَهُوَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ الْأَبْيَضِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ هُوَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ فَلَمْ يَخُصَّهُ بِالْأَبْيَضِ وَهُوَ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ (قَوْلُهُ) دُهْنُ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ هُوَ بِالنُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُكَرَّرَةِ وَمَعْنَاهُ الْمَغْلِيُّ بِالنَّارِ وَهُوَ يُغْلَى بِالْمِسْكِ (قَوْلُهُ) الْكَعْبَةُ وَهِيَ تُجَمَّرُ بِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ تَبَخَّرُ (قَوْلُهُ) الْمِسْكُ فِي نَافِجَةٍ هِيَ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ وِعَاؤُهُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي تُلْقِيهِ الظَّبْيَةُ (قَوْلُهُ) عَبِقَتْ رَائِحَتُهُ هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ فَاحَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الطِّيبِ الَّذِي يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ الطِّيبَ وَاتِّخَاذَ الطِّيبِ مِنْهُ أَوْ يَظْهَرَ فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ هَذَا ضَابِطُهُ ثُمَّ فَصَّلُوهُ فَقَالُوا: الْأَصْلُ فِي الطِّيبِ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ والكافور والعود والصندل والدريرة وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْكَافُورُ صَمْغُ شَجَرٍ مَعْرُوفٍ (وَأَمَّا) النَّبَاتُ الَّذِي لَهُ رَائِحَةٌ فَأَنْوَاعٌ (مِنْهَا) مَا يُطْلَبُ لِلتَّطْيِيبِ وَاتِّخَاذِ الطِّيبِ مِنْهُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَنَحْوِهَا فَكُلُّ هَذَا طِيبٌ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وجه شاذ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْخَيْرِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَلَى الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَنَبَّهْنَا بِهِمَا عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَمَا فَوْقَهُمَا كَالْمِسْكِ (وَمِنْهَا) مَا يطلب للاكل أو للتداوي غالبا كالقرنفل والدارسينى وَالْفُلْفُلِ وَالْمَصْطَكَى وَالسُّنْبُلِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ كُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَشَمُّهُ وَصَبْغُ الثَّوْبِ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ سَوَاءٌ قَلِيلُهُ وكثيره ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا الْقُرُنْفُلِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ (وَالثَّانِي) قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ طِيبٌ * قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَمِنْهَا) مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُرَادُ لِلطِّيبِ كَنَوْرِ أَشْجَارِ الفواكه كالتفاح والمشمش والكمثرى والسفرجل وكالشبح والعيصوم وشقائق النعمان والادخر والخزامى

وَسَائِرِ أَزْهَارِ الْبَرَارِيِّ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِطِيبٍ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَشَمُّهُ وَصَبْغُ الثَّوْبِ بِهِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَمِنْهَا) مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الطِّيبُ كَالنِّرْجِسِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَالْآسِ وَسَائِرِ الرَّيَاحِينِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ حكاهما الْبَنْدَنِيجِيُّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ أَنَّهَا طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا طِيبٌ مُوجِبَةٌ لِلْفِدْيَةِ (وَالْقَدِيمُ) لَيْسَتْ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ * وَمِمَّنْ ذَكَرَ كُلَّ الرَّيَاحِينِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَحَكَى فِيهَا الْقَوْلَيْنِ المحاملى والبندنيجى وصاحب البيان (وأما) اللنيلوفر فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَشْهُورُ) أَنَّهُ كَالنِّرْجِسِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ (وَالْقَدِيمُ) إبَاحَتُهُ * وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَطَعَ المصنف في التلبيه بأنه ليس بطيب وهو شاذ ضعيف (وأما) البنفسح ففيه ثلاث طرق مشهورة ذكرها المصنف (أصحهما) أَنَّهُ طِيبٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ طِيبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ تأويلين (أحدهما) انه مَحْمُولٌ عَلَى الْمُرَبَّى بِالسُّكَّرِ الَّذِي ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَنَفْسَجِ الْبَرِّيِّ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَادَةُ كُلِّ بَلَدٍ فِيمَا يُتَّخَذُ طِيبًا قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) الْحِنَّاءُ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَا بِطِيبٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا فدية فيهما كَيْفَ اسْتَعْمَلَهُمَا * وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ اخْتَضَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ وَلَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خرقة فعليها (1) قَالَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ بِطِيبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي لَفِّ الْخِرْقَةِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْقُفَّازَيْنِ * هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ شَارِحُ الْإِبَانَةِ هُوَ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ الْحِنَّاءُ هَلْ هُوَ طِيبٌ أَمْ لَا (قِيلَ) فِيهِ قَوْلَانِ (وَقِيلَ) لَيْسَ بِطِيبٍ قَطْعًا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي حَكَيَاهُ غَلَطٌ وَالْمَشْهُورُ المعروف فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْخِرَقِ الْمَلْفُوفَةِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه واضحا والله أعلم *

_ (1) كذا بالاصل فليحرر

(فَرْعٌ) فِي أَنْوَاعٍ مِنْ النَّبَاتِ غَرِيبَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ (مِنْهَا) الْكَاذِي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طِيبٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْمِسْكِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ نَبَاتٌ يُشْبِهُ السَّوْسَنَ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ طيب الماوردى وصاحب البيان (ومنها) للفاح ذكر المحاملي والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والبغوى والمتولي وصاحب العدة انه على القولين كالنجرس * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلَانِ فِي النَّمَّامِ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ قَالَ وَيَجْرِيَانِ فِي السَّوْسَنِ وَالْبَرَمِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ النَّمَّامُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالنِّرْجِسِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ قَطْعًا كَالْبُقُولِ * قَالَ الدَّارِمِيُّ الْأُتْرُجُّ وَالنَّارِنْجُ لَيْسَا بِطِيبٍ قال وأما قشورهما فقال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَيْسَتْ بِطِيبٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالرَّيْحَانِ * هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا * (فَرْعٌ) حَبُّ الْمَحْلَبِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَيْسَ هُوَ بِطِيبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَفِيمَا قَالَهُ احْتِمَالٌ * (فَرْعٌ) الْأَدْهَانُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) دُهْنٌ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِيهِ طِيبٌ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَّا فِي الرأس واللحية فيحرم استعماله فيها بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ كَانَ أصلع لا تنبت رأسه شعر فدهن رأسه أو أمر دفدهن ذقته فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَحْلُوقَ الرَّأْسِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لما ذكره الصمنف (والثاني) لا فدية لانه لا يزول بِهِ شَعَثٌ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْفُورَانِيِّ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الدُّهْنِ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ غَيْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ سَوَاءٌ شَعْرُهُ وَبَشَرُهُ وَعَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ * وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَجَّةٌ فَجَعَلَ هَذَا الدُّهْنَ فِي دَاخِلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ شَعْرًا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ طَلَى شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِلَبَنٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ السَّمْنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُهْنٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ * قَالَ وَأَمَّا الشَّحْمُ وَالشَّمْعُ إذَا أُذِيبَا فَهُمَا كَالدُّهْنِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ تَرْجِيلُ شَعْرِهِ بِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الضَّرْبُ الثَّانِي) دُهْنٌ هُوَ طِيبٌ (فَمِنْهُ) دُهْنُ الورد والمذهب وجوب الفدية وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ

(وَقِيلَ) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَمِنْهُ) دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ فَإِنْ لَمْ نوجب الْفِدْيَةُ فِي نَفْسِ الْبَنَفْسَجِ فَدُهْنُهُ أَوْلَى وَإِلَّا فَكَدُهْنِ الْوَرْدِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مَا طُرِحَ فِيهِ الْوَرْدُ وَالْبَنَفْسَجُ فَهُوَ دُهْنُهُمَا وَلَوْ طُرِحَا عَلَى السِّمْسِمِ فَأَخَذَ رَائِحَتَهُ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ الدُّهْنُ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ وَخَالَفَهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَأَوْجَبَهَا (وَمِنْهُ) الْبَانُ وَدُهْنُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طِيبٌ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِطِيبٍ وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ هُمَا محمولان على تفصيل حكاه صاحب المهذب وَالتَّهْذِيبِ وَهُوَ أَنَّ دُهْنَ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ وَهُوَ المغلى في الطيب وَغَيْرُ الْمَنْشُوشِ لَيْسَ بِطِيبٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ * وَقَدْ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ جَمَاعَاتٌ غَيْرُهُمَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَمِنْهُ) دُهْنُ الزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْكَاذِي وَهَذَا كُلُّهُ طِيبٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) دُهْنُ الْأُتْرُجِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ طِيبٌ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ قِشْرَهُ يُرْبَى بِهِ الدُّهْنُ كَالْوَرْدِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بطيب لان لاترج لَيْسَ بِطِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْكُولٌ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ عَطَّارٍ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ يُبَخَّرُ وَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ حَمْلِ الطِّيبِ فِي قَارُورَةٍ وَخِرْقَةٍ وَحَمْلِ نَافِجَةِ الْمِسْكِ وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ مَسَّ طِيبًا فَعَلِقَتْ بِهِ رَائِحَتُهُ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَتَى لَصِقَ الطِّيبُ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ بِأَنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ أَلْقَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَتِهِ بِأَنْ يُنَحِّيَهُ أَوْ يَغْسِلَهُ أَوْ يُعَالِجَهُ بِمَا يَقْطَعُ ريحه * قال الدارمي وغيره لوحته حتى ذهب أثره

كفاه * قال المصنف والاصحاب الْأَوْلَى يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِإِزَالَتِهِ وَلَا يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ أَخَّرَ إزَالَتَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ كَانَ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ * وَلَوْ لَصِقَ بِهِ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَزِمَهُ أَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَصَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِهِ الْفِدْيَةُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ أَوْ إزَالَةِ الطِّيبِ وَلَا يَكْفِيه لَهُمَا وَهُوَ مُحْدِثٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ الطِّيبِ بِغَيْرِ الْمَاءِ غَسَلَ الطِّيبَ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَيَتَيَمَّمُ * هَكَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَجْمَعَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ بِهِ الطِّيبَ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَجَبَ فِعْلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ * وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا غَسْلُ أَحَدِهِمَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شِرَى الطِّيبِ كَمَا لَا يُكْرَهُ شِرَى الْمَخِيطِ وَالْجَارِيَةِ * (فَرْعٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ أن يكتحل بِمَا فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ جَازَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَهُ الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (وَأَمَّا) الْكَرَاهَةُ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَقِيلَ قَوْلَانِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه زينة كالتوتيا الْأَبْيَضِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الطِّيبَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ * وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَخَّرَ أَوْ يَجْعَلَهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يَنْفُضُ الطِّيبَ أن لَمْ يَكُنْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ وَالنِّدِّ وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يجعله على ظاهر ثَوْبِهِ فَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَاطِنِهِ وَكَانَ الثَّوْبُ لا ينفض فلا شئ عليه وإن كان ينفض لزمه الْفِدْيَةُ * دَلِيلُنَا حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يلبس ثبوا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا يَنْفُضُ وَغَيْرَهُ *

(فَرْعٌ) الْحِنَّاءُ لَيْسَ بِطِيبٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ * (فَرْعٌ) إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا فَلَا فِدْيَةَ وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ بِطِيبٍ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَعَطَاءٍ قَالَ وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمِمَّنْ تَبِعَهُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَفَضَ عَلَى الْبَدَنِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا وَجَبَتْ صَدَقَةٌ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) إذَا حَصَلَ الطِّيبُ فِي مَطْبُوخٍ أَوْ مَشْرُوبٍ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ فَلَا فِدْيَةَ فِي أَكْلِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِأَكْلِهِ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فدية * ودليلنا ان مقصود الطيب وهو التَّرَفُّهُ بَاقٍ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الزَّيْتَ وَالشَّيْرَجَ وَالسَّمْنَ وَالزُّبْدَ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَدْهَانِ غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهَا فِي بَدَنِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ * وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ وَشَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْهُنَ بِهَا أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَيَجُوزُ دَهْنُ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ مَا يُوَارَى بِاللِّبَاسِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا فِي السَّمْنِ وَالزُّبْدِ وَخَالَفَنَا فِي الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ فَقَالَ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ * وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ فَلَا فِدْيَةَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ * وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ دَهْنُ رَأْسِهِ ولحيته وبدنه بدهن غيره مطيب * واحتج أصحابنا بحديث فرقد السنجي الزَّاهِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غَيْرِ مُقَتَّتٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفَرْقَدٌ غَيْرُ قَوِيٍّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يعرف إلا

مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (وَقَوْلُهُ) غَيْرِ مُقَتَّتٍ أَيْ غَيْرِ مُطَيَّبٍ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى حَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ الشَّرْعُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ * هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ (أَمَّا) مَنْ أَبَاحَهُ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي تحريم الرياحين قولان (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولَانِ يَحْرُمُ وَلَا فِدْيَةَ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتُلِفَ فِي الْفِدْيَةِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَحْمَدَ وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ وَقَالَ هُوَ حَلَالٌ لَا فِدْيَةَ فِيهِ عُثْمَانُ وابن عباس والحسن البصري ومجاهد واسحق قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ جُلُوسِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ الْعَطَّارِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَأَوْجَبَ عَطَاءٌ فِيهِ الْفِدْيَةَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالشَّيْرَجَ وَالسَّمْنَ قَالَ وَأَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ بالزيت والشحم والشيرج والسمن قيل وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ الطيب في جميع بدنه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه أن يتزوج وأن يزوج غيره بالوكالة وبالولاية الخاصة فان تزوج أو زوج فالنكاح باطل لما روي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا ينكح ولا يخطب ولانه عبادة تحرم الطيب فحرمت النكاح كالعدة وهل يجوز للامام أو الحاكم أن يزوج بولاية الحكم فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز كما لا يجوز أن يزوج بالولاية الخاصة (والثانى) يجوز لان الولاية العامة آكد والدليل عليه أنه يملك بالولاية العامة ان يزوج المسلمة والكافرة ولا يملك بالولاية الخاصة * ويجوز أن يشهد في النكاح وقال أبو سعيد الاصطخرى لا يجوز لانه ركن في العقد فلم يجز أن يكون محرما كالولي (والمذهب) انه يجوز لان العقد بالايجاب والقبول والشاهد لا صنع له في ذلك * وتكره له الخطبة لان النكاح لا يجوز فكرهت الخطبة له ويجوز له أن يراجع الزوجة في الاحرام لان الرجعة كاستدامة

النكاح بدليل انها تصح من غير ولي ولا شهود وتصح من العبد الرجعة بغير اذن الولى فلم يمنع الاحرامنه كالبقاء على العقد * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُثْمَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ (وَالثَّانِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَخْطِبُ) مَعْنَاهُ لَا يَخْطِبُ الْمَرْأَةَ وَهُوَ طَلَبُ زَوَاجِهَا * هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ فِي كِتَابِهِ (فوائد المهذب) الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْ الْعَقْدِ وَهِيَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ) فَغَلَطٌ صَرِيحٌ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ وَلَا أَدْرِي مَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الذى تعسفه وتجسر عليه لولا خوفى من اغترار بعض المتفقهين به لما استخرت حكايته والله أعلم * (أما) حكم الْفَصْلِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَ مَوْلِيَّتَهُ بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الْعُصُوبَةُ وَالْوَلَاءُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْوَلِيُّ أو وكيل الوزج أَوْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ مُحْرِمًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ والنهى يقتضي الفساد وهل يجوز للامام والقاضى أن يزوج بالولاية العامة فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دُونَ الْقَاضِي وَحَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ * وَهَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْمُحْرِمِ شَاهِدًا فِي الْعَقْدِ وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِ فِيهِ وجهان ذكرهما المصنف بدليهما (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْعَقِدُ قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَشْهَدُ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَلِيِّ * وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَعَنْ الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْوَلِيَّ مُتَعَيَّنٌ كَالزَّوْجِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ فِعْلٌ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لَهُ خِطْبَةُ الْمَرْأَةِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ قُلْتُمْ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ وَتُكْرَهُ الْخِطْبَةُ وَقَدْ قَرَنَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْحَدِيثِ (قلنا) لا يمتنع مثل ذلك كقوله تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه يوم حصاده) وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِلْحَلَالِ خِطْبَةُ مُحْرِمَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ إحْلَالِهَا وَلَا تَحْرُمُ بِخِلَافِ خِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا

أَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ تَعْجِيلِ تَحَلُّلِهَا فِي وَقْتِهِ وَالْمُعْتَدَّةُ لَا يُمْكِنُهَا تَعْجِيلٌ فَرُبَّمَا غَلَبَتْهَا الشَّهْوَةُ فَأَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَاَللَّهُ أعلم * قال الندنيجي وغيره ويكره للمحرم أن يخطب لغيره أيضا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَيْهِ امْرَأَةٌ عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتُزَفُّ الْمُحْرِمَةُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُحْرِمُ الْمُحْرِمَةَ وَالْمُحِلَّةَ سَوَاءٌ أَطَلَّقَهَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ قبله لما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ * وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي تَأْثِيرِ الْإِحْرَامِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) سَلْبُ الْوِلَايَةِ وَنَقْلِهَا إلَى الْأَبْعَدِ كَمَا لَوْ جُنَّ (وَأَصَحُّهُمَا) مُجَرَّدُ الِامْتِنَاعِ دُونَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ فَعَلَى هَذَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا كُلِّهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَالْإِحْرَامُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ * نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَمْنَعُ * (فَرْعٌ) مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ هَلْ يَصِحُّ نِكَاحُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ الحناطي (أصحهما) الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ * (فَرْعٌ) إذَا وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ ثُمَّ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْمَرْأَةُ فَفِي انْعِزَالِ الْوَكِيلِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ينعزل فيزوج بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ * وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِهِ ثُمَّ بَلَغَ فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ لَا يَصِحُّ لان المحرم له عبارة وَإِذْنٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ * وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْحَلَالِ أن يزوج قبل تحلل الموكل * هذا هو الصواب المعروف في المذهب ونقل الغزالي فِي الْوَجِيزِ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ غَلَطٌ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا لَهُ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) إذَا وكله في حال إحْرَامِ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْمَرْأَةِ نُظِرَ إنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ بلا خلاف لانه انما أَذِنَ لَهُ فِيمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أُطَلِّقُ صَحَّ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ النِّكَاحِ دُونَ الْإِذْنِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ أَلْحَقَ الْإِحْرَامَ بِالْجُنُونِ لَمْ يُصَحِّحْهُ * وَلَوْ قَالَ إذَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ فَقَدْ وكلتك فهذا

تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ إنْ صَحَّحْنَاهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذْنُ الْمَرْأَةِ فِي حَالِ إحْرَامِهَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَكِيلِ * وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حلالا بالتزويج في صِحَّتِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ لَيْسَ إلَيْهِ مِنْ العقد شئ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ تَزْوِيجُ وَكِيلِ الْمُصَلِّي بِخِلَافِ وَكِيلِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةَ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ أَحْرَمَ رَجُلٌ ثُمَّ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التزويج قال أبو الحسن ابن الْمَرْزُبَانِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْإِذْنُ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَسَيِّدُهُ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ وَلَا تَزْوِيجُهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَلَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ (قِيلَ) لِابْنِ الْقَطَّانِ فَلَوْ أَذِنَتْ مُحْرِمَةٌ لعبدها في النكاح فقال لا يجوز وهي كَالرَّجُلِ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَعِنْدِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرٌ * هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ كَلَامَ ابْنِ الْقَطَّانِ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي الْجَوَازُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ * (فَرْعٌ) إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ وَأَحْرَمَ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِي إحْرَامِهِ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ نِكَاحًا * هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ وَأَوْضَحَ الْخِلَافَ فِيهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ مَنْصُورُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ (الْمُسْتَعْمَلُ) إذا وكل لمحرم رَجُلًا لِيُزَوِّجَهُ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَصَحَّ تَزَوُّجُهُ بَعْدَ إحْلَالِهِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيُزَوِّجَهُ إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ أَوْ إذَا طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَكِيلِ الْمُحْرِمِ أَنَّ وَكِيلَ الْمُحْرِمِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ مَانِعٌ سِوَى الْإِحْرَامِ وَمُدَّتُهُ مَعْلُومَةٌ وَغَايَتُهُ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ مُدَّةٌ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عِنْدِي فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ لَا يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ * هَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (فَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْإِحْرَامِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِيهَا الصِّحَّةُ وَبِهَا

قطع الجمهور وأما المسألتان الاخيرتان ففيهما وَجْهَانِ سَنُوضِحُهُمَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ وَلَا يَصِحُّ التَّزْوِيجُ * (فَرْعٌ) إذَا تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَزَوَّجَ لَهُ وَكِيلُهُ وَأَحْرَمَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ كَانَ النِّكَاحُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَمْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَادَّعَتْ وُقُوعَهُ فِي الْإِحْرَام فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ وَإِنْ ادَّعَتْ وُقُوعَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَادَّعَى الرَّجُلُ وُقُوعَهُ فِي الْإِحْرَامِ فالقول قولها بيمينها في وجب الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ وَيُحْكَمُ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِتَحْرِيمِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِلَّا فَجَمِيعُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشامل وخلائق * قال صاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجَانِ شَيْئًا وَشَكَّا هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِحْرَامِ أَمْ قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ النِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ فَلَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُهُ قَالَ وَالْوَرَعُ أَنْ يُفَارِقَهَا بِطَلْقَةٍ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُطَلِّقُهَا طَلْقَةً لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ بِيَقِينٍ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وهذا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ثُمَّ قَالَ وَخَرَّجَ أَصْحَابُنَا قَوْلًا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ على بناء مَسْأَلَةِ مَنْ قَدَّ مَلْفُوفًا وَفِيهَا قَوْلَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِحْرَامِ فَقَالَتْ لَا أَدْرِي حكم ببطلانه لا قراره وَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ الْمُحْرِمِ وَلَا تَزْوِيجُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بَشَّارٍ وَالزُّهْرِيِّ

ومالك واحمد واسحق وداود وغيرهم * وقال الحكم والثوري وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ عَلَى الْخُلْعِ وَالرَّجْعَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ وَتَزْوِيجِ السُّلْطَانِ فِي إحْرَامِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَإِنْ) قِيلَ المراد بالنكاح الوطئ (فَالْجَوَابُ) مِنْ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) أَنَّ اللَّفْظَ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ عُرْفُ اللُّغَةِ وَعُرْفُ الشَّرْعِ قُدِّمَ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَعُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ النِّكَاحَ الْعَقْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فانكحوهن باذن أهلهن ولا تعلوضوهن ان ينكحن) (وانكحوا ما طاب لكم من النساء) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا) وَفِي الصَّحِيحِ (انْكِحِي أُسَامَةَ) وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَشَبَهِهَا الْعَقْدُ دُونَ الوطئ (وَأَمَّا) قَوْله تَعَالَى (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقَوْله تَعَالَى (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً) فانما حملنا على الوطئ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَنْكِحُ) علي الوطئ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ لَا يَطَأُ وَلَا يُمَكِّنُ غيره من الوطئ (قُلْنَا) أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ ان يمكن غيره من الوطئ وَهُوَ إذَا زَوَّجَ بِنْتَه حَلَالًا ثُمَّ أَحْرَمَ فانه يلزمه ان يمكن الزوج من الوطئ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ) والخطبة تراد للعقد وكذلك النكاح قالوا يُحْمَلُ (وَلَا يَخْطُبُ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ الوطئ بالطلب والاستدعاء (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْخِطْبَةَ الْمَقْرُونَةَ بِالْعَقْدِ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا إلَّا الْخِطْبَةَ الْمَشْهُورَةَ وَهِيَ طَلَبُ التَّزْوِيجِ (الْجَوَابُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ ان يزوج طلحة بن عمر ابنت شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لِيَحْضُرَ ذَلِكَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا السَّبَبُ والاستدلال منهم

وَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ هَذَا التَّأْوِيلِ * وعن أبى عطفان بن طريف المرنى (أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ ابن الْمُسَيِّبِ (أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَجْمَع أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) وَلِأَنَّهُ نكاح لا يعبه استباحه الوطئ وَلَا الْقُبْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَقْصُودِهِ فَمَنَعَ أَصْلَهُ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عباس في نكاح ميمونة فمن أوجه (أحدها) أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي نِكَاحِ مَيْمُونَةَ فَرَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ تَعَيَّنَ الترجيح فرجحنا رواية الاكثرين انه تزوجها حَلَالًا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الرِّوَايَاتِ تَعَارَضَتْ فَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ (مُحْرِمًا) أَيْ فِي الْحَرَمِ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَيَتَعَيَّنُ التَّأْوِيلُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (الثَّالِثُ) التَّرْجِيحُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا مِنْ جِهَةِ مَيْمُونَةَ وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ وأبى رافع وكان السفير بينهما فَهُمَا أَعْرَفُ فَاعْتِمَادُ رِوَايَتِهِمَا أَوْلَى (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم محرما لم يكن لهم فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي الْخَصَائِصِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ أَقْيِسَتِهِمْ كُلِّهَا فَهُوَ أَنَّهَا كُلَّهَا لَيْسَتْ نِكَاحًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ * وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَلَّا يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَجُوزُ فَالْفَرْقُ بِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا تَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةَ الْأَبَدَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ تَطْلِيقُهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ بِيَقِينٍ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَلَا يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى فَسْخٍ كَالْبَيْعِ الْفَاسِد وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَنْ دَلِيلِهِمْ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا صِحَّةُ رَجْعَةِ الْمُحْرِمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْعُلَمَاءُ إلَّا أَحْمَدَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَإِنَّمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْ النِّكَاحِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه الوطئ في الفرج لقوله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) قال ابن عباس الرفث الجماع وتجب به الكفارة لما روى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمر وعبد الله بن عمر وابن العاص رضي الله عنهم انهم أوجبوا فيه الكفارة ولانه إذا وجبت الكفارة في الحلق فلان تجب في الجماع أولى) * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ سَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ صَحِيحًا أَمْ فَاسِدًا وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُ ذَلِكَ بِفُرُوعِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ

المصنف وسواء الوطئ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وسواء وطئ الزَّوْجَةِ وَالزِّنَا (وَأَمَّا) إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كوطئ الْمَرْأَةِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِيلَاجُ وَالْإِيلَاجُ فِيهِ فَإِنْ أَوْلَجَ غَيْرُهُ فِي دُبُرِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَإِنْ أَوْلَجَ غَيْرُهُ فِي قُبُلِهِ أَوْ أَوْلَجَ هُوَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَفْسُدْ وَلَا كَفَّارَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ. فَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ رَجُلٍ وَأَوْلَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي قُبُلِهِ فَسَدَ حَجُّهُمَا وَلَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ. وَلَوْ لَفَّ الرَّجُلُ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فَفِي فَسَادِ الْحَجِّ بِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الْغُسْلِ (الاصح) فساد الحج ووجوب الغسل * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج لانه إذا حرم عليه النكاح فلان تحرم المباشرة وهى ادعي الي الوطئ أولى وتجب به الكفارة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال (من قبل امرأة وهو محرم فليهرق دما) ولانه فعل محرم في الاحرام فوجبت به الكفارة كالجماع) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ كَالْمُفَاخَذَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالْيَدِ بِشَهْوَةٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَمَتَى ثَبَتَ التَّحْرِيمُ فَبَاشَرَ عَمْدًا بِشَهْوَةٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ شَاةٌ أَوْ بَدَلُهَا مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا * وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ

فِي الْجِمَاعِ وَلَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا * هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاشَرَ عَالِمًا بِالْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مَحْضٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مَعَ النِّسْيَانِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ جِمَاعِ النَّاسِي عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ. وَلَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ ثُمَّ جَامَعَ هَلْ تَنْدَرِجُ الشَّاةُ أم يجبان معا فيه وجهان (وأما) للمس بغير شهوة فليس بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَكَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ تَحْرُمُ كُلُّ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَيْسَ وَجْهًا وَسَبَبُ التَّغْلِيطِ أَنَّهُ قَالَ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ فَفِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى. فَإِنْ اسْتَمْنَى الْمُحْرِمُ فَأَنْزَلَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لُزُومُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهَا وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الْمَرْأَةِ (وَالثَّانِي) لَا فِدْيَةَ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حسين والمتولي والبغوى وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يَنْفَرِدُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالنَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْبِيلِ الْغُلَامِ بِالشَّهْوَةِ (الْأَصَحُّ) وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَالثَّانِي) لَا: قُلْتُ

والصواب في الغلام القطع بالوجوب لانها لِغَيْرِهِ وَهِيَ حَرَامٌ فَأَشْبَهَتْ مُبَاشَرَةَ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير فلا يجوز له أخذه لقوله تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حرما) فان أخذه لم يملكه بالاخذ لان مَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَمْ يملكه بالاخذ من غير اذنه كما لو غصب مال غيره فان كان الصيد لآدمي وجب رده الي مالكه وان كان من المباح وَجَبَ إرْسَالُهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ يأخذه لِأَنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ إذَا أخذه وجب رده إلى مالكه كالمغصوب وان هلك عنده وجب عليه الجزاء لانه مال حرام أخذه لحق الغير فصمنه بالبدل كمال الآدمى. فان خلص صيدا من فم سبع فداواه فمات في يده لم يضمنه لانه قصد الاصلاح * قال الشافعي رحمه الله ولو قيل يضمن لانه تلف في يده كان محتملا ويحرم عليه قتله فان قتله عمدا وجب عليه الجزاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم) وان قتله خطأ وجب عليه الجزاء لان ما ضمن عمده بالمال ضمن خطأه كمال الآدمى ولانه كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْقَتْلِ فَاسْتَوَى

فيه الخطأ والعمد ككفارة القتل. وان كان الصيد مملوكا لآدمي وجب عليه الجزاء والقيمة وقال المزني لا يجب الجزاء في الصيد المملوك لانه يؤدي إلى إيجاب بدلين عن متلف واحد والدليل على أنه يجب أنه كفارة تجب بالقتل فوجبت بقتل المملوك ككفارة القتل ويحرم عليه جرحه لان ما منع من اتلافه لحق الغير منع من إتلاف أجزائه كالآدمي * فان أتلف جزءا منه ضمنه بالجزاء لِأَنَّ مَا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالْبَدَلِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ كالآدمي * ويحرم عليه تنفير الصيد لقوله صلى الله عليه وسلم في مكة (لا ينفر صيدها) وَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ أن يحرم في الاحرام فان نفره فوقع في بئر فهلك أو نهشته حية أو أكله سبع وجب عليه الضمان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ (دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه طائر فخاف أن ينجسه فطيره فنهشته حية فقال طير طردته حتى نهشته الحية فسأل من كان معه أن يحكموا عليه فحكموا عليه بشاة) ولانه هلك بسبب من جهته فأشبه إذا حفر له بثمر أو نصب له أحبولة فهلك بها * ويحرم عليه أن يعين علي قتله بدلالة أو إعارة آلة لان ما حرم قتله حرمت الاعانة علي قتله كالآدمي وإن أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ بِدَلَالَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ فقتل لم يجب عليه الجزاء لان لا ما يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ لَا يَضْمَنُهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى إتْلَافِهِ كمال الغير) * (الشَّرْحُ) (أَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي مَكَّةَ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ حَكَمَا عَلَى عُمَرَ هُمَا عُثْمَانُ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ الصَّحَابِيُّ (قَوْلُهُ) مَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ من غير إذ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ رَأَى صَيْدًا فِي لُجَّةٍ الْبَحْرِ أَوْ فِي مَهْلَكَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالَجَ أَخْذَهُ لَهَلَكَ دُونَهُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهِ فَلَوْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ قَالَ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ أَوْ إلَى شئ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِيهِ قَبْلَ قَضَاءِ وَطَرِهِ فَإِنْ زَاحَمَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ إذَا أَخَذَهُ وَجَبَ رَدُّهُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ يُحْتَرَزُ مِمَّنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى قَصْدِ شُرْبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِحَقِّ اللَّهِ

تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ ثُمَّ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَلْ تَجِبُ إرَاقَتُهَا (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ حَرَامٌ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَضَمِنَهُ بِالْبَدَلِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ احْتِرَازٌ مِمَّنْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فِي أَخْذِ صَيْدٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ إذَا عَالَجَ أَخْذَهُ بِأَنْ كَانَ فِي مَسْبَعَةٍ أَوْ لُجَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مَلَكَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِالْحَرْبِيِّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ مُسْلِمٍ وَبِالْعَبْدِ إذَا أَخَذَ مَالَ سَيِّدِهِ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يَضْمَنُهُ بِالْبَدَلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَالْأَخْذُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ لِيَحْتَرِزَ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْعَبْدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ ما ضمن عمده بالمال ضمن خطأه احْتَرَزَ بِالْمَالِ مِنْ ضَمَانِ الْقِصَاصِ وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ قَتَلَ مَنْ تَتَرَّسَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْكَفَّارَةِ إنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يَضْمَنُ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالْقَتْلِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِالْقَتْلِ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي الْعَمْدِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِمَنْ تَتَرَّسَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاحْتِرَازِ الَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالْبَدَلِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ احْتَرَزَ بِالْبَدَلِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِقَتْلِ النَّفْسِ دُونَ قَطْعِ الطَّرَفِ وَمَعَ هذا فهذا مُنْتَقَضٌ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَهَا بِالْبَدَلِ وَلَا يَضْمَنُ أَجْزَاءَهَا النَّاقِصَةَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يقول وما ضمن جميعه بالبدل ولم يؤذى فِي إتْلَافِ أَجْزَائِهِ ضُمِنَتْ أَجْزَاؤُهُ (قَوْلُهُ) وَإِذَا حَرُمَ ذَلِكَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ فِي الْإِحْرَامِ يَعْنِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ وَالْإِحْرَامُ أَوْلَى لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ وَلِهَذَا يَحْرُمُ فِيهِ الطِّيبُ وَاللِّبَاسُ وَالنِّكَاحُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الحرم (قوله) دخل دار الندوة هي فتح النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ بِمَكَّةَ كَانَتْ مَنْزِلَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَدِّ جَدِّ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم بن عبد مناف ابن قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ صَارَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ فيها لمشاورة وَنَحْوِهَا إذَا عَرَضَ لَهُمْ أَمْرٌ مُهِمٌّ * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّدِيِّ فِيهَا يَتَشَاوَرُونَ وَيُبْرِمُونَ أَمْرَهُمْ وَالنَّدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْجَمَاعَةُ يَنْتَدُونَ أي يتحدثون قال الازرقي والخازمي وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ صَارَتْ دَارُ

النَّدْوَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ فِي جَانِبِهِ الشمالي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوَّلُ دَارٍ بُنِيَتْ بِمَكَّةَ دَارُ النَّدْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ) نَصَبَ أُحْبُولَةً هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ وَهِيَ الْمِصْيَدَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ فِيهَا حبالة بكسر الحاء (قوله) بِدَلَالَةٍ هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ دُلُولَة بِضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ لَا يَضْمَنُهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى إتْلَافِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي فُرُوعٍ مِنْهُ وَدَلَائِلُهُ نص الكتاب والنسة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ صَيْدٍ بَرِّيٍّ مَأْكُولٍ أَوْ فِي أَصْلِهِ مَأْكُولٌ وَحْشِيًّا كَانَ أَوْ فِي أَصْلِهِ وَحْشِيٌّ هَذَا ضَابِطُهُ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ الصَّيْدَ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الدَّجَاجَةُ الْحَبَشِيَّةُ لانها وحشية تمنع بِالطَّيَرَانِ وَإِنْ كَانَتْ رُبَّمَا أَلِفَتْ الْبُيُوتَ قَالَ الْقَاضِي وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالدَّجَاجِ قَالَ وَتُسَمَّى بِالْعِرَاقِ دجاجة سِنْدِيَّةً فَإِنْ أَتْلَفَهَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَلَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهُ بِدَلَائِلِهِ وَفُرُوعِهِ ان شاء الله تعالى (وأما) صَيْدُ الْبَحْرِ فَحَلَالٌ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر ما دمتم حرما) قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِصَيْدِ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ حلال للمحرم مالا يعيش الا في البحر سواء البحر الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ (أَمَّا) مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَحَرَامٌ كَالْبَرِّيِّ تَغْلِيبًا لِجِهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) الطُّيُورُ الْمَائِيَّةُ الَّتِي تَغُوصُ فِي الْمَاءِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ فَبَرِّيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَبَرِّيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِيهِ قَوْلٌ وَاهٍ سَنُوَضِّحُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

ان شاء الله تعالى انه يجرى غَيْرُ مَضْمُونٍ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وكلما كَانَ أَكْثَرُ عَيْشِهِ فِي الْمَاءِ فَكَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ وَادٍ أَوْ مَاءِ مُسْتَنْقَعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ وَهُوَ مُبَاحٌ صَيْدُهُ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمِ قَالَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّمَا يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فَهُوَ صَيْدُ بَرٍّ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ * هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْمُتَوَلِّدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ أَوْ مِنْ وَحْشِيٍّ وَإِنْسِيٍّ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ طبي وَشَاةٍ أَوْ بَيْنَ يَعْفُورٍ وَدَجَاجَةٍ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَجِبُ فِيهِمَا الْجَزَاءُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (وَأَمَّا) الصَّيْدُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي سَبَقَ ضَبْطُهُ فَيَحْرُمُ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ وَحْشُهُ وَطَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْمُسْتَأْنِسُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ وَالْمَمْلُوكُ وَغَيْرُهُ * وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا جَزَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدَّلِيلَ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَضْمَنُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الْمَمْلُوكَ بِالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى يُصْرَفُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَالْقِيمَةُ لِمَالِكِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَبْحٍ فَعَلَيْهِ لِلْآدَمِيِّ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى الْجَزَاءُ وَإِنْ ذَبَحَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْقِيمَةُ بِكَمَالِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لَزِمَهُ مَعَ الْجَزَاءِ لِمَالِكِهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَحَيًّا إذَا رَدَّهُ إلَيْهِ مَذْبُوحًا وَإِذَا أَتْلَفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ وَقُلْنَا هُوَ مَيْتَةٌ فَجِلْدُهُ لِمَالِكِهِ لَا لِلْمُحْرِمِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ تَوَحَّشَ حَيَوَانٌ إنْسِيٌّ كَشَاةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَحْرُمْ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ بِلَا خلاف لانه ليس بصيد * قال أصحابنا ويحزم قتل الصيد وأخذه وجرحه واتلاف شئ من اجزائه وتنفيره والسبب في ذلك كله أو في شئ مِنْهُ فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِآدَمِيٍّ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَجَبَ إرْسَالُهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ يَقْصِدُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ وَإِنْ كان مملوكا كالآدمي ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ * وَلَوْ خَلَّصَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ فَمِ سَبُعٍ أَوْ هِرَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ أَوْ رَآهُ مَجْرُوحًا فَأَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ ثُمَّ يُرْسِلُهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَفِي ضَمَانِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّلَاحَ * وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ السِّلْسِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَضْمَنُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَ إنْسَانٌ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ غَاصِبِهَا لِيَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ الطَّرِيقَانِ كَالصَّيْدِ *

(فرع) لو حصل تلف الصيد بسبب شئ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ بِأَنْ كَانَ رَاكِبَ دَابَّةٍ أَوْ سَائِقَهَا أَوْ قَائِدَهَا فَتَلِفَ صَيْدُ بَعْضِهَا أَوْ رَفَسَهَا أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ فَزَلِقَ بِهِ صَيْدٌ فَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فَضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبِهَا كما لو أتلفت آدَمِيًّا وَمَالًا (أَمَّا) إذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُحْرِمِ فأتلفت صيدا فلا شئ عَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ كُلِّهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّابَّةِ ثَلَاثَةٌ سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَرَاكِبٌ فَأَتْلَفَتْ صَيْدًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الثَّلَاثَةِ (وَالثَّانِي) عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا جِهَاتُ ضَمَانِ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ ثَلَاثٌ الْمُبَاشَرَةُ وَالْيَدُ وَالتَّسَبُّبُ (فَأَمَّا) الْمُبَاشَرَةُ فَمَعْرُوفَةٌ (وَأَمَّا) الْيَدُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا قَرِيبًا وَاضِحًا وَمِنْ هَذَا مَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ دارة فِي يَدِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَأَمَّا) إذَا سَبَقَتْ الْيَدُ عَلَى الْإِحْرَامِ أَوْ كَانَتْ يَدًا قَهْرِيَّةً كَالْإِرْثِ أَوْ يَدَ مُعَاقَدَةٍ كَشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) التسبب ففيه مسائل (إحداهما) لَوْ نَصَبَ الْحَلَالُ شَبَكَةً أَوْ فَخًّا أَوْ حِبَالَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَهَا الْمُحْرِمُ حَيْثُ كَانَ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ وَهَلَكَ لزمه ضمانها سَوَاءٌ نَصَبَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَأَمَّا) إذَا نَصَبَهَا وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ فَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا خِلَافٍ * نَصَّ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ اسْتِصْحَابُ الْبَازِي وَكُلِّ صَائِدٍ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ فان حمله فَأَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يُؤْذِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَأْثَمُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالرَّمْيِ لِقَصْدِهِ الْحَرَامَ وَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ * وَلَوْ انْفَلَتَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْبَازِي وَغَيْرُهُمَا * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَوَاءٌ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اختيار (وأما) إذا أرسل المحرم الْكَلْبَ عَلَى الصَّيْدِ أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَهُنَاكَ صَيْدٌ وَلَمْ يُرْسِلْهُ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ صَيْدٌ وَانْحَلَّ رِبَاطُ الْكَلْبِ لِتَقْصِيرِ الْمُحْرِمِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صيد فأرسل الكلب أوحل رِبَاطَهُ فَظَهَرَ صَيْدٌ ضَمِنَهُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ هُنَا إنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى االصيد ضَمِنَهُ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى

آدَمِيٍّ فَقَتَلَهُ لَا ضَمَانَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلْبَ معلم للاصطياد فإذا صار بِإِرْسَالِهِ كَانَ كَصَيْدِهِ بِنَفْسِهِ فَضَمِنَهُ وَلَيْسَ هُوَ مُعَلَّمًا قَتْلَ الْآدَمِيِّ فَإِذَا أَغْرَاهُ عَلَى آدَمِيٍّ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُغْرِي بَلْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَلْبِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ وَمِثَالُهُ فِي الصَّيْدِ أَنْ يُرْسِلَ كَلْبًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ عَلَى صَيْدٍ فَيَقْتُلَهُ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ لَا يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الْمُرْسِلِ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا اصْطَادَهُ بَعْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ الْمُسْتَرْسَلُ بِنَفْسِهِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِإِرْسَالِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) إذَا نَفَّرَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَعَثَرَ وَهَلَكَ بِالْعِثَارِ أَوْ أَخَذَهُ فِي مَغَارَةِ سَبُعٍ أَوْ انْصَدَمَ بِشَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ قَصَدَ تَنْفِيرَهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَزَالُ الْمُنَفَّرُ فِي عهدة ضمان التنفير حَتَّى يَعُودَ الطَّيْرُ إلَى عَادَتِهِ فِي السُّكُونِ فَإِنْ عَادَ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالِ هَرَبِهِ وَنِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالُوا (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلَفْ فِي يَدِهِ وَلَا بِسَبَبِهِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُهُ لِاسْتِدَامَةِ أَثَرِ النِّفَارِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ صَاحَ الْمُحْرِمُ عَلَى صَيْدٍ فَمَاتَ بِسَبَبِ صِيَاحِهِ أَوْ صَاحَ حَلَالٌ عَلَى صَيْدِ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَ بِهِ (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَحَدُهُمَا) يضمنه كَمَا لَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ مُتَيَقِّظٍ فَمَاتَ لَا ضَمَانَ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ (الْخَامِسَةُ) إذَا حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ أَوْ حَفَرَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ فهلك فيها صيد لزمها الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أو موات فأربعة أوجه (أصحها) يَضْمَنُ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَضْمَنُ فِيهِمَا (وَالرَّابِعُ) إنْ حَفَرَهَا لِلصَّيْدِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا * وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (السَّادِسَةُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ فِيهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُمَا لَزِمَهُ جَزَاؤُهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَمْدٌ وَالْآخَرُ خَطَأٌ أَوْ بِسَبَبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُضَمَّنٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَوَقَعَ الصَّيْدُ عَلَى صَيْدٍ آخَرَ أَوْ عَلَى فِرَاخِهِ وَبَيْضِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ (السَّابِعَةُ) لَوْ رَمَى حَلَالٌ إلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الْأَصَحُّ) يَضْمَنُ وَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ الضَّمَانَ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهُ فَقَتَلَهُ قَالَ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْحَرْبِيِّ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ

مِنْ رَمْيِهِ خَوْفًا مِنْ إسْلَامِهِ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ فيمكنه تأخر الْإِحْرَامِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ * وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ الْحَلْقُ فَقَصَّرَ شَعْرَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ فَرَاغِ التَّقْصِيرِ وَهُوَ حَلَالٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ فِي حَالٍ لَا يُضْمَنُ فِيهَا فَأَشْبَهَ مَنْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ أَوْ ذِمِّيٍّ فَنَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ أَصَابَهُ لَا ضَمَانَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِأَنَّ الرَّمْيَ جِنَايَةٌ وُجِدَتْ فِي الْإِحْرَامِ وَيُخَالِفُ الْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ فَإِنَّهُمَا مُقَصِّرَانِ بِمَا أَحْدَثَا مِنْ إهْدَارِهِمَا (الثَّامِنَةُ) إذَا دَلَّ الْحَلَالُ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَلَالِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ أَمْ لَا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَلَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا * وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُحْرِمُ بِدَلَالَتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حفظه * ولو دل المحرم فَقَتَلَهُ أَوْ دَلَّ الْحَلَالُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ * وَلَوْ أَعَانَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا فِي قَتْلِ صَيْدٍ بِإِعَارَةِ آلَتِهِ أَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِينِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ يَأْثَمُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَهُوَ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ سَوَاءٌ فَيَضْمَنُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْجَزَاءِ وَلَكِنْ يَأْثَمُ الْعَامِدُ دُونَ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ * هَذَا هُوَ المذهب وبه تظاهرات نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى النَّاسِي قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ وَسَنُوضِحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ صَيْدًا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا (أَقْيَسُهُمَا) الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَالْمَجْنُونُ كَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّيْدِ تَعَبُّدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَلِيلٍ * وَلَوْ أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ أَوْ أُكْرِهَ حَلَالٌ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْآمِرِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ثُمَّ يرجع علي الْآمِرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ الْحَلَالُ شَعْرَ الْمُحْرِمِ مُكْرَهًا وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ هُوَ كما لو أكره علي قتل آدمي * قال المصنف رحمه الله

(ويحرم عليه أكل ما صيد له لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الصيد حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم) ويحرم عليه أكل ما أعان على قتله بدلالة أو اعارة لما روي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (كَانَ أبو قتادة في قوم محرمين وهو حلال فابصر حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه به حتى صرعه ثم ذبحه وأكله هو وأصحابه فسألوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هل أشار إليه احد منكم قالوا لا قال فلم ير باكله باسا) فان اكل ما صيد له أو اعان على قتله فهل يجب عليه الجزاء ام لا فيه قولان (احدهما يجب لانه فعل محرم يحكم الاحرام فوجبت فيه الكفارة كقتل الصيد (والثاني) لا يجب لانه ليس بنام ولا يؤل إلى النماء فلا يضمن بالجزاء كالشجر اليابس والبيض المذر) (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو المدنى مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ مَوْلَاهُ الْمُطَّلِبِ عَنْ جَابِرٍ وَإِسْنَادُهُ إلَى عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو صَحِيحٌ (وَأَمَّا) عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو فَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ لا يعرف للمطلب سماعا مِنْ جَابِرٍ فَأَمَّا تَضْعِيفُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عمرو فغير ثابت لان البخاري ومسلم رَوَيَا لَهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَاحْتَجَّا بِهِ وَهُمَا الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ وَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ الْقُدْوَةُ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي فِي كِتَابِهِ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ * وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيهِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْهُ وَلَا يَرْوِي مَالِكٌ إلَّا عَنْ صَدُوقٍ ثِقَةٍ (قُلْتُ) وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا مُفَسَّرًا وَلَمْ يُفَسِّرْهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ يُثْبِتُ تَضْعِيفَهُ (وَأَمَّا) إدْرَاكُ الْمُطَّلِبِ لِجَابِرٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَرَوَى عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ * هَذَا كَلَامُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فَحَصَلَ شك في ادراكه ومذهب مسلم ابن الْحَجَّاجِ الَّذِي ادَّعَى فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَالِ الْحَدِيثِ اللِّقَاءُ بَلْ يَكْفِي إمْكَانُهُ وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ قَطْعًا ومذهب على ابن الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ اشْتِرَاطُ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ فَعَلَى مَذْهَبِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ يَكُونُ مُرْسَلًا لِبَعْضِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مُرْسَلَ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَنَا إذَا اعْتَضَدَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَقَدْ اعْتَضَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ جَعَلَهُ مُرْسَلًا فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عبد الله أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلٌ فَغَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ يُصَادُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى لُغَةٍ وَمِنْهُ قَوْله (تعالى انه من يتقى ويصبر) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ * أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي * وَقَدْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ أَلْفَاظًا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فَلَفْظُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَبَصُرَ أَصْحَابُنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَلَمْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا صِدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ) وفى رواية فرايت اصحابي يتراؤن شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَوَقَعَ السَّوْطُ فقالوا لا نعينك عليه بشئ إنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ (كُلُوهُ حَلَالٌ) وَفِي رِوَايَةٍ (هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَأَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقل إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ (كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رجال مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نعلي فلم يؤذنوني به أحبوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْتُ لَهُمْ نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقَالُوا لَا والله لا نعينك عليه بشئ فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتهمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى

الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا عَلَيْهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إنَّهُمْ شَكُّوا فِي أكلهم اياه وهم حرم فرحنا وخباب الْعَضُدَ مَعِي فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَلْ معكم من شئ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ تَعَرَّقَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شئ فَقَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا) هَذِهِ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ * وَإِنَّمَا أَخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما أخذه وأكله تطبيبا لِقُلُوبِهِمْ فِي إبَاحَتِهِ وَمُبَالَغَةً فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُمْ وَالشَّكِّ فِيهِ لِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لانه فعل محرم يحكم الْإِحْرَامِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَقَالَ الْقَلَعِيُّ احْتَرَزَ بفعل عن عقد النكاح (وَبِقَوْلِهِ) مُحَرَّمٌ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ فِي الْإِحْرَامِ (وَبِقَوْلِهِ) فِي الْإِحْرَامِ عَنْ ذَبْحِ شَاةِ غَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَيْسَ بِنَامٍ احْتِرَازٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وقطع شجر الحرم (وقوله) ولا يؤول إلَى النَّمَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ كَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْضِ الْمَذِرِ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْفَاسِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُ صَيْدٍ صاده هو أو أعان على اصطياده أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ بِدَلَالَةٍ أَوْ إعَارَةِ آلَةٍ سَوَاءٌ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً وَسَوَاءٌ إعَارَةٌ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْقَاتِلُ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لَحْمُ مَا صَادَهُ الحلال المحرم سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْمُحْرِمُ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا (وَأَمَّا) إذَا صَادَ الْحَلَالُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْصِدْ اصْطِيَادَهُ لِلْمُحْرِمِ وَلَا كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ إعَانَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ * فَإِنْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِمَّا صَادَهُ الْحَلَالُ لَهُ أَوْ بِإِعَانَتِهِ أَوْ دَلَالَتِهِ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا جَزَاءَ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ * هَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ تفريعا على القديم وقال الماوردى في فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَدِيمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَضْمَنُ مِثْلَهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ النَّعَمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ مِثْلَهُ مِنْ النَّعَمِ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ فَإِنْ أَكَلَ عُشْرَ لَحْمِهِ لَزِمَهُ عُشْرٌ مِثْلُهُ (وَالثَّالِثُ) يَضْمَنُ قِيمَةُ ما أكل دراهم فان شاء بها تصدق دَرَاهِمَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ * وَعَلَى مُقْتَضَى الثَّالِثِ أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يوما

(أَمَّا) إذَا أَكَلَ الْمُحْرِمُ مَا ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ أنه لا يلزمه باكله بعد الذبح شئ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَمَا لَا يَلْزَمُهُ في صيد الحرم بعد الذبح شئ آخر وانما يَلْزَمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَزَاءُ قَتْلِهِ فَقَطْ هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ جَزَاءٌ آخَرُ وَوَافَقَنَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فَلِهَذَا قَاسَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَاسُوهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ ذَبَحَ شَاةً لِآدَمِيٍّ ثُمَّ أَكَلَهَا فَإِنَّهُ تلزمه قيمة واحدة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فان ذبح المحرم صيدا حرم عليه أكله لانه إذا حرم عليه ما صيد له أو دل عليه فلان يحرم ما ذبحه أولي وهل يحرم على غيره فيه قولان (قال) في الجديد يحرم لان ما حرم على الذابح أكله حرم علي غيره كذبيحة المجوسي (وقال) في القديم لا يحرم لان ما حل بذكاته غير الصيد حل بذكاته الصيد كالحلال فان أكل ما ذبحه لم يضمن بالاكل لان ما ضمنه بالقتل لم يضمنه بالاكل كشاة الغير) (الشَّرْحُ) إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حَرُمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ صَحَّحَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَدِيمَ * وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْقَدِيمُ هُنَا هَذَا كَلَامُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْجَدِيدُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فَأَكَلَهُ غَيْرُ الْمُحْرِمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ صَيْدًا فَهُوَ كَمَنْ أَكَلَ مَيْتَةً أُخْرَى * صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْجَدِيدِ ذَبِيحَةُ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ وَعَلَى الْقَدِيمِ لَيْسَتْ مَيْتَةٌ * هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَحَلَّلَ وَاللَّحْمُ بَاقٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ (إنْ قُلْنَا) يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَوْلَى وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّا لَوْ أَبَحْنَاهُ له بعد التحلل جعل ذلك ذريعة لاي إدْخَارِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَرَاوِزَةُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَحْرِيمُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلْإِحْرَامِ وقد زال وبهذا الطريق قطع المتولي والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ زَيَّفُوا وَجْهَ الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا حُكْمُ ذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ (فَأَمَّا) إذَا ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ مُحَرَّمٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ (وَالثَّانِي)

أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ بِالْأَكْلِ جَزَاءٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِسَبَبِ الذَّبْحِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاضِحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ أو قلاه فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ طَرِيقَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَكَثِيرُونَ وَبِهَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ عن لاصحاب مُطْلَقًا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَاللَّحْمِ (الْجَدِيدُ) تَحْرِيمُهُ (وَالْقَدِيمُ) إبَاحَتُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَحَّحَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ في تعليقه والبغوى وَآخَرُونَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَهِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَحَكَى فِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَيْنِ * قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ وَالصَّوَابُ إبَاحَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ * وَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْبَيْضِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَيُبَاحُ مِنْ غَيْرِ قَلْيٍ وَلَوْ كَسَرَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ قَلَاهُ حَلَّ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي فَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ الْبَيْضُ مَنْزِلَةَ ذَبِيحَةٍ حَلَالٍ فَمَنْ حَلَّ لَهُ أَكْلُ صَيْدٍ ذَبَحَهُ لَهُ حَلَالٌ حَلَّ لَهُ هَذَا الْبَيْضُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ أَوْ قَتَلَ جَرَادَةً فَهُوَ كَكَسْرِهِ الْبَيْضَ لِأَنَّ الْجَرَادَةَ تَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهَا مَجُوسِيٌّ حَلَّتْ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْجَرَادَ إذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ حَلَّ لِلْحَلَالِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ بَيْضَ صَيْدِ الْحَرَمِ فَكَسَرَهُ أَوْ قَلَاهُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَلَحْمِ صَيْدِ الْحَرَمِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّا إنْ قُلْنَا صَيْدُ الْحَرَمِ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَالْبَيْضُ حَلَالٌ وَإِنْ قُلْنَا مَيْتَةٌ فَفِي الْبَيْضِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يحل لانا جعلنا صيد المحرم كَحَيَوَانٍ لَا يَحِلُّ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا عَلَى الْعُمُومِ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يَحِلُّ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّ أَخْذَ الْبَيْضِ وَقَلْيَهُ لَيْسَ سَبَبَ الاباحة بخلاف ذبح الصيد * قال وحكم لبن صَيْدِ الْحَرَمِ وَحُكْمُ جَرَادِهِ حُكْمُ الْبَيْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا * وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ بَيْضَ صَيْدِ الْحَرَمِ حَرَامٌ عَلَى كَاسِرِهِ وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بكسره * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم عليه ان يشترى الصيد أو يتهبه لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ الصعب ابن جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمار وحش فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال

انا لم نرده عليه الا انا حرم) ولانه سبب يتملك به الصيد فلم يملك به مع الاحرام كالاصطياد * وان مات من يرثه وله صيد ففيه وجهان (أحدهما) لا يرثه لانه سبب للملك فلا يملك به الصيد كالبيع والهبة (والثانى) أنه يرثه لانه يدخل في ملكه بغير قصده ويملك به الصبي والمجنون فجاز ان يملك به المحرم الصيد * وان كان في ملكه صيد فاحرم ففيه قولان (أحدهما) لا يزول ملكه عنه لانه ملك فلا يزول بالاحرام كملك البضع (والثاني) يزول ملكه عنه لانه معنى لايراد لِلْبَقَاءِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فَحَرُمَتْ اسْتِدَامَتُهُ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (فان قلنا) لا يزول ملكه جاز له بيعه وهبته ولا يجوز له قتله فان قتله وجب عليه الجزاء لان الجزاء كفارة تجب لله تعالى فجاز ان تجب علي مالكه ككفارة القتل (وان قلنا) يزول ملكه وجب عليه ارساله فان لم يرسله حتى مات ضمنه بالجزاء وان لم يرسله حتى تحلل ففيه وجهان (أحدهما) يعود إلى ملكه ويسقط عنه فرض الارسال لان علية زوال الملك هو الاحرام وقد زال فعاد الملك كالعصير إذا صار خمرا ثم صار خلا (والثاني) أنه لا يعود إلى ملكه ويلزمه ارساله لان يده متعدية فوجب أن يزيلها * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق (منها) ما ذكره المنصف بِلَفْظِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا) وَفِي رِوَايَةٍ (شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ) وَفِي رواية (عضو مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ) هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بَابُ إذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ ثُمَّ رواه باسناد وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا الْحِمَارَ كَانَ حَيًّا * وَحَكَى هَذَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا * وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ * (فَالصَّوَابُ) أَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى بَعْضَ لَحْمِ صَيْدٍ لِأَكْلِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَحِمَارَ وَحْشٍ مَجَازًا أَيْ بَعْضَ حِمَارٍ وَيَكُونُ رَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له عليه لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ اصْطَادَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الِاصْطِيَادَ لَهُ لَقَبِلَهُ مِنْهُ فَإِنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الْحَلَالُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا صِيدَ لَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (فَإِنْ قِيلَ) فانما

عَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ حُرُمٌ (قُلْنَا) لَا تَمْنَعُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ كَوْنَهُ صِيدَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى الْإِنْسَانِ إذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي إيضَاحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانِ طُرُقِهِ وَمَا يُوَافِقُهُ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ فَالصَّعْبُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَجَثَّامَةُ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لم يرده عَلَيْكَ) هُوَ بِرَفْعِ الدَّالِ عَلَى الصَّوَابِ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ فَتْحُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَمَلَّكُ بِهِ الصَّيْدُ إنَّمَا قَالَ يُتَمَلَّكُ وَلَمْ يَقُلْ يُمْلَكُ ليحترز عن الارث فانه يُمْلَكُ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُمْلَكُ بِهِ الصيد ولا يقال في الرث يُتَمَلَّكُ إنَّمَا يُقَالُ يُمْلَكُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فَحَرُمَتْ اسْتِدَامَتُهُ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ مِنْ النِّكَاحِ وَبِقَوْلِهِ يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ لُبْسِ مَا سِوَى الْمَخِيطِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِالطِّيبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ شِرَاءُ الصَّيْدِ وَقَبُولُ هِبَتِهِ وهديته والوصية له به فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الْهَدِيَّةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ فَهَلْ يَمْلِكُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَمْلِكُهُ لما ذكره المصنف (والثانى) طريقة للقفال وَمُعْظَمِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَشِرَاءِ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فان قلنا) بالمذهب أنه لا يَمْلِكُ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ فَإِنْ قَبَضَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ * وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَمْلِكُهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا أَمَرَهُ بِإِرْسَالِهِ وَمَنْ قَالَ لَا يَمْلِكُهُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَطَائِفَةٌ الْمُرَادُ بِإِرْسَالِهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْسَالَهُ فِي الْبَرِّيَّةِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَضْيِيعُهُ وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ * وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ يَتَوَحَّشُ

وَيَصِيرُ مُمْتَنِعًا فِي الْبَرِّيَّةِ وَيُدْفَعُ إلَى مَالِكِهِ الْقِيمَةُ * قَالُوا وَيَجُوزُ تَفْوِيتُ حَقِّ الْمَالِكِ مِنْ عَيْنٍ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ فِي حُصُولِهِ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ حَتَّى وَجَبَ إرْسَالُهُ فَانْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الْبَدَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَصِيرُ الْمُحْرِمُ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ فَيَأْكُلُهُ وَيَغْرَمُ بَدَلَهُ وَيَكُونُ الِاضْطِرَارُ عُذْرًا فِي إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَذَا هُنَا * هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (لَزِمَهُ إرْسَالُهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَرَدِّهِ إلَى مَالِكِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُدْفَعُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيَلْزَمُهُ لِمَالِكِهِ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ وَفِي وَقْتِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِيمَنْ تَلِفَ عِنْدَهُ الْمَقْبُوضُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِمَالِكِهِ الْوَاهِبِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُلِّ مَا قُبِضَ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ هَلْ يَكُونُ مَضْمُونًا أَمْ لَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مَضْمُونًا لِأَنَّ حُكْمَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ فِي الضَّمَانِ فَمَا ضُمِنَ صَحِيحُهُ ضُمِنَ فَاسِدُهُ وَمَا لَا يُضْمَنُ صَحِيحُهُ لَا يُضْمَنُ فَاسِدُهُ * وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَشْهُورَةٌ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَالشَّرِكَةِ وَالْهِبَةِ إنْ شَاءَ الله تعالى * وممن ذكر الوجهين فيها هُنَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والمحاملى وابو علي البندنيجى في كتابه االجامع وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ هُنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَأَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى الْقَطْعِ بِالضَّمَانِ * وَقَدْ اغْتَرَّ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا فَوَافَقَ إشَارَتَهُمْ فَقَطَعَ هُنَا بِالضَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ * هَذَا كُلُّهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِيمَةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْآدَمِيِّ سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِإِرْسَالِهِ * وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ مَالِكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ سَقَطَ عَنْ الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وقطع البدنيجي بانه إذا رد مَا قَبَضَهُ بِالْبَيْعِ إلَى بَائِعِهِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَلَوْ قَبَضَهُ بِالْهِبَةِ فَرَدَّهُ إلَى وَاهِبِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُتَّهَبَ كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِوَاهِبِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْحُكْمُ وَالْفَرْقُ ضَعِيفَانِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ فَإِنْ صَحَّحَنَا الشِّرَاءَ فَبَاعَهُ الْمُحْرِمُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَهَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي * هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَمَرْنَاهُ بِإِطْلَاقِهِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ * قَالَ فَإِنْ اسْتَبْعَدَ الْفَقِيهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَتَصْحِيحِنَا مِنْ الْمُشْتَرِي شِرَاءَهُ مَعَ أَمْرِنَا إيَّاهُ بِإِرْسَالِهِ ثُمَّ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قبضه اتصل هذا بالتفريع فيمن اشترى مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ بِالرِّدَّةِ فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ هُوَ وَفِيهِ خِلَافٌ * قَالَ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ الْقَطْعُ هُنَا بِإِرْسَالِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَجْهًا واحدا لانا قد تقول الْمُرْتَدُّ قَدْ يُقْتَلُ لِرِدَّةٍ حَالَّةٍ وَالْخَطَرَاتُ تَتَجَدَّدُ وَالسَّبَبُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ دَائِمٌ لَا تَجَدُّدَ فِيهِ * (قَالَ) ثُمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ تَلِفَ الصَّيْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ في يد من اشترى منه وهكذا كل شئ كيف تناسخت الايدى فالضمان على المحرم لانه الْمُتَسَبِّبُ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْأَيْدِي وَلِلسَّبَبِ فِي الْمَضْمُونَاتِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُرَادُهُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ ضَمَانُ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا مات للمحرم قريب يملك صيد فَهَلْ يَرِثُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَرِثُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ يَرِثُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِتَوْرِيثِهِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الصَّيْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ يُزِيلُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَكْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إذَا قُلْنَا الْإِحْرَامُ يَقْطَعُ دَوَامَ الْمِلْكِ فَفِي الْإِرْثِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِذَا كَانَ الْإِحْرَامُ يُنَافِي دَوَامَ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يُنَافِي الْمِلْكَ الْمُتَجَدِّدَ الْمُشَبَّهَ بِالدَّوَامِ (وَالثَّانِي) يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ وَيُزِيلُهُ فَإِنَّا نَضْطَرُّ إلَى الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ التَّوْرِيثِ فَلْنُجْرِ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثُمَّ نحكم بِالزَّوَالِ * هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ

جمهور الاصحاب لما قاله وهذا القتل الَّذِي أَضَافَهُ الْإِمَامُ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ غَرِيبٌ فِي كتبهم (وأما) المتولي (فقال) ان قلنا يزول مِلْكُهُ فِي الصَّيْدِ لَمْ يَرِثْهُ وَإِلَّا فَيَرِثُهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا يَرِثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَزُولُ مِلْكُهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ قَالَ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا وَرِثَهُ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَرْسَلَهُ الْمُشْتَرِي * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي أَضَافَهُ إلَى التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ * قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَانَ مِلْكًا لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إلَّا الْقَتْلَ وَالْإِتْلَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يَرِثُ فَفِي حُكْمِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَكُونُ مِلْكُ الصَّيْدِ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ مَانِعًا مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَيِّتِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْمُحْرِمُ مِنْ إحْرَامِهِ فَإِنْ تَحَلَّلَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ * وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ المجموع التجريد وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ * قَالَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ فَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزُولُ * مِمَّنْ حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والماوردي (والاصح) من الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَزُولُ * مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ والعبد رى وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ الْأَصَحُّ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ زَوَالِ مِلْكِهِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ هَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَظْهَرُ) يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ (وَقِيلَ) لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ قَوْلًا وَاحِدًا بَلْ يُسْتَحَبُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الْإِرْسَالَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ * وَلَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ ولا شئ

عَلَى الْمَالِكِ * وَإِنْ أَوْجَبْنَا إرْسَالَهُ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَزُولُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ قَتَلَهُ فَلَا شئ عليه ولو أرسله فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَاحًا كَمَا كان قبل اصطياده أو لا * وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يلزمه وهو المنصوص اتفقوا عَلَى تَصْحِيحِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ أَمْ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ فَإِذَا أَرْسَلَ زَالَ حِينَئِذٍ (وَالْأَوَّلُ) مِنْهُمَا أَصَحُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ آخذه فلو اخذه لم يملكه وقتله ضَمِنَهُ * وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ بعد امكان الارسال لزمه الجزاء لانهما مفرعان عَلَى وُجُوبِ الْإِرْسَالِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْإِمْسَاكِ وَلَوْ مَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ إمْكَانِ الْإِرْسَالِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وصاحب البيان وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ * وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِرْسَالُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَقَتَلَهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ حَلَالٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِالْيَدِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالْإِرْسَالِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِرْسَالِ على الاحرام وممن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْأَصْحَابُ مَتَى أَمَرَ بِإِرْسَالِ الصَّيْدِ فَأَرْسَلَهُ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَصَارَ الصَّيْدُ مُبَاحًا فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ حَلَالٌ مَلَكَهُ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مَلَكَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَكَغَيْرِهِ مِنْ الصَّيُودِ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى صَيْدًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا وَقَدْ أَحْرَمَ الْبَائِعُ فَإِنْ قُلْنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْلِكَ الصَّيْدَ بِالْإِرْثِ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَدْخُلُ الصَّيْدُ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) يَرُدُّ لِأَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي * قَالَ

الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَهَنَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَهُوَ مَرْهُونٌ * وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا قلنا لارد فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَيُوقَفُ الصَّيْدُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ هُوَ رَدُّ الصَّيْدِ دُونَ رَدِّ الثَّمَنِ (وَقَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوقِفَ حَتَّى يَتَحَلَّلَ الْبَائِعُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي لَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الصَّيْدِ إلَى الْبَائِعِ وَلَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ لِلْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اشتري الحلال صيد اثم أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ وَالْبَائِعُ مُحْرِمٌ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الصَّيْدِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَوَجْهُ الجواز رفع الضرر عن البائع والمذهب الاول لان هنا يملك الصيدا بالاختيار فلم يجزى مَعَ الْإِحْرَامِ كَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى وَجْهٍ فَإِنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَرْجِعُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ اسْتَعَارَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةِ لِلْمُعِيرِ وَلَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لزمه الجزاء القيمة فان أرسله عصى ولزمه القيمة لمالك وَسَقَطَ عَنْهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ برئ مِنْ حَقِّ الْمَالِكِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ الْمَالِكُ * هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ اعادة الصيد للمحرم وقد ذكر المصنف تحريم الاعادة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ (وَأَمَّا) إذَا أَوْدَعَ الصَّيْدَ عِنْدَ الْمُحْرِمِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ القاضي حسين والبغوى وَالرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ لِأَنَّهُ

مَمْنُوعٌ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْدَعَ مَالًا مَغْصُوبًا * فَعَلَى هَذَا إنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يَضْمَنُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْهُ المالك (والثاني) لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِنَفْسِهِ * وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُنْتَقَضُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا أُودِعَ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَعَارَ الْحَلَالُ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ عَنْ الصَّيْدِ بِالْإِحْرَامِ وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُعِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عليه باليد ولا شئ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا جَزَاءَ وَلَا قِيمَةَ (أَمَّا) الْجَزَاءُ فَلِأَنَّهُ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْقِيمَةُ فَلِأَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَمْلِكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُحْرِمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْجِنَايَةِ وَتَجِبُ القيمة على المستعير للمسالك لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ صَارَ الصَّيْدُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فَإِنْ قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي يده فالجزاء عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَوَجْهَانِ حكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والبغوى وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) الْجَزَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ صَيْدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَكُونُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ لَهُمَا فَأَحْرَمَ أَحَدُهُمَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إرْسَالُ الصَّيْدِ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَالْإِرْسَالُ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَنْهُ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ السَّعْيَ فِي تَحْصِيلِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيُطْلِقَهُ وَلَكِنْ تَرَدَّدُوا فِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ حِصَّتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا ينبغى والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(وان كان الصيد غير مأكول نظرت فان كان متولدا بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل فحكمه حكم ما يؤكل في تحريم صيده ووجوب الجزاء لانه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلبت جهة التحريم في أكله وان كان حيوانا لا يؤكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقوله تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حرما) فحرم من الصيد ما يحرم بالاحرام وهذا لا يكون الا فيما يؤكل وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فان كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والاسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والرغوث والقمل والقرقش والزنبور فالمستحب أن يقتله لانه يدفع ضرورة عن نفسه وعن غيره وان كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازى فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة ولا يكره لما فيه من المضرة وان كان مما لا يضر وينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان فانه يكره قتله ولا يحرم * (الشَّرْحُ) السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالضَّبُعُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى (وَأَمَّا) الذَّكَرُ فَيُقَالُ لَهُ ضِبْعَانُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالْفَأْرَةُ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَالْحِدَأَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبَعْدَ الدَّالِ هَمْزَةٌ وجمعها حِدَأٌ كَعِنَبَةٍ وَعِنَبٍ وَالْبُرْغُوثُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْقِرْقِشُ بِقَافَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْبَعُوضُ الصِّغَارُ قَالَ وَيُقَالُ الْجِرْجِسُ بِجِيمَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقِّ (وَأَمَّا) الْبَازِي فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَتَشْدِيدُهَا وَالثَّالِثَةُ بَازٍ بِغَيْرِ يَاءٍ أَفْصَحُهُنَّ الْبَازِي بِالْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَلُغَةُ التَّشْدِيدِ غَرِيبَةٌ وَمِمَّنْ حَكَاهَا ابْنُ مَكِّيٍّ وَأَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَصْرِيفِهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (أما) الاحكام فنمهذ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (فَيُقْتَلْنَ في الحل والحرم) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية لمسلم

(فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (خَمْسٌ من قتلهن وهو محرم فلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ حدثنى إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ) قَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ قَالَ (الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفُوَيْسِقَةُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحِدَأَةُ وَالسَّبُعُ الْعَادِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيرهم ومن رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ قَوْلُهُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يقتله على انه يَتَأَكَّدُ نَدْبُ قَتْلِهِ كَتَأَكُّدِهِ فِي الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْوَزَغُ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الجبيرى أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه يفرد بعيرا له في طير بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا مَا لَيْسَ مَأْكُولًا مِنْ الدَّوَابِّ

وَالطُّيُورِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا لَيْسَ فِي أَصْلِهِ مأكولا (والثاني) ما أحد أصليه مأكولا فَالْأَوَّلُ لَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْإِحْرَامِ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ وَلَا جَزَاءَ عليه للاحاديث السابقة قال أصحابنا وهذا للضرب ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْمُؤْذِيَاتُ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ وَالْقُرَادِ واللكة والقرقش وَأَشْبَاهِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا فِيهِ نفع ومضرة كالفهد والعقاب وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي نَفْعُ هَذَا الضَّرْبِ أَنَّهُ يُعَلَّمُ لِلِاصْطِيَادِ وَضَرَرُهُ أَنَّهُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ (الثَّالِثُ) مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ كَالْخَنَافِسِ وَالدُّودِ والجعلان والسرطان والبغاثة والرخمة والعضا واللحكاء وَالذُّبَابِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الطُّيُورِ دُونَ الْحَشَرَاتِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ عَبَثٌ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا) إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ قَتْلُهَا عَبَثًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ مَا لَا يَضُرُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالْخَطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِمَا إنْ جَازَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا * وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فأحرقت فأوحي الله تعالى إليه في أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَقَتْلُهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لم يكن فيه مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ مَنْسُوخٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

وَسَنُعِيدُهَا وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَادَّتَهَا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ (أَمَّا) الْقَمْلُ فَقَتْلُهُ مُسْتَحَبٌّ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى ثِيَابِ الْمُحْرِمِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَنْحِيَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فلا شئ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْكُولًا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَخْرَجَ مِنْهَا قَمْلَةً وَقَتَلَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ * وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ جَعَلَ الزَّيْتَ فِي رَأْسِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ وَالصِّئْبَانُ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ * هَذَا إذَا جَعَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا جَمِيعًا فَإِنْ جَعَلَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ قَطْعًا لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِلصِّئْبَانِ حُكْمُ الْقَمْلِ وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ مِنْ فِدْيَةِ الْقَمْلِ لِكَوْنِهِ أَصْغَرَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْفِدْيَةِ ليست للقمل بل للترفه بازالة الذي عَنْ الرَّأْسِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ شَعْرِ الرَّأْسِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا فِي أَصْلِهِ مَأْكُولٌ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَضَبُعٍ أَوْ حِمَارِ وَحْشٍ وَإِنْسٍ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْحَقُ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْ صَيْدٍ وَحَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ ضَبُعٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ وَيَعْفُورٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَضْمَنُهُ بِالْجَزَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَتْلَفَ حَيَوَانًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ مَأْكُولٌ أَمْ لَا أَوْ شَكَّ هَلْ خَالَطَهُ وَحْشِيٌّ مَأْكُولٌ أَمْ لَا لَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ كَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه وإذا كسره وجب عليه الجزاء وقال المزني رحمه الله لا جزاء عليه لانه لا روح فيه * والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بيض النعامة (يصيبه المحرم ثمنه) ولانه خارج من الصيد يخلق منه مثله فضمن بالجزاء كالفرخ

فان كسر بيضا لم يحل له أكله وهل يحل لغيره فيه قولان كالصيد * وقال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله في تحريمه علي غيره نظر لانه لا روح فيه فلا يحتاج الي ذكاة * وان كسر بيضا مذرا لم يضمنه من غير النعامة لانه لا قيمة له ويضمنه من النعامة لان لقشر بيض النعامة قيمة * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ ماجه والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزِّمِ يَزِيدَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ هَذَا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَالَغُوا فِي تَضْعِيفِهِ حَتَّى قال شعبة لو أَعْطَوْهُ فَلْسًا لَحَدَّثَهُمْ سَبْعِينَ حَدِيثًا * وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الصَّيْدِ احْتِرَازٌ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ (وَقَوْلُهُ) يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُهُ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضِ الْمَذِرِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُلُّ صَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ حَرُمَ عَلَيْهِ بَيْضُهُ وَإِذَا كَسَرَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْمُزَنِيَّ وَدَاوُد فَقَالَا هُوَ حَلَالٌ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْضَ الْمَذِرَ لَا يَحْرُمُ وَلَا جَزَاءَ فِي إتْلَافِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نعامة فعليه قيمته لان قشرهما يُنْتَفَعُ بِهِ مُتَقَوِّمٌ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا إمام الحرمين فانه قل لو كسر بيضة للنعامة مذرة فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ قُدِّرَتْ قِيمَتُهُ فَهِيَ لِلْقِشْرِ وَلَيْسَ هُوَ مَضْمُونًا كَمَا لَا يُضْمَنُ الرِّيشُ

الْمُنْفَصِلُ مِنْ الطَّائِرِ * هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَتِهِ الَّتِي حَضَنَهَا فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ دَجَاجَةٍ فَأَحْضَنَهُ صَيْدًا فَلَمْ يَقْعُدْ الصَّيْدُ عَلَى بَيْضِ نَفْسِهِ فَفَسَدَ أَوْ قَعَدَ على بيضه وبيض الدجاجة فسد بَيْضُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَسَادَهُ بِسَبَبِ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْقُعُودِ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ * وَلَوْ أَخَذَ بَيْضَ صَيْدٍ وَأَحْضَنَهُ دَجَاجَةً فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْفَرْخُ وَيَسْعَى وَيَسْتَقِلَّ فَإِنْ خَرَجَ وَمَاتَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَإِنْ تَلِفَ الْبَيْضُ تَحْتَ الدَّجَاجَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ * وَلَوْ كَسَرَ بَيْضَةَ صَيْدٍ فِيهَا فَرْخٌ له روح فطار وسلم فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ * ولو نزى دِيكٌ عَلَى يَعْفُورَةٍ أَوْ يَعْفُورٌ عَلَى دَجَاجَةٍ فَبَاضَتْ فَالْبَيْضُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الدَّجَاجَةِ وَالْيَعْفُورِ إذَا صَارَ فَرْخًا فَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الْجَرَادِ حَرَامٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ صَيْدٌ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ كَالسَّمَكِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِمَا * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ عَلَى فِرَاشِهِ بَيْضَ السَّمَكِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ فَفَسَدَ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ قَالَ فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فَسَدَ بِفِعْلِهِ (وَالثَّانِي) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ قَلَاهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الْحَلَالِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كَلَحْمِ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الطَّرِيقَيْنِ وَالْقَائِلِينَ بِهِمَا وَبَيَانُ التَّرْجِيحِ وَمَا يَتَفَرَّع عَلَيْهِمَا وَبَيْضُ صَيْدِ الْحَرَمِ ولبنه وبيض الجراد واوضحناه قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا حَلَبَ الْمُحْرِمُ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَا يَضْمَنهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَقَصَ الصَّيْدُ

مسائل تتعلق بالصيد في حق المحرم

بِذَلِكَ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْضِ وَالرِّيشِ هَكَذَا اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) يَجِبُ فِي شَعْرِ الصَّيْدِ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْرَاقِ أَشْجَارِ الحرم فانه لا يضمن ان جزاء الشَّعْرِ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ وَبَقَاءَهُ يَنْفَعُهُ بِخِلَافِ الْوَرِقِ * (فَرْعٌ) إذَا رَمَى الْحَصَاةَ السَّابِعَةَ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَاهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِوُقُوعِ الْحَصَاةِ فِي الْجَمْرَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وعندي انه لا فائدة في هذه الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْحَرَمِ لَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَرْمِيَ مِنْهُ إلَى صيد في الحل فسواه رَمَى الصَّيْدَ قَبْلَ رَمْيِ الْحَصَاةِ أَوْ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ رَمَى صَيْدًا فِي الْحَرَمِ * هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالصُّورَةُ مَقْصُورَةٌ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ ويلزمه القيمة للمالك ولو كان رب لهذا الصيد بعد وقوع المصاد فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ وَالْحَلَالُ إذَا قَتَلَ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ (إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً * وَقَالَ مُجَاهِدٌ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَلَا جَزَاءَ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المحرم إذا

قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا مُجَاهِدًا فَقَالَ إنْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا فَلَا جَزَاءَ وَإِنْ نَسِيَ وَأَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ مُجَاهِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قال واختلفو فِيمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وسعيد بن جبير وأبو ثور لا شئ عَلَيْهِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ * وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا) قَالَ وَالْمُرَادُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ (وَمَنْ عَادَ فينتقم الله منه) فعل الِانْتِقَامَ بِالْعَوْدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ عَامِدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ لَأَثِمَ * وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَامِدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَامِدِ الْقَتْلِ ذَاكِرًا لِلْإِحْرَامِ وَعَامِدِ الْقَتْلِ نَاسِيَ الاحرام فكانت

الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً عُمُومَ الْأَحْوَالِ * وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَغَلَّظُ بِحَسَبِ الْإِثْمِ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي الْخَطَأِ فَالْعَمْدُ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا معني قوله تعالى (ومن عاد) أَيْ عَادَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ نُزُولِهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا نَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَنُوجِبُ الْجَزَاءَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامِدَ يَضْمَنُ دُونَ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي بِقَوْلِهِ تعالى * ومن قتله منكم متعمدا فجزاء * فَعَلَّقَهُ بِالْعَمْدِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَلِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ فِي الْعَمْدِ دُونَ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) فاحتمل أن يكون المراد متعمدا لقتله نسايا لِإِحْرَامِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومِ يَتَنَاوَلُهُمَا * وَبِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَرَسَيْنِ لَنَا نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فقال عمر لرجل إلى جنبه تعالى حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَنْزٍ) وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَالرَّجُلُ الَّذِي دَعَاهُ عُمَرُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَذَا الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَبَقَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا وَخَطَأً (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا التَّعَمُّدَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ عَمْدًا وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ خَطَأً فَقَالَ تَعَالَى * وَمَنْ قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة * نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهَا بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْخَطَأِ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ

الْآيَتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى حُكْمٍ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأُخْرَى (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْعَامِدُ وَالنَّاسِي وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيهَا فِي الْإِثْمِ * (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ فَافْتَرَقَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إتْلَافٌ فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي الْغَرَامَةِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا آخَرَ لَزِمَهُ لِلثَّانِي جَزَاءٌ آخَرُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ * وَقَالَ ابن المنذر قال ابن عباس وشريج وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالصَّيْدِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ دَاوُد لَوْ قَتَلَ مِائَةَ صَيْدٍ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ * وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * وَأَحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ متعمدا فجزاء) فَعَلَّقَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَى لَفْظِ مَنْ قَالُوا وَمَا عُلِّقَ عَلَى لَفْظِ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا دِرْهَمًا بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا لَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةٌ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ * قَالُوا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ منه) وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرَ الِانْتِقَامِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لَنَا دَلَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ لَفْظَ الصَّيْدِ إشَارَةٌ إلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِ لِلْجِنْسِ أَوْ الْعَهْدِ وليس في الصيد مَعْهُودٌ فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ وَأَنَّ الْجِنْسَ يَتَنَاوَلُ الْجُمْلَةَ والافراد فقوله تعالى (ومن قتله منكم) يَعُودُ إلَى جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَآحَادِهِ (وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وَحَقِيقَةُ الْمُمَاثَلَةِ أَنْ يَفْدِيَ الْوَاحِدَ بِوَاحِدٍ وَالِاثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ وَالْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَلَا يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْ النعم مثلا لجماعة صبود وَلِأَنَّهَا نَفْسٌ تُضْمَنُ بِالْكَفَّارَةِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْقَتْلِ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّينَ وَلِأَنَّهَا غَرَامَةُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَإِتْلَافِ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صيدين دفعة واحدة لزمه جزءان فَإِذَا تَكَرَّرَ بِقَتْلِهِمَا

معا وجب تكرره بقتلهما مرتبا كالعبدين وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ لَفْظَ مَنْ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَاقِعًا فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ (فَأَمَّا) إذَا وَقَعَ الثَّانِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّ تَكْرَارَهُ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِذَا دَخَلَ دَارًا لَهُ ثُمَّ دَارًا لَهُ اسْتَحَقَّ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لَمَّا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تعالي (ومن عاد) أَنَّ الْمُرَادَ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَتَلَ صَيْدًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سلف) أي قبل نزول الآية والله أعلم * (المسألة الثَّالِثَةُ) مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ صَادَهُ لَهُ حَلَالٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ مِنْ الْمُحْرِمِ فِيهِ إشَارَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ أَوْ إعَانَةٌ بِإِعَارَةِ آلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَحْمُهُ حَرَامٌ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمِ فَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُحْرِمَ ثُمَّ أَهْدَى مِنْهُ لِلْمُحْرِمِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَيْضًا * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لَهُ بِغَيْرِ إعَانَةٍ مِنْهُ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ وَقَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وسعيد بن جبير يقولون للمحرم أكل مَا صَادَهُ الْحَلَالُ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ * قال وقال عطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَأْكُلُهُ إلَّا مَا صِيدَ مِنْ اجله * قال

وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ * قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ أَكَلَ مَا صِيدَ لَهُ فَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ مَذْهَبٌ ثالث أنه يحرم مطلقا فكان على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ لَا يَرَيَانِ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ الصَّيْدِ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالثَّوْرِيُّ * قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ قَوْلًا رَابِعًا قَالَا مَا ذُبِحَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْك * وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَهُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دمتم حرما) قالوا أو المراد بالصيد المصيد وبحديث الصعب ابن جَثَّامَةَ السَّابِقِ (أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ طُرُقِهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ أنه أهدي لحم حمار * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ أَنَّهُ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ صَلَّى الله عليه وسلم للمحرمين (كلوه وَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ ما لم تصيدوه أو يصاد لَكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ * وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ اصْطَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ (فَذَكَرْتُ

شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ وَإِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصطدته له) رواه الدارقطني والبيهقي باسناد صحيح * قال الدارقطني قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ (قَوْلُهُ) إنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَك (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَرِيبَةٌ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكل منه قال وإن كان الاسناد ان صَحِيحَيْنِ * هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي قَتَادَةَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ قَضِيَّتَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي فِي الدَّلَالَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ وَيُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى * (وحرم عليكم صيد البر مادتم حرما) عَلَى الِاصْطِيَادِ وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ للاحاديث المبينة للمراة مِنْ الْآيَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ عَلَّلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ الصَّعْبِ حِينَ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا يَمْنَعُ أَنَّهُ صَادَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ على الاسنان إذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ * وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ مَا صِيدَ لَهُ وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ (كُنَّا مع طلحة بن عبد اللَّهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِي لَهُ طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ أكلناه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَرَّ بِالْعَرْجِ فإذا هو بحمار عفير فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ فقال برسول اللَّهِ هَذِهِ رَمِيَّتِي فَشَأْنُكُمْ بِهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انه قال (انما نهيب أن يصاد وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يهديه الحلال للمحرم فقال كان عمر بأكله) وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدَهُ نَاسٌ مُحِلُّونَ أَيَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بِمَ أفتيهم قُلْتُ أُفْتِيهِمْ بِأَكْلِهِ قَالَ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ (كَانَ يَتَزَوَّدُ لَحْمَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ) فَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُصَدْ لِلْمُحْرِمِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بأسانيدهم الصحيحة عن عبد الله ابن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ (رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ ثُمَّ أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا قَالُوا أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ قَالَ إنِّي لست كهيأتكم إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ أَمْرِ مُهِمٍّ وَهُوَ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ) * وذكرنا قبل هذا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ بَيَانَ أَلْفَاظِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ جَاءَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شق حمار وذكرنا هنا أنه يتأول قوله حمارا أي بعض لَحْمَ حِمَارٍ أَوْ شِقَّ حِمَارٍ أَوْ عَجُزَ حِمَارٍ يَقْطُرُ دَمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ أَهْدَى لَحْمَ حِمَارٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَالْمُصَنِّفَ وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا احْتَجُّوا بِهِ في فدية الصَّيْدِ الْحَيِّ وَجَعَلُوهُ حِمَارًا حَيًّا * وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ بَابٌ لَا يَقْبَلُ الْمُحْرِمُ مَا يُهْدَى لَهُ مِنْ الصَّيْدِ حَيًّا ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ (أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا) * وَكَذَا رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حمار وحش وكذلك رواه الليث وصالح ابن كيسان ومعمر بن راشد وابن أبى ديب ومحمد بن اسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ

الزُّهْرِيِّ حِمَارًا وَحْشِيًّا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَخَالَفَهُمْ سُفْيَانُ: بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنْبِتٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سفيان على الصحة كما رواه سائل الناس عن الزهري ثم ذكره بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ حِمَارَ وَحْشٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ فِي لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ يَقْطُرُ دَمًا وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ. قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ فِيمَا خَلَا وَرُبَّمَا قَالَ حِمَارُ وَحْشٍ ثُمَّ صَارَ إلَى لَحْمٍ حَتَّى مَاتَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال (أهدى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْك) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقُّ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ وَخَالَفَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ كَمَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَجُزَ حِمَارٍ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطُرُ دَمًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَجُزَ حِمَارٍ وَحَدِيثُهُ عَنْ حَبِيبٍ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَدْ رَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ وَحَبِيبِ ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحَدُهُمَا عَجُزَ حِمَارٍ وَقَالَ الْآخَرُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بِإِسْنَادِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا كَانَتْ الرِّوَايَةُ هَكَذَا وَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ وَوَافَقَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ رِوَايَةَ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ فَيَكُونُ الحكم منفردا بذللك اللَّحْمِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ * ثُمَّ رَوَى البيهقى باسناده عن المعتبر بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الحكم عن سعية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ

جَثَّامَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن يحيى عن المعتمر رواه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ حَيًّا فَلَيْسَ لِمُحْرِمٍ ذَبْحُ حِمَارِ وَحْشٍ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي (صَيْدُ الْبَرِّ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ من حدث أنه أهدى حم حِمَارٍ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ (أَنَّ الصعب ابن جَثَّامَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجُزَ حِمَارٍ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ الْقَوْمُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَكَأَنَّهُ رَدَّ الْحِمَارَ وَقَبِلَ اللحم * ثم روى البيهقى عن طاووس قَالَ (قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرَقْمَ فَقَالَ لَهُ عبد الله ابن عَبَّاسٍ تَتَذَكَّرُ كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أهدى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ فَقَالَ أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ فَقَالَ إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحرب صَنَعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ طَعَامًا وَصَنَعَ فِيهِ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَافِيرِ وَلُحُومِ الْوَحْشِ فَبَعَثَ إلَى علي بن أبى طالب فجاء فَقَالُوا لَهُ كُلْ فَقَالَ أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا فَإِنَّا حُرُمٌ) ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ أَنْشُدُ اللَّهَ من كان ههنا من أسجع أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَأْوِيلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ مَنْ رَوَى فِي قِصَّةِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ لَحْمَ حِمَارٍ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَا

يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا عُمَرُ وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومنعهم حديث أبى قَتَادَةَ وَجَابِرٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ يُهْدِيه الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا وَلَا بَأْسَ بِهِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الرابعة) إذا ذبح المحرم صيد فِي الْحِلِّ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ وفى تحريمه على غيره عندنا قَوْلَانِ سَبَقَا (الْأَصَحُّ) التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَيَكُونُ مَيْتَةً * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمِ بن عبد الله ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وقال الحكم وسفيان والثوري وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَأْكُلُهُ الْحَلَالُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مُذَكًّى كَذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَأَكَلَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَلَا يلزمه بالاكل شئ فِيهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ جزاآن وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالذَّبْحِ وَعَلَيْهِ قيمة مَا أَكَلَ وَوَافَقَنَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ وَلِأَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَيْتَاتِ (السَّادِسَةُ) إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ أَثِمَ الدَّالُّ وَلَا جَزَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا فَقَتَلَهُ فَالْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الدَّالِّ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَرْبُ الْعُكْلِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَلَّ محرم محرما فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَزَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْآمِرِ وَالدَّالِّ وَالْمُشْتَرِي جَزَاءٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا (إذَا دَلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا فَقَتَلَهُ لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ الله وأحمد واسحق وأصحاب الرأى قال وعندي لا شئ عَلَيْهِ * دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَمَنْ قتله منكم متعمدا فجزاء) فَأَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْقَاتِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (السَّابِعَةُ) إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ. هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُد وَقَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ غَيْرَهُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ غَلَطٌ وَقَالَ الْمُزَنِيّ عليه القيمة

لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْأَنْعَامَ. دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فجزاء) وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقَّانِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَكَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ لَزِمَهُ مَهْرَانِ مَهْرٌ لَهَا وَمَهْرٌ لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ نِكَاحَهُ وَفَوَّتَ عَلَيْهِ الْبُضْعَ وَيُخَالِفُ الْأَنْعَامَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صيدا وانما ورد اللشرع بِالْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفة عليه جزءان لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَتْلِ الصيد فوجب جزاآن كما لو قتل المفرد في حجه وفى عمرته. دليلنا الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ فَوَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ وَافَقَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ اجتمع في حُرْمَتَانِ (وَأَمَّا) مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَالْمَقْتُولُ هُنَاكَ اثْنَانِ (التَّاسِعَةُ) يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِإِتْلَافِ الْجَرَادِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ فَقَالَ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالُوا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (أَصَبْنَا سِرْبًا مِنْ جَرَادٍ فَكَانَ رَجُلٌ يَضْرِبُ بِسَوْطِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِضَعْفِ أَبِي

الْمُهَزَّمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الْبَيْضِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ مَيْمُونِ بن حابان عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ وَالرِّوَايَتَانِ جَمِيعًا وَهْمٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره ميمون بن حابان غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن عبد الله ابن أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ (أَقْبَلْتُ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ قَتَلَهُمَا وَنَسِيَ إحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَ إحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا فَلَمَّا قدمنا المدينة دخل القوم على عمرو دخلت مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ يَا كَعْبُ قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ اجْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ) وَبِإِسْنَادِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ الصَّحِيحِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ (كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ مِنْ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ) قَالَ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ) وَلَتَأْخُذُنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ أَيْ إنَّمَا فِيهَا الْقِيمَةُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ يقول يحتاط فَتُخْرِجُ أَكُثْرَ مِمَّا عَلَيْكَ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْكَ. وَبِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ صَيْدِ الجراد في الحرم فقال لا ونهي عَنْهُ) قَالَ فَإِمَّا قُلْتُ لَهُ وَإِمَّا رَجُلٌ من القوم فان قومك يأخذونه وهم محتبون فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَا يَعْلَمُونَ وَفِي رِوَايَةٍ منحنون قال الشافعي هذا أصواب كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مُنْحَنُونَ بِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجَرَادِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَدَعْوَى أَنَّهُ بَحْرِيٌّ لَا تُقْبَلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ مَأْكُولٌ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ كَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) كُلُّ طَائِرٍ وَصَيْدٍ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْضُهُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ بقيمته. هذا مذهبنا وبه قال أحمد وآخرن مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي البيض وقال مالك يضمننه بِعُشْرِ ثَمَنِ أَصْلِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ الْحَمَامِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَبُو ثَوْرٍ فِيهِ قِيمَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ مَا يَجِبُ فِي أُمِّهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْضِ النَّعَامِ

فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ. وَقَالَ أَبُو عبيدة وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَجِبُ فِيهِ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيهِ جَنِينٌ مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ. قَالَ وروينا عَنْ عَطَاءٍ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كَقَوْلِ الْحَسَنِ (وَالثَّانِي) فِيهَا كَبْشٌ (وَالثَّالِثُ) دِرْهَمٌ (1) دَلِيلُنَا أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّيْدِ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ وَلَيْسَ فِيهَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة وأحمد لا يزول ملكه ولكن يجب إزَالَةُ يَدِهِ الظَّاهِرَةِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مُمْسِكًا لَهُ فِي يَدِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي بَيْتِهِ وَقَفَصِهِ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وعبد الله بن الحرث وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا صَحِيحٌ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى (وَطَعَامُهُ متاعا لكم وللسيارة) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ صَيْدُهُ مَا اصْطَدْت وَطَعَامُهُ مَا تَزَوَّدْت مَمْلُوحًا (قُلْتُ) وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَإِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْعَبْدَرِيُّ الْحَيَوَانُ ضَرْبَانِ أَهْلِيٌّ وَوَحْشِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إجْمَاعًا وَالْوَحْشِيُّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُهُ إنْ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ مُتَوَلَّدًا مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ مُتَوَلِّدًا مِنْ مأكول وغيره هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إلَّا فِي الذِّئْبِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ الْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحِدَأَةُ)) قَالَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحق غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَذْكُرْ الْفَأْرَةَ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ. قال فأما ما لا يعد ومن السِّبَاعِ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إن ابتدأه السبع فلا شئ عليه وإن

_ (1) كذا بالاصل وانظر أين الرابع والخامس

ابْتَدَأَ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إلا الكلب والذئب فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَدَأَهُمَا. قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ قَالَ وَأَبَاحَ أَكْثَرُهُمْ قَتْلَ الْغُرَابِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْهُمْ أَبُو عُمَرَ ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الحديث إنما يباح الغراب ألا يقع دُونَ سَائِرِ الْغِرْبَانِ (وَأَمَّا) الْفَأْرَةُ فَأَبَاحَ الْجُمْهُورُ قَتْلَهَا وَلَا جَزَاءَ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهَا قَالَ وَهَذَا لَا مَعْنَى فِيهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ السنة وقول العلماء. قال ابن المنذر وأجمعوا عَلَى أَنَّ السَّبُعَ إذَا بَدَرَ الْمُحْرِمَ فَقَتَلَهُ فلا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَدَأَ السَّبُعَ فَقَالَ مجاهد والنخعي والشعبى والثوري وأحمد وإسحق لا يقتله وقال عطاء وعمر بْنُ دِينَارٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ فِي الْإِحْرَامِ عَدَا عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَعْدُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرأى لا شئ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ فِي الْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَقَالَ مالك في الذباب والدر والقمل إذا قتلهن ارى ان يتصدق بشئ مِنْ الطَّعَامِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَكْرَهُ قَتْلَ النَّمْلَةِ وَلَا يَرَى عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهَا شَيْئًا قَالَ فَأَمَّا الزُّنْبُورُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ شيئا قال ابن المنذر واما القملة إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يَتَصَدَّقُ بِحَفْنَةٍ مِنْ طَعَامٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قال (اهون مقتول أي لا شى فِيهَا) . وَقَالَ عَطَاءُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَمِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وقال أحمد يطعم شيئا. وقال اسحق تَمْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَقْتُلُهَا وَيُكَفِّرُ إذَا كَرِهَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا شئ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ قَتَلَهَا مِنْ رَأْسِهِ افْتَدِي بِلُقْمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي جَسَدِهِ فَقَتَلَهَا فَلَا فِدْيَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ فِيهَا وَلَيْسَ لِمَنْ أَوْجَبَ فِيهَا شَيْئًا حُجَّةٌ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ قَتْلِ الْقُرَادِ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْعَبْدَرِيُّ يَجُوزُ عِنْدَنَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرَهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُقَرِّدُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ أَبَاحَ تَقْرِيدَ بَعِيرِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ زيد وعطاء والشافعي وأحمد وإسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي المحرم

يَقْتُلُ قُرَادًا يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَتَيْنِ. قَالَ ابن المنذر وبالاول اقول. ودليلنا جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَبْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أعلم. قال المصنف رحمه الله * وان احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للاذى أو الي شد رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للجماعة لم يحرم عليه. وتجب عليه الكفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة. فثبت الحلق بالنص وقسنا عليه ما سواه لانه في معناه وإن نبت في عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الراس على عينه فقطع ما غطى العين أو انكسر شئ من ظفره فقطع ما انكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز ولا كفارة عليه لان الذى تعلق به المنع الجأه الي إتلافه. ويخالف إذا اذاه القمل في راسه فحلق الشعر لان الاذى لم يكن من جهة الشعر الذى تعلق به المنع إنما كان من غيره. وان افترش الجراد في طريقه فقتله ففيه قولان (احدهما) . يجب عليه الجزاء لانه قتله المنفعة نفسه فأشبه إذا قتله للمجاعة (والثاني) لا يجب لان الجراد الجأه إلى قتله فأشبه إذا صال على الصيد فقتله للدفع. وان باض صيد على فراشه فنقله ولم يحضنه الصيد فقد حكي الشافعي رحمه الله عن عطاء رحمه الله انه لا يلزمه ضمانه لانه مضطر إلى ذلك قال ويحتمل ان يضمن لانه اتلفه باختياره فحصل فيه قولان كالجراد. وان كشط من يده جلدا وعليه شعر أو قطع كفه وفيه اظفار لم تلزمه فدية لانه تابع لمحله فسقط حكمه تبعا لمحله كالاطراف مع النفس في قتل الآدمى) (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ به أذى من رأسه ففدية) فِيهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُهُ فَحَلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ شِدَّةُ الجوع وحديث كعب بن عجرة ورواه البخاري ومسلم وسبق بيانه (قوله) افترش الجواد هُوَ بِرَفْعِ الْجَرَادِ وَهُوَ فَاعِلُ افْتَرَشَ قَالَ أهل اللغة افترش الشئ إذَا انْبَسَطَ قَالُوا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَكَمَةُ مُفْتَرَشَةٌ أي دكا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَأَوْضَحْته لِأَنِّي رَأَيْتُ بعض الكبار يغلطه فِيهِ (قَوْلُهُ) وَلَمْ يَحْضُنْهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الضَّادِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَضَنَ الطائر بيضه يخضنه إذَا ضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جُنَاحِهِ (قَوْلُهُ) أَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارٌ هَكَذَا فِي النَّسْخِ وَفِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَفِيهَا

لِأَنَّ الْكَفَّ مُؤَنَّثَةٌ (وَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى فَعَادَ الضَّمِيرُ إلَى مَعْنَى الْكَفِّ وَهُوَ الْعُضْوِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا احْتَاجَ الْمُحْرِمُ إلَى اللُّبْسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ قِتَالِ صَائِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ أَوْ إلَى الطِّيبِ لِمَرَضٍ أَوْ إلَى حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَذًى فِي رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ إلَى شَدِّ عِصَابَةٍ عَلَى رَأْسِهِ لِجِرَاحَةٍ أَوْ وَجَعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إلَى ذَبْحِ صَيْدٍ لِلْمَجَاعَةِ أَوْ إلَى قَطْعِ ظُفْرٍ لِلْأَذَى أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا كُلِّهِ جَازَ له فعله وعليه الفدية لما ذكره المنصف وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ دَاخِلَ الْجَفْنِ وَتَأَذَّى بِهَا جَازَ قَلْعُهَا بِلَا خِلَافٍ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِيهِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَرَادِ إذَا افْتَرَشَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَعِيدٌ فِي النَّقْلِ * وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْمُعَايَاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ وَالْمَذْهَبُ لَا ضَمَانَ قَطْعًا * وَلَوْ طَالَ شَعْرُ حَاجِبِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَغَطَّى عَيْنَهُ فَلَهُ قَطْعُ الْمُغَطِّي بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ وَسَلَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ طَرِيقَةً عَجِيبَةً فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ الشَّعْرُ فِي عَيْنِهِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ بِقَلْعِهِ * قَالَ وَلَوْ انْعَطَفَ هُدْبُهُ إلَى عَيْنِهِ فَآذَاهُ فَنَتَفَهُ أَوْ قَطَعَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ هَذَا كَالصَّائِلِ بِخِلَافِ شَعْرِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَبَقَ * وَلَوْ انْكَسَرَ بَعْضُ ظُفْرٍ فَتَأَذَّى بِهِ فقطع الْمُنْكَسِرَ وَحْدَهُ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الطَّرِيقَيْنِ كَشَعْرِ الْعَيْنِ (أَمَّا) إذَا قَطَعَ الْمَكْسُورَ وَشَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الظُّفْرُ بِكَمَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَخَذَ بَعْضَ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضَ شَعْرٍ فَهُوَ كَالظُّفْرِ الْكَامِلِ والشعرة الكاملة وفيه وجه ضعيف انه ان اخذ جميع أَعْلَى الظُّفْرِ وَلَكِنَّهُ دُونَ الْمُعْتَادِ وَجَبَ مَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ الظُّفْرِ كَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَجَبَ بِقِسْطِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَلَوْ رَكِبَ إنْسَانٌ صَيْدًا وَصَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ

وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ الْجَزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ الْأَذَى لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ الْمُحْرِمُ (وَالثَّانِي) يُطَالَبُ الْمُحْرِمُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاكِبِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ وَكَذَا نَقَلَ الْقَفَّالُ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَنْ رَكِبَ دَابَّةً مغصوبة وَقَصَدَ إنْسَانًا فَقَتَلَ الْمَقْصُودُ الدَّابَّةَ فِي ضَرُورَةِ الدَّفْعِ (أَحَدُهُمَا) الْغَرَامَةُ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الدَّافِعِ (وَالثَّانِي) يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا انْبَسَطَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِهِ وَعَمّ الْمَسَالِكَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَشْيُ إلَّا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي مُرُورِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ ذَكَرَ المنصف دَلِيلَهُمَا (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّ لَا ضَمَانَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا ضَمَانَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَارِقِيُّ فِي الْفَوَائِدِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إيجَابَ الضَّمَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ جَرَادُ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا بَاضَ صَيْدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَقَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُنْهُ الصَّيْدُ حَتَّى فَسَدَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْجَرَادِ الْمُفْتَرِشِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ

وَلَوْ وَضَعَ الصَّيْدُ الْفَرْخَ عَلَى فِرَاشِ الْمُحْرِمِ فَنَقَلَهُ فَتَلِفَ أَوْ تَقَلَّبَ عَلَيْهِ جَاهِلًا فَتَلِفَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَطَعَ الْمُحْرِمُ يَدَهُ وَعَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ كَشَطَ جِلْدَةً مِنْهَا عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَعَلَيْهَا أَظْفَارٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ كَشَطَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ الَّتِي عَلَيْهَا شَعْرٌ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ افْتَدَى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا صَالَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يلزمه الضمان * قال المصنف رحمه الله * (وان لبس أو تطيب أو دهن رأسه أو لحيته جاهلا بالتحريم أو ناسيا للاحرام لم يلزمه الفدية لما روى أبو يعلى بن أمية رضى الله عنه قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر رأسه ولحيته فقال يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك) ولم يأمره بالفدية فدل علي أن الجاهل لا فدية عليه وإذا ثبت هذا في الجاهل ثبت في الناسي لان الناسي يفعل وهو يجهل تحريمه عليه فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ ما فعله جاهلا نزع اللباس وأزال الطيب حديث يعلى بن أمية فان لم يقدر علي إزالة الطيب لم تلزمه الفدية لانه مضطر إلى تركه فلم تلزمه فديد كما لو أكره علي التطيب وان قدر على إزالته واستدام لزمته الفدية لانه تطيب من غير عذر فأشبه إذا ابتدأ به وهو عالم بالتحريم * وان مس طيبا وهو يظن أنه يابس فكان رطبا ففيه قولان (أحدهما) تلزمه الفدية لانه قصد مس الطيب (والثانى) لا تلزمه

لانه جهل تحريمه فاشبه إذا جهل تحريم الطيب في الاحرام * وان حلق الشعر أو قلم الظفر ناسيا أو جاهلا بالتحريم فالمنصوص أنه تجب عليه الفدية لانه إتلاف فاستوى في ضمانه العمد والسهو كاتلاف مال الآدمى وفيه قول آخر مخرج أنه لا تجب لانه ترفه وزينة فاختلف في فديته السهو والعمد كالطيب * وان قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم وجب عليه الجزاء لان ضمانه ضمان المال فاستوي فيه السهو والعمد والعلم والجهل كضمان مال الآدميين وان أحرم ثم جن وقتل صيدا ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه الجزاء لما ذكرناه (والثاني) لا يجب لان المنع من قتل الصيد تعبد والمجنون ليس من أهل التعبد فلا يلزمه ضمان * ومن أصحابنا من نقل هذين القولين الي الناسي وليس بشئ وان جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففيه قولان (قال) في الجديد لا يفسد حجه ولا يلزمه شئ لانه عبادة تجب بافسادها الكفارة فاختلف في الوطئ فيها العمد والسهو كالصوم (وقال) في القديم يفسد حجه وتلزمه الكفارة لانه معني يتعلق به قضاء الحج فاستوى فيه العمد والسهو كالفوات) (حَدِيثُ يَعْلَى صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْجِعْرَانَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ) وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَيْ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تُرْفَةٌ وَزِينَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ إتْلَافِ مَالِ الْآدَمِيِّ وَمَنْ إتْلَافِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ) يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ احْتِرَازٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ. (قَوْلُهُ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ الْمَالِ يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ أَوْ القيمة

وقيه احْتِرَازٌ مِنْ قَتْلِ الْآدَمِيِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ أَوْ نَاسِيًا الْإِحْرَامَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَأَوْجَبَهَا * دَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ ذَكَرَ مَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ عَلِمَ مَا فَعَلَهُ جَاهِلًا لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَةِ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَلَهُ نَزْعُ الثَّوْبِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَلَا يُكَلَّفُ شَقُّهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَعَ فِي الْإِزَالَةِ وَطَالَ زَمَانُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَخَّرَ الْإِزَالَةَ مَعَ إمْكَانِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَطَيِّبٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ إزَالَةُ الطِّيبِ أَوْ اللِّبَاسِ بِأَنْ كَانَ أَقْطَعَ أَوْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَمَّا يُزِيلُ بِهِ الطِّيبَ فَلَا فِدْيَةَ مَا دَامَ الْعَجْزُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَتَى تَمَكَّنَ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِزَالَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُوَ كَمَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ سَرَقَ عَالِمًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ كَوْنَ الْمَمْسُوسِ طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ لِتَقْصِيرِهِ (أَمَّا) إذَا مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَكَانَ رَطْبًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْجَدِيدُ) لَا فِدْيَةَ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الطَّيِّبِ (أَمَّا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّطَيُّبِ فَلَا فِدْيَةَ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَلَقَ الشَّعْرَ أَوْ قَلَّمَ الظُّفْرَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَالثَّانِي) مُخَرَّجٌ أَنَّهُ

لَا فِدْيَةَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ * وَقَالَ كَثِيرُونَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ إذَا أَزَالُوا فِي إحْرَامِهِمْ شَعْرًا أَوْ ظُفْرًا هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا فِدْيَةَ بِخِلَافِ الْعَاقِلِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ المصنف وآخرين (والثانى) على الْخِلَافُ فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ (وَأَمَّا) الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ قَتْلِهِمْ الصَّيْدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ (الرَّابِعَةُ) إذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَجِّ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَفِيهِ قولان مشهووان ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ (وَالْقَدِيمُ) فَسَادُهُ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ * وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَنَّ التَّحَلُّلَ لَمْ يَحْصُلْ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) كَالنَّاسِي فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَالثَّانِي) يَفْسُدُ حَجُّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَقْصِيرِهِ * وَلَوْ أُكْرِهَتْ المحرمة علي الوطئ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّاسِي وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ بِنَاءً عَلَى الخلاف في تصور اكراهه على الوطئ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إكْرَاهَهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَكُونُ مُخْتَارًا فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ

فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى النَّاسِي كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرْأَةِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَفْسُدُ لِأَنَّ الاصح تصورا كراهه * وَلَوْ أَحْرَمَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَجَامَعَ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّاسِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ فِي ضَابِطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ إتْلَافًا كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتِمْتَاعًا مَحْضًا كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَدَهْنِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَسَائِرِ الْمُبَاشَرَاتِ بِالشَّهْوَةِ مَا عَدَا الْجِمَاعَ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا فَلَا فِدْيَةَ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَالثَّوْرِيُّ واسحق وَدَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَقَاسُوهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ إتْلَافٌ (وَأَمَّا) إذَا وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ وَلَا كَفَّارَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَفْسُدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَوَافَقَنَا دَاوُد فِي النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وقد ذكر المصنف دليل المذهبين * قال المصنف رحمه الله *

(وان حلق رجل رأسه فان كان باذنه وجبت عليه الفدية لانه أزال شعره بسبب لا عذر له فيه فاشبه إذا حلقه بنفسه وان حلقه وهو نائم أو مكره وجبت الفدية وعلى من تجب فيه قولان (أحدهما) تجب على الحالق لانه أمانة عنده فإذا اتلفه غيره وجب الضمان علي من أتلفه كالوديعة إذا أتلفها غاصب (والثانى) تجب علي المحلوق لانه هو الذي ترفه بالحلق فكانت الفدية عليه (فان قلنا) تجب الفدية على الحالق فللمحلوق مطالبته باخراجها لانها تجب بسببه فان مات الحالق أو اعسر بالفدية لم تجب علي المحلوق الفدية (وإن قلنا) تجب على المحلوق أخذها من الحالق واخرجها وان افتدى المحلوق

نظرت فان افتدى بالمال رجع باقل الامرين من الشاة أو ثلاثة آصع وان اداها بالصوم لم يرجع عليه لانه لا يمكن الرجوع به ومن اصحابنا من قال يرجع بثلاثة امداد لان صوم كل يوم مقدر بمد * وان حلق رأسه وهو ساكت ففيه طريقان (احدهما) انه كالنائم والمكره لان السكوت لا يجرى مجرى الاذن والدليل عليه انه لو اتلف رجل ماله فسكت لم يكن سكوته اذنا في اتلافه (والثاني) انه بمنزلة ما لو اذن فيه لانه يلزمه حفظه والمنع من حلقه فإذا لم يفعل جعل سكوته كالاذن فيه كالمودع إذا سكت عن اتلاف الوديعة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ هَكَذَا اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَالْأَجْوَدُ حَذْفُ الْأَلِفِ فَيُقَالُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ (وَقَوْلُهُ) يَجْرِي مَجْرَى هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَقَوْلُهُ) سَكَتَ عَنْ إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ يُقَالُ سَكَتَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِلْحَالِقِ وَالْمَحْلُوقِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا حلالين فلا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا وَالْمَحْلُوقُ حلالا فلا منع منه ولا شئ عَلَيْهِمَا (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا دُونَ الْحَالِقِ وَفِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَأْثَمُ الْحَالِقُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَلْقُ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ أَثِمَ أَيْضًا وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى المحلوق ولا شئ عَلَى الْحَالِقِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ * دليلنا انه آلة اللمحلوق فَوَجَبَتْ إضَافَةُ الْحَلْقِ إلَى الْمَحْلُوقِ دُونَهُ أَمَّا إذَا حَلَقَ الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ شَعْرَ مُحْرِمٍ بغير اذنه فانه كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (احدهما) طريقة ابي العباس بن سريج (والثانى) ابى اسحق المروزى ان المسألة قولين (احدهما) ان الفدية عليه الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ

(وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مختصر الحج الاوسط وقال ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ ابْتِدَاءً قَوْلًا وَاحِدًا فما دام موسرا حاضرا فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا غاب الحالق أو اعسر فهل يلزمه الْمَحْلُوقَ إخْرَاجُ الْفِدْيَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحَالِقِ إذَا حَضَرَ وَأُيْسِرَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي الصَّحِيحُ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبِهَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَخَالَفَهُ الجمهور فصححوا طريقة ابن سريج وأبى اسحق. مِمَّنْ صَحَّحَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ هَلْ هُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ أَمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ (فَإِنْ) قُلْنَا عَارِيَّةٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ ثُمَّ يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) وَدِيعَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْحَالِقِ ولا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ * وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَارِيَّةٌ (وَالثَّانِي) وَدِيعَةٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّامِلِي وَغَيْرُهُمْ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعَارِيَّةِ انْتِفَاعُ الْمُسْتَعِيرِ بِهَا وَالْمُحْرِمُ لَا يَنْتَفِعُ بِكَوْنِ الشَّعْرِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ فِي إزَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَضْمَنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ كَالْعَارِيَّةِ لَضَمِنَهُ كَالْعَارِيَّةِ التَّالِفَةِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَالَ الْقَاضِي (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا تَمَعَّطَ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعَارِيَّةِ هُوَ الذى اتلفها وهو الله

تَعَالَى (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا حَلَقَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ فِي الْحَلْقِ وَلَا مُحْدِثَ لِلْأَفْعَالِ سِوَاهُ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحَلْقَ اكْتَسَبَهُ الْعَبْدُ فَضَمِنَهُ وَالتَّمَعُّطَ بِالْمَرَضِ لَيْسَ بِكَسْبٍ فَلَمْ يمضنه * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ ذِكْرُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ خَطَأٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَا يُطَالَبُ الْمَحْلُوقُ أَبَدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بتصحيحه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ البيان والفارقي والرافعي وآخرون لان الملحوق مَعْذُورٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي (وأما) قول القائل الآخر انه ترقة بِالْحَلْقِ فَقَالُوا هَذَا يَنْتَقِضُ بِمَنْ عِنْدَهُ شَرَابٌ وَدِيعَةً فَجَاءَ إنْسَانٌ فَأَوْجَرَهُ فِي حَلْقِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ دُونَ الْمُودِعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ فَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا * هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا التَّعْوِيلُ عَلَى النَّقْلِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَأَنْكَرَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ كَمَا اسْتَشْكَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَةُ الْحَالِقِ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْإِمَامِ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ قَالَ والصحيح انه ليس له مطالبته لان الحلق لَيْسَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْإِخْرَاجِ ضَرَرٌ لِأَنَّ الْحَالِقَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالْإِخْرَاجِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ غَرَضًا وَهُوَ الزَّجْرُ لِصِيَانَةِ مِلْكِهِ * هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْفَارِقِيّ وَلِأَنَّ حج

الْمَحْلُوقِ يُتِمُّ بِإِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِإِخْرَاجِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ فَمَاتَ أَوْ أُعْسِرَ فلا شئ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَحْلُوقُ الْفِدْيَةَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَالِقِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَدَّى زَكَاتَهُ وَكَفَّارَتَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُجْزِئُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْعِبَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَالِقُ حَاضِرًا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِلْمَحْلُوقِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَالِقِ وَيُخْرِجُهَا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِلْزَامِ الْمَحْلُوقِ بِإِخْرَاجِهَا ثُمَّ الرُّجُوعُ عَلَى الْحَالِقِ مَعَ إمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ الْحَالِقِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْحَالِقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ دُونَ الصِّيَامِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ لِهَذِهِ الْفِدْيَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَالصَّوْمُ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّحَمُّلُ * وَإِنْ غَابَ الْحَالِقُ أَوْ أَعُسِرَ لَزِمَ الْمَحْلُوقَ أَنْ يَفْدِيَ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ الْفَرْضِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَهُ هُنَا أَنْ يَفْدِيَ بِالْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ والصيام واطلق الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ بِالْإِطْعَامِ وَالْهَدْيِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وُجُودِ الْحَالِقِ وَعَدَمِهِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصِّيَامُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ * وَإِذَا فَدَى الْمَحْلُوقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نُظِرَتْ فَإِنْ فَدَى بِالطَّعَامِ أَوْ الْهَدْيِ رَجَعَ بِأَقَلِّهِمَا قِيمَةً لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَعُدُولُهُ إلَى أَكْثَرِهِمَا تَبَرُّعٌ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وجهين (أحدهما)

هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا فَدَى بِأَكْثَرِهِمَا لَا يرجع على الحالق بشئ لِأَنَّهُ غَارِمٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْغُرْمَ بِأَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْأَكْثَرِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ فَدَى بِالصِّيَامِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وبه قطع جماعة لا يرجع بشئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) يَرْجِعُ لِكُلِّ يَوْمٍ بِصَاعٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الشَّرْعَ عَادَلَ بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَرْجِعُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ لَوْ فَدَى بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ * وَلَوْ أَرَادَ الْحَالِقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَفْدِيَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِالْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَحْلُوقِ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والفرق بين هذا وبين من أُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ وَقُلْنَا إنَّ الْمُكْرَهَ الْمَأْمُورَ يَضْمَنُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ فَأَدَّاهُ الْآمِرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَأْمُورِ يَبْرَأُ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهَا مِمَّنْ لَاقَاهُ الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا حَلَقَ إنْسَانٌ رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ عَاقِلٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ لَكِنَّهُ سَاكِتٌ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِإِذْنِهِ فَتَكُونُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْحَالِقِ بشئ لان الشعر عنده وديعة أو عادية وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إذَا أُتْلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ الْوَدِيعَةُ وَهُوَ سَاكِتٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمَنْعِ يَكُونُ ضَامِنًا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ * (فَرْعٌ) لَوْ أَمَرَ حَلَالٌ حَلَالًا بِحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ نائم الفدية عَلَى الْآمِرِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَالِقُ الْحَالَ فَإِنْ عَرَفَهُ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ أَكْرَهَ إنْسَانٌ مُحْرِمًا عَلَى حَلْقِ رَأْسِ نَفْسِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا لَوْ حَلَقَهُ مُكْرَهًا * وَلَوْ أُكْرِهَ رَجُلًا عَلَى حَلْقِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ *

(فَرْعٌ) إذَا سَقَطَ شَعْرُ الْمُحْرِمِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْآفَاتِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ طَارَتْ إلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إطْفَاؤُهَا فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ سَقَطَ بِالْمَرَضِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فَهُوَ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ * وَأَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ لَا فِدْيَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إنَّ الشَّعْرَ كَالْعَارِيَّةِ ضَمِنَهُ وَإِنْ قُلْنَا وَدِيعَةً فَلَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِطْفَاءُ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ حُجَّةً لِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ عَنْ الْمَحْلُوقِ النَّائِمِ وَالْمُكْرَهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الِاحْتِجَاجُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَلَالَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ مُكْرِهًا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الثَّانِي تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَئِمَّةُ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ قَالَ وَأَقْرَبُ مَسْلَكٍ فِيهِ أَنَّ الشَّعْرَ فِي حَقِّ الْحَلَالِ كَصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ لَوْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ. دَلِيلُنَا أَنَّهُ حَلَقَ شَعْرًا لَا حُرْمَةَ لَهُ بِخِلَافِ شَعْرِ الْمُحْرِمِ وَلَوْ حَلَقَ حَلَالٌ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ مُكْرَهٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْحَالِقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ وَقَالَ عَطَاءٌ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِ المحرم فعليهما الفدية * * قال المصنف رحمه الله * (ويكره للمحرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره فان انتثر منه شعرة لزمته الفدية ويكره أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قملة استحب له ان يفديها قال الشافعي رحمه الله وأى شئ فداها به فهو خير منها فان ظهر القمل علي بدنه أو ثيابه لم يكره ان ينحيه لانه الجأه * ويكره ان يكتحل

بما لا طيب فيه لانه زينة والحاج اشعث اغبر فان احتاج إليه لم يكره لانه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلان لا يكره ما لا يحرم أولى * ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى ابو ايوب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يغتسل وهو محرم) ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ اغْسِلُوهُ بماء وسدر) ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ويجوز أن يفتصد كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بقية من شعران تضرب له بنمرة) وإذا ثبت جواز ذلك بالحر نازلا وجب ان يجوز سائرا قياسا عليه ويكره ان يلبس الثياب المصبغة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رأى على طلحة ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انتم أئمة يقتدي بكم ولو ان جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس احدكم من هذه الثياب المصبغة في الاحرام شيئا * ويكره ان يحمل بازا أو كلبا معلما لانه ينفر به الصيد وربما انفلت فقتل صيدا وينبغى ان ينزه إحرامه من الخصومة والشتم والكلام القبيح لقوله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) قال ابن عباس الفسوق المنابزة بالالقاب وتقول لاخيك يا ظالم يا فاسق والجدال أن تمارى صاحبك حتي تغضبه وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كهيئته يوم ولدته امه وبالله التوفيق) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَحَدِيثُهُ فِي الْحِجَامَةِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْقُبَّةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي اسْتَوْعَبَ فِيهِ صِفَةَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ الله عنهما قَالَتْ (حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَقَوْلُهُ لِطَلْحَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ باسناد

عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج) فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (قَوْلُهُ) يُكْرَهُ أَنْ يَفْلِيَ رَأْسَهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُكْرَهُ حَكُّ الشَّعْرِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْأَظْفَارِ لِئَلَّا يَنْتِفَ شَعْرًا وَلَا يُكْرَهُ بِبُطُونِ الْأَنَامِلِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ بِأَظْفَارِهِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِأَنَامِلِهِ وَيُكْرَهُ مَشْطُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نَتْفِ الشَّعْرِ فَإِنْ حَكَّ أَوْ مَشَطَ فَنَتَفَ بِذَلِكَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ فَإِنْ سَقَطَ شَعْرٌ وَشَكَّ هل نتفه بفعله أم كان ينتسل بِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَتِهِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وصاحب البيان لافدية لانه محتمل الامرين والاصل برائته فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِالشَّكِّ (وَالثَّانِي) تَلْزَمُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ نَظِيرٌ من ضرب بطن امْرَأَةٍ فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ الْإِجْهَاضُ بِسَبَبٍ آخَرَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَكِّ الشَّعْرِ (وَأَمَّا) حَكُّ الْجَسَدِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّهَا سُئِلَتْ أَيَحُكُّ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَلْيَحُكَّهُ وَلْيَشْدُدْ) * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ دَلْكُ الْبَدَنِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ. دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُمْنَعُ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ و (أما) مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ مَا يعبأ الله بأوساخنا شيأ) فَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْد الْمُحَدِّثِينَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُفَلِّيَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَإِنْ فَلَّى وَقَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ وَلَوْ بِلُقْمَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي وفى نص آخر قال أي شئ فَدَاهَا بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ بِمَعْنَى

الْأَوَّلِ وَهَذَا التَّصَدُّقُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ * هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً فَأَشْبَهَتْ قَتْلَ الْحَشَرَاتِ وَالسِّبَاعِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ التَّصَدُّقَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى عَنْ الرَّأْسِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه في فصل قتل مالا يُؤْكَلُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ ظَهَرَ الْقَمْلُ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَهُ إزَالَتُهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لَا وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِخِلَافِ قَمْلِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الْأَذَى مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الصِّئْبَانَ لَهَا حُكْمُ الْقَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ بحكل فِيهِ طِيبٌ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الطِّيبِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَوَاءٍ جَازَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَأَمَّا) الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي كَرَاهَتِهِ نَصَّانِ فَقِيلَ قَوْلَانِ وَقِيلَ عَلَى حَالَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ وَنَحْوِهِ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحَسِّنُ الْعَيْنَ كَالتُّوتْيَا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ يُحَسِّنُهَا كَالْإِثْمِدِ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ فَإِنْ صَحَّ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ

أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزِّينَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّجُلِ فَإِنْ اكْتَحَلَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في المحرم (يعنى يشتكي عينيه قال يضمدهما بِالصَّبِرِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُمَيْسَةَ قَالَتْ (اشْتَكَتْ عَيْنَيْ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ فَسَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الْكُحْلِ فَقَالَتْ اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْتِ غَيْرِ الْإِثْمِدِ أَوْ قَالَتْ غَيْرِ كُلِّ كُحْلٍ أَسْوَدَ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بحرام ولكنه زينة نحن نَكْرَهُهُ وَقَالَتْ إنْ شِئْتِ كَحَّلْتُكِ بِصَبِرٍ فَأَبَيْتُ) * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا لِلْمُحْرِمِ بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَهُ ان يكتحل بمالا طِيبَ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِكُلِّ كُحْلٍ لَا طِيبَ فيه قال ورخص في الحكل له الثوري وأحمد واسحق وأصحاب الرأى غير أن اسحق

وَأَحْمَدَ قَالَا لَا يُعْجِبُنَا ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَكَرِهَهُ مجاهد وكره الاثمد للمحرم الثوري وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُكْرَهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ وَيَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَلَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَوْفًا مِنْ انْتِتَافِ الشَّعْرِ وَلِأَنَّهُ تَرَفُّهٌ وَنَوْعُ زِينَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ كَرَاهَتَهُ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى * وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِكَرَاهَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْحَنَّاطِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ الْقَدِيمِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا غَسَلَهُ فينبغي ان يرفق لئلا ينتتف شَعْرَهُ * هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَمَّا اغتسال المحرم بالماء والا نغماس فِيهِ فَجَائِزٌ لَا يُعْرَفُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ السَّابِقِ (فَأَمَّا) دُخُولُ الْحَمَّامِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ نَفْسِهِ فَجَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ الْوَسَخِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ غَسْلَ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ مُبَاحٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْطَعَ الْعِرْقَ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ منهم مسروق وعطاء وعبيد ابن عمير والثوري وأحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ لَيْسَ لَهُ الْحِجَامَةُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنْ فَعَلَهُ (1) دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْحِجَامَةِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الا بقطع شعر قطعه ولزمه الْفِدْيَةُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ سَائِرًا وَنَازِلًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَطَاءٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُهْدِي لَا أَسْتَظِلُّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنْهُ وَمَا كَانَ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ كَانَ لِلْمُحْرِمِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نُهِيَ عنه المحرم * قال وكل مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّاكِبُ وَمَنْ عَلَى الْأَرْضِ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ السَّابِقَيْنِ فِي حَدِيثِ ضَرْبِ الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ * هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مالك واحمد انهما قالا

_ (1) كذا بالاصل فحرر

يَجُوزُ الِاسْتِظْلَالُ لِلنَّازِلِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّائِرِ فَإِنْ اسْتَظَلَّ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَمَنُ اسْتِظْلَالِهِ يَسِيرًا فَلَا فِدْيَةَ وَكَذَا لَوْ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَنَحْوِهَا دَلِيلُنَا الْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (أَبْصَرَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ لَهُ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ) فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَقَوْلُهُ) أَضْحِ أَيْ اُبْرُزْ إلَى الشَّمْسِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما من محرم يضحى للشمس حى تَغْرُبَ إلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ سَائِرٍ وَنَازِلٍ * قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِظْلَالُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْبُرُوزُ لِلشَّمْسِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلرَّجُلِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَالسِّتْرُ لِلْمَرْأَةِ أَفْضَلُ (السَّابِعَةُ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الثياب المصبغة كراهة تنزيه فان لبسها بلا فِدْيَةَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَصْبُوغُ بِالنِّيلِ وَالْمَغْرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ * (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ بَازِيًا أَوْ كَلْبًا مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي فَصْلِ الصَّيْدِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَغِي أَنْ يُنَزِّهَ إحْرَامَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَمُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَكَذَا ذِكْرُهُ بِحَضْرَةِ الْمَرْأَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ الْحَلَالِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْدُوبِ كَتَعْلِيمٍ وَتَعَلُّمٍ وَغَيْرِ ذلك لحديثي أبى سريج

عن الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا * قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِمَا بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ مِنْ شِعْرٍ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّعْرُ كَلَامٌ حَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَنَّى وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ فِي الْمِرْآةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ إلَى وَجْهِهِ فِي الْمِرْآةِ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يُكْرَهُ لهما ذلك هذا كلام البدنيجى * وقال صاحب العدة قال الشافعي في الامام لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ يكره ذلك لانه زينة * قال صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ لَا يُكْرَهُ قَالَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فَحَصَلَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عن ابن عباس وأبي هريرة وطاووس والشافعي واحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ * قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُكْرَهُ (وَالثَّانِي) لَا بَأْسَ بِهِ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَاجِّ أَشْعَثَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (ثم ليقضوا تفثهم) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى

يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمْ أنظروا إلى عبادي جاؤني لى شُعْثًا غُبْرًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ السِّتْرِ فَأَسْتَرُ لَهَا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْكَلَامَ فاحسنهم شرحا صاحب الحاوى قال (فاما) أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ في شئ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي هَيْئَاتِ الْإِحْرَامِ فَهِيَ تُخَالِفُهُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِلُبْسِ الْمَخِيطِ كَالْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا هُوَ أَسْتَرُ لَهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا غَيْرَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَخِيطِ وَتَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِخَفْضِ صَوْتِهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ صَوْتَهَا يَفْتِنُ (الثَّالِثُ) أَنَّ إحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا فَلَا تُغَطِّيهِ فَإِنْ سَتَرَتْهُ لَزِمَهَا الْفِدْيَةُ وَلِلرَّجُلِ سَتْرُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) لَيْسَ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ بِلَا خِلَافٍ

وَفِي الْمَرْأَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَخْتَضِبَ لِإِحْرَامِهَا بِحِنَّاءٍ وَالرَّجُلُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذلك (قلت) وتخالفه في شئ سادس من هيآت الاحرام هو أن كراهة الاكتحال فِي حَقِّهَا أَشَدُّ مِنْ الرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَفِي سَابِعٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لها مس وجهها عند ارادة الاحرام بشئ من الحناء لتستر بَشَرَتُهُ عَنْ الْأَعْيُنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ * قَالَ الْأَصْحَابُ وفى أشياء من هيآت الطَّوَافِ (أَحَدُهَا وَالثَّانِي) الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ يُشْرَعَانِ لِلرَّجُلِ

دُونَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُمَا بَلْ تَمْشِي عَلَى هِينَتِهَا وَتَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا غَيْرَ الوجهين وَالْكَفَّيْنِ (الثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ لَيْلًا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَالرَّجُلُ يَطُوفُ لَيْلًا وَنَهَارًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تدنوا مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الطَّوَافِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رِجَالٌ وَإِنَّمَا تَطُوفُ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ وَالرَّجُلُ بِخِلَافِهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهَا فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا تُخَالِطُ النَّاسَ وَتَسِيرُ عَلَى حاشيتهم

تَحَرُّزًا عَنْهُمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُخَالِفُهُ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ السَّعْيِ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا تَمْشِي جَمِيعَ المسافة بين الصفا والمروة ولا تسعى في شئ مِنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ (وَالثَّانِي) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ السَّعْيِ رَاكِبَةً وَالرَّجُلُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَالثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ صُعُودِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرَّجُلُ يُؤْمَرُ بِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (أَحَدُهَا)

يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَقِفَ نَازِلَةً لَا رَاكِبَةً لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لَهَا وَأَسْتَرُ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ وَأَطْرَافِ عَرَفَاتٍ وَالرَّجُلُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُخَالِفُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ هَيْئَاتِ بَاقِي الْمَنَاسِكِ (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ رَفْعُ يَدِهِ فِي رَمْيِ

الجمار ولا يستحب المرأة (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ نُسُكَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ (وَالثَّالِثُ) الْحَلْقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَتَقْصِيرُهَا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِهَا بَلْ حَلْقِهَا مَكْرُوهٌ قَالَ وَمَا سِوَى الْمَذْكُورِ فَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله * باب ما يجب في محظورات الاحرام من كفارة وغيرها (إذا حلق المحرم رأسه فكفارته ان يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة ايام وهو مخير بين الثلاثة لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك) ولحديث كعب بن عجرة * وان حلق ثلاث شعرات كانت كفارته ما ذكرناه في حلق الرأس لانه يقع عليه اسم الجمع المطلق فصار كمن

حلق جميع رأسه وان حلق شعر رأسه وشعر بدنه لزمه ما ذكرناه وقال أبو القاسم الانماطي يلزمه فديتان لان شعر الرأس مخالف لشعر البدن ألا ترى انه يتعلق النسك بحلق الرأس ولا يتعلق بشعر البدن والمذهب الاول لانهما وإن اختلفا في النسك إلا ان لجميع جنس واحد فأجزأه لهما

فدية واحدة كما لو غطي رأسه ولبس القميص والسراويل * وان حلق شعرة أو شعرتين ففيه ثلاثة اقوال (أحدها) يجب لكل شعرة ثلث دم لانه إذا وجب في ثلاث شعرات دم وجب في كل شعرة ثلثه (والثاني) يجب لكل شعرة درهم لان إخراج ثلث دم يشق فعدل إلى قيمته وكانت قيمة الشاة ثلاثة دراهم فوجب ثلاثه (والثالث) مد لان الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام

فيجب ان يكون هنا مثله وأقل ما يجب من الطعام مد فوجب ذلك * وان قلم أظفاره أو ثلاثة أظفار وجب عليه ما يجب في الحلق وان قلم ظفرا أو ظفرين وجب فيهما ما يجب في الشعرة والشعرتين لانه في معناهما * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ مُقَدَّرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ ذَبْحُ شَاةٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصع

لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ * وَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْآصُعِ وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ * هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ

الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ نُصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ بَلْ تَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * وَلَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَهُوَ كَحَلْقِ كُلِّ رَأْسِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَظْفَارِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ مِنْهُمَا * هذا إذ أَزَالَهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَكَان فَإِنْ فَرَّقَ زمانا

أَوْ مَكَانًا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أقوال ذكر المصنف الثلاثة لاول مِنْهَا بِدَلَائِلِهَا (أَصَحُّهَا) وَهُوَ

نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ مُدٌّ وَفِي شَعْرَتَيْنِ مُدَّانِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي شَعْرَةٍ دِرْهَمٌ وَفِي شَعْرَتَيْنِ دِرْهَمَانِ (وَالثَّالِثُ) فِي شَعْرَةٍ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي شَعْرَتَيْنِ ثُلُثَاهُ (وَالرَّابِعُ) فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ كَامِلٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ يَنْقَدِحُ تَوْجِيهُهُ فَلَسْتُ أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ فِي شَعْرَةٍ مُدًّا وَفِي شَعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والقاضى حسين في تعليقه والعبد رى والبغوى وصاحب لانتصار وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ يُعَوِّلُ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ ثُلُثَانِ هُوَ رواية ابى بكر الحميدى وشيخ البخاري وصاحب الشافعي عن الشافعي وشذ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَصَحَّحَهُ وَالْمَشْهُورُ تَصْحِيحُ الْمُدِّ كَمَا سَبَقَ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الظُّفْرَ كَالشَّعْرَةِ وَالظُّفْرَيْنِ كَالشَّعْرَتَيْنِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) فِي الظُّفْرِ مُدٌّ وَفِي الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْمَاطِيِّ فِدْيَتَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ غَلَطٌ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ سَوَاءٌ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَسَوَاءٌ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَالْإِزَالَةُ بِالنُّورَةِ وَغَيْرُهَا فَتَقْصِيرُ الشَّعْرِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِهِ مِنْ أَصْلِهِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ نِصْفَ الشَّعْرَةِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ جَسَدِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ (الْأَصَحُّ) مُدٌّ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ كَالْحَلْقِ مِنْ أَصْلِهِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ فَكَذَا فِي الْفِدْيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجِبُ بِقِسْطِ مَا أَخَذَ مِنْ الشَّعْرَةِ فَيَكُونُ نِصْفَ مُدٍّ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ وَحَاصِلُهُ نِصْفُ مَا فِي الشَّعْرَةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ قَلَّمَ مِنْ ظُفْرِهِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَعْلَاهُ فَهُوَ كَقَطْعِ بَعْضِ شَعْرَةٍ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجَّهَ الْمَاوَرْدِيُّ * وَلَوْ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِ الظُّفْرِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ جَوَانِبَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ دَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَجَبَ هُنَا بِقِسْطِهِ وَإِنْ قُلْنَا مُدٌّ وَجَبَ هُنَا أَيْضًا مُدٌّ وَلَمْ يُبَعِّضْ * هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا قَالَ قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمُدَّ فِي بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّغْلِيبِ * (فَرْعٌ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَالظُّفْرِ وَالظُّفْرَيْنِ تَجْرِي أَيْضًا فِي تَرْكِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمَرَاتِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِدِرْهَمٍ فِي الشَّعْرَةِ لَا أَرَى لَهُ وَجْهًا إلَّا تَحْسِينَ الِاعْتِقَادِ في عطاء

فَإِنَّهُ قَالَهُ وَلَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ ثَبْتٍ * هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ * وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا القول ليس مذهبا للشافعي انما هُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا أَصْلَ لَهَا فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ فِي الزَّكَاةِ فَجَعَلَ الْجُبْرَانَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِمَادُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ * وَأَنْكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ إنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُصَارُ فِيهِ إلَى التَّقْوِيمِ فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ لَا تُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ بَلْ يُصْرَفُ الطَّعَامُ وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِي الطَّعَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقِيمَةِ بِالْوَقْتِ لَا بِمَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي جَزَاءِ الصيد فانه يقوم مالا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ثُلُثُ قِيمَةِ شَاةٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّرْعَ خَيَّرَ بَيْنَ الشَّاةِ وَالطَّعَامِ وَالطَّعَامُ يَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ كَمَا ذَكَرْنَا * قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدًّا بِأَنَّ الشَّرْعَ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَأَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي الشَّرْعِ لِلْفَقِيرِ فِي الْكَفَّارَاتِ مُدٌّ وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِي مُقَابَلَتِهَا أَقَلَّ مَا يُوَجِّبُ فِدْيَةً فِي الشَّرْعِ فَهَذَا التَّوْجِيهُ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الطَّعَامِ فَقَدْ قَابَلَ الشَّرْعُ الشَّاةَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ وَالْآصُعُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّقْسِيطَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي مُقَابِلَةِ الشَّعْرَةِ صَاعٌ قَالَ وَمَنْ قَالَ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ * قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ ثُلُثِ شَاةٍ وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع قال لكن هَذَا الْقَوْلَ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ لانه يضمن فِيمَا لَوْ جَرَحَ ظَبْيَةً فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ ثَمَنِ شَاةٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عُشْرَ شَاةٍ قَالَ فَالْقِيَاسُ

يَلْزَمُهُ صَاعٌ أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ * هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَوْجِيهِ إيجَابِ مُدٍّ فِي الشَّعْرَةِ هَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ مُعْتَضِدٌ بِآثَارِ السَّلَفِ وَهُوَ مَرْجُوعٌ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ يُقَابَلُ بِمُدٍّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِكَمَالِهَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ الدم وان حلق دونه فلا شئ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ أَيِّ طَعَامٍ شَاءَ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ حَلَقَ النِّصْفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ مَا أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى وَجَبَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ * وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِنَا (وَالثَّانِيَةُ) يَجِبُ بِأَرْبَعِ شَعَرَاتٍ * وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لَا يَحْصُلُ بِهَا إمَاطَةُ الْأَذَى * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ كَمَا يَقُولُ رَأَيْتُ زَيْدًا وَإِنَّمَا رَأَى بَعْضَهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَحْلِقُوا رؤسكم) أي شعر رؤسكم وَالشَّعْرُ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَيْسَتْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ مَقْبُولَةً (أَمَّا) إذَا حَلَقَ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مجاهد لا شئ فِي شَعْرَةٍ وَشَعْرَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ يَجِبُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَقَالَ دَاوُد لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْتِيَ فِي إحْرَامِهِ كُلَّ مَا يَجُوزُ لِلْحَلَالِ فِعْلُهُ إلَّا مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَهُ الِاغْتِسَالُ وَدَهْنُ لِحْيَتِهِ وَجَسَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدُّهْنُ مُطَيِّبًا وَلَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ إلَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الضحية فَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَلَا مِنْ شَعْرِهِ فِي الْعَشْرِ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَ وَلِلْمَرْأَةِ الِاخْتِضَابُ وَلِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ شَمُّ الرِّيحَانِ وَأَكْلُ مَا فِيهِ زَعْفَرَانٌ فَإِنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ لِبَاسٍ وَطِيبٍ لَمْ تَجِبْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ عِنْدَ فِعْلِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى إيجَابِ ذَلِكَ

هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْعَبْدَرِيُّ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ شَعْرَ بَدَنِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ كَحَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (وَالثَّانِيَةُ) لَا فِدْيَةَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إلَّا بِشَعْرِ رَأْسِهِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ تَرَفَّهَ بِأَخْذِهِ شَعْرَةً مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ فَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ كَشَعْرِ رَأْسِهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَعْرٍ نَبَتَ فِي العين *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِدْيَةَ الحلق على التخير بين شاة وصوم ثلاثة أيام وإطعام ثلاثة اصع لست مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ لِأَذًى أَوْ غَيْرِهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَلَقَهُ لِعُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمَا قُلْنَا وَإِنْ حَلَقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَعَيَّنَتْ الْفِدْيَةُ بِالدَّمِ * دَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّخْيِيرُ إذَا كَانَ سَبَبُهَا مُبَاحًا ثَبَتَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ * وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأثبت التخيير عند العذر من الذى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ مَعَ عَدَمِهِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ هَذَا تَمَسَّكَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إلَّا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (أَمَّا) الْأَظْفَارُ فَلَهَا حُكْمُ الشَّعْرِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إزَالَتُهَا وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهَا وَثَلَاثَةُ أَظْفَارٍ كَثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَظُفْرٌ كَشَعْرَةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَلَمَ أَظْفَارَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِكَمَالِهَا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ الْكَامِلَةُ وَإِنْ قَلَّمَ مِنْ كُلِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ فَمَا دُونَهَا لَزِمَتْهُ صَدَقَةٌ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ مِنْ يَدٍ أَوْ يَدَيْنِ * وَقَالَ مَالِكٌ حُكْمُ الْأَظْفَارِ حُكْمُ الشَّعْرِ يَتَعَلَّقُ الدَّمُ بِمَا يُمِيطُ الْأَذَى * وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ إزَالَةُ الْأَظْفَارِ كُلُّهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِهِ قَرِيبًا * دَلِيلُنَا أَنَّهُ كَالشَّعْرِ فِي التَّرَفُّهِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان تطيب أو لبس المخيط في شئ من بَدَنِهِ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أو دهن رأسه أو لحيته وجب عليه ما يجب في حلق الشعر لانه ترفه وزينة فو كالحلق وان تطيب ولبس وجبت لكل واحد منهما كفارة لانهما جنسان مختلفان وان لبس ومس طيبا وجب كفارة واحدة لان الطيب تابع للثوب فدخل في ضمانه وان لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ في اوقات متفرقة ففيه قولان (احدهما) تتداخل لانها جنس واحد فأشبه إذا كانت في وقت واحد (والثانى) لا تتداخل لانها في أوقات مختلفة فكان لكل وقت من ذلك حكم نفسه * وان حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات فهي علي

القولين ان قلنا تتداخل لزمه دم وان قلنا لا تتداخل وجب لكل شعرة مد * وان حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات فعلى القولين ان قلنا لا تتداخل لزمه ثلاثة دماء وان قلنا تتداخل لزمه دم واحد * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ فِي بدنه أو غطى رأسه أو شيأ مِنْهُ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللُّبْسَ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ سَتَرَ الرَّأْسَ سَاعَةً أَوْ لَحْظَةً فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي هَذِهِ الْفِدْيَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ ثَلَاثَةٍ آصُعٍ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ

الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا ثُمَّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (والطريق الثالث) فيه أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْحَلْقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ (والثاني) أنا مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا وَيُخْرِجُ قِيمَتَهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا لَزِمَهُ الطَّعَامُ بِقِيمَتِهَا (وَالرَّابِعُ) كَالْمُتَمَتِّعِ كَمَا سَبَقَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَطَيَّبَ وَلَبِسَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ فَعَلَهُمَا مَعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ فِي كُتُبِ العراقيين وغيرهم (أصحها) باتفاق الاصحاب تجب فدينان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ (وَالثَّانِي تَجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمَا اسْتِمْتَاعٌ فَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا وَعِمَامَةً (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِي إنْ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا بِأَنْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ فِي مُدَاوَاتِهَا إلَى طِيبٍ وَسَتَرَهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ السَّبَبُ فَفِدْيَتَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ غَلَطٌ وَمُنْتَقَضٌ بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا أَوْ طَلَى رَأْسَهُ بطيب ثخين بحيث يغطى بعضه بعضا فطريقاه (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُ فِدْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (إنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ جِنْسٌ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا جِنْسَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ تَابِعٌ (وَالثَّانِي) فِدْيَتَانِ (الرَّابِعَةُ) إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ قَبَّلَهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ لَبِسَ قَمِيصًا ثُمَّ سَرَاوِيلَ ثُمَّ عِمَامَةً أَوْ كَرَّرَ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ تَطَيَّبَ بِمِسْكٍ ثُمَّ زعفران ثم كافور أو كرر

احداهما فِي الْمَجْلِسِ مَرَّاتٍ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ أُخْرَى أَوْ كَرَّرَ قُبْلَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَعَلَ هَذَا كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُهُ فِي مُعَالَجَةِ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَلَفِّ الْعِمَامَةِ وَاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ وَمُحَاوَلَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبْلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَصَّرَ فَيُكَفِّرُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَوَالِيًا لِأَنَّهُ كَالْفِعْلِ الْوَاحِدِ (أَمَّا) إذَا كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ قبل فعل الثَّانِي فَيَلْزَمُهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ كَمَا لَوْ زنا فحد ثم زنا فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ طَوِيلٌ مِنْ غَيْرِ تُوَالِي الْأَفْعَالِ نَظَرْتَ فَإِنْ فَعَلَ الثاني بعد التكفير عن الاول لزمه لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّكْفِيرِ وَإِنْ فَعَلَ الثَّانِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا بِأَنْ لَبِسَ فِي الْمَرَّتَيْنِ أَوْ الْمَرَّاتِ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلْحَرِّ أَوْ تَطَيَّبَ لِمَرَضٍ وَاحِدٍ مَرَّاتٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا تَتَدَاخَلُ فَيَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَيَكْفِي فِدْيَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْفِعْلُ بِسَبَبَيْنِ أَوْ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ لَبِسَ بُكْرَةً لِلْبَرْدِ وَعَشِيَّةً لِلْحَرِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ فِدْيَتَانِ قَطْعًا وَيُجْعَلُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ اتحد

السَّبَبُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ * قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ حَيْثُ قُلْنَا يَكْفِيهِ للجميع فدية واحدة فارتكب محظورا وخرج الفدية ونوى باخراجها التفكير. عَمَّا فَعَلَهُ وَمَا سَيَفْعَلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ عَلَى الحنث المحظور ان منعناه فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ أَلْبَتَّةَ فَيَقَعُ التَّكْفِيرُ عَنْ الاول فقط ويجب التفكير ثَانِيًا عَنْ الثَّانِي وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفِدْيَةَ كَالْكَفَّارَةِ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ فَلَا يلزمه للثاني شئ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الثَّانِي مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لم يوجد سبب الثاني ولا شئ مِنْهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ (الْخَامِسَةُ) إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي فِعْلِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللُّبْسِ وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَضَعَ الطَّعَامَ وَجَعَلَ يَأْكُلُ لُقْمَةً لُقْمَةً مِنْ بُكْرَةٍ إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَمْكِنَةٍ أَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ فَيُفْرِدُ كُلَّ مَرَّةٍ بِحُكْمٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّ مَرَّةٍ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا وَجَبَ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ شَاةٌ أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَإِنْ كَانَتْ شَعْرَةً أَوْ شَعْرَتَيْنِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ (الْأَصَحُّ) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ (وَالرَّابِعُ) دَمٌ كَامِلٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِيمَنْ كَرَّرَ لُبْسًا أَوْ تَطَيُّبًا (إنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَهُوَ التَّدَاخُلُ لَزِمَهُ دَمٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ الْجَمِيعَ فِي مَجْلِسٍ مُتَوَالِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَدَاخُلَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (أَمَّا) إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَمْكِنَةٍ أو ثلاثة أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرِيقُ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ شَعْرَةٍ بِحُكْمِهَا وفيها الاقوال

السَّابِقَةُ (أَصَحُّهَا) فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مُدٌّ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (والثالث) ثلث دم فيجل دَمٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الشَّعْرَةِ دَمٌ كَامِلٌ يَجِبُ هُنَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ (إنْ قُلْنَا) بِالتَّدَاخُلِ وَجَبَ دَمٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ بَاقِي الْأَحْوَالِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا أَخَذَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ بَدَنِهِ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةٍ آصُعٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَزَالَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وهذا الطريق حكاه الفورانى فِي الْإِبَانَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ العدة وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَخْذُ الْأَظْفَارِ فِي مجالس كأخذ الشعرات في مجلس فيجئ فِيهِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ فَأَكْثَرَ هَلْ تَتَدَاخَلُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآنَ مُعْظَمَهُ فنعيده مع ما بقى مختصرا ليتضبط إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَحْظُورَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى اسْتِهْلَاكٍ كَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَالصَّيْدِ وَإِلَى اسْتِمْتَاعٍ وَتَرَفُّهٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ فَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورَيْنِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْتِهْلَاكًا وَالْآخَرُ اسْتِمْتَاعًا فَيُنْظَرُ إنْ لم يستند إلى سبب واحد كالحق وَلُبْسِ الْقَمِيصِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ كَمَنْ أَصَابَ رَأْسَهُ شَجَّةٌ وَاحْتَاجَ إلَى حَلْقِ جَوَانِبِهَا وَسَتْرَهَا بِضِمَادٍ وَفِيهِ طِيبٌ فَفِي تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا (الصَّحِيحُ) التَّعَدُّدُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ اسْتِهْلَاكًا وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الصُّيُودُ فَتُعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِلَا خِلَافٍ عندنا سواء فدا عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَمْ اخْتَلَفَ كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يُقَابَلُ بِمِثْلِهِ دُونَ الآخر كالصيد والحلق فتعدد بِلَا خِلَافٍ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يُقَابَلُ واحد منهما فَيُنْظَرُ إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا كَحَلْقٍ وَقَلْمٍ أَوْ طِيبٍ وَلِبَاسٍ أَوْ حَلْقٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ وَالَى فِي مَكَان أَوْ مَكَانَيْنِ بفعلين أم بِفِعْلٍ وَاحِدٍ إلَّا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا فَقَدْ سَبَقَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّانِي) فِدْيَتَانِ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ حَلَقَ فَقَطْ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ اسْتِمْتَاعًا فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ بِأَنْ تَطَيَّبَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطِّيبِ أَوْ لَبِسَ أَنْوَاعًا مِنْ الثِّيَابِ كَعِمَامَةٍ وَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا مَرَّاتٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ تَكْفِيرٍ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ تَكْفِيرٌ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِلثَّانِي أَيْضًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ فِي مَكَان وَتَخَلَّلَ زَمَانٌ فَإِنْ تَخَلَّلَ التَّكْفِيرُ وَجَبَ لِلثَّانِي فِدْيَةٌ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ (وَالْقَدِيمُ) تَتَدَاخَلُ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِأَنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا (الْأَصَحُّ) التَّعَدُّدُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ تُعَدَّدُ وَإِنْ اتَّحَدَ فَلَا * هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ ففيه

خِلَافٌ سَنُوضِحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِتَعَدُّدِ جِهَةِ التَّحْرِيمِ إذَا اتَّحَدَ الْفِعْلُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا وَأَكَلَهُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لِلتَّحْرِيمِ وَهِيَ الْحُرُمُ وَالْإِحْرَامُ وَالْأَكْلُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ مباشرة توجب شَاةٌ لَوْ انْفَرَدَتْ ثُمَّ جَامَعَهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ الْبَدَنَةُ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ اجنبية فانه يكفيه الحد ولا يعزر لِلْمُبَاشَرَةِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخِرِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ وَاجِبِهِمَا (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ (وَالرَّابِعُ) إنْ طَالَ الْفَصْلُ فَشَاةٌ وَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ مِخْيَطًا أَوْ تَطَيَّبَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ لَبِسَ يَوْمًا أَوْ لَحْظَةً وَسَوَاءٌ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَوَافَقَنَا أَيْضًا

مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الِانْتِفَاعَ بِاللُّبْسِ قَالَ حَتَّى لَوْ خَلَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبْسِهِ فَلَا فِدْيَةَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَبِسَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ غَطَّى رُبْعَ رَأْسِهِ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ لَبِسَ دُونَ ذَلِكَ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ طَيَّبَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عِنْدَهُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ أَيِّ طَعَامٍ إلَّا الْبُرَّ فَيَكْفِيهِ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنْ كان زبيبا فعنه روايتان (إحداهما) صَاعٌ (وَالثَّانِيَةُ) نِصْفُ صَاعٍ * وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِلُبْسِ أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَأَكْثَرِ اللَّيْلَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَحْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجْلِسٍ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَإِنْ حَلَقَهُ فِي مَجَالِسَ لَزِمَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ فِدْيَةٌ سَوَاءٌ فَدَى عن الاول أم لا والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (وإن وطئ في العمرة أو في الحج قبل التحلل الاول فقد فسد نسكه ويجب عليه أن يمضى في فاسده ثم يقضى لما روى عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبى هريرة رضي الله عنهم انهم أوجبوا ذلك وهل يجب القضاء علي الفور أم لا فيه وجهان (أحدهما) انه على الفور وهو ظاهر النص لما روى عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة انهم قالوا يقضى من قابل (والثانى) انه علي التراخي لان الاداء على التراخي فكذلك القضاء وهذا لا يصح لان القضاء بدل عما أفسده والاداء وجب على الفور فوجب أن يكون القضاء مثله ويجب الاحرام في القضاء من حيث أحرم في الاداء لانه قد تعين ذلك بالدخول فيه فإذا أفسده وجب قضاؤه كحج التطوع فان سلك طريقا آخر لزمه أن يحرم من مقدار مسافة الاحرام في الاداء وان كان قارنا فقضاه بالافراد جاز لان الافراد أفضل من القران ولا يسقط عنه دم القران لان ذلك دم وجب عليه فلا يسقط عنه بالافساد كذم الطيب وفى نفقة المرأة في القضاء وجهان (أحدهما) في مالها كنفقة الاداء (والثانى) تجب علي الزوج لانها غرامة تتعلق بالوطئ فكانت علي الزوج كالكفارة وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ بِهِ وَجْهَانِ (أحدهما) يجب على الزوج لما ذكرناه (والثانى) يجب عليها لان الغسل يجب للصلاة فكان ثمن مائه عليها وهل يجب عليهما أن يفترقا في موضع الوطئ فيه وجهان

(أحدهما) يجب لما روى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم انهم قالوا يفترقان ولان اجتماعهما في ذلك المكان يدعو إلى الوطئ فمنع منه (والثاني) لا يجب وهو ظاهر النص كما لا يجب في سائر الطريق ويجب عليه بدنة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال علي كل واحد منهما بدنة فان لم يجد فعليه بقرة لان البقرة كالبدنة لانها تجزئ في الاضحية عن سبعة فان لم يجد لزمه سبع من الغنم فان لم يجد قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وتصدق به فان لم يجد الطعام صام عن كل مد يوما وقال أبو إسحق فيه قول آخر انه يتخير بين هذه الاشياء الثلاثة قياسا علي فدية الاذى * (الشَّرْحُ) الْوَجْهُ أَنَّ أَقْدَمَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الفصل عن يزيد ابن نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيِّ التَّابِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهُمَا اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا ثُمَّ ارْجِعَا حَتَّى إذَا جِئْتُمَا الْمَكَانَ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا يَرَى

وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى فَتُقْبِلَانِ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا فَأَحْرِمَا وَأَتِمَّا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ * وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مالك (انه بلغني أن عمر ابن الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أهله وهو محرم بالحج فقالوا (ينفدان لوجههما حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَلِيٌّ فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ يَعْنِي وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (فَقَالَ يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَطَاءً لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَإِنَّمَا وُلِدَ عَطَاءٌ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ (اقضيا نسككما وارجعا إلى بلد كما فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَاخْرُجَا حَاجَّيْنِ فَإِذَا أَحْرَمْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَلْتَقِيَا حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ أَهِّلَا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا أَوَّلَ مرة) وعن

عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أتى عبد الله بن عمر وَأَنَا مَعَهُ يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فَأَشَارَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْزِمْ الرَّجُلُ فَذَهَبْت مَعَهُ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ بَطَلَ حَجُّكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا أَصْنَعُ قَالَ اُخْرُجْ مَعَ النَّاسِ وَاصْنَعْ مَا يَصْنَعُونَ فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلَ فَحُجَّ وَاهْدِ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَذَهَبْتُ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ مَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ قَوْلِي مِثْلُ مَا قَالَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ عِكْرِمَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَصَبْتُ أَهْلِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا حَجُّكُمَا هَذَا فَقَدْ بَطَلَ فَحُجَّا عَامًا قَابِلًا ثُمَّ أَهِلَّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا وَحَيْثُ وَقَعْتَ عَلَيْهَا فَفَارِقْهَا فَلَا تَرَاكَ وَلَا تَرَاهَا حَتَّى تَرْمِيَا الْجَمْرَةَ وَاهْدِ نَاقَةً وَلِتُهْدِ نَاقَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (إذَا جَامَعَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ (يُجْزِئُ عَنْهُمَا جَزُورٌ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (إنْ كَانَتْ أَعَانَتْك فَعَلَى كُلِّ واحد منهما بَدَنَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُعِنْكَ فَعَلَيْكَ نَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلَاءُ) رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ والبيهقي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ غَرَامَةٌ تتعلق بالوطئ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَتِهَا فِي حَجَّةِ الْأَدَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إنَّ نَفَقَةَ الْأَدَاءِ فِي مَالِ الْمَرْأَةِ الزَّائِدِ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ هَذَا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا وَطِئَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي الْفَرْجِ عَامِدًا عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ وَبِالْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ

الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بَعْدَهُ وَتَفْسُدُ الْعُمْرَةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنْ لَهُ تَحَلُّلَيْنِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ نُسُكٌ فَهُوَ مِمَّا يَقِفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ لَوْلَا الْإِفْسَادُ * وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ وَبِالْآثَارِ السَّابِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ مُخْتَصٌّ بِهِمَا دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ (وَأَمَّا) بَاقِي الْعِبَادَاتِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَبْقَى لَهَا حُرْمَةٌ بَعْدَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ لَكِنَّهُ يَبْقَى لَهُ حُرْمَةٌ فَيَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الزَّمَانِ * وقد سبق بيان الْقَاعِدَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّوْمِ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ

(فَرْعٌ) يَجِبُ عَلَى مُفْسِدِ الْحَجِّ بَدَنَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي مُفْسِدِ الْعُمْرَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ كَمُفْسِدِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بَدَنَةٌ (وَالثَّانِي) شاة ممن حكاه الرافعي * (فرع) يجب مُفْسِدِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لِأَنَّ النَّفَلَ مِنْهُمَا يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ وَيَقَعُ الْقَضَاءُ عَنْ الْمُفْسِدِ فَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَقَعَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَعَنْهُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَلَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِائَةَ مَرَّةٍ فَفَسَدَ كُلَّ مَرَّةٍ مِنْهُنَّ يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ وَيَقَعُ عَنْ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي عَامِ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يُحْصَرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَيَتَحَلَّلُ ثُمَّ يَزُولُ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَحْرُمُ بِالْقَضَاءِ وَيَفْعَلُهُ وَيُجْزِئُهُ فِي سَنَتِهِ قَالُوا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي سَنَةِ الافساد إلا في هذه الصورة (وأما) وَقْتُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ (وَالثَّانِي) عَلَى التَّرَاخِي (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَضَاءُ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي السَّنَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهَكَذَا أَبَدًا * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ وَتَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَأَمْكَنَهُ الْإِحْرَامُ بِالْقَضَاءِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِي سَنَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَهُمَا الْمِيقَاتُ الشَّرْعِيُّ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ * هَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَشَرَحُوهَا فَقَالُوا إنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي هَذَا الْقَضَاءِ مِنْ ذَلِكَ

الْمَوْضِعِ فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا يَلْزَمُهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ نُظِرَ إنْ جَاوَزَهُ مُسِيئًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يسئ ثَانِيًا وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ يُحْرِمُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ جاوزه غير مسئ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ النُّسُكَ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (وَالثَّانِي) لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَسْلُكَ بِالْقَضَاءِ مَسْلَكَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ اعْتَمَرَ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَفْسَدَهُ كَفَاهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمِيقَاتِ أَمَّا مَنْ كَانَ رَجَعَ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يلزمه فِي الْقَضَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ سُلُوكُ طَرِيقٍ آخَرِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يحرم من قدر مسافة لاحرام فِي الْأَدَاءِ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَكْمَلُ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْإِحْرَامِ بِالنَّذْرِ وَلَا يَتَعَيَّنُ زَمَانُهُ بِالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ فِي شَوَّالٍ لَهُ تَأْخِيرُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِشْهَادُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ القاضى وهو اسْتِشْهَادٌ مُشْكِلٌ لِأَنَّ طُولَ الْإِحْرَامِ عِبَادَةٌ وَمَا كَانَ عِبَادَةٌ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ قَالَ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي أَيَّامٍ طِوَالٍ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي قِصَارٍ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَطْوَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَظُنُّ هَذَا الاستشهاد لا يخلوا مِنْ نِزَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ هَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ مَنْعُهَا وَإِلَّا فَلَا * وَقَالَ الْبَغَوِيّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهَا الْقَضَاءَ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْقَفَّالُ وآخرون من الخراسانيين هما أَنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كَوْنِ الْقَضَاءِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي جَارِيَانِ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِعِدْوَانٍ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ بِلَا عُدْوَانٍ فَعَلَى التَّرَاخِي وَذَكَرُوا قَضَاءَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ * (فَرْعٌ) اتفق اصحابنا على مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا مُفْرَدًا أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مَعَ النُّسُكِ الْآخَرِ قَارِنًا وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَمَتِّعًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَقْضِيَا عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْقَضَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ لَزِمَهُ الْبَدَنَةُ لِلْإِفْسَادِ وَيَلْزَمُهُ شَاةٌ لِلْقِرَانِ وَإِذَا قَضَاهُ قَارِنًا لَزِمَهُ شَاةٌ أُخْرَى لِلْقِرَانِ الثَّانِي وَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَزِمَهُ أَيْضًا شَاةٌ أُخْرَى لان الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ قَارِنًا فَلَمَّا أَفْرَدَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْإِفْرَادِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ * هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ إذَا أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ مُفْرِدًا يَلْزَمُهُ مَعَ الْبَدَنَةِ شَاتَانِ شَاةٌ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِلْقِرَانِ الْفَاسِدِ وَشَاةٌ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الْقِرَانُ وَفِيهِ شَاةٌ فَإِذَا عَدَلَ إلَى الْإِفْرَادِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الشَّاةُ وَكُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِهَذَا (مِنْهُمْ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الحاوى وابن الصباغ والمتولي واصحاب الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ نُسُكَيْهِ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا وَمُرَادُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إسْقَاطُ الدَّمِ عَنْهُ بِالْإِفْرَادِ بَلْ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ للقضاء وان قضاه

مفردا ولم يُرِدْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْوَاجِبِينَ بِالْقِرَانِ الفاسد لا يسقطان عنه بافرادهما وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَسْقُطُ هَكَذَا ذَكَرَ التَّأْوِيلَ هَؤُلَاءِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ هَذَا الْكَلَامَ بَعْضَ الْبَسْطِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُوَضِّحَةٍ لِمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ مُوهِمَةٌ خِلَافَ الصَّوَابِ وَالْوَهْمُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ كدم الطيب وهذا التعليل يوم أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِسَبَبٍ إفْسَادِ الْقِرَانِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُجَابُ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْقِرَانِ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لَا يَسْقُطُ وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ مُفْرِدًا دَمٌ آخَرُ بَلْ سَكَتَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَنَفْيِهِ فَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَلَطًا إنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَفَائِدَةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ شَاةٌ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ لِأَنَّ نُسُكَهُ لم يصح قرانا فلم يلزمه الدَّمُ وَتَابَعَهُ عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وغيره وهذا الوجه غلط انما أَذْكُرهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ (أَمَّا) الْمَذْهَبُ فَالْأَصْحَابُ مُطْبِقُونَ عَلَى خِلَافِهِ (وَأَمَّا) الدَّلِيلُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَيَبْقَى لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ وَمِنْ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا جامع القارن فان كان قبل التحلل الْأَوَّلِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَيَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَاةٌ لِلْقِرَانِ

وفيه الوجه الضعيف المحكى عن صاحب الابانة * وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَفْسُدُ عمرته لانه لم يأت بشئ مِنْ أَعْمَالِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَانِ تَتْبَعُ الْحَجَّ فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لم تفسد العمرة قالوا وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْقَارِنِ مُعْظَمُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَعْمَالِ

العمرة ولانه لَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ فَاتَهُ الْحَجُّ وَكَذَا الْعُمْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وان كَانَ وَقْتُ الْعُمْرَةِ مُوسَعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدِمَ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ جَامَعَ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ أعمال العمرة والله أعلم * (فرع) أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَوَاتِ عُمْرَتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ تَبَعًا لِلْحَجِّ كَمَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ وَأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا فان قلنا بفواتها فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْفَوَاتِ وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَاهُمَا فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَضَائِهِمَا عِنْدَ الْإِفْسَادِ فَإِنْ قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَالِثٌ وَإِنْ أَفْرَدَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ الابانة ومتابعيه * (فرع) إذا كانت المرأة الموطوأة مُحْرِمَةً أَيْضًا نُظِرَ إنْ جَامَعَهَا نَائِمَةً أَوْ مكرهة فهل يفسد حجها وعمرتها فيه طريقان (أصحهما) على القولين في وطئ النَّاسِي هَلْ يَفْسُدُ الْحَجُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَفْسُدُ وبهذا الطريق قطع ابن الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَجْهًا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ لَا فِعْلَ لَهَا بخلاف

النَّاسِي وَمِمَّنْ حَكَى الطَّرِيقَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً عَالِمَةً فَسَدَ نُسُكُهَا كَالرَّجُلِ وَلَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ (وَأَمَّا) الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا أَمْ لَا فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ عَلَيْهَا بدنة في مالها قولا واحد كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بَدَنَةٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ السَّابِقَةَ فِي جِمَاعِ الصَّائِمِ الصَّائِمَةَ (أَحَدُهَا) تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ عَنْ نَفْسِهِ فقط ولا شئ عَلَيْهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ أَشْهَرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ الصَّائِمَةَ تُفْطِرُ بِكُلِّ وَاصِلٍ إلَى بَاطِنِهَا وَلَا يُفْطِرُ الرَّجُلُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَلَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ فِي فَرْجِهَا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَبَطَل صَوْمُهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَبْطُلُ حَجُّهَا إلَّا بِالْجِمَاعِ فَلَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا أَوْ نَحْوَهَا لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهَا فَهِيَ فِي الْحَجِّ كَالرَّجُلِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِمَاعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

فَإِنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهَا لَا يَتَعَيَّنُ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا بَلْ لِدُخُولِ الدَّاخِلِ فَلَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَانْفَرَدَ الدَّارِمِيُّ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى سَبَقَ لَهُ مِثْلُهَا فِي الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ عَنْهُ فَقَطْ (وَالثَّانِي) بَدَنَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَتَانِ بَدَنَةٌ عَنْهُ وَبَدَنَةُ عَنْهَا (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَيَلْزَمُهَا فِي مَالِهَا بَدَنَةٌ أُخْرَى وَذَكَرَ الماوردي في الحاوى الاقوال الاربع * (فَرْعٌ) أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ فان كانت معه في القضاء لزمه قَدْرُ نَفَقَةِ الْحَضَرِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزَّائِدِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي مَالِهَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ يَحُجُّ بِامْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُرَادِهِ فَقِيلَ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنَّهُ يَأْذَنُ لَهَا فِي الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ

فَفِيهَا الْوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ زَمِنَتْ الزَّوْجَةُ وَصَارَتْ مَعْضُوبَةً هَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا قَضَاءً فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا كَنَفَقَةِ الْأَدَاءِ فَمُرَادُهُ إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا لِلْحَجِّ بِغَيْرِ

إذن الزوج أو باذنه فاتها إذَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ (الْأَصَحُّ) لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) إذَا سَافَرَتْ فِي الْأَدَاءِ مَعَهُ فَيَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَلَمْ يُوَضِّحْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْتَسِلُ به وجهان هذان الوجهان مشهوان وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ حُكْمَ مَاءِ غُسْلِهَا مِنْ الوطئ وَالنِّفَاسِ وَالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَمَاءِ وُضُوئِهَا مِنْ لَمْسَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَاءِ طَهَارَةِ الْمَمْلُوكِ وَأَوْضَحْنَاهُ كُلَّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَجْنَبِيَّةً وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَمُؤْنَتُهَا فِي مَالِهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِلْوَاطِئِ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا فِي الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ وَزَوْجَتُهُ الْمُفْسِدَيْنِ لِيَقْضِيَا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَاصْطَحَبَا فِي طَرِيقِهِمَا اُسْتُحِبَّ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَهَلْ يجب فيه المفارقة فيه خلاف حكاه المصنف والجمهور وجهن وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافُ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَالْقَدِيمُ) وَاجِبٌ (فان قلنا) يجب فتركاه أثما وصحح حَجُّهُمَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَفَرَّقَا لَمْ يَجْتَمِعَا إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّفَرُّقُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ويعتزلها في المسير وَالْمَنْزِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُفْسِدُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إذَا مضى في فاسده وارتكب محظورا بعد الافساد أثم ولزمه الكفارة فإذ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا إلَّا الْجِمَاعَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا خِلَافَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا انه لا يلزمه شئ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رمضان ثم وطئ ثانيا لا شئ عَلَيْهِ مَعَ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي جِمَاعِ الْعَامِدِ الْعَالَمِ بِتَحْرِيمِهِ الْمُخْتَارِ لَهُ العاقل (فأما) النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَدَ نُسُكُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ * وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ فِيمَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَسَدَ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ سَوَاءٌ نَزَعَ أَوْ مَكَثَ (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَإِنْ نَزَعَ فِي الحال لم يجب شىء وَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ وَفِي الْوَاجِبِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهِ (أَحَدُهُمَا) بَدَنَةٌ (وَالثَّانِي) شَاةٌ * وَاسْتَدَلَّ الْبَغَوِيّ لِهَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَبْطُلُ ويخرج مِنْهُ بِمُنَافِيهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَلَا يَمْتَنِعُ انْعِقَادُهُ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهَذَا هو الاصح عند الشيخ أبى حَامِدٍ (وَالثَّانِي) لَا يَفْسُدُ كَمَا لَا يَفْسُدُ بِالْجُنُونِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِالْمَفْعُولِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ إنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ إنْ كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بَاقِيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَوَاتِ وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ الرِّدَّةِ أَمْ قَصُرَ فَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ (إنْ قُلْنَا)

بِالْفَسَادِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وبه قطع المنصف وَالْأَكْثَرُونَ يَبْطُلُ النُّسُكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَمْضِي فِيهِ لَا فِي الرِّدَّةِ وَلَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْإِفْسَادِ بِالْجِمَاعِ فَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ إنْ أَسْلَمَ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الدارمي في آخر باب الاصحار وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ بِالْجِمَاعِ دَمٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَلْ هُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ أَمْ لَا فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ دَمُ ترتيب وتعديل فيجب بدنة فإن عجز عنها فَبَقَرَةٌ وَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ بِسِعْرِ مَكَّةَ حَالَ الْوُجُوبِ ثُمَّ الدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ فَأَيُّهَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ المصنف والاصحاب عن أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ فَلَا يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ قَوَّمَ أَيَّهَا شَاءَ وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ بَدَنَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا * وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ

هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الهدى في ذمته الا أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّيَامِ فَإِنْ كُسِرَ مُدٌّ صَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَغَيْرِهَا * وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِطْعَامِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَقَلُّ ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ أَمْكَنَهُ ثَلَاثَةً فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُمَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ دَفَعَ نَصِيبَ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ فَإِنْ فَرَّقَ عَلَى مَسَاكِينَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمِسْكِينَ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الدَّمَ وفرق اللحم فانه لا يتقدر بشئ ويجزى أن يدفع إلى المسكين القليل والكثير (والثانى) يَتَقَدَّرُ بِمُدٍّ كَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ لَمْ تُحْسَبْ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ لم يحسب شئ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ تَمَامَ الْمُدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشاة فالمراد ما يجزى فِي الْأُضْحِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَوْ وَطِئَ الْمُحْرِمُ زَوْجَاتٍ لَهُ فَهُوَ كوطئ الْوَاحِدَةِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ وَحَجُّهُنَّ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِنَّ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَحُكْمُ نَفَقَتِهِنَّ وغيرها كما مضى * * قال المصنف رحمه الله * (وان كان المحرم صبيا فوطئ عامدا بنيت على القولين * فان قلنا ان عمده خطأ فهو كالناسي وقد بيناه وان قلنا عمده عمد فسد نسكه ووجب ت الكفارة وعلى من تجب فيه قولان (أحدهما) في ماله (والثانى) علي الولى وقد بيناه في أول الحج وهل يجب عليه القضاء فيه قولان (أحدهما) لا يجب لانها عبادة تتعلق بالبدن فلا تجب علي الصبي كالصوم والصلاة (والثانى) يجب لان من فسد الحج بوطئه وجب عليه القضاء كالبالغ فان قلنا يجب فهل يصح منه في حال الصغر فيه قولان (أحدهما) لا يصح لانه حج واجب فلا يصح من الصبي

كحجة الاسلام (والثانى) يصح لانه يصح منه أداؤه فصح منه قضاؤه كالبالغ وإن وطئ العبد في إحرامه عامدا فسد حجه ويجب عليه القضاء ومن أصحابنا من قال لا يلزمه لانه ليس من أهل فرض الحج وهذا خطأ لانه يلزمه الحج بالنذر فلا يلزمه القضاء بالافساد كالحر وهل يصح منه القضاء في حال الرق علي القولين علي ما ذكرناه في الصبي * فان قلنا انه يصح منه القضاء فهل للسيد منعه منه يبنى على الوجهين في أن القضاء علي الفور أم لا فان قلنا ان القضاء على التراخي فله منعه لان حق السيد على الفور فقدم علي الحج وإن قلنا انه على الفور ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يملك منعه لانه موجب ما أذن فيه وهو الحج فصار كما لو أذن فيه (والثانى) انه يملك منعه لان المأذون فيه حجة صحيحة فان أعتق بعد التحلل من الفاسد وقبل القضاء لم يجز أن يقضي حتى يحج حجة الاسلام ثم يقضى وان أعتق قبل التحلل من الفاسد نظرت فان كان بعد الوقوف مضي في فاسده ثم يحج حجة الاسلام في السنة الثانية ثم يحج عن القضاء في السنة الثالثة وان أعتق قبل الوقوف مضي في فاسده ثم يقضى ويجزئه ذلك عن القضاء وعن حجة الاسلام لانه لو لم يفسد لكان أداؤه يجزئه عن حجة الاسلام فإذا فسد وجب أن يجزئه قضاؤه عن حجة الاسلام) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَمِيعِهِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بُنِيَتْ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ (وَقَوْلُهُ) فِي الصَّبِيِّ إذَا أُفْسِدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ كَالصَّوْمِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله * (وَإِنْ وَطِئَ وَهُوَ قَارِنٌ وَجَبَ مَعَ الْبَدَنَةِ دم القران لانه دم وجب بغير الوطئ فلا يسقط بالوطئ كَدَمِ الطِّيبِ وَإِنْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ زَنَى ثُمَّ زَنَى كَفَاهُ لَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَفِي الْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) شَاةٌ لانها مباشرة لا توجب الفساد فوجبت فيها شَاةٌ كَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وطئ في احرام منعقد فاشبه الوطئ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الاول لم

يَفْسُدْ حَجُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ الْإِحْرَامُ فَلَا يَلْحَقُهُ فَسَادٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَفِي كَفَّارَتِهِ قَوْلَانِ (أحدهما) أنها بَدَنَةٌ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي حَالٍ يَحْرُمُ فِيهِ الوطئ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا شَاةٌ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُوجِبُ الْفَسَادُ فَكَانَتْ كَفَّارَتُهَا شَاةً كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَإِنْ جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءَ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ) * (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا فَسَدَ حَجُّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فَفِيهِ خِلَافٌ

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ مَشْهُورٌ وَحَاصِلُهُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ بِالْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَبِالثَّانِي شَاةٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَنَةٌ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي بَدَنَةٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَفَّرَ عَنْ الاول قبل الجماع الثَّانِي وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِلثَّانِي وَهِيَ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ بَدَنَةٌ عَنْهُمَا (وَالْخَامِسُ) إنْ طَالَ الزَّمَانُ بَيْنَ الْجِمَاعِينَ أَوْ اخْتَلَفَ المجلس ووجبت كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِلثَّانِي وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَإِلَّا فَكَفَّارَةً وَاحِدَةً * وَلَوْ وَطِئَ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَأَكْثَرَ فَفِيهِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ (الْأَظْهَرُ) يَجِبُ لِلْأَوَّلِ بَدَنَةٌ وَلِكُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهُ شَاةٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِكُلِّ مَرَّةٍ بَدَنَةٌ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى فِي كُلِّ جِمَاعٍ وَطَرَهُ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْزِعُ وَيَعُودُ وَالْأَفْعَالُ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَصَلَ قَضَاءُ الْوَطَرِ آخِرًا فَالْجَمِيعُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ التحلل الثاني فهذا الوطئ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ (وَالثَّانِي) لَا يَفْسُدُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَفْسُدُ (وَالْقَدِيمُ) أنه يفسد ما بقى من حجه دون ما يمضي فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ بَلْ يَخْرُجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَيُجَدِّدُ مِنْهُ إحْرَامًا وَيَأْتِي بِعَمَلِ

عُمْرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ حَجِّهِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحَلْقٌ وَذَلِكَ هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ الْمُرْتَبِطَةَ لَا يُوصَفُ بَعْضُهَا بِالْبُطْلَانِ دُونَ بَعْضٍ * فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَفْسُدُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَأَشَارَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ إلَى تَرْجِيحِهِ وحكي الرافعي وجها أنه لا شئ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ وفيه قول مخرج أنه شاة والمشهورة قَوْلَانِ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا وَقَفَ الْحَاجُّ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ يَرْمِ وَلَا طَافَ وَلَا حَلَقَ وَفَاتَ وَقْتُ الرَّمْيِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَعَلَيْهِ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ نُسُكًا فَوَجْهَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَفْسُدُ وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ أَنْ رَمْي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا فَاتَ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ وَهَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى ذَبْحِ الدَّمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَوَقَّفُ فَإِنْ قُلْنَا يَتَوَقَّفُ فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَلَا * هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَحْوَهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ القضاء ولزمه المضي في أفاسده وَالْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْقَضَاءُ وَالْإِفْسَادُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا قَضَاءُ وَاحِدٌ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَفْسَدَهَا *

(فَرْعٌ) لَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي اللَّيْلِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَمَى قَبْلَ نِصْفِ الليل فطريقان حكاهما الدارمي (أصحهما) كَمَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَالثَّانِي) يَفْسُدُ قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ في الباب الماضي * * قال المصنف رحمه الله * (والوطئ في الدبر واللواط وإتيان البهيمة كالوطئ في القبل في جميع ما ذكرناه لان الجميع وطئ والله أعلم * (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قطع الجمهور من العراقيين والخراسانيين وقيل لا يفسد الحج بشئ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا شَاةٌ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ يَفْسُدُ الْحَجُّ والعمرة بالوطئ فِي دُبْرِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَتَجِبُ الْبَدَنَةُ وهو كالوطئ فِي قُبُلِهَا قَالُوا (وَأَمَّا) الْبَهِيمَةُ فَإِنْ قُلْنَا وَطْؤُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَوَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهَا) يَفْسُدُ كَمَا لَوْ لم يلف خرقة لانه يسمى جماعا (والثانى) لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ (وَالثَّالِثُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُ الْحَرَارَةَ وَاللَّذَّةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَسَبَقَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جِمَاعٌ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الغسل أن أحكام الوطئ تتعلق بتغييب جميع الحشفة ولا يتعلق شئ من أحكام الوطئ بِبَعْضِ الْحَشَفَةِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْطُوعَهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَلَا حُكْمَ لِإِيلَاجِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْرَهَا تَعَلَّقَتْ الْأَحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِكُلِّ الْبَاقِي وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَرْأَةِ ذَكَرَ بهيمة له حكم وطئ الرَّجُلِ لَهَا وَفِي اسْتِدْخَالِ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ (الاصح) انه كالوطئ * * قال المصنف رحمه الله * (وان قبلها بشهوة أو باشرها فيما دون الفرج بشهوة لم يفسد حجه لانها مباشرة لا يجب الحد بجنسها فلم تفسد الحج كالمباشرة بغير شهوة وتجب عليه فدية الاذى لانه استمتاع لا يفسد الحج

فكانت كفارته فدية الاذى كالطيب والاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج في الكفارة لانه بمنزلتها في التحريم والتعزير فكان بمنزلتها في الكفارة) * (الشَّرْحُ) قَدْ سَبَقَ فِي الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُفَاخَذَةِ وَاللَّمْسِ باليد بِشَهْوَةٍ وَنَحْو ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَفِي تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَمَتَى ثَبَتَ التَّحْرِيمُ فَبَاشَرَ عَمْدًا عَالَمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَا تَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ بِلَا خِلَافٍ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهُمَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ كُلُّ مُبَاشَرَةٍ نَقَضَتْ الْوُضُوءَ فَهِيَ حرام على المحرم فغلط وسبق قلم يتأول على أن المراد كل ملامسة تنقص الْوُضُوءَ فَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِشَهْوَةٍ وَمُرَادُهُمَا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ اسْتِيعَابُ صُوَرِ اللَّمْسِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ قَدِمَ الْمُحْرِمُ مِنْ سَفَرٍ أَوْ قَدِمَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَفَرٍ فَقَبَّلَهَا أَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا فَوَدَّعَهَا وَقَبَّلَهَا فَإِنْ قَصَدَ تَحِيَّةَ الْقَادِمِ وَالْمُسَافِرِ وَإِكْرَامِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ شَهْوَةً فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ قَصَدَ الشَّهْوَةَ عَصَى وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا فِدْيَةَ لان ظاهر الحال يقتضى التحية (والثاني) تَجِبُ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلشَّهْوَةِ فَلَا تَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَّا بِنِيَّةٍ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ هُنَا شَهْوَةً وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ غَيْرِ الشَّهْوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ثُمَّ جَامَعَهَا فَلَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الشَّاةُ وَتَنْدَرِجُ فِي الْبَدَنَةِ أَمْ تَجِبَانِ مَعًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هما

مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ إذَا أَجْنَبَ هَلْ يَنْدَرِجُ الْحَدَثُ فِي الْجَنَابَةِ وَيَكْفِيه الْغُسْلُ أم لا ان إنْ أَدْرَجْنَاهُ هُنَاكَ أَدْرَجْنَاهُ هُنَا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ مَنْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ وَذَكَرْنَا فِيهِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَكْفِيهِ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِي) تَجِبُ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصَدَ بِالْمُبَاشَرَةِ الشُّرُوعَ فِي الْجِمَاعِ فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فبدنة وشاة (والرابع) ان قصد الزَّمَانُ بَيْنَهُمَا فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ وَشَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ وَطِئَ وَطْئًا يُوجِبُ الْبَدَنَةَ ثُمَّ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ كَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ لَزِمَهُ لِلْمُبَاشَرَةِ شَاةٌ وَإِلَّا فَفِي انْدِرَاجِهَا فِي الْبَدَنَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَنَحْوُهَا فَأَنْزَلَ عَصَى بِلَا خِلَافٍ وَفِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنَّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْفِدْيَةِ فَهِيَ فِدْيَةُ الْحَلْقِ كَمَا قُلْنَا فِي مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ وَكَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) تَجِبُ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) شَاةٌ وَبِهِ قال سعيد بن جبير واحمد واسحق * وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَأَشْبَهَ إذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ * (فَرْعٌ) لو باشر غلاما حسنا بغير الوطئ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَأَشْبَهَتْهَا فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْلَجَ الْمُحْرِمُ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجُلٌ فَيَكُونُ قَدْ أَوْلَجَ فِي عُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ رَجُلٍ فَلَا يَفْسُدُ بِالشَّكِّ لَكِنْ إنْ أَنْزَلَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَشَاةٌ كَمُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا غَسْلَ ولا شاة ولا شئ سِوَى التَّعْزِيرِ وَالْإِثْمِ *

مسائل من مباشرة المحرم المرأة ونحوها

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ مباشرة المحرم المرأة ونحوها (احداها) إذا وطثها فِي الْقُبُلِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَسَدَ حَجُّهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِلَافٌ لَهُمْ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ وَاجِبَهُ بَدَنَةٌ كما سبق * وبه قال مالك واحمد وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ وَقَالَ دَاوُد هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَدَنَةٍ وَبَقَرَةٍ وشاة (والثانية) إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَبَدَنَةٌ وَالْقَضَاءُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَفْسُدُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي إحْرَامٍ كَامِلٍ فَأَشْبَهَ الوطئ قَبْلَ الْوُقُوفِ * احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ (الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أدرك عرفة فقد ثم حَجُّهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ فَقْدُ أَمْنِ الْفَوَاتِ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ الثَّانِي لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَوَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ * وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَطِئَ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَلَا يُجْزِئْهُ حَجُّهُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَقَالَا فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي الْفِدْيَةِ هَلْ هِيَ شَاةٌ أَمْ بَدَنَةٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ فِي الْحَجِّ وَطْئًا مُفْسِدًا لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ عَقْدَ الْإِحْرَامِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وقال الماوردى والعبد رى هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ * وَقَالَ دَاوُد يَزُولُ الْإِحْرَامُ بِالْإِفْسَادِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْسَادِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ أَيْضًا قَالَ وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْفَاسِدُ لَيْسَ مِمَّا عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا

الْفَصْلِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ قَضَاءُ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْحَجِّ كَالْفَوَاتِ * وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي لَيْسَ عليه أمر صاحب الشرع انما هو الوطئ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَمَّا الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْقَوْلِ فَكَذَا بِالْإِفْسَادِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَلِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تُنَافِيهِمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فسد حجهما وقضيا فرق بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ فَلَا يجتمعان بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَهَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَمْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ عِنْدَنَا (أَصَحُّهُمَا) مُسْتَحَبٌّ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاجِبٌ وَزَادَ مَالِكٌ فَقَالَ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يُنْتَظَرُ مَوْضِعُ الْجِمَاعِ * وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَفْتَرِقَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّفْرِيقِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ المسيب والنووي وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الوطئ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُمَا إذَا قَضَيَا لَا يَفْتَرِقَانِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يتذكرا ماجرا فَيَتُوقَا إلَيْهِ فَيَفْعَلَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّ زَمَنَهُ قَصِيرٌ فَإِذَا تَاقَ أَمْكَنَهُ الْجِمَاعَ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ مَوْضِعٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بن المسيب وأحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَاجًّا كفاه الاحرام

مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ (اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ بِالْعُمْرَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا مَسَافَةٌ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي أَدَاءِ الْحَجِّ فَوَجَبَ فِي الْقَضَاءِ كَالْمِيقَاتِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا صَارَتْ قَارِنَةً فَأَدْخَلَتْ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَمَعْنَى اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ أَيْ دَعِي إتْمَامَ الْعَمَلِ فِيهَا وَاقْتَصِرِي عَلَى أَعْمَالِ الحج فانها تكفيك عن حجك وعمرتك وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (طَوَافُكِ وَسَعْيُكِ يُجْزِئُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا لَمْ تُبْطِلْهَا مِنْ أَصْلِهَا بَلْ أَعْرَضَتْ عَنْ أَعْمَالِهَا مُنْفَرِدَةً لِدُخُولِهَا فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ وَقَدْ بَسَّطْتُ هَذَا التَّأْوِيلَ بِأَدِلَّتِهِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بَدَنَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق إلا أن الثوري وإسحق قَالَا إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً كَفَاهُ شَاةٌ عندنا وَعِنْدَ آخَرِينَ إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ فَإِنْ فَقَدَهَا فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ فَقَدَهَا أَخْرَجَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ فَقَدَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا * وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ * دَلِيلُنَا آثَارُ الصَّحَابَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا وَطِئَ الْقَارِنُ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وتلزمه بدنة للوطئ وَشَاةٌ بِسَبَبِ الْقِرَانِ فَإِذَا قَضَى لَزِمَهُ أَيْضًا شاة أخرى سواء قضى قارنا أم مفرد لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا فَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ

فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِمَا وَالْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ شَاتَانِ شَاةٌ لِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَشَاةٌ لِإِفْسَادِ الْعُمْرَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَذَبْحُ شَاةٍ

وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ فَيَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ بِسَبَبِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ عَطَاءُ وَابْنُ جُرَيْجٍ ومالك والشافعي وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ يَلْزَمُهُ هَدَيَانِ (الثَّامِنَةُ) إذا أفسد المحرم والمحرمة حجهما بالوطئ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ هَلْ يلزمها بَدَنَةٌ أَمْ بَدَنَتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَوْجَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيًا وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَانَ

قَبْلَ عَرَفَةَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ وَقَالَ عَطَاءٌ واسحق لَزِمَهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ (التَّاسِعَةُ) إذَا جَامَعَ مِرَارًا فقد ذكرنا

أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بَدَنَةٌ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهَا شَاةٌ قال ابن المنذر وقال عطاء ومالك واسحق عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لِكُلِّ وطئ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَإِلَّا فَدَمَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَاهُ لَهُمَا كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى * دَلِيلُنَا أَنَّ الثَّانِيَ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تُفْسِدْ نُسُكًا فَوَجَبَتْ فِيهَا شَاةٌ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ الوطئ

(الْعَاشِرَةُ) لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَهِيمَةُ لَا تُفْسِدُ وَلَا فِدْيَةَ وَفِي الدُّبْرِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ دَاوُد لَا تُفْسِدُ الْبَهِيمَةُ وَاللِّوَاطُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ وَطِئَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَبَدَنَةٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَفْسُدُ مِمَّنْ قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثور قال سعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَمٌ وَقَالَ ابْنُ المنذر عندي عليه شاة وقال عطاء والقسم بن محمد والحسن ومالك واسحق إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي فَسَادِهِ رِوَايَتَانِ وَأَمَّا إذَا قَبَّلَهَا بشهوة فهو عندنا كالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَفْسُدُ الْحَجُّ وَتَجِبُ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يستغفر الله تعالى ولا شئ

عَلَيْهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (احداها) كقول بن المسيب (الثانية) عَلَيْهِ بَقَرَةٌ (وَالثَّالِثَةُ) يَفْسُدُ حَجُّهُ (وَالرَّابِعَةُ) لَا شئ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ رَدَّدَ النَّظَرَ إلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى أَمْنَى لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَلَيْهِ بَدَنَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) دَمٌ وقال سعيد بن جبير وأحمد واسحق عليه دم (الثالثة عشر) إذَا وَطِئَ الْمُعْتَمِرُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَكِنَّهُمَا قَالَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ شاة ولم يذكر القضاء وقال الثوري وإسحق يُرِيقُ دَمًا وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَقَالَ ابْنُ عباس العمرة والطواف واحتج إسحق بِهَذَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَامَعَ بَعْدَ أَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ وَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَالْقَضَاءُ وَدَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَقَدْ ذَكَرْنَا ان مذهبنا فساد العمرة ان قلنا الحق نُسُكٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ هَذَا عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ الله تعالى ولا شئ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أعلى * قال المصنف رحمه الله *

(وإن قتل صيدا نظرت أن كان له مثل من النعم وجب عليه مثله من النعم والنعم هي الابل والبقر والغنم والدليل عليه قوله عز وجل (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل من النعم) فيجب في النعامة بدنة وفى الحمار الوحش وبقرة الوحش بقرة وفى الضبع كبش وفى الغزال عنز وفى الارنب عاق وفى اليربوع جفرة لما روى عن عثمان وعلى وابن عباس وزيد ابن ثابت وابن الزبير ومعاوية رضى الله عنهم انهم قضوا في النعامة ببدنة * وعن عمر رضى الله عنهم انه جعل في حمار الوحش بقرة وحكم في الضبع بكبش وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ * وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أم حبين بحلان وهو الحمل فما حكم فيه الصحابة لا يحتاج فيه إلى اجتهاد وما لم تحكم فيه الصحابة يرجع في معرفة المماثلة بينه وبين النعم إلى عدلين من أهل المعرفة لقوله تعالي (يحكم به ذوا عدل منكم هديا) * وروى قبيصة بن جابر الاسدي قَالَ أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عُمَرَ رضى الله عنه ومعى صاحب لى فذكرت ذلك له فاقبل على رجل إلى جانبه فشاوره فقال لى اذبح شاة فلما انصرفنا قلت لصاحبي ان أمير المؤمنين لم يدر ما يقول فسمعني عمر فاقبل على ضربا بالدرة وقال أتقتل الصيدا وأنت محرم وتغمص الفتيا أي تحتقرها وتطعن فيها قال الله عز وجل في كتابه (يحكم به ذوا عدل منكم) ها أنا ذا عمر وهذا ابن عوف * والمستحب أن يكونا فقيهين وهل يجوز أن يكون القاتل أحدهما فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز كما لا يجوز أن يكون المتلف للمال أحد المقومين (والثانى) انه يجوز وهو الصحيح لانه يجب عليه لحق الله تعالى فجاز أن يجعل من يجب عليه أمينا فيه كرب المال في الزكاة ويجوز أن يفدى الصغير بالصغير والكبير بالكبير فان فدى الذكر بالانثى جاز لانها أفضل وان فدي الاعور من اليمين بالاعور من اليسار جاز لان المقصود فيهما واحد *

وإن جرح صيدا له مثل فنقص عشر قيمته فالمنصوص انه يجب على عشر ثمن المثل وقال بعض أصحابنا يجب عليه عشر المثل وتأول النص عليه إذا لم يجد عشر المثل لان ما ضمن كمله بالمثل ضمن بعضه بالمثل كالطعام والدليل على المنصوص أن إيجاب بعض المثل يشق فوجب العدول إلى القيمة كما عدل في خمس من الابل إلى الشاة حين شق إيجاب جزء من البعير وإن ضرب صيدا حاملا فاسقطت ولدا حيا ثم ماتا ضمن الام بمثلها وضمن الولد بمثله وان ضربها فاسقطت جنينا ميتا والام حية ضمن ما بين قيمتها حاملا وحائلا ولا يضمن الجنين * وإن كان الصيد لا مثل له من النعم وجب عليه قيمته في الموضع الذى أتلفه فيه لما روى أن مروان سأل ابن عباس رضى الله عنه عن الصيد يصيده الحرم ولا مثل له من النعم * قال ابن عباس ثمنه يهدى إلى مكة ولانه تعذر إيجاب المثل فيه فضمن بالقيمة كمال الآدمى فإذا أراد أن يؤدى فهو بالخيار بين أن يشترى بثمنه طعاما ويفرقه وبين أن يقوم ثمنه طعاما ويصوم عن كل مد يوما وان كان الصيد طائرا نظرت فان كان حماما وهو الذى يعب ويهدر كالذى يقتنيه الناس في البيوت كالدبسي والقمرى والفاختة فانه يجب فيه شاة لانه روى ذلك عن عمر وعثمان ونافع بن عبد الحرث وابن عباس رضى الله عنهم ولان الحمام يشبه الغنم لانه يعب ويهدر كالغنم فضمن به وإن كان أصغر من الحمام كالعصفور والبلبل والجراد ضمنه بالقيمة لانه لا مثل له فضمن بالقيمة وان كان أكبر من الحمام كالقطا واليعقوب والبط والاوز ففيه قولان (أحدهما) يجب فيه شاة لانها إذا وجبت في الحمام فلان تجب في هذا وهو أكبر أولى (والثاني) انه يجب فيها قيمتها لانه لا مثل لها من النعم فضمن بالقيمة وان كسر بيض صيد ضمنه بالقيمة وإن نتف ريش طائر ثم نبت ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن (والثانى) يضمن بناء على القولين فيمن قلع شيئا ثم نبت * وان قتل صيدا بعد صيد وجب لكل واحد منهما جزاء لانه ضمان متلف فيتكرر بتكرر الاتلاف وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صيد وجب عليهم جزاء واحد لانه بدل متلف يتجزأ فإذا اشترك الجماعة في اتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات وإذا اشترك حلال وحرام في قتل صيد وجب علي المحرم نصف الجزاء ولم يجب على الحلال شئ كما لو اشترك رجل وسبع في قتل آدمى وإن أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بالجزاء ثم يرجع

به على القاتل لان القاتل أدخله فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مالا من رجل فاتلفه آخر في يده * وان جنى علي صيد فازال امتناعه نظرت فان قتله غيره ففيه طريقان * قال أبو العباس عليه ضمان ما نقص وعلى القاتل جزاؤه مجروحا ان كان محرما ولا شئ عليه ان كان حلالا وقال غيره فيه قولان (أحدهما) على ضمان ما نقص لانه جرح ولم يقتل فلا يلزمه جزاء كامل كما لو بقى ممتنعا ولانا لو أوجبنا عليه جزاء كاملا وعلى القاتل ان كان محرما جزاء كاملا سوينا بين القاتل والجارح ولانه يؤدى الي أن نوجب على الجارح أكثر مما يجب على القاتل لانه يجب على الجارح جزاؤه صحيحا وعلى القاتل جزاؤه مجروحا وهذا خلاف الاصول (والقول الثاني) انه يجب عليه جزاه كاملا لانه جعله غير ممتنع فاشبه الهالك فاما إذا كسره ثم أخذه وأطعمه وسقاه حتى برئ نظرت فان عاد ممتنعا ففيه وجهان كما قلنا فيمن نتف ريش طائر فعاد ونبت فان لم يعد ممتنعا فهو على القولين (أحدهما يلزمه ضمان ما نقص (والثانى) يلزمه جزاء كامل * والمفرد والقارن في كفارات الاحرام واحد لان القارن كالمفرد في الافعال فكان كالمفرد في الكفارات * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْآثَارُ مَشْهُورَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ أَذْكُرَ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسْدِي * رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْ أَبِي حَرِيزٍ بِالْحَاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ قَالَ (أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَأَتَيْتُ عمر فسألته فقال ايت رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِكَ فَلِيَحْكُمَا عَلَيْكَ فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعِيدًا فَحَكَمَا تَيْسًا أَعَفْرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ * وَعَنْ طَارِقٍ قَالَ (خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَأَوْطَأَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَرْبَدُ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ أَرْبَدُ فَقَالَ عُمَرُ اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فَقَالَ أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّمَا أَمَرْتُكَ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي فَقَالَ أَرْبَدُ أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ بِذَلِكَ فيه) رواه الشافعي والبيهقي باسناد الصحيح * وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ قَتَلَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ سَقَطَ بَيْنَهُمَا مُجَاهِدٌ أَوْ غَيْرُهُ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ (أَنَّ عُمَرَ

وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ * قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ لَقِيتُ فَبِقَوْلِهِمْ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَبِالْقِيَاسِ قُلْنَا بِالنَّعَامَةِ لَا بِهَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهٌ ضَعَّفَهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيَّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا وَلَا زَيْدًا وَكَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ صَبِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ ثم ان عطاء الخراساني منع انْقِطَاعِ حَدِيثِهِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ * وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ (هِيَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهَا كَبْشًا إذَا صَادَهَا الْمُحْرِمُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ جيد يقوم به الحج ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ (أَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبُعَ صَيْدًا وَقَضَى فِيهَا كَبْشًا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ * قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ لَوْ انْفَرَدَ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا ثم رواه باسناده عن عمر بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الِاحْتِجَاجِ بعمر وبن أبى عمر هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ هَذَا إسْنَادٌ مُبْلِجٌ صَحِيحٌ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الظَّبْيِ بِشَاةٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ

والبيهقي باسنادهما الصحيح عن سريج قَالَ لَوْ كَانَ مَعِي حُكْمٌ حَكَمْتُ فِي التعلب بِجَدْيٍ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ في التعلب سطاة. وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ مِنْ الْغَنَمِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ مُطْرَفٌ بْنُ مَازِنٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ كَذَّابٌ والله أعلم * (أما) الفاظ الغصل فَالْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهِيَ الَّتِي (1) (وَأَمَّا) الْجَفْرَةُ فَهِيَ الَّتِي بلغت أربع أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُخَفَّفَةِ (وَأَمَّا) الْحُلَّانُ فَبِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (وَأَمَّا) الْحَمَلُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ وهو الخروف * وقال الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْجَدْيُ وَيُقَالُ لَهُ حُلَّامٌ بِالْمِيمِ أيضا (قوله) وتمغص الْفُتْيَا هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَحْتَقِرُهَا وَتَسْتَصْغِرُهَا وَيُقَالُ فُتْيَا وَفَتْوَى (الْأُولَى) بِضَمِّ الْفَاءِ (وَالثَّانِيَةُ) بِفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَجِبُ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ التَّقْوِيمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الصَّيْدُ ضَرْبَانِ مثلى وهو ماله مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَغَيْرُ مِثْلِيٍّ وَهُوَ مَا لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ فَالْمِثْلِيُّ جُزْءَانِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ فَيُخَيِّرُ الْقَاتِلُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ مِثْلَهُ فِي الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إمَّا بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ عَلَيْهِمْ وَإِمَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ بجملته إليهم مذبوحا وعليهم إيَّاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ بَلْ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيَجُوزُ الصِّيَامُ فِي الْحَرَمِ وَفِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ وَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ فَيَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا دَرَاهِمَ بَلْ يُقَوِّمُ بِهَا طَعَامًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ الطَّعَامَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ صَامَ يَوْمًا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنً ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ وَالصِّيَامُ وَفِي غَيْرِهِ بَيْنَ الطعام والصيام هذا هو المذهب وهو المتطوع بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ * وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ

قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ شَاذَّةٌ وَكَذَا نَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ إنْكَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى التَّخْيِيرِ لَا غَيْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَوَقْتِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فقيمته في مكان يوم الانتقال إلى الاطعام لِأَنَّ مَحَلَّ ذَبْحِهِ مَكَّةُ فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَبْحِهِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الذَّبْحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِتْلَافِ (وَالثَّانِي) بِقِيمَةِ يَوْمِ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَأَمَّا مَالَهُ مِثْلٌ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ قَوْلًا وَاحِدًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَقُومُ يَوْمَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَقْوِيمُهُ يَوْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ أَرَادَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا وَقَوْلُهُ يُعْتَبَرُ حِينَ الْقَتْلِ أَرَادَ إذَا كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بل هما قولان فيهما ومنهم مَنْ قَالَ بِالطَّرِيقِ الثَّالِثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَحَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُ الطَّعَامِ في ذلك مكان أَمْ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ (وَالثَّانِي) مِنْهُمَا أَصَحُّ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْمِثْلِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ الْمِثْلِيُّ مُعْتَبَرًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالتَّحْدِيدِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ التَّقْرِيبُ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْقِيمَةِ بَلْ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْكَلَامِ فِي الدَّوَابِّ ثُمَّ الطُّيُورِ (أَمَّا) الدَّوَابُّ فَمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ حَكَمَ فِيهِ صَحَابِيَّانِ أَوْ عَدْلَانِ مِنْ التَّابِعِينَ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنْ النَّعَمِ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ اُتُّبِعَ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَحَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرَتِهِ بِبَقَرَةٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحُلَّانٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ

أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْوَبَرِ بِشَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَفِيهِ جَفْرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَكْبَرَ بَدَنًا مِنْهَا وَعَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الضَّبِّ جَدْيٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِبِلِ بَقَرَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَأَمَّا الْوَعْلُ فَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ فِيهِ بَقَرَةٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِيهِ تَيْسٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَرْوَى عَضَبٌ وَالْعَضَبُ دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الْبَقَرِ أَمَّا الْعَنَاقُ فَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ إلَى حِينِ تَرْعَى مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٍ وَعُنُوقٍ وَأَمَّا الْجَفْرَةُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا هَذَا مَعْنَاهُمَا فِي اللُّغَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَفْرَةِ مَا دُونَ الْعَنَاقِ لِأَنَّ الْأَرْنَبَ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ (وَأَمَّا) أُمُّ حُبَيْنٍ فَدَابَّةٌ عَلَى صُورَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ النَّظَرِ وَفِي حِلِّ

أَكْلِهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا حَلَالٌ وَفِيهَا الْجَزَاءُ (وَالثَّانِي) حَرَامٌ فَلَا جَزَاءَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الظَّبْيِ كَبْشٌ وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ وَزَعَمَ أَنَّ الظَّبْيَ ذَكَرُ الْغِزْلَانِ وَالْأُنْثَى غَزَالٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَهْمٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ في الظبي عنز وَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِهَا فَإِنَّهُ أَجْرَدُ الشَّعْرِ مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ وَأَمَّا الْغَزَالُ فَوَلَدُ الظَّبْيِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الصِّغَارِ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَزَالُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى حِينِ يَقْوَى وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ وَالذَّكَرُ ظَبْيٌ هَذَا بَيَانُ مَا فِيهِ حُكْمٌ (أَمَّا) مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ عَنْ السَّلَفِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ فَطِنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَعْرِفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ يَكُونُ قَاتِلَاهُ * هُمَا الْحُكْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عُدْوَانًا فَلَا لِأَنَّهُ يَفْسُقُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ

الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا * وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ أَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ أَنْ لَا مِثْلَ فَهُوَ مِثْلِيٌّ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَعَدْلَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَتَخَيَّرُ فِي الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (وَالثَّانِي) يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهِمَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَحَمَامٌ وَغَيْرُهُ فَالْحَمَامَةُ فِيهَا شَاةٌ وَغَيْرُهَا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا جُثَّةً كَالزُّرْزُورِ وَالصَّعْوَةِ وَالْبُلْبُلِ وَالْقُبَّرَةِ وَالْوَطْوَاطِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ أَوْ مِثْلِهِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ (وَالثَّانِي) شَاةٌ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي الْحَمَامَةِ فَاَلَّذِي أَكْبَرُ مِنْهَا أَوْلَى وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْكُرْكِيُّ وَالْبَطَّةُ وَالْإِوَزَّة وَالْحُبَارَى وَنَحْوُهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَمَامِ كُلُّ مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ وهو ان يشر به جَرْعًا وَغَيْرُ الْحَمَامِ يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا حَاجَةَ فِي وَصْفِ الْحَمَامِ إلَى ذِكْرِ الْهَدِيرِ مَعَ الْعَبُّ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْعَبِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ فِي اسْمِ الْحَمَامِ الْيَمَامُ اللَّوَاتِي يَأْلَفْنَ الْبُيُوتَ وَالْقَمَرِيُّ وَالْفَاخِتَةُ وَالْدُسِي وَالُقَطَاءُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُطَوَّقٍ حَمَامًا * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الْحَمَامَةِ شاة اتباعا يعين إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ إيجَابُ الْقِيمَةِ فِيهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا أُوجِبَتْ الشَّاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهَا تَعُبُّ كَالْغَنَمِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ بشئ بَلْ الْمَنْصُوصُ مَا ذَكَرْنَاهُ * وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ شَاةٍ فِي الْحَمَامَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ فِيهِ حَمَامُ الْحِلِّ وَحَمَامُ الْحُرُمِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ أُصِيبَتْ فِي الْحَرَمِ فَفِيهَا شَاةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا شَاةٌ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُفْدَى الْكَبِيرُ مِنْ الصيد بكبير من مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّغِيرُ بِصَغِيرٍ وَالسَّمِينُ بِسَمِينٍ وَالْمَهْزُولُ بِمَهْزُولٍ وَالصَّحِيحُ بِصَحِيحٍ وَالْمَرِيضُ بِمَرِيضٍ وَالْمَعِيبُ بِمَعِيبٍ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ كَأَعْوَرَ بِأَعْوَرَ فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا وَإِنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ

وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ فَفِي إجْزَائِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّ المقصود لا يختلف (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْعَيْبِ كَالْجَرَبِ وَالْعَوَرِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَوَرُ الْيُمْنَى فِي الصَّيْدِ أَوْ فِي الْمِثْلِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ وَرُبَّمَا أَوْهَمَ تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَ هَذَا وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ كَالْمِثَالِ وَلَوْ قَالَ فَدَى الْأَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِالْأَعْوَرِ مِنْ أُخْرَى لَكَانَ أَحْسَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَابَلَ الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَوْ فَدَى الذَّكَرَ بِالْأُنْثَى فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَرَادَ الذَّبْحَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَرَادَ التَّقْوِيمَ جَازَ لان قيمة الانثي أكثر ولهم الذَّكَرِ أَطْيَبُ (وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ تَلِدْ الْأُنْثَى جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا تَضْعُفُ بِالْوِلَادَةِ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ إنْ قَتَلَ ذَكَرًا صَغِيرًا أَجْزَأَهُ أُنْثَى صَغِيرَةً وَإِنْ قَتَلَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِئهُ كَبِيرَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأُنْثَى فَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ * وَإِنْ فَدَى الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُجْزَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وإذا تَأَمَّلْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَدْتهمْ طَارِدِينَ الْخِلَافَ مَعَ نَقْصِ اللَّحْمِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ اللَّحْمُ فِي الْقِيمَةِ وَفِي الطَّيِّبِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْصَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كَلَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَتَلَ نَعَامَةً فَأَرَادَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الْبَدَنَةِ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ لَمْ يَجُزْ على الصيح الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا كَهِيَ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ عشر قيمة شاة وقال الْمُزَنِيّ تَخْرِيجًا يَلْزَمُهُ عُشْرُ شَاةٍ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ شَرِيكًا فِي ذَبْحِ شَاةٍ فَأَرْشَدَهُ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ عُشْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ قِيمَتَهُ فِي طَعَامٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ

صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَالَ الْوَاجِبُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ وَتَخْرِيجُ الْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَنْصُوصِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) تَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ (وَالثَّانِي) لَا تُجْزِئهُ الدَّرَاهِمُ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ أَوْ يَصُومُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ عُشْرِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ (وَالرَّابِعُ) إنْ وَجَدَ شَرِيكًا فِي الدَّمِ اخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته (وَالْخَامِسُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُخَيَّرٌ بين اربعة اشياء اخرج الدراهم وان شاء اشترى بها جُزْءًا مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ بِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَالْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَطْعًا ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالطَّعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَتَلَ صَيْدًا حَامِلًا قَابَلْنَاهُ بِمِثْلِهِ حَامِلًا وَلَا نَذْبَحُ الْحَامِلَ بَلْ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ حَائِلٍ نَفِيسَةٍ بِقِيمَةِ حَامِلٍ وَسَطٍ وَيُجْعَلُ التَّفَاوُتُ كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا نُظِرَ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ لا يَضْمَنُ الْجَنِينَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بخلاف الجنين الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيَنْقُصُ الْآدَمِيَّاتُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَا ضَمِنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ فَيَضْمَنُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا * وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ حَيًّا مِنْ آثَارِ الْجِنَايَةِ وَعَاشَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ الولد بانفراده بكمال جزائه وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حاملا وحائلا *

(فَرْعٌ) لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَانْدَمَلَ جُرْحُهُ وَصَارَ الصَّيْدُ زَمَنًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الجامع (أصحهما) يلزمه جزاء كامل كما لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَاةٍ فَأَزْمَنَهَا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الثَّانِي وَهُوَ تَصْحِيحٌ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ ونقله الشيخ أبو حامد عن الاصحاب مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَرْشِ مَا نَقَصَ مُزَيَّفٌ مَتْرُوكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فَهَلْ يَجِبُ قِسْطٌ مِنْ الْمِثْلِيِّ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَرَحَهُ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَزْمَنَهُ فَجَاءَ مُحْرِمٌ آخر فَقَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ زَمَنًا بِلَا خِلَافٍ وَيَبْقَى عَلَى الْأَوَّلِ الْجَزَاءُ الَّذِي كَانَ كَمَا كَانَ وَهُوَ كَمَالُ الْجَزَاءِ أَوْ أَرْشُ النَّقْصِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ جَزَاءً كَامِلًا عَادَ بِجِنَايَةِ الثَّانِي إلَى أَرْشِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ إيجَابُ جَزَاءَيْنِ لِمُتْلِفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ (أَمَّا) إذَا أَزْمَنَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ عَادَ هُوَ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَقَطْ * وَلَنَا هُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الطَّرَفِ مع دية النفس * قال إمام الحرمين وغيره فيجئ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أفردت كل جناية بحكمها ففى القتل جزاءه زَمَنًا وَفِي الْإِزْمَانِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا أَوْجَبْنَا فِي الْإِزْمَانِ جَزَاءً كَامِلًا وَإِنْ كَانَ لِلصَّيْدِ امْتِنَاعَانِ كَالنَّعَامَةِ تَمْتَنِعُ بِالْعَدْوِ وَبِالْجَنَاحِ فَأَبْطَلَ أَحَدَ امْتِنَاعَيْهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ لِتَعَدُّدِ الِامْتِنَاعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِاتِّحَادِ الْمُمْتَنِعِ وَعَلَى هَذَا فَمَا الْوَاجِبُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا نَقَصَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ النَّعَامَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلِ وَالْجَنَاحِ فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ *

(فَرْعٌ) لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ وَقَعَ بِسَبَبِهِ فِي مَاءٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِأَنْ قَتَلَهُ آخَرُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ وَإِنْ كَانَ صَيْدُهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَفِيمَا عَلَى الْأَوَّلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَاخِرِ الْفَرْعِ قَبْلَهُ * وَإِنْ شَكَّ فلم يعلم بماذا مَاتَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ الْجُرْحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ * قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَلَالِ إذَا جَرَحَ صَيْدًا وَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيْتًا هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ أَمْ لَا (الْأَصَحُّ) لا يحل (فان قلنا) بحل كله فَقَدْ جَعَلْنَاهُ قَاتِلًا فَيَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ (أَمَّا) إذَا جَرَحَهُ وغاب ولم يتبين حاله فَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاةُ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ قَالُوا وَالِاحْتِيَاطُ إخْرَاجُ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبِهِ * هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ * وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ إذَا كَانَ قَدْ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَتَهُ * قَالَ أَبُو حَامِدٍ وهذه من غلطات أبى اسحق عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ * قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ سَبَبُ الْهَلَاكِ وَلَا يَهْلِكُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ مَا لَمْ يَعْلَمْ التَّلَفَ * (فَرْعٌ) إذَا جَرَحَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَدَاوَاهُ وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَعَادَ مُمْتَنِعًا كَمَا كَانَ فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ) لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ فَنَبَتَتْ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ دِيَتُهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ فَعَلَيْهِ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ كَمَالُ الْجَزَاءِ فِي الْأَصَحِّ وَأَرْشُ مَا نَقَصَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ جَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمُنْدَمِلًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِذَا قُلْنَا أَرْشُ مَا نَقَصَ فَهَلْ يَجِبُ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمِثْلِ

أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ فِيهِ الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِيمَنْ جَرَحَ ظَبْيًا فَنَقَصَ عُشْرَ قِيمَتِهِ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ بُرْئِهِ فِيهِ نَقْصٌ فَإِنْ صَارَ مُمْتَنِعًا وَلَكِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْنٌ وَنَقْصٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) إذَا دَاوَاهُ حَتَّى بَرَأَ وَبَقِيَ زَمَنًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ أَزْمَنَهُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْجَزَاءِ (وَالثَّانِي) أَرْشُ نَقْصِهِ * وَلَوْ نَتَفَ رِيشَ طَيْرٍ فَهُوَ كَجُرْحِ الصَّيْدِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ فَإِنْ نَبَتَ وَبَقِيَ نَقْصٌ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ وَجَبَ اُعْتُبِرَ نَقْصُهُ حَالَ الْجُرْحِ كَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا مَعَ بَاقِي فُرُوعِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَجِبُ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ قِيمَتُهُ * وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجِبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَسَبَقَ هُنَاكَ الْخِلَافُ فِي قِيمَةِ لَبَنِ الصَّيْدِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا وَسَبَقَ أَنَّ الْجَرَادَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَبَقَ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الجراد ولا ضمان فيه وليس بشئ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَجِبُ فِي الدَّبَا قِيمَتُهُ وَالدَّبَا صِغَارُ الْجَرَادِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْجَرَادِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فِي الْجَرَادِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي الْبَيْضِ وَالْجَرَادِ وَاللَّبَنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِ الطَّعَامِ وَبَيْنَ ان يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَإِنْ انْكَسَرَ مُدٌّ وَجَبَ صِيَامُ يَوْمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ * (فَرْعٌ) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ وَجَبَ لِكُلِّ صيد جزاء وان بلغ ماءة صَيْدٍ وَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَخْرَجَ جَزَاءَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ * وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْإِتْلَافِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَرَّرَ الْمُحْرِمُ لُبْسًا أَوْ طِيبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ * وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ يَتَجَزَّأُ فَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي إتْلَافِهِ قُسِمَ الْبَدَلُ بَيْنَهُمْ كَقَسْمِ الْمُتْلَفَاتِ وَكَالدِّيَةِ وَفِي قَوْلِهِ يَتَجَزَّأُ احْتِرَازٌ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ * وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَلَا شئ عَلَى الْحَلَالِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَمُحِلُّونَ

أَوْ مَحِلٌّ وَمُحْرِمُونَ وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ الجزاء بقسطه على عدد الرؤس كَبَدَلِ الْمُتْلَفَاتِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَهُ الْمُحْرِمُ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِهِ وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَلَالِ الْقَاتِلِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ أَدْخَلَ الْمُحْرِمَ فِي الضَّمَانِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالًا فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا جَازَ لَهُ إتْلَافُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ لِلْمَغْصُوبِ مُتَعَدٍّ فَضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَقَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُمْسِكِ سَبَبٌ وَمَنْ الْقَاتِلِ مُبَاشَرَةٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ ضَمَانِهِ وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِضَمَانِ الْآدَمِيِّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُمْسِكُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَاتِلُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُمْسِكِ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْوَجْهُ أَقْيَسُ عِنْدِي لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ يُنْتَقَضُ بِمِنْ غَصَبَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ غَيْرُهُ فِي يَدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الثَّانِي فَاسِدٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ الذى لا يلجئ في شئ مِنْ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ جَرَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَجَرَحَهُ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهُمَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ وَجُرْحُ أَحَدِهِمَا مَضْمُونٌ دُونَ الْآخَرِ * (فَرْعٌ) الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي جَمِيعِ كَفَّارَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافَ عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مسائل من جزاء الصيد

(فَرْعٌ) الصَّوْمُ الْوَاجِبُ هُنَا يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا نص عليه الشافعي ونقله عنه ابْنِ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِقَوْلِهِ تعالى (أو عدل ذلك صياما) * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ (إحْدَاهَا) إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ قَتَلَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَبْحِ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ بِقِيمَتِهِ وَالصِّيَامِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا * وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَدَاوُد إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَلَا يُقَوَّمُ الْمِثْلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الصَّيْدِ وَلَهُ صَرْفُ تِلْكَ الْقِيمَةِ فِي الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ * وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ وَجَدَ الْمِثْلَ ذَبَحَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ فَقَدَهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَصَامَ وَلَا يُطْعِمُ * قَالَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصِّيَامُ وَوَافَقَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو عِيَاضٍ وَزَفَرُ * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَالْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ صَامَ * دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قتل) إلَى آخَرِ الْآيَةِ * وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَنَّ الْمُتْلَفَ يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَيْسَتْ النعم واحدا منهما فَلَمْ يَضْمَنْ بِهِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْحَلَالُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَكَضَمَانِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ لِلْآدَمِيِّ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَيُضْمَنُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يُضْمَنُ بِهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ لِلْآدَمِيِّ بِقِصَاصٍ أَوْ إبِلٍ وَيُضْمَنُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْكَفَّارَةِ وَهِيَ عِتْقٌ وَإِلَّا فَصِيَامٌ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَيْدٍ لا مثل له أنه لا يكن فِيهِ الْمِثْلُ فَتَعَذَّرَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمِثْلِ (الثَّانِيَةُ) إذَا عَدَلَ عَنْ مِثْلِ الصَّيْدِ إلَى الصِّيَامِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * (قَالَ) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الصَّوْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إلَى عَشْرَةِ وَعَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّوْمِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا * قَالَ وَمَالَ أَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّ الْجَزَاءَ فِي هَذَا كَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ * دَلِيلُنَا أَنَّ

اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) وَقَدْ قَابَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ إطْعَامَ كُلِّ مِسْكِينٍ هُنَاكَ مُدٌّ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمِ مُقَابِلُ مُدٍّ * وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ مُقَابِلٌ بِأَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ إنَّمَا وَرَدَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ فِدْيَةٍ وَلَوْ طُرِدَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ كُلَّ صَاعٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ وَلَا نَحْنُ وَلَا أَحَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُنَا أَنَّ مَا حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهِ بِمِثْلٍ فَهُوَ مِثْلُهُ وَلَا يَدْخُلُهُ بَعْدَهُمْ اجْتِهَادٌ وَلَا حُكْمٌ وَبِهِ قال عطاء واحمد وإسحق وَدَاوُد (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَيْدٍ وَإِنْ حَكَمَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ * دَلِيلُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَحْكُمُ (به ذوا عدل منكم) وَقَدْ حَكَمَا فَلَا يَجِبُ تَكْرَارُ الْحُكْمِ (الرَّابِعَةُ) الْوَاجِبُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ صَغِيرٌ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ فِيهِ كَبِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (هَدْيًا بَالِغَ الكعبة) وَالصَّغِيرُ لَا يَكُونُ هَدْيًا وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الْكَبِيرَ بِالصَّغِيرِ * دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم) ومثل الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقِ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَفِي أم حبين بحلال فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُجْزِئُ وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ المضمونات فانها تختلف مقادير الواجب فيها (والجواب) عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهُنَا مُقَيَّدَةٌ بِالْمِثْلِ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى قَتْلِ الْآدَمِيِّ أَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي قَدْرِهَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الصَّيْدُ الْمَعِيبُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَفْدِيهِ بِمَعِيبٍ وَعَنْ مَالِكٍ يَفْدِيهِ بِصَحِيحٍ ودليلنا ما سبق في الضمير (الْخَامِسَةُ) إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ وَهُمْ مُحْرِمُونَ لَزِمَهُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عمر وعطاء والزهرى وحماد وأحمد اسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ كَامِلٌ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْتُولَ وَاحِدٌ

فَوَجَبَ ضَمَانُهُ مُوَزَّعًا كَقَتْلِ الْعَبْدِ وَإِتْلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ (السَّادِسَةُ) إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا لَزِمَهُ جزاء واحد وإذا تطيب أو لبس لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَابْنُ المنذر وداود وقال أبو حنيفة يلزمه جزاآن وَكَفَّارَتَانِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ دَلِيلِنَا عَلَيْهِمْ (السَّابِعَةُ) فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ إلَّا النَّخَعِيّ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ وَشَبَهِهَا ثَمَنُهَا دَلِيلُنَا الْآيَةُ (الثَّامِنَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الثَّعْلَبَ صَيْدٌ يُؤْكَلُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ السِّبَاعِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ (التَّاسِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الضَّبِّ جَدْيًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ فِيهِ شَاةً وَعَنْ مُجَاهِدٍ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ مَالِكٍ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ وَعَنْ قَتَادَة صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ (الْعَاشِرَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ سَوَاءٌ قَتَلَهَا مُحْرِمٌ أَوْ قَتَلَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزبير وقتادة وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شاة وحمامة الْحِلِّ الْقِيمَةُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَمَامَةِ الْحِلِّ ثَمَنُهَا وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثَمَنُهَا وَعَنْ قَتَادَةَ دِرْهَمٌ * دَلِيلُنَا مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي الْحَمَامَةِ شَاةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْعُصْفُورُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مُدُّ طَعَامٍ وَعَنْ عَطَاءٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ثَمَنُهَا عَدْلَانِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) مَا دُونَ الْحَمَامِ مِنْ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الطُّيُورِ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ الجمهور وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ دَاوُد وَقَالَ بَعْضُ أصحاب داود لا شئ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ من النعم) فدل على أنه لا شئ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمَا أَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي الْجَرَادَةِ فَالْعُصْفُورُ أَوْلَى *

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي كُلِّ طَيْرٍ دُونَ الْحَمَامِ قِيمَتُهُ (الثَّالِثَةَ عشر) كُلُّ صَيْدٍ يَحْرُمُ قَتْلُهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي إتْلَافِ بَيْضِهِ سَوَاءٌ بَيْضُ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ بَدَنَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا جَزَاءَ فِي الْبَيْضِ وَسَبَقَتْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَفْسُقُ بِهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ في قصة أربد وبه قال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ * دَلِيلُنَا فِعْلُ عُمَرَ مَعَ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ) ولم يفرق بين القاتل وغيره * قال المصنف رحمه الله * ويحرم صيد الحرم على الحلال والمحرم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا الاذخر لصاغتنا فقال الا الاذخر) وحكمه في الجزاء حكم صيد الاحرام لانه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء فان قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ واحد لان المقتول واحد فكان لجزاء واحدا كما لو قتله في الحل * وان اصطاد الحلال صيدا من الحل وأدخله إلى الحرم جاز له التصرف فيه بالامساك والذبح وغير ذلك مما كان يملكه به قبل أن يدخل الي الحرم لانه من صيد الحل فلم يمنع من التصرف فية * وان ذبح الحلال صيدا من صيود الحرم لم يحل له أكله وهل يحرم على غيره فيه طريقان (من) أصحابنا من قال هو على قولين كالمحرم إذا ذبح صيدا (ومنهم) من قال يحرم ههنا قولا واحدا لان الصيد في الحرم محرم على كل واحد فهو كالحيوان الذي لا يؤكل * وان رمي من الحل إلى صيد في الحرم فأصابه لزمه الضمان لان الصيد في موضع أمنه وان رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فأصابه ضمنه لان كونه في الحرم يوجب تحريم الصيد عليه * وان رمي من الحل إلى صيد في الحل ومر السهم في موضع من الحرم فأصابه ففيه وجهان (أحدهما) يضمنه لان السهم مر من الحرم الي الصيد (والثانى) لا يضمنه لان الصيد في الحل والرامي في الحل وان كان في الحرم شجرة وأغصانها في الحل فوقعت حمامة على غصن في الحل فرماه من الحل فأصابه لم يضمنه لان الحمام غير تابع للشجرة فهو كطير في هواء

الحل وان رمي إلى صيد في الحل فعدل السهم وأصاب صيدا في الحرم فقتله لزمه الجزاء لان العمد والخطأ في ضمان الصيد سواء وان أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الحل فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله لم يلزمه الجزاء لان للكلب اختيارا ودخل الحرم باختياره بخلاف السهم * قال في الاملاء إذا أمسك الحلال صيدا في الحل وله فرخ في الحرم فمات الصيد في يده ومات الفرخ ضمن الفرخ لانه مات في الحرم بسبب من جهته ولا يضمن الام لانه صيد في الحل مات في يد الحلال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق والخلا بفتح الخاء المعجمة مقصور هو رطب الكلاء قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ هُوَ الْيَابِسُ مِنْ الكلاء والخلا هُوَ الرَّطْبُ مِنْهُ وَمَعْنَى يُعْضَدُ يَقْطَعُ وَالْإِذْخِرُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مَعْرُوفٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَصَيْدُ حَرَمِ مَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ونبه صلى الله عليه وسلم بالتقتير عَلَى الْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ اصْطِيَادِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَإِتْلَافِهِ وَإِتْلَافِ أَجْزَائِهِ وَجُرْحِهِ وَتَنْفِيرِهِ وَالتَّسَبُّبِ إلَى ذَلِكَ وَيَحْرُمُ بَيْضُهُ وَإِتْلَافُ رِيشِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَلَا يختلفان في شئ مِنْ ذَلِكَ * وَحُكْمُ لَبَنِهِ حُكْمُ لَبَنِ صَيْدِ الْإِحْرَامِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قَتَلَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبٍ مِنْهُ ضَمِنَهُ وَضَابِطُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ كَصَيْدِ الْإِحْرَامِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْرِ الْجَزَاءِ وَصِفَتِهِ * وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَلَوْ أَدْخَلَ حَلَالٌ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ كَالنَّعَمِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَإِنْ ذَبَحَ حَلَالٌ صَيْدًا حَرَمِيًّا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا بِفُرُوعِهِمَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ فَيَكُونُ مَيْتُهُ نَجِسًا كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَكَالْحَيَوَانِ الَّذِي لا يؤكل * ولو رمى من الحل صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ وَأَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَلَوْ رَمَى حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ أَوْ رَمَى مُحْرِمٌ إلَيْهِ فَتَحَلَّلَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْبَابِ

السَّابِقِ * وَلَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَفِيهِ خمسة اوجه الثلاثة الاولى منها حكاهما صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهَا) لا جزاء فيه لانه لم بتمحض حَرَمِيًّا (وَالثَّانِي) إنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهُ فِي الْحِلِّ فلا اعتبارا بِالْغَالِبِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ ضَمِنَهُ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَلَا اعتبار بِمَا كَانَ عَلَيْهِ (وَالرَّابِعُ) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَاحِدَةً تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ كُلُّهَا فِي الْحِلِّ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُسْتَيْقِظٌ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَمَرَّ السَّهْمُ فِي ذَهَابِهِ فِي طَرَفٍ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَتَخَيَّرَ فِي مُرُورِهِ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَوْ قَوْلٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ يَضْمَنُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِ الْكَلْبِ فَإِنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَصَابَهُ لَمْ يَجِبْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَتَخَطِّيهِ طَرَفَ الْحَرَمِ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا كَانَ لِلصَّيْدِ مُقَرٌّ آخَرُ فَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ عِنْدَ الْهَرَبِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْسِلُ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا وَلَكِنْ يَأْثَمُ الْعَالِمُ دُونَ الْجَاهِلِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيمَا إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَعَدَلَ الصَّيْدُ إلَى الْحَرَمِ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ قَدْ زَجَرَهُ عَنْ اتِّبَاعِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَإِنْ لَمْ ينزجر فعليه الاجزاء لِأَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ إذَا أُرْسِلَ إلَى صَيْدٍ تَبِعَهُ أَيْنَ تَوَجَّهَ * هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الَّذِي شَرَطَهُ مِنْ الزَّجْرِ غَرِيبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ *

(فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ شَجَرَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ فَوَقَعَ عَلَى الْغُصْنِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ ضَمِنَ الْغُصْنَ لِأَنَّ الْغُصْنَ جُزْءٌ مِنْ الشَّجَرَةِ تَابِعٌ لَهَا وَالشَّجَرَةُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَا غُصْنُهَا وَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ الشَّجَرَةِ وَلَا هُوَ فِي الْحَرَمِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحِلِّ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَتْ الشجرة ثابتة؟ فِي الْحِلِّ وَغُصْنُهَا فِي الْحَرَمِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِشَجَرَةٍ فِي الْحِلِّ وَهَذَا الْفَرْعُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُشِيرُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى الصُّورَتَيْنِ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ وَقَفَ الْحَلَالُ عَلَى الْغُصْنِ وَرَمَى إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ الَّذِي عَلَى الْغُصْنِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ فِي هَوَاءِ الْحَرَمِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لو قتل انسان صيدا مملوكا في الحرم فان كان القاتل محرما فقد سبق في الباب الماضي ان عليه الاجزاء للمساكين وعليه القيمة لمالكه وإن كان حلالا فعليه القيمة لمالكه ولا جزاء عليه لانه ليس له حكم صيد الحرم ولهذا لو قتله صاحبه لم يلزمه الجزاء بخلاف صيد الاحرام وممن صرح بالمسألة الماوردى * (فَرْعٌ) لَوْ أَخَذَ حَمَامَةً فِي الْحِلِّ أَوْ أَتْلَفَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ وَلَا يضمنها لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ * وَلَوْ أَخَذَ الْحَمَامَةَ مِنْ الْحَرَمِ وَقَتَلَهَا فَهَلَكَ فَرْخُهَا فِي الْحِلِّ ضَمِنَ الْحَمَامَةَ وَالْفَرْخَ جَمِيعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِسَبَبٍ جَرَى مِنْهُ فِي الْحَرَمِ كما رَمَى مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ فَفَسَدَ بَيْضُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ كَمَا يَضْمَنُ الْفَرْخَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ تَعَرَّضَ لِضَمَانِهِ فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ التَّنْفِيرِ بِصَدْمَةٍ أَوْ أَخْذِ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْحِلَّ فقتله حلال لزم المنفر الجزاء ولا شئ على الحلال القاتل فان أخذه محرم في احل وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْآخِذِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ * هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قتله الحلال فلا جزاء عليه كما ذكرنا * قَالَ وَأَمَّا الْمُنَفِّرُ لَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ حِينَ نَفَّرَهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْحِلِّ وَمَنَعَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُلْجَأٌ وَالتَّنْفِيرَ سَبَبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الجاءه إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ وَلَا مَنَعَهُ الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجَأٍ وَالْمُبَاشَرَةُ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِ * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ

عَلَى الْمُنَفِّرِ مِنْ الْحَرَمِ ضَمَانُهُ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ مَا لَمْ يَسْكُنُ نِفَارُهُ وَلَا يُزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَسْكُنَ نِفَارُهُ وَيَسْكُنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ فَإِذَا سَكَنَ فِي مَكَان مِنْهُمَا زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقَبْلَ السُّكُونِ هُوَ فِي ضَمَانِهِ * هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا حَرَمِيًّا فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلضَّمَانِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ النِّفَارُ حَتَّى خَرَجَ من الحرم فسكن في احل وَجَبَ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَدُومُ التَّعَرُّضُ لِلضَّمَانِ حَتَّى يَزُولَ نِفَارُهُ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا أَرَاهُ ذِلَّةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي رَدِّهِ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِخُرُوجِهِ لِلضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا خَرَجَ الصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ إلَى الْحِلِّ حَلَّ لِلْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ في الحل ولا شئ عليه في إتلافه لانه صار صيد حل كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ حَرُمَ اصْطِيَادُهُ لِأَنَّهُ صَارَ صَيْدَ حَرَمٍ وَحَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ صَيْدِ الْحَرَمِ فِي الْحِلِّ كَمَا لَوْ قَلَعَ شجرة من الحرم وَغَرَسَهَا فِي الْحِلِّ لَا يَحِلُّ قَطْعُهَا قَالَ وَالْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الصَّيْدَ يَتَحَوَّلُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْمُتَحَوَّلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا دخل شئ مِنْ الْجَوَارِحِ إلَى الْحَرَمِ فَفَلَتَ فَأَتْلَفَ صَيْدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْحَرَمِ * (فَرْعٌ) إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِيهَا صَيْدٌ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّهُ إنْ حَفَرَهَا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ حَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَالْأَصَحُّ الضَّمَانُ أَيْضًا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً هُنَاكَ * وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ بِهَا صَيْدٌ ضَمِنَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ الْحَرَمِ فَنَصَبَهَا فِي الْحِلِّ فَتَلِفَ بِهَا صَيْدٌ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ الْحِلِّ فَنَصَبَهَا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْحَلَالُ جَالِسًا فِي الْحَرَمِ فَرَأَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَعَدَا إلَيْهِ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى سَهْمًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إنْ ابْتَدَأَ الِاصْطِيَادَ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِأَنَّ السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ ابْتِدَاءُ الِاصْطِيَادِ مِنْ حِينِ الْعَدْوِ بَلْ مِنْ حِينِ ضَرْبِهِ وَلِهَذَا شُرِعَ لَهُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إرْسَالِ السَّهْمِ

وَلَا يُشْرَعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَدْوِ إلَى ضَرْبِهِ بَلْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ ضَرْبِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرْسِلَ السَّهْمِ اصْطَادَ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ الْعَادِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَهَكَذَا لَوْ عَدَا مِنْ الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَسَلَكَ الْحَرَمَ ثُمَّ خرج إليه فقتله فلا شئ عليه بلا خلاف * * قال المصنف رحمه الله * (وان دخل كافرا الي الحرم فقتل فيه صيدا فقد قال بعض أصحابنا يجب عليه الضمان لانه ضمان يتعلق بالاتلاف فاستوى فيه المسلم والكافر كضمان الاموال ويحتمل عندي انه لا ضمان عليه لانه غير ملتزم بحرمة الحرم فلا يضمن صيده) * (الشَّرْحُ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْهَمَ انْفِرَادَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ غَرِيبٌ انْفَرَدَ بِهِ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا فَحَكَاهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَرَجَّحَهُ الْفَارِقِيّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ

الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَلَا يُفَارِقُ الكفر الْمُسْلِمَ فِي ضَمَانِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ وَسَائِرِ نباته الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَزَاءُ بالصيام بل يتخير بين المثل والطعام * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم قلع شجر الحرم ومن أصحابنا من قال ما أنبته الآدميون يجوز قلعه والمذهب الاول لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان ما حرم لحرمة الحرم استوى فيه المباح والمملوك كالصيد ويجب فيه الجزاء فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ كانت صغيرة ضمنها بشاة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (في الدوحة بقرة وفى الشجرة الجزلة شاة) فان قطع غصنا منها ضمن ما نقص فان نبت مكانه فهل يسقط عنه الضمان علي القولين بناء على القولين في السن إذا قلع ثم نبت * ويجوز أخذ الورق ولا يضمنه لانه لا يضر بها وان قلع شجرة من الحرم لزمه ردها الي موضعها كما إذا أخذ صيدا منه لزمه تخليته فان أعادها إلى موضعها فنبت لم يلزمه شئ وان لم تنبت وجب عليه ضمانها * ويحرم قطع حشيش الحرم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) ويضمنه لانه ممنوع من قطعه لحرمة الحرم فضمنه كالشجر وان قطع الحشيش فنبت مكانه لم يلزمه الضمان قولا واحدا لان ذلك يستخلف في العادة فهو كسن الصبى إذا قلعه فنبت مكانه مثله بخلاف الاغصان ويجوز قطع الاذخر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولان الحاجة تدعو إليه ويجوز رعى الحشيش لان الحاجة تدعو الي ذلك فجاز كقطع الاذخر ويجوز قطع العوسج والشوك لانه مؤذ فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب) * (الشرح) قوله ولا مَا حُرِّمَ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فِي حَقِّ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُبَاحُ وَالْمَمْلُوكُ بَلْ يَحِلُّ لَهُ اصْطِيَادُ الْمُبَاحِ دُونَ الْمَمْلُوكِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لان الصيد المملوك يجوز ذبحه وتثبت الْيَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْمُبَاحِ وَإِنَّمَا يستوى المباح والمملوك في التحريم على لمحرم خَاصَّةً وَالدَّوْحَةُ بِدَالٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا واو ساكنة وهى العظيمة (وقوله) ممنوع قَطْعِهِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ شَجَرٍ وج والنقيع وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الْقَلَعِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ يَدِ نفسه وهذا صحيح لكن الْأَوَّلَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ) يَسْتَخْلِفُ لَوْ قَالَ يَخْلُفُ كَانَ أَجْوَدَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ كَمَا يَحْرُمُ اصْطِيَادُ صَيْدِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِنَبَاتِهِ الضَّمَانُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ المصنف والعراقيون وجماعة وغيرهم يَتَعَلَّقُ كَالصَّيْدِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ

(أصحهما) هذا (والثاني) لا ضمان فيه لان الصَّيْدَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ النَّبَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الضمان * ثم النبات ضربان شجر وغيره (أما) الشَّجَرُ فَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ بِالْقَلْعِ وَالْقَطْعِ لِكُلِّ شَجَرٍ رَطْبٍ حَرَمِيٍّ غَيْرِ مُؤْذٍ فَاحْتَرَزْنَا بِالرَّطْبِ عَنْ الْيَابِسِ فَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَدَّ صَيْدًا مَيِّتًا نِصْفَيْنِ * هَكَذَا قَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ وَاحْتَرَزْنَا بِغَيْرِ مُؤْذٍ عَنْ الْعَوْسَجِ وَكُلِّ شَجَرَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِهِ ضَمَانٌ كَالْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ مَضْمُونٌ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَيُخَالِفُ الْحَيَوَانُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَذَى وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا) وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْوَجْهَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤْذِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَرَزْنَا بِالْحَرَمِيِّ عَنْ أَشْجَارِ الْحِلِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْلَعَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ وَيَنْقُلَهَا إلَى الْحِلِّ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَلَوْ نَقَلَ فَعَلَيْهِ رَدُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَقَلَ مِنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْحَرَمِ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى مِنْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ وَسَوَاءٌ نَقَلَ أَشْجَارَ الْحَرَمِ أَوْ أَغْصَانَهَا إلَى الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ يُنْظَرُ إنْ يَبِسَتْ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَوْضِعِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَ الْقَالِعَ الْجَزَاءُ إبْقَاءً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَلَوْ قَلَعَ شَجَرَةً أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَهَا فِي الْحَرَمِ فَنَبَتَتْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْحَرَمِ فلو قلعها هو أو غيره فلا شي هـ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ * اتَّفَقَ

أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا فِي الطَّرِيقِينَ * وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ وَالشَّجَرُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَهُ حُكْمُ مَنْبَتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُ أَغْصَانِهَا وَوَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا في الحرم فلا شئ فِي قَطْعِ أَغْصَانِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْلِ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَلِجَمِيعِهَا حُكْمُ الْحَرَمِ * (فَرْعٌ) إذَا أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَسَبِيلُهُ ضَمَانِ جُرْحِ الصَّيْدِ وَإِنْ أَخْلَفَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِكَوْنِ الْغُصْنِ لَطِيفًا كَسِوَاكٍ وَغَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ * وَإِذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لِعَدَمِ إخْلَافِهِ فَنَبَتَ الغصن وكان المقطوع مثل النابت فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِسُهُولَةٍ وَلَا يَجُوزُ خَبْطُهَا بِحَيْثُ يُؤْذِي قُشُورَهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ الْأَغْصَانِ الصِّغَارِ لِلسِّوَاكِ * وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ يَجُوزُ أَرَادَ إذَا لَقَطَ الْوَرِقَ بِيَدِهِ وَكَسَرَ الْأَغْصَانَ الصِّغَارَ بِيَدِهِ بِحَيْثُ لَا تَتَأَذَّى نَفْسُ الشَّجَرَةِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ إذَا خَبَطَ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَسَاقَطَ الْوَرِقُ وَتَكَسَّرَتْ الْأَغْصَانُ لِأَنَّ ذَلِكَ يضر الشجرة هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ لِلْحَصْرِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ ثِمَارِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَتْ أَشْجَارًا مُبَاحَةً كَالْأَرَاكِ وَيُقَالُ لِثَمَرَةِ الْأَرَاكِ الْكَبَاثُ بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَخْذِ عُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَوْرَاقِ وَأَخْذِ شَعْرِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ لِأَنَّ أَخْذَهُ يَضُرُّ الْحَيَوَانَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ *

(فَرْعٌ) هَلْ يَعُمُّ التَّحْرِيمُ وَالضَّمَانُ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِنَفْسِهِ وَمَا يُسْتَنْبَتُ أَمْ يَخْتَصُّ بِمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ (وَأَصَحُّ) الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ التَّعْمِيمُ (وَالثَّانِي) التَّخْصِيصُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّعْمِيمِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَشَجَرُ الْحَرَمِ حَرَامٌ سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أو أنبته آدمى * قال وحكي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ * قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَإِنَّمَا أُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالِكٌ فَلَا جَزَاءَ * قَالَ أَبُو حامد وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الشَّجَرَ الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْجَزَاءُ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ أَوْ الْقِيمَةَ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَقَطَعَ الْمَاسَرْجِسِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَالتُّفَّاحِ وَالتِّينِ وَنَحْوِهَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ التَّحْرِيمَ وَالضَّمَانَ عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ وَهَكَذَا نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي شَجَرِ السَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ مَا أَنْبَتَهُ الْأَرْضُ مِنْ الثِّمَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّعْمِيمُ فَإِذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ زِيدَ فِي الضَّابِطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُ الشَّجَرِ مِمَّا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا القول يحرم الادراك وَالطَّرَفَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَشْجَارِ الْبَوَادِي دُونَ التِّينِ وَالْعِنَبِ وَالتُّفَّاحِ وَالصَّنَوْبَرِ وَسَائِرِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مُثْمِرًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ غَيْرُهُ كالحلان وَأَدْرَجَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الْقَسَمِ الْعَوْسَجَ * وَأَنْكَرَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذُو شَوْكٍ وقد سبق اتفاق على ان ماله شَوْكٌ لَا يَحْرُمُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ * وَعَلَى هذا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ لَوْ نَبَتَ مَا يُسْتَنْبَتُ أَوْ عَكْسُهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْجِنْسِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أبى العباس بن العاص فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقَصْدِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ التَّعْمِيمُ فَجَمِيعُ الشَّجَرِ حَرَامٌ سَوَاءٌ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَمَا أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ وَالْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ إلَّا الْعَوْسَجَ وَسَائِرَ شَجَرِ الشَّوْكِ وَكَذَا مَا قَطَعَ

مِنْ الْحِلِّ وَغَرَسَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ أَنْ يَأْخُذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ فَيَغْرِسُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا أَخَذَ شَجَرَةً أَوْ غُصْنًا مِنْ الْحِلِّ فَغَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ قَلَعَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا شي عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ وَمَنَعَتْ النَّاسَ الطَّرِيقَ أَوْ آذَتْهُمْ جَازَ قَطْعُ الْمُؤْذِي مِنْهَا * هَذَا هو المذهب وبه قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ مرزبان ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي الضَّمَانُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ حَيْثُ وَجَبَ ضَمَانُ الشَّجَرِ فَإِنْ كَانَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً ضَمِنَهَا بِبَقَرَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِبَدَنَةٍ وَمَا دُونَهَا بِشَاةٍ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَالْمَضْمُونَةُ بِشَاةٍ مَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ سُبْعِ الْكَبِيرَةِ فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ * قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالْقِيمَةُ عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّخْيِيرِ كَالصَّيْدِ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ الْبَقَرَةَ أو الشاة فَذَبَحَهَا وَفَرَّقَ لَحْمَهَا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ صِيَامَهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الدَّوْحَةُ هِيَ الشَّجَرَةُ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْأَغْصَانِ وَالْجَزْلَةُ الَّتِي لَا أَغْصَانَ لَهَا وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَزْلَةَ هِيَ الصَّغِيرَةُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مِنْ نَبَاتِ الْحَرَمِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَهُوَ نَوْعَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ والقطفرة والبقول وَالْخَضْرَاوَاتِ فَيَجُوزُ لِمَالِكِهِ قَطْعُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَلَا شئ عَلَيْهِ لِلْمَسَاكِينِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا لَمْ يُنْبِتْهُ الْآدَمِيُّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ (الْأَوَّلُ) الْإِذْخِرُ وَهُوَ مُبَاحٌ فَيَجُوزُ قَلْعُهُ وَقَطْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) الشَّوْكُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَوْسَجِ وَشَجَرِ الشَّوْكِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) مَا كَانَ دَوَاءً كَالسَّنَا وَنَحْوِهِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِالْإِذْخِرِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الاذخر للحاجة هذا فِي مَعْنَاهُ * وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ * وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنْ

خَصَّ هَؤُلَاءِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِلدَّوَاءِ وَلَمْ يَخُصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ عَمَّمَهُ وَجَعَلَهُ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَالْإِذْخِرِ (الرَّابِعُ) الْكَلَأُ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ إنْ كَانَ رَطْبًا فَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِهَا طَعَامًا وَالصِّيَامِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ وَالصَّيْدِ * هَذَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ الْمَقْلُوعَ فَإِنْ أَخْلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لان الغالب هنا الا خلاف فَهُوَ كَسِنِّ الصَّبِيِّ فَإِنَّهَا إذَا قُلِعَتْ فَنَبَتَتْ فَلَا ضَمَانَ قَوْلًا وَاحِدًا * هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ في الطرقتتين الْحُكْمَ وَالدَّلِيلَ * وَشَذَّ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فقال في تعليه إذَا قَطَعَ الْحَشِيشَ ثُمَّ نَبَتَ ضَمِنَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْغُصْنِ إذا عاد قال والفرق ان الحشيش بخلف فِي الْعَادَةِ فَلَوْ أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْ قَاطِعِهِ بِعَوْدِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِغْرَاءِ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ الْغُصْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعُودُ وَقَدْ لَا يَعُودُ * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَزَمَ هُوَ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ * هَذَا إذَا عَادَ كَمَا كَانَ فَإِنْ عَادَ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْيَابِسِ (أَمَّا) الْيَابِسُ فقال البغوي ان كان قطعه فلا شئ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَإِنْ قَلَعَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ الْحَشِيشُ وَمَاتَ جَازَ قَلْعُهُ وَأَخْذُهُ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْبَغَوِيِّ فَيَكُونُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ إنَّ الْقَلْعَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الْيَابِسُ لَمْ يَمُتْ بَلْ هُوَ مِمَّا يَنْبُتُ لَوْلَا الْقَلْعُ وَلَمْ يفسد أصله وقول الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا مَاتَ وَلَا يُرْجَى نَبَاتُهُ لَوْ بَقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ

أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ تَسْرِيحِ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ لِتَرْعَى وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ فَوَجَدْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ وَأَرْسَلْتَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ * ولو أَخَذَ الْكَلَأَ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) التَّحْرِيمُ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لا يُخْتَلَى خَلَاهَا) (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ وَلَا ضَمَانَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ تَرْعَى وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الِاحْتِشَاشِ إنَّمَا كَانَ لِتَوْفِيرِ الْكَلَأِ لِلْبَهَائِمِ وَالصَّيُودِ * وَقَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقَائِلُ بقول إنَّمَا يَحْرُمُ الِاخْتِلَاءُ وَالِاحْتِشَاشُ لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ سِوَى الْعَلَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أهل اللغة العشب والخلا مقصور اسْمٌ لِلرَّطْبِ وَالْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ * وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ إطْلَاقَهُمْ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ قَالُوا وَالصَّوَابُ اخْتِصَاصُ الْحَشِيشِ بِالْيَابِسِ قَالُوا وَالْكَلَأُ مَهْمُوزٌ يَقَعُ عَلَى الرَّطْبِ واليابس * هذا كلام أهل اللغة وأما المصنف والاصحاب

فأطلقوا الحشيش علي الرطب وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْمَجَازِ فَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا باسم ما يؤل إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى أَفْهَامِ أَهْلِ الْعُرْفِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز إخراج تراب الحرم وأحجاره لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما انهما كانا يكرهان أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم * وروى عبد الاعلى ابن عبد الله بن عامر قال (قدمت مع أمي أو مع جدتى مكة فأتينا صفية بنت شيبة فأرسلت إلى الصفا فقطعت حجرا من جنابه فخرجنا به فنزلنا أول منزل فذكر من علتهم جميعا فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ قال وكنت أنا أمثلهم فقالت لى انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لها ان الله عز وجل وضع في حرمه شيئا لا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ

عبد الاعلى فما هو إلا أن نحينا ذلك فكأنما أنشطنا من عقال) ويجوز إخراج ماء زمزم لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (استهدى رواية من ماء زمزم فبعث إليه براوية من ماء ولان الماء يستخلف بخلاف التراب والاحجار) * (الشرح) أمما حَدِيثُ مَاءِ زَمْزَمَ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (اسْتَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه قال (أرسلني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أن يفتح مكة إلى سهل بْنِ عَمْرٍو أَنْ أَهْدِ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَلَا تَتْرُكْ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِمَزَادَتَيْنِ) وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعله) رواه الترمذي قال حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةٍ (حَمَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الادوى والقرب وكان يصب على المرضى ويسقهم) (وَأَمَّا) تُرَابُ الْحَرَمِ وَأَحْجَارُهُ فَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ إلَى الحل شئ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظٍ يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ فَلَفْظُهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ (قَدِمْتُ مَعَ أُمِّي أَوْ قَالَ جَدَّتِي فَأَتَتْهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَأَكْرَمَتْهَا وَفَعَلَتْ بِهَا قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أَدْرِي مَا أُكَافِئُهَا بِهِ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرُّكْنِ فَخَرَجْنَا بِهَا فَنَزَلْنَا أَوَّلَ مَنْزِلٍ فَذَكَرنَا مِنْ مَرَضِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ

جَمِيعًا قَالَ فَقَالَتْ أُمِّي أَوْ جَدَّتِي مَا أَرَانَا أُتِينَا إلَّا أَنَّا أَخْرَجْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَالَتْ لِي وَكُنْتُ أُمَثِّلُهُمْ انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ إلَى صَفِيَّةَ فَرُدَّهَا وَقُلْ لَهَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَضَعَ فِي حَرَمِهِ شَيْئًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى فَقَالُوا لِي فَمَا هُوَ إلَّا أن تجبنا بِدُخُولِك الْحَرَمَ فَكَأَنَّمَا أُنْشِطْنَا مِنْ عَقْلٍ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ فِي فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَنَّهَا أَعْطَتْهُمْ قِطْعَةً مِنْ الْحَجَرِ الاسود كانت عندها اصبتها حِينَ اُقْتُلِعَ الْحَجَرُ فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ حَاصَرَهُ الْحَجَّاجُ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ قطعد مِنْ الرُّكْنِ أَيْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمُرَادُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا تَابِعِيٌّ قُرَيْشِيٌّ (وَأَمَّا) صَفِيَّةُ هَذِهِ فَهِيَ صَحَابِيَّةٌ قُرَيْشِيَّةٌ عبدرية

وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ الصَّحَابِيِّ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ طَلْحَةَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ قَالَتْ صَفِيَّةُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ وَاسْتِحْبَابِ أَخْذِهِ لِلتَّبَرُّكِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ (الثَّانِيَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُدْخَلَ تراب

الْحِلِّ وَأَحْجَارُهُ الْحَرَمَ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهَا حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَأَمَّا قول صاحب البيان قال الشيخ أبو إسحق لا يجوز إدخال شئ مِنْ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ فَغَلَطٌ منه ولم يذكر الشيخ ابو إسحق هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحِلِّ هَذِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُمَا وَتَابَعَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِمَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُخْرِجُهُمَا وَقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إخْرَاجُهُمَا فَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ * مِمَّنْ قَالَ يُكْرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ

الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا أُجِيزُ فِي أَنْ يُخْرَجَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ شَيْئًا إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً قَالَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ أَكْرَهُ إخْرَاجَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَخَّصَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِشِرَاءِ الْبِرَامِ مِنْ مَكَّةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْبِرَامَ لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ بَلْ تُحْمَلُ مِنْ مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْحَرَمِ * هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَهَكَذَا نَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ هَذَا فَحَصَلَ خِلَافٌ لِلْأَصْحَابِ فِي أَنَّ إخْرَاجَهُمَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا أَخْرَجَهُ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ آخِرُ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَالِيِّ الْقَدِيمَةِ وَعَلَّلَهَا بِأَنَّ الْحَرَمَ بُقْعَةٌ تُخَالِفُ سَائِرَ الْبِقَاعِ وَلَهَا شَرَفٌ عَلَى غَيْرِهَا بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِ النُّسُكَيْنِ بِهَا وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهَا فَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِتُرَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي حُكْمِ سُتْرَةِ الْكَعْبَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ قَطْعُ أستار الكعبة ولا قطع شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَلَا يَجُوزُ

نَقْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ خِلَافُ مَا يَفْعَلُهُ العامة يشترونه مِنْ بَنِي شَيْبَةَ وَرُبَّمَا وَضَعُوهُ فِي أَوْرَاقِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَمَنْ حَمَلَ مِنْهُ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدَانَ وَسَكَتَ عليه ولم يذكر غيره فكأنه ارتضاه وواقفه عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ منها شئ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ وَابْنِ عَبْدَانَ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ مَكَّةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْزِعُ كِسْوَةَ الْبَيْتِ كُلَّ سَنَةٍ فَيُقَسِّمُهَا عَلَى الْحَاجِّ وَهَذَا الَّذِي اختاره

الشيخ أبو عمرو حسن متعين ليلا يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِهَا بِطُولِ الزَّمَانِ * وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا تُبَاعُ كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سلمة ولا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

بيان حدود حرم مكة الذى يحرم فيه الصيد والنبات ويمنع أخذ ترابه وأحجاره وبيان ما يتعلق به من الأحكام وما يخالف فيه غيره من الأرض

(فرع) لا يجوز أخذ شئ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَمَسَحَهَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مُهِمٌّ فِي بَيَانِ حُدُودِ حَرَمِ مَكَّةَ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَالنَّبَاتُ وَيُمْنَعُ أَخْذُ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا يُخَالِفُ فِيهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي حُدُودِ الْحَرَمِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِزْيَةِ مُخْتَصَرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحَرَمَ هُوَ مَكَّةُ وَمَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَوَانِبِهَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا حُكْمَهَا فِي الْحُرْمَةِ تَشْرِيفًا لَهَا وَمَعْرِفَةُ حُدُودِ الْحَرَمِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُعْتَنَى

بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي إيضَاحِهِ وَتَتَبُّعِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي إتْقَانِهِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَحَدُّ الْحَرَمِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ دُونَ النتعيم عند بيوت نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طريق اليمن طرف اضاة لبن في ثنية لِبْنٍ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمَقْطَعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ فِي شِعْبِ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ مُنْقَطِعُ الْأَعْشَاشِ عَلَى عَشَرَةِ

أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ * هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ هَذَا أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْآخِذِينَ عَنْهُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ * وَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُدُودَ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ * وَكَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ بَعْضِهِمْ أَوْضَحُ مِنْ بَعْضٍ لَكِنَّ الْأَزْرَقِيَّ قَالَ فِي حَدِّهِ مِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ أَحَدَ عَشَرَةَ مِيلًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ سَبْعَةٌ فَقَطْ بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْبَاءِ وَفِي هَذِهِ الْحُدُودِ أَلْفَاظٌ غَرِيبَةٌ يَنْبَغِي ضبطها فقولهم ببوت نِفَارٍ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ وَقَوْلُهُمْ أَضَاةُ لِبْنٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْقَنَاةِ وَهِيَ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ (وَأَمَّا) لِبْنٍ فَبِلَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ كَذَا ضَبَطَهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ الْمُتَأَخِّرُ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ (وَقَوْلُهُمْ) الْأَعْشَاشُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ عُشٍّ (وَقَوْلُهُمْ) فِي جَدَّةَ مِنْ جِهَةِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ هُوَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ (وأما) الحدود الثلاثة الباقية فانها سبعة سبعة بِتَقْدِيمِ السِّينِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَرَمَ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ * ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهَا وَنَصَبَ الْعَلَامَاتِ فِيهَا وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْدِيدِهَا ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِيَ إلَى الْآنَ بَيِّنَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ مَكَّةَ أَنْصَابُ الْحَرَمِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ مَا كَانَ مِنْ وُجُوهِهَا فِي هذ الشِّقِّ فَهُوَ حَرَمٌ وَمَا كَانَ فِي ظَهْرِهَا فَهُوَ حِلٌّ قَالَ وَبَعْضُ الْأَعْشَاشِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ

خلافا للعملاء فِي أَنَّ مَكَّةَ مَعَ حُرْمَتِهَا هَلْ صَارَتْ حَرَمًا آمِنًا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْ كَانَتْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ تَزَلْ حَرَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَتْ مَكَّةُ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَسَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا صَارَتْ حَرَمًا بِدَعْوَتِهِ كَمَا صَارَتْ الْمَدِينَةُ حَرَمًا بِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُرَاقَ فِيهَا دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ صَحِيحِهِ * وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) * وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حرمت المدينة ما بين لا بيتها لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم المدينة وما بين لا بيتها) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) * وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وإنى احرم ما بين لا بتيها يريد المدينة)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بمثل ما دعي بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَمْ يَزَلْ مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ البخاري ومسلم * وعن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا مَهْجُورًا لَا يُعْلَمُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مَكَّةَ سَيُحَرِّمُهَا إبْرَاهِيمُ أَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ حِينِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَاتِهَا وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحَرَمِ كَمَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ صُلْحًا لَا عَنْوَةً لَكِنْ دَخَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِ أَهْلِهَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَالْغَنَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجِهِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ

اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يُخَالِفُ الْحَرَمُ فِيهَا غَيْرَهُ مِنْ الْبِلَادِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ نذكر منها اطراف (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ (الْأَصَحُّ) مُسْتَحَبٌّ (الثَّانِي) يَحْرُمُ صَيْدُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ حَتَّى أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْمُحِلِّينَ (الثَّالِثُ) يَحْرُمُ شَجَرُهُ وَخَلَاهُ (الرَّابِعُ) مَنْعُ إخْرَاجِ تُرَابِهِ وَأَحْجَارِهِ وَهَلْ هُوَ مَنْعُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْخَامِسُ) أَنَّهُ يُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مَارًّا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ

الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ لِمُتَمَلِّكٍ وَلَا تَحِلُّ إلَّا لِمُنْشِدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (السَّابِعُ) تَغْلِيظُ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ فِيهِ (الثَّامِنُ) تَحْرِيمُ دَفْنِ المشرك فيه ونبشه مِنْهُ (التَّاسِعُ) تَخْصِيصُ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجَزَاءَاتِ فِي الْحَجِّ وَالْهَدَايَا (الْعَاشِرُ) لَا دَمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرَمِ سَوَاءٌ فِي مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَفِيمَا عَدَا مَكَّةَ وَجْهٌ شَاذٌّ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ قَصْدَهُ لَزِمَهُ الذَّهَابُ إليه بحج وعمرة بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الذَّهَابُ إلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ إلَّا مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (الثَّالِثَ عَشَرَ) إذَا نَذَرَ النَّحْرَ وَحْدَهُ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ النَّحْرُ بِهَا وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الصَّحْرَاءِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) تَضْعِيفُ الْأَجْرِ فِي الصَّلَوَاتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا سَائِرُ الطَّاعَاتِ (السَّادِسَ عَشَرَ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يُصَلُّوا الْعِيدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وأما) غَيْرُهُمْ فَهَلْ الْأَفْضَلُ صَلَاتُهُمْ فِي مَسْجِدِهِمْ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ (السَّابِعَ عَشَرَ) لَا يَجُوزُ إحْرَامُ الْمُقِيمِ فِي الْحَرَمِ بِالْحَجِّ خَارِجَهُ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) مَكَّةُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ

مَكَّةَ وَالْكُوفَةَ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيَّانِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن عدى بن االحمراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمَكَّةَ يَقُولُ (لِمَكَّةَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضٍ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ بَسْطًا وَإِيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حيث ذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ فِيمَنْ

نَذَرَ الْهَدْيَ إلَى أَفْضَلِ الْبِلَادِ * وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهُ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنْ تحج الكعبة في كل سنة فلا يعطل وَلَيْسَ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْغَرَضِ قَدْرٌ مُتَعَيَّنٌ بَلْ الْغَرَضُ وُجُودُ حَجِّهَا كُلَّ سَنَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ فُرُوضَ الْكِفَايَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْعَاشِرَةُ) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ

فِي الْأَرْضِ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ عَامًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي خَصَائِصِ الْحَرَمِ لَا يُحَارَبُ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنْ الْبَغْيِ إلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَجُوزُ إضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا فِي الْحَرَمِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ * وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ فِي كتابه شرح التخليص

فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ (فَإِنْ قيل) فقد ثبت عن أبي سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ وَأَنَّهَا لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ بِهَا إلَّا سَاعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَصَّنَّ كُفَّارٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قتالهم على كل وجه وبكل شئ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) سَدَانَةُ الْكَعْبَةِ وَحِجَابَتُهَا هِيَ وِلَايَتُهَا وَخِدْمَتُهَا وَفَتْحُهَا وَإِغْلَاقُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لبتى طلحة الحجيين مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرْتُهُ أَنَا هُنَاكَ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِدَلِيلِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَهِيَ وِلَايَةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبْقَى دَائِمَةً أَبَدًا لهم ولذرياتهم لا نحل لاحد منارعتهم فِيهَا مَا دَامُوا مَوْجُودِينَ صَالِحِينَ لِذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كل مأئرة كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي إلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسَدَانَةَ الْبَيْتِ) *

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْكَعْبَةَ الْكَرِيمَةَ بُنِيَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ (إحْدَاهَا) بَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ آدَمَ وَحَجَّهَا آدَم فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ الله وسلامه عليهم (الثانية) بناها إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى (وإذ بو أنا لابراهيم مكان البيت) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البيت) الْآيَةَ (الثَّالِثَةُ) بَنَتْهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ (الرَّابِعَةُ) بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (الْخَامِسَةُ) بَنَاهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ واستقر بناها الَّذِي بَنَاهُ الْحَجَّاجُ إلَى الْآنَ وَقِيلَ إنَّهَا بُنِيَتْ مَرَّتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ بِالِاسْتِلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ تُتْرَكَ الْكَعْبَةُ عَلَى حَالِهَا فَلَا تُهْدَمُ لِأَنَّ هَدْمَهَا يُذْهِبُ حُرْمَتَهَا وَيَصِيرُ كَالتَّلَاعُبِ بِهَا فَلَا يُرِيدُونَ بِتَغْيِيرِهَا إلَّا هَدْمَهَا فَلِذَلِكَ اسْتَحْبَبْنَا تَرْكَهَا عَلَى مَا هِيَ عليه * قال المصنف رحمه الله * (ويحرم صيد المدينة وقطع شجرها لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم ابراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا

يختلى خلاها ولا تحل لقطتها الا لمنشد) فان قتل فيها صيدا ففيه قولان قال في القديم يسلب القاتل لما روى أن سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (من وجدتموه يقتل صيدا في حرم المدينة فاسلبوه) وقال في الجديد لا يسلب لانه موضع يجوز دخوله من غير احرام فلا يضمن صيده كوج فان قلنا يسلب دفع سلبه الي مساكين المدينة كما يدفع جزاء صيد مكة الي مساكين مكة وقال شيخنا أبو الطيب رحمه الله يكون سلبه لمن أخذه لان سعد بن أبى وقاص أخذ سلب القاتل وقال طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم * ويحرم صيد وج وهو واد بالطائف لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل صيد وج فان قتل فيه صيدا قتل لم يضمنه بالجزاء لان الجزاء وجب بالشرع والشرع لم يرد الا في الاحرام والحرم ووج لا يبلغ الحرم من الحرمة فلم يلحق به في الجزاء) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ عَنْ غير أبي هريرة يحصل بِهَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّلَالَةِ هُنَا (مِنْهَا) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أن

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) الْحَدِيثَ رواه البحارى وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مابين لابتيى الْمَدِينَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رواه مسلم وعن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَدِينَةِ (لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ

أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عامر بن سعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا وَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا وَيَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ غُلَامَهُمْ أَوْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا فَعَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أبن عبد الله قال رأيت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ الَّذِي حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَقَالَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ وَقَالَ مَنْ أخذ أخذ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رسول الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إلَيْكُمْ عنه (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ إلا سليمان بن أبى داود عَبْدِ اللَّهِ هَذَا فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ بِمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيَقْتَضِي مَجْمُوعُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيَجِدُ الْحَاطِبَ مَعَهُ شَجَرٌ رَطْبٌ قَدْ عَضَدَهُ مِنْ بَعْضِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُ سَلَبَهُ فَيُكَلَّمُ فِيهِ فَيَقُولُ لَا أَدَعُ غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَمِنْ أَكْنَزِ الناس مالا والله أعلم (وأما) حديث صيدوج فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (إلا أن صيدوج وَعِضَاهَهُ يَعْنِي شَجَرَهُ حَرَامٌ مُحَرَّمٌ) وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يَصِحُّ وَوَجٌّ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مُشَدَّدَةٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُ وَادٍ بِالطَّائِفِ فَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ (وَأَمَّا) أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَقُولُونَ هو بلد الطَّائِفِ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ وَجٌّ اسْمٌ لِحُصُونِ الطَّائِفِ وَقِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ وَجٌّ هَذَا بِوَحٍّ بالحاء مهملة قَالَ الْحَازِمِيُّ هِيَ نَاحِيَةٌ بِنُعْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأُخِذَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَحْرُمُ قَتْلُ صَيْدٍ إلَّا صَيْدَ الْحَرَمِ وَأَكْرَهُ قَتْلَ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا ارْتَكَبَ هَذَا الْحَرَامَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يَضْمَنُ (وَالْقَدِيمُ) يَضْمَنُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابُوا لِلْجَدِيدِ عَنْ حَدِيثِ سَعْدٍ فِي سَلَبِ الصَّائِدِ بِجَوَابَيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ (وَالثَّانِي) جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تعليقه

وَجَمَاعَةٍ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هَذَا حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نُسِخَ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ بَلْ بَاطِلَانِ وَالْمُخْتَارُ تَرْجِيحُ الْقَدِيمِ وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ فِيهِ وَهُوَ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ صَحِيحَةٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَضْمَنُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَضْمَنُ كَضَمَانِ حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ انه سلب الصائد وقاطع الشجر أو الكلاء وَعَلَى هَذَا فِي الْمُرَادِ بِالسَّلَبِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنَّفُ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ سَلَبَهُ ثِيَابَهُ فَقَطْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَدْ أَشَارَ الْمُتَوَلِّي إلَى هَذَا وَفِي مَصْرِفِ سَلَبِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) انه للسالب كالقتيل ودليله فَإِنَّ سَعْدًا أَخَذَ السَّلَبَ لِنَفْسِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشَارَ هُوَ وَالْمُصَنَّفُ إلَى تَرْجِيحِهِ وَلَمْ يُوَافِقَا عَلَى

هَذَا التَّرْجِيحِ وَلَيْسَ هُوَ تَرْجِيحًا رَاجِحًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ عِبَارَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا على القديم ان السلب المساكين وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ انْفَرَدَ بِاخْتِيَارِ كَوْنِهِ لِلسَّالِبِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ مَشْهُورٌ جِدًّا لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهُ لِلسَّالِبِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الشَّيْخُ أَبُو حامد في تعليقه والدارمي وأبو علي البدنيجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ نَحْوُهُمْ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَقْدَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَحَكَاهُمَا مِنْ مُعَاصِرِي الْمُصَنِّفِ وَنَحْوِهِمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنَّ الْجُرْجَانِيَّ حَكَاهُمَا فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ قَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فهو مثله في كل شئ فكل شئ اختلفوا فيه هناك كالنفقة وَالْمِنْطَقَةِ فَفِيهِ هُنَا ذَاكَ الْخِلَافُ * هَكَذَا صَرَّحَ به الشيخ أبو حامد وأبو علي البندينجى وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ السَّلَبَ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ وَأَنَّهُ لِلسَّالِبِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد

يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِنْ ثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُعْطِيهِ إزَارًا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ أَخَذَ مِنْهُ الْإِزَارَ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ يَأْخُذُهُ السَّالِبُ وَيَسْتُرُ الْمَسْلُوبُ نَفْسَهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَلِّي لَهُ سَاتِرًا وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتْرُكُ لَهُ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَتْرُكُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ عَلَى الصَّائِدِ وَالْمُحْتَطِبِ ثِيَابٌ مَغْصُوبَةٌ لَمْ يُسْلَبْ بِلَا خِلَافٍ * صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْحَرْبِيِّ الْمَقْتُولِ مَالٌ أَخَذَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ السَّالِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْلَبُ إذَا اصْطَادَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِتْلَافُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَدْرِي أَيُسْلَبُ إذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ أَمْ لَا يُسْلَبُ حَتَّى يُتْلِفَهُ قَالَ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ قَالَ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ ثَبْتٌ مِنْ تَوْقِيفٍ وَلَا قِيَاسٍ قَالَهُ الْإِمَامُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَذْكُورِ بَيْنَ صَيْدٍ وَصَيْدٍ وَلَا شجرة وشجرة وكان السلب في معنى العاقبة لِلْمُتَعَاطِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَكْرَهُ صَيْدَ وَجٍّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ * قَالُوا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ تحريم (الطريق

(الثَّانِي) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي شَجَرِهِ وَخَلَاهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الشَّجَرَ كَالصَّيْدِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَاصْطَادَ فِيهِ أَوْ احْتَطَبَ أَوْ احْتَشَّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا ضَمَانَ إلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الشَّرْعُ وَلَمْ يَرِدْ فِي هذا شئ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) لَا ضَمَانَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ وَشَجَرِهَا وَخَلَاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) النَّقِيعُ بِالنُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِالْبَاءِ وَهُوَ الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ هُوَ بِحَرَمٍ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) خَلَاهُ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقِهِمْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) شَجَرُهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ بتحريمه وقال أبو على والامام والغزالي في تحريمه وجهان لتردد الصيد والخلافان أَخَذَ مِنْهُ شَجَرًا أَوْ كَلَأً فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وغيرهم (احدهما)

لَا كَصَيْدِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الضَّمَانِ كَحَرَمِ مَكَّةَ * صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُسْلَبُ الْقَاتِلُ * قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ تُصْرَفُ الْقِيمَةُ فِي مَصْرَفِ نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ * هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مصرفه بيت المال والله اعلم * واستدلو لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَفِيقًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قوى لكنه لَمْ يُضَعِّفْهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (قَالَ لِرَجُلٍ إنِّي أَسْتَعْمِلُك عَلَى الْحِمَى فَمَنْ رَأَيْتَ يَعْضِدُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُ فخذ فأسه وحبله قال الرجل آخُذُ رِدَاءَهُ قَالَ لَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ (مِنْهَا) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلى تور) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إلَى كَذَا * قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عِيرٌ وَيُقَالُ لَهُ عائر جبل معروف بالمدينة قالوا وأما تور فَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ له تور وإنما تور جَبَلٌ بِمَكَّةَ قَالُوا فَنَرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ وَلَكِنَّهُ غَيَّرَهُ غَلَطُ الرُّوَاةِ فِيهِ وَاسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَةُ * وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ فِي الْأَمَاكِنِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ مَا بَيْنُ عِيرٍ إلَى أُحُدٍ قال وقيل إلى تور قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى * هَذَا كَلَامُهُمْ فِي هذا الْحَدِيثِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْجَبَلَ كَانَ يُسْمَى تورا ثُمَّ هُجِرَ ذَلِكَ الِاسْمُ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما بين لابيتها حرام)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بين لابيتى الْمَدِينَةِ) وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا * وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فيها دم ولا يحمل سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرٌ إلَّا لِعَلَفٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ إبْرَاهِيمَ حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ (اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَاتِ الرِّجَالِ وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ سَبَقَتْ * وَعَنْ عَدِّي بْنِ زَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا لَا تُخْبَطُ شَجَرَةٌ وَلَا تُعْضَدُ إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا عَرْضًا وَاَللَّهُ أعلم *

مسائل تتعلق بصيد الحرم ونباته

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِصَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تعالى (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم) فقيده بالمجرمين * دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَلِفَ بِسَبَبِهِ الطَّائِرُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ وَقِيَاسًا عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَدَاوُد وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالْقِيَاسِ فَيُسْتَدَلُّ عَلَى إثْبَاتِ

الْقِيَاسِ (الثَّانِيَةُ) حُكْمُ جَزَاءِ الْحَرَمِ كَجَزَاءِ الْإِحْرَامِ فَيُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَدْخَلَ لِلصِّيَامِ فِيهِ قَالَ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ فَأَشْبَهَ مَالَ الْآدَمِيِّ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى صَيْدِ الْإِحْرَامِ * وَلَوْ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ مَالِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَدْخُلْهُ الْمِثْلُ وَالْإِطْعَامُ وَلْيَعْتَبِرْ نَقْدَ الْبَلَدِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَيْدِ الْإِحْرَامِ وَيُنْتَقَضُ مَا قَالُوهُ أَيْضًا بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ (الثَّالِثَةُ) إذَا صَادَ الْحَلَالُ فِي الْحِلِّ وَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالذَّبْحِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهَا وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ

وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ بَلْ يَجِبُ إرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مذبوحا جاز أكله وقاسوا عَلَى الْمُحَرَّمِ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ وَكَانَ لَهُ نُغَرٌ يُلَقَّبُ بِهِ فَمَاتَ النُّغَرُ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النُّغَرَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ وَكَانَ مَعَ أَبِي عُمَيْرٍ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي عَنَى الشَّرْعُ مِنْهُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ أَدْخَلَ شَجَرَةً مِنْ

الْحِلِّ أَوْ حَشِيشًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) شَجَرُ الْحَرَمِ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَضْمُونٌ سِوَى مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ كَمَا سَبَقَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَنْبَتَهُ آدَمِيٌّ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ وَنَبَتَ بِنَفْسِهِ حَرُمَ

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد هُوَ حَرَامٌ لَكِنْ لَا ضَمَانَ فِيهِ * اُحْتُجَّ لَهُمْ بِالْقِيَاسِ على الزرع * احتج أصحابنا بعموم النهى وفرقوا بان الزرع تدعوا إليه الحاجة (لخامسة) يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَخَلَاهُ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْن عَبَّاسٍ السَّابِقُ حَيْثُ أَرْسَلَ الْأَتَانَ يَرْتَعُ

فِي مِنًى وَمِنًى مِنْ الْحَرَمِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَتْلَفَ شَجَرَةً فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ وَالصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حنيفة يضمنها بالقيمة * دليلنا أَثَرُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ (السَّابِعَةُ)

إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ * وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَلْزَمُهُ (الثَّامِنَةُ) صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَيْسَ بِحَرَامٍ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَإِذَا أَتْلَفَ صَيْدَ الْمَدِينَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي مَذْهَبِنَا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُسْلَبُ الْقَاتِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لَا سَلَبَ وَلَا غَيْرَهُ (التَّاسِعَةُ) صَيْدُ وَجٍّ حَرَامٌ عِنْدَنَا * قَالَ العبدرى وقال العلماء كافة لا يحرم * قال المصنف رحمه الله *

(إذا وجب علي المحرم دم لاجل الاحرام كدم التمتع والقران ودم الطيب وجزاء الصيد عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) فان ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظرت فان تغير وانتن لم يجزئه لان المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير وإن لم يتغير ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه لان الذبح أحد مقصودي الهدى فاختص بالحرم كالتفرقة (والثانى) يجزئه لان المقصود هو اللحم وقد أوصل ذلك إليهم وان وجب عليه طعام لزمه صرفه إلى مساكين الحرم قياسا على الهدى وان وجب عليه صوم جاز أن يصوم في كل مكان لانه لا منفعة لاهل الحرم في الصيام وان وجب عليه هدى واحصر عن الحرم جاز له أن يذبح ويفرق حيث احصر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وبين الحديبية وبين الحرم ثلاثة أميال) ولانه إذا جاز أن يتحلل في غير موضع التحلل لاجل الاحصار جاز أن ينحر الهدى في غير موضع النحر) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ تُقَالُ - بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفُ أَجْوَدُ وَالْمُنْتِنُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - وَالْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ اليا لغتان أَفْصَحُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ لَهَا زَمَانٌ وَمَكَانٌ (أَمَّا) الزَّمَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بَلْ تَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِيَوْمِ النحر والتشريق الضحايا * ثُمَّ مَا سِوَى دَمِ الْفَوَاتِ يُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَأَمَّا) دَمُ الْفَوَاتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهَلْ يَجُوزُ إرَاقَتُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا فِي بَابِ الْفَوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ سَنَةُ الْفَوَاتِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ فَفِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَقْتُهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ كَمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْفَائِتِ لَمْ يَجُزْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ * هَذَا إذَا كَفَّرَ بِالذَّبْحِ فَإِذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) وَقْتُ الْوُجُوبِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ لَمْ يُقَدِّمْ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ بِالْفَوَاتِ فَفِي جَوَازِ صَوْمِ ثَلَاثَةٍ فِي حَجَّةِ الْفَوَاتِ وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إحْرَامٌ نَاقِصٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْمَكَانُ فَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْإِحْصَارِ أَوْ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ الدِّمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَيَجِبُ تَفْرِيقُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْغُرَبَاءُ الطَّارِئُونَ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ أَفْضَلُ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا

عَلَيْهِ وَفِي اخْتِصَاصِ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ آخَرُونَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَخْتَصُّ فَلَوْ ذَبَحَهُ فِي طَرَفِ الْحِلِّ وَنَقَلَهُ فِي الْحَالِ طَرِيًّا إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِئْهُ (والثاني) لَا يَخْتَصُّ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُلَهُ وَيُفَرِّقَهُ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ تَغْيِيرِ اللَّحْمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَالْحَلْقِ لِلْأَذَى أَوْ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي القديم قول ان ما أنشي سَبَبُهُ فِي الْحِلِّ يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ فِي الْحِلِّ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ * وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ (1) وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٌ أَنَّ مَا وَجَبَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ وصوله الحرم وذبح وفرق حيث جَازَ وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ قَرِيبِهَا وَبِعِيدِهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ الذَّبْحُ بِمِنًى وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهُمَا مَحِلُّ تَحَلُّلِهِمَا * وَكَذَا حُكْمُ ما يسوقانه من الهدى * (فرع) قال القاصي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لَوْ لَمْ يَجِدْ فِي الْحَرَمِ مِسْكِينًا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الدَّمِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ كَمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى مَسَاكِينِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَسَاكِينَ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِطْعَامَ بَدَلًا عَنْ الذَّبْحِ وَجَبَ صَرْفُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ سَوَاءٌ الْمُسْتَوْطِنُونَ وَالطَّارِئُونَ كَمَا قُلْنَا فِي لَحْمِ الْمَذْبُوحِ (أَمَّا) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الصَّوْمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لما ذكره المصنف *

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فرع) قال الماوردي والروياني أقل ما يجزى أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ مِنْ اللَّحْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ فَإِنْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الثُّلُثُ (وَأَصَحُّهُمَا) أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْقَوْلَيْنِ فِي الزَّكَاةِ (وَأَمَّا) إذَا فَرَّقَ الطَّعَامَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَقَدَّرُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ فَإِنْ زَادَ لَمْ يُحْسَبْ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يُتِمَّهُ مُدًّا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مُدٍّ وَالنَّقْصُ عَنْهُ * (فَرْعٌ) لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فِي الْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الذَّبْحِ وَلَهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ بَدَلَ الذَّبْحِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَلْزَمُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَنَاسِكِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ حَيْثُ أَطْلَقْنَاهَا أَرَدْنَا بِهَا شَاةً فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَهَا كَالْبَدَنَةِ فِي الْجِمَاعِ نَصَصْنَا عَلَيْهَا وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا جَمِيعًا إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ وَالْمَكْسُورِ مِثْلُهُ كَمَا سَبَقَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ شَاةٌ جَازَ لَهُ ذَبْحُ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ مَكَانَهَا لِأَنَّهَا أَكْمَلُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَلَا يُجْزِئُ حَيَوَانٌ عَنْ الْمِثْلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً مَكَانَ الشَّاةِ فَهَلْ الْجَمِيعُ فَرْضٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ أكل شئ مِنْهَا أَمْ الْفَرْضُ سُبْعُهَا فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ أَكْلُ الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) سُبْعُهَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ

نَظَائِرُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَوَاضِعَ أُخْرَى * وَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً وَنَوَى التَّصَدُّقَ بِسُبْعِهَا عَنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَأَكَلَ الْبَاقِي جَازَ وَلَهُ نَحْرُ الْبَدَنَةِ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ * وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ذَبْحِ بَدَنَةٍ أَوْ بقرة وأراد بَعْضُهُمْ الْهَدْيَ وَبَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فِي شَاتَيْنِ لِأَنَّ الانفراد ممكن *

(فَرْعٌ) فِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّمَاءِ وَإِبْدَالِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ مَقَاصِدُهُ مُفَرَّقَةً فَأَحْبَبْتُ جَمْعَهَا مُلَخَّصًا كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ لَخَّصَهَا الرَّافِعِيُّ مُتْقَنَةً فَأَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِهِ قَالَ فِي ذَلِكَ نَظَرَانِ (أَحَدُهُمَا) النَّظَرُ فِي أَنَّ أَيَّ دَمٍ يَجِبُ مُرَتَّبًا وَأَيَّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غيره

مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (النَّظَرُ الثَّانِي) فِي أَنَّهُ أَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ فَمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إلَيْهِ تَرْتِيبًا أَوْ تَخْيِيرًا أَيْ مُقَدَّرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَمَعْنَى التَّعْدِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ وَكُلُّ دَمٍ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) التَّقْدِيرُ وَالتَّرْتِيبُ (وَالثَّانِي) التَّرْتِيبُ

وَالتَّعْدِيلُ (وَالثَّالِثُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّقْدِيرُ (وَالرَّابِعُ) التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ وتفصيلها بِثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) دَمُ التَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَمُ الْقِرَانِ فِي مَعْنَاهُ وَفِي دَمِ الْفَوَاتِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا شَاةٌ

وَالْجِمَاعَ بَدَنَةٌ لِاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) جَزَاءُ الصَّيْدِ وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ وَيَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الصَّيْدِ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ وَجَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ دَمَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثُ) دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَإِذَا حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ دَمٍ وَثَلَاثَةِ آصُعٍ لستة

مَسَاكِينَ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ (الرَّابِعُ) الدَّمُ الْوَاجِبُ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَفِي هَذَا الدَّمِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) وبه قطع العراقون وَكَثِيرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِنْ

عَجَزَ عَنْ الدَّمِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّرْتِيبِ بِتَوْقِيفٍ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَهَا دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا

طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا * وَإِذَا تَرَكَ حَصَاةً فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ شَاةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَالطَّعَامُ ثُمَّ الصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة

(والثالث) أَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ صَوْمُ الحلق (والرابع) أَنَّهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ (الْخَامِسُ) دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) أنه دم تخيير وتقدير كالحلق لا شتراكهما في الترفه

(وَالثَّانِي) دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَالصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ (وَالرَّابِعُ) دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَالتَّمَتُّعِ (السَّادِسُ) دَمُ الْجِمَاعِ وَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَاخْتِلَافٌ مُنْتَشِرٌ الْمَذْهَبُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ

فيجب بدنة فإن عجز عنها فبقرة فَإِنْ عَجَزَ فَسَبْعُ شِيَاهٍ فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ البدنة بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ بِطَعَامٍ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَصَامَ فان عجز

أَطْعَمَ فَيُقَدِّمُ الصِّيَامَ عَلَى الْإِطْعَامِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ هُنَا بَلْ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغَنَمِ ثَبَتَ الْفِدَاءُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَجِدَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْإِحْصَارِ ولنا

قَوْلٌ وَقِيلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالْإِطْعَامُ ثُمَّ الصَّوْمُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشِّيَاهِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ (السَّابِعُ) دَمُ الْجِمَاعِ الثَّانِي أَوْ الْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي أن واجبها بَدَنَةٌ أَمْ شَاةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بَدَنَةٌ فَهِيَ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ

التَّحَلُّلَيْنِ كَمَا سَبَقَ * (وَإِنْ قُلْنَا) شَاةٌ فَكَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ (الثَّامِنُ) دَمُ الْإِحْصَارِ فَمَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا عُدُولَ عَنْهَا إنْ وَجَدَهَا فَإِنْ عَدِمَهَا فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ

كَسَائِرِ الدِّمَاءِ (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ بَدَلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَدَلِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ

(أَحَدُهَا) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَقِيلَ) يَتَخَيَّرُ عَلَى هَذَا بَيْنَ صَوْمِ

الْحَلْقِ وَإِطْعَامِهِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) بَدَلُهُ الْإِطْعَامُ فَقَطْ وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) ثَلَاثَةُ آصُعٍ كَالْحَلْقِ (وَالثَّانِي)

يُطْعِمُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) عَشَرَةُ

أيام (وَالثَّانِي) ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غير أنه

يعتبر به قدر الصيام (والمذهب) عَلَى الْجُمْلَةِ التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرافعي

والله أعلم *

الجزء الثامن

المجموع شرح المهذب للامام أبي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفي سنة 676 هـ الجزء الثامن دار الفكر

باب صفة الحج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * (باب صفة الحج) (إذا أراد دخول مكة وهو محرم بالحج اغتسل بذي طوى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء وادي طوى بات حتى صلى الصبح فاغتسل ثم دخل من ثنية كداء ويدخل من ثنية كداء من أعلى مكة ويخرج من السفلى لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كان

ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طَوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) طَوًى - فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَجَمَاعَاتٌ قَالُوا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاقْتَصَرَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ عَلَى ضَمِّهِ وَاقْتَصَرَ آخَرُونَ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ مُنَوَّنٌ مَصْرُوفٌ مَقْصُورٌ لَا يَجُوزُ مَدُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَوَقَعَ في لباب المستملى ذوالطواء مَمْدُودٌ وَهُوَ وَادٍ بِبَابِ مَكَّةَ (وَأَمَّا) الثَّنِيَّةُ فَهِيَ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (وَأَمَّا) كَدَاءٍ الْعُلْيَا - فَبِفَتْحِ الْكَافِ - وَبِالْمَدِّ مَصْرُوفٌ (وَأَمَّا) السُّفْلَى فَيُقَالُ لها ثنية كدا - بِالضَّمِّ - مَقْصُورٌ (وَأَمَّا) مَكَّةُ فَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَقَدْ قَالُوا كَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ المسمى ولهذا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم (1) وَقَدْ أَشَرْت إلَى هَذَا فِي أَوَّلِ تَهْذِيبِ الاسماء واللغات في أول ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم فمما حَضَرَنِي مِنْ أَسْمَاءِ مَكَّةَ سِتَّةَ عَشَرَ اسْمًا (أَحَدُهَا) مَكَّةُ - وَالثَّانِي بَكَّةُ - وَالثَّالِثُ - أُمُّ الْقُرَى - وَالرَّابِعُ - الْبَلَدُ الْأَمِينُ - وَالْخَامِسُ - رُحْمٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّ النَّاسَ يَتَرَاحَمُونَ فِيهَا وَيَتَوَادَعُونَ - السَّادِسُ - صَلَاحِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - مَبْنِيٌّ عَلَى الكسر كقطام وَنَظَائِرِهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَمْنِهَا - السَّابِعُ - الْبَاسَّةُ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - لِأَنَّهَا تَبُسُّ مَنْ أَلْحَدَ فِيهَا أَيْ تُحَطِّمُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (وَبُسَّتِ الجبال) الثَّامِنُ - النَّاسَّةُ - بِالنُّونِ - التَّاسِعُ - النَّسَّاسَةُ (قِيلَ) لِأَنَّهَا تَنُسُّ الْمُلْحِدَ أَيْ تَطْرُدُهُ وَقِيلَ لِقِلَّةِ مَائِهَا والنس اليبس - العاشر - الحاطمة لحطهما الْمُلْحِدِينَ فِيهَا - الْحَادِيَ عَشَرَ - الرَّأْسُ كَرَأْسِ الْإِنْسَانِ - الثَّانِي عَشَرَ - كُوثَى - بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْح الْمُثَلَّثَةِ - بِاسْمِ مَوْضِعٍ بِهَا - الثَّالِثَ عَشَرَ - الْعَرْشُ - الرَّابِعَ عَشَرَ - الْقَادِسُ - الْخَامِسَ عَشَرَ - الْمُقَدَّسَةُ مِنْ التَّقْدِيسِ - السَّادِسَ عَشَرَ - الْبَلْدَةُ (وَأَمَّا) مَكَّةُ وَبَكَّةُ فَقِيلَ هُمَا اسْمَانِ لِلْبَلْدَةِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْحَرَمُ كُلُّهُ وبكة المسجد خاصة وهو مَحْكِيٌّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقِيلَ مَكَّةُ اسْمٌ لِلْبَلَدِ وَبَكَّةُ اسْمُ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ مَكَّةُ الْبَلَدُ وبكة

البيت وموضوع الطَّوَافِ سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِازْدِحَامِ النَّاسِ فِيهَا يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ يَدْفَعُهُ فِي زَحْمَةِ الطَّوَافِ وقيل لانهاتبك - أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ أَيْ تَدُقُّهَا وَالْبَكُّ الدَّقُّ * وَسُمِّيَتْ مَكَّةَ لِقِلَّةِ مَائِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ امْتَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تَذْهَبُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَدِينَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهَا أَسْمَاءٌ - الْمَدِينَةُ - وَطَيْبَةُ وَطَابَةُ وَالدَّارُ قَالَ اللَّهُ تعالى (ما كان لاهل المدينة) ويقولون لئن رجعنا إلى المدينة) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ طَابَةَ وَطَيِّبَةَ مِنْ الطَّيِّبِ وَهُوَ الطَّاهِرُ لِخُلُوصِهَا مِنْ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا (وَقِيلَ) مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ وَقِيلَ مِنْ الطِّيبِ وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْحَسَنَةُ وَسُمِّيَتْ الدَّارُ لِأَمْنِهَا وَلِلِاسْتِقْرَارِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَغْسَالِ الْحَجِّ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ وَذَكَرْنَا فِيهِ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَيُسْتَحَبُّ هَذَا الْغُسْلُ بِذِي طَوًى إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهَا كَنَحْوِ مَسَافَتِهَا وَيَنْوِي بِهِ غُسْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ من موضع بعيد من مَكَّةَ كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ أَيْضًا لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِغُسْلِهِ السَّابِقِ * وَهَذَا الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ مُحْرِمٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قِرَانٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَأَوْهَمَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (وَالصَّوَابُ) حَذْفُ لَفْظَةِ الْحَجِّ كَمَا حَذَفَهَا فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَأَمَّا) مَا يَفْعَلُهُ حَجِيجُ الْعِرَاقِ مِنْ قُدُومِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَخَطَأٌ مِنْهُمْ وَجَهَالَةٌ وَفِيهِ ارْتِكَابُ بِدْعَةٍ وَتَفْوِيتُ سُنَنٍ (مِنْهَا) دُخُولُ مَكَّةَ

أَوَّلًا (وَمِنْهَا) تَفْوِيتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَتَفْوِيتُ تَعْجِيلِ السَّعْيِ وَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ وَكَثْرَةُ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحُضُورُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا وَالنُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَحُضُورُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَهِيَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَالْمَدِّ كَمَا سَبَقَ وَمِنْهَا يَتَجَرَّدُ إلَى مَقَابِرِ مَكَّةَ وَإِذَا خَرَجَ رَاجِعًا إلَى بَلَدِهِ خَرَجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كدا - بضم الكاف - وبالقصر وهي باسفل مكة بقرب جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَإِلَى صَوْبِ ذِي طَوًى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْخُرُوجَ إلَى عَرَفَاتٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ السُّفْلَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُحْرِمٍ دَاخِلٍ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَمْ تَكُنْ وَيَعْتَدِلُ إلَيْهَا مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِمَنْ كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ (وَأَمَّا) مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعُدُولُ إلَيْهَا قالوا وانما دخل النبي صلى إليه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي طَرِيقِهِ * هَذَا كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَيْسَتْ الْعُلْيَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَمِّدًا لَهَا قَالَ فَيُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ وَوَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فِي الْحُكْمِ وَوَافَقَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ مَوْضِعَ الثَّنِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ * وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ كَوْنِ الثَّنِيَّةِ لَيْسَتْ عَلَى نَهْجِ الطَّرِيقِ بَلْ عَدَلَ إلَيْهَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْضِي بِهِ الْحِسُّ وَالْعِيَانُ فَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا لِكُلِّ مُحْرِمٍ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَدْخُلُ الْمُحْرِمُ من ثنية كدا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ رَاكِبًا وماشيا وأيهما أفضل فيه وجهان وحكاهما الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) مَاشِيًا أَفْضَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا فَوَاتُ مُهِمٍّ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ فِي الدُّخُولِ مُتَعَرِّضٌ لَأَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أعلم * وإذا دخل ماشيا فالافضل كونه حافيالو لم يلحقه مشقة ولاخاف نَجَاسَةَ رِجْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا له دخول مكة ليلا ونهاراولا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِيهَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْفَضِيلَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) دُخُولُهَا نَهَارًا أَفْضَلُ حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعَبْدَرِيُّ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا نَهْيٌ فَكَانَا سَوَاءً * وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ النَّهَارَ بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ فِي آخِرِهَا (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَهَذَا تَرْجِيحٌ ظَاهِرٌ لِلنَّهَارِ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ للداخل وارفق به واقرب إلى مراعاته للوضائف الْمَشْرُوعَةِ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا وَأَسْلَمُ لَهُ مِنْ التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ الْوَارِدَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ (فَأَحَدُهُمَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مكة الابات بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طَوًى وَيَبِيتُ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ) (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَعَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِرًا فَدَخَلَ لَيْلًا فَقَضَى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ

وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَرِّشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَثَبَتَ فِي ضَبْطِ مُحَرِّشٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا مُحَرِّشٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَالثَّانِي) مِحْرَشٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - (وَالثَّالِثُ) مِخْرَشٌ - بكسر الميم واسكان الخاء المعجمة - وهو قول علي بن المدني وادعى انه الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فممن اسْتَحَبَّ دُخُولَهَا نَهَارًا ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ لَيْلًا عَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ * وَمِمَّنْ قَالَ هُمَا سَوَاءٌ طَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ فِي دُخُولِهِ مِنْ إيذَاءِ النَّاسِ فِي الزَّحْمَةِ وَيَتَلَطَّفَ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَلْحَظَ بِقَلْبِهِ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَالْكَعْبَةِ الَّتِي هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا وَيُمَهِّدَ عُذْرَ مَنْ زَاحَمَهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ بِخُشُوعِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِ جَوَارِحِهِ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند دخول (اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْت أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُبَلِّغًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي برحمتك وأن تدخلني جنتك) * قال المصنف رحمه الله * (وإذا رأى البيت دعا لما روى أبو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ترفع الايدي في الدعاء لاستقبال البيت) ويستحب أن يقول: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا لما روى ابن جريج أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا رأى البيت (رفع يديه وقال ذلك) ويضيف إليه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام لما روي أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال ذلك) *

(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ سعيد ابن مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُرْسَلٌ مُعْضَلٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرواه البيقهي وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاعْلَمْ أَنَّ بناء البيت زاده الله فضلا وشرفا رفيع يُرَى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي مَكَان يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الرَّدْمِ إذَا دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ وَهُنَاكَ يَقِفُ وَيَدْعُو * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَيَدْعُو مَعَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَهَمُّهَا سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ هَذَا الدُّعَاءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ لَا أَكْرَهُهُ وَلَا أَسْتَحِبُّهُ وَلَكِنْ إنْ رَفْعَ كَانَ حَسَنًا * هَذَا نَصُّهُ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ مَحْمُولٌ عَلَى وَفْقِ النص والذي نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ * وَقَدْ قَدَّمْت فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَصْلًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هذا الذكر الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي المختصر فغيره فقال وزد من شرفه وعظمته مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً * وَقَدْ كَرَّرَ الْمَهَابَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقِينَ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الثَّانِي وَبِرًّا لِأَنَّ الْمَهَابَةَ تَلِيقُ بِالْبَيْتِ وَالْبِرُّ

يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِ الْمُزَنِيِّ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ * وَوَقَعَ فِي الْوَجِيزِ ذِكْرُ الْمَهَابَةِ وَالْبِرِّ جَمِيعًا فِي الْأَوَّلِ وَذُكِرَ الْبِرُّ وَحْدَهُ ثَانِيًا وَهَذَا أَيْضًا مَرْدُودٌ وَالْإِنْكَارُ فِي ذِكْرِهِ الْبِرَّ فِي الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ التَّكْبِيرُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ أَصْلًا قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا رَآهَا كَبَّرَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا ليس بشئ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُهُ (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ * وَقَوْلُهُ (حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ اجْعَلْ تَحِيَّتَنَا فِي وُفُودِنَا عَلَيْك السَّلَامَةَ مِنْ الْآفَاتِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وابن المبارك وأحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَرْفَعُ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ (سئل جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَرَى الْبَيْتَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ قَدْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ أَيْضًا قَالَ (سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إذَا رَأَى الْبَيْتَ فَقَالَ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا نَفْعَلُهُ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ لِلرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ غَيْرِ جَابِرٍ فِي إثْبَاتِ الرَّفْعِ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ قَالَ وَالْقَوْلُ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُ مَنْ رَأَى وَأَثْبَتَ والله أعلم *

(فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْدِلَ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا عَلَى اخْتِيَارِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَيْثُ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ الْعُدُولُ إلَيْهَا كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِخِلَافِ الثَّنِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَدَلَ إلَى بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ) * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَعْظَمِ وَقَدْ جَلَسَتْ قُرَيْشٌ مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ) ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي دُخُولِهِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَابِ الْحَنَّاطِينَ قَالَ وَإِسْنَادُهُ عَنْهُ قَوِيٌّ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَفِي خُرُوجِهِ الْيُسْرَى وَيَقُولَ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ * وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَهَذِهِ عَادَةُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَيْتِ تُشَوِّقُ إلَى رَبِّ الْبَيْتِ وَقَدْ حَكَوْا أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ مَكَّةَ فَجَعَلَتْ تَقُولُ أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي فَقِيلَ الْآنَ تَرَيْنَهُ فَلَمَّا لَاحَ الْبَيْتُ قِيلَ لَهَا هَذَا بَيْتُ رَبِّكِ فَاشْتَدَّتْ نَحْوَهُ فَأَلْصَقَتْ جَبِينَهَا بِحَائِطِ الْبَيْتِ فَمَا رُفِعَتْ إلَّا مَيِّتَةً * وَأَنَّ الشِّبْلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَنْشَدَ

هذه دارهم وَأَنْتَ مُحِبٌّ * مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الْآمَاقِ * قال المصنف رحمه الله * (ويبتدئ بطواف القدوم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أول شئ بدأ به حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت) فان خاف فوت مكتوبة أو سنة مؤكدة أتى بها قبل الطواف لانها تفوت والطواف لا يفوت وهذا الطواف سنة لانه تحية فلم يجب كتحية المسجد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أصحابنا يستحب للمحرم أَوَّلِ دُخُولِهِ مَكَّةَ أَنْ لَا يُعَرِّجَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْزِلٍ وَحَطِّ قُمَاشٍ وَتَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَلَا شئ آخَرَ غَيْرَ الطَّوَافِ بَلْ يَقِفُ بَعْضُ الرُّفْقَةِ عِنْدَ مَتَاعِهِمْ وَرَوَاحِلِهِمْ حَتَّى يَطُوفُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلَى رَوَاحِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ وَاسْتِئْجَارِ الْمَنْزِلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّدْمِ قَصَدَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ كما ذكر فاول شئ يَفْعَلُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ * وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْ هَذَا الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ وَالشَّرِيفَةَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ قَالُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَأْخِيرُ الطَّوَافِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَى اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَسْلَمُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا يَشْتَغِلُ بِصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَيَقْصِدُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِابْتِدَاءُ بِالطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَاسِعًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ كُلَّ هَذَا عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ وَلَوْ دَخَلَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ فِيهَا طَوَافُ قُدُومٍ وَإِنَّمَا فِيهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ طَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ الرُّكْنِ (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْوِفَةٍ - طَوَافُ الْقُدُومِ - وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الْوَدَاعِ - وَيُشْرَعُ لَهُ وَلِلْعُمْرَةِ طَوَافٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْمُتَطَوَّعُ

بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّوَافِ (فَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْقُدُومِ - وَالْقَادِمِ وَالْوُرُودِ وَالْوَارِدِ - وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَهُ أَيْضًا خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ - وَطَوَافُ الْفَرْضِ - وَطَوَافُ الرُّكْنِ - وَطَوَافُ الصَّدَرِ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - (وَأَمَّا) طَوَافُ الْوَدَاعِ فَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا طواف الصدر * ومحل طواف القدم أَوَّلُ قُدُومِهِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَنِصْفَ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمَحَلُّ طَوَافِ الْوَدَاعِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ كُلِّهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا (إنْ قُلْنَا) هُوَ وَاجِبٌ فَالدَّمُ وَاجِبٌ وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَالدَّمُ سُنَّةٌ (وَأَمَّا) طَوَافُ الْقُدُومِ فَسُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فلو تركه فحجه صحيح ولا شئ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ونص عليه الشافعي وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي وُجُوبِهِ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ * مِمَّنْ قَالَهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ - وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوَّلَ قُدُومِهِ فَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مُفْرِدِ الْحَجِّ وَفِي حَقِّ الْقَارِنِ إذَا كَانَا قَدْ أَحْرَمَا مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ وَدَخَلَاهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ إذْ لَا قُدُومَ لَهُ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا وَيَتَضَمَّنُ الْقُدُومَ كَمَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَنْ الْفَرْضِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ * قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ طَافَ الْمُعْتَمِرُ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ

صفة الطواف الكاملة

الْوُقُوفِ فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ طَوَافُ قُدُومٍ بَلْ الطَّوَافُ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ دَخَلَ وَقْتُهُ وَهُوَ نِصْفُ لَيْلَةِ النَّحْرِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُعْتَمِرِ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لِكُلِّ قَادِمٍ إلَى مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ حَاجًّا أَوْ تَاجِرًا أَوْ زَائِرًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) فِي صِفَةِ الطَّوَافِ الْكَامِلَةِ * وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْصِدْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَهُوَ فِي الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْبَيْتِ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ وَيُسَمَّى الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَيُقَالُ لَهُ وَلِلرُّكْنِ الْيَمَانِي الرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ وَارْتِفَاعُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ إلَّا سَبْعَ أَصَابِعَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِوَجْهِهِ وَيَدْنُوَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا بِالْمُزَاحَمَةِ فَيَسْتَلِمَهُ ثُمَّ يُقَبِّلَهُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ يَظْهَرُ فِي الْقُبْلَةِ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَ التَّقْبِيلَ وَالسُّجُودَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي الطَّوَافِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ التَّلْبِيَةِ وَيَضْطَبِعَ مَعَ دُخُولِهِ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ اضْطَبَعَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ فَلَا بَأْسَ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عِنْدَ إبْطِهِ وَيَطْرَحَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا * وَصِفَةُ الطَّوَافِ أَنْ يُحَاذِيَ جَمِيعُهُ جَمِيعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنَّهُ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ ثُمَّ يَمْشِي هَكَذَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ طَائِفًا حَوْلَ الْبَيْتِ كُلِّهِ فَيَمُرُّ عَلَى الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْبَابُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْزَمُونَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ ثُمَّ يَمُرُّ إلَى الرُّكْنِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يَمُرُّ وَرَاءَ الْحِجْرِ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ فِي صَوْبِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ فَيَمْشِي حَوْلَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَيُقَالُ لِهَذَا الرُّكْنِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَرُبَّمَا قِيلَ الْمَغْرِبِيَّانِ ثُمَّ يَدُورُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمُسَمَّى بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَمُرُّ مِنْهُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَصِلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ فَيَكْمُلُ لَهُ حِينَئِذٍ طَوْفَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَطُوفُ كَذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَ طَوْفَاتٍ فَكُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَيْهِ طَوْفَةٌ وَالسَّبْعُ طَوَافٌ كَامِلٌ * هَذِهِ صِفَةُ

الطَّوَافِ الَّتِي إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا صَحَّ طَوَافُهُ وَبَقِيَتْ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُكَمِّلَةِ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الطَّوَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى شُرُوطٍ وَوَاجِبَاتٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَعَلَى سُنَنٍ يَصِحُّ بِدُونِهَا (فَأَمَّا) الشُّرُوطُ الْوَاجِبَاتُ فَثَمَانِيَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي بَعْضِهَا (أَحَدُهَا) الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَعَنْ النجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي مَشْيِهَا (الثَّانِي) كَوْنُ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (الثَّالِثُ) إكْمَالُ سَبْعِ طَوْفَاتٍ (الرَّابِعُ) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنْ يَمُرَّ عَلَى يَسَارِهِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ) نِيَّةُ الطَّوَافِ وَصَلَاتُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَفِي الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) أَنَّهَا سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) وَاجِبَةٌ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَثَمَانِيَةٌ أَيْضًا (أحدها) أن يكون ماشيا (الثاني) الِاضْطِبَاعُ (الثَّالِثُ) الرَّمَلُ (الرَّابِعُ) اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَيْهِ (الْخَامِسُ) الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الطَّوَافِ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسُ) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوْفَاتِ (السَّابِعُ) صَلَاةُ الطَّوَافِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا خَاضِعًا مُتَذَلِّلًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمَ الْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي حركته ونظره وهيئته فهذه خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي الطَّوَافِ وَبَيَانِ صِفَتِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ترتيب المصنف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ومن شرط الطواف الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة الا أن الله تعالى أباح فيه الكلام) ومن شرطه ستر العورة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بعث أبا بكر رضي الله عنه إلى مكة فنادى ألا لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان) وهل يفتقر إلى النية فيه وجهان (احدهما) يفتقر إلى النية لانها عبادة تفتقر إلى البيت فافتقرت إلى النية كركعتي المقام (والثاني) لا يفتقر لان نية الحج تأتي على ذلك كما تأتي على الوقوف * (الشَّرْحُ) (أَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَمَرْوِيٌّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ فِي صحيحي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ غَيَّرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَهُ وَإِنَّمَا لَفْظُ رِوَايَتِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ

الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبُلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُوِيَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَالصَّوَابُ) الْعَكْسُ فِيهِمَا (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى الْبَيْتِ احْتِرَازٌ مِنْ الْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ كَرَكْعَتَيْ الْمَقَامِ فَيُوهَمُ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَخْتَصَّانِ بِالْمَقَامِ وَتَفْتَقِرَانِ إلَى فِعْلِهِمَا عِنْدَ الْبَيْتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا تَصِحَّانِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ بَيْنَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِافْتِقَارِهِمَا إلَى الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا إلَّا إلَى الْبَيْتِ حَيْثُ كَانَ الْمُصَلَّى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ والنجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطوه فِي طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُبَاشِرًا لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهُ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ هَذَا كَلَامُهُ (قُلْت) وَاَلَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ لَاقَى النَّجَاسَةَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشَى عَلَيْهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ * وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْمُطَّلِعِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُفِيَ عَنْ دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَهُوَ رَوْثُهُ وَكَمَا عُفِيَ عن أثر الاستنجاء بِالْأَحْجَارِ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الَّذِي تَيَقَّنَّا نَجَاسَتَهُ وَكَمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَظَائِرُ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحَةً فِي مَوَاضِعِهَا وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَحْوِ هَذَا فَقَالَ بِالْعَفْوِ ثُمَّ قَالَ الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ كَأَنَّهُ يَسْتَمِدُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَلِأَنَّ مَحَلَّ الطَّوَافِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا لَمْ يَزَلْ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ الْمَطَافِ لِذَلِكَ وَلَا أَلْزَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٍ بَعْدَهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ بِتَطْهِيرِ الطَّوَافِ عَنْ ذَلِكَ

ولا ألزمووا اعادة الطواف بسبب ذلك والله أَعْلَمُ * وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الطَّوَافِ مُلَامَسَةُ النِّسَاءِ لِلزَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُزَاحِمَهُنَّ وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يُزَاحِمْنَ بَلْ يَطُفْنَ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَإِنْ حَصَلَ لَمْسٌ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي بَابِهِ فَمَتَى انْكَشَفَ جُزْءٌ مِنْ عَوْرَةِ أَحَدِهِمَا بِتَفْرِيطِهِ بَطَلَ مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَافِ (وَأَمَّا) مَا سَبَقَ مِنْهُ فَحُكْمُهُ فِي الْبِنَاءِ حُكْمُ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ أَحْكَامِ الطَّوَافِ حَيْثُ ذَكَرَهُ المصنف ان اشاء اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ انْكَشَفَ بِلَا تَفْرِيطٍ وَسَتَرَ فِي الْحَالِ لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي نِيَّةِ الطَّوَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي غَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِلَا خِلَافٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الطَّوَافَ فَإِنْ طَافَ بِلَا نِيَّةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ مِنْ طَلَبِ غَرِيمٍ وَنَحْوِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يتشرط قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَرُبَّمَا كَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فَإِنْ صَرَفَهُ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَا يُعَدُّ طَائِفًا (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ صَرَفَهُ صَحَّ طَوَافُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَنَوَى غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (احدها) لا يصح طوافه إلا بِنِيَّةٍ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يَضُرُّ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ (وَأَصَحُّهَا) يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ * وَلَوْ نام في الطواف أو بعضه على هيأة لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا يقرب من صرف النية إلى طلب لغريم قَالَ وَنَحْوُهُ أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الطَّوَافَ إلَى غَيْرِ النُّسُكِ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ غَيْرَ ذَاكِرٍ * هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ طَوَافِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ طَافَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ عَنْ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي مَسَائِلِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَفْعَالُ

الْحَجِّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ هَلْ يَفْتَقِرُ كُلُّ فِعْلٍ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ تَشْمَلُهَا كُلَّهَا كَمَا أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي رُكُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق المروزي لا يفتقر شئ مِنْهَا إلَى النِّيَّةِ إلَّا الطَّوَافَ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِفِعْلٍ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ افْتَقَرَ وَمَا لَا يَخْتَصُّ وَإِنَّمَا هُوَ لُبْثٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ لَا يَفْتَقِرُ * هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي (وَالصَّحِيحُ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ إلَّا الْوَجْهَ الضَّعِيفَ فِي إيجَابِ نِيَّةِ الطَّوَافِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا عِنْدَهُ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ كما سبق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ إلَّا بِطَهَارَةٍ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا بَاطِلًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْأَبِيوَرْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلطَّوَافِ لَا لِلطَّهَارَةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلطَّوَافِ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا صَحَّ طَوَافُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَمَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قَالَ إنْ طَافَ مُحْدِثًا لَزِمَهُ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ قَالُوا وَيُعِيدُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) إنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَهُ بِدَمٍ * وَقَالَ دَاوُد الطَّهَارَةُ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَجْزَأَهُ إلَّا الْحَائِضَ وَقَالَ الْمَنْصُورِيُّ مِنْ أَصْحَابِ دَاوُد الطَّهَارَةُ شَرْطٌ كَمَذْهَبِنَا * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ بِعُمُومِ قوله تعالى (وليطوفوا بالبيت) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الطَّوَافَ بِلَا طَهَارَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اول شئ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ

أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي آخِرِ حَجَّتِهِ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) قَالَ أَصْحَابُنَا فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانٌ لِلطَّوَافِ الْمُجْمَلِ فِي الْقُرْآنِ (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ مَا فَعَلَهُ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ * وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حِينَ حَاضَتْ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهَا عَنْ الطَّوَافِ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي الْعِبَادَاتِ (فان قيل) أنما نهاها لان الحائظ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ (قُلْنَا) هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حَتَّى تَغْتَسِلِي) وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُك * وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقُ (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَحْصُلُ مِنْهُ الدَّلَالَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتَهَرَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ حُجَّةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَيَجِبُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى طَوَافٍ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْمَكْرُوهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِي غَيْرِ الطَّوَافِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَمْ تَكُنْ شَرْطًا بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُمْ سلموا وجوبا فِيهِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النِّيَّةِ فِي طَوَافِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة * وقال احمد واسحق وأبوثو وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ *

(فَرْعٌ) سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ وَتَقُولُ الْيَوْمَ يبدوا كله أو بعضه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ) فَنَزَلَتْ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي حُكْمِ طَوَافِ الْقُدُومِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ * وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُضَايِقًا لِلْوُقُوفِ فَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ * قال المصنف رحمه الله * (والسنة ان يضطبع فيجعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن ويطرح طرفيه على منكبه الايسر ويكشف الايمن لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم فاضطبعوا فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عواتقهم) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ فَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عواقتهم الْيُسْرَى) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (اضْطَبَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَمَلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَوْا أَرْبَعًا) وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ * وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ (فِيمَ الرملان الدان وَالْكَشْفُ عَنْ الْمَنَاكِبِ وَقَدْ وَطَّدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَتْرُكُ شَيْئًا كُنَّا نَصْنَعُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاضْطِبَاعُ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّبُعِ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ - وَهُوَ الْعَضُدُ وَقِيلَ النِّصْفُ الْأَعْلَى مِنْ الْعَضُدِ وَقِيلَ مُنْتَصَفُ الْعَضُدِ وقيل هوا لابط قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ لِلِاضْطِبَاعِ أَيْضًا التَّوَشُّحُ وَالتَّأَبُّطُ (وَقَوْلُهُ) وَسَطَ رِدَائِهِ هُوَ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ * وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي غَيْرِ

طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي طَوَافٍ وَاحِدٍ فِي الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ وَلَا يُسَنُّ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافٍ يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَلَا يُسَنُّ فِيمَا لَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ طواف الَّذِي يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَهُوَ إمَّا الْقُدُومُ وإما الافاضة ولا يتصور ان فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَعَى بَعْدَهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ يَفْتَرِقُ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ وَأَمَّا الرَّمَلُ إنَّمَا يُسَنُّ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعِ الْأَوَاخِرِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ أَيْضًا فِي السَّعْيِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ مِمَّنْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * وَهَلْ يُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُسَنُّ لِأَنَّ صُورَةَ الِاضْطِبَاعِ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُسَنُّ فِي الصَّلَاةِ طَافَ مُضْطَبِعًا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ أَزَالَ الِاضْطِبَاعَ وَصَلَّى ثُمَّ اضْطَبَعَ فَسَعَى وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَضْطَبِعُ فِي الصَّلَاةِ اضْطَبَعَ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَدَامَهُ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ فِي السَّعْيِ وَلَا يُزِيلُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ السَّعْيِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ الِاضْطِبَاعِ فِي ركعتي الطواف ومشهور ان فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَاتَّفَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَيُدِيمُ الِاضْطِبَاعَ حَتَّى يُكْمِلَ سَعْيَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَعْيُهُ - بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ - بَعْدَ الْعَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبْعَةٌ - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - قَبْلَ الْعَيْنِ إلَى الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ * ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَضْطَبِعُ فِي جَمِيعِ مَسَافَةِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمِنْ أَوَّلِ السَّعْيِ إلَى آخِرِهِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ دُونَ مَوْضِعِ مَشْيِهِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الِاضْطِبَاعُ مَسْنُونٌ لِلرَّجُلِ وَلَا يُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يُشْرَعُ] [أَيْضًا لِلْخُنْثَى وَفِي الصَّبِيِّ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسَنُّ لَهُ فَيَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَفْعَلُهُ بِهِ وَلِيُّهُ كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُشْرَعُ لَهُ قَالَهُ أَبُو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَضْطَبِعُ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَلَدِ * (فَرْعٌ) قَالَ المارودي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ فِي بعض الطواف أتى به فيما بي وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الطَّوَافِ أَتَى بِهِ فِي السَّعْيِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الِاضْطِبَاعِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْرَعُ الِاضْطِبَاعُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مُنْتَقِضٌ بِالرَّمَلِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * * قَالَ المصنف رحمه الله تعالى * (ويطوف سبعا لما روى جابر قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قدم مكة فطاف بالبيت سبعا ثم صلى) فان ترك بعض السبعة لم يجزه لان النبي صلى الله عليه وسلم (طاف سبعا وقال خذوا عني مناسككم)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَرَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا من مقام ابراهيم مصلى) وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ جَابِرٌ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي أَبْوَابِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَشَرْطُ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ سَبْعَ طَوْفَاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَوْ بَقِيَتْ خُطْوَةٌ مِنْ السَّبْعِ لَمْ يُحْسَبْ طَوَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا فِي مَكَّةَ أَوْ انْصَرَفَ عَنْهَا وَصَارَ في وطنه ولا ينجبر شئ مِنْهُ بِالدَّمِ وَلَا بِغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الاكثر لزمه الاخذ بالاقل

المتقين كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ * وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَوْ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ إنَّمَا طَافَ أَوْ سَعَى سِتًّا وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَكْمَلَ السَّبْعَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ أَمَّا إذا شك بعد فراغه فلا شئ عليه ويحتمل أن يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وهل يشترط موالاة الطوافات السبع فيه خلافا سَنَذْكُرُهُ مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أواخر أحكام الطواف حيث ذكره الْمُصَنِّفُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذكرنا أنه لو بقي شئ مِنْ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ سَوَاءٌ قَلَّتْ الْبَقِيَّةُ أَمْ كَثُرَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَمْ فِي وَطَنِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مَذْهَبُ عطاء ومالك وأحمد وإسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَ الْإِتْمَامُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ انْصَرَفَ مِنْهَا وَقَدْ طَافَ ثَلَاثَ طَوْفَاتٍ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ أَرْبَعًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ بَلْ أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ * دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الطَّوَافَ الْمَأْمُورَ بِهِ سَبْعًا فَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الشَّاكِّ فِي الطَّوَافِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ شك في عد طَوَافِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ (قَالَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ الطائفان في عدد الطواف قال عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَأْخُذُ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ الَّذِي لَا يَشُكُّ وَقَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أن يكون فيه سبعة * قَالَ الشَّافِعِيُّ فَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِلْمُ نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ قَوْلَ غَيْرِهِ * قَالَ ابن المنذر وبه اقول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجزئه حتى يطوف حول جميع البيت فان طاف على جدار الحجر لم يجزه لان الحجر من البيت والدليل عليه ما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الحجر من البيت) وان طاف علي شاذروان البيت لم يجزه لان ذلك كله من البيت) * (الشَّرْحُ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجدار أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ (قُلْت) فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا ولولا أن قومك

حديث عَهْدِهِمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بالارض) رواه البخاري ومسلم والجدر - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - هُوَ الْحِجْرُ * وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (آهًا يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أن قومك حديث عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْت بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأُدْخِلُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْت بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (لولا أن قومك حديثوا عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْت كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَجَعَلْت بَابَهَا بِالْأَرْضِ وَلَأَدْخَلْت فِيهَا مِنْ الْحِجْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (يَا عَائِشَةُ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حديثوا عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ وَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا وَرَدَدْت فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حِينَ بَنَتْ الْكَعْبَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (خَمْسُ أَذْرُعٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ قَوْمَك اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْت مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِك مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فهلمي لا ريك ما تركوا منه فاراها قريبا من سبع أَذْرُعٍ) هَذِهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فِي الْحِجْرِ وَهُوَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ مُحَوَّطٌ مُدَوَّرٌ على نصف دائراة وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْبَيْتِ فِي صَوْبِ الشَّامِ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَتْ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَتْهُ عَنْ بِنَاءِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَحَوَّطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ قَصِيرٌ وَقَدْ وَصَفَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ فَأَحْسَنَ وَأَجَادَ فَقَالَ هُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْغَرْبِيِّ وَأَرْضُهُ مَفْرُوشَةٌ بِرُخَامٍ وَهُوَ مُسْتَوٍ بِالشَّاذَرْوَانِ قَالَ وَعَرْضُ الْحِجْرِ مِنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ الَّذِي تَحْتَ الْمِيزَابِ إلى جدار الحجر سبع عشرة ذِرَاعًا وَثَمَانِ أَصَابِعَ وَلِلْحِجْرِ بَابَانِ مُلْتَصِقَانِ بِرُكْنَيْ الْكَعْبَةِ الشَّامِيَّيْنِ * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ عشرون ذراعا وعرضه اثنان وعشرون ذراعا وذراع جِدَارِهِ مِنْ دَاخِلِهِ فِي السَّمَاءِ ذِرَاعٌ وَأَرْبَعَ عشرة أصبعا وذرع جدار الْغَرْبِيِّ فِي السَّمَاءِ ذِرَاعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَذَرْعُ جدار الحجر من خارج مما يلي الركن الشامي ذراع وستة عشر أصبعا وطوله من وسطه في السماء ذراعا وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ الْجِدَارِ ذِرَاعَانِ إلَّا أُصْبُعَيْنِ وَذَرْعُ تَدْوِيرِ الْحِجْرِ مِنْ دَاخِلِهِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ

ذِرَاعًا وَذَرْعُ تَدْوِيرِهِ مِنْ خَارِجِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وست اصابع وذرع طوفته وَاحِدَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَالْحِجْرِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاثْنَتَا عَشْرَةَ أُصْبُعًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْأَزْرَقِيِّ * (وَأَمَّا) الشَّاذَرْوَانُ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَرَكُوهُ مِنْ عَرْضِ الْأَسَاسِ خَارِجًا عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ سِتَّ عَشْرَةَ أُصْبُعًا وَعُشْرُ ذِرَاعٍ (قَالَ) وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الشَّاذَرْوَانُ جُزْءٌ مِنْ الْبَيْتِ نَقَضَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ هَذَا بَيَانُ حَقِيقَتَيْ الْحِجْرِ وَالشَّاذَرْوَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطَّائِفِ خَارِجًا عَنْ الشَّاذَرْوَانِ فَإِنْ طَافَ مَاشِيًا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي خُطْوَةٍ لَمْ تَصِحَّ طَوْفَتُهُ تِلْكَ لِأَنَّهُ طَافَ فِي الْبَيْتِ لَا بِالْبَيْتِ * ولو طاف خارجه الشَّاذَرْوَانُ وَكَانَ يَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَحْيَانًا عَلَى الشَّاذَرْوَانِ وَيَثِبُ بِالْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ بِالِاتِّفَاقِ * ولو طاف خارج الذروان وَكَانَ يَمَسُّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ فَفِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ فِرَقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَافَ وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُضْوٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَائِفًا بِالْبَيْتِ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَوْضِعِهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا لِأَنَّهُ لَوْ زَلَّتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِهِمَا إلَى جِهَةِ الْبَابِ قَلِيلًا وَلَوْ قَدْرَ شِبْرٍ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّقْبِيلِ اعْتَدَلَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي زَلَّتَا إلَيْهِ وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ فِي طَوَافِهِ لَكَانَ قَدْ قَطَعَ جُزْءًا مِنْ مَطَافِهِ وَيَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ فَتَبْطُلُ طَوْفَتُهُ تِلْكَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى فَعَلَ فِي مُرُورِهِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ طَوْفَتِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الطَّوْفَةِ لَا مَا مَضَى فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَطُوفَ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ وَتُحْسَبُ طَوْفَتُهُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي

لَهُ أَنْ يَطُوفَ خَارِجَ الْحِجْرِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ طَافَ فَسَلَكَ الْحَجَرَ أَوْ عَلَى جدار أَوْ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ أَحَدَ بَابَيْ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْآخَرِ لم يحسب له ذلك ولاما بَعْدَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ منه في طوفته الاخرى * واختلف أحصابنا فِي حُكْمِ الْحِجْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيُشْتَرَطُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ كُلَّهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ وَفِي هَذَا الْبَعْضِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سِتُّ أَذْرُعٍ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) سَبْعُ أَذْرُعٍ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) سِتُّ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعٌ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَحَكَاهُ غَيْرُهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنْ الْبَيْتِ * قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ لَكِنْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتِّ أَذْرُعٍ يَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ (وَقِيلَ) سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ قَالَ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا قَالَ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ بَابِ الْحِجْرِ بَلْ اقْتَحَمَ جِدَارَهُ وَخَلَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ وَقَطَعَ مَسَافَةَ الْحِجْرِ عَلَى السَّمْتِ صَحَّ طَوَافُهُ * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ جَزَمَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ والبغوي والمتولي وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَلَيْسَ هُوَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ هَكَذَا بَلْ الَّذِي فِي تعليقه انه لو طاف في شئ مِنْ الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ غَيْرَهُ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الطَّوَافُ خَارِجَ الْحِجْرِ أَمْ يَجُوزُ دَاخِلَهُ فَوْقَ الْأَذْرُعِ الْمَذْكُورَةِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ اشْتِرَاطُ الطَّوَافِ خَارِجَ جَمِيعِ الْحِجْرِ وَخَارِجَ جِدَارِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّصِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ وَهَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ أَمْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مِنْ الْبَيْتِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي بَابِ الْحَجِّ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ الطَّوَافُ بِجَمِيعِهِ وَفِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مِنِّي مَا أقول لكم وأسمعوني ي ما تقولون ولا تذهبوا فتقوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ) (أَمَّا) حَدِيثُ

عَائِشَةَ فَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ الرِّوَايَاتُ قَدْ اضْطَرَبَتْ فِيهِ فَرُوِيَ الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَرُوِيَ سِتُّ أَذْرُعٍ وَرُوِيَ سِتٌّ أَوْ نَحْوُهَا وَرُوِيَ خَمْسُ أَذْرُعٍ وَرُوِيَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ قَالَ وَإِذَا اضْطَرَبَتْ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِأَكْثَرِهَا لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِمَّنْ قَطَعَ بِمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ والقاضي أبو الطيب والمحاملي وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ سَلَكَ فِي الْحِجْرِ أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد كَذَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ (الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ) قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَلَكَ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ فَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَصِحُّ مَا أَتَى بِهِ فِي الْحِجْرِ فَيُعِيدُ ذَلِكَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُعِيدُ طَوَافَهُ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ لَزِمَهُ دَمٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْمَتْرُوكِ فَقَطْ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ دَمٌ * قال ابن المنذر بقول عطاء أقول * قال المصنف رحمه الله * (والافضل أن يطوف راجلا لانه إذا طاف راكبا زاحم الناس وأذاهم وان كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا لما روت أم سلمة أنها قدمت مريضة فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طوفي وراء الناس وأنت راكبة) وان كان راكبا من غير عذر جاز لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه) * (الشّرْحُ) حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَثَبَتَ طَوَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَبَتَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَلَفْظُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (طاف فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ) * رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَفِي حَدِيثٍ (طَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الوادع عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ فَيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُّوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (طَافَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهَةَ أَنْ يُضْرِبَ عَنْهُ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فقال أصحابنا

الْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا وَلَا يَرْكَبَ إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى وَيُقْتَدَى بِفِعْلِهِ فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْأَوْلَى كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ التي لا يؤمن تلويثها المسجد شئ فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِكَرَاهَةِ الطَّوَافِ رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطيب والعبدردي وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ * قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي الرُّكُوبِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدابة (قال) وركوب الابل أيسر حالا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِي طَوَافِ الرَّاكِبِ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَاشِي أَوْلَى مِنْ طَوَافِ الرَّاكِبِ فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ طَوَافُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْحَالَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ طَافَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ أجزأه ولا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ طَافَ رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَاحْتَجَّا بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالصَّلَاةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالُوا (إنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لِشَكْوَى عَرَضَتْ لَهُ) كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ بَلْ كَانَ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْأَلُوهُ وَلَا يُزَاحِمُوا عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضعيف قال البيهقي وهذه الرواية تفرد به يزيد هذا (وأما) قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ رَاكِبًا إذَا كَانَتْ فَرِيضَةً وَقَدْ سَلَّمُوا صِحَّةَ الطَّوَافِ وَلَكِنْ ادَّعَوْا وُجُوبَ الدَّمِ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ طَافَ زَحْفًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ فَطَوَافُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يُكْرَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَثْنَاءِ دَلَائِلِ مَسْأَلَةِ طَوَافِ الرَّاكِبِ فَقَالَ طَوَافُهُ زَحْفًا كطوافه ماشيا منتصبا لا فرق بينهما * قال المصنف رحمه الله *

(وإن حمل محرم محرما وطاف به ونويا لم يجز عنهما جميعا لانه طواف واحد فلا يسقط به طوافان ولمن يكن الطواف فيه قولان (أحدهما) للمحمول لان الحامل كالراحلة (والثاني) انه للحامل لان المحمول لم يوجد منه فعل وإنما الفعل للحامل فكان الطواف له) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الطَّوَافَ لِلْحَامِلِ وَنَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لِلْمَحْمُولِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لِلْحَامِلِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْعَبْدَرِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّوَافُ عَنْهُمَا هَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي (1) وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ رَأَيْت لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّوَافُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْت فِي مُخْتَصَرٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الْمُزَنِيِّ سَمَّاهُ كِتَابَ الْمُسَافِرِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ وُجِدَ الطَّوَافُ مِنْهُمَا مَعَ نِيَّتِهِمَا فَوَقَعَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ وَقَفَا بِعَرَفَاتٍ كَذَلِكَ * (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْوُقُوفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلٌ إنَّمَا يُشْتَرَطُ السُّكُونُ فِيهَا فَأَجْزَأَهُمَا بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وُقُوعُ الطَّوَافِ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ (وَالثَّانِي) عَنْ الْمَحْمُولِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) عَنْهُمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ الطَّوَافَ فَأَمَّا إذَا نَوَى الْمَحْمُولُ دُونَ الْحَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ مُحْرِمًا فَيَقَعُ عَنْ الْمَحْمُولِ بِلَا خِلَافٍ وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ طَرِيقَةً أُخْرَى اخْتَصَرَهَا الرافعي وجمع

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

مُتَفَرِّقَهَا فَقَالَ لَوْ حَمَلَ رَجُلٌ مُحْرِمًا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَطَافَ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَامِلُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ حُسِبَ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ نُظِرَ إنْ قَصْدَ الطَّوَافَ عَنْ الْمَحْمُولِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ فَقَطْ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِنَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصْرَفَ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَالثَّانِي) يَقَعُ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِنَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّوَافَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَحْسُوبًا لَهُ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ مُحْرِمَيْنِ وَطَافَ بِهِمَا وَهُوَ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّوَاف غَيْرُ مَحْسُوبٍ لِلْحَامِلِ فَيَكُونُ الْمَحْمُولَانِ كَرَاكِبَيْ دَابَّةٍ (وَالثَّالِثُ) يَقَعُ عَنْهُمَا جَمِيعًا * وَإِنْ قَصَدَ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ عَنْهُ وَلَا يُحْسَبُ عَنْ الْمَحْمُولِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الطَّوَافَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَحْمُولِ * وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهَيْنِ فِي حُصُولِهِ لِلْحَمْلِ مَعَ الْحَامِلِ * وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ الْأَقْسَامِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ أَوْ كِلَيْهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْمُولُ حَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَوْ غيره * * قال المصنف رحمه الله * (ويبتدئ الطواف من الحجر الاسود والمستحب أن يستقبل الحجر الاسود لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (استقبله ووضع شفتيه عليه) فان لم يستقبله جاز لانه جزء من البيت فلا يجب استقباله كسائر اجزاء البيت ويحاذيه ببدنه لا يجزئه غيره وهل تجزئه المحاذاة ببعض البدن فيه قولان (قال) في القديم تجزئه محاذاته ببعضه لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الْحَجَرِ جَازَتْ محاذاته ببعض البدن (وقال) في الجديد يجب أن يحاذيه بجميع البدن لان ما وجب فيه محاذاة البيت وجبت محاذاته بجميع البدن كالاستقبال في الصلاة * ويستحب أن يستلم الحجر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ اول ما يطوف) ويستحب أن يستفتح الاستلام بالتكبير لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يطوف على راحلته كلما أتى على الركن أشار بشئ في يده وكبر وقبله) ويستحب أن يقبله لما روى ابن عمر (ان عمر رضي الله عنه قبل الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلك ما قبلتك) فان لم يمكنه أن يستلم أو يقبل من الزحام أشار إليه بيده لما روى أبو مالك سعد بن طارق عن أبيه قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

الله عليه وسلم يطوف حول البيت فإذا ازدحم الناس على الطواف استلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجن في يده) ولا يشير إلى القبلة بالفم لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يفعل ذلك * ويستحب أن يقول عند الاستلام وابتداء الطواف بسم اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى الله عليه وسلم لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استلم الركن الذي فيه الحجر وكبر ثم قال اللهم وفاء بعهدك وتصديقا بكتابك) وعن علي كرم الله وجهه أنه كان يقول إذا استلم الركن (اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) وعن ابن عمر رضي الله عنهما مثله * ثم يطوف فيجعل البيت على يساره ويطوف على يمينه لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخذ في الطواف أخذ عن يمينه) فان طاف عن يساره لم يجزه لانه صلى الله عليه وسلم (طاف على يمينه وقال خذوا عني مناسككم) ولانه عبادة تتعلق بالبيت فاستحق فيها الترتيب كالصلاة) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطَوَافً مِنْ السَّبْعِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ استلام النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فِي طَوَافِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بشئ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ عمربن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ لولا أني رأيت رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا قَبَّلْتُك) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَبَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَجَرَ ثُمَّ قَالَ أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الصَّحَابِيِّ قَالَ (رَأَيْت الْأَصْلَعَ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُقَبِّلُك وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ وَأَنَّك لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا قَبَّلْتُك) وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَابِسٍ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - ابْنِ رَبِيعَةَ التَّابِعِيِّ قَالَ (رَأَيْت عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ إنِّي لَأُقَبِّلُك وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ وَلَوْلَا إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك لَمْ أُقَبِّلْك) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غفلة

- بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - قَالَ (رَأَيْت عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِك حَفِيًّا) وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّك حَجَرٌ وَإِنَّك لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ هَذَا الْكَلَامَ وَيَشِيعَ بَيْنَهُمْ وَقَدْ كَانَ عَهْدُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ قَرِيبًا بِعِبَادَةِ الْأَحْجَارِ وَتَعْظِيمِهَا وَاعْتِقَادِ ضُرِّهَا وَنَفْعِهَا فَخَافَ أَنْ يَغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ فَغَرِيبٌ فَيُغْنِي فِي الدَّلَالَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي سَبَقَ الْآنَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ الطَّوَافِ سَبْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَكَانَ كَذَّابًا (وَأَمَّا) اسْتِحْبَابُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْخُلُ مَكَّةَ ضُحًى فَيَأْتِي الْبَيْتَ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أكبر) والله أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ الِاسْتِلَامُ - بِكَسْرِ التَّاءِ - قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ السَّلَامِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ كَمَا يُقَالُ اقْتَرَأْتُ السَّلَامَ قَالَ وَلِذَلِكَ يُسَمِّي أَهْلُ الْيُمْنِ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُحْيُونَهُ * قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ السِّلَامِ - بِكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَاحِدَتُهَا سَلِمَةٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ - تَقُولُ اسْتَلَمْت الْحَجَرَ إذَا لَمَسْته كَمَا تَقُولُ اكْتَحَلْت مِنْ الْكُحْلِ هَذَا كَلَامُ الْهَرَوِيِّ * وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالْيَدِ قَالَ وَلَا يُهْمَزُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السِّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ قَالَ وَهَمَزَهُ بَعْضُهُمْ * وَقَالَ صاحب الحمكم اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَاسْتِلَامُهُ بِالْهَمْزِ أَيْ قَبَّلَهُ أَوْ اعْتَنَقَهُ قَالَ وَلَيْسَ أَصْلُهُ الْهَمْزُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الِاسْتِلَامُ هُوَ أَنْ يُقَبِّلَ الْحَجَرَ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَفِي آخِرِهِ بَلْ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ فَإِنْ عَجَزَ بِالزَّحْمَةِ مَسَّهُ بِالْيَدِ فَقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوهُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِلَامَ بِالتَّقْبِيلِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَالتَّقْبِيلُ سُنَّةٌ أُخْرَى مُسْتَحَبَّةٌ وَقَدْ يُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَيَسْتَمِرُّ تَصْحِيحُهُ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وصاحب المحكم (قوله) استلمه بمحجن هو - بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ - وَهِيَ عَصَا مُعَقَّفَةُ الرَّأْسِ كَالصَّوْلَجَانِ وَجَمْعُهُ مَحَاجِنُ (قَوْلُهُ) إيمَانًا بِك أَيْ أَفْعَلُ هَذَا لِلْإِيمَانِ بِك (قَوْلُهُ) عَلَى يَسَارِهِ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْفَتْحُ

وَعَكَسَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ (قَوْلُهُ) عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ فَاسْتُحِقَّ فِيهَا التَّرْتِيبُ احْتِرَازٌ مِنْ تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ وَقَضَاءِ الصَّوْمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجِبُ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى يَصِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَإِذَا وَصَلَهُ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَوَافِهِ * وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ بِوَجْهِهِ وَيَدْنُوَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا وَإِذَا أَرَادَ هَذَا الِاسْتِقْبَالَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ فَإِذَا جَاوَزَهُ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَانْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ وَتَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَاذِيَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ جَمِيعَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَطَرِيقُهُ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ قِبَلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي ثُمَّ يَمُرُّ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ طَائِفًا حَوْلَ الْبَيْتِ فَيَمُرُّ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِ الْحَجَرِ وَلَا يُقَدِّمُ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ فَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَكَانَ بَعْضُهُ مُجَاوِزًا إلَى جِهَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَكَذَا ذكرهما الاصحاب قولين الا إمام الحرمين والغزالي فَحَكَوْهُمَا وَجْهَيْنِ * وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يُجْزِئُهُ وهو الاصح (والقديم) يجزئه * ولو حاذى بجيمع الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ صَحَّ طَوَافُهُ بِلَا خِلَافٍ * صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا كَمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ فِي الصَّلَاةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْكَعْبَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الْحَجَرِ جَازَتْ مُحَاذَاتُهُ بِبَعْضِ الْبَدَنِ أَيْ لَمَّا جَازَتْ مُحَاذَاةُ بَعْضِ الحجر بجيمع الْبَدَنِ بِلَا خِلَافٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُحَاذَاةُ كُلِّ الْحَجَرِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ * وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ (وَالْمَذْهَبُ) مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي لَهُ فِي طَوَافِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ وَيَمِينُهُ إلَى خَارِجٍ وَيَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ خَالَفَ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا يَسَارِهِ بَلْ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ مُعْتَرِضًا وَطَافَ كَذَلِكَ أَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَمِينِهِ وَمَشَى قَهْقَرَى إلَى جِهَةِ الْبَابِ فَفِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ * قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ * قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الاكثرين

وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي فِي صُورَةِ مَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى قَهْقَرَى بِأَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ يُكْرَهُ (وَالْأَصَحُّ) الْبُطْلَانُ كَمَا سَبَقَ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْقِيَاسُ جَرَيَانَ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ مَرَّ مُعْتَرِضًا مُسْتَدْبِرًا * هَذَا كَلَامُهُ (وَالصَّوَابُ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ بِيَدِهِ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ بِأَنْ يَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَيْهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ السُّجُودَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ * وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَكَذَا فَفَعَلْت) وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ (رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ جَاءَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مُلَبِّدًا رَأْسَهُ فَقَبَّلَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَبَّلَهُ ثُمَّ سَجَدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْحَجَرِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشِيرَ إلَى الْقُبْلَةِ بِالْفَمِ إذَا تَعَذَّرَتْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ * (فَرْعٌ) إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ التَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ وَأَمْكَنَهُ الِاسْتِلَامُ اسْتَلَمَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِالْيَدِ إلَى الِاسْتِلَامِ وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَلِمَ ثُمَّ يُقَبِّلَ الْيَدَ وَبَيْنَ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ ثُمَّ يَسْتَلِمَ بِهَا وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ بِعَصَا وَنَحْوِهَا لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ أشار بيده أو بشئ فِي يَدِهِ إلَى الِاسْتِلَامِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَا ذَكَرْته فِي هَذَا الْفَرْعِ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ * وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ (رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَعَذُّرِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ فِي اسْتِلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ بِالْمِحْجَنِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ تَقْبِيلُ الحجر ولا استلامه إلا عند خلوا لمطاف فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِهِنَّ وَضَرَرِ الرِّجَالِ بِهِنَّ * (فَرْعٌ) لِلْكَعْبَةِ الْكَرِيمَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ - الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ - ثُمَّ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ ثُمَّ الرُّكْنُ الْيَمَانِي وَيُقَالُ لِلْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِي الْيَمَانِيَانِ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ * فَالْأَسْوَدُ وَالْيَمَانِي مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّامِيَّانِ لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِهِ بَلْ مُغَيَّرَانِ لِأَنَّ الْحِجْرَ يَلِيهِمَا وَكُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا سَبَقَ * وَلِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلرُّكْنِ الْيَمَانِي فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِلشَّامِيِّينَ شئ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ * فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَالسُّنَّةُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّنَّةُ فِي الرُّكْنِ اليماني استلامه ولا يقبل والسنة أن لَا يُقَبَّلُ الشَّامِيَّانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ فَخَصَّ الْأَسْوَدَ بِالتَّقْبِيلِ مَعَ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَتَيْنِ وَالْيَمَانِيَ بِالِاسْتِلَامِ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَاحِدَةً وَانْتَفَتْ الْفَضِيلَتَانِ فِي الشَّامِيَّيْنِ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لِمَا ذَكَرْته بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (مَا تَرَكْت اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ (لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنْ البيت الي الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ (لَوْلَا أن قومك حديثوا عَهْدٍ بِكُفْرٍ) الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لم يتم عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهُ لَا يستلم هذان الركنان فقال ليس شئ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِمُهُنَّ كُلُّهُنَّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَهَذَا مَذْهَبُ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَخَذَاهُ بِاجْتِهَادِهِمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ (وَأَمَّا) قول معاوية (ليس شئ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا) فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ

فَقَالَ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ عَدَمَ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرٌ لِلْبَيْتِ لَكِنَّهُ اسْتَلَمَ مَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَ مَا أَمْسَكَ عَنْهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْيَمَانِي دُونَ تَقْبِيلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا اسْتَلَمَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي إنْ شَاءَ قَبَّلَهَا قَبْلَ الِاسْتِلَامِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ وَلَا فَضِيلَةَ فِي تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ * وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ (أَحَدُهُمَا) يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَسْتَلِمُهُ كَأَنَّهُ يَنْقُلُ الْقُبْلَةَ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَنْقُلُ بَرَكَتَهُ إلَى نَفْسِهِ (وَالْمَذْهَبُ) اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الِاسْتِلَامِ * وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ (أَحَدُهُمَا) يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ وَالْآخَرُ يُخَالِفُهُ فَالْمُوَافِقُ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ فَقَبَّلَ يَدَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ * وَالْمُخَالِفُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم ابن هُرْمُزَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَبَّلَهُ وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الله ابن مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَالْأَخْبَارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ (1) قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يُسَمَّى بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحَجَرِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَتَقْبِيلُ الْيَدِ بَعْدَهُ عِنْدَ مُحَاذَاتِهِمَا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ مِنْ السَّبْعِ وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوَّلًا وَعِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِالْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ أَيْضًا عَنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ وَمَا ذَكَرَ اللَّهَ تعالى به وصلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ *

(فَرْعٌ) فِي فَضِيلَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ قال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا ولولا ذلك لاضاءا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ (الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ لاضاءا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا سَقِيمٍ إلَّا شُفِيَ) وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ (لَوْلَا مَا مَسَّهُ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إلَّا شفى وما على الارض شئ مِنْ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ) إسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبْعَثْنَ اللَّهُ الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ (لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذَا الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْجَنَّةِ وانه لا ينبغي لشئ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا رَجَعَ إلَيْهَا قَبْلَ يوم القيامة) رواه القاسم الطبراني * (فرع) قد ذكرنا فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْكَعْبَةَ الكريمة بنيت خمس مرات وقيل سبع وَفَصَّلْنَاهُنَّ وَذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُحِبُّ أَنْ لَا تُهْدَمَ الْكَعْبَةُ وَتُبْنَى لِئَلَّا تَذْهَبَ حُرْمَتُهَا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ جُمَلًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَرَمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) قَالَ الدارمي لو محى الحجر الاسود العياذ بِاَللَّهِ مِنْ مَوْضِعِهِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الَّذِي كَانَ فيه وقبله وسجد عليه * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب أن يدنو من البيت لانه هو المقصود فكان القرب منه أفضل فإذا بلغ الركن اليماني فالمستحب أن يستلمه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كان يستلم الركن اليماني والاسود ولا يستلم الآخران) ولانه ركن بني على قواعد ابراهيم عليه السلام فيسن فيه الاستلام كالركن الاسود * ويستحب أن يستلم الركنين في كل طوفة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يستلم الركنين في كل طوفة) ويستحب كلما حاذى الحجر الاسود أن يكبر ويقبله لانه مشروع في محل فتكرر بتكرره كالاستلام * ويستحب إذا استلم أن يقبل يده لما روى نافع قال (رأيت ابن عمر]

_ (1) بياض بالاصل فحرر

استلم الحجر بيده وقبل يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله) ويستحب أن يدعو بين الركن اليماني والركن الاسود لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (عند الركن اليماني ملك قائم يقول آمين فإذا مررتم به فقولوا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار) * (الشَّرْحُ) جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحَةً فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا مَسْأَلَةَ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً مَعَ مَسْأَلَةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَدِيثَيْ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا وَلَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) (وأما) الاثر المذكور عن ابْنِ عَبَّاسٍ فَغَرِيبٌ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ أَجْوَدُ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ

فِيهِ رَجُلَانِ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَيَقْتَضِي أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ عِنْدَهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ * (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ الرُّكْنُ الْيَمَانِي هُوَ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَكَذَا الرُّكْنَانِ الْيَمَانِيَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ تَشْدِيدُهَا لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ إلَى الْيَمَنِ فَجُعِلَتْ الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَشْدِيدَهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَتَكُونُ الْأَلِفُ زَائِدَةً كَمَا زِيدَتْ الْأَلِفُ وَالنُّونُ فِي رَقَبَانِي مَنْسُوبٌ إلَى الرَّقَبَةِ وَنَظَائِرُهُ * (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ بُنِيَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ احْتِرَازٌ مِنْ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُسْتَحَبُّ إذَا اسْتَلَمَ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَهُ فَكَلَامٌ نَاقِصٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ وَيُقَبِّلَ فَإِذَا قَبَّلَهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّقْبِيلُ اسْتَلَمَ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ * هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ عِبَارَتُهُ نَاقِصَةٌ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سَبَقَتْ وَاضِحَةً إلَّا مَسْأَلَتَيْ الدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ (فَأَمَّا) الدُّعَاءُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا الْأَسْوَدُ وَالْيَمَانِي فاتفق الشافعي والاصحاب على استحبابه وباي شئ حَصَلَ الِاسْتِحْبَابُ وَأَفْضَلُهُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار للحديث السا بق وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ (أَنَّ هَذَا كَانَ أَكْثَرَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى استحبابه ايضا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الدُّنُوُّ مُسْتَحَبٌّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبَيْتَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَالدُّنُوُّ مِنْهُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَيْسَرُ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْبَيْتِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الْبُعْدِ فَكَذَا فِي الطَّوَافِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَلَا يَتَأَذَّى بِالزَّحْمَةِ فَإِنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى بِالْقُرْبِ لِلزَّحْمَةِ فَالْبُعْدُ إلَى حَيْثُ يَزُولُ التَّأَذِّي وَالْأَذَى أَوْلَى هَكَذَا أَطْلَقُوهُ * وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ الِاسْتِلَامَ مَا لَمْ يُؤْذِ غَيْرَهُ بِالزِّحَامِ أَوْ يُؤْذِهِ غَيْرُهُ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الِاسْتِلَامُ وَإِنْ كَانَ فِي الزِّحَامِ أَوْ فِي آخِرِ الطَّوَافِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقُرْبُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى كثرة الخطا فِي الْبُعْدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إكْرَامُ الْبَيْتِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْقُرْبِ هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ لَا تَدْنُوَ فِي حَالِ طَوَافِ الرِّجَالِ بَلْ تَكُونُ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَصُونُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا

مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْفِتْنَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَطَافُ خَالِيًا مِنْ الرِّجَالِ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْقُرْبُ كَالرَّجُلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الرَّجُلِ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ مَعَ الرَّمَلِ لِلزَّحْمَةِ فَإِنْ رَجَا فُرْجَةً اُسْتُحِبَّ أَنْ يَنْتَظِرَهَا لِيَرْمُلَ إنْ لَمْ يُؤْذِ بوقوفه احد وَإِنْ لَمْ يَرْجُهَا فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الْقُرْبِ بِلَا رَمَلٍ * هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالُوا لِأَنَّ الرَّمَلَ شِعَارٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِأَنَّ الرَّمَلَ فَضِيلَةٌ تتعلق بنفس العبادة والقرب فضيلة تتعلق بموضع الْعِبَادَةِ * قَالُوا وَالْمُتَعَلِّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ قَالُوا وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلَ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُرْبُ مِنْ الْكَعْبَةِ بِلَا خِلَافٍ * وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبَاعُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ * قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ الطَّوَافِ وُقُوعُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَائِلِ فِيهِ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي وَغَيْرِهَا * قَالُوا وَيَجُوزُ الطَّوَافُ فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ وَأَرْوِقَتِهِ وَعِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ دَاخِلِهِ * قَالُوا وَيَجُوزُ عَلَى سُطُوحِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ أَرْفَعَ بِنَاءً مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْيَوْمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ جُعِلَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ أَعْلَى مِنْ سَطْحِ الْكَعْبَةِ فقد ذكر صاحب العداة أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّوَافُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ لَوْ صَحَّ قَوْلُهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَمْ يَصِحَّ الطَّوَافِ حَوْلَ عَرْصَتِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِنْ ارْتَفَعَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ قَالَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَسُعَ الْمَسْجِدُ اتَّسَعَ الْمَطَافُ وَصَحَّ الطَّوَافُ فِي جَمِيعِهِ وَهُوَ الْيَوْمَ أَوْسَعُ مِمَّا كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ زِيدَتْ فِيهِ فَأَوَّلُ من راده عمر بن الخطاب رضي الله عَنْهُ اشْتَرَى دُورًا فَزَادَهَا فِيهِ وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ وَكَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ لَهُ الْجِدَارَ ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا ثُمَّ وَسَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ ثُمَّ وَسَّعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا هَذَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا مَعَ نَفَائِسَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْكَعْبَةِ فِي كِتَابِ المناسك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(والسنة ان يرمل في الثلاثة الاولى ويمشي في الاربعة لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الاول خب ثلاثا ومشي اربعا) فان كان راكبا حرك دابته في موضع الرمل وإن كان محمولا رمل به الحامل * ويستحب أن يقول في رمله اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مشكورا ويدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا قال في الام ويستحب ان يقرأ القرآن لانه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر * فان ترك الرمل في الثلاث لم يقض في الاربعة لانه هيئة في محل فلا يقضي في غيره كالجهر بالقراءة في الاوليين ولان السنة في الاربع المشي فإذا قضي الرمل في الاربعة أخل بالسنة في جميع الطواف * وإذا اضطبع ورمل في طواف القدوم نظرت فان سعي بعده لم يعد الرمل والاضطباع في طواف الزيارة لِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طاف الطواف الاول خب ثلاثا ومشي اربعا) فدل على انه لم يعد في غيره وان لم يسع بعده وأخر السعي إلى ما بعد طواف الزيارة اضطبع ورمل في طواف الزيارة لانه يحتاج إلى الاضطباع للسعي فكره أن يفعل ذلك في السعي ولا يفعله في الطواف وان طاف للقدوم وسعي بعده ونسي الرمل والاضطباع في الطواف فهل يقضيه في طواف الزيارة فيه وجهان (أحدهما) انه يقضي لانه ان لم يقض فاتته سنة الرمل والاضطباع ومن اصحابنا من قال لا يقضي وهو المذهب لانه لو جاز أن يقضي الرمل لقضاه في الاشواط الاربعة * فان ترك الرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء في الطواف جاز ولا يلزمه شئ لان الرمل والاضطباع هيئة فلم يتعلق بتركها جبران كالجهر والاسرار في القراءة والتورك والافتراش في التشهد والاستلام والتقبيل والدعاء كمال فلا يتعلق به جبران كالتسبيح في الركوع والسجود * ولا ترمل المراة ولا تضطبع لان في الرمل تبين أعظاؤها وفي الاضطباع ينكشف ما هو عورة منها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ هُنَا وَمَعْنَى خَبَّ رَمَلَ وَالرَّمَلُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ - وَهُوَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الخطا وَهُوَ الْخَبَبُ يُقَالُ رَمَلَ يَرْمُلُ - بِضَمِّ الْمِيمِ - رَمَلًا وَرَمَلَانًا (قَوْلُهُ) حَجًّا مَبْرُورًا هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ إثْمٌ وَقِيلَ هُوَ الْمَقْبُولُ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ (وَالْقَوْلُ) الْأَوَّلُ قَوْلُ شِمْرٍ وَآخَرِينَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ (وَالْقَوْلُ) الثَّانِي قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْبِرِّ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَمِنْهُ بَرَرْتُ فُلَانًا أَيْ وَصَلْتُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِرٌّ وَيُقَالُ بَرَّ اللَّهُ

حَجَّهُ وَأَبَرَّهُ (قَوْلُهُ) وَذَنْبًا مَغْفُورًا قَالَ الْعُلَمَاءُ تَقْدِيرُهُ اجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ اجْعَلْهُ عَمَلًا مُتَقَبَّلًا يُذْكَرُ لِصَاحِبِهِ ثَوَابُهُ فَهَذَا مَعْنَى الْمَشْكُورِ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ عَمَلًا يُشْكَرُ صَاحِبُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَمَسَاعِي الرَّجُلِ أَعْمَالُهُ وَاحِدَتُهَا مَسْعَاةٌ (قَوْلُهُ) والقرآن من اعظم الذكر هكذا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْأَجْوَدُ حَذْفُ مِنْ فَيُقَالُ أَعْظَمُ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ احْتِرَازٌ مِمَّنْ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ) الْأَشْوَاطُ الْأَرْبَعَةُ خِلَافُ طَرِيقَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا تَسْمِيَتَهُ أَشْوَاطًا كَمَا سَأُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ قَالُوا وَالرَّمَلُ هُوَ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى قَالُوا وَلَا يَثِبُ وَلَا يَعْدُو عَدْوًا قَالُوا وَالرَّمَلُ هُوَ الْخَبَبُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (خَبَّ ثَلَاثًا) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَلَّطَ الْأَئِمَّةُ مَنْ قَالَ دُونَ الْخَبَبِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الرَّمَلُ فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ وَدُونَ الْعَدْوِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي الصَّيْدَلَانِيُّ هُوَ سُرْعَةٌ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْخَبَبِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا عِنْدِي زَلَلٌ فَإِنَّ الرَّمَلَ فِي فِعْلِ النَّاسِ كَافَّةً كَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْخَبَبِ يُشِيرُ إلَى قَفَزَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ الرَّمَلُ فِي الطوفات الثلاث الاول وَيُسَنُّ الْمَشْيُ عَلَى الْهِينَةِ فِي الْآخِرَةِ فَلَوْ فَاتَهُ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ قُطِعَتْ مُسَبَّحَتُهُ الْيُمْنَى لَا يُشِيرُ فِي التَّشَهُّدِ بِالْيُسْرَى وَسَبَقَ إيضَاحُهُ مَعَ نَظَائِرِهِ * وَهَلْ يَسْتَوْعِبُ الْبَيْتَ بِالرَّمَلِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَا يَقِفُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَى الْحَجَرِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ بَلْ يَمْشِي * وَجَاءَ الْأَمْرَانِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَثَبَتَ الثَّانِي مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهِنَتْهُمْ الْحُمَّى فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا) وَكَذَا * قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَّا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ *

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ الثَّلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُبْطِلُونَهُ وَقَدْ جَاءَتْ لَهُ نَظَائِرُ فِي الصَّحِيحِ فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ فِي اسْتِيعَابِ الرَّمَلِ بِالْبَيْتِ وَعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ في عمرة القضاء سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَ أَهْلُهَا مُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الطَّوَافِ الَّذِي يُشْرَعُ بِهِ الرَّمَلُ وَقَدْ اضْطَرَبَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ مُتْقَنَةً فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّمَلَ لَا يُسَنُّ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَلْ إنَّمَا يُسَنُّ فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ وَفِي ذَلِكَ الطَّوَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي طَوَافٍ يَسْتَعْقِبُ السَّعْيَ (وَالثَّانِي) يُسَنُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُطْلَقًا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا رَمَلَ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ * وَيَرْمُلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِوُقُوعِ طَوَافِهِ مُجْزِئًا عَنْ الْقُدُومِ مَعَ اسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ وَيَرْمُلُ أَيْضًا الْحَاجُّ الْأُفُقِيُّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ (أَمَّا) مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأَرَادَ طَوَافَ الْوُقُوفِ فَهَلْ يَرْمُلُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ لَا يَسْعَى عَقِبَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْأَوَّلُ) الْأَصَحُّ لَا يَرْمُلُ (وَالثَّانِي) يرمل

وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِاسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَيَرْمُلُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا رَمَلَ فِيهِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ السَّعْيِ بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ بَعْدَهُ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ لَا يَرْمُلُ (وَالثَّانِي) يَرْمُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ * وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَنَوَى أَنْ لَا يَسْعَى بَعْدَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَسَعَى وَلَمْ يَكُنْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فَهَلْ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ * وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَرَمَلَ فِيهِ وَلَمْ يَسْعَ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِبَقَاءِ السَّعْيِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَرَّعُوهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَبِرُ اسْتِعْقَابَ السَّعْيِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَعْتَبِرُ اسْتِعْقَابَ السَّعْيِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَرْمُلَ فِي الْإِفَاضَةِ (وَأَمَّا) الْمَكِّيُّ الْمُنْشِئُ حَجَّةً مِنْ مَكَّةَ فَهَلْ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّانِي لَمْ يَرْمُلْ إذْ لَا قُدُومَ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ رَمَلَ لِاسْتِعْقَابِهِ السَّعْيَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (وَأَمَّا) الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ طَوَافَيْ الْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّمَلُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الطَّائِفُ حَاجًّا أو معتمرا متبرع بِطَوَافٍ آخَرَ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بطواف قدوم ولا يستعقب سَعْيًا وَإِنَّمَا يَرْمُلُ فِي قُدُومٍ أَوْ مَا يَسْتَعْقِبُ سَعْيًا كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاضْطِبَاعُ مُلَازِمٌ لِلرَّمَلِ فَحَيْثُ اسْتَحْبَبْنَا الرَّمَلَ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الِاضْطِبَاعُ وَحَيْثُ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الِاضْطِبَاعُ وَحَيْثُ جَرَى خِلَافٌ جَرَى فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ جَمِيعًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الِاضْطِبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْبَيْتِ مُسْتَحَبٌّ لِلطَّائِفِ وَأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزَّحْمَةِ فَإِنْ رَجَا فُرْجَةً وَلَا يَتَأَذَّى أَحَدٌ بِوُقُوفِهِ وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ وَقَفَ لِيَرْمُلَ وَإِلَّا فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ أَوْلَى فَلَوْ كَانَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ نِسَاءٌ وَلَمْ يَأْمَنْ مُلَامَسَتَهُنَّ لَوْ تَبَاعَدَ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ حَذَرًا مِنْ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ * وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَيْضًا نِسَاءٌ وَتَعَذَّرَ الرَّمَلُ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ لِخَوْفِ الْمُلَامَسَةِ فَتَرْكُ الرَّمَلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَفْضَلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى تَعَذَّرَ الرَّمَلُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي مَشْيِهِ وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الرَّمَلُ لَرَمَلَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ كَمَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لاشعر عَلَى رَأْسِهِ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ *

(فَرْعٌ) لَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَرِّكَ الدَّابَّةَ لِيُسْرِعَ كَإِسْرَاعِ الرَّامِلِ وَيُسْرِعَ بِهِ الْحَامِلُ أَمْ لَا فِيهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ كَحَرَكَةِ الرَّاكِبِ وَالْمَحْمُولِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الرَّمَلَ مُسْتَحَبٌّ لِلطَّائِفِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ هُنَا وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ وَالْحَامِلَ قَدْ يُؤْذِيَانِ الطَّائِفَيْنِ بِالْحَرَكَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْجَامِعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ إنْ طَافَ رَاكِبًا حَرَّكَ دَابَّتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ حُمِلَ فَقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) يَرْمُلُ بِهِ الْحَامِلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَالْقَدِيمُ) لَا يَرْمُلُ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ صَبِيًّا رَمَلَ حَامِلُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) يَرْمُلُ بِهِ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي رَمَلِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا والآخرة وآكده (اللهم اجلعه حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا) نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا ويستحب أن يدعوا أَيْضًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي يَمْشِيهَا وَأَفْضَلُ دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار نص عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَعَجَبٌ كَيْفَ أَهْمَلَهُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ فِي الطَّوَافِ قَالَ (وَأَمَّا) الْمَأْثُورُ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ (وَأَمَّا) فِي غَيْرِ الطَّوَافِ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ إلَّا الذِّكْرَ الْمَأْثُورَ فِي مَوَاضِعِهِ وَأَوْقَاتِهِ فَإِنَّ فِعْلَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ وَلِهَذَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنُهِيَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِتَفْضِيلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْأَحَادِيثُ في ترجيح

الْقِرَاءَةِ عَلَى الذِّكْرِ كَثِيرَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّ أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ قَالَ مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لعباده سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا أَحَبُّ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَأَفْضَلُهُ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الرَّمَلِ بَلْ يَرْمُلُ عَلَى الْعَادَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (فَرْعٌ) لَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ وَالِاسْتِلَامَ وَالتَّقْبِيلَ وَالدُّعَاءَ فِي الطَّوَافِ فَطَوَافُهُ صَحِيحٌ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ * قَالَ الشافعي والاصحاب وهو مسئ يعتون إسَاءَةً لَا إثْمَ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرْمُلُ وَلَا تَضْطَبِعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ رَكِبَتْ دَابَّةً أَوْ حُمِلَتْ فِي الطَّوَافِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَضْطَبِعْ وَلَا يَرْمُلُ حَامِلُهَا * قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ سَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالصَّحِيحَةُ وَالْمَرِيضَةُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْخُنْثَى فِي هَذَا كَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَيَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ سَعْيٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بين الصفا والمروة) * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الكلام في الطواف لقوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام) والافضل أن لا يتكلم لما روى أبو هريرة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (من طاف بالبيت سبعا لم يتكلم فيه إلا بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بالله كتب الله له عشر حسنات ومحا عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الطَّوَافِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَرْفُوعٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَرِيبٌ لَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أَقِلُّوا الْكَلَامَ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلَاةٍ) وَبِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (طُفْتُ خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا سَمِعْتُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مُتَكَلِّمًا) حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا فِي خَيْرٍ كَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ تَعْلِيمِ جَاهِلٍ أَوْ جَوَابِ فَتْوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إلَى إنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بخيط اوشئ غير ذلك فقطه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ قُدْ بِيَدِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَهَذَا الْقَطْعُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ إزَالَةَ هَذَا الْمُنْكَرِ إلَّا بِقَطْعِهِ أَوْ أَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا مُتَخَشِّعًا حَاضِرَ الْقَلْبِ مُلَازِمَ الْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وفي هئيته وَحَرَكَتِهِ وَنَظَرِهِ فَإِنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهَا وَيَسْتَشْعِرُ بِقَلْبِهِ عَظَمَةَ مَنْ يَطُوفُ بِبَيْتِهِ * وَيُكْرَهُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الطَّوَافِ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ وَلَا يَبْطُلُ الطَّوَافُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بِهِمَا جَمِيعًا * قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْمَاءِ فِي الطَّوَافِ وَلَا أَكْرَهُهُ بِمَعْنَى الْمَأْثَمِ لَكِنِّي أُحِبُّ تَرْكَهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ * وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَأَنَّ الشُّرْبَ أَخَفُّ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَرِبَ وَهُوَ يَطُوفُ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ وَهُوَ يَطُوفُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مَاءً فِي الطَّوَافِ) وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ لِلطَّائِفِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ يَتَثَاءَبَ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ اليد على الفم عند الشارب لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ أَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُفَرْقِعَ بِهَا كَمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يطوف

وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ وَهُوَ شَدِيدُ التَّوَقَانِ إلَى الْأَكْلِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ * (فَرْعٌ) يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عن من لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ أَمْرَدَ حَسَنِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ وَالْحَسَنِ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الشَّرِيفِ وَيَصُونُ نَظَرَهُ وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرِهِمْ كَمَنْ فِي بَدَنِهِ نَقْصٌ وَكَمَنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ غَلِطَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ الصَّوَابَ بِرِفْقٍ * وَقَدْ جَاءَتْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِي الطَّوَافِ كَمَنْ نَظَرَ امْرَأَةً وَنَحْوَهَا * وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَهَذَا الْأَمْرُ مِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ لانه في أشرف الارض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان أقيمت الصلاة وهو في الطواف أَوْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا قطع الطواف فإذا فرغ بني لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يطوف بالبيت فلما أفيت الصلاة صلى مع الامام ثم بنى على طوافه) وان أحدث وهو في الطواف توضأ وبنى لانه لا يجوز افراد بعضه عن بعض فإذا بطل ما صادفه الحدث منه لم يبطل الباقي فجاز له البناء عليه) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ فَلَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ وَفِي هذه الموالات قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَوْ فَرَّقَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَإِنْ طال الزمان ببنهما وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَبْطُلُ الطَّوَافُ بِالتَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَى هَذَا إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لِعُذْرٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ (وَالْمَذْهَبُ) جَوَازُ التَّفْرِيقِ مُطْلَقًا * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَرْكُهُ الطَّوَافَ * وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ إنْ كَانَ طَوَافَ نَفْلٍ اُسْتُحِبَّ قَطْعُهُ لِيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ طَوَافًا مَفْرُوضًا كُرِهَ قَطْعُهُ لَهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَطَعَهُ فَإِذَا فَرَغَ بَنَى إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وكذا إن طال على الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ * قَالَ الْبَغَوِيّ

وَآخَرُونَ إذَا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا كُرِهَ قَطْعُهُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِسُنَّةِ الضُّحَى وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّ الطَّوَافَ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يُقْطَعُ لِنَفْلٍ وَلَا لِفَرْضِ كِفَايَةٍ قَالُوا وَكَذَا حُكْمُ السَّعْيِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأُمِّ فَقَالَ قَالَ فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَحْبَبْتُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى طَوَافِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الضُّحَى أَوْ حضرت جنازة فلا أحب ترك الطواف لشئ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْطَعَ فَرْضًا لِنَفْلٍ أَوْ فرض كفاية والله أعلم * (أما) إذَا أَحْدَثَ فِي طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ طَوَافِهِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يبطل فيجب الاستثناف (والطريق الثاني) وبه قطع الشيخ أبي حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين ان قرب الفصل بنى قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ طَالَ فَقَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ يَبْنِي (وَالْقَدِيمُ) يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ * وَاحْتَجَّ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبِنَاءِ عَلَى قُرْبٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ الْيَسِيرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا يَضُرُّ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ عَمْدًا مُقَصِّرٌ وَمَعَ مُنَافَاةِ الْحَدَثِ فُحْشُهُ * هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَدَثِ عَمْدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْحَدَثِ سَهْوًا كَالْعَمْدِ (وَأَمَّا) سَبْقُ الْحَدَثِ فَإِنْ قُلْنَا يَبْنِي الْعَامِدُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَسَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ (أَحَدُهُمَا) يَبْنِي (وَالثَّانِي) يَسْتَأْنِفُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا إنْ قُلْنَا سَبْقُ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَالطَّوَافُ أَوْلَى أَنْ لَا يُبْطِلَ وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا فَهُوَ كَالْحَدَثِ فِي الطَّوَافِ عَمْدًا * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الطَّوَافِ قَالَ الْأَصْحَابُ ان

قُلْنَا سَبْقُ الْحَدَثِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَالطَّوَافُ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا فَفِي إبْطَالِهِ الطَّوَافَ قَوْلَانِ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حُكْمِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالْكَلَامِ عَمْدًا وَكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ * وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَحْدَثَ الطَّائِفُ فَتَوَضَّأَ وَعَادَ قَرِيبًا بَنَى نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَيْصَرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ كَالصَّلَاةِ قَالَ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّبْقِ كَالصَّلَاةِ قَالَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ * فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ وَمُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَقُرْبِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ لَا نُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فنستحبه والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) حَيْثُ قَطَعَ الطَّوَافَ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقُلْنَا يَبْنِي عَلَى الْمَاضِي فَظَاهِرُ عِبَارَةِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَبْنِي مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ وَصَلَ إلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إنْ كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ الطَّوَافِ عِنْدَ إكْمَالِ طَوْفَةٍ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عاد فابتدأ الطوافة الَّتِي تَلِيهَا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي أَثْنَاءِ طَوْفَةٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَسْتَأْنِفُ هَذِهِ الطَّوْفَةَ مِنْ أَوَّلِهَا لِأَنَّ لِكُلِّ طَوْفَةٍ حُكْمَ نَفْسِهَا (وَأَصَحُّهُمَا) يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ وَصَلَهُ * وَحَكَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَ الْبِنَاءَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أولا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وإذا فرغ من الطواف صلى ركعتي الطواف وهل يجب ذلك فيه قولان (أحدهما) أنها واجبة لقوله عز وجل (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) والامر يقتضي الوجوب (والثاني) لا يجب لانها صلاة زائدة على الصلوات الخمس فلم تجب بالشرع على الاعيان كسائر النوافل * والمستحب أن يصليهما عند المقام لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين) فان صلاهما في مكان آخر جَازَ لِمَا رُوِيَ (أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طاف بعد الصبح ولم ير أن الشمس قد طلعت فركب فلما أتى ذا طوى أناخ راحلته وصلى ركعتين) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يطوف بالبيت ويصلي ركعتين في البيت * والمستحب أن يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُلْ يَا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَرَأَ في ركعتي الطواف قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) * ثم يعود إلي الركن فيستلمه ويخرج من باب الصفا لما روى جابر بن عبد الله (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ سبعا وصلى ركعتين ثم رجع إلى الحجر فاستلمه ثم خرج من باب الصفا) *

(الشَّرْحُ) أَحَادِيثُ جَابِرٍ الثَّلَاثَةُ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَهِيَ كُلُّهَا بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (دَخَلْنَا عَلَى جَابِرٍ فَقَالَ جَابِرٌ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَرَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ ابراهيم مصلى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فَلَمَّا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى الْمَقَامِ وقال (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ (ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قُلْ يَا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا وَجَدْتُهُ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَلَاتُهُ بِذِي طُوًى فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعْلِيقًا أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَقَالَ فَصَلَّى عُمَرُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ * وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِمَا رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَهَا حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ (إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصلي حَتَّى خَرَجَتْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِوَجْهَيْنِ فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا عَلَى الْخَبَرِ وَعَلَى الْأَمْرِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةَ الطَّوَافِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ غَيْرَ صَلَاةِ الطَّوَافِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْمَقَامِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ (فَإِنْ قِيلَ) فَأَنْتُمْ لَا تَشْتَرِطُونَ وُقُوعَهَا خَلْفَ الْمَقَامِ بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ (قُلْنَا) مَعْنَى الْآيَةِ الْأَمْرُ بِصَلَاةٍ هُنَاكَ وَقَامَتْ الدَّلَائِلُ السَّابِقَةُ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ فعلها في غير المقام والله أعلم (قوله) فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ النَّذْرِ (وَقَوْلُهُ) عَلَى الْأَعْيَانِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا فرض كفاية وينكر على المصنف قوله قال روي عن

عُمَرَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثَالِ هَذَا مَرَّاتٍ وَفِي فِعْلِ عُمَرَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَرَى كَرَاهَةَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِهَا وَسَأُعِيدُ بَعْضَهَا هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلِ مذاهب العلماء (قوله) ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ الْمُرَادُ بِهِ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ طَافَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَمْ سُنَّتَانِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) وَاجِبَتَانِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَيْنَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِمَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُهُمَا سُنَّةً * وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ * وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَخَرَّجَهُمَا أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَاجِبَتَانِ (وَالثَّانِي) سُنَّتَانِ وَكَذَا حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ * هَذَا إذَا كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا فَإِنْ كَانَ نَفْلًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَغَيْرِهِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْهُمْ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ فِيهِمَا الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ الطَّوَافُ نَفْلًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ الرَّكْعَتَانِ قَالَ وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ أَنَّهُ أَوْجَبَهُمَا قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ رَدَّهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ مَا أَرَاهُ يَصِيرُ إلَى إيجَابِهِمَا عَلَى التَّحْقِيقِ وَلَكِنَّهُ رَآهُمَا جُزْءًا مِنْ الطَّوَافِ وأنه لا تعبد بِهِ دُونَهُمَا قَالَ وَقَدْ قَالَ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي النَّفْلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْضِ كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافٌ فِي أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعْدُودَتَانِ مِنْ الطَّوَافِ أَمْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِصَالِ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ * وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ ابن الحداد يجوز أن يكون الشئ غَيْرَ وَاجِبٍ وَيَقْتَضِي وَاجِبًا كَالنِّكَاحِ غَيْرَ وَاجِبٍ وَيَقْتَضِي وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ *

(فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُمَا فليستا بشرط في صحته ولاركنا مِنْهُ بَلْ يَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهِمَا قَالَ وَفِي تَعْلِيلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطُهُمَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِيهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهِمَا يَجْرِيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ سُنَّةً أَمْ وَاجِبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الطَّوَافُ حَتَّى يأتي بالركعتين هذا كلامه وهو غَلَطٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِشَرْطٍ وَلَا ركن لِلطَّوَافِ بَلْ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى وُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّهُمَا مَعْدُودَتَانِ مِنْ الطَّوَافِ فَلَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى تَنْزِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ شَوْطٍ مِنْ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِمَا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الطَّوَافِ الواقع ركنا ولم يصر إلَى هَذَا أَحَدٌ قَالَ وَبِهَذَا يَبْعُدُ عَدُّهُمَا مِنْ الطَّوَافِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ واجبتان لم تسقط بفعل فريضة ولا غيرهما كَمَا لَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْعَصْرِ * وَإِذَا قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ فَصَلَّى فَرِيضَةً بَعْدَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاهِيرُ الاصحاب منهم الصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وصاحب الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ قَالَ وَالْأَصْحَابُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَقْتَضِي صَلَاةً مَخْصُوصَةً بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ حَقَّ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ * وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَعَجَبٌ دَعْوَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَا ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا صَلَاةُ الطَّوَافِ سُنَّةٌ جَازَ فِعْلُهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الطَّوَافُ رَاكِبًا وَمَحْمُولًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ وَالصَّلَاةُ تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ *

(فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ لَيْلًا وَيُسِرُّ نَهَارًا كَصَلَاةِ الْكُسُوفَ وَغَيْرِهَا * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي الْحَرَمِ فَإِنْ صَلَّاهُمَا خَارِجَ الْحَرَمِ فِي وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ صَحَّتْ وَأَجْزَأَتْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا أَضَفْتُهُ إلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ صَلَّاهُمَا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ فَهَلْ يُصَلِّيهِمَا فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ إذَا فَاتَتْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا حَيْثُ كَانَ وَمَتَى كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي وَطَنِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرْضِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَفُوتُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ حَيًّا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُجْبَرُ تَأْخِيرُهَا بِدَمٍ * وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَا يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِدَمٍ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً * وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ صَلَّاهُمَا وَأَرَاقَ دَمًا قَالَ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ مُسْتَحَبَّةٌ لاواجبة قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ اسْتِحْبَابَ الاراقة على قولنا نجب الصَّلَاةُ لَا عَلَى قَوْلِنَا سُنَّةٌ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَذَا كَلَامُهُ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَرَكَ هَذِهِ الصَّلَاةَ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيقَ دَمًا قَالَ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ قَالَ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِلتَّأْخِيرِ * وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ صَلَّاهُمَا وَأَرَاقَ دَمًا قَالَا قَالَ أَصْحَابُنَا الدَّمُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَوْ فُعِلَتْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ وَتَخَلُّلِ مُدَّةٍ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَلَا تَنْتَهِي إلَى الْقَضَاءِ وَالْفَوَاتِ قَالَ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْأَئِمَّةُ لِجُبْرَانِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِمَا وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُمَا لَا تَفُوتَانِ وَالْجُبْرَانُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَإِنْ قُدِّرَ فَوَاتُهُمَا بِالْمَوْتِ لَمْ يَمْتَنِعْ وُجُوبُ جَبْرِهِمَا بِالدَّمِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْمَجْبُورَاتِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وَقُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ فَهَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ فِعْلِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَحْصُلُ وَيَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمَا لانهما كالجزء من

الطواف ولو بقي شئ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِذْكَارِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا تَعَلُّقَ لِلصَّلَاةِ بِالتَّحَلُّلِ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ سَائِرُ الْأَصْحَابِ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُهُ لِأُبَيِّنَ بُطْلَانَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ السَّعْيِ قَبْلَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ فِي الْحَالِ طَوَافَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ أَكْثَرَ بِلَا صَلَاةٍ ثُمَّ صَلَّى لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ جَازَ لَكِنْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الصَّيْمَرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَرَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ والمسود بْنِ مَخْرَمَةَ * قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَوْ طَافَ أَسَابِيعَ مُتَّصِلَةً ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ جَازَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيَّنٌ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا هُمَا وَاجِبَتَانِ لم يتداخلا ولابد مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ طَوَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَمْتَازُ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا من الصلوات بشئ وَهِيَ أَنَّهَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْحَجِّ يُصَلِّيهَا وَتَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْأَجِيرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَلَاةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ غَيْرُ هَذِهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ * وَيَلْتَحِقُ بِالْأَجِيرِ وَلِيُّ الصَّبِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا طَافَ بِنَفْسِهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ طَافَ بِهِ وَلِيُّهُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسَائِلِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَهَلْ تَقَعُ صَلَاةُ الْوَلِيِّ هَذِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ عن الصبي فيه

مسائل تتعلق بالطواف

وجهان حكاهما صاحب البين وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) عَنْ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنِّيَابَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ الصَّبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ تَبَعًا لِلطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ صَلَاتِهِ هَذِهِ خلف المقام بما أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هذا بلدك وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَبَيْتُكَ الْحَرَامُ وَأَنَا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ أَتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَخَطَايَا جَمَّةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ فَاغْفِرْ لِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ إنَّكَ دَعَوْتَ عِبَادَكَ إلَى بَيْتِكِ الحرام وقد جئت طالبا رحتمك مُبْتَغِيًا مَرْضَاتَكَ وَأَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ فَاغْفِرْ لي وارحمني انك على كل شئ قَدِيرٌ * (فَرْعٌ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعُودَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْيِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ فَصْلِ السَّعْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَنَوَى غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا أو وداعا أو قدوما وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُمَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ فَطَافَ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ زَمَانُ النَّذْرِ مُعَيَّنًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطُوفَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ معين أو معين وَطَافَ فِي غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلنَّذْرِ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَطُوفَ عَنْ غَيْرِهِ وَالنَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَفِي الْإِمْلَاءِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ لَوْ طَافَ الْمُحْرِمُ وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ وَنَحْوَهُ صَحَّ طَوَافُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللُّبْسِ لَا يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ كَالصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ يَأْثَمُ وَتَصِحُّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ أَنْ يُسَمَّى الطَّوَافُ شَوْطًا وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا * قَالَ الشَّافِعِيُّ كَرِهَ مُجَاهِدٌ أَنْ يُقَالَ شَوْطٌ أَوْ دَوْرٌ وَلَكِنْ يَقُولُ طَوَافٌ وَطَوَافَانِ قَالَ

الشَّافِعِيُّ وَأَكْرَهُ مَا كَرِهَ مُجَاهِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى سماه طوافا فقال تعالى (وليطفوا بالبيت العتيق) وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي عَنْهُمَا قَالَ (أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ) وَهَذَا الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ * ثُمَّ إنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَسْمِيَتِهِ شَوْطًا نَهْيٌ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يكره والله علم (الرَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الطَّوَافُ أَفْضَلُ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ) أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ * وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذِكْرِ اللَّهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ صَحِيحٌ إلَّا عُبَيْدَ اللَّهِ فَضَعَّفَهُ أَكْثَرُهُمْ ضَعْفًا يَسِيرًا وَلَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ حَسَنٌ عنده كما سبق * وروى الترمذي في هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى

مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالطواف

بحديث اتصف بذلك والله أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كيوم ولدته امه) راه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ غَرِيبٌ (قَالَ) وَسَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالطَّوَافِ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا جَائِزٌ (وَأَمَّا) صَلَاةُ الطَّوَافِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ والحسين بني عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ محمد وعروة ومجاهد وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ * وَكَرِهَهُمَا مَالِكٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَنَظَرَ الشمس فلم يراها طَلَعَتْ فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّى) * (فَرْعٌ) أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا مَعَ ذَلِكَ تَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَقْبِيلِهِ قَبَّلَ الْيَدَ بَعْدَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْبِيلِ الْيَدِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وأيوب السختياني والثوري وأحمد واسحق حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلُوهُ وَتَبِعَهُمْ جُمْلَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَرَوَيْنَاهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بدعة * واعترف

الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ بِشُذُوذِ مَالِكٍ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يستحب تقبيل اليد إلا مالك فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَا لَا يُقَبِّلُهَا قَالَ وَقَالَ جَمِيعُهُمْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلا مالك وَحْدَهُ فَقَالَ بِدْعَةٌ * (فَرْعٌ) أَمَّا الرُّكْنُ الْيَمَانِي فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِلَامُهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْتَلِمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَسْتَلِمُهُ وَلَا يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَهُ بَلْ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ * (فَرْعٌ) أَمَّا الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ فَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ * قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ إجْمَاعُ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَانْقَرَضَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُسْتَلَمَانِ وَمِمَّنْ كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وانس ابن مَالِكٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ * وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الِاضْطِبَاعُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد فِيهِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّمَلَ فِي الطَّوْفَاتِ الثلاث يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ والنخعي ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ *

(فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الرَّمَلَ مُسْتَحَبٌّ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ الْأُولَى مِنْ السَّبْعِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْمُلُ فِي السَّبْعِ كُلِّهَا * وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرْمُلُ فِي شئ مِنْ الطَّوَافِ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ (إنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الرَّمَلُ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي صحيح البخاري عن عمربن الخطاب رضي الله عنه قال (مالنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكم ثم قال شئ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَوْ ترك الرمل فاته الفضيلة ولا شئ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ الْمَالِكِيُّ عَلَيْهِ دَمٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ عَلَيْهِ دَمٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ أَوْ الِاضْطِبَاعَ أَوْ الِاسْتِلَامَ لَزِمَهُ دَمٌ لِحَدِيثِ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دم) * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المرأة لا ترمل ولا تسعى بل تمشي * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وابو حنيفة وابو ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَكَرِهَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ * وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الطَّوَافَ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ فِيمَا سَبَقَ *

(فَرْعٌ) التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَطُوفَ عَلَى يَمِينِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعِيدُهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ * (فَرْعٌ) لَوْ طَافَ فِي الْحِجْرِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بِلَا إعَادَةٍ أَرَاقَ دَمًا وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ * (فَرْعٌ) إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَهُ لِيُصَلِّيَهَا فَصَلَّاهَا جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ يَسْتَأْنِفُ * (فَرْعٌ) إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ إتْمَامَ الطَّوَافِ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخْرُجُ لَهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ اسْتَأْنَفَ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُطَافُ بِالصَّبِيِّ وَيُجْزِئُهُ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُطَافُ بِالْمَرِيضِ وَيُجْزِئُهُ إلَّا عَطَاءً فَعَنْهُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَطُوفُ عَنْهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الشُّرْبَ فِي الطَّوَافِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ خَالَفَ وَشَرِبَ لَمْ يَبْطُلْ طَوَافُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِيهِ طَاوُسٌ وعطاء واحمد واسحق وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مَنَعَهُ * (فَرْعٌ) لَوْ طَافَتْ الْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً وَهِيَ غَيْرُ مُحْرِمَةٍ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَتُهُ كَمَا يُكْرَهُ صَلَاتُهَا مُنْتَقِبَةً * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَطُوفُ مُنْتَقِبَةً وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ واحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ *

(فَرْعٌ) لَوْ حَمَلَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّوَافَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا (احصها) يَقَعُ الطَّوَافُ لِلْحَامِلِ (وَالثَّانِي) لِلْمَحْمُولِ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ لَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ لِلْحَامِلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ للحامل ورواية لهما * (فرع) لو بقي شئ مِنْ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَلَوْ طَوْفَةً أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُتِمَّهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يأتي به هذا مذهبنا وبه قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ فِيهِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَكْفِي لِلْقَارِنِ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ وَأَحْمَدُ واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد * وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بن زيد وعبد الرحمن ابن الْأَسْوَدِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَأَقْرَبُ مَا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان معه هدي فيهل بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حلوا ثم طافوا أطوافا أخر بعد ما رَجَعُوا مِنْ مِنًى بِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَارِنًا * وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ * هَذَا

كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَرْفُوعًا (وَأَمَّا) الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ كَمَا سَبَقَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ قَالَ (لَقِيتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ هُوَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقُلْت هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلْتَ قَالَ ذَلِكَ لَوْ كُنْتَ بَدَأْتَ بِالْعُمْرَةِ قُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ لَوْ أَرَدْتُ ذلك قال تهل بهما جيمعا ثُمَّ تَطُوفُ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَتَسْعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو نَصْرٍ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ قَالَ ومداره على الحارث عُمَارَةَ وَحَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد وَعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ فَرْضٍ فَنَوَى بِطَوَافِهِ غَيْرَهُ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَقَعُ عَنْ فَرْضِهِ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَقِيَاسُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَعَلَى الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) رَكْعَتَا الطَّوَافِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاجِبَتَانِ * (فَرْعٌ) * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَصِحَّانِ حَيْثُ صَلَّاهُمَا إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ كَرِهَ فِعْلَهُمَا فِي الْحِجْرِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْحِجْرِ كَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا صَلَّاهُمَا فِي الْحِجْرِ أَعَادَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ أَرَاقَ دَمًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا حُجَّةَ لِمَالِكٍ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْحِجْرِ صَحِيحَةً فَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ إعَادَتُهَا وَإِنْ رَجَعَ إلَى (1) فَأَمَّا وجوب الدم فلا أعلمه يجب في شئ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ * هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ و* نقل أَصْحَابُنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا حَيْثُ شاء من الحرم *

_ (1) بياض لاصل فحرر) *)

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ سُنَّةٌ وَفِي قَوْلٍ وَاجِبَةٌ فَإِنْ صَلَّى فَرِيضَةً عَقِبَ الطَّوَافِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ صَلَاةِ الطَّوَافِ إنْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ قَالَ يُجْزِئُهُ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الاسود وإسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَلَا أَظُنُّهُ يَثْبُتُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُجْزِئُهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلِيَّ يُصَلِّي صَلَاةَ الطَّوَافِ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ لَا يُصَلِّي عَنْهُ * (فَرْعٌ) فيمن طاف أطوفة ولم يصلي لَهَا ثُمَّ صَلَّى لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْمِسْوَرِ وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وعطاء وسعيد بن جبير وأحمد وإسحق وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِنَهْيِ الشَّارِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلِيلِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعٍ جَمِيعًا ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ سِتَّ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَنَا) فَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ * وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ فَهُوَ ضعيف ايضا والله اعلم * قال المصنف رحمه الله * (ثم يسعي وهو ركن من أركان الحج لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عليكم) فلا يصح السعي إلا بعد طواف فان سعى ثم طاف لم يعتد بالسعي لما روى ابن عمر قال (لما قدم رسول الله صلى عليه وسلم طاف بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ طاف بين الصفا والمروة سبعا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسوة حسنة) فنحن نصنع ما صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والسعي أن يمر سبع مرات بين الصفا والمروة لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نبدأ بالذي بدأ الله به وبدأ بالصفا حتى فرغ من آخر سعيه على المروة) فان مر من الصفا إلى المروة حسب ذلك مرة وإذا رجع من المروة إلى الصفا حسب ذلك مرة أخرى وقال أبو بكر الصيرفي لا يحسب رجوعه

من المروة إلى الصفا مرة وهذا خطأ لانه استوفى ما بينهما بالسعي فحسب مرة كما لو بدأ من الصفا وجاء إلى المروة * فأن بدأ بالمروة وسعى إلى الصفا لم يجزه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ابدأوا بما بدأ الله به) ويرقى على الصفا حتى يرى البيت فيستقبله ويقول اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إله إلا الله مخصلين له الدين ولو كره الكافرون لما روى جابر قال (خرج رسول الله إلى الصفا فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى إذا رأى البيت توجه إليه وكبر ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي ويميت وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دعا ثم قال مثل هذا ثلاثا ثم نزل) ثم يدعوا لنفسه بما احب من امر الدين والدنيا لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يدعو بعد التهليل والتكبير لنفسه فإذا فرغ من الدعاء نزل من الصفا ويمشي حتي يكون بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد نحو من ستة اذرع فيسعي سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الاخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى يصعد المروة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا نزل من الصفا مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعي حتي يخرج منه إذا صعد مشى حتى يأتي المروة والمستحب ان يقول بين الصفا والمروة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك انت الاعز الاكرم لما روت صفية بنت شيبة عن امرأة من بني نوفل إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك * فان ترك السعي ومشى في الجميع جاز لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه كان يمشي بين الصفا والمروة وقال ان امشي فقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشى وأنا شيخ كبير * وان سعي راكبا جاز لما روى جابر قَالَ (طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طواف حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس ويسألوه) والمستحب إذا صعد المروة أن يفعل مثل ما فعل على الصفا لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) قال في الام فان سعي بين الصفا والمروة ولم يرق عليهما اجزأه وقال أبو حفص بن الوكيل لا يجزئه حتى يرقى عليهما ليتيقن انه

استوفى السعي بينهما وهذا لا يصح لان المستحق هو السعي بينهما وقد فعل ذلك وان كانت امراة ذات جمال فالمتسحب ان تطوف وتسعي ليلا فان فعلت ذلك نهارا مشت في موضع السعي * وان اقيمت الصلاة أو عرض عارض قطع السعي فإذا فرغ بنى لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يطوف بين الصفا والمروة فأعجله البول فتنحى ودعا بماء فتوضأ ثم قام فأتم على ما مضى) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ) فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ تَجْرَاةَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ - وَحَبِيبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ حَبِيبَةُ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَحَدِيثُهَا هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِيهِ اضْطِرَابٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطويل (واما) حديث (ابدؤا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ لَكِنَّ لَفْظَهُ (أَبْدَأُ) عَلَى الْخَبَرِ والذي في نسخ المهذب (ابدؤا) بِوَاوِ الْجَمْعِ عَلَى الْأَمْرِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فابدؤا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّ فِي لَفْظِهِ مُخَالَفَةً وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ (فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَتَيْنِ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادَيْنِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي ويميت وهو على كل شئ قَدِيرٌ) زَادَ يُحْيِي وَيُمِيتُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ لِنَفْسِهِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْمَشْيِ وَالسَّعْيِ

فصحيح رواه بِمَعْنَاهُ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ (ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى إذَا تَصَوَّبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَسَعَى حَتَّى صَعِدَتْ قَدَمَاهُ ثُمَّ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَعِدَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْبَيْتُ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ جَمِيعَ طُرُقِهِ تَدُورُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ بِضَمِّ الْجِيمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ عَطَاءً اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَتَرَكُوا الاحتجاج بروايات من سمع آخِرًا وَالرَّاوِي عَنْهُ فِي التِّرْمِذِيِّ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ آخِرًا وَلَكِنْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ وَسُفْيَانُ مِمَّنْ سُمِعَ منه قديما وكثير ابن جُمْهَانَ مَسْتُورٌ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ أَيْضًا حَسَنٌ عِنْدَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) فرواه مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَيْ الطَّوَائِفَ الَّتِي تَحَزَّبَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَصَرُوا الْمَدِينَةَ (وَقَوْلُهُ) وَحْدَهُ مَعْنَاهُ هَزَمَهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْكُمْ بَلْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا (قَوْلُهُ) فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ يُقَالُ رَقِيَ يَرْقَى كَعَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أَوْ تَرْقَى فِي السماء) وقوله الميل الاخضر هو العمود (وقوله) مُعَلَّقٌ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ - وَالْمُرَادُ رُكْنُ الْمَسْجِدِ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الْمُعَلَّقُ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَمَعْنَاهُ الْمَبْنِيُّ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ (قَوْلُهُ) وَحِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي]

التَّنْبِيهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ لَفْظَةِ حِذَاءَ بَلْ يُقَالُ الْمُعَلَّقَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالدَّارِمِيُّ والماوردي والقاضي حسين أبو عَلِيٍّ وَالْمَسْعُودِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ بِحَذْفِ لَفْظَةِ حِذَاءَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِ حَائِطِ دَارِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجِدَارُ دَارِ الْعَبَّاسِ بِجِيمٍ وَبِرَاءٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهَذَا حَسَنٌ والمراد بالجدال الحائط والعباس صاحب هذا الدَّارِ وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُ (وَأَمَّا) صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ فَصَحَابِيَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَابِعِيَّةٌ وَسَبَقَ ذِكْرُهَا في آخر باب محظورات الاحرام (وأما) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْحَجَرِ الأسود فيستلمه ثم يخرج من باب الصفا إلَى الْمَسْعَى ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ فَصْلِ الطَّوَافِ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمُ وَيَدْعُوَ فِيهِ وَيَدْخُلَ الْحِجْرَ وَيَدْعُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ إذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ ركعتيه ثم يصليهما * وقال ابن جريج الطَّبَرِيُّ يَطُوفُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَحَادِيثَ - الصَّحِيحَةَ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ثُمَّ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَقِبَ صَلَاةِ الطواف بشئ إلَّا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ الْخُرُوجَ إلَى الصفا والله أَعْلَمُ * ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلسَّعْيِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَأْتِيَ سَفْحَ جَبَلِ الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهِ قَدْرَ قَامَةٍ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ وَهُوَ يَتَرَاءَى لَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ بَابِ الصَّفَا لَا مِنْ فَوْقِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِذَا صَعِدَهُ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بيده الخير وهو على كل شئ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ

الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّفَا وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى الصَّفَا (اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بدينك وطواعتيك وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ وَجَنِّبْنَا حُدُودَكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ ونحب ملائكتك وأنبيائك وَرُسُلَكَ وَنُحِبُّ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ حَبِّبْنَا إلَيْكَ وَإِلَى مَلَائِكَتِكَ وَإِلَى أَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَإِلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الصَّفَا (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُلَبِّي عَلَى الصَّفَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُلَبِّي إنْ كَانَ حَاجًّا وَهُوَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُعِيدُ هَذَا الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَيُعِيدُ الذِّكْرَ ثَالِثًا وَهَلْ يُعِيدُ الدُّعَاءَ ثَالِثًا فِيهِ وَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا) لَا يُعِيدُهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهُمَا) يُعِيدُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصواب لحديث جابر الذي ذكرناه قَرِيبًا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الدُّعَاءِ ثَلَاثًا * فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْمَرْوَةِ فَيَمْشِي عَلَى سَجِيَّةِ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتِّ أَذْرُعٍ ثُمَّ يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْيِ وَيَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ الْبَيْتُ إنْ ظَهَرَ فَيَأْتِيَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي قَالَهُ عَلَى الصَّفَا فَهَذِهِ مَرَّةٌ مِنْ سَعْيِهِ ثُمَّ يَعُودُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الصَّفَا صَعِدَهُ وَفَعَلَ مِنْ الذِّكْرِ والدعاء ما فعله أولا وهذه مَرَّةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ سَعْيِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا ثُمَّ يَعُودُ إلَى الصَّفَا وَهَكَذَا حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي مَشْيِهِ وَسَعْيِهِ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَهَذِهِ صِفَةُ السَّعْيِ * (فَرْعٌ) فِي بيانه وَاجِبَاتِ السَّعْيِ وَشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ (أَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَأَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقْطَعَ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَوْ بَقِيَ مِنْهَا بَعْضُ خُطْوَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا اُشْتُرِطَ أَنْ يُسَيِّرَ دَابَّتَهُ حَتَّى تَضَعَ حَافِرَهَا عَلَى الْجَبَلِ أَوْ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى من المسافة شئ وَيَجِبُ عَلَى الْمَاشِي أَنْ يُلْصِقَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ رِجْلَهُ بِالْجَبَلِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُلْصِقَ الْعَقِبَ بِأَصْلِ مَا يذهب منه ويلصق رؤوس أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَصْعَدْ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ فَإِنْ صَعِدَ فَهُوَ الْأَكْمَلُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَهَكَذَا عَمِلَتْ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَيْسَ هَذَا الصُّعُودُ شَرْطًا وَاجِبًا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلَكِنَّ بَعْضَ الدَّرَجِ مُسْتَحْدَثٌ فَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يُخَلِّفَهَا وَرَاءَهُ فَلَا يَصِحَّ سَعْيُهُ حِينَئِذٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْعَدَ فِي الدَّرَجِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ الصُّعُودُ

عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرًا يَسِيرًا وَلَا يَصِحُّ سَعْيُهُ إلَّا بِذَلِكَ لِيَسْتَيْقِنَ قَطْعَ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ كَمَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ لِيَسْتَيْقِنَ إكْمَالَ الْوَجْهِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى رَاكِبًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَصْعَدُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا اسْتِيقَانُ قَطْعِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ فَيَحْصُلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إلْصَاقِ الْعَقِبِ وَالْأَصَابِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْوَكِيلِ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صُعُودُ الصفا والمروة بشئ قَلِيلٍ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صُعُودُهُمَا قَدْرَ قَامَةِ رَجُلٍ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْأَوَّلُ (وَالْوَاجِبُ الثَّانِي) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الصَّفَا فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يُحْسَبْ مُرُورُهُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا فَإِذَا عَادَ مِنْ الصَّفَا كَانَ هَذَا أَوَّلَ سَعْيِهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَرْوَةِ وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْ الصَّفَا وَالرَّابِعَةِ مِنْ الْمَرْوَةِ وَالْخَامِسَةِ مِنْ الصَّفَا وَالسَّادِسَةِ مِنْ الْمَرْوَةِ وَالسَّابِعَةِ مِنْ الصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا أراد االعود مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ السَّعْيِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصَّفَا أَيْضًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الْمَرَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى الرويانى وغيره وجها شاذا أنها تحسب الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى هَكَذَا وَقَالَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ نَكَسَ السَّعْيَ فَبَدَأَ أَوَّلًا بِالْمَرْوَةِ وَخَتَمَ السَّابِعَةَ بِالصَّفَا لَمْ تَجْزِهِ الْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي بَدَأَهَا مِنْ الْمَرْوَةِ وَتَصِيرُ الثَّانِيَةُ الَّتِي بَدَأَهَا مِنْ الصَّفَا أُولَى وَيُحْسَبُ مَا بَعْدَهَا فَيَحْصُلُ لَهُ سِتُّ مَرَّاتٍ وَيَبْقَى عَلَيْهِ سَابِعَةٌ فيبدأها مِنْ الصَّفَا فَإِذَا وَصَلَ الْمَرْوَةَ تَمَّ سَعْيُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ نَسِيَ بَعْضَ السَّبْعِ فَإِنْ نَسِيَ السَّابِعَةَ أَتَى بِهَا يَبْدَؤُهَا مِنْ الصَّفَا وَلَوْ نَسِيَ السَّادِسَةَ وَسَعَى السَّابِعَةَ حُسِبَتْ لَهُ الْخَمْسُ الْأُوَلُ وَلَا تُحْسَبُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فَلَا تَصِحُّ السَّابِعَةُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالسَّادِسَةِ فَيَلْزَمُهُ سَادِسَةٌ يَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَرْوَةِ ثُمَّ سَابِعَةٌ يَبْدَؤُهَا مِنْ الصَّفَا فَيَتِمُّ سَعْيُهُ بِوُصُولِهِ الْمَرْوَةَ وَقَالَ لَوْ نَسِيَ الْخَامِسَ لَمْ يَعْتَدَّ بِالسَّادِسِ وَجَعَلَ السَّابِعَ خَامِسًا ثُمَّ أَتَى بِالسَّادِسِ ثُمَّ السَّابِعِ قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْعَى لَمْ يَسْتَوْفِهِ فِي سَعْيِهِ فَلَوْ تَرَكَ ذِرَاعًا مِنْ الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يتركه من آخر السابقة فيعود ويأتي

بِالذِّرَاعِ وَيُجْزِئَهُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ كَانَ عَلَى إحْرَامِهِ (1) (الثَّانِي) أَنْ يَتْرُكَهُ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَةِ فَيَلْزَمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّابِعَةِ بِكَمَالِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا كَمَنْ تَرَكَ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ بِكَمَالِهَا (الثَّالِثُ) أَنْ يَتْرُكَهُ مِنْ وَسَطِ السَّابِعَةِ فَيَحْسُبَ مَا مَضَى مِنْهَا وَيَلْزَمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّابِعَةِ * وَلَوْ تَرَكَ ذِرَاعًا مِنْ السَّادِسَةِ لَمْ تُحْسَبْ السَّابِعَةُ لِأَنَّهَا لَا تُحْسَبُ حَتَّى تَصِحَّ السَّادِسَةُ (وَأَمَّا) السَّادِسَةُ فَحُكْمُهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي السابعة إذا ترك منها ذراعا ويجئ فِيهَا الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَاجِبُ الثَّالِثُ) إكْمَالُ سَبْعِ مَرَّاتٍ يُحْسَبُ الذَّهَابُ مِنْ الصَّفَّا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَّا مَرَّةً ثَانِيَةً وَالْعَوْدَ إلَى الْمَرْوَةِ ثَالِثَةً وَالْعَوْدَ إلَى الصَّفَا رَابِعَةً وَإِلَى الْمَرْوَةِ خَامِسَةً وإلى الصفا سادسة ومنه إلي الصفا سَابِعَةً فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَجَمَاهِيرُ العلماء وعليه عمر النَّاسِ وَبِهِ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ * وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْسُبُ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَتَكُونُ الْمَرَّةُ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَكُونُ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَمَا أَنَّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يُحْسَبُ الذَّهَابُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ بِهِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى سَبْعًا بَدَأَ بِالصَّفَا وَفَرَغَ عَلَى الْمَرْوَةِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَحْصُلُ فِيهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ كُلِّهَا إلَّا بِالْمُرُورِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَمَّا هُنَا فَيَحْصُلُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ كُلِّهَا بِالْمُرُورِ إلَى الْمَرْوَةِ وَإِذَا رَجَعَ إلَى الصَّفَا حَصَلَ قَطْعُهَا مَرَّةً أُخْرَى فَحَسَبَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ * وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَحْسُبُ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْعَوْدَ إلَى الصَّفَا كِلَاهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُحْسَبُ أَحَدُهُمَا مَرَّةً وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَصَلَ الْمَرْوَةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حَصَلَ لَهُ مَرَّةٌ مِنْ السَّبْعِ قال وعوده إلى الصفا ليس بشئ فَلَا يُحْسَبُ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَوَصُّلٌ إلَى

السَّعْيِ قَالَ حَتَّى لَوْ عَادَ مَارًّا فِي الْمَسْجِدِ لَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَازَ وَحُسِبَ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُمْهُورِ وَالرِّوَايَتَانِ عَنْهُ بَاطِلَتَانِ وَالصَّوَابُ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الذَّهَابَ مرة والعود أخرى والله أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ سَعَى أَوْ طَافَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ فَلَوْ اعْتَقَدَ إتْمَامَ سَعْيِهِ فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أو عدلان ببقاء شئ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْوَاجِبُ الرَّابِعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ هُوَ الْوَاقِعُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ. فَإِذَا بَقِيَ السَّعْيُ لَمْ يَكُنْ الْمَفْعُولُ طَوَافَ الْوَدَاعِ * وَاسْتَدَلَّ الْمَاوَرْدِيُّ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عيله وَسَلَّمَ (سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مناسككم) وباجماع الْمُسْلِمِينَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبِ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا لَوْ قَدَّمَ السَّعْيَ عَلَى الطَّوَافِ اعْتَدَّ بِالسَّعْيِ وَهَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ لِخُرُوجِهِ إلَى مِنًى أَنْ يُقَدِّمَ السَّعْيَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ قَالَ وَبِمَذْهَبِنَا هَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وقال مالك وأحمد وإسحق لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَادِمِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ خَارِجِ مَكَّةَ جَازَ لِلْمُحْرِمِ مِنْهَا * هَذَا نَقْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ

مَا يُوَافِقُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الاضافة كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَعَى ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ الطَّوَافِ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِلَّا فَيَسْتَأْنِفُ فَإِذَا أَتَى بِبَقِيَّتِهِ أَوْ اسْتَأْنَفَهُ أَعَادَ السَّعْيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ مَرَاتِبِ السَّعْيِ سُنَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ يَسِيرٌ أَوْ طَوِيلٌ بَيْنَهُنَّ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا فَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ الْكَثِيرَ بَيْنَ مَرَّاتِ الطَّوَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِي السَّعْيِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّ السَّعْيَ أَخَفُّ مِنْ الطَّوَافِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ * وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ فَرَّقَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ وَجَازَ الْبِنَاءُ وَكَذَا إنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لِعُذْرٍ كَالْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا بِلَا عُذْرٍ فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ يَبْنِي وَفِي الْقَدِيمِ يَسْتَأْنِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا جَازَ وَصَحَّ سَعْيُهُ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ فَإِنْ تَخَلَّلَ الْوُقُوفُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْوَسِيطِ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُهُ التَّرَدُّدَ بَلْ حَكَى قَوْلَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسَكَتَ

عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ دَخَلَ وَقْتَ الطواف المفروض فلم يجزأن يَسْعَى سَعْيًا تَابِعًا لِطَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِ طَوَافِ فَرْضٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُوَالَاةِ بين الطواف والسعي سنة وانه لو تخل زَمَانٌ طَوِيلٌ كَسَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ جَازَ أَنْ يَسْعَى وَيَصِحُّ سَعْيُهُ وَيَكُونُ مَضْمُومًا إلَى السَّعْيِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَكُلُّهُمْ يُمَثِّلُونَ بِمَا لَوْ أَخَّرَهُ سَنَتَيْنِ جَازَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا وَشَهْرًا وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا كَالْوُقُوفِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ (وَالثَّانِي) تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَرَّقَ كَثِيرًا لَمْ يَصِحَّ السَّعْيُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ السَّعْيَ لَمَّا افْتَقَرَ إلَى تَقَدُّمِ الطَّوَافِ لِيَمْتَازَ عَمَّا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَ إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِيَقَعَ الْمَيْزُ بِهِ ولا يحصل الميز إذا أَخَّرَهُ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ فِي عِبَادَةٍ وَأَمْكَنَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا فَصَارَ كَالْيَدِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قِيَاسًا عَلَى تَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَنْ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَلَا آخِرَ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي سُنَنِ السَّعْيِ وَهِيَ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ سِوَى الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ الطَّوَافِ وَأَنْ يُوَالِيَهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الطَّوَافِ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَرَّاتِهِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ الْآنَ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ سَاتِرًا عَوْرَتَهُ فَلَوْ سَعَى مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ جَازَ وَصَحَّ سَعْيُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَدْ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ (الثَّالِثَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَحَرَّى زمان الحلوة لسعيه

وَطَوَافِهِ وَإِذَا كَثُرَتْ الزَّحْمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَفَّظَ من أيدى الناس وترك هيئة من هيآت السَّعْيِ أَهْوَنُ مِنْ إيذَاءِ مُسْلِمٍ وَمِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِلْأَذَى وَإِذَا عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ فِي مَوْضِعِهِ لِلزَّحْمَةِ تَشَبَّهَ فِي حَرَكَتِهِ بِالسَّاعِي كَمَا قُلْنَا فِي الرَّمَلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْعَى فِي اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَأَسْلَمُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فَإِنْ طَافَتْ نَهَارًا جَازَ وَتَسْدُلُ عَلَى وَجْهِهَا مَا يَسْتُرُهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّتِهِ الْبَشَرَةَ (الرَّابِعَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَرْكَبَ فِي سَعْيِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بالتواضع لكنه سبق هناك خلاف في تسمية ان الطواف راكبا مكروه وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّعْيَ رَاكِبًا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا خَوْفُ تَنَجُّسِ الْمَسْجِدِ بِالدَّابَّةِ وصيانته امتهانه بها هذا الْمَعْنَى مُنْتَصَفٌ فِي السَّعْيِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَاوِي الرُّكُوبُ فِي السَّعْيِ أَخَفُّ مِنْ الرُّكُوبِ فِي الطَّوَافِ * وَلَوْ سَعَى بِهِ غَيْرُهُ مَحْمُولًا جَازَ لَكِنَّ الْأَوْلَى سَعْيُهُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا صَغِيرًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ إلَى السَّعْيِ مِنْ بَابِ الصَّفَا (السَّادِسَةُ) أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (السَّابِعَةُ) الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي مُرُورِهِ بَيْنَهُمَا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَسَبَقَ بَيَانُ أَدِلَّةِ كُلِّ هَذَا (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ سَعْيًا شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ * وَالسَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ السَّبْعِ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ كَمَا أَنَّ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ فِي بَاقِي الْمَسَافَةِ سُنَّةٌ * وَلَوْ سَعَى فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ أَوْ مَشَى فِيهَا صَحَّ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ ففيها وجهان (الصحيح) المشهور به قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَسْعَى فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ بَلْ تَمْشِي جَمِيعَ الْمَسَافَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي الْخَلْوَةِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَأَمْرُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى السَّتْرِ وَلِهَذَا لَا تَرْمُلُ في الطواف (والثانى) انها لا سَعَتْ فِي اللَّيْلِ حَالَ خُلُوِّ الْمَسْعَى اُسْتُحِبَّ لَهَا السَّعْيُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ كَالرَّجُلِ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ رَأَيْتُ النَّاسَ إذَا فَرَغُوا مِنْ السَّعْيِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ ولكن لم يثبت ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * هَذَا كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ابتداء شعار وقد قال الشافعي رحمهم اللَّهُ لَيْسَ فِي السَّعْيِ صَلَاةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *] [ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ فِي غير موضع السعي فلو مر رواء مَوْضِعِ السَّعْيِ فِي زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ لِأَنَّ السَّعْيَ مُخْتَصٌّ بِمَكَانٍ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ مَوْضِعُ السَّعْيِ بَطْنُ الْوَادِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَإِنْ الْتَوَى شَيْئًا يَسِيرًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَدَلَ حَتَّى يُفَارِقَ الْوَادِيَ الْمُؤَدِّيَ إلَى زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ لَمْ يَجْزِ وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ الْتَوَى فِي السَّعْيِ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَوْ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ (1) وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَعَلَهُ أَجْزَأَهُ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الطَّوَافِ أَنَّهُ يُسَنُّ الِاضْطِبَاعُ فِي جَمِيعِ الْمَسْعَى وَذَكَرْنَا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ حِكَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ السَّعْيِ الشَّدِيدِ دُونَ مَوْضِعِ الْمَشْيِ وَهَذَا غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) السَّعْيُ ركن من أركان الحج لايتم الْحَجُّ إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا يَفُوتُ مَا دَامَ صَاحِبُهُ حَيًّا فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةٌ مِنْ السَّعْيِ أَوْ خُطْوَةٌ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ سِنِينَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا إلَّا مَا شَذَّ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَرَكَ السَّعْيَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَزِمَهُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَفِيهَا الدَّمُ قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ قَوْلًا آخَرَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَعَ رُكْنًا وَلَا يُعَادُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

وَغَيْرُهُمَا يُكْرَهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ يَعْنِي بِالطَّوَافِ السَّعْيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَلا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما) * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ سَعَى راكبا جاز ولايقال مكروه لكنه خلاف الاولى ولادم عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَطَاءٌ ومجاهد * قال ابن المنذر وكره الركوب عاشة وعروة وأحمد واسحق وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَلَا دَمَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بِلَا إعَادَةٍ لزمه دم * دلينا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى رَاكِبًا) * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ السَّعْيِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يَتِمُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ خُطْوَةٌ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَبِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَمَالِكٌ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ يَنُوبُ عَنْهُ * وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ وَالْأَصَحُّ عَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ وَقَالَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَابْنُ سِيرِينَ هُوَ تطوع ليس بركن ولا واجب ولادم فِي تَرْكِهِ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ دُونَهَا لَزِمَهُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ وَلَيْسَ هُوَ بركن وهو مذهب أبو حَنِيفَةَ * وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَا شئ فِي تَرْكِهِ وَرِوَايَةٌ فِيهِ الدَّمُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ الذى قدمناه انها سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ) فَهُوَ رُكْنٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ وَحَدِيثُهَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما) وَفِي الشَّوَاذِّ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) وَرَفْعُ الْجُنَاحِ فِي الطَّوَافِ بِهِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا وَاجِبٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُنَّ سَمِعْنَ من

رسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا سَأَلَهَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ هَذَا فَقَالَتْ (إنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ هَكَذَا لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْ يَخَافُونَ الْحَرَجَ فِيهِ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) لَوْ سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ انه يصح وحكاه أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ وَدَاوُد * دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ وقال صلي الله عليه وسلم لتأخذوا مَنَاسِكَكُمْ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ شَرِيكٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يأنونه فَمِنْ قَائِلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ لَا حَرَجَ إلَّا عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فذلك الذى هلك وخرج) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كُلُّ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ الصَّحَابِيَّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا حَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَيْ سَعَيْتُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَبْلَ طوف الْإِفَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي السَّعْيِ شَرْطٌ فَيَبْدَأُ بِالصَّفَا فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ * قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِالْمَرْوَةِ * وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) يَجْزِي الْجَاهِلَ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم (ابدؤا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ قَطَعَهُ وَصَلَّاهَا ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَقْطَعُهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهَا * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الجمهور أن السي يَصِحُّ مِنْ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَعَادَ السَّعْيَ وإن كان بعده فلا شئ عَلَيْهِ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بالبيت) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (ويخطب الامام اليوم السابع من ذى الحجة بعد الظهر بمكة ويأمر الناس بالغدو من الغد إلى منى وهى احدى الخطب الاربع المسنونة في الحج والدليل عليه ما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم) ويخرج إلي مني في اليوم الثامن ويصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بها إلى أن يصلى الصبح لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى يوم التروية بمني الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة) فإذا طلعت الشمس صار الي الموقف لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (ثم مكث قليلا حتي طلعت الشمس ثم ركب فأمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها) فإذا زالت

الشمس خطب الامام وهي الخطبة الثانية من الخطب الاربع فيخطب خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم إلى الثانية ويبتدئ المؤذن بالاذان حتى يكون فراغ الامام مع فراغ المؤذن لما روي أن سالم بن عبد الله قال للحجاج (إن كنت تريد أن تصيب السنة فَأَقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما صدق) ثم يصلي الظهر والعصر اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا لفظه * عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الظُّهْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْفَجْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى وَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ مكث قليلا فرواه مسلم كما ذكرناه الْآنَ عَنْهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَالِمٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ هُنَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جابر في

حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ بِحَمْلِ الْمَاءِ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَيُسَمَّى يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يوم النقلة ايضا لان الناس ينقلون فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى (وَأَمَّا) نَمِرَةُ فَبِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ فِي نَظَائِرِهَا وَنَمِرَةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ خَارِجَ الْحَرَمِ بَيْنَ طَرَفِ الْحَرَمِ وَطَرَفِ عَرَفَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا إذ فَرَغَ الْمُحْرِمُ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا مُتَمَتِّعًا أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ فيحلق رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرْهُ فَإِذَا فَعَلَ صَارَ حَلَالًا تحل له النساء وكل شئ كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُعْتَمِرًا غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ سَوَاءٌ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا وَقَدْ قَدَّمْتُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمِرُ مُتَمَتِّعًا أَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا يَفْعَلُ مَا أَرَادَ مِنْ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ تَطَوُّعًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يستحب له ذلك * ويتسحب لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ * فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ وَكَذَا مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُحْرِمُ بِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُسْتَوْطِنِينَ بِهَا أَمْ الْغُرَبَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ * وَإِنْ كَانَ الَّذِي فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ حَاجًّا مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا فَإِنْ وَقَعَ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ كُلِّهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * وَإِنْ وَقَعَ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلْيَمْكُثْ بِمَكَّةَ إلَى وَقْتِ خُرُوجِهِمْ إلَى مِنًى فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ خُطْبَةً فَرْدَةً وَهِيَ أَوَّلُ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْحَجِّ وَيَأْمُرُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِأَنْ يَتَأَهَّبُوا إلَى الذَّهَابِ إلَى مِنًى فِي الْغَدِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ فَيَذْكُرُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْرُجُوا غَدًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ

الله تعالى إلى منى وأن يصلو بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتُوا بِهَا وَيُصَلُّوا بِهَا الصُّبْحَ وَيَمْكُثُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ على ثببر ثُمَّ يَسِيرُوا إلَى نَمِرَةَ وَيَغْتَسِلُوا لِلْوُقُوفِ وَلَا يَصُومُوا وَلَا يَدْخُلُوا عَرَفَاتٍ قَبْلَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا وَأَنْ يَحْضُرُوا الصَّلَاتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَيَذْكُرَ لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيَأْمُرَ الْمُتَمَتِّعِينَ أَنْ يَطُوفُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ وَهَذَا الطَّوَافُ مُسْتَحَبٌّ لَهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ وَصَلَّاهَا ثُمَّ خَطَبَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ وَشَرْطُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا تَدْخُلُ إحْدَاهَا فِي الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْإِمَامُ الَّذِي خَطَبَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ يَوْمَ السَّابِعِ مُحْرِمًا افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا افْتَتَحَهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِمَكَّةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْرِمَ وَيَصْعَدَ الْمِنْبَرَ مُحْرِمًا ثُمَّ يَخْطُبَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ إحْرَامِ الْإِمَامِ غَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ * (فَرْعٌ) الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ (إحْدَاهُنَّ) يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَرِيبًا وَاضِحَةً (الثَّانِيَةُ) يَوْمَ عَرَفَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ (الثَّالِثَةُ) بِمِنًى (الرَّابِعَةُ) يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى أَيْضًا وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَذْكُرُ لَهُمْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخُطَبِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَخْطُبُ فَقِيهًا قَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ هَذِهِ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ أَفْرَادٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا الَّتِي بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهُمَا خُطْبَتَانِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُنَّ فِي مَوْضِعِهِنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) أَيَّامُ الْمَنَاسِكِ سَبْعَةٌ (أَوَّلُهَا) بَعْدَ الزَّوَالِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَالسَّابِعُ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ مَخْصُوصٌ وَالثَّامِنُ يُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ كَمَا سَبَقَ وَالتَّاسِعُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - سُمِّيَ

بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى أَوْ يُقِيمُونَ مُطْمَئِنِّينَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي (وَأَمَّا) قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ إنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ الثَّامِنِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ الْمَاءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ لِأَنَّ آدَمَ رَأَى فيه حواء وقيل لان جبريل رأى فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ فَكَلَامٌ فَاسِدٌ وَنَقْلٌ عَجِيبٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ لِلْخَلِيفَةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ أَنْ يُنَصِّبَ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِيجِ يُقِيمُ لَهُمْ الْمَنَاسِكَ وَيُطِيعُونَهُ فِيمَا يَنُوبُهُمْ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ حَسَنٌ فِي صِفَاتِ هذا لامير وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِوِلَايَتِهِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فَقَدْ فُتِحَتْ مَكَّةُ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي رَمَضَانَ (فَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ مَكَّةَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ لِلنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ ثُمَّ أَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْحَجِّ فَحَجَّ بِالنَّاسِ وَحَجَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ عَلَى الْحَجِّ بِالنَّاسِ) وَإِذَا لَمْ يَحْضُرُوا اسْتَنَابُوا أَمِيرًا وَوَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخِلَافَةَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهُنَّ كُلَّهُنَّ وَقِيلَ حَجَّ تِسْعَ سِنِينَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَالْحَجِيجُ إلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَكُونُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمِنًى هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْمُرُهُمْ بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَأْمُرُهُمْ بِالرَّوَاحِ * قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكُلُّ هَذَا قَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى * وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَغْدُوا بُكْرَةً وَبَيْنَ أَنْ يَرُوحُوا بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى * هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ * وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ خَرَجَ إلَى مِنًى وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ فحصل

خِلَافٌ فِي وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ بَعْدَ الصُّبْحِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ إلَى حَيْثُ لَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ حَرَامٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْآخَرِ فَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْهُ بِالْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ بِمِنًى وَلَا بِعَرَفَاتٍ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ دَارَ الْإِقَامَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ بُنِيَ بِهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ أَقَامُوا الْجُمُعَةَ وَصَلَّاهَا مَعَهُمْ الْحَجِيجُ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِذَا كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ بِمَكَّةَ وَسَارَ هُوَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ تَرَكُوا الْخُرُوجَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ فِي وَقْتِهَا بِمَكَّةَ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَالْخُرُوجُ إلَى مِنًى مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَخِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا الْمُتَمَتِّعُ وَالْمَكِّيُّ إذَا أَحْرَمَا بالج مِنْ مَكَّةَ (الثَّالِثَةُ) إذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى فَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ * وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتُوا بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَهَذَا الْمَبِيتُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ فلا شئ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُتَوَلِّي إنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ فَمُرَادُهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ لا فضيلة فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ اذابات بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَصَلَّى بِهَا الصُّبْحَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْكُثَ بِهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثببر - بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ فَإِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ سَارَ مُتَوَجِّهًا إلَى عَرَفَاتٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي

مَسِيرِهِ هَذَا (اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَلِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَرَدْتُ فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّكَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ) * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَ أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُدُوِّهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَهِيَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَاتٍ يُقَالُ لَهُ طَرِيقُ ضَبٍّ * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَكُونَ عَائِدًا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّتِي ذَهَبَ فِيهَا كَالْعِيدِ * وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ نَحْوَ هَذَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَطَرِيقُ ضَبٍّ طَرِيقٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِكَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى عَرَفَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْلُكَ فِي ذَهَابِهِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ طَرِيقَ الْمَأْزِمَيْنِ لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَزْرَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسِيرُونَ مُلَبِّينَ ذَاكِرِينَ اللَّهَ لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ (سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَذَكَرَهَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لا ينكر وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ مِنَّا الْمُلَبِّي وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إذَا وَصَلُوا نَمِرَةَ أَنْ تُضْرَبَ بِهَا قُبَّةُ الْإِمَامِ وَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّةٌ ضَرَبَهَا اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ حَيْثُ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ منزل الخلفاء اليوم وهو إلى الصخرة السافطة بِأَصْلِ الْجَبَلِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَاتٍ وكذا روى الازرقي في هذا التقييد عن عطاء قال الازرقي وغيره نمرة عند الجبل الذى عليه انصاب الْحَرَمِ عَنْ يَمِينِكَ إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَدْخُلُ عَرَفَاتٍ إلَّا فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ

بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَجْمُوعَتَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا يَفْعَلُهُ مُعْظَمُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَخَطَأٌ وَبِدْعَةٌ وَمُنَابَذَةٌ لِلسُّنَّةِ * وَالصَّوَابُ أَنْ يَمْكُثُوا بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُوا بِهَا لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى المسجد المسمى إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا كَيْفِيَّةَ الْوُقُوفِ وَشَرْطَهُ وَآدَابَهُ وَمَتَى الدَّفْعُ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ الَّتِي تَكُونُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذِهِ الْمَنَاسِكُ الَّتِي يَذْكُرُهَا فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ هِيَ مُعْظَمُ الْمَنَاسِكِ وَيُحَرِّضُهُمْ فِيهَا عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَوْقِفِ وَيُخَفِّفُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ تَخْفِيفُهَا تَخْفِيفَ الثَّانِيَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ الْآتِيَةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا قَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسُّؤَالِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيُخَفِّفُهَا جِدًّا وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ في الاذان من شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهَا مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ * هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ * وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يَفْرُغُ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَلَى مُرْتَفِعٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى بَعِيرٍ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضُرِبَتْ لَهُ الْقُبَّةُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ امر بالقصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ) ورواه مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) فَرُحِلَتْ - بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ - أَيْ جُعِلَ الرحل

عَلَيْهَا (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يَنْزِلَ فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ صِفَةِ الْجَمْعِ وَشُرُوطِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ مَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيَكُونُ هَذَا الْجَمْعُ بِأَذَانٍ لِلْأُولَى وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةٌ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسِرُّ الْقِرَاءَةَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْهَرُ كَالْجُمُعَةِ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَهْرُ فَظَاهِرُ الْحَالِ الْإِسْرَارُ وَهَلْ هَذَا الْجَمْعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ أَمْ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) بِسَبَبِ النُّسُكِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِكُلِّ أَحَدٍ هُنَاكَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ عَرَفَاتٍ أَوْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ مُسَافِرًا وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا جَمَعَ وَمَنْ كَانَ قَصِيرًا كَالْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ لَهُ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَجُوزُ (وَالْقَدِيمُ) جَوَازُهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِنَمِرَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَعَهُ حِينَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ) * وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ جَمَعُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْقَصْرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَصْرُ بِالنَّاسِ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَجْمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَهُمَا وَيَجْمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَهُمَا وَلَا يَجْمَعَهُمَا بَلْ يُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَلَا

يَقْصُرَهُمَا بَلْ يُتِمَّهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُتِمَّ إحْدَاهُمَا وَيَقْصُرَ الْأُخْرَى * هَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَسَائِرِ صَلَوَاتِ السَّفَرِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ وَالسُّنَّةَ جَمْعُهُمَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ مَقْصُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ اعلم * قال الشافعي والاصحاب فلو فات إنسان مِنْ الْحَجِيجِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي صَلَاتِهِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا كَسَائِرِ صَلَوَاتِ السَّفَرِ وَسَنَذْكُرُ فِيهِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا وَنَحْوَهُ مِمَّنْ سَفَرُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ * قَالَ أَصْحَابُنَا لو جَمَعَ بَعْضُ النَّاسِ قَبْلَ الْإِمَامِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى أَوْ صَلَّى إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى مُنْفَرِدًا جَمْعًا وَقَصْرًا جَازَ بِشَرْطِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ صَلَاتُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَصَلَّى بِهِمْ قَصْرًا وَجَمْعًا لَزِمَهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَأَمَّا) الْمَأْمُومُونَ فَيَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ كَمَا يَلْزَمُهُمْ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ * فَعَلَى هَذَا يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ وَيُعْلِمُ عَالِمُهُمْ بِذَلِكَ جَاهِلَهُمْ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ (1) وَلِلْمَشَقَّةِ فِي إعْلَامِ جَمِيعِهِمْ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَادِيَ بِالْجَمْعِ وَلَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ نِيَّتَهُ وَاجِبَةٌ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَ هَذِهِ النِّيَّةِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ هذا كله ينتقض بنية القصر فقد اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِهَا مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا دَخَلَ الْحُجَّاجُ مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ من حين خرجوا لانهم أنشأوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ * (فَرْعٌ) وَيُسَنُّ لَهُ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا يُسَنُّ لغيره من الجامعين القاصرين

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَيُصَلِّي أَوَّلًا سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يَتَنَفَّلُونَ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ بَلْ يُبَادِرُونَ بِتَعْجِيلِ الْوُقُوفِ * وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَنَفُّلِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِغَيْرِ الرَّوَاتِبِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ وَافَقَ يَوْمُ عرفة يوم جمعة لَمْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ هُنَاكَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا دَارَ الْإِقَامَةِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا مُسْتَوْطِنُونَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ قَالُوا لَوْ بُنِيَ بِهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ صُلِّيَتْ بِهَا الْجُمُعَةُ ولم يصلي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عمربن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَرْبَعُ خُطَبٍ وَهِيَ يَوْمُ السَّابِعِ بِمَكَّةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَيَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى وَيَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى أَيْضًا وَبِهِ قَالَ دَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ يَوْمُ السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ وَيَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي قَالَا وَلَا خُطْبَةَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ * وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي السَّابِعِ خُطْبَةٌ * وَقَالَ زُفَرُ خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ يَوْمُ الثَّامِنِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَنَا فِي خُطْبَةِ السَّابِعِ وَخُطْبَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ (وَأَمَّا) خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ فَفِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما يَعْنِي بِالثَّلَاثِ الرَّمْيَ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْحَلْقَ وَنَحْرَ الْهَدْيِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى وَبَيَانَهُ تَحْرِيمَ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْتُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أحدهما يقود به راحتله فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ زياد الصحابي بن الصَّحَابِيِّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب على ناقته العضبي يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا صَبِيٌّ أَرْدَفَنِي أَبِي يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى راحتله) * وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ (سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ لَكِنَّ لَفْظَهُ (سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْبُرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) خُطْبَةُ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِيهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ قَالَا (رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ وَهِيَ خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي خَطَبَ بِمِنًى) رَوَاهُ

أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ سُرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ الصَّحَابِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ - بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - وَبِالْإِمَالَةِ قَالَتْ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الروس فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ (إِذَا جاء نصر الله والفتح) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فأمر براحلته القصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ فَوَقَفَ بِالْعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي خُطْبَتِهِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ من أيام التشريق شئ والله أعلم * (فرع) مَذْهَبُنَا أَنَّ فِي خُطْبَةِ عَرَفَاتٍ يَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى قَبْلَ الْأَذَانِ ثُمَّ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ كما سبق * وقال أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ كَالْجُمُعَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقَالَ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِ خُطْبَتَيْهِ قَالَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَبِلَالٌ مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ) قال البيهقى تفرد بهذا ابراهيم ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى قُلْتُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ حَالَ حديثه هذا والمعتمد رواية مسلم والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَاصِرًا قَصَرَ خَلْفَهُ الْمُسَافِرُونَ سَفَرًا طَوِيلًا وَلَزِمَ الْمُقِيمِينَ الْإِتْمَامُ * وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ لِلْجَمِيعِ الْقَصْرُ وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَصَرَ لَمَّا خَرَجَ إلَى مِنًى * دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي اشْتِرَاطِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُطْلَقًا (وَأَمَّا) ابْنُ عُمَرَ فَكَانَ مُسَافِرًا لَهُ الْقَصْرُ فَقَصَرَ في موضع

وَأَتَمَّ فِي مَوْضِعٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا لَا لَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ أَيْضًا فِي مِنًى وَلَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَهُ اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ فِي مَكَّةَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ إذَا جَمَعَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ عَرَفَاتٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ يُؤَذِّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُقِيمُ * وَقَالَ احمد واسحق يُقِيمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَلَوْ فَاتَ بَعْضَهُمْ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُنْفَرِدًا جَامِعًا بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ لِلصَّلَاةِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَعَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ فَاتَهُ الصَّلَاتَانِ بِالْمُزْدَلِفَةِ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُنْفَرِدًا جَامِعًا فَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ وَمِمَّنْ حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ * وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَهْرَ كَالْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ منهم الثوري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فَلْيَخْرُجْ إلَى مِنًى * قَالَ وَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَتَأَخَّرَتْ عَائِشَةُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ * قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنْ منى حيث شاء والله اعلم *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * (ثم يروح إلى عرفة ويقف الوقوف ركن من أركان الحج لما روى عبد الرحمن الديلى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج) والمستحب أن يغتسل لما روى نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (كَانَ يغتسل إذا راح إلى عرفة) وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا الْخَلْقُ فِي مَوْضِعٍ واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيد ويصح الوقوف في جميع عرفة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عَرَفَةُ كُلُّهَا موقف) والافضل أن يقف عند الصخرات لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ عند الصخرات وجعل بطن ناقته إلى

الصخرات) * ويستحب أن يستقبل القبلة لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ولانه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير المجالس ما استقبل به القبلة) * ويستحب الاكثار من الدعاء وأفضله لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له لما روى طلحة بن عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له) * ويستحب أن يرفع يديه لما روى ابن عباس وابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ترفع الايدى عند الموقفين يعنى عرفة والمشعر الحرام) وهل الافضل أن يكون راكبا أم لا فيه قولان (قال) في الام النازل والراكب سواء (وقال) في القديم والاملاء الوقوف راكبا أفضل وهو الصحيح لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ راكبا) ولان الراكب أقوى على الدعاء فكان الركوب أولى ولهذا كان الافطار بعرفة أفضل لان المفطر أقوى على الوقوف والدعاء * وأول وقته إذا زالت الشمس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وقف بعد الزوال وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وآخر وقته إلى أن يطلع الفجر الثاني لحديث عبد الرحمن الديلي * فان حصل بعرفة في وقت الوقوف قائما أو قاعدا أو مجتازا فقد أدرك الحج لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَقَدْ قَامَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تفثه) وان وقف وهو مغمى عليه لم يدرك الحج وان وقف وهو نائم فقد أدرك الحج لان المغمى عليه ليس من أهل العبادات والنائم من أهل العبادات ولهذا لو أغمي عليه في جميع نهار الصوم لم يصح صومه وان نام في جميع النهار صح صومه وان وقف وهو لا يعلم انه عرفة فقد أدرك لانه وقف بها وهو مكلف فأشبه إذا علم انها عرفة * والسنة أن يقف بعد الزوال إلى أن تغرب الشمس لِمَا رَوَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ (وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ ثم أفاض حين غابت الشمس) * فان دفع منها قبل الغروب نظرت فان رجع إليها قبل طلوع الفجر لم يلزمه شئ لانه جمع في الوقوف بين الليل والنهار فأشبه إذا قام بها إلى أن غربت الشمس وإن لم يرجع قبل طلوع الفجر أراق دما * وهل يجب ذلك أو يستحب فيه قولان (أحدهما) يجب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ترك نسكا فعليه دم) ولانه نسك يختص بمكان فجاز ان

يجب بتركه الدم كالاحرام من الميقات (والثانى) انه يستحب لانه وقف في احد زماني الوقوف فلا يلزمه دم للزمان الآخر كما لو وقف في الليل دون النهار) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيِّ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي الحج عرفة من جاء ليلة جمع قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَنَادَى الْحَجُّ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ حَجٍّ فَيَتِمُّ حَجُّهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ) وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قُلْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ بِالْكُوفَةِ حَدِيثٌ أَشْرَفُ وَلَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَقَفْتُ هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ فَرَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ (أَمَّا) قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ) (1) (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ) فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عبيد الله ابن كَرِيزٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) هَكَذَا رَوَاهُ

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ آخِرُ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ طَلْحَةَ هَذَا تَابِعِيٌّ خُزَاعِيٌّ كُوفِيٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ طلحة ابن عبيد الله التميمي أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولًا قَالَ وَوَصْلُهُ ضَعِيفٌ * وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ) فَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا) إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخُوهُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا (1) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ رَاكِبًا) فَصَحِيحٌ

_ (1) كذا بالاصل وانظر اين الوجه الثاني) *)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَيْضًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ وُقُوفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) كَرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا) فَصَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسٍ الطَّائِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جئت من جبل طئ أَكْلَلْت رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ فَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ

بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ * قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ * قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ سَنَذْكُرُهُ بِطُولِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ

جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بنمرة حتى إذا زاعت الشمس أمر بالقصوى فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَا مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ (مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا) قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي قَالَ تَرَكَ أَمْ نَسِيَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ (مَنْ تَرَكَ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ لَهُ دَمًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ قَالَهُمَا

يَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ يُرِيقُ دَمًا سَوَاءٌ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيُّ الصَّحَابِيُّ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ - وَهُوَ مِنْ سَاكِنِي الْكُوفَةِ وَأَبُو يَعْمُرَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا - (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ قُرْبَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا الْخَلْقُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالْأَذْكَارِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ (وَقَوْلُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَقَدْ قَامَ قَبْلَ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ قَامَ وَقَدْ وَقَفَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ) (قَضَى تَفَثَهُ) هُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَالْوَسَخِ وَالْحَلْقِ وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ) وَلِهَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ نَامَ جَمِيعَهُ صَحَّ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَفِيهِمَا مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ

نُسُكٌ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالْأَذْكَارِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا فَرَغُوا مِنْ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسِيرُوا فِي الْحَالِ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُوا الْمَسِيرَ وَهَذَا التَّعْجِيلُ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ (كتب عبد الملك ابن مَرْوَانَ إلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الرَّوَاحَ فَقَالَ الْآنَ قَالَ نَعَمْ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ لَهُ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَأَقْصِرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ أَتَى الْمَوْقِفَ) (الثَّانِيَةُ) وَقْتُ الْوُقُوفِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ * وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ * وَحَكَى الْفُورَانِيُّ قَوْلًا مِثْلَ هَذَا وَفِيهِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ * وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَمَنْ حَصَلَ

بِعَرَفَاتٍ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُقُوفِ صَحَّ وُقُوفُهُ وَأَدْرَكَ بِذَلِكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ هَذَا الزَّمَانُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ مِنْ حِينِ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَدْفَعُ عَقِبَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ فَلَوْ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرْنَا * ثُمَّ إنْ عَادَ إلَى عَرَفَاتٍ وَبَقِيَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلَا دَمَ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَرَاقَ دَمًا وَهَلْ هَذَا الدَّمُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ سُنَّةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) وَاجِبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ فَمَعْذُورٌ فَيَكُونُ الدَّمُ مُسْتَحَبًّا قَطْعًا وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ فَعَادَ فِي اللَّيْلِ إلَى عَرَفَاتٍ فَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَسْقُطُ (أَمَّا) مَنْ لَمْ يَحْضُرْ عَرَفَاتٍ إلَّا فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ فَحَصَلَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقِيلَ بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالْإِعْرَاضِ وَقَطْعِ الْوُقُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ أَشْهَرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ

(الْحَجُّ عَرَفَةَ) وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْحُضُورُ فِي جُزْءٍ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ سَوَاءٌ حَضَرَهَا عَمْدًا أَوْ وَقَفَ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّحَدُّثِ وَاللَّهْوِ أَوْ فِي حَالَةِ النَّوْمِ أَوْ اجْتَازَ فِيهَا فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ وَلَمْ يَمْكُثْ أَصْلًا بَلْ مَرَّ مسرعا في طرق من أطراقها أَوْ كَانَ نَائِمًا عَلَى بَعِيرٍ فَانْتَهَى الْبَعِيرُ إلَى عَرَفَاتٍ فَمَرَّ بِهَا الْبَعِيرُ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَاكِبُهُ حَتَّى فَارَقَهَا أَوْ اجْتَازَهَا فِي طَلَبِ غَرِيمٍ هَارِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بَهِيمَةٍ شَارِدَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَصِحُّ وُقُوفُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ * وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْمُرُورُ الْمُجَرَّدُ بَلْ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ يَسِيرٌ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ * (وَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * (وَمِنْهَا) وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوفُ النَّائِمِ حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وَمَسْأَلَةِ الْجَاهِلِ بِكَوْنِهَا عَرَفَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ النِّيَّةُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ * (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رُكْنٍ نِيَّةٌ لِأَنَّ أَرْكَانَهُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَيَكُونُ كُلُّ رُكْنٍ كَعِبَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فَإِنْ شَرَطْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ مع النوم

وَلَا مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَكَانِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ (أَمَّا) إذَا حَضَرَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ دَابَّةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ يُجْزِئُهُ قَالَ وَظَاهِرُ النَّصِّ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِيمَنْ صَرَفَ الطَّوَافَ إلَى طَلَبِ غَرِيمٍ وَنَحْوِهِ قَالَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّوَافَ قَدْ يَقَعُ قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً بِخِلَافِ الْوُقُوفِ قَالَ وَلَا يَمْتَنِعُ طَرْدُ الْخِلَافِ (أَمَّا) إذَا وَقَفَ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَفِي صِحَّةِ وُقُوفِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ * وَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ * وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ * وَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنْ كَانَ سُكْرُهُ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْصِيَةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ * (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ كَالصَّاحِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا قُلْنَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ لَكِنْ يَقَعُ نَفْلًا كَحَجِّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ

الْجُنُونَ لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَوْ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَكَانَ عَاقِلًا فِي حَالِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ لَا يَضُرُّ بَلْ يَصِحُّ حَجُّهُ وَيَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وعرفه كُلُّهَا مَوْقِفٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَفْضَلُهَا مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ أَنَّهُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَالْمَشْهُورُ كَسْرُهَا (وَأَمَّا) حَدُّ عَرَفَاتٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ

مَا جَاوَزَ وَادِيَ عُرَنَةَ - بِعَيْنٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ - إلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ * وَنَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَدُّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ إلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ إلَى وَصِيقٍ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ - إلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَوَادِي عُرَنَةَ * قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِعَرَفَاتٍ اربع حدود (احدها) ينتهي إلى حادة طَرِيقِ الْمَشْرِقِ (وَالثَّانِي) إلَى حَافَاتِ الْجَبَلِ الَّذِي وَرَاءَ أَرْضِ عَرَفَاتٍ (وَالثَّالِثُ) إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي تَلِي قَرْيَةَ عَرَفَاتٍ وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ بِأَرْضِ عَرَفَاتٍ (وَالرَّابِعُ) يَنْتَهِي إلَى وَادِي عُرَنَةَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُطِيفُ بِمُنْعَرَجَاتِ عَرَفَاتٍ جِبَالِ وُجُوهِهَا الْمُقْبِلَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَادِي عرنة ولانمرة ولا المسجد

الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَسْجِدُ عُرَنَةَ بَلْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ خَارِجَةٌ عَنْ عَرَفَاتٍ عَلَى طَرَفِهَا الْغَرْبِيِّ مِمَّا يَلِي مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَكَّةَ * هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ كَوْنِ وَادِي عُرَنَةَ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَا خِلَافَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) نَمِرَةُ فَلَيْسَتْ أَيْضًا مِنْ عَرَفَاتٍ بَلْ بِقُرْبِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْأَوْسَطِ وَفِي غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَطَائِفَةٌ هِيَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ غَرِيبٌ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَلَا هُوَ فِي الشَّامِلِ وَلَا هُوَ صَحِيحٌ بَلْ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَلِمَا تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ (وَأَمَّا) مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ

بِهِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ هَذَا نَصُّهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ * وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ مُقَدَّمُ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ طَرَفِ وَادِي عُرَنَةَ لَا فِي عَرَفَاتٍ وَآخِرُهُ فِي عَرَفَاتٍ قَالُوا فَمَنْ وَقَفَ فِي مُقَدَّمِهِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ وَمَنْ وَقَفَ فِي آخِرِهِ صَحَّ وُقُوفُهُ قَالُوا وَيَتَمَيَّزُ ذَلِكَ بِصَخَرَاتٍ كِبَارٍ فُرِشَتْ هُنَاكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَنَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا القدر الذى ذكروه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (قُلْتُ) قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ذَرْعٌ سَعَتُهُ

مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا قَالَ وَمِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ عَرَفَةَ وَالطَّرِيقِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا قَالَ وَلَهُ مِائَةُ شُرْفَةٍ وثلاثة شُرُفَاتٍ وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْوَابٍ قَالَ وَمِنْ حَدِّ الْحَرَمِ إلَى مَسْجِدِ عُرَنَةَ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَخَمْسُ أَذْرُعٍ قَالَ وَمِنْ مَسْجِدِ عَرَفَاتٍ هَذَا إلَى مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميل والله أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ عُرَنَةَ وَنَمِرَةَ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ لَيْسَتَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَأَمَّا) جَبَلُ الرَّحْمَةِ فَفِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ * فَإِذَا عُلِمَتْ عَرَفَاتٌ بِحُدُودِهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ حَيْثُ وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَاتٍ فِي جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا وَجِبَالِهَا وسهلها وبطاحها واوديتها وسوقتها الْمَعْرُوفَةِ بِذِي الْمَجَازِ أَجْزَأَهُ قَالَ فَأَمَّا إنْ وَقَفَ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ مِنْ وَرَائِهَا أَوْ دُونَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) وَاجِبُ الْوُقُوفِ وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ (أَحَدُهُمَا) كَوْنُهُ فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَفِي وَقْتِ الْوُقُوفِ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ (وَالثَّانِي) كَوْنُ الْوَاقِفِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ (وَأَمَّا) سُنَنُهُ وَآدَابُهُ فَكَثِيرَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَدْخُلَ أَرْضَ عَرَفَاتٍ إلَّا بَعْدَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (الثَّالِثُ) الْخُطْبَتَانِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (الرَّابِعُ) تَعْجِيلُ الْوُقُوفِ عَقِبَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا سَوَاءٌ أَطَاقَ الصَّوْمَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ ضَعُفَ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْفِطْرَ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ مُفْطِرًا (السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فَلَوْ وَقَفَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ صَحَّ وُقُوفُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) قال اصحابنا ولا تشترط الطهارة في شئ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ (السَّابِعُ) السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَطُوفَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا

مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنْ الدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ قَضَاءَ أَشْغَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَتَفَرَّغَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ فِي مَوْقِفِهِ طُرُقَ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ وَيَتَهَوَّشَ عَلَيْهِ حَالُهُ وَيَذْهَبَ خُشُوعُهُ (التَّاسِعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ مَاشِيًا أَوْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الدُّعَاءِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى وَيُقْتَدَى بِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ وُقُوفُهُ رَاكِبًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ رَاكِبًا) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ لَا يَضْعُفُ بِالْوُقُوفِ مَاشِيًا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُحْتَاجُ إلَى ظُهُورِهِ فَفِي الْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ * (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ الْمُهِمُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ (وَالثَّانِي) تَرْكُ الرُّكُوبِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ لِتَعَادُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْعَاشِرُ) أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْوُقُوفِ بِمَوْقِفِ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا جَعَلَ نَظَرَ رَاحِلَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا وَقَفَ عَلَى الصَّخَرَاتِ أَوْ عِنْدَهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي وَلَا يَتَأَذَّى قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِلزَّحْمَةِ تَقَرَّبَ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ * (وَأَمَّا) مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَرْجِيحِهِمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ حَتَّى رُبَّمَا تُوُهِّمَ مِنْ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إلَّا فِيهِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ فِي صعود هذاالجبل فَضِيلَةً يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ غَيْرِ مَوْقِفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ قصد هذاالجبل الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ قَالَ وَهُوَ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَحْوَهُ * وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا

ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ الِاعْتِنَاءُ بِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي خَصَّهُ الْعُلَمَاءُ بِالذِّكْرِ وَحَثُّوا عَلَيْهِ وَفَضَّلُوهُ وَحَدِيثُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ * وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ جَبَلٌ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ لَا نُسُكَ فِي صُعُودِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَادُهُ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحَادِيَ عَشَرَ) السُّنَّةُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّضَرُّعِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهَذِهِ وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ وَلَا يُقَصِّرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَطْلُوبُهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِيهِ * وَيُكْثِرُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَلَا يَتَكَلَّفُ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ الْمَسْجُوعِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا أَوْ قَالَهُ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَا فَكَّرَ فِيهِ بَلْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ تَكَلُّفَ تَرْتِيبِهِ وَإِعْرَابِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ قَلْبَهُ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا رُفِعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تدعون أصما وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) * رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * ارْبَعُوا - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ التَّضَرُّعَ وَالْخُشُوعَ وَالتَّذَلُّلَ وَالْخُضُوعَ وَإِظْهَارَ الضَّعْفِ وَالِافْتِقَارِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَلَا يَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ بَلْ يَكُونُ قَوِيَّ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ

فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) * رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا أَوْ صَرَفَ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أو قطعية رحم فقال رجل من القوم إذا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ (أَوْ يَدَّخِرُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَهَا) * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَ كُلَّ دُعَاءٍ ثَلَاثًا وَيَفْتَتِحُ دُعَاءَهُ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْتِمُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ * وَلْيَكُنْ مُتَطَهِّرًا مُتَبَاعِدًا عَنْ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَعَهُ فَإِنَّ هَذِهِ آدَابٌ لِجَمِيعِ الدَّعَوَاتِ وَلْيَخْتِمْ دُعَاءَهُ بِآمِينَ وَلْيُكْثِرْ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَأَفْضَلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ) * وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَكْثَرُ مَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَوْقِفِ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرٍ مِمَّا نَقُولُ اللَّهُمَّ لَك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي وَإِلَيْك مَآبِي لَك رَبِّ قُرْآنِي اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تجئ بِهِ الرِّيحُ) * وَإِسْنَادُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفٌ لَكِنْ مَعْنَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا

بِالْأَضْعَفِ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ * وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ رافعا بها صوته مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ كُلِّهَا فَتَارَةً يُهَلِّلُ وَتَارَةً يُكَبِّرُ وَتَارَةً يُسَبِّحُ وَتَارَةً يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَتَارَةً يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتارة يدعوا وتارة يستغفر ويدعوا مُفْرَدًا وَفِي جَمَاعَةٍ وَلْيَدْعُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَأَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَسَائِرِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ التقصير في شئ مِنْ هَذَا فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ * وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّلَفُّظَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ مَعَ النَّدَمِ بِالْقَلْبِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْبُكَاءَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فهناك تسكب العبرات وتستقل الْعَثَرَاتُ وَتُرْتَجَى الطَّلَبَاتُ وَإِنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْخَوَاصِّ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ * وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ) وَرَوَيْنَا عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم (ما رؤى الشيطان اصفر ولا اخضر وَلَا أَدْبَرَ وَلَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الرَّحْمَةَ تُنَزَّلُ فيه

فَيُتَجَاوَزُ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ) وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَنَّهُ رَأَى سَائِلًا يَسْأَلُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ يَا عَاجِزُ فِي هَذَا الْيَوْمِ يُسْأَلُ غير الله تعالى) * وعن الفضل بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ قِيلَ لَا قَالَ وَاَللَّهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ لَهُمْ بِدَانِقٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) وَمِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمُخْتَارَةِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي رَحْمَةً أَسْعَدُ بِهَا فِي الدَّارَيْنِ وَتُبْ على توبة نصوحا لاأنكثها أَبَدًا وَأَلْزِمْنِي سَبِيلَ الِاسْتِقَامَةِ لَا أَزِيغُ عَنْهَا أبدا اللهم أنقلني عن ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي وَاغْفِرْ لِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ واجمع لى الخير * اللهم إنى أسئلك الهدى والتقى والعفاف والفني * اللَّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتَنِي أَسْتَوْدِعُك مِنِّي وَمِنْ أَحْبَابِي وَالْمُسْلِمِينَ أَدْيَانَنَا وَأَمَانَاتِنَا وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِنَا وَأَقْوَالَنَا وَأَبْدَانَنَا وَجَمِيعَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) لِيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْتِ الْمُهِمِّ فِيمَا لَا يَعْنِي مَعَ أَنَّهُ يُخَافُ انْجِرَارُهُ إلَى حَرَامٍ مِنْ غِيبَةٍ وَنَحْوِهَا * وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ غَايَةَ الِاحْتِرَازِ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يراه رث الهيئة أو مقصرا في شئ وَيَحْتَرِزُ مِنْ انْتِهَارِ السَّائِلِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ خَاطَبَ ضَعِيفًا تَلَطَّفَ فِي مُخَاطَبَتِهِ فَإِنْ رَأَى مُنْكَرًا مُحَقَّقًا لَزِمَهُ إنْكَارُهُ وَيَتَلَطَّفُ فِي ذَلِكَ *

(فَرْعٌ) لِيَسْتَكْثِرْ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ فِي يَوْمِ عَرَفَة وَسَائِرِ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إلَّا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرج بشئ) والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إلَّا لِلْعُذْرِ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوْ اجْتِهَادُهُ فِي الْأَذْكَارِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَظَلَّ بِعَرَفَاتٍ مَعَ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ظُلِّلَ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ) وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ مَذْهَبِنَا غَيْرَ مَا فِي اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَاتٍ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ الْمَعْرُوفُ فِي الْبُلْدَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ (رَأَيْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ جَلَسَ فَدَعَا وَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةٍ (رَأَيْت الحسن خرج يوم عرفة من المعصورة بَعْدَ الْعَصْرَ فَعُرِفَ * وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ (سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ فَقَالَا هُوَ مُحْدَثٌ) * وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هُوَ مُحْدَثٌ * وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ * وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْهُ فقال أرجوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ الْحَسَنُ وَبَكْرٌ وَثَابِتٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ * وَكَرِهَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ والحكم وحماد ومالك ابن أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ * وَصَنَّفَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ الزَّاهِدُ كِتَابًا فِي الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ جَعَلَ مِنْهَا هَذَا التَّعْرِيفَ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَنَقَلَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَا يُلْحِقُهُ بِفَاحِشَاتِ الْبِدَعِ بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالوقوف

(فَرْعٌ) مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ إيقَادِ الشَّمْعِ بِجَبَلِ عَرَفَةَ لَيْلَةَ التَّاسِعِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَسْتَصْحِبُونَ الشَّمْعَ مِنْ بُلْدَانِهِمْ لِذَلِكَ وَيَعْتَنُونَ بِهِ وَهَذِهِ ضَلَالَةٌ فَاحِشَةٌ جَمَعُوا فِيهَا أَنْوَاعًا مِنْ الْقَبَائِحِ (مِنْهَا) إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ (وَمِنْهَا) إظْهَارُ شِعَارِ الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ (وَمِنْهَا) اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالشُّمُوعُ بَيْنَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ بَارِزَةٌ (وَمِنْهَا) تَقْدِيمُ دُخُولِ عَرَفَاتٍ عَلَى وَقْتِهَا الْمَشْرُوعِ وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَكُلِّ ومكلف تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ هَذِهِ الْبِدَعِ إنْكَارُهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تتعلق بالوقوف * (إحداهما) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُ غَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا * وَاخْتَلَفُوا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ * (الثَّانِيَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوفُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وحكاه ابن المنذر عن الشافعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا

أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ وُقُوفِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ * (الرَّابِعَةُ) إذَا وَقَفَ فِي النَّهَارِ وَدَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَعُدْ فِي نَهَارِهِ إلَى عَرَفَاتٍ هَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا * (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يلزمه (وقال) أو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ فَعَادَ فِي اللَّيْلِ سَقَطَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَسْقُطُ * وَإِذَا دَفَعَ بِالنَّهَارِ وَلَمْ يَعُدْ أَجْزَأَهُ وُقُوفُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الدَّمَ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا * وَقَالَ مَالِكٌ الْمُعْتَمَدُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هُوَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَقَالَ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ يَعْنِي الصُّبْحَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَجِبُ لَكِنْ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا بُدَّ مِنْ

الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ طَرِيقُ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) وَقْتُ الْوُقُوفِ بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ * وقال القاضى أبو الطيب والعبد رى هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ وَمَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا وَقَفَ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالُوا وَحَدِيثُ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ (السَّادِسَةُ) لَوْ وَقَفَ بِبَطْنِ عرنة لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ * وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ هَذَا الذى حكاه أصحابنا عن مَالِكٍ لَمْ أَرَهُ لَهُ بَلْ مَذْهَبُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ بِعُرَنَةَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عرفة كلها موقف وارتفعوا عن عرنة) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَجْمَعُوا

عَلَى تَضْعِيفِ الْقَاسِمِ هَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ كَذَّابٌ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ فَتَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ * وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ ضعيف ليس بشئ * وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يُسَاوِي شَيْئًا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ * وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ * وَرَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْفُوعًا بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ على شرط

مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ مسلم وقد ضعفه جمهور الائمة والله أَعْلَمُ * (قُلْتُ) فَتَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِكٍ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) الرِّوَايَةُ الْمُرْسَلَةُ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ (وَالثَّانِي) الْمَوْقُوفُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الَّذِي قُلْنَا بِهِ مِنْ تَحْدِيدِ عَرَفَاتٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَدَّعِيهِ مِنْ دُخُولِ عُرَنَةَ فِي الْحَدِّ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَلَا ضعيف في ذلك والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *

(وإذا غربت الشمس دفع إلى المزلفة لحديث علي كرم الله وجهه ويمشي وعليه السكينة لما روى الفضل بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وغداة جمع حين دفعوا (عليكم بالسكينة) فإذا وجد فرجة أسرع لما روى أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يسير العنق) فإذا وجد فجوة نص ويجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة على ما بيناه في كتاب الصلاة فان صلى كل واحدة منهما في وقتها جاز لان الجمع رخصة لاجل السفر فجاز له تركه * ويثبت بها إلى أن يطلع الفجر الثاني لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء واضطجع حتى إذا طلع الفجر صلى الفجر) وفى أي موضع من المزدلفة بات أجزأه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا موقف وارتفعوا

عن بطن محسر) وهل يجب المبيت بمزدلفة أم لا فيه قولان (أحدهما) يجب لانه نسك مقصود في موضع فكان واجبا كالرمي (والثانى) انه سنة لانه مبيت فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة (فان قلنا) انه يجب وجب بتركه الدم (وان قلنا) انه سنة لم يجب بتركه الدم * ويستحب ان يؤخذ منها حصى جمرة العقبة لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غداة يوم النحر (القط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصي الخذف) ولان السنة إذا أتي منى لا يعرج على غير الرمي فاستحب أن يأخذ الحصي حتى لا يشتغل عن الرمى وان أخذ الحصى من غيرها جاز لان الاسم يقع عليه *

ويصلي الصبح بالمزدلفة في أول الوقت وتقديمها أفضل لما روى عبد الله قَالَ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلي صلاة الا لميقاتها الا المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها) ولانه يستحب الدعاء بعدها فاستحب تقديمها ليكثر الدعاء * فإذا صلى وقف على قزح وهو المشعر الحرام ويستقبل القبلة ويدعو الله تعالى لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ركب القصواء حتى رقى على المشعر الحرام واستقبل القبلة فدعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس) * والمستحب أن يدفع قبل طلوع الشمس لحديث جابر فان أخر الدفع حتى طلعت الشمس كره لما روى المسور بن مخرمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (كانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس على رؤس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس ليخالف هدينا هدى أهل الاوثان والشرك) * فان قدم الدفع بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (ان سودة رضى الله عنها كانت امرأه ثبطة فاستأذنت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تعجيل الافاضة ليلا في ليلة المزدلفة فأذن لها) * والمستحب إذا دفع من المزدلفة أن يمشى وعليه السكينة لما ذكرناه من حديث الفضل بن عباس وإذا وجد فرجة أسرع كما يفعل في الدفع من عرفة * والمستحب إذا بلغ وادى محسر ان يسرع إذا كان ماشيا أو يحرك دابته إذا كان راكبا بقدر رمية حجر لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرك قليلا في وادى محسر) *

(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ * وَمِمَّا فِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَحَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَحَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَابِرٌ وَكُلُّ رِوَايَاتِهِمْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا جَابِرًا فَفِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ في مذاهب العلماء قبل هذا الفصل ويغني عنه حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (نحرت ههنا ومنى كلها منحر فا نحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) * رَوَاهُ مُسْلِمٌ *

وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي لَقْطِ الْحَصَيَاتِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ إسْنَادِ النَّسَائِيّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُمَا رَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِمَا أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لَا الْفَضْلُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مُسْنَدِ الْفَضْلِ وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصَلَهُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَأَرْسَلَهُ فِي رِوَايَتَيْ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُرْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا عُرِفَ فَأَوْلَى بِالِاحْتِجَاجِ وَالِاعْتِمَادِ وَقَدْ عُرِفَ هُنَا أَنَّهُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) فِي الصُّبْحِ قَبْلَ مِيقَاتِهَا أَيْ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ الْوَاقِعِ هُنَا وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ

الطَّوِيلِ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ سَوْدَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حديث جابر الذى بعده في واد مُحَسِّرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَالْمُزْدَلِفَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ - قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِيَتْ بِذَلِكَ مِنْ التَّزَلُّفِ وَالِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ مَضَوْا إلَيْهَا وَتَقَرَّبُوا مِنْهَا * وَقِيلَ سميت بذلك لمجئ النَّاسِ إلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ وَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةُ جَمْعًا - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مِنْ الْحَرَمِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ حَدُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وما زمى عَرَفَةَ وَلَيْسَ الْحَدَّانِ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ الْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ * (وَأَمَّا) وَادِي مُحَسِّرٍ - فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الفيل حسر

فيه أي اعى وَكَلَّ عَنْ السَّيْرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (يَنْقَلِبْ اليك البصر خاسئا وهو حسير) وَوَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ ليس مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا (وَأَمَّا) مِنًى - فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ وَالتَّذْكِيرُ والتأنيث والاجود الصرف * وجزم ابن قتيبية في آداب الكتاب بِأَنَّهَا لَا تُصْرَفُ * وَجَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّ مِنًى مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ منى لما يمن فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَيُصَبُّ هَذَا هو الصواب الذى جزم به لجمهور مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ * وَنَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ لَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَةَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له تمنى قَالَ أَتَمَنَّى الْجَنَّةَ * وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ قولهم منى الله الشئ أَيْ قَدَّرَهُ فَسُمِّيَتْ مِنًى لِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشَّعَائِرِ فِيهَا * قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ يُونُسُ يُقَال امْتَنَى الْقَوْمُ إذَا أَتَوْا مِنًى وقال ابن الاعراب يُقَالُ أَمْنَى الْقَوْمُ أَتَوْا مِنًى * وَاعْلَمْ أَنَّ مِنًى مِنْ الْحَرَمِ وَهِيَ شِعْبٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) ثَبِيرٌ (وَالْآخَرُ) الصَّانِعُ قَالَ

الْأَزْرَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ حَدُّ مِنًى مَا بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ وَلَيْسَتْ الْجَمْرَةُ وَلَا وَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا أَقْبَلَ عَلَى مِنًى مِنْ الْجِبَالِ فَهُوَ مِنْهَا وَمَا أَدْبَرَ فَلَيْسَ مِنْهَا * قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ ذَرْعُ مَا بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَمُحَسِّرٍ سَبْعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَعَرْضُ مِنًى مِنْ مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِي الْجِبَالَ إلَى الْجَبَلِ بِحِذَائِهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَمِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى أَرْبَعُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَسَبْعٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَمِنْ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى إلَى الْجَمْرَةِ التى تلي مسجد الخيف ثلاثمائة ذراع وخمس أَذْرُعٍ وَمِنْ الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ إلَى أَوْسَطِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ ان بين مكة ومنى مسافة فرسخ وهو ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ مِنًى إلَى مُزْدَلِفَةَ فَرْسَخٌ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى عَرَفَاتٍ فَرْسَخٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى فَرْسَخَانِ (وَالصَّوَابُ) فَرْسَخٌ فَقَطْ كَذَا قَالَهُ الْأَزْرَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ فِي هَذَا الْفَنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ - فَبِفَتْحِ الْمِيمِ - هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ لَكِنْ لَمْ يَرِدْ إلَّا بِالْفَتْحِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ الْكَسْرَ وَمَعْنَى الْحَرَامِ الْمُحَرَّمُ أَيْ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يكون معناه ذو الْحُرْمَةِ * وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ هَلْ هو المزدلفة كلها أم بعهضا وَهُوَ قُزَحُ خَاصَّةً وَسَنُوَضِّحُ الْخِلَافَ فِيهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ) فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً وَهِيَ - بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا - وَيُقَالُ فُرْجٌ بِلَا هَاءٍ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (وَقَوْلُهُ) يَسِيرُ - الْعَنَقَ بِفَتْحِ

النُّونِ - وَهُوَ ضَرْبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ السَّيْرِ فِيهِ إسْرَاعٌ يَسِيرٌ وَالنَّصُّ - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ - الْمُهْمَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَنَقِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ مَقْصُودٌ فِي مَوْضِعِهِ فَكَانَ وَاجِبًا كَالرَّمْيِ احْتَرَزَ عَنْ الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فَإِنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلطَّوَافِ وَكَذَا صَلَاةُ الطَّوَافِ وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ وَبِطَوَافِ الْقُدُومِ وَبِالْخُطَبِ وَالتَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اُلْقُطْ لِي حَصًى) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ (قَوْلُهُ) وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُقَدِّمُهَا أَفْضَلَ تَقْدِيمٍ أَيْ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّقْدِيمِ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ) وَقَفَ عَلَى قُزَحَ هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ - وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ) إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب القصوى - هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَبِالْمَدِّ - قَالَ أهل اللغة يقال شاة قصوى وناقة قصوى إذا قطع من أذنها شئ لَا يُجَاوِزُ الرُّبُعَ فَإِنْ جَاوَزَ فَهِيَ عَضْبَاءُ قال العلماء ولم تَكُنْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقطوعا من أذنها شئ قال صاحب المطالع قال الدارودي انما قيل لها القصوى لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يقال شاة قصوى وناقة قصوى وَلَا يُقَالُ جَمَلٌ أَقْصَى وَإِنَّمَا يُقَالُ مَقْصُوٌّ ومقصى كما يقال امرأه حسنى وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَحْسَنُ وَكَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ الناقة القصوى وَالْقَصِيُّ وَالْجَدْعَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ اسْمٌ لِنَاقَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ هُنَّ ثَلَاثٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (قَوْلُهُ) رَقِيَ عَلَى الْمَشْعَرِ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ) حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا هُوَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ جد وَمَعْنَاهُ إسْفَارًا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ) امْرَأَةً ثَبْطَةً هِيَ - بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ - أَيْ ثَقِيلَةَ الْبَدَنِ جَسِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) وَهِيَ مُقَدِّمَةٌ لِمَا بَعْدَهَا فِي بَيَانِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي سَبَقَ الْوَعْدُ بِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ (وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ هَذِهِ عَرَفَةُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ

وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ وَيَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَازَ الْوَادِيَ فَوَقَفَ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ ثُمَّ أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى الْمَنْحَرَ فَقَالَ هَذَا الْمَنْحَرُ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فريضة الله في الحج أفيجزي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ حُجِّي عَنْ أَبِيكِ وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ أَوْ أُقَصِّرَ قَالَ احْلِقْ وَلَا حَرَجَ قَالَ وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ ثُمَّ أَتَى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ عليه الناس لنزعت) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَتِهِ (وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ) (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ لِلْإِمَامِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَحَقَّقَ غُرُوبُهَا أَنْ يُفِيضَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضَ النَّاسُ مَعَهُ وَأَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ إلَى الْعِشَاءِ وَيُكْثِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّلْبِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا) (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَسْلُكَ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَالْمَأْزِمُ - بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ - هُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمِيعُ

الاصحاب على انه يسن الذهاب إلى المزذلفة على طريق المأزمين لا على طريق صب * وَعَجَبٌ إهْمَالُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا مَعَ شُهْرَتِهَا وَذِكْرُهُ لَهَا فِي التَّنْبِيهِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَسِيرَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ عَلَى عَادَةِ سَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَيَحْتَرِزُ عَنْ إيذَاءِ النَّاسِ فِي الْمُزَاحَمَةِ فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَاعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ النَّاسُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ يَتَأَخَّرُوا عَنْهُ لَكِنْ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يؤخروا صلاة المغرب ويجمعوا بينها وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ هَكَذَا أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُؤَخِّرُهُمَا إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ فَإِنْ خَافَهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَلْ يَجْمَعُ بالناس في الطريق * وممن قال بهذا التفضيل الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ * وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِيَتَّفِقَ قَوْلُهُمْ مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الْكَثِيرَةُ الْكَبِيرَةُ والله أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا وَصَلُوا مُزْدَلِفَةَ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ وَيُنِيخُ كُلُّ إنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلُهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِحَدِيثِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رَكِبَ حَتَّى جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَصَلَّى ثُمَّ حَلُّوا) * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَصَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ جَمَعَ وَحْدَهُ لَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ صَلَّى إحْدَاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى وَحْدَهُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا أَوْ صَلَّاهُمَا فِي عَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ * وَإِنْ جَمَعَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ وَفِي الْأَذَانِ لِلْأُولَى الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيمَنْ جَمَعَ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الْأَذَانِ * (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحَادِيثُهُ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَمِمَّنْ رَوَى فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ * وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّادِسَةُ) إذَا وَصَلُوا مُزْدَلِفَةَ وَحَلُّوا بَاتُوا بِهَا وَهَذَا الْمَبِيتُ نُسُكٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْإِيجَابِ (وَالثَّالِثُ) بِالِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا * فَإِنْ قُلْنَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ فَالدَّمُ لِتَرْكِهِ وَاجِبٌ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ * هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ إمَامَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ بعرفات قاله أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بكر محمد بن اسحق

ابن خُزَيْمَةَ (فَأَمَّا) ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ * ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ يَحْصُلُ بِالْحُضُورِ فِي مُزْدَلِفَةَ فِي سَاعَةٍ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَحْصُلُ أَيْضًا بِسَاعَةٍ فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَوْ سَاعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَبِيتِ قَوْلَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) مُعْظَمُ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) الْحُضُورُ حَالَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَضَعِيفٌ * وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَحْصُلْ بِمُزْدَلِفَةَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَزِمَهُ دَمٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا إلَّا أَقَلَّ اللَّيْلِ وَهَذَا الْحُكْمُ وَالدَّلِيلُ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَحَصَلَ الْمَبِيتُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا مِمَّا يَرُدُّ نَقْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ بمزدلفة غالبا الا قريب رُبُعِ اللَّيْلِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِذَا دَفَعَ عَقِبَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَضَرَ مُعْظَمَ اللَّيْلِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّفْعُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِعُذْرٍ أَمْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمَبِيتُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِيَسِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ تَرَكَ الْمَبِيتَ فَلَوْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَعَادَ إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ الْمَبِيتُ ولا شئ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذَا الَّذِي ذكرناه من

وُجُوبِ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ مِنْ أَصْلِهِ إذَا قُلْنَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ هُوَ فِيمَنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ (أَمَّا) مَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَاتٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ * وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ الْإِفَاضَةَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِسَبَبِ الطَّوَافِ قَالَ صَاحِبُ التقريب والقفال لا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِرُكْنٍ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالْوُقُوفِ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ عِنْدِي لِأَنَّ الْمُنْتَهِيَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي الليل مضطرا إلَى التَّخَلُّفِ عَنْ الْمَبِيتِ (وَأَمَّا) الطَّوَافُ فَيُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَحْصُلُ هَذَا الْمَبِيتُ بِالْحُضُورِ فِي أَيَّةِ بُقْعَةٍ كَانَتْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَالْعُمْدَةُ فِي دَلِيلِهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ مُزْدَلِفَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا فِي الْمَبِيتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَجَبٌ كَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ تَحْدِيدُ الْمُزْدَلِفَةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْقَى بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاتَ بِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ * (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَلِلْعِيدِ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ * وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْفَضْلِ مِنْهَا شَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِنَّ الْمُزْدَلِفَةَ مِنْ الْحَرَمِ كَمَا سَبَقَ وَانْضَمَّ إلَى هَذَا جَلَالَةُ أَهْلِ الْمَجْمَعِ الْحَاضِرِينَ بِهَا وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ

لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْنَى الْحَاضِرُ هُنَاكَ بِإِحْيَائِهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ تِلَاوَةٍ وَذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَيَتَأَهَّبَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِلِاغْتِسَالِ أَوْ الْوُضُوءِ وَيُحَصِّلَ حَصَاةَ الْجِمَارِ وَتَهْيِئَةَ مَتَاعِهِ (الثَّامِنَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فربما سقط منها شئ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ ذَلِكَ لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ سَبْعِينَ حَصَاةً سَبْعًا لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَا يَأْخُذُ إلَّا سَبْعَ حَصَيَاتٍ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والشيخ (1) وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ قَالَ وَجَعَلُوهُ بَيَانًا لِمَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَجَمَعَ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ لِيَوْمِ النَّحْرِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ

مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَلِصَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ * وَقَدْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَأْخُذُونَ الْحَصَى مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فِي اللَّيْلِ لِئَلَّا يَشْتَغِلُوا بِالنَّهَارِ بِتَحْصِيلِهِ وَخَالَفَهُمْ الْبَغَوِيّ فَقَالَ يَأْخُذُونَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْحَصَى مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ قَوْمٌ يَأْخُذُهَا مِنْ الْمَأْزِمَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِنْ أَيْ مَوْضِعٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ الْمَسْجِدِ وَالْحِلِّ وَالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَمِنْ الْجِمَارِ الَّتِي رَمَاهَا هُوَ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا (أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا رُفِعَ وَمَا لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ) * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَرْفُوعَانِ ضَعِيفَانِ * وَكَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَخْذَهَا مِنْ جَمِيعِ مِنًى لِانْتِشَارِ مَا رُمِيَ فِيهَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ رَمَى بِكُلِّ مَا كَرِهْنَاهُ أَجْزَأَهُ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ أَنَّهُ إذَا رَمَى حَصَاةً ثُمَّ أَخَذَهَا وَرَمَاهَا هُوَ فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الشَّخْصُ أَوْ الزَّمَانُ أَوْ الْمَكَانُ أجزأه

الرَّمْيُ بِالْمَرْمِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يُسَمَّى رَمْيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ الْحَصَى بَلْ يَلْتَقِطُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِالْتِقَاطِ الْحَصَيَاتِ لَهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الحديث وقد ورد نهي في الكسر ههنا وَلِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْأَذَى * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَكْرَهُ غَسْلَ حَصَى الْجِمَارِ بَلْ لَمْ أَزَلْ أَعْمَلُهُ وَأُحِبُّهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا غَسْلُهُ مُسْتَحَبٌّ حَتَّى قَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْحَصَى صِغَارًا بِقَدْرِ حصى الخزف لَا أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ وَيُكْرَهُ بِأَكْبَرَ مِنْهُ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الضُّعَفَاءِ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ (اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً المزدلفة تدفع قبله وقبل خطمة النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَبْطَةً فَأَذِنَ لَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يدفع فمنهم من يقدم منى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ (أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ (أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ لَا فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ غَلَّسْنَا قَالَتْ يَا بُنَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا حُكْمُ الضَّعَفَةِ فَأَمَّا غيرهم فيمكثون بمزدلفة حتى يصلون الصُّبْحَ بِهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَنْ يُبَادِرَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ في أول وقتها قالوا والمبالغة في التكبير بِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ آكَدُ مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِوَظَائِفِ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَيْسَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْتَحِلُوا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ مَوْضِعِ مَبِيتِهِمْ مُتَوَجِّهِينَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ قُزَحُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَبِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ آخِرُ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ فَإِذَا وَصَلَهُ صَعِدَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا وَقَفَ عِنْدَهُ وَتَحْتَهُ وَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَيَدْعُو وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيُهَلِّلُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُكْثِرُ من التلبية واستحب أَصْحَابُنَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلُك الْحَقُّ (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ من قبله لمن الضالين ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا الله ان الله غفور رحيم) وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار ويدعوا بما أحب ويختار الدعوات الجامعة والامور المبهمة وَيُكَرِّرُ دَعَوَاتِهِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ * وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ بِالْوُقُوفِ عَلَى قُزَحَ الْوُقُوفَ عَلَى بِنَاءٍ مُسْتَحْدَثٍ فِي وَسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي حُصُولِ أَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ بِالْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَحْدَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ مِمَّا سِوَى قُزَحَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ

عَلَى قُزَحَ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا تَحْصُلُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نَحَرْتُ ههنا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ وَوَقَفْتُ ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَالْمُرَادُ وَقَفْتُ عَلَى قُزَحَ وَجَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا قُزَحُ كَمَا أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ وَأَفْضَلَهَا مَوْقِفُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْقُوا وَاقِفِينَ عَلَى قُزَحَ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ الصُّبْحُ إسْفَارًا جِدًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ بَعْدَ الْإِسْفَارِ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ تَرَكُوا هَذَا لوقوف مِنْ أَصْلِهِ فَاتَهُمْ الْفَضِيلَةُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ وَلَا دَمَ كَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ وَالسُّنَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَيَكْفِي مِنْ أَصْلِ هَذَا الْوُقُوفِ بِقُزَحَ الْمَذْكُورِ كَمَا قُلْنَا في الموقف بعرفات والله أعلم * (الحادية عشرة) إذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مُتَوَجِّهًا إلَى مِنًى وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ دَفَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ

خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَذَا مُقْتَضَى عِبَارَةِ آخَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْفَعُ إلَى مِنًى وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ كَمَا سَبَقَ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيَكُونُ شِعَارُهُ فِي دَفْعِهِ التَّلْبِيَةَ وَالذِّكْرَ وَلْيَتَجَنَّبْ الْإِيذَاءَ فِي الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا بَلَغَ وَادِيَ مُحَسِّرٍ اُسْتُحِبَّ لِلرَّاكِبِ تَحْرِيكُ دَابَّتِهِ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَاشِي الْإِسْرَاعُ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ أَيْضًا حَتَّى يَقْطَعَا عَرْضَ الْوَادِي وَقَدْ سَبَقَ ضَبْطُ وَادِي مُحَسِّرٍ وَتَحْدِيدُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ وَادِي مُحَسِّرٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلَا مِنْ مِنًى بَلْ هُوَ مَسِيلُ مَا بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لا يستحب الاسراع للماشي وليس بشئ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتُحِبَّ الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ كَانَ مَوْقِفَ النَّصَارَى فَاسْتُحِبَّتْ مُخَالَفَتُهُمْ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يوضع ويقول اليك تعدوا قلقا وضنيها مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي الْإِيضَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ ان ناقتي تعدوا إلَيْك يَا رَبِّ مُسْرِعَةً فِي طَاعَتِك قَلِقًا وضينها وهو الجبل الَّذِي كَالْحِزَامِ وَإِنَّمَا صَارَ قَلِقًا مِنْ كَثْرَةِ السير والاقبال التام والاجهاد الْبَالِغِ فِي طَاعَتِك وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّاقَةِ (وَقَوْلُهُ) مخالف دين النصارى دونها - بِنَصْبِ دِينِ النَّصَارَى وَرَفْعِ دِينِهَا - أَيْ إنِّي لَا أَفْعَلُ فِعْلَ النَّصَارَى وَلَا أَعْتَقِدُ اعْتِقَادَهُمْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ لِلْمَارِّ بِوَادِي مُحَسِّرٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ عمر رضي الله عنه والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ مَسَافَةَ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ بِقَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ فيستدل له بما ثبت في موطئ مالك عن نافع أن ابن عمر (كان يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ) * وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ المسائل

[أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انتهى إلى وادى محسر قرع راحتله فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ سَائِرًا إلَى مِنًى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْعَقَبَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَخْرُجُ إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِسْرَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ سُنَّةٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهَا فَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُثْبِتَةِ لِلْإِسْرَاعِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ) * وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَاضَ مِنْ قُزَحَ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَفَعَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ حَتَّى إذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَوْضَعَ شَيْئًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ يُوضِعُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُوضِعُ أَشَدَّ الْإِيضَاعِ أَخَذَهُ عَنْ عُمَرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ يَعْنِي الْإِيضَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ * وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يحرك راحلته في بطن محسر قد رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ) وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الْمُعَارِضَةُ فَمِنْهَا عن ابن عباس قال

(انما كان بدو الْإِيضَاعِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانُوا يَقِفُونَ حَافَتَيْ النَّاسِ قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ فَإِذَا أَفَاضُوا يُقَعْقِعُونَ فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ دقرى نَاقَتِهِ لَيَمَسُّ حَارِكَهَا وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شرط (1) وَعَنْ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرْدَفَهُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَأَفَاضَ بِالسَّكِينَةِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وقال ليس البر بايجاب الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى مِنًى) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ظَاهِرُهُمَا مُخَالَفَةُ مَا سَبَقَ وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَصْرِيحٌ بِتَرْكِ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ فَلَا يُعَارِضَانِ الصَّرِيحَ بِإِثْبَاتِ الْإِسْرَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ صُرِّحَ فِيهِمَا بِتَرْكِ الْإِسْرَاعِ كَانَتْ رِوَايَةُ الْإِسْرَاعِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ * (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ أَسَانِيدَ وَأَشْهَرُ فهى اولى والله اعلم *

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ * أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْمُسَافِرِ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ محمد وسعيد بن جبير ومالك واحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَا قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جَمْعَهُمْ بِالنُّسُكِ أَمْ بِالسَّفَرِ فَعِنْدَنَا بِالسَّفَرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالنُّسُكِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَذَانِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رواية وأبو ثور وعبد الملك ابن الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ * وَقَالَ مَالِكٌ يُصَلِّيهِمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ بن محمد واسحق وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يُصَلِّيهِمَا بِإِقَامَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّيهِمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا مُسْتَوْفَاةً فِي بَابِ الْأَذَانِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ حَجُّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُنَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ خَمْسَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ هُوَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ هَذَا قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عند المشعر الحرام) وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ السَّابِقِ فِي فَضْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَأَجَابُوا عَنْ الآية بان المأمور به فبها إنَّمَا هُوَ الذِّكْرُ وَلَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى فَوَاتِ كَمَالِ الْحَجِّ لافوات أصله *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا أَنْ يَبْقَى بِمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ إلَّا الضَّعَفَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ الدَّفْعُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ دَفَعَ غَيْرُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ جَازَ وَلَا دَمَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ دَمٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي دَفْعِ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا أُرْخِصَ فِي الدَّفْعِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلضَّعَفَةِ (قُلْنَا) لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا اخْتَلَفَ بِالضَّعَفَةِ وَغَيْرِهِمْ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى قُزَحَ وَلَا يَزَالُ وَاقِفًا بِهِ يَدْعُو وَيَذْكُرُ حَتَّى يُسْفِرَ الصُّبْحُ جِدًّا وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ العلماء قال ابن المنذر هو قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يَدْفَعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ صحيح *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِسْرَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ وَتَبِعَهُمْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) المشعر الحرام المذكور في القرآن الذى يؤمر بالوقوف عليه هو قزح جبل معروف بالمزدلفة هذا مذهبنا * وقال جمهور المفسرين وأصحاب الحديث والسير المشعر الحرام جميع المزدلفة ومما يستدل به لاصحابنا ما ثبت في صحيح البخاري في باب من قدم ضعفة أهله بليل عن سالم ابن عبد الله قال (كان عبد الله بن عمر يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بالمزدلفة * فيذكرون الله *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ حَصَى الْجِمَارِ وَيُسْتَحَبُّ الْتِقَاطُهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَارَ قَوْمٌ كَسْرَهَا وَاخْتَارَ قَوْمٌ أَنْ لَا تُغْسَلَ بَلْ كَرِهُوا غَسْلَهَا * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُعْلَمُ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَلَهَا وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا قَالَ وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِهَا قَالَ وَكَانَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ غَسْلَهَا قَالَ وروينا عن طاوس انه كان يغسلها * قال المنصف رحمه الله * (وإذا اتى منى بدأ برمى جمرة العقبة وهو من واجبات الحج لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى وقال (خذوا عنى مناسككم) والمستحب ان لا يرمى إلا بعد طلوع الشمس لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بضعفة أهله فامرهم ان لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وان رمى بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر اجزأه لما روت عائشة رضى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أرسل أم سلمة رضى الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت وكان ذلك

اليوم الذى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها) والمستحب ان يرمي من بطن الوادي وان يكون راكبا وأن يكبر مع كل حصاة لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ راكب وهو يكبر مع كل حصاة) والمستحب ان يرفع يده حتى يرى بياض ابطه لان ذلك اعون على الرمى ويقطع التلبية مع أول حصاة لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يلبى حتى رمى جمرة العقبة) ولان التلبية للاحرام فإذا رمى فقد شرع في التحلل فلا معنى للتلبية ولايجوز الرمي إلا بالحجر فان رمى بغيره من مدر أو خزف لم يجزه لانه لا يقع عليه اسم الحجر والمستحب ان يرمى بمثل حصى الخزف وهو بقدر الباقلا لما روى الفضل بن الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا (عليكم بمثل حصى الخزف فان رمي بحجر كبير أجزأه لانه يقع عليه اسم الحجر ولا يرمى بحجر قد رمي به لان ما قبل منها يرفع وما لا يقبل منها يترك والدليل عليه ما روى أبو سعيد قال (قلنا يا رسول الله أن هذه الجمار ترمى

كل عام فنحسب انها تنقص قال أما انه ما يقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتها مثل الجبال) فان رمى بما رمى به أجزأه لانه يقع عليه الاسم ويجب ان يرمي فان أخذ الحصاة وتركها في المرمى لم يجزه لانه لم يرم ويجب أن يرميها واحدة واحدة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى واحدة واحدة قال خذوا عني مناسككم) ويجب ان يقصد بالرمي إلى المرمى فان رمى حصاة في الهواء فوقعت في المرمى لم يجزه لانه لم يقصد الرمى إلى المرمى وان رمي حصاة فوقعت على أخرى ووقعت الثانية في المرمى

لم يجزه لانه لم يقصد رمى الثانية وان رمي حصاة فوقعت على محمل أو ارض فازدلفت ووقعت على المرمى أجزأه لانه حصل في المرمى بفعله وان رمي فوق المرمى فتدحرج لتصويب المكان الذى أصابه فوقع في المرمى ففيه وجهان (أحدهما) انه يجزئه لانه لم يوجد في حصوله في المرمى فعل غيره (والثانى) لا يجزئه لانه لم يقع في المرمى بفعله وانما أعان عليه تصويب المكان فصار كما لو وقع في ثوب رجل فنفضه حتى وقع في المرمى) *

(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي إرْسَالِ أَمِّ سَلَمَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِمَا رَوَتْ أَمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عمر وبن الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُمِّهِ وَيُقَالُ لَهَا أُمُّ جُنْدُبٍ الْأَزْدِيَّةُ وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أُمُّ سَلَمَةَ وَفِي بَعْضِهَا أُمُّ سُلَيْمٍ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَصْحِيفٌ ظَاهِرٌ (وَالصَّوَابُ) أُمُّ سُلَيْمَانَ - بِالنُّونِ - أَوْ أُمُّ جُنْدُبٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَإِسْنَادُ حَدِيثِهَا هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى الْجَمْرَةَ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كل حصاة منها مثل حصى الخزف وَهِيَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ مسلم

بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عن الفضل بن عباس فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ الْفَضْلِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَغَدَاةَ جَمْعٍ حِينَ دفعوا (عليكم بمثل حصى الخزف) فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (عَلَيْكُمْ بِحَصَى الخزف) وفى المهذب لا بمثل حصى الخزف) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي رَفْعِ الْجِمَارِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ يزيد وسنان الرَّهَاوِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ظَاهِرُ الضَّعْفِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى وَاحِدَةً وَاحِدَةً) فَصَحِيحٌ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَبْلَ حَدِيثِ الْفَضْلِ وَقَوْلُهُ فِيهِ (يُكَبِّرُ مَعَ كل حصاة) صريح بأنه رمي من واحدة

وَاحِدَةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوَّلُهَا فَضْلُ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَمِنْهَا مِنًى وَسَبَقَ بَيَانُ ضَبْطِهَا وَاشْتِقَاقِهَا فِي فَصْلِ الْمُزْدَلِفَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ ذِكْرُ حَدِّهَا (قَوْلُهُ) بِضَعَفَةِ أَهْلِهِ هُوَ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْعَيْنِ - جَمْعُ ضَعِيفٍ والمراد النساء والصبيان ونحوهم (قَوْلُهُ) يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ هُوَ - بِضَمِّ أَوَّلِ يُرَى وَالْإِبْطُ - سَاكِنَةُ الْبَاءِ - وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ لُغَتَانِ وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ وَفِي الْبَاقِلَّا لُغَتَانِ سَبَقَتَا الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَحْمِلُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ - (وقوله) التصويب الْمَكَانُ أَيْ لِكَوْنِهِ فِي حُدُورٍ وَنُزُولٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسْلُكُ إلَى مِنًى الطَّرِيقَ الْوُسْطَى

وَشِعَارُهُ الذِّكْرُ وَالتَّلْبِيَةُ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فَإِذَا وَصَلَ مِنًى بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَتُسَمَّى الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يُعَرِّجُ على شئ قَبْلَهَا وَهِيَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْدَأ قَبْلَهَا بشئ بَلْ يَرْمِيهَا قَبْلَ نُزُولِهِ وَحَطِّ رَحْلِهِ وَهِيَ عَلَى يَمِينِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ إذَا وَقَفَ فِي الْجَادَّةِ وَالْمَرْمَى مُرْتَفَعٌ قَلِيلٌ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لِلْحَاجِّ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنًى أَرْبَعَةٌ وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ ذَبْحُ الْهَدْيِ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هَكَذَا سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ ذَبَحَ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ

لَكِنْ فَاتَهُ الْأَفْضَلُ * وَلَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ فَإِنْ قُلْنَا الرَّمْيُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ نُسُكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَسَأُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْحَلْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيَقَعُ الطَّوَافُ ضَحْوَةً وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَالٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ أَيْضًا وَقْتُ الْحَلْقِ بِنِصْفِ اللَّيْلَةِ إنْ قُلْنَا نُسُكٌ وَلَا آخِرَ لِوَقْتِ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ بَلْ يَمْتَدُّ وَقْتُهُمَا مَا دام

حَيًّا وَإِنْ مَضَى سُنُونَ مُتَطَاوِلَةٌ * وَكَذَلِكَ السَّعْيُ فَفِي آخِرِ وَقْتِهِ وَجْهَانِ سَنَذْكُرُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هُوَ بِرُكْنٍ فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ صَحَّ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ الدَّمُ وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ أَنْ يَصِلُوا مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَرْمُوا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ فَإِنْ قَدَّمُوا الرَّمْيَ عَلَى هَذَا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَبَعْدَ الْوُقُوفِ وَلَوْ أَخَّرُوهُ عَنْهُ جَازَ وَيَكُونُ أَدَاءً إلَى آخِرِ نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعُ فَجْرِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْتَدُّ (وَالثَّانِي) يمتد (الثالثة)

الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوفِهِ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَنْ يَقِفَ تَحْتَهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي فَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْعَقَبَةَ ثُمَّ يَرْمِي وَبِهَذَا جَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ

الْجَمْرَةِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ * وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَكُونُ الْجَمْرَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَذْهَبُ

الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ (انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ (رَمَى عَبْدُ اللَّهِ من بطن الوادي

فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ حِين رَمَى جمرة

الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِي حَتَّى إذَا حَاذَى الشَّجَرَةَ اعْتَرَضَهَا فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ مِنْ هَهُنَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) قُلْتُ إنَّمَا خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِالذِّكْرِ لان معظم المناسك فيها والله أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا إنْ كَانَ قَدِمَ مِنًى رَاكِبًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ لِلْحَدِيثِ

السَّابِقِ وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَقَالَ الْقَفَّالُ إذَا رَحَلُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ خَلَطُوا التَّلْبِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ فِي مَسِيرِهِمْ فَإِذَا افْتَتَحُوا الرَّمْيَ مَحَّضُوا التَّكْبِيرَ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الْقَفَّالِ * قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ فِي هَذَا التَّكْبِيرِ مَعَ الرَّمْيِ أَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لاإله إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

ولو كره الكافرون لا إله إلا وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ غَرِيبٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَإِنَّمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَهَذَا مُقْتَضَاهُ مُطْلَقُ التَّكْبِيرِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ طَوِيلٌ لَا يَحْسُنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ بِهِ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ وَالطَّوَافَ عَلَى الرَّمْيِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِشُرُوعِهِ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ الْحَلْقِ إذَا بَدَأَ بِهِ وَقُلْنَا هُوَ نُسُكٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ فِي الرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَلَوْ رَمَى بِالْيُسْرَى أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الرَّمْيِ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْيُمْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّيَمُّنِ فِي الطَّهُورِ وَالتَّنَعُّلِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّابِعَةُ) شَرْطُ الْمَرْمِيِّ بِهِ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْمَرْمَرِ وَالْبِرَامِ وَالْكَذَّانِ وَالرُّخَامِ وَالصَّوَّانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَجَرِ وَيُجْزِئُ

حجرالنورة قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ وَيَصِيرُ نُورَةً (وَأَمَّا) حَجَرُ الْحَدِيدِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِإِجْزَائِهِ لِأَنَّهُ حَجَرٌ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَدِيدًا كَامِنًا يُسْتَخْرَجُ بِالْعِلَاجِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ * وَفِيمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْبَلُّورِ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهَا أَحْجَارٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (وَأَمَّا) مَا لَيْسَ بِحَجَرٍ كَالْمَاءِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْإِثْمِدِ وَالْمَدَرِ وَالْجِصِّ وَالْآجُرِّ وَالْخَزَفِ وَالْجَوَاهِرِ الْمُنْطَبِعَةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ ونحوها فلا يجزئ الرمى بشئ مِنْ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّامِنَةُ) السنة ان يرمي بحصى مثل حصي الخزف وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ * وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى بِمِثْلِ حَصَى الخزف وأمر ان يرمى بمثل حصي الخزف) قال أصحابنا وحصاة الخرف دُونَ الْأُصْبُعِ طُولًا وَعَرْضًا وَفِي قَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَّا وَقِيلَ كَقَدْرِ النَّوَاةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قال الشافعي حصاة الخزف أَصْغَرُ مِنْ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا قَالَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَقَدْرِ النَّوَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَالْبَاقِلَّا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذِهِ الْمَقَادِيرُ مُتَقَارِبَةٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَمَى بِأَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْبَرَ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِوُجُودِ الرَّمْيِ بِحَجَرٍ * وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِكَرَاهَةِ اكبر من حصى الخزف بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ على راحتله (هَاتِ اُلْقُطْ لِي فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حصى الخزف فَلَمَّا وَضَعْتهنَّ فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ واياكم والغلو في الدين فانما كان أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) وراه النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ * (فَرْعٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الرَّمْيِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يكون كصفة رمي الحاذف فَيَضَعُ الْحَصَاةَ عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيهَا بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يرميه على غير صفة الحذف وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن الحذف وَقَالَ إنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ) رَوَاهُ البخاري ومسلم وهذا الحديث عام يتناول الحذف فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الوجه الاول شئ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ على

العلة في كراهة الحذف وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَفْقَأَ الْعَيْنَ أَوْ يَكْسِرَ السِّنَّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (التَّاسِعَةُ) يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الْحَجَرِ لَكِنْ يُكْرَهُ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) الْحَجَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْحُلِيِّ (وَالثَّانِي) الْمَأْخُوذُ مِنْ مَسْجِدٍ فِي الْحَرَمِ (وَالثَّالِثُ) الْحَجَرُ النَّجِسُ (الرَّابِعُ) الْحَجَرُ الَّذِي رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مَرَّةً أُخْرَى فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِنْ رَمَى بِهَا أَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا شاذا ضعيفا حكاه الخراسانيون فيما إذا اتحد الزمان والمكان والشخص فان رَمَى بِحَصَاةٍ فِي جَمْرَةٍ ثُمَّ أَخَذَهَا فِي الْحَالِ وَرَمَى بِهَا فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ بِأَنْ رَمَى بِالْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ الْمَكَانُ بِأَنْ رَمَى الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِالْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ لَكِنْ فِي جَمْرَتَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَ الشَّخْصُ بِأَنْ رَمَى بِالْحَصَاةِ فَأَخَذَهَا آخَرُ فَرَمَاهَا فِي الْحَالِ فِي تِلْكَ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا * وَعَلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرْمِيَ جَمِيعُ الْحُجَّاجِ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ جَمِيعَ الرَّمْيِ الْمَشْرُوعِ لَهُمْ إنْ اتَّسَعَ لَهُمْ الْوَقْتُ وقاسه أصحابنا على مالو دَفَعَ مُدَّ طَعَامٍ فِي كَفَّارَةٍ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ فعل ذلك ثالثا ورابعا واكثر بلغ حتى قَدْرَ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ مَا أَخْرَجَهُ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَمَا يُكْرَهُ الرَّمْيُ بِمَا رَمَى بِهِ * وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ مَا رَمَى بِهِ هو ويجوز بمارمى به غيره

وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ جَوَّزْتُمْ الرَّمْيَ بِحَجَرٍ قَدْ رُمِيَ بِهِ وَلَمْ تُجَوِّزُوا الْوُضُوءَ بِمَا تُوُضِّئَ بِهِ (قُلْنَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ فَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَنَظِيرُ الْحَصَاةِ الثَّوْبُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ صَلَوَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْعَاشِرَةُ) يُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى رَمْيًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ فَلَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هَلْ يَكْفِي فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِلَا مَرٍّ وَكَذَا فِي الْمَضْمَضَةِ لَوْ وَضَعَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَمْ يُدِرْهُ وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ فِي الرَّأْسِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالصَّحِيحُ هُنَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّعَبُّدِ بِخِلَافِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّ في مسألة وضع الحجر لم يأت بشئ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمَرْمَى فَلَوْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ الْحَجَرُ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لَمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى فَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى ثُمَّ تَدَحْرَجَ مِنْهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ الرَّمْيُ إلَى الْمَرْمَى وَحُصُولُهُ فِيهِ * وَلَوْ انْصَدَمَتْ الْحَصَاةُ الْمَرْمِيَّةُ بالارض خارج الجمرة أو بمحل فِي الطَّرِيقِ أَوْ عُنُقِ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْبِ إنْسَانٍ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى

أَجْزَأَتْهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُصُولِهَا فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَنَةٍ فَلَوْ حَرَّكَ صَاحِبُ الْمَحْمِلِ مَحْمِلَهُ أَوْ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ فَنَفَضَهَا أَوْ تَحَرَّكَ الْبَعِيرُ فَدَفَعَهَا فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي الْمَرْمَى بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ * وَلَوْ تَحَرَّكَ الْبَعِيرُ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى وَلَمْ يَدْفَعْهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يجزئه وهو مقتضى كلام لاصحاب * وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَحْمِلِ أَوْ عَلَى عُنُقِ الْبَعِيرِ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ لِاحْتِمَالِ تَأَثُّرِهَا بِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى مِنْ الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعَةِ ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى أَوْ رَدَّتْهَا الرِّيحُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِحُصُولِهِ فِي الْمَرْمَى لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوفُ الرَّامِي خَارِجَ الْمَرْمَى بَلْ لَوْ وَقَفَ فِي طَرَفِهِ وَرَمَى إلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ أَوْ وَسَطِهِ أجزأه لوجود الرمي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ عَلَى حَصَاةٍ خَارِجَ الْمَرْمَى فَوَقَعَتْ هَذِهِ الْحَصَاةُ فِي الْمَرْمَى وَلَمْ تَقَعْ الْمُرْمَى بِهَا لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَوْ رَمَى حَصَاةً إلَى الْمَرْمَى وَشَكَّ هَلْ وَقَعَتْ فِيهِ أَمْ لَا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قالوا كلهم هما جديد وقديم (الجديد) لصحيح لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ وَالْأَصْلَ أَيْضًا بَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ (وَالْقَدِيمُ) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ فِي الْمَرْمَى قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا القول المنقول عن القديم ليس مذهبنا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْزِئُهُ الرَّمْيُ عَنْ الْقَوْسِ وَلَا الدَّفْعُ بِالرِّجْلِ لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّمْيِ * قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً إلَى فَوْقَ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَ الْحَصَى بِالرَّمْيِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَ الْحَصَى الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَمَعِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَالْمُرَادُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى فِي مَوْضِعِهِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ حُوِّلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَرَمَى النَّاسُ فِي غَيْرِهِ وَاجْتَمَعَ الْحَصَى فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَوْ نُحِّيَ الْحَصَى مِنْ مَوْضِعِهِ الشَّرْعِيِّ وَرَمَى إلَى نَفْسِ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى فِي مَوْضِعِ الرَّمْيِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الصَّوَابُ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ في مسيل الماء ففيه قَوْلَانِ * (قَالَ) فِي الْأُمِّ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى إلَى الْمَرْمَى مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَسِيلَ الْمَاءِ مُتَّصِلٌ بِالْمَرْمَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَهُوَ كَجُزْءٍ مِنْهُ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْمِيَ الْحَصَيَاتِ فِي دَفَعَاتٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ رَمَى حَصَاتَيْنِ أَوْ سَبْعًا دَفْعَةً فَإِنْ وَقَعْنَ فِي الْمَرْمَى فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حُسِبَتْ حَصَاةً وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَتَّبْنَ فِي الْوُقُوعِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَحْسُوبَ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ أَيْضًا وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهَا رَمْيَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُحْسَبُ بِعَدَدِ الْحَصَيَاتِ الْمُتَرَتِّبَاتِ في الوقوع قال الامام هذا ليس بشئ * وَلَوْ رَمَى حَصَاتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْأُخْرَى بِالْيُسْرَى دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ * وَلَوْ رَمَى حَصَاةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا أُخْرَى فَإِنْ وَقَعَتْ الْأُولَى فِي الْمَرْمَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَهُمَا

حَصَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْأُولَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهُمَا أَنَّهُ يُحْسَبُ حصاتان اعتبار بِالرَّمْيِ (وَالثَّانِي) حَصَاةٌ اعْتِبَارًا بِالْوُقُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الصَّوَابُ أَنَّهُمَا حَصَاتَانِ وَمَا سِوَاهُ خَبْطٌ * قَالَ الدَّارِمِيُّ الْقَائِلُ حَصَاتَانِ أَبُو حَامِدٍ يَعْنِي الْمَرْوَزِيَّ وَالْقَائِلُ حَصَاةٌ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْمُوَالَاةُ بين الحصيات والموالاة بين جمارات أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الطَّوَافِ الصَّحِيحُ لَا يُشْتَرَطُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ هَذَا إذَا فَرَّقَ طَوِيلًا (فَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ ذكر المسألة المتولي والرافعي *

_ (1) بياض بالاصل) *)

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ حَصَاةً وَاحِدَةً وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى إنْسَانٍ فَجُلِدَ بِمِائَةٍ مَشْدُودَةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَتْ مِائَةً قَالَ أَصْحَابُنَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْإِيقَاعُ وَقَدْ حصل (واما) الرمي فتعبد فاتيح فِيهِ التَّوْقِيفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ رُكْنٌ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ *

(فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ واسحق لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ * وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه سلم (أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ * وَاحْتَجَّ

أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ دَفْعِ الضَّعَفَةِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي وَقْتِ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ يَوْمَ النَّحْرِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا عِنْدَ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ

بعدهم * وقال أحمد واسحق وَطَائِفَةٌ يُلَبِّي حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى اخْتِيَارِهِ * وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْطَعُهَا عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أخذ حصاة الجمار بين مُزْدَلِفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وسعيد بن جبير ومجاهد واسحق قَالَ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذَ أَجْزَأَهُ لَكِنْ أُحِبُّ لَقْطَهُ وَأَكْرَهُ كَسْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يؤدى (1)

_ بياض بالاصل) *)

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْحَصَى قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَالِكٍ (أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَكْبَرُ إلَيَّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ الرَّمْيَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا إنْ كَانَ دَخَلَ مِنًى رَاكِبًا وَيَرْمِي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا إلَّا يَوْمَ النَّفْرِ فَرَاكِبًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ

الزبير وسالم يرمون مشاة واستحبه أحمد واسحق وكره جابر الركوب إلى شئ مِنْ الْجِمَارِ إلَّا لِضَرُورَةٍ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ يُجْزِئُهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ رَمَاهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَرْمَى * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم (رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي مَوْقِفِ الرَّامِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَقِفَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَتَكُونُ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَافَ الزِّحَامَ فَرَمَاهَا مِنْ فَوْقِهَا *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد قَالَ الْمُزَنِيّ يَجُوزُ بِمَا رَمَى بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ بِمَا رَمَى هُوَ بِهِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ اسحق يُجْزِئُهُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ إذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إعَادَةً * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ رَمْيَةً وَاحِدَةً حُسِبَ لَهُ حَصَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعْنَ فِي الْمَرْمَى مُتَعَاقِبَاتٍ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُكَبِّرُ لِكُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ جاهلا أجزأه *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى حَجَرًا وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَجَرًا كَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ وَنَحْوِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ويجوز بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَدَرِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا. وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي الرَّمْيِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي غَدَاةِ جَمْعٍ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَصَى فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى *

_ (1) الجملة التي بين القوسين غير موجودة في النسخة التي بأيدينا وهى زيادة لا بأس بها) *)

* قال المصنف رحمه الله * (وإذا فرغ من الرمي يذبح هديه ان كان معه لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رمى سبع حصيات من بطن الوادي ثم انصرف إلى النحر فنحر) ويجوز النحر في جميع منى لما روى]

جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (منى كلها منحر)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثَا جَابِرٍ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ انْصَرَفَ فَنَزَلَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مِنًى وَحَيْثُ نَزَلَ مِنْهَا جَازَ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا مَنْزِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ * وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ * فَإِذَا نَزَلَ ذَبَحَ وَنَحَرَ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ أَعْرَضَ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ هَدْيُهُ مَعَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ مُشْعِرًا مُقَلِّدًا وَلَا يَجِبُ الْهَدْيُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَالْأَفْضَلُ سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ طَرِيقِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَمِنْ

مِنًى * وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ هَدْيِهِ وَأُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِهَا فَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا نَوَى الذَّبْحَ عَنْ هَدْيِهِ أَوْ أُضْحِيَّتِهِ المنذور وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَوَى التَّقَرُّبَ بِهِ وَلَوْ اسْتَنَابَ فِي ذَبْحِهِ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ عِنْدَ الذَّبْحِ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ ذَكَرًا مُسْلِمًا فَإِنْ اسْتَنَابَ امْرَأَةً أَوْ كِتَابِيًّا جَازَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ * وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَوْلَى مِنْ الْكِتَابِيِّ * وَيَنْوِي صَاحِبُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ فَإِنْ فَوَّضَ النِّيَّةَ إلَى الْوَكِيلِ جَازَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ يَنْوِي صَاحِبُهَا عِنْدَ دَفْعِهَا

إلَيْهِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ (وَأَمَّا) صِفَةُ الذَّبْحِ وَآدَابِهِ وَتَقْلِيدُ الْهَدْيِ وَإِشْعَارُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ فَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ الْهَدْيِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) وَقْتُ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ كَوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَدْخُلُ بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ قَدْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَتَيْنِ وَيَخْرُجُ بِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ خَرَجَتْ وَلَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنْ كَانَ نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَيَكُونُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ ذَبَحَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ لَا هَدْيًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِيهِ وَبَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ ذَبْحَ الْهَدْيِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَرَمُ

كُلُّهُ مَنْحَرٌ حَيْثُ نَحَرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَجِّ أَنْ يَنْحَرَ بِمِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي جَمِيعِ مِنًى فَعِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ بِمِنًى دُونَ سَائِرِ الْحَرَمِ وَهَذَا الْإِيهَامُ غَلَطٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يَجُوزُ فِي كُلِّ الْحَرَمِ وَأَفْضَلُهُ مِنًى وَأَفْضَلُهَا مَوْضِعُ نَحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَارَبَهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(ثم يحلق لما روى أَنَسٍ قَالَ (لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم الجمرة وفرغ من نسكه ناول الحالق شقه الايمن فحلقه ثم أعطاه شقه الايسر فحلقه) فان لم يحلق وقصر جاز لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ اصحابه أن يحلقوا أو يقصروا) والحلق افضل لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله

والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال في الرابعة والمقصرين) وأقل ما يحلق ثلاث شعرات لانه يقع عليه اسم الجميع المطلق فاشبه الجمع والفضل ان يحلق الجميع لحديث أنس * وان كان أصلع فالمستحب ان يمر الموسى على رأسه لما روى ابن عمر رضى الله عنه

انه قال في الاصلع يمر الموسي على رأسه ولا يجب ذلك لانه قربة تتعلق بمحل فسقطت بفواته كغسل اليد إذا قطعت وان كانت امرأة قصرت ولم تحلق لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النساء حلق انما على النساء تقصير) ولان الحلق في النساء مثلة فلم يفعل وهل الحلاق نسك أو استباحة محظور فيه قولان (أحدهما) انه ليس بنسك لانه محرم في الاحرام فلم يكن نسكا كالطيب (والثانى) انه نسك وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (رحم الله المحلقين) فان حلق قبل الذبح جاز لما روى عبد الله بن عمر قَالَ (وَقَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الوداع بمنى فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت رأسي قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فجاءه آخر فقال يا رسول الله لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارم ولا حرج) فما سئل عن شئ

قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج * فان حلق قبل الرمي (فان قلنا) ان الحلق نسك جاز لما روى ابن عباس قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل حلق قبل ان يذبح أو قبل ان يرمي فكان يقول (لا حرج لا حرج) (وان قلنا) انه استباحة محظور لم يجز لانه فعل محظور فلم يجز قبل الرمي من غير عذر كالطيب) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ (مِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ قَالَ (لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَهُ فاعطي

أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ) هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهَا (وَقَوْلُهُ) فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَفَرَغَ مِنْ نُسُكِهِ يَعْنِي مِنْ ذَبْحِ هَدْيِهِ كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَنَحَرَ نُسُكَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظُهُمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ (أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا) هَذَا لَفْظُهُمَا وَقَدْ رَوَى التَّقْصِيرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (مِنْهَا) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (حَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ (قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ باسناد ضعيف

فِيهِ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْجَادِيُّ - بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي بَعْدَهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ وَهَذَا لَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي الذَّبْحِ والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لاحرج) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ (شَهِدَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر في حجة الوداع وهم يسألونه فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عن شئ قدم ولا أخر إلا قال

افعل ولاحرج) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يومئذ عن شئ إلا قال افعلوا ولاحرج) هَذَا لَفْظُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا اسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ (فَقَوْلُهُ) وَفَرَغَ مِنْ نُسُكِهِ أَيْ مِنْ ذَبْحِ هَدْيِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَقَوْلُهُ) نَاوَلَ الْحَالِقَ هَذَا الَّذِي حَلَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ (زَعَمُوا أَنَّهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي مُخْتَصَرِ الْأَنْسَابِ فِي تَرْجَمَةِ الْكُلَيْبِيِّ - بِضَمِّ الْكَافِ - خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ الْكُلَيْبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (قَوْلُهُ) يُمِرُّ الْمُوسَى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةُ الْمُوسَى يُذَّكَرُ وَيُؤَنَّثُ * قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ فُعْلَى وَقَالَ غَيْرُهُ مُفْعَلُ من

أَوْسَيْتُ رَأْسَهُ أَيْ حَلَقْتُهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكِسَائِيُّ والفرا يَقُولَانِ هِيَ فُعْلَى مُؤَنَّثَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ يَقُولُ مُفْعَلُ مُذَكَّرٌ قَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ لَمْ نَسْمَعْ تَذْكِيرَهُ إلَّا مِنْ الْأُمَوِيِّ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ فَسَقَطَتْ بِفَوَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ لَا بِمَحَلٍّ وَلَا تَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ (وَقَوْلُهُ) الْحِلَاقُ هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ - بمعنى الحلق والله أعلم * (وأما) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ فَلْيَحْلِقْ رَأْسَهُ وَلْيُقَصِّرْ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْحَلْقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَفْضَلُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى (مُحَلِّقِينَ رؤسكم ومقصرين) وَالْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ) وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَلَقَ فِي حَجَّتِهِ) وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ * وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحْلِقَ جَمِيعَ الرَّأْسِ إنْ أَرَادَ الْحَلْقَ أَوْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِهِ إنْ أَرَادَ التَّقْصِيرَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا

مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ فَتُجْزِئُ الثَّلَاثُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ تُجْزِئُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ غَلَطٌ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا وَجْهًا بَعِيدًا فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَنَّهُ إذَا أَزَالَهَا الْمُحْرِمُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ كَحَلْقِ الرَّأْسِ قَالَ وَذَلِكَ الوجه عائد هنا فتجزى الشَّعْرَةُ وَلَكِنَّهُ مُزَيَّفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِأَقَلِّ الْمُجْزِئِ من التقصير حد بل يجزى مِنْهُ أَقَلُّ جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَقْصِيرًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَلَى قَدْرِ أُنْمُلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ بِأَنْ كَانَ أَصْلَعَ أَوْ مَحْلُوقًا فلا شئ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ وَلَا إمْرَارُ الْمُوسَى وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ وَلَوْ نَبَتَ شَعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقٌ وَلَا تَقْصِيرٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِيَكُونَ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى * هَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا النَّصَّ وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ وَجْهًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْنَدَهُ إلَى أَثَرٍ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الشُّعُورِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهَا لِلْفِطْرَةِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ نُسُكُهُ عَنْ حَلْقٍ * وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ وَبِرَأْسِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ بِسَبَبِهَا التَّعَرُّضُ لِلشَّعْرِ لَزِمَهُ الصَّبْرُ إلَى الْإِمْكَانِ وَلَا يَفْتَدِي وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَلْقُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِحَلْقِهِ بَعْدَ نَبَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ النُّسُكَ هُوَ حَلْقُ شَعْرٍ يَشْتَمِلُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فيمن لم يكن على راسه شعرا اصلا فاما من كان على راسه ثلاثه شَعَرَاتٍ أَوْ شَعْرَتَانِ أَوْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَغَبٌ يَسِيرٌ لَزِمَهُ أَنْ يُزِيلَ مِنْهُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ هُنَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشَعْرِ الرَّأْسِ فَلَا يَحْصُلُ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُعُورِ الْبَدَنِ وَلَا بِشَعْرِ الْعِذَارِ وَفِي الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي مَوْضِعِ التَّحْذِيفِ وَشَعْرِ الصُّدْغِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ هَلْ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ مِنْ الرَّأْسِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ الرَّأْسِ أَجْزَأَهُ حَلْقُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا قَصَّرَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ جَازَ تَقْصِيرُهُ مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ وَمِمَّا نزل عنه ومما استرسل عنه وهذا هُوَ الْمَذْهَبُ * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُسْتَرْسِلُ كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ حَدِّهِ قَالُوا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَسْحِ مَسْحُ الرَّأْسِ وَهَذَا خَارِجٌ عنه فلا يجزئ والواجب في الحلق شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ وَهَذَا مِنْ شَعْرِ الرأس (الرابعة)

قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إزَالَةُ الشَّعْرِ فيقوم مقامه النتف ولا حرق ولا اخذ بِالنُّورَةِ أَوْ بِالْمِقَصِّ وَالْقَطْعُ بِالْأَسْنَانِ وَغَيْرِهَا وَيَحْصُلُ الْحَلْقُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (الْخَامِسَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ هَذَا هو المذهب * وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي دَفَعَاتٍ فَهُوَ مَقِيسٌ بِحَلْقِهَا الْمَحْظُورِ فَإِنْ كَمَّلْنَا الْفِدْيَةَ مَعَ التَّفْرِيقِ حَكَمْنَا بِكَمَالِ النُّسُكِ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ عَادَ وَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ ثَالِثَةً وَأَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ مُتَوَاصِلًا لَمْ يُكْمِلْ الْفِدْيَةَ وَلَمْ يَحْصُلْ النُّسُكُ وَإِنْ طال الزمان ففى المسئلتين خِلَافٌ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَوْ أَخَذَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي دَفَعَاتٍ أَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ فَإِنْ كَمَّلْنَا الْفِدْيَةَ بِهِ لَوْ كَانَ محضورا حَصَلَ النُّسُكُ وَإِلَّا فَلَا (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِحَلْقِ شِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ وَيَبْلُغَ بالحلق إلى العظمين اللَّذَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ وَهَذِهِ الْآدَابُ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْمُحْرِمِ بَلْ كُلُّ حَالِقٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ هَذَا * وَدَلِيلُ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ في

يأذن في الكتاب قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْحَلْقِ أَرْبَعُ سُنَنٍ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ قال قال الشافعي ويبلغ بالحلق إلى العظمين لِأَنَّهُمَا مُنْتَهَى نَبَاتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لِيَكُونَ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ رَأْسِهِ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا التَّكْبِيرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ وَقَدْ اسْتَحَبَّ التَّكْبِيرَ أَيْضًا لِلْمَحْلُوقِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَصْحَابِنَا (السَّابِعَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالْحَلْقِ بَلْ وَظِيفَتُهَا التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ لَهَا الْحَلْقُ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهَا الْحَلْقُ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ اضْطِرَابٌ * وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِضَعْفِهِ لَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ مَرَّاتٍ فِي نَهْيِ النِّسَاءِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ويستحب للمرأه ان تقصر بقدر أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ رَأْسِهَا * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا تَقْطَعُ مِنْ ذَوَائِبِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشِينُهَا لَكِنْ تَرْفَعُ الذَّوَائِبَ وَتَأْخُذُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحْتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا (1) فَلَوْ حَلَقَتْ أَجْزَأَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَكُونُ مُسِيئَةً * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ في

_ (1) بياض بالاصل) *)

كِتَابِ الْخَنَاثَى وَظِيفَةُ الْخُنْثَى التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ قَالَ وَالتَّقْصِيرُ أَفْضَلُ كَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّامِنَةُ) هَلْ الْحَلْقُ نُسُكٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحَلُّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وانما هو شئ أُبِيحَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَالطِّيبِ واللباس وعلى هذا لاثواب فِيهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّحَلُّلِ قَالُوا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ اللَّهُمَّ (ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ) إنَّمَا دَعَا لَهُمْ لِتَنَظُّفِهِمْ وَإِزَالَتِهِمْ التَّفَثَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَتَحَلَّلُ بِهِ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ فَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ إلَّا بِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَفُوتُ وَقْتُهُ مَا دَامَ حَيًّا لَكِنَّ أَفْضَلَ أَوْقَاتِهِ ضَحْوَةُ النَّهَارِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَفْعَلَهُ الْحَاجُّ بِمِنًى وَالْمُعْتَمِرُ بِالْمَرْوَةِ فَلَوْ فَعَلَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ إمَّا وَطَنُهُ وَإِمَّا غَيْرُهُ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَزَالُ حُكْمُ الْإِحْرَامِ جَارِيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِقَ وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْحَلْقَ وَاجِبًا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ نُسُكٌ وَلَمْ يَجْعَلْهُ رُكْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ رُكْنٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ نُسُكٌ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ فَهُوَ رُكْنٌ وَلَيْسَ كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ثُمَّ قَالَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِي الرَّأْسِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْحَلْقِ وَجَبَ الصَّبْرُ إلَى إمْكَانِ الْحَلْقِ وَلَا تَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ * هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَلْقِ هُوَ كُلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حَلْقَهُ (أَمَّا) مَنْ نَذَرَ الْحَلْقَ فِي وَقْتِهِ فيلزمه حلقه كله ولا يجزئه التقصير ولاحلق بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَلَا اسْتِئْصَالٌ الشعر بِالْمِقَصَّيْنِ وَلَا أَخْذُهُ بِالنُّورَةِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اسْتِئْصَالِ الشَّعْرِ بِالْمِقَصَّيْنِ وَإِمْرَارِ الْمُوسَى مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ احْتِمَالًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمْعَانُ فِي الِاسْتِئْصَالِ بَلْ يَكْفِي مَا يُسَمَّى حَلْقًا قَالَ وَيَقْرُبُ الرُّجُوعُ إلَى اعْتِبَارِ رُؤْيَةِ الشَّعْرِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِنَذْرِ الْحَلْقِ فَلَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَهَذَا فِي الْعَادَةِ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ أَرَادَ حَلْقَهُ يَوْمَ النَّحْرِ لِلنُّسُكِ فَهَلْ يُنَزَّلُ هَذَا مَنْزِلَةَ نَذْرِ الْحَلْقِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَلْزَمُهُ حَلْقُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّقْصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَلْزَمهُ الْحَلْقُ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ * وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ هَلْ يَصِيرُ مَنْذُورًا فِيهِ

قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النَّذْرِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ (وَالثَّانِي) يَصِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَلْقِ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّا إذَا قُلْنَا لَيْسَ هُوَ بِنُسُكٍ لَا يُلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَشْرُوعَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنًى أَرْبَعَةٌ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسُّنَّةُ تَرْتِيبُهَا هَكَذَا فَإِنْ خَالَفَ تَرْتِيبَهَا نَظَرَ إنْ قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ قَدَّمَ الذَّبْحَ عَلَى الْجَمِيعِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ أَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ لَا حَرَجَ) وَإِنْ طَافَ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ رَمَى جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الطَّوَافَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ يَجُزْ وَيَلْزَمُهُ بِهِ الدَّمُ كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ * وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْحَلْقَ اسْتِبَاحَةُ محظور وجهين (أحدهما) قال وهو قول البغدادين مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ لَا دَمَ عَلَيْهِ لحديث عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سُئِلَ عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَقَالَ لَا حَرَجَ) فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِيمَنْ حَلَقَ قَبْلَ الرمي والطواف (احدها) لادم (والثانى)

يَجِبُ (وَأَصَحُّهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ إنْ قُلْنَا الْحَلْق لَيْسَ بِنُسُكِ وَجَبَ الدَّم وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيَدْخُلُ وَقْتُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالْحَلْقُ إنْ قُلْنَا نُسُكٌ فَكَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ إلَّا بِفِعْلِ الرَّمْيِ أَوْ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَقْتُ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ لِوُقُوعِ جِمَاعِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ تَفْسُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَلْقِ هَلْ هُوَ نُسُكٌ؟ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ نُسُكٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ أَحَدٌ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا *

(فَرْعٌ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَأَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ إلَى بَعْدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَلَقَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ *

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لزمه الحلق ودم وقال سفيان الثوري واسحق ومحمد عليه الحلق ودم * دليلنا الاصل لادم * (فرع) قال ابن المنذر أجمعوا أن لاحلق عَلَى النِّسَاءِ إنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ قَالُوا وَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَفِيهِ مُثْلَةٌ * وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا تُقَصِّرُهُ فَقَالَ ابن عمر والشافعي وأحمد واسحق

وَأَبُو ثَوْرٍ تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ مِثْلَ الْأُنْمُلَةِ * وَقَالَ قَتَادَةُ تُقَصِّرُ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ وَقَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا مِنْ الْقَوَاعِدِ أَخَذَتْ نَحْوَ الرُّبُعِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَلْتُقَلِّلْ * وَقَالَ مَالِكٌ تَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِهَا أَقَلَّ جُزْءٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْ بَعْضِ الْقُرُونِ * دَلِيلُنَا فِي إجْزَاءِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا يُسَمَّى تَقْصِيرًا *

(فَرْعٌ) مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَيُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَلَا يَجِبُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ ابن دَاوُد أَنَّهُ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ إمْرَارُهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْإِمْرَارُ وَاجِبٌ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُحْرِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ) قَالُوا وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ فَإِذَا فُقِدَ

الشَّعْرُ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى نَفْسِ الرَّأْسِ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَوَجَبَ التَّشْبِيهُ فِي أَفْعَالِهَا كَالصَّوْمِ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي أَثْنَاءِ يَوْمِ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءٍ من الآدمى فيسقط بِفَوَاتِ الْجُزْءِ كَغَسْلِ الْيَدِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِقَطْعِهَا (فَإِنْ) قِيلَ الْفَرْضُ هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْيَدِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَهُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ وَهُوَ بَاقٍ (قُلْنَا) بَلْ الْفَرْضُ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّعْرِ فَقَطْ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ الْحَلْقُ فِي الشَّعْرِ وَلَا يَكْفِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى مَا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَلَّقَ الْفَرْضُ عَلَيْهِ لاجزأ *

وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مَرْوِيٌّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ (قُلْتُ) وَهُوَ مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ * وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ قال الله تعالى (وامسحوا برؤسكم) وَهُنَا تَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بِشَعْرِ الرَّأْسِ سُمِّيَ مَاسِحًا فَلَزِمَهُ وَإِذَا أَمَرَّ الْمُوسَى لَا يُسَمَّى حَالِقًا * (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الصَّوْمِ فَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِ جَمِيعِ النَّهَارِ فَبَقِيَّتُهُ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ مأمور بأزالة الشعر ولم يبق شئ منه والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ عِنْدَنَا ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجِبُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ رُبْعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ نِصْفُهُ * احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ مَرَّاتٍ * قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَالِقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تعالي (محلقين رؤسكم) والمراد شعور رؤسكم وَالشَّعْرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى حَالِقًا يُقَال حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُسَمَّى حَلْقَ شَعْرٍ (وأما) حلق النبي صلى الله عيه وَسَلَّمَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مذهبنا انه يتسحب فِي الْحَلْقِ أَنْ يَبْدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ وَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِ الْحَالِقِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ عَلَى يَمِينِ الْحَالِقِ وَهَذَا مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيَّنَّاهُ *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ جَازَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ فَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَا شئ عَلَى الْمُفْرِدِ * وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الذَّبْحِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَدَّمَهُ عَلَى الرَّمْيِ لَزِمَهُ الدَّمُ * وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ قَدَّمَهُ عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الرَّمْيِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا دَمَ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ فِيمَنْ قَدَّمَ طواف الافاظة عَلَى الرَّمْيِ (إحْدَاهُمَا) يُجْزِئُهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يُجْزِئُهُ * وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ الدَّمُ مَتَى قَدَّمَ شَيْئًا على شئ من هذه * دليلنا

الاحاديث الصحيحة السابقة (لاحرج) وَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَالِمٍ وَجَاهِلٍ (فَإِنْ قَالُوا) الْمُرَادُ لَا إثم لكونه ناسيا (قلنا) ظاهره لا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَحَرَ قبل الرمى لا شئ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْذُرَ حَلْقَهُ لَا يَلْزَمُهُ حَلْقُهُ بَلْ يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ كَمَا لَوْ لَمْ يُلَبِّدْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَأَوْجَبَ الْحَلْقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ إذَا رَمَى الجمرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والسنة أن يخطب الامام يوم النحر بمنى وهى إحدى الخطب الاربع ويعلم الناس الرمى والافاضة وغيرهما من المناسك لما روى ابن عمر قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النحر بعد رميه الجمرة وكان في خطبته ان هذا يوم الحج الاكبر) ولان في هذا اليوم وما بعده مناسك يحتاج إلى العلم بها فسن فيها الخطبة لذلك) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي إثْبَاتِ خُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرَ ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ ذِكْرِ خُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَدِلَّةَ الْخُطَبِ الْأَرْبَعِ مَبْسُوطَةً وَفُرُوعَهَا وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَتَى تَكُونُ هَذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهَا وَالْأَحَادِيثُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ كَانَتْ ضَحْوَةَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا بَعْدَ الظُّهْرِ (وَجَوَابُهُ) (1) قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْحُجَّاجِ حُضُورُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ وَلِلْإِمَامِ الِاغْتِسَالُ لَهَا وَالتَّطَيُّبُ إنْ كَانَ قَدْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ أَوْ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ تَكُونُ بِمِنًى هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بِمَكَّةَ وَهَذَا فَاسِدٌ مُخَالِفٌ للنقل والدليل * قال المصنف رحمه الله *

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

(ثم يفيض إلى مكة ويطوف طواف الافاضة ويسمى طواف الزيارة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (رمى الجمرة ثم ركب وأفاض إلى البيت) وهذا الطوف رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلا به والاصل فيه قوله عز وجل (وليطوفوا بالبيت العتيق) وروت عائشة ان صفية رضي الله عنهما حاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحابستناهى قلت يا رسول الله انها قد أفاضت قال فلا) إذا فدل على انه لا بد من فعله وأول وقته إذا انتصفت ليلة النحر لما روت عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارسل ام سلمة يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم افاضت) والمستحب ان يطوف يوم النحر لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ يَوْمَ النحر) فان أخر إلى ما بعده وطاف جاز لانه أتي به بعد دخول الوقت) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الاول في قضية صَفِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ فِي قِصَّةِ أُمِّ سَلَمَةَ (1) (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَالسُّنَّةُ إذَا رَمَى وَذَبَحَ وَحَلَقَ أَنْ يُفِيضَ إلَى مَكَّةَ وَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الافاضة وقد سبق في اوائل الْبَابِ أَنَّ لَهُ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ وَقَدْ سَبَقَتْ كيفية الطواف وسيق بَيَانُ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَرْمُلُ وَيَضْطَبِعُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَمْ لَا وَهَذَا الطَّوَافُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ * قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الطَّوَافِ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَيَبْقَى إلَى آخِرِ الْعُمْرِ وَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ * وَالْأَفْضَلُ طَوَافُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وان يكون قبل الزوال في الضحاء بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إلَى مِنًى قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَخُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ بِلَا طَوَافٍ أَشَدُّ كَرَاهَةً * وَمَنْ لَمْ يَطُفْ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَلَمْ يَكُنْ طَافَ الْإِفَاضَةَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَجْزَأَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا طَافَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَزِمَهُ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَسْعَى وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يُعِدْهُ بَلْ تُكْرَهُ إعَادَتُهُ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ السَّعْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ يَصِحُّ مَا دَامَ حيا لكن يكره

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

تَأْخِيرُهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أيام التشريق قال المتولي يكره قَضَاءً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً بَلْ يَقَعُ أَدَاءً لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ هُوَ بِمُؤَقَّتٍ وَهَذَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا * قَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا أَلْحَقُوهُ بِالرَّمْيِ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِهِ (وَأَمَّا) وَقْتُ الْفَضِيلَةِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَحْوَةُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهُمَا) مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ وَزَوَالِهَا لِحَدِيثِ ابن عمر وجابر الذين سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) مَا بَيْنَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ إلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَ الْإِفَاضَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَرْجِعَ إلَى مِنًى فَيُصَلِّيَ بِهَا الظُّهْرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ * وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ بِمِنًى حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَشْهَدَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُفِيضَ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفَ وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ عَجَّلَ الْإِفَاضَةَ لِاتِّسَاعِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَ شِتَاءً أَخَّرَهَا إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِضِيقِهِ هَذَا كَلَامُهُ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ * وَقَدْ صَحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ مُتَعَارِضَةٌ يُشْكِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْجَمْعُ بَيْنَهَا حَتَّى أن ابن حزم الطاهري صَنَّفَ كِتَابًا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ وَاسْتَقْصَى وَجَمَعَ بَيْنَ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ فِي جَمِيعِ الحج ثم قال ولم يبق شئ لَمْ يُبِنْ لِي وَجْهَهُ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَأَنَا أَذْكُرُ طُرُقَهَا ثُمَّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عن ابن الزبير عن عائشة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ (أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ سَمِعَ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي سماعه من عائشة نظر قال الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي سلمة عن عائشة أنها قَالَتْ (حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ) قَالَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى) وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فَزَارُوا الْبَيْتَ ظَهِيرَةً وَزَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَافَ عَلَى نَاقَتِهِ لَيْلًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْت) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَرَوَى جَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ وَابْنُ عُمَرَ بِمِنًى وَهُمَا صَادِقَانِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ فجوابها

مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رِوَايَاتِ جَابِرٍ وَابْنِ عمر وأبى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَأَكْثَرُ رُوَاةً فوجب تقديهما وَلِهَذَا رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ أَيْ طواف نسائة ولابد مِنْ التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا التَّأْوِيلُ يَرُدُّهُ رِوَايَةُ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ (وَزَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا) فَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ عَادَ لِلزِّيَارَةِ لَا لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَزَارَ مَعَ نِسَائِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا والله أعلم * (فرع) قد ذكرنا ان لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ (مِنْهَا) طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَتِهِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ مِنْ امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ مِثْلَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ فَقَالُوا إنَّهَا حَائِضٌ فَقَالَ إنَّهَا لَحَابِسَتُنَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَلْتَنْفِرْ مَعَكُنَّ وَمَعْنَاهُ قَدْ طَافَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَدَلَالَةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلُهَا الشَّرْعِيُّ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مَتَى هُوَ فَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنَّمَا قِيلَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ * هَكَذَا أُثْبِتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ حَدِيثُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ يَعْنِي حَجَّةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ

بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِيَرَاهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لِيَرَاهُ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ النَّحْرُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وَمَعْنَى قَوْلِ حُمَيْدٍ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَذَا الْأَذَانِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَأَذَّنُوا بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ الْمَأْمُورُ بِالْأَذَانِ فِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يوم الحج الاكبر) الْآيَةَ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَنَاسِكَ تُفْعَلُ فِيهِ * وَمَنْ قَالَ يَوْمَ عَرَفَةَ احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) وَلَكِنْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرُدُّهُ * وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ بَلْ يَبْقَى مَا دَامَ حَيًّا وَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا لادم * مِمَّنْ قَالَهُ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِلطَّوَافِ فَيَطُوفُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّمِ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْإِفَاضَةَ وَتَرَكَ مِنْ الطوافات السَّبْعِ وَاحِدَةً أَوْ بَعْضَهَا لَا يَصِحُّ طَوَافُهُ حَتَّى يُكْمِلَ السَّبْعَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَسَبَقَ فِيهِ بَيَانُ مَذْهَبِ أبى حنيفة * * قال المصنف رحمه الله * (وأذا رمي وحلق وطاف حصل له التحلل الاول والثانى وبأي شئ حصل له التحلل ان قلنا إن الحلق نسك حصل له الاول باثنين من ثلاثة وهي الرمي والحلق والطواف وحصل له الثاني بالثالث * وان قلنا ان الحلق ليس بنسك حصل له التحلل الاول بواحد من اثنين - الرمي -

والطواف - وحصل له التحلل الثاني بالثاني * وقال أبو سعيد الاصطخرى إذا دخل وقت الرمي حصل له التحلل الاول وإن لم يرم كما إذا فات وقت الرمى حصل له التحلل الاول وإن لم يرم والمذهب الاول لما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطيب واللباس وكل شئ إلا النساء) فعلق التحلل بفعل الرمى ولان ما تعلق به التحلل لم يتعلق بدخول وقته كالطواف * ويخالف إذا فات الوقت فان بفوات الوقت يسقط فرض الرمي كما يسقط بفعله وبدخول الوقت لا يسقط الفرض فلم يحصل به التحلل * وفيما يحل بالتحلل الاول والثانى قولان (أحدهما) وهو الصحيح يحل بالاول جميع المحظورات الا الوطئ وبالثانى يحل الوطئ لحديث عائشة رضي الله عنها (والثاني) يحل بالاول كل شئ الا الطيب والنكاح والاستمتاع بالنساء

وقتل الصيد لما روى مكحول عن عمر أنه قال (إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شئ الا النساء والطيب والصيد) والصحيح هو الاول لان حديث عمر مرسل ولان السنة مقدمة عليه * هذا إذا كان قد سعى عقب طواف القدوم (فاما) إذا لم يسع وقف التحلل على الطواف والسعى لان السعي ركن كالطواف) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا مِنْ رواية

الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ * وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شئ إلَّا النِّسَاءَ) هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ معين وغيره قالوا يقال ان الحسن العرني لم يسمع ابن عياس وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أعلم *

(وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ فَحَدِيثُهُ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ ومرسل والله اعلم (أما) حكم الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ أَوَّلٌ وَثَانٍ يَتَعَلَّقَانِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ وَإِلَّا فَيَتَعَلَّقَانِ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ (وَأَمَّا) النَّحْرُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي

التَّحَلُّلِ * (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ نُسُكٌ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَأَيُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا أَتَى بِهِمَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ كَانَا رميا وحلقا أو رميا وطوافا اطَوَافًا وَحَلْقًا وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْعَمَلِ الْبَاقِي مِنْ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحَلُّلُ بَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلَانِ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ أَيَّهُمَا فَعَلَهُ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَيَحْصُلُ الثَّانِي بِالثَّانِي * وَلَوْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَقَدْ فَاتَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ بِفَوَاتِهِ الدَّمُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَمْيٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهِ وَهَلْ

يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِ الرَّمْيِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَا رَمْيَ (وَالثَّالِثُ) إنْ افْتَدَى بِالدَّمِ تَوَقَّفَ وَإِنْ افْتَدَى بِالصَّوْمِ فَلَا لِطُولِ زَمَنِهِ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَرْمِ وَلَمْ تَخْرُجْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا يُجْعَلُ دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ * وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب أن دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ مَعَ دَلِيلِ الْمَذْهَبِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا لِلدَّارِكِيِّ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ حَصَلَ التَّحَلُّلَانِ جَمِيعًا بِالْحَلْقِ مَعَ الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ رَمْيٍ أَوْ بِالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَلَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ إلَّا أَحَدُ التَّحَلُّلَيْنِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ فَقَطْ أَوْ الطَّوَافِ فَقَطْ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَلْقَ نُسُكًا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِوُجُودِ اسْمِ الْيَوْمِ * وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا شَاذَّةٌ ضعيفة

(والمذهب) ما قدمناه أَوَّلًا * وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ مَعَ الطَّوَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَيُعَدُّ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ سَبَبًا وَاحِدًا مِنْ أسباب

التَّحَلُّلِ فَلَوْ لَمْ يَرْمِ وَلَكِنْ طَافَ وَحَلَقَ وَلَمْ يَسْعَ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ السَّعْيَ كَالْجُزْءِ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمَرَّاتِ مِنْ الطواف وهذا لا خلاف فيه والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيُضَمُّ إلَيْهِمَا الْحَلْقُ إنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْعُمْرَةِ تَحَلُّلٌ وَفِي الْحَجِّ تَحَلُّلَانِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ

فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ اللُّبْسُ وَالْقَلْمُ وَسَتْرُ الرَّأْسِ وَالْحَلْقُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ نُسُكًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحِلُّ الْجِمَاعُ إلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ حَتَّى يَرْمِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَفِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّحَلُّلَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيِّ يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَحِلُّ بِالْأَوَّلِ الْمُبَاشَرَةُ وَيَحِلُّ الصَّيْدُ وَالنِّكَاحُ وَالطِّيبُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَيَحِلُّ الصَّيْدُ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِاتِّفَاقِهِمْ (وَأَمَّا) الطِّيبُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِحِلِّهِ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ

تَعَالَى وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فِيهِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) حِلُّهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَالصَّيْدِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ * وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ حَدِيثٍ مُشْكِلٍ مُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْن مَعِينٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أبي عدي عن محمد بن اسحق قال حدثنا أبو عبيدة ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ (كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَصَارَ إلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بن زمعة ومعه رجل مقتمصين فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَضْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِعْ عَنْك الْقَمِيصَ فَنَزَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ فِيهِ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَمَبِيتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) هَذَا لَفْظُهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ صحيح والجمهور على الاحتجاج بمحمد بن اسحق إذا قال حدثنا وانما عابوا عليك التَّدْلِيسَ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنَا اُحْتُجَّ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ * هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ (قُلْت) فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يَنْسَخُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى ناسخ والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ قَالَ وَقَوْلُنَا تَحَلُّلَانِ مَجَازٌ بَلْ إذَا رَمَى جمرة

الْعَقَبَةِ زَالَ إحْرَامُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَحْلِقَ وَيَطُوفَ كَمَا أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا زَالَ الْحَيْضُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَهُوَ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ * قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَكَيْفَ يَزُولُ الْإِحْرَامُ وَبَعْضُ الْأَرْكَانِ بَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ صار حلالا في كل شئ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَبِيتِ لَيَالِيهَا بِمِنًى مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا يُسَلِّمُ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الصلاة بالاولى * قال المصنف رحمه الله * (وإذا فرغ من الطواف رجع إلى منى وأقام بها أيام التشريق يرمى في كُلَّ يَوْمٍ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حصيات فيرمي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ويقف قدر سورة البقرة يدعوا الله عز وجل ثم يرمي الجمرة الوسطى ويقف ويدعو الله تعالى كما ذكرنا ثم يرمي الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة ولا يقف عندها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ حتى صلى الظهر ثم رجع إلى منى فاقام بها أيام التشريق الثلاث يرمي الجمار فرمى الجمرة الاولى إذا زالت الشمس بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يقف فيدعو الله تعالى ثم يأتي الجمرة الثانية فيقول مثل ذلك ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها ولا يقف عندها) ولا يجوز أن يرمي الجمار في هذه الايام الثلاثة الا مرتبا يبدأ بالاولى ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى هكذا وقال (خذوا عني مناسككم) فان نسي حصاة ولم يعلم من أي الجمار تركها جعلها من الجمرة الاولى ليسقط الفرض بيقين ولا يجوز الرمي في هذه الايام الثلاثة الا بعد الزوال لان عائشة رضي الله عنها قالت (أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامُ التشريق الثلاثة يرمي الجمار الثلاث حين تزول الشمس) فان ترك الرمي في اليوم الثالث سقط الرمي لانه فات أيام الرمي ويجب عليه دم لقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) فان ترك الرمي في اليوم الاول إلى اليوم الثاني أو ترك الرمي في اليوم الثاني إلى الثالث فالمشهور من المذهب أن الايام الثلاثة كاليوم الواحد فما ترك في الاول يرميه في اليوم الثاني وما تركه في

اليوم الثاني يرميه في اليوم الثالث والدليل عليه أنه يجوز لرعاة الابل أن يؤخروا رمي يوم إلى يوم بعده فلو لم يكن اليوم الثاني وقتا لرمي اليوم الاول لما جاز الرمي فيه وقال في الاملاء رمي كل يوم يوم مؤقت بيومه والدليل عليه أنه رمى مشروع في يوم ففات بفواته كرمي اليوم الثالث فان تدارك عليه رمي يومين أو ثلاثة أيام (فان قلنا) بالمشهور بدأ ورمى عن اليوم الاول ثم عن اليوم الثاني ثم عن اليوم الثالث فان نوى بالرمي الاول عن اليوم الثاني ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجزئه لانه ترك الترتيب (والثاني) أنه يجزئه عن الاول لان الرمي مستحق عن اليوم الاول فانصرف إليه كما لو طاف بنية الوداع وعليه طواف الفرض (فان قلنا) بقوله في الاملاء إن رمى كل يوم موقت بيومه وفات اليوم ولم يرم ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أن الرمي يسقط وينتقل إلى الدم كاليوم الاخير (والثاني) أنه يرمي ويريق دما للتأخير كما لو أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فانه يصوم ويفدي (والثالث) أنه يرمي ولا شئ عليه كما لو ترك الوقوف بالنهار فانه يقف بالليل ولا دم عليه فعلى هذا إذا رمى عن اليوم الثاني قبل اليوم الاول جاز لانه قضاء فلا يجب فيه الترتيب كالصلاة الفائتة (فأما) إذا نسي رمي يوم النحر فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ كرمي أيام التشريق فيرمي رمى يوم النحر في أيام التشريق وتكون أيام التشريق وقتا له وعلى قوله في الاملاء يكون على الاقوال الثلاثة (ومن) أصحابنا من قال يسقط رمى يوم النحر قولا واحدا لانه لما خالف رمى أيام التشريق في المقدار والمحل خالفه في الوقت * ومن ترك رمى الجمار الثلاث في يوم لزمه دم لقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) فان ترك ثلاث حصيات فعليه دم لانه يقع اسم الجمع المطلق عليه فصار كما لو ترك الجميع وان ترك حصاة ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) يجب عليه ثلث دم (والثاني) مد (والثالث) درهم * وان ترك حصاتين لزمه في أحد الاقوال ثلثا دم وفي الثاني مدان وفي الثالث درهمان * وان ترك الرمي في أيام التشريق وقلنا بالقول المشهور أن الايام الثلاثة كاليوم الواحد لزمه دم كاليوم الواحد (فان قلنا) بقوله في الاملاء ان رمى كل يوم مؤقت بيومه لزمه ثلاثة دماء وان ترك رمى يوم النحر وأيام التشريق (فان قلنا) ان رمى يوم النحر كرمي أيام التشريق لزمه على

القول المشهور دم واحد (وإن قلنا) إنه ينفرد عن رمي أيام التشريق (فان قلنا) ان رمى أيام التشريق كرمي اليوم الواحد لزمه دمان (وإن قلنا) إن رمي كل يوم مؤقت بيومه لزمه أربعة دماء) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِهِ وَلَكِنْ مُحَمَّدُ بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يتقدم ثم يسهل فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشمال فيسهل وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ * وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَتِهِمْ (فَيَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ طَوِيلًا يُكَبِّرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَبِّحُهُ ويحمده ويدعوا اللَّهَ تَعَالَى) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَمَى الْجِمَارَ مُرَتَّبًا) فَهُوَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي ذَكَرْتهَا الْآنَ وَمِنْ غَيْرِهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَرَّاتٍ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ الذي فيه محمد بن اسحق وَقَدْ بَيَّنْته الْآنَ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ ضُحًى ثُمَّ لَمْ يَرْمِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَسَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ هُوَ - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَبِهِ يُسَمَّى مَسْجِدُ الْخَيْفِ وَهُوَ مَسْجِدٌ عَظِيمٌ وَاسِعٌ جِدًّا فِيهِ عِشْرُونَ بَابًا وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ جُمَلًا تَتَعَلَّقُ بِهِ * (قَوْلُهُ) رَمْيٌ مَشْرُوعٌ فِي يَوْم احْتِرَاز مِنْ رَجْمِ الزَّانِي (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى عَقِبَ فَرَاغِهِ فَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَحَضَرَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُقِيمُ فِي مِنًى لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمَبِيتِ لَيَالِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ الْقَرِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ - لِأَنَّهُمْ قَارُّونَ بِمِنًى وَالْيَوْمُ الثَّانِي يُسَمَّى النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي * وَمَجْمُوعُ حَصَى الرَّمْيِ سَبْعُونَ حَصَاةً سَبْعٌ مِنْهَا لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْبَاقِي لِرَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ كَمَا سَبَقَ وَصْفُهُ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ إحدى وعشرون حَصَاةً فَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهِيَ أَوَّلُهُنَّ مِنْ جِهَةِ عَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ فَيَأْتِيهَا مِنْ أسفل منها

فَيَصْعَدُ إلَيْهَا وَيَعْلُوهَا حَتَّى يَكُونَ مَا عَنْ يساره اقل ما عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يُكَبِّرُ عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ كَمَا سَبَقَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا وَيَنْحَرِفُ قَلِيلًا وَيَجْعَلُهَا فِي قَفَاهُ وَيَقِفُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُصِيبُهُ الْمُتَطَايَرُ مِنْ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُ وَيُهَلَّلُ وَيُسَبِّحُ وَيَدْعُو مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ وَخُضُوعِ الْجَوَارِحِ وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَيَصْنَعُ فِيهَا كَمَا صَنَعَ فِي الْأُولَى وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ كَمَا وَقَفَ فِي الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَنْ يَسَارِهَا بِخِلَافِ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ يَتْرُكُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَقِفُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَنْ يُصِيبَهُ الْحَصَى ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِلذِّكْرِ والدعاء * هذه الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا أَصْلُ الرَّمْيِ بِصِفَتِهِ السَّابِقَةِ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ بِمَا يُسَمَّى حَجَرًا وَيُسَمَّى رَمْيًا (وَأَمَّا) الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا زَادَ عَلَى أصل الرمي فمستحب لا شئ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ * وَيَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا رَمَى فِي الْأَوَّلِ وَيَرْمِي فِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْفِرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوُقُوفِ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا) كَوْنُهُ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ ابن عمر والله أعلم (الثانية) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ كُلَّ يَوْمٍ لِلرَّمْيِ (الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى غُرُوبِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (وَالصَّحِيحُ) هَذَا فِيمَا سِوَى الْيَوْمِ الْآخِرِ (وَأَمَّا) الْيَوْمُ الْآخِرُ فَيَفُوتُ رَمْيُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا جَمِيعُ الرَّمْيِ يَفُوتُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ مِنْ التَّشْرِيقِ لِفَوَاتِ زَمَنِ الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّمْيَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الاصحاب وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ قَرِيبًا (الرَّابِعَةُ) الْعَدَدُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ فَيَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَكُونُ كُلُّ حَصَاةٍ بِرَمْيَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا سَبَقَ فِي جَمْرَةِ العقبة (الخامسة) يشترط التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهِ فَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ الْأُولَى أَوْ جَهِلَ فَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيْنَ تَرَكَهَا جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهَا

حَصَاةً ثُمَّ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ (السَّادِسَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْحَصَيَاتِ فِي الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ شَرْطٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ رَمْيِ يَوْمِ الْقَرِّ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَلْ يَتَدَارَكُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّانِي أو رمي اليومين الاوليين هَلْ يُتَدَارَكُ فِي الثَّالِثِ مِنْهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُتَدَارَكُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُتَدَارَكُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُتَدَارَكُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يُتَدَارَكُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُ مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ (إذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ وَقْتَهُ لَا يَمْتَدُّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّدَارُكِ فَتَدَارَكَ فَهَلْ هو أداء أم قضاء فيه قولان (أصحهما) أداء كما في حل أَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرُّعَاةِ * (فَإِنْ قُلْنَا) أَدَاءٌ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى فِي حُكْمِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فَكُلُّ يَوْمٍ لِلْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ كَأَوْقَاتِ اخْتِيَارِ الصَّلَوَاتِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ عَلَى الزَّوَالِ * وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ * قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ وَقْتَهُ يَتَّسِعُ مِنْ جِهَةِ الْآخِرِ دون الاول ولايجوز التَّقْدِيمُ عَلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ التَّقْدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ تَصْرِيحًا وَمَفْهُومًا * (وَإِذَا قُلْنَا) إنَّهُ قَضَاءٌ فَتَوْزِيعُ الْأَقْدَارِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى الْأَيَّامِ مُسْتَحَقٌّ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَقْدِيمِ رَمْيِ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ وَلَا إلى تَقْدِيمِهِ عَلَى الزَّوَالِ وَهَلْ يَجُوزُ بِاللَّيْلِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَأَقَّتْ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ وَهَلْ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ الْمَتْرُوكِ وَرَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ كَالتَّرْتِيبِ فِي الْمَكَانِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّدَارُكَ قَضَاءٌ أَمْ أَدَاءٌ (إنْ قُلْنَا) أَدَاءٌ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ التَّرْتِيبَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعُذْرِ كَالرُّعَاةِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي نَظِيرُهُ إنْ فَاتَتْهُ الظُّهْرُ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ وَلَوْ أَخَّرَهَا لِلْجَمْعِ فَوَجْهَانِ وَلَوْ رَمَى إلَى الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا عَنْ يَوْمٍ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهَا عَنْ أَمْسِهِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ نُوجِبْ التَّرْتِيبَ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ أَصْلًا * قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ صُرِفَ الرَّمْيُ إلَى غَيْرِ النُّسُكِ بِأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ فَفِي انْصِرَافِهِ عَنْ النُّسُكِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي صَرْفِ الطَّوَافِ (وَالْأَصَحُّ) الِانْصِرَافُ فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ وَقَعَ عَنْ أَمْسِهِ وَلَغَا قَصْدُهُ وَإِنْ انْصَرَفَ فَإِنْ شَرْطَنَا التَّرْتِيبَ لَمْ يُجْزِهِ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ نَشْتَرِطْ أَجْزَأَهُ عَنْ يَوْمِهِ * وَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عن يومه

وَسَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ جَازَ إنْ لَمْ نَشْتَرِطْ التَّرْتِيبَ وَإِنْ شَرَطْنَاهُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ * هَذَا كُلُّهُ فِي رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَمَّا) إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ فَفِي تَدَارُكِهِ فِي أيام الشتريق طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّدَارُكِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الرَّمْيَيْنِ قَدْرًا؟ ؟ ؟ وَوَقْتًا وَحُكْمًا * فَإِنَّ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ يُؤَثِّرُ فِي التَّحَلُّلِ بِخِلَافِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * (فَرْعٌ) لَوْ تَرَكَ رَمْيَ بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقُلْنَا يَتَدَارَكُ فَتَدَارَكَ فَلَا دَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ دَمٌ مَعَ التَّدَارُكِ كَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَفْدِي * ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ عَادَ وَرَمَى قَبْلَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَكَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِأَنَّ النَّفْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا نَفَرَ فِيهِ خَرَجَ عَنْ الْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَدَارَكُ أَوْ قُلْنَا بِهِ فَلَمْ يَتَدَارَكْ وَجَبَ الدَّمُ وَكَمْ قَدْرُهُ فِيهِ صُوَرٌ * فَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالصُّورَةُ فِيمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ التَّشْرِيقِ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) دَمٌ (وَالثَّانِي) دَمَانِ (وَالثَّالِثُ) أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ * وَهَذَا الثَّالِثُ أَظْهَرُهَا عِنْدُ الْبَغَوِيِّ * قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ عَشَرَةُ دِمَاءٍ يَجْعَلُ كُلَّ جَمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ * وَلَوْ تَرَكَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ رَمْيَ يَوْمٍ مِنْ التَّشْرِيقِ وَجَبَ دَمٌ * وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ بَعْضِ التَّشْرِيقِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْجَمَرَاتُ الثَّلَاثُ كَالشَّعَرَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا يُكْمِلُ الدَّمَ فِي بَعْضِهَا بَلْ إنْ تَرَكَ جَمْرَةً فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيمَنْ حَلَقَ شَعْرَةً (أَظْهَرُهَا) مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ * وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ جَمْرَةٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (إنْ قُلْنَا) فِي الْجَمْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ فَفِي الْحَصَاةِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ دَمٍ (وَإِنْ قُلْنَا) فِي الْجَمْرَةِ مُدٌّ أَوْ دِرْهَمٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ نُوجِبَ سُبْعَ مُدٍّ أَوْ سُبْعَ دِرْهَمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا نُبَعِّضَهُمَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي وَظِيفَةِ الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا يَكْمُلُ فِي جَمْرَةِ النَّحْرِ فِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ هَذَا فِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (فَأَمَّا) إذَا تَرَكَهَا مِنْ الْجَمْرَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقَرِّ أَوْ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْفِرْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ التَّدَارُكِ وَرَمْيِ الْوَقْتِ صَحَّ رَمْيُهُ لَكِنْ تَرْكُ حَصَاةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ (1) وَإِنْ أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الرمي بنية اليوم هل

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

يَقَعُ عَنْ الْمَاضِي (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ تَمَّ الْمَتْرُوكُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ لَكِنْ يَكُونُ تَارِكًا لِلْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا كَانَ تَارِكًا رَمْيَ حَصَاةٍ وَوَظِيفَةِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ نُفْرِدْ كُلَّ يَوْمٍ بِدَمٍ وَإِنْ أَفْرَدْنَا فَعَلَيْهِ لِوَظِيفَةِ الْيَوْمِ دَمٌ وفيما يجب لترك الحصاة الخلا ف * وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ إحْدَى الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ * كَانَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْمَكَانِ * هَذَا كُلُّهُ إذَا تَرَكَ بَعْضَ يَوْمٍ مِنْ التَّشْرِيقِ فَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ رَمْيِ النَّحْرِ فَقَدْ أَلْحَقهُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا تَرَكَ مِنْ الْجَمْرَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْآخِرِ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَلْزَمُهُ دَمٌ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً فَقَطْ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِبَدَلٍ كَامِلٍ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّ الدَّمَ يَكْمُلُ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ لَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهَا أَخَذَ بِالْأَسْوَأِ وَهُوَ أَنَّهُ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَحَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى يَوْمَ الْقَرِّ وَحَصَاةً مِنْ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَحْسِبْ مَا يَرْمِيهِ بِنِيَّةِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ عَنْ الْفَائِتِ فَالْحَاصِلُ سِتُّ حَصَيَاتٍ مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ بَيْنَ التَّدَارُكِ وَرَمْيِ الْوَقْتِ أَمْ لَا وَإِنْ حَسِبْنَاهُ فَالْحَاصِلُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَحَدِ أَيَّامٍ التَّشْرِيقِ لَا غَيْرُ سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَمْيُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا وَأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ فَيَرْمِي بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاكِبًا وَيَنْفِرُ عَقِبَ الرَّمْيِ كَمَا أَنَّهُ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا ثُمَّ يَنْزِلُ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ * وَشَذَّ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ فَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْمِي مَاشِيًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَيُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا رِوَايَةِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا رَمَى الْجِمَارَ مَشَى إلَيْهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَا يَفْتَقِرُ الرَّمْيُ إلَى نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ عِنْدَ ذِكْرِ نِيَّةِ الطَّوَافِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي الْحِكْمَةِ فِي الرَّمْيِ * قَالَ الْعُلَمَاءُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ وَكُلُّ عِبَادَةٍ فَلَهَا مَعْنًى قَطْعًا لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَبَثِ ثُمَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قَدْ يَفْهَمُهُ الْمُكَلَّفُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ فَالْحِكْمَةُ فِي الصَّلَاةِ التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ وَإِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ كَسْرُ النَّفْسِ وَقَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَالْحِكْمَةُ فِي الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْحَجِّ إقْبَالُ الْعَبْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ إلَى بَيْتٍ فَضَّلَهُ اللَّهُ كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إلَى مَوْلَاهُ ذَلِيلًا * وَمِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا السَّعْيُ وَالرَّمْيُ فَكُلِّفَ الْعَبْدُ بِهِمَا لِيَتِمَّ انْقِيَادُهُ فَإِنَّ هذا النوع لاحظ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَلَا (1) لِلْعَقْلِ بِهِ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَكَمَالُ الِانْقِيَادِ * فَهَذِهِ إشَارَةٌ مُخْتَصَرَةٌ تُعْرَفُ بِهَا الْحِكْمَةُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر اللَّهِ) وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى الْمَنَاسِكَ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ وَمَكَّةَ بَيْنَكُمْ تَبْتَغُونَ) * قال المصنف رحمه الله * (ومن عجز عن الرمي بنفسه لمرض مأيوس أو غير مأيوس جاز أن يستنيب من يرمي عنه لان وقته مضيق وربما مات قبل أن يرمي بخلاف الحج فانه على التراخي * ولا يجوز لغير المأيوس أن يستنيب لانه قد يبرا فيؤديه بنفسه * والافضل ان يضع كل حصاة في يد النائب ويكبر ويرمي النائب فان رمى عنه النائب ثم برئ من المرض فالمستحب ان يعيد بنفسه * وإن أغمي عليه فرمى عنه غيره فان كان بغير إذنه لم يجزه وان كان أذن له فيه قبل أن يغمى عليه جاز) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِهِمَا يَسْتَنِيبُ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ مَرْجُوَّ

الزَّوَالِ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ اسْتَنَابَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَسَوَاءٌ اسْتَنَابَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى إنْ قَدَرَ وَيُكَبِّرُ الْعَاجِزُ وَيَرْمِي النَّائِبُ وَلَوْ تَرَكَ الْمُنَاوَلَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ صَحَّتْ الِاسْتِنَابَةُ وَأَجْزَأَهُ رَمْيُ النَّائِبِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ عَنْ الرَّمْيِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَيَجُوزُ لِلْمَحْبُوسِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّمْيِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ * ثُمَّ إنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَطْلَقُوا جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ لِلْمَرِيضِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ أَمْ لَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَابِعِي الْإِمَامِ إنَّمَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ لِعَاجِزٍ بِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الرَّمْيِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ رَجَاءُ الزَّوَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَمُتَابِعُوهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ فَلَوْ زَالَ الْعَجْزُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لَزِمَهُ رَمْيُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ ثُمَّ يَزُولُ نَادِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُحْرِمِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَلَمْ يَكُنْ أَذِنَ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّمْيُ عَنْهُ فِي إغْمَائِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ أَذِنَ فِيهِ جَازَ الرَّمْيُ عَنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ * وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجَوَازَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَقَالَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَوْ اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ وَصَحَّحْنَا الِاسْتِنَابَةَ فَأُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ دَامَتْ النِّيَابَةُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِغْمَاءِ الطَّارِئِ عَلَى إذْن انْقِطَاع إذْنه إذَا كَانَ أَصْلُ الاذن جائزا كالوكالة وَلَكِنْ الْغَرَضُ هُنَا إقَامَةُ النَّائِبِ مَقَامَ الْعَاجِزِ قَالَ وَمَا ذَكَرُوهُ مُحْتَمَلٌ جِدًّا وَلَا يَمْتَنِعُ خِلَافُهُ * قَالَ وَقَدْ قَالُوا لَوْ اسْتَنَابَ الْمَعْضُوبُ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَعْضُوبُ لَمْ تَنْقَطِعْ الِاسْتِنَابَةُ هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي الاذن المجرد وهو بعيد لكن لَوْ فُرِضَ فِي الْإِجَارَةِ فَالْإِجَارَةُ تَبْقَى وَلَا تَنْقَطِعُ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُمْكِنٌ فَلَا مُنَافَاةَ وَقَدْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ قَالَ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْإِذْنِ جَائِزٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِي الْإِغْمَاءِ بَعِيدٌ فِي الْمَوْتِ * هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ * ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَطْلَقُوا أَنَّهُ إذَا اسْتَنَابَ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ جَازَ رَمْيُ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الْإِغْمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ حِينَ أَذِنَ مُطِيقًا لِلرَّمْيِ لَمْ يَصِحَّ الرَّمْيُ عَنْهُ فِي الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ الْمُطِيقَ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ عَنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْإِذْنِ عَاجِزًا بان كان مريضا فاذن لم أُغْمِيَ عَلَيْهِ صَحَّتْ النِّيَابَةُ وَصَحَّ رَمْيُ النَّائِبِ * هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ * وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي حَكَيْته عَنْهُ الْآنَ مُوَافَقَتُهُ

فَلْيُحْمَلْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَنْ اسْتَنَابَ فِي حَالِ الْعَجْزِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي حَالِ إغْمَائِهِ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ وَإِنْ رُمِيَ عَنْهُ بِذَلِكَ الْإِذْنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ إذْنَهُ ساقط في كل شئ الله أَعْلَمُ * وَالْمَجْنُونُ كَالْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ هَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الرَّمْيِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي أَصْلِ الْحَجِّ قَالُوا وَالرَّمْيُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنِيبَ الْعَاجِزُ حَلَالًا أَوْ مَنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ مَنْ لَمْ يَرْمِ عَنْ نفسه فينبغي أن يرمي الغائب عن نفسه ثم عن المستنيب فيجزئهما الرميان بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَمْيِ وَاحِدٍ وَقَعَ عَنْ الرَّامِي لَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا رَمَى النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ثُمَّ عَنْ نَفْسِهِ رَمْيًا آخَرَ أَجْزَأَهُ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الرَّمْيِ الْمَحْسُوبِ عَنْ نَفْسِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ الرَّمْيُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الَّذِي قَصَدَهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَالثَّانِي) الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ نُسُكٌ إذَا فَعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نفسه كأصل الحج وكالطواف قَالَا وَفِي رَمْيِهِ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا الرَّمْيَ الاول عن النائب فلم يقصده بِالثَّانِي وَإِنْ جَعَلْنَا الثَّانِي عَنْ النَّائِبِ فَقَدْ رَمَى عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الرَّمْيِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُجْزِئُ الرَّمْيُ عَنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الْمَرِيضَ أَخَفُّ مِنْ أَصْلِ الْحَجِّ وَأَرْكَانِهِ فَجَازَ فِعْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ * (فَرْعٌ) إذَا رَمَى النَّائِبُ ثُمَّ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ بَاقِيَةٌ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ رَمْيَ النَّائِبِ وَقَعَ عَنْهُ فَسَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرَّمْيَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِعْلُ النَّائِبِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ قَالُوا وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْضُوبِ إذَا أحج عنه ثم برأ * وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ والبغوي ووالده صاحب الْبَحْرِ وَحَكَاهُ أَيْضًا طَائِفَةٌ وَضَعَّفَتْهُ * ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّمْيِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّائِبُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ (أَمَّا) الرَّمْيُ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمُسْتَنِيبُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهُ بِلَا خِلَافٍ صرح به الماوردي والاصحاب والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ويبيت بمنى ليالي الرمي (لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ) وهل يجب ذلك أو يستحب فيه قولان (أحدهما) أنه مستحب لانه مبيت فلم يجب كالمبيت ليلة عرفة (والثاني) أنه يجب (لان

النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت لاجل السقاية) فدل على انه لا يجوز لغيره تركه (فان قلنا) أنه يستحب لم يجب بتركه دم (وإن قلنا) يجب وجب بتركه الدم فعلى هذا إذا ترك المبيت في الليالي الثلاث وجب دم وإن ترك ليلة ففيه ثلاثة أقوال على ما ذكرناه في الحصاة ويجوز لرعاة الابل وأهل سقاية العباس رضي الله عنه أن يدعوا المبيت ليالي منى ويرموا يوما ويدعوا يوما ثم يرموا ما فاتهم لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أرخص للعباس أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سقايته) وروى عاصم بن عدى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لرعاة الابل في ترك البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون يوم النفر) فان أقام الرعاة إلى أن تغرب الشمس لم يجز لهم ترك المبيت وان أقام أهل السقاية إلى أن تغرب الشمس جاز لهم ترك المبيت لان حاجة أهل السقاية بالليل موجودة وحاجة الرعاة لا توجد بالليل لان الراعي لا يكون بالليل ومن أبق له عبد ومضى في طلبه أو خاف أمرا يفوته ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز له ما يجوز للرعاة وأهل سقاية العباس (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ للرعي وأهل السقاية) (والثاني) أنه يجوز لانه صاحب عذر فاشبه الرعاة وأهل السقاية) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ مَبِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى لَيَالِي التَّشْرِيقِ فَصَحِيحٌ مَشْهُورٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (اسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ) (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالسِّقَايَةُ - بِكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ وَيُجْعَلُ فِي حِيَاضٍ وَيُسْبَلُ لِلشَّارِبِينَ وَكَانَتْ السِّقَايَةُ فِي يَدِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ ورثها منه ابنه عبدمناف ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ هَاشِمٌ ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ مِنْهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ مِنْهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ ثُمَّ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَدْ بَسَطْتُ بَيَانَهَا شَافِيًا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (قَوْلُهُ) رِعَاءُ الْإِبِلِ هُوَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ - جَمْعُ رَاعٍ كَصَاحِبٍ وَصِحَابٍ وَيَجُوزُ رُعَاةٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وهاء بعد الاف - بِغَيْرِ مَدٍّ كَقَاضٍ وَقُضَاةٍ (قَوْلُهُ) وَمَنْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ يَجُوزُ فِيهِ - فَتْحُ الْبَاءِ وَكَسْرُهَا - لُغَتَانِ كَضَرَبَ وَشَرِبَ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إذ أبق) وَيَجُوزُ لِعَبْدِ آبِق

بِمَدِّ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الْبَاءِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ مُخْتَصَرُهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَلْ الْمَبِيتُ بِهَا وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ جَبَرَهُ بِدَمٍ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمَبِيتُ وَاجِبٌ كَانَ الدَّمُ وَاجِبًا وَإِنْ قُلْنَا سنة فسنة * ويؤمر بالميبت فِي اللَّيَالِي الثَّلَاثِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ سَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ * وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَبِيتَ بِهَا كُلَّ اللَّيْلِ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ (أَصَحُّهُمَا) مُعْظَمُ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي (وَأَمَّا) قَدْرُ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَحُكْمُهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ * فَإِنْ تَرَكَ مَبِيتَ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَحْدَهَا جَبَرَهَا بِدَمٍ كَامِلٍ وَإِنْ تَرَكَ لَيَالِي التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَ لَزِمَهُ دَمٌ فَقَطْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي كل ليلة دم وليس بشئ * وَإِنْ تَرَكَ إحْدَى اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَالْأَقْوَالِ فِي تَرْكِ حصاة وفي حلق شعرة (اصحها) فِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثُ دَمٍ * وَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَجِبُ مُدَّانِ وَعَلَى الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَعَلَى الثَّالِثِ ثُلُثَا دَمٍ * وَلَوْ تَرَكَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَيَالِي التَّشْرِيقِ كُلِّهَا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ دَمَانِ دَمٌ لِلَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَدَمٌ لِلَيَالِي مِنًى (وَالثَّانِي) يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِلَّيَالِيِ الْأَرْبَعِ * هَذَا مَنْ كَانَ بِمِنًى وَقْتَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَبِتْ وَقُلْنَا تُفْرَدُ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ بِالدَّمِ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا لَيْلَتَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ مُدَّانِ أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ ثُلُثَا دَمٍ عَلَى حَسَبِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ دَمٌ كَامِلٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَيْلَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ (أَمَّا) مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ فَلَا دَمَ وَهُمْ أَصْنَافٌ (أَحَدُهَا) رِعَاءُ الْإِبِلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلَهُمْ إذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي التَّشْرِيقِ وَلِلصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَدَعُوا رَمْيَ يَوْمِ الْقَرِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْ التَّشْرِيقِ وَيَقْضُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ قَبْلَ رَمْيِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَرْكُ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ فان تركوارمي الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ نَفَرُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الرَّمْيِ عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَإِنْ تَرَكُوا رَمْيَ الْأَوَّلَ بِأَنْ نَفَرُوا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ

عَادُوا فِي الثَّانِي ثُمَّ لَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا مَعَ النَّاسِ * هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالرِّعَاءُ بِمِنًى لَزِمَهُمْ الْمَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَرَمْيُ الْغَدِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْ يَنْفِرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرَّعْيِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ بَلْ للحديث الصحيح السابق * قال أَصْحَابُنَا وَرُخْصَةُ السِّقَايَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَبَّاسِيَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمْ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ * وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَخْتَصُّ بِبَنِي هَاشِمٍ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدِ وَالرُّويَانِيُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحُجَّاجِ جَازَ لِلْمُقِيمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ * قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ * وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ الْأَوْسَطِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَالصَّحِيحُ) مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ مَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ مَبِيتِ المزدلفة فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمَبِيتِ الْمُتَفَرِّغُونَ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ * وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَفَاتَهُ المبيت قال القفال لا شئ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ قَالَ الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ * وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْمَبِيتِ أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ أوله مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ يَطْلُبُ آبِقًا أَوْ يَشْتَغِلُ بِأَمْرٍ آخَرَ يَخَافُ فَوْتَهُ فَفِي هَؤُلَاءِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ المبيت ولا شئ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِهِ وَلَهُمْ النَّفْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ نَاسِيًا كَانَ كَتَرْكِهِ عَامِدًا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ أَخَّرُوهُ عَنْهُ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ غَيْرُهُمْ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَتَيْ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ وَرَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَرَادَ النَّفْرَ مَعَ النَّاسِ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ وَإِنَّمَا جُوِّزَ ذَلِكَ لِلرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ لِلْعُذْرِ وَجُوِّزَ لِعَامَّةِ النَّاسِ أَنْ يَنْفِرُوا لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِمُعْظَمِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ومن لا عذر لَمْ يَأْتِ بِالْمُعْظَمِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ النَّفْرُ * قال المصنف رحمه الله *

(والسنة ان يخطب الامام يوم النفر الاول وهو اليوم الاوسط من ايام التشريق وهي إحدى الخطب الاربع ويودع الحاج ويعلمهم جواز النفر (لان النبي صلى الله عليه وسلم خطب أوسط أيام التشريق) ولانه يحتاج فيه إلى بيان من يجوز له النفر ومن لا يجوز ومن أراد أن ينفر مع النفر الاول فنفر في اليوم الثاني من أيام التشريق قبل غروب الشمس سقط عنه الرمي في اليوم الثالث ومن لم ينفر حتى غربت الشمس لزمه أن يقيم حتى يرمي في اليوم الثالث لقوله عز وجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ومن تأخر فلا اثم عليه) فان نفر قبل الغروب ثم عاد زائرا أو ليأخذ شيئا نسيه لم يلزمه المبيت لانه حصلت له الرخصة بالنفر فان بات لم يلزمه أن يرمي لانه لم يلزمه المبيت فلا يلزمه الرمي) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْخُطْبَةِ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ خُطْبَةِ الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي خُطَبِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ وَوَقْتِهَا وَصِفَتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا وَوَقْتُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا سَبَقَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَنْفِرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ وَعَجَّلَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ لِيَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ جَازَ قَالَ وَتُسَمَّى هَذِهِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ * وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ الْحُجَّاجِ حُضُورُهَا وَالِاغْتِسَالُ لَهَا وَيُوَدِّعُ الْإِمَامُ الْحُجَّاجَ وَيُعْلِمُهُمْ جَوَازَ النَّفْرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى أَنْ يَخْتِمُوا حَجَّهُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونُوا بَعْدَ الْحَجِّ خَيْرًا منه قَبْلِهِ وَأَنْ لَا يَنْسَوْا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ النَّفْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ التَّشْرِيقِ وَيَجُوزُ فِي الثَّالِثِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) قَالُوا وَالتَّأَخُّرُ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالتَّأَخُّرُ لِلْإِمَامِ آكَدُ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَلِأَنَّهُ يُقِيمُ النَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ بِإِقَامَتِهِ فَإِنْ تَعَجَّلَ جَازَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ مَنْ أَرَادَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا نَفَرَ قَبْلَ غُرُوبِهَا سَقَطَ عَنْهُ مَبِيتُ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الثَّالِثِ بَلْ ان بقي معه شئ مِنْ الْحَصَى طَرَحَهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ لِمَنْ لَمْ يَرْمِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ بَعْدُ فِي مِنًى لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَرَمَى يَوْمَهَا * وَلَوْ رحل فغربت

الشَّمْسُ وَهُوَ سَائِرٌ فِي مِنًى قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا فَلَهُ الِاسْتِمْرَارُ فِي السَّيْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَلَا الرَّمْيُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ فِي الْغَدِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي * وَلَوْ غَرَبَتْ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَفِي جَوَازِ النَّفْرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وآخرون (أحدهما) يلزمه الرمى والمبيت (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ * وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَادَ لِشُغْلٍ أَوْ زِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ أَمْ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ فَإِنْ بَاتَ لَمْ يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ فِي الْغَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ * (فَرْعٌ) لَوْ نَفَرَ مِنْ مِنًى مُتَعَجِّلًا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَفَارَقَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ رَمَى يَوْمًا وَبَعْضَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَذْكُرَ ذلك قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُدْرِكُ الرَّمْيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مِنًى وَرَمْيُ مَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَنْفِرُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهَا فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مِنًى لِفَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الدَّمُ فِي ذِمَّتِهِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ غُرُوبِ الشمس منه (فان قُلْنَا) لِكُلِّ يَوْمٍ حُكْمُ نَفْسِهِ لَمْ يَعُدْ لِلرَّمْيِ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الدَّمُ (وان قلنا) أيام التشريق كالشئ الْوَاحِدِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِلرَّمْيِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ هَذَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ * وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَفَصَّلَهَا أَحْسَنَ تَفْصِيلٍ فَقَالَ: لَوْ نَفَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَرْمِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ اسْتَقَرَّتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ فِي الرَّمْيِ الَّذِي تَرَكَهُ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَادَ نَظَرَ إنْ عَادَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَ الرَّمْيُ وَلَا اسْتِدْرَاكَ وَانْقَضَى أَثَرُهُ مِنْ مِنًى وَلَا حُكْمَ لِمَبِيتِهِ وَإِنْ رَمَى فِي النَّفْرِ الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِرَمْيِهِ لِأَنَّهُ بِنَفْرِهِ أَقْلَعَ عَنْ مِنًى وَالْمَنَاسِكِ فَاسْتَقَرَّتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَجْمَعُ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبُ إذْ قَالَ حَاصِلُ الْخِلَافِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا نَفَرَ فَقَدْ انْقَطَعَ الرَّمْيُ وَلَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَيَرْمِي مَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ فَإِنْ غَرَبَتْ تَعَيَّنَ الدَّمُ (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ وَرَمَى وَسَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا

جَازَ قَالَ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ عَنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَرَمَى لَمْ يَقَعْ رَمْيُهُ مَوْقِعَهُ وَإِنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ عَادَ وَرَمَى قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَعَ الرَّمْيُ مَوْقِعَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي النَّفْرِ الثَّانِي لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّهُ مُنْتَهَى الْوَقْتِ نَفَرَ أَمْ لَمْ يَنْفِرْ فَكَانَ خُرُوجُهُ سَوَاءً وَلِلْخُرُوجِ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ بَقِيَ إلَى النَّفْرِ الثَّانِي فَأَثَّرَ خُرُوجُهُ فِي قَطْعِ الْعَلَائِقِ مِنْهُ فَإِذَا انْقَطَعَتْ الْعَلَائِقُ لَمْ يَعُدْ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ رَمَى إذْ لَا حُكْمَ لِلنَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَهَذَا رَجُلٌ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَفِيهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ فِي التَّدَارُكِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ لَا أَثَرَ لِلْخُرُوجِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ (وَأَمَّا) يَوْمُ النَّحْرِ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَظْهَرُ وَلَا أَثَرَ لِلْخُرُوجِ فِيهِ كَمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فِي أَوَّلِ التَّشْرِيقِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْخُرُوجُ فِي النَّفْرَيْنِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَالَ ثُمَّ إذَا قُلْنَا مَنْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِلَا رَمْيٍ وَعَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَرْمِي فَإِذَا رَمَى وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ تَقَيَّدَ وَلَزِمَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مِنْ الْغَدِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرْمِي إذَا عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَبِيتُ وَلَوْ بَاتَ لَمْ يَكُنْ لِمَبِيتِهِ حُكْمٌ لِأَنَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَكَمْنَا بِانْقِطَاعِ عَلَائِقِ مِنًى لِخُرُوجِهِ ثُمَّ لَمْ نَحْكُمْ بِعَوْدِهَا لَمَّا عَادَ * قَالَ لَوْ خَرَجَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَادَ وَزَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ فِي وَقْتِ الرَّمْيِ وَإِمْكَانِهِ * وَلَوْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعَلَائِقُ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْخُرُوجِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَلَّتْ مَحَلَّ إنْشَاءِ الْخُرُوجِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ * وَلَوْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْمِي وَيُعْتَدُّ بِرَمْيِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُنْزِلُ هَذِهِ الصُّورَةَ مَنْزِلَةَ صُورَةِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَبْل الزَّوَالِ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ كَانَ كَخُرُوجِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَعُدْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا تَشَابَهَا فِي ذَلِكَ فَلْيَتَشَابَهَا فِي الْعَوْدِ قُبَيْلِ الْغُرُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى النَّفْر الْأَوَّل وَالثَّانِي انْصَرَفَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا هُوَ وَهُوَ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى بَلْ يُصَلِّيهَا بِالْمَنْزِلِ وَهُوَ الْمُحَصَّبُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ صَلَّاهَا بِمِنًى جَازَ لَكِنْ السُّنَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ نَفْرِهِ مِنْ مِنًى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الا طواف الوداع * قال المصنف رحمه الله * ويستحب إذا خرج من منى أن ينزل بالمحصب لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف للوداع به) فان ترك النزول بالمحصب لم يؤثر ذلك في نسكه لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (المحصب ليس بشئ انما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقالت عائشة رضي الله عنها (نزول المحصب ليس من النسك انما نزله رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي حديث عائشة زيادة في الصحيحين قالت (نزله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ قَالَ (لَمْ يَأْمُرُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْت فَضَرَبَتْ الْقُبَّةَ فَجَاءَ فَنَزَلَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً وَكَانَ يصلى الظهر يوم النفر بالمحصبة قَالَ نَافِعٌ قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَالْمُحَصَّبُ - بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ مَفْتُوحَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - وهو اسم لمكان متسع بين مكة قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنْ الرَّمْيِ وَنَفَرَ مِنْ مِنًى اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ وَيَنْزِلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ويبيت به ليلة الرابع عشر لو ترك النزول به فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ أَوْكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ قَالَ وَأَجْمَعُوا على أنه ليس بواجب والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة لم يكلف طواف الوداع فان أراد الخروج طاف للوادع وصلى ركعتي الطواف وهل يجب طواف الوداع أم لا فيه قولان (أحدهما) أنه يجب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيت) (والثاني) لا يجب لانه لو وجب لم يجز للحائض تركه فان قلنا انه واجب وجب بتركه الدم لقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك نسكا فعليه دم) (وان قلنا) لا يجب لم يجب بتركه دم لانه سنة فلا يجب بتركه دم كسائر سنن الحج وان طاف للوداع ثم أقام لم يعتد بطوافه عن الوداع لانه لا توديع مع المقام فإذا أراد ان يخرج أعاد طواف الوداع وان طاف ثم صلى في طريقه أو اشترى زادا لم يعد الطواف لانه لا يصير بذلك مقيما وان نسي الطواف وخرج ثم ذكره (فان قلنا) انه واجب نظرت فان كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْصُرُ

فيها الصلاة استقر عليه الدم فان عاد وطاف لم يسقط الدم لان الطواف الثاني للخروج الثاني فلا يجزئه عن الخروج الاول فان ذكر وهو على مسافة لا تقصر فيها لصلاة فعاد وطاف سقط عنه الدم لانه في حكم المقيم ويجوز للحائض أن تنفر بلا وداع لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا انه قد خفف عن المراة الحائض) فان نفرت الحائض ثم طهرت فان كانت في بنيان مكة عادت وطافت وان خرجت من البنيان لم يلزمها الطواف) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ (لَا يَنْفِرَنَّ أحد حتى يكون آخر عهده) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ (أَمَرَ النَّاسَ) إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ (مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَرَّاتٍ * وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ إذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خبائها كئيبة حزينة فقال عقرني حَلْقَى إنَّكِ لَحَابِسَتُنَا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَالْوَدَاعُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - وَتَنْفِرُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ فَرَغَ مِنْ مَنَاسِكِهِ وَأَرَادَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ غَرِيبًا وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَلَا رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا اضْطِبَاعَ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا طَافَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَفِي هَذَا الطَّوَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَحُكِيَ طَرِيقٌ آخَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَالِاسْتِحْبَابُ هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ فَإِنْ تَرَكَهُ أَرَاقَ دَمًا (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ وَاجِبٌ فَالدَّمُ وَاجِبٌ (وَإِنْ قُلْنَا) سُنَّةٌ فَالدَّمُ سُنَّةٌ * وَلَوْ أَرَادَ الْحَاجُّ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ إنْ قُلْنَا هُوَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةُ) إذَا خَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ وَقُلْنَا يَجِبُ طواف الوداع عصى الزمه الْعَوْدُ لِلطَّوَافِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ بَلَغَهَا لَمْ يَجِبْ الْعَوْدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَتَى لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ الدَّمُ فان

عَادَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ بُلُوغِهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَسْقُطُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ (الثَّالِثَةُ) لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وَلَا عَلَى النُّفَسَاءِ طَوَافُ وَدَاعٍ وَلَا دَمٌ عَلَيْهَا لِتَرْكِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَقِفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وتدعو بما سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بِنَاءِ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ لِزَوَالِ عُذْرِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ بِلَا خِلَافٍ * وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ وَقَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا وَنَصَّ أَنَّ الْمُقَصِّرَ بِتَرْكِ الطَّوَافِ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْفَرْقُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ الْحَائِضِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ الْعَوْدُ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْمَسَافَةِ بِنَفْسِ مَكَّةَ أَمْ بِالْحَرَمِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِنَفْسِ مَكَّةَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْحَرَمُ (وَأَمَّا) الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا نَفَرَتْ فِي يَوْمِ حَيْضِهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَفَرَتْ فِي يَوْمِ طُهْرِهَا لَزِمَهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالدَّارِمِيُّ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فَتَرَكَتْ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَانْصَرَفَتْ ثُمَّ اتَّصَلَ الدَّمُ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَيُنْظَرُ هَلْ هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ مُعْتَادَةٌ أَمْ مُبْتَدَأَةٌ وَأَيُّ مَرَدِّ رُدَّتْ إلَيْهِ إنْ كَانَ تَرْكُهَا الطَّوَافَ فِي حال حيضها فلا شئ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ طُهْرِهَا لَزِمَهَا الدم والله أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بَعْدَ جَمِيعِ الْأَشْغَالِ وَيَعْقُبُهُ الْخُرُوجُ بِلَا مُكْثٍ فَإِنْ مَكَثَ نُظِرَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ لِشُغْلٍ غَيْرِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ مَتَاعٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ صَدِيقٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ الزَّادِ وَشَدِّ الرَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ وَجْهَيْنِ * وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ لم

يُعِدْ الطَّوَافَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) حُكْمُ طَوَافِ الْوَدَاعِ حُكْمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ فِي الاركان والشروط وفيه وجه لابي يعقوب الايبوردي أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْوَجْهِ فِي فَصْلِ طَوَافِ القدوم وهو غلط ظاهر والله أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) هَلْ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَاسِكِ أَمْ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ هُوَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ طَوَافُ وَدَاعٍ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِخُرُوجِهِ (وَقَالَ) الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ بَلْ هُوَ عبادة مستقلة يومر بِهَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُفَارَقَةَ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ أُفُقِيًّا وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ الْإِحْرَامَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا حَجَّ وَنَوَى عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِوَطَنِهِ لَا يُؤْمَرُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَكَذَا الْأُفُقِيُّ إذَا حَجَّ وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَاسِكِ لَعَمَّ الْحَجِيجُ * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَكُونُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَسَمَّاهُ قَبْلَهُ قَاضِيًا لِلْمَنَاسِكِ وحقيقته أن يكون قضاها كلها والله أعلم * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ مُفَارَقَةَ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ وَلَوْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَدُونَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَسَافَةً بَعِيدَةً أَمْ قَرِيبَةً لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى وَيَتْرُكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهِ فَلَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ لِلْإِفَاضَةِ وَطَافَ بَعْدَهُ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ أَتَى مِنًى ثُمَّ أَرَادَ النَّفْرَ مِنْهَا فِي وَقْتِ النَّفْرِ إلَى وَطَنِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ السَّابِقِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَقَالَ الشَّرِيفُ الْعُثْمَانِيُّ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يُرَادُ لِمُفَارَقَتِهِ الْبَيْتَ وَهَذَا قَدْ أَرَادَهَا (وَمِنْهُمْ) مِنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى إلَّا وَدَاعُ الْبَيْتِ فَيُوَدِّعُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَهْلِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي الْمُعْتَمَدِ لَيْسَ عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ إلَى التَّنْعِيمِ وَدَاعٌ وَلَا دَمٌ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ عِنْدَنَا * وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُ الدَّمُ * دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَلَمْ يَأْمُرْهَا عِنْدَ ذَهَابِهَا إلَى التَّنْعِيمِ بِوَدَاعٍ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ وَقُلْنَا دُخُولُ الْحَرَمِ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ دُخُولٌ جَدِيدٌ قَالَ وَلَوْ رَجَعَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إنْ قُلْنَا طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ فَتَرَكَ طَوْفَةً مِنْ السَّبْعِ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْوَدَاعُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِكَمَالِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يَكُونُ كَتَارِكِ كُلِّ الطَّوَافِ الا في الدم فانه على الاقوال إلى ثَلَاثٌ فَدَمٌ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَرَكَ طَوْفَةً فَفِيهَا الْأَقْوَالُ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ ثُلُثُ دَمٍ (وَالثَّانِي) دِرْهَمٌ (وَأَصَحُّهَا) مُدٌّ وَفِي طَوْفَتَيْنِ الْأَقْوَالُ أَيْضًا وَفِي ثَلَاثِ طَوْفَاتٍ دَمٌ كَامِلٌ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَرَادَ الحجاج النَّفْرَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ فَالْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَطُوفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فِي هَذَا فَإِنْ أَرَادَتْ النَّفْرَ مَعَ النَّاسِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَازَ وَتَبْقَى مُحْرِمَةً حَتَّى تَعُودَ إلَى مَكَّةَ فَتَطُوفَ مَتَى مَا كَانَ وَلَوْ طَالَ سِنِينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ هَذَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَطُوفَ بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ نَفْرُهَا قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ وَلَا يَكُونُ مُرَادُهُ التَّحْرِيمُ * وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَيُفَسَّرُ الْجَائِزُ بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَاضَتْ الْحَاجَّةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَنَفَرَ الْحُجَّاجُ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ وَقَبْلَ طُهْرِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تُقِيمَ إلَى أَنْ تَطْهُرَ وَكَانَتْ مُسْتَأْجِرَةً جَمَلًا لَمْ يَلْزَمْ الْجَمَّالَ انْتِظَارُهَا بَلْ لَهُ النَّفْرُ بِجَمَلِهِ مَعَ النَّاسِ وَلَهَا أَنْ تُرْكِبَ فِي مَوْضِعِهَا مِثْلَهَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ

أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْتَظِرَهَا أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ مَرِضَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آمِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ لَمْ يَنْتَظِرْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السَّيْرُ بِهَا وَحْدَهُ قَالَ وَلَا يُحْبَسُ لَهَا الرُّفْقَةُ إلَّا أَنْ يكون كاليوم واليومين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فإذا فرغ من طواف الوداع فالمستحب ان يقف في الملتزم وهو ما بين الركن والباب فيدعو ويقول (اللهم أن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن امتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فان كنت رضيت عني فازدد عني رضى والا فمن الان قبل أن تناءى عن بيتك داري هذا أوآن انصرافي ان أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما ابقيتني) فانه قد روي ذلك عن بعض السلف ولانه دعاء يليق بالحال ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الدُّعَاءُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ (وَقَوْله) الْمُلْتَزَمُ هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ - سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَلْزَمُونَهُ لِلدُّعَاءِ وَيُقَالُ لَهُ الْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَابُ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ هُنَاكَ وَسَأُفْرِدُهَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ يَجُوزُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَجْوَدُهَا) ضَمُّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ (وَالثَّانِي) كَسْرُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ وَفَتْحُهَا (وَالثَّالِثُ) كَذَلِكَ لَكِنَّ النُّونَ مَكْسُورَةٌ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ إذَا جَاءَ بَعْدَ مِنْ الجارة اسم

مَوْصُولٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ كَانَ الْأَجْوَدُ فِيهِ فَتْحَ النُّونِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ الْأَجْوَدُ كَسْرَهَا وَيَجُوزُ الْفَتْحُ (مِثَالُ) الْأَوَّلُ مِنْ اللَّهِ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ النَّاسِ (مِثَالُ) الثَّانِي مِنْ ابْنِك مِنْ اسْمِك مِنْ اثْنَيْنِ (وَأَمَّا) الْآنَ فَهُوَ الْوَقْتُ الْحَاضِرُ هَذَا حَقِيقَتُهُ وَأَصْلُهُ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْقَرِيبِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ وَمِنْهُ قوله تعالى (فالآن باشروهن) تَقْدِيرُهُ فَالْآنَ أَبَحْنَا لَكُمْ مُبَاشَرَتَهُنَّ فَعَلَى هَذَا هو على حقيقة (قبل أن تنآى) أن تَبْعُدَ (وَقَوْلُهُ) هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَوَانُ الْحِينُ وَالْوَقْتُ وَجَمْعُهُ آوِنَةٌ كَزَمَانٍ وَأَزْمِنَةٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافٍ صلى ركعتي الطَّوَافَ خَلْفَ الْمَقَامِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَلْتَزِمَهُ وَيَقُولَ هَذَا الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ قَالَ الْأَصْحَابُ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ (وَاجْمَعْ لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ) * وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الدُّعَاءَ وَزَادَ فِيهِ وَنَقَصَ مِنْهُ * وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَزَادَ فِيهِ كَثِيرًا وَنَقَصَ مِنْهُ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرْنَاهُ وبأي شئ دَعَا حُصِلَ الْمُسْتَحَبُّ وَيَأْتِي بِآدَابِ الدُّعَاءِ السَّابِقَةِ فِي فَصْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ مِنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ كِتَابِ الْحَجِّ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَلْصَقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا اُسْتُحِبَّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وما جَاءَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَالْتِزَامِ الْبَيْتِ حَدِيثُ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْنِي ابْنَ الْعَاصِ - فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْت أَلَا تَتَعَوَّذُ

قَالَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَرَفَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاح ضَعِيفٌ * وَعَنْ يَزِيدَ ابن أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ (لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قُلْت لَأَلْبِسَنَّ ثيابي فلا نظرن كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْت فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ اسْتَلَمُوا الْبَيْتَ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَطِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطُهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ يَزِيدَ ضَعِيفٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ كَانَ يَلْتَزِمُ مَا بين

الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَكَانَ يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ والباب يدعي المتزم لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّسَامُحِ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا - فِي الطَّوَافِ - وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ - وَتَحْتَ الْمِيزَابِ - وَفِي الْبَيْتِ - وَعِنْدَ زَمْزَمَ - وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - وَفِي المسعى - وخلف المقام - وفي عرفات - وفي المزدلفة - وفي منى وعند الجمرات الثلاث * قال المصنف رحمه الله *

(وان كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فعل ما ذكرناه في الدخول للحج فإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق وذلك جميع أفعال العمرة والدليل عليه مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة واما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر) وإن كان قارنا بين الحج والعمرة فعل ما يفعله المفرد بالحج فيقتصر على طواف واحد وسعي واحد وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم قال (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طواف واحد وسعى واحد) ولانه يدخل فيهما بتلبية واحدة ويخرج منهما بحلاق واحد فوجب ان يطوف لهما طوافا واحدا ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فِي مَعْنَاهُمَا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ عَقِبَ مَسَائِلِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّتَهَا وَالْجَوَابَ عَنْهَا (وَقَوْل) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمَا بِتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ إلْزَامٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ وَحَلْقٌ وَاحِدٌ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْقَارِنُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْرِدُ لِلْحَجِّ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ الْمُفْرِدُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا أصلا فيكفيه

للافاضة طواف واحد ويكفيه إمَّا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِمَّا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَدَّمْته فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ لِلْإِفَاضَةِ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَعَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّخُولِ لِلْحَجِّ مِنْ الْآدَابِ فَإِذَا دَخَلَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ (فَإِنْ قُلْنَا) ليس هو نسك كَفَاهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَدْ حَلَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ صِفَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ صِفَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَالتَّطَيُّبِ والتنظف عند ارارة الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُهُ وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ اللباس والطيب والصيد وازالة الشعر والظفر والوطئ وَالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ وَدَهْنِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ حِينَ يَبْتَدِئُ السَّيْرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي مَكَّةَ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ الْحُرْمِ إلَى الْحِلِّ فَيَغْتَسِلُ هُنَاكَ لِلْإِحْرَامِ وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ لِلْإِحْرَامِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إذَا سَارَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَيُلَبِّي وَيَسْتَمِرُّ فِي السَّيْرِ مُلَبِّيًا وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي حَتَّى يَبْدَأَ فِي الطَّوَافِ فَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ شُرُوعِهِ فيه ويرمل في المطوفات الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ السَّبْعِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعِ كَمَا سَبَقَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى رَكْعَتَيْهِ خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا فَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَشُرُوطُ سَعْيِهِ وَآدَابِهِ هُنَاكَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ فَإِذَا تَمَّ سَعْيُهُ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَحَلَّ مِنْهَا حِلًّا وَاحِدًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا تحال وَاحِدٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ

فِيهِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ سَائِرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ لَكِنْ الْأَفْضَلُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ الذَّبْحُ بِمِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ حَتَّى لَوْ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ شَعْرَتَيْنِ فَجَامَعَ قَبْلَ إزَالَةِ الشَّعْرَةِ الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ إنْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ وَحُكْمُ فَسَادِهَا كَفَسَادِ الْحَجِّ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ صَحَّ إحْرَامُهُ وَكَانَ مُسِيئًا وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً بِفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ المواقيت والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (اركان الحج أربعة الاحرام والوقوف بعرفه وطواف الافاضة والسعي بين الصفا والمروة * وواجباته الاحرام من الميقات والرمي وفي الوقوف بعرفة إلى أن تغرب الشمس والمبيت بالمزدلفة والمبيت بمنى في ليالي الرمي وفي طواف الوداع قولان (احدهما) أنه واجب (والثاني) ليس بواجب * وسننه الغسل وطواف القدوم والرمل والاضطباع في الطواف والسعي واستلام الركن وتقبيله والسعي في موضع السعي والمشي في موضع المشي والخطب والاذكار والادعية * وأفعال العمرة كلها أركان الا الحلق * فمن ترك ركنا لم يتم نسكه ولا تحلل حتى يأتي به * ومن ترك واجبا لزمه الدم * ومن ترك سنة لم يلزمه شئ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَعْمَالُ الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ - أَرْكَانٌ - وَوَاجِبَاتٌ - وَسُنَنٌ - (أَمَّا) الْأَرْكَانُ فَخَمْسَةٌ - الْإِحْرَامُ - وَالْوُقُوفُ - وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَالسَّعْيُ - وَالْحَلْقُ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِنُسُكٍ فَأَرْكَانُهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى (وَأَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَاثْنَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَلَفٌ

فِيهَا (أَمَّا) الِاثْنَانِ فَإِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ فَهَذَانِ وَاجِبَانِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْأَرْبَعَةُ (فَأَحَدُهَا) الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِي) الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ (الثَّالِثُ) الْمَبِيتُ لَيَالِي مِنًى (الرَّابِعُ) طَوَافُ الْوَدَاعِ وَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) الِاسْتِحْبَابُ * وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ الْآخِرَةِ دُونَ الْجَمْعِ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَجَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجُّ سِوَى الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلِهِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ وَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ وَسَائِرِ مَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الْهَيْئَاتِ السَّابِقَةِ فِي الطَّوَافِ وَفِي السَّعْيِ وَالْخُطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ كُلُّهَا وَاضِحَةً (وَأَمَّا) أَحْكَامُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَالْأَرْكَانُ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ وَيُجْزِئُ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ مَهْمَا بَقِيَ مِنْهَا شئ حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْأَرْكَانِ كُلِّهَا إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ طَوْفَةً مِنْ السَّبْعِ أَوْ مَرَّةً مِنْ السَّعْيِ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَكَذَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ لَمْ يَتِمَّ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحْلِقَ شَعْرَةً ثَالِثَةً وَلَا يجبر شئ مِنْ الْأَرْكَانِ بِدَمٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ * وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا بَلْ لَا تَفُوتُ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا يَخْتَصُّ الْحَلْقُ بِمِنًى وَالْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ فِي الْوَطَنِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْإِحْرَامِ عَلَى جَمِيعِهَا وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْوُقُوفِ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ وَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الْوُقُوفِ عَلَى السَّعْيِ بَلْ يَصِحُّ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَهَذَا كُلُّهُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ مُلَخِّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْوَاجِبَاتُ فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا لزمه الدم ويصح الحج بدونه سواء تَرَكَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنَّ الْعَامِدَ يَأْثَمُ (وَأَمَّا) السُّنَنُ فَمَنْ تَرَكَهَا كلها لا شئ عَلَيْهِ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ لَكِنْ فَاتَهُ الْكَمَالُ وَالْفَضِيلَةُ وَعَظِيمُ ثَوَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْعُمْرَةُ فَأَرْكَانُهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْحَلْقَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَا فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ رُكْنٌ إذَا جعلناه نسكا هكذا صرح به * قال المصنف رحمه الله *

(ويستحب دخول البيت لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورا له) ويستحب أن يصلى فيه لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فانه أفضل بمائة صلاة) ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ماء زمزم لما شرب له) ويستحب إذا خرج من مكة أن يخرج من أسفلها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها) - قال أبو عبد الله الزبيري ويخرج وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبيت)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورُ فَغَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ كُلُّهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قال تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الباب والله أَعْلَمُ (وَأَمَّا) زَمْزَمُ فَبِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا (قِيلَ) سُمِيَتْ زَمْزَمَ لِكَثْرَةِ مَائِهَا يُقَالُ مَاءٌ زَمْزَمُ وَزُمْزُومٌ وَزُمَازِمٌ إذَا كَانَ كَثِيرًا * (وَقِيلَ) لِضَمِّ هَاجَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِمَائِهَا حِينَ انْفَجَرَتْ وَزَمِّهَا إيَّاهُ * وَقِيلَ لِزَمْزَمَةِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِهِ وَقِيلَ إنَّهَا غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخَرُ (مِنْهَا) بَرَّةٌ وَهَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَالْهَزْمَةُ الْغَمْزَةُ بِالْعَقِبِ فِي الْأَرْضِ (وَمِنْهَا) الْمَضْنُونَةُ وَتُكْتَمُ وَشُبَاعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ نَفَائِسُ أُخْرَى

تَتَعَلَّقُ بِزَمْزَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَأَقَلُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَيُغْنِي عَنْهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْت أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نعم بين العمودين اليمانيين خف) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ) * وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ سَأَلَ بِلَالًا أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي الْكَعْبَةِ - فَأَرَاهُ بِلَالٌ حَيْثُ صَلَّى وَلَمْ يَسْأَلْهُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ ثُمَّ مَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَخْبَرَنِي أسامة ابن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيه كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ فِي إثْبَاتِ الصَّلَاةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَقُدِّمَ عَلَى النَّافِي وَلِأَنَّهُ شَاهَدَ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يُشَاهِدْهُ أُسَامَةُ وَسَبَبُهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى رَاقَبَهُ فِي ذَلِكَ فَرَآهُ يُصَلِّي وَكَانَ أُسَامَةُ مُتَبَاعِدًا مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ فَلَمْ يَرَ الصَّلَاةَ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ * وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ كَيْفَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ يَدَعُ ذَلِكَ إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْظَامًا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ (قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ قَالَ لا) روا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِي وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ طَيِّبُ النَّفْسِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ وَهُوَ حَزِينٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ

اللَّهِ خَرَجْت مِنْ عِنْدِي وَأَنْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ إنِّي دَخَلْت الْكَعْبَةَ وَوَدِدْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُهُ إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أَتْعَبْت أُمَّتِي بَعْدِي) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كَانَ فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وحديث أَبِي أَوْفَى فِي عُمْرَتِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِدَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا خَاضِعًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَرْضِ وَمَحَلُّ الرَّحْمَةِ وَالْأَمَانِ وَيَدْخُلُ حَافِيًا وَيُصَلِّي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ السَّابِقِ وَهُوَ مُقَابِلُ بَابِ الْكَعْبَةِ عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ مِنْ الْجِدَارِ الْمُقَابِلِ لِلْبَابِ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنَّ النَّفَلَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا وَكَذَا الْفَرْضُ الَّذِي لَا يُرْجَى لَهُ جَمَاعَةٌ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ بَعْضُهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهِ * (فَرْعٌ) إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فِي الْكَعْبَةِ الْمُكَرَّمَةِ * قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابتداع مِنْ قَرِيبٍ بَعْضُ الْفَجَرَةِ الْمُخْتَالِينَ فِي الْكَعْبَةِ الْمُكَرَّمَةِ أَمْرَيْنِ بَاطِلَيْنِ عَظُمَ ضَرَرُهُمَا عَلَى الْعَامَّةِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى عَمَدُوا إلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ جِدَارِ الْبَيْتِ الْمُقَابِلِ لِبَابِ الْبَيْتِ فَسَمَّوْهُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَأَوْقَعُوا فِي نُفُوسِ الْعَامَّةِ أَنَّ مَنْ نَالَهُ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فَأَحْوَجُوهُمْ إلَى مُقَاسَاةِ عَنَاءٍ وَشِدَّةٍ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا وَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَرُبَّمَا صَعِدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ظَهْرِ الرَّجُلِ وَلَامَسَتْ الرِّجَالَ وَلَامَسُوهَا فَلَحِقَهُمْ بِذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِنْ الضَّرَرِ دِينًا وَدُنْيَا (الثَّانِي) مِسْمَارٌ فِي وَسَطِ الْكَعْبَةِ سَمَّوْهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا وَحَمَلُوا الْعَامَّةَ عَلَى أَنْ يَكْشِفَ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَنْبَطِحَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ الْمِسْمَارِ لِيَكُونَ وَاضِعًا سُرَّتَهُ عَلَى سُرَّةِ الدُّنْيَا قَاتَلَ اللَّهُ وَاضِعَ ذَلِكَ وَمُخْتَرِعَهُ * هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كَمَا قَالَ فَهُمَا أَمْرَانِ بَاطِلَانِ أَحْدَثُوهُمَا لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ وَلِلتَّوَصُّلِ إلَى سُحْتٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْعَامَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فرع) هذا الذي ذكرناه مِنْ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْبَيْتِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ هُوَ وَلَا يَتَضَرَّرْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى لَمْ يَدْخُلْ وَهَذَا مِمَّا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَتَزَاحَمُونَ زَحْمَةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَرُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَةُ بَعْضِهِمْ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَرُبَّمَا زَاحَمَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْوَجْهِ وَلَامَسَهَا وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ تَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ وَيَغْتَرُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَكَيْفَ يُحَاوِلُ الْعَاقِلُ سُنَّةً بِارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ مِنْ الْأَذَى وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لِلْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا وَالْقُرْبُ مِنْهَا وَيَنْظُرُ إلَيْهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ كَثِيرَةٌ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَغْتَنِمَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ وَيُكْثِرَ الِاعْتِمَارَ وَالطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِي مَسَائِلِ طَوَافِ الْقُدُومِ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ الْمَوَاضِعَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ فِي مَكَّةَ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ (مِنْهَا) بَيْتُ الْمَوْلِدِ وَبَيْتُ خَدِيجَةَ ومسجد دار الاقم وَالْغَارُ الَّذِي فِي ثَوْرٍ وَالْغَارُ الَّذِي فِي حِرَاءٍ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ أَيْ يَتَمَلَّى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مرضي اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي) وَنَحْوَ هَذَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلَاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ (ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْتَقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَاءِ زمزم

(إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُمْ يَسْقُونَ مِنْ زَمْزَمَ فَقَالَ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا) وَفِي رِوَايَةٍ (إنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ * وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ (حَدَّثَنِي جَلِيسٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ جِئْت قُلْت شَرِبْت مِنْ زَمْزَمَ قَالَ شَرِبْت كَمَا يَنْبَغِي قُلْت كَيْفَ أَشْرَبُ قَالَ إذَا شَرِبْت فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ثُمَّ اُذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِذَا فَرَغْت فَاحْمَدْ اللَّهَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ جِئْت قال شربت من زمزم فذكره بِنَحْوِهِ) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ إنْ كَانَ هُنَاكَ نَبِيذٌ قَالُوا وَالنَّبِيذُ الَّذِي يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ (وَاحْتَجُّوا) لِلْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ يَعْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إلَى زَمْزَمَ فَاسْتَسْقَى قَالَ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ) * (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى - بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ - وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ * وَعَجَبٌ كَيْفَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَابِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الزُّبَيْرِ (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ وَبَصَرُهُ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ * وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَيْهِ * وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَخْرُجُ مَاشِيًا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ويولي الكعبة ظهره ولا يمشي قهقرة أَيْ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَالُوا بَلْ الْمَشْيُ قَهْقَرَى مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ مُحْدَثٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَلَا يُفْعَلُ * وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الرَّجُلِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَاظِرًا إلَى الْكَعْبَةِ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى وَطَنِهِ بَلْ يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهِ الدُّعَاءَ فِي الْمُلْتَزَمِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ وَمِمَّنْ

قَطَعَ بِهِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَبُو عَبْدِ الله الحليمي والماوردي * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب زيارة قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من زار قبري وجبت له شفاعتي) ويستحب ان يصلى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ المساجد)) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي) فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ حَذَفَ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبَرَاءُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ باسنادين ضعيفين * ومما جَاءَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ * وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ (كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ قُلْت يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاك تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتَاهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَنْجَحِ الْمَسَاعِي فَإِذَا انْصَرَفَ الْحُجَّاجُ وَالْمُعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وينوي الزائر مع الزِّيَارَةِ التَّقَرُّبَ وَشَدَّ الرَّحْلِ إلَيْهِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَإِذَا تَوَجَّهَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِهِ فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى أَشْجَارِ الْمَدِينَةِ وَحَرَمِهَا وَمَا يُعْرَفُ بِهَا زَادَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ وَيَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ شَرَفَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَكَّةَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَفْضَلُهَا مُطْلَقًا وَأَنَّ الَّذِي شُرِّفَتْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْخَلَائِقِ * وَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قُدُومِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ مُسْتَشْعِرًا لِتَعْظِيمِهِ مُمْتَلِئَ الْقَلْبِ مِنْ هَيْبَتِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ فَإِذَا وَصَلَ بَابَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقُلْ الذِّكْرَ الْمُسْتَحَبَّ فِي دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَإِذَا دَخَلَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ الْكَرِيمَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ * وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ عَمُودَ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلَ السَّارِيَةَ التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * وَقَدْ وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم * وَفِي كِتَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَرْبَعَةَ عشر ذِرَاعًا وَشِبْرًا وَأَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَشِبْرًا فَإِذَا صَلَّى التَّحِيَّةَ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَأَلَهُ إتْمَامَ مَا قَصَدَهُ وَقَبُولَ زِيَارَتِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الْكَرِيمَ فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَ الْقَبْرِ وَيُبْعِدُ مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ نَحْوَ أَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَيَجْعَلُ الْقِنْدِيلَ الَّذِي فِي الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ جِدَارِ الْقَبْرِ غَاضَّ الطَّرْفِ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا مُسْتَحْضِرًا فِي قَلْبِهِ جَلَالَةَ مَوْقِفِهِ وَمَنْزِلَةَ مَنْ هُوَ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بَلْ يَقْصِدُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا خِيرَةَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يا حبيب الله السلام عيك يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَيْرَ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ السَّلَامُ عَلَيْك وَعَلَى آلِكَ وَأَهْلِ بَيْتِك وَأَزْوَاجِك وَأَصْحَابِك أَجْمَعِينَ السَّلَامُ عليك وعلى سائر النبيين وجميع عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ جَزَاك اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا وَرَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ وَصَلَّى عَلَيْك كُلَّمَا ذَكَرَك ذَاكِرٌ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِك غَافِلٌ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ مَا صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ

الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّك عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّك بَلَّغْت الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْت الْأَمَانَةَ وَنَصَحْت الْأُمَّةَ وَجَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ اللَّهُمَّ آتِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ وَآتِهِ نِهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُونَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ * وَمَنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رسول الله صلى الله عليك وَسَلَّمَ * وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ الِاقْتِصَارُ جِدًّا فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَعَنْ مَالِكٍ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ * وَإِنْ كَانَ قَدْ أُوصِيَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ الله من فلان بن فُلَانٍ وَفُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْد مَنْكِبِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ صَفِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَهُ فِي الْغَارِ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا * ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا عُمَرُ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا * ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ (كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ * يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنْت بِالْقَاعِ أَعْظَمُهُ * فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ * فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ يَا عُتْبِيُّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ) * ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى رَأْسِ الْقَبْرِ فَيَقِفُ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَةِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ

وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمَشَايِخِهِ وَإِخْوَانِهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الرَّوْضَةِ فَيُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ وَيَقِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَيَدْعُو * (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظُّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعَوَامّ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ. فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامّ وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالَاتِهِمْ * وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) مَنْ عَمِلَ عملا ليس عليه عملنا فَهُوَ رَدٌّ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تجعلوا قبري عبدا وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث ما كُنْتُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَقَالَ الفضل ابن عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا مَعْنَاهُ اتَّبِعْ طُرُقَ الْهُدَى وَلَا يَضُرُّك قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ وَنَحْوَهُ أَبْلَغُ فِي الْبَرَكَةِ فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إنما هي فيما وافق الشرع وكيف ينبغي الْفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لَهُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْبَقِيعِ خُصُوصًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا وَصَلَهُ دَعَا بِمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَمِنْهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مؤمنين وانا إن شاء الله بكم لا حقون اللهم اغفر لاهل الفرقد اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ * وَيَزُورُ الْقُبُورَ الطَّاهِرَةَ فِي الْبَقِيعِ كَقَبْرِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانَ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَخْتِمُ بِقَبْرِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا *

(فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزُورَ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ وَأَفْضَلُهُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَبْدَأُ بِالْحَمْزَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَرَجَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ (صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْوَدَاعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ الدُّعَاءُ لَهُمْ (وَقَوْلُهُ) صَلَاتهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ دَعَا بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أن يأتي مَسْجِدَ قُبَاءَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ آكَدُ نَاوِيًا التَّقَرُّبَ بِزِيَارَتِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم صلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أُسَيْدُ بن ظهير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح * ويستحب أن يأتي بئر أويس الَّتِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ فِيهَا وَهُوَ عِنْدَ مَسْجِدِ قُبَاءَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يزور المشاهد التي بالمدينة وهي نحو ثلاثين مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَيَقْصِدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ يَأْتِي الْآبَارَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلُ وَهِيَ سَبْعُ آبَارٍ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيَشْرَبُ * (فَرْعٌ) مِنْ جَهَالَاتِ الْعَامَّةِ وَبِدَعِهِمْ تَقَرُّبُهُمْ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَطْعُهُمْ شُعُورَهُمْ وَرَمْيُهَا فِي الْقِنْدِيلِ الْكَبِيرِ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُسْتَشْنَعَةِ وَالْبِدَعِ الْمُسْتَقْبَحَةِ * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي لَهُ فِي مُدَّةِ مَقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُلَاحِظَ بِقَلْبِهِ جَلَالَتَهَا وَأَنَّهَا الْبَلْدَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِهِجْرَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِيطَانِهِ وَمَدْفِنِهِ وَتَنْزِيلِ الْوَحْيِ وَيَسْتَحْضِرُ تَرَدُّدَهُ فِيهَا وَمَشْيَهُ فِي بِقَاعِهَا وَتَرَدُّدَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِهَا * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ الْمُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِهَا وَالْغُرَبَاءَ بِمَا أَمْكَنَهُ وَيَخُصُّ أَقَارِبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَزِيدٍ (1) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (أذكركم الله

_ (1) كذا بالاصل فحرر

فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بيتي) رواه مسلم * وعن ابي عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ (اُرْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * (فَرْعٌ) عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَحَدِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ (قَالَ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ يَزِيدُ) قال اهل السير جعل عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طُولَ الْمَسْجِدِ مِائَةً وَسِتِّينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا وَجَعَلَ أَبْوَابَهُ سِتَّةً كَمَا كَانَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَعَلَ طُولَهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَعَرْضَهُ فِي مُقَدَّمِهِ مِائَتَيْنِ وَفِي مُؤَخَّرِهِ مِائَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْمَهْدِيُّ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ فَقَطْ دُونَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ * فَإِذَا عَرَفْت حَالَ الْمَسْجِدِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْتَنِيَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ) إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ إنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَالتَّقَدُّمُ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ أَفْضَلُ فَلْيَتَفَطَّنْ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ شَيْئًا مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ حرم المدينة ويخرجه إلَى وَطَنِهِ الَّذِي هُوَ خَارِجُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وكذا حكم الكيران وَالْأَبَارِيقِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ كَمَا سَبَقَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَكَذَا حُكْمُ الْأَحْجَارِ وَالتُّرَابِ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ السَّفَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يودع المسجد بركعتين ويدعوا بِمَا أَحَبَّ وَيَأْتِيَ الْقَبْرَ وَيُعِيدَ السَّلَامَ وَالدُّعَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الزِّيَارَةِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِك وَسَهِّلْ لِي الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلَةً وَالْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَرُدَّنَا إلَيْهِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَا قَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ * (فَرْعٌ) مِمَّا شَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ فِي الشَّامِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَا يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي إبْرَاهِيمَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ضَمِنْت لَهُ الْجَنَّةَ) وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ هُوَ مَرْوِيًّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُعْرَفُ فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ بَلْ وَضَعَهُ بَعْضُ الْفَجَرَةِ وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ لا تنكر إنما الْمُنْكَرُ مَا رَوَوْهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَلَا تَعَلُّقَ لِزِيَارَةِ الخليل صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ بَلْ هِيَ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إذَا حَجَّ وَقَدَّسَ حجتين فيذهب فيزور بيت المقدس ويروي ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا * وَزِيَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَضِيلَةٌ وَسُنَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَعَلَى فَضْلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حوله) وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ المسجد الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا) وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثًا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حين فرغ من بناء المسجد أن لا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا اثنتين فقد أعطيهما وأرجوا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ) وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ وَيُقَالُ بِنْتُ سَعِيدٍ مَوْلَاةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ (يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْمَنْشَرُ وَالْمَحْشَرُ ايتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ قَالَتْ أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إلَيْهِ لَوْ يَأْتِيه قَالَ فَلْيُهْدِ إلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ بِهِ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا قَالَتْ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فقال ايتوه فصلوا فيه وكانت البلاد إذا ذَاكَ حَرْبًا فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ) هَذَا لَفْظُ رواية ابي داود ذكره فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ تُسْتَحَبُّ * وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ مَنْ كَرِهَ خَوْفُ الْمِلْكِ وَقِلَّةِ الْحُرْمَةِ لِلْأُنْسِ وَخَوْفُ مُلَابَسَةِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا * وَدَلِيلُ مَنْ اسْتَحَبَّهَا أَنَّهُ يَتَيَسَّرُ فِيهَا مِنْ الطَّاعَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ وَالْحَسَنَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ * وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ أَوْ بَعْضِهَا (وَقَدْ جَاوَرَ بِهِمَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَنْبَغِي لِلْمُجَاوِرِ أَنْ يُذَكِّرَ نَفْسَهُ بِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لَخَطِيئَةٌ أُصِيبُهَا بِمَكَّةَ أَعَزُّ

عَلَيَّ مِنْ سَبْعِينَ خَطِيئَةً بِغَيْرِهَا) وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من صبر على لا وا الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يوم القيامة) * (فصل) مما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ صِفَةُ الْإِمَامِ الَّذِي يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْمَنَاسِكَ وَيَخْطُبُ بِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَابًا فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِيجِ أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَاصِدَهُ قَالَ وِلَايَةُ الْحَاجِّ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكُونُ عَلَى تَسْيِيرِ الْحَجِيجِ (وَالثَّانِي) عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ (فَأَمَّا) الْأَوَّلُ فَهُوَ وِلَايَةُ سِيَاسَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَشَرْطُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَكُونَ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ وَيَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) جَمْعُ النَّاسِ فِي مَسِيرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ حَتَّى لَا يَتَفَرَّقُوا فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ (الثَّانِي) تَرْتِيبُهُمْ فِي السَّيْرِ وَالنُّزُولِ وَإِعْطَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقَادًا حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ فَرِيقٍ مُقَادَهُ إذَا سَارَ وَإِذَا نَزَلَ وَلَا يَتَنَازَعُوا وَلَا يَضِلُّوا عَنْهُ (الثَّالِثُ) يَرْفُقُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ وَيَسِيرُ بِسَيْرِ أَضْعَفِهِمْ (الرَّابِعُ) يَسْلُكُ بِهِمْ أَوْضَحَ الطُّرُقِ وَأَخْصَبَهَا (الْخَامِسُ) يرتاد لهم المياه والمياه (1) إذَا قَلَّتْ (السَّادِسُ) يَحْرُسُهُمْ إذَا نَزَلُوا وَيَحُوطُهُمْ إذَا رَحَلُوا حَتَّى لَا يَتَخَطَّفَهُمْ مُتَلَصِّصٌ (السَّابِعُ) يَكُفُّ عَنْهُمْ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنْ الْمَسِيرِ بِقِتَالٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْ بِبَذْلِ مَالٍ إنْ أجاب الحجيج إليه ولا يحمل لَهُ إجْبَارُ أَحَدٍ عَلَى بَذْلِ الْخِفَارَةِ إنْ امْتَنَعَ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ لِلْخِفَارَةِ لَا يَجِبُ (الثَّامِنُ) يُصْلِحُ مَا بَيْنَ الْمُتَنَازَعَيْنِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهُوَ قَائِمٌ بِشُرُوطٍ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ دَخَلُوا بَلَدًا جَازَ لَهُ وَلِحَاكِمِ الْبَلَدِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ * وَلَوْ تَنَازَعَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَجِيجِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا حَاكِمُ الْبَلَدِ (التَّاسِعُ) يُؤَدِّبُ خَائِنَهُمْ وَلَا يُجَاوِزُ التَّعْزِيرَ الا أن يؤذن له الْحَدِّ فَيَسْتَوْفِيَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِيهِ مُتَوَلًّى لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي مِنْ الْحَجِيجِ أَتَى بِالْخِيَانَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ فَوَالِي الْحَجِّ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِ الْبَلَدَ فَوَالِي الْبَلَدِ أَوْلَى بِهِ (الْعَاشِرُ) يُرَاعِي اتِّسَاعَ الْوَقْتِ حَتَّى يُؤْمَنَ الْفَوَاتُ وَلَا يَلْحَقُهُمْ ضِيقٌ مِنْ الْحَثِّ عَلَى السَّيْرِ فَإِذَا وَصَلُوا الْمِيقَاتَ أَمْهَلَهُمْ لِلْإِحْرَامِ وَإِقَامَةِ سُنَنِهِ فان كان الوقت وسعا دَخَلَ بِهِمْ مَكَّةَ وَخَرَجَ مَعَ أَهْلِهَا إلَى مِنًى ثُمَّ عَرَفَاتٍ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا عَدَلَ إلَى عَرَفَاتٍ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ فَإِذَا وَصَلُوا مَكَّةَ فَمَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْعَوْدِ زَالَتْ وِلَايَةُ وَالِي الْحَجِيجِ عَنْهُ وَمَنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ فَهُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ طَاعَتِهِ فَإِذَا قَضَى النَّاسُ حَجَّهُمْ أَمْهَلَهُمْ الْأَيَّامَ الَّتِي جرت العادة

_ (1) كذا بالاصل فحرر

بِهَا لِإِنْجَازِ حَوَائِجِهِمْ وَلَا يُعَجِّلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخُرُوجِ فَإِذَا رَجَعُوا سَارَ بِهِمْ إلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ فَهُوَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الشَّرْعِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَادَاتِ الْحَجِيجِ الْمُسْتَحْسَنَةِ ثُمَّ يَكُونُ فِي عَوْدِهِ بِهِمْ مُلْتَزِمًا مِنْ الْحُقُوقِ لَهُمْ مَا كَانَ مُلْتَزِمًا فِي ذَهَابِهِ حَتَّى يصل البلد الذي سار بهم منه وتقطع وِلَايَتُهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ وَإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فَمِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ مَعَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَئِمَّةِ الصَّلَوَاتِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَحْكَامِهِ وَمَوَاقِيتِهِ وَأَيَّامِهِ وَتَكُونُ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ الْيَوْمَ السَّابِعَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنْ الرَّعِيَّةِ ثُمَّ إنْ كَانَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ فَلَهُ إقَامَتُهُ كُلَّ سَنَةٍ مَا لَمْ يُعْزَلْ عَنْهُ وَإِنْ عُقِدَتْ وِلَايَتُهُ سَنَةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا إلَّا بِوِلَايَةٍ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِ وَيَكُونُ نَظَرُهُ عَلَيْهِ مَقْصُورًا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَسَادِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (أَحَدُهَا) إعْلَامُ النَّاسِ بِوَقْتِ إحْرَامِهِمْ وَالْخُرُوجِ إلَى مَشَاعِرِهِمْ لِيَكُونُوا معه مقتدين بافعاله (الثاني) تَرْتِيبُهُ الْمَنَاسِكَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ فَلَا يُقَدِّمُ مُؤَخَّرًا وَلَا يُؤَخِّرُ مُقَدَّمًا سَوَاءٌ كَانَ التَّقْدِيمُ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ (الثَّالِثُ) تَقْدِيرُ الْمَوَاقِيتِ بِمَقَامِهِ فِيهَا وَمَسِيرِهِ عَنْهَا كَمَا تَتَقَدَّرُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ (الرَّابِعُ) اتِّبَاعُهُ فِي الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَالتَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ (الْخَامِسُ) إقَامَتُهُمْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُرِعَتْ خُطَبُ الْحَجِّ فِيهَا وَجَمْعُهُمْ لَهَا وَهِيَ أَرْبَعُ خُطَبٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ أُولَاهُنَّ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ أَوَّلُ شُرُوعِهِ فِي مناسكه بعد الاحرام فيفتتحها بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَبِالتَّكْبِيرِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ يُقِيمُ بِمِنًى لَيْلَةَ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التشريق وينفر النَّفْرَ الثَّانِيَ مِنْ غَدِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فَلَمْ يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِ الْمَنَاسِكِ فَإِذَا نَفَر النَّفْرَ الثَّانِي انْقَضَتْ وِلَايَتُهُ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ السَّادِسُ الْمُخْتَلِفُ فِيهِ فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) إذَا فَعَلَ بَعْضُ الْحَجِيجِ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرًا أَوْ حَدًّا فَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْحَجِّ فَلَهُ تَعْزِيرُهُ وَهَلْ له حده فيه وجهان (الثاني) لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْحَجِيجِ فِيمَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ وَفِي الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَجِّ كَالزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي إيجَابِ الكفارة بالوطئ وَمُؤْنَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ مَا يَقْتَضِي فِدْيَةً فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ وُجُوبَهَا وَيَأْمُرَهُ بِإِخْرَاجِهَا وَهَلْ لَهُ إلْزَامُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَيْسَ

لِأَمِيرِ الْحَجِّ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ مَا يُسَوَّغُ فِعْلُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ اقْتِدَاءَ النَّاسِ بِفَاعِلِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ * وَلَوْ اقام للناس الْمَنَاسِكَ وَهُوَ حَلَالٌ كُرِهَ ذَلِكَ وَصَحَّ الْحَجُّ * وَلَوْ قَصَدَ النَّاسُ التَّقَدُّمَ عَلَى الْأَمِيرِ أَوْ التَّأَخُّرَ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْرُمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نُبْذَةً صَالِحَةً مِنْ آدَابِ السَّفَرِ وَالْمُسَافِرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسِيرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْت فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بَابًا حَسَنًا في ذلك والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ حَجَّ حَاجٌّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ أَيْضًا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إنِّي صَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إنِّي حَاجٌّ فَإِنَّ الْحَاجَّ هُوَ الْمُحْرِمُ) فَهُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْمَسْأَلَةُ تَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ شرط لصدق المشتق منه ام لَا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْأُصُولِيِّينَ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ شَرْطٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فَلَا يُقَالُ لِمَنْ ضَرَبَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ ضَارِبٌ وَلَا لِمَنْ حَجَّ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَاجٌّ إلَّا مَجَازًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ يُقَالُ لَهُ ضَارِبٌ وَحَاجٌّ حَقِيقَةً وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) جَوَازُ الْإِطْلَاقِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَهَذَا الذي قالوه غلط ظاهر وخطأ فاحش ولولا خوف اغترار بعض الاغنياء بِهِ لَمْ أَسْتَجِزْ حِكَايَتَهُ فَإِنَّهُ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَمُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَمُنَابِذٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْكِنُ إحْصَاءُ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تَسْمِيَتِهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ حَتَّى حَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَر تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ سَبَقَتْ (مِنْهَا) أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ رَمْيِ الْجِمَارِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِجَارَةِ مِنْ الرُّخَامِ وَالْبِرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسَمَّى حَجَرًا وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَجَرِ كَالْكُحْلِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمَدَرِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حل لكم كل شئ إلَّا النِّسَاءَ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَأَطْلَقَ الرَّمْيَ * قَالَ أَصْحَابُنَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْحَجَرَ وقال صلى الله عليه وسلم (لتأخذوا مَنَاسِكَكُمْ) وَالرَّمْيُ الْمُطْلَقُ فِي قَوْلِهِ ارْمُوا مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْيِ الْمَعْرُوفِ * (فَرْعٌ) إذَا رَمَى حَصَاةً فَوَقَعَتْ عَلَى مَحَلٍّ فَتَدَحْرَجَتْ بِنَفْسِهَا فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ فَنَفَضَهَا صَاحِبُهُ فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجِزْهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ يُجْزِئْهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ آخِرُ عُمْرِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ بَقِيَ خمسين سنة وأكثر ولادم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُهُ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَزِمَهُ دَمٌ * دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (وليطوفوا بالبيت) وَهَذَا قَدْ طَافَ * (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ رَمْيُ جَمْرَةِ التَّشْرِيقِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَبْلَ الزَّوَالِ ولا يجوز في اليومين الاولين (والثانية) يَجُوزُ فِي الْجَمِيعِ * وَسَبَقَ دَلِيلُنَا حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ * (فَرْعٌ) تَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ رَمْيُ الْأُولَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فَإِنْ نَكَسَهُ اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمٌ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مُطْلَقًا *

(فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا تَفْرِيقُ الْحَصَيَاتِ فَيُفْرِدُ كُلَّ حَصَاةٍ بِرَمْيَةٍ فَإِنْ جَمَعَ السَّبْعَ بِرَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ حُسِبَتْ وَاحِدَةً وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أبو دَاوُد يَحْسِبُ سَبْعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعْنَ مُتَفَرِّقَاتٍ حُسِبْنَ سَبْعًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً * (فَرْعٌ) إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ مِنْ جَمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بِتَرْكِ أَكْثَرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بِتَرْكِ أَكْثَرِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * (فَرْعٌ) أَجْمَعُوا عَلَى الرَّمْيِ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ لِصِغَرِهِ (1) (وَأَمَّا) الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضٍ وَهُوَ بَالِغٌ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُرْمَى عَنْهُ كَالصَّبِيِّ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ * وَقَالَ النَّخَعِيُّ يُوضَعُ الْحَصَى فِي كَفِّهِ ثُمَّ يُؤْخَذُ وَيُرْمَى فِي الْمَرْمَى * (فَرْعٌ) أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِلدُّعَاءِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَرَكَ هَذَا الْوُقُوفَ للدعاء فمذهبنا لا شئ عليه وبه قال أبو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُطْعِمُ شَيْئًا فَإِنْ أَرَاقَ دَمًا كَانَ أَفْضَلَ * وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي اسْتِحْبَابِهِ رِوَايَتَانِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ تَرَكَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ فِي حَصَاةٍ مُدًّا وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ دَمًا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ واسحاق لا شئ عليه في حصاة * وقال مجاهد لا شئ عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ وَقَالَ عَطَاءٌ من رمى ستا يعطم تَمْرَةً أَوْ لُقْمَةً * وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْمَاجِشُونُ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ * وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ تَرَكَ حَصَاةً إنْ كَانَ مُوسِرًا أَرَاقَ دَمًا وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ فِي النَّفْرِ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَا لَمْ تَغْرُبْ الشمس ولايجوز بعد الغروب وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ التَّعْجِيلُ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ * دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يومين فلا إثم عليه) وَالْيَوْمُ اسْمٌ لِلنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ * وَقَالَ ابْنُ المنذر

_ (1) كذا بالاصل والمقصود ظاهر

ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَسَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِمِنًى فَلْيُقِمْ إلَى الْغَدِ حَتَّى يَنْفِرَ مَعَ النَّاسِ) قال وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْل الْعِرَاقُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وإسحاق وبه أقول * قال وروينا عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ قَالَا (مَنْ أَدْرَكَهُ الْعَصْرُ وَهُوَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى الْغَدِ) قَالَ وَلَعَلَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ) وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ طلحة عن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (إذَا انْسَلَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ الْآخِرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ) فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ الْمَكِّيَّ هَذَا الرَّاوِي ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَنَعَهُمْ ذَلِكَ * وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا * دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثم عليه) * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ مَالِكٌ وداود وابن المنذر هو سنة لا شئ فِي تَرْكِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ طَوَافُ الْوَدَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ منهم مالك والاوزاعي والثوري واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِبَقَائِهَا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَتَرَكْنَا قَوْلَ عُمَرَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ *

باب الفوات والاحصار

(فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَهُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ فَشَرْطُ الِاعْتِدَادِ بِهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ لِشُغْلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ الطَّوَافِ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ طَوَافِهِ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ لَمْ يَضُرَّهُ (1) يَسِيرٌ لِعُذْرٍ ظَاهِرٍ مَأْمُورٍ بِهِ * وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ وَقْتُ النَّفْرِ لَمْ يضره الاقامة بعده ولو بلغت شهر أو أكثر وَطَوَافُهُ مَاضٍ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ (فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) * (فَرْعٌ) إذَا حَاضَتْ وَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ أَكْرَاهَا الْإِقَامَةُ لَهَا بَلْ لَهَا أَنْ تَجْعَلَ مَكَانَهَا مَنْ شَاءَتْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ مَنْ أَكْرَاهَا الْإِقَامَةُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وزيادة ثلاثة أيام والله أعلم * (باب الفوات والاحصار) * قال المصنف رحمه الله * ومن أحرم بالحج ولم يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وعليه أن يتحلل بعمل عمرة وهي الطواف والسعي والحلق ويسقط عنه المبيت والرمي وقال المزني لا يسقط المبيت والرمي كما لا يسقط الطواف والسعي وهذا خطأ لما روى الاسود عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لمن فاته الحج (تحلل بعمل عمرة وعليك الحج من قابل وهدى) ولان المبيت والرمي من توابع الوقوف ولهذا لا يجب على المعتمر حين لم يجب عليه الوقوف وقد سقط الوقوف ههنا فسقطت توابعه بخلاف الطواف والسعي فانهما غير تابعين للوقوف فبقي فرضهما ويجب عليه القضاء لحديث عمر رضي الله عنه ولان الوقوف معظم الحج وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الحج عرفة) وقد فاته ذلك فوجب قضاؤه وهل يجب القضاء على الفور أم لا فيه وجهان كما ذكرناه فيمن أفسد الحج ويجب عليه هدي لقول عمر رضي الله عنه ولانه تحلل من الاحرام قبل الاتمام فلزمه الهدي كالمحصر ومتى يجب الهدي فيه وجهان

_ (1) كذا بالاصل وفيه سقط ولعله (لانه تأخير)

(أحدهما) يجب مع القضاء لقول عمر رضي الله عنه ولانه كالمتمتع ودم المتمتع لا يجب الا إذا أحرم بالحج (والثاني) يجب في عامه كدم الاحصار) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (الْحَجُّ عَرَفَةَ) فسبق بيانه في فصل الوقوف بِعَرَفَاتٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ (فَأَمَّا) الطَّوَافُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) السَّعْيُ فَإِنْ كَانَ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا يَسْعَى بَعْدَ الْفَوَاتِ وقد أهمل المصنف بيان هذا ولابد مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ * وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَجَبَ السَّعْيُ بَعْدَ الطَّوَافِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وقال الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ (أَحَدُهُمَا) نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ (وَالثَّانِي) نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَحْلِقُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ البحر عن نصه في القديم قال الخراسانيون للاصحاب في هذين النصين طريقين (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ السَّعْيَ مُلَازِمٌ لِلطَّوَافِ فِي النُّسُكِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا * وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي تَأْوِيلِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَرْمَلَةَ وَالْقَدِيمِ فَذَكَرَ الْقَاضِي حسين والبغوي والروياني والاكثرون أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّوَافِ فِي اللَّفْظِ وَمُرَادُهُ الطَّوَافُ مَعَ السَّعْيِ وَإِنَّمَا حَذَفَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ قَالَ وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْحَلْقُ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَالْحَاصِلُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الطَّوَافُ قَطْعًا وَفِي السَّعْيِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَفِي الْحَلْقِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا وَإِنْ اقْتَصَرْت عَلَى الراجح قلت يجب الطواف والسعي والحلق و (أما) الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهُمَا لَمْ يَجِبَا وَإِنْ بَقِيَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبَانِ (وَالثَّانِي)

يَجِبَانِ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الكتاب والله أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ لَا يَنْقَلِبُ حَجُّهُ عُمْرَةً وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا تُحْسَبُ عُمْرَةً أُخْرَى هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا وعلى هذا الشاذ لابد مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَعَبَّرَ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عِبَارَةً أُخْرَى تُوَافِقُ هَذِهِ فِي الْحُكْمِ فَقَالُوا إنْ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ حَجَّةٍ وَاجِبَةٍ بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَتْ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَجَّةِ تَطَوُّعٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا كَمَا لَوْ أَفْسَدَهَا * وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الْإِفْسَادِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةٍ مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ للفوات وَهُوَ شَاذٌّ * وَهَلْ يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ أَمْ فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ فِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِ وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى سَنَةِ الْقَضَاءِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ وَإِنْ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يجب فيها القضاء (وأصحهما) أن الوجو ب فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ لَجَازَ إخْرَاجُهُ فِيهَا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ بَدَلِ هَذَا الدَّمِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَيْنِ * وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ قَوْلًا آخَرَ غَرِيبًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ (أَحَدُهُمَا) فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ (وَالثَّانِي) لِأَنَّهُ فِي قَضَاءٍ يُشْبِهُ التَّمَتُّعَ؟ لِكَوْنِهِ تَحَلَّلَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ فِي الْفَوَاتِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الْإِثْمِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَعْذُورُ وَيَأْثَمُ غَيْرُهُ كَذَا صَرَّحَ بِإِثْمِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أعلم

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَكِّيُّ وَغَيْرُ الْمَكِّيِّ سَوَاءٌ فِي الْفَوَاتِ وَتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوبِ الدَّمِ بِخِلَافِ التمتع فان المكي لادم عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَكِّيِّ كَحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) دَمُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَالْمَكِّيُّ لَا يَتْرُكُ الْمِيقَاتَ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ مَوْضِعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ دُونَ العمرة ويلزمه دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ * (فَرْعٌ) هَذَا الذي سبق كله في من أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَفَاتَهُ (فَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا لِأَنَّ جَمِيعَ الزَّمَانِ وَقْتٌ لَهَا (وَأَمَّا) مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ تَفُوتُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ وَتَابِعَةٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ * وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْعُمْرَةِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ قَضَائِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ إذَا تَحَلَّلَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ حَصَلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِخِلَافِ الْحَجِّ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النُّسُكَ الْوَاحِدَ هَلْ يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ وَكَانَ

الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ فَأَحْرَمَ الْأَجِيرُ بِهِمَا وَفَرَغَ مِنْهُمَا وَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَتَبَعَّضُ فَيَكُونَانِ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ فَعَلَى هَذَا تَفُوتُهُ الْعُمْرَةُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَالثَّانِي) يَتَبَعَّضُ فَيَقَعُ أَحَدُهُمَا عَنْهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَفُوتُ الْعُمْرَةُ * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي أَصْلُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هَلْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فِي الْقِرَانِ أَمْ يَقَعُ الْعَمَلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ الْحَجِّ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بَلْ تَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُمَا حُسِبَتْ عُمْرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْقِرَانِ الْفَائِتِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي أَتَى بِهِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَضَاهُمَا مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ الثَّالِثُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ وَدَمُهُ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِالْإِفْرَادِ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الْوَاجِبُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قَضَاهُ مُفْرِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ بِالْفَوَاتِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَارِنًا مَعَ دَمٍ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ * قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي الْإِمْلَاءِ * وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ إذَا قَضَاهُ مُفْرِدًا سَقَطَ الدَّمُ الثَّالِثُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَضَاهُ مُفْرِدًا فَأَتَى بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ يَحْرُمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قَالَ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ وَدَمُ الْقِرَانِ بِسَبَبِ الْمِيقَاتِ فَتَدَاخَلَا * قَالَ وَإِنْ قَضَاهُ مُتَمَتِّعًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ وَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَخَلَ فِيهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ * فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ سَوَاءٌ قَضَى مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَم * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَفَّالُ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَمَا أَنَّ الْعُمْرَةَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ لِلْفَوَاتِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ فَهِيَ أَيْضًا تَابِعَةٌ لَهُ فِي الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ الْقَارِنِ حَتَّى لَوْ رَمَى الْقَارِنُ وَحَلَقَ ثُمَّ جَامَعَ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَا يَفْسُدُ

حَجُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَذْهَبُ * وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ جِدًّا غَرِيبٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ الْجِمَاعِ أَنَّهُ يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ذَبَحَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْفَوَاتِ اسْتِدَامَةَ إحْرَامِهِ إلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَالْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَنَقَلَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ (1) صَاحِبُ الْفَوَاتِ لَهُ حُكْمُ مَنْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْوُقُوفُ سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ فصار كمن رمى فان وطئ لَمْ يَفْسُدْ إحْرَامُهُ وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ قَالَ الْقَاضِي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ (فَإِنْ قُلْنَا) (2) احْتَاجَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ حَتَّى يَحْصُلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمَا قَالَهُ القاضي والروياني * (فرع) لو أفسد حجه باجماع ثُمَّ فَاتَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَهُوَ بَدَنَةٌ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَهُوَ شَاةٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَلَا يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَافَقَا فِي الْبَاقِي * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةٍ سَبَقَ وُجُوبُهَا وَلَا دَمَ * وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَقَوْلِنَا وَزَادَ وُجُوبَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ * دَلِيلُنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ حتى طلع الفجر فقد فاته الحج فليأ ت البيت فليطف به سبعا وليطوف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلَقْ أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ

_ (1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض ولعله (ان الحلق نسك) كما يفهم من سياق الكلام

فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فليحجج إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيُهْدِ فِي حَجِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ (أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ (سَأَلْت عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ فَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ سَأَلْت فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عنه فقال يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْهُ قَالَ وَيُهْرِيقُ دَمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتُ الْأَسْوَدِ عن عمر متصلات ورواية سليمان ابن يَسَارٍ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّوَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ عَنْ عُمَرَ فِيهَا زِيَادَةٌ وَاَلَّذِي يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِمَّنْ لَمْ يَزِدْ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ مُتَّصِلًا وَرِوَايَةُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ إنْ صَحَّتْ تَشْهَدُ لِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِالصِّحَّةِ * وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ فَاتَهُ الْحَجُّ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وان اخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء لان الخطأ في ذلك انما يكون بان يشهد اثنان برؤية الهلال قبل الشهر بيوم فوقفوا في الثامن بشهادتهما ثم بان

كذبهما أو يغم الهلال فوقفوا في اليوم العاشر ومثل هذا لا يؤمن في القضاء فسقط) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ نُظِرَ إنْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ يَظُنُّونَهَا عَرَفَاتٍ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا فِي الزَّمَانِ بِيَوْمَيْنِ بِأَنْ وَقَفُوا فِي السَّابِعِ أَوْ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِهِمْ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِمْ وَإِنْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَوَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَجْزَأَهُمْ وَتَمَّ حَجُّهُمْ وَلَا قَضَاءَ * هَذَا إذَا كَانَ الْحَجِيجُ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ قَلُّوا أَوْ جَاءَتْ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ فَظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَفَاضُوا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُمْ كَالْجَمْعِ الْكَثِيرِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يُجْزِئُهُمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ * وَلَوْ بَانَ الْحَالُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ بِالْحَالِ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ وقوفهم لانهم وقفوا متيقنين الخطأ بخلاف مالو عَلِمُوا فِي حَالِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ قَبْلَ الْعِلْمِ وَقَعَ مُجْزِئًا * هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ قَالُوا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ وَهُمْ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ وَقَفُوا مِنْ الْغَدِ وَحُسِبَ لَهُمْ الْوُقُوفُ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ الْعِيدَ فَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْفَوَاتِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَيْلَةَ العاشر لزم مِثْلُهُ يَوْمَ الْعَاشِرِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَهِدَ واحد أو جماعة برؤية هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لَزِمَ الشُّهُودَ الْوُقُوفُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ عِنْدَهُمْ وَالنَّاسُ يَقِفُونَ بَعْدَهُ فَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْوُقُوفِ مَعَ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ الشُّهُودِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُمْ الْوُقُوفُ مَعَ النَّاسِ أَيْ وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ الْعَاشِرَ قَالَ وَلَا يُجْزِئُهُمْ التَّاسِعُ عِنْدَهُمْ * دَلِيلُنَا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي يَقِفُ

النَّاسُ فِيهِ الْعَاشِرَ فَلَمْ يُجْزِ وُقُوفُهُمْ فِيهِ كما لو قبل شَهَادَتُهُمْ * هَذَا كُلُّهُ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ (أَمَّا) إذَا غَلِطَ الْحَجِيجُ فَوَقَفُوا فِي الثَّامِنِ بِأَنْ شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ فُسَّاقٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُمْ ثُمَّ عُلِمَ فَإِنْ بَانَ الْحَالُ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ وَإِنْ بَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُمْ كَالْعَاشِرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِيمَنْ اجْتَهَدَ فَصَلَّى أَوْ صَامَ فَبَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا أَحْرَمَ النَّاسُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالِاجْتِهَادِ فَبَانَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ خَطَأً عَامًّا فَفِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ وَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُكْنٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَا الْوُقُوفَ فِي الْعَاشِرِ أَبْطَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ إضْرَارٌ وَأَمَّا هُنَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَلَطِ فِي الْوُقُوفِ * اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ إذَا غَلِطُوا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ وَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْعَادَةِ أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا لَا يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لا يجزئهم * قال المصنف رحمه الله * (ومن أحرم فاحصره العدو نظرت فان كان العدو من المسلمين فالاولى ان يتحلل ولا يقاتله لان التحلل أولى من قتال المسلمين وان كان من المشركين لم يجب عليه القتال لان قتال

الكفار لا يجب الا إذا بدؤا بالحرب فان كان في المسلمين ضعف وفي العدو قوة فالاولى أن لا يقاتلهم لانه ربما انهزم المسلمون فيلحقهم وهن وان كان في المسلمين قوة وفي المشركين ضعف فالافضل أن يقاتلهم ليجمع بين نصرة الاسلام واتمام الحج فان طلبوا مالا لم يجب اعطاء المال لان ذلك ظلم ولا يجب الحج مع احتمال الظلم فان كانوا مشركين كره أن يدفع إليهم لان في ذلك صغار على الاسلام فلا يجب احتماله من غير ضرورة وان كانوا مسلمين لم يكره) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَقِيلَ حُصِرَ وَأُحْصِرَ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ * وَأَصْلُ الْحَصْرِ الْمَنْعُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَحْصَرَ الْعَدُوُّ الْمُحْرِمِينَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ فَلَعَلَّهُ يَزُولُ الْمَنْعُ وَيَتِمُّ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْحَجِّ * وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ التَّحَلُّلُ عِنْدَ الْإِحْصَارِ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُ التَّحَلُّلِ وَإِحْصَارِ الْعَدُوِّ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا مَنَعُوا وَطُلِبَ مِنْهُمْ مَالٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْمُضِيُّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ بَذْلُهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قَلَّ الْمَطْلُوبُ أَمْ كَثُرَ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ كُفَّارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ

الشَّافِعِيُّ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لِلْكُفَّارِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) إذَا احْتَاجَ الْحَجِيجُ إلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ لِيَسِيرُوا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَانِعُونَ مُسْلِمِينَ جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِتَالِهِمْ لِتَعْظِيمِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ قَاتَلُوهُ جَازَ لِأَنَّهُمْ صَائِلُونَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ كُفَّارًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِمُرْضٍ بَلْ شَرْطُهُ وُجْدَانُهُمْ السِّلَاحَ وَأُهْبَةُ الْقِتَالِ قَالَ فَإِنْ وَجَدُوا ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّحَلُّلِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِتَالُ سَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَلَّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلُوا بَلْ يُقَاتِلُوهُمْ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحَجِّ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّحَلُّلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْكُفَّارَ فَلَهُمْ لِبْسُ الدُّرُوعِ وَالْمَغَافِرِ وَعَلَيْهِمْ الْفِدْيَةُ كَمَنْ لَبِسَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِلَا خِلَافٍ هُوَ فِيمَا إذَا مُنِعُوا الْمُضِيَّ دُونَ الرُّجُوعِ (فَأَمَّا) إذَا

أَحَاطَ بِهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التحلل لعموم قوله تعالى (فان أحصرتم) (وَالثَّانِي) لَا إذْ لَا يَحْصُلُ بِهِ أَمْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا صَدُّوهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا آخَرَ (فاما) ان وجدوا طريقا غيره لاضرر فِي سُلُوكِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ طَرِيقِهِمْ الَّتِي صُدُّوا عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْوُصُولِ فَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ طَرِيقِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ * وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِمْ لِطَرِيقِهِمْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُمْ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْآخَرِ سَوَاءٌ عَلِمُوا أَنَّهُمْ بِسُلُوكِ هَذَا الطَّرِيقِ يَفُوتُهُمْ الْحَجُّ أَمْ لَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَلُّلِ هُوَ الْحَصْرُ لَا خَوْفُ الْفَوَاتِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ بِالشَّامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْفَوَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ أُحْصِرَ بِالشَّامِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آخَرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ السَّيْرُ فِيهِ وَوُصُولُ الْكَعْبَةِ وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ كَمَا أَمَرْنَاهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَوْ خُشُونَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِسَبَبِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بَلْ يَتَحَلَّلُ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ وَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ سَلَكَهُ ابْتِدَاءً فَفَاتَهُ بِضَلَالٍ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ * وَلَوْ اسْتَوَى الطَّرِيقَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَوَاتٌ مَحْضٌ * وَلَوْ أُحْصِرَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ إلَّا فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَفْصِيلُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ فَحَيْثُ قُلْنَا يَجِبُ رُكُوبُهُ يَكُونُ

كَقُدْرَتِهِ عَلَى طَرِيقِ أَمْنٍ فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أُحْصِرَ فَصَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَالْإِحْصَارُ دَائِمٌ تَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْقَضَاءِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ فَاتَهُ بِطُولِ الطَّرِيقِ الثَّانِي (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ بِالْمُصَابَرَةِ فِي الْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِالْإِحْصَارِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَحَيْثُ قُلْنَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهِ دَمُ الْإِحْصَارِ دُونَ دَمِ الْفَوَاتِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ قَدْ زَالَ الْعَدُوُّ وَأَمْكَنَهُ وُصُولُ الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ قَصْدُهَا وَالتَّحَلُّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَاقِيًا فَلَهُ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْفَوَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَحَلَّلَ الْحَاجُّ فَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْإِحْصَارُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ انْصَرَفَ الْعَدُوُّ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ تَجْدِيدُ الْإِحْرَامِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ حجه تطوعا فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ تَقَدَّمَ وُجُوبَهَا بَقِيَ وُجُوبُهَا كَمَا كَانَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ كان حَجَّةً وَجَبَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَنْ اسْتَطَاعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ لِتَمَكُّنِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَنَا عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَقَ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَاسْتَقَرَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ الْعَدُوُّ الصَّادُّونَ بَعْدَ صَدِّهِمْ قَدْ آمَنَّاكُمْ وَخَلَّيْنَا لَكُمْ الطَّرِيقَ فَإِنْ وَثِقُوا بِقَوْلِهِمْ فَأَمِنُوا غَدْرَهُمْ لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ تَحَلَّلَ لِأَنَّهُ لَا صَدَّ وَإِنْ خَافُوا غَدْرَهُمْ فَلَهُمْ التَّحَلُّلُ * (فَرْعٌ) اعْتَرَضَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ قِتَالَ الكفار لا يجب

الا إذا بدؤا بِالْحَرْبِ وَقَالَ هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ قِتَالُ الْكُفَّارِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَكِنْ زَادَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فِيهَا لَفْظَةً فَقَالُوا لِأَنَّ قِتَالَ الْكُفَّارِ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا بدؤا به أو استنفر الامام أو الثغور النَّاسَ لِقِتَالِهِمْ فَهَذِهِ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَمُرَادُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الرَّعِيَّةِ وَالطَّائِفَةِ مِنْهُمْ (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَيَلْزَمُهُ الْغَزْوُ بِالنَّاسِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ السير والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان أحصره العدو عن الوقوف أو الطواف أو السعي فان كان له طريق آخر يمكنه الوصول منه إلى مكة لم يجز له التحلل قرب أو بعد لانه قادر على أداء النسك فلا يجوز له التحلل بل يمضي ويتمم النسك وان سلك الطريق الاخر ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وفي القضاء قولان (أحدهما) يجب عليه لانه فاته الحج فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ (والثاني) لا يجب عليه لانه تحلل من غير تفريط فلم يلزمه القضاء كما لو تحلل بالاحصار * فان احصر ولم يكن له طريق آخر جاز له ان يتحلل لقوله عز وجل (فان احصرتم فما استيسر من الهدى) ولان النبي صلى الله عليه وسلم احصره المشركون في الحديبية فتحلل ولانا لو الزمناه البقاء على الاحرام ربما طال الحصر سنين فتلحقه المشقة العظيمة في البقاء على الاحرام وقد قال الله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فان كان الوقت واسعا فالافضل أن لا يتحلل لانه ربما زال الحصر وأتم النسك وان كان الوقت ضيقا فالافضل أن يتحلل حتى لا يفوته الحج فان اختار التحلل نظرت فان كان واجدا للهدي لم يجز له أن يتحلل حتى يهدي لقوله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فان كان في الحرم ذبح الهدي فيه وان

كان في غير الحرم ولم يقدر على الوصول إلى الحرم ذبح الهدي حيث أحصر لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ هَدْيَهُ بالحديبية وهي خارج الحرم وأن قدر على الوصول إلى الحرم ففيه وجهان (أحدهما) يجوز له أن يذبح في موضعه لانه موضع تحلله فجاز فيه الذبح كما لو أحصر في الحرم (والثاني) لا يجوز أن يذبح إلا في الحرم لانه قادر على الذبح في الحرم فلا يجوز أن يذبح في غيره كما لو أحصر فيه ويجب أن ينوي بالهدي التحلل لان الهدي قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميز بينهما ثم يحلق لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية (فان قلنا) ان الحلق نسك حصل له التحلل بالهدي والنية والحلق (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل له التحلل بالنية والهدي * وان كان عادما للهدي ففيه قولان (أحدهما) لا بدل للهدي لقوله عز وجل (فان أحصرتم فما استيسر من الهدي) فذكر الهدى ولم يذكر له بدلا ولو كان له بدل لذكره كما ذكره في جزاء الصيد (والقول الثاني) له بدل لانه دم يتعلق وجوبه بالاحرام فكان له بدل كدم التمتع (فان قلنا) لا بدل للهدي فهل يتحلل فيه قولان (أحدهما) لا يتحلل حتى يجد الهدي لان الهدي شرط في التحلل فلا يجوز التحلل قبله (والثاني) أنه يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يجد الهدي أدى ذلك إلى المشقة (فان قلنا) له بدل ففي بدله ثلاثة أقوال (أحدها) الاطعام (والثاني) الصيام (والثالث) أنه مخير بين الصيام والاطعام (وإن قلنا) إن بدله الاطعام ففي الاطعام وجهان (أحدهما) اطعام التعديل كالاطعام في جزاء الصيد لانه أقرب إلى الهدي ولانه يستوفي فيه قيمة الهدي (والثاني) اطعام فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كفدية الاذى (وإن قلنا) إن بدله الصوم ففي الصوم ثلاثة أوجه (أحدها) صوم التمتع

لانه وجب للتحلل كما وجب صوم التمتع للتحلل بين الحج والعمرة في أشهر الحج (والثاني) صوم التعديل لان ذلك أقرب إلى الهدي لانه يستوفي قيمة الهدي ثم يصوم عن كل مد يوما (والثالث) صوم فدية الاذى لانه وجب للترفه فهو كصوم فدية الاذى (فان قلنا) انه مخير فهو بالخيار بين صوم فدية الاذى وبين اطعامها لانا بينا أنه في معنى فدية الاذى فان أوجبنا عليه الاطعام وهو واجد أطعم وتحلل وإن كان عادما له فهل يتحلل أم لا يتحلل حتى يجد الطعام على القولين كما قلنا في الهدي وان أوجبنا الصيام فهل يتحلل قبل أن يصوم فيه وجهان (أحدهما) لا يتحلل كما لا يتحلل بالهدي حتى يهدي (والثاني) يتحلل لانا لو ألزمناه البقاء على الاحرام إلى أن يفرغ من الصيام أدى إلى المشقة لان الصوم يطول فإذا تحلل نظرت فان كان في حج تقدم وجوبه بقي الوجوب في ذمته وان كان في تطوع لم يجب القضاء لانه تطوع أبيح له الخروج منه فإذا خرج لم يلزمه القضاء كصوم التطوع * وان كان الحصر خاصا بان منعه غريمه ففيه قولان (أحدهما) لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في الحصر العام (والثاني) يلزمه لانه تحلل قبل الاتمام بسبب يختص به فلزمه القضاء كما لو ضل الطريق ففاته الحج * وإن أحصر فلم يتحلل حتى فاته الوقوف نظرت فان زال العذر وقدر على الوصول تحلل بعمل عمرة ولزمه القضاء وهدي للفوات وان فاته والعذر لم يزل تحلل ولزمه القضاء وهدي للفوات وهدي للاحصار فان أفسد الحج ثم أحصر تحلل لانه إذا تحلل من الحج الصحيح فلان يتحلل من الفاسد أولى فان لم يتحلل حتى فاته الوقوف لزمه ثلاثة دماء دم الفساد ودم الفوات ودم الاحصار ويلزمه قضاء واحد لان الحج واحد *) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحَلُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ ثَابِتٌ فِي الصحيحين وكذا حديث هدية نحره بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم وكانت قضية الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وأنها تقال بتخفيف الباء وَتَشْدِيدِهَا وَالتَّخْفِيفُ أَفْصَحُ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ دَمٌ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ (وَقَوْلُهُ) تَطَوُّعٌ أُبِيحَ الْخُرُوجُ مِنْهُ احْتِرَازٌ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ إذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْفَوَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ يَخْتَصُّ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَصْرِ الْعَامِّ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ وَهُوَ وَحْدَهُ أَوْ فِي طَائِفَةٍ يَسِيرَةٍ فَأَمَّا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ بِالْخَطَأِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لافرق فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا بَيْنَ الْإِحْصَارِ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ أَوْ الْمَوْقِفِ فَقَطْ أَوْ عنهما أو عن المسعئ فَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ * فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ فَإِنْ كَانَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاضِحًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ تَعْجِيلَ التَّحَلُّلِ أَفْضَلُ أَمْ تَأْخِيرُهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كَانَ حَصْرُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّحَلُّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ مَعَ الْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحَصْرُ تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ هَدْيَانِ هَدْيٌ لِلْفَوَاتِ وَهَدْيٌ لِلتَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا * وَإِنْ كَانَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ تَحَلَّلَ فَذَاكَ وَهَلْ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ (وَالْقَدِيمُ) الْجَوَازُ وَعَلَى هَذَا يُحْرِمُ إحْرَامًا ناقصا

وَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَنَى مَعَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَقِيلَ) فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ فَهُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ لِفَوَاتِهِمَا كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ وَبِمَاذَا يَتَحَلَّلُ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ أَمْ لَا وَعَلَى أن فَوَاتِ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ أَمْ لَا فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (فَإِنْ قُلْنَا) فَوَاتُ زَمَانِ الرَّمْيِ كَالرَّمْيِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ حَلَقَ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُضِيِّ زَمَانِ الرَّمْيِ * وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالطَّوَافُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَمَتَى أَمْكَنَهُ طَافَ فَيُتِمُّ حَجَّهُ وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى * ثُمَّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ حَجَّتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا * وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَيْنِ وَطَرَدُوهُمَا فِي كُلِّ صُورَةٍ أَتَى فِيهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ لِتَأَكُّدِهَا الْإِحْرَامَ بِذَلِكَ النُّسُكِ * وَلَوْ صُدَّ عَنْ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يُصَدَّ عَنْ مَكَّةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ مُحْصَرٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوُقُوفِ وَحْدَهُ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ وَهَذَا الْقَائِلُ بِفَوَاتِ الْمُحْصَرِ هُوَ الْمَصْدُودُ عَنْ الْكَعْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ شَاةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ

الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ الشَّاةِ إلَى صَوْمٍ وَلَا إطْعَامٍ مَعَ وُجُودِهَا وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ ذَبْحِهَا إذَا وَجَدَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ ذَبْحُهَا فِيهِ وَتَفْرِقَتُهَا هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إيصَالُ الْهَدْيِ وَهُوَ الشَّاةُ إلَى الْحَرَمِ جَازَ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَيَتَحَلَّلُ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْ هَدْيٍ فَكُلُّهُ يَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ هُنَاكَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إيصَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَذَبْحُهُ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِلَهُ أَوْ يَبْعَثَهُ إلَيْهِ فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي مَوْضِعِ إحْصَارِهِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ * قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ الْحَرَمِ فَذَبَحَ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ غَيْرِ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ * هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ الْهَدْيَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَمَعَهُ ثَمَنُهُ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ وَجَدَهُ مَعَ مَنْ لَا يَبِيعُهُ أَوْ يَبِيعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ الْحَالِ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلثَّمَنِ أَوْ وَاجِدٌ وَهُوَ محتاج إليه لمونة سَفَرِهِ فَهَلْ لَهُ بَدَلٌ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُ بَدَلٌ وَفِي بَدَلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْإِطْعَامُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَوْسَطِ (وَالثَّانِي) الصِّيَامُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ (وَالثَّالِثُ) مخير بينهما قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الثَّالِثُ مُخْرِجٌ مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِطْعَامُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إطْعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ وَتُقَوَّمُ الشَّاةُ دَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ صام عن كل مد يوما (والثاني) إطْعَامُ فِدْيَةِ الْأَذَى وَهُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مساكين كما سبق ويجئ فِي كَيْفِيَّةِ تَفْرِقَتِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ (الْأَصَحُّ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَقِيلَ

يجوز المفاضلة (وان قلنا) هو مخير فهو مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَوْمِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَإِطْعَامِهَا وَصَوْمِهَا ثلاثة أيام واطعام ثلاثة آصع ودليل الجميع فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا (أَحَدُهَا) عَشْرَةُ أَيَّامٍ كَالْمُتَمَتِّعِ (وَالثَّانِي) ثَلَاثَةٌ (وَالثَّالِثُ) بِالتَّعْدِيلِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّعَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ بِهِ قَدْرُ الصِّيَامِ وَحَيْثُ انْكَسَرَ بَعْضُ مُدٍّ وَجَبَ بِسَبَبِهِ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ بَدَلَهُ الْإِطْعَامُ بِالتَّعْدِيلِ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا وَقْتُ التَّحَلُّلِ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ ذَبَحَهُ وَنَوَى التَّحَلُّلَ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ شَرْطٌ بِاتِّفَاقِ الاصحاب لما ذكره الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يَحْلِقُ وَهُوَ شَرْطٌ لِلتَّحَلُّلِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الذَّبْحُ وَالنِّيَّةُ والحلق والا فبالذبح وَالنِّيَّةُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِي وَقْتِ تَحَلُّلِ وَاجِدِ الْهَدْيِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ثُمَّ يَذْبَحَ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إذَا فَقَدَ الْهَدْيَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا بَدَلَ لَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أصحهما) يتحلل فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَطْعًا وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا (وَالثَّانِي) لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِهِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْهَدْيِ بَدَلٌ فَإِنْ

قُلْنَا هُوَ الْإِطْعَامُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ وَعَلَى النِّيَّةِ وَالْحَلْقِ إنْ وُجِدَ الْإِطْعَامُ فَإِنْ فَقَدَهُ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ (الْأَصَحُّ) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) لَا حَتَّى يُطْعِمَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَدَلُهُ الصَّوْمُ أَوْ مُخَيَّرٌ وَاخْتَارَ الصَّوْمَ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ قُلْنَا هُوَ نُسُكٌ والا فالنية وحدها والله أعلم * (فرع) قال المصنف والاحصاب الْحَصْرُ ضَرْبَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْعَامُّ سَبَقَ حُكْمُهُ وَالْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَقَعُ لِوَاحِدٍ أَوْ شِرْذِمَةٍ مِنْ الرُّفْقَةِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْصُورُ مَعْذُورًا فِيهِ كَمَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ فَإِنْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ كَانَ كَغَيْرِهِ مِمَّنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ فَيَلْزَمُهُ قَصْدُ مَكَّةَ وَالتَّحَلُّلُ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ كَمَا سَبَقَ * وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَمَنْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا أَوْ بِدَيْنٍ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التَّحَلُّلِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ والله أعلم *

(فَرْعٌ) إذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا مُسْتَقِرًّا كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا أَفَادَهُ الْإِحْصَارُ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنْهَا * وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَهِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ سَقَطَتْ الِاسْتِطَاعَةُ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ * فَلَوْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ لَكِنْ لَهُ أن يؤخر الحج عن هذه السنة لا ن الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ جَمِيعًا وَفِي الْخَاصِّ قَوْلٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ لِنُدُورِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ ودليله ممنوع والله أَعْلَمُ * قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْتَقِرُّ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ مِنْهُ شَرْطٌ فَإِنْ كَانَ شَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ فَفِي تَأْثِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَجِبُ الدَّمُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فشرطه

لَغْوٌ (وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ) فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ (وَالثَّانِي) لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الصَّحِيحِ وَأَوْلَى فَإِذَا جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ جِمَاعًا مُفْسِدًا ثُمَّ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِسَبَبِ الْإِفْسَادِ فَلَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ لِقَاءُ الْكَعْبَةِ تَحَلَّلَ فِي مَوْضِعِهِ تَحَلُّلَ الْمُحْصَرِ وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمٌ لِلْإِفْسَادِ وَدَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِلْإِحْصَارِ فَدَمُ الْإِفْسَادِ بَدَنَةٌ وَالْآخَرَانِ شَاتَانِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمُنِعَ مَا سِوَى الطَّوَافِ وَالَسْعَى وَمُكِّنَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَفَوَاتُ الرَّمْيِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ وَيَجْبُرُ الرَّمْيَ بِدَمٍ وَتَقَعُ حَجَّتُهُ مُجْزِئَةً عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ * (فَرْعٌ) لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ فَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ مِنْ سَنَتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْفَاسِدَ مِنْ سَنَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاءُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ الْإِفْسَادِ إلَّا فِي هذه المسألة *

(فَرْعٌ) لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ وَجَامَعَ لَزِمَتْهُ الْبَدَنَةُ وَالْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَامَعَ الصَّائِمُ الْمُسَافِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ بِالْجِمَاعِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ به الخروج من الصوم بخلاف الحج * قال المصنف رحمه الله * (ومن أحرم فاحصره غريمه وحبسه ولم يجد ما يقضي دينه فله أن يتحلل لانه يشق البقاء على الاحرام كما يشق بحبس العدو * وان أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلل لانه لا يتخلص بالتحلل من الاذى الذي هو فيه فهو كمن ضل الطريق) * (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَسَبَقَ بَيَانُ النَّوْعَيْنِ (الثَّانِيَةُ) فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ هَذَا مَبْسُوطَةً فِي فَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ (فَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَإِنِّي شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ تحلى حيث حبستي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ أهلى بالحج واشترطي أن تحلي حيث حبستي قال فادركت (1)) رواه (2) * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَأَشْتَرِطَ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ فَكَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي) رَوَاهُ الامام

_ (1) كذا بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر

أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَنْ سُوَيْد بْن غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - قَالَ (قَالَ لي عمر ابن الْخَطَّابِ يَا أَبَا أُمَيَّةَ حُجَّ وَاشْتَرِطْ فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا اشْتَرَطْت) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (حُجَّ وَاشْتَرِطْ وَقُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَك عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةِ (هَلْ تَسْتَثْنِي إذَا حَجَجْت فَقَالَ مَاذَا أَقُولُ قَالَتْ قُلْ اللَّهُمَّ الْحَجَّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ يَسَّرْته فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَهُوَ عُمْرَةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابن عباس (لاحصر إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ) فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّهُ أَرَادَ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَرِيبًا وَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَوْلِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عِكْرِمَةَ قَالَ (سَمِعْت الحجاج ابن عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ الصَّحَابِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ عِكْرِمَةُ فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ فَوَاتِهِ بِمَا يَحِلُّ بِهِ مَنْ يَفُوتُهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ مَرَضٍ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ

فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا شرط التحلل به والله اعلم * (اما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرِضَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْآثَارِ قَالُوا بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا وَإِنْ كَانَ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (أما) إذا شرط في احرامه أنه إذا مَرِضَ تَحَلَّلَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ وَنَصَّ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ مُرْسَلًا فَقَالَ (عن عروة بن عروة بن الزبير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِضُبَاعَةَ) الْحَدِيثَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ * (وَأَمَّا) الْأَصْحَابُ فَلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ قَوْلًا وَاحِدًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ قَالُوا وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَيْته الْآنَ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ لَمْ أَعْدُهُ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الِاشْتِرَاطِ لِلْأَحَادِيثِ * وَأَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ محلي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ مَعْنَاهُ حَيْثُ أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ أَقْطَعُ إحْرَامِي وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَعَجَبٌ مِنْ جَلَالَةِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَيْفَ قَالَ هذا وكيف يصح حُكْمُهُ عَلَى أَمْرِهَا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَوْتِ قَاطِعَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ لِغَرَضٍ آخَرَ كَضَلَالِ الطَّرِيقِ وَفَرَاغِ النَّفَقَةِ وَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا العراقيون والبغوي وجمهور الخراسانين * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ قَالُوا بِأَنَّ كُلَّ مُهِمٍّ يَحِلُّ مَحَلَّ الْمَرَضِ الثَّقِيلِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَرَضِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرْطَ لَاغٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا بالمرض للحديث والله أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ فَتَحَلَّلَ فان كان شرط التحلل بالهدي لزمه الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ كَالْمُحْصَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَصَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وغيره وينكر على المصنف والبغوي جزمهما بالوجوب * وفرق الاصحاب بينه وبين المحصر بان مقتضي الشرط انتهاء الاحرام بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ شئ مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ (وَأَمَّا) الْمُحْصَرُ فَقَدْ

تَرَكَ الْأَفْعَالَ الَّتِي كَانَ يَقْتَضِيهَا إحْرَامُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ * وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ شَرْطِ الْمَرَضِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ ضَعِيفٍ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا

نَصَّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت وَفَاتَنِي الْحَجُّ كَانَ عُمْرَةً كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا وَجَدَ الْمَرَضَ هَلْ يَصِيرُ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ أَمْ يُشْتَرَطُ إنْشَاؤُهُ كَالْمُحْصَرِ يَنْظُرُ إنْ قَالَ إنْ مَرِضْت تَحَلَّلْت مِنْ إحْرَامِي فَلَا يخرج من

الْإِحْرَامِ إذَا وَجَدَ الْمَرَضَ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ وَيَحْلِقَ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَيَذْبَحَ إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَكَذَا لَوْ قَالَ مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي لَا يَتَحَلَّلُ عِنْدَ

الْحَبْسِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَوْ قَالَ إنْ مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ أَوْ قَالَ إنْ حَبَسَنِي مَرَضٌ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَهُوَ المنصوص ونقلوه

عَنْ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحُوهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (الْأَصَحُّ)

لَا يَلْزَمُهُ فَيَلْزَمُهُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَلِطَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ الدَّمِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا * وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ مَتَى شِئْت خَرَجْت مِنْهُ أَوْ إنْ نَدِمْت أَوْ كَسِلْت وَنَحْوَ ذلك فلا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّمَا يَنْفَعُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِهِ إذَا كَانَ مُقْتَرِنًا بِإِحْرَامِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الشَّرْطُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ به الماوردي وغيره * (فرع) إذا شرط التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي صحة الشرط قال اصحابنا وينعقد الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ أَمْ لَا * (فَرْعٌ) مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا لِجَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ وَصِحَّةِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ صَحَّ الشَّرْطُ وَجَازَ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْعُذْرِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ *

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ تَأَوَّلَ حَدِيثَ ضُبَاعَةَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَتَأَوَّلَهُ الرُّويَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ أَعْدُهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ * (فَرْعٌ) قال أصحابنا التحلل بالمرض ونحوه إذا صَحَّحْنَاهُ لَهُ حُكْمَ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضُبَاعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ (اشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي) وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ ضُبَاعَةُ أَسْلَمِيَّةً بَلْ هِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَهِيَ بِنْتُ عم رسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا عَنْ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن أحرم العبد بغير إذن المولى جاز للمولى أن يحلله لان منفعته مستحقة له فلا يملك أبطالها عليه بغير رضاه فان ملكه السيد مالا وقلنا أنه يملك تحلل بالهدي وإن لم يملكه أو ملكه وقلنا انه لا يملك فهو كالحر المعسر وهل يتحلل قبل الهدي أو الصوم على ما ذكرناه من القولين في الحر ومن أصحابنا من قال يجوز للعبد أن يتحلل قبل الهدي والصوم قولا واحدا لان على المولى ضررا في بقائه على الاحرام لانه ربما يحتاج أن يستخدمه في قتل صيد أو إصلاح طيب وإن أحرم باذن المولى لم يجز له أن يحلله لانه عقد لازم عقده باذن المولى فلم يملك اخراجه منه كالنكاح وإن أحرم

المكاتب بغير اذن المولى ففيه طريقان أحدهما أنه على قولين بناء على القولين في سفره للتجارة ومن أصحابنا من قال له أن يمنعه قولا واحدا لان في سفر الحج ضررا على المولى عن غير منفعة وسفر التجارة فيه منفعة للمولى) *

(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ رَآهُ يَحْتَطِبُ أَوْ يَحْتَشُّ فَمَنَعَهُ إتْمَامَهُ (وَقَوْلُهُ) لَازِم احْتِرَازٌ مِنْ الْجَعَالَةِ إذَا شَرَعَ الْعَبْدُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ بِإِذْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ شَرْحِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ جُمَلٍ مِنْ الفوائد والفروع المستكثرات في أول كتاب الج عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ الحج ويصح منه والله أعلم *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * (وان أحرمت المراة بغير إذن الزوج فان كان في تطوع جاز له أن يحللها لان حق الزوج واجب فلا يجوز ابطاله عليه بتطوع وان كان في حجة الاسلام ففيه قولان (أحدهما) أن له أن يحللها

لان حقه على الفور والحج على التراخي فقدم حقه (والثاني) أنه لا يملك لانه فرض فلا يملك تحليلها منه كالصوم والصلاة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ فَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا مِنْهُ يَنْتَقِضُ بِصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي لَمْ يُنْتَقَضْ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَرْضٌ بِأَصْلِ

الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُحْرِمَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِهَا وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي كُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ فَانْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِك) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * فان

أَرَادَتْ حَجَّ إسْلَامٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَذِنَ الزَّوْجُ وَأَحْرَمَتْ بِهِ لَزِمَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ إتْمَامِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهَا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ تَحَلَّلَتْ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ نَوَى غَيْرُهَا الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ بِلَا إحْصَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ * وَإِنْ أَرَادَتْ حَجَّ الْإِسْلَامِ فَمَنَعَهَا الزَّوْجُ فَهَلْ لَهُ الْمَنْعُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ

وَعَجَبٌ كَيْفَ أَهْمَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَنْصُوصُ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مِنْ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا * وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَاتَّفَقُوا

عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إلَى الْحَجِّ إلَّا باذن زوجها)

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ * وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي فَقُدِّمَ مَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تُقَدَّمُ الْعِدَّةُ عَلَى الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ (وَالْقَوْلُ) الثَّانِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية ابن عمرو قياسا عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

(وَأَجَابَ) الْأَوَّلُونَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى انه نهي تَنْزِيهٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ المزوجات لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِنَّ حَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ وَذَلِكَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَمْنَعُوهُنَّ مَسَاجِدَ اللَّهِ لِلصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ مُدَّتَهُ طَوِيلَةٌ بِخِلَافِهِمَا والله أَعْلَمُ * فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ مَنْعُهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران

وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَجِّ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَالَ أَصْحَابُنَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا وَهُوَ نصه في مختصر المزني وممن صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُمْ * وَشَذَّ عَنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا لِأَنَّهُ يَضِيقُ بِالشُّرُوعِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ سَابِقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَحَجَّةُ النَّذْرِ كَالْإِسْلَامِ فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا مِنْهُ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفرايني وَالدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والمتولي

والبغوي وصاحب العدة والروياني والشاشي وخلائق آخرون (اصحهما) باتفاقهم له تحليلها قولا واحدا وبه قطع المصنف وطائفة (والثاني) فيه قولان كحجة الاسلام (أصحهما) لَهُ تَحْلِيلُهَا (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَحْرَمَتْ بِهَا صَارَتْ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حَجَّةَ التَّطَوُّعِ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ أَبَحْنَا لَهُ تَحْلِيلَهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ حَتَّى يَأْمُرَهَا فَإِذَا أَمَرَهَا تَحَلَّلَتْ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْصَرُ سَوَاءً فَتَذْبَحُ الْهَدْيَ وَتَنْوِي عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَجِّ وَتُقَصِّرُ رَأْسَهَا أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا قُلْنَا الحلق نسك فان كانت واجدة للهدى فلابد مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادِمَةً لَهُ فَهِيَ كَالْحُرِّ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ تَحَلُّلَهَا لَا يحصل الا بما يَحْصُلُ بِهِ تَحَلُّلُ الْمُحْصَرِ وَأَنَّهَا لَوْ تَطَيَّبَتْ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ قَتَلَتْ صَيْدًا أَوْ فَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ

مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَوْ فَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بِهَا لا تصير متحللة بل يلزمه والفدية فِيمَا ارْتَكَبَتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَمَرَهَا بِالتَّحَلُّلِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ لَهُ لَزِمَهَا الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ مَعَ تَمَكُّنِهَا جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَسَائِرُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بِهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ لِتَقْصِيرِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا هِيَ الْإِثْمُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ * هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا

قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ والله اعلم * (فرع) الامة المزوجة (1) لَيْسَ لِلْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ بلا خلا ف فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحْلِيلِهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَقَائِهَا وَذَهَابِهَا فِي الْحَجِّ جَازَ وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَحْلِيلَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَهُ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ

ابْنُ الْقَطَّانِ فَيُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُحَلِّلُهَا لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُسَافَرَةَ بِهَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ * وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلَهَا كَمَا هُوَ لِلسَّيِّدِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ كَالزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنْ قَضَتْ الْعِدَّةَ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا مَضَتْ فِي الْحَجِّ فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ فَذَلِكَ وَإِنْ فَاتَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْفَوَاتِ * وَإِنْ رَاجَعَهَا فَهَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ * وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَهُ مَنْعُهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْ الْحَجَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ كَذَاتِ الْفَوَاتِ * وَلَوْ

أَحْرَمَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَقَامَتْ عَلَى إحْرَامِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَدْرَكَتْ الْحَجَّ فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ إنْ كَانَتْ هِيَ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِخِيَارٍ وَنَحْوِهِ فَهِيَ الْمُفَوِّتَةُ وَإِنْ طَرَأَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْصَرِ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا فَفَاتَهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ * وَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّ الْمُعْتَدَّةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا أَحْرَمَتْ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الذَّهَابِ فِي الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَلَكِنْ لَهُ رَجْعَتُهَا فَإِذَا رَجَعَ هَلْ لَهُ تَحْلِيلُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ

الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا * وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ طَلُقَتْ ثُمَّ اعْتَدَّتْ فَفَاتَهَا قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الْقَضَاءُ كَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَحْرَمَتْ ثُمَّ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِوَفَاةِ زَوْجٍ أَوْ طَلَاقِهِ لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ وَأَعْمَالِ النُّسُكِ وَلَا تَكُونُ الْعِدَّةُ مَانِعَةً لِأَنَّ الْإِحْرَامَ سَابِقٌ قَالَ فَإِنْ مَنَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ صَارَتْ كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهَا دَمُ الْإِحْصَارِ *

(فَرْعٌ) لَوْ أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَدَّمْته فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيْن الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ كَذَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نسوة ثقات ويجوز مع امراة واحدة ان كان الطريق أمنا قالوا ولا يجوز أن تخرج بغير محرم وبغير امْرَأَةٍ ثِقَةٍ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال إذا

كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لَا يُخَافُ خَلْوَةُ الرِّجَالِ بِهَا جَازَ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَبِغَيْرِ امْرَأَةٍ ثقة قال وهذا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ * قَالُوا فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ تطوعا لم يجز أن تخرج فيه إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَكَذَا السَّفَرُ الْمُبَاحُ كَسَفَرِ الزيارة والتجارة لا يجوز خروجها في شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَوَّزَ خُرُوجَهَا مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ كَسَفَرِهَا لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ نص

عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ * قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فِي أَيِّ سَفَرٍ كَانَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ * وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ مَعَ زَوْجٍ أو محرم أو امراة ثقة ولايجوز مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ آمِنًا (وَأَمَّا) حَجُّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرُ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَكُلُّ سَفَرٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَقِيلَ يَجُوزُ مَعَ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَصَرَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي ذِكْرِ اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِي حَجِّ الْمَرْأَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا فِي سَفَرِ حَجِّ الْفَرْضِ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ وَلَا يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا بِمَحْرَمٍ * وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نِسَاءٍ وَلَا امْرَأَةٍ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِمَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَسَافَةُ الَّتِي يَشْتَرِطُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا الْمَحْرَمَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا مَعَهَا ذُو مَحْرَمٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

(لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ قَالَ اُخْرُجْ مَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابن سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ

لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ صَحِيحَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (مَسِيرَةَ بَرِيدٍ) وَقِيَاسًا عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِمَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عدي بن حاتم قال (بينا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ فَإِنْ طَالَ بِك حياة لترين الظعينة ترتل مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ قَالَ عَدِيٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَلْزَمُ مِنْ حَدِيث عَدِيٍّ جَوَازُ سَفَرِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا سَيَقَعُ وَوَقَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ فِي سِيَاقِ ذَمِّ الْحَوَادِثِ (وَأَمَّا)

حَدِيثُ عَدِيٍّ فَخَرَجَ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَالْفَضِيلَةِ وَاسْتِعْلَاءِ الْإِسْلَامِ وَرَفْعِ مَنَارِهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد (فان قيل) هذا الخبر متروك الظهر بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلَوْ امْرَأَةً وَاحِدَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا جَوَّزَ خُرُوجَهَا وَحْدَهَا بِغَيْرِ امْرَأَةٍ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى مَذْهَبٍ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصِهِ يُشْتَرَطُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا جِوَارٌ أَصْلًا - وَالْجِوَارُ الْمُلَاصِقُ وَالْقَرِيبُ - وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مَعَهَا كَوْنَهَا مُلَازِمَةً لَهَا فَإِنْ مَشَتْ قُدَّامَ الْقَافِلَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَعِيدَةً عَنْ الْمَرْأَةِ جَازَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّا نَقُولُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْمَحْرَمُ كَالْهِجْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ مَرْحَلَتَيْنِ

فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ * (فَإِنْ قَالُوا) إنَّمَا جَازَ فِي الْمَرْحَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (قُلْنَا) هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَآخَرِينَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَنَخُصُّهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سَفَرِ التِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ غَيْرَ سَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ (الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَجِّ التطوع وسفر التجارة انه لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وان أحرم الولد بغير اذن الابوين فان كان في حج فرض لم يكن لهما تحليله لانه فرض فلم يجز اخراجه منه كالصوم والصلاة وان كان في حج تطوع ففيه قولان (أحدهما) يجوز لهما تحليله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمن أراد ان يجاهد وله ابوان (ففيهما فجاهد) فمنع الجهاد لحقهما وهو

فرض فدل على ان المنع من التطوع لحقهما اولى (والثاني) لا يجوز لانه قربة لا مخالفة عليه فيها فلا يجوز لهما تحليله منها كالصوم * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ لَا مُخَالَفَةَ عَلَيْهِ فِيهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْجِهَادِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ الْحَيِّ مِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي حَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأَحْرَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَلَا مَنْعُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَإِنْ مَنَعَاهُ الْإِحْرَامَ أَوْ مَنَعَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ فَلَهُمَا الْمَنْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ

وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ مِنْهُ وهذا ليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَهَلْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّانِي) لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * (أَمَّا) إذَا أراد حج فرض الاسلام أو قضاء أو نَذْرٍ فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ * وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ لهما منعه من الفرض كالتطوع وليس بشئ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ

وَغَيْرُهُمْ فِيهِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كالزوجة وليس بشئ والله أعلم * (فرع) وَإِذَا أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ وَأَرَادَ الْأَبَوَانِ تَحْلِيلَهُ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَرَادَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَرَادَ الْأَبُ تَحْلِيلَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا لَهُمَا تَحْلِيلُهُ وَإِنْ أَرَادَتْهُ الْأُمُّ فَلَا وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأُمَّ كَالْأَبِ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُمَا تَحْلِيلَهُ فَهُوَ كَتَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ فَيُؤْمَرُ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصَرُ مِنْ النِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا * (فَرْعٌ) تَحْلِيلُ الْوَلَدِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا كَالْحَجِّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ قَالَ وَكَذَلِكَ سَفَرُ التِّجَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ * وَبَسَطَ الْبَغَوِيّ الْمَسْأَلَةَ هنا فقال

إنْ أَرَادَ الْوَلَدُ الْخُرُوجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَلَهُمَا مَنْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُظِرَ فَإِنْ أَرَادَ تَعَلُّمَ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَنْعُهُ وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لَهُمَا مَنْعُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ هُنَاكَ دَرَجَةَ الْفَتْوَى حَتَّى لَوْ كَبِرَ الْمُفْتِي وَشَاخَ جَازَ لِشَابٍّ أَنْ يَخْرُجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ مِنْ الشَّيْخِ * قَالَ وَلَوْ خَرَجَ وَاحِدٌ لِلتَّعَلُّمِ هَلْ لِآخَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهُ قَامَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْجِهَادِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ لِأَنَّ قَصَدَ إقَامَةِ الدِّينِ لَا خَوْفَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مُوسِرٌ يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَحَبْسُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا سَبَقَ بَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مُطَالَبَةَ وَلَا مَنْعَ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا مَنْعَ وَلَا مُطَالَبَةَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي الدَّيْنَ عِنْدَ حُلُولِهِ * (فَرْعٌ) حَيْثُ جَوَّزْنَا تَحْلِيلَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ فَتَحَلَّلَا فَلَهُمَا حُكْمُ الْمُتَحَلِّلِ بِحُصْرٍ خَاصٍّ فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي حُكْمِ الْحَاجِّ الْمُحْصَرِ * (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الزَّوْجَةِ وَلِلْوَالِدِ تَحْلِيلُ الْوَلَدِ * هَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ وَلَا يَصِحُّ التَّحْلِيلُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْعَبْدَ وَالزَّوْجَةَ وَالْوَلَدَ بِالتَّحَلُّلِ فَيَتَحَلَّلُ الْمَأْمُورُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ عَلَى تَفْصِيلِهِ السَّابِقِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا شك فيه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (إذا أحرم وشرط التحلل لغرض صحيح مثل أن يشترط أنه إذا مرض تحلل أو إذا ضاعت نفقته تحلل ففيه طريقان (أحدهما) أنه على قولين (أحدهما) لا يثبت الشرط لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عذر فلم يجز الخروج منها بالشرط كالصلاة المفروضة (والثاني) أنه يثبت الشرط لما روى ابن عباس (أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قالت يا رسول الله اني امرأة ثقيلة واني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل قال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني) فدل على جواز الشرط (ومنهم) من قال يصح الشرط قولا واحدا لانه علق أحد القولين على صحة حديث ضباعة فعلى هذا إذا شرط أنه إذا مرض تحلل لم يتحلل الا بالهدي وان شرط أنه إذا مرض صار حلالا فمرض صار حلالا * ومن أصحابنا من قال لا يتحلل الا بالهدي لان مطلق كلام الادمي يحمل على ما تقرر في الشرع والذي تقرر في الشرع أنه لا يتحلل الا بالهدى فاما إذا شرط أنه يخرج منه إذا شاء أو يجامع فيه إذا شاء فلا يجوز له لانه خروج من غير عذر فلم يصح شرطه) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ضُبَاعَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَتْ طُرُقُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ بَيَانِ الْفَصْلِ جَمِيعًا وَبَسَطْنَاهَا وَاضِحَةً فِي فَصْلِ إحْصَارِ الْغَرِيمِ وَالْمَرِيضِ وَيَحْصُلُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِالْهَدْيِ اخْتِيَارٌ منه للضعيف من القولين (والاصح) أَنَّهُ لَا دَمَ * هَذَا إذَا أَطْلَقَ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ (أَمَّا) إذَا قَالَ أَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ أَتَحَلَّلُ بِلَا هَدْيٍ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ هُنَاكَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَصَوْمِهِ (وَقَوْلُهُ) كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْ مَقْضِيَّةٍ أَوْ صَوْمٌ وَاجِبٌ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَفِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَآخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ * والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (إذا أحرم ثم ارتد ففيه وجهان (أحدهما) يبطل احرامه لانه إذا بطل الاسلام الذي هو أصل فلان يبطل الاحرام الذي هو فرع أولى (والثاني) لا يبطل كما لا يبطل بالجنون والموت فعلى هذا إذا رجع إلى الاسلام بني عليه) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ الْإِحْرَامُ وَهُوَ فَرْعٌ يُنْتَقَضُ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ فَرْعٌ وَلَا يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَبْطُلُ * وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ فُرُوعِهَا فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي مَسَائِلِ إفْسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِحْصَارِ (مِنْهَا) الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَهُ التَّحَلُّلُ إذَا أَحْصَرَهُ عَدُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَهُوَ شاذ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ * وعن مالك لادم عَلَيْهِ * دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر من الهدي) وَتَقْرِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ

أُحْصِرْتُمْ فَلَكُمْ التَّحَلُّلُ وَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ * (فَرْعٌ) إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَأُحْصِرَ فَلَهُ التَّحَلُّلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهَا تفوت دليلنا قوله تعالى (فان أحصرتم) وَنَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فَتَحَلَّلُوا وَذَبَحُوا الْهَدَايَا وَحَدِيثُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ عِنْدَنَا التحلل بالاحصار قبل الوقوف أو بعده سَوَاءٌ أُحْصِرَ عَنْ الْكَعْبَةِ فَقَطْ أَوْ عَنْ عَرَفَاتٍ فَقَطْ أَوْ عَنْهُمَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْإِحْصَارِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَاتٍ تَحَلَّلَ وَإِنْ أُحْصِرَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ * دليلنا قوله تعالى (فان احصرتم) الْآيَةُ وَلَمْ يُفَرِّقْ * (فَرْعٌ) ذَبْحُ هَدْيِ الْإِحْصَارِ حَيْثُ أُحْصِرَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ الافى الْحَرَمِ قَالَ وَيَجُوزُ قَبْلَ النَّحْرِ * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحَرَ هَدْيَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ خَارِجُ الْحَرَمِ) * (فَرْعٌ) إذَا تَحَلَّلَ بِالْإِحْصَارِ فَإِنْ كَانَ حَجُّهُ فَرْضًا بَقِيَ كَمَا كَانَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ التَّطَوُّعِ أَيْضًا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْعُذْرُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ * وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْمَرَضِ وَكُلِّ عُذْرٍ حَدَثَ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ لِلْمَكِّيِّ التَّحَلُّلُ إذَا أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَاتٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن وغيره (1) *

_ (1) بياض بالاصل

باب الهدي

(فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَهُ منع زوجته من حجة الاسلام وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) اشْتِرَاطُ الْمَحْرَمِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بَيَانُهُ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ والله أعلم * (باب الهدي) * قال المصنف رحمه الله * (يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يهدي إليها من بهيمة الانعام وينحره ويفرقه لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أهدى مائة بدنة) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لقوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله) قال ابن عباس في تفسيرها الاستسمان والاستحسان والاستعظام فان نذر وجب عليه لانه قربة فلزمت بالنذر) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ) صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمِائَةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ * وَشَعَائِرُ اللَّهِ مَعَالِمُ دِينِهِ وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ وَأَصْلُ الشَّعَائِرِ وَالْأَشْعَارِ وَالشِّعَارِ الْأَعْلَامُ (وَقَوْلُهُ) قُرْبَةٌ - بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا - لغتان مشهورتان قرى بِهِمَا فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِالْإِسْكَانِ وَوَرْشٌ بِالضَّمِّ * وَالْهَدْيُ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَصْلُ التَّشْدِيدُ وَالْوَاحِدَةُ هَدْيَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَهْدَيْت الْهَدْيَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُجْزِئُ فِي الاضحية من الابل والبقر والغنم خاصة ولهذا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَخَصَّهُ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لِكَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يُهْدَى * وَالْأَنْعَامُ هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا مِنْ الْأَنْعَامِ وَيَنْحَرَهُ هُنَاكَ وَيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الْمَوْجُودِينَ فِي الحرم *

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا كَامِلًا نَفِيسًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَجِبُ الْهَدْيُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْهَدْيُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَشِرَاؤُهُ مِنْ الطَّرِيقِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَائِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ عَرَفَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بن جبير لاهدي إلا ما أحضر عرفات * قال المصنف رحمه الله * (فان كان من الابل والبقر فالمستحب أن يشعرها في صفحة سنامها الايمن ويقلدها نعلين لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (صلى الظهر في ذي الحليفة ثم أتى ببدنة فاشعرها في صفحة سنامها الايمن ثم سلت الدم عنها ثم قلدها نعلين) ولانه ربما اختلط بغيره فإذا أشعر وقلد تميز وربما ند فيعرف بالاشعار والتقليد فيرد * وان كان غنما قلده لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم (أهدى مرة غنما مقلدة) وتقلد الغنم خرب القرب لان الغنم يثقل عليها حمل النعال ولا يشعرها لان الاشعار لا يظهر في الغنم لكثرة شعرها وصوفها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ (وَقَوْلُهُ) يُشْعِرُهَا - بِضَمِّ الْيَاءِ - وَأَصْلُ الْإِشْعَارِ الْإِعْلَامُ (وَقَوْلُهُ) صَفْحَةُ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيُمْنَى لِأَنَّ الصَّفْحَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَهَذَا وَصْفٌ لَهَا وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (هَذَا صَفْحَةُ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ) فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّفْحَةِ الْجَانِبُ * وَخُرَبُ الْقِرَبِ - بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ) وَهِيَ عُرَاهَا وَاحِدَتُهَا خُرْبَةٌ كَرُكْبَةٍ وَرُكَبٍ (وَقَوْلُهُ) نَدَّ هُوَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ - أَيْ هَرَبَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَهْدَى شَيْئًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَنْ يُشْعِرَهُ وَيُقَلِّدَهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَأَنَّهُ إذَا أَهْدَى غَنَمًا قَلَّدَهَا وَلَا يُشْعِرُهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ

الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْجَمِيعِ وَالْهَدْيُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَيُقَلِّدُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَلَا يُشْعِرُهَا فَجَعَلَ الْبَقَرَ كَالْغَنَمِ فَغَلَطٌ لِلذُّهُولِ لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَهُ وَأَنَّهُ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ فِي صَحِيحِ التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْإِشْعَارِ هُنَا أَنْ يَضْرِبَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ وَهِيَ بَارِدَةٌ مُسْتَقْبِلَةُ الْقِبْلَةِ فَيُدْمِيهَا ثُمَّ يُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَتَقْلِيدُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يَكُونُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا بَعْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ * وَتَقْلِيدُ الْغَنَمِ بِخُرَبِ الْقِرَبِ وَهِيَ عُرَاهَا وَآذَانُهَا وَالْخُيُوطُ الْمَفْتُولَةُ وَنَحْوُهَا قَالُوا وَلَا يُقَلِّدُهَا النَّعْلَ وَلَا يُشْعِرُهَا لِمَا ذَكَرَهُ المصنف * ولو ترك التقليد والاشعار فلا شئ عَلَيْهِ لَكِنْ فَاتَهُ الْفَضِيلَةُ * وَيَجُوزُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ تَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَعَكْسُهُ وَفِي الْأَفْضَلِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) تَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَصَحَّ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ * رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيْهَقِيُّ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الشِّعَارِ فِي صَفْحَةِ السَّنَامِ الْيُمْنَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ أَهْدَى بَعِيرَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فِي حَبْلٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يُشْعِرُ أَحَدَهُمَا فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَالْآخَرَ فِي الْيُسْرَى لِيُشَاهَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَ سَنَامِهَا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وهو مذهب مالك وأحمد وابن يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَدَاوُد * قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ الْإِشْعَارُ سُنَّةٌ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَمُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُمَا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا

بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شئ كَانَ لَهُ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحديبية من المدينة مع عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِيَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِأُصْبُعَيْهِ * وَعَنْ نَافِعٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُقَلِّدهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ وَذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ مُوَجَّهٌ لِلْقِبْلَةِ يُقَلِّدُهُ نَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إذَا دَفَعُوا فَإِذَا قَدِمَ فِي غَدَاةٍ نَحَرَهُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ مالك عن نافع أن ابن عمر (كان يُشْعِرُ بَدَنَةً مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صِعَابًا مُقْرِنَةً فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْخُلَ مِنْهَا أَشْعَرَ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَإِذَا أراد أن يشعرها وجهها إلى القبلة وإ ذا أَشْعَرَهَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَأَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُهَا بِيَدِهِ وَيَنْحَرُهَا بِيَدِهِ قِيَامًا) وَرَوَى مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ (لَا هَدْيَ إلَّا مَا قُلِّدَ وأشعر وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْهَا قَالَتْ (إنَّمَا تُشْعَرُ الْبَدَنَةُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ) (وَأَمَّا) الجواب عن احْتِجَاجِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ وَأَحَادِيثُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ (وَأَجَابَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ عَامَ غَزْوَةِ أُحُدٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْإِشْعَارُ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَعَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَكَانَ نَاسِخًا وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ

إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَالتَّأْوِيلِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُثْلَةِ بَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ فِي صَفْحَةِ السَّنَامِ الْيُمْنَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ يُشْعِرُهَا فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى * دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا إشْعَارُ الْبَقَرِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَهَا سَنَامٌ أُشْعِرَتْ فِيهِ وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لَهَا سَنَامٌ أُشْعِرْت فِيهِ وَإِلَّا فَلَا إشْعَارَ (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا تَقْلِيدُ الْغَنَمِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُسْتَحَبُّ * (فرع) يستحب بتر قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ (فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شئ كَانَ لَهُ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كُنْت أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فليقلد الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَرْعٌ) إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ لَمْ يَصِرْ هَدْيًا وَاجِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الْجَدِيدِ بَلْ يَبْقَى سُنَّةً كَمَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ نَذَرَهُ بِاللَّفْظِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ ذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النَّذْرِ * (فرع) إذا قلده هَدْيَهُ وَأَشْعَرَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يصير محرما بنية الاحرام هذا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً * وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا قَالَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهَذَا النَّقْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِيهِ تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا مذهب ابن عباس أنه إذ قلد هديه حرم عليه ما يحرم عل الْمُحْرِمِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَكَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شئ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ حَدِيثُ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى

هَدْيًا حُرِّمَ عَلَيْهِ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ قَالَتْ عَمْرَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شئ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَا فَتَلْت تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عندنا فأصبح فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَالُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدِي مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هديه ثم لاشيئا مِمَّا يَتَجَنَّبُ الْمُحْرِمُ) وَعَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) السُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ سَوَاءً أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى الْحَجِّ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ مِنْ بَلَدِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَخْرُجُ بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُشْعِرُهُ وَيُقَلِّدُهُ حِينَ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ وَالذَّكَرُ أَجْوَدُ لَحْمًا وَأَكْثَرُ وَيُخَالِفُ الزَّكَاةَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْلِيمُ الْحَيَوَانِ فِي الزَّكَاةِ حَيًّا لِيَنْتَفِعَ الْمَسَاكِينُ بِدَرِّهِ وَنَسْلِهِ وَصُوفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأُنْثَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَزْكَى لَحْمًا * وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَالْفَحْلُ أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يُرِدْ الْفَحْلَ الَّذِي يَضْرِبُ لِأَنَّ الضِّرَابَ يُهْزِلُهُ وَيُضْعِفُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْفَحْلَ الَّذِي لَا يَضْرِبُ * (فَرْعٌ) ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أقوم على بدنه وأن أَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ (أَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَّمْتهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجَلَالِهَا فَقَسَّمْتهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجُلُودِهَا فَقَسَّمْتهَا) وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْلِيلِ الْهَدْيِ وَالصَّدَقَةِ بِذَلِكَ الْجِلِّ * وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَتَكُونُ نَفَاسَةُ الْجِلَالِ بِحَسَبِ حَالِ الْمُهْدَى وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُجَلِّلُ بِالْوَشْيِ وبعضهم بالحبره وبعضهم بالملادن والازر * وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَلِّلُ بِالْأَنْمَاطِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْأَسْنِمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلَةً لِئَلَّا يَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ يَشُقَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله * فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ إلَى أَنْ يَنْحَرَ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيتُ نجيبة وأعطيت بها ثلثمائة دِينَارٍ أَفَأَبِيعُهَا وَأَبْتَاعُ بِثَمَنِهَا بُدْنًا وَأَنْحَرُهَا قَالَ لَا وَلَكِنْ انْحَرْهَا إيَّاهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرْكَبُ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا احتاج لقوله تعالى (ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى) وَسُئِلَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ بِالرُّكُوبِ ضُمِنَ النُّقْصَانُ وَإِنْ نَتَجَتْ تَبِعَهَا الْوَلَدُ وَيَنْحَرُهُ مَعَهَا سَوَاءً حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ أَوْ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ لَا تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُزِيلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ الْوَلَدَ كَالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَمْشِيَ حَمَلَهُ عَلَى ظهر الام لما روي أن ابْنُ عُمَرَ كَانَ يَحْمِلُ وَلَدَ الْبَدَنَةِ إلَى أَنْ يُضَحِّيَ عَلَيْهَا وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلَّا ما لا يحتاج إليه الولد لقول عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ غِذَاءُ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ كَالْأُمِّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْنَعَ الْأُمَّ عَلَفَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ

يَمْنَعَ الْوَلَدَ غِذَاءَهُ وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْوَلَدِ شئ فله أن يشربه لقوله عز وجل (ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى) وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهَا صُوفٌ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِهِ صَلَاحٌ بِأَنْ يَكُونَ في الشتاء وتحتاج إليه للدفء لَمْ يَجُزَّهُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيَوَانُ فِي دَفْعِ الْبَرْدِ عَنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ عِنْدَ الذبح وان كان الصلاح في جزه بان يَكُونَ فِي وَقْتِ الصَّيْفِ وَقَدْ بَقِيَ إلَى وَقْتِ النَّحْرِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ جَزَّهُ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِهِ الْهَدْيُ وَيَسْتَمِرُّ فَتَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَإِنْ أُحْصِرَ نَحْرُهُ حَيْثُ أَحُصِرَ كَمَا قُلْنَا فِي هَدْيِ الْمُحْصَرِ وَإِنْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَإِذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ تُضْمَنْ كَالْوَدِيعَةِ وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَبَحَهُ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَتَى فِي هَدَايَاهُ بِنَاقَةٍ عَوْرَاءَ فَقَالَ إنْ كَانَ أَصَابَهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُمُوهَا فَأَمْضُوهَا وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَشْتَرُوهَا فَأَبْدِلُوهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِذَا نَقَصَ بَعْضُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَالْوَدِيعَةِ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ نَجِيبَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَهْمِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مُرْسَلٌ * وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ نَجِيبَةُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتِهِمْ نَجِيبًا بِغَيْرِ هَاءٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فراوه مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي حَمْلِ وَلَدِ الْبَدَنَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ (1) أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ (إذَا أَنْتَجَتْ الْبَدَنَةُ فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَحَلًّا فَلْيُحْمَلْ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا) (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فصحيح رواه البيهقي باسناد صحيح (أما) لفظ الفصل (فقوله) لانه معنى يزيل

_ (1) بياض بالاصل) *)

الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ الْوَلَدَ احْتِرَازٌ مِنْ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ) يَحْتَاجُ لِلدَّفَأِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ لِلدَّفَأِ وَهُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ - على وزن الظمأ قال الجوهري الدفء السخونة يقول فيه دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ والاسم الدفئ بالكسر وهو الشئ الذي يدفئك والجمع الدفاء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ وَلَمْ يُنْذِرْهُ وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ ذَبْحِهِ وَهَذَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يَقِفَ دَارِهِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا حِكَايَةُ قَوْلٍ شَاذٍّ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ صَارَ كَالْمَنْذُورِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ هَدْيَ هَذَا الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَصَارَ الْحَيَوَانُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا رَهْنٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تُزِيلُ الملك أو تؤل إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِخَيْرٍ مِنْهُ * هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ حَتَّى يَذْبَحَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هَذَا الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ * وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِعْتَاقِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ فِي الْهَدْيِ إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ كَالْوَقْفِ (وَأَمَّا) الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْهَدْيِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِيهَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَإِبْدَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزَلْ الْمِلْكُ فِيهِ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّذْرِ لِهَذَا الْعَبْدِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَالَفَ فَبَاعَ الْهَدْيَ أَوْ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَيْنِ لَزِمَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ بَاقِيَةً وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ فَإِنْ تَلِفَ الْهَدْيُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ وَيَشْتَرِي النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ التَّالِفِ

جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ الْمِثْلَ لِغَلَاءٍ حَدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يَضُمَّ مِنْ مَالِهِ إلَيْهَا تَمَامَ الثَّمَنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ يَضْمَنُ مَا بَاعَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِثْلِهِ * وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِرُخْصٍ حَدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَفِيمَا يَفْعَلُ بِالزِّيَادَةِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ تَمَامِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * ثُمَّ إنْ اشْتَرَى الْمِثْلَ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ صَارَ الْمُشْتَرَى ضَحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَنَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا ضَحِيَّةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلْيَجْعَلْهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا * وَيَجُوزُ إعَارَتُهَا لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كَمَا يجوز له الِارْتِفَاقُ بِهَا فَلْو خَالَفَ وَأَجَّرَهَا فَرَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهَا وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ وَفِي قَدْرِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أُجْرَةُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) الْأَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى * ثُمَّ فِي مَصْرِفِهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْفُقَرَاءُ فَقَطْ (وَأَصَحُّهُمَا) مَصْرِفِ الضَّحَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ رُكُوبُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ وَيَجُوزُ إرْكَابُهَا بِالْعَارِيَّةِ كَمَا سَبَقَ ويجوز الحمل عليهما ولا يجوز اجارتهما لذلك ويشترط في الركوب والارتكاب وَالْحَمْلِ أَنْ يَكُونَ مُطِيقًا لِذَلِكَ لَا يَتَضَرَّرُ به ولايجوز الرُّكُوبُ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ * وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَرْكَبُ الْهَدْيَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهِ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ بِلَا ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يُهْزِلْهَا * (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْكَبَ الْهَدْيُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ * وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا يَجُوزُ رُكُوبُهُ إلَّا لضرورة * وقال الروياني قال الشافعي في الْأَوْسَطُ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وله حمل المضطر والمعى قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ هَلْ يَجُوزُ الرُّكُوبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الرُّكُوبُ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْهَدْيَ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورَةً أَمْ لَا قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا

رَكِبَهَا حَيْثُ أَذِنَّا لَهُ فَنَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَلَدَ الْهَدْيُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ الْمُتَطَوَّعَةُ بِهِمَا فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لَهُ كَالْأُمِّ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَالْأُمِّ * وَلَوْ وَلَدَتْ الَّتِي عَيَّنَهَا ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً تَبِعَهَا وَلَدُهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ النَّذْرِ أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ حُكْمُ الْوَلَدِ كَمَا كَانَ وَيَجِبُ ذَبْحُهُ فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْأُمِّ وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْهَدْيِ فِيهِ بِمَوْتِ أُمِّهِ كَمَا لَا يُرْفَعُ حُكْمُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهَا * وَلَوْ عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ عَمَّا كَانَ الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّ حُكْمَ وَلَدِهَا حُكْمُهَا كَوَلَدِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً (وَالثَّانِي) لَا يَتْبَعُهَا بَلْ هُوَ مِلْكُ الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي لِأَنَّ مِلْكَ الْفُقَرَاءِ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فِي هَذِهِ فَإِنَّهَا لَوْ غَابَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ (وَالثَّالِثُ) يَتْبَعُهَا مادامت حَيَّةً فَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْهَدْيِ وَلَا الْأُضْحِيَّةِ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالُوا وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا لَمْ يُطِقْ وَلَدُ الْهَدْيِ الْمَشْيَ حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَفِي تَفْرِقَةِ لَحْمِهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لِكُلِّ واحد حكم أضحية مستقلة فيتصدق من كل واحدة بشئ لِأَنَّهُمَا ضَحِيَّتَانِ (وَالثَّانِي) يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ بَعْضُهَا (وَالثَّالِثُ) لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ مِنْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ * وَيَشْتَرِكُ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ فِي جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الْوَلَدِ (أَمَّا) إذَا ذَبَحَهَا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ وَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ بَعْضُهَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ حُكْمٌ وَقِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ بَعْضُ كيدها وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ طَرْدُ الْخِلَافِ وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ بعض (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ لَبَنُ الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَيْنِ قَدْرَ كِفَايَةِ الولد لا يجوز حلب شئ مِنْهُ فَإِنْ حَلَبَ فَنَقَصَ الْوَلَدُ بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ (1) وَإِنْ فَضَلَ عَنْ رَيِّ الْوَلَدِ حَلَبَ الْفَاضِلَ ثم قال

_ (1) بياض بالاصل) *)

الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَهُ شُرْبُهُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُهُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ بَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ لَمْ نُجَوِّزْ أَكْلَ لَحْمِ الْهَدْيِ لَمْ يَجُزْ شُرْبُ لَبَنِهِ بَلْ يَجِبُ نَقْلُهُ إلَى مَكَّةَ إنْ أَمْكَنَ أَوْ تَجْفِيفُهُ وَنَقْلُهُ جَافًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي مَوْضِعِ الْحَلْبِ وَإِنْ جَوَّزْنَا أَكْلَ لَحْمِهِ جَازَ شُرْبُهُ فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) مِنْهَا الْقَطْعُ بِجَوَازِ شُرْبِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَةِ الْوَلَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَوْسَطِ وَفِي غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ تَصَدَّقَ لَكَانَ أَفْضَلَ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ جَازَ شُرْبُهُ جَازَ أن يسقيه لغيره بلا عوض ولايجوز بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ كَانَ حُكْمُ لَبَنِهِ حُكْمَ الزَّائِدِ عَلَى حَاجَةِ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ فِي بَقَاءِ صُوفِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ مَصْلَحَةٌ لِدَفْعِ ضَرَرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ وَقْتُ ذبحه قريبا ولم يضره بقاؤه لم يجز جَزُّهُ وَإِنْ كَانَ فِي جَزِّهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ بَعْدَ جَزِّهِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَسْتَصْحِبُ الصُّوفَ إلَى الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ هُنَاكَ عَلَى الْمَسَاكِينِ كَالْوَلَدِ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنْ لَا يَجُزَّ الصُّوفَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا أُحْصِرَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمُتَطَوَّعُ بِهِ فَيَحِلُّ نَحْرُ الْهَدْيِ هُنَاكَ كَمَا يُنْحَرُ هَدْيُ الْإِحْصَارِ هُنَاكَ (السَّابِعَةُ) إنْ تَلِفَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ قَبْلَ الْمَحِلِّ بِتَفْرِيطٍ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ وَإِنْ تَعِبَ ذَبَحَهُ وَأَجْزَأَهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ في الكتاب ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الاستراباذي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ إبْدَالُ الْمَعِيبِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْتَزَمَ هَذَا فَإِذَا تَعَيَّبَ مِنْ غَيْرِ تفريط لم يلزمه شئ كَمَا لَوْ تَلِفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ * وقال

أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ إذَا بَاعَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ مِثْلَهُ هَدْيًا * دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رُكُوبِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ لِلْمُحْتَاجِ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَهُ رُكُوبُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهُ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا * وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَوْجَبَ رُكُوبَهَا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَلِمُخَالِفَةِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إهْمَالِ السَّائِبَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ * دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَعَلَى الْمُوجِبِينَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْدَى الْهَدَايَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا) * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا سَلِيمًا ثُمَّ تَعَيَّبَ لَا يَلْزَمُهُ إبداله وبه قال عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إبْدَالُهُ وَبِهِ قَالَ الاستراباذي مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا جَوَازُ شُرْبِ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ عَنْ الْوَلَدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَلْ يَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ لِيَخِفَّ اللَّبَنُ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وإن عطب وخاف أن يهلك نحره وَغَمَسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ لما روى ابو قبيصة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبعث بالهدي ثم يقول إن عطب منها شئ فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا في دمها ثم اضرب صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رفقتك ولانه هدى معكوف عن الحرم فوجب نحره مكانه كهدي المحصر وهل يجوز ان يفرقه على فقراء الرفقة فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لحديث ابي قبيصة ولان فقراء الرفقة يتهمون في سبب عطيها فلم يطعموا منها (والثاني) يجوز لانهم من أهل الصدقة فجاز ان يطعموا كسائر الفقراء فان أخر ذبحه حتى مات ضمنه

لانه مفرط في تركه فضمنه كالمودع إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ حتى سرقها وإن أتلفها لزمه الضمان لانه أتلف مال المساكين فلزمه ضمانه ويضمنه بأكثر الامرين من قيمته أو هدي مثله لانه لزمه الاراقة والتفرقة وقد فوت الجميع فلزمه ضمانهما كما لو أتلف شيئين فان كانت القيمة مثل ثمن مثله اشترى مثله وأهداه وان كانت أقل لزمه ان يشتري مثله ويهديه وان كانت أكثر من ذلك نظرت فان كان يمكنه أن يشتري به هديين اشتراهما وان لم يمكنه اشترى هديا وفيما يفضل ثلاثة اوجه (احدها) يشترى به جزأ من حيوان ويذبح لان إراقة الدم مستحقة فإذا أمكن لم يترك (والثاني) انه يشترى به اللحم لان اللحم والاراقة مقصودان والاراقة تشق فسقطت والتفرقة لا تشق فلم تسقط (والثالث) أن يتصدق بالفاضل لانه إذا سقطت الاراقة كان اللحم والقيمة واحدا * وان أتلفها أجنبي وجبت عليه القيمة فان كانت القيمة مثل ثمن مثلها اشترى بها مثلها وان كانت أكثر ولم تبلغ ثمن مثلين اشترى المثل وفي الفاضل الاوجه الثلاثة وان كانت أقل من ثمن المثل ففيه الاوجه الثلاثة وان كان الهدي الذى نذره اشتراه ووجد به عيبا بعد النذر لم يجز له الرد بالعيب لانه قد أيس من الرد لحق الله عز وجل ويرجع بالارش ويكون الارش للمساكين لانه بدل عن الجزء الفائت الذي التزمه بالنذر فان لم يمكنه أن يشترى به هديا ففيه الاوجه الثلاثة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَبِيصَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاسْمُ أَبِي قَبِيصَةَ ذُؤَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ الْخُزَاعِيُّ وَالِدُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ التَّابِعِيِّ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ إنْ عطب منها شئ فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك) وَعَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ فَقَالَ إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الترمذي حديث حسن

صحيح (أما) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ خَافَ أَنْ يَهْلِكَ هُوَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - (وَقَوْلُهُ) غَمَسَ نَعْلَهُ يَعْنِي النَّعْلَ الْمُعَلَّقَةَ فِي عُنُقِهِ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُقَلِّدَهَا نَعْلَيْنِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَطْعَمْهَا) هُوَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ - أَيْ لَا تَأْكُلْهَا وَالرُّفْقَةُ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا - (قَوْلُهُ) هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَنْ الْحَرَمِ أَيْ مَحْبُوسٌ (وَقَوْلُهُ) بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَهَدْيٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا وَهَدْيٌ بِالْوَاوِ ووقع في بَعْضُهَا أَوْ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُنْكَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِثْلُهُ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَخَافَ هَلَاكَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَذَبْحٍ وَأَكْلٍ وَإِطْعَامٍ وَتَرْكِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ولا شئ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى هَلَكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ حَتَّى تَلِفَتْ * وَإِذَا ذَبَحَهُ غَمَسَ النَّعْلَ الَّتِي قَلَّدَهُ إيَّاهَا فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهِ وَتَرَكَهُ مَوْضِعَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلَا لِسَائِقِ هَذَا الْهَدْيِ وَقَائِدِهِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا حَقَّ لِلْأَغْنِيَاءِ فِيهِ وَيَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ رُفْقَةِ صَاحِبِ الْهَدْيِ الْأَكْلُ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِحَدِيثِ نَاجِيَةَ السَّابِقِ * وَهَلْ يَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ رُفْقَةِ صَاحِبِ الْهَدْيِ الْأَكْلُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ لِلْحَدِيثِ وَمَنْ جَوَّزَهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ رُفْقَةَ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ لَا فَقِيرَ فِيهِمْ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ * وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّفْقَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الرُّفْقَةُ الَّذِينَ يُخَالِطُونَهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ دُونَ الْقَافِلَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إيَّاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْقَافِلَةِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْقَافِلَةِ أَكْلُهَا وَتُرِكَ فِي الْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وَهَذَا إضَاعَةُ مَالٍ (قُلْنَا) لَيْسَ

فِيهِ إضَاعَةٌ بَلْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتْبَعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ فِي إثْرِ قَافِلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ وَغَمَسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ وَتَرَكَهُ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ إبَاحَةُ أَكْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ يأكل مِنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَكْفِي ذَبْحُهُ وَتَخْلِيَتُهُ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ وَصَارَ لِلْفُقَرَاءِ (أَمَّا) إذَا عَطِبَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ فَذَبَحَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِيرُ مُبَاحًا لِلْفُقَرَاءِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا يَصِيرُ مُبَاحًا لَهُمْ إلَّا بِلَفْظٍ بِأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُمْ أَوْ سَبَّلْته لَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالُوا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالُوا فَإِذَا قَالَ هَذَا اللَّفْظَ جَازَ لِمَنْ سَمِعَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَأَى مَاءً فِي الطَّرِيقِ مَوْضُوعًا وَعَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ لَهُ شُرْبَهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَهُ وَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُوصَلُ بَدَلُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَعِنْدِي الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ لِمَسَاكِينِ مَوْضِعِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُ ثَمَنِهِ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ وَكَمَا يَجِبُ إيصَالُ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ دُونَ اللَّبَنِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَتْلَفَ الْمُهْدِي الْهَدْيَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِثْلِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ السِّعْرُ لَزِمَهُ شِرَاءُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ لَزِمَهُ شِرَاءُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ بِأَنْ رَخُصَ السِّعْرُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَدْيَيْنِ لزمه ذلك أو هديا واحدا نفيسا لَمْ يُمْكِنْهُ فَاشْتَرَى وَاحِدًا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ نَظَرَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَذِهِ الْفَضْلَةِ شِقْصًا مِنْ هَدْيٍ مِثْلِهَا فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يلزمه شراؤه وذبحه مع الشريك

ولايجوز اخراج القيمة دارهم يَتَصَدَّقُ بِهَا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَصْرِفُهَا مَصْرِفَ الضَّحَايَا حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهَا خَاتَمًا يَقْتَنِيهِ وَلَا يَبِيعُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شِقْصٌ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّرَاهِمِ وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي ذِكْرِ الْمَصْرِفِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ (1) (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا فِي جُزْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِثْلِ كَابْتِدَاءِ هَدْيٍ (وَالْخَامِسُ) أَنَّهُ يُهْلِكُ هَذِهِ الْفَضْلَةَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ. هَذَا كُلُّهُ إذَا أَمْكَنَ شِرَاءُ شِقْصٍ بِهَذِهِ الْفَضْلَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَفِيهِ الْأَرْبَعَةُ وَيَسْقُطُ الْأَوَّلُ (أَصَحُّهَا) الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ دَرَاهِمَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَيَحْكِي كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُهْدِي حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْمُهْدِيَ الْتَزَمَ الْإِرَاقَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَأْخُذُ الْمُهْدِي الْقِيمَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْهَدْيِ الْمُتْلَفِ فَإِنْ حَصَّلَ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ ذَبَحَهُ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ فَإِنْ بَلَغَتْ الزِّيَادَةُ مِثْلَيْنِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُمَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مِثْلَيْنِ اشْتَرَى مِثْلًا وَفِي الزِّيَادَةِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا الْمُهْدِي (أَمَّا) إذَا لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِمِثْلِهِ لِغَلَاءٍ حَدَثَ فَيَشْتَرِي دُونَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مااذا نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقُتِلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فان القيمة تكون ملكا للناذر يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يَعْتِقُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْعَبْدِ وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ هُوَ العبد وقد مات ومستحقوا الْهَدْيِ بَاقُونَ * وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِالْقِيمَةِ مَا يَصْلُحْ هَدْيًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُهْدِيَ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْقِيمَةِ مِنْ مَالِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ هَدْيٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَطْرُدَهُ فِي التَّلَفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يلزمه ضم شئ مِنْ مَالِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ شِقْصَ هَدْيٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) يلزمه شراه وذبحه مع شريكه

_ (1) هكذا بالاصل وانظر اين الوجه الثاني) *)

وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ) كما سبقا فِي إتْلَافِ الْمُهْدِي * وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ شِقْصَ هَدْيٍ فَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ * وَقَدْ رَتَّبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ الصُّوَرَ تَرْتِيبًا حَسَنًا فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ثَنِيَّةَ ضَأْنٍ مَثَلًا وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْقِيمَةِ مِثْلَهَا وَأَمْكَنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَذَعَةَ ضَأْنٍ وَثَنِيَّةَ مَعْزٍ تَعَيَّنَ الضَّأْنُ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ دُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِي لَا يَصْلُحُ هَدْيًا وَإِنْ أَمْكَنَ دُونَ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَدُونَ ثَنِيَّةِ مَعْزٍ وَأَمْكَنَ شِرَاءُ سَهْمٍ فِي شَاةٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ لِلْهَدْيِ فَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إرَاقَةَ دَمٍ كَامِلٍ وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ سَهْمٍ وَشِرَاءُ لَحْمٍ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ شَرِكَةً فِي إرَاقَةِ دَمٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا شِرَاءُ اللَّحْمِ وَتَفْرِقَةُ الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذا اشترى هديا ثم نذر اهداه ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تعالى فلا يجوز ابطاله كا لَوْ عَتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ وَقَفَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ هُنَا كَمَا يَجِبُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَوْ وَقَفَ وَفِي هَذَا الْأَرْشِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ شِرَاءُ هَدْيٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَفِيمَا يَفْعَلُ بِهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فِيمَا إذا أتلفه وفضل عن مثله شئ (والوجه الثاني) يكون الارش للمشتري الناذر لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ اقْتَضَى سَلَامَتَهُ وَذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ نَاقِصٌ وَلِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَكِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى قَالَ وَنَسَبَهُ إلَى المراوزة وقال لا يَصِحُّ غَيْرُهُ قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا الثَّانِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ الْبَدَنَةَ ضَحِيَّةً أَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ عَيَّنَهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ سُرِقَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَبْحِهَا يوم النحر فلا شئ عَلَيْهِ وَكَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ

بُلُوغِ الْمَنْسَكِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذبحه فلا شئ عليه لانه امانة لم يفرط فيها * * قال المصنف رحمه الله * (وان ذبحه اجنبي بغير اذنه اجزأه عن النذر لان ذبحه لا يحتاج إلى قصده فإذا فعله بغير إذنه وقع الموقع كرد الوديعة وإزالة النجاسة ويجب على الذابح ضمان ما بين قيمته حيا ومذبوحا لانه لو اتلفه ضمنه فإذا ذبحه ضمن نقصانه كشاة اللحم وفيما يؤخذ منه الاوجه الثلاثة) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُعَيَّنًا فذبحه غيره باذنه وقع موقعه ولا شئ عَلَى الذَّابِحِ وَإِنْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ أَيْضًا وَأَجْزَأَ النَّاذِرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ الذَّابِحَ أَرْشُ نَقْصِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ حَيًّا وَمَذْبُوحًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ أَرْشٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا بَلْ خَفَّفَ مُؤْنَةَ الذَّبْحِ وَحَكَوْا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّ لِصَاحِبِ الْهَدْيِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الذَّابِحِ وَيُفَرِّقَ الْقِيمَةَ بِكَمَالِهَا بِنَاءً عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ * فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ * وَقَدْ فَرَّعَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعًا كَثِيرًا وَقَدْ لَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَا أَخْتَصِرُ مقصوده هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ إذَا ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ أُضْحِيَّةً مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ أَوْ هَدْيًا مُعَيَّنًا بَعْدَ بُلُوغِ النُّسُكِ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُور أَنَّهُ يَقَعُ الْمَوْقِعَ فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ لَحْمَهَا فَيُفَرِّقُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُ صَاحِبِهِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ لِصَاحِبِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الذَّابِحِ وَيُغَرِّمُهُ الْقِيمَةَ بِكَمَالِهَا بِنَاءً عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * فَعَلَى الْمَذْهَبِ هَلْ يَلْزَمُ الذَّابِحَ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَقْصُودًا بَلْ خَفَّفَ مُؤْنَةَ الذَّبْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَهُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ شَدَّ قَوَائِمَ شَاةٍ لِيَذْبَحَهَا فَجَاءَ آخَرُ فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ * وَقَالَ

الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ ذَبَحَهُ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا يَسَعُ ذَبْحَهَا فَذَبَحَهَا فَلَا أَرْشَ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ * وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لِلْمُهْدِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْهَدْيِ وَلَا حَقَّ لِلْمَسَاكِينِ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَقْصِهِ وليس لِلْمُهْدِي إلَّا الْأَكْلُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ فِي أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ جُزْءًا مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ يُفَرِّقُ بِنَفْسِهِ دَرَاهِمَ * هَذَا كُلُّهُ إذَا ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ وَاللَّحْمُ بَاقٍ فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ فَرَّقَهُ فِي مَصَارِفِ الْهَدْيِ وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ فَهُوَ كَالْإِتْلَافِ بِغَيْرِ ذَبْحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ إلَى الْمُهْدِي وَالْمُضَحِّي فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الذَّابِحَ الضَّمَانُ وَيَأْخُذُ الْمُهْدِي مِنْهُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَيَذْبَحُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ تَقَعُ التَّفْرِقَةُ عَنْ الْمُهْدِي كَالذَّبْحِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) وَاخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِلَا ذَبْحٍ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ اللَّحْمَ مُتَعَدِّيًا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الذَّبْحِ وَقِيمَةُ اللَّحْمِ وَقَدْ يَزِيدُ الْأَرْشُ مَعَ قِيمَةِ اللَّحْمِ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْخِلَافِ بِصُورَةِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَتْلَفَ لَحْمَهَا * هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي ذَبَحَهَا الْأَجْنَبِيُّ تَقَعُ هَدْيًا وَأُضْحِيَّةً فَإِنْ قُلْنَا لَا تَقَعُ فَلَيْسَ عَلَى الذَّابِحِ إلَّا أَرْشُ النَّقْصِ وَفِي حُكْمِ اللَّحْمِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِجِهَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالثَّانِي يَكُونُ مِلْكًا لَهُ * وَلَوْ الْتَزَمَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً بِالنَّذْرِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي الْحَرَمِ فَالْقَوْلُ فِي وُقُوعِهَا عَنْ النَّاذِرِ وَفِي أَخْذِهِ اللَّحْمَ وَتَصَدُّقِهِ بِهِ وَفِي غَرَامَةِ الذَّابِحِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ اللَّحْمُ تَالِفًا قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَمْلِكُهَا وَيَبْقَى الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ قولنا في صورة الاتلاف يأخذ القيمة

وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَ الْأَوَّلِ نُرِيد بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقَدْرِهَا وَأَنَّ نَفْسَ الْمَأْخُوذِ مِلْكُهُ فَلَهُ إمْسَاكُهُ * (فَرْعٌ) إذَا جَعَلَ شَاتَهُ أُضْحِيَّةً أَوْ نَذَرَ الضَّحِيَّةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَلَا يَجُوزُ له أكل شئ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ بَدَلًا عَنْهَا وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَنْسَكِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ فِي وَقْتِهِ * وَلَوْ بَاعَ الْهَدْيَ أَوْ الْأُضْحِيَّةَ المعينين فذبحه المشتري واللحم باق أخذه البائع وَتَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ وَيَضُمُّ الْبَائِعُ إلَيْهِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ المشتري شيئا لان البائع سلطه والمذهب (1) وَلَوْ ذَبَحَ أَجْنَبِيٌّ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الذبح قال الرافعي ويشبه ان يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ اللَّحْمَ يُصْرَفُ إلَى مَصَارِفِ الضَّحَايَا أَمْ يَنْفَكُّ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَعُودُ مِلْكًا كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْأَجْنَبِيُّ يَوْمَ النَّحْرِ وَقُلْنَا لَا يَقَعُ أُضْحِيَّةً * ثُمَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَرْشِ وَمِنْ اللَّحْمِ إنْ عَادَ مِلْكًا لَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً يَذْبَحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ * وَلَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً ثُمَّ عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَخَذَ اللَّحْمَ وَنُقْصَانَ اللَّحْمِ بِالذَّبْحِ وَمَلَكَ الْجَمِيعَ وَبَقِيَ الْأَصْلُ فِي ذِمَّةِ الناذر والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن كان في ذمته هدي فعينه بالنذر في هدي تعين لان ما وجب به معينا جاز أن يتعين به ما في الذمة كالبيع ويزول ملكه عنه فلا يملك بيعه ولا إبداله كما قلنا فيما أوجبه بالنذر فان هلك بتفريط أو بغير تفريط رجع الواجب إلى ما في الذمة كما لو كان عليه دين فباع به عينا ثم هلكت العين قبل التسليم فان الدين يرجع إلى الذمة وإن حدث به عيب يمنع الاجزاء لم يجزه عما في الذمة لان الذي في الذمة سليم فلم يجزه عنه معيب وان عطب فنحره عاد الواجب إلى ما في الذمة وهل يعود ما نحره إلى ملكه فيه وجهان (احدهما) يعود إلى ملكه لانه إنما نحره ليكون عما في ذمته فإذا لم يقع عما في ذمته عاد إلى ملكه (والثاني) أنه لا يعود لانه صار للمساكين فلا يعود إليه فان قلنا إنه

_ (1) بياض بالاصل) *)

يعود إلى ملكه جاز له أن يأكله ويطعم من شاء ثم ينظر فيه فان كان الذي في ذمته مثل الذي عاد إلى ملكه نحر مثله في الحرم وان كان أعلى مما في ذمته ففيه وجهان (أحدهما) يهدي مثل ما نحر لانه قد تعين عليه فصار ما في ذمته زائدا فلزمه نحر مثله (والثاني) أنه يهدى مثل الذي كان في ذمته لان الزيادة فيما عينه وقد هلك من غير تفريط فسقط * وان نتجت فهل يتبعها ولدها أم لا فيه وجهان (احدهما) أنه يتبعها وهو الصحيح لانه تعين بالنذر فصار كما لو وجب في النذر (والثاني) لا يتبعها لانه غير مستقر لانه يجوز أن يرجع إلى ملكه بعيب يحدث به بخلاف ما وجب بنذره لان ذلك لا يجوز أن يعود إلى ملكه بنذره وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ أُضْحِيَّةٌ بِالنَّذْرِ أَوْ هَدْيٌ بِالنَّذْرِ أَوْ دَمُ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ لِبْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ شَاةً فِي ذِمَّتِهِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي لَزِمَهُ ذَبْحُهَا بِعَيْنِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا إبْدَالُهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَوَجْهًا أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ * فَعَلَى هَذَا إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ رَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى ذِمَّتِهِ وَلَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ صَحِيحَةٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ لَا يَلْزَمُهُ إبْدَالُهَا لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فَهِيَ كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً * وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهَا إذَا عَابَتْ يُجْزِئُهُ ذَبْحُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ ابْتِدَاءً شَاةً فَحَدَثَ بِهَا عَيْبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * فَعَلَى هَذَا هَلْ تَنْفَكُّ تِلْكَ الْمَعِيبَةُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا بَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا وَذَبْحُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالتَّعْيِينِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ تَنْفَكُّ فَيَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا وَبَيْعُهَا وَسَائِرُ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ بِهَا ابْتِدَاءً بَلْ عَيَّنَهَا عَمَّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى عَنْهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ * وَلَوْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرِهِ شَاةً فَهَلَكَتْ بَعْدَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَفِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ تُجْزِئُهُ فَيَذْبَحُهَا وَيُفَرِّقُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إبداها لانها بلغت محلها (وأصحهما) لاتجزئه هذه ويلزمه

صَحِيحَةٌ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ وُصُولِهَا الْحَرَمَ * (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُجْزِئُهُ الْمَعِيبَةُ لَزِمَهُ سَلِيمَةٌ وَهَلْ تَعُودُ الْمَعِيبَةُ إلَى مِلْكِهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الْأَصَحُّ) تَعُودُ فَيَمْلِكُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا * وَلَوْ عَطِبَ هَذَا الْهَدْيُ الْمُتَعَيَّنُ قَبْلَ وُصُولِهِ الْحَرَمَ فَنَحَرَهُ رَجَعَ الْوَاجِبُ إلَى ذِمَّتِهِ وَهَلْ يَمْلِكُ الْمَنْحُورَ فِيهِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَمْلِكُهُ (وَالثَّانِي) لَا فَعَلَى هَذَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مَعَ ذَبْحٍ صَحِيحٍ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ * وَلَوْ ضَلَّ هَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ لَزِمَهُ إخْرَاج مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ الْمَسَاكِينَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ بَدَلِهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ * فَإِنْ ذَبَحَ وَاحِدَةً عَمَّا عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ الضَّالَّةَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أصحهما) عند البغوي لا يلزمه بل يتمكلها كَمَا سَبَقَ فِيمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ لِإِزَالَةِ مِلْكِهِ بِالتَّعْيِينِ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ صِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِخِلَافِ التَّعَيُّبِ * فَلَوْ عَيَّنَ عَنْ الضَّالِّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَجَدَ الضَّالُّ هَلْ يَذْبَحُ الْبَدَلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُمَا مَعًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْبَدَلِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْأَوَّلِ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثالث والله أعلم * هذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِثْلَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَيَّنَهُ دُونَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً مَعِيبَةً قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ مَا عَيَّنَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَعْتَقَ عَنْهَا عَبْدًا مَعِيبًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ * وَإِنْ عَيَّنَ أَعْلَى مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بقرة لزمه نحرها فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ مِثْلُ الَّتِي كَانَ عَيَّنَهَا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِثْلُ الَّتِي كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إنْ فَرَّطَ لَزِمَهُ مِثْلُ الَّذِي عَيَّنَ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا وَلَدَتْ الَّتِي عَيَّنَهَا عَنْ نَذْرِهِ فَهَلْ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ)

ضلال الهدى والأضحية وفيه مسائل

أَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَتْبَعُهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَلَدُ مِلْكًا لِلْمُهْدِي * وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَهَلَكَتْ الْأُمُّ أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ وَقُلْنَا تَعُودُ هِيَ إلَى مِلْكِ الْمُهْدِي فَفِي الْوَلَدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ هَلَكَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) إلَى مِلْكِ الْمُهْدِي تَبَعًا لامه والله أعلم * (فرع) في ضلال الهدى والاضحية وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ضَلَّ هَدْيُهُ أَوْ أضحيته المتطوع بهما لم يلزمه شئ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ إذَا وَجَدَهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنْ ذَبَحَهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا (الثَّانِيَةُ) الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ أَوَّلًا إذَا ضَلَّ بِغَيْرِ تَقْصِيرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَالْأُضْحِيَّةُ إنْ وَجَدَهَا فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَهُ ذَبْحُهَا فِي الْحَالِ قَضَاءً وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى قَابِلٍ وَإِذَا ذَبَحَهَا صَرَفَ لَحْمَهَا مَصَارِفَ الضَّحَايَا * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ * وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَقَطْ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَدَّخِرُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (الثَّالِثَةُ) مَتَى كَانَ الضَّلَالُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ إنْ كَانَ فِيهِ مُؤْنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ بِتَقْصِيرِهِ لَزِمَهُ الطَّلَبُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَزِمَهُ ذَبْحُ بَدَلِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَأْخِيرُ الذَّبْحِ إلَى مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ تَقْصِيرٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ مَضَى بَعْضُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ ضَلَّتْ فَهَلْ هُوَ تَقْصِيرٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوَسَّعِ لَا يَأْثَمُ عَلَى الْأَصَحِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا عَيَّنَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَضَلَّتْ الْمُعَيَّنَةُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْرِيعٌ سَبَقَ قَرِيبًا قَبْلَ هَذَا الْفَرْعِ والله أعلم *

(فَرْعٌ) لَوْ عَيَّنَ شَاةً عَنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ فَضَحَّى بِأُخْرَى عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَوْ تَلِفَ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ عَمَّا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً ثُمَّ ذَبَحَ بَدَلَهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي وُقُوعِ الثَّانِيَةِ عَمَّا عَلَيْهِ تَرَدُّدٌ (فَإِنْ قُلْنَا) تَقَعُ عَنْهُ فَهَلْ تَسْقُطُ الْأُولَى عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ * (فَرْعٌ) لَوْ عَيَّنَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَبْدًا عَنْهَا فَفِي تَعَيُّنِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ عَابَ هَذَا الْمُعَيَّنَ لَزِمَهُ إعْتَاقُ سَلِيمٍ ولو مَاتَ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِالْكَفَّارَةِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إعْتَاقِ الْمُعَيَّنِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) إجْزَاؤُهُ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانِ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ حَتَّى مَضَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ وَيَكُونُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ لَا نُسُكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فَذَكَرَهَا فِي بَابِ الْهَدْيِ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ اخْتِصَاصُهُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَذَكَرَهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ (وَالصَّوَابُ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ مَعَ الْمُعْتَمِرِ هَدْيٌ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُتَمَتِّعًا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ وَحَيْثُ ذَبَحَهُ مِنْ مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ أَمْ لَا (أَمَّا) إذَا كَانَ الْهَدْيُ لِلتَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ فَوَقْتُ اسْتِحْبَابِ ذَبْحِهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَوَقْتُ جَوَازِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَبَعْدَ

الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَعَهُ هديان أو ضحيتان وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ أَنْ يَبْدَأَ بِنَحْرِ الْوَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ فَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهُ حَتَّى تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ أَعَادَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَالَ وَهَذَا مُرَادُهُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إتْلَافُ لَحْمٍ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ آخِرُ كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَأَمَّا) الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا الْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ * وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَعْلُومَاتُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ * وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَعْلُومَاتُ الْأَرْبَعَةُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ * وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ * وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ جَوَازُ النَّحْرِ فِيهِ وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ انْقِطَاعُ الرَّمْيِ فِيهِ قَالَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ قَالَ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ عَلَى عِلْمِهَا مِنْ اجل لان وَقْتَ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا قَالَ وَقَالَ مُقَاتِلٌ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْمَعْلُومَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ (قُلْت) وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْعَبْدَرِيُّ وَخَلَائِقُ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (وَأَمَّا) مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ أَيَّامُ الْعَشْرِ كَمَذْهَبِنَا

باب الاضحية

وَهُوَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) وَأَرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ تدل عَلَى اخْتِلَافِ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَمَّا خُولِفَ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فِي الِاسْمِ دَلَّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا وَعَلَى مَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ يَتَدَاخَلَانِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ وُجُودُ الذَّبْحِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ بَلْ يَكْفِي وُجُودُهَا فِي آخِرِهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فيهن نورا) وَلَيْسَ هُوَ نُورًا فِي جَمِيعِهَا بَلْ هُوَ فِي بَعْضِهَا (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ فِي الْآيَةِ الذِّكْرُ عَلَى الْهَدَايَا وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ لِمَنْ رَأَى هَدْيًا أَوْ شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْعَشْرِ أَنْ يُكَبِّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (بَابُ الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - وَأُضْحِيَّةٌ بِكَسْرِهَا - وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا (وَالثَّالِثُ) ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا (وَالرَّابِعُ) أَضْحَاةٌ وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَيُقَالُ ضَحَّى يُضَحِّي تَضْحِيَةً فَهُوَ مُضَحٍّ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا فِي الضُّحَى وَفِي الْأَضْحَى لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ لغة قيس والتأنيث لغة تميم * * قال المصنف رحمه الله * (الاضحية سنة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يضحي

بكبشين قال أنس وأنا أضحى بهما) وليست واجبة لما روي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كانا لا يضحيان مخافة أن يرى ذلك واجبا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفَحَاتِهِمَا) وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَنَسٍ (وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ) وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَشِعَارٌ ظاهر يَنْبَغِي لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَإِنْ نَذَرَهَا لَزِمَتْهُ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ * وَلَوْ اشْتَرَى بَدَنَةً أَوْ شَاةً تَصْلُحُ لِلتَّضْحِيَةِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ أَوْ الْهَدْيِ لَمْ تَصِرْ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً وَلَا هَدْيًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ * وَفِي تَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّهَا تَصِيرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ حَصَلَ عَنْ غَفْلَةٍ وَإِنَّمَا هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا نَوَى فِي دَوَامِ الْمِلْكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً فَهُوَ نَذْرٌ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا اشْتَرَى شَاةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً وَلَا تَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ضَحِيَّةً فَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا ضَحِيَّةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ جَعْلُهَا ضَحِيَّةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّعْيِينِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ وَالِالْتِزَامُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَغْوٌ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ تَغْلِيبًا لِلنَّذْرِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا مِنْ الْبُوَيْطِيِّ الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ المدائن والقرى وأهل السفر والحضر والحاج بِمِنًى وَغَيْرِهِمْ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ * هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ نَقَلْته مِنْ نَفْسِ الْبُوَيْطِيِّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سُنَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى والمسافرين الا الحاج بمنى فَإِنَّهُ لَا أُضْحِيَّةَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ مَا يَنْحَرُ بِمِنًى يَكُونُ هَدْيًا لَا أُضْحِيَّةً

كَمَا لَا يُخَاطَبُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ بِمِنًى مِنْ أَجْلِ حَجِّهِ فَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ الْعَبْدَرِيُّ شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَلْ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ أَهْلَ مِنَى كَغَيْرِهِمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا نص عليه الشافعي وثبت فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا التَّضْحِيَةُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ فَإِذَا ضَحَّى أَحَدُهُمْ حَصَّلَ سُنَّةَ التَّضْحِيَةِ فِي حَقِّهِمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُضَحَّى بِهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لَكِنْ إذَا ضَحَّى بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَأَتَّى الشِّعَارُ وَالسُّنَّةُ لِجَمِيعِهِمْ قَالَ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ قَالَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ وَكَمَا أَنَّ الْفَرْضَ يَنْقَسِمُ إلَى فَرْضِ عَيْنٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ فقد ذكر الاصحاب ان التضحية كَذَلِكَ وَأَنَّ التَّضْحِيَةَ مَسْنُونَةٌ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ * وَقَدْ حَمَلَ جَمَاعَةٌ الْحَدِيثَ المذكور على الاشتراك فِي الثَّوَابِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَمِمَّا يُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَوْلُهُمْ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَكَذَا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْجَمِيعِ فِي أَحْكَامِ السَّلَامِ عَقِبَ بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِكَوْنِ التَّضْحِيَةِ سُنَّةً عَلَى الْكِفَايَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ عَنْ عمارة بن عبد الله بن طياد أن عطاء ابن يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ (كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي

أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهَا فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِ هؤلاء الرواة وعبد اللَّهِ وَالِدُ عُمَارَةَ هَذَا قَالُوا هُوَ ابْنُ الصَّيَّادِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الدَّجَّالُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ * ذَكَرْنَا أَنْ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبِلَالٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يوسف واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوسِرِ إلَّا الْحَاجَّ بِمِنًى * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ بِالْأَمْصَارِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُهَا عَلَى مُقِيمٍ يَمْلِكُ نِصَابًا * وَاحْتَجَّ لِمَنْ أَوْجَبَهَا (بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى) وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اسوة حسنة) وَبِحَدِيثِ أَبِي رَمْلَةَ بْنِ مِخْنَفٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ وُقُوفٌ مَعَهُ بِعَرَفَاتٍ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وعثيرة اتدرون ما العثيرة هَذِهِ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ * وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ وَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ان يصلى فليذبح اخرى مكانها ومن لم يذبح فليذبح بِاسْمِ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ وَجَدَ سَعَةً لَأَنْ يُضَحِّيَ فَلَمْ يضحي فَلَا يَحْضُرْ مُصَلَّانَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ما انفقت الورق في شئ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عن ابراهيم بن يزيد الحوزى وليسا بقويين * وعن عابد الله المجاشعي عن أبى داود نقيع عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا هَذِهِ

الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ قَالُوا مَا لَنَا فِيهَا مِنْ الْأَجْرِ قَالَ بِكُلِّ قَطْرَةٍ حَسَنَةٌ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ والبيهقي قال البيهقي قال البخاري عابد اللَّهِ الْمُجَاشِعِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَأَبُو دَاوُد هَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ وَصَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ وَالزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ * وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي قَالَ نَعَمْ فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ قَالَا وَهُوَ مُرْسَلٌ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَعِنْدَ أَحَدِكُمْ أضحية يريد أن يضحي فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفُرًا) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هذا دليل ان التضحية ليست بواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم (وَأَرَادَ) فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إلَى إرَادَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ واجبة لقال فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ * وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثٌ هُنَّ عَلِيَّ فَرَائِضُ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ والوتر وركعتي الضُّحَى) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ايضا في كتابه الخرافيات وَصَرَّحَ بِضَعْفِهِ وَصَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ وُجُوبَهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتٍ إلى غير بدل كالجمعة وساير الْوَاجِبَاتِ وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ دَلَائِلِهِمْ فما كَانَ مِنْهَا ضَعِيفًا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَمَا كَانَ صَحِيحًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله *

(ويدخل وقتها إذا مضى بعد دخول وقت صلاة الاضحى قدر ركعتين وخطبتين فان ذبح قبل ذلك لم يجزه لما روى البراء رضى الله عنه قال (خطب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النحر بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا هذه ونسك نسكنا فقد اصاب سنتنا ومن نسك قبل صلاتنا فتلك شاة لحم فليذبح مكانها) واختلف اصحابنا في مقدار الصلاة فمنهم من اعتبر قَدْرَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي ركعتان يقرأ فيهما ق واقتربت وقدر خطبتيه ومنهم من اعتبر قدر ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين * ويبقى وقتها إلى آخر ايام التشريق لما روى جبير ابن مطعم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كل ايام التشريق ذبح) فان لم يضح حتى مضت ايام التشريق نظرت فان كان ما يضحى به تطوعا لم يضح لانه ليس وقت لسنة الاضحية وان كان نذرا لزمه ان يضحي لانه قد وجب عليه فلم يسقط بفوات الوقت) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قوله (فليذبح مكانها) (واما) حديث جبير ابن مُطْعَمٍ فَرْوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ قَالَ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ فَقِيهِ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَمْ يدركه ورواه من طرق ضعيفة متصلا (واما) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَمَضَى بَعْدَ طُلُوعِهَا قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُطْبَتَيْهِ وَقَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ وَخَطَبَ خُطْبَةً مُتَوَسِّطَةً * وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبِهِ قَالَ الْمَرَاوِزَةُ مِنْهُمْ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ إنَّمَا هُمَا فِي طُولِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَمُخَفَّفَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ السُّنَّةَ تَخْفِيفُهَا * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَا أَرَى مَنْ يَعْتَبِرُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَكْتَفِي بِأَقَلَّ مَا يُجْزِئُ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَكْتَفِي بِأَقَلَّ مَا يُجْزِئُ وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي مُضِيُّ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْخُطْبَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) آخِرُ وَقْتِهَا فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ

وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِغُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لَيْلًا وَنَهَارًا لَكِنْ يُكْرَهُ عِنْدَنَا الذَّبْحُ لَيْلًا فِي غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْكَرَاهَةِ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِقَيِّمٍ لَهُ جَذَّ نَخْلَهُ بِاللَّيْلِ (أَلَمْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ وَصِرَامِ اللَّيْلِ أَوْ قَالَ حَصَادِ اللَّيْلِ) هَذَا مُرْسَلٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ (نَهَى عَنْ جُذَاذِ اللَّيْلِ وَحَصَادِ اللَّيْلِ وَالْأَضْحَى بِاللَّيْلِ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَالِ النَّاسِ فَنَهَى عَنْهُ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ) هَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ ضَحَّى قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ التَّضْحِيَةُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يُضَحِّ بَلْ قَدْ فَاتَتْ التَّضْحِيَةُ هَذِهِ السَّنَةَ فَإِنْ ضَحَّى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ وَقَعَ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا عن الاولى وان كان منذورا لزمه أَنْ يُضَحِّيَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً فَوَقْتُهَا وَقْتُ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ أَخَّرَهَا أَثِمَ وَلَزِمَهُ ذَبْحُهَا كَمَا سَبَقَ * وَلَوْ قال لله على أن أضحى بشاة فهل تَتَوَقَّتُ كَذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً فِي الذِّمَّةِ وَالضَّحِيَّةُ مُؤَقَّتَةٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ يُوَافِقُ نَقْلَ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا أَوْجَبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَبْلَهَا وَلَمْ يذبحها حتى فات الوقت فانه يذبحها قضاء (فان قلنا) لا نتوقت فَالْتَزَمَ بِالنَّذْرِ ضَحِيَّةً ثُمَّ عَيَّنَ وَاحِدَةً عَنْ نَذْرِهِ وَقُلْنَا إنَّهَا تَتَعَيَّنُ فَهَلْ تَتَوَقَّتُ التَّضْحِيَةُ بِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَذَبَحَ يَوْمَ التَّاسِعِ ثُمَّ بَانَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إعَادَةُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَالتَّطَوُّعُ تَبَعٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ التَّشْرِيقِ فَأَعَادَهُ كَانَ حَسَنًا *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ مَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَلَّى الْمُضَحِّي أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَوْ الْبَوَادِي أَوْ الْمُسَافِرِينَ وَسَوَاءٌ ذَبَحَ الْإِمَامُ ضَحِيَّتَهُ أَمْ لَا * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا * وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ وَخَطَبَ فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ قَالَ وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي فَوَقْتُهَا فِي حَقِّهِمْ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتَيْهِ وَذَبْحِهِ * وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بن راهويه * وقال سفيان الثَّوْرِيُّ يَجُوزُ ذَبْحُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ خُطْبَتِهِ وَفِي حَالِ خُطْبَتِهِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا يَصِحُّ ذَبْحُهَا قَبْلَ طلوع الفجر يوم النحر * احتج الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ نَحْرٍ فَقَالَ إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ في شئ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ * وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ) وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كان ذبح قبل الصلاة أن يعد ذَبْحًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ (شَهِدْت الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ نَاسًا ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ مِنْكُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهَا التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ لَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أَشْبَهُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلنَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا هُوَ المراد بالاحاديث وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ عِيدِ الْأَضْحَى عَقِبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَيَّامُ نَحْرِ الْأُضْحِيَّةِ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ هَذَا مذهبنا وبه قال علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ وَمَكْحُولٌ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وأنس رضى الله عنهم وقال سعد بْنُ جُبَيْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ يَوْمَ النَّحْرِ خَاصَّةً وَلِأَهْلِ السَّوَادِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً * وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ اتِّفَاقٍ وَلَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ إلَّا عَلَى يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعَمٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ * (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ) فَضَعِيفٌ مَدَارُهُ عَلَى معاوية ابن يَحْيَى الصَّدَفِيِّ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الِاتِّفَاقَ وَقَعَ عَلَى يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ قَدْ حَكَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ اخْتِصَاصَهُ بِيَوْمٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ التَّابِعَيْنِ أَنَّهُ بَلَغَهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضَّحَايَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ) وَرَوَى البيهقي باسناده عن أبي امامة ابن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ (كَانَ الْمُسْلِمُونَ يشتري احدهم الاضحية فيسميها فَيَذْبَحُهَا بَعْدَ الْأَضْحَى آخِرَ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَوَّلُ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالثَّانِي حكاية عن من لَمْ يُسَمَّ (قَالَ وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ (الْأُضْحِيَّةُ إلَى رَأْسِ الْمُحَرَّمِ) فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ يَتَّسِعُ فِيهِ إلَى غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَيَّامُ مِنَى أَيَّامُ نَحْرٍ) وَعَلَى هَذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ هَذَا كَلَامُ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِلَيْهِمَا نَظَرٌ هَذَا لِإِرْسَالِهِ وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِيهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ الذَّبْحِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ جَائِزٌ لَكِنْ يُكْرَهُ لَيْلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ الذَّبْحُ لَيْلًا بَلْ يَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذا فاتت أيام التضحية ولم يصح التَّضْحِيَةَ الْمَنْذُورَةَ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا قَضَاءً هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا تقضى بل تفوت وتسقط * قال المصنف رحمه الله * (ومن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحى فالمستحب ان لا يحلق شعره ولا يقلم أظفاره حتى يضحي لما روت أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كان عنده ذبح يريد أن يذبحه فرأى هلال ذي الحجة فلا يمس من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي) ولا يجب عليه ذلك لانه ليس بمحرم فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الاظفار) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ (وَقَوْلُهُ) ذِبْحٌ - بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ ذَبِيحَةٌ (وَقَوْلُهُ) يُقَلِّمُ ظُفُرَهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ اللَّامِ - وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وتشديد اللام المكسورة - والاول أجود لكن ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إرَادَتُهُ الثَّانِيَ وَلِهَذَا قَالَ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ أَنْ يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَأَنْ يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَرَامٌ حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّقْمِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ لِظَاهِرِ الحديث (واما) قول المصنف والشيخ أبو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيِّ وَالْعَبْدَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَشَاذٌّ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّ الْحَلْقَ وَالْقَلْمَ لَا يُكْرَهَانِ الا إذا دخل العشر واشترى أُضْحِيَّةً أَوْ عَيَّنَ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ مَوَاشِيهِ لِلتَّضْحِيَةِ * وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَلْمُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ (وَالصَّحِيحُ) كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ حِينِ تَدْخُلُ الْعَشْرِ فَالْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ)

كَرَاهَةُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (وَالثَّانِي) كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَالثَّالِثُ) الْمَكْرُوهُ الْحَلْقُ دُونَ الْقَلْمِ (وَالرَّابِعُ) لَا كَرَاهَةَ إنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى (الْخَامِسُ) لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَشْرُ وَعَيَّنَ أُضْحِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ الْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الظُّفْرِ بِقَلْمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ أَوْ بِنَوْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ شَعْرُ الْعَانَةِ وَالْإِبِطِ وَالشَّارِبِ وَغَيْرِ ذلك * قال إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ وَحُكْمُ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرَتِهِ شيئا) رواه مسلم والله أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِيُعْتَقَ مِنْ النَّارِ وَقِيلَ للتشبه بِالْمُحْرِمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ وَلَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ الشَّعَرِ وَالظُّفْرِ فِي الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ حَتَّى يُضَحِّيَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد يَحْرُمُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَحَكَى عَنْهُ الدَّارِمِيُّ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَاجِبِ * وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ ويبعث به ولا يحرم عليه شئ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يحرم ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجزئ في الاضحية الا الانعام وهي الابل والبقر والغنم لقول الله تعالى (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) ولا يجزئ فيها إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا تذبحوا إلا مسنة الا أن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن) وعن علي رضى الله عنه قال (لا يجوز في الضحايا الا الثني من المعز والجذعة من الضأن) وعن ابن

عباس أنه قال لا تضحو بالجذع من المعز والابل والبقر) ويجوز فيها الذكر والانثى لما روت أم كرز عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو أناثا) وإذا جاز ذلك في العقيقة بهذا الخبر دل على جوازه في الاضحية ولان لحم الذكر أطيب ولحم الانثى أرطب) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحُرُوفِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُسِنُّ الثَّنِيُّ مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ فَمَا فَوْقَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَشَرْطُ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ مِنْ الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبَقَرِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ والدربانية وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَأَنْوَاعِهِمَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْأَنْعَامِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالضَّبَّا وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا * وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ وَالْجَذَعَةُ فَصَاعِدًا وَلَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ أَوْ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ بن دينار خَالِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (تُجْزِئُك يَعْنِي الْجَذَعَةُ مِنْ الْمَعْزِ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ الْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا اسْتَكْمَلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَالثَّالِثُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ شَابَّيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِلَّا فَثَمَانِيَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سِنَّ الْجَذَعِ وَالثَّنِيِّ فَلِهَذَا أُهْمِلهُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْبَابَيْنِ لَكِنَّهُ خَالَفَ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ * قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ ان الجذع ماله سَنَةٌ كَامِلَةٌ فَلَوْ أَجْذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَيْ سَقَطَتْ سِنُّهُ أَجْزَأَ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يُذْبَحَ وَيَكُونُ ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام فانه يكتفي فِيهِ أَسْبَقُهُمَا وَهَكَذَا صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِهِ فَقَالَ الْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ سنين

وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ * وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ نِهَايَةِ سِنِّ الثَّنِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ هُوَ بَيَانٌ لِابْتِدَاءِ سَنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ فَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ فَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّهُمَا) مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ (والثاني) ما استكمل سنة * (فرع) لاتجزئ بِالْمُتَوَلَّدِ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَنْعَامِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ * نَقَلَ جَمَاعَةٌ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَنْ التَّضْحِيَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الغنم فلا يجزئ شئ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرُ ذَلِكَ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَقَرِ الْوَحْشِ عَنْ سَبْعَةٍ وَبِالضَّبَا عَنْ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ وَلَا مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الْجَذَعُ وَأَنَّهُ يُجْزِئُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ إلَّا مَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَالزُّهْرِيِّ وَعَنْ عَطَاءٍ كَالْأَوْزَاعِيِّ هَكَذَا نَقَلَ هَؤُلَاءِ * وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الاجماع على أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ جَذَعُ الْمَعْزِ * دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ حَدِيثُ البراء بن عازب السابق قريبا عن الصَّحِيحَيْنِ * وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَعْطَاهُ غَنَمًا يُقَسِّمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فذكره للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ أَنْتَ بِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعَتُودُ مِنْ أَوْلَادِ المعز وهو مارعى وَقَوِيَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَا بَلَغَ سنة وجمعه أعته وعدان - باذغام التاء في الدال - قال البيهقي كَانَتْ هَذِهِ رُخْصَةً لَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ

عُقْبَةَ قَالَ (أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا أُقَسِّمُهَا ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِي فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَقَالَ ضَحِّ بِهَا أَنْتَ وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ دينار قَالَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدٍ قَالَ (قَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ غَنَمًا فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا فَقَالَ ضَحِّ بِهِ فَقُلْت إنَّهُ جَذَعٌ مِنْ الْمَعْزِ أُضَحِّي بِهِ قَالَ نَعَمْ فَضَحَّيْت بِهِ) هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَعْزُ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَتُودٌ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيِّنٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي إجْزَاءِ جَذَعِ الضَّأْنِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ ذَكَرَهَا البيهقي وغيره والله أعلم * (فرع) ان قيل ظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْجَذَعَةَ مِنْ الضَّأْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْمُسِنَّةِ (قُلْنَا) هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ كَمَا سَبَقَ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ جَوَّزُوا جَذَعَ الضَّأْنِ إلَّا مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أنه لَا يُجْزِئُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى مُسِنَّةٍ أَمْ لَا فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ مُسْتَحَبٌّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةُ ضَأْنٍ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (والبدنة أفضل من البقر لانها أعظم والبقرة أفضل من الشاة لانها بسبع من الغنم والشاة أفضل من مشاركة سبعة في بدنة أو بقرة لانه ينفرد باراقة دم * والضأن افضل من المعز لما روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (خير الاضحية الكبش الاقرن) وقالت أم سلمة (لان أضحي بالجذع من الضأن أحب الي من أن أضحي بالمسنة من المعز) ولان لحم الضأن أطيب * والسمينة أفضل من غير السمينة لما روي عن ابن عباس في قوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله) قال تعظيمها استسمانها واستحسانها * وخطب علي كرم الله وجهه قال ثنيا فصاعدا واستسمن فان أكلت أكلت

طيبا وان أطعمت أطعمت طيبا * والبيضاء أفضل من الغبراء والسوداء لان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ املحين) والاملح الابيض * وقال ابو هريرة دم البيضاء في الاضحية افضل من دم سوداوين * وقال ابن عباس تعظيمها استحسانها والبيض احسن) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِبَادَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هُنَا وَفِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الشاة والضأن افضل من المعز فجذعة الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيَّةِ الْمَعْزِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا (الثَّانِيَةُ) التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بِسُبْعِ بَقَرَةٍ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِكَثْرَةِ إرَاقَةِ الدَّمِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ * (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ بِالْأَسْمَنِ الْأَكْمَلِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ حَتَّى إنَّ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَلُ مِنْ شَاتَيْنِ دُونَهَا قَالُوا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ وَفِي الْعِتْقِ عَكْسُهُ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ وَأَرَادَ الْعِتْقَ بِهَا فَعَبْدَانِ خَسِيسَانِ أَفْضَلُ مِنْ عَبْدٍ نَفِيسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ وَالسَّمِينُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ وَالْمَقْصُودُ فِي الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا كَثْرَةُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الشَّحْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمًا رَدِيئًا * وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ تَسْمِينِهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ * وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ * وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ) (الرَّابِعَةُ) أَفْضَلُهَا الْبَيْضَاءُ ثم الصفراء ثم الغبراء وهي التي

لايصفو بَيَاضُهَا ثُمَّ الْبَلْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ ثُمَّ السَّوْدَاءُ * (فَرْعٌ) يَصِحُّ التَّضْحِيَةُ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى وَلِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ آخَرُ أَنَّ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَيْسَ مُرَادُهُ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى فِي التَّضْحِيَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَفْضِيلَهَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا أَرَادَ تَقْوِيمَهَا لِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ قَالَ الْأُنْثَى أَكْثَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ الذي كثر نزوانه فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ذَكَرٌ لَمْ يَنْزُ وَأُنْثَى لَمْ تَلِدْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) تُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لَكِنْ إذَا ضَحَّى بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ تَأَدَّى الشِّعَارُ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَتَكُونُ التَّضْحِيَةُ فِي حَقِّهِمْ سُنَّةَ كِفَايَةٍ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ * وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَا الْبَقَرَةُ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أَوْ بُيُوتٍ وَسَوَاءٌ كَانُوا مُتَقَرِّبِينَ بِقُرْبَةٍ مُتَّفِقَةٍ أَوْ مُخْتَلِفَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ أَمْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضُهُمْ التَّضْحِيَةَ وَبَعْضُهُمْ الْهَدْيَ * وَيَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ الْوَاحِدُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَفَوَاتٍ وَمُبَاشَرَةٍ وَمَحْظُورَاتٍ فِي الْإِحْرَامِ وَنَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ وَالتَّضْحِيَةِ بِشَاةٍ (وَأَمَّا) جَزَاءُ الصَّيْدِ فَتُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَمُشَابَهَةُ الصُّورَةِ فَلَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعٍ مِنْ الظِّبَاءِ * وَلَوْ وَجَبَ شَاتَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ فِي قَتْلِ صَيْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَذْبَحَا عَنْهُمَا بَدَنَةً * وَيَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ الْوَاحِدُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً لِيَكُونَ سُبْعُهَا عَنْ شَاةٍ لَزِمَتْهُ وَيَأْكُلُ الْبَاقِيَ كَمَا يَجُوزُ مُشَارَكَةُ سِتَّةٍ * وَلَوْ جَعَلَ جَمِيعَ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ مَكَانَ الشَّاةِ فَهَلْ يَكُونُ الْجَمِيعُ واجبا حتى لا يجوز أكل شئ مِنْهُ أَمْ الْوَاجِبُ السُّبْعُ فَقَطْ حَتَّى يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْ الْبَاقِي فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَنَظِيرُهُ الْخِلَافُ فِي مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ وَتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِخْرَاجِ بَعِيرٍ عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَفِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ * قال البندنيجي

إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ السُّبْعُ جَازَ أَكْلُ جَمِيعِ الْبَاقِي هَذَا كَلَامُهُ وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ التصدق بجزئ مِنْ الْبَاقِي إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ لِلتَّضْحِيَةِ لَمْ يُجْزِئْهُمَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُ شَاةٍ بِلَا خِلَافٍ بِكُلِّ حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبُنَا أَنَّ أَفْضَلَ التَّضْحِيَةِ بِالْبَدَنَةِ ثُمَّ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الضَّأْنِ ثُمَّ الْمَعْزِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ أَفْضَلُهَا الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ قَالَ وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَإِنَاثُهَا أَفْضَلُ مِنْ فُحُولِ الْمَعْزِ وَفُحُولُ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ إنَاثِ الْمَعْزِ وَإِنَاثُ الْمَعْزِ خَيْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ * وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَهُوَ لَا يَدَعُ الْأَفْضَلَ * وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْإِبِلُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لَنَا عَلَى مَالِكٍ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ وَلِأَنَّ مَالِكًا وَافَقَنَا فِي الْهَدْيِ أَنَّ الْبَدَنَةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ فَقِسْ عَلَيْهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ حِينَئِذٍ بَدَنَةٌ وَلَا بَقَرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لِلتَّضْحِيَةِ سَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ فَيُجْزِئُ عَنْ المتقرب وسواء كان أضحية منذورة أو تَطَوُّعًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ دَاوُد جَوَّزَهُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَفَرِّقِينَ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَائِشَةَ رضى الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا (الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) (وَأَمَّا) قِيَاسُهُ عَلَى الشَّاةِ فَعَجَبٌ لِأَنَّ الشَّاةَ إنَّمَا تُجْزِئُ عن واحد والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجزئ ما فيه عيب ينقص اللحم كالعوراء والعمياء والعرجاء التي تعجز عن المشي في المرعى لِمَا رَوَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يجزئ في الاضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسيرة التي لا تبقى) فنص على هذه الاربعة لانها تنقص اللحم فدل على أن كل ما ينقص اللحم لا يجوز * ويكره أن يضحى بالجلحاء وهى التي لا يخلق لها قرن وبالعصماء وهي التي انكسر غلاف قرنها وبالعضباء وهي التي انكسر قرنها وبالشرقاء وهي التي انثقبت من الكي أذنها وبالخرقاء وهى التى تشق أذنها بالطول لان ذلك كله يشينها وقد روينا عن ابن عباس ان تعظيمها استحسانها فان ضحى بما ذكرناه اجزأه لان ما بها لا ينقص من لحمها * فان نذر ان يضحي بحيوان فيه عيب يمنع الاجزاء كالجرب وجب عليه ذبحه ولا يجزئه عن الاضحية فان زال العيب قبل أن يذبح لم يجزه عن الاضحية لانه ازال الملك فيها بالنذر وهي لا تجزئ فلم يتغير الحكم بما يحدث فيها كما لو اعتق بالكفارة عبدا أعمى ثم صار بعد العتق بصيرا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) عَيْبٌ يَنْقُصُ اللَّحْمَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ - (وَقَوْلُهُ) صَلَّى الله عليه وسلم (البين ضلعها) هو بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - وَهُوَ الْعَرَجُ (وَقَوْلُهُ) الَّتِي لَا تُنْقِي - بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ - أَيْ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا - بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ - وَهُوَ الْمُخُّ (وَقَوْلُهُ) هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَعْنِي الْأَمْرَاضُ (وَقَوْلُهُ) نَقَصَ اللَّحْمُ - بتخفيف القاف

وَالْجَلْحَاءُ بِالْمَدِّ وَكَذَا الْعَصْمَاءُ وَهِيَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَكَذَلِكَ الْعَضْبَاءُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - وَالشَّرْقَاءُ وَالْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) يَشِينُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ * وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّرْقَاءِ أَنَّهَا الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ وَالْخَرْقَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا ثُقْبٌ مُسْتَدِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا فِيهِ عيب ينقص اللحم المريضة فَإِنْ كَانَ مَرَضُهَا يَسِيرًا لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا يَظْهَرُ بِسَبَبِهِ الْهُزَالُ وَفَسَادُ اللَّحْمِ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا شَاذًّا أن المرض لايمنع بِحَالٍ وَأَنَّ الْمَرَضَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِهِ الْجَرَبُ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي قَوْلًا قَدِيمًا * وَحُكِيَ وَجْهٌ فِي الْهُيَامِ - بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - خَاصَّةً أَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ مِنْ أَمْرَاضِ الْمَاشِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَدَّ عَطَشُهَا فَلَا تَرْوَى مِنْ الْمَاءِ قَالَ أَهْلُ اللغة هو داء يأخذها فتهيم في الار ض لَا تَرْعَى وَنَاقَةٌ هَيْمَاءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمَدِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الْجَرَبُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَثِيرَهُ وَقَلِيلَهُ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكُ * وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا إذَا كَثُرَ كَالْمَرَضِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * وَسَوَاءٌ فِي الْمَرَضِ وَالْجَرَبِ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَمَا لَا يُرْجَى (الثَّالِثَةُ) الْعَرْجَاءُ إنْ اشْتَدَّ عَرَجُهَا بِحَيْثُ تَسْبِقُهَا الْمَاشِيَةُ إلَى الْكَلَأِ الطَّيِّبِ وَتَتَخَلَّفُ عَنْ الْقَطِيعِ لَمْ تُجْزِئْ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُخَلِّفُهَا عَنْ الْمَاشِيَةِ لَمْ يَضُرَّ فَلَوْ انْكَسَرَ بَعْضُ قَوَائِمِهَا فَكَانَتْ تَزْحَفُ بِثَلَاثٍ لَمْ تُجْزِئْ * وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِيُضَحِّيَ بِهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ فَاضْطَرَبَتْ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا أَوْ عَرَجَتْ تَحْتَ السِّكِّينِ لَمْ تُجْزِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا عَرْجَاءُ عِنْدَ الذَّبْحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُ شَاةٍ فَبَادَرَ إلَى التَّضْحِيَةِ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ (الرَّابِعَةُ) لَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْعَوْرَاءُ الَّتِي ذَهَبَتْ حَدَقَتُهَا وَكَذَا إنْ بَقِيَتْ حَدَقَتُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ كَمَالُ النَّظَرِ * وَتُجْزِئُ الْعَشْوَاءُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ الَّتِي تُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ (فَأَمَّا) الْعَمَشُ وَضَعْفُ

بَصَرِ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنْ غَطَّى النَّاظِرَ بَيَاضٌ أَذْهَبَ أَكْثَرَهُ مَنَعَ وَإِنْ أَذْهَبَ أَقَلَّهُ لَمْ يَمْنَعْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الْخَامِسَةُ) الْعَجْفَاءُ الَّتِي ذَهَبَ مُخُّهَا مِنْ شِدَّةِ هُزَالِهَا لَا تُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِهَا بَعْضُ الْهُزَالِ وَلَمْ يَذْهَبْ مُخُّهَا أَجْزَأَتْ كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ * وقال الماوردي ان كان خَلْقِيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ مَنَعَ الاجزاء لانه ذا (1) وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ السِّمَنُ الْبَالِغُ لِلْإِجْزَاءِ لَا يُعْتَبَرُ الْعَجَفُ الْبَالِغُ لِلْمَنْعِ قَالَ وَأَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ لَا يَرْغَبُ فِي لَحْمِهَا الطَّبَقَةُ الْعَالِيَةُ مِنْ طَلَبَةِ اللَّحْمِ فِي حَالَةِ الرَّخَاءِ مَنَعَتْ * (السَّادِسَةُ) وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الثَّوْلَاءِ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ الَّتِي تَسْتَدِيرُ فِي الرَّعْيِ وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزِلُ فَلَا تُجْزِئُ بِالِاتِّفَاقِ (السَّابِعَةُ) يُجْزِئُ الْفَحْلُ وَإِنْ كَثُرَ نَزْوَانُهُ وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرَتْ وِلَادَتُهَا وَلَمْ يَطِبْ لَحْمُهَا إلَّا إذَا انْتَهَيَا إلَى الْعَجَفِ الْبَيِّنِ (الثَّامِنَةُ) لَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا نَظَرَ فَإِنْ لَمْ يُبِنْ منها شئ بَلْ شُقَّ طَرَفُهَا وَبَقِيَ مُتَدَلِّيًا لَمْ يَمْنَعْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَمْنَعُ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ * وَإِنْ أُبِينَ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأُذُنِ مَنَعَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مَنَعَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِفَوَاتِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَقْرَبُ ضَبْطٍ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ أَنَّهُ إنْ لَاحَ النَّقْصُ مِنْ الْبُعْدِ فَكَثِيرٌ وَإِلَّا فَقَلِيلٌ (التَّاسِعَةُ) لَا يَمْنَعُ الْكَيُّ فِي الْأُذُنِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي مَنْعِهِ وَجْهَانِ لِتَصَلُّبِ الْمَوْضِعِ * وَتُجْزِئُ صَغِيرَةُ الْأُذُنِ وَلَا تُجْزِئُ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا أُذُنٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تُجْزِئُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وغيره (العاشرة) لا تجزئ الَّتِي أَخَذَ الذِّئْبُ مِقْدَارًا بَيِّنًا مِنْ فَخِذِهَا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ قَطْعُ الْفِلْقَةِ الْيَسِيرَةِ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ * وَلَوْ قَطَعَ الذِّئْبُ أَوْ غَيْرُهُ أَلْيَتَهَا أَوْ ضَرْعَهَا لَمْ تُجْزِئْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ * وَتُجْزِئُ الْمَخْلُوقَةُ بِلَا ضَرْعٍ أَوْ بِلَا أَلْيَةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ بِخِلَافِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا أُذُنٌ لِأَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا وَالذَّنَبُ كَالْأَلْيَةِ وَقَطْعُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ أَوْ الضَّرْعِ كَقَطْعِ كُلِّهِ وَلَا تُجْزِئُ مَقْطُوعَةُ بَعْضِ اللِّسَانِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يجزئ الموجوء والخصي كذا

_ (1) بياض بالاصل) *)

قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الصَّوَابُ * وَشَذَّ ابْنُ كَجٍّ فَحَكَى فِي الْخَصِيِّ قَوْلَيْنِ وَجَعَلَ الْمَنْعَ هُوَ قَوْلُ الْجَدِيدِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ فَاتَ مِنْهُ الْخُصْيَتَانِ وَهُمَا مَأْكُولَتَانِ (قُلْنَا) لَيْسَتَا مَأْكُولَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَنْجَبِرُ بِالسِّمَنِ الَّذِي يَتَجَدَّدُ فِيهِ بِالْإِخْصَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِي الحديث أنه ضحى بموجوبين وَهُمَا الْمَرْضُوضَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْخَصِيِّ الذي ذهبت خصياه فانهما بالرضى صَارَتَا كَالْمَعْدُومَتَيْنِ وَتَعَذَّرَ أَكْلُهُمَا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) تُجْزِئُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ سَوَاءٌ دُمِّيَ قَرْنُهَا أَمْ لَا قَالَ الْقَفَّالُ إلَّا أَنْ يُؤَثِّرَ أَلَمُ الِانْكِسَارِ فِي اللَّحْمِ فَيَكُونُ كَالْجَرَبِ وَغَيْرُهُ وَذَاتُ الْقَرْنِ أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرَنَيْنِ) وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَعْظِيمُهَا اسْتِحْسَانُهَا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) تُجْزِئُ ذَاهِبَةُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ فَإِنْ انْكَسَرَتْ جَمِيعُ أَسْنَانِهَا أَوْ تَنَاثَرَتْ فَقَدْ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَقَالَ امام الحرمين قال المحققون تجزئ وقيل لَا تُجْزِئُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ كَانَ يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِلَافِ وَيَنْقُصُ اللَّحْمَ مَنَعَ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ بِلَا شَكٍّ فَرَجَعَ الْكَلَامُ الا الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا * وَفِي الْحَدِيثِ نَهْيٌ عَنْ الْمُشَيَّعَةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ الْغَنَمِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِهُزَالٍ أَوْ عِلَّةٍ مَنَعَ لِأَنَّهَا عَجْفَاءُ وَإِنْ كَانَ عَادَةً وَكَسَلًا لَمْ يَمْنَعْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُيُوبُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَضَرْبٌ لَا يَمْنَعُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ (فَأَمَّا) الَّذِي يَمْنَعُهُ فَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ (وَأَمَّا) الَّذِي لَا يَمْنَعُهُ بَلْ يُكْرَهُ فَمِنْهُ مَكْسُورَةُ القرن وذاهبته ويقال للتي لم يخلق لها قرن جلحاء وللتى انْكَسَرَ ظَاهِرُ قَرْنِهَا عَصْمَاءُ وَالْعَضْبَاءُ هِيَ مَكْسُورَةُ ظَاهِرِ الْقَرْنِ وَبَاطِنِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ النَّخَعِيُّ لَا تَجُوزُ الْجَلْحَاءُ * وَقَالَ مَالِكٌ إنْ دُمِيَ قَرْنُ الْعَضْبَاءِ لَمْ تُجْزِئْ وَإِلَّا فَتُجْزِئُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ (وَمِنْهُ) الْمُقَابَلَةُ وَالْمُدَابَرَةُ يُكْرَهَانِ وَيُجْزِئَانِ وَهُمَا - بِفَتْحِ الْبَاءِ فِيهِمَا - قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءُ الْمُقَابَلَةُ الَّتِي قُطِعَ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا فِلْقَةٌ وَتَدَلَّتْ فِي مُقَابَلَةِ الْأُذُنِ وَلَمْ ينفصل والمدابرة

الَّتِي قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا فِلْقَةٌ وَتَدَلَّتْ مِنْهُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ وَالْفِلْقَةُ الْأُولَى تُسَمَّى الْإِقْبَالَةَ وَالْأُخْرَى تُسَمَّى الْإِدْبَارَةَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ الْمُقَابَلَةُ الْمَوْسُومَةُ بِالنَّارِ فِي بَاطِنِ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ فِي ظَاهِرِ أُذُنِهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ * وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن وأن لا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ وَلَا مُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم قال الترمذي حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَبَقَ تَفْسِيرُ الْخَرْقَاءِ وَالشَّرْقَاءِ فِي أَوَّلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَعْنَى نَسْتَشْرِفُ الْعَيْنَ أَيْ نَشْرُفُ عَلَيْهَا وَنَتَأَمَّلُهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ كُلَّهَا لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ المسعودي يعني صاحب الديانة فِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِحَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ لَزِمَهُ أَوْ قَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً لَزِمَهُ ذَبْحُهَا لِالْتِزَامِهِ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ أُضْحِيَّةً كَمَنْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ مَعِيبًا يُعْتِقُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كان لا يجزئ عن الكفارة * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَكُونُ ذَبْحُهَا قُرْبَةً وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنْ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا الْمَشْرُوعَةِ لِأَنَّ السَّلَامَةَ شَرْطٌ لَهَا وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَبْحُهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ وَتَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةِ فِي الْمَصْرِفِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أُضْحِيَّةً بَلْ شَاةَ لَحْمٍ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَتَصِيرُ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِلَحْمٍ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِاسْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا مَحْمَلَ لِكَلَامِهِ إلَّا هَذَا فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَشْتَرِي أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَشَارَ إلَى ظَبْيَةٍ وَقَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً فهو لغو لا يلزم به شئ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الضَّحَايَا * وَلَوْ أَشَارَ إلَى فَصِيلٍ أَوْ سَخْلَةٍ وَقَالَ جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً فَهَلْ هُوَ كَالظَّبْيَةِ أَمْ كَالْمَعِيبِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَالْمَعِيبِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الصَّالِحِ لِلْأُضْحِيَّةِ (أَمَّا) إذَا أَوْجَبَهُ مَعِيبًا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ فَهَلْ يُجْزِئُ ذَبْحُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ المنصف

وَآخَرُونَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ لِكَمَالِهِ وَقْتَ الذَّبْحِ * وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَا قَوْلًا قَدِيمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْعُيُوبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ عَيْبُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ وَعَيْبُ الْمَبِيعِ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَرَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَالْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ وَحُدُودُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَعَيْبُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَانِعُ مِنْ إجْزَائِهَا مَا نَقَصَ اللَّحْمَ * وَعَيْبُ الْمَبِيعِ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ كَالْخِصَاءِ وَعَيْبُ الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ لَا مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرقبة وعيب النكاح ما نفر سورة التَّوَاقِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْجَبُّ وَالتَّعْنِينُ وَالْقَرَنُ وَالرَّتْقُ * وَعَيْبُ الْكَفَّارَةِ مَا أَضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا * وَعَيْبُ الْغُرَّةِ كَعَيْبِ الْمَبِيعِ * فَهَذَا تَقْرِيبُ ضَبْطِهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عُيُوبِ الْأُضْحِيَّةِ * أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ وَكَذَا العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريض الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَاهِبَةِ الْقَرْنِ وَمَكْسُورَتِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا تُجْزِئُ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَتْ مَكْسُورَةَ الْقَرْنِ وَهُوَ يَدْمَى لَمْ تَجْزِهِ وَإِلَّا فَتُجْزِئُهُ * وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ قَرْنِهَا لَمْ تَجْزِهِ سَوَاءٌ دَمِيَتْ أم لا وان كان دون النصف أجزاته (وَأَمَّا) مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ سواء قطع كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ لَمْ تَجْزِهِ وَإِلَّا فَتُجْزِئُهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَجْزِهِ * وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ أُذُنِهَا أَجْزَأَتْ (وَأَمَّا) مَقْطُوعَةُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ فَلَا تُجْزِئُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ إنْ بَقِيَ الثُّلُثُ أَجْزَأَتْ وَفِي رِوَايَةٍ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ وَقَالَ دَاوُد تُجْزِئُ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَمَّا) إذَا أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فَعَالَجَهَا فَأَعْوَرَتْ حَالَ الذَّبْحِ فَلَا تُجَزِّئُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ تجزئ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله *

(والمستحب أن يضحي بنفسه لحديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضحى بكبشين ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر) ويجوز أن يستنيب غيره لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر منها) والمستحب أن لا يستنيب الا مسلما لانه قربة فكان الافضل أن لا يتولاها كافر ولانه يخرج بذلك من الخلاف لان عند مالك لا يجزئه ذبحه فان استناب يهوديا أو نصرانيا جاز لانه من أهل الذكاة * ويستحب أن يكون عالما لانه أعرف بسنة الذبح * والمستحب إذا استناب غيره أن يشهد الذبح لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لفاطمة رضى الله عنها (قومي إلى أضحيتك فاشهديها فانه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ (وَقَوْلُهُ) مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ وَهُوَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ وَأُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا الْمَرْأَةَ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي ذَبْحِ هَدْيِهَا وَأُضْحِيَّتِهَا رَجُلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُوَكِّلَا فِي ذَبْحِهِمَا مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَثَنِيًّا وَلَا مَجُوسِيًّا وَلَا مُرْتَدًّا وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ كِتَابِيًّا وَامْرَأَةً وَصَبِيًّا لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ وَفِي كَرَاهَةِ تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ وَالْحَائِضُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ أَوْلَى مِنْ الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ * وَيُسْتَحَبُّ إذَا وَكَّلَ أَنْ يَحْضُرَ ذَبْحَهَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ اللَّحْمِ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّضْحِيَةِ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حَالَةِ الذَّبْحِ أَمْ يُشْتَرَطُ

قَرْنُهَا بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ التَّقْدِيمِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ قَرْنُهَا كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ * وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّةً فَهَلْ يَكْفِيهِ التَّعْيِينُ وَالْقَصْدُ عَنْ نِيَّةِ التَّضْحِيَةِ وَالذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَكْفِيهِ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ فِيهَا النِّيَّةُ (وَرَجَّحَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الِاكْتِفَاءَ لِتَضَمُّنِهِ النِّيَّةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ حَتَّى لَوْ ذَبَحَهَا يَعْتَقِدُهَا شَاةَ لَحْمٍ أَوْ ذَبَحَهَا لِصٌّ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * وَلَوْ الْتَزَمَ ضَحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ هَلْ تَتَعَيَّنُ عَنْ الْمُطْلَقَةِ فِي الذِّمَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ تَتَعَيَّنُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَتَعَيَّنُ اُشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ * وَلَوْ وَكَّلَهُ وَنَوَى عِنْدَ ذَبْحِ الْوَكِيلِ كَفَى ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْوَكِيلِ بَلْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ أَنَّهُ مُضَحٍّ لَمْ يَضُرَّ * وَإِنْ نَوَى عِنْدَ دَفْعِهَا إلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ * وَيَجُوزُ تَفْوِيضُ النِّيَّةِ إلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَلَا * (فَرْعٌ) لَا يَصِحُّ تَضْحِيَةُ عَبْدٍ وَلَا مُسْتَوْلَدَةٍ وَلَا مُدَبَّرٍ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ إنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ السَّيِّدُ وَقَعَتْ التَّضْحِيَةُ عَنْ السَّيِّدِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُونَ لَمْ يَصِحَّ تَضْحِيَتُهُمْ بِغَيْرِ إذْنٍ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الِانْتِزَاعِ فَإِنْ أَذِنَ وَقَعَتْ عَنْهُمْ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُمْ فِي التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا بَعْدَ جَعْلِهَا ضَحِيَّةً (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَلَا تَصِحُّ تَضْحِيَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَبَرُّعِهِ بِإِذْنِهِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ) رَقِيقٌ فَلَهُ التَّضْحِيَةُ بِمَا مَلَكَهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ (وَأَمَّا) التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ جَوَازَهَا لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ تَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَنْفَعُهُ وَتَصِلُ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ لَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَبِهِ قطع الرافعي في المجرد والله أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ مُعَيَّنَةً بِالنَّذْرِ وقعت عن

الْمُضَحِّي وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ * وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ أَنَّهَا تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي قَالَ هُوَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ ولو ذبح عن نفسه واشترط غيره فِي ثَوَابِهَا جَازَ قَالُوا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ كَبْشًا وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ فِي التَّضْحِيَةِ عَنْ الْمَيِّتِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ (يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنْ ثَبَتَ هَذَا كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ مُسْلِمًا (وَأَمَّا) الْكِتَابِيُّ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةُ اسْتِنَابَتِهِ وَتَقَعُ ذَبِيحَتُهُ ضَحِيَّةً عَنْ الْمُوَكِّلِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَتَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ من أهل الزكاة كالمسلم * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب أن يوجه الذبيحة إلى الْقِبْلَةِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ضحوا وطيبوا أنفسكم فانه ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة الا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات في ميزانه يوم القيامة) ولانه قربة لابد فيها من جهة فكانت جهة القبلة أولى * ويستحب أن يسمى الله تعالى لحديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سمى وكبر) ويستحب أن يقول (اللهم تقبل منى) لما روي عن ابن عباس انه قال (ليجعل احدكم ذبيحته بينه وبين القبلة ثم يقول من الله والى الله والله اكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل) وعن ابن عمر انه كان إذا ضحى قال (من الله والله اكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل منى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ (سَمَّى وَكَبَّرَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَ هَذَا وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَا لَيْتَ الْمُصَنِّفَ احْتَجَّ بِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَمَقْصُودُ الْفَصْلِ بَيَانُ آدَابِ الذَّبْحِ وَسُنَنِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ تَحْدِيدُ السِّكِّينِ وَإِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بِدَلِيلِهِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُ إنْ شاء الله تعالى (الثانية) يستحب إمْرَارُ السِّكِّينِ بِقُوَّةٍ وَتَحَامُلٍ ذَهَابًا وَعَوْدًا لِيَكُونَ أوجى وَأَسْهَلَ (الثَّالِثَةُ) اسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ الْقِبْلَةَ وَتَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَيْهَا وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ ذَبِيحَةٍ لَكِنَّهُ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي بَعْضِهَا وَاجِبٌ وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يُوَجِّهُ وَجْهَهَا ليمكنه هو أيضا الاستقبال (والثاني) يوجهها بجميع بَدَنِهَا (وَالثَّالِثُ) يُوَجِّهُ قَوَائِمَهَا * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ وَإِلَّا فَبَارِكًا * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضْجِعَ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا وَيَتْرُكُ رِجْلَهَا الْيُمْنَى وَيَشُدُّ قَوَائِمَهَا الثَّلَاثَ (الرَّابِعَةُ) التَّسْمِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ وَإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ لَكِنْ تَرْكُهَا عَمْدًا مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ * وَهَلْ يَتَأَدَّى الِاسْتِحْبَابُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ عَضِّ الْكَلْبِ وَإِصَابَةِ السَّهْمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي كَمَالِ الِاسْتِحْبَابِ (فَأَمَّا) إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَيُسْتَحَبُّ تَدَارُكُهَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهِمَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ بَلْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ الذَّبْحَ بِاسْمِهِ وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ وَالسُّجُودَ لَهُ لَا يُشَارِكهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لا يجوز أن يقول باسم الله ومحمدا رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ قَالَ وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ

رَسُولِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُنَاسِبُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَا حَكَى فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ عَنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ ذَبِيحَةٌ يَذْبَحُونَهَا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسِيحِ لَمْ تَحِلَّ * وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ أَنَّ الْيَهُودِيَّ لَوْ ذَبَحَ لِمُوسَى أَوْ النَّصْرَانِيَّ لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَوْ لِلصَّلِيبِ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ ذَبَحَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقْوَى أَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَخَرَّجَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهَا تَحِلُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْتَقِدُ فِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْتَقِدُهُ النَّصْرَانِيُّ فِي عِيسَى * قَالُوا وَإِذَا ذَبَحَ لِلصَّنَمِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا * وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمِ الْمَرْوَرُوذِيِّ أَنَّ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ أَفْتَى أَهْلُ نَجْرَانَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ وَبِاسْمِهِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ السُّجُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ جَمَادٍ كَالصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ وَكَانَ فِعْلُهُ كُفْرًا كَمَنْ يَسْجُدُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَجْدَةَ عِبَادَةٍ فَكَذَا لَوْ ذَبَحَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (فَأَمَّا) إذَا ذَبَحَ لِغَيْرِهِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ ضَحَّى أَوْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا لِكَوْنِهَا بَيْتَ الله تعالى أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ حِلَّ الذَّبِيحَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ أَهْدَيْت لِلْحَرَمِ أَوْ الْكَعْبَةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الذَّبْحُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ اسْتِبْشَارٌ بِقُدُومِهِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَكَذَا السُّجُودُ لِلْغَيْرِ تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا * وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قَالَ الذَّابِحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ وَأَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَةَ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ وَالْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْهُ * قَالَ وَوَقَعَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَقِينَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ قَزْوِينَ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ رَسُولِهِ هَلْ تَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ وَهَلْ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَأَفْضَتْ تِلْكَ الْمُنَازَعَةُ إلَى فِتْنَةٍ قَالَ وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا كلام الرافعي

وَقَدْ أَتْقَنَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ وَاخْتَارَهُ مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ حَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا سَمَّى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسِيحِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ مَعْنَاهُ أَنْ يَذْبَحَهَا لَهُ فَأَمَّا إنْ ذَكَرَ الْمَسِيحَ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَائِزٌ قَالَ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ تَحِلُّ مُطْلَقًا وَإِنْ سَمَّى الْمَسِيحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ كَجٍّ مَنْ ذَبَحَ شَاةً وَقَالَ أَذْبَحُ لِرِضَاءِ فُلَانٍ حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ * وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أن من ذبح للجن وقصد به التقريب إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ شَرَّهُمْ عَنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ قَصَدَ الذَّبْحَ لَهُمْ فَحَرَامٌ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ وَعَجَبٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَا كَيْفَ أَهْمَلَ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ شُهْرَتِهَا وَذِكْرَهُ إيَّاهَا فِي التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا مَذْهَبُنَا * وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهَا قَالُوا وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَ الذَّبْحِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك تَقَبَّلْ مِنِّي * وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * وَلَوْ قَالَ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ كَذَا نقله الروياني في البحر عن الاصحا ب * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَخْتَارُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الذَّبَائِحِ وَعَلَى إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ وَغَيْرِهِمَا إلَى الصَّيْدِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَلَا

إثْمَ عَلَيْهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَةُ شَرْطٌ لِلْإِبَاحَةِ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ * وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) كَمَذْهَبِنَا * وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (الصَّحِيحَةُ) عِنْدَهُمْ وَالْمَشْهُورَةُ عَنْهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ لِلْإِبَاحَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي صَيْدٍ فَهُوَ مَيْتَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثَةُ) إنْ تَرَكَهَا عَلَى إرْسَالِ السَّهْمِ نَاسِيًا أُكِلَ وَإِنْ تَرَكَهَا عَلَى الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ لَمْ يُؤْكَلْ قَالَ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي ذَبِيحَةٍ سَهْوًا حَلَّتْ وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ * وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَذَا نَقْلُ الْعَبْدَرِيِّ * وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَنَافِعٍ كَمَذْهَبِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ وَمِمَّنْ أَبَاحَ أَكْلَ مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَكَمُ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ شَرَطَ التَّسْمِيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عليه وانه لفسق) وَعَنْ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك) وَفِي رِوَايَةٍ (فَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ * وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (وَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَذَكَرْتَ اسْمَ الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم) إلى قوله تعالى (الا ما ذكيتم) فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا يَكُونُ مُذَكًّى إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ (قُلْنَا) الذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ وَقَدْ وُجِدَا وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) فَأَبَاحَ ذَبَائِحَهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْمِيَةَ * وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى الله

عَنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قومنا حديث عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا فَنَأْكُلُ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا وَكُلُوا) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كُلِّهَا فَإِسْنَادُ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمُّوا وَكُلُوا) هَذِهِ التَّسْمِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ عِنْدَ أَكْلِ كُلِّ طَعَامٍ وَشُرْبِ كُلِّ شَرَابٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) فَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهَذَا حَدِيثُ الصَّلْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ) فَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْأَوَّلُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب وما أهل به لغير الله) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يذكر اسم الله عليه وانه لفسق) وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَاتِ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ (وَأَجَابَ) بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ أَنَّ ذِكْرَ التَّسْمِيَةِ لِلنَّدْبِ (وَجَوَابٌ) آخَرُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك) أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ الْإِرْسَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَسَائِلَ مِمَّا سَبَقَ * يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا أَنْ يَقُولَ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك فَتَقَبَّلْ مِنِّي) وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَنَا وَكَرِهَهَا الليث

ابن سعد وابن المنذر * قال المصنف رحمه الله * (وإذا نحر الهدي أو الاضحية نظرت فان كان تطوعا فالمستحب أن يأكل منه لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا رضى الله عنه فنحر ما غبر) واشركه في هديه وامر من كل بدنة ببضعة فجعلها في قدر فطبخت فاكل من لحمها وشرب من مرقها ولا يجب ذلك لقوله عز وجل (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) فجعلها لنا وما هو للانسان فهو مخير بين اكله وبين تركه وفي القدر الذي يستحب أكله قولان قال في القديم يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله عز وجل (فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) فجعلها بين اثنين فدل على انها بينهما نصفين وقال في الجديد يأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث لقوله عز وجل (فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر) قال الحسن القانع الذي يسألك والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك وقال مجاهد القانع الجالس في بيته والمعتر الذي يسألك فجعلها بين ثلاثة فدل على أنها بينهم اثلاثا (واما) القدر الذي يجوز أن يؤكل فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وابو العباس بن القاص يجوز ان ياكل الجميع لانها ذبيحة يجوز أن ياكل منها فجاز ان ياكل جميعها كسائر الذبائح وقال عامة أصحابنا يجب أن يبقى منها قدر ما يقع عليه اسم الصدقة لان القصد منها القربة فإذا اكل الجميع لم تحصل القربة له فان اكل الجميع لم يضمن على قول ابي العباس وابن القاص ويضمن على قول سائر اصحابنا وفي القدر الذي يضمن وجهان (احدهما) يضمن اقل ما يجزئ في الصدقة (والثاني) يضمن القدر المستحب وهو الثلث في احد القولين والنصف في الاخر بناء على القولين فيمن فرق سهم الفقراء على اثنين * وان كان نذرا نظرت فان كان قد عينه عما في ذمته لم يجز أن يأكل منه لانه بدل عن واجب فلم يجز أن يأكل منه كالدم الذي يجب بترك الاحرام من الميقات وان كان نذر مجازاة كالنذر لشفاء المريض وقدوم الغائب لم يجز أن يأكل منه لانه جزاء فلم يجز أن يأكل منه كجزاء الصيد فان أكل شيئا منه ضمنه وفي ضمانه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه قيمة ما أكل كما لو أكل منه أجنبي (والثاني) يلزمه مثله من اللحم لانه لو أكل جميعه ضمنه بمثله فإذا أكل بعضه ضمنه بمثله (والثالث)

يلزمه أن يشترى جزءا من حيوان مثله ويشارك في ذبحه * وان كان نذرا مطلقا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز أن يأكل منه لانه اراقة دم واجب فلا يجوز أن يأكل منه كدم الطيب واللباس (والثاني) يجوز لان مطلق النذر يحمل على ما تقرر في الشرع والهدي والاضحية المعهودة في الشرع يجوز الاكل منها فحمل النذر عليه (والثالث) انه ان كان أضحية جاز أن يأكل منها لان الاضحية المعهودة في الشرع يجوز الاكل منها وان كان هديا لم يجز أن يأكل منه لان أكثر الهدايا في الشرع لا يجوز الاكل منها فحمل النذر عليها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحُرُوفِهِ وَالْبَضْعَةُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ - وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ (وَقَوْلُهُ) مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ (وَقَوْلُهُ) وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ أَيْ فِي ثَوَابِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ بَضْعَةً مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا لِيَكُونَ قَدْ تَنَاوَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَيْئًا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ ذَبِيحَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمَنْذُورَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَلِلْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مِنْهُمَا وَلَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ * وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التصدق بالجميع بل يجب أكل شئ لظاهر قوله تعالى (فكلوا منها وأطعموا) وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَدْنَى جُزْءٍ كَفَاهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اسْمَ الْإِطْعَامِ وَالتَّصَدُّقِ يَقَعُ عَلَيْهِ *

وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ قَوْلَانِ (الْقَدِيمُ) يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ (وَالْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْجَدِيدِ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيُهْدِي الثُّلُثَ إلَى الْأَغْنِيَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ثُمَّ قال أبو حامد ولو تصدق بالثلثين كَانَ أَفْضَلَ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ اخْتِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ ذَكَرَ الْأَفْضَلَ أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً قَالَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كِتَابِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لَا تُغْنِي عَنْ التَّصَدُّقِ بشئ إذَا أَوْجَبْنَاهُ وَإِنَّمَا لَا تُسْتَحَبُّ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْقَدْرَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِهِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ * وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ مِنْ لَحْمِ الْمُتَطَوِّعِ بِهَا شَيْئًا بَلْ يأكل ويطعم ولايجوز تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَالْهَدِيَّةُ إلَيْهِمْ وَيَجُوزُ تَمْلِيكُ الْفُقَرَاءِ مِنْهَا لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ أَصْلَحَ الطَّعَامَ وَدَعَا إلَيْهِ الْفُقَرَاءَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي يَنْقَدِحُ عندي أنا إذا أوجبنا التصدق بشئ أنه لابد مِنْ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْفُقَرَاءَ لِيَأْكُلُوهُ مَطْبُوخًا لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ قال وان دفع مطبوخا لم يجز بَلْ يُفَرِّقْهُ نِيئًا لِأَنَّ الْمَطْبُوخَ كَالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَلْ

يشترط التصدق منها بشئ أم يجوز اكلها جميعها فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ أَكْلُ الْجَمِيعِ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْوَكِيلِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالُوا وَإِذَا أَكَلَ الْجَمِيعَ ففائدة الاضحية حصول الثواب باراقة لدم بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُصَنِّفِينَ منهم المصنف في التنبيه يجب التصدق بشئ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَكَلَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَفِي قَدْرِ الضَّمَانِ خِلَافٌ (الْمَذْهَبُ) مِنْهُ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (وَفِي قَوْلٍ) وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيه وَجْهًا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي التَّصَدُّقِ عَنْهُ وهو النصف أو الثلث فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ دَفَعَ سَهْمَ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ وُجُودِ الثَّالِثِ * وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِثْلِهَا لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ حُكْمِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَكْلِهِ الْجَمِيعَ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهَا وَهَذَا الْوَجْهُ حُكِيَ عَنْ أَبِي اسحق المروزي وأبي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَلَى هَذَا يُذْبَحُ الْبَدَلُ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ الْبَدَلِ وَجْهَانِ * وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ * ثُمَّ مَا ضمنه على

الْخِلَافِ السَّابِقِ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ دَرَاهِمَ بَلْ فِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَكْفِي أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ * وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ دَرَاهِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ * وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الشِّقْصَ وَاللَّحْمَ لَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ ولا يشترط فيه وقتها ولايجوز أن يأكل منه والله أَعْلَمُ * (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْهَدْيُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ مَنْذُورًا قَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّ هَدْيٍ وَجَبَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ غَرِمَ وَلَا يَجِبُ إرَاقَةُ الدَّمِ ثَانِيًا وَفِيمَا يَغْرَمُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ اللَّحْمِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ شِقْصٌ مِنْ حَيَوَانٍ مِثْلِهِ وَيُشَارِكُ فِي ذَبِيحَةٍ لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ بَطَلَ حُكْمُ إرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَ الْجَمِيعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ (وَأَمَّا) الْمُلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْهَدَايَا فَإِنْ عَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دَمِ حَلْقٍ أَوْ تَطَيُّبٍ وَلِبَاسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِغَيْرِ نَذْرٍ وَكَالزَّكَاةِ * وَإِنْ نَذَرَ نَذْرَ مُجَازَاةٍ كَتَعْلِيقِهِ الْتِزَامَ الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ * وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَزِمِ مُعَيِّنًا أَوْ مُرْسِلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَذْبَحُ عَنْهُ فَإِنْ أَطْلَقَ الِالْتِزَامَ فَلَمْ يُعَلِّقْهُ بشئ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ مُعَيِّنًا بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ أَوْ أُهْدِيَ هَذِهِ فَفِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا قَوْلَانِ وَوَجْهٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ دُونَ الْهَدْيِ وَأَدِلَّةُ الثَّلَاثَةِ فِي الْكِتَابِ * وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ ضَحِيَّة مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ الْتِزَامٍ (أَمَّا) إذَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الْأَكْلَ مِنْ الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا فَصَّلَ حُكْمَ الْأَكْلِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُعْتَبَرِينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ

الملتزم المعين والمرسل بالمنع قال أبو إسحق قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ الْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ الْجَوَازَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُرَجَّحُ فِي الْمُعَيِّنِ الْجَوَازُ وَفِي الْمُرْسِلِ الْمَنْعُ سَوَاءٌ عَيَّنَ عَيْنَهُ ثُمَّ ذَبَحَ أَوْ ذَبَحَ بِلَا تَعْيِينٍ لِأَنَّهُ عَنْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَأَشْبَهَ الْجُبْرَانَاتِ وَبِهَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى سِيَاقِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ * وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْأَكْلَ فِي الْمَنْذُورَةِ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ وَفِيمَا يَغْرَمُهُ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي الْجُبْرَانَاتِ * وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ فَفِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُهُ الْقَوْلَانِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ الْخِلَافَ فِي قَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ أَكْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ وَأَقَلُّ مَا فِي تَرْكِهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَانَ ادِّخَارُهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَنْهِيًّا عَنْهُ ثُمَّ أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ * قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُحْتَمَلُ التَّنْزِيهُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ النَّهْيَ كَانَ عَامًّا ثُمَّ نُسِخَ أَمْ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ الْوَاقِعِ تِلْكَ السَّنَةُ فَلَمَّا زَالَتْ انْتَهَى التَّحْرِيمُ وَجْهَيْنِ عَلَى الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا هَلْ يُحْكَمُ بِهِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِادِّخَارُ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَإِذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَصِيبِ الْأَكْلِ لَا مِنْ نَصِيبِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ يَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ وَيَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرُ الثُّلُثَ فَغَلَطٌ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَلَطٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ أُحِبُّ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ الثُّلُثَ وَأَنْ يُهْدِيَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالصَّوَابِ وَرَدٌّ لِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الاكل من الضحية والهدية الْوَاجِبَيْنِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ جُبْرَانًا أَوْ مَنْذُورًا وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ

الْوَاجِبِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَبَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أن دم القران والتمتع دم نسك لاجبران * وكذا قال احمد لا يأكل من شئ مِنْ الْهَدَايَا إلَّا مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَدَمِ التَّطَوُّعِ * وَقَالَ مَالِكٌ يَأْكُلُ مِنْ الْهَدَايَا كُلِّهَا إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ وَنُسُكَ الْأَذَى وَالْمَنْذُورَ وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَهَدْيِهِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا سَبَقَ * وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ أَنْ يأكل ثلثا ويتصدق بثلث وَيُهْدِيَ ثُلُثًا ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ مَنْ أَكَلَ بَعْضَ الْأُضْحِيَّةِ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهَا هَلْ يُثَابُ عَلَى جَمِيعِهَا أَمْ عَلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ ضَحْوَةً هَلْ يُثَابُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فَقَطْ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَثَوَابُ التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْقَوَاعِدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ تَصْرِيحًا الشَّيْخُ الصَّالِحُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اقوم على بدنه فاقسم جلالها وجلودها وامرني ان لا اعطي الجازر منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا) ولو جاز اخذ العوض عنه لجاز ان يعطي الجازر في اجرته ولانه انما اخرج ذلك قربة فلا يجوز ان يرجع إليه الا ما رخص فيه وهو الاكل) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَجِلَالُهَا - بِكَسْرِ الْجِيمِ - جَمْعُ جَلٍّ * وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز بيع شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ نَذْرًا

كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَالْجِلْدُ وَالْقَرْنُ وَالصُّوفُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي أَوْ يَتَّخِذُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَسِقَاءٍ أَوْ دَلْوٍ أَوْ خُفٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ وَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ التَّشْرِيكُ فِيهِ كَالِانْتِفَاعِ بِاللَّحْمِ * وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَخْذِ ثَمَنِهِ لِنَفْسِهِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فرق في بطلان البيع بين بيعه بشئ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِلَالِهَا وَنِعَالِهَا الَّتِي قُلِّدَتْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَكْفِي التَّصَدُّقُ بِالْجِلْدِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ التصدق بشئ مِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ قَالُوا وَالْقَرْنُ كَالْجِلْدِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جلد الاضحية ولاغيره مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبَيْتِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَحْمَدَ واسحق أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ جِلْدَ هَدْيِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ * قَالَ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْغِرْبَالَ وَالْمُنْخُلَ وَالْفَأْسَ وَالْمِيزَانَ وَنَحْوَهَا قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ لَا يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ جِلْدَهَا وَهَذَا غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ * وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا وَبَيْعُ مَا شَاءَ مِنْهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ قَالُوا وَإِنْ بَاعَ جِلْدَهَا بِآلَةِ الْبَيْتِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهَا * دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (ويجوز أن ينتفع بجلدها فيصنع منه النعال والخفاف والفراء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دف ناس من أهل البادية حضرة الاضحى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقى فلما كان بعد ذلك قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما ذاك قالوا يا رسول الله نهيت عن امساك لحوم الاضاحي بعد ثلاث فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وتصدقوا وادخروا) فدل على أنه يجوز اتخاذ الاسقية منها) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِحُرُوفِهِ وَالْفِرَاءُ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِالْمَدِّ جَمْعُ فَرْوٍ وَيُقَالُ فَرْوَةٌ بالهاء لغتان الفصيح بلا هاء (قوله) دَفَّ بِالْفَاءِ أَيْ جَاءَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمَاعَةً سَيْرًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ يُقَالُ هُمْ يَدُفُّونَ دَفِيفًا (وَالْبَادِيَةُ) وَالْبَدْوُ بِمَعْنًى وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَدْوِ وَهُوَ الظُّهُورُ (قَوْلُهَا) حَضْرَةَ هُوَ - بِنَصْبِ التَّاءِ - أَيْ فِي وَقْتِ حُضُورِ الْأَضْحَى وَيَجُوزُ فَتْحُ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا ثلاث لغات ويجوز حضر - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَحَذْفِ الْهَاءِ - (قَوْلُهُ) وَيَجْمُلُونَ الْوَدَكَ هُوَ بِالْجِيمِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَضَمُّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جَمَّلْت اللَّحْمَ أَجْمُلُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ جُمْلًا وَأَجْمَلْته وَاجْتَمَلْته إذَا أَذَبْته وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ فَيُتَّخَذُ مِنْهُ خُفًّا أو نعلا أو دلوا أو فروا اوسقاء أَوْ غِرْبَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْجِلْدِ هُوَ فِي جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِهَا وَهِيَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ الْمُتَطَوَّعُ بِهِمَا وَكَذَا الْوَاجِبُ إذَا جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ نجوزه وجب التصدق به كاللحم ومن نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَعْطَى الْمُضَحِّي الْجَازِرَ شَيْئًا مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ جِلْدِهَا فَإِنْ أَعْطَاهُ لِجِزَارَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ ثُمَّ أَعْطَاهُ اللَّحْمَ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا جَازَ كَمَا يدفع إلى غيره من الفقراء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله *

(ويجوز أن يشترك السبعة في بدنة وفي بقرة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) فان اشترك جماعة في بدنة أو بقرة وبعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد القربة جاز لان كل سبع منها قائم مقام شاة * فان أرادوا القسمة وقلنا ان القسمة افراز النصيبين قسم بينهم وان قلنا ان القسمة بيع لم تجز القسمة فيملك من أراد القسمة نصيبه لثلاثة من الفقراء فيصيرون شركاء لمن يريد اللحم ثم ان شاؤا باعوا نصيبهم ممن يريد اللحم وان شاءوا باعوا من أجنبي وقسموا الثمن * وقال أبو العباس بن القاص تجوز القسمة قولا واحدا لانه موضع ضرورة لان بيعه لا يمكن وهذا خطأ لانا بينا أنه يمكن البيع فلا ضرورة لهم إلى القسمة) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ سَوَاءٌ كَانُوا مضحين أو بعضهم مُضَحِّيًا وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَسَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ أَوْ أَبْيَاتٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُضْحِيَّةَ تَطَوُّعٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بدنة أو بقرة وأرادوا الْقِسْمَةَ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ يبني على أن الْقِسْمَةِ بَيْعٌ أَوْ فَرْزُ النَّصِيبَيْنِ وَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) فِي قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ كَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فَرْزُ النَّصِيبَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا بَيْعٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إفْرَازٌ جَازَتْ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَبَيْعُ اللَّحْمِ الرَّطْبُ بِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَدْفَعَ الْمُتَقَرِّبُونَ نُصِيبَهُمْ إلَى الْفُقَرَاءِ مُشَاعًا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ اللَّحْمَ وَلَهُمْ بَيْعُ نَصِيبِهِمْ بَعْدَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ بَاعُوهُ لِلشَّرِيكِ الْمُرِيدِ اللَّحْمَ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُ مُرِيدُ اللَّحْمِ نصيبه للفقراء بدراهم أو غيرها وان شاؤا جَعَلُوا اللَّحْمَ أَجْزَاءً بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ جُزْءٌ فَإِذَا كَانُوا سَبْعَةً قُسِمَ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا إلَى يَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سُبْعُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي فِي يَدِهِ بِدِرْهَمٍ مثلا ويبيع

لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سُبْعَ الَّذِي فِي يده بدرهم ثم يتقاصون في الدرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (إذا نذر أضحية بعينها فالحكم فيها كالحكم في الهدي المنذور في ركوبها وولدها ولبنها وجز صوفها وتلفها واتلافها وذبحها ونقصانها بالعيب وقد بينا ذلك في باب الهدي فأغنى عن الاعادة وبالله التوفيق) * (الشَّرْحُ) هَذَا كَمَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) فِي تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ مُلَخَّصَةً فَأَحْسَنَ جَمْعَهَا فَقَالَ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي التَّضْحِيَةِ وَأَنَّ الشَّاةَ إذَا جَعَلَهَا ضَحِيَّةً هَلْ يَكْفِيه ذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَكْفِيه فَإِنْ قُلْنَا يَكْفِيه اُسْتُحِبَّ التَّجْدِيدُ * وَمَتَى كَانَ فِي مِلْكِهِ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ فَقَالَ جَعَلْت هَذِهِ ضَحِيَّةً أَوْ هَذِهِ ضَحِيَّةٌ أَوْ عَلَى أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا صَارَتْ ضَحِيَّةً مُعَيَّنَةً وَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ هَدْيًا أَوْ هَذَا هَدْيٌ أَوْ عَلَى أَنْ أُهْدِيَ هَذَا صَارَ هَدْيًا وَشَرَطَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ * وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ المعينين كما سيأتي تفريعه ان شاء الله تَعَالَى * وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْمَالِ الْمُعَيَّنِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ وفي العبد لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ (أَمَّا) إذَا نَوَى جَعْلَ هَذِهِ الشاة هديا أو أضحية ولم يتلفظ بشئ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ ضَحِيَّةً (وقال) فِي الْقَدِيمِ تَصِيرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ * وعلى هذا فيما يصير به هديا وضحية أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِالنِّيَّةِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ (وَالثَّانِي) بِالنِّيَّةِ وَالتَّقْلِيدِ أَوْ الْإِشْعَارِ لِتَنْضَمَّ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ إلَى النِّيَّةِ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ (وَالثَّالِثُ) بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ كَالْقَبْضِ بِالنِّيَّةِ (وَالرَّابِعُ) بِالنِّيَّةِ وَالسَّوْقِ إلى

الْمَذْبَحِ * وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ أَوْ ضَحِيَّةٌ بِالنَّذْرِ فَقَالَ عَيَّنْت هَذِهِ الشَّاةَ عَنْ نَذْرِي أَوْ جَعَلْتهَا عَنْ نَذْرِي أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِي فَفِي تَعَيُّنِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّعَيُّنُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافَ فِي صُوَرٍ رَتَّبَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلْنُورِدْهَا بِزَوَائِدَ * فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَيَّ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الشَّاةِ لَزِمَهُ التَّضْحِيَةُ قَطْعًا وَتَتَعَيَّنُ تِلْكَ الشَّاةُ عَلَى الصَّحِيحِ * وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَفِي تَعَيُّنِ هَذَا الْعَبْدِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَبْدُ أَوْلَى بِالتَّعَيُّنِ لِأَنَّهُ ذُو حَقٍّ فِي الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ * وَلَوْ كَانَ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ ثُمَّ عَيَّنَ عَبْدًا عَمَّا الْتَزَمَهُ فَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ * وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْعَبْدَ عَتِيقًا لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ * وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَالَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ صَدَقَةً تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ كَشَاةِ الْأُضْحِيَّةِ (وَعَلَى الثَّانِي) لَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ لِتُسَاوِيهَا بخلاف الشاة * ولو قال عينت هده الدَّرَاهِمَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ لُغِيَ التَّعْيِينُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الدَّرَاهِمِ ضَعِيفٌ وَتَعَيُّنَ مَا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ فَيَجْتَمِعُ سَبَبَا ضَعْفٍ قَالَ وَقَدْ يُفَادُ مِنْ تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ لديون الادميين قال ولا تخلوا الصُّورَةُ مِنْ احْتِمَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي جَوَازِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ وهذا هو الصحيح ولايجوز صرف شئ مِنْهَا إلَى عَبْدٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ رَسُولًا بِهِ إلَى سَيِّدِهِ هَدِيَّةً ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ فِي عَامٍ فَأَخَّرَ عَصَى وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ (الرَّابِعَةُ) مَنْ ضَحَّى بِعَدَدٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى أَيَّامِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ شَاتَيْنِ ذَبَحَ شَاةً فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى فِي آخِرِ الْأَيَّامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَإِنْ كَانَ أَرْفَقَ بِالْمَسَاكِينِ فَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ أَهْدَاهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ بِضْعًا وَسِتِّينَ وأمر عليا رضى الله عنه ينحر تَمَامِ الْمِائَةِ) فَالسُّنَّةُ التَّعْجِيلُ وَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْخَيْرَاتِ والمبادرة بِالصَّالِحَاتِ إلَّا مَا ثَبَتَ خِلَافُهُ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) مَحِلُّ التَّضْحِيَةِ مَوْضِعُ الْمُضَحِّي سَوَاءٌ كَانَ بَلَدَهُ أَوْ مَوْضِعَهُ مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَفِي نَقْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَقْلِ الزَّكَاةِ (السَّادِسَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ فِي دَارِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا * وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُضَحِّيَ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِبَدَنَةٍ فِي الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ تَتَيَسَّرْ فَشَاةٌ وَأَنَّهُ يَنْحَرُهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَحَّى مِنْ مَالِهِ ضَحَّى حَيْثُ شَاءَ هَذَا كَلَامُهُ * وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى) (السَّابِعَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا من السلف ربيعة شيخ مالك وابو الوقاد وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَ بِلَالٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ (الثَّامِنَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ مِنْ مَالِهِمَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِمَا ممنوع من التبرع به والاضحية تبرع * وقال أَبُو حَنِيفَةَ يُضَحِّي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ * وَقَالَ مَالِكٌ يُضَحِّي عَنْهُ إنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا بِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِ * دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ يَمْنَعُ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْمُرُ بِإِخْرَاجِ الْأُضْحِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ إطْعَامِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي إطْعَامِ فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ مَالِكٌ غَيْرُهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا وَكَرِهَ مَالِكٌ أَيْضًا إعْطَاءَ النَّصْرَانِيِّ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا وَكَرِهَهُ اللَّيْثُ قَالَ فَإِنْ طُبِخَ لَحْمُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الذِّمِّيِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْ ضحية التطوع دون الواجبة والله أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا اشْتَرَى شَاةً وَنَوَاهَا أُضْحِيَّةً مَلَكَهَا وَلَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا حَتَّى يَنْذُرَهُ بِالْقَوْلِ * هَذَا مذهبنا

باب العقيقة

وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً وَيَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ * دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِنِيَّةِ أَنْ يُعْتِقَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ لِلْمُسَافِرِ كَالْحَاضِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَرَوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ النَّخَعِيِّ * وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ لَا تُشْرَعُ لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى وَمَكَّةَ * دَلِيلُنَا حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ (ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ضحيته ثم قال ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ منها حتى قدم المدينة) رواه مسلم * (باب العقيقة) * قال المصنف رحمه الله * (العقيقة سنة وهو ما يذبح عن المولود لما روي بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عن الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجب ذلك لما روي عبد الرحمن بن أبي سعيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن العقيقة فقال لا أحب العقوق ومن ولد له ولد فاحب أن ينسك له فليفعل فعلق على المحبة فدل على أنها لا تجب ولانه إراقة دم من غير جناية ولا نذر فلم يجب كالاضحية والسنة أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة لما روت أم كرز قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة فقال للغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولانه إنما شرع للسرور بالمولود والسرور بالغلام أكثر فكان الذبح عنه أكثر وان ذبح عن كل واحد منهما شاة جاز لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن شاة جاز لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا) ولا يجزئ فيه ما دون الجذعة من الضأن ودون التثنية

من المعز ولا يجزئ فيه إلا السليم من العيوب لانه اراقة دم بالشرع فاعتبر فيه ما ذكرناه كالاضحية والمستحب أن يسمى الله تعالى ويقول اللهم لك واليك عقيقة فلان لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وقال قولوا بسم اللهم لك واليك عقيقة فلان) والمستحب أن يفصل أعضاءها ولا يكسر عظمها لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة تطبخ جدولا ولا يكسر عظم) ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع ولانه أول ذبيحة فاستحب أن لا يكسر عظم تفاؤلا بسلامة أعضائه ويستحب أن يطبخ من لحمها طبيخا حلوا تفاؤلا بحلاوة أخلاقه * ويستحب أن يأكل منها ويهدي ويتصدق لحديث عائشة ولانه إراقة دم مستحب فكان حكمها ما ذكرناه كالاضحية * والسنة أن يكون ذلك في اليوم السابع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (عق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الحسن والحسين عليهما السلام يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤسهما الاذى) فان قدمه على اليوم السابع أو أخره أجزأه لانه فعل ذلك بعد وجود السبب والمستحب أن يحلق شعره بعد الذبح لحديث عائشة ويكره أن يترك على بعض راسه الشعر لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن القزع في الرأس) والمستحب أن يلطخ راسه بالزعفران ويكره أن يلطخ بدم العقيقة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونها على رأس المولود فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يجعلوا مكان الدم خلوفا)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ ضَعِيفَانِ كَمَا تَرَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إذَا ضُمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ قَوِيَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَهُ وفي اسناده عبيد الله بن يزبد وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَحَّحَهُ * وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَقَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لك واليك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ فِي طَبْخِهَا جُدُولًا فَغَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُهَا الْآخَرُ (عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يوم السابع وأمر أن يماط عن رأسهما الْأَذَى) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ قَرِيبًا عَنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ حَدِيثُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْقَزَعِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْعَلُونَ قُطْنَةً) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) لُغَاتُ الْفَصْلِ وَأَلْفَاظُهُ فَالْعَقِيقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَقِيقَةُ أَصْلُهَا الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ يُولَدُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعْرُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ (أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) وَيَعْنِي بِالْأَذَى ذَلِكَ الشَّعْرَ الَّذِي يُحْلَقُ عنه قال وهذا من تسمية الشئ بِاسْمِ مَا كَانَ مَعَهُ أَوْ مَنْ سَبَّبَهُ قال ابو عبيد وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الشَّعْرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ حِينَ يُولَدُ يُسَمَّى عَقِيقَةً وعقة وعقيق قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَصْلُ الْعَقِّ الشَّقُّ وَسُمِّيَ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُحْلَقُ وَيُقْطَعُ وَقِيلَ لِلذَّبِيحَةِ عَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ أَيْ يُشَقُّ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا وَوَدَجَاهَا كَمَا قِيلَ لَهَا ذَبِيحَةٌ مِنْ الذَّبْحِ وَهُوَ الشَّقُّ * قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ

يقال منه عق عن ولده يعق ويعق بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا إذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ وَهِيَ شَعْرُهُ أَوْ ذَبَحَ عَنْهُ شَاةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ) فَقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ كَرَاهَةَ الِاسْمِ وَسَمَّاهَا نَسِيكَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ (فَأُحِبُّ أَنْ يَنْسُكَ) يُقَالُ يَنْسُكُ - بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا - (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وقتل الزانى المحصن (قوله) لما رو ت أُمُّ كُرْزٍ هِيَ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ كَعْبِيَّةٌ خُزَاعِيَّةٌ مَكِّيَّةٌ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ وَهُوَ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا - هَكَذَا صَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ قَالَ وَيَقُولُهُ الْمُحَدِّثُونَ مُكَافَأَتَانِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ كَسْرُهَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إرَاقَةُ دَمٍ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نذر وذبح دون سن الاضحية أو معيبة فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ (وَقَوْلُهُ) تُطْبَخُ جُدُولًا هُوَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهِيَ الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا جَدْلٌ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ (قَوْلُهُ) إرَاقَةُ دم مستحبة احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ (وَإِمَاطَةُ الْأَذَى) إزَالَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى الشَّعْرُ الَّذِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِأَنَّهُ شَعْرٌ ضعيف (والخلوف) - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهُوَ طِيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَسُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ الغلام شاتان وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً فَإِنْ عَقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاةً حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ تَحْصُلْ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ أَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا جَمَاعَةٌ جَازَ سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (الثَّالِثَةُ) الْمُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ هُوَ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَا تُجْزِئُ دُونَ الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةِ الْمَعْزِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُشْتَرَطُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْهَا

اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ أَشَارَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى وَجْهٍ مُسَامِحٍ بِالْعَيْبِ هُنَا (وَأَمَّا) الْأَفْضَلُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبَدَنَةُ ثُمَّ الْبَقَرَةُ ثُمَّ جَذَعَةُ الضَّأْنِ ثُمَّ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) الْغَنَمُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ شئ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عِنْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ ثُمَّ يَقُولُ (اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِهَا أَنَّهَا عَقِيقَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَ جَعَلَهَا عَقِيقَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْصَلَ أَعْضَاؤُهَا وَلَا يكسر شئ مِنْ عِظَامِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كُسِرَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى * وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ (1) (السَّابِعَةُ) قَالَ جُمْهُورُ أصحابنا يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيا بَلْ يَطْبُخُهُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّا إذَا قُلْنَا بالمذهب أنه لاتجزئ دون الجذعة والثنية وجب التصدق بلحمها نيا وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ أَوْجَبْنَا التَّصَدُّقَ بمقدار من الاضحية والعقيقة وجب تمليكه نيا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَبْخُهُ وَفِيمَا يُطْبَخُ بِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) بِحُمُوضَةٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُطْبَخُ بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ) وَعَلَى هَذَا لَوْ طُبِخَ بِحَامِضٍ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَمَرَقِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالْبَعْثِ إلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَلَوْ دَعَا إلَيْهَا قَوْمًا جَازَ وَلَوْ فَرَّقَ بَعْضَهَا وَدَعَا نَاسًا إلَى بَعْضِهَا جَازَ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَتَصَدَّقَ وَيُهْدِيَ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) نَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنَّهُ يُعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَفِي سنن البيهقي عن علي

_ (1) هكذا بالاصل وانظر اين المسالة السادسة) *)

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطَى الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنَةُ) السُّنَّةُ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ يَوْمَ السابع من الولادة وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّادِسِ مِمَّا بَعْدَهُ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ فَيُذْبَحُ فِي السَّابِعِ مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ * فَإِنْ وُلِدَ فِي اللَّيْلِ حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ فِيهِ أَنْ لَا يُحْسَبَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ السَّابِعِ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ السبعة لكن يستحب أن لا يوخر عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ * قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البوشيحى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا إنْ لَمْ تُذْبَحْ فِي السَّابِعِ ذُبِحَتْ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ هَكَذَا فِي الْأَسَابِيعِ * وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَتْ السَّبْعَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاتَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ أَخَّرَ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّالُ وَالشَّاشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهَا لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَاسْتَغْرَبُوهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ * وَقَدْ رَأَيْت أَنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ (وَلَا يَعُقُّ عَنْ كَبِيرٍ) هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ نَقَلَهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ (لَا يَعُقُّ عَنْ الْبَالِغِ غَيْرُهُ) وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَقِّهِ عَنْ نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ البيهقي باسناده عن عبد الله ابن مُحَرَّرٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ) وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ إنَّمَا تَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا

الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ وجه آخر عن أنس وليس بشئ فهو حديث باطل وعبد الله ابن مُحَرَّرٍ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ هو متروك والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ بَعْدَ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ * (فَرْعٌ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ لَا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ عَقَّ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ ضَمِنَ الْعَاقُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ فَأَيْسَرَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْعَقُّ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهَا وَبَعْدَ مُدَّةِ النِّفَاسِ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ أَيْسَرَ في مدة النِّفَاسِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي عَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ الْعَقِيقَةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَا فِي مَالِ الْمَوْلُودِ * قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مُتَأَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عِنْدَ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الْعَقِيقَةِ فِي التَّصَدُّقِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ وَالْهَدِيَّةُ وَالِادِّخَارُ وَقَدْرُ الْمَأْكُولِ وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ وَتَعَيُّنِ الشَّاةِ إذَا عُيِّنَتْ لِلْعَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْعَقِيقَةَ بِمَا دُونَ الْجَذَعَةِ لَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ وَجَازَ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ بِدَمِ العقيقة ولا بأس بلطخه بخلوف أو زعفران وفي استحباب الخلوف أَوْ الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِهِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى هكذا قاله أصحابنا واستدلوا له بِحَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ

وَغَيْرُهُمَا مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ (وَزَنَتْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِ الْحُسَيْنِ فِضَّةً) وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ (تَصَدَّقُوا بِزِنَتِهِ فِضَّةً) فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ كُلَّهَا مُتَّفِقَةً عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فِضَّةً ليس في شئ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَلْ يُقَدَّمُ الْحَلْقُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْحَلْقِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَقْصَاةً فِي بَابِ السِّوَاكِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ حَلْقِ كُلِّ الرَّأْسِ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ وَخِضَابِ الشَّعْرِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ * (فَرْعٌ) فِعْلُ الْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِهَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أحمد وابن المنذر * قال المصنف رحمه الله * (ويستحب لمن ولد له ولد أن يسميه بعبد الله أو عبد الرحمن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أحب الاسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن) ويكره أن يسمى نافعا ويسارا ونجيحا ورباحا وأفلح وبركة لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تسمين غلامك أفلح ولا نجيحا ولا يسارا ولا رباحا فانك إذا قلت اثم هو قالوا لا) ويكره أن يسمي

باسم قبيح فان سمي باسم قبيح غيره لما روى ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير اسم عاصية وقال أنت جميلة) ويستحب لمن ولد له ولد أن يؤذن في أذنه لما روى أبو رَافِعٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ في أذن الحسن رضي الله عنه حين ولدته فاطمة بالصلاة) ويستحب أن يحنك المولود بالتمر لما روى أنس قال (ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولد قال هل معك تمر قلت نعم فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب الانصار التمر وسماه عبد الله)) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ (أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآخَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ ابْنَةً لَعُمَرَ كَانَ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ) وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مُخْتَصَرًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ سَمَّيْته عَبْدَ اللَّهِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (وَقَوْلُهُ) فَلَاكَهُنَّ أَيْ مَضَغَهُنَّ وَفَغَرَ فَاهُ أَيْ فَتَحَهُ وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ) يَتَلَمَّظُ هُوَ أَنْ يَتَتَبَّعَ

بِلِسَانِهِ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ وَيُخْرِجَ لِسَانَهُ وَيَمْسَحَ بِهِ شَفَتَيْهِ (قَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُبُّ الْأَنْصَارِ) رُوِيَ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ كَالذَّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا مَرْفُوعَةٌ أَيْ مَحْبُوبُ الْأَنْصَارِ التَّمْرُ (وَأَمَّا) مَنْ ضَمَّ الْحَاءَ فَهُوَ مَصْدَرٌ وَتَكُونُ الْبَاءُ عَلَى هَذَا مَنْصُوبَةً بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ اُنْظُرُوا حُبَّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ أَيْ حُبُّهُمْ التَّمْرَ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الاحكام فيه مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمَّى الْمَوْلُودُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ (وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ خَاصَّةً * وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ (وُلِدَ لِأَبِي طَلْحَةَ غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ تَسْمِيَتِهِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ

لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الِاسْمِ وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ (سَمِّ ابْنَك عَبْدَ الرَّحْمَنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدَ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ * وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا * وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وأسماء آبائكم فاحسنوا أسمائكم) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْأَشْهَرُ أنه سمع أبا الدرداء وقال البيهقي وطائفة لَمْ يَسْمَعْهُ فَيَكُونُ مُرْسَلًا * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ جَوَازُ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّسْمِيَةِ بِأَسْمَاءِ الانبياء وعن الحرد بن مسكن أَنَّهُ كَرِهَ التَّسْمِيَةَ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّسْمِيَةِ بِجِبْرِيلَ وَيَاسِينَ * دَلِيلُنَا تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَسَمَّى خَلَائِقُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُكْرَهْ (الرَّابِعَةُ) تُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهَا فِي الْعَادَةِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ فَمِنْ الْأَسْمَاءِ الْقَبِيحَةِ حَرْبٌ وَمُرَّةُ وَكَلْبٌ وَكُلَيْبٌ وَجَرْيٌ وَعَاصِيَةُ وَمُغْرِيَةُ - بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَشَيْطَانٌ وَشِهَابٌ وَظَالِمٌ وَحِمَارٌ وَأَشْبَاهُهَا وَكُلُّ هَذِهِ تَسَمَّى بِهَا نَاسٌ * وَمِمَّا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وهي يسار وَرَبَاحٌ وَنَافِعٌ وَنَجَاحٌ وَبَرَكَةُ وَأَفْلَحُ وَمُبَارَكٌ وَنَحْوُهَا والله أعلم *

(فَرْعٌ) صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تسمى ملك الاملاك) وفي رواية (أخنا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا الرِّوَايَةَ الْآخِرَةَ فَإِنَّهَا لِمُسْلِمٍ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة (ملك الاملاك مثل شَاهَانْ شَاهْ) ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ قال العلماء معنى أخنع وأخنا أذل وأوضع وَأَرْذَلُ قَالُوا وَالتَّسْمِيَةُ بِهَذَا الِاسْمِ حَرَامٌ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ إلَيْهِ أَبُو أُسَيْدٍ ابْنًا لَهُ فَقَالَ (مَا اسْمُهُ قَالَ فُلَانٌ قَالَ لَا وَلَكِنَّ اسْمَهُ الْمُنْذِرُ) * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ * وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ سُمِّيتُ بُرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمُّوهَا زَيْنَبَ قَالَتْ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كانت جورية اسْمُهَا بُرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ) وَفِي صَحِيحِ البخاري عن سعد بْنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ حَزْنًا (جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا اسْمُك قَالَ حَزْنٌ قَالَ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سمانيه أبي فقال ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ - الحزونة غلظ الوجه وشئ مِنْ الْقَسَاوَةِ - وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ أَصْرَمُ قَالَ بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ وَأَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يُكْنَى أبا الحكم ان الله هو الحاكم فمالك مِنْ الْوَلَدِ قَالَ سُرَيْجٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قَالَ سُرَيْجٌ قَالَ فَأَنْتَ أَبُو سُرَيْجٍ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْعَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتْلَةَ - بِإِسْكَانِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا - وَشَيْطَانٍ وَالْحَاكِمِ وَغُرَابٍ وَحَبَّابٍ وَشِهَابٍ فَسَمَّاهُ هَاشِمًا وَسَمَّى حَرْبًا سُلَيْمًا وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضًا يُقَالُ لَهَا عُقَرَةُ سَمَّاهَا خُضْرَةَ وَشِعْبُ

الضَّلَالَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى وَبَنُو الدَّنِيَّةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرُّشْدِ وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بِبَنِي رَشْدَةَ والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ سِتِّ الْعَرَبِ أَوْ سِتِّ الْقُضَاةِ أَوْ بِسِتِّ الْعُلَمَاءِ مَا حُكْمُهُ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَتُسْتَنْبَطُ كَرَاهَتُهُ مِمَّا سَبَقَ فِي حَدِيثِ (أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ) وَمِنْ حَدِيثِ تَغْيِيرِ اسْمِ بَرَّةَ إلَى زَيْنَبَ وَلِأَنَّهُ كَذِبٌ * ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَاطِلَةٌ عَدَّهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِسِتِّ النَّاسِ سَيِّدَتَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ لَفْظَةَ سِتٍّ إلَّا فِي الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ التَّكَنِّي وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ وَيُسْتَحَبُّ تَكْنِيَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أم لا وسواء كني بولده أم بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَوْ أَبِي فُلَانَةَ وَسَوَاءٌ كُنِّيَتْ الْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَوْ أُمِّ فُلَانَةَ * وَيَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ تَكْنِيَةُ الصَّغِيرِ * وَإِذَا كُنِّيَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ كُنِّيَ بِأَكْبَرِهِمْ * وَلَا بَأْسَ بِمُخَاطَبَةِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ بِكُنْيَتِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِهَا أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ مَفْسَدَةٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الِاسْمِ * وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَا ذَكَرْتُهُ فَأَمَّا أَصْلُ الْكُنْيَةِ فَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ فِيهِ أَحَادِيثُ الْآحَادِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يا أبا عمير ما فعل البعير) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبَاتِي لَهُنَّ كُنًى قَالَ فَاكْتَنِي بِابْنِك عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُكْنَى أُمَّ عَبْدِ الله * فهذا هو الصواب المعروف أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَإِنَّمَا كنيت بابن أختها عبد الله ابن أَسْمَاءَ * وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّهَا كُنِيَتْ بِسِقْطٍ أَسْقَطَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ فَمِنْ دَلَائِلِهَا قَوْله تَعَالَى (تَبَّتْ يَدَا أبي لهب) واسمه عبد العزا قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ تَكْنِيَتَهُ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِهَا وقيل كراهة لاسمه حيث هو عبد العزا * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى مَا قَالَ أَبُو حَبَّابٍ يُرِيدُ عَبْدَ الله بن أبى بن سلول المنافق)

وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ) وَكَانَ أَبُو رِغَالٍ كَافِرًا * فَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ وَإِلَّا فَلَا يُزَادُ عَلَى الِاسْمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَتَبَ إلَى مَلِكِ الرُّومِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ) * (فَرْعٌ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تكنوا بكنيتي) وصح عن على أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدِك وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِك أَوْ أُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِك قَالَ نَعَمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ * وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكْنَى بِأَبِي الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَمِمَّنْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ الْمُحَدِّثُونَ الْفُقَهَاءُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ مِنْ سُنَنِهِ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ تَارِيخُ دِمَشْقَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى التَّرَخُّصِ لَهُ وَتَخْصِيصِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ (وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي) مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَلِغَيْرِهِ وَيُجْعَلُ النَّهْيُ خَاصًّا بِحَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ * وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّالِثُ أَصَحَّ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَكْتَنُونَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الثَّالِثُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْحَدِيثِ (وَأَمَّا) إطْبَاقُ الناس على فعله من أَنَّ فِي الْمُتَكَنِّينَ بِهِ وَالْكَانِينَ الْأَئِمَّةَ الْأَعْلَامَ وَأَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَاَلَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَكُونُونَ فَهِمُوا مِنْ النَّهْيِ الِاخْتِصَاصَ بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ فِي تَكَنِّي الْيَهُودِ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَمُنَادَاتِهِمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ لِلْإِيذَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ كُنْيَتَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ (أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْت أَنَا أُمُّ هَانِئٍ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ قَالَ (جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا

فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذَا قُلْت أَبُو قَتَادَةَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا بَأْسَ بِالتَّكَنِّي بِأَبِي عِيسَى وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا يَكْفِيك أَنْ تُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كَنَّانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِنْ عُمَرَ ضَرَبَ ابْنًا لَهُ تَكَنَّى بِأَبِي عِيسَى * دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّهْيِ حَتَّى يَثْبُتَ وَلَا يُتَخَيَّلُ مِنْ هذا كون عيسى بن مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَبَ لَهُ لِأَنَّ الْمُكَنَّى لَيْسَ أَبًا حَقِيقَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَنَابَزُوا بالالقاب) وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ تَلْقِيبِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْوَلِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَبْرَصِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَحْدَبِ وَالْأَزْرَقِ وَالْأَفْطَسِ والاشتر والاثرم والاقطع والزمن والمتعد وَالْأَشَلِّ أَوْ كَانَ صِفَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُهُ * وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذِكْرِهِ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِذَلِكَ وَدَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ حَذَفْتهَا لِشُهْرَتِهَا * وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اللَّقَبِ الَّذِي يُحِبُّهُ صَاحِبُهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ * هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَغَيْرِهِمْ (وَقِيلَ) اسْمُهُ عَتِيقٌ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ الْأَطْرَافُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَقَبُ خَيْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ عَتِيقًا فَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ مِنْ أَوْجُهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ) فَمِنْ يَوْمِئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا * وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ سُمِّيَ عَتِيقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَسَبِهِ شئ يُعَابُ بِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ * وَمِنْ ذَلِكَ أَبُو تُرَابٍ لَقَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ التُّرَابُ فَقَالَ قُمْ أَبَا تُرَابٍ فَلَزِمَهُ هَذَا اللَّقَبُ الْحَسَنُ) رَوَيْنَا هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ

سَهْلٌ وَكَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ إلَيْهِ وَإِنْ كان ليفرح أن يدعا بِهَا * وَمِنْ ذَلِكَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ - كَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كان يدعوه ذا اليدين) والله أَعْلَمُ * (الثَّامِنَةُ) اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَرْخِيمِ الِاسْمِ المنتقص إذا لم يتأذى بِذَلِكَ صَاحِبُهُ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَخَّمَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصحابة فقال لابي هريرة يا أباهر ولعائشة يا عائش ولانجشة يانجش (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْوَلَدِ وَالتِّلْمِيذِ وَالْغُلَامِ أَنْ لَا يُسَمِّيَ أَبَاهُ وَمُعَلِّمَهُ وَسَيِّدَهُ بِاسْمِهِ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ هَذَا قَالَ أبي قال لا تمشي أَمَامَهُ وَلَا تُسْتَسَبَّ لَهُ وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ) وَمَعْنَى لَا تُسْتَسَبَّ لَهُ أَيْ لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لَأَنْ يَسُبَّك عَلَيْهِ أَبُوك زَجْرًا وَتَأْدِيبًا * وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - قَالَ (يُقَالُ مِنْ الْعُقُوقِ أَنْ تُسَمِّيَ أَبَاك وَأَنْ تَمْشِيَ أَمَامَهُ) (الْعَاشِرَةُ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ مَنْ يُنَادِيهِ نَادَاهُ بِعِبَارَةٍ لَا يَتَأَذَّى بِهَا كَيَا أَخِي يَا فَقِيرُ يَا فَقِيهُ يَا صَاحِبَ الثَّوْبِ الْفُلَانِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ يَمْشِي بَيْنَ القبور (يا صاحب السبتتين وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ * وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ اسْمَ الرَّجُلِ قَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ) (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَاطِبَ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ وَلَدٍ وَغُلَامٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَنَحْوِهِمْ بِاسْمٍ قَبِيحٍ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا وَرِيَاضَةً فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ (أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ) (قَوْلُهُ) غُنْثَرُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَضْمُومَةٍ وَمَعْنَاهُ الْبَهِيمُ (قَوْلُهُ) جَدَّعَ - بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - أَيْ دَعَا بِقَطْعِ أَنْفِهِ وَنَحْوِهِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَيَكُونُ الْأَذَانُ بِلَفْظِ أَذَانِ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى * وَقَدْ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ) وَأُمُّ الصِّبْيَانِ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ * وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يُحَنَّكَ الْمَوْلُودُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ بِتَمْرٍ بِأَنْ يَمْضُغَهُ إنْسَانٌ وَيُدَلِّكَ بِهِ حَنَكَ الْمَوْلُودِ وَيَفْتَحَ فَاهُ حتى ينزل إلى جوفه شئ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فبشئ آخَرَ حُلْوٍ * وَدَلِيلُ التَّحْنِيكِ وَكَوْنِهِ بِتَمْرٍ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ وَيُحَنِّكُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ (حَمَلْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فنزلت قبا فَوَلَدْتُ بِقُبَاءَ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ دعا بتمر فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلُ شئ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرِ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ) * وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهَنَّأَ بِمَا جَاءَ عَنْ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ عَلَّمَ إنْسَانًا التَّهْنِئَةَ فَقَالَ قُلْ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْت بِرَّهُ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ الْمُهَنَّأُ عَلَى الْمُهَنِّئِ فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ أَحْسَنَ اللَّهُ ثَوَابَك وَجَزَاءَك وَنَحْوَ هَذَا * (فَرْعٌ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَرَعُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْفَرَعَةُ - بِالْهَاءِ - أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الام كثرة نَسْلِهَا * وَالْعَتِيرَةُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - ذَبِيحَةٌ كَانُوا يذبحونها في العشر الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا * هَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْفَرَعُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِيهِ هو تفسير

الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ * وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لطواغيتهم وعن بريشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَادَى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا قَالَ إنَّا كُنَّا نُفَرِّعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا قال في كل سائمة فرع تغدوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبيحة فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فقال أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ السَّائِمَةُ مِائَةٌ * وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةً شَاةٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ * وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي أُرَاهُ عَنْ جَدِّهِ قَالَ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا ابْنَ مَاخِضٍ وَابْنَ لَبُونٍ فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتَكْفَأَ إنَاءَكَ وَتُولِهَ نَاقَتَك) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ معناه الفرق لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يُولَدُ وَلَا شِبَعَ فِيهِ وَلِذَا قَالَ وَتَذْبَحَهُ يُلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ لِأَنَّ فِيهِ ذَهَابَ وَلَدِهَا وَذَلِكَ يَرْفَعُ لَبَنَهَا وَلِهَذَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ إنَاءَك يَعْنِي إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَكَأَنَّك كَفَأْت إنَاءَك وَأَرَقْته وَأَشَارَ بِهِ إلَى ذَهَابِ اللَّبَنِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَفْجَعُهَا بِوَلَدِهَا وَلِهَذَا قَالَ وَتُولِهَ نَاقَتَك فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ ثُمَّ يُذْبَحُ وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمِّهِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ أَوْ قَالَ بِمِنًى وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفْرِعْ) وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ مِنْهَا وَنُطْعِمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم لا بأس بذلك) وعن محنف بن سليم العامدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْته يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ المزني قال ما سمعت الشافعي يقول في الفرع هو شئ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شاته فلا يغدوه رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ (فَرِّعُوا إن شئتم) أي اذبحوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اختيارا أن يغدوه ثُمَّ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْفَرَعُ حق) معناه ليس باطل وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ قال وقوله صلى الله عليه وسلم (لافرع ولاعتيرة وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَبَرَّرُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا عَتِيرَةَ) أَيْ لَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ قَالَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ لِلَّهِ فِي أَيِّ شهر كان لا أنها فِي رَجَبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشَّهْرِ هَذَا آخر كلام الشافعي (وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكْرَهَانِ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) (والثاني) لا يكرهان للاحاديث السابقة بالترخيص فِيهِمَا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ (لَا فَرَعَ) بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ * وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي

سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا إنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ هَذَا مَذْهَبُنَا * وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ مَنْسُوخٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مُعَاقَرَةُ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَبَارَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَاخِرُ صَاحِبَهُ فَيَعْقِرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَدَدًا مِنْ إبِلِهِ فَأَيُّهُمَا كَانَ عَقْرُهُ أَكْثَرَ كَانَ غَالِبًا فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَهَا لِأَنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ * قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ الْعَقْرُ هُوَ أَنْ يَعْقِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفَاخَرَةً لِصَاحِبِهِ فَهُوَ نَحْوُ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ بَلْ جَعَلُوهُ مُرْسَلًا * (فَرْعٌ) رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ) قَالَ وَذَبَائِحُ الْجِنِّ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّارَ أَوْ يَسْتَخْرِجَ الْعَيْنَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَذْبَحُ لَهَا ذَبِيحَةً لِلطَّيْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُونَ فَيَخَافُونَ إنْ لَمْ يَذْبَحُوا أَنْ يُصِيبَهُمْ فيها شئ مِنْ الْجِنِّ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ * (فَرْعٌ) عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (اقروا الطير على مكاناتها) وَفِي رِوَايَةٍ مَكَانَتِهَا - بِفَتْحِ الْكَافِ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يُونُسُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَقَّ كَانَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبَ هَذَا سَمِعْته يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ

أَتَى الطَّيْر فِي وَكْرِهِ فَنَفَّرَهُ فَإِنْ أَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ مَضَى لِحَاجَتِهِ وَإِنَّ أَخَذَ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ فَنَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ يُونُسُ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يسيح وحده في هذه والله أَعْلَمُ * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الِاصْطِيَادِ لَيْلًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَقِيقَةِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ * وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ رَجُلٌ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَجُلٌ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ * دَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا وَهُوَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ بِالْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ قَالَ وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ التَّابِعِيُّ أَدْرَكْت النَّاسَ وَمَا يَدْعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْعَقِيقَةَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ وَبُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ مِنْ أهل يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ * قَالَ وَانْتَشَرَ عَمَلُ ذَلِكَ فِي عامة بلدان المسلمين متبعين فِي ذَلِكَ مَا سَنَّهُ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ السُّنَّةَ مَنْ خَالَفَهَا وَعَدَلَ عَنْهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي قَدْرِ الْعَقِيقَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَالِكٌ * وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ لَا عَقِيقَةَ

عَنْ الْجَارِيَةِ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ الْعَقِيقَةِ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الابل والبقر والغنم وبه قال أنس ابن مَالِكٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ * وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْغَنَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُكْسَرَ عِظَامُ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قال عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فِي كَسْرِهَا الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَةُ لَطْخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد * وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُدْمَى) دَلِيلُنَا حَدِيثُ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مع الغلام عقيقته فاهرقوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ وَيُدْمَى فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَصِحُّ بَلْ هِيَ تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ وَيُسَمَّى * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ تَفُوتُ * (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ الْمَوْلُودُ قَبْلَ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ الْعَقِيقَةُ عِنْدَنَا * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ لَا تُسْتَحَبُّ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَعُقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يَعُقُّ عَنْهُ مِنْهُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابُ تَسْمِيَةِ السَّقْطِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُسَمَّى مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله

باب النذر

(باب النذر) * قال المصنف رحمه الله * (يصح النذر من كل مسلم بالغ عاقل (فأما) الكافر فلا يصح نذره ومن أصحابنا من قال يصح نذره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فقال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك) والمذهب الاول لانه سبب وضع لايجاب القربة فلم يصح من الكافر كالاحرام (وأما) الصبي والمجنون فلا يصح نذرهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه ايجاب حق بالقول فلم يصح من الصبي كضمان المال) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (رُفِعَ الْقَلَمُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ * وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ) سَبَبٌ وُضِعَ لِإِيجَابِ الْقُرْبَةِ احْتِرَازٌ مِنْ شِرَاءِ الْكَافِرِ طَعَامًا لِلْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ بِالْقَوْلِ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إيجَابٌ عَنْ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ وَتَدْبِيرِهِ وَإِذْنِهِ فِي دُخُولِ الدَّارِ إذَا صَحَّحْنَا كل ذلك (وبقوله) بالقول مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ * وَيُقَالُ نَذَرَ وَيَنْذِرُ - بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِيمَا نَذَرَهُ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ الْمُخْتَارَ وَنَافِذَ التَّصَرُّفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا (فَأَمَّا) الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ اخْتَلَّ عَقْلُهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَمَوْضِعُ إيضَاحِهِ كِتَابُ الطَّلَاقِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ فَفِي نَذْرِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا أَسْلَمَ إنْ قُلْنَا نَذْرُهُ مُنْعَقِدٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الوفاء به

لكن يستحب وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ عُمَرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَأَمَّا) الْمُكْرَهُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَقِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فيصح منه نذر القرب البدنية (وأما) الْمَالُ فَإِنْ الْتَزَمَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا فِي يَدِهِ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُؤَدِّيه بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنْ نَذَرَ مَالًا مُعِينًا مِمَّا يَمْلِكُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ هل توقف صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ أَمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُهُ فَيَكُونُ النَّذْرُ بَاطِلًا وَإِنْ تَوَقَّفْنَا فِي النَّذْرِ أَيْضًا * قَالَ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ وَإِنْ أَلْغَيْنَا عِتْقَهُ فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ وَفِي صِحَّتِهِ تَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ فَإِنْ نَذَرَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ * قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا النَّذْرَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْكَرَاهَةُ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ قَالَ فَإِنْ نَذَرَ طَاعَةً وَوَفَّى بِهِ فَلَهُ أَجْرُ الْوَفَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُ النذر هذا كلام الترمذي *

* قال المصنف رحمه الله * (ولا يصح النذر الا بالقول وهو أن يقول لله على كذا فان قال علي كذا ولم يقل لله صح لان التقرب لا يكون الا لله تعالى فحمل الاطلاق عليه وقال في القديم إذا أشعر بدنة أو قلدها ونوى أنها هدى أو أضحية صار هديا أو أضحية لان النبي صلى الله عليه وسلم (اشعر بدنة وقلدها ولم ينقل انه قال انها هدي فصارت هديا) وخرج أبو العباس وجها آخر انه يصير هديا وأضحية بمجرد النية ومن أصحابنا من قال إذا ذبح ونوى صار هديا وأضحية والصحيح هو الاول لانه ازالة ملك يصح بالقول فلم يصح بغير القول مع القدرة عليه كالوقف والعتق ولانه لو كتب على دار انها وقف أو على فرس انه في سبيل الله لم يصر وقفا فكذلك ها هنا) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ احْتِرَازٌ من تفرقة لزكاة وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ (وَقَوْلُهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَخْرَسِ * وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ المصنف ينتقض بوقوع الطلاق بالكتب أو النية فَإِنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ الْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْبَغِي أن يزاد في القيود إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ مَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَالْعِتْقُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ * وَهَلْ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ أَوْ بِالْإِشْعَارِ أَوْ التَّقْلِيدِ أَوْ الذَّبْحِ مَعَ النِّيَّةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الْهَدْيِ * وَالْأَكْمَلُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لِلَّهِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا صِحَّةُ نَذْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ

إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي وُجُوبِ إضَافَةِ الْوُضُوءِ والصلاة وسائر العبادات إلى الله تعالى * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ ان شاء زيد فشفى لم يلزمه شئ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا لَوْ عَقَّبَ الْأَيْمَانَ وَالطَّلَاقَ وَالْعُقُودَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لا يلزمه شئ * * قال المصنف رحمه الله * (ويجب بالنذر جميع الطاعات المستحبة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) (وأما) المعاصي كالقتل والزنا وصوم يوم العيد وأيام الحيض والتصدق بما لا يملكه فلا يصح نذره لما روى عمران بن الحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم) * ولا يلزمه بنذرها كفارة وقال الربيع إذا نذرت المرأة صوم أيام الحيض وجب عليها كفارة يمين ولعله خرج ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (كفارة النذر كفارة يمين) والمذهب الاول والحديث متأول * (واما) المباحات كالاكل والشرب فلا تلزم بالنذر لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ برجل قائم في الشمس لا يستظل فسأل عنه فقيل هذا أبو إسرائيل نذر أن يقف ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم فقال مروه فليقعد وليستظل وليتكلم ويتم صومه) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي إسْرَائِيلَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبُو إسْرَائِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُ إسْرَائِيلَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُكْنَى أَبَا إسْرَائِيلَ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ - مَعْصِيَةٌ - وَطَاعَةٌ - وَمُبَاحٌ (الْأَوَّلُ) الْمَعْصِيَةُ كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ أَوْ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ

أَوْ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ أَوْ نَذْرِ ذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الْمَعْصِيَةَ الْمَنْذُورَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ مِنْ تَخْرِيجِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الضَّرْبُ الثَّانِي) الطَّاعَةُ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) الْوَاجِبَاتُ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ فَلَا مَعْنًى لالتزامها وذلك كنذر الصلوات الخمس وصوم شهر رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا * وَكَذَا لَوْ نَذَرَ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ وَلَا يَزْنِيَ وَلَا يَغْتَابَ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ أَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً * وَإِذَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * (النَّوْعُ الثَّانِي) نَوَافِلُ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ وَهِيَ الْمَشْرُوعَةُ لِلتَّقَرُّبِ بِهَا وَعُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْعِبَادِ إيقَاعُهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا فَهَذِهِ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى بَذْلِ مَالٍ أَوْ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ كَالْجِهَادِ وتجهيز الموتى قال الرافعي ويجئ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَلْزَمُ الْجِهَادُ بِالنَّذْرِ (وَأَمَّا) الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ مَالٍ وَلَا مُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا * (فَرْعٌ) كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا اُشْتُرِطَتْ فِي النَّذْرِ كَمَنْ شَرَطَ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ إذَا قُلْنَا الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ * فَلَوْ أُفْرِدَتْ الصِّفَةُ بِالنَّذْرِ وَكَانَ الْأَصْلُ وَاجِبًا شَرْعًا كَتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ مِثْلَ سُورَةِ كَذَا أَوْ أَنْ يُصَلِّيَ الفرض

فِي جَمَاعَةٍ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُزُومُهَا لِأَنَّهَا طَاعَةٌ (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تُغَيِّرَ مِمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ * وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ كَالْوِتْرِ وَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (الْأَصَحُّ) اللُّزُومُ * وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُبْطِلُ رُخْصَةَ الشَّرْعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَهُ أَفْضَلُ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ (أَمَّا) مَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُجْرَى الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ إذَا قُلْنَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَيُجْرَيَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرِ عِنْدَ مُقْتَضَيْهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى مَسَاقِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ نَذَرَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَتَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَفْطُرَ بِالْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا وَالْمَرَضُ مُرَخِّصٌ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) الْقُرُبَاتُ الَّتِي تُشْرَعُ لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَقَدْ يُبْغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنَالُ الثَّوَابَ فِيهَا وَذَلِكَ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَفِي لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) اللُّزُومُ لِعُمُومِ حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا تَخْرُجَ عَمَّا وَضَعَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ * وَفِي لُزُومِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ بالنذر وجهان (الاصح) اللزوم لما ذكره (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الِاغْتِسَالَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ أَنْ يُبْنَى عَلَى تَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْوُضُوءِ عَنْ حَدَثٍ بَلْ بِالتَّجْدِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِانْعِقَادِ نَذْرِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ * وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَمُرَادُهُمْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُشْرَعُ تَجْدِيدُهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ * وَفِيهِ

أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِذَا تَوَضَّأَ لَهَا عَنْ حَدَثٍ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَهَا ثَانِيًا بَلْ يَكْفِي الْوُضُوءُ الْوَاحِدُ عَنْ وَاجِبَيْ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ التَّيَمُّمَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ * قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَهْرُبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَإِلَّا فَلَا * وَفِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ الْكَفَافُ قَطُّ حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَزِمَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمُبَاحُ وَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ لِلتَّهَجُّدِ وَغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَكِنْ الْفِعْلُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا حَصَلَ الثَّوَابُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ * وَهَلْ يَكُونُ نَذْرُ الْمُبَاحِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْفَرَائِضِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمُبَاحِ وَذَكَرَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَجْهَيْنِ وَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ وَالصَّوَابُ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ وَلَا غَيْرِهَا فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وَالْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ الْجِهَادَ فِي جِهَةٍ بِعَيْنِهَا فَفِي تَعَيُّنِهَا أَوْجُهٌ مَشْهُورَةٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ تَتَعَيَّنُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَاتِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُجَاهِدَ فِي جِهَةٍ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ مِنْهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الَّتِي يُجَاهِدُ فِيهَا كَالْمُعَيَّنَةِ فِي الْمَسَافَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَيَحْصُلُ مَسَافَةُ الْجِهَاتِ كَمَسَافَةِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ الْمَالِيَّةُ كالصدقة والاضحية والاعتاق ان يلتزمها في فِي الذِّمَّةِ يُضِيفُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنَّ المعين لغيره لم يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ قَطْعًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ

وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي لُزُومِهَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقُهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ وَالْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَمَلُّكِهِ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ وَسَنُوَضِّحُهُ ان شاء الله تعالى * قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي وَمَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا إنْ مَلَكْته انْعَقَدَ نَذْرُهُ * قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَكُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ إنْ مَلَكْته لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ لَكِنَّهُ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ بِشَرْطٍ وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا فِي حَالِ التَّعْلِيقِ فَلَغَا تَعْلِيقُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا * قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ * قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ قَطْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ * قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْقِيَامَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) سُئِلَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ عَمَّا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك مِائَةَ دِينَارٍ هَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَهَذَا مُبَاحٌ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي إلَّا إذَا نُقِلَ مَذْهَبٌ مُعْتَبَرٌ فِي لُزُومِ ذَلِكَ النَّذْرِ *

(فرع) نقل القاضى أبو القاسم ابن كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ عَنْ ابْنِي هَلْ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ عَنْ وَلَدِهِ لِكَوْنِ الذَّبْحِ عَنْ الْأَوْلَادِ قُرْبَةً * وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي هَلْ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَوَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَذْبَحَ ابْنِي فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةً مَكَانَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ وَوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا نَذَرَ النَّصْرَانِيُّ أَنْ يَصُومَ أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ أَسْلَمَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَصُومَ صَلَاةَ شَرْعِنَا وَصَوْمِهِ؟ هَذَا نَقْلُ ابْنِ كَجٍّ * وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ النَّذْرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَبُطْلَانُهُ في الصور الثلاث الباقية والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوَ يَتِيمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالْيَتِيمِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ فِي الشَّرْعِ يَقَعُ لِلْمُسْلِمِ * هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ مَسْلَكَ جَائِزِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ إنْ قُلْنَا مَسْلَكَ جَائِزِهِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى الذِّمِّيِّ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نَذْرَهُ بَاطِلٌ وَلَوْ خَالَفَهُ فَلَا كَفَّارَةَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد * وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بَلْ يَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْمَذْهَبَيْنِ * وَاحْتَجَّ احمد أيضا بحديث عن عائشة مرفوع (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُمَا وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ التَّشْرِيقِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يلزمه بهذا النذر شئ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ بَلْ يَصُومُ غَيْرَهُ قَالَ فَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ بِهِ فَرْضُ نَذْرِهِ * دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أجنبي لم ينعقد نذره ولا شئ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ * وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ فِي يَمِينٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ نَذَرَ ذبح عبده لا يلزمه شئ وقال أبو يوسف لا يلزمه شئ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) إيجَابُ الشَّاةِ فَتَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ مُبَاحًا كَلُبْسٍ وَرُكُوبٍ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ أَحْمَدُ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (فان نذر طاعة نظرت فان علق ذلك على اصابة خير أو دفع سوء فاصاب الخير أو دفع السوء عنه لزمه الوفاء بالنذر لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (ان امرأة ركبت في البحر فنذرت ان نجاها الله ان تصوم شهرا فماتت قبل ان تصوم فأتت اختها أو أمها إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تصوم عنها) فان لم يعلقه على شئ بأن قال لله علي ان اصوم أو اصلي ففيه وجهان (أحدهما) انه يلزمه وهو الاظهر لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وابي بكر الصيرفي لانه التزام من غير عوض فلم يلزمه بالقول كالوصية والهبة * وان نذر طاعة في لجاج وغضب بان قال ان كلمت فلانا فعلي كذا فكلمه فهو بالخيار بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (كفارة النذر كفارة يمين) ولانه يشبه اليمين من حيث انه قصد المنع والتصديق ويشبه النذر من حيث انه التزم قربة في ذمته فخير بين موجبهما ومن أصحابنا من قال ان كانت القربة حجا أو عمرة لزمه الوفاء به لان ذلك يلزمه بالدخول فيه بخلاف غيره والمذهب الاول لان العتق ايضا يلزمه اتمامه بالتقويم ثم لا يلزمه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّهَا أَوْ أُخْتُهَا وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُهَا (أَمَّا) حديث (من نذر ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ احْتِرَازٌ مِنْ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَمَنْ الْعِوَضِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ (وَقَوْلُهُ) فلا يلزمه بالقول احتراز من الاتلاف والغضب والله أعلم

(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّذْرُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) نَذْرُ تَبَرُّرٍ (وَالثَّانِي) نَذْرُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ (الْأَوَّلُ) التَّبَرُّرُ وَهُوَ نَوْعَانِ (أَحَدُهُمَا) نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابِلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا أَوْ نَجَّانَا مِنْ الْغَرَقِ أَوْ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ الظَّالِمِ أَوْ أَغَاثَنَا عِنْدَ الْقَحْطِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ يَلْتَزِمَهُ ابْتِدَاءً من غير تعليق على شئ فَيَقُولُ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَتَصَدَّقَ فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُمْ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ وَيُقَالُ فِيهِ يَمِينُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا يَمِينُ الْغَلَقِ وَيُقَالُ أَيْضًا نَذْرُ الْغَلَقِ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ - فَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا أَوْ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ كَلَّمَهُ أَوْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ طُرُقٍ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ قَالَ أَشْهَرُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ لَكِنْ الْأَظْهَرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَالْمُوَفَّقُ بْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ (وَالثَّالِثُ) نفى التَّخْيِيرِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَالرَّابِعُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَعَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (وَالْخَامِسُ) الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَنَفْيُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (قُلْت) وَالْأَصَحُّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ * قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَزَمُ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ فَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْكَفَّارَةِ تَقَعُ تَطَوُّعًا وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا الْتَزَمَ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا وَاجِبُهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ لَزِمَهُ إعْتَاقُهُ

كَيْفَ كَانَ وَإِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ أَوْ يُعْتِقَ غَيْرَهُ أَوْ يُطْعِمَ أَوْ يَكْسُوَ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَارَ الْإِعْتَاقَ أَعْتَقَ غَيْرَهُ * وَإِنْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فان اختار الوفاء أعتقه كَيْفَ كَانَ وَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ اُعْتُبِرَ فِي إعْتَاقِهِ صِفَاتُ الْإِجْزَاءِ * وَإِنْ الْتَزَمَ إعْتَاقَ عَبِيدِهِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ أَعْتَقَهُمْ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ أَعْتَقَ وَاحِدًا أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا * وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَعَ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ إذَا فَعَلَهُ وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الْتِزَامًا * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهِ قطع البغوي وابراهيم المروذي * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (فَأَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ بِالْمُلْتَزَمِ فَيَلْزَمُهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعَيِّنُهُ مِمَّا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ * وَعَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا * وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَغْوٌ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِنَذْرٍ وَلَا صِيغَةِ يَمِينٍ وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا فَعَلَهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ كِنَايَةً وَيَرْجِعَ إلَى نِيَّتِهِ * وَلَوْ قَالَ نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ * وَلَوْ عَدَّدَ أَجْنَاسَ قُرَبٍ فَقَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ حَجٌّ وَعِتْقٌ وَصَدَقَةٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْوَفَاءَ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ احْتِمَالًا فِي تَعَدُّدِهَا * فَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ الْيَوْمَ قَالَ الْبَغَوِيّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أطلقك فهو كقوله ان دخلت الدار فو الله لَأُطَلِّقَنَّكِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ * وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ فَدَخَلَهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَالثَّانِي) هُوَ لغو فلا شئ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَمَا لَوْ قال لله علي

أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي (وَالثَّالِثُ) يَصِيرُ مَالُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَدَقَةً كَمَا لَوْ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً * وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فِي عُرْفِهِمْ مَعْنَى النَّذْرِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ بِجَمِيعِ مَالِي وَطَرِيقُ الْوَفَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَإِذَا قَالَ في سبيل يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ مَا نص عليه الشافعي وقاله الجمهور والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ الصِّيغَةُ قَدْ تَتَرَدَّدُ فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَتَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يُرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يُرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ قَالَ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ الْفِعْلَ طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحُ وَالِالْتِزَامِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَارَةً يُعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً بِالنَّفْيِ (أَمَّا) الطَّاعَةُ فَفِي طرف الاثبات يتصور نذر التبرر بأن يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ مَعْنَاهُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ صُمْت فَإِذَا وُفِّقَ لَهَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ * وَيُتَصَوَّرُ اللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ فَإِذَا صَلَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ وَالطُّرُقُ السَّابِقَةُ (وَأَمَّا) فِي طَرَفِ النَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ لِأَنَّهُ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَيُتَصَوَّرُ فِي اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ * (وَأَمَّا) الْمَعْصِيَةُ فَفِي طَرَفِ النَّفْيِ يُتَصَوَّرُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَقَصَدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ وَيُتَصَوَّرُ نَذْرُ اللَّجَاجِ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ وَفِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا اللَّجَاجُ بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالشُّرْبِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (وَأَمَّا) الْمُبَاحُ فَيُتَصَوَّرُ فِي طرفي النفي والاثبات فيه النوعان معا لتبرر فِي الْإِثْبَاتِ إنْ أَكَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي وَاللِّجَاجُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَكْلِهِ فَيَقُولُ إنْ أَكَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا * وَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ إنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته وَاللِّجَاجُ أَنْ يمنع من أكله فيقول إن لم آكل فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (أَمَّا) إذَا قَالَ إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ رُؤْيَتَهُ فَهُوَ نَذْرُ

تَبَرُّرٍ وَإِنْ ذَكَرَهُ لِكَرَاهَةِ رُؤْيَتِهِ فَنَذْرُ لَجَاجٍ * وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَجْهًا فِي الْوَسِيطِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّرِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ فلان لم يلزم القائل شئ * قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا غَلَّبْنَا فِي اللَّجَاجِ مَعْنَى النَّذْرِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا هُوَ يَمِينٌ فهو كمن قال والله لاأفعل كَذَا إنْ شَاءَ زَيْدٌ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ لَا أَدْخُلَهَا فَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمَشِيئَةِ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَاتٌ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ * قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَافَحَةِ لِلرِّجَالِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةِ الْمَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْأَيْمَانَ التي رتبها الحجاج لم يلزمه شئ وَإِنْ أَرَادَهَا نَظَرَ إنْ قَالَ فَطَلَاقُهَا وَعِتَاقُهَا لَازِمٌ لِي انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِهِمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِمَا لَكِنْ نَوَاهُمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ أَيْضًا بِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَنْعَقِدْ يمينه ولا شئ عليه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (إذا نذر ان يتصدق بماله لزمه ان يتصدق بالجميع لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع الله فليطعه) وان نذر ان يعتق رقبة ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه ما يقع عليه الاسم اعتبارا بلفظه (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الكفارة لان الرقبة التي يجب عتقها بالشرع ما يجب بالكفارة فحمل النذر عليه * وان نذر ان يعتق رقبة بعينها لزمه ان يعقتها ولا يزول ملكه عنها حتى يعتقها فان اراد بيعها أو ابدالها بغيرها لم يجز لانه تعين للقربة فلا يملك بيعه كالوقف وان تلف أو اتلفه لم يلزمه بدله لان الحق للعبد فسقط بموته وان اتلفه اجنبي وجبت القيمة للمولى ولا يلزمه صرفها في عبد آخر لما ذكرناه) * (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَكْفِيه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ * دَلِيلُنَا أَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ فَقَدْ سَبَقَ

بَيَانُهُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَرِيبًا * وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ علي ان اتصدق بشئ صَحَّ نَذْرُهُ وَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ * وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ ولا بالنية لم يلزمه شئ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المنصف بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ إعْتَاقُ مَا يُسَمَّى رَقَبَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَكَافِرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ أَعْتِقُ رَقَبَةً أَيَّةُ رَقَبَةٍ كَانَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهِيَ الْمُؤْمِنَةُ السَّلِيمَةُ * وَبَنَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْخِلَافَ عَلَى أَصْلٍ مَفْهُومٍ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ النَّاذِرَ إذَا الْتَزَمَ عِبَادَةً بِالنَّذْرِ وَأَطْلَقَهَا فَلَمْ يَصِفْهَا فعلى اي شئ يُحْمَلُ نَذْرُهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَفْهُومَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (أَحَدُهُمَا) يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ فَجُعِلَ كَوَاجِبِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً (وَالثَّانِي) يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ عَلَى أَقَلِّ جَائِزِ الشَّرْعِ لِأَنَّ لَفْظَ النَّاذِرِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ (قُلْت) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ فَفِي بَعْضِهَا يُصَحِّحُونَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا الْأَصَحُّ وُجُوبُ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ بِاتِّفَاقِهِمْ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ * وَمِمَّا رُجِّحَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي مَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَعِيبَةُ وَالْكَافِرَةُ تَرْجِيحًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي * فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ * وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْجُمْهُورِ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَائِرِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَيْسَ لَهُ عُرْفٌ مُطْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بَلْ وُقُوعُ عِتْقِ التَّطَوُّعِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فَحُمِلَ الْعِتْقُ الْمُطْلَقُ بِالنَّذْرِ عَلَى مُسَمَّى الرَّقَبَةِ (وَأَمَّا) الصَّوْمُ فَيَصِحُّ فِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ) فَخَرَجَ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ داخلا في العموم * وهكذا الصلاة صَحَّ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) فَخَرَجَ جَوَازُ

التنقل بِرَكْعَةٍ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَنْزِلُ النَّذْرُ فِي صِفَاتِهِ عَلَى صِفَاتِ وَاجِبِ الشَّرْعِ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي صِفَاتِهِ (وَأَمَّا) أَصْلُ فِعْلِهِ وَالْوَفَاءُ بِهِ فَوَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَنْزِيلِ النَّذْرِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّنْزِيلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَإِلَّا فَرَكْعَةٌ (وَمِنْهَا) جَوَازُ صَلَاتِهِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فِيهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَيْهَا * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا جَازَ الْقُعُودُ قَطْعًا كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَذْرِ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَطْعًا * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنْ نَزَّلْنَا النَّذْرَ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا * وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمَرْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى الْجَائِزِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدٍ وَإِنْ شَاءَ أَدَّاهَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَيَجُوزُ بِتَسْلِيمَةٍ وَبِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ فِي النَّوَافِلِ هكذا نقلوه (والاصح) انه يجوز بتسلميتين عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ الْمُخَرَّجَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا * وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لَمْ تُجْزِئْهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ نَذَرَ فِعْلُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَهُ فِعْلُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا وَإِنْ أَطْلَقَ فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدَانَقٍ وَدُونِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ لِأَنَّ الصلاة الْوَاجِبَةَ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بَلْ تَكُونُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الْخُلْطَةِ وَيُتَصَوَّرُ إيجَابُ دَانَقٍ وَدُونِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ إذَا تَلِفَ مُعْظَمُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَقُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَمِنْهَا) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَإِنْ نَزَّلْنَا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَجَبَتْ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارَكِيِّ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ كَافِرَةٌ مَعِيبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ

وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَبَقَ * فَلَوْ قَيَّدَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ لَمْ يُجْزِهِ الْكَافِرَةُ وَلَا الْمَعِيبَةُ بِلَا خلاف ولو قال كافرة أو معيبة أجزأنه بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ أَعْتَقَ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً فَقِيلَ لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَا الْتَزَمَهُ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ وَذَكَرَ الْكُفْرَ وَالْعَيْبَ لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ * وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْكَافِرَ أَوْ الْمَعِيبَ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِكَافِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ وَجْهَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ أَمْ يَكْفِي الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لُبْثٌ وَيَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ بِلُبْثِ سَاعَةٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ يَوْمًا * وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالْمُرُورِ فِي أَصْلِ الِاعْتِكَافِ فَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ لُبْثٌ لِأَنَّ لَفْظَ الِاعْتِكَافِ يُشْعِرُ بِهِ (وَالثَّانِي) لَا حَمْلًا لَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ شَرْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ إعْتَاقُهَا وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَوْ هِبَتَهَا أَوْ الْوَصِيَّةَ بِهَا أَوْ إبْدَالَهَا بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ * وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ لِلْمَوْلَى وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمَوْلَى بِمَا شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا * وَدَلِيلُ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي الْكِتَابِ وَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَإِيضَاحِ الْفَرْقِ فِي بَابِ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المنصف رحمه الله * (وان نذر هديا نظرت فان سماه كالثوب والعبد والدار لزمه ما سماه وان أطلق الهدي ففيه قولان قال في الاملاء والقديم يهدي ما شاء لان اسم الهدي يقع عليه ولهذا يقال أهديت له دارا أو اهدي لي ثوبا ولان الجميع يسمى قربانا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الجمعة (من راح في الساعة الاولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة) فإذا سمى قربانا وجب أن يسمي هديا وقال في الجديد لا يجزئه الا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لان الهدى المعهود في الشرع ما ذكرناه فحمل مطلق النذر عليه * وان نذر بدنة أو بقرة أو شاة فان قلنا بالقول الاول أجزأه من ذلك ما يقع عليه الاسم وان قلنا بالقول الثاني لم يجزه الا ما يجزئ في الاضحية * وان نذر شاة فاهدى بدنة أجزأه لان البدنة بسبع من الغنم وهل يجب الجميع فيه وجهان (أحدهما) ان الجميع واجب لانه مخير بين الشاة والبدنة فايهما فعل كان واجبا كما نقول في العتق والاطعام في كفارة اليمين (والثاني) ان الواجب هو السبع لان كل سبع منها بشاة فكان الواجب هو السبع * وان

نذر بدنة وهو واجد البدنة ففيه وجهان (أحدهما) أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم لان كل واحد من الثلاثة قائم مقام الاخر والثاني أنه لا يجزئه غير البدنة لانه عينها بالنذر وان كان عادما للبدنة انتقل إلى البقرة فان لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم ومن أصحابنا من قال لا يجزئه غير البدنة فان لم يجد ثبتت في ذمته إلى أن يجد لانه التزم ذلك بالنذر والمذهب الاول لانه فرض له بدل فانتقل عند العجز إلى بدله كالوضوء * وإن نذر الهدى للحرم لزمه في الحرم وان نذر لبلد آخر لزمه في البلد الذي سماه لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله أنى نذرت ان أذبح بمكان كذا وكذا مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال لصنم قالت لا قال لوثن قالت لا قال أوفي بنذرك) فان نذر لافضل بلد لزمه بمكة لانها أفضل البلاد والدليل عليه ما روى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حجته أي بلد أعظم حرمة قالوا بلدنا هذا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ولان مسجدها أفضل المساجد فدل على أنها أفضل البلاد وان اطلق النذر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز حيث شاء لان الاسم يقع عليه (والثاني) لا يجوز الا في الحرم لان الهدى المعهود في الشرع هو الهدى في الحرم والدليل عليه قوله تعالى (هديا بالغ) الكعبة وقال تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) فحمل مطلق النذر عليه * فان كان قد نذر الهدى لرتاج الكعبة أو عمارة مسجد لزمه صرفه فيما نذر فان أطلق ففيه وجهان (أحدهما) ان له ان يصرفه فيما شاء من وجوه القرب في ذلك البلد الذي نذر الهدى فيه لان الاسم يقع عليه (والثاني) أنه يفرقه على مساكين البلد الذي نذر ان يهدى إليه لان الهدى المعهود في الشرع ما يفرق على المساكين فحمل مطلق النذر عليه * وان كان ما نذره مما لا يمكن نقله كالدار باعه ونقل ثمنه إلى حيث نذر * وان نذر النحر في الحرم ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه النحر دون التفرقة لانه نذر أحد مقصودي الهدى فلم يلزمه الاخر كما لو نذر التفرقة (والثاني) يلزمه النحر والتفرقة وهو الصحيح لان نحر الهدي في الحرم في عرف الشرع ما يتبعه التفرقة فحمل مطلق النذر عليه * وان نذر النحر في بلد غير الحرم ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لان النحر في غير الحرم ليس بقربة فلم يلزمه بالنذر (والثاني) يلزم النحر والتفرقة لان النحر على وجه القربة لا يكون الا للتفرقة فإذا نذر النحر تضمن التفرقة * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ

وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ * وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَرِيبٌ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مشهور من رواية ثابت الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَذَرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِبُوَانَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ فَغَرِيبٌ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ فِي بَابِ طهر المؤمن حما مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ويستدل معه ايضا بحديث عدى بن الْحَمْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ فِي مَكَّةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا وَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَأَفْصَحُهُمَا هَدْيٌ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَبِهَذِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ (وَالثَّانِيَةُ) هَدِيٌّ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - سُمِّيَ هَدِيًّا لِأَنَّهُ يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَعَلَى الْأُولَى هُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ وَمَجْرُوحٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ أَيْ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَإِلَّا فَالْإِمْلَاءُ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَهُ بَدَلٌ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ * وَذَكَرَ فِي الْجَدِيدِ الصَّنَمَ وَالْوَثَنَ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَعَلَى هَذَا قِيلَ الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا مِنْ حَجَرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ * وَقِيلَ الْوَثَنُ مَا كَانَ لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ جَوْهَرٍ أَوْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مُصَوَّرًا أَوْ غَيْرَ مُصَوَّرٍ وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (قَوْلُهُ) رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالْجِيمِ - وَأَصْلُهُ الْبَابُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا وَيُقَالُ فِيهِ الرَّتَجُ أَيْضًا - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَلَا إبْدَالُهُ فَإِنْ كَانَ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ وَاحْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ لِنَقْلِهِ لَزِمَهُ تِلْكَ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ الْمَنْذُورِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالدَّارِ وَالشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَحَجَرِ الرَّحَى وَنَحْوِهَا

لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَنَقْلُ ثَمَنِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّى النَّاذِرُ الْبَيْعَ وَالنَّقْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْحَاكِمِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ وَالْبَدَنَةِ وَالشَّاةِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَسَوَاءٌ الْمُقِيمُونَ فِيهِ وَالْوَارِدُونَ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُونَ بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ * فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ بَدَنَةً أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي ذَبْحِهَا قُرْبَةً * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ * وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ اللَّحْمُ إلَى الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ * وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالظَّبْيَةِ وَالْحِمَارِ وَالطَّائِرِ وَالثَّوْبِ وَجَبَ حَمْلُهُ إلَى الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَسْتَحْسِنُ مَا حُكِيَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ إنْ قَالَ أُهْدِي هَذَا فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ جَعَلْته هَدْيًا فَالْمُؤْنَةُ فِيهِ يُبَاعُ بعضه قال لكن مُقْتَضَى جَعْلِهِ هَدْيًا أَنْ يُوصَلَ كُلُّهُ إلَى الْحَرَمِ فَيَلْتَزِمَ مُؤْنَتَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أُهْدِي * ثُمَّ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَكِنْ لَوْ نَوَى صَرْفَهُ إلَى تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ جَعَلَ الثَّوْبَ سِتْرًا لَهَا أَوْ قُرْبَةً أُخْرَى هُنَاكَ صَرَفَهُ إلَى مَا نَوَى وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا نَوَى وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَضْعَفُ مِنْهُ أَنَّ الثَّوْبَ الصَّالِحَ لِلسِّتْرِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ الْمُعَيَّنَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِعَيْنِهِ وَيُنْزِلُ تَعْيِينَهُ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ فَيَتَصَدَّقُ بِالظَّبْيَةِ وَالطَّائِرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا حَيًّا وَلَا يَذْبَحُهُ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ فَلَوْ ذَبَحَهُ فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَغَرِمَ مَا نَقَصَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ * وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُذْبَحُ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ ذِكْرَ الْحَيَوَانِ وَقُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُهْدِيَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (اما) إذا نذر إهداء بغير مَعِيبٍ فَهَلْ يَذْبَحُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ لَا يصلح للتضحية كالضبية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَنْذُورِ إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ السِّنُّ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وهما مبنيان

عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ أَقَلِّ جَائِزَةٍ وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى وَاجِبِهِ فَيُشْتَرَطُ سِنُّ الْأُضْحِيَّةِ وَالسَّلَامَةَ * وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَعِيرٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ فَفِيهِ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِالِاتِّفَاقِ لَا يُجْزِئُ الْفَصِيلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعِيرًا وَلَا الْعِجْلَ إذَا ذَكَرَ الْبَقَرَةَ وَلَا السَّخْلَةُ إذَا ذَكَرَ الشَّاةَ * وَلَوْ قَالَ أُضَحِّي بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِي بَدَنَةً جَرَى الْخِلَافُ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِاشْتِرَاطِ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ وَهُوَ كَمَا رَأَى * وَإِنْ أَهْدَى وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (إنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِكُلِّ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ حَتَّى الدَّجَاجَةَ أَوْ الْبَيْضَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ كُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ وَصَرْفُهُ إلَى فُقَرَائِهَا بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ) عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَكَّةَ لِأَنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ الْحَرَمُ وَقَدْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْهَدْيِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الْهَدْيَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَوْ أَنْحَرَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا أَوْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ فِيهِ قُرْبَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً إلَى مَكَّةَ أَوْ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِسَوْقِهَا وَيَذْبَحَهَا وَيُفَرِّقَ لَحْمَهَا عَلَى فُقَرَائِهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلذَّبْحِ وَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ لَزِمَهُ الذَّبْحُ بِهَا أَيْضًا وَفِي تَفْرِقَةِ اللَّحْمِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ تَفْرِقَتُهُ بِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بَلْ لَهُ التَّفْرِقَةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خَارِجَ الْحَرَمِ وَتَفْرِيقَ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي الذَّبْحُ خَارِجُ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ شَاءَ وَيَلْزَمُهُ تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ فِي الْحَرَمِ وَكَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ لَحْمًا * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَيُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ * وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ أَوْ أَذْبَحَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلَفْظِ الْقُرْبَةِ وَالتَّضْحِيَةِ وَلَا التَّصَدُّقِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ عَلَى فُقَرَائِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ * وَلَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلِ بَلَدٍ صَحَّ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ عِنْدَنَا وَقَدْ سَبَقَ

إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ * ولو نذر الذبح أو النحر ببلد أُخْرَى وَلَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ وَأَتَصَدَّقُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَلَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا الذَّبْحَ وَالذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا قُرْبَةَ فِيهِ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ أَوْ تَلَفَّظَ مَعَ ذَلِكَ بِالتَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُمْ يَتَعَيَّنُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ نَقْلِ الصَّدَقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُونَ لَمْ يَجِبْ الذَّبْحُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ بِخِلَافِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا مَحِلُّ ذَبْحِ الْهَدَايَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُونَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يجب الذبح بهابل لَوْ ذَبَحَ خَارِجَهَا وَنَقَلَ اللَّحْمَ إلَيْهَا طَرِيًّا جَازَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ إرَاقَةُ الدَّمِ فِيهَا كَمَكَّةَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَلْدَةِ كَذَا وَأُفَرِّقَ اللَّحْمَ عَلَى أَهْلِهَا فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيُغْنِي ذِكْرُ التَّضْحِيَةِ عَنْ ذِكْرِ التَّصَدُّقِ وَنِيَّتِهِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وُجُوبَ التَّفْرِقَةِ عَلَى أَهْلِهَا وَوُجُوبَ الذَّبْحِ بِهَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ قَالَ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أُضَحِّي بِهَا فَهَلْ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ تَخْصِيصُ التَّفْرِقَةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وُجُوبُ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ بِهَا * وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فُلَانٍ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لم يلزمه شئ وَهَلْ لِفُلَانٍ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بَعْدَ الشِّفَاءِ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ نَعَمْ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ إنْ شُفِيَ فَشُفِيَ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْإِعْتَاقِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَالْمُسْتَحَقُّونَ فِي الْبَلَدِ مَحْصُورُونَ فَإِنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ أَوْ أُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ الشَّرْعُ قَدْ يُقِيمُ مَقَامَهَا بَقَرَةً أَوْ سَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ اسْمُ الْبَدَنَةِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَخِلَافُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اخْتِصَاصُ الْبَدَنَةِ بِالْإِبِلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا نَذَرَ بَدَنَةً فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُطْلِقَ الْتِزَامَ الْبَدَنَةِ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْإِبِلِ وَهَلْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى بَقَرَةٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا (وَالثَّانِي) نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ الْإِبِلَ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ وَإِلَّا جَازَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ * وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَكُلِّ شَاةٍ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُقَيِّدَ فَيَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ يَنْوِيَهَا فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الْإِبِلِ إذَا وُجِدَتْ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ عُدِمَتْ فَوَجْهَانِ

مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْبَقَرَةَ تُجْزِئُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَقَرَةِ دُونَ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ مِنْ الْإِبِلِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَاضِلِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْفَاضِلِ فَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي أَنَّهُ يَشْتَرِي بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَهَلْ يَشْتَرِي بِهِ شِقْصًا أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِدَرَاهِمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُشَارِكُ إنْسَانًا فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا عَدَلَ إلَى الْغَنَمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ أَيْضًا * ثُمَّ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْإِبِلَ فِي حَالَةِ التَّقْيِيدِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالسَّبْعِ مِنْ الْغَنَمِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْقِيمَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْغَنَمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ * وَلَوْ وَجَدَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ السَّبْعَ مِنْ مَالِهِ (وَالثَّانِي) تُجْزِئُهُ لِوَفَائِهِنَّ بِالْقِيمَةِ قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ النَّسَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي زَمَنِ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ شَاةً فَجَعَلَ بَدَلَهَا بَدَنَةً جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ جَمِيعُهَا فَرْضًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَفِي الزَّكَاةِ وَفِي الْحَجِّ (أَصَحُّهُمَا) يَقَعُ سُبْعُهَا وَاجِبًا وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا (وَالثَّانِي) يَقَعُ الْجَمِيعُ وَاجِبًا (فَإِنْ قُلْنَا) كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ السُّبْعُ جَازَ الْأَكْلُ مِنْ الزَّائِدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَجُوزُ أَكْلُ الزَّائِدِ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهَا بَدَنَةً لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الشَّاةَ تَعَيَّنَتْ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ قَالَ إذَا أَهْدَى هَذِهِ الشَّاةَ نَذْرًا لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَنِّي سَأُحْدِثُ نَذْرًا أَوْ سَأُهْدِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قَالَ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا وَنَوَى بَهِيمَةً أَوْ جَدْيًا أَوْ رَضِيعًا أَجْزَأَهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الْهَدْيِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْهُ قَالَ وَلَوْ أَهْدَى كَامِلَةً كَانَ أَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُجْزِئُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْفَحْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الْإِبِلِ

أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ بِلَا خِلَافٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ * (الْخَامِسَةُ) إذَا نَذَرَ الْإِهْدَاءَ لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ لَزِمَ صَرْفُهُ فِي كِسْوَتِهَا وَإِنْ قَصَدَ صَرْفَهُ فِي طِيبِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ نَذْرُهُ صُرِفَ إلَيْهِ وَإِنْ نَذَرَ الْإِهْدَاءَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ صرح بصرفه في قربة أُخْرَى مِثْلِهَا أَوْ نَوَاهُ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَصْرِفُهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ وُجُوهِ الْقُرُبَاتِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ وَالْوَارِدِينَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ أَمْ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْهُودِ تَعَيَّنَ لِلْمَسَاكِينِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَطْيِيبُ الْكَعْبَةِ وَسِتْرُهَا مِنْ الْقُرُبَاتِ سَوَاءٌ سِتْرُهَا بِالْحَرِيرِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ نَذَرَ سِتْرَهَا أَوْ تَطْيِيبَهَا صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ هَدْيًا لِرِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَطِيبِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْقُلُهُ وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْقَيِّمِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى أَوْ نَصَّ فِي نَذْرِهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ تَطْيِيبَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ تَرَدُّدٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى تَخْصِيصِ الِانْعِقَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ مَا يُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ دَاوُد مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ هَدْيٍ وَهُوَ قَوْلُنَا الْآخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر صلاة لزمه ركعتان في أظهر القولين لان أقل صلاة واجبة في الشرع ركعتان فحمل النذر عليه وتلزمه ركعة في القول الاخر لان الركعة صلاة في الشرع وهي الوتر فلزمه ذلك وان نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ المدينة والمسجد الاقصى جاز له أن يصلى في غيره لان ما سوى المساجد الثلاثة في الحرمة والفضيلة واحدة فلم يتعين بالنذر * وان نذر الصلاة في المسجد الحرام لزمه فعلها فيه لانه يختص بالنذر والصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هذا) فلا يجوز أن يسقط ما نذره بالصلاة في غيره وان نذر الصلاة في مسجد المدينة أو المسجد الاقصى ففيه قولان (أحدهما)

يلزمه لانه ورد الشرع فيه بشد الرحال إليه فاشبه المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لانه لا يجب قصده بالنسك فلا تتعين الصلاة فيه بالنذر كسائر المساجد * فان قلنا يلزمه فصلى في المسجد الحرام أجزأه عن النذر لان الصلاة في المسجد الحرام أفضل فسقط به فرض النذر * وان نذر أن يصلي في المسجد الاقصى فصلى في مسجد المدينة أَجْزَأَهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا قال (يا رسول الله إنى نذرت ان فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال صل ههنا فاعاد عليه فقال صل ههنا ثم أعاد عليه فقال شأنك) ولان الصلاة فيه أفضل من الصلاة في بيت المقدس فسقط به فرض النذر * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْبَيْتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَأْنَكَ) هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ الدم شَأْنَكَ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ (وَقَوْلُهُ) ورد الشَّرْعُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهِ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَكَسْرُ الدَّالِ (وَالثَّانِيَةُ) ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) رَكْعَتَانِ (وَالثَّانِي) رَكْعَةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ فِي صفاته مسلك واجب الشرع أم مَسْلَكَ جَائِزِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ آتِيَهُ أَوْ أَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ أن يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقِيلَ في لزومه قولان حكاهما الرافعي وليس بشئ * وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ آتِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ فَفِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهُوَ بَيْتُ مَكَّةَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هناك انشاء اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أمشي إلى الحرام أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ ذَكَرَ بُقْعَةً مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَسْجِدِ الخيف ومنى ومزدلفة ومقام ابراهيم وغيرهما فهو كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَتَى دَارَ أَبِي جَهْلٍ أو دار الخيرزان كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِشُمُولِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ * وَلَوْ نَذَرَ أن

يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَإِنْ أَرَادَ الْتِزَامَ الْحَجِّ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِحُضُورِ عَرَفَاتٍ أَوْ نَوَى أَنْ يَأْتِيَهَا مُحْرِمًا انْعَقَدَ نَذْرُهُ بِالْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَاتٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا * وَقَيَّدَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ * وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَكْفِي فِي لُزُومِ ذَلِكَ أَنْ يَحْضُرَ لَهُ حُضُورَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَرُبَّمَا قَالَ بِهَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ * وَلَوْ قَالَ لله علي أن آتي مر الطهران أَوْ بُقْعَةً أُخْرَى قَرِيبَةً مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يلزمه شئ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا الْتَزَمَ الْإِتْيَانَ إلَى الْكَعْبَةِ فَسَوَاءٌ الْتَزَمَهُ بِلَفْظِ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ وَالِانْتِقَالِ وَالذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ وَالْمَصِيرِ وَالْمَسِيرِ وَنَحْوِهَا * وَلَوْ نذر أن يمس بثوبه حطم الْكَعْبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى إتْيَانَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ففي لزوم إتيانها قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (قَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ يَلْزَمُ (وَقَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَلْزَمُ ويلغوا النَّذْرُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالْتِزَامِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ حَمَلْنَا النَّذْرَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ بُنِيَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ هَلْ يُوجِبُ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُوجِبُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُوجِبُهُ فَإِذَا أَتَاهُ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَإِذَا لَزِمَ فَتَفْرِيعُهُ كَتَفْرِيعِ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) إذَا أَوْجَبْنَا إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ والاقصى فهل يلزمه مع الاتيان شئ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِقِرْبَةٍ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَتَاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ بَلْ تَكْفِيه رَكْعَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَهَلْ يكفى أن يصلى فريضة أم لابد مِنْ صَلَاةٍ زَائِدَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَكْفِي الْفَرِيضَةُ بِنَاءً عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ الصَّوْمِ هَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكْفِيه (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْأَوْجُهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَخَصُّ الْقُرُبَاتِ بِالْمَسْجِدِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكْفِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

وَتَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزِّيَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَتَعْظِيمِهِ قَالَ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَفَاهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالزِّيَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا نَزَّلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنْزِلَةَ الْمَسْجِدَيْنِ وَأَوْجَبْنَا ضَمَّ قُرْبَةٍ إلَى الْإِتْيَانِ فَفِي تِلْكَ الْقُرْبَةِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) الصَّلَاةُ (وَالثَّانِي) الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ يَكْفِي الطَّوَافُ لَمْ يَبْعُدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَجُوزُ الرُّكُوبُ قَبْلَهُ * وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يمشي من ديويرة أهله لكن هل يحرم من ديويرة أَهْلِهِ أَمْ مِنْ الْمِيقَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ الطَّبَرِيِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ * وَلَوْ قَالَ أَمْشِي إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى وَأَوْجَبْنَا الْإِتْيَانَ فَفِي وُجُوبِ الْمَشْي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ * وَلَوْ كَانَ لَفْظُ النَّاذِرِ الْإِتْيَانَ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا يُسَاوِي الْمَشْيَ فَلَهُ الرُّكُوبُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدٍ آخَرَ سِوَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَصْدِهَا قُرْبَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام وَالْأَقْصَى وَمَسْجِدِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يُفْتِي بِالْمَنْعِ مِنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ مُحَرَّمٌ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلِاعْتِكَافِ تَعَيَّنَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضْلٌ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ فَضِيلَةً فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَفِي مِثْلِهِ فِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ تَعَيَّنَ لِلصَّلَاةِ الْمُلْتَزَمَةِ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَطَرِيقَانِ (قال) الاكثرون في تعيينه القولان في لزوم الاتيان (وقطع) المراوزة بالتعين والتعين هُنَا أَرْجَحُ كَالِاعْتِكَافِ * وَإِنْ عَيَّنَ سَائِرَ الْمَسَاجِدِ وَالْمَوَاضِعِ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لِلصَّلَاةِ وَقُلْنَا بِالتَّعَيُّنِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهَلْ تَقُومُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِهِمَا مَقَامَ الصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَقُومُ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقُومُ مَسْجِدُ

الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلَا يَقُومُ الْأَقْصَى مَقَامَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي نَذْرِ الْمَشْي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْدُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ ثُمَّ إذَا أَتَاهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَا إحْرَامًا لِدُخُولِ مَكَّةَ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَالصَّحِيحُ هُنَا لُزُومُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَسَنَزِيدُهَا هُنَاكَ إيضَاحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ إذَا قُلْنَا صِفَاتُ الْفَرَائِضِ تُفْرَدُ بِالِالْتِزَامِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعِنْدِي انه يلزم الوفاء بذلك وجها واحد وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا انْعَقَدَ النَّذْرُ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَصَلَ مَا نَوَاهُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَدَلِيلُهُ هُنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكُ وَطَائِفَةٌ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْكَعْبَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّا حَكَيْنَا هُنَاكَ أن القاضي عياض نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا سِوَاهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِمَا نَقَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ بَلْ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى هَذَا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ قَالَ طرف مِنْ أَصْحَابِ مَالِكِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَخْتَصُّ بِالْفُرُوضِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً (الْأَصَحُّ) عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شئ قَالَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا قَالَ إلَى بَيْتِ كَدَاءِ أَوْ إلَى مَكَّةَ أَوَ إلَى الْكَعْبَةِ استحسانا * (فرع) فَرْعٌ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الحرام فصلى في غيره لم يجزه عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ فضيلة فلزمه الصوم وَالصَّلَاةِ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحَرَامُ وَالْمَدِينَةُ وَالْأَقْصَى لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ * وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة المالكى إذا نذر قصد مسجد قبا لَزِمَهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يأتي قبا كل سبت راكبا وماشيا * (فرع) إذا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةَ أَوْ مِنًى فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ لَا يَلْزَمُهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْحَرَمِ فَأَشْبَهَ الْكَعْبَةَ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّعَيُّنِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ * وَقَالَ أبو حنيفة لا يتعين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر الصوم لزمه صوم يوم لان أقل الصوم يوم * وان نذر صوم سنة بعينها لزمه صومها متتابعا كما يلزمه صوم رمضان متتابعا فإذا جاء رمضان صام عن رمضان لانه مستحق بالشرع ولا يجوز أن يصوم فيه عن النذر ولا يلزمه قضاؤه عن النذر لانه لم يدخل في النذر ويفطر في العيدين وأيام التشريق لانه مستحق للفطر ولا يلزمه قضاؤه لانه لم يتناولها النذر * وان كانت امرأة فحاضت فهل يلزمها القضاء فيه قولان (أحدهما) لا يلزمها لانه مستحق للفطر فلا يلزمها قضاؤه كايام العيد (والثاني)

يلزمها لان الزمان محل للصوم وانما تفطر هي وحدها * فان أفطر فيه لغير عذر نظرت فان لم يشترط فيه التتابع أتم ما بقي لان التتابع فيه يجب لاجل الوقت فهو كالصائم في رمضان إذا افطر بغير عذر ويجب عليه قضاؤه كما يجب على الصائم في رمضان * وان شرط التتابع لزمه ان يستأنف لان التتابع لزمه بالشرط فبطل بالفطر كصوم الظهار وان افطر لمرض وقد شرط التتابع ففيه قولان (أحدهما) ينقطع التتابع لانه افطر باختياره (والثاني) لا ينقطع لانه افطر بعذر فأشبه الفطر بالحيض فان قلنا لا ينقطع التتابع فهل يجب القضاء فيه وجهان بناء على القولين في الحائض وقد بيناه وان افطر بالسفر فان قلنا انه ينقطع التتابع بالمرض فالسفر اولى وان قلنا لا ينقطع بالمرض ففي السفر وجهان (أحدهما) لا ينقطع لانه افطر بعذر فهو كالفطر بالمرض (والثاني) ينقطع لان سببه باختياره بخلاف المرض * وان نذر سنة غير معينة فان لم يشترط التتابع جاز متتابعا ومتفرقا لان الاسم يتناول الجميع فان صام شهرا بالاهلة وهي ناقصة أجزأه لان الشهور في الشرع بالاهلة وان صام سنة متتابعة لزمه قضاء رمضان وأيام العيد لان الفرض في الذمة فانتقل فيما لم يسلم منه إلى البدل كالمسلم فيه إذا رد بالعيب ويخالف السنة المعينة فان الفرض فيها يتعلق بمعين فلم ينتقل فيما لم يسلم إلى البدل كالسلعة المعينة إذا ردها بالعيب وأما إذا اشترط فيها التتابع فانه يلزمه صومها متتابعا على ما ذكرناه) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْتِزَامَ الصَّوْمِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلِيَّ صَوْمٌ أَوْ أَنْ أَصُومَ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ ويجئ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَكْفِيه إمْسَاكُ بَعْضِ يَوْمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَأَنَّ إمْسَاكَ بَعْضِ الْيَوْمِ صَوْمٌ وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ وَبَيَّنَهَا فَذَاكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَيَّامَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ * وَلَوْ قَالَ أَصُومُ دَهْرًا أَوْ حِينًا كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ * وَهَلْ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ أَمْ يَكْفِي بِنِيَّةِ قَبْلِ الزَّوَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ بِاشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ (وَذَكَرَ) آخَرُونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ هَلْ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْجَائِزِ (إنْ قُلْنَا) مَسْلَكَ الْوَاجِبِ اُشْتُرِطَ التَّبْيِيتُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ بِالنَّذْرِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِأَيِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ غَيْرَ رَمَضَانَ * وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ خَمِيسٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَامَ أَيَّ خَمِيسٍ شَاءَ فَإِذَا مَضَى خَمِيسٌ وَلَمْ يَصُمْ مَعَ التَّمَكُّنِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ فُدِيَ عَنْهُ * وَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ يَوْمًا كَأَوَّلِ خَمِيسٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ خَمِيسٍ هَذَا الْأُسْبُوعِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ قَبْلَهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ صَامَ قَضَاءً سَوَاءٌ أَخَّرَهُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا لَكِنْ ان

أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَإِنْ أَخَّرَهُ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَأْثَمْ * وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وغيره في تعيينه وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) تَعَيُّنُهُ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَيَّنَ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُعَيَّنُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ قَضَاءً وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرُ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فَقَالَ خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَعَثَ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ في آخر الخلق من آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُطْلَقٍ مِنْ أُسْبُوعٍ مُعَيَّنٍ صَامَ مِنْهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ لَا يَثْبُتُ لَهُ خَوَاصُّ رَمَضَانَ سَوَاءٌ عَيَّنَّاهُ بِالنَّذْرِ أم جوزنا غيره مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ وَوُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لَوْ أَفْطَرَ وَعَدَمُ قَبُولِ صَوْمٍ آخَرَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ لَوْ صامه عن قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَأَيَّامِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ بِالنَّذْرِ هَلْ يَتَعَيَّنُ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ إذَا عَيَّنَ لَهَا فِي نَذْرِهَا وَقْتًا وَفِي الحج إذا عين له فِي نَذْرِهِ سَنَةً وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ بِالتَّعَيُّنِ فَقَالَ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي وَقْتٍ عَيَّنَهُ غَيْرَ أَوْقَاتِ النَّهْيِ تَعَيَّنَ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ ضَحْوَةً صَلَّى فِي ضَحْوَةِ أَيِّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الضَّحْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ * وَلَوْ عَيَّنَ ضَحْوَةً فَلَمْ يُصَلِّ فِيهَا قَضَى أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ ضَحْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا * وَلَوْ عَيَّنَ لِلصَّدَقَةِ وَقْتًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْقَوْلُ فِي الْمُبَادَرَةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً وَفِي أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهَا هَلْ تَتَعَيَّنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَعَيُّنِ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي النَّذْرِ وَالصَّحِيحُ التَّعَيُّنُ فِي الْجَمِيعِ وَحَيْثُ لَا نَذْكُرُهُ أَوْ الْأَصْحَابُ يَكُونُ اقْتِصَارًا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجُوزُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةً وَمُتَتَابِعَةً لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِالْمُسَمَّى * وَإِنْ عَيَّنَ النَّذْرَ بِالتَّتَابُعِ لَزِمَهُ فَلَوْ أَخَلَّ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ * وَلَوْ قَيَّدَ بِالتَّفْرِيقِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُعْتَبَرٌ فِي صَوْمِ

التَّمَتُّعِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً حُسِبَتْ لَهُ خَمْسَةٌ وَيُلْغَى بَعْدَ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ نُظِرَ إنْ عَيَّنَهُ كَرَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ أَوْ قَالَ أَصُومُ شَهْرًا مِنْ الْآنَ فَالصَّوْمُ يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِتَعَيُّنِ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا فِي نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لا يلزمه الاستئناف ولوفاته الْجَمِيعُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ فَلَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ لان شرط التتابع مع تعين الشَّهْرِ لَغْوٌ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْزَمُهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا * وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ أَصُومُ شَهْرًا فَلَهُ التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ فَإِنْ فَرَّقَ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِنْ تَابَعَ وَابْتَدَأَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ابْتَدَأَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَرَجَ نَاقِصًا كَفَاهُ لِأَنَّهُ شَهْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُعَيَّنَ سَنَةً مُتَوَالِيَةً بِأَنْ يَقُولَ أَصُومُ سَنَةَ كَذَا أَوْ سَنَةً مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ مِنْ الْغَدِ فَصِيَامُهَا يَقَعُ مُتَتَابِعًا لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَكَذَا التَّشْرِيقَ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ * وَلَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فِيهَا بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ كَالْعِيدِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ * وَلَوْ أَفْطَرَ بِالْمَرَضِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ وَرَجَّحَ ابْنُ كَجٍّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لانه لا يصح أن تنذر صَوْمُ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَيَصِحُّ أَنْ يُنْذَرَ صَوْمُ أَيَّامِ الْمَرَضِ * وَلَوْ أَفْطَرَ بِالسَّفَرِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِب الْقَضَاءُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ أَفْطَرَ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَإِذَا فَاتَ صَوْمُ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ كَرَمَضَانَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ فَإِذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ مَعَ تَعْيِينِ السَّنَةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الشَّهْرِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ وَالْإِفْطَارُ بِالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لَهُ حُكْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ فَفِي الْقَضَاءِ الْخِلَافُ السَّابِقُ * وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ تَنَاوَلَ السَّنَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّم فَإِنْ كَانَ مَضَى بَعْضُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا صَوْمُ الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ بَاقِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ عَنْ النَّذْرِ وَلَا قَضَاءُ الْعِيدَيْنِ وَفِي التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ * (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ وَأَطْلَقَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ صَامَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ أَيُّهُمَا شَاءَ فَعَلَهُ وَأَجْزَأَهُ وَكُلُّ شَهْرٍ اسْتَوْعَبَهُ بِالصَّوْمِ فَنَاقِصُهُ كَالْكَامِلِ

فَيُحْسَبُ شَهْرًا وَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ أَتَمَّهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَشَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ مُنْكَسِرَانِ بِسَبَبِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ فلو صام سنة متوالية قضى العيدين والتشتريق ورمضان ولا بأس بصوم يوم الشَّكِّ عَنْ النَّذْرِ وَيَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْحَيْضِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَنَّهُ إذَا صَامَ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ إلَى مِثْلِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ صَامَ سَنَةً وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرُطْ التَّتَابُعَ (أَمَّا) إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَيَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَيُفْطِرُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا لِلنَّذْرِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالْمَحْسُوبِ مِنْ السَّنَةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ * ثُمَّ إنَّهُ يَحْسِبُ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا * وَإِذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِالْحَيْضِ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ * ثُمَّ فِي قَضَاءِ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَحُكْمُ قَضَاءِ مَا يُفْطِرُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي السَّنَةِ * وَلَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَحَاضَتْ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَشَرَعَتْ فِي يَوْمٍ فَحَاضَتْ لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ هَذَا الْعَدَدِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ التَّتَابُعُ * وَلَوْ قَالَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ التَّتَابُعُ وَيَقْضِي لِرَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ عَلَى الِاتِّصَالِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ التَّتَابُعَ يَلْغُو هُنَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فِي الْحَرَمِ لَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهِ قَالَا قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ مُبْدَلُهُ الَّذِي هُوَ الْهَدْيُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ * وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ لِأَنَّ الْحَرَمَ يَخْتَصُّ بِأَشْيَاءَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * وَاتَّفَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لَا يتعين بل يصوم حيث شاء والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ بَاقِي سَنَةِ التَّارِيخِ

وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّنَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَهِيَ سَنَةُ التَّارِيخِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَاقِي هَذِهِ السَّنَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ صَوْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ كَرَمَضَانَ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ وَلَا شئ عَلَيْهِ أَصْلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ صَامَ الْعِيدَ أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ وَاجِبِ نَذْرِهِ * دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر أن يصوم في كل اثنين لم يلزمه قضاء أثانين رمضان لانه يعلم أن رمضان لا بد فيه من الاثانين فلا يدخل في النذر فلم يجب قضاؤها وفيما يوافق منها أيام العيد قولان (أحدهما) لا يجب وهو قول المزني قياسا على ما يوافق رمضان (والثاني) يجب لانه نذر ما يجوز أن لا يوافق أيام العيد فإذا وافق لزمه القضاء * وان لزمه صوم الاثانين بالنذر ثم لزمه صوم شهرين متتابعين في كفارة بدأ بصوم الشهرين ثم يقضي صوم الاثانين لانه إذا بدأ بصوم الشهرين يمكنه بعد الفراغ من الشهرين أن يقضي صوم الاثانين وإذا بدأ بصوم الاثانين لم يمكنه أن يقضي صوم الشهرين فكان الجمع بينهما اولى فإذا فرغ من صوم الشهرين لزمه قضاء صوم الاثانين لانه أمكنه صيامها وانما تركه لعارض فلزمه القضاء كما لو تركه لمرض وان وجب عليه صوم الشهرين ثم نذر صوم الاثانين بدأ بصوم الشهرين ثم يقضى صوم الاثانين كما قلنا فيما تقدم ومن أصحابنا من قال لا يجب القضاء لانه استحق صيامه عن الكفارة فلا يدخل في النذر والمذهب أنه يلزمه لانه كان يمكنه صومه عن النذر فإذا صامه عن غيره لزمه القضاء) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَثَانِينَ رَمَضَانَ كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ أَثَانِي بِحَذْفِ النُّونِ * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ دَائِمًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعَيَّنَ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ يَتَعَيَّنُ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الشَّاذِّ يَصُومُ بَدَلَ الِاثْنَيْنِ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ * وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانُ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِ يَوْمَ الْقُدُومِ بِعَيْنِهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ وَسَنَشْرَحُهُمَا عَقِبَ هَذَا وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَثَانِينِ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الاثانين * وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الاثانين الْوَاقِعَةِ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةٌ فَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْخَامِسِ وَجْهَانِ وَقِيلَ

قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ (وَالثَّانِي) يَجِبُ * وَكَذَا لَوْ وَقَعَ يَوْمُ الْعِيدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ أَيْضًا وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَالْعِيدِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ * وَلَوْ صَدَرَ هَذَا النَّذْرُ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَفْطَرَتْ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَقِيلَ) يَجِبُ قَضَاؤُهُ قَطْعًا لِأَنَّ وَاجِبَهُ شَرْعًا يُقْضَى وَهُوَ رَمَضَانُ فَكَذَا بِالنَّذْرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * ثُمَّ إنَّ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ غَالِبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا تَقَعُ عَادَتُهَا أَصَحُّ وَأَقْوَى وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ خِلَافَهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ * وَلَوْ أَفْطَرَ هَذَا النَّاذِرُ بَعْضَ الْأَثَانِينِ بِالْمَرَضِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ نذر صوم سنة معينة والله أعلم * (وأما) إذَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْأَثَانِينِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ وَلَوْ عَكَسَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْأَثَانِينِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ الْوَاقِعَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بَعْدَ النَّذْرِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْأَثَانِينِ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَطَائِفَةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَصُومُ الشَّهْرَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَثَانِينِ لِأَنَّ صَوْمَهَا مُسْتَحَقٌّ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ كُلِّ اثْنَيْنِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا فَإِنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ الشَّهْرَيْنِ إلَّا الْأَثَانِينَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَثَانِينُ فَيَصُومُهَا عن النذر الاول ولا يلزمه قضاؤها عن النَّذْرِ الثَّانِي لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّوْمِ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا أَوْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ أُسْبُوعًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الشَّهْرَ أَوْ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ نَذَرَ الْأَثَانِينَ وَإِنْ عَيَّنَ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ آخَرَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَإِلَّا فَحُكْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ حُكْمُ رَمَضَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ أَيْضًا إذَا صَادَفَ نَذْرَانِ زَمَانًا مُعَيَّنًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ الثَّانِي وَطُرِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِيمَا إذَا قَالَ إذا قدم زيد فلله عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ التَّالِي لِقُدُومِهِ وَإِنْ قَدِمَ عَمْرُو فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ قُدُومِهِ فَقَدِمَا مَعًا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَنَقَلَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ أَوَّلِ نَذْرٍ نَذَرَهُ وَيَقْضِي يَوْمَ النَّذْرِ الثَّانِي * وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ

وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوَّلَ خَمِيسٍ بَعْدَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ وَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانُ فَشَفَى الْمَرِيضُ وَأَصْبَحَ النَّاذِرُ فِي أَوَّلِ الْخَمِيسِ صَائِمًا فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانُ وَقَعَ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ (وَأَمَّا) النَّذْرُ الْآخَرُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ فَلَا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ قَضَى عَنْهُ يَوْمًا آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَالَ النَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ الدَّهْرِ * وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بَعْدَ النَّذْرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهَا وَيَفْدِي عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جائزه (ان قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصُمْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرُ كَالْعَاجِزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي صَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ إنْ لَزِمَتْهُ بِسَبَبٍ هُوَ فِيهِ مُخْتَارٌ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا * وَلَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا (1) ثُمَّ إنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ فَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ تَعَدَّى لَزِمَتْهُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ نَوَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ قَضَاءَ يَوْمٍ كَانَ أَفْطَرَهُ مُتَعَدِّيًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا فَعَلَ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَدُّ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّ الزَّمَانَ الْمُعَيَّنَ لِصَوْمِ النَّذْرِ هَلْ يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ أَيَّامَ غَيْرِهِ مُتَعَيِّنَةٌ لِلنَّذْرِ * قَالَ الْإِمَامُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ الْمُفْطِرِ الْمُتَعَدِّي فِي حَيَاتِهِ وَلِيُّهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِيُّهُ الظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ مِنْهُ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَطْرَأُ عُذْرٌ يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ لَهُ وَيُتَصَوَّرُ تَكَلُّفُ الْقَضَاءِ مِنْهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَضَى مَا أَفْطَرَ فِيهِ مُتَعَدِّيًا وَسَيَأْتِي النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ هَلْ يلزمه ان يسافر ليقضي والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فلان ففيه قولان (أحدهما) يصح نذره لانه يمكنه ان يتحرى اليوم الذي يقدم فيه فينوي صيامه من الليل فإذا قدم صار ما صامه قبل القدوم تطوعا وما بعده فرضا وذلك يجوز كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (والثاني) لا يصح نذره لانه لا يمكنه الوفاء بنذره لانه ان قدم بالنهار فقد مضى جزء منه وهو فيه غير صائم وان تحرى اليوم الذي يقدم فيه فنوى من الليل فقدم في أثناء النهار كان ما قبل القدوم تطوعا وقد أوجب صوم جميعه بالنذر فان قلنا إنه يصح نذره فقدم ليلا لم يلزمه لان الشرط أن يقدم نهارا وذلك لم يوجد فان قدم نهارا وهو مفطر لزمه قضاؤه وان قدم نهارا وهو صائم عن تطوع لم يجزه عن النذر لانه لم ينو من أوله وعليه أن يقضيه وان عرف أنه يقدم غدا فنوى الصوم من الليل عن النذر صح عن النذر ويكون أوله تطوعا والباقي فرضا فان اجتمع في يوم نذران بان قال ان قدم زيد فلله علي أن اصوم اليوم الذي يلي يوم مقدمه وان

قدم عمر فلله علي أن أصوم أول خميس بعده فقدم زيد وعمرو يوم الاربعاء لزمه صوم يوم الخميس عن أول نذر نذره ثم يقضي عن الاخر * (الشرح) قوله وان قدم الْيَوْمَ الَّذِي يُقَدِّمُ فِيهِ هُوَ - بِفَتْحِ الْقَاف وَالدَّال الْمُشَدِّدَة - يَعْنِي عَرَفَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ انْعِقَادُهُ (والثاني) لا ينعقد ولا شئ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ نَظَرَ إنْ قدم ليلا فلاصوم عَلَى النَّاذِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَوْمَ قُدُومٍ وَلَوْ عَنَى بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا لان الليل ليس بقابل للصوم قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ الْفِدَاءُ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا آخَرَ * وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا فَلِلنَّاذِرِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَذْرِهِ يَوْمًا آخَرَ وَهَلْ نَقُولُ لَزِمَهُ بالنذر الصوم من أَوَّلِ الْيَوْمِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ نِصْفَ النَّهَارِ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ اعْتَكَفَ بَاقِيَ الْيَوْمِ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مَكَانَهُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ ولايجوز الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْآخَرِ كَفَاهُ اعْتِكَافُ بَاقِي الْيَوْمِ وَلَا يلزمه شئ آخَرُ (وَمِنْهَا) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَحُرِّيَّةُ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلَا حُرِّيَّةَ هَذَا إذَا كَانَ قُدُومُ زَيْدٍ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ (أَمَّا) إذَا قَدِمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ حَصَلَ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدَ عَنْ سَلِطَةِ الْبَائِعِ * وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ ضَحْوَةً ثُمَّ قَدِمَ فُلَانُ لَمْ يُوَرَّثْ عَنْهُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيُوَرَّثُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُجْزِئُهُ عَلَى الثَّانِي (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ بَانَ أَنَّ الْمَوْتَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ * وَلَوْ خَالَعَهَا فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَقَدِمَ فُلَانٌ فِي آخِرِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ الْخُلْعُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ عَنْ وَاجِبٍ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ فَيُتِمُّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ لِهَذَا النذر * واستحب للشافعي وَالْأَصْحَابُ أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ فيه لانه بان أنه صام يَوْمًا مُسْتَحِقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ * قَالَ الْبَغَوِيّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ

عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَقْدَمَ وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرُ صَائِمٍ وَهُوَ مُمْسِكٌ وَهُوَ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ هَذَا النَّهَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي قَالَ الْمُتَوَلِّي يَبْنِي عَلَى جَوَازِ نَذْرِ صَوْمِ بَعْضِ يَوْمٍ إنْ جَوَّزْنَاهُ نَوَى إذَا قَدِمَ وَكَفَاهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ يَوْمًا كَامِلًا لِلْخُرُوجِ من الخلاف وان لم نجوزه فلا شئ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهُ * وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ إتْمَامُ مَا هُوَ فِيهِ وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ * هَذَا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا نَوَى وَصَامَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ النَّاذِرُ مَتَى يَقْدَمُ فُلَانٌ فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ النَّاذِرُ أَنَّ فُلَانًا يَقْدَمُ غَدًا فَنَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَفِي إجْزَائِهِ عَنْ نذره وجهان (أصحهما) يجزئه وبه قطع المنصف وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ بَنَى النِّيَّةَ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ فَأَشْبَهَ مَنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ عَارِضٌ يَمْنَعُهُ الْقُدُومَ * وَخَصَّصَ الْمُتَوَلِّي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا بِاللُّزُومِ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ فِي رَمَضَانَ فهو كما لو قدم ليلا والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ طَرِيقَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدِ لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِهِ * (فَرْعٌ) إذَا اجْتَمَعَ فِي يَوْمٍ نَذْرَانِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ أَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَمْ يَنْعَقِدْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ * وَلَوْ نَذَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا لغير المتمتع وهو المذهب وان قلنا بالوجه الشاذ أنه يَصِحُّ صَوْمُهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَنَذْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ (وَالْأَصَحُّ) انه لا ينعقد هذا النذر ولا نذر صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الجمهور

لِأَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ وَبَعْضُ الْيَوْمِ لَيْسَ بِصَوْمٍ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ نَوَى فِيهِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ (أَمَّا) إذَا أَصْبَحَ مُمْسِكًا وَلَمْ يَنْوِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ عَلَى مَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ انْعِقَادِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَهَذَا مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا رَكْعَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا رَكْعَةٍ لَزِمَهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ إذَا حَمَلْنَا الْمَنْذُورَ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ قَالَ وَتَكَلَّفَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا بَيْنَهُمَا قَالَ وَلَا فَرْقَ فَيَجِبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا لَهُ قَدْ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا إذَا نَذَرَ رَكَعَاتٍ فَفِي لُزُومِ الْقِيَامِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ النَّذْرُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) ينعقد ويلزمه امساك بقية هذا النهار بِالنِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَهُ صَحَّ صَوْمُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَمَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ أَضْعَفُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا نذر ابتداء صوم بعض يوم فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صوم تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ فَإِذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى الِانْعِقَادِ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ عَنْ النَّذْرِ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا فِي أَوَّلِهِ فَإِنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الْآنَ * وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ رَكْعَةٍ فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ كَالصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ (وَالثَّانِي) يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِفِعْلِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ حَتَّى إنَّهُ يُدْرِكُ بِهِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لَوْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ مُفْرَدًا فَإِنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ * وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ مُطْلَقًا تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ نَذَرَ رُكُوعًا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُفَرِّعِينَ عَلَى انْعِقَادِ النَّذْرِ * وَلَوْ نَذَرَ تَشَهُّدًا قَالَ الْمُتَوَلِّي يَأْتِي بِرَكْعَةٍ يَتَشَهَّدُ فِي آخِرِهَا أَوْ يَقْتَدِي بِمَنْ قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَيَتَشَهَّدُ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ يَقْتَضِي التَّشَهُّدَ فَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ * وَلَوْ نَذَرَ سَجْدَةً فَرْدَةً فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو محمد وغيره

لَا يَنْعَقِدُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ السَّجْدَةَ قُرْبَةٌ بِدَلِيلِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَكُونُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَقِدُ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الرُّكُوعِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْبَيَانِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ انْعِقَادُ نَذْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر أن يعتكف اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لان الشرط لم يوجد وان قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وفي قضاء ما فات وجهان (احدهما) يلزمه وهو اختيار المزني (والثاني) لا يلزمه وهو المذهب لان ما مضى قبل القدوم لم يدخل في النذر فلا يلزمه قضاؤه * وان قدم وهو محبوس أو مريض فالمنصوص أنه يلزمه القضاء لانه فرض وجد شرطه في حال المرض فثبت في الذمة كصوم رمضان وقال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري لا يلزمه لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ في النذر كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ احْتِرَازٌ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) وُجِدَ شَرْطُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ لِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَالِ الْمَرَضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَحَاضَتْ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لا يدخل في النذر احترز بِقَوْلِهِ النَّذْرِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ * قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ قُدُومِ فُلَانٍ صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الصوم فان قدم ليلا لم يلزمه شئ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا لَزِمَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ قَطْعًا وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَاضِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهُ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الْقَائِلُ الْآخَرُ بِأَنَّ الْحَائِضَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِخِلَافِ اعْتِكَافِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ بَعْدَ الْقُدُومِ وَفِي قَضَاءِ مَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ * وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَحْبُوسِ إذَا حُبِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ المشي إليه بحج أو عمرة لانه لا قربة في المشي إليه الا بنسك فحمل مطلق النذر عليه ومن أي موضع يلزمه المشي والاحرام فيه وجهان (قال) ابو اسحاق يلزمه ان يحرم ويمشي من دويرة أهله لان الاصل في الاحرام أن يكون من دويرة أهله وانما أجيز

تأخيره إلى الميقات رخصة فإذا اطلق النذر حمل على الاصل (وقال) عامة أصحابنا يلزمه الاحرام والمشي من الميقات لان مطلق كلام الادمى يحمل على المعهود في الشرع والمعهود هو من الميقات فحمل النذر عليه فان كان معتمرا لزمه المشي إلى ان يفرغ وان كان حاجا لزمه المشي إلى ان يتحلل التحلل الثاني لان بالتحلل الثاني يخرج من الاحرام فان فاته لزمه القضاء ماشيا لان فرض النذر يسقط بالقضاء فلزمه المشي فيه كالاداء وهل يلزمه ان يمشي في فائته فيه قولان (احدهما) يلزمه لانه لزمه بحكم النذر فلزمه المشي فيه كما لو لم يفته (والثاني) لا يلزمه لان فرض النذر لا يسقط به) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ * وَسَبَقَ حِكَايَةُ خِلَافٍ شَاذٍّ فِيهِ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ * وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ أَمْ لَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَالُوا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ بِدَلِيلِهَا (أَصَحُّهَا) الرُّكُوبُ (وَالثَّانِي) الْمَشْيُ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُمَا سَوَاءٌ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَإِذَا أَحْرَمَ فَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَنْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَمَنْ ضَعُفَ وَسَاءَ خُلُقُهُ لَوْ مَشِيَ فَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ (وَالْمَذْهَبُ) ان الركوب أفضل مطلقا * قالوا فان الْمَشْيُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ قُلْنَا الرُّكُوبُ أَفْضَلُ أَوْ سَوَّيْنَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ بِالنَّذْرِ وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ الْمَشْيِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَوْ صَرَّحَ بِابْتِدَاءِ الْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْفَرَاغِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ فَلَوْ أَطْلَقَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ (وَالثَّانِي) مِنْ الْمِيقَاتِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ (وَأَمَّا) الْإِحْرَامُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ * وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ والمتولي وغيرهما المشي مبني عَلَى الْإِحْرَامِ إنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الميقات فكذا المشي وان قلنا من الميقات فَكَذَا الْمَشْيُ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَوْ قَالَ أَمْشِي حَاجًّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَحُجُّ مَاشِيًا وَمُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُوبُ اقْتِرَانِ الْحَجِّ وَالْمَشْيِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَمْشِيَ مِنْ

مَخْرَجِهِ إلَى الْحَجِّ (الثَّانِيَةُ) فِي نِهَايَةِ الْمَشْيِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَلَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَمْيُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّكُوبُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) الْمُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ لِغَرَضِ تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ * فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الاصحاب فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَشْيَ حَتَّى يَرْمِيَ فِي الْحَجِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ هُنَا وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُ مَا يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّمْيِ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَفُرِّعَ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ * فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ جَازَ الرُّكُوبُ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّكُوبُ بعد التحللين وقبل ايام التشريق والله أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي تَمَامِ الْحَجَّةِ الْفَائِتَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَالتَّحَلُّلُ بِأَعْمَالِ عُمْرَةٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ * وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مَاشِيًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمُضِيِّ في فاسده فيه هذان القولان * * قال المصنف رحمه الله * (فان نذر المشي فركب وهو قادر على المشي لزمه دم لما روى ابن عباس عن عقبة بن عامر ان اخته نذرت ان تمشي إلى البيت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال (ان الله تعالى لغني عن نذر اختك لتركب ولتهد بدنة) ولانه صار بالنذر نسكا واجبا فوجب بتركه الدم كالاحرام من الميقات * فان لم يقدر على المشي فله ان يركب لانه إذا جاز ان يترك القيام الواجب في الصلاة للعجز جاز أن يترك المشي فان ركب فهل يلزمه دم فيه قولان (أحدهما) لا يلزمه لان حال العجز لم يدخل في النذر (والثاني) يلزمه لان ما وجب به الدم لم يسقط الدم فيه بالمرض كالتطيب واللباس) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُقْبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ

هَدْيًا) هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ مَا يَمْنَعُ حُسْنَهُ وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ * وَعَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ يَعْنِي أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً ولتكفر يَمِينِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد * وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَمْشِ إذَا قَدَرَتْ وَتَرْكَبْ إذَا عَجَزَتْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ (بَابُ الْمَشْيِ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَالرُّكُوبِ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ) ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ * وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِك فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً) هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَدَنَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (فَتُهْدِي هَدْيًا) وَرُوِيَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْهَدْيِ كَمَا سَبَقَ عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ * ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فِي رَكْبٍ إذْ بَصَرَ بِخَيَالٍ قَدْ نَفَرَتْ مِنْهُ إبِلُهُمْ فَأَنْزَلَ رَجُلًا فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ عُرْيَانَةٍ نَاقِضَةً شَعْرَهَا فَقَالَ مالك قَالَتْ نَذَرْت أَنْ أَحُجَّ الْبَيْتَ مَاشِيَةً عُرْيَانَةً نَاقِضَةً شَعْرِي فَأَنَا أَتَكَمَّنُ بِالنَّهَارِ وَأَنْتَكِبُ الطَّرِيقَ بِاللَّيْلِ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ارْجِعْ إلَيْهَا فَمُرْهَا فَتَلْبِسُ ثِيَابَهَا وَلْتُهْرِقْ دَمًا (قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ دُونَ ذِكْرِ الْهَدْيِ فِيهِ * ثُمَّ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هديا وَلْيَرْكَبْ) وَفِي رِوَايَةٍ (فَلْيُهْدِ بَدَنَةً وَلْيَرْكَبْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ فَهُوَ مُرْسَلٌ قَالَ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ موقوفا والله أعلم) (أما) حكم الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لَمْ يجز له

الرُّكُوبُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ نَذَرَ ان يطع اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ مَا دَامَ عَاجِزًا فَمَتَى قَدَرَ لَزِمَهُ الْمَشْيُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ السَّابِقِ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا نَذَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يركب) قال الترمذي هذا حديث صحيح (الثانية) إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فَحَجَّ رَاكِبًا وَقَعَ حَجُّهُ عَنْ النَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ جَبْرُ الْمَشْيِ الْفَائِتِ بِإِرَاقَةِ دَمٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) لَا دَمَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَعَجَزَ فَإِنَّهُ يصلي قاعدا ويجزئه ولا شئ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرَهُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ شَاةٌ تُجْزِئُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (هَذَا) (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَتَرَكَهُ وَحَجَّ رَاكِبًا فَقَدْ أَسَاءَ وَارْتَكَبَ حَرَامًا تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَشْيِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ نَذْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُجْزِئُهُ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى صِفَتِهِ الْمُلْتَزَمَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِمَّا دُونَهُ أَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَجُّهُ وَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى هَذَا فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهَلْ هُوَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (الْأَصَحُّ) شَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا حَقِيقَةُ الْعَجْزِ عَنْ الْمَشْيِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْعَجْزِ عن صوم رمضان بالمرض والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر ان يركب إلى بيت الله الحرام فمشى لزمه دم لانه ترفه بترك مؤنة المركوب * وان نذر المشي إلى بيت الله تعالى لا حاجا ولا معتمرا ففيه وجهان (احدهما) لا ينعقد نذره لان المشي في غير نسك ليس بقربة فلم ينعقد كالمشي إلى غير البيت (والثاني) ينعقد نذره ويلزمه المشي بحج أو عمرة لانه بنذر المشي لزمه المشي بنسك ثم رام اسقاطه فلم يسقط) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا نَذَرَ الْحَجَّ رَاكِبًا فَإِنْ قُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُوَ وَالرُّكُوبُ سَوَاءٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ مَشَى (وَإِنْ قُلْنَا) الرُّكُوبُ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ مَشَى فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ

صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشُقُّ مِنْ الرُّكُوبِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ إنْ قلنا المشي أَفْضَلُ أَوْ قُلْنَا هُمَا سَوَاءٌ فَلَا دَمَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ لَزِمَهُ الدَّمُ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَعِنْدِي أنه لادم لِأَنَّهُ أَشُقُّ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْكَعْبَةِ لَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي فَصْلِ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَسْجِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِأَنَّ الْمَشْيَ هُنَاكَ لَا يَتَضَمَّنُ النُّسُكَ فَكَذَا هُنَا إذَا صَرَّحَ بِتَرْكِ النُّسُكِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ هُنَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ بِنُسُكٍ بِخِلَافِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ حَافِيًا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيَلْبَسَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا يَشَاءُ وَلَا فِدْيَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بقربة ولا ينعقد نذره * * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر المشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام ولا نواه فالمذهب انه يلزمه لان البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد فلا يجوز حمله على البيت الحرام فان نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لان قصده لا يجوز من غير احرام فكان ايجابه ايجابا للاحرام وان نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه لانه يجوز قصده من غير احرام فلم يكن في نذره المشي إليه اكثر من ايجاب المشي وذلك ليس بقربة فلم يلزمه * وان نذر المشي إلى مسجد غير الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يلزمه لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ومسجدي هذا) وان نذر المشي إلى المسجد الاقصى أو مسجد المدينة ففيه قولان (قال) في البويطي يلزمه لانه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام (وقال) في الام لا يلزمه لانه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ أَحَادِيثِ نَحْوِهِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ (وَقَوْلُهُ) وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ الْحَرَامِ - بكسر الميم - (أما) أحكام الفصل فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ نَذْرِ

الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَأَوْضَحْنَا أَحْكَامَهَا بِفُرُوعِهَا وَسَبَقَ أَيْضًا بَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ الْحَرَامِ وَلَا نَوَاهُ وَلَكِنْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَلُزُومِ الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي صَحَّحَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ لَا ينعقد نذره ولا يلزمه شئ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا شي عَلَيْهِ * وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ قَالُوا نَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَنَصُّ الْمُخْتَصَرِ ظَاهِرٌ لَا صَرِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ لَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ هَذَا نَصُّهُ * قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لكنها مشهورة بالوجهين * وممن صرح بان الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجُرْجَانِيُّ والرافعي وآخرون والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان نذر ان يحج في هذه السنة نظرت فان تمكن من ادائه فلم يحج صار ذلك دينا في ذمته كما قلنا في حجة الاسلام وان لم يتمكن من ادائه في هذه السنة سقط عنه فان قدر بعد ذلك لم يجب لان النذر اختص بتلك السنة فلا يجب في سنة اخرى الا بنذر آخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ نَذَرَ حَجًّا مُطْلَقًا اُسْتُحِبَّ مُبَادَرَتُهُ بِهِ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا شئ عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ (أَمَّا) إذَا عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ سَنَةً فَتَتَعَيَّنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَوْ حَجَّ قَبْلَهَا لَمْ يُجْزِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَتَعَيَّنُ تِلْكَ السَّنَةِ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَهَا * وَلَوْ قَالَ أَحُجُّ فِي عَامِي هَذَا وَهُوَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُ الْحَجُّ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَقْضِيه بِنَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ تَرِكَتِهِ * وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا هُوَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَكَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ * وَلَوْ صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى مَضَى الْعَامُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِعَدُوٍّ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ

وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَمَكِّنِ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ * وَلَوْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ وَحْدَهُ أَوْ مَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ * وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الصَّدِّ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالصَّدِّ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدِّ وَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا امْتَنَعَ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا نَظَرْتُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ رَأَيْتهَا مُتَّفِقَةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ فِي ذَلِكَ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذَا اجْتَمَعْت شَرَائِطُ فَرْضِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَجَبَ الْوَفَاءُ وَاسْتَقَرَّتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَلَا * قَالُوا وَالنِّسْيَانُ وَخَطَأُ الطَّرِيقِ وَالضَّلَالُ فِيهِ كَالْمَرَضِ * وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَالَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ * وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَمَنَعَهُ مِمَّا نَذَرَ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ وَقَدْ يَجِبُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِالِاسْتِطَاعَةِ * (فَرْعٌ) إذَا نَذَرَ حَجَّاتٍ كَثِيرَةً انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَيَأْتِي بهن على توالى السِّنِينَ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَا أَخَّرَهُ فَإِذَا نَذَرَ عَشْرَ حَجَّاتٍ وَمَاتَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَتَمَكَّنَ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ مَالِهِ خَمْسَ حَجَّاتٍ * وَلَوْ نَذَرَهَا الْمَعْضُوبُ وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَشَرَةً يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَجَبَ قَضَاءُ عَشْرِ حِجَجٍ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِبَعْضِ الْعَشْرِ كَحَجَّتَيْنِ لِحَجَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَنْ نَذَرَ الْحَجَّ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا فَيَحُجُّ غَيْرُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُجَّ مُفْرَدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَجٌّ صَحِيحٌ * وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلنُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ * وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحَجَّ رَاكِبًا وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَأَفْرَدَهُمَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ لِلنَّذْرِ حَجَّةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ مَثَلًا لَزِمَهُ صَلَاةٌ اخرى والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُوَ عَلَى مَسَافَةِ شَهْرٍ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ

مسائل تتعلق بكتاب النذر

عَرَفَةَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ ولا شي عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى * وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَذَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ النَّذْرِ (إحْدَاهَا) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنَّ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَنْ نَذْرِهِ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ صَارَتْ مَعِيبَةً فَلَا تُجْزِئُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً وَذَهَبَ بِهَا إلَى مَكَّةَ فَلَمَّا قَدَّمَهَا لِلذَّبْحِ تَعَيَّبَتْ أَجْزَأَتْهُ لِأَنَّ لِلْمُهْدِي مَا يُهْدِي إلَى الْحَرَمِ وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالذَّبْحِ والله أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَأَتَصَدَّقُ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْخُبْزِ بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ رِجْلِي الْحَجُّ مَاشِيًا صَحَّ نَذْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلْزَامَ الرِّجْلِ خَاصَّةً (الرَّابِعَةُ) إذَا نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ وَكَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ عَنْ كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ وَنَوَاهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَفَّالُ مَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ قُلْت الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَلِدُ أَوْلَادًا وَيَمُوتُونَ فَقَالَتْ إنْ عَاشَ لِي وَلَدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ قَالَ يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْعِتْقِ أَنْ يَعِيشَ لَهَا وَلَدٌ أَكْثَرَ مِمَّا عَاشَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهَا الْمَوْتَى وَإِنْ قَلَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ * وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ مَتَى وَلَدَتْ حَيًّا لَزِمَهَا الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ لِأَنَّهُ عَاشَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (السَّابِعَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ (الثَّامِنَةُ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ وَأَرَادَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَرِيضِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا * وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ (التَّاسِعَةُ) لَوْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا وَنَحْوَهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ قَدْ يَنْتَفِعُ وَلَوْ عَلَى النُّذُورِ مُصَلٍّ هُنَاكَ أَوْ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا صَحَّ وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُعَلَّقُ وَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ وَقَفَ شَيْئًا لِيُشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ زَيْتٌ أَوْ غَيْرُهُ لِيُسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ

الصَّوْمِ قَالَ الْقَفَّالُ يُطْعَمُ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حلف وحنث في يمينه وهو معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم * * * * (قال مصحح مطبعة الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد) فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ لَا يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ يَسْتَقِرُّ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ معسر فرضه الصِّيَامُ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُطْعَمُ عَنْهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ حَجَّةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُحَجُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَذْرِ الْحَجِّ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (قُلْت) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ الْمَنْذُورَيْنِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ والله أعلم * * * * (قال مصحح مطبعة الحمدلله الذي جمع المؤمنين والف بين قلوبهم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تكلم بجوامع الكلم وعلى آله واصحابه والتابعين إلى يوم الدين (اما بعد) فان الله قد ارسل محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعة سمحاء اختارها للذين اصطفاهم لعبادته وهداهم إليه صراطا مستقيما باتباع شريعته وسنته وبعد ان اكرمه الله بجواره تسابقت اقلام الائمة الاخيار في تدوين شريعة سيد المرسلين الاطهار وخلفهم من بعدهم خلف تمسكوا بسننهم محافظة على هذا الدين القوى فوفقهم الله لذلك الطريق السوى حتى خاض الامام النووي رحمه الله تعالى في بحور الشريعة الغراء التي دونها الامام الشافعي فاقتنص شواردها وجمع بين قاصيها ودانيها حتى الف كتابه الجوهر الفرد المسمى (بالمجموع شرح المهذب) ولما كان هذا الكتاب من اجل ما كتب في المذهب وكان اقوى ركن يركن إليه في حل المشكلات من عبارات المؤلفين في كتب الشريعة هامت قلوب المسلمين وذوى العلم بالاطلاع عليه واقتنائه لذلك قامت جمعية من كبار علماء الدين ورؤسائه بالازهر الشريف بجمع هذا الكتاب من اقصى الممالك الاسلامية وادناها وشرعت في طبعه ونشره بين المسلمين تسهيلا لهم في الاطلاع على امور دينهم والان قد تم طبع الجزء الثامن منه الذي اشتمل على النصف الاخير من كتاب الحج وسيليه ان شاء الله تعالى الجزء التاسع واوله باب الاطعمة وكان الفراغ من طبعه في يوم الخميس العاشر من شهر محرم الحرام من سنة 1347 هجرية على صاحبها افضل الصلاة واكمل التحية وكان طبعه بالمطبعة المذكورة اعلاه وانا لنرجو من الله تعالى ان يبقي حياة اؤلئك العلماء الاعلام ويوفقهم إلى اتمام هذا المشروع الجليل كما نرجو وننصح لكل عالم وطالب علم ومؤمن ومسلم ان يؤيد هذا المشروع ويعضده ويقتني هذا الكتاب فانه درة نفيسة والله ولى التوفيق *

الجزء التاسع

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء التاسع دار الفكر

كتاب الأطعمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله كتاب الأطعمة (ما يؤكل شيئان حيوان وغير حيوان فاما الحيوان فضربان حيوان البر وحيوان البحر فاما حيوان البر فضربان طَاهِرٌ وَنَجِسٌ فَأَمَّا النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وهو الكلب والخنزير والدليل عليه قوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والكلب من الخبائث وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الكلب خبيث خبيث ثمنه) وأما الطاهر فضربان طائر ودواب فأما الدواب فضربان دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ فَأَمَّا دَوَابُّ الْإِنْسِ فانه يحل منها الانعام وهي الابل والبقر والغنم لقوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الانعام) وقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والانعام من الطيبات ولم يزل الناس يأكلونها ويبتغون لحومها في الجاهلية والاسلام * وتحل الخيل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (ذبحنا يوم خيبر من الخيل والبغال والحمير فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) ولا تحل البغال والحمير لحديث جابر رضي الله عنه ولا يحل السنور لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الهرة سبع) ولانه يصطاد بالناب ويأكل الجيف فهو كالاسد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (الْكَلْبُ خَبِيثٌ خَبِيثٌ ثَمَنُهُ) رَوَاهُ (1) وفى صحيح مسلم عن رافع

_ (1) بياض بالاصل

ابن خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) وَيُنْكَرُ عَلَى الْحُمَيْدِيِّ كَوْنُهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي مُسْنَدِ رَافِعٍ مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا كَرَّرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ بِلَفْظِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفْظُهُمَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَأَمَّا حَدِيثُ الْهِرَّةُ سَبُعٌ: فَرَوَاهُ (1) وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْهِرَّةِ وَأَكْلِ ثَمَنِهَا) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا يُؤْكَلُ شَيْئَانِ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى سِيَاقِهِ أَنَّ الْمَأْكُولَ يَنْقَسِمُ إلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَأْكُولِ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ لَا مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَانَ الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ الْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ طَائِرٌ وَدَوَابُّ هَكَذَا فِي النُّسَخِ طَائِرٌ وَكَانَ الْأَحْسَنُ طَيْرٌ وَدَوَابُّ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ كَالدَّوَابِّ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ كَالدَّابَّةِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَالْأَعْيَانُ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ وَالْحَيَوَانُ قِسْمَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَالْبَرِّيُّ ضَرْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ (فَأَمَّا) النَّجِسُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه ولو ارتضع جدى من كلبة وربى عَلَى لَبَنِهَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَمَّا) الطَّاهِرُ فَصِنْفَانِ طَيْرٌ وَدَوَابُّ وَالدَّوَابُّ نَوْعَانِ دَوَابُّ الْإِنْسِ وَدَوَابُّ الْوَحْشِ (فَأَمَّا) دَوَابُّ الْإِنْسِ فَيَحِلُّ مِنْهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيُقَالُ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَنْعَامُ وَيَحِلُّ مِنْهَا الْخَيْلُ سَوَاءٌ مِنْهَا العتيق وهو الذى أبواه

_ (1) بياض بالاصل

عَرَبِيَّانِ وَالْبِرْذَوْنُ وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَالْهَجِينُ وَهُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُفْرَقُ وَهُوَ عَكْسُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَحْرُمُ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ حَلَالٌ وحكاه الرافعى عن أبى عبد الله البوسنجي مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَدِلَّةُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ. قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَلَالٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وأحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والحمير لتركبوها وزينة) وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ مِنْهَا وَذَكَرَ الْأَكْلَ مِنْ الْأَنْعَامِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبِحَدِيثِ صَالِحِ بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ تقية بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ المقدام بن معد يكرب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ رَوَى الدارقطني والبيهقي باسنادهما عن موسى بن هرون الْحَمَّالِ الْحَافِظِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ لَا يُعْرَفُ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى وَلَا أَبُوهُ إلَّا بِجَدِّهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ

مضطرب ومع اضطرابه هو مخالف لاحاديث الثقاة يَعْنِي فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ قَالَ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ قَالَ وَيُشْبِهُ إنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ دَلِيلٌ على ذلك قال النسائي ولا أعلم رواة غير نفيه وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْمُصَنِّفُ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنا نأكل لحوم الْخَيْلِ وَنَشْرَبُ أَلْبَانَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها (قَالَتْ أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْآخَرُونَ فَهُوَ مَا أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَانِ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخنزير) فَذَكَرَ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ عَنْ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَنْ الْخَيْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ (وَتَحْمِلُ أثقالكم) وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَيَنْضَمُّ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إبَاحَةِ لَحْمِ الْخَيْلِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَسَبَقَ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَإِنَّمَا رَوَيْتُ الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قُلْتُ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي لَحْمِهَا أَشْهَرُهَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةٍ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَالثَّالِثَةُ مُبَاحٌ وَاحْتَجَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الآية وبحديث غالب بن الحر قَالَ (أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شئ أُطْعِمُ إلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى الا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ فَقَالَ (أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ حوال العربة) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ حَدِيثٌ يُخْتَلَفُ فِي إسْنَادِهِ يَعْنُونَ مُضْطَرِبًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعَارِضُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا وَلَوْ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي تَحْرِيمِهَا لَمْ يَصِرْ إلَى غَيْرِهَا * وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ فِي تَحْرِيمِهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَا حمرا فطبخناها فأمر مناديا فنادى أن اكفؤا الْقُدُورَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى * وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (لَمَّا قَدِمْنَا خيبر رأى رسول الله

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِيرَانًا تُوقَدُ فقال على ما تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ فَقَالُوا عَلَى لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ قَالَ كَسِّرُوا الْقُدُورَ وَأَهْرِيقُوا مَا فِيهَا فقال رجل من القوم يارسول الله انهريقوا مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن عمر بْنِ دِينَارٍ قَالَ " قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ قَدْ كان يقول ذاك الحكم بن عمر والغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما) " رواه البخاري وقوله أبا ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا أَدْرِي أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ (أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفؤا الْقُدُورَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا فَقَالَ نَاسٌ إنَّمَا حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابن ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ الْحُمُرِ وَلَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فقال أكلت الحمر ثم جاءه جائى فَقَالَ أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (رِجْسٌ أو نجس) وعن المقدام بن معد يكرب قَالَ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْهَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي سُنَنِ أبى داود عن غالب بن الحر قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يارسول اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أجل حوال العربة) يعنى بالحوال التى يَأْكُلُ الْجِلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلِفُ الْإِسْنَادِ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وممن أوضح اضطرابه الحافظ أبو القاسم ابن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا حَالَ الِاضْطِرَارِ وَلِأَنَّهَا قِصَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَحْمُ الْبَغْلِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَهُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) لَحْمُ الْكَلْبِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ في الجرد * (فَرْعٌ) السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَبَاحَهُ اللَّيْثُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَبَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) ذَبْحُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لِيُدْبَغَ جِلْدُهُ أَوْ لِيُصْطَادَ عَلَى لَحْمِهِ السِّنَّوْرُ وَالْعِقْبَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَشُعَبُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةٌ فِي بَابِ الآنية * * قال المصنف رحمه الله * (وأما الوحش فانه يحل منه الظباء والبقر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والظباء والبقر من الطيبات يصطاد ويؤكل ويحل الحمار الوحشى للآية ولما روى (أن أبا قتادة كان مع قوم محرمين وهو حلال فسنح لهم حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فأكلوا منها قالوا نأكل من لحم صيد ونحن محرمون فحملوا ما بقي من لحمها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلوا ما بقى من لحمها) ويحل أكل الضبع لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات) قال الشافعي رحمه الله ما زال الناس يأكلون الضبغ ويبيعونه بين الصفا والمروة * وروى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضبغ صيد يؤكل) وفيه كبش إذا أصابه المحرم) (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ سَنَحَ هُوَ - بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ عَرَضَ (قَوْلُهُ) يَأْكُلُونَ الضَّبُعَ وَيَبِيعُونَهُ الضَّمِيرُ فِي يَبِيعُونَهُ يَعُودُ إلَى لَحْمِ الضَّبُعِ وَإِلَّا فَالضَّبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَهُوَ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِ الْبَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا وَالتَّثْنِيَةُ ضَبُعَانِ وَالْجَمْعُ ضِبَاعٌ وَالْمُذَكَّرُ ضِبْعَانٌ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَتَنْوِينِ النُّونِ - وَالْجَمْعُ ضَبَاعِينُ كَسِرْحَانَ وَسَرَاحِينَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَدَوَابُّ الْوَحْشِ يَحِلُّ مِنْهَا الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ وَالْحُمُرُ وَالضَّبُعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ الْوَعْلُ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) الضبغ وَالثَّعْلَبُ مُبَاحَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَحَرَّمَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهَانِ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ الضَّبُعِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَلَائِقُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِمَّنْ أَبَاحَ الثَّعْلَبَ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثور *

قال المصنف رحمه الله * (ويحل أكل الارنب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والارنب من الطيبات ولما روى جابر ((أن غلاما من قومه أصاب أرنبا فذبحها بمروة فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أكلها فأمره أن يأكلها) ويحل اليربوع لقوله تعالي (ويحل لهم الطيبات) واليربوع من الطيبات تصطاده العرب وتأكله وأوجب فيه عمر رضى الله عنه على المحرم إذا أصابه جفرة فدل على أنه صيد مأكول ويحل اكل الثعلب لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) والثعلب من الطيبات مستطاب يصطاد ولانه لا يتقوى بنابه فأشبه الارنب ويحل أكل ابن عرس والوز لما ذكرناه في الثعلب ويحل القنفذ لما روى أن ابن عمر رضى رضي الله عنهما سئل عن القنفذ فتلا قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية ولانه مستطاب لا يتقوى بنابه فحل أكله كالارنب * ويحل الضب لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أنه أخبره خالد بن الوليد أنه دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت ميمونة رضى الله عنها فوجد عندها ضبا محنوذا فقدمت الضب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فقال خالد أحرام الضب يارسول الله قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فلم ينهه)

(الشرح) حديث جابر في الارنب رواه البيهفى بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِمَعْنَاهُ (منها) حديث أنس قال (أفصحنا أرنبا عن الظهران فأدركتها فأخدتها فَذَهَبْتُ بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بكتفها فخذها إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ * (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنْفُذِ فَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طويل عن عيسى بن ثميلة عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْقُنْفُذِ فَتَلَا (قُلْ لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية قال شيخ عنده سمعت أبى هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يُرْوَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَهُوَ إسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةِ - هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرَةُ (قَوْلُهُ) الْقُنْفُذُ هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ - وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَجَمْعُهَا قَنَافِذُ وَالْوَبْرُ - بِإِسْكَانِ الْبَاءِ - جَمْعُهُ وِبَارٌ - بِكَسْرِ الواو - والضب المخنوذ أي المسوى قوله فاحترر به هَكَذَا هُوَ بِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ بِالزَّايِ بَعْدَ الرَّاءِ أَيْ وَطَعَنَهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَيَحِلُّ الْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْقُنْفُذُ وَالضَّبُّ وَالْوَبْرُ وابن عرس ولا خلاف في شئ مِنْ هَذِهِ إلَّا الْوَبْرِ وَالْقُنْفُذِ فَفِيهِمَا وَجْهٌ أنهما حرام

والصحيح المنصوس تحليلهما وبه قطع الجمهور ويحل الدلدك عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السَّمُّورُ وَالسِّنْجَابُ وَالْفَنَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَالْقَاقِمُ بِالْقَافَيْنِ وَضَمِّ الثَّانِيَةِ وَالْحَوَاصِلُ فَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا حَلَالٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا حَرَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّبِّ * مذهبنا أنه حلال غير مكروه وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ خَالِدٍ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ في الصيحين وَأَمَّا الْقُنْفُذُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَأَمَّا الْيَرْبُوعُ فَحَلَالٌ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَحْرِيمَ الضَّبِّ والوبر وابن عرس والقنفذ واليربوع * * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يحل ما يتقوى بنابه ويعدو على الناس وعلى البهائم كالاسد والفهد والذئب والنمر والدب لقوله عز وجل (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه السباع من الخبائث لانها تأكل الجيف ولا يستطيبها العرب ولما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مخلب من الطير) وفى ابن آوى وجهان (أحدهما) يحل لانه لا يتقوى بنابه فهو كالارنب

(والثانى) لا يحل لانه مستخبث كريه الرائحة ولانه من جنس الكلاب فلم يحل أكله وفى سنور الوحش وجهان (أحدهما) لا يحل لانه يصطاد بنابه فلم يحل كالاسد والفهد (والثانى) يحل لانه حيوان يتنوع إلى حيوان وحشى وأهلي يحرم الاهلى منه ويحل الوحشى منه كالحمار الوحشى ولا يحل أكل حشرات الارض كالحيات والعقارب والفار والخنافس والعظاء والصراصير والعناكب والوزغ وسام أبرص والجعلان والديدان وبنات وردان وحمار قبان لقوله تعالى (يحرم عليهم الخبائث) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثعلبة الحشى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن أكل ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ - وَهُوَ لِلظِّئْرِ وَالسِّبَاعِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ وَالشِّينِ وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَصِغَارُ دَوَابِّهَا وَالْحَيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (1) وَالْبَطَّة (وَأَمَّا) الْعَقْرَبُ وَالْعَقْرَبَةُ وَالْعَقْرَبَا فَاسْمٌ لِلْأُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَأَمَّا الْخَنَافِسُ فَجَمْعُ خنفساء بضم الخاء وبالمد والفاء مفتوحه

_ (1) بياض بالاصل

وَمَضْمُومَةٌ - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ خُنْفُسٌ وَخُنْفُسَةٌ (وَأَمَّا) الْعَنَاكِبُ فَجَمْعُ عَنْكَبُوتٍ وَهِيَ هذه الناسجة المعرفة قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ (وَأَمَّا) سَامُّ أَبْرَصَ - فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ قَالَ النَّحْوِيُّونَ وَاللُّغَوِيُّونَ سَامُّ أَبْرَصَ اسْمَانِ جُعِلَا وَاحِدًا وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ (وَالثَّانِي) إعْرَابُ الاول وإضافته إلى الثاني ويكون الثاني مفتوحا لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ (وَأَمَّا) الْجِعْلَانُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - جَمْعُ جُعَلٍ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ العين - وهى دويبة معروفة بدحرج القدر وأما الديدان - فبكسر الدال الاولى وهى جَمْعُ دُودٍ كَعُودٍ وَعِيدَانٍ وَوَاحِدَةٌ دُودَةٌ (وَأَمَّا) حمارقان فَدُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ كَثِيرَةُ الْأَرْجُلِ وَهِيَ فَعْلَانُ لَا ينصرف مَعْرِفَةً وَلَا نَكِرَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لِلْحَدِيثِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا تيقوى بِنَابِهِ وَيَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ ذَلِكَ الْأَسَدُ وَالْفَهْدُ وَالنَّمِرُ وَالذِّئْبُ وَالدُّبُّ والقرد والفيل والببر - ببائين مُوَحَّدَتَيْنِ - الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ معروف يعادى الاسد ويقال له أيضا الفرائق - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ - فَكُلُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا

شَاذًّا فِي الْفِيلِ خَاصَّةً أَنَّهُ حَلَالٌ حَكَاهُ الرافعى عن الامام أبى عبد الله البوسنجى مِنْ أَصْحَابِنَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْدُو مِنْ الْفِيَلَةِ إلَّا الْعِجْلُ الْمُغْتَلِمُ كَالْإِبِلِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تحريمه (وأما) ابن آوى وابن مفترص ففيهما وجهان (أصحهما) تحريمهما وبه قطع المراوزة * وفى سنور البروجهان (الْأَصَحُّ) تَحْرِيمُهُ وَقَالَ الْخُضَرِيُّ حَلَالٌ (وَأَمَّا) الْحَشَرَاتُ فَكُلُّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ سِوَى مَا يَدْرُجُ (مِنْهَا) وَمَا يَطِيرُ فَمِنْهَا ذَوَاتُ السُّمُومِ وَالْإِبَرِ كالحية والعقرب والذنبور (ومنها) الوزغ وأنواعه كحرباء الظهيرة والعطا وَهِيَ مَلْسَاءُ تُشْبِهُ سَامَّ أَبْرَصَ وَهِيَ أَخَسُّ منه واحدتها عطاء وعطانه فكل هذا حرام ويحرم النمل والذر والفار والذباب والخنفساء والقراد والجعلان وبنات وردان وحمارقان والديدان إلا دودا لجبن وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَّا وَالْفَوَاكِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الدُّودُ فَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَصَحُّهَا) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا وَيَحْرُمُ * اللحكا وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَدِّ - وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ تَغُوصُ فِي الرَّمْلِ إذَا رَأَتْ إنْسَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحَشَرَاتِ الْيَرْبُوعُ وَالضَّبُّ فَإِنَّهُمَا حَلَالَانِ كَمَا سَبَقَ مَعَ دُخُولِهِمَا في اسم الحشرات وكذا أم حنين

فَإِنَّهَا حَلَالٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالُوا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَوَاتِ الْإِبَرِ الْجَرَادُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ قَطْعًا وَكَذَا الْقُنْفُذُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الصَّرَّارَةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْجِعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ والفار وَنَحْوِهَا * مَذْهَبُنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ تعالى (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أن يكون ميتة) الْآيَةَ وَبِحَدِيثِ التَّلِبِ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ - الصَّحَابِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الْأَرْضِ تَحْرِيمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وَهَذَا مِمَّا يَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ * وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْله تعالى (قل لا أجد

فيما أحى محرما) الْآيَةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهَا مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَتَسْتَطِيبُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِي الْآيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ التَّلِبِ فَإِنْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَسْمَعْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي أَكْلِ السِّبَاعِ الَّتِي تَتَقَوَّى بِالنَّابِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَأَشْبَاهِهَا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ (وَقَالَ) مَالِكٌ تُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ (وَاحْتَجَّ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لغير الله به) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مُحَرَّمًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا هَذَا ثُمَّ وَرَدَ وَحْيٌ آخَرُ بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ فَأَخْبَرَ بِهِ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَالْأَحَادِيثُ مَدَنِيَّةٌ وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي أَنْوَاعٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فيها (منها) القرد وهو حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ ومكحول والحسن وابن خبيب الْمَالِكِيُّ * وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ (وَمِنْهَا) الْفِيلُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْحَسَنِ * وَأَبَاحَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَمِنْهَا) الْأَرْنَبُ وَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ العلماء كافة إلى مَا حُكِيَ عَنْ

ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا * دَلَّتْ لَنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي إباحتها ولم يثبت في النهى عنها شئ * قال المصنف رحمه الله * (وأما الطائر فانه يحل منه النعامة لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وقضت الصحابة رضى الله عنهم فيها ببدنة فدل على أنه صيد مأكول ويحل الديك والدجاج والحمام والدراج والقبج والقطا والبط والكراكي والعصفور والقنابر لقوله تعالى (ويحل لهم الطيبات) وهذه كلها مستطابة وروى أبو موسى الاشعري رضى الله تعالى عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل لحم الدجاج) وروى سفينه رضى الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ أكلت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حبارى) ويحل أكل الجراد لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وضى الله عنهما قال (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات يأكل الجراد ونأكله) ويحرم أكل الهدهد والخطاف (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قتلهما) وما يؤكل لا ينهى عن قتله ويحرم ما يصطاد ويتقوى بالمخلب كالصقر والبازي لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كل ذى ناب من السباع وأكل كل ذي مخلب من الطير) ويحرم أكل الحدأة والغراب الابقع لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الحل والحرم الحية والفأرة والغراب الابقع والحدأة والكلب العقور) وما أمر بقتله لا يحل أكله قالت عائشة رضى الله عنها (أنى لاعجب ممن يأكل الغراب وقد أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قتله) ويحرم الغراب الاسود الكبير لانه مستخبث يأكل الجيف فهو كالابقع وفى الغداف وغراب الزرع وجهان (أحدهما) لا يحل للخبر (والثانى) يحل لانه مستطاب يلقط الحب فهو كالحمام والدجاج وتحرم

حشرات الطير كالنحل والزنبور والذباب لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وهذه من الخبائث) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ سَفِينَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف قال التِّرْمِذِيُّ هُوَ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عن قتل الهدهد فرواه عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ ورواه ابن ماجه في كتاب الصيد بأسناد عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ أَوْ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْعُوذَ إنَّهَا تَعُوذُ بِكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ وَرَوَى حَمْزَةُ النَّصِيبِيُّ فِيهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْوَضْعِ وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ (لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَلَا تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ يا رب سلطني على البحر حتى أغرقم) قال البيهقى أسناده صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرْحُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إلَى آخِرِهِ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ قَرِيبًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ (إنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ إلَى آخِرِهِ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ

ابن أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ (وَأَمَّا) الطَّائِرُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الطَّيْرُ لِأَنَّ الطَّيْرَ جَمْعٌ وَالطَّائِرُ مُفْرَدٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالنَّعَامَةُ بِفَتْحِ النُّونِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالنَّعَامُ اسْمُ جِنْسٍ كَحَمَامَةٍ وَحَمَامٍ (وَأَمَّا) الدِّيكُ فَهُوَ ذَكَرُ الدَّجَاجِ جَمْعُهُ دُيُوكٌ وديكة وَالدَّجَاجُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ بِاتِّفَاقِهِمْ الْوَاحِدُ دَجَاجَةٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الدِّيكِ وَالدَّجَاجِ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) وقوله تعالى (إن صلاتي ونسكى) (وَأَمَّا) الْقَبَجُ - فَبِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وبالجيم - والحجل الْمَعْرُوفُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ لِأَنَّ الْقَافَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ وَالْقَبْجَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقُولَ يَعْقُوبُ فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْهَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْهُ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ النَّعَامَةُ حَتَّى تَقُولَ ظَلِيمٌ وَالنَّحْلَةُ حَتَّى تَقُولَ يَعْسُوبٌ وَالدَّرَّاجَةُ حَتَّى تَقُولَ حيقطان وَالْبُومَةُ حَتَّى تَقُولَ صَدًى أَوْ فَيَّادٌ وَالْحُبَارَى حَتَّى تَقُولَ خرب وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ (وَأَمَّا) الْقَنَابِرُ - فَبِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ - نُونٍ ثُمَّ - أَلِفٍ ثُمَّ - بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ - رَاءٍ - جَمْعُ قُبَّرَةٍ - بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ قُنْبَرَةٌ كَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الطَّيْرِ (وَأَمَّا) الْهُدْهُدُ - فَبِضَمِّ الْهَاءَيْنِ - وَجَمْعُهُ هَدَاهِدُ وَيُقَالُ لِلْمُفْرَدِ هَدَاهِدُ أَيْضًا (وَأَمَّا) الْبَازِي ففيه ثلاث لغات المشهورة الْفَصِيحَةُ الْبَازِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَالثَّانِيَةُ بَازٍ وَالثَّالِثَةُ بَازِيٌّ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - حَكَاهَا

ابْنُ مَكِّيٍّ وَهِيَ غَرِيبَةٌ أَنْكَرَهَا الْأَكْثَرُونَ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ يُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِيدُ صُقُورٌ وَاحِدُهَا صَقْرٌ وَالْأُنْثَى صَقْرَةٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ جَعَلَ الصَّقْرَ قَسِيمًا لِلْبَازِي مَعَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ وَغَيْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال) (واذ أخدنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) الْآيَةَ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ - فَبِحَاءٍ مَكْسُورَةٍ - ثُمَّ - دَالٍ مَفْتُوحَةٍ - ثُمَّ هَمْزَةٍ - عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ وَالْجَمَاعَةُ حدأ كعنب (وأما) الفأرة - فبالهمزة - وَيَجُوزُ تَرْكُهُ (وَأَمَّا) الْغُدَافُ - فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ - دَالٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ - وَآخِرُهُ فَاءٌ جَمْعُ غِدْفَانٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ الْغُرَابُ الضَّخْمُ قال الجوهري هُوَ غُرَابُ الْقَيْظِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ لَوْنُهُ لَوْنُ الرَّمَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ النَّعَامَةِ وَالدَّجَاجِ وَالْكُرْكِيِّ وَالْحُبَارَى وَالْحَجَلِ وَالْبَطِّ وَالْقَطَا وَالْعَصَافِيرِ وَالْقَنَابِرِ وَالدَّرَّاجِ وَالْحَمَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ ذَاتِ طَوْقٍ مِنْ الطَّيْرِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَمَامِ وَهِيَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدِّبْسُ واليمام والفواخت ويحل الورسان وَكُلُّ مَا عَلَى شَكْلِ الْعُصْفُورِ وَفِي حَدِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّعْوَةُ وَالزُّرْزُورُ والنغز - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - وَالْبُلْبُلُ وَيَحِلُّ الْعَنْدَلِيبُ وَالْحُمَّرَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِمَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا حَرَامٌ وَفِي الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ (وَجْهَانِ) قال البغوي وغيره (اصحهما) التحريم (وأما) السقراف فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِحِلِّهِ وَالصَّيْمَرِيُّ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ يَحْرُمُ مُلَاعِبُ ظِلِّهِ وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَالْبُومُ حَرَامٌ كَالرَّخَمِ قَالَ وَالضُّوَعُ - بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وبالعين الْمُهْمَلَةِ - حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضُّوَعَ غَيْرُ الْبُومِ قَالَ لكن في صحاح الجوهرى أنه

الضُّوَعَ طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ وَقَالَ الْمُفَضَّلُ هُوَ ذَكَرُ الْبُومِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ فِي الضُّوَعِ قَوْلٌ لَزِمَ إجْرَاؤُهُ فِي الْبُومِ لِأَنَّ الذَّكَرَ والانثى من جنس الواحد لَا يَفْتَرِقَانِ (قُلْتُ) الْأَشْهَرُ أَنَّ الضُّوَعَ مِنْ جِنْسِ الْهَامِّ فَلَا يَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ النَّهَّاشُ حَرَامٌ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ قَالَ وَاللَّقَاطُ حَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ يَعْنِي ذَا الْمِخْلَبِ وَقَالَ الْبُوشَنْجِيُّ اللَّقَّاطُ حَلَالٌ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَمَا تَقَوَّتَ بِالطَّاهِرَاتِ فَحَلَالٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ وَمَا تَقَوَّتَ بِالنَّجِسِ فَحَرَامٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ كَالصَّقْرِ وَالنِّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِ الْمَأْكُولِ فَمِنْ ذَلِكَ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ فَهُمَا حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الْخُطَّافُ وَالصُّرَدُ وَالْهُدْهُدُ وَالثَّلَاثَةُ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّرَدِ وَالْهُدْهُدِ * وَالْخُفَّاشُ حَرَامٌ قطعا قال الرافعى وقد يجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَاللَّفَّافُ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ) فَلَوْ حَلَّ أَكْلُهُ لَمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْتُلُوا الصيد وأنتم حرم) فمن ذلك الحية والفأرة والحدأة وكل سبضار وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا سبق قال أصحابنا وقد يكون للشئ سببا أَوْ أَسْبَابٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ * وَتَحْرُمُ الْبُغَاثَةُ - بِفَتْحِ الباء الموحدة - وبتخفيف الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهَا - وَالرَّخَمَةُ كَمَا تَحْرُمُ الْحِدَأَةُ (وَأَمَّا) الْغُرَابُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ (فَمِنْهَا) الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَمِنْهَا) الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ (وَالثَّانِي) فيه وجهان (أصحهما) التحريم (الثالث) الحل

(وَأَمَّا) غُرَابُ الزَّرْعِ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغُدَافَ حَرَامٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْغِرْبَانِ غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ أَوْ رمادي اللون وقد يقال له الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الْعَقْعَقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ حَشَرَاتُ الطَّيْرِ كَالنَّحْلِ وَالزَّنَابِيرِ وَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَشَبَهِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) يَحِلُّ أَكْلُ الْجَرَادِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَسَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ رَأْسَهُ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ جَرَادَةٍ وَبَاقِيهَا حَيٌّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ كَالْمَيِّتِ وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ (وَالثَّانِي) حَرَامٌ وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ لِحُرْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَرَادَ حَلَالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بِاصْطِيَادِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيَّانِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (قَالَ) الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يقطع منه شئ أَوْ يُصْلَقَ أَوْ يُقْلَى حَيًّا أَوْ يُشْوَى وإن لم يقطف رأسه قال فإن مات حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وعن أحمد رواية ضفيفة كَمَذْهَبِ مَالِكٍ * وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (حُرِّمَتْ عليكم الميتة) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى السَّابِقِ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحَدِيثَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَائِلَ (أُحِلَّتْ لَنَا) مَيْتَتَانِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ جِدًّا لاتفاق

الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَوَى حَدِيثًا مُنْكَرًا (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ) الْحَدِيثَ يَعْنِي أَحْمَدُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَصَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ أَيْضًا مَرْفُوعَةٌ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا أَوْ أُحِلَّ لَنَا كَذَا أَوْ حُرِّمَ عَلَيْنَا كَذَا كُلُّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَرَادِ فَقَالَ (أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قُلْتُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا لِأَنَّ الَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى إبَاحَةِ الْجَرَادِ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْكُلْهُ تَقَذُّرًا كَمَا قَالَ فِي الضَّبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مِمَّا يَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ والفهد والدب وكذا ماله مِخْلَبٌ مِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينَ وَالْعُقَابِ وَنَحْوِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لا أَجِدُ فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه) الْآيَةَ فَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهَا فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِي غُرَابِ الزَّرْعِ وَالْغُدَافِ * وَقَالَ بِإِبَاحَتِهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد رحمهم الله تعالى *

* قال المصنف رحمه الله * (وما سوى ذلك من الدواب والطيور ينظر فيه فان كان مما يستطيبه العرب حل أكه وان كان مما لا يستطيبه العرب لم يحل أكله لقوله عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ويرجع في ذاك إلى العرب من أهل الريف والقرى وذوى اليسار والغني دون الاجلاف من أهل البادية والفقراء وأهل الضرورة فان استطاب قوم شيئا واستخبثه قوم رجع إلى ما عليه الاكثر فان اتفق في بلاد العجم ما لا يعرفه العرب نظر إلى ما يشبهه فان كان حلالا حل وإن كان حراما حرم وإن لم يكن له شبيه فيما يحل ولا فيما يحرم ففيه وجهان (قال) أبو إسحق وأبو علي الطبري يحل لقوله عز وجل (قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خنزير) وهذا ليس بواحد منها (وقال) ابن عباس رضى الله عنه ما سكت عنه فهو عفو (ومن) أصحابنا من قال لا يحل أكله لان الاصل في الحيوان التحريم فإذا أشكل بقى على أصله) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ * وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ عَفْوِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ الِاسْتِطَابَةُ والاستخباث ورواه الشافعي رحمه الله الاصل الاعم (1) ولهذا أفسخ الْبَابُ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وقوله تعالى (ويسألونك ماذا أحل لهم

_ (1) كذا بالاصل فحرر

قل أحل لكم الطيبات) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا الْحَلَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَلَالَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ مَا يَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَبِالْخَبَائِثِ مَا تَسْتَخْبِثُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى طَبَقَاتِ النَّاسِ وَيَنْزِلُ كُلُّ قَوْمٍ على ما يستطيبونه أو يسخبثونه لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَاضْطِرَابِهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ قَالُوا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْعَرَبِ فَهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِاسْتِطْيَابِهِمْ وَاسْتِخْبَاثِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَهُمْ جِيلٌ مُعْتَدِلٌ لَا يَغْلِبُ فِيهِمْ الِانْهِمَاكُ عَلَى الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَلَا الْعَفَافَةُ الْمُتَوَلَّدَةُ مِنْ التَّنَعُّمِ فَيُضَيِّقُوا الْمَطَاعِمَ عَلَى النَّاسِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْقُرَى وَالرِّيفِ دُونَ أَجْلَافِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ وَتَغْيِيرِ عَادَةِ أَهْلِ الْيَسَارِ وَالثَّرْوَةِ دُونَ الْمُحْتَاجِينَ وَتَغْيِيرِ حَالَةِ الْخِصْبِ وَالرَّفَاهِيَةِ دُونَ الْجَدْبِ وَالشِّدَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَادَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَهُمْ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ أَوْ سَمَّتْهُ بِاسْمِ مُحَرَّمٍ فَمُحَرَّمٍ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ طَائِفَةٌ وَاسْتَخْبَثَتْهُ أُخْرَى اتَّبَعْنَا الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ اسْتَوَيَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُتَّبَعُ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ ولا ترجيح أوشكوا ولم يحكموا بشئ أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَاهُ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ بِهِ شَبَهًا وَالشَّبَهُ تَارَةً يَكُونُ فِي الصُّورَةِ وَتَارَةً فِي طَبْعِ الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَالَةِ وَالْعِدْوَانِ وَتَارَةً فِي طَعْمِ اللَّحْمِ فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجْدِ مَا يُشْبِهُهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الحل قال

إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُرَاجَعُ الْعَرَبُ فِي حَيَوَانٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا أَمْرٍ بِقَتْلِهِ وَلَا نَهْيٍ عَنْ قَتْلِهِ فان وجد شئ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ اعْتَمَدْنَاهُ وَلَمْ نُرَاجِعْهُمْ قَطْعًا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشَرَاتُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا وَجَدْنَا حَيَوَانًا لَا مَعْرِفَةَ لِحُكْمِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا اسْتِطَابَةٍ وَلَا اسْتِخْبَاثٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَهَلْ يُسْتَصْحَبُ تَحْرِيمُهُ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُسْتَصْحَبُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنْ اسْتَصْحَبْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَثْبُتَ تَحْرِيمُهُ فِي شَرْعِهِمْ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عَدْلَانِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ بِعِرْفَانِ الْمُبْدَلِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا اُعْتُبِرَ حُكْمُهُ فِي أَقْرَبِ الشَّرَائِعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ النَّصْرَانِيَّةُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا عاد الوجهان عن تَعَارُضِ الْأَشْبَاهِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (ولا يحل ما يولد بين مأكول وغير مأكول كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الاهل لانه مخلوق مما يؤكل ومما لا يؤكل فغلب فيه الحظر كالبغل) * (الشَّرْحُ) السِّمْعُ - بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ - قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَحْرُمُ السِّمْعُ وَالْبَغْلُ وَسَائِرُ مَا يُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْكُولُ الذَّكَرَ أَوْ الْأُنْثَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّرَافَةُ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا - حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ

مَأْكُولٍ. وَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْ فَرَسٍ وَأَتَانٍ وَحْشِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمَأْكُولَيْنِ كَانَ حَلَالًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (ويكره أكل الجلالة وهى التى أكثر أكلها العذرة من ناقة أو بقرة أو شاة أو ديك أو دجاجة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ألبان الجلالة) ولا يحرم أكلها لانه ليس فيه أكثر من تغير لحمها وهذا لا يوجب التحريم فان أطعم الجلالة طعاما طاهرا وطاب لحمها لم يكره لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ تعلف الجلالة علفا طاهرا ان كانت ناقة أربعين يوما وان كانت شاة سبعة أيام وان كانت دجاجة فثلاثة أيام) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالنَّجَاسَاتِ وَتَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ أَكْلِهَا النَّجَاسَةَ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَكْثَرَ فَلَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ فَإِنْ وُجِدَ فِي عُرْفِهَا وَغَيْرِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ فَجَلَّالَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا تَغَيَّرَ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ قَرُبَتْ الرَّائِحَةُ مِنْ الرَّائِحَةِ فان قلت الرائحة الموجودة لم تضرقطعا

قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ ظُهُورِ النَّتْنِ وَعُلِفَتْ شَيْئًا طَاهِرًا فَزَالَتْ الرَّائِحَةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْقَدْرِ الَّذِي تَعْلِفُهُ مِنْ حَدٍّ وَلَا لِزَمَانِهِ مِنْ ضَبْطٍ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يُعْلَمُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يُظَنُّ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ تَزُولُ بِهِ وَلَوْ لَمْ تُعْلَفْ لَمْ يَزُلْ الْمَنْعُ بِغَسْلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَا بِالطَّبْخِ وَإِنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِهِ وَلَوْ زَالَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ وَقَالَ غَيْرُهُ يَزُولُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَمَا مُنِعَ لَحْمُهَا يُمْنَعُ لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي لَبَنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّاكِبِ حَائِلٌ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا حَرَّمْنَا لَحْمَهَا فَهُوَ نَجِسٌ وَيُطَهَّرُ جِلْدُهَا بِالدِّبَاغِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْجِلْدِ أَيْضًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ نَجِسٌ إنْ ظَهَرَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ وكذا ان لم تظهر على عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَاللَّحْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَظُهُورُ النَّتْنِ وَإِنْ حَرَّمْنَا اللَّحْمَ وَنَجَّسْنَاهُ فَلَا نَجْعَلُهُ مُوجِبًا لِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّا لَوْ نَجَّسْنَاهُ صَارَ كَالْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ بَلْ إذَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِ اللَّحْمِ كَانَ الْحَيَوَانُ كَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) السَّخْلَةُ الْمُرَبَّاةُ بِلَبَنِ الْكَلْبَةِ لَهَا حُكْمُ الْجَلَّالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ أَكْلُهَا (وَالثَّانِي) لَا يَحِلُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَحْرُمُ الزَّرْعُ الْمُزَبَّلُ وَإِنْ كَثُرَ الزبل في أصله ولا مَا يُسْقَى مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَيَانُ هَذَا مَعَ نَظَائِرِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ عُجِنَ دَقِيقٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَخَبَزَهُ فَهُوَ نَجِسٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ لِشَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ

السُّنَنِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الدَّائِمِ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إطْعَامُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ نَجَاسَةً وَهَذَا لَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الطَّعَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ صَاحِبِ الشَّامِلِ نجس العين ولا يجوز اطعام الْمَعْجُونِ بِمَاءٍ نَجِسٍ لِصُعْلُوكٍ وَسَائِلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِ المتنجس بخلاف الشاة والبعير ونحوهما قال ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ البيض المصلوك بِمَاءٍ نَجِسٍ كَمَا لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ سُخِّنَ بِالنَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَلَّالَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تَحْرُمُ سَوَاءٌ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد وَكَذَا لَا يَحْرُمُ مَا سُقِيَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مَاءً نَجِسًا * وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَلَبَنُهَا حَتَّى تُحْبَسَ وَتُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ وَيَحْرُمُ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْبُقُولُ الْمَسْقِيَّةُ مَاءً نَجِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا تَأْكُلُهُ الدَّابَّةُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ يَتَنَجَّسُ إذَا حَصَلَ فِي كَرِشِهَا وَلَا يَكُونُ غِذَاؤُهَا إلَّا بِالنَّجَاسَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي إبَاحَةِ لحمها ولبنها وبيضها ولان النحاسة الَّتِي تَأْكُلُهَا تَنْزِلُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ وَلَا تُخَالِطُ اللَّحْمَ وَإِنَّمَا يَنْتَشِي اللَّحْمُ بِهَا وَذَلِكَ لا يوجب التحريم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وأما حيوان البحر فانه يحل منه السمك لما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ (أحلت لنا ميتتان ودمان فاما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال) ولا يحل أكل الضفدع. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل الضفدع ولو حل أكله. لم ينه عن قتله وفيما سوى

ذلك وجهان (أحدهما) يحل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (في البحر اغتسلوا منه وتوضؤا به فانه الطهور ماؤه الحل ميتته) ولانه حيوان لا يعيش إلا في الماء فحل أكله كالسمك (والثانى) ما أكل مثله في البر حل أكله وما لا يؤكل مثله في البر لم يحل أكله اعتبارا بمثله) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْلِ الْجَرَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان بن عبيد الله التميمي الصحابي وهو ابن أخى طلحة بن عبيد الله * قَالَ سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ عَنْ قَتْلِهَا (وَأَمَّا) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ فَصَحِيحٌ وَلَفْظُهُ (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالطِّحَالُ - بِكَسْرِ الطَّاءِ - وَالضِّفْدَعُ - بِكَسْرِ الضَّادِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْفَتْحَ (قَوْلُهُ) حَيَوَانٌ لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ احْتِرَازً مِنْ السِّبَاعِ وَنَحْوِهَا * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُهْلِكُهُ الْمَاءُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ عَيْشُهُ عَيْشَ الْمَذْبُوحِ كَالسَّمَكِ بِأَنْوَاعِهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَحِلُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَضَغْطَةٍ أَوْ صَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الصَّيَّادِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ سَوَاءٌ طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ لَا وَكُلُّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَأَمَّا مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السُّمُوكِ الْمَشْهُورَةِ فَفِيهِ

ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أقول (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَحِلُّ الْجَمِيعُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتِلَافُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وطعامه) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِيدَ وَطَعَامُهُ مَا قُذِفَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَحْرُمُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (الثَّالِثُ) مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ كَالْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا فَحَلَالٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ فَحَرَامٌ فَعَلَى هَذَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ حَلَالٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِ الْأَصَحِّ وَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ لَا يَحِلُّ مَا أَشْبَهَ الْحِمَارَ وَإِنْ كَانَ فِي البر حمار الوحش المأكول صرح بن ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا * وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أبحنا الجميع فهل تشترط الزكاة أَمْ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ مَيْتَتُهُ (الضَّرْبُ) الثَّانِي مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْبَرِّ أَيْضًا فَمِنْهُ طَيْرُ الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَحِلُّ مَيْتَتُهُ بلا خلاف بل تشترط زكاته وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الضِّفْدَعَ وَالسَّرَطَانَ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِمَا قول ضعيف انهما حَلَالٌ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي السَّرَطَانِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ. وَذَوَاتُ السَّمُومِ كَالْحَيَّةِ وَغَيْرِهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) التِّمْسَاحُ فَحَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَأَمَّا) السُّلَحْفَاةُ فَحَرَامٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ الضِّفْدَعَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ حِلُّ الْجَمِيعِ وَكَذَا اسْتَثْنَوْا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ قَالَ وَمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يكون

نَوْعٌ مِنْهَا كَذَا وَنَوْعٌ كَذَا قَالَ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ النَّسْنَاسَ أَيْضًا فَجَعَلَهُ حَرَامًا وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَخَالَفَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَأَبَاحُوهُ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنَّسْنَاسِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي مَاءٍ غَيْرِ الْبَحْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرافعى اطلق مطلوقون الْقَوْلَ بِحِلِّ طَيْرِ الْمَاءِ وَكُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا اللَّقْلَقَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يُؤْكَلُ طَيْرُ الْمَاءِ الْأَبْيَضُ لِخُبْثِ لَحْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا حِلُّ جَمِيعِ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إلَّا الضِّفْدَعَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ الضِّفْدَعُ وَغَيْرُهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ غَيْرُ السَّمَكِ * (فَرْعٌ) السَّمَكُ الطَّافِي حَلَالٌ وَهُوَ الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَحِلُّ عِنْدَنَا كُلُّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ غَيْرَ الضِّفْدَعِ سَوَاءٌ مَا مَاتَ بِسَبَبٍ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِي أيوب الانصاري وعطاء بن أبى رياح ومكحول والنخغى وأبى ثور رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَضَرْبٍ وَانْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهُ حَلَّ وَإِنْ مَاتَ بِلَا سَبَبٍ حَرُمَ * وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ حَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافُ بِمَسْأَلَةِ السَّمَكِ الطَّافِي وَمِمَّنْ قَالَ بِمَنْعِ السَّمَكِ الطَّافِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بن عبد الله وجابر بن زيد وطاووس * وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فيه فطفا

فَلَا تَأْكُلُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ وطعامه ما قدف وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كما سبق بيانه وبحديث جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ يَطْلُبُ خَبَرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا فَأَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إلَيْنَا دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (غَزَوْنَا فَجُعْنَا حَتَّى إنَّ الْجَيْشَ لَيَقْسِمُ التَّمْرَةَ والتمرتين فبينا نحن على شط البحر إذ رَمَى الْبَحْرُ بِحُوتٍ مَيِّتٍ فَاقْتَطَعَ النَّاسُ مِنْهُ مَا شَاءُوا مِنْ لَحْمٍ وَشَحْمٍ وَهُوَ مِثْلُ الطَّرَبِ فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ فقال لهم أمعكم منه شئ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ فِيهِ حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وروى البيهقى باسناده عن عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبى طالب قالا الحراد وَالنُّونُ زَكِيٌّ كُلُّهُ) وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي صرمنه الْأَنْصَارِيَّيْنِ أَنَّهُمَا أَكَلَا السَّمَكَ الطَّافِيَ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا بَأْسَ بِالسَّمَكِ الطَّافِي) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِأَكْلِ مَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا) وَعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِثْلُهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَّصِلَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لَا يَجُوزُ الاحتجاج به لو لم يعارضه شئ فَكَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

الْمُنْتَشِرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمِّيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَحْيَى ابن سليم الطائفي كثير الوهم سئ الْحِفْظِ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابن أُمِّيَّةَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ لِأَثَرِ ابْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عبيد الله عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ ورواه تقيه بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ به تقية فَكَيْفَ بِمَا يُخَالِفُ قَالَ وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ جَابِرٍ مَعَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ ميتته) والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وأما غير الحيوان فضربان طاهر ونجس (فأما) النجس فلا يؤكل لقوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والنجس خبيث وَرُوِيَ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مائعا فأريقوه) فلو حل أكله لم يأمر باراقته (وأما) الطاهر فضربان (ضرب) يضر (وضرب) لا يضر فما يضر لا يحل أكله كالسم والزجاج والتراب والحجر والدليل عليه قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وأكل هذه الاشياء تهلكة فوجب أن لا يحل وما لا يضر يحل أكله كالفواكه والحبوب والدليل عليه قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعبادة والطيبات من الرزق) *

(الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فَأْرَةِ السَّمْنِ فَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُ فِي غَيْرِهِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ " رَوَاهُ) الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وكلوه) وعن أبى هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ أَبِي دَاوُد ثم قال وهذا حديث غير محفوط قَالَ سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ هُوَ خَطَأٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ وَأَبُو دَاوُد مُتَّفِقَانِ عَلَى السُّكُوتِ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ إسْنَادِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ (وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ) (وَأَمَّا) السَّمُّ وَالزُّجَاجُ فَفِيهِمَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ - فَتْحُ السِّينِ وَالزَّايِ وَضَمُّهُمَا وَكَسْرُهُمَا وَالْفَصِيحُ فَتْحِ السِّينِ وَضَمُّ الزَّايِ - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ أَكْلُ نَجِسِ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ وَلَبَنِ الْأَتَانِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَحْرُمُ أَكْلُ الْمُتَنَجِّسِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالدِّبْسِ وَالطَّبِيخِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهَا إذَا تَنَجَّسَتْ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ وَحَلَّ أَكْلُهُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قولهم لا يحل أكل شئ نَجِسٍ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْجُبْنِ وَالْخَلِّ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ نَجِسَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي حِلِّ أَكْلِ هَذَا الدُّودِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أصحهما) يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا مُنْفَرِدًا (وَالثَّانِي) يَحِلُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَكُونُ نَجِسًا لَا ضَرَرَ

فِي أَكْلِهِ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ قَبْلَ غَسْلِهِ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ يَنْجَسُ فَيَكُونُ أَكْلَ نَجَاسَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالسَّمِّ الْقَاتِلِ وَالزُّجَاجِ وَالتُّرَابِ الَّذِي يؤذى البدن وهو هذا الَّذِي يَأْكُلُهُ بَعْضُ النِّسَاءِ وَبَعْضُ السُّفَهَاءِ وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي يَضُرُّ أَكْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الطِّينِ وَلَمْ يثبت شئ منها قال وينبغى أن نحكم بِالتَّحْرِيمِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَضَرَّةُ فِيهِ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ التُّرَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ الرِّبَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ فِيهِ قَلِيلُ سَمٍّ إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ تُصُوِّرَ شَخْصٌ لَا يَضُرُّهُ أكل السموم الطاهرة لم يحرم عليه إذا لا ضرر قال الريانى وَالنَّبَاتُ الَّذِي يُسْكِرُ وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى آكِلِهِ قَالَ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّوَاءِ وَإِنْ أَفْضَى إلَى السُّكْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ قَالَ وَمَا يُسْكِرُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُسْكِرُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي دَوَاءٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي التَّدَاوِي حَلَّ التَّدَاوِي بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) كُلُّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ وَذَلِكَ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْحُبُوبِ وَاللُّحُومِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْإِجْمَاعُ (وَأَمَّا) الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ (فَأَحَدُهَا) الْمُسْتَقْذَرَاتُ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا حَلَالٌ وَمِمَّنْ قَالَ به في المنى أبو زيد المروزى وَحُكْمُ الْعَرَقِ حُكْمُ الْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَقَدْ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ

عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ شُرْبُ الْعَرَقِ (الثَّانِي) الْحَيَوَانُ الصَّغِيرُ كَصِغَارِ الْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهَا يَحْرُمُ ابْتِلَاعُهُ حَيًّا بلا خلاف لانه لا يحل الا بزكاة هَذَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ (أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَيَحِلُّ ابْتِلَاعُهُمَا فِي الْحَيَاةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثُ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ فِي أَكْلِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ حَرَامٌ (وَالثَّانِي) حَلَالٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَلَا. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ فيه نجاسة فقال جماعة من أصحابنا الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِقَوْلِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَبَيْعُهُ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ * وَقَالَ دَاوُد إنْ كان سَمْنًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَإِنْ كَانَ زَيْتًا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَزَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُخْتَصٌّ بِالسَّمْنِ وَهُوَ لَا يُقَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ سَوَاءٌ وَدَكُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَتْ هُنَاكَ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) وَقَعَتْ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ دِبْسٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ طَبِيخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَائِعًا نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُلْقِيَتْ النَّجَاسَةُ وَمَا حَوْلَهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي طَاهِرًا قَالُوا وَضَابِطُ الْجَامِدِ أَنَّهُ إذا أخذت

مِنْهُ قِطْعَةٌ لَمْ يُرَادَّ إلَى مَوْضِعِهَا مِنْهُ عَلَى الْقُرْبِ مَا يَمْلَؤُهَا فَإِنْ تَرَادَّ فَمَائِعٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي مَسْأَلَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَوْ نَصَبَ قِدْرًا عَلَى النَّارِ وَفِيهَا لَحْمٌ فَوَقَعَ فِيهَا طَائِرٌ فَمَاتَ فَأُخْرِجَ الطَّائِرُ صَارَ مَا فِي الْقِدْرِ نَجِسًا فَيُرَاقُ الْمَرَقُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ اللَّحْمِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عباس. وعن مالك روايتان (أحدهما) كَمَذْهَبِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْهُ أَنَّهُ يُرَاقُ الْمَرَقُ وَيُرْمَى اللَّحْمُ فَلَا يُؤْكَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَوْ وَقَعَتْ ذُبَابَةٌ أَوْ نَحْلَةٌ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَتَهَرَّأَتْ أَجْزَاؤُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ ذَلِكَ الطَّبِيخِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الذُّبَابِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ وَلَا يُعَدُّ هَذَا مُسْتَقْذَرًا قَالَ وَلَوْ وَقَعَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ لَمْ يحل أكل شئ مِنْ ذَلِكَ الطَّبِيخِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمُ الآدمى وزن دانق حرم الطبيخ لا لنجاسة فَإِنَّ الْآدَمِيَّ الْمَيِّتَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَكِنْ لِأَنَّ أَكْلَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ لِحُرْمَتِهِ لَا لِاسْتِقْذَارِهِ بِخِلَافِ الذُّبَابِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الطَّبِيخُ فِي مَسْأَلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ إذَا وَقَعَ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِأَنَّ البول صار باستهلاكه كالمعدوم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ومن اضطر إلى أكل الميتة أو لحم الخنزير فله أن يأكل منه ما يسد به الرمق لقوله تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا إثم عليه) وهل يجب أكله فيه وجهان (أحدهما) يجب لقوله

تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) (والثانى) لا يجب وهو قول أبى اسحق لان له غرضا في تركه وهو أن يجتنب ما حرم عليه وهل يجوز أن يشبع منه فيه قولان (أحدهما) لا يجوز وهو اختيار المزني لانه بعد سد الرمق غير مضطر فلا يجوز له أكل الميتة كما لو اراد أن يبتدئ بالاكل وهو غير مضطر (والثانى) يحل لان كل طعام جاز أن يأكل منه قدر سد الرمق جاز له أن يشبع منه كالطعام الحلال وان اضطر إلى طعام غيره وصاحبه غير مضطر إليه وجب عليه بذله لان الامتناع من بذله إعانة على قتله وَقَدْ قَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله) وان طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه ولا يجوز أن يأكل الميتة لانه غير مضطر فان طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه فان لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه لانه ثمن في بيع صحيح (والثانى) لا يلزمه الا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يلزمه أكثر من ثمن المثل وان وجد الميته وطعام الغير وصاحبه غائب ففيه وجهان (أحدهما) أنه ياكل الطعام لانه طاهر فكان اولى (والثانى) يأكل الميتة لان أكل الميتة ثبت بالنص وطعام الغير ثبت بالاجتهاد فقدم أكل الميتة عليه ولان المنع من أكل الميتة لحق الله سبحانه وتعالى والمنع من طعام الغير لحق الآدمى وحقوق الله تعالى مبنية على التسهيل وحقوق الآدمى مبنية على التشديد وان وجد ميتة وصيدا وهو محرم ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال إذا قلنا أنه إذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة أكل الميتة وترك الصيد لانه إذا ذكاه صار ميتة ولزمه الجزاء (وان قلنا) أنه لا يصير ميتة أكل الصيد لانه طاهر ولان تحريمه أخف لانه يحرم عليه

وحده والميتة محرمة عليه وعلى غيره (ومن) أصحابنا من قال ان قلنا أنه يصير ميتة أكل الميتة وان قلنا أنه لا يكون ميتة ففيه قولان (أحدهما) يذبح الصيد ويأكله لانه طاهر ولان تحريمه أخف على ما ذكرناه (والثانى) أنه يأكل الميتة لانه منصوص عليها والصيد مجتهد فيه وان اضطر ووجد آدميا ميتا جاز له أكله لان حرمة الحى آكد من حرمة الميت وان وجد مرتدا أو من وجب قتله في الزنا جاز له أن يأكله لان قتله مستحق وان اضطر ولم يجد شيئا فهل يجوز له أن يقطع شيئا من بدنه ويأكله فيه وجهان (قال) أبو إسحق يجوز لانه احياء نفس بعضو فجاز كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الآكلة لاحياء نفسه ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه إذا قطع عضوا منه كان المخافة عليه أكثر وان اضطر إلى شرب الخمر أو البول شرب البول لان تحريم الخمر أغلظ ولهذا يتعلق به الحد فكان البول أولى وان اضطر إلى شرب الخمر وحدها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجوز أن يشرب لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) (والثانى) يجوز لانه يدفع به الضرر عن نفسه فصار كما لو أكره على شربها (والثالث) أنه ان اضطر إلى شربها للعطش لم يجز لانها تزيد في الالهاب والعطش وان اضطر إليها للتداوي جاز) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ) رَوَاهُ (1) وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على أن المضطر

_ (1) بياض بالاصل فحرر

إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ النَّجَاسَاتِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَفِي وُجُوبِ هَذَا الْأَكْلِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْأَكْلَ فَإِنَّمَا يَجِبُ سَدُّ الرَّمَقِ دُونَ الشِّبَعِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا وَجَدَ طَاهِرًا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ أَكْلُهُ (الثَّانِيَةُ) فِي حَدِّ الضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا خِلَافَ أَنَّ الْجُوعَ الْقَوِيَّ لَا يَكْفِي لِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ إلَى الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ لم يأكل من جوع أو ضعف عن الْمَشْيِ أَوْ عَنْ الرُّكُوبِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ رُفْقَتِهِ ويضيع ونحو ذلك فلو خالف حدوث مرض مخوف في جنسه فَهُوَ كَخَوْفِ الْمَوْتِ وَإِنْ خَافَ طُولَ الْمَرَضِ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُمَا قَوْلَانِ وَلَوْ عِيلَ صَبْرُهُ وَأَجْهَدَهُ الْجُوعُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُهُ تَيَقُّنُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ قَالُوا كَمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا إذَا ظَنَّ وُقُوعَ مَا خُوِّفَ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ وَجُمْلَةُ جِهَاتِ الظَّنِّ مُسْتَنَدُهَا الظَّنُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّ الشِّبَعِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) لَا يُبَاحُ الشِّبَعُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ سَدُّ الرَّمَقِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمَا جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَزُولُ بِهَذَا وَالتَّمَادِي فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُمْتَنِعٌ (وَالثَّانِي) يُبَاحُ الشِّبَعُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ مَعْنَى الشِّبَعِ أَنْ يَمْتَلِئَ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا وَلَكِنْ إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا ينطق عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ أَمْسَكَ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بعيدا

مِنْ الْعُمْرَانِ حَلَّ الشِّبَعُ وَإِلَّا فَلَا. هَكَذَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَكَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ التَّفْصِيلُ وَذَكَرَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ تَفْصِيلًا جَاءَ نَقْلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَادِيَةٍ وَخَافَ إنْ تَرَكَ الشِّبَعَ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا وَيَهْلَكَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَشْبَعُ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَتَوَقَّعَ طعاما طاهرا قبل عود الضَّرُورَةِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ حُصُولُ طَعَامٍ طَاهِرٍ وَأَمْكَنَ الْحَاجَةُ إلَى الْعَوْدِ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إنْ لَمْ يَجِدْ الطَّاهِرَ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الامام والغزالي تفصيل حسن وهو الراجع وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ فَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا حِلَّ الشِّبَعِ وَرَجَّحَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَتَحْرِيمَ الشِّبَعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ إنْ لَمْ يرج الوصول إلى طاهر قان رَجَاهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَقَالَ يَجُوزُ حَمْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَتَلَوَّثْ بِهَا (الخامسة) إذا جوزنا الشبع فأكل ماسد رَمَقَهُ ثُمَّ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَأْكُلَ تِلْكَ اللُّقْمَةَ فَإِذَا أَكَلَهَا هَلْ لَهُ إتْمَامُ الْأَكْلِ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَى الشِّبَعِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ بِوُجُودِ اللُّقْمَةِ عَادَ إلَى الْمَنْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى عَوْدِ الضَّرُورَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ لَمْ يَجِد الْمُضْطَرُّ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْبَذْلِ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ أَمْ يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْخِلَافِ كَالْمَيْتَةِ (وَالثَّانِي) يُبَاحُ الشِّبَعُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ قَطْعًا بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ (السَّادِسَةُ) فِي بَيَانِ جِنْسِ الْمُبَاحِ * قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمُضْطَرُّ إلَى تَنَاوُلِهِ ضَرْبَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْمُسْكِرُ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (وَأَمَّا) غَيْرُ الْمُسْكِرِ

فَيُبَاحُ جَمِيعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إتْلَافُ معصوم فيجوز للمضطر أكل المتية وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبُ الْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَيَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَأَكْلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ لِأَنَّا إنَّمَا مُنِعْنَا مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَفْوِيضًا إلَى السُّلْطَانِ لِئَلَّا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَ تَحَقُّقِ ضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ (وَأَمَّا) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَأَكْلُهُ سَوَاءٌ حَضَرَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) نِسَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانُهُمْ فَفِيهِمْ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ حَرَامٌ فَأَشْبَهَ الذِّمِّيَّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ وَلَيْسَ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِحُرْمَةِ نُفُوسِهِمْ بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِمْ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ فمصومون فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ لِلْأَكْلِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ قَتْلُ وَلَدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَلَا لِلسَّيِّدِ قَتْلُ عَبْدِهِ لِيَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا آدَمِيًّا مَيِّتًا مَعْصُومًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (الصَّحِيحُ) الْجَوَازُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكد (والثانى) لا لوجوب صيانته وليس بشئ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَوَجْهَانِ * ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ الا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ حُرْمَتِهِ وَمَزِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ بِلَا خِلَافٍ حِفْظًا لِلْحُرْمَتَيْنِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ بَلْ يَأْكُلُهُ نِيئًا لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَفِي طَبْخِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ فَإِنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلَهَا نية وَمَطْبُوخَةً وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ ذِمِّيًّا وَوَجَدَ مُسْلِمًا ميتا فَفِي حِلِّ أَكْلِهِ لَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ لِكَمَالِ شرف

الْإِسْلَامِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْآدَمِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَيْتَةُ خِنْزِيرًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَلَحْمَ آدَمِيٍّ أَكَلَ الصَّيْدَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ * (فرع) لو أراد المضطر أن يقطع قطعه مِنْ نَفْسِهِ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِيَأْكُلَهَا فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ مِنْهُ كَالْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ أَوْ أَشَدَّ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وهو قول ابن سريج وابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالنُّسَخِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجِدَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَإِنْ وَجَدَ حَرُمَ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعْصُومٍ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُضْطَرِّ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (السَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا حَلَالًا طَاهِرًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ نُظِرَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ أَيْضًا فَهُوَ أَوْلَى به وليس للآخران يَأْخُذَهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَتُتَصَوَّرُ فِي زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بن مريم عليكم وَقَدْ تَكُونُ مَسْأَلَةً عِلْمِيَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ آثَرَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) قَالُوا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُسْلِمًا فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُؤْثِرُهُ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَذَا لَا يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ بَهِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَلَهُ مُقَاتَلَةُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَضْمَنُ لَكَانَ مَذْهَبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَالِكَ بَذْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ (وَالثَّانِي)

قَدْرُ الشِّبَعِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذُ قَهْرًا وَلَا يَجِبُ الْقِتَالُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ دَفْعُ الصَّائِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَخَصَّ الْبَغَوِيّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الْأَخْذِ قَهْرًا قَالَ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَالِكِ بَذْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ فَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بذله مجانا ولا يلزم المضطر شئ كما يأكل الميتة بلا شئ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِالْوُقُوعِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ بِأَنَّ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ التَّخْلِيصُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ * وَسَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا وَقَالُوا إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ هُنَاكَ مُوَافَقَةً عَلَى أُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ يَلْتَزِمُهَا لَمْ يَلْزَمْ تَخْلِيصُهُ حَتَّى يَلْتَزِمَهَا كَمَا فِي الْمُضْطَرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَالُ التَّأْخِيرَ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ فَأَطْعَمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنْ بَذَلَ الْمَالِكُ طَعَامَهُ مَجَّانًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ بَذَلَهُ بِالْعِوَضِ نُظِرَ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ لَزِمَ الْمُضْطَرَّ بَذْلُهُ وَهُوَ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ وَإِنْ قُدِّرَ لَهُ الْعِوَضُ فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا يَأْكُلُهُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وان أفرده فان كَانَ الْمُقَدَّرُ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَلِلْمُضْطَرِّ مَا فَضَلَ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهُ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ لَازِمٍ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَشُقُّ عَلَى المضطر ليساره لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنًا لَكِنَّ الْوَجْهَ جَعْلُ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لِمَعْنًى وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ هَلْ هُوَ مُكْرَهٌ أَمْ لَا وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ الشِّرَاءُ بالثمن الغالى لضرورة هل نجعله كَرْهًا حَتَّى لَا يَصِحَّ الشِّرَاءُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَقْيَسُهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ قَالَ وَكَذَا الْمُصَادَرُ مِنْ جهة

السلطان الظالم إذا باع ماله لِلضَّرُورَةِ فِي الْمُصَادَرَةِ وَدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي يَخَافُهُ فيه وجهان (أصحهما) صحة البيع لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ وَاحْتَجَّ بِهِ لِوَجْهِ لُزُومِ الْمُسَمَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ * (فَرْعٌ) متى باع المضطر بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَصَرْفُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَال إلَى الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ سَاتِرُ عَوْرَتِهِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ بِالْبَرْدِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَخْذُ الطَّعَامِ قَهْرًا ولا يجوز أخذ ساتر الْعَوْرَةِ قَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لَزِمَهُ الْتِزَامُهُ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَمْ لَا وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ فِي هَذَا الْحَالِ الْبَيْعُ نَسِيئَةً قَالَ أَصْحَابُنَا والشراء هنا واجب بلا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ بَلْ يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ يَقُولُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ النَّجَاسَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الطَّاهِرِ * (فَرْعٌ) لَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا إذَا بَذَلَ الْمَالِكُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَيُقَاتِلَهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالزِّيَادَةِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ قَهْرًا فَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الزِّيَادَةِ فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ قَهْرًا * (فَرْعٌ) لَوْ أَطْعَمَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا عِوَضَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ بِالطَّعَامِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ إذَا اسْتَعْمَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ شَرْطِ أُجْرَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ أَطْعَمْتُكَ بِعِوَضٍ فَقَالَ الْمُضْطَرُّ بَلْ مَجَّانًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِدَفْعِهِ (وَالثَّانِي) الْمُضْطَرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَوْ أَوْجَرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ قَهْرًا أَوْ أَوْجَرَهُ وَهُوَ مُغْمَى عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ كَمَنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ *

(فَرْعٌ) كَمَا يَجِبُ بَذْلُ الْمَالِ لِإِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِإِبْقَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَلَا لِلْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ مُضْطَرٌّ وَمَعَ غَيْرِهِ شَاةٌ لَيْسَ مُضْطَرًّا إلَيْهَا لَزِمَهُ بَذْلُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِصَاحِبِ الْكَلْبِ قَهْرُهُ وَمُقَاتَلَتُهُ لِمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ طَعَامِهِ وَيَغْرَمُ لَهُ بَدَلَهُ وَفِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَالْوَلِيُّ غَائِبٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَكَامِلِ الْحَالِ فِي مَالِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ إحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ مَالِ الصَّبِيِّ نَسِيئَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ وَهُوَ غَائِبٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَكْلِ الطَّعَامِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ حَاضِرًا فَإِنْ بَذَلَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَلَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالطَّبَرِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَبْذُلْهُ أَصْلًا وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَمْ يُقَاتِلْهُ عَلَيْهِ الْمُضْطَرُّ إنْ خَافَ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ خَافَ إهْلَاكَ الْمَالِكِ فِي الْمُقَاتَلَةِ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ لِضَعْفِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ دَفْعِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَشْتَرِيهِ بِالثَّمَنِ الْغَالِي وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ثُمَّ يجئ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى أَمْ ثَمَنُ الْمِثْلِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَبْذُلْ أَصْلًا وَقُلْنَا طَعَامُ الْغَيْرِ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَيَأْخُذَهُ قَهْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (التَّاسِعَةُ) لَوْ اُضْطُرَّ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا صَيْدًا فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَيْتَةً فَلَهُ طَرِيقَانِ

ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا هَلْ يَصِيرُ مَيْتَةً فَيَحْرُمَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَمْ لَا يَكُونُ مَيْتَةً فَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَصِيرُ مَيْتَةً (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِلَّا فَأَيَّهُمَا يَأْكُلُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمَهُ أَكْلُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عن أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ * وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ مَذْبُوحٍ وميتة فان كان ذابحه حلال ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ فَهَذَا مُضْطَرٌّ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامَ الغير وقد سبق حكمه وان ذبح هَذَا الْمُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَهُوَ وَاجِدُ طَعَامِ حَلَالٍ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا فَإِنْ ذَبَحَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَقُلْنَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ لَحْمُ الصَّيْدِ (وَالثَّالِثُ) الْمَيْتَةُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَيْتَةٌ أَكَلَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَغَيْرُ الصَّيْدِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَأْكُلُهُ (وَالثَّانِي) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ مَيْتَةً أَمْ لَا (أَحَدُهَا) يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ (وَالثَّانِي) الطَّعَامُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ هَذَا إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ غَائِبًا فَإِنْ حَضَرَ وَمَنَعَهُ تَعَيَّنَ الصَّيْدُ وَإِنْ بَذَلَهُ تَعَيَّنَ الطَّعَامُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَسَبْعَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) يَتَعَيَّنُ الْمَيْتَةُ (وَالثَّانِي) الصَّيْدُ (وَالثَّالِثُ) الطَّعَامُ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ (وَالْخَامِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّادِسُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالْمَيْتَةِ (وَالسَّابِعُ) بَيْنَ الصَّيْدِ وَالطَّعَامِ * (فَرْعٌ) إذَا لَمْ نَجْعَلْ مَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَةً فَهَلْ عَلَى الْمُضْطَرِّ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ هَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَى الصَّيْدِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وجد ميتتان احدهما مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَاهُمَا طَاهِرَةٌ فِي الْحَيَاةِ دُونَ الْأُخْرَى كَشَاةٍ وَحِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَمْ تَتَعَيَّنُ الشَّاةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَرْكُ الْكَلْبِ وَالتَّخْيِيرُ في الباقي والله

أعلم (الحادية عشر) لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ حَتَّى يَتُوبَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فلا اثم عليه) وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحَةً فِي بَابِ مَسْحِ الخف وباب صلاة المسافر (الثانية عشر) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَجَدَ مَعَ غَيْرِهِ طَعَامًا يَضُرُّهُ وَيَزِيدُ فِي مرضه جاز له تَرْكُهُ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَهُ وَعَدُّوا هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ كَمَا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا اُضْطُرَّ وَوَجَدَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إذَا خَافَ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَسْقِيَهُ مَسْمُومًا فَلَوْ تَرَكَهُ وَأَكَلَ الْمَيْتَةَ فَلَهُ تركه وأكل الميتة والله أعلم * (الثالثة عشر) إذَا اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَائِعَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ جَازَ لَهُ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُنَاكَ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْخَمْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ فَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ غَيْرُ الْمُسْكِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ - أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الاسلام فلستوخموا الْمَدِينَةَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا قَالُوا بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ (وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا أَبْوَالَهَا وَأَلْبَانَهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنْ وَجَدَهُ حَرُمَتْ النَّجَاسَاتُ بِلَا خِلَافٍ وعليه

يُحْمَلُ حَدِيثُ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ حَرَامًا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي عَارِفًا بِالطِّبِّ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُ هَذَا مَقَامَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَيَكْفِي طَبِيبٌ وَاحِدٌ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ لَكَ بِهِ الشِّفَاءُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَأَخَّرَ فَفِي إبَاحَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ جَوَازَهُ (أَمَّا) الْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرِ فَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي أَوْ الْعَطَشِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي دُونَ الْعَطَشِ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ دُونَ التَّدَاوِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا لَهُمَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسَأُورِدُ دَلِيلَهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان جوزنا شربها للعطش وكان مَعَهُ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَحَرُمَ الخمر لان تحريم الخمر أَخَفُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا كَمَنْ وَجَدَ بَوْلًا وَمَاءً نَجِسًا فَإِنَّهُ يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجَسَ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ وَفِي جَوَازِ التَّبَخُّرِ بِالنَّدِّ الْمَعْجُونِ بِالْخَمْرِ وَجْهَانِ بِسَبَبِ دُخَانِهِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قدذكرنا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَالْعَطَشِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيَّ اخْتَارَا جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخَمْرُ يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي حُكْمِ الْعِلَاجِ قَالَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْخَمْرَ لَا يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلَا يُعَدُّ قَوْلُهُ مَذْهَبًا بَلْ هو غلط ووهم بل معاقر الخمر يجتزى بِهَا عَنْ الْمَاءِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ الْأَصْحَابِ وَالْأَطِبَّاءِ أَنَّهَا لَا تُسْكِنُ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ عَادَةِ شَرَبَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ شُرْبَ الْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ

مذاهب العلماء في مسائل من أحكام المضطر

عَلَى الْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا تُجِيعُ وَتُعَطِّشُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ سَأَلْتُ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا عَظِيمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ الْخَمْرُ تَزِيدُ فِي الْعَطَشِ وَأَهْلُ الشُّرْبِ يَحْرِصُونَ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ فَحَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي دَفْعِ الْعَطَشِ وَحَصَلَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي الدَّوَاءِ فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسِيغُهَا بِهِ إلَّا الْخَمْرَ فَلَهُ إسَاغَتُهَا بِهِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ بَلْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الْإِسَاغَةِ قَطْعِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَشُرْبِهَا لِلْعَطَشِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَصَّ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ - لَا بِضَمِّهَا - يَغَصُّ - بِفَتْحِهَا - أَيْضًا غَصَصًا - بِالْفَتْحِ - أَيْضًا فَهُوَ غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَأَغْصَصْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلَحْمِ الْحَيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ هَذَا لَفْظُهُ وَاحْتَجَّ * الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهَا مَذْمُومَةً * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضْطَرِّ (إحْدَاهَا) أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) سَدُّ الرَّمَقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وداود (والثانى) قَدْرُ الشِّبَعِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُضْطَرِّ مَالٌ وكان مع غيره طعام يستغن عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ بِلَا عِوَضٍ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْبَذْلِ حَتَّى يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَبَقَ هَذَا مَذْهَبُنَا * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَقَوْلُ دَاوُد قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِ دَاوُد مَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ

مَا تَزُولُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ يَغْرَقُ أَوْ يَحْتَرِقُ وَأَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ لَزِمَ تَخْلِيصُهُ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ عِوَضٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الذِّمَّةَ كَالْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الطَّعَامِ بَذْلُهُ مَجَّانًا وَكَذَا إذَا أَمْكَنَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ كُلُّ حَالَةٍ أَمْكَنَ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا بِالْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَائِبٍ فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة وأحملانه منصوص عليها وطعام غيره مجتهد فيه (والثاني) يَأْكُلُ طَعَامَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ (الرَّابِعَةُ) إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا مَيِّتًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّدَاوِي بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى شُرْبِهِمْ الْأَبْوَالَ لِلتَّدَاوِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَحَدِيثِ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ. وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ إنْ صَحَّا حُمِلَا عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّدَاوِي بِالْمُسْكِرِ وَعَلَى التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وان مر ببستان لغيره وهو غير مضطر لم يجز أن يأخذ منه شيئا بغير إذن صاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسه) *

(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مسلم الا بطيب نفس منه) اسناده ضعيف على ابن زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَرَّ الْإِنْسَانُ بِثَمَرِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا فَيَأْكُلَ حِينَئِذٍ وَيَضْمَنَ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ حُكْمُ الثِّمَارِ الَّتِي عَلَى الشَّجَرِ إنْ كَانَتْ السَّاقِطَةُ دَاخِلَ الْجِدَارِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا) لَا يَحِلُّ كَالدَّاخِلَةِ وَكَمَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا الْمَالِكَ لَا يُبِيحُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ بِذَلِكَ وَحُصُولِ الظَّنِّ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا يَحْصُلُ تَحَمُّلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْهَدِيَّةَ وَيَحِلُّ أَكْلُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ حُكْمُ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ * أَمَّا الْقَرِيبُ وَالصَّدِيقُ فَإِنْ تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِالْأَكْلِ من ثمره وزرعه وبيته لم يحل الا كل مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رضاه به وأنه يَكْرَهُ أَكْلَهُ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمْوَالِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى قوله تعالى أو صديقكم) وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من مَرَّ بِبُسْتَانِ غَيْرِهِ وَفِيهِ ثِمَارٌ أَوْ مَرَّ بزرع غيره فمذهبنا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا الْمَيْتَةُ * وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة ودواد والجمهور * وقال

أَحْمَدُ إذَا اجْتَازَ بِهِ وَفِيهِ فَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَمَانَ * وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى مُجَاهِدُ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (مَنْ مَرَّ مِنْكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ فِي بَطْنِهِ ولا يتخذ خبنة) وعن زيدب ن وَهْبٍ قَالَ (قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَأَمِّرُوا عَلَيْكُمْ وَاحِدًا مِنْكُمْ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِرَاعِي الْإِبِلِ فَنَادُوا يَا رَاعِيَ الْإِبِلِ فَإِنْ أَجَابَكُمْ فَاسْتَسْقُوهُ وَإِنْ لَمْ يُجِبْكُمْ فَأْتُوهَا فَحُلُّوهَا وَاشْرَبُوا ثُمَّ صُرُّوهَا) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْهِ جَمِيعًا قَالَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يؤتى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ مَرَّ لِرَجُلٍ بِزَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شئ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ قَالَ وَقَدْ قيل من مر بحائط فاليأكل ولا يتخذ خبنة ورى فِيهِ حَدِيثٌ لَوْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَنَا لَمْ نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ حَدِيثُ يحيى بن سليم الطائفي عن عبيد الله بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ فَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ حديث يحيى بن سليم هذا عن عبيد الله فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْحَائِطِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ هَذَا غَلَطٌ وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يحيى بن سليم يروى أحاديث عن عبيد الله يَهِمُ فِيهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ وَلَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ (مِنْهَا) عَنْ عَمْرِو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الضَّالَّةِ فَذَكَرَ

الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ الثِّمَارِ يُصِيبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ (مَا أَخَذَ فِي أَكْمَامِهِ يَعْنِي رؤس النَّخْلِ فَاحْتَمَلَهُ فَثَمَنُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَضَرْبُ نَكَالٍ وَمَا كَانَ فِي أَجْرَانِهِ فَأَخَذَهُ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَإِنْ أَكَلَ بفيه ولم يأخذ فيتخذ خبنة فليس عليه شئ) قال البيهقي وهذا إن صح فمحمول على أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعٌ حِينَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فليحلب وليشرب وان لم يكن فيها فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عن سمرة لَا يُثْبِتُهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَيُزْعَمُ أَنَّهَا مِنْ كِتَابٍ غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضرورة (ومنها) حديث يزيد بن هرون عَنْ سَعِيدِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى راع فليناد يا راع الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ ولا يَحْمِلَنَّ وَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى حَائِطٍ فَلْيُنَادِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْحَائِطِ فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَحْمِلَنَّ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخر عمره وسماع يزيد بن هرون مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَلَا يَصِحُّ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُلَّ صِرَارَ نَاقَةٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا فَإِنَّ خَاتَمَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا فَقِيلَ لِشَرِيكٍ أَرْفَعُهُ قَالَ نَعَمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا يُوَافِقُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ ثُمَّ روى البيهقى باسناده عن أبى عبيد القسيم بْنِ سَلَّامٍ قَالَ إنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الرُّخْصَةِ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيهِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ الَّذِي لا شئ معه يشترى به وهو معسر في حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ إذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ولا يتخذ خبنة) وعن الحجاج ابن أَرْطَاةَ عَنْ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ عن ذهيل بن عوف بن سماح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ نَاسٌ يارسول اللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ أَخِيهِ

قَالَ (أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يَحْمِلَ وَيَشْرَبَ وَلَا يحمل) قال البيهقى هذا اسناد مجهول لا يقوم به حجة والحجاج ابن أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْحَجَّاجِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُضْطَرِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ فَإِذَا اسْتَضَافَ مُسْلِمٌ لَا اضْطِرَارَ بِهِ مُسْلِمًا اُسْتُحِبَّ لَهُ ضِيَافَتُهُ وَلَا تَجِبُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ * وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً * قَالَ أَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ واحتجوا بحديث أبى سريج الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائزته قال وما جائزته يارسول اللَّهِ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يُقِيمُ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يؤثمه قال يقيم عنده ولا شئ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ (سُئِلَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ وَيَحْفَظُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا اتَّسَعَ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَإِلْطَافٍ وَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَيُقَدِّمُ لَهُ مَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى عَادَتِهِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَمَعْرُوفٌ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ) وَعَنْ أَبِي كريمة المقدام بن معد يكرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ أبو دواء بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي مَسْأَلَةِ ثِمَارِ الْإِنْسَانِ وَزَرْعِهِ (وَأَجَابُوا) عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الضِّيَافَةِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الخطابى وغيره على المضطر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يحرم كسب الحجام لما روى أبو العالية أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن كسب الحجام فقال (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعطاه أجره ولو كان حراما ما أعطاه) ويكره للحر أن يكتسب بالحجامة وغيرها من الصنائع الدنيئة كالكنس والذبح والدبغ لانها مكاسب دنيئة فينزه الحر منها ولا يكره للعبد لان العبد أدنى فلم يكره له وبالله التوفيق) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي الْعَالِيَةِ رُفَيْعٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - قَالَ أَصْحَابُنَا كَسْبُ الْحَجَّامِ حَلَالٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ لِلْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَكْلُ كَسْبِ الْحَجَّامِ سَوَاءٌ كَسَبَهُ حُرٌّ أَمْ عبد ويكره أكله للحر سواء كسبه حرأم عَبْدٌ وَلِكَرَاهَتِهِ مَعْنَيَانِ (أَحَدُهُمَا) مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ (وَالثَّانِي) دَنَاءَتُهُ فَعَلَى الثَّانِي يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَلَّاقِ وَنَحْوِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ كَسْبُ الْكَنَّاسِ وَالزَّبَّالِ وَالدَّبَّاغِ وَالْقَصَّابِ وَالْخَاتِنِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِي كَسْبِ الْفَاصِدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تنزيه وفى الحمامى والحاثل وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ الْحَائِلُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَسْبَ الصَّوَّاغِينَ

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ للعبيد وجهان (أصحهما) لا يكره لانه دنئ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ المكاسب الزارعة وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَأَيُّهَا أَطْيَبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِلنَّاسِ (أَشْبَهُهَا) بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التِّجَارَةَ أَطْيَبُ قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَطْيَبُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَخَذُوهُ عَنْهُ قُلْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) فَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَمَلُ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ زَرَّاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ وَأَفْضَلُهَا لِأَنَّهُ عَمَلُ يَدِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَوَكُّلًا كما ذكره الماوردى وقال فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ولانه لابد فِي الْعَادَةِ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ بَلْ يَعْمَلُ لَهُ غِلْمَانُهُ وَأُجَرَاؤُهُ فَاكْتِسَابُهُ بِالزِّرَاعَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَمَعْنَى يَرْزَؤُهُ يُنْقِصُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شئ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ وَالْحِجَامَةِ * عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ (اشْتَرَى أَبِي عَبْدًا حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى

عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الدَّمِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ) وَعَنْ مُحَيِّصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إجازة الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ أَعْلِفْهُ نَوَاضِحَك) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ وَقَالَ خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا حَدِيثَهُ السَّابِقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْحُرِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْحُرِّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَكْلِهِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْهُ وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَحْرُمُ عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ * وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ * وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالِارْتِفَاعِ عن دنئ الِاكْتِسَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ * (فَرْعٌ) فِي فَضْلِ الْحِجَامَةِ مَعَ مَا سَبَقَ * عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال لمريض

عَادَهُ (لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَحْتَجِمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إنَّ فِيهِ شِفَاءً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَأْفُوخِهِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ وَقَالَ إن كان في شئ شِفَاءٌ مِمَّا تَدَاوُونَ بِهِ فَالْحِجَامَةُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ الْيَأْفُوخُ بِهَمْزَةٍ - سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ - وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَهْمُوزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَاءِ مِنْهُ هَلْ هِيَ أَصْلِيَّةٌ أَمْ زَائِدَةٌ فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ زَائِدَةٌ وَوَزْنُهُ يَفْعُولٌ وقال ابن فَارِسٍ هِيَ أَصْلِيَّةٌ وَهُوَ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهُ يَآفِيخٌ قَالَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَحَرَّكُ مِنْ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَهُوَ الرَّأْسُ وَعَنْ سَلْمَى خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا مِنْ رَأْسِهِ إلَّا قَالَ احْتَجِمْ ولا وجع فِي رِجْلَيْهِ إلَّا قَالَ اخْضِبْهُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * (فَرْعٌ) فِي مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ * عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (احتجم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ صُدَاعٍ كَانَ بِهِ أَوْ وَبًى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا من رواية عبد الله بن بحينة بمعناه وروي البيقهي بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا قَالَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فِي رَأْسِهِ قَالَ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ) كَذَا قَالَ عَلَى وَرِكِهِ وَفِي رِوَايَةٍ (احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِوَرِكِهِ أَوْ قَالَ بِظَهْرِهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَبًى كَانَ بِهِ أو صدع) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ ثَلَاثًا اثنتين في الاجد عين وواحد فِي الْكَاهِلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديث حسن قال أهل اللغة الاجدعان عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْعُنُقِ وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَحْتَجِمُ عَلَى هَامَتِهِ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ وَيَقُولُ مَنْ أَهَرَاقَ دَمًا مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يتداوى بشئ لشئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ *

(فَرْعٌ) فِي وَقْتِ الْحِجَامَةِ * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف وعن مغفل بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ كَانَ دَوَاءً لِدَاءِ السَّنَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ الشَّهْرِ أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ دَاءَ سَنَتِهِ) ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ كَيِّسَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ نَهَى أَهْلَهُ عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَالنَّهْيُ الَّذِي فِيهِ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بمرفوع وعن سليم بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ السَّبْتِ فَرَأَى وَضَحًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ) هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَوْصُولًا وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعًا وَعَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَحْتَجِمُ فِيهَا مُحْتَجِمٌ إلَّا عَرَضَ لَهُ دَاءٌ لَا يُشْفَى مِنْهُ) هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ قَالَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنِ العلاء الدارى وهو متروك باسناد له عن الحسين ابن على عنه حديثا مرفوعا وليس بشئ والحاصل انه لم يثبت شئ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحِجَامَةِ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الِاكْتِوَاءِ لِلتَّدَاوِي وَلَيْسَ بِحَرَامٍ * عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ كَانَ فِي أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ مَا تَدَاوَيْتُمْ به خير فشرطة حجام أو شربة عسل أو لدعة بِنَارٍ تُوَافِقُ دَاءً وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عسل أوكية بنار وانى أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ فَقُلْتُ مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَغْتَابُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لِلْبُخَارِيِّ (وَلَا يَكْتَوُونَ) وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا ومن هم يارسول اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ) رَوَاهُ الترمذي باسناد صحيح وعن عمران ابن الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَلَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا) وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ * وَعَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلِيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ * (فَرْعٌ) فِي جَوَازِ الْكَيِّ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ لِلْحَاجَةِ * عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طبيبا فقطع منه عرفا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ أُبَيًّا مَرِضَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ طَبِيبًا فَكَوَاهُ عَلَى أَكْحَلِهِ) وَعَنْهُ قَالَ رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ (جَاءَ نَفَرٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ صَاحِبًا لَنَا اشْتَكَى أَفَنَكْوِيهِ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَاكْوُوهُ وَإِنْ

شِئْتُمْ فَارْمِضُوهُ يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ (أَنَّ أَنَسًا اكْتَوَى وَابْنَ عُمَرَ وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي الدَّوَاءِ وَالِاحْتِمَاءِ (أَمَّا) الدَّوَاءُ فَسَبَقَتْ فِيهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَبَائِرِ (وَأَمَّا) الِاحْتِمَاءُ فَفِيهِ حَدِيثُ أُمِّ مُنْذِرِ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وعلى ناقه ولنادو إلى مُعَلَّقَةٌ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ مِنْهَا وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ مَهْ إنَّك نَاقِهٌ حَتَّى كَفَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هَذَا فَهُوَ أَنْفَعُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ النَّاقِهُ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - هُوَ الَّذِي بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِهِ لَمْ تَتَكَامَلْ صِحَّتُهُ يُقَالُ نَقِهَ يَنْقَهُ فَهُوَ نَاقِهٌ كَعَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ عَالَمٌ وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا وَبَيْنَ يَدَيْهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَعَالَ فَكُلْ فَجَعَلْتُ آكُلُ فَقَالَ تَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ قُلْتُ إنِّي أَمْضُغُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ * (فَرْعٌ) فِي جَوَازِ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ * عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الرُّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ فَقَالَتْ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - الْحُمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - وَهِيَ السُّمُّ وَقَدْ تُشَدَّدُ الْمِيمُ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَكَثِيرُونَ وأصلها حموأ وحمى كَصُرَدٍ فَأَلِفُهَا فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَسْتَتِرَ مِنْ الْعَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وجهها سفعة فقالوا اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا نَظْرَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ السَّفْعَةُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ - صُفْرَةٌ وَتَغْيِيرٌ وَالنَّظْرَةُ - بِفَتْحِ النُّونِ - هِيَ الْعَيْنُ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالنَّمْلَةِ

وَالْحُمَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ النَّمْلَةُ هِيَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رجل يارسول اللَّهِ أَرْقِي قَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاسماء بنت عميس مالى أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةَ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ) وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الرقا فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ يُرْقَى بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَأَنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى قَالَ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ (كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يارسول الله ما تقول في ذلك فقال اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن الشفاء بنت عبيد الله قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الْكِتَابَةَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أنه قال يارسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقا نسترقى بها وتقى نتقيها هل يزد ذلك من قدر الله من شئ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والبيهقي (وأما) حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رُقْيَةَ إلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ معناه هما أولى بالرقا مِنْ غَيْرِهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ زِيَادَةِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا يَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ ارْقِيهَا بكتاب الله عزوجل) وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ (سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الرُّقْيَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْقِيَ الْإِنْسَانُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قُلْتُ أَيَرْقِي أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَقَوْا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ

أو ذكر الله فقلت وَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِيهِ غَيْرُ حُجَّةٍ فَإِنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَخْبَارُ فِيمَا رَقَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُقِيَ بِهِ وَفِيمَا تَدَاوَى بِهِ وَأَمَرَ بِالتَّدَاوِي بِهِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) فِي تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ * عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (ان الرقا والتمائم والبولة شِرْكٌ قَالَتْ قُلْتُ لِمَ تَقُولُ هَذَا وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّمَا كَانَ عَمَلَ الشَّيْطَانِ يَنْخُسُهَا بيده فإذا رقاها كف عنها انما كان يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ البولة - بكسر الباء - هُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَهُوَ من السحر قال وذلك لا يجوز (وأما) الرِّقَاءُ وَالتَّمَائِمُ قَالَ فَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ إنَّ التَّمِيمَةَ خَرَزَةٌ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ الْآفَاتِ وَيُقَالُ قِلَادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعُودُ وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وما اشبه مِنْ النَّهْيِ وَالْكَرَاهَةِ فِيمَنْ يُعَلِّقُهَا وَهُوَ يَرَى تَمَامَ الْعَافِيَةِ وَزَوَالَ الْعِلَّةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ يُعَلِّقُهَا مُتَبَرِّكًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا كَاشِفَ لَهُ إلَّا اللَّهُ وَلَا دَافِعَ عَنْهُ سِوَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا إنْ شَاءَ الله تعالى * ثم روى البيهقى باستاده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (لَيْسَتْ التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ قَبْلَ الْبَلَاءِ إنَّمَا التَّمِيمَةُ مَا يُعَلَّقُ بَعْدَ الْبَلَاءِ لِتَدْفَعَ بِهِ الْمَقَادِيرَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا قَالَتْ (التَّمَائِمَ مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَمَا عُلِّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ بِتَمِيمَةٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهَا قَالَتْ (ليس بتميمة

عُلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْبَلَاءُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا * وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِهِ حَلْقَةٌ مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تُوَكَّلَ إلَيْهَا انْبِذْهَا عَنْكَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ * وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إلَيْهِ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِتَعْلِيقِ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ إنْ رَقَى بِمَا لَا يَعْرِفُ أَوْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إضَافَةِ الْعَافِيَةِ إلَى الرُّقَى لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَقَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّكًا بِهِ وَهُوَ يَرَى نُزُولَ الشِّفَاءِ مِنْ اللَّهِ تعالى فلا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي النُّشْرَةِ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّشْرَةُ ضَرْبٌ مِنْ الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ يُعَالَجُ مَنْ كَانَ يُظَنُّ بِهِ مَسٌّ مِنْ الْجِنِّ قِيلَ سُمِّيَتْ نُشْرَةً لِأَنَّهُ يَنْشُرُهَا عَنْهُ أَيْ يَحُلُّ عَنْهُ مَا جَاءَ مَرَّةً مِنْ الدَّاءِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ مَعَ إرْسَالِهِ أصح قال والقول فيما يكره من النشرة وفيما لا يُكْرَهُ كَالْقَوْلِ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) فِي الْعَيْنِ وَالِاغْتِسَالِ لَهَا * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ (اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعِ الرُّقَى وَالنَّظْرَةُ الْعَيْنُ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شئ سابق القدر سبقته العين وإذا اسْتَغْسَلْتُمْ فَاغْسِلُوا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ وَهُوَ النَّاظِرُ بِعَيْنِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِكَ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَى الْمَعِينِ وَهُوَ

فصل في الجبن

الْمَنْظُورُ إلَيْهِ * وَثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ (كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ * وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَمْ أَرَ كاليوم ولا جلد محياه (1) فما لبث أن لبط به فأتى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا فَقَالَ مَنْ يَتَّهِمُونَ بِهِ قالوا عامر بن ربيعة فقال على ما يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَيُصَبَّ الْمَاءُ عليه قال الزهري ويكفأ الاناء من حلقه) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ الْغُسْلُ الَّذِي أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنْ يُؤْتَى الرَّجُلُ الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَيُمْسَكَ لَهُ مَرْفُوعًا مِنْ الْأَرْضِ فَيُدْخِلَ الْعَائِنُ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ فَيُصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثم يدخل يده فَيَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَمُجَّهُ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَغْتَرِفَ مِنْ الْمَاءِ فَيَصُبَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى صَبَّةً وَاحِدَةً فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يُدْخِلَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى صبه واحدة في القدح وهو ثانى يَدَهُ إلَى عُنُقِهِ ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ الاصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَصُبَّ عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَغْمِسَ دَاخِلَةَ إزَارِهِ الْيُمْنَى فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَقُومَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ بِالْقَدَحِ فَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ وَرَائِهِ * وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقِهِ زَادَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ يعطى ذلك الرجل الذى أصابه الْقَدَحَ فَيَحْسُوَ مِنْهُ وَيَتَمَضْمَضَ وَيُهَرِيق عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُكْفَأَ الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّمَا أَرَادَ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ طَرَفَ إزَارِهِ الدَّاخِلِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ فِي الْجُبْنِ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْجُبْنِ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ بِأَنْ يُوضَعَ فِيهِ إنْفَحَةٌ ذَبَحَهَا مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ في اباحته وقد جمع

_ (1) كذا بالاصل فحرر

البيهقى في أحاديث كثيرة (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبْنٍ فِي تَبُوكَ فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ رَأَى جُبْنَةً فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا هَذَا طَعَامٌ يُصْنَعُ بِأَرْضِ الْعَجَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَعُوا فِيهِ السِّكِّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ * وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَنِ وَاللِّبَأِ فَكُلُوا وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ) وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ الْجُبْنَ فَضَعْ الشَّفْرَةَ فِيهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَكُلْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ الْجُبْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُلُوا الْجُبْنَ مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الكتاب) وفى رواية لا تَأْكُلُوا مِنْ الْجُبْنِ إلَّا مَا صَنَعَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (كُلُوا مِنْ الْجُبْنِ مَا صَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْجُبْنَ يُعْمَلُ بِإِنْفَحَةِ السَّخْلَةِ الْمَذْبُوحَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ فَقَالَ (سَمِّ وَكُلْ فَقِيلَ لَهُ إنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَقَالَ إنْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً فَلَا تَأْكُلْهُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لا يَسْأَلُ عَنْهُ تَغْلِيبًا لِلطَّهَارَةِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يسأل عَنْهُ احْتِيَاطًا وَرَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ لَأَنْ أَخُرَّ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلَ جُبْنًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ * وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ الْجُبْنِ وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ السَّمْنِ * وَعَنْ أَبَانَ بن أبى عباس عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ (كُنَّا نَأْكُلُ الْجُبْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا نَسْأَلُ عَنْهُ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَبَانُ بن أبى عباس ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ * (فَصْلٌ) يَحِلُّ أَكْلُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ (أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ من لفظ عُمَرَ هَكَذَا وَأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى البيهقى

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ (إنِّي لَآكُلُ الطِّحَالَ وَمَا بِي إلَيْهِ حَاجَةٌ إلَّا لِيَعْلَمَ أَهْلِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ آكُلُ الطِّحَالَ قَالَ نَعَمْ قَالَ إنَّ عَامَّتَهَا دَمٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ * (فَصْلٌ) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ مِنْ الشَّاةِ سَبْعًا الدَّمَ وَالْمِرَارَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْحَيَا وَالْغُدَّةَ وَالْمَثَانَةَ وَكَانَ أَعْجَبُ الشَّاةِ إلَيْهِ مُقَدَّمَهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ وَرُوِيَ مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ (1) قَالَ وَلَا يَصِحُّ وَصْلُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الدَّمُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَامَّةُ الْمَذْكُورَاتِ معه مكروهة غير محرمة * (فصل) فما حُرِّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ وَرَدَ شَرْعُنَا بنسخة * اعلم ان الشافعي رضى الله عنه اعْتَنَى بِهَذَا الْفَصْلِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم) وَقَالَ تَعَالَى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أو ما اختلط بعظم) قَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَوَايَا مَا حَوْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْبَطْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلُّ ذِي ظُفُرٍ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَمَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا يَعْنِي مَا عَلِقَ بِالظَّهْرِ مِنْ الشَّحْمِ وَالْحَوَايَا الْمَبْعَرُ * وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا) جَمَلُوهَا بِالْجِيمِ أَيْ أَذَابُوهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مُحَرَّمًا مِنْ حِينِ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ قَبْلَهُ فَقَالَ تَعَالَى (إِنَّ الدين عند الله الاسلام) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وَقَالَ تَعَالَى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله) الْآيَةَ وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الامي الذى يجدونه مكتوبا

_ (1) بياض بالاصل فحرر

عندهم في التوارة وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ اصرهم والاغلال التى كانت عليهم) قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَوْزَارُهُمْ وَمَا مُنِعُوا مِمَّا أَحْدَثُوا قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِنٍّ وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا لَا شَحْمًا وَلَا غَيْرَهُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ جَمِيعِ الشُّحُومِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَذَبَائِحِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ هَذَا لِي لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ) * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الشُّحُومَ الَّتِي كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْيَهُودِ حَلَالٌ لَنَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ مِنْهُمْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ مكروهة ليست محرمة وقال ابن القاسم وابن اشهب وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا قَوْلُ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الذَّبَائِحِ وَبَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي كَانُوا يُنْزِلُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا وَسَاقَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تعالى أعلم *

باب الصيد والذبائح

(باب الصيد والذبائح) * قال المصنف رحمه الله * (ولا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بذكاة لقوله تَعَالَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السمك والجراد) ولان ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها) (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ (أُحِلَّتْ لَنَا) وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا وَالْمَيْتَةُ مَا فَارَقَتْ الْحَيَاةَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وقوله تعالى (وما أهل به لغير الله) أَيْ مَا ذُبِحَ لِصَنَمٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَضْرُوبَةُ بِعَصًا وَنَحْوِهَا وَالْمُتَرَدِّيَةُ الَّتِي تَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ فَتَمُوتُ وَالنَّطِيحَةُ الْمَنْطُوحَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يحل شئ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ سِوَى السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَا يَرِدُ الصَّيْدُ الَّذِي قَتَلَتْهُ جَارِحَةٌ أَوْ سَهْمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَكَاتُهُ وَكَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ بَنْدٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَذَلِكَ ذَكَاةٌ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَةِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى الذَّكَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ ابْتَلَعَ عُصْفُورًا حَيًّا فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْأَطْعِمَةِ * وَلَوْ ذَكَّى الْحَيَوَانَ وَلَهُ يَدٌ شَلَّاءُ فَهَلْ تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَلَا تَحِلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَحَلَالٌ وَمَيْتَتُهُمَا حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ وَلَا قَطْعِ رَأْسِ الْجَرَادِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ ذَبْحُ السَّمَكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا يَطُولُ بَقَاؤُهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ رَاحَةً لَهُ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ لِيَمُوتَ بِنَفْسِهِ * وَلَوْ صَادَ مَجُوسِيٌّ سَمَكَةً حَلَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ

مَيْتَتَهَا حَلَالٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سَمَكَةً حَيَّةً أَوْ قَطَعَ فِلْقَةً مِنْهَا وَأَكَلَهَا أَوْ ابْتَلَعَ جَرَادَةً حَيَّةً أَوْ فِلْقَةً مِنْهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ فَهُمَا حَلَالٌ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أنفها بخلاف ما لوا ابْتَلَعَتْ عُصْفُورًا أَوْ غَيْرَهُ فَوُجِدَ فِي جَوْفِهَا مَيِّتًا فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَقَطَّعَتْ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهَا لَمْ تحل على أصح الوجهين لانها كالروث والقئ وَلَوْ قَلَى السَّمَكَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَطَرَحَهَا فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَهِيَ تَضْطَرِبُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي ابْتِلَاعِ السَّمَكَةِ حَيَّةً أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ فَكَذَا هَذَا (وَأَمَّا) السَّمَكُ الصِّغَارُ الَّذِي يُقْلَى وَيُشْوَى وَلَا يُشَقُّ جَوْفُهُ وَلَا يُخْرَجُ مَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ رَوْثَهُ نَجِسٌ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ أُفْتِي قَالَ وَرَجِيعُهُ طَاهِرٌ عِنْدِي وَاحْتَجَّ لَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُعْتَدُّ بِبَيْعِهِ وَقَدْ جَرَى الْأَوَّلُونَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا إبَاحَةُ مَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ مِنْ السَّمَكِ وَمَاتَ فِي يَدِهِ وَهَكَذَا الْجَرَادُ (فَأَمَّا) السَّمَكُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَوَافَقَنَا عَلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ مِنْ الْجَرَادِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَفَرْقُهُمَا ضَعِيفٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ) * (فَرْعٌ) قد ذكرنا أن مذهبنا اباحة ميتتات السَّمَكِ سَوَاءٌ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبٍ وَاَلَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُسَمَّى الطَّافِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ وَقَدْ

سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ * (وَأَمَّا) الْجَرَادُ فَتَحِلُّ مَيْتَتُهُ سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ رَأْسِهِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْأَبْهَرِيِّ الْمَالِكِيَّيْنِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُ أَوْ يُسْلَقَ أَوْ يُشْوَى أَوْ يُقْلَى حَيًّا وَإِنْ لَمْ يُقْطَفْ رَأْسُهُ قَالَ فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي وِعَاءٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا مَا قَدَّمْنَاهُ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف * * قال المصنف رحمه الله * (والافضل أن يكون المذكى مسلما فان ذبح مشرك نظرت فان كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل لقوله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وطعامكم حل لهم) وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وان كان يهوديا أو نصرانيا من العجم حل للآية الكريمة وان كان من نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب لم يحل لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (ما نصارى العرب بأهل الكتاب لا تحل لنا ذبائحهم) وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال لا تحل ذبائح نصارى بني تغلب ولانهم دخلوا في النصرانية بعد التبديل ولا يعلم هل دخلوا في دين من بدل منهم أو في دين من لم يبدل منهم فصاروا كالمجوس لما اشكل امرهم في الكتاب لم تحل ذبائحهم والمستحب أيكون المذكي رجلا لانه أقوى علي الذبح من المرأة فان كانت امرأة جاز لما روى كعب بن مالك (ان جارية لهم كسرت حجرا فذبحت به شاة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بأكلها) ويستحب أن يكون بالغا لانه أقدر على الذبح فان ذبح صبى حل لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه انه قال (من ذبح من ذكر أو انثى أو صغير أو كبير وذكر اسم الله عليه حل) * وتكره ذكاة الاعمي لانه ربما أخطأ المذبح فان ذبح حل لانه لم يفقد فيه الا النظر وذلك لا يوجب التحريم ويكره ذكاة السكران والمجنون لانه لا يؤمن أن يخطئ المذبح ويقتل الحيوان فان ذبح حل لانه لم يفقد في ذبحهما الا القصد والعلم وذلك لا يوجب التحريم كما لو ذبح شاة وهو يظن انه يقطع حشيشا) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِهِ (قَوْلُهُ) وَهُمْ بَهْرَاءُ هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَبِالْمَدِّ - وَتَنُوخُ - بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ ثُمَّ النُّونِ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ - وَبَنُو تَغْلِبَ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَهِيَ قَبَائِلُ مَعْرُوفَاتٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ بالاجماع للآية الكريمة سواء فِيهِ مَا يَسْتَحِلُّهُ الْكِتَابِيُّ وَمَا لَا يَسْتَحِلُّهُ وَحَقِيقَةُ الْكِتَابِيِّ نَبْسُطُهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَمُخْتَصَرُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا مِنْ الْعَجَمِ أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ تَنُوخُ وَبَهْرَاءُ وَبَنُو تَغْلِبَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ شُكَّ فِي وَقْتِ دُخُولِهِمْ فِي دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَلَا الْوَثَنِيِّ وَلَا الْمَجُوسِيِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ (وَأَمَّا) الْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَالْأُمُّ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهُ حَرَامٌ كَمُنَاكَحَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ كِتَابِيًّا وَالْأُمُّ مَجُوسِيَّةً فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) حَرَامٌ (وَالثَّانِي) حَلَالٌ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي مُنَاكَحَتِهِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُنَاكَحَةُ وَالذَّكَاةُ مُتَلَازِمَتَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَمَنْ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ لَا فَلَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَإِنَّهُ تَحِلُّ ذبيحتها ولا تحل مناكحتها * قال أَصْحَابُنَا وَكَمَا تَحْرُمُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ يَحْرُمُ صَيْدُهُ بِكَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ وَيَحْرُمُ مَا شَارَكَ فِيهِ مسلما فلو أمرا سِكِّينًا عَلَى حَلْقٍ أَوْ قَطَعَ هَذَا بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَهَذَا بَعْضَهُ أَوْ قَتَلَا صَيْدًا بِسَهْمٍ أو كلب لم يحل ولو رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ سَهْمُ الْمُسْلِمِ أَوْ كَلْبُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا الْمَجُوسِيُّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفُفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَّلَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانِ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ ذَكَاةٌ مُبِيحَةٌ * وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ

أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا فَهُوَ كَاشْتِرَاكِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ هَرَبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ لَهُ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً وَيَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ بِسِكِّينَتِهِ وَلَوْ أَكْرَه مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَذَكَاةُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ ذَكَاتِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَذَبِيحَتُهَا فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَلَالٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ بَالِغًا عَاقِلًا فَإِنْ ذَبَحَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) الْحِلُّ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ * وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ فَفِيهِمْ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ وبها قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنَّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ وَهُوَ نَائِمٌ فَمَرَّتْ عَلَى حُلْقُومِ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ كَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ وَهُوَ يَظُنُّهُ خَشَبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي السَّكْرَانِ طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِحِلِّ ذَكَاتِهِ مَعَ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصَّاحِي قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ لِلْمَجْنُونِ أَدْنَى تَمْيِيزٍ وَلِلسَّكْرَانِ قَصْدٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ قَطْعًا وَحَيْثُ حَلَّلْنَا ذَبْحَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) تَحِلُّ ذَكَاةُ الْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ

وَفِي حِلِّ صَيْدِهِ بِالْكَلْبِ وَالرَّمْيِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ كَذَكَاتِهِ وَقَطَعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ طَائِفَةٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا أَدْرَكَ حِسَّ الصَّيْدِ وَبَنَى إرْسَالَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَشْبَهُ أَنَّ الخلاف مخصوص بما إذا أَخْبَرَهُ بَصِيرٌ بِالصَّيْدِ فَأَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ السَّهْمَ وَكَذَا صَوَّرَهُمَا الْبَغَوِيّ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرافعى ويجريان في اصطياد الصبى والمجنون بالكلب وَالسَّهْمِ وَقِيلَ يَخْتَصَّانِ بِالْكَلْبِ وَيُقْطَعُ بِالْحِلِّ فِي السَّهْمِ كَالذَّبْحِ (قُلْتُ) الْمَذْهَبُ حِلُّ صَيْدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لعدم القصد وليس بشئ وَالْمُرَادُ صَبِيٌّ لَا يُمَيِّزُ (أَمَّا) الْمُمَيِّزُ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ بِالْكَلْبِ وَالسَّهْمِ قَطْعًا كَالذَّبْحِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ السَّابِقِ فِي الذَّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْأَخْرَسُ إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ حلت ذبيحته بالاتفاق ولا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ الْحِلُّ أَيْضًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْتَكُنْ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ * (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَنْ ذَبَحَ مِمَّنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ صبي من المسلمين أحب إلى من ذبح اليهودي والنصراني * قال أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ وَأَفْضَلُهُمْ لَهَا الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ ثُمَّ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوْلَى مِنْ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُمَا قَتْلُ الْحَيَوَانِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا حِلُّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ ذَكَاةُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ ذَكَاةِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ * (فَرْعٌ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ مُذَكَّاةِ الْأَخْرَسِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ فَهْمِهِ الْإِشَارَةَ وَعَدَمِهِ * (فَرْعٌ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ على ذَبِيحَةِ الْجُنُبِ قَالَ وَإِذَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حِلِّ إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَاَلَّذِي نَفَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ النَّجَاسَةَ أَوْلَى قَالَ والحائض كالجنب *

(فَرْعٌ) فِي ذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يُخْتَنْ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ * وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ الْأَقْلَفُ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا إبَاحَةُ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَسَائِرِ مِنْ تَعَدَّى بِذَبْحِ مَالِ غَيْرِهِ لِصَاحِبِهَا وَمَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهَا وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ طاوس وعكرمة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ يُكْرَهُ * (فَرْعٌ) ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ سَوَاءٌ ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا أَمْ لَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ والنخعي وحماد بن سليمان وأبى حنيفة وأحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ ذَبَحُوا عَلَى صَنَمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ إذَا ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ عَلَى اسْمِ عِيسَى فَكُلْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَقُولُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا سَمَّوْا اللَّهَ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ فَلَا تَأْكُلْ * وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَبَائِحِهِمْ لِكَنَائِسِهِمْ فَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ وعمر بن الاسود ومكحول وجبر بن نفيل وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا نَأْكُلُهُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ ذَكَاةِ نَصَارَى الْعَرَبِ بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جبير وأباحه ابْنُ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالزُّهْرِيُّ والحكم وحماد وأبو حنيفة واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف *

(فَرْعٌ) ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَلَالٌ كَذَبَائِحِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ المسيب وعطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن ابن أبى ليلى والنخعي وعبيد الله بن يزيد ومرة الهمذانى والزهرى ومالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مَرِيضًا وَأَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجُوسِيِّ يُسَمِّي شَيْئًا لِنَارِهِ فَيَذْبَحُهُ مُسْلِمٌ فَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَأْكُلُهَا الْمُسْلِمُ إذَا ذَبَحَهَا مُسْلِمٌ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا * (فَرْعٌ) فِي ذَبِيحَةِ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ مَجُوسِيًّا فَذَبِيحَةُ الْوَلَدِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَصَحِّ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحِلُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ * (فَرْعٌ) ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَرِهَهَا الثَّوْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ تولى قوما فهو منهم وقال اسحق إنْ ارْتَدَّ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّ ذَبِيحَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْكِتَابِيَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ * (فَرْعٌ) فِي ذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إنْ وَافَقَتْ الصَّابِئُونَ النَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ الْيَهُودَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ حَلَّتْ ذَبَائِحُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه ذبائح السامرة وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ أَهْلِ الصَّابِئِينَ لانهم أهل الكتاب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (أَمَّا)

السَّامِرَةُ فَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الصَّابِئُونَ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَهُمْ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْوَاوِ * (فَرْعٌ) ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَحِلُّ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قبلناه وحل أكلها لانه من أهل الزكاة * (فَرْعٌ) لَوْ وَجَدْنَا شَاةً مَذْبُوحَةً وَلَمْ نَدْرِ مَنْ ذَبَحَهَا فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمَجُوسِ لَمْ تَحِلَّ سَوَاءٌ تَمَحَّضُوا أَوْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَلَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب أن يذبح بسكين حاد لما روى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فان ذبح بحجر محدد أو ليطة حل لما ذكرناه من حديث كعب بن مالك في المرأة التى كسرت حجرا فذبحت بها شاة ولما روى أن رافع بن خديج قال يارسول الله انا نرجو أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأخبركم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة فان ذبح بسن أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَوَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَالذِّبْحَةَ هُوَ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَالذَّالِ - أَيْ هيأة الْقَتْلِ وَالذَّبْحِ وَلْيُحِدَّ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - يُقَالُ أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا كُلُّهُ بِمَعْنًى وَالْمُدَى - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَهُوَ جَمْعُ مدية - بضم

الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا سَاكِنَةَ الدَّالِ - وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ مُدْيَةً لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَسُمِّيَتْ السِّكِّينُ سِكِّينًا لِأَنَّهَا تُسْكِنُ حَرَكَةَ الْحَيَوَانِ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (قَوْلُهُ) لِيطَةٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْقِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ لِلْقَصَبَةِ وَقِيلَ مُطْلَقُ قِشْرَةِ الْقَصَبَةِ وَالْجَمَاعَةُ لِيطٌ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) هُمَا مَنْصُوبَانِ بِلَيْسَ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِ العظام فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِمَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الاحكام ففيها مسائل (إحدهما) السُّنَّةُ تَحْدِيدُ السِّكِّينِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ امرارها بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أو حي وَأَسْهَلَ فَلَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالَّةٍ كُرِهَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُحَدِّدَ السِّكِّينَ وَالشَّاةُ تَنْظُرُ السِّكِّينَ وَأَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُسَاقَ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ وَتُضْجَعَ بِرِفْقٍ وَيُعْرَضَ عَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَلَا بِسَائِرِ الْعِظَامِ وَتَحْصُلُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمُحَدَّدَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ أَوْ مِنْ الرَّصَاصِ أَوْ النُّحَاسِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْخَشَبِ الْمُحَدَّدِ أَوْ الْقَصَبِ أَوْ الزجاج أو الحجز أَوْ غَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا وَيَحِلُّ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ سِوَى الظُّفُرِ وَالسِّنِّ وَسَائِرِ الْعِظَامِ (وَأَمَّا) الظُّفُرُ وَالسِّنُّ وَسَائِرُ الْعِظَامِ فَلَا تَحِلُّ بِهَا الذَّكَاةُ وَلَا الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الظُّفُرُ وَالسِّنُّ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ الْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غيره هذ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ بِالْعَظْمِ الذَّكَاةَ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أُحَرِّمَ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سِنٍّ وَلَا ظُفُرٍ قَالَ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي التَّحْرِيمِ الِاسْمَ فَأَجَازَهُ بِالْعَظْمِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الِاسْمِ وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ السِّنِّ بِأَنَّهُ

عَظْمٌ هَذَا نَقَلَهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا أَنَّ عَظْمَ الْمَأْكُولِ تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ وَهَذَا غَلَطٌ وَلَوْ رُكِّبَ عظم على سهم وجعل نصلاله فَقُتِلَ بِهِ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرافعى قولان قَوْلًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَرَادَ الذَّكَاةَ بِمُثْقَلٍ فَأَثَّرَ بِثِقَلِهِ دَقًّا أَوْ خَنْقًا لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا لَوْ كَانَ مثقلا فقتله بثقله لم يحل بل لابد مِنْ الْجُرْحِ وَلَوْ ذَبَحَهُ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ وَتَحَامَلَ عَلَيْهَا حَتَّى أَزْهَقَهُ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ القطع هنا بقوة الذابح واعتماده الشديدلا بِالْآلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجُوزُ الذَّبْحُ بكل ماله حد يقطع إلا السن والظفر وهذ اللَّفْظُ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ الْمُحَدَّدَةِ سِوَى السِّنِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْعَظْمَ وَالظُّفُرَ أَوْ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ أَجْوَدُ وَمَعَ هَذَا فَأَهْمَلَ فِيهِ بَيَانَ مَنْعِ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ (قُلْنَا) (أَمَّا) فِي الْمُهَذَّبِ فَلَهُ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُذْرِ (وَأَمَّا) فِي التَّنْبِيهِ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ حَتَّى يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إيهَامٌ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ فِي السِّنِّ وَهُوَ كَوْنُهُ عَظْمًا فَفَهِمْنَا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَظْمِ لَا تَحِلُّ الذَّكَاةُ بِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ أو مسروق أو كال وقطع الحلقوم والمرئ كُرِهَ ذَلِكَ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَقَالَ لَا تَحِلُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَبْحٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا مَا ذكيتم) وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ المذكور قريبا (ما أنهرم الدَّمَ) وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا) أَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ فِعْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الذَّكَاةِ وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ حَلَالٍ في أرض مغصوب أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَالْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الذَّكَاةُ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا حُصُولُهُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ إلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وأحمد واسحق وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْجَمَاهِيرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصَلِينَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بكل شئ حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ وَنَحْوِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إبَاحَةُ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ ومنعهت بِالسِّنِّ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعِنْدِي تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ تُذَكِّي بِعَظْمِ الْحِمَارِ وَلَا تُذَكِّي بِعَظْمِ الْقِرْدِ لِأَنَّ الْحِمَارَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَسْقِيهِ فِي خُفِّك وَهَذَا مَذْهَبٌ فاسد واستدلال باطل * دليلنا حديث رافع والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (والمستحب أن تنحر الابل معقولة من قيام لِمَا رُوِيَ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما رأى رجلا أضجع بدنة فقال قياما سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وتذبح البقرة والغنم مضجعة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرَنَيْنِ أملحين ذبحهما بيده ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر) والبقر كالغنم في الذبح فكان مثله في الاضطجاع والمستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة لانه لابد لها من جهة فكانت جهة القبلة أولى والمستحب أن يسمى الله تعالى علي الذبح لما روى عدى بن حاتم قال (سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصيد فقال أذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه وكل) فان ترك التسمية لم يحرم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ قوما قالوا يارسول الله ان قوما من الاعراب يأتون باللحم لا ندرى اذكروا اسم الله تعالى عليه أم لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذكر اسم الله تعالى عليه وكل) والمستحب أن يقطع الحلقوم والمرئ والودجين لانه أوحى وأروح للذبيحة فان اقتصر على قطع الحلقوم والمرئ أجزأه لان الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والروح

لا تبقي مع قطعهما والمستحب أن ينحر الابل ويذبح البقر والشاة فان خالف ونحر البقر والشاة وذبح الابل أجزأه لان الجميع موت من غير تعذيب ويكره أن يبين الرأس وأن يبالغ في الذبح إلى أن يبلغ النخاع وهو عرق يمتد من الدماغ ويستبطن الفقار إلى عجب الذنب لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نهى عن النخع ولان فيه زيادة تعذيب فان فعل ذلك لم يحرم لان ذلك يوجد بعد حصول الذكاة وان ذبحه من قفاه فان بلغ السكين الحلقوم والمرئ وقد بقيت فيه حياة مستقرة حل لان الذكاة صادفته وهو حي وان لم يبق فيه حياة مستقرة الا حركة مذبوح لم يحل لانه صار ميتا قبل الذكاة فان جرح السبع شاة فذبحها صاحبها وفيها حياة مستقرة حلت وان لم يبق فيها حياة مستقره لم تحل لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لابي ثعلبة الخشنى وان رد عليك كلبك غنمك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكله) والمستحب إذا ذبح أن لا يكسر عنقها ولا يسلخ جلدها قبل أن تبرد لما روى أن الفرافصه قالوا لعمر رضى الله عنه إنكم تأكلون طعاما لا نأكله فقال وما ذاك يا أبا حسان فقال تعجلون الانفس قبل أن تزهق فأمر عمر رضى الله عنه مناديا ينادي إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ولا تعجلوا الانفس حتى تزهق) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وحديث عدى فرواهم الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْعَثْهَا مُقَيَّدَةً سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَفَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ مُقَيَّدَةً (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ إيضَاحُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّسْمِيَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَلَفْظُهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَصَحِيحٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قِيَامًا مُقَيَّدَةً أَيْ مَعْقُولَةً إحْدَى الرِّجْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِنَصَبِ سُنَّةٍ أَيْ الْزَمْ سُنَّةَ أَوْ افْعَلْهَا وَيَجُوزُ رَفْعُهُ أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ وَالْأَعْرَابُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - سَاكِنُ

البادية والمرئ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ - وَالرُّوحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَالنُّخَاعُ - بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا - ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَآخَرُونَ وَالنَّخْعُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ - وَقَدْ فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ النَّخْعُ لِلذَّبِيحَةِ أَنْ يُعَجَّلَ الذَّابِحَ فَيَبْلُغَ الْقَطْعُ إلَى النُّخَاعِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالنُّخَاعُ خَيْطٌ أَبْيَضُ يَكُونُ دَاخِلَ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيَكُونُ مُمْتَدًّا إلَى الصُّلْبِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَيْضًا هُوَ خَيْطُ الْفَقَارِ الْمُتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ هَذَا نَقْلُ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ النَّخْعُ قَطْعُ النُّخَاعِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي مَادَّتُهُ مِنْ الدِّمَاغِ فِي جَوْفِ الْفَقَارِ كُلِّهَا إلَى عَجْبِ الذَّنَبِ وَإِنَّمَا تُنْخَعُ الذَّبِيحَةُ إذَا أُبِينَ رَأْسُهَا وَالْفَقَارُ - بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ - وَأَمَّا عَجْبُ الذَّنَبِ - فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ - وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ (وَأَمَّا) أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ - فَبِضَمِّ الْخَاءِ - وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَأَمَّا) الْفُرَافِصَةُ فَبِضَمِّ الْفَاءِ الْأُولَى - وَكَسْرِ - الثَّانِيَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعْجَلُونَ الْأَنْفُسَ هُوَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - (قَوْلُهُ) الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ هِيَ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ الثُّغْرَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَسْفَلَ الْعُنُقِ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ وَهُوَ قَطْعُ الْحَلْقِ أَعْلَى الْعُنُقِ وَالْمُعْتَبَرُ في الموضعين قطع الحلقوم والمرئ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي الْبَقَرِ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْخَيْلُ كَالْبَقَرِ وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ وَنَحْوُهَا فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ حَلَّتْ الْمُذَكَّاةُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ نهى (والثانى) يكره (الثانية) السنة أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا فَبَارِكًا وَالسُّنَّةُ أَنْ تُضْجَعَ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلَاثُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْخَيْلُ وَالصَّيُودُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الذَّابِحُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَيْهَا وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ ذَبِيحَةٍ وَهُوَ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْقُرُبَاتِ وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ (أَصَحُّهَا) يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا إلَى الْقِبْلَةِ ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال (وَالثَّانِي) يُوَجِّهُهَا بِجَمِيعِ بَدَنِهَا (وَالثَّالِثُ) يُوَجِّهُ قَوَائِمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ أَوْ السَّهْمِ إلَى الصَّيْدِ فَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ لَكِنْ فِي تَرْكِهَا عَمْدًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ (وَالثَّالِثُ) يَأْثَمُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ بَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ بِأَدِلَّتِهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ * قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ وَلَا تُكْرَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) فِي حَقِيقَةِ الذَّبْحِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَعَ فِيهِ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهَذَّبَهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الذَّبْحُ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ الْحَيَوَانُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا هُوَ التَّدْقِيقُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ والمرئ مِنْ حَيَوَانٍ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِآلَةٍ لَيْسَتْ عَظْمًا وَلَا ظُفُرًا فَهَذِهِ قُيُودٌ (أَمَّا) الْقَطْعُ فَاحْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ بِيَدٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ (وَأَمَّا) الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمرئ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ تَحْتَ الْحُلْقُومِ وَوَرَاءَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَقِيلَ يحيطان بالمرئ يقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمرئ مَعَهُمَا الْأَوْدَاجُ وَيُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ والمرئ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى بَعْدَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَقْصُودِ الذَّكَاةِ وَهُوَ الْإِزْهَاقُ بِمَا يُوحِي وَلَا يُعَذِّبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ مع الحلقوم والمرئ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ والمرئ فلو تركهما جاز لحصول المقصود بالحلقوم والمرئ قال أصحابنا ولو ترك من الحلقوم والمرئ شَيْئًا وَمَاتَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَكَذَا لَوْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَتْرُوكَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ

وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ الحلقوم أو المرئ شئ يَسِيرٌ لَا يَضُرُّ بَلْ تَحْصُلُ الذَّكَاةُ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا ولو قطع من القفاحتى وصل الحلقوم من المرئ عصي لزيادة الايلام ثم ينظران وصل إلى الحلقوم والمرئ وَقَدْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ بقطع الحلقوم والمرئ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَصَلَهُمَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَهُمَا حَلَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ذَكَّاهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ حياة مستقرة عند ابتداء قطع المرئ وَلَكِنْ لَمَّا قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ مِنْ قَبْلُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا فَهُوَ حَلَالٌ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَطْعُ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ كَالْقَطْعِ مِنْ الْقَفَا قَالُوا وَلَوْ أَدْخَلَ السِّكِّينَ فِي أُذُنِ الثَّعْلَبِ ليقطع الحلقوم والمرئ مِنْ دَاخِلِ الْجِلْدِ فَفِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَوْ أمر السكين ملتصفا باللحيين فوق الحلقوم والمرئ وَأَبَانَ الرَّأْسَ فَلَيْسَ هُوَ بِذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يقطع الحلقوم والمرئ وأما كون التدقيق حاصلا بقطع الحلقوم والمرئ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَوْ أَخَذَ الذَّابِحُ فِي قطع الحلقوم والمرئ وَأَخَذَ آخَرُونَ فِي نَزْعِ خَيْشُومِهِ أَوْ نَخَسَ خاصرته لم يحل لان التدقيق لم يتمحض للحلقوم والمرئ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا تَحَرَّى بِهِ قَطْعَ الْحُلْقُومِ مِمَّا يُدَقِّقُ وَلَوْ انْفَرَدَ أَوْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّدْقِيقِ وَلَوْ اُقْتُرِنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ كَانَ يُجْرِي سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى النقتا فَهِيَ مَيْتَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ قَطْعُ الْقَفَا وَبَقِيَتْ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ إلَى وُصُولِ السِّكِّينِ الْمَذْبَحَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجِبُ أَنْ يَشْرَعَ الذَّابِحُ فِي الْقَطْعِ وَلَا يَتَأَنَّى بِحَيْثُ يَظْهَرُ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُتَعَبَّدَ بِهِ كَوْنُ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الِابْتِدَاءِ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا إذَا تَبَيَّنَ مَصِيرَهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُنَاكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَالُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا سَبَقَ

تَصْرِيحَ الْإِمَامِ بِهِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ فِي التَّأَنِّي لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ لَمْ يُحْلِلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانِ عِنْدَ الْقَطْعِ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) لَوْ جَرَحَ السَّبُعُ شَاةً أَوْ صَيْدًا أَوْ انْهَدَمَ سَقْفٌ عَلَى بَهِيمَةٍ أَوْ جَرَحَتْ هِرَّةٌ حَمَامَةً ثُمَّ أُدْرِكَتْ حَيَّةً فَذُبِحَتْ فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهَا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَحِلَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى قَوْلَ أَنَّهَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَقَوْلَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَالَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّاةِ إذَا مَرِضَتْ وَصَارَتْ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ فَذُبِحَتْ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْهَمَ فِيهَا خِلَافَ الصَّوَابِ قَالَ إذَا أَشْرَفَتْ الْمَرِيضَةُ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ تَحِلَّ بِالذَّكَاةِ قَالَ وَحَكَى صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَضْرِبُ بِذَنَبِهَا وَتَفْتَحُ عَيْنَهَا حَلَّتْ بالذكاة قال وهذا ليس بشئ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ وَإِنَّمَا حَرَكَتُهَا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ * هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَلَوْ أَكَلَتْ الشَّاةُ نَبَاتًا مُخْضَرًّا فَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَرَّةً فِي حِلِّهَا وَجْهَانِ وَجَزَمَ مَرَّةً بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَجُرْحِ السبع *

(فَرْعٌ) كَوْنُ الْحَيَوَانِ مُنْتَهِيًا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ تَارَةً يُسْتَيْقَنُ وَتَارَةً يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبه الْأَصْحَابُ بِعَلَامَاتِ الْخَجَلِ وَالْغَضَبِ وَنَحْوِهِمَا قَالُوا وَمِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ قَطْعِ الحلقوم والمرئ وَانْفِجَارِ الدَّمِ وَتَدَفُّقِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ ان كلا منهما لا يكفى لانهما قد يحصلا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لَكِنْ قَدْ يَنْضَمُّ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا قَرَائِنُ وَأَمَارَاتٌ أُخَرُ تُفِيدُ الظَّنَّ أَوْ الْيَقِينَ فَيَجِبُ النَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ. هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ فِي الْفَتَاوَى فَكَانَ الْجَوَابُ فِيهَا أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ تُعْرَفُ بِقَرَائِنَ يُدْرِكُهَا النَّاظِرُ وَمِنْ عَلَامَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ وَجَرَيَانِ الدَّمِ فَإِذَا حَصَلَتْ قَرِينَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا حَلَّ الْحَيَوَانُ وَالْمُخْتَارُ الْحِلُّ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَحْدَهَا فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ الْحَيَوَانُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ بِأَنْ يُشَقَّ جَوْفُهَا وَظَهَرَتْ الْأَمْعَاءُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ فَإِذَا ذُكِّيَتْ حَلَّتْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُنْزَلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَإِذَا شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَالَ ذَبْحِهِ أَمْ لَا فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْحِلُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُنَا فِي الْآلَةِ لَيْسَتْ ظُفُرًا وَلَا عَظْمًا فَمَعْنَاهُ جواز الذبح بكل ماله حَدٌّ يَقْطَعُ إلَّا الْعَظْمَ أَوْ الظُّفُرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَاضِحَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إذَا قَطَعَ الحلقوم أو المرئ وَالْوَدَجَيْنِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِينَ رَأْسَهُ فِي الْحَالِ وَأَنْ يَزِيدَ فِي الْقَطْعِ وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهَا وَأَنْ يَكْسِرَ الْفَقَارَ وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهَا وَأَنْ يُحَرِّكَهَا وَأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَكَان آخَرَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بَلْ يَتْرُكُهُ كُلَّهُ حَتَّى تُفَارِقَهَا الرُّوحُ وَتَبْرُدَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَبْحِ مَا يُنْحَرُ وَنَحْرِ مَا يُذْبَحُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّنَّةَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَحْرِ الْإِبِلِ فَلَوْ خَالَفَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ جَازَ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِهَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ والثوري والليث ابن سعد وابو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ ذَبَحَ الْبَعِيرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ نَحَرَ الشَّاةَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُرِهَ أَكْلُهَا وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ الْإِبِلَ وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ فَهُوَ مُصِيبٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ أَكْلَ بَعِيرٍ مَذْبُوحٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَشَاةٍ مَنْحُورَيْنِ قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تنزيه وقد يكره الانسان الشئ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ وَرِوَايَةً بِالتَّحْرِيمِ وَرِوَايَةً بِإِبَاحَةِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ إذَا ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ لَمْ يُؤْكَلْ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قبله وبما ذكره المنصف * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ قَطْعِ الحلقوم والمرئ بِكَمَالِهِمَا وَأَنَّ الْوَدَجَيْنِ سُنَّةٌ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ بِمَا يَجُوزُ الذبج به وسمى وقطع الحلقوم والمرئ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتْ الذَّكَاةُ وَحَلَّتْ الذَّبِيحَةُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ الْبَعْضِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يقول يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَدَاوُد يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْجَمِيعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَالْأَرْبَعَةُ هي الحلقوم والمرئ والودجين وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا لِرِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) كَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثَةُ) يَجِبُ قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ قَطْعُ الحلقوم والودجين ولا يشترط المرئ ونقله العبدرى عنه وعن الليث ابن سَعْدٍ فَيَصِيرُ عَنْ اللَّيْث رِوَايَتَانِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَاشْتِرَاطِ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِالْوَدَجَيْنِ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ *

(فَرْعٌ) إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا مِنْ قَفَاهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ وَصَلَ السكين إلى الحلقوم والمرئ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد لَا تَحِلُّ بِحَالٍ * وقال احمد فيه روايتان (أحدهما) تحل (والثانى) لَا تَحِلُّ إنْ تَعَمَّدَ وَقَالَ الرَّازِيّ الْحَنَفِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَاتَ بَعْدَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ حِلَّ الْمَذْبُوحِ مِنْ قَفَاهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ مَنْعَهَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا قَطَعَ رَأْسَ الذَّبِيحَةِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهَا إذَا ذُكِّيَتْ الذَّكَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَطَعَ رَأْسَهَا فِي تَمَامِ الذَّبْحِ حَلَّتْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ وَكَرِهَهَا ابْنُ سِيرِينَ وَنَافِعٌ * وَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْكُلْهَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الشَّاةِ الْمَنْخُوعَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّخْعَ أَنْ يُعَجِّلَ الذَّابِحُ فَيَبْلُغَ بِالذَّبْحِ إلَى النُّخَاعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالذَّبِيحَةُ حَلَالٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ نافع وكرهه اسحق * وقال مالك لا أحب أن تعمد ذلك قال وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الْفِعْلَ وَأَبَاحَتْ الْأَكْلَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقُولُ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ أَكْلَهُ بَعْدَ الذَّكَاةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ الشَّاةِ بَعْدَ الذَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ * مَذْهَبُنَا أَنَّ الْفِعْلَ مَكْرُوهٌ وَالْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ حَلَالٌ وَبِهِ قال مالك وأبو حنيفة واحمد واسحق * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ قَالَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَيْتَةٌ * وَقَالَ عَطَاءٌ أَلْقِ ذَلِكَ الْعُضْوَ * (فَرْعٌ) فِي مذاهبهم في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطحية وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ * إذَا ذُكِّيَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُدْرِكَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا الا

حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَهَذِهِ لَا تَحِلُّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ حَلَّتْ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَمُوتُ قَطْعًا فَتَحِلُّ بِالذَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا والصحيح عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُدْرِكَهَا وَهِيَ بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعِيشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَعِيشَ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَتَحِلُّ عِنْدَنَا * وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُؤْكَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إذَا ذَكَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ وَلَمْ يُفَصِّلَا * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا تَعِيشُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ إنْ كَانَتْ تَعِيشُ مَعَهُ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ حَلَّتْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْقَى إلَّا كَبَقَاءِ الْمَذْبُوحِ لَمْ تَحِلَّ هَذَا نَقْلُ الْعَبْدَرِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ أَدْرَكَهَا وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَذَكَّاهَا حَلَّتْ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا خَرَقَ السَّبُعُ بَطْنَهَا وَفِيهَا الرُّوحُ فَذَبَحَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ وَبِهِ قال احمد واسحق قَالَ اللَّيْثُ إنْ رَكَضَتْ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ قَائِمَةً * أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ ذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُضْجَعَةً (وَأَمَّا) الْإِبِلُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ نَحْرُهَا قَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الثَّوْرِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَا سَوَاءٌ نَحَرَهَا قَائِمَةً وَبَارِكَةً وَلَا فَضِيلَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً مَعْقُولَةً أَفْضَلُ مِنْ قَائِمَةٍ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الصيد بالجوارح المعلمة كالكلب والفهد والبازى والصقر لقوله تعالى (أحل لكم

الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) قال ابن عباس رضى الله عنه هي الكلاب المعلمة والبازى وكل طائر يعلم الصيد والمعلم هو الذى إذا أرسله على الصيد طلبه وإذا اشلاه استشلى فإذا أخذ الصيد أمسكه وخلى بينه وبينه فإذا تكرر منه ذلك كان معلما وحل له ما قتله) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ على ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا رَوَى التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَيْضًا الْأَكْثَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ الْمُعَلَّمَةِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا وَبِجَوَارِحِ الطَّيْرِ كَالنَّسْرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالْبَاشِقِ وَالشَّاهِينَ وَسَائِرِ الصُّقُورِ وَسَوَاءٌ فِي الْكِلَابِ الْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا لِأَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ حَرَامٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ فَغَلَطٌ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ بَلْ لَهَا حُكْمُ الْكَلْبِ فِي الِاصْطِيَادِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَأَنَّهَا كَالْكَلْبِ وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ. وهكذا عبارة جميعهم (أما) اسْتِبْعَادُ الْغَزَالِيِّ تَعَلُّمَهَا فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ بِالْفُهُودِ الْمُعَلَّمَةِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ مُشَاهَدٌ وَالنَّمِرُ إذَا أخذ صغيرا تيسر تعليمه فحصل انه لا خِلَافٌ فِي جَوَازِهِ وَأَنَّ الْكَلْبَ وَالنَّمِرَ فِي هَذَا سَوَاءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْفَهْدَ يَبْعُدُ عَنْهُ التَّعْلِيمُ لِأَنَفَتِهِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ فَإِنْ تُصُوِّرَ تَعَلُّمُهُ عَلَى نُدُورٍ فَهُوَ كالكلب * قال الرافعى وهذا الذى قال الامام

بخالف مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ وَفِي كَلَامِ الغزالي ما يوهم هذا خلاف قَالَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الِاصْطِيَادِ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ أَنَّ مَا أَخَذَتْهُ وَجَرَحَتْهُ وَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهَا مَيْتًا أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيَقُومُ إرْسَالُ الصَّائِدِ وَجُرْحُ الْجَارِحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مَقَامَ الذَّبْحِ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ قَالُوا وَأَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ سَوَاءٌ كَانَ بِكَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ غَيْرِ كَلْبٍ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ إذَا ذَكَّى وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ مَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا وَشَرْطُ تَعْلِيمِهِ أربعة أمور (احدها) ان ينزجر بزجز صَاحِبِهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ (وَأَمَّا) إذَا انْطَلَقَ وَاشْتَدَّ عَدْوُهُ فَفِي اشْتِرَاطِهِ (1) (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُغْرِيَ بِالصَّيْدِ هَاجَ (الثَّالِثُ) أَنْ يُمْسِكَ الصَّيْدَ فيحبسه على صاحبه ولا يخيه (الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ إنَّهُ لا يضر الاكل حكاه الرافعى وليس بشئ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْطَلِقَ أَيْضًا بِانْطِلَاقِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ لَوْ انْطَلَقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا وَرَآهُ الْإِمَامُ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلْبَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ إذَا رَأَى صَيْدًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى كَلَبِ الْجُوعِ يَبْعُدُ انْكِفَافُهُ * هَذَا حُكْمُ الْكَلْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ (وَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَهِيجَ عِنْدَ الْإِغْرَاءِ أَيْضًا وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهَا مِنْ الصَّيْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قولين (قال) الامام ولا نطمع في انزجازها بَعْدَ الطَّيَرَانِ (قَالَ) وَيَبْعُدُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ انْكِفَافِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ المصنف والاصحاب هذه الامور المشترطة في التعليم يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهَا لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ وَمَصِيرُهَا مُعَلَّمَةً وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِ ذَلِكَ إلَى أهل الخبرة بالجوارح

_ (1) بياض بالاصل ولعله قولان أو وجهان

هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَكْفِي مَرَّتَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جواز الاصطياد بجميع الجوراح الْمُعَلَّمَةِ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصُّقُورِ كُلِّهَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (قَالَ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا صَيْدَ الْبَازِي وَغَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وقتادة واحمد واسحق يَجُوزُ بِذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَعْلَمُ أحد يُرَخِّصُ فِيهِ إذَا كَانَ بَهِيمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ بِإِبَاحَةِ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ كغيره وممن روي عنهم البيهقي جواز أكل صَيْدِ الطُّيُورِ كَالصُّقُورِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَنْتَهِي إلَى قَوْلِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٍ * وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا علمتم من الجوارح مكلبين) فَخَصَّهُ بِالْكِلَابِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْحَسَنِ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح ملكبين) قَالُوا وَالْجَوَارِحُ تُطْلَقُ عَلَى السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَالْجَارِحَةُ الْكَاسِبُ فَكُلُّ كَاسِبٍ مِنْهَا جَارِحَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْجَوَارِحُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ذَوَاتُ الصيد وبهذه

الحروف قاله ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْجَوَارِحُ هِيَ الْكَوَاسِبُ مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ ذَوَاتِ الصَّيْدِ وَاحِدُهَا جَارِحَةٌ وَالْكَلْبُ الضَّارِي جَارِحَةٌ سُمِّيَتْ جَوَارِحَ لِأَنَّهَا كَوَاسِبُ أَنْفُسِهَا مِنْ جَرَحَ وَاجْتَرَحَ إذَا اكْتَسَبَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ الطَّيْرَ الصَّائِدَةَ وَالْكِلَابَ وَالْفُهُودَ وَسِبَاعَ الطَّيْرِ كَالشَّوَاهِينِ وَالْبَوَاشِقِ وَالْعُقْبَانِ فَمَا اصْطَادَتْ هَذِهِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ اللَّيْثُ سُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ الصَّقْرِ وَالْبَازِي وَالْفَهْدِ وَمَا يَصْطَادُ مِنْ السِّبَاعِ فَقَالَ هَذِهِ كُلُّهَا جَوَارِحُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُمَا قَالَا الْجَوَارِحُ الْكِلَابُ دُونَ غَيْرِهَا قَالَا وَمَا صَادَ غَيْرُ الْكِلَابِ وَلَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ وَمِثْلُهُ عَنْ السُّدِّيِّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ قَالَ وقَوْله تَعَالَى (مُكَلِّبِينَ) لِلْكَلْبِ الَّذِي يُعَلِّمُ الْكِلَابَ الصَّيْدَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ صَيْدُ الْكِلَابِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ مُؤَدِّبِينَ * هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْوَاحِدِيِّ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ جماعة من أصحابنا وهو حديث مخالد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلَ قَالَ إذَا قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مخالد ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْبَازِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْحُفَّاظُ عَنْ الشعبى وانما أتى به مخالد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا وَفِي ضِمْنِهِ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَتْلِهِ تَحْرِيمُ صَيْدِهِ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا عَلَّمْتُمْ من الجوارح مكلبين) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيٍّ (إذا أرسلت كلبك فأخذ وَقَتَلَهُ فَكُلْ) قَالَ فَالْقَوْلُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ واحب وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا إلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ضَبْطِ تَعْلِيمِ الْجَارِحَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَصِيرِهِ مُعَلَّمًا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ بِحَيْثُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ صَارَ مُعَلَّمًا وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا عَدَدَ الْمَرَّاتِ فِي ذَلِكَ بَلْ اعْتَبَرُوا الْعُرْفَ كَمَا ذَكَرْنَا * قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ الْمُعَلَّمُ الَّذِي يَفْقَهُ عَنْ مُرْسِلِهِ فَيَأْتَمِرُ إذَا أَمَرَهُ وَيَنْزَجِرُ إذَا زَجَرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ سَوَاءٌ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا تَقْدِيرَ فِي التَّعْلِيمِ بَلْ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ مَصِيرُهُ مُعَلَّمًا حَلَّ صَيْدُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدُّهُ أَنْ يَصْطَادَ وَلَا يَأْكُلَ قَالَ وَلَيْسَ له كَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَاتِ وَبِهَذَا قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو أن يصطاد ثلاث مرات ولا يَأْكُلُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَعَا الْكَلْبَ فَأَجَابَ وَزَجَرَهُ فَأَطَاعَ فَمُعَلَّمٌ (وَأَمَّا) الطُّيُورُ فَمَا أَجَابَ مِنْهَا إذَا دُعِيَ فَمُعَلَّمٌ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حُصُولَ التَّعَلُّمِ بِمَرَّةٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اصْطِيَادِ الْمُسْلِمِ بِكَلْبٍ أَوْ طَائِرٍ عَلَّمَهُ مَجُوسِيٌّ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَيَحِلُّ مَا قَتَلَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عطاء قال وممن كرهه جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ الِاصْطِيَادَ بِكَلْبِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ كَلْبُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَهْوَنُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَاضْرِبْهُ حتى يمسك عليه * (فَرْعٌ) الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَشْلَى الْكَلْبَ أَيْ اسْتَدْعَاهُ وَأَمَّا إرْسَالُهُ فَيُقَالُ فِيهِ أَغْرَاهُ وَاسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِ لَهُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْمَشْهُورِ فِي اللُّغَةِ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ كُلُّ

مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ نَمِرٍ فَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ * هَذَا لَفْظُهُ قَالَ أصحابنا اعترض أبو بكر ابن داود والظاهري عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا أَشْلَاهُ اسْتَشْلَى فَقَالَ يُقَالُ أَشَلَاهُ إذَا دَعَاهُ وَأَغْرَاهُ إذَا أَرْسَلَهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ * أَشْلَيْتُ عِيرِي وَمَسَحْتُ قَعْبِي * وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمَنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِلُغَتِهِمْ كَالْفَرَزْدَقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيُّ النَّسَبِ وَالدَّارِ وَالْعَصْرِ * قَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَرَأْت ديوان الهدلس عَلَى فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالُوا فَيَكُونُ أَشْلَى مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِدْعَاءِ وَعَلَى الْإِغْرَاءِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ وَيُوَضِّحُهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ أَنَّ أبا الحسين احمد ابن فَارِسٍ الْمُجْمَعَ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَأَمَانَتِهِ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمُجْمَلِ يُقَالُ أَشْلَيْتُ الْكَلْبَ إذَا دَعْوَتُهُ وَأَشْلَيْته أَغْرَيْتُهُ قَالَ قَالَ الْأَعْجَمُ * أَتَيْنَا أَبَا عَمْرٍو فَأَشْلَى كِلَابَهُ * عَلَيْنَا فَكِدْنَا بَيْنَ بَيْتَيْهِ نُؤْكَلُ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِشْلَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الِاسْتِدْعَاءَ فَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا صَحِيحٌ وَكَأَنَّهُ يَسْتَدْعِيهِ لِيُرْسِلَهُ فَعَبَّرَ بِالْإِشْلَاءِ عَنْ الْإِرْسَالِ لانه يؤل إليه وهو من باب تسميته الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خمرا) (وَالثَّالِثُ) جَوَابُ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ مَعْنَى أَشْلَى دَعَا أَيْ أَجَابَ كَأَنَّهُ يَدْعُوهُ لِلصَّيْدِ فَيُجِيبُهُ وَيَقْصِدُ الصيد والله سبحانه أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى الصيد فقتله بظفره أو نابه أو بمنقاره حل اكله لما روي ابو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إذا كنت في ارض صيد فأرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى وكل) (وأما) إذا أرسله من لا تحل ذكاته فقتله لم يحل لان الكلب آلة كالسكين والمذكى هو المرسل فإذا لم يكن من أهل الذكاة لم يحل صيده فان أرسل جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لما روى ابو ثعلبة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلبك الذى ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل) وان استرسل المعلم بنفسه فقتل الصيد لم يحل

لما روى عدي ابن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذا أرسلت كلابك المعلمة فامسكن عليك فكل قلت وان قتلن قال وان قتلن) فشرط أن يرسل وان أرسله فقتل الصيد بثقله ففيه قولان (أحدهما) لا يحل لانه آلة للصيد فإذا قتل بثقله لم يحل كالسلاح (والثانى) يحل لحديث عدى ولانه لا يمكن تعليم الكلب الجرح وانهار الدم فسقط اعتباره كالعقر في محل الذكاة وان شارك كلبه في قتل الصيد كلب مجوسي أو كلب استرسل بنفسه لم يحل لانه اجتمع في ذبحه ما يقتضى الحظر والاباحة فغلب الحظر كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل وان وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله ولا يعلم القاتل منهما لم يحل لما روى عدى بن حاتم قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقلت أرسلت كلبى ووجدت مع كلبى كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال لا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ على غيره) ولان الاصل فيه الحظر فإذا أشكل بقى على أصله) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُمَا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُ اسْمِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَنَسَبِهِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَلُغَاتِ الظُّفُرِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَقَوْلُهُ مِنْقَارِهِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - وَقَوْلُهُ بِثِقَلِهِ هُوَ - بِكَسْرِ الثَّاءِ - وَقَوْلُهُ كَالْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ يَعْنِي كَمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَقْرِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ الَّذِي هُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَرْسَلَ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً عَلَى صَيْدٍ

فَقَتَلَتْهُ بِظُفُرِهِ أَوْ مِنْقَارِهِ أَوْ نَابِهِ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا أَرْسَلَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَمُرْتَدٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَّمَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا شَذَّ بِهِ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فَحَكَيَا وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ جَارِحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَى وَجْهًا فِي حِلِّ مُنَاكَحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحِلُّ صَيْدُهُ كَذَكَاتِهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ أَرَادَ هَذَا الْوَجْهَ وَكَيْفَ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ اشْتَرَكَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ فِي إرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ عَلَى الصَّيْدِ وَاشْتَرَكَ كَلْبَاهُمَا فِي قَتْلِهِ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ رَمَيَا سَهْمَيْنِ أَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ فَسَبَقَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ أَوْ سَهْمُهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِوُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ وَإِنْ سَبَقَ مَا أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ أَوْ جَرَحَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهَلَكَ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ مَتَى اشْتَرَكَا فِي إمْسَاكِهِ وَعَقْرِهِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ أَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ كَلْبَانِ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ أَوْ مُعَلَّمَانِ أَرْسَلَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ الْآخَرُ بِلَا إرْسَالٍ فَقَتَلَا صَيْدًا أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْقَاتِلُ فَهُوَ كَاسْتِرْسَالِ كَلْبَيْ الْمُسْلِمِ وَالْمَجُوسِيِّ وَلَوْ تَقَرَّبَ الصَّيْدُ مِنْ كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَعَارَضَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ حَلَّ كما لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلًا ثُمَّ قَتَلَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُذَفِّفٍ

وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ أَثْخَنَهُ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَيَلْزَمُ الْمَجُوسِيَّ قِيمَتُهُ لَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَجَعَلَهُ مَيْتَةً وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينَتِهِ أَوْ رَمَى بِسَهْمِهِ أَوْ قَوْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ جَارِحَةً غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ وَأَدْرَكَ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (الرَّابِعَةُ) لَوْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ فَقَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي الْأَكْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إذَا أرسله صاحبه (أما) إذا استرسل فزجزه صَاحِبُهُ فَانْزَجَرَ وَوَقَفَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ فَيَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَمَضَى لِوَجْهِهِ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ زَادَ عَدْوُهُ وحدته أم لا ولو لم يزجر بَلْ أَغْرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَدْوُهُ فَحَرَامٌ قطعا وكذا ان زَادَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ كَانَ الْإِغْرَاءُ وَزِيَادَةُ العدو بعد ما زجره فلم ينزجز فطريقان (قطع) العراقيون بالتحريم (وقال) الخرسانيون فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا وَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الِاسْتِرْسَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِغْرَاءُ حَلَّ هُنَا وَلَا أَثَرَ لِإِغْرَاءِ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ قَطَعْنَاهُ وَأَحَلْنَا عَلَى الْإِغْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا. هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُشَارَكَةٌ وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبًا فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ فَازْدَادَ عَدْوُهُ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى عَكْسِ مَا سَبَقَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ. وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَلِمَنْ يَكُونُ الصَّيْدُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْفُضُولِيِّ (وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِ كَالْوَجْهَيْنِ

فِيمَنْ غَصَبَ كَلْبًا فَاصْطَادَ بِهِ وَلَوْ زَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ أَغْرَاهُ وَزَادَ عَدْوُهُ وَقُلْنَا الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ خَرَجَ على الخلاف في أن الْإِغْرَاءِ هَلْ يُقْطَعُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالصَّيْدُ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ وَإِلَّا فَلِلْغَاصِبِ الْفُضُولِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ولا يمتنع تَخْرِيجُ وَجْهٍ بِاشْتِرَاكِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَجْرَحْ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بَلْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وصدمته ققولان مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحِلُّ (وَالثَّانِي) لَا يَحِلُّ (وَأَمَّا) إذَا كَدَّ الْجَارِحَةُ الصَّيْدَ حَتَّى أَتْعَبَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا من التعب فلا يحل قولا واحد لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَدِّيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحَةِ أَوْ إرْسَالِ السَّهْمِ عَلَى الصَّيْدِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الذَّكَاةِ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ الصَّيْدُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَيْدِ الْكِتَابِيِّ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحِلُّ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ كَمَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فَإِذَا أَرْسَلَ جَارِحَةً مُعَلَّمًا أَوْ سَهْمًا فَقَتَلَ صَيْدًا حَلَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) فِي صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ بِكَلْبِهِ الْمُعَلَّمِ وَسَهْمِهِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وأبو حنيفة واحمد واسحق وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِيهِمْ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَهُمْ كِتَابٌ *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ يَسْتَرْسِلُ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ فَيَقْتُلُ الصَّيْدَ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ خَرَجَ بِهِ لِلِاصْطِيَادِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَالَ الْأَصَمُّ يَحِلُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُؤْكَلُ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ رَدَّهُ عَلَيْهِ كَلْبٌ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ * فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَرَامٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا * دَلِيلُنَا أَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَا شَرِكَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ فَأَشْبَهَ ما أمسك المجوسى حيوانا فذبحه مسلم أو رمى الْمُسْلِمُ سَهْمًا وَرَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمًا فَرَدَّهُ سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ وَلَمْ يُصِبْهُ وَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ فِي عَدْوِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ * قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَحِلُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * (فَرْعٌ) إذَا قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بِثِقَلِهِ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ حَرَامٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَجَدَ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ وَالصَّيْدُ قَتِيلٌ وَلَا يَعْلَمُ الْقَاتِلَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ * فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَمِمَّنْ قَالَ به عطاء والقاسم به محمرة وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمَا

إذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ مُعَلَّمًا حل * دليلنا الحديث المذكور في الكتاب * قال المصنف رحمه الله * (وان قتل الكلب الصيد أو أكل منه ففيه قولان (أحدهما) يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل ما أمسك عليك وان أكل منه) (والثانى) لا يحل لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وان قتلن الا ان يأكل الكلب منه فلا تأكل فانى أخاف أن يكون انما أمسك على نفسه) وان شرب من دمه لم يحرم قولا واحدا لان الدم لا منفعة له فيه ولا يمنع الكلب من شربه فلم يحرم وان كان الجارحة من الطير فأكل من الصيد فهو كالكلب وفيه قولان وقال المزني أكل الطير لا يحرم وأكل الكلب يحرم لان الطير لا يضرب على الاكل والكلب يضرب وهذا لا يصح لانه يمكن أن تعلم الطير ترك الاكل كما يعلم الكلب وان اختلفا في الضرب) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يقال له أبو ثعلبة قال يارسول اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ (فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ) قال البيهقي حديث ابن ثَعْلَبَةَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَكْلِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ إذَا أَكَلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْأَكْلِ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ثَبَتَ كَوْنُ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدٍ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَفِي حِلِّ

ذلك الصيد قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليهما (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُهُ (وَالثَّانِي) إبَاحَتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَدِدْتُ لَوْ فَرَّقَ فَارِقٌ بَيْنَ أَنْ يَنْكُفَ زَمَانًا ثُمَّ يَأْكُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ قَالَ لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ * هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الَّذِي تَمَنَّاهُ الْإِمَامُ قَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَشْهُورٌ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَتَلَهُ ثُمَّ مَضَى عَنْ الصَّيْدِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ قَتْلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْقَتْلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِالْعَقْرِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَهُ مُتَّصِلًا بِالْعَقْرِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فَقَوْلَانِ سَوَاءٌ أَكَلَ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ وَقِيلَ بَعْدَ الْقَتْلِ يَحِلُّ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فَإِنْ تَرَكَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتٍ حَلَّ وَقِيلَ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَحِلَّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ قَتْلِهِ فَقَوْلَانِ * هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُتَّفِقٌ فِي الْمَعْنَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ الْعَقْرِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مُفَارَقَةِ مَوْضِعِهِ أَمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَرُجُوعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عَلَى التَّحْرِيمِ جَزْمًا وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَيُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَدَّدَ قَوْلَهُ فِي الْجَدِيدِ ثُمَّ مَال فِيهِ إلَى التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ فَأَفْتَى بِهِ فَحَصَلَ قَوْلَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِهِ قَبْلَ الْقَتْلِ أَوْ عَقِبَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرْنَا عَنْ الدَّارِمِيِّ طَرِيقِينَ آخَرَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَحَصَلَ ثلاثة طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ قَوْلَيْنِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) إنْ أَكَلَ قَبْلَ الْقَتْلِ حَرُمَ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَكَلَ بَعْدَ الْقَتْلِ حَلَّ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَهُ فَقَوْلَانِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِمَا الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ

وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حَلَالٌ وَالصَّوَابُ تَصْحِيحُ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ * واحتج من قال بالتحريم بقوله تعالى (فلكوا مما أمسكن عليكم) فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا وَلَمْ يَحِلَّ لَنَا إلَّا مَا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْنَا بِحَدِيثِ عَدِيٍّ قَالُوا وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَاتٍ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ لَا يُقَارِنُهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ وَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيُودِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ هَذَا. يَعْنِي إذَا كَانَ قَدْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَلَّمًا وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ فِي جَوَارِحِ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا (فَأَمَّا) جَوَارِحُ الطَّيْرِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا كَالسِّبَاعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالسِّبَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ مَا أَكَلَتْ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الطَّرِيقِينَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ وَاشْتُرِطَ اسْتِئْنَافُ التَّعْلِيمِ لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَلَوْ تَكَرَّرَ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيُودِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ الْأَكْلُ عادة له حرم الصيد الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ آخِرًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي تحريم باقى الصيود الذى أكل مِنْهُ قَبْلَ الْأَخِيرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا قُلْنَا لَا يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الثَّانِي حَرُمَ الثَّانِي قَطْعًا وَفِي الْأَوَّلِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الثَّانِي فَأَكَلَ مِنْ الثَّالِثِ حَرُمَ الثَّالِثُ وَفِيمَا قَبْلَهُ الْوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ذَهَابٌ مِنْ الْبَغَوِيِّ إلَى أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا وَقَدْ ذَكَرْنَا

خِلَافًا فِي تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُعَلَّمًا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَثَرَ التَّعْلِيمِ فِي الْحِلِّ وَأَثَرَ الْأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ فَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا فَلِهَذَا لَوْ عَرَفْنَا كَوْنَهُ مُعَلَّمًا لَمْ يَنْعَطِفْ الْحِلُّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَيُودِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ لعلق الْكَلْبُ دَمَ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا حَلَّ لَحْمُهُ * هَذَا هُوَ الصَّوَابُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَشَذَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَحَكَيَا وَجْهًا فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَوْ أَكَلَ كَلْبٌ حَشْوَةَ الصَّيْدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ كَاللَّحْمِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْحِلِّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَأَشْبَهَتْ الدَّمَ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ لَمْ يَسْتَرْسِلْ الْكَلْبُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ لَمْ يَنْزَجِرْ عِنْدَ الزَّجْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا أَكَلَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ فَامْتَنَعَ وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ فَهُوَ كَالْأَكْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّيْدِ الَّذِي تَقْتُلُهُ الْجَارِحَةُ مِنْ السِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالشَّافِعِيِّ وأبى حنيفة واصحابه واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ (وَأَمَّا) إذَا أَكَلَتْ مِنْهُ جَارِحَةُ الطَّيْرِ كَالصُّقُورِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَنَا عليه بل

جماهير (1) عَلَى إبَاحَتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيِّ وأبى حنيفة واصحابه وهو مذهب الشعبى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الصَّيُودُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ فَلَا تَحْرُمُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ جَمِيعُ مَا صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ (وَأَمَّا) إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ فَلَا يَحْرُمُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ انهما كرها أكله وليس بشئ * قال المصنف رحمه الله * (إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصيد نجس وهل يجب غسله فيه وجهان (أحدهما) يجب غسله سبعا احداهن بالتراب قياسا على غير الصيد (والثانى) لا يجب لانا لو أوجبنا ذلك ألزمناه أن يغسل جميعه لان الناب إذا لاقى جزءا من الدم نجس ذلك الجزء ونجس كل ما لاقاه إلى أن ينجس جميع بدنه وغسل جميعه يشق فسقط كدم البراغيث) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ إذَا أَدْخَلَ الْكَلْبُ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ فِي الصَّيْدِ نَجِسَ يَعْنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي أَدْخَلَ فِيهِ لِأَكْلِ الصَّيْدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إذَا أَدْخَلَ ظُفُرَهُ أَوْ نَابَهُ نَجِسَ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (فَمِنْ) الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِلْمَشَقَّةِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَسْلَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ نَجِسَ يَجِبُ غَسْلُهُ فَذَكَرَ النَّجَاسَةَ وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَتْ النَّجَاسَةُ وَجَبَ الْغَسْلُ فَحَذَفَ ذِكْرَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ مَوْضِعَ الظُّفُرِ وَالنَّابِ نَجِسٌ قَطْعًا وَفِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الاصحاب من العراقيين والخراسانيين وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) نَجِسَ وَفِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالتَّعْفِيرِ الْخِلَافُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وَلَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا أَوْ دَائِمًا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ النبي صلى الله عليه مَعَ ذِكْرِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ مَعَ تَكْرَارِ سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ (والطريق الثالث)

_ (1) بياض بالاصل ولعله العلماء أو الاصحاب

إنْ أَصَابَ الْكَلْبُ غَيْرَ الْعُرُوقِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ سَرَى حُكْمُ النَّجَاسَةِ إلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ وَحَرُمَ أَكْلُهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا اتَّصَلَتْ بِالدَّمِ فَالْعِرْقُ وِعَاءٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ ثُمَّ الدَّمُ إذَا كَانَ يَفُورُ امْتَنَعَ غَوْصُ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْمُتَصَعِّدِ مِنْ فَوَّارَةٍ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَعْلَاهُ لَمْ يَنْجَسْ مَا تَحْتَهُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَيَطْهُرُ حِينَئِذٍ وَيُؤْكَلُ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الظُّفُرِ وَالنَّابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَسَّهُ الْكَلْبُ دُونَ مَا لَمْ يَمَسَّهُ مَعَ الرِّفْقِ بِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مشهور ان (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْفُرُوعِ وَالْبَيَانِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بَلْ يَجِبُ تَقْوِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَطَرْحُهُ لِأَنَّهُ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْعِرَاقِيُّونَ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هَذَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَطَّرِدُ مَا ذَكَرَهُ فِي كُلِّ لَحْمٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا عَضَّهُ الْكَلْبُ بِخِلَافِ مَا يَنَالُهُ لُعَابُهُ بِغَيْرِ عَضٍّ هَذَا مُخْتَصَرُ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَرَدْت ضَبْطَهُ مُخْتَصَرًا (قُلْت) فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ طَاهِرٌ (وَالْخَامِسُ) يَجِبُ قَطْعُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (وَالسَّادِسُ) إنْ أَصَابَ عِرْقًا نَضَّاحًا بِالدَّمِ حَرُمَ جَمِيعُهُ وَلَا طَرِيقَ إلَى أَكْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ ظُفُرِ الْكَلْبِ وَنَابِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ *

(فَرْعٌ) لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَاصْطَادَ فَالصَّيْدُ لِمَالِكِهِ وَلَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا وَاصْطَادَ بِهِ فَالصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا وَلَوْ غَصَبَ كَلْبًا أَوْ صَقْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْجَوَارِحِ فَفِي صَيْدِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْغَاصِبِ (وَالثَّانِي) لِصَاحِبِ الْجَارِحَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لِلْغَاصِبِ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إنْ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ إجَارَتُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِصَاحِبِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهَكَذَا حكم العبد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز الصيد بالرمي لما روى أبو ثعلبة الخشني قال (قلت يارسول الله انا نكون في ارض صيد فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال صلى الله عليه وسلم ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل) وان رماه بمحدد كالسيف والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله حل وان رمى بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بماله حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لما روى عدي بن حاتم قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الصيد المعراض قال (إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فانه) وقيذ وان رماه بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لانه لا يمكن حفظ الرمى من الريح فعفي عنه وان رمى بسهم فأصاب الارض ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض وان رمى طائرا فوقع على الارض فمات حل أكله لانه لا يمكن حفظه من الوقوع على الارض وان وقع في ماء فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى عدى بن حاتم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فان وجدته ميتا فكل الا أن تجده قد وقع في الماء فمات فانك لا تدرى الماء قتله أو سهمك ") (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رسول الله

إنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي أَوْ بِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا صِدْت بِقَوْسِك فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ " (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْأَوَّلُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ الْمَرْوَةُ الْمُحَدَّدَةُ هِيَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَهِيَ الْحَجَرُ - وَالْمِعْرَاضُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ وَلَا نَصْلَ وَقِيلَ هُوَ حَدِيدَةٌ وَقِيلَ هُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرْفِ وَالْوَقِيذُ - بِالْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - الْمَوْقُوذُ وَهُوَ الْمَضْرُوبُ بِالْعَصَا حَتَّى يَمُوتَ (وَقَوْلُهُ) كَالْبُنْدُقِ وَالدَّبُّوسِ هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ - جَمْعُهُ دَبَابِيسُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَأَنْشَدَ فِيهِ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ أَظُنُّهُ مُعَرَّبًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِنْ أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ " هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الطُّولِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ الصَّيْدُ بِالرَّمْيِ بِالسِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَدِّ مَا رماه به كَالسَّهْمِ الَّذِي لَهُ نَصْلٌ مُحَدَّدٌ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسِّنَانِ وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدَةِ وَالْخَشَبَةِ الْمُحَدَّدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَدَّدَاتِ سِوَى الْعَظْمِ وَالظُّفُرِ حَلَّ أَكْلُهُ فَإِنْ أَصَابَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ فَقَتَلَهُ كالبندقة والدبوس وحجر لاحد له وخشبة لاحد لَهَا أَوْ رَمَاهُ بِمَحْدُودٍ فَقَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَا بحده لم يحل لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ بِحَدِّ عَظْمٍ أَوْ ظُفُرٍ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الذَّكَاةِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُحَدَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَتَلَهُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ جَرَحَهُ بِهِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ رَمَى طَائِرًا بِبُنْدُقَةٍ فَقَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ لَمْ يحل لقوله تعالى (والموقوذة) وَهَذِهِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ أَوْ بِمُحَدَّدٍ فَأَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ وَإِنْ أَدْرَكَهُ ميتا أو فيه حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ لَمْ يَحِلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ مُحَدَّدَةٌ فَجَرَحَ الصَّيْدَ بِهَا حَلَّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا * هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِالسَّهْمِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَقْصِدْهُ بِالْقِلَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قُلْتُ) الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الذبح (فرع) لو رشق في الحيوان العصا وَنَحْوِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ إنْ كَانَ مُحَدَّدًا يَمُورُ مَوْرَ السَّهْمِ

حَلَّ وَإِنْ كَانَ لَا يَمُورُ إلَّا مُسْتَكْرَهًا نُظِرَ إنْ كَانَ الْعُودُ خَفِيفًا قَرِيبًا مِنْ السَّهْمِ حَلَّ وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَمْ يَحِلَّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ رَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمٍ لَا يَبْلُغُهُ فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَبَلَغَهُ بِإِعَانَتِهَا وَلَوْلَاهَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ وَأَبْدَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ تَرَدُّدًا وَالْمَذْهَبُ الْحِلُّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ ثُمَّ ازْدَلَفَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ أَصَابَ حَجَرًا فَنَبَا عَنْهُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ نَفَذَ فِيهِ إلَى الصَّيْدِ أَوْ كَانَ الرَّامِي فِي نَزْعِ الْقَوْسِ فَانْقَطَعَ الْوَتَرُ وَصَدَمَ إلَى فَوْقٍ وَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فَفِي حِلِّهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في المسابقة (أَصَحُّهُمَا) الْحِلُّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِسَبَبَيْنِ مُحَرَّمٌ وَمُبِيحٌ بِأَنْ مَاتَ مِنْ سهم وبندقة أَصَابَاهُ مِنْ رَامٍ أَوْ رَامِيَيْنِ أَوْ أَصَابَهُ طَرْفُ النَّصْلِ فَجَرَحَهُ ثُمَّ أَثَّرَ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ مِنْهُمَا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَوَقَعَ عَلَى طَرْفِ سَطْحٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ أَوْ عَلَى جَبَلٍ فَتَدَهْوَرَ مِنْهُ أَوْ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ فَتَصَدَّمَ بِأَغْصَانِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَى مُحَدَّدٍ مِنْ سِكِّينٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ جرحه فوقع عَلَى جَبَلٍ فَتَدَحْرَجَ مِنْهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ التَّدَحْرُجُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ بِخِلَافِ التَّدَهْوُرِ وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الطَّائِرَ فِي الهوا فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَعْدَهُ لانه لابد مِنْ الْوُقُوعِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا وَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَوْ زَحَفَ قَلِيلًا بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَهُوَ كَالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَحِلُّ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بِجُرْحٍ يحال الهلاك عليه ولو جرح جُرْحًا لَا يُؤَثِّرُ مِثْلُهُ لَكِنْ عَطَّلَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ جُرْحًا ثَقِيلًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ وَمَاتَ نُظِرَ إنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا سَبَقَ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ وَقَعْرُ الْبِئْرِ كَالْأَرْضِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَصْدِمْهُ جِدَارُ الْبِئْرِ وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غُصْنٍ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ حَلَالٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الِانْصِدَامُ

بِالْأَغْصَانِ أَوْ بِأَحْرُفِ الْجَبَلِ عِنْدَ التَّدَهْوُرِ مِنْ أَعْلَاهُ كَالِانْصِدَامِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّ الِانْصِدَامَ بِالْأَغْصَانِ وَالْأَحْرُفِ والتدهور ليس بلازم ولا غالب فلا تدعوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَالِانْصِدَامُ بِالْأَرْضِ لازم لابد مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الطَّيْرِ عَلَى الْبَحْرِ وَالِانْصِدَامِ بِطَرَفِ الْجَبَلِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا رَمَى طَيْرًا فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ وَيَكُونُ الْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الحلوى وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالتَّحْرِيمِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ بِالْحِلِّ فَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْبَحْرِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ حَلَّ * (فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هو فيما إذا لم ينته الصيد بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنْ انْتَهَى إليها بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَصَابَ كَبِدَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ وَقَدْ تَجِبُ ذَكَاتُهُ وَلَا أَثَرَ لِمَا يَعْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ وَتَدَهْوُرِهِ مِنْ الْجَبَلِ وَعَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ وَجُدَرَانِ الْبِئْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَاهُ فَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ بطرف فان أرمته الْأَوَّلُ وَلَمْ تُصِبْ الثَّانِي الْمَذْبَحَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَلَّ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كلبين فارمته الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ قَطَعَ الْمَذْبَحَ أَمْ لَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فان أرمته السَّهْمُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْكَلْبُ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أرمته الْكَلْبُ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الْمَذْبَحَ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا رَمَى طَائِرًا بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فِي الْحَالِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ يَحِلُّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ رِوَايَةً كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَقَطَ الصَّيْدُ المجروح جِرَاحَةً غَيْرُ مُذَفِّفَةٍ فِي الْمَاءِ وَمَاتَ لَا يحل للحديث الصحيح السابق

قال المصنف رحمه الله * (وان رمى صيدا أو أرسل عليه كلبا فعقره ولم يقتله نظرت فان أدركه ولم يبق فيه حياة مستقرة بأن شق جوفه وخرجت الحشوة أو أصاب العقر مقتلا فالمستحب أن يمر السكين على الحلق ليريحه فان لم يفعل حتى مات حل لان العقر قد ذبحه وإنما بقيت فيه حركة المذبوح وان كانت فيه حياة مستقرة ولكن لم يبق من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه حل وان بقي من الزمان ما يتمكن فيه من ذبحه فلم يذبحه أو لم يكن معه ما يذبحه به فمات لم يحل لما روى أبو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ما رد عليك كلبك المكلب وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فدكه وان لم تدرك ذكاته فلا تأكل وما ردت عليك يدك وذكرت اسم الله عليه وأدركت ذكاته فذكه وان لم تدرك ذكاته فكله) وان عقره الكلب أو السهم وغاب عنه ثم وجده ميتا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد فقال الشافعي رحمه الله لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى (فَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يحل لما روى عدى ابن حاتم قال (قلت يارسول الله إنى أرم الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليلة قال) إذا رأيت سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل) ولان الظاهر أنه مات منه لانه لم يعرف سبب سواه (والثانى) أنه لا يحل لما روى زياد بن أبى مريم قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي رميت صيدا ثم تغيب فوجدته ميتا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوام الارض كثير ولم يأمره بأكله) (ومنهم) من قال يؤكل قولا واحدا لانه قال لا يؤكل إذا لم يكن خبر وقد ثبت الخبر أنه أمر بأكله) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَسَبَقَ بَيَانُ لَفْظِهِ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (فَإِنْ وَجَدْته بَعْدَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِك فَشِئْت أَنْ تَأْكُلَ مِنْهُ فَكُلْ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَغَابَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهِ إذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ لا للتحريم وأما حديث زياد ابن أَبِي مَرْيَمَ فَغَرِيبٌ

وَزِيَادٌ هَذَا تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَهُوَ زِيَادُ ابن ابى مريم القرشى الاموى مولى عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ أَثَرَ سَبَبٍ آخر شئ وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ نَظَرٌ (فَمِنْ) الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَامِرِ - يَعْنِي الشعبى أن اعرابيا أهدى لرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَبْيًا فَقَالَ (مِنْ أين أصبت هذا فقال رميته أَمْسِ فَطَلَبْته فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ فَرَجَعْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ فَوَجَدْتُهُ فِي غَارٍ أَوْ فِي أَحْجَارٍ وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ قَالَ بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْك عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِي فيه) رواه ابو داود في المراسل فَهُوَ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَيْدٍ فَقَالَ إنِّي رَمَيْتُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْتُ سَهْمِي فِيهِ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفْتُ سَهْمِي فَقَالَ اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عظيم لعله أعانك عليه شئ انبذها عنك) رواه أبو داود في المراسل قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو رَزِينٍ هَذَا اسْمُهُ مَسْعُودُ مَوْلَى شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ أَوْ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ (أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِيَ وَأُنْمِي فَكَيْفَ تَرَى فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصَمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْته) قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَصَمَيْتَ مَا قَتَلَتْهُ الْكِلَابُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْتَ مَا غَابَ عَنْكَ مَقْتَلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ جَارِحَةً مُعَلَّمَةً مِنْ كَلْبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُ حَيًّا نُظِرَ إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أَوْ أَخَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ اُسْتُحِبَّ إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ لِيُرِيحَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فاضطربت أو غدت أَمَّا إذَا بَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ صَائِدِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ أَيْضًا لِلْعُذْرِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كَلْبُكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ) (وَالثَّانِي) أَنْ لَا يَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ فَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتَعَذَّرَ بِتَقْصِيرِهِ فَيَمُوتَ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بِئْرًا فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ (فَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الاول ان يشتغل بأخذ الآلة ونيل السِّكِّينِ فَيَمُوتَ قَبْلَ إمْكَانِ ذَبْحِهِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَمْتَنِعَ بِمَا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ قُوَّةٍ وَيَمُوتَ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَجِدَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ الذَّبْحُ فِيهِ (وَمِنْ) صُوَرِ الْحَالِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ الذَّبْحِ أَوْ تَضِيعَ آلَتُهُ فَلَا يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ نَشِبَتْ السِّكِّينُ فِي الْغِمْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَرَامٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي عَدَمِ تَأَمُّلِ السِّكِّينِ قَبْلَ هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ حَلَالٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي على ان أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيِّ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَوْ غَصَبَ الْآلَةَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَرَامٌ لِآنِهِ عُذْرٌ نَادِرٌ (وَالثَّانِي) حَلَالٌ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ سَبُعٌ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ اشْتَغَلَ بِتَحْدِيدِ السِّكِّينِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ تَحْدِيدِ السِّكِّينِ وَلَوْ كَانَ يَمُرُّ ظَهْرُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ غَلَطًا فَمَاتَ فَحَرَامٌ بِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ رَجَعَ الصَّيْدُ مُنَكَّسًا وَاحْتَاجَ إلى قبله لِيَقْدِرَ عَلَى الْمَذْبَحِ فَمَاتَ أَوْ اشْتَغَلَ بِتَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَمَاتَ فَحَلَالٌ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ هَلْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَمْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَيَحِلُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَعَدَمُ التَّقْصِيرِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدْوُ إلَى الصَّيْدِ إذا أصابه السَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكِنْ لَا يُكَلَّفُ الْمُبَالَغَةَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي الْمَشْيُ وعلى هذا الصحيح الذي قطع به الصيد لانى وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَشَى عَلَى هَيِّنَتِهِ وَأَدْرَكَهُ مَيِّتًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْرَعَ لَأَدْرَكَهُ حيا قال أمام الحرمين عندي أنه لابد مِنْ الْإِسْرَاعِ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الْمَاشِيَ عَلَى هَيِّنَتِهِ خَارِجٌ عَنْ عَادَةِ الطَّالِبِينَ وَإِذَا شَرَطْنَا الْعَدْوَ فَتَرَكَهُ فَصَارَ الصَّيْدُ مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَسَعُ الْعَدْوَ بِحَيْثُ لو عدا

لَمْ يُدْرِكْهُ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَرِيبًا فِي الشَّكِّ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّكَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ متساويتين أو متفاوتين فَهُمَا حَلَالٌ وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ عُضْوًا كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ نُظِرَ إنْ أَبَانَهُ بِجِرَاحَةٍ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ الْعُضْوُ وَبَاقِي الْبَدَنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُذَفِّفَةً وَأَدْرَكَهُ وَذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُذَفِّفًا فَالْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَبَاقِي الْبَدَنِ حَلَالٌ وَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى فَقَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ وَلَوْ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَلَّ بَاقِي الْبَدَنِ وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ لِأَنَّ الْجُرْحَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُذَفِّفَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ وَالْعُضْوُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَلَالٌ أَيْضًا وَفِي الْعُضْوِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ ذَكَاةً لِلصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لَا يَحِلُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَلَا أَثَرَ لِتَضَمُّخِهِ بِدَمِهِ فَرُبَّمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ وَأَصَابَتْهُ جراحة أخري (أما) إذَا جَرَحَهُ سَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ ثُمَّ غَابَ الصَّيْدُ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ انْتَهَى بِذَلِكَ الْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ وَلَا أَثَرَ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ نُظِرَ إنْ وَجَدَهُ فِي مَاءٍ أَوْ وَجَدَ عَلَيْهِ أَثَرَ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ سَوَاءٌ وَجَدَ الْكَلْبَ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ آخَرُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) يَحِلُّ قَطْعًا (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ قَطْعًا (وَأَشْهَرُهَا) على القولين (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ التَّحْرِيمُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ الْحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِنَا إيضَاحُ دَلِيلِ الْجَمِيعِ (وَمَنْ) قَالَ بِالْإِبَاحَةِ يَتَأَوَّلُ كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ فِي النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ (وَمَنْ) قَالَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَأَوَّلُ أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ عَلَى

ما إذا ما انْتَهَى بِالْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضعيف قال أصحابنا وتسمى هذه المسألة مَسْأَلَةَ الْإِيمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ جَرَحَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا * فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد * وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَوَارَى عَنْهُ الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَاشْتَغَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِهِ كَرِهْنَا أَكْلَهُ * وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ أَكَلَهُ فِي الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ إذَا كَانَ فِيهِ أَثَرُ جَارِحَةٍ وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) يُؤْكَلُ (وَالثَّانِي) يُؤْكَلُ مَا لَمْ يبت عنه (والثالث) ان كانت الاصابة موجبة حَلَّ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَقَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ فَمَاتَ فَجَمِيعُهُ حَلَالٌ سَوَاءٌ كَانَتْ القطعتان سواء أو متفاوتتين وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَقَلَّ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَكْبَرَ حَلَّتْ وَحَرُمَتْ الْأُخْرَى وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَطَعَ وَسَطَهُ أَوْ ضَرَبَ عُنُقَهُ حَلَّ جَمِيعُهُ وَإِنْ قَطَعَ فَخِذَهُ حَرُمَتْ الْفَخِذُ وَحَلَّ الْبَاقِي * دَلِيلُنَا أَنْ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِكُلِّهِ كموضع الاتفاق * قال المصنف رحمه الله * (وان نصب أحبولة وفيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته الحديدة لم يحل لانه مات بغير فعل من جهة أحد فلم يحل) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْهُ الْأُحْبُولَةُ كَانَ فِيهَا سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأُحْبُولَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - هُوَ مَا يُنْصَبُ لِلصَّيْدِ فَيَعْلَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ شَرَكٍ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا حِبَالَةٌ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - جَمْعُهَا حَبَائِلُ فَإِذَا وَقَعَ فِي الْأُحْبُولَةِ صَيْدٌ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الصَّائِدِ إلَّا سَبَبٌ فَهُوَ كَمَنْ نَصَبَ

سكينا فربضت عليها شاة ققطعت حَلْقَهَا فَإِنَّهَا حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْحَبْلِ الَّذِي فِي الْأُحْبُولَةِ فِي يَدِهِ فَجَرَّهُ وَمَاتَ بِهِ الصَّيْدُ فَحَرَامٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْأُحْبُولَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ ذَكَاتُهُ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إنْ كَانَ سَمَّى وقت نصبها * قال المصنف رحمه الله * (وان ارسل سهما على صيد فأصاب غيره فقتله حل اكله لقوله صلى الله عليه وسلم لابي ثعلبة (ما ردت عليك قوسك فكل) ولانه مات بفعله ولم يفقد الا القصد وذلك لا يعتبر في الذكاة والدليل عليه انه تصح ذكاة المجنون وان لم يكن له قصد فان ارسل كلبا على صيد فأصاب غيره فقتله نظرت فان أصابه في الجهة التى أرسله فيها حل لقوله صلى الله عليه وسلم (ما رد عليك كلبك ولم تدرك ذكاته فكل) وان عدل إلى جهة أخرى فأصاب صيدا غيره ففيه وجهان (أحدهما) لا يحل وهو قول أبى اسحاق لان للكلب اختيارا فإذا عدل كان صيده باختياره فلم يحل كما لو استرسل بنفسه فأخذ الصيد ومن أصحابنا من قال يحل لان الكلب لا يمكن منعه من العدول في طلب الصيد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا رَمَى صَيْدًا يَرَاهُ أولا يَرَاهُ لَكِنْ يَحُسُّ بِهِ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَشْجَارٍ مُلْتَفَّةٍ وَقَصَدَهُ حَلَّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بأن رمي وهو لا يرجوا صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ صَيْدًا فَبَنَى الرَّمْيَ بِأَنْ رَمَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَقَالَ رُبَّمَا أَصَبْتُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِحِلِّهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) يَحِلُّ (وَالثَّالِثُ) إنْ تَوَقَّعَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ تَجْوِيزٍ حَرُمَ وَلَوْ رَمَى إلَى سِرْبٍ مِنْ الظِّبَاءِ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهَا كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدَةً مِنْهَا فَقَتَلَهَا فَهِيَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُعَيَّنَةً بِالرَّمْيِ فَأَصَابَ غَيْرَهَا

فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِحِلِّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْحِلُّ) مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ حَالَةَ الرَّمْيِ يَرَى الْمُصَادَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْمُصَابُ مِنْ السِّرْبِ الَّذِي رَآهُ وَرَمَاهُ حَلَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ وَسَوَاءٌ عَدَلَ السَّهْمُ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدَهَا إلَى غَيْرِهَا أَمْ لَمْ يَعْدِلْ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا يَعْتَقِدُهُ حَجَرًا وَكَانَ حَجَرًا فَأَصَابَ ظَبْيَةً فَفِي حِلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا تَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الصيد لانى وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الشَّاخِصُ صَيْدًا وَمَالَ السَّهْمُ عنه وأصاب صيدا آخر ففيه الوجهان وأولى بِالتَّحْلِيلِ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ خِنْزِيرًا وَكَانَ خنزيزا أَوْ كَانَ صَيْدًا فَلَمْ يُصِبْهُ وَأَصَابَ ظَبْيَةً لَمْ تَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ خِنْزِيرًا أَضْعَفُ وَلَوْ رَمَى شَاخِصًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اعْتَبَرْنَا ظَنَّهُ فِيمَا إذَا رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا وَأَصَابَ السَّهْمُ صَيْدًا آخَرَ وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهُنَا يَحِلُّ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ وَقُلْنَا بِالْحِلِّ هُنَاكَ حَرُمَ هُنَا * هَذَا كُلُّهُ فِي رَمْيِ السَّهْمِ أَمَّا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ بَلْ كَانَ فِيهَا صَيُودٌ فَأَخَذَ غَيْرَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يَحِلُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحِلُّ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْحِلُّ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ تَكْلِيفِهِ تَرَكَ الْعُدُولَ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ الْكَلْبُ وَقَتَلَهُ حَلَّ قَطْعًا (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ خَرَجَ عَادِلًا عَنْ الْجِهَةِ حَرُمَ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَفَاتَهُ الصَّيْدُ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا وَصَادَ حَلَّ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِذْقِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ خَائِبًا وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ إذَا عَدَلَ وَظَهَرَ مِنْ عُدُولِهِ اخْتِيَارُهُ بِأَنْ امْتَدَّ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ زَمَانًا ثُمَّ ظَهَرَ صَيْدٌ آخَرُ فَاسْتَدْبَرَ المرسل إليه وقصد الآخر والله أعلم *

قال المصنف رحمه الله * (وان أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لانه أرسله على غير صيد فلم يحل ما اصطاده كما لو حل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وان أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان (قال) ابو اسحق يحل لانه قتله بفعله ولم يفقد الا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة (ومن) أصحابنا من قال لا يحل وهو الصحيح لانه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته وان كان في يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلها حل في قول أبى اسحق لانه حصل الذبح بفعله وعلى قول الآخر لا تحل لانه لم يقصد * وان رأى صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله لانه قتله بفعل قصده وانما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر كما لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وان أرسل علي ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان (أحدهما) يحل كما يحل إذا رماه بسهم (والثانى) لا يحل لانه أرسله على غير صيد فأشبه إذا أرسله على غير شئ) (الشرح) قال اصحابنا إذا أَرْسَلَ كَلْبًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَهُ فِي فَضَاءِ الْأَرْضِ لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ رَمَى إلَى هَدَفٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ وَكَانَ لَا يَخْطِرُ لَهُ الصَّيْدُ أَوْ كَانَ يَرَاهُ وَلَكِنْ رَمَى إلَى هَدَفٍ أَوْ ذِئْبٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ لا يحل لعدم قصده (والثانى) يحل قاله أبو إسحق وَلَوْ كَانَ يَحُلُّ سَيْفَهُ فَأَصَابَ عُنُقَ شَاةٍ وقطع الحلقوم والمرئ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْحَالِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ مَيْتَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَلَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ جُرْثُومَةً أَوْ آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ

حَيَوَانًا آخَرَ مُحَرَّمًا فَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ أَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا غَيْرَ مَأْكُولٍ فَكَانَ مَأْكُولًا أَوْ قَطَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا فَكَانَ حلق شاة فانقطع الحلقوم والمرئ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا إلَى شَاخِصٍ يَظُنُّهُ حَجَرًا فَكَانَ صَيْدًا أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ذَبَحَ فِي ظُلْمَةٍ حَيَوَانًا فَظَنَّهُ مُحَرَّمًا وَكَانَ شَاةً فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَفِي الْجَمِيعِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ حَرَامٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَوْ رَمَى إلَى شَاتِه الرَّبِيطَةِ سَهْمًا جَارِحًا فَأَصَابَ الْحُلْقُومَ والمرئ وِفَاقًا وَقَطَعَهُمَا فَفِي حِلِّ الشَّاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَبْحِهَا. احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الذَّبْحَ بِسَهْمِهِ وبين ان يقصد الشاة فيصيب المذبح وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ رَمَى شَيْئًا يَظُنُّهُ حَجَرًا وَكَانَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا حِلُّهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَ مالك لا يحل * وقال محمد ابن الْحَسَنِ إنْ ظَنَّهُ حَجَرًا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ ظَنَّهُ حَيَوَانًا مُحَرَّمًا كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَّ إلَّا أَنْ يَظُنَّهُ آدَمِيًّا فَلَا يَحِلَّ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ إذَا ظَنَّهُ إنْسَانًا لَمْ يَحِلَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا رَأَى خِنْزِيرًا بَرِّيًّا أَوْ أَسَدًا أَوْ ذِئْبًا وَكَانَ ظَبْيًا حَلَّ * وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَأَخَذَ غَيْرَهُ فِي طَرِيقِهِ وَسَمْتِهِ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ حَلَالٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وداود لا يحل * قال المصنف رحمه الله * (وان توحش أهلى أو ند بعير أو تردى في بئر فلم يقدر على ذكاته في حلقه فذكاته حيث يصاب من بدنه لما روي رافع بن خديج قَالَ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة وقد اصاب القوم غنما وابلا فند منها بعير فرمى بسهم فحبسه الله بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان هذه البهائم لها اوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) وقال ابن عباس رضى الله عنه " ما اعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد ولانه يتعذر ذكاته في الحلق فصار كالصيد وان تأنس

الصيد فذكاته ذكاة الاهلى كما ان الاهلى إذا توحش فذكاته ذكاة الوحشى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ رَافِعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الجزم فهو صحيح عنده (وقوله) ندهو - بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ - أَيْ هَرَبَ وَالْأَوَابِدُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ جَمْعُ آبِدَةٍ - بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ - وَيُقَالُ أَبَدَتْ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالتَّخْفِيفِ - يَأْبُدُ وَيَأْبِدُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَتَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ مِنْ الْإِنْسِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الْمَأْكُولُ الَّذِي لا تحل ميتة ضَرْبَانِ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيُّ وَالْوَحْشِيُّ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ كَانَ مُتَوَحِّشًا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ لِمَا ذكره المصنف * وأما المتوحش كالصيد فجيع أجزائه مذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ بِأَنْ نَدَّ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ شَرَدَتْ شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ يَحِلُّ بِالرَّمْيِ إلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ مِنْ الْجَوَارِحِ عَلَيْهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) عندهم حتى البحر وَالْمُسْتَظْهَرَيْ التَّحْرِيمُ (وَاخْتَارَ) الْبَصْرِيُّونَ الْحِلَّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ اللُّحُوقُ بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَوَحُّشًا وَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَعِيرَ وَنَحْوَهُ كَالصَّيْدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الذَّبْحَ فِي الْحَالِ فَتَكْلِيفُهُ الصَّبْرَ إلَى الْقُدْرَةِ يَشُقُّ عَلَيْهِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالصَّيْدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَالَةٌ عَارِضَةٌ قَرَّبَتْهَا لَهُ قَالَ لَكِنْ لَوْ كَانَ الصَّبْرُ وَالطَّلَبُ يُؤَدِّي إلَى مَهْلَكَةٍ أَوْ مَسْبَعَةٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى مَوْضِعِ لُصُوصٍ وَعَصَبَاتٍ مترصدين فوجهان

الفرق أَنَّ تَصَرُّفَهُمْ وَإِتْلَافَهُمْ مُتَدَارَكٌ بِالضَّمَانِ * هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي كَيْفِيَّةِ الْجَرْحِ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّ فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَكْفِي جُرْحٌ يفضي إلى الزهوق كيف كان (والثانى) لابد مِنْ جُرْحٍ مُذَفِّفٍ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ * (فَرْعٌ) حَيْثُ جَرَحَ النَّادَّ وَالْمُتَرَدِّيَ فَقَتَلَهُ حَلَّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ خَاصِرَتَهُ لَحَلَّتْ لَكَ) قَالَ فَقَالَ الْمَرَاوِزَةُ خَصَّصَ الْخَاصِرَةَ لِيَكُونَ الْجُرْحُ مُذَفِّفًا فَلَا يَجُوزُ جُرْحٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكْفِي كُلُّ جِرَاحَةٍ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْوَسِيطِ وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ (مِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحَدِيثِ (وَمِنْهَا) تَغْيِيرُ الْحُكْمِ (أَمَّا) الْحَدِيثُ فَقَدْ سَبَقَ بِإِنْكَارِهِ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو ابن الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذَا اخْتِصَارٌ مِنْ الْغَزَالِيِّ لِحَدِيثٍ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي ذَلِكَ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا يُعْرَفُ بابى العسراء تَرَدَّى لَهُ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَهَلَكَ فَرُفِعَتْ الْقِصَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (لابي العسراء وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا لَحَلَّتْ لَكَ) قال أَبُو عَمْرٍو وَفِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَلَاثَةُ أَغْلَاطٍ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ حماد ابن أبى سلمة عن أبى العسراء الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ (وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتهَا فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ في كتبهم المعتمدة وأبى العسراء - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ الشُّعَرَاءِ - اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِيمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْغَلَطُ مِنْ أَوْجُهٍ (أحدها) جعله أبا العسراء هُوَ الَّذِي خَاطَبَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ أبوه وأبو العسراء تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ (وَالثَّانِي) فِي ذِكْرِهِ تَرَدَّى الْبَعِيرُ فِي بِئْرٍ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ وانما هو

تفسير من أهل العلم للحديث قالوا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي التَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِ وان كان الشيخ أبو حامد الاسفرايني قَدْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ دُونَ ذِكْرِ التَّرَدِّي وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَمَا تَصْلُحُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ (وَالثَّالِثُ) فِي قَوْلِهِ (لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهَا) وَإِنَّمَا قَالَ (فِي فَخِذِهَا) وَذِكْرُ الْخَاصِرَةِ وَرَدَ فِي أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ (تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فِي شَاكِلَتِهِ فَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهِ) وَالشَّاكِلَةُ الْخَاصِرَةُ وَلَا يَثْبُتُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَا رَامَهُ الْمَرَاوِزَةُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخَاصِرَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَالصَّحِيحُ إذَنْ قَوْلُ غَيْرِهِمْ إنَّهُ يَكْفِي فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا) هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مداره على أبى العسراء قَالُوا وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِعِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَجَاعَةٍ وَنَحْوِ ذلك ولم يوجد شئ من هذا الاستثناء في أبى العسراء فَهُوَ مَجْهُولٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِأَبِي العسراء عَنْ أَبِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ في تاريخه في حديث أبى العسراء وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ جَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْهُ حَلَّ سَوَاءٌ الْخَاصِرَةُ وَالْفَخِذُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُخَصِّصٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَعْجُوزٍ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَيَتَعَيَّنُ رَدُّ مَا حُكِيَ عَنْ الْمَرَاوِزَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ وَقَعَ بَعِيرَانِ فِي بِئْرٍ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ فَطُعِنَ الْأَعْلَى فَمَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِهِ حَرُمَ الْأَسْفَلُ فَلَوْ تَعَدَّتْ الطَّعْنَةُ فَأَصَابَتْهُ أَيْضًا حَلَّا جَمِيعًا فَإِنْ شَكَّ هَلْ مَاتَ بِالطَّعْنَةِ النَّافِذَةِ أَمْ بِالثِّقَلِ

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الطَّعْنَةَ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ حَلَّ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مُفَارِقَةِ الرُّوحِ أَمْ بَعْدَهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ هَلْ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ رَمَى حَيَوَانًا غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَصَارَ مَقْدُورًا فَأَصَابَ غَيْرَ الْمَذْبَحِ لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ رَمَى مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَصَارَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَ غَيْرَ مَذْبَحِهِ حَلَّ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا تَوَحَّشَ الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ الْمَأْكُولُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَالْبَعِيرِ النَّادِّ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَعَجَزَ عَنْ عَقْرِهِ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ * فَمَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ مَحِلٌّ لِذَكَاتِهِ فَحَيْثُ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَبِهِ قال جمهور العلماء منهم على ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عباس وطاووس وعطاء والشعبى والحسن البصري والاسود ابن يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَهُوَ الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَلَا يَتَغَيَّرُ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَرَدِّيه * دَلِيلُنَا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خديج السابق * قال المصنف رحمه الله * (وان ذكى ما يؤكل لحمه ووجد في جوفه جنينا ميتا حل اكله لما روى أبو سعيد قال قلنا يارسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال (كلوه ان شئتم فان ذكاته ذكاة امه) ولان الجنين لا يمكن ذبحه فجعل ذكاة الام ذكاة له وان خرج الجنين حيا وتمكن من ذبحه لم يحل من غير ذبح وان مات قبل ان يتمكن من ذكاته حل) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا والترمذي وابن ماجه من رواية مجاهد عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ * هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَدَارُهَا علي مخالد وهو ضعيف لا يحتج به وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَلَعَلَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَصِيرُ حَسَنًا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا جَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ * وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَرْفُوعًا فَقَدْ تَعَاضَدَتْ طُرُقُهُ كَمَا تَرَى فَلِهَذَا صَارَ حَدِيثًا حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَقْدِيرُهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ * (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا ذَبَحَ الْمَأْكُولَةَ فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا جَنِينًا مَيِّتًا فَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَشَعَرَ أَمْ لَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يَحِلُّ إذَا سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِبَ ذَبْحِ الْأُمِّ أَمَّا إذَا بَقِيَ زَمَنًا طَوِيلًا يَضْطَرِبُ وَيَتَحَرَّكُ ثُمَّ سَكَنَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جُرِحَ الْجَنِينُ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ ثُمَّ مَاتَ حَلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الَّذِي مَاتَ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِنْ جُرِحَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَمْكَنَ ذَبْحُهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ حَلَالٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ وَلَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ ذُبِحَتْ الْأُمُّ فَمَاتَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَحِلُّ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْوَلَدِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ فقياس ما قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجْرَحُهُ بِسِكِّينٍ وَنَحْوِهِ لِيَحِلَّ كَمَا لَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَلَوْ وجد في جوف المذكاة مضغة لم

تبين فيها الصورة ولا تشكلت الاعضاء ففحلها وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَثُبُوتِ حكم الاستيلاد والله أعلم * (فر) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ * مَذْهَبُنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ إذَا ذُكِّيَ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ حَلَّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الامصار إلا أبا حنيفة وزفر فقال لَا يَحِلُّ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى * وَقَالَ مالك من خَرَجَ مَيِّتًا تَامَّ الْخَلْقِ وَتَمَّ شَعْرُهُ فَحَلَالٌ بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَحَرَامٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ مَا قَالُوهُ إلَى أَنْ جَاءَ أَبُو حَنِيفَةَ فَحَرَّمَهُ وَقَالَ ذَكَاةُ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ قَالَ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ أبا حَنِيفَةَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى إبَاحَتِهِ لَكِنْ اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِشْعَارَ * وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ حَيَوَانٍ آخَرَ قَالَ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ أَيْ ذَكُّوهُ كَمَا تُذَكُّونَ أُمَّهُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّيْدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِنَا وَمُبْطِلٌ لِتَأْوِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَذَبْحُهُ فِي الْبَطْنِ لَا يُمْكِنُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ بَلْ ذَكَاةُ أُمِّهِ كَافِيَةٌ فِي حِلِّهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا (ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ فيتبعها في الذكاة كالاعضاء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (إذا أثبت صيدا بالرمي أو بالكلب فازال امتناعه ملكه لانه حبسه بفعله فملكه كما لو أمسكه بيده فان رماه اثنان واحد بعد واحد فهو لمن اثبته منهما فان ادعى كل واحد منهما انه هو الذي

سبق وأزال امتناعه وان الآخر رماه فقتله فعليه الضمان لم يحل أكله لانهما اتفقا على أنه قتل بعد امكان ذبحه فلم يحل ويتحالفان فإذا حلف برئ كل واحد منهما مما يدعي الآخر وان اتفقا على ان أحدهما هو السابق غيران السابق ادعى انه هو الذى أثبته بسهمه وادعى الآخر أنه بقى على الامتناع إلى ان رماه هو فالقول قول الثاني لان الاصل بقاؤه على الامتناع وان كان الصيد مما يمتنع بالرجل والجناح كالقبح والقطا فرماه احدهما فاصاب الرجل ثم رماه الآخر فاصاب الجناح ففيه وجهان (احدهما) أنه يكون بينهما لانه زال الامتناع بفعلهما فتساويا (والثانى) انه للثاني وهو الصحيح لان الامتناع لم يزل الا بفعل الثاني فوجب أنه يكون له) * (الشرح) في الفصل مسألتان (إحداهما) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ (وَالثَّانِيَةُ) فِي الِازْدِحَامِ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَنُؤَخِّرُ شَرْحَهَا وَنَذْكُرُهُ مَعَ الْفَصْلَيْنِ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا الْأُولَى) فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يَضْبُطَهُ بِيَدِهِ فَيَمْلِكَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قصد التملك في أخده بِيَدِهِ حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ سَعَى وَرَاءَ صَيْدٍ لِيَأْخُذَهُ فَوَقَفَ الصَّيْدُ لِلْإِعْيَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ (وَمِنْهَا) أَنْ يَجْرَحَهُ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً أَوْ رَمْيَةً مُثْخِنَةً أَوْ يَرْمِيَهُ فَيَمْلِكَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ طَائِرًا فَكَسَرَ جَنَاحَهُ فَعَجَزَ عَنْ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ جَمِيعًا قَالُوا وَيَكْفِي الْمُتَمَلِّكَ إبْطَالُ شِدَّةِ الْعَدْوِ وَصَيْرُورَتُهُ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ وَلَوْ جَرَحَهُ فَعَطِشَ وَثَبَتَ لَمْ يَمْلِكْهُ إنْ كَانَ عَطَشُهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَلَكَهُ لِأَنَّ عَجْزَهُ بِالْجِرَاحَةِ (وَمِنْهَا) لو نصب شبكة ونحوها لصيد فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ فَلَوْ طَرَدَهُ طَارِدٌ فَوَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ لَا للطارد وقال الماوردى وغيره ولو وقع طائر فِي الشَّبَكَةِ ثُمَّ تَقَطَّعَتْ الشَّبَكَةُ فَأَفْلَتَ وَذَهَبَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الصَّيْدِ الْوَاقِعِ فِيهَا عَادَ مُبَاحًا فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تُثَبِّتْهُ شَبَكَتْهُ وَإِلَّا فَيَمْلِكُهُ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي بَابِ الْبِئْرِ لَوْ وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ فَأَفْلَتَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ

الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ تَغَفَّلَ الصَّيْدَ بِالشَّبَكَةِ ثُمَّ قَلَعَ الشَّبَكَةَ وَذَهَبَ بِهَا فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ نُظِرَ إنْ كَانَ يَعْدُو وَيَمْتَنِعُ مَعَ الشَّبَكَةِ فَلَهُ الْأَخْذُ فَإِنْ أَبْطَلَ ثِقَلُ الشَّبَكَةِ امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ (وَمِنْهَا) إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَثْبَتَ صَيْدًا " مَلَكَهُ الْمُرْسِلُ فَلَوْ أَرْسَلَ سَبُعًا " آخَرَ فَعَقَرَهُ وَأَثْبَتَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ لَهُ عَلَى السَّبُعِ يَدٌ مَلَكَ الصَّيْدَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَفْلَتَ الصيد بعد ما أَخَذَهُ الْكَلْبُ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا زَالَ امْتِنَاعُهُ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُهُ مَنْ صَاحَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) إذَا أَلْجَأَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِفْلَاتِ مِنْهُ مَلَكَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُدْخِلَهُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ وَلَوْ اضْطَرَّ سَمَكَةً إلَى بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَوْضٍ صَغِيرٍ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ اضْطَرَّ الصَّيْدَ إلَى بَيْتٍ * وَالصَّغِيرُ هُوَ مَا يَسْهُلُ أَخْذُهَا مِنْهُ وَلَوْ اضْطَرَّهَا إلَى بِرْكَةٍ وَاسِعَةٍ يُعْسَرُ أَخْذُهَا مِنْهَا أَوْ دَخَلَتْهَا السَّمَكَةُ فَسَدَّ مَنَافِذَهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ مِلْكَهُ (فَإِنْ قلنا) بالاصح أنه لا يَمْلِكُهُ بِالدُّخُولِ فَسَدَّ مَنَازِلَ الْبِرْكَةِ مَلَكَ السَّمَكَةَ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى ضَبْطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تُرْجَعُ جَمِيعُ هَذِهِ الطُّرُقِ إلَى شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مِلْكِ الصَّيْدِ إبْطَالُ زَوَالِ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ بِأَرْضِ إنْسَانٍ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَمْلِكُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِسَقْيِ الْأَرْضِ الِاصْطِيَادَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَقْيُ الْأَرْضِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَتَوَحُّلُ الصَّيُودِ فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ فَهُوَ كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرُّويَانِيُّ لِأَرْضِ الشَّخْصِ بَلْ قَالَ لَوْ تَوَحَّلَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ الطِّينَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْوَحْلَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَهُوَ كَالشَّبَكَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَائِدًا إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِالسَّقْيِ وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ في أرض

وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ طَائِرٌ وَبَاضَ وَفَرَّخَ وَحَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) يَمْلِكُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً لَا لِلصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ مَلَكَ مَا وَقَعَ فِيهَا وَلَوْ أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ لِئَلَّا يَخْرُجَ صَارَ مِلْكًا لَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ فَهُوَ أَوْلَى بِمِلْكِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلَ مِلْكَهُ وَيَأْخُذَهُ فَإِنْ فَعَلَ فهل يملكه فيه وجهان كمن يحجز مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ هَلْ يَمْلِكُهُ وَهَذِهِ الصُّوَرُ أولى بثبوت الملك لان الحجز لِلْإِحْيَاءِ وَلَا يُقْصَدُ بِبِنَاءِ الدَّارِ وُقُوعُ الصَّيْدِ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْمُحْيِيَ وَآخِذَ الصَّيْدِ يَمْلِكَانِ وَإِنْ كَانَا غَاصِبَيْنِ بِتَفْوِيتِ حَقِّ المتحجز وَصَاحِبِ الْأَرْضِ * وَلَوْ قَصَدَ بِبِنَاءِ الدَّارِ تَعْشِيشَ الطَّيْرِ فَعَشَّشَ فِيهَا طَيْرٌ أَوْ وَقَعَتْ الشَّبَكَةُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَتَغَفَّلَ فِيهَا صَيْدٌ فَوَجْهَانِ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْأُولَى قَصْدٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَفِي الثَّانِيَةِ حَصَلَ الِاسْتِيلَاءُ بِمِلْكِهِ لَكِنَّهُ بِلَا قَصْدٍ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ دَخَلَ بُسْتَانَ غَيْرِهِ أَوْ دَارِهِ وَصَادَ فِيهِ طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ مَلَكَهُ الصَّائِدُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارَ إنْسَانٍ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَأَغْلَقَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَلَا الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَمْ يَحْصُلْ الصَّيْدُ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ شَبَكَةً وَاصْطَادَ بِهَا * (فَرْعٌ) لَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ صَيْدًا بِغَيْرِ إرْسَالٍ ثُمَّ أَخَذَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ فَمِهِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ * وَاحْتَجُّوا لِلْأَوَّلِ بِمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْآخِذَ يَمْلِكُهُ وَأَمَّا الْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَأَخَذَهُ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْسِلِ وَيَكُونَ إرْسَالُهُ كَنَصْبِ شَبَكَةٍ تَغَفَّلَ بِهَا الصَّيْدُ قَالَ فَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اختيارا * قال المصنف رحمه الله * (وان رمى الصيد اثنان أحدهما بعد الآخر ولم يعلم باصابة من منهما صار غير ممتنع فقد قال في

المختصر انه يؤكل ويكون بينهما فحمل أبو إسحق هذا على ظاهره فقال يحل أكله لان الاصل انه بقي بعد عقر الاول على الامتناع إلى أن قتله الآخر فيحل ويكون بينهما لان الظاهر أنهما مشتركان فيه بحكم اليد ومن أصحابنا من قال ان بقى على الامتناع حتى رماه الآخر فقتله حل وكان للثاني وان زال امتناعه بالاول فهو للاول ولا يحل بقتل الثاني لانه صار مقدورا عليه فيجب أن يتأول عليه إذا لم يمتنع الصيد حتى أدركه وذكاه فيحل واختلفا في السابق منهما فيكون بينهما فان رمي رجل صيدا فأزال امتناعه ثم رماه الآخر نظرت فان أصاب الحلقوم والمرئ فقتله حل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة وقد ذكاة في الحلق واللبة ويلزمه للاول ما بين قيمته مجروحا ومذبوحا كما لو ذبح له شاة مجروحة وان أصاب غير الحلق واللبة نظرت فان وحاه لم يحل أكله لانه قد صار ذكاته في الحلق واللبة فقتله بغير ذكاة فلم يحل ويجب عليه قيمته لصاحبه مجروحا كما لو قتل له شاة مجروحة فان لم يوحه وبقى مجروحا ثم مات نظرت فان مات قبل أن يدركه صاحبه أو بعد ما أدركه وقبل أن يتمكن من ذبحه وجب عليه قيمته مجروحا لانه مات من جنايته وان أدركه وتمكن من ذبحه فلم يذبحه حتى مات لم يحل أكله لانه ترك ذكاته في الحلق مع القدرة واختلف أصحابنا في ضمانه فقال أبو سعيد الاضطخرى تجب عليه قيمته مجروحا لانه لم يوجد من الاول أكثر من الرمى الذى ملك به وهو فعل مباح وترك ذبحه إلى أن مات وهذا لا يسقط الضمان كما لو جرح رجل شاة لرجل فترك صاحبها ذبحها حتى ماتت (والمذهب) أنه لا يجب عليه كمال القيمة لانه مات بسببين محظورين جناية الثاني وسراية جرح الاول فالسراية كالجناية في ايجاب الضمان فيصير كأنه مات من جناية اثنين وما هلك بجناية اثنين لا يجب على أحدهما كمال القيمة وإذا قلنا بهذا قسم الضمان على الجانبين فما يخص الاول يسقط عن الثاني ويجب عليه الباقي ونبين ذلك في جنايتين مضمونتين ليعرف ما يجب على كل واحد منهما فما وجب على الاول منهما من قيمته أسقطناه عن الثاني فنقول إذا كان لرجل صيد قيمته عشرة فجرحه رجل جراحة نقص من

قيمته درهم ثم جرحه آخر فنقص درهم ثم مات ففيه لاصحابنا ستة طرق (أحدها) وهو قول المزني أنه يجب على كل واحد منهما أرش جنايته ثم تجب قيمته بعد الجنايتين بينهما نصفان فيجب على الاول درهم وعلى الثاني درهم ثم تجب قيمته بعد الجنايتين وهى ثمانية بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة فيحصل على كل واحد منهما خمسه لان كل واحد منهما انفرد بجنايته فوجب عليه أرشها ثم هلك الصيد بجنايتهما فوجب عليهما قيمته (والثانى) وهو قول أبى اسحق أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية ونصف أرش جنايته فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وسقط عنه النصف لان أرش الجناية يدخل في النفس وقد ضمن نصف النفس والجناية كانت على النصف الذى ضمنه وعلى النصف الذي ضمنه الآخر فما حصل على النصف الذى ضمنه يدخل في الضمان فيسقط وما حصل على النصف الذى ضمنه الآخر يلزم فيحصل عليه خمسة دراهم ونصف والآخر جنى وقيمته تسعة فيلزمه نصف قيمته أربعة ونصف وأرش جنايته درهم فيدخل نصفه في النصف الذى ضمنه ويبقى النصف لاجل النصف الذى ضمنه الاول فيجب عليه خمسة دراهم ثم يرجع الاول على الثاني بنصف الارش الذى ضمنه وهو نصف درهم لان هذا الارش وجب بالجناية على النصف الذى ضمنه الاول وقد ضمن الاول كمال قيمة النصف فرجع بأرش الجناية عليه كرجل غصب من رجل ثوبا فخرقه رجل ثم هلك الثوب وجاء صاحبه وضمن الغاصب كمال قيمة الثوب فانه يرجع على الجاني بارش الخرق فيحصل على الاول خمسة دراهم وعلى الثاني خمسة دراهم فهذا يوافق قول المزني في الحكم وان خالفه في الطريق (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال الجناية ونصف أرش جنايته ويدخل النصف فيما ضمنه صاحبه كما قال أبو إسحق إلا أنه قال لا يعود من الثاني إلى الاول شئ ثم ينظر لما حصل على كل واحد منهما ويضم بعضه إلى بعض وتقسم عليه العشرة فيجب على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني خمسة دراهم فذلك عشرة ونصف فتقسم العشرة على عشرة ونصف فما يخص خمسة ونصفا يجب على الاول وما يخص خمسا يجب على الثاني (والرابع)

ما قال بعض أصحابنا أنه يجب علي الاول ارش جنايته ثم تجب قيمته بعد ذلك بينهما نصفين ولا يجب على الثاني أرش جنايته فيجب على الاول درهم ثم تجب التسعة بينهما نصفان على كل واحد منهما أربعة دراهم ونصف فيحصل على الاول خمسة دراهم ونصف وعلى الثاني أربعة دراهم ونصف لان الاول انفرد بالجناية فلزمه أرشها ثم اجتمع جناية الثاني وسراية الاول فحصل الموت منهما فكانت القمية بينهما (والخامس) ما قال بعض أصحابنا أن الارش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الاول نصف قيمته حال الجناية وهو خمسة وعلى الثاني نصف قيمته حال الجناية وهو أربعة ونصف ويسقط نصف درهم قال لانى لم أجد محلا أوجبه فيه (والسادس) وهو قول أبى على بن خيران وهو أن أرش جناية كل واحد منهما يدخل في القيمة فتضم قيمة الصيد عند جناية الاول إلى قيمة الصيد عند جناية الثاني فتكون تسعة عشر ثم تقسم العشرة على ذلك فما يخص عشرة فهو على الاول وما يخص تسعة فهو على الثاني وهذا أصح الطرق لان أصحاب الطرق الاربعة لا يدخلون الارش في بدل النفس وهذا لا يجوز لان الارش يدخل في بدل النفس وصاحب الطريق الخامس يوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصفا ويسقط من قيمته نصف درهم وهذا لا يجوز * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ مُرْتَبِطَةٌ وَمَسَائِلُهَا مُتَدَاخِلَةٌ وَهِيَ مُتَشَعِّبَةٌ وَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْقُلُ مَا ذَكَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا تَرَكَهُ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي الصَّيْدِ وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَعَاقَبَ جُرْحَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُذَفِّفًا وَلَا مُزْمِنًا بَلْ بَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَكَانَ الثَّانِي مذففا أو مزمنا فالصيد للثاني ولا شئ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِجِرَاحَتِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُذَفِّفًا فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ بِرَمْيِهِ وَإِنْ كَانَ جُرْحُ الْأَوَّلِ مُزْمِنًا مَلَكَ الصَّيْدَ بِهِ وَنُفَصِّلُ فِي الثَّانِي فَإِنْ ذَفَّفَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ والمرئ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا وَمُزْمِنًا قَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ

مُسْتَقِرَّةٌ وَإِنْ كَانَ مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذْبَحْ لَهَلَكَ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ بالذبح شئ فان ذفف الثاني لا بقطع الحلقوم والمرئ أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَهُوَ صَيْدٌ وكذا الحكم رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَزْمَنَهُ ثُمَّ رَمَى إلَيْهِ ثَانِيًا وَذَفَّفَ لَا بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي كَمَالُ قِيمَةِ الصَّيْدِ مَجْرُوحًا إنْ كَانَ ذَفَّفَ فَإِنْ كَانَ جُرْحٌ لَا يُذَفَّفُ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ. كَلَامٌ لَهُ مُقَدِّمَةٌ نَذْكُرُهَا أَوَّلًا وَهِيَ: إذَا جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَتِهِ أَوْ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ جِرَاحَةً أَرْشُهَا دِينَارٌ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً أَرْشُهَا دِينَارٌ أَيْضًا فَمَاتَ بالجرحين ففميا يَلْزَمُ الْجَارِحَيْنِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ على الاول خسمة دَنَانِيرَ وَعَلَى الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْجُرْحَيْنِ سريا وصار قَتْلًا فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ فِيهِ ضَيَاعَ نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الْمَالِكِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ دِينَارًا فَلَزِمَهُ ثُمَّ مَاتَ بِجُرْحَيْهِمَا فَلَزِمَهُمَا بَاقِي قِيمَتِهِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَصَارَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الاول دينار أو جناية الثَّانِي دِينَارَيْنِ لَزِمَ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَزِمَ الثَّانِي خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ نَقَصَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ ديناران وَجِنَايَةُ الثَّانِي دِينَارًا انْعَكَسَ فَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَضَعَّفَ الْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ قِيمَتِهِ حَالَ أَخْذِهِمَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَفَّالِ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي خَمْسَةٌ لِأَنَّ جِنَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ نَقَصَتْ دِينَارًا ثُمَّ سَرَيَا وَالْأَرْشُ يَسْقُطُ إذَا صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا فَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ نِصْفُ الْقَتْلِ (وَاعْتَرَضُوا) عَلَى هَذَا بِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجَابَ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَنْجَرُّ إلَى إيجَابِ زِيَادَةٍ كَمَنْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ (وَأُجِيبُ) عَنْهُ بِأَنَّ قَاطِعَ الْيَدَيْنِ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَلْ الْقَتْلُ يَقْطَعُ أَثَرَ الْقَطْعِ وَيَقَعُ مَوْقِعَ الِانْدِمَالِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَنِصْفُ الْأَرْشِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الْقِيمَةِ فَيُجْمَعُ مَا لَزِمَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ

عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ وَتُقْسَمُ الْقِيمَةُ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالنِّصْفِ لِيُرَاعَى التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فَيُبَسَّطُ أَنْصَافًا فيكون إحدى وعشرين فيلزم الاول احدى عشر جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ عَشَرَةٌ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِإِفْرَادِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَنْ بَدَلِ النَّفْسِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ انْفَرَدَ بِالْجُرْحِ وَالسِّرَايَةِ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا مَا لَزِمَ الثَّانِيَ وَالثَّانِي إنَّمَا جَنَى عَلَى نِصْفِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً وَفِيهِ ضَعْفٌ أَيْضًا (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَأَطْبَقَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَا وَهِيَ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جزء امن عَشَرَةٍ وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا كَانَتْ الْجُنَاةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ دِينَارٌ وَالْقِيمَةُ عَشَرَةٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُزَنِيِّ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ سَهْمِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ (1) وَيَلْزَمُ الثَّالِثَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا دِينَارَانِ وَثُلُثٌ هِيَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَثُلُثَانِ هُمَا ثُلُثَا الْأَرْشِ فَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ وَثُلُثَانِ وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ تُوَزَّعُ الْعَشَرَةُ عَلَى عَشَرَةٍ وَثُلُثَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ أَرْبَعَةٌ وَثُلُثٌ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثَ دِينَارَانِ وَثُلُثَانِ وَعَلَى السَّادِسِ تُجْمَعُ الْقِيَمُ فَتَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَتُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ عَلَيْهَا (أَمَّا) إذَا جَرَحَ مَالِكُ الْعَبْدِ أَوْ الصَّيْدِ جِرَاحَةً وَأَجْنَبِيٌّ أُخْرَى فَيُنْظَرُ فِي جِنَايَةِ الْمَالِكِ أَهِيَ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ وَيُخْرَجُ عَلَى الْأَوْجَهِ فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الْأَجْنَبِيِّ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الْعَبْدِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ الْعَبْدُ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَنَقَصَتْ الْجِنَايَةُ عَشَرَةً ثُمَّ جَنَى آخَرُ جِنَايَةً لَا أَرْشَ لَهَا فَنَقَصَتْ عَشَرَةً أَيْضًا وَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْهُمَا فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسُونَ يَدْفَعُ مِنْهَا خَمْسَةً إلَى الْأَوَّلِ * قَالَ فَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى لَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ أَرْشِ اليد

_ (1) كذا في الاصل وترك ما لزم الثاني وظاهر أنه كالثالث

وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ خَمْسُونَ وَلَزِمَ الثَّانِيَ نِصْفُ أَرْشِ الْيَدِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ وَهُوَ أربعون فالجملة مائة وأربعون جميعها للسيدلان الْجِنَايَةَ الَّتِي لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ وَاجِبُهَا عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَقَتَلَهُ آخَرُ هَذَا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ وَنَعُودُ إلَى الصَّيْدِ فَنَقُولُ: إذَا جَرَحَ الثَّانِي جِرَاحَةً غَيْرَ مُذَفِّفَةٍ وَمَاتَ الصَّيْدُ بِالْجُرْحَيْنِ نُظِرَ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ تَمَامُ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ شَاةَ نَفْسِهِ وَجَرَحَهَا آخَرُ وَمَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي إلَّا نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُرْحَيْنِ هُنَاكَ حَرَامٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا فِعْلُ الْأَوَّلِ اكْتِسَابٌ وَذَكَاةٌ ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ يُسَاوِي عَشَرَةً غَيْرَ مُزْمِنٍ وَتِسْعَةً مُزْمِنًا لَزِمَ الثَّانِيَ تِسْعَةٌ وَاسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَقَالَ فِعْلُ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْسَادًا فَيُؤَثِّرُ فِي الذَّبْحِ وَحُصُولِ الزُّهُوقِ قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فَيُقَالُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُزْمِنٍ يُسَاوِي عَشَرَةً وَمُزْمِنًا تِسْعَةً وَمَذْبُوحًا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ أَثَّرَ فِي فَوَاتِهِ الْفِعْلَانِ فَوُزِّعَ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلنَّظَرِ فِي هَذَا مَجَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُفْسِدُ يَقْطَعُ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَذَبَحَهُ لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ إنْ نَقَصَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى مات فوجهان (أحدهما) لا شئ عَلَى الثَّانِي سِوَى أَرْشُ النَّقْصِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الذَّبْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ الذَّبْحَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ شَاتَه فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَضْمَنُ (وَجْهَانِ) قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَضْمَنُ كَمَالَ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا كَمَا لَوْ ذَهَبَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ عَبْدَهُ أَوْ شَاتَه وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلِ هُنَاكَ إفْسَادٌ وَالتَّحْرِيمُ حَصَلَ بِهِمَا وَهُنَا الْأَوَّلُ إصْلَاحٌ (والاصلاح) قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ بَلْ هُوَ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِهِمَا وَكِلَاهُمَا إفْسَادٌ أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَرْكَ الذَّبْحِ مَعَ التَّمَكُّنِ يَجْعَلُ الْجُرْحَ وَسِرَايَتَهُ إفْسَادًا وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الثَّانِي فَتَرَكَ الذَّبْحَ كان الصيد ميتة فعلى هذا تجئ الْأَوْجُهُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّوْزِيعِ عَلَى الْجُرْحَيْنِ فَمَا هُوَ فِي حِصَّةِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ وَتَجِبُ حِصَّةُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ

الجرحان معا فينظران تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُذَفِّفًا أَوْ مُزْمِنًا أَوْ انْفَرَدَا وَأَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا وَالْآخَرُ مُزْمِنًا وَسَوَاءٌ تَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا أَوْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَا فِي الْمَذْبَحِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُزْمِنًا أَوْ مُذَفِّفًا لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فَالصَّيْدُ لِمَنْ ذَفَّفَ أَوْ أَزْمَنَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرَحْ مِلْكَ الْغَيْرِ وَلَوْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا دُونَ ذَاكَ وَذَاكَ دُونَ هَذَا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا فِي ظاهر الحكم ويستحب أن يستحيل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ تَوَرُّعًا وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُذَفِّفٌ وَشَكَكْنَا هَلْ الْآخَرُ أَثَّرَ فِي الْإِزْمَانِ وَالتَّذْفِيفِ أَمْ لَا قَالَ الْقَفَّالُ هُوَ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ لَهُ لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ جِرَاحَةً مُذَفِّفَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً لَا يَدْرِي أَمُذَفِّفَةٌ هِيَ أَمْ لَا فَمَاتَ فَقَالَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا قَالَ الْإِمَامُ هَذَا بَعِيدٌ وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْقِصَاصِ بِصَاحِبِ الْمُذَفِّفَةِ وَفِي الصَّيْدِ يُسَلَّمُ نِصْفُهُ لِمَنْ جُرْحُهُ مُذَفِّفًا وَيُوقَفُ نِصْفُهُ بَيْنَهُمَا إلَى الْمُصَالَحَةِ أَوْ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ بَيَانٌ جُعِلَ النِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (الْحَالُ الثَّالِثُ) إذَا تَرَتَّبَ الْجُرْحَانِ وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ وَارِدٌ عَلَى الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالصَّيْدُ حلال وان اختلفنا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ أَوَّلًا وَأَزْمَنَهُ أَوْ أَنَّهُ لَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فالصيد بينهما ولا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالصَّيْدُ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ وَلَوْ تَرَتَّبَا وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَلَمْ يُعْرَفْ السَّابِقُ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْإِزْمَانِ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بقطع الحلقوم والمرئ وَقِيلَ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ اجْتِمَاعُ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ سَبَقَ هُنَاكَ جُرْحٌ يُحَالُ عَلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ أَزْمَنَهُ أَوَّلًا وَأَنَّ الْآخَرَ أَفْسَدَهُ فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فان حلفا فلا شئ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الثَّانِيَ كُلُّ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا وَلَوْ قَالَ الْجَارِحُ أَوَّلًا أَزْمَنْته أَنَا ثُمَّ أَفْسَدْته أَنْتَ بِقَتْلِك فَعَلَيْكَ الْقِيمَةُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ تُزْمِنْهُ أَنْتَ بل كان على امْتِنَاعُهُ إلَى أَنْ رَمَيْتَهُ فَأَزْمَنْته أَوْ ذَفَفْته فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى غَيْرِ جِرَاحَةِ الْأَوَّلِ وَعَلِمْنَا أنه لا يبقي امتناع معها ككسر (1)

_ (1) كذا بالاصل فحرر

وَكَسْرِ رِجْلِ الْمُمْتَنِعِ بِالْعَدْوِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الِامْتِنَاعِ فَإِنْ حَلَفَ فَالصَّيْدُ لَهُ ولا شئ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا الْجِرَاحَةَ الْأُولَى وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ لانه ميتة برغمه وَهَلْ لِلثَّانِي أَكْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا لِأَنَّ إلْزَامَهُ الْقِيمَةَ حُكْمٌ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ لَا تُغَيِّرُ الْحُكْمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى * وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الْجِرَاحَةَ الْمُذَفِّفَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الَّتِي لَوْ انْفَرَدَتْ لَكَانَتْ مُزْمِنَةً فَالصَّيْدُ حَلَالٌ فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَا ذَفَفْته فَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَحْلِيفُ الْآخَرِ فَإِنْ حَلَفَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا كَانَ لَهُ وَعَلَى الْآخَرِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْرَ أَجْعَلهُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعًا أَمْ لاجعلناه بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ حَلَّ أَكْلُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ هَذَا الصَّيْدُ لِاجْتِمَاعِ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْحِلِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا بَلْ يَكُونُ لِمَنْ أَثْبَتَهُ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَيْنِ الِاعْتِرَاضَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَتَسْلِيمُ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضِ وَتَأْوِيلُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَأَرَادَ بِهِ إذَا عَقَرَهُ أَحَدُهُمَا فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ أَصَابَ الثَّانِي مَحِلَّ الذَّكَاةِ فَقَطَعَ الحلقوم والمرئ أَوْ أَثْبَتَاهُ وَلَمْ يَصِرْ فِي حُكْمِ الْمُمْتَنِعِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فَذَكَّاهُ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ إذَا كَانَتْ يَدُهُمَا عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا (فأما) إذ وَجَدَاهُ مَيِّتًا مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْقَاتِلُ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا. وَلَا يُمْتَنَعُ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ يجعل الشئ لِاثْنَيْنِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُهُ فِي الْبَاطِنِ لِأَحَدِهِمَا كَمَنْ مَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ (وَالْوَجْهُ) الثَّانِي تَرْكُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَتَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ بِرِجْلِهِ وَجَنَاحِهِ كَالْحَجَلِ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا وَأَصَابَ الآخر جناحه

فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حَصَلَ بِفِعْلِهَا (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ إصَابَةِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا زَالَ امْتِنَاعُهُ بِإِصَابَةِ الثَّانِي فَكَانَ لَهُ * فَإِنْ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلثَّانِي لَمْ يُعْلَمْ الثَّانِي مِنْهُمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ فَكَانَ بينهما * (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ أَزْمَنَاهُ وَمَاتَ الصَّيْدُ وَلَمْ يُدْرَ هَلْ أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ إلَى أَنْ عَقَرَهُ الثَّانِي فَيَكُونُ عَقْرُهُ ذَكَاةً وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْإِثْبَاتِ مِنْ كِلَيْهِمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إلَى أَنْ رَمَاهُ الثَّانِي فَكَيْفَ لَمْ تَزُلْ يَدُ الْأَوَّلِ (قُلْنَا) هَذَا لَا يُزَالُ بِهِ حُكْمُ الْيَدِ ولهذا لو كان في يده شئ يَدَّعِيهِ حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْمِلْكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي حِلِّ هَذَا الصَّيْدِ قَوْلَانِ كَمَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (الْحَالُ الرَّابِعُ) إذَا تربت الْجُرْحَانِ وَحَصَلَ الْإِزْمَانُ بِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يُزْمِنْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّيْدَ لِلثَّانِي (وَالثَّانِي) أَنَّهُ بَيْنَهُمَا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لِلثَّانِي أَوْ كَانَ الْجُرْحُ الثَّانِي مُزْمِنًا لَوْ انْفَرَدَ فلا شئ عَلَى الْأَوَّلِ بِسَبَبِ جُرْحِهِ فَلَوْ عَادَ الْأَوَّلُ بَعْدَ إزْمَانِ الثَّانِي وَجَرَحَهُ جِرَاحَةً أُخْرَى نُظِرَ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ فَهُوَ حَلَالٌ وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالذَّبْحِ وَإِلَّا فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَعَلَيْهِ إنْ ذَفَّفَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتِهِ الْأُولَى وَجِرَاحَةِ الثَّانِي وَكَذَا إنْ لَمْ يُذَفِّفْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الثَّانِي مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ وَتَرَكَ الذَّبْحَ عَادَ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِ الْمَالِكِ وَعَلَى أَصَحِّهِمَا لَا يُقْصَدُ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَخَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ جَرَحَ عَبْدًا مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ عَادَ الْأَوَّلُ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا وَمَاتَ مِنْهُمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) ثُلُثُ الْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) رُبْعُهَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فَعَلَى هَذَا هُنَا رُبْعُ الْقِيمَةِ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَعُودُ فِي التوزيع الاوجه الستة السابقة واختار العزالى وُجُوبَ تَمَامِ الْقِيمَةِ وَالْمَذْهَبُ التَّوْزِيعُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) الِاعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُفْسِدِ بِالْإِصَابَةِ لَا ببدأ الرَّمْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ كل واحد منهما بينة أنه اصطاد هذ الصَّيْدَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) سُقُوطُهَا وَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ فَقَالَ آخَرُ أَنَا اصْطَدْتُهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا نَقْنَعُ مِنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ بَلْ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيُسَلِّمَهُ إلَى مُدَّعِيهِ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابَهُمْ عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُونَ قَتِيلًا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ كَلْبَهُ الْقَاتِلُ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ مَاتَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهُوَ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْكِلَابِ فَهُوَ لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَالْكِلَابُ نَاحِبَةٌ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَأُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ بِالْقُرْعَةِ وقال غير أبى ثور لا تجئ الْقُرْعَةُ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بِيعَ وَوَقَفَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يصطلحوا هذا كلام ابن المنذر * * قال المصنف رحمه الله * (ومن ملك صيدا ثم خلاه ففيه وجهان (أحدهما) يزول ملكه كما لو ملك عبدا ثم أعتقه (والثانى) لا يزول ملكه كما لو ملك بهيمة ثم سيبها وبالله التوفيق) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَلَكَ صَيْدًا ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ يَدُورُ فِي الْبَلَدِ وَحَوْلُهُ أَوْ الْتَحَقَ بالوحوش ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ وَخَلَّاهُ لِيَرْجِعَ صَيْدًا كَمَا كَانَ فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَزُولُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا لو أرسل بهيمة إلا (1) وَنَوَى إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَوَائِبَ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ أنه ان قَصَدَ بِإِرْسَالِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَالَ ملكه والا فلا * هامش) * (1) كذا بالاصل فحرر

وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مُطْلَقًا * قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَزُولُ عَادَ مُبَاحًا فَمَنْ صَادَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَزُولُ لَمْ يغيره أَنْ يَصِيدَهُ إذَا عَرَفَهُ فَإِنْ قَالَ عِنْدَ إرْسَالِهِ أَبَحْتُهُ لِمَنْ أَخَذَهُ حَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ تصرف الآخذ فيه ببيع ونحوه وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ فَأَرْسَلَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَلْ يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا كَالْعَبْدِ الْمُعْتَقِ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِلْإِبَاحَةِ وَلِئَلَّا يَصِيرَ فِي مَعْنَى سَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَلْقَى كِسْرَةَ خُبْزٍ مُعْرِضًا عَنْهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا مَنْ أَخَذَهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى إرْسَالِ الصَّيْدِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا تُمْلَكَ بَلْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُلْقِي لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي الصَّيْدِ الْيَدُ وَقَدْ أَزَالَهَا وَرَدَّهُ إلَى الْإِبَاحَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَحَاصِلُهَا لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الظَّاهِرَةَ كَافِيَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ هَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُوَضِّحُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّالِحِيِّ مِنْ الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا تَرَكَهُ الْوَارِثُ إعْرَاضًا كَالْكِسْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالسَّنَابِلِ وَأَمَّا الَّذِي يُصِيبُهُ فِي شئ ونحو ذلك ويصح تمرق الْأَخْذِ فِيهِ بِالتَّتَبُّعِ وَغَيْرِهِ هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ السلف ولم ينقل أنهم منعوا لتصرف في شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ أُخْرَيَاتِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ دَاخِلَ الْجِدَارِ لَمْ تَحِلَّ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَجْرِ عَادَاتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا فَإِنْ جَرَتْ بِذَلِكَ فَهَلْ تَجْرِي الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ مَجْرَى الْإِبَاحَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَجْرِي وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ صَدِيقِهِ وَمِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَثِمَارِهِ وَزَرْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ فَدَبَغَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ اخْتِصَاصٌ فَضَعُفَ بِالْإِعْرَاضِ وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ خَمْرٍ فَأَخَذَهَا غَيْرُهُ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَوْ صاد صيدا عليه أثر مالك بِأَنْ كَانَ مَرْسُومًا. أَوْ مُقَرَّظًا أَوْ مَخْضُوبًا أَوْ مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ لَمْ يَمْلِكْهُ الصَّائِدُ بَلْ هُوَ لُقَطَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَفْلَتَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ بَعِيدٌ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ * (فَرْعٌ) لَوْ صَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً مَثْقُوبَةً لَمْ تُمْلَكْ الدُّرَّةُ بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لَهُ مَعَ السَّمَكَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهَا كَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْبَغَوِيّ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الدُّرَّةُ لِلصَّائِدِ كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا * (فَصْلٌ) إذَا تَحَوَّلَ بَعْضُ حَمَامٍ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ رَدُّهُ فَإِنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا بِيضٌ أَوْ فَرْخٌ فَهُوَ تَبَعٌ لِلْأُنْثَى دُونَ الذَّكَرِ وَإِنْ ادَّعَى تَحَوُّلَ حَمَامِهِ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْوَرَعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ كَذِبَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُتَحَوِّلُ مُبَاحًا دَخَلَ بُرْجَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلى الثاني فعلى الخلاف السابق في دخو الصَّيْدِ مِلْكَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يملكه (والثانى) أن يملكه ومن دخل برج حَمَامٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ بِمِلْكِهِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَعَسِرَ التَّمْيِيزُ فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ وَاحِدَةٌ بِحَمَامَاتِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً حَتَّى تَبْقَى وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرِ بِثَمَرِهِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهَا حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِلْوَرِعِ أَنْ يَتَجَنَّبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ بِنَاءَهَا وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لواحد منهما التصرف في شئ مِنْهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِثَالِثٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ للآخر صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَتُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ بَاعَ الْحَمَامَ الْمُخْتَلِطَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِثَالِثٍ وَلَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَيْنَ مَالِهِ فان

كانت الاعداد معلومة كمأتين وَمِائَةٍ وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ وَوَزَّعَا الثَّمَنَ عَلَى أَعْدَادِهَا صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ جَهِلَا الْعَدَدَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعْتُكَ الْحَمَامَ الَّذِي فِي هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لو تصالحا على شئ صَحَّ الْبَيْعُ وَاحْتُمِلَ الْجَهْلُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ * وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ مُقَاسَمَتِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ الْمُسَامَحَةُ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ كَالْكَافِرِ إذَا أسلم على أكثر من أربعة نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اصْطِلَاحُهُنَّ عَلَى الْقِسْمَةِ بِالتَّسَاوِي وَبِالتَّفَاوُتِ مَعَ الْجَهْلِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ أَيْضًا بِحَسَبِ تَرَاضِيهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ بعت مالى مِنْ حَمَامِ هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا وَالْأَعْدَادُ مَجْهُولَةٌ يَصِحُّ أَيْضًا مَعَ الْجَهْلِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَنْفَصِلَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَمَامِ الْبُرْجِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَكُونُ أَصْلًا فِي الْبَعْضِ وَوَكِيلًا فِي الْبَعْضِ جَازَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ * (فَرْعٌ) لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ حَمَامَاتٌ بِحَمَامَاتٍ مُبَاحَةٍ مَحْصُورَةٍ لَمْ يَجُزْ الِاصْطِيَادُ مِنْهَا وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِ نَاحِيَةٍ جَازَ الِاصْطِيَادُ فِي النَّاحِيَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ مَا لَا يُحْصَرُ فِي الْعَادَةِ بِاخْتِلَاطِ مَا يَنْحَصِرُ بِهِ ولو اختلطت حَمَامُ أَبْرَاجٍ مَمْلُوكَةٍ لَا تَكَادُ تُحْصَرُ بِحَمَامِ بَلْدَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ فَفِي جَوَازِ الِاصْطِيَادِ مِنْهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَإِلَيْهِ مَال مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَمِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ ضَبْطِهِ الْعَدَدُ الْمَحْصُورُ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ وَقَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهِ * قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تَحْدِيدُ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالتَّقْرِيبِ قَالَ فَكُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَعْسَرُ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُمْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَالْأَلْفِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فِيهِ الْقَلْبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا انْصَبَّتْ حِنْطَتُهُ عَلَى حِنْطَةِ غَيْرِهِ أَوْ انْصَبَّ مَائِعُهُ فِي مَائِعِهِ وَجَهِلَا قَدْرَهُمَا فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَمَامِ الْمُخْتَلِطِ *

كتاب البيوع

(فَرْعٌ) وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ أَوْ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَوْ دُهْنٌ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقُهُ أَنْ يَفْصِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ فَيَصْرِفَهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهَا وَيَبْقَى الْبَاقِي لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَرَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إذَا اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ حِنْطَةٌ وَنَحْوُهَا لِجَمَاعَةٍ أَوْ غُصِبَ مِنْهُمْ وَخُلِطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَسَّمَ الْجَمِيعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ (وَأَمَّا) مَا يَقُولُهُ الْعَوَامُّ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ يُحَرِّمُهُ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم. * (كتاب البيوع) * قال المصنف رحمه الله * (البيع جائز والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنو لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) * (الشَّرْحُ) قَوْله تَعَالَى (إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ لَكُمْ أَكْلُهَا بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَكْلَ بِالنَّهْيِ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (الذين يأكلون الربا) وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ أَكْلًا أَوْ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى (بِالْبَاطِلِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (إلَّا بِحَقِّهَا) قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي الْبَاطِلُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ كَالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وقَوْله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً) فيها قراء تان الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَمَنْ رَفْعَ جَعَلَ كَانَ تَامَّةً إلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ وَمَنْ نَصَبَ قَالَ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ تِجَارَةً أَوْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَجْوَدُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَاوِي فَبَسَطَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ قَوْله تَعَالَى (أَمْوَالَكُمْ) فِيهِ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ مَالُ كُلِّ

إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ أَيْ لَا يَصْرِفُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مَالَ بعض كما قال تعالى (لا تقتلوا أنفسكم) (وَقَوْلُهُ) بِالْبَاطِلِ قِيلَ مَعْنَاهُ الصَّرْفُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَقِيلَ النَّهْبُ وَالْغَارَاتُ (وَالثَّالِثُ) التِّجَارَاتُ الْفَاسِدَةُ وَنَحْوُهَا وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْمَعَانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ تَفْسِيرَهَا مُسْتَوْفًى مَعَ اخْتِصَارٍ وَشَرَحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا عَامَّةٌ فَإِنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَيَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْأُمِّ هَذَا أَظْهَرُ مَعَانِي الْآيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّلِيلُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بُيُوعٍ كَانُوا يَعْتَادُونَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَنَاوَلَتْ إبَاحَةَ جَمِيعِ الْبُيُوعِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَخْصُوصَ قَالَ فَعَلَى هَذَا فِي الْعُمُومِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَإِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ (وَالثَّانِي) إنَّهُ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْعُمُومَ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ وَإِنْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيَانَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللَّفْظِ وَفِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللَّفْظِ أَوْ مُقْتَرِنٌ بِهِ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْعُمُومِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا صِحَّةُ بَيْعٍ مِنْ فَسَادِهِ إلَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي الْبِيَاعَاتَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ وَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ مَا يُمَيِّزُ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَاقْتَضَتْ كَوْنَهَا مُجْمَلَةً فَعَلَى هَذَا هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بِعَارِضٍ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ قوله تعالى (وأحل الله البيع) يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ مُتَفَاضِلًا وقَوْله تَعَالَى (وَحَرَّمَ الربا) يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ مُتَفَاضِلًا فَصَارَ آخِرُهَا مُعَارِضًا لِأَوَّلِهَا فَحَصَلَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِنَفْسِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا جَوَازُ كُلِّ بَيْعٍ مِنْ غَرَرٍ وَمَعْدُومٍ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بالنهي عن بيع الغرر وبيغ الْمُلَامَسَةِ وَغَيْرِهِمَا فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا بِغَيْرِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِجْمَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ (أحدهما)

أَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ دُونَ صِيغَةِ لَفْظِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ اسْمٌ لغوى لم يَرِدْ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ وَمَعْنَاهُ مَعْقُولٌ لَكِنْ لَمَّا قَامَ بِإِزَائِهِ مِنْ الشَّبَهِ مَا يُعَارِضُهُ بدافع الْعُمُومَانِ وَحْدَهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُرَادُ مِنْهُمَا إلَّا بِبَيَانِ الشَّبَهِ فَصَارَا مُجْمَلَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُشْكِلُ الْمَعْنَى * (وَالثَّانِي) أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ وَالْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَا وَقَعَ عليه الاسم وتبينا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللغة خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه فاللغة إلَى مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ شَرَائِطُ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ شَرَائِطَ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فِي اللُّغَةِ كَالْخُضُوعِ فكذلك البيع قال الماوردى وعلى الوجهين جميعا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْمُجْمَلِ حَيْثُ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا فَيَكُونُ عُمُومًا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَمُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ دُخُولِ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْعُمُومَ فِي اللَّفْظِ وَالْإِجْمَالَ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمَعْنَى مُجْمَلًا لَحِقَهُ التَّفْسِيرُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) والاجمال في قوله (وحرم الربا) (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كَانَ مُجْمَلًا فَلَمَّا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ عَامًّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ وَفِي الْعُمُومِ بَعْدَ الْبَيَانِ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا فِي الْبُيُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْقَوْلِ الثَّانِي (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) إنَّهَا تَنَاوَلَتْ بَيْعًا مَعْهُودًا وَنَزَلَتْ بَعْدَ أَنْ أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوعًا وَحَرَّمَ بُيُوعًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلُ وَعَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فَتَنَاوَلَتْ الْآيَةُ بَيْعًا مَعْهُودًا وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا لِلْعَهْدِ أَوْ للجنس ولا يكون الجنس هنا مراد الخروج بَعْضِهِ عَنْ التَّحْلِيلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَهْدُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِظَاهِرِهَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يُرْجَعُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا الْبُيُوعُ الصَّحِيحَةُ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمُومِ مِنْ

وَجْهَيْنِ (فَأَمَّا) الْوَجْهُ الْوَاحِدُ فَهُوَ أَنَّ بَيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبُيُوعِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا لِلَّفْظِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ * وَأَمَّا الْوَجْهَانِ (فَأَحَدُهُمَا) مَا سَبَقَ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيَانِ فِي الْمَعْهُودِ وَإِقْرَارِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ بِالْعُمُومِ (وَالثَّانِي) جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ دون الظاهر الْمَعْهُودِ * هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا نَحْوَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ فَهُوَ مِمَّا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا يَصِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْوَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ وَهِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وخيار الحلف بِأَنْ كَانَ شَرَطَهُ كَاتِبًا فَخَرَجَ غَيْرَ كَاتِبٍ والاقالة والتحالف وَتَلَفُ الْمَبِيعِ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ مُلْتَحِقٌ فِي الْمَعْنَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابن قتيبة وغيره يقال بعت الشئ بمعنى بعته وبمعنى شريته ويقال شريت الشئ بِمَعْنَى شَرَيْته وَبِعْتُهُ وَأَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعْتَهُ إذَا أَزَلْتَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْمُعَاوَضَةِ وَاشْتَرَيْتَهُ إذَا تَمَلَّكْته بِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ بِعْتُ بِمَعْنَى بِعْتُ مَا كُنْتُ مَلَكْتُهُ وَبِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيْتُ قَالَ وَكَذَلِكَ شَرَيْتُ بِالْمَعْنَيَيْنِ قَالَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَبِيعٌ وَبَائِعٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ وَيُقَالُ بِعْتُهُ أَبِيعُهُ فَهُوَ مَبِيعٌ وَمَبْيُوعٌ مخيط ومخيوط قال الخليل المحذوف مِنْ مَبِيعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْمَحْذُوفُ عَيْنُ الْكَلِمَةِ قَالَ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَقْيَسُ وَالِابْتِيَاعُ الِاشْتِرَاءُ وَبَايَعْتُهُ وَتَبَايَعْنَا وَاسْتَبَعْتُهُ سَأَلْتُهُ أَنْ يبيعني وأبعت الشئ عرضته للبيع وبيع الشئ - بكسر

الْبَاءِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَبُوعَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالْوَاوِ - لُغَةٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كِيلَ وَقِيلَ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَفِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا) الْمَدُّ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَصْرُ فَمَنْ مَدَّ كَتَبَهُ بِالْأَلِفِ وَإِلَّا فَبِالْيَاءِ وَجَمْعُهُ أَشْرِيَةٌ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ ويقال شريت الشئ أشريته شَرْيًا إذَا بِعْتُهُ وَإِذَا اشْتَرَيْتُهُ كَمَا سَبَقَ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ عَلَى اصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ وَمِنْ المشترك على اصطلاح الاصوليين قال اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) وقال تعالى (وشروه بثمن بخس) وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَفِي الشَّرْعِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ تَمْلِيكًا * (فَرْعٌ) أَرْكَانُ الْبَيْعِ ثَلَاثَةٌ العاقدان والصيغة والمعقود عليه وشروط الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ كان المبيع عبدا مسلما أو مصفحا وَعِصْمَتُهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ سِلَاحًا وَشُرُوطُ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَعْلُومًا ومقدورا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمَرْهُونُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْمُكَلَّفُ وَالْجَانِي إذَا مَنَعْنَا بَيْعَهُمَا وَالْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَهَذَا الْحَدُّ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْهُولُ وَالْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَالصَّوَابُ الْحَدُّ الاول وهذه الشروط ستأنى مُفَصَّلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا * (فَرْعٌ) سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ أَطْيَبَ الْمَكَاسِبِ التِّجَارَةُ أَمْ الزِّرَاعَةُ أَمْ الصَّنْعَةُ * (فَصْلٌ) فِي الْوَرَعِ فِي الْبَيْعِ وغيره واجتناب الشهبات * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ الله عظيم) وقال تعالى (ان ربك لبالمرصاد) وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ

طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَاكَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ - أَيْ تَرَدَّدَ فِيهِ * وَعَنْ وَابِصَةَ بن مصدر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا أَطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصدور وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتُوكَ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا * وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ تزوج امرأة لابي اهاب بن عرير فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَعْلَمُ أنك أرضعتيني ولا أخبرتيني فَرَكِبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إهَابٌ - بكسر الهمزة وعرير بفتح العين وبراء مُكَرَّرَةٍ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ اُتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ وَخُذْ مَا لَا تَشُكُّ فِيهِ * وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عُرْوَةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ (مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) وَحَسَّانُ هَذَا مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ * (فَصْلٌ) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ بِآخِرِ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ * (فَصْلٌ) فِي النَّهْيِ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ * عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الْحَلِفُ منفقة للسلعة ممحقة للربح: وفى رواية: للبروفى رِوَايَةٍ لِلْكَسْبِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (فَصْلٌ) عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أبى غررة بغين - معجمة ثم راء ثم راء مَفْتُوحَاتٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَقَالَ

يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ البيع فثوبوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * (فَصْلٌ) فِي التَّبْكِيرِ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ * عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) وَكَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * (فَصْلٌ) فِي اسْتِحْبَابِ السَّمَاحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْيِ وَالتَّقَاضِي وَالِاقْتِضَاءِ وَإِرْجَاحِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ * قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا الناس أشياءهم) وقال تعالى (ويل للمطففين) الْآيَةَ * وَعَنْ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ (قَالَ اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا فَوَزَنَ لِي وَأَرْجَحَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ (جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ العبدى برا مِنْ هَجَرَ فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَامَنَا بِسَرَاوِيلَ وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زِنْ وَأَرْجِحْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ * (فَصْلٌ) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وبينا بورك لها في بيعها وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إقام الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * (فَصْلٌ) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أصاب من شئ فَلْيَلْزَمْهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ * وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ فَجَهَّزْت إلَى الْعِرَاقِ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أُجَهِّزُ إلَى الشَّامِ فَجَهَّزْت إلى العراق فقالت لا تفعل مالك مَنْزِلٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا سَبَّبَ اللَّهُ لِأَحَدٍ رِزْقًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدَعْهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَهُ أَوْ يَتَنَكَّرَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ * (فَصْلٌ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تَكُونَنَّ إنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مَوْقُوفًا عَلَى سَلْمَانَ وَرَوَاهُ الزقانى فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الذَّمُّ لِمَنْ أَكْثَرَ مُلَازَمَةَ السُّوقِ وَصَرَفَ أَكْثَرَ الْأَوْقَاتِ إلَيْهَا وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ الْعِبَادَةِ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ لِثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْوَاقَ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاسواق) وَقَالَ تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَيْنُقَاعُ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَهُودِ - بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وَضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ السُّوقِ وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُصِيبَ فِيهَا يَمِينًا فَاجِرَةً أَوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ * (فَصْلٌ) سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التِّجَارَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَهَا فَيَتَعَلَّمَ شُرُوطَهَا وَصَحِيحَ الْعُقُودِ مِنْ فَاسِدِهَا وَسَائِرَ أَحْكَامِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَصْلٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ غَيْرِ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِلِاسْتِحْبَابِ بقوله تعالى (وأشهد وإذا تبايعتم) هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ والحسن وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ فَرْضٌ لَازِمٌ يُعْصَى بِتَرْكِهِ قَالَ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ ولم يكتب

قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يستجاب لهم دعوة رجل باع بنقد (1) قَالَ وَرَوَيْنَا نَحْوَ هَذَا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْمَرْعَشِيِّ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى (واشهد وإذا تبايعتم) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِشْهَادُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَحَمَلُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا ذكرناه والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (ويصح البيع من كل بالغ عاقل مختار فاما الصبى والمجنون فلا يصح بيعهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه تصرف في المال فلم يفوض إلى الصبى والمجنون كحفظ المال) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وعائشة رضي الله عنهما سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَوَّلِ كِتَابَيْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَوْلُهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ احْتِرَازٌ مِنْ اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ مميز ومن عباداته وحمله الهدية ومن وطئ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ امْرَأَتَيْهِمَا وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أموالهم) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُخْتَارٍ فَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا هُوَ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَصِيرًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا إسْلَامُ الْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَأَمَّا) السَّكْرَانُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ الَّتِي تَضُرُّهُ وَاَلَّتِي تنفعه (والثانى) لا يصح شئ مِنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ دُونَ إيهَابِهِ وَتَصِحُّ رِدَّتُهُ دُونَ إسْلَامِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا بِفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَسَائِرُ عُقُودِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ سواء

_ (1) بياض بالاصل

بَاعَ بِغَبْنٍ أَوْ بِغِبْطَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أو غيره وسواء بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَسَوَاءٌ بَيْعُ الاختبار وغيره وبيع الاختبار هو الذى يمتحن الْوَلِيُّ بِهِ لِيَسْتَبِينَ رُشْدَهُ عِنْدَ مُنَاهِزَةِ الِاحْتِلَامِ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْوَلِيِّ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الِاسْتِلَامَ وَتَدْبِيرَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْعَقْدِ أتى به الولى ولا خلاف في شئ مِمَّا ذَكَرْتُهُ عِنْدَنَا إلَّا فِي بَيْعِ الِاخْتِبَارِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَزِمَ مِنْهُ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصَّبِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عليه شئ وَقِيلَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ إسْقَاطُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْفُقَهَاءُ إذَا اشْتَرَى الصَّبِيُّ شَيْئًا وَسُلِّمَ إلَيْهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ مَالًا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُضَيِّعُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ قَبَضَهَا الْوَلِيُّ مِنْ الصَّبِيِّ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْوَلِيِّ وَلَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ إلَى الْبَائِعِ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهُ إلَى الْوَلِيِّ وَيَلْزَمُ الْوَلِيِّ طَلَبُهُ وَاسْتِرْدَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الصَّبِيُّ دِرْهَمًا إلَى صَرَّافٍ لِيَنْقُدَهُ أَوْ سَلَّمَ مَتَاعًا إلَى مُقَوِّمٍ لَيُقَوِّمَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّبِيِّ دخل في ضمان القابض ولم يجزله رَدُّهُ إلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَدَّهُ إلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ لِكَامِلٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَمَرَهُ وَلِيُّ الصَّبِيِّ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ إنْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ لَمْ يَسْقُطْ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَالِ الصَّبِيِّ فِي بَحْرٍ فَأَلْقَاهُ فَإِنَّهُ يلزمه ضمانه قطعا * (فرع) * لو تبايعا صَبِيَّانِ وَتَقَابَضَا وَأَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَبَضَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَى ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيَّيْنِ وَيَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيَّيْنِ الضَّمَانُ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُمَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيطًا وَتَضْيِيعًا بِخِلَافِ تَسْلِيمِ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ وَلَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ لَكِنْ فِي تَدْبِيرِهِ

وَوَصِيَّتِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُمَا أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ فَلَا أَثَرَ لاذن الولى كما لو اذن لمجنون أما إذَا فَتَحَ الصَّبِيُّ بَابًا وَأَخْبَرَ بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّارِ فِي الدُّخُولِ أَوْ أَوْصَلَ هَدِيَّةً وَأَخْبَرَ عَنْ إهْدَاءِ مُهْدِيهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ انْضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ جَازَ الدُّخُولُ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ نُظِرَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونِ الْقَوْلِ لَمْ يجر اعْتِمَادُ قَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْبَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ فِي الْعَادَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ حَدِيثًا فَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أحدها) لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَا قَبْلَ بُلُوغِهِ وَلَا بَعْدَهُ لِضَعْفِ ضَبْطِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ رِوَايَتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ كَمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَسَائِرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَاحْتُمِلَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَا تُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَاعْتِمَادِهِ عَلَى خَطِّهِ وَكَوْنِهَا لَا تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَامَحَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تُقْبَلُ قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَمِمَّا يَرُدُّ الْأَوَّلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى قَبُولِ رِوَايَاتِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرَوَوْهُ بَعْدَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ جَعْفَرٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ تَصَرُّفَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَوْ اتَّهَبَ لَهُ الْوَلِيُّ شَيْئًا وَقَبِلَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَلَوْ وُهِبَ لَأَجْنَبِيٍّ وَأَذِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ سَلِّمْ حَقِّي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ قَدْرَ حَقِّهِ إلَى

الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَكُونُ مَا سَلَّمَهُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ ضَاعَ عَلَى الدَّافِعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الدَّافِعَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَا يَزُولُ الدَّيْنُ عَنْ الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَا يَبْرَأُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُلْقِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَ إلَيْهِ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمَرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي إتْلَافِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لِصَبِيٍّ فَسَلَّمَهَا إلَى الصَّبِيِّ ضَمِنَ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لانه ليس للمودع تضعييها وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِيهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ * وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد واسحق يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجَازَ أحمد واسحق بيعه وشراءه في الشئ الْيَسِيرِ يَعْنِي بِلَا إذْنٍ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف * * قال المصنف رحمه الله * (فأما المكره فان كان بغير حق لم يصح بيعه لقوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فدل على أنه إذا لم يكن عن تراض لم يحل الاكل وروي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (انما البيع عن تراض) فدل على أنه لا بيع عن غير تراض ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر إذا أكره عليها المسلم وان كان بحق صح لانه قول حمل عليه بحق فصح ككلمة الاسلام إذا أكره عليها الحربى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لَأَلْقَيَنَّ اللَّهَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدًا مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئًا بِغَيْرِ

طِيبِ نَفْسِهِ إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ احْتَرَزَ بِالْقَوْلِ عَنْ الْفِعْلِ بِأَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا وَكَذَا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَنْ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِكْرَاهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُتَمَكِّنٌ فِي الْبَيْعِ فِي أَدَائِهِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ كَانَ إكْرَاهُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ صَحَّ وَصُورَةُ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا التَّصَرُّفَاتُ الْقَوْلِيَّةُ الَّتِي يُكْرَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ الرِّدَّةُ وَالْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ وَغَيْرُهَا (وَأَمَّا) مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالُوا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُمَا لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِحَقٍّ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّا شَرَطْنَا فِي الذِّمَّةِ أَنْ نُقِرَّهُ عَلَى دِينِهِ فَإِذَا أُكْرِهَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف هنا وآخرون (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كتاب الطلاق وفى كتاب الكفارات وحكاهما الْغَزَالِيُّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ حَكَاهُمَا فِي الْكَفَّارَاتِ قَوْلَيْنِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَصِيرُ إلَى صِحَّتِهِ مَعَ أَنَّ إكْرَاهَهُ غَيْرُ سَائِغٍ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا بِحَقٍّ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِي الذِّمِّيِّ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ مَمْنُوعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ تَحْتَ السَّيْفِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغُمُوضِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ نَازِلَتَانِ فِي الْإِعْرَابِ عَنْ الضَّمِيرِ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ

والظاهر ممن يقولها تَحْتَ السَّيْفِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَأَمَّا الْمَوْلَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِذَا طَلَّقَ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي لَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ لانه إكراه بحق أو لانه لَيْسَ بِحَقِيقَةِ إكْرَاهٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ بَلْ يَلْزَمُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَلَغَتْ الزيادة (وإن قلنا) ينعزل لم يقع شئ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفَاتِ عندنا الا في خمسة مواضع (احداها) الْإِسْلَامُ فَيَصِحُّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ الْمُكْرَهِ وَلَا يَصِحُّ إكْرَاهُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّانِي) الْإِرْضَاعُ فَإِذَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِالْقَصْدِ (الثَّالِثُ) الْقَتْلُ فإذا أكره عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعُ) الزِّنَا فَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ التَّرَدُّدُ فِي تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ (الْخَامِسُ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ وَقَعَ طَلَاقُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا يَقَعُ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا قَالَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ فَحَسْبُ وَإِلَى الْقَتْلِ عَلَى قَوْلٍ (وَأَمَّا) مَا عَدَاهُ فَسَبَبُهُ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَثْنِي هَذِهِ الْخَمْسَةَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ فَفِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سبقا في موضعهما الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي عَلَى الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَمِنْهَا) إذَا أُكْرِهَ الْمُصَلِّي حَتَّى فَعَلَ أَفْعَالًا كَثِيرَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الفريضة مع القدرة فصلى قاعد الزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ * (فَرْعٌ) الْمُصَادَرُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ بِطَلَبِ مَالٍ وَقَهْرِهِ عَلَى إحْضَارِهِ إذَا بَاعَ مَالَهُ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي يَنَالُهُ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسَائِلِ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ (أَحَدُهُمَا)

لَا يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ عَلَى نَفْسِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودُ الظَّالِمِ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بما ذكره المصنف وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذَا مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ * وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَشْيَاءَ لَا يُحْتَجُّ بِهَا (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (وَلا تنسوا الفضل بينكم) وشهد الاسرار وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَمَا يُمْنَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُطْعِمَ) وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّيْخَ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَكُلُّهَا غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يركبن رجلا بَحْرًا إلَّا غَازِيًا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَلَا يُشْتَرَى مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي ضَغْطَةٍ) . قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْعَقْدِ مِنْ طَرِيقِ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) أَنْ يُضْطَرَّ إلَى الْبَيْعِ لِدَيْنٍ أَوْ مُؤْنَةٍ تُرْهِقُهُ فَيَبِيعُ مَا فِي يَدِهِ فَالْوَكْسُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ فَسَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يُتْرَكَ حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَلَكِنْ يُعَانُ وَيُقْرَضُ وَيُسْتَمْهَلُ لَهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ بَلَاغٌ فَإِنْ عَقَدَ

الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ وَلَمْ يُفْسَخْ ولكن كرهه عامة أهل العلم. هذا الفظ الخطابى رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (ولا ينعقد البيع إلا بالايجاب والقبول فاما المعاطاة فلا ينعقد بها البيع لان اسم البيع لا يقع عليه والايجاب أن يقول بعتك أو ملكتك أو ما أشبههما والقبول أن يقول قبلت أو ابتعت أو ما أشبههما فان قال المشترى بعني فقال البائع بعتك انعقد البيع لان ذلك يتضمن الايجاب والقبول وان كتب رجل الي رجل ببيع سلعة ففيه وجهان (أحدهما) ينعقد البيع لانه موضع ضرورة (والثانى) لا ينعقد وهو الصحيح فانه قادر على النطق فلا ينعقد البيع بغيره وقول القائل الاول أنه موضع ضرورة لا يصح لانه يمكنه أن يوكل من يبيعه بالقول) * (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاطَاةُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْهَدْيِ إذَا قَلَّدَهُ صَاحِبُهُ فَهَلْ يَصِيرُ بِالتَّقْلِيدِ هَدْيًا مَنْذُورًا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا يَصِيرُ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَصِيرُ وَيُقَامُ الْفِعْلُ مَقَامَ الْقَوْلِ فَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَجْهًا فِي صِحَّةِ البيع بالمعاطاة * ثُمَّ إنَّ الْغَزَالِيَّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ نَقَلُوا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُعَاطَاةُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَوَّزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ دُونَ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَوَّزَهَا وَلَمْ يُقَيِّدْ الْإِمَامُ فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا قَيَّدَ فِي نَقْلِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِالتَّقْيِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ عَلَى الْغَزَالِيِّ كَوْنَهُ حَكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَجْوِيزَهَا فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَقَالَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْمُحَقَّرَاتِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْغَزَالِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ التَّخْصِيصُ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاخْتَارَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَ الْبَيْعِ بالمعاطاة فيما يعد بيعا وقال مالك كلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمِمَّنْ اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا يُعَدُّ بَيْعًا صَحِيحَةٌ وَأَنَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَانَ الرويانى

يُفْتِي بِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ لَفْظٌ لَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى العرف فكلما عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا كَانَ بَيْعًا كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَلَفْظَةُ الْبَيْعِ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْبَيْعِ من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي زَمَنِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ في شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا اشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَاَللَّهُ أعلم * وأحسن من هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَوْضَحَهَا الْمُتَوَلِّي فَقَالَ الْمُعَاطَاةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ بِأَنْ يَزِنَ النَّقْدَ وَيَأْخُذَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ لَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كُلُّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ وَعَدَّهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الْعَادَةُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْجَوَارِي وَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ لَا يَكُونُ بَيْعًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى * وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ المعاطاة بيع في المحقرات فاما النفيس فلابد فِيهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاللَّفْظِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ وَالنَّفَائِسِ وَوَجْهُ طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلَ وُرُودِ الشرع فورد ولم يغير حقيقته بَلْ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مَا كَانَ عَدُّوهُ بَيْعًا جَعَلْنَاهُ بَيْعًا كَمَا يُرْجَعُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ لَفْظُ التَّبَايُعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) صُورَةُ الْمُعَاطَاةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي مقابلته وَلَا يُوجَدُ لَفْظٌ أَوْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِذَا ظَهَرَ وَالْقَرِينَةُ وُجُودُ الرِّضَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَصَلَتْ الْمُعَاطَاةُ وَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ الْمُتَوَلِّي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ قَالَ الشيخ أبو عمر وبن الصَّلَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا وُجِدَ مِنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا فِي تَصْوِيرِهَا مِنْ ذِكْرِ لَفْظٍ كقوله خذ واعطى فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي قُرِنَ بِالْعَطِيَّةِ فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَفِي صِحَّتِهِ بِالْكِنَايَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ مَعَ قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو * فَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِبَيْعٍ بَلْ نَوَيَا أَخْذَهُ بِثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الناس

فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ وَلَا يُعَدُّ بَيْعًا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلْنَعْلَمْ هَذَا وَلْنَحْتَرِزْ مِنْهُ وَلَا نَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَأْخُذُ الْحَوَائِجَ مِنْ الْبَيَّاعِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ مُبَايَعَةٍ وَلَا مُعَاطَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الرُّجُوعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُحَقَّرِ وَالنَّفِيسِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدُّوهُ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَعَدُّوهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَإِلَّا فَلَا * هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُحَقَّرَ دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ يَتَجَاوَزُهُ إلَى مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ بَيْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ إنَّ الْمُعَاطَاةَ لَا يَصِحُّ بِهَا الْبَيْعُ فَفِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَجْمُوعَةً وَحَكَاهَا مُتَفَرِّقَةً آخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ منهما صاحبه بما دفعه إليه ان كان باقيا أو بدله إن كان تالفا ويجب على كُلَّ وَاحِدٍ رَدَّ مَا قَبَضَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ مِثْلَ الْقِيمَةِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ هَذَا مُسْتَحِقٌّ ظَفَرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ لَا مَحَالَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا مُطْلَقًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا إبَاحَةٌ لَازِمَةٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ فَأَوْرَدْتُ عَلَى جَوَابِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَاصِلُهُ تَضْعِيفُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا ضَعَّفَهُ بِهِ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ مَعَ الْآخَرِ مَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَاقِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ بَدَلَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ أَبَاحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ طَعَامَهُ وَأَكَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ لِلْآكِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَيَسْتَرِدَّ طَعَامَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يُسْتَرَدَّانِ فَإِنْ تَلِفَا فَلَا مُطَالَبَةَ لِأَحَدِهِمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الضَّمَانُ وَيُتَرَادُّ مِنْهُمَا بِالتَّرَاضِي السَّابِقِ وَهَذَا قَوْلُ الشيخ أبى حامد الاسفراينى وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ سَائِرَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ وُجِدَ الرِّضَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ إسْقَاطَ الْحُقُوقِ طَرِيقُهُ اللَّفْظُ كالعفو عن

الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ فَإِنْ أَقَمْنَا التَّرَاضِيَ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي الْإِسْقَاطِ وَجَبَ أَنْ نُقِيمَهُ مَقَامَهُ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بَيْنَ النَّاسِ فِيهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِوُجُودِ طِيبِ النَّفْسِ بِهَا وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا هَذَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِهِ الِانْتِصَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالثَّانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ بِهَا فِي الدَّارِ الآخرة وان كانت المطالبة ثابة فِي الدُّنْيَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَفِيهَا خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ إنْ صَحَّحْنَاهُ بالمعاطاة ولم نشترط فيهما لفظا فهما أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ شَرَطْنَا اللَّفْظَ فِي الْبَيْعِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الصَّدَاقِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِمَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ كالبيع و (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ * وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُحْمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخدها وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قِيلَ) كَانَ هَذَا إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً وَتَمْلِيكًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ إبَاحَةً مَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَدَايَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُشْعِرِ بِالرِّضَا دُونَ اللَّفْظِ وَيُقَالُ الْإِشْعَارُ بِالرِّضَا يَكُونُ لَفْظًا وَيَكُونُ فِعْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَطْنَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ بِاللَّفْظِ فَالْإِيجَابُ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُكَ هَذَا أَوْ مَلَّكْتُكَ

وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ وَفِي مَلَّكْتُكَ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْهِبَةِ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَالْقَبُولُ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَوْ ابْتَعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَوْ تَمَلَّكْتُ قَالَ الرافعى ويجئ فِي تَمَلَّكْتُ ذَلِكَ الْوَجْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ بِعْتُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَمَلَّكْتُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ مَلَّكْتُكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَقَالَ قبلت نكاحها أو قال أنكحتكها فَقَالَ قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالصَّرِيحِ وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالنِّكَاحِ وَبَيْعِ الْوَكِيلِ إذَا شَرَطَ الْمُوَكِّلُ الْإِشْهَادَ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ النِّيَّةَ (وَالثَّانِي) مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ وَهُوَ نَوْعَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَقْبَلُ مَقْصُودُهُ التَّعْلِيقَ بِالْغَرَرِ كَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ فَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ وَمَقْصُودَ الْخُلْعِ الطَّلَاقُ وَهُمَا يَصِحَّانِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ (وَالثَّانِي) مَا لَا يَقْبَلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وغيرها وفي انقعاد هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الِانْعِقَادُ كَالْخُلْعِ وَلِحُصُولِ التَّرَاضِي مَعَ جَرَيَانِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ بَيْعِهِ جَمَلَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِيهِ (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِي جَمَلَكَ فَقُلْتُ إنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثَالُ الْكِنَايَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ خُذْهُ مِنِّي بِأَلْفٍ أَوْ تَسَلَّمْهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَدْخَلْتُهُ فِي مِلْكِي بِأَلْفٍ أَوْ جَعَلْتُهُ لَكَ أَوْ هُوَ لَكَ بِأَلْفٍ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ بكناية بلا خلاف لانه صريح في الاباحة فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ سَلَّطْتُكَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَفِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَجْهَانِ كَقَوْلِهِ أَبَحْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي

الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ أَبَحْتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي هَذَا الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ فِيمَا إذَا عُدِمَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ وَأَفَادَتْ التَّفَاهُمَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِشْهَادِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ عِنْدَ تَوَفُّرِ الْقَرَائِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِعْنِي فَقَالَ قَدْ بَاعَكَ اللَّهُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَكَ اللَّهُ ابْنَتِي أَوْ قَالَ فِي الْإِقَالَةِ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ أو قد رده الله عليك فَهَذَا كُلُّهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ فَإِنْ نَوَاهُمَا صَحَّا وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا نَوَاهُمَا كَانَ التَّقْدِيرُ قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ لِأَنِّي أَقَلْتُكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَتَبَ إلَى غَائِبٍ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَلْ يَقَعُ بِالْكَتْبِ مَعَ النِّيَّةِ وَفِيهِ خِلَافٌ الاصح صِحَّتُهُ وَوُقُوعُهُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ فَهَذِهِ الْعُقُودُ أَوْلَى أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ الْوَجْهَانِ فِي انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ ونحوه بالمكاتبة لحصول التراضي لاسيما وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَرْجِيحِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَشَرْطُهُ أَنْ يَقْبَلَ المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب هذا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَلْ يَكْفِي التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الكتابين أما إذا تبايعا حَاضِرَانِ بِالْكِتَابَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ مَنَعْنَاهُ فِي الغيبة فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَإِذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ جَازَ الْقَبُولُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْكَتْبِ عَلَى الْقِرْطَاسِ والرق اللوح وَالْأَرْضِ وَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَاحِدٌ وَلَا أَثَرَ لِرَسْمِ الْأَحْرُفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُكَاتَبَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُ دَارِي لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّ النُّطْقَ أَقْوَى مِنْ الْكَتْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا النِّكَاحُ فَفِي انْعِقَادِهِ بِالْمُكَاتَبَةِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ إمَامُ

الحرمين والبغوى وآخرون قَالُوا إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ نَوَيْنَا كَانَتْ شَهَادَةٌ عَلَى إقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ وَمَنْ جَوَّزَهُ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلْيَكْتُبْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْضِرَهُمَا وَلَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا اشْهَدَا بَلْ لَوْ حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا كَفَى فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ الزَّوْجَ فَلْيَقْبَلْ لَفْظًا وَيَكْتُبُ الْقَبُولَ وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ شَاهِدٌ لَهُ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ حَضَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَاهِدَانِ وَيُحْتَمَلُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا اُحْتُمِلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِي فَإِنْ قُلْنَا الْوَكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ فَقَبِلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ثَبَتَ له خيار المجلس مادام فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ قَالَ وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) لَوْ قَالَ الطَّالِبُ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُكَ إنْ قَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَهُ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلًا بِعْنِي فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَنَصَّ مِثْلَهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَقِيلَ قَوْلَانِ فِيهِمَا بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ بِالْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَذْفِ الهمزة

بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ وَمُرَاوَدَةٍ فَلَا يُرَادُ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ قَطْعًا أَمَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَتَبِيعُنِي عَبْدَكَ بِكَذَا أَوْ قَالَ بِعْتَنِي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْتُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَتَشْتَرِي دَارِي أَوْ أَشْتَرَيْتَ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْتُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَهُ بِعْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ سَوَاءٌ تَفَرَّقَا مِنْ المجلس أم لَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ ويضر الطويل وهو ما أشعر بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ * وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَالْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا وُجِدَ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ مِنْ أَحَدِهِمَا اُشْتُرِطَ إصْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَاشْتُرِطَ أَيْضًا بَقَاؤُهُمَا عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَقْدِ فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ وُجُودِ الشِّقِّ الْآخَرِ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَطَلَ الايجاب فلو قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ إذْنُهَا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ إذْنُهَا وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْعَقْدُ فَلَوْ كَانَ وَارِثُهُ حَاضِرًا فَقَبِلَ أَوْ جُنَّ فَقَبِلَ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْوَارِثِ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَسَنُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْتِقَالِ خِيَارِ الشَّرْطِ وخيار المجلس إلى الوراث فِي مَسَائِلِ الْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الْقَبُولِ الْإِيجَابَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ فَقَالَ قَبِلْتُ

بِأَلْفٍ قِرَاضَةٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ حَالٍّ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ نِصْفَهُ بخمسائة لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَبُولًا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قبلت نصفه بخمسائة ونصفه بخمسائة قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا غَرِيبٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالظَّاهِرُ هُنَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ السِّمْسَارُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا لِلْبَائِعِ بِعْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ بِعْتُ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتَ بِكَذَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرافعي (أصحهما) عند الرافعى وغيره الانقعاد لِوُجُودِ الصِّيغَةِ وَالتَّرَاضِي (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ تَخَاطُبِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي * (فَرْعٌ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ فَقَطْ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِلْإِبْضَاعِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَإِنَّ الْقَبُولَ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَمْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) يَفْتَقِرُ فَيَقُولُ بِعْتُ مَالَ وَلَدِي بِكَذَا وَاشْتَرَيْتُهُ لَهُ أَوْ قَبِلْتُهُ لَهُ لِتَنْتَظِمَ صُورَةِ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) يكفى أحدهما لانه لَمَّا قَامَ الْوَالِدُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَقَامَ اثْنَيْنِ قَامَ لَفْظُهُ مَقَامَ لَفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَخْرَسِ وَشِرَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَبِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ بِهِمَا جَمِيعُ عُقُودِهِ وَفُسُوخِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالظِّهَارِ وَالرَّجْعَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا بَلْ قَالُوا إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ فِيهِمَا خِلَافٌ وَهُمَا شَهَادَتُهُ وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِكَلَامٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ بَاعَ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَاعَ فِيهَا بِالْكَلَامِ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ تَقْدِيمُ الْمُسَاوَمَةِ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ بَلْ لَوْ لَقِيَ رَجُلًا فِي طَرِيقِهِ فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ وَلَا سَابِقَةٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ صِيغَتَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ فِيمَا لَيْسَ بِضِمْنِيٍّ مِنْ الْبُيُوعِ فَأَمَّا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّيَغُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الِالْتِمَاسُ وَالْإِعْتَاقُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ وسائر اللغات سواء احسن العربية أم لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِأَنَّ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَلِهَذَا اُخْتُصَّ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ فَأَشْبَهَ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ فِي حَالِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فَقَالَ الْمُخَاطَبُ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلْقَابِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا وَالثَّانِي يَكُونُ هِبَةً

وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَبَضَهُ الْقَابِلُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ فِي المقبوض بها وجهين (احدهما) انه مضمون (واصحهما) لَا وَالصَّحِيحُ هُنَا الضَّمَانُ قَطْعًا * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا بِأَلْفٍ أَوْ هَذَا لَكَ هِبَةٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ هَلْ يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِظَوَاهِرِهَا أَمْ بِمَعَانِيهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الِاعْتِبَارُ بِظَوَاهِرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ الْمَعَانِي وَتَفْهِيمِ الْمُرَادِ مِنْهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا فَلَا تُتْرَكُ ظَوَاهِرُهَا وَلِهَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ بِهِ الظِّهَارَ أَوْ عَكْسَهُ تَعَلَّقَ بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَنْوِيِّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ لَا يُعْدَلَ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ لُغَةً عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ فَكَذَا أَلْفَاظُ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ تَفْسُدُ بِاقْتِرَانِ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَفَسَادُهَا بِتَغَيُّرِ مُقْتَضَاهَا أَوْلَى (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعَانِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَصْلُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ حَمَلْنَاهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا هُنَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَاهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعَقْدِ إذ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ أَحَدُهَا غَالِبٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ إذَا قَالَ وَهَبْتُهُ لَكَ بِأَلْفٍ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعًا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَسَدَ الْعَقْدُ فَإِذَا حَصَّلَ الْمَالَ فِي يَدِهِ كَانَ مَقْبُوضًا بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ هِبَةً وَإِلَّا فَبَيْعٌ فَاسِدٌ (وَمِنْهَا) لَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ هَذَا الدِّينَارَ أَوْ دِينَارًا فِي هَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى انْعَقَدَ بَيْعُ عَيْنٍ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَمٌ فَاسِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ بَائِعٍ وَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَلْيَقُلْ الْبَائِعُ لَهُ بِعْتُكَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ وَيَنْوِي مُوَكِّلَهُ فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ مُوَكِّلَك فُلَانًا فَقَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَعَاقُدٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ

الْوَلِيَّ يَقُولُ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلَانًا يَعْنِي الزَّوْجَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ قَبِلْتُ وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي لَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ قَالَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ جَرَى النِّكَاحُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ فُلَانًا فَقَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ صَحَّ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الزَّوْجَيْنِ كَالثَّمَنِ كالثمن والمثمن ولابد مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ النِّكَاحَ لِزَيْدٍ بِوَكَالَتِهِ فَأَنْكَرَهَا زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى لِزَيْدٍ بِوَكَالَةٍ فَأَنْكَرَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه زَيْدًا فَزَوَّجَهَا وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ صَحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ وَكِيلُ زَيْدٍ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يقبل نقل الْمِلْكَ وَالْبَيْعَ يَقْبَلُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ وَكِيلُ النِّكَاحِ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْ مُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ زَوِّجْنِي لِمُوَكِّلِي وَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ بِعْنِي لِمُوَكِّلِي وَلَا يَقُولُ بع موكله والله أعلم * قال أصحابنا وفى الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ وَكِيلِ الْمُتَّهَبِ أَنْ يسمى موكلي فِي الْقَبُولِ فَيَقُولَ قَبِلْتُ لِفُلَانٍ أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَقَعَ لِلْمُخَاطِبِ لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ مَعَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَكِّل بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَقْصِدُ بِتَبَرُّعِهِ الْمُخَاطَبَ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُسْمَحُ عَلَيْهِ بِالتَّبَرُّعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَشِرَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الطلاق يقبل الاعزار قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَسْأَلَةِ السر والعلانية في الصداق وهى إذا تواطئا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ ثُمَّ عَقَدَاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلَانِ هَلْ الْمَهْرُ مَهْرُ السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالسِّرِّ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعُ الْهَازِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بيعا والا فينقعد عملا باللفط وَلَا مُبَالَاةَ بِالْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ هُمَا قَوْلَانِ قَالَ وَقِيلَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم *

قال المصنف رحمه الله * (وإذا انعقد البيع ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا أو يتخايرا لما روى ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع كلامه لما روى نافع (ان ابن عمر رضى الله عنه كان إذا اشترى شيئا مشى أذرعا ليجب البيع ثم يرجع) ولان التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وذلك يحصل بما ذكرناه وان لم يتفرقا ولكن جعل بينهما حاجز من ستر أو غيره لم يسقط الخيار لان ذلك لا يسمى تفرقا * وأما التخاير فهو أن يقول أحدهما للآخر اختر امضاء البيع أو فسخه فيقول الآخر اخترت امضاءه أو فسخه فينقطع الخيار لقوله عليه السلام (أو يقول أحدهما للآخر اختر) فان خير أحدهما صاحبه فسكت لم ينقطع خيار المسؤول وهل ينقطع خيار السائل فية وجهان (أحدهما) لا ينقطع خياره كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت فان خيار الزوج في طلاقها لا يسقط (والثانى) أنه ينقطع لقوله عليه السلام أو يقول أحدهما للآخر اختر) فدل على أنه إذا قال يسقط خياره ويخالف تخيير المرأة فان المرأة لم تكن مالكة للخيار وإذا خيرها فقد ملكها ما لم تكن تملكه فإذا سكتت بقى على حقه وههنا المشترى يملك الفسخ فلا يفيد تخييره اسقاط حقه من الخيار فان أكرها على التفرق ففيه وجهان (أحدهما) يبطل الخيار لانه كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى باسقاط الخيار (والثانى) أنه لا يبطل لانه لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار * فان باعه على أن لا خيار له ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يصح لان الخيار جعل رفقا بهما فجاز لهما تركه ولان الخيار غرر فجاز اسقاطه وقال أبو إسحق لا يصح وهو الصحيح لانه خيار يثبت بعد تمام البيع فلم يجز اسقاطه قبل تمامه كخيار الشفيع (فان قلنا) بهذا فهل بطل العقد بهذا الشرط فيه وجهان (أحدهما) لا يبطل لان هذا الشرط لا يؤدى إلى الجهل بالعوض والمعوض (والثانى) يبطل لانه يسقط موجب العقد فأبطله كما لو شرط أن لا يسلم المبيع) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَذْرُعًا فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ له * وقوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ يَقُولَ) هَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المهذب أو يقول وهو منصوب اللام وأوهنا ناصبة بتقدير الا ان يقول أو إلى أن يقول ولو كان معطوفا على مالكان مَجْزُومًا وَلَقَالَ أَوْ لِيَقُلْ (وَقَوْلُهُ) لِيَجِبَ الْبَيْعُ معناه ليلزم (قوله) وههنا الْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الْفَسْخَ كَانَ الْأَجْوَدَ لِلْقَابِلِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَابِلَ قَدْ يَكُونُ الْبَائِعِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ قَالَ الْقَلَعِيُّ قِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا احْتِرَازَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخِيَارُ ضَرْبَانِ خِيَارُ نَقْصٍ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ شئ مَظْنُونِ الْحُصُولِ وَخِيَارُ شَهْوَةٍ وَهُوَ مَا لَا يتعلق بفوات شئ فَالْأَوَّلُ لَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بَابَ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ سَبَبَانِ الْمَجْلِسُ وَالشَّرْطُ فَيُقَالُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَثْبَتْنَا فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَتَصِيرُ الْأَسْبَابُ ثَلَاثَةً * ثُمَّ فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مِنْ الْعُقُودِ وَقَدْ جَمَعَهَا أَصْحَابُنَا هُنَا وَأَعَادُوهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِهَا فِي أَبْوَابِهَا مُفَرَّقَةً وَالْمُخْتَارُ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ فَنَسْلُكُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعُقُودُ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إمَّا مِنْ الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين والقراض وَالْجَعَالَةِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالضَّمَانِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ مَتَى شَاءَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْكِتَابَةِ وَالضَّمَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِمَّنْ حَكَاهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَتَطَرَّقُ الْفَسْخُ بِسَبَبٍ آخَرَ إلَى الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيُمْكِنُ فَسْخُ الرَّهْنِ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فَيُفْسَخَ الرَّهْنُ تَبَعًا (الضرب الثَّانِي) الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْأَوَّلُ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا كُلِّهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَيُسْتَثْنَى منها

صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وجهان (أصحهما) ثُبُوتُهُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْوَلَدِ وَخِيَارٌ لِلْأَبِ وَيَكُونُ الْأَبُ نَائِبَ الْوَلَدِ فَإِنْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ لَزِمَ وَإِنْ أَلْزَمَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ فَإِذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْإِلْزَامِ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ نَفْسَهُ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْوَجْهَ الاول قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ وَالثَّانِي قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ فَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إلَّا بِأَنْ يَخْتَارَ الْأَبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ثبت الخيار للولد إذا ابلع وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ صِرْفًا فَفَارَقَ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا يَبْطُلُ عَلَى الثَّانِي إلَّا بِالتَّخَايُرِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يُبْنَى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ فَلَهُمَا الْخِيَارُ وَلَا يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَلَهُمَا الْخِيَارُ فَإِذَا أَمْضَيَا الْعَقْدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَفِي عِتْقِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَنُ الْخِيَارِ ثُمَّ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ (وَالثَّانِي) يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ حِينَ الشَّرْيِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَأَنْ لَا يُعْتِقَ الْعَبْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا إلَّا بِأَصْلِ الْعَقْدِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ * وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ يَثْبُتُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتِيَارُهُمَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْأَعْطِيَةِ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَالَ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) قَالَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَأَعْتَقَهُ صَحَّ قَالَ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي صَحَّ الْعَقْدُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ حُرًّا (الثَّالِثَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ

أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَائِزٌ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَوْ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِيهَا طَرِيقَيْنِ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ صِحَّتُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن العبادي والقاضى حسين ومالا إلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِتَرْجِيحِ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ فَأَشْبَهَ الْكِتَابَةَ (الرَّابِعَةُ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي شَرْيِ الْجَمْدِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (وَالْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ (الْخَامِسَةُ) إنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهَذَا الْمَبِيعُ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ (السَّادِسَةُ) إنْ بَاعَ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَحَدُهَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً * هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ وَاَللَّهُ أعلم * ولا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَلَا فِي الْإِبْرَاءِ وَلَا فِي الْإِقَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ (وَإِنْ قُلْنَا) هِيَ بَيْعٌ فَفِيهَا الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً (وَإِنْ قُلْنَا) مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي ثُبُوتِهِ لِلشَّفِيعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْفَارِقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الراجح في الدليل أيضا فان أثبتناه فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مادام فِي الْمَجْلِسِ مَعَ تَفْرِيعِنَا عَلَى قَوْلِنَا الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ له الخيار في نقض الملك ورده مادام فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهِيَ حَقِيقَةُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) مَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يثبت له الخيار مادام فِي الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا خِيَارَ فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَفَسْخِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا فِي الْهِبَةِ إنْ لَمْ يكن ثَوَابٌ فَإِنْ كَانَ ثَوَابٌ مَشْرُوطٌ أَوْ قُلْنَا نَقِيصَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا وَالْحَدِيثُ وَرَدَّ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ (قَالَ) الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ

أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا خِيَارَ قَطْعًا (وَأَمَّا) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ وَإِلَّا فَإِنْ جَرَتْ بِالْإِجْبَارِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ جَرَتْ بِالتَّرَاضِي (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا إقْرَارٌ فَلَا خِيَارَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَتْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمُجْبَرِ وَفِي الطَّالِبِ وَجْهَانِ كَالشَّفِيعِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَمِنْهُ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِيَارَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ فَفُسِخَتْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْفُرْقَةُ بِحَالٍ * وَمِنْهُ الْإِجَارَةُ وَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ - بِالْخَاءِ - يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ الْخِلَافُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (أَمَّا) الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا قَطْعًا كَالسَّلَمِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُؤَجِّرُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (قَالَ) الْإِمَامُ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِي الْقِيَاسِ (وَأَصَحُّهُمَا) أنه يحسب من وقت العقد فعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخياران كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهِيَ محسوبة على المؤجر وان كَانَ بَعْدَهُ (فَوَجْهَانِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الخيار على ضمان من يكون وفيه وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْأُجْرَةِ (وَالثَّانِي) مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا تُحْسَبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَيَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْمُدَّةَ * (وَأَمَّا) الْمُسَاقَاةُ فَفِي ثُبُوتِ خِيَارِ المجلس فيها طريقان أصحهما في الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْإِجَارَةِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ لِعِظَمِ الْغَرَرِ فِيهَا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ الخيار * (وأما المسابقة) فَكَالْإِجَارَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا لَازِمَةٌ وَكَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ تَبَايَعَا بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا

وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَقْوَالًا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْقَدِيمِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ (وَالثَّالِثُ) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَطَرَدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ وَهَذَا الْخِلَافُ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَا إذَا قَالَ لعبده ان بعتك فانت حرثم بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لَمْ يَعْتِقْ (وَإِنْ قُلْنَا) صَحِيحٌ وَالْخِيَارُ ثَابِتٌ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَا يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ * قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ عَقْدٍ ثَبَتَ فِيهِ هَذَا الْخِيَارُ حَصَلَ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ فِيهِ بِالتَّخَايُرِ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ (أَمَّا) التَّخَايُرُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَا تَخَايَرْنَا أَوْ اخترنا امضاء العقد أو أمضيناه أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اخْتَرْتُ إمْضَاءَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْآخَرِ خِيَارٌ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ ثُبُوتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ القاضى حسين وإمام الحرمين أنه لا يبط خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَا صَاحِبِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الْخِيَارِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِمَا أَوْ يَسْقُطَ فِي حَقِّهِمَا ولا يمكن حَقُّ السَّاكِتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّ القائل أيضا وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) سُقُوطُ خِيَارِ الْقَائِلِ فَقَطْ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَبْقَى خِيَارُهُمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُك فَقَالَ الْآخَرُ اخْتَرْتُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَكَتَ الْآخَرُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ السَّاكِتِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي خِيَارِ الْقَائِلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْقُطُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اخْتَارَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ حُكِمَ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الخيار ولو قالا أبطلنا أَوْ قَالَا أَفْسَدْنَا (فَوَجْهَانِ) حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ (أَحَدُهُمَا) لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ يُشْعِرُ بِمُنَاقَضَةِ الصِّحَّةِ وَمُنَافَاةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَصَرُّفٌ

فِي الْخِيَارِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَالَ) الْإِمَامُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَكِنْ رَمَزَ إلَيْهِ شَيْخِي وَذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ (أَمَّا) إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَبَايَعَا الْعِوَضَيْنِ بَيْعًا ثَانِيًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ رِضَاءٌ بِلُزُومِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ يُمْنَعُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُمْنَعُ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فُسِخَ وَالصَّوَابُ * الْأَوَّلُ وَلَوْ تَقَابَضَا فِي الصَّرْفِ ثُمَّ أَجَازَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْعَقْدُ فَإِنْ اخْتَارَاهُ قبل التقابض فوجهان (أحدهما) تلغو الاجارة فَيَبْقَى الْخِيَارُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ هُوَ وَحْدَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّخَايُرَ كَالتَّفَرُّقِ وَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الرِّبَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا التَّفَرُّقُ فَهُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَلَوْ أَقَامَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أو قاما وتماشيا مَرَاحِلَ فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَعَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَأَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ فَطَالَ الْفَصْلُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرُّجُوعُ فِي التَّفَرُّقِ إلَى الْعَادَةِ فَمَا عَدَّهُ الناس تفرقا فهو تفرق ملتزم للعقد ومالا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ بِيعَةٍ فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَحَّحَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى الْإِصْطَخْرِيِّ * وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عن

ابن عمر وهو صحيح عن ابن عمر كَمَا سَبَقَ وَدَلَالَتُهُ لِلْجُمْهُورِ ظَاهِرَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَكِنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ سِتْرٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ شُقَّ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ كَمَا لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعُ بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ سِتْرٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَادَّعَى أَنَّهُ يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ غيره لم يحصل التفرق لانهما لم يفترقا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ غَمَّضَا أَعْيُنَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ وَقَالَ وَالِدِي إنْ جُعِلَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا بِأَمْرِهِمَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ قَالَ وَقِيلَ إنْ أُرْخِيَ سِتْرٌ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ بُنِيَ حائط حصل وليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَنَادَيَا وَهُمَا مُتَبَاعِدَانِ وَتَبَايَعَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْخِيَارُ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا خِيَارَ لَهُمَا لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يقال يثبت ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ماداما فِي مَوْضِعِهِمَا فَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ عُدَّ تَفَرُّقًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ فِي الْجُمْلَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَهُ وَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ خِيَارُهُمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَانَا مُتَبَاعِدَيْنِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ سَاحَةٍ أَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ أَوْ فِي صَحْنٍ وَصُفَّةٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أُكْرِهَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَحُمِلَ مُكْرَهًا حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ أَوْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ بِأَنْ سُدَّ فَمُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ

أَبُو حَامِدٍ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الاصحاب وقيل في انقطاعه وجهان قاله الفقال وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ قَالُوا وَهُنَا أَوْلَى بِبَقَائِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ حَقِّهِ قهرا بعيد ما إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْفَسْخِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَحَكَاهُ جَمَاعَاتٌ (وَالثَّانِي) هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فيه وجهان ذكر المصنف دليلهما (أحدهما) ينقطع قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ أَثَرَ ذَلِكَ الْمَشْيِ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ * فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ مُنِعَ مِنْ الْفَسْخِ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ انْقَطَعَ أَيْضًا خِيَارُ الْمَاكِثِ فِي الْمَجْلِسِ لِحُصُولِ التَّفَرُّقِ وإلا فله التصرف بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ إذَا تَمَكَّنَ وَهَلْ خِيَارُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ التَّمَكُّنِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا مَاتَ وَقُلْنَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَارِثِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَيَّدُ بالفور وكان مستقراحين زَايَلَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ امْتَدَّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا فَإِذَا فَارَقَ فِي مُرُورِهِ مَكَانَ التَّمَكُّنِ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ إنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ انْقَطَعَ حِسًّا فَلَا مَعْنَى لِلْعَوْدِ إلَيْهِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ قَالَ فَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَفِي تَكْلِيفِهِ الرُّجُوعَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ أعلم * و (إذا قُلْنَا) لَا يُبْطِلُ خِيَارُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُفَارَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْمَاكِثِ أَيْضًا إنْ مُنِعَ الْخُرُوجَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْنَعْ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ مَنْ حُمِلَ مُكْرَهًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ و (قال) الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا حمل مكرها فان أكرها حَتَّى تَفَرَّقَا بِأَنْفُسِهِمَا فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ كحنث الناسي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ هَرَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مِمَّنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) البغوي

والرافعي إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بَطَلَ خِيَارُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَطَلَ خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الْآخَرِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ إذَا مَشَى عَلَى الْعَادَةِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ والله أَعْلَمُ * فَلَوْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ الْآخَرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يدوم الخيار ماداما مُتَقَارِبَيْنِ فَإِنْ تَبَاعَدَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فُرْقَةً بَطَلَ اختيارهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَاءَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَنَلْزَمُهُ وَقَالَ الثَّانِي لَمْ نَتَفَرَّقْ وَأَرَادَ الْفَسْخَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفَرُّقِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّفَرُّقِ وَقَالَ الآخر فَسَخْتُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (فَوَجْهَانِ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَاقُونَ (وَالثَّانِي) قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَصَرُّفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ * وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ وَلَوْ أَرَادَ الفسخ فقال الآخر أنت اخترت قَبْلَ هَذَا فَأَنْكَرَ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا فَسَخْتُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْآخَرُ بَعْدَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ رَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ (وَالثَّانِي) الْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) السَّابِقُ بالدعوي (والرابع) يقبل قول من يدع الْفَسْخَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَسَخَ فِيهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ فِي وَقْتِ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ مَنْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ وَالنَّاظِرِ فِي أَمْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَإِنْ خَرِسَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِلَّا نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ يَعْمَلُ مَا فِيهِ حَظُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(أَمَّا) إذَا نَامَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسَمَّى تَفَرُّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَاقِدِ فَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ خِيَارُهُ إلَى سَيِّدِهِ (الْأَصَحُّ) الِانْتِقَالُ قَالَ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا أَنَّهُ حَصَلَ لِلسَّيِّدِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ خِلَافٌ آخَرُ سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَلَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ فَسْخُهُ وَأَجْبَرْنَاهُ عَلَى بَيْعِهِ ثَانِيًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْفَسْخُ وَهَكَذَا أَبَدًا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ * مَذْهَبُنَا ثُبُوتُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَسَعِيدِ ابن المسيب وطاووس وعطاء وسريج والحسن البصري والشعبى والزهرى والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة وابن المبارك وعلي ان المدايني وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الايجاب والقبول وحكي هذا عن سريج وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فَظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ بيعه في المجلس قبل التفرق وعن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وغيره

بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لا يملك الفسخ الا من مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ * وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّ مُدَّةَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ لَوْ شَرَطَا خِيَارًا مَجْهُولًا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تبايعا الْمُتَبَايِعَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا تَبَايَعَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا اشترى الشئ يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّ بيعين لابيع بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا محقت بركت بيعهما) رواه البخاري ومسلم وعن أبى الوضئ - بكسر الضاد المعجمة وبالهمز - واسمه عباد ابن نُسَيْبٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ قَالَ (غَزَوْنَا غَزْوَةً فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلَامٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ فَقَامَ إلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ وَنَدِمَ وَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إليه فقال بينى وبينك أبوبرزة صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالُوا لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خير

أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا فَلَمَّا بَايَعَهُ قَالَ اخْتَرْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا الْبَيْعُ) رَوَاهُ أَبُو داود الطيالسي والبيهقي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ رواية أبى هريرة وجابر وسمرة وعمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ عَنْ ابن عمر قال (بعث أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ تخيير فَلَمَّا تَبَايَعَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ من بينه خشية أن يرد فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَمَّا وَجَبَ بيعي وبيعه رأيت انى قد غبنته فأتى سعيه إلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَاقَنِي إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الْحَدِيثُ (فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَثْبَتُ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عن على بن المدائني عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ فَحَدَّثُوا بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ أَبُو حنيفة ليس هذا بشئ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ قَالَ ابْنُ المدائني إنَّ اللَّهَ سَائِلُهُ عَمَّا قَالَ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ اعْتَرَضَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهَا بَلَغَتْهُمَا (فَأَمَّا) مَالِكٌ فَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَأَمَّا) أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ فَقَالَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَة لَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَرَكَهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالِاعْتِرَاضَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ لِمُنَابَذَتِهِمَا السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ فَنَحْنُ نقول به فان خيارهما يدوم ماداما مجتمعين في السفينة ولو بقياسنة وَأَكْثَرَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُبَيَّنَةً وَدَلِيلُهَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُ وَحْدَهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ السُّنَنِ لِتَرْكِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلَ بِهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ وَرُوَاةَ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُونُوا فِي عَصْرِهِ وَلَا فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَهُ مُنْحَصِرِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْحِجَازِ بَلْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ قِطْعَةٌ مِنْ

الْأَخْبَارِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَنَقَلَهَا وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَبُولُهَا وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُتَصَوَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ غَنِيَّةٌ عَنْ الْإِطَالَةِ فِيهَا هُنَا هَذَا كُلُّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُمْ مُتَّفِقِينَ فَهَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مالك قد أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَغْلَظَ فِي الْقَوْلِ بِعِبَارَاتٍ مَشْهُورَةٍ حَتَّى قَالَ يُسْتَتَابُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى اتِّفَاقِهِمْ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيار أراد ماداما فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ حقيقة وإنما يقال كانا مبتايعين (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ * (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشافعي رحمه الله وهو أنهما ماداما فِي الْمُقَاوَلَةِ يُسَمَّيَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ وَكَانَ مُسَاوِمًا وَتَقَاوَلَا فِي الْمُسَاوَمَةِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْقِدَا لَمْ يَحْنَثْ بِالِاتِّفَاقِ (والثانى) أن المتبايعان اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ مَعْنَى لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهُ حَتَّى يُوجَدَ * (الْمَعْنَى الثَّالِثُ) إنْ حُمِلَ الْخِيَارُ عَلَى مَا قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ الْحَدِيثِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ يَخْرُجُهُ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا عَقَدَا وَإِنْ شَاءَا تَرَكَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّ الْخِيَارَ إلَى التَّفَرُّقِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِثُبُوتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَقْدِ (الْخَامِسُ) أَنَّ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ إلْزَامَ الْبَيْعِ مَشَى قَلِيلًا لِيَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ * (فَإِنْ قِيلَ) الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ ما جاءتهم البينة) فَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ (قُلْنَا) الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَ تَفَرُّقًا مِنْهُمَا فِي الْقَوْلِ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَوْلَ فَغَرَضُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ وَلَا يُسَمَّى مُفَارَقَةً وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَقِيَاسَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) فهو انه عام مخصوص بما ذكرنا وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يستوفيه) فانه عام مخصوص بما ذكرنا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) فَهُوَ أَنَّهُ دليل لنا كما جعله

التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ دَلِيلًا لِإِثْبَاتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَخَافَةَ أن يختار الفسخ فعبر بالاقالة عَنْ الْفَسْخِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَشْيَاءُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ثُمَّ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقَالَةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَالَةِ الْفَسْخُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِقَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا الْمَالَ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدَانِ بِفَسَادِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ خِيَارٌ مَجْهُولٌ أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ شَرْعًا لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ زَمَنِهِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِشَرْطِهِمَا فَاشْتُرِطَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا إذَا قَامَا مِنْ مَجْلِسٍ وَتَمَاشَيَا جَمِيعًا دَامَ خِيَارُهُمَا ماداما مَعًا وَإِنْ بَقِيَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً هَذَا مذهبنا وحكى الرويانى عن عبيد الله بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَنْقَطِعُ بِهِ مفارقة مجلسهما وإن كانا (1) وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا * (فَرْعٌ) لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِبْطَالِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ (وَالثَّانِي) يُنْقَضُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ * * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التى لا ربا فيها لما روى مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حِبَّانَ قَالَ كَانَ جدى قد بلغ ثلاثين ومائة سنة لا يترك البيع والشراء ولا يزال يخدع فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بايعته فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا. (فأما) في البيوع التى فيها الربا وهى الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار لانه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما وجاز شرط الخيار في ثلاثة أيام وفيما دونها لانه إذا جاز شرط الثلاث فما دونها أولى

_ (1) بياض بالاصل

بذلك ولا يجوز اكثر من ثلاثة ايام لانه غرر وإنما جوز في الثلاث لانه رخصة فلا يجوز فيما زاد ويجوز أن يشترط لهما ولاحدهما دون الآخر ويجوز أن يشترط لاحدهما ثلاثة أيام وللآخر يوم أو يومان لان ذلك جعل إلى شرطهما فكان على حسب الشرط فان شرط ثلاثة أيام ثم تخايرا سقط قياسا على خيار المجلس * (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ مُرْسَلًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ فَثَبَتَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا مُرْسَلًا وَحَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَصَحَّفَهُ الْمُتَفَقِّهُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْغَبْنُ وَالْخَدِيعَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحق قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَكَأَنِّي الْآنَ أَسْمَعُهُ إذَا ابْتَاعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ قال ابن اسحق فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنَ حبان قال كان جدى منقد بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُصِيبَ فِي رأس أمه وَكُسِرَتْ لِسَانُهُ وَنَقَصَتْ عَقْلُهُ وَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ لَا يَدْعُ التِّجَارَةَ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا ابْتَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ بَيْعٍ تَبْتَاعُهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ) فَبَقِيَ حَتَّى أَدْرَكَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَكَبِرَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَكَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَرَجَعَ بِهِ فَقَالُوا لَهُ لِمَ تَشْتَرِي أَنْتَ فَيَقُولُ قَدْ جَعَلَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ابْتَعْتُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَيَقُولُونَ أَرْدُدْهُ فَإِنَّكَ قَدْ غُبِنْتَ أَوْ قَالَ غُشِشْتَ فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَأَرْدُدْ دَرَاهِمِي فَيَقُولُ لَا أَفْعَلُ قد رضيت فدهبت حَتَّى يَمُرَّ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ فِيمَا

تَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي ترجمة منقد بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ اسحق ومحمد بن اسحق الْمَذْكُورُ فِي إسْنَادِهِ هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْأَكْثَرُونَ وَثَّقُوهُ وَإِنَّمَا عَابُوا عَلَيْهِ التَّدْلِيسَ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّمَاعِ اُحْتُجَّ بِهِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسَائِرِ الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَتْرُكُونَ مِنْ حَدِيثِ المدلس ما قال فيه عنه وقد سبقت هذه المسألة مقررة مرات لكن القطعة التى ذكرها محمد بن اسحق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمُرْسَلَ إذَا اعْتَضَدَ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدٍ أَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِفُتْيَا عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ احْتَجَّ بِهِ وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى جَوَازِ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) مَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَهُ وَاشْتُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ * وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَهُوَ كَافٍ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي دَلَالَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُذْرِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعوا إلَيْهِ الْحَاجَةُ غَالِبًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ لَحْظَةً بَطَلَ الْبَيْعُ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ دُونَهَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَمَا ذكره المصنف ويجوز أن

يشرط الخيار لاحدهما ويجوز لهما وَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْآخَرِ يَوْمَانِ أَوْ يَوْمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْلُومًا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) يبطل البيع (والثانى) يصح ويباع عند الاشرف عَلَى الْفَسَادِ وَيُقَامُ ثَمَنُهُ مَقَامَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَلَوْ شَرَطَا خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ الغد أو متى شاءا أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً فَإِنْ شَرَطَا الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يقدراه بشئ أَوْ قَدَّرَاهُ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَقَوْلِهِ بَعْضُ يَوْمٍ أو إلى أن يجئ. زَيْدٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَرَطَاهُ إلَى طُلُوعِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ قَدْ لَا يَحْصُلُ لِحُصُولِ غَيْمٍ فِي السَّمَاءِ قَالَ فَلَوْ قَالَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ صَحَّ لِأَنَّ الْغُرُوبَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي سُقُوطِ قُرْصِ الشَّمْسِ هَذَا كَلَامُ الزُّبَيْرِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَأَمَّا) شَرْطُهُمَا إلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ وَإِلَى الْغُرُوبِ أَوْ وَقْتِ الْغُرُوبِ فَيَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الزُّبَيْرِيُّ وَأَمَّا إذَا شَرَطَاهُ إلَى الطُّلُوعِ فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْغَيْمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ إشْرَاقِ الشَّمْسِ وَاتِّصَالِ الشُّعَاعِ لَا مِنْ نَفْسِ الطُّلُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا تَبَايَعَا نَهَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ أَوْ لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى النَّهَارِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الزَّمَنُ الْآخَرِ فِي الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَدْخُلُ لِأَنَّ لَفْظَةَ إلَى قَدْ تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالهم الي أموالكم) دَلِيلُنَا أَنَّ أَصْلَ إلَى الْغَايَةُ فَهَذَا حَقِيقَتُهَا فَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى مَعَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَفِيهِ جَوَابَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ فَفِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْدِيرُهُ. مُضَافَةً إلَى أَمْوَالِكُمْ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ بِمَعْنَى مَعَ مَجَازًا فَلَا يَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ فِي غَيْرِهَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَلِأَنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ فِي الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الرابعة)

ذا شَرَطَا الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ سَقَطَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَهُ سَقَطَ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَلَوْ أَسْقَطَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَقَطَ الْجَمِيعُ وَلَوْ أَسْقَطَا الثَّالِثَ لَمْ يَسْقُطْ مَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فَلَوْ قَالَ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بِشَرْطِ أَنَّهُ يَبْقَى فِي الثَّالِثِ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ ان يشرط خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنْ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الْيَوْمَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ حُكِمَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ الْعُقُودِ قَالَ أَصْحَابُنَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَقَدْ يَنْفَكَّانِ لِهَذَا فَإِذَا أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ فَرَاجِعْ مَا سَبَقَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَوْ الْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالسَّلَمِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ فِيهَا وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ السَّلَمِ هُنَا وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ (الثَّانِي) أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ فِي الشُّفْعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجَعَ فِي سِلْعَةٍ بَاعَهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ (الرَّابِعُ) فِي الْهِبَةِ بشرط الثواب وَفِي الْإِجَارَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِهِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَأَمَّا) شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَفَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ اشْتَهَرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَابَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ قَطْعًا فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي

وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وغيره (أحدهما) يصح العقد ويكون تقدير الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فقط وهذا قول أبى اسحق قَالَ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَازَ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْقَوْمَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا يَوْمًا وَفِي الْآخَرِ يَوْمَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيمَا شُرِطَ عَلَى مَا شَرَطَ * وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ فِيهِمَا ثُمَّ أَرَادَا الْفَسْخَ فِي أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِشَرْطِ خِيَارِ يَوْمٍ اقْتَضَى إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ نِصْفَ النَّهَارِ مَثَلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْخُلَ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثَبَتَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي اللَّيْلِ ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ اللَّيْلِ *

(فَرْعٌ) إذَا شَرَطَا فِي الْبَيْعِ خِيَارًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فَلَوْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ قُدِّرَ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُ وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا خِلَافَ فِي الصُّورَتَيْنِ * عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقَعَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَبِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ وَالْجَهَالَةِ يَعُودُ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ الزِّيَادَةُ فَسَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ * دَلِيلُنَا أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ دَائِمًا لَمْ يُعَدَّ صَحِيحًا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُنَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ قَارَنَ الْعَقْدَ ثُمَّ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ حُكْمٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ الله قال لو لم يذكروا فِي السَّلَمِ أَجَلًا ثُمَّ ذَكَرَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ إنَّمَا ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ لَا لِفَاسِدٍ (وَأَمَّا) السَّلَمُ فَفَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صِحَّةُ السَّلَمِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ حَالًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَبَايَعَا بِغَيْرِ إثْبَاتِ خِيَارِ الشَّرْطِ ثُمَّ شَرَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ (الْأَصَحُّ) ثُبُوتُهُ وَيَكُونُ كَالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يشرط الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْبَيْعَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَهُ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ

مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّل فِي هَذَا وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مِنْهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يلزمه رعاية الحط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ استئمان قَالَ وَهَذَا الْمَعْنَى أَظْهَرُ إذَا جَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْ الْعَاقِدِ ثُمَّ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ مَعَ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَثْبُتُ لَهُ هَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ فَشَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِمُوَكِّلِي فَقَدْ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (وَالثَّانِي) لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَالثَّالِثُ) لَهُمَا وَالْأَصَحُّ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَزِمَ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ * قال المصنف رحمه الله (وان شرط الخيار لاجنبي ففيه قولان (أحدهما) لا يصح لانه حكم من أحكام العقد فلا يثبت لغير المتعاقدين كسائر الاحكام (والثانى) يصح لانه جعل إلى شرطهما للحاجة وربما دعت الحاجة إلى شرطه للاجنبي بأن يكون أعرف بالمبتاع منهما * فان شرطه للاجنبي (وقلنا) إنه يصح فهل يثبت له فيه وجهان (أحدهما) يثبت له لانه إذا ثبت للاجنبي من جهة فلان يثبت له أولى (والثانى) لا يثبت لان ثبوته بالشرط فلا يثبت الا لمن شرطه له * قال الشافعي رحمه الله في الصرف

إذا اشتري بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بالفسخ فمن أصحابنا من قال له أن يفسخ من غير اذنه لان له أن يفسخ من غير شرط الاستئمار فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار وتأول ما قاله على انه أراد أنه لا يقول استأمرته الا بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا (ومنهم) من حمله على ظاهره أنه لا يجوز أن يفسخ لانه ثبت بالشرط فكان على ما شرط) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ قَالَ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَأَمَّا إذَا صَحَّحْنَاهُ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَصِحُّ لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ على القولين بين أن يشرطا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ يَشْرِطُ أَحَدُهُمَا لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لَآخِرَ فَلَوْ شَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ مِنْ جِهَتِهِ وَشَرَطَهُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ صَحَّ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ فِي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ وَكِيلُهُمَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَانْفَرَدَ بِهِ وَكِيلُهُمَا * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا شَرَطَهُ لِأَجْنَبِيِّ وَصَحَّحْنَاهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُ الْأَجْنَبِيِّ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكُونُ امْتِثَالُهُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مَالِي فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ إقْدَامُهُ

عَلَى الْبَيْعِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِالرَّدِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَهَلْ يَثْبُتُ لِلشَّارِطِ أَيْضًا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَجَمَاعَةً حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَثْبُتُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَفِي الْإِمْلَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ كَانَ لِلَّذِي شُرِطَ لَهُ الرِّضَا الرَّدُّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ لِلشَّارِطِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بَلْ خَصَصْنَا بِهِ الْأَجْنَبِيَّ فَمَاتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْآنَ لِلشَّارِطِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالشَّارِطِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَارَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يُؤَامِرَ فُلَانًا فَيَأْتِيَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالْفَسْخِ * وَتَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي النَّصِّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْمَرْتُهُ وَأَيُّ مَدْخَلٍ لَوْ أُمِرَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ لِلْأَجْنَبِيِّ يَخْتَصُّ بِالْأَجْنَبِيِّ هَذَا جَوَابٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي بيناه ومؤيد به وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ مَذْكُورٌ احْتِيَاطًا وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِئْمَارُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ استأمرته إلا بعد الاستئمار لئلا يكون كاذبا ونقل المارودى هذا عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْبَصْرِيِّينَ كَافَّةً وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ (الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي التَّصْوِيرِ شَرْطَ الْمُؤَامَرَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا باتفاقهم وبه قطع الجمهور أنه محمول عَلَى مَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) يُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الغائب

إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَإِذَا شَرَطَ الْمُؤَامَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يُؤَامِرْهُ وأمره ولم يشر بشئ لَزِمَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ في مدة الثلاثة حتى يؤامر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَقُلْنَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لَهُ وَثَبَتَ لَهُ وَلَهُمَا فَتَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَرَّحَا بِنَفْيِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَفِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَجْهَانِ حكاهما امام الحرمين (أحدها) يَصِحُّ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أصح * قال المصنف رحمه الله * (وإذا شرط الخيار في البيع ففى ابتداء مدته وجهان (أحدهما) من حين العقد لانه مدة ملحقة بالعقد فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالاجل ولانه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة الخيار مجهولا لانه لا يعلم متى يفترقان (والثانى) انه يعتبر من حين التفرق لان ما قبل التفرق الخيار ثابت فيه بالشرع فلا يثبت فيه بشرط الخيار (فان قلنا) ان ابتداءه من حين العقد فشرط ان يكون من حين التفرق بطل لان وقت الخيار مجهول ولانه يزيد الخيار على ثلاثة أيام (وإن قلنا) ان إبتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان (أحدهما) يصح لان ابتداء الوقت معلوم (والثانى) لا يصح لانه شرط ينافى موجب العقد فأبطله) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا قُلْنَا لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ * قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا فَفِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) مِنْ حِينِ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إمَّا بِالتَّخَايُرِ وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ قَالَ الرُّويَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ الْمَرْزُبَانِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ حَتَّى قال الرويانى قول ابن القطان ليس بشئ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ بَطَلَ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع

وَالشَّرْطُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ فَشَرَطَاهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَوَجْهَانِ مشهوران ذكرهما الصمنف بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَانْقَضَتْ وَهُمَا مُصْطَحِبَانِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ أَسْقَطَا أَحَدَ الْخِيَارَيْنِ سَقَطَ وَلَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ وَلَوْ قَالَا أَلْزَمْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَسْقَطْنَا الْخِيَارَ سَقَطَا جَمِيعًا وَلَزِمَ الْبَيْعُ هَذَا تَفْرِيعُ كَوْنِهِ مِنْ الْعَقْدِ (فَأَمَّا) إذَا قُلْنَا مِنْ التَّفَرُّقِ فَإِذَا تَفَرَّقَا انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَابْتُدِئَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ شَرَطَا الْخِيَار بَعْد الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ (فَإِنْ قُلْنَا) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ التَّفَرُّقِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ الْعَقْدِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ هُنَا مِنْ حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ التَّفَرُّقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَفِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْأَجَلِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُرَتَّبٌ على ابتداء مدة الخيار ان جَعَلْنَاهَا مِنْ الْعَقْدِ فَالْأَجَلُ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ التَّفَرُّقِ فَفِي الْأَجَلِ وَجْهَانِ وَهَذَا الطريق مشهور في كتب الخراسانين وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو عَلِيِّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالُوا فِي ابْتِدَاءِ مُدَّةِ الخيار والاجل ثلاثة أوجه (أصحها) مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (وَالثَّالِثُ) الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا أَقْرَبَ بِخِلَافِ خيار الشَّرْطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (فَإِنْ قِيلَ) لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُحْسَبُ الْأَجَلُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَقُلْنَا الْخِيَارُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ بِالثَّمَنِ كَالْأَجَلِ فَكَانَ قَرِيبًا وَالْخِيَارُ فِي التَّحْقِيقِ تَأْجِيلٌ لِإِلْزَامِ

الْمِلْكِ أَوْ نَقْلِهِ وَالْأَجَلُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ قَالَ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ عن خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِشَرْطِ الْأَجَلِ أَنْ يَفْسَخَ أَوَّلَ الْأَجَلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ * وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَجَلَ مِنْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ شُرِطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الوسيط (وأما) مُدَّةُ الْإِجَازَةِ إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ فَفِي ابْتِدَائِهَا هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَجَلِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ومن ثبت له الخيار فله أن يفسخ في محضر من صاحبه وفى غيبته لانه رفع عقد جعل إلى اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ جُعِلَ إلَى اخْتِيَارِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُجْعَلَا إلَى اخْتِيَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ إلَى اخْتِيَارِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَفِي غيبته لما ذكره المصنف وهذا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مَجْمَعٌ عَلَى نُفُوذِهِ بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا قَالَ أَقِلْنِي ثُمَّ غَابَ فِي الْحَالِ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ أَقَلْتُكَ بِحَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامِهِ صَحَّتْ الاقالة وان لم يسمعه لبعد مِنْهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) إذَا فَسَخَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مَالِكِهَا فَفِي صِحَّةِ الْفَسْخِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ هُنَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْقَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ فَسَخْتُ الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ حُكْمُ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْأَمَانَةِ كَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِ إنْسَانٍ يَكُونُ أَمَانَةً وَإِلَّا يَكُونُ وَدِيعَةً فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ

أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ * وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِصِحَّةِ فَسْخِ الْوَدِيعَةِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ ضَمِنَ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ انْفَسَخَتْ الْوَدِيعَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً (قُلْنَا) لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَنْفَسِخَ وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ فَسَخْتُ وديعتي انفسخت وتكون امانة في يد إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا فَإِنْ ذَهَبَ لِيُحْضِرَهَا فَتَلِفَتْ قبل التمكن لم يضمنها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * فان تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطئ والهبة والبيع وما أشبهها نظرت فان كان ذلك من البائع كان ذلك اختيارا للفسخ لانه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ والرد إلى الملك وان كان ذلك من المشترى ففيه وجهان (قال) أبو إسحق ان كان ذلك عتقا كان اختيارا للامضاء وان كان غيره لم يكن ذلك اختيارا لان العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فاسقط خيار المجلس وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب فلم يسقط خيار المجلس وخيار الشرط (وقال) أبو سعيد الاصطخرى الجميع اختيار للامضاء وهو الصحيح لان الجميع يفتقر إلى الملك فكان الجميع اختيارا للملك ولان في حق البائع الجميع واحد فكذلك في حق المشترى فان وطئها المشترى بحضرة البائع وهو ساكت فهل ينقطع خيار البائع بذلك فيه وجهان (أحدهما) ينقطع لانه أمكنه أن يمنعه فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع (والثانى) لا ينقطع لانه سكوت عن التصرف في ملكه فلا يسقط عليه حكم التصرف كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه فسكت عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمِلْكِ احْتِرَازً مِنْ الِاسْتِخْدَامِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُودِعِ إذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ

بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْبَائِعِ فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ أَوْ رَدَدْتُهُ أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ وَالْإِجَازَةُ أَجَزْتُ الْبَيْعَ وَأَمْضَيْتُهُ وَأَسْقَطْتُ الْخِيَارَ وَأَبْطَلْتُ الْخِيَارَ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَقَوْلُ البائع في زمن الخيار لا أبتع حَتَّى يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَفْعَلُ يَكُونُ فَسْخًا وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي لَا أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنْ الثَّمَنِ مَعَ قَوْلِ الْبَائِعِ لَا أَفْعَلُ وَكَذَا طَلَبُ الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ كُلُّ هَذَا فَسْخٌ * هَذَا كَلَامُ الصَّيْمَرِيِّ وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَكَتُوا عَلَيْهِ مُوَافِقِينَ لَهُ (الثَّانِيَةُ) إعْتَاقُ الْبَائِعِ إذا كان الخيار لهما أوله وَحْدَهُ يَنْفُذُ وَيَكُونُ فَسْخًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَيْسَ بِفَسْخٍ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فَسْخٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ كَالْعِتْقِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ بَلْ يَحْصُلُ الْفَسْخُ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الوجهان في التزويج والاجازة وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إنْ اتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ سَوَاءٌ وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَ الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ عَنْ الْقَبْضِ فَهُوَ كَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْإِذْنُ فِي الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ فِي جَمِيعِ هَذَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كُلَّهَا فَسْخٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَإِجَازَةٌ إنْ صَدَرَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا لَيْسَتْ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً * وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْقَبْضِ وَإِنْ قُلْنَا يَزُولُ فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ مُسْتَدْرَكًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الثَّالِثَةُ) لَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ فَسْخٌ لِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ (وَالثَّانِي) لَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ وَطِئَ الرَّجْعِيَّةَ لَا تَكُونُ رَجْعَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى بِهِ الْفَسْخَ كَانَ فَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَّانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الثَّالِثَ مِنْهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالُوا وَالْفَرْقُ

بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ جُعِلَتْ لَتَدَارُكِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ وَأَمَّا فَسْخُ الْبَيْعِ فَلِتَدَارُكِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَابْتِدَاءُ مِلْكِ الْيَمِينِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَبْيِ الْجَارِيَةِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ رَكِبَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وغيره (احدهما) يكون وبه القطع البغوي كالوطئ وَالْعِتْقِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَسْخًا وَزَيَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ فَسْخٌ وَقَالَ هُوَ هَفْوَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْغَزَالِيُّ على الشافعي في مسألة وطئ الْبَائِعِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِي فَرْقِ الرَّجْعَةِ وَحَاصِلُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلنِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ (الرابعة) وطئ الْمُشْتَرِي هَلْ هُوَ إجَازَةٌ مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يكون اجازة لانه متضمن للرضا وكما جعلنا وطئ البائع فسخا لتضمنه الرضا كذا وطئ المشتري اجازة لتضمنه الرضا (والثانى) لا لان وطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَإِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَالِمًا بِثُبُوتِ الخيار له حالة الوطئ بطل خياره وان كان جاهلا فلا وصور جَهْلُهُ بِأَنْ يَرِثَ الْجَارِيَةَ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَاسَهُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ وَطِئَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ فَحَصَلَ وَجْهٌ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ دُونَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) إعْتَاقُهُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ نَفَذَ وَحَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِي نُفُوذِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْرِيعِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ هُوَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَإِنْ

كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ نَفَذَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفُذُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْحُصُولُ أَيْضًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَتَّجِهُ ان يقال ان أعتق وهو يعلم عدم نُفُوذَهُ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (أَمَّا) إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَقَفَ أَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فلا ينفذ شئ مِنْ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَكُونُ إجَازَةً فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ إجَازَةً وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب (والثانى) لا يكون قاله ابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاشَرَ الْمُشْتَرِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِجَازَةُ (وَالثَّانِي) لَا لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِجَازَةِ (قَالَ) ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنَّا إذَا لَمْ نُنَفِّذْهَا كَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمُوَافِقُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ فِي طَحْنِ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ إجَازَةٌ مِنْهُمَا (قَالَ) الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالُوهُ نظر لان الاعتبار بالدلالة على الرضا وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافٌ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْخَامِسَةُ) إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَةَ فَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ إجَازَةً مِنْهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فان كان جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مهر ولا قيمة الوطئ قَطْعًا وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَطَأُ أَوْ رَآهُ يَطَأُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ البائع ويكون مخيرا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ مُجِيزًا قَطْعًا وَكَمَا لَوْ سَكَتَ على وطئ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْمَهْرُ قَطْعًا أَوْ عَلَى تَخْرِيقِ ثَوْبِهِ لَا يُسْقِطُ الْقِيمَةَ قَطْعًا هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يُفَرَّقُوا بَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أبطلنا

خيار المشترى بالوطئ وكان البائع جاهلا بوطئ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ فِيمَا إذَا أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ هَلْ يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ أَمْ لَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالشَّرْطِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ أَذِنَ له البائع في الوطئ وَلَمْ يَطَأْهَا هَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ (إنْ قُلْنَا) إذَا رآه يطاء فَسَكَتَ يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ هُنَا صَرِيحُ الْإِذْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ وَنَحْوِهَا وَصَحَّحْنَاهُ يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ أُذِنَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ * وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تُبْطِلُ مَالِيَّةَ الممتنع وهى قابلة للرفع والله أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وان جن من له الخيار أو أغمى عليه انتقل الخيار إلى الناظر في ماله وإن مات فان كان في خيار الشرط انتقل الخيار الى من ينتقل إليه المال لانه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن فان لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان (أحدهما) يثبت له الخيار في القدر الذى بقى من المدة لانه لما انتقل الخيار إلى غير من شرط له بالموت وجب أن ينتقل إلى غير الزمان الذى شرط فيه (والثانى) انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة فاتت وبقى الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وان كان في خيار المجلس فقد روى المزني أن الخيار للوارث وقال في المكاتب إذا مات وجب البيع فمن أصحابنا من قال لا يسقط الخيار بالموت في المكاتب وغيره (وقوله) في المكاتب وجب البيع أراد به انه لا ينفسخ بالموت كما تنفسخ الكتابة ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع المكاتب ولا يسقط في بيع غيره لان السيد يملك بحق الملك فإذا لم يملك في حياة المكاتب لم يملك بعد موته والوارث يملك بحق الارث فانتقل إليه بموته ومنهم من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما على قولين

(أحدهما) انه يسقط الخيار لانه إذا سقط الخيار بالتفرق فلان يسقط بالموت - والتفرق فيه أعظم - أولى (والثانى) لا يسقط وهو الصحيح لانه خيار ثابت لفسخ البيع فلم يبطل بالموت كخيار الشرط فعلى هذا ان كان الذى انتقل إليه الخيار حاضرا ثبت له الخيار الا أن يتفارقا أو يتخايرا وان كان غائبا ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذى بلغه فيه) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِإِصْلَاحِ الْمَالِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ (وَقَوْلُهُ) خِيَارٌ ثَابِتٌ لِفَسْخِ البيع احترز بِالْفَسْخِ عَنْ خِيَارِ الْقَبُولِ فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يَقْبَل الْوَارِثُ عَنْهُ وَاحْتَرَزَ بِالْبَيْعِ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَبِعِتْقِ الْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ وَخِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَإِلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ فِي مُدَّتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى أَنَّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ مُخَرَّجًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَرْدُودٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَإِنْ كانت المدة باقية عند بلوع الْخَبَرِ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ إلَى انْقِضَائِهَا وَإِنْ كانت قد انقضت فأربعة أوجه الوجهان الْأَوَّلَانِ مِنْهَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ بَقِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ (والثالث) يبقى الخيار مادام الْمَجْلِسُ الَّذِي بَلَغَهُ فِيهِ الْخَبَرُ حَكَاهُ الْقَفَّالُ والرويانى

وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) يَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ لِفَوَاتِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْخِيَارَ لِوَارِثِهِ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بدلائلها واضحة (احدها) وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَالثَّانِي) لَا يَثْبُتُ بَلْ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ مُفَارَقَتِهِ بِالْبَدَنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَثْبُتُ لَهُمَا قَطْعًا وَتَأْوِيلُ نَصِّ الْمُكَاتَبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ دُونَ السَّيِّدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّيِّدِ * وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِي انْتِقَالِ الْخِيَارِ إلَى وَارِثِهِمَا وَسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ لَلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ يُعْتَبَرُ مجلس الموكل وهو شاذ ليس بشئ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَقَدْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَيِّتِ (وَأَمَّا) الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْحَيُّ فَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ خِيَارَهُ لَا يَنْقَطِعُ حَتَّى يُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَبَعَّضُ سُقُوطُهُ كَمَوْتِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَهُ ثُمَّ يَنْقَطِعَ (وَالثَّانِي) يَبْقَى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ الْآخَرُ (وَالثَّالِثُ) يَمْتَدُّ إلَى مُفَارَقَتِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ فَإِذَا بَلَغَ الْخَبَرُ إلَى وَارِثِهِ حَدَثَ لِهَذَا الْحَيِّ الْخِيَارُ مَعَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قُلْنَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ امْتَدَّ الْخِيَارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا وَصَلَهُ الْخَبَرُ وَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا وَرِثَهُ الْوَارِثُ وَبَلَغَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِي وَجْهٍ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي وَجْهٍ يَمْتَدُّ كَمَا كَانَ يَمْتَدُّ لِلْمَيِّتِ لَوْ بَقِيَ. وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي (أحدهما) له الخيار مادام فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِيَارُ الْوَارِثِ ثَابِتًا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ فِيهِ الْمَبِيعَ (وَالثَّانِي) يَتَأَخَّرُ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِي مَجْلِسٍ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْوَارِثِ وَجَمَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الخلاف فحكى في المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَالثَّانِي) مَا لَمْ يُفَارِقْ مَجْلِسَ بُلُوغِ الْخَبَرِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَجْتَمِعْ هُوَ وَالْعَاقِدُ الْآخَرُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا أَبْصَرَ السِّلْعَةَ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّ خيار الوارث يثبت مادام فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ * (فَرْعٌ) إذَا وَرِثَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَكَانُوا حُضُورًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يُفَارِقُوا الْعَاقِدَ الْآخَرَ وَلَا يَنْقَطِعُ بِمُفَارَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا فِي الْوَارِثِ الْوَاحِدِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ مُشَاهَدَةِ الْمَبِيعِ فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْعَاقِدُ وَكَذَا لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا اجْتَمَعُوا هُمْ وَهُوَ وَمَتَى فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (احدهما) لا ينفسخ في شئ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ كَالْمُوَرِّثِ لَوْ فَسَخَ فِي حَيَاتِهِ فِي بَعْضِهِ وَأَجَازَ فِي بَعْضٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُبَعَّضُ الفسخ لان فيه اضرار بِالْعَاقِدِ الْآخَرِ قَالَ وَلَوْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ الْبَعْضُ فَلِلْحَاضِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ وَقُلْنَا يَغْلِبُ الْفَسْخُ نَفَذَ الْفَسْخُ

فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ أَجَازَ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ إلَى الْغَائِبِ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي * وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ فِي حِصَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِكُلٍّ مِنْ وَرَثَتِهِ كَعَكْسِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ الْفَسْخُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَيَزُولُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ المتولي * (فرع) لوجن الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ مِنْ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ قَالَ وليس هو بشئ وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ فهو على خياره والانصب الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا * (فَرْعٌ) إذَا جُنَّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَأَقَامَ الْقَاضِي فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْخِيَارِ فَفَسَخَ الْقَيِّمُ أَوْ أَجَازَ فَأَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلَافُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ حَيْثُ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِلْوَارِثِ وَكَانَ وَاحِدًا فَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَ فَسَخْتُ انْفَسَخَ وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ وَفَسَخْتُ أَوْ فَسَخْتُ وَأَجَزْتُ فَالْحُكْمُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَجَزْتُ في النصف وفسخت فِي النِّصْفِ غَلَبَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) لَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَمَنَعَهُ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الِامْتِثَالُ

فَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْوَكِيلِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رُجُوعُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ (وَالثَّانِي) لَا يَمْتَثِلُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَنْعُ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ بَيَانَ (1) الْوَكَالَةِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا امْتِثَالُ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ مُوهِمَةً إثْبَاتَ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَمَاتَ من لا خيار له بقى الخيار للآخر بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْطِ وَتُتَصَوَّرُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخَيَّرُ فِي الْمَجْلِسِ * (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ وَصَحَّحْنَاهُ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ دُونَ الشَّارِطِ فَمَاتَ فَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الشَّارِطِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُكَاتَبِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ يَصِحُّ وَخَصَّصْنَاهُ بِهِ فَمَاتَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْتِقَالِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ الْخِلَافُ كَالْمُكَاتَبِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِ الْوَكِيلِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَحَكَى أَيْضًا طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَطْعًا وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَطَرِيقًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الطَّرِيقَ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ هَلْ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى سَيِّدِهِ فِيهِ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِلَا خِلَافٍ إذَا مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ التَّقْصِيرِ الْمُسْقِطِ * وَهَذَا حُكْمُ خِيَارِ الْخُلْفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَأَخْلَفَ وَنَحْوَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا الْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ ينتقل إلى الوارث

_ (1) كذا بالاصل فحرر

فَأَمَّا خِيَارُ الْقَبُولِ فَلَا يُورَثُ بِلَا خِلَافٍ وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ * وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ صَحَّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَوْ قَالَ رَجَعْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ الْإِيجَابَ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ أَبْطَلْتُ عَلَيْكَ خِيَارَكَ لَمْ يَبْطُلْ حقه يبطل فَمَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَمَا كَانَ لَازِمًا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالْعُقُودِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ الْجَائِزُ مِنْهَا دُونَ اللَّازِمِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَمَاتَ الْوَاهِبُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الْعَيْنَ فَلَا يَرِثُونَ الْخِيَارَ مِنْهَا وَكَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ النِّكَاحِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَدُّ مَا يُورَثُ وَمَا لَا يُورَثُ مِنْ الْحُقُوقِ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَازِمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ يُورَثُ بِوِرَاثَةِ الْمَالِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ حَدًّا صَحِيحًا فَإِنَّهُ تَرَكَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّهِ: (مِنْهَا) حَدُّ الْقَذْفِ (وَمِنْهَا) الْقِصَاصُ (وَمِنْهَا) النَّجَاسَاتُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَقُلْنَا يُنْتَقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ فَكَانُوا أَطْفَالًا أَوْ مجانين قال الرويانى وغيره ينصب القاضى (1) فيما يَفْعَلُ مَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ جُنَّ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله: (وفى الوقت الذى ينتقل الملك في البيع الذي فيه خيار المجلس أو خيار الشرط ثلاثة أقوال (أحدها) ينتقل بنفس العقد لانه عقد معاوضة يوجب الملك فانتقل الملك فيه بنفس العقد كالنكاح (والثانى) أنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار لانه لا يملك التصرف إلا بالعقد وانقضاء الخيار فدل على أنه لا يملك إلا بهما (والثالث) أنه موقوف مراعى فان لم يفسخ العقد تبينا أنه ملك بالعقد وان فسخ تبينا

_ (1) كذا بالاصل ولعله من

أنه لم يملك لانه لا يجوز أن يملك بالعقد لانه لو ملك بالعقد لملك التصرف ولا يجوز أن يملك بانقضاء الخيار لان انقضاء الخيار لا يوجب الملك فثبت أنه موقوف مراعى فان كان المبيع عبدا فأعتقه البائع نفذ عتقه لانه ان كان باقيا على ملكه فقد صادف العتق ملكه وإن كان قد زال ملكه عنه الا انه يملك الفسخ فجعل العتق فسخا وان أعتقه المشترى لم يخل إما أن يفسخ البائع البيع أو لا يفسخ فان لم يفسخ وقلنا إنه يملكه بنفس العقد أو قلنا انه موقوف نفذ عتقه لانه صادف ملكه (وإن قلنا) إنه لا يملك بالعقد يعتق لانه لم يصادف ملكه وان فسخ البائع وقلنا إنه لا يملك بالعقد أو موقوف لم يعتق لانه لم يصادف ملكه (وان قلنا) إنه يملك بالعقد ففيه وجهان (قال) أبو العباس ان كان موسرا عتق وان كان معسرا لم يعتق لان العتق صادف ملكه وقد تعلق به حق الغير فاشبه عتق المرهون (ومن) أصحابنا من قال لا يعتق وهو المنصوص لان البائع اختار الفسخ والمشترى اختار الاجازة بالعتق والفسخ والاجازة إذا اجتمعا قدم الفسخ ولهذا لو قال المشترى اجزت وقال البائع بعده فسخت قدم الفسخ وبطلت الاجازة وان كانت سابقة للفسخ (فان قلنا) لا يعتق عاد العبد إلى ملك البائع (وان قلنا) يعتق فهل يرجع البائع بالثمن أو القيمة قال أبو العباس يحتمل وجهين (أحدهما) يرجع بالثمن ويكون العتق مقررا للعقد ومبطلا للفسخ (والثانى) أنه يرجع بالقيمة لان البيع انفسخ وتعذر الرجوع إلى العين فرجع إلى قيمته كما لو اشترى عبدا بثوب وأعتق العبد ووجد البائع بالثوب عيبا فرده فانه يرجع بقيمة العبد فان باع البائع المبيع أو رهنه صح لانه اما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه وإما أن يكون للمشترى الا أنه يملك الفسخ فجعل البيع والهبة فسخا وان باع المشترى المبيع أو وهبه نظرت فان كان بغير رضا البائع (فان قلنا) انه في ملك البائع لم يصح تصرفه (وان قلنا) انه في ملكه ففيه وجهان (قال) أبو سعيد الاصطخرى يصح وللبائع ان يختار الفسخ فإذا فسخ بطل تصرف المشترى ووجهه ان التصرف صادف ملكه الذى ثبت للغير فيه حق الانتزاع فاشبه إذا اشترى شقصا فيه شفعة فباعه (ومن) اصحابنا من قال لا يصح لانه باع عينا تعلق بها حق الغير من غير رضاه فلم يصح كما لو باع

الراهن المرهون فأما إذا تصرف فيه برضا البائع نظرت فان كان عتقا نفذ لانهما رضيا بامضاء البيع وان كان بيعا أو هبة ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لانه ابتدأ بالتصرف قبل أن يتم ملكه (والثانى) يصح لان المنع من التصرف لحق البائع وقد رضى البائع) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ احْتَرَزَ بِالْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ وَعَنْ الْوَصِيَّةِ (وَبِقَوْلِهِ) يُوجِبُ الْمِلْكَ عَنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَكِنْ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَبَدًا وَإِنَّمَا فَائِدَةُ عِتْقِهِ تَقَدُّمُ مِلْكٍ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) فَأَشْبَهَ عِتْقَ الْمَرْهُونِ يَعْنِي عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ لَفْظَةُ غَيْرُ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا الْأَلِفُ وَكَذَا كُلٌّ وَبَعْضٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا (احدها) أنه ملك المشترى يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ (وَالثَّالِثُ) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وإلا بَانَ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَهَكَذَا يَكُونُ الثَّمَنُ مَوْقُوفًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي موضع الاقوال ثلاث طُرُقٍ حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا إمَّا بِالشَّرْطِ وَإِمَّا بِالْمَجْلِسِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَلْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ وَتَنْزِلُ الْأَقْوَالُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ (وَالثَّالِثُ) طَرْدُ الْأَقْوَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْحَلِيمِي هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ * وَقَالَ إمَامُ الحرمنين طَرَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِيهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ (فَالْأَصَحُّ)

أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يُتَّجَهُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا رَابِعًا * وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يملك بنفس العقد منهم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ الْوَقْفِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ التَّفْصِيلَ فَقَالُوا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ القفال حكاه عَنْهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ إلَى مُوَافَقَتِهِ وصححه أيضا صاحب (1) والرافعي في كتابيه الشرح وَالْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (التَّفْرِيعُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِهِ وَمِنْهَا مَا يُذْكَرُ هُنَا (فَمِنْهَا) كَسْبُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْمَبِيعَيْنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ هُوَ لِلْمُشْتَرِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ مَوْجُودٌ حال وجود الزِّيَادَةِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهَا حُكْمٌ وَجُعِلَتْ تَابِعَةً للعين وكانت لِمَنْ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْعَيْنِ لَهُ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) لِلْبَائِعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِهِ (وَالثَّانِي) مِنْ أَصْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْكَسْبِ اللَّبَنُ وَالشَّعْرُ وَالثَّمَرَةُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا وَكَوْنُ الْجَمِيعِ حُكْمُ كَسْبِ الْعَبْدِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ (وَمِنْهَا) النِّتَاجُ فَإِنْ وُجِدَ حُدُوثُ الْوَلَدِ وَانْفِصَالِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِامْتِدَادِ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَالْكَسْبِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أو البيهمة حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ وَهَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا

مِنْ الثَّمَنِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) لَا كَالْأَعْضَاءِ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالْكَسْبِ كَمَا سَبَقَ بِلَا فَرْقٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ قِسْطٌ كَمَا لَوْ بِيعَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مَعَ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَعَ الْأُمِّ كَعَيْنَيْنِ بِيعَتَا مَعًا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي (وَمِنْهَا) الْعِتْقُ فَإِذَا أَعْتَقَ الْبَائِعُ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفُذْ إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَطْعًا وَكَذَا إنْ تَمَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فان تم البيع بان نفوذ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَفِي نفوذه الْعِتْقِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لَا يَنْفُذُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْبَائِعِ عَلَى الِاتِّصَالِ (وَالثَّانِي) يَنْفُذُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا كَالْمَوْهُوبِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ (وَالثَّانِي) يَنْفُذُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفُذُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَفِي الْحُكْمِ بِنُفُوذِهِ الْآنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفُذُ (فَإِنْ قلنا) ينفذ فهل ينفذ مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا مِنْ وَقْتِ الْإِجَازَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ لَكِنْ لَا يُرَدُّ الْعِتْقُ بَلْ إذَا فَسَخَ أَخَذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهَا لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إمَّا مُصَادِفُ مِلْكِهِ وَإِمَّا إجَازَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ وَفِيمَا إذَا فُسِخَ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ النَّاظِرُ إلَى الْمَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَيَنْفُذُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَطَلَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فقد اعتق

تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهُ وَرَتَّبَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِيلَادِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فقيل الاستيلاد أولى بالثوت وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا تَبْعُدُ التَّسْوِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ قِيمَةِ الولد على المشترى كالقول مِلْكِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَهُوَ كاعتاق المرهون والله أعلم * (ومنها) الوطئ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ فَفِي حِلِّهِ لِلْبَائِعِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَحَلَالٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ الْحِلِّ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ وَفِي ذَلِكَ عَوْدُ الْمِلْكِ إلَيْهِ مَعَهُ أَوْ قُبَيْلَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ قُلْنَا لَا مِلْكَ لَهُ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَجْهُ التَّحْرِيمِ ضَعْفُ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْحِلُّ إنْ جَعَلْنَا الْمِلْكَ لَهُ وَالتَّحْرِيمُ إنْ لَمْ نَجْعَلْهُ لَهُ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِلَا خلاف (وأما) وطئ الْمُشْتَرِي فَحَرَامٌ قَطْعًا وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى قَوْلٍ فَمِلْكٌ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَوْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ (وَأَمَّا) الْمَهْرُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَلْزَمْهُ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الْمَهْرِ لَهُ (وقال) أبو إسحق لا يجب نطرا إلَى الْمَالِ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَجَبَ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ أَوْ مَوْقُوفٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا مَهْرَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ * فَإِنْ أَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْوَلَدُ نَسِيبٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْأَقْوَالِ كلها لانه وطئ فِي مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي ثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ غيره بشهبة ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ النَّاظِرِ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ تَبَيَّنَّا ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ وَإِلَّا فَلَا فَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ الْقَوْلَانِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهُ فِي الْحَالِ وَتَمَّ الْبَيْعُ

فِي الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ اُعْتُبِرَتْ يوم الولادة فان وضعته ميتا لم تجب قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَذَا كله إذ اكَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ للمشترى وحده فحكمه حل الوطئ لَهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِلِّهِ فِي طَرَفِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وأما البائع فيحرم عليه الوطئ هُنَا فَلَوْ وَطِئَ فَالْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي طَرَفِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَأَحْبَلَهَا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَفِي بُطْلَانِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ انْبَرَمَ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَاخْتَارَ الْبَائِعُ الْإِجَازَةَ فَكَذَلِكَ فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَلْ يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ فَالِاسْتِيلَادُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ وَالْأَبِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْسَخُ الِاسْتِيلَادُ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ فَسْخُهُ اسْتَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَمِنْهَا) بَيْعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهِبَتُهُمَا وَسَائِرُ عُقُودِهِمَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ أعلم * (فرع) إذا اشتري عبد الجارية ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَائِعِ نَافِذٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْفَسْخِ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِنَفَاذِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا فَسْخٌ فَقُدِّمَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَخَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ (وَالثَّالِثُ) لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِبَائِعِ الْعَبْدِ وحده فالمتعق بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ مُشْتَرٍ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَارِيَةِ بَائِعٌ وَالْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي إعْتَاقِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ فَإِنْ فَسَخَ صَاحِبُهُ نَفَذَ فِي الْجَارِيَةِ وَإِلَّا فَفِي الْعَبْدِ * وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَأَعْتَقَهُمَا مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَلْيُقَسْ الْحُكْمُ بِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ دُونَ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ

وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَفِي الثَّانِي الْجَارِيَةُ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذا اعتق الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إنْ قلنا) الخيار يمنع نَفَذَ عِتْقُهُ فِيمَا بَاعَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْنَعُ قُلْنَا لَهُ عَيِّنْ أَحَدَهُمَا لِلْعِتْقِ فَإِنْ عَيَّنَ مَا اشْتَرَاهُ كَانَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنْ عَيَّنَ فِيمَا بَاعَ نَفَذَ قطعا * قال المصنف رحمه الله * (وان كان المبيع جارية لم يمنع البائع من وطئها لانها باقية على ملكه في بعض الاقوال ويملك ردها إلى ملكه في بعض الاقوال فإذا وطئها انفسخ البيع ولا يجوز للمشترى وطؤها لان في أحد الاقوال لا يملكها وفى الثاني مراعى فلا يعلم هل يملكها أم لا وفي الثالث يملكها ملكا غير مستقر فان وطئها لم يجب الحد وان أحبلها ثبت نسب الولد وانعقد الولد حرا لانه إما أن يكون في ملك أو شبهة ملك * وأما المهر وقيمة الولد وكون الجارية أم ولد فانه يبنى على الاقوال فان اجاز البائع البيع بعد وطئ المشترى وقلنا ان الملك للمشترى أو موقوف لم يلزمه المهر ولا قيمة الولد وتصير الجارية أم لولد لانها مملوكة (وان قلنا) ان الملك للبائع فعليه المهر وقال أبو إسحق لا يلزمه كما لا تلزمه أجرة الخدمة والمذهب الاول لانه وطئ في ملك البائع ويخالف الخدمة فان الخدمة تستباح بالاباحة والوطئ لا يستباح وفى قيمة الولد وجهان (أحدهما) لا تلزمه لانها وضعته في ملكه والاعتبار بحال الوضع الا ترى أن قيمة الولد تعتبر حال الوضع (والثانى) تلزمه لان العلوق حصل في غير ملكه والاعتبار بحال العلوق لانها حالة الاتلاف وانما تأخر التقويم إلى حالة الوضع لانه لا يمكن تقويمه في حل العلوق وهل تصير الجارية أم ولد فيه قولان كما قلنا فيمن احبل جارية غيره بشبهة فأما إذا فسخ البيع وعادت إلى ملكه (فان قلنا) ان الملك للبائع أو موقوف وجب عليه المهر وقيمة الولد ولا تصير الجارية في الحال ام ولد وهل تصير أم ولد إذا ملكها فيه قولان (وان قلنا) ان الملك للمشترى لم يجب عليه المهر لان الوطئ صادف ملك ومن أصحابنا من قال يجب لانه لم يتم ملكه عليها وهذا يبطل به إذا أجاز البائع البيع وعلى قول أبي العباس تصير

أم ولد كما تعتق إذا أعتقها عنده وهى ترجع البائع بقيمتها أو بالثمن فيه وجهان وقد بينا ذلك في العتق وعلى المنصوص أنها لا تصير أم ولد له لان حق البائع سابق فلا يسقط بأحبال المشترى فان ملكها المشترى بعد ذلك صارت أم ولد لانها إنما لم تصر أم ولد له في الحال لحق البائع فإذا ملكها صارت أم ولد * وان اشترى جارية فولدت في مدة الخيار بنينا على أن الحمل هل له حكم في البيع وفيه قولان (أحدهما) له حكم ويقابله قسط من الثمن وهو الصحيح لان ما أخذ قسطا من الثمن بعد الانفصال أخذ قسطا من الثمن قبل الانفصال كاللبن (الثاني) لا حكم ولا قسط له من الثمن لانه يتبعها في العتق فلم يأخذ قسطا من الثمن كالاعضاء (فان قلنا) إن له حكما فهو مع الام بمنزلة العينين المتبعتين فان أمضى العقد كانا للمشتري وان فسخ العقد كانا للبائع كالعينين المبيعتين (وان قلنا) لا حكم له نظرت فان أمضي العقد (وقلنا) ان الملك ينتقل بالعقد أو موقوف فهما للمشترى (وان قلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار فالولد للبائع فان فسخ العقد (وقلنا) إنه يملك بالعقد وانقضاء الخيار أو قلنا إنه موقوف فالولد للبائع (وإن قلنا) يملك بالعقد فهو للمشترى وقال أبو إسحق الولد للبائع لان على هذا القول لا ينفذ عتق المشترى وهذا خطأ لان العتق يفتقر إلى ملك تام والنماء لا يفتقر إلى ملك تام * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ وَسَبَقَ شَرْحُهَا في الفصل السابق والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن تلف البيع في يد المشترى في مدة الخيار فلمن له الخيار الفسخ والامضاء لان الحاجة التى دعت إلى الخيار باقية بعد تلف المبيع فان فسخ وجبت القيمة على المشترى لانه تعذر رد العين فوجب رد القيمة وإن أمضينا العقد (فان قلنا) إنه يملك بنفس العقد أو موقوف فقد هلك من ملكه (وان قلنا) يملك بالعقد وانقضاء الخيار وجب على يشترى قيمته والله أعلم) * (الشرح) قوله وجبت قيمته لو قَالَ وَجَبَ بَدَلُهُ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ

مِثْلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْخِيَارُ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لِمَنْ كَانَ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَالتَّلَفِ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ نُظِرَ إنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بُنِيَ عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هُنَاكَ فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ان شاء الله تَعَالَى (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَذَا هُنَا وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْبَدَلُ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْبَدَلُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجَعَلْنَا إتْلَافَهُ قَبْضًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ المتولي يبني على أن إتْلَافِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ أَمْ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَقَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَفِي انْفِسَاخِهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَفِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (إن قلنا) لا يبطل فَذَاكَ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ الْقِيمَةَ ورجع إليه الثمن * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ (وَقُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ أَيْضًا فَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْبَدَلَ وَهُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي كَيْفِيَّةِ غَرَامَةِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ فَوَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْفَسِخُ أَيْضًا لِحُصُولِ الْهَلَاكِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَا أَثَرَ لِوِلَايَةِ الْفَسْخِ كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُنَا نَقْطَعُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَفِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ كَمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَا لَا يمتنع التحالف بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَيُخَالِفُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ يَنْدَفِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ

اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ الثَّمَنُ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ تَنَازَعَا في قد رالقيمة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرُوا تَفْرِيعًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ حَتَّى انْقَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ فَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ واللع أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَبَضَهُمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الِانْفِسَاخِ في التالف الخلاف السابق فَإِنْ انْفَسَخَ جَاءَ فِي الْآخَرِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ بَقِيَ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ إذَا اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَفِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي الْبَاقِي الْوَجْهَانِ وَإِذَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِيهِ فَفُسِخَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَةِ التَّالِفِ * (فَرْعٌ) لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذا فرعنا عى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُسْتَرَدُّ الثَّمَنُ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ فِي سُقُوطِ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّلَفِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ * وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ. قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ يَدُ الْمُودِعِ حُكْمًا (قَالَ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجِبُ عَلَى البائع تسليم المبيع ولا على الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا عِنْدَهُ وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَدْفُوعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَهُ أَخْذُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) قَالَ (1) لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ فِي زمن الخيار فان تم القد

_ (1) كذا بالاصل

مسائل وفروع تتعلق بباب الخيار في البيع

وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ وَقَعَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ فَسَخَ (وَقُلْنَا) هُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَقَعَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ وَلَيْسَ له الوطئ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وفيه وجه ضعيف ان له الوطئ * قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ استبراؤها فيه وجهان بناء علي جواز الوطئ (إنْ حَرَّمْنَاهُ) وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ وَإِنْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْفَسِخُ لِحُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ بِحَالِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ فُسِخَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ أَوْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ * (فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ وَفُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ (مِنْهَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا (أَصَحُّهَا) الْمُرَادُ التَّخْيِيرُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يتخايرا في المجلس فيلزم الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّخَايُرِ وَلَا يَدُومُ إلَى الْمُفَارَقَةِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ فِيهِ بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ (وَالثَّالِثُ) مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فيلزم الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارٌ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ السَّابِقِ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ وَقُلْنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ فَهَذَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ الرِّوَايَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ مِنْ

الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْأُولَى ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِلَهُ وَضَعَّفَ مَا يُعَارِضُهَا ثُمَّ قَالَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى تَضْعِيفِ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ الْخِيَارُ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ قَطْعِ الْخِيَارِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِ الْخِيَارِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَيْعٌ شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ) ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَافِعًا رُبَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ وَرُبَّمَا فَسَّرَهُ قَالَ وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ هَذَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ بَيْعَ خِيَارٍ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ نَافِعٌ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه) هذا كلام البيهقى ومن قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ فِي جَامِعِهِ الْمَشْهُورِ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يُخَيِّرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَيْعِ فَإِذَا احضره فاختار البيع ليس لَهُمَا خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ وَمَنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ خِلَافًا صَحَّحَهُ وَنَقَلَ ابْنُ المنذر في الاشرف هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ بن عيينة وعبيد الله بن الحسن العنبري والشافعي واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فِي سِلْعَةٍ وَعَيْنٍ وَصَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ إلَى آخِرِهِ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلِطَ الْمُزَنِيّ فِي قوله سلعة وعين فانهما شئ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سَلَفٍ بِالْفَاءِ أَوْ عَيْنٍ وَأَرَادَ بِالسَّلَفِ السَّلَمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ تَأْوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ وَهُوَ تَمَامُ عَقْدِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ تَسْلِيمَهُ إلَى الْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مدة الخيار الى البائع وتسليم الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ * وَإِنَّمَا يسلم

بَعْدَهَا قَالَ لِأَنَّ قَبْضَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا وَسَلَفًا فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ثُمَّ فَسَخَا الْبَيْعَ اسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ الثَّمَنَ وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَالْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَ التَّسْلِيمِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ كَالْإِقَالَةِ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الْقَبْضُ تَصَرُّفٌ فَلَا يُسَلِّمُهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا يُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا * وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ مالك اسقاط الخيار لانه يتضمن الرضا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِالتَّسْلِيمِ الْخَلَاصُ مِنْ عُهْدَةِ ضَمَانِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ الْآخَرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ لِأَنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ فلا يسقط حق الحبس (والثانى) ليس له لِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حَقِّ الْحَبْسِ * (فَرْعٌ) إذَا أَلْحَقْنَا بِالْحَبْسِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقْصًا أَوْ زيادة خيار أو أجالا وَشَرَطَا نَقْدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يُلْحَقُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَنَذْكُرُهَا بِفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ البيع من الشروط (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَغْوٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَكَالْمُقَارِنِ وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَغْوٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إذَا تَقَابَضَا الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ثُمَّ تَفَاسَخَا لَزِمَهُمَا تَرْدَادُ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسُ مَا فِي يَدِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ إذَا طَلَبَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَرُدُّ حَتَّى تَرُدَّ أَنْتَ بَلْ إذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا بِالْمُطَالَبَةِ لَزِمَ الْآخَرَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّ مَا كَانَ فِي يَدِهِ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ فَإِنَّ

باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَدْفَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَسْخَ هُنَا رَفَعَ حُكْمَ الْعَقْدِ وَبَقِيَ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْيَدِ دُونَ الْعَقْدِ وَالْيَدُ تُوجِبُ الرَّدَّ وَهُنَاكَ التَّسْلِيمُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ وَزُفَرُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد ابن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَفُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ يَجُوزُ فِي كل شئ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَيَجُوزُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَفِي الْجَارِيَةِ وَنَحْوِهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَسَبْعَةٌ وَفِي الدَّارِ نَحْوُ الشَّهْرِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ إذَا تَبَايَعَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ مذهبنا بطلان البيع لان فيه غرر وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أحمد واسحق الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَأَنَّ الْخِيَارَ بَاطِلٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) قَالَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي إبْطَالِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ مدة تليق بذلك البيع والله أعلم* (بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ* (الاعيان ضربان نجس وطاهر فأما النجس فعلى ضربين في نفسه ونجس بملاقاة النجاسة فأما النجس في نفسه فلا يجوز بيعه وذلك مثل الكلب والخنزير والخمر والسرجين وما أشبه ذلك من النجاسات والاصل فيه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ تعالى حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) وروى أبو مسعود البدرى وأبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ثمن الكلب فنص على الكلب والخنزير والخمر والميتة وقسنا عليها سائر الاعيان النجسة) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما طَوِيلًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ (إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شحومها حملوه ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ) فَقَالَ حَمَلَهُ - بِالْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ - أَحْمَلَهُ أَيْ أَدَامَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَاسْمُ أَبِي مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزْوَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْبَدْرِيُّ لِأَنَّهُ سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يشهدها وقال محمد بن إسحق إما الْمَغَازِي وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ إمَامُ الْمَغَازِي وَغَيْرُهُمَا وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِهِ إنَّهُ شَهِدَهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ حَدِيثٍ وَحَدِيثَانِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تِسْعَةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثٍ وَمُسْلِمٌ بِسَبْعَةٍ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأَمَّا السِّرْجِينُ - فَبِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَبِالْجِيمِ - وَيُقَالُ بِالْقَافِ - بَدَلَهَا وَسَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا مَمْلُوكًا لِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ فَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَقَالَ النَّجِسُ ضَرْبَانِ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا والخمر والنبيد وَالسِّرْجِينِ وَالْعَذِرَةِ وَدُهْنِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَشَعْرِهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَكَذَا

رِيشُهَا وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ نَجِسٌ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا * وَدَلِيلُ المسألة ما ذكره المنصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْفَيْلَجُ - بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ - هُوَ الْقَزُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي بَاطِنِ الدُّودِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ قَالُوا وَسَوَاءٌ بَاعَهُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا وَسَوَاءٌ كَانَ الدُّودُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ فَأْرَةِ الْمِسْكِ أَوْ بَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَدُودَةِ الْقَزِّ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَنَجَاسَتِهَا (أَصَحُّهُمَا) الطَّهَارَةُ وَجَوَازُ الْبَيْعِ (وَأَمَّا) دُودُ الْقَزِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ إيضَاحُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَزْرِ الْقَزِّ وَلَا دُودِهِ دَلِيلُنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ * (فَرْعٌ) فِي حُكْمِ لبن مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ذَكَرْنَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ نَجِسٌ (وَالثَّانِي) طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ جَازَ بَيْعُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) طَاهِرٌ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الْخَمْرِ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ المتولي المسألة مبينة عَلَى أَصْلٍ مَعْرُوفٍ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَنَا مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النجاسة *

(فَرْعٌ) لَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ سِرْجِينًا أَوْ ذَرْقَ حَمَامٍ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ دِبَاغِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ كَلْبًا مُعَلَّمًا حَتَّى قَالَ بِهِ عظائم تابعة مَالِكٌ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ جِرْوًا أَوْ كَبِيرًا وَلَا قِيمَةَ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهُ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ العلماء وهو مذهب أبى هريرة وحسن الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِ الْكِلَابِ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ وَإِنْ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةً وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ فَذَكَرَ كَسْبَ الْحَجَّامِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ غَرَّمَ رَجُلًا عَنْ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ * وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْفَهْدَ وَلِأَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم * وعن أبى حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَعَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ * وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ ابن الزُّبَيْرِ قَالَ (سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ

ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ إنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد صحيح حَسَنٍ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِيًا عِنْدَ الرُّكْنِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صحيح ولانه حَيَوَانٌ نَجِسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْخِنْزِيرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَهَكَذَا وَضَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهَا وَلِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ بَلْ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ فَارِقَةٌ بَيْنَهُمَا * وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْفَهْدِ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْكَلْبِ * والجواب عن قياسهم على الوصية أنها محتمل فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ وَالْآبِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا مَعْنَى لِمَنْ جَوَّزَ بيع الكلب لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْكِلَابِ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ خَبَرٌ عَارَضَ الْأَخْبَارَ النَّاهِيَةَ يَعْنِي خَبَرًا صَحِيحًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ فِي شرح مختصر المزني عن ابن العاص أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهُ جَائِزٌ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَكَرِهَتْ طائفة بيعه منهم أبو هريرة ومجاهد وطاووس وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَجَائِزٌ هذا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ فَقَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَوَجَدَ فِيهِ جَمِيعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ أَبِي العباس بن العاص وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الهرة الوحشية فلا يصح بيعها لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ أَكْلِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَلَى الْعَادَةِ بِتَسَامُحِ النَّاسِ فيه ويتعاوزونه فِي الْعَادَةِ فَهَذَانِ الْجَوَابَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدَانِ (وَأَمَّا) ما ذكره الخطابى وابن عبد الله أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَغَلَطٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُ ابْنِ عبد الله إنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَغَلَطٌ أَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ مسلم في صحيحه من رواية معقل ابن عبيد الله عن أبى الزبير فهذان ثقتان رواياه عن أبى الزبير هو ثِقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أجمع العلماء عل تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَشِرَائِهَا قَالَ واختلفوا في الانتفاع بسعر الْخَمْرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالشَّافِعِيُّ واحمد واسحق وَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ عَظْمَ الْفِيلِ نَجِسٌ سَوَاءٌ أُخِذَ مِنْهُ بَعْدَ ذكاته أو بعد مَوْتِهِ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ عِظَامَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ الْفِيلَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَعَلَى هَذَا إذَا ذُكِّيَ كَانَ عَظْمُهُ طَاهِرًا وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ بيعه ولا يحل ثمنه وبهذا قال طاووس وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَخَّصَ فيه عروة بن الزبير وابن سريج قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبُ مَنْ حَرَّمَ هُوَ الْأَصَحُّ * (فَرْعٌ) بَيْعُ سِرْجِينِ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ وَغَيْرِهَا وَذَرْقِ الْحَمَامِ بَاطِلٌ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان لله إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيْئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خُرِّجَ بِدَلِيلٍ كَالْحِمَارِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ فَإِنَّهُمْ وَافَقُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الماوردى أن بيعه إنما يفعله الجهلة والارزال فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً فِي دِينِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نَجِسٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ * (فَرْعٌ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ نَحْوُ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ حَكَى بُطْلَانَ بَيْعِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ الْعَبْدَرِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ كِلَابٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ فَمَاتَ قُسِّمَتْ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَمَا يُقَسَّمُ السِّرْجِينُ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا * (فَرْعٌ) الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ * وَالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهَا من النجاسات جائزة بالاتفاق وفي إجازة الْكَلْبِ وَهِبَتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ وَسَنُوَضِّحُ كُلَّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَيُورَثُ الْكَلْبُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ * (فَرْعٌ) قَالَ الدَّارِمِيُّ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْكِلَابِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ إذَا مَاتَ وَخَلَفَ كِلَابًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَسَّمُ بِالْقِيمَةِ قال وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ (وَالثَّانِي) يُقَسَّمُ عَلَى طَرِيقِ الِانْتِفَاعِ وَقِيلَ عَلَى طَرِيقِ نَقْلِ الْيَدِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُقَسَّمُ بَلْ يُتْرَكُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ خَلَفَ وَرَثَةً وَجَوْهَرَةً لَا تُقَسَّمُ بَلْ تُتْرَكُ بَيْنَهُمْ هَذَا مَا حَكَاهُ البغوي (والاصح) أنها تقسم باعتبار قيتمها عند ما يُرَى لَهَا قِيمَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله * (فأما اقتناؤها فينظر فيه فان لم يكن فيها منفعة مباحة كالخمر والخنزير والميتة والعذرة لم يجز اقتناؤها لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سأل رجل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ تصنع خلا فكرهه وقال أهرقها) ولان اقتناء ما لا منفعة فيه سفه فلم يجز فان كان فيه منفعة مباحة كالكلب

جاز اقتناؤه للصيد والماشية والزرع لما روى سالم بن عبد الله عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ ماشية نقص من أجره يوم قيراطان) وفى حديث أبى هريرة (إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع) ولان الحاجة تدعو إلى الكلب في هذه المواضع فجاز اقتناؤه وهل يجوز اقتناؤه لحفظ الدروب فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز للخبر (والثاني) يجوز لانه حفظ مال فأشبه الزرع والماشية وهل يجوز لمن لا يصطاد أن يقتنيه ليصطاد به إذا أراد فيه وجهان (أحدهما) يجوز للخبر (والثانى) لا يجوز لانه لا حاجة به إليه وهل يجوز اقتناء الجرو للصيد والماشية والزرع فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه ليس فيه منفعة يحتاج إليها (والثانى) يجوز لانه إذا جاز اقتناؤه للصيد جاز اقتناؤه لتعليم ذلك (وأما) السرجين فانه يكره اقتناؤه وتربية الزرع به لما فيه من مباشرة النجاسة) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سئل عن الخمر يتخذ خَلًّا فَقَالَ لَا وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ فِي إرَاقَةِ الْخَمْرِ (مِنْهَا) حَدِيثٌ لِأَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا فمن كان عنده منها شئ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ فَمَا لَبِثْنَا إلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ ادركته هذه الآية وعنده منها شئ فَلَا يَشْرَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا

فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا قَالَ لَا فَسَارَرَ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ قَالَ أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا فَقَالَ إنَّ الَّذِي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزاد حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَهُ أَبُو طَلْحَةَ أَنْ يُرِيقَ الْخَمْرَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَرَاقَهَا) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ فِي بَعْضِهَا نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وَفِي بَعْضِهَا قِيرَاطٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقِيرَاطُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ يَنْقُصُ مِنْ مَاضِي عَمَلِهِ وَقِيلَ مِنْ مستقبله قال واختلفوا في محل نقص القراطين فَقَالَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيلَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ هَذَا كَلَامُهُ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي قِيرَاطٍ وَقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِنَوْعَيْنِ مِنْ الْكِلَابِ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا أَوْ لِمَعْنًى فِيهِمَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَالْقِيرَاطُ فِي غَيْرِهَا أَوْ الْقِيرَاطَانِ فِي الْقُرَى وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَرَارِيِّ أَوْ أَنَّهُ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظَ فَذَكَرَ قِيرَاطَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا مَعَ سَبَبِ النَّقْصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَسَالِمٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ * وَالْجِرْوُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَمَّهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ عَدْوَى تَعْدُو النَّاسَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ عَدْوَى وَجَبَ قَتْلُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ قَتْلُهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ قَتْلُهُ ويجوز ارساله

وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهُنَاكَ نَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) اقْتِنَاؤُهُ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ الْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَقَالَ المصنف ومن بايعه لَا يَجُوزُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ (الثَّالِثَةُ) الْخَمْرُ ضَرْبَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمُحْتَرَمَةُ يَجُوزُ إمْسَاكُهَا وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَحْرُمُ إمْسَاكُهَا وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَدَلِيلُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَالْوُقُودُ بِهِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ وَالْبُقُولِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَشَارَ الرُّويَانِيُّ إلَى وَجْهٍ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا مَكْرُوهٌ وَسَبَقَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بيان حكم الزرع والبقل النابت مِنْهُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْمَاشِيَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إلَّا لِلصَّيْدِ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي جَوَازِ إيجَادِهِ فِي السَّفَرِ لِلْحِرَاسَةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَفِي جَوَازِ تَرْبِيَةِ الْجِرْوِ لِلصَّيْدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبَاحُ اقْتِنَاءُ الْكَبِيرِ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ * وَلَوْ أَرَادَ إيجَادَ الْكَلْبِ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ وَلَا يَصْطَادُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ لِيَحْفَظَ الزَّرْعَ أو الماشية إذا صارا لَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ الْكَبِيرِ لِتَعَلُّمِ الصَّيْدِ وغيره وانما الوجهان في الجر و (أَمَّا) إذَا اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصْطَادَ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بعد فظاهر كلام الجمهور القطع بتحريمه وذكر صاجب الشَّامِلِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَلْبُ صَيْدٍ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ) (وأصحهما)

لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اقْتِنَاءٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْكِلَابِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا كَلْبًا يَصْطَادُ بِهِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَيْضًا * (فَرْعٌ) أَمَّا اقْتِنَاءُ وَلَدِ الْفَهْدِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ طَرِيقَيْنِ (الْمَذْهَبُ) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْكَلِبُ يُقْتَلَانِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ عَقُورًا وَلَا كَلِبًا لم يجر قَتْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَمْ لَا وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ منسوخ فلا يحل قتل شئ مِنْهَا الْيَوْمَ لَا الْأَسْوَدُ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا الكلب والعقور * قال المصنف رحمه الله * (وأما النجس بملاقاة النجاسة فهو الاعيان الطاهرة إذا إصابتها نجاسة فينظر فيها فان كان جامدا كالثوب وغيره جاز بيعه لان البيع يتناول الثوب وهو طاهر وإنما جاورته النجاسة وإن كان مائعا نظرت فان كان مما لا يطهر كالخل والدبس لم يجز بيعه لانه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة فلم يجز بيعه كالاعيان النجسة وإن كان ماء ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز بيعه لانه نجس لا يطهر بالغسل فلم يجز بيعه كالخمر (والثانى) يجوز بيعه لانه يطهر بالماء فأشبه الثوب * فان كان دهنا فهل يطهر بالغسل فيه وجهان (أحدهما) لا يطهر لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يطهر كالخل (والثانى) يطهر لانه يمكن غسله بالماء فهو كالثوب (فان قلنا) لا يطهر لم يجز بيعه كالخل (وإن قلنا) يطهر ففى بيعه وجهان كالماء النجس ويجوز استعماله في السراج والاولى أن لا يفعل لما فيه من مباشرة النجاسة) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يَطْهُرْ كَالْخَلِّ هَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ لانه

يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ طَهَارَةِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ وَالدُّهْنِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ الْعَصْرِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فِي طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ مِنْ النَّجَاسَةِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُتَنَجِّسَةً بِعَارِضٍ وَهِيَ جَامِدَةٌ كَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَالسِّلَاحِ وَالْجُلُودِ وَالْأَوَانِي وَالْأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ * قَالَ أَصْحَابُنَا فان تستر شئ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْوَارِدَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ مَائِعَةً فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَالدِّبْسِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ (وَأَمَّا) الصِّبْغُ النَّجِسُ فَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْخَلِّ ونحوه وشذ المتولي فحكي فِيهِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي جواز بيعه طريقين كَالزَّيْتِ النَّجِسِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ الزَّيْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَصْبُغُ النَّاسُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُونَ الثَّوْبَ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَ الشَّاذَّ فِي جَوَازِ بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْخَلِّ الْمُتَنَجِّسِ قَالَ لِأَنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ * (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ النَّجِسِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ كَالْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ (الرَّابِعَةُ) الدُّهْنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ نَجِسُ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (والضرب الثاني) متنجس بالمجاورة كالزيت والسيرج وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ هَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) يَطْهُرُ كُلُّهُ (وَالثَّانِي) لَا يَطْهُرُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ الزَّيْتُ وَنَحْوُهُ وَلَا يَطْهُرُ السَّمْنُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ والصحيح عند الاصحاب أنه لا يطهر شئ مِنْ الْأَدْهَانِ بِالْغَسْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى وهو

مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَطْهُرُ الْجَمِيعُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ * قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ بيعه وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ * قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا تَخْرِيجٌ بَاطِلٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ (إنْ قُلْنَا) يطهر الدهن بالغسل جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَجْهًا وَاحِدًا كَالثَّوْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُطَهِّرُ فَوَجْهَانِ وَهَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ ولم اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مُنْفَرِدَانِ به فلا يعتد به ولا يغترن بالله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقُهُ أَنْ يُرَاقَ الدُّهْنُ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَيُحَرَّكُ أَشَدَّ تَحْرِيكٍ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِاشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّهُ إنْ أَوْرَدَ الدُّهْنَ عَلَى الْمَاءِ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ وَإِنْ أَوْرَدَ الْمَاءَ لَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ قُلَّتَيْنِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْغَلَبَةُ لِلدُّهْنِ كَمَا فِي غَسْلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ * (فَرْعٌ) مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ الْحَدِيثُ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَسْلِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ * (فَرْعٌ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ (وَالثَّانِي) تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُلَابَسَتِهِ وَمُلَابَسَةِ دُخَانِهِ وَدُخَانُهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ جَارٍ فِي الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ وَالشَّيْرَجِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ بِعَارِضٍ وَفِي ودك

الْمَيْتَةِ أَيْضًا (وَالصَّحِيحُ) فِي الْجَمِيعِ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدِي فَإِنْ كَانَ السِّرَاجُ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ النَّجِسُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُلْقِي دُخَانَهُ الْمُتَنَجِّسَ بِهِ فَلَسْتُ أَرَى لِتَحْرِيمِ هَذَا وَجْهًا فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَاتِ لَا يُمْنَعُ وَكَيْفَ يُمْنَعُ مَعَ تَجْوِيزِ تَزْبِيلِ الْأَرْضِ وَتَدْمِيلِهَا بِالْعَذِرَةِ (قَالَ) وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ نَاشِئٌ مِنْ لُحُوقِ الدُّخَانِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرهُ (أَمَّا) رَمَادُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَنَجَسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ إذَا أُحْرِقَتْ وَقُلْنَا رَمَادُهَا نَجِسٌ فَفِي دُخَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَجِسٌ وَبِهِ كَانَ يَقْطَعُ شَيْخِي (وَأَمَّا) الدُّهْنُ النَّجِسِ فِي عَيْنِهِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ فَفِي دُخَانِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) الدُّهْنُ الْمُتَنَجِّسُ بِعَارِضٍ فَدُخَانُهُ أَجْزَاءُ الدُّهْنِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَنَجَّسَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِالدُّخَانِ فَيَظْهَرُ فِي هَذَا الدُّخَانِ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ فَإِنَّ الَّذِي خَالَطَ الدُّهْنَ يَتَخَلَّفُ قَطْعًا وَالدُّخَانُ مَحْضُ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ قَالَ وَلَا يُمْنَعُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ وَإِنْ بَعُدَ السِّرَاجُ لِأَنَّ هَذَا مُمَارَسُ نجاسة مع الاسغناء عَنْهَا بِخِلَافِ التَّزْبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ شئ فَكَانَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ وَالسَّمْنِ النَّجِسِ * ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ وَكَمَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ دُونَ السَّمْنِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْكَلْبِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الله إذا حرم على قوم أكل شئ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ طُرُقِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالثَّوْبِ هِيَ اللُّبْسُ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَالْمَنْفَعَةُ

الْمَقْصُودَةُ بِالزَّيْتِ الْأَكْلُ وَهُوَ حَرَامٌ (وَأَمَّا) جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِلْجَوَارِحِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا (وَأَمَّا) الْوَصِيَّةُ بِهِ فَمَبْنَاهَا عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا احْتَمَلَتْ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) الصَّدَقَةُ فَكَالْوَصِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إنْ صَحَّحْنَاهَا وَفِيهَا خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أصحابنا لا تجوز هبة الزيت النجس والا التَّصَدُّقُ بِهِ قَالَ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ (فَأَمَّا) عَلَى سَبِيلِ نَقْلِ الْيَدِ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَلْبِ هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ بِجَوَازِ نَقْلِ الْيَدِ فَهُوَ كَمَا قال ولا يجئ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا تَمَلُّكُهُ بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلْبِ وَأَوْلَى بالجواز * قال المصنف رحمه الله * (وأما الاعيان الطاهرة فضربان ضرب لا منفعة فيه وضرب فيه منفعة (فأما) ما لا منفعة فيه فهو كالحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد والطيور التى لا تؤكل ولا تصطاد كالرخمة والحدأة وما لا يؤكل من الغراب فلا يجوز بيعه لان مالا منفعة فيه لا قيمة له فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل وبذل العوض فيه من السفه) * (الشَّرْحُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ (أحدهما) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَهَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ سَبَبَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقِلَّةُ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ ما لا قَالُوا وَلَا يُنْظَرُ إلَى حُصُولِ النَّفْعِ بِهِ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا إلَى مَا قَدْ يُفْرَضُ مِنْ وَضْعِ الْحَبَّةِ فِي فَخٍّ يُصْطَادُ بِهِ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ لَا تُقْصَدُ قال أصحابنا ولا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ زَمَنِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ صُبْرَةِ الْغَيْرِ فَإِنْ أَخَذَهَا كَانَ عَاصِيًا وَلَزِمَهُ رَدُّهَا فَإِنْ تلفت فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهَا إذْ لَا مَالِيَّةَ لَهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ وَهَذَا الَّذِي ذكرناه من بطلان بيع الحبة مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَشَذَّ المتولي

فَحَكَى وَجْهًا " ضَعِيفًا " أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَيْسَ بشئ (السَّبَبُ الثَّانِي) الْحَيَّةُ كَالْحَشَرَاتِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَيَوَانُ الطَّاهِرُ الْمَمْلُوكُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قِسْمَانِ (قِسْمٌ) يُنْتَفَعُ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالظِّبَاءِ والغزلان والصقور والبراة وَالْفُهُودِ وَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْعُقَابِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِلَوْنِهِ كالطاوس أو صوته كالزرزوز وَالْبَبَّغَاءِ وَالْعَنْدَلِيبِ وَكَذَلِكَ الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالْهِرَّةُ وَدُودُ الْقَزِّ وَالنَّحْلِ فَكُلُّ هَذَا وَشَبَهُهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ النَّحْلِ هُوَ إذَا شَاهَدَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَإِنْ لَمْ يُشَاهِدَا جَمِيعَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ بلا خلاف لانه يؤول إلى المنفعة والله تعالى أَعْلَمُ * (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ كَالْخَنَافِسِ والعقارب والحيات والديدان والفأر وَالنَّمْلِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا نَظَرَ إلَى مَنَافِعِهَا الْمَعْدُودَةِ مِنْ خَوَاصِّهَا لِأَنَّهَا منافع تافهة * قال أصحابنا وفى معناها السِّبَاعُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ وَلَا الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَلَا تُؤْكَلُ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَأَشْبَاهِهَا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لَهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ * وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا بِالدِّبَاغِ مُتَوَقَّعٌ وَضَعَّفُوا هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَمَنْفَعَةُ الْجِلْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ النَّجِسِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ مُمْكِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّمْلِ فِي عَسْكَرِ مُكْرَمٍ وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْمَشْرِقِ قَالَ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ السُّكَّرُ وَبِنَصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ يُعَالَجُ بِهِ الْعَقَارِبُ الطَّيَّارَةُ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْحِدَأَةُ وَالرَّخَمَةُ وَالنَّعَامَةُ وَالْغُرَابُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَ فِي أَجْنِحَةِ بَعْضِهَا فَائِدَةٌ جَاءَ فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي بَيْعِ السِّبَاعِ لِجُلُودِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْجُلُودَ تُدْبَغُ وَلَا سبيل

إلَى تَطْهِيرِ الْأَجْنِحَةِ (قُلْتُ) وَجْهُ الْجَوَازِ عَلَى ضَعْفِهِ الِانْتِفَاعُ بِرِيشِهَا فِي النَّبْلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي النَّبْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْيَابِسَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْعَلَقُ وَهُوَ هَذَا الدُّودُ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَعَادَتُهُ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ غَلَبَةُ الدَّمِ فَيَمُصُّ دَمَهُ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَآخَرُونَ يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا مَقْصُودًا وَهُوَ امْتِصَاصُهُ الدَّمَ مِنْ الْعُضْوِ الْمُتَأَلِّمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي (أصحهما) يجوز (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُؤْذٍ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّمِنِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْحِمَارُ الزَّمِنُ وَالْبَغْلُ الزَّمِنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ في بيع السباع التى لا تصطاد * * قال المصنف رحمه الله * (واختلف أصحابنا في بيع دار لا طريق لها أو بيع بيت من دار لا طريق إليه فمنهم من قال لا يصح لانه لا يمكن الانتفاع به فلم يصح بيعه ومنهم من قال يصح لانه يمكن أن يحصل له طريق فينتفع به فيصح بيعه) * (الشَّرْحُ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ * قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ لَوْ بَاعَ أَرْضًا مُعَيَّنَةً مَحْفُوفَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ فَإِنْ شَرَطَ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الْمَمَرِّ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِالْمَمَرِّ وَإِنْ شَرَطَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ مُعَيَّنٍ صَحَّ الْبَيْعُ فَإِنْ قَالَ بِعْتُهَا بِحُقُوقِهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْمَمَرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَطْلَقَ بَيْعَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَمَرِّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْمَمَرَّ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَمَرِّ وَفِيهِ وجهان (أصحهما)

بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَمَرِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَبِيعَةُ مُلَاصِقَةً لِلشَّارِعِ صَحَّ الْبَيْعُ وَمَرَّ الْبَائِعُ إلَيْهَا مِنْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ لَهُ سُلُوكُ مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهَا الدُّخُولُ مِنْ الشَّارِعِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاصِقَةً مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ الْمُرُورُ فِيمَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ بَلْ يَدْخُلُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ الْقَدِيمِ الْمُلَاصِقِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احْتِمَالًا قَالَ وَالصُّورَةُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا فَلَهُ الْمَمَرُّ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا فَلَهُ الْمَمَرُّ لِأَنَّ الْمَمَرَّ كَانَ ثَابِتًا فَبَقِيَ فَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ الْمَمَرِّ نُظِرَ إنْ أَمْكَنَ إيجَادُ مَمَرٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قطع بعضهم كمن ذراعا من ثوب تنقص قيمته بقطعه * قال المصنف رحمه الله * (وأما ما فيه منفعة فلا يجوز بيع الحرمنه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (قال ربكم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطابي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَّا قَوْلَهُ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ ضعيف ومعنى أعطابى عَاهَدَ إنْسَانًا بِي وَبَيْعُ الْحُرِّ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع أم الولد لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع أمهات الاولاد ولانه استقر لها حق الحرية وفى بيعها إبطال ذلك فلم يجز) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (1) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا هِبَتُهَا وَلَا رَهْنُهَا وَلَا الْوَصِيَّةُ بِهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَثَّلَ الْقَوْلَ فِي بَيْعِهَا فِي الْقَدِيمِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَإِنَّمَا مَثَّلَ القول أشارة إلى مذهب

_ (1) بياض بالاصل

غيره وقال كثيرون من الخراسانيون لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الْقَدِيمِ هل يعتق بِمَوْتِ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) نَعَمْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَالْمُدَبَّرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعْتِقَ مِنْ الثُّلُثِ قُلْتُ الْأَقْوَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَقَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِي نَقْضِ قَضَائِهِ وَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُنْقَضُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خِلَافٍ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ ارْتَفَعَ وَصَارَ الْآنَ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد جَوَازَ بَيْعِهَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ الْآنَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِخِلَافِ دَاوُد وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا خِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقِيَاسَ وَشَرْطُ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ أَيْضًا بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَلَكِنَّ الشِّيعَةَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ) وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَحِينَئِذٍ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَسْخِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ (مِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ (بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى رواية (قال كنا نبيع سرارينا أمهات أولاد وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْعَهَا كَانَ مُبَاحًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ النَّهْيُ

إلَى زَمَنِ عُمَرَ فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ النَّهْيُ نهاهم والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله (ويجوز بيع المدبر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رجلا دبر غلاما له ليس له مال غيره فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يشتريه منى فاشتراه نعيم) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أعتق غلاما له عن دين لَمْ يَكُنْ لَهُ غُلَامٌ غَيْرَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عبد الله كان عبدا قبطيامات عَامَ أَوَّلَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي وِلَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ الْمُدَبَّرَ (قَوْلُهُ) نُعَيْمٌ هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ - (وَقَوْلُهُ) النَّحَّامُ - هُوَ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نُعَيْمٌ فَقَطْ وَفِي بَعْضِهَا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ فَالنَّحَّامُ هُوَ نُعَيْمٌ وَمَعْنَى النَّحَّامِ السَّعَّالُ وَهُوَ الَّذِي يَسْعُلُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ سَمِعْتُ نَحْمَتَكَ فِي الْجَنَّة أَيْ سُعْلَتَكَ وَقِيلَ هِيَ النَّحْنَحَةُ وَكُلُّ هَذَا صِفَةٌ لِنُعَيْمٍ لَا لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ نُعَيْمٌ قَدِيمًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وقيل ثمانية وثلاثين وكان جواد أو استشهد يَوْمَ أَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَاسْمُ هَذَا الْغُلَامِ الْمُدَبَّرِ يَعْقُوبُ وَاسْمُ سَيِّدِهِ مُدَبِّرِهِ أَبُو مدكور وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ثَمَنِهِ أم لا وسواء كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا هَذَا مَذْهَبُنَا وبه قالت عائشة أم المؤمنين ومجاهد وطاووس وعمر بن عبد العزيز وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ يَجُوزُ إذَا احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ سَيِّدُهُ وَقَالَ أبو حنيفة ان كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الحجاز والشام

وَالْكُوفَةِ * وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بيعه بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز بيع المعتق بصفة لانه ثبت له العتق بقول السيد وحده فجاز بيعه كالمدبر وفى المكاتب قولان (قال) في القديم يجوز بيعه لان عتقه غير مستقر فلا يمنع من البيع وقال في الجديد لا يجوز لانه كالخارج من ملكه ولهذا لا يرجع أرش الجناية عليه إليه فلم يملك بيعه كما لو باعه * ولا يجوز بيع الوقف لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال أصاب عمر رضى الله عنه أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر صدقة لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) ثَبَتَ لَهُ الْعِتْقُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ احْتِرَازٌ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ (وَقَوْلُهُ) وَحْدَهُ احْتِرَازٌ من المكاتب وفى الفصل ثلاث مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِي الْمُدَبَّرِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَةُ مُحَقَّقَةَ الْوُجُودِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مُحْتَمَلَةً كَدُخُولِ الدَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) بَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ (الثَّالِثَةُ) فِي بَيْعِ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بُطْلَانُهُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ السيد النجوم التى على الكاتب وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَأَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ (نَصٌّ) فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُشْتَرِي (وَنَصٌّ) فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) يَعْتِقُ لِأَنَّ السَّيِّدَ سُلْطَةٌ عَلَى الْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ زَاعِمًا أَنَّهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ في يدء ضمنه بخلاف الوكيل وقال أبو إسحق المروزى النصان على حالين فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ خُذْهَا مِنْهُ أَوْ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ ادْفَعْهَا إلَيْهِ صَارَ وَكِيلًا وَعَتَقَ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ فَلَا وَقِيلَ إن أبا اسحق عَرَضَ هَذَا الْفَرْقَ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ فَلَمْ يَرْتَضِهِ وَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ وَقَالَ هُوَ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَأْذَنُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْوَكَالَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ فَمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي يُسَلِّمُهُ إلَى السَّيِّدِ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَوَكِيلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعْتِقُ طَالَبَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ بِالنُّجُومِ وَاسْتَرَدَّهَا الْمُكَاتَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ أَصْحَابُنَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ إنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ فَاسْتَخْدَمَهُ الْمُشْتَرِي مُدَّةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُكَاتَبِ وَهَلْ عَلَى السَّيِّدِ أن يمهله قدر المدة التى كان فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَا إذا استخدمه السيد أبوحبسه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (أَمَّا إذَا قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ وَإِنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ فَفِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْقَى وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَكَانُهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ النُّجُومَ عَتَقَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي جَمْعًا بَيْنَ الْحُقُوقِ (وَالثَّانِي) يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ وَيَكُونُ انْتِقَالُهُ بِالشَّرْيِ كَانْتِقَالِهِ بِالْإِرْثِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ فَيَنْتَقِلُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ أَوْ مَجَّانًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ الْعِتْقُ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَيَكُونُ ذلك افتداء منه كاخلاع الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ وَسَتَأْتِي المسألة مبسوطة مع نظائرها فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِيبَ كِتَابِ الظِّهَارِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا لَا يُعْتِقُ عَبِيدَهُ وَلَا يُزَوِّجُ إمَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ العين الموقوفة * ذكرنا ان مذهبنا بطلان بيعها سواء

حكم بصحته حاكم اولا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أبا حنيفة فقال يجوز بيعه ما لم يحكم بصحته حاكم * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ (أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا باذن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مسلم مِنْ طُرُقٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا رَضِيَتْ هِيَ وَأَهْلَهَا بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ بَاعُوهَا * (فَرْعٌ) ضَبَطُوا مَا بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ فَكُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ لَيْسَ بِحُرٍّ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاحْتَرَزُوا بِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ وَبِالْمَنْفَعَةِ عَنْ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْحِمَارِ الزمن والسباع وبالمال عن الجحش الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْقُوفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْجَانِي وَقَوْلُهُمْ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ والموصى به * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز بيع ما سوى ذلك من الاعيان المنتفع بها من المأكول والمشروب والملبوس والمشموم وما ينتفع به من الحيوان بالركوب والاكل والدر والنسل والصيد والصوف وما يقتنيه الناس من العبيد والجوارى والاراضي والعقار لاتفاق أهل المصار في جميع الاعصار على بيعها من غير انكار ولا فرق فيها بين ما كان في الحرم من الدور وغيره لما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر نافع بن عبد الحرث أن يشتري دارا بمكة للسجن من صفوان بن أمية فاشتراها باربعة آلاف درهم ولانه أرض حية لم يرد عليها صدقة مؤبدة فجاز بيعها كغير الحرم) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ مَشْهُورٌ رَوَاهُ البيهقى وغيره ونافع هذا صحابي هكذا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيُّ صُحْبَتَهُ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ صُحْبَتُهُ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وأقام بمكة

وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخطاب على مكة والطائف وفيها سَادَاتُ قُرَيْشٍ وَثَقِيفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَبُو وَهْبٍ وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خُزَامَةَ بْنِ جُمَحٍ الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ أَسْلَمَ بَعْدَ شُهُودِهِ حُنَيْنًا كَافِرًا وَكَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَشَهْدَ الْيَرْمُوكَ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ عَامَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ أَرْضٌ حَيَّةٌ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) أَرْضٌ حَيَّةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَوَاتِ (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا الَّتِي لَيْسَتْ حُرًّا وَلَا مَوْقُوفًا وَلَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا مُكَاتَبَةً وَلَا مَرْهُونًا وَلَا غَائِبًا وَلَا مُسْتَأْجَرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَالْمَلْبُوسُ وَالْمَشْمُومُ وَالْحَيَوَانُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ بِرُكُوبِهِ أو دره ونسله أو صوفه كَالْعَنْدَلِيبِ وَالْبَبَّغَاءِ أَوْ بِحِرَاسَتِهِ كَالْقِرْدِ أَوْ بِرُكُوبِهِ كالفيل أو بامتصامة الدَّمَ وَهُوَ الْعَلَقُ وَفِي مَعْنَاهُ دُودُ الْقَزِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فَكُلُّ هَذَا يصح بيعه (الثانية) يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ إجَارَتُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَصْحَابِهَا يَتَوَارَثُونَهَا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْمِلْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَإِجَارَتِهَا وَرَهْنِهَا مَذْهَبُنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا أَمْ عَنْوَةً فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ أَصْحَابِهَا فَتُورَثُ وَتُبَاعُ وَتُكْرَى وَتُرْهَنُ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ عنوة فلا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ * وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ والباد) قالوا وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام) أي من بيت خديجة بقوله تَعَالَى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حرمها) قالوا أو المحرم لا يجوز بيعه وبحديث اسماعيل

ابن ابراهيم بن مهاجر عن أبيه عبد الله بن يابان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مكه مباح لا تباع وَلَا تُؤَجَّرُ بُيُوتُهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ * وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى عنها قالت (قلت يارسول اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يَظِلُّكَ مِنْ الشَّمْسِ قَالَ لَا إنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ حَرَامٌ وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَحَرَامٌ أَجْرُ بُيُوتِهَا) وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ (كَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم وَلَا أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ مِنْ احْتَاجَ سَكَنَ وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مِنًى مُبَاحٌ لِمَنْ سَبَقَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ فِي بَابِ الدَّفْنِ قَالُوا وَلِأَنَّهَا بُقْعَةٌ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا كَنَفْسِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ * وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ تَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْيَدِ وَالسُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَرْنَ فِي بيوتكن) (فَالْجَوَابُ) أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلِهَذَا لو قال هذا الدَّارُ لِزَيْدٍ حُكِمَ بِمِلْكِهَا لِزَيْدٍ وَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ السُّكْنَى وَالْيَدَ لَمْ يُقْبَلْ * وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ (أين ننزل من دارك في مكة فقال وهل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرْثِ دُورِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا * وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ (فَجَاءَ أبو سفيان فقال يارسول الله أبيدت حضراء قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِالْأَثَرِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ البيهقى وغيره (أن نافع ابن عبد الحرث اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ السِّجْنِ لعمر بن الخطاب رضى الله عنه باربع مائة وفى رواية باربعة آلاف) وروى الزبيربن بكار وغيره (أن حكيم بن حرام باع دار الندوة بمكة

_ (1) كذا بالاصل

مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَا أَبَا خَالِدٍ بِعْتَ مَأْثُرَةَ قُرَيْشٍ وَكَرِيمَتِهَا فَقَالَ هَيْهَاتَ ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ فَلَا مَكْرُمَةَ الْيَوْمَ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي الدَّرَاهِمَ) وَمِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً فَجَازَ بَيْعُهَا كَغَيْرِهَا * وَرَوَى البيهقي بأسناد عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ الشافعي بمكة يفتى الناس ورأيت اسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَاضِرَيْنِ فَقَالَ أحمد لاسحق تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاكَ مثله فقال اسحق لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَجَاءَ بِهِ فَوَقَفَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ إلَى أن قال ثم تقدم اسحق إلَى مَجْلِسِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ ترك لنا عقيل من دار فقال اسحق حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ وَعَطَاءٌ وَطَاوُوسٌ لَمْ يَكُونَا يَرَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِبَعْضِ مَنْ عَرَفَهُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أنت الذى يزعم أهل خراسان أنك فقيهم قال اسحق هَكَذَا يَزْعُمُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُكَ فِي مَوْضِعِكَ فَكُنْتُ آمُرُ بِفِرَاكِ أُذُنَيْهِ أَنَا أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت تقول قال طاووس والحسن وابراهيم هؤلاء يَرَوْنَ ذَلِكَ وَهَلْ لِأَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم أَفَتُنْسَبُ الدِّيَارُ إلَى مَالِكِينَ أَوْ غَيْرِ مَالِكِينَ فقال اسحق إلَى مَالِكِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ الْأَقَاوِيلِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَارَ الْحَجَّامِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال له اسحق سواء العاكف فيه والباد فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَالْمُرَادُ الْمَسْجِدُ خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ لَكَانَ لَا يَجُوزُ لاحد أن ينشد في دور مكة وفجاج ضَالَّةً وَلَا يَنْحَرَ فِيهَا اُلْبُدْنَ وَلَا يُلْقِيَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً فسكت اسحق وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَسَكَتَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ) (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عن أدلتهم فالجواب عن قوله سواء العاكف فيه والباد سَبَقَ الْآنَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَأَمَّا) قَوْله تعالى (هذه البلدة الذي

حرمها فَمَعْنَاهُ حَرَّمَ صَيْدَهَا وَشَجَرَهَا وَخَلَاهَا وَالْقِتَالَ فِيهَا كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاحاديث الصحيحة ولم يذكر شئ مِنْهَا مَعَ كَثْرَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دورها (وأما) حديث اسمعيل بن ابراهيم ابن مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ فَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَاتَّفَقُوا علي تضعيف اسمعيل وَأَبِيهِ إبْرَاهِيمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَوَاتِ مِنْ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) ضَعْفُ إسْنَادِهِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ هَذَا ضَعِيفٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ موقوف علي عبد الله بن عمر وَقَالُوا رَفْعُهُ وَهْمٌ هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (وَالثَّانِي) جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ عَادَتِهِمْ فِي إسْكَانِهِمْ مَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ بِالْإِعَارَةِ تبرعا وجود أو قد أَخْبَرَ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِشَأْنِ مَكَّةَ مِنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى الْإِرْثُ وَالْبَيْعُ فِيهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ (منا مباح من سَبَقَ) فَمَحْمُولٌ عَلَى مَوَاتِهَا وَمَوَاضِعِ نُزُولِ الْحَجِيجِ مِنْهَا (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَفْسِ الْمَسْجِدِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مُحَرَّمَةٌ مُحَرَّرَةٌ لَا تُلْحَقُ بِهَا الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَلِهَذَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ دُونَ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ لا يكره بيع شئ مِنْ الْمِلْكِ الطَّلْقِ إلَّا أَرْضَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ غَرِيبٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَرَمِ هُوَ في بيع الْأَرْضِ (فَأَمَّا) الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله * (ويجوز بيع المصاحف وكتب الادب لما روى عن عباس رضى الله عنه (أنه سئل

عن بيع المصاحف فقال لا بأس يأخذون أجور أيديهم ولانه طاهر منتفع به فهو كسائر الاموال) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَنَسْخِهِ بِالْأُجْرَةِ ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَالدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ الرُّويَانِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بَيْعَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَالصَّيْمَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ بَيْعُهُ قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ دُونَ الشِّرَاءِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شَرْيَ الْمُصْحَفِ وَبَيْعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا بَلْ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَى بَأْسًا بِالشِّرَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَنَحْنُ نكره بيعها وقال ابن المنذر في الاشرف اخْتَلَفُوا فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَبَيْعِهِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي بَيْعِهِ وَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ قَالَ وَكَرِهَ بَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا عَلْقَمَةُ وَابْنُ سيرين والنخعي وسريج وَمَسْرُوقٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي شِرَائِهَا وَكَرِهُوا بَيْعَهَا رُوِّينَا هَذَا عَنْ ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحق * وَقَالَ أَحْمَدُ الشَّرْيُ أَهْوَنُ وَمَا أَعْلَمُ فِي الْبَيْعِ رُخْصَةً قَالَ وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَكَمُ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ باسناده عن ابن عباس ومروان ابن الْحَكَمِ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ لِلتِّجَارَةِ فقالا لا نرى ان تجعله متجرا ولكن ما علمت بِيَدَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ * وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُصْحَفِ وَشِرَائِهِ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (اشْتَرِهِ وَلَا تَبِعْهُ) وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ (كَانَ يَمُرُّ بِأَصْحَابِ الْمَصَاحِفِ فَيَقُولُ نئس التِّجَارَةُ) وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ التَّابِعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَى جَلَالَتِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ تَعْظِيمًا لِلْمُصْحَفِ عَنْ أَنْ يبتذل بِالْبَيْعِ أَوْ يُجْعَلَ مُتَّجَرًا قَالَ

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّرْخِيصُ فِيهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ إنْ صَحَّ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ وَكُتُبِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَهَكَذَا كُتُبُ التَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ الْبَاطِلَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (واختلف اصحابنا في بيع بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لحمه من الطيور التى يجوز بيعها كالصقر والبازي فمنهم من قال هو طاهر ومنهم من قال هو نجس بناء على الوجهين في طهارة مني ما لا يؤكل لحمه ونجاسته (فان قلنا) ان ذلك طاهر جاز بيعه لانه طاهر منتفع به فهو كبيض الدجاج (وان قلنا) انه نجس لم يجز بيعه لانه عين نجسة فلم يجز بيعه كالكلب والخنزير) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَهُوَ كَالْعُصْفُورِ وَالنَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَمَّا) بَيْضُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَفِيهَا وجهان كمني ما لا يؤكل فيه وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَتُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الطُّيُورِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا فَزِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ لِلْأَصْحَابِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالرَّخَمَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى طَهَارَةِ هَذَا الْبَيْضِ وَنَجَاسَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ شَامِلٌ لِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يجوز بيع دود القولا بَيْضِهِ * (فُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ)

(فَرْعٌ) بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ جَائِزٌ عِنْدَنَا لَا كراهة فيه هذا المذهب وقطع به الاصحاب الا الماوردى والساشى وَالرُّويَانِيَّ فَحَكَوْا وَجْهًا شَاذًّا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنَّمَا يُرَبَّى بِهِ الصَّغِيرُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَالصَّوَابُ جَوَازُ بَيْعِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قال ولا نص للشافعي في المسألة هذا مذهبنا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وعن أحمد روايتان كالمذهبين * وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَبِأَنَّهُ فَضْلَةُ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَصِلًا كَشَعْرِ الْآدَمِيِّ ولانه لا يؤكل لحمها فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَالْأَتَانِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ لِلْآدَمِيِّ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْخُبْزِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُنْتَقَضٌ بِدَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غِذَاءٌ لِلْجَنِينِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ بَلْ يُولَدُ وَفَمُهُ مَسْدُودٌ لَا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه الْمَشِيمَةُ وَلِهَذَا أَجِنَّةُ الْبَهَائِمِ تَعِيشُ فِي الْبُطُونِ وَلَا حَيْضَ لَهَا وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَلَبَنِ الشَّاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِالْعَرَقِ (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ بَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بَيْعِهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِ الْعَصَافِيرِ وَبَيْعُ الطِّحَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ فِي الْعَادَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ الْبَيْضِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَعَنْ لَبَنِ الْأَتَانِ بأنه نجس بخلاف لبن الْآدَمِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ فَإِذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا بِغَيْرِ غِنَاءٍ وَأَلْفَيْنِ مَعَ الْغِنَاءِ فَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذكرها إمام الحرمين وغيره (اصحها) يَصِحُّ بَيْعُهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَزْدِيُّ لِأَنَّهَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا فَجَازَ بَيْعُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْأَلْفَ تَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلْغِنَاءِ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَصْدَ الْغِنَاءَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فلا قال الشيخ

أبو زيد المروزى * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقِيَاسُ السَّدِيدُ هُوَ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهُ فِي فُرُوعٍ مَبْتُورَةٍ عِنْدَ كِتَابِ الصَّدَاقِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بن زيد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) وَفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ هُوَ ثِقَةً وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بن شَيْبَةَ هُوَ وَاهِي الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ تَكَلَّمَ فِيهِ بعض أهل العلم في على بن يزيد وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي مِنْ كِتَابِ الْعِلَلِ لَهُ قَالَ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَخَلَطَ فِيهِ لَيْثٌ * (فرع) الكبش المتخذ للنطاح والديك المتخذ للهراس بينه وبين أم حُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ حُكْمُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِنْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ سَاذَجًا جَازَ وَإِنْ زَادَ بِسَبَبِ النطاح والهراس فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ بَيْعِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ الْقَيْنَةِ وَالْكَبْشِ الَّذِي يَصْلُحُ لِلنِّطَاحِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيطِ وَكَأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَذْكُرَهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ شَيْخُهُ إمَامُ الحرمين عند كتاب الصداق ثم نسبه حِينَ وَصَلَهُ * (فَرْعٌ) بَيْعُ إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ صَحِيحٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَتَأْتِي تَعَارِيفُهُ إنْ شَاءَ

الله تعالى في احياء الموات فإذا أصححنا بَيْعَ الْمَاءِ فَفِي بَيْعِهِ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ النَّهْرِ وَبَيْعِ التراب في الصحراء وبيع النجارة بين الشعاب الكبيرة الاحجار وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ جَمِيعُ شَرَائِطِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ (الثاني) بُطْلَانُهُ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ فِيهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ سَفَهٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا السُّمُّ إنْ كَانَ يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيَنْفَعُ قَلِيلُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ إلَى الْجَوَازِ لِيُدَسَّ فِي طَعَامِ الْكَافِرِ * (فَرْعٌ) آلَاتُ الْمَلَاهِي كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُعَدُّ بَعْدَ الرَّضِّ وَالْحَلِّ مَالًا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ شَرْعًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا المتولي والرويانى فحكيا فيه وجها أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ رُضَاضُهَا يُعَدُّ مَالًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا وَبَيْعِ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وغيرها ثلاثة اوجه (أصحها) الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنْ اُتُّخِذَ مِنْ جَوْهَرٍ نَفِيسٍ صَحَّ بَيْعُهَا وَإِنْ اُتُّخِذَ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ وَبِهِ قَطَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ بَيْعُ الشِّطْرَنْجِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وأما الغرر فان صلح لبنادق الشِّطْرَنْجِ فَكَالشِّطْرَنْجِ وَإِلَّا فَكَالْمِزْمَارِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَبَنُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهُ قَالَ وَكَذَا لَبَنُ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَبَحْنَا لِلْفُقَرَاءِ شُرْبَهُ ويجوز لهم بيعه لانه طاهر منتفع * (فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ كَنِصْفٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَمْ لَا كَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ لِلْإِجْمَاعِ فَلَوْ بَاعَ بَعْضًا شَائِعًا من شئ

باب ما نهى عنه من بيع الغرر وغيره

بمثله من ذلك الشئ كَدَارٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَبَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لِصَاحِبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ صَاعًا بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِهِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَدْ مَلَكَ نَصِيبَهُ بِالْهِبَةِ مِنْ وَالِدِهِ انْقَطَعَتْ سُلْطَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ هَذَا التَّصَرُّفِ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ عَلَى بَائِعِهِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَهُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى النِّصْفَ وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَ هذا التصرف * ولو بَاعَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَفِي الصِّحَّةِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَيَصِيرُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْمُتَوَلِّي وَاسْتَبْعَدَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ والله سبحانه وتعالى أعلم * (بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وغيره) قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع المعدوم كالثمرة التى لم تخلق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ والغرر وما انطوى عنه أمره وخفى عليه عاقبته ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها في وصف أبي بكر رضى الله عنه (فرد نشر الاسلام على غره) أي على طيه والمعدوم قد انطوى عنه امره وخفى عليه عاقبته فلم يجز بيعه * وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المعاومة وفى بعضها عن بيع السنين) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع السِّنِينَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَ السِّنِينَ وَالْمُعَاوَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ وَإِسْنَادُهُ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَفْظُ الْمُعَاوَمَةِ فِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَيْعُ تَمْرِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِبَيْعِ السِّنِينَ وَبَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَائِشَةَ فَمَشْهُورٌ مِنْ جُمْلَةِ خُطْبَتِهَا الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَتْ فِيهَا أَحْوَالَ أَبِيهَا وَفَضَائِلَهُ (وقولها) نَشَرَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالشِّينِ وَالْإِسْلَامُ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ أَيْ رَدَّ مَا انْتَشَرَ مِنْ الاسلام ودخله من الاختلافات وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا عَلَى غَرِّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ سَنَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ * (فَرْعٌ) الْأَصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (فَأَمَّا) مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَكَامِلُ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ (مِنْهَا) أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بَاعَ حَشْوَهَا مُنْفَرِدًا لَمْ يَصِحَّ * وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجازة الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ * وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ * قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ وَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَيَكُونُ اخْتِلَافُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى الْغَرَرَ يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ وَبَعْضُهُمْ يَرَاهُ مؤثرا والله سبحانه وتعالى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع ما لا يملكه من غير إذن مالكه لما روى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال (لا تبع ما ليس عندك) ولان ما لا يملكه لا يقدر على تسليمه فهو كالطير في الهواء أو السمك في الماء) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ * قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ وَقَيِّمُ الْقَاضِي فِي بَيْعِ مال المحجوز عَلَيْهِ وَالْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي بَيْعِ مَالِ مَنْ توجه عليه أداء دين وامتنع من بَيْعِ مَالِهِ فِي وَفَائِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ وَيَخْرُجُ مِنْهُ إذْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ رَهْنٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّهُ مَالِكٌ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ خَمْسَةٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَنْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ فَإِنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ فَشَرْطُهُ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلْعَيْنِ وَإِنْ بَاشَرَهُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَزِيدُهُ دَلَالَةً فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ إنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَجَازَ صح البيع والالغا وهذا القول حكاه الخراسانيون وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ * (وَأَمَّا) قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ لَمْ يَعْرِفُوا هذا القول وقطعوا بالبطلان فمراده متقدموهم الْجَدِيدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ إنْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رَضِيَ فَالْبَيْعُ وَالْعِتْقُ جَائِزَانِ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَصَارَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْجَدِيدِ أَحَدُهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَدِيمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَهَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يطرد هذا

الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا وَيُسَمَّى هذا بيع الفضولي * قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ جَارِيَانِ فِي شِرَائِهِ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ * قَالَ أَصْحَابُنَا فإذا اشترى الفضولي لغيره نظران اشترى بعين مال ذلك الْغَيْرِ فَفِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ نُظِرَ إنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْعَقْدِ وَنَوَى كَوْنَهُ لِلْغَيْرِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ لِلْمُجِيزِ وَإِلَّا نَفَذَ لِلْمُبَاشِرِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَاشْتِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهُ (وَالْقَدِيمُ) وَقْفُهُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُضِفْ الثَّمَنَ إلَى ذِمَّتِهِ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) يَلْغُو الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) يَقَعُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَعَلَى الْقَدِيم يَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فان أجاز نفذ للمجير وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي وُقُوعِهِ لِلْمُبَاشِرِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فِي الْعَقْدِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَذِنَ لَهُ أَمْ لَا وَإِنْ سَمَّاهُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَغَتْ التَّسْمِيَةُ وَهَلْ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَهَلْ تَلْغُو التَّسْمِيَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) تَلْغُو فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ أَمْ يَقَعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ فِيهِ الْوَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَلْغُو وَقَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَهَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا أَمْ هِبَةً وَجْهَانِ * قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَقْدِ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ الصَّبِيِّ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ ثُمَّ مَلَكَهُ الْبَائِعُ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ قَطْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَتَبُّعُ مِلْكِ التَّصَرُّفَاتِ بِالنَّقْضِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا كَمَا لَوْ كَانَ تَصَرُّفًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْهَا (وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِ

أَنْ يُجِيزَهَا وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْ أَثْمَانِهَا لِعُسْرِ تَتَبُّعِهَا بِالنَّقْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ وَأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ مِلْكُ الْعَاقِدِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ القعد صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ مَالِكٍ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَائِبِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ هَذَا الْخِلَافِ بِبَيْعِ الْهَازِلِ هَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ والخلاف في بيع التحلية وَصُورَتُهُ أَنْ يَخَافَ غَصْبَ مَالِهِ أَوْ الْإِكْرَاهَ عَلَى بَيْعِهِ فَيَبِيعَهُ لِإِنْسَانٍ بَيْعًا مُطْلَقًا وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ لَا عَلَى صِفَةِ الْبَيْعِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ عندنا بظاهر العقود ولا بما ينويه العاقدان ولهذا يصح بيع المعينة وَنِكَاحُ مَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَنَظَائِرُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَانَ أَنَّهُ رَفَعَ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْكِتَابَةَ قَالُوا وَيَجْرِي فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ قَالَ إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ هُنَا الْبُطْلَانُ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَفِي الْفَرْعَيْنِ بَعْدَهُ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلَيْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَا وَقْفِ الْعُقُودِ أَرَادُوا هَذَيْنِ وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ رَاجِعٌ إلى أن الْعَقْدِ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَى التَّوَقُّفِ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ بَلْ يَكُونُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ وَهُوَ القديم ناجز لكن الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَدْ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُهُ ولا تقف عَلَى الْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَقْفُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ يَقِفُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالنِّكَاحُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ عُقِدَ لَهُ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إيجَابُ النِّكَاحِ وَقَبُولُهُ يَقِفَانِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَيَقِفُ الْبَيْعُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلَا يَقِفُ الشراء وأوقفه اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ

بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وفى هذا اعانة لاخيه المسلم لانه يَكْفِيهِ نَعْتُ الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُخْتَارًا لَهُ وَبِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّةً وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِأُضْحِيَّةٍ وَدِينَارٍ فَتَصَدَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّينَارِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ * (بحديث عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ (دَفَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ بِالشَّاةِ وَالدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ فَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ فَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَالًا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والترمذي وابن ماجه وهذا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ الْآخَرِينَ حَسَنٌ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ * وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابِ الْغَارِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (قَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَرْت أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ لَا أَسْتَهْزِئُ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ وَذَكَرَ مَا سَبَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * قَالُوا وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ قَالُوا وَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ شرطا في النكاح اشترط مقارنتها لعقده فَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ يجوز تقدمه دل علي أنه ليس بشرطه فِي صِحَّةِ انْعِقَادِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي من البيع ما ليس عندي أأبتاع لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح سبق بيانه أو هذا الفصل * وعن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا طَلَاقَ إلا فيما يملك

وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ) حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَمَجْمُوعُهَا يَرْتَفِعُ عَنْ كَوْنِهِ حَسَنًا وَيَقْتَضِي أَنَّهُ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ أَبْلِغْهُمْ عَنِّي أَرْبَعَ خِصَالٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا تَبِعْ مَا لَمْ تَمْلِكْ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى الاجازة كالقبول ولانه باع مالا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ هُوَ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَكِيمٍ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (أَمَّا) إسْنَادُ أبى داود فيه ففيه نسخ مَجْهُولٌ وَأَمَّا إسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ حديث ابن أبى ثابت وحكيم بن حزام (والجواب الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَالَةً مُطْلَقَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا وَاشْتَرَى وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شِرَاءُ الثَّانِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثُ الْغَارِ فَجَوَابُهُ أَنَّ هذا شرع لمن قبلنا وفى كونه شرع لَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِأَرُزٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ بَلْ عَيَّنَهُ لَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ تَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ لَهُ أَوْ لِلْأَجِيرِ ثُمَّ تَبَرَّعَ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ عَلَى الْأَجْرِ بِتَرَاضِيهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْغَرَرَ وَتَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّ الْبَيْعَ مَجْزُومٌ بِهِ مُنْعَقِدٌ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا الْمُنْتَظَرُ فَسْخُهُ وَلِهَذَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفْسَخْ لَزِمَ الْبَيْعُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لصحته وتتقدم عليه ولان الاذن مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا له حلة العقد والله

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ إنْسَانٌ سِلْعَةً وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ لَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُنْكِرْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَصِحُّ البيع * قال المصنف رحمه الله * * (ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه كبيع الاعيان * ثُمَّ إنَّ كُلَّ مَنْ حَكَاهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ خَاصَّةً وَهُوَ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ فِي البويطى وهو من المملوكة بالبيع والاجازة والصداق وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روى أن حكيم بن حزام قال يارسول الله إنى أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لى منها مما يحرم قال لا بيع ما لم تقبضه ولان ملكه عليه غير مستقر لانه ربما هلك فانفسخ العقد وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وهل يجوز عتقه فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجو لما ذكرناه (والثانى) يجوز لان العتق له سراية فصح لقوته (فاما) ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد فانه يجوز بيعه وعتقه قبل القبض لان ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حَكِيمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ هَذَا وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَقَارًا كَانَ أَوْ مَنْقُولًا لَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلَا بَعْدَهُ وَفِي إعْتَاقِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَبْضًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا أَدَّاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي تَخْلِيَتَهُ لِلتَّصَرُّفِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ الصَّرْفِ وَسِرَايَتُهُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ * وَلَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي (إنْ قُلْنَا) الْوَقْفُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا فَكَالْإِعْتَاقِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَصِيرُ قَابِضًا حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ عَنْهُ صار

مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَأَبَاحَهُ لِلْمَسَاكِينِ (وَأَمَّا) الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ لَا يَصِحَّانِ وَإِذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَنَفْسُ الْعَقْدِ لَيْسَ قَبْضًا بَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُتَّهِبِ فَلَوْ أَذِنَ الْمُشْتَرِي لَهُمَا فِي قَبْضِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَكْفِي وَيَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ بَعْدَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَكْفِي ذلك المبيع وما بعده ولكن ينظران قصد قبضه للمشترى صح قبض المبيع ولابد مِنْ اسْتِئْنَافِ قَبْضٍ لِلْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وإن قصد قبضه لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ لِلْبَيْعِ وَلَا لِلْهِبَةِ لِأَنَّ قَبْضَهَا يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فَفِيهِمَا الْخِلَافُ (وَأَمَّا) الْإِجَارَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي طَرِيقًا آخَرَ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَمَّا) تَزْوِيجُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ضَمَانًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَغْصُوبَةِ وَالْآبِقَةِ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ (وَالثَّالِثُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَحُكِيَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الاجارة ايضا وإذا صححنا التزويج فوطئ الزوج لم يكن قبضا والله سبحانه أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ أُجْرَةً وَلَا عِوَضًا فِي صُلْحٍ وَلَا إسْلَامُهُ في شئ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِيهِ وَلَا الِاشْتِرَاكُ وَفِي التَّوْلِيَةِ وَالِاشْتِرَاكِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالُ الْمُسْتَحَقُّ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قِسْمَانِ دَيْنٌ وَعَيْنٌ (أَمَّا) الدَّيْنُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْعَيْنُ فَضَرْبَانِ أَمَانَةٌ وَمَضْمُونٌ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْأَمَانَةُ فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ بَيْعُ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا تَامٌّ وَهِيَ كَالْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْعَامِلِ فَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ وَفِي يَدِ الْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْوَلِيِّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَرُشْدِهِ وَرُشْدِ السَّفِيهِ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ وَمَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بِاصْطِيَادٍ وَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَبِلَهُ بِالْوَصِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ مِنْ يَدِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا كُلُّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ * وَلَوْ وَرِثَ مَالًا فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوَرِّثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَيْضًا بِأَنْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَمَاتَ الْمُوَرِّثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمُوَرِّثِ دَيْنٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ تعلق

الْغَرِيمُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ إنْسَانٌ بِمَالٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ جَازَ (إنْ قُلْنَا) تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ (وإن قلنا) بالقبول أو موقوف فلا * (الضرب الثَّانِي) الْمَضْمُونَاتُ وَهِيَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ وَيُسَمَّى ضَمَانَ الْيَدِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ باع عبدا فوجد الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْبَيْعَ كَانَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَقْبِضَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ الثَّمَنَ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَهُ إلَى اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا * وَلَوْ فُسِخَ السَّلَمُ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَانَ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ * وَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَفَسَخَ بِهِ الْبَائِعُ فَلَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَيَجُوزُ بيع المال في يد المستعير والمسأجر وفى يد المشترى شراء فاسدا والمثبت هِبَةً فَاسِدَةً وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْمَضْمُونُ بِعِوَضٍ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَلِكَ كَالْمَبِيعِ وَالْأُجْرَةِ وَالْعِوَضِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَالِ وَالْعِوَضَيْنِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ ثَوَابٍ حَيْثُ صَحَّحْنَاهَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) ضَعْفُ الْمِلْكِ لِتَعَرُّضِهِ لِلِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهِ (وَالثَّانِي) تَوَالِي الضَّمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مضمونا في حالة واحدة لاثنين وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّحْنَا بَيْعَهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي وَسَوَاءٌ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَوْ لغيره لا يصح هكذا قطع به قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجُوزُ بيعه للبائع تفريعا عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ تَوَالِي الضَّمَانِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَالَى إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْبَائِعُ لانه لا يَصِيرُ فِي الْحَالِ مَقْبُوضًا لَهُ أَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ إقَالَةٌ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ * وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَغَيْرِهِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبَضَ مَلَكَ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَتَمَّ الرَّهْنُ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُ الْبَيْعِ فِي صُورَةِ الرَّهْنِ بَلْ إنْ تَلِفَ

انفسخ البيع * هذا إذا رهنه بِغَيْرِ الثَّمَنِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِهِ صَحَّ إنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا لِأَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَهُوَ كَرَهْنِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ الشمهورين فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانَ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ أَمْ ضَمَانَ الْيَدِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْأَصَحُّ ضَمَانُ الْعَقْدِ (فَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْيَدِ جَازَ كَالْعَارِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) ضَمَانُ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَفِي بَيْعِهِ لِلزَّوْجِ الْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ * وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَاقِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الزَّوْجِ بَدَلَ الْخُلْعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَفِي بَيْعِ الْعَافِي عَنْ الْقِصَاصِ الْمَالَ الْمَعْفُوَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمِثْلِ هَذَا الْمَأْخَذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَاءَ مَا ذَكَرْنَاهُ صُوَرٌ إذَا تَأَمَّلْتَهَا عَرَفْتَ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ هِيَ (فَمِنْهَا) مَا حَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَرْزَاقَ الَّتِي يُخْرِجُهَا السُّلْطَانُ لِلنَّاسِ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَفْرَزَهُ السُّلْطَانُ فَتَكُونُ يَدُ السُّلْطَانِ فِي الْحِفْظِ يَدَ الْمَقَرِّ لَهُ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يكتف بذلك وحمل النص على مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ شئ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَفَّالُ (قُلْتُ) الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ يَعْنِي بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ لَا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ وَقَالَ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالرِّزْقِ الْغَنِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَدَلِيلُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وهو الاصح أن هذا القدر من المخالقة لِلْقَاعِدَةِ اُحْتُمِلَ لِلْمَصْلَحَةِ وَالرِّفْقِ بِالْجُنْدِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَرْزَاقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا السُّلْطَانُ قَبْلَ قَبْضِهَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ آثَارَ الصَّحَابَةِ مُصَرِّحَةً بِالْجَوَازِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَكَذَا غَلَّةُ الْوَقْفِ إذَا حَصَلَتْ لِأَقْوَامٍ وَعَرَفَ كُلُّ قَوْمٍ قَدْرَ حَقِّهِ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحَّ بَيْعُهُ كَرِزْقِ الْأَجْنَادِ * قَالَ الرَّافِعِيُّ (وَمِنْهَا) بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا كَانَ معلوما

وَحَكَمْنَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْغَنِيمَةِ وَفِيمَا يَمْلِكُهَا بِهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ قَالَ (وَمِنْهَا) لَوْ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) الشَّفِيعُ إذَا تَمَلَّكَ الشِّقْصَ قَالَ الْبَغَوِيّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُعَاوَضَةٌ وَهَذَا أَصَحُّ وَأَقْوَى كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا ثُمَّ قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَ الثَّمَنَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ كَالْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ مَلَكَ بِرِضَاءِ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الثَّمَنِ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ وَفِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَيْعُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ الْمَوْقُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا (وَمِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ بَيْعُهُ قَبْلَ صَبْغِهِ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ بِعَمَلِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ وَإِذَا صَبَغَهُ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِرْدَادِهِ إنْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا لِقَصْرِ ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَصْرِهِ فَإِذَا قَصَّرَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ هَلْ هِيَ عَيْنٌ فَتَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الصَّبْغِ أَمْ أَثَرٌ فَلَهُ الْبَيْعُ إذْ لَيْسَ لِلْقَصَّارِ الْحَبْسُ عَلَى هَذَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا عَيْنٌ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ صَوْغِ الذَّهَبِ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا وَلِيَحْفَظَ مَتَاعَهُ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَجِيرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ (وَمِنْهَا) إذَا قَاسَمَ شَرِيكَهُ فَبِيعَ مَا صَارَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يَبْنِي عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ * قَالَ الْمُتَوَلِّي (فَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ يَدِ شَرِيكِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَنِصْفُ نَصِيبِهِ حَصَلَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَنِصْفُهُ حَصَلَ بِمِلْكِهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَ مَا صَارَ لِصَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي نِصْفِ مَا صَارَ لَهُ دُونَ نِصْفِهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ فَحُكْمُهَا فِي الْقَدْرِ الْمَمْلُوكِ بِالْعِوَضِ حُكْمُ الْبَيْعِ (وَمِنْهَا) إذَا أَثْبَتَ صَيْدًا بِالرَّمْيِ أَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُنَا وَقَالَ الْقَفَّالُ لَيْسَ

هُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ قَبَضَهُ حُكْمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي زَوَائِدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّهَا تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ لَوْ عَرَضَ انْفِسَاخٌ أَمْ لَا تَعُودُ فَإِنْ أَعَدْنَاهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَالْأَصْلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ * وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ مَتَاعًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فله حكم البيع فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إبدالها بمثلها ولو تلفت قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَوْ وَجَدَ الْبَائِعُ بها عينا لَمْ يَسْتَبْدِلْ بِهَا إنْ رَضِيَهَا وَإِلَّا فَسَخَ الْعَقْدَ فَلَوْ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا برضاء البائع فهو كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ اشترى شيثا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ فَلَهُ بَيْعُ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ بَاعَهُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ سِلْعَةً وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا وَأَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ وَفِيهَا قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ إنَّهَا بَيْعٌ (وَالْقَدِيمُ) إنَّهَا فَسْخٌ (فَإِنْ قُلْنَا) فَسْخٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وكذا قال المتولي (ان قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَكَالْمَفْسُوخِ بِعَيْبٍ وَغَيْرِهِ فَنُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الضَّرْبِ الثَّانِي * (فَرْعٌ) نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْضًا شَرْعِيًّا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ صَاحِبُهُ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ فَإِنْ تَلِفَ عَبْدُهُ الَّذِي بَاعَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ لِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَبْطُلُ الثَّانِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي قِيمَةُ الَّذِي بَاعَهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهُ فَوَجَبَتْ

قِيمَتُهُ هَكَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِهَذَا كُلِّهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ إلَّا الْمُتَوَلِّيَ فَقَالَ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِعَبْدٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بَائِعُ الشِّقْصِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُؤْخَذُ الشِّقْصُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ بَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الشِّقْصِ لِبَائِعِهِ وَيَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا كَمَا لِلْمَرْأَةِ قَبْضُ صَدَاقِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ قَبَضَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ * وَلَوْ تَعَيَّبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حتى أن يَقْبِضَهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز بيع شئ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ كَمَا فِي الطَّعَامِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ قَالَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضَ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ

الْمَذَاهِبِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى * وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ * قَالَ (لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ فضربوا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَحْسِبُ كل شئ مِثْلَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضه قال ابن عباس وأحسب كل شئ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى) وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا فَالتَّنْصِيصُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى مَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَعَلَى إعْتَاقِهِ وَإِجَارَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَعَلَى بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ قَبْضِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَبِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تباع السلع حيث تبتاع حتى يجوزها التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ اسحق بن يسار عن أبى الزناد وابن اسحق مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ فَلَعَلَّهُ اعْتَضَدَ عِنْدَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِسَمَاعِ ابْنِ اسحق لَهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَاخِلِ الْخِطَابِ وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ مَعَ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إليه فغيره أولى (وَالثَّانِي) أَنَّ النُّطْقَ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ حَدِيثُ حَكِيمٍ وَحَدِيثُ زَيْدٍ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ لَهُ قُوَّةٌ وَسِرَايَةٌ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَالْإِتْلَافُ قَبْضٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّمَنِ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ فَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ وَنَظِيرُ الْمَبِيعِ إنَّمَا هُوَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَالْمُوصَى بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُ الْعَقَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى مَالِكٍ وَأَجَابُوا عَنْ النُّصُوصِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَا يُتَصَوَّرُ تَلَفُهُ فَيُنْتَقَضُ بِالْجَدِيدِ الْكَثِيرِ والله سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله * (وأما الديون فينظر فيها فان كان الملك عليها مستقرا كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض لان ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض وهل يجوز من غيره فيه وجهان (أحدهما) يجوز لان ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة (والثانى) لا يجوز لانه لا يقدر على تسلمية إليه لانه ربما منعه أو جحده وذك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز والاول أظهر لان الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود * وان كان الدين غير مستقر نظرت فان كان مسلما فيه لم يجز بيعه لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما (سئل عن رجل أسلف في حلل دقاق فلم يجد تلك الحلل فقال آخذ منك مقام كل حلة من الدقاق حلتين من الجل فكرهه ابن عباس وقال خذ برأس المال علفا أو غنما) ولان الملك في المسلم فيه غير مستقر لانه ربما تعذر فانفسخ البيع فيه فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض * وان كان ثمنا في بيع ففيه قولان قال في الصرف يجوز بيعه قبل القبض لما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بالدنابير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ الدنابير فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شئ) ولانه لا يخشي انفساخ العقد فيه بالهلاك فصار كالمبيع بعد القبض * وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لان ملكه غير مستقر عليه لانه قد ينفسخ البيع فيه بتلف المبيع أو بالرد بالعيب فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض وفى بيع نجوم المكاتب قبل القبض طريقان (أحدهما) أنه على قولين بناء على القولين في بيع رقبته (والثانى) انه لا يصح ذلك قولا واحدا وهو المنصوص في المختصر لانه لا يملكه ملكا مستقرا فلم يصح بيعه كالمسلم فيه

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِهِ هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ سِمَاكٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ وَقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ (قُلْتُ) وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي رَفْعِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا مَرْفُوعًا كَانَ مَحْكُومًا بِوَصْلِهِ وَرَفْعِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح لذى قاله الفقهاء والاصوليون ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ (وَقَوْلُهُ) بِالْبَقِيعِ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَتْهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (وَقَوْلُهُ) السَّلَمُ فِي حُلَلٍ هُوَ جَمْعُ حُلَّةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ ثَوْبَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا ثَوْبَانِ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالدِّقُّ بِكَسْرِ - الدَّالِ - وَالْجِلُّ بِكَسْرِ - الْجِيمِ - وَهُوَ الْغَلِيظُ (وَقَوْلُهُ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ يَحْتَرِزُ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ غَرَرٌ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا الِاحْتِرَازُ يُكَرِّرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ كَثِيرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ وَهَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِهِ قَالَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مُثَمَّنٌ وَثَمَنٌ وَغَيْرُهُمَا وَفِي حَقِيقَةِ الثَّمَنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ كَقَوْلِكَ بِعْتُ كَذَا بِكَذَا وَالْأَوَّلُ مُثَمَّنٌ وَالثَّانِي ثَمَنٌ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ النَّقْدُ مُطْلَقًا وَالْمُثَمَّنُ مَا يقابله على الوجهين (وأصحهما) أَنَّ الثَّمَنَ النَّقْدُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ نَقْدٌ أَوْ كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ فَالثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ فَلَوْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَلَا مُثَمَّنَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَلَوْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا ثَمَنَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَادَلَةٌ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْعَبْدُ ثَمَنٌ وَالدَّرَاهِمُ مُثَمَّنٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ وَجْهَانِ كَالسَّلَمِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَالْعَبْدُ مُثَمَّنٌ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الْعَبْدِ وَوَصَفَهُ صَحَّ الْعَقْدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَ بِهِ الْبَاءُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَفِي وُجُوبِ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ السَّلَمِ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَاهُ * فَإِذَا عُرِفَ عُدْنَا إلَى بَيَانِ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْمُثَمَّنُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَلْ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ

إتْلَافٍ أَوْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه (أصحهما) لَا (وَالثَّانِي) نَعَمْ (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بِهِ هَكَذَا حَكَوْا الثَّالِثَ وَعَكَسَهُ الْغَزَالِيُّ في الوسيط فقال يجوز عليه لابه ولا أظن نقله ثابتا (الضرب الثاني) المثن فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ فَفِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ (وَأَشْهُرُهُمَا) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ (وَالْقَدِيمُ) مَنْعُهُ * وَلَوْ بَاعَ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ والدنابير (فَإِنْ قُلْنَا) الثَّمَنُ مَا أُلْصِقَتْ بِهِ الْبَاءُ صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ كَالنَّقْدَيْنِ وَادَّعَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُثَمَّنًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْأُجْرَةُ فَكَالثَّمَنِ (وَأَمَّا) الصَّدَاقُ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا مَضْمُونَانِ ضَمَانَ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَهُمَا كَبَدَلِ الْإِتْلَافِ (التَّفْرِيعُ) إنْ مَنَعْنَا الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَذَلِكَ إذَا اسْتَبْدَلَ عَنْهَا عَرْضًا فَلَوْ اسْتَبْدَلَ نَوْعًا مِنْهَا بِنَوْعٍ أَوْ اسْتَبْدَلَ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ فَوَجْهَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرَّوَاجِ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَدَلٍ وَبَدَلٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اسْتَبْدَلَ مَا يُوَافِقُهُمَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَكَذَا إنْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ شَعِيرًا إنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَوْ تَصَارَفَا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ * وَإِنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَيْسَ مُوَافِقًا لَهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَالطَّعَامِ وَالثِّيَابِ عَنْ الدَّرَاهِمِ نُظِرَ إنْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فِي الِاسْتِبْدَالِ جَازَ وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ (صَحَّحَ) الْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَصَحَّحَ) الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عَدَمَهُ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وصححخ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ * وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلْ وَصَفَ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ الْوَجْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا لَيْسَ ثَمَنًا وَلَا مُثَمَّنًا كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَالْإِتْلَافِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَالٌ بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُ ثُمَّ الْكَلَامُ فِي اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ وَالْقَبْضِ عَلَى مَا سَبَقَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا يُسْتَبْدَلُ عَنْهُ إذَا تَلِفَ فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ فَلَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا * وَلَا يَجُوزُ

اسْتِبْدَالُ الْمُؤَجَّلِ عَنْ الْحَالِّ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ كَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةٌ فَاشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا بِتِلْكَ الْمِائَةِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ مُشْتَرِي الدَّيْنِ الدَّيْنَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقْبِضَ بَائِعُ الدَّيْنِ الْعِوَضَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ * وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ وَلَآخِرَ مِثْلُهُ عَلَى ذلك الانسان فباع أحدهما ماله عَلَيْهِ بِمَا لِصَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْجِنْسُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيع الكالى بالكالى هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (قُلْتُ) قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إذَا بَاعَ طَعَامًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَخَذَ بِالثَّمَنِ طَعَامًا جَازَ عِنْدَنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى بيع طعام بطعام موجل * دَلِيلُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ الطَّعَامَ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَا بِالطَّعَامِ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ حُلُولِهِ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) تَقْدِيمُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (والقبض فيما ينقل النقل لما روى زيد بن ثابت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يحوزها التجار إلى رحالهم وفيما لا ينقل كالعقار والثمر قبل أوان الجذاذ التخلية لان القبض ورد به الشرع وأطلقه فحمل على العرف والعرف فيما ينقل النقل وفيما لا ينقل التخلية) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي التُّجَّارِ لُغَتَانِ - كَسْرُ التَّاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الْجِيمِ - وَضَمُّهَا مَعَ التَّشْدِيدِ - وَالْجِذَاذُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا - (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الرُّجُوعُ فِي الْقَبْضِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أقسام

(أَحَدُهَا) الْعَقَارُ وَالثَّمَرُ عَلَى الشَّجَرَةِ فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ (وَالثَّانِي) مَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ كَالْأَخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْحِيتَانِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ سَوَاءٌ نُقِلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَوَاتٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) مَا يُتَنَاوَلَ بِالْيَدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمِنْدِيلِ وَالثَّوْبِ وَالْإِنَاءِ الْخَفِيفِ وَالْكِتَابِ وَنَحْوِهَا فَقَبْضُهُ بِالتَّنَاوُلِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ أَهْمَلَهُ هُنَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَمَعَ ذِكْرِهِ لَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَقَدْ لَخَصَّ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَجَمَعَ مُتَصَرِّفَهُ مُخْتَصَرًا وَأَنَا أَنْقُلُ مُخْتَصَرَهُ وَأَضُمُّ إلَيْهِ مَا أَهْمَلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهِ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيمَا يَكُونُ قَبْضًا إلَى الْعَادَةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَالِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُهُ فَنَقُولُ الْمَالُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرٍ فِيهِ وَإِمَّا مَعَ اعْتِبَارٍ فِيهِ فَهُمَا نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرٌ إمَّا لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِمَّا مَعَ إمْكَانِهِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ فَقَبَضَهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَارِغًا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ فَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا أَمْتِعَةٌ لِلْبَائِعِ تَوَقَّفَ التَّسْلِيمُ عَلَى تَفْرِيغِهَا وَكَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْقُمَاشِ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَذْرُوعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَقْمِشَةِ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ * وَلَوْ جَمَعَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الدَّارِ حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ البيت كذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ * وَفِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْمَبِيعِ فِي حَالِ الْإِقْبَاضِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُشْتَرَطُ فَإِنْ حَضَرَا عِنْدَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي دُونَكَ هَذَا ولا مانع حصل القبض والا فلا (والثاني) يشترط حضور المشترى دون البائع (وأصحهما) لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ يشق فعلى هذا هل يشترط زَمَانُ إمْكَانِ الْمُضِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَفِي مَعْنَى الْأَرْضِ الشَّجَرُ الثَّابِتُ وَالثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الشَّجَرِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِذَاذَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ

لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَفِي قَوْلٍ رَوَاهُ حَرْمَلَةُ تَكْفِي التَّخْلِيَةُ لِنَقْلِ الضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَكْفِي لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فعلى المذهب إن كان المبيع عبدا بأمره بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ دَابَّةً سَاقَهَا أَوْ قَادَهَا (قُلْتُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَوْ أَمَرَ الْعَبْدَ بِعَمَلٍ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ عَنْ موضعه أو ركب البهيمة ولم تنتقل عَنْ مَوْضِعِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا كَمَا لَا يَكُونُ غَصْبًا * قَالَ وَلَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ قَبْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَمَوَاتٍ وَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِالْمُشْتَرِي فَالتَّحْوِيلُ إلَى مَكَان مِنْهُ كَافٍ فِي حُصُولِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ فِي بُقْعَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْبَائِعِ فَالنَّقْلُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْهُ إلَى زَاوِيَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ إلَى بَيْتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا يَكْفِي لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ وَيَكْفِي لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ نَقَلَ بِإِذْنِهِ حَصَلَ الْقَبْضُ وَكَأَنَّهُ اسْتَعَارَ مَا نَقَلَ إلَيْهِ * وَلَوْ اشْتَرَى الدَّارَ مَعَ أَمْتِعَةٍ فِيهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الدَّارِ وَفِي الْأَمْتِعَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ نَقْلُهَا لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ (وَالثَّانِي) يَحْصُلُ فِيهَا الْقَبْضُ تَبَعًا وَبِهِ قَطَعَ الماوردى وزاد فقال لو اشترى صبرة لم يَنْقُلْهَا حَتَّى اشْتَرَى الْأَرْضَ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّبْرَةُ وَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الصُّبْرَةِ (قُلْتُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مِنْ الْبَائِعِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَمْتِعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَبْضِ فَجَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَرَّ أَمَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا قَالَ وَلَوْ جَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي ضَعْهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَصَلَ الْقَبْضُ فَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ كَمَا لَا يَحْصُلُ الْإِيدَاعُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْصُلُ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ وُضِعَ الْمَغْصُوبُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ فَعَلَى هَذَا لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ وَلَوْ تَلِفَ فَمِنْ ضَمَانِهِ لَكِنْ لَوْ خرج مستحقا ولم يجز إلَّا وَضْعُهُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَكْفِي لِضَمَانِ الْغَصْبِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي

احْمِلْهُ إلَيَّ وَاتْرُكْهُ عِنْدِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ قَالَ وَإِذَا وَضَعَهُ عِنْدَهُ وَقُلْنَا يَصِيرُ قَابِضًا فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ وَنَقَلَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا فَلِلْمُسْتَحِقِّ تَغْرِيمُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَلَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ تَغْرِيمُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَلِهَذَا لَوْ خَلَا بِمَالِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ هُنَا قَابِضًا لِيَصِحَّ بَيْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * وَلَوْ وَضَعَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ بَيْنَ يَدَيْ مُسْتَحَقِّهِ فَفِي حُصُولِ التَّسْلِيمِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَبِيعِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّيْنِ فِيهِ * (فَرْعٌ) لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِنَقْلِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً قَرِيبًا * (فَرْعٌ) لَوْ دَفَعَ ظَرْفًا إلَى الْبَائِعِ فَقَالَ اجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَالظَّرْفُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يَكُونُ الظَّرْفُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ * وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَعِرْنِي ظَرْفَكَ وَاجْعَلْ الْمَبِيعَ فِيهِ فَفَعَلَ لَا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا (النوع الثَّانِي) أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ تَقْدِيرٌ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا مُذَارَعَةً أَوْ مَتَاعًا مُوَارَثَةً أَوْ صُبْرَةً مُكَايَلَةً أَوْ مَعْدُودًا بِالْعَدَدِ فَلَا يَكْفِي لِلْقَبْضِ مَا سَبَقَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بل لابد مَعَ ذَلِكَ مِنْ الذَّرْعِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدِّ * وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي آصُعٍ طَعَامٍ أَوْ أَرْطَالٍ مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِهِ الْقَبْضُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَلَوْ قَبَضَ جِزَافًا مَا اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً وَقَعَ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ (وَأَمَّا) تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ بَاعَ الْجَمِيعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فَإِنْ بَاعَ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يصح قال المتولي هذا الوجه لابي إسحق الْمَرْوَزِيِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَبْضُ مَا اشْتَرَاهُ كَيْلًا بِالْوَزْنِ أَوْ وَزْنًا بِالْكَيْلِ كَقَبْضِهِ جِزَافًا * وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ خُذْهُ فَإِنَّهُ كَذَا فَأَخَذَهُ مُصَدِّقًا لَهُ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ أَيْضًا حَتَّى يَقَعَ اكْتِيَالٌ صَحِيحٌ فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ فَإِنْ نَقَصَ أَخَذَ التَّمَامَ فَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ فَزَعَمَ الدَّافِعُ أَنَّهُ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَكْثَرَ

وَزَعَمَ الْقَابِضُ أَنَّهُ كَانَ دُونَ حَقِّهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فَلَوْ أَقَرَّ بِجَرَيَانِ الْكَيْلِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ خِلَافُهُ * وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَبِيعِ مُكَايَلَةً صُوَرًا (مِنْهَا) قَوْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَهَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ (وَمِنْهَا) بِعْتُكَ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنْهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ صِيعَانَهَا أَوْ لَا يَعْلَمَانِ إذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ * (فَرْعٌ) لَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ الرِّضَا بِكَيْلِ الْمُشْتَرِي وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِكَيْلِ الْبَائِعِ بَلْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَيَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا نَصَّبَ الحاكم أمينا يتولاه قاله الماورى * (فَرْعٌ) مُؤْنَةُ الْكَيْلِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْقَبْضُ تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ كَمُؤْنَةِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ الْغَائِبِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ وَزْنِ الثَّمَنِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِتَوَقُّفِ التَّسْلِيمِ وَمُؤْنَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ هَلْ هِيَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) مُؤْنَةُ نَقْلِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَى دَارِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو طَعَامٌ سَلَمًا وَلِآخَرَ مِثْلُهُ عَلَى زَيْدٍ فَأَرَادَ زَيْدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِمَّا لَهُ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ لِغَرِيمِهِ اذْهَبْ إلَى عمرو فاقبض لنفسك مالى عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ فَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحْضِرْهُ مَعِي لِأَكْتَالَهُ مِنْهُ لَكَ فَفَعَلَ * وَإِذَا فَسَدَ الْقَبْضُ فَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَبْرَأُ فَعَلَى الْقَابِضِ رَدُّ الْمَقْبُوضِ إلَى عَمْرٍو عَلَى عَمْرٍو * وَلَوْ قَالَ زَيْدٌ اذْهَبْ فَاقْبِضْهُ لَهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ مِنِّي لِنَفْسِكَ بِذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ قَالَ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لِنَفْسِي ثُمَّ تَأْخُذَهُ لِنَفْسِك بِذَلِكَ الْكَيْلِ فَفَعَلَ فَقَبَضَهُ لِزَيْدٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقَبَضَ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ صَحِيحَانِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ عَمْرٍو مِنْ حَقِّ زَيْدٍ وَالْقَبْضُ الْآخَرُ فَاسِدٌ وَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَوْ اكْتَالَ زَيْدٌ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالَهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ وَأَقْبَضَهُ فَقَدْ جَرَى الصَّاعَانِ وَصَحَّ الْقَبْضَانِ فَإِنْ زَادَ حِينَ قَبَضَهُ ثَانِيًا أَوْ نَقَصَ فَالزِّيَادَةُ لِزَيْدٍ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَلِمْنَا أَنَّ الْكَيْلَ الْأَوَّلَ غَلَطٌ فَيَرُدُّ زَيْدٌ الزِّيَادَةَ وَيَأْخُذُ النُّقْصَانَ وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا لَمَّا اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ كَذَلِكَ إلَى مُشْتَرِيهِ

فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ الثَّانِي حَتَّى يُخْرِجَهُ وَيَبْتَدِئَ كَيْلًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْمِكْيَالِ كَابْتِدَاءِ الْكَيْلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَمَا تَجْرِي فِي دَيْنَيْ السَّلَمِ تَجْرِي فِيمَا لَوْ كَانَ (أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَقًّا فِي السَّلَمِ وَالْآخَرُ بِقَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقَبْضِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْإِقْبَاضِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يُوَكِّلَ الْمُشْتَرِي مَنْ يَدُهُ يَدُ الْبَائِعِ كَعَبْدِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِتَوْكِيلِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَفِي تَوْكِيلِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ * وَلَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ وَكِّلْ مَنْ يَقْبِضُ لِي مِنْكَ جَازَ وَيَكُونُ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي التَّوْكِيلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ لِلْمُوَكِّلِ (الامر الثاني) أن لا يكون القابض والمقبض وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا فِي الْإِقْبَاضِ وَيُوَكِّلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَهُ هَذَا فِي الْبَيْعِ وَذَاكَ فِي الشِّرَاءِ * وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَغَيْرُهُ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَفَعَ إلَى المستحق دراهم وقال اشتريها مثل مَا تَسْتَحِقُّهُ لِي وَاقْبِضْهُ ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمَقْبُوضِ وَلِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ * وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِي وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الدَّافِعِ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ * وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِنَفْسِكَ فَالتَّوْكِيلُ فَاسِدٌ وَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنْ اشْتَرَى نُظِرَ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ وَأَدَّى ثَمَنَهُ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُ الشِّرَاءِ (وَالثَّانِي) صِحَّتُهُ * وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَحِقِّ الْحِنْطَةِ اكْتَلْ حَقَّكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ وَقَدْ صَارَ نَائِبًا مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ الشَّرْطِ الثَّانِي مَا إذَا اشْتَرَى الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَمَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْتَاجُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ إذَا بَاعَ كيلا *

(فَرْعٌ) يُسْتَثْنَى عَنْ صُورَةِ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ إتْلَافُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ قَبْضٌ كَمَا سَبَقَ * (فَرْعٌ) قَبْضُ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ الْمَبِيعِ مِنْ دَابَّةٍ وَثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَيَكُونُ ما عد الْمَبِيعِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُجَابُ إلَيْهَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَالرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الرِّضَا جَازَ أَلَّا نَعْتَبِرَ الْقَبْضَ كَالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ بَاعَ شَيْئًا هُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ ضَمَانٍ كَغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ سَوْمٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ مَقْبُوضًا لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ جِهَةُ ضَمَانٍ أَيْضًا فَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَيَحْصُلُ ضَمَانُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ بِجِهَةِ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ قِرَاضٍ صَارَ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ مَقْبُوضًا لَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ فِي الْقَبْضِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ زَمَانٍ يتأنى فِيهِ النَّقْصُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ * قَالَ وَلَوْ بَاعَ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِذْنُ فِي الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي اشْتِرَاطِ مُضِيِّ الزَّمَانِ وَالنَّقْلِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ إذَا نَقَلَهُ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ دَارِ الْبَائِعِ إلَى زَاوِيَةٍ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ فيه إشكال لانه إذا أخذه وأثبتنا لَهُ لِنَقْلِهِ فَمُجَرَّدُ هَذَا قَبْضٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ قَبْضًا عَلَى وَضْعِهِ فَوَضْعُهُ بَعْدَ احْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْبَائِعِ لَا يُخْرِجُ مَا سَبَقَ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا بَلْ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى يَدِ الْبَائِعِ * وَقَدْ احْتَجَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ ثُمَّ تَنَازَعَا فِي مَتَاعٍ قَرِيبٍ مِنْ الدَّاخِلِ فَإِنَّ الْيَدَ فيه لرب الدار لا للداخل بخلاف مَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ مُحْتَوِيَةً عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنَّا لَا نَجْعَلُهُ قَبْضًا بِسَبَبِ نَقْلِهِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ لِاحْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَالَةَ النَّقْلِ (فَإِنْ قِيلَ)

فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَبْضَ فِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَأَنَّ الثَّقِيلَ لابد فِيهِ مِنْ النَّقْلِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَى هَذَا قَبْضًا مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلٍ لِأَنَّ التَّزَاحُمَ لَا يَصْلُحُ قَرَارًا لِهَذَا الثَّقِيلِ فَاحْتِوَاءُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْإِشَالَةِ كَعَدَمِ الِاحْتِوَاءِ لِاضْطِرَارِهِ إلَى إزَالَتِهِ عَلَى قُرْبٍ (قُلْنَا) هَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّعَامِ (حَتَّى يَحُوزَهُ التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ) وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ بَاقٍ فَإِنَّ احْتِوَاءَ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْحَمْلِ قَبْضٌ حِسِّيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ وَكَانَتْ اليد فيه لمن هو في يده حسا وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ النزاع بينه وبين مَالِكَ مَوْضِعِ النِّزَاعِ (1) هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إشْكَالٌ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ مُجَرَّدَ دَفْعِهِ قَبْضًا وَاَللَّهُ سبحانه أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا انْقَضَى الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ حَصَلَ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ بِلَا خلاف ونقل المتولي وغيره فيه إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ) إلَى آخِرِهِ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْمَلِكِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَسْلَمَ فِيهَا فَرَخُصَتْ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ كَمَا لَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْدِ الَّذِي أَحْدَثَهُ السُّلْطَانُ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ فَهُوَ اعْتِيَاضٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الثَّمَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ * دَلِيلُنَا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي الْتَزَمَهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَحْضَرَ دَنَانِيرَ وَدَلِيلُنَا فِي الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شيئا في حال الغلاء فرخصت الاسعار *

_ (1) كذا بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْقَبْضِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْعَقَارِ وَنَحْوِهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ وَفِي الْمُتَنَاوِلِ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْقَبْضُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ * دَلِيلُنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قِيلَ) فَحَوْزُهُ إلَى الرِّحَالِ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِجْمَاعِ (قُلْنَا) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَصْلِ النَّقْلِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالرِّحَالِ فَخَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَدَلَّ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ النَّقْلِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْعَقَارِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ وَلِأَنَّهَا قَبْضٌ لَهُ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَفِي رِوَايَةٍ (كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَالَ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يُضْرَبُونَ فِي أَنْ يبيعوه مكانهم حتى يؤوه إلَى رِحَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد والفرس العائر والعبد الآبق والمال المغصوب في يد الغاصب لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر) وهذا غرر ولهذا قال ابن مسعود (لا تشتر والسمك في الماء فانه غرر) ولان القصد بالبيع تمليك التصرف وذلك لا يمكن فيما لا يقدر على تسليمه * فان باع طيرا في برج مغلق الباب أو السمك في بركة لا تتصل بنهر نظرت فان قدر على تناوله إذا أراد من غير تعب جاز بيعه وإن كان في برج عظيم أو بركة عظيمة لا يقدر على أخذه إلا بتعب لم يجز بيعه لانه غير مقدور عليه في الحال وان باع العبد الآبق ممن يقدر عليه أو المغصوب من الغاصب أو ممن يقدر على أخذه منه جاز لانه لا غرر في بيعه منه) *

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مُنْقَطِعًا ثُمَّ قَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (وَقَوْلُهُ) فِي بِرْكَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَالنَّهْرُ - بِفَتْحِ الْهَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَوَاتُ الْقُدْرَةِ قَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا وَقَدْ يَكُونُ شَرْعِيًّا فَمِنْ الشَّرْعِيِّ بَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَكَذَا الْجَانِي فِي قول وغير ذلك (وأما) الحسبى فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَلَا السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكَيْنِ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ الْمَمْلُوكَ لَهُ وَهُوَ فِي بِرْكَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الخروج منها أو طير فِي بُرْجٍ مُغْلَقٍ فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُ بِلَا تَعَبٍ كَبِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ وَبُرْجٍ صَغِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعِبٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبِيرَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ بَابُ الْبُرْجِ مَفْتُوحًا فَلَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يقدر على تسليمه لتمكنه من الطير ان قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ صَحَّحْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يمنع الماء رؤيته فان منعها فيه قولا بيع الغائب ان عرف المتعاقد ان قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ * وَلَوْ بَاعَ الطَّيْرَ فِي حَالِ ذَهَابِهَا إلَى الرَّعْيِ أَوْ غَيْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا فِي اللَّيْلِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الصِّحَّةُ كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغْلٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِعَوْدِهَا لِعَدَمِ عَقْلِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْفَرَسِ الْعَائِرِ وَالْمَالِ الضَّالِّ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ عُرِفَ مَوْضِعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تسليمه في الحال هكذا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ * قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ قَالَ وَأَحْسَنَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إذَا عُرِفَ مَوْضِعُهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ يَصِلُهُ إذَا رَامَ وُصُولَهُ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْآبِقِ (قُلْتُ) وَالْمَذْهَبُ ما سبق

(وَأَمَّا) الْمَغْصُوبُ فَإِذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ نُظِرَ إنْ قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَتَسْلِيمِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ إنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَقْتَضِي تَكْلِيفَ الْمُشْتَرِي تَعَبَ الِانْتِزَاعِ * وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَكِنْ لَوْ عَجَزَ من انْتِزَاعِهِ لِضَعْفٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ قُوَّةٍ عَرَضَتْ لِلْغَاصِبِ فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا خِيَارَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا حَالَ الْعَقْدِ كَوْنَهُ مَغْصُوبًا فَلَهُ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ * وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْمَغْصُوبِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْآبِقَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَإِعْتَاقُهُمَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهَا تقضى التَّمْكِينَ مِنْ التَّصَرُّفِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ بَاعَ مِلْحًا أو حمذا وَزْنًا وَكَانَ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ إلَى أَنْ يُوزَنَ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ جِزَافًا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبِرْكَةَ لِأَخْذِ السَّمَكِ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْبِرْكَةَ لِيَحْبِسَ فِيهَا الْمَاءَ لِيَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ وَيَصْطَادَهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْبِرْكَةَ يُمْكِنُ الِاصْطِيَادُ بِهَا فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَالشَّبَكَةِ قَالُوا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْبِرْكَةِ لِلْحِيتَانِ أَرَادَ بِهِ إذَا حَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ وَأَجَّرَهَا لِأَخْذِ مَا حَصَلَ فِيهَا وَهَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لِأَخْذِ الْغَيْرِ فَأَمَّا الْبِرْكَةُ الْفَارِغَةُ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ بَاطِلٌ فَلَوْ عَادَ الْآبِقُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَنْقَلِبْ الْبَيْعُ صَحِيحًا عِنْدَنَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا لَوْ بَاعَ طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ آبقا *

_ (1) بياض بالاصل

(فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا أَمْ لا فان قدر جاز * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد وثوب من أثواب لان ذلك غرر من غير حاجة ويجوز أن يبيع قفيزا من صبرة لانه إذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر) * (الشَّرْحُ) الْقَفِيزُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ التمثيل وأصل القفيز مكيل يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثلث بالبغدادي هكذا ذكره أهل اللغة وانتخاب الْغَرِيبِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْإِرْدَبُّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ مَنًا وَالْمَنَا رِطْلَانِ وَالْعَنْقَلُ نِصْفُ إرْدَبٍّ قَالَ وَالْكرستون قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثمانية مكاكيل والمكول صاع ونصف وهو ثلث حجليات والعرق ثلاثة آصع (وقول) الصصنف لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ وَمِنْ أَسَاسِ الدَّارِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَوْنَهُ مَعْلُومًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ الْمُشْتَرَطُ عِلْمُ عَيْنِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي فُصُولٍ مُتَرَاسِلَةٍ فَبَدَأَ بِاشْتِرَاطِ عَيْنِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ مَجْهُولَةٍ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ أَحَدَ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَوْ شَاةً مِنْ هذا القطيع أو هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ أَوْ ثَوْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ من هذين

أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُمْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَسَوَاءٌ تساوت قيمهم وَقِيَمُ الشِّيَاهِ وَالْأَثْوَابِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَالَ وَلَكَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ أَمْ لَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ إلَّا قَوْلًا قَدِيمًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي أَوْ عَبِيدِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ مِنْ بَيْنِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ الْعَقْدُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ * وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَاخْتَلَطَ بِعَبِيدٍ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي مِنْ هَؤُلَاءِ وَالْمُشْتَرِي يَرَاهُمْ كُلَّهُمْ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُ فَوَجْهَانِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ عِنْدِي أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَهَذَا أَصَحُّ * وَلَوْ فُرِّقَتْ صِيعَانُ الصُّبْرَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَظَائِرِهِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عن شيخه القاضى أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَعَيُّنِهِ وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِهِ غَرَضٌ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ أحد الصعيان بعينه ولا يجوز ابهامه وأما الدارهم فنحتاج إلَى إثْبَاتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صُبْرَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ الْغَرَرِ لَكِنْ لَوْ بَاعَ جزءا شائعا من شئ بمثله من ذلك الشئ بِأَنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ بِنَصِيبِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا وَفَوَائِدِهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ * وَلَوْ بَاعَ الْجُمْلَةَ وَاسْتَبْقَى مِنْهَا جُزْءًا شَائِعًا جَازَ مِثَالُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ الثِّمَارَ إلَّا رُبُعَهَا وَقَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا فَإِنْ أَرَادَ مَا يَخُصُّهُ إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ صَحَّ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا عِنْدَ التَّقْوِيمِ فَلَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِالصِّحَّةِ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ

أَكْثَرَ مِنْ قَفِيزٍ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ وَكَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ بَسَطَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ بَيْعِ مَجْهُولِ الْقَدْرِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ وَلَا مِنْ عَبْدَيْنِ وَلَا ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ وَلَا مِنْ ثَوْبَيْنِ سَوَاءٌ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ وَإِنْ بَاعَهُ عَبْدًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا بَاعَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ أَوْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابٍ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الصِّفَةِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي صح البيع * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع العين الغائبة إذا جهل جنسها أو نوعها لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر وفى بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير فان علم الجنس والنوع بأن قال بعتك الثوب المروى الذى في كمى أو العبد الزنجي الذى في دارى أو الفرس الادهم الذى في اصطبلي ففيه قولان (قال) القديم والصرف يصح ويثبت له الخيار إذا رآه لما روى ابن أبى مليكة (أن عثمان رضى الله عنه ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة نافله بارض له بالكوفة فقال عثمان بعتك ما لم أره فقال طلحة انما النظر لى لانى ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز وان النظر لطلحة لانه ابتاع مغيبا ولانه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح (وقال) في الجديد لا يصح لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن بيع الغرر) وفى هذا البيع غرر ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالمسلم (فإذا قلنا) بقوله القديم فهل تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يصح حتى تذكر جميع الصفات كالمسلم فيه (والثانى) لا يصح حتي تذكر الصفات المقصودة (والثالث) أنه لا يفتقر إلى ذكر شئ من الصفات وهو المنصوص في الصرف لان الاعتماد على الرؤية ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج إلى ذكر الصفات * فان وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار وإن وجده على ما وصف أو أعلي ففيه

وجهان (أحدهما) لا خيار له لانه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه (والثانى) ان له الخيار لانه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز ان يخلو من الخيار * وهل يكون له الخيار على الفور ام لا فيه وجهان (قال) ابن ابى هريرة هو علي الفور لانه خيار تعلق بالرؤية فكان على الفور كخيار الرد بالعيب (وقال) ابو اسحق يتقدر الخيار بالمجلس لان العقد انما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند الرؤية فيثبت له خيار كخيار المجلس (وأما) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه فان كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه وقال ابو القاسم الانماطى لا يجوز في قوله الجديد لان الرؤية شرط في العقد فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح والمذهب الاول لان الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة الاولى أخذه وإن وجده ناقصا فله الرد لانه ما التزام العقد فيه الا على تلك الصفة وان اختلفا فقال البائع لم يتغير وقال المشترى تغير فالقول قول المشترى لانه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يصح لانه مشكوك في بقائه على صفته (والثانى) يصح وهو المذهب لان الاصل بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ لَهُ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ) الثَّوْبَ الْمَرْوِيَّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَرْوَ الْمَدِينَةِ الْمَشْهُورَةِ بِخُرَاسَانَ وَالزِّنْجِيُّ - بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا - وَالْإِصْطَبْلُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ (قَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالصَّرْفُ أَيْ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الام * وابن أبى ملكية اسمه عبد الله بن عبد الله ابن أبى مليكة واسم أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - ابْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَكِّيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ كان قاضى مكة لعبد الله ابن الزبير ومؤزنا لَهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ (وَقَوْلُهُ) نَاقَلَهُ بأرض له لكوفة هُوَ - بِالنُّونِ وَالْقَافِ - أَيْ

بَادَلَهُ بِهَا وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِلْكَهُ إلَى موضع آخر (وَقَوْلُهُ) ابْتَعْتُ مُغَيَّبًا هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - (وَقَوْلُهُ) عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ السَّلَمِ (وَقَوْلُهُ) نَوْعُ بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ (وَقَوْلُهُ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من خيار الْفَسْخِ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ وَهَذَا الْفَصْلُ مَعَ الْفُصُولِ الَّتِي بَعْدَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَمْ تُرَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّرْفِ مِنْ الْجَدِيدِ يَصِحُّ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لَا يَصِحُّ * قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالصَّرْفِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الرِّسَالَةِ وَالسِّيَرِ وَالْإِجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ صِحَّتَهُ وَصَحَّحَ الاكثرون بطلانه ممن صححه المزني والبويطيي وَالرَّبِيعُ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ فَتْوَى الْجُمْهُورِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ يُفَرِّعُونَ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمَوْضِعَ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ * قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ الْغَائِبِ فِي الْقَدِيمِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُهُمَا فيما ما لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا فِيمَا رَآهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْبَائِعُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخِيَارَ وَالْخِيَارُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ تَعَبُّدٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ رَآهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَطْعًا سَوَاءٌ رَآهُ الْبَائِعُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحَصِّلٌ وَالْبَائِعُ مُعَرِّضٌ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُحَصِّلِ أَوْلَى وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَشِرَائِهِ فِي إجَارَتِهِ وَكَوْنِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ إذَا سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي المصالحة عليه وفى قفه (وَأَمَّا) إذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا غَائِبَةً أَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَفَى عَنْ الْقِصَاصِ صَحَّ النِّكَاحُ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ فِي الْخُلْعِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَا خلاف

فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي صِحَّةِ الْمُسَمَّى فِيهَا الْقَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ * وَفِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ الْقَوْلَانِ وَقِيلَ هُمَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ وَلِهَذَا إذَا صَحَّحْنَاهُمَا فَلَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) اسْتِقْصَاءُ الْأَوْصَافِ عَلَى الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّلَمِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا سَمَاعُ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَقُومُ وَبِهِ قطع العراقيون (الثاني) إذا كان الشئ مِمَّا لَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي فان كان المرئ صِوَانًا لَهُ - بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا - كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَقِشْرِ الْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ كَالْخُشْكَنَانِ كَفَى رُؤْيَتُهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ واللوز ونحوهما بانفراده مادام فِي قِشْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ (أَمَّا) إذَا رَأَى الْمَبِيعَ مِنْ وَرَاءِ قَارُورَةٍ هُوَ فِيهَا لَمْ يَكْفِ بَلْ هُوَ بَيْعُ غَائِبٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ التَّامَّةَ لَا تَحْصُلُ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُ بِخِلَافِ السَّمَكِ يَرَاهُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي مَعَ سُهُولَةِ أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا الْأَرْضُ يَعْلُوهَا مَاءٌ صَافٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ صَلَاحِهَا (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ عَلَى قَوْلِنَا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثالث) قال أصحابنا الرؤية في كل شئ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي شِرَاءِ الدَّارِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ وَفِي الْبُسْتَانِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْجُدْرَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ وَمَسَايِلِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ الْبُنْيَانِ وَالْبُسْتَانِ وَالدَّارِ وَلَا عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ طَرِيقِ الدَّارِ وَالْمَاءِ الَّذِي يَدُورُ بِهِ الرَّحَى وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَبْدِ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ وَلَا تجوز روية الْعَوْرَةِ وَفِي بَاقِي الْبَدَنِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِ الرَّقْمِ * وَفِي الْجَارِيَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) كَالْعَبْدِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَفِي الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَفِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ * وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّوَابِّ رُؤْيَةُ مُقَدِّمِهَا وَمُؤَخِّرِهَا

وَقَوَائِمِهَا وَرَفْعُ السَّرْجِ أَوْ الْإِكَافِ وَالْجُلِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَجْرِيَ الْفَرَسُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَعْرِفَ سيره فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ نَشْرُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ النَّشْرُ فِي بيع الثوب التى لا تنشر أصلا الا عِنْدَ الْعَقْدِ لِمَا فِي نَشْرِهَا مِنْ النَّقْصِ وَالضَّرَرِ * ثُمَّ إذَا نُشِرَتْ الثِّيَابُ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَفِيقًا كَالدِّيبَاجِ الْمَنْقُوشِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَةُ وَجْهَيْهِ وكذا يشترط رؤية وجهى البسط والرلالى وَأَمَّا مَا كَانَ رَفِيعًا كَالْكِرْبَاسِ فَيَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا ولا يصح بيع الثياب التوزية في المنسو عَلَى هَذَا الْقَوْل وَهِيَ التُّوزِيَّةُ - بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ زَايٍ - وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهَا تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ وَرُؤْيَةُ جَمِيعِهَا وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ * (فَرْعٌ) أَمَّا الْقُفَاعُ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ يُفْتَحُ رَأْسُهُ فَيُنْظَرُ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِيَصِحَّ بَيْعُهُ * وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْكُوزِ مِنْ مَصَالِحِهِ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ (أَحَدُهَا) إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الرُّؤْيَةُ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ عَبْدِي التُّرْكِيَّ وَفَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ الْأَدْهَمَ أَوْ ثوبي المروى أو الحنطة الجبلية أو السهيلة وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَوْ أَخَلَّ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَقَالَ بعتك ما في كفي أو كمى أو خزانتى أَوْ مِيرَاثِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمَا لَا يُشْتَرَطَانِ فَيَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي الْكُمِّ وَنَحْوِهِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجِنْسِ دُونَ النَّوْعِ فَيَقُولُ عَبْدِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ * وَإِذَا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ فَفِي افْتِقَارِهِ مَعَ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَفْتَقِرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ

وَالصَّرْفِ (وَالثَّانِي) يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ الصِّفَاتِ وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا يَصِفُ بِهِ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي (وَالثَّالِثُ) يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ صِفَاتِ السلم وهذان الوجهان ضعيفان الثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضى أبو حامد المروذى وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ * فَعَلَى الْمَنْصُوصِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ مِنْ نَوْعٍ فَبَاعَ أحدهما اشترط تميبزه بِسِنٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَإِنْ وَصَفَهَا بِجَمِيعِهَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي نَفْيِ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي السَّلَمِ وَالسَّلَمُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ دَارًا بِبَغْدَادَ وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ وَجْهَانِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُتَعَجَّلُ إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ يُؤَجَّلُ إنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْبُقْعَةِ مِنْ الْبَلَدِ * وَإِذَا ذَكَرَ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْمَبِيعُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ (الثَّانِي) إذَا شَرْطَنَا الْوَصْفَ فَوَصَفَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ دُونَ مَا وَصَفَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وَصَفَ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ (وَأَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا هُنَا (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ شَرَطَ الْخِيَارَ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ * وَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى يَنْفُذَ فَسْخُهُ وَإِجَازَتُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَنْفُذَانِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْفُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ دُونَ إجَازَتِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي (وَأَمَّا) الْبَائِعُ ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) لَا خِيَارَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ رَأَى الْمَبِيعَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْخِيَارَ فِي جَانِبِهِ تَعَبُّدٌ (وَالثَّانِي) لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ كَالْمُشْتَرِي (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ

وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ * وَحَيْثُ قُلْنَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ هَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يمتد مادام مجلس الرؤية وهو قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ السِّلْسِلَةِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَثْبُتُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِئَلَّا يَثْبُتَ خِيَارُ مَجْلِسَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَدُّ إلَى انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ قَالَ وَالْفَرْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلى الوارث فالى متى يمتفيه وجهان (أحدهما) على الفور (والثانى) مادام الْوَارِثُ فِي مَجْلِسِ خَبَرِ الْمَوْتِ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة واضحة (والثالث) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الرُّؤْيَةِ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَصْوِبُهُ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إجَازَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ خِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْصٍ وَلَا غَرَضٍ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ (الرابع) إذا لم تشترط الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ رَأَيْتَ الْمَبِيعَ فَلَا خِيَارَ لَكَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ (وَالثَّانِي) الْبَائِعُ فَإِنْ شَرَطْنَا الرُّؤْيَةَ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَكُّ هَذَا عَنْ خِلَافٍ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي شَرْطٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ (وَالثَّانِي) قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَادِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ فَرَّعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ * (فَرْعٌ) لَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ فَسَرَقَ أَحَدَهُمَا فَاشْتَرَى الثَّانِيَ وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَصِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وان اختلفا في شئ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ

ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مَرْئِيًّا حَالَةَ الْعَقْدِ وَقَدْ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَاكْتُفِيَ بِهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْتَرَضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا الْفَرْعِ فَقَالَ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ صِفَتُهُمَا وَقَدْرُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا مَعَ إجْرَائِهِ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ يُوجِبُ إجْرَاءَ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْأَوْصَافِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي كَمَا أَجْرَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لانه اعتمد مساواة غير المبيع فِي الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ كَالْأُنْمُوذَجِ الَّذِي لَيْسَ بِمَبِيعٍ الْمُسَاوِي فِي الصِّفَةِ لِلْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ فَإِنَّ ذِكْرَهُ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمناله فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو وَهَذَانِ الِاعْتِرَاضَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فَاسِدَانِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلَيْسَ هَذَا كَمَسْأَلَةِ الْأُنْمُوذَجِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ الْأُنْمُوذَجِ لَيْسَ مَرْئِيًّا وَلَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ وَهُنَا سَبَقَتْ رُؤْيَةُ الثَّوْبَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ يَجِبُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى فَالْفَرْقُ أن الثوبين في الثانية مختلفين فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي نَحْوِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ فِي الْخَلِّ وَنَحْوِهِ عَلَى قَوْلِنَا بِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ الشَّمُّ فِي الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ وَاللُّبْسُ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافٌ * (فَرْعٌ) لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ * وَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ

كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُجِيزًا لِلْعَقْدِ وَهُنَا لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ فِي صُنْدُوقٍ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالثَّانِي) بَاطِلٌ قَطْعًا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ممتنع والطريق الاول قول أبى اسحق وَالثَّانِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ * وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ رَأَى أَحَدَهُمَا فقط فان ابطلنا بيع الغائب بطل فيما لم يره وفى المرئى قولا تفريق الصفقة (وان) صححنا بَيْعَ الْغَائِبِ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرَهُ فِيهِ الْخِيَارُ (فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَهُ الرَّدُّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَإِمْسَاكُ مَا رَآهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى مَا رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا كَالْأَرْضِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ لَا يَتَغَيَّرُ فِي الْمُدَّةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالرُّؤْيَةِ صَحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ هَكَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْأَنْمَاطِيُّ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَهَذَا فاسد ودليل الجيع فِي الْكِتَابِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِقْلَاصٍ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلَ قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَوَجَدَهُ كَمَا رَآهُ أَوَّلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعِ غَائِبٍ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَهُ الْخِيَارُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ ليتبين ابْتِدَاءِ الْمَعْرِفَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِهِ حُدُوثَ عَيْبٍ فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ الرُّؤْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عند الرُّؤْيَةِ فَكُلُّ مَا فَاتَ مِنْهَا فَهُوَ كَتَبَيُّنِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (الْحَالُ الثَّانِي) أن يكون المبيع مما يتغير في تلك الْمُدَّةِ غَالِبًا فَإِنْ رَأَى مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَالْبَيْعُ

بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَمْضِيَ على المبيع بعد الرؤية زمان يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْقَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ أَوْ كَانَ حَيَوَانًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا إنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْأَوَّلُ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا اخْتَلَفَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي التَّغَيُّرِ فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْعَيْبِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أن يكون حال البيع متذكر الاوصاف فان نسيها لطول المدة ونحوه فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ لم يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ * (فَرْعٌ) لَوْ رَأَى بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى الْبَاقِي صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى بَعْدَ ذلك باطهنا إلَّا إذَا خَالَفَ ظَاهِرَهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَحَكَى أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْبَلَهَا لِيَعْرِفَ بَاطِنَهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْهَا فِي وِعَائِهِ فَرَأَى أَعْلَاهُ أَوْ رَأَى أَعْلَى السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ظُرُوفِهَا كَفَى ذَلِكَ وَصَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ * وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي بَيْتٍ مَمْلُوءٍ مِنْهَا فَرَأَى بَعْضَهَا مِنْ الْكُوَّةِ أَوْ الْبَابِ كَفَى إنْ عَرَفَ سَعَةَ الْبَيْتِ وَعُمْقَهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا حُكْمُ الْحَمْدِ فِي الْمَحْمَدَةِ إنْ رَأَى أعلاه

وَعَرَفَ سِعَتَهَا وَعُمْقَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَةُ صُبْرَةِ السَّفَرْجَلِ والرمان والبطيخ نحو ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قالوا ولا يكفى في سلة العنب والتين والخوج وَنَحْوِ ذَلِكَ رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا بخلاف الحبوب (وأما) الثمرفان لَمْ يَلْتَزِقْ بَعْضُ حَبَّاتِهِ بِبَعْضٍ فَصُبْرَتُهُ كَصُبْرَةِ الجوز واللوز فَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ الْتَزَقَتْ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ أَعْلَاهَا (وَالثَّانِي) لَا يَكْفِي بَلْ يَكُونُ بَيْعَ غَائِبٍ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ اللَّازِقِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ (واصحهما) وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا) الْقُطْنُ فِي الْأَعْدَالِ فَهَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ أَعْلَاهُ فيه خلاف حكاه الصميرى قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ * (فَرْعٌ) إذَا رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ الْمَبِيعِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَبَنَى أَمْرَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ نُظِرَ إنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كذا وكذا فالبيع بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَالًا وَلَمْ يُرَاعِ شُرُوطَ السَّلَمِ وَلَا يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَصْفِ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ النِّزَاعِ بِخِلَافِ هَذَا * وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ الْحِنْطَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَهَذَا الْأُنْمُوذَجُ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ البيع لان المبيع غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَإِنْ أَدْخَلَهُ صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ رَآهُ مُتَّصِلًا بِالْبَاقِي وَإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَ الصُّورَتَيْنِ فَقُلْتَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ أَدْخَلَ الْأُنْمُوذَجَ فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُتَمَاثِلَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم * (فرع) إذا اشْتَرَى الثَّوْبَ الْمَطْوِيَّ وَصَحَّحْنَاهُ فَنَشَرَهُ وَاخْتَارَ الْفَسْخَ وَلَمْ يُحْسِنْ طَيَّهُ وَكَانَ لِطَيِّهِ مُؤْنَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَجَبَتْ مُؤْنَةُ طَيِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَقَلَهُ إلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمُشْتَرِي * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يصح بيع الشاة المذبوحة قبل الفسخ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ أَمْ لَا سَوَاءٌ بَاعَ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ مَعًا أَوْ أحدهما ولا يجوز بيع الاكارع والروس قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَفِي

الْأَكَارِعِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا * وَيَجُوزُ بيعهما بعد الابانة نية ومشوية وكذا المسموط نيا ومشويا وفى النئ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَسْتُورٌ بِالْجِلْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ جِلْدٌ مَأْكُولٌ فَأَشْبَهَ المشوى * (فرع) إذا رأى فصار لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ أَوْ زُجَاجٌ فَاشْتَرَاهُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الْغَرَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ لِوُجُودِ الْعِلْمِ بِعَيْنِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ رَأَى أَرْضًا وَآجُرًّا وَطِينًا ثُمَّ بَنَى حَمَّامًا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ فَاشْتَرَى الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَهُ وَهُوَ حَمَّامٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا تَغَيَّرَ الصِّفَاتُ وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَحْصُلْ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى رُطَبًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ تَمْرًا لَمْ يَصِحَّ قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ هَذَا غَرَرٌ كَبِيرٌ تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَغْرَاضُ هَذَا إذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْغَائِبِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ لَوْ رَأَى سَخْلَةً فَصَارَتْ شَاةً أَوْ صَبِيًّا فَصَارَ رجلا ولم يره غير الرُّؤْيَةِ الْأُولَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَفِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَتَبَايَعَاهُ بِشَرْطِهِ فَهَلْ الْعَقْدُ تَامٌّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فيه وجهان (أحدهما) قاله أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَيْسَ تَامًّا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالرِّضَا بِهِ وَقَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَحْصُلُ الرِّضَا فَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْعَقْدَ تَامٌّ وَلَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ جُنَّ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي اسحق أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَيَدُومُ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْمَجْلِسَ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الثَّلَاثِ وَتَأْجِيلَ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنُّقْصَانَ مِنْهُ وَعِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا بِعَيْبٍ وَلَيْسَ لَهُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ وَلَا تَأْجِيلُ

الثَّمَنِ وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) فَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَثَوْبٍ فِي سَفَطٍ أَوْ مَطْوِيٍّ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَوْلًا واحدا قل وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ الْحَاضِرَ تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى بَيْعِهِ بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ * وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ مِثْلَهُ بِحُرُوفِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي دِمَشْقَ اللفت والبصل ونحوها في الارض قبل قلعه بِشَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْغَائِبِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْغَائِبَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِخِلَافِ هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْغَائِبَ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِيهِ يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ بِخِلَافِ هَذَا * (فَرْعٌ) إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا غَائِبًا فَحَضَرَ وَنَشَرَ بَعْضَهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لا يبطل خياره حتى يرى جميعه * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَضْبُوطًا بِخَبَرٍ فَفِي بَيْعِهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِهَا بِالْعَاقِدِ فَإِذَا وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ عَيْنًا فَإِنْ رَآهَا الْوَكِيلُ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَاكْتَفَيْنَا بالرؤية السابقة صح انبيع قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَآهَا أَمْ لَا وَلَا خِيَارَ إذَا رَآهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا الْوَكِيلُ وَلَكِنْ رَآهَا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ بَاقِيَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لِعِلَّتَيْنِ (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى جُبَّةً مَحْشُوَّةً وَرَأَى الْجُبَّةَ دُونَ الْحَشْوِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَرَ أَسَاسَهَا وَقَدْ نَقَلَ الْمَازِرِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَصِحُّ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُ) الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا وَصَفَهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا رَآهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا وُصِفَ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ نَصْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ * وَاحْتَجَّ لِمَنْ صححه بقوله تعالى (وأحل الله البيع) وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بَيْعًا مَنَعَهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وَهْبٍ الْبَكْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ) وَبِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَةِ الْأَسْفَلِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ * وَاحْتَجَّ الاصحاب بحديثي أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَهَذَا غَرَرٌ ظَاهِرٌ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ الْمَوْصُوفِ كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَغَيْرِهِ وَبِحَدِيثِ (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك) وَسَبَقَ بَيَانُهُ * وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهِيَ عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ باتفاق المحدثين

وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ مَكْحُولًا تَابِعِيٌّ (وَالثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ فان أبا بكر ابن أَبِي مَرْيَمَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ * وَمِمَّنْ رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَشِرْ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يَنْتَشِرَ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَرْكِ الرُّؤْيَةِ هُنَاكَ لِمَشَقَّتِهَا غَالِبًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ بَاطِنِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ كَصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ وَلِأَنَّ فِي اسْتِتَارِ بَاطِنِهَا مَصْلَحَةً لَهَا كَأَسَاسِ الدَّارِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَا لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ يَكُونُ مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي حال العقد بخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن باع الاعمى أو اشترى شيئا لم يره (فان قلنا) ان بيع ما لم يره البصير لا يصح لم يصح بيع الاعمى وشراؤه (وإن قلنا) يصح ففى بيع الاعمى وشرائه وجهان (أحدهما) يصح كما يصح من البصير فيما لم يره ويستنيب في القبض والخيار كما يستنيب في شرط الخيار (والثانى) لا يصح لان بيع ما لم يره يتم بالرؤية وذلك لا يوجد في حق الاعمى ولا يمكنه أن يوكل في الخيار لانه خيار ثبت بالشرع فلا تجوز الاستنابة فيه كخيار المجلس بخلاف خيار الشرط) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَذْهَبُ بُطْلَانُ بَيْعِ الْأَعْمَى وَشِرَائِهِ وَهَذَا مُخْتَصَرُهُ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَلَا شِرَاؤُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى رُؤْيَتِهِ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ فَيُقَامُ وَصْفُ

غَيْرِهِ لَهُ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ وَصْفِ السِّلْعَةِ لَهُ وَيَكُونُ الْوَصْفُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَرُؤْيَةِ الْبَصِيرِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ لَمْ تصح أيضا اجازته وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَفِي مُكَاتَبَتِهِ عَبْدَهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ * وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَلِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ فِي النِّكَاحِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَالًا مَعِيبًا لَمْ يَثْبُتْ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ (أَمَّا) إذا أسلم في شئ أَوْ أُسْلِمَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَمِيَ بَعْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ صَحَّ السَّلَمُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْأَوْصَافَ ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الوجهين لانه لا تمييز بين المستحق وغيره فان خلق أُعْمِيَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالسَّمَاعِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا وَعُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ فَهُوَ كَبَيْعِهِ الْعَيْنَ وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَتُحْتَمَلُ صِحَّةُ وَكَالَتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يُوَكِّلُ فِيهِ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فَالْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَنَحْوُهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْأَعْمَى رَأَى شَيْئًا لَا يَتَغَيَّرُ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إيَّاهُ إذَا صَحَّحَنَا ذَلِكَ مِنْ الْبَصِيرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا مَلَكَ الْأَعْمَى شَيْئًا بِالسَّلَمِ أَوْ الشِّرَاءِ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بَلْ يُوَكِّلُ بَصِيرًا يَقْبِضُهُ لَهُ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ فَلَوْ قَبَضَهُ الْأَعْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ

شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَعْمَى فَهَلْ يَنْفَسِخُ هَذَا الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يَبْطُلُ * (فَرْعٌ) الْأَعْمَى يُخَالِفُ الْبَصِيرَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ (إحْدَاهَا) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ فِي قَوْلٍ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا رَاتِبًا إلَّا مَعَ بَصِيرٍ كَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ بِلَالٍ (الثَّالِثَةُ) لَا يَجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ (الرَّابِعَةُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (الْخَامِسَةُ) الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ (السَّادِسَةُ) لَا حَجَّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا (السَّابِعَةُ) تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحِلُّ صَيْدُهُ بِإِرْسَالِهِ كَلْبًا أَوْ سَهْمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الثَّامِنَةُ) لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَمُسَاقَاتُهُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ (الْعَاشِرَةُ) لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَصِيًّا فِي وَجْهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَا تَجُوزُ مُكَاتَبَتُهُ عَبْدَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ فِي وَجْهٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا تُؤْخَذُ عَيْنُ الْبَصِيرِ بِعَيْنِهِ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ سُلْطَانًا (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا جِهَادَ عَلَيْهِ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَا يَكُونُ قَاضِيًا (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الا فيما تحمله قبل العمى أن بالاستفاضة أو على من تعلق به * * قال المصنف رحمه الله * (إذا رأى بعض المبيع دون بعض نظرت فان كان مما لا تختلف اجزاؤه كالصبرة من الطعام والجرة من الدبس جاز بيعه لان برؤية البعض يزول غرر الجهالة لان الظاهر ان الباطن كالظاهر وان كان مما يختلف نظرت فان كان مما يشق رؤية باقيه كالجوز في القشر الاسفل جاز بيعه لان رؤية الباطن تشق فسقط اعتبارها كرؤية أساس الحيطان وان لم تشق رؤية الباقي كالثوب المطوى ففيه طَرِيقَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كبيع ما لم ير شيأ منه (ومنهم) من قال يبطل البيع قولا واحدا لِأَنَّ مَا رَآهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَا لم يره فيه الخيار وذلك لا يجوز في عين واحدة) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الفروع السابقة والله سبحانه أعلم *

قال المصنف رحمه الله * (واختلف أصحابنا في بيع الباقلاء في قشريه فقال أبو سعيد الاصطخرى يجوز لانه يباع في جميع البلدان من غير انكار (ومنهم) من قال لا يجوز وهو المنصوص في الام لان الحب قد يكون صغارا وقد يكون كبارا وقد يكون في بيوته م الا شئ فيه وقد يكون فيه حب متغير وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ * واختلفوا أيضا في بيع نافجة المسك فقال أبو العباس يجوز بيعها لان النافجة فيها صلاح للمسك لان بقاءه فيها أكثر فجاز بيعه فيها كالجوز في القشر الاسفل ومن أصحابنا من قال لا يجوز وهو ظاهر النص لانه مجهول القدر مجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ * واختلفوا في بيع الطلع في قشره فقال أبو إسحق لا يجوز بيعه لان المقصود مستور بما لا يدخر فيه فلم يصح بيعه كالتمر الجراب وقال أبو على بن أبى هريرة رضى الله عنه يجوز لانه مستور بما يؤكل معه من القشر فجاز بيعه فيه كالقثاء والخيار * واختلف قوله في بيع الحنطة في سنبلها (فقال) في القديم يجوز لما روى أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بيع الحب حتى يشتد) (وقال) في الجديد لا يجوز لانه لا يعلم قدر ما فيها من الحب ولا صفة الحب وذلك غرر لا تدعوا الحاجة إليه فلم يجز) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى الباقلى لُغَتَانِ سَبَقَتَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ التَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ (وَقَوْلُهُ) غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَسَاسِ الدَّارِ وَمِنْ السَّلَمِ * وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ - بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ - وَهِيَ ظَرْفُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَالْجِرَابُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ مَمْدُودٌ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ بَيْعُ الباقلى فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ يَابِسًا وَأَمَّا بَيْعُهُ فِي قِشْرَةِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَإِنْ كَانَ يَابِسًا لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِنَا بِمَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جاز هكذا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ * وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ إلى

شِرَائِهِ كَذَلِكَ * وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ يَجُوزُ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّتُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمر أن يشترى له الباقلى الرَّطْبُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَآخَرِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ (الثَّانِيَةُ) فِي بَيْعِ طَلْعِ النَّخْلِ مَعَ قِشْرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (الثَّالِثَةُ) الْمِسْكُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ قَالُوا لِأَنَّهُ دَمٌ وَلِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ خَلْطٌ صَرِيحٌ وَجَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَلَوْلَا خَوْفُ الِاغْتِرَارِ بِهِ لَمَا تَجَاسَرْتُ عَلَى حِكَايَتِهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ أنهم رأوا وبيض الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ دَمٌ فَلَا يَسْلَمُ وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الظَّبْيَةَ تَلْقِيهِ كَمَا تُلْقِي الْوَلَدَ وَكَمَا يُلْقِي الطَّائِرُ الْبَيْضَةَ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَوَلَدِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَبَيْضِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَتُهُ فَإِنَّ الْعَسَلَ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ وَهِيَ نَافِجَتُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَهُ ابن سيريج لَمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً وَشَاهَدَ الْمِسْكَ فِيهَا وَلَمْ يَتَفَاوَتْ ثَمَنُهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ بِيعَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا مَفْتُوحَةً وَغَيْرَ مَفْتُوحَةٍ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ * وَلَوْ رَأَى الْمِسْكَ خَارِجَ الْفَأْرَةِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَبَاعَهُ فِيهَا وَهِيَ مَفْتُوحَةُ الرَّأْسِ صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَفْتُوحَةٍ فَقَدْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَإِلَّا فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا

لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ المسك المخلوط بغيره لم يصح قولا واحد الان الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَلِأَصْحَابِنَا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (أَحَدُهُمَا) نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَالثَّانِي) طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ حِلُّ لَحْمِ كُلِّ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَحِلُّ لَبَنِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمِسْكَ الْمُخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمُخْتَلِطِ بِالْمَاءِ وَالْمُرَادُ إذَا خَالَطَ الْمِسْكُ غَيْرَهُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ فَإِنْ كَانَ مَعْجُونًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ وَتَمْيِيزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْهُ وَكَذَا تُرَابُ الصَّاغَةِ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِذَهَبٍ أَمْ بِفِضَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا * وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَبَيْعُ تُرَابِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِمَا يُخَالِفُهُ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ ذَهَبًا وَوَافَقْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ بِحَالٍ * دَلِيلُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فِيهِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَقَبْلَ السَّلْخِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ ونحو ذلك فإذا باع ثمرة لاكمام لَهَا كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ بَاعَهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهَا عَلَى الشَّجَرِ كَوْنُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ باع الشعير أو الذرة أو السلت مه سُنْبُلِهِ جَازَ قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لان حباته ظَاهِرَةٌ * وَلَوْ كَانَ لِلثَّمَرِ وَالْحَبِّ كِمَامٌ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ

وَالْعَلَسِ جَازَ بَيْعُهُ فِي كِمَامِهِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) مَالَهُ كِمَامَانِ يُزَالُ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الآخر إلى وقت الاكل كالجوز واللوز والرانح فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ بِلَا خِلَافٍ ولا يجوز في القشر الا على لَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الشَّجَرِ لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ الخراسانيون يجوز مادام رَطْبًا وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا (أَمَّا) مَا لَا يُرَى حَبُّهُ فِي سُنْبُلِهِ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالسِّمْسِمِ وَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَمَا دَامَ فِي سُنْبُلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ سُنْبُلِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَالْمَعْدِنِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ هَذَا النَّوْعَ مَعَ سُنْبُلِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَفِي الْأَرُزِّ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي سُنْبُلِهِ كَالشَّعِيرِ وَلِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ فَأَشْبَهَ الْعَلَسَ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْحِنْطَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ أَوْرَاقِهَا الظَّاهِرَةِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقُنَّبِيطِ فِي الْأَرْضِ لِظُهُورِهِ وَكَذَا نَوْعٌ مِنْ الشَّلْجَمِ يَكُونُ ظَاهِرًا وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ - وَالْقُنَّبِيطُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ - كَذَا هُوَ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْأَعْلَى قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ * (فَرْعٌ) حَيْثُ قُلْنَا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هذه الصور السَّابِقَةِ فَهَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ فِيهِ طَرِيقَانِ سَبَقَا عَنْ حِكَايَةِ الْمَاوَرْدِيُّ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ هُوَ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِصِفَتِهِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَسَبَقَ ايضاح الفرق

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فباع الجوز مثلا في قشره الا على مَعَ الشَّجَرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا مَعَ الْأَرْضِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَوْزِ وَالْحِنْطَةِ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذُّرِ التَّوْزِيعِ * وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَبْذُورَةً مَعَ الْبَذْرِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ وَفِي الْبَذْرِ تَبَعًا لَهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي الْبَذْرِ ثُمَّ فِي الْأَرْضِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ لَا يَقُولُ بِالتَّوْزِيعِ بَلْ يُوجِبُ جَمِيعَ الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا بِالضَّعِيفِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِهَا وَلَهُ عِلَّتَانِ مَعَ الْحَدِيثِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ وَتِبْنٍ بِحِنْطَةٍ وَذَلِكَ رِبًا (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا * فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ خَالِصَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ ظُهُورِ حَبِّهِ بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْحَشِيشَ لَيْسَ رِبَوِيًّا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا * ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَصِحُّ * دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالشَّلْجَمِ وَالْفُجْلِ وَهُوَ غَائِبٌ فِي مَنْبَتِهِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ بُطْلَانُ بَيْعِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِبُطْلَانِهِ أَقُولُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع مجهول القدر فان قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح البيع لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغرر وفى بيع البعض غرر لانه يقع على

القليل والكثير ولانه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بقدر المبيع كالسلم * وان قال بعتك هذه الصبرة جاز وان لم يعرف قفزانها وان قال بعتك هذه الدار أو هذا الثوب جاز وان لم يعرف ذرعانهما لان غرر الجهالة ينتفي عنهما بالمشاهدة قال الشافعي وأكره بيع الصبرة جزافا لانه يجهل قدرها على الحقيقة * وان قال بعتك ثلثها أو ربعها أو بعتك الا ثلثها أو ربعها جاز لان من عرف الشئ عرف ثلثه أو ربعه وما يبقى بعدهما * وان قال بعتك هذه الصبرة الا قفيزا منها أو هذه الدار أو هذا الثوب الا ذراعا منه نظرت فان علما مبلغ قفزان الصبرة وذرعان الدار والثوب جاز لان المبيع معلوم وان لم يعلما ذلك لم يجز لِمَا رَوَى جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن الثنيا) ولان المبيع هو الباقي بعد القفيز والذراع وذلك مجهول * وإن قال بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة جاز لانها معلومة القدر والصفة فان اختلفا فقال البائع أعطيك من أسفلها وقال المشترى من أعلاها فالخيار إلى البائع فمن أي موضع أعطاه جاز لانه أعطاه من الصبرة وإن قال بعتك عشرة أذرع من هذه الدار أو عشرة اذرع من هذا الثوب فان كانا يعلمان مبلغ ذرعان الدار والثوب وانها مائة ذراع صح البيع في عشرها لان العشرة من المائة عشرها فلا فرق بين أن يقول بعتك عشرها وبين أن يقول بعتك عشرة من مائة ذراع منها وان لم يعلما مبلغ ذرعان الدار والثوب لم يصح لانه ان جعل البيع عشرة أذرع مشاعة لم يعرف قدر المبيع أنه عشرها أو ثلثها أو سدسها وان جعل البيع في عشرة أذرع من موضع بعينه لم يعرف صفة المبيع فان أجزاء الثوب والدار تختلف وقد يكون بعضها أجود من بعض وان قال بعتك عشرة أذرع ابتداؤها من هذا المكان ولم يبين المنتهى ففيه وجهان (احدهما) لا يصح لان أجزاء المبيع مختلفة وقد ينتهى إلى موضع يخالف موضع الابتداء (والثانى) أنه يصح لانه يشاهد السمت وان بين الابتداء والانتهاء صح في الدار (وأما) في الثوب فانه ان كان مما لا ينقص قيمته بالقطع فهو كالدار وان كان مما ينقص لم يصح لانه شرط إدخال نقص عليه فيما لم يبع من الثوب ومن أصحابنا من قال يصح لانه رضى بما يدخل عليه من الضرر) * (الشَّرْحُ) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مسلم

وَسَبَقَ بَيَانُهُ * وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَزَادَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) قَالَ الترمذي وهو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الترمذي والنسائي حسنة فانها مبينة لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ * وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَفِيزِ وَأَنَّ الذِّرَاعَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أفصح (وقوله) لان نَوْعٌ بِيعَ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ بَعْضَ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَعْلَمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مِائَةَ صَاعٍ فَالْمَبِيعُ عُشْرُ عُشْرِهَا فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَنْزِيلِهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُشَاعٍ أَيُّ صَاعٍ كَانَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا لَمْ يُقَسَّطْ عَلَى الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ (الْحَالُ الثَّانِي) إن كان لا يعلما أَوْ أَحَدُهُمَا مَبْلَغَ صِيعَانِهَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ فرق صيعانها وقال بِعْتُكَ صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى المذهب وبه قط الْأَصْحَابُ إلَّا الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فَصَحَّحَهُ وَسَبَقَ نَقْلُهُ عَنْهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَطَوَائِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَصَارَ كالبيع بدرهم مطلق فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُنَزَّلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الدِّرْهَمِ وَلَا وَزْنِهِ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا وَكَذَا الصَّاعُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْتِي بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْبُطْلَانَ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ الْمُسْتَفْتِي يَسْتَفْتِينِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا عَنْ اعْتِقَادِي (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فَالْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا أَيُّ صَاعٍ كَانَ فَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهَا إلَّا صَاعًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ صَاعًا مِنْ أَعْلَاهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ أَسْفَلِهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ لِأَنَّ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية

وكلها وهذا الذى ذكرناه من أنه إذا تلفت إلَّا صَاعًا وَاحِدًا تَعَيَّنَ الْعَقْدُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ * وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَتَعَيَّنُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا بَعْضَ صَاعٍ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ رَضِيَهُ وَسَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الصَّاعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مجهول القدر وليس متميزا حتى تكفى في الْمُشَاهَدَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الْمَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ كَمَا حَكَيْنَا عَنْ اخْتِيَارِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْقَفَّالِ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَالْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ وَالْإِبْهَامُ يعمهما قال وفى الفرق غموض واعترض عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غُمُوضٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ إلَّا صَاعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الصُّبْرَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ الْجَوْزِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جِزَافًا وَلَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ منهما قدرها كيلا ولا وزنا ولكن شاهداها فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَيَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجْزَاءَهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَيَشُقُّ تَقْلِيبُهَا وَالنَّظَرُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ * قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا لَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَدْرَهَا لَكِنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جِزَافًا وَالْبَيْعُ بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِمِ جِزَافًا فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي) لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَطَلَ الْبَيْعُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَهُ نِصْفَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ عُشْرَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ أَوْ بَاعَهَا إلَّا نِصْفَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْلُومَةِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ (أَمَّا) إذَا

قَالَ بِعْتُكَ بَعْضَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ نَصِيبًا منها أو جزءا أو هما أَوْ مَا شِئْتَ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَدْرٌ مَعْلُومٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك قَفِيزًا مِنْهَا جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَهُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومُ التفصيل والمبيع معلوم بالمشاهدة فانتفقى الْغَرَرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ * وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلَفْظُ كُلٍّ لِلْعَدَدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُكَ أَقْفِزَةً مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ حَكَاهُ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ كَمَا قَالَ فِي نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ إذَا قَالَ أَجَرْتُكَ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِدِرْهَمٍ * وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا إذا قال بتعك كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَى جَمِيعِ الصُّبْرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصبرة كل صاع بِدِرْهَمٍ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فَيُقَالُ إنْ قَالَ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ قَالَ وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فَسَوَّى بَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْفَرْقُ وَهُوَ صِحَّتُهُ فِي بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَبُطْلَانُهُ فِي بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَلِمَ عَدَدَ الشِّيَاهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ وَالثَّوْبِ والارض فانه يصح وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ لِأَنَّ قِيمَةَ الشِّيَاهِ تَخْتَلِفُ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ نُظِرَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كما ذكر صح البيع وان زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا

فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الصُّبْرَةِ وَيَلْغُو الْوَصْفُ فَعَلَى هَذَا إنْ خَرَجَ نَاقِصًا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُخَيَّرُ بِقِسْطِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ قَابَلَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَالثَّانِي) يُخَيَّرُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قابل الجملة به وان خرج زائد فَلِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا وَلَا لِلْبَائِعِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) يَكُونُ لِلْبَائِعِ فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي ثُبُوتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُبُوتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ فَبَاعَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ أَوْ بَاعَ السَّمْنَ أَوْ نَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ رِقَّةً وَغِلَظًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ رُؤْيَةٌ تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ مَا تَحْتَهَا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهَا عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَبَانَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ وَهُوَ اختيار الشيخ أبو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمِقْدَارِ تَخْمِينًا أَوْ تَحْقِيقًا شَرْطٌ وَقَدْ تَبَيَّنَّا فَوَاتَهَا * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةً فَبَاعَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ عُقِدَ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ فَبَاعَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّاعُ مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لِأَنَّا نَجْهَلُ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجُمْلَتَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَزِيدُهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كتب العراقيين

حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) يصح وبهذا قطع إمام الحرمين والغزالي والبغوى وَالرَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَهُ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعَ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ كُلَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ سِوَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَلِطَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ * وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ رَدَّ صَاعٍ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةُ آصُعٍ أَخَذْت مِنْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ وَغَيْرُهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسْعٍ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزْيَدَك صَاعًا أَوْ أَنْقُصَك صَاعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يُنْقِصُهُ أَوْ يَزِيدُهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَهَبَ لِي مِنْهَا صَاعًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ شَرَطَ هِبَةَ الْبَائِعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الثَّمَنَ بِجُمْلَتِهِ يُقَابِلُ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ إلَّا صَاعًا مِنْهَا وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ كل صاع بدرهم وتسع دراهم أَعْنِي إذَا كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ جَمِيعَ الصِّيعَانِ الْعَشَرَةِ وَيُعْطِيَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا جَازَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَإِنْ قَالَ أَزِيدَك مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ لِلْجَهَالَةِ * قَالَ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْأَرْضَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك ذِرَاعًا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك ذِرَاعًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ لَهُ صُبْرَةٌ بَعْضُهَا حنطة وبعضها شعير مُخْتَلَطٌ وَبَاعَ جَمِيعَهَا جِزَافًا جَازَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مشاهد وان باع مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ سَوَاءٌ جَازَ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ صُبْرَةٌ وَلِآخَرَ صُبْرَةٌ فَقَالَ بِعْتُكَ مِنْ صُبْرَتِي بِقَدْرِ صُبْرَتِكَ بِدِينَارٍ لم

يَصِحَّ الْبَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) فِيمَا إذَا كَانَ البيع فِيمَا لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالثَّوْبِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ سَوَاءٌ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا أَمْ لَا كَمَا قُلْنَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ * وَقَالَ الماوردي في الحاوى إنْ عَلِمَا ذُرْعَانَهَا صَحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ يَجُوزُ كَالصُّبْرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَغْدَادِيِّينَ بَعْضَهُمْ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ رُبُعَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ ثُلُثَهَا فَيَصِحُّ قَطْعًا سَوَاءٌ عَلِمَا ذرعانها أم لَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ كل ذراع بدرهم لم صح قطعا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَاعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَجْهُولَةً لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ مِنْ اخْتِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّارِ دُونَ الصُّبْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهَا مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَحُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَانَ الْمَبِيعُ عُشْرَهَا مُشَاعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَذْرُعًا مُعَيَّنَةً فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ كَشَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ * وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَرَدْت الْإِشَاعَةَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَرَدْت مُعَيَّنًا فَفِيمَنْ يُصَدَّقُ احْتِمَالَانِ (أَرْجَحُهُمَا) يُصَدَّقُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعِقْدِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مُرَجَّحٌ وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحَةً (وَأَمَّا) هُنَا فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ النَّاوِي لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِعْتُكَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا فَقَالَ بِعْتُكَ أَذْرُعًا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تُذْرَعُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ بِهِ الْغَرَضُ وَإِنْ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ هُنَا إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فِي جَمِيعِ

الْعَرَضِ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الاكثرون منهم والرافعي وغيرهم لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَدْ ينتهى الذرع إلَى مَوْضِعٍ يُخَالِفُ الِابْتِدَاءَ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ هَذَا (الثَّالِثَةُ) إذَا بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ أَذْرُعًا مِنْ ثَوْبٍ فَإِنْ كَانَتْ ذُرْعَانُهُ مَعْلُومَةً لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ ذِرَاعًا وَالْجُمْلَةُ عَشَرَةٌ كَانَ الْمَبِيعُ الْعَشَرُ شَائِعًا كَمَا سَبَقَ فِي الصُّبْرَةِ وَفِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالصُّبْرَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ * وَإِنْ كَانَتْ ذرعا مجهولة لهما أو لاحدهما نظران كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ كَالْكِرْبَاسِ الْغَلِيظِ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَصِحُّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ وَصِيعَانٍ مِنْ صُبْرَةٍ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ شَرْطُ إدْخَالِ نَقْصٍ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالضَّرَرِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ واختاره صاحب التقريب القاسم بن القفال الساسى وَقَاسُوهُ عَلَى بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ الدَّارِ وَعَلَى بَيْعِ أَحَدِ زَوْجَيْ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ نقصت قيمتهما بتقدير التفريق والفرق أن ذَلِكَ النَّقْصُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْخُفِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا * وَإِذَا جَمَعَتْ صُورَتَيْ الثَّوْبِ قُلْتُ إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ مَجْهُولِ الذُّرْعَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) الْبُطْلَانُ (وَأَصَحُّهَا) إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ حيث قلنا لا يصح أن يواطئ صاحيه على شرائه ثم يقطعه قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيه بَعْدَ قَطْعِهِ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ بِلَا خِلَافٍ وَصَارَ مُشْتَرَكًا وَلَوْ عَيَّنَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ القياس أن يجئ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ جِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ

كان فوقه شئ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُظِرَ إنْ كَانَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ من لبن أو آجر جاز هكذا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صِنْفًا مِنْ الْآجِرِ أَوْ اللَّبِنِ دُونَ مَا إذَا جُعِلَ الْمُقَطَّعُ نِصْفَ سُمْكِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي تَجْوِيزِهِ إذَا كَانَ مِنْ آجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ إشْكَالٌ وَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ مَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ رَفْعَ بعض الجدار ينقص قيمة الباقي فليفسد الْبَيْعُ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي بِنَاءٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ النَّقْصَ يَحْصُلُ بِالْهَدْمِ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِذْعِ وَالْآجُرِّ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ فَصًّا فِي خَاتَمٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا الْبُسْتَانِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا إذَا وُزِّعَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ قَدْ اسْتَثْنَى ثُلُثَهَا فيحصل البيع في ثلثيها بثلاثة آلَافٍ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا مَا يُسَاوِي أَلْفًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ مَا يُسَاوِي الْأَلْفَ مَجْهُولٌ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ بِعْتُكَ ملء هَذَا الْكُوزِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَفِي صِحَّةِ البيع وجها (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مِلْئِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ * وَلَوْ عَيَّنَ فِي الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ مِكْيَالًا مُعْتَادًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فِي البيع والسلم ويلغوا تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا والله سبحانه وتعالى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وان قال بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم نظرت فان لم يعلما مقدار السمن والظرف لم يجز لان ذلك غرر لان الظرف قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا وان علما وزنهما جاز لانه لا غرر فيه) * (الشَّرْحُ) الْمَنَا عَلَى وَزْنِ الْعَصَا هُوَ رِطْلَانِ بالبغدادي وفيه لغة ضعيفة من بِتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ السَّمْنِ فِي الظَّرْفِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ السَّمْنُ أَوْ الزَّيْتُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَدْهَانِ

وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِي ظَرْفٍ فَرَآهُ ثم اشترى منه رِطْلًا أَوْ أَرْطَالًا صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ هَكَذَا قَطَعُوا بِهِ ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي بَيْعِ صَاعٍ مِنْ الصُّبْرَةِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا رَآهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ ظَرْفِهِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ ظَرْفُهُ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ كَانَ زِقًّا وَسَوَاءٌ عَرَفَا وَزْنَهُمَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا الوزن قال وليس هذا بشئ * وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَوْ رُبُعَهُ صَحَّ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَيُوزَنُ السَّمْنُ فِي شئ آخَرَ وَيُوزَنُ فِي ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقَطُ وَزْنُ الظَّرْفِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وينبغى أن يجئ فيه الوجه السابق عن أبى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي مِثْلِهِ فِي الصُّبْرَةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَهُ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ مَعَهُ الظَّرْفُ ثُمَّ يَحُطُّ وَزْنُ الظَّرْفِ صَحَّ الْبَيْعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا هَكَذَا تُبَاعُ فِي الْعَادَةِ وَلِأَنَّهُ لَا غَرَرَ (الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ الظَّرْفُ مَعَهُ وَيُحْسَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَزْنُهُ وَلَا يَكُونُ الظَّرْفُ مَبِيعًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزْنِ مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَزْنُ مَعَهُ مَبِيعًا فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَكِيلَ مَعَهَا شَعِيرًا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا وَزْنَ الظَّرْفِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إذَا عَلِمَا وَزْنَ الظَّرْفِ وَالسَّمْنِ وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا وَأَحْسِبَ ثَمَنَهُ عَلَيْك وَهِيَ مَعْلُومَةُ الصِّيعَانِ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ حِينَئِذٍ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي هَذَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَمُرَادُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي أَوْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَهُوَ كَثِيرُ النَّقْلِ عَنْهُمَا (السَّادِسَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ بِظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ مِنْ المجمو بِدِرْهَمٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَجُمْهُورُ سَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ أَنَّهُمَا إنْ عَلِمَا وَزْنَ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ مُطْلَقًا وَهُوَ الاصح

عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مَرْئِيَّةٌ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى فَوَاكِهَ مِنْ أَجْنَاسٍ وَهِيَ مُخْتَلِطَةٌ وَزْنًا أَوْ حِنْطَةً مُخْتَلِطَةً بِالشَّعِيرِ كَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ السَّمْنُ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَقْصُودَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ وَزْنِهِ (السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هذا السمن بعشرة عَلَى أَنْ أَزِنَهُ بِظَرْفِهِ ثُمَّ أَسْقَطَ الثَّمَنَ بِقِسْطِ وَزْنِ الظَّرْفِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَا عِنْدَ الْعَقْدِ عَالِمَيْنِ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ وَقَدْرَ قِسْطِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ هَلْ يَكُونُ الْمُسْقَطُ دِرْهَمَيْنِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَصَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا قَالُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ ثُمَّ أَظْرَفَ كَذَا وَزْنُ الظَّرْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيْعُ السَّمْنِ جَمِيعِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ وَزْنِ الظَّرْفِ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى السَّمْنَ وَنَحْوَهُ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا كَانَا قَدْ شَاهَدَا الظَّرْفَ فَارِغًا وَعَرَفَا قَدْرَ ثَخَانَتِهِ أَوْ كَانَتْ ثَخَانَتُهُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِمَّا تَخْتَلِفُ ثَخَانَتُهُ وَتَتَفَاوَتُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ السَّمْنَ وَحْدَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ فَإِذَا بَاعَهُمَا فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الظَّرْفُ يستوفه (1) وَرَأَى أَعْلَاهَا فَإِنْ كَانَتْ جَوَانِبُهَا مُسْتَتِرَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَلَكِنَّ أَسْفَلَهَا مستتر قال الاصحاب لَا يَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْجَوَانِبِ عَلَى الْأَسْفَلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فَإِنْ خَرَجَ أَغْلَظَ مِنْ الْجَوَانِبِ ثَبَتَ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً فَخَرَجَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْمِسْكَ مَعَ فَأْرَتِهِ كُلَّ مِثْقَالٍ بِدِينَارٍ فهو

_ (1) كذا بالاصل فحرر

كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ويجئ فِيهِ بَاقِي الْمَسَائِلِ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ السَّمْنَ مَعَ ظَرْفِهِ جِزَافًا صَحَّ الْبَيْعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّبَنُ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ وَلَا مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) هُنَا فَالْمَقْصُودُ السَّمْنُ وَهُوَ مُتَمَيِّزٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مَعَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى جَامِدًا فِي ظَرْفِهِ كَالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُوَازَنَةً كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ بِشَرْطِ أَنْ يُوزَنَ مَعَ ظَرْفِهِ ثُمَّ يُسْقِطُ قَدْرَ وَزْنِ الظَّرْفِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْجَامِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَى وَزْنِهِ مَعَ ظَرْفِهِ لِإِمْكَانِ وَزْنِهِ بِدُونِهِ قالا وإلى هذا ميل أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَلَا غَرَرَ وَلَا جَهَالَةَ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُسْقَطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ * * قال المصنف رحمه الله * (واختلف أصحابنا في بيع النحل في الكندوج فقال ابو العباس يجوز بيعه لانه يعرف مقدارة حال دخوله وخروجه * ومن أصحابنا مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفرايني لانه قد يكون في الكندوج ما لا يخرج وان اجتمع فرخه في موضع وشوهد جميعه جاز بيعه لانه معلوم مقدور على تسليمه فجاز بيعه) * (الشَّرْحُ) الْكُنْدُوجُ - بِكَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَهُوَ الْخَلِيَّةُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْخَلِيَّةُ عَرَبِيَّةٌ وَيُقَالُ لَهَا الْكِوَارَةُ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا بَيْعُ النَّحْلِ فِي الْجُمْلَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْحَمَامَ فَإِنْ كَانَ فَرْخُهُ مُجْتَمَعًا عَلَى غُصْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَاهَدَهُ كُلَّهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْخَلِيَّةِ وَلَمْ يَرَهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَدْ

سَبَقَ بَيَانُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَصِفَهُ أَوْ لَا يَصِفُهُ فَإِنْ رَآهُ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ خَرَجَ جَمِيعُهُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ فَفِي بَيْعِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا إلَّا فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَوْ اُشْتُرِطَتْ رُؤْيَتُهُ مُجْتَمَعًا لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ غَالِبًا وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ * فَلَوْ طَارَ لِيَرْعَى فَبَاعَهُ وَهُوَ طَائِرٌ وَعَادَتُهُ أَنْ يَعُودَ فِي آخِرِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ رَآهُ قَبْلَ طَيَرَانِهِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيْرِ الْأَلُوفِ إذَا بَاعَهُ فِي حَالِ طَيَرَانِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ الْغَالِبَ عَوْدُهُ إلَى مَوْضِعِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَعَبْدٍ خَرَجَ لِقَضَاءِ شُغْلٍ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا وَحَبْسُهَا عَنْ الطَّيَرَانِ بِالْعَلَفِ في برجها (وأما) النحل فلابد مِنْ الطَّيَرَانِ لِيَرْعَى وَلَوْ حُبِسَ عَنْهُ تَلِفَ وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا إذَا طَارَ وَاجْتَنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَسَلُ وَالطَّيْرُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَحْبُوسًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ بَيْعِ النَّحْلِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَالزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالشَّاةِ بِخِلَافِ الزُّنْبُورِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع الحمل في البطن لما روي ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن المجر) والمجر اشتراء ما في الارحام ولانه قد يكون حملا وقد يكون ريحا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه إن كان حملا فهو مجهول القدر ومجهول الصفة وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ * وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان (أحدهما) ان البيع باطل لانه مجهول الوجود مجهول الصفة (والثانى) انه يجوز لان الظاهر انه موجود والجهل وبه لا يؤثر لانه لا تمكن رؤيته

فعفي عن الجهل به كأساس الدار) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْمَجْرُ - بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ - وَهُوَ بَيْعُ الْجَنِينِ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْجَنِينِ وَعَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلِلْأَحَادِيثِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ حَيَوَانًا مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ (والثانى) البطلان وقيل يَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ فَيَكُونُ إعْلَامًا بِالْعَيْبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قال أصحابنا هما مبينان عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْرَفُ أَمْ لَا (أَصَحُّهُمَا) يُعْرَفُ وَلَهُ حُكْمٌ وَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَالثَّانِي) لَا يُعْرَفُ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا قِسْطَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَسَبَقَ شَرْحُهُمَا هُنَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُعْرَفُ صَحَّ هُنَا وَإِلَّا فَلَا * (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا أَوْ مَعَ حَمْلِهَا أَوْ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِنَّهُ وَصْفُ بَائِعٍ فَاحْتَمَلَ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ بَلْ يَكُونُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ بعتك هذه الرمانة وجها أَوْ هَذَا الْجَوْزَ وَلُبَّهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ اللُّبَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَتَيْ الرُّمَّانَةِ وَالْجَوْزِ أَيْضًا (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَحَشْوَهَا أَوْ بِحَشْوِهَا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ بِعْتُكَ الشَّاةَ وَحَمْلَهَا (وَالثَّانِي) يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا لِأَنَّ الْحَشْوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَوْكِيدًا لِلَفْظِ الْجُبَّةِ

بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْحَشْوَ مُتَيَقَّنٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ يَكُونُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبَّةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي صُورَةِ الْجَارِيَةِ وَالشَّاةِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْحَشْوَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ * قال أصحابنا ولو بَاعَ حَامِلًا وَشَرَطَ وَضْعَهَا لِرَأْسِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَحَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٍ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَكِنَّ الصِّحَّةَ هُنَا أَقْوَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطُ صِفَةٍ فِيهَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّبَنِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ فَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ فِي الْحَالِ كَانَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي شَرْطِ الْحَمْلِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَلَا ضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ * (فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ كَوْنَهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا وَصَحَّحْنَا الْبَيْعَ فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ كَاتِبٌ فَاخْتَلَفَ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ الْحَمْلِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ بَاعَهُ لِمَالِكِ الْأُمِّ أَوْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُتَيَقَّنَةُ الْوُجُودِ مَعْلُومَةُ الصِّفَاتِ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ حَامِلًا بَيْعًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا إلَّا عضوا منها فانه لا يصح بالاتفاق وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ (1) وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ لِإِنْسَانٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ بِالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَبَاعَ الْأُمَّ لِمَالِكِ الْحَمْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً

حَامِلًا بِحُرٍّ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حكاهما إمام الحرمين والغزالي واختارا الصِّحَّةَ وَصَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْوَسِيطِ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ بُطْلَانُ بَيْعِهَا * وَلَوْ بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهُ الْكُسْبَ أَوْ بَاعَ قطنا واستثنى لنفسه منه الْخَشَبِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ * وَلَوْ بَاعَ شَاةً لَبُونًا وَاسْتَثْنَى لَبَنَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهُ يَصِحُّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ قَالَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْأَصْلِ دُونَهُ بِأَنْ يُخْلِيَهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أنه يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ دُونَ حَمْلِهَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ لِوَاحِدٍ وَالْوَلَدُ لِآخَرَ فَوَكَّلَا رَجُلًا لِيَبِيعَهُمَا مَعًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ مِلْكِهِ فَبَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ الدَّابَّةَ وَيَشْتَرِطَ عِقَاقَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الْعِقَاقُ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - الْحَمْلُ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ مَنْعُ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْحَمْلِ هَكَذَا أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَفْسِيرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَنَّهُ شَرْطُ اسْتِثْنَاءِ حَمْلِهَا لِلْبَائِعِ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هُنَا النَّهْيَ الْمَشْهُورَ عَنْ بَيْعِ الملاقيح والمضامين قالوا والملاقيح بيع مافى بُطُونِ الْحَوَامِلِ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ مِنْ الْمَاءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ مَالِكُ بن انس وصاحبا المحمل وَالْمُحْكَمِ الْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُكَرَّرًا مَعَ الْمَلَاقِيحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَوَاحِدَةُ الْمَلَاقِيحِ مَلْقُوحَةٌ (وَأَمَّا) الْمَضَامِينُ فَوَاحِدُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِضْمَانًا وَمَضْمُونًا الْأَوَّلُ كَمِقْدَامٍ وَمَقَادِيمَ وَالْآخَرُ كَمَجْنُونٍ وَمَجَانِينَ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الاول صاحب المحكم والى الثاني الازهرى قال الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَهَا ظهورها فكأنها ضمنتها *

قال المصنف رحمه الله * * (ولا يجوز بيع اللبن في الضرع لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (لا تبيعوا الصوف على ظهر الغنم ولا تبيعوا اللبن في الضرع) ولانه مجهول القدر لانه قد يرى امتلاء الضرع من السمن فيظن أنه من اللبن ولانه مجهول الصفة لانه قد يكون اللبن صافيا وقد يكون كدرا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عُمَرُ بْنُ فروح وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّبَنِ في الضرع لما ذكره المصنف ولان لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ حَتَّى يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَحْدُثُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الْمَرَضِيَّةُ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ * فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي ضَرْعِ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ رِطْلًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَدْرِ (والطريق الثاني) فيه قولا بيع الغائب حكاه الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ * وَلَوْ حَلَبَ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ فَأَرَاهُ ثُمَّ قَالَ بِعْتُكَ رِطْلًا مِمَّا فِي الضَّرْعِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ كَمَا لَوْ رَأَى أُنْمُوذَجًا مِنْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ فِي إنَاءٍ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُرُّ فِي الضَّرْعِ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ * وَلَوْ قَبَضَ قَدْرًا مِنْ الضَّرْعِ وَأَحْكَمَ شَدَّهُ ثُمَّ بَاعَ مَا فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لِغَيْرِهِ (وَالصَّحِيحُ) بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ * (فَرْعٌ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ العلماء في بيع اللبن في الضرع * قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ

مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وأحمد واسحق وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ * وَقَالَ طاووس يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ لَبَنِ الشَّاةِ شَهْرًا وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ قَالُوا لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ وَقَاسُوهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلْإِرْضَاعِ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَحِقُّ اللَّبَنَ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَوْنُهُ مَجْهُولًا مُخْتَلِفًا مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فِي الْعَادَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى استئجارها بخلاف مسألتنا والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لقول ابن عباس ولانه قد يموت الحيوان قبل الجز فيتنجس شعره وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ولانه لا يمكن تسليمه الاستئصاله من أصله ولا يمكن ذلك الا بايلام الحيوان وهذا لا يجوز) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ شَرَطَ جَزَّهُ فِي الْحَالِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ * وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْجَزِّ فِي الْحَالِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ * وَلَوْ قَبَضَ عَلَى كِفْلَةٍ مِنْ الصُّوفِ وَهِيَ قِطْعَةٌ جَمَعَهَا وَقَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ عَيْنُ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِقَطْعِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّ استبقاءه بكماله ممكن مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا وَقَالَ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّأْسِ قَبْلَ السَّلْخِ وَالْمَذْهَبُ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ *

(فَرْعٌ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصَى بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَيُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْعَادَةِ وَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْوَارِثِ * قَالَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ * ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن ابن عباس وابى حنيفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ * وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُجَزَّ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الرطب والفصيل وَالْبَقْلِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ جَمِيعِ ذَلِكَ من أصله بغير اضرار بخلاف الصوف * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز البيع الا بثمن معلوم الصفة فان باب ثمن مطلق في موضع ليس فيه نقد متعارف لم يصح البيع لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بصفته كالمسلم فيه فأن باع بثمن معين تعين لانه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فان لم يره المتعاقدان أو احدهما فعلى ما ذكرناه من القولين في بيع العين التى لم يرها المتبايعان أو أحدهما) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ عِوَضٌ فِي الْبَيْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الصِّفَةِ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ أَوْ قَالَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُشَاهَدَةٌ لَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ عَلِمَا قَدْرَهَا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا * وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِالدِّينَارِ الَّذِي في بيتى أو في هميانى أو الدراهم التي فِي بَيْتِي فَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَيَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ بدينار في

ذِمَّتِك أَوْ قَالَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِك أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقُودٌ لَكِنَّ الْغَالِبَ وَاحِدٌ مِنْهَا انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَى ذَلِكَ النَّقْدِ الْوَاحِدِ أَوْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ فُلُوسًا انْصَرَفَ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ تَعَيَّنَ * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ أَنَّهَا إنْ كَانَ الْغِشُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا قَطْعًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً وَفِي الذِّمَّةِ (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ مُعَيَّنَةً وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِالْبَيْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ غَالِبًا لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ وَذَكَرَ هُنَاكَ تَوْجِيهَ الْأَوْجُهِ وَتَفْرِيعَهَا وَفَوَائِدَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا انْصَرَفَ إلَيْهَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ * وَلَوْ بَاعَ بِمَغْشُوشٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ فِضَّتَهُ ضَئِيلَةٌ جِدًّا فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وحكى الصيمري عن شيخه أبى العباس البصري أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (والثانى) لا خيار لان غشها معلوم فِي الْأَصْلِ وَحَكَى هَذَا الْوَجْهَ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا) * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ أَوْ نُقُودٌ لَا غَالِبَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ هُنَاكَ حَتَّى يُعَيِّنَ نَقْدًا مِنْهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَقْوِيمُ الْمُتْلَفِ يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَصَاعِدًا وَلَا غَالِبَ فِيهَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ فَهَلْ يَنْصَرِفُ الذِّكْرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَنْصَرِفُ كَالنَّقْدِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَرْضِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ شَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا مَعْرُوفًا أَوْ غَالِبًا لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَجْلِسِ *

(فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا يَنْصَرِفُ الْعَقْدُ عِنْدَ الاطلاق إلى النقد الْغَالِبِ مِنْ حَيْثُ النَّوْعِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ فَإِذَا بَاعَ بِدِينَارٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَالْمَعْهُودُ فِي الْبَلَدِ الدَّنَانِيرُ الصِّحَاحُ انْصَرَفَ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ الْمُكَسَّرَةَ انْصَرَفَ إلَيْهَا كَذَا نَقَلَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ قالا إلا ان تتفاوت قيمة المكسر فَلَا يَصِحُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ يُؤْخَذَ نِصْفُ الثَّمَنِ مِنْ هَذَا وَنِصْفُهُ مِنْ ذَاكَ أَوْ أَنْ يوخذ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْهُودِ * وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ التَّعَامُلَ بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ غَالِبَانِ وَأَطْلَقَ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ بَيَانِ قَدْرَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرَةِ (وَالثَّانِي) صِحَّتُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ الرافعى ويشبه ان يجئ هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (قُلْتُ) لَا جَرَيَانَ لَهُ هُنَاكَ وَالْفَرْقُ كَثْرَةُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ * وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُسَلَّمَةٍ أَوْ مُنَقَّيَةٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ فَأَحْضَرَ صَحِيحَيْنِ وَزْنُهُمَا مِثْقَالٌ لَزِمَهُ قَبُولُهُمَا لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنْ أَحْضَرَ صَحِيحًا وَزْنُهُ مِثْقَالٌ وَنِصْفٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَبْقَى الزِّيَادَةُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِمَا فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الْغَرَرِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَلَوْ تَرَاضَيَا جَازَ ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا كَسْرَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِمَا فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ الضَّرَرِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَوَّرًا جَازَ إنْ كَانَ يَعُمُّ وُجُودُهُ هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ مُدَوَّرًا وَكَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ صَحِيحًا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مِثْقَالٍ وَتَرَاضَيَا بِالشَّرِكَةِ فِيهِ جَازَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ * وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ ثُمَّ بَاعَهُ شَيْئًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ سَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُمَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَإِنْ سَلَّمَ قِطْعَتَيْنِ وَزْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ جَازَ فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي تسليم

صَحِيحٍ عَنْهُمَا فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ (وَأَمَّا الْأَوَّلُ) فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَعْدَ لُزُومِهِ فَهُوَ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَيَلْزَمُهُ نِصْفٌ هُوَ شِقٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِهِ فَهُوَ إلْحَاقُ شَرْطٍ فَاسِدٍ بِالْعَقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْحَقُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنِصْفَيْ دِينَارٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ دِينَارٍ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَثُلُثِ دِينَارٍ وَسُدُسِ دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ بَلْ لَهُ دَفْعُ شِقٍّ مِنْ كُلِّ وَزْنٍ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ أَحْضَرَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَلَى الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ (إنْ قُلْنَا) لَا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ اُسْتُبْدِلَ وَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (أَمَّا) إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي الْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ عَزِيزٌ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ صَحَّ الْعَقْدُ فَإِنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَصِحَّ (أَمَّا) إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ مَوْجُودًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ اُسْتُبْدِلَ وَإِلَّا فَهُوَ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَأَبْطَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِذَلِكَ النَّقْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إلَّا ذَلِكَ النَّقْدُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ مِنْ مَسَائِلَ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ وذكرنا فيها اوجها وَتَفَارِيعَهَا * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ إذَا بَاعَهُ بِنَقْدٍ فِي بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ فِيهِ بِذَلِكَ النَّقْدِ فَدَفَعَ إلَيْهِ النَّقْدَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ فَهَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِحِنْطَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى رَخُصَتْ (وَالثَّانِي) لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ مَخُوفٍ (والثالث)

إنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي يَدْفَعُهُ فِيهِ لَا يتعامل الناس فيه بذلك النقد أيضا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ بِوَكْسٍ لَزِمَهُ أَخْذُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ الثَّمَنُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَيَّنُ وَكَذَا لَوْ عَيَّنَا فِي الْإِجَارَةِ أَوْ الصَّدَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) لَوْ تَلِفَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَنْفَسِخُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْسِكَ تِلْكَ وَيَدْفَعَ بَدَلَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ وَجَدَ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَرَدَّهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْبَدَلِ وَعِنْدَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا عِوَضًا مِنْ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ * وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ رَوَاجُهَا لَا عَيْنُهَا وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَعْمَلُ عَمَلَ الْمُعَيَّنِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَخَذَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَبَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ صَاعًا آخَرَ بَدَلَهُ مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ مَعَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِالتَّعْيِينِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الثمن بذمته فلا يجوز تعليقه بها * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز الا بثمن معلوم القدر فان باع بثمن مجهول كبيع السلعة برقمها وبيع السلعة بما باع به فلان سلعتة وهما لا يعلمان ذلك فالبيع باطل لانه عوض في البيع فلم يجز مع الجهل بقدره كالمسلم فيه * فان باعه بثمن معين جزافا جاز لانه معلوم بالمشاهدة ويكره ذلك كما قلنا في بيع الصبرة جزافا * وان قال بعتك هذا القطيع كل شاة بدرهم أو هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وهما لا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وعدد القطيع صح البيع لان غرر الجهالة ينتفى بالعلم بالتفصيل كما ينتفى بالعلم بالجملة فإذا جاز بالعلم بالجملة جاز بالعلم والتفصيل (الشَّرْحُ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَطِيعِ وَالصُّبْرَةِ وَالْبَيْعِ بِدَرَاهِمَ جِزَافٍ فَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا قَرِيبًا فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْجِزَافَ يُقَالُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا -

وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَا شِئْتَ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ * وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ مَرْقُومٌ بِهِ عَلَيْهَا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ غَرَرٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) إنْ عَلِمَا ذَلِكَ الْقَدْرَ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ صَحَّ الْبَيْعُ * وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ مَجْهُولَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ شَاذٌّ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ هَذَا كلامهما * وينبغى أن لا يكفى علمهما بل يشترط عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ قَصْدُهُمَا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ * وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا حَالَةَ الْعَقْدِ قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَلِمَا ذَلِكَ في الحال طريقين (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ * وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ الا درهم لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ قِيمَةَ الدِّينَارِ من الدارهم صَحَّ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ غريب (والاصح) انهما إذا علما قيمته وقصدا اسْتِثْنَاءَ الْقِيمَةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَبْتَاعُونَ بِالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ من الدارهم معلوم عِنْدَهُمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ * هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عَبَّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فرع) في بيع التلحيه وصورته أن يتفقا على أن يُظْهِرَا الْعَقْدَ إمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَظْهَرَاهُ لَا يَكُونُ بَيْعًا ثُمَّ يُعْقَدُ الْبَيْعُ فَإِذَا عَقَدَاهُ انْعَقَدَ عِنْدَنَا وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ وَيُظْهِرَا أَلْفَيْنِ فَعَقَدَا بِأَلْفَيْنِ صَحَّ الْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ وَلَا أَثَرَ لِلِاتِّفَاقِ السَّابِقِ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَتَبَايَعَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مِائَةَ دِينَارٍ اسْتِحْسَانًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الِاتِّفَاقُ صَارَا كَالْهَازِلَيْنِ * دَلِيلُنَا أَنَّ الِاتِّفَاقَ السَّابِقَ مَلْغِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ كَالْهَازِلَيْنِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا انْعِقَادُ بَيْعِ الْهَازِلِ * (فَرْعٌ) رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع الغربان) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَذَكَرَهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عن العقبى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبِ الرُّخَامِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ كَاتِبِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هَذَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ هَذَا ضَعِيفَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَهِيَ قَوْلُهُ بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ فَلَمْ يُسَمِّ رِوَايَةَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ قَالَ وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقِيلَ إنَّمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَذَا قَالَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَشْهُورٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الحديث عن الحارث ابن عبد الرحمن بن ابى دياب عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَاصِمٌ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ هذا ضعيف

أبو عبد اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُرْسَلُ مَالِكٍ * وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا أَخَذَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَقِيلَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقِيلَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ وَفِي الْجَمِيعِ ضَعْفٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ وَإِنَّمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ لِشُهْرَتِهِ وَالْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ * قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْعُرْبَانِ سِتُّ لُغَاتٍ عُرْبَانٌ وَعُرْبُونٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ - فِيهِمَا وَعَرْبُونَ - بِفَتْحِهِمَا وَأَرْبَانٌ وَأَرَبُونٌ وَأَرْبُونٌ - بِالْهَمْزَةِ بَدَلُ الغين - وَالْوَزْنُ كَالْوَزْنِ وَقَدْ أَوْضَحَتْهُنَّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ أَفْصَحُهُنَّ عَرَبُونٌ - بِفَتْحِهِمَا - وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ مِنْهُ عَرَّبْت فِي الشئ وَأَعْرَبْت وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا أَوْ دَرَاهِمَ وَيَقُولُ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَنَا فَهُوَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَهُوَ هِبَةٌ لَك قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قَالَ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتَلَفَّظَا بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمُهَذَّبِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا بُطْلَانُهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ جَوَازَهُ قَالَ وقد روينا عن نافع بن عبد الحرث أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ له وان لم يرض فلصفوان أربع مائة قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حديث عمر فقال أي شئ أَقْدِرُ أَقُولُ * هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ فَأَبْطَلَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْغَرَرِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَبْطَلَهُ أَيْضًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ * وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ جَوَازُهُ وَمَالَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ والله سبحانه وتعالى أعلم * * قال الصمنف رحمه الله * (وان كان لرجل عبدان فباع أحدهما من رجل والآخر من رجل آخر في صفقة واحدة بثمن واحد فان الشافعي رحمه الله قال فيمن كاتب عبدين بمال واحد أنه على قولين (أحدهما) يبطل

العقد لان العقد الواحد مع اثنين عقدان فإذا لم يعلم قدر العوض في كل واحد منهما بطل كما لو باع كل واحد منهما في صفقة بثمن مجهول (والثانى) يصح ويقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما فمن اصحابنا من قال في البيع أيضا قولان وهو قول أبي العباس وقال أبو سعيد الاصطخرى وأبو إسحق يبطل البيع قولا واحدا لان البيع يفسد بفساد العوض (والصحيح) قول أبى العباس لان الكتابة أيضا تفسد بفساد العوض وقد نص فيها على قولين) * (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذا كانت عَبِيدًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) صِحَّةُ الْكِتَابَةِ وَيُوَزَّعُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) فَسَادُهَا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا مِنْ مَالِكِيهِمْ أَوْ وَكِيلِهِمْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ مُعَيَّنٌ فَاشْتَرَاهُمْ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عبد معين بثمن واحد أن الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَا زَيْدُ هَذَا الْعَبْدَ وَبِعْتُك يَا عَمْرُو * هَذَا الْعَبْدَ كِلَيْهِمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَا قَبِلْنَا * قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلَعَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَتَزَوَّجَ نِسْوَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَنَاتُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتُ إخْوَةٍ أَوْ بَنَاتُ أَعْمَامٍ أَوْ مُعْتَقَاتٌ وَيُتَصَوَّرُ مَعَ تَعَدُّدِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُوَكِّلَ الْأَوْلِيَاءُ رَجُلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَصِحُّ النِّكَاحُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَأَمَّا) الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) صِحَّتُهُ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ فَفِيهِمَا أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا (أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ وَالتَّوْزِيعُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ الْكِتَابَةِ (وَالثَّالِثُ) يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ (وَالرَّابِعُ) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَإِنْ أُفْرِدَتْ قُلْتُ فِي الْبَيْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَفِي الْكِتَابَةِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) قَوْلَانِ

(أَصَحُّهُمَا) الْفَسَادُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْفَسَادُ (فَإِذَا قُلْنَا) بِصِحَّةِ الصَّدَاقِ وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى نِسْبَةِ مَهْرِ أَمْثَالِهِنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيه وَجْهًا أنه يوزع على عدد رؤسهن (وَإِذَا قُلْنَا) بِفَسَادِ الصَّدَاقِ فَفِيمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهُمَا خَمْرًا وَنَحْوَهَا (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) يُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ لَهُنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لَكِنْ يَدْفَعُ الزَّوْجُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يَجِبُ مِنْ نَفْسِ الْمُسَمَّى (أَمَّا) إذَا زَوَّجَ أَمَتَيْهِ بِعَبْدٍ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الْمُسَمَّى بِلَا خِلَافٍ فان المستح لِصَدَاقِهِمَا وَاحِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ بِثَمَنٍ * وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةُ بنين فروجهن بِهِمْ صَفْقَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانَةَ ابْنَك فُلَانًا وَفُلَانَةَ فُلَانًا بِأَلْفٍ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) فِي صِحَّةِ الصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ لَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ كَانَ لِلْقَابِلِ نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إيجَابَهُ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَقْدٌ فَصَحَّ قَبُولُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ * وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَا قَبِلْنَا صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعَبْدَيْنِ بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ بَاعَهُمَا لِوَاحِدٍ فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ صَحَّ الْبَيْعُ فِي نِصْفَيْهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ

فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قبلت ولم يقل نصفهما وسكت الآخر صخ فِي نِصْفِهِمَا لِلْقَابِلِ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَبُولِ يَرْجِعُ إلَى مَا يَقْتَضِيه الْإِيجَابُ وَهُوَ نِصْفُهُمَا لَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت نِصْفَ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (فان قال بعتك بألف مثقال ذهبا وفضة فالبيع باطل لانه لم يبين القدر من كل واحد منهما فكان باطلا * وان قال بعتك بألف نقد أو بألفين نسيئة فالبيع باطل لانه لم يعقد على ثمن بعينه فهو كما لو قال بعتك أحد هذين العبدين) * (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَفْسِيرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً (وَالثَّانِي) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّفْسِيرَيْنِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَهُمَا أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ (وَالْأَوَّلُ) أَشْهَرُ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ له أو كسهما أَوْ الرِّبَا) فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا كَأَنَّهُ أَسْلَفَ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى شَهْرٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَطَالَبَهُ فَقَالَ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَك عَلَيَّ إلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ قَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيُرَدُّ إلَى أَوْكَسِهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْبَيْعَ الثَّانِي قَبْلَ فَسْخِ الْأَوَّلِ كَانَا قَدْ دَخَلَا فِي الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم *

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ * مَذْهَبُنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ نِصْفَيْنِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يصح * قال المصنف رحمه الله * (وإن باع بثمن مؤجل لم يجز إلى أجل مجهول كالبيع إلى العطاء لانه عوض في بيع فلم يجز إلى أجل مجهول كالمسلم فيه) * (الشَّرْحُ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) عِوَضٌ فِي بَيْعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ * قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا بَاعَ بِمُؤَجَّلٍ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الْعَطَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ إلَى وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْعَطَاءِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُمَا صَحَّ وَابْتَدَأَ الْأَجَلُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ كَابْتِدَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الثَّلَاثِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) مِنْ التَّفَرُّقِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِي الْأَجَلِ مَسَائِلُ وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ وَهُنَاكَ نُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى أَلْفِ سَنَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي صِحَّةِ الْأَجَلِ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ احْتِمَالُ بَقَائِهِ إلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ ثُمَّ وَارِثِهِ وَهَلُمَّ جرا لكن لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْتَقَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ (فَأَمَّا) إذَا أَجَّلَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَهَا فِي وَقْتِ كَذَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ وَأَجَّلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مُدَّةً أُخْرَى أَوْ زَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقْنَا عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْإِتْلَافِ لَا يَتَأَجَّلُ بِالتَّأْجِيلِ * وَلَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى إنْسَانٍ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً لَزِمَ وَرَثَتَهُ إمْهَالُهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَلْزَمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي * وَلَوْ أَسْقَطَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ الْأَجَلَ فَهَلْ يَسْقُطُ

حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُفْرَدُ بِالْإِسْقَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ لَوْ أَسْقَطَ صِفَةَ الْجَوْدَةِ وَالصِّحَّةِ لَمْ يَسْقُطْ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَيْعِ إلى العطا وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ بِثَمَنٍ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْعَطَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ قال ابن المنذر وروينا ذلك عن ابن عُمَرَ قَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا بَاعَ إلَى الْعَطَاءِ صَحَّ وَكَانَ الثَّمَنُ حَالًّا قال وقول ابن عباس أصح * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجئ الشهر وقدوم الحاج لانه بيع غرر من غير حاجة فلم يجز * ولا يجوز بيع المنابذة وهو أن يقول إذا نبذت هذا الثو ب فقد وجب البيع ولا بيع الملامسة وهو أن يمس الثوب بيده ولا ينشره وإذا مسه فقد وجب البيع لما روى أبو سعيد الخدرى قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيعتين المنابذة والملامسة) والمنابذة أن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره فإذا مسه فقد وجب البيع * ولانه إذا علق وجوب البيع على نبذ الثوب فقد علق البيع على شرط وذلك لا يجوز وإذا لم ينشر الثوب فقد باع مجهولا وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ * ولا يجوز بيع الحصى وهو أن يقول بعتك ما وقع عليه الحصى من ثوب أو أرض لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الحصى) ولانه بيع مجهول من غير حاجة فلم يجز * ولا يجوز ببع حبل الحبلة لما روي ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع واختلف في تأويله فقال الشافعي رضي الله عنه هو بيع السلعة بثمن إلى أن تلد الناقة ويلد حملها وقال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة فان كان على ما قال الشافعي رحمه الله فهو بيع بثمن إلى أجل مجهول وقد بينا أن ذلك لا يجوز * وان كان على ما قال أبو عبيد فهو بيع معدوم ومجهول وذلك لا يجوز * ولا يجوز بيعتان في بيعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

عين بيعتين في بيعة) فيحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف نقدا أو بالفين نسيئة فلا يجوز للخبر ولانه لم يعقد على ثمن معلوم ويحتمل أن يكون المراد به أن يقول بعتك هذا بالف على إن تبيعني دارك بالف فلا يصح للخبر ولانه شرط في عقد وذلك لا يصح فإذا سقط وجب أن يضاف إلى ثمن السلعة بازاء ما سقط من الشرط وذلك مجهول فإذا أضيف إلى الثمن صار مجهولا فبطل) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ تَفْسِيرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْمِيمِ - وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَنُنْكِرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَأَتَى بِهِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلضَّعِيفِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ (وَقَوْلُهُ) حَبَلِ الْحَبَلَةِ هُوَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - فِيهِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبَلَةُ هُنَا جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَقَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَابِلٌ وَنِسْوَةٌ حَبَلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ الْهَاءُ فِي الْحَبَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ الْحَمْلُ يُقَالُ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ وَحَمَلَتْ الشَّاةُ - بِالْمِيمِ - وَكَذَا الْبَقَرَةُ وَالنَّاقَةُ وَنَحْوُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يقال لشئ مِنْ الْحَيَوَانِ حَبَلٌ غَيْرَ الْآدَمِيِّ إلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ * وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الحديث ثبت ذلك عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ * وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَهُ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخُ أَبِي عبيد وقاله أحمد بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الرَّاوِي وَهُوَ أَعْرَفُ * وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا عبيد الذى ذكره المصنف هنا وفى التَّنْبِيهِ هُوَ بِإِسْقَاطِ الْهَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ القاسم

ابن سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ قَالَ الرافعى قال الاصحاب ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قرينة البيع في نَفْسُ الْمُعَاطَاةِ (وَالثَّانِي) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْتُهُ إلَيْك انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ البيع هو بَيْعٌ بَاطِلٌ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِنَبْذِ الْحَصَاةِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وجمهور الاصحاب وهوان يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسُهُ الْمُسْتَلِمُ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لِمَسْكِ مَقَامَ نَظَرِك وَلَا خِيَارَ لَك إذَا رَأَيْته (وَالثَّانِي) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إذَا لَمَسْته فَهُوَ بَيْعٌ لَك (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا وَفِي الْأَوَّلِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ نَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَهُ حُكْمُ الْمُعَاطَاةِ (وَالْمَذْهَبُ) الْجَزْمُ بِبُطْلَانِهِ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَصَاةِ فَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى حَيْثُ تَنْتَهِي إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ (وَالثَّانِي) أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ أَرْمِيَ الْحَصَاةَ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا وَهُوَ إذَا رَمَيْت هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ لَك بِكَذَا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ عَلَى جَمِيعِ التَّأْوِيلَاتِ (وَأَمَّا) الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ فَفِيهِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُمَا مَعَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ وَلَا بَيْعُ حبل الحبلة ولا بيع الحصاة والمنابدة وَالْمُلَامَسَةِ وَلَا تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ بِأَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ أَوْ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا غربت الشمس أوما أَشْبَهَ هَذَا فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَهَذَا عَقْدٌ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ بيع الغرر (1) *

قال المصنف رحمه الله (ولا يجوز مبايعة من يعلم أن جميع ماله حرام لما روى أبو مسعود البدرى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن حلوان الكاهن ومهر البغى * وعن الزهري (في امرأة زنت بمال عظيم قال لا يصلح لمولاها أكله لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مهر البغى) فان كان معه حلال وحرام كره مبايعته والاخذ منه لما روى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقول الحلال بين والحرام بين وبين ذلك امور مشتبهات وسأضرب لكم في ذلك مثلا ان الله تعالى حمى حمى وان حمى الله حرام وان من يرعى حو الحمى يوشك ان يخالط الحمي) وان بايعه وأخذ منه جاز لان الظاهر مما في يده انه له فلا يحرم الاخذ منه) الْخَلْطُ فِي الْبَلَدِ حَرَامٌ لَا يَنْحَصِرُ بِحَلَالٍ لَا يَنْحَصِرُ لَمْ يَحْرُمْ الشِّرَاءُ مِنْهُ بَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحَرَامِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ مَحْبُوبٌ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْحَرَامُ تَأَكَّدَ الْوَرَعُ * وَلَوْ اعْتَلَفَتْ الشَّاةُ عَلَفًا حَرَامًا أَوْ رَعَتْ فِي حَشِيشٍ حَرَامٍ لَمْ يَحْرُمْ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا وَلَكِنَّ تَرْكَهُ وَرَعٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ لَيْسَ هو عين العلطف * وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ طَعَامٍ حَلَالٍ لِكَوْنِهِ حَمَلَهُ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ بِالزِّنَا أَوْ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَرَعًا بَلْ هُوَ وَسْوَاسٌ وَتَنَطُّعٌ مَذْمُومٌ * وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ إلَيْهِ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِطِيبِ قَلْبِهِ فَأَكَلَهُ قَبْلَ قَضَاءِ الثَّمَنِ فَهُوَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مُؤَكَّدًا ثُمَّ إنْ قَضَى الثَّمَنَ بَعْدَ الْأَكْلِ فَأَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ فَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَأْكُولُ حَرَامًا فَإِنْ أَبْرَأهُ الْبَائِعُ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَبْرَأهُ ظَانًّا حِلَّ الثَّمَنِ لَمْ تَحْصُلْ الْبَرَاءَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ وَلَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ * وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بِطِيبِ قَلْبِهِ بَلْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي قَهْرًا فَأَكَلَهُ فَالْأَكْلُ حَرَامٌ سَوَاءٌ أَكَلَهُ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ تَوْفِيَتِهِ مِنْ الْحَرَامِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ عَاصِيًا بِأَكْلِهِ كَعِصْيَانِ الرَّاهِنِ إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا

مِنْ أَكْلِ الْمَغْصُوبِ (أَمَّا) إذَا أَوْفَى الثَّمَنَ الْحَرَامَ ثُمَّ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ حَرَامٌ وَأَقْبَضَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْحَبْسِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ لَهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَكُونُ أَكْلُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَلَالًا * وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ كَوْنَ الثَّمَنِ حَرَامًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ لَمَا رَضِيَ بِهِ وَلَمَّا أَقْبَضَ الْمَبِيعَ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْحَبْسِ بِهَذَا التَّدْلِيسِ فَالْأَكْلُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ كَتَحْرِيمِ أَكْلِ طَعَامِهِ المرهون والامتناع من الاكل في كل هَذَا وَرَعٌ مِنْهُمْ * وَلَوْ اشْتَرَى سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَبَضَهُ بِرِضَا الْبَائِعِ قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ ثُمَّ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ وَكَانَ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ يُوَفِّيهِ الثَّمَنَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِنْسَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَكِنَّ الْوَرَعَ تَرْكُهُ وَيَتَأَكَّدُ الْوَرَعُ أَوْ يَخِفُّ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقِلَّتِهِ * وَلَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ وَفَّى ثَمَنَهُ عِنَبًا لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ أَوْ سَيْفًا لِمَنْ عُرِفَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُرِهَ أَكْلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَحْرُمْ * وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ غَزْلَ زَوْجَتِهِ فَبَاعَتْ غَزْلَهَا وَوَهَبْته الثَّمَنَ لَمْ يُكْرَهْ أَكْلُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ * وَمِنْ الْوَرَعِ الْمَحْبُوبِ تَرْكُ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ اخْتِلَافًا مُحْتَمَلًا وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَ إمَامٍ يُبِيحُهُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الصَّيْدُ وَالذَّبِيحَةُ إذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالْوَرَعُ لِمُعْتَقِدِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَرْكُ أَكْلِهِ (وَأَمَّا) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الَّذِي يَكُونُ فِي إبَاحَتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا مُعَارِضٍ وَتَأْوِيلُهُ مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ فَلَا أَثَرَ لِخِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ فَلَا يَكُونُ تَرْكُهُ وَرَعًا مَحْبُوبًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُوَرِّثُ شُبْهَةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشئ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّ دَلِيلَهُ خَبَرُ آحَادٍ فَتَرَكَهُ إنْسَانٌ لِكَوْنِ بَعْضِ النَّاسِ مَنَعَ الِاحْتِجَاجَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَذَا التَّرْكُ لَيْسَ بِوَرَعٍ بَلْ وَسْوَاسٍ لِأَنَّ الْمَانِعَ لِلْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَمَا زَالَتْ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ * قَالَ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالٍ لِلْفُقَهَاءِ فَالْفَاضِلُ فِي الْفِقْهِ مُدْخَلٌ فِي الْوَصِيَّةِ والمبتدي مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهِمَا وَالْوَرَعُ لِهَذَا الْمُتَوَسِّطِ تَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا وَإِنْ أَفْتَاهُ الْمُفْتِي بأنه دَاخِلٌ فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ الْمَصْرُوفَةُ إلَى الْمُحْتَاجِينَ قَدْ يُتَرَدَّدُ فِي حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ وَكَذَا مَا يَجِبُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَكِسْوَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَالِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ إذَا قَدَّمَ لَك إنْسَانٌ طَعَامًا ضِيَافَةً أَوْ أَهْدَاهُ لَك أَوْ أَرَدْت شِرَاءَهُ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُطْلَقْ الْوَرَعُ فَإِنَّك تَسْأَلُ عَنْ حِلِّهِ وَلَا يُتْرَكُ السؤال قَدْ يَجِبُ وَقَدْ يَحْرُمُ وَقَدْ يَنْدُبُ وَقَدْ يكره وضابطه مَظِنَّةَ السُّؤَالِ هِيَ مَوْضِعُ الرِّيبَةِ وَلَهَا حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِكِ (وَالثَّانِي) بِالْمِلْكِ

(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَالْمَالِكُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا وَهُوَ مَنْ لَيْسَ فِيهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى طِيبِ مَالِهِ وَلَا فَسَادِهِ فَإِذَا دَخَلْت قَرْيَةً فَرَأَيْت رَجُلًا لَا تَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا وَلَا عَلَيْهِ عَلَامَةُ فَسَادِ مَالِهِ وَشَبَهِهِ كَهَيْئَةِ الْأَجْنَادِ وَلَا عَلَامَةُ طِيبَةٍ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالتُّجَّارِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَا يُقَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِأَنَّ الشَّكَّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ لَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَا يُدْرَى وَبَيْنَ مَا يُشَكُّ فِيهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ مَا لا يدرى ويجور الشِّرَاءُ مِنْ هَذَا الْمَجْهُولِ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ وَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ بَلْ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ فَإِنْ أَرَادَ الورع فليتركه وان كان لابد مِنْ أَكْلِهِ فَلِيَأْكُلْ وَلَا يَسْأَلْ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى تَرْكِ السُّؤَالِ أَهْوَنُ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ مُسْلِمٍ وَإِيذَائِهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَقْوَاهُ كَلِبَاسِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَهَيْئَاتِهِمْ أَوْ تَرَى مِنْهُ فِعْلًا مُحَرَّمًا تَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الْمَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا يَحْرُمُ الْهُجُومُ بَلْ السُّؤَالُ وَرَعٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ وَيَجِبُ السُّؤَالُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنُفْتِي بِهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَلَامَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَرَامٌ فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِيهِ حَرَامًا يَسِيرًا كَانَ السُّؤَالُ وَرَعًا (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْلَمَ حاله بِمُمَارَسَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ظَنٌّ فِي حِلِّ مَالِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ بِأَنْ يَعْرِفَ صَلَاحَ الرَّجُلِ وَدِيَانَتِهِ فَهُنَا لَا يَجِبُ السُّؤَالُ وَلَا يَجُوزُ أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مُرَابٍ أَوْ مُغَنٍّ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ السُّؤَالُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَعَلَّقَ الشَّكُّ بِالْمَالِ بِأَنْ يَخْتَلِطَ حَلَالٌ بِحَرَامٍ كَمَا إذَا حَصَلَ فِي السُّوقِ أَحْمَالُ طَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَاشْتَرَاهَا أَهْلُ السُّوقِ فَلَا يَجِبُ السُّؤَالُ عَلَى مَنْ يَشْتَرِي مِنْ تِلْكَ السُّوقِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ حَرَامٌ فَيَجِبُ السُّؤَالُ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرُ حَرَامًا يَكُونُ التَّفْتِيشُ وَرَعًا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الشِّرَاءِ مِنْ الْأَسْوَاقِ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ فِي كُلِّ عَقْدٍ وَإِنَّمَا نُقِلَ السُّؤَالُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِرِيبَةٍ كَانَتْ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ نَاظِرِ الْأَوْقَافِ أَوْ الْوَصَايَا مَالَانِ أَحَدُهُمَا لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ لِمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ أُخْرَى فَأَرَادَ إنْسَانٌ فِيهِ صِفَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّاظِرِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ ظَاهِرَةً يَعْرِفُهَا الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ جَازَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ خَفِيَّةً أَوْ عُرِفَ مِنْ حَالِ الْمُتَوَلِّي التَّسَاهُلُ وَأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا عَلَامَةٌ وَلَا اسْتِصْحَابٌ يُعْتَمَدُ * (فَرْعٌ) قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا مِنْ دُورِ الْبَلَدِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ دُورًا مَغْصُوبَةً لِأَنَّ

* ذَلِكَ اخْتِلَاطٌ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ وَالسُّؤَالُ هُنَا وَرَعٌ وَاحْتِيَاطٌ * وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَشْرُ دُورٍ فِيهَا وَاحِدَةٌ مَغْصُوبَةٌ أَوْ وَقْفٌ وَلَا يَعْرِفُهَا وَجَبَ السُّؤَالُ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ * وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَدَارِسُ أَوْ رِبَاطَاتٌ خُصِّصَ بَعْضُهَا بِالْمَنْسُوبِينَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْكُنَ في شئ مِنْهَا وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَقْفِهَا حَتَّى يَسْأَلَ وَيَتَبَيَّنَ الصَّوَابَ * (فَرْعٌ) قَالَ حَيْثُ قُلْنَا السُّؤَالُ وَرَعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الطَّعَامِ وَالْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ إيذَاءَ مُسْلِمٍ لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ مَنْدُوبٍ قَالَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا السُّؤَالَ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا نُبَالِي بِغَيْظِهِ فَإِنَّ الظَّالِمَ يُؤْذِي بِأَكْثَرَ من هذا قال الحرث الْمُحَاسِبِيُّ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ صَدِيقٌ يَأْمَنُ غَيْظَهُ لَوْ سَأَلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلَهُ أَيْضًا لِلْوَرَعِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شئ كَانَ مَسْتُورًا يُؤَدِّي إلَى الْبَغْضَاءِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ * قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِ مَنْ بَعْضُ مَالِهِ حَرَامٌ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي مَالِ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ مُخْتَلَطٌ فَأَرَدْتَ مُبَايَعَتَهُ أَوْ الْأَكْلَ مِنْ ضِيَافَتِهِ أَوْ هَدِيَّتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِ سُؤَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُ سُؤَالُ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ ثِقَةً غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هَذَا الْمَالُ (1) وَكَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِي أَتَى بِهِ هَلْ هُوَ هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يؤذي المسؤل وَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ * وَلَهُ سُؤَالُ خَادِمِهِ وَعَبْدِهِ الثِّقَةِ وَمَتَى سَأَلَ فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ اعْتَمَدَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَعَلِمَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ جاز له قبوله

_ (1) كذا بالاصل

* لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ السُّؤَالِ ثِقَةُ النَّفْسِ وَقَدْ تَحْصُلُ بِقَوْلِ الْفَاسِقِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ معروف بالتثبت جَازَ قَبُولُهُ وَمَتَى وَجَبَ السُّؤَالُ فَتَعَارَضَ قَوْلُ عدلين أو فاسقين سقطا ويجوزان يُرَجِّحَ بِقَلْبِهِ أَحَدَهُمَا وَبِكَثْرَةِ الْمُخْبَرَيْنِ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ (فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ فَصَادَفَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ وَاحْتُمِلَ أَنْ لا يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ مَنْ عُرِفَ بِالصَّلَاحِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَكَانَ تَرْكُهُ وَرَعًا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النَّوْعُ كَثِيرًا فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَنْهُوبِ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَنْهُوبِ إلَّا نَادِرًا فَلَيْسَ هُنَا دَلِيلٌ لِلْحِلِّ سِوَى الْيَدِ وَقَدْ عَارَضَهَا عَلَامَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ شَكْلُ الْمَتَاعِ الْمَنْهُوبِ فَالِامْتِنَاعُ مِنْ شِرَائِهِ وَرَعٌ مِنْهُمْ وَفِي تَحْرِيمِهِ نَظَرٌ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ خَادِمُ الصُّوفِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى السُّوقِ وَالْبُيُوتِ وَجَمَعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ ثُمَّ قَدَّمَهُ لِلصُّوفِيَّةِ حَلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ وَيَحِلُّ لِغَيْرِهِمْ الْأَكْلُ مِنْهُ بِرِضَاءِ الْخَادِمِ وَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عِيَالٌ وَأَعْطَى لَهُ النَّاسُ شَيْئًا بِسَبَبِ عِيَالِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلرَّجُلِ لَا لِلْعِيَالِ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْعِيَالِ وَكَذَا مَا يُعْطَاهُ الْخَادِمُ يَقَعُ مِلْكًا لَهُ وَإِنَّمَا يُطْعِمُ الصُّوفِيَّةَ وَفَاءً بِالْمُرُوءَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ مِنْهُ بِرِضَاهُمْ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِأَنَّ مَعْنَى الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الصَّرْفُ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَبْنَى الْأَطْعِمَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ صُوفِيًّا الْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوَامِ وَإِنْ رَضُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِ جِنْسِهِمْ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ إذَا كَانَ عَلَى زِيِّهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ فَلَهُ النُّزُولُ عَلَيْهِمْ أَوْ كَوْنُهُ صُوفِيًّا وَلَيْسَ الْجَهْلُ شَرْطًا لِلتَّصَوُّفِ قَالَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَرَكَاتِ بعض الحملى وقولهم

* الْعِلْمُ حِجَابٌ بَلْ الْجَهْلُ هُوَ الْحِجَابُ وَكَذَا الْعِلْمُ الْمَذْمُومُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ قَدْ يُعْطِي الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ الْمَالَ تَبَرُّعًا لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا وَقَدْ يُعْطِيهِ لِنَسَبِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فان علم الآخذ أن يُعْطِيهِ لِحَاجَتِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لِشَرَفِ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ حَادِثًا فِي النَّسَبِ وَإِنْ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْعِلْمِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُعْطِي وَإِنْ أَعْطَاهُ لِدِينِهِ وَصَلَاحِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ إنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الْبَاطِنِ فِسْقًا لَوْ عَلِمَهُ الْمُعْطِي لَمَا أَعْطَاهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ شَارِعًا لَمْ يَجُزْ الْمُرُورُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ جَازَ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَعَلَيْهَا سَابَاطٌ مَغْصُوبُ الْأَخْشَابِ وَنَحْوُهَا جَازَ الْمُرُورُ تَحْتَهُ فَإِنْ قَعَدَ تَحْتَهُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ السَّقْفَ لَا يُرَادُ إلَّا لِهَذَا قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْمَسْجِدِ مُبَاحَةً وَسُقِّفَ بِحِرَامٍ جَازَ الْمُرُورُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْحَرَامِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقُعُودُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِانْتِفَاعِ بِضَوْءِ سِرَاجِ غَيْرِهِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَوَاضِعُ الَّتِي بَنَاهَا الظَّلَمَةُ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ فِيهَا (أَمَّا) الْقَنَاطِرُ فَيَجُوزُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا لِلْحَاجَةِ وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْعُبُورَ وَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا مَعْدِلًا لِأَنَّ تِلْكَ الْآلَاتِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالِكٌ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ تُرْصَدَ لِلْمَصَالِحِ وَهَذَا مِنْهَا وَإِذَا عَرَفَ أَنَّ الْأَحْجَارَ وَاللَّبِنَ مَغْصُوبَةٌ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعُبُورُ عَلَيْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ يَحِلُّ بِهَا ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَجِبُ الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْمَالِكِ الَّذِي يَعْرِفُهُ (وَأَمَّا) الْمَسْجِدُ فَإِنْ بُنِيَ مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ خَشَبٍ مَغْصُوبٍ مِنْ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ مِلْكِ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَحْرُمُ دُخُولُهُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالٍ لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَالْوَرَعُ الْعُدُولُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَتْرُكْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَنَاهُ بِمَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مَعْرُوفٌ فَيَكُونُ لِلْمَصَالِحِ (وَأَمَّا) السِّقَايَاتُ فَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ مِنْهَا وَتَرْكُ دُخُولِهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الرِّبَاطُ والمدرسة فان كانت أرضها مغصوبة أو الاكتاف كَاللَّبِنِ وَالْحِجَارَةِ وَأَمْكَنَ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا وَإِنْ اشْتَبَهَ فَلَهُ دُخُولُهَا وَالْمُكْثُ فِيهَا وَالْوَرَعُ تَرْكُهُ

* قال الغزالي إذا امر السلطان بدفع شئ مِنْ خِزَانَتِهِ لِإِنْسَانٍ يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا وَعَلِمَ أَنَّ الْخِزَانَةَ فِيهَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِي سَلَاطِينِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ عَزِيزٌ أَوْ مَعْدُومٌ (1) وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا كَوْنُهُ مِنْ الْحَلَالِ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ الْحَرَامِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ حَلَالٌ قَالَ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ وَالْأَعْدَلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا حَرُمَ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَفِيهِ تَوَقُّفٌ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُخْتَلَطُ أَكْثَرُهُ حَرَامًا حَرُمَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَهَكَذَا مِثَالُ خِزَانَةِ السُّلْطَانِ يَكُونُ مَكْرُوهًا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَخَذُوا مِنْ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ وَنُوَّابِهِمْ الظَّلَمَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو أَيُّوبَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ والمسور ابن مَخْرَمَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الحجاج والشافعي من هرون الرَّشِيدِ وَأَخَذَ مَالِكٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً وَإِنَّمَا تَرَكَ مَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْأَخْذَ تَوَرُّعًا * وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُخْتَارِ ابن عبيد وزعمت هذه الفرقتان مَا نُقِلَ مِنْ امْتِنَاعِ جَمَاعَةٍ لَا يَدُلُّ على التحريم كما أن الخلفاء الراشدين وابازر وَآخَرِينَ مِنْ الزُّهَّادِ تَرَكُوا الْحَلَالَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ زُهْدًا * قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّهُ قَلِيلٌ مَحْصُورٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا نُقِلَ مِنْ رَدِّهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَقَّقُوا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمَصْرُوفَ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ حَلَالٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ إليهم حلال وَلَا يَضُرُّهُمْ كَوْنُ يَدِ السُّلْطَانِ مُشْتَمِلَةً عَلَى حَرَامٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ هَذَا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ وَصَرَفُوهُ فِي مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وقد قال جماعة منهم اخذناه كُلِّهِ وَصَرْفُنَا إيَّاهُ فِي الْمُحْتَاجِينَ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إنَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ الْجَوَائِزَ وَيَحْتَجُّونَ بان عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَا يَقْتَدُونَ بِهِمَا لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَرَّقَ مَا أَخَذَ حَتَّى اسْتَقْرَضَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ سِتِّينَ أَلْفًا وَكَذَا فعلت عائشة رضى الله عنهما وكذا فعل الشافعي أخذ من هرون الرشيدى وَفَرَّقَهُ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَدَّخِرْ مِنْهُ حَبَّةً وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الْأَمْوَالَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَوَائِلِ بَعْدَ الرَّاشِدِينَ كَانَ مَا عِنْدَ السُّلْطَانِ مِنْهَا غَالِبُهُ حَلَالٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي أَيْدِي السَّلَاطِينِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا حَرَامٌ وَالْحَلَالُ فِيهَا قَلِيلٌ جِدًّا * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ مَالُ الْمَصَالِحِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَّا لِمَنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ عاجز

_ (1) كذا بالاصل

* عَنْ الْكَسْبِ مِثْلُ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرًا تَتَعَدَّى مَصْلَحَتُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْكَسْبِ لَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ عُلَمَاءِ الدِّينِ كَعِلْمِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَبَةُ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْقُضَاةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَالْأَجْنَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مَعَ الْغِنَى وَيَكُونُ قَدْرُ الْعَطَاءِ إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى كُلِّ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يجوز لآحادهم أخذ شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ (احدها) لا يجوز أخذ شئ أَصْلًا وَلَا حَبَّةٍ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يُدْرَى حِصَّتُهُ مِنْهُ حَبَّةٌ أَوْ دَانِقٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَهَذَا غُلُوٌّ (وَالثَّانِي) يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمِهِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ سَنَةً (وَالرَّابِعُ) يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ وَالْبَاقُونَ يُظْلَمُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهُنَا لو مات لم يستحق وارثه إرث شئ وَهَذَا إذَا صُرِفَ إلَيْهِ مَا يَلِيقُ صَرْفُهُ إلَيْهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى إنْسَانٍ مَالًا لِيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مَغْصُوبٌ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ وَتَفْرِقَتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إنْ قَارَنَتْهُ مَفْسَدَةٌ بِحَيْثُ يَغْتَرُّ بِهِ جُهَّالٌ وَيَعْتَقِدُونَ طِيبَ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ أَوْ يَجِبُ بَقَاءُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ مَعَ ظُلْمِهِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ مُعَامَلَةَ السُّلْطَانِ وَعُلَمَائِهِ وَأَعْوَانِهِ وَعُمَّالِهِمْ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْأَسْوَاقُ الَّتِي بَنَاهَا السَّلَاطِينُ بِالْأَمْوَالِ الْحَرَامِ تَحْرُمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَسُكْنَاهَا فَإِنْ سَكَنَهَا بِأُجْرَةٍ وَكَسَبَ شَيْئًا بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ كَانَ عَاصِيًا بِسُكْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ كَسْبُهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْهُ وَلَكِنْ إنْ وَجَدُوا سُوقًا أُخْرَى فَالشِّرَاءُ مِنْهَا أَوْلَى لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْأُولَى إعَانَةٌ لِسُكَّانِهَا وَتَرْغِيبٌ فِي سُكْنَاهَا وَكَثْرَةُ أُجْرَتِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ مَغْصُوبٌ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنٌ فَاخْتَلَطَ بِمَالِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ وَأَرَادَ التوبة فطريقه أن يترضى هُوَ وَصَاحِبُ الْمَغْصُوبِ بِالْقِسْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ رَفَعَ التَّائِبُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْبِضَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا حَكَّمَ رَجُلًا مُتَدَيِّنًا لِقَبْضِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزَ تَوَلَّى هُوَ بِنَفْسِهِ ذَلِكَ وَيَعْزِلُ قَدْرَ ذَلِكَ فِيهِ الصَّرْفَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ دراهم

* أو حبا أو ذهبا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْبَاقِي فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ الْمُخْتَلَطِ وَيُنْفِقَ مِنْهُ قَبْلَ تَمْيِيزِ قَدْرِ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ يَجُوزُ ذلك مادام قَدْرُ الْمَغْصُوبِ بَاقِيًا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَمِيعِ وقال آخرون لا يجوز له أخذ شئ منه حتى يميز قدر المغصوب بنية الابذال وَالتَّوْبَةِ * (فَرْعٌ) مَنْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ حَرَامٍ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَفِيفًا لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ الْمُسَلَّمُ ضَامِنًا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أهل البلد دينا عالما فان التحكم أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ آخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ ونقله الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ هَذَا الْمَالِ وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ مِنْ يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ قَوْمٌ يَرُدُّهُ إلَى السُّلْطَانِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَاخْتَارَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هَذَا وَقَالَ آخَرُونَ يَتَصَدَّقُ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَرُدُّهُ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَى السُّلْطَانِ تَكْثِيرٌ لِلظُّلْمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْ مَالِكِهِ (قُلْتُ) الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفٍ بَاطِلٍ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا ظَاهِرًا لَزِمَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ وَأَهَمُّ الْمُحْتَاجِينَ ضِعَافُ

* أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ صَرْفَ السُّلْطَانِ إيَّاهُ فِي بَاطِلٍ فَلِيُعْطِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِأَنَّ السُّلْطَانَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَقْدَرُ عَلَيْهَا فَإِنْ خَافَ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ ضَرَرًا صَرَفَهُ هُوَ فِي الْمَصَارِفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي بَاطِلٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بَعْضُهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلَهُ عِيَالٌ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلِيَخُصَّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ وَإِذَا تَرَدَّدَتْ حَاجَةُ نَفْسِهِ بَيْنَ الْقُوتِ وَاللِّبَاسِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا كَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَالْحَمَّالِ وَدُهْنِ السِّرَاجِ وَعِمَارَةِ الْمَنْزِلِ وَتَعَهُّدِ الدَّابَّةِ وَثَمَنِ الْحَطَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلِيَخُصَّ بِالْحَلَالِ قُوتَهُ وَلِبَاسَهُ فَإِنْ تَعَارَضَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخُصَّ الْقُوتَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهُ يَمْتَزِجُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَلِأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ أَثَرٌ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ (وَأَمَّا) الْكِسْوَةُ فَفَائِدَتُهَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالسَّتْرُ عَنْ الاعين وذلك يحصل وقال الحاسبى يَخُصُّ الْكِسْوَةَ بِالْحَلَالِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْحَرَامُ الَّذِي فِي يَدِهِ حَيْثُ قُلْنَا يَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى نفسه جَوَّزْنَاهُ فَلِيُضَيِّقْ مَا أَمْكَنَهُ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ فَلِيَقْتَصِدْ وَلَكِنْ بَيْنَ التَّوْسِعَةِ وَالتَّضْيِيقِ فَإِنْ ضَافَهُ إنْسَانٌ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُطْعِمْهُ شَيْئًا أَصْلًا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ شَيْئًا فَيُطْعِمُهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْفَقِيرِ فَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِ الْفَقِيرِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ الْمَالَ لَتَوَرَّعَ عَنْهُ أَحْضَرَ الطَّعَامَ وَأَخْبَرَهُ بِالْحَالِ لِيَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَقِّ الضِّيَافَةِ وَتَرْكِ الْخِدَاعِ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنَّ ذَلِكَ الْفَقِيرَ لَا يَدْرِي لِأَنَّ الْحَرَامَ إذَا حَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ أَثَّرَ فِي قَسَاوَةِ الْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ آكِلُهُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ الْحَرَامُ أَوْ الشُّبْهَةُ فِي يَدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَلِيَمْتَنِعْ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِمَا فَإِنْ كَرِهَا امْتِنَاعَهُ لَمْ يُوَافِقْهُمَا عَلَى الْحَرَامِ فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ بَلْ يَنْهَاهُمَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً يُرِيدُ تَرْكَهُ لِلْوَرَعِ فَقَدْ عَارَضَهُ طَلَبُ رِضَاهُمَا وَهُوَ وَاجِبٌ فَلِيَتَلَطَّفْ فِي الِامْتِنَاعِ فَإِنْ عَجَزَ فليأكل وليقلل من ذلك وليصغر اللقمة ويطيل الْمَضْغَةَ وَلَا يَتَوَسَّعُ مِنْهُ قَالَ وَالْأُخْتُ وَالْأَخُ قَرِيبٌ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنَّ حَقَّهُمَا مُؤَكَّدٌ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا أَلْبَسَتْهُ أُمُّهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَتْ تَسْخَطُ لَوْ رَدَّهُ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ عَنْهَا وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا بِحَضْرَتِهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ الامال حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ ولا

* تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مَالِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ مَالَ شُبْهَةٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ مَحْضٍ لَزِمَهُ الْحَجُّ إنْ أَبْقَاهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا الْبَاقِي * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ وَجَوَّزْنَا إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مَاشِيًا جَازَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّا جَوَّزْنَا لَهُ الْأَكْلَ لِلْحَاجَةِ وَلَا نُجَوِّزُ مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ الْمَرْكُوبِ فِي الْبَلَدِ مِنْ هَذَا الْمَالِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِيَجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ قُوتُهُ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ مِنْ حَلَالٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلِيَكُنْ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلى التحلل وَلِيَجْتَهِدْ فِي الْحَلَالِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ سبحانه أعلم * هذا آخِرُ الْفُرُوعِ الَّتِي انْتَخَبْتُهَا مِنْ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي مُبَايَعَةِ مَنْ يُخَالِطُ مَالَهُ حَرَامٌ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَجَائِزَتِهِ فَرَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ قَالَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين * قال المصنف رحمه الله * (ويكره بيع العنب ممن يعصر الخمر والتمر ممن يعمل النبيد وبيع السلاح ممن يعصى الله تعالى به لانه لا يأمن أن يكون ذلك معونة علي المعصية فان باع منه صح البيع لانه قد لا يتخذ الخمر ولا يعصى الله تعالى بالسلاح) * (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أكره بيع العصير ممن يعصر الخمر والسيف بمن يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَلَا أَنْقُضُ هَذَا الْبَيْعَ هَذَا نَصُّهُ * قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ عُرِفَ بِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ وَالتَّمْرِ لِمَنْ عرف باتخاذ النبيد وَالسِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْعِصْيَانِ بِالسِّلَاحِ فَإِنْ تَحَقَّقَ اتِّخَاذُهُ لِذَلِكَ خَمْرًا وَنَبِيذًا وَأَنَّهُ يَعْصِي بِهَذَا السِّلَاحِ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَا يَحْرُمُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَبَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ الْحِسَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِلْخَمَّارِ قَالَ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلى معصية *

* (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْعَ السِّلَاحِ لِمَنْ عُرِفَ عِصْيَانُهُ بِالسِّلَاحِ مَكْرُوهٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بَاعَهُمْ إيَّاهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَيْنَا وَجْهًا لَهُمَا والماوردي والشاسى وَالرُّويَانِيِّ شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهُ مُنْقَاسٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ * وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَ السِّلَاحَ لِقِتَالِنَا فَالتَّسْلِيمُ إلَيْهِمْ مَعْصِيَةٌ فَيَصِيرُ بَائِعًا مَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا فَلَا يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في صحة بيع العبد المسلم الكافر قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَمَا فِي شِرَائِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْجُمْهُورُ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُمْ في أيدينا فهو كبيعه لِمُسْلِمٍ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَشَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْحَدِيدِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي السِّلَاحِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي آلَاتِ الْمِهْنَةِ كَالْمَسَاحِي وَغَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَ الْمَسْأَلَةَ وَجَزَمَ بِهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أعلم * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع المصحف ولا العبد المسلم من الكافر لانه يعرض العبد للصغار والمصحف للابتذال فان باعه منه ففيه قولان (أحدهما) أن البيع باطل لانه عقد منع منه لحرمة الاسلام فلم يصح كتزويج المسلمة من الكافر (والثانى) يصح لانه سبب يملك به العبد الكافر فجاز أن يملك به العبد المسلم كالارث (فإذا قلنا) بهذا أمرناه بازالة ملكه لان في تركه في ملكه صغارا على الاسلام * فان باعه أو أعتقه جاز وان كاتبه ففيه قولان (أحدهما) يقبل منه لان بالكتابة يصير كالخارج من ملكه في التصرفات (والثانى) لا يقبل لانه عقدة لا يزيل الملك فلا يقبل منه كالتزويج والاجارة * فان ابتاع الكافر أباه المسلم ففيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين (والثانى) أنه يصح قولا واحد الانه يحصل له من الكمال بالحرية أكثر مما يلحقه من الصغار بالرق) * (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا وَجَارِيَةً مُسْلِمَةً فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ

* (وَمِنْهَا) لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أن يزيل ملكه عنه وورثه أقار به الكفار فدخل فِي مِلْكِهِمْ هَذَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ بِلَا خِلَافٍ وَيُؤْمَرُونَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا الْبَيْعُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُوَ نَصُّهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْبُطْلَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ والبغوى وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَمَلُّكِهِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالسَّلَمِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ الْقَوْلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُمَا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَوْتِ مَلَكَ بِلَا خِلَافٍ كَالْإِرْثِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مُصْحَفًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حَرَامٌ * وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ عَلَى الطَّرِيقِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الِامْتِهَانَ وَالِابْتِذَالَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ * وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ كُتُبِ حديث النبي صلى الله عليه وسلم حُكْمُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ وَفِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ كُتُبِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ بَيْعُ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ لِلْكَافِرِ صَحِيحٌ وَفِي أَمْرِهِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عنه وجهان (والمذهب الاول) قال أصحابنا ويملك الْكَافِرُ الْمُصْحَفَ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ بِالْإِرْثِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَهُوَ وَجْهٌ بَاطِلٌ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّهِ وَجَدَّتِهِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ شِرَاءٍ يَسْتَعْقِبُ عِتْقًا كَقَوْلِ الْكَافِرِ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي

* بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَافِرُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَرَتَّبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَالَ الصُّورَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ مُسْلِمِ الْقَرِيبِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضِمْنِيٌّ وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا وَإِنْ حُكِمَ بِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ (أَمَّا) إذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَصَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَلْ يَبْطُلُ بَيْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَمَنْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبِقَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بدليلها إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ فَهَلْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي أَمْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيه بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَقْبِضُهُ الْقَاضِي عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ وَدَوَامَ الْيَدِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا وَجْهَ لِلِانْفِسَاخِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ كَافِرٍ إلَى كَافِرٍ والله سبحانه أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ وَكَّلَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الشِّرَاءُ لَهُ بِلَا خِلَافٍ إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ فِي الشِّرَاءِ صَحَّ قَطْعًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ أَوَّلًا لِلْمُوَكِّلِ أَمْ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِحُّ هُنَا (وَالثَّانِي) لِلْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْفَرْعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُرْتَدًّا وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ مُسْلِمًا فَفِي صِحَّةِ شِرَائِهِ الْمُرْتَدَّ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ لَهُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْإِمَامُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْمُرْتَدُّ ذِمِّيًّا هَلْ يُقْتَلُ بِهِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عيبا

* فَهَلْ لَهُ رَدُّ الثَّوْبِ بِالْعَيْبِ وَاسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ له ذلك كيلا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ الثَّوْبَ وَلَا يَرْجِعُ فِي الْعَبْدِ بَلْ يَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ وَيَصِيرُ كَالتَّالِفِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي رَدِّ الثَّوْبِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ رَدِّ الثَّوْبِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (أَمَّا) إذَا وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ عَيْبًا فَفِي رَدِّهِ وَاسْتِرْدَادِهِ الثَّوْبَ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) وَنَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّ مِلْكَ الْكَافِرِ لَهُ هُنَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَمَلُّكِهِ يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ * (فَرْعٌ) إذَا صَحَّحْنَا شِرَاءَ الْكَافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا فَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ أَمْ يُنَصِّبُ مَنْ يَقْبِضُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُ يُمَكَّنُ (وَالثَّانِي) لَا يُمَكَّنُ بَلْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا يَقْبِضُهُ (وَالثَّالِثُ) يُنَصِّبُ الْقَاضِي من يقبضه وإذا حَصَلَ الْقَبْضُ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَلْزَمَهُ إزَالَةَ الْمِلْكِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي يَدِ الْكَافِرِ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أو غيرهما وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَيْلُولَةُ وَفِي الْكِتَابَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَتَكُونُ كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَإِنْ قُلْنَا) لَا تَكْفِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ فَيُبَاعُ الْعَبْدُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا صَحِيحَةٌ ثُمَّ إنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ بِيعَ مُكَاتَبًا وَإِلَّا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ كَمَا يَبِيعُ مَالَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُشْتَرِيًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيَتَكَسَّبُ لِمَالِكِهِ وَتُؤْخَذُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ (وَأَمَّا) إذَا أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَةُ كَافِرٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا نَحْوِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ * وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يُجْبَرُ بَلْ يُحَالُ بينهما وينفق

* عَلَيْهَا وَتَتَكَسَّبُ لَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ احْتِمَالًا وَهُوَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ * وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ قَدْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فِي يَدِهِ صَارَ لِوَارِثِهِ وَأُمِرَ بِمَا كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ لَا يَدْخُلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي مَالِ كَافِرٍ أَبَدًا إلَّا فِي سِتِّ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) بِالْإِرْثِ (وَالثَّانِيَةُ) يَسْتَرْجِعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي (الثَّالِثَةُ) يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ (الرَّابِعَةُ) إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ وَصَحَّحْنَاهُ (السَّادِسَةُ) إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ النُّجُومِ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَهَذِهِ السَّادِسَةُ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ فِيهِ لِيَتَجَدَّدَ بِالتَّعْجِيزِ وَتَرَكَ سَابِعَةً وَهِيَ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَصَحَّحْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا صَحَّحْنَا هِبَةَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ فَعَلِمَ الْقَاضِي بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنَعَهُ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا كَلَامُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ كَقَبْضِهِ مَنْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ ثُمَّ تَقَايَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِهِ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ فَإِنْ أَرَادَ فَسْخَ البيع (فان قلنا) الملك في زمان الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ صَحَّ الْفَسْخُ لَكِنْ إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا مَاضِيًا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءِ تَمَلُّكٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ مِنْ الزَّوَالِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِزَوَالِ الملك في المبيع بنفس العقد ففي تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالثَّوْبِ الْمَعِيبِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ اشْتَرَى الْكَافِرُ عَبْدًا كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَأَسْلَمَ في مدة الخيار قال والذى يحتمل قولين (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ لَهُمَا الفسخ والاجارة فَإِنْ أَجَازَا أَلْزَمَ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ عَبْدِهِ الْكَافِرِ لِكَافِرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ

صغيرا أو كبيرا قال بغض أَصْحَابِنَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يَبِيعَهُ الصَّغِيرَ وَقَالَ أبو حنيفة يكره بيعه الصغير وقال أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ مالكه * (فرع) قال أصحانبا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ إجَارَةً عَلَى عَيْنِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِمَا وَجْهَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْجَوَازُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إلَّا الْجُرْجَانِيَّ فَصَحَّحَ الْبَيْعَ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ * فَإِذَا صَحَّحْنَاهَا فَهَلْ يُؤْمَرُ بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤجره مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُؤْمَرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ * (فَرْعٌ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ إيدَاعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ كَافِرٍ وَأَمَّا إعَارَتُهُ إيَّاهُ فَقَدْ جَزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ * وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا ضَعِيفٌ * (وَالْمَذْهَبُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَيْنِهِ الْجَوَازُ فَالْإِعَارَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنَافِعَ بَلْ يَسْتَنْتِجُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ رَهَنَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الْمُصْحَفَ عِنْدَ كَافِرٍ فَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَبَيْعِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ رَهْنِهِ فَعَلَى هَذَا يُوضَعُ فِي يَدِ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهَدِيَّةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ قَالَ لَوْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَأَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُسْلِمِ وَعَتَقَ عَلَى الْكَافِرِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ أَمْ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ كَالْإِرْثِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا

بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ * وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ * احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِرْثِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ مِلْكُهُ عَلَى مُسْلِمٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ ما فيه من اثبات السلطنة والسبيل لكافر عَلَى مُسْلِمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَنْ يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وَيُخَالِفُ الْإِرْثَ فَإِنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (ولا يجوز بيع الجارية الا حملها لانه يتبعها في البيع والعتق فلا يجوز بيعها دونه كاليد والرجل ولا يجوز أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع قبل سبع سنين لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا توله والدة بولدها) وقال عليه السلام (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بينه وبين أحبته يوم القيامة (وإن فرق بينهما بالبيع بطل البيع لانه تفريق محرم في البيع فأفسد البيع كالتفريق بين الجارية وحملها * وهل يجوز بعد سبع سنين إلى البلوغ فيه قولان (أحدهما) لا يجوز لعموم الاخبار ولانه غير بالغ فلا يجوز التفريق بينه وبين أمه في البيع كما لو كان دون سبع سنين (والثانى) يجوز لانه مستغن عن حضانتها فجاز التفريق بينهما كالبالغ) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ سَنُوضِحُهُمَا مَعَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هذا فِي فَرْعٍ بَعْدَ بَيَانِ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانِ دُونَ حَمْلِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنَّهُ حَامِلٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِتْقِ بِلَا خِلَافٍ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ وَطَرْدَاهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا (وَالْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ وَالْجَوَازُ فِي صُورَتَيْ الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ * وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو إسحق الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَلَدَهَا الصَّغِيرَ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ مُحَرَّمٌ فَهُوَ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ المصنف وجماهير

العراقيين (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْإِمَامُ أبو الفرج الرار - براءين معجمتين - الخلاف انما هو في التفريق بعد أن يسقيه اللباء أما قبله فلا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ هَذَا حُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الصِّغَرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَهُوَ نَحْوُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا * وَفِيمَا بَعْدَ التَّمْيِيزِ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ حَتَّى يَبْلُغَ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّتِهِ الطَّرِيقَانِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْرُمُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرًّا أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُ الرَّقِيقِ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ * (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يُقَرُّ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَالُ لهما تَرَاضَيْتُمَا بِبَيْعِ مِلْكِ أَحَدِكُمَا لِلْآخَرِ فَذَاكَ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ يُقَالُ لِلْبَائِعِ تَتَطَوَّعُ بِتَسْلِيمِ الْآخَرِ أَوْ تَفْسَخُ الْبَيْعَ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَبُولِ فُسِخَ الْبَيْعُ * (فَرْعٌ) لَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِالتَّفْرِيقِ لَمْ يَزُلْ التَّحْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَزُولُ * (فَرْعٌ) اتفقق أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأُمِّ كَالْأُمِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِ بِنْتِهَا فَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدَّةٌ فَإِنْ بِيعَ مَعَ الْأُمِّ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بِيعَ مَعَ الْجَدَّةِ وَقُطِعَ عَنْ الْأُمِّ فَفِي تَحْرِيمِهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ * وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ وَلَا يَحْرُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ لِأَنَّ حَقَّ الْأُمِّ آكَدُ وَلِهَذَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَانَةِ * وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَلَا أُمَّ لَهُ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وقيل من الوجهين (والثاني) لا يحرم لماذ كرناه مِنْ ضَعْفِ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْأُمِّ وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَمَنْ جِهَةِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا أُمٌّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ وَأَشَدُّ حُزْنًا لِفِرَاقِهِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كالاخ والعم وبنيهما وَالْخَالِ وَغَيْرِهِمْ (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُكْرَهُ

وَلَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَالثَّانِي) فِيهِمْ وَجْهَانِ كَالْأَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ اللَّبَنِ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ كَالذَّبْحِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ البيان والرافعي فيه وجها شاذا أنه حرام وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ * وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك فأخبرته فقال رُدَّهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مَيْمُونَ بْنَ أَبِي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ * وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوالد وولده وبين الاخ وأخيه) وراه ابن ماجه والدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ * وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّ الْبَيْعَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا * وَعَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ * وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أتى بالشئ أَعْطَى أَهْلَ الْبَيْتِ جَمِيعًا وَكَرِهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ جَابِرٌ هذا وهو ضعيف مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ * وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُ فَإِنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ وَهُوَ كَذَّابٌ وَقَدْ انْفَرَدَ بِهِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ (غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ وَأَنْظُرُ إلَى عُنُقٍ مِنْ النَّاسِ فيهم الدراري فَخَشِيت أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْخَيْلِ فَرَمَيْت

باب ما يفسد البيع من الشروط وما لا يفسده

بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخَيْلِ فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا فَجِئْت بِسَهْمٍ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَعَهَا بِنْتٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْت بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي ابْنَتَهَا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا فَلَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ فَقَالَ يَا سَلَمَةُ هَبْ لى المرأة فقلت يا رسول الله أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْت لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَقُلْت هِيَ لك يارسول الله فبعث بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أهل مكة ففدا بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (باب ما يفسد البيع من الشروط وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (إذا شرط في البيع شرطا نظرت فان كان شرطا يقتضيه البيع كالتسليم والرد بالعيب وما أشبههما لم يبطل العقد لان شرط ذلك بيان لما يقتضيه العقد فلم يبطله فان شرط ما لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصحلة كالخيار والاجل والرهن والضمين لم يبطل العقد لان الشرع ورد بذلك على ما نبينه في مواضعه إن شاء الله وبه الثقة ولان الحاجة تدعو إليه فلم يفسد العقد * فان شرط عتق العبد المبيع لم يفسد العقد لان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة لتعتقها فأراد أهلها ان يشترطوا ولاءها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن أعتق) وان اشتراه بشرط العتق فامتنع من اعتاقه ففيه وجهان (أحدهما) يجبر عليه لانه عتق مستحق عليه فإذا امتنع أجبر عليه كما لو نذر عتق عبد ثم امتنع من إعتاقه (والثانى) لا يجبر بل يثبت للبائع الخيار في فسخ البيع لانه ملكه بالعوض وانما شرط للبائع حقا فإذا لم يف ثبت للبائع الخيار كما لو اشترى شيئا بشرط أن يرهن بالثمن رهنا فامتنع من الرهن فان رضى البائع باسقاط حقه من العتق ففيه وجهان (أحدهما) لا يسقط لانه عتق مستحق فلا يسقط باسقاط الآدمى كالمنذور (والثانى) أنه يسقط لانه حق شرطه البائع لنفسه فسقط باسقاطه كالرهن والضمين وان تلف العبد قبل العتق ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ليس للبائع الا الثمن لانه لم يفقد أكثر من العتق (والثانى) ياخذ الثمن وما نقص من الثمن بشرط العتق فيقوم من غير شرط العتق ثم يقوم مع شرط العتق ويجب ما بينهما من الثمن (والثالث) أنه

يفسخ العقد لان البائع لم يرض بهذا الثمن وحده والمشترى لم يلتزم أكثر من هذا الثمن فوجب أن يفسخ العقد) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبَرِيرَةُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ بَرِيرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَتْ حَدِيثًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ) عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ نَذَرَ عِتْقًا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ ثُمَّ اخْتَارَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِالْإِطْعَامِ وَمِمَّنْ وَعَدَ الْعَبْدَ أَنَّهُ يعتقه (أما) الاحكام فقال أصحابنا الشروط خَمْسَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِأَنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الرُّجُوعِ بالعهدة أو انتفاع المشترى به كَيْفَ شَاءَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا وَبَيَانًا لِمُقْتَضَاهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ لَكِنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ كَخِيَارِ الثَّلَاثِ وَالْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا وَكَشَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ خَيَّاطًا أَوْ كَاتِبًا وَنَحْوَهُ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ يُوَرِّثُ تَنَازُعًا كَشَرْطِ أَلَا يَأْكُلَ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَوْ لَا يَلْبَسَ إلَّا الْخَزَّ أَوْ الْكَتَّانَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْإِشْهَادَ بِالثَّمَنِ وَعَيَّنَ شُهُودًا وَقُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُونَ فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بَلْ يَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ بِأَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ أَوْ يَصُومَ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ (وَالثَّالِثُ) يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَحَّحْنَاهُ فَصُورَتُهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطَ عِتْقِهِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهُ بشرط ان يعتقه المشترى عن الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ الْمُلْتَزَمِ بِالنَّذْرِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلِهِمَا (فَإِنْ قُلْنَا) إنه حق للبائع فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي

بِهِ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَتُهُ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ وَمِنْ الْفَيْئَةِ فَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُهُ الْقَاضِي وَفِي قَوْلٍ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُعْتِقَهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي (وَالثَّانِي) يَتَعَيَّنُ الْحَبْسُ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزَمَ بِأَنْ يُعْتِقَهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ فِي دَيْنٍ فَامْتَنَعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ (أَمَّا) إذَا أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّ الْإِعْتَاقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْبَائِعِ صَحَّ إسْقَاطُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنْ شَرَطَ الرَّهْنَ وَالْكَفِيلَ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْإِسْقَاطِ كَالْأَجَلِ * قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْوَلَاءُ لَهُ قَطْعًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ وَأَذِنَ فَوَجْهَانِ (أصحهما) يجزئه عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَنْ أَدَاءِ حَقِّ الْعِتْقِ (وَالثَّانِي) لا يجزئه وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ اللَّذَيْنِ اشْتَرَاهُمَا بِشَرْطِ العتق قبل حصول العتق ويجوز الوطئ وَتَكُونُ أَكْسَابُهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُمَا عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَوْ قُتِلَا كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفُهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِمَا * وَلَوْ أَجَرَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَهُ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الثَّانِي فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ * وَلَوْ أُولَدَ الْجَارِيَةَ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْإِعْتَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ * (فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ هَذَا الْعَبْدُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) لَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ مَعَ الْمُسَمَّى قَدْرُ التَّفَاوُتِ بِمِثْلِ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ قِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ مِائَةٌ وَبِشَرْطِهِ تِسْعُونَ فَيَجِبُ قَدْرُ عُشْرِ الْمُسَمَّى مُضَافًا إلَى الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ لِفَوَاتِهِ فِي يَدِهِ

وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ (وَالرَّابِعُ) لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أجاز العقد ولا شئ لَهُ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَدَ الثَّمَنَ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ * ثُمَّ هَذِهِ الْأَوْجُهُ هَلْ هِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لِلْبَائِعِ أَمْ مُطَّرِدَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ احْتِمَالَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِطْلَاقِهِمْ (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِ الْإِعْتَاقِ * (فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَلَاءِ أَوْ شَرَطَا كَوْنَهُ لِلْمُشْتَرِي (فَأَمَّا) إذَا شَرَطَاهُ لِلْبَائِعِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَحَكَى جَمَاعَةٌ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْغُو شَرْطُ الْوَلَاءِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَجْهًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا بَاطِلًا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ أَيْضًا شَرْطُ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ دُونَ اشْتِرَاطِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي إنْ أَعْتَقْته فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا عَنْ الْقَاضِي وَسَكَتَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَكُونُ شَرْطُ الْإِعْتَاقِ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّ مَقْصُودَ الشَّرْطِ تَحْصِيلُ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ (الْأَصَحُّ) لَا يَتْبَعُهَا قَالَ الدَّارِمِيُّ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا والاصح ان له حكم فلا يتبعها * (فرع) لو باع بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا صحة البيع وَالشَّرْطِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ الثمن عند

أبى حنيفة والقيمة عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي مِلْكًا ضَعِيفًا كَمَا قَالُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِحَدِيثِ (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل) وسنوضحهما قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لَهَا فِي شِرَائِهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ قيل) انما كان بشرط الولاء (قلت) الولاء يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ الْعِتْقِ (فَإِنْ قِيلَ) فَبَرِيرَةُ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْنَا) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخَ أَهْلُهَا الْكِتَابَةَ وَلِأَنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةَ سِرَايَةٍ فَاحْتَمَلَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا فَعَامَّانِ مَخْصُوصَانِ بِمَا ذكرناه * * قال الصمنف رحمه الله * (فان شرط ما سوى ذلك مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ عبدا بشرط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو باع دارا بشرط أن يسكنها مدة أو ثوبا بشرط أن يخيطه له أو فلعة بشرط أن يحذوها له بطل البيع لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنه نهى عن بيع وشرط) وروى (أن عبد الله ابن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية وشرطت عليه أنك ان بعتها فهى لى بالثمن فاستفتى عبد الله عمر رضى الله عنهما فقال لا تقربها وفيها شرط لاحد) وروى أن عبد الله اشترى جارية واشترط خدمتها فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تقربها وفيها مثنوية ولانه شرط لم يبن على التغليب ولا هو من مقتضى العقد ولا من مصلحته فأفسد العقد كما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع فان قبض المبيع لم يملكه لانه قبض في عقد فاسد فلا يوجب الملك كالوطئ في النكاح الفاسد فان كان باقيا وجب رده وان هلك ضمنه بقيمته أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ ومن أصحابنا من قال يضمن قيمته يوم التلف لانه مأذون في امساكه فضمن قيمته يوم التلف كالعارية وليس بشئ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا فإذا هلكت ضمنها بأكثر مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كقبض الغاصب ويخالف العارية فان العارية مأذون في اتلاف منافعها ولان في العارية لو رد العين ناقصة بالاستعمال لم يضمن ولو رد المبيع ناقصا ضمن النقصان وان حدثت في عينها زيادة بأن سمنت ثم هزلت ضمن ما نقص لان ما ضمن عينه ضمن نقصانه كالمغصوب ومن أصحابنا من قال لا يضمن لان البائع دخل في العقد ليأخذ بدل العين دون الزيادة والمنصوص هو الاول وما قاله هذا القائل يبطل بالمنافع فانه لم يدخل في العقد ليأخذ بدلها ثم تستحق * فان كان لمثله أجرة لزمه الاجرة للمدة التى اقام في يده لانه

مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فضمن اجرته كالمغصوب * فان كانت جارية فوطئها لم يلزمه الحد لانه وطئ بشبهة لانه اعتقد أنها ملكه ويجب عليه المهر لانه وطئ بشبهة فوجب به المهر كالوطئ في النكاح الفاسد وان كانت بكرا وجب عليه ارش البكارة لان البكارة جزء من اجزائها واجزاؤها مضمونة عليه فكذلك البكارة وان أتت منه بولد فهو حر لانه اعتقد انها جاريته ويلزمه قيمة الولد لانه اتلف عليه رقه باعتقاده ويقوم بعد الانفصال لانه لا يمكن تقويمه قبل الانفصال ولانه يضمن قيمة الولد للحيلولة وذلك لا يحصل إلا بعد الانفصال فان القت الولد ميتا لم يضمنه لانه لا قيمة له قبل الانفصال ولا توجد الحيلولة إلا بعد الانفصال فان ماتت الجارية من الولادة لزمه قيمتها لانها هلكت بسبب من جهته ولا تصير الجارية ام ولد في الحال لانها علقت منه في غير ملكه وهل تصير ام ولد إذا ملكها فيه قولان) * (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ فَغَرِيبٌ وَأَمَّا الْأَثَرَانِ عَنْ عمر رضى الله عنه صحيحان رَوَى الْأَوَّلَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الْبَيْهَقِيُّ * وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي أَفْتَاهُ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ مُصَحَّفًا بِابْنِ عُمَرَ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ * وَالْفِلْعَةُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ - جَمْعُهَا فِلَعٌ وَهِيَ جِلْدَةُ النَّعْلِ وَمَعْنَى يَحْذُوهَا يَجْعَلُهَا حِذَاءً (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يبن على التغليب اجتراز مِنْ الْعِتْقِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ احتراز من شرط سَقْيِ الثَّمَرَةِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَنَحْوِهِمَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ فِي عَيْنٍ يَجِبُ رَدُّهَا احْتِرَازٌ بِالْمَضْمُونِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي عَيْنٍ عَنْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الِاسْتِيفَاءِ لَا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَبِقَوْلِهِ يَجِبُ رَدُّهَا عَنْ الْمَقْبُوضَةِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ) سَمِنَتْ ثُمَّ هُزِلَتْ هُوَ - بِضَمِّ الْهَاءِ - (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ العارية (اما) الاحكام فقد ذكرنا الشروط فِي الْبَيْعِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ وَمَرَّتْ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا سِوَى الْأَرْبَعَةِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ بِأَنْ باعه شيئا بشرط أن لا يبيعه ولا ينتفع به اولا يعتقه اولا يقبضه اولا لَا يُؤْجِرَهُ أَوْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يُسَافِرَ بِهِ أَوْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ غَيْرَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَوْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُؤْجِرَهُ أَوْ خَسَارَةً عَلَيْهِ ان باعه بأقل أو انه إذَا بَاعَهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا لَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَشْبَاهِهَا

لِمُنَافَاةِ مُقْتَضَاهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بِأَنْ يَشْرِطَ شَرْطًا وَاحِدًا أَوْ شَرْطَيْنِ * وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلًا غَرِيبًا حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِحَالٍ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِقِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَحِينَئِذٍ الْبَيْعُ عَكْسُ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَفِيهِ قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهَا فَإِذَا جَمَعَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ حَصَلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَفْسُدَانِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ دُونَ النِّكَاحِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِهِ * هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا وَكَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْرَدُ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِفَسَادِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (وَالثَّانِي) لَا كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ سُكْنَاهَا أَوْ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهَا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ الْمُسْتَثْنَاةَ وَيَعْلَمَا قَدْرَهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَيَّنَّاهَا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ فساد البيع (والثانى) فيه وجهان حكاهما الخراسانيون (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقِصَّةِ جَمَلِهِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الْوَجْهَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ فَهُوَ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ وَإِنْ كَانَ حَالًّا بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْبَدَاءَةَ فِي التَّسْلِيمِ بِمَنْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْبَائِعِ لَمْ يَفْسُدْ والا فيفسد للمنافاة * (فصل) مَتَى اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا لِشَرْطٍ مُفْسِدٍ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ عَلِمَ فَسَادَ الْبَيْعِ أَمْ لَا وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ كَالْمَغْصُوبِ وَكَالْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلِأَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ (1) وَفِيهِ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ لِلْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ لَهُ حَبْسَهُ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَمْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الِانْتِفَاعِ به فضمن أجرته كالمغصوب

_ (1) كذا بالاصل

وَإِنْ كَانَ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْقِيمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كَالْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ (وَالثَّانِي) تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَالْعَارِيَّةِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إمْسَاكِهِ (وَالثَّالِثُ) يَوْمَ الْقَبْضِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَهُوَ غَرِيبٌ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ بِقِيمَتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ يَوْمَ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حَمَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَأَوْجَبُوا قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ كَالْمَغْصُوبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ وَحَمَلُوا نَصَّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ دُونَ كَيْفِيَّتِهِ وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَارِيَّةِ بِفَرْقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْعَارِيَّةَ مَأْذُونٌ فِي إتْلَافِ مَنَافِعِهَا مَجَّانًا بِخِلَافِ هَذَا (والثانى) أنه لورد العارية ناقصة بالاستعمال لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (أَمَّا) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَغَيْرِهَا أَمْ مُتَّصِلَةً بِأَنْ سَمِنَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ هُزِلَتْ أَوْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً ثم نسيها وسواء تلفت العين أوردها فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ وَقَدْ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ فَلَوْ زَادَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ نَقَصَتْ ثُمَّ زَادَتْ فَرَدَّهَا كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى ضَمِنَهَا قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَعَلَى قَدْرِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا أَيْضًا (وَالثَّانِي) لَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ * (فَرْعٌ) إذَا أَنْفَقَ عَلَى العبد أو البهيمة المقبوضين بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِفَسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ جَاهِلَيْنِ فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ للبائع لانه وطئ شبهة فلو تكرر الوطئ بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ لَزِمَهُمَا الْحَدُّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ فَلَا حَدَّ لِاخْتِلَافِ

* الْعُلَمَاءِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنه يملكها ملكا حقيقيا فصار كالوطئ فِي النِّكَاحِ بِالْأَوْلَى وَنَحْوُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ الْحَدُّ لِأَنَّ أَبَا حنيفة لا يبيح الوطئ فان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بالاولى فحيث قلنا لاحد وَيَجِبُ الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ مَهْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَجَبَ مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا (أَمَّا) أَرْشُ الْبَكَارَةِ فَلِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَأَمَّا) مَهْرُ الْبِكْرِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَ بِكْرًا بِشُبْهَةٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ * قَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى ضَمَانِ الْبَكَارَةِ مَرَّتَيْنِ (قُلْتُ) الا أنه أتلف جزء مِنْ بَدَنِهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ فَلَزِمَهُ أَرْشُهُ وَوَطِئَهَا بِكْرًا فَحَصَلَ لَهُ كَمَالُ اللَّذَّةِ فَلَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْجُزْءِ وَهُوَ سَابِقٌ لِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْمُوجِبِ لِلْمَهْرِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا فَصَلْتُمْ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ عَنْ الوطئ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ لِأَنَّ تَغْيِيبَ كَمَالِ الْحَشَفَةِ صَادَفَهَا ثَيِّبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ لَذَّةُ جِمَاعِ بِكْرٍ وَيُسَمَّى وَاطِئَ بِكْرٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأُصْبُعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافُ بَكَارَتِهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الوطئ فَهِيَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَنْ قَالَتْ لِإِنْسَانٍ أَذْهِبْ بَكَارَتِي بِأُصْبُعِك وَكَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ أَتْلِفْ سَوْأَتِي فَلَا ضَمَانَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ أَحَبْلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلشُّبْهَةِ وَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ (الصَّحِيحُ) لَا وَلَاءَ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ فَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ حَيًّا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِظَنِّهِ فَأَتْلَفَ رِقَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَمَةِ وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ الْقَوْلَانِ

* الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ أَوَلَدَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِيرُ * فَإِنْ نَقَصَتْ بِالْحَمْلِ أَوْ الْوِلَادَةِ لَزِمَهُ أَرْشُهُ * وَإِنْ خَرَجَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فَلَا قِيمَةَ لَكِنْ إنْ سَقَطَ بِجِنَايَةٍ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي وَيَجِبُ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَالْغُرَّةِ يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي لِأَنَّ ضَمَانَ الْجَانِي لَهُ قَامَ مَقَامَ خُرُوجِهِ حَيًّا فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَقَلَّ أخذها البائع ولا شئ لَهُ غَيْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَخَذَ قَدْرَ الْقِيمَةِ وَكَانَتْ الْبَقِيَّةُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ * وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ إلَى الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ هَلْ تَحْمِلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ (أَصَحُّهُمَا) تَحْمِلُهَا * وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَمَاتَتْ فِي الطَّلْقِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا فِي مَالِهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْأَصَحِّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ * وَلَوْ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَفِي وُجُوبِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تجب كالامة (وأصحهما) لا تجب لان الوطئ سَبَبٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فِي الْأَمَةِ لان الوطئ اسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا وَالْعَلُوقِ مِنْ آثَارِهِ فَأَدَمْنَا الِاسْتِيلَاءَ كَالْمُحْرِمِ إذَا نَفَّرَ صَيْدًا وَبَقِيَ نِفَارُهُ إلَى الْهَلَاكِ بِالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ (وَأَمَّا) الْحُرَّةُ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِيلَاءِ * وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ غَيْرُ مُضَافَةٍ شَرْعًا لِعَدَمِ النَّسَبِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ لِأَنَّهُ مُوَلَّدٌ مِنْ فِعْلِهِ * وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ فِي الطَّلْقِ مِنْ حَمْلِهَا مِنْهُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُسْتَحِقٍّ * وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ الْحُرَّةِ فَهُوَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاطِئِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا ضَمَانَ قِيمَةِ الْأَمَةِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَالِهِ فِي الْآخَرِ وَمَتَى تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَوْمُ الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ كَمَا لَوْ جَرَحَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَبَقِيَ مُتَأَلِّمًا إلَى أَنْ مَاتَ مِنْهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ (وَالثَّانِي) يَوْمُ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّلَفِ (وَالثَّالِثُ يَجِبُ أَكْثَرُهُمَا كَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبَاعَهُ لِآخَرَ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَبِيعُ الْمَغْصُوبَ فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِ الثَّانِي وَعَلِمَ الْحَالَ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي نُظِرَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِمَا سَوَاءً أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الثَّانِي أَكْثَرَ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالْجَمِيعِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَضَمَانُ النقص

* عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْأَوَّلِ يُطَالِبُ بِهِ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي وَكُلُّ نَقْصٍ حَدَثَ فِي يَدِ الثَّانِي يُطَالِبُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي وَكَذَا حُكْمُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ * وَلَوْ رَدَّ الثَّانِي الْعَيْنَ إلَى الْأَوَّلِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى الْأَوَّلِ (فَرْعٌ) إذَا بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ دَارِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ الثَّانِي الْمَشْرُوطَ فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ صَحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُمَا بَانِيَانِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَحَكَاهُ عَنْ وَالِدِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ ألا يعتقدا لُزُومَ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَنَظِيرُهَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَعْلَمَا فَسَادَ الشَّرْطِ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى زَرْعًا وَشَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَقِيلَ شَرْطُ الْحَصَادِ بَاطِلٌ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَسَوَاءٌ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ * وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الزَّرْعَ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصَادِهِ بِعَشَرَةٍ فَقَالَ بِعْتُكَ وَأَجَرْتُك فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ (وَأَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ * وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الزَّرْعَ بِعَشَرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك عَلَى حَصْدِهِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ بِعْت وَأَجَرْت قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ صَحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ فِيهِ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ الْإِجَارَةِ وُجِدَ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لتخيط

* لِي هَذَا الثَّوْبَ وَالثَّوْبُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ فَلَوْ أَفْرَدَ الشِّرَاءَ بِعِوَضٍ وَالِاسْتِئْجَارَ بِعِوَضٍ بِعَقْدٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِيَاطَتَهُ وَصِبْغَهُ أَوْ لَبِنًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ جَعْلَهُ آجُرًّا أَوْ نَعْلًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْعِلَ بِهِ دَابَّتَهُ أَوْ جِلْدَةً وَشَرَطَ عَلَيْهِ خَرْزَهَا خُفًّا أَوْ عَبْدًا رَضِيعًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ إتْمَامَ رَضَاعَتِهِ أَوْ مَتَاعًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى بَيْتِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْبَيْتَ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْتَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ بَطَلَ الْعَقْدُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَجْمُوعَةُ الْبَغَوِيِّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ * وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا عَلَى ظَهْرِ بَهِيمَةٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهُ إلَى بيته بطل على المذهب كما ذكرناه فَلَوْ شَرَطَ وَضْعَهُ مَوْضِعَهُ صَحَّ قَطْعًا فَلَوْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ مَوْضِعَهُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حتى يصرح باشتراط تسليعه فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي حَمْلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ وَهَذَا الْخِلَافُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الصَّدَاقِ وَنَظَائِرِهَا * (فَرْعٌ) الشَّرْطُ الْمُقَارَنُ لِلْعَقْدِ يَلْحَقُهُ فَإِنْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا أَفْسَدَ الْعَقْدَ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ السَّابِقُ فَلَا يَلْحَقُ الْعَقْدَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ إنْ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْعَقْدِ لَغْوٌ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ الَّذِي يُشْتَرَطُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لَغْوٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يَلْحَقُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي (وَالثَّانِي) يَلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّالُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَلْحَقُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا فِي مَحَلِّ صِحَّةِ الْإِلْحَاقِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الشيخ ابو على السنجى والبغوى وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَأَمَّا (إنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ وَأُمْضِيَ العقد فلا يلحق كما يَلْحَقُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ جواز

* الْإِلْحَاقِ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ * وَلَوْ أَلْحَقَا بِالْعَقْدِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنَ أَوْ ازْدَادَا بِبَابٍ (1) الْخِيَارِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِمَا أَوْ فَعَلَا ذَلِكَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ فِي رَأْسِ مال السلم أو في الصداق أو الاجارة أو غيرهما من العقود فحكمه حكم الحاق الصحيح الفاسد كَمَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ (فَإِذَا قُلْنَا) يَلْحَقُ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الشَّفِيعَ كَمَا تلزم المشتري ولو حط من الثمن شئ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ فلغو فلا يسقط شئ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ فِي الْعَقْدِ وَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِفَائِدَةِ الْحَطِّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ انْحَطَّ عَنْ الشَّفِيعِ وَلَوْ حُطَّ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِلَا ثَمَنٍ وَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَحَيْثُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ أَسْقَطَا الشَّرْطَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِسْقَاطُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِسْقَاطِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ عَلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) فَسَادُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ غيره شئ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ أَلْفٌ وَعَلَى الْآمِرِ خَمْسُمِائَةٍ بِالْتِزَامِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ كَذَا عِنْدَ إشْرَافِ السَّفِينَةِ عَلَى الْغَرَقِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَكَمَا لَوْ خَالَعَ الْأَجْنَبِيَّ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ (أَمَّا) إذَا قَالَ بِعْ عَبْدَك لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَبَاعَهُ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ قَطْعًا * (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِشْهَادِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ أَوْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِهِ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أو مؤجلا ويجوز ايضا ان يشرط الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَفِيلًا بِالْعُهْدَةِ وَيَشْتَرِطَ تَعْيِينَ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّهْنِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْوَصْفُ بِصِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الْكَفِيلِ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ الْمَعْرِفَةُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَقَوْلِهِ رَجُلٌ مُوسِرٌ ثِقَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْكَفِيلِ فَإِذَا أَطْلَقَ أَقَامَ مَنْ شَاءَ كَفِيلًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ عَلَى أصح الوجهين وادعى إمام

_ (1) كذا بالاصل

* الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ شُهُودًا هَلْ يَتَعَيَّنُونَ * وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عِنْدَ عَدْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عَدْلٍ وَإِلَّا جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ عَدْلٍ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِيَقْطَعَ النِّزَاعَ فَلَوْ لَمْ يَرْهَنْ الْمُشْتَرِي مَا شَرَطَهُ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ أَوْ لَمْ يُقِمْ كَفِيلًا أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الَّذِي عَيَّنَهُ لَمْ يجبر على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَلَا يَقُومُ رَهْنٌ آخَرُ وَلَا كَفِيلٌ آخَرُ مَقَامَ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدَيْنِ فَامْتَنَعَا مِنْ التَّحَمُّلِ فَإِنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُمَا فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أولا يبيعه لغيره أولا يطأها أولا يزوجها أولا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا المشهور بطلان هذا البيع وسواء شرط واحد أَمْ شَرْطَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ سيرين وعبد الله بن شبرمة التابعان وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ * وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ باطل لاغ * وقال أحمد واسحق إنْ شَرَطَا شَرْطًا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ ونحوها صح البيع ولزم الشرط وان شرط شرطين فأكثر بطل البيع والا فَإِذَا بَاعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ وَيُقَصِّرَهُ فَهُمَا شَرْطَانِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فَإِنْ شَرَطَ أحدهما فقط صَحَّ وَلَزِمَ * وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا فَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ * وَاحْتَجَّ مَنْ صَحَّحَهُمَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَاشْتَرَى مِنِّي جَمَلًا وَاسْتَثْنَيْت حُمْلَانَهُ يَعْنِي رُكُوبَهُ إلَى أَهْلِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ * واحتج أحمد بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَطَبَ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كان

* مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَهُوَ بَاطِلٌ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَبِالْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ كَانَ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا (وَالثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ جَابِرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَّهُ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِي مِنْ أَخْذِهِ وَفِي طُرُقِ الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالَاتٌ وَلَا عُمُومَ لَهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ اضْطِرَابٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرُوطُ الْجَائِزَةُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ هَذَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَلَا يَلْزَمُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطَيْنِ جَوَازُ شَرْطٍ وَاحِدٍ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ (وَأَمَّا) الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِدِينَارٍ نَقْدًا وَبِدِينَارَيْنِ نَسِيئَةً فَيَكُونُ بِمَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ شَرْطَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي شَرْطٍ وَهِيَ الْغَرَرُ * (فرع) في مذاهبهم فيمن اشترى شيئا شراءا فَاسِدًا * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ بَدَلُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مِلْكًا ضَعِيفًا خَبِيثًا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْمِلْكِ وَرَدُّ الْعِوَضِ عَلَى صَاحِبِهِ وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَإِنْ أَقَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا ضَعِيفًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِلْبَائِعِ انْتِزَاعَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لَكِنْ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هُوَ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فَوَافَقْنَا فِي الدَّمِ وَنَحْوِهِ وَشِبْهِهِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ بَرِيرَةَ فَإِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاءَ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا وَنَفَذَ عِتْقُهَا وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذلك

* وقياسا على النكاح فان الوطئ في فاسدة يترتب عليه أحكام الوطئ فِي صَحِيحِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنَّ فَاسِدَهَا كَصَحِيحِهَا فِي حُصُولِ الْعِتْقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان من المس) فَلَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَمْلِكُهُ لَمَا توعده وقياسا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ قَبْضٍ أَوْجَبَ ضَمَانَ الْقِيمَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عِنْدَ تَمَنُّعِ حُصُولِ الْمِلْكِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِصَّةِ بَرِيرَةَ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ لَهُمْ بِمَعْنًى عَلَيْهِمْ (وَالثَّالِثُ) هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَالْعَقْدَ كَانَا خَاصَّةً فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ لِمَصْلَحَةِ قَطْعِ عَادَتِهِمْ كَمَا جَعَلَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ خَاصًّا بِالصَّحَابَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِمَصْلَحَةِ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ مَا ادَّعُوهُ وَأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لا بالوطئ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بِهِ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ وَالْخُلْعَ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ البضع بالوطئ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (وَأَمَّا) مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ بَلْ لكونه وطئ شبهة ولهذا تترتب هذه الاحكام على وطئ الشُّبْهَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الصِّفَةُ وَلَمْ يُعْتَقْ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ بَهِيمَةً وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ * قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ وقال الاوازعي واحمد واسحق يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الشَّرْطُ وَبِهِ قَالَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَصُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا * وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَرَطَ مُدَّةً قَرِيبَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان قَرِيبٍ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ مَكَانًا بَعِيدًا فَمَكْرُوهٌ * وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ بَاعَ نَخْلًا عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَبْقَى الثَّمَرَةُ عَلَى النَّخْلِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْبَيْعِ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَا سَبَقَ وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ بَلْ الْمَنَافِعُ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ الْبَيْعِ * وَعَنْ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ عَيْنِ المبيع *

باب تفريق الصفقة

* (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً وَقَالَ فِي الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَمَذْهَبُنَا بُطْلَانُ هَذَا الْبَيْعِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثوى واحمد واسحق أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ الشَّرْطُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وروى مثله عن ابن عمر وقال أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِنْ نَقَدَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ نَحْوُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْوَقْتُ نَحْوَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ جَازَ * دَلِيلُنَا أَنَّهُ في معنى تعليق البيع فلم يصح * (باب تفريق الصَّفْقَةُ) (هِيَ عَقْدُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَدَهُ علي يد صاحبه عند تمام العقد) * قال المصنف رحمه الله * (إذا جمع في البيع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز بيعه كالحر والعبد وعبده وعبد غيره ففيه قولان (أحدهما) تفرق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز ويصح فيما يجوز لانه ليس ابطاله فيهما لبطلانه في أحدهما باولى من تصحيحه فيهما لصحته في أحدهما فبطل حمل احدهما علي الآخر وبقيا على حكمهما فصح فيما يجوز وبطل فيما لا يجوز (والقول الثاني) أن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما واختلف أصحابنا في علته فمنهم من قال يبطل لان العقد جمع حلالا وحراما فغلب التحريم كما لو جمع بين أختين في النكاح أو باع درهما بدرهمين ومنهم من قال يبطل لجهالة الثمن وذلك أنه إذا باع حرا وعبدا بالف سقط ما يخص الحر من الثمن فيصير العبد مبيعا بما بقى وذلك مجهول في حال العقد فبطل كما لو قال بعتك هذا العبد بحصته من الف درهم (فان قلنا) بالتعليل الاول بطل البيع فيما ينقسم الثمن فيه على القيمة كالعبدين وفيما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء كالععد الواحد نصفه له ونصفه لغيره أو كرين من طعام أحدهما له والآخر لغيره وكذلك لو جمع بين ما يجوز وبين ما لا يجوز في الرهن أو الهبة أو النكاح بطل في الجميع لانه جمع بين الحلال والحرام (وان قلنا) إن العلة جهالة العوض لم يبطل البيع فما ينقسم الثمن فيه على الاجزاء لان العوض غير مجهول ولا يبطل الرهن والهبة لان لا عوض فيه ولا يبطل النكاح لان الجهل بالعوض لا يبطله (فان قلنا) ان العقد يبطل فيهما رد المبيع

* واسترجع الثمن (وان قلنا) إنه يصح في أحدهما فله الخيار بين فسخ البيع وبين امضائه لانه لا يلحقه ضرر بتفريق الصفقة فثبت له الخيار فان اختار الامساك فبكم يمسك فيه قولان (أحدهما) يمسك بجميع الثمن أو يرد لان ما لا يقابل العقد لا ثمن له فيصير الثمن كله في مقابلة الآخر (والثانى) أنه يمسكه بقسطه لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ جَمِيعَ الْعِوَضِ إلَّا فِي مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أحدهما واختلف أصحابنا في موضع القولين (فمنهم) من قال القولان فيما يتقسط العوض عليه بالقيمة فأما يتقسط العوض عليه بالاجزاء فانه يمسك الباقي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان فيما يتقسط الثمن عليه بالقيمة ما يخص الجائز مجهول فدعت الضرورة إلى أن يجعل جميع الثمن في مقابلته ليصير معلوما وفيما يتقسط الثمن عليه بالاجزاء ما يخص الجائز معلوم فلا حاجة بنا إلى أن نجعل جميع الثمن في مقابلته (ومنهم) من قال القولان في الجميع وهو الصحيح لانه نص علي القولين في بيع الثمرة قبل أن تخرج الزكاة والثمار مما يتقسط الثمن عليها بالاجزاء (فان قلنا) يمسك بجميع الثمن لم يكن للبائع الخيار لانه لا ضرر عليه (وان قلنا) يمسك بحصته فهل للبائع الخيار فيه وجهان (أحدهما) أن له الخيار لانه تبعضت عليه الصفقة فيثبت له الخيار كما يثبت للمشترى (والثانى) لا خيار له لانه دخل على بصيرة لان الحر لا يؤخذ منه بثمن * وإن باع مجهولا ومعلوما (فان قلنا) لا تفرق الصفقة بطل العقد فيهما (وان قلنا) تفرق وقلنا انه يمسك الجائز بحصته بطل البيع فيه لان الذى يخصه مجهول (وإن قلنا) يمسكه بجميع الثمن صح العقد فيه * وان جمع بين حلالين ثم تلف أحدهما قبل القبض بطل البيع فيه وهل يبطل في الباقي فيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين في تفريق الصفقة لان ما يحدث من الهلاك قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي ابطال العقد فوجب أن يكون كالموجود في حال العقد فيما ذكرناه (والثانى) لا يبطل إلا فيما تلف لان في الجمع بين الحلال والحرام انما بطل للجهل بالعوض أو للجمع بين الحلال والحرام في العقد ولا يوجد ههنا واحد منهما فعلى هذا يصح العقد في الباقي وللمشترى الخيار في فسخ العقد لانه تفرقت عليه الصفقة فان امضاء أخذ البافي بقسطه من الثمن قولا واحدا لان العوض ههنا قابل المبيعين فانقسم عليهما فلا يتغير بالهلاك) * (الشَّرْحُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَابٌ مُهِمٌّ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ وَالْفَتَاوَى فِيهِ فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ وَأُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * فَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ شَيْئَيْنِ فَهُوَ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (وَالثَّانِي) أَنْ تَجْمَعَهُمَا فِي

* عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهَذَا الضَّرْبُ لَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) يَقَعُ التَّفْرِيقُ فِي الِابْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) فِي الِانْتِهَاءِ فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُنْظَرُ فِيهِ إنْ جَمَعَ فِيهِ شَيْئَيْنِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمْعٌ كَجَمْعِ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ بِلَا خِلَافٍ * وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا لَا يَمْتَنِعُ جمعها فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَابِلًا لِلْعَقْدِ بِأَنْ جَمَعَ عَيْنَيْنِ لَهُ كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ أَوْ من جِنْسٍ لَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ كَعَبْدَيْنِ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ مُتَّفِقَيْ الْقِيمَةِ كَقَفِيزَيْ حِنْطَةٍ وَاحِدَةٍ وَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ * وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَابِلًا لِلْبَيْعِ دُونَ الْآخَرِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَاَلَّذِي لَيْسَ قَابِلًا لِلْبَيْعِ قِسْمَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا كَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ وَفِي صِحَّتِهِ فِي عَبْدِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَصِحُّ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ فَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَصَارَ كَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ جَمَعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسِ نِسْوَةٍ (وَالثَّانِيَةُ) جَهَالَةُ الْعِوَضِ الْقَابِلِ لِلْحَلَالِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَوْ أَفْرَدَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِضَمِّ غَيْرِ مَالِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الشِّقْصِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ مَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ بِالْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُنْكَرَةٌ بِمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الدِّرْهَمَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ أَوْ الْخَمْسِ بِأَوْلَى مِنْ مُشَارِكِهِ فَبَطَلَ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى وَقَعَ فِي الْعَقْدِ مَعْلُومًا وَسَقَطَ بَعْضُهُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ كَمَا إذَا رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّمًا وَهُوَ نَوْعَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ التَّقْوِيمِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ حُرًّا وَعَبْدًا فَالْحُرُّ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لَكِنْ يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ رَقِيقًا وَفِي هَذَا النَّوْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْحُرَّ وَنَحْوَهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ بِحَالٍ * وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَمُكَاتَبَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ متقوما بِدَلِيلِ وُجُوبِ قِيمَتِهِمَا عَلَى مُتْلِفِهِمَا (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَتَأَتَّى تَقْدِيرُ تَقْوِيمِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ تَغَيُّرِ الْخِلْقَةِ كَمَنْ بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ طَرِيقَانِ (اصهما) طَرْدُ الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ حُرًّا وعبدا

* (والثانى) القطع بالفساد لانه لابد فِي التَّقْوِيمِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُقَوَّمُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ * وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ أَوْ صَاعِ حنطة له نصفهما أو صاعي حِنْطَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ هُنَاكَ فِي مِلْكِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ إنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَلَّلْنَا بالجهالة صح لان حصة المملوك معلومة لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّقْوِيمِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا * وَلَوْ بَاعَ الثِّمَارَ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (الْأَصَحُّ) لَا يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له بصفة * وَلَوْ بَاعَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْتِيبُ فِي الثَّانِي كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ * (فَرْعٌ) الْمَذْهَبُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَعَبْدٍ لَهُ نِصْفُهُ وَكَذَا صَاعُ حِنْطَةٍ وَثَوْبٌ وَصَاعَيْ حِنْطَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ مُسْتَوِيَةٍ لَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ مِمَّا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ كَعَبْدِهِ وعبد غيره أو وَحُرٍّ أَوْ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَالصَّحِيحُ) صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَ الرَّافِعِيُّ تَوَسَّطَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَقَالُوا (الْأَصَحُّ) الصِّحَّةُ فِي الْمَمْلُوكِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَالْفَسَادُ فِيمَا يَتَوَزَّعُ عَلَى قِيمَتِهِ قَالَ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْقِسْمَيْنِ * (فَرْعٌ) لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلَيْنِ * هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَاقِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ الْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ عَالِمًا فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي هذ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عَبْدِ فُلَانٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شَيْخَيْ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ سَدِيدٍ بَلْ الْوَجْهُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ قَوْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ شَاذٌّ * (فَرْعٌ) لَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَهَبَهُمَا أَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ وَغَيْرَهَا أَوْ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِي الَّذِي يَمْلِكُهُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ إنْ عَلَّلْنَا بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ صَحَّ إذْ لَا عِوَضَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ حَلَالٍ وَغَيْرِهِ فَلَا

وَإِنْ شِئْتَ قُلْت فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصِّحَّةُ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ وَلَوْ جَمَعَ فِي شَهَادَتِهِ بَيْنَ مَقْبُولٍ وَغَيْرِهِ كَشَهَادَتِهِ لِابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ فَفِي قَبُولِهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ هَذَا الْخِلَافُ (الْمَذْهَبُ) الْقَبُولُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ مَالَهُ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ فَكَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ حِصَّةِ الْمَمْلُوكِ فَقَطْ إذَا وُزِّعَ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يبذل جميع العوض الا مُقَابَلَتِهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُهُ فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ لِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ لَا ثَمَنَ لَهُ فَيَصِيرُ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ * ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ قَطْعًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَالثَّمَرَةُ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا بِالْأَجْزَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْوَاجِبُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَوَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَقِيلَ هُمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ الْخِيَارُ لِتَبْعِيضِ الثَّمَنِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَقْصٌ فِيمَا يَخُصُّ مِلْكَهُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ قَطْعًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ (وَالثَّانِي) جَمِيعُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ عَالِمًا وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي مقابلة العبدين فلم يلتزم في مقابلة الحلال الاحصته * وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَكَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ فَأَجَازَ أَوْ عَالِمًا فَفِيمَا يَلْزَمُهُ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقِسْطُ (وَالثَّانِي) الْجَمِيعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْجَمِيعُ وَهَذَا الطَّرِيقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ فَهُوَ غَلَطٌ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وابن أبي هريرة والمارودي وَمِمَّنْ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الافصاح والبغوى وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْقِسْطَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْجُهٌ (أشهرها) وبه قطع الدارمي والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ الْحُرُّ عَبْدًا وَالْمَيْتَةُ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرُ شَاةً وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّرُ الْخَمْرُ خَلًّا وَالْخِنْزِيرُ بَقَرَةً (وَالثَّالِثُ) يُنْظَرُ إلَى

قِيمَتِهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا خَبْطٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَصَحَّحْنَا نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْمُسَمَّى وَالرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ هَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِيهِ إجْحَافًا بِالزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي النِّكَاحِ (وَأَمَّا) تَخْيِيرُهُ في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل فَلَا يَزُولُ بِهِ الْإِجْحَافُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قَدْ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى فَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَهْرُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى إذَا وُزِّعَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَمَهْرِ مِثْلِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْأَمَةِ وَإِذَا اخْتَصَرْت الْخِلَافَ جَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهَا) الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَالثَّانِي) قِسْطُهَا مِنْ الْمُسَمَّى (وَالثَّالِثُ) جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَرْعٌ) لَوْ باع ربويا بجنسه فخرج بَعْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُسْتَحَقًّا وَصَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي فَالْوَاجِبُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَهُمَا حَرَامٌ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدًا آخَرَ وَالْجَمِيعُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ قَطْعًا (وَأَمَّا) الْمَعْلُومُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَبْنِي عَلَى مَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ لَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فِيمَا هُوَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ يَصِحُّ فَهُنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ قُلْنَا) جَمِيعُهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ هُنَا أَيْضًا جَمِيعُ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ هُنَا فِي الْمَعْلُومِ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ وحكى البغوي والرافعي وغيرهما هنا قَوْلًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الْبَيْعِ فِي الْمَعْلُومِ *

(فَرْعٌ) (1) مَحَلُّ الْفَرْعَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْكِتَابِ إذَا اتَّحَدَتْ الصَّفْقَةُ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَهُ فِي صَفْقَةٍ وَمَالَ غَيْرِهِ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَطَرِيقُ بَيَانِ تَعَدُّدِهَا وَاتِّحَادِهَا أَنْ يَقُولَ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْئَيْنِ ثَمَنًا مُفَصَّلًا فَقَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِمِائَةٍ فقبلهما المشتري كذلك على التفصيل فان قال قبلت هذا بالالف وهذا بالمائة فَهُمَا عَقْدَانِ مُتَعَدِّدَانِ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ مَا سَمَّى لَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ جَمَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ فَقَالَ قَبِلْتهمَا أَوْ قَبِلْت فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) الصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ بِمَا سَمَّى لَهُ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الايجاب فإذا وَقَعَ مُفَرَّقًا وَكَذَلِكَ الْقَبُولُ * وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ أَيْضًا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَإِنْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا لِرَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَتَعَدَّدُ كَالْبَائِعِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا وَجَبَ وَهُوَ وَاحِدٌ * وَلِلتَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ فَوَائِدُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا (مِنْهَا) إذَا حَكَمْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَوَزَنَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَزِمَ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ مِنْ الْمَبِيعِ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ (وان قلنا) بالاتحاد لم يجب تسليم شئ إلَى أَحَدِهِمَا وَإِنْ وَزَنَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى يَزِنَ الْآخَرَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ قِسْطِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْقِسْطَ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَهَذَا شَاذٌّ (وَمِنْهَا) إذَا قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَخَاطَبَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ مَالِكَا عَبْدٍ لِرَجُلٍ بِعْنَاك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَوَجْهَانِ (حَكَاهُمَا) الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ (وَالثَّانِي) صحته كما يجوز لاحد المشتريين رَدُّ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَعِيبِ * وَلَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ بِعْتُكُمَا هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِعْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ والبغوي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَتَيْنِ زوجتكهما بِأَلْفٍ فَقَبِلَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهِمَا * وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي أَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أم المعقود له فيه

_ (1) (تنبيه) هذا الفرع عبارته هكذا في الاصل فانظر وحرر

أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بالعاقد وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْمُبَاشِرِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا إنْ تَعَدَّدَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْعَاقِدَ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ وَأَحَدِ الِابْنَيْنِ طَلَبُ الْأَرْشِ يُنْظَرُ (إنْ وَقَعَ النَّاسُ بِمَنْ رَدَّ الْآخَرَ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ أَوْ تَلِفَ) (1) فَلَهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ أَيْضًا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَبِيعَ عَبْدًا لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْجَمِيعَ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَاهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لها فَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ لِرِضَا الْبَائِعِ بِالتَّشْقِيصِ وَإِنْ جَهِلَهُ فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَرَجُلَانِ رَجُلًا فِي شِرَائِهِ فتبايعه الوكيلان فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ آخَرُ آخَرَيْنِ فِي شِرَائِهِ فَتَبَايَعَهُ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الِانْتِهَاءِ وَهُوَ صِنْفَانِ اخْتِيَارِيٌّ وَغَيْرُهُ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهُ بِفُرُوعِهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) غَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ فَمِنْ صُوَرِهِ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ وَنَحْوَهُمَا أَوْ ثَوْبًا وَعَبْدًا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا

_ (1) هذه العبارة هكذا بالاصل فحرر

قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الْآخَرِ فَيَفْسَخُ الْعَقْدُ فِي التَّالِفِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَاقِي طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ عِلَّتَيْ الْفَسَادِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُنَاكَ (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فِيهِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَازَ فَبِكَمْ يُجِيزُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِسْطُ الْبَاقِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعِوَضَ هُنَا قَابَلَ الْمَبِيعَيْنِ مُقَابَلَةً صَحِيحَةً حَالَ الْعَقْدِ وَانْقَسَمَ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ بَعْضِهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْسِيطُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ إلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْمُقَارَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (فَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقِسْطِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا خِيَارَ لَهُ * وَلَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا فَصَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ كَتَلَفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ * وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي السَّلَمِ وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ قَبَضَ الْبَعْضَ فَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي فِيهِ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يَنْفَسِخُ * وَلَوْ قَبَضَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ وَهَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَأَكُّدِ الْعَقْدِ فِيهِ بِانْتِقَالِ ضَمَانِهِ إلَى الْمُشْتَرِي * هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْآخَرُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَقْبُوضِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِتَلَفِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (وَإِذَا قُلْنَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ ويسترد الثمن ان كان سلمه (وأصحهما) لابل عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ اكْتَرَى دَارًا وَسَكَنَهَا بَعْضَ الْمُدَّةِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي الْمَاضِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَقْبُوضِ التَّالِفِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِيهِ الْوَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا فَسْخَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى حِصَّةُ الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالِانْفِسَاخِ أَوْ قُلْنَا لَهُ الْفَسْخُ فَفَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَاضِي وَيَسْتَرِدُّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ دَفَعَهُ * وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ وَكَانَ الْبَاقِي مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَقُلْنَا لَوْ انْقَطَعَ الْجَمِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فينفسخ هُنَا فِي الْمُنْقَطَعِ وَفِي الْبَاقِي

الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا (فَإِذَا قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ فَلَهُ الْفَسْخُ فَإِنْ أَجَازَ فَيَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فقط (وان قلنا) لو انقطع الْجَمِيعَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ كَانَ الْمُسَلَّمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ فِي الْجَمِيعِ وَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْقَدْرِ الْمُنْقَطِعِ وَالْإِجَازَةُ فِي الْبَاقِي فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا هَلْ لَهُ إفْرَادُهُ بِالرَّدِّ (الْأَصَحُّ) لَيْسَ لَهُ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَأَبِقَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآبِقِ (1) * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ بَاعَ مَا يَمْلِكُهُ وَغَيْرُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً * ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِمَا مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ مَالًا وَغَيْرَهُ كَخَلٍّ وَخَمْرٍ وَعَبْدٍ وَحُرٍّ وَشَاةٍ وَخِنْزِيرٍ وَمُذَكَّاةٍ وَمَيْتَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالًا وَمَالَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَعَبْدِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ بَطَلَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَصَحَّ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْمَالِ فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا وَقَدْ يَحْكُمُ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا قَالَ وَإِنْ جَمَعَتْ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي مَالِهِ وَوَقَفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى إجَازَتِهِ إنْ أَجَازَ نَفَذَ وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ فِيمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ وَبُطْلَانُهُ فِي غَيْرِهِ * * قال المصنف رحمه الله * (وان جمع بين بيع واجارة أو بين بيع وصرف أو بين عبدين بشرط الخيار في أحدهما دون الآخر بعوض واحد ففيه قولان (أحدهما) أنه يبطل العقدان لان أحكام العقدين متضادة وليس أحدهما بأولي من الآخر فبطل الجميع (والثانى) أنه يصح العقدان وينقسم العوض عليهما على قدر قيمتهما لانه ليس فيه أكثر من اختلاف حكم العقدين وهذا لا يمنع صحة العقد كما لو جمع في البيع بين ما فيه شفعة وبين ما لا شفعة فيه وان جمع بين البيع والنكاح بعوض واحد فالنكاح لا يبطل لانه لا يبطل بفساد العوض وفى البيع قولان ووجههما ما ذكرناه * وان جمع بين البيع والكتابة (فان قلنا) في البيع والاجارة إنهما يبطلان بطل البيع والكتابة (وان قلنا) إن البيع والاجارة يصحان بطل البيع ههنا لانه لا يجوز أن يبيع السيد من عبده وهل تبطل الكتابة يبنى علي تفريق الصفقة (فان قلنا)) لا تفرق بطل (وان قلنا) تفرق بطل البيع وصحت الكتابة) * (الشَّرْحُ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ في العقد مبيعين مختلفي الحكم كثوبين

_ (1) كذا بالاصل فحرر

مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة

شَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَسَلَمٍ أَوْ إجَارَةٍ وَسَلَمٍ أَوْ صَرْفٍ وَغَيْرِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ فِيهِمَا وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِعْتُك عَبْدِي وَأَجَرْتُك دَارِي سَنَةً بِأَلْفٍ وَصُورَةُ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ بِعْتُك ثَوْبِي وَمِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً سَلَمًا بِدِينَارٍ وَصُورَةُ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ أَجَرْتُك دَارِي سَنَةً وَبِعْتُك مِائَةَ صَاعٍ سَلَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ * وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً وَثَوْبًا بِشَعِيرٍ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْحِنْطَةِ وَمَا يقابلها من الشعير واجب وَلَا يَجِبُ فِي الْبَاقِي فَهُوَ كَبَيْعٍ وَصَرْفٍ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا جَمَعَ بَيْعًا وَنِكَاحًا وَقَالَ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ وَبِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِمِائَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ أَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك عَبْدَهَا وَهِيَ فِي حِجْرِهِ أَوْ رَشِيدَةٌ وَكَّلَتْهُ فِي بَيْعِهِ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُمَا وُزِّعَ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا وَجَبَ فِي النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَإِذَا قُلْنَا) بِالتَّوْزِيعِ فَهُوَ إذَا كَانَتْ حِصَّةُ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ فَهَذِهِ صُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ كَانَا لِاثْنَيْنِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي وَزَوَّجْتُك (1) بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَتَحْقِيقُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا لِشَخْصٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ فَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً فَقَالَ لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمَيْنِ إلَى كَذَا وَكَذَا وَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا جَمِيعًا بِأَلْفٍ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَفِي الْكِتَابَةِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَطْعِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَفِيهِ الْقَوْلُ شاذ السابق * (فرع) في شئ مِنْ مَسَائِلِ الدُّورِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ * فَإِذَا بَاعَ مَرِيضٌ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ بِعَشَرَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بعض المبيع وفى الباقي طريقان (أصحهما) عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا وَصِيَّةٌ وَهِيَ تُقْبَلُ مِنْ الْغَرَرِ مَا لَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْبَاقِي فَفِي كَيْفِيَّتِهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ وَالْقَدْرُ الَّذِي يُوَازِي الثَّمَنَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْطُلُ فِي الباقي

_ (1) كذا بالاصل فحرر

باب الربا

فَيَصِحُّ فِي ثُلُثَيْ الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ ثُلُثُ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَالثَّمَنُ وَهُوَ عشرة وذلك مثلا الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عَشَرَةٌ وَلَا تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ إذَا أُزِيدَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَبَ أَنْ يَزِيدَ إلَى الشِّرَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَخْرُجُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ يَدْخُلُ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا وَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ بِطُرُقٍ (مِنْهَا) أَنْ يُنْسَبَ ثُلُثُ الْمَالِ إلَى قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَبِيعِ بِمِثْلِ نِسْبَةِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَنَقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُلُثُ الْمَالِ عَشَرَةٌ وَالْمُحَابَاةُ عِشْرُونَ وَالْعَشَرَةُ نِصْفُ الْعِشْرِينَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ كَأَنَّهُ اشْتَرَى سُدُسَهُ بِخَمْسَةٍ وَوَصَّى لَهُ بِثُلُثِهِ وَيَبْقَى مَعَ الْوَرَثَةِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَالْمَبْلَغُ عِشْرُونَ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُحَابَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَرَجَّحَ كَثِيرُونَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَ آخَرُونَ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْحُسَّابِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ اللَّبَّانِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (باب الربا) الرِّبَا مَقْصُورٌ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوَانِ وَاخْتَارَ الْكُوفِيُّونَ كَتْبَهُ وَتَثْنِيَتَهُ بِالْيَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرَةِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ قَالَ الثَّعْلَبِيُّ كَتَبُوهُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَلُغَتُهُمْ الرِّبَوَا فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ قَالَ وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا أَبُو سِمَاكٍ الْعَدَوِيُّ بِالْوَاوِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ وَأَقَرَّ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كَتْبِهِ - بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ - وَالرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ - وَالرُّبْيَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ لُغَةٌ فِي الرِّبَا وَأَصْلُهُ الزيادة وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا * * قال المصنف رحمه الله * (الربا محرم والاصل فيه قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وقوله تَعَالَى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) روى في التفسير حين يقوم من قبره وروى ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ الربا وموكله وشاهده وكاتبه) *

(الشَّرْحُ) الْمَسُّ الْجُنُونُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وغيرهم قوله تعالى (الذين يأكلون الربا) مَعْنَاهُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) وقوله تعالى (لا يقومون) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ (إِلا كَمَا يقوم الذى يتخبطه الشيطان) قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ التَّخَبُّطُ هُوَ الضَّرْبُ عَلَى غَيْرِ الِاسْتِوَاءِ وَيُقَالُ خَبَطَ الْبَعِيرُ إذَا ضَرَبَ بِأَخْفَافِهِ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا رَدِيئًا وَلَا يَهْتَدِي فِيهِ هُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَهِيَ النَّاقَةُ الضَّعِيفَةُ الْبَصَرِ قَالُوا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ بِالْجُنُونِ حِينَ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ فَيُبْعَثُ مَجْنُونًا فَيَعْرِفُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ أَنَّهُ مِنْ أَكَلَةِ الرِّبَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَكِنْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمُحَقِّقُونَ سَمِعَهُ وَهِيَ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَشَاهِدَهُ بِالْإِفْرَادِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَشَاهِدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ (وأما) الْأَحْكَامُ فَقَدْ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً (وَالثَّانِي) أَنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا تَنَاوَلَ مَا كَانَ مَعْهُودًا لِلْجَاهِلِيَّةِ مِنْ رِبَا النِّسَاءِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَالِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ وَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَفِّهِ الْغَرِيمُ أَضْعَفَ لَهُ الْمَالَ وَأَضْعَفَ الْأَجَلَ ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قَالَ ثُمَّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِزِيَادَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ مُضَافًا إلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرُّوذِيِّ * (فَرْعٌ) يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وحربي سواء دخلها المسلم بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ

وأحمد وأبو يوسف والجمهور * وقال أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ لَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا وَإِذَا بَاعَ مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ رَجُلَانِ فِيهَا وَلَمْ يُهَاجِرَا فَتَبَايَعَا دِرْهَمًا بدرهين جَازَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَلِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ أَوْلَى * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَلِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صح لتأولناه عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُبَاحُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْوَالَ الْحَرْبِيِّ مُبَاحَةٌ بِلَا عَقْدٍ فَلَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الدَّعْوَى إنْ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالْعِلَّةُ مُنْتَقِضَةٌ كَمَا إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُ فِيهَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَمْوَالِهِمْ تُبَاحُ بِالِاغْتِنَامِ اسْتِبَاحَتُهَا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ولهذا تباح ابضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد * * قال المصنف رحمه الله * (والاعيان التى نص على تحريم الربا فيها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح والدليل عليه ما رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر والبر والشعير بالشعير والملح بالملح الاسواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى (فأما) الذهب والفضة فانه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة وهو أنهما من جنس الاثمان فيحرم الربا فيهما ولا يحرم فيما سواهما من الموزونات والدليل عليه انه لا يجوز أن يكون تحريم الربا لمعني يتعداهما إلى غيرهما من الاموال لانه لو كان لمعني يتعداهما إلى غيرهما لم يجز اسلامهما فيما سواهما من الاموال لان كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز اسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير فلما جاز اسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الاموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنه من جنس الاثمان) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا فَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ والشيعة

والغاسانى وسائر ثقاة النَّاسِ لَا تَحْرِيمَ فِي الرِّبَا فِي غَيْرِهَا وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ تَحْرِيمُ الرِّبَا عَلَيْهَا بَلْ يَتَعَدَّى إلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي السُّنَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا (فَأَمَّا) الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَهَذِهِ عِنْدَهُ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِمَا لَا تَتَعَدَّاهُمَا إذْ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ فِيهِمَا الْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فالحق بهما كل موزون كالحديد والنحاس والرصاس وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ مَا يُوزَنُ فِي الْعَادَةِ وَوَافَقَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِي مَعْمُولِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ فِي التِّبْرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ على خيبر فقدم بثمر حبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا قِيمَتَهُ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا نعنى وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَوْزُونٍ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَاصِرَةٌ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَدَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَهُمَا الْأَصْلُ الَّذِي اسْتَنْبَطْتُمْ مِنْهُ الْعِلَّةَ وَعِنْدَكُمْ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا فَاسِدَةٌ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ قَدْ عَرَفْنَاهُ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْعِلَّةِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَصْلِ غَيْرُهُ (وَالْوَجْهُ الثاني) أن القاصرة صحيحة ولكن المتعدية أَوْلَى قَالُوا فِعْلَتُكُمْ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ قَالُوا وَلِأَنَّ عِلَّتَكُمْ قَدْ تُوجَدُ وَلَا حُكْمَ وَقَدْ يُوجَدُ الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرهما فَإِنَّهَا أَثْمَانٌ وَلَا رِبَا فِيهَا عِنْدَكُمْ وَالثَّانِي كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهَا مَعَ أنها لسيت أَثْمَانًا * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ * وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْوَزْنُ عِلَّةً لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ ولان أبا حنيفة جوز بَيْعَ الْمَضْرُوبِ مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ قَالُوا) خَرَجَتْ بِالضَّرْبِ عَنْ كَوْنِهَا مَوْزُونَةً (قُلْنَا) لَا نُسَلِّمُ * وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِهِمْ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ قَالَ قَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ مِنْ كلام

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ (الثَّانِي) جَوَابُ القاضى أبو الطَّيِّبِ وَآخَرِينَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْمِيزَانَ نَفْسَهُ لَا رِبَا فِيهِ وَأَضْمَرْتُمْ فِيهِ الْمَوْزُونَ وَدَعْوَى الْعُمُومِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَا يَصِحُّ (الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمَوْزُونُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِمْ لَا فَائِدَةَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِهَا فَإِنَّ الْعِلَلَ أَعْلَامٌ نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَحْكَامِ مِنْهَا مُتَعَدِّيَةٌ وَمِنْهَا غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ إنَّمَا يُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ لَا الِاسْتِنْبَاطُ وَإِلْحَاقُ فَرْعٍ بِالْأَصْلِ كَمَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ عَامَّةُ التَّعَدِّي وَخَاصَّتُهُ * ثُمَّ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّيَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا تَطْمَعُ فِي الْقِيَاسِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُ الْأَصْلَ فِي الْعِلَّةِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَأَجَابُوا عَنْ الْفُلُوسِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وليست الفلوس كذلك فانها وان كانت ثمنا في بعض البلاد فليست من جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) (وَأَمَّا) دَاوُد وَمُوَافِقُوهُ فَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وبقوله (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وَبِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الْإِبَاحَةُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ تمر حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا وَإِنْ كان كرما أن بيعه بِزَبِيبٍ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بكيل طعام نهى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى طَعَامًا (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ خَصَّهُ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ (قُلْنَا) ذِكْرُ بَعْضِ ما يتناوله الْعُمُومُ لَيْسَ تَخْصِيصًا عَلَى الصَّحِيحِ (فَإِنْ قِيلَ) الطَّعَامُ مَخْصُوصٌ بِالْحِنْطَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ بَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يُؤْكَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نفسه) وقال تعالى (فلينظر الانسان إلى طعامه) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا) الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مني ومن لم يطعمه فانه منى) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُك قُلْت مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي قَالَ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (مَكَثْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمانا مالنا طعام الا الا سودان الْمَاءُ وَالتَّمْرُ رَوَاهُ) (1) وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُمَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُمْ) أَصْلُ الْأَشْيَاءِ الاباحة ليس كذلك بل مذهب داود

_ (1) بياض بالاصل.

أَنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَنَا كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا قَالَ أصحابنا وقولنا غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَوَانِي وَالتِّبْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ الَّتِي نَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ وَمِنْ أصحابنا من جمعهما قال ولكه قَرِيبٌ * وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) إذَا رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ لَمْ يُحَرَّمْ الرِّبَا فِيهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُحَرَّمُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ (وَأَمَّا) مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا رَبَا فِيهَا عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا ومؤجلا ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي والرافعي عن أبى بكر الاولى مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ * * قال الصنف رحمه الله * (فاما الاعيان الاربعة ففيها قولان (قال) في الجديد العلة فيها أنها مطعومة والدليل عليه ما روى معمر بن عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والطعام اسم لكل ما يتطعم والدليل عليه قوله تعالى (وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وأراد به الذبائح وقالت عائشة رضى الله عنها (مكثنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم سنة مالنا طعام الا الا سودان الماء والتمر وقال لبيد لمعفر قهد ينازع شلوه * غبس كواسب ما يمن طعامها * وأراد به الفريسة والحكم إذا علق على اسم مشتق كان ذلك علة فيه كانقطع في السرقة والحد في الزنا ولان الحب مادام مطعوما يحرم فيه الربا فإذا زرع وخرج عن أن يكون مطعوما لم يحرم فيه الربا فإذا انعقد الحب وصار مطعوما حرم فيه الربا فدل على أن العلة فيه كونه مطعوما فعلى هذا يحرم الربا في كل ما يطعم من الاقوات والادام والحلاوات والفواكه والادوية وفى الماء وجهان

(أحدهما) يحرم فيه الربا لانه مطعوم فهو كغيره (والثانى) لا يحرم فيه الربا لانه مباح في الاصل غير متمول في العادة فلا يحرم فيه الربا * وفي الادهان المطيبة وجهان (أحدهما) لا ربا فيها لانها تعد للانتفاع برائحتها دون الاكل (والثاني) أنه يحرم فيها الربا وهو الصحيح لانه مأكول وانما لا يؤكل لانه ينتفع به فيما هو أكثر من الاكل * وفى البزر ودهن السمك وجهان (أحدهما) لا ربا فيه لانه يعد للاستصباح (والثانى) أنه يحرم الربا فيه لانه مأكول فاشبه الشيرج (وقال) في القديم العلة فيها أنها مطعومة مكيلة أو مطعومة موزونة والدليل عَلَيْهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الطعام بالطعام مثلا بمثل) والمماثلة لا تكون الا بالكيل أو الوزن فدل على أنه لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يوزن فعلى هذا لا يحرم الربا فيما لا يكال ولا يوزن من الاطعمة كالرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبهها) * (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ (1) (وَقَوْلُهُ) وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ الْأَرْبَعَةُ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الْأَرْبَعُ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْيَانِ الْأَجْنَاسَ فَأَثْبَتَ الْهَاءَ (وَقَوْلُهَا) الْأَسْوَدَانِ هُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَتَسْمِيَةِ الشَّيْئَيْنِ بِاسْمِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَوَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ والعمرين ونظائره فان الماء لبس بِأَسْوَدَ (قَوْلُهُ) فِي بَيْتِ لَبِيدٍ لَمُعَفَّرٍ هُوَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إذَا أَرَادَتْ فِطَامَهُ عَنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تَعُودُ إلَى إرْضَاعِهِ أَيَّامًا ثُمَّ تَقْطَعُهُ عَنْ الرَّضَاعِ أَيَّامًا ثُمَّ تُرْضِعُهُ تَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جُمْلَةً فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا قِيلَ عَفَّرَتْ الظَّبْيَةُ وَلَدَهَا وَمُعَفَّرٌ هُوَ هَكَذَا فَسَّرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي سُحِبَ فِي التُّرَابِ وَعُفِّرَ بِهِ وَالْقَهْدُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ - قِيلَ هُوَ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ أَبْيَضُ فِيهِ كُدُورَةٌ وَفِيهِ حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ وَجَمْعُهُ قِهَادٌ (وقوله) تنازع شلوه أي تحادف أَعْضَاءَهُ (وَقَوْلُهُ) غُبْسٌ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ ذِئَابٌ جَمْعُ أَغْبَسَ وَهُوَ الَّذِي لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ (وَقَوْلُهُ) كَوَاسِبُ أَيْ تَكْسِبُ قُوتَهَا (وَقَوْلُهُ) مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ بَلْ تَأْخُذُهُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لَا بِالسُّؤَالِ وَالْمَسْكَنَةِ بِخِلَافِ السِّنَّوْرِ وَشَبَهِهِ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ وَلَا يَنْقَطِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (أجر غير ممنون) وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ يُظْهِرُ مَعْنَى هَذَا وَهُوَ خَنْسَاءُ ضَيَّعَتْ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ * عرض الشائق طوفها وبعامها الْخَنْسَاءُ بَقَرَةٌ وَحْشِيَّةٌ وَالْفَرِيرُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ - وَلَدُهَا (وَقَوْلُهُ) يَرِمْ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ يُفَارِقُ وَعُرْضُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالشَّقَائِقُ جَمْعُ شَقِيقَةٍ وَهِيَ رَمْلَةٌ فِيهَا نَبَاتٌ وَقِيلَ أرض

_ (1) كذا بالاصل فحرر

غَلِيظَةٌ بَيْنَ رَمْلَيْنِ (وَقَوْلُهُ) طَوْفُهَا - بِفَتْحِ الطَّاءِ وَرَفْعِ الْفَاءِ - وَهُوَ ذَهَابُهَا وَمَجِيئُهَا وَهُوَ فَاعِلُ يرم وبعامها - بضم الباء الموحدة وبالعين المعجمة وبرفع الميم - معطوف على طوفها والبعام الصَّوْتُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمُعَفَّرٍ مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنَّهَا ضَيَّعَتْ وَلَدَهَا فَلَا تَزَالُ تَطُوفُ فِي نَاحِيَةِ الرِّمَالِ لِطَلَبِهِ ظَانَّةً أَنَّهُ هُنَاكَ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ الذِّئَابَ تَجَاذَبَتْ أَعْضَاءَهُ وَأَكَلَتْهُ (وَأَمَّا) لَبِيدٌ صَاحِبُ هَذَا فَهُوَ أَبُو عَقِيلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ الْعَامِرِيُّ الصَّحَابِيُّ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ كَانَ مِنْ فُحُولِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ الْمُعَمَّرِينَ عَاشَ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ فِي أَوَّلِ خلافة معاوية رضى الله عنهم (قَوْلُهُ) فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ احْتِرَازٌ مِمَّا يَتَأَثَّرُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَمَا يَلْقَى مِنْ الْأَطْعِمَةِ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَرَى فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فِي الْأَصْلِ (وَقَوْلُهُ) غَيْرُ مُتَمَوِّلٍ فِي الْعَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبِزْرِ - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْقِثَّاءُ - بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّهَا الطَّعْمُ فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَا يُحَرَّمُ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَطْعُومِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يُحَرَّمُ إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَى هَذَا لَا رِبَا فِي السَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالتَّفْرِيعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَدِيدِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا يُعَدُّ لِلطَّعْمِ غَالِبًا تَقَوُّتًا وَتَأَدُّمًا أَوْ تَفَكُّهًا أو تداويا أو غيرها فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحُبُوبُ وَالْإِدَامُ وَالْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ وَالْبُقُولُ والتوابل والادوية وغيرها فَيُحَرَّمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وسواء ما أكل غالبا أَوْ نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ وَهُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ وَسَوَاءٌ مَا أُكِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الْمَصْطَكَى وَالزَّنْجَبِيلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) المشهور ويحرم فِيهِمَا الرِّبَا (وَالثَّانِي) لَا رِبَا فِيهِمَا حَكَاهُ (1) والرافعي وَقَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِي الْمَصْطَكَى وَيَجْرِي تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ وَالْإِبْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ واتفق

_ (1) بياض بالاصل

عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّقَمُونْيَا لَا رِبَا فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْمَاءُ (إذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهَلْ يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُحَرَّمُ هَكَذَا صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ الْإِبَاحَةَ فَإِنَّهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ مَطْعُومًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ (قُلْنَا) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ فَصَارَ مُسْتَثْنًى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَأَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَدُهْنِ الْفُجْلِ وَالْخَرْدَلِ والصنوبر وأشبهاهها فَيُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلتَّدَاوِي فَأَشْبَهَ الْإِهْلِيلَجَ (1) (الثَّالِثُ) مَا يُرَادُ لِلطِّيبِ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالزِّئْبَقِ وَالْبَانِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَإِذَا قُلْنَا) انها ربوية لم يجز بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَلَا بيع بعضها مُتَفَاضِلًا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ قَالُوا لِأَنَّهَا كلها شيرج اختلفت رَائِحَتُهُ بِحَسَبِ مَا جَاوَرَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ (الرابع) مَا يُرَادُ لِلِاسْتِصْبَاحِ كَدُهْنِ السَّمَكِ وَبِزْرِ الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ (وَأَمَّا) قول إمام لحرمين وَالْغَزَالِيِّ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الطِّينُ الْأُرْمَوِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْغَزَالِيِّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (وَأَمَّا) الطِّينُ الَّذِي يُؤْكَلُ سَفَهًا وَيُقَالُ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن العراقين قَالَ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ * (فَرْعٌ) فِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أصحهما)

_ (1) كذا بالاصل وانظر أين الضرب الثاني

لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَلَامُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُودِ الْمُطَيِّبِ أَيْضًا وَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا * (فَرْعٌ) لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ وَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَدَجَاجَةٍ بِدَجَاجَتَيْنِ وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا إلَّا الْوَجْهَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ فِي السَّمَكِ الصِّغَارِ الَّتِي يُمْكِنُ ابْتِلَاعُهَا فِي حَيَاتِهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَكْلِهَا حَيَّةً وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا حَيَّةً لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً فَيَجُوزُ بَيْعُ سَمَكَةٍ بِسَمَكَاتٍ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ (وَالثَّانِي) لَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ لَا رِبَا فِي النَّوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لِلْبَهَائِمِ فَأَشْبَهَ الْحَشِيشَ * (فَرْعٌ) لَا رِبَا فِي الْجُلُودِ وَالْعِظَامِ إنْ كَانَ يَجُوزُ أَكْلُهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنْوَاعُ الْحَشِيشِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الصَّحَارِي وَتُؤْكَلُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهَا وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ لَا رِبَا فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تقصد للاكل عادة * * قال المصنف رحمه الله * (وما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيها الربا فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا ونسيئة ويجوز فيها التفرق قبل التقابض لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أجهز جيشا فنفدت الابل فأمرني أن آخذ على قلاص الصدقة فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى ابل الصدقة) وعن علي كرم الله وجهه (أنه باع جملا إلى أجل بعشرين بعيرا) وباع ابن عباس رضى الله عنه بعيرا بأربعة أبعره واشترى ابن عمر رضى الله عنه راحلة بأربع رواحل ورواحله بالربذة واشترى رافع بن خديج رضى الله عنه بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا * ولا يجوز بيع نسيئة بنسيئة لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قال أبو عبيدة هو النسيئة بالنسيئة) * (الشرح) حديث ابن عمر وبن العاصى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ عنده

حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاصى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ظَهْرٌ قَالَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَاعَ ظَهْرًا إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ فَابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ وَبِالْأَبْعِرَةِ إلَى خُرُوجِ التَّصَدُّقِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ على أن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ عُصَيْفِيرٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ مِنْ طَرِيقِ حسين ابن مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُدْرِكْهُ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الموطأ والشافعي عن مالك عن نافع وذكره الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا الْأَثَرُ) عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا (وَأَمَّا) حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مداره على موسى بن عبيدة الزيدى وَهُوَ ضَعِيفٌ (أَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ الْقِلَاصُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - جَمْعُ قَلَصٍ وَالْقَلَصُ جَمْعُ قُلُوصٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقَوْلُهُ) أَخَذَ مِنْ قِلَاصِ الصَّدَقَةِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ من والذى في سير أبى داود والبيهقي وغيرهما في ومعناهما السَّلَفُ عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (وَأَمَّا) الرَّاحِلَةُ فَالْبَعِيرُ النَّجِيبُ وَالرَّبَذَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ مُعْجَمَةً مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالْكَالِئُ بِالْهَمْزِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ ففى الفصل مسألتان (احداهما) أَنَّ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَطْعُومِ لَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِأَبْعِرَةٍ وَشَاةٍ بِشِيَاهٍ وَثَوْبٍ بِثِيَابٍ وَصَاعِ نَوْرَةٍ أَوْ جص أو اشنان بِصِيعَانٍ وَرِطْلِ غَزْلٍ بِأَرْطَالٍ مِنْ جِنْسِهِ وَأَشْبَاهِهِ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَسِيئَةٍ بِنَسِيئَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي ثَوْبًا فِي ذِمَّتِي بِصِفَتِهِ كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا بِدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ إلَى وَقْتِ كَذَا فَيَقُولُ قَبِلْت وَهَذَا فَاسِدٌ بِلَا خِلَافٍ * (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ وَلَهُمْ فِيهَا عَشَرَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) مَذْهَبُ أهل الظاهر ومن موافقهم أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِي) مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الرحمن بن كيسان الاصم ان العلة فيها كَوْنِهَا مُنْتَفَعًا بِهِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالثَّالِثُ) مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةَ تُحَرِّمُ الرِّبَا في كل شئ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَالتُّرَابِ بِالتُّرَابِ مُتَفَاضِلًا وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ وَالشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ (الرَّابِعُ) مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْفَعَةُ فِي الْجِنْسِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ ثوب

قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبَيْنِ قِيمَتُهُمَا دِينَارٌ وَيَحْرُمُ بَيْعُ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارٌ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دِينَارَانِ (الْخَامِسُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ المنفة فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التَّفَاضُلُ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ فَحُرِّمَ التفاضل في منافعها وكذلك الباقلى بِالْحِمَّصِ وَالدُّخْنِ بِالذُّرَةِ (السَّادِسُ) مَذْهَبُ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ جِنْسًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي جِنْسٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا ونفاه عمالا زَكَاةَ فِيهِ (السَّابِعُ) مَذْهَبُ مَالِكٍ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا مُدَّخَرَ جِنْسٍ فَحُرِّمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا كَانَ قُوتًا مُدَّخَرًا وَنَفَاهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ كَالْفَوَاكِهِ وَعَمَّا هُوَ قُوتٌ لَا يُدَّخَرُ كَاللَّحْمِ (الثَّامِنُ) مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مكيل جنس فحرم الربا في كل ميكل وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْأُشْنَانِ وَنَفَاهُ عَمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ (التَّاسِعُ) مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحَرَّمَهُ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَنَفَاهُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ أَوْ يُؤْكَلُ وَلَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ (الْعَاشِرُ) أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومًا فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَمْ لَا وَلَا رِبَا فِيمَا سِوَى الْمَطْعُومِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا (فَأَمَّا) أَهْلُ الظَّاهِرِ فَسَبَقَ دَلِيلُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِمْ (وَأَمَّا) الْبَاقُونَ فَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا هَذِهِ الْآثَارُ مَعَ الْحَدِيثِ المذكور في الكتاب * وعن جابرا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ * وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ * وَاحْتُجَّ لِابْنِ كَيْسَانِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا الرِّفْقُ بِالنَّاسِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَمِيعِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْآثَارِ وَالْمَعْنَى وَبِحَدِيثِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ وَالْبَعِيرِ بِالْبَعِيرَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَفْسَدُوا عِلَّتَهُ بِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَاتِ وَالْأَرْبَاحِ * وَاحْتُجَّ لِابْنِ سِيرِينَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبربر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ اخْتِلَافَ الْأَصْنَافِ وَهِيَ الْأَجْنَاسُ * وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بَيْعِ عَبْدَيْنِ بِعَبْدٍ

وَأَبْعِرَةٍ بِبَعِيرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَالْمُرَادُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ إذا اختلفت ومنعه فيها إذا اتفقت لامنعه فِي غَيْرِهَا * وَاحْتُجَّ لِلْحَسَنِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْقَدْرِ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ كَمَا امْتَنَعَ فِي الْقَدْرِ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَا سَبَقَ وَلَا نُسَلِّمُ إلْحَاقَ الْقِيمَةِ بِالْقَدْرِ * وَاحْتُجَّ لِابْنِ جُبَيْرٍ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْقَدْرِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا مَرْدُودٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ إنَّمَا كَانَ حَثًّا عَلَى الْمُوَاسَاةِ بِالتَّمَاثُلِ وَأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةِ هِيَ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْحَيَوَانِ وَفَاسِدٌ أَيْضًا بِالْمِلْحِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَعَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ لَا رِبَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رِبَوِيًّا * وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّ عِلَّتَهُ أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْأَصْلِ فَهِيَ أَوْلَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مُنْتَقَضٌ بِالرُّطَبِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ مُدَّخَرًا (فَإِنْ قيل) الرطب يؤول إلى الادخار (قلنا) الربا جاز فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ زَبِيبًا * وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْكَيْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّسَاوِي فَكَانَ عِلَّتَهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا سَبَقَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَيْلِ مِعْيَارًا كَوْنُهُ عِلَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَثِيَابٍ مِنْ جِنْسِهِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ مالك وأبو حنيفة (1) لَا رِبَا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا كَالْحَفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُكَالُ فِي الْعَادَةِ قَالَ وَكَذَا لَا رِبَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبَيْضِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ عَدَدًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ لِعُمُومِ النُّصُوصِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا * (فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَشَاةٍ بِشَاتَيْنِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا سَوَاءٌ كَانَ يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ وَالنِّتَاجِ أَمْ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً * هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ وَلَا بِبَعِيرٍ إذَا كَانَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلذَّبْحِ كَالْكَسِيرِ وَالْحَطِيمِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا اللَّحْمُ فهو كبيع لحم بلحم جُزَافًا أَوْ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ * دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ السابقة في بيع بعير ببعيرين وأبعره *

_ (1) كذا بالاصل

(فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِ كُلِّ مَا لَيْسَ مَطْعُومًا وَلَا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نَسِيئَةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّابِقَةِ فِي بيع الابل بالابل مؤجلة ولانهما عِوَضَانِ لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِمَا النَّسَاءُ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَ قُطْنٍ بِثَوْبِ حَرِيرٍ إلَى أَجَلٍ وَلِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ نَقْدًا فَكَذَا النَّسِيئَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) جَوَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعِوَضَيْنِ فَيَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بالحديث أنه مرسل * * قال المصنف رحمه الله * (فاما يحرم فيه الربا فينظر فيه فان باعه بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التقابض لما روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ والتمر بالتمر والبر بالبر وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شئتم إذا كان يدا بيد) فان باعه بغير جنسه نظرت فان كان مما يحرم الربا فيهما لعلة واحدة كالذهب والفضة والشعير والحنطة جاز فيه التفاضل وحرم فيه النساء والتفرق قبل التقابض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يدا بيد) فان تبايعا وتخايرا في المجلس قبل التقابض بطل البيع لان التخاير كالتفرق ولو تفرقا قبل التقابض بطل العقد فكذلك إذا تخاير * وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان (أحدهما) يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه (والثانى) لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا ابدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز * وان كان مما يحرم بهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لاجماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة

في المكيلات المطعومة) * (الشرح) حديث عبادة رواه مسلم والنساء - بالمد - والتأجيل قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَاعَ مَالًا رِبَوِيًّا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِهِ فَيُحَرَّمُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّهُمَا مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ بِالْعَسَلِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ (1) وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَحَيْثُ شَرَطْنَا التَّقَابُضَ فَمَعْنَاهُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا بَأْسَ أَنْ يَطُولَ مَقَامُهُمَا فِي مَجْلِسِهِمَا وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِطُولِهِ مُتَمَاشِيَيْنِ وَإِنْ طَالَ مَشْيُهُمَا وَتَبَاعَدَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ افْتِرَاقِهِمَا * وَلَوْ بَاعَهُ دِينَارًا فِي الذِّمَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذمة ووصفا الْجَمِيعَ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعِوَضَانِ حَاضِرَيْنِ ثُمَّ أَرْسَلَا مَنْ أَحْضَرَهُمَا أَوْ ذَهَبَا مُجْتَمَعَيْنِ إلَيْهِمَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْبَيْعُ وَسَلِمَا مِنْ الرِّبَا * وَلَوْ وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ وَيَأْثَمَانِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ يَكُونُ هَذَا رِبًا جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً وَلَا يَكْفِيهِمَا تَفَرُّقُهُمَا فِي مَنْعِ الْإِثْمِ وَإِنْ كَانَ يَبْطُلْ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ مَعَ التفاضل باطل ويأثمان به قال أصحابنا قال تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَأَرَادَا أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَأْثَمَا وَإِنْ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْمَقْبُوضِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَصِحُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفْرِيقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لظاهر الحديث فانه يسمى يدا بيد * آخر المجلد وإلى هنا انتهى كلام الشيخ مصنفه أبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفِ النَّوَوِيِّ فَأَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَفَعَنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ ونعم الوكيل.

تكملة تقي الدين السبكي

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفي سنة 676 هـ الجزء العاشر دار الفكر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين * اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا * قال الشيخ الامام شيخ الاسلام * قدوة الاعلام * أوحد المجتهدين * قاضي قضاة المسلمين * تقي الدين أبو الحسن على بن عبد الكافي السبكي أثابه الله الجنة * الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وتثمر * وبفضله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر * أحمده حمد معترف بالعجز مقصر * وأثنى عليه بأنى لا أحصى ثناء عليه واستغفر * وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له شهادة معلن بالايمان ومظهر * وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبشر المنذر * صلى الله عليه وسلم * وشمل أصحابه بالرضوان وعمم (أما بعد) فقد رغب إلى بعض الاصحاب والاحباب * في أن أكمل شرح المهذب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد * وقدوة العباد * واحد عصره * وفريد دهره * محيى علوم الاولين * وممهد سنن الصالحين * أبى زكريا النووي رحمه الله تعالى * وطالت رغبته

إلى * وكثر إلحاحه علي * وأنا في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى * وأستهون الخطب وأراه شيئا إمرا * وهو في ذلك لا يقبل عذرا * وأقول قد يكون تعرضى لذلك مع تقعدى عن مقام هذا الشرح إساءة إليه * وجناية منى عليه * وانى انهض بما نهض به وقد أسعف بالتأييد * وساعدته المقادير فقربت منه كل بعيد * ولا شك ان ذلك يحتاج بعد الاهلية إلى ثلاثة أشياء (أحدها) فراغ البال واتساع الزمان وكان رحمه الله تعالى قد أوتى من ذلك الحظ الاوفى * بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من نفس ولا أهل (والثاني) جمع الكتب التى يستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء وكان رحمه الله قد حصل له من ذلك حظ وافر لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت (والثالث) حسن النية وكثرة الورع والزهد والاعمال الصالحة التى أشرقت أنوارها وكان رحمه الله قد اكتال بالمكيال الاوفى * فمن يكون اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث أنى يضاهيه أو يدانيه من ليس فيه واحدة منها * فنسأل الله تعالى أن يحسن نياتنا وأن يمدنا بمعونته وعونه * وقد استخرت الله تعالى وفوضت الامر إليه واعتمدت في كل الامور عليه * وقلت في نفسي لعل ببركة صاحبه ونيته يعيننى الله عليه إنه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم * فان من الله تعالى باكماله فلا أشك أن ذلك من فضل الله تعالى ببركة صاحبه ونيته إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان وقد شرعت في ذلك مستعينا بالله

تعالى معتصما به ملتجئا إليه إنه لا حول ولا قوة إلا به وهو حسبى ونعم الوكيل * وإياه أسأل أن يغفر لي ولوالدي وأهلي ومشايخي وجميع إخوانى وأن يكثر النفع به ويجعله دائما إلى يوم الدين اه * وها أنا أذكر إن شاء الله تعالى المواد التى استمد منها (فمنها) ما هو عندي بكماله (ومنها) ما عندي ما هو من الموضع الذى شرعت فيه الآن وها أنا اسمى لك ذلك كله (فمن ذلك) على المهذب * كتاب فوائد المهذب لابي على الفارقى تلميذ المصنف وما عليه لابي سعيد بن عصرون * وكتاب بيان ما أشكل في المهذب لابي الحسين يحيى بن أبى الخير بن سالم العمرانى * وكتاب السؤال عما في المهذب من الاشكال للعمراني أيضا * وكتاب تجريد شواهد المهذب لابي عبد الله بن محمد بن أبى علي القلعى * وكتاب المستغرب في المهذب للقلعى أيضا * وكتاب الوافى بالطلب في شرح المهذب تأليف أبى العباس أحمد بن عيسى بعد ابن أبى بكر عبد الله * وكتاب التعليقة في شرح المهذب للشيخ أبى إسحق المشهور بالعراقى * وكتاب التعيب على المهذب لابن معن * وكتاب الفص المذهب في غريب المهذب لابن عصرون * وكتاب المؤاخذات لجمال الدين بن البدرى * وكتاب شرح مشكلات منه لابي الحسن على بن قاسم الحليمى * وكتاب في مشكلات المهذب لطيف مجهول المصنف * وكتاب آخر كذلك * وكتاب غاية المفيد ونهاية المستفيد في احتوارات المهذب لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الصَّعْبِيِّ * وكتاب آخر مجهول * وكتاب تفسير مشكلات من المهذب مما جمعه

ابن الدرى * وكتاب التنكيت للدمنهوري * وكتاب المتهب في الرد عليه لحمزة بن يوسف الحموي وكتاب لغة المهذب مجهول المصنف * وكتاب ابن باطيش * وشرح المهذب للفاربى المسمى بالاستقصاء (ومن الكتب المذهبية) الام للشافعي رحمه الله وكتاب الاملاء له وقفت منه على مجلدتين الثانية والثالثة * ومختصر المزني * ومختصر البويطى * وشرح مختصر المزني لابي داود وشرحه لابي الحسن الجوزى * وكتاب المختصر من شرح تعليق الطبري لابي علي بن أبى هريرة وكتاب التلخيص لابن القاص * وكتاب المفتاح له وشرحه لسلامة بن اسماعيل بن سلامة المقدسي وشرح آخر له مجهول * والمولدات لابن الحداد (ومن كتب العراقيين) وأتباعهم تعليقة الشيخ أبي حامد الاسفراييني * والذخيرة للبندنيجى والدريق للشيخ أبى حامد أيضا * وتعليقة البندنيجى أيضا * والمجموع للمحاملى * والاوسط للمحاملى * والمقنع للمحاملى * واللباب للمحاملى والتجريد للمحاملى وتعليقة القاضى أبى الطيب الطبري والحاوى للماوردى والاقناع له واللطيف لابي الحسن بن خيران والتقريب لسليم * والمجرد له والكفاية له والكفاية للعبدرى * والتهذيب لنصر المقدسي * والكافي وشرح الاشارة له والكفاية للمحاجرى * والتلقين لابن سراقة * وتذنيب الاقسام للمرعشي * والكافي للزبيدي * والمطارحات لابن القطان * والشافي للجرجاني والتجريد له والمعاياة له والبيان للعمراني * والانتصار لابن عصرون والمرشد له والتنبيه والاشارة له والشامل لابي نصر ابن الصباغ والعدة لابي عبد الله الحسين بن علي الطبري والبحر للرويانى والحلية

للشاشى والحلية للرويانى والتنبيه للمصنف وشرحه لابن يونس وشرحه لشيخنا ابن الرفعة * ودفع التمويه عن مشكلات التنبيه لاحمد بن كتاسب وغير ذلك مما هو مشهور عليه (ومن كتب الخراسانيين) وأتباعهم تعليقة القاضي حسين والفتاوى له والسلسلة للجويني والجمع والفرق له والنهاية لامام الحرمين والتذنيب للبغوي * والابانة للفورانى والعمدة للفورانى وتتمة الابانة للمتولى والبسيط والوسيط والوجيز والخلاصة وشرح الوسيط لشيخنا ابن الرفعة واشكالات الوسيط والوجيز للعجيلى وحواشي الوسيط لابن السكرى * واشكالات الوسيط لابن الصلاح * والشرح الكبير للرافعي والشرح الصغير له والتهذيب له والروضة للنووي ومختصر المختصر للجويني وشرحه المسمى بالمعتبر والمحرر والمنهاج وتذكرة العالم لابي على بن سريج واللباب للشاشى (ومن كتب أصحابنا) المصنفة في الخلاف * الاشراف لابن المنذر والكفاية في النظر للصيدلاني * والغنية للجويني * والنكت للشيخ أبى اسحق المصنف * ومأخذ النظر للغزالي والتحصين له والرؤيا للكتا وبعض مفردات أحمد للكتا وتعليقة الشريف المراغى وتعليق الكمال السمنانى ورؤوس المسائل للمحاملى وسمط المسائل للتبريزي ومختصر التبريزي والخواطر الشريفة لهمام بن راجي الله بن سرايا وحقيقة القولين للرويانى * والكافي في شرح مختصر المزني للرويانى والترغيب للشاشى والذخائر وتعليقة البندنيجى (ومن كتب) المخالفين (من مذهب أبى حنيفة) شرح الهداية للفرغانى المرغينانى الوشدانى والجامع الصغير

والوجيز للخضيرى (ومن مذهب مالك) التلقين للماوردى وشرح الرسالة للقاضى عبد الوهاب والتهذيب للبرادعي والتحصيل والبيان لابن رشد وتعليقة أبى اسحق التونسى (ومن مذهب احمد) المعين في شرح الخرقي لابي محمد عبد الله بن قدامه المقدسي وهو أحسن كتاب عنده (ومن كتب) الآثار مصنف ابن أبى شيبة * (ومن مذهب الظاهرية) المحلى لابن حزم والموضح لابي الحسن بن المغلس (ومن كتب متون الحديث) وهو قسمان منها ما هو على الأبواب الموطأ ومسند الشافعي وسنن الشافعي ومسند الدارمي وصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبى داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن الدارقطني والمستدرك للحاكم والتقاسيم والانواع لابن حبان وله ترتيب خاص وصحيح أبى عوانة والسنن الكبير للبيهقي ومعرفة السنن والآثار له والسنن الصغيرة له والاحكام لعبد الحق * ومنها ما هو على المسانيد مسند أبى داود الطيالسي والمنتخب من مسند عبد بن حميد ومسند أبى بكر بن أبى شيبة ومسند احمد بن حنبل ومسند احمد بن منيع شيخ المهدى والمعجم الكبير للطبراني * (ومن كتب رجال الحديث) وعلله معجم الصحابة للبغوي والاستيعاب للصحابة لابن عبد البر وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الاثير وتاريخ البخاري الكبير وتاريخ البخاري الصغير وتاريخ ابن أبي حسام والجرح والتعديل لابن أبى حاتم وكتاب الكامل لابن عدى والضعفاء والمتروكين للبخاري والضعفاء والمتروكين للنسائي والضعفاء للعقيلي

والضعفاء لابن شاهين والثقات لابن حبان وتاريخ نيسابور للحاكم وتاريخ بغداد للخطيب وذيله لابن المدينى وذيله لابن النجار والعلل للدارقطني والطبقات لمسلم والضعفاء لابي أيوب التميمي والطبقات الكبرى لابن سعد والطبقات الصغرى له وكتاب ابن القطان على الاحكام (ومن شروح) الحديث التمهيد لابن عبد البر والاستذكار والمنتقى له للباجى والاكمال للقاضي عياض وشرح مسلم للنوري وشرح العمدة لابن دقيق العيد (ومن كتب اللغة) الصحاح والمحكم والعرنبين للنهروى والله اعلم * (قال رحمه الله قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفَرُّقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى يَدًا بِيَدٍ (قُلْت) هَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ مِنْ شَرْحِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقُولُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وفى مسألة وَجْهٌ ثَالِثٌ إنَّ الْإِجَارَةَ لَاغِيَةٌ وَالْخِيَارُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ شَذَّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى الْبُطْلَانِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ونقله عن الاصحاب والمحاملى والمصنف واتباعه وأكثرهم لم يحلو خِلَافَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ إلا سليمان فِي التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ حَكَاهُ وَقَالَ إنَّ الْمَذْهَبَ الْبُطْلَانُ وَرَأَيْتُهُ بِخَطِّهِ فِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ إنَّهُ حَكَاهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ وَأَمَّا المراوذة فالنقداني في العمد وَافَقَ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَزَمَ بِالْبُطْلَانِ وَأَكْثَرُهُمْ يَحْكِي وَجْهَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا فَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ حَكَى وَجْهَ البطلان

وَوَجْهَ اللُّزُومِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ بِتَلْخِيصِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَادُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَيَّنَ أَنَّ الْمُخَالِفَ هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ * وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ وَصَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهَ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَوَجْهَ اللُّزُومِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْبُطْلَانِ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ في البسيط والوسيط مع زيادة ترجيح الزوم وَقَدْ انْفَرَدَ بِتَرْجِيحِ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ الْمُصَنِّفِينَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ زَيْنُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْوَافِي فَانْتَظَمَ مِنْ النَّقْلَيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ كَمَا هي أيضا مفرقة في طريقة العراق * ومن ذَكَرَهَا مَجْمُوعَةً صَاحِبُ الْبَحْرِ وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ إلَى جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَوَقَّفُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَفِي بَابِ الرِّبَا قَالَ وَالتَّخَايُرُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَفِي بَابِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَكَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) إلْغَاءُ الْإِجَارَةِ (وَالثَّانِي) لُزُومُ الْعَقْدِ كَمَا فَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الرِّبَا تَرْجِيحَهُ فَاقْتِصَارُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الْمَكَانِ يُوهِمُ الْجَزْمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ * وَالنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَ هُنَا حَيْثُ وَقَفَ فِي بَابِ الرِّبَا كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَحَكَى فِي بَابِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَجْهَيْ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ وَقَالَ إنَّ أَصَحَّهُمَا اللُّزُومُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ

فَجَمَعَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ لَكِنْ بِعِبَارَةٍ تُوهِمُ أَنَّ الْبُطْلَانَ مَرْجُوحٌ وَهُوَ قَالَ هُنَا إنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا اللُّزُومُ فَيُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ الْأَصَحُّ مُطْلَقًا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ أَصَحَّ مِنْهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الرَّافِعِيَّ رضى الله عنه وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْفَصْلِ نَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ مُرَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَقْدَ أَمْ تَلْغُو الْإِجَارَةُ وَأَنَّ عَدَمَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ صَادِقٌ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ بَيَّنَا ذَلِكَ صَرِيحًا فَقَالَا وَعَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ بِذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ سُلَيْمٍ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ أَصْرَحُ وَقَوْلُ سُلَيْمٍ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ هُوَ الْمَذْهَبُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا رَأَيْتُهَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَلِأَجْلِ إجْمَالِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ حَصَلَ الْتِبَاسٌ عَلَى شَيْخِنَا ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ فَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ كَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعِنْدَهُمْ احْتِمَالٌ كَمَذْهَبِنَا (وَأَمَّا) مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (تَوْجِيهُ كُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ) أَمَّا الْقَوْلُ بِإِلْغَاءِ الْإِجَارَةِ فَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بان اختيار الامضاء انما يكون بعد تفصى علقة العقد وبقاء

القبض يمنع من تفصى عَلْقِهِ فَمَنَعَ مِنْ اخْتِيَارِ إمْضَائِهِ (قَالَ) فِي الْبَحْرِ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْإِمْضَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ صحة العقد أو سبق تفصى عَلْقِهِ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ حَاصِلٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمِنْ جُمْلَةِ الْعَلَقِ الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَتَخْصِيصُ مَحَلِّ النِّزَاعِ دُونَ غَيْرِهِ تَحَكُّمٌ * ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخِيَارَ يَبْقَى بَعْدَ التَّخَايُرِ كَانَ مُخَالِفًا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ بَلْ وَلِمَنْطُوقِهِ عَلَى رَأْيِي فَإِنَّ فِيهِ فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى التَّخَايُرِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَاقْتَضَى أَنَّ التَّخَايُرَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِلْحَاقُ التَّخَايُرِ بِالتَّفَرُّقِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ مَمْنُوعٌ وَاَلَّذِي ثَبَتَ مِنْ الشَّرْعِ مُسَاوَاةُ التَّخَايُرِ لِلتَّفَرُّقِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ لَا مُطْلَقًا فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ (الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ) وَدَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ الْعَقْدِ بِالتَّخَايُرِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهَا (قَالَتْ) الْحَنَابِلَةُ اشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ قَبْلَ اللُّزُومِ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَمْ يَبْطُلْ بِمَا إذَا تَخَايَرَا قَبْلَ الصَّرْفِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنَّ الصَّرْفَ يَقَعُ لَازِمًا صَحِيحًا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي مَذْهَبِنَا وَمَنْ أَثْبَتَ الْقَوْلَ الذَّاهِبَ إلى ذلك وأجرى ذلك فِي عُقُودِ الرِّبَا

وَالسَّلَمِ اسْتَحَالَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّخَايُرَ مُبْطِلٌ (وَاعْلَمْ) أن من الاصحاب من يثبت أن ذلك قول للشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ أَعْنِي صِحَّةَ اشْتِرَاطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ مُوَافِقٍ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي عُقُودِ الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَحِينَئِذٍ أَقُولُ فِي تَوْجِيهِ مَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدًا بِيَدٍ) وَهَذَا اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لَهُ لَكِنَّا خَرَجْنَا عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ لَمَّا صَرَفَ مِنْ طَلْحَةَ (لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ) فَجَعَلْنَا ذَلِكَ مَنُوطًا بِالتَّفَرُّقِ وَلَيْسَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَعْنًى يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ * اقْتَضَى الْحَدِيثُ تَنْزِيلَ الْعَقْدِ الَّذِي لَمْ يَلْزَمْ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ وَأَنَّهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وُجِدَ فِي وَقْتٍ كَأَنَّهُ لَمْ تَتَكَامَلْ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْقَبْضَ الْوَاقِعَ وَقْتَ الْعَقْدِ بِأَنْ يُعْطِيَ بِيَدٍ وَيَأْخُذَ بِأُخْرَى فَكَانَ أَقْرَبَ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدًا بِيَدٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ اللُّزُومِ (وَأَمَّا) اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا أَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا كَافٍ وَيَتَأَيَّدُ

ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ التَّحْرِيمُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَعَارَضَ مَا يَقْتَضِي إلْحَاقَ التَّخَايُرِ بِالتَّفَرُّقِ وَمَا يَقْتَضِي عَدَمَهُ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَا عَلَى جَعْلِ التَّفَرُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظِنَّةٌ بَلْ شَرْطٌ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَقْدُ بِالتَّخَايُرِ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَتَقَدُّمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى شَرْطِهِ مُمْتَنِعٌ وَأَمَّا مَا قَبْلَ التَّخَايُرِ فَالصِّحَّةُ الْمَحْكُومُ بِهَا كَلَا صِحَّةٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَذَلِكَ اُكْتُفِيَ بِالْقَبْضِ فِيهَا وَأَيْضًا فَالتَّفَرُّقُ اُعْتُبِرَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَامُلِ الرِّضَا وَالتَّخَايُرُ الْمُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَوْلَى (فَإِنْ قُلْتَ) التَّخَايُرُ قَبْلَ التَّقَابُضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ اللُّزُومُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَجَبَ أَنْ يَلْغُو وَيَبْقَى الْخِيَارُ بِحَالِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْحُكْمُ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ بَعِيدٌ (قُلْت) بُطْلَانُ الْعَقْدِ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ التَّخَايُرِ بَلْ عَنْ عدم التقابض والتخاير مين لَنَا غَايَةَ الْوَقْتِ الَّذِي اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّقَابُضُ كَالتَّفَرُّقِ فَالتَّخَايُرُ قَاطِعٌ لِلْمَجْلِسِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الرِّضَا الْكَامِلِ وَإِنْ تَخَلَّفَ لُزُومُ الْعَقْدِ عَنْهُ والله أَعْلَمُ * (التَّفْرِيعُ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَتَقَابَضَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالتَّخَايُرِ وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَهَلْ يَأْثَمَانِ بِذَلِكَ؟ جَزَمَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالنَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّهُ بِاللُّزُومِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمَا التقابض وأنهما

إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَعْدَ اللُّزُومِ وَلَا يَعْصِيَانِ إنْ كَانَ تَفَرُّقُهُمَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَعَصَى بِانْفِرَادِهِ بِمَا يُضْمِرُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَاسِقَاطَ الْمُسْتَحَقِّ عليه وما حزموا بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا لَا يَعْصِيَانِ إذَا تَفَرَّقَا عن تراض ينافي ماقاله ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفَرُّقَ قَبْلَ التَّقَابُضِ فِي عُقُودِ الرِّبَا يَأْثَمَانِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ بَاقِيًا وَأَنَّهُ يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الاملاء إذا تفرقا الْمُتَبَايِعَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا صَارَ رِبًا وَانْفَسَخَ فِيهِ الْبَيْعُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الام وإذا صَرَفَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ صَرَفَ مِنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ الْبَيْعُ ثُمَّ يُوَكِّلَ هَذَا بِأَنْ يُصَارِفَهُ (وَقَالَ) النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وأراد أَنْ يَتَفَرَّقَا لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يَأْثَمَا فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى بِلَا شَكٍّ وَيَتَّجِهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَلِلنَّظَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَحَكَمَ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ بِأَنَّهُ رِبًا إلَّا هَا وَهَا فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ هَذَا الشَّرْطُ حَصَلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَحَصَلَ الرِّبَا وَالرِّبَا حَرَامٌ وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لَفْظُ الْحُرْمَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي عُقُودِ الرِّبَا كَقَوْلِهِمْ حَرُمَ النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَيْسَ تَفَرُّقُهُمَا كَتَفَاسُخِهِمَا فَإِنَّهُمَا بِالتَّفَاسُخِ رَفَعَا الْعَقْدَ فَلَا يَلْزَمُهُمَا شُرُوطُهُ وَإِذَا لَمْ يَرْفَعَاهُ وَتَفَرَّقَا فَقَدْ خَالَفَا بِالتَّفَرُّقِ وَجَعَلَاهُ عَقْدَ رِبًا وَالْبُطْلَانِ حُكْمٌ مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْهِمَا ويحتمل أن يقال إنه ليس المراد ههنا بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ شُرُوطٌ فِي الصِّحَّةِ (قَالَ) السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ الْمَطْلُوبِ

فِي الْخِلَافِ إنَّ الْمَعْنِيَّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ هُنَا وُقُوعُهُ مُقْتَضِيًا ثُبُوتَ أَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ دُونَ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَا يَأْثَمَانِ وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَنَا لَا يَمْتَنِعُ يَعْنِي فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ * فَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْإِمَامَيْنِ غَيْرُ قَائِلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَأَقْرَبُ إلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَرِضَاهُمَا بِالْفَسْخِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ التَّفَرُّقِ فَيَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَإِنْ رَضِيَا بِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِمَا يُحَقِّقُ الْعَقْدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ مَعَ عَدَمِ التَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّخَايُرِ مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّخَايُرِ إنَّمَا ذَكَرُوهُ تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ سُرَيْجٍ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَجْتَمِعَ كَلَامُهُ مَعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (قُلْتُ) الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَمْ يَنْقُلُوا التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ عَنْهُ وَإِنَّمَا فَرَّعُوهُ كَسَائِرِ التَّفَارِيعِ الْمَذْهَبِيَّةِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْإِيرَادُ عَلَيْهِمْ وَأَيْضًا فَقَدْ قُلْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِذَا أثبتنا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ فِيمَا إذَا تبايعا على أن لاخيار لَهُمَا (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّهُمَا فِي زَمَانِ الْخِيَارِ مُتَمَكِّنَانِ مِنْ الْفَسْخِ فَلَهُمَا طَرِيقٌ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَا يُبَاحُ لَهُمَا التَّفَرُّقُ وَأَمَّا بَعْدَ اللُّزُومِ فَلَا طَرِيقَ لَهُمَا إلَّا التَّفَرُّقَ (قُلْتُ) بَعْدَ اللُّزُومِ لَا طَرِيقَ لَهُمَا إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ وَارْتِفَاعُهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا كَتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَفَرَّقَا فَقَدْ فَعَلَا مَا لَيْسَ لَهُمَا فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) جَزْمُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا يَعْصِي لِقَطْعِهِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَعَلَى قَاعِدَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا رَاضِيَيْنِ لَا يَعْصِيَانِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ أَوْ خَاصِّ مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ في نفسه

مُبَاحًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْجِزُ نَفْسَهُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ عَنْهُ وَالزَّوْجُ يُطَلِّقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي نصف الصَّدَاقِ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودًا لِلشَّرْعِ فَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُفَارِقَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ تَفْوِيتَ التَّقَابُضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ شَرْعًا تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِنْ فَرَّعْنَاهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْخِيَارُ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ تَقَابَضَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ الْعَقْدُ وَاسْتَقَرَّ وَكَانَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يتفرقا أو يتخايرا كذلك صرح الماردى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لااشكال فِي التَّفْرِيعِ فَإِنَّ التَّخَايُرَ مُلْحَقٌ بِالتَّفَرُّقِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَأْثَمَا بِهِ كَمَا يَأْثَمَانِ بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرُ الْمُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُهُمَا كالتفرق إذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ فَإِنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ بَاقٍ فَإِنْ أَجَازَ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ التقابض لاإثم كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِإِثْمِ السَّابِقِ بِالْإِجَازَةِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ نَظَرٌ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ تَفَقُّهٌ لَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهُ مَنْقُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَذَلِكَ صرح به الْوَسِيطِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْبَسِيطِ وَإِنْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَهِيَ أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا بِرِضَى الآخر فان حكمه مالو تَفَرَّقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَالصَّرْفِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ ويبطلان الْعَقْدِ بِذَلِكَ أَوْ لُزُومِهِ أَوْ إلْغَاءِ الْإِجَارَةِ وَتَفَارِيعُ ذَلِكَ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي السَّلَمِ لَوْ أجرت الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَكَلَّمَ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ مَالَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ في المجلس وفارق مجلسه ذاك وَلَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ يَلْزَمُ

العقد وقبل لَا يَلْزَمُ إلَّا بِاخْتِيَارِ اللُّزُومِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فَعَلَى هَذَا فِي الصَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِاخْتِيَارِ اللُّزُومِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَلَنَا وَجْهٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ مَجْلِسٍ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْعَقْدِ فَإِذَا فَارَقَهُ بَطَلَ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فُرُوعٌ) حَيْثُ اشترطنا التَّقَابُضَ فَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَمْ عَامِدًا فِي فَسَادِ الْبَيْعِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَسَوَاءٌ عَلِمَا فَسَادَ الْعَقْدِ بِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ أَمْ جَهِلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا أَوْ كُرْهًا نَقَلَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الْإِيضَاحِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الِاسْتِقْصَاءِ * وَلَعَلَّكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ حَكَوْا خِلَافًا فِي انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَجَعَلُوا الْإِكْرَاهَ هُنَاكَ عذارا فَهَلْ كَانَ هَاهُنَا عُذْرًا وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ الدَّالِّ عَلَى بَقَاءِ المجلس والشرط أن يتقابضا في المجلس لاغير وأن يكون ذلك التفرق كلاتفرق (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ فِي ذَلِكَ كَالْعَمْدِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ كَالِاخْتِيَارِ (قُلْتُ) النِّسْيَانُ لَهُ صُورَتَانِ أَنْ يَنْسَى الْعَقْدَ وَيُفَارِقَ الْمَجْلِسَ ثُمَّ يَتَذَكَّرَ وَفِي هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ الله لاشك أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَقْرِيبِ ذلك من الحنث في اليمين فان الحلف جعل اليمين وازعة واليمين المنسية لاتزع وَالنَّاسِي إذَا فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ مُضَيِّعِ حَقِّ نَفْسِهِ بِالنِّسْيَانِ وَقَصَدَ بِهَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكْرَهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ إذَا حُمِلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ تَعَلَّقَ بِالتَّفَرُّقِ وَالْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ اعْتِبَارَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَصَارَ وُجُودُ التَّفَرُّقِ كَعَدَمِهِ وَالنِّسْيَانُ

الْمَذْكُورُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ التَّفَرُّقُ مَقْصُودٌ وَالنِّسْيَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ فَلَا جُرْمَ رُتِّبَ عَلَى التَّفَرُّقِ الْمَقْصُودِ اخْتِيَارُ أَثَرِهِ (وَأَمَّا) الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ النِّسْيَانِ فَهِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ التَّفَرُّقُ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهُ بَلْ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا نِسْيَانًا نَظَرٌ فَهَذَا إذَا وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِي النَّاسِي إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِالْمُفَارِقَةِ نَاسِيًا لِأَنَّهُ لَا يَعْدَمُ سِوَى الْقَصْدِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْقَصْدِ إذْ هُوَ غَيْرُ شَرْطٍ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ فَكَيْفَ يُسْقِطُهُ وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفَرُّقِ وَتَرْكِ التَّخَايُرِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجَاهِلِ آلَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِي التفرق هل يشترط أم لافمن لَمْ يَشْتَرِطْهُ اكْتَفَى بِصُورَةِ التَّفَرُّقِ وَمَنْ اشْتَرَطَهُ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْجُنُونُ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ الْخِيَارُ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ كلميت (قُلْتُ) فَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَعَلَيْهِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الَّتِي نَقَلَهَا عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَتَقَوَّى فيه حينئذ ماقاله صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ صَاحِبُ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّ التَّفَرُّقَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْفَرْعُ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَدْفَعُ ثُبُوتَهُ وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ حُمِلَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ يَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْجَهْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ سُمِّيَ تَفَرُّقًا اتَّجَهَ أَنْ يَبْقَى خِيَارُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ *

(فروع) نص عليها الشافعي رحمه الله تعالى فِي الْأُمِّ * قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ اشْتَرَى فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَنِصْفٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ سِتَّةً وَقَالَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ بِاَلَّذِي عِنْدِي وَنِصْفٌ وَدِيعَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ إذَا صرف منه وتقابضا ان يذهبا فيزنا الدارهم وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَيَزِنَهَا وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَرَفَ الْوَزْنَ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا عَلَى ذَلِكَ وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِيهِ بَحْثٌ سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصْرِفَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّرَّافِ دَرَاهِمَ فَإِذَا قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا أَوْدَعَهُ إيَّاهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ الصَّرْفِ وَيَدْفَعَ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ يَأْمُرَ الصَّرَّافَ أَنْ يَدْفَعَ بَاقِيَهُ إلَى غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَقَامِهِمَا حَتَّى يَقْبِضَا جَمِيعَ مَا بَيْنَهُمَا مِثَالُهُ أَنْ يَصْرِفَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ مِنْهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ عَشَرَةٌ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَلْزَمُ دَفْعُ جَمِيعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا عَنْ قَبْضٍ وَقَالَ الْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ وَيَكُونُ الصَّرْفُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ (فَإِنْ قيل) اليس لو اختلفنا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ كَانَ الْقَوْلُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْإِمْضَاءَ والبيع لازم فهلا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقَبْضِ مِثْلَهُ (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى الْفَسْخَ يُنَافِي بِدَعْوَاهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اللُّزُومُ وَالصِّحَّةُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْفَسْخِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مِنْ ادَّعَى الْإِمْضَاءَ وَلَيْسَ

كَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْقَبْضَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسْخِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِلْفَسْخِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَأَمَّا) مَا جَزَمَ بِهِ بأن القول قَوْلُ مُنْكَرِ الْقَبْضِ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ابْنُ عَصْرُونٍ وَنَقَلَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي عَدَمَ حُصُولِ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ فِي يَدِ أَمِينٍ لَا يَعْلَمُ الْحَالَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَوُجُودُ مَا يَقْتَضِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الِانْتِصَارِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُرْشِدِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ كَذَلِكَ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ مِنْ يَدَّعِي حُصُولَ الْقَبْضِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطٍ مِنْ النُّسْخَةِ سَقَطَ مِنْهَا عَدَمُ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَمِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَيْسَ فِي الْمُرْشِدِ تَعْلِيلٌ يُرْشِدُ إلَى الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْوَهْمُ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَهَذِهِ مِنْ آفَةِ الْكُتُبِ الْمُخْتَصَرَةِ (وَأَمَّا) الِانْتِصَارُ فَوَقَعَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ وَتَعْلِيلُهُ يُرْشِدُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ ماقاله الْمَاوَرْدِيُّ أَقْوَى مِمَّا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لَكِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ صَاحِبِ الْمُرْشِدِ عَلَى مَا وَجَدَهُ قَالَ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي السَّلَمِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَطَرَدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ وَادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ أَوْ غَصَبَهُ (قَاعِدَةٌ) الْأَصْلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهَا أَوْ مَا يُشَارِكُهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا التَّحْرِيمُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهِ وَهَذَا الْأَصْلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ

إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ ابن سَعِيدٍ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فقد اربا) لَفْظُ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَمِنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عُمَرُ رضى الله عنه (الذهب بالورق ربا الاها وَهَا) الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (الذهب بالورق) ولفظ ملسم الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ وَمَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ * وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ صَدَّرَهُ بِالنَّهْيِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رضى الله عنه صدر بِالْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِالرِّبَا ثُمَّ اسْتَثْنَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ وَالْمَشْرُوطُ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الرِّبَا كَمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَفِي مَظَانِّ الِاشْتِبَاهِ وَتَعَارُضِ الْمَأْخَذِ إذَا تَسَاوَتْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِالتَّحْرِيمِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بِأَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ وَيُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَوَازُ لِانْدِرَاجِهِ فِي جُمْلَةِ الْبَيْعِ وَيَجْعَلُونَ عُقُودَ الرِّبَا وَسَائِرَ مَا نَهَى عَنْهُ مُخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَيُؤَوَّلُ تَحْقِيقُ بِحَثِّهِمْ إلَى أَنَّ عَقْدَ الرِّبَا اشْتَمَلَ عَلَى وَصْفٍ مُفْسِدٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الَّتِي اقْتَرَنَ بِهَا مَا يُفْسِدُهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنَقْلِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ عِنْدَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخِلَافِيِّينَ الشَّرِيفُ الْمَرَاغِيّ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَاللَّفْظُ الْمُرَاعَى الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ التَّحْرِيمُ وَالْجَوَازُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِهِ رُخْصَةً مُقَيَّدَةً بِشُرُوطٍ وَعِنْدَهُمْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ وَالتَّحْرِيمُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ * وَنَقَلَ ابْنُ العزبى الْمَالِكِيُّ عَنْ أَبِي الْمُطَهَّرِ خَطِيبِ أَصْفَهَانَ قَالَ قال لنا

الْمُنْذِرِيُّ الْأَصْلُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ حَظْرُ الْبَيْعِ حَتَّى يَتَّجِهَ تَحْقِيقُ التَّمَاثُلِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَصْلُ إبَاحَةُ الْبَيْعِ حَتَّى يَمْنَعَهُ حَقِيقَةُ التَّفَاضُلِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الطُّرْطُوشِيُّ وَابْنُهُ فِي كَلَامِهِ * وَقَدْ رَأَيْتُ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَتَحْقِيقُهُ عِنْدَهُمْ مَا قَدَّمْتُهُ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَظْهَرُ نَفْعُهَا فِي مَوَاضِعَ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ تَسْتَقِيمُ دَعْوَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِهِ فِي مَعْنَى قَوْله تعالى (وأحل الله البيع) وَأَنَّ أَظْهَرَ مَعَانِيهَا عِنْدَهُ أَنَّهَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ وَتَقْتَضِي إبَاحَةَ جَمِيعِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ ذِكْرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَصَحُّهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ وَعَقْدُ الرِّبَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْبُيُوعِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ فِيهِ الْجَوَازَ كَمَا تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ وَمَا خَرَجَ مِنْهَا بِالتَّخْصِيصِ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ (قُلْتُ) مُسَلَّمٌ أَنَّ الْآيَةَ شَمِلَتْ دَلَالَتُهَا كُلَّ بَيْعٍ وَأُخْرِجَ مِنْهَا عُقُودُ الرِّبَا بِقَوْلِهِ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) الْحَدِيثُ وَنَظَائِرُهُ وَبِقَوْلِهِ تعالى (وحرم الربا) إنْ صَحَّ الِاسْتِدْلَال مِنْهُ لِمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصَارَ هَذَا أَصْلًا ثَابِتًا أَخَصَّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالرِّبَوِيَّاتِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ أَحْوَالٌ وهو ما إذا حصلت الْمُسَاوَاةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ خَاصَّةً فِي الْجِنْسَيْنِ فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الْبُيُوعِ وَجَعَلَ صُورَةَ الْمُفَاضَلَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ مُخْرَجَةً مِنْهُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرَ إلَى الْأَصْلِ الثَّانِي الْقَرِيبِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كُلِّهَا ثُمَّ جَعَلَ حَالَةَ التَّمَاثُلِ مُخْرَجَةً مِنْهُ وَالْحَنَفِيَّةُ يُنَازِعُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي وَيَقُولُونَ إن قوله لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ فِي مَعْنًى وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ أَصْلَ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كُلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ ثُمَّ تَارَةً يَجْعَلُونَ الْمَقْصُودَ فَسَادَ الْبَيْعِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ قَالَ هَؤُلَاءِ لان الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عن ما وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَكُلُّهُمْ يَحُومُونَ عَلَى جَعْلِ الْمَعْنَى كَلَامًا وَاحِدًا وَلِذَلِكَ يَبْنُونَ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الرِّبَا عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ استزاد فقد أربا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَأْتِ فِي هَذَا اللَّفْظِ صِيغَةُ نَهْيٍ وَاسْتِثْنَاءٍ فَكَانَ الْمَعْنَى الْحُكْمَ بِإِيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ قَالُوا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِدُونِ مَحِلِّهِ وَمَحِلُّهُ الْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ الْقَابِلُ لَهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ إجْمَاعًا * وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَخَبَرِ عُبَادَةَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ فَقَطْ وَوَرَدَ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَأَلْفَاظُهُمَا بِذَلِكَ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَاللَّفْظُ الَّذِي فِيهِ نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِيهِ إثْبَاتٌ فَقَطْ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ النَّهْيَ وَالِاسْتِثْنَاءَ فِي مَعْنَى كَلَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّهْيُ عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَقَطْ وَإِيجَابُ الْمُسْتَثْنَى فَقَطْ ممنوعة ولا دليل عليها وفيها تَعْطِيلٌ لِبَعْضِ مَدْلُولِ الْكَلَامِ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا فَمَنْ أَتْقَنَهَا وَأَتْقَنَ تَحْقِيقَ الْعِلَّةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ * وَهَلْ الْجِنْسُ وَصْفٌ فِي الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطٌ فِيهَا أَوْ مَحَلٌّ لَهَا وَحَقَّقَ النَّظَرَ فِي الْأَجْنَاسِ فَقَدْ أَحَاطَ عِلْمًا بِجَمِيعِ أُصُولِ هَذَا الْبَابِ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَمْعَنْت الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَسَوْفَ أَعُودُ إلَيْهَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي اعْتِبَارِ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَأُنَبِّهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَرْتُ اليهما ان شاء الله تعالى في محلها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ

وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ أَقْوَالٌ أُخَرُ تقدم نقلها في هذا الْمَجْمُوعِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَمْ تَتَقَدَّمْ حِكَايَتُهُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُنَبِّهَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْآيَةِ مِنْ قَبِيلِ الْعُمُومِ الَّذِي لَا خُصُوصَ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا وَهُوَ حَلَالٌ وهؤلاء يمنعون تسمية شئ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بَيْعًا وَيَقُولُونَ إنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الِاسْمِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ إلَّا مَجَازًا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَدَّعُونَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) أُخْرَى تَقَدَّمَ فِي كَلَامِي تَوَقُّفٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَحَرَّمَ الرِّبَا) عَلَى تَخْصِيصِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا في مدلول الربا فقال أبو دَاوُد الظَّاهِرِيُّ حَقِيقَةُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ الزِّيَادَةُ فِي نفس الشئ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهتزت وربت) وَالْأَرْضُ إنَّمَا تَرْبُو فِي نَفْسِهَا لَا فِيمَا يُقَابِلُهَا وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمُقَابِلِ إلَّا مَجَازًا وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ حَتَّى يَسُدَّ بَابَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِيهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى (وحرم الربا) وانه يشمل الربا فيما عَدَا الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إنَّهُ وَإِنْ وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ فِي نَفْسِ الشئ فانه يطلق على الزيادة فيما يُقَابِلُهُ عُرْفًا وَيَكُونُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ فِي الشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَمَالَ آخَرُونَ إلَى انْطِلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ انْطِلَاقًا مُتَسَاوِيًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ بَيْعٍ مُحَرَّمٍ وَأُضِيفَ هَذَا الْمَذْهَبُ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَأَجْلِ قَوْلِهَا لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَشَارَتْ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا كَانَ رِبًا * وَأُضِيفَ أَيْضًا إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ إنَّ مِنْ الرِّبَا بَيْعَ التَّمْرِ وَهِيَ مُعْصِفَةٌ قَبْلَ أَنْ تَطِيبَ وَيَحْتَجُّونَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرِّبَا عَلَى النَّسِيئَةِ فِي الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً وَإِنْ كَانَ التَّفَاضُلُ جَائِزًا حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الله الماذرى الْمَالِكِيُّ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ دَاوُد لَا يَكُونُ الرِّبَا دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يختص به بل يكون

واردا في رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَاهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَزَادَهُ الْآخَرُ فِي الْأَجَلِ * وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الرِّبَا لِلْعَهْدِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَقْوِيَةِ ذَلِكَ أَوْ تَوْهِينِهِ وَلَكِنْ غَرَضِي أَنَّ تَخْصِيصَ قَوْلِهِ (وَأَحَلَّ اللَّهُ البيع) بِهَا لَا يَسْلَمُ مِنْ نِزَاعٍ بِخِلَافِ تَخْصِيصِهِ بِالنَّسِيئَةِ وَهَكَذَا فَعَلَ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ أَصْلُ الْبُيُوعِ كُلِّهَا مُبَاحٌ إذَا كَانَتْ بِرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ الْجَائِزَيْ الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَا إلَّا مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرَّمٌ بِإِذْنِهِ دَاخِلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا فَارَقَ ذَلِكَ أَبَحْنَاهُ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ فِي كتاب الله تعالى اه فَجَعَلَ الْمُخَصِّصَ هُوَ السُّنَّةُ فَحَسْبُ * وَمِمَّنْ مَالَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّبَا كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ أبو بكر بن المغربي الْمَالِكِيُّ وَقَالَ إنَّ الْآيَتَيْنِ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) اقْتَضَيَا كِتَابَ الْبُيُوعِ كُلَّهُ عَلَى الشُّمُولِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَفَصَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا * وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ بِعِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ تَأَخَّرَ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا (قُلْتُ) وَهَذَا حَسَنٌ فِي تَعْرِيفِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا * (فَصْلٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ * اقْتَضَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِجِنْسِهِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَإِذَا بَاعَهُ بِمَا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ حَرُمَ النَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ فَقَطْ وَأَنَّ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ جِنْسَانِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ (مِنْهَا)

مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ وَاحِدًا وَاحِدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحُكْمُ الْأَوَّلُ) تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا أو صاع قمح بصاعين أو دينارا بِدِينَارَيْنِ وَيُسَمَّى رَبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَرِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَإِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ أَطْبَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ النَّسَاءِ وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إبَاحَتُهُ وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ عن معاوية شئ مُحْتَمَلٌ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (فَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وأنتدب جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِتَبْيِينِ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّشَوُّفِ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّحْرِيمِ * وَهَا أَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أُبَيِّنُ مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ ثُمَّ مَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ رَجَعَ عَنْهُ ثُمَّ أَذْكُرُ كَلَامَ مَنْ تَشَوَّفَ لِجَعْلِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعِيَّةً ثُمَّ أُبَيِّنُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فهذه أربعة فصول (الْأَوَّلُ) مَا رُوِيَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ * رَوَيْنَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُهُ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَا أَقُولُ وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْهُ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ * وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَدَالٍ سَاكِنَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ - قَالَ (سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ وَابْنَ عَبَّاسٍ يُفْتِي الدِّينَارُ بِالدِّينَارَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وَأَغْلَظَ لَهُ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَعْرِفُ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا يَا أَبَا أُسَيْدٍ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَصَاعُ حِنْطَةٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعُ شَعِيرٍ بِصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعُ مِلْحٍ بِصَاعِ مِلْحٍ لا فضل بينهما في شئ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا هَذَا شئ كنت أقوله برأيى ولم أسمع فيه بشئ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي سَنَدِهِ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيَّ قَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ شيخ قرشي من أهل المدينة * أبو أُسَيْدٍ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - وَرَوَيْنَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَالَ (هُوَ حَلَالٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَالْتَقَيَا وَأَنَا مَعَهُمَا فَابْتَدَأَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ

يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي تُفْتِي بِهَا النَّاسَ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَأْمُرُهُمْ أَنْ يَشْتَرُوهُ بِنُقْصَانٍ أَوْ زِيَادَةٍ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا أَنَا بِأَقْدَمِكُمْ صُحْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وهذا زيد ابن أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَقُولَانِ سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ * وَرَوَيْنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ - بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن الصرف فقال يدا بِيَدٍ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ إنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عباس عن الصرف فقال يدا بِيَدٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ أَوْ قَالَ ذَلِكَ إنَّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فلا يفتيكموه قال والله لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بتمر فأنكره قال كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا قَالَ كَانَ فِي تَمْرِ أَرْضِنَا أَوْ فِي تَمْرِنَا العام بعض الشئ فَأَخَذْتُ هَذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ أَضْعَفْت أَرْبَيْتَ لَا تَقْرَبْنَ هَذَا إذَا رَابَكَ مِنْ تمرك شئ فَبِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنْ التَّمْرِ) وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَزِيَادَتُنَا ذِكْرُ رِوَايَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ (أَمَّا) عبد الله ابن عُمَرَ فَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فَقَالَ لَا أُحَدِّثُكَ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلَةٍ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا اللَّوْنَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّى لَكَ هَذَا قَالَ انْطَلَقْتُ بصاعين فاشتريت به هذا

الصَّاعَ فَإِنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا وَسِعْرَ هَذَا كَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلَكَ أَرْبَيْتَ إذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا أَمْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ قَالَ فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ فَنَهَانِي وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فَحَدَّثَنِي أَبُو الصهباء انى سألت ابن عباس رضى الله عنهما بِمَكَّةَ فَكَرِهَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَتِنَا فِيهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي إشَارَتِهِ إلَى أَنَّ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ أَحَقُّ بِالرِّبَا مِنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مُعَلَّلٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّرْفِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَرْفُ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ مَعَ عَدَمِ رِعَايَةِ التَّمَاثُلِ كَذَلِكَ حَمَلَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلُوا ابْنَ عُمَرَ مِمَّنْ خَالَفَ ثُمَّ رَجَعَ وَسِيَاقُ الرِّوَايَةِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الصَّرْفِ الْجَائِزِ ويكون نهيه بعد ذلك تبينا لِمُرَادِهِ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا لَا رُجُوعًا لَكِنَّ السِّيَاقَ وَفَهْمَ أَبِي نَضْرَةَ عَنْهُ يَأْبَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ نَقَلْتُهُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَاصَرَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فقال عن الشافعي فيما بلغه عن ابن مُعَاوِيَةَ وَقَدْ رَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فأياما كَانَ فَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ (لَا رِبًا فِيمَا كَانَ

يَدًا بِيَدٍ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ مَعَ رِوَايَتِهِ لِلَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظٍ آخَرَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا لِلِاسْتِغْنَاءِ بِمَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُحَقَّقْ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ شئ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ وَجَرَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ قِصَّةٌ مَعَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَشْهُورَةٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَعَلَّهَا جَرَتْ مَعَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَمَّا قِصَّةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن بشار أن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن مثال هَذَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عمر بن الخطاب إلى معاوية الا يَبِيعَ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ) لَفْظُ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ إلَى آخِرِ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالسِّقَايَةُ الْإِنَاءُ يُسْقَى بِهِ وَالسِّقَايَةُ مَوْضِعُ السَّقْيِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ * وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قِصَّةَ عُبَادَةَ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ وَاللَّفْظُ لمسلم وهذا لفظ رواية رِوَايَتِنَا فِي صَحِيحِهِ (قَالَ غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالذهب

والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربا فرد الناس مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ وَقَالَ لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ وَإِنْ رَغَمَ مَا أُبَالِي أَلَّا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا) وَفِيهِ (عِنْدَهُمَا فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَفِي آخِرِهِ عِنْدَهُمَا (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا) وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كان لا يرى الربا في البيع الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ وَكَانَ يُخَيِّرُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَلَيْسَ مُوَافِقًا لابن عَبَّاسٍ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الشُّذُوذِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا أُسَامَةُ) فَلَا أَعْلَمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شيئا

الا روايته عن النبي صلى الله وَسَلَّمَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَالْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ نَقَلُوهُ عَنْهُ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عازب وزيد ابن أَرْقَمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَوَافَقَهُمْ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى عَلَى هَذَا النَّقْلِ فِيمَا عَدَا الْبَرَاءَ وَوَافَقَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فِي أُسَامَةَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مُسْنَدٌ غير ذلك فالله اعلم (ام االبراء) وزيد بن ارقم فكذلك لااعلم النقل عنهما صريحا في ذلك الا ماروينا عن المنهال بشار بْنِ سَلَامَةَ (بَاعَ شَرِيكٌ لِي بِالْكُوفَةِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ فَقُلْتُ مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ فَقَالَ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَ عَلَيَّ ذَلِكَ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَتِجَارَتُنَا هَكَذَا فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَمَا كَانَ نسيا فلا خير فيه ورأيت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ صَدَقَ الْبَرَاءُ) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ (وَقِيلَ) إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ دَلِيلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالْجَوَابِ عَنْهُ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بن الزبير فلم

أقف على اسناد إلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ حَكَوْهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَهَذَا مَا بَلَغَنِي عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِمَّنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِذَلِكَ * (وَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ (كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى فِي دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَلَا فِي دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بَأْسًا وَيَرَاهُ فِي النَّسِيئَةِ) وَكَذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَكَانَ يَرْوِي مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَأْيًا مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يَحْفَظُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَوْلُ الْمَكِّيِّينَ * هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَجَاءَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ (سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ إنْ وَجَدْتَ مائة درهم بدرهم نَقْدًا فَخُذْهُ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يُجْرُونَ التَّفَاضُلَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ * (الْفَصْلُ الثَّانِي) فِيمَا نُقِلَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (أَمَّا) ابْنُ عباس فقد اختلف في رجوعه ذكر مَنْ قَالَ إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الصَّهْبَاءِ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَكَرِهَهُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مُنَاظَرَةُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ لَهُ فِي قَوْلِهِ بِإِبَاحَتِهِ * وَعَنْ حَيَّانَ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ - ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - بِالتَّصْغِيرِ - الْعَدَوِيِّ قَالَ (سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ إلَى مَتَى تُؤَكِّلُ النَّاسَ الرِّبَا أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَشْتَهِي تَمْرَ عَجْوَةٍ فَبَعَثَتْ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَتْ بَدَلَ صَاعَيْنِ صَاعًا مِنْ تَمْرِ عَجْوَةٍ فَقَامَتْ

فقدمته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ أَعْجَبَهُ فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً ثُمَّ أَمْسَكَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بَعَثْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَتَى بَدَلَ صَاعَيْنِ هَذَا الصَّاعُ الْوَاحِدُ وَهَا هُوَ كُلْ فَأَلْقَى التَّمْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ رُدُّوهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَيْضًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ الْجَنَّةَ فَإِنَّكَ ذَكَّرْتَنِي أَمْرًا كُنْتُ نَسِيتُهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةَ وَفِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ نَظَرٌ فَإِنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ إفْرَادَاتٌ يَتَفَرَّدُ فِيهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَتِهِ حَدِيثَهُ فِي الصَّرْفِ هَذَا بِسِيَاقِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفَرَّدَ بِهِ حَيَّانُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَيَّانُ تَكَلَّمُوا فِيهِ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِأَمْرِهِ وَتَبَيُّنُ صِحَّتِهِ مِنْ سَقَمِهِ لِأَمْرٍ غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ (أَحَدُهُمَا) تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ ابن حزم أعله بشئ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَعَلَّهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ أبى سعيد ولا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَالثَّانِي) لِذِكْرِهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ وَاعْتِقَادِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ أَبَا مِجْلَزٍ أَدْرَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَسَمِعَ مِنْهُ وَأَدْرَكَ أَبَا سَعِيدٍ وَمَتَى ثَبَتَ ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى عَدَمِ السَّمَاعِ إلَّا بِثَبْتٍ (وَأَمَّا) مُخَالَفَةُ سَعِيدِ ابن جُبَيْرٍ فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ

فَإِنْ أَرَادَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هو رجل مشهور روى وَاحِدٍ رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ الصَّرْفِ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ وَمِنْ جِهَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمِنْ جِهَتِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ * وَهُوَ حَيَّانُ بْنُ عبيد الله بن حيان بن بشر ابن عدي بصرى سمع أبا مجلز لاحق بن حُمَيْدٍ وَالضَّحَّاكَ وَعَنْ أَبِيهِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ بُرَيْدَةَ رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو دَاوُد وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَقَدَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حاتم ترجمة فذكر كل منما بَعْضَ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَهُ تَرْجَمَةٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَدِيٍّ أَيْضًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فَزَالَ عَنْهُ جَهَالَةُ الْعَيْنِ * وَإِنْ أَرَادَ جَهَالَةَ الْحَالِ فهو قد رواه من طريق اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ فِي إسْنَادِهِ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ قَالَ (حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ) فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالصِّدْقِ مِنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ فَرَوْحٌ مُحَدِّثٌ نَشَأَ فِي الْحَدِيثِ عَارِفٌ بِهِ مُصَنِّفٌ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَصْرِيٌّ بَلَدِيٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا القول من اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ فَنَاهِيكَ بِهِ وَمَنْ يُثْنِي عَلَيْهِ اسحق * وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَيَّانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ الْمَشَاهِيرِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ وَقَالَ إنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْهُ فَقَالَ صَدُوقٌ * (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَإِنْ سَلِمَ صِحَّةُ أَصْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَوْلَى أَنْ أُؤَخِّرَ ذَلِكَ إلَى مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ قَدْ طال الكلام في ذلك ههنا * وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الرَّبَعِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيِّ قَالَ سمعت يأمر بالصرف يعنى ابن عباس وتحدث ذَلِكَ عَنْهُ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيتُهُ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجَعْتَ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَأْيًا مِنِّي وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عن الصرف

رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ احمد باسناد رجاله على شرطه الصَّحِيحَيْنِ إلَى سُلَيْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ لِمَا تَبَيَّنَ وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ (كُنْت أَخْدُمُ ابْنَ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تِسْعَ سِنِينَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَصَاحَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ إنَّ هَذَا يَأْمُرُنِي أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا فَقَالَ نَاسٌ حَوْلَهُ إنْ كُنَّا لَنَعْمَلُ بِفُتْيَاكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كُنْتُ أُفْتِي بِذَلِكَ حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ أَبُو الْمُبَارَكِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زاد فقد أربا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِمَّا كُنْتُ أُفْتِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ * وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ عَنْ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ فقال لاادرى مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ بَأْسًا ثُمَّ قَدِمْت مَكَّةَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ الصَّرْفِ إنَّمَا هَذَا مِنْ رأى وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ مُصَرِّحُونَ بِالتَّحْدِيثِ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ * وَعَنْ عَطِيَّةَ وَهُوَ الْعَوْفِيُّ - بِإِسْكَانِ الواو وبالفا - قال (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ تُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا قَالَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قُلْتُ لَعَطِيَّةَ مَا الربا

قَالَ الزِّيَادَةُ وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى عَطِيَّةَ وَعَطِيَّةُ مِنْ رِجَالِ السُّنَنِ قال يحيى ابن مَعِينٍ صَالِحٌ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ فَالْإِسْنَادُ بِسَبَبِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ * وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ جَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَجِئْتُ مَعَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّرْفِ مَا كَانَ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَطَارَتْ كَلِمَتُهُ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى إذَا انْقَضَى الْمَوْسِمُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَلْتَ الرِّبَا وَأَطْعَمْته قال أو فعلت قَالَ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فقد أربى والفضة بالفضة وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زاد أو استزاد فقد اربى والشعير بالعشير وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى حَتَّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلَ جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجِئْتُ مَعَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَكَلَّمْتُ عَامَ أَوَّل بِكَلِمَةٍ مِنْ رَأْيِي وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الانواع الستة) رواه الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ مُتَابَعَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا فَمَنْ زاد واستزاد بالواو لابأو وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَوَى أَبُو جَابِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعَانِي وَالْآثَارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ (قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَقُولُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَنَزَعَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ) وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ نَصْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ وَهَذِهِ أَصَرْحُ مِنْ رواية مسلم ومسه (1) لَهُمَا * وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بن عمر إن

_ كذا بالاصل فحرر) *)

ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ وَهُوَ عَلَيْنَا أَمِيرٌ مَنْ أَعْطَى بِالدِّرْهَمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلْيَأْخُذْهَا وَذَكَرَ حَدِيثًا إلَى أَنْ قَالَ فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مِنِّي * وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ زِيَادٍ قَالَ (كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَرَجَعَ عَنْ الصَّرْفِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبْعِينَ يَوْمًا) ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حُرَّةَ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ ابن سيرين عن شئ فقال لاعلم لِي بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ بِرَأْيٍ ثُمَّ يَبْدُو إلَيَّ غَيْرُهُ فَأَطْلُبُك فَلَا أَجِدُكَ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَأَى فِي الصَّرْفِ رَأْيًا ثُمَّ رَجَعَ) وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ الْهُذَيْلِ - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - ابْنِ أُخْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَرَجَعَ عَنْهُ فَقُلْتُ إنَّ الناس يقولون فقال الناس يقولون ما شاؤا) * فَهَذَا مَا بَلَغَنِي مِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عن ذلك وإذا تَأَمَّلْتَ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَجَدْتَ أَصَحَّهَا إسْنَادًا قَوْلَ أَبِي الصَّهْبَاءِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَكَرِهَهُ لَكِنَّ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ الْكَبِيرَةِ شُبْهَةٌ تَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَنْهُ أَوْ التَّوَرُّعَ فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُ رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَعَيَّنَ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ إلَّا أَنِّي قَدَّمْتُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ مَا يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ صَرِيحًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ صَرِيحٌ لَكِنَّ سَنَدَهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْصُرُ عَنْ رُتْبَةِ الْحَسَنِ وَيَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ

وَحَسَنَةٍ مِنْ جِهَةِ خَلْقٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي رُجُوعِهِ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ غُنْيَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (ذِكْرُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ) رَوَى ابْنُ حَزْمٍ عن الامام أحمد قال حدثنا هاشم قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ انه قال (ماكان الربا قط في ها وهات وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ) وَهَذَا إسْنَادٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ لَكِنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ * وَأَصْرَحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ (قَالَ دَخَلْنَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بن مبشرة الدراد كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ سعيد عهدي به قبل أن يموت بسنة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ يَقُولُهُ وَمَا رَجَعَ عَنْهُ) ذَكَرَهُ هَكَذَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ إلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ اولم يَرْجِعْ فِي السُّنَّةِ كِفَايَةٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ وَمَنْ خَالَفَهَا رُدَّ إلَيْهَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ردو الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ (وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ) فَيَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ مُخْتَصَرًا وَالسُّنَنِ الْكَبِيرِ مُطَوَّلًا بِإِسْنَادٍ كُلِّهِ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَمْحِ بْنِ فَزَارَةَ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرأة فرأى أمها فاعجبته فطلق امرأته أيتزوج أُمِّهَا قَالَ لَا بَأْسَ فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ وَكَانَ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ يَبِيعُ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ يُعْطِي الْكَثِيرَ وَيَأْخُذُ الْقَلِيلَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَا يَحِلُّ لِهَذَا الرَّجُلِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصْلُحُ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ انْطَلَقَ إلَى الرَّجُلِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ فَقَالَ إنَّ الَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ صَاحِبَكُمْ لَا يَحِلُّ فقال انه قَدْ نَثَرَتْ لَهُ بَطْنَهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ وَأَتَى الصَّيَارِفَةَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الصَّيَارِفَةِ إنَّ الَّذِي كُنْتُ أُبَايِعُكُمْ لَا يَحِلُّ لَا تَحِلُّ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ النُّفَايَةُ - بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَفَاءٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتِ - ما نفيته من الشئ لِرَدَاءَتِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ * وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي رُجُوعِهِ وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي مُوَافَقَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ النُّفَايَةِ لرداتها وان كان ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ صَرِيحَةٌ فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَانْتَظَمَ مِنْهَا وَمِنْ هَذِهِ

قَوْلَهُ أَوَّلًا وَرُجُوعَهُ ثَانِيًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ رُجُوعُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَاشْتَهَرَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ بِالتَّحْرِيمِ وَمُبَالَغَتُهُ فِي ذَلِكَ في رِوَايَاتٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ قَدْ اشْتَهَرَ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ زَمَانًا بَلْ رَجَعَ عَنْهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أُسَامَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّوَقُّفُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) مُعَاوِيَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ شُذُوذِ مَا قَالَ بِهِ أَيْضًا وَالظَّنُّ بِهِ لَمَّا كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ (وَأَمَّا) التَّابِعُونَ فَلَمْ يُنْقَلْ فِي رُجُوعِهِمْ شئ فِيمَا عَلِمْتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ إنَّ الظَّنَّ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّرِيحَةَ الصَّحِيحَةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي بَيَانِ انْقِرَاضِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَوَامُّ الْأَمْصَارِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ والشافعي وأصحابه وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالنُّعْمَانُ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا بُرٍّ بِبُرٍّ وَلَا شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ وَلَا تَمْرٍ بِتَمْرٍ وَلَا مِلْحٍ بِمِلْحٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا نَسِيئَةً وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَمَاعَةٌ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ (قُلْتُ) وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَعْدٌ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْهُمْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَنَّهُمْ قالوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة وأربو الْفَضْلَ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَهَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ من العشرة المشهود لهم بالجنة وممن صحح ذَلِكَ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَرُوِيَ عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ وَعُبَادَةَ وَقَدْ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهَا لِعَدَمِ قَبُولِهَا لِلتَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حديث أبى سعيد والعمل به عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عن بعض

أصحابه شئ مِنْ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَرُوِيَ عَنْ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الصَّرْفِ اخْتِلَافٌ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَسَائِرِ الْآفَاقِ فِي أَنَّ الدِّينَارَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشئ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ إجَازَتِهِمْ التَّفَاضُلَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ * قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَمْ يُتَابِعْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَأْوِيلِهِ حَدِيثَ أُسَامَةَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا طَائِفَةً مِنْ الْمَكِّيِّينَ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالسَّنَةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي هِيَ الْحَجَّةُ عَلَى مِنْ خَالَفَهَا وَجَهِلَهَا وَلَيْسَ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ عَلَيْهَا * وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أُسَامَةَ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ مَا عَدَا ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي بَيَانِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْإِجْمَاعِيَّةِ أَوَّلًا * اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ مُنْحَصِرَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ إجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خِلَافٍ اسْتِنَادًا إلَى أَنَّ نُدْرَةَ الْمُخَالِفِ لَا تَضُرُّ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ سَبْقَ الْخِلَافِ الْمُعْتَدِّ بِهِ وَيَدَّعِي رُجُوعَ الْمُخَالِفِ وَصَيْرُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعِيَّةً قَبْلَ انْقِرَاضِ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ انْعَقَدَ إجْمَاعٌ مُتَأَخِّرٌ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَاضِينَ الْمُخْتَلِفِينَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِهِمْ دَعْوَاهُ وَزَعَمُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ الْجَمَاعَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مَعَ نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ فَالْجَمَاهِيرُ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْمُجْمِعِينَ حِينَئِذٍ لَيْسُوا كُلَّ الْأَمَةِ وَالْعِصْمَةُ فِي الْإِجْمَاعِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكُلِّ الْأَمَةِ لَا لِبَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالَفَ الصحابة وحده في قتال ما نعى الزَّكَاةِ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَهُ وَرَجَعُوا إلَيْهِ وَخَالَفَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ وَاعْتُدَّ بِخِلَافِهِمْ إلَى اليوم

وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى إسْنَادَ الْإِجْمَاعِ إلَى النُّصُوصِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ من أصحابه منهم المصنف وأبى حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ طَرِيقَةِ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقَةِ الْغَزَالِيِّ خِلَافٌ يَسِيرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى التَّمَسُّكَ بِالْكِتَابِ بِآيَاتٍ مِنْ جُمْلَتِهَا قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين) الْآيَةَ وَيُقَالُ إنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَجَدَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ احْتَجَّ بِهَا فَذَكَرَهَا لِلرَّشِيدِ حِينَ طَلَبَ مِنْهُ حُجَّةً مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى خَطَأٍ) وَنَظَائِرِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وكذلك القاضى أبو بكر بن الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَعَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ مَتَى خَالَفَ وَاحِدٌ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْبَاقِينَ أَنَّهُمْ كُلُّ الْأُمَّةِ حَقِيقَةً فَلَا تَتَنَاوَلُهُمْ النُّصُوصُ الشَّاهِدَةُ بِالْعِصْمَةِ (وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى إسْنَادَ الْإِجْمَاعِ إلَى جِهَةِ قَضَاءِ الْعَادَةِ بِاسْتِحَالَةِ إجْمَاعِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ إلَّا لِدَلَالَةٍ أَوْ أَمَارَةٍ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الحاحب فَيَصْعُبُ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ تَقْرِيرُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ وَالْخَلْقِ الْعَظِيمِ يَقْدَحُ فِي إجْمَاعِهِمْ فَإِنَّهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ دُونَهُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِاسْتِحَالَةِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا أَمَارَةَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِوِفَاقِهِ أَوْ خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضْنَا أَنَّ مَجْمُوعَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُ كُلِّهِمْ حُجَّةً وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ إجْمَاعَ الْمُنْحَطِّينَ عَنْ رُتْبَةِ التَّوَاتُرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الْإِجْمَاعِ يَسْتَنِدُ إلَى اطِّرَادِ الْعَادَةِ وَمَعَ ذَلِكَ وَافَقَ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الَّتِي عَوَّلَ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهِيَ التَّمَسُّكُ بِدَلِيلِ السَّمْعِ فَلِذَلِكَ خِلَافُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ قَادِحٌ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ قَالَ إنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْمُخَالِفِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ووافقه أبو بكر احمد بن على الرادي مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وابن جرير بن مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ فِيمَا زَادَ عَنْ الِاثْنَيْنِ فَفِي شرح اللمع للمصنف أبى اسحق أَنَّهُ إذَا خَالَفَ

أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ ابْنَ جَرِيرٍ طَرَدَ مَذْهَبَهُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَسَلَّمَ أَنَّ خِلَافَ الثلاثة معتبر وتبعه الغزالي في المتحول ونقل سليم بن أيوب الدارى فِي تَقْرِيبِهِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ لَا يَعْتَدُّ بِمُخَالَفَةِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأُصُولِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي نَصْرٍ بْنِ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِ عُدَّةِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِمْ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بِمُخَالَفَةِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَسَكَتُوا عَنْ الزَّائِدِ (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى فَلَمْ يَعْتَدَّ بِعَدَدٍ بَلْ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ بِإِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أصحابنا وغيرهم وتلخيص الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ مُتَفَرِّقِ كَلَامِهِمْ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ (والثانى) ينعقد وهو قول ابن جرير الخياط وَالرَّازِيِّ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابن قلامة قُلْتُ وَرَأَيْتُ الشَّافِعِيَّ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ من الام حكاه عن من بَحَثَ مَعَهُ وَأَمْعَنَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثُ) إنْ بَلَغَ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا اُعْتُدَّ بِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا فَاسِدٌ (وَالرَّابِعُ) إنْ سَوَّغَتْ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فَخِلَافُهُ مُعْتَدٌّ بِهِ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ العول فانها محل اجتهاد والا فلا كخلاف ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ رِبَا الْفَضْلِ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ النَّاسُ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الجرجاني وهو الذى رأيت فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ مَنْسُوبًا إلَى أَبِي بَكْرٍ الرازي قال نقل السغناقى فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ قال والاصح عندما أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ سَوَّغُوا لَهُ ذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ (وَالْخَامِسُ) أَنَّ قَوْلَ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إذا لم يكن اجماعا فبم ذا يَكُونُ حَجَّةً (وَالسَّادِسُ) أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَكْثَرِ أَوْلَى وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ وَضَعَّفَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَى قَوْلًا سابقا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أُصُولِ الدِّينِ فَلَا يَضُرُّ وَالْفُرُوعِ فَيَضُرُّ وَلَوْ ثَبَتَ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ كَلَامِ سُلَيْمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَائِلِينَ أَوْ قَائِلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْنِ صَارَتْ الْأَقْوَالُ

ثمانية ولكن أخشى أن يكون أحدهما غَلَطًا عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ ذِكْرُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَسُّكِ وَيَكُونُ مُرَادُهُ الْأَكْثَرَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَيُرَجَّحُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَقَلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ ذَهَبَ إلَيْهَا الشَّافِعِيُّ أَوْ مَالِكٌ أَوْ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهَا إلَّا الْأَقَلُّونَ وَكَمْ مِنْ قَلِيلٍ عَلَى الْحَقِّ وَكَثِيرٍ عَلَى غَيْرِهِ (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غلبت فئة كثيرة باذن الله) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ بَحَثَ مَعَهُ قَالَ لَا أَنْظُرُ إلَى قَلِيلٍ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَأَنْظُرُ إلَى الْأَكْثَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (قُلْتُ) أَفَتَصِفُ الْقَلِيلَ الَّذِينَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِمْ أَهُمْ إنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّاسِ أَوْ ثُلُثِهِمْ أو ربعهم قال لا استطيع أن أحدهم وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ (قُلْتُ) الْعَشَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةٍ قَالَ هَؤُلَاءِ مُتَقَارِبُونَ (قُلْتُ) فَحَدَّهُمْ بِمَا شِئْتَ قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَحُدَّهُمْ (قُلْنَا) فَكَأَنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مُطْلَقًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ (قُلْتُ) عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَإِذَا أَرَدْتُ رَدَّ قَوْلٍ قُلْتُ هَؤُلَاءِ الْأَقَلُّ أَفَتَرْضَى مِنْ غيرك مثل هذا الجواب * وطول الشافعي كثير فِي الْكَلَامِ مَعَهُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَكَانُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى نَقْلِهِ وَتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَيَلْزَمُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ نِصْفُ الْأَمَةِ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَنْ يُوجِبُوا عَلَى الْبَاقِينَ اتِّبَاعَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ (وَأَمَّا) مَنْ اعْتَبَرَ عَدَدًا مُعَيَّنًا كَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ فَعَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ سُلَيْمٌ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي أَنَّ خِلَافَ الثَّلَاثَةِ لَا يَقْدَحُ إنْ كَانَ يَقُولُ إنَّ خِلَافَ الْأَرْبَعَةِ بِخِلَافِهِ وَبِالضَّرُورَةِ نِسْبَةُ الثَّلَاثَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ كَنِسْبَةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَعَلَى مَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ الثَّلَاثَةِ يَقْدَحُ وَمَا دُونَهَا لَا يَقْدَحُ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا إلَّا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ فَيَحْلِفُ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفْ وَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ فَمَنْ سَرَّهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ أَعْرِفْ ابْنَ سُلَيْمَانَ هَذَا وَهُوَ حديث مشهور في السنن

المسانيد رويناه في سند عَلِيِّ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سُمْرَةَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ وَذَكَرَ فِيهِ اضْطِرَابًا لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ عبد الله بن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَهِمُ بِالْوَاحِدِ وَيَهِمُ بِالِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهِمْ بِهِمْ) صَحِيحٌ إلَى سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ وَفِي مَعْنَاهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَالِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ الرَّاكِبِ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو فِهْرٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسبع الْأَقَلُّونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَكْثَرُونَ) وَهَذَا مُرْسَلٌ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَلِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ شُذُوذٌ وَالشُّذُوذُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِإِنْكَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّاذُّ أَوْ الْخَارِجُ عَنْ الْإِمَامِ بِمُخَالَفَةِ الْأَكْثَرِ عَلَى وَجْهٍ يُثِيرُ الْفِتْنَةَ وَعَنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَرِ وَفِي ذَلِكَ وَرَدَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَحِبَك قَالَ مَا صَحِبْتُ أَحَدًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) كذا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ وَهَكَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِيهِمَا بِلَفْظِ الرَّاكِبِ لَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَعَنْ كَوْنِ ذَلِكَ شُذُوذًا بِأَنَّ الشَّاذَّ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَأَمَّا الَّذِي لَا يَدْخُلُ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا وَعَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ لَا لِلْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ يُنَاسِبُ طَرِيقَةَ مَنْ جَعَلَ مَأْخَذَ الْإِجْمَاعِ حُكْمَ الْعَادَةِ بِاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَهُوَ بَعِيدٌ (وَأَمَّا) مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تُسَوِّغَ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ اولا فَضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ الْمُخَالِفِ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا أَثَرَ لِتَسْوِيغِهِمْ وَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ إنْكَارُهُمْ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ نَعَمْ ههنا أَمْرٌ يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُعْتَدَّ بِهِ هُوَ الْخِلَافُ فِي مَظَانِّ الِاجْتِهَادِ كالمسائل التى لانص فِيهَا أَوْ فِيهَا نَصٌّ غَيْرُ صَرِيحٍ وَبِالْجُمْلَةِ مَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ لَهُ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ (وَأَمَّا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ النُّصُوصَ الَّتِي فِيهَا صَرِيحَةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ بِوَجْهٍ قَرِيبٍ

وَلَا بَعِيدٍ وَلَا لِلنَّسْخِ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنِي مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ رِبَا الْفَضْلِ ولا تستبعدن دَعْوَى التَّوَاتُرِ فِيهَا فَمَنْ تَتَبَّعَ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَوْ كَادَ * قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَثَبَتَ بهذه الآيات الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَسَأَعْقِدُ فَصْلًا جَامِعًا أُشِيرُ فِيهِ إلَى أَطْرَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ قَطْعِيَّةُ الْمَتْنِ قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ لَمْ يَكُنْ مَظَانُّ لِلِاجْتِهَادِ بَلْ الْحَقُّ فِيهَا وَاحِدٌ قَطْعًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخَالِفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا وَالتَّوَاتُرُ قَدْ يَحْصُلُ فِي حق شخص ولا يصحل في حق آخر فإذا خاف مُجْتَهِدٌ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي مُخَالَفَتِهِ إلَى حَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَى النَّصِّ وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ ولا يقلده فيه وينقض الحكم به * ولو لم تتصل إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ مَعَ صَرَاحَةِ دَلَالَتِهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَإِنْ قُلْتَ) لَيْسَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ خَالِيًا عَنْ وَجْهٍ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُقْتَضِيَةَ لِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُقْتَضِيَةَ لِجَوَازِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ كما سيأتي وقد مضى شئ منه والترجيح معنا الْقُرْآنَ وقَوْله تَعَالَى (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الربا) يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مَا كَانَ دَيْنًا وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْقِدُ فِي لُغَتِهَا وَقَدْ دَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ان النقد ليس للربا الْمُتَعَارَفَ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) الْحَدِيثَ فَسَمَّاهُ بَيْعًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) فَذَمَّ مَنْ قَالَ إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا فَفِي تَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيادة فِي الْأَصْنَافِ بَيْعًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّبَا في النساء لافى غَيْرِهِ (قُلْتُ) أَمَّا التَّعَارُضُ فَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَوَابَ عَنْهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بأوضح شئ يَكُونُ وَكَوْنُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ نوع من الربا ان سلم اقتصارها على لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ غَيْرِهِ وَالتَّعَلُّقُ بِكَوْنِ ذلك يسمى بيعا لاربا تَعَلُّقٌ بِالْأَلْفَاظِ مَعَ تَصْرِيحِ الْأَحَادِيثِ بِالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ وَإِثْبَاتِ الرِّبَا فِيهِ وَمِثْلُ هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ الضَّعِيفَةِ يجل ابن عباس ومن واقفه مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهَا وَلَوْ لم أرها مذكورة ولكن أبا الحسن ابن المعلس ذَكَرَهَا عَنْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم *

(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَدَّعِي إجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ لِمَا رُوِيَ مِنْ رُجُوعِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ مِنْ أصحاب القاضى أبو الطيب في تعليقه والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ قَالَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعًا وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ لَمْ أَعُدُّهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ رُجُوعِهِ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْهُ يَقِينًا كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي رُجُوعِهِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَبَقِيَّتُهُمْ كَأُسَامَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ أُثْبِتْ النَّقْلَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمْ رُجُوعٌ فَإِنْ كَانُوا قَائِلِينَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعُوا فَقَدْ تعذر دعوى هذا الوجه إلا وثبت رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مُخَالِفٌ فقد اختلف الاصوليون في هذه المسألة إذا اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَصْرِ ثُمَّ اتَّفَقُوا وَرَجَعَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَى الْآخَرَ وَصَارُوا مُطْبِقِينَ عَلَيْهِ هل يكون ذلك إجماعا أولا وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يكون الخلاف قد استقر أولا إن لم يكن قد استقر كاختلافهم في قتل مَانِعِي الزَّكَاةِ ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى رَأْي أبى بكر رضى الله عنه فَهَذَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُ إجْمَاعًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ قَدْ اسْتَقَرَّ وَبَرَدَ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى أنه هل يشترط انقراض العصر الاول أولا ان قلنا انقراض الْعَصْرُ شَرْطٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَوْلِ ابْنِ فُورَكٍ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَنَسَبَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَرَجَّحَهُ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ الْأُصُولِيِّ وَأَطْنَبَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَبُو تَمَامٍ الْبَصْرِيِّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ وَيَكُونُ كَوْنُهُ إجْمَاعًا مَوْقُوفًا أَيْضًا عَلَى انْقِرَاضِهِمْ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ وَالْأَشَاعِرَةُ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَبُو عبد الله ابن الخطيب وأتباعه وأبى عمر وابن الْحَاجِبِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ الذَّخِيرَةِ وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ العصر وليس بشئ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُطْلِقُ أَوْ يُعَمِّمُ الْحُكْمَ فِي الْإِجْمَاعِ الْقَوْلِيِّ وَالسُّكُوتِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّبْصِرَةِ تَرْجِيحَهُ * وَمِنْهُمْ مَنْ يفصل

وَيَخُصُّ ذَلِكَ بِالْقَوْلِيِّ وَأَمَّا السُّكُوتِيُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَاخْتِيَارُ الاستاذ أبى اسحق وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اللُّمَعِ وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ مَقْطُوعًا بِهِ فلا يعتبر انقراض أَوْ يَتَّفِقُوا عَلَى حُكْمٍ وَيُسْنِدُوهُ إلَى ظَنٍّ فَلَا يَنْبَرِمُ مَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ * إذَا عرف ذلك فان لم يعتبر انقرض الْعَصْرِ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ قِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ تَجْوِيزِ الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَدَاوُد وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى امْتِنَاعِهِ لَكِنْ لمدرك آخر وهو أن ذلك مستحيل اعادة وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ إنَّهُ يَسْتَحِيلُ سَمْعًا وَقِيلَ يَجُوزُ وَإِذَا وَقَعَ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُجَّةً تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاتِّفَاقَ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَصْرِ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ بِالِاخْتِلَافِ أَجْمَعُوا عَلَى تَجْوِيزِ الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَمْنُوعٌ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى هَذَيْنِ الْإِجْمَاعَيْنِ بَعِيدَةٌ لِمَا قَدَّمَتْهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَأَيْضًا فَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فَقَدْ لَحِقَ زَمَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ رُجُوعٌ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي نَشَأَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعُهُمْ بِدُونِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وأومأ أحمد إلا الْقَوْلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ (وَالثَّانِي) قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مَاتُوا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ وَشُرَيْحٌ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْأَسْوَدُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدٌ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتُ مِنْ عِلْيَةِ الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَصْرُ الصَّحَابَةِ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ مُتَدَاخِلَانِ فَإِنَّ عَصْرَ التَّابِعِينَ ابتدأوه مِنْ قَبْلِ الْهِجْرَةِ وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ بِالْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ وَالطَّائِفِ وَالْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا يُعَدُّ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُقَالَ إنْ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ تَفَقَّهَ مِنْهُمْ وَوَصَلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ

إلَى انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ فِي سَنَةِ مِائَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْأَعْصَارُ كُلُّهَا مُتَدَاخِلَةٌ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ لا يوجد بين (1) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَعَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَالتَّابِعُونَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي رِبَا الْفَضْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَصْرِ التَّابِعِينَ لَمْ يَنْقَرِضْ وَهَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ حُكِيَ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُوِّلَ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ التَّمَسُّكِ بِإِجْمَاعٍ وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي جِمَاعِ الْعِلْمِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّرْفِ شَيْئًا وَأَخَذَ بِهِ وَلَهُ فِيهِ مُخَالِفُونَ مِنْ الْأُمَّةِ فَلَا أَدْرِي أَيُشِيرُ الشَّافِعِيُّ إلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مُوَلَّدٌ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أصحابه شئ مِنْ هَذَا وَقَدْ ادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفراينى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ قَوْلُ التَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَدَّعِي إجْمَاعَ مُتَأَخِّرٍ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُخْتَلِفِينَ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِي أَوَائِلِ عَصْرِ التَّابِعِينَ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ عطاء بن رَبَاحٍ وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَمِائَةٍ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ اُدُّعِيَ إجْمَاعٌ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا مِنْ بَقِيَّةِ التَّابِعِينَ وَإِمَّا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فلا استحضر خلافا يرده ولكن الاصولين وَالْأَصْحَابَ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الصَّحَابَةِ لَا تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَلَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ بِالْقَوْلِ الْآخَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أبى الحسن الاشعري وقال المصنف وأبو إسحق إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ سُلَيْمٌ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ مَيْلَ الشَّافِعِيِّ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْخِلَافِ لَا يَرْتَفِعُ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ فيه شئ وَالْجَيِّدُ مِنْ مَذْهَبِهِ الَّذِي كَانَ يَخْتَارُهُ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْخِلَافَ بَاقٍ وَذَهَبَ إلَيْهِ من الحنابلة القاضى وهو المرجح عِنْدَهُمْ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حنيفة وكثير من المعتزلة كالجنائي وابنه واليه ذهب المحاسى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ إجْمَاعًا لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ هَلْ لَهُ قَوْلٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ لَهُ قَوْلًا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا والا

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

فصل فيما يتعلق به ابن عباس وموافقوه والجواب عنه

كَانَ إجْمَاعًا وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ يَقُولُونَ إنَّهُ مِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَلِذَلِكَ قال محمد ابن الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَنَوَى ثَلَاثًا ثُمَّ جَامَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرَاهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَدْ أَجْمَعْنَا بِخِلَافِهِ وَشُبْهَةُ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ لَكِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ أَهُوَ حجه اولا فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا عِلْمًا بِلَا شُبْهَةٍ هَكَذَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ مِنْ كُتُبِهِمْ * وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ التَّابِعُونَ بِتَحْرِيمِ الْقَوْلِ الْآخَرَ فَإِنْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ تَرَدَّدَ أَعْنِي الْغَزَالِيَّ هَلْ يمتنع ذلك اولا وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْفَرْقُ بين هذه المسألة وبين مااذا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ مَعَ بَقَاءِ الْعَصْرِ حَيْثُ كَانَ الصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا أَنَّ الْمُجْمِعِينَ هُنَاكَ كُلُّ الْأُمَّةِ وَأَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْأُمَّةِ اسْمٌ يَعُمُّ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ فَعَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا امْتَنَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَهَذَا مُقْتَضَى صُنْعِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَحَامِلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ رِبَا الْفَضْلِ فِي مَسَائِلِ كِتَابِ الْأَوْسَطِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ إجْمَاعِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى مستغنون عن الاجماع في ذلك بالنصوص الصحيحة الصريحة المتظافرة كَمَا قَدَّمْتُهُ وَأَقُولُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وانما يحتاج إلى الاجمعاع فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ مُسْنَدُهَا قِيَاسٌ أَوْ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُوَافِقُوهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ) تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حَدِيثُ أُسَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَقَدْ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعْنَاهَا سَوَاءٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ (مِنْهَا) لَا رِبًا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ (وَمِنْهَا) إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ (وَمِنْهَا) إنَّ الرِّبَا في النسئة (وَمِنْهَا) لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ (وَمِنْهَا) لَيْسَ الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ وَالنَّظِرَةِ (وَمِنْهَا) لَا رِبًا إلَّا فِي الدَّيْنِ رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ (وَمِنْهَا) الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَالْحَدِيثُ (الثَّانِي) حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَلْفَاظٍ مُتَبَايِنَةٍ فَأَلْفَاظُهُ الَّتِي فِي الصَّحِيحِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا وَمِنْهَا لفظ في طريق خارج الصحيحين لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَشَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ (باع

شَرِيكٌ لِي بِالْكُوفَةِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ فَقُلْتُ مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ فَقَالَ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وتحادثنا هَكَذَا وَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَمَا كَانَ نَسِيئًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ وأتى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ الْبَرَاءُ) قَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُؤْخَذُ بِهَذَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ فَإِنَّ رُوَاتَهُ كلهم أئمة ثقاة وَقَدْ صَرَّحَ سُفْيَانُ بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرٍو فَانْتَفَتْ شُبْهَةُ تَدْلِيسِهِ وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ مَا عُلِّلَ بِهِ فَشَرْطُ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ سَلَامَتُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ فَنَذْكُرُ الْجَوَابَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (أَمَّا) حَدِيثُ أُسَامَةَ فَجَوَابُهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ يَجْمَعُهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَأْوِيلٌ وَادِّعَاءُ نَسْخٍ وَتَرْجِيحٌ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْأَوَّلُ لَا يُعْدَلُ إلَى الثَّانِي وَمَتَى ثَبَتَ مُوجِبُ الثَّانِي لَا يُعْدَلُ إلَى الثَّالِثِ فَاعْتَمِدْ هذا في كل نصفين مُخْتَلِفَيْنِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَوْجُهَ الَّتِي نُقِلَتْ فِي الْجَوَابِ مِنْهَا وَجْهَانِ تَضَمَّنَهُمَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خَبَرَ أُسَامَةَ وَأَخْبَارَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّحْرِيمِ ذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ فَأَخَذْنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُوَافِقُ حَدِيثَ عُبَادَةَ وَكَانَتْ حُجَّتُنَا فِي أَخْذِنَا بِهَا وَتَرْكِنَا حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إذْ كَانَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُهَا وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّفْسَ عَلَى حَدِيثِ الْأَكْثَرِ أَطْيَبُ لِأَنَّهُمْ أَشْبَهُ أَنْ يَحْفَظُوا مِنْ الْأَقَلِّ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَسَنَّ وَأَشَدَّ تَقَدُّمَ صُحْبَةٍ مِنْ أُسَامَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَكْثَرَ حِفْظًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلِمْنَا مِنْ أُسَامَةَ * (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يُخَالِفُ حَدِيثُ أُسَامَةَ حَدِيثَهُمْ (قِيلَ) إنْ كَانَ يُخَالِفُهَا فَالْحُجَّةُ فِيهَا دُونَهُ لِمَا وصفنا (فان قال) فَأَنَّى يُرَى هَذَا قِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ الرِّبَا فِي صنفين مختلفين ذهب بفضة وتمر بحنطة قيل إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَحَفِظَهُ فَأَدَّى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤَدِّ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ فَكَانَ مَا أَدَّى عِنْدَ مَنْ سمع أن لاربا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ هَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْجِيحِ وَالتَّأْوِيلِ فَهُمَا جَوَابَانِ يَعْنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدِيثُ أُسَامَةَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ عَنْ صِنْفَيْنِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ لَا يُخَالِفُهَا * وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ مُخَالِفًا لَهَا فَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ وَرِوَايَةُ جَمَاعَةٍ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْزِمْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَائِلٌ بِهِ وَرَوَى الْحَاوِي كَلَامَ الشَّافِعِيِّ بِأَبْسَطَ مِمَّا فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ يُبَيِّنُ مَا شَرَحْت بِهِ كَلَامَهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ إنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ بَلْ إجْمَاعُ النَّاسِ مَا عَدَا ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسَيْنِ الْوَاحِدُ يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسَاءً ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (الْجَوَابُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ نَقْدٌ مَوْصُوفٌ فَيَبِيعَهُ بِعَرْضٍ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا ذَكَرَهُ النووي فهذه ثلاث تأويلات أوضحها وأشهرها ماقاله الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ أن يثبت كونه جوابا لسؤال سائل عنه بَلْ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ عَامًا وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ أَيُّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الثَّلَاثَةَ مُتَّفِقَةٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ نَبَّهْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ فِيمَا أَمْكَنَ وَكَلَامُ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَقْتَضِي أَنَّ هُنَا مَانِعًا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ عُدَّةِ الْعَالَمِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّهُ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ جُمِعَ إلَى أَنْ يَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَعَارُضِهِمَا مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَّا أَنَّ الْجَمَاعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ فَالْأَكْثَرُ تَرَكُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقَلِيلُ أَجْرَوْا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْعُمُومِ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الصَّبَّاغِ هَذِهِ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ

أَوْ النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْجَوَابُ الْخَامِسُ) دَعْوَى النَّسْخِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحُمَيْدِيُّ فِي حَدِيثِ البراء ابن عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ الْحَاوِي مَنْ ادَّعَى نَسْخَ ذَلِكَ ذَهَبَ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ مَقَالٌ وَذَكَرَ حَدِيثًا مِنْ رِوَايَةِ بَحْرٍ الشفاء عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الصَّرْفِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ) قَالَ الحاوى هذا حديث واهى الاسناد وبحر الشفاء لا يقوم بِهِ الْحُجَّةُ ثُمَّ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ وذكر حديثا من رواية محمد بن اسحق عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ الْعَيْنِ قَالَ وَقَالَ لَنَا ابْتَاعُوا تِبْرَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ) قَالَ الْحَاوِي هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ مِنْ جِهَةِ ابْنِ اسحق غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ ثُمَّ يَسْنُدُهُ حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَإِنْ كَانَ أُسَامَةُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ فَقَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ مَا صَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ فَبَحَثْنَا هَلْ نَجِدُ حَدِيثًا يُؤَكِّدُ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ وَيُبَيِّنُ تَقْدِيمَ حَدِيثِ أُسَامَةَ ان كان ما سمعه عَلَى مَا سَمِعَهُ فَرَأَيْنَاهُ ذَكَرَ حَدِيثَ الْحُمَيْدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ وَكَلَامَ الْحُمَيْدِيِّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَحَدِيثُ فُضَالَةَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّهُ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبَايِعُوا الذَّهَبَ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْأُوقِيَّةَ مِنْ ذَهَبٍ وَخَزٍّ وَغَيْرِهِ بِدِينَارَيْنِ ظَنًّا مِنْهُمْ جَوَازَهُ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى يُبَيِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى تَمَيَّزَ * وَهَا أَنَا

أَتَكَلَّمُ عَلَى حَدِيثِ الْحُمَيْدِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) حَدِيثُ الْحُمَيْدِيِّ فَادُّعِيَ فِيهِ أَمْرَانِ (أحدهما) النسخ كما قال رواية الْحُمَيْدِيُّ وَنَاهِيكَ بِهِ عِلْمًا وَاطِّلَاعًا لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذلك من طريق الاجتهاد بخلاف مااذا صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَقَالَ عَدْلٌ قَدْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ يُقْبَلُ فَلَوْ قَالَ هُوَ نَجَسٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمَ يُقْبَلُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ سُلَيْمٌ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ خِلَافًا لِأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ مُطْلَقًا وَابْنُ الْخَطِيبِ نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ النَّاسِخُ وَجَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ قَوْلَهُ نُسِخَ كَذَا بِكَذَا فِي مَعْنَى ذِكْرِهِ تَقَدُّمَ التَّارِيخِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْ صَحَابِيٍّ كَذَلِكَ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ الْخَطِيبِ الْمَسْأَلَةَ * وَأَطْلَقَ الْقُرْطُبِيُّ الْفَرْضَ فِي الرَّاوِي فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عن أسير سَأَلَ فِي الْعِبَارَةِ وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنْ ثَبَتَ خِلَافٌ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ كَانَ قَوْلُ الْحُمَيْدِيِّ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِلَّا فَلَا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ تَقَدُّمُ تَارِيخِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَتَأَخُّرُ التَّحْرِيمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بكرة في رواية ابن اسحق كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ ظَهَرَ مُسْتَنَدُ الْحُمَيْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَّ النَّسْخُ * والمارودي جَزَمَ بِالنَّسْخِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدٌ قَالَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الربا * وههنا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ إذَا سَلِمَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَكُونَ أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ نَاسِخَةً لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ أَمَّا أَنَّ الْآيَةَ تَكُونُ نَاسِخَةً لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَنْسَخُ السُّنَّةَ عَلَى أَحَدِ قولى

الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الْجَوَازَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُبِيحَةَ خَاصَّةٌ بِالنَّقْدِ وَالْآيَةُ عَامَّةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَقَدُّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا هُوَ بَيِّنٌ فَحِينَئِذٍ أَقُولُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ أولا (فَإِنْ قُلْنَا) بِذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ وَصَارَ النَّظَرُ مقصورا على السنة (وان نَقُلْ بِهِ) وَحَمَلْنَاهَا عَلَى الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ إمَّا عَامَّةٌ فِيهَا وَإِمَّا مُجْمَلَةٌ فَإِنْ كَانَ نُزُولُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمُبِيحَةِ وَالْمُحَرِّمَةِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ الْمَنْسُوخَةِ وَالنَّاسِخَةِ أَوْ النَّاسِخَةِ فَقَطْ مُبَيِّنَةً أَوْ مُخَصِّصَةً لِلْآيَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ نُزُولُ الْآيَةِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُبِيحَةِ وَالْمُحَرِّمَةِ وَهُوَ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَاتُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جدد تحريم التجارة في الخمر ولايكون ذَلِكَ أَوَّلَ تَحْرِيمِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَأَنَّ نُزُولَ آيَةِ الرِّبَا بَعْدَ الْأَحَادِيثِ الْمُبِيحَةِ وَقَبْلَ الْمُحَرِّمَةِ فَالْمُبِيحَةُ مُبَيِّنَةٌ أَوْ مُخَصِّصَةٌ لِلْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَنَتَصَدَّى النَّظَرَ فِي أَنَّ الْعَامَّ الْمُخَصَّصَ هَلْ أُرِيدَ بِهِ الْقَدْرُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَخْرَجِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْبَاقِي وَخُرُوجُ غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَتَكُونُ الْآيَةُ مُرَادًا بِهَا تَحْرِيمَ النَّسَاءِ وَالْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَقْتَضِي حُكْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَحْرِيمُ النَّسَاءِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ (وَالثَّانِي) إبَاحَةُ النَّقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الْمَنْسُوخُ بِالسُّنَّةِ مَعَ كَوْنِ الْآيَةِ بَاقِيَةً عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهَا النَّسِيئَةَ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا فِيمَا عَدَاهُ وَتَحْرِيمُ النَّقْدِ بِالسُّنَّةِ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَأْتِي بَحْثُ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ إذَا كَانَ

لَهَا تَعَلُّقٌ بِهِ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذلك لا يأتي ههنا لِأَنَّ إبَاحَةَ النَّقْدِ لَمْ تُفْهَمْ مِنْ الْآيَةِ وهم انما يقولون ذلك فيما كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ مَفْهُومَ اللَّفْظِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِدَعْوَى النَّسْخِ فِي ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا اُدُّعِيَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَذَا أَنَّهُ مَعْلُولٌ فَيَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَا كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ إنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلَا يَصْلُحُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (بَاعَ شَرِيكٌ لِي وَرِقًا نَسِيئَةً إلَى الْمَوْسِمِ أَوْ إلَى الْحَجِّ فَجَاءَ إلَيَّ فَأَخْبَرَنِي فَقُلْتُ هَذَا الْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ قَالَ فَقَدْ بِعْتُهُ فِي السُّوقِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ فَقَالَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا وأتى زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ تِجَارَةً مِنِّي فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ اللَّذَانِ فِي الصَّحِيحِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَا إشْكَالَ وَلَا حُجَّةَ لَمُتَعَلِّقٍ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ المراد بيع دراهم بشئ ليس ربويا ويكون الفاسد لاجل التأخير بالموسم أو الحج فانه غير محرر ولاسيما عَلَى مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ (وَالثَّانِي) أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيَدُلُّ لَهُ رواية أخرى

عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ (سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ فَكِلَاهُمَا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وفى لفظ مسلم (عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا) فَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ صَرْفُ الْجِنْسِ بِجِنْسٍ آخَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ وَالرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ وَاللَّتَانِ فِي الصَّحِيحِ وَكُلُّهَا أَسَانِيدُهَا فِي غَايَةِ الْجُودَةِ وَلَكِنْ حَصَلَ الاختلاف في سفيان فخالف الحميدي علي ابن الْمَدِينِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَكُلٌّ مِنْ الْحُمَيْدِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ فِي غاية الثبت ويترجح أن ابْنُ الْمَدِينِيِّ هُنَا بِمُتَابَعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ لَهُ وَبِشَهَادَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَةِ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ لِرِوَايَةِ شَيْخِهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ إنَّهُ بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ خَطَأٌ عِنْدَهُ فَهَذَا جَوَابُ حَدِيثِي وقد لا يجسر الفقيه على الحكم لتخطئة بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَنَقُولُ إنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنَ دِينَارٍ فَإِنَّ مِنْهَا مَا أطلق فيه الصرف (ومنها) مابين أَنَّهَا دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا بَيَّنَ مَا أَبْهَمَهُ الْآخَرُ وَيَكُونُ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابت حديثا آخر ورادا في الجنسين وتحريم النساء فيهما ولاتنافى فِي ذَلِكَ وَلَا تَعَارُضَ وَحِينَئِذٍ يُضْطَرُّ إلَى النَّسْخِ إنْ ثَبَتَ مُوجِبُهُ أَوْ تَرْجِيحُهُ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا بِأُمُورٍ (مِنْهَا) أَنَّ رِوَايَةَ أَحَادِيثِ التحريم أكثر كما سبقت عليهم والقاعدة الترجيج بِالْكَثْرَةِ وَهَذَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ رُوِيَ تَحْرِيمُ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ وَقَالَ ورواية خَمْسَةٍ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَقَالَ سُلَيْمٌ الداري

أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْجِحَ بِالْكَثْرَةِ فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ وَهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَمْ يُرَجَّحْ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (وَمِنْهَا) انهم أسن فان فيهم عثمان وعبادة وغيرهما مِمَّنْ هُمْ أَسَنُّ مِنْ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أُسَامَةَ (وَمِنْهَا) بِالْحِفْظِ فَإِنَّ فِيهِمْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ بِالْحِفْظِ أَكْثَرُ مِنْ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وهو موجوح بالنسبية إلَى الْأَوَّلِ * وَإِنَّمَا قُلْتُ إنَّ تَحَمُّلَ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ فِي حَالَةِ الصِّبَا لِأَنَّهُمَا قَالَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَتَحَادُثُنَا) هَكَذَا قَالَ وَعِنْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سِنُّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشْرًا أَوْ نَحْوَهَا لِمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ رَوَى باسناده إلى زيد ابن حَارِثَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْغَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ حَبِيبَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ * وَعَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ غَزْوَةٍ شَهِدَاهَا الْخَنْدَقُ * وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ أَيْضًا أَنَّ حَدِيثَ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ مُبِيحٌ وَأَحَادِيثُ عُبَادَةَ وَأَصْحَابِهِ مُحَرِّمَةٌ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُقَرِّرُ والنقال فالمرجع النَّاقِلُ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسُلَيْمٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حكما شرعيا خلاف لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ حَيْثُ قَالَ يُقَدَّمُ الْمُقَرِّرُ وَإِنْ حَصَلَ التَّعَارُضُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِضَادٍ بِأَصْلٍ فَالْمُحَرِّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ووافقهم الكرخي من الحنيفة وَأَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ مِنَّا وَعِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي هَاشِمٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ حَيْثُ قَالُوا هُمَا سواء وثم وجوه أخر من الترجيح لاتخفى عَنْ الْفِطَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْجِيحَ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ

فصل في الاحاديث الواردة في تحريم ربا الفضل

اسْتِقْرَاءِ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ سِوَاهُمَا أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَقَدْ اتَّضَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّكَ تَرَى أَنِّي أَطَلْتُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَاعْلَمْ أَنِّي مَتَى جَاءَتْ قَاعِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ حَدَدْتُهَا وَأَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَالرَّاجِحَ مِنْهَا ثُمَّ إذَا عَادَ ذِكْرُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَمَلْتُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ) رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَبِلَالٍ وَجَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرُوَيْفِعٍ بْنِ ثَابِتٍ وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (أَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَشْهُورٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالزَّائِدُ وَالْمُسْتَزِيدُ فِي النَّارِ) رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعُبَيْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتُلِفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ فِيهِ فَفِي سُنَنِ أبى قرة عن محمد ابن السَّائِبِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَصِحَّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ أبو جمرة مَيْمُونٌ الْقَصَّابُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازداد فقد أربى)

وأبو جمرة ضَعِيفٌ وَقَدْ اضْطَرَبَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قال الدارقطني في كتاب العلل وأبو جمرة مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَالِاضْطِرَابُ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ قِبَلِهِ والله أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَتِنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرُجهُ ابْنُ ماجه والدارقطني فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ جَدِّ الشَّافِعِيِّ عَنْ عُمَرَ بن محمد عن أبيه وهو من الْحَنَفِيَّةِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ وَالصَّرْفُ هَا وَهَا) وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ غَرِيبٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمُخَرَّجٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْمُسْتَدْرِكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ وَهَذَا لَفْظُ الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ سَعْدٌ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشْتِرَاءِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَيْنَهُمَا فَضْلٌ قَالُوا نَعَمْ الرُّطَبُ يَنْقُصُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ) هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى مَعْنَى الْفَضْلِ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَادَةَ فَهُوَ أَتَمُّ الْأَحَادِيثِ وَأَكْمَلُهَا وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْعُمْدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَعُبَادَةُ أَسَنُّ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَكَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الكتب الستة

غيره وقد اشتبه علي بن مَعْنٍ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ فَنَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَنَسَبَ الثَّانِي إلَى مُسْلِمٍ وَحْدَهُ فَأَرَدْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ إذَا نَسَبَ الْحَدِيثَ إلَى كِتَابٍ مُرَادُهُ مِنْهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ مِنْهُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) الْفَقِيهُ فَمُرَادُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ الذى يستدل به فلابد من الموافقة فيه والله أَعْلَمُ * وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابن عبيد بن عُبَادَةَ قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ وَلَمْ يَقُلْهُ الْآخَرُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا قَالَ أَحَدُهُمَا فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدَّمَ الْوَرِقَ عَلَى الذَّهَبِ وَبَعْضَ قَوْلِهِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ وَقَوْلِهِ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ وَرِوَايَةُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْهُ (وَأَمَّا) رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ هُرْمُزٍ فَمُتَّصِلَةٌ فِيمَا أَظُنُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ من حديث مسلم ابن يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَفْظُهُ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ) قَالَ وَنَقَصَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَكَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا مَنْ زَادَ

أَوْ ازْدَادَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ مُتَّصِلًا بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالنَّهْيِ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ وَانْفَرَدَتْ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ وَفِيهِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُ وَنِعْمَ مَا فَعَلَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ اسْتَزَادَ لَيْسَ فِي مُسْلِمٍ بَلْ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالنَّسَائِيَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ لَفْظِ عُبَادَةَ وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ اسْتَزَادَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُ عُبَادَةَ ازْدَادَ هَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَتِنَا والله أَعْلَمُ * وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّمْرَ عَلَى الْبُرِّ وَلَمْ يَقُلْ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَرَوَاهُ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وعينها والبر مُدًّا بِمُدٍّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدًّا بِمُدٍّ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدًّا بِمُدٍّ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ

بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَبِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد مختصر وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُشْتَرَكَةٌ فِي تَصْدِيرِ الْحَدِيثِ بِالْإِثْبَاتِ لَا بِالنَّهْيِ وَفِيهَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِالْأَصْنَافِ الْمُخْتَلِفَةِ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ وَالْفِضَّةُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ حَتَّى قَالَ الْمِلْحُ الْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ) وَقَدْ رَوَى مَا تُوُهِّمَ أَنَّ حَكِيمًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُبَادَةَ فَهَذِهِ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ الخمسة في حديث عبادة والله أَعْلَمُ * وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَهُوَ أَتَمُّهَا وَأَحْسَنُهَا بَعْدَ حَدِيثِ عُبَادَةَ لَا سِيَّمَا وَهُوَ الْمَنَاظِرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ وَلَفْظُهُ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إلَّا يَدًا بِيَدٍ ولفظه عند البخاري (كنا نرزق بجمع تَمْرَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنْ التَّمْرِ وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صاعين بصاع ولا درهم بدرهمين) وكذلك فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ) قَالَ أَحْمَدُ قَالَ زَيْدٌ وَلَا صَاعَا تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَا حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بالورق مثلا

بِمِثْلٍ) وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) وَهُوَ أَتَمُّ أَلْفَاظِهِ * وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَلْفَاظِهِ عَنْ ذِكْرِ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ هَذَا (وأما) حديث أبى الدرداء وأبى أسيد رضى الله عنهما فقد تَقَدَّمَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ خبيب فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا والله يارسول اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) وَفِي أُخْرَى (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ قَالَ (الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا) وَفِي رِوَايَةٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ صَحِيحَةٍ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ وَلَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ جَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أبيع الشئ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَاسْتَفْضَلَ فِي ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدَيْ فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى دَابَّتِهِ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دينار الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ) هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ النَّسَائِيُّ فَذَكَرَهُ هَكَذَا فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمُجْتَبَى أَيْضًا مِنْ جِهَتِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الاصول فقال إنَّ النَّسَائِيَّ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَاَلَّذِي أَظُنُّ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا غَلَطُ سَقْطِ ابْنِ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي

وقعت لابن الاثير والله أَعْلَمُ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مَالِكٍ هَذَا خَطَأٌ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ وَرْدَانَ الدَّوِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا عَهْدُ صَاحِبِنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي بِصَاحِبِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا عَهْدُ نبينا الينا وهو يريد إلى أصحابه بعد ما ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ * وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا بِمَا لَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ لِمَا أَلْزَمْتُ نَفْسِي مِنْ الْأَدَبِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَنَسَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْغَلَطِ وَرَأَى أَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مُجْمَلَةٌ وَرِوَايَةَ مَالِكٍ مُبَيِّنَةٌ فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ صَاحِبُنَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيئا) ولكن لرواية ابن عمر أَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ قَالَ (كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ فَدَعَا بِلَالًا بِتَمْرٍ عِنْدَهُ فَجَاءَ بِتَمْرٍ أَنْكَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا التَّمْرُ قَالَ التَّمْرُ الَّذِي كَانَ عِنْدَنَا أَبْدَلْنَاهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دِهْقَانَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ شُرَحْبِيلُ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْهُمْ فَأَدْخَلَنِي اللَّهُ النَّارَ * وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ أَرْسَلَ ذَلِكَ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ نُبَايِعُ الْيَهُودَ الْأُوقِيَّةَ الذَّهَبَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا) رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الله

فَصَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ معمر لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تَأْخُذْنَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل) وكان طعامنا يومئذ الشَّعِيرُ قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارَعَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُسْنَدَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الآثار عن أبى بكرة ثنا عمر بن نفير نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ (مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثٍ بَلَغَهُ عَنْهُ فِي بَيَانِ الصَّرْفِ فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ رَافِعٌ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَشْفُوا الدِّينَارَ عَلَى الدِّينَارِ وَلَا الدِّرْهَمَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَلَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَدْخُلَ عَتَبَةَ بَابِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ أَنَا اسرائيل عن أبى اسحق عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ بِلَالٍ قَالَ (كَانَ عِنْدِي مُدُّ تَمْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ أَطْيَبَ مِنْهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا يَا بِلَالُ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ قَالَ رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا) (وأما) حديث ابن عَبْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ فِي سِتَّةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ نُهُوا عن الصَّرْفِ رَفَعَهُ رَجُلَانِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * الصَّرْفُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْفَضْلِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ - بِفَتْحِ الصَّادِ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الرَّبِيعِ هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هذا اللفظ (وأما) حديث رويفع ابن ثابت فرواه الطحاوي ثنا فهد بن أَبِي مَرْيَمَ أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ أَنَا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن ابن حسان النحبى انه سمع جنس الصنعانى يحدث عن رويفع بن ثابت عن عروة إياس قبل العرب يَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَبْتَاعُونَ الْمِثْقَالَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا الْمِثْقَالُ بِالْمِثْقَالِ وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ) وَرُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ هَذَا أَنْصَارِيٌّ صَحَابِيٌّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ الكبير يعد في المصريين وذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي الْأَنْصَارِ وَرَوَى لَهُ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بسند فيه الفضل ابن حَبِيبٍ السَّرَّاجُ إلَى بُرَيْدَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَهَى تَمْرًا فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَلَا أَرَاهَا إلَّا أُمَّ سَلَمَةَ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ فَأَتَوْا بِصَاعٍ مِنْ عَجْوَةَ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالُوا بَعَثْنَا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْنَا بِصَاعٍ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ) فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَنِي رِوَايَاتُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَرَوَاهُ مُرْسَلًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا) رَوَاهُ مَالِكٌ في المؤطا وَالسَّعْدَانِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا بِزِيَادَةٍ عَلَى السِّتَّةِ عَنْ مالك بن أوس بن الحدبان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لافضل بَيْنَهُمَا) وَهُوَ مُرْسَلٌ وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فِيهِ رَجُلٌ وَضَّاعٌ وَآخَرُ مَجْهُولٌ فَهَذِهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَفِي مُسْلِمٍ وَحْدَهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفَضَالَةَ وَعَلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ

عنه (ومنها) خارج الصحيحين وهو صحيح حديت أَبِي أُسَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحُكْمُ الثَّانِي) تَحْرِيمُ النَّسِيئَةِ وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ جَمِيعًا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ صَرِيحًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّا وَجَدْنَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه انه باع من عمر بْنِ حُرَيْثٍ جُبَّةً مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ إلَى أجل وان عمر أَحْرَقَهَا وَأَخْرَجَ مِنْهَا مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ وَوَجَدْنَا لِلْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ صَاحِبِ مَالِكٍ أن دينارا وثوبا بدينارين احدهما نقد وَالْآخَرُ نَسِيئَةً جَائِزٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ كَذَلِكَ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْمِلْحِ بِالْمِلْحِ نَسِيئَةً حَرَامٌ وَأَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً حرام اه كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا عَنْ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ فِي تَعْلِيقَةِ أبى اسحق التُّونِسِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ لَهُ تَأْوِيلًا أَوْ وَقَعَ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ * وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَحَدِيثِ أُسَامَةَ وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ وزيدبن أَرْقَمَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَمَّا) حَدِيثُ أُسَامَةَ فَقَوْلُهُ (إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ) إنْ جَعَلْنَاهُ مَنْسُوخًا فَالْمَنْسُوخُ مِنْهُ الْحَصْرُ خَاصَّةً كَمَا قِيلَ مِثْلُهُ فِي (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْإِثْبَاتِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ * وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَاءِ فِي الْجِنْسَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ تَحْرِيمَ النَّسَاءِ آكَدُ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ التَّفَاضُلُ فَالنَّسَاءُ أَوْلَى وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّالِثِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَلَا تَبْقَى فِيهِ دَلَالَةٌ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا

فَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِ الْأَجَلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَلْ عُمُومُهُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا أَوْ جِنْسَيْنِ وَقَدْ أُخِذَ هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (هاوها) (إمَّا) لِأَنَّ اللَّفْظَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً (وَإِمَّا) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُلُولُ غَالِبًا وأما فرض أجل يسير ينقض فِي الْمَجْلِسِ فَنَادِرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْذَهُ مِنْ هَذَا وَقَالَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ إذْ الْعَيْنُ لايدخل فِيهَا الْأَجَلُ وَلَا يُمْكِنُهُمَا الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُمَا وَجَمِيعَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ التَّعْيِينَ بَلْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَرِدَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لكنه قد يقال انه غَلَبَ إطْلَاقُ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْأَجَلِ وَالْعَيْنِيَّةِ فِي مُقَابِلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَفِي تَسْلِيمِ هَذِهِ الْغَلَبَةِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (الْحُكْمُ الثَّالِثُ) تَحْرِيمُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ رِبَا الْيَدِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَالْجِنْسَانِ (أَمَّا) فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ * وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَّزَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ التَّفَرُّقَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ * وَأَمَّا الطَّعَامُ فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ إنَّهُ إذَا بَاعَ الطَّعَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَافْتَرَقَا مِنْ الْمَجْلِسِ ثم تقابضا بعدم لَمْ يَضُرَّ الْعَقْدَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّرْفِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ التَّقَابُضُ عِنْدَهُ مِنْ قاعدة الربا في شئ لافى الصرف ولافى الطعام وانما اشترطه فِي الصَّرْفِ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ ان الدارهم والدنانير لاتتعين بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القبض لصار دينار وَلَكَانَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِهَا وَيَجْعَلُونَ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ لِمَنْعِ النَّسَاءِ وَقَوْلَهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدًا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ

إذَا تَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْقِيَاسُ (أَمَّا) الْكِتَابُ فَهُوَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْآيَةِ هُوَ الرِّبَا وَالرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَذَلِكَ إمَّا فِي الْمِقْدَارِ وَإِمَّا فِي الْمِيعَادِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ النَّسَاءُ أَوْ الْجَوْدَةُ أَمَّا فِي الْجَوْدَةِ فَقَدْ أَسْقَطَهَا الشَّرْعُ حَيْثُ قَالَ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ رَوَاهُ (1) وَلِسُقُوطِ قِيمَتِهَا تَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَفِي هَذَا بَنَوْا أَنَّ مَنْ فَوَّتَ جَوْدَةَ الْحِنْطَةِ لَا يَضْمَنُهَا عَلَى حَالِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ سَاقِطَةٌ بِزَعْمِهِمْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّفَاضُلُ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ فِي الْمِيعَادِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الرِّبَا فليس التقابض من الربا في شئ إذْ قِيمَةُ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ كَوْنِهِ نَقْدًا كَقِيمَةِ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قِيمَةَ الْحَالِ فَلَوْ حُرِّمَ تَرْكُ التَّقَابُضِ بِحُكْمِ الرِّبَا لَكَانَ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّ الْقَبْضَ مُوجِبٌ لِلْعَقْدِ إذْ بِالْعَقْدِ يَجِبُ الْإِقْبَاضُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فِيهِ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْعَقْدِ فَالْوَاجِبُ التَّعْيِينُ فَقَطْ لَا الْقَبْضُ وَوَجْهُ الْكِنَايَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ أَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ كَمَا أَنَّهَا آلَةُ الْقَبْضِ فَكَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْقَبْضِ يَجُوزُ أَنْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ التَّعْيِينِ * وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مُحْتَمَلًا وَتَأَيَّدَ بِدَلِيلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ فَالتَّعْيِينُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي السَّلَمِ أَيْضًا فَإِذَا أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ وَجَبَ إقْبَاضُ الدَّرَاهِمِ لِيَتَعَيَّنَ فَلَا يَكُونُ بَيْعَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْأَصْلُ فِي السَّلَمِ أَنْ يَجْرِيَ بِالْأَثْمَانِ فَيَكُونَ الثَّمَنُ مُسْلَمًا فِيهِ وَهُوَ دَيْنٌ وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ دَيْنٌ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ ثُمَّ لَمَّا عَسُرَ عَلَى العوام التفرقة بين ما يجب تعيينه ومالا يَجِبُ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ مُطْلَقًا بِاسْمِ السَّلَمِ وَأَوْجَبَ فِي الْأَثْمَانِ بِاسْمِ الصَّرْفِ تَيْسِيرًا لِمُرَادِهِمْ وَتَحْقِيقًا لِلْغَرَضِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّقَابُضَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ فَلَمَّا قَالَ يَدًا بِيَدٍ كَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ لِلْخَلَاصِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ لَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَبْضِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ كَمَا فِي السَّلَمِ فَوُجُوبُهُ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا مُسْنَدَ له إلا الحديث (فان قلت) ليس

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ فِيهِمَا (قُلْتُ) الْوُجُوبُ عِنْدَهُمْ هُنَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَتَعْلِيقُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى عَدَمِ قَبْضِ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَقَدْ تَمَسَّكُوا فِي الْوُجُوبِ فِيهِمَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا التَّسْوِيَةُ لِحَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَنْبَغِي إذَا أَسْقَطَاهَا أَنْ يَسْقُطَ وَأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِثَوْبَيْنِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ مَعَ فُقْدَانِ التَّسْوِيَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ فَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عينا بعين متأخر حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يَكُونَ مُؤَكِّدًا وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي لَفْظِ الْمُسْتَدْرَكِ بِتَقْدِيمِ يَدًا بِيَدٍ عَلَى عَيْنًا بِعَيْنٍ (وَأَمَّا) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَفِيهَا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى يَدًا بِيَدٍ وَالْمُؤَكِّدُ لَا يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمُؤَكَّدِ فَإِنْ جَعَلُوا يَدًا بِيَدٍ تَأْكِيدًا فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بن يحيى تلميذ الغزالي سَبَقَ قَوْلُهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَمْنَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي مَعْنًى يَسْتَغْنِي عَنْ التَّأْكِيدِ بِمُحْتَمَلٍ كَيْفَ وَتَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْيَدَ آلَةٌ لِلتَّعْيِينِ كَمَا هِيَ آلَةٌ لِلْإِقْبَاضِ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ لِلْإِقْبَاضِ (وَأَمَّا) التَّعْيِينُ فَيُشَارِكُهَا فِيهِ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ يَدًا مِنْ يَدٍ لَيْسَ بصحيح لان قوله يد بِيَدٍ مَعْنَاهُ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ فَعَبَّرَ بِالْيَدِ عَنْ الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهَا إلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ الْفَاعِلِيِّ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِنْ يَدٍ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَهَرَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً حَيْثُ أُطْلِقَ يَدًا بِيَدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ التَّقَابُضِ وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْحَابُنَا فِي المسألة بالاثر وَالْمَعْنَى (أَمَّا) الْأَثَرُ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمَّا تَصَارَفَا وَقَوْلُهُ لَا تُفَارِقْهُ فلما نَهَى عُمَرُ مَالِكًا عَنْ مُفَارَقَةِ طَلْحَةَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إلَّا هَا وَهَا) وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ التَّقَابُضَ لَا مُجَرَّدَ الْحُلُولِ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ الرِّبَا لَا من قاعدة

لتعيين وَبَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَيَأْتِي مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَهْمُ الرَّاوِي أَوْلَى من فهم غيره لاسيما مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَأَمَّا) الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ تَرْكَ التَّقَابُضِ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا عِبَارَةٌ عَنْ الْفَضْلِ الْمُطْلَقِ وَالْفَضْلُ يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ يَكُونُ قَدْرًا فِي الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ وَنَقْدًا فِي الْعَيْنِ بِالنَّسَاءِ وَقَبْضًا فِي الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ قَالَ أَصْحَابُنَا بَلْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ فَوْقَ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنِيَّةُ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِيُتَوَصَّلَ إلَيْهَا بِالْأَيْدِي وَلِأَنَّ الْيَدَ تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ وَالْعَيْنِيَّةَ لَا تُقْصَدُ بِنَفْسِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ رِبًا فَيَجِبُ التَّقَابُضُ نَفْيًا لِلرِّبَا وَمَتَى جَازَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ أَمْكَنَ الرِّبَا فَلَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِيجَابِ التَّقَابُضِ فِيهِمَا وَهَذَا مُلَخَّصُ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وسيأتى القول في تعيين الايمان الَّذِي جَعَلُوا بِنَاءَ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ الله تعالى والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ * وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ يَشْتَرِطُونَ التَّقَابُضَ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَمَا هُوَ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَطَالَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَمُقَابِلِيهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْإِلْزَامَاتِ بِمَا لَمْ أَرَ تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِ وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَوَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَتَى لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ ذَلِكَ الْأَصْلُ انْحَلَّ كَلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقٌ بينه وبين الطعام والله أَعْلَمُ * (فَائِدَةٌ) قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَحَصَّلَ فِي الْقَبْضِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّرْفُ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ بَيْعُ الْمَطْعُومِ بِنَقْدٍ ومختلف فيه وهو بيع الْمَطْعُومُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ) جَوَازُ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ تَحْرِيمِ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ السَّابِقَةِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ عِنْدَ الِاتِّحَادِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبِالْإِجْمَاعِ واما في غيره فباجماع القايسين

وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرَامٌ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا عَدَا الصَّرْفَ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَضَتْ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِ التَّقَابُضِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ خَرَّجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كُتُبِهِمْ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طلحة بن عبيد فتراودنا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي (1) مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذهب بالورق ربا إلاها وها والبر بالبر ربا إلاها وها والتمر بالتمر ربا إلاها وَهَا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ) فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ (قَالَ عُمَرُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ ولينقدنه وَرِقَهُ) يَقُولُ عُمَرُ ذَلِكَ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَفِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي الصَّرْفِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَا وَهَا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ربا إلاها وها) رواها ابن أبى ديب عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ وَأَسَانِيدُ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَصَحُّ وَهِيَ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ هَاتِ وَهَذَا إنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ الرِّبَا) وَمِمَّا هُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه

_ كذا بالاصل فحرر) *)

وبينك وبينه ليس لَفْظُ النَّسَائِيّ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ سِمَاكٌ وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظٍ فِي أَخْذِ الْبَدَلِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (الْحُكْمُ الْخَامِسُ) إنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله والنووي وأحمد واسماعيل بن علية وأبو إسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وجابر بن عبد الله وأنس ابن مَالِكٍ * وَخَالَفَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَرُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ) (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَأَيْضًا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَأَفْرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِاسْمٍ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْأَجْنَاسَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ جِنْسٌ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) وَمِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَهَذَا نَصٌّ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا النَّسِيئَةُ

فلا) وَكَذَلِكَ عِنْدَ النَّسَائِيّ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا) رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثَةٍ إلَى عُبَادَةَ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ (وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا) وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ تَرْجِعُ إلَى مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبيد عن عبادة وقدم تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ ذَكَرَ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ (وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يدا بيد) ثم قال حديث عبادة عن حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَرَوَى بعضهم هذا الحديث عن خالد الخلاء عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ خَالِدٌ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ على خالد الخلاء هَلْ الْمَذْكُورُ فِي مُقَابَلَةِ الشَّعِيرِ التَّمْرُ أَوْ الْبُرُّ فَإِنْ كَانَ التَّمْرَ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْبُرَّ فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا هل كذا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ أَبِي قِلَابَةَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي شَرْحِ كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بِيعُوا الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ كَيْفَ شِئْتُمْ لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا حُجَّةٌ بِهِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ لِكِتَابِ الطَّحَاوِيِّ إنَّ قَوْلَهُ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ

شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ زِيَادَةٌ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الرُّوَاةِ فَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أن هذا الاختلاف عن خالد الخلاء وَرِوَايَةُ التَّمْرِ بَدَلَ الْبُرِّ وَرَدَتْ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ وَقَدْ انْفَرَدَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ سُفْيَانَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ الْبُرُّ بِالشَّعِيرِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِي حَدِيثِ سفيان لابن بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ وَقَالَ فِيهِ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ ثنا فَزَالَتْ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ اللَّفْظَيْنِ مِثْلُ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ فِيهِ وَالْمِلْحُ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ بُرًّا وَلَا شَعِيرًا فِيهِ فَإِذَا نظرت مافى التِّرْمِذِيِّ مَعَ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ الدُّولَابِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَلِمْتَ أَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ عَلَى سُفْيَانَ وَالرَّاجِحُ عَنْهُ رِوَايَةُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّ الْأَشْجَعِيَّ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِيهِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ وَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَهَذَا مَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ يُوهِنُ رِوَايَةَ التَّمْرَ بِالشَّعِيرِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رُجْحَانٌ فِي الْخِلَافِ عَلَى سُفْيَانَ وَلَا عَلَى خَالِدٍ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِ رِوَايَاتِ خَالِدٍ وَقَدْ رَأَيْنَا غَيْرَ خَالِدٍ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ وَمِثْلُ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الاشعث رويا خلاف ماروى عَنْ خَالِدٍ وَقَالَا الشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَفِي حَدِيثِ بن سِيرِينَ وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْبُرَّ بالشعير

وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا (وَقَوْلُهُ) أُمِرْنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عُبَادَةُ فَلَا وَجْهَ لِتَحَمُّلِ الْإِدْرَاجِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى التَّعَارُضِ وَالِاخْتِلَافِ عَلَى خَالِدٍ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ صَدَّنَا عَنْ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ فَتَبْقَى فِي الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ على مقتنسى الدَّلِيلِ وَبِقَوْلِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ وَاَلَّذِي عَوَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ (أحدهما) ماروى عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بعض صاع فلما جاء معمر أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذلك انطلق فرده ولا تأخذ الا مثل بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ قِيلَ فَإِنَّهُ ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع) رواه مسلم في الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ (قَالَ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا بِمِثْلِهِ) وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَوْصُولًا عَنْ شَبَّابَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارَ وَرَوَى زَيْدٌ أبو عباس أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عَنْ شَرْيِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ قَالُوا نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِمَّا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مالك قال ابن عبد البر والبيضاء الشعير مَعْرُوفٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ بِالْحِجَازِ كَمَا أَنَّ السَّمْرَاءَ عِنْدَهُمْ الْبُرُّ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ القاسم بن محمد عن معيقيب المدوسى مِثْلُ ذَلِكَ هَكَذَا هُوَ

فِي مُوَطَّأِ الْعَقَبِيِّ عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَفِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَيْقِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ أيضا عن نافع أن سليمان ابن يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ فَنَى عَلَفُ دَابَّةِ عَبْدِ الرحمن بن الاسود بن يَغُوثَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ طَعَامًا فَابْتَعْ بِهِ شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَزَجَرَهُ إنْ زَادَ أَوْ يَزْدَادَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى مُعَيْقِيبًا وَمَعَهُ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ قد اسْتَبْدَلَهُ بِمُدٍّ مِنْ حِنْطَةٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لَكَ إنَّمَا الْحَبُّ مُدٌّ بِمُدٍّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رَأَى الْحُبُوبَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْبُرُّ عِنْدَهُ وَالشَّعِيرُ فَقَطْ صِنْفًا وَاحِدًا فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وسعد بن أبى وقاص ومعمر ومعيقيب المدوسى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَنَعُوا التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مُغْنٍ عَنْ تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جنسا واحدا أو جنسين (الثاني) إثْبَاتُ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا بِالنَّظَرِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّقَارُبِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَشْمَلْهُمَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) بَلْ يَكُونُ مَفْهُومُهُ مَانِعًا مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا قَالُوا لِأَنَّ تقارب الاعراض والمنافع في الشئ يُصَيِّرُهُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَأَجْنَاسُهُمَا وَمَا بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مِنْ التَّقَارُبِ أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَلَسِ هَذَا مَعَ اتِّفَاقِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ في المسبب وَالْمَحْصَدِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ فَلَوْلَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ بيع البر بالبر

وفيه شئ من الشعير لانه لابد مِنْ تَفَاوُتِهِمَا فَهُمَا نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْجِنْسِيَّةِ مَعَ التَّقَارُبِ فِي الْأَحْكَامِ كَالتَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ في الخرص وكذلك التقارب في الاثمان والجلاوة لِأَنَّ أَغْرَاضَ النَّفْسِ تَخْتَلِفُ فِي كُلِّ نَوْعٍ منها ذكر الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ تَقَارُبَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَشَدُّ مِنْ تَقَارُبِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَقَالَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَرَجَّحُوا مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَذْهَبَهُمْ بِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ عَنْ الرِّبَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ أَثَرِ مَعْمَرٍ أَنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعًا وَخَشْيَةَ أَنْ يُضَارِعَهُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِلْمُضَارَعَةِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْ الشُّبْهَةِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (وَأَمَّا) الاثر عن عمر ومعيقب فَمُنْقَطِعَانِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ سَعْدٍ فَعَلَى ظَاهِرِ رواية سليمان بن يسار لا دليل في لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ سَعْدٍ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ كَمَا فَعَلَ مَعْمَرٌ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ سَعْدٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى الْحَدِيثِ رَأْيُ سَعْدٍ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ فَإِنْ كَانَ كَرِهَهَا نَسِيئَةً فَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَعَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ كَرِهَهَا مُتَفَاضِلَةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا فَلَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ هِيَ الْبُرُّ بالعشير وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّ السُّلْتَ حَبَّةٌ بَيْضَاءُ مُضَرَّسَةٌ وَأَهْلُ العراق يسمون جنسا من الشعير لاقشر لَهُ السُّلْتَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ السَّادِسِ

أَنَّ سَعْدًا سُئِلَ عَنْ السُّلْتِ بِالذُّرَةِ فَكَرِهَهُ وهذا الذي قاله الحربى مع الذى قال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْضَاءَ وَالسُّلْتَ اللذين سُئِلَ عَنْهُمَا سَعْدٌ نَوْعَانِ مِنْ الشَّعِيرِ لَا سِيَّمَا وَسَعْدٌ كَانَ بِالْعِرَاقِ فَيُحْمَلُ السُّلْتُ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ نَوْعَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مُتَفَاضِلًا لَكِنَّ رِوَايَةَ الْحَرْبِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ سَعْدًا كَرِهَ السُّلْتَ بِالذُّرَةِ أَيْضًا فَلَعَلَّهُ يُطْرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ أَوْ يَكُونُ مَذْهَبُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ مَذْهَبِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَ ذِكْرَ الذُّرَةِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ مِنْ وَهْمِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَخَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَا فِيهِ السُّلْتُ بِالذُّرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السُّلْتُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ وَقِيلَ فِي السُّلْتِ هُوَ الشَّعِيرُ بِعَيْنِهِ وَقِيلَ هُوَ الشَّعِيرُ الْحَامِضُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ في العرنيين فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ وَهِيَ السَّمْرَاءُ وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ هَذَا قَوْلُ الْهَرَوِيِّ وَعَنْهُ أَنَّ السُّلْتَ هُوَ حَبٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا بِالسُّلْتِ وَالشَّعِيرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالسُّلْتُ هُوَ الشَّعِيرُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وقال الخطابى البيضاء نوع من البرابيض اللَّوْنِ وَفِيهِ رَدَاءَةٌ يَكُونُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالسُّلْتُ نَوْعٌ غَيْرُ الْبُرِّ وَهُوَ أَدَقُّ حَبًّا مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْضَاءُ هِيَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يُبْنَى مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ مِنْهُمَا جِنْسًا وَالْيَابِسُ جِنْسًا آخَرَ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الْبَيْضَاءَ الرُّطَبُ مِنْ السُّلْتِ فَمَنْعُ سَعْدٍ ظَاهِرٌ كَالرُّطَبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الاسود ليس بصاحبي بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وُلِدَ عَلَى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ

مُعَارِضًا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ جِنْسًا خَاصًّا أَوْ كُلَّ مَا يُطْعَمُ فَإِنْ كَانَ جِنْسًا خَاصًّا أَمَّا الْحِنْطَةُ وَحْدَهَا أَوْ الشَّعِيرُ كَمَا قَدْ يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ (وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ) فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ كُلَّ مَا يُطْعَمُ لَزِمَ أَلَّا يُبَاعَ الْقَمْحُ بِالتَّمْرِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا أَحَدٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَحِينَئِذٍ تَقِفُ الدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ وَيُحْتَاجُ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِهَا جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسًا وَاحِدًا إلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ هَذَا الْحَمْلُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَالْمَخْصُوصُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ بِالطَّعَامِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ الْمُجَانِسِ لَهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّجَانُسُ فِي اللَّفْظِ يُشْعِرُ بِالتَّجَانُسِ فِي الْمَعْنَى (وَأَمَّا) حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَمُتَعَذَّرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمَانِ نَهْيَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلا مثلا بمثل وهو المتبادر إلى الفهم والموافق لبقية الاحاديث فانه ههنا حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ بَيَانَ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (فان قلنا) ان المراد المعرف بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فَأَيْضًا لَا إطْلَاقَ وَلَا تَقْيِيدَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَعُمُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِهِ عَلَى بُعْدٍ لِأَنَّ إيجَابَ وَصْفٍ فِي مُطْلَقِ مَاهِيَّةٍ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَهُ فِي كُلِّ أَفْرَادِهَا وَوَجْهُ بُعْدِهِ لَا يَخْفَى (وَأَمَّا) مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَحْقِيقِ كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا تَتَقَارَبُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِمَا وَالْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرُوهَا (فَقَدْ) أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ مُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْقَمْحَ يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ وَلَا يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ وَالشَّعِيرَ بِالْعَكْسِ يُوَافِقُ الْبَهَائِمَ وَلَا يُوَافِقُ الْآدَمِيَّ غَالِبًا وَلَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُهُمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَغْلِبُ اقْتِيَاتُ الشَّعِيرِ فِي مَوْضِعٍ يعز

الْقَمْحُ فِيهِ وَهَذِهِ الذُّرَةُ يَقْتَاتُهَا خَلْقٌ مِنْ النَّاسِ وَالْأُرْزُ يُقْتَاتُ غَالِبًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ جَائِزٌ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الْبُرِّ وَجَعَلَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الذُّرَةَ وَالدُّخْنَ وَالْأُرْزَ صِنْفًا وَسَلَّمَ فِي الْقَطَانِيِّ كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ وَالْجُلُبَّانِ فَنُلْزِمُهُ بالقول لِأَنَّهُ يُقْتَاتُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُخْتَبَزُ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ هُوَ الْعِلَّةُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَطَانِيِّ وَسَأَذْكُرُ خِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي فَصْلٍ جَامِعٍ أَتَكَلَّمُ فِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى وهذا الذى ألزمناهم به ههنا هو قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِيهِ (وَأَمَّا) إلْغَاءُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مَا أَلْزَمَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِهِ مِنْ التَّقَارُبِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي أَنَّهُمَا حُلْوَانِ وَيُخْرَصَانِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا فَإِلْغَاءٌ عَلَى وَجْهِ التَّحَكُّمِ وَإِلَّا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ هَذِهِ الشُّبَهِ وَاعْتِبَارِ مَا ادَّعَاهُ هُوَ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُهُمْ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَفِيهِ شئ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ قَدْرًا لَوْ مُيِّزَ لَظَهَرَ عَلَى الْمِكْيَالِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ الْمُخَالِطُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ لَوْ مُيِّزَ فَجَوَازُ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي الْمِكْيَالِ لَا لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ التُّرَابَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ لَا تَضُرُّ مُخَالَطَتُهُ وَلَيْسَ بجنس للطعام وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ الْحَمْرَاءِ مَعَ السَّمْرَاءِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحِنْطَتَيْنِ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ مَعَ الْقَمْحِ (وَأَمَّا) الْعَلَسُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِنْطَةِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِنْطَةٌ لَا فِي لُغَةٍ وَلَا غَيْرِهَا * ثُمَّ إنَّ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ الْمَعْنَى يَنْكَسِرُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّ قِيَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَعْظَمُ مِنْ قِيَامِ الشَّعِيرِ مَقَامَ الْبُرِّ وَمَعَ ذَلِكَ هُمَا جِنْسَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّصُّ مُغْنٍ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَعْنَى وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي جَانِبِنَا كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَظَاهِرًا مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ وَقَدْ قَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ لَهُ حِنْطَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَيْهَا أَوْ ضَرَبَهَا الْإِمَامُ جِزْيَةً أَوْ وَجَبَ عُشْرُ حِنْطَةٍ لَمْ يَقُمْ الشَّعِيرُ مقامها في شئ من ذلك *

(التَّفْرِيعُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ) (فَرْعٌ) عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَا مَصُوغَيْنِ أَوْ تِبْرَيْنِ أَوْ عَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَصُوغًا وَالْآخَرُ تِبْرًا أَوْ عَيْنًا أَوْ جَيِّدَيْنِ أَوْ رَدِيئَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا أَوْ كَيْفَ كَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ مَضَى السَّلَفُ وَالْخَلَفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ (وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُصَارِفَ الرجل الصائغ الفضة بالحلى الفضة الممولة وَيُعْطِيَهُ إجَارَتَهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا ولا نعرف في ذلك خلافا إلا ماروي عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الرِّبَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْمَصُوغِ وَيَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا فِي التِّبْرِ بِالتِّبْرِ وَفِي الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ وَفِي الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَيْهِ هُنَاكَ * وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرِ لِأَنَّ لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً وَحَكَى أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَازَ بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَحُلِيٍّ وَزْنُهُ مِائَةٌ يَشْتَرِيهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ الصِّيَاغَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَالِكِيَّةُ يُنْكِرُونَ هَذَا

النَّقْلَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنَّا فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْضَلَ بَيْنَهُمَا قَدْرَ قِيمَةِ الصِّيَاغَةِ وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْنَا وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلٍ لَنَا وَلَا لِأَحَدٍ عَلَى وَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ عُمُومُ الظَّوَاهِرِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمَصُوغِ وَالْمَضْرُوبِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ إنَّمَا لَا تُرَاعَى إلَّا فِي الْإِتْلَافِ دُونَ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا وَجْهَ لِنَصْبِ الْخِلَافِ مَعَهُمْ وَهُمْ مُوَافِقُونَ وَقَدْ نَصَّبَ أَصْحَابَنَا الْخِلَافَ مَعَهُمْ وَكَانَ شُبْهَةُ النَّقْلِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةً نَقَلَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ فَكَأَنَّ الْأَصْحَابَ أَخَذُوا مِنْهَا ذَلِكَ لِمَا كَانَ لَازِمًا بَيِّنًا مِنْهَا وَهَا أَنَا أَنْقُلُ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَوْءٍ مُنْكَرَةٌ لَا يَقُولُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مَا يُخَالِفُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي التَّاجِرِ يَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِوَرِقِهِ فَيُعْطِيهِمْ أَجْرَ الضَّرْبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ وَزْنَ وَرِقِهِ مَضْرُوبَةً قَالَ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ خروج الرقعة ونحوه فارجو أن لا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ القاسم أراه حقيقا لِلْمُضْطَرِّ وَلِذِي الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَذَلِكَ ربا ولا يحل شئ مِنْهُ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَصْلُحُ هذا ولا يعجبني اه وقد ذكر بن رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ ونقل عن مالك أنه قال إنى لا أرجو أن يكون حقيقا وَقَدْ كَانَ يُعْمَلُ بِهِ بِدِمَشْقَ فِيمَا مَضَى وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْوَرَعِ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مَذْمُومَيْنِ أَخَفُّهُمَا خَلْطُ أَذْهَابِ النَّاسِ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الضَّرْبِ أَخَذَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ عَلَى حِسَابِ ذَهَبِهِ وَأَعْطَى الضَّرَّابَ أُجْرَتَهُ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يعمل به في زمان بنى أمية لانها كَانَتْ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالتُّجَّارُ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ مُجْتَازُونَ وَالْأَسْوَاقُ مُتَقَارِبَةٌ فَلَوْ جَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ حَتَّى يَضْرِبَ ذَهَبَ صَاحِبِهِ فَاتَتْ الْأَسْوَاقُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّ الذَّهَبَ يُغَشُّ وَقَدْ صَارَ لِكُلِّ مَكَان سِكَّةٌ تُضْرَبُ

فَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّانِ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ ارْتَفَعَتْ وَقَالَ سَحْنُونَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحُكِيَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَلَمْ يُرَخِّصُوا فِيهِ عَلَى حَالٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) اسْتِعْمَالُ الدَّنَانِيرِ وَمُبَادَلَتُهَا بِالذَّهَبِ بَعْدَ تَخْلِيصِهَا وَتَصْفِيَتِهَا مَعَ زِيَادَةِ أُجْرَةِ عَمَلِهَا قَالَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِمُضْطَرٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَفَّفَ ذَلِكَ مالك رحمه الله في وسم بدرسعة مصوفها بَعْدَ هَذَا لِمَا يُصِيبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَبْسِ عَنْ حُقُوقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا جَوَّزَ الْمَعَرِّيُّ جَوَازَ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا وَكَمَا جَوَّزَ دخول مكة بغير احرام لكن يُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ مَا هُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَبْرَارِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَاهُ خفيفا لِلْمُضْطَرِّ وَذَوِي الْحَاجَةِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ الَّذِي يُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا خَفَّفَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ شِرَاءَ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِوَزْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَزِيَادَةِ قَدْرِ الصِّيَاغَةِ وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُجِيزُ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ مُتَفَاضِلًا وَالْمَصُوغَ مِنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي ذَلِكَ فَرَاعَى فِيهِ قَوْلَهُ انْتَهَى مَا أَرَدْتُ نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَوَجْهُ الِاشْتِبَاهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَعْنَى مَا نُقِلَ عنه ومعنى ماقاله إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا لَمَّا نَقَلُوا عَنْهُ حُجَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ وَجَوَابَهَا فَنَذْكُرُهَا لِيُسْتَفَادَ وَيَحْصُلَ بِهَا الْجَوَابُ عَنْ مَذْهَبِ مُعَاوِيَةَ وَعَمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَنَقَلُوا مِنْ احْتِجَاجٍ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ حُلِيًّا وَزْنُهُ مِائَةٌ وَصِيَاغَتُهُ تُسَاوِي عَشْرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ وَقَدْ ذكر أصحابنا الجواب عن ذلك وأبسطهم جواب القاضى أبو الطَّيِّبِ قَالَ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا

إذَا أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبًا مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِضَّةً وَالْمُتْلَفُ ذَهَبًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَكُونُ رِبًا وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا ذَهَبًا أَوْ يَكُونَ فِضَّةً فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَوَّمُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ما قالوه ومن أصحابنا من قال يوم بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى وَزْنِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ وَضَمَانِ الْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا بَذَلَ فِي مُقَابَلَةِ الذَّهَبِ الْمَصُوغِ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ وَالصِّيَاغَةُ إنَّمَا هِيَ تَأْلِيفُ بَعْضِ الذَّهَبِ إلَى بَعْضٍ وَالتَّأْلِيفُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا مَبْنِيَّةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُسْقِطَ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا لِأَجْلِ زَوَالِ تَأْلِيفِ الدَّارِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ زِيَادَةَ الثَّمَنِ تَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيَاغَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ التَّفَاضُلُ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَلَا يَجْرِيَ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دِرْهَمًا صَحِيحًا بِأَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ مُكَسَّرٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا صَحِيحًا وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ فانه يقوم بالمكسر وان بلغت قميته أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا يَكُونُ رِبًا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الاتلاف قد يضمن به مالا يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ حُرًّا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَلَوْ بَاعَهَا لَمْ تَصِحَّ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بِالضَّمَانَيْنِ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ لِحُسْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ أَيْضًا نَقَلَتْ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ مُبَادَلَةَ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ النَّاقِصَةِ بِالْوَازِنَةِ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ يَدًا بِيَدٍ كَرَجُلٍ دَفَعَ إلَى أَخٍ لَهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا نَاقِصًا أَوْ طَعَامًا مَأْكُولًا فَقَالَ لَهُ أَحْسِنْ إلَيَّ أَبْدِلْ هَذَا بِأَجْوَدَ مِنْهُ وَأَنْفِقْهُ فِيمَا يُنْفَقُ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ

فَجَازَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْقَرْضِ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَعْنَى ذلك في الذهب والورق بأقل منه الدينارين وَالثَّلَاثَةُ إلَى السِّتَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ سَحْنُونَ قَدْ أَصْلَحَ السِّتَّةَ وَرَدَّهَا ثَلَاثَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَدَلِهَا بِأَوْزَنَ وَأَجْوَدَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ القاسم فيها ثم قال ومنع ذَلِكَ أَشْهَبُ كَالدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ فَلَمْ يجز المعفون بالصحيح ولا لكثير الغش بالخيف الْغِشِّ وَأَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونَ فِي الْمَعْفُونِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُشْبِهُ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ الْكَثِيرَةِ النَّقْصِ بِالْوَازِنَةِ تَفَاضُلًا بِالْوَزْنِ وَلَا تَفَاضُلَ فِي الْكَيْلِ بَيْنَ الْمَعْفُونِ وَالصَّحِيحِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَفِرُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ شَيْئًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْهُ وَزْنًا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ مَعْرُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ لَيْسَ يُحِلُّ بَيْعًا وَلَا يحرمه فان كان وهب له دينار وَأَثَابَهُ الْآخَرُ دِينَارًا أَوْزَنَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ فَلَا بَأْسَ فَإِنَّهُ أَسْلَفَهُ ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهُ أَقَلَّ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ لَهُ بِهِبَةِ الْفَضْلِ وَكَذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَ لَهُ الْقَاضِي بِأَكْثَرَ من وزن ذهبه فلا بأس في هذا * ليس من معاني البيوع اه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ له تعلق بالتماثل والتفاضل * إذا قال رجل لِصَائِغٍ صُغْ لِي خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ لِأُعْطِيَكَ دِرْهَمَ فِضَّةٍ وَأُجْرَةَ صِيَاغَتِكَ فَفَعَلَ الصَّائِغُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا لم يصح ذلك وكان الحاكم عَلَى مِلْكِ الصَّائِغِ لِأَنَّهُ شِرَاءُ فِضَّةٍ مَجْهُولَةٍ بفضة مجهولة وتفرقا قَبْلَ التَّقَابُضِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ فِي الشِّرَاءِ وَذَلِكَ كله يفسد العقد فإذا أصاغه فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَيْفَ شَاءَ وَبِجِنْسِهِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِالْفَصِّ إلَى الصَّائِغِ فَيَقُولَ لَهُ اعْمَلْهُ لِي خَاتَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ ذَلِكَ وَأُعْطِيَكَ أُجْرَتَكَ وَقَالَهُ مَالِكٌ انْتَهَى كَلَامُ الشافعي وقالت الحنبلية للصائغ أخذ الدراهم أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةٌ لَهُ فِيمَا إذَا قَالَ صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَأُعْطِيكَ مِثْلَ زِنَتِهِ وَأُجْرَتَكَ دِرْهَمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لِلصَّائِغِ أَخْذَ الدِّرْهَمَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ

وَالشَّرْطِ وَإِنْ أَرَادُوا بِحُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ يُورِدُهُ عَلَى الْخَاتَمِ الْمَصُوغِ بَعْدَ صِيَاغَتِهِ فَهَذَا عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ فَلَا اتِّجَاهَ لِهَذَا الْفَرْعِ إلَّا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ فِي الذَّخَائِرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَصْفُهُ وَأُجْرَتُكَ كَذَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ التفرق قبل القبض والشرط الْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْفَرْعِ وان لم يكن ما بَابِ الرِّبَا * (فَرْعٌ) لَوْ نَسَجَ الْحَائِكُ مِنْ ثَوْبٍ بَعْضَهُ فَقَالَ لَهُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنَّكَ تُتِمُّهُ لَمْ يَجُزْ نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ (فَرْعٌ) وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قُطُوعٌ مُكَسَّرَةٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ نُقْرَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِهَا صِحَاحًا أَوْ كَانَ مَعَهُ صحاح فاراد أن يبيعها بجنسها قطوعا فَإِمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَزْنِ وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِعَرَضَيْنِ وَيَتَقَابَضَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالْعَرَضَيْنِ مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ فَأَمَّا مَعَ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ فَهُوَ الرِّبَا كَذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ نَصْرٌ وَهَكَذَا الدِّينَارُ الرومي بالعربى والخرساني بِالْمَغْرِبِيِّ وَالدَّرَاهِمُ الرُّومِيَّةُ مَعَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْخُرَاسَانِيَّة مَعَ الْمَغْرِبِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّقَلِّيِّ مَعَ الْمِصْرِيِّ وَسَائِرِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ *

(فَرْعٌ) وَهَكَذَا فِي الْمَطْعُومِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ بِصَاعِ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ لَيْسَ لَهَا رِيعٌ وَافِرٌ جَازَ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ لِأَجْلِ الرِّيعِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الحبوب وهكذا إذا باع صاع صيجانى أو معقلى بِصَاعِ دَقَلٍ أَوْ صَاعِ جَمْعٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَجْنَاسِ الْمَطْعُومَاتِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا قَدْ وُجِدَتْ فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهَا لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا لَوْ بَاعَ دِينَارًا صَرْفُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ صَرْفُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَسِ بِالْحِنْطَةِ لِعَدَمِ التماثل بينهما كذلك الشَّعِيرُ بِالسُّلْتِ لِأَنَّ عَلَى الْعَلَسِ قِشْرَتَيْنِ * (فَرْعٌ) مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ (1) إذا اشترى دينارا بدينار وتقابضا ومضى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعِيرُ الدِّينَارَ الَّذِي قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ جَازَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَرَفَ وَزْنَ الدِّينَارِ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا جَهِلَ وَزْنَ الدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَإِنْ وَزَنَ أَحَدُهُمَا الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذَهُ فَنَقَصَ يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ مُتَفَاضِلَيْنِ * (فَرْعٌ) مِنْ فُرُوعِ التَّقَابُضِ إذَا بَاعَ دِينَارًا بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ فَأَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ بِالْعِشْرِينَ وَتَفَرَّقَا لَمْ تَقُمْ الْحَوَالَةُ مَقَامَ الْقَبْضِ وَبَطَلَ الصَّرْفُ بِتَفَرُّقِهِمَا قَالَهُ نَصْرٌ فِي التَّهْذِيبِ * (فَرْعٌ) عَلَى التَّقَابُضِ أَيْضًا قَدْ عُرِفَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ زَمَنُ الْعَقْدِ قَصِيرًا بَلْ سَوَاءٌ طَالَ الْمَجْلِسُ أَمْ قَصُرَ لِلْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُصَارَفَةِ طَلْحَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ وَلَمْ يَسْمَحْ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ إذَا طَالَ والله أعلم *

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

(فَرْعٌ) عَلَى تَحْرِيمِ النَّسَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْجِنْسَيْنِ الْمُتَّفِقَيْ الْعِلَّةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَجَلِ وَكَثِيرِهِ وَلَيْسَ الْحُلُولُ مُلَازِمًا لِلتَّقَابُضِ فَقَدْ يُؤَجَّلُ بِسَاعَةٍ وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ فَاسِدٌ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ في اليوم والساعة ونحوهما الغزالي ومحمد ابن يَحْيَى وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّسِيئَةِ تَأَخُّرُ الْقَبْضِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْحُلُولَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْعُقُودُ المشتملة على عوض مالى ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ بِالنَّسِيئَةِ إلَى الْحُلُولِ وَعَدَمِهِ عَلَى أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ عُقُودُ الرِّبَا (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَهُوَ أَكْثَرُ الْعُقُودِ (وَمِنْهَا) مَا يَجُوزُ مُؤَجَّلًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَازِهِ حَالًّا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ * (فَرْعٌ) مِنْ فُرُوعِ اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ في الربويات إذا بيع منها الشئ بِجِنْسِهِ امْتِنَاعُ السَّلَمِ فِيهَا كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي التَّمَاثُلِ فِي الْحُلُولِ قَالَ وَنَعْنِي بِهِ مَعْنَى الْأَجَلِ وَالسَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَالُّ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جِنْسِ السَّلَمِ الْأَجَلُ وَالْغَالِبَ عَلَى الْأَجَلِ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَمَّا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ كَانَ ظَاهِرًا فِي إخْرَاجِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ التَّقَابُضُ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَلَا يُسَلِّمُ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا فِي مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَقَالَ أيضا ولا يجوز أن يسلم ذهب فِي ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةً فِي فِضَّةٍ وَلَا ذهب فِي فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةً فِي ذَهَبٍ

وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أنه حكاه عن الاصحاب ثم قال (قلت) انا إنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَانَ حَالًّا فَإِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ عِنْدِي وَاقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ تَرْجِيحَ هَذَا وَجَعْلَهُ بَيْعًا بِلَفْظِ السَّلَمِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الَّذِي حَكَيْتُهُ اسْتَشْكَلَهُ جَمَاعَةٌ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ وَجَعَلَ عَطْفَهُ عَلَى الْأَجَلِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَبَعْضُهُمْ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَلَّا يُعْقَدَ بِصِيغَةِ السَّلَمِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ (وَأَمَّا) إسْلَامُ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَطْعُومَاتِ فَصَحِيحٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى (فَإِنْ قِيلَ) يَنْبَغِي أَلَّا يَصِحَّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ أَخَذَ عَلَيْنَا شَرْطَيْنِ الْحُلُولَ وَالتَّقَابُضَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (قُلْنَا) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي هَذَا تَنْزِيلًا على اختلاف الجنسين فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ جُمْلَتَانِ مُتَفَاضِلَتَانِ النَّقْدَانِ وَالْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ تَنْفَرِدُ كُلُّ جُمْلَةٍ بِعِلَّتِهَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ اخْتِلَافُ الْجِنْسَيْنِ مِنْ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدُ مُطْلَقٍ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا الاجماع الذى قاله محمد بن يحيى والذى قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ وَسَأَذْكُرُ مَنْ نَقَلَهُ غَيْرَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَاعِدَةٌ) لَعَلَّكَ تَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ الْأَرْبَعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطُّعْمُ وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ فَمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ شَيْئَيْنِ فقط (فاعلم) بان الْوَصْفَ الْمَحْكُومَ بِكَوْنِهِ عِلَّةً تَارَةً لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ أَصْلًا فَهَذَا مَتَى ثَبَتَ ثَبَتَ الْحُكْمُ وَتَارَةً يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَمْرٌ آخَرُ إمَّا شَرْطٌ فِي تَأَثُّرِهِ وَإِمَّا مَحَلٌّ يُؤَثِّرُ فِيهِ دُونَ مَحَلٍّ آخَرَ وَهَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مَعَ شَرْطِهِ أَثَّرَ وَإِذَا وجد بغير شرطه

أوفى غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْخَاصُّ وقد يوثر فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِثَالُهُ الزنا علة للرجم فِي الْمُحْصَنِ فَإِذَا فُقِدَ الْإِحْصَانُ لَا يُؤَثِّرُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حُكْمٍ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الْجَلْدُ فَالطُّعْمُ عِلَّةٌ فِي تَحْرِيمِ الثَّلَاثَةِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي جِنْسَيْنِ فَيُؤَثِّرُ فِي النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ فَقَطْ فَمُطْلَقُ الطُّعْمِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَعِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَعِلِّيَّتُهُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ وَفِي اثْنَيْنِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَعِنْدَ هَذَا أَذْكُرُ تَقْسِيمًا فِي مُطْلَقِ الْعُقُودِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ فِي الْعِوَضَيْنِ اشْتِرَاكٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَالْجِنْسِيَّةِ أَوْ لَا يَحْصُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ يَحْصُلَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ فَقَطْ أَوْ فِي الْجِنْسِيَّةِ فَقَطْ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) يَحْرُمُ فِيهِ النَّسَاءُ إجْمَاعًا وَالتَّفَاضُلُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالْبَدَلُ قَبْلَ التَّقَابُضِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةِ أَمْ لَا كَإِسْلَامِ عَبْدٍ فِي ثَوْبَيْنِ وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُ النَّسَاءِ وَالتَّفَرُّقِ وَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحِ بِالْحِنْطَةِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ نَقْدًا كَبَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِهِ نَسَاءً وَلِبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِيهِ كَمَا إذَا أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبَيْنِ فَالْقِسْمُ الرَّابِعُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ القسم الثاني ذكرهما المصنف في الفصل الذى قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ * إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ هَلْ نَقُولُ الْجِنْسِيَّةُ شرط العمل الْعِلَّةِ فَالْجِنْسِيَّةُ وَحْدَهَا لَا أَثَرَ لَهَا عِنْدَنَا أَوْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا فَتَكُونُ مُرَكَّبَةً أَوْ مُجْمَلٌ فِيهِ الْعِلَّةُ فَاَلَّذِي يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ وَصْفٌ وَأَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ فِي تَخْرِيجِ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْدَلَانِيِّ مِنْ طَرِيقَةِ نَاصِرِ

الْعُمَرِيِّ وَزَعَمَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ اتِّفَاقَ أصحابهم ممن صنف الخلاف وأصحابنا وأصحاب أبى حنففة عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ إلَى وَقْتِهِ أَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا قَالَ وَخَالَفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ الْعِلَّةُ هِيَ الطُّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ وَلَكِنَّ الْجِنْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَكَانَ يَقُولُ العلة الطعم في الجنس سمعت القاضى أبى القاسم بن كج الشافعي بالدينو يَقُولُ هَذَا وَيَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا عَمَّنْ عَاصَرَهُ من أصحابه في ذلك شئ يَتَحَرَّرُ وَلَمْ يُدَقِّقُوا فِي النَّظَرِ وَلَا تَعَلَّقُوا فِيهِ إلَى هَذَا التَّضْيِيقِ وَالتَّحْقِيقِ ثُمَّ اخْتَارَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ الْجِنْسَ شَرْطٌ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَرَاوِزَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ وَأَطْنَبَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا أَثَرَ لَهُ وَالْحَنَفِيَّةُ جَعَلُوا الْجِنْسِيَّةَ وَصْفًا فِي الْعِلَّةِ فَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ وَحْدَهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءَ فَلَا يَجُوزُ إسْلَامُ ثوب في ثوبين ومعنى المحل مايعين لِعَمَلِ الْعِلَّةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاوِزَةُ هَلْ هِيَ مَحَلٌّ أَوْ شَرْطٌ فَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ يَحْيَى أَنَّهَا مَحَلٌّ وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ الْمَرَاغِيُّ وَالْفَقِيهُ الْقُطْبُ أَنَّهَا شَرْطٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ تَحْتَ هَذَا الِاخْتِلَافِ كَبِيرُ طَائِلٍ وَمَنَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا يَلْزَمُ إفَادَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْغَزَالِيُّ قَدْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْمَنْعِ أَيْضًا فِي التَّحْصِينِ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقَابُضِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (مِنْهَا) مَا يَجِبُ فِيهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بالاجماع وهو الصرف (ومنها) مالايجب بِالْإِجْمَاعِ كَبَيْعِ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُرُوضِ بِالنَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (وَمِنْهَا) مَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِيهِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَصْلٌ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الذَّهَبُ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَذْهَابٌ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ - فَتْحُ الْوَاوِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَكَسْرُ الْوَاوِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَشْهُورَةٌ وَالرَّابِعَةُ - فَتْحُ الْوَاوِ وَالرَّاءِ مَعًا - حَكَاهُمَا الصَّاغَانِيُّ فِي كِتَابِ الشَّوَارِدِ فِي اللُّغَاتِ قَالَ وَقَرَأَ أَبُو عُبَيْدٍ (أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ) وَنَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيِّ وَضَبْطِهِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ هَكَذَا بِالنَّصْبِ وَهُوَ عَلَى الْحَالِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُصَدَّرِ بِالنَّهْيِ التَّقْدِيرُ لَا تَبِيعُوا الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التَّقْدِيرُ الذَّهَبُ مَبِيعٌ بِالذَّهَبِ فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ بالرفع فيكون مثل بمثل مبتدأ وخبر وَهِيَ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَأَخَوَاتُهَا وَالتَّقْدِيرُ مِثْلٌ مِنْهُ بِمِثْلٍ وَحُذِفَتْ مِنْهُ هَهُنَا كَمَا حُذِفَتْ مَنَوَانِ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ وَالْمِثْلُ فِي اللُّغَةِ النَّظِيرُ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلُهُ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مُسْتَوِيًا بمستو لافضل لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَيْسُوا سواء) أي مستوين وكذلك قوله (سواء للسائلين) أَيْ مُسْتَوِيًا وَهَذَا مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ فَاسْتَوَى الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ وَيَكُونُ السَّوَاءُ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالنَّصَفَةِ بِمَعْنَى الْوَسَطِ قَوْلُهُ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ يُرِيدُ مَرْئِيًّا بِمَرْئِيٍّ لَا غَائِبًا بِغَائِبٍ وَلَا غَائِبًا بِحَاضِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَيْنِ عَيْنُ الْمَرْئِيِّ لِأَنَّهَا سَبَبُ الرُّؤْيَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ حَاضِرًا بِحَاضِرٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الكلمتين

كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُعَايَنَةً كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِمْ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً وَالْعَيْنُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَالْعَيْنِ وَالْمُعَايَنَةِ وَالنَّظَرِ والعين الذى ينظر للقوى وَهُوَ الرِّيبَةُ وَالْعَيْنِ الَّذِي تُبْقِيهِ لِيَتَجَسَّسَ لَكَ الْخَبَرَ وَالْعَيْنِ يَنْبُوعِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الرَّكِيَّةِ مَصَبِّ مَائِهَا وَالْعَيْنِ مِنْ السَّحَابِ مَاءٍ عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ وَقَدْ يُقَالُ الْعَيْنُ مَاءٌ عَنْ يمين قبلة العراق إلى الناحية والمعين مَطَرُ أَيَّامٍ لَا يُقْلِعُ وَقِيلَ هُوَ الْمَطَرُ يَدُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةً وَالْعَيْنُ النَّاحِيَةُ كَذَا أَطْلَقَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَعَيْنُ الرَّكِيَّةِ نُقْرَةٌ في مقدمها وَعَيْنُ الشَّمْسِ شُعَاعُهَا الَّذِي لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ العين قاله ابن سيده والمعين الْمَالُ الْحَاضِرُ وَمِنْ كَلَامِهِمْ عَيْنٌ غَيْرُ دُبُرٍ وَالْعَيْنُ الدِّينَارُ وَالْعَيْنُ الذَّهَبُ عَامَّةً قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا عَلَيْهِ مِائَةٌ عَيْنًا وَالرَّفْعُ الْوَجْهُ وَالْعَيْنُ فِي الْمِيزَانِ الْمَيَلُ وَجِئْتُكَ بِالْحَقِّ مِنْ عَيْنٍ صَافِيَةٍ أَيْ مِنْ فِضَّةٍ وَجَاءَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ أَيْ خَالِصًا وَاضِحًا وَعَيْنُ الْمَتَاعِ خِيَارُهُ وَعَيْنُ الشئ نفسه وشخصه وأصله والعين والعينة المسلف وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْعَيْنُ الثُّقْبُ فِي الْمَزَادَةِ وَالْعَيْنُ الْمَالُ النَّاضُّ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَضْرُوبُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعَيْنُ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ قَالَهَا الْأَزْهَرِيُّ فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ لِلْعَيْنِ مَجْمُوعَةٌ مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ سِيدَهْ وَابْنِ فَارِسٍ وَالْهَرَوِيِّ وَأَكْثَرُهَا فِي كَلَامِ ابْنِ سِيدَهْ وَقَوْلُهُ (يَدًا بِيَدٍ) إعْرَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ مُقَابَضَةً وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ كَلَّمْتُهُ فَاهُ إلَى فِي أَيْ مُشَافَهَةً عَنْ سِيبَوَيْهِ * قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ لا يفرد منها شئ دون شئ فَلَا تَقُلْ بِعْتُهُ يَدًا حَتَّى تَقُولَ بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ هَذَا النَّحْوَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا

وَمَنْ جَمَعَ مِنْ الرُّوَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَدَعْوَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى وَدَعْوَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَعْنًى فَالْعَيْنُ لِإِفَادَةِ الْحُلُولِ وَالْيَدُ لِإِفَادَةِ التَّقَابُضِ أَيْ مَقْبُوضًا بِمَقْبُوضٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَنَقُولُ مُنَاجَزَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يُعْطِي بِيَدٍ وَيَأْخُذُ بِأُخْرَى قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ بَاعَ فُلَانٌ غَنَمَهُ بِالْيَدَيْنِ يُرِيدُ تَسْلِيمَهَا بِيَدٍ وَأَخْذَ ثَمَنِهَا بِيَدٍ قَالَ وَيُقَالُ أَبِيعَتْ الْغَنَمُ بِالْيَدَيْنِ أَيْ بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْمُنْذِرُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الروايات (ها وها) معناه التقابض وقال الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ (هَا وَهَا) مَقْصُورَيْنِ وَالصَّوَابُ مَدُّهُمَا وَنَصْبُ الْأَلِفِ مِنْهُمَا وَجَعْلُ أَصْلِهِ هاك أي خذ فاسقطوا الكاف وعرضوا عَنْهَا الْمَدَّ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ هَا وَلِلِاثْنَيْنِ هَا وَأَمَّا بِزِيَادَةِ الْمِيمِ لِلْجَمَاعَةِ فَهَاؤُمْ قَالَ اللَّهُ تعالى (هاؤم اقرؤا كتابيه) وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ الْمُظَفَّرِ وَذَكَرَ أَبُو بكر ابن الْعَرَبِيِّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَاكَ وَهَاكُمَا وَهَاكُمْ وَجَرَى فِي ذَلِكَ قول كثير لبابه عند أَنَّ هَا تَنْبِيهٌ وَحُذِفَ خُذْ وَأَعْطِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ وَأَمَّا هَاؤُمَا وَهَاؤُمْ فَقِيلَ فِيهِ مَعْنًى أُمَّا وَأُمُّوا أَيْ اقْصِدُوا وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْوَاحِدِ إلَّا بِالْكَافِ فَهِيَ الْأَصْلُ وَلِذَلِكَ أَجْرَتْ بَعْضُ الْعَرَبِ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ فِي لُحُوقِ الْكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) (مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَقُولُ مَنْ زَادَ صَاحِبَهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَازْدَادَ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَقَدْ أَرْبَى أَيْ دَخَلَ فِي الرِّبَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) (الْأَصْنَافُ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ

عَلَى تَحْقِيقِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْأَجْنَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) (كَيْفَ شِئْتُمْ) كَيْفَ هَهُنَا اسْمُ شَرْطٍ أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ فَبِيعُوا فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبِيعُوا الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَيْفَ هُنَا لِلِاسْتِفْهَامِ كَمَا هُوَ أُغْلَبُ أَحْوَالِهَا وَكَوْنُهَا تَأْتِي اسْمَ شَرْطٍ قَدْ ذَكَرَهُ النُّحَاةُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ * وجوبك بِكَيْفَ مَعْنًى لَا عَمَلًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ * يَعْنِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ يَجْعَلُونَهَا اسْمَ شَرْطٍ مَعْنًى وَعَمَلًا ومن مجئ كَيْفَ شَرْطِيَّةً قَوْله تَعَالَى (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) أَيْ كَيْفَ يَشَاءُ يُنْفِقُ وَمَعْنَاهَا فِي ذَلِكَ عُمُومُ الْأَحْوَالِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ كَيْفَ شِئْتَ فَلَهُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ وَبِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَجْوِيزُ الْكُلِّ فَيُمْكِنُ اعْتِضَادُهُ بِالْحَدِيثِ فِي إدْرَاجِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ تَحْتَ الْكَيْفِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ فَرْقٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ مَعًا كَقَوْلِهِ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا الصِّنْفَ بِصِنْفٍ آخَرَ كَيْفَ شِئْتُمْ عَلَى أَحَدِهِمَا زِيَادَةً) فَشَمِلَ أَيْ فَبِيعُوا فِي الثَّمَنِ وَذَلِكَ مُقَابَلَةُ الْمَبِيعِ بِالْكَيْفِيَّةِ إلَى أَحْوَالٍ وَنُقْصَانُهُ عَنْهُ (وَأَمَّا) الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَكَالَةِ فَالْكَيْفِيَّةُ رَاجِعَةٌ إلَى نَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا جَرَمَ شَمِلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ وَلَمْ يَشْمَلْ قِلَّةَ الثَّمَنِ وَكَثْرَتَهُ وَبَيَانَ جِنْسِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ مُسَمَّى الْبَيْعِ (وقَوْله) تعالى (ينفق كيف يشاء) وَمَوْقِعُ كَيْفَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّمَاثُلَ وَالتَّفَاضُلَ صِفَتَانِ لِلْمَبِيعِ يَرْجِعَانِ إلَى أَحْوَالِ مُقَابَلَتِهِ بِغَيْرِهِ وذلك من الكيف لامن الْكَمِّ فَلِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) (إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثَانِيًا وَاهْتِمَامُهُ بِهِ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ التَّأْكِيدَ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَدًا بِيَدٍ يَدُلُّ عَلَى التَّقَابُضِ صَرِيحًا وَعَلَى الْحُلُولِ ظَاهِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَفِي الْأَوَّلِ أَتَى بِاللَّفْظَيْنِ لِيَدُلَّا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ صَرِيحًا وَفِي الْأَخِيرِ اكْتَفَى بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ والله أَعْلَمُ * وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ

لِلْبَيْعِ أَيْ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَدًا بِيَدٍ أي مناجزة فههنا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ وَفِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمَبِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَبِيعُوا إلَّا مُنَاجَزَةً فَيَكُونُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَيْعًا مُنَاجَزَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التبر من الدراهم والدنانير ماكان غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَمَا كَانَ كُسَارًا أَوْ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وَأَصْلُ التِّبْرِ مِنْ قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَّرْتُهُ جِدًّا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجُوزُ التِّبْرُ بِالتِّبْرِ وَبِالْعَيْنِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاصِلِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَقَبْلَ الضَّرْبِ وَأَمَّا التِّبْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَعْدِنِ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ فِضَّةٍ وَلَا يُوجَدُ تِبْرُ ذَهَبٍ خَالِصًا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ بَيْعُ التِّبْرِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِخَالِصٍ كَبَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله * (وان تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا نظرت فان لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ وقد قبض قبل التفرق وان تفرقا ففيه قولان (أحدهما) يجوز ابداله لان ما جاز ابداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه (والثانى) لا يجوز وهو قول المزني لانه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز * (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعُ جَوَازِ الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا إذَا حَصَلَ التَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلًا ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ تَارَةً يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَتَارَةً يَرِدُ عَلَى الذِّمَّةِ وَالْوَارِدُ عَلَى الذِّمَّةِ إمَّا أَنْ يَرِدَ على شئ يستحق بالعقد وإما على شئ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَتَحَوَّلُ بِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ)

المعين (والثانى) الموصوف أو مافى مَعْنَاهُ (وَالثَّالِثُ) الدَّيْنُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى عِوَضَيْنِ وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِهِمَا فِي الاقسام الثلاثة ستة ترتيبها أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ قِسْمٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ ما بعده وقد رتبتها هكذا (الاول) أن يكونا معينين (الثاني) معين وموصوف (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ (الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ (الْخَامِسُ) مُعَيَّنٌ وَدَيْنٌ (السَّادِسُ) مَوْصُوفٌ وَدَيْنٌ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ وَمَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا يَمْتَنِعُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِهِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَمْوَالِ الرِّبَا كَبِعْتُكَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ بِهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ بِهَذَا الشَّعِيرِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَتَفَاصِيلُهُ وَمِنْ أَحْكَامِ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْمُتَعَيَّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَتَى تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَدَ الْعَقْدُ وَإِذَا خرج مستحقا تبين بطلان العقد وحيث استحق الرجوع به إما بمقايلة وَإِمَّا بِرَدٍّ بِعَيْبٍ حَيْثُ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَخْذُ بِدَلِهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاعِلُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ في العمد وَغَيْرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قبل قبضه فان القاضي حسين نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَخْطَأَ مَنْ جَوَّزَهُ وَهُوَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ بِقَوْلِ الْفَرَّاءِ إنَّ الثَّمَنَ لَهُ شَرْطَانِ أَنْ يَصْحَبَهُ الْبَائِعُ وَأَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ قِيلَ إنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَمِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بينكما شئ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَيَّنًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَثْمَانِ مُطْلَقَةً وَعَنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا مَجَالَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ إنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى ثَمَنًا صَارَ بَحْثًا لَفْظِيًّا وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِثَوْبٍ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّفْقَةَ خَالِيَةٌ عَنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ مِنْ حيث التسمية فقط فكما أن الثبوت مُتَعَيِّنٌ بِالْعَقْدِ كَذَلِكَ النَّقْدُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْفَرَّاءَ خَلَطَ فِي هَذَا الْكِتَابِ اللُّغَةَ بِالْفِقْهِ وَعَوَّلَ عَلَى فِقْهِ الْكُوفِيِّينَ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِيمَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّقْدَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِأَجْنَاسِهِمَا فَإِذَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ الدَّنَانِيرِ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ على ذلك الطاووسي فِي طَرِيقَتِهِ وَحُجَّتُنَا فِي التَّعْيِينِ مِنْ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الرِّبَا (عَيْنًا بِعَيْنٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَا لَا يَتَعَيَّنَانِ لِمَا كَانَا عَيْنًا بِعَيْنٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عِوَضًا بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ ويتعين بالقبض وعلى القرض والوديعة والغصب والوضيعة وَالْإِرْثِ وَالصَّدَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حُلِيًّا فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ النَّقْدِ بِخُصُوصِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ لَكِنَّهُمْ اعْتَذَرُوا عَنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ الْمُعَيَّنَ إنْ صَلُحَ لِلْعِوَضِيَّةِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ لِتَعَلُّقِ الْمِلْكِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ثَمَنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الثَّمَنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَمَعْنَى التَّعْيِينِ أَنَّهُ يُوفِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ هَذَا الْمُعَيَّنِ (فَنَقُولُ) إنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيهِ بِالتَّعْيِينِ كَالسَّلَمِ إذَا عَيَّنَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا وَهَذِهِ حُجَّةُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَبْطُ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِهِ لِعِلْمِهِ بِحِلِّهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَوَائِدَ وَمَقَاصِدَ فِي تَعْيِينِ الثَّمَنِ (مِنْهَا) لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ عِنْدَ الْفَلَسِ وَتَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ لِقَصْرِ الْحَقِّ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ (وَمِنْهَا) لِلْمُشْتَرِي تَكْمِيلُ مِلْكِهِ إذْ الْمِلْكُ فِي

العين آكد منه في الدين ولهذا أجير الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِيُسَاوِيَ الْبَائِعَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَبِالتَّسْلِيمِ يَصِيرُ مَا عَلَيْهِ عَيْنًا مِثْلَ الْمَبِيعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْأَسْرَارِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ مُخْتَصَرًا وَلَا فَرْقَ فِي تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّخَايُرِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَقَبْلَ التَّخَايُرِ صَحَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي كَالتَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَضَعَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا يَصِحُّ أَوْ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقَبْلَ التَّقَابُضِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَلَا يُصَادِفُ الِاسْتِبْدَالُ محلا خلافا لابن سريج والله أَعْلَمُ (فَرْعٌ) لَوْ وَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ الدَّرَاهِمَ الْمُعَيَّنَةَ لِبَاذِلِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهَا وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ طَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْتَرِي مَلَكَ صَحَّ التَّزْوِيجُ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْقُطُ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ * (فَرْعٌ) إذَا تَعَاقَدَا عَلَى مُعَيَّنَيْنِ يَجُوزُ جُزَافًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا مَوْصُوفَيْنِ أوفى مَعْنَى الْمَوْصُوفَيْنِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نَقْدٌ مُتَعَارَفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُكَ دِينَارًا مِصْرِيًّا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا من

الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتِكَ فَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا تَوَاصَفَا الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَيَرْجِعُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَاسْتَقْرَضَا وَتَقَابَضَا جَازَ وَكَذَلِكَ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إنَّمَا يُقَوَّمُ بِالْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ بِأَنْ كَانَ فِيهَا نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ النَّوْعِ كَقَوْلِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ رَاضِيَةٍ أَوْ نَاصِرِيَّةٍ بِدِينَارٍ مطبقي أو ما سيأتي أو أهوارى أَوْ سَابُورِيٍّ وَفِي التَّقْوِيمِ يُعَيِّنُ الْقَاضِي وَاحِدًا لِلتَّقْوِيمِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غير تعين فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ بَيْعَ الدَّيْنِ فَقَدْ نَهَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قَالَ فَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ الْعِوَضُ عَيْنًا غَائِبَةً لَمَا كَانَ إلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ سَبِيلٌ وَاسْتَضْعَفَ الرُّويَانِيُّ هَذَا وَنَظِيرُ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ صَالِحِ الْمِصْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا ثُمَّ يُقْبَضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مَوْصُوفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ غَرِيبَانِ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَحْكِهِمَا في المسئلتين غَيْرُ هَذَيْنِ الْمُصَنِّفَيْنِ يَعْنِي صَاحِبَ التَّتِمَّةِ وَالْمَاوَرْدِيَّ فِيمَا أَعْلَمُ وَلَسْت أَدْرِي هَلْ يُوَافِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ الْعَبَّادِيَّ وَأَبَا الْعَبَّاسِ الْمِصْرِيَّ صَاحِبَيْ الْوَجْهِ صَاحِبَهُ فِي مَسْأَلَتِهِ أَمْ لَا وَالْمُسَاوَاةُ مُتَّجَهَةٌ وَقَدْ يُتَكَلَّفُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ الَّتِي رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ

بِالْوَرِقِ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَعْنِي يَدًا بِيَدٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إذَا عَيَّنَا فِي الْمَجْلِسِ صَارَ عَيْنًا بِعَيْنٍ كَمَا إذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَمْ يرد التعيين والتقابض في نفس العقد اه وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ حَتَّى يَكُونَ الْعَيْنَانِ حَاضِرَتَيْنِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُظْهِرَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَيُعَيِّنَ وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعنيه قَرِيبًا مُتَّصِلًا بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ يُحِلُّهَا مِنْ كِيسِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَاتَّفَقُوا يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءَ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ ومالك وَالشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّرْفِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ كونه عينا اه وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعِوَضَيْنِ حِينَ الْعَقْدِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَقَاضِيهِ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ أَخْذَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ صَرْفٌ وَالْمَأْخُوذَ عَنْهُ لَيْسَ مُعَيَّنًا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْت) حَكَمْتُمْ هُنَا بِجَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى الْمَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَرَّمْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَلَنَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ عَلَى النَّظَرِ إلَى الْمُعَيَّنِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِهِ لِأَنَّهُ سَلَمٌ أَوْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ حَالًّا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قُلْت) امْتِنَاعُ إسْلَامِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فِي الْآخَرِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْأَجَلِ وَالْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّرْفِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ وَالسُّؤَالُ إذَا نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ إشْعَارَ اللَّفْظِ بِالْأَجَلِ يَزُولُ بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ (إمَّا) تَصْحِيحُ السَّلَمِ فِيهَا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَإِمَّا) فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (قُلْت) الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ قِسْمَانِ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ فَهُمَا خَاصَّانِ تَحْتَ أَعَمَّ وَبَيْنَهُمَا أَعْنِي الصَّرْفَ وَالسَّلَمَ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُ نَقْدًا وَقَدْ

لَا يَكُونُ وَبَيْعَ النَّقْدِ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَفِي مَحَلِّ صِدْقِهِمَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ النَّقْدُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجِبُ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ فَحُكْمُ الصَّرْفِ وُجُوبُ التَّقَابُضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحُكْمُ السَّلَمِ قَبْضُ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْمُثَمَّنُ فَإِمَّا أَنْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأَخُّرِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الصَّرْفِ تَضَادٌّ أَوْ تَقُولَ إنَّ السَّلَمَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَدَمَهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَيُرَجَّحُ بِاللَّفْظِ فَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ السَّلَمِ بَطَلَ وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الصَّرْفِ صَحَّ وَكَانَ صَرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَكَانَ السَّلَمُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ لُزُومِ التَّقَابُضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَفِّيَ الصَّرْفَ حُكْمَهُ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كَوْنَهُ صَرْفًا يَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَكَوْنَهُ سَلَمًا غَيْرُ مَانِعٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (فَإِنْ قُلْتَ) التَّرْجِيحُ بِاللَّفْظِ فِيمَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَصِحُّ أَوْ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَبْطُلُ لِمَا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مِنْ التضاد أما إذا جَرَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ فَيَبْقَى تَعَارُضُ الْمَعْنَيَيْنِ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ (قُلْت) بَلْ لَفْظُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ إلَى هَذَا الْمَبِيعِ الْخَاصِّ مُرَجِّحٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ سَمَّوْا هَذَا النَّوْعَ بِاسْمِ الصَّرْفِ لِمَا سَتَعْرِفُهُ وَهَذَا الْبَحْثُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْصُوفًا وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ أَوْ دَيْنٌ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَشْعَرَ هَذَا الْبَحْثَ فَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَإِنْ وُضِعَ السَّلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُحْسَبُ والصرف يجوز عقده على الوصف ثم لابد مِنْ التَّقَابُضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ انما هو ذكر حكم للسلم وَالصَّرْفِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جُزْءًا مِنْهَا وَفِيمَا قَدَّمْتُهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَمْ يَجْزِمْ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ بِالطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ كَمَا جَزَمُوا

فِي الصَّرْفِ بَلْ حَكَوْا فِي الطَّعَامِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْبَهَ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ وَجْهَ الْجَوَازِ أَظْهَرُ * (فَرْعٌ) هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أولا؟ اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ يَجُوزُ عَلَى الْجَدِيدِ الْمَشْهُورِ (وَأَمَّا) فِي الصَّرْفِ فَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لَمْ يَحْصُلْ مَدْلُولُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَيْنًا بِعَيْنٍ) لَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا فِي الْمَجْلِسِ فَوَجَبَ الْبُطْلَانُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ بِعَرَضِيَّةِ الْبُطْلَانِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ قُبِضَ أما إذا الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلِانْفِسَاخِ مِنْ جِهَتِهِ بِأَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهِ وَالثَّمَنُ فِي الصَّرْفِ قَابِلٌ لِلِانْفِسَاخِ الْآتِي مِنْ جِهَتِهِ بِعَدَمِ قَبْضِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ اللُّزُومُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي اللزوم قبل التقابض أو على الوجه الْقَائِلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ لِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ فلابد مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَدْ خَرَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الِاسْتِبْدَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ نَقْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ مَاذَا وَحُكِمَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الثَّمَنُ النَّقْدُ وَلَا مَبِيعَ هُنَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ لَا يَنْبَغِي التَّعْرِيجُ عَلَيْهِ والله أعلم *

(فَرْعٌ) الْإِبْرَاءُ عَنْ هَذَا الْعِوَضِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ فِي الصَّرْفِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ افْتَرَقَا قبل قبضها بطل الصرف لانه ابراء مما لم يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ * (فَرْعٌ) جَرَيَانُ الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس لاإشكال فِيهِ كَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَأَنْ يَبِيعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ وَالِانْتِصَارِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي * (فَرْعٌ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ فَلَوْ بَاعَ بِدِرْهَمٍ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ يَجِبُ دِرْهَمٌ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهِ مِنْ النُّقْرَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فلوسا أو دراهم عطر بقية يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا * (فَرْعٌ) جَرَيَانُ هَذَا الْقِسْمِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَيْثُ يَكُونُ هُنَاكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُمْكِنُ فَرْضُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ كَأَنْ يَبِيعَ دَنَانِيرَ مَغْرِبِيَّةً بِدَنَانِيرَ مَشْرِقِيَّةٍ أَوْ دَرَاهِمَ لَيِّنَةً بِدَرَاهِمَ خَشِنَةٍ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ *

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ طَعَامًا بِطَعَامٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمَنْعُ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي النُّقُودِ أَهْوَنُ وَهَكَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِطْلَاقُ (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا دَيْنَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِك بِالْعَشَرَةِ الدارهم الَّتِي لَكَ فِي ذِمَّتِي حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ كُلٍّ مِنَّا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِتَطَارُحِ الدَّيْنَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت اولم تَحِلَّ فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا حَلَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَكِنَّ طَرِيقَهُمَا أَنْ يُبْرِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا هل يدخل في بيع الدين بالدين أولا وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ المنذر وقال قال احمد جماع الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يُبَاعَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ (قُلْتُ) وَنَاهِيكَ بِنَقْلِ أَحْمَدَ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ سَنَدُهُ فِيهِ مَعَ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نهى عن بيع الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ) وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ إنَّ إسْنَادَهُ لَا يَثْبُتُ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَصِحُّ فِي هَذَا حَدِيثٌ قَالَ لَا فَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ أَمْكَنَ التَّمَسُّكُ بِهِ فَإِنَّ الْكَالِئَ بِالْكَالِئِ هُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ كذلك فَسَّرَهُ نَافِعٌ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَقِيقَةٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَثْبُتْ فالاجماع لا يمكن التمسك به

مع جود الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَوِّلُ هَذَا إلَى تَفْسِيرِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُجْمَعِ عَلَى مَنْعِهِ يَعْنِي مَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ فَيَجْعَلَهُ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ فِي الْقَدْرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْعُ دَيْنٍ بِمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مُتَمَسَّكٌ بِضَعْفِهِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ * وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وتقاضيه الدارهم عَنْ الدَّنَانِيرِ وَبِالْعَكْسِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ فَلَوْ وَجَبَ لزيد في ذمة عمرو دينار أهوارى ووجب لعمرو في ذمة زيد دينار أهوارى جَازَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مُعَيَّنٌ وَمَوْصُوفٌ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جمعور الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ جَرَى هَذَا الْقِسْمُ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَانَ بَاطِلًا أَيْضًا كَالْقِسْمِ الثَّانِي وَرَأَى شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَطْعَ بِالْجَوَازِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لِلْبُعْدِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) دَيْنٌ بِعَيْنٍ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَقَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَهَذَا قِسْمَانِ (أحدهما) أن لا يكون ثمنا ولا مثمنا كدين القرض وَالْإِتْلَافِ (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا عَلَى الْجَدِيدِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَلَوْ كَانَ

فِي الصَّرْفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مؤجلا فسيأتي حكمه * إذا عرف ذلك فجواز أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ والحسن والحكم وحماد وطاووس وَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ومالك والثوري والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأبى سلمة ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤْخَذُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَبِأَعْلَى وَبِأَرْخَصَ (قَالَ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انما يقتضيه إيَّاهَا بِالسِّعْرِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ يَقْضِيهِ إيَّاهَا بِالسِّعْرِ إلَّا مَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بسعر يومها) واستدل له بأن هذا حال مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو حصيناه من الجنس والتماثل بينا مُتَعَذِّرٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَاعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سماك بن حرب عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ الدَّنَانِيرَ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ حفصة فقلت يارسول اللَّهِ رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ إنِّي أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ آخُذُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذِهِ عَنْ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ

مِنْ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تفترقا وبينكما شئ) وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَدْ تَفَرَّدَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا يُرْوَى مِنْ غَيْرِ جِهَةِ سِمَاكٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَوْ سِمَاكٌ عَلَى الشَّكِّ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا سماك وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِسِمَاكٍ مِنْ أَفْرَادِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَسِمَاكٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَضَعَّفَهُ شعبة والنووي وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ إنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَأَنَّ شُعْبَةَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلِسِمَاكٍ حَدِيثٌ كَبِيرٌ مُسْتَقِيمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّهُ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تابعي الكوفيين وأحاديثه حسان عمى يَرْوِي عَنْهُ وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيَّ قَالَ سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ طَلِيقٍ يَسْأَلُ شُعْبَةَ فَقَالَ يَا أَبَا بِسْطَامٍ حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ سِمَاكٍ فِي اقْتِضَاءِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ يَرْفَعُهُ أَحَدٌ إلَّا سِمَاكٌ قَالَ فَتَذْهَبُ أَنْ أَرْوِيَ عَنْكَ قَالَ لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَأَخْبَرَنِيهِ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أبى هند عن سعيد ابن جُبَيْرٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ فَأَنَا أُفَرِّقُ بِهِ قُلْتُ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ فَمِنْ جُمْلَةِ مَا رَوَى عَنْهُ حَدِيثُ سُوَيْد بن قليس قال خليت أنا ومخرمة العبدى يدا مِنْ هَجَرَ أَوْ الْبَحْرَيْنِ حَدِيثٌ لَيْسَ لِزَيْدٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ حَالِ سِمَاكٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّوْثِيقِ أَقْرَبُ وَحَدِيثُهُ هَذَا يَدْخُلُ

فِي قِسْمِ الْحَسَنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ عَدِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ قَدْ أَدْرَكْتُ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهُ قَالَ (ذَهَبَ بَصَرِي فَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ ذَهَبَ بَصَرِي قَالَ انْزِلْ إلَى الْفُرَاتِ فَاغْمِسْ رَأْسَكَ فِيهِ وَافْتَحْ عَيْنَيْكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرُدُّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بَصَرِي) وَقَدْ جَعَلَ قَوْمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَشِبْهِهِ فِي قَوْلِهِ (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ الْحَدِيثَانِ بِمُتَعَارِضَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُفَسَّرٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُجْمَلٌ فَصَارَ مَعْنَاهُ لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا لَيْسَ فِي ذِمَّةٍ بِنَاجِزٍ وَإِذَا حُمِلَا عَلَى هَذَا لَمْ يتعارضا اه وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فَهُوَ نَصٌّ فِي أَخْذِ الْمُعَيَّنِ عَنْ الدَّيْنِ (وَأَمَّا) الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمَوْصُوفِ عَنْ الدَّيْنِ فَمُحْتَمَلٌ فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ يَعْتَاضُ عَنْ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهَا دَرَاهِمَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ (وَآخُذُ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْقَبْضِ لَا فِي مُجَرَّدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْسِدُهُ الْجَوَابُ وَرَفْعُ البأس مما إذا تفرقا وليس بينهما شئ ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شئ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ وَقَدْ رَدَّ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَنَعَ جَوَازَ ذَلِكَ وَرَدَّ الْحَدِيثَ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إذَا بَايَعْتَ صَاحِبَكَ فَلَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ مَضْمُونَ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وبالعكس فاقتصر

في رواية النسائي على ما ذِكْرِ مَا يُفْعَلُ فِي الثَّمَنِ دُونَ شَرْحِ الْقِصَّةِ بِكَمَالِهَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا مُنَافَاةَ وَمَنْ زَادَ حُجَّةً عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْخَامِسِ الْقَبْضُ فِي المجلس وبى مَسْأَلَةَ مَا إذَا صَالَحَ بِدَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ * (فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عِوَضًا قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِبْدَالِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ هُنَا مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّهُ إذَا اعْتَاضَ عَرَضًا عَنْ النَّقْدِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ قَبْضُ الْعَرَضِ فِي الْمَجْلِسِ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَوْ اعْتَاضَ عَرَضًا وَنَقْدًا ففيه قولا الجمع بين (1) لا يَسْلَمُ لَهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ * (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ * (فَرْعٌ) وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ البيع أو مافى مَعْنَاهُ (2) قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ ذَهَبٌ حَالٌّ فَأَعْطَاهُ (3) عَلَى غَيْرِ بَيْعٍ مُسَمًّى من الذهب فليس ببيع والذهب (4) وَعَلَى هَذَا دَرَاهِمُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَخَذَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ) دَيْنٌ بِمَوْصُوفٍ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدِّينَارَ الَّذِي لِي فِي ذِمَّتِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَوْصُوفَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فِي بَلَدٍ فِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ فَيَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ مَا إذَا صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفَيْنِ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا الْقِسْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَاقِعٌ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالسَّادِسِ وَصُوَرُهُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي القسم الثاني وهو ما إذا كانا

_ (1) بياض بالاصل فحرر (2) بياض بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل فحرر (4) كذا بالاصل فحرر) *)

مَوْصُوفَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُطْلَقَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَوْصُوفَيْنِ فَإِذَا تَبَايَعَا دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ وَوَصَفَا كُلًّا مِنْ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَطْلَقَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ غَالِبٌ وَتَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَإِنَّمَا صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ صَدْرُ كَلَامِهِ مُحْتَمِلًا لِمَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ لِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بالبدل وتعليله بان المعقود عليه ما فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُعَيَّنًا لَمْ يَأْتِ هَذَا الْحُكْمُ وَالتَّعْلِيلُ إلَّا فِي الْعِوَضِ الْآخَرِ فَقَطْ فَلِذَلِكَ قُلْتُ إنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنَاجِزَا جَازَ أَنْ يَرُدَّهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الْمَقْبُوضِ وَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَحِيحٌ لَا عَيْبَ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ مَعِيبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ كما إذَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ بِعَيْنِهِ فَلَوْ طَالَبَهُ ببدله لطالبه بشئ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ يَرُدُّ الْعِوَضَ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ وَيُطَالِبُ بِبَدَلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِضَّةً خَشِنَةً أو صكتها مضطربة مخالة لسكة السُّلْطَانِ أَوْ بِهَا صَدْعٌ أَوْ ثَلْمٌ أَمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَنَانِيرَ فَتَخْرُجَ نُحَاسًا أَوْ فِضَّةً مَطْلِيَّةً بِذَهَبٍ أَوْ شِبْهِهَا أَوْ يَشْتَرِيَ دَرَاهِمَ فَتَخْرُجَ رَصَاصًا كَذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْمَقْبُوضِ أَمْ بِبَعْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا رَدَّ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كلام المصنف

وَسُكُوتُهُ عَنْ صِحَّةِ قَبْضِ الْبَدَلِ إذَا أُخِذَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِذَا قَبَضَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا حُكْمَيْنِ وَعِلَّتَيْنِ أَوْ يَجْعَلُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَيُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَدْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ يُطَالِبُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ كَافِيَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِجَوَازِ الْمُطَالَبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ هَذَيْنِ النَّقْدَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَجْعَلَ عِلَّةَ جَوَازِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقْبِضْ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ ظَاهِرٌ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَإِذَا قَدَّرْتَ جُمْلَةً شَرْطِيَّةً مَحْذُوفَةً كَمَا ذَكَرْتُ صَارَ الْمَعْنَى فَإِذَا قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَلَامٌ لَغْوٌ فَإِنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَاجِبَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ تَحْصُلُ بِاخْتِلَافِ الضَّمِيرَيْنِ فَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى الْبَدَلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبْضِ الثَّانِي عَائِدٌ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ذَكَرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى وَقَاسَهُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ يَصِحُّ لِوُضُوحِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ

قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَاحْتَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ البحث والتقدير ما لم يحتمله كلامهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ جَزَمُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُطَالِبَ بِالْبَدَلِ وَلَنَا خِلَافٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَنَّ تَعْيِينَهُ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَكُونُ كَتَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلَمِ إليه الاتيان ببدله فهلا كان كذلك ههنا (قُلْتُ) قَدْ تَخَيَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَلَّا يَجُوزَ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ وَهَذَا التَّخَيُّلُ ضَعِيفٌ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى الْجَزْمِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَلْزَمُوا بِهَا الْمُزَنِيَّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وجعلوا هذه المسألة ناقضة لِدَعْوَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ ظَهَرَ لَكَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِبْدَالِ فِي الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ نُقِلَ لِلْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَوْصُوفِ بَلْ هُوَ مُطَالَبَةٌ بِالْمُسْتَحَقِّ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَى هَذَا الْمَقْبُوضِ قَطْعًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ وَفِي الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِهِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَوْصُوفِ

وَلَا تَتَعَيَّنُ حَقِيقَتُهُ بِالْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ كَذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَزَمَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِجْرَاءِ الْخِلَافِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ فِي السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا ثُمَّ عَجَّلَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ بَاقٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي يَظْهَرُ بِأَنَّهُ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي الصَّرْفِ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا حَتَّى لَوْ تَقَايَلَا فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَوْ جَرَى سَبَبٌ يَقْتَضِي الْفَسْخَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْعِوَضِ الَّذِي سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَزَالَ الْإِيرَادُ وَالتَّخْرِيجُ الَّذِي يُخَيَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ عَلَّلَ الْمَحَلِّيُّ فِي الذَّخَائِرِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قبل التفرق بان مافى الذِّمَمِ بَاقٍ لَا تَبْرَأُ بِالْمَعِيبِ صَحِيحٌ وَإِنْ جاز رده والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ وَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ غَرِمَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ * (فَرْعٌ) لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِهِ بِعَيْبِهِ جَازَ فِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ أَرْشِهِ لَمْ يَجُزْ * وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ الْفِضَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا تَفَرَّقَا

ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ عَلَى أَنَّهُ دَرَاهِمُ فَإِذَا هِيَ رَصَاصٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبٌ فَإِذَا هِيَ تِبْرٌ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَيْبَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ غَيْرُ الْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يجوز له إمساكه فإذا قد عقد اعقد الصرف وتفرقا قبل القبض فبطل ما نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ * وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ فَأَوْهَمَ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ وَكَذَلِكَ قَالَ القاضي حسين انه لا خلاف فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الْكُلِّ بَطَلَ عَقْدُ الصَّرْفِ لِمَا قُلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّ فِي السَّلَمِ عَلَى الصَّحِيحِ من المذهب وكان أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُخَرِّجُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ (1) وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقْتَرِنًا بالصفقة وهذا التخريج الذى قاله أبو إسحق هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ تَخْرِيجَهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ فَسَادٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ إذْ تَمَامُ الصَّرْفِ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْبَاقِي قَوْلَانِ فَعَلَى هَذَا ان أبطلناه

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

فِي الْكُلِّ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ فِي السَّلِيمِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ فِي السَّلِيمِ فَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُمْضِيَهُ فَإِنْ أَمْضَاهُ فِي السَّلِيمِ فَبِمَاذَا يُمْضِيهِ نُظِرَ إنْ كَانَ الصَّرْفُ جِنْسًا وَاحِدًا أَمْضَاهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) بِحِصَّتِهِ (وَالثَّانِي) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ الماوردى وكان أبو إسحق يُخَرِّجُ قَوْلًا ثَانِيًا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَسَخَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قُلْتُ وَمَا قَالَ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَمَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ فَمَتَى أَجَازَ بِكُلِّ الثَّمَنِ يَدْخُلْ في ال (1) كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ بَلْ مِنْ حَيْثُ رَدَاءَةُ الْجَوْهَرِ وَخَسَاسَةُ الْمَعْدِنِ أَوْ قُبْحُ السِّكَّةِ وَالطَّبْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ إمساكه والرضا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بنفى الخلاف فيه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَهُ رَدُّهُ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ وَهَلْ لَهُ إبْدَالُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ بِكُلِّ الْعِوَضِ أَوْ بِبَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَنْصُوصَانِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَالْجُرْجَانِيُّ في المعاياه

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَصَحِّ رِوَايَتَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ * وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لَهُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ أَجَازَهَا الْمُسْلِمُونَ إذَا قُبِضَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَلَمًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ فَأَصَابَ بِهِ عَيْبًا أَخَذَ صَاحِبَهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ فِيهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يُصَيِّرُهُ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا جَازَ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ حَصَلَ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ السَّلَمِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ أَيْضًا فَإِنَّ إقْبَاضَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا كَإِقْبَاضِ عِوَضِ الصَّرْفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقْبَاضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَزَادَ الشَّيْخُ فِي الْقِيَاسِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ كَلِمَةً عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلْمُزَنِيِّ فَجَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ جَوَازَ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَجَعَلَهُ مَلْزُومًا بِجَوَازِ الْإِبْدَالِ بَعْدَهُ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ جَوَازِ الْإِبْدَالِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ أَحَدُ أَنْوَاعِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ أَعْنِي هَذَا النَّوْعَ مِنْهُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِالنَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ كَقَوْلِهِ مَنْ صَحَّ

طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ كَالْمُسْلِمِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ نَظِيرُ الظِّهَارِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَذَلِكَ هُنَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَيَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نَظِيرُ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَكِنْ لِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَقْطَعَ النَّظِيرَ وَيَقُولَ إنَّ الْإِبْدَالَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَحْظُورٌ بِخِلَافِ الْإِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُصُولُ التَّقَابُضِ بَعْدَ التَّفْرِقَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي السَّلَمِ لَا مَحْظُورَ فِيهَا أَيْضًا وَلَا يلزم من استوائهما في السلم استواءهما فِي الصَّرْفِ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ اسْتِوَاءِ حُكْمِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَإِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ زِيَادَةٌ يَنْدَفِعُ بِهَا هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَمَا جَازَ فِيهِ كَالْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَافِيَةٌ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِلْمُزَنِيِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمُلَازَمَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ فِيهِ لِأَجْلِ نَقْلِ الْعَقْدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَالْمَنْعُ فِيهِ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَصَرَ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمَوْصُوفِ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْجَوَازِ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاعْتِلَالِ قَالَ لِأَنَّ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِبْدَالَ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَقَعَ التَّقَابُضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَيُؤَدِّيَ إلَى دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ

فَأَشَارَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذَا إلَى خِلَافِ الْعِلَّةِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الْعِلَّةِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْمُزَنِيِّ فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِبْدَالِ مُطْلَقًا فَلْنَذْكُرْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَتَوْجِيهَهُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَالْجَوَابِ فِي الْمُعَيَّنِ وَرَجَّحَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْقَوْلَ فَلِهَذَا نَسَبْتُ الْبَحْثَ الْمُتَقَدِّمَ إلَيْهِ وممن رجحه أبو على العارفي تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ قَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَبَّرَ الْأَئِمَّةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالُوا إذَا فَرَضَ رَدَّ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِبْدَالِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ العقد لم يجز أَمْ لَا يَسْتَنِدُ الْبَعْضُ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَبْضِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا بِمَثَابَةِ الِاخْتِلَافِ فِي نَظِيرِ هَذَا مِنْ السَّلَمِ فَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فِي جَارِيَةٍ ثُمَّ قَبَضَ جَارِيَةً فَوَجَدَهَا دُونَ الْوَصْفِ فَإِنْ قَنِعَ بِهَا فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْلُبُ جَارِيَةً عَلَى الْوَصْفِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَكِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءُ الْجَارِيَةِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَأْخُوذَيْنِ مِنْ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ مَهَّدْنَا الْآنَ اه قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ مِنْ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ فِيمَا يَجُوزُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ سَوَاءً وَفِيمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءً لَزِمَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَعِيبِ بَعْدَ الْقَبْضِ سَوَاءً وَقَدْ قَالَ يُرَدُّ الدِّرْهَمُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدينار قال الشيخ أبو حامد وغيره للقول الذى اختاره المزني ثلاثة أدلة (أحدها) أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَيَأْخُذُ الْعِوَضَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا لِعِوَضِ الصَّرْفِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ أَجْوَدُ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كَلَامِهِ المتقدم (الثاني) أن ماعين بالقبض بمنزلة ماعين بِالْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ الْمُعَيَّنُ بِالْعَقْدِ (الثَّالِثُ) دَلَالَةُ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي فِي الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَعْنَاهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَالصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ فِي الِاسْتِبْدَالِ قِيَاسًا عَلَى استوائهما في التقابض والتفرق وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ

الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي حَصَلَ كَانَ قَبْضًا صَحِيحًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَفَرَّقَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ إمْسَاكُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ تَلِفَ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْقَابِضِ فَالْقَبْضُ صَحِيحٌ لَكِنْ هُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ فانه بفسخ الْعَقْدَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ زَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَقَامَ الْقَبْضُ الثَّانِي مَقَامَهُ فَهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يكن في ذلك تفرق قبل القبض يوجه (وَأَمَّا) الثَّانِي فَبَاطِلٌ إذَا وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعَيِّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا يُعَيِّنُ بِالْعَقْدِ ثُمَّ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمُعَيَّنِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ غَيْرَ مَا ابْتَاعَهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ يَنْكَسِرُ بِالِاسْتِبْدَالِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِيمَا قَالَ وَافْتَرَقَا فِي ذَلِكَ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَجَوَابُهُ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَهُ جَوَابًا إلْزَامِيًّا فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا الْمُزَنِيَّ وَافَقَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ هَكَذَا أَوْمَأَ إلَيْهِ كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ عَيْنَهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحًا وَوَافَقَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ أَنَّ ذَاهِبًا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَانَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا خِلَافًا فِي السَّلَمِ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَمْ لَا يُمْلَكُ إلَّا مِنْ حِينِ الرضى بالعيب وخرجوا على ذلك مسائل وكذلك قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَبَضَ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنَّهُ بَانَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ فَكَأَنَّ الْقَابِضَ لَمْ يَقْبِضْ وَالْمَجْلِسُ بَعْدُ جَامِعٌ هَذَا تَوْجِيهُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِجَوَازِ الْإِبْدَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا قَبَضَ الْمَعِيبَ فِي عَقْدِ الصرف من غير علم بالعيب أن لا يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا تَفَرَّقَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَالْعُذْرُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعِيبَ الْمَقْبُوضَ هَلْ يُمْلَكُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ من حين الرضى يدل أن لا يُؤْخَذَ بِظَاهِرِهِ بَلْ يَكُونُ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّرْفِ التَّقَابُضُ لَا حُصُولُ الْمِلْكِ بِهِ وَهَذَا التَّقَابُضُ جَرَى صَحِيحًا بِدَلِيلِ حُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ الرِّضَى بِلَا خلاف ولو لم يكن القبض صحيحا لااحتاج إلَى قَبْضٍ ثَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَا يَبْقَى تَنَاقُضٌ بَيْنَ مَا جَزَمُوا بِهِ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ حُصُولُ التَّقَابُضِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قُلْتَ الصَّرْفُ أضيق من غيره ونص الشرع يقتضى أن لا يَبْقَى بَيْنَهُمَا عُلْقَةٌ أَصْلًا وَالْمِلْكُ أَقْوَى الْعُلَقِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأُمُورَ الَّتِي سبق اعتبارها

تُغْتَفَرُ وَحُصُولُ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ لَا عَيْبَ فِيهِ مِمَّا يَشُقُّ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ وَصُحِّحَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يَلْتَقِيَانِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى عَنْ الذِّمَّةِ إذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَلْ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الاخذ أولا أَوْ كَأَنَّهُ وُجِدَ وَزَالَ الْمِلْكُ عَنْهُ ثُمَّ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ ثَانِيًا بِالرَّدِّ وَفِيهِ قَوْلَانِ فَائِدَتُهُمَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جارية فردها بعيب هل يجب استبراؤها (الثانية) إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَبْدًا فَاسْتَكْسَبَهُ وَأَخَذَ كَسْبَهُ وَغَلَّتَهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ جُعِلَ كأنه لم يوجد القبض والاخذ فههنا يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ حَصَلَ التَّفَرُّقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَإِنْ قُلْنَا هَذَا مِلْكٌ آخَرُ أَيْ وَتَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِهِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي وَإِنْ كَانَا قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَيْنَاهُمَا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُمْلَكُ الْمَعِيبُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ أَوْ مِنْ حِينِ الرِّضَى فَهُمَا غَيْرُهُمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا السُّؤَالُ كَمَا وَرَدَ عَلَى قَائِلِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رَدَّ وَاحِدٌ الْبَدَلَ هَلْ يَقُولُ إنَّهُ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ فِي الْبَدَلِ أَوْ يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ أَصْلًا وَهَذَا أمر تقديري لاأنه بِطَرِيقِ الْيَقِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فكذلك هذا رفع حكم القبض مني أَصْلِهِ وَالْعَامِلُ الْآخَرُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ فَكَذَلِكَ تَقُولُ إنَّهُ زَالَ الْمِلْكُ فِي الْأَوَّلِ وَعَادَ فِي الثَّانِي هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ يَلْزَمُ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الرِّضَى أَوْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ فَذَلِكَ الْخِلَافُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي سَالِمٌ عَلَى الْإِشْكَالِ. وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى مَنْ غَيَّرَهُ بِالْعِبَارَةِ الْأُولَى وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَقَالَ إطْلَاقُ الْإِبْدَالِ عَلَى مَا يُوجَدُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَا يجوز فأن الاجماع منعقد على أنه لا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ * قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ بَدَلًا عماثبث في الذمة لكان إذ تَلِفَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِمَالِهِ فِي الذِّمَّةِ (قُلْنَا) إنَّمَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ إذَا تَلِفَ الْمَقْبُوضُ لِأَنَّهُ قبضه بصفة المسلم فيه لاأنه بدل عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ بَلْ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَلَى أَنَّهُ بِصِفَةِ مَالِهِ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ. وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْقَبْضُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَاقِعًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وذلك لا يجوز بحل اه وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إبْدَالُ مافى الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ ثَانِيًا بَدَلٌ عَنْ الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا

فالابدال للمقبوض عما في الذمة لالما في الذمة والممتنع في السلم ابدال مافى الذِّمَّةِ. فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مافى الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمهم بَيْنَهَا وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُعَيِّنُهُ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ وَيَكُونُ مُسْلَمًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ إذْ لَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُ مَا فِي الذِّمَّةِ مُجَرَّدًا فَإِذَا رَدَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ وَأَخَذَ الْبَدَلَ فَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ وَانْتَقَلَ إلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ وَمَا فِي الذِّمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ إبْدَالٌ وَإِنَّمَا الْإِبْدَالُ لِقِيَامِ الْمُعَيَّنِ الثَّانِي مَقَامَ الْمُعَيَّنِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بالابدال ههنا الْمُبَادَلَةَ وَالِاعْتِيَاضَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَخْذُ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَوَّلِ فَقَدْ بَانَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ غَيْرُ مُتَوَجَّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (التَّفْرِيعُ) إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ إنَّهُمَا قَبْضَانِ تَعَقَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَبِهِ صرح الغزالي في الخلاصة والبغوى فِي التَّهْذِيبِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا ان وجد في العقد الاول وقد (1) ولا خيار في الفسخ واسترجعا الثَّمَنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ قَالَ الْقَاضِي أبو الطيب أن له رد وَاسْتِرْجَاعَ ثَمَنِهِ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ! فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَمَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا رُدَّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى بِنَاءِ الْإِمَامِ فَإِنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَا الْإِبْدَالَ بِنَاءً عَلَى أنه ملك بالقبض ومتى ملك المعيب بِالْقَبْضِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي الذِّمَّةِ والاصح ماقاله الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ مَعِيبًا وَأَنْ يَرُدَّهُ وَيَفْسَخَ الْعَقْدَ وَيَرْجِعَ ما دَفَعَ كَالصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَ الْبَعْضَ وَيَرُدَّ الْبَعْضَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي تَعْلِيقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَحَدُهُمَا) لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ وَهُوَ أَقْوَى (وَالثَّانِي) لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُفَرِّقُ الصَّفْقَةَ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا أَنْ لاسبيل لَهُ إلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ طَرِيقَانِ فِي جَوَازِ رَدِّ الْبَعْضِ إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا وَهُمَا غَرِيبَانِ لَمْ أَرَهُمَا إلَّا فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مَعِيبًا فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِبَعْضِهِ وَفُرِضَ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ فَقَدْ بَنَاهُ الْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالْمَحَامِلِيُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ قُلْنَا هناك

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

له الا ستبدال فههنا لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ ويطالبه ببدله سليما. وقال المحاملى إنه ههنا أَوْلَى. وَعِبَارَتُهُمْ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَهُ جَيِّدًا وَبَعْضَهُ رَدِيئًا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أن يرد الجيد ويكون له الردئ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أن لا خيار له إذا كان الكل مَعِيبًا وَقُلْنَا بِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ معيبا فههنا كذلك ونقلت من خط سليم الدار عن الشيخ أبى حامد أنه ههنا أَوْلَى فَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَظَرْتَ فَإِنْ رَدَّ الْكُلَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَجَازَ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي هُوَ مَعِيبٌ وَإِمْسَاكُهُ السَّلِيمَ بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ لَمْ يَجُزْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ وَإِنْ قُلْنَا تُبَعَّضُ الصَّفْقَةُ يَجُوزُ رَدُّ ذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْعَيْبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ. وَيُخَيَّرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمْسَاكِ الْكُلِّ وَرَدِّهِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَلِكَ بَنَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الطبري والمحاملى والماوردي والشاشى والبغوى. وَإِذَا أَمْسَكَ السَّلِيمَ أَمْسَكَهُ بِالْحِصَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِنْ جِنْسِهِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَيَحْصُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْآخَرِ وَهُوَ مَا إذَا أَصَابَ بِبَعْضِ مَا مَعَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَخَصَّهَا الْأَصْحَابُ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يُبْدِلُ الْبَعْضَ الْمَعِيبَ (وَالثَّانِي) (وَالثَّالِثُ) قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَعَلَى قَوْلٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَ وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الْكُلَّ وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَعْضَ وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْجَمِيعَ أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ الْمَعِيبِ ذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ جَوَّزْنَا الاستبدال غرم ما تلف عنده واستبدل وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب وإن كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَقَدْ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دِينَارًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وسيأتى ذكرهما مبسوطان فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ * ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى امْتِنَاعِ أَخْذِ الْأَرْشِ فَإِذَا رَدَّ مِثْلَ الدِّينَارِ الْمَعِيبِ فِيمَا لَهُ

مِثْلٌ أَوْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَرِقًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الَّذِي بَانَ عَيْبُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا فِيهِ قَوْلَانِ مَضَيَا فَأَفْهَمَ كَلَامُ الماوردى امتناع أَخَذَ الْأَرْشَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَجَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّرْفِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهُوَ عكس ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وهى مااذا كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَمِثْلُهُ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَوْصُوفًا وَالْآخَرُ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ في التنبيه ولم يذكرهما ههنا * وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ أَنَّ الصَّرْفَ قِسْمَانِ * صَرْفٌ لِلنَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ فَالْعَيْبُ إمَّا أَنْ يكون من الجنس أولا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكُلِّ أَوْ بِالْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ فَخَرَجَتْ نُحَاسًا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قُدِّرَ عَلَى عَيْنِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ * وَإِنْ كَانَ رأى من قبل أنه نحاس أو شئ غَيْرُ فِضَّةٍ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا نَصٌّ يُبْطِلُ كُلَّ تَخْرِيجٍ * قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَجِئْ هَذَا الْخِلَافُ * وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا بَدَلٌ وهو بعيد والله أعلم * قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يَقْتَصِرْ الشَّافِعِيُّ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِاخْتِلَافٍ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ أَوْ تَوَسَّعَ فِي الْإِطْلَاقِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْثِلَةٌ يَجْمَعُهَا الِاخْتِلَافُ فِي النَّظَرِ إلَى الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ (مِنْهَا) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَغْلَةَ فَخَرَجَتْ حِمَارًا وَفِي الْبِغَالِ نَوْعٌ يُشْبِهُ الْحَمِيرَ يَكُونُ بِطَبَرِسْتَانَ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ قُطْنٍ فَإِذَا هُوَ كَتَّانٌ نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَزٌّ فَخَرَجَ كَتَّانًا لِأَنَّ الْكَتَّانَ الْخَامَ يُشْبِهُ الْقَزَّ * قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَخَرَجَ زُجَاجًا * نَقَلَهُ الْجَوْزِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ * (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى غُلَامًا فَكَانَ جَارِيَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخِرِ شَطْرٍ مِنْ بَابِ الرِّبَا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ على

الْمَذْهَبِ * وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ مَا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَمَّا إذَا جَرَى بِلَفْظِ الصَّرْفِ فَيَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ بِالنُّحَاسِ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَذَاكَ وَإِنْ رَدَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَأْخُذُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ شَرْطُهَا أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِ كَمَا رَأَيْتَ أَمَّا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّهَا مَغْرِبِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَشْرِقِيَّةً أَوْ عَلَى أَنَّهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ فَخَرَجَتْ أَصْفَرَ أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فأذا هو غير هروى صرح به المارودى وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَالْقَاضِي حسين ذكر ذلك قولين ولعله أثبت ما حكاه صحاب الْإِفْصَاحِ قَوْلًا. وَقَدْ وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ فِي الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِالْقِسْطِ فَقَالَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ جَزَمَ بِالْقِسْطِ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَذَلِكَ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ وَاخْتِلَافُ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَلْ فِي قِسْمٍ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ أَمَّا إذَا كَانَ بِبَعْضِهَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ فَوَجَدَ بَعْضَهَا نُحَاسًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي النُّحَاسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَفْرِيقَ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتَرَدَّ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُفَرَّقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَانَ لَهُ إمْسَاكُ الْبَاقِي. وَبِمَاذَا يُمْسِكُهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ هَلْ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِالْجَمِيعِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْحِصَّةِ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَرَدَاءَةِ الْمَعْدِنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ الْعَيْبُ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَلَفِهِ فَإِنْ ظَهَرَ وَالْمَعِيبُ بَاقٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ وَبَيْنَ أَنْ يَرْضَى بِهِ * نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. وَحُكْمُ الرَّدِّ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِبَدَلِهِ وَلَا يَسْتَبْدِلَ عَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ مُعَيَّنٌ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يُسْتَحَقُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ قَالَهُ الماوردى وغيره وذلك معروف في مَوْضِعُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفَاصِيلُ ذَلِكَ وَأَحْكَامُهُ فِي

بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ والفرض في صرف النقد بغير جنسه ولايجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الارش غَيْرِ الْأَثْمَانِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْجَمِيعِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ رَدِّهِ وَبَيْنَ الرِّضَى بِهِ مَعِيبًا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بِالْبَعْضِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الصَّفْقَةِ. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَيُمْسِكَ السَّلِيمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ رَدَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّفْرِيقُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْبَقُوا عَلَى تَخْرِيجِهِ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ. وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ التَّفْرِيقِ هُنَا. وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ فَالْخِلَافُ وَإِنْ كَانَ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ غَيْرُ الصَّحِيحِ. فان قلنا لا يتبعض كلا ويتخير بَيْنَ شَيْئَيْنِ إمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَرَدِّ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ من الثمن كان له رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ حظه في رد المعين لِأَنَّهُ لَا يَسْتَرْجِعُ بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَيَكُونُ رَدُّهُ سَفَهًا لِأَنَّ تَبْقِيَتَهُ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ رَدِّهِ. هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانُ أنه هل يمتنع على إفْرَادُ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لِإِفْضَائِهِ إلَى هَذَا الْمَحْذُورِ أَوْ أَنَّهُ يجوز له رده وامساك السليم لان القعد قَدْ صَحَّ عَلَى الْكُلِّ فَإِذَا ارْتَفَعَ فِي بَعْضِهِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصفقة في الابتداء ولا يجرى قول الاجارة بالكل ههنا. الْأَوَّلُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ في المجموع والجرجاني فأنهم قالوا. وَاللَّفْظُ الثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ قُلْنَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكُ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ. وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فُرُوعٍ فِي آخِرِ بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّةً رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ لِهَذَا الْمَحْذُورِ. وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِ السَّلِيمِ بِالْحِصَّةِ لَيْسَ إلَّا وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) ما لفرق بَيْنَ هَذَا حَيْثُ أَخَذَهُ بِحِسَابِهِ

مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْبُ بَعْضِهَا يُخْرِجُهَا مِنْ الْجِنْسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بينهما أن ههنا قَدْ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى الْكُلِّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا فُسِخَ فِي الْبَعْضِ الْمَعِيبِ وَأَقَامَ عَلَى الْبَعْضِ السَّلِيمِ طَلَبًا لِلْحَظِّ فَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ فَسْخُ الْبَيْعِ سَفَهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ قَدْ بَطَلَ فَلَمْ يكن له أن يأخذه بكل الثَّمَنِ فَجَازَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالصَّرْفِ وَالرِّبَا بَلْ هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ أَيْضًا إذَا ظَهَرَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ وَإِمْسَاكَ السَّلِيمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُمْسِكَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَدُّ الْمَعِيبِ سَفَهًا بِخِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَحُرًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُ الْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ طَرِيقَةً ضَعِيفَةً أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ في الصرف وهذه طريقة لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُمْسِكُ السَّلِيمَ وَحْدَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ أَوْ جَوَازُهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّوْزِيعِ فَفِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ اخْتِلَافِ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ الْمُعَيَّنُ فِي جِنْسَيْنِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ أو في

كُلِّهِ وَإِذَا كَانَ فِي كُلِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَيْضًا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَعِيبًا كَمَا إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لِكَوْنِهِ رِبًا فَإِنَّهُ بَاعَ جَيِّدًا وَمَعِيبًا بِجِنْسِهِ فينقسم الثمن عليهما على قدر قيمتها فيودى إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَفِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ مَا يَقْتَضِي النِّزَاعَ فِيهِ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ أَنَّهُ يُمْسِكُ السَّلِيمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ وَأَمْسَكَ الْبَعْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَانَ رِبًا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَسْأَلَةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ إنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ وَالْجِنْسَيْنِ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَاقْتَضَى إطْلَاقُهُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ فَإِنْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ جِنْسًا وَاحِدًا أو جنسين لافرق بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ الْأَقْسَامَ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَعِيبًا بُنِيَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْجُمْلَةَ بِعَقْدٍ إذَا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا وَقُلْنَا لَهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَ يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ فِي الرَّدِّ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي قَوْلٍ وَبِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ وَفِي مَالِ الرِّبَا إذَا بَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ فَإِنَّهُ يُمْسِكُهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلى

التفاضل وقد أقام صاحب البيان ماقاله كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَجْهًا فَجَعَلَ الْبُطْلَانَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْآخَرَ قَوْلَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَثْبَتَهُمَا وَجْهَيْنِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَعَلَّ الْآخَرِينَ لَاحَظُوا مَا يَقْتَضِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَلَمْ يُلَاحِظُوا هَذَا الْعَقْدَ الْخَاصَّ وَأَنَّهُ مِنْ صُورَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ أَوْ الْوَصْفِ لَا يُؤَثِّرُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَالْمَحَامِلِيُّ مِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِاشْتِرَاطِ اتِّحَادِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي اللُّبَابِ وَجَزَمَ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ بِالْوَسَطِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمُدْرَكُ فِي ذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَ بيع الجيد والردئ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا كَانَا مُتَمَيِّزَيْنِ (أَمَّا) إذَا خُلِطَا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَلْنَسْتَدِلَّ لَهُ بِحَدِيثٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ فِي كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْمَطْعُومِ خَاصَّةً أَوْ يَجْرِي فِيهِ وَفِي النَّقْدِ نَظَرٌ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهَا (وَأَمَّا) الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا وَأَخْرَجَ الْمَعِيبَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَقَالَ إنَّ الْمَذْهَبَ الْبُطْلَانُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فوافق القاضى أبو الطَّيِّبِ ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوجَ الْعَيْبِ مِنْ الْجِنْسِ بِالْبَعْضِ وَجَعَلَهُ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَوَافَقَ فِي ذَلِكَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيَّ فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ قَاعِدَةِ مد إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ يَكُونُ

حُكْمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ رَدِّ الْجَمِيعِ وَإِمْسَاكِهِ وَفِي رَدِّ الْمَعِيبِ وَإِمْسَاكِ السليم بما يخصه ما سبق ولا يجئ ههنا قَوْلُ الْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَكِنْ يُخَيَّرُ بِالْحِصَّةِ قَطْعًا كَمَا قُلْنَا هُنَاكَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَلِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ رِبًا فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ التَّفَاضُلُ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَيَبْطُلُ فِي الْمَعِيبِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الثَّانِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنْ أَجَازَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُخَيَّرَ بِالْقِسْطِ قَطْعًا وَقَدْ يُؤَخَّرُ * رَأَيْتُ فِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَصَارَفَا عَيْنًا بِعَيْنٍ بِأَنْ تَبَايَعَا دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَظَهَرَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَقًّا أَوْ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ أُخِّرَ بَعْضُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْعَقِدُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَلَوْ أَجَازَ يُخَيَّرُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَأَجْرَى قَوْلَ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ هُنَا وَهَذَا وَهْمٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَأْتِي وَجْهُ الْإِجَازَةِ بِالْكُلِّ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ النُّحَاسَ مَبِيعٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَالنَّقْدُ صَرْفٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ هَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ هَذَا الوجه قاعدة مد عجوة أيضا فان لا حظها وَجَعَلَ ذَلِكَ تَابِعًا بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الوجه منقولا بل ذكرته تفقها والله أَعْلَمُ * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَخَرَجَ نُحَاسًا فَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صاحب الافصاح

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ النَّوْعِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فَلَهُ رَدُّهُ وَإِذَا رَدَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْبَدَلِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ فِي الْجَمِيعِ مِنْ الْجِنْسِ وَيَتَبَيَّنَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا إذَا صَارَفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ وَتَقَابَضَا وَتَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ ثُمَّ علم الذى تلف ما حصل له أَنَّهُ كَانَ بِهِ عَيْبٌ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ فرعا في المجموع ههنا وَالصَّيْمَرِيُّ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَهُ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفَرْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حُلِيًّا وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمْثِلَةٌ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَعَذُّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا كَانَ الْمَعِيبُ بَاقِيًا وَلَكِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرد ويغرم الارش ومسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ إذْ لَا مَرْدُودَ فَمَاذَا نَصْنَعُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَرُدُّ مِثْلَ مَا أَخَذَهُ وَلْيَسْتَرْجِعْ مَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَعَهُ فِي الْبَيْعِ تَفَاضُلٌ

وَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ تَالِفٌ لَا يمكن رده ولا يمكن رده أن يقال انه يقر العقد ولا شئ له لانه قد عين بالمعيب فلا بد له من استدراك ضلامته فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعُدَّةِ وَشَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ وَالتَّحْرِيرِ لِلْجُرْجَانِيِّ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَرْضَى وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ التَّالِفِ فِي عَيْنِهِ وَيَسْتَرْجِعَ مَا أَعْطَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرجوع بالارش وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ فَالْوَجْهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يرد عليه مثل الجيد ويكون الردئ فِي ذِمَّتِهِ يُعْطِيهِ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا فَسَخَ الْعَقْدَ فِي الْمَعِيبِ التَّالِفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ مِثْلُ إنْ كَانَ التَّالِفُ مَعِيبًا بِعُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَزَادَ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا أَعْطَى قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَقَالَ إنَّ هَذَا أَصَحُّ وَإِنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي مَالِ الرِّبَا تُشْتَرَطُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَاسْتِرْجَاعُ بَعْضِ الثَّمَنِ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ ابْتِدَاءً فَلَا يُرَاعَى فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا *

(فَرْعٌ) اشْتَرَى دِينَارًا مُعَيَّنًا بِدِينَارٍ مُعَيَّنٍ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ نُقْرَةً أَوْ إنَاءً مَصْنُوعًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَرْضَى بِهِ نَاقِصًا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى الدِّينَارَ الْمُعَيَّنَ بِدَرَاهِمَ فَفِي جَوَازِ رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي (أَقْيَسُهُمَا) عِنْدَهُ الْجَوَازُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ وَبِأَرْشِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا (وَالثَّانِي) قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ عَيْبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَلَمْ يَتَّسِعْ لِدُخُولِ الْأَرْشِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بِالْإِيمَانِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَيْبُ الدِّينَارِ التَّالِفِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْجِنْسِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً بِهَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَاسَانِيًّا

فَبَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ مَغْرِبِيًّا فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ مَغْرِبِيًّا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُبَهْرَجًا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِعَيْبِهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ وَلَا يَرُدَّ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُبَهْرَجَ لَا مِثْلَ لَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِيهِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَ الَّتِي أَتْلَفَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ وافقه على هذا الْعِبَارَةِ فِي الشَّافِي وَقَالَ فَإِذَا فُسِخَ رَدَّ مَنْ تَلِفَتْ الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ دِرْهَمًا مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّ دِرْهَمَهُ فَالْجَيِّدُ مَعَ بَقَائِهِ وَبَدَلُهُ مَعَ تَلَفِهِ فَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ بَاذِلَ الْمَعِيبِ حينئذ يمتنع مِنْ الْفَسْخِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوَّمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَيَرُدُّ مِثْلَ التَّالِفِ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَوَافَقَ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَذَكَرَ مُجْمَلَ هَذَا الْفَرْعِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عد الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَازِمِينَ أَوْ مُرَجِّحِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ بَقِيَ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْمَكَانِ

فرع حسن قال ابن ابى الدم وذكر أنه شئ لَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي بَابِ المعيب إذا اشترى شاة مثلا وقبضها ونتجت عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَهُ رَدُّهَا وَالزِّيَادَةُ يَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِهَا هَذَا فِي شِرَاءِ الْعَرَضِ فَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شئ وَكَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ شَاةً مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَحْضَرَهَا الْمُسْلِمُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ افْتَرَقَا وَنُتِجَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا عَلَيْهِ ومطالبته بشاة سلمية مَوْصُوفَةٍ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فَهَلْ يَخْتَصُّ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِالنِّتَاجِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هَذَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا إلَى الْآنَ وَلَا بَلَغَنِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ فَرَّعْتُهُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ جِهَتِي حَيْثُ اقْتَضَاهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأُصُولِ المذكرة وَنَشَأَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَصَدَّرَهُ فِي

الْقَاعِدَةِ الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي النِّتَاجِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ إذَا رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ هَلْ نقول تملكه بالقبض وبالرد قد يقبض المالك أو يقال بالرد تببن أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا كَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَقَدْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ أَعْنِي فِي مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَيَخْتَصُّ بِهَا (وَإِنْ) قُلْنَا إنَّهُ بِالرَّدِّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَصْلًا فَالزِّيَادَةُ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الْعَرَضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْنًا وَبَيْنَ الْعَرَضِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا ثُمَّ يَقْبِضُ فِي الْمَجْلِسِ عَمَّا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَيُّنِ أَمْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ الْمُسْتَأْنَفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّرْفِ بَلْ تَجْرِي فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الرِّبَا بيع بجنسه قاله الرافعى ويجئ فِي التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْعَيْنِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَفَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْفَرْعَ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ بِدِينَارٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَإِنْ لَمْ يجوز الاستبدال مع بقائه فالحكم كالمبيع بالمعين وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِلضَّرُورَةِ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ التَّالِفِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِدِينَارٍ سَلِيمٍ أَوْ بِخَلْخَالٍ سَلِيمٍ وَكَانَ فَرْضُ المسألة في

بَيْعِ خَلْخَالٍ بِدِينَارٍ قَالَ وَهَكَذَا إذَا قُلْنَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعِيبًا فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (وَالثَّانِي) لَا بَلْ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالسَّلِيمِ فيه والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ * قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَعِيبًا سَقَطَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ مِثْلُ أَنْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُ عُشْرَ قِيمَتِهِ فَيَسْقُطُ عُشْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَتْ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ فَيَسْقُطُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي المعين والله أَعْلَمُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّ بَدَلَ التَّالِفِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ حَتَّى يَكُونَ الْفَسْخُ بِرَدِّهِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَالْأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَذْهَبِهِمْ إذَا تَلِفَ الْعِوَضُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَيَرُدُّ الْمَوْجُودَ وَتَبْقَى قِيمَةُ الْمَعِيبِ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلِفَ فِي يده فيرد مثلها أو عوضها إذ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ أَخْذِ الْأَرْشِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ بَيِّنٌ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْعَيْبَ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أعلم *

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ فَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنْ بَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْمَعِيبِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ طَعَامِهِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ وَلَا يَرُدُّ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ من العيب شيأ (قُلْتُ) وَلَوْ بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فَالْحُكْمُ وَالتَّفْصِيلُ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْمُطَارَحَاتُ ظَنِّي أَنَّهَا لِابْنِ الْعَطَّارِ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهَا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ فِي نُسْخَةٍ. وَفِي نسخة أخرى رأيتها منسوبة لابي اسحق الاسفراينى * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الصَّرْفُ فِي الذِّمَّةِ وَحَصَلَ التَّلَفُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَغْرَمُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَيَسْتَبْدِلُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. فَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْدَالَ فَهَكَذَا. وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِبْدَالَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ. فَإِنْ كَانَ الجنس مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب. وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ مُتَّفِقًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (أَصَحُّهَا) يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ طَعَامًا بِطَعَامٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ. إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ *

(فَرْعٌ) كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ كَرَدَاءَةِ السِّكَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ بَانَ بَعْدَ تَلَفِهِ نُحَاسًا أَوْ مَطْلِيَّةً فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيَتَرَادَّانِ. قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِي صَرْفِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ كَمَا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ. قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ * (فَرْعَانِ) لَهُمَا تَعَلُّقٌ بِالِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ شيأ بِدَرَاهِمَ بَرْمَكِيَّةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ عَزِيزُ الوجود وقل ما يُوجَدُ فِي بِلَادِنَا هَذِهِ: وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ فَتْحِيَّةٍ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَعُمُّ وُجُودُهُ (1) هَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْهُ جَائِزٌ أَمْ لَا. إنْ قُلْنَا جَائِزٌ صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ إذَا بَاعَ بِمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ فِي الْبَلَدِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ عَنْ الثَّمَنِ هَلْ يَجُوزُ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ صَحَّ ثُمَّ إنْ وَجَدَ ذَلِكَ النَّقْدَ وَإِلَّا يَسْتَبْدِلُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ لَمْ يَصِحَّ. كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْلَى مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي (الثَّانِي) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ قُلْنَا يَجُوزُ الاستبدال فلا يفسد العقد وان

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَنْفَسِخُ (وَالثَّانِي) يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا انْقَطَعَ (فَأَمَّا) إذَا بَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ إنَّ السُّلْطَانَ رَفَعَ ذلك لاغير سَوَاءٌ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَاسَهُ البغوي على مالو أَسْلَمَ فِي صَبْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ إلَّا صَبْطَةً وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا أَنَّ الْبَائِعَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْعَقْدَ فَيَأْخُذَ النَّقْدَ الاول وبين أن يفسح ويسترد ما أعطى كما لو تغيب المبيع قبل القبض، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَ بِفُلُوسٍ فَنَسَخَهَا السُّلْطَانُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ جَاءَ بِالنَّقْدِ الثَّانِي الْمُحْدَثِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ فَإِنْ أَرَادَ قَبُولَهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِيَاضِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ حَصَلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدٍ مَعْرُوفٍ

فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُ فِيهِ بِهِ فَقَالَ خُذْهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ كَمَا لَوْ حَرَّمَهُ السُّلْطَانُ فِي بَلَدِهِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ لَا يَتَعَامَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَعَامَلُ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ بِرَائِجٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى آخَرَ عُشْرُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ أَوْ يُبْرِئُهُ * (فَصْلٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ لَهُ الْإِبْدَالَ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَقْبُوضُ عَنْ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ مَعِيبًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي بَابِ خِيَارِ الرَّدِّ بِالرِّبَا فِيهِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ الدراهم المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو رابحة فِي بَعْضِ التِّجَارَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ عَيْبٌ عندهم فله أن يردها وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهَا إنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَالْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً فَوَجَدَهَا رَدِيئَةً بِغَيْرِ عَيْبٍ لَا يَرُدُّهَا لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ بَلْ صِفَةٌ تُخْلَقُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَوَجَدَهَا أَرْدَأَ حِنْطَةٍ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا إذَا اشْتَرَطَ جَوْدَتَهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْحَنَفِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَنْتَقِضُ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ بَابِ السَّلَمِ وَلَوْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا وَمَعِيبًا فَلَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا فَرَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ سَلَمٌ لَهُ الْبَدَلُ وَالْأَصْلُ أَنَّ صِحَّةَ الْقَبْضِ تَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ يَظْهَرُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ وَلَمْ يَرْضَ

الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا وَقَبَضَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْجَامِعُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ انْتَقَضَ الْقَبْضُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ فَإِنْ قَبَضَ مِثْلَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَدَّهُ وَقَبَضَ آخَرَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَأَخَّرَ الْقَبْضَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِنْ وَجَدَهُ زُيُوفًا فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِنْ رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ مَكَانَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ فَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَا فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ وَإِنْ وَجَدَهُ سُتُّوقًا انْتَقَضَ السَّلَمُ بقدره تجوز به أو رده لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ افتراقا لَا عَنْ قَبْضِ هَذَا الْقَدْرِ * (فَرْعٌ) حُكْمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَيْبًا حُكْمُ بَدَلِ الصَّرْفِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ أَحَالَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي اسْتَحَقَّ فِيهَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَى رَجُلٍ حَاضِرٍ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الصَّرْفُ وَإِنْ قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ (إنْ قُلْنَا) الْحَوَالَةُ مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) اسْتِيفَاءٌ جَازَ * (فَرْعٌ) لَوْ اشْتَرَى مِنْ صَيْرَفِيٍّ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ الدِّينَارَ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الصَّيْرَفِيِّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ اجل هذه العشرة بدلا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ حَصَلَتْ الْعَشَرَةُ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ قَبْلَ الصَّرْفِ أَوْ بَعْدَهُ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنْ حَصَلَتْ قَبْلَ الصَّرْفِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ حَصَلَتْ بَعْدَهُ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ *

(فَرْعٌ) اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ سُوقِ كَذَا فَإِنْ كَانَ نَقْدُ ذَلِكَ السُّوقِ مُخْتَلِفًا بَطَلَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) لَا لِإِمْكَانِ التَّعْيِينِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ كَذَا أَوْ بِمَا يَضْرِبُهُ السلطان لم يجز قاله (1) وَإِذَا شُرِطَ فِي الصَّرْفِ أَنَّ الذَّهَبَ يُسَاوِي كَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بَطَلَ الصَّرْفُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ باعه بدينار إلا درهم فَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ فِي الْحَالِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ عَلِمَاهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا صَرَفَ بِدِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا رَاجِحًا قِيرَاطًا فَأَعْطَاهُ عَنْ الْقِيرَاطِ ذَهَبًا مِثْلَهُ جَازَ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُ فِضَّةً مَعْلُومَةً أَوْ جُزَافًا صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَوْ جَهِلَا مِقْدَارَ الرُّجْحَانِ فَأَعْطَاهُ بِهِ ذَهَبًا مُمَاثِلًا لَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا يَجُوزُ إنْ جَهِلَا الْقَدْرَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا قَبَضَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ بَدَلَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَائِفَةٍ أَوْ مُبَهْرَجَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ إلْحَاقًا بِضَمَانِ الدَّرَكِ وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ وَهَذِهِ مِنْ مَنْصُوصَاتِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَإِنْ وَجَدَ الْقَابِضُ زَائِفًا أَوْ مُبَهْرَجًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إبْدَالِهَا إنْ شَاءَ عَلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ شَاءَ عَلَى الضَّامِنِ فَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الْمُؤَدِّي بَرِئَ الضَّامِنُ وَإِنْ أَبْدَلَهَا مِنْ الضَّامِنِ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمُؤَدِّي إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَالَ الضَّامِنُ أَعْطُونِي الْمَرْدُودَ لِأُعْطِيَكُمْ بَدَلَهُ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ وَقِيلَ لَهُ الْوَاجِبُ أَنْ تَفْسَخَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرْدُودِ فَأَنْتَ تَرُدُّ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ مَا ضَمِنْتَهُ وَهَذَا الْمَرْدُودُ مِنْ مَالِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَكَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَدَّيْتَ فَلَوْ أَحْضَرَ الْقَابِضُ دَرَاهِمَ رَدِيئَةً وَقَالَ هِيَ ما قبضت وأنكراه جميعا فان كانت رادءتها بعيب فالقول قولهما مع اليمين لانه

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

مَلَكَ بِالْقَبْضِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يمينه لان أصل الدين ثابت وانما أَقَرَّ بِقَبْضِ النُّحَاسِ وَهُوَ لَا يَكُونُ قَبْضًا عَنْ الْفِضَّةِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نُحَاسًا أَوْ غَيْرَ فِضَّةٍ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ نَتَعَرَّضُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ الله تعالى فان المصنف ذكر فِي التَّنْبِيهِ هُنَاكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا كَثِيرًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقْبِضُ مَالَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا بِالصَّيْرَفِيِّ وَيَعْتَمِدُ عَلَى نَقْدِهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّيْرَفِيَّ ضَمَانُ دَرَكِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَتَى لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ضَمَانٌ فَهُوَ أَمِينٌ لَا يَلْزَمُهُ شئ فَيَتَعَيَّنُ لِمَنْ يُرِيدُ الِاحْتِرَازَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ الصَّيْرَفِيَّ يَتَلَفَّظُ بِالضَّمَانِ وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهِ * وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيُرَدُّ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نُحَاسًا من المتعامل به الَّذِي تَنْزِلُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً عَنْهُ فَيَكُونُ كَأَخْذِ النُّحَاسِ عَنْ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَأَخْذِ الْمَعِيبِ عَنْ السَّلِيمِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ أَوْ تَصَارَفَا وَتَقَابَضَا ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِدِينَارٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّ مَعَ يَمِينِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي وَفِيهِ وَجْهٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مَعِيبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ حَلَفَ وَغَرِمَ التَّالِفَ وَطَالَبَهُ بِالْجَيِّدِ * وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَرَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَعْطَى مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْرُ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى السَّلَامَةِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُحَاسًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَالِهِ عَلَى مِلْكِهِ (قُلْتُ) وَلَوْ خَرَجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لَمْ يَبْعُدْ *

(فرع) قال اصحابنا إذا باع دينار بِدِينَارٍ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَتَوَازَنَا وَقْتَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا وَزَنَا قَبْلَهُ وَعَرَفَا الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا جَازَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَمَعَ غَيْرِهِ دِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ شِرَاءَ نِصْفِ الدِّينَارِ جَازَ وَيَقْبِضُهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ نِصْفُهُ قَبْضًا بِالشِّرَاءِ وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَنْزِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا عَشَرَةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعِشْرِينَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يُقْبِضَهُ مِنْهَا الْعَشَرَةَ الَّتِي مَعَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَبَضَهَا اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِذَا قَبَضَهَا قَضَاهُ الْعَشَرَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ وَتَقَابَضَا وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ قَرْضًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّامِلِ والرافعي وغيرها وَالْحَاوِي (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ وَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا وَإِنَّمَا رَدَّهَا إلَيْهِ بِحَالِهَا فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْقَرْضِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي المجموع هذا الوجه عن أبى اسحق المروذى وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّ الدَّارَكِيَّ نَقَلَهُ عَنْ المروذى وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ غَيْرَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ بينهما باطل وحكي المحاملى عن أبى اسحق أنه علله بذلك وبأن (1) فَإِنَّهُ يَجُوزُ هَكَذَا اسْتَشْهَدَ أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشامل ولا في كلام القاضى حسين الذى حكيته

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

ما ينازع فيه هذا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخَايُرِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّخَايُرِ وَقُلْنَا إنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (أَمَّا) لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ غَيْرَهَا وَدَفَعَهَا إلَيْهِ عَنْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَ فِي الْبَحْرِ الصِّحَّةَ وَوَافَقَ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا فِي الذِّمَّةِ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ اقْتَرَضَ الْآخَرُ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقَرْضَ مَتَى يُمْلَكُ وعند أبى اسحق يبطل هذا الصرف ههنا لِأَنَّهُ قَبَضَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالتَّصَرُّفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَشَيْخِهِ أبى الطيب وبه قال الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهُ فِي الصَّرْفِ نَصًّا أَنَّهُ يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا قَضَاءً عَمَّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ * (فَرْعٌ) يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الصَّرَّافِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَمَامِ الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ جَرَتْ لَهُ بِذَلِكَ عَادَةٌ أَمْ لَا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ

قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ حَرُمَ وَتَمَسَّكَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْعَادَةَ الْخَاصَّةَ لَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ نَكَحَ مَنْ عَادَتُهُ الطَّلَاقُ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَشَرْطِ الطَّلَاقِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مَعَهُ دِينَارٌ وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِدِينَارٍ وَسُدُسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الدِّينَارَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ وَيَتَقَابَضَا الْعِوَضَيْنِ وَيَتَخَايَرَا ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دِينَارًا وَسُدُسًا أَوْ مَا يَزِيدُ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِذَا أَرَادَ بَيْعَ صِحَاحٍ بِمُكَسَّرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِعَرَضٍ ثُمَّ إذَا تَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا وَتَخَايَرَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِذَلِكَ الْعَرَضِ الْمُكَسَّرَةَ وَيَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا وَقَدْ أَطْبَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا جَازَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيَجُوزُ أن يبيع الشئ إلَى أَجَلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دَيْنٍ أَوْ نَقْدٍ لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ غَيْرُ الْبَيْعَةِ الْأُولَى وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَشْتَرِيهَا الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَزَعَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ زَعَمَ تَتَبُّعَ الْأَثَرِ وَمَحْمُودٌ مِنْهُ أَنْ يَتْبَعَ الْأَثَرَ الصَّحِيحَ فَلَمَّا سئل عن الاثر إذا هو (أبو إسحق عَنْ امْرَأَتِهِ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أَنَّهَا دَخَلَتْ مَعَ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ بَيْعًا بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بكذا أو كذا

إلى العطا ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ أَصْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ (أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أَوْ سَمِعَتْ امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى العطا ثُمّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا ابْتَعْتِ أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْهَا عَابَتْ عَلَيْهَا بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَهَذَا مَا لَا يُجِيزُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شئ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَإِنَّ أَصْلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ وَاَلَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ وَحِكْمَةُ هَذَا أَنَّا لَا نُثْبِتُ مِثْلَهُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ أَنَّ زَيْدًا لَا يَبِيعُ إلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا وَلَا يَبْتَاعُ إلَّا مِثْلَهُ * وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ شَيْئًا أَوْ ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ محرما وهو يراه حلالا لم نَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْبِطُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا. وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَى جَمِيعِ مَا يُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ فَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (اعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي اسحق عَنْ امْرَأَتِهِ (أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فذكرته) وهذا أسلم في الدلالة لهم الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ النَّسِيئَةَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ إلى العطاء حتى يحمد الْمَنْعَ إلَى الْجَهَالَةِ لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ فِيهِ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وليس بشئ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ كَتَبْتُ عَنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَرَمَيْتُ بِهِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّهُ كَذَّابٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مُضْرَبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ هُوَ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَا أَتَّهِمُهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ شَيْخٌ صَالِحٌ يَحْفَظُ الْحَدِيثَ وَيُذَاكِرُ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَهُمُّ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَيَغْلَطُ فِي الرواية إذا حدث من حفظه وياتى عن الثِّقَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَلَمَّا نَظَرَ يحيى

إلَى تَنَكُّرِ الْأَحَادِيثِ أَنْكَرَهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْجَرْحَ بِهَا (وَأَمَّا) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ عَلِمَ مَا قُلْنَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمُتَعَمِّدِ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِنْسَانُ الْجَرْحَ بِالْخَطَأِ بِخَطَأٍ أَوْ الْوَهْمَ بِوَهْمٍ مَا لَمْ يَفْحُشُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَدَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عِنْدَهُ صَدُوقٌ فِيمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ * هَذَا كَلَامُ ابْنِ حِبَّانَ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمْ وَوَعَدَ هُنَا بِأَنْ يُمْلِيَ كِتَابًا فِيهِمْ وَيَذْكُرَ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّوَابَ فِيهِ لِئَلَّا يُطْلَقَ عَلَى مُسْلِمٍ الْجَرْحُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَرَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ قال حدثنا عباس ومحمد قال حَدَّثَنَا فَرَدَّادٌ أَبُو نُوحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بن أبى اسحق عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ خَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مُحِبَّةَ إلَى مَكَّةَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَنَا مِمَّنْ أَنْتُنَّ قُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَتْ فَكَأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنَّا فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ مُحِبَّةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ وَإِنِّي بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى عَطَائِهِ وَإِنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا قَالَتْ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ بِئْسَ مَا شَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ فَأَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقَالَتْ لَهَا أَرَأَيْتِ إنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ إلَّا رَأْسَ مَالِي قَالَتْ فَمَنْ

جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سلف وَهَذَا إسْنَادٌ (1) وَحُجَّةُ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ) انْفَرَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ بِتَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابى في كلامه على السُّنَنِ هَذَا الْبَابَ بِالْجُمْلَةِ الْكَافِيَةِ وَفَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ الْعِينَةَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِثَمَنٍ معلوم إلى أجل مُسَمًّى ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَى بِحَضْرَةِ طَالِبِ الْعِينَةِ سِلْعَةً مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ طَالِبِ الْعِينَةِ بِثَمَنٍ أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ثم بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالنَّقْدِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ أَيْضًا عِينَةٌ وَهِيَ أَهْوَنُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَسُمِّيَتْ عِينَةً بِحُصُولِ النَّقْدِ لِصَاحِبِ الْعِينَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ هُوَ الْمَالُ الْحَاضِرُ فَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَشْتَرِيهَا لِيَبِيعَهَا بِعَيْنٍ حَاضِرٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْهَرَوِيِّ وَجَعْلُهُ اسْمَ الْعِينَةِ يَشْمَلُ الامرين المذكورين مختلف فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْعِينَةَ اسْمًا لِلثَّانِي فَقَطْ وَيُسَمِّي الْأَوَّلَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ شِرَاءَ ما باع باقل مما بَاعَ وَهَذَا صُنْعُ الْحَنَفِيَّةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعِينَةُ السَّلَفُ وعينة كل شئ خِيَارُهُ قَالُوا وَيُقَالُ أَعْيَانٌ إذَا اشْتَرَى بِالْعِينَةِ وا أَسْلَفَ: وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ أبدان أم لعيان أم تنبري * لنا فهى مثل حد السيف هزت مضاربه

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

وَيُصَحِّحُ الْحَنَفِيَّةُ الثَّانِيَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالْعِينَةِ دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَجْعَلُ اسْمَ الْعِينَةِ شَامِلًا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْمَالِكِيُّونَ وَالِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ (النَّهْيِ عَنْ الْعِينَةِ حَسَدٌ) يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا مِنْ جِهَةِ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرحمن الخراساني واسمه اسحق بْنُ أَسِيدٍ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الراوى فِيهِ شَيْخٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلَا يُسْتَقَلُّ بِهِ وَعَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جَهَالَةُ الْحَالِ فَإِنَّهُ قد روى عنه حيوة بن سريج فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي فِي السُّنَنِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ جَهَالَةُ العين واعترض كل من الفريقين عن الآخر به عن الْحَدِيثَيْنِ بِاعْتِرَاضَاتٍ (مِنْهَا) أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَتَغْلِيطَهَا فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفٌ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّأْجِيلِ بِالْعَطَاءِ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَذْهَبُ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ إلَى العطاء (ومنها) أنها ثبتت جِهَةَ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالرِّبَا لَمَّا اسْتَشْهَدَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ جَاءَهُ موعظة من ربه فانتهى) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَبَقِيَّةُ مَا قَالُوهُ ممنوع وقد سلموا أن الْقِيَاسَ الْجَوَازُ * قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا أَنَّ تَرْكَهُ وَاجِبٌ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ وُجُوبٌ القول بالذرائع والقول بالذرائع أصل في

نفسه مقدم الا أن الجزء مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ قَالُوا وَوَجْهُ الذَّرِيعَةِ فِيهَا هُوَ أَنَّ الْبَائِعَ دَفَعَ مِائَةً نَقْدًا لِيَأْخُذَ مِائَةً وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ وَذِكْرُ السِّلْعَةِ وَالتَّبَايُعِ لَغْوٌ وَهَذِهِ ذَرِيعَةٌ لِأَهْلِ الْعِينَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتَبِيعُ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَا أُرْبِحُكَ دِينَارًا فَيَفْعَلَ ذَلِكَ فَيُحَصِّلَ مِنْهُ قرضه عَشَرَةِ دَنَانِيرَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِالْبَائِعِ إلَى السِّلْعَةِ وَإِنَّمَا تَذَرَّعَ بِهَا إلَى قَرْضِ ذَهَبٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا وَجَدْنَا فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ فَاعِلِهِ وَالْقَصْدِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إلَى تميز مَقَاصِدِ النَّاسِ وَلَا إلَى تَفْصِيلِ قُصُودِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ وَجَبَ حَسْمُ الْبَابِ وَقَطْعُ النَّظَرِ إلَيْهِ فَهَذَا وَجْهُ بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الذَّرِيعَةِ قَالُوا فَإِنْ سَلِمَ لَنَا هَذَا الْأَصْلُ بَنَيْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ نُقِلَ الْكَلَامُ إلَيْهِ هَذَا مَا عَوَّلَتْ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالنِّزَاعُ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَشْهُورٌ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ وَافَقُونَا كَمَا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى عَدَمِ إنَاطَةِ الْأَحْكَامِ بِالْمَقَاصِدِ وَوُجُوبِ رَبْطِهَا بِمَظَانَّ ظَاهِرَةٍ فَقَدْ يُوجَدُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ نَتَّفِقُ نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ يُعْدَمُ الْقَصْدُ الْفَاسِدُ فِي عَقْدٍ يَحْكُمُونَ هُمْ بِفَسَادِهِ والحكم حينئذ بالفساد احتكام بنصب شئ مُفْسِدٍ وَذَلِكَ مَنْصِبُ الشَّارِعِ لَيْسَ لِآحَادِ الْفُقَهَاءِ اسْتِقْلَالٌ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ إلَى المقاصد الحنفية جائز اتِّفَاقًا فَالْأَوْلَى الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَوَاهِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وعدم الاحكام بأمر آخر وليس هذا موضوع الْإِطْنَابِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشِبْهِهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيب فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ قَالَ لَا تَفْعَلْ بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم خبيبا) وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَرْشَدَهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الربا بذلك وان كان المقصود تحصيل الخبيب بِالْجَمْعِ وَقَدْ أَطْنَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي فُرُوعِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأُولَى الَّتِي صَدَّرْنَا الْكَلَامَ بِهَا مُتَرْجَمَةٌ عِنْدَهُمْ بِبُيُوعِ الْآجَالِ وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً جِدًّا وَفِي بَعْضِهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَارَةً تُفْرَضُ فِي الصَّرْفِ فَلَا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهَا وَتَارَةً تُفْرَضُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فَتَقَعُ تَارَةً بِدُونِ الْأَجَلِ وَتَارَةً بِالْأَجَلِ وَبَوَّبَ الْأَصْحَابُ لَهَا بَابَ الرَّجُلِ يَبِيعُ الشئ بِأَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَخَصُّ مِنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا عَلِيٍّ يَقُولُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ بَيْعُ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَاهُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّبْحِ الْفَاضِلِ لَهُ بالعقد الثاني على ماملك عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَضَلَ مَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْمَضْمُونِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَالْإِنْسَانُ مَرَّةً يَرْبَحُ بِأَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى وَأُخْرَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَالرِّبْحُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ إلَّا بِعَقْدَيْنِ فَتَعُودُ الْعَيْنُ إلَيْهِ مَعَ خُلُوصِ الرِّبْحِ لَهُ وَهَذَا مُجَرَّدُ الدعوى بل حقيقة الربح قصد ما يملك على ما يَمْلِكُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَوْرُوثَ أَوْ الْمَوْهُوبَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ رَبِحَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا لَهُ فِي الشَّرَائِطِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الَّذِي حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فيما أظن *

(فَرْعٌ) كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِعَادَةٍ أَوْ بِغَيْرِ عَادَةٍ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ بِالْمَنْعِ أَفْتَى الْأُسْتَاذُ أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا يَعْنِي لَا لِأَجْلِ سَدِّ الذَّرَائِعِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الْعَادَةَ تَصِيرُ كَالْمَشْرُوطَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَمَسْأَلَةُ الْعِينَةِ قَدْ عَمَّ الْعُرْفُ بِهَا بِالزِّيَادَةِ فِي النُّقُودِ وَلَنَا وَجْهٌ فَنَقُولُ فِي مَذْهَبِنَا أن ما يتقدم العقد الَّتِي لَوْ امْتَزَجَتْ بِالْعَقْدِ لَأَفْسَدَتْهُ فَإِذَا تَقَدَّمَتْ فيفسد العقد بها فيتأيد هَذَا الْوَجْهُ مَعَ ضَعْفِهِ بِعُمُومِ الْعُرْفِ (فَأَمَّا) ماقاله الْأُسْتَاذُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَادَةٌ وَغَيْرُ عَادَةٍ سَوَاءٌ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ قَصْرَهُ عَلَى مَا إذَا فُرِضَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِضَعْفِهِ (وَأَمَّا) اعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَأْبَاهُ * (فَرْعٌ) فَإِنْ فُرِضَ الشَّرْطُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ بَطَلَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مَحَلَّ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا

مَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ * (فرع) عرفت ان في المسألة خلافا فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّ عَادَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وفى كلام الاصحاب اطلاق العينة عليهما وَجَمِيعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ جَازِمَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قد تنازع في ذلك قول بعض الاصحاب وما حكيناه في مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مما باع من الجزم بالجواز هو الموجود في أكثر كتب أصحابنا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ قَدْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ الشَّخْصَ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلِوَارِثِهِ فِيهِ شُفْعَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّبَرُّعِ عليه وكذا قول الاصحاب أن الولي إذا باع على اليتيم شقصا له شُفْعَةٌ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ هُنَا إنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ لَهُ فِي سَدِّ الذرائع قال وذلك يقتضى إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَبِيعِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ الْخَصْمُ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ

قَوْلُهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي مَنْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ الَّذِي هُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَامٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ (أَحَدَهُمَا) أَنَّ مَنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَلِكَ ماكان ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَفِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تُشْبِهُ مَعَانِيَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الْمَاءِ إنَّمَا يحرم لانه في معنى تلف على مالا غِنَى بِهِ لِذَوِي الْأَرْوَاحِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِذَا مَنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ مَنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِهِ وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُتَعَلَّقًا قَوِيًّا لِإِثْبَاتِ قَوْلِ سَدِّ الذرائع بل لان الذريعة تعطى حكم الشئ الْمُتَوَصَّلِ بِهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لَهُ كَمَنْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمَنْعِ الْكَلَأِ وَمَنْعُ الْكَلَأِ حَرَامٌ وَوَسِيلَةُ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَالذَّرِيعَةُ هي الوسيلة فهذا القسم وهو ماكان مِنْ الْوَسَائِلِ مُسْتَلْزِمًا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ لا يسمح له المشترى بالبيع أو ببذولهما أو بمنع مَانِعٌ آخَرُ فَكُلُّ عَقْدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْآخَرِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فَسَدُّ الذَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ أَمْرٌ زَائِدٌ

عَلَى مُطْلَقِ الذَّرَائِعِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ تَعَرُّضٌ لَهُمَا وَالذَّرَائِعُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كَلَامُ لَفْظِهِ لَا نِزَاعَ فِي اعْتِبَارِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ (وَأَمَّا) الذَّرَائِعُ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حَسَدًا (وَثَانِيهَا) مُلْغًى إجْمَاعًا كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالشَّرِكَةِ فِي سَلَمِ الْأَذِرَّةِ خَشْيَةَ الرِّبَا (وَثَالِثُهَا) مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَبُيُوعِ الْآجَالِ اعْتَبَرْنَا نَحْنُ الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَنَا غَيْرُنَا فَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّا قُلْنَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ * فَالذَّرَائِعُ هِيَ الْوَسَائِلُ وَهِيَ مُضْطَرِبَةٌ اضْطِرَابًا شَدِيدًا قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً وَتَخْتَلِفُ أَيْضًا مَعَ مَقَاصِدِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَضَعْفِهَا وَانْغِمَارِ الْوَسِيلَةِ فِيهَا وَظُهُورِهَا فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى كُلِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِهَا وَلَا بِإِلْغَائِهَا وَمَنْ تَتَبَّعَ فُرُوعَهَا الْفِقْهِيَّةَ ظَهَرَ لَهُ هَذَا وَيَكْفِي الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّرِيعَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي الِاعْتِبَارِ إذْ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولا بلغناه كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ فَضْلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا وَإِلْغَاءَهَا فَلَا دَلِيلَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى إثْبَاتِ قَوْلٍ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ (وَأَمَّا) الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ تَمَسَّكَ بِهِمَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (فَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ إذَا بَاعَ عَلَى الْيَتِيمِ شِقْصًا لَهُ فِيهِ شُفْعَةٌ وَكَوْنُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ

هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُتْرَكَ النَّظَرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ لِلصَّبِيِّ وَتَسَامَحَ فِي الْبَيْعِ لِيَأْخُذَ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ فَالتُّهْمَةُ الْمَانِعَةُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شئ وَهَذَا لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ لَهُمَا الْأَخْذُ لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ إذَا بَاعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ شِقْصًا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يَأْخُذُ (وَقِيلَ) يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذُكِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ (وَقِيلَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَصْلًا وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْأَوَّلُ مِنْ جُمْلَةِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَنْقُولَةٍ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَظَاهِرُ هذين الوجهين الآخرين أنه يلزم مجئ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَقِيَاسُ الْوَجْهِ الْآخَرِ أَلَّا يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَهْرًا وَمُحَابَاةُ الْمَرِيضِ لِلْمُشْتَرِي تَبَرُّعٌ فَهُوَ بِالْمُحَابَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْجَدَ تَبَرُّعًا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِأَخْذِهِ بِدُونِ رِضَا الْمُشْتَرِي فَأَشْبَهَ التَّبَرُّعَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فَإِنْ أَخَذَ الْوَارِثُ قَهْرًا مِنْ الْمُشْتَرِي مِثْلَ قَبُولِهِ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ لَا يُوَافِقُهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ التَّخْرِيجَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَقْوَالِ الْإِمَامِ أَمَّا الْوُجُوهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّمَا يُلْزَمُ قَائِلُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ الْمُرَادُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ

بِدُونِهَا وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ بِالْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ دَلَائِلَ الْكَرَاهَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ عَصْرُونٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ بِشَرْطِهِ فِي الْعَقْدِ يُكْرَهُ قَصْدُهُ وَقَالَ ابْنُ دَاوُد شارح مختصر المزني انه إن اتحد ذَلِكَ عَادَةً كُرِهَ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً (وَالصَّوَابُ) مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ مَقْصُودًا كُرِهَ سَوَاءٌ اعْتَادَهُ أَوْ لَمْ يَعْتَدْهُ نَعَمْ إنْ جَرَى ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا عَادَةٍ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّهَا مراتب (الاولى) أن يجرى ذلك بقصد الكروه مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَجْرِيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْمَكْرُوهِ وَلَا يَكُونُ الشَّخْصُ مِمَّنْ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التُّهْمَةُ كَقِصَّةِ عَامِلِ خَيْبَرَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الرِّبَا أَوْ أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ أنه حرام اعتبار بِالصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَظِنَّةِ التُّهْمَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَجْرِيَ بِقَصْدِ الْمَكْرُوهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التُّهْمَةِ فَيُكْرَهُ عِنْدَنَا وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنَاطَتِهِمْ ذَلِكَ بِالْمَظِنَّةِ أَنْ يُجَوِّزُوهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ بُيُوعِ الْآجَالِ تصنيفا لَكِنِّي أَذْكُرُ نُبْذَةً يَسِيرَةً جِدًّا * (فَرْعٌ) فِي نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَنْتَهِي فِي التَّفْرِيعِ إلَى أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ مَسْأَلَةً ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ

يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا وَقَدْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَيْضًا وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ نَقْدًا فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ إذَا لَمْ يَغِبْ المبتاع عن الطعام وتسع أخرى إذَا غَابَ عَلَيْهِ ثَمَانِ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَمِثْلُهَا فِي الشِّرَاءِ إذَا غَابَ إلَى أَجَلٍ مُقَاصَّةً وَمِثْلُهَا أَيْضًا فِي الشِّرَاءِ إلى أبعد من الاجل فمنها خمسة عشر مَسْأَلَةً لَا تَجُوزُ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا الطَّعَامَ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ أَوْ بعضه أو كله وزيادة عليه وان يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَيْهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ وَزِيَادَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ مُقَاصَّةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ * وَقَالَ أبو اسحق التُّونِسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْعِينَةِ وَبُيُوعِ الْآجَالِ فِي كِتَابِ ابن الموان من قول لمالك وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا تُكْرَهُ الْعِينَةُ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ وَأَمَّا بَيْعُ النُّقُودِ فَلَا إلَّا مَنْ عُرِفَ بِالْعِينَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ وَالثَّانِيَةُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ اُتُّهِمَ فِيهَا كُلُّ أَحَدٍ وَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا فَلَا يُتَّهَمُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا الْعِينَةُ خاصة (أَصْبَغُ) * وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ

الْعِينَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِهَا وَوَقَعَ لِابْنِ وَهْبٍ إذَا كَانَتْ الْأُولَى نَقْدًا وَالثَّانِيَةُ إلَى أَجَلٍ أَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ فِيهِمَا كَمَا يُتَّهَمَانِ إذَا كَانَتْ الْأُولَى إلَى أَجَلٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ أَعْنِي التُّونِسِيَّ وَمِمَّا يُكْرَهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَيُتَّهَمَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونَ دَفَعَ عَشَرَةً انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ وَرَدَّ عِوَضَهَا خمسة عشرة وَكَانَتْ سِلْعَتُهُ لَغْوًا لِرُجُوعِهَا إلَيْهِ وَمِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزَ فِي أَهْلِ الْعِينَةِ لِأَنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ من السِّلْعَةَ مَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْبَائِعُ نَقْدًا فَكَأَنَّهُ قَالَ اذْهَبْ فَبِعْ مِنْهَا بِعَشَرَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ وَالْبَاقِي بِعْتُهُ مِنْكَ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ إذَا كَانَ إنَّمَا يَشْتَرِي لِيَبِيعَ لَا لِيَأْكُلَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيَذْهَبَ فَيَقُولَ بِعْتُهَا بِثَمَانِيَةٍ فَحُطَّ عَنِّي مِنْ الرِّبْحِ قَدْرَ الدِّينَارَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ وَكَأَنَّهُ إنما عقد معه على أنه ماصح لَكَ فِيهَا رَبِحْتُ عَلَيْكَ فِيهِ الدِّرْهَمَ دِرْهَمًا أَوْ نِصْفًا فَصَارَ أَصْلُ الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ لَا يُعْلَمُ مَا ثَمَنُهُ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهِ وَهَذَا لِمَنْ يَشْتَرِي لِيَبِيعَ وَيَجُوزُ هَذَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنْتَفِعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ لِي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا وَأُرْبِحْكَ فِيهَا كَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَأَكْثَرُ المالكية من هذا الْمَسَائِلِ وَأَخَوَاتِهَا جِدًّا *

(فَرْعٌ) اشْتَرَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا الْبَعْضَ وَافْتَرَقَا بَطَلَ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ وَفِي الْمَقْبُوضِ طَرِيقَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قبل القبض وقال الرويانى إنه لا يجئ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَلَا الثمن مجهول قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي نَظَرِهِ مِنْ السَّلَمِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَلَا يَرْتَضِيهِ الْمُحَصِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَمَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ لا يبطل في الباقي قولا واحد ومن أصحابنا من قال خرج أبو إسحق فِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ العقد وهذا غلط على أبى اسحق لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِهِ وَلَعَلَّهُ مَحْكِيٌّ عن غيره وليس بشئ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَعْلُهَا كَمَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ هُنَا احْتِيَاطًا لِلرِّبَا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ وَكَّلَ فِي الصَّرْفِ وَعَقَدَ الْوَكِيلُ هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقْبِضَ وَيَكْتَفِيَ بِقَبْضِهِ عَنْ قَبْضِ الْوَكِيلِ؟ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالرُّؤْيَةِ وَقَبْضِ رأس السَّلَمِ وَالتَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِالْمُوَكِّلِ وينتقل الملك إليه وهذا يقتضى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِ الصَّرْفِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَتَقْرِيرَ الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ

رحمه الله والاصحاب قَبْضَ الْوَكِيلِ قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ الْمَذْكُورُ قَدْ يُنَازَعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي هَذَا وَقَدْ يُسَلَّمُ وَيُقَالُ إنَّ الْوَكِيلَ يَنُوبُ عَنْ الْمُوَكَّلِ فَإِذَا قَبَضَ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْوَكِيلِ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقُمْ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَائِدَةٌ) فِي تَسْمِيَةِ الصَّرْفِ قَالَ ابْنُ سَيِّدَهُ فِي الْمُحْكَمِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ عَلَى الدِّينَارِ والصرف بيع الذهب بالفضة والصراف والصرف والصيرفي النقاد والجميع صَيَارِفُ وَصَيَارِفَةٌ دَخَلَتْ فِيهِ الْهَاءُ لِدُخُولِهَا فِي الملائكة والقساعمة لَا لِلنَّسَبِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ الصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَرَأَيْتُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّرْفَ اسْمٌ لِبَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ وَالْمُصَارَفَةُ اسْمٌ لِبَيْعِ النَّقْدِ بِجِنْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمُصَارَفَةِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كُلَّ دِينَارٍ زَادَ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ جَمَعَتْ الصَّرْفَ وَالْمُصَارَفَةَ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ حِصَّةُ الْمُصَارَفَةِ مِنْ حِصَّةِ الصَّرْفِ وَقَالَ المارودى سُمِّيَ الصَّرْفُ صَرْفًا لِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ لِصَرْفِ الْمُسَامَحَةِ عَنْهُ فِي زِيَادَةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُصَارَفَةَ صَاحِبِهِ (أَيْ مُضَايِقَتَهُ) * (فَرْعٌ) كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً عَدَدًا قَضَاءً لِمَا عَلَيْهِ فَوَزَنَهَا الْقَابِضُ فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا قَالَ الْأَصْحَابُ والقاضي أبو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ كَانَ الدِّينَارُ الزَّائِدُ لِلْقَاضِي مُشَاعًا فِيهَا وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا وَلَمْ يَأْخُذْهُ أَمَانَةً وَلَيْسَ كَمَا إذَا سَلَّمَ دِينَارًا نِصْفَهُ شَائِعًا حَيْثُ يَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ النِّصْفَ الزَّائِدَ بَدَلًا عَمَّا عَلَيْهِ وَهُنَا قَبَضَهُ بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ شَاءَ الْقَاضِي اسْتَرْجَعَ مِنْهُ دِينَارًا وان شاء

وَهَبَهُ لَهُ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مِنْهُ عَرْضًا أَوْ أَخَذَ بِهِ دَرَاهِمَ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ ثَمَنًا لِمَوْصُوفٍ فِي ذِمَّتِهِ سَلَمًا هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الدِّينَارُ بَاقِيًا فَلَوْ تَلِفَ صَارَ دَيْنًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالٍ فِي السَّلَمِ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ فِي مِقْدَارِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ (أَنَّ قَبْضَ الْمَوْزُونِ أو المكيل جزافا فاسدا) حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ الدَّافِعُ إنَّنِي وَزَنْتهَا وَإِنَّهَا كَذَا فَقَبَضَهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَكُونُ فَاسِدًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجِبُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَمَحَلُّ تَحْرِيرِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَوْصُوفَةٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا وَاحِدًا وَزْنُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ أَهْوَازِيَّةٍ فَجَاءَهُ بِثَلَاثَةٍ وَتِسْعِينَ دِينَارًا وَزْنُهُ مِائَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَقْبِضَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ مِائَةً وَزْنُهَا وَعَدَدُهَا سَوَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ ذَلِكَ قَالَهُمَا الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الدِّينَارَ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ دِينَارِكَ فَكَانَ دِينَارُهُ زَائِدًا سُدُسًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَهَبَهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ أَوْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بعد بشئ آخر ويقطع الزيادة منه أَوْ يُشْرِكَهُ فِيهِ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ برضاه والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) آخَرُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ بِوَزْنِ الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ هَذَا الدِّينَارِ لَزِمَهُ نصفه سواء كان وزنه دينار أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ أَوْ إنْ كَانَ وَزْنُهُ نِصْفَ دِينَارٍ دَفَعَ الْكُلَّ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَغْلِيبِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْعِبَارَةِ *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ وَهَبَ مِنْهُ دِينَارًا أَوْ أثابه الآخر دينارا أو زن أو نقص فَلَا بَأْسَ * (فَرْعٌ) قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ فَأَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَالدِّينَارُ لَهُ وَالدَّرَاهِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ بَلَغَتْ فَطَرِيقُهُمَا أَنْ يَتَبَارَيَا * (فَرْعٌ) لَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دِينَارٌ قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ وَصَارَ لِلصَّيْرَفِيِّ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ * (فَرْعٌ) التَّوْلِيَةُ بِبَيْعٍ جَائِزَةٌ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ كَغَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ لرجل اشترى عِشْرِينَ دِرْهَمًا لِنَفْسِكَ بِدِينَارٍ ثُمَّ وَلِّنِي نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا وَلَّاهُ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ * (فَرْعٌ) بَاعَ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَرَفَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ لَمْ يَجِبْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ * (فَرْعٌ) اشْتَرَى ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ قَالَ بِمِائَةِ درهم إلا درهما صح هكذا أطلق (1) إذا قال بعتك بدينار الا درهم وَكَانَ يَعْلَمُ قِيمَةَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ إمَّا عُشْرُهُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مَعْلُومٍ مِنْ مَعْلُومٍ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ * (فَرْعٌ) اشْتَرَى ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ شِقُّ دِينَارٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ آخَرُ مَكْسُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دِينَارٌ صَحِيحٌ فَإِنْ أَعْطَاهُ صَحِيحًا فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنْ شَرَطَ فِي الثَّانِي (2) إنْ كَانَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْعَقْدِ بَاقِيًا فَسَدَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَمِيعًا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ أَوْ الصَّحِيحَ إذَا

وُجِدَ فِي الْمَجْلِسِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَصِحُّ الْعَقْدَانِ وَيُجْعَلُ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ بدينار صحيح وفى المسأله شئ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ مَعَ ذَلِكَ أَطْلَقَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَلِعِزَّتِهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ لِكَثْرَةِ وُجُودِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ قِطْعَةً وَزْنُهَا نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ يُشْرِكُهُ فِي دِينَارٍ صَحِيحٍ إنْ رَضِيَ بِهِ وَسَاقَ بقية الكلام فأثر هَذَا الْكَلَامُ إشْكَالًا فَإِنَّ النِّصْفَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى نِصْفٍ شَائِعٍ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ تَسْلِيمُ النِّصْفِ شَائِعًا وَلَا يَكْسِرُهُ فَإِنَّهُ يُنْتَقَصُ قِيمَتُهُ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَسْرَ الْمُشَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَزِيزِ الْوُجُودِ وَقَدْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نِصْفٍ مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْضًا أن يأخذ مشاعا إلا برضاء كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى جُزْءٍ مُتَمَيِّزٍ فَيُتَّجَهُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إمَّا عَزِيزُ الْوُجُودِ وَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ تَنْقِيصُ عَيْنِ الْمَبِيعِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِقَطْعِ دِينَارٍ وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ النِّصْفَ وَإِنْ قَيَّدَ فَإِنْ قَالَ نِصْفًا مِنْ دِينَارٍ صَحِيحٍ اقْتَضَى الْإِشَاعَةَ وَلَا يَأْتِي مَا قَالُوهُ فِي تَسْلِيمِ شِقِّ دِينَارٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا صَحِيحًا اقْتَضَى الْفَسَادَ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا مَكْسُورًا مِنْ دِينَارٍ اقْتَضَى الْفَسَادَ أَيْضًا إذْ لَا يُوجَدُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ إلَّا عَزِيزًا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ مُكَسَّرًا اقْتَضَى تَنْقِيصَ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ إذَا بَاعَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَكَذَا قَالَ إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أن له عليه دينارا فان قيده بأن لا يكون نصف * (1) (فرع) وهو من تتمة ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَعْلَاهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مُدَوَّرًا يَصِحُّ وَلَوْ سَلَّمَ مُدَوَّرًا وَشِقًّا مِنْ دِينَارٍ يَجُوزُ وَإِنْ سَلَّمَ ثَقِيلًا وَأَشْرَكَهُ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ مُدَوَّرًا وَهُوَ عَامُّ الوجود يجوز وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الْوُجُودِ لَا يَجُوزُ هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ

بَيِّنٌ فَلْيُنَزَّلْ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَيْهِ * (فَرْعٌ) اشْتَرَى ثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَجَاءَ بِعِشْرِينَ صِحَاحًا وَزْنُهَا عِشْرُونَ وَنِصْفٌ وَقَبَضَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فِضَّةً جَازَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي أَصْلِ بَيْعِ الثَّوْبِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ * (فَرْعٌ) لَوْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ دِينَارٌ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أن يأخذ دينارا بنصفين قاله المارودى وَلَوْ بَاعَ الثَّوْبَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالثَّانِي بنصف دينار على أن له عليه دينار كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَائِزَيْنِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَرِنَ بِالثَّانِي لَا يُنَافِيهِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ أَنَّ الدِّينَارَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِفْهُ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُنَافِي نِصْفَيْ دِينَارٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَوَّلًا بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ الْإِطْلَاقِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ذَكَرَ هَذِهِ الْفُرُوعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ وغيره ورضى الله عنه * * قال المصنف رحمه الله * (وان كان مما يحرم فيهما الربا بعلتين كبيع الحنطة بالذهب والشعير بالفضة حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لا جماع الامة على جواز اسلام الذهب والفضة في المكيلات والمطعومات *) (الشَّرْحُ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحَرَّمُ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ عَلَى الثَّمَنِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ وَحْدَهُ بِعِلَّتَيْنِ وَيَعُودُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ كَذَلِكَ وَلَا إلَيْهِمَا لِامْتِنَاعِ عَوْدِ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ إلَى اثْنَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى جِنْسِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ مَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الْفَصْلَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِيهِمَا أَعَادَ الضمير على مثنى على معنى مالان الْمُرَادَ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعِيدَهُ

عَلَى لَفْظِهَا فَيَقُولُ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَأَمَّا الْمَجْمُوعُ حَالَةَ الْمُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُحَرَّمُ فِيهِ الرِّبَا أَصْلًا لَا بِعِلَّةٍ وَلَا بِعِلَّتَيْنِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الْعِلَّتَانِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ الطَّعْمُ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَطْ وَالثَّمَنِيَّةُ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي النَّقْدِ فَالْعِلَّتَانِ مُوجِبَتَانِ لِنَوْعِ حُرْمَةِ الرِّبَا الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَخَصُّ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِغَيْرِ رِبَوِيٍّ وَإِنْ كان التمثيل بعيد وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُهَذَّبِ خَاصَّةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَأَمَّا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ فَإِنَّهُ أَفْرَدَ لَهُ الْفَصْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُدْرِجَهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ إدْرَاجَهُ فِي الْكَلَامِ لَجَاءَتْ الاقسام خمسة لانه إما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا دُونَ الآخر وهذان القسمان لا يحرم فيهما شئ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا ربويين فاما أن لا يَكُونَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

فَيَحْرُمُ فِيهِمَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ يَخْتَلِفَا فَإِنْ اشْتَرَكَا حُرِّمَ النساء والتفرق وان اختلفا لم يحرم شئ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا * إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الرِّبَوِيَّ بِرِبَوِيٍّ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا حَلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَفْظُهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَصْرَحُ قَالَ فيه (لان المسلمين أجمعوا على أن لذهب وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا) وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ (وَلَا أَعْلَمُ المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدارهم يسلمان في كل شئ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ فِي الْآخَرِ) وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ الدِّينَارَ والدرهم يسلمان في كل شئ ولا يسلم أحدهما في الآخر) اه والاستدلال بجواز

السَّلَمِ عَلَى جَوَازِ النَّسَاءِ إذَا مَنَعْنَا التَّسَلُّمَ الْحَالَّ وَاضِحٌ وَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ فَطَرِيقُ تَقْرِيرِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ فَكُلُّ سَلَمٍ هُوَ بَيْعُ نَسِيئَةٍ وَأَمَّا إنَّ كُلَّ بَيْعِ نَسِيئَةٍ سَلَمٌ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يَكُونُ سَلَمًا أَوْ بَيْعًا وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَكُونُ سَلَمًا فَصَارَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ نَسِيئَةً شَيْئًا وَاحِدًا فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَلَا يُذْكَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لاسلما فَإِنَّا نَقُولُ يَجُوزُ نَقْدًا وَنَسِيئًا وَيَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ أَوْ قريبا منه الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَقَالَ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا نَقْدًا وَنَسِيئًا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَلَا يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا وَيَشْتَرِطُ تَسْلِيمَهُ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَلَا يَنْحَصِرُ الْفَسَادُ فِيمَا قَالَهُ بَلْ تَارَةً يَكُونُ النَّسَاءُ فِي الْمَبِيعِ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ إرْدَبَّ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي إلَى شَهْرٍ بِهَذَا الدِّينَارِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْإِرْدَبَّ الْقَمْحَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ إلَى شَهْرٍ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا

جَعَلْنَاهُ سَلَمًا وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَحْضٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ مَبِيعَةً فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً بِالذَّهَبِ فَيَكُونُ سَلَمًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ بَيْعًا فِي مَعْنَى السَّلَمِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِذَهَبٍ فِي الذِّمَّةِ نَسَاءً وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ نَسَاءً فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَأْخُوذًا مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى السَّلَمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَالْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ دَلِيلُ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِلْحَاقُ جَلِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ ثُمَّ إذَا جَازَ الْبَيْعُ نَسِيئَةً تَبِعَهُ جَوَازُ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضَيْنِ حَرُمَ التَّفَرُّقُ فِيهِمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ حَرُمَ النَّسَاءُ فيهما ومالا فَلَا وَلَا يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْجَوْهَرَةِ بِالْجَوْهَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ إلَى النَّسَاءِ بَلْ لِكَوْنِهِ لا يضبط بالصفة فيكون المسلم فيه مَجْهُولًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي جَوَازَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالذَّهَبِ وَالشَّعِيرِ بِالْفِضَّةِ نَسَاءً وَلَا أَشْعَرَ بِهِ إلَّا أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمِ الظَّاهِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مَرَاتِبَ الْإِجْمَاعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْتِيَاعَ بِدِينَارَيْنِ أَوْ دَرَاهِمَ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مقبوضة أو بها إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ بِالْأَيَّامِ أَوْ الْأَهِلَّةِ وَالسَّاعَاتِ وَالْأَعْوَامِ الْقَمَرِيَّةِ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ الْأَجَلُ جِدًّا جَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ شَيْئًا مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جَوَازِ بيع ذلك بالدراهم والدنانير إلَى أَجَلٍ مَوْصُوفٍ وَأَمَّا حَالًّا فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَضَمَّنَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ

شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) لَفْظُ مُسْلِمٍ واختلاف الاصناف ويشتمل اخْتِلَافَهُمَا عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ عِلَّةُ الرِّبَا فِيهِمَا وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَقَدْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ التَّقَابُضُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَيَحْتَمِلُ كلام الحزمى وُجُوبَ التَّقَابُضِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِقَوْلِهِ يَدًا بيد وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ كَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِي الْعِلَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الحنفية فعندنا المطعومات وعندهم المكيلات * * قال المصنف رحمه الله * (وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة كالتمر البرنى والتمر المعقلى فهما جنس واحد وكل شيئين اختلفا في الاسم من أصل الخلقة كالحنطة والشعير والتمر والزبيب فهما جنسان والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ستة أشياء وحرم فيها التفاضل إذا باع كل شئ منها بما وافقه في الاسم وأباح فيه التفاضل إذا باعه بما خالفه في الاسم فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاسم فهما جنس وإذا اختلفا في الاسم فهما جنسان) * (الشَّرْحُ) لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الرِّبَوِيِّ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ كُلَّ رِبَوِيَّيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي أُمُورٍ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أُمُورٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الضَّابِطَ وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَحَرَّرَهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَاعْتِرَاضَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ عَلَيْهَا سَتَنْكَشِفُ لَكَ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في بَابِ جِمَاعِ تَفْرِيعِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مَا مُلَخَّصُهُ، إنَّكَ تَنْظُرُ إلَى الِاسْمِ الْأَعَمِّ الْجَامِعِ كَالنَّبَاتِ مَثَلًا ثُمَّ تَقْسِمُهُ إلَى الْحَبِّ اسما غيره بِمَعْنَى الِاسْمِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ بِهِ عَمَّا يُشَارِكُهُ مِنْ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ

يَشْمَلُهُمَا أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ ذَلِكَ إلَى تِبْرٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يَنْقَسِمُ التِّبْرُ إلَى ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ أَخَصُّ الْأَسْمَاءِ الصَّادِقَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ يَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إلَى الصِّفَاتِ فَيُقَالُ تَمْرٌ بَرْنِيُّ وَتَمْرٌ مَعْقِلِيٌّ وَذَهَبٌ مِصْرِيٌّ وَذَهَبٌ مَغْرِبِيٌّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذلك شئ يَخُصُّهُ بَلْ إذَا أُرِيدَ مَعْرِفَتُهُ ذَكَرَ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ التَّمْرُ وَالذَّهَبُ ثُمَّ قِيلَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالتَّمْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّبْرِ وَالْحَبِّ لَا يُذْكَرُ الِاسْمُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بَلْ اسْمُهُمَا بِخُصُوصِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَإِنْ تَفَاضَلَتْ وَتَبَايَنَتْ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا يَتَبَايَنُ الذَّهَبُ وَيَتَفَاضَلُ فِي الْأَسْمَاءِ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ يُسَاوِي مُدُّهَا دِينَارًا بحنطة رديئة لا يسوى مُدُّهَا سُدُسَ دِينَارٍ وَلَا حِنْطَةٍ حَدِيثَةٍ بِحِنْطَةٍ قَدِيمَةٍ وَلَا حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ صَافِيَةٍ بِحِنْطَةٍ سَوْدَاءَ قبيحة مثلا بمثل فقول الصنف فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْمِ المشترك كالفاكهة فانه اسم يعم وكذلك التمر فَإِذَا قَالَ تَمْرٌ فَقَدْ خَصَّصَ (قُلْتُ) فَلِمَ قَالَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأَسْمَاءُ تُوضَعُ وَلَا يُقَالُ تُخْلَقُ قَالَ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ اسْمٌ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّ الِاسْمَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ هُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ فَإِنَّ الدَّقِيقَ لَمْ يُخْلَقْ عَلَى هَيْئَتِهِ وَإِنَّمَا يُخْلَقُ حَبًّا ثُمَّ يُطْحَنُ فَيَصِيرُ دَقِيقًا انْتَهَى وَكَذَلِكَ اللُّحُومُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا أَسْقَطَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ دَقِيقُ بُرٍّ وَدُهْنُ سِمْسِمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِنْسَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَلَمْ يَقُلْ الْخَاصَّ كَمَا قَالَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الِاسْمِ صَادِقٌ بِطَرِيقَيْنِ (أَحَدِهِمَا) بِالِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعَامِّ كَمَا مَثَّلَ (وَالثَّانِي) الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ أَيْضًا وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي التَّجَانُسِ فَالِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ الْعَامِّ بِذَلِكَ أَوْلَى وان كان لابد بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ اسْمٍ عَامٍّ لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَعِيدًا وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ

لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الْعَامِّ وَهُوَ الْحَبُّ وَالتِّبْرُ وَحَرَّمَ التَّفَاضُلَ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِمِثْلِهَا كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْقَاسَانِيِّ وَالسَّابُورِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حُرِّمَ التَّفَاضُلُ وَحَيْثُ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ جَازَ التَّفَاضُلُ وَذَلِكَ هُوَ مرادنا هنا باتفاق الجنس واختلافه وكذلك الصنف الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ فَحَيْثُ اتَّفَقَ الِاسْمُ صَدَقَ أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَصِنْفٌ وَاحِدٌ وَحَيْثُ اخْتَلَفَ يُقَالُ جِنْسَانِ وَصِنْفَانِ فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي مُسْلِمٍ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَكَذَلِكَ اللَّوْنُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ (فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلا ماختلفت أَلْوَانُهُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التمر لا يجوز التفاضل بينهما من التمر والحنطة وما أشبههما تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْوَانَ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَامِلِ خَيْبَرَ الْمُتَقَدِّمُ في الجمع والخصيب

وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ الْأَصْنَافُ فَحِينَئِذٍ الْجِنْسُ وَالصِّنْفُ وَاللَّوْنُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالجنس ههنا مَا يَتَعَارَفُهُ الْأُصُولِيُّونَ فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ إنَّ قَوْلَنَا جِنْسٌ تَارَةً يَرْجِعُ إلَى اتِّفَاقٍ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالْإِبِلِ والبقر والغنم في اشتراكهما فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْإِجْزَاءِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَإِنَّهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ذَكَرَ فِي تَأْيِيدِ قَوْلِهِمْ فِي اللُّحُومِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ التسمية أولى لان الدليل المتقدم دل عليه وما سواه لم يقم دليل عَلَى اعْتِبَارِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الضَّابِطِ أَنْ يَكُونَ الطَّلْعُ وَالرُّطَبُ وَالتَّمْرُ أَجْنَاسًا لاختلافهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ مُخْتَلِفَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ (فَالْجَوَابُ) أَمَّا الطَّلْعُ فَإِنَّهُ اسْمٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ طَلْعُ النَّخْلَةِ كُلُّهُ ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تُسَمَّى بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا فَهُوَ حِينَ كَانَ طَلْعًا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا بِلَا إشْكَالٍ للاتفاق في الاسم والحقيقة فحين انتقل شئ من الطلع إلى حالة يسمى فيهما تَمْرًا أَوْ رُطَبًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنه

جِنْسٌ غَيْرُ الطَّلْعِ لِأَنَّهُ هُوَ مَعَ تَبَدُّلِ صِفَتِهِ وَحَصَلَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ تَبَعًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْجِنْسِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالْيُبْسِ وَالرُّطُوبَةِ وَالتَّلَوُّنِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَخَصَّ مِنْ الطَّلْعِ فِي جَعْلِهَا أَجْنَاسًا لِأَنَّ الطَّلْعَ الَّذِي فَرَضْنَا الكلام طَلْعُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا تَبَدَّلَتْ حَالَاتُهُ فَالطَّلْعُ اسْمٌ خاص بتلك الذات ولا فرادها أَسْمَاءٌ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ وَهَذَا أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ مِنْ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ وَاخْتِلَافُ النَّوْعِ أَشَدُّ مِنْ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَإِنَّ النَّوْعَيْنِ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِيَّةِ ثَابِتٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ التَّمْرِ مَعَ الرُّطَبِ وَالطَّلْعِ وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ هُوَ الْحِنْطَةُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ تَبَدَّلَتْ صِفَتُهُ وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ إنَّمَا جُعِلَ مَنَاطَ اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الذَّوَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ أَمَّا مَعَ اتِّحَادِهَا فَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِ التَّابِعِ لِلصِّفَاتِ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنَّهُ مَعَ اخْتِلَافِهَا لَا أَثَرَ لِلِاتِّحَادِ الطَّارِئِ كَاللُّحْمَانِ وَالْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي السَّلَمِ هل اختلاف

النوع كاختلاف الجنس والاصح أنه مثله وههنا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ لَيْسَ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ (قُلْتُ) الْقَوْلُ فِي السَّلَمِ أَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةٌ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ الا أن يكون بينهما من الاختلاف مالا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ وَأَمَّا الرِّبَوِيَّاتُ فَالْمُعْتَبَرُ مُسَمَّى الْجِنْسِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّوْعَيْنِ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا فِي السَّلَمِ لَا يَأْخُذُ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ لَا نَجْعَلُهُمَا جِنْسَيْنِ بَلْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ نَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * فَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كُلُّهَا كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الْحِنْطَةِ كَالصَّعِيدِيِّ وَالْبُحَيْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الذَّهَبِ كَالْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ الزَّبِيبِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ وَسَائِرِ أَصْنَافِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ حَدِيثُ بِلَالٍ الْمُتَقَدِّمُ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ) (فَائِدَةٌ) الْبَرْنِيُّ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ أَجْوَدُ التَّمْرِ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي السَّلَمِ إنَّ الْمَعْقِلِيَّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَرْنِيِّ إنَّهُ مُدَوَّرٌ أَصْفَرُ كَذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَدْوِيرٌ وَالْمَعْقِلِيُّ بِالْعِرَاقِ مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ نَهْرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَكِنْ لَا يُسْتَكْمَلُ الْغَرَضُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الضَّابِطِ وَتَحْرِيرِهِ إلَّا بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاشْتِبَاهُ فِي ذَلِكَ فَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْأَصْلِ والله المستعان *

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَقْصُودُهُ بِالِاسْمِ الِاسْمُ الْخَاصُّ الَّذِي مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَسَكَتَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ الِاسْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ يُورَدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ التَّمْرُ وَالرُّطَبُ فَإِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الِاسْمِ وَلَا يَرِدُ التَّمْرُ فَإِنَّ اسْمَ التَّمْرِ طَارِئٌ عَلَيْهِ بَعْدَ كَوْنِهِ رُطَبًا وَكَذَلِكَ لَا يَرِدُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَإِنَّهُمَا يُذْكَرَانِ صِفَةً لَا اسْمًا فَيُقَالُ شاة ضانية وشاة ماعزة * * قال المصنف رحمه الله * (وما اتخذ من أموال الربا كالدقيق والخبز والعصير والدهن تعتبر بأصولها فان كانت الاصول أجناسا فهى أجناس وان كانت الاصول جنسا واحد فهى جنس واحد) * (الشَّرْحُ) لِمَا أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي الِاسْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ (أَحَدِهِمَا) مَا يَكُونُ مُتَّحِدًا فِي أَمْوَالِ الرِّبَا كَالدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ (وَالثَّانِي) مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ وَسَيَأْتِي (أَمَّا) الْقِسْمُ الْأَوَّلُ كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ وَالْعَصِيرِ وَالْخُلُولِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأُصُولِهَا فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مختلفة في أنفسها وإشراكها في اسم علم وَهُوَ الدَّقِيقُ أَوْ الدُّهْنُ مَثَلًا لَا يُوجِبُ اتِّحَادَهَا كَمَا يَشْتَرِكُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ فِي الْحَبِّ وَلَيْسَا مُتَّحِدَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ اسْمًا يَخُصُّهُ بَلْ اكْتَفَتْ فِيهِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ الْمُتَمَيِّزِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاتِّحَادَ فِي الْجِنْسِ وَكَوْنُهَا مُخْتَلِفَةَ الْحَقَائِقِ نَاشِئٌ مِنْ أَجْنَاسٍ تُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فَاعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا

كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَدْهَانِ وَقَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالْأَذِرَّةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ مَعَانٍ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى مَا يَكُونُ يُشِيرُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إلَى مَا قُلْتُهُ وَمِنْ هَذَا الْكَلَامِ اسْتَفَدْتُهُ وَهُوَ أَسْهَلُ فِي التَّقْرِيرِ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ اتِّفَاقًا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ ثُمَّ يَدَّعِيَ اخْتِلَافَهُمَا لا خلاف أُصُولِهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَقَدْ وَضَعُوا لِبَعْضِ الْأَدْهَانِ اسْمًا بِخُصُوصِهِ كَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ فَصَارَ اخْتِلَافُهُمَا لِأَمْرَيْنِ اخْتِلَافِ اسْمِهِمَا الْخَاصِّ وَاخْتِلَافِ أَصْلِهِمَا وَبِهَذَا يَزُولُ اعْتِرَاضُ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الِاسْمَ فَالْأَدِقَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كُلٌّ مِنْهَا مُتَّحِدَةُ الِاسْمِ فهذه كانت جنسا واحد وَسَنَذْكُرُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ خِلَافًا ضَعِيفًا وَكَذَلِكَ فِي الْعَصِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا يقتضيه هذا الاصل الممهد والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (فعلى هذا دقيق الحنطة ودقيق الشعير جنسان وخبز الحنطة وخبز الشعير جنسان ودهن الجوز ودهن اللوز جنسان) *

(الشرح) هذا التفريع على ذلك الاصل لاخفاء فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَسْأَلَتَيْ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْأَخْبَازُ أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ ادَّعَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فِي الادقة قال الْمَحَامِلِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ فِي حَرْمَلَةَ كَلَامًا يُؤَدِّي إلى أنها جنس واحد وليس بشئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْأَدِقَّةِ حِكَايَةُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ فَلَا يُجْزَمُ بِإِثْبَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ وَتَأَمَّلَ مَعْنَاهُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ قَوْلًا وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ خِلَافُهُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَيُبَاعُ دَقِيقُ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رُطَبًا أَوْ يَابِسًا بِيَابِسٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ وُجُودُ التَّفَاضُلِ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ ثَبَتَ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي بَيْعِ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِهَا وَخُبْزِهَا بِخُبْزِهَا وسيأتى

حكمهما فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الطَّرِيقَةَ الْجَازِمَةَ بِأَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُرْضِيَةُ وَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ غَرَضُ الَّذِي خَرَّجَهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ إلَّا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَدِقَّةِ فَنَقُولُ الدَّقِيقُ عَيْنُ أَجْزَاءِ الْحَبِّ وَلَكِنَّهَا مَجْمُوعَةٌ فَتَفَرَّقَتْ وَالدُّهْنُ الْمُعْتَصَرُ وَإِنْ كَانَ فِي أصله ولكنه في ظن الناس كالشئ الْمُحَصَّلِ جَدِيدًا وَقَدْ تَجِدُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بالخبز والمراد به ما إذا كانا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْأَدْهَانُ فَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ فِيهَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ حَكَوْا ذَلِكَ عَنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَزَيَّفُوهُ (وَأَمَّا) الْقَوْلُ التَّفْصِيلِيُّ فَقَدْ قَسَّمَهَا الْأَصْحَابُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ دُهْنٌ يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلدَّوَاءِ وَدُهْنٌ يُعَدُّ لِلطِّيبِ وَدُهْنٌ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ وَلَا لِلدَّوَاءِ وَلَا لِلطِّيبِ فَالْأَوَّلُ الْمُعَدُّ لِلْأَكْلِ كَدُهْنِ الجوز واللوز الحلو وَالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَدُهْنِ الصَّنَوْبَرِ وَالْبُطْمِ وَالْخَرْدَلِ وَالْحَبَّةِ الْخَضْرَاءِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا رِبَوِيَّةٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قال

فِيهَا وَفِي الْخُلُولِ قَوْلَانِ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَعْنِي الْأَدْهَانَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى فَسَادِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * إذا ثبت هذا فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ جِنْسِهِ جَازَ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْحُلُولِ وَالتَّمَاثُلِ وَالتَّقَابُضِ لَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الشَّيْرَجَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطيب ذلك أيضا عن ابن أبى اسحق وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ خِلَافٌ وَمِمَّنْ أَثْبَتَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَجَانُسِ الْأَدْهَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ * (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ لِلدَّوَاءِ كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَاللَّوْزِ المر وَنَوَى الْمِشْمِشِ وَنَوَى الْخَوْخِ وَعَدَّ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْحَبَّةَ الْخَضْرَاءَ وَأَبُو الطَّيِّبِ الْخَرْدَلَ فَهَذَا رِبَوِيٌّ كَالسَّقَمُونْيَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَحُكْمُ هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ أَجْنَاسًا حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ بِجِنْسِهِ حَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ حَلَّتْ الْمُفَاضَلَةُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ وَمُقْتَضَى مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي هَذَا الضَّرْبِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ صَرِيحًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ فِيهِ وَدُهْنُ كُلِّ شَجَرٍ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ بَعْدَ الَّذِي وَصَفْتُ وَاحِدٌ لَا يَحِلُّ في شئ مِنْهُ الْفَضْلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ حَلَّ الْفَضْلُ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَجُزْ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِدُهْنِ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ بِدُهْنِ الشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةٌ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي تُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ عِنْدِي فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ الصِّفَةِ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَدُهْنُ اللوز المر وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الطِّيبُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلُوفَرِ والخيرى والزنبق فَهَذَا كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمِيعِ السِّمْسِمُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لَا رِبَا فِي هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّهُ ليس بمأكول وقد تقدم ذلك في كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَإِنَّمَا أَعَدْنَا ذَلِكَ هُنَا لِاسْتِيفَاءِ الْكَلَامِ فِيهِ وَرُدَّ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَإِنَّمَا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِعِزَّتِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الرِّبَا كَالزَّعْفَرَانِ هُوَ مَطْعُومٌ وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ لِلصَّبْغِ وَالطِّيبِ فَيُبَاعُ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مُتَمَاثِلًا وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْنَافًا وَيُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ * قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ هذه الادهان بعضها ببعض لانه ليس ههنا مع الدهن شئ وَإِنَّمَا الْوَرْدُ يُرْتَبُ بِهِ السِّمْسِمُ فَيُفْرَشُ السِّمْسِمُ وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يُطْرَحُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أَبَدًا حَتَّى يَطِيبَ ثُمَّ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الدُّهْنُ فَلَا يَكُونُ مَعَ الدُّهْنِ غَيْرُهُ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الدُّهْنَ مُسْتَخْرَجٌ أَوَّلًا ثُمَّ يُطْرَحُ أَوْرَاقُهَا فِيهِ حَتَّى يَطِيبَ أَوْ يُطْبَخَ مَعَ الْوَرْدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بيع الشيريج بالشريج وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا يَظْهَرُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الدُّهْنَ مَوْزُونًا أَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُ مَكِيلًا فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ الدُّهْنُ مِنْ الْأَوْرَاقِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمِكْيَالِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي تماثله والله أعلم (الضرب الرابع) مالا يُتَنَاوَلُ أَدَمًا وَلَا دَوَاءً وَلَا هُوَ طِيبٌ كَدُهْنِ بَذْرِ الْكَتَّانِ الْمَقْصُودِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِيمَا شَرَحَهُ النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والصحيح المشهور انه لاربا فِيهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ طَرِيًّا وَيُقْلَى بِهِ السَّمَكُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إنَّ مَا كَانَ مِنْ هذه الادهان

لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرِّبَا وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا فَبَقِيَ تَحْقِيقُ مَنَاطِ أَنَّ هَذَا هَلْ يُؤْكَلُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَعَلَّلَهُ في المهذب بأن دهن السمك يأكله الملاحون ودهن بزر الْكَتَّانِ يُؤْكَلُ أَوَّلَ مَا يُسْتَخْرَجُ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ فَهَذِهِ أَقْسَامُ الدُّهْنِ وَالْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَجَعَلَهَا أَرْبَعَةَ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَأْكُولَةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهَا الرِّبَا اعْتِبَارًا بِأَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (الثَّانِي) مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَأْكُولٍ كَدُهْنِ الْمَحْلَبِ وَالْبَانِ وَالْكَافُورِ فَلَا رِبَا فِيهَا (الثالث) ماهى فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عُرْفًا كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْيَاسَمِينِ لَكِنَّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ وَهُوَ السِّمْسِمُ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ وكذلك دهن السمك وَأَمَّا دُهْنُ الْبَذْرِ وَالْقُرْطُمِ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِهَا هَلْ هِيَ مَأْكُولَةٌ يَثْبُتُ الرِّبَا فِيهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيهَا الرِّبَا فَفِي أَدْهَانِهَا وَجْهَانِ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ (الرَّابِعُ) مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ لَكِنَّهَا بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهَا دُهْنًا مَأْكُولًا كَدُهْنِ الْخِرْوَعِ وَالْقَرْعِ فَفِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهَا وَجْهَانِ نَظَرًا إلَى أَنْفُسِهَا وَأُصُولِهَا (قُلْتُ) قَوْلُهُ فِي الْقَرْعِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ وَيَعْنِي به حب الْقَرْعَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ دُهْنُ اللَّوْزِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْحُلْوَ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا مِنْ الْقِسْمِ

الْأَوَّلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمُرُّ وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا بِجَرَيَانِ خِلَافٍ فِيهِ حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي دُهْنِ الْخِرْوَعِ الْمَأْكُولِ لِلتَّدَاوِي الْمُتَّخَذِ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا لا يكون مما نحن فيه والله عز وجل أَعْلَمُ * وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي الْأَدْهَانِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا نَحْكِيهِ عَنْهُ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ وَزَيْتِ الزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْوَرْدِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا كُلُّ دُهْنٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ وَدُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلُّ دُهْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فاختلف مايخرج مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ أَوْ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَوْ تلك العجمة فهو صنف واحد ولايجوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ حَبِّهِ أَوْ ثَمَرِهِ أَوْ عُجْمِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ نَسِيئَةً ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ يَفْتَرِقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا كَهُوَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْوَدَكِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَذَلِكَ الشَّحْمُ غَيْرُ الْمُذَابِ بِالسَّمْنِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْلَهُ سَاعَتَئِذٍ فَيَجُوزُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الدُّهْنِ الْمُطَيَّبِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا إذَا اخْتَلَفَ طِيبُهُ وَقَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ مَكِيلِهِ مِنْ دُهْنِ الْوَرْدِ بِمِثْلِهِ مِنْ دُهْنِ الْخَيْرِيِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِمَا مُخْتَلِفٌ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ وَقَالُوا أَيْضًا يَجُوزُ الْمُطَيَّبُ بِغَيْرِ الْمُتَطَيِّبِ مُتَفَاضِلًا *

(فَرْعٌ) ذُكِرَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَلَفَ فِي الْحِيتَانِ وَالْأَجْبَانِ وَالْأَسْمَانِ وَالْأَدْهَانِ وَالْخُلُولِ هَلْ هِيَ أَنْوَاعٌ أَوْ نَوْعٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ وَالْخُلُولُ وَحَصَلَتْ لِي رِيبَةٌ فِي نِسْبَةِ الرَّوْنَقِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْخُلُولِ وَالْأَدْهَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَرِيبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ لَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ السَّمْنَ مَعَ سَائِرِ الْأَدْهَانِ جِنْسَانِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَدْهَانِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّمْنِ يَعْنِي وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (واختلف قوله في زيت الزيتون وزيت الفجل فقال في أحد القولين هما جنس واحد لانه جمعهما اسم الزيت والثانى أنهما جنسان وهو الصحيح لانهما يختلفان في الطعم واللون فكانا جنسين كالتمر الهندي والتمر البرنى ولانهما فرعان لجنسين مختلفين فكانا جنسين كدهن الجوز ودهن اللوز) * (الشَّرْحُ) اخْتِلَافُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ قَالَ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ بالحنطة والتمر بالتمر وبرد مَا يُرَدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا يَخْتَلِفُ وقد يعصر من الفجل دهن يمسى زَيْتَ الْفُجْلِ وَلَيْسَ مِمَّا يَكُونُ بِبِلَادِنَا يُعْرَفُ له اسم بأمه ولست أعرفه يمسى زَيْتًا إلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ دُهْنٌ لَا اسْمَ لَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ

مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الزَّيْتُ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِلزَّيْتِ فِي طَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَشَجَرَتِهِ وَهُوَ فَرْعٌ وَالزَّيْتُونُ أَصْلٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَلَّا يُحْكَمَ بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا مِنْ الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ رَجُلٌ أَكَلْتُ زَيْتًا أَوْ اشْتَرَيْتُ زَيْتًا أَعْرِفُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُ دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرُ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ من كل واحد مِنْهُمَا وَالْأَصْحَابُ عَادَتُهُمْ إذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله مثل هذا التردد يجعلوه تَرَدُّدَ قَوْلٍ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وقد قال المحامدى إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّرْفِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَعَلَّ نَصَّهُ هُنَاكَ أَصَرْحُ مِنْ هَذَا وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَقَالَ فِيهِ فَزَيْتُ الزيتون صنف زيت الْفُجْلِ صِنْفٌ غَيْرُهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ جَزَمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بزيت الفجل بزيت الْفُجْلِ بِالسَّمْنِ مُتَفَاضِلًا وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحَهُ فَلَا جَرَمَ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَدْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الزَّيْتُ الْمَعْرُوفُ مَعَ زَيْتِ الْفُجْلِ جِنْسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُكْمُهُمَا حكم اللحمان وقال الرويانى ان القول بأنها جِنْسَانِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَرْجِيحِهِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ إلَى مَنْعِ اتِّفَاقِهِمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَأَنَّ زَيْتَ الْفُجْلِ لَا يُسَمَّى زَيْتًا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأَدْهَانِ الَّتِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ ما يستعمل فيه الزيت أطلق عليه اسْمَ زَيْتٍ أَيْ مَجَازًا هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ بَحْثِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّقِيقِ وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا انْتَفَى وَضْعُ الْخَاصِّ لَهُمَا وَكَانَا مَعَ

ذَلِكَ مُخْتَلِفَيْ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَالشَّجَرَةِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَاسَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّمْرِ الْهِنْدِيِّ وَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ بِجَامِعٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ جَزْمًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهٌ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ وَلَعَلَّ شُبْهَةَ ابْنِ القطان أنه ظن اشتراكهما في الاسم الْخَاصِّ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّيْتِ وَجَوَابُهُ يَشْمَلُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيِّ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ التَّمْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مُقَيَّدًا فيقال تمر هندي وعند الاطلاق يتبادر الذهن إلَى التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ لَا إلَى الْهِنْدِيِّ فَلَمْ يَكُنْ اسْمُ التَّمْرِ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا وَالْمُوجِبُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الِاتِّفَاقُ فِي الِاسْمِ بِالدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الزَّيْتِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا تَمْرٌ هِنْدِيٌّ مُقَيَّدًا بِخِلَافِ الزَّيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ مُجَرَّدًا فَلَا يَحْسُنُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَتَخْرِيجُهُ عليه وقد وقع في الكلام أبى محمد عبد الله بن يحيى الصغير عَلَى الْمُهَذَّبِ أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ لَمْ يَدْخُلْ الرِّبَا فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَاللُّحُومِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَلَعِيُّ فِي احْتِرَازَاتِهِ قَوْلُهُ فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ الْبَيْضَاءِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ السَّمْرَاءِ فَإِنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ تَأْكِيدٌ لَا احْتِرَازَ فِيهِ فَإِنَّ تَغَايُرَ الْجِنْسِيَّةِ وَتَعَدُّدَهَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا ضَرُورَةً وَقَدْ أَفَادَ ابْنُ الصَّعْبِيِّ أَنَّ فِي مُخْتَلِفَيْنِ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ حَاصِلٌ قَبْلَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمِ الزَّيْتِ أَيْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ هُوَ عِلَّةُ التَّعَدُّدِ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا فِي الْأَصْلِ فيسير فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِعِلَّةِ التَّعَدُّدِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَنَاطِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ إنْ فُقِدَ فِي الْفَرْعِ فهو موجود في الاصل (فائدة) السليط الشيرج والجلجلان السِّمْسِمُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ * (فَرْعٌ) مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْبِطِّيخِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْهِنْدِبَاءِ وَالْقِثَّاءِ مَعَ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْبُقُولُ كَالْهِنْدِبَاءِ وَالنَّعْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا أَجْنَاسٌ

(إذَا قُلْنَا) بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَكُسْبُهُ جِنْسَانِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كَالْمَخِيضِ وَالسَّمْنِ وَفِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ خَلِّهِ وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لا فراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود في السكر الفانيد وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ قَصَبِهِمَا وَكَذَا السُّكَّرُ النَّبَاتُ والطَّبْرَزْدُ جِنْسٌ وَاحِدٌ (1) وَفِي السُّكَّرِ الاحمر وهو القوالب وهو عكى الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَئِمَّةِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصِّفَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الذُّرَةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ الذُّرَةُ المعروفة بيضاء اللون كثيرة الحبات والذى تُعْرَفُ بِالدَّخَنِ صَغِيرَةُ الْحَبَّاتِ صَفْرَاءُ اللَّوْنِ إلَّا أَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَيَتَقَارَبَانِ فِي الطَّعْمِ وَالطَّبْعِ وَأَنْوَاعُ الْعِنَبِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى إنَّ الْمِشْمِشَ مَعَ سَائِرِ الْأَعْنَابِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنْوَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْكُمَّثْرَى وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلُ وَالتُّفَّاحُ وَالْمِشْمِشُ أَنْوَاعٌ كُلٌّ مِنْهَا جِنْسٌ وَأَنْوَاعُ الْبِطِّيخِ جِنْسٌ وَاحِدٌ الْحُلْوُ وَغَيْرُ الْحُلْوِ فَإِنَّ الْبِطِّيخَ الَّذِي فِيهِ الْحَبَّاتُ السُّودُ وَيُعْرَفُ فِي الْعِرَاقِ بِالرِّيفِيِّ وَالرُّومِيِّ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ بالهندى مع البطيح الْمَعْرُوفِ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ فِيهِ وَجْهَانِ * (فَرْعٌ) الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ مَعَ الْجَوْزِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خِلَافَ ابْنِ الْقَطَّانِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ مَعَ التَّمْرِ الْمَعْرُوفِ جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ الْمَعْرُوفُ مَعَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَلَامُهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ نَاقِلَ الْوُجُوهِ لا يخرج له والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (واختلف قوله في اللحمان فقال في أحد القولين هي اجناس وهو قول المزني وهو الصحيح

لانها فروع لاصول هي أجناس فكانت أجناسا كالادقة والادهان (والثانى) أنها جنس واحد لانها تشترك فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تحريم الربا فكانت جنسا واحد كالتمور وتخالف الادقة والادهان لان أصولها أجناس يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا فاعتبر فروعها بها واللحمان لا يحرم الربا في أصولها فاعتبرت بنفسها) * (الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ فِي اللَّحْمِ مَشْهُورَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَطَائِرُهُ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْبَيْعُ حَتَّى يَكُونَ يَابِسًا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إلَى الْقَدِيمِ وَقَدْ رَأَيْتُ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلَكِنْ فِي آخِرِهِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَتَوَهَّمْتُ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ فَرَأَيْتُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ نُسْخَةٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ إلَى الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْقَوْلُ فِي اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْبَقَرِ صِنْفٌ ولحم الظباء صنف وَلَحْمَ كُلِّ مَا تَفَرَّقَتْ بِهِ أَسْمَاءٌ دُونَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ صِنْفٌ فَيُقَالُ كُلُّهُ حَيَوَانٌ وَكُلُّهُ دَوَابُّ وَكُلُّهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَهَذَا جِمَاعُ أَسْمَائِهِ كُلِّهِ ثُمَّ يُعْرَفُ أَسْمَاؤُهُ فَيُقَالُ لَحْمُ غَنَمٍ وَلَحْمُ بَقَرٍ وَلَحْمُ إبِلٍ وَيُقَالُ لَحْمُ ظباء ولحم أرانب ولحم زرابيع وَلَحْمُ ضِبَاعٍ وَلَحْمُ ثَعَالِبَ ثُمَّ يُقَالُ فِي الطَّيْرِ هَكَذَا لَحْمُ كَرَاكِي وَلَحْمُ حُبَارَيَاتٍ وَلَحْمُ حَجَلٍ وَلَحْمٌ مُعَاقَبٌ كَمَا يُقَالُ طَعَامٌ ثُمَّ يُقَالُ حِنْطَةٌ وَذُرَةٌ وَشَعِيرٌ وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَيَنْقَاسُ وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ فِي

التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَحْوَ وَرَقَةٍ ثُمَّ قَالَ الثَّانِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ اللَّحْمُ كُلُّهُ صِنْفٌ كَالتَّمْرِ كُلِّهِ صِنْفٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَهُ فِي الْحِيتَانِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَزِمَهُ إذَا أَخَذَهُ بِجَامِعِ اللَّحْمِ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْجَامِعُ مَعَ التَّمْرِ يَجْعَلُ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الثِّمَارِ صنفا وهذا ما يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدِي فَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِلْزَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اسْمٍ جَامِعٍ وَهَذَا يُنَبِّهُكَ عَلَى أن اسم اللحم اسم عام لاخاص وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ خَاصٌّ ثُمَّ يُقَرِّرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ بما سنذكره وتحقيق ذلك يؤول إلَى بَحْثٍ لَفْظِيٍّ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْخَاصِّ ما لم يوضع لما تحته من أن أنواعه اسما بِخُصُوصِهَا فَاسْمُ اللَّحْمِ عَلَى هَذَا خَاصٌّ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شَبِيهٌ بِالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمٌ يَخُصُّهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ أَسْمَاءٌ صادقة على ذلك الشئ وَيَكُونُ هُوَ أَخَصَّهَا كَالْحَبِّ وَالْحِنْطَةِ فَاسْمُ اللَّحْمِ

عَلَى هَذَا لَيْسَ بِخَاصٍّ وَأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ والحيوان والدواب وبهيمة الانعام لا يصدق شئ مِنْهَا عَلَى اللَّحْمِ حَالَةَ كَوْنِهِ لَحْمًا عَلَى أَنَّ تَقْسِيمَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمَتْهُ آنِفًا يُشْعِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجْرِيَ كَلَامُهُ هُنَا وَفِي الْأَدْهَانِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْأَدْهَانَ مِمَّا لَا يُوضَعُ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا حَالَةَ كَوْنِهَا دُهْنًا اسْمُ مَا اُسْتُخْرِجَتْ مِنْهُ بَلْ تُذْكَرُ مُضَافَةً إليه كما بذكر اللَّحْمُ مُضَافًا إلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ فَإِنْ جَعَلْنَا اسْمَ اللَّحْمِ لَيْسَ بِخَاصٍّ سَهُلَ النَّظَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِثْبَاتُ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَإِنْ جعلناه خَاصًّا فَقَدْ وَجَّهَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ أَنَّهُمَا فَرْعَانِ لِجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلُهُ هُنَا إنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَلَمْ يَقُلْ فُرُوعٌ لِأَجْنَاسٍ كَمَا قَالَ وَلَا قَالَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذلك أن كون الزيتون والفجل جنسين لاشبهة فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَوَانَاتِ أَجْنَاسًا فَتَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جَعَلَ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّهَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ ثُمَّ قَالَ هِيَ أَجْنَاسٌ وَهَذَا فِي حُكْمِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ كَذَلِكَ اسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمَّا كَانَ زَيْتُ الزَّيْتُونِ وَزَيْتُ الْفُجْلِ يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الزَّيْتِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ مِنْ الدُّهْنِ وَذَلِكَ يُوهِمُ اتِّحَادَهُمَا احْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَ التَّبَايُنَ فِي أُصُولِهِمَا بِقَوْلِهِ مُخْتَلِفَيْنِ وَاللُّحْمَانُ كُلُّهَا إنَّمَا تَتَمَيَّزُ بِالْإِضَافَةِ كَبَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ اعْتَنَى بِإِثْبَاتِ أَنَّ

أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَى زِيَادَةِ لَفْظِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ وَهَذَا مِنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَطْعٌ بِأَنَّ اللُّحْمَانَ أَصْنَافٌ وَقَدْ قَطَعَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلُحُومُهَا الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْأَلْبَانِ بِالِاخْتِلَافِ أَوْلَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِنْ هُنَا نَسَبَ الْأَصْحَابُ إلَى الْمُزَنِيِّ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ يَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْقَطْعِ بِهِ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَجْلِ أَنَّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ فِي مَأْخَذِهِ غَيْرُ خَالٍ عَنْ احْتِمَالٍ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي اسْمٍ خَاصٍّ كَالتَّمْرِ وَالْبُرِّ وَاشْتِرَاكُ التمر

وَالزَّبِيبِ فِي اسْمٍ عَامٍّ وَهُوَ الثَّمَرَةُ وَبِهِ يَنْقَطِعُ الْإِلْزَامُ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي حِكَايَةَ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَقَوْلُهُ) فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ احْتِرَازٌ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ عَامٍّ كَالْحَبِّ وَالثَّمَرَةِ (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا احْتِرَازٌ مِنْ الْأَدِقَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُنِعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ الدَّقِيقُ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ أَوَّلَ حَالِ الرِّبَا لِأَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي حَبَّاتِهَا وَلَا يَشْتَرِكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقِيَاسُهُ عَلَى التُّمُورِ قَالَ الْقَاضِي ان اصحابنا يقيسون على التمر أنه لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الرِّبَا يَسْبِقُ كَوْنَهُ رُطَبًا وبسرا وتمرا وخلا لان الطَّلْعَ مَطْعُومٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ أَوَّلُ حَالَيْهِ فَوَجَبَ بِأَنْ يُقَاسَ عَلَى الطَّلْعِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْخَاصَّ وَهُوَ الطَّلْعُ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ

وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الطَّلْعَ اسْمٌ لِطَلْعِ النَّخْلَةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا (وَأَمَّا) إطْلَاقُهُ عَلَى الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَمِنْ بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُتَّجَهْ قَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَشْيَاءَ تَشْتَرِكُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ دُخُولِ الرِّبَا فَلَا جَرَمَ وَاَللَّهُ أعلم لم يعتمد المصنف ماقاله القاضي أبو الطيب مع هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ كَوْنِهِ شَيْخَهُ وَمُعْتَمَدَهُ وَاعْتَمَدَ ماقاله الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي فَجَوَابُهُ أَنَّ أَنْوَاعَ التَّمْرِ مُشْتَرِكَةٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الربا بكون كل منها طلعا ثُمَّ يَصِيرُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا ثُمَّ يَصِيرُ تَمْرًا وَفِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ الثَّلَاثِ يَصْدُقُ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ الِاسْمُ خَاصٌّ فَصَحَّ أَنَّ أَنْوَاعَ التُّمُورِ تَشْتَرِكُ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا إلَى

آخِرِهَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ هُوَ إمَّا طَلْعٌ وَإِمَّا رُطَبٌ وَإِمَّا تَمْرٌ فَإِنَّ ثَلَاثَتَهَا أَنْوَاعٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا تَشْتَرِكُ فِي اسْمِ التَّمْرِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي وَهُوَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِذَلِكَ يَحْسُنُ الِاحْتِرَازُ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْأَدِقَّةِ فَإِنَّ دَقِيقَ الْقَمْحِ وَدَقِيقَ الشَّعِيرِ مَثَلًا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ حِينَ صَارَا دَقِيقًا وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا قَمْحًا وَهَذَا شَعِيرًا لَيْسَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي اسْمٍ خَاصٍّ لَا دَقِيقٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا شَعِيرٍ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِي اسْمِ الْحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَبَعْدَ أَنْ حَرَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْقِيَاسَ عَلَى الطَّلْعِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلْعَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ اشْتِرَاكُهُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ لِأَنَّ أُصُولَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْأَصْنَافِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللُّحُومُ فَإِنَّ أُصُولَهَا أَصْنَافٌ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِأُصُولِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الْأَلْبَانِ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ طَرِيقَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُمَا وَلَعَلَّ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّهَا كَاللُّحْمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُخَالِفُ الْأَدِقَّةَ وَالْأَدْهَانَ إلَخْ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ تَحْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّ الْفَرْقَ أَبْدَى مَعْنًى فِي احدى الصورتين مفقود فِي الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ كَوْنُ أُصُولِهَا أَجْنَاسًا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضِ مُتَفَاضِلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ مَفْقُودًا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ تَحْرِيمُ النَّسَاءِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا جَوَازُ التَّفَاضُلِ وَعَدَمُ حُرْمَةِ الرِّبَا تَضَادٌّ فَكَانَتْ الْمُقَابَلَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ رِبَوِيَّةٌ بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ هَكَذَا صَنَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرِّبَا فِي الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ مَعْلُومًا سَكَتَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ أَنَّهُ فِي

ذَلِكَ الْمَحِلِّ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا وَلِهَذَا صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فَإِنَّهُ أَثَرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِيهَا فَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ مُعْتَبَرًا فِيهَا اُعْتُبِرَ فِي فُرُوعِهَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِيهَا فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا فَنَبَّهَ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِاخْتِلَافِ الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ كَوْنُهُ فِي مَحِلٍّ رِبَوِيٍّ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي أُصُولِ اللُّحْمَانِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهَا لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ تَكُنْ رِبَوِيَّةً لَا يَصِحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا ضَرُورَةً فَكَأَنَّهُ نَفَى الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بِدَلِيلِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللُّحْمَانَ لَا تُعْتَبَرُ فِي أُصُولِهَا فِي كَوْنِهَا أَجْنَاسًا بِخِلَافِ الْأَدِقَّةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ بِأُصُولِهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ اعْتِبَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِهِ فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ إذْ كُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ رِبَوِيٌّ قَطْعًا فَثُبُوتُ حُكْمِ الرِّبَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَالْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ أُصُولَ الْأَدِقَّةِ وَالْأَدْهَانِ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الرِّبَا بِخِلَافِ أُصُولِ اللُّحْمَانِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ أُصُولَ اللُّحْمَانِ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالرِّبَا فَإِنَّ حُكْمَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَالْأَصْنَافِ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُضَمُّ إلَى الشَّعِيرِ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونَانِ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الرِّبَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ تَبَيَّنَ إلْغَاءُ الْفَرْقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لِكَوْنِهَا جِنْسًا أَنَّ جَعْلَ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ الطَّلْعُ فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ

عَنْهُ وَأَنَّ جَعْلَ الْقِيَاسِ عَلَى التُّمُورِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ أَصْلُ كُلٍّ مِنْهَا لَيْسَ جِنْسًا مُخَالِفًا لِأَصْلِ الْآخَرَ لِأَنَّ أَصْلَهَا التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالطَّلْعُ وهو شئ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أُصُولٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ اللُّحْمَانِ فَإِنَّ لَهَا أُصُولًا مُخْتَلِفَةً كُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ مُسْتَقِلٌّ فَاعْتُبِرَ بِهِ فَقَدْ تَحَرَّرَ الْمَذْهَبُ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَنَّ اللُّحْمَانَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَلْبَانِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجَدِيدِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فقال الصحيح أنها جنس واحد وكذلك الجوزى فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ المصنف في الثلث عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لِكَوْنِهَا أَجْنَاسًا فَقَالَ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَصْفِ فَإِنَّ

الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ وَالْمَرْوِيَّةَ عِنْدَهُمْ أَجْنَاسٌ وَإِنْ كَانَتْ فروعا لجنس واحد هذا السؤال يُسَمَّى بِعَدَمِ التَّأَثُّرِ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يُعْدَمَ الحكم لعدم العلة وقد تتعحب مِنْ الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ اسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَأَجَابَ عن دليل الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ صَرَّحَ بتصحيح القول الاول ولاعجب وَالسَّبَبُ الدَّاعِي لِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الْمَذْهَبِ فَهُوَ مَقْصُورٌ فِي الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ كَالصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ مَعْنٍ صَاحِبُ التَّنْقِيبِ عَلَى الْمُهَذَّبِ فَقَالَ قَوْلُهُ مُشْتَرِكٌ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ فِي أَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الرِّبَا فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمَهَا لَا يُتَلَقَّى مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الرِّبَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ الْجِنْسِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَإِذَا كَانَتْ أُصُولُهَا أَجْنَاسًا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهَا كَانَتْ أَجْنَاسًا إذَا دَخَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يظهر جوابه مما تقدم اللحمان - بِضَمِّ اللَّامِ - وَهَلْ هُوَ جَمْعٌ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ كَلَامُ ابْنِ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَمْعٌ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّحْمُ وَاللُّحْمُ لُغَتَانِ والجمع ألحم ولحوم ولحام ولحمان * (فصل) في ذكر مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ * قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَالصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفَصَّلَتْ الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا لُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ صِنْفٌ وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلِّهِ صِنْفٌ وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْمَاءِ كُلِّهَا صِنْفٌ فَهِيَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ وَالرُّجُوعَ إلَى الْعَادَةِ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِبِلُ

وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْوُحُوشُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ مِنْ لُحُومِهَا وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا صِنْفٌ إنْسِيُّهَا وَوَحْشِيُّهَا لَا يَصْلُحُ مِنْ لَحْمِهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَالْحِيتَانُ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا بأس بلحم لحيتان بلحم البقر مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ واحد كأحد قولى الشافعي * * قال المصنف رحمه الله * (فان قلنا إن اللحم جنس واحد لم يجز بيع لحم شئ من الحيوان بلحم غيره متفاضلا وهل يدخل لحم السمك في ذلك فيه وجهان وقال أبو إسحق يدخل فيها فلا يجوز بيعه بلحم شئ من الحيوان متفاضلا لان اسم اللحم يقع عليه والدليل عليه قوله تعالى (لتأكلوا منه لحما طريا) ومن أصحابنا

من قال لا يدخل فيه لحم السمك وهو المذهب لانه لا يدخل في اطلاق اسم اللحم ولهذا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بأكل لحم السمك) * (الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا إنَّ اللُّحْمَانَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَحْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالْوُحُوشِ كُلِّهَا وَالطُّيُورِ كُلِّهَا جَمِيعُ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ والاهلى لا يجوز بيع شئ مِنْهُ بِآخَرَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يُبَاعُ لحم العصفور بحلم الْجَمَلِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّتُهَا وَهَكَذَا تَحْرُمُ الْبَحْرِيَّاتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْفُورَانِيُّ بَلْ أَوْلَى وَلَعَلَّ الْأَوْلَوِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأُصُولِهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ بِخِلَافِ لُحْمَانِ الْبَرِّ فَإِنَّ أُصُولَهَا ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) السَّمَكُ مع البريات ففيه وجهان حكاهما العراقيون والخراسانيون (أحدهما) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ اللُّحُومِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَمَنْ قَالَ بِهَذَا لَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ فِي الْحِيتَانِ إنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمِنْ كل تأكلون لحما طريا) وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي

الْكِتَابِ وَهِيَ أَنَصُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فِيهَا اللَّحْمَ عَلَيْهِ بِصَرَاحَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَمِنْ كل تأكلون) فأطلق فيها على مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَعًا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّغْلِيبِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطبري واختيار الشيخ ابى حامد الاسفراينى والمصنف والمحاملى وقال انه الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اللُّحُومِ وَأَنَّهَا مَعَهَا جِنْسَانِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَعَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ لَهَا اسْمًا أَخَصُّ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ السَّمَكُ وَحَمَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّهُ أَلْزَمَ مَنْ قَالَ اللُّحْمَانُ صِنْفٌ أَنْ يكون السمك مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يَرْتَضِ أَبُو الطيب هذا وحمل قول الشافعي وهذا مالا يجوز لاحد ان يقوله على التمر (1) قد تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ وَأَجَابَ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كَوْنِ السَّمَكِ أَخَصَّ بِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ جَامِعٌ بِدَلِيلِ الْآيَةِ وَالرَّاجِحُ ماقاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَلَا دَلَالَةَ لِأَبِي الطَّيِّبِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ اسْمِ اللَّحْمِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَامِعًا لَكِنَّهُ عن الاطلاق

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى مَا سِوَى لَحْمِ السَّمَكِ وَالْآيَةُ فِيهَا قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ إرَادَتَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَحْرِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقًا وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى السَّمَكِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِهِ لَحَنِثَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ صِدْقَ اللَّحْمِ عَلَى لَحْمِ السَّمَكِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَقَيَّدُ بِمَا عَدَا السَّمَكَ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يكون إطلاق الشئ يَدُلُّ عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَا يُسَمَّى مَاءً والله أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَنَّ السَّمَكَ لَا يُضَافُ لَحْمُهُ إلَيْهِ فَلَا يُقَالُ لَحْمُ سَمَكٍ وانما يقال سمك فلا ينطاق عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَ مِنْ اللُّحْمَانِ لَصَحَّ أَنْ يُضَافَ بِاسْمِ اللَّحْمِ إلَى جِنْسِهِ فَيُقَالُ لَحْمُ السَّمَكِ كَمَا يُقَالُ لَحْمُ الْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ انه ليس من جهة اللُّحْمَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ اللُّحْمَانُ كُلُّهَا صِنْفَيْنِ فَلُحُومُ حَيَوَانِ الْبَرِّ عَلَى اخْتِلَافِهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلُحُومُ حِيتَانِ الْبَحْرِ عَلَى اختلافها

صِنْفٌ وَاحِدٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ إنَّمَا فَرَضُوهُ فِي السَّمَكِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَفِي الْبَحْرِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَهَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي جَمِيعِهَا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ فِيهَا أَمَّا الْفُورَانِيُّ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ ذَلِكَ الْخِلَافِ وَأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي لُحْمَانِ الْبَرِّ مَعَ لُحْمَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَتَوَقَّفَ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مُخَالِفَةٌ لِحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَأَمَّا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ بَعْضُهَا مَعَ بعض ففيها خلاف وجهان أو قولان مَبْنِيَّانِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ عَلَى أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ هَلْ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ حَتَّى يَحِلَّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الماء وكلبه أولا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ كَانَتْ كُلُّهَا جِنْسًا وَاحِدًا ذَا أَنْوَاعٍ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ اسْمَ السَّمَكِ وَالْحُوتِ لَا يشمل الجميع فالحوت مع مالا يُسَمَّى حُوتًا جِنْسَانِ وَمَا عَدَا الْحُوتِ أَجْنَاسٌ أَيْضًا فَغَنَمُ الْمَاءِ وَبَقَرُهُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ جِنْسَانِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ اسْمُ السَّمَكِ فَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بناء

وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَفَصَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ فِي السَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَجْهَانِ فَأَمَّا سَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسَانِ فَسَائِرُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ أَيْضًا جِنْسَانِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا إنَّ السَّمَكَ مَعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْكُلَّ هَلْ يُسَمَّى سَمَكًا أَمْ لَا وَفِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْكُلُّ يُسَمَّى سَمَكًا فَحُكْمُ الْكُلِّ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَاسٌ مختلفة (قلت) والاصح على ماقاله صحاب التَّهْذِيبِ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى سَمَكًا فَلِذَلِكَ أَتَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ السَّمَكِ لِشُمُولِهِ لِلْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُنَاقَشَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِي اسْتِثْنَاءِ السَّمَكِ أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا السَّمَكُ مِنْ جِنْسِ لُحُومِ الْبَرِّ فَبَقِيَّةُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ فَفِي بَقِيَّةِ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أن الكل يسمى سمكا أولا (وإن قلنا) يسمى سمكا فحكمها حكم السمك فيكون جنسا آخر (وان قلنا) لا يمسى سَمَكًا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ لِعَدَمِ الِاسْمِ الْخَاصِّ أَعْنِي أَنَّ لَحْمَهَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ بخصوصه

فان صح هذا الترتيب فيجئ فِي حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) جِنْسٌ آخَرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) أَنَّ غَيْرَ السَّمَكِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ وَالسَّمَكُ جِنْسٌ آخَرُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَوْجُهٍ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَحُكْمُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ * (فَرْعٌ) عَنْ التَّتِمَّةِ عَلَى قول أبى اسحق * الْجَرَادُ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَالسَّمَكِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَادِ وَصُورَتُهُ لَيْسَتْ صُورَةَ اللَّحْمِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي على في ان السمك لايدخل فِي اللَّحْمِ فَالْجَرَادُ هَلْ يَلْحَقُ بِحَيَوَانِ الْبَحْرِ لِحِلِّ مَيْتَتِهِمَا وَلِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَخَّصَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ * قال المصنف رحمه الله * (فان قلنا أن اللحوم أجناس جاز بيع لحم كل جنس من الحيوان بلحم جنس آخر متفاضلا فيجوز بيع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا ولحم بقر الوحش بلحم بقر الاهل لانهما جنسان ولايجوز بيع لحم الضأن بلحم المعز ولا لحم البقر بلحم الجواميس متفاضلا لانهما نوعان من جنس واحد) *

(الشَّرْحُ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَحْرِيَّ مَعَ الْبَرِّيِّ جِنْسَانِ وَمِمَّنْ صرح به الرافعى فاما البرى مَعَ الْبَحْرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ صِنْفٌ وَلَحْمَ الْإِبِلِ صِنْفٌ إلَخْ وَبَسَطَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَالُوا الْأَهْلِيَّاتُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّ مَعَ الْوَحْشِيَّاتِ جِنْسَانِ لِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَجْنَاسٌ فَلُحُومُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ بَخَاتِيُّهَا وَعِرَابُهَا وَأَرْحَبِيُّهَا وَنَجْدِيُّهَا وَمَهْرِيُّهَا وَسَائِرُ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ عِرَابُهَا وَجَوَامِيسُهَا وَدَرَنَانِيُّهَا هَكَذَا رَأَيْتهَا مَضْبُوطَةً بِخَطِّ سُلَيْمٍ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ - وَالْغَنَمُ الْأَهْلِيَّةُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا جِنْسٌ وَالْوُحُوشُ أَجْنَاسٌ فَالظِّبَاءُ جِنْسٌ مَا تَأَنَّسَ مِنْهَا وَمَا تَوَحَّشَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبَقَرُ الْوَحْشِ صِنْفٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَنْصَرِفُ إليها عند الاطلاق وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا جِنْسَانِ وَالضِّبَاعُ جِنْسٌ وَالْأَرَانِبُ جِنْسٌ وَالثَّعَالِبُ جِنْسٌ وَالْيَرَابِيعُ جِنْسٌ وَالْوَحْشِيُّ مِنْ الْغَنَمِ جِنْسٌ غَيْرُ الْغَنَمِ الْإِنْسِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصباغ وقالا إنَّ الْوَحْشِيَّ مِنْ الْغَنَمِ هُوَ الظِّبَاءُ وَالْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ صِنْفٌ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي الْإِبِلِ وَحْشِيٌّ وَفِي الظِّبَاءِ مع الابل - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ - تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَيَسْتَقِرُّ جَوَابُهُ عَلَى أَنَّهُمَا كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّ الظِّبَاءَ والابل تَلْحَقُ بِالْغَنَمِ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهُ وَالتَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْمَعْزِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرِ الوحشى مع الانسى وهذا موافق مذكورا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى لَحْمِ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ بِالْوَحْشِيِّ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُجْعَلُ جِنْسًا فِي الرِّبَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهِ قَرِيبًا وَالطُّيُورُ أَصْنَافٌ الْكَرَاكِيُّ صِنْفٌ وَالْإِوَزُّ صِنْفٌ وَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا

فاما لحم اللبح (1) فجنس واحد لحم العصفور لانه لا يسمى عصفورا قاله القاضى حسين صنف وَالْبَطُّوطُ صِنْفٌ وَالْفَوَاخِتُ صِنْفٌ وَالدَّجَاجُ صِنْفٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الرَّبِيعُ وَالْحَمَامُ صِنْفٌ والحمام كل ماعب وَهَدَرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَاَلَّذِي عِنْدِي الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَوَاخِتَ جِنْسٌ وَالْقَمَارِيَّ جِنْسٌ وَالدَّبَّاسِيُّ جِنْسٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو حامد اختيار جماعة أَصْحَابِنَا وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ عَنْ الرَّبِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَعَنْ الرَّبِيعِ أَنَّ الْحَمَامَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ كل ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقُمْرِيُّ وَالدُّبْسِيُّ وَالْفَاخِتُ وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وصاحب التهذيب قال الرافعى واستبعد أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا بِرَأْسِهِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا انْتَهَى تَبَيُّنُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْحَمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ مِنْ الرَّبِيعِ بِأَنَّ الْيَمَامَ مِنْ جِنْسِ الْحَمَامِ لَكِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْيَمَامَ وَالْقُمْرِيَّ وَالْفَاخِتَ وَالدُّبْسِيَّ وَالْقَطَا كُلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي اسْمِ الْحَمَامِ وَقَدْ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَا إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ مِنْ الْحَمَامِ فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا اقْتَضَى مَجْمُوعُ هَذَيْنِ أَنَّ الْيَمَامَ بِالْحَمَامِ لَا يَجُوزُ متفاضلا فيكون كذا ولكن لابد فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّبِيعُ مُوَافِقًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَجِّ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ الرَّبِيعِ فِيهِ شَيْئًا مُوَافَقَةً وَلَا مُخَالَفَةً وَكَلَامُ الرَّبِيعِ الْآنَ فِيمَا يَحْضُرُنِي هُنَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْيَمَامِ تَحْتَ اسْمِ الْحَمَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ نَفْسِهِ اخْتِيَارًا فِي ذَلِكَ وَاسْتِبْعَادُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ دُخُولُهَا فِي اسْمِ الحمام في الحج

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا لَهَا اسما خاصا كَالْجَوَامِيسِ مَعَ الْبَقَرِ فَلَا جَرَمَ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطُّيُورِ لُحُومُ جِنْسِهَا صِنْفٌ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصباغ عن الربيع أنه قال ماعب وَهَدَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الصَّبَّاغِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا انْفَرَدَ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا وَفِي الْأُمِّ قَالَ الرَّبِيعُ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الْحَمَامِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَمَامٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَفِي الْمُجَرَّدِ حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَأَنَّ الشَّيْخَ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ قَالَ هِيَ أَصْنَافٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَكَذَا السُّمُوكُ أَجْنَاسٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَكَذَا بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ (وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ ظَبْيٍ بِلَحْمِ أَرْنَبٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَيَابِسًا بِيَابِسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَزْنًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ لِاخْتِلَافِ الصِّنْفَيْنِ وَهَكَذَا الْحِيتَانُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ هُوَ صِنْفٌ لِأَنَّهُ ساكن الماء ولو زَعَمْت أَنَّ سَاكِنَ الْأَرْضِ كُلَّهُ صِنْفٌ وَحْشِيُّهُ وَإِنْسِيُّهُ وَكَانَ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي وَحْشِيِّهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الصَّيْدِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُوتَانِ فَكُلُّ مَا تَمَلَّكْته وَيَصِيرُ لَكَ فَلَا بَأْسَ بِرَطْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَرْطَالٍ مِنْ آخَرَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَجُزَافًا بِجُزَافٍ وَجُزَافًا بِوَزْنٍ) هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْحِيتَانِ كُلُّ مَا اخْتَصَّ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ فَهُوَ صِنْفٌ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي غَنَمِ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السُّمُوكِ وَكَذَا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أنها أجناس

كَحَيَوَانَاتِ الْبَرِّ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى فِي لُحُومِ الْحِيتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ جَمِيعَهَا صِنْفٌ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إلَّا حِيتَانُهُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا أَصْنَافٌ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ كُلَّهُ مَأْكُولٌ حِيتَانُهُ وَدَوَابُّهُ وَمَا فِيهِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّمَكُ كُلُّهُ صنفا واحدا والنتاج صنفا وكلما اخْتَصَّ بِاسْمٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُ صِنْفًا (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشافعي رضى الله عنه المتقدم الآن صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُوتَيْنِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ (إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلَا بأس ببعضها ببعض مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا) هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلٍ بَلْ أَطْلَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَبَاعَ جِنْسًا بِجِنْسٍ آخَرَ فَجَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَا رَطْبَيْنِ أَمْ يَابِسَيْنِ أَمْ رَطْبًا وَيَابِسًا وَزْنًا وَجُزَافًا مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا إذَا كَانَ نَقْدًا يَدًا بِيَدٍ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَإِنَّمَا جَعَلَ بقر الوحش جنسا مخالفا للبقر لانه لا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْبَقَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ كَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ مَعَ التَّمْرِ وَزَيْتِ الْفُجْلِ مَعَ الزيت وكذلك غنم الوحش مع الاهل وانما كانت الظباء جنسا وحشيها وَمَا تَأَنَّسَ مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْمَ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ (وَالضَّمِيرُ) فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى بَقَرِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْأَهْلِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى (أَمَّا) الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ نُفَرِّعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ

ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ الْعِرَابُ وَالْجَوَامِيسُ فَكَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجَوَامِيسَ اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا فَكَانَتْ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ (وَأَمَّا) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ لِنَوْعَيْ الْغَنَمِ لَا اسْمًا فَأَشْبَهَا الْمَعْقِلِيَّ وَالْبَرْنِيَّ وَفِي النَّفِيسِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَإِنْ سَلَّمْنَا صِدْقَ الْبَقَرِ عَلَيْهَا فَذَلِكَ كَصِدْقِ الدُّهْنِ عَلَى الزَّيْتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْلُوفِ وَالرَّاعِي وَلَا بَيْنَ الْمَهْزُولِ وَالسَّمِينِ (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى عِبَارَتِهِمْ أَنَّ السَّمَكَ مَعَ اللَّحْمِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ جِنْسَانِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ لُحُومُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَحْمَيْهِمَا أَمَّا السَّمَكَةُ الْكَامِلَةُ فَفِي بَيْعِهَا بِاللَّحْمِ حَيَّةً وَمَيِّتَةً كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْعُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ * هَلْ الْجَرَادُ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ فِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَهُوَ مِنْ الْبَرِّيَّات أَوْ الْبَحْرِيَّات فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَاجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللُّحُومِ وَاسْتَدَلَّ الرُّويَانِيُّ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبَحْرِيَّاتِ لِكَوْنِهِ نَقَلَ فِي الْآثَارِ أَنَّ أَصْلَهُ سَمَكٌ وَلِهَذَا حَلَّتْ مَيْتَتُهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ يَلْزَمُ الجزاء على المحرم بقتله * * قال المصنف رحمه الله * (فصل واللحم الاحمر والابيض جنس واحد لان الجميع لحم واللحم والشحم جنسان واللحم والالية جنسان والشحم والالية جنسان واللحم والكبد جنسان والكبد والطحال جنسان واللحم والكلية جنسان لانها مختلفة الاسم والخلقة) * (الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي اللَّحْمِ الذى تخلتف صِفَتُهُ وَفِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ الْوَاحِدِ (فَأَمَّا) اللَّحْمُ الْمُخْتَلِفُ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ على القولين

أَنَّ اللَّحْمَ الْأَبْيَضَ السَّمِينَ وَاللَّحْمَ الْأَحْمَرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَعْنِي (إنْ قُلْنَا) إنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) انها جِنْسَانِ فَإِذَا انْقَسَمَ لَحْمُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَى أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ كَانَ جِنْسًا وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْوَصْفِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَبْيَضُ مِنْ جِنْسٍ وَالْأَحْمَرُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ أَصْلَيْهِمَا وَصِفَتَيْهِمَا وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ جِنْسٌ وَسَنَذْكُرُ خِلَافًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَنَّ مَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ أَوَّلًا وَمُقْتَضَى قَوْلِ من يجعله من جِنْسَ الشَّحْمِ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلَّحْمِ وَذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي حَقِيقَتِهِ هَلْ هُوَ لَحْمٌ أَبْيَضُ أَوْ شَحْمٌ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُكْمِ التسمية (وأما) أعضاء الحيوان الواحد كَالْكَرِشِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالرِّئَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّا إذَا قُلْنَا اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ فَهَذِهِ أَوْلَى لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا جنس واحد فوجهان لان من حلف أن لا يَأْكُلَ اللَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ لَحْمَ السَّمَكِ أَجْنَاسٌ أَوْ هُوَ جِنْسٌ كَسَائِرِ اللَّحْمِ هَكَذَا عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَعَبَّرَ الْإِمَامُ عَنْهَا بِأَنَّا إنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَكُلُّ مَا حَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ اللُّحْمَانِ وَفِيمَا لَا حِنْثَ بِأَكْلِهِ

وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي اللَّحْمِ الَّذِي مَعَ لُحُومِ الْحِيتَانِ وَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَالرَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى اللَّحْمِ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ وَحَكَى الْخِلَافَ مَعَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ شِئْت جعلت الخلاف مرتبا فتقول (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا جِنْسٌ فَإِنْ قُلْنَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى اللَّحْمِ بِهَا فَهِيَ جِنْسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحْنَثُ فَفِي الْمُجَانَسَةِ وَجْهَانِ كَالسَّمَكِ مَعَ اللَّحْمِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَقْرَبُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى مَعَ عَدَمِ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ جَزَمَ بِالِاخْتِلَافِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِالِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللحوم جنس واحد ولو تَحَقَّقَ مِنْ الْمُصَنِّفِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ طَرِيقَةً ثَالِثَةً فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ رَدِيئَةٌ لَمْ أَرَهَا إلَّا لِشَيْخِنَا حَكَاهَا عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ فَلَا أعدها من المذهب

أنا إنْ جَعَلْنَا اللُّحُومَ جِنْسًا وَاحِدًا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُجَانِسَةٌ لَهَا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا أَجْنَاسًا فَوَجْهَانِ لِاتِّحَادِ الْحَيَوَانِ وَصَارَ كَلَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِهِ قَالَ الرافعى وكيفما قدر فظاهر المذهب ماقاله المصنف فنذكر الْأَعْضَاءُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُفَصَّلَةً وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهَا مِمَّا يُشْبِهُ الْأَعْضَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى عُضْوًا وَنَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِهِ أَمَّا اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ فَجِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ حَيَوَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا اللُّحُومُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاخْتِلَافِ اسْمَيْهِمَا فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمًا يَخُصُّهُ وَمَعَ اخْتِلَافِ الِاسْمِ الْخَاصِّ لَا أَثَرَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَوْ اخْتِلَافِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةِ قَالَ هُوَ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَرَادَ بِهِ الشَّحْمَ الَّذِي فِي الْجَوْفِ فَأَمَّا الَّذِي عَلَى جَنْبِ الْبَهِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَحْمٌ أَبْيَضُ وَلَيْسَ بِشَحْمٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَيْضًا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ والجنب شئ وَاحِدٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ لِاحْتِكَارِهَا عِنْدَ الْهُزَالِ وَقِيلَ مِنْ جِنْسِ الشَّحْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَمُغَايِرٌ لِلَّحْمِ بِلَا خِلَافٍ وشحم العين جزم الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ كَشَحْمِ الْبَطْنِ ثُمَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيَجُوزُ بَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِشَحْمِ الظَّهْرِ وَلَحْمِهِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا وَرَطْبًا وَيَابِسًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَزَمَ فِي الرِّبَا بِكَوْنِهِمَا جِنْسَيْنِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْأَيْمَانِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الْحَالِفَ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَشَحْمُ الظَّهْرِ شَحْمٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ شَحْمًا وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا فَهُوَ لَحْمٌ فِي حَقِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَظْهَرُ جَرَيَانُهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ فِي الرِّبَا لَيْسَتْ رَاجِعَةٌ إلَى فهم المتعاقبين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَكَذَلِكَ

اللَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَ الْآخَرَ بِأَنَّ الْأَلْيَةَ لَحْمٌ إلَّا أَنَّهُ سَمِينٌ فَأَشْبَهَ لَحْمَ الظَّهْرِ وَلَحْمَ الْجَنْبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالشَّحْمُ وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْخِلَافَ فيها كاللحم والالية ونقل صاحب الذخائر بعد ما حَكَى قَوْلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ احْتِمَالَ الْإِمَامِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ حَكَى طَرِيقَيْنِ فِي الْأَلْيَةِ مَعَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مِنْ اللَّحْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْأَلْيَةَ لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَقِيلَ لَحْمٌ وَقِيلَ شَحْمٌ (أَمَّا) الشُّحُومُ وَحْدَهَا هَلْ هِيَ أَجْنَاسٌ أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِيهَا قَوْلَانِ كَاللُّحُومِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَلَكِنْ هَلْ

تَكُونُ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفًا مِنْ الشَّحْمِ أَمْ لَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِتَوْجِيهِ ذَلِكَ مَوْضِعٌ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ * وَاللَّحْمُ والكبد جنسان. قاله الماوردى والمصنف. والالية والسنام جِنْسَانِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا * (فَرْعٌ) وَهُوَ أَصْلٌ قَالَ الْإِمَامُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَوْلُ فِي هَذَا يَسْتَدْعِي تَقْدِيمَ أَمْرٍ إلَى أَصْلٍ فِي الْأَيْمَانِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ اللَّحْمَ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالْكَرِشِ وَالطِّحَالِ وَالْمِعَاءِ وَالرِّئَةِ فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى لَحْمًا. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَحْنَثُ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى اللَّحْمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يحنث بأكل الشحم وَلَسْتُ أَعْنِي سَمِينَ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ اللَّحْمِ. اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَنْ نَقَلُوهُ (وَأَمَّا) الْقَلْبُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ بِأَنَّهُ لَحْمٌ. وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ كَالْكَبِدِ. وَاَلَّذِي قَالَهُ محتمل، والكلية عِنْدِي فِي مَعْنَى الْقَلْبِ وَالْأَلْيَةِ لَمْ يَعُدَّهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ اللَّحْمِ وَلَا مِنْ الشَّحْمِ وَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كاللحم السمين يجمع للضائر عَلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْأَيْمَانِ وَاسْتِقْصَاؤُهُ يُحَالُ عَلَى مَوْضِعِهِ عُدْنَا إلَى غَرَضِنَا *

(فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا الْبَيْضُ فَنَوْعَانِ بَيْضُ طَيْرٍ وَبَيْضُ سَمَكٍ فَبَيْضُ الطَّيْرِ لَا يَكُونُ صِنْفًا مِنْ لَحْمِ الطَّيْرِ لِأَنَّ الْبَيْضَ أَصْلُ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صِنْفًا مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ لِلْحَيَوَانِ فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ اللُّحْمَانُ أَصْنَافٌ فَالْبَيْضُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَصْنَافًا وَإِذَا قِيلَ هَذَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَفِي الْبَيْضِ وَجْهَانِ (وَأَمَّا) بَيْضُ السَّمَكِ فَهَلْ يَكُونُ نَوْعًا مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ صِنْفٌ غَيْرُهُ كَمَا أَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ صِنْفٌ غَيْرُ لَحْمِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْبَيْضِ فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي بَيْضِ الطُّيُورِ أَنَّهُ أَجْنَاسٌ * (فَرْعٌ) صُفْرَةُ الْبَيْضِ وَبَيَاضُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ * هَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ * (فَرْعٌ) الْبَيْضِ الْمَقْلِيِّ بِالْمَقْلِيِّ أَوْ الْمَقْلِيِّ بِغَيْرِ الْمَقْلِيِّ * قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِتَغَيُّرِهِ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ وَلِدُخُولِهِ النَّارَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالْمَقْلِيِّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَالِ الْإِدْخَارِ وَالنَّارُ لَا تَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا (قُلْتُ) إنْ كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْزُوعِ الْقِشْرِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَ بقشره فلا يسمى مقليا فلينظر اه وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ جِنْسَانِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الفؤاد صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ الْمُخُّ وَالدِّمَاغُ وَالْكَرِشُ وَالْمُصْرَانُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ أَيْضًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْكَرِشَ وَالْمُصْرَانَ كَاللَّحْمِ مَعَ الشَّحْمِ يَعْنِي فَيَكُونَانِ جِنْسَيْنِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللِّسَانُ صِنْفٌ آخَرُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْقَلْبُ وَالْأَلْيَةُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ قَدْ قِيلَ فِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقَلْبَ وَالرِّئَةَ وَاللَّحْمَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمُخُّ مع هذه الاشياء جنس آخر قاله الامام

وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَا الْجِلْدُ جِنْسٌ آخَرُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْجِلْدَ لَيْسَ رِبَوِيًّا فَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدٍ بِجُلُودٍ وَبِغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ إنَّهَا جِنْسٌ آخَرُ (قُلْتُ) وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الْجِلْدِ الَّذِي يُؤْكَلُ كَجِلْدِ السَّمِيطِ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ رِبَوِيًّا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَسْمُوطِ فِي جِلْدِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِ جِلْدٌ يُؤْكَلُ كَجِلْدِ الْحِدَأِ وَالدَّجَاجِ بِمِثْلِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَقَالَ فِي الرَّوْنَقِ الْمَنْسُوبِ لِأَبِي حَامِدٍ الْجُلُودُ مِمَّا اخْتَلَفَ قول الشافعي فيه هل هو نَوْعٌ أَوْ أَنْوَاعٌ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ جِلْدِهِ الْمَأْكُولِ بِلَحْمٍ كَانَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ اللَّحْمُ يَابِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَأَيْتُ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ مَا هُوَ أَغْرُبُ مِنْ هَذَا قَالَ إذَا بَاعَ جِلْدَ الْغَنَمِ بِجِلْدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا هَلْ يَصِحُّ يَحْتَمِلُ

قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجِلْدَ رِبَوِيٌّ وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِجِلْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجِيبٌ وَاَلَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَقْرَبُ وَفِي شَحْمِ الظَّهْرِ مَعَ شَحْمِ الْبَطْنِ وَجْهَانِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَنَامُ الْبَعِيرِ مَعَ شَحْمِ ظَهْرِهِ وَشَحْمِ بَطْنِهِ جِنْسَانِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى ذَلِكَ وَكَلَامُ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ وَلَحْمُ الرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي الاكارع احتمال عند الامام فانه قَالَ إنَّ الْأَئِمَّةَ قَطَعُوا بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَا اعْتِرَاضَ فِي الِاتِّفَاقِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ أَكْلُ اللَّحْمِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْقَصَبَةَ الْمُفْرَدَةَ لَيْسَتْ لَحْمًا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ فِي لَحْمِ الرَّأْسِ وَالْخَدِّ واللسان والاكارع طريقين (أصحهما) يحنث بأكلها إذا حلف أن لا يأكل اللحم

(الثانية) على وجهين فيكون ماقاله فِي الرِّبَا جَرْيًا عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْعَظْمُ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ الصُّلْبُ مِنْهُ وَالْمُشَاشِيُّ وَالْغُضْرُوفِيُّ وَقَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَهِيَ عِلَّةٌ شَامِلَةٌ غَيْرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي ضَابِطِهِ إلَّا اخْتِلَافُ الِاسْمِ (وَأَمَّا) اخْتِلَافُ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ * (فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّحُومَ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ وَفِي الشحوم نفسها قولان كَاللَّحْمِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَهَلْ الْأَلْيَةُ وَمَا حَمَلَهُ الظَّهْرُ صِنْفَانِ مِنْ الشَّحْمِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ الشَّحْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة * * قال المصنف رحمه الله * (وأما الالبان ففيها طريقان (من) أصحابنا من قال هي كاللحمان وفيها قولان (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ قَوْلًا وَاحِدًا لانها تتولد من الحيوان والحيوان أجناس فكذلك الالبان واللحمان لا تتولد من الحيوان والصحيح أنها كاللحمان) * (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ جَازِمٌ بِأَنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ لَبَنُ الْغَنَمِ مَاعِزُهُ وَضَانِيهِ وَالصِّنْفُ الذى يخالفه البقر

رديانيه وَعِرَابِيَّةٌ وَجَوَامِيسُهُ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُخَالِفهُمَا مَعًا لبن الابل أو اركها وعواديها ومهريها ونجيبتها وعرابها وقال فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ وَذَكَرَ أصنافها وصرح ببيعها متفاضلا قال أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَهَذَا غَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَمَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِيهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ فِي اللُّحْمَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْبَانُ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ لانه لافرق بينها وبين اللحمان وتوجبه الْقَوْلَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اللُّحْمَانِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَمَا فِي اللُّحْمَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ اللُّحْمَانِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَرَجَّحَهَا أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْمُصَنِّفُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللُّحْمَانِ بِفَرْقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ

الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ لَبُونٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالشَّاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا لَبَنٌ وَلَا يَمْنَعُ مَا فِيهَا مِنْ اللَّحْمِ مِنْ بيع احديهما بِالْأُخْرَى تَوَلَّدَ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا ثُمَّ قَالَ أَبُو إسحق الْأَقْوَى تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأُصُولَ التى حصل اللبن فيها بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَيُدَامُ حُكْمُهَا عَلَى الْفُرُوعِ بِخِلَافِ أُصُولِ اللَّحْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْقَيْنِ نَظَرٌ (أَمَّا الْأَوَّلُ) الَّذِي فِي الْكِتَابِ فَلِأَنَّ لَقَائِلٍ أَنْ يُغَلِّبَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلْبَانَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْحَيَوَانِ بِانْتِقَالِهَا عَمَّا كانت على حين كانت جزء حيوان دما إلى حالة أُخْرَى فَنَاسَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ بِنَفْسِهَا وَاللُّحْمَانِ لَا تَتَوَلَّدُ بَلْ هِيَ عَيْنُ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَكَانَ إجْرَاءُ حُكْمِهَا عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَوَلِّدَةِ عَنْهَا (وَأَمَّا) الْفَرْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَفْقُودٌ فِي الْأَدِقَّةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَرْقًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ اللَّبَنَ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ بِخِلَافِ اللحم قال الامام وهذا الفرق ردئ فَإِنَّ الْأَلْبَانَ فِي الضُّرُوعِ وَقَدْ اشْتَرَكَتْ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَوَّلِ حُصُولِهَا وَهَذَا مُعْتَمَدُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي إجْرَاءِ الرِّبَا فِيهَا فِي الضُّرُوعِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ فِي اللُّحْمَانِ أَيْضًا طَرِيقَةً قَاطِعَةً (1) فَعَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْأَلْبَانُ أَوْلَى وَعَلَى طَرِيقَةِ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ يَأْتِي الطَّرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا * (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ إلَّا مُتَمَاثِلًا وَلَهُ أَحْكَامٌ تُذْكَرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عَشْرَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى هَذَا القول

كُلُّ مَا يُسَمَّى لَبَنًا جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَلَبَنُ الْبَقَرِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ جِنْسٌ وَلَبَنُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ وَهِيَ الظِّبَاءُ وَأَنْوَاعُهَا جِنْسٌ وَلَبَنُ الْإِبِلِ بِأَنْوَاعِهَا جِنْسٌ وَلَا يَكُونُ لِلْإِبِلِ وَحْشٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُهُ بِمَا يَتَّخِذُهُ مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي اللُّحُومِ وَلَكِنِّي أَقْصِدُ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَتَأَسَّيْت أَيْضًا بِالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ كَذَلِكَ وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَبَنُ الْوَعْلِ مَعَ الْمَعْزِ الْأَهْلِيِّ جِنْسَانِ اعْتِبَارًا بِالْأُصُولِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ جِنْسٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ (أَمَّا) إذا قلنا الالبان جنس واحد فسيأتي والكلام فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ جِنْسِهِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا صِنْفٌ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ (فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ الْأُمَوِيُّ فِي نَوَادِرِهِ وَلَا أَقُولُ صِنْفًا إنَّمَا هُوَ صَنْفٌ - بِالْفَتْحِ - وَصُنُوفٌ وَأَنْشَدَ (إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ) الْبَيْتُ * (فَرْعٌ) إنْ قُلْنَا الْأَلْبَانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَبَنُ الْآدَمِيِّ مَعَ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أن الكل

جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ جِنْسٌ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ جِنْسٌ آخَرُ لِأَنَّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ هَذَا اللَّبَنُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُخَالِفُ سَائِرَ الْأَلْبَانِ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ جِنْسًا آخر قاله القاضى حسين * * قال المصنف رحمه الله * (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض حتى يتساويا في الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الذهب بالذهب تبره وعينه وزنا بوزن والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن والملح بالملح والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُبَادَةَ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَخْرُجْهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ النَّسَائِيّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُجْتَبَى بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا إلَّا قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَإِنَّ مَوْضِعَهَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (مِنْهَا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عيينة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ والفضة باالفضة وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ الله

وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الصَّاعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِقَرِيبٍ مِمَّا فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَزْنِ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ مدى بمدى والمدى قال القلعى والمد مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الشَّامِ مَعْرُوفٌ يَسَعُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالتِّبْرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ التِّبْرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا كَانَ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلَا مَضْرُوبٍ وَكَذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مَا كَانَ كِسَارًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ آنِيَةً وَلَا مَضْرُوبٍ فُلُوسًا وأصل التبر من قولك تبرت الشئ أَيْ كَسَرْتُهُ حِدَادًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التِّبْرِ بَحْثٌ (وَقَوْلُهُ) عَيْنُهُ يُرِيدُ ذَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْمَكِيلَيْنِ فِي الْوَزْنِ ولا اختلاف

الْمَوْزُونَيْنِ فِي الْكَيْلِ فَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ فَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا حَكَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّهُ أَعْنِي الْفُورَانِيَّ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُهَذَّبُ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ الْمَنْعَ وَمُوَافَقَةَ الْأَصْحَابِ * وَحَكَى الْجَوَازَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونَاتِ بِبَعْضٍ جُزَافًا وَسَيَأْتِي النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْمَكِيلَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَوَزْنًا بِوَزْنٍ قَالَ لان الاعتبار بالتساوى فأذاوجد بِالْوَزْنِ جَازَ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ أسلم في مكيل بالوزن جاز * لنا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ التَّمْرِينَ ثَقِيلًا فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ صَاعٍ بِأَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَوْزُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَالْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ أَنْ يصير مضبوط القدر وليس كذلك ههنا لِأَنَّهُ تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ عَلَى مَا أَمَرْنَا بِهَا فِي الشَّرْعِ * (فَرْعٌ) فَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمِلْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قطعا كبارا أو صغار فَإِنْ كَانَ مَسْحُوقًا نَاعِمًا أَوْ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ جُرْمُهُ عَلَى جُرْمِ التَّمْرِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا كَيْلًا وَإِنْ كَانَ الْقِطَعُ كِبَارًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُبَاعُ وَزْنًا وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ (وَالثَّانِي) يُسْحَقُ وَيُبَاعُ كَيْلًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي هَذَا ضِيقٌ عَلَى النَّاسِ وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ اعْتِبَارُهُ بِالْوَزْنِ * (فَرْعٌ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يُكَالُ وَفِيمَا يُوزَنُ يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِهِ لَا إلَى قَدْرِهِ

فَلَوْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِلَّةِ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ فَإِنَّهَا لاتكال وَالذَّرَّةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُوزَنُ فعندنا يمتنع بيعها بملثها فَلَا يُبَاعُ حَفْنَةٌ بِحَفْنَةٍ وَلَا بِحَفْنَتَيْنِ وَلَا تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَلَا ذَرَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِذَرَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَأْخَذِنَا وَمَأْخَذِهِ وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ عند الحنفية أن لا يَبْلُغَ نِصْفَ صَاعٍ فَلَوْ بَلَغَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ امْتَنَعَ عِنْدَهُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَطْوِيلَاتٌ فِي كتب الخلاف لاضرورة إلَى إيرَادِهَا هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي مَبَاحِثِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَهُمْ فِي الْإِمْلَاءِ فَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ بِالْأَرْبَعِ عَدَدًا وَأَطَالَ فِي الْبَحْثِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ بِالْمَوْزُونِ وَكَأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُمْ فَرَّعُوا ذَلِكَ وَالْتَزَمُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَظَاهِرُ ذَلِكَ شُمُولُهُ لِمَا عُلِمَ مِعْيَارُ جِنْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّمْرَ الْكِبَارَ الَّذِي يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ وَزْنًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ هَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ غَيْرُ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ وعبارة التهذيب مطلقة كعبارة الرافعى * * قال المصنف رحمه الله * (فان باع صبرة طعام بصبرة طعام وهما لا يعلمان كيلهما لم يصح البيع لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ (وَلَا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ الطَّعَامِ) وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهِ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ) وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ سَوَاءً وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَهُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ غَفَلَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقِفَ أَحَدٌ عَلَى كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ فَيَظُنَّ الْوَهْمَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى مُسْلِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ التمر في آخر الحديث فلاختلاف بَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي تَقْيِيدِهِ الصُّبْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِالتَّمْرِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ مقيدة وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مُطْلِقَةٌ وَالنَّسَائِيِّ رَوَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَتَرْجَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَالسَّنَدُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ ضَارٍّ وَلَعَلَّهُمَا جميعا ثابتان فلا تنافى بينهما لاسيما وَالْإِطْلَاقُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّقْيِيدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَلَعَلَّ جَابِرًا حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وقد وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ التَّمْرِ غَيْرِ مَعْلُومَةِ الْمِكْيَالِ فَنَهَى عَنْهَا

وَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ لَفْظًا شَامِلًا تَنْدَرِجُ فِيهِ تِلْكَ الصُّبْرَةُ وَغَيْرُهَا وَرُوِيَ الْأَمْرَانِ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَلَامَانِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يَخْتَصُّ بِالْإِثْبَاتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا مَجَالَ لَهُ فِي النَّفْيِ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مِثَالٌ لِذَلِكَ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَأَنَّ الصَّادِرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَةِ فَالْأَخْذُ بِاللَّفْظِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الرَّاوِي عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ التَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَثْبُتْ إلَّا الرِّوَايَةُ الْمُقَيَّدَةُ لَكَانَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ ويدل على أنه لافرق بَيْنَ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عام المراد بِهِ خَاصٌّ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتَا غَيْرُ مَعْلُومَتَيْنِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهُمَا فاما أن يكون الصبرتان من جنس واحد أولا فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ حُجَّةٌ لَهُ وَلِهَذَا نَقُولُ إنَّ الْجَهْلَ بالمماثلة كحقيقة

المفاضلة ولايجوز ذلك جزافا ولا بالتحرى والحذر وَالتَّخْمِينِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ فِي الْمَكِيلِ دُونَ الْمَوْزُونِ لِأَنَّ الْبَادِيَةَ يَتَعَذَّرُ فِيهَا وُجُودُ الْمِكْيَالِ وَأَجَابَ الْقَاضِي بِمَنْعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَيْلَ يُمْكِنُ بِالْإِنَاءِ وَالْقَصْعَةِ وَالدَّلْوِ وَحَفْرِ حَفِيرَةٍ يَكِيلُ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاتَّفَقَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يجوز البيع في ذلك جزافا ولا بالحذر والتخمين والتحرى بل لابد مِنْ الْعِلْمِ سَوَاءٌ خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ أَمَّا إذَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ فَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ شَرْطٌ وَشَرْطُ الْعَقْدِ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَدْرِي أَهِيَ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا أَوْ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ بَقِيَّةَ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَشَبَهِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هُوَ مَيِّتٌ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْأَوْلَى التَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ فَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْعِلْمُ بِهَا شَرْطٌ آخَرُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِي الْمَبِيعِ كَالْمِلْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَيْثُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فَقَطْ لَا الْعِلْمُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ فَلِذَلِكَ صَحَّ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي يَظُنُّهُ لِأَبِيهِ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافَهُ وَنَقَلَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ صَحَّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ عَلِمَا التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَزُفَرُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْعِلْمُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي الصُّبْرَةِ بالصبرة جاز بعينه في الدراهم بالدارهم وَفِي الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَفِي كُلِّ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ صرح الاصحاب بذلك والاجل جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ رَدَّ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ الْأَصْحَابِ

إن العلة لطعم وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَدْ يقول بالجواز ونظره بَيْعُ مَالٍ ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَكَانَ لِنَفْسِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَ بَيْعِهِ (قُلْتُ) وَهَذَا التَّخْرِيجُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمَنْعِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِيهِ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ الْإِجْمَاعِ إنْ ثَبَتَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُ زُفَرَ فَالْوَجْهُ الْجَوَابُ عَنْ بَيْعِ مَا ظَنَّهُ لِأَبِيهِ وَالْفَرْقُ بين المسألتين لاأن يُطْلَبَ تَخْرِيجٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَتَمْرٍ بِزَبِيبٍ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَبَايَعَاهُمَا جُزَافًا جَازَ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَلِمَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى من روايتي مسلم المتقدمة التى فيها بالكيل الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ فَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِجِنْسٍ غَيْرِ التَّمْرِ لَجَازَ وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُنَا زِيَادَةٌ مِنْ الرَّاوِي يَجِبُ قَبُولُهَا وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ * هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ حَلَالًا (1) بجزف وكانت لزيادة إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ حِلًّا فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ مَعْنًى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مُجَازَفَةً وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن محمد الطبري المعروف بالكتا مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بَعْضِ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَالَ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُجَازَفَةً كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ جُزَافًا وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ وَجَوَّزَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعَ الْمَكِيلِ بالموزن جُزَافًا كَبَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي بَيْعِ مَا يُكَالُ بِمَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ بِمَا يُوزَنُ جزافا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَا يَدْرِي مَا كَيْلُ هَذَا وهذا نص في الصبر وعام في

الْجِنْسِ وَالْجِنْسَيْنِ قَالَ وَتَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ الْجَهْلَ مَانِعًا فَالنَّهْيُ بِالتَّسَاوِي لَا يَزِيدُ عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فَحَيْثُ جَوَّزَ الشَّرْعُ التَّفَاضُلَ وَقَالَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ الْمُجَازَفَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ هُوَ مَأْخَذُنَا وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ انْتَهَى * عَلَى أَنَّ ابْنَ قَدَامَةَ الْحَنْبَلِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلَ الْمَانِعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ رَدَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَرَجَّحَ الْجَوَازَ وَقَالَ إذَا كان حقيقة الفضل لا تمنع فاحتماله أولى أن لا يَكُونَ مَانِعًا قَالَ وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ فَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الصُّبْرَةُ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ بِالصُّبْرَةِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا مِنْ التَّمْرِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا ذَلِكَ مُجَازَفَةً يَجُوزُ أَنْ يَتَبَايَعَا الْمَكِيلَ مَوْزُونًا وَالْمَوْزُونُ مَكِيلًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَلْنَرْجِعْ إلَى أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) صُبْرَةُ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ وَحَذَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ فِي بَيْعِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَأَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِ أَهْلِ بَغْدَادَ

وَالْعِرَاقِ يَخْتَصُّ بِالْقَمْحِ فَلِذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ الْعِرَاقِيُّونَ وَيُرِيدُونَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ دَرَاهِمَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهُمَا أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ الطَّعَامِ كَانَ أَشْمَلَ لَكِنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مُنْطَبِقًا عَلَى دَعْوَاهُ وَافِيًا بِمَقْصُودِهِ (وَقَوْلُهُ) وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَعْلَمُهُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الضَّمَائِرِ كُلِّيَّةٌ كَالْعَامِّ وَلِأَنَّ النَّفْيَ إذا تأخر عن صيغة العموم أفاد الاستفراق ولا فرق في الحكم بين أن لا يَعْلَمَا وَأَنْ يَعْلَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الصُّبْرَةِ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ أَنَّ عَطَاءً وَابْنَ سيرين وعكرمة ومجاهدا ومالكا وأحمد واسحق كَرِهُوا ذَلِكَ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَهُ جُزَافًا وَإِذَا عرف كيلة أحب إليه ومرداه إذا باعها بالدرهم وبغير جنسها والا فبيع الصُّبْرَةِ بِجِنْسِهَا لَا يُجِيزُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ الْجُزَافَ نَعَمْ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهَا وَأَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ فَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ (وَقَوْلُهُ) لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يَعُودَ عَلَى الصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الصُّبْرَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ وَالْحُكْمُ شَامِلٌ لَهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

يَجْهَلَ كِلْتَا الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدَاهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ مُسْلِمٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلَهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ) * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مِمَّنْ كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَلَمْ يَعْلَمْ فَسَادَهَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ ظَاهِرًا ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَصِحُّ أَوْ لَا يَحِلُّ فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً أَمْ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ بِهَا أَمْ جَهِلَ فَلَا وَجْهَ لِتَشْبِيهِهَا بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ وَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمَ الْحِلِّ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ إذَا صَدَرَتْ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ الْقِنِّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ حُكْمَنَا بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَهُوَ الْحَقُّ إذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْقِيقُ مَعْنَاهَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ هذه

الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُكَاتِبِهِ لَا تَحِلُّ سَوَاءٌ علم بفساد الكتابة أم لم يعلم فلا يصح تشبيهها بِمَسْأَلَةِ النِّكَاحِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ بِحِرَامٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَبْدِهِ الْقِنِّ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أَيَكْفِي حُصُولُ الْإِثْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ الظَّنِّ وُجُودًا وعدما وقد أقدم على العقد ههنا مَعَ ظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ فَيَأْثَمُ وَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْحِلِّ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَسَادَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ نظر والله أعلم *

* قال المصنف رحمه الله * (وان باع صبرة طعام بصبرة طعام صاع بصاع فخرجتا متساويتين صح البيع وان خرجتا متفاضلتين ففيه قولان (أحدهما) أنه باطل لانه بيع طعام بطعام متفاضلا (والثانى) أنه يصح فيما تساويا فيه لانه شرط التساوى في الكيل ومن نقصت صبرته فهو بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يمضيه بمقدار صبرته لانه دخل على أن يسلم له جميع الصبره ولم يسلم له فثبت له الخيار) (الشَّرْحُ) بَيْعُ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ لَهُ حَالَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ جُزَافًا وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُكَايَلَةً كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ صَاعًا بِصَاعٍ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ اعقدا بيعهما أَنْ يَتَكَايَلَا هَذَيْنِ الطَّعَامَيْنِ جَمِيعًا بِأَعْيَانِهِمَا مِكْيَالًا بمكيال فتكايلا فكان مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ وَإِنْ كَانَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ لِلَّذِي نَقَصَتْ صُبْرَتُهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّ البيع لانه بيع شئ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ أَوْ رَدُّ الْبَيْعِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ البيع

مفسوخ لانه وقع على شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَبِهَذَا أَقُولُ وَالْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْتُ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وإنما يكون له الخيار فيما نقص قيما لان فِي الزِّيَادَةِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَأَمَّا فِيمَا فِيهِ رِبًا فَقَدْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْكُلِّ فَوَجَدْنَا الْبَعْضَ مُحَرِّمًا أَنْ يَمْلِكَ بِهَذَا الْعَقْدِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ بَيْعَةٍ وَفِيهَا حَرَامٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ والشيخ أبو محمد والرافعي والمرانى وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ جَزَمُوا بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ البيع جَائِزٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَأَغْرَبَ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ وَقُلْنَا عِنْدَ التَّفَاضُلِ يبطل فههنا وجهان (أحدهما) يبطل قال وليس بشئ وينبغي

أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي إثْبَاتِ هَذَا الْخِلَافِ فِي مُتَابِعٍ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ حَصَلَ فِي ذَلِكَ وَهْمٌ وَانْتِقَالٌ مِنْ الْفَرْعِ الَّذِي سَيَأْتِي إذا تقابضا مجازفة وتفريقا ثُمَّ تَكَايَلَا وَخَرَجَتَا سَوَاءً فَهُنَاكَ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحُصُولُ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي عِنْدَنَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا ثُمَّ ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ لَا يَكْفِي وَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُقَابَلَةَ كُلِّ صَاعٍ بِصَاعٍ لَا مُقَابِلَةَ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمُقَابَلَتَانِ مَقْصُودَتَانِ وَانْطِبَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ

بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ) وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ من التمر لاتعلم بكيلها وَقَدْ يَعْتَذِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمُكَايَلَةُ هُنَا مُشْتَرَطَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْبَائِعِ اكْتَفَى بِهَا وَفَارَقَ بِذَلِكَ التَّبَايُعُ جُزَافًا فَإِنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ وَاجِبًا فِيهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَبَطَلَ وَهَذَا الْعُذْرُ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فَقَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رَجَّحَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ فِي التهذيب وخالف ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ فِي الِانْتِصَارِ وَجَزَمَ فِي الْمُرْشِدِ وَالْأَحْكَامِ الْمُخْتَارَةِ

بِالصِّحَّةِ فِيمَا تَسَاوَيَا فِيهِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَتَانِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمُ يُرْشِدُ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْمَأْخَذَ فِي ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا باع صبرة أو قَفِيزًا وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا وَقَالَ إنَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ لَا مُقَابَلَةَ مَعَ اشْتِرَاطِ كَيْلٍ بِكَيْلٍ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ حَاصِلَةٌ * وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ فِي مَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَكِنَّهُ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الصَّفْقَةَ تُفَرَّقُ لَمْ يَطَّرِدْ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ لَا جَرَيَانَ لَهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ أَلَا تَرَى

أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ نَقُلْ بِصِحَّتِهِ فِي دِرْهَمٍ مُشَاعًا وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَهَذَا أَحَدُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْعِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالضَّابِطُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ تَخَلَّلَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْفَسَادُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ إنَّمَا كَانَ تَخَلُّلٌ فِي الْعَقْدِ نَفْسِهِ وَكَوْنُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ مَحْظُورَةً مِنْ الشَّارِعِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى السَّوَاءِ وَأَجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ صَالِحَةٌ لِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَجْمِعٌ شَرَائِطَ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِيهِ وَفَسَدَ فِي الْجَمِيعِ

قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهَا لَمْ يَسْتَجْمِعْ شَرَائِطَ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ (1) فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالْإِبْطَالِ فِيهِ وَتَصْحِيحُ غَيْرِهِ وَالْحَاصِلُ أن الحرام في صور تفريق الصفقة هو أحد الجزءين والهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ إنَّمَا حَرُمَتْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ فَإِذَا فُرِضَ الْإِبْطَالُ زَالَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيمِهَا وَعُقُودُ الرِّبَا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهَا لَيْسَ وَاحِدًا من الجزءين وانما المحرم الهيأة الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَنِسْبَتُهَا إلَى كُلِّ الْأَجْزَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَلِذَلِكَ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ الشافعي

_ (1) كذا بالاصل) *)

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شئ بَعْضُهُ حَرَامٌ وَبَعْضُهُ حَلَالٌ يُخَالِفُ مَا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَنْ تَأَمَّلَهُ إلَى آخِرِهِ عَلِمَ مَا قُلْتُهُ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرِكٌ بينهما فكان تَأْوِيلِ كَلَامِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا قُلْتُهُ غَيْرُ ممتنع للنظر وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ تَعَسُّفٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ انما يكون له الخيار فيما نقص لافيما لاربا فِي زِيَادَةِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَى آخِرِهِ يؤيده إذا باعه صبرة بعشرة دارهم مَثَلًا كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَخَرَجَتْ نَاقِصَةً عَنْ العشرة فههنا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَصِحُّ فِي الصُّبْرَةِ بجميع العشرة لانه لاربا فِيهَا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهَا

مَتَى خَرَجَتْ نَاقِصَةً أَوْ زَائِدَةً بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بَاعَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ بِعَشْرَةٍ وَشَرْطُ مُقَابَلَةِ كُلِّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مُمْتَنِعٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُطَّرِدَةٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اتَّفَقَتْ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ عَلَى حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا كَانَ لَيْسَ مِمَّا لاربا فِيهِ مِثْلُ الْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَمَّا مَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ مُتَفَاضِلًا * (التَّفْرِيعُ) إنْ قُلْنَا بالصحة فيما تساويا فيه فيثبت للذى بَاعَ الصُّبْرَةَ النَّاقِصَةَ وَهُوَ مُشْتَرِي النَّاقِصَةِ وَهُوَ مُشْتَرِي الصُّبْرَةِ الْكَثِيرَةِ الْخِيَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقَابَلَةَ الشئ بمثله مقصود بالعقد فلم يغب عليه شئ وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ إحَالَةً لِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ صُورَتَهَا أَنْ تَقَعَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بالجملة ولكن المماثلة مظنونة فأذا فاتت الْمُمَاثَلَةُ بَطَلَ الْخِيَارُ وَمِمَّنْ وَافَقَنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالصِّحَّةِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ ظُهُورِ التَّفَاضُلِ الْحَنَابِلَةُ *

(فرع) لو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل في المكيل والوزن في الموزن فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَسَبَهُمَا الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ (أَصَحُّهُمَا) على ماقاله الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَا لِوُجُودِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ (وَالثَّانِي) نَعَمْ لِبَقَاءِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْأَشْبَهُ قَالَ لِأَنَّهُ يجوز أن يقال إنَّ الْقَبْضَ جُزَافًا فِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ (قُلْتُ) وَقَدْ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا وفيه وجهان وإذ نَظَرْنَا إلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوِيَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَسَائِرَ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ وَالشَّافِعِيَّ بَلْ وَسَائِرَ الْعُلَمَاءِ جَازِمُونَ بِأَنَّ القبض فيما يباع مكايلة لابد فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلًا فقبضه (ان يكتاله) له وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الصَّرْفِ والقبض من البيوع كل ماكان يَنْتَقِلُ مِثْلُ الصَّيْدِ وَالْعُرُوضِ أَوْ يُوزَنُ وَيُكَالُ فَقَبْضُهُ الْكَيْلُ وَالِانْتِقَالُ

وَالْوَزْنُ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَوْ أَعْطَى طَعَامًا فَصَدَّقَهُ فِي كَيْلِهِ لَمْ يَجُزْ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَقْبُوضًا إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ فَاسِدٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ وَجَزَمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا بِالْكَيْلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا مُكَايَلَةً وَقَبَضَهُ جُزَافًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَفِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ لِبَقَاءِ الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْقَبْضِ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُسَلَّطًا على التصرف في القدر المستحق فأبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّهُ يَصِحُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْيَسُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ السَّلَمِ وَأَبُو الطَّيِّبِ هُنَا أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ شِيَخَةٌ وَطَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَا وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّ الْمُرَادَ بفساد القبض ههنا أن القول قول القابض في مقداره قال امام الحرمين وَهَذَا لَيْسَ مَحْمَلًا وَاضِحًا قَالَ وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إطْلَاقُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَيْقَنِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّلَمِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أن

الرَّافِعِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهِ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ فَيَنْبَغِي عَلَى قياس ذلك أن لا يعتبره في الصرف ويبطل العقد بالتفرق ولا يكتفى بِصُورَةِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ نَاقِلًا لِلضَّمَانِ عَلَى أَشْكَالِهِ لَكِنَّ بَابَ الربا يجب الاحتياط فيه وأن لا يُكْتَفَى إلَّا بِمَا هُوَ قَبْضٌ تَامٌّ وَيُعَضِّدُهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ) فاقتضى اشتراط أن لا يبقى شئ مِنْ الْعَلَقِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَقَدْ أَجَازَ الْإِمَامُ فَبَنَى الْوَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي أَنَّ التَّقَابُضَ عَلَى الْمُجَازَفَةِ هَلْ يُسَلَّطُ عَلَى بَيْعِ مَا اسْتَتْبَعَتْهُ (إنْ قُلْنَا) نَعَمْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ لِنُقْصَانِ الْقَبْضِ (والثانى) لا لجريانه واقتضائه نقل الضَّمَانِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ الْوَجْهَانِ يُبْنَيَانِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَبْضَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِ مُكَايَلَةٍ هَلْ يَكُونُ قَبْضًا

صحيحا في انبرام العقد أم لافعلى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) صَحِيحٌ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ لَا يَكْفِي وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الصَّرْفِ إذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِدِينَارٍ وَتَقَابَضَا وَمَضَى كُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَعِيرُ الدِّينَارَ الَّذِي قَبَضَهُ بِالْوَزْنِ جَازَ وَنَزَّلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَرَفَ وَزْنَ الدِّينَارِ فَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وَتَقَابَضَا وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ حِينَئِذٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ كَافٍ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ الكلام مع صحاب الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ وَتَأْوِيلِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ فِي الْفُرُوعِ السَّالِفَةِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَبْضَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ لَهُ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَحْصُلَ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُمَاثَلَةِ اعْتِمَادًا عَلَى خَبَرِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ من أحد المتعاقدين أو غيره. (والثانى) أَنْ يَحْصُلَ التَّقَابُضُ بِالْجُزَافِ مَعَ الْجَهْلِ وَالتَّرَدُّدِ (فَأَمَّا) هَذِهِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَيَظْهَرُ فِيهَا الْحُكْمُ بِفَسَادِ الْقَبْضِ وَأَنَّ التَّفَرُّقَ بَعْدَهُ قَبْلَ جَرَيَانِ قَبْضٍ صَحِيحٍ مُبْطِلٌ لِبَقَاءٍ عَلَّقَ الْعَقْدَ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ بَيْعٌ لَازِمٌ فِي صُبْرَةٍ بِصُبْرَةٍ لا يعلمان كيهلما وذلك مصادم لحديث (وَأَمَّا) الصُّورَةُ الْأُولَى فَوَجْهُ الْحُكْمِ بِفَسَادِ الْقَبْضِ فِيهَا أَنَّ الِاكْتِيَالَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يبيعه حَتَّى يَكْتَالَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) رواه

أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ شَرَطَ الْكَيْلَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إذَا أعطاه طعاما فصدقه فِي كَيْلِهِ صُوَرُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ اشْتَرَاهُ مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَعَزَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ قَدْرًا وَقَالَ قَدْ كِلْتُ هَذَا وَالْحُكْمُ بَعْدَ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا نَقَلْتُهُ فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مُوَافَقَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَصَاحِبَ الشَّامِلِ جَعَلُوا مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ إذا اشترى منه طعاما يعينه بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ قَبَضَهُ مِنْهُ جُزَافًا إنْ قَالَ لَهُ قَدْ كِلْتُهُ أَوْ هُوَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَقَبَلَ قَوْلَهُ وَقَبَضَهُ فَإِنَّ الْقَبْضَ فَاسِدٌ قَالَ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْكَيْلَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ السُّنَّةِ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ (إذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي) وَلَوْلَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ كَانَ تَقَوِّي الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكْتَفِي بِالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا فَيَكْتَفِي بِهِ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ عَضَّدَهَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي يَقْتَضِي

كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ نَقْلَهُ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ غَنِيَّةٌ عَنْ الِاعْتِضَادِ بِغَيْرِهَا وَمَهْمَا ثَبَتَ فِي الطَّعَامِ ثَبَتَ مِثْلُهُ فِي النَّقْدِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ فِيهِمَا فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ فَسَادُ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ في بيع الدينار بالدينار وأنه لا يكتفى بِذَلِكَ الْقَبْضُ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ مَا قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدِّينَارِ بالدينار في الفرع الْمَذْكُورِ فِيهِمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) عَلَى هَذَا الْفَرْعِ إذَا قُلْنَا بِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إنْ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَخَرَجَتَا متساويتين صَحَّ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ جَرَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْطُلُ فَلَا فَرْقَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُكَالَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَخْرُجَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ أَوْ مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَسَلَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَرْتِيبًا آخَرَ لَيْسَ بَيْنَهُ

وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ اخْتِلَافٌ فَقَالَ إذَا تَقَابَضَا جُزَافًا ثُمَّ تَكَايَلَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ هَلْ يَجُوزُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَسَاوَيَا فِيهِ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ فَلِأَيِّ مَعْنًى فِيهِ مَعْنَيَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا وَبَقِيَ بينهما علقة التقابض والباب باب ربا (والثاني) لِوُجُودِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَوْ خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ يَجُوزُ فههنا أولى وان قلنا هناك لا يجوز فهنا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ (إنْ قُلْنَا) الْمَعْنَى فِيهِ بَقَاءُ الْعَلَقَةِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي جَازَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاوِتَتَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ يُبْنَيَانِ عَلَى هذين المعنين وَلَيْسَ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلا حسن الترتيب والبناء والله سبحانه وتعالى أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَتَانِ مَعْلُومَتَيْ الْمِقْدَارِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ فَقَالَ (أَحَدُهُمَا) لِصَاحِبِهِ بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قُلْتُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي قَبْضِهَا إلَى كَيْلٍ بَلْ حُكْمُهُ فِي الْقَبْضِ حُكْمُ الْجُزَافِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْكَيْلُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ

فِيمَا بِيعَ مُكَايَلَةً لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خلافا بين (1) في المسألتين انه يشترط (2) فيما بيع (3) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا بِيعَ مُجَازَفَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ جُزَافًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَيْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بسنده إلى طاووس انه أن يَكْرَهُ أَنْ تُبَاعَ صُبْرَةٌ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ لا يعرف مكيلهما أو يعلم مكيلة احديهما وَلَا يُعْلَمُ مَكِيلَةُ الْأُخْرَى أَوْ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهُمَا جَمِيعًا هَذِهِ بِهَذِهِ وَهَذِهِ بِهَذِهِ قَالَ لَا إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَهَذَا يَقْتَضِي أن طاووسا يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى أَنَّ الصُّبْرَتَيْنِ مَعْلُومَتَا الْمِقْدَارِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعْلُومَةً عِنْدَ بَائِعَهَا فَقَطْ جَاءَ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الدِّينَارَيْنِ وَالْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي قَدَّمْتهَا فِي الدِّينَارَيْنِ جَارِيَةٌ فِي الصُّبْرَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ *

(فَرْعٌ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِكَيْلِهَا مِنْ صُبْرَتِكَ وَصُبْرَةُ الْمُخَاطَبِ كَبِيرَةٌ صَحَّ جَزَمَ بذلك الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَزَادَ الْقَاضِي فِي تَصْوِيرِهَا أَنْ يَقُولَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ يَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يصح أخذ مِمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصبرة لان المقابل بالصبرة الصغيرة متميز قال وهذا لا شَكَّ عِنْدِي فِيهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ مِنْ النَّوْعِ (قُلْتُ) وَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصُّبْرَتَانِ مَعْلُومَتَيْ الْمِقْدَارِ فَلَا يَأْتِي فِيهِمَا الْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ فُرِضَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً فَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمُهَذَّبِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ التَّخْرِيجِ مُتَّجَهٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْدِ وَغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصاع مِنْ الصُّبْرَةِ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَالَا فِي الْمَجْلِسِ وَتَقَابَضَا تَمَّ الْعَقْدُ وَمَا زَادَتْ الْكَبِيرَةُ لِصَاحِبِهَا وَإِنْ تَقَابَضَا الْجُمْلَتَيْنِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ * وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْقِطْعَةَ الذَّهَبَ بِقَدْرِهَا مِنْ دِينَارِكَ أَوْ هَذَا الْإِنَاءَ الْفِضَّةَ بِمَا يُوَازِنُهُ مِنْ فِضَّتِك يَصِحُّ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ *

(فَرْعٌ) لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْكَيْلِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِمِكْيَالٍ فَاكْتَالَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ ذَلِكَ الْمِكْيَالِ لَمْ يَجُزْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِائَةَ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ فَاكْتَالَهُ بِالْقَفِيزِ لَمْ يَتِمَّ الْقَبْضُ فَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ قفيزا من طعام فاكاله منه بالمكول الذي هو ربع القفيز ففيه وجهان وهكذا لو اكتال الصاع بالمد ففيه وجهان اه * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ أُخْرَى جَازَ قَالَهُ فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي إنْ كَانَتَا مَعْلُومَتَيْ الصِّيعَانِ صَحَّ جَزْمًا وَإِنْ كَانَتَا مَجْهُولَتَيْنِ يَأْتِي فِيهِمَا خِلَافُ الْقَفَّالِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وإن باع صبرة طعام بصبرة شعير كيلا بكيل فخرجتا متساويتين جاز وإن خرجتا متفاضلتين فان رضى صاحب الصبرة الزائدة بتسليم الزيادة أقر العقد ووجب على الآخر قبوله لانه

ملك الجميع بالعقد وان رضى صاحب الصبرة الناقصة بقدر صبرته من الصبرة الزائدة أقر العقد وان تشاحا فسخ البيع لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ صُبْرَتَهُ بِجَمِيعِ صبرة صاحبه على التساوى في المقدار وقد تعذر ذلك ففسخ العقد) * (الشَّرْحُ) إذَا بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا مُكَايَلَةً جَازَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَذَلِكَ وَاضِحٌ وَإِنْ خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إنْ تَبَرَّعَ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ الزَّائِدَةِ بِالزِّيَادَةِ جَازَ الْبَيْعُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَوَجَبَ عَلَى الْآخَرِ قَبُولُهُ وَعِلَّتُهُ مَا ذَكَرَهُ المصنف وهى مصرحة بانه مَلَكَ الْجَمِيعَ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ على الجميع كما تقدم التنبيه عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَكِنَّهُ فَاتَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا غَرَضٌ (أَمَّا) بَائِعُ الصُّبْرَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِلصُّبْرَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَفَوَاتُ الشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ (وأما) الآخر فلظنه أنها تحصل له كاملة وقد أخلف فثبت له الْخِيَارَ أَيْضًا وَمُسَامَحَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَحْصُلُ لِغَرَضِ الْآخَرِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي

ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ مَلَكَ الْجَمِيعَ بِالْعَقْدِ فارق ذلك مسألة الاعراض النقد فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْقَبُولِ وَمَسْأَلَةُ إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ حَقَّهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الثِّمَارِ الْمُخْتَلِطَةِ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِلْكُ الْبَائِعِ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إذَا قُلْنَا بِالْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى قَبُولِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ مسألتا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ امْتَنَعَ وَرَضِيَ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ النَّاقِصَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِهَا مِنْ الصُّبْرَةِ الزَّائِدَةِ جَازَ الْبَيْعُ لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ تَمَانَعَا فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا لَا لِأَجْلِ الرِّبَا وَلَكِنْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ صُبْرَتَهُ بِجَمِيعِ صُبْرَةِ صَاحِبِهِ عَلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمِقْدَارِ فَإِذَا تَفَاضَلَا وَتَمَانَعَا وَجَبَ فَسْخُ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا هَذِهِ عِلَّةُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْتُهُ آنِفًا أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْخُلْفِ فَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَذَاكَ وَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الطَّلَبِ وَالْمُنَازَعَةِ فُسِخَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفْسَخُ فِي التَّخَالُفِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يجوز فان

جَوَّزْنَاهُ فَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مَبِيعَةٍ وَلِمُشْتَرِيهَا الْخِيَارُ هَكَذَا قال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ بِخِلَافِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَتَى بِعِبَارَةٍ مُشْكِلَةٍ فَقَالَ إنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ صَحَّ وَإِنْ خَرَجَتَا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الجنس الواحد وفيه نظر فان الْبُطْلَانُ هُنَاكَ مَأْخَذُهُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِالْقَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ نَاقِلُ الْجُمْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ بَاعَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ بِالْعَشَرَةِ بِشَرْطِ مُقَابَلَةِ كُلِّ صاع منها بِدِرْهَمٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ والنقصان محال وهذا حاصل ههنا وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عِلَّةً لِلْبُطْلَانِ هِيَ بِعَيْنِهَا عِلَّةُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْفَسْخِ وَاَلَّذِي

يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذِكْرُ الْكُلِّ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ أَوْ فِي مَعْرِضِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلُّ صَاعٍ مِنْهَا بِصَاعٍ مِنْهَا فَهَذَا تَفْصِيلُ الثَّمَنِ وَالصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِهِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِعَقْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ (أَحَدُهُمَا) مُقَابَلَةُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ (وَالثَّانِي) الْمُقَابَلَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ فيتجه هنا البطلان كما قال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ مِثْلُ أن يقول بعتك هذه الصبرة بهذه الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَشْرَةُ آصُعٍ مثلا فيتجه هنا ماقاله الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا إلَّا صَفْقَةٌ تَضَمَّنَتْ شَرْطًا وَقَدْ أَخْلَفَ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَبَّهَ النَّوَوِيُّ عَلَى ذلك مستدركا على الرافعى فنقل ماقاله الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا كَوْنُهُ يفسخ بينهما عند المشائخ فنظيره ما إذَا اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا تَشَاحَّا يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا * (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَعَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَطْلَقَهُ وَيَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ هُنَا وَحَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ بِمَا يُخَالِفُهُ إذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الصبرة بهذه الصبرة على أنها عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَخَرَجَتْ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ جَازَ الْعَقْدُ وان

خَرَجَتْ أَحَدَ عَشْرَ هَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ أَوْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَصِحُّ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فِي الْعَشَرَةِ فَالْقَدْرُ الزَّائِدُ لِمَنْ يَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّا غَلَّبْنَا الْإِشَارَةَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمَبِيعَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ (إنْ قُلْنَا) إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي فَهَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ لَا (الصَّحِيحُ) لَا لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ مِنْ جِهَتِهِ فِي تَرْكِ الْمُكَايَلَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارُ (وَإِنْ قُلْنَا) الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيهِ وَجْهَانِ ظَاهِرَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ جَمِيعَ الصُّبْرَةِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ تِسْعَةً فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) يَصِحُّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ دُونَ الْبَائِعِ فَإِنْ فَسَخَ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ أَجَازَ فَبِكَمْ يُجِيزُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (وَالثَّانِي) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ هَذَا كَلَامُ القاضى الحسين والله أعلم *

(فَرْعٌ) مَفْهُومُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ فِيمَا نَقَصَ فميا لَا رِبَا فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ صُبْرَةً بِغَيْرِ جِنْسِهَا سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ دراهم أو غير ذلك مكايلة فخرجت إحداهما نَاقِصَةً أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنْ الْبُطْلَانِ إذَا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم فخرجت ناقصة أو زائدة والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ فَتَفَرَّقَا وَكَانَ وَزْنُهُ تِسْعِينَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إذَا قَالَ عِنْدِي أَنَّ الْوَزْنَ مِائَةٌ فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَكَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ صَدَّقَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ لَا عَلَى طَرِيقِ الشَّرْطِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَا خيار * * قال المصنف رحمه الله * (ويعتبر التساوى فيما يكال ويوزن بكيل الحجاز ووزنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مكة)) * (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد (الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) وَلَفْظُ النَّسَائِيّ (الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ) رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ أبو داود اختلافا في سنده ومتنه (أما) السَّنَدُ فَقِيلَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ أَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ صَحَابِيٌّ (وَأَمَّا) الْمَتْنُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ بِاللَّفْظِ

الْمُتَقَدِّمِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طاوس عن ابن عمر قال ورواه الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ (وَزْنُ الْمَدِينَةِ وَمِكْيَالُ مَكَّةَ) قَالَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا واختلف فِي الْمَتْنِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذكره أبو عبيد فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ فَقَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (الْمِيزَانُ مِيزَانُ الْمَدِينَةِ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ مَكَّةَ) قَالَ أَبُو عبيد يقال إن هذا الحديث أصل لكل شئ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِيهِمَا بِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ تَغَيَّرَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَتَخَبَّطَ فِي تَأْوِيلِهِ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَعْدِيلَ الْمَوَازِينِ وَالْأَرْطَالِ وَالْمَكَايِيلِ وَجَعَلَ عِيَارَهَا أَوْزَانَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَكَايِيلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ عِنْدَ الشَّارِعِ حُكْمًا بَيْنَ النَّاسِ يُحْمَلُونَ عَلَيْهَا إذَا تَدَاعَوْا فَادَّعَى بَعْضُهُمْ وزنا أو في مِكْيَالًا أَكْبَرَ وَادَّعَى الْخَصْمُ أَنَّ الَّذِي لَزِمَهُ هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْهُمَا دُونَ الْأَكْبَرِ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمَكِيلَةٍ بر أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِرِطْلٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَكِيلَةِ وَالرِّطْلِ فَإِنَّهُمَا يحملان على عرف البلد وعادة الناس في أوزان الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يُعْطَى بِرِطْلِ مَكَّةَ وَلَا بِمِكْيَالِ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَفَ فِي عَشَرَةِ مَكَايِيلِ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا مَكِيلَةً وَاحِدَةً مَعْرُوفَةً فَإِنَّهُمَا يُحْمَلَانِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَكَايِيلَ مختلفة فأسلفه في عشر مَكَايِيلَ وَلَمْ يَصِفْ الْكَيْلَ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ

فِي نَوْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُونَ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَأُمُورِ مَعَاشِهِمْ (وَقَوْلُهُ) وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ يُرِيدُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خُصُوصًا دُونَ سَائِرِ الْأَوْزَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي النُّقُودِ دُونَ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الْمُعَدَّلَةِ مِنْهَا الْعَشَرَةُ بِسَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَإِذَا مَلَكَ رَجُلٌ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الْأَوْزَانِ فِي بَعْضِ الْبَلَدَانِ والا ماكن فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَمِنْهَا الطَّبَرِيُّ وَمِنْهَا الْخُوَارِزْمِيُّ وَأَنْوَاعٌ غيرها فالبغلي ثمانية دوانيق والطبري أربعة دَوَانِيقَ وَهُوَ نَقْدُ أَهْلِ مَكَّةَ وَوَزْنُهُمْ الْجَائِزُ بَيْنَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ (إنْ شِئْت أعدها لَهُمْ) فَأَرْشَدَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْوَزْنِ فِيهَا وَجَعَلَ الْعِيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ دُونَ مَا يَتَفَاوَتُ وَزْنُهُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْبَلَدَانِ وَأَطَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَحْقِيقِ الدَّرَاهِمِ وَضَرْبِهَا ثُمَّ قَالَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّمَا هُوَ الصَّاعُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وجوب

الكفارات ويجب إخراج صدقة الفطر به وَتَكُونُ بِقَدْرِ النَّفَقَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِعْيَارٌ وَلِلنَّاسِ صِيعَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فَصَاعُ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْعِرَاقِيِّ وَصَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ فِيمَا يَذْكُرُهُ زُعَمَاءُ الشِّيعَةِ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ وَيَنْسُبُونَهُ إلَى جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَصَاعُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ الْحَجَّاجِ الَّذِي سَعَّرَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَلَمَّا وَلِيَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ الْعِرَاقَ ضَاعَفَ الصَّاعَ فَبَلَغَ بِهِ سِتَّةَ عَشْرَ رِطْلًا فَإِذَا جَاءَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ حَمَلْنَا الْعِرَاقِيَّ عَلَى الصَّاعِ الْمُتَعَارَفِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ بِلَادِهِ وَالْحِجَازِيَّ عَلَى الصَّاعِ المعروف ببلاد الْحِجَازِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى عُرْفِ أَهْلِهِ فَإِذَا جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ وَأَحْكَامُهَا فَهُوَ صَاعُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَوْجِيهُهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّسَاوِيَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْكَيْلِ بِمِكْيَالِ الْمَدِينَةِ وَلَا التَّسَاوِي بِمِيزَانِ مَكَّةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ فِي سَائِرِ البلاد بل أي كيل

اتفقا عليه أو ميزان اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَعَرَفَ التَّسَاوِي جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيزَانُ مَكَّةَ أَوْ كَيْلُ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اعْتِبَارَ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَوَازِينِ أَهْلِ مَكَّةَ لَا تُرَاعَى وَقَالَ الشَّارِحُونَ لِلْمُهَذَّبِ وَالْأَصْحَابُ إنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُكَالُ إلَّا بكيل المدينة ولا يوزن إلا بِوَزْنِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي كون الشئ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا إلَى هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ فَكُلُّ مَطْعُومٍ كَانَ أَصْلُهُ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيْلَ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَاللُّوبْيَةِ وَالْبَاقِلَا قَالَهُمَا

صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ بالكيل وما كان أصله بالحجاز الوزن كاذهب وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا فَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ بِالْوَزْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ وَأَصْلُ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ بِالْحِجَازِ فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَكُلُّ مَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والمصنف

وَغَيْرُهُمَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ جِهَةِ المعنى بأن ماكان مَكِيلًا مِنْهُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ بِتَفَاضُلِ الْكَيْلِ وَكَذَلِكَ ماكان يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا بَلْ الْحِجَازُ كُلُّهُ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ذلك اطلاقا وذكره صاحب البيان واسماعيل الحصرى شارح المهذب مبينا فقالا مكة والمدينة ومخالفيها وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي

حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ مِكْيَالَ أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ وَمِيزَانَ الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِمَا ذُكِرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ على الوجهين يعني الوجهين اللذين ذَكَرَهُمَا أَبُو دَاوُد فِي الْمَتْنِ فِي رِوَايَةِ (وَزْنُ مَكَّةَ وَمِكْيَالُ الْمَدِينَةِ) وَفِي رِوَايَةِ (وَزْنُ الْمَدِينَةِ وَمِكْيَالُ مَكَّةَ) وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَتْ تُكَالُ كَانَتْ الْعَادَةُ فِيهِمَا الْكَيْلُ وَكَذَلِكَ الْوَزْنُ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي

الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا وليس لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يرجع فيه إلى العرف والعادة وأوالى العادات ماكان فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَوْلَى فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ (الميزان ميزان أهل مكة) اعتبار الْوَزْنِ * وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَبِرَ الِاكْتِيَالَ بِمِكْيَالِ الْحِجَازِ بَلْ إنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّسَاوِي بِهِ وَمَتَى تَسَاوَى طَعَامَانِ فِي مِكْيَالٍ أَيُّ مِكْيَالٍ كَانَ فَعُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي مِكْيَالِ الْحِجَازِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كِيلَا بِهِ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوَى مَوْزُونَانِ فِي أَيِّ مِيزَانٍ كَانَ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا

لَوْ وُزِنَا بِمِيزَانِ الْحِجَازِ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فَهَذَا وَجْهُ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَكُونُ فَائِدَةُ ذَلِكَ نَفْيَ فَسَادِ الْمَكِيلِ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْمَوْزُونِ في الكيل ان أَرَدْتُ دَفْعَ السُّؤَالِ مَرَّةً فَاجْعَلْ قَوْلَهُ بِكَيْلِ الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ وَيُكَالُ وَيُوزَنُ كَأَنَّهُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ بِالْحِجَازِ أَوْ مَوْزُونٌ بِهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ مَكِيلًا بِالْحِجَازِ ولا موزنا بِهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فَهَذَا مَحْمَلٌ سَائِغٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ وَيُعْتَبَرُ

التَّسَاوِي بِكَيْلِ الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُطْلَقًا لَمْ يَحْسُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَجَوَّزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حَمْلِ الْحَدِيثِ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَعَلَّ اتِّحَادَ الْمَكَايِيلِ كَانَ يَعُمُّ فِي الْمَدِينَةِ وَاتِّحَادَ الْمَوَازِينِ كَانَ يَعُمُّ بِمَكَّةَ فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْعَادَةِ (قُلْتُ) وَكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ مُمْكِنٌ وَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ أَقْرَبُ إلَى تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ (وَأَمَّا) انْحِصَارُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَلَا يَلْزَمُ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ انْدِرَاجُهَا فِيهِ كُلُّ مَا اُعْتُبِرَ الشرع التَّقْدِيرُ فِيهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ فَيَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الشَّيْخِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِعَادَةِ الْحِجَازِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَكِيلِ بِالْكَيْلِ وَالْمَوْزُونِ بِالْوَزْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالسِّرُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا تُجَّارًا لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا أَصْحَابَ النَّخِيلِ وَالْكَيْلِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ بِكَيْلِ

الْحِجَازِ وَوَزْنِهِ أَيْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَأَمَّا الْعَادَةُ الْحَادِثَةُ بِالْحِجَازِ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا اتِّفَاقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ من الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ اتَّحَدَ مِكْيَالٌ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ فِي عَصْرِ الشَّارِعِ وَكَانَ يجري التماثل به فالوجه القطع بِجَوَازِ رِعَايَةِ التَّمَاثُلِ بِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتعبدنا فِي الْحَدِيثِ إلَّا بِالْكَيْلِ الْمُطْلَقِ فِيمَا يُكَالُ وَلَمْ يُعَيِّنْ مِكْيَالًا (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَدَّمْتُهُ لَكَ مِنْ أَنَّ التَّسَاوِيَ فِي مِكْيَالٍ دَالٌّ عَلَى التَّسَاوِي فِي كُلِّ مِكْيَالٍ تَنَبَّهْت لِذَلِكَ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَعْيَانَ الْمَكَايِيلِ فَإِنَّا إذَا كِلْنَا صاعا بصاع المدينة وعلمنا أن الصَّاعَ يَسَعُ قَدَحَيْنِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّاعَ يُسَاوِي الْقَدَحَيْنِ هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا وَزَنَّا دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ فِي مِيزَانِ بعض البلاد وتساويا يعلم

أنها مُسْتَوِيَانِ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَجْمَعَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ وَعُدِّلَتَا بِالتَّسَاوِي فِي كِفَّتَيْ مِيزَانٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا تَحْوِيهِ كُلُّ كِفَّةٍ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مِكْيَالٍ يَجْرِي الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُعْهَدْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ بِيعَ ملء قَصْعَةٍ بِمِلْئِهَا وَمَا جَرَى الْعُرْفُ بِالْكَيْلِ بِأَمْثَالِهَا فَقَدْ حَكَى شَيْخِي تَرَدُّدًا عَنْ الْقَفَّالِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا الْجَوَازُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ الْإِمَامُ هُوَ الرَّاجِحُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ يُكَالُ بِالدَّلْوِ والدورق والجرة والحفنة والزمبيل وبحفر حفرة يكال فيها قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ * وَمَحِلُّ خِلَافِ الْقَفَّالِ فِي قَصْعَةٍ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْكَيْلِ بِهَا أَمَّا قَصْعَةٌ يُعْتَادُ الْكَيْلُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ الشَّارِعِ فَيَجُوزُ

جزما كما اقتضاه كلام (1) وَابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ وقال الامام والرافعي وَالْوَزْنُ بِالطَّيَّارِ وَزْنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لِسَانٌ وَالِاسْتِوَاءُ يَبِينُ فِيهِ بِتَسَاوِي فَرْعَيْ الْكِفَّتَيْنِ والوزن بالقرطستون وزن قالا وقد يتأنى الوزن بالماء بأن يوضع الشئ فِي ظَرْفٍ وَيُكْفَى عَلَى الْمَاءِ وَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ غَوْصِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي تَمَاثُلِ الرِّبَوِيَّاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَوَّلَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ بَعْضُهُ ذَهَبٌ وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ قَالَ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ وَتَوَقَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْوَزْنِ بِالطَّيَّارِ لِعَدَمِ اللِّسَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً فَإِنَّمَا تَنْفَعُ فِيمَا سِوَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا (وَأَمَّا) الستة فقد تقدم الْفَصْلِ السَّابِقِ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَالتَّنْصِيصُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَوْزُونَانِ وَالْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ مَكِيلَةٌ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ فِي الْمِلْحِ والله أعلم *

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

(فَرْعٌ) الْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حنيفة رضى الله عنه نقل أصحابنا عنه أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا مَكِيلَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدُ فِيهَا وَأَمَّا ما سوى الاربعة فالا عتبار فِيهَا بِعَادَةِ النَّاسِ فِي بُلْدَانِهِمْ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَادَةِ الْحِجَازِ وَلَا بِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ فِيهَا عَادَةً غَيْرَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ * (فَرْعٌ) عَدَّ الْمَاوَرْدِيُّ أَشْيَاءَ ادَّعَى فِيهَا أَنَّهَا كَانَتْ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكِيلَةً (منها) الحبوب

وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا ادَّعَاهُ سَالِمٌ لَهُ إلَّا فِي الْأَدْهَانِ فَيَسْتَغْرِقُ حُكْمَهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ إنْ شَاءَ الله تعالى وقد عرض لى ههنا بحث من قول الحطابى أن الطبري الذى هو أربع دَوَانِيقَ هُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ (قُلْتُ) فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَيْهِ وَالدِّرْهَمُ الْيَوْمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ) يَنْفِي اعْتِبَارَ غَيْرِهِ مِمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الزمان ومما حدث بعده فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الدِّرْهَمِ الْمُعَدَّلِ بَيْنَ وَزْنِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ الَّذِي ضُرِبَ فِي زَمَانِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ النِّصَابُ من هذه الدراهم اليوم مائة وثلاثة

وثلاثين وثلث وَوَاجِبُهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَإِنَّمَا بِوَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ مِائَتَانِ وَالْمُخْرَجُ خَمْسَةٌ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الْيَوْمَ كُلُّ مِائَتَيْنِ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّ فِيهَا مِنْ الْخَالِصِ هَذَا المقدار الا أن يقال ماقاله الخطابى عن أبى عبيد انهم كانو يَتَعَامَلُونَ بِالْبَغْلِيَّةِ وَالطَّبَرِيَّةِ نِصْفَيْنِ مِائَةٌ بِغَلِيَّةٍ وَمِائَةٌ طَبَرِيَّةٌ فَكَانَ فِي مِائَتَيْنِ الزَّكَاةُ لَكِنَّا نَقُولُ مُجَرَّدُ الْمُعَامَلَةِ لَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا فِي مَكَّةَ الَّتِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ وَزْنَهَا عَلَى الْخُصُوصِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ وَزْنَ مَكَّةَ مُوَافِقٌ لِلْوَزْنِ الَّذِي هُوَ الْيَوْمَ * (فَرْعٌ) فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ وَمَا هُوَ مَوْزُونٌ * الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَوْزُونَانِ بِالنَّصِّ وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ مَكِيلَانِ بِالنَّصِّ وَالْمِلْحُ مَكِيلٌ بِالنَّصِّ إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ اسْتَثْنَوْا مَا إذَا كَانَ قِطَعًا كِبَارًا فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ وَكُلُّ

مَا هُوَ فِي جُرْمِ التَّمْرِ وَدُونِهِ فَهُوَ مَكِيلٌ كَاللَّوْزِ وَالْعُنَّابِ وَكُلُّ مَا فَوْقَهُ مَوْزُونٌ قالهما القاضى حسين والعجب أن القاضى حسين قَبْلَ ذَلِكَ بِسَطْرٍ قَالَ إنَّ دُهْنَ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ لِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلٍ مَوْزُونٍ وَالْأُرْزُ مَكِيلٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ وَالسِّمْسِمُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ * (فَرْعٌ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا * إذَا كَانَتْ صِيغَةُ بِتَسَاوِي طَعَامًا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَفْضُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَاعْرِفْ مِنْ حَالِهِ أَنَّ التَّمَاثُلَ فيه بالوزن كالتماثل فيه بالكيل

فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالِفَةِ النَّصِّ وَتَغْيِيرِ الْعُرْفِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِكَوْنِ الْوَزْنِ فِيهِ ثَابِتًا عَنْ الْكَيْلِ للعلم بموافقته كم كَانَ مِكْيَالُ الْعِرَاقِ ثَابِتًا عَنْ مِكْيَالِ الْحِجَازِ لِمُوَافَقَتِهِ فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمِكْيَالَيْنِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ التَّفَاضُلُ وَالْوَهْمُ كَالْحَقِيقَةِ ثُمَّ نَقَلَ مَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا سَوَاءٌ تَفَاضَلَا فِي الْكَيْلِ أَوْ تَسَاوَيَا وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قرية يباع الطعام فيها وَزْنًا فَبَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُوَازَنَةً وَجْهَيْنِ (وَقَالَ) أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ جَوَازَ بَيْعِهَا وَزْنًا وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْكَيْلِ عَلَى وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلا ماقاله الماوردى *

* قال المصنف رحمه الله * (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ في الكيل والوزن نظرت فان كان مما لا يمكن كيله اعتبر التساوي فيه بالوزن لانه لا يمكن غيره وان كان مما يمكن كيله ففيه وجهان (أحدهما) انه يعتبر بأشبه الاشياء به في الحجاز فان كان مكيلا لم يجز بيعه الا كيلا وان كان موزونا لم يجز بيعه الا موزونا لان الاصل فيه الكيل والوزن بالحجاز فإذا لم يكن له في الحجاز أصل في الكيل والوزن اعتبر باشبه الاشياء به والثانى أنه يعتبر بالبلد الذى فيه البيع لانه أقرب إليه) * (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَيْ الَّذِي يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ الَّذِي صَدَرَ الْفَصْلُ بِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَطْعُومَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُهِدَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ أَوْ لَا (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ الْمَعْهُودُ بِالْحِجَازِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي صَدْرِ الْفَصْلِ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ الَّذِي

لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا فَرَضْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ لِيَكُونَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا قَوْلًا وَاحِدًا قَدِيمًا وَجَدِيدًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ (1) الَّذِي فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرَّعَهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّصْوِيرِ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْمَشْهُورِ فِي الْكُتُبِ أَنَّ مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فِي الْحِجَازِ لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِي الْقَدِيمِ وَيَجْرِي فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَمْ يُحَرِّرْ الْعِبَارَةَ فَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ اشْتِرَاطُ الْحِجَازِ فِي ذَلِكَ فِي اعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَافْهَمْهُ * إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ إمَّا لِأَنَّهُ حَدَثَ بِالْحِجَازِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْبِلَادِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ أَوْ لَا وَلَا يَتَأَتَّى بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِنَا انه مما يكال أو يوزن

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

لانه يصح هذا الاطلاق إذَا صَحَّ وَاحِدٌ فَقَطْ فَقَدْ صَحَّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ الْوَزْنُ وَكَذَلِكَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ ومن تبعهم من غير أن يأتو بلفظ الامكان أو عدمه بل عجلوا مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُبَاعُ وَزْنًا وَأَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَفُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَضَبَطَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وصاحب التتمة بما زاد غالى جُرْمِ التَّمْرِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ مَا يَتَجَافَى وَمَا لَا يَتَجَافَى وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ قائلون بالوزن فيما يقول هَؤُلَاءِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ فَصَحَّ عَدُّهُمْ فِيمَنْ يَقُولُ بِالْوَزْنِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ إذَا أَخَذَ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَمِمَّا لَا يتأتى فيه خلاف لانه ربوي قطعيا لاجتماع الطعم وَالْوَزْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ التَّقْدِيرَ فِي الرِّبَا وَلَا بُدَّ مِنْ مِعْيَارٍ تُعْرَفُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مِعْيَارَ إلَّا الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ مُمْتَنِعٌ لِمَا فُرِضَ فَتَعَيَّنَ الْوَزْنُ فَهَذَا بَسْطُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُمَا انْحِصَارُ الْمِعْيَارِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَامْتِنَاعُ الْكَيْلِ فَإِنْ عُدِمَ إمْكَانُ غَيْرِ الْوَزْنِ إمَّا لَتَعَذُّرِهِ كَالْكَيْلِ وَإِمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَهَذِهِ الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مِعْيَارٍ لِلْعِلْمِ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا عَلَى عِبَارَةِ القاضى حسين وأتباعه فقد لا يسلم لَهُمْ امْتِنَاعَ الْكَيْلِ فِيمَا زَادَ عَلَى التَّمْرِ بِقَلِيلٍ فَلِذَلِكَ عَلَّلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ الْكَيْلَ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ التَّمْرِ وَبِأَنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ وَيَكْثُرُ التَّفَاوُتُ وهذان المعنيان يمكن أن يجعلا جزئي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً بَلْ جَمَاعَاتٍ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْقِسْمَ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيمَا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ مُطْلَقًا وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) السَّمْنُ وَالزَّبِيبُ وَالْعَسَلُ والسكر كلها تباع وَزْنًا عَلَى الْمَنْصُوصِ وَسَيَأْتِي فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ نَذْكُرُهُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ إنْ شَاءَ الله تعالى *

(فَرْعٌ) هُوَ كَالْقَاعِدَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في بَابِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَصْلُ السَّلَفِ فِيمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ أَصْلَانِ فَمَا كان منه بصفة وَتَسْتَوِي خِلْقَتُهُ فَيَحْتَمِلُهُ الْمِكْيَالُ وَلَا يَكُونُ إذَا كيل تجافى في المكيال فيكون الواحد منه يأتيه في المكيال عريضة الاسفل رفيعة الرأس أو عريضة الاسفل والرأس رفيعة الوسط فإذا وضع شئ إلَى جَنْبِهَا مَنَعَهُ عَرْضُ أَسْفَلِهَا مِنْ أَنْ يَلْصَقَ بِهَا وَوَقَعَ فِي الْمِكْيَالِ وَمَا بَيْنَهَا وبينه تجافى ثُمَّ كَانَتْ الطَّبَقَةُ الَّتِي فَوْقَهُ مِنْهُ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَالَ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا تَرَكُوا كَيْلَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ كَيْلًا وَفِي شَبِيهٍ بِهَذَا الْمَعْنَى مَا عَظُمَ وَاشْتَدَّ فَصَارَ يَقَعُ في المكيال منه الشئ لم يقع فوقه منه شئ

مُعْتَرِضًا وَمَا بَيْنَ الْقَائِمِ تَحْتَهُ مُتَجَافٍ فَيَسُدُّ المعرض الَّذِي فَوْقَهُ الْفُرْجَةُ الَّتِي تَحْتَهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ فوقه غيره فيكون من المكيال شئ فَارِغٌ بَيْنَ الْفَرَاغِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي هذا كيلا ولو تراضيا عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ سَلَفًا وَمَا صَغُرَ وَكَانَ يَكُونُ في المكيال فيمتلئ المكيال به ولا يتجافا التَّجَافِيَ الْبَيِّنَ مِثْلَ التَّمْرِ وَأَصْغَرُ مِنْهُ مِمَّا لا تختلف خلقته اختلاف بَائِنًا مِثْلُ السِّمْسِمِ وَمَا أَشْبَهَهُ أُسْلِمُ فِيهِ كيلا وكلما وصفت لا يجوز السلم فيه كَيْلًا فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِيهِ وَزْنًا انْتَهَى كلام الشافعي رحمه الله وهو ضابط فيما يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِيهِ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَثَّلَ الرُّويَانِيُّ مَا يَتَجَافَى بِعُرُوقِ الشَّجَرِ وَقِطَعِ الْخَشَبِ مِمَّا يُتَدَاوَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ السَّعْمَقَ يُبَاعُ وزنا لانه قَدْ يَكُونُ فُتَاتًا وَيَكُونُ قِطَعًا فَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُ وَزْنُهُ وَهَكَذَا صَوَّرَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ والوزن جميعا فيما إذا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَالِكِي طريقتهم الوجهين الذين ذكرهم المصنف في

الْكِتَابِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِ وصححه ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَجَزَمَ بِهِ سَلَّامُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ (قَالَ) الْأَصْحَابُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا حَكَمَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ حَلَّ وَمَا اسْتَخْبَثَتْهُ حَرُمَ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ رُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَرْجِعَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الِاشْتِبَاهُ أَنْ تَرُدَّ إلَى أَشْبَهِ الْأُصُولِ بِهَا وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْحِجَازِ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَرْجِعَ إلَى الْحِجَازِ وَلَيْسَ لَهُ بِهَا أَصْلٌ فَنَعْتَبِرُ مَا يُشْبِهُهُ مُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ بِبَلَدِهِ لَفَاتَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ الْأَفْقَهُ وَاقْتَضَى إيرَادُ الْجُرْجَانِيِّ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِيمَا لَا عَادَةَ فِيهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُسْتَوِيَةً فِيهِ قال صاحب الواقى وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ إلَى الْعُرْفِ لَا إلَى أشبه الاشياء به لعله يفرق بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَمَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْبَعِيدَ فِي اعْتِبَارِ الْأَشْبَاهِ مَعْمُولٌ بِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بدليل

إيجَابِ الشَّاةِ فِي قَتْلِ الْحَمَامِ وَمَا عَبَّ وهدر فهو مردودا إلَى أَدْنَى شَبَهٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمَعْمُولَ فِيهِ أَصْلًا هُوَ الْعُرْفُ لَا مَا يُشْبِهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمْرَ مَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ إلَى الْوَزْنِ أَقْرَبُ فَاتُّبِعَ فِيهِ الْعُرْفُ فَكَذَلِكَ فِيمَا لَهُ شَبَهٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُصَنَّفِينَ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ فَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ قالوا بلد البيع قال الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مَعَ هَذَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْعُرْفِ فَالْغَالِبُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عُرْفُ أَهْلِ الْوَقْتِ فِي أَغْلَبِ الْبِلَادِ وَجَزَمَ بِهِ فَإِنْ اسْتَوَتْ أَوْ فُقِدَتْ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَقَالَ القاضى أبى الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ

الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عُرْفُ الْبِلَادِ قَالُوا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكَانَ يُكَالُ فِي بَعْضِهَا وَيُوزَنُ فِي بَعْضِهَا حُكِمَ بِالْأَكْثَرِ زَادَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ لِلِاخْتِلَافِ وَلَا أَدْرِي أَيُّ الْعُرْفَيْنِ أَغْلَبُ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ أَيْضًا بَحْثًا لَكِنْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ غَالِبُ عَادَةِ النَّاسِ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَأَطْلَقَ وَفِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ سُلَيْمٌ قَالَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَعْنَى وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى شئ وَاحِدٍ فَلَا يَبْقَى اخْتِلَافٌ إلَّا بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَيَعُدَّانِ

كَذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ غَيْرَ مَنْسُوبَيْنِ فَتَحَصَّلْنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَلَيْسَ يُوجَدُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْكُوا فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا وَجْهَيْنِ وَلَا يَكْفِي مَنْ نَقَّحَ الْمَسْأَلَةَ وَمَيَّزَ أَقْسَامَهَا وَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ قِسْمٍ وَحْدَهُ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا أَعْلَمُ الْآنَ وَيُوجَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ أُخَرُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (رَابِعُهَا) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مَكِيلٌ بَلْ كُلُّ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ مَكِيلٌ (وَخَامِسُهَا) الْوَزْنُ لِأَنَّهُ أَخُصُّ (وَسَادِسُهَا)

أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَ التَّخْيِيرِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ (وَسَابِعُهَا) إنْ كَانَ مُتَخَرَّجًا مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومِ التَّقْدِيرِ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ كَأَصْلِهِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ وَالْخَلُّ مَكِيلٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْعَصِيرُ مَكِيلٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الزبيب مكيل وهذ الْوَجْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ أَيْضًا وَجَعَلُوا مَحِلَّ الْخِلَافِ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَخْرَجًا مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومِ التَّقْدِيرِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مَعْلُومُ التَّقْدِيرِ

وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْصِيصُ الْمَاوَرْدِيُّ محل الخلاف بما لاعادة فيه أوما كَانَتْ الْعَادَةُ فِيهِ مُسْتَوِيَةً (فَأَمَّا) صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى جَعَلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (وَجْهُ) اعْتِبَارِ الشَّبَهِ (وَوَجْهُ) اعْتِبَارِ غَالِبِ الْبَلَدَانِ كَمَا فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ثُمَّ قَالَ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَكَانَ شَبَهُهُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ سَوَاءٌ فَقِيلَ الْكَيْلُ وَقِيلَ الْوَزْنُ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي وَعَادَةُ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَالْوَزْنُ وَقِيلَ الْكَيْلُ يَتَخَيَّرُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِأَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهَيْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ أَوْ بِعَادَةِ بَلَدِ الْبَيْعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي أَكْثَرِ الكتب والله أعلم * وهى على الوجه الثاني غير مافى الْحَاوِي وَعَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ عَلَى قولنا باعتبار الشبه فكان تشبيههما معا فأنهما يُعْتَبَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (1) وَهُوَ بَعْضُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَبَحَثَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْوَجْهَ الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ عَنْ شَيْخِهِ فَقَالَ وَلَوْ مَنَعَ مَانِعٌ أَصْلَ الْبَيْعِ لِاسْتِبْهَامِ طَرِيقِ التَّمَاثُلِ لَكَانَ أَقْرَبَ مِمَّا ذَكَرَهُ يَعْنِي شَيْخَهُ (قُلْتُ) وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُ الْبَيْعِ لِأَنَّ هَذَا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَيُبَاعُ إمَّا الْكَيْلُ وَإِمَّا الْوَزْنُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ حَيْثُ نَقُولُ إنَّهُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ العلة فيه أن المبيع ممتنع الا بشرط الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَهُمَا مَفْقُودَانِ وههنا بخلافه هما ممكنان ومع المرجح من

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

الْعَادَةِ أَوْ الشَّبَهِ أَوْ الْأَصْلِ لَا نُسَلِّمُ الِانْبِهَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ أطلقوا هذا الخلاف كما ذكرناه والجوزي جَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ مَا كَالَهُ قَوْمٌ وَوَزَنَهُ آخَرُونَ (أَمَّا) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَهُوَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ كَالسُّكَّرِ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى وَزْنِهِ (قُلْتُ)

انما يحتاج في السُّكَّرُ إلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ مَدْقُوقًا أَمَّا الْكِبَارُ فَفِي الضَّوَابِطِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرَعٌ) مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ عبارة المصنف لاتشملة ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ يُكَالُ مَرَّةً وَيُوزَنُ أُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ *

(فَرْعٌ) يُبَاعُ الْبَيْضُ بِالْبَيْضِ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قِشْرُهُ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهِ * قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الوزن ولا بأس أن تسلف في شئ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا وَلَا فِي شئ يُبَاعُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِي المدينة في عهد النبي صلى الله على وَسَلَّمَ قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي أَدْرَكْنَا المتبايعين به عليه فأما ماقل مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ لَا لِكَثْرَةٍ يُبَاعُ وزنا

وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَا آكُلُ سَمْنًا مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ) وَيُشْبِهُ الْأَوَاقِيَ أَنْ يَكُونَ كَيْلًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ * وَفِي قَوْلِهِ وَيُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ يَكُونَ كَيْلًا نَظَرٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذَا الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ وَقَدْ كَانَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ بِالزَّيْتِ فَقَرْقَرَ بَطْنُهُ فَقَالَ (قَرْقَرِ مَا شِئْتِ فَلَا يَزَالُ هَذَا دَأْبُكِ مَادَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ) وَجَعَلَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ أَصْلَ السَّمْنِ الْوَزْنُ وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّمْنَ لِقِلَّتِهِ صَارَ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْوَزْنِ فَامْتَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَكْلِهِ فَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْأَوَاقِي اسم لِلْمَكَايِيلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعُرْفُ الْآنَ والشافعي أخبر بعرف ذلك الزمان * * قال المصنف رحمه الله * (وان كان مما لا يكال ولا يوزن وقلنا بقوله الجديد إنه يحرم فيه الربا وجوزنا بيع بعضه ببعض نظرت فان كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ والبطيخ وما اشبهها بيع وزنا وان كان مما يمكن كيله ففيه وجهان (احدهما) لا يباع الا كيلا لان الاصل هو الاعيان الاربعة المنصوص عليها وهى مكيلة فوجب رده إلى الاصل (والثانى) انه لا يباع الا وزنا لان الوزن احصر) * (الشَّرْحُ) (قَوْلُهُ) وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمَبِيعُ الْمَطْعُومُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ أَيْ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَأَتَّى كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمُتَقَدِّمِ لانه لافرق فِي الْحُكْمِ هُنَا بَيْنَ مَا عَهِدَهُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْعُمْرَانِيُّ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ السُّؤَالِ عَمَّا فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ الْإِشْكَالِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي شَرَعْنَا فِيهَا فِي الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَاَلَّذِي قُلْتُهُ أَشْمَلُ وَأَحْسَنُ فَاعْلَمْهُ * إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَنَا خِلَافًا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْخِيَارِ وَالْجَوْزِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تُبَاعُ عَدَدًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الشَّرْقِ وَإِلَّا فَالْجَوْزُ وَالْقِثَّاءُ فِي بِلَادِنَا يُبَاعَانِ وَزْنًا وَالْبَاذِنْجَانُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ فِي بعض البلاد كذلك ضابط ما يكليه فِيهِ مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ الْعَامُ بِتَقْدِيرِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَّفِقُ فِي بَعْضٍ عَلَى خِلَافِ الْعُمُومِ فَالْقَدِيمُ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَهُوَ

جُزْءُ الْعِلَّةِ فِي الْقَدِيمِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَجُزَافًا وَمُتَفَاضِلًا وَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَلَهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِفَصْلَيْنِ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَيَذْكُرُهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَيْنِ فِيمَا يدخر بعد تجفيفه قال لا يجوز رُطَبَةٍ بِرُطَبٍ وَبَعْدَ الْجَفَافِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لا يعرف له مِعْيَارٌ فِي الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ بَعْضٌ إلَى ابن جريج بن شريح فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّفَرْجَلُ الْكِبَارُ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْفُجْلُ وَالسَّلْجَم وَالْجَزَرُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَا أَشْبَهَهُ بِيعَ وَزْنًا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالتُّفَّاحِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالتِّينُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّبْقُ وَالْعُنَّابُ قَالَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخَوْخُ الصِّغَارُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَفِي مِعْيَارِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُمَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي تعليقه عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّهُ أَحْصَرُ فِي حُصُولِ حَقِيقَةِ الْمُسَاوَاةِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّافِي وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ قال في البسيط بعد ذكر مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَهَذَا فِيمَا لَا قِشْرَ لَهُ أَمَّا الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا وَجْهًا وَاحِدًا وَطَرَدَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ خِلَافًا إذَا بِيعَ وَزْنًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِيهِ لَا يُضْبَطُ وَقَالَ هُوَ وَابْنُ الصباغ

إنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ حال بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَجَرَيَانُ الرِّبَا في غير المكيل والموزون من المأكول وإذا بيع منه جنس بشئ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَصِحَّ عَدَدًا وَلَمْ يَصِحَّ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هذا الموضع بغلطه هذا لفظ الشافعي رحمه الله تعالى وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِتَفَاوُتِ الْعَدَدِ وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ الْخُضَرِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ الْكَيْلُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ قِيلَ مِنْ شَأْنِ الْفَرْعِ أَنْ يُرَدَّ إلَى الْأَصْلِ بِحُكْمِهِ وَهَذِهِ الْأُصُولُ حُكْمُهَا تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ

حُكْمُ فُرُوعِهَا تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ فِي الْوَزْنِ قُلْنَا إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكَيْلُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَقْدِيرَهَا فِي الْعَادَةِ بِالْكَيْلِ وَالْفَرْعُ الْمُلْحَقِ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي تُسَاوِيهِ بِمَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ كَيْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَزْنَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوْزُونَ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّنْبِيهِ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ هَذَا الْقِسْمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى الْجَدِيدِ مَقْصُودًا وَهُنَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْمِعْيَارِ وَذَكَرَ وَجْهًا هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَيْلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا الْوَزْنَ فَقَطْ وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْوَافِي أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْكِتَابَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي التَّنْبِيهِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ الَّذِي هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آنِفًا كَالْبَقْلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ إلَّا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) امْتِنَاعُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْوَزْنِ وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّنْبِيهِ أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ فِي التَّنْبِيهِ مَا يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ مَا يُمْكِنُ كيله ومالا يمكن

قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُبَاعُ وَزْنًا أَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَقِطَعًا وَأَمَّا فِيمَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ كَذَلِكَ وَلِضَعْفِهِ فَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ شَائِعَةٌ فِي كَلَامِهِ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَمَلٌ لايرد عليه شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ صَحَّحَ كَلَامَهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى جَمَاعَةٍ وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْهُ خِلَافُ مُرَادِهِ وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُهُمْ حِكَايَتَهُ فِيهِ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعٍ مُطْلَقًا وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي الْمُهَذَّبِ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي التَّنْبِيهِ شَامِلٌ لِمَا يُدَّخَرُ وقد عرفت أن القاضى حسين حَكَى فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالَةِ جَفَافِهِ وَجْهَيْنِ وَلِمَا لَا يُدَّخَرُ الَّذِي حُكِيَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمُهَذَّبِ *

(فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزُ بِالْجَوْزِ مَعَ قِشْرِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَا الْمِعْيَارُ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ قُلْتُ لَهُ فَالْجَوْزُ بِالْجَوْزِ فَقَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُبَاعُ وَزْنًا (وَالثَّانِي) يُبَاعُ كَيْلًا وَكَذَلِكَ حَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ فِي قِشْرِهِ وَزْنًا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ) وَكَوْنُ الْجَوْزِ مَوْزُونًا أَقْرَبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الضَّابِطِ فِيمَا زَادَ عَلَى حَدِّ التَّمْرِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ اللَّوْزَ مَكِيلٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مَا ظَاهِرُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ معه شئ معيب مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي داخله فلا خير فيه بعضه ببعض عددا ولا كيلا وزنا من قبل أن ماكوله معيب وَأَنَّ قِشْرَهُ يَخْتَلِفُ فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ فَلَا يكون أبدا الا مجهول بِمَجْهُولٍ فَإِذَا كُسِرَ فَخَرَجَ مَأْكُولُهُ فَلَا بَأْسَ ببيع بعضه ببعض عددا لا وزنا ولا كيلا فَإِذَا اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَطْبًا فَقَدْ يَبِسَ فَيَنْقُصُ وإذا انتهى يبسه فلا يستطاع أن يكال وَأَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَزْنًا لِأَنَّا لَا نُحِيلُ الْوَزْنَ إلَى الْكَيْلِ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ

قَالَ فِي الصَّرْفِ لَا يُبَاعُ الْجَوْزُ بَعْضُهُ ببعض كيلا ولا وزنا ثم قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا بَعِيدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَبِالْجَوَازِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ قِشْرَهُ مِنْ صَلَاحِ اللُّبِّ وَيُدَّخَرُ مَعَهُ كَيْلًا يَفْسُدُ فَهُوَ كَالنَّوَى مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَا يقيه من الفساد يكون في جوفه وههنا مَا يَقِيهِ مِنْ الْفَسَادِ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ ومقتضى كلام الامام الْجَوْزَ وَالْبَيْضَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْقِثَّاءِ بِالْقِثَّاءِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْقِثَّاءِ الْمَنْعُ عَلَى الْجَدِيدِ ثُمَّ قَالَ وَاتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي أَجْوَافِهَا وَقُشُورِهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِي الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ إذَا بيع البعض بالبعض منها وزنا وجهين قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ (قُلْتُ) وَذَلِكَ أَنَّ الْجَوْزَ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ يُبَاعُ بِالْعَدَدِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ الْعُرْفُ فِي وَزْنِهِ فَهُوَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلشَّارِعِ فِيهِ مِعْيَارٌ فَامْتَنَعَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْقِثَّاءِ مِنْ جِهَةِ اسْتِتَارِهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَلَا اللَّوْزِ بِاللَّوْزِ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا إلَّا أَنْ لَا ينقص في

الْكَيْلِ فَيَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي جَوْفِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قِشْرَهُ مِنْ صَلَاحِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَإِنَّ الْجَوْزَ مَعْدُودٌ وَاللَّوْزُ مَكِيلٌ * (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْإِبَانَةِ بَيْعُ الْأَدْوِيَةِ بالادوية إن كانت لاتتجافى في المكيال فتباع كيلا والافوزنا وَإِنْ كَانَتْ مَعْجُونَةً فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ هَذَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَزْنًا قَالَ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةُ كَمَالِهِ فَإِنْ كَانَا مَكْسُورَيْنِ لَمْ يَجُزْ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فِي مَكَان لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيُبَاعُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْكَيْلُ بِيعَ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الْكَيْلُ بِيعَ كَيْلًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَوَزْنًا عَلَى الآخر اه فَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَكَانِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ هُنَا عَدَمَ الْكَيْلِ والوزن خَاصَّةً بَلْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَحِلُّ كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَائِدَةٌ) الْأَصْحَابُ يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ فِي الْمَطْعُومِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَلَا يُصَرِّحُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَوْ الشَّرْعِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْتُهُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْعَنْتَ فِيهِ التَّأَمُّلَ يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو محمد عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ فَصْلٌ فِيمَا لَا يُقَدَّرُ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا مَا لَا يُقَدَّرُ في الْعُرْفِ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ الْقَدِيمُ أَنَّهُ

لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ) فَأَفَادَ ذَلِكَ مَا قُلْتُهُ وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غُضُونِ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْ تِلْكَ اللَّفْظَةِ أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله ذلك والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (فصل وما حرم فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض ومع أحد العوضين جنس آخر يخالفه في القيمة كبيع ثوب ودرهم بدرهمين ومد عجوة ودرهم بدرهمين ولا يباع نوعان من جنس بنوع كدينار قاسانى ودينار سابورى بقاسانيين أو سابوريين أو وكدينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو دينارين قراضة والدليل عليه ما روى فضالة بن عبيد قال (أتى رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلادة فيها

خرز مغلفة بذهب فابتاعها رجل بسبعة دنانير أو تسعة دنانير فقال عليه السلام لا حتى تميز بينه وبينه قال أنا أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما) ولان الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة انقسم الثمن عليهما والدليل عليه أنه إذا باع سيفا وشقصا بالف قوم السيف والشقص وقسم الالف عليهما على قدر قيمتهما وأخد الشفيع الشقص بحصته من الثمن على قدر قيمته وأمسك المشترى السيف بحصته من الثمن على قدر قيمته وإذا قسم الثمن على قدر القيمة أدى إلى الربا لانه إذا باع دينارا صحيحا قيمته عشرون درهما ودينارا قراضة قيمته عشرة بدينارين وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما صارت القراضة مبيعة بثلث الدينارين والصحيح بالثلثين وذلك ربا) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ فَضَالَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَيْضًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَنَسَبَهُ ابْنُ مَعْنٍ شارح

المهذب إلى مسلم وأبن دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ اعْتِبَارًا بِأَصْلِ الْحَدِيثِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُخَرِّجِينَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالصَّوَابُ مَا حَرَّرْتُهُ وَرِوَايَةُ الصَّحَابِيِّ فَضَالَةَ بِفَتْحِ - الْفَاءِ - وَالضَّادِ - الْمُعْجَمَةِ ابْنِ عُبَيْدٍ مُصَغَّرًا ابْنِ نَافِذٍ - بِالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - ابْنِ قَيْسِ بْنِ صُهَيْبِ بن الاضرم من جَحْجَبَا - بِجِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَهُنَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - ابْنِ كُلْفَةَ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ - ابْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْعُمَرِيِّ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَسُكُونِ الْمِيمِ - أَبُو مُحَمَّدٍ

وأمه عفرة - بفتح العين - ابنت محمد بن عقبة بن أحيحة بن الحلاج بن الحريس بْنِ جَحْجَبَا الْمَذْكُورِ شَهِدَ فَضَالَةُ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وما بعدها مِنْ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِدِمَشْقَ لَمَّا مَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِوَصِيَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِمُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَهُ عَقِبٌ كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ المدايني وَرَأَيْتُ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ لِلْبَغَوِيِّ أَنَّهُ سَكَنَ مِصْرَ وَمَاتَ بِهَا مَعَ ذِكْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ كَاتِبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وروى عنه هذا الحديث حنش ابن عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحِ اللَّخْمِيُّ وَفِي طَبَقَتِهِ حَنَشٌ الرَّاوِي

عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ سليمان التيمى وخالد الواسطي في حديثه ضعف اسمه حسين ابن قيس وحنش بن المعتمر الكوفى الرواى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحَنَشُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَقِيطٍ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ يَرْوِي عَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ الْمَذْكُورِ أَبُو شُجَاعٍ هَذَا وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو سَلَمَةَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وسعيد ابن يَزِيدَ مِصْرِيٌّ رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ حَدِيثَهُ مُرْسَلًا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ (مِنْهَا) اللَّفْظُ الَّذِي فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ (اشْتَرَيْتُ

يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً ثَمَنُهَا اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُبَاعُ حَتَّى تَفْصِلَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقَلَائِدَ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْغَنَائِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (وَمِنْهَا) عَنْ حَنَشٍ قَالَ (كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلِأَصْحَابِي قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فَقَالَ انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ ثُمَّ لَا تَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (وَمِنْهَا) عَنْ فَضَالَةَ قَالَ أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً فِيهَا ذَهَبٌ

وخرز فأردت بيعها فذكرت ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ افْصِلْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ بِعْهَا) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عن حنش ولم يذكر أبا شجاع وخالد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى حَنَشٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ سِيَاقُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَعَ عَدَالَةِ رُوَاتِهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا شَهِدَهَا فَضَالَةُ كُلَّهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا فَأَدَّاهَا كلها وحنش الصنعانى أداها منفرقا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ حَكَمَ بِأَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى قَالَ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ اشْتَرَاهَا وَفِي تِلْكَ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَهَا وَاخْتَلَفَا أَيْضًا فِي قَدْرِ الدَّنَانِيرِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي النَّهْيِ حَتَّى يَفْصِلَ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ البيع لاجل الجمع بينهما فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيِّنٌ فَإِنَّ أَسَانِيدَ الطُّرُقِ كُلِّهَا صِحَاحٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى بَعْضِهَا بِالْغَلَطِ وَأَيْضًا كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ على النهى عن البيع حَتَّى يَفْصِلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدْ رَامَ الطَّحَاوِيُّ دَفْعَهَا بِمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ وَقَدْ اضْطَرَبَ عَلَيْنَا حَدِيثُ فَضَالَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا فَرَوَاهُ قَوْمٌ على ما ذكرنا في أول (1) وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصْلٌ الذَّهَبَ لِأَنَّ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِي ذَلِكَ فَفَعَلَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ لَا لِأَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مَعَ غَيْرِهِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَى مَنْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ) ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اضْطَرَبَ

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

عَلَيْنَا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَمْ يُوقَفْ عَلَى مَا أُرِيدَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَعْنًى من المعاني التى روي عليها إلا إن احْتَجَّ مُخَالِفُهُ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْآخَرُ (قُلْتُ) وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاضْطِرَابٍ قَادِحٍ وَلَا تَرِدُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ (وَقَوْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُبَاعُ حَتَّى يَفْصِلَ) صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَكَوْنُ فَضَالَةَ أَفْتَى بِهِ فِي غير طريقة غَيْرِ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِي سَمَاعَهُ لَهُ فَقَدْ يَسْمَعُ الرَّاوِي شَيْئًا ثُمَّ يَتَّفِقُ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيُفْتِي بِمِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ ضَبَطَهُ ابْنُ النَّوِيكِ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَافٍ - ابْنُ مَعْنٍ يَرْوِي بِالْقَافِ وَيَرْوِي مُغَلَّفَةً بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - وَهَذَا الْحَدِيثُ مُعْتَمَدُ

أَصْحَابِنَا مِنْ جِهَةٍ لِلْأَثَرِ فِي الْقَاعِدَةِ الْمُتَرْجَمَةِ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ وهب ومن فقه للسقاية الَّتِي بَاعَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَنْكَرَهَا عُبَادَةُ أَنَّهَا الْقِلَادَةُ وخالفهم غيرههم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَفِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلَهُ عَلَى خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَ الجميع بالدراهم ثم يشترى بالدراهم حساما دَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ صاع تمر ردئ فَيُجْمَعُ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ فَائِقٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بهما صاعا تَمْرٍ وَسَطٍ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أن يجمع الردئ مع الجيد للغايه أَمْرِهِ فِيمَا يَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَضُمَّ الردئ إلَى الْجَيِّدِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ وَسَطًا وَكَانَ

ذَلِكَ مَوْجُودًا انْتَهَى مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَأَيْتُ مَا نَسَبَهُ الْبَيْهَقِيُّ إلَى الْقَدِيمِ فِي الْإِمْلَاءِ وَسَأَنْقُلُهُ فِي آخِرِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْعِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَالَ فِي بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ وَإِذَا بِعْتَ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الذَّهَبِ أو الورق بشئ مِنْ صِنْفِهِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَأَنْ يَكُونَ مَا بِعْتَ مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا وَيَكُونُ مَا اشْتَرَيْتَ صِنْفًا واحدا ولا نبالي أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ مِمَّا اشْتَرَيْتُهُ به ولا خير في أن تأخذ خمسين دينارا مروانية وخمسين حدثا (1) بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها وكذلك لاخير في أن

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

تَأْخُذَ صَاعَ بُرْدِيٍّ وَصَاعَ لَوْنٍ بِصَاعَيْ صَحَانِيٍّ وَإِنَّمَا كَرِهْتُ هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ تَمْرُ صَاعِ البردى بثلاثة أرباع صاعي الصَّحَانِيِّ وَذَلِكَ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَصَاعُ اللَّوْنِ بِرُبْعِ صَاعَيْ الصَّحَانِيِّ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ صَحَانِيٍّ فَيَكُونُ هَذَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا * هَذَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ فِي بَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأُمِّ وَإِذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ مَقْرُونَةً بِغَيْرِهَا خَاتَمًا فِيهِ فَصٌّ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ حِلْيَةُ السَّيْفِ أَوْ مُصْحَفٌ أَوْ سكين فلا يشترى شئ مِنْ الْفِضَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ وَهَكَذَا الذَّهَبُ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ مَعَ سَيْفٍ اُشْتُرِيَ بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ اُشْتُرِيَ بِفِضَّةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لَمْ يشتر بذهب ولا فضة واشترى

بالعروض قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يجوز أن يشترى شئ فِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٌ وَمَا أَشْبَهَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ لِأَنَّ فِي هَذِهِ البيعة صرف وبيع لَا نَدْرِي كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ مِنْ حِصَّةِ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا وَإِذَا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الْبَيْعِ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ مِثْلُ تَمْرٍ بُرْدِيٍّ وَتَمْرٍ عَجْوَةٍ بِيعَا مَعًا بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَصَاعٌ مِنْ هَذَا بِدِرْهَمَيْنِ وَصَاعٌ مِنْ هَذَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ الْبُرْدِيِّ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَجْوَةِ سُدُسُ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْبُرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ الِاثْنَيْ عَشَرَ والعجوة بسدس الاثنى عشر وهكذا لَوْ كَانَ صَاعُ الْبُرْدِيِّ وَصَاعُ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ لَوْنٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ مِنْ اللَّوْنِ

فَكَانَ الْبُرْدِيُّ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ صَاعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ بِسُدُسِ صَاعَيْنِ فَلَا يَحِلُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبُرْدِيَّ بِأَكْثَرَ مِنْ كَيْلِهِ وَالْعَجْوَةُ بِأَقَلِّ مِنْ كَيْلِهَا وَهَكَذَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ كَأَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مَرْوَانِيَّةٍ وعشرة محدثة بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ هَاشِمِيَّةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قِيمَةَ الْمَرْوَانِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ المحدثة وهكذا الذهب بالذهب متفاضلا لان العين الَّذِي فِي هَذَا فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَاطِلَ الدَّنَانِيرَ الْهَاشِمِيَّةَ التَّامَّةَ بِالْعِتْقِ النَّاقِصَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فِي الْوَزْنِ وَإِنْ كان لهذه فضل وزنها وهذا فَضْلُ عُيُونِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَ فِي الصَّفْقَةِ شيئا من

الذى فيه الرِّبَا فِي الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ صُبْرَةَ تَمْرٍ مَكِيلَةٍ أَوْ جُزَافًا بِصُبْرَةِ حِنْطَةٍ مَكِيلَةً أَوْ جُزَافًا وَمَعَ الْحِنْطَةِ مِنْ التَّمْرِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّفْقَةَ فِي الْحِنْطَةِ تَقَعُ عَلَى حِنْطَةٍ وَتَمْرٍ بِتَمْرٍ وَحِصَّةُ التَّمْرِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَتِهَا وَالْحِنْطَةُ بِقِيمَتِهَا وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا كَيْلًا بِكَيْلٍ (وَقَالَ) فِي بَابِ تَفْرِيعِ الصِّنْفِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِمِثْلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ شئ ومعه شئ غيره بشئ آخر لاخير في مد بمد عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ وَلَا مَدَّ حِنْطَةٍ سَمْرَاءَ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ حَتَّى يكون الطعام

بالطعام لا شئ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُهُمَا أَوْ يَشْتَرِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ صِنْفِهِ شئ (وقال) في باب (1) في التمر بالتمر ولاخير فِي أَنْ يَكُونَ صَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ تَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَصَاعُ الْآخَرِ مِنْ تَمْرٍ وَاحِدٍ (وَقَالَ) في مختصر المزني ولاخير فِي مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلِ (وَقَالَ) فِيهِ أَيْضًا وَلَوْ رَاطَلَ مِائَةَ دِينَارٍ عِتْقٍ مَرْوَانِيَّةٍ ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ خَيْرٍ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَدُونَ المروانية لم يجز لانى لَمْ أَرَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا أَنَّ مَا جَمَعَتْهُ الصَّفْقَةُ مِنْ عَبْدٍ وَدَارٍ أَنَّ الثَّمَنَ مَقْسُومٌ عَلَى كل واحد منها بقدر قيمته من

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

الثَّمَنِ فَكَانَ قِيمَةُ الْجَيِّدِ مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرَ من الردئ وَالْوَسَطُ أَقَلُّ مِنْ الْجَيِّدِ (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ البويطى في باب البيوع وكل شئ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ الْحِنْطَةَ وَالتَّمْرَ وَالشَّعِيرَ وَالْعَسَلَ وَالدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَإِذَا أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبِيعَ مِنْ عَسَلٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ ومد عسل فلا يجوز أو درهم وثوب بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمَ وَثَوْبَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ مد حشف ومد تمر بمدى تَمْرٍ أَوْ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ دَقِيقٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَبِمَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَجْمَعُهُمَا وَلَا يَتَمَيَّزُ تَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ الثمن ولا يدري كم ذلك

فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مِثْلُ ثَوْبٍ وَرِطْلٍ مِنْ عَسَلٍ بثوب ورطل عسل لِأَنَّ لِلثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ الَّذِي وَقَعَ بِالثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ لِلدِّرْهَمِ حِصَّةٌ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالثَّوْبِ وَمِنْ الْآخَرِ مثل ذلك فلا يجوز لان ثمنها لا يميز مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَدْخُلُ الثَّوْبُ وَالدِّرْهَمُ بِالثَّوْبِ وَالدِّرْهَمِ بَيْع وَصَرْف (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ الصَّرْفِ وَإِذَا صَارَفَهُ خَمْسِينَ قِطَاعًا وَخَمْسِينَ صِحَاحًا بِمِائَةٍ صِحَاحٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ لِلْخَمْسِينَ الْقِطَاعِ حِصَّةً مِنْ الْمِائَةِ الصِّحَاحِ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التفاضل والثمن مقوم عليهما وَهُوَ مِثْلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا وَثَوْبًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْ اشْتَرَى

مِائَةَ دِينَارٍ قِطَعٍ بِمِائَةٍ صِحَاحٍ فَلَا بَأْسَ وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بِمِائَةِ صِحَاحٍ * وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَيَأْتِي مِثْلُهُ مَبْسُوطًا فِي الْإِمْلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَالَ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ دنانير ودارهم فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِدَنَانِيرَ وَلَا بِدَرَاهِمَ إذَا اسْتَثْنَى مَالَهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ بِلَا مَالٍ فَجَائِزٌ (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْإِمْلَاءِ فِي بَابِ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامله على خيبر (أن يبيع الجميع بالدراهم ثم يشترى بالدراهم حساما) دل والله أعلم على أن لا يجوز أن يباع صاع تمر ردئ فَيُجْمَعُ مَعَ صَاعِ تَمْرٍ فَائِقٍ ثُمَّ يَشْتَرِي

بِهِمَا صَاعَيْنِ بِتَمْرٍ وَسَطٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ يحيط بأن صاع التمر الردئ لَوْ عُرِضَ عَلَى صَاحِبِ التَّمْرِ الْوَسَطِ بِرُبْعِ صَاعٍ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلَوْ قُوِّمَ لَمْ تَكُنْ قيمته كقيمة ربع صاع من الوسط وانما يُعْطَى صَاحِبُ الصَّاعَيْنِ مِنْ الْوَسَطِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ ردئ وَصَاعٍ جَيِّدٍ لِيُدْرِكَ فَضْلَ تَمْرِهِ الْجَيِّدِ عَلَى الردئ بما يأخذه من الجيد وعامل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يُقَاسِمُهُمْ نِصْفَ تَمْرِهِمْ فَيَأْخُذُ الْجَيِّدَ الغاية من صاحب الجيد الغاية والردئ الذى لاأسفل منه من صاحب التمر الردئ وَمِنْ كُلِّ ذِي تَمْرٍ نِصْفَ تَمْرِهِ وَلَوْ كان يجوز أن يجمع الردئ مَعَ الْجَيِّدِ الْغَايَةِ أَمَرَهُ فِيمَا يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَضُمَّ الردئ إلى الجيد ثم

يشترى به وَسَطًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فَخَالَفَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ (لَا بَأْسَ أَنْ يضم الحشف إلى الردئ ثُمَّ يَشْتَرِي بِكِلَيْهِمَا تَمْرَ عَجْوَةٍ) وَقَالَ (لَا بأس بالذهب بالذهب متفاضلة إذَا دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَيْسَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَعْنَى الذَّهَبِ يُضَمُّ إلَيْهَا غَيْرُهَا مَعْنَى التَّمْرِ الردئ يضم إليه التمر الردئ مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقُلْتُ لِبَعْضٍ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا اشترى ألف درهم تسوي عَشَرَةَ الدَّرَاهِم بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ قَالَ جَائِزٌ (قُلْتُ) فَإِنْ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَالَ يَرُدُّهُ بِأَلْفٍ قلت فهكذا يقول فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا قَالَ أَيُّ الْبُيُوعِ (قُلْتُ) أرأيت لو باع جارية تسوي ألفا وثوبا يسوي عَشَرَةَ دَرَاهِمِ بِأَلْفَيْنِ فَوَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَالَ تُقْسَمُ الْأَلْفَانِ عَلَى الْأَلْفِ وَعَشَرَةٍ

وَيُرَدُّ الثَّوْبُ بِحِصَّةِ عَشَرَةٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ) قَالَ (وكذلك جارية تسوي ألفا وثوبا يسوي مائة بيعا بألفين ومائتين يرد الثَّوْبُ بِمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سَهْمٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ سهما من الثمن ويكون صحة هَذَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ واحد منهما حصته من الثمن (قلت) فلم لا يكون الثمن هكذا قال لان الثَّمَنَ كُلَّهُ مَعْرُوفٌ (قُلْتُ) وَالسِّلْعَتَانِ اللَّتَانِ بِيعَتَا مَعْرُوفَةٌ فِي الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ نَعَمْ (قُلْتُ) وَهَكَذَا الْبُيُوعُ كُلُّهَا قَالَ نَعَمْ (قُلْتُ) لِمَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الثَّوْبِ مَعَ الدَّرَاهِمِ قَالَ إذَا احْتَرَزَ الرِّبَا فَيَكُونُ أَلْفًا بأكثر منها (قلت) فهذا أَبْطَلْنَا مَا أَجَزْتُ مِنْ الصَّرْفِ وَإِذَا أَجَزْتُهُ فَقَدْ تَرَكْتُ أَنْ يُقَسَّمَ الثَّمَنُ عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ عُقْدَةُ الْبَيْعِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا إذَا كان المبيع مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَعَلَى مَا إذَا كَانَ نَوْعَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ

وَيُعَبِّرُ الْأَصْحَابُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِقَاعِدَةِ مَدُّ عَجْوَةٍ وَضَابِطُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَشْتَمِلَ الصَّفْقَةُ عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيَخْتَلِفُ مَعَ ذَلِكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا جِنْسًا أَوْ نَوْعًا أَوْ صَفْقَةً فَقَوْلُنَا مَالٌ وَاحِدٌ خَرَجَ بِهِ مَا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى جِنْسِ مَالِ الرِّبَا كَمَا إذَا بَاعَ قَمْحًا وَشَعِيرًا بِتَمْرٍ وَزَبِيبٍ فَإِنَّهُ لَوْلَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَدَخَلَ تَحْتَ الضَّابِطِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا غيره على مِمَّا فِيهِ الرِّبَا أَوْ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ وَفِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَحْسَنِ الْعِبَارَاتِ وَأَسْلَمِهَا لَكِنْ فِيهَا اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوَّلُ مَا يُعْتَنَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْجَهْلَ بالمماثلة لحقيقة المفاظلة وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ

عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا وَيَشْهَدُ لَهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ لَا يَعْلَمَانِ كَيْلَهَا وَمَنَعَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا فِي غَيْرِ الْعَرَايَا قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَهِيَ تُخَرَّجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الاصل الذى عرف لنا في مسائل الرِّبَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ الْحَظْرِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ عَنْ الْحَظْرِ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْوَجْهُ يَبْقَى مَحْظُورًا تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ (وَالْأَصْلُ الثَّانِي) أَنَّ اخْتِلَافَ الْعِوَضَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ وَتَوْزِيعَ الثَّمَنِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْعَقْدِ لِدَلِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ فَإِنَّ التُّجَّارَ يَقْصِدُونَ بِالشِّرَاءِ التَّثْمِينَ (وَالثَّانِي) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا إذَا

بَاعَ عَبْدًا وَثَوْبًا ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مُسْتَحِقًّا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِذَا بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا شَاءَ وَلَهُ حَالَةُ الْعَقْدِ فَلَوْلَا أَنَّ التَّوْزِيعَ حَاصِلٌ حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَكَمَا فِي رَدِّ الْبَعْضِ بِالْعَيْبِ وَتَلَفِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْلَا التَّوْزِيعُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا تَوَزَّعَ فِي الِانْتِهَاءِ وَلَا يُتْرَكُ التَّوْزِيعُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ مُقْتَضَى حُمِلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَدَّى إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ أَوْ إلَى صَلَاحِهِ كَمَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُقَابَلَةَ جميع الثمن للثمن حُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى فَسَادِهِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ هِبَةٌ وَالْآخَرُ ثَمَنٌ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَغْلِبُ وَجْهُ الصِّحَّةِ بِكُلِّ حَالٍ مَمْنُوعٍ قَالَ الْعِجْلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ بِعَرَضِ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الجيد لواحد والردئ لآخر قائلا هما

ثمانين فَيَقُولُ صَاحِبُ الْمِائَةِ الْجَيِّدَةِ نَزَلَ عَنْ مِائَةٍ وَحَصَلَ أَكْثَرُ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ بِالْبَيْعِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ * بَيَانُهُ أَنَّ قِيمَةَ الْجَيِّدَةِ إذَا كَانَتْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وقيمة الردئ أَلْفًا وَصَاحِبُ الْجَيِّدَةِ أَخَذَ ثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَهُوَ مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وصاحب الردئ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِالْمِائَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلْثَانِ وَهَذَا عَيْنُ الرِّبَا وَهَذَا مُقْتَضَى لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يَقْتَضِ الْعَقْدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكًا أَصْلًا أَوْ اقْتَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مُلْكًا فِي الْكُلِّ أَوْ اقْتَضَى مِلْكًا فِي النِّصْفِ عَلَى التَّسَاوِي أَوْ اقْتَضَى مِلْكًا بِحَسَبِ مَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ الْقِيمَةِ وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى ظَاهِرَةُ الْبُطْلَانِ فَتَعَيَّنَ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى العقدان

مَا ظَهَرَ بِالْقِيمَةِ وَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمِلْكِ فَكَذَا عِنْدَ اتِّحَادِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَالْقِسْمَةِ لَا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ إذْ بَاذِلُ الْجَيِّدِ لَا يَرْضَى أَنْ يَسْتَفِيدَ فِي مُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ مَا يستفيده في مقابلة الردئ وَلَا بَاذِلَ الثَّمَنِ يَبْذُلُهُ عَلَى التَّسَاوِي بَلْ هَذَا الْقَصْدُ ضَرُورِيٌّ فِي نَفْسِ الْمُعَاقَدِ وَمُطْلَقُ كَلَامِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا مَا يُقْصَدُ فِي عَادَةِ التَّعَامُلِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِمُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ بزيادة اه ثُمَّ أَلْزَمَهُمْ بِمَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ التَّفَاضُلُ مُقْتَضَى الِانْقِسَامِ وَالِانْقِسَامُ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ الْمِلْكِ أَوْ اخْتِلَافَ الْعَيْبِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقَ أَوْ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الاختلافات الاربع

أَطْلَقْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكُلَّ بِالْكُلِّ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَفَاضُلٌ (قُلْنَا) كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَ الْعَقْدَ مَعَ أن مقتضى الانقسام والتفاضل موجود اه وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا فَرَضَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ كان لرجلين عبدين فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الغرض وَلِأَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَيْضًا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ فَيَصِحُّ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَلْزَمَ أَصْحَابُنَا الْخَصْمَ بِالتَّوْزِيعِ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً ثم اشتراه مع آخر بأكثر نقد فأن عندهم

لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ بِأَقَلِّ مِمَّا بَاعَ وَاعْتَذَرُوا عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ بِأَنَّ هُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وُجُوهُ الصِّحَّةِ كَثِيرَةٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ أَلْفًا وَمَا فَوْقَهُ درهما درهما إلى أن يبقى درهم للعقد الثَّانِي وَإِذَا كَثُرَتْ الْوُجُوهُ صَارَ مَا قَابَلَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْمَانِ مَجْهُولًا فَبَطَلَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ وَأَبْطَلَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْجَوَابَ بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بعشرة وأحدث فيها عمارة واكراها باحدى عَشَرَةَ (1) أُجْرَةً فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّارِ دِرْهَمًا وَمَا زَادَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا إلَى أَنْ يَبْقَى دِرْهَمٌ فِي مُقَابَلَةِ الْعِمَارَةِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْعَلُوا بَلْ جَعَلُوا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الدَّارِ وَالزِّيَادَةَ فِي مقابلة العمارة وصححوا (قال) أصحابنا

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

وقد تكثر وجوه الصحة في مسئلتنا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ وَمُدَّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَمُدَّيْ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدَّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أن يجعل مدى حنطة بمد شَعِيرٍ وَمُدَّيْ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدَّيْ تَمْرٍ بمد حِنْطَةٍ وَكَذَا مُدُّ حِنْطَةٍ وَمُدُّ شَعِيرٍ بِمُدِّ حنطة ومدى شَعِيرٍ فَقَدْ كَثُرَتْ وُجُوهُ الصِّحَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزْتُمْ * وَأَلْزَمَهُمْ أَصْحَابُنَا أَيْضًا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَتَصَرَّفَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مُقَابَلَةٍ لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهَا بِأَنْ يَجْعَلَ الدِّرْهَمَ بِالْمُدِّ فقد اتضح بهذه المباحث نظرا وإلزاما اتِّجَاهَ الْقَوْلِ بِالتَّوْزِيعِ قَالَ الْفَارِقِيُّ وَهَذَا أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبْذُلُ مِنْ العوض في

مقابلة الردئ مَا يَبْذُلُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْجَيِّدِ عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ اعْتَرَضَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي فِي وَضْعِهِ تَوْزِيعًا مُفَصَّلًا بَلْ مُقْتَضَاهُ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ أَوْ مُقَابَلَةُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِمَّا فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ بِمِثْلِهِ مِمَّا فِي الشِّقِّ الْآخَرِ بِأَنْ يُقَالَ ثُلُثُ الْمُدِّ وَثُلُثُ الدِّرْهَمِ يُقَابِلُ ثُلُثَ الْمُدَّيْنِ يَعْنِي إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَكْلِيفِ تَوْزِيعٍ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّوْزِيعِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِضَرُورَةِ الشُّفْعَةِ (قَالَ) وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي التَّعْلِيلِ أَنَّا تَعَبَّدْنَا بِالْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا وَإِذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ لَمْ يُحَقِّقْ الْمُمَاثَلَةَ فَيُفْسِدُ الْعَقْدَ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَلِنَاصِرِيهَا أَنْ يَقُولُوا أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ التوزيع المفصل فِي مَسْأَلَةِ الشَّفْعِ وَلَوْلَا كَوْنُهُ قَضِيَّةَ الْعَقْدِ لكان

ضَمُّ السَّيْفِ إلَى الشِّقْصِ مِنْ الْأَسْبَابِ الدَّافِعَةِ لِلشُّفْعَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْدَفِعُ بِعَوَارِضَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّا تَعَبَّدْنَا بِتَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمخضت مقابلة شئ مِنْهَا بِجِنْسِهِ أَمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (إنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَمَمْنُوعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَالِاعْتِرَاضُ الْأَوَّلُ الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْإِمَامِ حَقٌّ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يُقَوِّيهِ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي فَضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ وَهُوَ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا بِتَمْرٍ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ مَبِيعٌ قَطْعًا وَلَا مُقَابِلَ لَهُ إلَّا تَمْرٌ وَمَتَى صَدَقَ أَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا بِتَمْرٍ وَجَبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالنَّصِّ وبمحض المقابلة فمد زائد لم يدل على دَلِيلٌ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ فِي جعله العمدة فِي التَّوْزِيعِ مَنْسُوبَةً لِلْأَصْحَابِ فَإِنَّهَا عُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَفِي دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتَمَدَ حَدِيثَ الْقِلَادَةِ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَعَرُّضًا لَهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بَلْ عَنْ الْأَصْحَابِ والله سبحانه أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) إذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ هَانَ تقدير القاعدة المذكورة وليست كلها على مَرْتَبَةً وَاحِدَةً بَلْ هِيَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ تَارَةً يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ النَّوْعُ وَتَارَةً يَخْتَلِفُ الْوَصْفُ فَلْنُفْرِدْ كُلَّ مَرْتَبَةٍ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ وَهِيَ الَّتِي صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا رِبَوِيًّا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَكَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ صاعي حنطة أو صاعي شعير أو دينار ودرهم بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ بِدِينَارَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رِبَوِيًّا فَقَطْ كَثَوْبٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِثَوْبٍ وَدِرْهَمٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِثَوْبَيْنِ لِأَنَّ مَالَ الرِّبَا حِينَئِذٍ لَمْ يَتَّحِدْ من الجانين فَلَا يَكُونُ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَكَمَا إذَا بَاعَ خَاتَمًا فِيهِ فَصٌّ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ أَوْ لَا فَصَّ فِيهِ وَهُمَا

جَمِيعًا فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِسَيْفٍ مُحَلَّى بِفِضَّةٍ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ قِلَادَةً فِيهَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ أَوْ عَبْدًا مَعَهُ مَالُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمِ أَوْ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ إذَا اشْتَرَطَ كَوْنُ الْمَالِ لِلْمُشْتَرِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيُّ وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي

ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ فِي بَيْعِهِ فيقول المد في مقابلة المد والدرهم قى مقابلة الدرهم كذلك صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ الْمُتَقَدِّمِ وبالاصلين اللذين تَقَدَّمَا وَوَجْهُ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَ الْمُدَّ بِالْمُدِّ وَالْمُدَّ الثَّانِي بِالدِّرْهَمِ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدِّ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ هُوَ إطْلَاقًا لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ عَلَى زَعْمِ الْمُخَالِفِ فَلَا يَكُونُ هُوَ تَابِعًا عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فبقى

عَلَى الْفَسَادِ وَيَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمَدَّيْنِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ دِرْهَمًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فيكون المد ثلثي ما في هذه الطَّرَفِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَابَلَ مُدًّا بِمُدٍّ وَثُلُثٍ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ كَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْمُدُّ ثُلُثَ مَا فِي هَذَا الطَّرَفِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ مِنْ الطَّرَفِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَابَلَ مُدًّا بِثُلُثَيْ مَدٍّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا فَلَا تَظْهَرُ الْمُفَاضَلَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكِنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا تَسْتَنِدُ إلَى التَّقْوِيمِ وَالتَّقْوِيمُ بِخَمْسِينَ قَدْ يَكُونُ صَوَابًا وَقَدْ يَكُونُ خَطَأً وَالْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الربا هي المماثلة

الحقيقة * هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مقتضى كلام إكثر الاصحاب ولافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُدِّ مِثْلَ الدِّرْهَمِ أَوْ لَا عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عليه ولافرق أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا وَخَالَفَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالِفُونَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُمَا لَوْ عَلِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُدِّ مِثْلُ الدِّرْهَمِ وَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ رِبًا إذَا كَانَ التَّفَاضُلُ مَعْلُومًا أَوْ التَّمَاثُلُ مَجْهُولًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُبْعِدُهُ أَنَّ الْقِيمَةَ أَمْرٌ تَخْمِينِيٌّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الرِّبَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ

إلَّا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِيهِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَوَافَقَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَأَطْلَقَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ يَجُوزُ وَأَخَذَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَالَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ فِي مُدِّ عَجْوَةٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِرْهَمٌ لِأَنَّا إذَا وَزَّعْنَا الدِّرْهَمَ عَلَى الْمُدَّيْنِ خَصَّ كُلَّ مُدٍّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَإِذَا وَزَّعْنَا الْمُدَّ الذى مَعَ الدِّرْهَمِ خَصَّ كُلَّ مُدٍّ مِنْ الْمُدِّ الْمُوَزَّعِ نِصْفُهُ فَيَصِيرُ بَيْعُ مُدٍّ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ بنصف مد قيمته نصف فَيَقَعُ نِصْفُ الْمُدِّ بِإِزَاءِ نِصْفِ الْمُدِّ وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ كَمَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ

فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ مِنْ رجعت إليه وبه الْعَصْرِ (1) مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا يُجَوِّزُ هَذَا الْبَيْعَ وَيَحْتَجُّ بِتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَى هَذَا التَّخْرِيجِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْبَيْعَ باطل ههنا أَيْضًا لِأَصْلٍ آخَرَ سِوَى الْمُعَامَلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي مَسَائِلَ الرِّبَا مَمْنُوعٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّقْوِيمُ ضَرْبٌ مِنْ التَّخْمِينِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تَحَقَّقْنَا الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ إذَا اجْتَنِيَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مَجَالَ لِلتَّحَرِّي فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ قَالَ وَالتَّشْكِيكُ فِي مثل

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

هَذَا الْمَوْضِعِ نَوْعٌ مِنْ الْوَسْوَاسِ وَهَذَا أَصَحُّ عندي والله أَعْلَمُ * وَلِذَلِكَ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ لو تحقق الْمُسَاوَاةُ بِأَنْ اجْتَنِيَا مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غُصْنٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّجْرِبَةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَغَلَطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ وَكُلُّهُمْ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ وَشَبَهِهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ وَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا باع درهما ودينارا بدرهم وديناران وَالدِّرْهَمَانِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ أَوْ بَاعَ صَاعَ

حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعَا الْحِنْطَةِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَاعَا الشَّعِيرِ كَذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ الصِّحَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَسْرَارِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَهُوَ أَخُصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُوَافَقَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَةُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَإِطْلَاقِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَمْ يَفْصِلُوا فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ إذَا تَأَمَّلْتَهَا لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْقِيمَةَ إلَّا فِي اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَأَمَّا فِي اخْتِلَافِ الجنس فانه

أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّمَسُّكِ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ قِيمَةِ الْخَرَزِ الَّذِي مَعَ الذَّهَبِ وَهَلْ يَقْتَضِي التَّوْزِيعُ تفاضلا أولا فَكَانَ الْحُكْمُ عَامًا وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ مِنْ حُجَّةِ الْمَانِعِينَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ فَالدِّينَارُ يُقَابِلُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مَعًا لَوْ خَرَجَ الدِّينَارُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا يَرُدُّ بَعْضَ الدِّينَارِ وَبَعْضَ الدِّرْهَمِ بِاعْتِبَارِ التَّقْسِيطِ بِالْقِيمَةِ * مِثَالُهُ قِيمَةُ الدينار عشرة دَرَاهِمَ مَعَهُ دِرْهَمٌ فَالْجَمِيعُ أَحَدَ عَشَرَ فَنَجْعَلُ الدِّينَارَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا

فَيَسْتَرِدُّ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ الدِّينَارِ وَعَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَفَاوُتٌ فِي الْقِيمَةِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُقَسِّطَ الدِّينَارَ عَلَى مَا حَصَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَإِذَا قَسَّطْنَا يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ أَوْ الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ * هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ * عَلَى أَنَّ الرُّويَانِيَّ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ بَلْ يَخْتَارُ الصِّحَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُعْتَمَدُ * وَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ بِذَلِكَ فَقَالَ لَا يَصِحُّ - وان قال أهل العلم - هما متفقان في القيمة لانهم يخيرون عَنْ الِاجْتِهَادِ وَرُبَّمَا يَتَفَاوَتُ عُرِفَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّيْخِ بِالْمُخَالِفَةِ فِي الْقِيمَةِ وَجْهٌ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ غَيْرَهُ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ

تاج الدين الفرارى فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ ذِكْرَ الْمُخَالَفَةَ فِي الْقِيمَةِ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ المخالفة فيها ليست شرطا بَلْ لَوْ كَانَ التَّسَاوِي مَجْهُولًا كَفَى فِي الْبُطْلَانِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَجْوَةُ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيمَةُ الْمُدِّ دِرْهَمٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ جَعْلُ الْمُدِّ فِي مُقَابِلَةِ الْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ الْآخَرِ فَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى إرَادَتِهِ لِغَرَابَةِ الْوَجْهِ وَلِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ثَمَّ اتِّفَاقُ الْقِيمَةِ لَا عَدَمَ اخْتِلَافِهَا ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمِثَالِ فَإِنَّ الْجِنْسَ الْعَجْوَةُ وَالْعِوَضَ الْمُخَالِفَ الدِّرْهَمُ وَلَا يُقَالُ فِي الدِّرْهَمِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ قِيمَةٌ فَلَوْ كَانَ كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ لَكَانَ أَجْوَدُ (قُلْتُ) أَمَّا

اسْتِبْعَادُهُ إرَادَتَهُ لِغَرَابَتِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَهُ كَمَا عَلِمْتَ وَهُوَ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ فَلَمْ يَخْفَ عَنْهُ وَلَيْسَ غَرِيبًا فِي حَقِّهِ (وَأَمَّا) كَوْنُ الْمُصَحَّحِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ اتِّفَاقَ الْقِيمَةِ لَا عَدَمَ اخْتِلَافِهَا فَالْمُدْرَكُ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ هُوَ التَّوْزِيعُ وَالتَّفَاوُتُ فِيهِ شئ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ وَصْفًا فِي الْبُطْلَانِ وَلَمْ يَجْعَلْ عَدَمَ الِاخْتِلَافِ مُصَحَّحًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ وَلَيْسَ بَيْنَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَوُجُودِ الِاتِّفَاقِ وَاسِطَةٌ فَنَبَّهَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ التى يظهر فِيهَا الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ (وَأَمَّا) لَوْ كَانَ التَّسَاوِي مَجْهُولًا فَقَدْ عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِ الرِّبَا أَنَّ الْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ

(وَأَمَّا) كَوْنُهُ لَا يُقَالُ فِي الدِّرْهَمِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ فِي الْقِيمَةِ فَعِبَارَةُ الْمَذْهَبِ سَالِمَةٌ عَنْ هَذَا فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْمَذْهَبِ وَصْفٌ لِلْجِنْسِ الْمَضْمُومِ إلَى الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْمَضْمُومُ إلَى الْجِنْسِ الَّذِي بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ هُوَ الْعَجْوَةُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ الدِّرْهَمَ فِي الْقِيمَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْعَجْوَةَ تُخَالِفُ الدِّرْهَمَ فِي قِيمَتِهَا بِحَسَبِ مَا فَرَضَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قِيمَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِلدِّرْهَمِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَقِيمَةِ الدِّرْهَمِ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَهُ (وَأَمَّا) عَلَى عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُدَّ عَجْوَةٍ فَالْمَضْمُومُ هُوَ الدِّرْهَمُ وَقَدْ قَالَ يُخَالِفُهُ فِي الْقِيمَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ يُخَالِفُ الْمُدَّ

فِي الْقِيمَةِ فَطَرِيقُ الصَّحِيحِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْنَى أَنَّ الدِّرْهَمَ يُخَالِفُ الْمُدَّ فِي قِيمَةِ الْمُدِّ لَا فِي قِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةَ وَارِدَةٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَوْ أَتَى بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمِثَالِ لَكَانَ أَوْضَحَ * وَاعْلَمْ أَنَّ ماقاله القاضى أبو الطيب وما حكاه القاضى وصاحب التتمة يظهر أنه شئ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمِثَالِ أَنْ تَتَّفِقَ الْقِيمَةُ حَتَّى لَا تُؤَدِّيَ إلَى الْمُفَاضَلَةِ وَيَدُلُّ عَلَى هذا ما تقدم نقله عن المنهاج للقاضى أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ صَوَّرَهُ فِيمَا أَخَذَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ (قَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ

يُقَالَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَانِبَيْنِ يَعْنِي فِي مِثَالِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ بِخِلَافِهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ (قُلْتُ) وَذَلِكَ فَرْقٌ ضَعِيفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافٌ وَاحِدٌ فَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ الَّذِي لَمَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِلَّا كَانَ فِي ذَلِكَ تَظَافُرٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ شَاهِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى التَّنْبِيهِ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى هَذِهِ النُّقُولِ فَقَالَ إنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ حَكَى

الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَضَعَّفَ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ فَوَافَقَ الْمُصَنِّفُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا فِي الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وصاحب التتمة أن له عنده التفاتا على أَنَّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ إذَا قَتَلَ مِثْلَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ وَطَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ الْمَنْعُ وَهِيَ الْمُصَحَّحَةُ (قُلْتُ) وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِأَنَّهُ لَا يوزع مع هُنَاكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْمُسَاوَاةِ الظَّاهِرَةِ جَوَازُ الْبَيْعِ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّوْزِيعِ وَلِذَلِكَ نَجْزِمُ بِالْمَنْعِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَطْلَقَ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْبُطْلَانَ فِي جَمِيعِ الْعَقْدِ إلَّا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا فِي الْمُدِّ الَّذِي

مَعَ الدِّرْهَمِ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُدَّيْنِ وَفِي الدِّرْهَمِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَفِي الْمُدِّ وَمَا يُقَابِلُهُ قَوْلَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا بِدِينَارَيْنِ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فَالْعَقْدُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي قَابَلَ الْجِنْسَ بَاطِلٌ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَانِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولًا عَلَى مَا فَصَّلَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْسِيطَ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَصَحَّ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ الْقِيمَةُ وَالرَّافِعِيُّ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ فَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ لَا وَجْهَ لِلْإِبْطَالِ لِأَنَّا إذَا صَحَّحْنَا فِي الدِّرْهَمِ بِمُدٍّ بناءا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ فَلَوْ أَبْطَلْنَاهُ لَكَانَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَالْعُذْرُ عَنْ عَدَمِ تَخْرِيجِهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الرِّبَوِيَّاتِ لِكَوْنِهِ تَخْمِينًا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا فَلَا يُعْلَمُ الْقَدْرُ الْمُقَابِلُ مِنْ الْمُدَّيْنِ لِلْمُدِّ فَيَصِيرُ الْمُقَابِلُ مِنْهُمَا لِلْمُدِّ مَجْهُولًا وَمَنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَابِلُ لِلدِّرْهَمِ مَجْهُولًا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُسْقِطْ اعْتِبَارَ التَّقْوِيمِ فِيهِمَا وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَابًا آخَرَ عَمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ الْفَرْقُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصِّحَّةِ بِحَالٍ لِتَمَيُّزِهِ فَأَمْكَنَ قَصْرُ الْبُطْلَانِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا قَابَلَ الْجِنْسَ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلصِّحَّةِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وإذا قبلها لم يمكن قَصْرُ الْبُطْلَانِ عَلَيْهِ وَقَرُبَ مِمَّا إذَا تَزَوَّجَ خَمْسَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقُولُ بَطَلَ فِي وَاحِدٍ وَفِي الْبَاقِيَاتِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ نَعَمْ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ أَغْرَبَ فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ بِالْخَبَرِ يَرُدُّ طَرِيقَةَ

المتولي الا أن يقول كان المذهب فيه هو المقصود والجور تَابِعٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ (قُلْتُ) وَتَمَسُّكُهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِمَسْلَكِ أَبِي حَنِيفَةَ سَهْلٌ عَلَى ضَعْفِهِ فَإِنَّا لَا نَخْشَى أَنْ نَجْعَلَ الجواب على مذهبنا مستندا إلى شئ لَا نَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (نَعَمْ) إنَّمَا يَقْوَى هَذَا الْبَحْثُ مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ الْقَائِلِينَ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْقِيمَةِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِهَا يُمْكِنُ دَعْوَى التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ثُمَّ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مِنْ عُقُودِ الرِّبَا فَبَطَلَتْ جُمْلَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى فِي الْعَرَايَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ فَاسِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ * وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْقِلَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي رَدِّ ذَلِكَ فان النبي صلى الله عليه وسله مَنَعَ ذَلِكَ وَرَدَّهُ حَتَّى يَفْصِلَ وَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَبْطُلُ فِي الذَّهَبِ وَمَا يقابله من الذهب وفى والخرز وَمَا يُقَابِلُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (إمَّا) بُطْلَانُ التَّخْرِيجِ فِي ذَلِكَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَإِمَّا) أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَفْرِيقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * إذَا تُحَذِّرَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَنَا عَلَى الْمَنْعِ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ بن عبد الله السعينى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِس لَا تَبِيعُوا سُيُوفًا فِيهَا حَلْقَةٌ فِضَّةٌ بِالدَّرَاهِمِ) وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَثَرُ الدَّالُّ عَنْهُ عَلَى ذلك وروى فيه عن

علي شئ مُحْتَمَلٌ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ سَرْجًا وَلَا سَيْفًا فِيهِ فِضَّةٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمِنْ الْبَائِعِينَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ وَيَقُولُ اشْتَرِهِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدِ * وَابْنُ سِيرِينَ كَانَ يَكْرَهُ شِرَاءَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى إلَّا بِعَرَضٍ وَيَقُولُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ فِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بِالْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بالفضة فان كانت ذهبا وفضة فلا تشتريها بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ وَاشْتَرِهَا بِعَرَضٍ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي سئل عن طريق ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ أَيُبَاعُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَ تُنْزَعُ الْفُصُوصُ ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالزُّبَيْرِيِّ قَالَا جَمِيعًا يُكْرَهُ أن يباع الخاتم فيه فضة بالوزن وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِذَهَبٍ وَقَالَ حَمَّادٌ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فمنع من ذلك وقال لا ولكن اشترى أَلْفَ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ ايضا عن سلم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَوَافَقَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ

روى المغيرة بن حنين عن على ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بِأَرْضِنَا قَوْمًا يَأْكُلُونَ الرِّبَا قَالَ عَلِيٌّ وَمَا ذَاكَ قَالَ يَبِيعُونَ جَامَاتٍ مَخْلُوطَةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِوَرِقٍ فَنَكَسَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَا أي لا بأس به) المغيرة ابن حنين ذكره البخاري في تاريخه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (لَا بأس ببيع السيف المحلى بالدارهم) وَعَنْ إبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ خَبَّابٌ

فِينَا وَكَانَ رُبَّمَا اشْتَرَى السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْوَرِقِ) وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ (كُنَّا نَبِيعُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَنَشْتَرِيهِ وَمِنْ الْبَائِعِينَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ سُئِلَ عَنْ أَلْفِ دِينَارٍ وَسِتِّينَ درهما بألف درهم وخمسة دَنَانِيرَ قَالَ لَا بَأْسَ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَالْفَضْلُ بالدنانير) وعن الحسن وابراهيم والشعيبى قَالُوا كُلُّهُمْ (لَا بَأْسَ بِالسَّيْفِ فِيهِ الْحِلْيَةُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ بِأَنْ يَبْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ مَا فِيهِ أَوْ بِأَقَلَّ وَنَسِيئَةً وَعَنْ مُغِيرَةَ قَالَ (سَأَلْتُ إبراهيم

النَّخَعِيّ عَنْ الْخَاتَمِ أَبِيعُهُ نَسِيئَةً فَقَالَ أَفِيهِ فَصٌّ فَقُلْت نَعَمْ فَكَأَنَّهُ هَوَّنَ فِيهِ) وَهَذَا فِيهِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرُهُ وَعَنْ ابْن سِيرِينَ وَقَتَادَةَ لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ السَّيْفِ الْمُفَضَّضِ وَالْخِوَانَ وَالْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ) وَعَنْ حَمَّادِ ابن أَبِي سُلَيْمَانَ سُئِلَ عَنْ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ هَذِهِ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْهُ فِي الْمُوَافِقِينَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بن موسى ومكحول مثل ماروى عن

هَؤُلَاءِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى يُشْتَرَى نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَيَقُولُ فِيهِ الْحَدِيدُ وَالْحَمَائِلُ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ إنْ كَانَتْ الدراهم أَكْثَرَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ * وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَكُونَانِ جَمِيعًا قَالَ لَا يُبَاعُ إلَّا بِوَزْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ يُلْغِي الْوَاحِدَ (وَأَمَّا) الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَبَعًا وَكَانَ الْفَضْلُ فِي الْفَضْلِ جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ نَقْدًا وَتَأْخِيرًا

وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَتْ فِضَّةُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْحَفُ كَذَلِكَ وَالْمِنْطَقَةُ أَوْ خَاتَمُ الْفِضَّةِ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ النَّصْلِ وَالْغِمْدِ وَالْحَمَائِلِ وَمَعَ الْمُصْحَفِ وَمَعَ الْفَصِّ وَكَانَ حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَقَعُ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِي ثُلُثِ الْقِيمَةِ الْجَمِيعُ مَعَ الْحِجَارَةِ مَا قَلَّ جَازَ بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِنَوْعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ وَمِثْلِهِ وَأَقَلَّ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَصْلًا وَقَالَ أَيْضًا لَا يجوز بيع

غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ فِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْهُمَا قَلَّ أَوْ كثر كالسكين المحللات بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ السَّرْجِ كَذَلِكَ وَكُلُّ شئ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إذَا نُزِعَ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شئ لَهُ بَالٌ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِبَيْعِهِ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَقْدًا أَوْ بِتَأْخِيرٍ وكيف شاء وقال أبو حنيفة كل شئ يُحَلَّى بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أكثر مما في البيع مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بِأَقَلِّ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ مَا تَقَعُ

الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وجواز أَنْ يُبَاعَ مُدُّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٌ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ وَشَبَهِهِ * وَقَالَ يَكُونُ الْمُدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ وَالْمُدُّ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ حَتَّى قَالَ لَوْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ بِدِينَارٍ فِي خَرِيطَةٍ مَعَ الْخَرِيطَةِ جَازَ وَيَكُونُ دِينَارٌ مِنْ الْمِائَةِ في مقابلة الدينار وبقيتها في مقابلة الخريطة وقد تقدمت الاشارة إلى شئ مِنْ حُجَّتِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهَا * وَتَكَلَّمُوا عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي اعْتَمَدْنَا عَلَيْهِ بِالِاخْتِلَافِ فِي طُرُقِهِ وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ وَاعْتَضَدُوا فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ فَصَّلَهَا فَجَاءَتْ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا قِصَّتَانِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَسْتَفْصِلْ) وَأَنَاطَ الْمَنْعَ بِوَصْفٍ وَهُوَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ فَدَلَّ

عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ لَا غَيْرُهُ وَأَمَّا الرَّاوِي قَالَ إنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ فَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ فِيهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ الَّذِي هُوَ ثَمَنٌ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدِينَارٍ ثَقِيلٍ بِدِينَارٍ أَخَفَّ مِنْهُ وَدِرْهَمٍ وَعَنْ الْحُكْمِ فِي الدِّينَارِ الشَّامِيِّ بِالدِّينَارِ الْكُوفِيِّ وَفَضْلُ الشَّامِيِّ فِضَّةٌ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِائَةِ مِثْقَالٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَكَرِهَهُ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمَعْنَى فَضْلِ الشَّامِيِّ فِضَّةٌ أَنَّ الشَّامِيَّ أَثْقَلُ مِنْ الْكُوفِيِّ فَيَأْخُذُ بِالْفَضْلِ فِضَّةً * وَصَحَّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِتِسْعَةٍ وَفَلْسٍ وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ

وَذَهَبٍ وَلَمْ أَفْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الذَّهَبِ نَقْدًا وَالْفُلُوسُ لَيْسَ بِنَقْدٍ * (فَرْعٌ) مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ بَاعَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ فَصٌّ بِفِضَّةٍ لَا يَجُوزُ * وَإِنْ بَاعَهُ بِذَهَبٍ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَبَاعَهُ وَبِيعَ الذَّهَبُ الْإِبْرِيزُ بِالْهَرَوِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِنْ فُرُوعِ قاعدة مد عجوة بعض المختلطات كالسكر المختلط بِبَعْضِ اللَّبُونِ إذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ بَاطِلٌ * قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ الرُّويَانِيُّ كُلُّ مَا خُلِطَ مِنْ شَيْئَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ * (فَصْلٌ) الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ أَوْ الصِّفَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَمُدَّ بَرْنِيِّ بِمُدَّيْ مَعْقِلِيٍّ أَوْ قَفِيزَ طَعَامٍ وقفيز طعام ردئ بقفيزين من طعام جيد أو ردئ أو جيد وردئ أَوْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ جَيِّدٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ ردئ بمائتي دينار جيد أو ردئ

أَوْ وَسَطٍ أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ جَيِّدَةٍ أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ رَدِيئَةٍ أَوْ دِينَارًا قَاسَانِيًّا وَدِينَارًا سَابُورِيًّا بِقَاسَانِيَّيْنِ أَوْ سَابُورِيَّيْنِ أَوْ بِقَاسَانِيٍّ وَسَابُورِيٍّ أَوْ قَاسَانِيٍّ وَإِبْرِيزِيٍّ بِقَاسَانِيَّيْنِ أَوْ إبْرِيزِيَّيْنِ أَوْ قَاسَانِيٍّ وَإِبْرِيزِيٍّ أَوْ دِينَارًا صَحِيحًا وَدِينَارًا مَكْسُورًا بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَوْ مَكْسُورَيْنِ أَوْ صَحِيحٍ وَمَكْسُورٍ أَوْ ذَهَبَ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ وَذَهَبَ دُرَّةٍ حَمْرَاءَ بِذَهَبَيْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ أَوْ حَمْرَاءَ أَوْ دَرَاهِمَ صحاحا وغلة بدراهم صحاحا وغلة أو دينار مغربي ودينار سابورى بِدِينَارَيْنِ مَغْرِبِيِّينَ أَوْ حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ وَإِلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ الَّتِي قَالَ فيها ولو راطل بمائة دينار عتق مراونية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار مِنْ ضَرْبٍ وَسَطٍ وَبِقَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ إذَا صَارَفَهُ خَمْسِينَ قِطَاعًا وَخَمْسِينَ صِحَاحًا بِمِائَةٍ صِحَاحٍ وَبِقَوْلِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْأُمِّ الَّذِي تَقَدَّمَ نقله عنه في التمر البردى والعجوة أو اللوز بالصحانى وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَيْضًا وَإِلْحَاقُهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَقَدْ عَرَفْتَ قوله في مختصر البويطى وقد قيل يجوز خمسين قطاع وخمسين صحاح بِمِائَةٍ صِحَاحٍ وَهَذَا الْقَوْلُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ في الاملاء وليس بقول الشافعي فلذلك

لَا يُحْكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَهَلْ هُوَ مِنْ نَقْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ الْبُوَيْطِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَفَّالِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ مَا حكى البويطى أنه يجوز فليس بشئ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَوَافَقَ الْقَفَّالُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَجَعَلَهُ عَائِدًا إلَى جَمِيعِ صُوَرِ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فِي التَّمْرِ وَالنَّقْدِ وَقَدْ حُكِيَ وَجْهٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ رُوِيَ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ صِفَةَ الصِّحَّةِ فِي مَحِلِّ الْمُسَامَحَةِ وَرَأَى أَنَّ التَّفَاوُتَ في الصحة لا يضر وحكي الفوارنى وغيره وجهين في بيع الصحانى والبرنى بالصحانى أو البرنى والصحانى وفى بيع الصحيح والمكسور بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَكْسُورِ أَوْ بِهِمَا وَفِي الْجَيِّدِ والردئ بِالْجَيِّدَيْنِ أَوْ الرَّدِيئَيْنِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى

حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَكْسُورِ وَحِكَايَةُ الْقَفَّالِ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَكِنْ حَكَاهُ فِي صُورَةِ بَيْعِ الصَّحِيحِ بِالْمَكْسُورِ وَالصَّحِيحِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ حاكى وَحَكَاهُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ وَرُدَّ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ بَيْعِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرِ بِالْمُكَسَّرِ فَجُزِمَ بِالْبُطْلَانِ وَلَمْ يُحْكَ فِيهَا خِلَافٌ وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ وَجَزَمَ الْقَفَّالُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الدَّنَانِيرِ الْعُتَّقِ وَالْجُدُدِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِجُدُدٍ أَوْ عُتَّقٍ بِالْبُطْلَانِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِحِكَايَةِ الْوَجْهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي نَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي التَّنْبِيهُ فِي فَرْعٍ ذَكَرَهُ

الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا اشْتَرَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ فَوَجَدَ بِبَعْضِهَا عَيْبًا مِنْ جِنْسِهَا كَانَ الْبَيْعُ باطلا وخالفه الشيخ أبو حامد والمحاملى والمارودي وَنَبَّهْتُ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ إنَّمَا تَتِمُّ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الجيد والردئ بالجيد والردئ وَابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي ذَلِكَ إنَّ الَّذِي يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ طَرَدَهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا

تَقَدَّمَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَحْمَدُ لَمْ يَطْرُدَاهُ بَلْ خَصَّاهُ بِاخْتِلَافِ النوع لاغير وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَصَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَكْسُورِ وَكَذَلِكَ إمام الحرمين وافق على ماقاله صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَقَالَ إنَّ التَّوْزِيعَ فِي أَصْلِهَا بَاطِلٌ عِنْدِي وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نِهَايَةُ الْفَسَادِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ إذَا انْطَوَتْ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ جَانِبٍ نِصْفُهَا مَكْسُورَةٌ وَعَلَى عَشَرَةٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي فَتَكَلُّفُ التَّوْزِيعِ فِي هَذَا غُلُوٌّ وَاشْتِغَالٌ بِجَلْبِ التَّفَاضُلِ عَلَى مُكَلَّفٍ وَقَدْ صَارَتْ الْمُمَاثَلَةُ مَحْسُوسَةً بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ثُمَّ هُوَ فِي وُضُوحِهِ فِي الْمَعْنَى يَعْتَضِدُ بِمَا يُقَرِّبُ ادِّعَاءَ الْوِفَاقِ فِيهِ فَمَا زَالَ النَّاسُ يَبِيعُونَ الْمُكَسَّرَةَ بِالصِّحَاحِ

وَالْمُكَسَّرَةُ لَوْ قُسِمَتْ لَكَانَ فِيهَا قِطَعٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ وَالْقِيمَةُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ تَسَاوِي صِفَةِ الْقِطَاعِ فَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَمَنْ رَاعَى التَّوْزِيعَ أَفْسَدَ الْبَيْعَ وَمَنْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ حُكِمَ بِالصِّحَّةِ لِتَحَقُّقِ تَمَاثُلِ الْجُمْلَتَيْنِ وَلِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ قَطَعَ الارعيانى (1) عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُ فِي فَتَاوَى النِّهَايَةِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تعالى فِي الْوَسِيطِ إلَى تَرْجِيحِهِ (وَقَالَ) فِي الْبَسِيطِ إنَّ الْقِيَاسَ الصِّحَّةُ قَالَ وَلَا يَزَالُ النَّاسُ يتبايعون الدارهم وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَات وَالْمُكَسَّرَاتُ مِنْهَا تشتمل الكبار والصغار وكذلك

_ (1) كذا بالاصل فحرر) *)

الدَّنَانِيرُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ يَعْرِفُ الصَّيَارِفُ صَرْفَهَا وَفَضْلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا قَطُّ تَمْيِيزَهَا وَكَذَلِكَ التَّمْرُ إذَا بِيعَ بِالتَّمْرِ وَيَشْتَمِلُ الصَّاعُ عَلَى تَمَرَاتٍ رَدِيئَةٍ وَأُخْرَى جَيِّدَةٍ ولو فصلت لتفاوتت قيمتها وابطال بيعها بعد وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا فِيهَا تَوَقُّفٌ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ ثُمَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ مَيَّزَ بَيْنَ صِغَارِ التَّمْرِ وَكِبَارِهِ فَبَاعَ صَاعًا مِنْ الصِّغَارِ وَصَاعًا مِنْ الْكِبَارِ بِصَاعٍ مِنْ الصِّغَارِ وَصَاعٍ مِنْ الكبار فالحكم كالحكم فيما باع ردهما وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَهُمَا مِنْ ضَرْبٍ

وَاحِدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ صَاعَيْنِ بِصَاعَيْنِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ كُلَّ عِوَضٍ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَمَا حُكْمُ الْعَقْدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ تَفَاوُتٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا وَالشَّرْطُ فِي بَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ أَنْ تَتَسَاوَى أَجْزَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يفرد البعض عن الْبَعْضُ وَتَحْقِيقُ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّقْسِيطِ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الرِّبَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْإِمَامِ حُسَيْنٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا بَاعَ صَاعًا بِصَاعٍ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِغَارٌ وَكِبَارٌ إنْ كان الصِّغَارُ ظَاهِرَةً فِيمَا بَيْنَ الْكِبَارِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ ذلك

ذَلِكَ لِلنُّظَّارِ لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصِّغَارُ ظَاهِرَةً فيها بين الكبار فالعقد صحيح وصار كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَعْدِنٌ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إنْ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّغَارُ مُخْتَلِطَةً بِالْكِبَارِ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً لِأَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَ الصِّغَارَ عَنْ الْجُمْلَةِ وَمَيَّزَهَا عَنْهَا ثُمَّ بَاعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ بِالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عِنْدَ التَّمْيِيزِ كُلَّ نَوْعٍ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ الْجُمْلَةُ مَقْصُودَةٌ وَكُلُّ نَوْعٍ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَتَظْهَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ لَوْ بَاعَ صَاعَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ

ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُ الصَّاعَيْنِ مُسْتَحِقًّا يَسْتَرِدُّ بِإِزَائِهِ دِرْهَمًا مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِذَا كَانَتْ الصِّغَارُ مُفْرَدَةً عن الكل فخرج أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مُسْتَحِقًّا لَا يَسْتَرِدُّ بِإِزَائِهِ دِرْهَمًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ مَا يُقَابِلُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ * انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمُلَخَّصُهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً تَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ تأمل لم يصح والاصح والوجهان ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا عِنْدَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ سَوَاءٌ ظَهَرَتْ أَمْ لَمْ تَظْهَرْ فَإِنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فاستعمله على خيبر فقدم بتمر خبيب فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكذا قال لا والله

يارسول اللَّهِ إنَّا نَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْجَمْعَ اسْمٌ لِمَا يَجْمَعُ أَنْوَاعَ التَّمْرِ وَقَدْ خَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أن يشتري صاعا من الخبيب بِصَاعٍ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ ظَاهِرًا مِنْ ذَلِكَ أولا مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ يَظْهَرُ الِاخْتِلَاطُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَأَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ نَوْعٍ مُتَمَيِّزًا مُنْفَصِلًا فَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ نَظَرٌ أَنَّ الْمُخْتَلَطَ لَا يُوَزِّعُ أَهْلُ الْعُرْفِ الثَّمَنَ عَلَيْهِ بَلْ يُقَوِّمُونَ شَيْئًا وَاحِدًا وَالتَّمْيِيزُ يُقَوِّمُ أَهْلُ الْعُرْفِ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَبِمَا ذَكَرْتُهُ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَظْهَرُ وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ

الامام والغزالي فعند عدم التميز أُلْحِقَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعِنْدَ التَّمْيِيزِ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُونَ إنْ خلط الصحانى بالبردى أَوْ الْكِبَارَ بِالصِّغَارِ ثُمَّ بَاعَ صَاعًا بِصَاعٍ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ وَلَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ ثُمَّ بَاعَ لَمْ يَجُزْ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ إنْ سَلَّمْنَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ) عَلَى مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي

أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ وَتَجْوِيزُهُ فِي التَّمْرِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُهَا وَيَشُقُّ تَمْيِيزُهَا ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ احْتَرَزَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ مَسْأَلَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُرَاطَلَةِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ طَرْدِهِ فِيهَا فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ فَرَضَ مَسْأَلَةَ الْمُرَاطَلَةِ فِي الْعُتَّقِ وَهِيَ نَفِيسَةٌ وَالْمَرْوَانِيَّة وَهِيَ دُونَهَا ثُمَّ فَرَضَ مِنْ الْجَانِبِ الثَّانِي مِائَتَيْ دِينَارٍ وَسَطًا حَتَّى لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُسَامَحَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ اقْتَضَى الْعَقْدُ مِنْ الشِّقَّيْنِ طَلَبَ الْمُعَايَنَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّوْزِيعَ وَهُوَ يُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ لَا مَحَالَةَ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ خِلَافٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ وَإِنْ نُقِلَ الْخِلَافُ في مسألة الصحاح والمكسرة لكن إمَامَ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّ قِيَاسَهُ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بالصحة في

مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ قَالَ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ وَتَابَعَهُ القرافى فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ يُتَبَيَّنُ فَرْقٌ بين مسألة المراطلة وبين مالو بَاعَ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً وَخَمْسَةً صَحِيحَةً بِمِثْلِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ هَذَا نَقْلُ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُ الاشكال وقد قال الغزالي فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى - بِمَآخِذِ الْأَشْرَافِ عَلَى مَطَالِعِ الْإِنْصَافِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ - إنَّ الطَّرِيقَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ يَعْنِي طَرِيقَ التَّوْزِيعِ وَالْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا تَأْتِي فِي مَسَائِلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَمَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا علما أَنَّ قِيمَةَ الْمُدِّ مِثْلُ

الدِّرْهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ الَّتِي خَالَفَ الْإِمَامُ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ فِيهَا فأن للنظر فيها مجالا وذلك أنه راطل مِائَةَ دِينَارٍ عُتَّقٍ وَمِائَةً مَرْوَانِيَّةً بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَسَطٍ فَإِنْ فُرِضَ مُسَاوَاةُ الْوَسَطِ لِلْمِائَتَيْنِ الْعُتَّقِ والمروانية فِي الْقِيمَةِ صَحَّ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ فُرِضَ التَّفَاضُلُ أَوْ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ قَطْعًا يَعْنِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيُتَّجَهُ لَهُمْ يَعْنِي لِلْخَصْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ)

وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ) (قُلْتُ) لَمْ أَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَدِيثٍ * وَالْحَنَفِيَّةُ اسْتَنَدُوا إلَى حَدِيثِ عُبَادَةَ كَذَا في شرح الميرغينانى للهداية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقَابَلَةُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ بِوَزْنِ الْعَيْنِ لَا بِرِعَايَةِ الصِّفَةِ وَلَوْ رُوعِيَتْ الصِّفَاتُ لَمَا تُصُوِّرَ تَصْحِيحُ بَيْعِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ إذْ مَا مِنْ صَاعٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ عَلَى تَمَرَاتٍ رَدِيئَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لَوْ مُيِّزَتْ لَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْعَاهَا الشَّرْعُ قَطْعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَحِلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى مَسَاقِ الْمَذْهَبِ فَنَقُولُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جيدها ورديئها سواء) ان كَانَ حَدِيثًا أَرَادَ بِهِ مَا إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ

النَّوْعُ فَهُوَ مُسْتَخْرَجٌ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمُعَامَلَةِ قَدْ تَعَبَّدْنَا بِهَا وَالتَّوْزِيعُ يُفْضِي إلَى مُفَاضَلَةٍ لَا مَحَالَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ الدِّينَارَ الجيد لو كان لواحد والدينار الردئ لِآخَرَ لَا يَتَقَاسَمَانِ الدِّينَارَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْجَيِّدِ زِيَادَةً وَلَا يَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُهُ لِمِلْكِ الزيادة إلى القسمة إذا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لِلْحَقِّ لَا يَزِيدُ بِهِ الْحَقُّ وَلَا يَنْقُصُ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعَاقِدِ فَلَا تَخْتَلِفُ الْمُقَابَلَةُ بِاتِّحَادِ الْعَاقِدِ ثُمَّ قَالَ هَذَا طَرِيقُ التَّوْزِيعِ وَفِيهِ غُمُوضٌ لَا يُنْكِرُهُ مَنْ تَأَمَّلَهُ وهو الاستدلال الذى استدل به الفراقى لَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَذَكَرُوا أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عبادة (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) إلَى أَنْ قَالَ (الامثلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ) قَالُوا مَا جَازَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَجْمَعَ الصَّفْقَةُ نَوْعًا وَاحِدًا أو

نَوْعَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الطَّعَامِ (إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ) قَالُوا وَلِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ لَا جَائِز أَنْ تَكُونَ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ بِمَكْسُورَيْنِ يجوز وإن كانت قيمة الصحاح أكبر وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْخَبَرَ حجة لنا لانه قال (إلاسواء بِسَوَاءٍ) وَلَيْسَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَإِنَّمَا جَازَ فِي الدرهمين الصحيحين بالمكسورين لانه مُتَّفَقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّمَا التَّمَاثُلُ بِالْقَدْرِ غَيْرَ أَنَّ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُعْرَفُ بِهَا تَمَاثُلُ الْقَدْرِ وتفاضله والله أعلم * وبعد أن ذكر الجوزى طَرِيقَ التَّوْزِيعِ قَالَ وَاسْتَدَلَّ الْمَدِينِيُّ بِهَذَا الدَّلِيلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَعَدٍّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَنْعُ مِنْ صَاعَيْ بَرْنِيِّ بصاعي سهرير بجواز أن يستحق أحدهما صاعي السهرير فَيَرْجِعُ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ مِنْ الْبَرْنِيِّ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ أَعْطَى صَاعًا وَنِصْفًا برنيا بصاع من سهرير قَالَ فَإِنْ كَانَ اقْتَحَمَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَرَاهُ فَاعِلَهُ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُجِيزَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْ الْقِيَمِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَنْخَفِضُ قِيمَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ مَا خَافَهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ

ضعيف لان صاع السهرير مقابل بصاع من البرنى لاغير وقد أبطله الجوزي وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي إبْطَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى اعْتَضَدْنَا فِيهَا بِحَدِيثِ الْقِلَادَةِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فِيهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهَا هُنَا إلَّا التَّمَسُّكُ بِالْمَعْنَى وَالنَّظَرُ فِي الحاق هذه الرتبة بِالْأُولَى وَلِذَلِكَ خَالَفَ فِي هَذِهِ بَعْضُ مَنْ وَافَقَ فِي الْأُولَى * وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ فَجَائِزٌ ذَلِكَ كله عندهم لان ردئ التَّمْرِ وَجَيِّدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ * (فرع) قال الماوردى إذا باع مائة درهم صحاحا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ غَلَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صِحَاحٍ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ غَلَّةً فَإِنْ اخْتَلَفَ جَوْهَرُ الصِّحَاحِ مِنْ هَذَا الْعِوَضِ وَجَوْهَرُ الْغَلَّةِ مِنْ هَذَا الْعِوَضِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ

وَهَذَا يُبَيِّنُ مَحِلَّ الْخِلَافِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ رَاجِعَةً لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى جَوْهَرِ الْعِوَضَيْنِ أما إذا اختلف جوهر العوض مَعَ الْمَضْمُومِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا هَكَذَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْكَلَامُ * (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَاطَلَةِ عِلَّةَ الْجَوَازِ فِي بَيْعِ الدِّينَارِ الجيد بالردئ أن أجزاء الجيد متساوية القيمة وأجزاء الردئ مُتَسَاوِيَةُ الْقِيمَةِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ الرَّدَاءَةُ فِي طَرَفٍ مِنْ الدِّينَارِ وَبَقِيَّتُهُ جَيِّدٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ وَلَا ردئ ولا بمثله والظاهر خلافه لان الدينار شئ واحد لا يوزع الثمن على أجزائه القيمة وَإِنَّمَا يُقْصَدُ جُمْلَتُهُ وَلَوْ فُرِضَ اخْتِلَافُ رَدَاءَتِهِ كَالصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ الْمُخْتَلَطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عُتَّقًا وَجُدُدًا بِعُتَّقٍ وَجُدُدٍ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي الْوَزْنِ لَمْ يَجُزْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعُتَّقِ وَالْجُدُدِ أَوْ كَانَ الْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ *

(فرع) جعل نصر المقدس مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ دِينَارَ صَحِيحٍ وَدِينَارَ رُبَاعِيَّات بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَوْ رُبَاعِيَّانِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الدَّرَاهِم (قُلْتُ) وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِنِصْفَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الرَّوَاجُ وَاحِدًا وَهُوَ يُبَيِّنُ مُرَادَهُمْ بِالْمَكْسُورِ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَكْسُورَ وَالْمَقْطُوعَ الَّذِي لَا يُرَوَّجُ رَوَاجَ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ عَنْ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مُدُّ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَمَدُّ حِنْطَةٍ مِصْرِيَّةٍ بِمُدَّيْنِ مِصْرِيَّيْنِ أَوْ شَامِيَّيْنِ فِي (1) أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُنْظَرْ * (فَرْعٌ) مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَوْ بَاعَ ذَهَبًا مَصُوغًا وَذَهَبًا غَيْرَ مَصُوغٍ بِذَهَبٍ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَصُوغَ مُتَقَوِّمٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِ الْمَصُوغِ أَمَّا لَوْ بَاعَ ذَهَبًا مَصُوغًا بِذَهَبٍ غَيْرِ مَصُوغٍ جَازَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (فائدة) قال صاحب التخليص الرِّبَا لَا يَقَعُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيمَةِ إلَّا في أربع مَوَاضِعَ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَنْتَ إذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ فَحَسْبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا خلط الجيد بالردئ أَوْ الْحِنْطَةَ النَّقِيَّةَ بِالْبَخْسَةِ ثُمَّ بَاعَ صَاعًا منه بمثله أو باع بصاع ردئ جَازَ لِأَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ الْآخَرِ لَا يُوجِبُ التَّوْزِيعَ بِالْقِيمَةِ بَلْ تَتَوَزَّعُ الْأَجْزَاءُ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ جَيِّدًا بردئ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا كَمَا أَخْبَرَ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَلَطَ نَوْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَضَرَبَهُمَا دِينَارًا وَاحِدًا أَوْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ خَلَطَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ نَوْعَيْنِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ ثُمَّ بَاعَهَا بِمِثْلِهَا يَصِحُّ فَلَوْ خَلَطَ جِنْسًا بِجِنْسٍ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ بِأَحَدِهِمَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ التَّمْرَ الْهِنْدِيَّ مع التمر المصرى جِنْسَانِ قَالَ وَبَيْعُ مُدَّيْ كَرْمَانِيِّ وَمُدٍّ بَصْرِيٍّ بمد تمر شحرى إن كان منفردا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُجْتَمِعًا لَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَمُرَادُهُ بِالشِّحْرِيِّ الْهِنْدِيَّ وَأَمَّا الْكَرْمَانِيُّ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَهُ بِهِ نَوْعًا مِنْ الْهِنْدِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْبَصْرِيِّ جَازَ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الْهِنْدِيِّ فَقَدْ بَاعَ الْهِنْدِيَّ بِالْهِنْدِيِّ مَعَ جِنْسٍ آخَرَ فأن كان للاختلاط مُسَوَّغًا كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ مُسَوَّغًا فِي سَائِرِ صُوَرِ اختلاف الجنس كقمح وشعير مختلطين بقمح وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ نَصٌّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ فَيَصِيرُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بجنسه مشروطا بأربعة شروط (الحلول والثماثل وَالتَّقَابُضُ وَكَوْنُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ) وَقَدْ نَبَّهَ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ هَذَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ مِنْ شُرُوطِ الصرف وكذلك المحاملى فِي اللُّبَابِ وَمَا أَقْدَرُ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَكُونَا كتابا واحدا ثم لنتنبه لِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا اخْتِلَافَ النَّوْعِ وَاخْتِلَافَ الصِّفَةِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا النَّوْعَ مِنْ الصِّفَةِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّفَةِ الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ وَالصِّغَرُ وَالْكِبَرُ وَالْمُرَادَ بِالنَّوْعِ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِ التَّمْرِ وَشِبْهِهِ لَكِنَّ عَدَّ الصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ فِي الْوَصْفِ أَقْرَبُ مِنْ عَدِّهَا فِي النَّوْعِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُتَّحِدٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ (وَالْوَجْهُ) الَّذِي حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ نَعَمْ وَجْهُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مُخْتَصٌّ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ وَاحْتُرِزَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مسألة المراطلة ولا يَظْهَرُ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ وَبَيْنَ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ مُنْقَدِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِي) أَنَّ اخْتِلَافَ الْقِيمَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي النَّوْعَيْنِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْجِنْسَيْنِ عَلَى وَجْهٍ قَدْ عَلِمْتَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ

ظَاهِرَهُ الِاشْتِرَاطُ وَقَدْ شَرَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرَطَهُ فِي الجنسين ففى النوعين أولى فقد اشْتَرَطَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ (الثَّالِثُ) الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَقَعَ التَّعَرُّضُ لَهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ النَّوْعُ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ الضرب من الشئ - وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ - النَّوْعُ أَخَصُّ مِنْ الْجِنْسِ - وَالْعَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ - بِالْمَدِينَةِ وَنَخْلَتُهَا تُسَمَّى لِينَةً قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَكْبَرُ مِنْ الصَّيْحَانِيِّ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ مِنْ غَرْسِ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إنَّ الصَّيْحَانِيَّ الذى يحمل من المدينة من العجوة والبردى - بِضَمِّ الْبَاءِ - ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ قَالَهُ الجوهرى وفى الحديث أمرأن يؤخذ البردى فِي الصَّدَقَةِ وَالْبُرْدِيّ بِالْفَتْحِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ قَالَهُ الجوهري واللون قال الهروي النخل كله ماخلا الْبُرْنِيَّ وَالْعَجْوَةُ يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْأَلْوَانُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ

فِي صَدَقَةِ التَّمْرِ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْبَرْنِيِّ مِنْ الْبَرْنِيِّ وَفِي اللَّوْنِ مِنْ اللَّوْنِ قَالُوا اللَّوْنُ أَلَذُّ قَالَ وَجَمْعُهُ الْأَلْوَانُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ اللَّوْنُ النَّوْعُ وَاللَّوْنُ أَلَذُّ قَالَ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ النَّخْلِ وَالصَّيْحَانِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ضَرْبٌ مِنْ تمر المدينة وقال الازهرى الصحيانى مِنْ جُمْلَةِ أَلْوَانِ الْعَجْوَةِ جِنْسٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الوان وهذا الصحيانى الَّذِي يُحْمَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْبُرْنِيُّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَشَفِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ يُقَالُ (أَحَشَفًا وسوء كيله) وقال إبراهيم الجربى الْحَشَفُ فَاسِدُ التَّمْرِ أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ عَنْ الاصمعي قال الحشفة الواحدة من ردئ التَّمْرِ وَالْحَشَفَةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَبَلِ الْغَلِيظَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (كَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَاءً فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا فَنَسَخَتْ الْأَرْضَ حَتَّى ظَهَرَتْ حَشَفَةً فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا بَيْتَهُ) وَالْحَشَفَةُ الْكَمَرَةُ وَالْعَاتِقُ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَالْحَشِيفُ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَالْجَمْعُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ يقال كل شئ مِنْ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمْعٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ قَالَ كُلُّ لَوْنٍ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ قَالَ وَقِيلَ هُوَ التَّمْرُ الَّذِي يَخْرُجُ من النوى

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَاسَانِيِّ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْأَلْفِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ نُونٌ - قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى قَاسَانَ وَهِيَ بَلْدَةٌ عِنْدَ قُمٍّ وَأَهْلُهَا شِيعَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّابُورِيُّ - بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَبَعْدَهَا الْوَاوُ وَفِي آخِرِهَا رَاءٌ - هَذِهِ النِّسْبَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ نِسْبَةً إلَى سَابُورَ بَلْدَةً بِفَارِسٍ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَظَنِّي أَنَّهَا حَدُّ نَيْسَابُورَ كَانَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنِسْبَةً إلَى جَدٍّ اسْمُهُ سَابُورُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا (وَالثَّالِثَةُ) نِسْبَةٌ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَهُوَ سَابُورُ الْمَشْهُورُ بِذِي الْأَكْتَافِ بْنِ هرمز بن موسى بن بهرام بْنِ بَهْرَامِ بْنِ هُرْمُزِ بْنِ سَابُورِ بْنِ أَرْدَشِيرِ بْنِ بَابِكِ بْنِ سَاسَانَ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ الَّذِي وَافَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ يَزْدَجْرِدُ بْنُ شهربار ابن كِسْرَى بْنِ قَبَاذِ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجْرِدْ بن بهرام حور بن يزدجرد بن بهرام بْنِ سَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُلُوكٌ وَجَعَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سَابُورَ هَهُنَا بِنَيْسَابُور وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ إنَّهُ الْمَلِكُ وَالْقِرَاضَةُ الْقَطْعُ تَقْرِضُ مِنْ الدِّينَارِ لِلْمُعَامَلَةِ فِي صِغَارِ الْحَوَائِجِ وَهِيَ تَنْقُصُ عَنْ الصِّحَاحِ وَيَجُوزُ فِيهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَدْ اشْتَرَطَ

ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْبُطْلَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُكَسَّرُ الْمَضْمُومُ إلَى الصَّحِيحِ قِيمَتُهُ دُونَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيِهِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِمْ الْقِيمَةَ أَنْ لَا فَرْقَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ نَصْرِ الْمَقْدِسِيِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ دِينَارٍ صَحِيحٍ ودينار رباعيان بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْرُوضًا في رباعيان تُخَالِفُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ الصَّحِيحِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَيَجِبُ طَرْدُ مِثْلِهِ فِي دِرْهَمٍ ونصفين بدرهمين والصحيح () والغلة () والمروانية () والهاشمية العامة () والحدث أو المحدثة () والردئ إمَّا بِانْمِحَاءِ السِّكَّةِ أَوْ بِعَدَمِ الطَّبْعِ أَوْ بنقصان الوزن كذلك قال الفارقي وليس الردئ هُوَ الْمَغْشُوشُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَهَبٍ وَغَيْرِهِ وَالْعُتَّقُ النَّافِقَةُ () وَالضَّرْبُ الْمَكْرُوهُ () وَالضَّرْبُ الْوَسَطُ () وَالْقِطَاعُ أَظُنُّهَا الْقِرَاضَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّبَاعِيَّاتِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَالرَّوَاجُ أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَالْأَنْصَافِ مَعَ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يَظْهَرُ تَفَاوُتٌ وَالْمُرَاطَلَةُ لَفْظٌ قَدِيمٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ يُرَاطِلَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغَ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغَ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ () وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ دَرَاهِمُ غِطْرِيفِيَّةٌ قَالُوا وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ كَذَا فِي المعرب وقل هو

_ (مابين الاقواس بياض بالاصل) *)

خَالُ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ دِينَارٌ شَلَابِي وَهُوَ نِسْبَةٌ (1) وَدِينَارٌ جَعْفَرِيٌّ وَأَظُنُّهُ نِسْبَةً إلَى الْمُتَوَكِّلِ فَإِنَّ اسْمَهُ جَعْفَرٌ وَدِينَارٌ أهوارى وهو نسبة (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ مَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ أَوْ النَّوْعَيْنِ مَقْصُودًا أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَقْصُودٍ فَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثِلَةٌ فِي فُصُولٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فَرْعٌ) كُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ (أَمَّا) إذَا بِيعَ الرِّبَوِيُّ بغير جنسه وفى الطرفين أو أحدهما شئ آخَرُ فَيُنْظَرُ إنْ اتَّفَقَا فَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ فِي جَمِيعِ الْعِوَضَيْنِ جَازَ أَيْضًا كَصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ تَمْرٍ وَصَاعِ مِلْحٍ وَإِنْ كَانَ التَّقَابُضُ شَرْطًا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَفِيهِ قَوْلَا الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَشْتَرِطُ التَّقَابُضَ وَكَذَلِكَ صَاعُ حِنْطَةٍ وَثَوْبٌ بِصَاعِ شَعِيرٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ يَكُونُ (2) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ بدنانير فيه قولان لانه صرف وبيع *

_ (1 و 2) كذا بالاصل فحرر) *)

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ دَارًا مُمَوَّهَةً بِذَهَبٍ بِدَنَانِيرَ أَوْ مُمَوَّهَةً بِالْفِضَّةِ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ التَّمْوِيهُ بِحَيْثُ إذا نحت يخرج منه شئ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَلَوْ بَاعَ الْمُمَوَّهَةَ بِالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ أَوْ الْمُمَوَّهَةَ بِالْفِضَّةِ بِذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا نحت لا يحصل منه شئ صح وإن كان يحصل منه شئ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ * وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِذَهَبٍ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ ذَهَبٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ الْجَزْمُ بِهَذَا وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا وَهُوَ يُوَافِقُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي بَيْعِ الْقَمْحِ الْمُخْتَلَطِ بِالشَّعِيرِ وَكَوْنُهُ يَعْتَبِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ (وَلَعَلَّكَ) تَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَظَهَرَ فِيهَا مَعِيبٌ أَنَّ جَمَاعَةً اخْتَارُوا الْبُطْلَانَ وَخَرَّجُوهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَاَلَّذِي ظَهَرَ بِهِ الِاخْتِلَافُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلَّا كَانَ الْمَعْدِنُ كَذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ فِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ يُشْتَرَطُ الْمُمَاثَلَةُ وَقَدْ ظَهَرَ انْخِرَامُهَا بِانْقِسَامِ الْعِوَضِ إلَى صَحِيحٍ وَمَعِيبٍ والدار المبيعة بالذهب وهى المقصودة لاربا فِيهَا وَالرِّبَوِيُّ الَّذِي ظَهَرَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا (أَمَّا) لَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ ظَاهِرًا حِينَ الْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ

عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الصِّحَّةُ لِلتَّبَعِيَّةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبِئْرُ ظَاهِرَةً وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ لَا لِأَنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَقْصُودِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ ظَاهِرًا يُقْصَدُ وَحْدَهُ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدَّارِ وَسَيَأْتِي فِي بَيْعِ الدَّارِ بَحْثٌ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ بَيْعَ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ * وَلَوْ بَاعَ بَقَرَةً بِلَبَنِ بَقَرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ فِي الْبَقَرَةِ لَبَنًا فَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمَعْدِنُ فَيَحْتَاجُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ هُوَ وَالرَّافِعِيُّ إلَى الْفَرْقِ أَوْ طَرْدِ الْحُكْمِ وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ فِي الْمُصَرَّاةِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْإِنَاءِ وَالْمَعْدِنُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قُلْتُ) قَوْلُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنْ أَرَادَ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نُلْحِقَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ فِيهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَوِزَانُ اللَّبَنِ بَيْعُ الدَّارِ الْمُصَفَّحَةِ بِالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَأَنَّهُ لَا يجوز لانه من قاعدة مد عجوة اه *

(فَرْعٌ) لَوْ أَجَّرَ حُلِيًّا مِنْ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ يَجُوزُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا صَفَائِحُ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ فَهُوَ صَرْفٌ وَبَيْعٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قاله الرويانى قال فإذا قلنا يصح فلابد مِنْ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَمَا يُقَابِلُ الصَّفَائِحَ مِنْ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَمَا يُقَابِلُ الدَّارَ لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا صَفَائِحُ ذَهَبٍ بِدَارٍ فِيهَا صَفَائِحُ فِضَّةٍ يُمْكِنُ جَمْعُهَا وَقُلْنَا يَصِحُّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الدَّارَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ قَبْضَ مَا عَلَيْهِمَا يَكُونُ بِقَبْضِ الدَّارَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ تَسْلِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاجِبٌ في المجلس وتسليم الدارين غير وَاجِبٌ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ فَيَكُونُ عَقْدُ الصرف اقتضى تسليم شئ آخَرَ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الصَّرْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ كَذَلِكَ بَحْثُنَا وَسَأُكَرِّرُ هذا الاشكال فِي مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ إلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ فِيهِ بِجَوَابٍ أَوْ يُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الشَّفِيعُ إذَا أَرَادَ أَنْ يأخذ هذه الدار بالشفعة قال الرويانى فلابد مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ الصَّفَائِحَ في المجلس ويتسلم الدار *

* قال المصنف رحمه الله * (فصل ولا يباع خالصه بمشوبه كحنطة خالصة بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة خالصة بفضة مغشوشة وعسل مصفى بعسل فيه شمع لان أحدهما يفضل على الآخر ولا يباع مشوبة بمشوبة كحنطة فيها شعير أو زوان بحنطة فيها شعير أو زوان وفضة مغشوشة بفضة مغشوشة أو عسل فيه شمع بعسل فيه شمع لانه لا يعلم التماثل بين الحنطتين وبين الفضتين وبين العسلين ويجوز أن يباع طعام بطعام وفيه قليل تراب لان التراب يحصل في سفوف الطعام ولا يظهر في الكيل فأن باع موزونا بموزون من جنسه من أموال الربا وفيه قليل تراب لم يجز لان ذلك يظهر في الوزن ويمنع من التماثل) * (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ يَتَضَمَّنُ الْقِسْمَ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ فِيهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ (مِنْهُ) مَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ فُصِلَ وَمُيِّزَ لَكَانَ قَدْ يُقْصَدُ حِينَئِذٍ وَيُقَابَلُ بِالْإِعْرَاضِ وَحْدَهُ كَالشَّعِيرِ الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَالنُّحَاسِ الْمُخَالِطِ لِلْفِضَّةِ وَالشَّمْعِ الْمُخَالِطِ لِلْعَسَلِ (ومنه) مالا يكون مقصودا بوجه ما كَالتُّرَابِ وَالْقَصْلِ وَالزُّوَانِ وَالشَّيْلَمِ

وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكِيلِ أَوْ فِي الْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْزُونِ امتنع مطلقا لما ذكره المصنف في آخر كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ وَيَمْنَعُ التَّمَاثُلَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَكِيلِ فَإِمَّا أن يكون المخالط قدرا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ كَالشَّعِيرِ الْيَسِيرِ جِدًّا الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَالزُّوَانِ وَالْقَصْلِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالتُّرَابُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي سُفُوفِ الطَّعَامِ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ الطَّعَامُ فَتُسُومِحَ بِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ مَعَ فَرْضِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمِكْيَالِ نَعَمْ قَدْ يقال ان ذلك لابد أَنْ يُؤَثِّرَ وَلَوْ يَسِيرًا لَكِنَّ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ فِي مَحِلِّ الْمُسَامَحَةِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ امتنع فهذا جملة الْفَصْلِ (وَحَاصِلُهُ) الْحُكْمُ فِي الْكَيْلِ بِالِامْتِنَاعِ إلَّا فِيمَا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ فِي الْمَكِيلِ وَذَلِكَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَطَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلَ قَلِيلِ التُّرَابِ الدَّقِيقِ وَمَا دُقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِ هَذَا (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ وَهَكَذَا كل صنف من هذه خلطه غَيْرُهُ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ مِنْهُ لَمْ يجز بعضه ببعض الا خالصا مما يخلطه الا أن يكون ما يخلط الْمَكِيلَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلَ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دُقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ في شئ من هذا فيه اه * وَالْعِبَارَةُ الْجَامِعَةُ لِذَلِكَ أَنَّ الرِّبَوِيَّ لَا يُبَاعُ بِجِنْسِهِ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يَأْخُذُ خطأ مِنْ الْمِكْيَالِ وَهِيَ عِبَارَةُ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْكَافِي وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْضِيدِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ فِي أَمْثِلَةِ الْخَالِصِ بِالْمَشُوبِ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ (الْأُولَى) الْحِنْطَةُ الْخَالِصَةُ بِالْحِنْطَةِ الَّتِي فِيهَا شَعِيرٌ أَوْ زُوَانٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ لاخير في مد حنطة فيها قصل أو زوان بمد حنطة لا شئ فيها من ذلك لانها حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مُتَفَاضِلَةٍ وَمَجْهُولَةٍ وَقَالَ فِي الْأُمِّ في باب المأكول من صنفين شيب أحدها بِالْآخَرِ وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ فِيهَا حِجَارَةٌ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ بمد حنطة لا شئ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ فِيهَا تِبْنٌ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ في قول الشافعي لاخير أراد بقوله لاخير يَعْنِي لَا يَجُوزُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكُنَّا

نَتَوَهَّمُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَهُ حَتَّى وَجَدْنَاهَا لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسَائِلِ الرِّبَا فَتَوَهَّمْنَاهَا لَهُ حَتَّى وَجَدْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم استعملها في مثل هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَعِبَارَةُ الْأُمِّ أَصَحُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَخَلَّ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَقَيَّدَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْقَصْلُ كَثِيرًا يَعْنِي بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ أَمَّا مَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُتَبَيَّنُ فِي الْمِكْيَالِ قَالَ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَطَرَدَا ذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ الْمُخَالِطِ لِلْحِنْطَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يُرْشِدُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ بِمِثْلِهَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ كَثِيرًا وذلك هو الحق الذى لامرية فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ مَا يُوهِمُ الْمُخَالَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَصْلِ وَالزُّوَانِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مُخَالَفَةً بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْقَلِيلُ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَا لَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَكِيلِ فَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي

ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُرَادِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي مَنْعِ الْمُمَاثَلَةِ وَمَا كَانَ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا فَيُمْنَعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاتِّحَادِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَيُمْنَعُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِفَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا يُمْنَعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزُّوَانِ وَالْقَصْلِ وَالشَّعِيرِ وَالشَّيْلَمِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ وَغَيْرُهُ ضَابِطُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَاللَّفْظُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ في أحديهما حَبَّاتٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ وَفِي الْحِنْطَةِ حَبَّاتٌ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا وَبَعْضُهُمْ لَا يَذْكُرُ هَذَا التَّفْصِيلَ الْأَخِيرَ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ وَيُطْلِقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ الْجَوَازَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ يُوهِمُ أَنَّ الْحِنْطَةَ المشوبة لاتباع

بِمِثْلِهَا وَلَا بِالْخَالِصَةِ وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ مَا ظَاهِرُهُ يُوَافِقُ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُوَافِقِيهِ وَاخْتَصَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ فَأَوْضَحَهُ وَبَيَّنَ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ وَقَدْ قَالُوا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ فِي الْمِكْيَالَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا شَعِيرٌ أَوْ تُرَابٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إنْ أَثَّرَ فِي التَّمَاثُلِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ بِحِنْطَةٍ فِيهَا شَعِيرٌ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِثْلُهُ صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءً أَثَّرَ فِي الْمِكْيَالِ أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ اه قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا يُكْتَرَثُ بِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا بِكَوْنِهِ مُتَمَوِّلًا فَالنَّظَرُ إلَى كَوْنِهِ مَقْصُودًا عَلَى حِيَالِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الشَّعِيرِ الَّذِي خَالَطَ الْحِنْطَةَ قَدْرًا يُقْصَدُ غَيْرُهُ لِيُسْتَعْمَلَ شَعِيرًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَشَبَّهُوا هَذَا بِالْمُحْرِمِ الَّذِي قَطَعَ مُدَّةً لَا يَلْزَمُهُ فِدْيَةُ الشُّعُورِ الَّتِي عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقَعُ مَقْصُودَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَكَذَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الرِّبَوِيَّ الْمَكِيلَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَشُوبٌ بِالْآخَرِ فَالْمَانِعُ كون المخالط مقصود التمييز لِيُسْتَعْمَلَ وَحْدَهُ وَلَيْسَ لِتَبَيُّنِهِ فِي الْمِكْيَالِ أَثَرٌ وَلَا لِمَالِيَّتِهِ وَإِذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَالْمَانِعُ كَوْنُ الْمُخَالِطِ قَدْرًا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا فَرْقَ في ذلك بين المكيل والموزن كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِنْ الْفَرْعِ الْآتِي عَنْ الشَّيْخِ أبى محمد بقى هَهُنَا * (فَرْعٌ) وَهُوَ إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ قَدْرًا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ لَكِنَّهُ مَقْصُودٌ كَمَا لَوْ بَاعَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَفِي أَحَدِ الْمِكْيَالَيْنِ أَوْ فِيهِمَا طَعَامٌ صَغِيرُ الْحَبِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَيُقْصَدُ كَالسِّمْسِمِ

مَثَلًا وَمُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ وَيَكُونُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ لِيُتَنَبَّهْ) لِأَمْرٍ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْفَصْلِ الَّذِي أَجْرَيْنَاهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ مِنْهُ أَنْ يُقْصَدَ تَمْيِيزُ الْخَلِيطِ لِيُسْتَعْمَلَ عَلَى حِيَالِهِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا مُنْضَمًّا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يُقْصَدُ مَجْمُوعُهَا سَوَاءٌ امْتَنَعَ التَّمْيِيزُ فِيهَا كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَهُوَ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ بِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ أَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهُ وَلَكِنَّهُ يَقْصِدُ اخْتِلَاطَهَا كَالْقَمْحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَعِيرٍ كَثِيرٍ قَدْ يَقْصِدُهُ بَعْضُ النَّاسِ لِرُخْصِهِ أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ وَلَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُ الشَّعِيرِ عَنْهُ وَإِنْ أَرَدْنَا أَنَّ قَصْدَ تَمْيِيزِ الْمَبِيعِ عَنْ الْخَلِيطِ مَانِعٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَصْدَ يَتَعَلَّقُ بِتَمْيِيزِ الْحِنْطَةِ عَنْ الشَّعِيرِ وَإِنْ قَالَ فَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنْ حَذَفْنَا لَفْظَ التَّمْيِيزِ وَقُلْنَا الْمَانِعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيطُ مَقْصُودًا اسْتَقَامَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الطَّرْدِ أَيْ كُلُّ خَلِيطٍ مَقْصُودٍ مَانِعٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْعَكْسِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَانِعٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ

لَبَنَ الْغَنَمِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِلَبَنِ الْبَقَرِ الْمَشُوبِ وَالْخَالِصِ كَمَا قُلْنَا فِي خَلِّ التَّمْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَلَا يُفِيدُ كَوْنُهُ يُقْصَدُ تَمْيِيزُ اللَّبَنِ عَنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرَ مُرَادٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْذَفَ لَفْظُ التَّمْيِيزِ وَيُجْعَلُ هَذَا الضَّابِطُ غير منعكس أو يدعى انعكاسه ويعتذر عن مَسْأَلَةِ اللَّبَنَيْنِ بِأَنَّ الْمَانِعَ جَهَالَةُ مِقْدَارِ اللَّبَنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيْعِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْخَلِّ فَإِنَّ المقصود الهيئة التركيبية ولا يرد على الطرد الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ خَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ فِي كَوْنِ الْمَاءِ الْخَلِيطِ فِي خَلِّ التَّمْرِ مَقْصُودًا لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مشوبا بالآخر وههنا ليس في أحد العوضين شيئا مِمَّا فِي الْآخَرِ إذْ خَلُّ التَّمْرِ لَا عِنَبَ فِيهِ وَخَلُّ الْعِنَبِ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تَمْرَ وَلَعَلَّكَ تَقُولُ الْكَلَامُ فِي بَيْعِ الحنطة بالشعير وفى كل منهما شئ من الآخر وليس في أحد اللبنين شئ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَلَا فِي أَحَدِ الْخَلَّيْنِ وَإِنَّمَا مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْخَلَّيْنِ كَوْنُهُ مُقَابِلَهُ خَلًّا وَأَمَّا الْمَاءُ فِي الْخَلِّ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى نَفْسُهُ حَاصِلٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَإِنْ كَانَ الْخَلِيطُ فِي كُلِّ طَرَفٍ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي التَّمْيِيزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتُ) إذَا بَاعَ الْقَمْحَ بِالْقَمْحِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا شَعِيرٌ قَدْ خُلِطَ بِهِ وَعُرِفَ مِقْدَارُ الْخَلِيطَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ الصِّحَّةُ فِيهِ عَلَى الخلاف في بيع مد ودرهم بمد وَهُمَا مِنْ غَلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَسِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ وَافَقَهُ الصِّحَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَأْيَ الْمُصَنِّفِ اشْتِرَاطُ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِيمَةِ

فَيَنْبَغِي إذَا فُرِضَ اتِّحَادُ قِيمَةِ الشَّعِيرِ مَعَ قِيمَةِ الْقَمْحِ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ الصحة وهو قد أطلق القول بالفساد ههنا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ صَرِيحًا أَنَّهُ إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ وَصَاعَ شَعِيرٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ وَصَاعَا الْحِنْطَةِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَاعَا الشَّعِيرِ كَذَلِكَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَإِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ الْمُتَمَيِّزَيْنِ فَلَأَنْ يَجْرِيَ فِي الْمُخْتَلِطَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّ عَدَمَ التَّمْيِيزِ فِي النَّوْعَيْنِ قَدْ جُعِلَ عُذْرًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الصاع المختط من الجيد والردئ بمثله وبالردئ وإن كان في الجنسين لم؟ كَالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالشَّهْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ عِنْدَ التَّمْيِيزِ فَلَأَنْ يجري مع الاختلاط أولى (قلت) ذلك حَقٌّ وَالْعُذْرُ عَنْ الشَّيْخِ فِي إطْلَاقِهِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي قِيمَةِ الشَّعِيرِ لَا تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْقَمْحِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي ذلك

وَإِنَّمَا يُلْزِمُ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُوَافِقِيهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْمُوَافَقَةَ فِي الْقِيمَةِ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ الْمَضْمُومَيْنِ فِي الْعِوَضِ الْوَاحِدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَلْ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ كُلِّ عِوَضٍ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ الْآخَرِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَإِذَا كان الشعيران متساويين وَالْحِنْطَتَانِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَزِمَهُمْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا أَطْلَقُوا الْمَنْعَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الشَّعِيرِ الْمَضْمُومِ إلَى الْحِنْطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) نَبَّهَ عَلَى الْكَلَامِ فِيهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ * قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّعِيرَ إذَا كَانَ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الحنطة المختلطة به بمثلها وبالخالصة عنه وَأَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ تَمْيِيزُهُ

لَا يَضُرُّ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسَيْنِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ شَبِيهَ ذَلِكَ ببيع الْمُخْتَلِطِ بِالزُّبْدِ فَإِنَّ مَا فِي الزُّبْدِ مِنْ الرَّغْوَةِ الْمُمَاثِلَةِ لِلْمَخِيضِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَالزُّبْدُ وَالْمَخِيضُ بَعْدَ نَزْعِ زُبْدِهِ يَخْتَلِفَانِ فَلَمْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَغَيْرَهُ حكوا عن ابى اسحق أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالْمُخْتَلِطِ لِأَنَّ فِي الزُّبْدِ شَنَانُ الْمَخِيضِ وَكَذَلِكَ حَكَوْا فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فقياس الشبهة يقتضى أَنْ يَأْتِي وَجْهٌ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بالشعير كقول ابى اسحق فِي بَيْعِ الْمُخْتَلِطِ بِالزُّبْدِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ردوا على ابى اسحق هنالك بان مَا فِي الزُّبْدِ مِنْ الْمَخِيضِ لَا يَظْهَرُ وَقَاسَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِيهِمَا قَلِيلٌ مِنْهُ وَالتَّخَارِيجُ الْمَذْهَبِيَّةُ إنَّمَا تَطَّرِدُ فِي أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ (أَمَّا) الْوَجْهُ الَّذِي لِلْأَصْحَابِ فَلَا يَلْزَمُنَا طَرْدُهَا بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا فَإِنْ طَرَدَهَا وَكَانَ لَهُ جَوَابٌ فَارَقَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ ضَعْفُ قَوْلِهِ وَلَيْسَ يَسُوغُ أَنْ يُؤْتَى إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ مَرْدُودٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ على تعليل حكى عن ابى اسحق أَنَّهُ عَلَّلَ بِهِ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِاللَّبَنِ كَمَا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب ان أبا اسحق لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الشَّرْحِ فَيُوجَدُ وَجْهٌ مِثْلُ هذا يثبت به خلاف في مسألة مجزم بِهَا بَلْ يُرَدُّ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَجْزُومِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ نَعَمْ حَكَوْا فِي بَيْعِ الزبد وَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْفَسَادِ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ مَوْزُونٌ فَلَا يُغْتَفَرُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فليس كمدرك ابى اسحق فِي بَيْعِ الزُّبْدِ بِالْمَخِيضِ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ في بيع الحنطة المختلطة بالشعير القليل الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ

بمثلها ولا بالشعير والله أَعْلَمُ * وَقَدْ نَبَّهَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الْمَأْكُولِ مِنْ صنفين شيبا في الام قال في آخر كُلُّ مَا شَابَهُ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ مَا شَابَهُ يَنْقُصُ مِنْ كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ مِثْلُ لَبَنٍ خَلَطَهُ ماء بلبن خَلَطَهُ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ يَعْنِي فَيَمْتَنِعُ (قُلْتُ) وَهَذَا الْكَلَامُ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُخْتَلِطَ بِاللَّبَنِ لَوْ كَانَ يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ صَحَّ فَإِنَّ اللَّبَنَ مكيل على الصحيح * (فرع) إذَا خَلَطَا نَوْعًا بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَبَاعَهُ بِنَوْعٍ مِنْهُ كَمَعْقِلِيٍّ بِبَرْنِيِّ أَوْ قَمْحٍ صَعِيدِيٍّ بِبَحْرِيٍّ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا شئ مِنْ الْآخَرِ فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ نَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْخَلِيطُ غَيْرَ مَقْصُودٍ كَمَا إذَا بَاعَ مَعْقِلِيًّا بِبَرْنِيِّ فِيهِ شئ يسير من المعقلى لا يقصد فههنا أَوْلَى وَحَيْثُ نَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ يكون الخليط مقصودا فههنا يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ

مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ وَيَأْتِي فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ظَاهِرًا يُرَى مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ الخليظ موجبا لتفوات الْكَيْلِ فِيمَا اخْتَلَطَ بِهِ وَمُقَابِلَهُ لِأَنَّ الْخَلِيطَ هُنَا مِنْ الْجِنْسِ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَيْلِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ بِالْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَالْمَغْشُوشَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ (قِسْمٌ) الْغِشُّ الَّذِي فِيهَا مِمَّا لَهُ ثَبَاتٌ وَقِيمَةٌ كَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْمَسِّ وَهُوَ (1) وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ الْمُزَيَّفَةُ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا فِضَّةٌ وَرَصَاصٌ وَزِئْبَقٌ فَيُسْتَهْلَكُ الزئبق ويبقى الْفِضَّةُ وَالرَّصَاصُ (وَقِسْمٌ) الْغِشُّ الَّذِي فِيهَا مِمَّا يُسْتَهْلَكُ كَالزَّرْنِيخِيَّةِ والْأنْدَرانِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي تُتَّخَذُ شَبَهَ الدَّرَاهِمِ مِنْ الزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ ثُمَّ يَطْلِي عَلَيْهِ الْفِضَّةَ وَقَدْ كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا فِي بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا وَتُسَمَّى بِخُرَاسَانَ الزَّرْنِيخِيَّةَ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِغِشِّهَا قِيمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ الْغِشِّ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ شَامِلٌ لِلْقِسْمَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْغِشُّ مما قيمته باقية

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

أَمْ لَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ وَإِنْ قَلَّ وَكَذَلِكَ الْمَغْشُوشَةُ بِالْمَغْشُوشَةِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ مُخْتَلِفٌ (فَأَمَّا) الْمَغْشُوشَةُ بِغِشٍّ يَبْقَى لَهُ قِيمَةٌ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وغيره انه بيع فضة وشئ بفضة أو بفضة وشئ فصار كمسألة مدعجوة (وَالثَّانِي) لِأَنَّ الْفِضَّةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَأَشْبَهَ بَيْعَ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ وَبَنَوْا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ شِرَاءَ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَهَذَا رَأْيُ الْقَفَّالِ فِيمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَضْعَفُوا هَذَا وَاسْتَدَلُّوا لِلْأَوَّلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ زَافَتْ دَرَاهِمُهُ فَلْيَأْتِ السُّوقَ وَلْيَشْتَرِ بها ثيابا) رواه (1) عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ (زَافَتْ) عَلَى أَنَّهَا بَقِيَتْ لَيْسَ أَنَّهَا زُيُوفٌ جَمْعًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ نُفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ قُدَامَةَ وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْرُ الْغِشِّ مَعْلُومًا جَازَ قَطْعًا وَإِلَّا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (رَابِعُهَا) إنْ كَانَ الْغِشُّ غالبا لم يصح والا فيصح وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) الْمَغْشُوشَةُ بِغِشٍّ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالزَّرْنِيخِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ بِالْخَالِصَةِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ أَوْ تَحَقُّقُ الْمُفَاضَلَةِ وَإِنْ ابْتَاعَ بِهَا ثِيَابًا جَازَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ عَلَى الْفِضَّةِ فَحَسْبُ وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الزَّرْنِيخِيَّةِ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا مَنْعَ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا ذَهَبًا جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ ومقتضى ذلك أنه لا يجئ خلاف التعامل بالدراهم

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

الْمَغْشُوشَةِ وَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الْكَلَامِ فِيهَا مَعَ تَقَدُّمِهَا وَمِمَّا أَفَادَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ أَخْذُهَا وَإِمْسَاكُهَا إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي فِي أَيْدِي النَّاسِ خَالِصًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَغْرِيرَ النَّاسِ قَالَ فَلَوْ كَانَ جِنْسُ النَّقْدِ مَغْشُوشًا فَلَا كَرَاهِيَةَ وَأَفَادَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْغِشَّ لَوْ كَانَ قَلِيلًا مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ حَظًّا مِنْ الْوَزْنِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَقَدْ قيل يتعذر طبع الفضة إذا لم يخالطها جط مِنْ جَوْهَرٍ آخَرَ (قُلْتُ) وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ضُرِبَتْ الْفِضَّةُ خَالِصَةً فَتَشَقَّقَتْ فَجُعِلَ فِيهَا فِي كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِثْقَالٌ مِنْ ذَهَبٍ فانصلحت لكن مِثْلَ هَذَا إذَا بِيعَ دِرْهَمٌ مَثَلًا لَا يَظْهَرُ فِي الْمِيزَانِ مَا مَعَهُ مِنْ الْغِشِّ واما إذا بيع قدر كبير فيظهر في ذَلِكَ فِي الْوَزْنِ فَيَنْبَغِي الْبُطْلَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَرَتَّبُوا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ جَوَازَ بَيْعِهَا بِالذَّهَبِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الثِّيَابِ بِهَا فالذهب أولى (وان قلنا) يجوز فههنا بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ صَرْفٌ وَبَيْعُ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ بِالذَّهَبِ بَيْعٌ فَهُوَ بَيْعٌ وَصَرْفٌ وَلَنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ (وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِ مُسْتَهْلَكًا كَالزَّرْنِيخِيَّةِ والْأنْدَرانِيَّةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بِالْخَالِصَةِ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ مَجْهُولَةِ التَّسَاوِي أَوْ مَعْلُومَةِ التَّفَاضُلِ وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا ثِيَابًا جَازَ بِلَا خِلَافٍ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ جَمِيعًا (أَمَّا) عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَلِأَنَّهُ ليس ههنا مع الفضة شئ ينقسط عَلَيْهِ الثَّمَنُ (وَأَمَّا) عَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ المقصود مجهول فههنا الْمَقْصُودُ ظَاهِرٌ وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى ذَهَبًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الَّذِي مَعَ الْفِضَّةِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ وَيَجِبُ أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ لَا يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ أَوْ فِيهَا خِلَافٌ فَإِنَّ هَذِهِ دراهم مغشوشة

وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَامُلِ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ شِرَاءِ السِّلَعِ بِهَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ * وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفِضَّةِ يَأْتِي فِي الذَّهَبِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَغْشُوشًا بِمَغْشُوشٍ أَوْ خَالِصًا بِمَغْشُوشٍ وَأَقْسَامُ الْغِشِّ وأحكامه لا يختلف كَذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذِهِ فَوَائِدُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الكتاب فهى متعلقة به تحتاج والله أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذلك في الام والمختصر وهذا لفظه في الام وَلَا يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَ وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كَانَ الْعَسَلُ أَقَلَّ مِنْهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَزْنًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْعَسَلِ وَمِنْ وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وَقَدْ يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّفَاضُلِ وَالْجَهْلِ بالتماثل (والاخرى) انه كمسألة مدعجوة وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِهِ مُصَفَّيَيْنِ هَلْ المصفيين بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْآنَ إلَّا مَنْعَ بَيْعِهِمَا وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَسَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقَ الْقَوْلِ فِي أَنَّ الْعَسَلَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لَهُ قَبْلَ آخِرِ الْبَابِ بِفَصْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ اشْتَرَكَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الَّتِي فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَقِيقَةُ الْمُفَاضَلَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي عِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْزُونَ مِنْهَا كَالْفِضَّةِ وَالْعَسَلِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَوْزُونٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْمُخَالَطُ سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَأَمَّا الْمَكِيلُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ إذَا قُلْنَا بانه مكيل كما هو قول ابى اسحق فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخَالِصَةَ لَا تُبَاعُ بِالْمَشُوبَةِ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَيْتُهُ الْآنَ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فِي الْعَسَلِ وَإِطْلَاقُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ وقد عرفت تقييده وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالزُّوَانِ وَمَسْأَلَةَ الْعَسَلِ مَنْصُوصَةٌ وَمَا سِوَاهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ والله أَعْلَمُ * وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ بَيْعُ الْمَشُوبِ بِالْمَشُوبِ مُشْتَرَكَةٌ فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الْغِشِّ وَقَدْ يُعْلَمُ وَتُحَقَّقُ

الْمُفَاضَلَةُ أَوْ تُجْهَلُ الْمُمَاثَلَةُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي تَقَدَّمَ في قاعدة مدعجوة وَمَسْأَلَةُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالزُّوَانِ بِمِثْلِهَا مُشَارٌ إلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ مَنَعَ أَنْ تُبَاعَ بِالْمُخْتَلِطَةِ بِالتِّبْنِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وممن صرح بها الماوردى وصورة ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ كَثِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُتَبَيَّنُ فِي الْمِكْيَالِ فَيَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَأْوِيلُ مَا يُتَوَهَّمُ مُخَالَفَتُهُ لَهُ وَمَسْأَلَةُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ بِمِثْلِهَا لَمْ أَرَهَا مَنْصُوصَةً لَكِنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَالنَّصُّ فِي الْقَصْلِ وَالزُّوَانِ وَالتِّبْنِ دَالٌّ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ كَثِيرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ فَلَا بَأْسَ وَمَسْأَلَةُ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ بِالْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ بِالذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَكَذَا دِينَارٌ نَيْسَابُورِيٌّ بِدِينَارٍ نَيْسَابُورِيٍّ لا يجوز لانه قد قيل انه دَخَلَهُ الْغِشُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَيْعُ الذَّهَبِ الْإِبْرِيزِ بِالْهَرَوِيِّ عَيْنُ الرِّبَا قَالَ وَبَيْعُ الذَّهَبِ الْهَرَوِيِّ بِالْوَرِقِ بَاطِلٌ فَإِنَّ النَّقْرَةَ فِي الْهَرَوِيِّ مَقْصُودَةٌ (قُلْتُ) وَالْهَرَوِيُّ نَقْدٌ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَالنَّيْسَابُورِيّ ذَهَبٌ خَالِصٌ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الذَّهَبُ الْهَرَوِيِّ بِالذَّهَبِ الْهَرَوِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهَذَا بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في بيع الْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ إنَّ قِيَاسَ الْوَجْهِ الذَّاهِبِ إلَى جَوَازِ بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَجُوزُ بَيْعُ الْهَرَوِيِّ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ مِقْدَارُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فيه معلوما والنوع واحد وَالسِّكَّةُ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ الدِّرْهَمُ وَالْمُدُّ بِالدِّرْهَمِ وَالْمُدِّ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فِي الْهَرَوِيِّ بِمِثْلِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّ النَّارَ عِنْدَ الضَّرْبِ قَدْ تُذْهِبُ مِنْ أَحَدِ الْجَوْهَرَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا تُذْهِبُهُ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ (قُلْتُ) وَجَزْمُ الْأَصْحَابِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ بِمِثْلِهَا يَدُلُّ

عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَأْثِيرِ النَّارِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّرَ هَلْ النَّارُ تَأْخُذُ مِنْ جَوْهَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شَيْئًا عِنْدَ الضَّرْبِ أَمْ تُخَلِّصَهُمَا فَقَطْ فَإِنْ كَانَتْ تَأْخُذُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَلَا وَمَسْأَلَةُ الْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ بِالْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ شَمْعٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كلام الشافعي كما تقدم الاصحاب مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ شَهْدٌ بِشَهْدٍ وقد ذكر الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالُوا (إنْ قِيلَ) أَلَيْسَ يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا النوى وهكذا اللحم باللحم الطرى ان جوزناه والقديد بالقديد كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَفِيهِمَا الْعَظْمُ (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ بَقَاءَ النَّوَى فِي التَّمْرِ مِنْ صَلَاحِ التَّمْرِ لِأَنَّهُ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى لَا يَدُومُ بَقَاؤُهُ كَمَا وَفِيهِ النَّوَى وَهَذَا الْفَرْقُ جَوَابٌ عَنْ النَّوَى وَالْعَظْمِ مَعًا وَالْأَوَّلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي النَّوَى وَأَمَّا الْعَظْمُ فَزَعَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ اللَّحْمِ وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ فَالْجَوَابُ الثَّانِي كَافٍ فِيهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَكَان آخَرَ إنَّ بَقَاءَ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مَفْسَدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّمْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَسَلِ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّوَى وَالْعِظَامَ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ وَلَا قِيمَةَ لَهُمَا فِي الْغَالِبِ وَلِهَذَا يُرْمَى بِهِمَا فَلَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا وَشَيْئًا آخَرَ بِتَمْرٍ وَالشَّمْعُ لَهُ قِيمَةٌ فَإِذَا بِيعَ مَعَ الْعَسَلِ كَانَ رِبًا أَوْ لَحْمًا وَشَيْئًا آخَرَ بِلَحْمٍ وَبِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَيْهِمَا وَبَيْنَ الْعَسَلِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا فَرْقًا بَيْنَ الشَّهْدِ وَاللَّبَنِ حَيْثُ جَوَّزُوا بَيْعَ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمْنِ وَالْمَخِيضِ بِأَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ مُخَامِرٍ لِلْعَسَلِ في أصله فإن النحل ينسج البيوت من الشَّمْعِ الْمَحْضِ ثُمَّ يُلْقِي فِي خَلَلِهِ الْعَسَلَ الْمَحْضَ فَالْعَسَلُ مُتَمَيِّزٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ يَنْشَارُ الْعَسَلُ بِخَلْطِهِ بِالشَّمْعِ بَعْضَ الْخَلْطِ بِالتَّعَاطِي وَالضَّغْطِ وَلَيْسَ اللَّبَنُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) بَيْعُ الشَّمْعِ بِالْعَسَلِ الْمُصَفَّى وَغَيْرِ الْمُصَفَّى جَائِزٌ لِأَنَّ الشَّمْعَ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَمَسْأَلَةُ) الطَّعَامِ الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ الْقَلِيلِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ التُّرَابُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ عَلَى الْمِكْيَالِ فَلَا يَمْنَعُ تَمَاثُلَ الْقَدْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مُيِّزَ ظَهَرَ نُقْصَانُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ لِلتَّفَاضُلِ أَوْ الْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ هَهُنَا إمَّا الْمُفَاضَلَةُ أَوْ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ خَاصَّةً وَلَا تَعَلُّقَ لذلك بقاعدة مدعجوة لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ مُنْبَسِطًا عَلَى صُبْرَةٍ انْبِسَاطًا وَاحِدًا عَلَى تَنَاسُبٍ فَبِيعَ صَاعٌ مِنْهَا بِصَاعٍ فَالْمُمَاثَلَةُ مُحَقَّقَةٌ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ فَإِنَّ التُّرَابَ لَا يُبْسَطُ عَلَى تَنَاسُبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَنْسَلُّ مِنْ خَلَلِ الْحَبَّاتِ يَطْلُبُ السَّفَلَ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ التُّرَابُ فِي أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَمِنْ تَمَامِ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ النُّقْصَانُ فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِحَيْثُ لَوْ مُيِّزَ التُّرَابُ مِنْهُ لَمْ يَبِنْ النُّقْصَانُ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارٍ لَوْ جُمِعَ تُرَابُهُ لَمَلَأَ صَاعًا أَوْ أَصْعَاءَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِأَصْلِ الْبَابِ تَجْوِيزُ الْبَيْعِ فِي الْقَلِيلِ وَمَنْعُهُ فِي الْكَثِيرِ لَمْ يُبَالَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِثْلُ التُّرَابِ الْمُخْتَلِطِ بِالْحِنْطَةِ دُقَاقُ التِّبْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ التُّرَابُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ بَيْنَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِالْخَالِصِ عَنْهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُدْرَكَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْكَيْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْقِسْمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمَسْأَلَةُ الْمَوْزُونِ الْمُخْتَلَطِ بِقَلِيلٍ مِنْ التُّرَابِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَا مِنْ الْأَصْحَابِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ دَاوُد وَأَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجَمِيعُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ صَاحِبِ الافصاح أنه

قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِيزَانُ كَبِيرًا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْقَرَارِيطُ وَالدَّوَانِيقُ فَهَذَا كَالْكَيْلِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ خَالَطَهُ مَا لَا يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ كَانَ كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْكَيْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ موازين الذهب والفضة يظهر فيها الشئ الْيَسِيرُ الَّذِي قَدْ لَا يَظْهَرُ فِي مِيزَانِ الارطال وميزان الارطال يظهر فيها مالا يَظْهَرُ فِي الْقَبَّانِ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِغَالِبِ الْمَوَازِينِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَوْزُونِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَقْدًا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ مَطْعُومًا كَحَبِّ الرُّمَّانِ وَالسُّكَّرِ وَشِبْهِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَاعَ الزَّعْفَرَانَ بِالزَّعْفَرَانِ وَزْنًا وَفِي إحْدَى الْكِفَّتَيْنِ يَسِيرُ تُرَابٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَصْلٌ) الْمَعْجُونَاتُ وَالْمَخْلُوطَاتُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ حُكْمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ * (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَلَسُ بِالْعَلَسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قِشْرُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ قِشْرِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ تَقَشُّرِهِ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مِنْهَا وَلَكِنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَأَمَّا بَيْعُ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا لَا يَجُوزُ كَالْعَلَسِ وَبَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ الْحَمْرَاءِ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فِيهَا بِمِثْلِهِ ويجعل النصاب فيها عشرة أو سق كَالْعَلَسِ وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ

هَذِهِ الْقِشْرَةَ الْحَمْرَاءَ الْمُلَاصِقَةَ بِهِ تَجْرِي مَجْرَى أَجْزَاءِ الْأُرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْحَنُ مَعَهَا وَيُؤْكَلُ أَيْضًا مَعَهَا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا تَنَاهِيًا فِي اسْتِطَابَتِهِ كَمَا يَخْرُجُ مَا لَصِقَ بِالْحِنْطَةِ مِنْ النُّخَالَةِ وَنِصَابُهُ فِي الزَّكَاةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَالْحِنْطَةِ مع قشرتها الحمراء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَلَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْآخَرَ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأُرْزِ بِالْأُرْزِ فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهِ وَيُدَّخَرُ مَعَهُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَّا بِالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ يَجُوزُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (قُلْتُ) أَمَّا قِشْرُهُ الْأَسْفَلُ فَتَصْحِيحُ الْجَوَازِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَعْلَى فَلَا يُمْكِنُ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَعَدَمِ إمْكَانِ كَيْلِهِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَيَزْدَادُ امْتِنَاعًا وَبَيْعُ الْأُرْزِ بَعْدَ تَنْحِيَةِ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى جَائِزٌ وَلَا يَبْطُلُ ادِّخَارُهُ بِتَنْحِيَتِهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ بِغَيْرِهِ قَبْلَ زَوَالِ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا يَكُونُ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَيْسَ بِصَائِنٍ لَهُ عَنْ الْفَسَادِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي حَامِدٍ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ النَّصِّ (وَقِيلَ) كَالشَّعِيرِ يُبَاعُ فِي سُنْبُلِهِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُرْزَ يَكُونُ أَوَّلًا فِي قِشْرَتِهِ فَتُزَالُ عَنْهُ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا ثُمَّ يُنْضَحُ بِالْمِلْحِ فَيُزَالُ عَنْهُ الْقِشْرُ الْآخَرُ وَهُوَ أَحْمَرُ دَقِيقٌ وَيُدَّخَرُ بَعْدَ إزَالَتِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذا خلا عن ملح لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْكَيْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَلَوْ فُرِضَ فِيهِ مِلْحٌ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمِكْيَالِ امْتَنَعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْأُمِّ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ خُلِطَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَى آخِرِهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْخَلِيطَ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمِكْيَالِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ مَانِعٌ سَوَاءٌ قُصِدَ أَمْ لَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْمَأْكُولِ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ كَنَوَى التَّمْرِ وَقِشْرِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فَصْلٌ) فِي أَحَادِيثَ مُرْسَلَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ * رَوَى أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الاعلى عن برد عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى قَالَ (مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا مَغْلُوثًا فِيهِ شَعِيرٌ فَقَالَ اعْزِلْ هَذَا مِنْ هَذَا وَهَذَا مِنْ هَذَا ثُمَّ بِعْ ذَا كَيْفَ شِئْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِنَا غِشٌّ) وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ على رجل يبيع الحنطة يخلط الجيد بالردئ فَنَهَاهُ وَقَالَ مَيِّزْ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ) المغلوث والغليث هو الطعام المخلوط بالشعير أو الذرة وعم به بعضهم ويقال أيضا الْمَغْلُوثُ وَالْغَلِيثُ الطَّعَامُ الَّذِي فِيهِ الْمَدَرُ وَالزُّوَانُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحْكَمِهِ (وَأَمَّا) الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا خَالَطَ الْمَبِيعَ قَلِيلُ تُرَابٍ وَكَذَلِكَ دُقَاقُ التِّبْنِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يظهر في الكيل لتخلله فِي شُقُوقِ الطَّعَامِ فَلَا يَمْنَعُ التَّمَاثُلَ وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا لَمْ يَجُزْ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْمِيزَانِ وَمَنْعِهِ مِنْ التَّمَاثُلِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ * (فَرْعٌ) لَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا مَحْمُودِيًّا بِدِينَارٍ مَحْمُودِيٍّ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَلَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا مَحْمُودِيًّا بِفِضَّةٍ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فِضَّةٌ وَالْفَرْقُ فِي أَنَّ بَيْعَ الدينار بالدينار المقصود هو الذهب وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَمَا فِيهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ يُفَوِّتُ الْعِلْمَ بِهَا وَفِي بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ الْمَقْصُودِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ الذَّهَبُ وَمِنْ الْآخَرِ الْفِضَّةُ وَالْمُمَاثَلَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ الَّتِي فِي الدِّينَارِ قَلِيلَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَا يَعْبَأُ بِهَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا * (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ إنَّهُ إذَا بَاعَ الدِّينَارَ الْهَرَوِيَّ بِالْهَرَوِيِّ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا بَاعَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ فِضَّةٌ مَجْهُولَةٌ أَوْ مُتَفَاضِلَةٌ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدِّينَارَ إذَا صَارَ مُقَابَلًا بِالدِّينَارِ فَالذَّهَبُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَمُمَاثَلَةُ الذَّهَبِ مَجْهُولَةٌ بِسَبَبِ مُخَالَطَةِ الْفِضَّةِ أَمَّا إذَا قُوبِلَ الدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ فَالْمَقْصُودُ مُقَابَلَةُ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الدِّينَارِ بِالْفِضَّةِ وَهُمَا

جِنْسَانِ وَلَا يُعْبَأُ بِالْفِضَّةِ الْيَسِيرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالدِّينَارِ وَمِثْلُهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِيهِ حَبَّاتُ حِنْطَةٍ وهذا يلتبث عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَلِيطُ مَقْصُودًا لَا يَضُرُّ وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمِعْيَارِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ * (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ دَاوُد شَارِحُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَسَلِ (وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَ كَيْلًا) قَالَ فِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا تَارَةً ووزنا أخرى وهذا غريب قل ما يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ (قُلْتُ) وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَرَدُّدِهِ هَلْ هُوَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ بِالْحِجَازِ * (فَرْعٌ) تَقْيِيدُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ التُّرَابَ بالدقيق لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ لِدُخُولِهِ بَيْنَ الْحَبَّاتِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الطِّينَ الْمُخَالِطَ لِلْقَمْحِ فِي الْعَادَةِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ عَنْهُ الطَّعَامُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ كَثِيرًا أَمَّا الْمَدَرُ الْيَسِيرُ الذى لَوْ فُصِلَ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْكَيْلِ فَهُوَ كَالتُّرَابِ * (فَرْعٌ) لَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحِنْطَةِ شَعِيرٌ يَسِيرٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ وَتُرَابٌ قَلِيلٌ كَذَلِكَ وَيَسِيرٌ مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ مَجْمُوعَهُ يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْغَلَثِ فَإِنَّهُ إذَا غُرْبِلَ يَنْقُصُ فِي الْكَيْلِ حِسًّا فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُغَرْبَلِ وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْغَلَثِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا * (فَرْعٌ) الْعَسَلُ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَكِيلٌ كما هو قول ابي اسحق وَكَانَ فِيهِ شَمْعٌ يَسِيرٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمِكْيَالِ هَلْ يُسَامَحُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِشَعِيرٍ يَسِيرٍ * (فَرْعٌ) هَذِهِ الْأَشْيَاءُ التِّبْنُ وَالْقَصْلُ وَالْمَدَرُ وَالْحَصَا وَالزُّوَانُ وَالشَّعِيرُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُسَلِّمَهَا نَقِيَّةً عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ السَّلَفِ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ الْأُمِّ وَسَيَأْتِي فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى *

(فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ وَلَا بَأْسَ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْقِشْرِ لِأَنَّ الصَّلَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ * (فَصْلٌ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الفاظ الكتاب الخالص () وَالْمَشُوبُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ - مَا خَالَطَهُ غيره () وَالزُّوَانُ هُوَ حَبٌّ أَسْوَدُ وَصِغَارٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَآخَرُونَ حَادُّ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ وَقَالَ ابْنُ بَاطِيشَ يُشْبِهُ الرَّازَيَانَجَ مِنْ الطَّعْمِ يُفْسِدُ الْخُبْزَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ هُوَ الَّذِي يُسْكِرُ أَكْلُهُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْقَلَعِيُّ وابن باطيش زوان - بِضَمِّ الزَّايِ وَالْهَمْزِ - قَالَ الْقَلَعِيُّ وَهِيَ أَفْصَحُهَا وزوان - بالضم من غير همز - وزوان قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْفَرَّاءِ يقال في الطعام قصل وزوان ومزمرا ورعرا وَعَفَا مَنْقُوصٌ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ فَيُرْمَى بِهِ وَالشَّمْعُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالشَّمْعُ معروف وقد تفتح ميمه والفضة () وَالْقَصْلُ قَالَ ابْنُ دَاوُد وَهُوَ سَاقُ الزَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ هُوَ عُقَدُ التِّبْنِ الَّذِي يَبْقَى فِي الطَّعَامِ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ وَالشَّيْلَمُ واحد طرفيه دقيق أصغر من الزوان * * قال المصنف رحمه الله * (فصل ولا يباع رطبه بيابسه على الارض لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بيع الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فقالوا نعم فقال لا إذا) فنهى عن بيع الرطب بالتمر وجعل العلة فيه أنه ينقص عن يابسه فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَطْبٍ لَا يَجُوزُ بيع رطبه بيابسه) * (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَعْدٍ هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْأَئِمَّةُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَغَيْرُهُمَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وجمعتهم فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ الْجَارُودِ فِي المنتقى والحاكم أبو عبد الله بن التبع في المستدرك من

_ (1، 2، 3) بياض بالاصل فحرر) *)

طُرُقٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى إمَامَةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ مُحْكَمٌ فِي كُلِّ مَا يَرْوِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَاتِهِ إلَّا الصَّحِيحُ خُصُوصًا فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ لِمُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ إيَّاهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَالشَّيْخَانِ لَمْ يُخْرِجَاهُ لِمَا خَشِيَاهُ مِنْ جَهَالَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كتبه الثلاثة السنن الكبير والسنن الصغير ومسرفة السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ فَطُرُقُهُ كُلُّهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكُتُبِ تَرْجِعُ إلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَيُقَالُ فِيهِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ ابن عبد البر ولا يصح شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثِقَةٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ويقولون ان عبد الله ابن عَيَّاشٍ هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ أَخْطَأَ في اسمه بلا شك وفى موضوع آخَرَ شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الرَّاوِي عَنْهُ فَالْأَكْثَرُونَ رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ لِذَلِكَ أَنَّهُ ابْنُ هُرْمُزَ الْقَارِئُ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ وَلَمْ يَرْوِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ فِي مُوَطَّئِهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا وَهَذَا الْحَدِيثُ لعبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفين مَحْفُوظٌ وَقَدْ نَسَبَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ (قُلْتُ) وَأَبُو قُرَّةَ وَهَذَا الذى قاله ابن عبد البر لهو الصَّوَابُ وَخِلَافُهُ خَطَأٌ لِتَضَافُرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وغيره بأنه مولى الاسود بن سفين مُثْبَتًا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ البخاري قال أبو أويس مولى الاسود ابن عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ وَقَالَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ وَيُقَالُ مولى بني تميم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ الَّذِي تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ هُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَالِكُ بن أنس واسماعيل بن أمية والضحاك ابن عُثْمَانَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَالَ فِيهِ (نَهَى

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ يَحْيَى يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَفِيهِمْ إمَامٌ حَافِظٌ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ حُجَّةٌ عَلَى تَصْوِيبِ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّتِهِمَا جَمِيعًا لِثِقَةِ رِوَايَتِهِمَا وَتَكُونَانِ وَاقِعَتَيْنِ مَرَّةً نَهَى عَنْهُ نَسِيئَةً وَمَرَّةً نَهَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ زَادَ مَا أَسْقَطَهُ الْآخَرُ وَلَا تَنَافِيَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ النَّظَرَ الْحَدِيثِيَّ ههنا أَقْوَى وَالظَّاهِرُ مَعَ مَنْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ النَّسِيئَةِ وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَلَى رِوَايَتِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظِ النَّسِيئَةِ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ وَهْبٍ لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحرث ان بكر ابن عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ حَدَّثَهُ (أَنَّ مَوْلًى لِبَنِي مَخْزُومٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الرَّجُلِ يُسَلِّفُهُ الرَّجُلُ الرُّطَبَ بِتَمْرٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ سَعْدٌ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا) وَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَإِنْ ثَبَتَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ كَمَا قَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ قَرِيبًا فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون سئل عنه نبيئة فهى عَنْهُ وَسُئِلَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْهُ مُطْلَقًا فَنَهَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ فَالْحُكْمُ بِإِسْقَاطِ الزيادة متعيين قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْخَبَرُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِنُقْصَانِ الرُّطَبِ فِي الْمُتَعَقَّبِ وَحُصُولُ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ النهى لاجل النيسئة فلذلك لم لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِمَّنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ بِرِوَايَتِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد قال لان علة النسأ عِنْدَنَا الطَّعْمُ وَعِنْدَهُمْ الْجِنْسُ (أَمَّا) النُّقْصَانُ فَلَا والله أَعْلَمُ * وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ حَسَنَةٌ وَصَحِيحَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَنْعَ مُطْلَقٌ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبَايَعُوا التَّمْرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبَايَعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بالتمر) متفق عليه وَعَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ

بِالتَّمْرِ كَيْلًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ قَالَ (نَهَى رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ الْجَافِّ) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ آخَرَ ضَعِيفٍ أَيْضًا وَعَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ فَقَالَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ) لَكِنْ فِي سَنَدِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رُطَبٍ بِيَابِسٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُزَابَنَةِ حَدِيثٌ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَفْظُهُ (رُخِّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ) فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ شَاهِدًا لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ التَّحْرِيمِ لَكِنْ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُسَلِّمُ سَبْقَ التَّحْرِيمِ فِي الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُقَالُ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ وَلِذَلِكَ قبله ابن المفلس الظَّاهِرِيُّ وَسَبَقَهُمَا إلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنَّ أَبَا عَيَّاشٍ لَا يُعْرَفُ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ فَسَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تابعه اه وَمَدَارُ تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ عَلَى جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَوَّلُ مَنْ رَدَّهُ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وقال هُوَ مَجْهُولٌ لَمَّا

سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ دُخُولِهِ بَغْدَادَ وعلى أنه يتضمن مالا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ عَمَّا لَا يَخْفَى فَأَمَّا تَضْعِيفُهُ بِسَبَبِ جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَدْ قَالَ الدارقطني فيما نقل التربشتى عَنْهُ أَنَّهُ ثِقَةٌ فَتَثْبُتُ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ إنَّهُ مَجْهُولٌ فان ذلك ليس بتخريج (وَأَمَّا) التَّضْعِيفُ بِسَبَبِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا تَكَلَّمَ فِي أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وقال زيد أبو عياش رواية ضَعِيفَةٌ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لا يجوز أن يحتج به قال الخطابى وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ وَأَبُو عَيَّاشٍ هَذَا مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ بِوَجْهٍ وَهَذَا مِنْ شَأْنِ مَالِكٍ وَعَادَتُهُ مَعْلُومَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ وَكَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عنه اثنان ثقتان عبد الله ابن يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُمَا مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ هَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي مُوَطَّئِهِ مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ وَنَقْدِهِ وَتَتَبُّعِهِ لِأَحْوَالِهِمْ وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ وَصَحَّحَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَصَحَّحَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَذَكَرَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْكُنَى وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (قُلْتُ) وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي تَرْجَمَةِ

عبد الله بن يزيد الرواى عَنْهُ وَوَصَفَهُ بِالْأَعْوَرِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ وَالتَّمْهِيد بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي جَهَالَتِهِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ هَذَا هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ وَأَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ اسْمُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ حَفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْهُ وَشَهِدَ مَعَهُ بَعْضَ مُشَاهَدِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَهُوَ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ فقال فيه الزُّرَقِيِّ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ عَدْلٍ مُثْبِتَةٌ أَنَّهُ هُوَ الصَّحَابِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَاجْتِمَاعُ الشَّافِعِيِّ وَالْعَدَنِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لَكِنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا اشْتَهَرَ فِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ وَأَحَالَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ أَبُو عَيَّاشٍ هُوَ الزُّرَقِيُّ قَالَ لِأَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ مِنْ جُلَّةِ أصحاب رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدْرِكْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَإِنْ كَانَ هُوَ إيَّاهُ فَقَدْ كَفَيْنَاهُ مُؤْنَةَ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَيَكْفِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْثِيقِ الدَّارَقُطْنِيّ لَهُ وَحُكْمِ الْأَئِمَّةِ بِتَصْحِيحِ حَدِيثِهِ وَأَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ عَاشَ إلَى زَمَانِ مُعَاوِيَةَ مَاتَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَكُلُّ الرُّوَاةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ أبو عياش - بالباء الْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - إلَّا رِوَايَةً ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي جَمْعِهِ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن اسحق

ابن خُزَيْمَةَ يُسْنِدُهُ إلَى يَحْيَى قَالَ فِيهَا إنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَوْ عَيَّاشٍ شَكَّ يَحْيَى وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ ضَبْطِ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ إلَى يَحْيَى وَقَالَ فيه (نهى رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ يابس) هكذا وقع في الكتاب وعليه تطبيب وَعَلَامَةٌ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا فَهُوَ اخْتِلَافٌ مُوهِنٌ لِرِوَايَةِ يَحْيَى أَيْضًا * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ إلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالنُّقْصَانِ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَقَدْ عُلِمَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ حصته (وَأَمَّا) الْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَوَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمِنْ جِهَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ (أَمَّا) رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَيْنَاهَا عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ (وَأَمَّا) رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ فَرَوَيْنَاهَا فِي سُنَنِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي يَرْوِيهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَفِيهَا وَصْفُ أَبِي عَيَّاشٍ بِالزُّرَقِيِّ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مُتَابَعَةُ الْعَدَنِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَفْعُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُونَ (سُئِلَ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ) وَكَذَلِكَ هُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرِهِمْ وَبَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ يَقُولُونَ (عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ) كَذَلِكَ هُوَ فِي النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ مَنِيعٍ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ (وَقَالَ) أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَوَكِيعٌ وَابْنُ نُمَيْرٍ شَيْخُ أَحْمَدَ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَخَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ شيخا ابراهيم الحزبى خَمْسَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ (الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ) مِثْلُ رِوَايَةِ الْآخَرِينَ (وَقَالَ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ (عَنْ تَمْرٍ بِرُطَبٍ) مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَشْهُورَةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ (تَبَايَعَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ وَرُطَبٍ) فَلَمْ يُعَيِّنُوا شَيْئًا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (عَنْ بَيْعٍ) فَلَمْ أَجِدْهُ في شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ كُلُّهُمْ إمَّا بِلَفْظِ الشِّرَاءِ وَإِمَّا بِحَذْفِهِمَا مَعًا وَأَنَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ بَعْدَهُ (1) أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ يَقُولُونَ فِي آخِرِهِ (قَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ) وَكَذَلِكَ لَفْظُ أَبِي دَاوُد والترمذي

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ (فَكَرِهَهُ) وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ فِيهِ (قَالُوا نعم فَلَا إذًا) مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ جَمِيعًا وَذَكَرَهُ أَبُو قُرَّةَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِسْمَاعِيلَ فَقَالَ فِيهِ (فَنَهَاهُ عَنْهُ) وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فِيهِ (فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَا أَوْ فَنَهَى عَنْهُ) هَكَذَا رَوَاهُ عَلَى الشَّكِّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ (إذَا يَبِسَ) وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكٍ (إذَا جَفَّ) ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ (أَيَنْقُصُ؟) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (أَلَيْسَ يَنْقُصُ؟) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ فِيهِ إذَا يَبِسَ نَقَصَ) هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الْخَرَّازِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَنْ يُرِيدُ تَحْرِيرَ النَّقْلِ وَلْنَذْكُرْ لَفْظَ الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ مُحَرَّرًا رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فقال له سعد أيتهما أَفْضَلُ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ عَنْ شِرَاءَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) وَهُوَ فِي الْأُمِّ كَذَلِكَ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِي الْإِمْلَاءِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ بِهَلْ وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ وَالتَّنْبِيهُ فِيهِ عَلَى نُكْتَةِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ لِيَعْتَبِرُوهَا فِي نَظَائِرِهَا وَأَحْوَالِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ إذَا يَبِسَ نَقَصَ فَيَكُونُ سُؤَالَ تَعَرُّفٍ وَاسْتِفْهَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَهَذَا كَقَوْلِ جَرِيرٍ أَلَسْتُمْ خَيْرُ مَنْ رَكَبَ الْمَطَايَا * وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا اسْتِفْهَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَدْحٌ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْتُمْ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) وقوله (ألم نشرح لك صدرك) وَغَيْرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اعْتَنَى الْأَصْحَابُ بِبَيَانِهِ هُنَا لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ضَعَّفَ بِهِ الْخَصْمُ هَذَا الْحَدِيثَ كَوْنُهُ مُتَضَمِّنًا لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ أَمْرٍ لَا يَخْفَى (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ

رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَفِيهِ دَلَائِلُ (مِنْهَا) أَنَّهُ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالرُّطَبِ عَنْ نُقْصَانِهِ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا حَضَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ وَبِهَذَا صِرْنَا إلَى قِيَمِ الْأَمْوَالِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَبُولِ مِنْ أَهْلِهَا (وَمِنْهَا) أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي مُتَعَقَّبِ الرُّطَبِ فَلَمَّا كَانَ يَنْقُصُ لَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ مِنْ الرُّطَبِ إذَا كَانَ نُقْصَانُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَقَدْ حَرُمَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَتْ فِيهَا زِيَادَةُ بَيَانِ النَّظَرِ فِي الْمُتَعَقَّبِ مِنْ الرُّطَبِ فَدَلَّتْ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْكَيْلَيْنِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الْبُيُوعِ فِي الْمُتَعَقَّبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَهُمَا رَطْبَانِ مَعْنَاهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ قَرِيبًا من ذلك وَزَادَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ بَعْضٌ لَا بَأْسَ بِالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ قَالَ قَوْلُنَا فِي كَرَاهِيَةِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ عَادَ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِحِنْطَةٍ رَطْبَةٍ بِحِنْطَةٍ يَابِسَةٍ وَحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ نُقْصَانًا إذَا يَبِسَ مِنْ الْآخَرِ وَتَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا فِي الْأُمِّ عَلَى قَوْلِ سَعْدٍ فِي الْبَيْضَاءِ وَالسُّلْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا خِلَافًا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيمَا إذَا بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الْأَرْضِ بِالتَّمْرِ وَكَذَلِكَ حكاه مجلى عن الابانة للفورانى ولم أجده في شئ مِنْ الْكِتَابَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ فِي خَمْسَةِ أوسق فما دونها تخرجا عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا وَعِبَارَةُ التَّتِمَّةِ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْفُورَانِيِّ مُطْلَقَةً (أَمَّا) الزَّائِدُ عَلَيْهَا فَلْيُفْهَمْ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَقَلَ هَذَا الْخِلَافَ إلَّا مُجَلِّيٌّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَيْفَمَا كان فهو مردود يجب اعتقاده أَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْهُمَا أَوْ سُوءٌ فِي العبارة واطلاقها ولعل حملها على ذلك اطلاق عبارة الفورانى ولكن ذاك لانه قد ذكرها في فصل العرايا فكان ذلك قرية بِخِلَافِهِمَا حَيْثُ تَكَلَّمَا فِي فَصْلِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْكِفَايَةِ أَوْجَبَ الْإِفْهَامَ فِيهِ كَوْنُهُ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَحِلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِمَّنْ ذَهَبَ

إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الصَّحَابَةِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا أحاط العلم بانهما إذا يبسا تساويا جاز وأحمد بن حنبل واسحق وَدَاوُد هَكَذَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمَنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنْ بِيعَ مُتَمَاثِلًا فَالْمَنْعُ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِنْ كَانَ التَّمْرُ أَكْثَرَ فَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَالتَّخْمِينُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَرَايَا * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ دَاوُد مُوَافَقَتَهُ لَهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ الا أن أَبَا حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ سَعْدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَ أَحَدٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَهَكَذَا يَقُولُهُ فِي كُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ بِيَابِسِهَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْإِمْلَاءِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُوَافَقَةُ أَبِي يُوسُفَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا وَجْهَ لَهُ فَمَتَى ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ ثَبَتَ فِيهَا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورُ فِي الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) الرَّطْبَةُ مِنْ الْأَصْلِ كَالْفَرِيكِ فَلَا يَجُوزُ بِالْيَابِسَةِ وَلْنَرْجِعْ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَمَحِلِّ الْخِلَافِ فِي الرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الْأَرْضِ * وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الرُّطَبَ والتمر إما أن يكونا جنسا واحد أو جنسين فان كانا جنسا واحد فَبَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَبَيْعُ جِنْسٍ بِجِنْسٍ آخَرَ أَجْوَزُ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ لَا يَخْفَى وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ دَخَلَ بَغْدَادَ فَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا شَدِيدِينَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَذَكَرَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فَأُورِدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ فَقَالَ إنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ قَالَ شَارِحُ الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ وَهَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قِسْمٌ ثَالِثٌ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ التَّرْدِيدِ الْمَذْكُورِ جَازَ فِيهَا وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يُمْنَعْ توقع نقص يحدث الْعَقْدِ كَالتَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْحَدِيثِ أَوْ الْعَتِيقِ والسمسم بالسمسم وإن كان يؤول إلَى الشَّيْرَجِ (وَأَجَابُوا) عَنْ حَدِيثِ سَعْدٍ بِجَهَالَةِ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ وَبِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذا كان نسيئة وقد ورد ذلك فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهَا

وَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَتُحْمَلُ النَّوَاهِي الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى ما إذا كان الرطب على رؤس النَّخْلِ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ (وَاحْتَجُّوا) أَيْضًا بِعُمُومِ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (التَّمْرُ بِالتَّمْرِ) وَقَالُوا إنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهَا فَإِنْ اعْتَذَرُوا بِأَنَّ طَحْنَ الدَّقِيقِ صَنْعَةٌ تُعَارِضُ عَمَلَهَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا التَّفَاضُلَ بين الدقيق والحنطة ثم ان الصنعة لاأثر لَهَا فِي عُقُودِ الرِّبَا (وَعَنْ) الثَّانِي بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّسَاوِي حَالَةَ الِادِّخَارِ وَبِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ مُسْتَنْبَطَةٌ وَعِلَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى (وَعَنْ) جَهَالَةِ أَبِي عَيَّاشٍ بِمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ) الِاحْتِجَاجِ بِالْمَفْهُومِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِأَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِذَلِكَ لَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَامَّ الْمَذْكُورَ قَارَنَهُ تَعْلِيلٌ وَهُوَ قَوْلُهُ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) فَصَارَ مَعْنَاهُ خَاصًّا كَأَنَّهُ قَالَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بَعْدُ لِأَنَّ اعْتِبَارَ التَّسَاوِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَالْمَفْهُومُ الْمُقَابِلُ لَهُ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُهُ كَالْقِيَاسِ فَيُسْقِطُهُ لِرُجْحَانِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَقُولُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْطُوقِ وَيَتَقَابَلَانِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْمَنْطُوقُ أَوْلَى لِأَنَّهُ نُطْقٌ خَاصٌّ مَعَهُ تَعْلِيلٌ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَا تَعْلِيلَ مَعَهُ هَكَذَا حَكَى هَذَا الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْبِنَاءَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَائِلٌ بِمُسَاوَاةِ الْمَفْهُومِ لِلْمَنْطُوقِ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنْ التَّعْلِيلِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ رَاجِحٌ عَلَى الْمَفْهُومِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَفْهُومُ خَاصًّا وَالْمَنْطُوقُ عَامًّا وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَبَعْضَهُمْ يُسْقِطُ الْمَفْهُومَ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَفْهُومَ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ (وَعَنْ) احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي الرُّطَبِ وَالْيَابِسِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْيَابِسِ بِدَلِيلِ ما ذكرنا وعن قوله (التمر بالتمر) أن الرُّطَبَ لَا يُسَمَّى تَمْرًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ التَّمْرَ فَأَكَلَ الرُّطَبَ لَمْ يَحْنَثْ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَمْلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ على رؤس النَّخْلِ لَا يُكَالُ (وَأَيْضًا) فَإِنَّ الْمُزَابَنَةَ تَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَعَنْ) قِيَاسِهِمْ عَلَى بَيْعِ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مَجْمُوعَةٍ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والماوردي والمحاملى (أحدهما) أَنَّ النَّقْصَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كتخصيص العموم

(الثَّانِي) أَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ وَالْعَتِيقَ تَسَاوَيَا فِي حَالَةِ الِادِّخَارِ فَلَا يَضُرُّ النُّقْصَانُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ نُقْصَانَ الْحَدِيثِ يَسِيرٌ وَقَدْ يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحِنْطَةِ تُرَابٌ وَزُوَانٌ يَسِيرٌ (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَتِيقِ إذَا لَمْ تَبْقَ النَّدَاوَةُ فِي الْحَدِيثِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ دُونَهَا فِي الْمِكْيَالِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاعْتَرَضَ نَصْرٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرِ المجهول فكيف يدفعون هذا الخبر به لو كَانَ مَجْهُولًا كَمَا ادَّعُوهُ وَعُمْدَتُنَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَهُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ غَيْرِ شَغَبٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا امْتِنَاعَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الدَّقِيقَ الَّذِي فِي الْحِنْطَةِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّقِيقِ الَّذِي فِي مقابلة لانه ينتقض بيع جَيِّدَةٍ بِحِنْطَةٍ ضَامِرَةٍ مَهْزُولَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالدَّقِيقُ فِي الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ وَلَهُمْ وَلِأَصْحَابِنَا أَجْوِبَةٌ وَأَسْئِلَةٌ ضَعِيفَةٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ مُقْنِعٌ وهذه المسألة مما تلتبث أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هَلْ هُوَ وُجُوبُ الْمُسَاوَاةِ كَمَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَاوِي الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْضَاءُ بِالسُّلْتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُ الْبَيْضَاءِ وَأَنَّهَا الشَّعِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ السُّلْتَ وَالشَّعِيرَ عِنْدَ سَعْدٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يجوز التفاضل بينهما وكذلك القمح معها صِنْفٌ وَاحِدٌ قَالَ وَهَذَا مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَلْنَرْجِعْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُ) الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَرْضِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَاحْتِرَازٌ عَنْ بيع الرطب على رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ إلَّا الْعَرَايَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ عَلَى الْأَرْضِ حَالًا مِنْ رُطَبِهِ أَيْ لَا يُبَاعُ رُطَبُهُ حَالَ كَوْنِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِيَابِسِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَابِسَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقُصُ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الْفَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْوَصْفِ (وَالثَّانِي) إذَا فَإِنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ (وَالثَّالِثُ) اسْتِنْطَاقُهُ وَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُقْصَانِهِ إذَا يَبِسَ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاضِرُونَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النُّقْصَانُ عِلَّةً فِي الْمَنْعِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ وَهَذَا الْمِثَالُ عَدَّهُ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَقْسَامِ الْإِيمَاءِ والتنبيه لكنه

لِأَجْلِ ازْدِحَامِ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إنَّهُ تَرَقَّى فِي الظُّهُورِ إلَى رُتْبَةِ الصَّرِيحِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وَشَرْحِهَا إنَّ ذَلِكَ أَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ فلا إذا) صَرِيحٌ فِي التَّعْلِيلِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يُفِيدُ ذِكْرُهَا غَيْرَ التَّعْلِيلِ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ فِي الْمَعُونَةِ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) بَعْدَ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَطْبٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ مُسْتَنَدُهُ الْقِيَاسُ وَعُمُومُ الْعِلَّةِ فَيَعُمُّ الْحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي ادَّعَاهَا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ رُطَبُهُ بِيَابِسِهِ مُطْلَقًا فِي بَعْضِهِ بِالنَّصِّ وَفِي بَاقِيهِ بِالْقِيَاسِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ النَّصَّ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * وَأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ فِي رُتْبَةِ الصَّرِيحِ لَا تَكُونُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى جَمِيعِ مَحَالِّهَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا ثَابِتًا بِالنَّصِّ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (وَقَوْلُهُ) رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ يَشْمَلُ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ وَالْبَلَحَ وَالْخِلَالَ بِلُغَةِ الْعِرَاقِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمِصْرِيُّونَ رَامِخًا لَا يجوز أن يباع شئ مِنْهَا بِالتَّمْرِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَالْحِصْرِمُ إذَا بِيعَ بِالزَّبِيبِ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ رُطَبُهَا بِيَابِسِهَا وَكَذَلِكَ الْبُنْدُقُ وَالْفُولُ وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ وَالْخَوْخُ الرَّطْبُ بِالْمُقَدَّدِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ بِهِ (1) وَكَذَلِكَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا بِيعَ بِالْآخَرِ كَالرُّطَبِ الْمَقْلِيِّ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ لَا يَجُوزُ أَيْضًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ كُلِّهَا وَهُمْ وَالشَّافِعِيُّ مُصَرِّحُونَ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ رَطْبٌ بِيَابِسٍ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شئ مِنْهَا إلَّا فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالرُّطَبِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فَأَشْبَهَ الْقَصْلَ بِالْحِنْطَةِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلْعِ يَصِيرُ رُطَبًا بِخِلَافِ الْقَصْلِ (وَالثَّالِثُ) قَالَا وَهُوَ أَصَحُّ إنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ جَازَ لِأَنَّهُ صَارَ رُطَبًا وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ لَمْ يَجُزْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبُسْرَ وَالْبَلَحَ كَالرُّطَبِ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَكَذَلِكَ الْخَلَّالُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ كَالدِّبْسِ وَالنَّاطِفِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِتَمْرٍ وَلَا رُطَبٍ وَلَا بِمَا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ رطبا كالبلح وَالْخِلَالِ وَالْبُسْرِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إمَامُ الحرمين عند الكلام الْأَجْنَاسِ إنَّ الْبَلَحَ مَعَ الرُّطَبِ وَالْحِصْرِمِ مَعَ الْعِنَبِ كَالْعَصِيرِ مَعَ الْخَلِّ عِنْدَهُ وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عنده

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

فِي الْعَصِيرِ مَعَ الْخَلِّ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ جَوَازُ بَيْعِ الْبَلَحِ بِالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا وَجَوَازُ بَيْعِ الْحِصْرِمِ بِالْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِنْسِيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ فَهَذَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ جِنْسَانِ بَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ * وَاعْلَمْ أن الْحُكْمَ بِكَوْنِ الطَّلْعِ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ جِنْسًا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِأَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِاسْمٍ خَاصٍّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُمَا جِنْسَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَشْهُورِ فِي اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْأَجْنَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ رُطَبِهِ بِيَابِسِهِ عَائِدٌ عَلَى مَا حَرُمَ بِهِ الرِّبَا الَّذِي صُدِّرَ بِهِ الْفَصْلُ السَّابِقُ عَلَى الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَاتِّحَادُ الضَّمِيرِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ أَيْ لَا يُبَاعُ رَطْبُ الْجِنْسِ بِيَابِسِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مُقْتَصِرًا عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ بَلْ كُلُّ رَطْبٍ بيابس إذا كان ربويا من جنس واحدا كَحَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ الرَّطْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ يَعْنِي تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِنْ الْوَاضِحَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالْعِنَبِ وَالْعِنَبِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ بِالزَّبِيبِ وَالزَّبِيبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَدْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ كَبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ إذَا تَسَاوَيَا في المكيال وذلك بالاتفاق وكذلك كل تمرة لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ الَّذِي يُفْلَقُ وَالْكُمَّثْرَى الَّذِي يُفْلَقُ وَالرُّمَّانُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ مَرَّ بعضه عند الكلام في المعيار والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * (وأما بيع رطبه برطبه فينظر فيه فان كان ذلك مما يدخر يابسه كالرطب والعنب لم يجز بيع رطبه برطبه وقال المزني يجوز لان معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع بعضه ببعض كاللبن والدليل على انه لا يجوز إنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّمَاثُلُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الكمال والادخار فلم يجز بيع احدهما بالآخر كالتمر بالتمر جزافا ويخالف اللبن فان كماله في حال رطوبته لانه يصلح لكل ما يراد به والكمال في الرطب والعنب في حال يبوسته لانه يعمل منه كل ما يراد منه ويصلح للبقاء والادخار) *

(الشَّرْحُ) الطَّعَامُ الرَّطْبِ مِنْهُ مَا يَخْرُجُ عَنْ الرُّطُوبَةِ فِي حَالٍ يَصِيرُ يَابِسًا وَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَإِلَى مَا لَا يدخر فذكر المصنف في الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا أَبَدًا إذَا تُرِكَ لَمْ يَنْتَنْ مِثْلَ الزَّيْتِ والسمن والشيرج والادهان واللبن والخل وغيره مِمَّا لَا يَنْتَهِي بِيُبْسٍ فِي مُدَّةٍ جَاءَتْ عليه ابدا إلَّا أَنْ يَبْرُدَ فَيَجْمُدَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَعُودُ ذَائِبًا كَمَا كَانَ أَوْ بِأَنْ يُقَلَّبَ بِأَنْ يُعْقَدَ عَلَى نَارٍ أَوْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ يَابِسٌ فَيَصِيرُ هَذَا يَابِسًا بِغَيْرِهِ وَعَقْدِ نَارٍ فَهَذَا الصِّنْفُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رَطْبًا بِمَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رُطُوبَةَ مَا يَبِسَ مِنْ التمر رطوبة في شئ خلق مستحسلا انما هو رطوبة طرأ كطروت اغْتِذَائِهِ فِي شَجَرِهِ وَأَرْضِهِ فَإِذَا زَالَ مَوْضِعُ الِاغْتِذَاءِ مِنْ مَسِّهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ وَمَا وُصِفَتْ رُطُوبَتُهُ مُخَرَّجَةً مِنْ أَمَاتَ الْحَيَوَانِ أَوْ تمر شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ قَدْ زَالَ الشَّجَرُ وَالزَّرْعُ الَّذِي هُوَ لَا يَنْقُصُ بِمُزَايَلَةِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ نَفْسُهُ وَلَا يَجِفُّ بِهِ بَلْ يَكُونُ مَا هُوَ فِيهِ رَطْبًا انْطِبَاع رُطُوبَتِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَعُودُ يَابِسًا كَمَا يَعُودُ غَيْرُهُ إذَا تُرِكَ مُدَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْتُ فَلَمَّا خَالَفَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَهُ عَلَيْهِ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ وَلِأَنَّا كَذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لَا مُتَنَقِّلًا إلَّا بتنقل غيره اه فَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ بَلْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِهِ فِيمَا بَعْدُ كَالْخُلُولِ وَالْأَلْبَانِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّطْبِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ يَابِسُهُ وَقَسَّمَهُ قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) الَّذِي يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَا غَالَبَ مَنَافِعُهُ فِي حَالِ يُبْسِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِرُطَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في باب بيع الآجال وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَصْلُحُ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فقال (اينقص الرطب إذا يبس فقال نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ) فَنَظَرَ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ فِي الْمُتَعَقَّبِ فَلَا يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ لانهما إذا تيبسا اختلف نقصيهما فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ فِي الْمُتَعَقَّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْأُمِّ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ فِي بَابِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا جَازَ في الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبُ نَفْسُهُ بِبَعْضٍ لَا يَخْتَلِف ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَ رُطَبًا فِرْسِكٌ وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ وَإِجَّاصٌ وَكُمَّثْرَى وَفَاكِهَةٌ لَا يُبَاعُ شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف مِنْهَا بِمَكِيلٍ (قُلْتُ) وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ

وَمَا لَا يُدَّخَرُ وَمَقْصُودُهُ مَنْعُ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَبُيِّنَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُشْتَرَى رَطْبٌ بِرَطْبٍ لِأَنَّ أَحَدَ الرَّطْبَيْنِ أَقَلُّ نَقْصًا مِنْ الْآخَرِ وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يُجَفَّفُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ تَجْفِيفُهُ غَالِبًا أَمْ لَا وَلَمْ يَفْصِلْ الْعِرَاقِيُّونَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ فَنُؤَخِّرُ الْكَلَامَ فِيمَا جَفَافُهُ نَادِرٌ وَنَجْعَلُ الْكَلَامَ الْآنَ فِيمَا جَفَافُهُ غَالِبٌ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَهُوَ أَصْلُ مَا يُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالرُّويَانِيِّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ فَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ قال الجعدى إنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَمَحِلُّ الكلام في الزائد على خمسة أوسق (أما) إذَا بَاعَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَمَا دُونَهَا رَطْبًا مَقْطُوعًا عَلَى الْأَرْضِ بِمِثْلِهِ فَسَيَأْتِي فِي الْعَرَايَا فِيهِ خِلَافٌ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ وَقَدْ خَالَفَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ وَالْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا حَكَى عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ جَائِزٌ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْكَلَامُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ التكليف لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَجْوَزُ (فَأَمَّا) مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَقَدْ مَنَعُوا بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَجَازُوا هَذَا فَالْكَلَامُ مَعَهُمْ (أَمَّا) حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرَةٌ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ حَقِيقَةُ الْمُفَاضَلَةِ فَفِيهِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْحَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْجَفَافِ فَإِنَّ فِي الْأَرْطَابِ مَا يَنْقُصُ كَثِيرًا وَهُوَ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْمَاءِ رَقِيقَ الْقِشْرَةِ فَإِذَا يَبِسَ ذَهَبَ مَاؤُهُ وَلَحْمُهُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شئ ومثله الاصحاب بالهلبات وهو (1) والابراهيمي وهو (2) وَغَيْرُهُمَا وَمِنْهُ مَا يَنْقُصُ قَلِيلًا وَهُوَ مَا كَثُرَ لَحْمُهُ وَقَلَّ مَاؤُهُ وَغَلُظَ قِشْرُهُ وَمَثَّلُوهُ بالمعقلى والبرنى والطبرزوى وَهَذَا مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّمَاثُلُ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ وَزَادَ الْأَصْحَابُ فَقَالُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَ الْمَنْعُ إذَا وُجِدَ النُّقْصَانُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى البخاري حديث ابن عمر المتقدم

_ (1 و 2) بياض بالاصل فحرر) *)

فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التمرة بالتمرة فَيَشْمَلُ الرُّطَبَ وَسَائِرَ أَحْوَالِهِ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصْرَحُ مِنْ رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ) فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَتَكُونُ مُوَافِقَةً لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إحْدَاهُمَا التَّمْرُ بِالْمُثَنَّاةِ وَكَذَلِكَ ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأُولَى بِالْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمُثَنَّاةِ يَعْنِي بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ هَذِهِ فَصَرِيحَةٌ فَإِنَّهَا بِزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا وَلَمَّا لَمْ يَتَمَسَّكْ الْأَصْحَابُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ اعْتَرَضَ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ النُّقْصَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُوجِبٌ لِلتَّفَاوُتِ وَالنُّقْصَانَ فِي الطَّرَفَيْنِ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفَاوُتِ النَّقْصِ فِي الْأَرْطَابِ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرَاعِ التَّفَاوُتَ فِي الثَّانِي وَإِنَّمَا رَاعَى النُّقْصَانَ إذَا يَبِسَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الرَّطْبَيْنِ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي جُمُودٌ عَلَى الْوَصْفِ وَظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّقْصَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بحصول التفاضل فِي الرِّبَوِيِّ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ نَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ مَا إذَا بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَمَا إذَا بِيعَ خَرْصًا كَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ تمر بصاعين رطبا فظن أنه يجئ مِنْهَا صَاعٌ وَالْأَوَّلُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ بَيْنَ الرطبين لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَالِ الْأَرْطَابِ صَارَ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا جُزَافًا وَاحْتِمَالُ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْجَفَافِ كَاحْتِمَالِ كَوْنِ الصُّبْرَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَيْضًا فَكُلُّ جِنْسٍ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنْ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ جُزَافًا وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ لِحَالَةِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ تَحْقِيقٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا * وَاعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ مَعَ الحرص لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَلْ هِيَ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ فِي الْعَرَايَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسَاوَاةُ بِالْخَرْصِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فَوْقَ الشَّكِّ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ في هذه النخلة رطب يجئ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا التَّمْرِ الْمَكِيلِ عَلَى الْأَرْضِ جَوَّزْنَاهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْخَرْصِ أو تكون العلة منقوصة كَمَا هِيَ فَيُحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ الشَّارِعَ اكْتَفَى بِالظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ الْخَرْصِ رُخْصَةً فِي الْعَرَايَا

وَغَيْرُهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا فَلَا يَحْسُنُ إيرَادُهَا نَقْضًا وَمَقْصُودُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ دَفْعُ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ بِالْفَرْقِ لَا أَنَّ وَصْفَ عِلِّيَّةِ الظَّنِّ مُصَحِّحٌ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ إذَا بِيعَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمَا إذَا بَقِيَا يَبِسَا جَمِيعًا وَنَقَصَا نُقْصَانًا وَاحِدًا وَمَا يَحْصُلُ بينهما من التفاوت في حال اليبس يسير مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي التَّمْرِ الْحَدِيثِ إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَرُبَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ النَّقْضِ عَلَى عِلَّتِنَا فَقَالُوا النُّقْصَانُ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مَوْجُودٌ فِي التَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْحَدِيثِ وَمَعَ هَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ فَانْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى اللَّبَنِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا لِأَنَّ التَّمْرَ يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الرُّطَبُ وَزِيَادَةُ الِادِّخَارِ وَلَا يَصْلُحُ الرُّطَبُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ التَّمْرُ وَاللَّبَنُ يَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَإِذَا جُبِّنَ أَوْ جُعِلَ لَبَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْ لِكُلِّ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ لِلَّبَنِ حَالَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي إلَيْهَا بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الرُّطَبِ وَعَنْ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ فِي أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي النُّقْصَانِ إذَا يَبِسَا بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْطَابَ تَتَفَاوَتُ فِي الْيُبْسِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي حَالِ كَمَالِهَا وَالتَّفَاضُلُ الْمُحْتَمَلُ هُنَا أَكْثَرُ مِنْ الْحَاصِلِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ يَتَنَاهَى فِي الْجَفَافِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَالَةٍ يَظْهَرُ فِيهَا التَّفَاوُتُ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ وَمَعَ هَذَا لَا يَرِدُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ (وَأَمَّا) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَإِنَّهُ أَجَابَ عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِلَّتَانِ مُسْتَنْبَطَةٌ وَمَنْصُوصَةٌ فَالْمُسْتَنْبَطَة لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَخْصُوصَةِ فَقِيلَ كَالْمُسْتَنْبَطَةِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا لِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ عِلَّةً لِاطِّرَادِهَا وَالْمَنْصُوصَةُ عِلَّةٌ بِالنَّصِّ فَجَرَتْ مَجْرَى الاسماء إذا قام دليل على خصوصها تخصصت والنقص مندفع على كِلَا الطَّرِيقَيْنِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ مُجَرَّدَ النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ قَبْلَ حَالَةِ الِادِّخَارِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا نُقْصَانٌ يَحْدُثُ بَعْدَ بُلُوغِ حَالَةِ الِادِّخَارِ * (فَرْعٌ) هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي تَجْفِيفُهُ غَالِبٌ إذَا جُفِّفَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ إذَا كَانَ لَهُ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ هَلْ يجوز بيع بعضه ببعض أولا وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ كُلَّ مَا

يُجَفَّفُ غَالِبًا فَهُوَ مُقَدَّرٌ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُجَفَّفُ غَالِبًا وَهُوَ غير مقدر حتى يتردد في بيعه في حَالَةَ جَفَافِهِ فَإِنْ فُرِضَ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) أَمَّا مَا لَا يَغْلِبُ تَجْفِيفُهُ بَلْ تَجْفِيفُهُ فِي حُكْمِ النَّادِرِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ رُطَبٍ الجنس وَأَكْثَرُ الْغَرَضِ فِي رُطَبِهِ فَقَدْ ذَكَر الْإِمَامُ فيه ثلاث أَوْجُهٍ وَمَثَّلَهُ بِالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ رَطْبًا وَيَابِسًا (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ رَطْبًا وَيَابِسًا فَإِنَّهُ لَمْ تَتَقَرَّرْ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ لَا رَطْبًا وَلَا يَابِسًا (وَالثَّالِثُ) الْمَنْعُ رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ إلَى الْجَوَازِ رَطْبًا وَالْمَنْعِ جَافًّا ثُمَّ الرَّطْبُ الَّذِي لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى القاضى حسين في حالة الخوف وَجْهَيْنِ فِي الْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْبِطِّيخِ الَّذِي يَتَفَلَّقُ وَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ * (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ جَفَافُ الْبِطِّيخِ حَيْثُ يُعْتَادُ مِنْ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ جَفَافِ الْمِشْمِشِ قَالَ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ * (فَرْعٌ) الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي الْبِطِّيخِ وَالْمِشْمِشِ امْتِنَاعُهُ رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ جَافًّا كَامِلًا ذَا مِعْيَارٍ جَازَ بَيْعُهُ قَطْعًا وَإِنْ فُقِدَ الْمِعْيَارُ كَمَا مُثِّلَ أَوْ الْكَمَالُ كَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ والرطب الذى لا يحنى مِنْهُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ وَإِنْ فُقِدَ الْكَمَالُ وَالْجَفَافُ امْتَنَعَ قَطْعًا كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ غَالِبًا * (فرع) قول الشيخ رحمه الله رُطَبَةٌ بِرُطَبَةٍ يَشْمَلُ الْيُبْسَ وَالرَّطْبَ وَالطَّلْعَ وَالْخِلَالَ وَغَيْرَ ذَلِكَ إذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ أو بالآخر وإذا امتنع بيع الشئ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ بِالْآخَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَإِنَّ النُّقْصَانَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَكْثَرُ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمِ (تَبَايَعَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُسْرٍ وَرُطَبٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذا) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِالسَّنَدِ الْمَشْهُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْبُسْرِ تَصْحِيفًا فَهُوَ حُجَّةٌ فِي هَذِهِ المسألة *

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْقَسْمُ فِيهِ كَالْبَيْعِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ لِذَلِكَ فُرُوعًا (مِنْهَا) لَوْ كَانَتْ ثَمَرَةٌ عَلَى أُصُولِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا خَرْصًا (وَقُلْنَا) الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّهُ الْأَشْهَرُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِحَّ (وَإِنْ قُلْنَا) إفْرَازٌ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يصح لان خرصه لا يجوز وان كان مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَقَوْلَانِ (نَقَلُوا) عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ خَرْصُهَا لِمَعْرِفَةِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَتَضْمِينِهِ جَازَ لِتَمْيِيزِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ عَنْ الْآخَرِ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَغَيْرُ الْمَحَامِلِيِّ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلِهِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لِأَنَّ الْخَرْصَ ظَنٌّ لَا يُعْلَمُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَفِي الزَّكَاةِ جَوَّزْنَا الخرص لان الخرص للمساكين فيه حقيقة شركة بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ حَقِّهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْإِبَانَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ قَوْلًا وَاحِدًا يَصِحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا بَيْعٌ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (قُلْتُ) فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا ثَلَاثُ طُرُقٍ فَكُلُّ رِبَوِيٍّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْإِفْرَازِ وَهَلْ تَجُوزُ قِسْمَةُ أَمْوَالِ الرِّبَا الْمَكِيلِ وَزْنًا وَالْمَوْزُونُ كَيْلًا (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ جَازَ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ قسمة الرطب ونحوه وزنا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الطَّعَامِ وَلَا غَيْرِهِ جُزَافًا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ يَعْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فِي خَرْصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِمَارَ الْمَدِينَةِ هَلْ كَانَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لِإِفْرَازِ حُقُوقِ أَهْلِ السَّهْمَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْعًا وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ وَتَكُونُ إفْرَازَ حَقٍّ وَتَمْيِيزَ نَصِيبٍ * (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَتَقَاسَمَا مَالًا رِبَوِيًّا مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِهَذِهِ الْقِسْمَةِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ فَإِذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَرَادَ قِسْمَتَهَا أَخَذَ هذا قفيزا وهذا قفيزا وان كان أَثْلَاثًا أَخَذَ هَذَا قَفِيزًا وَهَذَا قَفِيزَيْنِ وَلَا يجوز لاحدهما

أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ ثُمَّ يكتاله لِلْآخَرِ مَا بَقِيَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتْلَفَ الْبَاقِي قبل أن يكال الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْقَبْضِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا بِأَخْذِ الْقَفِيزِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فِي أَخْذِهِ وَيَكُونُ اسْتِقْرَارُ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا أَخَذَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ مِلْكَهُ فَلَوْ أَخَذَ الْأَوَّلُ قَفِيزًا فَهَلَكَتْ الصُّبْرَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِي مِثْلَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَفِيزِ وَكَانَ الثَّانِي شَرِيكًا لَهُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَبْضِ حُقُوقِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَفَاضُلٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَخَذَ هَذَا الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا الثُّلُثَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ شَيْئًا أَوْ يَنْقُصُ شَيْئًا (الشَّرْطُ الثَّالِث) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ وَكِيلُهُ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ مُقْبِضًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَصِحُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا وَلَا أَنْ يَأْذَنَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ يَتَوَلَّى الْقَبْضَ وَالْإِقْبَاضَ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَابُضُهُمَا بِالْكَيْلِ وَحْدَهُ دُونَ النَّقْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ كَانَ النَّقْلُ فِيهِ مُعْتَبَرًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى بَائِعِهِ بِالْيَدِ فَاعْتُبِرَ فِي قَبْضِهِ النَّقْلُ لِتَرْتَفِعَ الْيَدُ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ وَلَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ ضمان يسقط بالقبض وانما هي موضوعة للاجارة وَبِالْكَيْلِ تَحْصُلُ فَلَوْ تَقَابَضَا بَعْضَ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يتقابضا الباقي صح فيما تقابضا قولا واحد وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا بَقِيَ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) وُقُوعُ الْقِسْمَةِ نَاجِزَةً مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لَا بِالشَّرْطِ وَلَا بِالْمَجْلِسِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا لِانْتِفَاءِ الْمُحَابَاةِ وَالْغَبْنِ عَنْهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا يُخَيَّرُ عَلَيْهِ دُونَ مَا لَا يُخَيَّرُ عَلَيْهِ وَلَا جَرَمَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِثُبُوتِهِمَا يَعْنِي الْخِيَارَيْنِ إذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَالْغَزَالِيُّ حَكَى فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَيْنِ قَالَ وَدَعْوَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَدَ مُضَمَّنَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدِ الْقَاسِمِ وَالْبَائِعِ فِيمَا نَظُنُّهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يَتَرَجَّحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) إذَا أَرَادَ قِسْمَةَ الثِّمَارِ وَقَدْ قُلْنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْوَجْهُ فِي ارْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَجْعَلَا ذَلِكَ حِصَّتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِدِينَارٍ وَيَبْتَاعُ مِنْهُ حَقَّهُ مِنْ الْحِصَّةِ الْأُخْرَى بِدِينَارٍ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَيَكُونُ هَذَا بَيْعًا يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُيُوعِ * (فَرْعٌ) مِنْ الْحَاوِي أَيْضًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِأَخْذِ حِصَّتِهِ عَنْ إذْنِ شَرِيكِهِ بِخِلَافِ مَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَجُزْ

لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ وَإِنْ أَذِنَ الشَّرِيكُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَلَوْ انْفَرَدَ بِأَخْذِ نَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِلْإِشَاعَةِ فَعَلَى هَذَا مَا أَخَذَهُ مُشْتَرَكٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ فِيهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَعِنْدِي الْأَصَحُّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِحَالٍ لَا بِالْإِذْنِ وَلَا بِغَيْرِ الْإِذْنِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَذَكَرَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ الماوردى * (فرع) جميع ما تقدم من الكلام وَخِلَافِ الْعُلَمَاءِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ بِالْبُسْرِ يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا وَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَالِكٍ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْبُسْرُ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد * وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرُّطَبُ بِالْبُسْرِ عَلَى حَالٍ نقل ذلك ابن عبد البر * * قال المصنف رحمه الله * (وان كان مما لا يدخر يابسه كسائر الفواكه ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز لانه جنس فيه ربا فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب (والثانى) إنه يجوز لان معظم منافعه في حال رطوبته فجاز بيع رطبه برطبه كاللبن) * (الشَّرْحُ) الَّذِي لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ فِي الْعَادَةِ كَالْأُتْرُجِّ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالتُّوتِ وَالْبِطِّيخِ وَالْمَوْزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالرُّمَّانِ الْحُلْوِ وَالْقَرْعِ وَالزَّيْتُونِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ وَجَمِيعِ الْبُقُولِ وَكُلُّ مَا غَالَبَ مَنَافِعُهُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَكُلُّ رَطْبٍ لَا يَنْفَعُ إذَا يَبِسَ إمَّا مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ الَّتِي فِيهَا الرِّبَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الجديد ومن ذلك أيضا السفرجل وقال الجوزى إنَّهُ يُيَبَّسُ وَيُدَّخَرُ وَهُوَ غَرِيبٌ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ رَأَيْتُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ الْمَنْعُ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ لَا يُيَبَّسُ إذَا كَانَ مِمَّا يُيَبَّسُ فَلَا خَيْرَ فِي رَطْبٍ مِنْهُ بِرَطْبٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا عَدَدًا بِعَدَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي أُتْرُجَّةٍ بِأُتْرُجَّةٍ وَلَا بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مِمَّا يُيَبَّسُ احتراز عَمَّا يَكُونُ رُطَبًا أَبَدًا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ هُنَا مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ مِنْ الرطب شئ لَا يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ أَبَدًا

مِثْلَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ فَلَا بَأْسَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إنْ كَانَ مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلًا مِثْلًا بمثل ينبغى أن تضبط الْأُولَى يُيَبَّسُ - بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - وَالثَّانِيَةَ - بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ هُوَ يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَبِسًا غَيْرَ آيل إلى صلاح ولكنه لَا يُيَبِّسُهُ النَّاسُ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي بَابِ الرطب بالتمر فيه هكذا مَا كَانَ رُطَبًا فِرْسِكٌ (1) وَتُفَّاحٌ وَتِينٌ وَعِنَبٌ واجاص وكمثري وفاكهة لا يباع شئ منها بشئ رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف مِنْهَا بِمَكِيلٍ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَهَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ لَوْ تُرِكَ رَطْبًا يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ وَهَكَذَا كُلُّ رُطَبٍ لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ وَكُلُّ رُطَبٍ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَنْفَعُ يَابِسًا بحال مثل الخريز وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْفَقُّوسِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ لَا يُبَاعُ منه شئ بشئ مِنْ صِنْفِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ لِمَعْنًى مَا فِي الرُّطُوبَةِ مِنْ تَغَيُّرِهِ عِنْدَ الْيُبْسِ وَكَثْرَةِ مَا يَحْمِلُ بَعْضُهَا مِنْ الْمَاءِ فَيَثْقُلُ بِهِ وَيَعْظُمُ وَقِلَّةِ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فَيُضْمَرُ بِهِ وَيَخِفُّ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ (وَقَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ) كُلُّ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا الْآدَمِيُّونَ فَلَا يَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ صِنْفِهَا وَلَا رَطْبٌ بِرَطْبٍ مِنْ صِنْفِهَا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَجَرَيَانُ الرِّبَا فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (قَالَ) وَلَا يَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ هَذَا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا وَلَا وَزْنًا وَلَا سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَلَا بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يباع منه جنس بمثله الا وزنا بوزن يَدًا بِيَدٍ وَظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ بَيْعِ السَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْوَزْنُ دُونَ الْكَيْلِ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَشْمَلُ مَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ حَكَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْمُتَوَلِّي والبغوى والرافعي وآخرون وبعضهم من المراوذة يَجْعَلُهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبًا بِيَابِسٍ وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ يَجْعَلُ مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَيُخَرِّجُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) جَوَازُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَعْلِيقًا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَا يَجُوزُ بيع البقل المأكول من *

_ * (1) الفرسك كزبرج الخوخ أو ضرب منه اه مصححه) *)

صِنْفٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ رَطْبًا لَا يَجُوزُ بِجِنْسِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ وَلَا رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَةٍ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رُمَّانَةٍ برمانة متماثلتين وَزْنًا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَقَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَجَعَلَ الْجَوَازَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ وَجَعَلَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَقَدْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبُقُولِ خَاصَّةً تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَجَعَلَ الْمَنْعَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعَلَّلَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى اللَّبَنِ وَهَذَا أَبْلَغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَوَّلُ إلَى صَلَاحٍ بِحَالٍ بخلاف اللبن ويمكن الذاهبين إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ أَنْ يُؤَوِّلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيْعُهَا حَالَةَ الْجَفَافِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَإِنَّ نُصُوصَهُ عَلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ مِنْ خِرَاصَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ وَابْنِ دَاوُد شَارِحِ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وجزم به أبو الحسن بن حزان في اللطيف والاصح عند جماعة الثاني أنه يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِيَابِسِهِ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ فَأَمَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بيابسه فقولا واحد لَا يَجُوزُ رَطْبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا أَقْيَسُ قَالَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَابِسِ بِالرَّطْبِ قَصْدًا لِأَظْهَرِ الْحَالَتَيْنِ وَأَوْضَحِ الْمَسْأَلَتَيْنِ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الزَّيْتُونِ الرَّطْبِ بِالزَّيْتُونِ الرَّطْبِ نَقَلَ الْإِمَامُ الْجَوَازَ فِيهِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ جَزَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِي عِدَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يُجَفَّفُ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ إجْرَاءَ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهَا فِيهِ وَتَابَعْتُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُصَنِّفِينَ وَلَا يَحْضُرنِي فِي هَذَا الْوَقْتِ اسْمُهُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ ثَبَتَ خِلَافٌ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ *

(فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الرَّطْبِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالرَّطْبِ أَمَّا لَوْ بَاعَ رَطْبًا بِيَابِسٍ كَحَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْآخَرَ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ فَشَابَهَ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ لَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَجَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِي الرَّطْبَيْنِ فَقَطْ (قُلْتُ) وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ رَطْبًا بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبًا بِيَابِسٍ وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ ذَهَبَ إلَى الْجَوَازِ فِي الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ فَقَطْ لَا فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ لَمْ يَحْكِهِ عَنْهُ إلَّا فِي الرطبين والله أَعْلَمُ * (فَرْعٌ) الْبِطِّيخُ مَعَ الْقِثَّاءِ جِنْسَانِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ وَفِي الْقَثَدِ (1) مَعَ الْقِثَّاءِ وَجْهَانِ * (فَرْعٌ) لَوْ فُرِضَ فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّجْفِيفُ عَلَى نُدُورٍ فَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا عَلَى الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ مقدارا فَإِنَّ أَكْمَلَ أَحْوَالِهِ الرُّطُوبَةُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَتَتْبَعُ هَذِهِ الْحَالَةُ تِلْكَ فِي سُقُوطِ الرِّبَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ (فَإِذَا قُلْنَا) إنَّهُ رِبَوِيٌّ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ قَالَ إنَّهُمَا مَشْهُورَانِ وَرَتَّبَهُمَا فِي الْوَسِيطِ عَلَى حَالَةِ الرُّطُوبَةِ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا التَّرْتِيبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (جَوَازُ) بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي الْحَالَتَيْنِ رَطْبًا وَيَابِسًا (وَالْمَنْعُ) فِي الْحَالَتَيْنِ (وَالْمَنْعُ) رَطْبًا وَالْجَوَازُ يَابِسًا وَهِيَ كَالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيمَا يُجَفَّفُ نَادِرًا مِمَّا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ (قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) وَيَجِبُ طَرْدُ الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْمَذْكُورِ فِي الرَّطْبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُبَاعُ رَطْبًا وَلَا يُبَاعُ يَابِسًا يَعْنِي لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّجْفِيفِ فِيهِ فَإِنَّ الْكَمَالَ فِيهِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَلِلَّهِ دُرُّهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ تَجْرِي فِيهِ بِمَثَابَةِ الرَّطْبِ الَّذِي لَا يجفف اعتيادا وكأن ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جِنْسًا مِنْهَا بِجِنْسٍ آخَرَ كَالْهِنْدَبَا بِالنَّعْنَعِ صَحَّ نَقْدًا كَيْفَ شَاءَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ (فَائِدَةٌ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حَالَةَ الِادِّخَارِ هِيَ الْكَمَالُ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ كُلُّ فَاكِهَةٍ كَمَالُهَا فِي جَفَافِهَا وَهِيَ حَالَةُ الِادِّخَارِ وقال الرافعى لما شرح ذلك *

_ (1) القثد نوع من القثاء اه مصححه) *)

إنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا لَفْظَ الِادِّخَارِ وَآخَرُونَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِحَالَةِ التَّمَاثُلِ فِي جَمِيعِ الرِّبَوِيَّاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُدَّخَرُ وَيُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَذَاكَ وَمَنْ أَطْلَقَهُ أَرَادَ اعْتِيَادَهُ فِي الْحُبُوبِ وَالْفَوَاكِهِ لَا فِي جَمِيعِ الرِّبَوِيَّاتِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا أَجْرَى لَفْظَ الِادِّخَارِ فِي إدْرَاجِ الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُبَاعُ بِبَعْضٍ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ جَوَازِ بَيْعِ الرَّطْبِ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَالْغَزَالِيُّ مُحْتَاجٌ إلَى ذِكْرِهِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عما لا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَهُوَ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي فَرَغْنَا مِنْ شَرْحِهِ فَإِنَّهُ لَا كَمَالَ لَهُ وَإِنْ جَفَّ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْفَاكِهَةِ فَلَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الرِّبَوِيَّاتِ أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فلا يستقيم أن يجعل ذلك ضَابِطًا وَضَبْطُ حَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَسِيرٌ وَقَدْ نَبَّهَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عُسْرِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا شَرَحَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَالَ فَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا فِي هَذَا الطَّرَفِ عَرَفْتَ أَنَّ النَّظَرَ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ رَاجِعٌ إلَى أَمْرَيْنِ في الاكثر (أحدهما) كون الشئ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ لَكِنَّهُمَا لَا يُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ بِمُدَّخَرٍ وَالسَّمْنَ لَيْسَ بمتهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ اللَّبَنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ مُكْتَفًى بِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الثِّمَارَ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ تَتَهَيَّأُ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ وَالدَّقِيقُ مُدَّخَرٌ وَلَيْسَا عَلَى حَالَةِ الْكَمَالِ وَلَا تُسَاعِدُنِي عِبَارَةٌ ضَابِطَةٌ كَمَا أُحِبُّ فِي تَفْسِيرِ الْكَمَالِ فَإِنْ ظَفَرْت بِهَا أَلْحَقْتهَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا إذا جعلنا المعتبر التهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ لَا يَرِدُ السَّمْنُ وقول الرافعى انه ليس بمتهئ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ اللَّبَنِ صَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّ السَّمْنَ عَيْنٌ أُخْرَى غَيْرُ اللَّبَنِ كَانَ اللَّبَنُ مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا فَهُوَ كَالشَّيْرَجِ مِنْ السِّمْسِمِ وَلَيْسَ كَالدَّقِيقِ مَعَ الْقَمْحِ وَلَا كَالرُّطَبِ مَعَ التَّمْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هُوَ الْآخَرُ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ حَالَتُهُ فَالرُّطَبُ صَارَ إلَى يُبْسٍ وَهُوَ حَالَةُ تَهَيُّئِهِ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَالْقَمْحُ صَارَ إلَى تَفَرُّقٍ فَخَرَجَ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ وَلَيْسَ السَّمْنُ هُوَ اللَّبَنُ حَتَّى تُعْتَبَرَ فِيهِ مَنَافِعُ اللَّبَنِ بَلْ تُعْتَبَرُ فيه الانتفاعات المقصودة

منه نفسه وهو متهئ لَهَا (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ فَقَدْ فَهِمْتُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَرِّجُهَا وَهُوَ مَا حَكَيْتُهُ عَنْهُ قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) إنَّهَا خُلِقَتْ مُسْتَحْشَفَةٌ وَالرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا رُطُوبَةُ طَرَاءَةٍ فَإِذَا زَايَلَ مَوْضِعَ اغْتِذَائِهِ عَادَ إلَى الْيُبْسِ يَعْنِي أن الرطوبة فيه ليست طليقة لازمة له بل مفارقة بنفسها فلذلك تخليت أَنَا ضَابِطًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكَمَالِ عَدَمُ الرُّطُوبَةِ الْمُفَارِقَةِ أَوْ التَّغَيُّرِ الْمَانِعَيْنِ مِنْ التَّمَاثُلِ عَنْ النَّدَاوَةِ الْيَسِيرَةِ وَالتَّغَيُّرِ الْيَسِيرِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي ضَابِطِ حَالَةِ الْكَمَالِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا يُقْصَدُ جَفَافُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْقُوتِ أَوْ الْأُدْمِ مِنْهُ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ فَكَمَالُهُ فِي حَالَةِ ادِّخَارِهِ وَجَفَافِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ اللَّحْمُ عَلَى النَّصِّ وَمَا لَا يُجَفَّفُ بِحَالٍ كَالزَّيْتُونِ أَوْ لَا يمكن تجفيفه كاللبن فحالة كماله حالة رُطُوبَتِهِ وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ وَإِذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَلَيْسَ يُوصَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةِ جَفَافٍ وَلَيْسَ يَصِيرُ اللَّبَنُ زُبْدًا أَوْ سَمْنًا وَلَا الزَّيْتُونُ زَيْتًا كَذَلِكَ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْمَقْصُودُ فِيمَا نَظُنُّهُ وَلَا تُرَدُّ الثِّمَارُ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ تَفَكُّهًا فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ اعْتِبَارٌ لِأَنَّهُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَلَا يُرَدُّ الدَّقِيقُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْمُدَّخَرِ بِمَا يُقْصَدُ غَالِبًا فِيهِ طَالَتْ مُدَّتُهُ أو قصرت وادخار كل شئ بحسبه والغالب في الحب ادخاره حبا * * قال المصنف رحمه الله * (وفى الرطب الذى لا يجئ منه التمر والعنب الذى لا يجئ منه الزبيب طريقان (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لان الغالب منه أنه يدخر يابسه وما لا يدخر منه نادر فألحق بالغالب (والثاني) وهو قول أبى العباس أنه على قولين لان معظم منفعته في حال رطوبته فكان على قولين كسائر الفواكه) * (الشرح) الرطب والعنب على قسمين (منه) ماله جَفَافٌ وَكَمَالٌ فِي حَالَةِ جَفَافِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ وَلَا بِيَابِسِهِ جَزْمًا وَيَجُوزُ بَيْعُ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ اتِّفَاقًا (وَمِنْهُ) مَا لَا يُجَفَّفُ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ جُفِّفَ لَاسْتَحْشَفَ وَفَسَدَ لِكَثْرَةِ رُطُوبَتِهِ وَرِقَّةِ قشره كالرقل وهو أردأ التمر والعمري وهو (1) والابراهيمي والهليات وكذلك العنب الذى لا يجئ مِنْهُ زَبِيبٌ كَالْعِنَبِ الْبَحْرِيِّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَهَذَا

_ (1) بياض بالاصل فحرر) *)

الْقِسْمُ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْفَوَاكِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا جَفَافٌ لِأَنَّ غَالِبَ مَنَافِعِهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا قَوْلَانِ وَيُفَارِقُهَا فِي أَنَّ الْغَالِبَ فِي جِنْسِهِ التَّجْفِيفُ وَالِادِّخَارُ بِخِلَافِهَا وَنَادِرُ كُلِّ نَوْعٍ مُلْحَقٌ بِغَالِبِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُغَايِرًا لَهَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي إلْحَاقِهِ بِهَا عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهذا هو المنصوص في الام صريحا أن الرُّطَبَ الَّذِي لَا يَعُودُ تَمْرًا بِحَالٍ لَا يباع منه شئ بشئ مِنْ صِنْفِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ ذَلِكَ وَنَسَبَ الْعِمْرَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَنَسَبَهَا صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَقُول إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُجَرَّدِ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَلَا كَيْلًا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَرْوَزِيِّ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي سَائِرِ الْفَوَاكِهِ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَقَالَ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ صَرَّحُوا بِحِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْمَنْعَ هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وأعاد والمسألة هُنَا فَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ إلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى حِكَايَةِ الاصحاب ونسب الجوزى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ وَفِي الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْفَاكِهَةِ الَّتِي لَا تَصِيرُ إلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَالْبُقُولِ إلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصٍ فَأَفَادَ زِيَادَةَ ابْنِ سَلَمَةَ وأبى حفص ابن الْوَكِيلِ وَأَبْعَدَ فِي جَعْلِ الْقَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مَنْصُوصَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَنْعِ هُنَا وَالْمَاوَرْدِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَيُخَرِّجُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ مَسْأَلَةَ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَمْرًا بِخُصُوصِهَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَجَعَلَ الْجَوَازَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبْطَلَهُ وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ النُّقُولُ يَصِحُّ نِسْبَةُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سَلَمَةَ وَابْنِ الْوَكِيلِ وَلَعَلَّ ابْنَ سُرَيْجٍ خَرَّجَ ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ فيصح

نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَيْهِ وَإِلَى تَخْرِيجِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ مالا يدخر يابسه ومسالة الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بَلْ أَطْلَقُوا الْكَلَامَ إطْلَاقًا يَشْمَلُهَا وَأَغْرَبَ ابْنُ دَاوُد فَحَكَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ اختار أنه لا يجوز بحالة وَحَكَى وَجْهَ الْجَوَازِ وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى أَحَدٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ فِي ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ هَذَا مَا فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِ وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَجُمْهُورُهُمْ أَيْضًا مُطَبِّقُونَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ وَعَبَّرُوا عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ مِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَالْغَزَالِيُّ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ دَاوُد شَارِحُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالرَّافِعِيُّ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي حِكَايَتِهِمَا قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ الطَّرِيقَةَ الْقَاطِعَةَ وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى ذَلِكَ اسْتَبْعَدْت نِسْبَةَ الْعِمْرَانِيِّ الطَّرِيقَةَ الْقَاطِعَةَ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَظَهَرَ لَك أَنَّ طَرِيقَةَ الْخِلَافِ أَشْهَرُ وَهِيَ أَيْضًا أَظْهَرُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِي لِإِلْحَاقِ ذَلِكَ بِالْفَوَاكِهِ أَقْوَى مِنْ الْفَارِقِ الَّذِي ذَكَرَ لِلَّتِي قَدْ ذَكَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَوَاكِهِ عَلَى الْجَوَازِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَةِ الْجَفَافِ وَنُصُوصُهُ عَلَى الْمَنْعِ هُنَاكَ وَهُنَا صَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ فَلَا جَرَمَ كَانَ الصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَنْعَ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى إيرَادِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْجَوَازَ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ صَحَّحَ قَوْلَ الْمَنْعِ هُنَاكَ فهو مصحح له ههنا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَذِكْرُ مَنْ جَزَمَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ هَؤُلَاءِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ كَمَا عَلِمْتَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ أَيْضًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ ابن عمر ان رسول الله صل الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا التمرة بالتمرة

وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَضْبُوطٌ هَكَذَا بِالْهَاءِ فِي كُلٍّ منهما والثمرة اسم عام يشمل ماله جفاف ومالا جَفَافَ لَهُ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَبَيْعِ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ (قَوْلُهُ) (إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ) وَيَبْقَى فِيمَا عدا ذلك على مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَأَيْضًا الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عِلَّةً وَهُوَ قَوْلُهُ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَلَا شك أن النقصان موجود فيما يجئ منه تمر وفيما لا يجئ مِنْهُ وَذَلِكَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَأَمَّا) كَوْنُنَا نتحيذ إلى التعليل بذلك نظرا إلَى أَشْرَفِ حَالَاتِهِ وَأَكْمَلِهَا وَهُوَ حَالَةُ الْجَفَافِ وذلك مفقود فيما لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لكنه لا يقوى عَلَى مُعَارَضَةِ الظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعُمُومِ وَمِنْ الوصف الذى جعل علة والله أَعْلَمُ (التَّفْرِيعُ) لَوْ جُفِّفَ هَذَا النَّوْعُ عَلَى نُدُورٍ (إنْ قُلْنَا) بِالْجَوَازِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أَيْضًا فِي حَالِ الْجَفَافِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَجْهُ) الْمَنْعِ أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي هَذَا النَّوْعِ هِيَ الْكَمَالُ وَالْجَفَافُ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَصْلًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَفِي حَالِ الْجَفَافِ أَيْضًا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمَنْعُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ وَالْبَيْعُ الَّذِي نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ نَعْتَمِدُ حَالَةَ الكمال فامكان الجفاف وَجَرَيَانِهِ أَخْرَجَ حَالَةَ الرُّطُوبَةِ عَنْ الْكَمَالِ وَعَدَمُ عُمُومِ ذَلِكَ أَخْرَجَ حَالَةَ الْيُبُوسَةِ عَنْ الْكَمَالِ وَكُلٌّ مِنْ الْخِلَافَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ يَعْنِي (الْمَنْعَ) رَطْبًا وَيَابِسًا وَالْجَوَازَ رَطْبًا وَيَابِسًا قَالَ فِي الْغَايَةِ مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ

وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمَنْعُ رَطْبًا فَقَطْ وَعَكْسُهُ لَكِنَّهُ فَرَضَهَا فِي الرَّطْبِ الَّذِي لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ انْتِفَاعٌ يُحْتَفَلُ بِهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ والله أعلم بصورة المسألة أن نقل مَنْفَعَتُهُ وَلِهَذَا قَالَ لَا يُحْتَفَلُ بِهَا (أَمَّا) لَوْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ إلَّا الْقَوْلَانِ الْأَصْلِيَّانِ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْ لَا يُبَاعُ أَصْلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَوَاكِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ إلَى الرَّابِعِ الْمَذْكُورِ ههنا وَالْفَارِقُ مَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّ الرُّطَبَ لَمْ يُعْتَدْ فِيهِ الْجَفَافُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَكَتَبَ هُنَاكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالْجَوَازِ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ (وَأَمَّا) هُنَا في الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْفَرْعِ غير الامام وعذرهم بالسكوت عَنْهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي رُطَبٍ لَا يَصِيرُ تَمْرًا فَإِنْ فُرِضَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ الرُّطَبَ يَيْبَسُ وَصَارَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ لِانْتِفَاءِ النُّقْصَانِ الَّذِي أَشَارَ الْحَدِيثُ إلَى أَنَّهُ عِلَّةُ الْمَنْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

(فرع) بيع الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بِالرُّطَبِ الَّذِي يَصِيرُ تَمْرًا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرُّمَّانِ الْحُلْوِ بِالْحَامِضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ بِمِثْلِهِ (إنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يجوز فههنا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أن لاحدهما حالة الكمال ههنا وَلَيْسَ لِلْآخَرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَوِيَا فِي أَكْمَلِ حَالَتَيْهِمَا بِخِلَافِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ إذَا بِيعَ بِمِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ بِالرُّطَبِ ثلاثة أوجه (ثلثها) يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَا يَتَتَمَّرُ * وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ رَأْيِ الْمُزَنِيِّ الَّذِي اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الرُّطَبَ بِالرُّطَبِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فرع) بيع الرطب الذى لا يجئ مِنْهُ تَمْرٌ بِالتَّمْرِ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ أولا قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْفَوَاكِهِ وَأَنَّ بَيْعَ حَبِّ الرُّمَّانِ بِالرُّمَّانِ غَيْرُ جَائِزٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ الْمَذْكُورِ بِالتَّمْرِ قَوْلًا وَاحِدًا أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَئِمَّتُنَا فِي مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يُجَفَّفُ بِالتَّمْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ كَلَامِهِمْ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ فِيهِ نَصًّا وَرَأْيِي أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي تَجْوِيزَهُ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ إذَا كَانَ لَا يُجَفَّفُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهُ مُنْقَدِحًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّطْبَيْنِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ حَاصِلَةٌ وَلَا كمال له غيرهما فَجَازَ بَيْعُهُ (وَأَمَّا) الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ فَلَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِي الرُّطَبِ مَائِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي التَّمْرِ فَيَحْصُلُ التَّفَاوُتُ قَطْعًا مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ سَمِعْتُ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبِهِ بِالتَّمْرِ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَتَتَمَّرُ وَكَانَ كَمَالُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ صَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْرِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهَا جَازَ بَيْعُ هَذَا الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهَا وَذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمِ يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ (قُلْتُ) أَمَّا كَلَامُ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْجِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ جَوَابٌ عَنْهُ وَلَا يَنْهَضُ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَصَّصُ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ والله أعلم *

(فَرْعٌ) جَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْبِطِّيخَ الَّذِي لَا يُفْلَقُ وَالْقِثَّاءَ وَالْقَثَدَ فِي التَّمْثِيلِ مَعَ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَصِيرُ زَبِيبًا وَقَالَ فِي الْكُلِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بعضه ببعض عددا وجزافا وهل يجوز هنا فِيهِ وَجْهَانِ وَعَلَّلَ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مِعْيَارٌ فِي الشَّرْعِ * (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتُونِ جَائِزٌ فَإِنَّهُ حَالَةُ كَمَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ حَالَةٌ وَلَكِنْ يُعْصَرُ الزَّيْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ انْتِظَارِ كَمَالٍ فِي الزَّيْتُونِ فَإِنَّهُ تَفْرِيقُ أَجْزَائِهِ ويعيره كَمَا يُسْتَخْرَجُ السَّمْنُ مِنْ اللَّبَنِ قَالَ الْإِمَامُ والامر على ما ذكره (فائدة) تُعْرَفُ بِهَا مَرَاتِبُ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يُجَفَّفُ وَيُدَّخَرُ عَادَةً كُلُّهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَيَلِيهِ فِي الْمَرْتَبَةِ مَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَيَلِيهِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ اللَّذَانِ لَا يُجَفَّفَانِ لِمَا ذُكِرَ بَيْنَهُمَا من الفرق (وأما) الخراسانيون فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ مَا يُجَفَّفُ وَيُدَّخَرُ عَادَةً غَالِبُهُ قِسْمٌ وَيَلِيهِ مَا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الرُّطَبُ وَيَلِيهِ مَا لَا يُعْتَادُ تَجْفِيفُهُ أَصْلًا وَيَضْطَرِبُونَ فِي التَّمْثِيلِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمِشْمِشَ وَالْخَوْخَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَأَدْخَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مَعَهُ في التمثيل الكمثرى والبطيخ الحلبي الذى يَنْفَلِقُ وَالرُّمَّانَ الْحَامِضَ وَجَزَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ وَتَرَدُّدِ حَالَةِ الْجَفَافِ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَقَالَ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْإِجَّاصِ الْقُبْرُصِيِّ وَالْخَوْخِ وَالْقَرَاصْيَا والتين * قال المصنف رحمه الله * (وفى بيع اللحم الطرى باللحم الطرى ايضا طريقان (أحدهما) وهو المنصوص أنه لا يجوز لانه يدخر يابسه فلم يجز بيع رطبه برطبه كالرطب والعنب (والثانى) وهو قول أبى العباس أنه على قولين لان معظم منفعته في حال رطوبته فصار كالفواكه) * (الشَّرْحُ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا إنَّهَا أَجْنَاسٌ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا رَطْبَيْنِ وَيَابِسَيْنِ وَرَطْبًا وَيَابِسًا وَزْنًا وَجُزَافًا لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ * إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ فِي بَيْعِ الْآجَالِ وَلَا خَيْرَ فِي اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْمَالِحِ وَالْمَطْبُوخِ وَلَا بِالْيَابِسِ

عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَجُوزُ الطَّرِيُّ بِالطَّرِيِّ وَلَا الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ حَتَّى يَكُونَا يَابِسَيْنِ أَوْ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَجْنَاسُهُمَا وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ فَإِذَا كان منهما شئ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ لَمْ يَجُزْ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ وَجَازَ إذَا يَبِسَ فَانْتَهَى يُبْسُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَقَالَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ لَحْمُ ضَائِنٍ بِلَحْمِ ضَائِنٍ رَطْلٌ بِرَطْلٍ أَحَدُهُمَا يَابِسٌ وَالْآخَرُ رَطْبٌ وَلَا كِلَاهُمَا رَطْبٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّحْمُ يَنْقُصُ نُقْصَانًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَمَرَاعِيهِ الَّتِي يَغْتَذِي مِنْهَا لَحْمُهُ فَيَكُونُ مِنْهَا الرَّخْصُ الَّذِي يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَالْغَلِيظُ الَّذِي يَقِلُّ نَقْصُهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُ غِلَظُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ وَرَخْصُهُمَا بِاخْتِلَافِ خِلْقَتِهِ فَلَا يَجُوزُ لحم أبدا الا يابسا قد بلغ اباه بِيُبْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ قَوْلَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ ذَلِكَ مما ليس بمشهور ليس بِصَحِيحٍ وَنَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ ذَلِكَ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ نَقْلٍ وَلَا تَخْرِيجٍ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْفَوَاكِهِ لِأَنَّهَا إذَا يَبِسَتْ لَا تَكُونُ فِيهَا الْمَنَافِعُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا حَالَ رُطُوبَتِهَا وَاللَّحْمُ كُلُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَهُوَ رَطْبٌ يَكُون مِنْهُ وَهُوَ يَابِسٌ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ فَأَشْبَهَ الرَّطْبَ بِالرَّطْبِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّبَنِ حَالَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي إلَيْهَا وَاللَّحْمُ لَهُ حَالَةُ ادِّخَارٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّ سَائِرَ أَصْحَابِنَا يَعْنِي غَيْرَ ابْنِ سُرَيْجٍ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ رَطْبًا بِحَالٍ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثِّمَارِ بِمَا تَقَدَّمَ وَنَسَبَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْجَوَازَ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُمَا قَالَا عَنْ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وانا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَحَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْجَوَازِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ خَرَّجَهُ وَلَا حَكَاهُ

وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْمَنْعِ وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَسُلَيْمٌ فِي الكفاية والماوردي في فِي الْإِقْنَاعِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَوَازِ بِإِلْحَاقِهِ بِمَا جَفَافُهُ نَادِرٌ وَفِي المجرد قال عن قول الجواز وليس بشئ وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ مُتَمَاثِلَيْنِ جَائِزٌ وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ وَالْجِنْسَيْنِ (فَأَمَّا) فِي الْجِنْسَيْنِ فَصَحِيحٌ (وَأَمَّا) فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَجَوَّزَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ طَرِيًّا عَلَى مَا حكاه الفورانى في العمد وكذلك جوز اللحم النيئ بالمشوى قال صاحب العدة وَالْمَسْأَلَةُ تُبْنَى عَلَى بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ * (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حُكْمَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَبَيْعِ الشَّحْمِ بِالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ بِالْأَلْيَةِ كَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ * (فَرْعٌ) بَيْعُ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْيَابِسِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الطَّرِيِّ بِالطَّرِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ والقاضى أبو الطيب في التعليق والجرجاني وغيرهم والروياني وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ خِلَافَ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ رَطْبًا بِرَطْبٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَطْبًا وَالْآخَرُ يَابِسًا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمُ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ جَرَيَانُ خِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي نَظِيرِهِ وَمُؤَيِّدٌ إنْ صَحَّ للاحتمال الذى أبداه الامام وينبغى أن يقول عَلَى خِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَالثَّانِي ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ * (فَرْعٌ) بَيْعُ الشَّحْمِ بِالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ بِالْأَلْيَةِ كَبَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ قَالَهُ المتولي والرويانى * * قال المصنف رحمه الله * (فان باع منه ما فيه نداوة يسيرة بمثله كالتمر الحديث بعضه ببعض جاز بلا خلاف لان ذلك لا يظهر في الكيل وإن كان مما يوزن كاللحم لم يجز لانه يظهر في الوزن) *

(الشَّرْحُ) مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ الْكَلَامُ عَلَى مَا يُمْنَعُ بَيْعُ رَطْبِهِ بِرُطَبِهِ أَوْ بِيَابِسِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا وَصَلَ إلَى حَالَةِ الْيُبْسِ هَلْ يُشْتَرَطُ تَنَاهِي الْيُبْسِ أَوْ يُكْتَفَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا الضَّابِطُ فِيهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَلَا خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ يَنْتَهِي يُبْسُهُ وَإِنْ انْتَهَى يُبْسُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ انْتِفَاخًا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَالَ فَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ الْيُبْسِ وَقَالَ في باب ما جاء في الكيل للحم (فَإِنْ) قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِيمَا بِيعَ يَابِسًا قِيلَ يَجْتَمِعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ عَرَفْنَا حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فَأَيْنَ يَخْتَلِفَانِ (قِيلَ) التَّمْرُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيُبْسِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنَاهُ يُبْسَهُ فَبِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ لَمْ يَنْقُصْ فِي الْكَيْلِ شَيْئًا وَإِذَا تُرِكَ زَمَانًا نَقَصَ فِي الْوَزْنِ لِأَنَّ الْجُفُوفَ كُلَّمَا زَادَ فِيهِ كَانَ أَنْقَصَ لِوَزْنِهِ حَتَّى يَتَنَاهَى قَالَ وَمَا بِيعَ وَزْنًا فَإِنَّمَا قُلْتُ فِي اللَّحْمِ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ مُتَفَاضِلَ الْوَزْنِ أَوْ مَجْهُولًا وَإِنْ كَانَ بِبِلَادٍ نَدِيَّةٍ فَكَانَ إذَا يَبِسَ ثُمَّ أَصَابَهُ النَّدَى رَطِبَ حَتَّى يَثْقُلَ لم يبلع وَزْنًا بِوَزْنٍ رَطْبًا مِنْ نَدًى حَتَّى يَعُودَ إلَى الْجُفُوفِ وَحَالُهُ إذَا حَدَثَ النَّدَى فَزَادَ فِي وَزْنِهِ كَحَالِهِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يَتَنَاهَى جُفُوفُهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ في الابتداء اه وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا وَفَرْقًا آخَرَ لِلْأَصْحَابِ أَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ رُطُوبَةٌ فَهُوَ إذَا تُرِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَادُّخِرَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَاللَّحْمُ إذَا كَانَ فِيهِ نَدَاوَةٌ فَادُّخِرَ عَلَى حَالَتِهِ عَفِنَ وَفَسَدَ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ انْتِهَاءَ جَفَافِ اللَّحْمِ بِأَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جَفَافِهِ وَلَا يَحْصُلُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَمَالُ الْمَقْصُودِ فِي الْبَيَانِ وَاَلَّذِي نَحْكِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَصْرَحُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى

الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ بَاعَ التَّمْرَ الْحَدِيثَ بِالتَّمْرِ الْعَتِيقِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيُعْفَى كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْمَكِيلِ قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ إذَا جَفَّ تَامًّا يَنْقُصُ وَزْنُهُ وَلَا يَتَقَلَّصُ حَبُّهُ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْكَيْلِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَتَقَلَّصُ حَبُّهُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ فَلَا يَجُوزُ (قُلْتُ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خِلَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * ولذلك شَبَّهُوهُ بِالتُّرَابِ وَالتُّرَابُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْبَيْعِ مُنِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وممن صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا طُرِحَ في الشمس تنقص جثته لا يصح وان كان لا تنقص جثته وَإِنَّمَا يَنْقُصُ وَزْنُهُ فَيَصِحُّ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِمَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَنَاهِي جَفَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْقَاضِي فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ صَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّمْرَ الْحَدِيثَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ النِّهَايَةَ فِي الضُّمُورَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَتِيقِ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ كُلُّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ فِي بَيْعِهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تناهى جفافها وان التي لم يتم جَفَافِهَا وَإِنْ فُرِكَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنْ السَّنَابِلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْبَلَلِ مَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْكَيْلِ إذَا جُفِّفَتْ أَمَّا إذَا فُرِضَ نَدَاوَةٌ يَسِيرَةٌ لَا يَظْهَرُ بِسَبَبِهَا أَثَرٌ فِي الْكَيْلِ فَيَجُوزُ كَالتَّمْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبِمُقْتَضَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَدِيثِ بِالْعَتِيقِ لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْجَفَافِ إنْ أَثَّرَتْ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي خِفَّةِ الوزن لا في تصغير الجثة فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ نَدَاوَةٌ لَوْ زَالَتْ لَظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْكَيْلِ لَمْ يَجُزْ فَلَا يَعْتَقِدُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ بل المفصلون والمطلقون كلامهم منزل على شئ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَدَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَنَّ النَّدَاوَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ جَفَافِهِ أَوْ طَارِئَةً عَلَيْهِ بَعْدَ جَفَافِهِ لِعَارِضٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَابِسًا

فَحُمِلَ إلَى مَكَان نَدِيٍّ فَتَنَدَّى صَارَ كَالطَّعَامِ الْمَبْلُولِ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ * (فَرْعٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ طَرَأَ الْبَلَلُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ رَطْبَةً مِنْ الْأَصْلِ وَهِيَ الْفَرِيكُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ محمد رحمه الله وقد تقدم تفصيلها عِنْدَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ثُمَّ إذَا جَفَّتْ بعد البلل قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِتَفَاوُتِ قَمْحِهَا حَالَةَ الْجَفَافِ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حَتَّى تَجِفَّ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْبَلَلِ الرُّطُوبَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ البيع مغيابا لجفاف وَأَمَّا الْبَلَلُ الطَّارِئُ فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِالْمَنْعِ وَإِنْ جَفَّتْ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ بُلَّتْ الْحِنْطَةُ فَنُحِّيَ مِنْهَا قِشْرُهَا بِالدَّقِّ وَالتَّهْرِيشِ وَهِيَ الْكِشْكُ قَالَ الْأَئِمَّةُ هِيَ الدَّقِيقُ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ عَلَى الْقُرْبِ وَلَوْ بُلَّتْ ثُمَّ جَفَّتْ ولم تهرش فانها تسح فِي جَفَافِهَا عَلَى تَفَاوُتٍ يُفْضِي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ قِيلَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ الْمَنْعُ في الحاورش إذَا نُحِتَتْ مِنْهُ الْقِشْرَةُ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ * (فَرْعٌ) إذَا انْتَهَى يُبْسُ التَّمْرِ وَكَانَ بَعْضُهُ أَشَدَّ انْتِفَاخًا مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَضُرَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ (فَائِدَةٌ) الْحَدِيثُ هُوَ الْجَدِيدُ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ * (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا منع بمجرد البلل بَيْعُ بَعْضِ الْحِنْطَةِ بِبَعْضٍ فَاَلَّتِي نُحِتَتْ قِشْرَتُهَا بعد البلل بِالتَّهْرِيشِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُبَاعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قال الامام وفى الحاورش عِنْدِي احْتِمَالٌ إذَا نُحِتَتْ قِشْرَتُهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى حُكْمِ بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ مَا فِيهِ نَدَاوَةٌ وَأَمَّا إذَا تَنَاهَى جَفَافُهُ فَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ قَبْلَ آخِرِ الْبَابِ بِفَصْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

الجزء الحادي عشر

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ و.. الجزء الحادي عشر دار الفكر

باب بيع العرايا

بسم الله الرحمن الرحيم (باب بيع العرايا) قال المصنف رحمه الله تعالى: (واما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الارض خرصا فانه يجوز للفقراء فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجئ منه من التمر إذا جف ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه قبل التفرق والدليل عليه ما روى محمود بن لبيد قال (قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الانصار شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان الرطب يأتي ولا نقد بايديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يبتاعو العرايا بخرصها من التمر الذي في ايديهم يأكلونها رطبا) . الوكيل في القبول أو النجاشي وظاهر ما في أبى داود والنسائي أن

* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَرَايَا ثَابِتٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا وَأَلْفَاظٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا فِيمَا ذَكَرَ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ (سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عن عراهم هَذِهِ الَّتِي يُحِلُّونَهَا فَقَالَ فُلَانٌ وَأَصْحَابُهُ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَحْضُرُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ يَشْتَرُونَ بِهَا وَعِنْدَهُمْ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ سَنَتِهِمْ فَأَرْخَصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يَشْتَرُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا) * وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ قِيلَ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَذَكَرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ معلقا لم يَذْكُرْ لَهُ إسْنَادًا يَتَّصِلُ بِهِ وَأَشَارَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى تَضْعِيفِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه

ولامبدأه وَلَا طَرِيقَهُ وَذَكَرَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ يَعْنِي فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَهَذَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْفُقَرَاءِ وَذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ رِوَايَةً قَالَ لَمَّا ذُكِرَ حَدِيثُ الْعَرَايَا فِي جَامِعِهِ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد التوسعة عليهم في هذا لانهم شكو إليه وقالوا لانجد مَا نَشْتَرِي مِنْ التَّمْرِ إلَّا بِالتَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ يَشْتَرُوهَا فَيَأْكُلُوهَا رُطَبًا. لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ السِّيَرِ وَجَعَلْتُ أَوْلَادَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعْدُودٌ أيضا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ بِسُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهَا لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَلَامًا لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ لَكُنْتُ أَزَلْتُهُ غَيْرَةً قَالَ سَمِعْتُ فَقِيهًا يَقُولُ إنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ سَاعَتَئِذٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُمْحَى هَذَا مِنْ الْكِتَابِ لَوْلَا تَفَرُّقُ النُّسَخِ فلا حول ولاقوة إلا بالله نعوذ بالله أن نقول

مالانعلم ولولا خشيت أَنْ يُطَالِعَهُ بَعْضُ الضَّعَفَةِ فَيَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ وَيَنْقُلَهُ مَا تَعَرَّضْتُ لَهُ وَلَا نَقَلْتُهُ لَكِنْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُغْتَرَّ بِهِ فَيُوقَعُ بِسَبَبِهِ فِي نِسْبَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ إلَى مِثْلِ هَذَا فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ الزَّلَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. وَالْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ وَهِيَ تَفَرُّدُ صَاحِبِهَا لِلْأَكْلِ وَوَزْنُ الْعَرِيَّةِ فَعِيلَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ وَابْنِ فَارِسٍ وَيَكُونُ مِنْ عَرِيَ يَعْرَى كَأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّخِيلِ فَعَرِيَتْ أَيْ خَلَتْ وَخَرَجَتْ كَمَا يُقَالُ عَرِيَ الرَّجُلُ إذَا تَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ لَامُ الْكَلِمَةِ يَاءً كَهَدِيَّةٍ وَجَمْعُهُ فعائل كصحيفة وصحائف كذلك عرية وعراءي - بهمزة بعد المدة مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا يَاءٌ - ثُمَّ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ العارضة في الجمع فصار عرائي تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فصار عراء ثُمَّ إنَّهُمْ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَأَنَّهَا أَلِفٌ فَكَأَنَّهُ اجْتَمَعَ ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الْهَمْزَةِ يَاءً فَقَالُوا عَرَايَا فَلَيْسَ وَزْنُهَا فَعَالَى لِأَنَّ هَذِهِ الْيَاءَ ليست أصلية وانما وزنه فعايل وهذه الْإِبْدَالُ وَالْعَمَلُ وَاجِبٌ وَكُلُّ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مُحْكَمَةٌ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَمِثْلُ هَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ أَيْضًا هَدَاوَا فَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ جَعَلُوا ذَلِكَ شَاذًّا وَالْأَخْفَشُ قَاسَ عَلَيْهِ وَرَدُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي هَدَاوَا فَلَمْ يَأْتِ مِثْلَ عَدَاوَى وَشِبْهِهِ وَإِنَّمَا كُتِبَ بِالْيَاءِ كَحَنِيَّةٍ وَحَنَايَا وَمَنِيَّةٍ وَمَنَايَا قَالَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْدَلُسِيُّ فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ وَزْنَ هَذَا الْجَمْعِ كُلِّهِ فَعَالَى لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا بَعِيدًا مِنْ التَّكَلُّفِ وَإِنَّمَا دَعَا النَّحْوِيِّينَ إلى ذلك التَّقْدِيرَاتِ حَمْلُهُمْ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى صَحِيفَةٍ وَقَدْ تَكُونُ أَحْكَامٌ لِلْمُعْتَلِّ لَا لِلصَّحِيحِ وَأَحْكَامٌ لِلصَّحِيحِ لَا لِلْمُعْتَلِّ وَيُقَالُ هُوَ عِرْوٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ خِلْوٌ مِنْهُ وَيُقَالُ لِسَاحِلِ الْبَحْرِ الْعَرَاءُ لِأَنَّهُ خِلْوٌ من النبات

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) وَقِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولِهِ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها بعروها قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَمَا يُقَالُ طَلَبَ إلَيَّ فَأَطْلَبْتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ وَجَوَّزَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَاعِلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَكُونُ لَامُهَا وَاوًا أَصْلُهَا عَرِيُّوهُ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ثُمَّ فَعَلَ بِجَمْعِهِ كَمَا فَعَلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يكون كمطية لاكهديه وَهَذَا الْوَزْنُ مَتَى كَانَتْ لَامُهُ وَاوًا اعْتَلَتْ في المفرد كان حكمه حكم مَا لَامُهُ يَاءٌ بِخِلَافِ الَّذِي لَامُهُ وَاوٌ صَحَّتْ فِي الْمُفْرَدِ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمُرَادُ بِهَا هُنَا فَعِنْدَنَا هُوَ بيع الرطب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْعَرَايَا نَوْعٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ رُخِّصَ فِيهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ رَخْصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُزَابَنَةِ فِيمَا دون خمسة أوسق وهو أن يجئ الرَّجُلُ إلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْنِي مِنْ حَائِطِكَ ثَلَاثَ نَخْلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فَيَبِيعُهُ إيَّاهَا وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ النَّخَلَاتِ يَأْكُلُهَا وَيُتْمِرُهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْعَرَايَا بِالتَّفْسِيرِ الْمَشْهُورِ وَالْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ هَذَا الذى وصفنا أحدهما وجماع العرايا كلما أُفْرِدَ لِيَأْكُلَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ الْبَيْعِ مِنْ ثَمَرِ الْحَائِطِ إذَا بِيعَتْ جُمْلَةٌ مِنْ وَاحِدٍ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَنْ يَخُصَّ رَبُّ الْحَائِطِ الْقَوْمَ فَيُعْطِي الرَّجُلَ ثَمَرَ النَّخْلَةِ وَثَمَرَ النَّخْلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ هَدِيَّةً يَأْكُلُهَا وَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمِنْحَةِ مِنْ الْغَنَمِ يَمْنَحُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الشَّاةَ أَوْ الشَّاتَيْنِ وَأَكْثَرَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا وَيُتْمِرَهُ وَيَصْنَعَ فِيهِ مايصنع فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلِكَهُ. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ أَنْ يُعْرِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ حَائِطِهِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَيُهْدِيَهُ وَيُتْمِرَهُ وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا أَحَبَّ وَيَبِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِ حائطه فتكون هذه

مفرد من المبيع مِنْهُ جُمْلَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصَدِّقَ الْحَائِطِ يَأْمُرُ الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَ وَلَا يُخْرِجُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَقِيلَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَدَعَ مَا أَعْرَى الْمَسَاكِينَ مِنْهَا فَلَا يَخْرُصُهُ وَهَذَا بِتَعْبِيرِهِ فِي كِتَابِ الْخَرْصِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ كَوْنِهِ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ نَخْلَةً أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الزكاة قولا وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ هُنَاكَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبُيُوعِ وَالْقَدِيمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامِهَا فَرُخِّصَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ الْمُعْرَى بِتَمْرٍ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ النَّخْلَةُ فِي وَسَطِ نَخْلٍ كَثِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ فَيَدْخُلُ رَبُّ النَّخْلَةِ إلَى نَخْلَتِهِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ صَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَهْلُهُ فِي النَّخْلِ فَيُؤْذِيهِ بِدُخُولِهِ فَرُخِّصَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ صَاحِبِهَا قَبْلَ أن يجذه

بِتَمْرٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ اعراء إنما هي نحلة يَمْلِكُهَا رَبُّهَا فَكَيْفَ تُسَمَّى عَرِيَّةً وَمِمَّا يُعَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ يَصِفُ النَّخْلَ لَيْسَتْ بسنهاء ولا دجية * وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَقُولُ إنَّا نعيرها الناس والسنهاء الخفيفة الحمل والدجية الثَّقِيلَةُ الْحَمْلِ الَّتِي قَدْ انْحَنَتْ مِنْ ثِقَلِ حَمْلِهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ خَفِّفُوا الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ (قُلْتُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تَمْرًا لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ تَخْصِيصٌ أَنَّ الذى يبتاعهما هُوَ الْوَاهِبُ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ فَهَذَا أَوْلَى مَا يُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْعَرَايَا ثَلَاثَةٌ (مُوَاسَاةٌ) وَهِيَ مَا يُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ (وَمُحَابَاةٌ) وَهِيَ مَا يَتْرُكُهَا الْخَارِصُ لِمَنْ يُخْرَصُ نَخْلُهُ

ليأكلها علما أنه سيتصدق منه بِأَكْثَرَ مِنْ عُشْرِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا لَهُمْ الثلث فدعوا الربع) (المراضات) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه بيع الرطب خرصا على النخيل بِمَكِيلِهِ تَمْرًا عَلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ مَعَ تَعْجِيلِ الْقَبْضِ وَذَكَرَ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَنَذْكُرُهُمَا إنْ انشاء اللَّهُ تَعَالَى. وَالرُّخْصَةُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي حَدِّهَا عِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةً أَحْسَنُهَا الْإِطْلَاقُ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ لِغَرَضِ التوسيع فقولنا الا طلاق نُرِيدُ بِهِ إبَاحَةَ الْأَقْدَامِ الَّتِي تَشْتَمِلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ وَقَوْلُنَا مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ احتراز من قتل قاطع الطريق وشبه فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ شُرِّعَ مَعَ الْإِسْلَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى رُخْصَةً وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ احْتِرَازٌ من القصاص فانهه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلام وَالْإِجَارَةُ وَمَا أَشْبَهُهُمَا. ثُمَّ الرُّخْصَةُ قَدْ يَكُونُ سببها الضرورة

كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ الْمَيْتَةَ وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهَا الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا فَلَمَّا كَانَ الدَّلِيلُ قَائِمًا عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَوَرَدَتْ الْعَرَايَا عَلَى خِلَافِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ رُخْصَةً وَالْخِرْصُ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ فَارِسٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَخْرُوصُ وَأَمَّا الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحذر يُقَالُ خَرَصَ الْعَبْدَ يَخْرِصُهُ وَيَخْرُصُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ خَرْصًا وَخِرْصًا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ حذره قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْخَرْصُ المصدر والخرص الاسم والخراص الحذار (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشام وأحمد واسحق وأبو عبيد وَدَاوُد وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلُّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجَعَلُوهُ مُسْتَثْنًى من وجهة نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الجزء السادس عشر من الام مخالفونا

معا في العرايا لا نجيز بيعها وقالوا نرد بَيْعِهَا بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْهُمْ فَإِنْ أَجَازَ إنْسَانٌ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بِالْعَرَايَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْعَرَايَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْنَا هل الحجة عليه الالهى عَلَيْكُمْ فِي أَنْ يُطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحِلُّ مَا أَحَلَّ وَيُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ وَبَحَثَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ فَكَيْفَ نقول قُلْتُ أُحِلُّ مَا أَحَلَّ مِنْ بَيْعِ الْعَرَايَا وَأُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الرطب بالتمر عن العرايا وان علم أَنْ لَمْ يُرِدْ بِمَا حَرَّمَ مَا أَحَلَّ وَلَا بِمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ فَأُطِيعُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَمَا عَلِمْتُك إلَّا عَطَّلْت نَصَّ قَوْلِهِ فِي الْعَرَايَا وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا فَلَمْ يَكُنْ لِلتَّوَهُّمِ ههنا مَوْضِعٌ فَنَقُولُ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا مَوْضِعَ لِلتَّوَهُّمِ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ الْآخَرِ فَيُقَالُ أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ يَعْنِي لِأَنَّ رُوَاةَ أَحَدِهِمَا هُمْ رُوَاةُ الْآخَرِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأُمِّ

مَا مُلَخَّصُهُ إنَّ الْعَرَايَا دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُزَابَنَةِ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَخَارِجَةٌ مِنْهُ مُنْفَرِدَةً بِخِلَافِ حُكْمِهِ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّهْيِ قَصْدَهَا وَإِمَّا بِأَنْ أَرْخَصَ فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَهَى عَنْهُ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي كَلَامِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَعَنْ الْمُزَابَنَةِ هَلْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَوْ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْفَرْقُ بينهما أن الذى أريد به الخصوص يكون الْمُرَادُ فِيهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى اللَّفْظِ وَيَكُونُ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ مُتَأَخِّرًا وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عن اللفظ أو مقارنا ويكون المراد بالفظ أَكْثَرَ مِمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَطْلَقَ عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ عُمُومُهُ كَانَ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ نَسْخًا لِأَنَّ الْمُرَادَ إرَادَةُ الْعُمُومِ بِاللَّفْظِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً فأن العشرة مراده وليس هو كقوله سبعة على المشهور والله أعلم. أاشار الجوزي إلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُقْصَدْ بِالنَّهْيِ قَصْدُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْمُزَابَنَةِ يَعْنِي ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ماقاله الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا

دَاخِلَةٌ وَقَالَ فِي بَابٍ آخَرَ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا إنَّهَا يَعْنِي الْمُزَابَنَةَ جُمْلَةُ عَامَّةِ الْمَخْرَجِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرَدُّدُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ هَلْ وَرَدَتْ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَوَرَدَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَصْحَابِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ كَلَامُهُ في الرسالة فأنه قال إن أولى الوجيهن عنده أن يكون أراد بها مَا سِوَى الْعَرَايَا وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَخَّصَ فِيمَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ زَيْدٍ الثَّابِتُ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَا نَهَى عَنْهُ جُمْلَةً أَرَادَ بِهِ مَا سِوَى الْعَرَايَا وَحَدِيثُ زَيْدٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى بَلْ الْمُتَعَيِّنَ وَعَلَى مَا حَمَلْتُهُ عَلَيْهِ لَا يَدْفَعُهُ حَدِيثُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ تَكُونُ الرُّخْصَةُ بَعْدَ ذَلِكَ

مُبَيِّنَةً لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ أَعَادَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ مِنْ الطَّعَامِ بِالْيَابِسِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَرَايَا لَمْ تَدْخُلْ فِي نَهْيهِ يَعْنِي لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ وَجَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّ الزَّائِدَ مَنَعَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَالتَّوْقِيتِ فِيهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ هُوَ دَاخِلٌ في المزابنة لكان مذهبنا يَصِحُّ عِنْدَنَا. وَاعْتَلَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِأُمُورٍ (مِنْهَا) حَمْلُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْهِبَةِ كَمَا هُوَ التَّفْسِيرُ الثَّانِي الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ شِعْرُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ قَالُوا فَكَأَنَّهُ رَخَّصَ لِمَنْ وَهَبَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَلَمْ يَقْبِضْ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضَ ذَلِكَ تَمْرًا وَيَرْجِعُ فِيهَا وَسَمَّاهُ بَيْعًا لِأَنَّ مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ كَالْعِوَضِ عَمَّا وَهَبَ بِهِ فتحمل

الْعَرِيَّةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْمَجَازِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى هَذَا فِي الرُّخْصَةِ فَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرِي لِأَنَّهُ وَعَدَ فَأَخْلَفَ قَالَ الدَّيْنِينِيُّ (1) الْحَنَفِيُّ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقِيلَ إنَّهَا عَائِدَةٌ إلَى الْمُعْرَى لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعِوَضَ عَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ قَالُوا وَأَنْتُمْ تَحْمِلُونَ الْبَيْعَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْعَرِيَّةَ عَلَى الْمَجَازِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعَرِيَّةِ تَفْسِيرَيْنِ فَلَا مَجَازَ وَلَوْ سَلَّمَ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ لِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الْبَيْعُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا بَيْعًا (وَالثَّانِي) أَنَّ الرُّخْصَةَ لا تكون إلا عن خطر والخطر فِي الْبَيْعِ لَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (والثالث) أنه قدر

_ (1) كذا بالاصل فحرر

بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا قَالُوهُ لَا يَخْتَصُّ (وَالرَّابِعُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِالْخَرْصِ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ فَعَلَى النَّخْلِ أَوْلَى لانه أقرب إلى الغرور (وأجاب) المصنف في النكت بأنه هنا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَفِي الْأَرْضِ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَ الرُّطَبَ مَعَ النَّاسِ. وَقَدْ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ قلة الغرر لعدم الحاجة كما قالوا فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ يَجُوزُ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَلَا يَجُوزُ الْحَالُّ مَعَ قِلَّةِ الْغَرَرِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِأَنَّ فِي الْأَرْضِ لَمْ يُجْعَلْ الْخَرْصُ طَرِيقًا لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ وَفِي الشَّجَرِ جُعِلَ الْخَرْصُ طريقة لمعرفة المقدار ويعرف بها التَّسَاوِي فِي حَالِ الِادِّخَارِ وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ المنصف يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي الْأَرْضِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَيُبْطِلُهُ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الخرص واعتلو أيضا بأمور أخر لامتعلق لَهُمْ بِهَا (وَأَمَّا) مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ وَإِنْ وَافَقَ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ الْعَرَايَا بِتَفْسِيرٍ أَخَصَّ مِمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ

أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ تَمْرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَاتٍ ثُمَّ يَتَضَرَّرُ بِمُدَاخَلَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَشْتَرِيهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذِهِ الصُّورَةُ عِنْدَنَا مِنْ جُمْلَةِ الْعَرَايَا لَكِنَّ الْخِلَافَ مَعَهُ فِي قَصْرِهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ إلَّا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يَجُوزُ وَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ نَسِيئَةً وَزَادَ حَتَّى قَالَ لَا يَجُوزُ نَقْدًا على ما يحكى عَنْهُ وَعَلَى هَذَا لَا تَبْقَى صُورَةٌ فِي الْعَرَايَا يَحْصُلُ فِيهَا اتِّفَاقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لِأَنَّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نُجِيزُهُ نَحْنُ نَقْدًا ولا نجيزه نسيئا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَجَوَّزَ شِرَاءَهَا لِمُعْرِيهَا وَلِوَرَثَتِهِ وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نحلة أَصْلُهَا لِغَيْرِهِ فِي حَائِطِهِ قَالَ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّهُ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ جَبْرًا وَيُجْرِيهِ مَجْرَى الشُّفْعَةِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتَلَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي عِلَّةِ الْجَوَابِ فِي مَنْعِهَا مِنْ الْمُعْرَى فَقِيلَ لِوَجْهَيْنِ أم لِدَفْعِ ضَرَرِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْ لِمِرْفَقٍ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ إذَا أَعْرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ عَرِيَّتِهِ لِأَنَّ الضرر الذى أرخص به قائم قاله قَالَهُ فِي تَهْذِيبِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَوَافَقْنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِنَا في بيع العرايا ثم عاد فقال لاتباع إلَّا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي أَعْرَاهَا إذَا تَأَذَّى بِدُخُولِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ بِتَمْرٍ إلَى الْجَذَاذِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا عَلَيْهِ أَجَلُهَا فَتَحِلُّ لِكُلِّ مُشْتَرٍ وَلَا أُحَرِّمُهَا فَنَقُولُ قَوْلَ مَنْ حَرَّمَهَا وَزَادَ فَقَالَ تُبَاعُ بِتَمْرٍ نَسِيئَةً وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ فِي الطَّعَامِ حَرَامٌ وَزَادَ أَنَّ أَجَلَهَا إلَى الْجَذَاذِ فَجَعَلَ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْجَذَاذَ مَجْهُولٌ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْعَرِيَّةِ بِذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

تعليقا عن محمد بن اسحق وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ وَبِشِعْرِ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ الْمُتَقَدِّمِ (قُلْتُ) وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ وهو الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعانها بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ أَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي يَبْتَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَشْهَدُ لِتَأْوِيلِ مَالِكٍ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ نَقَلَهَا مَالِكٌ هَكَذَا (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَهِيَ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ (قُلْتُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ مَالِكٍ وَهُوَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ عَالِمٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ تَمْرَ النَّخَلَاتِ بِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ الْهِبَةَ هِيَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مُخْتَصَّةٌ بِمُشْتَرِي الْعَرِيَّةِ لَا بِبَائِعِهَا فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أن يشتريها والحديث إنما قال أن بيعها وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثابت الذى ذكرته لهم فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَنَا وَنَحْنُ

نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَرِيَّةَ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ حَاصِلٌ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُهَا مُفْرَدَةً وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقَعُ الْإِفْرَادُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ لِأَصْحَابِ الْعَرَايَا عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ مُعْرِيهَا بَلْ أَطْلَقَ فَيَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ وَلِهَذَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا فَقَوْلُهُ أَهْلُ الْبَيْتِ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِبَيْعِهَا مِنْ الْمُعْرِي فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّنَا أَنْ نُسَلِّمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الذين وهبت له النخلات وردت الرُّخْصَةُ لَهُمْ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الرُّخْصَةُ لِلْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي لانقد بِيَدِهِ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرُّطَبَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِالتَّمْرِ (قُلْتُ) الرُّخْصَةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَخَّصَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ كَذَلِكَ وَرَخَّصَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَسَبَبُ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) حَاجَةُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لارطب عِنْدَهُ أَعْنِي الَّذِي تَقْتَضِي الْعَادَةُ أَنَّهُ يَطْلُبُ شِرَاءَ الرُّطَبِ وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا) (وَالثَّانِي) أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا هُمْ الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ وُهِبَتْ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْحَاجَةُ وَقَدْ لَا تَصْبِرُ النَّفْسُ عَلَى أَكْلِ الرُّطَبِ دَائِمًا وَتَطْلُبُ التَّمْرَ الَّذِي هُوَ الْقُوتُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ وَلَا كَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّخِيلِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ جُمْلَةً وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْغِنَى عَنْ شِرَاءِ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ مَعًا فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْعَرَايَا لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الْبَيْعِ لَا لِأَنَّ فِيهِمْ

مَعْنًى مُصَحِّحًا لِلْبَيْعِ لَيْسَ فِي غَيْرِهِمْ فَأَصْحَابُ الْعَرَايَا هُمْ الْبَائِعُونَ وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَرِدْ فِي شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِيهِ تَقْيِيدٌ إلَّا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَاوِيجِ وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِمَقْصُودِينَ بِأَصْحَابِ الْعَرَايَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يَبْعُدُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُدَاخَلَةِ لَمْ تَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمَا فَوْقَهَا وَقَدْ سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ اخْتِصَاصَهَا بِالْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. واشترط الحرقى مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ كَوْنَ الْعَرِيَّةِ مَوْهُوبَةً مِنْ بَائِعِهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ مُرَجِّحَاتِ الْمَذْهَبِ فِي خَمْسَةِ أَوْجُهٍ اسْتِثْنَاؤُهَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَإِثْبَاتُهَا بِلَفْظِ الرخصة المشعر بتقدم الخطر وَبِلَفْظِ الْبَيْعِ الْمُقْتَضِي عِوَضَهَا وَاعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ بِالْخَرْصِ وَتَقْدِيرُهَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَبَسْطُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَا قِيَاسَ فِيهَا يُتَعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْوِيرِ شُرُوطًا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (أَحَدُهَا) أَنْ يَخْرُصَ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الرُّطَبِ أَيْ رطبا ويخر ص ما يجئ مِنْهُ إذَا جَفَّ فَيَأْتِي الْمُتَبَايِعَانِ إلَى النَّخْلِ ويحررانها ويقولا فِيهَا الْآنَ وَهِيَ رُطَبُ سِتَّةِ أَوْسُقٍ مَثَلًا وَإِذَا يَبِسَتْ وَجَفَّتْ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ فَتُبَاعُ بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تَمْرًا فَإِنْ زَادَهُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مدا أو نقصه مدالم يَجُزْ لِظُهُورِ التَّفَاضُلِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَمَّا خَرْصُهُ رطبا فلابد منه وان يخرص ما يجئ منه جافا فسيأتي فيه شئ عَنْ أَحْمَدَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِمَّا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كيفية الخرص مستوفى في بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الذى يباع به معلوما بالكبل لقوله ثم يبيع ذلك بقدره وهذا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ

بِإِبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَمُسْتَنَدُهُ حَدِيثُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ إدْرِيسَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لَا يَكُونُ بِالْجُزَافِ وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْأَوْسُقِ الْمُوسَقَةِ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسُقَ لَا تَكُونُ إلَّا كَيْلًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا لِلتَّعَذُّرِ فَيَجِبُ فِي الْآخَرِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ تُرِكَ الْكَيْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَفِي تَرْكِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا تَقْلِيلُ الْغَرَرِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ جُزَافًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَابْنُ إدْرِيسَ الَّذِي نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ وَعَلَى ذِهْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَحْضُرْنِي مَوْضِعُهُ الْآنَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بقدر ما يجئ مِنْهُ تَمْرًا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الرُّطَبِ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ بِخَرْصِهَا رُطَبًا وَيُعْطَى تَمْرًا خِرْصَهُ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْهُمْ وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِتَمْرٍ مِثْلِ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ بَيْعٌ اُشْتُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ حَالَ الْبَيْعِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَلِأَنَّ الاصل اعتبار المماثلة في حال وَأَنْ لَا يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ خُولِفَ الْأَصْلُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى قِصَّةِ الدَّلِيلِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَخْفَى وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَكُونُ خَرْصُهَا تَمْرًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الْعَشْرِ وَالصَّحِيحُ ثَمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا (الرَّابِعُ) أَنْ يَتَقَابَضَا فَمَتَى تفرقا قبل

التَّقَابُضِ فَسَدَ الْعَقْدُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْحَابُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ وَالتَّقَابُضُ فِي التَّمْرِ ظَاهِرٌ بِالْكَيْلِ وَالنَّقْلِ (وَأَمَّا) في الرطب الذى على النخيل فَبِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَبَيْنَ النَّخْلَةِ هَكَذَا نَصَّ الشافعي والاصحاب وَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلِيُسَلِّمَ إلَيْهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ ولايجوز الْبَيْعُ فِيهَا حَتَّى تُقْبَضَ النَّخْلَةُ بِثَمَرِهَا وَيَقْبِضَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ التَّمْرَ بِكَيْلِهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ إلَى الْجَذَاذِ وَبَحْثُهُ فِي ذَلِكَ كَافٍ وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أن التمرة تكون من ضمان البائع إلى أن (1) الْقَطْعُ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ التَّمْرِ عِنْدَ تَمْرِ النخيل بل لو تبايعا بعد رؤية التمرة وَالثَّمَرَةِ ثُمَّ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ ثُمَّ مَشْيًا إلَى التَّمْرِ فَسَلَّمَهُ جَازَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرافعى ويشترط في هذه المدة أن لايفترقا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا افْتَرَقَا لَزِمَتْ الْعَرِيَّةُ وَلَا خِيَارَ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِيَ ثَمَرَةَ النَّخْلَةِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عِنْدَ إدْرَاكِهَا (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الْأَرْضِ بِالتَّمْرِ هل يجرى حكم العرايا فيه فيصبح فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونِهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لا خلاف على المذهب أنه يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَرَايَا لَا يُوجَدُ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَقَدْ حُكِيَ فِي طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْإِمَامُ وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا وَقَدْ تقدم التنبيه على ذلك.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا اشْتَرَى الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ يَعْنِي فِي الْعَرَايَا فَإِنْ أَكَلَ الرُّطَبَ وَلَمْ يُجَفِّفْهُ فَالْعَقْدُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ جَفَّفَهُ فَكَانَ بِقَدْرِ التَّمْرِ أَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بقدر مابين الْكَيْلَيْنِ فَالْعَقْدُ نَافِذٌ وَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ ظاهر يحكم ببطلان العقد مَا يُوجِبُ الْفَسَادَ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمُتَوَلِّي وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَهُ بعد السؤال في الدرس وفيه أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَثِيرِ بِقَدْرِ الْقَلِيلِ وَلِمُشْتَرِي الكثير الخيار حكاه البغوي والرافعي. (فرع) يجوزأن يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ فَيَقُولُ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخْلَةِ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ التَّمْرِ وَيَصِفُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكِيلُ مِنْ التَّمْرِ بِقَدْرِ خَرْصِهَا ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا فَإِنْ بَاعَهُ بِمُعَيَّنٍ فَقَبَضَهُ بِنَقْلِهِ وَإِنْ باعه بموصوف فقبضه باكتياله ولا يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَيْضًا. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى والحائجة في العرايا والبيع غيرهما سَوَاءٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَا تَجُوزُ العرية الافيما بَدَا صَلَاحُهُ بُسْرًا كَانَ أَوْ رُطَبًا فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى اشْتِرَاطِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ الْبُسْرِ حُكْمُ الرُّطَبِ وَقَلَّ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَّلَ الرُّويَانِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْبُسْرِ كَالرُّطَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الطَّلْعِ بِالتَّمْرِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ هُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ هناك ومتى جاز فيها بطريق أولى.

قال المصنف رحمه الله تعالى . (وهل يجوز للاغنياء فيه قولان (أحدهما) لا يجوز وهو اختيار المزني لان الرخصة وردت في حق الفقراء والا غنياء لا يشاركونهم في الحاجة فبقى في حقهم على الحظر (والثانى) أنه يجوز لما روى سهل بن أبى حثمة قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع التمر بالتمر الا أنه رخص في العرايا أن تبتاع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ولم يفرق ولان كل بيع جاز للفقراء جاز للاغنياء كسائر البيوع) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَرِيبٌ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ زِيَادَةٌ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تمر بخرصه بعد قَوْلِهِ الْعَرَايَا. وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَفْظُ رواية الشافعي كذلك عَنْهُ فِي السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فِي السُّنَنِ الْعَرَايَا وَفِي الْمُسْنَدِ الْعَرِيَّةُ وَفِيهِمَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَالْأَهْلُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا هُمْ الْمُشْتَرُونَ بِلَا شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْأُخْرَى يَبِيعُهَا أَهْلُهَا فَجَعَلَ الْأَهْلَ بَائِعِينَ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ لَكِنَّ قَوْلَهُ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا لَا يصلح أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَهْلِ الْبَائِعِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا بَلْ يَأْخُذُونَ الثَّمَنَ فَهُوَ عَائِدٌ على معلوم في النفس وان لم يجرى لَهُ ذِكْرٌ أَيْ يَأْكُلُهَا الَّذِينَ يَبْتَاعُونَهَا رُطَبًا وَقَدْ يَتَعَسَّفُ مُتَعَسِّفٌ فَيَجْعَلُ الْأَهْلَ فِي قَوْلِهِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا مَنْصُوبًا وَيَكُونُوا مُشْتَرِينَ لَا بَائِعِينَ أَيْ يَبِيعُهَا مِنْ أَهْلِهَا وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَاعَ لَا يتعدى إلى مفعولين لنفسه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْخِرْصُ بِالْكَسْرِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (وأما) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِعُمُومِ الرُّخْصَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنَسَبَهَا الْمَاوَرْدِيُّ إلى جمهور الاصحاب وهى الظاهرة مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ وَهِيَ التى

أَوْرَدَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نظر إلى حديث محمود قد تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنِّي وَجَدْتُ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا الدِّمْيَاطِيِّ مِنْ المهذب إشارة بخط غيره تقتضي نسبة ذلك إلى مسند أحمد فعلى هذا لاغنياء لا يُشَارِكُونَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الثَّابِتُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّ الْمُزَنِيَّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ اخْتَلَفَ مَا وَصَفَ الشافعي في العرايا قال لم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أو أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُحْتَاجُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَإِنَّمَا الشَّافِعِيُّ تَكَلَّمَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْوَاهِبِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالتَّمْرِ فَقَالَ لَا يُمْكِنُكَ عَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا (لِأَنَّ من يشترى الرطب على هذ الْوَجْهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَإِنَّ جَمِيعَ بُسْتَانِهِ الرُّطَبُ وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمَضَرَّةَ بِدُخُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَعَ النَّاسِ فَقَصَدَ هَذَا دُونَ تَخْصِيصِ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِاتِّبَاعِ ذَلِكَ وَمَنْعِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَحِيحٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَالْإِمْلَاءِ وَاَلَّذِي فِيهِمَا مَا ذُكِرَ دُونَ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِقَوْلِ الْجَوَازِ وَلَا يُعْزَى لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَيُجْعَلُ قَوْلُ الْمَنْعِ مَذْهَبًا لِلْمُزَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْأَغْنِيَاءُ لَا يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْحَاجَةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ في العلة لا لاجل ذَلِكَ وَارِدًا عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ إذَا حَصَلَ

الِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ كَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَقَدْ تَلَقَّنَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ فَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ وَنَظَرَ فِيهِ لى حدوث محمود ابن لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ مَعَ أَصْلٍ سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ وَجَوَابُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ لَهُ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرُّطَبَ لِلْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً جَزَمُوا بِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَإِنَّهُ لم يفرق بين الفقراء والاغنياء لارحامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الرُّطَبَ شَهْوَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الضَّرُورَةُ لَرَخَّصَ فِي صَاعٍ وَنَحْوِهِ بِمَا يُزِيلُهَا وَقَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ مُطْلَقَةً فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مُقَيَّدَةً فِي بَعْضِهَا فَهَلَّا حَمَلْتُمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْتُ) لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ ولفظ مقيد بقيد لفضى فَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ ذِكْرُ قَيْدِ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِأَقْوَامٍ وَقَرِينَةُ الْحَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَسُؤَالُهُمْ يَقْتَضِي

أَنَّ عِلَّةَ الرُّخْصَةِ لَهُمْ الْحَاجَةُ فَإِذَا وَرَدَ التَّرْخِيصُ مُطْلَقًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَجِبْ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَنَّاهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ لَيْسَ مُعْتَبَرًا بَلْ كَانَتْ الرُّخْصَةُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْوَاقِعَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُمْ اقْتَضَتْ مَشْرُوعِيَّةَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ عَامًّا لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وَالْمُرَادُ إمَّا الصَّحَابَةُ وَالْعَرَبُ وَإِمَّا النُّفُوسُ الْكَرِيمَةُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ فَمَا تَنْفِرُ عَنْهُ طِبَاعُهُمْ فَهُوَ الْخَبَائِثُ وَمَا تَمِيلُ إلَيْهِ فَهُوَ الطَّيِّبَاتُ وَغَيْرُهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ تُوجَدُ فِي الْكَثِيرِ قَطْعًا وَتُعْدَمُ فِي الْقَلِيلِ قَطْعًا كَالْإِسْكَارِ وَقَدْ يَكُونُ ثَابِتًا لِعِلَّةٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ زَالَتْ كَالرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (1) وَبَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ لِسَبَبٍ يَخْلُفُ ذَلِكَ السَّبَبَ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّا نَتَذَكَّرُ فِي زَمَانِنَا سَبَبَ هَذَا الْفِعْلِ لِأَنَّ النَّفْسَ طَالِبَةٌ لِلتَّعْلِيلِ فَنَطَّلِعُ عَلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ فَنَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَثَّرَنَا بَعْدَ الْقِلَّةِ وَأَعَزَّنَا بَعْدَ الذِّلَّةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَنَتَذَكَّرُ أَحْوَالَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَاءَتْ اسْتِطْرَادًا (فَإِنْ قُلْتَ) لَمْ يَرِدْ أَيْضًا لَفْظٌ مُطْلَقٌ فِي الرُّخْصَةِ مِنْ الشَّارِعِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِهِ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا مِنْ الرُّوَاةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي العرايا وهذه حكاية حال لاعموم فِيهَا وَلَا إطْلَاقَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بتلك الرخصة التى صدرت

_ (1) بياض بالاصل

منه صلى الله عليه وسلم للمحلويج وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا لِغَيْرِهِمْ (قلت) الجواب من وجهين (أحدهما) أن المتعمد فِي الْأُصُولِ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا حَكَى وَاقِعَةً حَكَى وَاقِعَةً بِلَفْظٍ عَامٍّ كَقَوْلِهِ نَهَى عَنْ الْغَرَرِ وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْمَحْكِيِّ وَالْحِكَايَةِ مَعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ قِصَّةَ الْمَحَاوِيجِ لَمْ يَجُزْ حِكَايَتُهَا بِلَفْظِ الْعُمُومِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فِي عَرَايَا خَاصَّةٍ لَا فِي كُلِّ الْعَرَايَا فَلَمَّا أَتَى الرَّاوِي بِلَفْظٍ عَامٍّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَجَبَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْمَحْكِيَّ مُطَابِقٌ لَهُ فِي العموم (والثانى) أن معنا ههنا قَرِينَةً تُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَنْقُولَةَ غَيْرُ قِصَّةِ الْمَحَاوِيجِ وَهُوَ قَوْلُهُ رُخِّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَتِلْكَ الرُّخْصَةُ لَمْ تَكُنْ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ بَلْ لِلْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفَرَائِضِ قَدْ نَزَلَتْ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ فكان لهم وللناس عامة إلا مابين اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أُحِلَّ لِضَرُورَةٍ أَوْ خَاصَّةٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ ابْتِيَاعُهُ لِلْفَقِيرِ جَازَ لِلْغَنِيِّ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ الْقَوْلَ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الْمِقْدَارِ ولم يعتبر التقييد المذكورة من السبب في الحديث

محمود فلابد من التسوية أو الفرق ويعني ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي دَعْوَى التَّقْيِيدِ بِالْفُقَرَاءِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ التَّقْيِيدُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمَحَاوِيجِ فَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) قد قَرَّرْت أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَهُ رُخِّصَ فِي الْعَرَايَا وَأَمْثَالَهُ عَامٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالْمِقْدَارِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا (قُلْتُ) هَذَا غَيْرُ سُؤَالِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أحدهما) أن التخصيص ليس بذكرا بعض الْأَفْرَادِ بَلْ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوسق أو خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْمَفْهُومُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ (وَالثَّانِي) أَنَّا لو أبحنا العرايا في القليل والكثير لزل تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ وَجَمِيعُ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ تَقْتَضِي وُرُودَهَا في شئ وَلَفْظُ الْعَرِيَّةِ يَنْزِلُ عَلَى انْفِرَادِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْقِلَّةِ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ الرطب بالتمر فلابد مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مِقْدَارٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْمِيمِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ فَلَمْ يَصُدَّنَا عَنْهُ صَادٌّ وَلَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَقُولُ فِي الْأُصُولِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَنْ

لا يحمله ههنا وَتَبْقَى الرُّخْصَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (قلت) يصدعن ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ الْآنَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا مُتَّفِقُونَ عَلَى الْمُقَيَّدِ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ زَيْدٍ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَنَى الْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ أَوَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَتَّبِعُ مَوْرِدَ النَّصِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ نلحق الاغنياء بهم وعلى الثاني تتردد وَهَذَا كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِمَامِ فِي إلْحَاقِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ بِالرُّطَبِ وَالْبِنَاءُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَاكَ مُتَّجَهٌ وَأَمَّا هُنَا فَبَعِيدٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَنَاهُ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي سَيَحْكِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعَرَايَا هَلْ أُحِلَّتْ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْمُزَابَنَةِ أَمْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّحْرِيمِ أَصْلًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَمَا ضَابِطُ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ أَكْثَرُهُمْ لِذَلِكَ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَمَّا حَكَى الْقَوْلَيْنِ يختص ذلك بمن لانقد بِيَدِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ صَاحِبِ

التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْعَرَايَا صَحِيحٌ مِنْ الفقراء الذين لانقد لَهُمْ يَشْتَرُونَ بِهِ الرُّطَبَ فَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَخِلَافٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُعْرَى الْمُضْطَرِّ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَمْنَعُوا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لِإِطْلَاقِ الرُّخْصَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ مَتَى كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا وَمَعَهُ مِنْ التَّمْرِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْعَرِيَّةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ شِرَاؤُهَا بِالتَّمْرِ. (فَرْعٌ) لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ جَزْمًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَاشْتَرَطَتْ الْحَنَابِلَةُ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ أَنْ يَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَصِيرَ تَمْرًا بَطَلَ الْعَقْدُ وَنَحْنُ نُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ وَاشْتَرَطَ الْخِرَقِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ كَوْنَهَا موهوبة من بائعها كما تقدم عن المالك وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تمرا لافرق بَيْنَ تَرْكِهِ لِغِنَاهُ عَنْهَا أَوْ تَرْكِهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَخَذُوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا) وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ ذِكْرُ الْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ لَا الِاشْتِرَاطُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَأْكُلْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ وَقَدْ سَلَّمُوا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ الْأَخْذِ وَلَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الاكل بعد الاخذ فلو أخذها رطبا بتركها عِنْدَهُ أَوْ شَمَّسَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ عِنْدَهُمْ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ مَا اشْتَرَطُوهُ. (فَرْعٌ) تَلَخَّصَ مِمَّا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا حَاجَةُ الْبَائِعِ جَزْمًا وَلَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ

وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْبَائِعِ وَحْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُشْتَرَطُ حَاجَةُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الشَّرْطُ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَالْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ الْأَرْبَعَةُ كُلٌّ مِنْهَا قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَمَجْمُوعُ الشُّرُوطِ الَّتِي وُجِدَتْ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ القائلين بالعرايا حاجه الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَوْنِهَا مَوْهُوبَةً مِنْ الْبَائِعِ وَكَوْنِهَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنْ يَأْخُذَهَا الْمُشْتَرِي رُطَبًا وان لا يَظْهَرُ نُقْصَانٌ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ السِّتَّةُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِالْعَرَايَا وَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ صَحَّ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالشَّرْطَانِ الْأَخِيرَانِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ إذَا فقد ابعد ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) هَلْ يَجُوزُ فِي الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعَ جزءا مشاعا أو مبهما مما النَّخْلَةِ بِالتَّمْرِ بِأَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ أَنَّ كُلَّ وَسْقٍ مِمَّا عَلَيْهَا يَأْتِي إذَا جَفَّ نِصْفَ وَسْقٍ فَيَقُولُ وَسْقًا مِمَّا عَلَى النَّخْلَةِ بِنِصْفِ وسق تمرا ويخرص جَمِيعَ مَا عَلَيْهَا فَيَقُولُ إنَّهُ يَأْتِي جَافًّا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ فَيَبِيعُ نِصْفَهُ شَائِعًا بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ تمرا لم أر في ذلك نقلا. قال المنصف رحمه الله تعالى (وهل يجوز ذلك في الرطب بالرطب فيه ثلاثه أوجه (أحدهما) يجوز وهو قول أبى على بن خيران لما روى زيد بن ثابت قال رخص رسول صلى الله عليه وسلم في العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك (والثانى) لا يجوز وهو قول أبى سعيد الاصطخرى لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال

لا تبايعوا ثمر النخل بثمر النخل ولان الخرص غرر وقد وردت الرخصة في جوازه في أحد العوضين فلو جوزنا في الرطب بالرطب لجوزنا في العوضين وذلك غرر كثير زائد على ما وردت فيه الرخصة فلم يجز كشرط الخيار فيما زاد على ثلاثه أيام (والثالث) وهو قول أبى اسحق أنه ان كان نوعا واحدا لم يجز لانه لا حاجه به إليه لان مثل ما يبتاعه عنده وان كان نوعين جاز لانه قد يشتهي كل واحد منهما النوع الذى عند صاحبه فيكون كمن عنده تمر ولا رطب عنده) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنَّ فِيهِ بَحْثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا فِيهِ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَلَا يكون للتخيير والرواية هكذا بأوفى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ لَكِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ بالرطب وبالتمر هَكَذَا بِالْوَاوِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُقَيْلٌ أَحْفَظُ مِنْهُ فَرِوَايَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحٍ ثُمَّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ نَافِعٍ مُتَّفِقَةً عَلَى التَّمْرِ كَأَحَدِ رِوَايَتَيْ سَالِمٍ فَرَجَّحْنَا ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ثُمَّ رَأَيْنَا الطَّبَرَانِيَّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ رَوَى رِوَايَةَ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كَمَا رَوَاهَا النَّسَائِيُّ وَزَادَ فَرَوَاهَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِيهِ بالتمر والرطب كما قال المنصف وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتْقِنٍ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَإِتْقَانِ عُقَيْلٍ وَقَدْ تَابَعَ عُقَيْلًا عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ أَيْضًا وهو من جملة أصحاب

الزهري فقال رخص بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ رَوَاهُ الطبري وهذا نص وتابعها مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِيهِ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُ سَمِعَهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ قَوِيَّةٌ مُقَاوِمَةٌ لِطَرِيقِ عُقَيْلٍ فَإِنَّ يُونُسَ فِي الزُّهْرِيِّ عَظِيمٌ ثُمَّ أَمْعَنْتُ الطَّلَبَ وَنَظَرْتُ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ ابن وهب الذى هو الاصل فان أباه دَاوُد رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَجَدْتُهُ فِيهِ بِالتَّمْرِ أو الرطب بألف ملحقة يخط كَاتِبِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ ذَكَرُوا رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ مُسْتَدِلِّينَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن خارجة بن زيد وففيه لا أدرى أذكره أَبَاهُ أَمْ لَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي اتِّصَالِهِ لَكِنَّ طَرِيقَهُ لَا تُقَاوِمُ طَرِيقَ أَبِي دَاوُد فَالرَّاجِحُ حِينَئِذٍ عَنْ خَارِجَةَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ رَاجِحَةٌ عَلَى رِوَايَةِ خارجة عن زيد كمالايخفى مِنْ صُحْبَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَلَالَتِهِ وَكِبَرِهِ حِينَ سَمَاعِهِ وَخَارِجَةُ كَانَ عُمْرُهُ فِي زَمَنِ أَبِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ خَارِجَةَ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِصِحَّةِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ زَيْدٍ وَيُحْمَلُ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ وَيَكُونُ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ

عَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِأَوْ وَتَارَةً بِالْوَاوِ وَهَذِهِ أولى من أن يحكم على بعض الرواية بِالْوَهْمِ مَعَ ثِقَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ ابْنِ خَيْرَانَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّعَارُضِ لِقُوَّةِ كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَالشَّكُّ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ رُخْصَةٍ فَمَتَى شَكَّ فِي شَرْطِهَا بَطَلَتْ وَأَمَّا تَرْجِيحُ رِوَايَةِ خَارِجَةَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْأَقْرَبُ الْحُكْمُ بِالتَّعَارُضِ أو ترجيح رواية ابن عمر من الطريق الْكَثِيرَةِ لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِضَادِهَا بِرِوَايَةِ نَافِعٍ وَأَمَّا حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَيُبْعِدُهُ رِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ التى فيها تقييد التمر باليابس وذل يَقْتَضِي أَنَّ الرُّطَبَ بِخِلَافِهِ وَسَنَدُهَا فِي الطَّبَرَانِيِّ جيد ومن جملة المرجحات لحيديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَوْنُهُ ثَابِتًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةُ خَارِجَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهَا صَحِيحًا فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فِي التَّرْجِيحِ يَسْلُكُهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ هَذَا مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَلَفْظُهُ لَا تَتَبَايَعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ تَمْرَ النَّخْلِ بتمر النخل واسناده فيه محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ لَمْ أَعْرِفْهُمَا وَقَالَ فِي مَعْرِفَةِ السنن والآثار هكذا روى مقيدا يعنى تمر النخل بتمر اللنخل فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى اللَّفْظِ الْأَخِيرِ وهو البذل وترك المبدل منه وهو قوله التمر بالثمر وَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى التَّوَقُّفِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا فَهُوَ عَلَى الْحَدِيثِ بدون الزيادة التى فيه مبنية بِالنَّخْلِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرطب بالرطب أي سواء كان على رؤوس النَّخْلِ فَبِيعَا خَرْصًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ فَبِيعَ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ خَرْصًا بِاَلَّذِي عَلَى الْأَرْضِ كَيْلًا فَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قاله القاضى

أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الرُّطَبُ على رؤوس النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ قَالَ هل يجوز ذلك واشارة إلَى الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَصُورَتُهَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ فَرْعَ جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى وَالْأَوْجُهُ الْمَذْكُورَةُ مَشْهُورَةٌ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وابن الصباغ وآخرون وليس الشافعي نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ سُرَيْجٍ الْآتِي ذِكْرُهُ وَلَكِنَّهَا أَوْجُهُ للاصحاب (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بالرطب خرصا فيهما سواء كانا نَوْعًا وَاحِدًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ بِأَوْ وَكَأَنَّهُ اعْتَقَدَهَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُ جَوَابًا مُتْقَنًا مُحَرَّرًا (وَالثَّانِي) وهو الصحيح أنه لا يجوز مطلقا ولايجوز الا بالتمر وعراه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وابن الصباع والمصنف إلى الاصطخرى وقال المارودى إنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُزَابَنَةِ

إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِالتَّمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الاصل وهو التحريم والحديث الذى ذكرهه المصنف ان ثببت نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالتَّمْثِيلُ بِالْأَصْلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لم لاسلك هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي سَلَكَهَا شَيْخُهُ وَهِيَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ وَهُوَ التَّعْلِيلُ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّام فَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِإِدْرَاجِهَا تَحْتَ نَصٍّ خَاصٍّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسٍ مُسْتَنَدٍ إلَى نَصٍّ عَامٍّ (قُلْتُ) مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ بِبَيْعِ الرُّطَبِ فِي رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ وَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ غَرَرًا وَأَحَقَّ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ يُمْكِنُ النِّزَاعُ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْمُزَابَنَةِ نَصًّا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهَا إمَّا بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَيَكُونُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مَنْ يُقَارِنُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَالْقِيَاسِ شَرْطُهُ بَقَاءُ أَصْلِهِ فَمَتَى بَطَلَتْ دَلَالَةُ الاصل بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قد بطلت دلالة مفهومه والقياس عليه وههنا قَدْ بَطَلَتْ دَلَالَةُ الْأَصْلِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَيَتْبَعُهَا دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ العقد وان بقى في الزائد أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ

ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُبَرَّزُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ فَعَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَيَجْعَلُ الرُّخْصَةَ الْوَارِدَةَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ وَلَا يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ نَوْعٌ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْ النَّوْعِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْجِنْسِ وَالْوَصْفُ المقتضى لا لحاقه بما زاد على الثلاثة مُرَكَّبٌ مِنْ شَيْئَيْنِ الْغَرَرِ وَكَوْنِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ وَأَحَدُهُمَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كَافِيًا فِي التَّعْلِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيمَا حَكَى الشَّاشِيُّ عَنْهُ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَيَقْتَضِيه إيرَادُ الجرجاني (والوجه الثالث) وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَا نَوْعًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ يَجُوزُ كَالرُّطَبِ الْمَعْقِلِيِّ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالرُّطَبِ الْبَرْنِيِّ بِالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ وَأَطْلَقُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ فِيمَا حَكَى عَنْهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ يجوز إذا كان الرطبان على رؤوس النَّخْلِ وَكَانَا نَوْعَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا على الارض لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا حَكَاهَا المحاملى من غير تعيين أبى اسحق قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْخَبَرُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ رُطَبًا عَلَى الشجر يأكله على مر الزمن

والرطب عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ أَنْ يَفْسُدَ وَبَيْنَ أَنْ يَجِفَّ وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْمَحَامِلِيِّ زِيَادَةً سَأَتَعَرَّضُ لَهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا إنْ شَاءَ الله تعالى. وقد احتج أبو إسحق لِقَوْلِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ طَعْمَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ يُقَارِبُ طَعْمَ الآخر فلا تدعو الحاجة إلى إجازة وَرَوَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ بِالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ أَدْوَمُ نَفْعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا نَوْعًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَيَجُوزُ مَا عَلَى النَّخْلِ بِمَا عَلَى النَّخْلِ إذَا كَانَا من نوعين ولايجوز إذَا كَانَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لِفَقْدِ الْفَائِدَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذ وقد رأيت في تعليق الطبري عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النخل بالرطب على الارض ولم يذكر إذَا كَانَا عَلَى النَّخْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَجُمْلَةُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهَا كَذَلِكَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَمَا نَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَا نَوْعَيْنِ جَازَ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ وَلَكِنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ يُنَافِيهِ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي جَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ جَمَعْنَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ جَاءَتْ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ

الشخص المنقول عنه واحد وهو أبو إسحق فَكَيْفَ يَحْكِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وَقْتَيْنِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِلَّةٍ مِنْ النَّاقِلِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَيَبْقَى تَجْوِيزُ النَّقْلِ أَنْ يَقُولَ قِيلَ كَذَا وَلَا يَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ وَقَدْ نُقِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ قِيلَ وَعَبَّرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعِبَارَةٍ لَا تُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْضُوعًا جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَلَا وَهَذَا وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ وَكَأَنَّهُ مَلَّ الْقَلَمَ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَا عَلَى الشَّجَرِ جَازَ كَمَا هُوَ في النهاية فانقلب عليه هذا مالا أشك فيه وقال الجوزى إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ نَوْعٌ مِنْ الرُّطَبِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الرُّطَبِ لَيْسَ عِنْدَهُ خَرْصًا كَالْعَرَايَا هَذَا جَوَابُ ابْنِ خَيْرَانَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِهَذَا وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ جَازَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كيسان وهذا من ابن سريج والجوزي موافقة بن خيران أو اسحق. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الخرص

أَوْ الْكَيْلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَيْلُ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالْخَرْصِ بِالرُّطَبِ الموضوع بالارض بالخرص إذا نقص عن خمسة أوسق (فرع) عَرَفْتَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ شَذَّ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَصَحَّحَ قول أبى اسحق أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا صَحَّ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ كِلَاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يجز جزم بذلك صاحب الشامل وصاحب البحر وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ أَوْ الْفَسَادُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَكْلُ الرُّطَبِ على الام وحكي القفل في شرح التخليص فِيهِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ فِيهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي حِكَايَةِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (الثَّالِثُ) الْفَصْلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَيَمْتَنِعَ أَوْ يَكُونَا عَلَى الشَّجَرِ فَيَجُوزَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَ الْأَوْجُهِ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ أَجِدْ فِي طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ مَنْ نَصَّ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي

طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِيهِ صاحب التتمة وإذا جوزنا ذلك يُبَاعُ خَرْصًا أَوْ كَيْلًا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ القفال رضى الله عنه وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا وَهُمَا مَوْضُوعَانِ عَلَى الْأَرْضِ أو بيع الرطب على رؤس الشَّجَرِ بِالرُّطَبِ خَرْصًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِيهِ وَجْهَانِ خَرْصُهُ رُطَبًا ثُمَّ خَرْصُهُ تَمْرًا وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الرُّطَبُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا جَهَالَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ خَرْصُهَا تَمْرًا كَذَا وَيُعْلَمُ مِقْدَارُهَا فِي الْحَالِ فَهَذَا بِالْجَوَازِ أَوْلَى هَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أن القفال ذكر في شرح التخليص أنه على الخلاف لانه إذا جاز اللبيع وأحدهما أو كلاهما على رؤس النَّخْلِ خَرْصًا وَاحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ تَحَقُّقِ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ كَانَ أَوْلَى فَأَوْهَمَ هَذَا النَّقْلُ أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقَفَّالَ جَعَلَ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إلَّا ذِكْرُ وَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَكُونُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كَيْلًا وَالْقَفَّالُ إنَّمَا قَالَ خَرْصًا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ نَعَمْ رطبا بل يخرص ما يجئ مِنْهُمَا تَمْرًا فَحَسْبُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ كَيْلَ هَذَا الرُّطَبِ الْآنَ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ وَكَيْلَ الرُّطَبِ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وخر ص ما يجئ منهما تمرا

فَكَانَا سَوَاءً أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ الْآنَ فَحِينَئِذٍ تَحْقِيقُ الْكَيْلِ فِي الْجَانِبَيْنِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا تَخْفِيفُ غَرَرِ خَرْصِهِ تَمْرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَقَلَّ خطأ فننبه لِذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْقَفَّالِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صَاعَ رُطَبٍ بِصَاعِ رُطَبٍ مَقْطُوعَيْنِ صَحَّ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْخَرْصِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَفَّالِ ذلك والله أعلم. وقد تابع الرفعى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ إنَّ مِعْيَارَهُ الْكَيْلُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالْمُنَاقَشَةُ في هذا الفرع نقرب مِنْ الْمُنَاقَشَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ عَلَى الارض وقال القاضى حسين في تعلقيه لَا خِلَافَ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَآلِ لَا يَجُوزُ وَهِيَ الْمُزَابَنَةُ فَهَذَا نَصُّ الْقَاضِي أَكْبَرِ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ وَأَعْلَمَ بِكَلَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ أَوْ رُخْصَةً فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ لِلْفُقَرَاءِ وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ بِالرُّطَبِ عَلَى الارض إذا كانا رُطَبَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ.

(فَرْعٌ) بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي اتفاقهم على منع البيع الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الْمَرَاوِزَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ عَنْهُمْ فِي الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَا جَرَمَ ذَكَرُوا أَيْضًا خِلَافًا فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جُوِّزَتْ لَهُ الْعَرِيَّةُ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى مُرُورِ الايام لا يتحقق لانها لاتجف فِي الْحَالِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَلَى النَّخْلَةِ مَعَ الْخَرْصِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ يُبْسِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِ أَوْلَى وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ بَنَيْنَا الْبَابَ عَلَى الْإِتْبَاعِ امْتَنَعَ وَإِنْ جَعَلْنَا الْخَرْصَ أَصْلًا سَوَّغْنَا وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْإِمَامِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ أَنَّ الْخَرْصَ أَصْلٌ مَعَ تَلَوُّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ العرايا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (ولايجوز في العرايا فيما زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة) فالمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر على رؤس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الارض بالثلث والربع) .

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هَكَذَا رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُزَابَنَةِ وَالتَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّ فِي مُسْلِمٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ عَطَاءٌ فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ التَّمْرِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ كَيْلًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي مُسْلِمٍ الْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبْعُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا التَّفْسِيرَ جُمْلَةً ثُمَّ قَالَ الرَّاوِي قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نَعَمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ لِأَنَّ الرَّاوِيَ الْأَوَّلَ عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي مَيَّزَ التَّفْسِيرَ مِنْ الْحَدِيثِ أَجَلُّ مِنْ رَاوِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُحْتَمَلَةِ وَقَوْلُهُ بِمِائَةِ فَرَقٍ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ. وَالْإِمَامُ

الشافعي رضى الله عنه روى الْأُمِّ سُؤَالَ ابْنِ جُرَيْجٍ لِعَطَاءٍ وَأَنَّ جَابِرًا فَسَّرَهَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ والمزابنة في الاحاديث يحتمل أن يكون عَلَى رِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ سَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا أَتَبَيَّنُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ فَقَالُوا الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ وَهُوَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَقْلِ وَالْحَقْلُ هُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَدَّاحَ يَعْنِي الْأَرْضَ الْمُعَدَّةَ لِلزِّرَاعَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَاطِيشَ وهو في مصل يقال لا تنبت البقلة إلى الْحَقْلَةُ وَالْمُحْقِلُ السُّنْبُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ فِي مَحْقِلِهِ) يَعْنِي فِي سنبله قالوا والمزابنة بيع التمر في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْمُخَابَرَةِ هِيَ الْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَأَقَلَّ مِنْ ذلك وأكثر وهو الخير أَيْضًا وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ بِهَذَا سُمِّيَ الْأَكَّارُ الْخَبِيرُ لِأَنَّهُ يُخَابِرُ الْأَرْضَ وَالْمُخَابَرَةُ الْمُذَاكَرَةُ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَهَا مُشْتَقٌّ من خبير لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَيْهَا لَمَّا فَتَحَهَا عَلَى أَنَّ لَهُمْ النِّصْفَ مِنْ ثِمَارِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْعَمَلُ فَقِيلَ قَدْ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ بِخَيْبَرَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ مُطَابِقٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مايخرج مِنْهَا وَهُوَ الْمُخَابَرَةُ وَقَدْ يُقَالُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى يَعْنِي بَعْدَ تَعَارُضِ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَشْهَدُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ وَيُقَالُ الْحَقْلُ الْقِدَاحُ الْمَزْرُوعَةُ وَالْحَوَاقِلُ الْمَزَارِعُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إجَارَتُهُ بِحَالٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ الْحَقْلَ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي مُرْسَلَاتِهِ تَفْسِيرَ الْمُحَاقَلَةِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَثَبَتَ التَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَعْنِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مرسلا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلٌ مِنْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الْحَبِّ أُجْرَةً لِمَنَافِعِ الْأَرْضِ مَعْنًى يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْمُرْسَلَ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَنَتَكَلَّمُ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ وَمَحِلُّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُزَابَنَةُ فِي اللُّغَةِ الْمُدَافَعَةُ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الزَّبَانِيَةُ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ إلَى النَّارِ وَقَالُوا زبنت الناقلة بِرِجْلِهَا إذَا دَفَعَتْ قَالَ الشَّاعِرُ وَمُسْتَعْجِبٌ مِمَّا يرى من آياتنا * ولو زبنت الحرب لم يتعجب

يملا فَسُمِّيَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُزَابَنَةً لِأَنَّهُ دَفْعُ التَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ بِالرُّطَبِ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ قال الازهرى وانما خصوا بيع التمر فرؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ بِاسْمِ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَخُصُّ الْمَبِيعُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَخَرْصُهُ حَدْسٌ وَظَنٌّ مَعْنَى لَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنْ الرِّبَا المحرم وهذا يقتضى أن المزابنة تختص ببيع التمر على رؤوس النَّخْلِ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الحديث عن جابر كذلك قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُطْلَقًا يُسَمَّى مُزَابَنَةً وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي ذَكَرْته الْآنَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بن بكر فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ الْمُزَابَنَةُ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ وَتَبَيَّنَ إنْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْرِ الرُّطَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَتَهُ بِكَيْلٍ إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْسِيرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرْفُوعًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَنُسَلِّمُ لَهُ فَكَيْفَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُزَافِ بِالْكَيْلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمَطْعُومِ أَوْ الرُّطَبِ الْيَابِسِ مِنْ جِنْسِهِ

وَالْفَرَقُ مِكْيَالٌ مِنْ الْمَكَايِيلِ يَسَعُ سِتَّةَ عَشْرَ رَطْلًا وَالْمَشْهُورُ فِيهِ فَتْحُ الرَّاءِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى بِإِسْكَانِهَا حَكَاهَا ابْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ سِيدَهْ وأنكرها ثعلب فعلى المشهور مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَمْعُ الْفَرَقِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ فُرْقَانٌ كَبَطْنٍ وَبُطْنَانٍ وَحِمْلٍ وَحُمْلَانٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشافعي والوسق - بفتح الواو وكسرها والفتح أفصح - يجمع على أوسق وأوساق ووسوق وقال المروزى قال شمر كل شئ حملته وسقطه وقال غيره الوسق ضمك الشئ إلى الشئ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْوَسْقُ حمل بغير وَقِيلَ هُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ هُوَ الْعِدْلُ وَقِيلَ الْعِدْلَانِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّهُ يَمْضِي إذَا وَقَعَ قَالَ وَلَوْ جُوِّزَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكَانَ أَقْيَسَ يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهَا بِخَرْصِهَا نَقْدًا لِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ الْخَمْسَةُ الْأَوْسُقِ فَمَا دُونَهَا تُبَاعُ بِالسِّتَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي اقْتِضَاءِ جَوَازِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَجَوَابُهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ دَلِيلٌ عليه والمضرفية أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِجِنْسِهِ مَجْهُولِ التَّسَاوِي وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ رُخْصَةٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ

الْمُحَاقَلَةُ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَمَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ وَتِبْنٍ بِطَعَامٍ وَذَلِكَ لَا يجوز وأيضا لان من دونه حائل قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ هَذَا مَحِلَّ الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ هُنَا فِي الْمُزَابَنَةِ (فَائِدَةٌ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحَاقَلَةِ وَالْعَرَايَا حَيْثُ جُوِّزَ فِي الْعَرَايَا فِي الْقَلِيلِ ولم يجوز فِي الْمُحَاقَلَةِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ حَالَ كَوْنِهِ رُطَبًا بِخِلَافِ السُّنْبُلِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أنه إذا زاد على خمسة أوسق عقد واحد لا يصح قال الماوردى (فان قبل) فَهَذَا أَبْطَلْتُمُوهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَجَوَّزْتُمُوهُ فِي الْخَمْسَةِ (قِيلَ) لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ قَدْ صَارَ مُزَابَنَةً وَالْمُزَابَنَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي فَإِنَّ الْخَمْسَةَ إذَا كَانَتْ جائزة فضمت مع غيرها فالقياس تخريجه ععلى تفريق الصَّفْقَةِ وَالْمُزَابَنَةُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا مِقْدَارُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَعَلَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ فِي عُقُودِ الرِّبَا وَأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ صَارَ الْعَقْدُ رِبًا وَالرِّبَا حَرَامٌ بِخِلَافِ عَقْدٍ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَرَدَّ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا بِالْحِلِّ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَجُوزُ حَلَالٌ وَإِلَى غَيْرِهِ حَرَامٌ وَأَمَّا عُقُودُ الرِّبَا فَحَرَامٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ إلَى نَفْسِ تِلْكَ المقابلة والله أعلم. وقد وفى الجوزى بِمُقْتَضَى التَّخْرِيجِ وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا عَقَدَ على

أكثر من خمسة أوسق (أحدهما) لاكمن نَكَحَ أُخْتَيْنِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي الْخَمْسَةِ وَيَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (1) وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةَ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة ثم ان سائر الثمار فِي شَجَرِهَا بِجِنْسِهَا لَا يَجُوزُ وَسَائِرَ الزَّرْعِ فِي سُنْبُلِهِ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي اسْمِ المزابنة أو قياسا عليها (فأخذ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ لِدُخُولِ سَائِرِ الثِّمَارِ فِي اسْمِ الْمُزَابَنَةِ وَسَائِرِ الزَّرْعِ فِي اسْمِ الْمُحَاقَلَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ نَصًّا لَا قِيَاسًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّصَّ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ يَخْتَصُّ بِالْحِنْطَةِ وَالنَّخْلِ وَسَائِرُ الزُّرُوعِ مَقِيسَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ فِي الْمُحَاقَلَةِ وَسَائِرُ الثِّمَارِ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّخْلِ فِي الْمُزَابَنَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ قياسا لانصا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَا يَعْقِدُ الْحَبُّ بِالْحِنْطَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمُنَقَّاةِ بِالْحِنْطَةِ فِي السَّنَابِلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَقْلِ وَذَلِكَ اسْمُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى الْأَشْجَارِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَصْلِ قَبْلَ أَنْ يَتَسَنْبَلَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَشْتَدَّ فِيهِ الْحَبَّاتُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحَشِيشِ وَكَذَا لَوْ باع الحنطة على وجه الارض بالشعير ففى سُنْبُلِهِ جَازَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ الشَّعِيرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِالْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كما بَيْعِ الْغَائِبِ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ صُورَةُ المحاقلة

_ (1) بياض بالاصل

وَالْمُزَابَنَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اضْمَنْ لِي صبرتك بعشرين صاعا فما زاد فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ إتْمَامُهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُحَاقَلَةِ بَيْعُ الزَّرْعِ بالحنطة هكذا أطلقهه جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالطَّعَامِ الْمُصَفَّى وَقَيَّدَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَيَّدَهُ الصَّيْمَرِيُّ في شرح الكفاية فقالل بَيْعُ السُّنْبُلِ مِنْ الْبُرِّ قَائِمًا بِالْحِنْطَةِ فَتَقْيِيدُهُ بالبر لابد مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَيَّدَهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْإِبَانَةِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْعُ الزَّرْعِ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِمِثْلِهِ نَقِيًّا وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الشَّعِيرُ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَلَوْ بِيعَ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ الْمُحَاقَلَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ قَالَ إذا حذر الزَّرْعَ أَنَّهُ يُحْصَدُ مِنْهُ مِائَةُ فَرَقٍ فَبِيعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيه هذه الْخَرْصُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ يجوز أن يبيع الرجل تمر بُسْتَانِهِ كُلَّهُ لِجَمَاعَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَيْضًا لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي عقود كل

عَقْدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةٌ إنْ جوزناها نص عليه الاصحاب القاضى أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَفَى الْخِلَافَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أن يبيع أكثر من عربة وَاحِدَةٍ وَلَا يَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَذْهَبُهُ مَعْرُوفٌ فِي سَدِّ بَابِ الْحِيَلِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ سُؤَالًا وَجَوَابَهُ نَقَلَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطيب عن أبى اسحق أَنَّهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ الْمُزَابَنَةَ وَجَعَلْتُمْ لِلنَّاسِ أَنْ يَبِيعُوا جميع ثمارهم على رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُزَابَنَةَ حُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ إذا قلنا باختصاصها بالفقراء أن لا يصح لانه بالخمسة الاولى غنى شرعى وَاعْتِبَارُهُ هُنَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْغِنَى الْعُرْفِيِّ (قُلْت) وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى قَدْ يكون أكلها أو أزالها عن ملكه أولا تَسُدُّ كِفَايَتَهُ وَاعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مَالِكًا لِنِصَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنْ أن المعتبر أن لانقد بأيدهم وَهُوَ حَاصِلٌ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنْ رجلين صفقة واحدة جاز لاه بِمَنْزِلَةِ الصَّفْقَتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ سِتَّةَ عَشْرَ وَسْقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ جَازَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ حَقَّهُ وَهُوَ

ثَمَانِيَةُ أَوْسُقٍ مِنْ رَجُلَيْنِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ وَبِذَلِكَ كُلِّهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ وَفَرَضَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّمْثِيلِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ خِلَافَ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْبَائِعَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَكْثَرَ مِنْ عَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْجَوَازُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ جَزْمًا وَفِي تَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي وَجْهٌ وَقَدْ جَزَمْنَا بِأَنَّهُ هُنَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَ تَعَدُّد الْمُشْتَرِي وَاتِّحَادِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَاتِّحَادِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى بِالْجَوَازِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهُوَ يُخَالِفُ مَقْصُودَ الْخَبَرِ وَفَرَّقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يُلَاحَظُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَالِاتِّحَادُ بِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَفْعَةً فَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَكَانَ خَارِجًا بِعَيْبٍ عَائِدًا بِعَيْبَيْنِ وَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي تمام ملك أحدهما عليه لم يتضمن تنقيصنا

عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ وَالْمَقْصُودُ فِي الْعَرَايَا أَنْ لَا يَمْلِكَ الرَّجُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْعِمْرَانِيُّ. (فَرْعٌ) فَلَوْ بَاعَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إنْ جوزنا العرايا في خمسة صح وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ الْعُقُودُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرَّجُلُ أَلْفَ وَسْقٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِصَفَقَاتٍ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الْحَبِّ فِيهِ بِالْحِنْطَةِ جَازَ فَإِنَّ الزَّرْعَ حَشِيشٌ بَعْدُ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَفَرَضَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقَالَ سَوَاءٌ تَسَنْبَلَ أَمْ لَمْ يَتَسَنْبَلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إطْلَاقُ تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ بِالزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَإِلَّا حَرُمَ قَالَ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ إنَّ مَعْنَاهَا الْحَبُّ فِي السُّنْبُلِ بِالْحِنْطَةِ لَكِنْ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَجُوزُ إذَا تَسَنْبَلَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بَيْعُ قَمْحٍ رَطْبٍ مُسْتَتِرٍ مَعَ تِبْنِهِ بِقَمْحٍ وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْفَسَادِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ قَبْلَ ظهور الحب فلا يرد عليه شئ. (فَرْعٌ) حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ بِأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ صُبْرَةٌ مِنْ طَعَامٍ فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ فِي صُبْرَتِك سِتُّونَ وَسْقًا فَيَقُولُ صَاحِبُ الصُّبْرَةِ لَيْسَ فِيهَا ستون وسقا فيقول له

الجاذر نكليها فَإِنْ نَقَصَتْ تَمَّمْتهَا وَإِنْ زَادَتْ أَخَذْتُ الزِّيَادَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ قِمَارٌ مُخَاطَرَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ عُدَّ قِثَّاءَك أَوْ بِطِّيخَك أَوْ اطْحَنْ حِنْطَتَك فَمَا زاد على كذا فعلى وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ وَكَذَلِكَ فِيمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَخَذَ ثَوْبًا لِرَجُلٍ فَقَالَ أَنَا أَقْطَعُهُ لَك قَمِيصًا فَإِنْ نَقَصَ غَرِمْته وَإِنْ زَادَ أخذ ت الزِّيَادَةَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمُزَابَنَةِ أولا فَإِنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ مَوْضُوعُهُ أَنْ يَدْفَعَ عِنْدَ النقصان مالا يأخذ عوضه ويأخذ عند الزيادة مالا يُعْطِي بَدَلَهُ فَصَارَ بِالْقِمَارِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْمُزَابَنَةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ العربي أن المزابنة بيع التمر في رؤس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وبينهم قال ابن العرابى ثُمَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ المزابنة كل شئ مِنْ الْجُزَافِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ ولا عدده اتبيع بشئ مِنْ الْمُسَمَّى مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَاخْتِصَارُهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الشافعي فان قَالَ فِي الْمُزَابَنَةِ كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الطَّعَامِ عرف كيله اشترى بجنس مثل مَجْهُولِ الْكَيْلِ أَيْ الْمُزَابَنَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَلَيْسَ مَقْصُودٌ تَفْسِيرَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالْخِلَافُ أَنْ يَثْبُتَ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْعُقُودَ الْمَذْكُورَةَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ ذَلِكَ وَشَذَّ الصَّيْمَرِيُّ فَجَعَلَ الْمُزَابَنَةَ شراء الرطب في رؤس النخل بتمر فِي الْأَرْضِ جُزَافًا وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَهُ وَرَخَّصَ في العرايا.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ الْمُحَاقَلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ (أَحَدُهُمَا) بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَتِهِ (وَالثَّانِي) بَيْعُ الْحِنْطَةِ مَعَ التِّبْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَاقَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِالْحِنْطَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْأَحْكَامِ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَأَمَّا جَزْمُهُ فِي الْأَوَّلِ بِالْبُطْلَانِ وَحِكَايَتُهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إلَى باب الاصول والثمار. (فرع) اعتبار الخمسة ههنا هَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَمْسَةً إلَّا مُدًّا أَوْ إلَّا رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ عِشْرِينَ وَسْقًا إلَّا مُدًّا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ إذَا نَقَصَتْ رُبْعَ مُدٍّ صَحَّ جَزْمًا وَهَذَا يُشْعِرُ بِالتَّحْدِيدِ لِأَنَّ رُبْعَ مُدٍّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ فِي أَلْفٍ وَسِتّمِائَةِ رَطْلٍ قَلِيلٌ جِدًّا وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا الْخَمْسَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَحْدِيدٍ وَلَا تَقْرِيبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَوْسُقَ فِي الزَّكَاةِ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِنُقْصَانِ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ (قُلْت) وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سبيل التحديد في مجموع لطيف اسماه رؤس الْمَسَائِلِ وَتُحْفَةُ طُلَّابِ الْفَضَائِلِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةً فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَذَكَرَ مِمَّا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ عَدَدَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمُدَّةَ مَسْحِ الْخُفِّ وَأَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ وَلَوْ بَاعَ الْكَلْبَ وَنَصِيبَ الزَّكَاةِ وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهَا وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي

الْكَفَّارَاتِ وَتُعْتَبَرُ سِنُّ الْبُلُوغِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ وَتَقْدِيرَ الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَمِنْهُ الْآجَالُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْعِدَّةِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ وَنَفْيِ الزانى وانتظار العنين والمولى وحول الرضا وَجَلْدِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ وَتَخْصِيصِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ بِثَمَانِينَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ بِرُبْعٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ سِنُّ الرَّقِيقِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُوَكَّلِ فِي شِرَائِهِ وَمِنْ التَّقْدِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ تَقْدِيرُ الْعِلَّتَيْنِ وَسِنُّ الْحَيْضِ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ وَنِصَابُ الْمُعْشِرَاتِ وَفِي كُلِّهَا وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) التَّقْرِيبُ لِأَنَّهُ يُجْتَهَدُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ وَمَا قَارَبَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْدِيدِهِ وَفِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الَّذِي حَكَيْته تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَوَّزْنَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فَنَقَصَ عَنْهَا نَقْصًا يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِأَنَّا جَعَلْنَا ذَلِكَ تَحْدِيدًا وَقَدْ حَصَلَ النَّقْصُ عَلَيْهَا فَيَمْتَنِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بالشعير على وجه الارض فان فيه القولان فِي بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ فِي سُنْبُلِهِ بِالْحِنْطَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ الرُّطَبَ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا بَأْسَ لَكِنْ يَتَقَاصَّانِ بِالتَّسْلِيمِ فِيمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَبِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا عَلَى الشَّجَرِ قَالَهُ الرافعى.

(فرع) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَقْدُ الْعَرِيَّةِ عَلَى جزء مشاع مما على النحلل من الرطب إذا خرص الجميع الذى لاشك فِيهِ الْجَوَازُ وَذَلِكَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذا باع من رجلين سبعة أو سق جَازَ فَاَلَّذِي حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُشَاعٌ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ التَّسْلِيمُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى قول الاقرار على الاصح (فائدة) الحقل قداح طين يُزْرَعُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْحَقْلَةَ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ لَا ينبت الحقلة اللا البقلة وليست الحقلة بمعروفة واراهم انثوار الْحَقْلَةَ فِي هَذَا الْمَثَلِ انْتَهَى فَالْمُحَاقَلَةُ سُمِّيَتْ بذلك لتعلقها بزرع في حقل المزابنة ماخوذة من الزين وَهُوَ الدَّفْعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْمِينِ وَالْغَبْنِ فِيهَا مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ يَدِ المغبون دفعه والغابن امضاءه فَيَتَدَافَعَانِ وَلَا يُمَكِّنُ الْمِعْيَارَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ الْكَيْلُ فِي السَّنَابِلِ وَالرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ وَالْخَرْصُ فِيهَا لَا يَكْفِي قَالَ الْأَئِمَّةُ وَفِي الْمُحَاقَلَةِ شَيْئَانِ آخَرَانِ. (فَرْعٌ) إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالْحِنْطَةِ الظَّاهِرَةِ فَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا بِمِثْلِهَا أَوْلَى وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ ولم اجدهم يعنى اهل العلم يخيرون ان يتبايعوا بيع الحنطة بالحنطة فس سُنْبُلِهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا لِاخْتِلَافِ الْأَكْمَامِ وَالْحَبِّ فِيهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ.

(فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُمْ اجاز وابيع الحنطة في التبن محصودة.. قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويجوز ذلك فيما دون خمسة اوسق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بيع العرايا فيما دون خمسة اوسق) . (الشرح) الثابت في الصحيحين في حيدث أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ مِنْ رواية داود كما سيأتي قريبا ان شاة اللَّهُ تَعَالَى وَفِي التِّرْمِذِيِّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ كَذَا وَأَمَّا رِوَايَتُهُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ أَرَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي نُسْخَةٍ مِنْ سَمَاعِنَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَرَاجَعْت نُسْخَةً أَصَحَّ مِنْهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى الصَّوَابِ مُكَمِّلًا كَالرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ ومن عادة الشافعي ان روياته فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ لَا تَخْتَلِفُ وَلَوْ رَوَاهَا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ لِشِدَّةِ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ وَتَثَبُّتِهِ فتبين أن رواياته فَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّقُوطَ فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ غَلَطٌ من ناسخ فان كان وقع للمنصف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتجريه أَنَّهُ لَا يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ حُكْمٍ لِأَنَّ مَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقٌ وَمَنْ أَرْخَصَ فِي الْخَمْسَةِ فَقَدْ أَرْخَصَ فِيمَا دُونَهَا فَالرُّخْصَةُ فِيمَا دُونَهَا مُحَقَّقَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ خَلَلًا في اللفظ والمعني اما اللفظ فانه لاتتحق مطابقته للفظ ابى هريره فلائه عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَأَمَّا بالمعني فلانه يصير موها أو مفها

بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ قَادِحٌ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَالشَّيْخُ أَجَلُّ عِنْدَنَا مِنْ أَنْ يُسْتَدْرَكَ عَلَى رِوَايَتِهِ خَلَاهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ وَجَدَهُ هَكَذَا واعتقده حديثا تاما وكلامه بعد هذا بسطر يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ رِوَايَةً فِي ذَلِكَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا دُونِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ الا ذلك مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ مِنْ الْقِصَّةِ الَّتِي نَقَلَهَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَلَا تَعْيِينٍ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ حَدِيثٌ كَامِلٌ فهو تص فيما ادعاه والا فان الحكم النذكور ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مَا دُونَ الخمسه داخل في الخمسه واباحه الشئ إبَاحَتُهُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ فَالْإِبَاحَةُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ مُحَقَّقَةٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ كذا قال القاضى أبو الطيب والمحاملى. (فرع) لاضابط لِلنَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ بَلْ مَتَى كَانَ أَقَلَّ من الخمسه بشئ مَا كَانَ جَائِزًا كَذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ تَحْدِيدٌ وَسَنُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا أَطْلَقْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إنَّمَا نُرِيدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ أَيْ قَبْلَ مَا يُخْرَصُ فَنَعْرِفُ أَنَّهُ إذَا جَفَّ كَانَ خَمْسَةَ اوسق ولا نريد خمسه اوسق نت الرطب والله اعلم. وقدم التنبيه على ذلك.. قال المصنف رحمه الله تعالى . (وفى خمسه اوسق قولان (احدهما) لا يجوز وهو قول المزني لان الاصل هو الحظر وقد ثبت جوار ذلك فيما دون خمسه اوسق لحديث ابى هريره رضى الله عنه وفى خمسه اوسق شك لانه روى في

حديث ابى هريره فيما دون خمسه لوسق أو في خمسه اوسق شك فيه داود بن الحصين فبقى على الاصل ولان خمسه اوسق في حكم ما زاد بدليل انه تجب الزكاة في الجميع فإذا لم تجز فيما زاد على خمسه اوسق لم تجز في خمسه اوسق والقول الثاني انه يجوز لعموم حديث سهل بن ابى حثمه) . (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابى سفيان مولى بن أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا دون خمسه اوسق أو في خمسه فَشَكَّ دَاوُد وَقَالَ خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ والقولان نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَلْزَمَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْ الْأُمِّ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ قَالَ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق بشئ مَا كَانَ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ اوسق جاز البيع وكذلك قال في محتصر الْبُوَيْطِيِّ أَيْضًا الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الرُّطَبَ بِتَمْرٍ نَقْدًا مَا كَانَ خَرْصُهُ أَقَلَّ مِنْ خمسه اوسق ياكله رطبا ولكن أَلْزَمَهُ بِحَسَبِ مَا نَقَلَهُ

عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِيهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ اوسق ولا أفسخه في الخمسه اوسق لِأَنَّهَا شَكٌّ وَهَذَا النَّصُّ مَنْقُولٌ مِنْ الْأُمِّ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ جَزَمُوا بِهَذَا الْقَوْلِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ طُرُقَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّهَا عَلَى الشَّكِّ فَالْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إنْ كَانَ الثَّابِتُ خَمْسَةً أَوْ دُونَ الْخَمْسَةِ فَدُونَ الْخَمْسَةِ جَائِزٌ إمَّا نَصًّا وَإِمَّا ضِمْنًا وَالْخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَعَنْ الْغَرَرِ وَعَنْ الرِّبَا وَوَجْهُ الْقِيَاسِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخَمْسَةَ تَرَدَّدَ إلْحَاقُهَا بَيْنَ النَّاقِصِ عَنْهَا وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَقَدْ عُهِدَ مِنْ الشَّرْعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَهَا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تلحق به ههنا ويكون اولى إلْحَاقِهَا بِالنَّاقِصِ الَّذِي لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَظِيرٌ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال نَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطيب عن ابى اسحق وَهُوَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْ الْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَانَ كَافِيًا فِي التَّحْرِيمِ فَكَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِهَا وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن المحاقله والمزابنه واذن لاصحابه الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا ثُمَّ قَالَ الْوَسْقُ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا صدقه في العريه

والخمسة أوسق ثبت فيها الصدفة وهذا الحديث لاأعرفه وَسَأَذْكُرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مُقَابَلَةِ هذا القول أنشاء اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْبَغَوِيُّ والشاشى وابن عصرون والغزاليفى الْبَسِيطِ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (تَنْبِيهٌ) نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الْمَنْعِ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ المنع والظاهر ان الرافعى نفسه إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُزَنِيِّ فِي مقالة مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا أنه مختار الرافعى نفسه وكلامه واستقاء عَادَتِهِ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا ما بَعْدُ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ قَالَ إنه الاضهر عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِي الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُوجَدُ مِنْهَا بَعْضُ تَرْجِيحٍ وَعِنْدَ التحقيق لا ترجيح فيها ايضا والقول جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مالك رحمه الله وروراية عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ كِتَابِ البيوع من الام قال ولايجوز ان يبيع صحاب الْعَرِيَّةِ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا وَأُحِبُّ ان يكون دونها لا لَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْئًا وَلَعَلَّهُ فِي الْأُمِّ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ أُمْعِنْ الْكَشْفَ وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي القول بالجواز بل كانه متوقفف فِي ذَلِكَ لِلشَّكِّ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ لَا يَقُولُ بِفَسْخِهِ لِأَجْلِ الشَّكِّ

فهذا هو التوفية بمقضتى الشَّكِّ أَنْ لَا يَجْزِمَ فِيهِ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تحريم وتكون اوفى كَلَامِهِ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَقَالَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ يَعْنِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمُحْتَمَلِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ جَعَلُوا ذَلِكَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا إلَى الْقِيَاسِ أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا قَدْ وقع الشك في مقدارها يكون ذَلِكَ كَتَخْصِيصِ الْعَامِ بِمُجْمَلٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ كَذَلِكَ هُنَا يَمْتَنِعُ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي الْخَمْسَةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَالشَّكُّ الَّذِي فِي مِقْدَارِ الرخصة يقتضى الشك في مقدار المنهى عَنْهُ وَيَعْدِلُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ نَبَّهَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ يَفْسُقُ مِنْهُمْ لما اعتقد أن ذلك مترددين عَوْدِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْكُلِّ أَوْ إلَى الْأَخِيرِ وحكم مع ذلك بأنه لا يصرف إلى الاولاد لاجل التردد ومثل ذلك بحيث جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ شَيْخِنَا أَيْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ الا شرط أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) وَرَامَ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَكَّ فِي شَرْطٍ وَجَبَ إدْرَاجُهُ فِي الْعُمُومِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ذكرته من المرجح عند الاصولين نعم لو كان النهى عَنْ الْمُزَابَنَةِ فِي مَجْلِسٍ وَالتَّرْخِيصُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يُقْدَحْ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ الرَّاوِي

قَالَ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالرَّاوِي الْآخَرُ شَكَّ فِي مِقْدَارِهَا وَلَعَلَّهُمَا حَكَيَا قِصَّةً وَاحِدَةً فَتَطَرَّقَ الشَّكُّ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ فَيُعْدَلُ عن ذلك إلى عموم حديث شهل إلَّا فِيمَا قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَاقْتَضَاهُ النَّهْيُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الغرر لانه اخص مِنْهُ مَعَ تَفَاقُمِ أَكْثَرِ الْأَغْرَارِ أُبِيحَتْ وَأُخْرِجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ التَّحْرِيمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اخص واما القياس المذكور فليس باقوى وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَهْدُ اعْتِبَارِ الشرع لها محللا لوجوب الزكاة فلنكن مَحِلًّا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَأَمَّا دُونَ الْخَمْسَةِ فَلَمْ يعهد اعتباره والحاق الجواز مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَوَازٌ مُتَأَكَّدٌ بِالطَّلَبِ وَوَجْهُ الْعُمُومِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ قَوْلُهُ رَخَّصَ في بيع العرايا وهو شاملل لِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَكْثَرُ بِدَلِيلٍ يَقِينًا فِيمَا عَدَاه عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ رواية محمد بن اسحق وَفِيهِ كَلَامٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَارَنَ ذلك

أن منبه (1) لَيْسَ صَرِيحًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَالْخَصْمُ لَا يَقُولُ بِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَمَحُّلٌ وَالْإِنْصَافُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ فِي كُلِّهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَيَبْقَى الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَرِدَ مُبِيحٌ وكثرتها تقتضي اللجزم فانها احاديث لاحديث وَاحِدٌ وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعَهُ وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي يَأْتِي عَقِيبَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الرُّخْصَةِ عَنْ النَّهْيِ قَالَ فِيهِ رَخَّصَ بَعْدَ لذك في بيع العرية بالرطب أو التر يعنى بعد النهى عن بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الْخَمْسَةَ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَصِلَ إلَيْنَا مُثْبَتًا وَحَكَى الْقَفَّالُ أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ هَهُنَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَدَ أَوَّلًا ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَوْ لَمْ يَرِدْ النَّهْيُ إلَّا وَالرُّخْصَةُ مَعَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ حَكَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قالته مِنْ الْبَحْثِ وَهُوَ أَحْسَنُ فِي الْعِبَارَةِ كَمَا حكاه صاحب العدة عن الشيخ

_ (1) كذا بالاصل فحرر

أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ إنَّ الْخَبَرَ يَعْنِي خَبَرَ الْمُزَابَنَةِ هَلْ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ يَعْنِي فِي قَدْرِ الْعَرِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْأَصَحُّ) الثَّانِي وَمُرَادُهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ نَسْخًا بَلْ قَدْ تَكُونُ تَخْصِيصًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ الذى رأيته في شرح التخليص أَنَّ الْقَفَّالَ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عن عَلِيٍّ وَزَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ التَّصْحِيحُ فِي الْخَمْسَةِ وَأَنَّ تَوْجِيهَهُ عَسِيرٌ جِدًّا وَأَخَذَ يتحيل بِأَنْ يُحِيلَ الْمُزَابَنَةَ عَلَى مُعَامَلَةٍ صَادِرَةٍ عَنْ التحرى من غير تثبت في خرص وَأَنْ يَتَخَيَّلَ الْخَرْصَ مُتَفَاضِلًا فِي دَرْكِ الْمَقَادِيرِ معتبر فِي الزَّكَاةِ سِيَّمَا إذَا جَعَلْنَاهُ تَضْمِينًا وَالْمَاهِرُ يَقِلُّ خَطَؤُهُ وَالْأَخْرَقُ يَتَفَاوَتُ كَيْلُهُ وَالْكَيْلُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ كَالْخَرْصِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْكَيْلِ وَفِي كُلِّ حَالَةٍ تَقْدِيرٌ مُعْتَادٌ لَائِقٌ بِهَا فَلْيَقُمْ الْخَرْصُ فِي الرُّطَبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ مَقَامَ الْكَيْلِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ الْكَيْلُ لِيُسْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَلْيُحْتَمَلْ الْخَرْصُ حَيْثُ لَا يَتَأَتَّى الْكَيْلُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْنَعُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا يَتَخَيَّلُهُ مِنْ التَّفَاوُتِ عِنْدَ الْجَفَافِ متمسكا

بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ) وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَآلِ وَمَا وَرَاءَ الْخَمْسَةِ مَرْدُودٌ بِذِكْرِ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ نَصٌّ فِي اقْتِضَاءِ الْمَفْهُومِ قَالَ فَهَذَا اقْتَضَى الْإِمْكَانَ فِي تَوْجِيهِ النَّصِّ وَهُوَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ خِلَافُهُ وَعَلَى مَسَاقِ بَحْثِ الْإِمَامِ وَتَخَيُّلِهِ لَهُ يَكُونُ الْأَصْلُ الْجَوَازَ بِالْخَرْصِ وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ مِنْ الْجَوَازِ وَلَيْسَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرِّهَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِهَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي النَّقْصِ قَالَ الْأَصْلُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخَرْصَ لِحَاجَةٍ فِي قَضِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ قَالَ وَلَكِنْ يَنْقَدِحُ فِي هَذَا الْمَجَالِ أَنَّ الْوَزْنَ أَضْبَطُ مِنْ الْكَيْلِ ثُمَّ الْكَيْلُ مُتَعَيَّنٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ مَعَ إمْكَانِ الْوَزْنِ فَالْخَرْصُ فِي مَحِلِّ الْحَاجَةِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَزْنِ فَلَا يَتَّضِحُ خُرُوجُ الْخَرْصِ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْقَانُون حَسَبَ إيضَاحِ خُرُوجِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ اسمعيل بْنِ حَسَنٍ الصَّنْهَاجِيُّ ثُمَّ الْأَنْبَارِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي

شَرْحِهِ كَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَرْصِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَسْمُوعِ هَلْ هُوَ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ رُخْصَةٍ أَوْ هُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الرُّخَصِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَكِيلٍ وَجُزَافٍ أَوْ يُمْنَعَ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ عَلَى رَأْيِ مَنْ منع ذلك والمشهور عندهم على ماقاله الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى الرُّخْصَةِ فِيمَا تَشُقُّ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ هُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَأَمَّا مَا لَا تَشُقُّ فَلَا يَجُوزُ الْخَرْصُ فِيهِ كَالْمَعْدُودِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مَثَلًا أَوْ مُتَفَاوِتَ الْأَجْرَامِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الْخَرْصِ إلَّا فِي مَوْضِعِ تَحَقُّقِ الْمَنْعِ أَوْ الْأَصْلَ الْمَنْعُ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِبَاحَةِ قَالَ (وَالْأَوَّلُ) هُوَ الْمَذْهَبُ (والثانى) قول لبعهم أَيْ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعْنًى عِنْدَهُمْ (قُلْت) وَإِذَا أَخَذَ الْخَرْصَ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَيَظْهَرُ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ وانه ليس من الغرر المجنب لجواز ايراد العقد على الثمرة على رؤوس النَّخْلِ بِالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَجِبُ النَّقْصُ عَنْ الْخَمْسَةِ فَهَلْ يَكْفِي أَيُّ قَدْرٍ كَانَ أَمْ لَهُ ضَابِطٌ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا يَشْتَرِي مِنْ الْعَرَايَا إلَّا أقل من خمسة أوسق بشئ مَا كَانَ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ فِي الْأَرْبَعَةِ ولايجوز في ستة وفى الخمسة قولان وهذا وعلى جِهَةِ ضَرْبِ الْمِثَالِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ المنذر أنه قال وقد رواه جَابِرٌ مَا يَنْتَهِي بِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ فَهُوَ الْمُبَاحُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَحْظُورٌ وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْأَشْرَافِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ فِيهِ الْإِبَاحَةَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ وَلَعَلَّهُ فِي الْأَوْسَطِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وما جاز في الرطب بالتمر جاز في العنب بالزبيب لانه يدخر يابسه ويمكن خرصه فاشبه الرطب وفيما سوى ذلك من الثمار قولان (أحدهما) يجوز لانه ثمرة فجاز بيع رطبها بيابسها خرصا كالرطب (والثانى) لا يجوز لما روى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العرايا بالتمر والرطب ولم يرخص في غير ذلك ولان سائر الثمار لا يدخر يابسها ولا يمكن خرصها لتفرقها في الاغصان واستتارها في الاوراق فلم يجز بيعها خرصا) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَايَا مِنْ الْعِنَبِ كَهِيَ مِنْ التَّمْرِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ عَلَى أُصُولِهِ

خَرْصًا بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّى بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ فِي إيجَابِ الْعُشْرِ وَفِي سَنِّ الْخَرْصِ فِيهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَلْغَيْنَا قَيْدَ ظَاهِرَةٍ بَادِيَةٍ كَالْأَعْذَاقِ فَيُمْكِنُ خَرْصُهَا وَالْإِحَاطَةُ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ادِّخَارَ اليابس منه وامكان الخرص لانهما معنيين مناسبين لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي تَصْوِيرِ المسألة ووفقنا عَلَى إلْحَاقِ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ جَازَتْ فِي الْكَرْمِ نَصًّا وَرَوَيْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا جَازَتْ فِي الْكَرْمِ قِيَاسًا (قُلْتُ) وَالْمَحَامِلِيُّ وبن الصَّبَّاغِ مِمَّنْ جَعَلَا ذَلِكَ نَصًّا وَلَمْ أَقِفْ على النص الذى ذكروه في شئ مِنْ الْأَحَادِيثِ بَلْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِي النَّخِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَرْمِ بَلْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا الاصحاب الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ

وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْعِنَبَ لَا يُعْطَى حُكْمَ التَّمْرِ لِأَنَّهُ فَصَلَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وجعله مع بقية التمر فَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ المزابنة تمر النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ خَرْصُهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ النَّهْيَ عَنْ أُمُورٍ مِنْهَا الْمُزَابَنَةُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ إلَّا الْعَرَايَا وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مَاضِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُثْبِتَةٌ لِمَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ عَامٌّ فِي الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ إلْحَاقُ الْعِنَبِ بالرطب تخصيصا للعموم بالقياس فمن يمنع منه يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِلْحَاقِ هَهُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الثِّمَارِ الَّتِي تُجَفَّفُ مِثْلَ الْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتِّينِ والجوز واللوز

وَالْمِشْمِشِ فَهَلْ يَجُوزُ عَلَى شَجَرِهِ بِخَرْصِهِ جَافًّا فيه طريقان (احدهما) أن المسالة على قولين وَهِيَ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباخ وَالْمُصَنِّفُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّهَا الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ لِشَبَهِ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ تَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ قَوْلًا وَاحِدًا وفى غيرها من الثمار حكي قَوْلَيْنِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ تَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَدْعُو إلَى أَكْلِهَا في رُطُوبَتِهَا وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُنَاسَبَةٌ لِشَبَهِ الْحَاجَةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ فَتَعْلِيلٌ لِمُجَرَّدِ الِاسْمِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ فَلَوْ عَلَّلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كَانَ أَوْلَى وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهَا سَأَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعَرِيَّةِ من

الْأُمِّ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّرْفِ قَالَ وَلَا تَكُونُ الْعَرَايَا إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَا يضبط خرص شئ غيره واقتصره فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَلْوِيحًا إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَيَكُونَ قِيَاسُهُ عَلَى الرُّطَبِ حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَتَّفِقْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ ظَهَرَ له بقرينة الحال أن الرخصة مقصودة عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبْنَا الْأَخْذَ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَمَّا رَأَوْا إلْحَاقَ الْعِنَبِ بِالرُّطَبِ ظَاهِرًا قَوِيًّا لَمْ يَتْرُكُوهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَلَمَّا كَانَ إلْحَاقُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ لَيْسَ بِجَلِيٍّ

قَدَّمُوا ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ بَنَوْا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْخَرْصَ هَلْ يَجْرِي فِي ثِمَارِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ (إنْ قُلْنَا) لَا يَجْرِي امْتَنَعَ الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَجْرِي فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّا هَلْ نَقْتَصِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِتْبَاعِ أَوْ نَتْبَعُ طَرِيقَ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَمَنْ سَلَكَ الْإِتْبَاعَ مَنَعَ وَمَنْ جَوَّزَ الرَّأْيَ سَوَّغَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْخِلَافَ فِي الْخَرْصِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وكذلك الغزالي رحمه الله قال قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي الزَّكَاةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الزكاة ولا الامام وَلَا رَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ مَا وَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا (قُلْت) وَالْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ مَسْبُوقَانِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَكِنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَابِهِ إنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّيْتُونِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِمَّا سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ

لِأَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ أَنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ فَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ كَذَلِكَ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَافِّ بِالرُّطَبِ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بالجاف ما هو على هيئة الادخار ولابد مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَايَا بَيْعُ رُطَبٍ بِيَابِسٍ وَالْيَابِسُ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ لَا يُرْغَبُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ خَرْصُهَا إنْ أَرَادَ عَدَمَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْخَرْصُ فَصَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ان شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته يخرص وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ رُطَبًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ عِلْمُهُ كَمَا يُدْرَكُ عِلْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْإِمْكَانِ الْحِسِّيِّ فَقَدْ يمنع (نعم) هو عسر لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعِلَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْخَرْصُ فِيهِ شَرْعًا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الِاسْتِتَارُ فِي الْأَوْرَاقِ وَعَدَمِ الظُّهُورِ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الْعُشْرَ

لَا يَجِبُ فِيهَا وَلَا يُسَنُّ الْخَرْصُ فِيهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إلْحَاقِ الْعِنَبِ وَقَطْعِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ عَنْ الْإِلْحَاقِ إلَى كَوْنِ الْعِنَبِ يُخْرَصُ وَهِيَ لَا تُخْرَصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ لانه لا يضبط خرص شئ غَيْرُهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَمِنْ الْجَازِمِينَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَفَرَّقَ الْمَحَامِلِيُّ بينه وبين المساقات بأن المعنى الذى لاجله جوزت المساقات فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى ثَمَرَتِهِ وَيَسْقِيهَا ويتعهدها فدعت الحاجة إلى جواز المساقات عَلَيْهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَيْعُ الْعَرَايَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالْخَرْصِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الثِّمَارِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالظَّاهِرُ الطريقة

الْأُولَى لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ الْأُمِّ وَكُلُّ ثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ مِثْلُ الْفِرْسِكِ وَالْمِشْمِشِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْإِجَّاصِ وغير ذلك مُخَالَفَةٌ لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ لِأَنَّهَا لَا تُخْرَصُ لِتَفَرُّقِ ثِمَارِهَا وَالْحَائِلِ مِنْ الْوَرِقِ دُونَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَا وُصِفَتْ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كَانَ مَذْهَبًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْهُ تَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلٍ آخَرَ بِالْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ الْمَنْعُ وَمُقْتَضَى تَجْوِيزِ الْعَرَايَا فِيهَا جَوَازُ الْخَرْصِ فِيهَا وَإِلَّا فَكَيْفَ تُبَاعُ الْعَرَايَا وكيف ما قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا حَرَّمَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْ مَا يُبَاعُ بِالتَّحَرِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَنُسْخَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْهَا أَيْضًا وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَخَّصَ مِنْهَا في شئ حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْجَوَازِ وَذَلِكَ مَعْنًى لَا يَنْسَاغُ ولافرق بيها وبين وغيرها فِي أَنَّ بَيْعَهَا بِجِنْسِهَا بِالتَّحَرِّي غَيْرُ جَائِزٍ وَبِغَيْرِ جِنْسِهَا جَائِزٌ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بن

بِشْرِي الْمِصْرِيَّ فِي كِتَابِهِ الْمُخْتَصَرِ الْمُنَبَّهِ مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ نَقَلَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةٍ سَالِمَةٍ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هِيَ وَإِنْ لَمْ تُخْرَصْ فَقَدْ رَخَّصَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي فَأُجِيزُهُ كان مذهبنا فَأَسْقَطَ لَفْظَةً مِنْهَا وَاسْتَقَامَ الْمَعْنَى وَصَارَ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ كَمَا رَخَّصَ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُبَاعَ بِالتَّحَرِّي جَازَ فِيهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِوَجْهِ الْإِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فيما نقله الماوردى في الحاوى ولو قائل يجوز التحرى فيها كان مذهبنا وهذا لااشكال فِي فَهْمِهِ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ قُلْتَ إنَّهُ يَجِبُ إذَا مَنَعْنَا الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَقَوْلٌ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَاسَ الْعِنَبُ عَلَى الرُّطَبِ وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ فِي مَذْهَبِنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ السُّؤَالَ صَحِيحٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ فِي الْقَدِيمِ وَجَوَابُهُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَرَى أَنَّ اسْمَ الْعَرِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالرُّطَبِ (قُلْت) وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَتَرْجِيحُ كَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَأَمَّا كَوْنُ الشَّافِعِيِّ له قول

يَمْنَعُ الْقِيَاسَ فِي الرُّخَصِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ ما لورده فَلَمْ أَعْلَمْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا بِذَلِكَ وَلَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ مُعْتَمَدٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَابٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقِيَاسُ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى قِيَاسَ الْعَرَايَا مِنْ قِسْمِ مَا اسْتَثْنَى عَنْ قَاعِدَةٍ سَابِقَةٍ ويتطرق إلى استثنائه معنى فقياس عَلَيْهِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ دَارَتْ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّ وَمُشَارِكِ الْمُسْتَثْنَى فِي عِلَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَثَّلَ بِالْعَرَايَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَاسِخًا لِقَاعِدَةِ الرِّبَا لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ لِلْحَاجَةِ فَنَقِيسُ الْعِنَبَ لِأَنَّا نَرَاهُ فِي مَعْنَاهُ نَعَمْ لَنَا رُخَصٌ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا رُخَصٌ بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شُرُوطُ الْقِيَاسِ كَرُخَصِ السَّفَرِ وَالْمَسْحِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْغُرَّةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقَسَامَةِ وَنَظَائِرِهَا وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِنْ قِسْمٍ تَرْجَمَ الغزالي عنه بالقواعد المبتدأة العديمة النظر فهذا إنَّمَا امْتَنَعَ الْقِيَاسُ فِيهَا لِعَدَمِ نَظِيرِهَا وَلَيْسَ كُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقِيسُ فِي الرُّخَصِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى هَذَا النَّقْلِ إلَّا بَعْدَ تَثَبُّتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ لَا تَجُوزُ الْعَرِيَّةُ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ لِأَنَّ أَعْذَاقَهَا وَعَنَاقِيدَهَا مُجْتَمَعَةٌ بَارِزَةٌ.

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ عَلَى الشَّجَرِ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى الشَّجَرِ وَعَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَرْصٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَتَقَابَضَانِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ بِيعَتْ الْعَرَايَا بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مَوْصُوفٍ مِنْ كُلِّ مَا عَدَا الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَرِيَّةَ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (فَرْعٌ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَقُّ الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَغْفُلَ فِي تَفَاصِيلِ الْمَسَائِلِ عَمَّا مَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَفِيهَا حَقُّ الْمَسَاكِينِ أو لاحق فِيهَا وَالتَّنْبِيهُ كَافٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ من في ملكه خمسة أوسق فصاعدا يحيث تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْعِ الْمَالِ وَفِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ مَذْكُورٌ بِأَحْكَامِهِ وَتَفَاصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَذَلِكَ بعينه جار هنا لانه لافرق في ذلك بين أن يكون المبيع بتمر أو بنقد فيجئ إذَا أَطْلَقْنَا هُنَا الْمُرَادَ مِنْ حَيْثُ مَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ وَأَمَّا تِلْكَ التَّفَاصِيلُ وَالْأَحْكَامُ فَمَعْلُومَةٌ فِي بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إنَّمَا يَجُوزُ

إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَقُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ أو أراد إذا لم يبلغ مافى حائط قدرا تجب فيه الزكاة أو أراد الاقدر الزَّكَاةِ إذَا قُلْنَا الْخَرْصُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَهَذَا يوافق ما أشار إليه الامام واصل هذه التنبيه عن القفل كذلك حَكَاهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَرَأَيْتُهُ في كلام في شرح التخليص وَأَصْلُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّمْرِ من الام ولا حقله هُنَاكَ تَفْرِيقَ الصَّدَقَةِ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَسَكَتَ عَنْ الصَّدَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشافعي وروايته أن مصدق الحائط أمران يأمر الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَخْرُصُهُ لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَتَكُونُ تِلْكَ الْعَرِيَّةُ إذَا فُرِضَتْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بها كما ذكر والله أعلم. لكن قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ أَمَّا إذَا فُرِضَ الْبَيْعُ فِيمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّكَاةِ بِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ مَا نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الفرع الذى نبه على الشافعي

مِنْ أَنَّهُ يَدَعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ حَائِطِهِمْ قَدْرَ مَا يَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ مُسْتَفَادٌ غَرِيبٌ ثُمَّ فِيهِ مُبَاحَثَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ قبل الخرص هل تعلق الجميع أولا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَكَيْفَ يَنْقَطِعُ بِأَفْرَادِ الْخَارِصِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِدَ حَقَّهُمْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُثُوقِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَكُونُ حَقُّهُمْ فِي نَخَلَاتٍ مُبْهَمَةٍ وَحِينَئِذٍ فهل ولاية اليقين لِلْمَالِكِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ فإذا باع تكوين كَمَا لَوْ بَاعَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الشِّيَاهِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ وَأَمَّا اقْتِضَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِتَرْجِيحِ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ فَبَعِيدٌ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ هَلْ يُجْبَرُ بِالْقِسْطِ أَوْ بِالْكُلِّ قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَخْرُجَانِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ إنَّ الزكاة تجب في الذمة لافى الْعَيْنِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إذَا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ صَحِيحًا فِي جَمِيعِ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ ذَلِكَ عيبا.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فِي الْمَوْضِعِ مَنْ له حائط أي بستان بذلك الموضع لموافقة ثمرتها وفصلها أو قرنها لان الحلال عام لاخاص الا أن يخص بجزء لازم وَإِنْ حَلَّ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ شِرَاؤُهَا حَلَّ لَهُ هِبَتُهَا وَإِطْعَامُهَا وَبَيْعُهَا إذَا حَازَهَا وَمَا يَحِلُّ له من المثال في ماله انتهى وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِمُوَافَقَةِ ثَمَرَتِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْرَاضَ فِي الْبِيَاعَاتِ تَخْتَلِفُ فَلَا يُحْصَرُ الْغَرَضُ فِي أَنْ لَا يَكُونَ لمالك الثمرة أو مِثْلُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ قَدْ يَكُونُ مِثْلُهَا عِنْدَهُ وَيُرِيدُ ضَمَّهَا إلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْخَارِصَ هُنَا يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى رَأْيٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْكَيْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَيَكْفِي فِي الْكَيْلِ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كَيْفِيَّةِ الْخَرْصِ أن ينظر المتبايعان إلى النخلة ويحذر انها وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِمَا وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُمَا لَوْ عَلِمَا الْمُمَاثَلَةَ لَا يشترط اخبار

غَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَهُنَا لَوْ خَرَصَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَخْرُصْ الْآخَرُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احتمال يتخرج على مالو أَذِنَ مَنْ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالْكَيْلِ إلَى مُسْتَحَقِّهِ فِي كَيْلِهِ لِنَفْسِهِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَالَ وَفِي ظَنِّي أَنَّهُ مَرَّ فِيهِ كَلَامٌ يَلْتَفُّ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقَبْضِ صَارَ بِكَيْلِهِ مُقْبِضًا وَقَابِضًا وَأَمَّا الْخَرْصُ هَهُنَا فَهُوَ إخْبَارٌ مَحْضٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ بِمُسَاوَاةِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ لِصُبْرَتِهِ أَوْ الدِّينَارِ لِدِينَارِهِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَلَامٌ وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي حَتَّى لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْكَيْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَهَهُنَا لَا يَتَأَتَّى قَبْضُ الرُّطَبِ هُنَا إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَارِصَ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى . (ولا يباع منه ما ينزع نواه بما لم ينزع نواه لان أحدهما على هيئة الادخار والآخر على غير هيئة الادخار ويتفاضلان حال الادخار فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالتمر وهل يجوز بيع ما نزع نواه بعضه ببعض فيه وجهان (أحدهما) يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا التمر بالتمر الاسواء بسواء) (والثانى) لا يجوز لانه يتجافى في المكيال فلا يتحقق فيه التساوى ولانه يجهل تساويها في حال الكمال والادخار فأشبه بيع التمر بالتمر جزافا) . (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَمَالِهِ قِطْعَةً مِنْهُ بَلْ لَفْظُهُ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ) فَاخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَذَلِكَ

جائز عند من يجوز الرواية بالمعنى لاسيما فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِدْلَال دُونَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ. (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ سَوَّى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَبَاعَ مَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى بِمَا لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ أَمْ بِمِثْلِهِ كَذَلِكَ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي المسألة الاولى وسكت عن الثانية ويعلم جريانها فيها بطريق وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْمَنْعِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جَزَمَ بِالْمَنْعِ ثُمَّ حَكَى أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَكَرُوا وَجْهًا فِي الْمَنْزُوعِ بِالْمَنْزُوعِ فَاسْتَبْعَدَهُ جِدًّا قَالَ ثُمَّ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ وَذَكَرُوا خِلَافًا فِي بَيْعِ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِتَمْرٍ غَيْرِ مَنْزُوعِ النَّوَى وَهَذَا سَاقِطٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ يَتَفَاضَلَانِ حَالَ الِادِّخَارِ أَنَّهُمَا قَبْلَ نَزْعِ النَّوَى إذَا كُيِّلَا مُتَسَاوِيَيْنِ ثُمَّ نُزِعَ النَّوَى مِنْ أَحَدِهِمَا وَكُيِّلَا ظَهَرَ التَّفَاضُلُ لِأَنَّهُ تَنْتَفِشُ أَجْزَاؤُهُ بِالنَّزْعِ وَتَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ.

(فرع) المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كما لها نَزْعُ النَّوَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا نَزْعُ النَّوَى قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ قَرِيبٌ إنْ جَوَّزْنَا فِي التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى فهذا أولى والا فوجهان وكذلك أورده يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِيمَا جَمَعَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَلِلْفَرْقِ بِمَا ذَكَرَهُ الرافعى وفرق في الابانة بأن الثمر

* إذَا نُزِعَ نَوَاهُ تَسَارَعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ شَيْخَهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بَعِيدًا فِي اشْتِرَاطِ نَزْعِ النَّوَى كَمَا يُشْتَرَطُ نَزْعُ الْعَظْمِ عَنْ اللَّحْمِ فِي ظَاهِرِ المذهب وقال إنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْخِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ التَّمْرُ نُزِعَ نَوَاهُ يُمْنَعُ بَيْعُهُ وَاللَّحْمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَتَعَيَّنُ نَزْعُ عَظْمِهِ إذَا حَاوَلْنَا بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وبينهما المشمش وما في معناه فيجوز بيع بعضهه بِبَعْضٍ مَعَ النَّوَى وَفِيهِ مَعَ النَّزْعِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ (قُلْت) فَتَحَصَّلْنَا فِي الْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِ عَلَى ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه يشترط نزع النوى (والثانى) أَنَّهُ يَفْسُدُ بِنَزْعِ النَّوَى (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فِي الْحَالَتَيْنِ مَعَ النَّوَى وَمَنْ غَيْرِ نَوَى قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الرافعي أنه الاصح. ويجوز بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ وَفِيهِ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّبِّ بِاللُّبِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَبِهَذَا أجاب في التتمة قاله الرافعي وهو رِبَوِيٌّ قَوْلًا وَاحِدًا قَدِيمًا وَجَدِيدًا لِلتَّقْدِيرِ وَالطَّعْمِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ مَعَ قِشْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ اللوز. قال المصنف رحمه الله. (ولايجوز بيع نيئه بمطبوخه لان النار تعقد أجزاءه وتسخنه فان بيع كيلا لم يجز لانهما لا يتساويان في الكيل في حال الادخال وان بيع وزنا لم يجز لان أصله الكيل فلا يجوز بيعه وزنا ولايجوز بيع مطبوخه بمطبوخه لان النار قد تعقد من أجزاء أحدهما أكثر من الآخر فيجهل التساوى) . (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ) (إحْدَاهُمَا) أَنَّ مَا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نيه بمطبوخه

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ لَا يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَطْبُوخًا بنئ مِنْهُ بِحَالٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْتَ مِنْهُ شيئا بمطبوخ فالنئ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِي النئ وَمَنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ أَوْ الْعَصِيرَ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ التَّمْرُ بِالدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْقَاضِي حسين واتفق الاصحاب على أن النئ أَوْ الْقَدِيدَ بِالْمَطْبُوخِ أَوْ بِالْمَشْوِيِّ لَا يَجُوزُ ولافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْبُوخُ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ ما لَا يُدَّخَرُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ بَلْ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ قَبْلَ عِبَارَةِ الشافعي ولايجوز من الجنس الواحد مطبوخا منه بنئ بِحَالٍ وَلَا مَطْبُوخٌ طُبِخَ لِيُدَّخَرَ مَطْبُوخًا فَنَقَلَ المزني هذا وقدم بعض كلام وَأَخَّرَ بَعْضَهُ وَعَطَفَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مَعْنَى مَا نَقَلَ الْمُزَنِيّ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دَاوُد وَقَصَدَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ (قُلْت) وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مَوْجُودٌ مِثْلُهُ فِي الْأُمِّ فِي تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ فَالْوَجْهُ تأويل ذلك

وَعَدَمُ حَمْلِهِ عَلَى الْخَطَأِ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَتَأْوِيلُهُ عُسْرٌ بَلْ هُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا يُدَّخَرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نِيئًا وَفِي حال كونه مطبوخا يجوز بيع النئ مِنْهُ بِالْمَطْبُوخِ وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ أقرب ما يتمحل مع تكلف وقال أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الْخَصْمَ يَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَاسَهُ على الحنصة بدقيقها والجامع أنهما على صفة يتفاضلا حَالَةَ الِادِّخَارِ وَمَنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الدِّبْسِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وجه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدِّبْسِ بِالْخَلِّ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالطَّبْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الَّذِي سَيَأْتِي عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ وخله جنسان ومال إلَيْهِ الْإِمَامُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ مَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ تِلْوَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مَطْبُوخًا مِنْهُ بِمَطْبُوخٍ لِأَنَّ النَّارَ تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْقِصُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَالَ مَعْنَى

ذلك في الام فِي بَابِ مَا يُجَامِعُ التَّمْرَ وَمَا يُخَالِفُهُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ التَّمْرِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَتْ الشمس قد أخذت من أحدهما ومنهما فَرُبَّمَا يَكُونُ أَخْذُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَخْذِهَا مِنْ الْآخَرِ لَكِنَّ لَهُ غَايَةً فِي الْيُبْسِ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَالْمَطْبُوخُ بِخِلَافِهِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فَرْقًا آخَرَ بَيْنَ الْعَصِيرِ الْمَطْبُوخِ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا لَا يجوز بيع بعضه ببعض والرب أَوْ الدِّبْسُ مَثَلًا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي كَوْنِهِ عَصِيرًا فَجَرَتْ حَالَةُ الْعَصِيرِ بَعْدَ الطَّبْخِ لِحَالَةِ التَّمْرِ وَهُوَ رُطَبٌ فَلَا يَجُوزُ الدِّبْسُ بِالدِّبْسِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَفِي مَعْنَى الدِّبْسِ عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ إذَا عُقِدَ وَصَارَ عَسَلًا وَكَذَلِكَ مَاءُ الرُّطَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَيْعُ الطِّلَى بِالدِّبْسِ لَا يَجُوزُ وَالطِّلَاءُ أَرَقُّ مِنْ الدِّبْسِ وَبَيْعُ الطِّلَى

بِمِثْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَبَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ فِيهِ وجهان وبيع العصير بالخل ولاماء فيهما فيه وجهان قال الماوردى ولايجوز بيع الزيت المطبوخ بالنئ ولا بالمطبوخ ويجوز بيعه بالمشوى والنئ وَالْمَطْبُوخِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَشْوِيِّ بِالْمَشْوِيِّ ولا المطبوخ بِالْمَشْوِيِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (1) والرافعي وجزموا به ولايجوز بَيْعُ النَّاطِفِ بِالنَّاطِفِ وَلَا الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ هَيْئَتِهَا وَاخْتِلَافِ الْحَبَّاتِ فِي الْيَابِسِ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ لَا يجوز الْحِنْطَةِ الْمَطْبُوخَةِ بِالْمَطْبُوخَةِ وَالْمَشْوِيَّةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَالْمَقْلِيَّةِ بِالْمَبْلُولَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَأَمَّا بَيْعُ الْمَبْلُولَةِ بِالْمَبْلُولَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ صَرَّحَ بِجَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ لَا خِلَافَ فِيهَا عَلَى مَا يقتضيه اطلاق أكثر الاصحاب الا الدبس فيه ثلاثة أوجه (أحدها) هو الْمَشْهُورُ الَّذِي ادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ طُبِخَا فِي قَدْرٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ إنْ طُبِخَا فِي قِدْرٍ وَاحِدٍ جَازَ وَأَبْطَلَهُ الْقَاضِي بان مافى أَسْفَلِ الْقِدْرِ أَسْخَنُ مِمَّا فِي أَعْلَاهُ لِكَثْرَةِ

_ (1) بيياض بالاصل

مُمَاسَّةِ النَّارِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ الْجَوَازُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا أَنَّ الْعَصِيرَ كَامِلٌ وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدِّبْسِ مُقَابَلَةَ مِثْلِهِ فَلَا يُدْرَى كَمْ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْعَصِيرِ وَكَمْ فِي الدِّبْسِ مِنْهُ فَكَانَ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ نَظَرًا إلَى تَوَقُّعِ تفاوت في كمال سبق للحب قَالَ وَلَوْ قِيلَ قَدْ يُخَالِفُ مِكْيَالٌ مِنْ الدِّبْسِ مَكِيلًا فِي الْوَزْنِ لِتَفَاوُتٍ فِي التَّعْقِيدِ لَكَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُعَقَّدَ يُبَاعُ وَزْنًا بِالتَّعْوِيلِ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ من ملاحظة كما الْعَصِيرِ لِإِمْكَانِ ادِّخَارِهِ وَلِتَأْثِيرِ مَأْخَذِ بَعْضِ الْعَصِيرِ لِيَصِيرَ دِبْسًا وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ يَخْتَلِفُ وَمَنْ فُرُوعِ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ الْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ بِمِثْلِهَا وَبِالنِّيئَةِ والزيت المغلى بمثله وبالنى كل ذلك لَا يَجُوزُ.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (واختلف أصحابنا في بيع العسل الصفى بالنار بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار تعقد أجزاءه فلا يعلم تساويهما ومنهم من قال يجوز وهو المذهب لان نار التصفية نار لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ

وانما تميزه من الشمع فصار كالعسل المصفى بالشمس) . (الشَّرْحُ) الْعَسَلُ إذَا أَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ لَا غَيْرُ فَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ حَبٍّ جِنْسٌ آخَرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْعَسَلُ لُعَابُ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ الْوَاحِدَةُ عَسَلَةٌ وَجَمْعُهُ أَعْسَالٌ وَعَسَلٌ وَعُسُولٌ وَعُسْلَانٌ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ تِلْوَ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَلَا يُبَاعُ عسل نحل بعسل نحل الا مصفين مِنْ الشَّمْعِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ بِالْعَسَلِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأُمِّ وَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدُ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ وَقَالَ فَلَا بأس بالعسل بعصير السكر لانه لا يسمى عسلا الاعلى ما وصفت يعنى من جهة حُلْوًا كَالْعَسَلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في عسل الطبر زد وقال وهو ما يبقى من السكر ثخيبا كَالْعَكِرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ أبو الطيب

عَسَلُ الطبرزد أَنْ يُطْبَخَ السُّكَّرُ ثُمَّ يُطْرَحَ فِي إجَّانَةٍ فَإِذَا جَمَدَ أُمِيلَتْ الْإِجَّانَةُ عَلَى جَانِبِهَا فَخَرَجَ مِنْهَا الْعَسَلُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النحل متفاضلا ولايجوز بَيْعُ عَسَلِ الطَّبَرْزَدِ بِعَسَلِ الْقَصَبِ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهَلْ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَجْلِ الطَّبْخِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ ناره خفيفة وحمل القول في بيع العسل النَّحْلِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بشمعه أولا فَإِنْ بِيعَ بِشَمْعِهِ فَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالصافي وقد تقدم ذلك في قاعدة مدعجوة وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ وَفِيهِ الْعَظْمُ وَبَيْنَ التَّمْرِ وَفِيهِ النَّوَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّ بقاء ذلك من مصلحته بخلاف الشمع (والثانى) أَنَّ الشَّمْعَ لَهُ قِيمَةٌ وَأَنَّ بَيْعَ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِمِثْلِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ التَّصْفِيَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ بِالنَّارِ فَإِنْ صُفِّيَ بِالشَّمْسِ فَإِنْ تُرِكَ فِيهَا حَتَّى ذَابَ وَتَمَيَّزَ الشَّمْعُ مِنْ الْعَسَلِ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ النَّارُ كَثِيرَةً بِحَيْثُ تَأْخُذُ مِنْهُ وَيَنْعَقِدُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً بِحَيْثُ يَحْمِيهِ بِهَا وَيُصَفِّيهِ مِنْ غَيْرِ كَثْرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ تُرِكَ حَتَّى انْعَقَدَتْ

أَجْزَاؤُهُ وَثَخُنَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّبْسِ وَالزَّيْتِ وَشِبْهِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِحَيْثُ أُذِيبَ وَأُخِذَ أَوَّلَ مَا ذَابَ قَبْلَ أَنْ تَنْعَقِدَ أَجْزَاؤُهُ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالْجَوَازِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ صُفِّيَ بِالنَّارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَرَدَّ الْقَاضِي ذَلِكَ بِأَنَّ السَّلَمَ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ وَالسَّلَمُ فِي الْمَعِيبِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الْفُورَانِيُّ رَدَّ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَظْهَرُ) الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْجَوَازُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَصْرِهِ تَمَيُّزُ الشَّمْعِ عَنْهُ وَنَارُ التَّمْيِيزِ لَيِّنَةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْقِيدِ فَأَشْبَهَ الْمُصَفَّى بالشمس وممن صحح الجواز ابن عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ ثُمَّ ذَكَرَ

عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمُصَفَّى بالشمس والمصفى بالنار ومنع في المصفى بالنار قال وهذا ليس بشئ كما رجحه الفورانى وما حكاهما الوجهان اللذان في الكتاب ويشبه أن يكونا هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنَزَّلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ التَّفْصِيلِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَحْقِيقُ مناط هل حصل نقص أولا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَ الْعَسَلِ وَالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ بِأَنَّ النَّارَ دَخَلَتْ فِي الْعَسَلِ بِالصَّلَاحِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ شَمْعِهِ فَلَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَسَلِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَإِنَّمَا تَأْخُذُ النَّارُ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الِانْعِقَادُ وَاجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ قَالَ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ النار اذن لم تميزه من غيره (اعلم) أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النار عرض عقد واطبخ كَاللَّحْمِ وَالدِّبْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْمَعْرُوضِ عَلَى النَّارِ لِلتَّمْيِيزِ وَالتَّصْفِيَةِ وَذَكَرَ مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا هو مختلف فيه وهو العسل الذى عتاب سرحه والسكر وَسَيَأْتِي وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لَهُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُعْرَضَانِ عَلَى النَّارِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا دَخَلَا النَّارَ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ في جرمهما نَعَمْ لَوْ خَالَطَهُمَا غِشٌّ فَأُدْخِلَا النَّارَ لِتُخَلِّصَهُ فَقَدْ يُقَالُ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَثِّرُ فِي إخْرَاجِهِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِمَّا تُؤَثِّرُ فِي الْآخَرِ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يجوز

لِأَنَّ لِأَهْلِ الصِّنَاعَةِ فِي ذَلِكَ خِبْرَةً لَا تُحْرِقُهُ وَلَا تَغْلِبُهُمْ النَّارُ عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا فِي السُّكَّرِ وَنَحْوِهِ (قُلْت) وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بَلْ فِي تصريحهم بالعرض لتمييز الْغِشِّ مَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ مِنْ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ إذَا صُفِّيَ الْعَسَلُ بِشَمْسِ الْحِجَازِ فَقَدْ يَكُونُ أَثَرُ الشَّمْسِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَالِغًا مَبْلَغَ النَّارِ فَإِنَّا نَرَى شَرَائِحَ اللَّحْمِ تُعْرَضُ عَلَى رَمْضَاءِ الْحِجَارَةِ فَتَنِشُّ نَشِيشًا عَلَى الْجَمْرِ قُلْنَا هَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ (وَالْأَظْهَرُ) جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ أَثَرَ الشَّمْسِ فِيمَا أَظُنُّ لَا يَتَفَاوَتُ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ أَثَرُ النَّارِ لِاضْطِرَامِهَا وَقُوَّتِهَا وَبُعْدِهَا مِنْ الْمِرْجَلِ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَثَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَى مَا عَلَى النَّارِ أَوْ خَلَّ ثَقِيفٍ لَمْ يَمْتَنِعَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِتَعْقِيدٍ حَتَّى يَعْرِضَ فِيهَا التَّفَاوُتُ فَيُزِيلَ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى اسْتِوَاءٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفالة ذهب بعض أصحابنا إلى أنه ان صففى بِهَا يَعْنِي الشَّمْسَ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ الْحَرِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا صُفِّيَ بِهَا فِي البلاد الشديدة الحر قال محكى وليس بشئ. (فَرْعٌ) إنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَسَلِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ النَّارَ إذَا عَقَدَتْ أَجْزَاءَ أَحَدِهِمَا أَدَّى إلَى التَّفَاضُلِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ

بَيْعِ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ بِمِثْلِهِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ يَتَقَارَبُ تَفَاوُتُهَا وَيَتَبَاعَدُ في الشمس تباعد مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ (قُلْت) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ لِأَنَّا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّارَ لَطِيفَةٌ تُمَيِّزُ وَلَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لَهَا فِي التَّمَاثُلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُصَفَّى بِالشَّمْسِ. (التَّفْرِيعُ) حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُصَفًّى بِالشَّمْسِ وَإِمَّا بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْعَسَلُ بِالْعَسَلِ كَيْلًا بِكَيْلٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالسُّكَّرُ الْوَزْنُ فِيهِمَا أَحْوَطُ فَالظَّاهِرُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَوْزُونٌ وَعَدَّهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالسُّكَّرِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا إلَى آخره وقال أبو إسحق لَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التعرض لشئ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ كَالسَّمْنِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَهُمَا جَمِيعًا مَوْزُونَانِ خِلَافًا لِأَبِي اسحق كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ حَمَلَ الرُّويَانِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ فِي الصَّرْفِ عَلَى التَّوَقُّفِ فِيهِ قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ أَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وزنا إذا انعقدا بِبَرْدِ الْهَوَاءِ وَغَلُظَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ وَزْنًا فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ كَيْلُهُ

فَلَا يُبَاعُ إلَّا كَيْلًا قَالَ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبى اسحق (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ مَا تَقَدَّمَ وَاعْتَرَضَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْمُزَنِيِّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا لَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا شَمْعٌ وَهُوَ غَيْرُ الْعَسَلِ كَانَ الْعَسَلُ تَارَةً غَيْرَ مَعْلُومٍ قَالُوا لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَعْلُومُ الْمُفَاضَلَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ لِأَنَّهُمَا بِمَا فِيهِمَا مِنْ الشَّمْعِ غَيْرُ مَعْلُومَيْ الْمُمَاثَلَةِ قَالُوا وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ هُنَاكَ فَاشْتَبَهَتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِ أَحَدِ الْوُجُوهِ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ مِعْيَارُهُ يَعْنِي الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالتَّخَيُّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ دَاوُد لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا تَارَةً وَوَزْنًا أخرى قال وهذا غريب قل ما يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ (قُلْت) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ بَلْ الْمُرَادُ التَّوَقُّفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَسَلُ الرُّطَبِ وَهُوَ رُبٌّ يَسِيلُ مِنْهُ يَجُوزُ بيع بعضه ببعض متساوين فِي الْكَيْلِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا وَجُزَافًا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يجوز بيع العسل بالدبس. قال المصنف رحمه الله تعالى . (واختلفوا في بيع السكر بعضه ببعض فمنهم من قال لا يجوز لان النار قد عقدت أجزاءه ومنهم من قال يجوز لان ناره لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ) .

* (الشَّرْحُ) الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ كَالدِّبْسِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ الْمَنْعُ فِي السُّكَّرِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ نَقَلَ ابن الرفعة عن الارغانى أَنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوَى النِّهَايَةِ بِالْبُطْلَانِ فِي السكر والفانيد وَالْعَسَلِ الْمُمَيَّزِ بِالنَّارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ قِيَاسُ جَزْمِ الْعِرَاقِيِّينَ بِمَنْعِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَ الرِّبَا أَحْوَطُ مِنْ بَابِ السَّلَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَجْلِ طَلَبِ الْمُمَاثَلَةِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ فِي السُّكَّرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ الْجُرْجَانِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَنْ سُلَيْمٍ أَنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ فِي التَّعْلِيقِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْمَنْعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَتْ لِلتَّصْفِيَةِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِعَقْدِ الْأَجْزَاءِ لَمْ يَجُزْ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ إنَّ نَارَ السُّكَّرِ لَيِّنَةٌ لَا تَعْقِدُ الْأَجْزَاءَ وَإِنَّمَا تُمَيِّزُهُ مِنْ الْقَصَبِ وَالسُّكَّرُ إنَّمَا يَتَمَيَّزُ مِنْ الْقَصَبِ بِالْعُودِ الَّذِي يُعْصَرُ بِهِ فَإِذَا وَقَعَ أَحَدُ الْعُودَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَانْعَصَرَ الْقَصَبُ تَمَيَّزَ وَفِي بَعْضِ ما تكلم به على المذهب تأويل ذلك بانه لابد أن يبقى في السكر شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ وَيَكْثُرُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى اسْتِخْرَاجِهِ فَإِذَا أُغْلِيَ بِالنَّارِ سَهُلَ إخْرَاجُهُ فَإِنَّ مَا يَبْقَى مِنْ أَجْزَاءِ الْقَصَبِ يَعْلُو عَلَى السُّكَّرِ عِنْدَ الْغَلَيَانِ وَيَسْهُلُ اسْتِخْرَاجُهُ فَهَذَا معنى التمييز الذى

قصده وَعَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْجَوَازَ بِأَنَّ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ حَدًّا وَنِهَايَةً وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ مِنْ طِبَاعِ السُّكَّرِ كَمَا حَكَيْنَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فقال في السكر والفانيدان أُلْقِيَ فِيهِمَا مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِلَّا فَيُنْظَرُ فَإِنْ دَخَلَتْ النَّارُ فِيهِمَا لِتَصْفِيَتِهِمَا وَتَمْيِيزِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا جَازَ وَإِنْ دَخَلَتْ لِاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ وَانْعِقَادِهَا فَلَا (قُلْت) أَمَّا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ مُنَزَّلًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ بيع السكر وغيره بملثه قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لان السكر لامن إذَابَةِ أَصْلِهِ بِالْمَاءِ لِيَحِلَّ ثُمَّ يُطْبَخَ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ بَعْدَ غَلَيَانِهِ اللَّبَنَ لِيُبَيِّضَهُ وَيُزِيلَ وَسَخَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى طَرِيقِهِ (قُلْت) وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَحَدَّدْ عِنْدَهُ حَالُ السُّكَّرِ وَلَا حَالُ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِالْمَنْعِ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ ذلك لابد مِنْهُ فَهُوَ يَقْتَضِي قَوْلَهُ بِالْمَنْعِ فِيهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ الْخَلِيطَ الَّذِي فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَاللَّبَنِ مَانِعٌ مِنْ التَّمَاثُلِ أَمَّا الْمَاءُ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ بَعْدَ الْجَفَافِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مَا ذَكَرَ فِي السُّكَّرِ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ الْخِلَافِ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَنْعَقِدُ كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْقَنْدِ الْفُورَانِيُّ وَأَجْرَاهُ الْإِمَامُ الغزالي في الفانيد وأجراه الغزالي رحمه الله أيضا القند وفى اللباء.

(فَرْعٌ) إذَا بِيعَ السُّكَّرُ فَالْمِعْيَارُ فِيهِ الْوَزْنُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وقد تقدم قول الجوزى وَتَنْبِيهُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ وقال ابن أبى الدم ان أبا اسحق قَالَ يُبَاعُ كَيْلًا وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وعلل وجه أبى اسحق على ما زعم بأن أصله الكيل وكأن يعني العصير فانه مكيل وبيع الفانيد كبيع السكر بالسكر قاله المارودى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ. (فَرْعٌ) قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَزْنًا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْيُبْسِ وَالصِّفَةِ فَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ الْيُبْسَ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ بِالتَّمْرِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ نَصْرٍ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ بِقَصَبِ السُّكَّرِ وَلَا بِالسُّكَّرِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي السكر والفانيد مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا جِنْسٌ وَهَذَا بَعِيدٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جِنْسَانِ فَإِنَّ قَصَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ وليس للفانيد عَكَرُ السُّكَّرِ وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُسَمَّى الْقَوَالِبَ فَهُوَ عَكَرُ السُّكَّرِ الْأَبْيَضِ وَمِنْ قَصَبِهِ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَرَدُّدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يخالف صِفَةَ الْأَبْيَضِ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَقَدْ يَشْتَمِلُ أَصْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مُخْتَلِفَاتٍ

كَاللَّبَنِ وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ مِنْ جِنْسِ السُّكَّرِ وَقَالَ القاضى حسين ان بيع قصب الفانيد بقصب الفانيد جائز وبالفانيد لَا يَجُوزُ وَبِقَصَبِ السُّكَّرِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا إنْ كَانَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَصْلَيْنِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلَيْنِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَصَبَ كُلَّهُ الَّذِي يعمل منه السكر والفانيد جِنْسٌ وَاحِدٌ. (فَرْعٌ) لَمَّا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكْمَ السكر والفانيد قَالَ وَكَذَلِكَ دِبْسُ التَّمْرِ وَرَبُّ الْفَوَاكِهِ. (فَرْعٌ) بيع الفانيد بِالسُّكَّرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ أَصْلُهُمَا واحد فهو كبيع الفانيد بالفانيد وان كان أصلهما مختلفا فيجوز كيف ما كَانَ (قُلْتُ) وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ أَصْلَ السكر والفانيد قَصَبٌ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْقَصَبَ فِي بِلَادِهِمْ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ النَّارَ في القتد فوق النار في السكر والفانيد لِأَنَّ عَصِيرَ الْقَصَبِ يُوضَعُ فِي قِدْرٍ كَبِيرٍ كَالْخَابِيَةِ وَيُغْلَى عَلَيْهِ غَلَيَانًا شَدِيدًا إلَى أَنْ تَزُولَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ كَثِيرَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ صَلْقًا ثُمَّ يُطْبَخُ فِي قِدْرٍ أَلْطَفَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَتُقَوَّى نَارُهُ إلَى أَنْ تَذْهَبَ مَائِيَّتُهُ فَيُوضَعُ فِي أَوْعِيَةٍ لِطَافٍ فَوْقَ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا السُّكَّرُ وَالنَّارُ فِيهِ فَوْقَ النَّارِ فِي الَّذِي يُطْبَخُ عَسَلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَصْلُوقِ فِي الْخَابِيَةِ وَكَثِيرًا مَا تَقْوَى نَارُ الَّذِي يُطَبَّخُ عَسَلًا فَتَصِيرُ أَجْزَاؤُهُ إذَا بَرَدَ قريبا من عقد أجزاء في القتد وعند ذَلِكَ يُسَمَّى بِالْجَالِسِ

ويطبخ منه السكر كما يطبخ من القتد لكن طعمهما متابين وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمِنْ عَصِيرِ قَصَبِ السكر يتخذ العسل المرسل ويتخذ القتد وعن القتد يَنْفَصِلُ الْعَسَلُ الْمُسَمَّى بِالْقَصَبِ وَهُوَ مَا يَقْطُرُ من أسفل أنالينح القتد بعد أخذه في الجفاف والقتد يَخْتَلِفُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِحَسَبِ تَبْرِيدِ الْقَصَبِ وجودة الطبخ ومن الطيب من القتد يُتَّخَذُ السُّكَّرُ وَإِذَا جَمَدَ اُسْتُقْطِرَ مَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ ثُقْبٍ فِي أَسْفَلِ الْإِجَّانَةِ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا بَعْدَ طَبْخِهِ وَهَذَا الْعَسَلُ يُسَمَّى كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِعَسَلِ الطبرزد وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ بِالْقَطَّارَةِ وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ تَنَوُّعِ السُّكَّرِ الَّذِي يُسْتَقْطَرُ مِنْهُ وَأَنْوَاعُ السُّكَّرِ ثَلَاثَةٌ الْوَسَطُ وَهُوَ أَدْوَنُهُ وَمِنْ أَعْلَا إنَاءٍ يتجه يكون الآخر لان القطارة تنجس فيه والعال وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ فِي الْجَوْدَةِ وَالْمُكَرَّرُ هُوَ أَعْلَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ يُطْبَخُ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ وَالسُّكَّرُ النَّبَاتُ يُطْبَخُ مِنْ السُّكَّرِ الْوَسَطِ أَيْضًا لَكِنَّهُ يُجْعَلُ فِي قِدْرٍ مِنْ الْفَخَّارِ قَدْ صُلِبَ فِيهِ عِيدَانٌ مِنْ الْجَرِيدِ رِقَاقٌ لِيَثْبُتَ فِيهَا السُّكَّرُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ عَسَلٍ عِنْدَ كَمَالِ نَبَاتِهِ يُسَمَّى بِقَطْرِ النبات والفانيد تَارَةً مِنْ السُّكَّرِ غَيْرِ النَّبَاتِ وَتَارَةً مِنْ الْعَسَلِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ الْمَطْبُوخِ مِنْ مَاءِ الْقَصَبِ في أول أمره وطبعه مخلف طبع السكر ولونه يخالف لونه الاسم مُخْتَلِفٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا وَاحِدٌ الْقَصَبُ وَعِنْدَ ذلك يتقرر الخلاف في الفانيد وَالسُّكَّرِ هَلْ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِمَا كما في عسل القتد وَعَسَلِ السُّكَّرِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّبَرْزَدِ أَوْ جِنْسَانِ باعتبار

اخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ فَهَذَا فَصْلٌ مُفِيدٌ مِنْ كلام ابن الرفعة فانه كان عرافا بِذَلِكَ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا الْحَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بِلَادِهِمْ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ خِبْرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَأَمَّا السُّكَّرُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالنَّبَاتُ فَجِنْسٌ وَاحِدٌ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقُرْبِ الطِّبَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا فِيهِ الْخِلَافُ السابق والفانيد قد يجعل فيه شئ مِنْ الدَّقِيقِ وَعِنْدَ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُوَ وَالسُّكَّرُ جِنْسَانِ لَمْ يَضُرَّ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ واحد فلا يجوز بيعه بالسكران لم ينظر إلى التأثير النَّارِ وَلِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَالَ ومع تفاوت النار في القتد والسكر والفانيد لم يذكر المصنف يعنى الغرالى فَرْقًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ ذلك في السكر بل جوزوه في الجميعع عَلَى رَأْيٍ مُرَجَّحٍ فِي الْحَاوِي وَمَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهٍ جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فَوَجْهُ التَّسْوِيَةِ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ لِلنَّارِ فِي ذَلِكَ حَدًّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَأُحِيلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُقَالُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي النَّارِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الدِّبْسِ وَقَدْ قَطَعَ فَرِيقٌ فِيهِ بِالْمَنْعِ وان حكى الخلاف في السكر وَنَحْوِهِ تُصْلِحُهُ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهَا فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا قَالَ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنِّي رَأَيْتُ حِكَايَةً عن الامالى أن تأثير النار في الشئ إنْ لَمْ يَكُنْ

لَهُ نِهَايَةٌ كَالدِّبْسِ فَكُلَّمَا كَثُرَ النَّارُ كَانَ أَجْوَدَ وَلَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ إلَى أَنْ يَتَلَابَسَ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ فِي تَنْقِيصِ رُطُوبَتِهِ تَتَفَاوَتُ وَإِنْ كَانَ له نهاية كالسكر والفانيد فيه وَجْهَانِ (قُلْتُ) هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الْأَمَالِي وَذِكْرُ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا لَمْ أَفْهَمْهُ وَلَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فليتأمل ذلك إلا أن يكون المراد أمال السرخسى.. قال المصنف رحمه الله تعالى . (ولايجوز بيع الحب بدقيقه متفاضلا لان الدقيق هو الحب بعينه وانما فرقت أجزاؤه فهو كالدنانير الصحاح بالقراضة فأما بيعه به متماثلا فالمنصوص أنه لا يجوز وقال الكرابيسى قال أبو عبد الله يجوز فجعل أبو الطيب بن سلمة هذا قولا آخر وقال أكثر أصحابنا لا يجوز قولا واحدا ولعل الكرابيسى أراد أبا عبد الله مالكا أو أحمد فان عندهما يجوز ذلك والدليل على أنه لا يجوز أنه جنس فيه ربا بيع

منه ما هو على هيئة الادخار بما ليس منه على هيئة الادخار على وجه يتفاضلان في حال الادخار فلم يصح كبيع الرطب بالتمر) . (الشَّرْحُ) الْكَرَابِيسِيُّ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ على البغدادي صاحب الشافعي في العراق كان عَالِمًا فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَلِّسِينَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ أبى جعفر توفى الكرابيسى سنة خمسة وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَأَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدٌ بْنِ الْمُفَضَّلِ بِمِيمٍ فِي أَوَّلِهِ ابْنُ سَلَمَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا دَرَسَ الْفِقْهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَانَ مَخْصُوصًا بِفَرْطِ الذَّكَاءِ وَالشَّهَامَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقْبِلُ عَلَيْهِ غَايَةَ الْإِقْبَالِ وَيَمِيلُ إلَى تَعْلِيمِهِ كُلَّ الْمَيْلِ صَنَّفَ كُتُبًا عِدَّةً مَاتَ شَابًّا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صلاة المسافر

وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَجَلُّ من أن ينبه على شئ مِنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِيمَا أَظُنُّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ اسد بن ادريس ابن عبد الله بن حبان بحاء مهملة وياء آخر الحرو ف ابْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفِ بن قاسط بن مازن ابن ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بن أقصى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مُضَرَ بْنِ مَعْدِ بن عدنان مولده سنة (1) وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُهُ عِلْمًا وَزُهْدًا وَوَرَعًا أَكْثَرُ مِنْ أن تحصى وأشهر ممن تُذْكَرَ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنهم بالعراق وقول الْمُصَنِّفُ الْحَبُّ بِدَقِيقِهِ يَشْمَلُ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَغَيْرَهُمَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِهِ بِدَقِيقِ غَيْرِهِ كَبَيْعِ الحنطة بدقيق الشعير والشعير

_ (1) بياض الاصل

بِدَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ قَاطِعُونَ أَنَّ الْأَدِقَّةَ أَجْنَاسٌ وَالْمَقْصُودُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ أَوْ بَيْعُ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ مسألتان (إحدهما) أَنْ يُبَاعَ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ جَوَازَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَنَقَضَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ الضَّابِطِ الَّذِي مَهَدُوهُ فِي اخْتِلَافِ الجنس واتحاد ومذهب أَبِي ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ دَاوُد وَإِنَّهُ ذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَعَمَّمَ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وخبزه وبيع الدقيق بالدقيق والسويق بالخبز وَالسَّوِيقِ بِالسَّوِيقِ وَبِالْخُبْزِ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَفَاضِلًا فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ

الْإِمَامُ عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَعَ نَقْلِهِ فِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ المذهب وبه قال الحسن البصري ومكحول وأبو هشام وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَرَبِيعَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَاللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إثْبَاتِ مَا حَكَاهُ الْكَرَابِيسِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والعبد رى قال العبدري والصحيح أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا الْمَنْعُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يُحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُ مَنْ سَمَّيْنَا يَقُولُ ذَلِكَ قال

هَؤُلَاءِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكًا وَأَحْمَدَ لِمَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ سَكَتُوا عَنْهُ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا مِنْهُمْ الْفُورَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ولم يوجد في شئ مِنْ كُتُبِهِ جَوَازُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى إثْبَاتِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ابن سَلَمَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَابْنُ الْوَكِيلِ فِيمَا حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح التلخيص بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَإِنْ كَانَا مَطْحُونَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَالَ الْقَفَّالُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَفَّالَ مِنْ الْمُعْتَرِفِينَ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْسِبْهُ لِلْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيّ مِنْ رُوَاةِ الْقَدِيمِ وَوَجَّهُوهُ بما سنذكره من حجة الملكية قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا فَالْمِعْيَارُ الْكَيْلُ وَقَدْ اخْتَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْإِشْرَافِ مَنْعَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَجَوَازُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً تَمْنَعُ من بيعه مثلا بمثل وجعل الامام منقول الكرابيسى

شيأ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْحِنْطَةَ جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي الْإِمَامَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَا بَلْ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي كَذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ فَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّ الرُّطَبَ لَمْ يَبْلُغْ حَالَةَ الِادِّخَارِ وَالدَّقِيقُ زَالَ عَنْهَا وَلَوْ قُدِّرَ عَوْدُ الدَّقِيقِ إلَى حَالِ كَوْنِهِ حِنْطَةً لَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ الرُّطَبُ تَمْرًا تَفُوتُ الْمُمَاثَلَةُ قَالَ الْأَصْحَابُ حَالَةُ كَمَالِ الْحَبِّ كَوْنُهُ حَبًّا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالِادِّخَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الدَّقِيقَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا زَالَ عَنْ حَالِ كَمَالِ الْبَقَاءِ كَاللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَالشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ وَاحْتَرَزُوا بِصَنْعَةٍ أَدْنَى عَنْ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَالِكٍ بِأَنَّ الدَّقِيقَ نَفْسُ الْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الطَّحْنَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَزْنُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْكَيْلُ فَإِذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَزْنًا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وأجاب الاصحاب عن حجة الملكية بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَبًّا

كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُنْضَمَّةً مُجْتَمَعَةً فَلَا يَأْخُذُ مِنْ الميكال الْمَوْضِعَ الَّذِي يَأْخُذُهُ إذَا طُحِنَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فَمَتَى بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَانَا مُتَفَاضِلَيْنِ وَعَنْ حُجَّةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ كَيْلًا فَإِذَا قُدِّرَ عَوْدُهُمَا إلَى حَالَةِ كَوْنِهِمَا طَعَامًا أَفْضَى إلَى التَّفَاضُلِ كَيْلًا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ تَعَرَّضَ لَهَا الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ فإذا كان شئ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَكَانَ الْآدَمِيُّونَ يَصْنَعُونَ فِيهِ صَنْعَةً يَسْتَخْرِجُونَ بِهَا مِنْ الْأَصْلِ شَيْئًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمٌ دونه اسم فلا خير في ذلك الشئ لشئ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ كَمَا لو أن رجلا عمدا إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أَوْ حُلِيًّا مَا كَانَ لَمْ يَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَكَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ فِي شَنٍّ أَوْ جَرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ

وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ أَوْ بِخُبْزٍ أَوْ بِفَالُوذَجٍ إذَا كَانَ نَشَاهُ مُشْتَقَّةً مِنْ حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ لِأَنَّ أَصْلَ التمر الكيل اه ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذلك بكثير وكذلك لاخير في تمر قد عصر وأخرج صفره بتمر لم يخرج صفره كَيْلًا بِكَيْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ منه شئ من نفسه وإذا تم بغيره عَنْ خِلْقَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ فِي مَنْعِهِمْ الْقَمْحَ بِالدَّقِيقِ الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا جَعَلْنَا امْتِنَاعَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُعَلَّلًا أَمَّا إذا جعلنا طريق ذلك الاتباع والتعبد فيمتنع الالحاق. قال المصنف رحمه الله. (ولايجوز بيع دقيقة بدقيقه وروى المزني عنه في المنثور أنه يجوز واليه أومأ في البويطي لانهما يتساويان في الحال ولا يتفاضلان في الثاني فجاز بيع أحدهما بالآخر كالحنطة بالحنطة والصحيح هو الاول لانه جهل التساوى بينهما في حال الكمال والادخار فاشبه بيع الصبرة بالصبرة جزافا) .

(الشَّرْحُ) الْمُرَادُ هَهُنَا أَيْضًا إذَا كَانَ الدَّقِيقَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الشَّعِيرِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ فَبَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَاعِمًا وَالْآخَرُ خَشِنًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ مُقَابِلَهُ خَطَأٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ الصغيرة الحبات بالحنطة الكبيرة والحبات بِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ ثَمَّ مُجْتَمَعَةٌ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ مَشْهُورَةٌ نَقَلَهَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ وَعَنْ نَقْلِ حَرْمَلَةَ أَيْضًا وَأَمَّا مَا أَوْمَأَ إلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ (فَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ قال في البويطى وكل شئ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يؤخذ شئ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ بِأَصْلِهِ مُتَفَاضِلًا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا وَيُفْهَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَمَاثِلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ دَقِيقٌ بِقَمْحٍ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا النَّصَّ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ يُومِئُ إلَى بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَكِنْ يُومِئُ أَيْضًا إلَى بَيْعِهِ بِالْقَمْحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ حَكَاهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ إيمَاءٌ فَلَعَلَّهُ فِي مَكَان آخَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَعْدُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ كُلُّهُمْ نَقَلُوهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالدُّهْنِ يَجُوزُ وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالسِّمْسِمِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ وان امتنع بيعه بالحنطة وهذا ينهك عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ

فِي هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرَابِيسِيِّ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قَوْلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ لَا مَحَالَةَ وَقَدْ أَجَازَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وقال إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَقَلَهُ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُثْبِتُوا اشْتِرَاطَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَسَيَأْتِي مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي أَحَدِهِمَا وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَ التَّسَاوِي فِي النُّعُومَةِ عن أبى حنيفة وبعض أصحابنا واختاره فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الِاسْتِوَاءَ فِي هَذَا أَوْ فِي هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيَنْزِلُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا خَشِنًا وَالْآخَرُ نَاعِمًا لَمْ تَحْصُلْ الْمُمَاثَلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَا نَاعِمَيْنِ أَوْ خَشِنَيْنِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَوَافَقَ عَلَى امْتِنَاعِ النَّاعِمِ بِالْخَشِنِ قَالُوا نَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنْتُمْ تَعْتَبِرُونَهَا تَارَةً فِيمَا كَانَ كَمَسْأَلَةِ الدَّقِيقِ وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الرُّطَبِ وَاعْتِبَارُ حَالِ الْعَقْدِ أَوْلَى فَالْجَهَالَةُ تُؤَثِّرُ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْقَمْحِ وَقَدْ وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَاكَ مَعَ كَوْنِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَوَافَقَنَا عَلَى امتناع الناعم بالخشى وَلَا مُتَعَلَّقَ فِي أَنَّ بَيْنَهُمَا مُفَاضَلَةً فَإِنَّ ذلك متنقض بالحنطة إذا كان إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمُسَاوَاةَ حَالَةَ الِادِّخَارِ فَحَسْبُ ثُمَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً فِيمَا مَضَى وَتَارَةً فِيمَا يَكُونُ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَعَ سَلَامَتِهِ عَلَى الِانْتِقَاصِ بِخِلَافِ مَا اعْتَبَرُوهُ قاله فيقان وَإِنْ تَسَاوَيَا الْآنَ فَقَدْ يَكُونَانِ مُتَفَاوِتَيْنِ حَالَةَ كونها حَبًّا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِنْطَةٍ رَزِينَةٍ وَالْآخَرُ مِنْ حِنْطَةٍ خَفِيفَةٍ.

(فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ (قُلْتُ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ النَّوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اللُّبِّ الْمَدْقُوقِ وهو الذى يشبه الدقيق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (ولايجوز بيع حبه بسويقه ولا سويقه بسويقه لما ذكرناه في الدقيق ولان النار قد دخلت فيه وعقدت أجزاءه فمنع التماثل) . (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ السَّوِيقُ ضَرْبَانِ نَقِيعٌ وَمَطْبُوخٌ فَالنَّقِيعُ يُنْقَعُ الطَّعَامُ فِي الْمَاءِ لِيَبْرُدَ ثُمَّ يُجَفَّفَ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشَ وَالْمَطْبُوخُ يُطْبَخُ ثُمَّ يُجَفَّفُ ثُمَّ يُقْلَى وَيُجْرَشُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ إذَا قُلِيَ يَكُونُ أَصْغَرَ جُرْمًا مما كان قبل ذلك وهذا الَّذِي أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِلَّةُ الْأُولَى ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّقِيقِ وَإِنْ لَمْ نُلَاحِظْ دُخُولَ النَّارِ فِيهِ فَهُمَا دَلِيلَانِ جَيِّدَانِ وَقِيَاسُ قول أبى ثور أن يأتي ههنا فَإِنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ مَوْجُودٌ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ صَرِيحًا وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ فِي مَنْقُولِ الْكَرَابِيسِيِّ إنْ ثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَلَا تَتَأَتَّى هُنَا الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ دُخُولُ النَّارِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ فِي تَفْسِيرِ السَّوِيقِ مُخَالِفٌ لِلْمَعْرُوفِ فِي بلادنا اليوم وممن نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ كَمَا ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ من

الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِسَوِيقِ الْحِنْطَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ابْنَ مِقْلَاصٍ حَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ السَّوِيقَ مُخَالِفًا لِجِنْسِ الحنطة فانه يخلفها في المعنى والدقيق مجانس للحنطة فَإِنَّهُ حِنْطَةٌ مُفَرَّقَةُ الْأَجْزَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّوِيقَ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ (1) وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ في الكفاية لما حكى ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَجَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يجوز واحتج من جوزه بأن السَّوِيقَ صَارَ بِالصَّنْعَةِ جِنْسًا آخَرَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ بيع جنس بجنس آخر ونقص أَصْحَابُنَا ذَلِكَ بِالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَتَمَسَّكُوا بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الِادِّخَارِ. (فَرْعٌ) بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قُوتٌ زَالَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَخْشَنَ مِنْ الْآخَرِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَقِيقًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ منتقض بانواع التمر كالمعقلي والبرنى.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

قال المصنف رحمه الله. (ولايجوز بيعه بخبزه لانه دخله النار وخالطه الملح والماء وذلك يمنع التماثل ولان الخبز موزون والحنطة مكيل فلا يمكن معرفة التساوى بيهما) . (الشَّرْحُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَجَزَمَ بِهِ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم للعلتين ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّحِدَتَانِ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ الْمَاءِ وَدُخُولَ النَّارِ كُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْبُطْلَانِ وَحْدَهُ. قَالُوا وَرُبَّمَا خُلِطَ الْخُبْزُ أَيْضًا بِوَرَقٍ وَلَمَّا نَقَلَ الْإِمَامُ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ وَجَعَلَهَا فِي أَنَّ السَّوِيقَ مُخَالِفٌ لِلْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقَ مُجَانِسٌ لَهَا قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَيَجِبُ أَنْ يُخَالِفَ الدَّقِيقَ وَالسَّوِيقَ أَيْضًا فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي بَيْعِ الْخُبْزِ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ. (فَرْعٌ) وَهَكَذَا الدَّقِيقُ بِالْخُبْزِ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ بِخُصُوصِهِ الْفُورَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ والليث بن سعد وأبى ثور واسحق وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ جَوَازَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي.

(فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِالنُّخَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَ مَالَ رِبًا وَقَبِلَ الرُّويَانِيُّ بِأَنْ تَكُونَ النُّخَالَةَ صَافِيَةً عَنْ الدَّقِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَكَذَا بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ بِالْمُسَوَّسَةِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِمَا لُبٍّ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ نُخَالَةٌ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسَوَّسَةِ التى لالب فِيهَا بِغَيْرِ الْمُسَوَّسَةِ قَالَهُ فِي (1) وَالْبَحْرِ أَيْضًا وَمَنْ الْوَاضِحِ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَلْمُسَوَّسَةِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْحِنْطَةَ الْمُسَوَّسَةَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الْمَفْقُودَةِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا رَاعُوا فِي هَذِهِ طَرْدَ النَّظَرِ إلَى طَرْدِ الْقَوْلِ فِي الْجِنْسِ لِعُسْرِ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِ الْحِنْطَةِ الَّتِي تَمَادَى زَمَانُ احْتِكَارِهَا وَلَعَلَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَآكَلَ فَأَمَّا إذَا تَآكَلَتْ وَخَلَتْ أَجْوَافُهَا فَفِيهَا نَظَرٌ عِنْدَنَا فَإِنَّ الائمة أطلقوا بيع المسوسة بالمسوسة هِيَ الَّتِي بَدَأَ التَّآكُلُ فِيهَا وَالْقِيَاسُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ إذْ الْحِنْطَةُ الْمَقْلِيَّةُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّجَافِي الْحَاصِلِ بِالْقَلْيِ انْتَهَى وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَدْته لَمْ يُلَاحِظْ أَنَّ الْمُسَوَّسَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الرِّبَا البتة بخلاف ماقاله الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ فرضت المسوسة لا شئ فِي جَوْفِهَا أَلْبَتَّةَ فَهَذِهِ مُخَالِفَةٌ وَلَا رِبَا فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ السُّوسَ كَثِيرٌ فِيهَا بحيث قربت

مِنْ الْعَفَنِ فَهَذِهِ الِاخْتِلَافُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الدَّقِيقِ فَيُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ كَمَا بَدَأَ التَّأَكُّلُ فِيهَا الَّذِي لَا يَحْصُلُ مَعَهُ تَفَاوُتٌ غَالِبًا فَيَصِحُّ وَتَكُونُ كَالْحِنْطَةِ الَّتِي قَدْ طَالَ احْتِكَارُهَا وَيَنْزِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى هذا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَلَا يَجُوزُ بيع خبزه بخبزه لان ما فيه من الماء والملح يمنع من العلم بالتماثل فمنع جواز العقد) . (الشَّرْحُ) الْمُرَادُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ إذَا كَانَا لَيِّنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْكَيْلُ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِيهِ. وَافَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ. وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قُرْصًا بِقُرْصَيْنِ وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَيِّنًا وَالْآخَرُ يَابِسًا لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ في البلعة وَالشَّافِي وَلَكَ أَنْ تُدْرِجَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْجَافَّيْنِ خَاصَّةً كَمَا سَيَأْتِي فَكَانَ مَا سوى ذلك

مُنْدَرِجًا فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ مُتَمَاثِلَيْنِ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِمَا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِمَا فَصَارَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِالتَّفَاوُتِ فِي حَالِ الْكَمَالِ وَالِادِّخَارِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخُبْزِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَلَوْ كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَلَمْ يُلَاحِظَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِاسْتِهْلَاكِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صُورَةِ مدعجوة الْمُمْتَنِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا بيع الشئ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ لَا تُقْصَدُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي التَّمَاثُلِ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ ولا مبالات بِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ مستهلك فيما قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كلام القاضى لاوجه لَهُ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ كَمَا فِي الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ إذا كان في كل منهما شى لا يقصد من الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ جفف الخبز وجعل فتينا وبيع بعضه ببعض كيلا ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز لانه لا يعلم تساويهما في حال الكمال فلم يجز بيع أحدهما بالآخر كالرطب بالرطب (والثانى) أنه يجوز لانه مكيل مدخر فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر) .

(الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ قَوْلُ الْمَنْعِ إلَى نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَعَزَاهُ الْمَحَامِلِيُّ إلَى الْأُمِّ وَعَزَاهُ الرُّويَانِيُّ إلَى عَامَّةِ كُتُبِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْجَوَازِ فَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ (قُلْتُ) وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَدِيمِ وَفَرَضَهُ فِي الْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ بِالْكَعْكِ الْمَدْقُوقِ وَقَالَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ قُوتِهِمْ وَزَادِهِمْ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ هَذِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِحَرْمَلَةَ وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهَا فِي الْحَبِّ كَمَا قَالَ القاضى ولافى غَيْرِ الشَّعِيرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ وَنَقْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ لَهَا عَنْ ابْنِ مِقْلَاصٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُ مِقْلَاصٍ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مِقْلَاصٍ فَلَا تَنَافِيَ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ الشَّافِعِيَّ فَلَعَلَّهُ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ حَرْمَلَةَ هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِابْنِ مِقْلَاصٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ وَنَسَبَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الْمُرَادَ وَهُوَ الْأَقْرَبَ فَإِنَّهُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ فَلَعَلَّهُ وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا رَوَيَاهُ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رِوَايَةَ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ

بِالسَّوِيقِ وَجَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخُبْزُ يُخَالِفُ الْحِنْطَةَ وَعَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْفُورَانِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ طَعَامٌ وَمِلْحٌ بِطَعَامٍ وَمِلْحٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ فِي الْكَيْلِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْقَمْحِ وَفِيهِمَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ يَسِيرَةٌ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّ لَكِنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ الدَّقِيقَ بِالدَّقِيقِ لِخُرُوجِهِ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي عِلَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أينقض الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ المحاملى في المجموع والماوردي ولولا أَنَّ الْوَجْهَ الْآخَرَ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لَكَانَ إغْفَالُهُ أَوْلَى لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ وَمُنَافَاةِ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ يُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَوْلٌ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى إثْبَاتِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ قَوْلٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ جِوَازُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا دُقَّ الْخُبْزُ أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا غَيْرَ مَدْقُوقٍ فَلَا يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَأَغْرَبَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي فَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ يَابِسِهِ بِيَابِسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ وَهَذَا مَعَ غَرَابَتِهِ وَبُعْدِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَدْقُوقًا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَكُونَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ وَالْغَرَابَةُ فِي تَصْحِيحِهِ الْجَوَازُ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مِلْحٌ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ

وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى التَّمْرِ فَالْفَارِقُ خُرُوجُهُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ التَّمْرِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِنَّهُ يجوز لانه قد تقدم الجواز في البنين الْمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَفِي الْيَابِسِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ مَا فِيهِمَا مِنْ الْمِلْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مقصود بالمقابلة ومنعه من التماثل ان فَرْضٌ غَيْرُ ضَارٍ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا عَلَى مَا تقدم من ملة الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي حَكَاهَا الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ وَابْنُ مِقْلَاصٍ وَالْكَرَابِيسِيّ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ على أنها لاتعد مِنْ مَتْنِ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا هِيَ تَرَدُّدَاتٌ جَرَتْ فِي الْقَدِيمِ وَهِيَ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَالْمَذْهَبُ مَا مَهَّدْنَاهُ قَبْلَ هَذَا. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْجَرِيشِ أَوْ الْعَجِينِ أَوْ الْهَرِيسَةِ أَوْ الزلابية أو النشا أو الفتيت أو بشئ مما يتخذ منها ولا بيع شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَجِينِ بِالْعَجِينِ وَالنَّشَا بِالنَّشَا وَلَا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ كَالدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ كُلٌّ مِنْهُمْ بِبَعْضِهَا وَلَا الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَجِينُ بِالْعَجِينِ لَا مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لَا خِلَافَ بيهم فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ إذَا طُبِخَ الْعَجِينُ وَصَارَ خُبْزًا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ قَدْ كَمُلَتْ فيه وأخرجته

فِيمَا زَعَمَ أَصْحَابُهُ عَنْ جِنْسِهِ وَقَوْلُ أَبِي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْخُبْزِ كَقَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ جواز بيع العجين بالخبز وكذا اللحم النئ بِالْمَطْبُوخِ. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْفَالُوذَجِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إنَّ الْفَالُوذَجِ نَشَا وَعَسَلٌ وَدُهْنٌ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ طَعَامًا وَغَيْرَهُ بِطَعَامٍ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذَا الْمِثَالِ بَلْ كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْمَأْكُولِ نقله أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُ فِي الصَّرْفِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالزَّلَابِيَةِ وَالْهَرِيسَةِ. (فَرْعٌ) نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشِّبْرِقِ بِالشِّبْرِقِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَجَائِزٌ يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَدَقِيقِ أَحَدِهِمَا بِسَوِيقِ الْآخَرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَنَّ الْأُدْمَ أَجْنَاسٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكَذَلِكَ خُبْزُ الْبُرِّ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُلَاحِظُوا مَا فِي الْخُبْزِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَيُخْرِجُوهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِي تَعْلِيقُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أن ذلك هو الصحيح وان فيه وجهان أنه لا يجوز.

قال الصنف رحمه الله تعالى (ولايجوز بيع أصله بعصيره كالسمسم بالشيرج والعنب بالعصير لانه إذا عصر الاصل نقص عن العصير الذى بيع به) . (الشَّرْحُ) امْتِنَاعُ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ دُهْنٍ بِأَصْلِهِ وَالْعِنَبُ بعصيره سواء كان العصير مثل مافى الْأَصْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ وَذَلِكَ الْمَأْخَذُ ظَاهِرٌ فِي السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفِي السِّمْسِمِ بِشَيْرَجٍ وَكُسْبٍ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَأَمَّا الْعِنَبُ فَالتُّفْلُ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الْعَصِيرِ فَإِنَّ السِّمْسِمَ فِيهِ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ وهما مقودان فيكون بيعه

بالشيرج من قاعد مُدِّ عَجْوَةٍ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ فِيهِ مَائِيَّةٌ وَغَيْرُهَا مَقْصُودَانِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصِيرِ لَا يَبْقَى التُّفْلُ مَقْصُودًا وَالْمُصَنِّفُ عَلَّلَ بِمَعْنًى يَشْمَلُ مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُنْحَصِرًا فِي دُهْنِهِ وَعَصِيرِهِ وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى كُلَّ الظُّهُورِ فِيمَا جزآه مَقْصُودَانِ بَلْ الْمَانِعُ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْجَوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الدُّهْنِ وَاللُّبِّ وَالْكُسْبِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وهكذا دهن للوز بِلُبِّهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطِ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عن ابن أبى هريرة وغيره والحاوى وعله بِأَنَّ فِيهِ مَائِيَّةً فَالتَّمَاثُلُ مَعْدُومٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةِ وَغَيْرُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الزَّيْتُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّيْتِ قال وهذا

خَطَأٌ وَإِلَّا لَجَازَ بَيْعُ تَمْرٍ غَلِيظِ النَّوَى بِتَمْرٍ رَقِيقِ النَّوَى مُتَفَاضِلًا وَبَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ بطحين السمسم وفيهما الشيرج لا يَجُوزُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَبَيْعُ الْكُسْبِ إذَا كَانَ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ مِثْلَ كُسْبِ الْقُرْطُمِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُهُ النَّاسُ جَازَ وكيل فأما موازنة وَفَصَّلَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ يَجُوزُ جَافًّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا قَبْلَ الْجَفَافِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ النَّقْلَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ حُكِيَ عَنْهُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَأَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالْكُسْبِ وَزْنًا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأُمُورٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَيَخْتَلِفُ عَصْرُهُ فَرُبَّمَا بَقِيَ مِنْ دُهْنِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ وَأَنَّ الْكُسْبَ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةُ وَأَلْزَمَهُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ مِنْ امْتِنَاعِ بَيْعِ طَحِينِ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي رأيته في تعليق الطبري عن ابن أبي هريرة ما حكيته أولا فحينئذ لايرد عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُهُ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٌ وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَاءَ يَزُولُ بِالْجَفَافِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ لَا يَضُرُّ كَالْخُبْزِ

الْجَافِّ فَقَدْ اخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَ الصِّحَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالرَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ الْجَافِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فَكَذَلِكَ بِالْخَلِّ مِنْ الرُّطَبِ (قُلْتُ) وَعَلَى قِيَاسَ ذَلِكَ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَا يَجُوزُ قَالَ نصر وكذلك السمسم بالطحينة والطحينة بالشريج لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السمسم بالسمسم قاله الرافعى ولابيع دُهْنِ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الرافعي وذكر الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ إشْكَالًا وَطَرِيقَ حَلِّهِ أَمَّا الْإِشْكَالُ فَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أنه دهن وكسب اللبن جِنْسٌ فِي نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ سَمْنٌ وَمُخِيضٌ ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ وَالْكُسْبِ بِالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِالدُّهْنِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَمَّا الْحَلُّ فَإِنَّهُ إذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالسِّمْسِمِ وَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فالعوضان

مُتَجَانِسَانِ فِي صِفَتِهِمَا النَّاجِزَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ وَتَصْوِيرِ مَا يَكُونُ حِينَئِذٍ وَإِذَا قُوبِلَ السِّمْسِمُ بِالدُّهْنِ فَلَا يُمْكِنُنَا جَعْلَ السِّمْسِمِ مُخَالِفًا لِلدُّهْنِ مَعَ اشْتِمَالِ السِّمْسِمِ عَلَى الدُّهْنِ وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُخَالَفَةُ جَاءَتْ الْمُجَانَسَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُجَانَسَتَهُمَا فِي الدُّهْنِيَّةِ فَنَضْطَرُّ إلَى اعْتِبَارِهَا وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا كَانَ كُلُّ بَيْعِ دُهْنٍ وَكُسْبٍ بِدُهْنٍ هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَلَمَّ الْمَاوَرْدِيُّ بشئ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَفِي النَّفْسِ وَقْفَةٌ مِنْ قَبُولِ هَذَا الْجَوَابِ وَمَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالْمَجْزُومِ بِهَا فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ رأيت في تعليق الطبري عن ابن أبي هُرَيْرَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ قَالَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِالزَّيْتُونِ وَحَكَى الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَائِزٌ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْقُولَ الْكَرَابِيسِيِّ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَلَقَّوْا حِكَايَةَ الكرابيسى في

الدَّقِيقِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ فَهُوَ جَارٍ فِي الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ وكل دهن مع أصله ووافقنا في الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَالزَّيْتُ وَالزَّيْتُونُ مَالِكَ وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ يقينا مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِمَّا أُعْطِيَ مِنْ الزَّيْتِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعِنَبُ بِالْعَصِيرِ وَلَا بِالْخَلِّ وَالدِّبْسِ أَوْ النَّاطِفِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّ التَّمْرَ هُوَ الرُّطَبُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ يَابِسٌ وَكَذَلِكَ العنب والزبيب بخلاف الزيت فانه شئ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ خُرُوجَ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ جَائِزٌ بِلَا خلاف.

(فرع) حب البان بالسيخة وهى (1) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيِّبِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا بَأْسَ بِالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالدُّهْنِ بِالسِّمْسِمِ وَالْعَصِيرِ بِالْعِنَبِ وَاللَّبَنِ بِالسَّمْنِ. (فَرْعٌ) بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَمَّا دُهْنُ الْجَوْزِ بِدُهْنِ اللَّوْزِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ أَوْ بِدُهْنِ اللَّوْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ مَا جَزَمَ أَوَّلًا بِالْجَوَازِ كَمَا تَقَدَّمَ السَّاعَةَ وَالْخِلَافُ الَّذِي أشار إليه لاوجه لَهُ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَالْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ مَعَهُ فيه ولايجوز بَيْعُ الْجَوْزِ بِلُبِّهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ حُكْمُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ بَيْعُ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ وَخَلِّهِ وَدِبْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يتخذ منه.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

قال المصنف رحمه الله تعالى . (ويجوز بيع العصير بالعصير إذا لم تنعقد أجزاؤه لانه يدخر على صفته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب) . (الشرح) عصير الشئ وعصارته ما انحلت منه ويقال لعصير الْعِنَبِ الْمَعْصُورُ تَقُولُ عَصَرْتُ الْعِنَبَ أَعْصِرُهُ فَهُوَ مَعْصُورٌ وَعَصِيرٌ وَاعْتَصَرْتُهُ اسْتَخْرَجْتُ مَا فِيهِ وَقِيلَ عَصَرْتَهُ إذَا وَلِيتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ وَاعْتَصَرْتُهُ إذَا عُصِرَ لَكَ خَاصَّةً حَكَى ذَلِكَ ابْنُ سِيدَهْ قَالَ الْأَصْحَابُ الْعَصِيرُ يَكُونُ مِنْ الْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْقَصَبِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَكَيْفَ كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ رَبُّ التَّمْرِ بِرَبِّ الْعِنَبِ وَعَصِيرُ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرُ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَصِيرَ أَجْنَاسٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَلِمَا حَكَى الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَ الْبَعِيدَ فِي أَنَّ الْخُلُولَ وَالْأَدْهَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ مَعَ عَصِيرِ الرُّطَبِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ هَذَا الْوَجْهُ إنْ ثَبَتَ فَهُوَ بَعِيدٌ مَرْدُودٌ وَهَذَا إنَّمَا نَذْكُرُهُ تَجْدِيدًا لِلْعَهْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قد يغفل عنه ومقصد المصنف رحمه الله تعالى في هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا لَيْسَ إلَّا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فَإِذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلَيْنِ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ التُّفَّاحِ وَعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ الرُّمَّانِ وَعَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَعَصِيرِ سَائِرِ الثمار بجنسه (قلت) هذا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَصِيرَ الرُّطَبِ وَظَنِّي أن الرطب لاعصير لَهُ وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ فُرِضَ وَسَيَأْتِي تَنْبِيهٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ

الْأَصْحَابِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ مِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَطْبُوخًا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَا نِيئَيْنِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ جَازَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ كَمَالَ مَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهُ مِنْ الدِّبْسِ وَالرَّبِّ وَغَيْرِهِمَا فَكَانَ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْعَصِيرَ ليس بحالة كمال والاصح عند الرافعى و (1) الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ يَعْنِي عَصِيرَ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ كُنْتُ أَقُولُ قَبْلَ هَذَا إنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْآنَ عندي أنه لا لانهما ما اتفقنا في حال الكمال وكلام والقاضى هذا يجرى في جميع العصير لافرق بَيْنَ عَصِيرٍ وَعَصِيرٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي عَصِيرِ الرُّطَبِ بِعَصِيرِ الرُّطَبِ وَلَا مَاءَ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ وَهَكَذَا عَصِيرُ الثِّمَارِ مِنْ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَغَيْرِهِمَا وَمُرَادُهُ مَا يَشْمَلُ عَصِيرَ الْعِنَبِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَوْ مَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ المزابنة الذى قبل كتاب الصلح ولايجوز بَيْعُ الْجُلْجُلَانِ بِالشِّبْرِقِ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَدًا بيد وفسر الاصحاب وأهل اللغة الجلجان بِالسِّمْسِمِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ ثَمَرَةُ الْكُزْبَرَةِ وَقَالَ أَبُو الْغَوْثِ هُوَ السِّمْسِمُ فِي قِشْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ وَأَمَّا الشِّبْرِقِ فَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ إنَّهُ نَبْتٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ رَطْبُ الضَّرِيعِ. (فَرْعٌ) إذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعَصِيرِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مِعْيَارِهِ الْكَيْلُ جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَجْزَاؤُهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا حُمِيَ بِالنَّارِ اللَّطِيفَةِ بِحَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ أجزاؤه يجوز بيع بعضه ببعض.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

قال المصنف رحمه الله تعالى . (ويجوز بيع الشيرج بالشيرج ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانه يخالطه الماء والملح وذلك يمنع التماثل فمنع العقد والمذهب الاول لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالعصير وأما الماء والملح فانه يحصل في الكسب ولا ينعصر لانه لو انعصر في الشيرج لبان عليه) . (الشَّرْحُ) الشَّيْرَجُ بِكَسْرِ الشِّينِ. (1) وَالْكُسْبُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَائِلُ مِنْ أصحابنا بأنه لا يجوز أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَصْرٌ المقدسي عن الاول المحاملى عَنْ الثَّانِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عليه بما ذكره المصنف وينوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا فِيهِ لَرَسَبَ إلَى قَرَارِ الظَّرْفِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الدُّهْنُ وَلَا يَصِحُّ بَقَاءُ الْمِلْحِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ. ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرُهُ خَصَّصَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِالشَّيْرَجِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ لَيْسَ فِي بَقِيَّةِ الْأَدْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ تَخْصِيصُ هَذَا بِالشَّيْرَجِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَلَا يَجُوزُ إلانئ بنئ فان كان منه شئ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ صِنْفُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَا يدري ماحظ المشوب من حظ الشئ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ لو اعتصر من اللحم مؤه وتبقى من اللحم مالا يَنْعَصِرُ بِفِعْلِنَا فَالْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَالدُّهْنِ وَالْكُسْبِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِي السِّمْسِمِ دُهْنًا وَتُفْلًا فِي الْخِلْقَةِ وَاللَّحْمُ كُلُّهُ فِي الْخِلْقَةِ شئ واحد.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) جَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ دُهْنَ السِّمْسِمِ مَكِيلًا لانه يستخرج من أصله مَكِيلٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ السمن وما تعرض لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ السَّمْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فيهما خلاف ماقاله. (فَرْعٌ) بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مُتَفَاضِلًا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسً قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنِّي أردت أُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدُّهْنَ اخْتَصَّ بِاسْمِ الشَّيْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَزَمَ فِي التَّهْذِيبِ فِي ذَلِكَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى أَنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ. (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ دُهْنِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِهِ مُتَفَاضِلَيْنِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُورَانِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّهْنِ بِالْكُسْبِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنَّ كُسْبَ السِّمْسِمِ يُخَالِفُ جِنْسَ دُهْنِهِ وِفَاقًا كَمَا يُخَالِفُ الْمَخِيضُ السَّمْنَ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ مَعَ تعرضه للخلاف فقال يجوز بيع الدهن بالكسب لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لانهما لَا تَنْفَرِدُ عَنْ الدُّهْنِ وَإِنْ قَلَّ فَإِنْ كان فيها دهن فلا يجوز وان يَبْقَ فِيهَا الدُّهْنُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَجُوزُ وَابْنُ الرِّفْعَةِ حَكَى عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهًا فِي مَنْعِ بَيْعِ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَإِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ مَعَ كُسْبِهِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْكُسْبِ وَلَا بِالدُّهْنِ وبيع الدهن بالكسب جائز.

(فرع) شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالشَّيْرَجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَغْلِيًّا فَلَوْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لَمْ يَجُزْ بيعه بمثله ولابالنئ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ الْمَغْلِيُّ بِمِثْلِهِ ولا بالنئ ويباع الزيت النئ بِالشَّيْرَجِ الْمَطْبُوخِ يَدًا بِيَدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ. (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّيْلَوَفَرِ كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَإِذَا قُلْنَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهَا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهَا ببعض إذا ربى السمسم فيها استخراج دُهْنُهُ وَإِنْ اُسْتُخْرِجَ الدُّهْنُ ثُمَّ طُرِحَتْ أَوْرَاقُهَا فيه لم يجز. (فرع) لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَحِينِ السِّمْسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَدْهَانُ بِطَحِينِهَا وَعَبَّرَ الْفُورَانِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أَبْيَنَ فَقَالَ السِّمْسِمُ الْمَدْقُوقُ بِالسِّمْسِمِ الْمَدْقُوقِ لَا يَجُوزُ كَالدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُرَادُهُمْ بِطَحِينِ السِّمْسِمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّحِينَةَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ كَوْنِهَا حُبُوبًا كَالْأَقْوَاتِ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ كُسْبِ السِّمْسِمِ بِكُسْبِ السِّمْسِمِ وَزْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْطٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَلْطٌ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (قُلْتُ) أَمَّا إذَا كَانَ جَافًّا فَظَاهِرٌ وأما إذا كان رطبا فان كان فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ مَانِعًا مِنْ التَّمَاثُلِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّمَاثُلِ يَجُوزُ وَأَمَّا كَوْنُ الْمِعْيَارِ فِيهِ الْوَزْنَ فَيُعَكِّرُهُ عَلَى مَا أَصَّلُوهُ مِنْ أَنَّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ مَكِيلٍ فَهُوَ مَكِيلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَإِنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ. (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِخَلِّ الخمر لانهما يتساويا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الْحُمُوضَةُ وَالْحَلَاوَةُ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ كَالتَّمْرِ الطَّيِّبِ بِالتَّمْرِ غَيْرِ الطَّيِّبِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَالَفَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَكْثَرِهَا وَكَتَبَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَنَّهَا زيادة (فائدة) الملح مؤنثة تصغيرها ملحية قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلْتُهُ منه.

قال المصنف رحمه الله تعالى (ويجوز بيع خل الخمر بخل الخمر لانه يدخر على جهته فجاز بيع بعضه ببعض كالزبيب بالزبيب ولايجوز بيع خل الخمر بخل الزبيب لان في خل الزبيب ماء وذلك يمنع من تماثل الخلين ولا يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب ولا بيع التمر بخل التمر لانا ان قلنا أن الماء فيه ربا لم يجز الجهل تماثل الماءين والجهل بتماثل الخلين وان قلنا لا ربا في الماء لم يجز للجهل بتماثل الخلين وان باع خل الزبيب بخل التمر فان قلنا ان في الماء ربا لم يجز للجهل بتماثل الماء فيهما وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ لانهما جنسان فجاز بيع أحدهما بالآخر مع الجهل بالمقدار كالتمر بالزبيب والله أعلم) . (الشَّرْحُ) الْكَلَامُ فِي الْخُلُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسَ مَسَائِلَ وَنُقَدِّمُ عَلَيْهَا أُمُورًا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُخَرِّجُ قَوْلًا أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ مِنْ تَخْرِيجِ هَذَا الْقَوْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ غَلَّطَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَالتَّفْرِيعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا وَأَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ بَلْ كُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أحدهما بالآخر وان لم يكن في شئ منهما ماء جاز متماثلا ولايجوز مُتَفَاضِلًا وَالْمُصَنَّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا فَرَّعُوا عَلَى الْمَشْهُورِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْخَلَّ يُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا أَخَذْتَ كُلَّ صِنْفٍ مَعَ مِثْلِهِ وَمَعَ قَسِيمِهِ كَانَتْ الصُّوَرُ سِتًّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَمْسًا وَتَرَكَ خَلَّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَزَادَ الرَّافِعِيُّ فِي الْخُلُولِ خَلَّ الرُّطَبِ فَصَارَتْ الْخُلُولُ أربعة والصور الحاصلة

من تركيها عَشْرَةٌ السِّتُّ الْمَذْكُورَةُ وَأَرْبَعٌ مِنْ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَبِخَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَلَيْسَتْ الْخُلُولُ مُنْحَصِرَةً بَلْ يُتَّخَذُ الْخَلُّ أَيْضًا مِنْ الْقَصَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ الْجُمَّيْزِ وَمِنْ الْبُسْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَتَأْتِي الصُّوَرُ أَضْعَافَ هذه وطريقك في عدها وَتَرْتِيبِهَا أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ وَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي خَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَنِسْبَةُ الرُّطَبِ إلَى التَّمْرِ كَنِسْبَةِ الزَّبِيبِ إلَى الْعِنَبِ لَكِنَّ الرُّطَبَ قَدْ يُتَّخَذُ خَلًّا بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَنِسْبَةُ الْجُمَّيْزِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَنِسْبَةِ الْعِنَبِ إلَى التَّمْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِ الصُّوَرِ وَنَشْرَحُ مَا ذَكَرُوهُ خَاصَّةً وَالْخَلُّ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا حُمِّضَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْعِنَبُ وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فِيهِ وَجْهَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ خَلِّ الخمر بخل الْخَمْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ والرافعي وغيرهم لانه لاماء فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ غَايَةُ يُبْسٍ يَقَعُ فِيهَا التفاوت وقد الفوارنى وابن داود وغيرهما ذلك بان لا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ لابد مِنْهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ لِأَنَّ الغالب في خل العنب أنه لاماء فِيهِ وَقَدْ يُعْمَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِيُسْرِعَ تَخَلُّلُهُ فَلِذَلِكَ التَّقْيِيدُ حَسَنٌ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلِلْعِنَبِ حَالَتَانِ لِلِادِّخَارِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَصِيرَ زَبِيبًا (وَالْأُخْرَى) أَنْ يَصِيرَ خَلًّا (المسألة الثانية) بيع خل الخمر بخل الزبيب لا يجوز كذلك قال المصنف والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملى والماوردي وذلك

واضح لان الزبيب من جنس العنب والزبيب ماء فكأنه باع عنبا بعنب وماء وذلك لا يجوز لانتفاء التماثل ومع ذلك لا يحتاج إلى التعليل بقاعدة مد عجوة (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ بَيْعِ خَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لِأَنَّ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأَجَلِ وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْقَصَبِ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ فَإِنَّ خل العنب لاماء فيه وخل التمز وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ خَلَّ الْعِنَبِ وَخَلَّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَالْقَوْلِ الْغَرِيبِ عِنْدَنَا فَكَأَنَّهُ بَاعَ عِنَبًا بِتَمْرٍ وَمَاءٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَسَيَأْتِي فِي خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ طَرِيقَةٌ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْجَمْعِ بين مختلفى الحكم وقياسه أن يأتي ههنا وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ) بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا خَلُّ الزَّبِيبِ فَلَا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ فِيهِ وَيَكْثُرُ وَهَذَا تنبيه على العلة الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَاءُ رِبَوِيٌّ أولا لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالْمُمَاثَلَةَ فِيهِ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الا بالماء وليس كخل العنب بخل الْعِنَبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السادسة لكن

الشيخ أبا محمد في السلسة جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ كَانَ خَلُّ الرُّطَبِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَإِنْ أَمْكَنَ كَمَا قَالَ أبو محمد وصار كخل العنب وان كان فِيهِ مَاءٌ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ) خَلُّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِجَوَازِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَبِنَاءً وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَّلَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَاءٍ وشئ بماء وشئ (فَإِنْ قُلْتَ) تَعْلِيلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجَهْلِ بِتَمَاثُلِ الْمَاءَيْنِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمَاءَيْنِ لَوْ كَانَا مَعْلُومِي التَّسَاوِي صَحَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ الماء ربوي فلا يجوز لقاعدة مدعجوة فَلَوْ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَهَذَا السُّؤَالُ الْمُلَقَّبُ فِي عِلْمِ النَّظَرِ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً (قُلْتُ) بَلْ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لان الجهل بالممائلة هي العلة لمعتبرة في البطلان المجمع عليها وقاعدة مدعجوة إنَّمَا بَطَلَتْ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا لَا (1) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (فَإِمَّا) أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ (وَإِمَّا) أَنْ يَعْتَرِفَ بِوُرُودِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ أَمَّا فِي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ فَلَا كَمَا ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّظَرِ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ الَّذِي لَا يُدَّعَى فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِنَّمَا يُدَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ دَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا ظَاهِرٌ فِي الْقَلِيلِ فَالْأَوْلَى دَفْعُ السُّؤَالِ بِمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ سُؤَالُ الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ مِثْلِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ

_ (1) بياض بالاصل فحرر

أُخْرَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ وَيَمْنَعُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبِنَاءِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ قيل شئ عن هذا وليس بشئ قال يعنى ذلك القائل وقول الشافعي ههنا فَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا رِبَا فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ وَإِلَّا فَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ جَازَ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْخَلَّيْنِ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّوَابُ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ اقْتَصَرُوا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وهو أنه يجزو جَمْعُ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَفِيهِ الْمَاءُ وَهُوَ يُعَضِّدُ جَزْمَ الْجُمْهُورِ بِالْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّهُ لافرق بين أن يكون الماء في الطرفين فِي أَحَدِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخِلَافَ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِمَا مَاءً يَمْنَعُ التَّمَاثُلَ هَكَذَا علله الماوردى ولا خفاء بِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَسْأَلَةَ خَلِّ الْعِنَبِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَعَلَّلَ بِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا مَاءً وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَأَهْمَلَ تَعْلِيلَ الثَّانِيَةِ فَرُبَّمَا يُطَالِعُهُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ فَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَيْهِمَا وَأَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ لِأَنَّهُ لو كان كذلك لجاز خل الرطب بخلل الرُّطَبِ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ

إنَّمَا تَتِمُّ إذَا فُرِضَ خَلُّ الرُّطَبِ فِيهِ مَاءٌ وَاَلَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ مَاءٌ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا وَهَلْ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَوْ لَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَسَاوِيًا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ خَلَّ الرُّطَبِ لَا مَاءَ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْجَمْعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّفَاضُلِ خِلَافُ النَّصِّ فِي خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ فَيَصِحُّ أَيْضًا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ فِيهِمَا مَاءٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ فِي الْمَاءِ رِبًا أَمْ لَا (ان قلنا) فيه ربا لا يصح (قُلْتُ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ وَلَمْ يُلَاحَظْ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَ الْفُورَانِيِّ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرْمُوزًا إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي الْخُلُولِ وَفِي الْمَاءِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ اشكال سنشررحه فِي بَابِ الْأَلْبَانِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ خَلَّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ لَا يَجُوزُ الرُّويَانِيُّ لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ يَجُوزُ (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةُ) خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرَّافِعِيُّ والبغوى قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنْ تَأْتِيَ تِلْكَ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَمَّا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُلَاحِظُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِي خَلِّ الرُّطَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يتجه عنده (1) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ السَّابِقُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ إذَا جمع بين

_ (1) بياض بالاصل

عينين مستقلتين حتى يكون ذلك كالعقد فَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْأَصْحَابُ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ إنَّمَا الْخَلُّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ كَعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ أَفْرَدْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ بِحُكْمٍ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَلِّ بِحُكْمٍ لَزِمَهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَجْهُولٌ وَفِي سَائِرِ صورر الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ يُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا ويعطى كل واحد حكمه وههنا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَحْدَهُ وَبَعْضَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَلِّ بَلْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ مَجْمُوعِ الْخَلِّ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَاءِ وغيره ويوؤل ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى رِبَوِيًّا رَأَى بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى قَوْلَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ لَا يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَأَى بَعْضَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَرَ بَعْضَهُ فَحُكْمُ مَا رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ (1) الْخِيَارَ فِيهِ ثَابِتٌ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ فَسْخَ الْمَبِيعِ فيما لم يرد اجازته فيما رَأْيٌ فَيُحْتَاجُ إلَى قَطْعِ الثَّوْبِ وَفِي ذَلِكَ اتلاف لما ليس من ماله والله أعلم. وقد تقم بَحْثٌ فِي خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَخَلِّ العنب عند الكلام في بيع المشور بالمشوب فليطالع هناك وكذلك فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَا رِبَا فِي الْمَاءِ قولين في ذلك (أصحهما) الجواز ولكنهما ليس الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ بَلْ هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَالْغَرِيبُ فِي أَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَالْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْخُلُولَ أَجْنَاسٌ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الْمَاءُ أَوْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا أَوْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا الْمَاءُ فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا كَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزبيب وان كانا

_ (1) بياض بالاصل فحرر

جِنْسَيْنِ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَاءٌ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وان كانا جنسين جاز متفاضلين قطعا يد بِيَدٍ كَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَا فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِطَرِيقَةِ الْبَغَوِيِّ وَكُلُّ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ مَجْزُومٌ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَفِيهِمَا الْمَاءُ كَخَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ والله أعلم. وليس في المسائل العشرة مَسْأَلَةٌ جَائِزَةٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إلَّا خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَلَا فِي الْجِنْسَيْنِ إلَّا خَلُّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ إمَّا مُمْتَنِعٌ قَطْعًا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَإِمَّا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْجِنْسَيْنِ إذَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ماء وان شئب لَخَّصْتُهُ فَقُلْتُ كُلُّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مُتَمَاثِلًا فِي الْجِنْسِ وَمُتَفَاضِلًا فِي الْجِنْسَيْنِ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَطْعًا إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ اخْتَلَفَ وَكُلُّ خَلَّيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْمَاءُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَطْعًا وَيَجُوزُ إنْ اخْتَلَفَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكُلُّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْمِعْيَارُ فِي الْخَلِّ الْكَيْلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلٍ مَكِيلٍ (تَنْبِيهٌ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلُولِ الَّتِي فِيهَا مَا تَفَرَّعَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزُ فِي الْإِنَاءِ مملوك وهذا الذى قطع به المارودى وَلَنَا وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَإِنْ أُخِذَ فِي إنَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ فَعَلَى

هَذَا كَيْفَ يَرِدُ الْبَيْعُ عَلَى الْخَلِّ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَمْلُوكٍ وَغَيْرِ مَمْلُوكٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ امْتِنَاعُ بَيْعِ الْخَلِّ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ الْعَقْدُ عَلَى الْجَمِيعِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ مُبَاحًا لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الوحه ضَعِيفًا فِي النَّقْلِ لَمْ يُفَرِّعُوا عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ الْخُلُولِ وَبَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالنَّبِيذُ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ. (فَرْعٌ) يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِعَصِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ إذا صار خلا فهما متساويان فِي حَالِ الِادِّخَارِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَجَزَمَ بِالْمَنْعِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَجْهًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى (1) الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي أَنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ بِالْعَصِيرِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا عَلَى حَالِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُ وَقَدْ عَلَّلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ وَخَلِّهِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ جِنْسٌ وَلَكِنْ حَالَتْ صِفَةُ الْعَصِيرِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ مَعَ الْعَارِضِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي لِإِفْرَاطِ التَّفَاوُتِ فِي الاسم والصفة والمقصود والنئ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا فَلَا يَكُونُ رِبَوِيًّا فَإِذَا كَانَ تَحَوُّلُ الصِّفَاتِ يُؤَثِّرُ هَذَا التَّأْثِيرَ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَقَدْ بَحَثْتُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَبَيَّنْتُ أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الذَّخَائِرِ وَيُوَافِقُهُ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَلِّ بِالدِّبْسِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ المطبوخ بالنئ.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَلَا خَلُّ عِنَبٍ بِعِنَبٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وقال ولا كل شئ بشئ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّهِ وَلَا بِعَصِيرِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ وَالدِّبْسِ وَالشَّيْرَجِ وَالنَّاطِفِ وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ. (فَرْعٌ) بَيْعُ الرُّطَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ أَوْ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ بَيْعُ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ أَوْ بِدِبْسِ الرُّطَبِ قَالَ القاضى حسين الصحيح أَنَّهُ يَجُوزُ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْخُلُولَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ذَاكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ وَالرُّطَبُ وَخَلُّ الْعِنَبِ لااشتراك بَيْنَهُمَا وَلَا أَحَدُهُمَا مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْآخَرِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَكَذَلِكَ فِي الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ الا أن يكون فيه ماء.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَلَا يَجُوزُ بيع شاة في ضرعها لبن بلبن شاة لان اللبن يدخل في البيع ويقابله قسط من الثمن والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ولان اللبن في الضرع كاللبن في الاناء وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحلبن أحدكم شاة غيره بغير اذنه أيحب احدكم أن تؤتى خزانته فينتثل ما فيها فجعل اللبن كالمال في الخزانة فصار كما لو باع لبنا وشاة بلبن) . (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الَّذِي فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي مُقَابَلَةِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ أَجِدْهُ بهذا اللفظ صريحا ولكنه يشير به الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ

تَعَالَى فِي بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عليه وله الفاظ ورد بها أقر بها إلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وان سخطها ففي حلبتها صاع من التمر (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَلْبَتِهَا ظَاهِرٌ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَالْحَدِيثُ الْآخَرِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فيكسر خِزَانَتُهُ فَيُنْتَثَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا يَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ لِطَعَامِهِمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ) وَقَوْلُهُ يُنْتَثَلُ أَيْ يُسْتَخْرَجُ وَهُوَ - بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ ثُمَّ ثاء مثلثة مفتوحتين يقال نثل مافى كنانته إذا صبها ونثرها وقد نثلت الْبِئْرَ نَثْلًا وَانْتَثَلْتُهَا إذَا اسْتَخْرَجْتُ تُرَابَهَا وَرُوِيَ ينقل بالقاف بدل الثاء الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَذْهَبُ وَيَنْقُلُ عَنْ الضَّرْعِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَكْثَرُ وَأَشْهُرُ وَهِيَ الَّتِي فَسَّرَهَا أَهْلُ الغريب والمشربة نضم الرَّاءِ وَفَتْحِهَا الْغَرْفَةُ وَجَمْعُهَا مَشَارِبُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ شاة أحدكم أن لفظ الشاة في شئ من الروايات. وحكم الْمَسْأَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ يُقْدَرُ عَلَى حَلْبِهِ بِلَبَنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فِي الشَّاةِ لَبَنًا لَا ادرى كم حصنه مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ بِهِ نَقْدًا وَإِنْ كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ أَفْسَدُ لِلْبَيْعِ وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ بَدَلًا وَإِنَّمَا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْمَبِيعِ فِي قِشْرِهِ يَسْتَخْرِجُهُ صَاحِبُهُ إذَا شَاءَ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ هَذَا لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا بَأْسَ بِلَبَنِ شَاةٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالدَّيْنُ مِنْهُمَا مَوْصُوفٌ فِي

الذِّمَّةِ وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ بِجَوَازِ ذلك نقدا ونسئا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ اخْتَرْتَ لبن الشاة بالشاة وقدمها اللبن فيقال إن الشاة نفسها لاربا فِيهَا إنَّمَا تُؤْكَلُ بَعْدَ الذَّبْحِ أَوْ السَّلْخِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ التَّجْفِيفِ فَلَا تُنْسَبُ الْغَنَمُ إلَى أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى أَنَّهَا حَيَوَانٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَأَنَّ بَيْعَ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ بَاطِلٌ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الضَّرْعِ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ في الحمل قولان بدليل خبر المصراة ولولا أَنَّ اللَّبَنَ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَمَا أَلْزَمَهُ رَدُّ بَدَلِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِهِ أَوْ شَاةً فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ ردها ولان مافى الضرع مثل مافى الْخِزَانَةِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب ههنا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ ذِكْرُ وَجْهٍ فِيهِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَمَعَ هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْأَصْحَابُ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ أَصْلًا لِأَنَّ اللَّبَنَ مَجْهُولٌ كَمَا لَوْ ضَمَّ إلَى الشَّاةِ لَبَنًا مُغَطًّى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ هُنَاكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَاللَّبَنِ الْمَضْمُومِ إلَيْهَا مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ تَابِعٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ دُخُولِهِ إذَا أُطْلِقَ الْبَيْعُ فِي الشَّاةِ ويغتفر في التابع مالا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ كَأَسَاسِ الحائط ورؤس الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْبِئْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا كَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا تَابِعَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ

جَازَ وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً مُثْمِرَةً بِتَمْرٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَانَ رِبًا فَتَبِعَتْ فِي انْتِفَاءِ الْغَرَرِ وَلَمْ تَتْبَعْ فِي انْتِفَاءِ الرِّبَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ وَلَا يُشْبِهُ الْحَمْلَ لان الحمل لا يمكن استخراجه متى شاءوالفرق بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْحَمْلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْقَائِلِ بانه ليس له قسط من التمن أَنَّ اللَّبَنَ مَقْدُورٌ عَلَى تَنَاوُلِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَأَشْبَهَ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فِي قِشْرِهِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعَ الشَّاةِ ذَاتِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ ثُمَّ بِيعَتْ بِلَبَنٍ وَهُوَ أَفْسَدُ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ وَلَبَنٍ بِلَبَنٍ وَلَوْ بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ إبِلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ لَبَنِ الْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْأَلْبَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ جَازَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ فَعَلَى هَذَا الصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا أجناس ولم يذكر الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ غَيْرَهُ وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ بِلَبَنِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الشَّاةَ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَقُلْنَا إنَّ الْأَلْبَانَ أَجْنَاسٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا رِبَوِيًّا بِشَعِيرٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ يَعْنِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ وَهُوَ فِي ذلك تابع للقاضى حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ اللَّبَنَ من اللبن يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ (قُلْتُ) وَفِي التَّحْرِيمِ نَظَرٌ (1) فِي بَيْعِ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَفِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ إذْ اللَّبَنُ الَّذِي فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَحْدَهُ فَلَوْ نَزَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ مَنْزِلَةَ عَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ لاقتضى البطلان

_ (1) بياض بالاصل فحرر

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ صَحَّ الْعَقْدُ (وَالْحُكْمُ الثَّانِي) إذَا بَاعَ شَاةً غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنْ لَا تَكُونَ وَلَدَتْ قَطُّ جَازَ الْبَيْعُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَرْمَلَةَ فِي الَّتِي لَهَا لَبَنٌ قَدْ حُلِبَ وَلَمْ يُسْتَخْلَفْ بعد شئ مِنْهُ فَبَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ يَجُوزُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَبَنٌ يَجْتَمِعُ وَالْقَلِيلُ الَّذِي يَنِزُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِالصِّحَّةِ فِي اللَّبُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وقت البيع أو كان نذرا لَا يُقْصَدُ حَلْبُ مِثْلِهِ لِقِلَّتِهِ قَالَ فَإِنَّ مِثْلَهُ لَيْسَ مَقْصُودًا وَالْحَيَوَانُ مُخَالِفٌ لِجِنْسِ اللَّبَنِ فَلْيَلْتَحِقْ بِبَيْعِ الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ مَعَ النَّظَرِ إلَى الرغوة وشبهه بعضهم بالدار الذى ذُهِّبَتْ وَاسْتُهْلِكَ الذَّهَبُ إذَا بِيعَتْ بِدَارٍ مِثْلِهَا أَوْ بِالذَّهَبِ يَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فَإِنْ ذُبِحَتْ هَذِهِ الشَّاةُ وَسُلِخَتْ وَبِيعَتْ بِاللَّبَنِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ لا شئ مَعَهُ بِلَبَنٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ أَغْرَبَ الْجِيلِيُّ فَحَكَى فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا شَاذٌّ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ مَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ. (فَرْعٌ) كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالزُّبْدِ وَلَا بِالسَّمْنِ وَلَا بِالْمَصْلِ وَلَا بِالْأَقِطِ كَمَا لَا يَجُوزُ اللَّبَنُ بشئ مِنْ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(فَرْعٌ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيُّ في كتاب الاكمال كما وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْإِجْمَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ بِخِلَافِ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ شَاةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ فِي الشَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فلهذا لا يجوز عقد الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَلَبَنُ الْآدَمِيَّةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ العين بل هو كالمنفعة ولهذا جوزنا عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَالتَّعْلِيلُ حَسَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ هَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْأَلْبَانِ (إذَا قُلْنَا) بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَعْيَانِ وَهُنَا الْأَلْبَانُ فِي الثَّدْيِ هُوَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ بَلْ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُمَّ إلَى الْجَارِيَةِ عَيْنًا أُخْرَى وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْفَرْعَ إلَّا في هذا الْكِتَابِ فَلَا أَدْرِي هَلْ الْفَرْقُ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيُعَضِّدُهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ في أن الجارية المصراة لايرد مَعَهَا بَدَلُ اللَّبَنِ وَفِيهِ وَجْهُ أَنَّهُ يَرِدُ فَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْوَجْهِ قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالُ هُنَا بِامْتِنَاعِهَا بِلَبَنِ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْنِ وَإِنْ بَاعَهَا بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَمَا نَقَلَهُ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ النَّصِّ يَكُونُ الْجَوَازُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي التَّصْرِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ أجناس أولا (فَإِنْ جَعَلْنَاهَا) أَجْنَاسًا جَازَ (وَإِنْ جَعَلْنَاهَا) جِنْسًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مِنْ جُمْلَتِهَا أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْنَا) لاجاز (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهَا فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَنْعُ (وَأَمَّا) التَّمَسُّكُ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي كونه يسللك بِهِ مَسْلَكُ الْمَنَافِعِ فَفِيهِ وَفِي تَسْوِيغِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحُكْمِ الثَّابِتِ في التصرية أولى والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى . (فان باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن ففيهه وجهان قال أبو الطيب بن سلمة يجوز كما يجوز بيع السمسم بالسمسم وان كان في كل واحد منهما شيرج وكما يجوز بيع دار بدار وان كان في كل واحدة منهما بئر ماء وقال أكثر أصحابنا لا يجوز لانه جنس فيه ربا بيع بعضه ببعض ومع كل واحد منهما شئ مقصود فلم يجز كما لو باع نخلة مثمرة بنخلة مثمرة ويخالف السمسم لان الشيرج في السمسم كالمعدوم لانه لا يحصل إلا بطحن وعصر واللبن موجود في الضرع من غير فعل ويمكن أخذه من غير مشقة وأما الدار فان قلنا ان الماء يملك ويحرم فيه الربا فلا يجوز بيع احدى الدارين بالاخرى) . (الشرح) والوجهان مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الثَّانِيَ إلَى عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو العباس وأبو إسحق وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَسَبَهُ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَالَ نَصْرٌ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ شَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ بِشَاةٍ مَعَهَا لَبَنٌ فِي إنَاءٍ وَوَافَقَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الشَّاةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ فَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي خَالَفَ فيها بالسمسم بِالسِّمْسِمِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ بِفَرْقَيْنِ (أَحَدِهِمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ

الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) هَذِهِ وَهُوَ أَنَّ السِّمْسِمَ إذَا بِيعَ بِالسِّمْسِمِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ فَأَمَّا التُّفْلُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا كَيْلًا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ التفل كالتمر إذَا كَانَ فِيهِمَا نَوًى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الشَّاةِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّ الشَّاةَ مَقْصُودَةٌ وَاللَّبَنُ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ لَبُونًا بِشَاةٍ لَبُونٍ وَهُمَا مُسْتَفْرَغَتَا الضَّرْعِ جَازَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ احْتِرَازًا عَنْ هَذَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكْ أَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَيَسْقُطُ التَّمَسُّكُ بِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ مَنَعْنَا الْحُكْمَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ صَحَّ بَيْعُ الدَّارِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعُ الْمَاءَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِذَا تَخَطَّى رَجُلٌ إلَى الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْهَا مَلَكَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ مَعَ عِصْيَانِهِ فِي دُخُولِهِ الدَّارَ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَإِنْ قُلْنَا) يُمْلَكُ وَهُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَنَاوَلَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ فَعَلَى كُلِّ التَّقْدِيرِ احْتِجَاجُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ بِذَلِكَ سَاقِطٌ وَمَنْعُ بيع احدى الدارين المذكورتين بالاخرى على القول بِأَنَّ الْمَاءَ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ بباب الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَفِي الْأُخْرَى بِمَاءٍ ظَاهِرٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بالشرط كَالطَّلْعِ الْمُؤَبَّرِ (قُلْتُ) وَمَتَى بَاعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَبِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ فِي أَحَدِهِمَا وَفِي الْآخَرِ يَكُونُ مَجْهُولًا فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ

لِأَنَّهُ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ يَخْتَلِطُ بِهِ غَيْرُهُ وَمَتَى بَاعَ وَاشْتَرَطَ دُخُولَهُ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ لان الاختلاط ههنا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ صَرَّحَ بِحِكَايَةِ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَقَالَ القاضى حسين ان كان في موضع لاقيمة لِلْمَاءِ فِيهِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَمْ يُسَمِّيَا فِي الْعَقْدِ أَيْضًا يَجُوزُ وَإِنْ سَمَّيَا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لا يجوز ويصير كمسألة مدعجوة وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ قَدَّمَهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ مُطْلَقًا فَصَلَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَاءِ قِيمَةٌ في ذلك المكان أولا فقال إن كان مما لاقيمة له يدخل في العقد وقيل لايدخل إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَنْدَرِجُ كَالثِّمَارِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ (وَإِذَا قُلْنَا) بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اُخْتُصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية بان الماء الظاهر عند البيع لايدخل يَعْنِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَا الْمَعْدِنَ الظَّاهِرَ كَالنَّفْطِ وَنَحْوِهِ وَمَا يَنْبُعُ بَعْدَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ تَبَعًا وَعَلَى هَذَا يَشْكُلُ الْفَرْقُ فَإِنَّ تَبَعِيَّةَ الْمَاءِ لِلدَّارِ كَتَبَعِيَّةِ اللَّبَنِ لِلشَّاةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا الصِّحَّةُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَاءَ الْكَائِنَ فِي الْبِئْرِ ليس مقصوداولا يَرْتَبِطُ بِهِ قَصْدٌ (وَقَوْلُهُ) الْكَائِنُ فِي الْبِئْرِ احْتِرَازٌ جَيِّدٌ فَإِنَّ مَاءَ الْبِئْرِ مِنْ حَيْثُ الجملة مقصود في الدار ولكن لاغرض فِي ذَلِكَ لِلْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَمَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الثاني هو القياس وانه لا ينقدح للجواز وجه في القياس لكن عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَمُعْتَمَدُهُ سُقُوطُ الْقَصْدِ إلَى الْمَاءِ الحاصل ثم أورد الامام سؤال وَانْفَصَلَ عَنْهُ أَمَّا السُّؤَالُ فَإِنَّ خَلَّ التَّمْرِ إذَا بِيعَ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَقُلْنَا إنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ امْتَنَعَ الْبَيْعُ وَالْمَاءُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْخَلِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ بِأَنَّ

الْمَاءَ يُسْتَعْمَلُ عَلَى صِفَةِ الْخَلِّ حَتَّى كَأَنَّهُ انْقَلَبَ خَلًّا فَلَمْ يَخْرُجْ مِقْدَارُ الْمَاءِ عَنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا وَإِنْ كَانَ لَا يُقْصَدُ مَاءٌ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبِئْرِ وَمَائِهَا. وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا مَقْصُودٌ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْحَاصِلِ وَقْتَ الْعَقْدِ فِي الْبِئْرِ فَإِنَّهُ غير مقصود وقد تقدم في مسألة مدعجوة الكلام في شئ من ذلك وقال الماوردى إن قلنا لاربا فِي الْمَاءِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ ربا فان كان الماء محرزا في الاحباب فَهُوَ مَمْلُوكٌ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ خَوْفَ التَّفَاضُلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْآبَارِ فَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يَزْعُمُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلْحًا فَيَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ غَيْرُ مَشْرُوبٍ وَلَا رِبَا فِيهِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْأَخْذِ والاجازة وَكَذَلِكَ مَاءُ الْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَالِكِ الْبِئْرِ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي بِئْرِهِ أَوْ نَهْرِهِ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا ذَاتَ بِئْرٍ فَاسْتَعْمَلَ مَاءَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمَاءِ غُرْمٌ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا يُغَرَّمُ لَبَنَ الضَّرْعِ وَلِأَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَاءَ الْبِئْرِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا بِدَارٍ ذَاتِ بِئْرٍ فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي صَحَّحُوهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ وَاَللَّهُ أعلم. وقال ابن الرافعة بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ الْقَاضِي فِي بَيْعِ الدَّارِ التى فيها البئر هذا لاشك فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَاءَ لايدخل فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ فَهُوَ تَابِعٌ وَهَلْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمَقْصُودِ أَمْ لَا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ لِلْإِمَامِ فِيمَا نَظَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. نَعَمْ لَكَ أَنْ تَقُولَ الْجَزْمُ بصحة العقد مع عدم دخول مافى الْبِئْرِ مِنْ الْمَاءِ نَظَرٌ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ الا

مُخْتَلَطًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْجَمَّةِ بِمُفْرَدِهَا حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إذَا بِيعَتْ الْجَمَّةُ لِلْبَائِعِ حَذَرًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَمْ يَمْنَعْ من تسليم عين المبيع وهو ههنا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ فَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (قُلْنَا) ذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِ الْأَصْلِ وَغَلَّةُ ثَمَرَةٍ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهَا إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِهَا بِالثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَدَمُ الصِّحَّةِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الثِّمَارَ مَقْصُودُ الْأَشْجَارِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ ثَمَّ وَلَا كَذَلِكَ مَاءُ الْبِئْرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْبِئْرِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ فِي حَالِ كَوْنِ الْمَاءِ لَهُ قِيمَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ. وَمَنْعُ بَيْعِ النَّخْلَةِ الْمُثْمِرَةِ مِنْ جِنْسِهَا بَاطِلٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ فلو كان على احداهما ثمرة ولا شئ عَلَى الْأُخْرَى جَازَ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ الَّتِي فِيهَا لبن بالشاة التى لالبن فِيهَا صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَذْبُوحَةً فَذَلِكَ يَمْتَنِعُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ بَيْعُ حَيَوَانٍ بِلَحْمٍ (فَائِدَةٌ) عَرَفْتُ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ بْنَ سَلَمَةَ قَائِلٌ بِالْجَوَازِ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ وَالدَّارِ بِالدَّارِ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ اللَّبُونِ بِالشَّاةِ اللَّبُونِ وَفِي ضَرْعِهِمَا لَبَنٌ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الدَّارَيْنِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا وَلَمْ يَنْسُبْ فِيهَا إلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ شَيْئًا وَفِي الْوَسِيطِ ذَكَرَ لَفْظًا مُشْكِلًا فَقَالَ بَعْدَ

أَنْ جَزَمَ بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّبُونِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ وَسَوَّى بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَاسْتَشْكَلَهُ الْفُضَلَاءُ وَتَأْوِيلُ كَلَامِهِ فِي الْوَسِيطِ وَغَايَةُ مظهر لِي فِي تَأْوِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ مَنْعَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى وَهُوَ الْبُطْلَانُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ اللَّبُونِ لَكِنْ لَا يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ الْبُطْلَانِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ نَاسِخٍ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ إنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ. (فَرْعٌ) بَيْعُ الشَّاةِ الَّتِي فِيهَا لَبَنٌ بِبَقَرَةٍ فِيهَا لَبَنٌ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ مَأْخَذُهُمَا أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ وَبِالصِّحَّةِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ في الكفاية كما تباع النخلة بالكرم وههنا بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ (إنْ قُلْنَا) الْأَلْبَانُ أَجْنَاسٌ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَبْنِيهِ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ مَعَهَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ وَفِيهِ وَجْهَانِ تقدما. قال المصنف رحمه الله تعالى . (ويجوز بيع اللبن الحليب بعضه ببعض لان عامة منافعه في هذه الحال فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر بالتمر ويجوز بيع اللبن الحليب بالرائب وهو الذى فيه حموضة لانه لبن خالص وانما تغير فهو كتمر طيب بتمر غير طيب ويجوز بيع الرائب بالرائب كما يجوز بيع تمر متغير بتمر متغير)

(الشَّرْحُ) الْحَلِيبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ مِنْ الْأُمِّ هُوَ مَا يحلب مِنْ سَاغِيَةٍ وَكَانَ مُنْتَهَى خَاصِّيَّةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلَاوَتُهُ وَذَلِكَ حِينَ يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ اسْمِ الْحَلِيبِ وَالرَّائِبُ فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حُمُوضَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ وَالرَّائِبُ الَّذِي خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ وَلَا القيت فيه انفخة وَنَحْوُهَا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ وَمَقْصُودُهُ فِي جَمِيعِهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَمَاثِلًا أَوْ مُتَفَاضِلًا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِ الْأَلْبَانِ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا وَوُجُوبُ التَّمَاثُلِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا جَوَازُ الْبَيْعِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الرُّطَبِ الَّذِي يُمْتَنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى جَفَافٍ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَتِهِ حَالَ كَوْنِهِ لَبَنًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ وَأَفْرَدَ لَهُ بَابًا وَذَكَرَ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا يَكُونُ رطبا بما تقدم بيانه منه قَالَ الشَّافِعِيُّ هُنَاكَ وَجَعَلْنَا حُكْمَ رُطُوبَتِهِ حُكْمَ جُفُوفِهِ لِأَنَّا لِذَلِكَ نَجِدُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ لامنتقلا إلَّا بِنَقْلِ غَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا بَأْسَ بِلَبَنٍ حليب حامض وكيف ما كان بلبن كيف ماكان حَلِيبًا أَوْ رَائِبًا أَوْ حَامِضًا وَلَا حَامِضًا بِحَلِيبٍ وَلَا حَلِيبًا بِرَائِبٍ مَا لَمْ يُخَالِطْهُ مَاءٌ فَإِذَا خَالَطَهُ مَاءٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وذكر

الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَسْأَلَةَ الْحَامِضِ هُنَا وَهُوَ الْمَخِيضُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُفْرَدًا بِالذِّكْرِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مُفْرَدَةٍ بِعِلَّةٍ فَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِيبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَالَةُ الْكَمَالِ لِوُجُودِ غَايَةِ مَنَافِعِهِ كَالتَّمْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ عَامَّةَ المنافع الرُّطَبِ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَمْرًا وَتَنَاوُلُهُ فِي حالة الرطوبة يعد عجلة وَتَفَكُّهًا (وَالثَّانِي) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الرُّطَبَ يَشْرَبُ مِنْ أُصُولِهِ وَيَجِفُّ بِنَفْسِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ اللَّبَنَ فِي حَالِ كَمَالِهِ وَالرُّطَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا (وَالثَّالِثُ) فرق أبو اسحق أَنَّ الرُّطُوبَةَ فِي اللَّبَنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَهِيَ الْحَافِظَةُ لِمَنْفَعَتِهِ بِخِلَافِ الرُّطَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَفَافِ كذلك وجاز بيع اللبن باللبن وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مِنْهُمَا زُبْدٌ لِأَنَّ بَقَاءَ الزُّبْدِ فِيهِ مِنْ كَمَالِ مَنْفَعَتِهِ وَهُوَ أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ مَأْكُولٌ مَعَهُ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ. قَالَ الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) اللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى السَّمْنِ وَالْمَخِيضِ وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ (قُلْنَا) اللَّبَنُ يُعَدُّ جِنْسًا وَاحِدًا كَالسِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَفِيهِمَا الدُّهْنُ وَالتُّفْلُ وَكَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَفِيهِمَا الطَّعْمُ وَالنَّوَى قَالَ الْإِمَامُ وَأَوْقَعُ عِبَارَةٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهْدِ وَاللَّبَنِ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ مُخَامِرٍ لِلْعَسَلِ في أصله فإن النحل ينسج البيوت من الشَّمْعِ الْمَحْضِ ثُمَّ يُلْقِي فِي خَلَلِهِ الْعَسَلَ الْمَحْضَ فَالْعَسَلُ مُتَمَيِّزٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ مُشْتَارُ العسل يخلطه بالشمع

بعض الخلظ بالتعاطي والضغط وليس اللبن كذلك وهو الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ ذَكَرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ بما حصل فيه الغيير كَمَا أَنَّ التَّمْرَ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشَبِّهْهُ بِالرَّائِبِ وَإِنَّمَا قَالَ لَبَنًا حَلِيبًا بِلَبَنٍ قَدْ حَمُضَ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ يَجُوزُ وَجَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَسْأَلَةِ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ جَوَازَ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ إذَا لَمْ يَكُنْ زُبْدُهُمَا مَمْخُوضًا لِأَنَّهُ بَيْعُ لَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ بِلَبَنٍ فِيهِ زُبْدُهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَ مَا الْمُرَادُ بِالرَّائِبِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ جَزَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِالزُّبْدِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالرَّائِبِ هُنَا مَا خَثَرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَارٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ. (فَرْعٌ) وَالْمِعْيَارُ فِي اللَّبَنِ الْكَيْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ جَمِيعًا (قُلْتُ) وَإِنَّمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَكَذَا وَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَكَذَا وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُمْ مِعْيَارُهُ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِتَجْوِيزِ الْأَمْرَيْنِ هَكَذَا أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُبَاعُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ كَيْلًا سَوَاءٌ كَانَا حَلِيبَيْنِ أَوْ رَائِبَيْنِ أَوْ حَامِضَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا الرَّائِبَ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ ففيه نظر لان الشافعي قال ففى اللبا ما يقتضى أن الْمِعْيَارَ فِيهِ الْوَزْنُ لَا الْكَيْلُ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللِّبَأِ إلَّا مِكْيَالًا مِنْ قَبْلِ تَكْبِيسِهِ وَتَجَافِيهِ

فِي الْمِكْيَالِ اللَّبَنُ الرَّائِبُ فِيهِ شِبْهٌ مِنْ اللِّبَأِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ عُقَدَ اللِّبَأِ أَكْثَرُ فَلِذَلِكَ يَتَجَافَى بِخِلَافِ الرَّائِبِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْإِمَامُ لِهَذَا الْإِشْكَالِ فَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا خثر الشئ كَانَ أَثْقَلَ وَاَلَّذِي يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ يَزِيدُ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ جِنْسِهِ بِالْوَزْنِ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْعَ بَيْعِ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْوَزْنِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمِكْيَالِ فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَجَوَّزْنَا بَيْعَ الدِّبْسِ بِالدِّبْسِ إذَا كَانَ يُوزَنُ وَلَكِنَّا اعْتَمَدْنَا خُرُوجَ الدِّبْسِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَأَمَّا الرَّائِبُ الْخَاثِرُ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ بِاللَّبَنِ وَجَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَيَتَّجِهُ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِالْبَعْضِ أَنْ يُقَالَ الِانْعِقَادُ جَرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى تَسَاوٍ وَلَا يَرْبُو في الاناء إذا انْعَقَدَ رَائِبًا وَلَا يَنْقُصُ فَإِنَّهُ طَبِيعَةٌ فِي نَفْسِ اللَّبَنِ عِقَادَهُ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ ذَهَابِ جُزْءٍ وَبَقَاءِ جُزْءٍ فَأَمَّا بَيْعُ الْخَاثِرِ بِاللَّبَنِ فَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَيَظْهَرُ تَجْوِيزُهُ فَإِنْ كَانَ يُكَالُ فَبَيْعُ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالرَّائِبِ الْخَاثِرِ كَيْلًا فِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ وَوَجْهُ التَّجْوِيزِ تَشْبِيهُ الْخَاثِرِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ الْمُغَلَّلَةِ تُبَاعُ بِالرِّخْوَةِ فَالْخَاثِرُ بِالْحَلِيبِ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ. وَمِنْ هُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَنْتَ قَدْ سَمِعْتَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ انه تردد ركانه لم يتحر عنه هل هو مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَكِيلٌ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ بَيْعَ الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ كَيْلًا جَائِزٌ جَزْمًا وَبَيْعَ الرَّائِبِ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا جَائِزٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّائِبِ بِالرَّائِبِ وَفِي الرائب

بِالْحَلِيبِ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي اللِّبَأِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ من انعقااد أَجْزَائِهِ عَلَى تَسَاوِيهِ وَمِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ وَالرَّخْوَةِ مَمْنُوعٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ اللَّبَنُ الْخَاثِرُ يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ كَالسَّمْنِ الرَّائِبِ قَالَ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَكَأَنَّهُ تَبَعَ الرَّافِعِيَّ فِيمَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ. (فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ أَنْ يَكِيلَهُ وَلَا رَغْوَةَ فِيهِ فَلَوْ كَانَ فِيهِ رَغْوَةٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَسْكُنَ لِلْجَهْلِ بِالتَّمَاثُلِ وَحَقِيقَةِ التَّفَاضُلِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ إذَا أَسْلَفَ فِيهِ مَكِيلٌ فليس له أن يكيله برغوته لا تزيد فليست بلبن يبقى بقاء اللبن مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْحَلِيبِ وَعَلَيْهِ الرَّغْوَةُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا كَيْلًا نَصَّ عَلَيْهِ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ فَأَمَّا وَزْنًا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْهَرِيدُ بالهريد لا يجوز لتأثر لنار فِيهِ (قُلْتُ) وَالْهَرِيدُ (1) . (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخَاثِرِ بِالْحَلِيبِ وَالرَّائِبِ وَالْحَامِضِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الخاثر وغيره في الوزن والوزن لااعتبار بِهِ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِيهِ الْكَيْلُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. (فرع) قال الرافعى رضى الله عنه في الام لاخير فِي لَبَنٍ مَغْلِيٍّ بِلَبَنٍ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّ الْإِغْلَاءَ يُنْقِصُ اللَّبَنَ وَوَافَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَلَوْ كَانَ مُسَخَّنًا مِنْ غَيْرِ غَلَيَانٍ صَحَّ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. (فَرْعٌ) شَرْطُ جَوَازِ بَيْعِ هَذَا اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بالخالص بلا خلاف.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) إذَا حُمِيَ اللَّبَنُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا تَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ بَيْعُ بَعْضِهِ ببعض قاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الغنم بلبن البقر متفاضلا على الصحيح. والمشهور أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الصِّنْفِ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَلَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ صرح بذلك هنا صاحب التهذيب.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَلَا يَجُوزُ بيع اللبن بما يتخذ منه من الزبد والسمن لان ذلك مستخرج منه فلا يجوز بيعه به كالشيرج بالسمسم ولايجوز بيعه بالمخيض لان المخيض لبن نزع منه الزبد والحليب لم ينزع منه الزبد فإذا بيع أحدهما بالآخر تفاضل اللبان ولايجوز بيعه بالشيراز واللبأ والجبن لان أجزاءها قد انعقدت فلا يجوز بيعها باللبن كيلا لانهما يتفاضلان ولايجوز بيعها وزنا لان اللبن مكيل فلا يباع بجنسه وزنا) .

(الشَّرْحُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا كَذَا فِي النسخة وصوابه اثنى عَشَرَ الزُّبْدُ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَاللِّبَأُ وَالْأَقِطُ وَالْمَصْلُ والجبن والسيرار وَالدَّجْنَيْنِ وَالْكَشْكُ وَالطَّيْنَحُ وَالْكَوَامِيخُ قَالَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ والكبح قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْقَوْلُ الْجَمَلِيُّ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي التَّفْصِيلِ مَسَائِلُ فَنُورِدُهَا كَمَا أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي زُبْدِ غَنَمٍ بلبن غنم لان

الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ مَعْنَى ذَلِكَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كلام الشافعي ان الزبد شئ مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَإِذَا بَاعَهُ بِاللَّبَنِ وَاللَّبَنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الزُّبْدِ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ زُبْدًا بزبد متفاضلا وقال أبو اسحق لِأَنَّ فِي الزُّبْدِ شَيْئًا مِنْ اللَّبَنِ يَعْنِي فَيَكُونُ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ مُتَفَاضِلًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ولم يذكر أبو اسحق ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِبَيْعِ اللَّبَنِ باللبن

(فَإِنْ قِيلَ) فَاللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ فَهَلَّا امْتَنَعَ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ كَمَا قِيلَ فِي بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ فَإِنَّ الْجَوَابَ مَذْكُورٌ عَنْهُمَا مَعًا كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الاصحاب منهم (1) والرافعي قال الشيخ أبو حامد والمحاملى وههنا يبطل تعليل ابى اسحق لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لَجَازَ ههنا وهذا الالتزام نزل على ان ابا اسحق غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَكَانَ يجب

_ (1) بياض بالاصل فحرر

ان يقول اسحق ههنا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ الْإِمَامُ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ اللَّبَنَ فِي حُكْمِ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَاطَ فِيهِ فَجَوَّزُوا بَيْعَ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ جِنْسٌ وَاحِدٌ (قُلْنَا) هَذَا فِيهِ بعض الغموض من التَّعْلِيلِ وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ مَعَ تَجْوِيزِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَأَقْصَى الْمُمْكِنِ فِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ إذَا قُوبِلَ بِالسَّمْنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُخَالِفًا لِلسَّمْنِ فَإِنَّمَا يُجَانِسُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ السَّمْنِ لَا بِصُورَتِهِ وَطَعْمِهِ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا

السَّمْنَ اُنْتُظِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَبِيعُ سَمْنًا بِسَمْنٍ وَمَخِيضٍ فَأَمَّا اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ فَيُعْتَمَدُ تَجَانُسُ اللَّبَنِ فِي صِفَتِهِ النَّاجِزَةِ وَلَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي بَيْعِ السَّمْنِ بِالشَّيْرَجِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مَا الضَّرُورَةُ الدَّاعِيَةُ إلَى تَقْدِيرِ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ عِنْدَ مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ لاحوج إلى جواب غير هذا (المسالة الثانية) بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْمَخِيضِ وَهُوَ الرَّدْغِ الَّذِي اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ الزُّبْدُ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بالعلة التى ذكرها لانه مستعبد

أَنْ يُقَالُ إنَّ الْمَخِيضَ مُتَّخَذٌ مِنْ اللَّبَنِ بل ههو نفس اللن نزع منه الزبد لاسيما عَلَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ أَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ اللَّبَنِ وَجَمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يصح ان يقاالل فِي الْمَخِيضِ فَلِهَذَا أَفْرَدَهُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكُسْبِ بِالسِّمْسِمِ وَإِنْ كان أبو اسحق فِي بَيْعِ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ لَا يَجْعَلُ لِلزُّبْدِ الْكَامِنِ فِي اللَّبَنِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجَوِّزَ اللَّبَنَ بِالْمَخِيضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي اللبن بلزبد فيرد عليه

هُنَا كَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ (المسالة الرابعة) بيعه بالشيزارى وَهُوَ (1) وَاللِّبَأُ وَالْجُبْنُ وَالْعِلَّةُ فِي الثَّلَاثَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ عَلَّلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وزاد هو وابو حامد ان الجبن انفحة وملح فيكون بيع لبن وشئ بِلَبَنٍ وَزَادَ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْهُ وَفِي مَعْنَاهَا بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْأَقِطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ ولاخير في لبن غنم باقط مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَقِطَ لَبَنٌ مَعْقُودٌ فَإِذَا بعت اللبن بالاقط اجزت اللبن باللبن مجولا وَمُتَفَاضِلًا أَوْ جَمَعْتُهُمَا مَعًا فَإِذَا اخْتَلَفَ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ فَلَا بَأْسَ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَذَلِكَ وكذلك الطينخ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ مَفْقُودَةٌ ومخالطة غيره فلا يجوز يبعها بِحَلِيبٍ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فقال ان لم تنعقد اجزاءه وانماا سُخِّنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالسَّمْنِ أَوْ النَّارِ الْخَفِيفَةِ وَإِنْ طُبِخَ حتى انعقدت اجزاءه أَوْ اخْتَلَطَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَرَأَيْتُ في شرح الكفاية للصميرى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِاللِّبَأِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ وَكَذَلِكَ الْأَقِطِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَعَلَّلَ الْقَاضِي الرُّويَانِيُّ امْتِنَاعَ بَيْعِ اللبن باللبأ بان اصله الكيل واللبأ المعول للآكل لا يكال لان النار عقدت

_ (1) بياض بالاصل فحرر

أَجْزَاءَهُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ وَعَلَّلَ فِي ذَلِكَ بالباقي بالجبن والمصل وشبهما وَكَذَلِكَ الْمَصْلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ لِلْعِلَّةِ المذكورة وفيه اصح ملح ايضا قاله أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَصْلُ مَاءُ الْأَقِطِ عَلَى الْمَشْهُورِ عُصَارَةُ الْأَقِطِ حِينَ يُطْبَخَ ويعصر وقيل ماء اللبن النئ وَقِيلَ الْمَخِيضُ وَكَذَلِكَ الْكَشْكُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْحَشَائِشِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْكَشْكِ الَّذِي يُعْمَلُ فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُ يُدَشُّ الْقَمْحُ وَيُعْجَنُ بِاللَّبَنِ الْحَامِضِ أَوْ غَيْرِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ إطْلَاقُ الْكَشْكُ يعنى آخر شرهه ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالْقَمْحِ الْمَهْرُوشِ الْمُزَالِ عَنْهُ الْقِشْرُ فَقَطْ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ طَعَامُ الْقَمْحِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَعَدَمُ جَوَازِ الْجُبْنِ بِاللَّبَنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في باب بيع لآجال من الام ولاصحاب وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) قال الاصمعي أو اللبنين اللِّبَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ. (فَرْعٌ) جَزَمَ ابْنُ أَبِي هريرة في التعليق بان الرائب بالزب جَائِزٌ قَالَ لِأَنَّ مَا فِيهِ تَابِعٌ. (فَرْعٌ) بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ منهما ماء

قال أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ فِي الْحَلِيبِ بِالْمَضْرُوبِ لِأَنَّ فِي الْمَضْرُوبِ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ يُطْرَحُ فِيهِ بِالضَّرْبِ فَهَذَا مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدُّوغِ بالحليب لا انه يؤدى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَفَاضُلِ اللَّبَنَيْنِ وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمَخِيضِ الَّذِي طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ للضرب. (تنبيه) بيع الشئ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ يَمْتَنِعُ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِاللَّبَنِ جَائِزٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْمَدَاخِلِ وَالصَّوَابِيِّ الْمَصْبُوغَةِ نَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا الْأَصْلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ مَصُوغٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُتَّخَذَ لَا يَسْتَحِيلُ بِالصِّيَاغَةِ بَلْ هُوَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وما يتخذ من المطعومات يستحيل عن صفنه فإذا بيع باصله كيلا بكيلا حصل التفاضل بالنسبة إلى حالة الادخار.. قال المصنف رحمه الله تعالى . (واما بيع ما يتخذ منه بعضه ببعض فانه ان باع السمن بالسمن جاز لانه لا يخالطه غيره قال الشافعي رحمه الله والوزن فيه احوط وقال أبو اسحق يباع كيلا لان أصله الكيل) .

(الشَّرْحُ) يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالسَّمْنِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والقاضى حسين والرافعي لما ذكره المصنف ولانه لَا يُدَّخَرُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ وَأَطْلَقَ كَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَحْكُوا فِيهَا خِلَافًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْجَامِدَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي السَّمْنِ بِالسَّمْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَسَمْنِ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْغَنَمِ أَمَّا سَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ فَقَدْ حَكَيْنَا خِلَافًا في كون الاسمان جنسا أو اجناس فَعَلَى الْأَوَّلِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ مُتَفَاضِلًا وَإِذَا بِيعَ السَّمْنُ بِالسَّمْنِ يُبَاعُ وَزْنًا عَلَى الصَّحِيحِ وَنَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَنَّ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ وَالسُّكَّرَ مَوْزُونَاتٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ إنَّ السَّمْنَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْوَزْنِ وَاسْتَدَلَّ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَثَرٍ نَقَلَاهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الْوَزْنِ لا بأس أن يسلف في شئ وزنا وان كان يُبَاعُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كان لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ فِي الْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يسلف فيه كيلا وان يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهِ وَزْنًا وَمِثْلُ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْآدَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا الله أعلم. أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فاما ماقل مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَبِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا آكُلُ سَمْنًا مَادَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي قَوْلِهِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْآجَالِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ فِي أَنَّ السمن مكيل فانه قال ولايجوز اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَتَكَلَّمَ فِي أَجْنَاسِ الْأَلْبَانِ وَأَحْكَامِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ومن جملتها

الْكَيْلُ لَكِنَّ تَصْرِيحَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَمُبَيِّنٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَصَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَائِبًا أَوْ جَامِدًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا يُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا يُبَاعُ كَيْلًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ فَحَكَوْا عَنْ الْمَنْصُوصِ أَنَّهُ يُوزَنُ وَعَنْ أبى اسحق أَنَّهُ يُكَالُ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَزَمَ فِي الذَّائِبِ بِالْكَيْلِ وَحَكَى فِي الْجَامِدِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لان أصله الكيل (والثانى) يجوزه وَزْنًا لِأَنَّ الْوَزْنَ أَخْصَرُ وَالْكَيْلُ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا خَيْرَ في سمن غنم بزبد غنم بِحَالٍ لِأَنَّ السَّمْنَ مِنْ الزُّبْدِ يَقَعُ مُتَفَاضِلًا أَوْ مَجْهُولًا وَهُمَا مَكِيلَانِ أَوْ مَوْزُونَانِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ وَمِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ (فَائِدَةٌ) الْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ نَصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي تَفْرِيعِ الزَّيْتِ مِنْ الْعَسَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْنَقِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ وَسَمْنَ الْبَقَرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْأَلْبَانِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا الالبان من جِنْسٌ وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْمَانُ كَذَلِكَ

لِلِاتِّحَادِ فِي الِاسْمِ وَالْأَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخَائِرِ أَنَّ السَّمْنَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْأَدْهَانِ فَلَا خِلَافَ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا الْأَدْهَانُ جِنْسٌ أَوْ اجناس والله أعلم..قال المصنف رحمه الله. (فان باع الزبد ففيه وجهان (أحدهما) يجوز بيع السمن بالسمن واللبن باللبن (والثانى) لا يجوز لان الزبد فيه لبن فيكون بيع لبن وزبد بلبن وزبد) . (الشَّرْحُ) جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِادِّخَارِ وَجَزَمَ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجَوَازِ وَأَبُو الطَّيِّبِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالصَّيْمَرِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ حِكَايَةً عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْجَوَازُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ كما تقدم عن تعليقه لان مافى الزُّبْدِ مِنْ بَقَايَا اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَكَانَ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَبَيْعِ الْحَلِيبِ بِالْحَلِيبِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ حَكَاهُ الْقَاضِي أبو حامد المروزى عن

الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرُونَ إنَّمَا حَكَوْا ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمَخِيضِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَشَبَّهَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الشَّهْدِ بِالشَّهْدِ فَإِنَّ صِفَاتِ السَّمْنِ لَائِحَةٌ مِنْ الزُّبْدِ كَمَا الْعَسَلُ فِي الشَّهْدِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ فَإِنَّهُ فِي مُدْرِكِ الْجِنْسِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ (فَإِنْ قُلْتَ) الرَّغْوَةُ الَّتِي فِي الزُّبْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ (قُلْتُ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي التَّمَاثُلِ وَالْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَيَصِيرُ كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِحِنْطَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَبَّاتٍ مِنْ الشَّعِيرِ تُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَبَّاتُ مِنْ الشَّعِيرِ مَقْصُودَةً لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَالْمُرَادُ بِالزُّبْدِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزُبْدِ الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْغَنَمِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا فِي كُلِّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّبَنِ وَالرَّغْوَةِ غَيْرُ مقصود والمماثلة غير واجبة. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بَاعَ المخيض بالمخيض نظرت فان لم يطرح فيه الماء جاز لانه بيع لبن بلبن وان طرح فيه ماء للضرب لم يجز لتفاضل المائين وتفاضل اللبنين) .

(الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَخِيضَ لَبَنٌ نُزِعَ مِنْهُ الزُّبْدُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَإِذَا كَانَ زُبْدُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا سَمْنٍ. أَمَّا الْمَنْزُوعُ الزُّبْدِ وَهُوَ الدُّوغُ فَيُبَاعُ بِالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. وَأَمَّا بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ جَازَ الْمُمَاثَلَةُ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَالَ الْمُتَوَلِّي إلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَالَةِ الِادِّخَارِ وَلَا عَلَى حَالِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ فَلْيَكُنْ كَبَيْعِ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُ مَجْهُولُ التَّسَاوِي حَالَةَ الْكَمَالِ وَإِنْ طُرِحَ فِيهِ مَاءٌ لِلضَّرْبِ وَهُوَ (1) لَمْ يَجُزْ جَزَمَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ فِيمَا فِيهِ مَاءٌ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْخَالِصِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الْمَخِيضِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَخِيضِ مَا يُتَصَوَّرُ نَزْعُ الزُّبْدِ مِنْهُ بِغَيْرِ مَاءٍ صَحَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَلَزِمَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ لِأَجْلِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا أَنَّ طَرِيقَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ بِغَيْرِ مَاءٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ فَيُنَزَّلُ كلام المصنف على ذلك.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْبَانِ الْمَعْقُودَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِكَوْنِ بَعْضِهِ أَشَدَّ انْعِقَادًا مِنْ بَعْضٍ وَلِمُخَالَطَةِ بَعْضِهِ لِلْمِلْحِ وَالْإِنْفَحَةِ (قُلْتُ) وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ عَنْ قُرْبٍ. (فَرْعٌ) دُخُولُ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ مَانِعٌ لِبَيْعِهِ مُطْلَقًا بجنسه وبغيره للجهل والمقصود فَإِنَّ الْمَاءَ فِي اللَّبَنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمِقْدَارُهُ مَجْهُولٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْخَلِيطِ أَمَّا لَوْ شَاهَدَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي اللبن والماء وعلما مقدارهما ثم خلطاهما وَتَبَايَعَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ البيع بنقد أو أشبهه أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِلَبَنٍ مِثْلِهِ أَوْ خَالِصٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ جَازَ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْحِنْطَةِ الْمَشُوبَةِ بِحَبَّاتٍ يَسِيرَةٍ مِنْ الشَّعِيرِ إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ الْمُخَالَطَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ بِكَوْنِهِ يُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنَانِ جِنْسًا وَاحِدًا امْتَنَعَ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَإِنْ كَانَا جنسين فسأفرد لهما فرعا هنا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا اخْتِصَاصِ لِهَذَا الْكَلَامِ بِالْمَخِيضِ بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الْحَلِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّبَنِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ إلَى الْمَخِيضِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطُهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الْمَخِيضَ بَعْدَ إخْرَاجِ الزُّبْدِ مِنْهُ بِالزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَا بَأْسَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ نَصْرٌ.

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِلَبَنِ بَقَرٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ جَازَ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَشُوبًا بِالْمَاءِ وَكَانَ الْمَاءُ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِالْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا كَمَا فَرَضْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا غَيْرَ مَقْصُودٍ صَحَّ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأَثَرِهَا فِي الْكَيْلِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقْصَدُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ رِبَوِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) مَمْلُوكٌ غَيْرُ رِبَوِيٍّ تَأْتِي فِيهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ في الحلول من التحريج على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم لِأَنَّ اللَّبَنَيْنِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَاءَيْنِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمَاءُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ فَلْيُطَالَعْ التَّنْبِيهُ الَّذِي هُنَاكَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ الْغَنَمِ بِزُبْدِ الْبَقَرِ وَزُبْدُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ وَسَمْنُ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ يَدًا بِيَدٍ قاله الصميرى وقد تقدم ذلك معرفا في مواضعه. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بَاعَ الجبن أو الاقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز لان أجزائها منعقدة ويختلف انعقادها ولان فيها ما يخالطه الملح والانفحة وذلك يمنع التماثل) . (الشَّرْحُ) الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ جَزَمَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حامد رأس العراقين وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ رَأْسُ الْمَرَاوِزَةِ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى جَزَمَ بِهَا الْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وعلة انعقاد أجزائه

بالنار شاملة لجميعها اللبأ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ مُخَالَطَتِهَا لِغَيْرِهَا فَفِي الْجُبْنِ الْإِنْفَحَةُ وَفِي الْأَقِطِ الْمِلْحُ وَفِي الْمَصْلِ الدَّقِيقُ وأما اللبأ فليس فيه إلَّا التَّأَثُّرُ بِالنَّارِ وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أَثَرَ النَّارِ قَرِيبٌ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالسُّكَّرِ فِي الْمَعْقُودَاتِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ فِي بَيْعِ اللِّبَأِ بِاللِّبَأِ وَجْهَيْنِ كَمَا فِي السُّكَّرِ بِالسُّكَّرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ اللِّبَأِ يَحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَحْلُوبًا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِحَسَبِ مَا نَعْرِفُهُ فِي بِلَادِنَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْحَلْبَةِ مِنْ الدَّرَّةِ الْأُولَى وَنَقَلَ الْعِجْلِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ دَقَّ الْمَصْلُ حَتَّى أَمْكَنَ كَيْلُهُ يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبالبن ولعل مراده بالمصل مالا دَقِيقَ فِيهِ أَمَّا إذَا فُرِضَ فِيهِ الدَّقِيقُ فيتمتع وَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ بَيْعَ الْمَصْلِ بِالْمَصْلِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا فَإِنْ دَقَّا جَمِيعًا حَتَّى أَمْكَنَ الْكَيْلُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ بيع بعضه ببعض وبيعه بالبن أَيْضًا قَالَ وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ مِلْحٌ فَإِنْ خَالَطَهُ مِلْحٌ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَادَّعَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْجُبْنَ بِالْجُبْنِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لِأَنَّ أصله الكيل وهو معتذر وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِنْفَحَةَ يَجْمُدُ بِهَا تمنع مِنْ التَّمَاثُلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ دَقَّ الْجُبْنُ حتى صار فتيا وَصَارَ نَاعِمًا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لِإِمْكَانِ كَيْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ على قوله غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْإِنْفَحَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْإِمَامُ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ

عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمِلْحٍ كَثِيرٍ يَظْهَرُ لَهُ مِقْدَارٌ الْتَحَقَ بِبَيْعِ الْمُخْتَلَطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْحٌ فَهُوَ مَعْرُوضٌ عَلَى النَّارِ وَلِلنَّارِ فِيهِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فَيَلْتَحِقُ الْكَلَامُ فِيهِ بِالْمُنْعَقِدِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ بِالنَّارِ أَوْ الشَّمْسِ الْحَامِيَةِ (قُلْتُ) إذَا كَانَ عَقْدُهُ بِالشَّمْسِ الْحَامِيَةِ وَلَا مِلْحَ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْعَسَلِ إذَا شُمِّسَ كَذَلِكَ بِشَمْسِ الْحِجَازِ وَبَحَثَ وَقَالَ إنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ تَأْثِيرًا مُسْتَوِيًا فَهَلَّا قَالَ ذَلِكَ هُنَا وَجَوَّزَ عَلَى مَسَاقِهِ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَالْعَسَلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمُنْعَقِدِ وَلَا فَرْقَ فِي سَبَبِهِ بَيْنَ النَّارِ وَالشَّمْسِ إذَا وُجِدَ الِانْعِقَادُ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي التَّصْفِيَةِ بدون الانعقاد. قال المصنف رحمه الله تعالى . (وأما بيع نوع منه بنوع آخر فانه ينظر فيه فان باع الزبد بالسمن لم يجز لان السمن مستخرج من الزبد فلا يجوز بيعه بما استخرج منه كالشيرج بالسمسم وان باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز لانه ليس في احدهما شئ من الآخر قال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هما كالجنسين فيجوز بيع احدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف وان باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز وقال أبو إسحق لا يجوز لان في الزبد شيئا من المخيض فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصلح لان الذى فيه من المخيض لا يظهر الا بالتصفية والنار فلم يكن له حكم وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر لانه يؤدى إلى التفاضل) .

(الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) بَيْعُ الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا خَيْرَ فِي سَمْنِ غَنَمٍ بِزُبْدِ غَنَمٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذلك الصميرى والشيخ أبو الحامد وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وغيرهم لما ذكره المصنف ولتحقق المفاضلة سبب مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّمْنَ قَلِيلٌ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ الْمُخْتَلَطُ بِالزُّبْدِ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِكْيَالِ أَشْبَهَ التُّرَابَ الْمُخْتَلَطَ بِالْحِنْطَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ (وَأَمَّا) الْعِلَّةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ السَّمْنَ حَاصِلٌ فِي الزُّبْدِ بِالْقَصْدِ حُصُولَ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ (وَأَمَّا) الشَّيْرَجُ فَكَامِنٌ فِي السِّمْسِمِ لَا ظَاهِرٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّمْنَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الزُّبْدِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى (1) بِمَا هُوَ كَامِنٌ فيه فلا يَمْتَنِعَ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ أَوْلَى وَهُوَ صَحِيحٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّمْنُ بِالْمَخِيضِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْجَوَازِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ وَالْإِمْلَاءِ وَعَنْ الْمُزَنِيِّ هُنَا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الصَّرْفِ فِي بَيْعِ الضَّمَانِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْمُخْتَصَرِ وَمَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ لَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْحُكْمِ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَازَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَاعَى شَرْطُ التَّمَاثُلِ وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ

_ (1) بياض بالاصل فحرر

ابْنُ الصَّبَّاغِ (فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ قُلْتُمْ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالْكُسْبِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسَيْنِ (قُلْنَا) الكسب لا ينفرد عن الشيرج ولابد أن يبقى معه شئ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّ الْمَخِيضَ لَا يَبْقَى فِيهِ سَمْنٌ ذَكَرَهُ مَعَ السَّمْنِ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ وَادَّعَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثالثة) الزبد بالمخيض المنصوص للشافعي أنه يجوز وقال أبو إسحق وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف فأما أبو إسحق فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ وافقه على هذا الحكم هنا وفى الحر أَنَّ أَبَا حَامِدٍ قَالَ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا ظنا منه لَا لَبَنَ فِي الزُّبْدِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ الزُّبْدَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ اللَّبَنِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يكن فيه اللبن ظاهرا وذلك القدر يَسِيرٍ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالنَّارِ وَالتَّصْفِيَةِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزُّبْدِ السَّمْنُ وَالْمَخِيضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّمْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ الْمَخِيضُ الَّذِي فِي الزُّبْدِ قَلِيلٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ كَمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً لاشعير فِيهَا بِحِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ قَلِيلَةٌ قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَ الْقَفَّالُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وحكى أبو الطيب عن أبى اسحق الموافقة في بيع السمن بالمخيض لانه لالبن فِيهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الزبد أسضا لانه لاحكم لذلك إليه إذَا كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِالتَّصْفِيَةِ بِالنَّارِ.

(فَرْعٌ) إذَا بِيعَ الزُّبْدُ بِالْمَخِيضِ فَهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ ردهم على أبى اسحق وَلَوْ كَانَ الزُّبْدُ وَالْمَخِيضُ جِنْسًا وَاحِدًا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى أَنْ يَغْتَفِرُوهُ لِقِلَّتِهِ وَلَمْ يَتَّجِهْ لابي اسحق مَا قَالَهُ وَلَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ مُخَالَفَةً لِلنَّصِّ وَلَا لِلْأَصْحَابِ بَلْ زِيَادَةَ بَيَانٍ عَلَى مَا أَجْمَلُوهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَجُوزُ بَيْعُ المخيض بالزبد كبالسمن وَإِنْ كَانَ فِي الزُّبْدِ قَلِيلُ مَخِيضٍ وَفِي الْمَخِيضِ قَلِيلُ زُبْدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَيْنِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَفِي أَحَدِهِمَا قَلِيلُ قَصْلٍ أَوْ زَوَانٍ (قُلْتُ) يَعْنِي أَنَّ التَّمَاثُلَ لَيْسَ شَرْطًا فَالْخَلْطُ وَإِنْ مَنَعَ التَّمَاثُلَ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا يَضُرُّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمَخِيضَ وَالسَّمْنَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَبَايُنِ الصِّفَاتِ وَاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْغَرَضِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أن ماقاله أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْوَافِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ قال شيخنا لا خلاف فيه أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ مُتَفَاضِلًا وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هَذَا إخْبَارًا عن ذلك لا انه مذهب له مخالف فِيهِ غَيْرَهُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ كَذَلِكَ هُوَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَّا بَيْعُ السَّمْنِ بالمخيض والزبد بالمخيض خلافا لابي اسحق وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ صَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حسين (1) وهو أنه لا يجوز بيع شئ من تلاقط وَالْجُبْنِ وَالْمَصْلِ وَاللِّبَأِ بِالْآخَرِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا بالزبد وبالسمن وَلَا بِالْمَخِيضِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ لَمَّا جوزوا بيع

_ (1) بياض بالاصل فحرر

الْمَخِيضِ بِالزُّبْدِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِذَا كَثُرَ الزُّبْدُ فَالرَّغْوَةُ قَدْ تَبْلُغُ مَبْلَغًا يُطْلَبُ مِثْلُهُ فِي جِنْسِ الْمَخِيضِ وَلَكِنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْبَابِ أَنَّ مَا يُمَيَّزُ مِنْ الزُّبْدِ فِي الْغَالِبِ تَبَدَّدَ وَلَا يُعْنَى بِجَمْعِهِ وَإِنْ كَثُرَ الزُّبْدُ فَهَذَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ الرَّغْوَةُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ إذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِالْمَصْلِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْمَخِيضِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الصِّفَاتِ تَفَاوُتًا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ بِهِ وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْأَقِطِ وَالْمَصْلِ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِالدِّبْسِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الاقط والمخيض والمصل والجبن حنس واحد (أما) المخيض والاقط والمصل فَكَمَا ذَكَرُوهُ (وَأَمَّا) الْجُبْنُ فَفِيهِ مَا يُجَانِسُ المخيض وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّبَنِ جِنْسُ الْأَقِطِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ بِالْمُشَاحَّةِ فِي الْعِبَارَةِ وَمَقْصُودُهُمْ مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) بَيْعُ جُبْنِ الْغَنَمِ بِجُبْنِ الْبَقَرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِثْلَ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ خُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ (إذَا قُلْنَا) الْأَدِقَّةُ أَجْنَاسٌ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْأَلْبَانَ جِنْسٌ فَبَاعَ سَمْنَ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ وَلَيْسَ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنٌ يَتَمَيَّزُ بِالْمَخْضِ وَالْعِلَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نَجْعَلُ لَبَنَ الابل مشتملا على سمن تقديرا حتى يخالف هو بمثابة سمن الْبَقَرِ ثُمَّ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَوَرَاءَهُ احْتِمَالٌ فِي أَنَّ سَمْنَ الْبَقَرِ هَلْ يُخَالِفُ جِنْسَ لَبَنِ الْإِبِلِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى تَجَانُسِ الْأَلْبَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَالسَّبَبُ فيه انا حكمنا بتجانس الالبان لاجتماعهما فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَمْ يُقَدَّرْ فِي لَبَنِ الْإِبِلِ سَمْنًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. (فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِنْفَحَةُ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَةِ الْجُبْنِ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِنْفَحَةِ وَاَلَّذِي إلَيْهِ إشَارَةُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِنْفَحَةَ جِنْسٌ عَلَى حِيَالِهَا مُخَالِفٌ لِلَّبَنِ وَكُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَلَسْتُ أَدْرِي أَنَّهَا مِنْ الْمَطْعُومَاتِ وَحْدَهَا كَالْمِلْحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةُ فِي بَيْعِ بعضها ببعض أم ليست من المطعومات.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَلَا يَجُوزُ بيع حيوان يؤكل لحمه بلحمه لما روى سعيد بن المسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا يباع حى بميت وروى ابن عباس رضى الله عنه أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ فَقَالَ أعطوني بها لحما فقال أبو بكر لا يصلح هذا ولانه جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مثله فلم يجز كبيع الشيرج بالسمسم) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ أَبُو داود من طريق الزهيري عَنْ سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وأبو داود أيضا من طريق زيد ابن أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بالحيوان هذا لفظ الشافعي عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ وَرَأَيْتُ فِي مُوَطَّأِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ باللحم والمعنى واحد وكلا الحدثين أَعْنِي رِوَايَتَيْ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلٌ

وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَاحِدٌ عَنْ سَعِيدٍ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ (مِنْهَا) عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن أن أتباع الشاة باللحم رواه الحاكم بالمستدرك وقال رواية عَنْ آخِرِهِمْ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ في الموطأ هذا كلام الحاكم ورواه البهيقى فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ومن أثبت سماع الحسن بن سَمُرَةَ عَدَّهُ مَوْصُولًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ انْضَمَّ إلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمَنْ سَيُذْكَرُ. (وَمِنْهَا) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عن ابن المسيب مرسلا وذكره البهيقى أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الصَّغِيرِ وَحَكَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَلَطِ يَزِيدَ بْنِ مَرْوَانَ وَيَزِيدُ الْمَذْكُورُ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَلَيْسَ هَذَا بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ (وَمِنْهَا) عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ

عَنْ نَافِعٍ وَثَابِتٌ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُسْتَقَلُّ بِهِ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ (قُلْتُ) وَفِي الْأَوَّلَيْنِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَأَمَّا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ صَحِيحٌ وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ عِنْدَ حَدِيثِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إنَّمَا تَحَدَّثَ عَنْ صحيفة سمرة وقال الخطابى والحسن عن صحيفة مُخْتَلَفٌ فِي اتِّصَالِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عن صحيفة سمرة وَقَالَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ وَقَالَ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ العقبة حسب وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ أَكْثَرَ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ العقبة وقال ابن عبد البر لاأعلم حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ يَتَّصِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مُرْسَلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَكَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَخْذُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ لَا يَثْبُتُ

(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً ولم يقل به الشافعي فان كان صحيح سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِمَا (قُلْتُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً عَارَضَهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرِ إلَى أَجَلٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ بَلْ عَضَّدَهُ مَرَاسِيلُ وَآثَارٌ وَعَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ سَمُرَةَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِ التَّمَسُّكِ بِالْمُرْسَلِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ تَوَجَّهَ اعْتِرَاضٌ مِنْ الْخَصْمِ بِسَبَبِ مَا اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لا يحتج بالمرسل فلذلك يكلم الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ محتج به في الجملة وابن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا في المختصر وقال الامام أَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ نَقَلْتُ ذَلِكَ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ الْأُمِّ بِخَطِّ كَاتِبِ

الْوَزِيرِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ بَيْعِ الْآجَالِ عَنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ عن ابن جريج عن القاسم ابن أبى برة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد حذرت أَجْزَاءً كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْءًا فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأُخْبِرْتُ عَنْهُ خَيْرًا. السَّائِلُ عَنْ الرَّجُلِ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي برة فِيمَا أَظُنُّ أَمَّا (حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِجِنْسِهِ كَالْبَقَرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي مَنْعِهِ نَقْدًا ونسأ لِلْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ أَيْضًا وَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بشار وَخَارِجَةُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ صح ذلك فالسبعة قائلون به كذلك نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ فَيَكُونُ

فَاضِلُ اللَّحْمِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَإِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَالَ الْمُزَنِيّ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نِسْبَةَ الْخِلَافِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرويانى في الحلية ونقل عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَفِي اخْتِيَارِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ عَنْهُ وَقَالَ إنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْإِرْشَادِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ تَيْسِيرِ الْجَاهِلِيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) إمَّا أَنْ يَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَوْ بِمُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فان تمسكتم بحديث سمرة فقد رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وان تمسكتم بالمرسل بِالْمُرْسَلِ فَكَذَلِكَ الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (قُلْتُ) أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَلَهُ مُعَارِضٌ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ وَكَوْنُ جَمَاعَةٍ رَوَوْهُ مَوْقُوفًا فَلِذَلِكَ لَمْ نقل بِهِ الشَّافِعِيُّ وَحَمْلُهُ إنْ صَحَّ عَلَى النَّسِيئَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ هُنَا فَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ بَلْ لَهُ مَا يُعَضِّدُهُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ وَالْآثَارِ وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ

وَكَانَ الْقَاسِمُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللحم عَاجِلًا وَآجِلًا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ قَالَ وَبِهَذَا نَأْخُذُ كَانَ اللَّحْمُ مُخْتَلِفًا أَوْ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَحْتَجُّ بِهَا فَأَمَّا فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ ونقل بعض النا س عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ تَتَّبَعْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مُسْنَدَةً قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّ التَّابِعِينَ بِأَسْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إنْكَارُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْسِ المائتين فانه تعرض بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْمَرَاسِيلِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا إلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَبَبِ كِتَابَةِ السُّنَنِ وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَقَدْ كَانَ يَحْتَجُّ بِهَا الْعُلَمَاءُ فِيمَا مَضَى مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِيُّ فَتَكَلَّمَ فِيهِ وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ فَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُذْكَرَ تَحْرِيرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمُ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِ الْأَثَرِ عَلَى مَا قاله الخطيب البغدادي بل كلهم ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وابو زرعة الدارى وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَوَفَاتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاةِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَ في ذلك ابا بكر قال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالظَّاهِرُ إذَا نُحِرَتْ جَزُورٌ وَحَضَرَهَا إمَامُ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أُنَاسٌ كثرون وَقَدْ قَالَ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فقد اعتضد هذا لمرسل

بحديث اسد مِنْ وَجْهٍ وَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُتْيَا أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانِ بن عثمان وهشام بن اسمعيل يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ مَيْسِرُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ليس المنقطع بشئ مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهَا وَلَا تَكُونُ حُجَّةً وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي مَعْرِفَةِ أُصُولِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ اختلف الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ تُتُبِّعَتْ فَوُجِدَتْ كُلُّهَا مَسَانِيدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَمُرْسَلِ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ والتراجيح بالمراسل صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَتَلْخِيصُ مَا قَالَهُ فِيهَا أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التابعين

فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ أَنْ يُسْنِدَهُ غيره من الحفاظ المأمورين بمثل معنى ماروى أَوْ مُوَافَقَةُ مُرْسَلِ غَيْرِهِ وَهِيَ أَضْعَفُ مِنْ الْأُولَى أَوْ مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ من أهل العلم يفتون بمثل معنى ماروى فَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ لِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وَصَفْتُ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ مُرْسَلُهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ فَأَمَّا مَنْ يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ كَثُرَتْ مُشَاهَدَتُهُمْ لِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يُقْبَلُ مُرْسَلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بَلْ إمَّا أَنْ يظهر موجبها فيجب أولا فَيَحْرُمُ فَإِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ شئ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً حَرُمَ الْعَمَلُ بِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ أَيْ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْمُتَّصِلِ وَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ بِهِ ثَابِتَةً وَتَظْهَرُ فائدة ذلك فيما إذا عارضه فَيُقَدَّمُ الْمُتَّصِلُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِمُجَرَّدِ اقْتِرَانِهِ بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ فُتْيَا أكثر أهل العلم ولا يرد معها أو يطلب دليل آخر مجرد كما لَمْ يَرِدْ أَصْلًا بَلْ يَجِبُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يُعَارِضُهُ أَوْ يُوَافِقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَدِلَّةِ كَالْقِيَاسِ وَشِبْهِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ مِنْ الظن والله أعلم * وقال المارودي إنَّهُ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَخَذَ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ فِي الْقَدِيمِ وَجَعَلَهَا بِانْفِرَادِهَا حُجَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ حَدِيثًا إلَّا وُجِدَ مُسْنَدًا وَلَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ رَوَاهُ مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ أَوْ وَافَقَهُ فعل أهل العصر كونه إنما أخذ عن أكابر الصحابة ومراسليه سبرت

فَكَانَتْ مَأْخُوذَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ كَوْنِ سَعِيدٍ لَا يَرْوِي أَخْبَارَ الْآحَادِ وَوُجِدَتْ مَرَاسِيلُهُ كُلُّهَا مَسَانِيدَ فَلَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَوْ مُعْتَضِدًا أَوْ مُنْتَشِرًا أَوْ مُوَافِقًا فِعْلَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَكَوْنُ مَرَاسِيلِهِ كُلِّهَا عُرِفَ أَنَّهَا عَنْ أبى هريرة رضى الله عنه لادليل على شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هِيَ أُمُورٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يثبت شئ مِنْهَا فَلَا يُعْرَفُ بَلْ قَدْ رَوَى سَعِيدٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيِّبِ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْخَطِيبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ المارودى إلَى الْجَدِيدِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْمُرَجِّحَاتِ لِلْمُرْسَلِ الَّتِي إذَا اُعْتُضِدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا صار هو مع (1) اُعْتُضِدَ بِهِ حُجَّةً عَلَى الْجَدِيدِ أَحَدُ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ قِيَاسٌ أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ فِعْلُ صحابي أو قول للاكثرين أو ينتشر فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ لَهُ أَوْ يعمل به أهل العصر أولا تُوجَدُ دَلَالَةٌ سِوَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كلام الشافعي المنقول من الرسالة أربع مرجحات (منها) مُوَافَقَةُ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَقْوَامٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمَا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) اعْتِضَادُهُ بمسند أو مرسل آخر وليسا في الكلام الْمَاوَرْدِيُّ فَإِذَا جَمَعْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ كَانَتْ الْمُرَجِّحَاتُ تِسْعَةً ثُمَّ فِي بَعْضِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا مُشَاحَّةٌ (مِنْهَا) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ سِوَاهُ كَأَنَّ الْمُرْسَلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نفسه دليلا ولم يوجد دليل سواه كان المسألة لادليل فيها أصلا ولايجوز اثبات حكم بشئ لَا يَعْتَقِدُهُ دَلِيلًا لِأَنَّا لَمْ نَجْدِ غَيْرَهُ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَلِيلٌ وَفِي غَيْرِهَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ فَيَقُولُ إنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ دَلِيلٌ غَيْرُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا

_ (1) بياض بالاصل فحرر

إنْ كَانَ مُوَافِقًا فَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِلَا إشْكَالٍ ولاغرض فِي إسْنَادِهِ إلَى الْمُرْسَلِ مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَحْدَهُ أَوْ إلَيْهِ مَعَ الْمُرْسَلِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَيْهِ أَوْ مَرْجُوحًا فَإِنْ كَانَ رَاجِحًا قُدِّمَ عَلَى الْمُرْسَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي لِمَنْ يَعْمَلُ به عند الدليل مطلقا أن يعمل به ههنا لِرُجْحَانِهِ وَهُوَ يَصِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا يَنْفَعُ التَّعَلُّلُ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فِي أَنْ يُدْفَعَ بِأَدْنَى مُعَارِضٍ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لِأَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ جَدَلِيٌّ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُسْنَدٍ فَإِذَا كَانَ الْمُسْنَدُ صَحِيحًا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِالْمُرْسَلِ (وَأَمَّا) اعْتِضَادُهُ بِمُرْسَلٍ آخَرَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْسَلُ حُجَّةً لَمْ يُفِدْ اقْتِرَانُهُ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُهُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالِانْتِشَارُ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ فَإِنْ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْمُرْسَلِ وَلَا يَصِيرُ الْمُرْسَلُ بِهِ حُجَّةً كَمَا لَوْ اقْتَرَنَ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ فَقَدْ انْضَمَّ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَغَايَةُ مَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُلَاحِظْ فِي ذَلِكَ إلَّا قُوَّةَ الظَّنِّ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ يُثِيرُ ظَنًّا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَمَا لَا يُثِيرُ ظَنًّا أَصْلًا فَإِذَا اقْتَرَنَ الْمُرْسَلُ الْمُثِيرُ لِلظَّنِّ بِأَمْرٍ مُقَوِّمٍ لِلظَّنِّ جَازَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ يَتَمَسَّكُ بِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْحَدُّ لَيْسَ مِمَّا يُضْبَطُ بِعِبَارَةٍ شَامِلَةٍ بل هو موكول إلى نظر المجتهد وههنا تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْعُلَمَاءِ وَتُفَارِقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْجَامِدِينَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ يَطْرُدُونَهَا فِي كُلِّ وَرْدٍ وَصَدْرٍ وَإِنَّمَا جَمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ التَّكَيُّفِ بِفَهْمِ نَفَسِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَرَاتِبِ الظُّنُونِ وَمَا يَقْتَضِي نَفَسُ الشَّارِعِ فِي اعْتِبَارِهِ وَالْغَايَةُ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ عَزِيزَةٌ سَبَقَ إلَيْهَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَلَوْ حَاوَلَ مُحَاوِلٌ ضَبْطَ مَا يَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الْأُمُورِ

بالموزانة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ واخد مِنْ أَوَّلِ دَرَجَاتِ الْقِيَاسِ أَوْ خَبَرٍ لِذَلِكَ قياسا واه اعتبر وما نقص عنه الغى لَمْ يَكُنْ مُبْعَدًا لَكِنَّهُ لَيْسَ كَمَالَ الْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ بَلْ هُوَ غَايَةُ مَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ لِمَنْ يَبْغِي ضَبْطَ ذَلِكَ بِقَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ وَيُؤْتِي اللَّهُ تَعَالَى وَرَاءَ ذَلِكَ لِبَعْضِ عِبَادِهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ الْوَهْمُ وَمَنْ جَدَّ وَجَدَ وَمَنْ ذَاقَ اعْتَقَدَ (وَمَنْ لم يجعل الله له نورا فماله من نور) وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بِيعَ الشَّيْرَجُ بِالسِّمْسِمِ وَكَانَ الشَّيْرَجُ الْمُفْرَدُ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي فِي السِّمْسِمِ أَوْ مِثْلَهُ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ سَلَّمُوا امْتِنَاعَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ وَبَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الِاحْتِجَاجُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّحْمَ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ كَمَالِ الِادِّخَارِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ أَصْلُهُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ لِكَوْنِ الدَّقِيقِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الْحِنْطَةِ مَجْهُولَ الْقَدْرِ بِدَلِيلِ أن الحنطة بالحنطة واحدهما أَجْوَدُ وَأَكْثَرُ دَقِيقًا مِنْ الْأُخْرَى جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي فِي الثَّانِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمُرْسَلَ يُعْتَبَرُ بِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً بِمُجَرَّدِهِ وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَقَدْ نَظَرْتُ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأُمِّ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا لكن فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً قَوِيَّةً وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِتَعَسُّفٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لا يعلف الزبير مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَيْفَ قبلتم عن

ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ فَقَالَ قُلْنَا لَا يُحْفَظُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ على تشديده وَلَا أَثَرَهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يُسَمِّي الْمَجْهُولَ وَيُسَمِّي مَنْ يَرْغَبْ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَيُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَلْقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الَّذِي لا يوجد له شئ يسدده ففرقنا بينهم لافتراق احاديثم وَلَمْ نُحَابِ أَحَدًا وَلَكِنَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ صِحَّةِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةً مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ إلَى سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ ذلك فالسنة ثابة عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ مَعَ السُّنَّةِ حُجَّةٌ وَلَا فِيهَا إلَّا اتِّبَاعًا مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ مُبْتَدَأً وَمَخْرَجًا فَهَذَا مَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِذَلِكَ وَتَأْوِيلُهُ ممكن على بعد وليس كما توهمه بَعْضُ الضُّعَفَاءِ مِنْ أَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مُسْنَدَةً فَيَكُونُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمُسْنَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَوَهُّمُ أَنَّ الْإِسْنَادَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمَّا كَانَ حَالُ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا مُسْنَدًا عَنْ ثِقَةٍ حُمِلَ هَذَا الْمُرْسَلُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ فَيُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ وَأَشَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ الصَّغِيرَ مِنْ الْقَدِيمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرَهُ قَالُوا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي آجَالِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ أَنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ قَالَ وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا قَبُولَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى الْقَدِيمِ. قَالَ الْمُزَنِيّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فَصِيلًا بِجَزُورٍ قَائِمِينَ جَازَ ولايجوز مذبوحين لانهما طعامان لا يحلان الامثلا بمثل وهذا اللحم وهذا حيوان

فهما مختلهان فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقِيَاسِ إنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ مِمَّنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَأْخُذُ بِهِ وندع القياس. وقد قال الْمُزَنِيّ فِي هَذَا الْكَلَامَ إلَى الْجَوَازِ بِشَرْطَيْنِ أحدهما أن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ يَعْنِي مُخَالِفٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَقَدْ احْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا الرِّبَا لِعَسُرَ كَالدَّرَاهِمِ مَعَ الطَّعَامِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُنَا وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ رِبًا أَجْوَزَ وَيُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ اللحم بالثوب وبالجلد وبانه لاعتبار بِاللَّحْمِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَمَا جَازَ وَلَكَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالدَّرَاهِمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكَّى فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَيْتَةِ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى جواز بيعه دل على اعْتِبَارِهِ. وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ بِمَنْ يَكُونُ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافٌ قَالَ ابْنُ دَاوُد يَكُونُ مَعْنَاهُ مِمَّنْ يُعَدُّ خِلَافُهُ خِلَافًا حَتَّى يَثْبُتَ الِاخْتِلَافُ بِقَوْلِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ اعْتِمَادًا عَلَى تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الثَّوْبِ أَنَّ الثَّوْبَ وَالْجِلْدَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَلَا فِيهِ رِبَوِيٌّ وَالْحَيَوَانُ فِيهِ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْمِلْحُ وَالْجِلْدُ فَيُشْبِهُ قِشْرَ الْفُسْتُقِ يَجُوزُ بيعه بلب الفستق ولا يحوز بَيْعُ الْفُسْتُقِ فِي قِشْرِهِ بِلُبِّهِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّ ذلك إذَا بِيعَ بِغَيْرِ اللَّحْمِ أَمَّا إذَا بِيعَ بِاللَّحْمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَسْئِلَةً يُمْكِنُ أَنْ نُورِدَهَا مِنْ جِهَةِ الْخَصْمِ وَأَجْوِبَتَهَا (مِنْهَا) حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ لِلتَّحْرِيمِ (وَمِنْهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي ذُبِحَ وَلَمْ يُسْلَخْ جِلْدُهُ وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا ينطلق عليه اسم حيوان (وَمِنْهَا) عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمْلُ الْعَنَاقِ

عَلَى الْمَذْبُوحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ (وَمِنْهَا) حَمْلُهُ على أن الحزور كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ فَنُحِرَتْ لِتُفَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ بيعها وأجابو عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ لَمْ يَخْفَ أَمْرُهَا عَلَى النَّاسِ وَأَنَّهُ لَا يحوز بَيْعُهَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى الْخَصْمِ بأن المرسل عنده حجة وهندنا هل المرسل حُجَّةٌ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى قَبُولِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَحْمٍ ظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِلَحْمٍ مِثْلِهِ فَالْمُمَاثَلَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ المماثلة في الوصف الذى ذكره وهو كون يُؤْكَلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَمْ يذكره بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بَيْعَهُ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ يُؤْكَلُ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَلَحْمِ الْجَزُورِ بِجَزُورٍ وَلَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُهُ بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ مِثْلَ لَحْمِ الْجَزُورِ بِالشَّاةِ (إنْ قُلْنَا) اللُّحْمَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِنْ قُلْنَا) أَصْنَافٌ فَطَرِيقَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ فِيمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وهى

الصَّوَابُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ (وَالثَّانِيَةُ) فِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ السُّنَّةِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا فِيهِ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وأحمد وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَيَوَانَ أَجْنَاسٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ إذَا صَارَ لَحْمًا لِشُمُولِ اسْمِ اللَّحْمِ لِلْجَمِيعِ وَإِذَا كَانَ لَحْمٌ وَحَيَوَانٌ يَخْتَلِفُ أَصْلُ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْجَمِيعُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ جَزَمَ بِالْجَوَازِ قَالَ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ سُلَيْمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الذى ذكرناه هُوَ فِي هَذَا يَعْنِي أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ * وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ

صِنْفِهِ وَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا عُمِلَ بِهِ لِاعْتِضَادِهِ بِأَثَرِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا اُعْتُضِدَ بِهِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْمَأْكُولِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَكِنَّا نُعَدِّيهِ إلَى مَنْعِهِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَخْرُجَ مَوْرِدُ الْأَثَرِ الَّذِي يُقَوِّيهِ الِاعْتِضَادُ. (فَرْعٌ) بَيْعُ اللَّحْمِ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (قُلْتُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ (قُلْتُ) فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في حكم اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ (إنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لم يجز والاجاز وَالرُّويَانِيُّ جَعَلَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ السَّمَكُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ (فَإِنْ قُلْنَا) مِنْ جِنْسِهِ (1) (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الرِّبَا وَقَالَ المارودي في جواز بيع الحيوان بالسمك وجهين مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ لَا. (فَرْعٌ) بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالسَّمَكِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمَكِ هَلْ هُوَ صِنْفٌ من اللحم أولا قال الرويانى اختيار الماسرخسى (ان قلنا) السمك (2) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ قُلْنَا مِنْ سَائِرِ اللُّحُومِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) جِنْسٌ آخر فقولان (قلت)

_ (1) بياض بالاصل فحرر (2) كذا بالاصل فحرر

وَمُرَادُهُمَا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ السَّمَكُ الْمَيِّتُ فَلَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِسَمَكٍ حَيٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ رَاعَيْنَا أَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيْتِهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا بِلَحْمِ سَمَكٍ فَيُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ جَعَلْنَا السَّمَكَ الْحَيَّ كَالْحَيَوَانِ صَارَ ذَلِكَ كَبَيْعِ حَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ وَهُوَ جَائِزٌ وَصَوَّرَهَا الرَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي لَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَهُوَ أَبْيَنُ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّفُ اللَّحْمُ عَلَى السَّمَكَةِ الْكَامِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَالْأَقْرَبُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي ذَلِكَ (إنْ قُلْنَا) إنَّ السَّمَكَ يُسَمَّى لَحْمًا فَإِنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ راعينا المعنى يخرج على الوجهين يَعْنِي فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا جَازَ سَوَاءٌ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ أَوْ الْمَعْنَى وَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ أَعْنِي مَا سَلَكَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ قول ابن أبى هريرة فال لانه لا يطلق عليه لحم أي لايدخل السَّمَكُ فِي اسْمِ اللَّحْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ والمراد بذلك والله أعلم ما قال أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ بَاعَ لَحْمًا بِسَمَكَةٍ حَيَّةٍ أَوْ لَحْمَ السَّمَكِ بِحَيَوَانٍ حَيٍّ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ اللُّحُومِ كَانَ كَلَحْمِ غَنَمٍ بِبَقَرٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ عَلَيْهِ.

(فَرْعٌ) بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْعَظْمِ جَائِزٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ بِالْحَيَوَانِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ وَأَوْرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى لَحْمًا روى أن نبيا شكى إلَى اللَّهِ تَعَالَى الضَّعْفَ فَأَوْحَى إلَيْهِ أَنْ كُلْ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ يَعْنِي اللَّحْمَ بِاللَّبَنِ وَقَالَ الشَّاعِرُ يُطْعِمُهَا اللَّحْمَ إذَا عَزَّ الشَّجَرْ * وَالْخَيْلُ فِي إطْعَامِهَا اللَّحْمَ ضَرَرْ يَعْنِي أَنَّهُ يُطْعِمُهَا اللَّبَنَ عِنْدَ عِزَّةِ الْمَرْعَى وَأَجَابَ بِأَنَّ تَسْمِيَةَ العرب اللبن لحما استعارة ومجاز لاحقيقة أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّبَنِ متفاضلا ولا يحنث باللبن إذا حاف على اللحم.. قال المصنف رحمه الله تعالى . (وفى بيع اللحم بحيوان لا يؤكل قولان (أحدهما) لا يجوز للخبر (والثانى) يجوز لانه ليس فيه مثله فجاز بيعه كاللحم بالثوب) . (الشَّرْحُ) الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ عَنْهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْقِيَاسُ الْجَوَازُ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّ قَوْلَ الْجَوَازِ قَالَهُ الرَّبِيعُ وَإِنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ هُوَ الصَّحِيحُ وكذلك قال البغوي في التعذيب ان الاصح

المنصوص في أكثر الكتب لا يجوز الخبر الظاهر (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ يَعْنِي كُتُبَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ مَنْصُوصًا فِي الْأُمِّ (1) مِنْ بَيْعِ الْآجَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَفَّالِ الْمَنْعُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْمَنْعَ إشَارَةً إلَى تَرْجِيحِ الْقَفَّالِ وهو الذي جزم به الصميرى فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الصحة وجزم له فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَلَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يُبَاعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ بِاللَّحْمِ الْمَوْضُوعِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ قِيلَ وَلَا يُبَاعُ لَحْمٌ بِحَيَوَانٍ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ دَلِيلُ تَرْجِيحِهِ وَبَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْخَبَرُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ خَبَرُ سَعِيدٍ الْمُرْسَلُ عَلَى أَثَرِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِذَلِكَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَثَرِ وَاَلَّذِي عَضَّدَهُ الْأَثَرُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْعَنَاقِ بِلَحْمِ الْجَزُورِ وَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا فَتَبْقَى دَلَالَةُ الْمُرْسَلِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُجَرَّدَةً عَمَّا يُعَضِّدُهَا وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُتَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ تَعَاضُدٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ وَشِرَائِهِ الشَّاتَيْنِ بِدِينَارٍ وَبَيْعِهِ إحداهما بدينار وعمل فِي الْحُكْمِ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ دُونَ الْمُخَالِفِ لَهُ لِمَا كَانَ مُرْسَلًا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي

_ (1) بياض بالاصل فحرر

مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ إنَّ الِاعْتِضَادَ وَإِنْ امْتَنَعَ بِالْأَثَرِ فَهُوَ حَاصِلٌ بِأُمُورٍ أُخْرَى (مِنْهَا) قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَانْتِشَارُهُ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ وَالْقِيَاسُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْخَبَرِ عَلَى مَا تَمَهَّدَ أَوَّلًا وَإِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَا ذكرته هناك فهو وارد عن الاعتضاد بالاكثر وَلَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَلَوْ ثَبَتَ اتِّصَالُهُ وَصِحَّتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ في بيع الشاة باللحم مَأْكُولَةٌ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ عُمُومٌ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْمَأْكُولِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ عَضَّدَهُ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ بِالْمَأْكُولِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي قَدْ يُتَخَيَّلُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا مُنْدَفِعٌ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَعْنًى آخَرُ يُعَلَّلُ بِهِ فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا الْوَصْفِ مَعْنًى مُخَيَّلٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد فيما علق عنه البندنيجي إن الْأَقْيَسَ الْجَوَازُ وَبِالْمَنْعِ جَزَمَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي الْعِلَّتَيْنِ وَبِمَا يَتْبَعُ حَمْلُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ (وَالثَّانِي) قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ دليل المسألة (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي أَشَارَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ فَعَلَيْهِ تُبْتَنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَغَيْرُهَا وَبَنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الشَّاةِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِنَا الْأَصْلُ فِيهَا اتباع القياس أن لادليل فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ الْقِيَاسِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْخَبَرُ

فيه على قياس أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ يُسْتَنَدُ فِيهِ إلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ مَعْنًى وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ تَعَبُّدًا امْتَنَعَ قياس غيره عليه والا اجاز ولابد هنا من ملاحضة أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْعَامَّ إذَا اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ هَلْ يَجُوزُ فَإِنَّ الخبر هام فِي الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطُ وَهُوَ مُلَاحَظَةُ الربا يقضتى تَخْصِيصُهُ بِالْمَأْكُولِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَلَهُ نَظَائِرُ (مِنْهَا) لَمْسُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي إخْرَاجُهُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) لَا يُبَاعُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ وَالطَّيْرِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ مُطْلَقًا قَبْلَ السَّلْخِ وَلَا الْجِلْدِ أَيْضًا وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ مَعَ الْجِلْدِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ بَيْعِ الثِّمَارِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَبَيْعُ الْأَكَارِعِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ معلومة وبيع رأسها ان كان متدليا بجلدة رَقِيقَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَحْمٌ كَثِيرٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقَاطِعَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. (فَرْعٌ) بَيْعُ السَّمَكِ الْحَيِّ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) يَحِلُّ ابْتِلَاعُ السَّمَكِ حَيًّا فِي حَالِ صِغَرِهِ فَلَا يَجُوزُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَحِلُّ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَمِ بِالْغَنَمِ قَالَهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي عَصْرُونٍ فِي مَجْمُوعِهِ. (فَرْعٌ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِبَغْلٍ وَلَا بحمار ولا بعبد لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ قَالَهُ أَبُو حامد وأبو الطيب والصميرى وغيرهم.

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ شَحْمَ الْغَنَمِ بِحُوتٍ حَيٍّ لم يجز قالة الصميرى وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحُوتِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الشَّحْمَ كَاللَّحْمِ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَرْعٌ) فِي بَيْعِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالرِّئَةِ بِالْحَيَوَانِ وَبَيْعِ السَّنَامِ بِالْإِبِلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِالْمَنْعِ فِي السَّنَامِ وَالْأَلْيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَفِي الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّحْمَ وَجَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَيَوَانِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ جَوَازَ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْحَيَوَانِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَسْأَلَةِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ مَنْعَ بَيْعِ اللحم غَيْرِ الْمَأْكُولِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَضَادٌّ (قُلْتُ) تَصْحِيحُ امْتِنَاعِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمُدْرَكَيْنِ التَّعَبُّدَ بَلْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَ إلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَبَيْنَ إخْرَاجِ بَعْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قِيَاسٌ مَحْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ وُجُودُ شَرَائِطِ القياس لاغير (وَأَمَّا الثَّانِي) فَهُوَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ تَجِدُ مَعْنًى مُخَيَّلًا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ بِهِ لَا يَنْهَضُ فِي الْقُوَّةِ إلَى حيث يخص الْعُمُومُ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ عَلَى أَفْرَادِهِ

ظاهرة قوية بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لَا مُعَارِضَ لِلْمَعْنَى فيه فيتبع اللَّحْمِ بِغَيْرِ الْمَأْكُولِ تَعَارَضَ فِيهِ ظَاهِرُ الْعُمُومِ والمعنى المستنبط فتمسكنا بظاهر. وبيع الشحم ونحوخ بِالْحَيَوَانِ وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى بِدُونِ مُعَارِضٍ فَلِذَلِكَ اعمل المعنى فيه وليس تنصيص السارع عَلَى اللَّحْمِ نَافِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَقَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْبُوغًا وَإِنْ كَانَ مَدْبُوغًا فلامنع وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْجِلْدِ وَأَطْلَقَ وحكاه الرويانى عنه لانه لاربا فِي الْجِلْدِ ثُمَّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَجْهَانِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَاوِي إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْعَظْمِ أَيْضًا وَجْهًا وَاحِدًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ بَاعَ جِلْدَ الْمَذْبُوحِ مِنْ الشَّاةِ أَوْ الْوَبَرِ مِنْهُ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَالُ رِبًا (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ (قُلْتُ) هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ (وَقَوْلُهُ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ أَكْلُهُ أَعْجَبُ (وَقَوْلُهُ) فِي الْوَبَرِ أَعْجَبُ فَإِنَّ الْجِلْدَ إنْ أَمْكَنَ تَمْشِيَةُ كَوْنِهِ رِبَوِيًّا فَفَرْضُهُ فِي جِلْدٍ يُؤْكَلُ وَالْوَبَرُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَمْشِيَةُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِرَاضُ النَّوَوِيِّ على الرافعي اعتذاري عنه وذلك العذر لا يأتي ههنا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا بَاعَ جِلْدَ الْمُذَكَّاةِ بِالشَّاةِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ يَجُوزُ وأن راعينا المعنى فوحهان أولى بأن

لَا يَجُوزَ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي قُلْتُهُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى (فَإِنْ قُلْنَا) السَّمَكُ يُسَمَّى لَحْمًا وَإِنَّهُ مَعَ لُحُومِ الْبَرِّيَّةِ صِنْفٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ. (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْحَيَوَانَ بِالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الرَّأْسُ وَالْكُرَاعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ اللَّحْمِ كَانَ بَيْعُهَا بِالْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الشَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ حَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَجْهَيْنِ فَمَا وَجْهُ الْجَزْمِ فِي الرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ فِيهَا لَحْمًا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ. وَلَوْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْمَعْزِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ الصحيح أنه يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى فَهُوَ مِثْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَجُوزُ (إذَا قُلْنَا) الْأَلْيَةُ مَعَ اللَّحْمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالضَّأْنِ إنْ رَاعَيْنَا الْخَبَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ رَاعَيْنَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ بَاعَ الْأَلْيَةَ بِالْأَلْيَةِ وَاللَّحْمِ فَيَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (قَاعِدَةٌ) وَهِيَ الَّتِي وَعَدْتُ بِذِكْرِهَا فِي آخِرِ الكلام قال الامام الذى يجب التنبه لَهُ فِي مَضْمُونِ هَذَا الْبَابِ وَأَمْثَالِهِ أَنَّ مِنْ الْأُصُولِ مَا يَسْتَنِدُ إلَى الْخَبَرِ أَوْ إلى ظاهر القرآن ولكن ليس القياس يتطرق إليه من طريقة الشَّرِيعَةِ فَلَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ إذَا كَانَ التَّنْزِيلُ مُتَّسِعًا لاينبو

نَظَرُ الْمُنْصِفِ عَنْهُ وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ الْأَصْلِ الَّذِي فيه وأورد الظَّاهِرِ فَإِنْ لَمْ يَتَّجِهْ قِيَاسٌ مِنْ غَيْرِ مَوْرِدِ الظَّاهِرِ لَمْ يَجُزْ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِمَعْنًى يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ يَضْمَنُ تَخْصِيصَهُ وَقَصْرَهُ عَلَى بَعْضِ المسميات فأما مالا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَعْنًى مُسْتَمِرٌّ صَائِرٌ إلَى السَّيْرِ فَالْأَصْلُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَصْفِ وَلَكِنْ قَدْ يَلُوحُ مَعَ هَذَا مَقْصُودُ الشَّارِعِ بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَهَذَا لَهُ أَمْثِلَةٌ (مِنْهَا) آيَةُ الْمُلَامَسَةِ تَرِدُ وَنَصُّ الشافعي في لمس المحارم من جهة التعليل لاجريان لَهُ فِي الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ وَمَا لَا يَجْرِي القياس فيه إثباته فلا يكاد يجرى في نفيه الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى اتِّبَاعِ اسْمِ النساء وأصح قولية أن الطهارة لاتنتقض لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُلَامَسَةِ الْمُضَافَةِ إلَى النِّسَاءِ مَعَ سِيَاقِ الْأَحْدَاثِ يُشْعِرُ بِلَمْسِ اللَّوَاتِي يُقْصَدْنَ بِاللَّمْسِ فان لم يتحه مَعْنًى صَحِيحٌ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ليس للقاتل من الميراث شئ) فالحرمان لاسبيل فيه للتعليل كما ذكرنا في الخلاف وإذا نسند مسلك التعليل اقتضى الحال المتعلق بِاللَّفْظِ فَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ نَصَّهُ فِي الْقَتْلِ قِصَاصًا فَوَجْهُ الْحِرْمَانِ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ مَعَ حَسْمِ التَّعْلِيلِ وَوَجْهُ التَّوْرِيثِ التَّطَلُّعُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ وَلَيْسَ يَخْفَى أَنَّ مَقْصُودَهُ مُضَادَّةُ غَرَضِ الْمُسْتَعْجِلِ وَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْقَانُونَ فَمَنْ عَمَّمَ

تَعَلَّقَ بِقَوْلِ الشَّارِعِ وَمَنْ فَصَّلَ تَشَوَّفَ إلَى دَرْكِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ لَحْمًا وَمَنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ نَقَلَ تَرَتُّبَ كَلَامِهِ فَيُقَرِّبُ بَعْضَ الْمَرَاتِبِ وَيُبْعِدُ بَعْضَهَا فَالْقَتْلُ قِصَاصًا أَقْرَبُ قَلِيلًا وَالْقَتْلُ حَدًّا سِيَّمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعِيدٌ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَنْعُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَى الْعِلْمَ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادَ الشَّارِعِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ (فائدة) قوله في بعض ألفاظ الْحَدِيثُ لَا يُبَاعُ حَيٌّ بِمَيِّتٍ الْمَيِّتُ فِي اللُّغَةِ مَنْ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ فَيَشْمَلُ الْمَذْبُوحَ وَفِي الشَّرْعِ مَنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا قُوبِلَ بِالْحَيِّ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يُبَاعُ بِحَيٍّ ولا بغيره وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى . (ويجوز بيع اللحم بجنسه إذا تناهى جفافه ونزع منه العظم لانه يدخر على هذه الصفة فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخري يجوزكما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ويخالف النوى في التمر فان فيه مصلحة له وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له)

(الشرح) تقدم الكلام في أنه يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالطَّرِيِّ وَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ الْآنَ يَذْكُرُ حُكْمَهُ إذَا جَفَّ وَجَوَازُ بَيْعِهِ جافا وأشترط التَّنَاهِي فِي الْجَفَافِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ انْتِهَاءَ جَفَافِهِ بِأَنْ يُمَلَّحَ وَيَسِيلَ مَاؤُهُ قَالَ فَذَلِكَ انْتِهَاءُ جُفُوفِهِ فَإِذَا انْتَهَى بِيعَ رِطْلٌ بِرِطْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ صِنْفٍ وقد تقدم شئ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَجَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ نَفَى الْخِلَافَ فِيهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ التَّمْرَ إذَا نُزِعَ مِنْهُ النَّوَى يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ التَّمَاثُلِ فِيهِ إذَا نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ يَكُونُ أمكن وبأن بقاء النوى في التمر مَصْلَحَتِهِ وَبَقَاءَ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِمَا فِي الْعَظْمِ مِنْ الْمُخِّ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمِلْحُ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الاصحاب أطلقو الْجَوَازَ فِي ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّحْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمِلْحِ مَا يَظْهَرُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَا مُمَلَّحَيْنِ بِالْمِلْحِ بِأَنْ ينثر عليهما الملح أو شئ مِنْ الْكُزْبَرَةِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْمِلْحِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ. أَمَّا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ غَيْرُ مَنْزُوعِ الْعَظْمِ فَالْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ

وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَعَزَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَنْعَ إلى أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مَعَ نَقْلِهِ الْجَوَازَ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ وَزَعَمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ الطَّبَرِيَّ نَسَبَ الْجَوَازَ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِهِ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ عَلَى الْوَهْمِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّوْجِيهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَلْ بَقَاءُ الْعَظْمِ يَزِيدُهُ فَسَادًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمِمَّنْ صرح بتصحيحه المارودي فِي الْحَاوِي وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالُوا إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وقال الامام ان إلَيْهِ مِثْلَ الْأَكْثَرِينَ وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى خِلَافِ مَا قال أبو إسحق وَلَا يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ التَّهْذِيبِ جَزْمٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ الْمَنْزُوعِ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِخُرُوجِهِ بِالنَّزْعِ عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَاللَّحْمُ الْمُقَدَّدُ كَامِلٌ سَوَاءٌ نُزِعَ مِنْهُ الْعَظْمُ أَمْ لَمْ يُنْزَعْ وَمِمَّنْ وَافَقَ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ عَلَى تَصْحِيحِ الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشافيى وَقَاسَهُ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ مَعَ النَّوَى وَقَدْ فَرَّقَ بِأَنَّ بَقَاءَ النَّوَى مِنْ مَصْلَحَةِ التَّمْرِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْعَظْمِ مِنْ مَصْلَحَةِ اللَّحْمِ كَذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا جَرَّهُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ (وَأَمَّا) بَيْعُ الْجَافِّ بِالطَّرِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْزُوعَ الْعَظْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَخِذِ بِالْجَنْبِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَفَاوُتِ أَقْدَارِ الْعِظَامِ كَتَفَاوُتِ النَّوَى وَقَالَ الْإِمَامُ يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ بيع العضو الذى يجئ مِنْهُ مِقْدَارٌ صَالِحٌ مِنْ اللَّحْمِ بِعُضْوٍ لَمْ يقطع من لحمه شئ فَإِنَّ الْعَظْمَ الْبَاقِي فِي الْعُضْوِ لَا يَحْتَمِلُ فَإِنْ قَلَّ الْمِقْدَارُ الْمَقْطُوعُ بِحَيْثُ لَا يُبَالَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُخْرِجَ الْعَظْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بِيعَ بِمَا فِيهِ الْعَظْمُ لَا يَجُوزُ. (فَرْعٌ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ جِلْدٌ أَمَّا لَوْ كَانَ عليه جلد قال المارودي إنْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ أَيْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَيْعِ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مَعَ جَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ كان رقيقا يؤكل كجلود الحدأ وَالدَّجَاجِ فَوَجْهَانِ كَالْعَظْمِ وَلُحُومِ الْحِيتَانِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مَمْلُوحًا لِأَنَّ الْمِلْحَ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ وَلَكِنْ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوحٍ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا فَيَجُوزُ طَرِيًّا وَيَابِسًا وَمَمْلُوحًا. (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُوتِ بَعْضُهُ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مُمَلَّحًا وَلَكِنْ يَجُوزُ إذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مُمَلَّحٍ. (فَرْعٌ) لَوْ ضَمَّ عَظْمًا مِنْ عُضْوٍ آخَرَ إلَى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم اولا عَظْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ كَمَا لَوْ ضَمَّ النَّوَى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَلَا يَجُوزُ بيع بيض الدجاج بدجاجة في جوفها بيض لانه جنس فيه ربا بيع بما فيه مثله فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان) . (الشرح) الحكم المذكور جزم فيه القاضى وأبو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ وأن الربا يجري في البيض. قال المارودي إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْحَمْلِ هَلْ يَكُونُ تَبَعًا أَوْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْضَ كَالْحَمْلِ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ جَازَ بَيْعُ الدَّجَاجَةِ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ بِالْبَيْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالتَّبَعِ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ عَلَّلَ وَالِدِي رحمه الله القول الاول بأنه كالمستهلك مادام فِي جَوْفِهَا وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا وَجْهَيْنِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِيهِ قَالَ وَيُخَالِفُ اللَّبَنُ لِأَنَّ اللبن

يُمْكِنُ حَلْبُهُ فِي الْحَالِ وَالْبَيْضُ لَا يُمْكِنُ فَلَا يُقَابِلُهُ بِالْعِوَضِ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَوَافَقَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ إلَّا فِي تَعْبِيرِهِ عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ وَسَوَّى الرَّافِعِيُّ بَيْنَ بَيْعِ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ وَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ وَبَيْعُ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجِ الْخَالِي عَنْ الْبَيْضِ جَائِزٌ وَبَيَاضُ الْبَيْضِ وَصَفَارِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بيض الدجاج تنبيه على أن البيض جائو وهو الذى قاله الصميرى وَجَعَلَهُ كَالْأَلْبَانِ لِأَنَّهُ يُفَارِقُ بَائِضَهُ حَيًّا وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَيْضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ إنْ جَعَلْنَا اللحوم أجناسا وان جعلناها واحدا فهى أجناس أَيْضًا الْخِلَافَ كَذَلِكَ وَجَزَمَ بِأَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ لَيْسَ صِنْفًا مِنْ لَحْمِهِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ بَيْضَ السَّمَكِ هَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ لحم السمك لانه لا يُؤْكَلُ مَعَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَنَّ اللُّحُومَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ. وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَوْفِهَا بَيْضٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِبَيْضِ الدَّجَاجِ وَهُوَ

كقولك ببيع الشاه التى لالبن فيها وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ بَيْعَ الْبَيْضِ بِالدَّجَاجَةِ كَبَيْعِ اللَّبَنِ بِالشَّاةِ فَيُفْهَمُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ التَّفَاصِيلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى إعَادَةِ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضَةِ بِالدَّجَاجِ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ بَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ لَمْ تَكُنْ حَيَّةً فَارَقَهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّحْمِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ بالحيوان. (فروع) نختم بها باب الربا الهيلج والبليج والاملج والقمونها وَسَائِرُ الْأَدْوِيَةِ رِبَوِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مَطْعُومٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَطَعْمُهَا لِرَدِّ الصِّحَّةِ كَمَا أَنَّ طَعْمَ غَيْرِهَا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي السَّقَمُونْيَا وَكُلِّ مَا يُهْلَكُ كَثِيرُهُ وَيُسْتَعْمَلُ قَلِيلُهُ وَالطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ رِبَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَالْخُرَاسَانِيِّ لَيْسَ رِبَوِيًّا خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَمَ السِّيرَافِيُّ حُكْمَ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالطَّفْلُ الْمِصْرِيُّ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ قَالَهُ نَصْرٌ وغيره.

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْجَوَابِ عن اعتراض المالكية وقولهم إن كل شئ له طعم قال انا لا نعتبر حاله وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا يُطْعَمُ غَالِبًا. وَالِاعْتِبَارُ فِي الطعم بما يعد له في حال الاعتدال والرفاهية دون سني الازم وَالْمَجَاعَةِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ. (فَرْعٌ) الرِّبَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ جَرَيَانَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فَأَمَّا بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَبَيْنَ مُسْلِمِينَ لم يهاجرا أو أحداهما فَلَا رِبَا وَقَالَ إنَّ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا تَعَاقَدَا عَقْدَ الرِّبَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فُسِخَ عَلَيْهِمَا فَالِاعْتِبَارُ عِنْدَهُ بِالدَّارِ وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِدِ فَإِذَا أَرْبَى الَّذِي فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَعَ الذِّمِّيِّ لَمْ يُفْسَخْ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ وَهَكَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ مَكْحُولٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاربا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَبِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَالْعَقْدُ أَوْلَى وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَدِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلرِّبَا فَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الشِّرْكِ كَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي وَلِأَنَّهُ

عَقْدٌ فَاسِدٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُقُودُ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاسْتِدْلَال إنْ كَانَ أَبُو حنيفة يوافق على فساده وأما حديث (1) فَمُرْسَلٌ إنْ صَحَّ الْإِسْنَادُ إلَى مَكْحُولٍ ثُمَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ نَهْيًا فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهِ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ وَاعْتُضِدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْعُمُومَاتِ وَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَمَمْنُوعَةٌ فَكَذَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْأَمَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ دار السلام يُسْتَبَاحُ مَالُهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ثُمَّ لَيْسَ كُلُّ مَا اُسْتُبِيحَ بِغَيْرِ عَقْدٍ اُسْتُبِيحَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْفُرُوجِ تُسْتَبَاحُ بِالسَّبْيِ وَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ. وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ على أنه لاربا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ غِلَاطٍ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاجْتَمَعَ بِهِ فِي الْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ الْمَشْهُورَةِ دَلَّ كَلَامُ الْعَبَّاسِ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ حِينَئِذٍ ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي مِنْ بَعْدِ إسْلَامِهِ إلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَلَوْ كَانَ الرِّبَا الَّذِي بَيْنَ المسلم والحربي موضوعا

_ (1) كذا بالاصل فحرر

لكان ربا العباس موضعا يَوْمَ أَسْلَمَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ لَهُ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ إسْلَامِهِ فَيَكْفِي حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّبَا وَلَوْ اسلم اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْشَاءَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَقْرِيرَهَا مِنْ يَوْمئِذٍ. (فَرْعٌ) جَرَيَانُ الرِّبَا فِيمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ ثَبَتَ الرِّبَا بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَوْ بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ فَمِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّمَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى فَجَعَلَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الرِّبَا بَعْدَ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا وَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ فَقِيَاسُهُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ ويكال أولى من قياسه على مالا يُكَالُ وَلَا يُؤْكَلُ فَجَعَلَهُ مُلْتَحِقًا بِالْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الشَّبَهِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ تَرْجِيحًا لِلْعِلَّةِ (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْآخَرُونَ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ

ان شاء الله وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمَأْكُولَ الْمَوْزُونَ لَا يُقَاسُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ بَلْ يُقَاسُ عَلَى الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ فَيَكُونُ الْوَزْنُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ مِنْ نَصِّهِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْآجَالِ فِي الصَّرْفِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ فِي مَعْنَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كُلَّ مَكِيلٍ وَمَشْرُوبٍ بِيعَ عَدَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَانِ القولان حكاهما الماوردى وقال الرويانى قال الماسرخسى قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ عِلَّتِهِ فِي الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا أَلْحَقَ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ الْمَعْدُودَاتِ بِهَا مِنْ طَرِيقِ عليه الشبه المسألة عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَأَفَادَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ أَنَّ الْأَوَّلِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ رُجُوعِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عِلَّتِهِ في القديم بل ألحق بها شئ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَعْتَضِدُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَقِيبَ مَذْهَبِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقَدِيمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يُشْتَرَطُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَقَالَ ابن داود في الشرح الْمُخْتَصَرِ مُجِيبًا عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ مَا دَامَ يَجِدُ زِيَادَةَ تَقْرِيبٍ وَاجْتِمَاعٍ فِي الْمَعَانِي بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ بذلك وحيث عَدَمِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ الْعَامِّ ان وجده فِي مِثْلِ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ بِالطَّعْمِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ (قُلْتُ) وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ الْمَوْزُونَةَ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْمَكِيلَةِ وَالْمَوْزُونَاتِ ثُمَّ نَقِيسُ الْمَطْعُومَاتِ النَّادِرَةِ عَلَى الْمَطْعُومَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوْزُونَةٍ وَلَا مَكِيلَةٍ وانما رتبنا هذا الترتيب لان الشئ انما يقاس بالشئ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ مُشَابَهَةٌ باخص أوصافه إذا الْقِيَاسُ تَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ فَنَقِيسُ الْمَكِيلَاتِ غَيْرَ الْمَنْصُوصِ عليها لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ثُمَّ نَقِيسُ عليها الموازنات لانها تشبهها في أن كلا منها مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ (فَإِنْ قُلْتَ) وهذا الكلام الذى نقلتموه عن الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ مِنْهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَيُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (قُلْتُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي قِيسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِثْلَ قِيَاسِ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ

ثُمَّ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأُرْزِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَيُقَاسَ عَلَيْهِ النَّيْلُوفَرُ فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ يَجُوزُ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ بَصُرْتُ فِي التَّبْصِرَةِ جَوَازَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْخَطِيبِ الْمَنْعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْأَصْلُ الْقَرِيبُ بِالْأَصْلِ الْبَعِيدِ إنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي يُلْحَقُ بِهَا الْفَرْعُ بِالْأَصْلِ الْقَرِيبِ أَمْكَنَ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ الْبَعِيدِ فَيَصِيرُ الْقَرِيبُ لَغْوًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا لَزِمَ تعليل الاصل القريب بعلتين (احدهما) عَدِيمَةُ الْأَثَرِ وَهِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَصْلِ الْبَعِيدِ وَيَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بعلتين مستنبطين أولا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّيًا لِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مِثَالُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ إنَّ ذِكْرَ الْقَرِيبِ يَكُونُ لَغْوًا مَمْنُوعٌ بَلْ ذَلِكَ لِقُوَّةِ التَّقَارُبِ بَيْنَهُمَا الَّذِي هو المقصود في القياس فان مابين الْمَطْعُومِ النَّادِرِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وبين المطعوم غالبا لمكيل أَوْ الْمَوْزُونُ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْعُومِ الْعَامِّ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى نَعَمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ يُقَرَّرُ فِي حَقِّ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ دَفْعَ خَصْمِهِ بِأَقْرَبِ الطُّرُقِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ الطرق إلَى طَرِيقَةِ الْمُنَاظِرِ الَّذِي يَقْصِدُ تَحْقِيقَ الْأَشْيَاءِ وَتَقْرِيبَ الْمَأْخَذِ مِمَّا أَمْكَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ

وَابْنِ دَاوُد الشَّارِحِ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُرُودَ هَذَا السُّؤَالِ عَلَيْهِ بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَلْحَقَ الْقَرِيبَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ أَلْحَقَ الْبَعِيدَ بِهِمَا لَا بِالثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَلَ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً وَلَكِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ وَالْمُسْتَنْبَطُ لَا يَدَّعِي الْعُبُورَ عَلَى الْعِلَّةِ قَطْعًا فَإِلْحَاقُ المطعوم المكيل بالمنصوص عليه لاشك أَنَّهُ أَقْوَى وَأَشَدُّ شَبَهًا فَيَكُونُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ أَتَمَّ وَالْمَطْعُومُ غَيْرُ الْمَكِيلِ قَارٌّ فِيهِ وَصْفٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَجَّحَ خِلَافُهُ فَكَذَلِكَ بَعْدُ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّرْتِيبِ مَعْنًى بَلْ حَيْثُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ أُلْحِقَ بِالْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ فِيهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ حَدُّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا كُلُّ مَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى هَيْئَةِ مَا يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ تَغَذِّيًا أَوْ ائْتِدَامًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعَ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ لِنَفْعِ الْبَدَنِ. (فَرْعٌ) مَا يَأْكُلُهُ بَنُو آدَمَ وَالْبَهَائِمُ جَمِيعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ أَغْلَبُ حَالَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْآدَمِيِّينَ فَفِيهِ الرِّبَا كَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَكْلَ الْبَهَائِمِ فَلَا قَالَ الرُّويَانِيُّ كَالرَّطْبَةِ وَإِنْ اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى وجهين (الصحيح) أن فيه الربا ولاربما فيما تأكله البهائم كالقرط والنوى والحشيش.

(فرع) لاربا فِي الرَّيْحَانِ وَالنَّيْلُوفَرِ وَالنِّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ إلَّا أن يذيب شئ مِنْهَا بِالسُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَلَا فِي الْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَالْكَافُورِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَلَا الْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ ولافى القرطم عند الصيمري ولافى آس واذخر والخضروات الَّتِي تُؤْكَلُ فِي الرَّبِيعِ وَيَثْبُتُ الرِّبَا فِي الْأُتْرُجِّ وَاللَّيْمُونِ وَالنَّارِنْجِ وَاللِّبَانِ وَالْعِلْكِ وَالْمَصْطَكَى وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْمَجْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَاللَّوْزُ وَالْمُرُّ وَالْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَالْبَلُّوطُ وَالْقِثَّاءُ وَحَبُّ الْحَنْظَلِ والهيلج والبيلج والشراملج قاله الصيمري والدخن الجاروس والخردل والشونيز والشهرابح وَالْبُطَمُ وَالزَّنْجَبِيلُ الْمُرَبَّى وَالسَّقَمُونْيَا وَجْهٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَالطَّرِبُونَ وَالْجَزَرُ وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ والدآه والهنسل وفى السقمويا وَنَحْوِهِ وَفِي مَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ وَالصَّمْغِ وَبِزْرِ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالسَّلْجَمِ والماء والادهان المطببة وَالْبُرْدِ وَدُهْنِ السَّمَكِ وَصِغَارِ السَّمَكِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَالطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا وَهُوَ الْأَرْمَنِيُّ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ بَعْضُ مَيْلٍ إلَى أَنَّ دهن السَّمَكِ مَطْعُومٌ فِيهِ وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْعَادَةِ فِي انْصِرَافِهِ عَنْ الطَّعْمِ قَالَ وَهَذَا غَامِضٌ عَلَيْهِمْ قَالَ والوجه عندنا تخريج من هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمَأْكُولِ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ عَنْ الْأَصْلِ لِغَرَضِ الْعَادَةِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ مَنَعْنَا بَلْعَ السَّمَكَةِ حَيَّةً فَلَيْسَ السَّمَكُ مَالَ رِبًا وَإِنْ جَوَّزْنَا بلعها فقد

تَرَدَّدَ شَيْخِي فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بأنه لا ربا فيها لانها لاتعد لِهَذَا وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ فَإِنَّ الصِّغَارَ هِيَ الَّتِي تُبْتَلَعُ فَلِذَلِكَ قَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْغَايَةِ الْخِلَافَ عَلَيْهَا وَجَزَمَ فِي الْكِبَارِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِرِبَوِيَّةٍ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي السَّمَكِ الصَّغِيرِ إذَا جَوَّزْنَا ابْتِلَاعَهُ وَفِي الْجَرَادِ الْحَيِّ بِجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ جَرَادَةٌ بِجَرَادَةٍ يَعْنِي فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِي الْحَاوِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي السَّمَكِ الْكِبَارِ أَيْضًا لِأَنَّ حَيَّ السَّمَكِ فِي حُكْمِ مَيِّتِهِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَا رَأَيْتُهُ فِي الْحَاوِي فِي الْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْكَتَّانِ أَنَّهُ رِبَوِيٌّ وَكَذَلِكَ فِي الْبُذُورِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي ماء الزنجيل وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الحاوى أن الاصح لاربا فِي الْقُرْطُمِ وَحَبَّ الْكَتَّانِ وَفِي الزَّنْجَبِيلِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعِنْدِي الْأَصَحُّ فِي حَبِّ الْكَتَّانِ جريان الربا لانه يؤكل عادة وليست (1) وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّمْغَ رِبَوِيٌّ قال الصيمري لاربا في دهن القرطم والقرع والبان والمحلب ولآس لان أصولها لاربا فِيهَا (قُلْتُ) أَمَّا الْقُرْطُمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ المارودي أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُهُ رِبَوِيًّا (وَأَمَّا) الْقَرْعُ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ رِبَوِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدُّهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ مَا لَا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ صَرِيحًا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي الطِّينِ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ رِبَوِيٌّ وَفِي دُهْنِ الْوَرْدِ وَجْهَانِ

قَالَ الْإِمَامُ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَعَلَّهُ لِأَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُتْرَكُ ضِنَةً بِخِلَافِ دُهْنِ الْوَرْدِ لَا يُتْرَكُ لِلضِّنَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَهُ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ الْمَعْلُوفُ الَّذِي يُطْبَقُ بِالسِّمْسِمِ وَيُعْصَرُ وَبِدُهْنِ الْوَرْدِ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الْوَرْدُ وَيَمْتَزِجُ بِهِ وَالْحَقُّ التَّسْوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ قَوْلَ الْإِمَامِ وَلَسْتُ أَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ لَا يَتَّجِهُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ فَلَعَلَّ الْعَادَةَ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ وَعُرْفِ النَّاسِ فِيهِ أَنَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ يُؤْكَلُ أَوْ يَسْتَصْلِحُونَهُ لِلْأَكْلِ ثُمَّ يَتْرُكُونَ أَكْلَهُ ضِنَةً بِهِ فَلِهَذَا كَانَ رِبَوِيًّا عِنْدَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْعَادَةُ فِي دُهْنِ الْوَرْدِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ لَيْسَ مَأْكُولًا عِنْدَ غَالِبِ النَّاسِ فَلِهَذَا تَرَدَّدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا يَحْرُمُ على المحرم اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فَإِنَّا ذَكَرْنَا خِلَافًا فِي دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَ الْخِلَافَ وفرق بعادة الناس. قال الامام وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ فِي اللِّبَانِ وَدُهْنِهِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ دُهْنَ اللِّبَانِ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالُوهُ. (فَرْعٌ) الْوَزْنُ عِنْدَنَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلرِّبَا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا بَيْعُ رِطْلِ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْنِ وَثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَرِطْلِ نُحَاسٍ بِرِطْلَيْنِ وَحَيَوَانٍ بِحَيَوَانَيْنِ نقدا ونسئا ولا يشترط أن يكون بين الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّلَمِ تَفَاوُتٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ ثَوْبًا فِي ثَوْبٍ مِثْلِهِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ.

(فَرْعٌ) هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ الطِّينِ قَالَ الرُّويَانِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ الطِّينُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الزُّجَاجِيِّ وَالْإِمَامَيْنِ جَدِّي وَوَالِدِي رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَحْرُمُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَضُرُّ فَهُوَ حَرَامٌ وَبِهِ أُفْتِي وَسَمِعْتُ الشَّيْخَ الْحَافِظَ الْبَيْهَقِيَّ بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ لَمْ يَصِحَّ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي انْتَهَى كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ. وَذَكَرَ الْأَوَّلُونَ حَدِيثًا لَمْ أَسْتَحْسِنْ نَقْلَهُ لِنَكَارَتِهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَقُولَهُ وَأُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (أَكْلُ الطِّينِ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي) وَرُوِيَ (إذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا أَلْهَمَهُ أَكْلَ الطِّينِ وَنَتْفَ اللِّحْيَةِ) (فَائِدَةٌ) أَرْبَعُ مَسَائِلَ خِلَافِيَّةٍ تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعُ كَفِّ حِنْطَةٍ بِكَفَّيْ حِنْطَةٍ وَسَفَرْجَلَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَالْجِصِّ بِالْجِصِّ مُتَفَاضِلًا وَالْحَدِيدِ بِالْحَدِيدِ متفاضلا والمسألتان الاولتان مُمْتَنِعَتَانِ عِنْدَنَا جَائِزَتَانِ عِنْدَهُ وَالْأُخْرَيَانِ بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ فِي النَّقْدَيْنِ قِيَمُ الْوَزْنِ وَفِي الْأَرْبَعِ الْكَيْلُ فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ وَعِنْدَنَا الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا وَفِي الاربعة (1) فَتَعَدَّتْ إلَى الْمَطْعُومِ دُونَ الْمَكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الشَّعِيرُ فِي سُنْبُلِهِ لَا يُقَدَّرُ فَإِذَا فرعنا على القديم الْوَجْهُ عِنْدِي مَنْعُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَدَّرُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى حاله هذه وليس كالجوز مادام صحيحا وهذا تفريعا

_ (1) كذا بالاصل فحرر

* على القديم وأما الجديد فكل مطعوم وان كان لايقر يَمْتَنِعُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَهَلْ يَجُوزُ وزنا فيه وجها (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ (الْأَصَحُّ) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَوْ خِيفَ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ

(فَوَائِدُ) قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى مَذَاهِبَ وَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَالْأَرْبَعَةُ مُجْتَمِعَةٌ فِي مَقْصُودِ الطَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ عِنْدَنَا وَالنَّقْدَانِ مجتمعان في جوهر النقدية لان التبرليس نقدافى عَيْنِهِ وَكَذَلِكَ الْحُلِيَّ وَالْأَوَانِي فَإِنَّ الرِّبَا جَارٍ فِيهَا لِنَصِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ يَعُمُّ الْمَطْبُوعَ وَغَيْرَ الْمَطْبُوعِ. وَعِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ قَالَ لخصت منها عبارة جامعة للكل وهوأن الْعِلَّةَ فِي النَّقْدَيْنِ جَوْهَرٌ يُطْبَعُ مِنْهُ قِيَمُ الْأَشْيَاءِ. قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِي إنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَيْسَا بِمُعَلَّلَيْنِ وَالرِّبَا فِيهِمَا لِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ فِيهِمَا وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثَّمَنِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرِّبَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَزَادَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ رِبًا رَابِعًا وَهُوَ كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا (فَائِدَةٌ) تَعَلَّقَ مَنْ قَالَ إنَّ الْعِلَّةَ الْوَزْنُ فِي الْمَوْزُونِ وَالْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا على خيبر فجاءهم بتمر خبيث فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ

وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ وكذلك التمر ان قالول أَرَادَ الْمَوْزُونَ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِوَاءُ الْوَزْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَيَّنَ الرِّبَا فِيهَا فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَذَلِكَ كل مايمال أَوْ يُوزَنُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ اه. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عن الربيع هكذا وهو ابن صبح هَكَذَا وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ. وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ وَعَنْ الْقَلَعِيِّ أَنَّهُ يُفْتَحُ وَيُمَدُّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الرِّبَا فِي الشَّرْعِ أَخْذُ مَالٍ مَخْصُوصٍ بِغَيْرِ مَالٍ بِإِزَائِهِ وَلَا تَقَرُّبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا إلَى الْخَلْقِ قَالَ فَأَخْرَجْنَا بِخُصُوصِ مَا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا بِلَا تَقَرُّبٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الصَّدَقَةَ وَإِلَى الْخَلْقِ الْهَدِيَّةَ وَالْهِبَةَ (قُلْتُ) وَهَذَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِمَارُ بَلْ هَذَا هو حد القمار فانهم ذكرو الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِمَارِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْقِمَارَ (1) وَإِنَّمَا الْحَدُّ الصَّحِيحُ لِلرِّبَا فِي الشَّرْعِ مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ كَتَبْتُهُ فِي غير هذا. والجاروس - بِالْجِيمِ - وَالسِّينِ - الْمُهْمَلَةِ الْحَبُّ الَّذِي يُعْصَرُ مِثْلُ الدَّخَنِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الدَّخَنِ فِي جَمِيعِ أحواله وهو ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَهُوَ مُعْرَبٌ كَاوَرْسَ حَكَى ذَلِكَ عن مجمع البحرين الفرغالى (فَائِدَةٌ) اُشْتُهِرَ عَنْ مَذْهَبِنَا التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِالنَّقْدِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ إنْ كان كلام الشارع

_ (1) كذا بالاصل فحرر

نَصًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَلَا يُرَى لِلْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَقْعًا وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْحُكْمِ بِفَسَادِهَا وانما تفيد إذَا كَانَ قَوْلُ الشَّارِعِ ظَاهِرًا يَتَأَتَّى تَأْوِيلُهُ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ حَمْلِهِ عَلَى الْكَثِيرِ مَثَلًا دُونَ الْقَلِيلِ فَإِذَا سُحِبَتْ عَلَيْهِ تَوَافَقَ الظَّاهِرُ عِصْمَتَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى لَا تَنْزِلُ مَرْتَبَتُهَا عَنْ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ فِيهِ رَيْبٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ كَانَ مُتَعَرِّضًا لِلتَّأْوِيلِ وَلَوْ أُوِّلَ لخرح بَعْضُ الْمُسَمَّيَاتِ وَلَأُزِيلَ الظَّاهِرُ إلَى مَا هُوَ نص فيه العلة فِي مَحَلِّ الظَّاهِرِ كَأَنَّهَا ثَابِتُهُ فِي مُقْتَضَى النَّصِّ مِنْهُ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى مَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ عَاصِمَةٌ لَهُ عَنْ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ فَكَانَ ذَلِكَ إفَادَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا حَقِيقِيًّا وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ) الْحَدِيثُ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَصٌّ بَطَلَ التَّعْلِيلُ بِالنَّقْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ظاهرا وان كان ظاهرا فالامة مجتمعة عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقَدْ صَارَ بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ نَصًّا (قُلْتُ) أَمَّا الْحَظُّ الْأُصُولِيُّ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِهِ وَالْأُصُولُ لَا تَصِحُّ عَلَى الْفُرُوعِ فَإِنْ تَخَلَّفَتْ مَسْأَلَةٌ فَلْيُمْتَحَنْ بِحَقِيقَةِ الْأُصُولِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلْيُطْرَحْ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْأَنْبَارِيُّ الشَّارِحُ وَقَالَ إنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مِنْ نَصٍّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَلْزَمُ

مِنْهُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّخْصِيصِ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْقَاصِرَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَرَقِّيَةً فِي الرجحان عن رتبتها وهذا غير ما يهيؤا لَأَنْ تَكُونَ مُعَارَضَةً لِلْمُتَعَدِّيَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَاصِرَةَ مُقَيَّدَةٌ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْ قَوَاعِدِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْوُقُوفَ عَلَى حِكْمَةِ النَّصِّ وَكَوْنَ حكمها متعد إلَى غَيْرِهَا وَأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ مَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْنَى فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ فوائذ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ فِي مَنْعِهَا التَّخْصِيصَ فِي الظَّاهِرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى جَلِيلَةٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَا تَنْحَصِرُ الْفَائِدَةُ فِيهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إجْرَائِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَصَارَ كَالنَّصِّ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَلِيلَ إذَا انْتَهَى فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُوزَنُ لَا تُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ فِيهِ كَمُخَالَفَتِهِ فِي بَيْعِ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ دُرَّةٍ بِدُرَّةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا قَالَ الْفَرْغَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ فَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْعِلَّةِ وَهِيَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ فِي ذَلِكَ وَمُنِعَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ فِيهِ وَتَحْصِيلُ الفائدة التى حاولها الامام والا فآخر كلامه الْمَذْكُورِ فِي الْبُرْهَانِ يُشِيرُ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ الْجَرَيَانِ عَلَى الْقَانُونِ الَّذِي مَهَّدَهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَى أَنْ يُضِيفَ الْحُكْمَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَهِيَ الْوَزْنُ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوَزْنِ بَاطِلٌ بِوُجُوهٍ تَخُصُّهُ (مِنْهَا) أَنَّهُ طَرْدٌ لَا مُنَاسَبَةَ

فِيهِ (وَمِنْهَا) جَوَازُ إسْلَامِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الموزونات فَلَيْسَ بُطْلَانُ الْمُتَعَدِّيَةِ هُنَا بِمُعَارَضَةِ الْقَاصِرَةِ لَهَا (وَأَمَّا) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُرَجِّحُ الْقَاصِرَةَ عَلَى الْمُتَعَدِّيَةِ لِمُعَارَضَةِ النَّصِّ لها وَالْجُمْهُورُ يُرَجِّحُونَ الْمُتَعَدِّيَةَ وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ التَّرْجِيحِ مِنْ جِهَةِ التَّعَدِّي وَالْقُصُورِ قَالَ الْأَنْبَارِيُّ وَهُوَ الصيحيح وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ الْعِلَلُ بِقُوَّتِهَا فِي نَفْسِهَا وَاضْطَرَبَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَتَارَةً يَمِيلُ إلَى التَّعَبُّدِ وَإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ وَأَخْذِ الرِّبَا فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ قَوْلِهِ (لَا تبيعوا الطعام بالطعام) وَتَارَةً يَمِيلُ إلَى الْقِيَاسِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ وَكَأَنَّهُ شَوَّشَ عَلَيْهِ عَدَمُ ظُهُورِ فَائِدَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ أَبْدَيْنَاهُ في محل الاخلاف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ الْأَوْدَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَابَعَ ابْنَ سِيرِينَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْجِنْسِيَّةُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَوْدَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ انْتَهَى مَا قَالَاهُ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الجنسية والطعم شرطها وجعل ذلك مقابلا لم قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطعم والجنس محلها

باب بيع الاصول والثمار

والشرط عدم التساوى والمعلول فَسَادُ الْعَقْدِ وَلِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالشَّرْطُ عَدَمُ التَّسَاوِي وَالْمَعْلُولُ الْفَضْلُ فَلَعَلَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَوْدَنِيِّ اقْتَصَرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ عِلَّةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ تَوَهَّمَ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّعْمُ وَأَنَّهُ موافق لابن سيرين والله تعالى أعلم. (باب بيع الاصول والثمار) الاصول ههنا الْمُرَادُ بِهَا الْأَشْجَارُ وَكُلُّ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْأَصْلِ يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ مَعًا وَالثِّمَارُ. وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْبَابِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) بَيَانُ حُكْمِ الْأُصُولِ إذَا بِيعَتْ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لَهَا وَفِيمَا لَا يَكُونُ وَفِي حُكْمِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ النَّظَرُ وَقَدْ بَوَّبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ بَابَ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ حَلَّهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْأُصُولِ (وَالثَّانِي) الْكَلَامُ فِي الثِّمَارِ إذَا بِيعَتْ وَمَا يختص بها من الشروط التى لا تشترط في غيرها من الْمَبِيعَاتِ فَإِنَّ شُرُوطَ الْمَبِيعِ (مِنْهَا) مَا هُوَ عام وهى الخمسة التى ذكرها فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَمِنْهَا) مَا يختص بالربوبات وَأَفْرَدَ لَهُ بَابَ الرِّبَا

وَقَدَّمَهُ عَلَى هَذَا الْبَابِ لِعُمُومِهِ لِإِمْكَانِهِ فِي كل وقت وشدة خطره لقيام الاجماع على (وَمِنْهَا) مَا يَخْتَصُّ بِالثِّمَارِ فَأَفْرَدَهُ فِي هَذَا الباب وبدت علة الشافعي بأن الْوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَجَعَلَهُ عَقِيبَ بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ فَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأُصُولِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ لِتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَقَدَّمَ الْأُصُولَ عَلَى الثِّمَارِ تَأَسِّيًا بِالشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ طَبْعًا وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَابِ بَيْعُ الثِّمَارِ لِبَيَانِ شَرْطِهِ فَلَعَلَّهُ قَدَّمَ بَيْعَ الْأُصُولِ فِي مُخْتَصَرِ التَّفْرِيعِ بَعْدَهُ بِمَقْصُودِ الْبَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقَعْ الْكَلَامُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ مُخْتَصَرًا بَلْ طَالَ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ بَلْ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَبْوِيبِ الشَّافِعِيِّ وَهُمَا مَقْصُودَانِ وَاسْتَلْزَمَ الْكَلَامُ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامَ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا وَقَدْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ إلَى آخِرِهِ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الثِّمَارِ لِلْأُصُولِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إفْرَادُ الْأُصُولِ بِالْعَقْدِ بَلْ يَشْمَلُ صُورَةَ إفْرَادِهَا وَصُورَةَ مَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْأَرْضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَابِعَةً فَيَدُلُّ عَلَى الصُّورَةِ الْأُخْرَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاسْتُطْرِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ إلَى مَا يَتْبَعُ لَفْظَ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا من

غَيْرِ الثِّمَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي هِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى الثِّمَارِ كالزروع والخوابى وَالْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ فِي بَيْعِ الارض لانه مستلزم لبيع الاصول المستلزم لبيع الثِّمَارَ وَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَذْكُورٌ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ وَلَا يُسْتَنْكَرُ كَوْنُ الدَّاخِلِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يُسَمَّى مَبِيعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَأَيْتُ التَّرْجَمَةَ الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ بَيْعَ الْأُصُولِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِي الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصَرِ الْمُنَبِّهِ مِنْ عِلْمِ الشافعي. قال المصنف رحمه الله. (إذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس نظرت فان اقل بعتك هذه الارض بحقوقها دخل فيها البناء والغراس لانه من حقوقها وان لم يقل بحقوقها فقد قال في البيع يدخل وقال في الرهن لا يدخل واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق (فمنهم) من قال لا يدخل في البيع لان الارض ليست بعبارة عن الغراس والبناء وتأول قوله في البيع عليه إذا قال بحقوقها (ومنهم) من نقل جوابه في الرهن إلى لبيع وجوابه في البيع إلى الرهن وجعلهما على قولين (أحدهما) لا يدخل في الجميع لان الارض اسم للعرصة

دون ما فيها من الغراس والبناء (والثانى) يدخل لانه متصل بها فدخل في العقد عليها كسائر أجزاء الارض (ومنهم) من قال في البيع يدخل وفى الرهن لا يدخل لان البيع عقد قوى يزيل الملك فدخل فيه الغراس والبناء والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك فلم يدخل فيه الغراس والبناء) . (الشَّرْحُ) الْأَرْضُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ لَمْ يَأْتِ وَاحِدُهُ بِالْهَاءِ وَالْغِرَاسُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّجَرِ يُقَالُ غَرَسْتُ الشَّجَرَ أَغْرِسُهُ وَيُقَالُ لِلنَّخْلَةِ أَوَّلَ ما تنبت غريسة اله الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْعَرْصَةَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَكَانَ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غِرَاسٌ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِمَا فِيهَا أَوْ مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ حُدُودُهَا أَوْ حَوَتْهُ أَقْطَارُهَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَنَّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مَنْ قَالَ لَا يَدْخُلُ مُحْتَجًّا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِشْكَالِ أَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الطَّرِيقِ وَمَجَارِي الْمَاءِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا أَقْيَسُ وَهُوَ كَمَا رأى الا أن يثبت عرف عا بِاسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ أَوْ

بِدُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الْحُقُوقِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ قائم أو شجر ثابت وهذه دعوى مُنْكَرَةٌ وَهِيَ بِإِطْلَاقِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَلَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الثَّانِي وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شئ عن العلماء المتقدمين بل مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ صَنَعُوا كَصُنْعِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَعَلَّهُمْ تَبِعُوهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ كَمَا ادَّعَاهُ ابن حزم فلاشك أن للنظر فيها مجالا والا فيلغو مَا أَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّخْرِيجِ وَلَا تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ بِذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ كَمَا نَقُولُهُ فِيمَا بَعْدُ وَقَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا فَقَدْ اختلف الاصحاب على طرق (احداهما) أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ على تبعيتها لهامن عُرْفٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِلدُّخُولِ وَهَذَا هو القياس وهى طريقة أبى العباس

ابن سُرَيْجٍ لَكِنَّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكُلُّ أَرْضٍ بِيعَتْ فَلِلْمُشْتَرِي جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَأَصْلٍ فَاحْتَاجَ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا (وَقَوْلَهُ) فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ لَكِنْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْإِشْكَالِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ينبغى أن لايدخل وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الاطلاق ينبغى أن لايدخل ولو قال بحقوقهما لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يَشْمَلُهُ وَإِنَّمَا يَشْمَلُ الممر ومسيل الماء ومطروح الْقُمَامَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُخَالِفَةً لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا نقلناه عن مذهبي أبى حيفة وَمَالِكٍ وَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إنْ ثَبَتَتْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَعَلَ الْإِمَامُ الغزالي فِي الْوَسِيطِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ الْأَصَحَّ وَشَذَّا فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ وَلَعَمْرِي إن لم يَثْبُتَ إجْمَاعٌ أَوْ نَصٌّ فَالْحَقُّ مَا قَالَاهُ وقد جهدت

فِي تَطَلُّبِ نَفْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ أَجِدْ إلَّا نَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُثْمِرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَالْأَصْحَابُ يُفَرِّقُونَ بِأَنَّ البناء والغراس يراد للتأييد بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ يَحْتَجُّونَ بِهِ لِأَنَّهُ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ دُخُولَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَشْمَلُهَا اسْمُ النَّخْلَةِ وَلَكِنْ لِاتِّصَالِهَا بِهَا وَالْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ كَذَلِكَ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ نَقْلُ جَوَابِهِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى الرَّهْنِ وَمِنْ الرَّهْنِ إلَى الْبَيْعِ وَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدِهِمَا) يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ بِمَنْزِلَةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَأَجْزَاءُ الارض تدخل عند الاطلاق فكدلك هَذِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْضَ مَبِيعَةٌ وَمَرْهُونَةٌ دُونَ مَا فِيهَا لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الِاسْمِ وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِيرَادُ الْحَنَابِلَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُوَافِقُ

هذه الطريقة الثانية فانهم طروا وَجْهَيْنِ وَالْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ مَعَ الْمُخَرَّجِ وَقَدْ يُسَمَّيَانِ وَجْهَيْنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَادَّعَى الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وان أصح القولين منها أنها تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ إنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا إذَا أَطْلَقَ بَيْعَ الْأَرْضِ تَبِعَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَإِذَا أَطْلَقَ رَهْنَهَا لَمْ يَتْبَعْهَا وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَجَازَ أَنْ يُسْتَتْبَعَ وَالرَّهْنُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَاسْتِيثَاقٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَمَّا كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي كَذَلِكَ الْمَوْجُودُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ لَا تَدْخُلُ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ

منقولة عن أبى أسحق الْمَرْوَزِيِّ وَنَقَلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهَا الصَّحِيحَةُ وَقَدْ تُعْزَى لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْفَرْقِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ الِاسْمُ يَعْنِي فَلَا مَعْنَى لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَ هَذَا الْفَرْقَ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ قَالَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَظْهَرُ قُوَّتُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ ورد عليه أما مالا يتناوله فلا يؤثر فيه ولهذا إذ شرط أن لايدخل الْغِرَاسُ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِذَا قَالَ فِي الرَّهْنِ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ الثَّانِي لَاغٍ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الْحَادِثَةَ تَبِعَتْهَا لِكَوْنِهَا حَادِثَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَا كَذَلِكَ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّمَرَةَ الْحَاصِلَةَ الْمُؤَبَّرَةَ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا تَدْخُلُ قَوْلًا واحدا واعترض أبو العباس الغزارى عَلَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا قَوِيَ

وَأَزَالَ الْمِلْكَ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ تَقْلِيلًا لِضَرَرِ الْبَائِعِ بِتَفْوِيتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُقْتَضَى الْفَرْقِ عَكْسَ الْمُدَّعَى وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فَرْقًا وَاغْتَبَطَ بِهِ بِحَيْثُ إنَّهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ حَذَرًا مِنْ اخْتِرَامِ الْمَنِيَّةِ قَبْلَ الْوُصُولِ فِي الشَّرْحِ إلَيْهِ ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ هُنَا ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْضِ يَشْمَلُ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ فَلَوْ بَقِيَ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لِلْبَائِعِ لَخَلَا الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُمَا مُسْتَثْنَاةً لَا إلَى غَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ وَلَا تَبْقِيَتُهُ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَهُ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا كَانَ الْأُسُّ وَالْمَغْرِسُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا بِاتِّفَاقٍ فَوَجَبَ إذَا ضُمَّ إلَى مَبِيعٍ خَلَا عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ بِالثَّمَنِ فَلَمَّا أَفْضَى مَحْذُورُ الْإِخْرَاجِ إلَى هَذَا حُكِمَ بِالِانْدِرَاجِ حِرْصًا عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ كَمَا أدرج

الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ اسْمُ الشاة والجارية طلب لِلتَّصْحِيحِ وَحَذَرًا مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ لِلْحَمْلِ غَايَةٌ تنتظر ومع ذلك أدرج ولا غاية ههنا تُنْتَظَرُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاءَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مُخْرِجًا لِلْعَقْدِ عَنْ وَضْعِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ هَذَا الْمَحْذُورَ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَيُحْمَلُ الْبَيْعُ عَلَى مَا سِوَاهُمَا طَلَبًا لِلتَّصْحِيحِ وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَجْمُوعَ وَهَذَا يَضْعُفُ عَنْهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ بِهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْبِنَاءِ والشجر يحتمل أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ خَلَا الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ أَنَّ الْمَغْرِسَ وَالْأُسَّ هَلْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي بيع البناء والغراس وذكرهما القاضى حسين ورتبتهما على بيع

الْغِرَاسِ (إنْ قُلْنَا) يَسْتَتْبِعُ الْمَغْرِسَ فَهَهُنَا أَوْلَى والا فوجهان (والفرق) أن اللفظ ههنا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَقَوِيَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِهِ فِيمَا يُتْلَفُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى فَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ لِلْمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ لُزُومَ الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُهُ مِنْ السَّوْقِ إلَى تَصْحِيحِ العقود ادراج شئ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ لَا لَفْظًا ولا عرفا والحمل انما دخل لا قتضاء الْعُرْفِ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَإِنْ أَدْخَلْنَا الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَدْخَلْنَا مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَاقِدِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنْ أَخْرَجْنَاهُ وَأَدْخَلْنَا الْمَغْرِسَ لَزِمَ الْمَحْذُورُ الَّذِي أَبْدَاهُ عَلَى رَأْيِهِ وَإِنْ أَخْرَجْنَا الْمَغْرِسَ خَالَفْنَا لَفْظَ الْعَقْدِ وَشُمُولَهُ له فلم سبق إلَّا إفْسَادُ الْعَقْدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إفْسَادَ الْعَقْدِ أَيْضًا مَحْذُورٌ وَلَمْ يَصِرْ إلَيْهِ صَائِرٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا

النَّظَرُ فِي أَخَفِّ الْمَحْذُورَاتِ الثَّلَاثَةِ يُلْتَزَمُ وَالْحُكْمُ بادخال البناء والغراس حكم باثبات أمر زَائِدٍ عَلَى مَدْلُولِ لَفْظِ الْعَاقِدِ لَمْ يَتَعَرَّضْ له باثبات ولا نفى فليس فيه مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ نَفْيُ مَا يَقْتَضِيهِ أَوْ إثْبَاتُ ما ينفيه أما اثبات شئ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ اللَّفْظُ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ فَلَا يُقَالُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ أَمَّا الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الْمَغْرِسِ وَالْأُسِّ فَهُوَ إخْرَاجٌ لِبَعْضِ ما تناوله فكان مخالفا له فكان الاولى أَوْلَى وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُ الْأُسِّ وَالْمَغْرِسِ مَعَ إخْرَاجِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ بِمَا أَبْدَاهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ كُلٌّ مِنْهُمَا قابل للانتفاع به في الجملة بحف سَرَبٍ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ وَأَخْذِ تُرَابِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَضْعِ بَدَلِهِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَمْ تُعْدَمْ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ أَلَا ترى أن القاضي حسين قال في فتاويه انه إذا باع عشرة أَذْرُعٍ مِنْ أَرْضٍ عُمْقًا فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ صَحَّ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ مَا جَاوَزَ عَشْرَ أَذْرُعٍ عُمْقًا بِأَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ عَشْرِ أَذْرُعٍ بِئْرًا أَوْ مَبْنِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ إنَّ الْأُسَّ وَالْمَغْرِسَ إذَا كَانَا بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَصِحُّ بيعه باتفاق بناه عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مَسْأَلَةً وَقَدْ عَرَفْتُ الْمَنْعَ الْمُتَّجِهَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي إذَا تَمَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَرْئِيًّا قَبْلَ ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ قُلْتَ) إنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ

(قُلْتُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ صِحَّةُ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِيهَا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ لِشَبَهِهَا بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لَا يَأْتِي فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَأَشْبَهَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْأَمْتِعَةَ الَّتِي يُمْكِنُ نَقْلُهَا بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ إذَا كَانَ الْغِرَاسُ بَاقِيًا لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى الْأَشْجَارَ بَقِيَتْ الْأَشْجَارُ عَلَى ماهي عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْقَطْعَ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلدَّوَامِ وصرح الغزلى أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الارض المبيعة عن الشجر عندما تَكَلَّمَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شَجَرٍ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّفْرِيغُ فَالتَّسْلِيمُ مُمْكِنٌ عَلَى حَالِهَا فَصَحَّ الْبَيْعُ إذَا وُجِدَتْ الْمَنْفَعَةُ وَالرُّؤْيَةُ وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ مُسَاعِدٌ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَلْعُ الشجر لو بقيناه عَلَى مِلْكِهِ عَلَى أَنِّي وَجَدْتُ النُّسَخَ مِنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً وَفِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الْأَرْضِ بِإِسْقَاطِ لَا فَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاسِخٍ وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِإِثْبَاتِ لَا وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الفتاوي إذَا بَاعَ الدَّارَ دُونَ النَّخْلَةِ الَّتِي فِيهَا وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاجْتِيَازِ إلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ البيع وهذا صريح في مخالفة ماقاله ابن الرفعة من الحكم بعدم الصحة

على تقدير دُخُولِ الشَّجَرِ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُطَارَحَاتِ إنَّهُ إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دُونَ النَّخْلَةِ وَشَرَطَ دُخُولَ مَنْبَتِهَا فِي الْبَيْعِ صَحَّ وَيَسْتَحِقُّ تَبْقِيَةَ الشَّجَرَةِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الدَّارِ تَمَلُّكَ الشَّجَرَةِ بِقِيمَتِهَا أَوْ قَلْعِهَا بِالْتِزَامِ النُّقْصَانِ كَانَ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا تَلْزَمُهُ الاجرة بتبقيته فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى بِأُجْرَةٍ لَكَانَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأُجْرَةِ يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ بِالْقَلْعِ اسْتَلْزَمَ عَدَمَ الْأُجْرَةِ نَعَمْ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الرَّطْبَةَ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ قلنا انه لايدخل الْمَغْرِسُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الشَّجَرَةِ مَجَّانًا وَهَلْ يجب عليه بقاؤها مَا أَرَادَ الْمُشْتَرِيَ أَمْ لَهُ قَلْعُهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَغْرَمُ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ كَالْعَارِيَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهِ الْآخَرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ وَيُقَالَ أَنَّا فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ قَصَرْنَا الْحُكْمَ على مادل عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبِيعِ فَفِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ لَا يُسْتَتْبَعُ حَقُّ الْإِبْقَاءِ فَكَانَ لَهُ الْقَلْعُ عَلَى وجه وفى بيع الْأَرْضِ كَانَ حَقُّ الْإِبْقَاءِ ثَابِتًا فَلَا يُزَالُ بِالْبَيْعِ فَهَذَا فَرْقٌ جُمِعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أُلْغِيَتْ هَذِهِ الْفُرُوقُ كُلُّهَا فَمَا وَجْهُ الْمَذْهَبِ (قُلْتُ) الرَّاجِحُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إجْمَاعٌ عَلَى الدُّخُولِ فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ مَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ يُعْتَضَدُ الدُّخُولُ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ بِالْوَاضِحَةِ (مِنْهَا) الثِّمَارُ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ

بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْمَفْهُومُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ الشَّجَرَةِ لِلثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَيْسَتْ بَاقِيَةً عَلَى الشَّجَرَةِ دَائِمًا فَاسْتِتْبَاعُ الْأَرْضِ لِلشَّجَرِ وَهُوَ بَاقٍ فِيهَا دَائِمًا أَوْلَى وَفِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ مولى بن عمر (ايما نخل بيعت لم يذكر الثمر فالثمر لِلَّذِي أَبَّرَهَا) وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ فَالْحَرْثُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ (1) (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَرْضَ تُطْلَقُ كَثِيرًا وَيُرَادُ بِهَا الْأَرْضُ مَعَ مَا فِيهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أثبت أرضا بخيبر لم أصب مالاقط أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْأَرْضَ وَحْدَهَا بَلْ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَبِّسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةِ) فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ كَثِيرًا فَإِنْ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ سُكُوتِ الْبَائِعِ عَنْ اسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ إخْرَاجَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعَ كُرْهِ اسْتِعْمَالِ الْأَرْضِ مَعَ دُخُولِهِمَا لَنَصَّ عَلَى الْإِخْرَاجِ فَلَمَّا لم ينص على ذلك دل أَنَّ مُرَادَهُ الشُّمُولُ مَعَ كَوْنِ الْبَائِعِ مُعْرِضًا عَنْ الْبَيْعِ وَقَاطِعًا أَطْمَاعَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ شَبِيهَةٌ بِالْجُزْءِ الْحَقِيقِيِّ فَهِيَ كَالْحَمْلِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ يُحَاوِلُونَ تَشْبِيهَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِمَا مُرَادَيْنِ لِلْبَقَاءِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَعَ الْمُفَارَقَةِ فِي أُمُورٍ أُخْرَى نَظَرٌ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَإِنَّ الْكَثْرَةَ مَمْنُوعَةٌ (وَأَمَّا) الْإِطْلَاقُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَلَا يَمْتَنِعُ وَمَعَ مَيْلِي في البحث كما

_ (1) بياض بالاصل فحرر

رأيت إلى موافقة الامام الغزالي لاأقدم عَلَى الْجَزْمِ بِهِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَا أَسْتَحْضِرُ الْآنَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ دُخُولُهَا وَأَبْهَمَ وَأَنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَهَذَا آخِرُ كَلَامِنَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِهِمَا فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الحسن الجوزى مَعَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَشْهَدُ لَهَا أَنَّ الْحَمْلَ وَالثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ تَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي انْدِرَاجِ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) مِنْهُمَا فِي الْأُمِّ كما قال البندنيجى في الثمرة عدم التبعية (وفى القديم) نص على التبعية ثم أغرب الجوزى فَجَعَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الرَّهْنِ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ جميعا معللا على أخد الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الرَّهْنَ وَالْبَيْعَ سَوَاءٌ وَفِيهِمَا قولان ومقتضى كلام الجوزى هَذَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي دُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَرَهْنِهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَرْضِ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْأَرْضِ فَبَيَاضُ الْأَرْضِ الَّذِي بَيْنَ الْبِنَاءِ والشجر لايدخل فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ فَرْعٌ وَالْأَصْلُ يَسْتَتْبِعُ الْفَرْعَ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مابين الْمَغَارِسِ لَا يَتَأَتَّى إفْرَادُهَا بِالِانْتِفَاعِ إلَّا عَلَى

سبيل التبعية للاشجار فوجهان (وأما) ماكان من الارض قرار لِلشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فَفِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا فِي قَرَارِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ مَعًا وَسَيَأْتِي حِكَايَتُهُمَا فِي الشَّجَرِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) مِنْ الشَّجَرِ مَا يُغْرَسُ بَذْرُهُ فِي مَحَلٍّ فَإِذَا أَطْلَعَ يُنْقَلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَيُغْرَسُ فِيهِ وَيُسَمَّى شَتْلًا وَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَرُبَّمَا لَوْ بَقِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَفِعْ كَمَا لَوْ نُقِلَ فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يُوضَعْ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ لِلدَّوَامِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الشَّجَرِ الْمَوْضُوعِ لِلدَّوَامِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْأَرْضِ أَوْ يَكُونُ كَالزَّرْعِ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُنْقَلُ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَرْضِ إلَى بَعْضٍ فَيَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ فَلَا يَدْخُلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) حُكْمُ الْهِبَةِ حُكْمُ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْمِلْكَ فَفِيهَا وَفِي الرَّهْنِ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ.

(فرع) إذا باع الارض وفيها شئ يَابِسٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَغَيْرِهِ أَوْ لايدخل لانه لايراد لِلدَّوَامِ وَلِهَذَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ الْيَابِسَةَ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا لَمْ أَرَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْجَزْمُ بِالثَّانِي ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِجَارَةِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِهَا فِي وُجُوبِ التَّفْرِيغِ وَالتَّسْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْحِجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَثْنَى الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ من مطلق قولهم انه إذ باع أرضا ودخل الشجر كما في العبارة كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِ الْغِرَاسِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْغِرَاسَ لَا يَشْمَلُ عُرْفًا إلَّا الرَّطْبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) جَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِدُخُولِ الْمُسَنَّاةِ وَالسَّوَاقِي وَمَا بنى طوقها ومسار بها مِنْ آجُرٍّ وَحَجَرٍ وَمَا صَغُرَ مِنْ الْآكَامِ والتلال الجارية مَجْرَى الْأَرْضِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَجَعَلَ مَحَلَّ الطُّرُقِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ قَصْرٍ وَغَيْرِهِ وَالْغِرَاسُ مِنْ نَخْلٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا ثَبَتَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ فكذلك كل ماكان فِي الْأَرْضِ مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ مُسَنَّاتِهَا سَوَاءٌ كَانَ آجُرًّا أَوْ حِجَارَةً أَوْ تُرَابًا وَكَذَا تِلَالُ التُّرَابِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ جِبَالًا وَخَوْخَاتُهَا وبيدرها والحائط الذى يحظرها وَسَوَاقِيهَا الَّتِي تُشْرِبُ الْأَرْضَ

وَأَنْهَارُهَا الَّتِي فِيهَا وَعَيْنُ الْمَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا تَدْخُلُ مَسَائِلُ الماء في بيع الارض ولا يدخل فيه سَرَبِهَا مِنْ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ هَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسَايِلِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَكَذَلِكَ الْقَنَاةُ وَالنَّهْرُ (أَمَّا) الدَّاخِلَةُ فِيهَا فَإِنَّهُ لاشك فِي دُخُولِ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْمَسِيلِ (وَأَمَّا) بِنَاؤُهَا فَيَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجِبُ أَيْضًا تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النَّهْرِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّ أَرْضَهُمَا دَاخِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهِمَا إلَّا فِي الْبِنَاءِ إنْ كَانَ ثُمَّ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لايدخل النَّخْلُ الْمَقْطُوعُ وَالشَّجَرُ الْمَقْطُوعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَا فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا مِنْ عَلَفٍ مَخْزُونٍ وَتَمْرٍ مَلْقُوطٍ وَتُرَابٍ مَنْقُولٍ وَسَمَادٍ مَحْمُولٍ فكل ذلك للبائع لايدخل إلَّا بِالشَّرْطِ أَوْ يَكُونُ التُّرَابُ وَالسَّمَادُ قَدْ بُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَاسْتُعْمِلَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ دُولَابٌ لِلْمَاءِ فَفِيهِ ثلاثة أوجه (احدهما) لايدخل فِي الْبَيْعِ كَبَكْرَةِ الدُّولَابِ وَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ وَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَالثَّانِي) يَدْخُلُ لِاتِّصَالِهِ بِهَا (وَالثَّالِثُ) ان كان دولابا

صَغِيرًا يُمْكِنُ نَقْلُهُ صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَّا بِتَفْصِيلِ بَعْضِهِ عَنْ بعض ومشقة كبيرة دخل فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ فَأَشْبَهَ الشجر والبناء حكى ذلك المارودي وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَحَا الْمَاءِ وَقُلْنَا يَدْخُلُ الْبِنَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ دَخَلَ فِيهِ بَيْتُ الرَّحَا وَبِنَاؤُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الرَّحَا فِي الْبَيْعِ فيه ثلاثة أوجه (قيل) لايدخل شئ منه في البيع لاعلوا وَلَا سُفْلًا كَخَشَبَةِ الزُّرْقُوقِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ عُلْوًا وَسُفْلًا لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْمَنَافِعِ (وَقِيلَ) يَدْخُلُ السُّفْلِيُّ وَلَا يَدْخُلُ الْعُلْوِيُّ حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثلاثة المارودي وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا أَوْ فِي حُكْمِ الْبِنَاءِ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ أربعة أوجه قال المارودي وأما دولاب الرحا الذى يديره الماء فهو تابع لِلرَّحَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُخُولِهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالسُّفْلِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْعُلْوِ هذا كلام المارودي وان قال بعتك هذا البستان أو المحرف أَوْ هَذِهِ الْجَنَّةَ دَخَلَ فِيهِ الْأَشْجَارُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ وَفِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يدخل في البيع (والثانى) لايدخل.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (فَإِنْ قَالَ بعتك هذه القرية بحقوقها لم تدخل فيها المزارع لان القرية اسم للابنية دون المزارع) . (الشرح) القرية (1) أما الاحكام (2) قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَبْنِيَةُ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالدَّكَاكِينُ وَالْحَمَّامَاتُ وَالسَّاحَاتُ وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا السُّورُ وَالْحِصْنُ الَّذِي عَلَيْهَا وَهُوَ السور والسور المحيط بها وَالدُّرُوبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ فَيَدْخُلُ مِنْ

_ (1 و 2) بياض بالاصل فحرر

الْأَرْضِ مَا اخْتَلَطَ بِبُنْيَانِهَا وَمَسَاكِنِهَا وَمَا كَانَ مِنْ أَفْنِيَةِ الْمَسَاكِنِ وَحُقُوقِهَا وَفِي الْأَشْجَارِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَخَالَفَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ هُنَا اخْتِيَارَهَا فَاخْتَارَا فِي هَذِهِ دُخُولَ الْأَشْجَارِ تَحْتَ اسْمِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ اخْتَارَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَفْهَمُونَ مِنْ اسْمِ الْقَرْيَةِ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وكذلك جزم المارودي بدخول مافى خِلَالِ الْمَسَاكِنِ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ تَرَدُّدَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ وَرَأْيِي أَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَشْجَارِ الدَّارِ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ مَأْلُوفَةٌ فِي الْقُرَى وَلَا تَسْتَجِدُّ الْقَرْيَةُ بِالْأَشْجَارِ اسْمًا وَالدَّارُ تَسْتَجِدُّ اسم البستان والاعدل ماقاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ لِلْمَسَاكِنِ (وَأَمَّا) الْبَسَاتِينُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ دُخُولُهَا فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِاسْتِتْبَاعِهَا الْأَشْجَارَ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْأَشْجَارِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَغَيْرُهُ يُفِيدُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْقَرْيَةِ وصلاحيتها للتبعية وجزم المارودي بعدم دخولها وهذا الذى قاله المارودي مِنْ دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ دُونَ الْخَارِجَةِ تَوَسُّطٌ وَهُوَ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ فِي الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) الْمَزَارِعُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لايدخل الْقَرْيَةَ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الْمَزَارِعِ وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ يَنْبَغِي تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْقَصْرِ وَلَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مُنْدَفِعٌ فَإِنَّ الْمُدْرَكَ فِي الرُّخْصَةِ خُرُوجُهُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ فَمَا دَامَ فِي حُقُوقِ الْبَلَدِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَإِنْ كان خارجا عن البلد والمبيع ههنا الِاسْمُ وَالْقَرْيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ وَالْمَزَارِعُ لَيْسَ بِدَاخِلَةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْنِيَةِ وَمَا أَحَاطَتْ بِهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمَزَارِعَ تَدْخُلُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ ضِيَاعُهَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ هَذَا إذَا أَطْلَقَ (أَمَّا) إذَا قَالَ

بِحُقُوقِهَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ أيضا بل لابد مِنْ النَّصِّ عَلَى الْمَزَارِعِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ حُقُوقَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْبُيُوتِ وَالطُّرُقِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ دُخُولَ الْمَزَارِعِ فِيمَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا وَقَالَ عَنْهُ وَعَمَّا قَالَهُ في النهاية إنهما غريبان وقال ابن الرافعة إنَّهُ يُمْكِنُ تَنْزِيلُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِدُخُولِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ (أَمَّا) لَوْ سَمَّى الْمَزَارِعَ دَخَلَتْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْقَرْيَةَ بِأَرْضِهَا أَيْضًا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْمَزَارِعِ الْأَرْضُونَ الَّتِي تُزْرَعُ فِيهَا الْخَارِجَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ (أَمَّا) الزَّرْعُ نَفْسُهُ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَقَاءٌ فَالْحُكْمُ فِي تَبَعِيَّةِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي تَبَعِيَّتِهِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَهُوَ فِيهَا وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمُوا يَعْنِي الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ الشَّجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَقَدْ عَرَفْتُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافًا فِي هَذَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا فِي الْأَرْضِ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالْخِلَافُ فِي الْأَرْضِ نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَمَالَ إلَيْهِ وَسَبَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى ذَلِكَ وَالْإِمَامُ هُنَا قَدْ اخْتَارَ دُخُولَ الْأَشْجَارِ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْخِلَافُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْخِلَافَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَتَّى يُحْكَمَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْرَفَ هَلْ هُوَ جَازِمٌ بِدُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الْقَرْيَةِ أولا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى كَلَامٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْيَةِ حَتَّى أَعْرِفَ هَلْ هُوَ من الجازمين بذلك كالامام أولا لكن مانبه عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَيِّدٌ فِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ خِلَافٍ هُنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ المخالف هناك

جَازِمًا هُنَا كَالْإِمَامِ فَمَتَى لَمْ نَتَحَقَّقْ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ الْخِلَافِ مَعَ الشَّكِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اسْمِ الْقَرْيَةِ جَارٍ فِي اسْمِ الدَّسْكَرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ والدسكرة بناء كالقصر حوله بيوت. قال المصنف رحمه الله. (وان قال بعتك هذه الدار دخل فيها ما اتصل من الرفوف المسمرة والخوابى والاجاجين المدفونة فيها للانتفاع بها وان كان فيها رحا مبينة دخل الحجر السفلانى في بيعها لانه متصب بها وفى الفوقاني وجهان أحدهما أنه يدخل وهو الصحيح لانه ينصب هكذا فدخل فيه كالباب والثانى لايدخل لانه منفصل عن المبيع ويدخل الفلق المسمر في الباب وفى المفتاح وجهان أحدهما يدخل فيه لانه من مصلحته فلا ينفرد عنه والثانى لايدخل لانه منفصل فلم يدخل فيه كالدواء والبكرة وان كان في الدار شجرة فعلى الطرق الثلاثة التى ذكرناها في الارض. (الشَّرْحُ) الْخَوَابِي وَالْأَجَاجِينُ بِجِيمَيْنِ وَهِيَ الْأَوَانِي الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ وَتُسَمَّى الْمَرَاحِضُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا كُلُّ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ لِلصَّبْغِ أَوْ الدَّبْغِ أَوْ الْعَجْنِ أَوْ لاخراج الشيرج من كسب السمسم ونحو ذلك والفلق (1) وَالْبَكَرَةُ (2) أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَبْنِيَةُ عَلَى تَنَوُّعِهَا سُفْلَهَا وَعُلْوَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْحَمَّامُ الْمَعْدُودُ مِنْ مَرَافِقِهَا وَحُكِيَ عَنْ نَصِّهِ أن الحمام لايدخل وَحَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ وَهِيَ بُيُوتٌ من خشب تنقل في الاسفار فما الْحَمَّامَاتُ الْمَبْنِيَّةُ مِنْ الطِّينِ وَالْآجُرِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ وَحَكَوْا أَنَّ الرَّبِيعَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْحَمَّامِ فَقَالَ إنْ كَانَ لا يستقل دون الدار

_ (1 و 2) بياض بالاصل فحرر

انْدَرَجَ وَإِنْ اسْتَقَلَّ فَهُوَ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ كَالْبِنَاءِ مِنْ الْبُسْتَانِ يَعْنِي فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أن الحمام الخشب الذى لا ينقل لايدخل لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ مِنْ الْبُنْيَانِ مِثْلُ الْبِنَاءِ بِالْخَشَبِ فَإِنَّ هَذَا مُتَمَيِّزٌ كَالنَّبَاتِ وَالْحَدِيدِ فَهُوَ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الْمُشْتَرِي فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ تعرض له وانه فقه ظاهر لان ماكان مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا أُثْبِتَ فِيهَا وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَاللَّبِنِ يُجْعَلُ أَجْزَاءً أَوْ لَمْ يتعير كَالْأَحْجَارِ وَاللَّبِنُ يَقْرُبُ أَنْ يَتْبَعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خَشَبٍ وَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ الاخضر يتبع في بيع الارض لكنه لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَإِنَّمَا تَبِعَهَا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا وَلِهَذَا يَنْمُو بِهَا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الام في باب تمرالحائط يُبَاعُ أَصْلُهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَا مَعْنَى قوله بحب مِنْ الْبُنْيَانِ وَلَا ضَبْطَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَيْضًا عني بحب غير أنه ءذا كَانَتْ الْحَمَّامُ كُلُّهَا مِنْ خَشَبٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ كَانَتْ كالسور الخشب المسمرة التى لاتحول وَفِي دُخُولِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الدُّخُولُ كَمَا سَيَأْتِي وإذا كان كذلك فيكون ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ مِمَّا انفرد به عن الاصحاب كما ظن لكن مَأْخَذَ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ غَيْرُ الْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ مُتَّصِلٍ مُثَبَّتٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ طَرَدُوهُ فِي صندوق رأس البئر وهى الحرزة الَّتِي عَلَى فُوَّهَتِهَا وَالْغَالِبُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ حجر أو رخام وكذلك طردوه في معدن الْجَيَّارِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ فَخَّارٍ فَهُوَ كَالْآجُرِّ الَّذِي جَعَلَهُ هُوَ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَشَبِ وَكَذَلِكَ حَجَرُ الرَّحَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا

سَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا حَمَّامًا مِنْ حَجَرٍ وَهِيَ مُثَبَّتَةٌ فِي الدَّارِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ تُنْقَلَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا اقتصى أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا ذَكَرَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَرْضِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ اعْتِبَارُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إنَّمَا يَتِمُّ فِيهَا وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّارَ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ تَحْتَ اسْمِ الْأَرْضِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالسَّرِيرِ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمَّامِ (وَأَمَّا) الْآلَاتُ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا أُثْبِتَ تَتِمَّةً لِلدَّارِ لِيَدُومَ فِيهَا وَيَبْقَى كَالسُّقُوفِ وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَمَا عَلَيْهَا مُتَّصِلًا بِهَا مِنْ الْأَغَالِيقِ وَالْحِلَقِ وَالسَّلَاسِلِ وَالضِّبَابِ وَالْجَنَاحِ وَالدَّرَجِ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودِ مِنْ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ وغيره (والآخر) الْمَغْرُوسُ فِي الدَّارِ وَالْبَلَاطُ وَالطَّوَابِيقُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّارِ (الثَّانِي) مَا هُوَ مُثَبَّتٌ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِهَا وَلَكِنْ لاعلى هَذَا الْوَجْهِ كَالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ وَهِيَ الْمُسَمَّرَةُ أَوْ التي اطرافها في البناء والخوابى وأحدثها خَابِيَةٌ وَهِيَ الزِّيرُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ وَالْأَجَاجِينُ وَالدِّنَانُ الْمَبْنِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي تَرْكِ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالْأَوْتَادُ الْمُثَبَّتَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْأَرْضِ وَالْجُدْرَانُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرِ الرَّحَا الْمُثَبَّتَةِ وَخَشَبُ الْقَصَّارِ وَمِعْجَنُ الْخَبَّازِ وَالسُّرُرُ الْمُسَمَّرَةُ وَالدَّرَابْزِينُ وَصُنْدُوقُ رَأْسِ الْبِئْرِ وَصُنْدُوقُ الطَّحَّانِ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَدْخُلُ لِثَبَاتِهَا وَاتِّصَالِهَا (وَالثَّانِي) لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا إنَّمَا أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تَتَزَعْزَعَ وَتَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ وَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ المعلاق مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ به بعد

الانفصال والاكثرون عدوا الاعاليق مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِجَارَةِ رَحَا الْمَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَمَحَلُّهَا هُنَاكَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحِبَابِ الْمَدْفُونَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ دَفْنُهَا اسْتِيدَاعًا لَهَا فِي الْأَرْضِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ دَفْنُهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ كَحِبَابِ الزَّيَّاتِينَ وَالْبَزَّارِينَ وَالدَّهَّانِينَ دَخَلَتْ وَهَذَا جزم منه بأحد الوجهين المتقدمين كيلا يَتَزَعْزَعَ وَيَتَحَرَّكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْمَنْقُولَاتُ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَا وَالْمَجَارِفِ وَالسُّرُرِ وَالرُّفُوفِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَوْتَادِ وَالسَّلَالِيمِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ وَلَمْ تُطَيَّنْ وَالْأَقْفَالُ وَالْكُنُوزُ وَالدَّفَائِنُ وَالصَّنَادِيقُ وَالْمَتَاعُ وَرَحَا الْيَدِ الَّتِي تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَالْخَزَائِنُ الْمُنْفَصِلَةُ وَأَقْفَالُهَا وَمَفَاتِيحُهَا وَالْأَبْوَابُ الْمَقْلُوعَةُ وَالْحِجَارَةُ الْمَدْفُونَةُ وَالْآجُرُّ الَّذِي دُفِنَ لِيُخْرَجَ وَيُسْتَعْمَلَ وَكَذَا كُلُّ مَا فُصِلَ مِنْ آلَةِ الْبِنَاءِ مِنْ آجُرٍّ وَخَشَبٍ فَلَمْ تُسْتَعْمَلْ أَوْ كَانَ أَبْوَابًا وَلَمْ تُنْصَبْ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْبَكَرَةَ كَالدَّلْوِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْبَكَرَةِ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ الْبَكَرَةَ كالمتصل وليست كالدلو فلا يدخل شئ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ جَزْمًا وَفِي حَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ إذَا كَانَ الرَّحَا مَبْنِيًّا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الدُّخُولَ وَمُقَابَلَةَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ التَّحْتَانِيَّ يَدْخُلُ (أَمَّا إنْ قُلْنَا) بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ فَفِي الْفَوْقَانِيِّ أَوْلَى وَالْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ أن لايدخل واحد منهما وفى مفتاح المعلاق المثبت وجهان (أحدهما) أنه لايدخل كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُحْكَى عَنْ صَاحِبِ التلخيص وأبى اسحق المروزى أنه يدخل لانه من توابع المعلاق الْمُثَبِّتِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَكَذَا كُلُّ مَا كان متفصلا

لا يمكن الانتفاع بِهِ إلَّا مَعَ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ فِيهِ وَجْهَانِ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَّصِلِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَفِي أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَبْوَابٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ وَتُرَدُّ وَقِيلَ تَدْخُلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنْهَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ الدُّخُولَ وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَجَزَمَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ بِعَدَمِ دُخُولِ شَرِيحَةِ الدُّكَّانِ وَدَرَابَاتِهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الدَّرَابَاتِ مُسَمَّرًا وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ الدُّخُولَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ جَعَلَ فِي الدَّارِ مَدْبَغَةً وَفِيهَا أَجَاجِينُ مَبْنِيَّةٌ فَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ فَفِي دُخُولِ الْأَجَاجِينِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا حَيْثُ لَا تَكُونُ الدَّارُ مدبغة فالدخول ههنا أَوْلَى وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الْمَدْبَغَةَ دَخَلَتْ الْأَجَاجِينُ قَطْعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمَدْبَغَةِ وَالْمَصْبَغَةِ مُتَضَمِّنَيْنِ لِلْأَجَاجِينِ الْمَبْنِيَّةِ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ وَمَرَاقِي الْخَشَبِ إذَا أُثْبِتَتْ إثْبَاتُ تَخْلِيدٍ فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَرْقَى الْآجُرِّ وَالْجِصِّ بِخِلَافِ السَّلَالِيمِ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافَ فِي تَجْوِيزِ الصَّلَاةِ إلَى الْعَصَا الْمَغْرُوزَةِ فِي سَطْحِ الْكَعْبَةِ إنْ جَوَّزْنَا فَقَدْ عَدَدْنَاهَا مِنْ الْبِنَاءِ فَتَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اسْمِ الدَّارِ وَالْمَدْبَغَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ الدُّخُولِ عَلَى هذا ما يشير إليه اللفظ فتزل ذَلِكَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ وَالدُّخُولِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ التَّنُّورُ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ مَا يَكُونُ فِي الدَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مُتَّصِلٍ وَمُنْفَصِلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَّصِلِ وَمُنْفَصِلٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَّصِلِ فالاول يدخل والثانى لايدخل وَالثَّالِثُ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَا وَالْمِفْتَاحِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِدُخُولِ الْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَبْوَابِ مَعَ أَنَّ الْأَبْوَابَ قَائِمَةٌ فِي الدَّوْرَاتِ غَيْرِ مَغْرُوزَةٍ فِيهَا وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْأَبْوَابَ الْبَقَاءُ مُحِيطٌ بِهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ مُنْفَصِلَةً لِيُمْكِنَ رَدُّهَا وَفَتْحُهَا.

(فرع) ذكر الامام أن هذا الخوف الْمَذْكُورَ فِي الْأَجَاجِينِ الْمُثَبَّتَةِ وَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَا وَالسَّلَالِيمِ الْمُسَمَّرَةِ يَجْرِي فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الرَّحَا مُرَتَّبًا وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى النَّصِّ فِي أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْ الْحَجَرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْرِ لِذَلِكَ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا كَلَامُنَا وَحِكَايَةُ الْأَصْحَابِ لاوجه فِي ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ الْخِلَافُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ تَنْدَرِجُ فِي بَيْعِ الدَّارِ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ الجوزى وَذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْمِيزَابُ عَدَّهُ صَاحِبُ الْحَاوِي مِمَّا يَدْخُلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالْأَبْوَابِ وَالضِّبَابِ فَيَدْخُلُ جَزْمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِالرُّفُوفِ الْمُتَّصِلَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ وَيَكُونُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ فِي دُخُولِهَا وَيَدْخُلُ الِاخْتِصَاصُ الَّتِي عَلَى السطح قاله صاحب التتمة. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي الدَّارِ بِئْرٌ دَخَلَتْ لَبِنُهَا وَآجُرُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي الْبِئْرِ وَسَيَأْتِي الكلام في الماء أو صهريج دخل الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ بِنَائِهَا فَهُوَ كَالْخَزَائِنِ وَالسُّقُوفِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَوْ كَانَ وَرَاءَ الدَّارِ بُسْتَانٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّارِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ اسْمَ الْحُقُوقِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُسْتَانِ الْمُتَّصِلِ بِالدَّارِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ

(فَرْعٌ) وَأَمَّا حَرِيمُ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ دَخَلَ وَلَوْ كَانَ فِي الْحَرِيمِ أَشْجَارٌ فَفِي دُخُولِهَا الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِكَّةٍ نَافِذَةٍ أَوْ فِي طَرِيقِ الشَّارِعِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ بل لاحريم لمثل هذه الدارعلى مَا سَنَذْكُرُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْأَشْجَارَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَفِي غَيْرِ النَّافِذِ إنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ لَمْ تَدْخُلْ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ لِأَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَرِيمَ في السكة غير النافذ لايدخل إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ إنَّ بِئْرَ الْمَطَرِ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَمْ تَدْخُلْ في البيع ولا شرط وَهَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّتِمَّةِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (قُلْتُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرفعة صحيح وليس اعتراض عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُمْ أَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَرِيمُ هَلْ يَدْخُلُ هُوَ وَأَشْجَارُهُ فِي بيع الدار أم لا ولاشك أن الحريم ثابت في السكة المسندة إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا تِلْكَ الدَّارُ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ يَدْخُلُ حَرِيمُ الدَّارِ فِي بَيْعِ الدَّارِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ حَرِيمُ الْقَرْيَةِ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ. (فَرْعٌ) إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ حُجْرَةٌ أَوْ سَاحَةٌ أَوْ رَحْبَةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِخُرُوجِ ذَلِكَ عَنْ حُدُودِ الدار التى لا تمتاز عَنْ غَيْرِهَا إلَّا بِهَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ حُدُودٍ فِي الْغَالِبِ فَإِنْ اسْتَوْفَى ذِكْرَهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ ذَكَرَ حَدًّا أَوْ حَدَّيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ

ذَكَرَ ثَلَاثَةً فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَتَمَيَّزُ بالثلاثة بطل وان تميزت فالصحيح وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ (قُلْتُ) وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْحُدُودِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مَعْلُومَةً نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ إذَا ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْتِبَاسِهَا بِغَيْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَتْبَعَهَا الْحُجْرَةُ وَالسَّاحَةُ وَالرَّحْبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) إذَا ذَكَرَ الْحُدُودَ وَخَرَجَتْ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الْحُدُودِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ إذَا أُطْلِقَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُدُودِ وَتَمَيَّزَتْ وَحُكِيَ مَعَ ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (فَرْعٌ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا إذَا اتَّصَلَ بِالدَّارِ سَابَاطٌ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حُدُودِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يدخل كالجناح (والثانى) لايدخل الا بشرط كالحجرة والساحة (والثالث) وهو تخريج أبى الفياض إنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْ السَّابَاطِ مطروحا على حائط لغيره هذه الدار لم يدخل قال ابن عصرون وهو أصحهما وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ عَدَمَ دُخُولِ الساباط وذا بَاعَ دَارًا عَلَى بَابِهَا ظُلَّةٌ مُثَبَّتَةٌ عَلَى جِدَارِهَا دَخَلَ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ لَنَا إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الدَّارِ وَإِذَا دَخَلَ الْمِيزَابُ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَغَالِيقَ تَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَفْهُومُ مَا كَانَ مُسَمَّرًا كَالنُّصُبِ الْمَعْهُودَةِ وَالدُّوَّارِ الْمُسَمَّى بِالْكَيْلُونِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَقْفَالَ الْخَزَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ وَمَفَاتِيحَهَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَزَائِنَ

الْمُنْفَصِلَةَ لَا تَدْخُلُ فَهِيَ أَوْلَى أَمَّا الْأَقْفَالُ الْحَدِيدُ الْمَعْهُودَةُ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُثَبَّتَةِ فَلَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا مَنْقُولَةٌ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا عَلَى الِاطِّرَادِ (تَنْبِيهٌ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمُخْتَصَرَاتِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِفْتَاحَ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ (وَالصَّوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مِفْتَاحِ الغلق المثبت كالضبة والدوار كا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ (أَمَّا) مِفْتَاحُ الْغَلْقِ الْمَنْقُولُ كَالْأَقْفَالِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُنْقَلُ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْقُفْلِ فَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ في ذلك. (فرع) تقدم عن أبي الحسين الجوزى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ أَرْضًا أَوْ دَارًا فَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ قَوْلَانِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ عَلَى غَرَابَتِهِ وَأَنَّهُ عَلَى مَسَافَةٍ تَقْتَضِي جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ زَالَ الْحُكْمُ بِتَبَعِيَّةِ أكثر ما ذكرناه لانه اذالم يَدْخُلْ الْبِنَاءُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لَا يَشْهَدُ له عرف وأما اللغة (1) . (فرع) وأما الشَّجَرُ فَفِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الدَّارِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ الَّتِي مَرَّتْ فِي دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ دُخُولُ الشَّجَرِ هُنَا أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا حَوَاهُ بِنَاؤُهُ مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ وَحَكَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ إنْ بَلَغَتْ الْأَشْجَارُ مَبْلَغَهَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الدَّارِ بُسْتَانًا لَهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي اسْمِ الدَّارِ والا دخلت مالا وهذا

_ (1) كذا بالاصل فحرر

أعدل الوجوه وهذا منهما بناء على ماختاراه أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَمَتَى قِيلَ بِالتَّبَعِيَّةِ فِي الْأَرْضِ فَفِي الدَّارِ أَوْلَى وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ أَيْ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ لايدخل فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَمَا قَالَهُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ جَارِيَةً فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ فَعَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِتْبَاعِ يَدْخُلُ الشجر ههنا وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِتْبَاعِ مِنْ طَرِيقَةِ طَرْدِ الْخِلَافِ (وَأَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ تَقَدُّمِ الِاسْتِتْبَاعِ أَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْمُوَافِقِ لَهَا مِنْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فَتُجْرَى الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي استتباع الدار الشجر ومنشأها التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَشْمَلُهَا لَا أَنَّهَا تَدْخُلُ تَابِعَةً فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا زِيَادَةٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ وَتَفْصِيلٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَالْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الدُّخُولُ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ تَفَاوُتٌ لَطِيفٌ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مَا قَدَّمْتُهَا وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يمكن تسمية ذلك دون الدار بستانا لم يَنْدَرِجُ وَإِلَّا فَيَنْدَرِجُ وَأَوَّلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يُسَمَّى دُونَ الدَّارِ بُسْتَانًا وَتَكُونُ السدار دَاخِلَةً تَحْتَ اسْمِهِ وَحِينَئِذٍ يُوَافِقُ عِبَارَةَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْبَابُ إذَا كَانَ مَغْلُوقًا لايدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْآجُرِّ وَغَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا.

(فَرْعٌ) بَاعَ سَفِينَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ مُتَّصِلًا وَفِي دخول مالا يستغنى عنه من آلتها المنفصلة وجهان يعني المتقدمين عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حجري الرحا ودخولهما تحت اسم الدار (وأما) لو قال بعتك هَذِهِ الطَّاحُونَةَ قَالَ الْإِمَامُ فَالْحَجَرُ الْأَسْفَلُ يَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ وَفِي دُخُولِ الْحَجَرِ الْأَعْلَى خِلَافٌ (وَالْأَظْهَرُ) دُخُولُهُ لِأَنَّ تَعَرُّضَهُ بِاسْمِهَا لِلطَّحْنِ وَالطَّحْنُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحَجَرِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إنَّهُ لَا خلاف في اندارجها تَحْتَ اسْمِ الطَّاحُونَةِ أَيْ لَا خِلَافَ بِهِ احْتِفَالٌ وَفِي الْبَسِيطِ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ. (فَرْعٌ) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْحَانُوتَ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ دَخَلَ فِي بيعها الدر وندو العلج ولا يدخل في بيعها الدرايات لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا فَهِيَ كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ قَالَ يَعْنِي الصَّيْمَرِيَّ (وَأَمَّا) الشَّرَائِحُ فَقَدْ قِيلَ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَدْخُلُ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَالْمَبْنَى دَخَلَتْ وَإِلَّا لَمْ تَدْخُلْ قَالَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوبٍ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُ كَالْبَابِ الْمَنْصُوبِ وَقِيلَ لايدخل كَالرُّفُوفِ الَّتِي لَمْ تُسَمَّرْ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ حكاية الوجهين في الدراديب (وَأَمَّا) الْمُتَّصِلُ بِالْحَائِطِ مِنْ الْخَشَبَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِاتِّصَالِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. (فروع) جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ بِذِكْرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ. لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ وَفِي أُذُنِهِ حَلَقٌ أَوْ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي رِجْلِهِ حِذَاءٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَبْدِ وَهَلْ تَدْخُلُ

ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جميع الفقهاء لا لانه لايدخل شئ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالْعَفْوِ عَنْهَا فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَدْخُلُ ذَلِكَ في مطلق البيع (وَالثَّالِثُ) يَدْخُلُ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لِلضَّرُورَةِ كَنَعْلِ الدَّابَّةِ وَإِنْ بَاعَ دَابَّةً وَعَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْمِقْوَدُ وَالْحَبْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ قَدْرَ مَا تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ النِّعَالُ الْمُسَمَّرَةُ فِي أَرْجُلِهَا لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِخِلَافِ الْقُرْطِ فِي الْأُذُنِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّ النَّعْلَ يُسْتَدَامُ وَالْقُرْطَ لَا يُسْتَدَامُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ بَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا لُؤْلُؤَةً أَوْ جَوْهَرَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ اللُّؤْلُؤَةُ أَوْ الْجَوْهَرَةُ فِيهَا أَثَرُ مِلْكٍ مِنْ ثَقْبٍ أَوْ صَنْعَةٍ فَهِيَ لُقَطَةٌ والا فهى ملك الصياد كما يملك من ما يأخذه من المعدة فَإِنَّ السَّمَكَةَ قَدْ تَمُرُّ بِمَعَادِنِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَرُبَّمَا ابْتَلَعَتْ شَيْئًا مِنْهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا فَوَجَدَ فِي جَوْفِهِ جَرَادًا أَوْ سَمَكًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْذِيَتِهِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَهُوَ كَالْحَبِّ فِي بَطْنِ الشَّاةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ وَجَدَ فِي جَوْفِهَا حَمَامًا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ابْتَاعَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا سَمَكَةً جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ السَّمَكَ قَدْ يَتَغَذَّى بِالسَّمَكِ وَحَكَى صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هذا (والثانى) لايدخل بَلْ هُوَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ صَغِيرًا دَخَلَ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ يَدْخُلْ قَالَ فِي

الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ (وَالصَّحِيحُ) أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ هَذَا الْحُوتُ مِمَّا يَأْكُلُ الْحِيتَانَ دَخَلَ فِي بَيْعِهِ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الطَّيْرِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحِيتَانَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لا يأكل لم يدخل الْحِيتَانَ لَمْ يَدْخُلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُؤْكَلُ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ الْمَوْجُودُ فِي جَوْفِ الطَّائِرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ بَعْدَ الْغَسْلِ لِتَنَجُّسِهَا بِمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ فَلَوْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لِأَنَّ مَا فِي جَوْفِ الْحُوتِ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَمَا فِي جَوْفِ الطَّائِرِ نَجَسٌ (قُلْتُ) وَمَا فِي جَوْفِ السَّمَكِ وَجْهَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ النَّجَاسَةُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا وَإِنْ بَاعَ دَجَاجَةً وَفِي جَوْفِهَا بَيْضٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حُقُوقُ الدَّارِ الْخَارِجَةُ مِنْهَا لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بها وبهذا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا خَارِجٌ مِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ آلَةٌ وَقُمَاشٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْطِيُّونَ وَكُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَمِنْهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَدَّ صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى زُفَرَ بِأَنَّهُ لَوْ دخل ذلك لدخل مافى الدَّارِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَطَعَامٍ وَمَا أَحَدٌ قَالَ هَذَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِي يده.

قال المصنف رحمه الله تعالى . (وأما الماء الذى في البئر فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق الماء غير مملوك لانه لو كان مملوكا لصاحب الدار لما جاز للمستأجر شربه لانه اتلاف عين فلا يستحق بالاجارة كثمرة النخل والواجب أن لا يجوز للمشتري رد الدار بالعيب بعد شربه كما لا يجوز رد النخل بعد أكل ثمرته فعلى هذا لايدخل في بيع الدار غير أن المشتري أحق به لثبوت يده على الدار وقال أبو علي ابن أبى هريرة هو مملوك لمالك الدار وهو المنصوص في القديم وفى كتاب حرملة لانه من ماء الارض فكان لمالك الارض كالحشيش فإذا باع الدار فان الماء الظاهر للبائع لايدخل في بيع الدار من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشتري فعلى هذا لا يصح البيع حتى يشترط أن الظاهر من الماء للمشتري لانه إذا لم يشترط اختلط ماء البائع بماء المشتري فينفسخ البيع.

(الشَّرْحُ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِنَاءَ الْبِئْرِ وَالصِّهْرِيجِ يدخلان في بيع الدار فاما الَّذِي فِي الْبِئْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْبِئْرِ هَلْ يُمْلَكُ أَوْ لَا عَلَى وجهين (أحدهما) وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مملوك لانه يجري تحت الارض ويجئ إلَى مِلْكِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِي النَّهْرِ إلَى مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِمَا ذكره المصنف أيضا وقياسه على تمر النَّخْلِ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ يَعْنِي فَلَمَّا جاز للمستأجر شربه وجاز ردها بالعين بَعْدَ شُرْبِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ أَنَّ دَاخِلًا دَخَلَ وَأَخَذَهُ مَلَكَهُ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ رَدُّهَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَنْبُعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَلَبَنِ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتِ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ نَصِّهِ فِي

الْقَدِيمِ وَعَنْ كِتَابِ حَرْمَلَةَ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي غُرْمُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى التوسعة ومحل الوجهين فيهما إذا كان الْبِئْرُ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا قَصَدَ بِحَفْرِهَا الِاسْتِقَاءَ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّمَلُّكَ فَالْمَاءُ الْمُجْتَمِعُ فِيهَا لَا يَكُونُ مِلْكًا بِالِاتِّفَاقِ لِلْأَصْحَابِ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يَمْلِكُ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَكُلُّ مَنْ اسْتَقَاهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ مَمْلُوكٌ لَمْ يَدْخُلْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ كَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَا ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْبِئْرُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ للمشترى لانه لو لم يشترط كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا حِمْلُ ثَمَرَةٍ مُؤَبَّرَةٍ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْدُثُ حَمْلٌ آخَرُ وَيَتَلَاحَقُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ إمْكَانِ قَطْعِ الْأَوَّلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَتْبَعَ الْمَاءَ الْبِئْرَ وَجَعَلَهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ مِنْهُ كَمَا يَدْخُلُ الْحِمْلُ تَبَعًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فَالْفَرْقُ يَقْتَضِيهِ فَلْيُلَخَّصْ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا أُطْلِقَ فِي الْبِئْرِ وَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا لَا يَسْتَتْبِعُ الْمَاءَ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ

وَالْبَاطِلُ لَا يَسْتَتْبِعُ وَصَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق لَكِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي البيع فإذا شرط دخوله على قول أبى هريرة كان ذلك بالشرط لا بِالتَّبَعِيَّةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَطَعُوا بِهِ قال الامام ولست أرى قياسا ولا توفيقا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ وَلَكِنَّ الْعَادَةَ عَامَّةٌ فِي الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ تَنَاقَلَتْ (1) نَاظَرَ عَنْ هَذَا فَكَذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي الْحُكْمِ كَمَا تَرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ هُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ بَيْعِ الْكِلَابِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمَاءُ الْجَارِي أَوْلَى بِالْفَسَادِ (فَإِنْ قُلْتُ) كَيْفَ صَحَّ اشْتِرَاطُهُ وَهُوَ لَوْ بَاعَ مَاءَ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ أما على قول أبى اسحق فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّهُ لَا يمكن تسليمه كما في مسألة الثمار ولايجوز أَنْ يَبِيعَهُ جُمْلَةَ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيَحْدُثُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ (قُلْتُ) صَحِيحٌ أَنَّ بَيْعَ مَاءِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مَعَ الْبِئْرِ أَوْ الدَّارِ لِأَنَّ الْحَادِثَ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَمِنَّا مِنْ الْفَسَادِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْبِئْرِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي الدَّارِ وَقَدْ اعْتَرَضَ زَيْنُ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ شَيْخُ صَاحِبِ الْوَافِي عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ اخْتِلَاطُ مَاءِ الْبَائِعِ بِمَاءِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِأَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لَيْسَ يمنع فاختلاطه بماء المشتري لا يوجب

_ (1) كذا بالاصل فحرر

الْفَسْخَ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْوَافِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُجْتَمِعَ حَالَةَ الْعَقْدِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَبِيعًا فَإِذَا اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ فَكَانَ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ الْمَبِيعَيْنِ هَلْ يَكُونُ كَالتَّعَذُّرِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي كتاب البيوع اه مَا أَجَابَ بِهِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ اخْتِلَاطَ الْمَاءَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْمَوْجُودَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الِانْفِسَاخُ وَإِذَا ثَبَتَ هُنَاكَ أَنَّ اخْتِلَاطَ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً كَاخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ حَيْثُ تَكُونُ نَفْسُهَا مَبِيعَةً وَالثَّمَرَةُ هُنَاكَ إذَا عُلِمَ تَلَاحُقُهَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَحَيْثُ تَكُونُ الشَّجَرَةُ مَبِيعَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يُعْلَمُ تَلَاحُقُهَا بِغَيْرِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالِانْفِسَاخِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ ثُمَّ يَنْفَسِخُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَاطِ وَلَكِنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ انْعَقَدَ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَفْسَخُهُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَهَذَا التَّصْوِيرُ صَحِيحٌ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ وعند الاصحاب

فِيمَا إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الثِّمَارِ مَعْلُومًا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ نَادِرًا ثُمَّ وَقَعَ وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي فَلَا يَتَّجِهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ إنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ فِي الْبَاقِي وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الَّذِي جَزَمَ فِيهِ بِالِانْفِسَاخِ هَذَا فِيمَا هُوَ جُزْءٌ كَأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْمَاءُ الْمَوْجُودُ الْكَائِنُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الجزء بل هو وصف متعذرة أَوْ يَبْلُغُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ وَلَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ جَزْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْعُيُونُ الْمُسْتَنْبَعَةُ وَالْأَوْدِيَةُ وَالْعَيْنُ فَفِي تَمَلُّكِ مَائِهَا أَيْضًا وَجْهَانِ وقرارها مملوك ولا يجوز بيع مائها لم تَقَدَّمَ بِلَا خِلَافٍ لِاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ ويجوز بيع قَرَارُ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمٌ مِنْهَا وَيَكُونُ لِمُشْتَرِي ذَلِكَ حَقٌّ فِي الْمَاءِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْأَصْلِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ سَهْمًا مِنْ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَوْ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءَ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَيَكُونُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ عَلَى قول أبى اسحق قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا

وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوا فِي بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا بِئْرٌ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَيْنَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا (إذَا قُلْنَا) الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ الْعَيْنِ الْمَاءَ الظَّاهِرَ وَقْتَ الْبَيْعِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاءُ الْمُشْتَرِي بِمَاءِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِأَنَّهَا رُؤْيَةٌ لِلْمَاءِ الْحَادِثِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ لَا لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ وَالْمَاءَ الَّذِي فِيهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْلُومٌ وَمَجْهُولٌ هَكَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْمَاءَ الْحَاصِلَ فِيهَا فَهُوَ كَبَيْعِ الْبِئْرِ وَمَائِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ لَكِنْ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَلْ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْجُودٌ وَمَعْدُومٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْحَادِثُ تَابِعًا وَإِنْ أَرَادَ الْمَاءَ الْمَوْجُودَ وَأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ فَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَاءِ الْبِئْرِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْبَابَيْنِ الْعِلْمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ منا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ وَقُلْنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ فِي النهاية على ما إذا رأى المودجا مِنْ لَبَنِ الضَّرْعِ (1) لِأَنَّ بَعْضَهُ مَرْئِيٌّ وَبَعْضَهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الْمَبِيعُ من ماء البئر يعتقد بالتزايد فِيهِ كَمَا فِي لَبَنِ الضَّرْعِ وَلَوْ بَاعَ مائة منا مِنْ مَاءِ نَهْرٍ كَانَ مَمْنُوعًا وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ بَاعَ مِنْ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمَاءِ صَحَّ وَالْقَوْلُ فِي الْمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ بَاعَ النَّهْرَ مَعَ مَائِهِ الجاري فيه وقلنا الماء غير مملوك وغير مملوك مَجْهُولٍ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ وَالْأَصَحُّ فِي مِثْلِهِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ في الجميع.

_ (1) بياض بالاصل فحرر

(فَرْعٌ) عَنْ الْإِمَامِ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ نَهْرٌ فَالْكَلَامُ فِي مَائِهِ كَالْكَلَامِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذا كان واقفا فيه دون مَا إذَا كَانَ جَارِيًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَارِيَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جَزْمًا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيُجْعَلُ فِي صِهْرِيجٍ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله فعندي أنه يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَا فِي الْإِجَارَةِ إلَّا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مِنْ الزَّيْتِ وَغَيْرِهِ إذَا خُلِطَ فِيهِ. (فَرْعٌ) الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي الْأَنْهَارِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَنْبُعُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً كَالْجِبَالِ وَالشِّعَابِ وَمَنْ اسْتَقَى شَيْئًا مِنْهَا وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَإِذَا جَرَى مَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ كَمَاءِ الْمَدِّ يَدْخُلُ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِالْحِيَازَةِ بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَإِذَا حَفَرُوا أَنْهَارًا فَأَجْرَوْا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مَاءً فَلَيْسَ أَيْضًا بِمَمْلُوكٍ وَلِهَذَا يَحِلُّ لِلْعَطْشَانِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِ النَّهْرِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ باع مقدارا من ماء نهر جَارٍ أَرْضُهُ مَمْلُوكَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُ الْعَقْدِ عَلَى مُعَيَّنٍ فِيهِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا مَا يَقَعُ فِي أَرْضِهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَاءَ الْبِئْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ أَرْضِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِنَمَاءِ أَرْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ كَمَا لَوْ يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ صَيْدٌ (قُلْتُ) وهذا ما لم تحصل حيازته (أَمَّا) إذَا أَخَذَهُ وَحَازَهُ مَلَكَهُ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ احْتَازَ مَاءً مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَيْهِ أنه

لا يختص بشركة في هذا النهر قال وَإِنْ أَتْلَفَ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ مَاءً فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ أَوْ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ غَرِمَهُ فِي الْبَلَدِ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَالْبِئْرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بِأَنْ قَصَدَ حَافِرَهُ فِي الْمَوَاتِ الِاسْتِقَاءَ مِنْهُ وَعَدَمَ تَمَلُّكِهِ فَمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يُمْلَكُ قَوْلًا وَاحِدًا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ فِي أَنْهَارِ الْأَرْضِ وَعُيُونِهَا مِنْ السَّمَكِ فَلَا يُمْلَكُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وجه أبى إسحق وَوَجْهُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا بِالْحِيَازَةِ كَمَا لَا يُمْلَكُ مَا فَرَّخَ مِنْ الصَّيْدِ فِي أَرْضِهِ إلَّا بِأَخْذِهِ وَإِنَّمَا لَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ أَرْضِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذُوهُ مَلَكُوهُ دُونَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ ذَاكَ التَّعَلُّقُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ جَمِيعَ حَقِّي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَسْهُمٍ مِنْ عِشْرِينَ سَهْمًا وَكَانَ حَقُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ (قُلْتُ) وَقَدْ يَتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ فَخَرَجَتْ أَكْثَرَ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا فَإِنَّ الصُّبْرَةَ الْمُشَاهَدَةَ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِعَيْنِهَا كُلِّهَا وَفِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مِقْدَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أبى إسحق هَلْ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ أَنْ لَا يَمْلِكَ قَطُّ لَا بِالْإِجَارَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ هُوَ غَيْرُهُ ومذهب أبى اسحق فِي مَاءِ الْبِئْرِ خَاصَّةً قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا

فِي مِلْكِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا مَاءٌ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ كَيْنُونَتِهِ فِي الْبِئْرِ أَمْ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَحْتَازَهُ بِإِنَاءٍ أَوْ ظَرْفٍ وجهان مشهوران (قال) أبو إسحق لا (قال) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا أنه يملك بالاجازة (وَأَمَّا) ذَلِكَ الْوَجْهُ الْبَعِيدُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ قَطُّ بِالْإِجَارَةِ وَلَا غيرها فهو مهجور غير مشهور قال لَمْ أَرَ أَحَدًا حَكَاهُ سِوَاهُ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُونَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وفرعوا عليهما. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ كَانَ في الارض معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لانه من أجزاء الارض وان كان معدنا ظاهرا كالنفط والقار فهو كالماء مملوك في قول ابن أبى هريرة وغير مملوك في قول أبى اسحق والحكم في دخوله في البيع على ما بيناه في الماء وان باع أرضا وفيها ركاز أو حجارة مدفونة لم تدخل في البيع لانها ليست من أجزاء الارض ولا هي متصلة بها فلم تدخل في بيعها) . (الشرح) النفط (1) وَالْقَارُ (2) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَعْدِنُ عَلَى قِسْمَيْنِ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَامِدٌ وَذَائِبٌ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْبَاطِنُ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ أَيْ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ عَنْ الْأَرْضِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَسَمَّاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَادِنَ الْجَامِدَاتِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ جَزْمًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ولا فرق بين

_ (1 و 2) بياض بالصل فحرر

الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ بعض الاجزاء أفخر من بَعْضٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَلَا مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ فِيهِ قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَصَرْفٍ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ أَيْ الْمُتَمَيِّزُ عَنْ الْأَرْضِ وَهِيَ أَعْيُنٌ لِلْمَائِعِ كَالنِّفْطِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ وَالزِّئْبَقِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا مَعْدِنٌ فَمَا يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَمَا كَانَ مُجْتَمِعًا فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يُمْلَكُ (قُلْت) فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ أَصْلًا وَلَا بِالْحِيَازَةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ حَكَاهُ هُوَ فصحيح ان ذلك الوجه لاجريان لَهُ فِي الْمَعْدِنِ لَكِنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ في مسألتنا لان الكلام مادام فِي مَقَرِّهِ قَبْلَ الْحَوْزِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ لا يملك مادام في البئر فالمعدن كذلك عند أبى اسحق الْقَائِلِ بِذَلِكَ فِي الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَعْدِنِ وَفِي الدَّارِ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَسِيطِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا رِكَازٌ أَيْ كَنْزٌ مَدْفُونٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حِجَارَةٍ مَدْفُونَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ

مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ مِنْ دَفِينِ الْإِسْلَامِ لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ إذَا وَجَدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَا مِنْ نَمَائِهَا وَلَا مُتَّصِلًا بِهَا فَلَمْ يَدْخُلْ كَمَتَاعِ الْبَيْتِ وَالطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ (وَالظَّاهِرُ) أَنَّهُ لِمَنْ مُلِكَتْ مِنْهُ الدَّارُ فَإِذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِمَنْ مَلَكَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا. هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الاصحاب (المسألة الثانية) الْأَحْجَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مخلوقا فِي الْأَرْضِ فَتَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ قَرَارُ الْأَرْضِ وَطِينُهَا ثُمَّ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَضُرَّ بِالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جميعا فهى عَيْبٌ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْصَدُ لِذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِي كَوْنِ ذَلِكَ عَيْبًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً بِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَلَوْ اشْتَرَاهَا لِلْبِنَاءِ فَهِيَ أَصْلَحُ لَهُ فَلَا خِيَارَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ الزَّرْعَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لَا يُعَيَّنُ جِهَةُ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ دُونَ الزَّرْعِ لِوُصُولِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ إلَيْهَا دُونَ الزَّرْعِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَيْبٌ (وَالثَّانِي) وَيُحْكَى عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا خِيَارَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعِ دُونَ الْغَرْسِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا لِكَمَالِ الْمَنْفَعَةِ بِأَحَدِهِمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْغَرْسِ دُونَ الزَّرْعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فِي أَرْضِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلزَّرْعِ أَوْ بَعْضُهَا لِلْغَرْسِ وَبَعْضُهَا لِلزَّرْعِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَتْ مُرْصَدَةً لِلْغَرْسِ فَهَذَا عَيْبٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُعْتَادَ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ قَالَ وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْوَجْهَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فلا يكون

فِي الْجَوَابِ اخْتِلَافٌ لَكِنْ ذَكَرْتُ مَا عَلَيَّ وَبَيَّنْتُ مَا اقْتَضَتْهُ الدَّلَالَةُ عِنْدِي (قُلْتُ) وَهَذَا حَسَنٌ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعَدٍّ لِلزَّرْعِ وَلَا لِلْغَرْسِ كَالْأَرَاضِيِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ جَمِيعًا فِيهَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلِذَلِكَ شَرَطْنَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاسْتَثْنَى هُوَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَبِيعَةً لِغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَكُونَ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ وَلَا بِالزَّرْعِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَجْهِ الارض فليس هذا بعيب ولاخيار لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَحْوَالِ الْحِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً فِي الْأَرْضِ كَاَلَّتِي تَكُونُ فِي أثاثات الْجِدَارَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلِاسْتِدَامَةِ وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ يَسْتَتْبِعُ الْبِنَاءَ وَالطُّرُقُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي ذَلِكَ جَارِيَةٌ فِيهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مُنْهَدِمًا أَوْ كَانَتْ فِي طَيِّ بِئْرٍ خَرَابٍ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الدُّخُولِ (وَأَمَّا) كَوْنُهَا عَيْبًا فَقَدْ جعلها الرافعى (1) فِي كَوْنِهَا عَيْبًا إذَا كَانَتْ مُضِرَّةً بِالْغِرَاسِ والزرع كالمخلوقة (وَأَمَّا) الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْغَالِبَ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بِزَرْعٍ وَلَا غَرْسٍ لِأَنَّ الْعُرُوقَ جَارِيَةٌ فِي مُسْنَاةِ الْأَرْضِ وَمَشَارِبِهَا قَالَ فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِخِلَافِ الْعُرْفِ فِي مَوْضِعٍ مُضِرٍّ بِالزَّرْعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عَلَى مَا مَضَى إلَّا أَنْ يَسْهُلَ قَلْعُهَا لقصر المدة وقلة المؤنة فلا خيار (2) أثبتنا

_ (1 و 2) بياض بالاصل فحرر

الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْسِكُ الْأَرْضَ وَالْحِجَارَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مَدْفُونَةً فِيهَا كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ يَنْحِتُونَ الْأَحْجَارَ وَيَدْفِنُونَهَا إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا خِلَافَ انها لا تدخل في بيع كَالْكُنُوزِ وَالْأَقْمِشَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْدِنِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ثُمَّ لَا يَخْلُو الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَالِ أَوْ جَاهِلًا إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِقَلْعِ التَّابِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ خَالِيَةً عَنْ غِرَاسٍ وَبِنَاءٍ أَوْ غَيْرَ خَالِيَةٍ وَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ إمَّا تَبَعًا أَوْ مَعَ التَّصْرِيحِ وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ تَنْقُصُ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَوْ الْغِرَاسِ أَوْ الزَّرْعِ الدَّاخِلِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ وَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ تَبْقِيَتُهَا تَضُرُّ أولا. وفى الوسيط حكاية وجهه أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى البقل وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَإِنْ طَالَتْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دارا فيها أقمشة وهو عالم بها لاأجرة لَهُ فِي مُدَّةِ النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ إذَا نَقَلَ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ فَلِلْحِجَارَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرَرِ فِي قَلْعِهَا وَتَرْكِهَا أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِبُعْدِهَا عَنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ لِأَنَّهُ

لم يحصل في الارض غراس ولازرع فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ النَّقْلُ وَلِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَالْخِيَرَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الْأَصْحَابُ فَلَوْ سَمَحَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مَحْضَةٌ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ فِي نَفْيِ الضَّرَرِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أراد بالضرر ضرر الزَّرْعَ وَالْغِرَاسَ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا نَذْكُرهُ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَلَعَهَا فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْقَلْعِ لان علمه بها يجعل قلعها مستثنى كتقبية ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى نَخْلِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْقَلْعِ يَسِيرًا لَا يَكُونُ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَيَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَفْوِيتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا بِقَلْعِ الْحِجَارَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ ولا خيار وان للمسترى كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَجَبَ الْأَرْشُ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَفِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَالثَّانِي) وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُفَوَّتَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِيَدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَرْضِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (فَأَمَّا) تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ

وَإِصْلَاحُ حُفَرِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا لَكِنْ يَجِبُ بِذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا مُضِرًّا لِقُرْبِهَا مِنْ عُرُوقِ الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ غِرَاسٍ وَزَرْعٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْقَلْعِ وَإِنْ كان جاهلا اما بالحجارة واما بضررها اما فِي الْقَلْعِ وَإِمَّا فِي التَّرْكِ فَلَهُ الْخِيَارُ هَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ سَوَاءٌ جَهِلَ أَصْلَ الْأَحْجَارِ أَوْ كَوْنَ قَلْعِهَا مُضِرًّا فَأَغْفَلَ قِسْمًا آخَرَ لَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ وبكون قَلْعُهَا مُضِرًّا وَلَكِنْ جَهِلَ كَوْنَ تَرْكِهَا مُضِرًّا فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وليس كذلك لانه لافرق بَيْنَ ضَرَرِ التَّرْكِ وَضَرَرِ الْقَلْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ يَتْرُكُهَا فَلَا يَحْصُلُ ضَرَرٌ. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ لِمَا فِي بَقَائِهَا مِنْ الضرر وهل يسقط الخيار بأن يقول للمشترك لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ فيه فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ (أَصَحُّهُمَا) عند الامام والرافعي لاكما لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَا تَفْسَخْ لِأَغْرَمَ لَكَ الارش ثم ان فسخ رجع بالثمن والافعلى الْبَائِعِ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ قبل القبض لا تجب التسوية وجها واحد بَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ ههنا هو

وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ (أَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ وَفِي أُجْرَةِ النَّقْلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهُوَ قَوْلُ أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجِبُ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ والذى قبله

وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهِ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ هَكَذَا وَمَنْ جُمْلَةِ أَقْسَامِ مَا فَرَضَهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ جَاهِلًا بِضَرَرِهَا مَعَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ أَوَّلًا أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا أُجْرَةَ وَقَدْ يَقَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ الْتِبَاسٌ فَالصَّوَابُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَتَحْرِيرِ حَمْلِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا قَالَهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ جَعَلَا مَحَلَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحِجَارَةِ وَبِضَرَرِهَا

فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحِجَارَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِضَرَرِهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالضَّرَرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ أَقَامَ لِعِلْمِهِ بِالْحِجَارَةِ وَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا يَجْعَلُ زَمَانَ قَلْعِهَا مُسْتَثْنًى وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ يُمْنَعُ إيجَابُ الْأُجْرَةِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَزَمَانِ تَفْرِيغِ الدَّارِ مِنْ الْقُمَاشِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ لَوْ

بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ نُقْصَانٌ وَعَيْبٌ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَسَلَكَا بِالْأَرْشِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَسْلُكَا وَلَا مَنْ وَافَقَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِالتَّسْوِيَةِ مَسْلَكَ الْأُجْرَةِ بَلْ أَوْجَبُوهَا مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجِبْ الْأُجْرَةَ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ إن المنافع

والاوصاف لا يقابلها شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَقَطْ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَمْ يَضْمَنْ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ جناية البائع كالآفة السماية (وَأَمَّا) الْحَفْرُ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ أَذْهَبَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ التُّرَابَ بَعْضُ الْأَرْضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خَيَالٌ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَفْرِ كَانَ قَدْ بَانَ وَسَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الْأَجْزَاءِ فَيَنْبَغِي انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

وان كان باقيا قد زاله عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ مِنْ بَابِ إزالة المعيب وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِيجَابُ عَيْنٍ أُخْرَى يُسَوَّى بِهَا الْحَفْرُ أَبْعَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْشَ كَالْأُجْرَةِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ حَكَى فِي الْأَرْشِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي الْأُجْرَةِ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَبْنِيًّا عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ

وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْقَدْرِ الْمُتَّصِلِ بِمِلْكِهِ لَمْ يَتِمَّ كَمَا يَقُولُهُ فوضع الْجَوَائِحِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ أَطْلَقَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَالْإِجْبَارِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النص وقول الجمهور ولانظر إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِلَا خِلَافٍ وَعَقِبَ الطَّلَبِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمُطْلِقِينَ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَمْ يُبَيِّنُوا

مَا إذَا كَانَتْ مَوَاضِعُ الْأَحْجَارِ تَحْتَاجُ فِي تَسْوِيَتِهَا إلَى تُرَابٍ آخَرَ هَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ مِنْ خَارِجٍ أَوْ تَسْوِيَتُهَا بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ أَوْ يُعِيدُ إلَى تِلْكَ الْحُفَرِ التُّرَابَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهَا بِالْقَلْعِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ سَدَّهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمُتَقَدِّمُ لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ التَّسْوِيَةِ هذا القسم الآخر فانه لاتسوية فيه لاسيما إذَا كَانَ مَوَاضِعُ الْحِجَارَةِ حُفَرًا كِبَارًا وَالتُّرَابُ الَّذِي فَوْقَ الْحِجَارَةِ يَسِيرٌ فَإِذَا قُلِعَتْ الْحِجَارَةُ بَقِيَ مَوْضِعُهَا حُفَرًا لَا يَسُدُّهُ ذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي فَوْقَهَا وَلَا تَتَسَاوَى بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَحَمْلُ التَّسْوِيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ بُعْدٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهِ يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَفَاءً بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَتَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَقْلِ التُّرَابِ عَنْ مَحَلِّهِ بِالْقَلْعِ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ أو حصل

وَلَكِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى حَالِهَا وَعَلَى هَذَا لَوْ عُدِمَ ذَلِكَ التُّرَابُ الْمَنْقُولُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ المراد القسم الثاني وهو أن تَسْوِيَتُهُ بِبَقِيَّةِ الْأَرْضِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إعَادَةُ الْمَبِيعِ إلَى مَا كَانَ بَلْ يَتَغَيَّرُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّسْوِيَةَ بِالتُّرَابِ المقلوع قان لَمْ يَكْفِ فَبِتُرَابٍ جَدِيدٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَتَّجِهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِهِ لِأَنَّ إلْزَامَ الْبَائِعِ بِتُرَابٍ جَدِيدٍ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بَعِيدٌ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ التَّسْلِيمِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَإِزَالَةُ التُّرَابِ اللَّازِمِ ثُمَّ إعَادَتُهُ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ عَيْبٍ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ حَصَلَ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ بَعْدَ اطلاعه على الاحجار وعلمه بالحال فلا شئ لَهُ غَيْرَ رَدِّ التُّرَابِ لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَى الْقَلْعِ رِضًا بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنْ الْعَيْبِ وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ وَجَبَ التُّرَابُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ وَجَهْلُ الْمُشْتَرِي أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فَإِذَا أَسْقَطَهُ بِالْإِجَازَةِ لَمْ يبق له شئ آخَرُ ثُمَّ التَّعَيُّبُ الْحَاصِلُ مِنْ الْقَلْعِ إنْ فُرِضَ غَايَتُهُ أَنْ يُجْعَلَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَعَيْبٍ حَاصِلٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ به لما ألزمه الْبَائِعَ بِالْقَلْعِ الَّذِي ذَلِكَ التَّعَيُّبُ مِنْ لَوَازِمِهِ فلا شئ له سواء

كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَأْخَذُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا قَبْلَ القبض وبعده لكنه خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ اخْتَارَ طَرِيقَةً مُفَصَّلَةً وَهِيَ أَنَّ إعَادَةَ التُّرَابِ الزائل بالقلع واجبة والزائد عَلَى ذَلِكَ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَصَلَ بِهِ عَيْبٌ خَرَجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى القطع في يد المشترى بالسرقة السابقة فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ إنْ وَقَعَ بِغَيْرِ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ وَقَعَ بِمُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْشِ وَلُزُومِ التَّسْوِيَةِ مَزِيدُ كَلَامٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لِذَلِكَ الزَّمَانِ أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَى جميع الاحوال ليس البائع اقدار الْحِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى البيع (الحالة الثالثة) أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ وَيَكُونَ فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَلَحِقَ سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فقال أنا أصلحه وأنقيها لاخيار للمشتري (قلت) وههنا أولى بعد الخيار لان البائع مأخود بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَهُنَاكَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ الْإِصْلَاحُ وَإِزَالَةُ الْخَلَلِ ثُمَّ إنَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى عادته

لَمَّا فَسَّرَ الضَّرَرَ بِضَرَرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَالَ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الْأُجْرَةِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى مَا مَضَى فَإِنْ أَطْلَقْتُ الْكَلَامَ كَمَا صَنَعَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَنَشْرَحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالَةُ الرابعة) أن يكون في قلعها ضرر ولايكون فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا كَانَ جاهلا فان أجاز نفى الاجرة ولارش مَا مَرَّ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ أَقْلَعُ وَأَغْرَمُ الْأُجْرَةَ أَوْ أَرْشَ النَّقْصِ قَالَ صاحب التهذيب ويجئ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي إبْقَاءً لِلْعَقْدِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكْتُهَا فَهَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ مُجَرَّدُ إعْرَاضٍ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فِيهِ وجهان حكاهما الرافعي وهما كالوجيهن فِي تَرْكِ النَّعْلِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ حاصل (وأظهرهما) أنه قطع للخصومة لاغير وبالاول أجاب الماوردى وينبني على الوجهين مالو قلعها يوما ما أو بدى لِلْبَائِعِ فِي تَرْكِهَا هَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَعُودُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ لَا رُجُوعَ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالتَّرْكِ إلَّا إذَا جَرَتْ حَالَةٌ يزول فيها المعنى المتقضى للترك قال الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْإِبْرَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبُولُ وداعي الامام

أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ وُهِبْتُهَا مِنْكَ فَإِنْ رَآهَا قَبْلُ وَوُجِدَتْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شَرَائِطُ الْهِبَةِ فَفِي صِحَّتِهَا لِلضَّرُورَةِ (وَجْهَانِ) إنْ صَحَّحْنَاهَا فَفِي إفَادَةِ الْمِلْكِ مَا ذَكَرْنَا فِي التَّرْكِ قَالَ أَكْثَرَ هَذَا الْكَلَامِ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْبَائِعُ إذَا قَالَ وَهَبْتُ الْحِجَارَةَ فَفِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا وجها مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً فحدث ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْأُولَى فَوَهَبَهَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَلِأَنَّهَا هِبَةٌ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ وَأَيْضًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ مِلْكِ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُجْبَرُ لِأَنَّ بِقَبُولِهَا يَزُولُ الضَّرَرُ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ فَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْقَطْعُ نَظَرَ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ أَوْ مَغْرُوسَةً بِغَرْسٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ مُتَأَخِّرٍ فَلَهُ ذَلِكَ ثُمَّ الْحُكْمُ فِيهِ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً بِزَرْعِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى الْبَائِعِ تَرْكُ الاحجار إلى انقضاء مدة الرزع لِأَنَّهُ زَرْعٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ قَلَّمَا يُقْلَعُ قَبْلَ حَصَادِهِ فَإِذَا حَصَدَ الْمُشْتَرِي زَرْعَهُ قَلَعَ الْبَائِعُ حِينَئِذٍ حِجَارَتَهُ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْحِجَارَةِ بَعْدَ القبض

وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ إذَا كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فانه يترك إلى أو ان الْحَصَادِ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ يَسِيرٌ يمكن تداركه عن قرب أنه لاخيار للمشترى ومحل ذلك على ما يتقضيه كَلَامُهُ إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَيْهِ فَلَوْ تَقَاعَدَ عَنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ يَعْنِي فِي وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الْأَرْضِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى إتْمَامِ الْعَقْدِ. (فَرْعٌ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَّا الْغِرَاسُ الَّذِي وَعَدْتُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَكَانَ فِيهَا غِرَاسٌ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ قَلْعَ حِجَارَتِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا يخلوا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَرْسُ مُتَقَدِّمًا عَلَى البيع قد دخل وما أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَجَدَّهُ فَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا فان قلعها بعد القبض فعيله الْأُجْرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَرْشُ النَّقْصِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَعَيُّبُ الْأَشْجَارِ بِالْأَحْجَارِ

كَتَعَيُّبِ الْأَرْضِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ وَلَا أَرْشُ النَّقْصِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ مَرَّ فِي مِثْلِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وفي الاجرة وجهان (اصحهما) لا ولو سمع الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْأَحْجَارِ وَكَانَ الْقَلْعُ وَالتَّرْكُ يَضُرَّانِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ (أَصَحُّهُمَا) الثُّبُوتُ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا غِرَاسًا فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَقَدْ لَحِقَهُ نَقْصٌ وَضَرَرٌ هَكَذَا قَالَ وَفِي نَظِيرِهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَنَا خِلَافٌ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْرُوسَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ دُونَ التَّرْكِ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالتَّرْكِ حَتَّى لايتعيب الْغِرَاسُ بِالْقَلْعِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ أَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بعد الشراء

فان احدثه عالما بالاحجار فللبائع قلع الْأَحْجَارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَلْعِ الْغِرَاسِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَحْدَثَهُ جَاهِلًا فَفِي ثُبُوتِ الخيار وجهان (وجه) الثبوت ان الضَّرَرَ نَاشِئٌ مِنْ إيدَاعِهِ الْأَحْجَارَ فِي الْأَرْضِ (والاصح) ان لَا يَثْبُتُ لِرُجُوعِ الضَّرَرِ إلَى غَيْرِ الْمَبِيعِ وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ بِالْمَبِيعَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَسَمَحَ الْبَائِعُ بِالْحِجَارَةِ لِلْمُشْتَرِي أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ولاخيار لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْحِجَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يُورِثْ الْغَرْسُ وَقَلْعُ الْمَغْرُوسِ نُقْصَانًا فِي الْأَرْضِ فَلَهُ الْقَلْعُ وَالْفَسْخُ وَإِنْ أَوْرَثَ الْقَلْعُ أَوْ الْغَرْسُ نُقْصَانًا فَلَا خِيَارَ فِي الفسخ ذلا يَجُوزُ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ نَاقِصًا وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَإِذَا قَلَعَ الْبَائِعُ

الْأَحْجَارَ فَانْتَقَصَ الْغِرَاسُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ بِلَا خلاف هذا ماقاله الرافعي وقال المحاملى لافرق بَيْنَ أَنْ يَغْرِسَ الْبَائِعُ وَيَبِيعَ أَوْ يَبِيعَ بلاغراس ثُمَّ يَغْرِسُ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ اسْتَحْدَثَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَهَذَا لَا يكون الابعد القبض فليزمه يَعْنِي الْبَائِعَ الْأُجْرَةُ وَنَقْصُ الْغَرْسِ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ والتفصيل الذي قاله الرافعي أولى ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الزَّرْعِ فكان ذلك محمول على الغالب والا فيكن أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا غَرْسٌ أَوْ زَرْعٌ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَجَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَلِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَأَمَّا أَرْشُ نَقْصِ الْغِرَاسِ هُنَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّ الْغِرَاسَ

لَيْسَ بِمَبِيعٍ حَتَّى يَخْرُجَ عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرابعة والرافعي ذكرها ذكر مالا اختصاص له بها ولاشك أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُجْبِرْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْقَلْعِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّ الْقَلْعَ يَكُونُ جَائِزًا لِلْبَائِعِ وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هَهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) تكلم الامام وقبله القاضي حسين في أنه لم أَوْجَبُوا تَسْوِيَةَ الْحَفْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْغَاصِبِ إذَا حَفَرَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى مَنْ هَدَمَ الْجِدَارَ أَنْ يُعِيدَهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْأَرْشَ وَأَجَابَا عَنْهُ بِأَنَّ طَمَّ الْحَفْرِ لَا يَكَادُ يَتَفَاوَتُ وَبُنْيَانُ الْأَبْنِيَةِ يَخْتَلِفُ وَيَتَفَاوَتُ فشبه ذلك بذوات الامثال

وهذا بذوات الفيم حَتَّى لَوْ رَفَعَ لَبِنَةً أَوْ لَبِنَتَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْجِدَارِ وَأَمْكَنَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي الْهَيْئَةِ كَانَ ذَلِكَ كَطَمِّ الْحَفْرِ. (فَرْعٌ) ذكره المحاملى هنا قال أبو إسحق إذَا بَاعَ عَبْدًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ آبِقٌ وَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُحْضِرُهُ السَّاعَةَ وَأَحْضَرَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ (قُلْتُ) وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْإِبَاقَ ثُمَّ أَبِقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا أَمْكَنَهُ رَدُّهُ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ كَالضَّابِطِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا فُرِضَ ضَرَرٌ لَا يَنْدَفِعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَلَا أَرْشَ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ وَأَرَادَ إلْزَامَ الْبَائِعِ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ وَكَانَ الضَّرَرُ فِي تَرْكِهِ وَنَقْلِهِ فَفِي الْأَرْشِ الْأَوْجَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِدُ خَلَاصَهَا بالفسخ فهو كالطلاعه حَالَةَ الْعَقْدِ وَأَنَّ النَّقْصَ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِفِعْلٍ مَنْشَؤُهُ الْبَائِعُ إمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بعده مستند إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَتْلِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ

تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْحَجَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّرْكُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَظَهَرَ الضَّرَرُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي تَغْرِيمِ الْبَائِعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِتَغْرِيمِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ يَنْتَظِمُ عَلَى هَذَا تَعَطُّلُ الْمَنَافِعِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي رقبة المبيع وقد ذكر والخلاف في الاجرة فما لوجه تَرَتُّبِهَا وَالْفَرْقُ لَائِحٌ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا وَلَوْ قِيلَ الْقَدْرُ الَّذِي يُفْرِغُ الْبَائِعُ فِيهِ الْمَبِيعَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَالْمَبِيعُ كُلُّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي با جزائه وَصِفَاتِهِ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْأُجْرَةِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجِبُ بَعْدَهُ وان ذلك قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ عَلَى مَا نَقَلَ أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي البحر قال الماسرخسى قال اسحق فِي بَغْدَادَ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى مِصْرَ لَهُ الْأُجْرَةُ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعَ الْأَرْشِ فَإِذَا نَصَّ فِي الْأَرْشِ فَالْأُجْرَةُ مِثْلُهُ وَبَنَى الْقَفَّالُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ.

(فَرْعٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ وُجُودِ شُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ يُفْصَلُ فِيهِمَا بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الْأَرْضِ بِالْقَلْعِ تقدم عن الماوردى فما قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ان كان بعد انقبض فَيَثْبُتُ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَبْضِ. (فَرْعٌ) إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَجَرٍ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ قَلْعُ الْحِجَارَةِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا يَضُرُّ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِي أَرْشِ النَّقْصِ طُرُقٌ حَكَاهَا الروياني (أحدها) لاارش لانه رضى بالنقص وقال أبو إسحق هُوَ كَالْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بَعْدَ الْقَبْضِ يَلْزَمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ فِيهِ وَجْهَانِ قبل القبض وبعد وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ.

(فَرْعُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ كَانَ قَلْعُ الْأَشْجَارِ يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَلْ تُمْلَكُ بِالتَّرْكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَوْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَحْجَارَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْبَائِعِ قَلْعُ الْأَحْجَارِ وَجْهَانِ مبنيان على مالو أَتْلَفَ حِنْطَةً فَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا فَغَرِمَ الْمِثْلَ ثُمَّ وُجِدَ الْمِثْلُ هَلْ لَهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَمُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَجْهَانِ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أن يقول له البائع أن أُعْطِيكَ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَيْسَ كَمَا إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ فَإِنَّهُ لَا نَقَصَ فِي التَّرْكِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ فَالْحُكْمُ فِي التَّسْوِيَةِ وَالْأُجْرَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ عَلَى مَا مَضَى. (فَرْعٌ) إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْحِجَارَةِ سَقَطَ رَدُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنْ كان قلع الاحجار وتركها مضران فَلِلْبَائِعِ الْقَلْعُ وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِهِ ثُمَّ إذَا قَلَعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ حَوَّلَ مِلْكَهُ عَنْ الْأَرْضِ بِإِدْخَالِ النَّقْصِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الرُّويَانِيِّ نَقْصَ الْأَرْضِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَقْصَ الْغِرَاسِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ وَذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْغَرْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ فَإِنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَّا الْغِرَاسَ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ وَكَيْفِيَّةُ التَّقْوِيمِ أَنْ يُقَالَ كَمْ يُسَاوِي هَذَا الشَّجَرُ وَلَا نَقْصَ فَيُقَالُ مِائَةٌ فَيُقَالُ وَكَمْ يُسَاوِي وَبِهِ هَذَا النَّقْصُ

فَيُقَالُ تِسْعُونَ فَيَقُولُ نَقَصَ الْعُشْرُ فَتَلْزَمُ حِصَّتُهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ التَّرْكَ فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا. (فَرْعٌ) قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ زَرَعَ فِيهَا زرعا وباعها مع الزرى وتحتها أشجار يَعْنِي وَالْمُشْتَرِي جَاهِلٌ بِهَا فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ الْأَحْجَارَ مَا لَمْ يُحْصَدْ الزَّرْعُ إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالزَّرْعِ وَإِنَّ الزَّرْعَ يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ فَالضَّرَرُ يَخْتَصُّ بِهِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّ الْعِرَاقِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّهُ يجب على الغاصب أرش نقصان الحفر يريد بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ تَسْوِيَةِ الْحَفْرِ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دُونَ أَرْشِ النَّقْصِ ومنهم من فرق بعد وان الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ. (فَرْعٌ) زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ تَحْتَهَا حِجَارَةً وَفِي قَلْعِهَا هَلَاكُ الزَّرْعِ لَمْ يُمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ قَلْعِهَا لِأَنَّ لِلزَّرْعِ غَايَةً فَيُؤْمَرُ بِالتَّوَقُّفِ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحِجَارَةِ وَتَرَكَ الْبَائِعُ الْقَلْعَ ثُمَّ أَرَادَهُ بَعْدَ زَرْعِ

الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحْصُدَهُ الْمُشْتَرِي كَمَا حَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يُسَوِّي فِي الْحَالَتَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغِرَاسِ. (فَرْعٌ) شَبَّهَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا اشْتَرَى الارض وغرسها بعد الشراء ثم ظهر فيما أحجار بما إذا باع الشجرة وبقى لنفسه الثمرة فحدثت ثمرة أخرى واختلطت بِهَا فَمَنْ قَالَ هُنَاكَ يَجْعَلُ الْحَادِثَةَ كَالْمَبِيعَةِ فِي حُكْمِ الِاخْتِلَاطِ قَالَ هَهُنَا إنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْغِرَاسِ الْحَادِثِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الْأَشْجَارِ الْمُشْتَرَاةِ يَعْنِي لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا فَجَعَلْنَا الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ كَالضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ قَالَ وَأَصْلُ المسألتين إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فَغَرِمَ الْمَهْرَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْبَائِعِ أَمْ لَا فَعَلَى قَوْلٍ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ له سلامة الوطئ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَكَذَا هُنَا ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ غِرَاسِهِ وَالثِّمَارِ الْحَادِثَةِ فَجَعَلْنَا الْخَلَلَ الْحَاصِلَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْخَلَلِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَفَرَضَ الْمُتَوَلِّي الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ قَلْعُهَا يَضُرُّ بِالْغِرَاسِ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي المسلسل لَمَّا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي مَضَتْ فِي نَقْلِ الْحِجَارَةِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وكجناية الاجنبي

قَالَ فَإِنْ قِيلَ الْقَبْضُ هُنَا حَاصِلٌ وَالْمَذْهَبُ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْنَا) الْبَائِعُ إذَا سَلَّمَ الْأَرْضَ وَفِيهَا حِجَارَةٌ مُسْتَوْدَعَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَاهَا بِالْحَالَةِ الْأُولَى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ولكني أجبت نَقْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ. (فَرْعٌ) مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ دَاخِلًا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَنَقْلُ الْحِجَارَةِ مُضِرٌّ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ وَإِضْرَارِ الْغِرَاسِ وَنَحْوِهِ إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَفَاءً بِمُوجَبِ الْبَيْعِ وَقِيَامًا بِتَسْلِيمِ الْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ لَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ دَخَلَ حَرِيمُهَا فِي الْبَيْعِ وَفِي دُخُولِ الْأَشْجَارِ الْخِلَافُ الَّذِي سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ لَمْ يَدْخُلْ الْحَرِيمُ وَالْأَشْجَارُ فِي الْبَيْعِ بَلْ لَا حَرِيمَ لِمِثْلِ هَذِهِ الدَّارِ كذا ذكرها الرافعى (1) إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ أَوْ الْبَاحَةَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ وَالْغِرَاسُ وَكُلُّ ماله مِنْ النَّبَاتِ أَصْلٌ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ وَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ جَرْيًا عَلَى قاعدته (وأما) على المذهب فانه يدخل ولو قِيلَ بِالْجَزْمِ بِالدُّخُولِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ الْبُسْتَانَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَخْلُو عَنْ الْبِنَاءِ ولكنه

_ (1) بياض بالاصل

إذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ تَنَاوَلَ اسْمُهُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ كَالِاحْتِمَالِ الَّذِي فِي دُخُولِ الشَّجَرِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَهُوَ هَهُنَا أَقْوَى لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْبَسَاتِينِ عَلَى الْبِنَاءِ أَكْثَرُ مِنْ اشْتِمَالِ الدُّورِ عَلَى الْأَشْجَارِ غَالِبًا وَيَنْدُرُ أَنْ يَكُونَ بستان لابناء فيه وجزم الرفعي بدخول الحائط ولاوجه لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَبْنِيَةِ فَالْجَزْمُ فِيهَا مَعَ طَرْدِ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ وَلَا مُسَاعِدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَذَا وَالْمَاوَرْدِيُّ أَطْلَقَ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْجِدَارَ الْمُحِيطَ عَلَى الطُّرُقِ وَأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ يَدْخُلُ الْجِدَارُ الْمُحِيطُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدِي وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِ الْبِنَاءِ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي دُخُولِ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَذَلِكَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْتُهُ الْآنَ مِنْ الْفَرْقِ وَتَقْوِيَةِ الْجَزْمِ بِالدُّخُولِ فِي الْبُسْتَانِ وَهُوَ الذي يقتضيه العرف لاسيما فِي بِلَادِنَا هَذِهِ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَى بَسَاتِينِهَا أَنْ تُتَّخَذَ عَلَيْهَا الْحَوَائِطُ وَالْإِغْلَاقُ لِشِبْهِ الْمَسَاكِنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْبِنَاءُ عِنْدِي بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبُسْتَانِ كَالشَّجَرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدَّارِ فَقَدْ تَلَخَّصَ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ فِي الْبُسْتَانِ طُرُقٌ (إحْدَاهَا) أَنَّ الْجِدَارَ الْمُحِيطَ يَدْخُلُ جَزْمًا وَفِيمَا عَدَاهُ الطُّرُقُ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ الرُّويَانِيُّ (وَالثَّانِيَةُ) إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّالِثَةُ) الْجَزْمُ بِدُخُولِ الْجَمِيعِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهِيَ الَّتِي اقْتَضَى كَلَامِي أَوَّلًا الْمِيلَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقَةٌ جازمة

بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ هُنَا مَعَ التَّرَدُّدِ فِي دخولها تحت اسم الارض هذا مالا يُمْكِنُ وَلَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي دُخُولِ الْأَبْنِيَةِ تَحْتَ اسْمِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَالْكَرْمِ (ثَالِثُهَا) يَدْخُلُ الْمُحِيطُ دُونَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ الْجِدَارِ الْمَوْضُوعِ لِلْحِفْظِ وَالْإِحَاطَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرُوا أَنَّ لَفْظَ الْكَرْمِ كَلَفْظِ الْبُسْتَانِ لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي نَوَاحِينَا إخْرَاجُ الْحَائِطِ عَنْ مُسَمَّى الْكَرْمِ وَإِدْخَالُهُ فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى مَا اسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا (1) كَالْعَامِّ وَأَنَّهُ إنْ صَحَّ يَكُونُ وجها رابعا يعني (2) الكرم والبستان (3) وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ حَادِثَةً لَمْ تَدْخُلْ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي وَفِي الْعَرِيشِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا بالكرم (4) اللُّزُومِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ دُخُولَهُ وَجَعَلَ فِي الْوَسِيطِ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْكَرْمِ وَالْإِمَامُ نَقَلَهُ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْبَاحَةِ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَرَيَانِهِ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَرِيشِ الَّذِي يُنْقَلُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدَنَا الْقَطْعُ بِدُخُولِهَا تَنْزِيلًا عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ اسْمِ (5) أَوْ الْبُسْتَانِ فِي مُطْلَقِ الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُنَظِّمُ مع الكرم عريشه وان كان مجلد قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَرِيشُ يُنْقَلُ (أما) إذا كانت تراد للدوام (6) فِي بِلَادِنَا فَلَا يَأْتِي فِيهَا التَّرَدُّدُ قَالَ الرافعي ولو قال هذه الدار

_ (من 1 إلى 6) بياض بالاصل

بُسْتَانٌ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ هذا الحائط بستان أو هذا الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ وَفِي الْبِنَاءِ الَّذِي فِي وَسَطِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَهَكَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ حَائِطٌ بُسْتَانٌ وَفِي لَفْظِهِمَا قَلَقٌ وَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الحائط البستان هذه الْعِبَارَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَتَّضِحُ فِي لفظه الْمَحُوطَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ فَلْيَدْخُلَا أَوْ لِيَكُونَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ إنْ كَانَتْ الْحَوْطَةُ بِغَيْرِ مِيمٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي كَلَامِهِمْ بِالْمِيمِ فَالْإِشَارَةُ تَكُونُ لِلْمِيمِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ فَكَأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ وَعِنْدَ نُطْقِهِ تَدْخُلُ الْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ الْمُحِيطُ وَفِي دُخُولِ مَا فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ الْخِلَافُ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ أَلْحَقَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِالْبُسْتَانِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ بِالْمِيمِ وَإِخْرَاجُ الْبِنَاءِ عَنْهَا بَعِيدٌ وَإِنْ أُخْرِجَ فِيمَا إذَا نُطِقَ بِاسْمِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْجَمِيعِ وَتَخْصِيصُهَا بِالْمِيمِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَقْتَضِهِ دَلِيلٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْبُسْتَانِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا خَارِجَةً مِنْهُ لِأَنَّ اسم البستان

صَادِقٌ بِدُونِهَا نَعَمْ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَلْيَدْخُلَا أَوْ ليكونا على الخلاف لاوجه لِلتَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِدُخُولِهَا (وَأَمَّا) لَفْظُ الْحَوْطَةِ بِغَيْرِ مِيمٍ فَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابٍ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْبُسْتَانِ فَيَتَّجِهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْحَائِطِ الدَّائِرِ عَلَى الْبُسْتَانِ فيتجه أن لايدخل الْبِنَاءُ وَلَا الشَّجَرُ جَمِيعًا (وَالْأَقْرَبُ) أَنَّ حَذْفَ الْمِيمِ تَصْحِيفٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ بِالْمِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْكُتُبِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِي لَفْظِ الْبُسْتَانِ وَالْحَائِطُ بِمَعْنَاهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ فَرْقٌ فِيهَا بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَدَّدَ بَلْ يَنْبَغِي دُخُولُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ إلَى الْجَمِيعِ وَعَدَمِ مَا يتقضى اخراج شئ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْمَحُوطَ دَخَلَ فِيهِ الْحِيطَانُ وَالْأَرْضُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غِرَاسٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَكْسُ مَا قاله صاحب التهذيب وخلافت مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا وَبَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لَا وَجْهَ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلم.

(فَرْعٌ) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الدُّخُولِ يَعْنِي بِهِ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ فِي الْوَسِيطِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي اسْمِ الْأَرْضِ (وَأَصَحُّ) الطُّرُقِ عِنْدَهُ فِي اسْمِ الْأَرْضِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا تَقَدَّمَ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا الْأَظْهَرُ مِنْ الطُّرُقِ وَالْعِجْلِيُّ قَالَ إنَّ مَعْنَاهُ الْأَظْهَرُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْبِنَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالشَّجَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّارِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ لِلشَّجَرِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيهَا أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْأَرْضِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ أَيْ إنْ قُلْنَا الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْضِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قلنا) لايدخل فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ الْأَظْهَرَ أي من هذه الاوجه ولاشك ان ما قاله الامام نفيه. لكن الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونَ الْأَظْهَرَ مِنْ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبُسْتَانِ كَمَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ مُتَّجِهَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اسْتِتْبَاعِ الدَّارِ الْأَشْجَارَ بَحْثٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ مِثْلُهُ هُنَا فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَتَكُونُ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُنَاكَ وان

لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا لَكِنَّ تَسْوِيَتَهُ بَيْنَ المسألتين يقتضيه ولو ككان فِي الْبُسْتَانِ مَاءٌ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فيه وجهان حكاهما القاضى حسين. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بَاعَ نخلا وعليها طلع غير مؤبر دخل في بيع النخل وان كان مؤبرا لم يدخل لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فجعلها للبائع بشرط أن تكون مؤبرة فدل على أنها إذا لم تكن مؤبرة فهى للمبتاع ولان ثمرة النخل كالحمل لانه نماء كامن لظهوره غاية كالحمل. ثم الحمل الكامن يتتع الاصل في البيع والحمل الظاهر لايتيع فكذلك الثمرة. قال الشافعي رحمه الله وما شقق فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر) .

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُ (أَيُّمَا نَخْلٍ اُشْتُرِيَ أُصُولُهَا وَقَدْ أُبِّرَتْ فَإِنَّ ثَمَرَتَهَا لِلَّذِي أَبَّرَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِي اشْتَرَاهَا (وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا (أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المبتاع) ورواه الشافعي رضى الله عنه عن ابن عيينية عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَأَحْسَنِهَا كُلُّهُ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ وَلَفْظُهُ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ قَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ بِغَيْرِ هَاءٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَالْمَالُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَجَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ يَقُولُونَ هَكَذَا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ سَائِرَ ذَلِكَ فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اشْتِرَاطِ نِصْفِ الثمرة أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَسَأَتَعَرَّضُ لِهَذَا فِي فَرْعٍ آخِرَ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى إسْقَاطِ الْهَاءِ مِنْ لَفْظِ الحديث ولم أقف عليها في شئ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَمَاءٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْكَنْزِ وَالْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ وَالْبُذُورِ (وَقَوْلُهُ) كَامِنٌ

احْتِرَازٌ مِنْ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ المؤبر كذلك وان التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِهِ (وَقَوْلُهُ) لِظُهُورِهِ غَايَةٌ احْتِرَازٌ من الجوز واللوز والرمان والموز والرانج لانه لاغاية لِخُرُوجِهِ مِنْ قِشْرِهِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِكَسْرِهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ لِلْبَائِعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فَالثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ دُونِ الْأَشْيَاءِ لَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ فَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِنَا لَيْسَ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَنْ بَاعَ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ اشْتَرَى وَكُلُّهَا صَحِيحٌ سَنَدًا وَمَعْنًى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ ثَابِتٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) أُبِّرَتْ يَجُوزُ تَشْدِيدُهُ وَتَخْفِيفُهُ يُقَالُ أَبَرَ النَّخْلَ مُخَفَّفًا يَأْبُرُهَا أَبْرًا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّخْلَةَ حَتَّى إذَا انْشَقَّ طَلْعُهَا وَظَهَرَ ما في بطنه وضع فيه شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ تشقق تؤخذ شئ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُدْخَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِي طَلْعِ الْإِنَاثِ فَيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاحًا لها وهذه الْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ وَقَدْ يُؤْخَذُ سَعَفُ

الْفُحَّالِ فَيُضْرَبُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبُسْتَانِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ فَيَحْمِلُ الرِّيحُ أَجْزَاءَ الْفُحَّالِ إلى سائر النخيل فَيَمْنَعُهُ التَّسَاقُطَ وَفِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مَا يُوهِمُ أَنَّ التَّشَقُّقَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّأْبِيرِ وَسَنُبَيِّنُ لَكَ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَبَيْعُ الشَّجَرِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ مُطْلَقًا رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَيْضًا وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ إنْ كَانَ كَالْفُجْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَسْفَلَهُ غَائِبٌ وَإِنْ كَانَ كَشَجَرِ الْعُصْفُرِ وَمَا حُفِرَ مِنْ التُّرَابِ جَازَ لِأَنَّ الْغَائِبَ مِنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَأَطْلَقَ الصَّيْمَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَغَيْرُهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ شَرْطِ الْقَلْعِ وَيُجْعَلُ الْمَجْهُولُ تَبَعًا وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَطْعُ مِنْ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ. إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَنْدَرِجُ فِي

مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ أَغْصَانُهَا لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ يَابِسًا وَالشَّجَرَةُ رطبة فالمشهور لايدخل لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَمَا فِي الثِّمَارِ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ كَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ إذَا بِيعَتْ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ الْجَزُّ وَيَدْخُلُ الْعِرْقُ أيضا في مطلق بيع الشجرة وكدا الْأَوْرَاقُ وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَنَحْوِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَفِي أَغْصَانِ الْخِلَافِ التي تقطع أغصانه ويثرك ياقه فإذا باع شجرته فالاغسان لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ (أَمَّا) الْخِلَافُ الَّذِي يُقْطَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَالْقَصَبِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَفِي أُصُولِهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي أُصُولِ الْبَقْلِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ هنا انها تدخل أغصاها في البيغ بِلَا خِلَافٍ وَفِي كِتَابِ الرَّهْنِ حَكَى فِيهَا خِلَافًا وَفِي كِتَابِ الْوَقْفِ قَالَ إنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ (نَوْعٌ) يُقْطَعُ كل سنة من وجه الأرض فهو كالقصب (وَنَوْعٌ) يَبْقَى وَتُقْطَعُ أَغْصَانُهُ فَفِي دُخُولِ أَغْصَانِهِ في بيعه

خِلَافٌ (الْأَصَحُّ) الدُّخُولُ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الشَّجَرَةِ الْكَرْمُ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ يَابِسَةً ثَابِتَةً فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَفْرِيغُ الْأَرْضِ عَنْهَا لِلْعَادَةِ وَلَا يَدْخُلُ مُغْرَسُهَا فِي الْعَقْدِ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ سائر المنقولات ولا يشترط فيه القطع قال الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَلَوْ شَرَطَ إبْقَاءَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَشَرَطَ عَدَمَ الْقَطْعِ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَلَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً تَبَعًا كَذَا قَالَهُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّخْلَةِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ لِأَنَّ أَسْفَلَهَا غَائِبٌ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً فَبَاعَهَا بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ اُتُّبِعَ الشَّرْطُ وَفِيهِ عِنْدَ شَرْطِ الْقَلْعِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَلَا يَجِبُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْقَلْعَ قَالَهُ في الفتوى وَلَوْ أَطْلَقَ جَازَ الْإِبْقَاءُ أَيْضًا لِلْعَادَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَاءً اسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ وَلَيْسَ

كالزرع حيث يشترط القلع لان الشجرة تراد للبقاء ولايجوز لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَهَا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَغْرَمَ ما ينقصه القلع قال الامام وهو مما لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ بِنَاءً مُطْلَقًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْمُغْرَسُ فِي الْبَيْعِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ لا إلى غاية وذلك لا يكون الاعلى سَبِيلِ الْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ لِتَمَلُّكِهِ إلَّا دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَقَدْ يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَالِكِ الْمَنْفَعَةَ لَا إلَى غَايَةٍ كَمَا لَوْ أَعَارَ جِدَارَهُ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي دُخُولِ الْأُسِّ فِي بَيْعِ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْخِلَافِ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ أَشْجَارَهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يستتبع الاصل ولكنه من جهة استحقاق لامحمل لَهُ إلَّا الْمِلْكُ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إجَارَةً لِلتَّأْبِيدِ وَلَا عَارِيَّةً لِعَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ وَإِنْ بَذَلَ أَرْشَ النَّقْصِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَعْلُهُ مَبِيعًا تَبَعًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَوْ انْقَلَعَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ قَلَعَهَا الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا

وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُغْرَسَ وَعَلَى الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ مِلْكُهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَخْرُجُ فِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) إجَارَةٌ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي الصُّلْحِ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ لِأَنَّ هَذَا يَقَعُ ضِمْنًا مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْجَمْعِ وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ وَغَرَامَةِ الْأَرْشِ عَلَى مَا يَفْرَغُ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِيمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إنَّ لَهُ الْقَلْعَ وَغَرَامَةَ مَا يُنْقِصُهُ الْقَلْعُ كَمَا يَغْرَمُ الْمُسْتَعِيرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَعَلَى الْمُعِيرِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقٌ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ وبه يتم ما أبتديته تَخْرِيجًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ أَوْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَارِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ (إنْ قُلْنَا) الْإِبْقَاءُ يُسْتَحَقُّ كَالْعَارِيَّةِ فَكَالْعَارِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْمُغْرَسِ وَالْأُسِّ فِي الْبَيْعِ مثل مَذْكُورٌ فِي الْإِقْرَارِ بِهِمَا وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِبَائِعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِلْكُ الْأَرْضِ فَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي الْحَالَ وَقُلْنَا بِدُخُولِهَا فِي الْبَيْعِ لَوْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ يُقَابَلُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا حَمْلَ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ تَبَعًا لَا

مَقْصُودًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِبْقَاءُ مُسْتَحَقًّا لَهُ لطريق بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الا (1) الْإِبْقَاءَ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذلك تفريع على أن لَا يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ وجريان مثله ذلك على قول المالك قابل ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ أَنْ يَبِيعَ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ مُسْتَأْجِرٌ مَعَهُ وَلَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ إجَارَتِهِ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ فَهَلْ نَقُولُ يَسْتَحِقُّ الابقاء في بقية مُدَّةِ إجَارَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهَا فِي الْعَقْدِ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّهَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ قَالَ وَالْأَشْبَهُ الثَّانِي وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ فِيهَا ثُمَّ بَاعَ ذَلِكَ فَيُشْبِهُ أَنْ تُلْحَقَ هَذِهِ بِمَا إذَا كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ حَتَّى لَا تستحق عليه أجرة لافي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ (إذَا قُلْنَا) لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا تَنْتَهِي بِمَوْتِهِ حَتَّى لَا تَنْتَقِلَ الْمَنْفَعَةُ لِوَارِثِهِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ فِي الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاَللَّهُ أعلم. وهذه الاحكام

_ (1) بياض بالاصل

كلها جارية في جميع الشجر لافرق بَيْنَ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ دُخُولَ الْمُغْرَسِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ وَرَأَى الْقَوْلَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ كَثِيرَةَ الشَّجَرِ فَتَشْتَبِكُ عُرُوقُهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يَبْقَى لِلْأَرْضِ بَيَاضٌ عَلَى ظَاهِرِهَا لِتَقَارُبِ الْأَشْجَارِ وَلَا فِي بَطْنِهَا لِاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ وَإِثْبَاتُهَا يُفْضِي إلَى أَنْ يَمْلِكَ مُشْتَرِي الْغِرَاسِ بِشِرَائِهِ جَمِيعَ الْأَرْضِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يَمْلِكَهُ نَازِلًا فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَفِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَلَى مُسَامَتَةِ الْعُرُوقِ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يَسْتُرُ الْعُرُوقَ وَالْبَحْثُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِإِفْضَائِهِ إلَى مِلْكِ الْأَرْضِ بِانْتِشَارِ الْعُرُوقِ (وَالثَّانِي) بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَنْعِ مَالِكٍ مِنْ بَيْعِ أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْغِرَاسِ لِأَنَّ مَالِكَ الْغِرَاسِ قَدْ مَلَكَ جُمْلَةً مِنْ أَجْزَائِهَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فقد أدى إلى فساده تفريعه على فساد وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا مَلَكَ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَلَكَ مُغْرَسَهَا فَلَا شَكَّ فِي صِغَرِ الْمُغْرَسِ الْآنَ لِصِغَرِ الشَّجَرَةِ وَقِلَّةِ عُرُوقِهَا فَإِذَا ابتلت الشجرة رسقيت انتشرت عُرُوقُهَا وَامْتَدَّتْ إلَى مَوَاضِعَ لَمْ تَكُنْ مُمْتَدَّةً إليها وقت الشراء ولابعده بِأَشْهُرٍ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَوَاضِعَ مِنْ الْأَرْضِ وَكُلَّمَا امْتَدَّ عِرْقٌ شِبْرًا أَوْ فِتْرًا فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَلَكَهُ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا وَهَذَا بِدْعٌ فِي الشَّرْعِ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِجَعْلٍ انْتَهَى مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَهُوَ بَحْثٌ جَيِّدٌ. إذَا عَرَفْتُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَإِذَا بَاعَ نَخْلًا دَخَلَ جَرِيدُهَا وسعفها

وَخُوصُهَا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (وَأَمَّا) الطَّلْعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ مُؤَبَّرًا لَمْ يَدْخُلْ لِلْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي بِمَنْطُوقِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ فَهِمَهُ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ ويحتمل أن يكون من مَفْهُومَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ صِفَةً لِلنَّخْلِ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَمْثِلَةِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ لَنَا مِنْ الحديث أدلة ثلاثة (أحدها) دليل الخطاب هو دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلْعَ لَهُ وَصْفَانِ مُؤَبَّرٌ وَغَيْرُ مُؤَبَّرٍ فَلَمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ مُؤَبَّرًا لِلْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُشْتَرِي كَمَا نَقُولُهُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ (وَالثَّانِي) إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) فَجَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً فَعُلِمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَلَيْسَتْ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لِلْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ إذَا أُبِّرَتْ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا هُوَ لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ (الثَّانِي) أَنَّهُ أَعْنِي الْمُخَالِفَ جَعَلَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ (وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ) مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما أن يكون ذكر التأبير بينها عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ للبائع

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَعْيِينِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ لا يكون للبائع لاسبيل إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَ بَائِنٌ ظَاهِرٌ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرِ كَامِنٌ مُسْتَتِرٌ وَمَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْحَمْلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْبِيرِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو حامد عن الشافعي من الاستدلال مَوْجُودٌ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَدَّ قَالَ (إذَا أُبِّرَ فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ) فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا أُبِّرَ وَلَا يَكُونُ مَا فِيهِ إلَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَا لِغَيْرِهِمَا وَلَا مَوْقُوفًا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَرْطٍ اسْتِدْلَالًا مَوْجُودًا بِالسُّنَّةِ وَقَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِبَارَ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ حَدَّ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِالْوَجْهِ الثَّانِي جَعْلَهُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ شَرْطًا وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَهَذَا الَّذِي أَرَادُوهُ والله أعلم وَهُوَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ صَحِيحٌ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْزِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ صَالِحٌ لَأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ فِي كُلِّ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَكِنْ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ إذَا خُصَّ الْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ اقْتَضَى هَذَا قِيَامَ قَوْلٍ آخَرَ لَهُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الحكم عما عداه انتقاء ظَاهِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَفْهُومَ مُسْتَنِدًا إلَى الْبَحْثِ عَنْ طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَاشٍ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَلِذَلِكَ نَسَبَ الدَّلَالَةَ إلَى اللَّفْظِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يُشْعِرُ بِذَلِكَ لَكِنَّ الْأَنْبَارِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ نَقَلَ عن الشافعي أن اختياره الثَّانِي مُسْتَمِرٌّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى مُرَادِ الْأَصْحَابِ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ من

مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَقْوَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يُتَّجَهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْمَفْهُومَ حُجَّةً وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ فَقَالَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى مَالِكٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ هُنَا وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ (وَأَمَّا) الْخَصْمُ الْمُنْكِرُ لِكُلٍّ مِنْ الْمَفْهُومَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ عليه بدفع مخالفيه في الاصل وكذلك بعد أَصْحَابِنَا مِمَّنْ أَنْكَرَ الْمَفْهُومَيْنِ مَعًا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ التَّمَسُّكُ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِهِ لَكِنَّ الْخَصْمَ فِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْمُؤَبَّرَةِ يَحْتَاجُ إلَى قِيَاسٍ وَلَنْ يَجِدَهُ وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى تَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَجَبَ كَوْنُهَا لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بِذَلِكَ مَنْ يُنْكِرُ الْمَفْهُومَ وَالْقِيَاسَ كَدَاوُد (فَإِنْ قُلْتُ) بَلْ يَجِبُ كَوْنُهَا لِلْبَائِعِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وبقائها على ملكه (قلت) لابد فِي إدْرَاجِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ عُرْفٍ عِنْدَ مَنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ وَاعْتَضَدَ الْأَصْحَابُ بما رواه الشافعي رضى الله عنه عن سعيد بن سالم عن ابان جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع التمر وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْبَائِعُ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فَلَمَّا ثَبَتَ البيع اختلفا في التمر وَاحْتَكَمَا فِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقضى بالتمر لِلَّذِي لَقَّحَ النَّخْلَ الْبَائِعِ وَهَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ عَطَاءٍ فَفِيهِ اعْتِضَادٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَصَرْحَ مِنْ الْأَوَّلِ بِكَثِيرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْبَائِعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي لَقَّحَ الْمَعْهُودَ لَا الْعُمُومَ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الصِّفَةِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ هَذَا بِحَسَبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهَا فِيهِ عُمُومٌ بِحَيْثُ أَثِقُ بِصِحَّتِهِ وَرَوَى ابْنُ ماجه وعبد الله بن أحمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر النخل لمن أبرها إلار أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنَّ مَالَ الْمَمْلُوكِ لِمَنْ باعه إلا أن يشتطر الْبَائِعُ) فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ فَفِي سَنَدِهَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ ابْنُ معين ليس بثقة فالحديث نسبه ضَعِيفٌ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ (فَجَعَلَ الثَّمَرَ لِمَنْ

أبرها) وقال ذكر هذا الحديث أبو إسحق في الشرح وأبو علي الطبري في المحر وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ السَّاجِيّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ وَلَيْسَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ اشْتِرَاطٌ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِيهَا بالوصف ودلالته على أن ذلك (1) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ حَرَّمَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُلُوكِ الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ لَهُ جَذَذْت جَنَى نَخْلَتِي ظَالِمًا * وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قد أبرا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قَدْ أَبَّرَ) وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إثْبَاتًا لِهَذَا الْحُكْمِ كَمَا أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْشَى. وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لِمَنْ غَلَبَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ سِرٌّ غَالِبٌ لمن غلب. تثبيتا لهذا القول وهذه الوجود ذكرناها على جهة الاستئاس والاعتضاد لاأنه يَقُومُ بِهَا بِمُفْرَدِهَا حُجَّةٌ وَالْحُجَّةُ مَا تَقَدَّمَ وَلَهُ تَتِمَّةٌ تَأْتِي فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ. وَافَقَنَا عَلَى دُخُولِ الطَّلْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَالطَّبَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي بَيْعِ النَّخْلِ بِكُلِّ حال وقال أبو حنيفة رضى الله عنه والكوفيون والاوزاعي لايدخل بِكُلِّ حَالٍ مُؤَبَّرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ الا بالشرط فاخذ أبو حنيفة رضى الله عنه بِالْمَنْطُوقِ دُونَ الْمَفْهُومِ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ مَعًا وَلَمْ يَأْخُذْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِالْمَنْطُوقِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَأَشْبَهَ السَّقْفَ وَالْأَغْصَانَ وَالصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ (وَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا دَخَلَتْ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ وَلَيْسَتْ بِنَمَاءٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الحيوان يولد وعليه الصوف والنماء مالا يَكُونُ أَصْلًا (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا نَمَاءٌ (وَرَدُّوا) هَذَا الْقَوْلَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ (واحتحت) الحنفية ومن وافقهم بأنها ثمرة

_ (1) بياض بالاصل

* بَرَزَتْ عَنْ شَجَرِهَا وَبِأَنَّهَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلْعِ الْفُحَّالِ وَبِأَنَّهَا نَمَاءٌ لَهَا حَالٌ إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ أُخِذَتْ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ كَالزَّرْعِ فِي الارض وبان الزرع لايتبع الْأَرْضَ فِي حَالَةِ ظُهُورِهِ وَلَا فِي حَالَةِ كُمُونِهِ فَكَذَلِكَ الطَّلْعُ وَبِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ مَنْ شَرَطَ التَّأْبِيرَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ حَتَّى انْتَهَتْ وَصَارَتْ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا ثُمَّ بِيعَ النَّخْلُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ قَالُوا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذِكْرِ التَّأْبِيرِ ظهور الثمرة وبان الطلع لايتبع فِي الرَّهْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ كَالْمُؤَبَّرَةِ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بَعْدَ التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ كَوْنِهَا بَرَزَتْ عَنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا فِي غِلَافِهَا (وَعَنْ) الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ إفْرَادِهَا بالعقد على رأى أبي إسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُغَيَّبٌ فِيمَا لَا يُدَّخَرُ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوْزِ فِي الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَجَوَازُ الْإِفْرَادِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ دَارًا فِيهَا نَخْلَةٌ دَخَلَتْ النَّخْلَةُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَيَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ (وَعَنْ) الثَّالِثِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَوْ سَلِمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا فِي جَوْفِهِ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ هُوَ الْمَقْصُودُ عَلَى وَجْهِهِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ نماء بَرَزَ عَنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ (وَعَنْ الْخَامِسِ) بِأَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ فِي الشَّجَرَةِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ السَّادِسِ أَنَّهَا قَبْلَ التَّشَقُّقِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ المقصودة مستترة في الكلام فَحَيْثُ ظَهَرَتْ عَنْ الْكِمَامِ إمَّا بِالتَّأْبِيرِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَتْ لِلْبَائِعِ فَمَنْ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ وَلَا ظُهُورٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَدْخُلُ الطَّلْعُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَالْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْمُؤَبَّرَةِ أَنَّهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ وَشَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَامِنَةُ (تَتِمَّةٌ) اسْتِدْلَالُ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ كَالْحَمْلِ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كلام القاضى

أَبِي الطَّيِّبِ وَلِذَلِكَ الْأَصْحَابُ قَاسُوهُ عَلَى الْحَمْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَتْ الِاحْتِرَازَاتُ الَّتِي فِيهِ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ وَتُخَالِفُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ الْجَنِينَ فِي أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَلَيْسَتْ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ غير ظاهر ولولا مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لَمَا كَانَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُقْدَرُ عَلَى قَطْعِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَجَرِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا مِنْهُ وَالْجَنِينُ لَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَتَّى يُقَدِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَلَا يُبَاحُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ وَإِنَّمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا حَيْثُ اجْتَمَعَا فِي بَعْضِ حُكْمِهِمَا بِأَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ بِمَعْنَى الْجَنِينِ فِي الاجماع فجمعنا بينهما خيرا لاقياسا إذا وَجَدْنَا حُكْمَ السُّنَّةِ فِي الثَّمَرِ لَمْ يُؤَبَّرْ كحكم الاجماع في جنيين الْأَمَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا فِيهِ تَمْثِيلًا لِيَفْقَهَهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَاجُ إلى ان يقاس على شئ بل الاشياء تكون له تبعا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْحَدِيثِ وَحْدَهُ وَكَمَا دَلَّ الْإِجْمَاعُ في الحمل على الفرق بين قَبْلَ ظُهُورِهِ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ دَلَّتْ السُّنَّةُ فِي الثَّمَرَةِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَمَا بَعْدَهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الموضع صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ من الثمن على غير الاصح عن الْأَصْحَابِ وَالْأَصْحَابُ ذَكَرُوا فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ هَلْ يُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ طَرِيقَيْنِ (إحْدَاهُمَا) الْقَطْعُ بِالْمُقَابَلَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِيَةُ) تَخْرِيجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا النَّصَّ وَرَجَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَصَدَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ تَشْبِيهَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ بِالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى فَصْلِ الثَّمَرَةِ عَنْ الشَّجَرَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَالْأَصْحَابُ قَاسُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى هَذَا الْفَرْقِ وَذَكَرُوا اعْتِرَاضَاتٍ على

الْقِيَاسِ وَانْفَصَلُوا عَنْهَا (أَمَّا) الِاعْتِرَاضَاتُ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلِذَلِكَ كَانَ تَبَعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَرَةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ طَائِفَةٍ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ إيَّاهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلْعُ كَالْحَمْلِ لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ظَهَرَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ لِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الطَّلْعِ لِنَفْسِهِ وَانْفَصَلُوا عَنْ الْأَوَّلِ بِأَبْوَابِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ تَتْبَعُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى الْحَمْلِ وَجَازَ عَلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّ الْحَمْلَ جَارٍ مَجْرَى أَبْعَاضِ الْأُمِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى أَبْعَاضِهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى حَمْلِهَا وَالثَّمَرَةُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ تَجْرِي مَجْرَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى أَغْصَانِهَا جَازَ عَلَى ثَمَرِهَا (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَامِنَةً فِي الطَّلْعِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الحمل لاأصل لَهَا غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْ الطَّلْعِ فَقَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ كَالْوَلَدِ وَأَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ كَاتِّصَالِ الْجَنِينِ بِالْأُمِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا كَانَتْ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ السَّقْفِ وَالْأَغْصَانِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ (فَائِدَةٌ) كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُتَقَدِّمُ كَالصَّرِيحِ فِي إفَادَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى دُخُولِ الْحَمْلِ في بيع

الْأُمِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْأَمَةِ وَاسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَيْسَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ مُصَادِمًا لِلْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُغَلِّسِ الظَّاهِرِيَّ قَالَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ إنَّ تَبَعِيَّةَ الْحَمْلِ لِلْأُمِّ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّ النَّظَرَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ كَعُضْوٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ فَنِسْبَةُ ابْنِ الْمُغَلِّسِ ذَلِكَ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يُشْعِرُ بِخِلَافٍ إذْ إنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ الْجَزْمِ فِي دُخُولِ الْحَمْلِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِرَبِّ الْحَيَوَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ قد وجد باختياره قال بان الرِّفْعَةِ وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ تَمْلِيكٍ جَرَى بِالِاخْتِيَارِ مِنْ الْمَالِكِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ وَفِي معنى ذلك وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ فلس وهل الاستتباع في هذا لاجل رضاه بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ عَنْهُ الْقَائِمُ فِيهِ مقامه وكيله أو وليله وَكَذَا عِنْدَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ قَهْرًا أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا عَنْهُ إلَّا بِعِوَضٍ فِيهِ مَعْنَيَانِ تُخَرَّجُ عَلَيْهِمَا مَسَائِلُ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ فِي بَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ (مِنْهَا) لَوْ وهبها حيث لاثواب وَهِيَ حَامِلٌ لَا يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ الْجَدِيدُ كَمَا قَالَ لَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا كَمَا فِي البيع ومثلها جار فيما لورهن الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاضٍ بِخُرُوجِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَبِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَا بِعِوَضٍ أُجْرِيَا أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَهْنَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ (وَمِنْهَا) لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ملكه

بِعِوَضٍ لَكِنْ لَا بِرِضَاهُ كَمَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ عِوَضَهَا بِعَيْبٍ وَكَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ أَوْ رَجَعَ فِيهَا بَائِعُهَا عِنْدَ فَلَسِهِ وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا هَلْ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ قَوْلَانِ (قُلْتُ) قَضِيَّةُ الْمَأْخَذَيْنِ أَنَّ الْأَبَ لَوْ رَجَعَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ حَمَلَتْ أن لا يتبعها الحمل قولا واحد لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ وَلَا رِضَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي التَّبَعِيَّةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُقُودَ الْإِجْبَارِ بِالْعِوَضِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْمَبِيعِ عَنْ الْغَيْرِ وَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْجَارِيَةِ دُونَ الْحَمْلِ لَجَرَّ ذَلِكَ عُسْرًا وَمَا يَجْرِي مِنْ الِارْتِدَادِ فَهَذَا لَيْسَ فِي حُكْمِ الْعُقُودِ فَجَرَى الْأَمْرُ فِي التَّبَعِيَّةِ عَلَى التَّرَدُّدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ الحمل لايتبع الْأُمَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أن الرد صحيح لايمنع مِنْهُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إفْضَاؤُهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ عَلَى رَأْيٍ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْبَيْعِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْدَرِجُ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ (إنْ قلنا) يصح فههنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ قَالَ إذَا كَانَ مُتَزَوِّجًا بِأَمَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَأَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ عَلَى وَجْهٍ

يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ جَدًّا قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْوَجْهِ فِي بَيْعِهَا مِنْهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِحَمْلِهَا مَذْكُورٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مِنْ مَالِكِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَاعِدَةٌ) الْعُقُودُ الَّتِي يُمْلَكُ بِهَا النَّخْلُ وَالثَّمَرُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِجَارَةِ كَمَا إذَا أَجَرَ دَارِهِ مُدَّةً بِنَخْلَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهَذِهِ الْعُقُودُ تَتْبَعُهَا الثَّمَرَةُ غَيْرُ المؤبرة ولا تتبعها المؤبرة (الضرب الثَّانِي) مَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فِي يد المشترى ثم أفلس فَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَهَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرُّويَانِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَكَمَا إذَا رَهَنَ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ فَحَلَّ الدَّيْنُ وَالطَّلْعُ لَمْ يؤبر فيبع الْمَرْهُونُ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ هَلْ يدخل الطلع في البيع أم لافيه وَجْهَانِ وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِهَذَا الْبَيْعِ عِنْدَ الرَّهْنِ وَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْفَلَسِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَمَنْ عَدَّ ذَلِكَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الَّذِي يُرَتَّبُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي بَيْعِ نَخِيلِ الْمُفْلِسِ فِي دَيْنِهِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) عَقْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاضَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ هَلْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ومثل أن يهب نخلا لوله فَيُطْلِعَ فَيَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ هَلْ يَتْبَعُ الطَّلْعُ النَّخْلَ عَلَى وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَرْجِعُ الثَّمَرَةَ وَعُدَّ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعُدَّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الضَّرْبَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَصْلُهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ إذَا رَهَنَهُ نَخْلًا عَلَيْهَا طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ أَمْ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لايدخل لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَكَانَ يَقُولُ في القديم يدخل على الطريق الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ (الضَّرْبُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُرَاضَاةِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا اسْتَرْجَعَ بِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ وكان قد أصدقها نخلا لاطلع عَلَيْهَا ثُمَّ أَطْلَعَتْ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ الدخول فههنا لاتتبع الثَّمَرَةُ الشَّجَرَةَ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ لَنَا موضع لايتبع الطَّلْعُ قَبْلَ الْإِبَارِ الْأَصْلَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَتَعْلِيلُهُ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ زَائِدًا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالصَّنْعَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ أَصْدَقَهَا فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ فَلَأَنْ لَا يرجع

بِالطَّلْعِ أَوْلَى فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ النَّخْلَةِ دُونَ الطَّلْعِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَتْرُكُ الطَّلْعَ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هذا لقسم الوالد إذا رجع فيما وهبه لولده لم يَكُنْ لِلْوَالِدِ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَرَةِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفَهِمَ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَفِي الْحَاوِي وَعَلَى هَذَا الْوَالِدُ لَا يَسْتَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْوَلَدِ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا مُعَاوَضَةَ وَلَا تَرَاضٍ. (فرع) قال صاحب التلخيص في ما شَذَّ عَنْ أُصُولِ الْكُوفِيِّينَ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إنَّهُ إنْ رَهَنَ أَرْضًا أَوْ أَقَرَّ بِهَا دَخَلَتْ الثِّمَارُ يَعْنِي عِنْدَهُمْ وَهَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي كونهم يقولون لايدخل فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا تَشَقَّقَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فهو كالمؤبر فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَإِنْ لَمْ يكن بلفظه والقياس الجلى خاهر فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَظْهَرَ بِعِلَاجٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلَاجٍ أَوْ تُشَقَّقَ بِالرِّيَاحِ اللَّوَاقِحِ وَهُوَ أَنْ يكون فحول النَّخْلِ فِي نَاحِيَةِ الصَّبَا فَتَهُبَّ فِي وَقْتِ الابار فان الابار تتأثر براوئح طَلْعِ الْفُحُولِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَلْ ظُهُورُهَا بِنَفْسِهَا أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِبَارُ فِي النَّخْلِ إذَا انْشَقَّ الْخُفُّ وَبَدَتْ الثَّمَرَةُ فَهُوَ وَقْتُ الْإِبَارِ أبر أو ام يُؤَبَّرْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّخْلِ مَا يَكُونُ تَرْكُ تَلْقِيحِهِ أَصَحَّ لِلثَّمَرَةِ وَمَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ الْمَذْكُورِ يُسْتَفَادُ أَنَّ التَّأْبِيرَ اسْمٌ لِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِي الْإِنَاثِ بعد تشققها لا لنفس التَّشَقُّقِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ قَائِمٌ مَقَامَ التَّأْبِيرِ وَإِنَّ وَضْعَ الْكُشِّ بَعْدَ تَشَقُّقِ الثَّمَرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سَلَامَةِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمُهَا مَنُوطَةٌ بِالتَّشَقُّقِ لَا بِوَضْعِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِيهَا فَيَكُونُ ذِكْرُ التَّأْبِيرِ غَالِبًا وَالنَّخْلُ تَارَةً يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ فَيُلَقَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَارَةً يَبْلُغُ أَوَانَ التَّشَقُّقِ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ بَعْدُ وَيُشَقَّقُ وَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا مَعْنَاهُ إنَّا إنَّمَا اتَّبَعْنَا الْمَعْنَى هُنَا وَلَمْ نَتَّبِعْ اللَّفْظَ وَلَا أَجْرَيْنَا فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ الْمَعْنَى قَوِيَ بِأَصْلِ بَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِأَنَّ تركه التأبير عند إمكانه كالاعراض فنجعل تَابِعَةً لِمُقْتَضَى مَفْهُومِ الْحَدِيثِ لِضَعْفِ عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْحَائِطَ إذَا تَشَقَّقَ طَلْعُ إنَاثِهِ فَأُخِّرَ إبَارُهُ وَقَدْ أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا أُبِّرَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْإِبَارِ وَظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ تَغَيُّبِهَا فِي الْخُفِّ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ النخل بغير ابار لم يحل اشترطها أَصْلًا وَجَمَدَ جُمُودًا عَجِيبًا فَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ

إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ (وَأَمَّا) الْبَيْعُ فَلَا حَتَّى يَصِيرَ زَهْوًا فَإِذَا هُوَ صَارَ زَهْوًا جَازَ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ وَالْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا فِي النَّخْلِ الْمَأْبُورِ خَاصَّةً وَلَمْ يُطْرِدْهُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ وَلَا فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَهَذَا جُمُودٌ عَجِيبٌ يُنْكِرُهُ الْفَهْمُ وَعَدَمُ طَرْدِهِ إيَّاهُ فِي النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّخْلَ اسْمُ جَمْعٍ وَلِمُخَالِفِيهِ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ اسْمُ جنس فان العرب لم تلزمه تاء التائنيث قال الله تعالى (اعجاز نخل من منقعر) وَإِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ شَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَتَمْرٍ وَسَائِرُ مَا مُؤَنَّثُهُ بِالتَّاءِ مِمَّا لَمْ تلزمه العرب كالتخم البهم بخلاف الرطب فانهم قالوا هُوَ الرُّطَبُ كَمَا لَمْ تَلْتَزِمْ فِيهِ الْعَرَبُ التأنيث يصح أن يكون اسم جنس النخل مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ أَيْ كُلُّ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كُلَّهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مَعْلُومًا فلا تكون كلها للبائع بل على جسب الشَّرْطِ وَالْعُمُومُ فِي الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِضَافَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَثَمَرَتُهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنْ عَدَمِ الْهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ القاسم لا يجوز ان يشرط بَعْضُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَفِي مَالِ العبد لا يجوز الان يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أَوْ يَدَعَهُ كُلَّهُ. (فَرْعٌ) هَذَا الاشتراط هل حكمه حكم البيع أولا قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ عِنْدَهُ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا اشْتَرَطَهَا مُشْتَرِي الْأَصْلِ أَوْ اشْتَرَاهَا بعد أنها لاحصة لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ أُجِيحَتْ كُلُّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَنَّ هذا الاشتراط ليس يبيع بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَحَمَلَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ بَيْعٌ يَحْتَاجُونَ إلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلِهِ عَلَى بَيْعِهَا وَحْدِهَا. (فَرْعٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ تَسْلِيمُ الشَّجَرَةِ مَعَ كَوْنِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو حنيفة رضى الله عيه لا يحصل الا بعد قطع الفثمار وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفَرْعِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِالزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ مَنْفَعَةَ الشَّجَرَةِ تَافِهَةٌ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا فِي الْبَيْعِ فان ذلك بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَهَذَا اسْتَجَدَّ فَيَصِحُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ نَزَّلَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةَ الثَّمَرَةِ فِي نَخْلِهِ

حِينَ بَاعَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ اسْتَثْنَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فلا خير الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً إلَى وَقْتٍ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهَا الْآفَةُ قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَاسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَطْعُ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (قُلْتُ) قَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُجْعَلُ كَالزَّائِلِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ بِالْبَيْعِ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى زَوَالِهَا عَنْ الْبَائِعِ وَبِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ الدَّاخِلَةَ فِي مِلْكِهِ ابْتِدَاءً فَلِذَلِكَ شُرِطَ شَرْطُ قَلْعِهَا وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْمَرَاوِزَةِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا هَذِهِ قَاعِدَةً أَنَّ مَا أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُعْطَى حُكْمُ الزَّائِلِ وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ سَنَةً هَلْ يَصِحُّ كَمَا لَوْ باعها ثم استأجرها اولا يَصِحُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ يَصِحُّ فَهَهُنَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا يَصِحُّ فَهَهُنَا يَصِحُّ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَمِنْهَا) إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قيمته ثم مات الشيد وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ فَفَدَاهُ الْوَرَثَةُ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَفِي الْوَلَاءِ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) الْمُشْرِفُ كَالزَّائِلِ الْعَائِدِ فَالْوَلَاءُ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلِلْمُتَوَفَّى وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَوِّلُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ مُطْلَقًا ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي الطَّلْعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِظَاهِرِ النَّصِّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْهُ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعِرَاقِيِّينَ جَازِمُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَأَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الصَّرْفِ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ لِأَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فَلَا خَيْرَ فِي الْبَيْعِ فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِي النَّقْلِ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَى إلَى قَوْلِهِ اسْتَثْنَى وَوَافَقَهُمْ الْقَفَّالُ عَلَى هَذَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا صحيح خِلَافَ ظَاهِرِ النَّصِّ وَحَمَلَهُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا بَاعَ النَّخْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَكَانَتْ الْأُصُولُ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ مِنْهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنَّا نَعُودُ إلَى الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ بَيْعِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي إذَا شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ لَا يَصِحُّ كَالْحَمْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ لَا يَصِحُّ هَهُنَا فَمَا وَجْهُ جَزْمِ الْأَصْحَابِ بِصِحَّتِهِ وَنَظَرِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْحَمْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ اسْتِثْنَائِهَا وَإِنْ قلنا بقول ابي اسحق المروزي وهو ان لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ فَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مُغَيَّبٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاؤُهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَثْنَى مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ فَأُطْلِقَ قَالَ الْإِمَامُ دَلَّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ وَالثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا وَأَنَّ صَرْفَ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَائِهِ مُحَالٌ عِنْدِي فَالْوَجْهُ عَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُطْلَقِ شَرْطًا فَاسِدًا مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَشْجَارِ وَيَكُونُ كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ. (فَرْعٌ) إذَا بَقِيَتْ الثِّمَارُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الامام فان لم نشترط التَّقْيِيدُ يَعْنِي بِشَرْطِ الْقَطْعِ رَأَيْنَا الْإِبْقَاءَ وَإِنْ شرطنا أو جبنا الْوَفَاءَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الثِّمَارَ الْمُؤَبَّرَةَ إذَا بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِيهَا لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَطْعُهَا وَإِنْ كَانَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا إذَا أُفْرِدَتْ شَرْطُ قَطْعِهَا (قُلْتُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الزَّوَالِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا بِخِلَافِ مَا قبل التأبير وكيف ما قدر فظاهر المذهب ان لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ بِهِ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وُجُوبُ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ (وَالْأَصَحُّ) خِلَافُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا (وَالثَّانِي) أَنَّ امْتِنَاعَ الْقَطْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ شَائِعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْمُؤَبَّرَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ فِي الْأُصُولِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ إنْ أَجَازَ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَتَقَسَّطُ عَلَى الْأَطْرَافِ وَيَتَقَسَّطُ عَلَى الثَّمَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً وَاشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ وَعَنْ الْبُوَيْطِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ تَلَفَ الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خِلَافِهِ

(فَرْعٌ) بَاعَ نَخْلَةً مُطْلِعَةً وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُشْتَرِي إنَّهَا مُؤَبَّرَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِتَأْبِيرِهَا ثُمَّ عَلِمَ كَانَ الْخِيَارُ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وعللوه بأن له بَقَاءَ الثَّمَرَةِ رُبَّمَا أَضَرَّ بِالشَّجَرَةِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا يَحْمِلُ سَنَةً وَلَا يَحْمِلُ سَنَةً أَوْ يُقِلُّ فِي سَنَةٍ وَيُكْثِرُ فِي سَنَةٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ وَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ قَدَحَ فِي الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ تَافِهَةٌ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ. (فَرْعٌ) بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ مُفْرَدًا مَقْطُوعًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ القطع فيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّلْعِ مَا فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ وَالْمَأْكُولُ إذَا اسْتَتَرَ بَعْضُهُ ببعض جَازَ بَيْعُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَالثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ معظم الاصحاب ذهبوا إليه وان صاحب التفريب حَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي حامد أنه اختار قول أبي اسحق ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ لِذَلِكَ إنَّمَا يُجَوِّزُونَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَشَرَحَهَا النَّوَوِيُّ هُنَاكَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ التَّأْبِيرِ لَا يَكُونُ لِوُجُودِ التَّأْبِيرِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ لَا بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ تَأْوِيلَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا شُقِّقَ الطَّلْعُ قَبْلَ أَوَانِ تَشَقُّقِهِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ شُقِّقَ فِي أَوَانِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ بنفسه ولا شقق في أو انه فَهَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إقَامَةٌ لِوَقْتِ التَّشَقُّقِ مَقَامَ التشقق أولا فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَاطِلٌ والحكم كما مر مع الظهور وجودا وعدما. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا أُبِّرَ الطلع وحكمنا ببقائه للبائع فجزم الْكِمَامُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَسِيطِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الشَّجَرَةِ.

(فَرْعٌ) بَاعَ نَخْلَةً لَمْ يَخْرُجْ طَلْعُهَا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ طَلْعُهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي. (فَرْعٌ) لَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَصِيرُ كَشَرْطِ الْحَمْلِ إذَا صَرَّحَ بِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَالُوا فِيهَا يَصِحُّ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ فِيهَا وَهُوَ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمُفْرَدِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لَنَا فِي بَيْعِهَا مُفْرَدَةً خِلَافٌ فَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ يُوجِبُ إلْحَاقَهَا بِالْحَمْلِ فَإِذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهَا كَانَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ (والاصح) عند الرافعي بطلانه والله أعلم. (فرع) ذَكَرَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ (أَحَدُهُمَا) اشْتَرَى نَخْلَةً فَأَثْمَرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي ولايكون شئ مِنْ الثَّمَنِ مُقَابِلًا لَهَا وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَلَّمَهَا اسْتَقَرَّ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَخَرَجَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ أَمَانَتِهِ وَإِنْ تَلِفَتَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي النَّخْلَةِ وَعَلَيْهِ رَدُّ ثَمَنِهَا ولا شئ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ سَلَّمَ النَّخْلَةَ وَأَخَذَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ سَلِمَتْ الثَّمَرَةُ وَتَلِفَتْ النَّخْلَةُ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وأخذ الثمرة ولا شئ لِلْبَائِعِ (الثَّانِي) اشْتَرَى أَرْضًا عَلَيْهَا نَخِيلٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاشْتُرِطَ كُلُّ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْجَمِيعِ مُتَسَاوِيَةً فَحَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا فَالثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَتَيْنِ جَمِيعًا كَانَ عَاصِيًا فِيهِمَا وَعَلَيْهِ بَدَلُ الثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ إنْ كَانَ أَكَلَهَا رُطَبًا فَثَمَنُهُ وَإِنْ كَانَ أَكَلَهَا تَمْرًا فَمِثْلُهُ وَأَمَّا الْخَارِجَةُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِأَجْلِهَا فَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَجَازَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَجَازَ فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ أَعْطَاهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ ثُمَّ غَرَّمَهُ بَدَلَ الثَّمَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْمُنْكَرِينَ لِهَذَا الْمَفْهُومِ وَلَكِنَّهُ فِي كُتُبِهِ الْخِلَافِيَّةِ كَالتَّحْضِيرِ بَالَغَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِ وَأَنَّ عُرْفَ الْعَرَبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَفْهَمَ أُمُورًا تَكَادُ تَزِيدُ فَوَائِدُهَا عَلَى مُوجَبِ الْأَوْضَاعِ وَأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَالْبَقَاءُ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ أَمَّا بَعْدَ التَّخْصِيصِ ارْتَفَعَ

الْإِشْكَالُ وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِدَلِيلٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَبَيْنَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَعْمَلُ عُرْفًا لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْإِيجَازِ وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ إيقَاعُ الْخُصُوصِ بِقَطْعِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَالْجُمْلَةُ إمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الذِّكْرِ بِقَوْلِهِ من باع نخلة فانها تتناول المؤبر وغير المؤبر فَإِذَا اسْتَدْرَكَ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا وَقَطْعًا عَنْ جُمْلَةٍ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي الْوَهْمِ بِأَنْ يَكُونَ ذِكْرُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مُذَكِّرًا لِلْآخَرِ الْمَقْطُوعِ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ الثيب أحق فانه قطع عن البكر إذا الثِّيَابَةُ وَالْبَكَارَةُ صِفَتَانِ يَتَقَاطَعَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ وُضِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِفَصْلِ قِسْمٍ عَنْ قِسْمٍ وَالْعَلْفُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الثِّيَابَةِ بِذِكْرِ الثيابة والسوم بالضرورة واليوم في قوله (وأتموا الصيام إلى الليل) والتأثير نَفْيُ الْبَكَارَةِ وَالْعَلْفِ وَاللَّيْلِ وَالِاسْتِتَارِ وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِ الْبُرِّ نَفْيُ الزَّعْفَرَانِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِهَا أولا اتِّصَالَ بَيْنَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُهُ قَطْعًا لِذَلِكَ الِاتِّصَالِ نَعَمْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِقَرِينَةٍ تَنْضَمُّ إلَى الذِّكْرِ الْقَاصِرِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ الذِّكْرِ فَلَا يَدُلُّ وَالتَّخْصِيصُ دَلِيلٌ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَلْيُدْرَكْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ نَفِيسِ الْكَلَامِ لِمَنْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ وَفَهِمَ بِذَوْقِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ فَيَعْلَمُ بِهَذَا الْكَلَامِ السَّبَبَ فِي ذلك (أما) مَنْ لَمْ يَشْهَدْ ذَوْقُهُ لِلتَّفْرِقَةِ قَالَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ لَا يُكَلَّمَ وَمُرَادُهُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ المحاورة في كلام العرب لاعرف طَارِئٌ بَعْدَهُمْ وَهَذَا السِّرُّ هُوَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِنَا لم نقل بمفهوم قوله (فان خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به) وَمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امرأة نكحت نفسها بغير إذنها فنكاحها باطل) (أما) الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَتَّفِقُ إلَّا فِي حَالَةِ الشِّقَاقِ وَيَسْتَحِيلُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وُقُوعُهُ فِي حَالَةِ الْمُصَافَاةِ وَمَا لَا يَقَعُ عُرْفًا فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الشَّرْعِ بَيَانُهُ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ الشَّارِعُ كُلَّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ وَذِكْرُهُ اللُّحُوقَ ذِكْرُهُ لِمَحَلِّ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَهُوَ كُلُّ مَحَلِّ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إمَّا أَنْ تُفَوِّضَ أَمَرَهَا لِلْوَلِيِّ لِحَيَائِهَا أَوْ تَسْتَقِلَّ لِزَوَالِ حَيَائِهَا (أَمَّا) الْمُبَاشَرَةُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا تَقَعُ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلِّ الْبَيَانِ فِي غَرَضِهِ وَاَللَّهُ أعلم

(فائدة أخرى) في التأثير عن جابر عن عبد الله رضى الله عنه قَالَ (أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ مَا لِلنَّاسِ قَالُوا يلقحون فقال لالقاح أولا أَدْرِي اللِّقَاحَ شَيْئًا فَقَالَ فَتَرَكُوا اللِّقَاحَ فَخَرَجَ تمر النَّاسِ شِيصًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ قَالُوا كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ فَقَالَ مَا أَنَا بِزَارِعٍ وَلَا صَاحِبِ نَخْلٍ لَقِّحُوا) أَوْرَدَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِتَضَمُّنِهِ النَّهْيَ عَنْ اللِّقَاحِ ثُمَّ الْإِذْنَ فيه ونقل عن بعضهم أن قوله لالقاح صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ وَأَنَّ لِلشَّارِعِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَيْفَ أَرَادَ وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتَ نَهَيْتَ عَنْ اللِّقَاحِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَمَالَ الْحَازِمِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (إنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنَّنِي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ) ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ وَلِذَلِكَ أَبْقَيْنَا يعني في الناسخ والمنسوخ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بَاعَ فحالا وعليه طلع يتشقق ففيه وجهان أحدهما أنه لايدخل في بيع الاصل لان جميع الطلع مقصود مأكول وهو ظاهر فلم يتبع الاصل كالتين والثاني أنه يدخل في بيع الاصل وهو الصحيح لانه طلع لم يتشقق فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث وما قاله الاول لا يصح لان المقصود ما فيه وهو الكش الذي يلقح به الاناث وهو غير ظاهر فدخل في بيع الاصل كطلع الاناث) (الشَّرْحُ) الْفُحَّالُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَآخِرُهُ لَامٌ ذَكَرُ النَّخْلِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْفُحَّالُ فُحَّالُ النَّخْلِ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ ذُكُورِهِ فَحْلًا لِإِنَاثِهِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَهُوَ فحال النخل ولايقال فَحْلٌ (1) وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَالَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ إنَّ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي النَّخْلِ فَحْلٌ وَلَا فِي جَمْعِهِ فُحُولٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ فُحَّالٌ وَجَمْعُهُ فَحَاحِيلُ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشعر. قال الشاعر تأبدي ياخيرة العسل * بابدى من جيد فسلي * إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بِالْفُحُولِ وَالْكُشُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا فِي بُطُونِ طَلْعِ الْفُحَّالِ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهَا طَلْعُ الْإِنَاثِ

_ (1) بياض بالاصل

(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ فُحُولٌ فَإِمَّا أَنْ تُفْرَدَ الْفُحُولُ بِالْبَيْعِ وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهُمَا مَعًا فَإِنْ أَفْرَدَ الْفُحُولَ بِالْبَيْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تشقق شئ من طلعها أولا فان تشقق شئ من طلعها فالمثرة لِلْبَائِعِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ شئ ثمن طلعها (فأحد) الوجهين أنه للمشترى هو الصَّحِيحُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ لِلْبَائِعِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ ظُهُورَ طَلْعِ الْفُحَّالِ بِمَنْزِلَةِ تَشَقُّقِ طَلْعِ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ غَيْرَهُ بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي جَوْفِهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ بِالتَّشَقُّقِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيِّ فِي التَّحْرِيرِ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ لَيْسَ هُوَ الْأَكْلَ بَلْ الْكُشُّ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَهُوَ كَالْإِنَاثِ فِي التَّشَقُّقِ سَوَاءٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخْرِجَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ هَلْ يُقَاسُ عَلَى الْحَمْلِ قِيَاسَ تَحْقِيقٍ أَوْ قِيَاسَ تَقْرِيبٍ قَالَ بَعْضُهُمْ قِيَاسُ تَحْقِيقٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ طَلْعُ الْفُحَّالِ مُؤَبَّرًا إلَّا بِالتَّشَقُّقِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ طلع الفحال مؤبرا اعتبارا بالعرف اه ولو كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَأُفْرِدَ الذُّكُورُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِيمَا إذَا أُفْرِدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَأَمَّا إذَا جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الفحول والاناث فان كان قد تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَطَلْعُ الْكُلِّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اتِّفَاقًا (أَمَّا) عَلَى الصَّحِيحِ فَلِأَنَّ الْكُلَّ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ تَشَقَّقَ وَطَلْعُ الْفُحَّالِ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدْ جَزَمُوا عَلَى الصَّحِيحِ هَهُنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا وَجْهٌ بِأَنَّ طَلْعَ الْفُحَّالِ لِلْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ لَا يستتبع لآخر كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ فِي القسم الآخر لغير المشتقق فِيهِ فَهُوَ كَجِنْسٍ آخَرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ كالصريح بجريان الخلاف وقال الجوزى إذَا كَانَ فِيهَا فُحُولٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ إنَّمَا جُعِلَتْ الْفُحُولُ تَابِعَةً لانها للاقل فالنادر يدخل في الغاصب وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَلْعِ الْفُحَّالِ أَكْلُهُ غَالِبًا فاستوى المؤبر منه وغيره إذا تشقق شئ مِنْ الْإِنَاثِ فَبَاقِي الْحَائِطِ وَذُكُورِهِ وَإِنَاثِهِ

تبع له وإذا تشقق شئ مِنْ الذُّكُورِ فَسَائِرُ مَا بَقِيَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ تَابِعٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ الْوَكِيلِ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ طلع الفحال للبائع بكل حال وانه عل تَبَعِيَّتَهَا لِلْإِنَاثِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَبِعِلَّةٍ أخرى وهى النذرة غير أن التعليل بالنذور إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ غَالِبًا فَلَوْ فُرِضَ كَثْرَةُ الْفُحُولِ زَالَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ وان لم يتشقق شئ منها أصلا لامن طَلْعِ الْإِنَاثِ وَلَا مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَالْفُحَّالُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ على هذه الْوَجْهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ وَتَشَقَّقَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ جعل ثبعية الْإِنَاثِ لِلذُّكُورِ كَاسْتِتْبَاعِ النَّوْعِ النَّوْعَ وَكَذَلِكَ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ لايتبع طَلْعَ الْفُحُولِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْفُحُولُ وَالْإِنَاثُ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ الْإِنَاثُ تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَقَّقَ شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ فَقَطْ فَعَلَى الصَّحِيحِ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ وَحَكَى فِي الْحَاوِي وَجْهًا وَصَحَّحَهُ ان طلع الاناث لايتبع طَلْعَ الذُّكُورِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الذُّكُورِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الثِّمَارِ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَطَلْعُ الذُّكُورِ يُقْصَدُ لِتَلْقِيحِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَهَذَا الوجه وهو الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ طَلْعُ الْفُحُولِ لِلْبَائِعِ بِالظُّهُورِ وَطَلْعُ الْإِنَاثِ لِلْمُشْتَرِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ أَيْضًا لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ عَلَى قِيَاسِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّ الذُّكُورَ مَعَ الْإِنَاثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْجِنْسَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولٌ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إذَا بَاعَ الْفُحُولَ وَالْإِنَاثَ جَمِيعًا وَقَدْ أُبِّرَتْ الْإِنَاثُ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَيْنَا الِاتِّفَاقَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ وَأَبَدَيْنَا فِيهَا احْتِمَالَ وَجْهٍ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ فَحْلِ نَخْلٍ أَوْ فُحُولٍ بَعْدَ أن تؤبر أناث النخل فتمرها لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا يُشْبِهُ عبارة

الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَ عِبَارَةِ الْأُمِّ تَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَحْدَهُ بَعْدَ تَأْبِيرِ الْإِنَاثِ وَهَذَا لَا يَسْتَمِرُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يؤبر يجوز إذا كان تأبر شئ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْفَحْلَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ يَكُونُ طَلْعُهُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا ادَّعَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَفِي ظَاهِرِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يشمل ما إذا تأبر هو قبل تتأبر أن الْإِنَاثُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُخْتَصَرِ أَبْيَنُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ إنَاثُ النَّخْلِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا النَّصُّ يقتضي أن ثمرة الاناث لاتتبع ثَمَرَةَ الْفُحُولِ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الاصحاب أنه إذا تشقق شئ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ يَكُونُ الطَّلْعُ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي أَبْدَيْته فِيهِ هذان كان قول الشافعي نخلا بالنون والحاء الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَأَشَذَّ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْفُحَّالَ إذَا أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ وَقَدْ أُبِّرَ وَلَمْ تُؤَبَّرْ الْإِنَاثُ أَنَّ طَلْعَهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ نَعْلَمُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ بَاعَ فَحْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَقَسِيمُهُ مَنْ بَاعَ فَحْلًا قَبْلَ أَنْ يُؤَبَّرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلم يؤيد مَا قُلْتُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ أَيْضًا فِي المختصر ولو تشقق طلع أناثه أو شئ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ نَخْلُهُ فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِتَشَقُّقِ طَلْعِ الذُّكُورِ (فَائِدَةٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَمْ يَنْسِبْ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَى النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي التَّنْبِيهِ قَالَ وَقِيلَ إنَّ ثَمَرَةَ الْفُحَّالِ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّنْبِيهَ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُهَذَّبَ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ فَسَيَأْتِي فِي تَقْسِيمِ الشجر تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَمْ يَتْبَعْ أَبَا الطيب لكن ذلك في صنعة النصنيف لافي النَّقْلِ وَفِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَأْتِي كَلَامٌ فِي مُخَالَفَتِهِ أَبَا حَامِدٍ أَوْ مُوَافَقَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أنه لم يلتزم متعابة طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كِتَابٍ مِنْهُمَا نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ فَرُبَّمَا وَيَتْرُكُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُحَّالِ إلَّا

مَا حَكَيْتُهُ عَنْ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَقَفَا عَلَى نَصٍّ آخَرَ أَصْرَحَ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَخَذَ طَلْعَ الْفُحَّالِ جَازَ بَيْعُهُ فِي قشره لانه من مصلحته وكان أبو إسحق يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَصِيرَ بَارِزًا قَالَ وليس هذا بصحيح ونسب الامام والاول إلَى مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا وَذُكِرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّهُ بَنَاهُمَا عَلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مَقْدَحٌ حَسَنٌ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ الْفُحَّالِ نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْإِبَارَ حَدٌّ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْإِبَارَ عِبَارَةٌ عَنْ إصْلَاحِ طَلْعِ الْإِنَاثِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ أو شققه بِالْكُشِّ الَّذِي فِي طَلْعِ الْفُحَّالِ فَلَا إبَارَ فِي الْفُحَّالِ فَلَا دُخُولَ لَهُ فِي هَذَا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْبِيرِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ عَلَى مَا سَبَقَ وَجَعْلُ التَّشَقُّقِ فِي مَعْنَاهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إلْحَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهُوَ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ أولى (فرع) باع فحالا لاطلع عَلَيْهِ ثُمَّ أَطْلَعَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَطَلْعِ الْإِنَاثِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ كَالْمُؤَبَّرَةِ وَقُلْنَا إنَّهُ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَهُوَ أَيْضًا لِلْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَدَثَ والبيع على ملكه..قال المصنف رحمه الله. (وان بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الجميع كالمؤبر فيكون الجميع للبائع لانا لو قلنا ان ما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى أدى إلى سوء المشاركة واختلاف الايدى فجعل ما لم يؤبر تبعا للمؤبر لان الباطن يتبع الظاهر ولم يجعل ما أبر تابعا لما لم يؤبر لان الظاهر لايتبع الباطن ولهذا جعلنا أساس الدار تابعا لظاهرها في تصحيح البيع ولم نجعل ظاهرها تابعا للباطن في إفساد البيع) .

(الشَّرْحُ) الْحَائِطُ وَهُوَ الْبُسْتَانُ مِنْ النَّخِيلِ (1) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسْأَلَتَانِ (الْأُولَى) إذَا بَاعَ حَائِطًا أُبِّرَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ جُعِلَ الْجَمِيعُ كَالْمُؤَبَّرِ وَجُعِلَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعًا لِمَا أُبِّرَ (أَمَّا) إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَدَلُّوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَأْبِيرَ الْبَعْضِ يُحَصِّلُ لِلنَّخْلِ اسْمَ التَّأْبِيرِ فَيَشْمَلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَصْلُ الابار أن يكون في شئ مِنْهُ الْإِبَارُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَنَّهُ قَدْ أبر كما لو بدا صلاح شئ مِنْهُ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَأْبِيرِ بَعْضِهَا تَوَقُّفٌ لَا يَخْفَى لاسيما على ما يوقله أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَكْفِي تَأْبِيرُ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْبُسْتَانِ بَلْ طَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَصِيرُ الْبَاقِي تَبَعًا فَدَعْوَى إطْلَاقِ التَّأْبِيرِ عَلَى الْجَمِيعِ حَقِيقَةً فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ كَانَ صَرِيحًا في المطلوب لكني لم أجده في شئ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا جُعِلَ التَّأْبِيرُ صِفَةً لِلنَّخْلِ الْمَبِيعَةِ وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ بِإِسْنَادٍ بَلْ أَتَى بِهِ فِي ضِمْنِ اسْتِدْلَالٍ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَثَبَّتْ فِيهِ نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَ التَّأْبِيرُ فِي كُلِّ طَلْعِ النَّخْلَةِ بَلْ متى وجد في شئ مِنْهَا صَحَّ أَنَّهَا أُبِّرَتْ فَيَكُونُ جَمِيعُ ثَمَرَتِهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ وَيُعَضِّدُ الْأَصْحَابَ وَغَيْرَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَأْبِيرِ جَمِيعِ النَّخْلِ بَلْ يَكْتَفُونَ بِتَأْبِيرِ بعضها واستدل أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَزَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وأجابوا عنه وهو أنه هل لاجعل مَا أُبِّرَ تَابِعًا لِمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي دُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْبَاطِنَ تَبَعٌ لِلظَّاهِرِ وَلَيْسَ الظَّاهِرُ تَبَعًا لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ مَا بَطَنَ مِنْ أَسَاسِ الحائط ورؤس الْأَجْذَاعِ تَبَعٌ لِمَا ظَهَرَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّ الْحُكْمَ بِتَبَعِيَّةِ الْأَسَاسِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ الثِّمَارُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي اُتُّبِعَ شَرْطُهُ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مؤبرة

_ (1) بياض بالاصل

وَشَرَطَ بَعْضَهَا اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَسُوءُ الْمُشَارَكَةِ مَوْجُودٌ فَكَأَنَّهُمَا رَضِيَا بِهِ وَأَوْرَدَاهُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَكُلُّ عَقْدٍ فِيهِ مُشَارَكَةٌ فَهُوَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ كَثِيرٌ مِنْ الْعُقُودِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُشَارَكَةِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي جَمِيعِهَا فَكَذَلِكَ التَّأْبِيرُ وَلَكَ أَنْ تُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَتَى تُرِكَتْ حَتَّى يُوجَدَ الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِهَا أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهَا بِحَالٍ فَإِنَّهُ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ فِيهَا يَتَسَاقَطُ الْأَوَّلُ فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الثَّمَرَةِ وَتَأَذِّي مَالِكِهَا وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْحَائِطُ أَنْوَاعًا فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ إذَا بِيعَتْ رَقَبَةُ الْحَائِطِ وَقَدْ أبر شئ من نخلة فثمرة تلك النخل فِي عَامِهِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ لِأَنَّ حُكْمَ ثَمَرَةِ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكُونُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُخَالِفُ الْجَارِيَةَ الْحَامِلَ بِوَلَدَيْنِ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ لَا يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْمَوْلُودِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأُمِّ فَيُفْرَدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُكْمِهِ وَالطَّلْعُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ مُتَّصِلٌ بِالشَّجَرَةِ هَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ يَكُونُ بَعْضُ طَلْعِهَا مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ النَّخِيلِ مُؤَبَّرًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَغْنَامِ يَبِيعُهَا وَقَدْ نَتَجَ بَعْضُهَا يَبْقَى نَتَاجُهَا لِلْبَائِعِ وَاَلَّتِي لَمْ تُنْتَجْ يَدْخُلُ حُكْمُهَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ نِتَاجَ الْأَغْنَامِ لَا يَتَّفِقُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّخِيلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ لَا يَكُونُ تَأْبِيرًا إلَّا فِي نَوْعِهِ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا وَتَتَفَاوَتُ وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرَدَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْأَصْحَابَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَ حَتَّى يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ (أَمَّا) مَا ظَهَرَ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِي مِلْكِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ بِالنَّصِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ آنِفًا وَحُكْمُهُ بِأَنَّ ثَمَرَةَ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَلَمْ يُطْلِعْ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلًا وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ ثَمَرَةَ جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ (وَالثَّانِي) قَوْلُ ابن خيران ليس للبائع

* الا المؤبرو (الثالث) قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْمُؤَبَّرَ وَالْمُطْلِعَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَا أَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِإِفْرَادِ الْمُؤَبَّرِ بِحُكْمِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا أُبِّرَ أَكْثَرُ الْحَائِطِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَلَّهُ فَكُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَاضْطَرَبُوا إذَا أُبِّرَ نِصْفُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ مُفْرَدًا فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ. (فَرْعٌ) هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ أَمَّا إذَا أَفْرَدَ غير المؤبر بالبيع فيسأتي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كان له حائطان فابر أحدهما دون الاخرى وَبَاعَهُمَا فَإِنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ به القاضي أبو الطيب والماوردي الروياني كَمَا فَرَّقْنَا فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ مَا قُسِّمَ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُقَسَّمْ وَقَاسَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَسْتَتْبِعُ الْآخَرَ وفيه وجه آخر ان البستان يَتْبَعُ الْآخَرَ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ مرتب عَلَى الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ فَحَيْثُ قُلْنَا فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرِ يُفْرَدُ بِحُكْمِهِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ يَتْبَعُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إن كان بستان يفرد حكمه الفرق أَنَّ لِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ تَأْثِيرًا فِي وَقْتِ التَّأْبِيرِ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْبُسْتَانَيْنِ فِي صُوَرٍ (إحْدَاهَا) عِنْدَ اتِّحَادِ النوع

وَالصَّفْقَةِ (وَالثَّانِيَةُ) عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالثَّالِثَةُ) عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ وَلَنَا فِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يتبع فعلى الوجه الآخر مقتضى كلام الرافعي أَنْ يَأْتِيَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ خِلَافٌ إذَا أُفْرِدَ غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي عَلَى الصورتين الاولتين مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ جَرَيَانِ خِلَافٍ عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَالصَّفْقَةِ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ القاضي حسين حَكَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ فَغَرِيبٌ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فيه بعدم التبعية وجعل محل الوجهين فيما إذا كان الصنف واحد فَأَمَّا إذَا أُفْرِدَ الْبُسْتَانُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَأَغْرَبُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ أَمْنُهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ صَفْقَةٌ وَالْمَطْلُوبُ تَأْثِيرُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بَارِزًا وَهُوَ مَفْقُودٌ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ولافرق بين أن يكون البستانان مثلا صفين أَوْ مُتَبَاعِدَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا فِي إقْلِيمٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي مَكَان طَبْعُهُ وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِطَيْنِ مَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُثْمِرًا غَيْرَ الْآخَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحُوطًا فَإِنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ حَائِطَانِ فِيهِمَا نَخِيلٌ أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِمَا نَخِيلٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِضَابِطٍ فَإِنَّ قِطْعَتَيْ الْأَرْضِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ كَالْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي لَهَا جَانِبَانِ وَجَعَلَ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ فَإِنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ فَإِذَا كان الارضان غير متجاورتين كانا لذلك فَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ حَتَّى يُعَدَّا فِي الْعُرْفِ مَكَانَيْنِ وَلَا يُعَدَّانِ مَكَانًا وَاحِدًا وَأَسْبَابُ ذَلِكَ إمَّا حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا هِيَ قِطْعَةٌ مُتَجَاوِرَةٌ وَيَحْكُمُ أَهْلُ الْعُرْفِ بأنها أراضي لاأرض وَاحِدَةٌ لِنَوْعٍ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهَا (وَأَمَّا) الْقِطْعَةُ الواحدة إذا أبر جانب مِنْهَا دُونَ جَانِبٍ ثُمَّ بَاعَ الْجَمِيعَ حَصَلَتْ التَّبَعِيَّةُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي قَالَ (1) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْحَاجِزُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الِانْفِرَادِ وَهُوَ إشارة إلى ما قلناه.

_ (1) بياض بالاصل

(فَرْعٌ) هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلى هنا أن المؤبر لايتبع النخلة المبيعة وغير المؤبر يتبع لافرق فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ النَّخِيلَ دُونَ الْبُسْتَانِ أَوْ مَعَهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاضِحَاتِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ صَرَّحَ بِهِ فَذَكَرْتُهُ تَبَعًا لَهُ وَرَغْبَةً فِي الْإِيضَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم..قال المصنف رحمه الله. (وان كان له حائط أطلع بعضه دون بعض فابر المطلع ثم باع الحائط ثم أطلع الباقي ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ما أطلع في ملك المشترى لايتبع المؤبر بل يكون للمشترى لانه حادث في ملكه فلا يصير للبائع والثاني أنه يتبع المؤبر فيكون للبائع لانه من ثمرة عامه فجعل تابعا له كالطلع الظاهر في حال العقد فان أبر بعض الحائط دون بعض ثم أفرد الذي لم يؤبر بالبيع ففي طلعه وجهان أحدهما أنه للبائع لانا جعلناه في الحكم كالمؤبر بدليل أنه لو باع الجميع كان للبائع فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ والثاني أنه للمشتري لانه إنما جعل كالمؤبر إذا بيع معه فيصير تابعا له فاما إذا أفرده فليس بتابع للمؤبر فتبع أصله) . (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا بَاعَ جَمِيعَ نَخْلِ الْبُسْتَانِ وَقَدْ أَبَّرَ بَعْضَهَا وَبَعْضُهَا لَمْ يُطْلِعْ بَعْدُ فَأَطْلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي ذلك الْمُشْتَرِي فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الْمُؤَبَّرَ لِلْبَائِعِ وَأَنَّ مَا كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ مُطْلِعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ تَابِعٌ لَهُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا (أَمَّا) مَا أَطْلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ ذَلِكَ العلم فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ مَا أَطْلَعَ فِي مِلْكِ المشترى لايتبع الْمُؤَبَّرَ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا هَذَا الْوَجْهَ عند الكلام في اختلاط ثمرة النخلة الْمَبِيعَةِ بِثَمَرَةِ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد الاسفراييني وقال أَنَّهُ يَتْبَعُ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ المشاركة كمانا جَعَلْنَا مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَوَافَقَ أَبَا حَامِدٍ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْوَجْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ مُنْتَصِرًا لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ فِيهِ بِالشَّرْطِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ تَبَعًا لِمَا قَدْ اسْتَثْنَاهُ

الْعَقْدُ قَالَ وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا كان بيع عالم يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وَهَاءِ قَوْلِهِ وَفَسَادِ تَعْلِيلِهِ يَعْنِي أَبَا حَامِدٍ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي انْتَصَرَ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ وَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ لِلنَّصِّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ وَثَمَرَتُهَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مُطْلِعًا حِينَ الْعَقْدِ وَمَا لَمْ يَكُنْ خَرَجْنَا عَنْهُ فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلٍ فَيَنْبَغِي فِيمَا عَدَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فَثَمَرَتُهَا لَا يَشْمَلُ إلَّا الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَهِيَ الْمُطْلِعَةُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لَكِنَّ سُوءَ الْمُشَارَكَةِ حَاصِلٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعٌ لِمَا خُلِقَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ كلما يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَرَّعَهُ عَلَى رَأْيِهِ وَرَأْيِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عن أبي إسحاق أن لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ ذِكْرُ نَظِيرٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اُسْتُنْبِطَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْهَا وَهِيَ جَارِيَةُ الْمُكَاتَبِ إذَا أتت بولد من أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بَعْدَهَا قَالَ نَصَّ أَنَّ الْوَلَدَيْنِ لِلسَّيِّدِ فَاسْتُنْبِطَ مِنْهَا هَذَا الْوَجْهُ وَوَجْهٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ حُبْلَى بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ بَاعَهَا فَالْوَلَدُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ يَبْقَى لِلْبَائِعِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَرَأَى أَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لِلْمُشْتَرِي وَعَنْ الْخُضَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا نُسِبَ إلَى النَّصِّ (وَالثَّانِي) مَا رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ بَعْضَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ كُلُّهُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ فَسَتَعْرِفُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما لم ينفصل منه شئ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَصِلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمُقَابَلَتِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ وُجُودُهُ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثُمَّ إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ فِي الْأُمِّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لان هذا شبيه ببيع الجارية الحامل يجوز مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ اسْتَثْنَاهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ فِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهِ الصِّحَّةُ أَوْ الْبُطْلَانُ (قُلْتُ) وَتَخْرِيجُهُ عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ حَسَنٌ مُتَعَيَّنٌ وَحُكْمُهُ وَالتَّصْحِيحُ فِيهِ مَعْلُومٌ

فِي مَوْضِعِهِ وَلَقَدْ تَعَجَّبْتُ مِنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَا أَطْلَعَ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَيْرَهُ وَالْمَوْجُودُ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَبَّرَ بَعْضَ الْحَائِطِ دُونَ بَعْضٍ فَأَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ أَفْرَدَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَقَوْلُهُ) فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ بَعْضَ الْمُؤَبَّرِ بِالْبَيْعِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ بِهَذَا الْبَيْعِ حُكْمُ التَّأْبِيرِ صَارَ كَالْمُؤَبَّرِ فَإِذَا أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ صَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْمُؤَبَّرَ بِالْبَيْعِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الْحَائِطِ فَأَفْرَدَ بِالْعَقْدِ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فِيهَا فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّ الطَّلْعَ لِلْمُشْتَرِي وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ هُنَا يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ يَقُولُ دُخُولُ وَقْتِ التَّأْبِيرِ كَالتَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ إنَّ وَقْتَ التأبير كالتأبير نفسه كذلك كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ أن هذا القائل يكتفي بحضور الوقت أَنْ يَحْصُلُ تَأْبِيرٌ أَصْلًا وَلَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْإِمَامِ وَمَنْ أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ إذَا حَصَلَ تَأْبِيرٌ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ ولم يحصل في المبيع وقد تقدم فيى ذلك كلام وجزم الفورانى بأنه إذ أَفْرَدَ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مِنْ نَوْعٍ واحد ويمكن أن يكونا مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْبِيرَ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ تَأْبِيرٌ فِي الْآخَرِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَفْرَدَ الصِّنْفَ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤَبَّرٍ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَرَى تَبَعِيَّةَ النَّوْعِ لِلنَّوْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَيَصِحُّ إبْقَاءُ الوجهين في كلام المصنف على اطلاقهما..قال الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ والكرسف إذا بيع أصله كالنخل وأراد به كرسف الحجاز فانه شجر يحمل في كل سنة وتجرج ثمرته في كمام وتتشقق عنه كالنخل فان باع وقد تشقق جوزه فهو للبائع وان لم يتشقق فهو للمعترى وان تشقق بعضه دون بعض جعل الجميع للبائع كالنخل وأما ما لا يحمل الاسنة وهو قطن العراق وخراسان فهو كالرزع ويجئ حكمه ان شاء الله تعالى) .

(الشَّرْحُ) الْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ الْقُطْنُ وَيُقَالُ لَهُ الكرسف البرسف وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْهُ مَا يَبْقَى فِي الارض سنين ويحمل كان سَنَةٍ مِثْلَ كُرْسُفِ الْحِجَازِ وَأَبْيَنَ وَتِهَامَةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَهُوَ شَجَرٌ شَبِيهٌ بِالنَّخْلِ وَيَتَشَقَّقُ الْجَوْزُ فَيُؤْخَذُ الْقُطْنُ مِنْهُ وَيُتْرَكُ الْقِشْرُ عَلَى الشَّجَرِ كَمَا يَتْرُكُ كِمَامُ الطَّلْعِ عَلَى الشَّجَرِ وَقِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ شَاهَدَهُ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُعْضَدُ عَلَيْهِ كما بعضد عَلَى الشَّجَرِ وَقَدْ عَدَّهُ الْأَصْحَابُ مَعَ النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ فيما وجها كما سيأتي بالحاقهما بالذرع وَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْمَذْكُورُ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إلْحَاقِهِ بِالنَّخْلِ عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ مع النرجس والبنفسج مالا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْكُرْسُفَ كَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالشَّجَرِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ قَالَ وَالْكُرْسُفُ إذَا بِيعَ أَصْلُهُ كَالنَّخْلِ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكُرْسُفِ إنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ كَانَ تَابِعًا لَهَا وَإِنْ أَفْرَدَهُ بِالْبَيْعِ جَازَ مُطْلَقًا وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ وَإِذَا بَاعَهُ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ فَدَخَلَ فِي بَيْعِهَا وَكَانَ فِيهِ جَوْزٌ فان كان قد تشتقق منه شئ كَانَ الْكُلُّ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي وان لم يتشقق منه شئ فالكل المبتاع إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ سَوَاءٌ فَالتَّشَقُّقُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فِي النَّخْلِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ وَالْأَصْحَابُ مُسَاعِدُونَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَافَقَ فِي أَنَّ الْكُرْسُفَ فِي ذَلِكَ كَالنَّخْلِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ

(النوع الثاني) مالا يحمل الاسنة وَاحِدَةً وَهُوَ قُطْنُ بَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ إنْ بَاعَ الْأَرْضَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ كَالزَّرْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ شَرْطُهُ مَا لَمْ يَكُنْ جَوْزًا مُنْعَقِدًا غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اشْتَدَّ فَإِنْ اشْتَدَّ وَقَوِيَ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصْلًا مُفْرَدًا ولامع الْأَرْضِ سَوَاءٌ ظَهَرَ بَعْضُهُ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ شئ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُغَيَّبٌ فَهُوَ مَجْهُولٌ كَالسُّنْبُلِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بَطَلَ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ بَاعَهُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَشِيشًا لَمْ يَنْعَقِدْ جَوْزُهُ أَوْ انْعَقَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ قُطْنٌ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُقِدَ جَوْزُهُ وَاسْتَحْكَمَ قُطْنُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْقُطْنُ وَهُوَ مُغَيَّبٌ كَالسُّنْبُلِ فَعَلَى هَذَا إنْ بَاعَهُ مُفْرَدًا بَطَلَ وَإِنْ بَاعَهُ مع الأرض بطل فيه وفي الأرض قولا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ نَقْلًا وَفِيمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مُوَافَقَةٌ لِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَظَهَرَ الْقُطْنُ صَحَّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْأَرْضِ وَجَازَ لِمُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ وَهَلْ يَدْخُلُ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يَدْخُلُ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بيع الشجرة لان الشجرة مقصود كَثِمَارِ سَائِرِ الْأَعْوَامِ وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَشَبَّهَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْخِلَافَ بِالْخِلَافِ فِيمَا إذَا رَهَنَ خريطة لاقمة لها وكان فيها شئ لَهُ قِيمَةٌ هَلْ يَتْبَعُ اللَّفْظَ دُونَ مَا فِيهَا أَوْ يَجْعَلُ الْمَرْهُونَ مَا فِيهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ عَادَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ قُلْتُ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَصِحُّ فِي الْأَصْلِ وَلَا تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَنَى عَلَى أَصْلِهِ قَالَ ابْنُ دَاوُد فَعَلَى قَوْلِ اشْتِرَاطِ التَّشَقُّقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّهِ فَلَوْ تَشَقَّقَ بَعْضُهُ لَمْ يَصِحَّ الافيه بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَكُرْسُفِ الْحِجَازِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ منه (1) وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ تَشَقَّقَ جَوْزُهُ كَالطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَلَطٍ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِي وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي ذَكَرْتهَا هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ انه إذا تناهى

_ (1) بياض بالاصل

نهايته ولايكون لَهُ نَمَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي آخِرِ الْخَرِيفِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ عَنْهُ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَمْلِ لَا يَتْبَعُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَشَقِّقًا أَمْ غَيْرَ مُتَشَقِّقٍ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الثَّمَرَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبَائِعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِيهِ تَنْبِيهٌ وعليه استدراك أما التنبيه فأن اُسْتُفِيدَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَنَاهَى وَلَا يُتَوَقَّعُ لَهُ نَمَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا فِي شَجَرِ الْبِطِّيخِ إذَا خَافَ اخْتِلَاطَهُ أَمَّا بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا) الاستدراك فأن أصول هذا الوع مِنْ الْكُرْسُفِ لَا تُقْصَدُ وَحْدَهَا بِدُونِ حَمْلِهَا وَلَا يَشْتَرِيهَا أَحَدٌ إلَّا وَالْمَقْصُودُ حَمْلُهَا فَقَوْلُهُ ان حملها لايتبع لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ تَعْلِيلُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بنبغي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا عَنَى أَنَّهُ يَشْتَرِي الْأُصُولَ فَقَطْ أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْقُطْنَ وَهَذَا الزَّرْعَ دَخَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَيْسَ دُخُولُهُ تَبَعًا وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ فَأَمَّا بَيْعُ ثَمَرِهِ فَإِنْ تَشَقَّقَ وَبَاعَ مَا تَشَقَّقَ مِنْهُ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالِالْتِقَاطِ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَ الِالْتِقَاطُ حَتَّى تَشَقَّقَ غَيْرُهَا وَاخْتَلَطَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقُّقٌ وَلَا انْعَقَدَ الْقُطْنُ فَبَاعَهُ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَمْ يَصِحَّ كَثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَأَمَّا إنْ انْعَقَدَ الْقُطْنُ وَلَمْ يَتَشَقَّقْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَالَ فَلَوْ بَاعَ الْجَوْزَ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ التشقق بشرط القطن فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ وَالشَّجَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ فَلَا يُجْعَل لَهَا حُكْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَوْزِ قَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ إذَا أَبْطَلْنَا فَفِي الشَّجَرَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ قُطْنَ الْعِرَاقِ كَقُطْنِ الْحِجَازِ يَبْقَى سِنِينَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ إلى المشاهدة والفقة قد تبين..قال المصنف رحمه الله. (وان باع شجرا غير النخل والكرسف لم يخل اما أن يقصد منه الورد أو الورق أو الثمرة فان كان يقصد منه الورد فان كان ورده يخرج في كمام ثم ينفتح منه كالور فهو كالنخيل فان كان في الكمام تبع الاصل في البيع كالطلع الذي لم يؤبر وان كان خارجا من الكمام لم يتبع الاصل كالطلع المؤبر

وان كان لاكمام له كالياسمين كان مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ للمشترى وان كان مما يقصد منه الورق كالتوت ففيه وجهان أحدهما انه ان لم ينفتح فهو للمشترى وان تفتح فهو للبائع لان الورق من هذا كالثمر من سائر الاشجار والثاني انه للمشترى تفتح أولم يتفتح لانه بمنزلة الاغصان من سائر الاشجار وليس كالثمر لان ثمرة التوت ما يؤكل منه) . (الشَّرْحُ) الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ مَا يُلْحَقُ مِنْ الْأَشْجَارِ بِالنَّخْلِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ النَّخْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَأَتْبَعَهُ بِالْكُرْسُفِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِهِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُخَالِفُ الثِّمَارَ مِنْ الْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا النَّخْلُ وَانْدَفَعَ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَشَرَحَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ فَقَسَّمُوا الشَّجَرَ النَّابِتَ الَّذِي لَهُ حَمْلٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَى أَقْسَامٍ وَأَحْسَنُ تَقْسِيمٍ فِيهَا مَا سَلَكَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشَّجَرَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْخَامِسُ مَا يَظْهَرُ فِي كِمَامٍ ثُمَّ تَتَشَقَّقُ عَنْهُ الْكِمَامُ فَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فَتَقْوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَتَشْتَدُّ وهى ثمرة النخل والمصنف لم يذكر هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ تَقْسِيمَهُ فِيمَا سِوَى النخل والكرسف فلا تأتى الاربعة كما ذكل وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا خَمْسَةً فَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْسِيمِهِ مِنْ الْحُسْنِ وَالْبَيَانِ مَا فِي تَقْسِيمِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هَهُنَا ضَرْبَيْنِ (الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَخْرُجُ فِي وَرَقٍ أَخْضَرَ لَا يشاهد منه شئ ثم بعد ذلك ينفتح فَيُشَاهَدُ مَا تَحْتَهُ كَأَنْوَاعِ الْوَرْدِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَخْضَرِ وَالنِّرْجِسِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَفَتَّحَ مِنْهُ شئ عِنْدَ الْبَيْعِ فَجَمِيعُهُ لِلْبَائِعِ مَا تَفَتَّحَ وَمَا لم ينفتح هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَا تَفَتَّحَ يكون للبائع وما لم ينفتح يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَفَتَّحْ مِنْهُ شئ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالطَّلْعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي كِمَامِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ

ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهَا وَهْمٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي تَعْلِيقِهِ الْجَزْمُ بِالتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ الْتَبَسَ عَلَى الْحَاكِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا نَوْرٌ وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ لما رَأَيْتُهَا وَلَا الْأَئِمَّةُ نَقَلُوا ذَلِكَ (قُلْتُ) لَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ. وَيَدْخُلُ شَجَرُ هَذَا النَّوْعِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي إنَّ الْوَرْدَ إذَا تَفَتَّحَ بَعْضُهُ فَاَلَّذِي تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَاَلَّذِي لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي بخلاف مالو بَاعَ نَخْلَةً تَشَقَّقَ بَعْضُ ثَمَرِهَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَا تَفَتَّحَ مِنْ الْوَرْدِ يُجْتَنَى وَلَا يُتْرَكُ فان يَتَنَاثَرُ وَيُقْتَلُ فَلَا يَتَلَاحَقُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فانها لاتجتني حَتَّى تَتَلَاحَقَ وَكَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُصَنِّفِ في التنبيه وابن سراقة في بيان مالا يَسَعُ جَهْلُهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ (النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَبْرُزُ بِنَفْسِهِ لَا يَحُولُ دُونَهُ حَائِلٌ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى جِهَتِهِ ثُمَّ يَتَفَتَّحُ كَالْيَاسِمِينِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ منه شئ فالجميع للبائع وان لم يظهر منه شئ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَالظُّهُورُ فِي هَذَا النَّوْعِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَتُّحِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَسَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا فِي الْيَاسَمِينِ خَاصَّةٌ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ يُوَافِقَانِ بِظَاهِرِهِمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْيَاسَمِينَ كَالْوَرْدِ وَأَنَّ ظُهُورَ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عِبَارَتُهُ فِي المهذب على ذلك لا على ماقاله صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي النَّوْعَيْنِ أَنَّهُ إنْ تَفَتَّحَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَتَّحْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ لَكِنْ بِلَفْظِ الظُّهُورِ لَمَّا قَالَ أو بورا تفتح كالورد والياسمين فان كان ظهر ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ أَرَادَ بِالظُّهُورِ التَّفَتُّحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَإِنْ أَرَادَ الْبُرُوزَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكِمَامِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَتَعَسَّفَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الظُّهُورُ وَذَلِكَ فِي الْوَرْدِ وَمَا يَخْرُجُ فِي كِمَامٍ بِالتَّفَتُّحِ وَبِالْيَاسِمِينِ وَمَا يَخْرُجُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ بِنَفْسِ الْخُرُوجِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَلِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّفَتُّحَ فِيمَا لَا كِمَامَ لَهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَقَالَ الروياني

إن البنفسج كالورد وعد جماعة البنفسج والنشرين مِنْ جِنْسِ الْيَاسَمِينِ وَأَلْحَقَ سُلَيْمٌ فِيمَا نُقِلَ عنه النشرين بالورد قال الفرارى وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خُرُوجُهُ فِي كِمَامٍ يَتَفَتَّحُ عَنْهُ كَالْوَرْدِ يَعْنِي الْيَاسَمِينَ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ كِمَامَ الْوَرْدِ قَبْلَ حُصُولِ الْوَرْدِ فِيهَا وَكَذَا الْجَوْزُ قَبْلَ الْقُطْنِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْقُطْنَ لَيْسَا بِمَقْصُودَيْنِ مِنْهُمَا فَصَارَا مَقْصُودَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا لِعَلَفِ الدَّوَابِّ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرَقُ كَالتُّوتِ وَشَجَرِهِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْفِرْصَادِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ قد ظهر من الورق شئ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي هَكَذَا عِبَارَةُ الشَّيْخِ أبي حامد والشيخ في عبارته بالتفتح وعده تَابِعٌ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ كَذَلِكَ وَزَادَ فَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلَ التُّوتِ وَقَدْ خَرَجَ وَرَقُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِمَا فِي اعْتِبَارِ التَّفَتُّحِ فِي الْيَاسَمِينِ وَإِنْ اسْتَبْعَدْت حُصُولَ التَّفَتُّحِ فِي ورق التوت فيسأتي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ مَا يُثْبِتُهُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ يَخْبُرُ ذَلِكَ وَأَنَّ وَرَقَ التُّوتِ يَخْرُجُ مُنْعَقِدًا لَمْ يَتَفَتَّحْ (فَائِدَةٌ) الْيَاسَمِينُ بِكَسْرِ السِّينِ وَالْأَشْهَرُ جَعْلُ النُّونِ حَرْفَ إعْرَابِهِ وَفِيهِ لُغَةٌ أَنَّهُ يُعْرَبُ إعْرَابَ قَائِمِينَ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالنُّونِ بِيَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ لُغَةٌ إنَّ الْأُولَى مُثَنَّاةٌ وَالثَّانِيَةَ مُثَلَّثَةٌ وَأَنْكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ وَنَسَبَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ إلَى الْفُرْسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى الْجَمَاهِيرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ وَرَقٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَوْرَاقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنَعَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَكُونَ ثَمَرَةُ التُّوتِ مُنْحَصِرَةً فِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَرِ بَلْ ثَمَرَتُهُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الْحُلْوَةِ وَالْمُرَّةِ وَجَعَلَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي أَوَانِ الرَّبِيعِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَسَائِرِ الْأَوْرَاقِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ جزم به المارودى وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَامِيًّا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ دُونَ وَرَقِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِظُهُورِ وَرَقِهِ وان كان يقصد وقفانه يبدو في عقده ثم يفتح عَنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي عُقَدِهِ تَبِعَ الْأَصْلَ وَإِنْ انْشَقَّتْ الْعُقْدَةُ وَظَهَرَ وَرَقُهَا لَمْ يَتْبَعْ الْأَصْلَ وَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ قَرِيبٌ من قول أبي اسحق وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ مُنَزَّلٌ عَلَى هَذَا التفصيل وأن لَا مَعْنَى لِذَلِكَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ قد

حَكَاهُ (قُلْتُ) وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّجَهًا فَإِنَّ النَّوْعَ الَّذِي يُقْصَدُ ثَمَرُهُ وَلَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ كَالْأَحْمَرِ فِيمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُطْعَمُ وَرَقُهُ لِلَّدُودِ الْمَقْصُودِ ثَمَرُهُ فَهَذَا وَرَقُهُ كَوَرَقِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ أَمَّا التُّوتُ الابيض الذي يقصد منه الورق لطعمه الذود فَيَتَّجِهُ فِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَلْتَحِقُ بِالْأَوَّلِ وَرَقُ الذَّكَرِ مِنْ الْأَبْيَضِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْخِلَافُ الذي يقطع أغصانه ويترك ساقه وطوله تقطع الْأَغْصَانُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَحَسْبُ إذَا بَاعَ شَجَرَتَهُ قال القاضي الحسين وَالْأَغْصَانُ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الثِّمَارِ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ. (فَرْعٌ) قَالَ الماوردى والروياني الحناء وَرَقُهُ أَيْضًا وَيَبْدُو وَرَقُهُ بَعْدَ تَقْدِيحِ أَغْصَانِهِ من غير أن يكون في عقدة تنفتح عَنْهُ فَإِذَا بَدَا وَرَقُهُ بَعْدَ التَّقْدِيحِ ثُمَّ بَاعَ شَجَرَهُ كَانَ فِي حُكْمِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ شَجَرُ الْحِنَّاءِ والجوز والهرنس لانص فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالتُّوتِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِالْوَرَقِ إذَا ظهرت وجها واحدا لانه لاثمره لِهَذِهِ الْأَشْجَارِ غَيْرُ الْوَرَقِ. (فَرْعٌ) شَجَرُ النَّبْقِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ كَسَائِرِ الْأَشْجَارِ يَتْبَعُهَا وَرَقُهَا وَقِيلَ إنَّهَا كَالتُّوتِ لِأَنَّ فِي وَرَقِهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ يُغْسَلُ بِهَا الرَّأْسُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَصَحَّ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالثَّمَرَةِ وَلَهُ طَوَاحِينُ مُعَدَّةٌ لِطَحْنِهِ وَمَوْضِعٌ يُبَاعُ فِيهِ بِأَبْلَغِ ثَمَنٍ لِكَثْرَتِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَقِ التُّوتِ بِأَنَّ مَنْفَعَةَ غَسْلِ الرَّأْسِ تَافِهَةٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَعْنَى يُشَارِكُهَا فَإِنَّهَا تُغْسَلُ بِالْخِطْمِيِّ وَالطِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فَإِنَّهُ كل مقصوده..قال المصنف رحمه الله. (وان كان مما يقصد منه الثمرة فهو على أربعة أضرب أحدها متا تخرج ثمرته ظاهرة من غير كمام كالتين والعنب فما ظهر منه فهو للبائع لايدخل في البيع من غير شرط وما يظهر بعد العقد فهو للمشترى لان الظاهر منه كالطلع المؤبر والباطن منه كالطلع الذي لم يؤبر) .

(الشَّرْحُ) بَدَأَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ وَجَعَلَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مِنْهَا ضَرْبًا خَامِسًا لَمْ يَدْخُلْ فِي تَقْسِيمِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ النَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ لِإِفْرَادِهِ إيَّاهُمَا بِالذِّكْرِ وَجَعْلِهِ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ فِيمَا سِوَاهُمَا. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ الَّذِي يُقْصَدُ مِنْهُ الثَّمَرَةُ مِمَّا سِوَى النَّخْلِ وَالْكُرْسُفِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) مَا تَخْرُجُ ثمرته ظاهرة من غير كما لاورق دُونَهَا وَلَا حَائِلَ مِثْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خَرَجَتْ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَكُونُ خُرُوجُ هَذِهِ الثَّمَرَةِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ مِنْ الطَّلْعِ وَظُهُورُ الْقُطْنِ مِنْ الْجَوْزِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ التُّوتَ الشَّامِيَّ مِثْلَهُ أَيْ مِثْلَ التِّينِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ ثَمَرَةَ التُّوتِ تَخْرُجُ بَارِزَةً مِنْ غَيْرِ كِمَامٍ وَأَظُنَّ مراده بالشامي التوت الاحمر المرفأن المقصود منه ثمرته لاورقه بخلاف التوت الذي قصد وَرَقُهُ لِتَرْبِيَةِ الدُّودِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الثَّمَرَةِ وَاحِدًا وَقَدْ حَكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَبِ عِنْدِي أَنَّ لَهُ وَرْدًا ثُمَّ يَنْعَقِدُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ مِنْ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ تَخْرُجُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَيْهَا وَرْدٌ وَهُوَ يُشَاهَدُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ الْوَرْدِ ويرى ويتساقط عنها النور ويبقى الثمر فتكبر ولا كذلك لانخل فَإِنَّهَا لَا تُرَى مِنْ دَاخِلِ الْكِمَامِ وَهَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ كِمَامَ ثَمَرَةِ النَّخْلِ شَامِلٌ لِحَبَّاتٍ مِنْهُ وَكِمَامُ الْعِنَبِ شَامِلٌ لِكُلِّ حَبَّةٍ وَكَذَا كِمَامُ غَيْرِهِ مِنْ الثِّمَارِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَثَرٌ يَظْهَرُ لَكَ فِي بَيْعِ ماله قشران كالجوز وللوز وَقَدْ عَلَّلَ جَعْلَ الْعِنَبِ لِلْبَائِعِ بِأَنَّ اشْتِمَالَ كُلِّ حَبَّةٍ عَلَى كِمَامٍ يُزَايِلُهَا كَاشْتِمَالِ كُلِّ حَبَّةٍ مِنْ حَبَّاتِ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ فَكَذَا الْعِنَبُ يَكُونُ لَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِنَبَ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يُورِدُ ثُمَّ يَنْعَقِدُ وَمِنْهُ مَا يَبْدُو مُنْعَقِدًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ نَوْرًا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الضَّرْبِ وَالضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ تَابِعًا لِمَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظُهُورُ بَعْضِهِ كَظُهُورِ كُلِّهِ كَالنَّخْلِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْهُ فِي الْوَرْدِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ وَقَالَ إنَّ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ يَعْنِي التِّينَ وَالْعِنَبَ مَحَلُّ التَّوَقُّفِ قَالَ صَاحِبُ الوافي ولو أُجْرِيَ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الطَّلْعِ بَعْدَ مَا تَأَبَّرَ مِنْهُ الْبَعْضُ

يَكُونُ لِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ فَيَكُونُ أَيْضًا مَا يَحْدُثُ مِنْ التِّينِ لِلْبَائِعِ تَابِعًا لِمَا ظَهَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ مِنْ ثَمَرَةِ النَّخْلِ كَانَ له اتجاه ظاهر ولم أجد للاصحاب نصافيه غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَإِنْ يَكُنْ فَرْقٌ فمن حيث ان ظهور الشئ بعد الشئ فِي التِّينِ مُعْتَادٌ ثُمَّ حِينَ بُلُوغِ التِّينِ يُؤْخَذُ فَاَلَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَهُ لَا يَخْتَلِطُ بِهِ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ إلَى الْجُذَاذِ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الْبُلُوغِ فَيَخْتَلِطُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَاحْتَجْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ تَابِعًا وَفِي هَذِهِ المسألة لا حاجة إلى ذلك (قلت) وهذا اعْتِرَاضٌ وَجَوَابٌ جَيِّدَانِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم ينفرد بذلك الفرق الْمَذْكُورُ يُعَضِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسِمِينَ يُسْرِعُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَيُفْضِي إلَى الْمَحْذُورِ بِخِلَافِ التِّينِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا بين والله أعلم..قال المصنف رحمه الله. (والثاني) يخرج في كمام لا يزال عنه الاعند الاكل كالرمان والموز فهو للبائع لان كمامه من مصلحته فهو كاجزاء الثمرة) . (الشَّرْحُ) هَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ الَّذِي يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِيهِ الثَّمَرَةَ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاعَ لاجل أرضا فيها شجر رمان ولوز وجوز الارنج وَغَيْرِهَا مِمَّا دُونَهُ قِشْرٌ يُوَارِيهِ أَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وذلك ان قشر هذا لا تشقق عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ كِمَامَهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) تُقَشَّرُ نَفْسُ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالتِّينِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الشَّجَرِ عَلَى شَجَرِ الْمَوْزِ وَسَيَأْتِي تَعَرُّضٌ لِحُكْمِهِ فِي فَصْلِ النَّبَاتِ غَيْرِ الشَّجَرِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِأَجْلِهِ قِيلَ إنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عليه وأما الجوز واللوز والرانج ففه نِزَاعٌ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثالث..قال المصنف رحمه الله. (والثالث ما يخرج وعليه قشرتان كالجوز واللوز والرانج فالمنصوص أنه كالرمان لايدخل في بيع الاصل لان قشره لا يتشقق عنه كما لا يتشقق قشر الرمان ومن أصحابنا من قال هو كثمرة النخل الذي لم يؤبر لانه لا يترك في القشر الاعلى كما لا تترك الثمرة في الطلع) .

(الشَّرْحُ) الرَّانِجُ بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مكسورة وجيم وهو الجوز الهندي وهو النار جيل إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا الضَّرْبُ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّالِثِ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالرَّانِجُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ مَعَ الرُّمَّانِ وَحَكَمَ فِي الْجَمِيعِ بِأَنَّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَبِذَلِكَ قَطَعَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ قُشُورَهُ لاتزول في الغالب إلا عِنْدَ الْقِطْفِ وَبَعْدَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الْكِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الشَّجَرَةِ وَيُتْرَكُ الْكِمَامُ عِنْدَ الْقَطْعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَنُزُلُ السَّعَفِ وَالْكَرَانِيفِ وَقُشُورُ الْجَوْزِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد (أما) الذي لاإشكال فِيهِ فَالرُّمَّانُ وَالْمَوْزُ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَتَشَقَّقْ الْقِشْرَةُ الْأُولَى فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الرُّمَّانِ إذَا ظَهَرَتْ الْقِشْرَةُ الَّتِي تَلِي اللُّبَّ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ جَعَلَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ هُوَ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أبو حامد فقال الجوز يتشقق فشره الْفَوْقَانِيُّ عَنْهُ وَيَسْقُطُ وَيَظْهَرُ السُّفْلَانِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَشَقَّقَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَشَقُّقُ الْقِشْرَةِ مِنْ هَذَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ إذَا كان على رؤس الشَّجَرِ لِأَنَّهُ كَتَشَقُّقِ الرُّمَّانِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ صَلَاحُهُ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلَ لِلْمُصَنَّفِ عَلَى نِسْبَةِ الْخِلَافِ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي بِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ قِشْرَةٌ عُلْيَا وَسُفْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحِجَازِ شَجَرُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فَحَمَلَ أَمْرَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ قِشْرَةً وَاحِدَةً وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ إذَا زَالَتْ عَنْهُ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا وَبَقِيَتْ السُّفْلَى وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ هذا أنه قال دونه حائل لا يزل عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِ وَهَذَا صِفَةُ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى دُونَ الْعُلْيَا (قُلْتُ) أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فِي بَابِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ فِي الْأُمِّ وَهُوَ بَعْدَ الموضع بشئ يسير أن على الجوز قشرتان وَاحِدَةٌ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي يَدْفَعُهَا النَّاسُ عَلَيْهِ ولايجوز بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُدْفَعَ بِدُونِ الْعُلْيَا وَكَذَلِكَ الرَّانِجُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَالَ الْجَوْزِ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَهُوَ قريب ولاياباه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ قِشْرَ هَذَا لَا يَنْشَقُّ عَمَّا فِي أَجْوَافِهِ وَصَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ

الْمُرَادُ الْقِشْرَةَ الْعُلْيَا دُونَ السُّفْلَى بَلْ تَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ صَلَاحَهُ فِي بَقَائِهِ يُفْهِمُ أَنَّ مَا لَيْسَ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا زَالَ عَنْهُ وَقِشْرَةُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْعُلْيَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنْ كَانَتْ تُشَقَّقُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَتَغْلِيطُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لَكِنِّي أَقُولُ إنَّ تَشَقُّقَ الْقِشْرَةِ الْعُلْيَا مِنْ عَلَى الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَنِهَايَتِهِ وَكَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ مِنْ على الشجر مَعَ قِشْرَتِهِ كَاللَّوْزِ الْعَاقِدِ وَالرَّانِج أَيْضًا كَثِيرًا مَا يُؤْخَذُ فِي قِشْرَتِهِ بَعْدَ نِهَايَتِهِ بَلْ العادة مطردة في كل ماله قِشْرَانِ فَلَيْسَ هُوَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهِ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّوْزَ إذَا كَانَ أَخْضَرَ صَغِيرًا يُؤْكَلُ فِي قِشْرَتِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ تِلْكَ الْقِشْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ كَاللُّبِّ سَوَاءٌ مَعَ ذَلِكَ الْمَنْصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالطَّلْعِ فِي اللَّوْزِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّهُ وَلَا يَنْقَطِعُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ اللَّوْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نقل إما الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَذَكَرَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ خِلَافَهُ وَكَأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ عَرَفْتُ كَلَامَهُمْ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي حامد أنه يقول بأن ماله نَوْرٌ يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِخُرُوجِ نَوْرِهِ وَهَذَا مِنْهُ فَإِذَا انْعَقَدَ كَانَ لِلْبَائِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ إنَّ ذَلِكَ قَالَهُ فِي ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي جَوْفِ نَوْرٍ والجوز ليس كذلك فان البند نيجى قَالَ إنَّهُ يُورِدُ أَوَّلًا وَرْدًا لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ مِنْ جَوْفِهِ بَلْ يَذْهَبُ الْوَرْدُ وَيَنْعَقِدُ بَعْدَ ذَهَابِهِ ثَمَرَةٌ كَهَيْئَةِ التِّينِ أَوَّلَ مَا يُطْلِعُ وَسَيَأْتِي فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ كَلَامٌ عَنْ البند نيجى يتعلق بهذا الضرب في اللوز.. قال المصنف رحمه الله تعالى . (والرابع ما يكون في نور يتناثر عنه النور كالتفاح والكمثرى فاختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحق والقاضي أبو حامد هو كثمرة النخل إن تناثر عنه النور فهو للبائع وان لم يتناثر عنه فهو للمشترى وهو ظاهر قوله في البويطي واختيار شَيْخِنَا الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ استتارها بالنور كاستتار الثمر في الطلع وتناثر النور عنها كتشقق الطلع عن الثمرة فكان في الحكم مثلها وقال الشيخ أبو حامد الاسفراييني هو للبائع وان لم يتناثر النور عنها لان الثمرة قد ظهرت بالخروج من الشجر واستتارها بالنور

كاستتار ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ القشر الابيض ثم ثمرة النخل بعد خروجها من الطلع للبائع مع استتارها بالقشر الابيض فكذلك هذه الثمرة للبائع مع استتارها بالنور) . (الشَّرْحُ) النَّوْرُ الزَّهْرُ عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ وَقِيلَ النَّوْرُ مَا كَانَ أَبْيَضَ وَالزَّهْرُ مَا كان أصفر والكمثرى (1) (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَإِذَا بَاعَ أَصْلَ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى والسفر جل وَالْإِجَّاصِ وَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْأَصْلَ وَقَدْ خَرَجَ وَرْدُهَا وَتَنَاثَرَ وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاثَرْ وَرْدُهَا ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشترى لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُغَيَّبَةٌ فِي الْوَرْدِ وَتَظْهَرُ بَعْدَ ثناثره فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي التَّأْبِيرِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَفِ قَبْلَ بَابِ الْوَدِيعَةِ وَحُكْمُ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَاللَّوْزِ وَالْفِرْسِكِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ وَتَحَبَّبَ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَلِطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ ظُهُورُ الْوَرْدِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حُكْمُ كُلِّ ثَمَرَةٍ خَرَجَتْ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِ مَا تَخْرُجُ كَمَا تُرَى فِي آخِرِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَارِزًا مِنْ الطَّلْعِ وَغَلِطَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا أراد به مالا وَرْدَ لَهُ مِثْلَ الْعِنَبِ وَالتِّينِ لِأَنَّ هَذَا هو الذي يخرج بارزا وأماما يَخْرُجُ فِي الْوَرْدِ فَلَيْسَ بِبَارِزٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَوْفِ الْوَرْدِ وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَذَكَرْتُ لَفْظَهُ فَسَقَطَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّرْفِ قَالَ مَا كَانَ مِنْ الثمر يطلع كما هو لام كِمَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَطْلُعُ عَلَيْهِ كِمَامٌ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مالا كِمَامَ عَلَيْهِ كَالتِّينِ وَالْعِنَبِ أَوْ عَلَيْهِ كِمَامٌ لَا تَسْقُطُ كَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ فَالطُّلُوعُ فِي الْقِسْمَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ أَمَّا كَوْنُ الطُّلُوعِ فِي غَيْرِهِمَا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَدُلُّ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لاطلاقه أن مالا كِمَامَ عَلَيْهِ يَكُونُ طُلُوعُهُ كَالتَّأْبِيرِ وَاَلَّذِي يَخْرُجُ في نور لاكمام عله وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِالنَّوْرِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا يبعده قوله كما هو فانه يشعر لانه لا شئ عَلَيْهِ مِنْ كِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي تَعْلِيقِهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَقَالَ إنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شيوخ أصحابنا أبو إسحق وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا لِلْمُبْتَاعِ وَلَوْلَا أَنَّى لَا أُحِبُّ مُخَالَفَةً كَانَ ظاهر

_ (1) بياض بالاصل

الْمَذْهَبِ وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ أَنَّ الْأَنْوَارَ إذَا ظَهَرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ كَالطَّلْعِ إذَا تَشَقَّقَ أَوْ أُبِّرَ وَذَكَرَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَعْنَى السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) لَمَّا جَعَلَ ثَمَرَةَ النَّخْلِ لِلْبَائِعِ إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الطَّلْعِ وَذَلِكَ الظَّاهِرُ نَوْرٌ يَتَفَتَّحُ فَإِذَا تَنَاثَرَ انْعَقَدَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَهُ كَانَتْ الْأَنْوَارُ كَالطَّلْعِ لِأَنَّ النَّوْرَ يَتَنَاثَرُ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الثَّمَرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كلامه والحق ان لاحجة لَهُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي تَخْرُجُ بَارِزَةً تُرَى فِي أَوَّلِهَا كَمَا تُرَى فِي آخِرِهَا وَمَا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ لَيْسَ يُرَى فِي أَوَّلِهِ كَمَا يُرَى فِي آخِرِهِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِيهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَهُ مِنْ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ يَقُولُ إنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ بِالتَّأْبِيرِ لَا تَظْهَرُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مَا يَجْرِي مَجْرَى وَرْدِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ إذَا تَشَقَّقَ الطَّلْعُ ظَهَرَ مَا فِيهِ مِثْلُ اللِّيفِ وَفِيهِ حَبٌّ صِغَارٌ مِثْل الذُّرَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا الثَّمَرَةُ فِي جَوْفِ ذَلِكَ الْحَبِّ تُرَى مِثْلَ الشَّعْرَةِ كَمَا تُرَى ثَمَرَةُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ ثَمَرَةَ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي تحن فِيهِ تُرَى مِنْ بَيْنِ الْوَرْدِ وَأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ مِثْلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ وَإِلَّا فَالْحَقُّ مَعَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَهَذَا لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي فِقْهٍ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَمِثْلُهُ يَقْطَعُ بِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُشَاهَدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاسْتِتَارِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ وَبِالنَّوْرِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مُسْتَتِرَةٌ كُلُّهَا وَذَلِكَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إلْحَاقِهَا قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالْحَمْلِ لِاسْتِتَارِهَا وَبَعْدَ التَّأْبِيرِ بِالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ لِظُهُورِهَا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ويشعر به كلامه في الشرح قال ان الآخر أرحج عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَجَعَلَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ تَنَاثُرَ النَّوْرِ كاتقدم وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ إنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ أَوَّلًا نَوْرًا ثُمَّ يَتَشَقَّقُ ثُمَّ يَتَنَاثَرُ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْعَقِدُ الْحَبَّاتُ كَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا قَالَ فَمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْحَبَّاتُ فِيهِ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ وَإِذَا انْعَقَدَتْ حَبَّاتُهُ لايتبع الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَا يَدْخُلُ إلَّا بالشرط وكان القاضي أخذ ذلك عن الفقال فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ حَكَى عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ إذَا تَحَبَّبَتْ ثِمَارُهَا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ النَّوْرُ بَاقِيًا عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَبَّبْ فَالنَّوْرُ كَالْوَرَقِ. هذه عبارته

ويجئ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّهَا لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّحَبُّبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِتَنَاثُرِ النَّوْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ النَّوْرِ وَتَحَبَّبَ وَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّحَبُّبَ يَكُونُ قَبْلَ التَّنَاثُرِ فَذِكْرُ التَّنَاثُرِ يُغْنِي عَنْهُ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بتناثر النور على الاصبح وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي التَّعْلِيقِ الْأَخِيرِ عَنْهُ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ فَإِنَّ شَيْخَهُ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهَا عَنْهُ فَكَانَ ذِكْرُهَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى وَهِيَ فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي التَّعْلِيقَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا يَدُلُّ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا الْمِشْمِشَ وَالتُّفَّاحَ وَالْخَوْخَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا كَلَامًا وَاحِدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى فَجَزَمَ بِأَنَّ الْخَوْخَ وَالْمِشْمِشَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا الْأَزْهَارُ مُحْتَوِيَةٌ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالتُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَا تَحْتَوِي أَزْهَارُهُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَكِنَّهَا تَطْلُعُ وَالثَّمَرَةُ دونها قال فمما كَانَ كَذَلِكَ مَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْإِمَامُ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْإِبَارِ فِي التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ شَيْئًا وَاحِدًا وَالْفِرْسِكُ هُوَ الْخَوْخُ وَالْإِمَامُ قَدْ جَعَلَ حُكْمَهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ التُّفَّاحِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ نَقَلَ مِثْلَ الْعِرَاقِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لِلْبَائِعِ وَالْعِرَاقِيُّونَ كَمَا رَأَيْتُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ رَأَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَوْزِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْكَرْمَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهُ يَبْدُو مِنْهُ أنوار ثم ينعقد ومعه بما يَبْدُو حَبًّا مُنْعَقِدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذلك وعد الماوردى الرمان واللوز مع ذي النَّوْرِ قَالَ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْمُشَاهَدُ فِي بِلَادِنَا خِلَافُ ذَلِكَ فِي الرُّمَّانِ فَإِنَّ نَوْرَهُ لَا يَكُونُ سَابِقًا لَهُ فِي أَوَّلِ الظُّهُورِ وَأَمَّا اللَّوْزُ فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الرُّمَّانَ وَاللَّوْزَ مِمَّا يَخْرُجُ فِي نَوْرٍ يَتَنَاثَرُ عَنْهُ النَّوْرُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا بِيعَ الْأَصْلُ بَعْدَ تَنَاثُرِ النَّوْرِ عَنْهُ فَإِنْ بِيعَ قَبْلَهُ عَادَ الْكَلَامُ السَّابِقُ فِيهِ يَعْنِي إمَّا أَنْ

يُبَاعَ بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْ بَعْدَ التَّنَاثُرِ فَكَلَامُ الرافعى موافق للمارودى فِي أَنَّ الرُّمَّانَ لَهُ نَوْرٌ وَلَعَلَّهُ نَوْعَانِ كَالْكَرْمِ وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعِنَبَ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخِيلِ قَالَ وَإِنْ كَانَ عَلَى حَبِّهِ قشر لطيف يتفتق عنها وَيَخْرُجُ مِنْهَا نَوْرٌ لَطِيفٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ النَّخِيلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَائِعِ وَهَذَا مُلَاحَظَةٌ مِنْهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا مَضَى وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَالَ إلَى مُوَافَقَتِهِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ ثَمَرَةَ هَذِهِ الْأَشْجَارِ تَكُونُ تَحْتَ غِطَاءٍ وَيُفَارِقُهَا وَيَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهَا النَّوْرُ وَالثَّمَرَةُ وَالنَّوْرُ عَلَى رَأْسِ الثَّمَرَةِ لَكِنَّهُ قَسَمَهُ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ لَهُ نَوْرٌ بِغَيْرِ كِمَامٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَالسَّفَرْجَلِ وَهُوَ الَّذِي حَكَى كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ وَمَالَ إلى موافقته وقسم على ثمرها نور بغير وتكون الثمرة بين كمام كالنجوز وَاللَّوْزِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ قَالَ فَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكِمَامِ وَيَتَنَاثَرَ نَوْرُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلْعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَرِيبٌ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ. (فَرْعٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ المحكي عن البويطى عن اللَّوْزِ مَعَ التُّفَّاحِ وَالْفِرْسِكِ فَاعْتَرَضَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ اللَّوْزَ كَالْجَوْزِ قَالَ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُمْ فِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتُ) هَلْ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَابٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَقُولُ اللَّوْزُ نَوْعَانِ مِنْهُ مَا يَنْشَقُّ عَنْهُ قِشْرُهُ الْأَعْلَى عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأُمِّ ومنه مالا يَنْشَقُّ قِشْرُهُ عَلَى الشَّجَرِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّا نَجِدُ الْفُولَ وَغَيْرَهُ كَالْفَرْكِ لَا يُمْكِنُ إزَالَةُ قِشْرِهِ عَنْهُ دُونَ الْأَسْفَلِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْفَرْكِ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ أَصْلًا عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَظَهَرَ مَا فِي ثَمَرَةِ الْعَامِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَفِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي التَّأْبِيرِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يُشِيرُ إلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابن أبى هريرة وغيره وأنه لافرق في ذلك بين النخل وغيره * قال المصنف رحمه الله. (وان باع أرضا وفيها نبات غير الشجر فان كان مما له أصل يحمل مرة بعد أخرى كالرطبة والبنفسج النرجس والنعنع والهندبا والبطيخ والقثاء دخل الاصل في البيع وما ظهر منه للبائع وما لم يظهر فهو للمشترى كالاشجار وان كان مما لا يحمل إلا مرة كالحنطة والشعير لم يدخل في بيع الاصل لانه نماء ظاهر لايراد للبقاء فلم يدخل في بيع الاصل كالطلع المؤبر) .

(الشَّرْحُ) الرَّطْبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْبُرْدِيِّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْغَنَائِمِ بِضَمِّ الرَّاءِ وهو غلط وهو القضب وهو القتب. (أما) الاحكام فقال أصحابنا الزرع النبات اسْمٌ لِكُلِّ مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ فَالْأَصْلُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَغَيْرُ الْأَصْلِ هُوَ الزَّرْعُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى النَّبَاتُ ضَرْبَانِ شَجَرٌ وَغَيْرُ شَجَرٍ فَالشَّجَرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ أَوْ الْوَرَقُ أَوْ الثَّمَرُ وَقَدْ مَضَى حُكْمُهَا وَأَقْسَامُهَا وَالنَّخْلُ وَالْكُرْسُفُ دَاخِلَانِ فِي التَّقْسِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ أَوَّلًا وَغَيْرُ الشَّجَرِ ضَرْبَانِ أَصْلٌ وَغَيْرُ أَصْلٍ وَلِهَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ عَقَدَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَصْلَ فَالضَّرْبُ (الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَالثَّانِي) هُوَ الزَّرْعُ هَكَذَا قَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الزَّرْعِ مَخْصُوصٌ بِمَا لَا يَحْمِلُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جَمَاعَةٍ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الزرع ضربين فجعل ماله ثَمَرَةٌ يَحْمِلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ضَرْبًا مِنْ الزَّرْعِ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالنُّعْنُعَ وَالْهُنْدَبَا خَارِجًا عَنْ الزَّرْعِ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَأُصُولُ الْبُقُولِ كَالْأَشْجَارِ وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ اسْمَ الزَّرْعِ صَادِقًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الاضرب ما يثمر مرارا كالنرجس وما تيجذ مرارا كالنعنع وما لايجذ مِرَارًا وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْحِنْطَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلِينَ فَهُوَ أَقْرَبُ مِمَّا سَلَكَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إطْلَاقِهِ الزَّرْعَ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ صَادِقٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَبِحَسَبِ الْعُرْفِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَصْدُقُ عِنْدَ الاطلاق الاعلى الْأَخِيرِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ أَوْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ (وَأَمَّا) الْمَعْنَى وَالْأَحْكَامُ فَالْأَضْرُبُ الثَّلَاثَةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمُصَنَّف لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الزَّرْعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ النَّبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ لَكِنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْحُكْمِ قِسْمَيْنِ وَجَعَلَ الرَّطْبَةَ وَالْبَنَفْسَجَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ حُكْمَهَا مُتَّحِدٌ فَأَمَّا فِي دُخُولِ الْأَصْلِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَأَمَّا فِي كَوْنِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ وما يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فَالْبَنَفْسَجُ مَا ظَهَرَ مِنْ ثَمَرَتِهِ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ثَمَرَتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا أَصْلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا ثَمَرَةٌ فَمَا ظَهَرَ مِنْهَا نَفْسِهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَسَّمَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَى قِسْمَيْنِ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَقْسَامِ ثَلَاثَةً كَمَا ذَكَرَهَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَمْ نُطْلِقْ اسْمَ الزَّرْعِ عَلَى جَمِيعِهَا (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ الَّذِي لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ كَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَعَدَّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ

مِنْ ذَلِكَ الْمَوْزَ وَالْكُرْسُفَ الْحِجَازِيَّ فَأَمَّا الْكُرْسُفُ الْحِجَازِيُّ فَقَدْ أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا الْمَوْزُ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّجَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ شَجَرٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي النَّبَاتِ الَّذِي لَا يُسَمَّى شَجَرًا فَلَا يَحْسُنُ عَدُّ الْمَوْزِ فِيهِ. إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ ثَمَرَتَهُ الظَّاهِرَةَ حَالَ الْبَيْعِ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَالْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهَا مَا لَا تَخْرُجُ ثَمَرَتُهُ إلَّا ظَاهِرَةً كَالْبَنَفْسَجِ فَإِنَّ وَرْدَهُ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِالْيَاسَمِينِ لَيْسَ فِي كِمَامٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ وَرْدِهِ شئ فَوَرْدُ تِلْكَ السَّنَةِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبَاذِنْجَانُ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَأَمَّا النِّرْجِسُ فَإِنَّهُ كَالْوَرْدِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ يَخْرُجُ عَنْهُ أَوْرَاقٌ خُضْرٌ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ شئ ثم ينفتح فان كان قد تفتح منه شئ فان ثمرة هذا العالم لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَأَمَّا أُصُولُهُ فَفِيهَا الطُّرُقُ السَّابِقَةُ فِي الْأَشْجَارِ حَرْفًا بِحَرْفٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَمَا بَطَنَ فَحِينَئِذٍ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأُصُولِ لِلْأَرْضِ وَفِي حُكْمِ الثِّمَارِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي النِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ضَعَّفَ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ فِي النِّرْجِسِ وَقَالَ هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ النِّرْجِسَ فَإِنَّ النِّرْجِسَ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى عِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا يُحَوَّل مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فِي كُلِّ سَبْعِ سِنِينَ لِمَصْلَحَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَبَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ زَرْعًا يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ بَعْضُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْأَصْلُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أخرى كالسداب وَالْكُرَّاثِ وَالنُّعْنُعِ وَالْهُنْدَبَا وَالطَّرْخُونِ وَالْكَرَفْسِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وأشحار الْخِلَافِ الَّتِي تُقْطَعُ مِنْ الْأَرْضِ كُلَّ مَرَّةٍ وَالرَّطْبِ وَهِيَ الْقَضْبُ وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الشَّامِ الْغُصَّةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَتِّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْقُرْطُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْقَتُّ الَّذِي تُسَمِّيهِ أَهْلُ العودى (1) وقد عطف المصنف القضب على الفت فَيَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى أن الغصب والقت والقرط والرطبة شئ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَكِنَّهُ بِلُغَةِ الْعِرَاقِ الرَّطْبَةُ وَبِلُغَةِ أَهْلِ بِلَادِنَا الْقُرْطُ وَبِلُغَةِ الشَّامِ الْغُصَّةُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْقَتَّ والرطبة شئ واحد وان القرط الذي ببلادنا شئ آخَرُ وَالرَّطْبَةُ تُوجَدُ أَيْضًا فِي صَعِيدِ بِلَادِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَفِي هَذَا الْقِسْمِ إذَا بَاعَ الارض وفيها شئ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى الْأَرْضِ فَالْجُذَّةُ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لانها ظاهرة في الحال

_ (1) كذا بالاصل

لاتراد لِلْبَقَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ كالثمرة المؤبرة وفي دخول أصولها الكامتة فِي الْأَرْضِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْخِلَافُ الَّذِي في الاشجار هكذا ذكره العراقيون والصيد لانى وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ هُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ أَنَّ هَذِهِ كَامِنَةٌ فِي الْأَرْضِ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ فَإِنَّهَا بَادِيَةٌ ظَاهِرَةٌ مُفَارِقَةٌ لِلْأَرْضِ فِي صِفَتِهَا هَكَذَا حُكِيَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالشَّرْحِ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّ الشَّيْخَ أبا محمد قطع بانه كالدرع يَعْنِي فَلَا يَدْخُلُ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ إنَّ مُدَّةَ إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ قَدْ تُعْلَمُ فَلَا يَكُونُ مراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُمَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبِطَرِيقَةٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبِطِّيخِ وَمَا يُوجَدُ مرة بعد أخرى لكن في علم وَاحِدٍ أَنَّهُ كَالزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ قَالَ فَقَدْ يَحْصُلُ لِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (قُلْتُ) يَعْنِي ثَلَاثَ طُرُقٍ الْقَطْعُ بِالدُّخُولِ وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَكِنَّ شَرْطَ إثْبَاتِ هَذِهِ الطُّرُقِ أَنْ تَتَحَقَّقَ نِسْبَةُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فِي الْوَسِيطِ إلَى قَائِلٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَهْمُ نَاسِخٍ لِمُخَالَفَتِهَا مَا فِي الْبَسِيطِ وَالنِّهَايَةِ وَقَدْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ الْقِيَاسَ طَرِيقَةُ إجْرَاءِ الْقَوْلَيْنِ وَخَالَفَ مَا نَقَلَهُ عَنْ وَالِدِهِ قال اذلا يَلُوحُ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغِرَاسِ وَالْأَبْنِيَةِ وَقَوْلُ ابن الرفعة بأن مدت بَقَاءِ أُصُولِهَا قَدْ تُعْلَمُ إنْ سَلِمَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْجَارِ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ تَارَةً تَطُولُ مُدَّتُهُ وَتَارَةً تَقْصُرُ نَعَمْ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ أَنَّهُ يُثْبِتُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا عِنْدِي إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَنْ جَعَلَهَا كَالزَّرْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْأُصُولَ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْخَيْرَاتُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِهِ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْحَادِثَةُ وَالْكَلَامُ فِي وُجُوبِ تَبْقِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَشْجَارِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْأُصُولَ دَاخِلَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْسِهِ قَطْعَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي والقاضي حسين أن البائع يطالب في جذها الْحَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَبْلُغَ أو ان الْجُذَاذِ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَاطِ وَسَكَتُوا عَنْ وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي الْعَقْدِ بَلْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَنْتَظِرُ بِهِ تَنَاهِيَ جُذَاذِهِ (أَحَدُهُمَا) يُنْظَرُ فَإِذَا بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي جَرَتْ

الْعَادَةُ بِجُذَاذِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ انْتَهَى مِلْكُ الْبَائِعِ مَا بَعْدَ تِلْكَ الْجَذَّةِ بِكَمَالِهَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وَأُبِّرَ وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ بِهِ كَمَالَ جُذَاذِهِ بَلْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحاق المروزى ويؤمر بِجُذَاذِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ وَيَكُونُ الْأَصْلُ الْبَاقِي وَمَا يُسْتَخْلَفُ طُلُوعُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ تَابِعًا لِلْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا أَطْلَعَ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ مِنْ بَعْدِ الْعَقْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا أَطْلَعَ مِنْهَا وأبرو هذا الْبِنَاءُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي أَنْ يكون الصحيح على طريقة أبي حامد الاسفرايني وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَلْعَ لَا يَجِبُ عَقِيبَ الْعَقْدِ حَتَّى تَتَكَامَلَ تِلْكَ الْجَذَّةُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أن ما طلع بَعْدَ الْبَيْعِ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَلْزَمُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا أَنْ يَسْلَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا وَهُوَ نِهَايَةُ ذَلِكَ الْحَمْلِ الَّذِي أَطْلَعَ بَعْضُهُ وَأُبِّرَ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّلَاحُقِ فِيهِ بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَالْحَمْلِ الْوَاحِدِ وَقَدْ نَصَّ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ لَكِنْ فِي التَّبَعِيَّةِ فَقَالَ إنَّ لِلطَّلْعِ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلرَّطْبَةِ حَدٌّ هَذَا فَرْقُ الْأَصْحَابِ وَفَرَّقَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِفَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُشْتَرِي في قطع الثمرة والبائع مَنْفَعَةٌ فِي قَطْعِهَا وَالرَّطْبَةُ فِي قَطْعِهَا فَائِدَةٌ وللمشترى وَفِي تَرْكِهَا فَائِدَةٌ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يُلَاحِظُوا فِيهِ الْوَجْهَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بِهِ تَنَاهِي جُذَاذِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ أَصْلًا هُوَ بِتَعْلِيلِهِ مُصَادِمٌ لِقَوْلِ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَيْسَ للرطبة جد تُوجَدُ عَلَيْهِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الا ماكان ظَاهِرًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَأَمَّا كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ شَرْطُهُ فِي الْعَقْدِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا بمقتضى العقد فلا حاجة إلى شرطه فأنا انما يشترط الفطع فِي الثِّمَارِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ فِيهَا الْإِبْقَاءُ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مُطْلَقًا وَهُنَاكَ بَيْتٌ ظاهر فهو للبائع بالاطلاق الْعَقْدِ وَعَلَى الْبَائِعِ نَقْلُهُ فِي الْحَالِ وَهَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لابد من شرط القطع كما أنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا تَتَلَاحَقُ وَتَخْتَلِطُ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَبَيْنَ اخْتِلَاطِ ثَمَرَةِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِيمَا إذَا بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الثَّمَرَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ كُلُّ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا أَصْلُ الرَّطْبَةِ الْمَوْجُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ هُوَ كُلَّ الْمَقْصُودِ من

الْأَرْضِ وَلَا مُعْظَمَهُ وَسَأَجْمَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ جُمْلَةً فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ ثَمَرَةً يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَقَدْ انْتَظَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي العقد وهو ماقاله الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَلَا يُكَلَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَتَكَامَلَ الْجَذَّةُ فَتَكُونُ كُلُّهَا لِلْبَائِعِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ يُكَلَّفُ الْقَطْعَ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا نَقُولُ إنَّ شَرْطَ ذَلِكَ وَاجِبٌ في العقد وهو متقضى كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ فَإِنْ لَمْ يَجُذَّ الْبَائِعُ حَتَّى زَادَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) بَنَى الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ قَالَ فَمَنْ انْتَظَرَ بِهَا تَنَاهِي الْجُذَاذِ جَعَلَ مَا يَنْبُتُ مِنْ هَذَا الْبَذْرِ أَوَّلَ جَذَّةٍ لِلْبَائِعِ وَمَنْ لَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ التَّنَاهِي وَجَعَلَ حَقَّ الْبَائِعِ مَقْصُورًا عَلَى مَا ظَهَرَ جَعَلَ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ نَبَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَكَ أَنْ تَقُولَ الْمُوجِبُ لِانْتِظَارِ تَنَاهِي الْجُذَاذِ كَوْنُهُ مَلَكَ الظَّاهِرَ وَتَبَعِيَّةُ الْبَاطِنِ مِنْ تِلْكَ الْجَذَّةِ لِلظَّاهِرِ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ مِنْهَا فَيَنْبَنِي الْجَزْمُ بِأَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ لَكِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَعَ بُعْدِهِ وَغَرَابَتِهِ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشافعي في الام إذ قال وان الْبَائِعُ قَدْ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ لَهُ فِي الارض التي ابتاعها بذرا سماه لايدخل فِي بَيْعِهِ فَاشْتَرَى عَلَى ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ للمشترى وعليه أن يدعه حتى بصرم فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْبُتُ مِنْ الزَّرْعِ تَرَكَهُ حَتَّى تَصَرُّمِهِ ثُمَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَصْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَفَعَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ له أن يدعه يستخلف وهود لِمَنْ وَجَدَ ثَمَرَةً غَضَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ أُخْرَى حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيُعَجِّلُهَا وَلَا يَتَحَوَّلُ حَقُّهُ فِي غَيْرِهَا بِحَالٍ وَلِذَلِكَ إطْلَاقُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالْجَذَّةُ الْأُولَى لِلْبَائِعِ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ مَا إذَا كَانَ منها شئ ظَاهِرٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَظَنُّ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ على الخلاف الذى حكاه الماوردى فإذا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الذي حكاه المارودى وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَحْمِلَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ وَاسْتَثْنَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ الْأُصُولُ وَكُلُّ جَذَّةٍ تَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ صرح الشافعي بعدم ذلك وانه ليس إلَّا الْجَذَّةُ الْأُولَى فَإِنْ تَعَسَّفَ مُتَعَسِّفٌ وَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّ الْجَذَّةَ الْأُولَى لَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ

يحتمل أن يقال بالصحة كلو اسْتَثْنَى الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَسَادِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَيَّزُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرِ فانها مُتَمَيِّزَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَذْرَ وَجَمِيعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمُشْتَرَى وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا نتكرر ثَمَرَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا الْبُقُولُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ جَذِّهَا فَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ منها شئ ظَاهِرٌ يُقَالُ إنَّهُ لِلْبَائِعِ وَمَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْعُرُوقِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَالطُّرُقُ الْجَارِيَةُ فِيهِ وفي أصول البقول إذا كان منها شئ ظَاهِرٌ جَارِيَةٌ هُنَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْبَذْرِ وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا آنِفًا فَالْقِيَاسُ إجْرَاؤُهُمَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ ثم شئ ظَاهِرٌ يَسْتَتْبِعُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارُ خِلَافٍ يُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ كُلَّ مُدَّةٍ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقَصَبِ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي فَرَغْنَا مِنْهُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهَا جُذُوعُ خِلَافٍ عَلَيْهَا قَوَائِمُ فهى منزلة أَغْصَانِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَطْعِ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ الْبُقُولِ (أَمَّا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ (أَمَّا) عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ الرافعي عنه أنه لافرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْ بَلَغَ أو ان الْجَذِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَطْلَقَا ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الْوَجْهَ الثاني الذي ذكره الماوردي واستثنا مِنْ ذَلِكَ الْقَصَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ قَدْرًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ إلَى وَقْتِ قَطْعِهِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ زَمَانُ الشِّتَاءِ فَإِنَّهُ إنْ قُطِعَ قَبْلَ ذَلِكَ الوقت تلف ولا يصلح لشئ وَكَذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَالَا إنَّ الْبَائِعَ يُمَكَّنُ حَتَّى يَقْطَعَهُ إذَا جَاءَ وَقْتُهُ لِأَنَّ لَهُ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إشْكَالًا عَلَى الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عاما فيما ينتفع به ومالا يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهُ فِيمَا ينتفع به فلا وجه لاستثناء الغصب وحده بل كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعِيدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنَّمَا يَجُوزُ بيعها بشرط

الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) ذَاكَ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَرْطٌ فِي المبيع وَالْمَقْطُوعُ هُنَا غَيْرُ مَبِيعٍ (قُلْتُ) لَكِنَّهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ فَيَمْتَنِعُ شَرْطُهُ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يَجِبُ قَطْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَطْعِهِ وَفَوَاتُ مَالِيَّتِهِ مُقَابِلٌ لِمَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي اغْتِفَارِ ذَلِكَ بِإِزَائِهِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ (الثَّانِي) بِعَيْنِهِ لَازِمٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَالشَّيْخِ أبي حامد لكن الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِقَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَبِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ في كل مالا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُطِعَ بِخِلَافِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي حامد المتقدم جواب عن ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لِلْقَصَبِ وَقْتًا يُقْطَعُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهَهُ بِالزَّرْعِ الَّذِي يَجِبُ إبْقَاؤُهُ لِمَا قَدَّمَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْفَرْقِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُ وَقْتَ نِهَايَةٍ وَالرَّطْبَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ نِهَايَةٍ لَكِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لَهُ وَقْتٌ يُؤْخَذُ فِيهِ فِي الْعَادَةِ وَيَزِيدُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الزُّرُوعِ الَّتِي بَعْدَ وَقْتِ أَخْذِهَا لَا تَزِيدُ شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مِنْ الْبُقُولِ مَا يَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ وَهُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سنة واحدة يجئ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ فِي السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حُكْمُ هَذَا عِنْدِي حُكْمُ الزَّرْعِ كُلُّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ فَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يُثْمِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَكِنْ فِي عَامٍّ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ ذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّجَرِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَصْلُ وَمَا يَظْهَرُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الزَّرْعِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ أَصْلُهُ وَثَمَرُهُ لِأَنَّهُ زَرْعُ عَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ لِقَاطُ ثَمَرِهِ وَالشَّجَرُ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا وَأُلْحِقَ بِهِ مَا بَقِيَ أَعْوَامًا كَالْعَلَفِ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ مَا بَقِيَ عَامًا وَاحِدًا وَالرُّويَانِيُّ جَزَمَ الْقَوْلَ فِيمَا يُجَذُّ دَفْعَةً بَعْدَ أُخْرَى بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى مُدَّةً يَسِيرَةً كَالْهِنْدَبَا وَالْجِرْجِيرِ وَمَا يَبْقَى سِنِينَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (فَرْعٌ) ظَهَرَ لَكَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِيمَا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ وأصله يبقى سنين في الارض (الثاني) أَصْلٌ لَهُ ثَمَرَةٌ بَعْدَ ثَمَرَةٍ يَبْقَى عَامًا وَاحِدًا (الثَّالِثُ) أَصْلٌ

لَهُ ثَمَرَةٌ لَكِنَّهُ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَيَبْقَى أَصْلُهُ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ (الرَّابِعُ) أَصْلٌ يُجَذُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخِلَافِ يَأْتِي فِيهِ إذْ لافرق بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ مَرَاتِبُ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَالنُّعْنُعُ وَالْهُنْدَبَا وَالرَّطْبَةُ مِنْهُ مَا يَبْقَى سِنِينَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَمِنْهُ مَا يَبْقَى سَنَةً وَاحِدَةً كَقُرْطِ بِلَادِنَا وَكَثِيرٍ مِنْ بُقُولِهَا فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْمَوْزُ أَصْلُهُ لَا يَحْمِلُ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ فَرْخًا يَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا شَجَرُ مَوْزٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَرٌ يَكُونُ الثَّمَرُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ هَهُنَا فِي أن أصل الموزنفسه هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا يَدْخُلُ الشجر أولا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْأُصُولَ تُدْرَجُ عَلَى أَصَحِّ الطُّرُقِ كَالشَّجَرِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ اسْمَ الشَّجَرِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَوْجُودَ وَقْتَ العقد لايدخل فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ سَنَةٍ وَالْفَرْخُ الَّذِي يُسْتَخْلَفُ كَالشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ إنَّ الْفَرْخَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَلْ ذَلِكَ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ فُرِضَ فِي فَرْخٍ يَكُونُ حَاصِلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ يقال ينبغي على قوله أن لايدخل لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ كَالزَّرْعِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْقَصَبُ إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا مَوْزٌ قَدْ خَرَجَ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي تَحْتَ الْمَوْزِ وَذَلِكَ أَنَّ شَجَرَ الْمَوْزِ عِنْدَنَا يَحْمِلُ مَرَّةً وَيَنْبُتُ إلَى جَنْبِهَا أَرْبَعٌ فَيُقْطَعُ وَيَخْرُجُ فِي الَّذِي حَوْلَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ثَمَرَ الْمَوْزِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ حُكْمِ الشَّجَرَةِ نَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ

يَكُونَ مُرَادُهُ بِهِ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَا نَبَتَ مِنْ فِرَاخِهَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدِي هَذَا الِاحْتِمَالُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي لِقَوْلِهِ إنَّ مَا خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْفَرْخَ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَمَرَتَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لَهُ وهذا لاشك فِيهِ فِي أَنَّ الْفَرْخَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ شَجَرِ الْمَوْزِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لِأَنَّ الْفَرْخَ الَّذِي حكمنا بكونه للمشترى يثبت مِنْهُ (وَأَمَّا) الْفَرْخُ الْمَوْجُودُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَوْزِ قَبْلَ بَيْعِهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الثَّمَرَةَ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الشَّجَرَةَ نَفْسَهَا فَيَشْمَلُ الْأُمَّ وَفِرَاخَهَا وكلام الجوزي يَشْهَدُ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَعْرِضِ نَقْلِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا وَفِيهَا موز للبائع ما خرج من الموز وليس له مايخرج بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا مَا لَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ الَّتِي إلَى جَنْبِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا مَا تُخْرِجُ أَوْلَادُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الثَّمَرَةِ فان الحقنا ذلك بالرطبة اقتضى أن لايدخل شئ بما ظَهَرَ فِي الْبَيْعِ لَا الْأُمُّ وَلَا فِرَاخُهَا كَمَا ذَلِكَ مُقْتَضَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالشَّجَرِ اقْتَضَى دُخُولَهُمَا وَقَدْ يُقَالُ تَلْحَقُ الْأُمُّ بِالرَّطْبَةِ لِقُرْبِ قَطْعِهَا وَأَمَّا الْفَرْخُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بَقَاؤُهُ حَتَّى تُقْطَعَ الْأُمُّ وَيَكْبُرَ وَتَحْدُثَ ثَمَرَتُهُ بَعْدَ ذلك فكذلك يقول ان الفرخ يدخل لشبه بِالشَّجَرِ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودَ الْبَقَاءِ وَالْأُمُّ لَا تَدْخُلُ كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ فَنَظَرْتُ في هذه الاحتمالات الثلاث أيها أرجح فوجنت أَرْجَحَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْأُمُّ وَالْفِرَاخُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّ الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَالِ الْمَوْزِ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ مَعْرِفَةٌ يُخَالِفُ حَالَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ يَنْبُتُ إلَى جَانِبِهَا مِنْ أَصْلِهَا فِرَاخٌ فَإِذَا تَكَامَلَ حَمْلُ الشَّجَرَةِ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ عُرْجُونُ الْمَوْزِ مع شئ مِنْ رَأْسِ الشَّجَرَةِ وَيَبْقَى بَقِيَّتُهَا لِأَجْلِ تَرْبِيَةِ الْفَرْخِ وَإِنَّهُ مَتَى قُطِعَتْ كُلُّهَا يَمُوتُ الْفَرْخُ فَتُبْقَى لِأَجَلِهِ حَتَّى يَتَكَامَلَ الْفَرْخُ وَتَجِفَّ هِيَ وَتَتَسَاقَطَ بِنَفْسِهَا إلَى الْأَرْضِ فَيَخْلُفَهَا ذَلِكَ الْفَرْخُ ويطرح الموز وهكذا على الترتيب لابد من بقاء الام لتربية أولادها ولا يبقون من أولادها الا واحدا وَيُقْطَعُ الْبَاقِي لِئَلَّا يَضُرَّ بِأُمِّهِ وَيَشْرَبَ مَاءَهَا. فإذا علمت

أَنَّ شَجَرَةَ الْمَوْزِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا مِنْ أَصْلِهَا لِإِفْسَادِ فَرْخِهَا وَأَنَّ فَرْخَهَا لَا يُنْتِجُ بِدُونِهَا ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّطْبَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْطَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَوْزِ وَيُبْقِي الْجَذْرَ فِي الْأَرْضِ وحده لم ينبت بعد ذلك منه شئ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بعدم دخولها في البيع لذلك لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْأُمِّ وَدُخُولِ الْفَرْخِ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ قَطْعُ الام فيتلف الفرخ فلا بدمن إبْقَائِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْفَرْخِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ تَوَسُّعًا فِي الْعِبَارَةِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَرْخَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ سَنَةً بَلْ تَارَةً تَكُونُ إقَامَتُهُ شَهْرَيْنِ وَتَارَةً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالسَّنَةِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا كَمَا يُقَالُ سنة الزرع وان كان لايراد حود كَامِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَوْزَ نَوْعٌ غَرِيبٌ لَمْ يَشْمَلْهُ التَّقْسِيمُ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا ولا يحمل الامرة ويستمر جذره في الارض سنين ولايجذ كَالرَّطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ جَزَرٌ أَوْ سِلْقٌ أَوْ ثُومٌ أَوْ فجل أو بصل قال صاحب التهذيب لايدخل شئ مِنْهَا فِي بَيْعِ الْأَرْضِ يَعْنِي وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّقْسِيمِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ الزَّرْعُ الذي لا يحمل الامرة وَكَذَلِكَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَصَلَ وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا جَزَرٌ أَوْ فُجْلٌ بِجَزَرِهَا وَفُجْلِهَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) لَا يَجُوزُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ تَبَعًا. (فَرْعٌ) هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْبَيْعَ أَمَّا لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي مَا يَحْصُدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَلِلْمُشْتَرِي الْفُرُوعُ وَالْعُرُوقُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ حَيْثُ يَقُولُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لايدخل مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بِأَنَّ هَذِهِ لاتراد لِلدَّوَامِ وَهِيَ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ فَصَارَتْ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَالشَّجَرَةُ تُرَادُ لِلدَّوَامِ فَاسْتَوَى فَرْعُهَا وَأَصْلُهَا وَصَارَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا ما لا يحمل الامرة كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَالْكَتَّانَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ مَقِيسًا عَلَيْهِ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) (1) وَقَوْلُهُ نَمَاءٌ ظَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الطلع الذي لم يؤبر (وقوله) لايراد لِلْبَقَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِرَاسِ إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ في بيع الارض على ظاهر المذهب

_ (1) بياض بالاصل

وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) الثَّمَرَةُ قبل التأبير مستبقاة لكامل المنفعة لم تجنى وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ الزَّرْعُ مِثْلَهَا (قِيلَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ حَادِثَةٌ مِنْ خِلْقَةِ الْأَصْلِ الْمَبِيعِ وَالزَّرْعُ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْضَ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَعْدِنُ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الرِّكَازُ لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعٌ فِيهَا * وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ تَشْمَلُ الموز لانه نبات لا يحمل الامرة وَاحِدَةً لَكِنْ لَا قَائِلَ بِأَنَّ جَذْرَهُ الثَّابِتَ في الارض لايدخل بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقِسْمِ مالا يحمل الامرة ولس لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ الْمَوْزُ فَإِنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا مِنْهُ تَنْبُتُ الْفِرَاخُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي القسيم الْحَاضِرِ النَّبَاتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ ثابت في الارض أولا فَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَحْمِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْمَوْزِ أَوْ مَرَّاتٍ فَأَمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَالْبِطِّيخِ أَوْ فِي أَكْثَرَ كَالرَّطْبَةِ وَسَائِرِ مَا يجذ ويثمر مرات والذي لابقاء لاصله هو الزرع كالحنطة وَالشَّعِيرُ وَشِبْهُهُمَا أَوْ نَقُولُ النَّابِتُ إمَّا أَنْ يُثْمِرَ وَيُجَذَّ مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْأَوَّلُ إمَّا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَعْوَامٍ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَبْقَى أَصْلُهُ كَالْمَوْزِ أَوْ لا يبقى كالحنطة والشعير..قال المصنف رحمه الله. (وفي بيع الارض طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لانها في يد البائع إلى إلى ان يحصد الزرع فكان في بيعها قولان كالارض المستأجرة ومنهم من قال يصح بيع الارض قولا واحدا لان المبيع في يد المشترى وانما يدخل البئع للسقي أو الحصاد فجاز بيعه قولا واحدا كالامة المزوجة) . (الشَّرْحُ) الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأُولَى مَنْسُوبَةٌ إلَى أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَاسُوهَا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَعَلَى بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجَرِ حَائِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَاعَهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بِفَرْقَيْنِ آخَرَيْنِ لَا يتصحان لَمْ نَذْكُرْهُمَا وَرَدَّ الْجُمْهُورُ طَرِيقَةَ التَّخْرِيجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَى تِلْكَ الصُّورَةِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ مَجْهُولَةٌ أَلَا تَرَى أَنْ بَيْعَ الدَّارِ الَّتِي اسْتَحَقَّتْ الْمُعْتَدَّةُ سُكْنَاهَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مَعْلُومَةً كَالْأَشْهُرِ فِيهَا قَوْلَانِ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً كَالْحَمْلِ وَالْإِقْرَاءِ بَطَلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سُؤَالًا قَدْ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى هَذَا وهو أن لابي إسحق

أَنْ يَقُولَ مُدَّةُ الزَّرْعِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ يَقِينًا فَالْعُرْفُ الْغَالِبُ يَضْبِطُهَا فَإِنْ فُرِضَ مُخَالِفٌ فَنَادِرٌ وَزَمَنُهُ يَسِيرٌ مُغْتَفَرٌ وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ وَهَذَا السُّؤَالُ مُنْدَفِعٌ بِمَنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي الْأَقْرَاءِ وَالْحَمْلِ فانه لا يصح بيع الدار التي اسحتقت سُكْنَاهَا لِلْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَضْبِطُهَا فَلَمَّا لَمْ يُغْتَفَرْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَا يُغْتَفَرُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الزَّرْعِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ إلَى آخِرِهِ لَا يَحْسُنُ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هو في القطع بالفساد ولايجوز أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا لَقَطَعْنَا بِالْفَسَادِ فِي دَارِ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فمستند القطع بالفساد في دار المعتدة الاقراء وَالْحَمْلِ وَعَدَمِ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الجهالة (أما) قَوْلُهُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَكُونُ عَائِدَةً لِلْمُشْتَرِي فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ الْمُعْتَدِّ فِيهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَتْ كَانَتْ مَنَافِعُهَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ إذَا بَاعَهَا كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَهَا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ مُطَلِّقًا أَوْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِذَا مَاتَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَقِيَتْ مَنَافِعُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَشْهُرِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَلَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لَوْ نَزَّلْنَا اسْتِحْقَاقَ الْمُعْتَدَّةِ مَنْزِلَةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ فحينئذ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ هَلْ تَكُونُ مَنْفَعَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتَ) إلْحَاقُ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِإِمْكَانِ الِاشْتِغَالِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَوُجُوبُ ذَلِكَ فَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ وَإِلْحَاقُهَا بِالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَّجَهٍ لان الامة المزوجة يمكن تسليما الْآنَ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّ التَّخْلِيَةَ التَّامَّةَ مَعَ وُجُوبِ إبْقَاءِ الزَّرْعِ غير حاصلة فوجب اما القطع بالبطلان الحاقا بِدَارِ الْمُعْتَدَّةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِمَّا إجْرَاءُ الْخِلَافِ إلْحَاقًا بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ (قُلْتُ) شَرْطُ إلْحَاقِ مَسْأَلَةٍ بِأُخْرَى اشْتِرَاكُهُمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْفَارِقِ وَلَا يَكْفِي الِاشْتِرَاكُ فِيمَا لَيْسَ مَنَاطَ الْحُكْمِ فِي الاصل ولاشك أَنَّ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا مِنْ جِهَةِ عَدَمِ حُصُولِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي عَقِيبَ العقد ولما

اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ دَلَّ على أن ذلك غير مقتضى لِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَأَنْ مَأْخَذَ الْبُطْلَانِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الحائلتين بين المشترى وبينها وأما الارض المرزوعة وَالدَّارُ الْمَشْحُونَةُ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ فَثَلَاثَتُهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي انه لايد حَائِلَةٌ فَالْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ إذًا أُجْرِيَ فِيهِ لِعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَالْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ لَهَا شَبَهٌ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ تُشْبِهُ الدَّارَ الْمَشْحُونَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الِاشْتِغَالِ بِالتَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ فِي الدَّارِ دُونَ الْأَرْضِ وَتُشْبِهُ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ فِي أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ اسْتِيفَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ إزَالَتُهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ غَايَةٌ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا وَقِيَاسُهَا عَلَى الْأَمَةِ أَرْجَحُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ فِي مُدَّةِ التَّفْرِيغِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ تَفْرِيغُهَا فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَرْضِ المزوعة فان منفعتها غَيْرُ مُسْتَحَقَّتَيْنِ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَائِهِمَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا حَكَى فِي صِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا وَذَكَرُوا الطَّرِيقِينَ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ قال الامام ولاشك أن القياس يقتضى التسوية بينهما اذلا فَرْقَ وَيُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ الدَّارَ مَشْحُونَةٌ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ أَمَّا الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ جَزْمًا عِنْدَ الْجَهْلِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ تَسْلِيمَهَا يُمْكِنُ أَمْ لَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَيَكُونُ غَيْرَ ضَارٍّ بِالْأَرْضِ فَلَا خِيَارَ كَمَا سَيَأْتِي الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ وَأَنَّ الغاصب فِي الْعَادَةِ اشْتِمَالُ الدَّارِ عَلَى أَمْتِعَةٍ ثُمَّ إنَّهَا تُفَرَّغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّفْرِيعُ) بَائِعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَحْكُمُ بِصَيْرُورَتِهَا فِي يَدِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ كَالدَّارِ الْمَشْحُونَةِ بِالْأَمْتِعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ نَعَمْ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ فِي الرَّقَبَةِ وَهِيَ الْمَبِيعَةُ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَشْحُونَةُ فَالتَّسْلِيمُ فِيهَا مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوَ إلَى التَّخْلِيَةِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْرَدَ فيها وجهان أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ

وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَادَّعَى أَنَّ ظاهر المذهب ثبوت اليد فيهما وَحَكَاهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَيْضًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي البسيط وجهان ان اليد ثثبت فِي الدَّارِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الْأَرْضِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ نَقْلِهِ وَنَقْلِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّ التشاغل بالتفريغ ممكن فنزل الممكن الذي لاعسر فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ هُوَ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ يَعْنِي فِي الْبَيْعِ إلَّا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذَانِ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي تعليل الطريقة الاولى أنه فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي تَعْلِيلِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يَقُولُ الْفَقِيهُ هَذَانِ التَّعْلِيلَانِ مُتَصَادِمَانِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ زِيَادَةٌ كَمَا في هذه السورة فَإِنَّ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ مَا يُنَبِّهُ عَلَى دَفْعِ خَيَالِ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْعَيْنُ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَدُخُولُ الْبَائِعِ لِأَجْلِ السَّقْيِ وَالْحَصَادِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بالزرع خاصة لايمنع ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) من قال بصحة تسليمها مزروعة لاشك أَنَّهُ يَقُولُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِتَخْرِيجِهَا عَلَى الْعَيْنِ المستأجرة كما قال أبو إسحق وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْزِمَ بِالصِّحَّةِ وَيُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ عَلَيْهَا يَدٌ حَائِلَةٌ والارض المزورعة فِي يَدِ بَائِعِهَا لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الزَّرْعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ فَيُسَاوِي يَدَ الْإِجَارَةِ. (فَرْعٌ) لَوْ انْقَلَعَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِحَاجَةٍ أَوْ جَذَّهُ الْبَائِعُ قَبْلَ وَقْتِ حَصَادِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَرْضِ مَا بَقِيَ مُدَّةَ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يستحق من الارض ما كان صلاحا لِذَلِكَ الزَّرْعِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا لَوْ جُذَّ قَبْلَ حَصَادِهِ قَوِيَ أَصْلُهُ وَاسْتَخْلَفَ وَفَرَّخَ كَالدُّخْنِ

فَجَذَّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ كَانَ لَهُ اسْتِبْقَاءُ الْأَصْلِ الْبَاقِي إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مَا اسْتَخْلَفَ فرخ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَعَلَى الْبَائِعِ قَلْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَمْلِكُ أَصْلَ الْقَتِّ الَّذِي يُجَذُّ مَرَّةً لِأَنَّ الْقَتَّ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالزَّرْعَ فَرْعٌ زَائِلٌ وَاسْتِخْلَافُ بَعْضِهِ نَادِرٌ قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ. (فَرْعٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ كل زرع لايدخل في البيع لايدخل وان قال بعث الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ لِمَنْصُورٍ التَّمِيمِيِّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِمَزَارِعِهَا دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا لَمْ تَدْخُلْ الْمَزَارِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) فِي الْأَرْضِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهَا. (فَرْعٌ) عِنْدَنَا لَا يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بقطع الزرع الذي لَهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعِنْدَهُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ وَعِنْدَنَا هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ فَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْهُ وَأَوْجَبْنَا الْإِبْقَاءَ وعند وقت الحصاد يؤمر بالقطع والتفريغ ويحبر البائع عليه وعليه تسوية الارض وعليه قلع الْعُرُوقِ الَّتِي يَضُرُّ بَقَاؤُهَا بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ المبيعة أمتعة لايستع لَهَا بَابُ الدَّارِ يُنْقَضُ وَعَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ هكذا ذَكَرُوهُ وَجَزَمُوا بِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَسَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا (وَأَمَّا) ضَمَانُ النُّقْصَانِ فِي بَابِ الدَّارِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي مَوْضِعِ الْحِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ تَقْوِيمُ مَا نقص من قمية مَا انْهَدَمَ لَزِمَ الْبَائِعَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ حَلْقَةِ الْبَابِ وَقَالَ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالزَّرْعِ بِأَنْ كَانَ رَأَى الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَبِهَا زَرْعٌ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ عَيْبٌ يَمْنَعُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَرَّ فَلِلْبَائِعِ تَرْكُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى وَقْتِ حَصَادِهِ كَمَا نَقُولُهُ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فلو رضى البائع بتسليم الزرع فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَطْرَأْ مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ الْمُعْتَادِ وَلَوْ طَرَأَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَفِيهِ كَلَامٌ أَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ.

(فَرْعٌ) فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا فَلَا أُجْرَةَ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَجْهَانِ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُعْظَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ وَتَقَعُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مُسْتَثْنَاةً كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَقْمِشَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَخِلَافُهُ (والاظهر) عند الغزالي والجرجاني والوجوب وجعل الامام محل الخلاف فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّمَا تجب الاجرة إذا زرعها بقعد الْإِجَارَةِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هذا الخلاف هل محله إذا كتفينا بالتخيلة وجعلناها قبضا أراد الم نَكْتَفِ بِهَا أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ قَالَ ولاشبه أَنْ يُقَالَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهَا فَالْخِلَافُ مُتَوَجِّهٌ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ أَوْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا لَمْ تَجِبْ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ وَجَبَتْ وَلَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ ثَمَّ مُتَعَدٍّ وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ هَهُنَا لِأَنَّ بَابَ الضَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَوْلَا تَعْلِيلُ الْإِمَامِ يَعْنِي تَعْلِيلَهُ وَجْهَ عدم إيجاب الاجرة بقدرة المشترى عل الْفَسْخِ لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيلُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ الوجهان في الرجوع بالاجرة إنما هو قبل التخيلة أَوْ بَعْدَهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تَكْفِي وَيَكُونَانِ مبنبين عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ قُلْنَا كَالْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ وَلِلْخِلَافِ نَظَائِرُ فِي الْحِجَارَةِ (قُلْتُ) وَالْأَشْبَهَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقٌ فِيمَا إذَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَفِيمَا إذَا لَمْ نَكْتَفِ بِهَا وَمَأْخَذُهُ أَنَّ تَفْوِيتَ الْمَنَافِعِ هَلْ هُوَ كَالْعَيْبِ أَمْ لَا بَلْ الْمَنَافِعُ مُسْتَقِلَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَبِيعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْلِيلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَجْهَ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي ضَمِنَا مطلقا ولا أثر للاجازة فِي إسْقَاطِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أن نقول يكتفي بالتخلية أولا وَهَذَا يُوَافِقُ الْوَجْهُ الَّذِي يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ جعلنا تفويت المنافع بمنزلة التعبيب اكْتَفَتْ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ قُلْنَا) كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ ضَمِنَهَا مُطْلَقًا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَجَعَلْنَاهَا قَبْضًا أَوْ إذَا لَمْ نكتف به أَوْ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهَا فَكَذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يُوجِبُ

الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مُطْلَقًا وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِالتَّخْلِيَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الزَّرْعَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ حَاصِلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِالْإِجَارَةِ رَضِيَ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له أجرة كما ورضى بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ جَارٍ مُطْلَقًا إمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ فَلَيْسَ تَفْوِيتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَمَأْخَذُ عَدَمِ الْوُجُوبِ جَعْلَهَا عَيْبًا وَإِلْحَاقُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَأَمَّا) بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا فَمَأْخَذُ الْوُجُوبُ أَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ إلْحَاقُ الْبَائِعِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَمَأْخَذُ الْإِسْقَاطِ جَعْلُ تَعْيِيبِ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ هُنَا إذَا أَجَازَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ يَخْرُجُ عَلَى جِنَايَتِهِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الاصح في مسألتنا أنه لا يجب الاجرة لافي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا (قُلْتُ) أَمَّا الْغَزَالِيُّ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ تَصْحِيحُهُ هُنَا الْوُجُوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ (وَأَمَّا) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِجَارَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّهُ هُنَا إذَا رَضِيَ بِالزَّرْعِ يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فَالرِّضَا بِالزَّرْعِ رِضًا بِالْإِبْقَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ (وَأَمَّا) الْحِجَارَةُ فَإِنَّهُ إذَا رَضِيَ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهَا بَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَلْعِهَا لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ مُدَّةَ الْقَلْعِ أَيْضًا قَدْ رَضِيَ بِهَا كَمَا أَنْ مُدَّةَ قَلْعِ الزَّرْعِ عِنْدَ أَوَانِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ رِضَاهُ وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاجِبًا فكان ينبغي أن لا تحب لَهَا أُجْرَةٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَخَّرَ الْبَائِعُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا حَكَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ متميزة

عن المعقود عليه كذلك قاله الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كجناية الاجنبي أولا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ طَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ خَاصَّةً وَمَا ذَكَرُوهُ هَهُنَا يَقْتَضِي طَرِيقَةً أُخْرَى كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ وَالْكَلَامَ فِيهَا مَحَلُّهُ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ مِنْ جُزْءٍ أَوْ صِفَةٍ (أَمَّا) الْمَنَافِعُ فَلِلتَّرَدُّدِ فِي إلْحَاقِهَا بِجُزْءِ المبيع أو صفته مجال ظَاهِرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِي اسْتِعْمَالِ البائع المبيع طريقان (أحدهما) وجوب الاجرة (والثانية) تَخْرِيجُهَا عَلَى جِنَايَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهُوَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا تَجِبُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (أَمَّا) فِي حَالَةِ الْعِلْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَطْرَأْ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الزَّرْعِ عَنْ وَقْتِ حَصَادِهِ الْمُعْتَادِ فَإِنَّ التَّبْقِيَةَ إنَّمَا وَطَنَ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ (أَمَّا) إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَكُونُ إذَا أَجَازَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ الْخِلَافُ السَّالِفُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ فَلَا خِيَارَ فَلَوْ زَادَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَاطَلَاقُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي تَرْكَهُ إلَى الْحَصَادِ سَوَاءٌ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ أَمْ لَمْ يَتَأَخَّرْ ومراده بالحصاد أول أوقاته لاحقيقة الْحَصَادِ. (فَرْعٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا فَفِي وُجُوبُ الْبَقَاءِ بِهَذَا الشَّرْطِ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَوَجْهُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ ظَاهِرٌ (وَأَمَّا) وَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ (1) (فَرْعٌ) يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّ مَوْضِعَ مَنَابِتِ الزَّرْعِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ حَالَةَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ قِيلَ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنْ يَكُونَ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا أَدْرَكَ الزَّرْعَ فَعَلَيْهِ الْحَصْدُ وَالنَّقْلُ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدْرُسَ الزَّرْعَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَيُنَقِّيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا وَإِنْ كَانَ تَلْحَقُهُ بِالنَّقْلِ إلَى مَكَان مَشَقَّةٌ والله أعلم.

_ (1) بياض بالاصل

(فَرْعٌ) إذَا شُرِطَ دُخُولُ الزَّرْعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْحَصَادِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الزَّرْعِ شَرْطُ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَصَارَ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إذَا بِيعَتْ مَعَ مَحَلِّهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الثِّمَارِ وَفِيهَا بَحْثٌ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ فَإِنْ كَانَ مُشَاهَدَ الْحَبِّ كَالشَّعِيرِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فَفِي بَيْعِهِ مُفْرَدًا قَوْلَانِ فَإِنْ جَوَّزْنَا فَبَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْلَى وَإِنْ مَنَعْنَا فَفِي بَيْعِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَأَسَاسِ الْبُنْيَانِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَإِذَا بطل ففي بطلانه في الارض قولا واحدا لِلْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى أَرْضًا رَآهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرَهَا حِينَ الْبَيْعِ فَوَجَدَ فِيهَا زَرْعًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (تَنْبِيهٌ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا أَمَّا الْمَزْرُوعَةُ بِزَرْعٍ يُحْصَدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْبُقُولِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ قولا واحدا قاله صاحب التتمة وهو اظهر لِأَنَّهَا كَالشَّجَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفِ لَهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْقِسْمَيْنِ مُقْتَضٍ لِشُمُولِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَوْلُهُ حَتَّى يُحْصِدَ يُقَالُ أَحَصَدَ الزَّرْعُ أَيْ بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ فَهُوَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يُحْصِدَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَالَ إنَّهُ أَفْصَحُ وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّهُ إذا بلغ أو ان الْحَصَادِ جُذَّ (1) عَلَى حَصْدِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا والحكم ببقاء مللك الْبَائِعِ مُسْتَمِرٌّ إلَى وُجُودِ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ أَنْ يقال بضم الياء وفتح الصاد ويصح بفنح الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ حِينَ يَحْصُدَ الْبَائِعُ الزَّرْعَ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يُحْصِدَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ هُنَا أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الحصاد لان يده لاتزول بِذَلِكَ فَالْيَدُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْبَائِعِ إلَى إحْصَادِ الزَّرْعِ وَيَدُ الْبَائِعِ ثَابِتَةٌ إلَى الْحَصَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

_ (1) بياض بالاصل

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بَاعَ أرضا فيها بذر لم يدخل البذر في البيع لانه مودع في الارض فلم يدخل في بيعها كالركاز فان باع الارض مع البذر ففيه وجهان أحدهما أنه يصح تبعا للارض والثاني لا يصح وهو المذهب لانه لا يجوز بينه منفردا فلم يجز بيعه مع الارض) . (الشَّرْحُ) فَصَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَذْرِ مِثْلَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي النَّبَاتِ فَقَالُوا الْبَذْرُ الَّذِي لَا تفاوت لنباته ويوجد دفعة واحدة لايدخل في بيع الارض ويبقى إلى أو ان الحصاد وللمشترى الخياران كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَإِنْ أَجَازَ أَخَذَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ بِتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ لَا يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَإِنْ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لَهُ سَقَطَ خِيَارَهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفَرِّغُ الْأَرْضَ سَقَطَ خِيَارُهُ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْأَرْضَ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْبَذْرِ فلا خيار له وعليه ترك إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ نَبَاتُهُ كَنَوَى النَّخْلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَبَذْرِ الْكُرَّاثِ وَالرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ بَيْعِ الْأَرْضِ حُكْمُ الْأَشْجَارِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رحمه اللَّهُ وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْبَذْرَ الَّذِي يدوم حكمه حكم الشجر (فان قلنا) الشجر لايدخل صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَذْرِ الزَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَا خيار وان كان مصرا أَوْ يَمْضِي فِيهِ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تملك بعد بذلك بيحث يَكُونُ غَرْسُهَا نَقْصًا فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَذْرِ الَّذِي حَكَمْنَا بِدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَانَ تَأْكِيدًا وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ البذر الذي لايدخل وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أحدهما) يصح في تبعا كالحمل وَادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فَقَالَ لَوْ بَاعَ زَرْعًا مَعَ أَرْضٍ خَرَجَ أولم يَخْرُجْ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فِي الْبَذْرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مَعَ الْأَرْضِ كَالرِّكَازِ وَيُخَالِفُ الْحَمْلَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الام في المطلق وهولاء أَوَّلُوا نَصَّهُ فِي التَّفْلِيسِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خرج السنبل أولم يَخْرُجْ فَعَلَى هَذَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي البذر ففي بطلانه في الارض طريقان (احدهما) أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ

الصَّفْقَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي إيرَادُ الْمَاوَرْدِيُّ تَرْجِيحَهَا وَجَزَمَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يختر بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَرْجِيحَهَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَهِيَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ في أنه يختر بِالْقِسْطِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَجْهَلْ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجْرِي مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعِلَّةُ الْخِلَافِ هُنَا مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ أَبَا الْفُتُوحِ الْعِجْلِيَّ أَفَادَ أَنْ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ هَهُنَا وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ تَفْرِيعًا عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) عَلَى تَجْوِيزِ بَيْعِ الْغَائِبِ قَالَ فَلَا يَبْعُدُ الْحُكْمُ بصحة البيع (قلت) ولابد فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وَحْدَهُ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَكَذَا بَعْضُ مَنْ أَجَازَهُ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الْمُسْتَتِرَةِ وَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَنْعَ فيها مفرع عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَحَمَلَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْوَجِيزِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْفَتَاوَى فِي السُّؤَالِ التاسع والعشرين في بيع السلجم والجرز فِي الْأَرْضِ قَالَ إنَّهُ إنْ قَضَى بِبُطْلَانِ بيع الغائب فلا شك الْبُطْلَانِ وَإِنْ قَضَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ اتَّجَهَ ظَاهِرًا إبْطَالُ هَذَا لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ الا بتقليب الارض وهو تغير لعين المبيع فيضا هي بَيْعَ الْجِلْدِ قَبْلَ السَّلْخِ لِيُسَلَّمَ بِالسَّلْخِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَلَّلَ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ يُمْكِنُ رَدُّ الْمَبِيعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِصِفَتِهِ وَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ إطْلَاقَ المصنف مراده منه البذر الذي لانبات لِأَصْلِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الامام أَطْلَقَ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِمَّا يُصْرَمُ فَصَرَمَهُ الْبَائِعُ كَانَ للمشترى اصله ولم يكن للبائع قعله وَلَا قَطْعُهُ وَإِنْ عَجَّلَ الْبَائِعُ فَقَلَعَهُ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ لِيَسْتَخْلِفَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَحْثٌ فِي الْغِرَاسِ الَّذِي يَشْتَدُّ وَهُوَ يَعُودُ هَهُنَا فِي الْبَذْرِ الَّذِي وُضِعَ لِذَلِكَ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الدَّوَامُ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ بَاعَ الْبَذْرَ وحده جزم صاحب التتمة بالبطلان * قال المصنف رحمه الله. (إذا باع أصلا وعليه ثمرة للبائع لم يكلف قطع الثمرة إلى أوان الجذاذ فان كان مما يقطع بسرا كالبسر الحيسواني والقرشي لم يكلف قطعه إلى أن يصيرا بسرا وان كان مما لا يقطع الا رطبا لم

يكلف قعطه إلى أن يصير رطبا لان نقل المبيع على حسب العادة ولهذا إذا اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح وان اشتراه في المطر لم يكلف نقله حتى يسكن المطر والعادة في قطع الثمار ما ذكرناه فلا يكلف القطع قبله. (الشَّرْحُ) الْأَصْلُ الْمُرَادُ بِهِ الشَّجَرَةُ وَالْجِذَاذُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا حَكَاهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَأَوَانُ الْجِذَاذِ بِكَسْرِ الْجِيمِ زَمَانُ صَرْمِ النَّخِيلِ إذَا يَبِسَ ثَمَرُهَا وَالْجِذَاذُ الْقَطْعُ يُقَال الْجِذَاذُ وَالصِّرَامُ فِي النخل القطاف فِي الْكَرْمِ وَاللُّقَاطُ فِيمَا يَتَنَاثَرُ كَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَغَيْرِهِ فَيُلْتَقَطُ وَالْجِيسْوَانُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَاءٌ تَحْتَهَا نقطنان وَآخِرُهُ نُونٌ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ وَابْنُ التُّودِيِّ جِنْسٌ مِنْ الْبُسْرِ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقُرَشِ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ ابْنُ بَاطِيشٍ هُوَ الْأَحْمَرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بُسْرًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اشْتَرَى نَخْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ كُرْسُفًا وَعَلَيْهِ قُطْنٌ لِلْبَائِعِ أَوْ شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةٌ أَوْ وَرْدًا أَوْ رَدَّ لِلْبَائِعِ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرَةِ وَالْوِرْدِ وَالزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَالْحَصَادِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ تَبْقِيَتُهَا فَإِنْ كَانَ غَيْبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَسْوَدَّ وَتَدُورَ الْحَلَاوَةُ فِيهِ وَيُقْطَعُ فِي الْعَادَةِ (فَأَمَّا) إذَا عَقَدَ وَحَصَلَ فِيهِ قَلِيلُ حَلَاوَةٍ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ رُطَبًا فَعَلَيْهِ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَرْطُبَ وَيَتَكَامَلَ نُضْجُهُ ثُمَّ يُقْطَعَ وَإِنْ كَانَ بُسْرًا فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ بُسْرًا طُولِبَ بِقَطْعِهِ بُسْرًا بَعْدَ نُضْجِهِ وَاسْتِكْمَالِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ حَتَّى يَتَكَامَلَ ويستحكم لكون ذلك اصلح له فيأخذه شيا فشيا كَمَا إذَا بَاعَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ هِيَ أحرز لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي السَّقْيُ لِأَجْلِ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَالْبَائِعُ يَسْقِي وَحُكْمُ جَمِيعِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخِيلِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَالَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله في الكافي وكذلك الورد يعني بترك إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَوَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الْقَطْعُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّبْقِيَةُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي الْحَالِ. دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ فَاسْتَحَقَّهَا الشَّفِيعُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الزَّرْعِ وَنَقْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ أَوَانَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَادَةِ فِي نَقْلِهِ (فَإِنْ قِيلَ) يُنْتَقَضُ بِمَنْ جَذَّ ثَمَرَةً وَتَرَكَهَا فِي الْأَرْضِ تُشَمِّسُهَا ثُمَّ بَاعَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا قَبْلَ جَفَافِهَا وَإِنْ كَانَتْ العادة نقلها بعد جفافها (قلنا) لاعادة لذلك

فِي أَرْضٍ بِعَيْنِهَا بَلْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الزَّرْعِ لَا يَجِبُ نَقْلُهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ حَصَدَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَ نَقْلُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَبِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِنَّ إبْقَاءَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ انْتِفَاعٌ بِالنَّخْلِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا مَمْلُوءَةً طَعَامًا إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ نَقْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْآنَ كُلَّ حَمَّالٍ فِي الْبَلَدِ وَيَنْقُلَ الطَّعَامَ عَنْهَا وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ انْتِفَاعًا بِالنَّخْلِ وان يُشْبِهُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا وَقَعَ بِالشَّرْطِ أَمَّا مَا وَقَعَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عُرْفًا فَلَا بِدَلِيلِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءَ إذا بقيت الثمرة للبائع بالتأبير اما إذ صَارَتْ لَهُ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا شَرَطْنَا الْقَطْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ وَأَيَّدَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْطِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِهِ بِالشَّرْعِ وَهَذَا التَّأْيِيدُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا إنَّمَا اقْتَضَى بَقَاءَ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى الْبِنَاءَ الَّذِي فِيهَا كَانَ لَهُ إبْقَاؤُهُ بِالشَّرْعِ وَلَا نَقُولُ إنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ أُصُولٌ لَا تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَأُصُولِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لم يلزمه نقلها لانه لاضرر عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَعُرُوقِ الذُّرَةِ وَالْقُطْنِ لَزِمَهُ نَقْلُهَا مِنْ الْأَرْضِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا نَقَلَهَا فَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ بِنَقْلِهَا حُفَرٌ لَزِمَهُ تَسْوِيَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ فَنَقَلَهَا وَيُخَالِفُ مَنْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ دَارًا ثُمَّ كَبِرَ الْفَصِيلُ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الْبَابِ لَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْفَصِيلِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ حَبٌّ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِأَنْ يوسع الباب بنقض شئ مِنْ الْحَائِطِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ هَهُنَا وَقَدْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا قُمَاشٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِنَقْضِ الْبَابِ

وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ وُجُوبَ إعَادَةِ الْجِدَارِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُنَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ مِلْكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَاحْتِيجَ فِي تَخْلِيصِهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى من يتخلص ملكه مثل مسألة الزرع والحب والخابية والصدوق فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِ الْمِلْكِ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى حَبٍّ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَابِ أَوْ عَلَى عِجْلٍ صَغِيرٍ فَكَبِرَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَّا بِهَدْمِ الْبَابِ فَإِنَّ الْبَابَ يُهْدَمُ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ بِنَاؤُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا هَرَبَتْ دَابَّتُهُ فَدَخَلَتْ دَارَ رَجُلٍ ولا يمكن إخراجها إلا بنقض شئ من الدار يغرم النقص صاحب الدابة قاله الرُّويَانِيُّ وَإِذَا وَقَعَ دِينَارٌ فِي مَحْبَرَةٍ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ وَيَجِبُ ضَمَانُهَا عَلَى صَاحِبِ الدِّينَارِ نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. (فَرْعٌ) لَوْ أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَنْمُو فَهَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَبْقِيَتِهَا أَمْ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَى قَطْعِهَا. قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ شَيْئًا مِنْهُمَا وَقَالَ ابن الرافعة إنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ قَوْلُ الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ انْكَشَفَ الْحَالُ عَمَّا لَوْ قَارَنَ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ لِأَجْلِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّجَرَ بَعْدَ حُصُولِ الْآفَةِ بِالثِّمَارِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّبْقِيَةَ قَالَ لَكِنَّ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ على خلافه ولو انقطع الماء فلا شئ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا أُصِيبَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى. (فرع) لايمنع الْبَائِعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَائِطِ لِلسَّقْيِ فَإِنْ لم يأمنه المشترى يصنب الْحَاكِمُ أَمِينًا يَسْقِيهَا وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَكَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَصِيرُ مُسَلَّمَةً حَتَّى تُفَرَّغَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَالَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ لَا يَجْرِي تَفْرِيغُهَا حَتَّى تَبْلُغَ الشَّطَّ وَمُرَادُهُ بِهَذَا أَنَّ التَّسْلِيمَ يَكُونُ عَلَى الْعَادَةِ. (فَرْعٌ) وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ فِي مُدَّةِ إقَامَةِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ فِي تلك المدة فلا يستحق لما أُجْرَةً. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ النَّخْلَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى فِي بَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً بِشَرْطِ قَطْعِ الزَّرْعِ

تَرَدُّدًا فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجِبُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ طَرْدُ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَنْقِيصَ مَالِيَّتِهَا لَمْ يَبْعُدْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (فَإِنْ أَصَابَ النخل عطش وخاف أن تشرب الثمرة الماء من أصل النخل فيهلك ففيه قولان (أحدهما) لا يكلف البائع قطع الثمرة لان المشترى دخل في العقد على أن يترك الثمار إلى الجذاذ فلزمه تركه (والثاني) أنه يكلف قطعه لان المشترى إنما رضى بذلك إذا لم يضر به فإذا أضر به لم يلزمه تركه فان احتاج أحدهما إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أن يسقيه لان اصلاح لما له من غير اضرار باحد فجاز وان كان على الآخر ضرر في السقي وتشاحا ففيه وجهان. قال أبو إسحق يفسخ العقد لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر في الاضرار فوجب أن يفسخ. وقال أبو على بن أبي هريرة يجبر الممتنع منهما لانه حين دخل في العقد رضى بدخول الضرر عليه لانه يعلم أنه لابد من السقى ويجب أجرة السقى على من يسقى لان منفعته تحصل له) . (الشَّرْحُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ سَقْيِهَا فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ وَقَدْ لَا يَسْقِي الْبَائِعُ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي الضَّرَرُ وَقَدْ يَحْصُلُ الضَّرَرُ مِنْ السَّقْيِ أَيْضًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا عَطِشَتْ النخل وكان قد باعها وهى مؤبرة وبقينا الثِّمَارَ لِلْبَائِعِ فَعَطِشَتْ النَّخِيلُ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ يتمكن من سقيها وكان تركها عل الْأُصُولِ يَضُرُّ بِالْأُصُولِ وَلَا يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ فَإِنْ كان الضرر ويسيرا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وغيره ونص عليه الشافعي فرضى اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ يُخَافُ عَلَى الْأُصُولِ الْجَفَافُ أَوْ نُقْصَانُ حَمْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَحَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ نَقْلًا وَتَعْلِيلًا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَفِيهَا قَوْلَانِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِجْبَارِ وَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْآخَرَ فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ إلَى آخِرِهِ تَأَمُّلًا كَثِيرًا فَلَمْ أَفْهَمْ الثَّانِيَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ إمَّا لِوُضُوحِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ (وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْإِجْبَارِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ ضَرَرَ الْأُصُولِ أَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ

مَسْأَلَةَ السَّقْيِ وَقَسَّمَهَا تَقْسِيمًا حَسَنًا وَهِيَ أَنَّ السَّقْيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مُتَعَذِّرًا فَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فَإِمَّا لِإِعْوَازِ الْمَاءِ أَوْ لِفَسَادِ آلَتِهِ فَإِنْ كَانَ لِإِعْوَازِ الْمَاءِ سَقَطَ حُكْمُ السَّقْيِ ثُمَّ نَزَّلَ الثَّمَرَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا فَقَطْعُ الثَّمَرَةِ وَاجِبٌ وَلِصَاحِبِ النَّخْلِ إجْبَارُهُ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَضَرَّةٌ لِلنَّخْلِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لَهُ (الثاني) أَنْ لَا يَضُرَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَهُ تَرْكُ الثَّمَرَةِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَضُرَّ بِالثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْلِ الْمُثْمِرَةِ فَالْخِيَارُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَضُرَّ بِالنَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ فَقَوْلَانِ وَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِنْ كَانَ تَعَذُّرُ السَّقْيِ لِفَسَادِ الْآلَةِ أَوْ الْمَجَارِي أَوْ طَمِّ الْآبَارِ فَأَيُّهُمَا لَحِقَهُ بِتَأْخِيرِ السَّقْيِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُ إصْلَاحُ مَا يُوصِلُهُ إلَى الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِالنَّخْلِ وَجَبَ عَلَى مُشْتَرِي النَّخْلِ أَنْ يُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَخْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الثَّمَرَةِ عَلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالثَّمَرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ يَقْطَعُهَا وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِهِمَا جَمِيعًا لَزِمَ صَاحِبَ الثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَى قَطْعِ ثَمَرَتِهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ (وَأَمَّا) إنْ كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لَهُمَا (وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ ضَارًّا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ونذكر ذَلِكَ مُفَصَّلًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلى سقى ماله وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِيهَا صُورَتَانِ (احدهما) أن يكون المحتاج البائع (الثانية) أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَاجُ الْمُشْتَرِيَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ لَهُ نَفْعٌ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ ذَكَرَا مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَفْعٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ السَّقْيِ عَلَى السَّقْيِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُمَكِّنَهُ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا فِيهِ من صلاح ثمرته وان كان لنخل المتشرى فِيهِ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ السَّقْيِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلُ تَبَعٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ لَمْ يُجْبَرْ وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَرَدْتَ سَقْيَ نَخْلِكَ فَاسْقِهِ وَلَا نُجْبِرَك عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ واحد لا يختلف وانما يختلف التصوير فيجئ صُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثًا أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَائِعُ وَلَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ وَلَا يَنْتَفِعَ أَوْ يَنْتَفِعَا جَمِيعًا وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَطْلَقُوهَا أَمَّا إذَا كَانَ السَّقْيُ نَافِعًا لَهُمَا وَكَانَ تَرْكُهُ ضَارًّا بالمشترى

لِامْتِصَاصِ الثِّمَارِ رُطُوبَةَ الْأَشْجَارِ وَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي حَالِ إمْكَانِ السَّقْيِ بِأَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْقِيَ وَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ الثِّمَارَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا وَجَعَلَ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ قَطْعَ الثَّمَرَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَفَعُ بِالتَّبْقِيَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لَا يترك مجهودا يقدر عليه فإذا انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَحَقُّ التَّبْقِيَةِ قائم له وهذا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ يَجِبُ تَنْزِيلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرَانِ إلَى أَنَّ الْمُرَاعَى جَانِبُ الْبَائِعِ أَوْ جَانِبُ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لِاسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ يَعْنِي كَمَا يقوله أبو إسحق فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ ضَرَرٌ كما سيأتي قال ولابد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ مُوجَبُ اسْتِوَاءِ الْحَقَّيْنِ الْفَسْخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَهُ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ وَهَذَا مُرَادُ الرُّويَانِيِّ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَنْفَعُهُمَا فَأَيَّهُمَا طَلَبَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ الامتناع فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْ أُجْبِرَ عَلَى التمكين منه لاعلى أَنْ يَسْقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا احْتَاجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّقْيِ وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ ضرر وفيها صورتان (أحداهما) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالنَّخْلِ وَيَنْفَعُ الثَّمَرَةَ فاراد البائع السقى فوجهان قال أبو إسحق يقال للشمترى اسْمَحْ لِلْبَائِعِ بِالسَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِلَّا قُلْنَا لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ السَّقْيِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْقِيَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا ثَالِثًا بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ أُلْزِمَ تَسْلِيمَ الشَّجَرَةِ عَلَى كَمَالِهَا قَالَ وحقيقة الاوجه تؤول إلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْعَى جَانِبَ الْبَائِعِ وَأَبُو إسحق لَا يُقَدِّمُ أَحَدَ الْحَقَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَيَنْفَعُ الشجرة فاراد المشترى السقي قال أبو إسحق يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ فِي أَنْ يَسْقِيَ الْمُشْتَرِي فان سمح فذاك والا قلنا لِلْمُشْتَرِي اسْمَحْ فِي تَرْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَحَ فَذَاكَ وَإِنْ أَبَى فَسَخْنَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَوْجَبَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ بَيِّنًا لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى السَّقْيِ أَوْ تَرْكِهِ جَازَ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخُصُّ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ يَسْقِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مُرَادُهُ بِمَنْ يَسْقِي الْبَائِعُ

فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى مَنْ يَسْقِي كَلَامًا مُبْتَدَأً غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَيْثُ أَوْجَبْنَا السَّقْيَ فهو على من ينتفع له لاكمن بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَسْقِي وَالْمَنْفَعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا إذَا سَقَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَلَّذِي يَسْقِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الْمُطَالَبُ الَّذِي أَجْبَرْنَا الْمُمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ إجْبَارُهُ عَلَى تَمْكِينِ الْآخَرِ مِنْ السَّقْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّقْيِ تَحْصُلُ لَهُ تَعْلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ إنَّ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ مَنْعَهُ فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ فَسْخُ الْبَيْعِ فَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ قَالَ وَبِذَلِكَ يَكْمُلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ (وَرَابِعُهَا) الْأَمْرُ كذلك إلا أن المتولي الفسخ الْبَائِعُ إنْ أَرَادَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ جَمِيعًا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الضَّرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ فَهُوَ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النَّخْلِ (أَمَّا) النَّخْلُ فَيَنْفَعُهُ السَّقْيُ أَبَدًا فَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرَةِ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كُنْتُ أَسْتَحِقُّهُ لِسَقْيِ ثَمَرَتِي فَأَسْقِيَ بِهِ غَيْرَهَا مِنْ الثِّمَارِ أَوْ الزُّرُوعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهَكَذَا لَوْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ وَقْتِ جِذَاذِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى وَقْتِ الْجِذَاذِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ صَلَاحُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَقَدْ كَمَلَتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي فِي أَحْوَالِ السَّقْيِ سِتًّا شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَمْسًا وَتَرَكَ وَاحِدَةً وَمَسَائِلُ تَرْكِ السَّقْيِ سَبْعًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاحِدَةً وَتَرَكَ سِتًّا وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَلَّا قُلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّقْيُ عَلَى الْمُشْتَرِي (1) صَاحِبُ الشَّجَرَةِ كَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً منفردة على الاصل بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ كَامِلَةً وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ النَّخْلِ وَقَدْ سَلَّمَهَا وَلَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ بِخِلَافِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ نَقُولُ بِإِجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْ فِي حَالِ انْتِفَاعِ الثمرة بالسقى.

(فَرْعٌ) حَيْثُ جَعَلْنَا لِلْبَائِعِ السَّقْيَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الْقَدْرَ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ النَّخْلِ فَإِنَّهُ كَمَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ بِالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ يَحْصُلُ بِالرَّيِّ الْمُفْرِطِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ وَقَالَ الْبَائِعُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَيَّامٍ سَقْيَةٌ فَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ السَّقْيِ بَلْ تُسَلَّمُ الثَّمَرَةُ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَوْ سُقِيَتْ لَظَهَرَتْ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَالشَّجَرُ يَتَضَرَّرُ بِهَا قَالَ الْإِمَامُ فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُمْنَعُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الزِّيَادَاتِ لَا تَنْضَبِطُ فَالْمَرْعِيُّ الِاقْتِصَادُ وَيَجُوزُ أَنْ يقال له أَنْ يَسْقِيَ لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُرَاعِي جَانِبَهُ وَهَذَا بَيِّنٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ المتقدم عن أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ أَحَدَهُمَا فِعْلُهُ وَيَضُرُّ الْآخَرَ تَرْكُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَعَارَضْ ضَرَرَانِ وَإِنَّمَا ضَرَرٌ وَزِيَادَةُ نَفْعٍ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ اجْتِنَابِ الضَّرَرِ وَمَنْعُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالَ الْإِمَامِ مَتَى كَانَ السَّقْيُ يَضُرُّ بِوَاحِدٍ وَتَرْكُهُ يَمْنَعُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَذَلِكَ يَشْمَلُ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَعَكْسَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هَلْ يَلْحَقُ ذَلِكَ بِتَقَابُلِ الضَّرَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَجْهَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ على أحد الاحتمالين بأتي الخلاف السابق بين أبي اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ السَّقْيُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هَلْ مَحِلُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُطْلَقًا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَجَزَمَ فِي حَالَةِ الْإِمْكَانِ بِوُجُوبِ السَّقْيِ أَوْ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّهُ فِي حَالَةِ انْقِطَاعِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَامَكَانِ غَيْرِهِ وَرَأَى ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذَلِكَ تَنْزِيلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَةِ إمْكَانِ السَّقْيِ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَتَنْزِيلَ الْجَزْمِ بِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّقْيُ مُمْكِنًا بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ أَخَذَ صَاحِبُهُ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَهُ مُتَطَوِّعًا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إمْكَانِ السَّقْيِ الْقَطْعُ عَيْنًا وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِالسَّقْيِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السَّقْيُ بِحَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ تَعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَطْعِ لانه لامسقط له ولاجرم كَانَ هُوَ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ

فِيمَا إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ نَفْعٌ فِي تَرْكِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الْقَطْعُ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ. (فَرْعٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ السَّقْيُ بِالْمَاءِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْقِي مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ كَانَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ كَانَ مِنْ بِئْرٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَاءَهَا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمَّا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اُغْتُفِرَ بخلاف مالو شَرَطَ لِنَفْسِهِ انْتِفَاعًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ السَّقْيِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ وَشَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ شَرْطَهُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِنَفْسِهِ يُصَيِّرُهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وجوب السقى بالشرع ووجوب الْإِبْقَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَمِنْ كَوْنِ السَّقْيِ وَاجِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي يُسْتَفَادُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَجِبُ أُجْرَةُ السَّقْيِ عَلَى من يسقي ولم يقل وتجب مُؤْنَةُ السَّقْيِ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْقِي بِهَا الْأُجْرَةُ فِي نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الآلات التى يستقى بها المشترى وانما يلزم بالتمكين مِنْ الْمَاءِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) أَمَّا الْأَرْجَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ قَوْلَ الفسخ كما هو قول أبى اسحق وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا السَّقْيُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي تَخْلِيَةُ الْبَائِعِ وَمَا يَكْفِي مِنْ السَّقْيِ فَهَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُوَافِقٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَكْسِهَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَقُولُ بِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الوجيز. قال المصنف رحمه الله. (لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها وروى ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهى والسنبل والزرع حتى يبيض ويأمن العاهة وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ ولهذا لو اشترى بالليل متاعا لم يكلف نقله حتى يصبح والعادة في الثمار تركها

إلى أوان الجذاذ فإذا باعها قبل بدو الصلاح لم يأمن أن يصيبها عاهة فتتلف وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وان باعها بشرط القطع جاز لانه يأخذ قبل أن يتلف فيأمن الغرر وإن باع الثمرة مع الاصل والزرع مع الارض قبل بدو الصلاح جاز لان حكم الغرر يسقط مع الاصل كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مع الاصل وان باع الثمرة ممن يملك الاصل أو الزرع ممن يملك الارض ففيه وجهان أحدهما يصح لانه يحصل لمالك الاصل فجاز كما لو باعها مع الشجر والارض والثاني لا يصح لانه افرده بالبيع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع فاشبه إذا باعها من غير مالك الاصل) . (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْأَوَّلُ رَوَاهُ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ الثَّمَرَةُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) زَادَ مُسْلِمٌ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَتَى ذَلِكَ قَالَ طُلُوعُ الثُّرَيَّا وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ (وَمِنْهَا) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْنَا لانس مازهوها قَالَ تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ قَالَ أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ الله الثمرة بم يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ كَثُرَ الزَّهْوُ فِي الْحَدِيثِ يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ يَزْهُوَ وَالصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُزْهِي وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ اللُّغَتَيْنِ قَدْ جَاءَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ زَهَا النَّخْلُ إذَا طَالَ واكتهل وهذا القول مخلف لما جاء في الحديث من تقسير أَنَسٍ الْعَارِفِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ) وَالزَّهْوُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَذَكَرَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ يَضُمُّونَ الزَّايَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَلَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ بِالثَّمَرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ يَبْدُوَ أَيْ يَظْهَرَ يُقَالُ بَدَا يَبْدُو مِثْلَ دَعَا يَدْعُو فَأَمَّا بَدَأَ يَبْدَأُ بِالْهَمْزِ فَمِنْ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى يُشْقَحَ قِيلَ وَمَا يُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ ويؤكل منها) رواه البخاري

مسلم رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ يُشْقَحُ بِضَمِّ الْيَاءِ المثناة من تحت واسكان الشين المعجة وَبَعْدَ الْقَافِ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ يُقَالُ أَشْقَحَ وَشَقِحَ وَرُوِيَ يُشْقَهُ بِإِبْدَالِ الْحَاءِ هَاءً وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَالْإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُطْعَمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَطِيبَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بيع النخل يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ قَالَ فَقُلْتُ مَا يُوزَنُ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَبُّ الطَّعَامُ وَاشْتِدَادُهُ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَلْفَاظُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا مُتَّفِقَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَنَقَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ مَا سَمِعَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَفْظًا فِي وَقْتٍ وَنَقَلَهُ الرُّوَاةُ بِالْمَعْنَى وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَذَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إنَّهُ أَصَابَ الثمر الذمان أصابه مراص أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ (إمَّا لَا فَلَا تبايعوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ الذَّمَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ وتخفيف الميم عفن يصيب النخل فيسود فينشق أول ما يبدو فيها مِنْ عَفَنٍ وَسَوَادٍ وَالْمُرَاضُ بِضَمِّ الْمِيمِ دَاءٌ يقع في المثرة فَتَهْلِكُ وَالْقُشَامُ بِضَمِّ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ يُنْتَقَصَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ بَلَحًا (وَقَوْلُهُ) إمَّا لَا أَيْ إنْ لَمْ تَفْعَلُوا هَذَا فَلْيَكُنْ هَذَا وَأَصْلُهَا إنْ الشَّرْطِيَّةُ زِيدَتْ عليها ما وأدغمت فيها وأذخلت عَلَى لَا النَّافِيَةِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَدِيثَ زيد هذا يدل على أن النَّهْيَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا لَا وَلِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يدل على أنه ليس بمحتم وَالتَّمَسُّكُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاوِي كَالْمَشُورَةِ لَيْسَ بالقوى فان كل أوامره صلى االه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ لِمَصَالِحِهِمْ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَأَمَّا التمسك بقوله اما لا فلانه يقتضى أَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ الَّذِي نقدره محذوفا والذي نقدره محذوفا وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ

إن لا ترجعوا عَنْ الْخُصُومَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ رُجُوعَهُمْ عَنْ الْخُصُومَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا على ذلك فالمراد والله أعلم أنه أَنْشَأَ النَّهْيَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى إذْ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلتَّعْلِيلِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ حَتْمٌ قَوْلُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ القشيرى أكثر الامة على أن هذا النَّهْيَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ بأخذ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ والدراوردي وَخَالَفَهُمَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ فَجَعَلَاهُ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ وَإِتْقَانُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضَبْطُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكون أَنَسٌ قَالَهُ مِنْ كَلَامِهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى عَنْهُ كَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيَثْبُتُ كَوْنُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ شَارِحِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْفَرَدَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ بِرَفْعِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَعَ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ كَمَا رَأَيْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَيْعُ الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أقسام وهذ التَّقْسِيمُ أَحْسَنُ وَإِنْ شِئْتَ تَقُولُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تُبَاعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ بِالْقَطْعِ يَزُولُ الْمَحْذُورُ مِنْ الْآفَةِ وَالْعَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ في كتابه المحكى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مَنْعَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ جَوَازَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) كَذَلِكَ قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ

الَّتِي تُقْطَعُ لِآفَةٍ تَأَتِّي عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مَا يُتْرَكُ مُدَّةً تَكُونَ فِيهَا الْآفَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا هَذِهِ العلة فمنصوصة ولاشك أن استفادة التعليل منه هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى دَرَجَاتِ الْإِيمَاءِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَدِلَّةِ الْعِلَّةِ وَلَعَلَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ لَكِنْ فِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ (وَمِنْهَا) قَوْلُهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا يَعْنِي أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ تَأْمَنُ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْجَوَائِحِ غَالِبًا لِكِبَرِهَا وَغِلَظِ نَوَاهَا وَقَبْلَ الصَّلَاحِ تُسْرِعُ إلَيْهَا الْعَاهَاتُ لِضَعْفِهَا فَإِذَا تَلِفَتْ لم يبق شئ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ عُرِفَ أَنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْحِصْرِمُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَقِيلَ مَعْنًى آخَرُ ضَعِيفٌ نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ أَنَّهَا قَبْلَ بدو الصلاح (1) أجزائها كِبَرًا ظَاهِرًا مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَوْ سَمَحَ الْبَائِعُ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ عَلَى المشترى بترك الثمرة إلى بد والصلاح جاز لو طَالَبَهُ بِالْقَطْعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ كَكِبَرِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَتَعُودُ الثَّمَرَةُ إلَى الْبَائِعِ وَقَدْ يَقْوَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَنْتَفِي بِأَخْذِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ أَنْ يَتْلَفَ فَمَتَى لَمْ يُؤْخَذْ وَإِنْ كَانَ بِتَرَاضِيهِمَا فَالْغَرَرُ بَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَمْ يَصِحَّ وَطَرِيقُ الِانْفِصَالِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْمَحْذُورَ آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَأْمُونٌ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا التَّسْلِيمُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهَا وَحَصَلَتْ آفَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مَانِعَةً مِنْ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ التَّبْقِيَةَ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ المستحق بالعقد هو وقت الجذاذ فالآفة الحاصلة قَبْلَهُ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ المتقدمين ما يشبه قولنا يحيى ابن أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَانِيُّ التَّابِعِيُّ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مكانه فان عفل عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.

_ (1) بياض بالاصل

(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ كالحصرم واللوز والبلح والمشمش فاما مالا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْجَوْزِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْكُمَّثْرَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فَرَّعَ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. (فَرْعٌ) التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا هُوَ تَسْلِيمُ الثِّمَارِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى المشترى اولا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْقَطْعِ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَطْعِهَا هَلْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ للاحاديث وبه قال مالك وأحمد وإسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ البيع جائز صحيح ويؤخذ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ لِأَنَّ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ التَّسْلِيمَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَالتَّسْلِيمُ لايتم إلَّا بِالْقَطْعِ وَعِنْدَنَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ فَنَحْنُ نُخَالِفُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التبقية لابعد الصَّلَاحِ وَلَا قَبْلَهُ وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِمَا والاطلاق كشرط القذع وَنَحْنُ نَقُولُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِي الْحَالَيْنِ وبشرط التبقية يصح بعده ولا يصح وَالْإِطْلَاقُ كَشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَمْلَ الْعَقْدِ على الصحة اولى فينبغي ان تَنْزِيلُهُ عَلَى الْقَطْعِ لِيَصِحَّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا وَعَلَى مَا شُرِطَ قَطْعُهَا وَعَلَى رَهْنِهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا فلا يكون تنزيلا على شرط التبقية لا طلاقه وَلَا عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِلْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَصْمِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَأَيْضًا أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْبَيْعِ إطْلَاقُ الْعَقْدِ دُونَ تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ النَّهْيُ بِالْعُرْفِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُؤْخَذَ وَقْتَ الْجِذَاذِ فَصَارَ الْمُطْلَقُ كَالْمَشْرُوطِ التَّبْقِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ فِي الْعَقْدِ فِي كُلِّ شئ بِحَسَبِهِ وَلَيْسَ التَّسْلِيمُ بِالْقَطْعِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَقْدِ وَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ يُقَيِّدُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ الْقَيْدُ إمَّا فِي التَّصْحِيحِ وَإِمَّا فِي الْإِفْسَادِ

وَلَيْسَ ذَلِكَ سَعْيًا فِي التَّصْحِيحِ وَلَا فِي الْإِفْسَادِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَيْدِ (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّصَّ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ يُخَامِرُ الْعَاهَةَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَشْرُوطِ الْقَطْعُ مَرْدُودٌ بِتَقْدِيرِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الرَّهْنِ فَجَوَابُهُ أَنَّ لَنَا فِي رَهْنِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَوْلَيْنِ فان جوزنا فلان الرهن والهبة والوصية لاضرر في عقدها قبل بدو الصلاح لانه لاعوض فِي مُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إذَا تَلِفَتْ ضَاعَ الثَّمَنُ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ راوية زيد ابن ثَابِتٍ وَقَوْلِهِ إنَّ النَّهْيَ كَانَ كَالْمَشُورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ تَأْوِيلَ الرَّاوِي مَرْجُوعٌ إلَيْهِ إذَا احْتَمَلَ الْخَبَرُ أَمْرَيْنِ وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كتفسير التفرق في خيار المتبايعين وكقوله إلاها وَهَا تَفْسِيرُ عُمَرَ لَهُ (أَمَّا) فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ فَلَا (وَالثَّانِي) أَنَّ ظَاهِرَ راوية زَيْدٍ وَقَوْلِهِ إنَّهُ حَضَرَ تَقَاضِيَهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَلَا يُقَالُ وقت التقاضى بعد مدة إذَا كَانَ مَشْرُوطًا وَهَذَا الظَّاهِرُ مَشْرُوطٌ بِالْإِجْمَاعِ لانه متى شرط التبقية بطل ثم لاوجة لِتَمَسُّكِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ شَرْطَ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا يَمْنَعُونَهُ قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَحَمَلَ الْغَزَالِيُّ فِي التَّحْصِينِ الْمَشُورَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ وَنَجَاتِهَا مِنْ الْعَاهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالزَّهْوِ فَلَمَّا عَرَفَ الْعِلَّةَ بِالْمَشُورَةِ أَثْبَتَ حُكْمَ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ لِلسَّائِلِ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ) وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَالَةَ الِاحْتِيَاجِ قَالَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ الْمَالِ مَعَ تَوَقُّعِ الْهَلَاكِ على قُرْبٍ (قُلْتُ) وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يُرَجِّحُ تَأْوِيلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَمْوَالِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الْأَحْمَرَ مِنْ الْأَصْفَرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِأَنَّهَا الْمُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ فِي البلاد الشديدة الْبَرْدِ كَرْمٌ لَا تَنْتَهِي ثِمَارُهَا إلَى الْحَلَاوَةِ وَاعْتَادَ أَهْلُهَا قَطْعَ الْحِصْرِمِ فَفِي بَيْعِهَا وَجْهَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غير شرط القطع تنزيلا لعادتهم الْخَاصَّةِ مَنْزِلَةَ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ فَيَكُونُ الْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ وَامْتَنَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا تَوَاطُؤَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِمَثَابَةِ الْعَادَاتِ الْعَامَّةِ وَهَذَا الْخِلَافُ يجرى فيما

إذَا جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِانْتِفَاعِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْقَفَّالُ يَرَى اطِّرَادَ الْعَادَةِ فِيهِ كَشَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ إلْغَاءُ صَرِيحِ اللُّغَةِ الثَّابِتَةِ فَقَدْ لَا يُحْتَمَلُ وَمِنْ نَظَائِرِ ذلك ما إذا جَرَتْ عَادَةُ شَخْصٍ بِأَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا اسْتَقْرَضَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ إقْرَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَهَذِهِ مَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَأْخَذِ وَالْمُخَالِفُ فِي بَعْضِهَا لعله يخلف فِي الْبَاقِي وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ فِي نَقْلِ مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَسْأَلَةِ الرَّهْنِ على الْقَفَّالِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ مَسْأَلَةَ الْحِصْرِمِ عَنْ الْقَفَّالِ (فَإِمَّا) لِنِسْبَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَيْهِ (وَإِمَّا) لِنَقْلٍ خَاصٍّ عِنْدَهُ وَفِي الْوَسِيطِ نَسَبَهُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْقَفَّالِ ونسبه إلى ابْنُ أَبِي الدَّمِ إلَى الْخَلَلِ وَالتَّهَافُتِ (أَمَّا) الْخَلَلُ فَلِمَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) التَّهَافُتُ فَفِي قَوْلِهِ الْمَنْعُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ مَنْ أَبْطَلَ فِي مسألة الحصرم وخالف من صحيح فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ لِأَنَّ الْقَفَّالَ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَحْدَهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي إلى الحلاوة فقد يحتمل ذلك حالة كما له حَتَّى لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِقَطْعِ الْعِنَبِ الَّذِي يجئ مِنْهُ عِنَبٌ حِصْرِمٌ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِصْرِمِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّاقِلِينَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْعَادَةَ وَإِنَّمَا فَرَضْنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَادُ قَطْعُهُ حِصْرِمًا (أَمَّا) أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْحُكْمِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَمَنْعُ الْقَفَّالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَنْعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَمَنْعِ وُجُوبِ التَّبْقِيَةِ فِي الْحِصْرِمِ وَحَمْلِ الْحِصْرِمِ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ لِقَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إنَّ الْحِصْرِمَ أَوَّلُ الْعِنَبِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ مَعْنَاهُ أَوَّلُ الثَّمَرَةِ الَّتِي نِهَايَتُهَا عِنَبٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا أُمُورًا أَرْبَعَةً يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا (أَحَدُهَا) الْعُرْفُ (وَالثَّانِي) الْعَادَةُ وَيَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ وَالْعُرْفُ غَيْرُ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْفِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ مِنْ لَفْظٍ إلَى مَعْنًى مِنْ اللَّفْظِ كَمَا تَقُولُ الدَّابَّةُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْجَوْهَرُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ مَأْلُوفٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مُتَغَايِرَانِ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ وَقَدْ تُجْعَلُ الْعَادَةُ أَعَمُّ وَتُقْسَمُ إلَى عَادَةٍ قَوْلِيَّةٍ وَهِيَ مَا سَمَّيْنَاهُ بِالْعُرْفِ وَعَادَةٍ فِعْلِيَّةٍ وَهِيَ مُقَابِلُهُ وَقَدْ يُطْلَقُ الْعُرْفُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْأَمْرَانِ الْآخَرَانِ

(أَحَدُهُمَا) الْأَلْفَاظُ الَّتِي تُطْلَقُ فِي الْعُقُودِ وَفِي تَقْيِيدِ مُطْلَقِهَا وَتَفْسِيرِ مُجْمَلِهَا (وَالثَّانِي) مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُجْعَلُ كَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ وَهَذَانِ أَمْرَانِ مُغَايِرَانِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إلَى تَنْزِيلِ لَفْظٍ مُطْلَقٍ جَرَى فِي الْعَقْدِ عَلَى مَعْنًى كَحَمْلِ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمُتَعَارَفِ فِي الْبَلَدِ وَحَمْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى السَّلِيمِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دُونَ الْمَعِيبِ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى تقدير شرط مضموم إلَى الْعَقْدِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَاعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْعَامِّ لاشك فِيهِ فِي تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي دَابَّةً لَمْ يَشْتَرِ إلَّا ذَوَاتَ الْأَرْبَعِ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ أَلْفَيْنِ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ (وَأَمَّا) الْعَوَائِدُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ خَاصَّةً فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَإِنْ عَمَّتْ وَاطَّرَدَتْ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اعْتِمَادِهَا وَذَكَرُوا لَهَا أَمْثِلَةً (مِنْهَا) تَنْزِيلُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْعُقُودِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ وَهَذَا إنْ قَدَّمْتُهُ فِي قِسْمِ الْعُرْفِ فان هذه العادة أوجب اطاردها فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَلِكَ النَّقْدَ مِنْ اللَّفْظِ فَالرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْعَادَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّا لَا نُخْرِجُ الْمُتَكَارِسَ إلَى ذِكْرِ الْمَنَازِلِ وَتَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَهَذَا مِثَالٌ صَحِيحٌ وَهِيَ مِنْ قِسْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ مَضْمُومٍ إلَى الْعَقْدِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقُودِ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَالتَّسْلِيمِ وَالْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ كَبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْبَهِيمَةِ الْمُكْرَاةِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُطْوَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْإِكَافِ وَالثَّفْرُ وَاللِّجَامِ وَجَمِيعِ الادوات عند استئجار الدابة وضابطه لما غَلَبَ عَلَى وَجْهٍ يَسْبِقُ مُقْتَضَاهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى الْفَهْمِ سَبَقَ الْمَنْطُوقَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ التَّعَرُّضُ لَهُ مُسْتَقْصِيًا مُشْتَغِلًا بِمَا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَكَثِيرًا مَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ عُرْفًا لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَارَ فِي الْعُرْفِ لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ فَالْتَحَقَ بِالْعَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَكُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْحُكْمُ وَمُضْمَرُهُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَكُلُّ مَا يَتَعَارَضُ لِلظُّنُونِ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ يَعْنِي ما تتعارض الظنون في اطراده واما مالا يَطَّرِدُ جَزْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعَادَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُخَصِّصُ عاما ولا تفيد مُطْلَقًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْكَتَّانِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا الْقَمْحَ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا الْحَرِيرَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَنَاقِلٌ لِلَّفْظِ وَالْفِعْلُ لَا يُنْقَلُ وَلَا ينسخ

وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ فِي ذلك صحيح وَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرُ مُعَارِضٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ أَشَارَ الْإِمَامُ أَيْضًا إلَى تَخْرِيجِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْعِنَبِ حِصْرِمًا عَلَى خِلَافِ الاصحاب في أن الشئ النَّادِرَ إذَا اطَّرَدَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي بَعْضِ الْأَصْقَاعِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْعَامِّ فَيُعْفَى عَنْهُ وَقَطْفُ الْعِنَبِ حِصْرِمًا فِي غَايَةِ النُّدُورِ فَإِنْ فرط اطِّرَادُ عَادَةِ بُقْعَةٍ بِهِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ النُّدُورِ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صلاحها على شجرة مقلوعة * قال الروياني لانص فِيهِ (قَالَ) وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا مِنْ دُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَأْخُذُ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّجَرَةِ لَوْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَضْعَفْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا الْعَاهَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ لِأَجْلِهَا فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَجِبُ تَبْقِيَتُهَا عَلَى الشَّجَرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَلَّلَهُ بان العقد يحمل على العادة فِيهِ الْقَطْعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَشْجَارِ. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَقَطَعَ مِنْهَا شيئا قال الشافعي فيما نقله أحمد ابن بُشْرَى مِنْ نُصُوصِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ رده ولا أعلم له مِثْلًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيمَتُهُ (قُلْتُ) وَمِنْ هُنَا أُسْنِدَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ أَنَّ الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهُ يضمن بالقيمة واطلاق صاحب التنبيه يقتضيه فهذا النَّصِّ اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَلِلْبَائِعِ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَطْعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لايجاب إلَى ذَلِكَ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ بِمُجَرَّدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِهَا وَبَطَلَ الْبَيْعُ رَوَاهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَانْهَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ وَهُوَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَلْيَكُنْ الْبُطْلَانُ إنْ قِيلَ بِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ يَجِبُ قَطْعُهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ

وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الثِّمَارِ مَشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا في ذلك من تعيير عَيْنِ الْمَبِيعِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا بِيعَتْ الثِّمَارُ مَعَ الْأَشْجَارِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي الْأُمِّ أَيْضًا فِي بَابِ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الثَّمَرَةِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مَعَ الْحَائِطِ وَجَعَلْتُمْ لَهَا حصة من الثمن ولم يجيزوها عَلَى الِانْفِرَادِ (قِيلَ) بِمَا وَصَفْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالسُّنَّةِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لان أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَوَازَ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا ومسيل مأنها وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثمرة التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع ولو بيع شئ مِنْ هَذَا عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يُبَاعُ بِجُمْلَةِ جَوَارِحِهِ وَلَوْ أُفْرِدَ بَعْضُهَا لَمْ يَجُزْ فَوَافَقَ فِي هَذَا وَخَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ جَوَارِحِهِ مَعَ الْقَطْعِ أَيْضًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَعْنِي فِي الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ شَرْطًا لَقَالَ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ الْقَطْعَ وَفِيهِ مَعْنًى وَهُوَ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَصْلِ فَعُفِيَ عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَأَسَاسَاتِ الدَّارِ وَأُصُولِ الْجُذُوعِ وَطَيِّ الْآبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَلَ عَنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى الْحَمْلِ وَكَأَنَّهُ لَحَظَ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَبِيعِ حَقِيقَةً وَالثَّمَرَةُ وَالْحَمْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِجُزْءٍ حَقِيقِيٍّ فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ أَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا بِيعَتْ الْأُمُّ وَدَخَلَ الْحَمْلُ تَبَعًا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا إذَا صَرَّحَ بِدُخُولِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَسْأَلَتِنَا هُنَا فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الصِّحَّةُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ أَنَّ قَوْلَ الصِّحَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَمْلِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ

قِسْطٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهَا عَلَى الْأَسَاسِ فَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَأَسَاسِهَا لَكِنَّهُمْ أَجْرَوْا خِلَافًا فِي بَيْعِ الْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا فَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَطَرِيقَةٌ مُجْرِيَةٌ لِلْخِلَافِ فَهَلَّا جَرَى فِي الثَّمَرَةِ مِثْلُ هَاتَيْنِ الطَّرِيقِينَ (فَإِنْ قُلْتَ) مَأْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ وَحَمْلِهَا وَالْجُبَّةِ وَحَشْوِهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَشْوِ يَمْتَنِعُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَالثَّمَرَةُ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَكِنْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ هَذَا الشَّرْطِ عِنْدَمَا تُبَاعُ وَحْدَهَا إيجَابُهُ إذَا بِيعَتْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ في مسألة الحمل الجبة الْقَوْلُ بِهِ هُنَا (قُلْتُ) يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا بِجَوَازِ بَيْعِ الدَّارِ بِطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ التي لم يبد صلاحها تتبع في البيع فَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا يَصِحُّ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ فِيهَا مُطْلَقًا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ صَارَتْ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْبَيْعِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَقْصُودًا مَعَ غَيْرِهِ كَالْحَمْلِ وَكَيْفَمَا قَدَرَ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا (وَالْمَشْهُورُ) خِلَافُهُ فَكَيْفَ سَاغَ لِلْمُصَنَّفِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ. وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَشَدُّ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ بَيْعَ الْأُمِّ وَحَمْلَهَا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْمُصَنِّفُ فَلَعَلَّهُ يَرَى الصِّحَّةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ قَالَ إنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَالْجُبَّةِ وَقُطْنِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَشْوَ قُطْنٌ وَقَالَ إنَّ مَسْأَلَةَ الْحَمْلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا يَعْنِي إنْ قُلْنَا لَهُ قِسْطٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ وَيَتَّفِقُ وُجُودُهُ وَاسْتَشْهَدَ لِلصِّحَّةِ فِي بيع الشاة ولبها بِبَيْعِ الدَّارِ وَحُقُوقِهَا وَالْجَوْزِ وَلُبِّهِ وَالرُّمَّانِ وَحَبِّهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ يَجُوزُ تَخْرِيجُهُمَا أَعَنَى الْجَوْزَ وَلُبَّهُ وَالرُّمَّانَ وَحَبَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَبِالْجُمْلَةِ الرَّافِعِيُّ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْحَمْلِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مِمَّنْ يَرَى الصِّحَّةَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ يَعْضُدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ وَيُقَوِّي الْإِشْكَالَ عَلَى الْقِيَاس عَلَيْهِ وَقَدْ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ

لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ امْتِصَاصُهَا مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا بَاعَهَا مَعَهَا أَوْ نَقُولُ بِأَنَّهَا إذَا بَاعَهَا مَعَ الشجر حَصَلَ تَسْلِيمُهَا تَامًّا فَحَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَاهَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ بَيْعِهَا وَحْدَهَا مَعْقُودٌ فِي بَيْعِهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَتَعْلِيلُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الْمَأْخَذِ أَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا عَرَفْتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) ظَاهِرُ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَأَفْنِيَتِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَكَيْفَ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى أَمَاكِنَ لَمْ يَرَهَا الْعَاقِدُ (قُلْتُ) يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَالْأَسَاسِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ وَكَانَ جزأ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مَعَهُ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ وَالْأَسَاسِ وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّاهُ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهُ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَسِيلَ وَالطُّرُقَ خَارِجَةٌ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْحَمْلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ فِيهِ وَإِنْ صَحَّ في تبلك تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ وَلِهَذَا قال الشافعي في كتاب الصرف ولاخير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقابها هَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَهُ مَقْصُودًا بِأَنْ قَالَ بعنك النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ النَّخْلَةَ بِشَرْطِ أَنَّ ثَمَرَتَهَا لَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ صحيح لاشك فيه للحديث ما إذَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ النَّخْلَةَ وَثَمَرَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ المالكية لكن مذهب مالك أنه لاحصة لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ إذَا اشْتَرَاهَا مُشْتَرِي النَّخْلَةِ بَعْدَ شِرَاءِ النَّخْلَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا فِيهَا إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ فَقَطْ أَخْذًا بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِدْخَالِهَا بِالشَّرْطِ إلَّا إدْخَالُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمَتَى أَدْخَلَهَا فِي الْبَيْعِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ فَقَدْ صَارَتْ مَبِيعَةً مَعَ الشَّجَرِ نَعَمْ هل تقابل بقسط من الثمن أولا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ هُنَا بِأَنَّهَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ وَقَالَ فِي الْحَمْلِ هُنَا إنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يقابل أيضا.

(فَرْعٌ) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع لا خلاف في المذهب فيه أَعْلَمْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ وَسَبَقَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ بَطَلَ (قُلْتُ) يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ فَإِنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ يُعَيِّنُ مَا قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُهُ وَعَلَّلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ يَضُرُّ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ مُقْتَضَاهُ الْإِبْقَاءُ ثُمَّ استشكله بأن ما يحمل على مُطْلَقُ الْعَقْدِ مِنْ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَصِيرُ قَضِيَّةً لَازِمَةً كَالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ وَالنَّقْدِ الْغَالِبِ ثُمَّ لَوْ عَيَّنَ نَقْدًا لَا أَجَلًا صَحَّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ أَنْ لَا يَكْسُوَهُ إلَّا كَذَا أَنْ يَصِحَّ وَيُلْغَى الشَّرْطُ وَهَهُنَا الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَعًا إذْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ فِي التَّسْلِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يشمل مااذا بَدَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا وَكَانَتْ مَرْئِيَّةً وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كلامهم من الاصحاب أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِمَسِيلِهَا وَطُرُقِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّلْعِ فِي قِشْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا تَبَعًا كَمَا سَقَطَ شرط القطع ويحتمل أن لاكما لَوْ بَاعَهَا مَعَهَا بَعْدَ الصَّلَاحِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا مِنْ مَالِكِ الْأَشْجَارِ بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ أَصْلَهَا بِبَيْعٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَمَلَكَهَا وَبَقِيَتْ الْأُصُولُ لِلْوَرَثَةِ إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْجِيحِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ ثِمَارَ نَفْسِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شُرَطَ الْقَطْعُ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذكره المصنف بالفرق بانه إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مُتَوَقَّعَةً

مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَأَمَّا) إذَا بَاعَهَا مَعَ الشَّجَرَةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَلَفِ الثَّمَرَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْجُمْهُورِ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذا جمعها عقد واحد أن العقد إذا جمعها كَانَتْ الثَّمَرَةُ تَابِعَةً مُعْفًى عَنْ الْغَرَرِ فِيهَا كَالْأَسَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُفْرِدَتْ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مَعَ تَصْحِيحِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ إنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ المذهب وقال في أيجابه ان أَعْنِي أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ (1) هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي هَذَا الكلام أن الخلاف قولان لاوجهان. (فَرْعٌ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي تَعْلِيلِهِ (2) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إنْ عَلَّلَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِتَقْدِيرِ التَّلَفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ اقْتَضَى الْبُطْلَانَ هُنَا وَإِنْ عَلَّلَ بِأَنَّ توقع التلف قبل الجذاذ يمنع تحقق التَّسْلِيمِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّ الاصل في ملك المشترى فلا علقة لِغَيْرِهِ فِي الْمَبِيعِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ إنَّ سَبَبَ التَّصْحِيحِ فِي بَيْعِهِمَا مَعًا أَنَّ الْأَصْلَ الشَّجَرُ وَالثِّمَارُ فِيهَا وَإِنْ ذُكِرَتْ تَابِعَةً لَهَا فَلَا يَضُرُّ تَعَرُّضُ الْعَاهَةِ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ مُنْفَرِدَةً قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَخَيَّرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّسْلِيمَ لَا يحصل بذلك والالم يَصِحَّ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْجِيهِ وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إنَّ مَنْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا إذَا ابْتَاعَهَا وَوَفَّرَ الثمن لابد مِنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ وَفَارَقَ مَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّخْلِ شَمِلَهُمَا وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيِّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَقْيَسُ وَمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلْنَرْجِعْ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ شَمِلَ قِسْمَيْنِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ الْمُجْمَعُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ الَّذِي خَالَفَنَا فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فِي ذكر حججنا وحجج *

_ (1 و 2) بياض بالاصل

الْخَصْمِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَادَّعَى جَمَاعَةٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) لابد يأخذه قبل أن يتلف يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَرَاضَيَانِ عَلَى بَقَائِهِ وقد تقدم ان يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَنَا (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَمْ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْغَرَرِ يُسْقِطُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْغَرَرَ لَا يَنْتَفِي وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ شَرْعًا (وَقَوْلُهُ) كَالْغَرَرِ فِي الْحَمْلِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأَصْلِ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَحَمْلَهَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَصْلَ إلَى آخِرِهِ هُوَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي شَرَحْتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي الْقِسْمُ الْآخَرُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الثِّمَارِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَأَطْلَقَ ثُمَّ بَاعَ مِنْ مُشْتَرِيهَا النَّخْلَ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ بَيْعُهُ النَّخْلَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَلْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَأَبْدَى الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ مِمَّا إذَا زَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيلِ ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَبَيَّنُ بِالْمُسَاقَاةِ بَعْدَهَا صِحَّةُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى بُعْدٍ مِنْ اسْتِبْعَادِهِ لِهَذَا الْوَجْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَجْهِ صِحَّةٌ وَثُبُوتٌ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرْدِهِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ إذا تقدمت واستأجر عَنْهُ بَيْعَ الْأَشْجَارِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) الزُّرُوعُ فَقَدْ أَدْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ الثمار وأجراهما مجرى واحد وَالْأَقْسَامُ الَّتِي فِي الثِّمَارِ عَائِدَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الزُّرُوعِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُفْرَدَةً عَنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا بَطَلَ للحديث وهو قوله (وعن السنبل حيت يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ) وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ فِي الثِّمَارِ مُطْلَقًا أَنْ يُجَوِّزَهُ فِي الزُّرُوعِ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثِّمَارِ وَخَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَمَا خَالَفَا هُنَاكَ فَقَالَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَسُفْيَانُ وابن أبي ليلى أيضا على أنه لافرق في الزرع في السنبل والفصيل يمتنع بيع الفصيل مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظاهري فجوزوه تمسكا

بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ السُّنْبُلِ قَالَ ولم يأت في منع بيع الزرع مذ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ نَصٌّ أَصْلًا وَرُوِيَ عن أبي إسحق الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ فَقَالَ لَا بَأْسَ فَقُلْتُ إنَّهُ سُنْبُلٌ فَكَرِهَهُ قَالَ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ حُكْمَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مَعَ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّرْعِ الماوردى والرافعي وغيرهما. ولو باع الفت أَوْ الْقَصِيلَ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَرْعَى دَوَابَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا كَشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى اشْتِرَاطِ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ (أَمَّا) الْبَقْلُ إنْ بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ وَإِنْ بِيعَ دُونَ الْأُصُولِ يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ قَالَ ابن أبي الدم يريد به أنه لابد من شرط القطع قال الامام لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ يحيى في محيطه إنه لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْبَسِيطِ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي هَذَا بَلْ مَتَى أطلق نزل العقد على شرط القطع خوف مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ فِي الْوَسِيطِ يُشْعِرُ بِهِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذلك لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ أَنْ يَنْتَهِيَ فَيَجُوزُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وعليه ويحمل كَلَامُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا لا يجوز أن يباع لقرط الاجذة وَاحِدَةً عِنْد بُلُوغِ الْجِذَاذِ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهُ فِي جذاذ عِنْدَ ابْتِيَاعِهِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّهُ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ أَيَّامًا وَقَطْعُهُ مُمْكِنٌ فِي أَوَّلٍ مِنْهَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَدَعَ الْفَضْلَ الَّذِي لَهُ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ (قُلْتُ) وَهَذَا حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا سَيَأْتِي عَنْهُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ النَّوْعِ حَالَةَ إصْلَاحٍ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي اعْتَضَدَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ تَرْكَهُ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ يَكُونُ هَذَا نَوْعًا مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ التَّبْقِيَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَالْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَكُونُ هَذَا فِيمَا يُعْتَادُ جَذُّهُ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ صَلَاحًا فِيهِ (أَمَّا) الزَّرْعُ الَّذِي يُعْتَادُ إبْقَاؤُهُ فَمَتَى بَاعَهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَسَدَ سَوَاءٌ كَانَ بَقْلًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ سُنْبُلًا مَا لَمْ يَشْتَدَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

أيضا لا يجوز بيع القصيل الاعلى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ أَوْ لَا يستخلف ولا يزيد وهذا الص يُحْمَلُ عَلَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا ينافي ماقاله ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فيه هنا (وأما) الول الَّذِي يَكُونُ وَصَلَ إلَى حَالَةِ صَلَاحٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي بَيْعِ مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُبَاعَ الزَّرْعُ مَعَ الْأَرْضِ فَيَجُوزَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي الثِّمَارِ مَعَ الْأَشْجَارِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَبَقِيَّةُ لاصحاب وَالْمَبَاحِثُ الْمُتَقَدِّمَةُ هُنَاكَ عَائِدَةٌ هُنَا (تَنْبِيهٌ) إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ بَيْعِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ مَعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَتَسَنْبَلْ بَعْدُ أَوْ تَسَنْبَلَ وَلَمْ يَشْتَدَّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْحَبُّ الَّذِي فِي السُّنْبُلِ غَيْرِ الْمُشْتَدِّ مَرْئِيًّا كَالشَّعِيرِ أَوْ غَيْرَ مَرْئِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَإِنَّمَا فَصَلُوا بَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فان كانت التبعية تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ أَيْضًا (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) إذَا بَاعَ الزَّرْعَ وَحْدَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَهُوَ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالْجَوَازِ وَذَكَرَ هَهُنَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّرْعِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرُّويَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَمُقْتَضَى نَصِّهِ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْ الرَّهْنِ أَيْضًا يَدُلُّ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَصِرُونَ عَلَى حُكْمِ الثِّمَارِ وَكَأَنَّهُمْ مُكْتَفُونَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ حُكْمِ الزَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ شَرَطَ فِيهِ الْقَطْعَ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي. (فَرْعٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَرْضَ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ فَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ الْمَالِكُ فَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مُسْتَأْجَرِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ يُفْرَضُ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَبَاعَ الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا هَلْ يَكُونُ كَالْمَالِكِ أَوْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ بِأَنْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً مَثَلًا هَلْ يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمَالِكَ فِي هذا الوقت لايد لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الثَّمَرَةُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْبَابِ.

(فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ بالارض لانه يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ الْقَطْعِ قَالَهُ الْقَاضِي حسين وصاحب التتمة الخوارزمي وَهُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ بِالشَّجَرَةِ. (فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي المنع عن بيع الثمار قيل بُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُطْلَقٌ (وَمِنْهَا) مَا هُوَ وَارِدٌ فِي النَّخْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَأَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَطَابَ أَوَّلُهُ حَلَّ بيعه. (فرع) لافرق فِي الثِّمَارِ بَيْنَ مَا يُجَذُّ كَالْبَلَحِ وَالْبُسْرِ أَوْ يُقْطَفُ كَالْحِصْرِمِ وَالْعِنَبِ أَوْ يُجْمَعُ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَذَلِكَ التُّفَّاحُ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخُ والجوز واللوز والرانج كلها تجرى فِيهَا الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْآتِيَةُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ وَمُنْفَرِدَةً وَتَابِعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْفُجْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّلْجَمُ وَالْجَزَرُ وَالسَّلْقُ إذَا اشْتَرَى وَرَقَهُ فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ جَازَ أَوْ التَّبْقِيَةَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَى أَصْلَهُ الْمَغْرُوسَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ قُلْنَا بَيْعُ الْغَائِبِ بَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ الْعَقْدُ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَبَيْعَ الْمَجْهُولِ وَلَوْ بَاعَ الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَمَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُرَّاثِ وَقَالَ فِي الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ إذا كان الارض ويكن بعضه ظاهر مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالصُّبْرَةِ إذَا رَأَى ظَاهِرَهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْبُقُولَ الَّتِي تَتَزَايَدُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ كَمَالِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ في المولدات باع نصف ثمرة على رؤس النَّخْلِ قَبْلَ زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ نِصْفَ زَرْعِهِ بَقْلًا وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ آخِرَ مَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مُشَاعًا إلَّا بِقَطْعِ

الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ مااذا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ وَعَلَيْهَا سَقْفُ دَارٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهَدْمِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ قَطْعَ النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ بِتَقْدِيرِ دَوَامِ الْإِشَاعَةِ وَامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ (أَمَّا) إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ فِي حَالِ الرُّطُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ فَيُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْكُلِّ بِأَنْ يُقْسَمَ أولا فَلْيَكُنْ مَنْعُ الْقَوْلِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ لَا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ ابن الحداد قال القاضي أبو الطيب وهو الصَّحِيحُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَهِيَ الَّتِي رَجَّحَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ (وَالثَّانِي) تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بيع ومحل الطرق الثلاث على مانبه عَلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَمَّا) قبل بدو لاصلاح فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَفُتِيَا ابْنِ الْحَدَّادِ هُنَا وَمَنْ وَافَقَهُ صَحِيحَةٌ فِي غَيْرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ جَزْمًا وَفِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إمَّا جَزْمًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَّا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَمَّا الْأَصَحُّ عِنْدَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ تبع فيكون الاصح عنده على متقضي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ حَكَى اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا أَفْهَمَهُ نَقْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ آخِرِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ وَأَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَهُ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْلِيلِ وَأَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ الصَّحِيحُ مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَالتَّصْحِيحُ حِينَئِذٍ فِي التَّعْلِيلِ وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ بيع الْآجَالِ مِنْ الْأُمِّ إنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ القوم حائط فيه التمر لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فتقع الثمرة مجهوله لابخرص وَلَا تَبَعٍ وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَصْلَ وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا إنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ

غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَقْتَسِمَا الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَيُقَوِّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَذَا الْبَيْعِ لَا بِقُرْعَةٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلًا وَكَرْمًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يقسم احداهما بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفَاضُلِ الثمرة بالمثرة تُخَالِفُهَا رِبًا فِي يَدٍ بِيَدٍ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ فِي امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَأَوَّلُهُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا يَقْتَضِي جَوَازَ قَسْمِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ عَلَّلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ بِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ كَمَا رَأَيْتَ وَغَلَّطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ وَقَالَ لَيْسَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا قِسْمَتُهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ لَا يَصِحُّ فِيهَا لِأَنَّ نِصْفَهَا مُشَاعًا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالتَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ قَالَ فِي الصُّلْحِ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ بين الرجلين وصالح أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ أَخْضَرَ وَلَا يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ منه شيئا ومتقضى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ عِلَّةَ ابْنِ الْحَدَّادِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْقَائِلَ الْآخَرَ خَالَفَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَعَمَّمَ الْحُكْمَ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الثِّمَارِ صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ يَصِحُّ فِيهِ فَيَبِيعُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أو نصف الزرع بشرط القطع لم يُطَالِبُهُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْحَالِ فَيُقَاسِمُهُ ثُمَّ يَقْطَعُهُ (وَأَمَّا) إذَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فَبَاعَ نِصْفَهَا بِشَرْطِ قَطْعِ الْجَمِيعِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِ مَا لَمْ يَبِعْ وَالشَّرْطُ فِيهِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَبِيعِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ امْتِنَاعُ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا وَكَفَى بِهَذَا النَّصِّ الَّذِي فِي الصُّلْحِ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا غَيْرَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَمَا أَفْهَمُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ التَّمَسُّكُ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ والجزم بامتناع البيع ههنا وكيف ما قَدَرَ فَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا

أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ أَوْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا جَوَّزْنَا قِسْمَةَ الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا إفْرَازٌ وَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى ذَلِكَ هو الصحيح وفي ذهنك أن قسمته الْمُمَاثِلَاتِ إفْرَازٌ تَوَهَّمْتَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّرْعُ لَا يَجُوزُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَا تجوز قمسته خرصا جزما الثمار غَيْرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ يَجْرِي فِيهِمَا الْخَرْصُ وَفِي قِسْمَتِهِمَا خَرْصًا خِلَافٌ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّرْفِ الْجَوَازُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِي ذلك العجب مِنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ كَيْفَ صَرَّحَ هُنَا يبيع الزَّرْعِ عَلَى قِسْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ خَرْصًا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ خَرْصًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَنَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَرْصَ يَجْرِي فِي غَيْرِ الرطب والعنب فيجئ عَلَى مُقْتَضَاهُ خِلَافٌ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ خَرْصًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْأَصْحَابُ قَالُوا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ إنَّ بِيعَ بَعْضِ الثِّمَارِ مُشَاعًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ (قُلْتُ) صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّبْقِيَةَ تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَبْقِيَةَ الْبَاقِي إذَا لم تجز القمسة بِالْخَرْصِ وَلَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرُ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ نِصْفِ النَّخْلِ صَحَّ وَكَانَتْ الثِّمَارُ تَابِعَةٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مَعَ جَمِيعِ الشَّجَرَةِ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهُ فِي بَيْعِ كُلِّ الثَّمَرَةِ مَعَ كُلِّ الْأَصْلِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أو الارض لواحد والثمرة أو الرزع لِآخَرَ فَبَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ النَّخْلِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزَّرْعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وان الاصح الاشتراط فيجئ عيه أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الثِّمَارُ وَالْأَشْجَارُ أَوْ الزُّرُوعُ وَالْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ القطع على أالاصح فَأَشْعَرَ بِخِلَافٍ وَلَعَلَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَيْعِ نِصْفِ

الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ مَشَاعًا عَلَى قَوْلِنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ لِأَنَّ جُمْلَةَ الثِّمَارِ أَوْ الزَّرْعِ تَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي وَجُمْلَةَ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ تَصِيرُ لِلْآخَرِ وَعَلَى مُشْتَرِي الثَّمَرَةِ أَوْ الزَّرْعِ قَطْعُ الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ قَطْعَ النِّصْفِ الْمُشْتَرَى بِالشَّرْطِ وَالْتَزَمَ تَفْرِيغَ الْأَشْجَارِ وَالْأَرْضِ لِصَاحِبِهِ وَبَيْعُ الشَّجَرَةِ أَوْ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يُفَرِّغَهَا لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الزُّرُوعِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الثِّمَارِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ. وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ لِاثْنَيْنِ فَاشْتَرَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بِنِصْفِ الشَّجَرَةِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الْأَرْضِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّرْعِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ إذَا بَاعَ الْكُلَّ مِنْ صَاحِبِ الْأَصْلِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَأَمَّا إذَا بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ أَوْ نِصْفَ الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَهُمَا وَالْأَرْضُ لاحدهما فباع أحدهما نصيبه من الزرع البقل مِنْ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ لَا مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ وَالزَّرْعُ لِوَاحِدٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الْأَرْضِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَاعَ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ فَبَاعَ الزَّرْعَ بِالْأَرْضِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ أَرْضِهِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا بَاعَ الزَّرْعَ مِنْ مَالِكِ الارض بشرط القطع فالقعد صَحِيحٌ وَيُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ كُلَّ الزَّرْعِ مَبِيعٌ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْطُ الْقَطْعِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ وَلَا يُمْكِنُ إفْرَازُ النِّصْفِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِيهِ لان النصف لايعرف إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى جَمِيعَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الزَّرْعِ فِيهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَإِطْلَاقُ صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ مَشَاعًا يَشْمَلُهُ وَلَوْ بَاعَ جَمِيعَ الزَّرْعِ مَعَ نِصْفِ الْأَرْضِ قَالَ فِي التَّتِمَّة لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِيهِ وَالنِّصْفَ الَّذِي هُوَ مَبِيعٌ دُونَ

الارض لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْقَطْعِ فِي النِّصْفِ لَا يُمْكِنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ اسْتَثْنَى نِصْفَ الثمرة غير المؤبرة فقد فِي مَوْضِعِهِ. (فَرْعٌ) رَأَيْتُ فِي الْمُطَارَحَاتِ لِابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ نِصْفَ الزَّرْعِ مَشَاعًا مَعَ جَمِيعِ الْأَرْضِ جَازَ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَرْضِ أَوْ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ. (فَرْعٌ) فِي رَهْنِ الثَّمَرَةِ وَهِبَتِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ نَصِّهِ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثَّمَرَةِ جُزَافًا قَالَ أَحْمَدُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. (فَرْعٌ) الْبِطِّيخُ لَهُ أَحْوَالٌ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يبيعه مع الارض فيتسغني عَنْ شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَكُونَ الْأَرْضُ كَالشَّجَرَةِ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُفْرِدَ أُصُولَ الْبِطِّيخِ بِالْبَيْعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ يَجُوزُ وَلَا حَاجَةَ إلَى شرط القطع إذ لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ يَبْقَى لِلْبَائِعِ وَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى مَا إذَا أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَانَ بَعْضُ ثَمَرَتِهَا مُؤَبَّرَةً حِينَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا وَهَذِهِ بُطُونٌ وَإِنْ خِيفَ اخْتِلَاطُ الْحَمْلَيْنِ فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنْ شُرِطَ فَلَمْ يُتَّفَقْ حتى وقع الاختلاط فطريقان سنذكر هما فِي نَظِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ باع الاصول قبل خروج الحمل فلابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ الْقَلْعِ كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِذَا شَرَطَهُ ثُمَّ اتَّفَقَ بَقَاؤُهُ حَتَّى خَرَجَ الْحَمْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ الْمَقْصُودُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الصحة وقال الامام والغزالي والمتولي لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ مُتَعَرِّضٌ لِلْعَاهَةِ بِخِلَافِ الشَّجَرِ مَعَ الثَّمَرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَهْمِهِ لِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ أَبْدَى ذَلِكَ تَخْرِيجًا فَقَالَ قَضِيَّةُ مَا نَقَلْنَاهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَحْدَهَا إذَا لَمْ يَخَفْ الِاخْتِلَاطَ انه لا حاجة لشرط الفطع فَلْيُعْلَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ إمَّا أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ بِالْمَنْعِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) مُقْتَضَى

كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ يَلْزَمُهُ الْفَرْقُ بين بيع الاصول وحدها وبيع الْأُصُولِ وَحْدَهَا وَبَيْعِ الْأُصُولِ مَعَ الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنَعَ فِي الثَّانِي وكيف ما قُدِّرَ فَالصَّحِيحُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ من اطلاق الصحة في المواضعين وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي ذَلِكَ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّ يَبِيعَ الْبِطِّيخَ وَحْدَهُ دُونَ أُصُولِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ بَدَا الصَّلَاحُ فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ من شرط القطع فان شرط فلم يطقع فَفِي الِانْفِسَاخِ لِلْبَيْعِ قَوْلَانِ يَأْتِي نَظِيرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الِاخْتِلَاطَ إذَا حَصَلَ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَبْطُلُ فَيَصِحُّ هَهُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَوَقُّعِ التَّلَفِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَاكَ تَذْهَبُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهَا الْخَبَرُ وَلَا كَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ لَا يُخَافُ خُرُوجُ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُ كَالْبِطِّيخِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ بدا صلاحها جاز بيعها بشرط القطع لحديث ابن عمر رضى الله عنه ولانه إذا جاز بيعه بشرط القطع قبل بدو الصلاح فلان يجوز بعد بدو الصلاح أولى ويجوز بيعها مطلقا للخبر ولانه أمن من العاهة فجاز بيعتها مطلقا كسائر الاموال ويجوز بيعها بشرط التبقية إلى الجذاذ للخبر ولان اطلاق البيع يقتضي التبقية إلى أوان الجذاذ فإذا شرط التبقية فقد شرط ما يقتضيه الاطلاق فجاز) . (الشَّرْحُ) الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ

بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَسَّمَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَالتَّبْقِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ إلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَهَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُسْتَنَدُهُ أَمَّا مَفْهُومُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهَا عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَأَمَّا زَوَالُ الْحَالَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَرْجِعُ إلَى أَصْلِ حِلِّ الْبَيْعِ عِنْدَ مَنْ لَا يقول بالمفهوم وهذا لابد مِنْ الِاعْتِضَادِ بِهِ فَإِنَّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْمَفْهُومِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ بَحْثًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ المفهوم له عموم أولا قَالَ شَارِحُ الْبُرْهَانُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنْ اسْتَنَدَ الْمَفْهُومُ إلَى طَلَبِ فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ لَمْ يَعُمَّ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ عَمَّ وَعَزَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ اُتُّجِهَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْخَبَرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الِاعْتِضَادِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ إذَا شُرِطَ الْقَطْعُ يَجِبُ قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى التَّرْكِ جَازَ وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَهُنَا بطريق أولى قال الامام ولاشك ان هذه يَعْنِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطَّرِدٌ فِي ابْتِيَاعِ الشَّجَرَةِ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ الْمَغْرِسِ وَابْتِيَاعُ الْبِنَاءِ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقًا فَيَجُوزَ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ الله عنه

وَالْأَصْحَابُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُشْتَرِي تَرْكُهَا إلَى أَوَانِ الْجِذَاذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ وَإِطْلَاقُهُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ بِالْعُرْفِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يُوجِبُ تَبْقِيَتَهَا إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَكُنْ تُعَرَّضُ لِلْجَائِحَةِ والتلف وقال الحنيفة إنَّ هَذَا كَمَنْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ ولم يتعرض لدراهم ولا لدنانير وكانت قميته فِي الْعُرْفِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَاقِدَ لَا يَشْتَرِيهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ فِي الْعُرْفِ من أطلق الالف اتكالا على العرف يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِبْقَاءِ وَطَمِعَ فِي الْإِبْقَاءِ لَا يُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ وَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِتَرْكِهِ (الْحَالَةُ الثالة) أَنْ يَبِيعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَيَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ تَمَسُّكًا بِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُقْتَضَى هذا العقد الخاص التبقية وَعَنْ الثَّانِي بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلِلْبَائِعِ فِيهَا مَتَاعٌ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ وَتَمَسَّكَ الْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَمَفْهُومِ الاغية فيه وقد تقدم ما في ذلك لاسيما وَأَبُو حَنِيفَةَ يُنْكِرُ مَفْهُومَ الْغَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْكَرِينَ لِلْمَفْهُومِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْقِيَاسِ مَبْنِيٌّ عَلَى اقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا جَازَ بَيْعُهَا وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ الذي كان

قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَرْتَفِعُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوَاضِعِهَا فَالشَّعِيرُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ فِي سُنْبُلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَمَرَةٍ بَارِزَةٍ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى أَوْ زَرْعٍ بَارِزٍ حَبُّهُ فِي غَيْرِ كِمَامٍ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا بِقِشْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ فِي بَقَائِهِ فِيهَا كَالرُّمَّانِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ قِشْرَةٌ يَتَحَفَّظُ بِغَيْرِهَا كالقطن والسمسم والعدس أو قشرتان أو كَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ وَإِمَّا كَالْبَاقِلَّاءِ وَاللَّوْزِ وَالرُّطَبِ فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْبَاقِلَاءِ وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ شَرْحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى بِقَوْلِي إنَّ الْمَنْعَ الْأَوَّلَ ارْتَفَعَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ جَوَابٌ عَلَى تَمَسُّكِ الْخَصْمِ بالمفهوم ون قُلْنَا إنَّ لَهُ عُمُومًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ارْتِفَاعَ ذَلِكَ النَّهْيِ أَمَّا ارْتِفَاعُ النَّهْيِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا كَقَوْلِهِ (أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) فَهِيَ إذَا وَضَعَتْ يَرْتَفِعُ النَّهْيُ الَّذِي لاجل النسب يبقى النَّهْيُ لِأَجْلِ الْأَذَى حَتَّى تَغْتَسِلَ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْعُ الزَّرْعِ وَحْدَهُ إنْ كَانَ بَذْرًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَصِيلًا جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ بَارِزًا كَانَ كالشعير والجاروش وَالدُّخْنِ أَوْ مُتَسَنْبِلًا فِي كِمَامٍ فَقَوْلَا بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنْ بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ صَحَّ فِيهِمَا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبَّاتِ بَارِزًا فَكَذَلِكَ أَوْ مُسْتَتِرًا فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِيهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بَطَلَ هَهُنَا فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ صَحَّحْنَا فِيهِ مفردا وَلَكِنْ نُثْبِتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فَهَهُنَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ. (فَرْعٌ) قَصَبُ السُّكْرِ صَلَاحُهُ فِي بَقَائِهِ فِي قِشْرِهِ كَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ صَرَّحَ

الْمَاوَرْدِيُّ بِجِوَازِ بَيْعِهِ إذَا بَدَتْ فِيهِ الْحَلَاوَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْلَا جَوَازُ بَيْعِهِ فِي قِشْرِهِ لَمَا جَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ. (فَرْعٌ) الْكَتَّانُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ وَالشَّاشُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرَ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) الْبَقْلُ إذَا بِيعَ مَعَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يشترط القطع فان لَا يَتَعَرَّضُ لِعَاهَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَتِّ وَالْبُقُولِ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعِ سَوَاءٌ كان مما يجذ مرار أو لا يجذ الامرة وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُجَذُّ مِرَارًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأَصْلَ وَمَا لَمْ يُجَذَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا بَاعَ أَصْلَ الْكُرَّاثِ مَعَ الْكُرَّاثِ صَحَّ وَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعُرُوقَ بِدُونِ الْكُرَّاثِ لَمْ يَصِحَّ وَيَكُونُ بَيْعَ الْغَائِبِ وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الَّتِي فِيهَا الْكُرَّاثُ أَوْ الرَّطْبَةُ فَأُصُولُهَا تَدْخُلُ في العقد كالصول الاشجار وما ظهر لايدخل وَيُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِجَذِّهِ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْقَصَبُ الفارسي وما يتكرر قطعه حكمه حكم الكراث وَالْفَرْقُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ بَيْنَ الْبَقْلِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأُصُولِهِ إلَّا بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَبَيْنَ الْبِطِّيخِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ أُصُولِهِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْبِطِّيخِ هُوَ الَّذِي تَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ دُونَ مَا بَطَنَ مِنْ عُرُوقِهِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَ الظَّاهِرُ لَمْ يُخَلِّفْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْآفَةُ مُتَعَرِّضَةٌ لما

* ظَهَرَ مِنْ أُصُولِهِ كَتَعَرُّضِهَا لِنَفْسِ الْبِطِّيخِ وَلِهَذَا يؤثر فيها الحر والصقيع ونحوها كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبِطِّيخِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الحم وَلَا كَذَلِكَ مَا يُخَلِّفُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْآفَاتِ الَّتِي تُخْشَى عَلَى أُصُولِ الْبِطِّيخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ بِيعَ الْبَقْلُ دُونَ الْأُصُولِ قَالَ الْغَزَالِيُّ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ يَعْنِي لان العرف يقتضيه ولايحتاج إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيهِ الْإِبْقَاءُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَطْعُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ رَأَى التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ انْتَهَى جَازَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَعَ الْأُصُولِ وَالزَّرْعَ بَعْدَ أَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ مَعَ الْأَرْضِ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً أَوْ كَانَ الزَّرْعُ كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا وَالْقُطْنِ إذَا ظَهَرَ جَمِيعُهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مُشَاهَدٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ فِي قِشْرِهِ وَكَانَ الْحَبُّ غَيْرَ ظَاهِرٍ كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَمَا أَشْبَهَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بَيْعُهَا مُفْرَدًا جَازَ مَعَ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجُوزُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَجْهُولٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَرْضِ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تُفَرَّقُ أَوْ تُفَرَّقُ ولكن يجوز بالقسط بطل في الجميع (وَإِنْ قُلْنَا) يَجُوزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا التَّفْصِيلُ كُلُّهُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ.

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ فَأَشْبَهَ اشْتِرَاطَ تَرْكِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ (قُلْنَا) الشَّجَرَةُ لَا تؤجر ولا أجرة لها بخلاف الدار. قال المصنف رحمه الله تعالى . (وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا فان كان رطبا بان يحمر أو يصفر وإن كان عنبا أسود بان يتموه وإن كان أبيض بأن يرق ويحلو وان كان زرعا بان يشتد وان كان بطيخا بأن يبدو فيه النضج وان كان قثاء بأن يكبر بحيث يؤخذ ويؤكل والدليل عليه ماروى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى بسود وعن الثمرة حتى تزهي) (وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تطعم)) . (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَرِ النَّخْلِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْجَمِيعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْحَبِّ وَالْعِنَبِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطِيبَ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشْقَحَ فَقِيلَ وَمَا تُشْقَحُ قَالَ تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ (وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعَمَ) كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فإذا أردت عز وحديث جَابِرٍ الَّذِي فِي الْكِتَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ يَتَمَوَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي

عَصْرُونٍ يَدُورُ فِيهَا الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَصْفُو لَوْنُهَا وَقَوْلُهُ يَشْتَدُّ أَيْ يَصْلُبُ وَيَقْوَى وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ حَتَّى يُطْعِمَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَبَطَهُ ابْنُ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا وَهِيَ خَطَأٌ قَالَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَصِيرَ طُعْمًا وَقِيلَ تَبْلُغُ حِينَ تُطْعَمُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ) وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ لِأَنَّ وَقْتَ اشْتِدَادِهِ وَقْتُ مَبَادِي بَيَاضِهِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ أَنْ يُوجَدَ فِي الثَّمَرَةِ مَا يُؤْكَلُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ بِقُوَّةِ الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادِهَا وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مُحَقَّقٍ يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَكَانَ ابْنُ عمر نما أَطْلَقَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا لِأَنَّهُ أَوَانُ طِيبِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَبَايُنُ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ اخْتِلَافٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ يَرْجِعُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَةٍ فِي الثَّمَرَةِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ عَلَى اختلافه راجع إلى شئ وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طِيبُ الْأَكْلِ وَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ اعْتَبَرَ الِاشْتِدَادَ فِي الْحَبِّ وَالِاسْوِدَادَ فِي الْعِنَبِ وَالزَّهْوَ فِي الثَّمَرَةِ وَحَدِيثَ جَابِرٍ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطَّعْمِ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعِنَبَ وَغَيْرَهُ فَيَكُونُ اعْتِبَارَ الِاسْوِدَادِ وَشَبَهِهِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلطَّعْمِ لَا لِعَيْنِهِ فَلِذَلِكَ

قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى تَطِيبَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَصِحُّ ضَبْطُهُ بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا لِأَنَّ مِنْ الْبِلَادِ مَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرِ أَوْ يَتَقَدَّمُ بَلْ الْبَلَدُ الْوَاحِدُ قَدْ يَتَعَجَّلُ فِي عَامٍ لِاشْتِدَادِ الْحَرِّ وَدَوَامِهِ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ لِاشْتِدَادِ الْبَرْدِ وَدَوَامِهِ وَطُلُوعُ الثُّرَيَّا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّهَا تَطْلُعُ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ بشنس قالوا وكذلك اعتباره بالا كل لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ثِمَارَ النَّخْلِ تُؤْكَلُ طَلْعًا وبلحا والكرم يؤكل حصر ما وليس ذلك صلا حاله وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ صَلَاحِهَا وَإِذَا صَلُحَتْ لَانَتْ وَنَضِجَتْ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى اخْتِلَافِ بدو الصلاح في اجناس الثمار بقوله. وللحرير نُضْجٌ كَنُضْجِ الرُّطَبِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ فِيهِ حل بيع حريره. وَالْقِثَّاءُ تُؤْكَلُ صِغَارًا طَيِّبًا فَبُدُوِّ صَلَاحِهِ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ (وَاعْتَرَضَ) عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يعلمنا أنه يحب القصاء فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُعْلِمَنَا المحسوسات ولايجوز أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ ضَرُورَةً (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا طَعْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا يَكُونُ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقِثَّاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَصِغَرِهِ طَعْمُهُ كَطَعْمِهِ فِي حَالِ كِبَرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي ابْتِدَائِهَا حَامِضَةً أَوْ مُرَّةً ثم تصير حلو وأكثر الاصحاب ل يذكروا البدو الصَّلَاحِ ضَابِطًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ بَلْ جَعَلُوهُ مُخْتَلِفًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وجلمة الثِّمَارِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِاللَّوْنِ وَذَلِكَ فِي النَّخْلِ بالاحمرار والاصفرار وفي الكرم بالحمرة أالسواد أو الصفاء وَالْبَيَاضِ (وَأَمَّا) الْفَوَاكِهُ الْمُتَلَوِّنَةُ (فَمِنْهَا) مَا يَكُونُ صَلَاحُهُ بِالصُّفْرَةِ كَالْمِشْمِشِ (وَمِنْهَا)

مَا يَكُونُ بِالْبَيَاضِ كَالتُّفَّاحِ (قُلْت) وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَتَلَوَّنُ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ بِلَوْنٍ يُخَالِفُ اللَّوْنَ السَّابِقَ وَجَعَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَوْعًا مِنْ التُّفَّاحِ يَكُونُ أَخْضَرَ فِي حَالِ كَمَالِهِ كَمَا يَكُونُ فِي صِغَرِهِ قَالَ فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ بِطِيبِ طَعْمِهِ وَحَلَاوَتِهِ وَكَذَلِكَ جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالطَّعْمِ فَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحَلَاوَةِ كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُمُوضَةِ كَالرُّمَّانِ فَإِذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةُ فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا بدو صلاحه بالنضج كلنين والبطبخ فإذا لانت صلاحبته بَدَا صَلَاحُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ طيب أو الحلاوة العبارات الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي البطيخ الخيار والباذنجان حكمهما حم البطيخ الا في شئ واد وَهُوَ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِيهِمَا لَيْسَ أَنْ يكبر ويتناهي لانهما لا يؤكلان في تبلك الْحَالَةِ وَلَكِنْ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِذَا كَانَ فِي جُمْلَةِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةٌ قَدْ بَلَغَتْ الْحَدَّ فَهُوَ وَقْتُ إبَاحَةِ بَيْعِهِ (الرابع) ما بدا صَلَاحِهِ بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِذَا بَدَتْ قوته واشتد بدا صلاحه (الخامس) ما بدا صلاحه بالطول والامتلاء كالعلف والبقول القصب فَإِذَا تَنَاهَى طُولُهُ وَامْتِلَاؤُهُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يُجَذُّ عَلَيْهِ بَدَا صَلَاحُهُ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وسنذكر في آخر الكلام في عا عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقُرْطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْبُقُولِ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْبُقُولِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ تابع للصميمرى وقال ابن الرفعة متعذرا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ إنَّ

الْقَصَبَ إذَا انْتَهَى إلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يَبْقَى عُرْفًا بَلْ الْعُرْفُ قَطْعُهُ فَاكْتَفَى بِهِ كما اكتفى به في التبيقة فِي الثَّمَرَةِ لِعَدَمٍ (1) وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَقْتَضِي أَنَّ القطع واجب وانا يُتْرَكُ شَرْطُهُ اكْتِفَاءً بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى بَعْضُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاسْتَحَقَّ التَّبْقِيَةَ فِي الْبَاقِي إلَى أَوَانِ قَطْعِهِ (السَّادِسُ) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِالْعِظَمِ والكبر كالفثاء وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ (السَّابِعُ) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ فَإِذَا تَشَقَّقَ جَوْزُ الْقُطْنِ وَسَقَطَتْ الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا عَنْ جَوْزِ الْأَكْلِ بَدَا صَلَاحُهُ وَمَقْصُودُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تشقق بعضه جاز بيع المشقق مِنْهُ وَغَيْرِ الْمُشَقِّقِ إذَا نَظَمَهُمَا الْعَقْدُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّشَقُّقِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِانْتِشَارِهِ وَإِنَّمَا سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ (الثاني) مَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ بِانْفِتَاحِهِ وَانْتِشَارِهِ كَالْوَرْدِ وَالنَّيْلُوفَرِ فإذا تفتح المنضم منه واتشر فَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَوَرَقُ التُّوتِ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَصِيرَ كَأَرْجُلِ الْبَطِّ هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَنْ تَنْتَهِيَ الثَّمَرَةُ أَوْ بَعْضُهَا إلَى أَدْنَى أَحْوَالِ كما لها هَكَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا مَا فِي ضِمْنِهِ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا نَقَلَهُ فِي وَرَقِ التُّوتِ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ بَيْعَ أَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ قَبْلَ تَنَاهِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلِذَلِكَ رَأَى الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضْبِطَ حَالَةَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِصَيْرُورَتِهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ غَالِبًا لِكَوْنِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلضَّابِطِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَسْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْكَمَالَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرِّبَا لَيْسَ مُرَادًا هَهُنَا وَاعْتِبَارُ الْمَاوَرْدِيُّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ أحسن

_ (1) بياض بالاصل

مِنْ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ المقصودة منه قالبا نِهَايَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ وَسَطَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا أَوَّلُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ لِيَصِيرَ الضابط أو وضح مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِهَا فَإِنَّ اللَّفْظَ مُنَزَّلٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَامِعِهِ قَدْ قِيلَ وَرَقُ التُّوتِ يُبَاعُ إذَا خَرَجَ مِنْ كِمَامِهِ وَبِهِ يَبْدُو صَلَاحُهُ ثُمَّ نَقَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهَا غَيْرُ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَرَقِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِاعْتِبَارِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْحِنَّاءِ وَالْكُرْسُفِ وَالْقَصَبِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ابْتِدَاءُ أَكْلِهِ الْمُعْتَادِ (فَإِنْ قِيلَ) الْبُسْرُ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُؤْكَلَ فِي أَوَّلِ احْمِرَارِهِ أَوْ اصْفِرَارِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى تَنَاهِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ أَنْ يَحْمَرَّ وَيَصْفَرَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَيْنَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَيْنَ الْإِدْرَاكِ وَأَوَانِ الْقِطَافِ قَرِيبٌ مِنْ شَهْرَيْنِ يَعْنِي فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الطِّيبِ (فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِثَّاءِ وَالثِّمَارِ وَأَجَابَ بِأَنْ لافرق فَإِنَّ الزَّهْوَ إذَا ابْتَدَأَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ وَقَدْ يَعْقُبُ تَأَخُّرَ الْمَطْعَمِ إلَى تَمَامِ الْإِدْرَاكِ كَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْقِثَّاءِ فَإِنَّ الصِّغَارَ مِنْهُ تُبْتَدَرُ وَلَكِنَّ عُمُومَ الْأَكْلِ يَتَأَخَّرُ وَاَلَّذِي يَتَنَاهَى صِغَرُهُ لَا يُؤْكَلُ قَصْدًا إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى شُذُوذٍ فَرَجَعَ الْحَاصِلُ إلَى طِيبِ الْأَكْلِ وَابْتِدَاءِ الِاعْتِيَادِ فِيهِ فَعَلَامَةُ ذَلِكَ فِي الْمُتَلَوِّنَاتِ التَّلَوُّنُ إلَى جِهَةِ الْإِدْرَاكِ وَفِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ الْقُوَّةُ وَجَرَيَانُ الْحَلَاوَةِ فَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَالْقِثَّاءِ فِي حَالِ تَنَاهِي صِغَرِهِ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ والذي

يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ بَدَا صَلَاحُهُ وَلِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ مَرَاتِبُ ابْتِدَاءٌ وَوَسَطٌ وَانْتِهَاءٌ وَالْمُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُسْرِ بِالِاحْمِرَارِ دُونَ الْقِثَّاءِ في صغره وداخال الْمُصَنِّفِ الزَّرْعَ فِي أَصْنَافِ الثَّمَرِ يَشْهَدُ لَهُ قوله اللَّهِ تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حقه يوم حصاده) وكل ما ذكره الْمُصَنِّفُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَاَلَّذِي حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ صَلَاحَ الْعِنَبِ الْأَسْوَدِ بِاسْوِدَادِهِ وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْكَرْمِ بِالتَّمَوُّهِ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقِثَّاءِ حَيْثُ يُؤْخَذُ وَيُؤْكَلُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ إمْكَانَ الْأَكْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ للا كل فِي الْعَادَةِ وَفِي مَعْنَى الْقِثَّاءِ الْخِيَارُ وَالْبَاذِنْجَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَفِي الرُّمَّانِ بِالْحُمُوضَةِ أَوْ الْحَلَاوَةِ وَزَوَالِ الْمَرَارَةِ وَفِي الْوَرْدِ الِانْفِتَاحُ وَالِانْتِشَارُ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ أَوْرَاقَ الْفِرْصَادِ مَعَ الْأَغْصَانِ فَإِنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ جَازَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً فذاك والا بان يترك على الشحر سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيُعَلِّمْ عَلَيْهِ عَلَامَةً وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ الْأَوْرَاقَ وَحْدَهَا قَبْلَ نِهَايَتِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ لَا تُقْطَعُ الْأَغْصَانُ مَعَهَا قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذا بدا صلاح ما خرج ما الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ وَوَجَبَ إفْرَادُ الْعَقْدِ بِالْمَوْجُودِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِمَا خُلِقَ لِأَنَّ

الْحَادِثَ يَخْتَلِطُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ تَبَعًا وَهِيَ دَعْوَى مَمْنُوعَةٌ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَطَرِيقُ تَحْصِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرَتِهِ وَبِدُونِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَلَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِالْقَطْعِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولا يجوز ان يستثني من الثَّمَرَةَ مُدًّا وَقَسَمَ الْأَصْحَابُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْبَيْعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَعْلُومًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مشاع ومحرز فالمحرز بعنك ثَمَرَةَ هَذِهِ الْحَائِطِ إلَّا ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخَلَاتِ الْعَشْرِ بِعَيْنِهَا فَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمَشَاعُ بِعْتُكَ ثمرة هذه الحائط الاربعها صَحِيحٌ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمَبِيعُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا مَشَاعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى شَرْطِ الشَّرِكَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا والمبيع بعده مجهولا وهو ضربان مشاع ومخدود فالمشاع كقوله بعنك هذا الثمرة الاقوت سَنَتِي أَوْ قُوتَ غِلْمَانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَمَا ورد من ذلك على ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا وَالْمُحَدَّدُ كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَّا عَشْرَ نَخَلَاتٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ قدر ثالث الثَّمَرَةِ فَمَا دُونَ جَازَ وَكَانَ لَهُ عَشْرُ نخلات وسط (والقسم الثالث) ان يكون الاستثاء مَعْلُومًا وَالْمَبِيعُ بَعْدَهُ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الثَّمَرَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ جَائِزٌ (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَجْهُولًا وَالْمَبِيعُ مَعْلُومًا كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ وَالْبَاقِي لِي فَإِنْ عَلِمَا أَنَّ فِيهَا مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا صَحَّ إنْ أَمْكَنَ كَيْلُ الثَّمَرَةِ وَبَطَلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ كَيْلُهَا وَلَا يَصِحُّ الْخَرْصُ فِيهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْخَرْصِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ

تَخْمِينٌ وَحَدْسٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينَ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَرَايَا أَنَّهُ لا يختص بامساكين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ مِائَةَ صَاعٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِلْجَهْلِ بِوُجُودِ الْمَبِيعِ فَلَوْ كِيلَتْ مِنْ بَعْدُ فَكَانَتْ مِائَةَ صَاعٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ فساده قال ذلك المارودى وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْفَرْعَ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا هَذِهِ الْأَقْسَامَ مَبْسُوطَةً كَاسْتِيعَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا لِأَنَّ مَا يَخُصُّ أَلْفًا مِنْهَا هُوَ رُبُعُ الثَّمَرَةِ فَإِنْ قَالَ إلَّا مَا يَخُصُّ قِيمَةَ أَلْفٍ مِنْهَا بِسِعْرِ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ هَكَذَا فَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ غير ظاهر وقال الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِسِعْرِ مَا بَاعَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ. (فَرْعٌ) قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ إلَّا مَكُّوكًا جاز لانهما معلومان قاله الرويانى. (فرع) قالف بِعْتُكَ ثَمَرَةَ هَذَا النَّخْلِ إلَّا النَّوْعَ الْمَعْقِلِيَّ فان شاهد المعقلى المستثني وعلم قدره صتح البيع وان جهلاه فسد قاله المارودى. (فَرْعٌ) بَاعَ شَاهً وَاسْتَثْنَى سَوَاقِطَهَا قَالَ فِي الصرف لا يصح وكذا إذَا قَالَ إلَّا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ لِمُسَافِرٍ أَوْ لِحَاضِرٍ أَوْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.

(فرع) باع قطنا واستثنى حبه أوسمسما وَاسْتَثْنَى كُسْبَهُ أَوْ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا كَانَ الْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (فرع) بيع الثمرة وفيها قدر مذكور في (1) وَلَكِنْ يُذْكَرُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ الثَّمَرَةَ إلَّا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ نَذْكُرَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي الْبَيْعِ أَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِهِ شَرْعًا عَنْ ذِكْرِهِ وَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يدفع قدر الزكاة من غير بلك الثَّمَرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ مَحَلَّ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ رُطَبًا فَفِيمَا يُطْلَبُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) الْعُشْرُ تَمْرًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجْبُرُ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَانًا لِعُشْرِهَا تَمْرًا (وَالثَّانِي) يُطَالَبُ بِقِيمَةِ عُشْرِهَا رُطَبًا عَلَى الْوَجْهِ الذى يمنع الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا عَنْ قِيمَةِ عُشْرِهَا تَمْرًا فَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ يُفْصَلُ مَا بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُرْجَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ يَدِهِ عَنْ عَيْنٍ قَالَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَمَرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ. (فَرْعٌ) الزَّرْعُ الَّذِي يُخَلِّفُ كَالْقُرْطِ وَمَا فِي معناه من البقول يكون متزايدا أبدا لاوقوف لَهُ فَإِذَا بِيعَ مِنْهُ جَذَّةٌ فَلَا بُدَّ من الْقَطْعِ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إلَى ما يقع في زمن العاهات دون

_ (1) بياض بالاصل

وَلَا إلَى طِيبِ الْأَكْلِ لِأَجْلِ الِاخْتِلَاطِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يُخَالِفُهُ وقول الامام انها لا تزال لتزايده يُمْنَعُ فَإِنْ فَرَضَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ الَّذِي يُعْلَمُ اخْتِلَاطُهَا. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح وإما قبله شرط القطع وقد ضننث تَبْقِيَتَهُ إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَالزِّيَادَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الزَّرْعِ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ كَنُمُوِّ الثَّمَرَةِ إلَى وَقْتِ اتِّفَاقِ الْقَطْعِ وَلَيْسَتْ كَزِيَادَةِ الزَّرْعِ الْمُخَلِّفِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُخَلِّفُ لَوْ قُطِعَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ وَعُرُوقَهُ الْمُسْتَتِرَةَ بِالْأَرْضِ قَالَهُ الْإِمَامُ (قُلْتُ) فيجئ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حُصِدَ وَكَانَتْ عُرُوقُهُ تَضُرُّ بِالْأَرْضِ كَالذُّرَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُهَا وَتَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ لَمْ يَجِبْ كما تقدم أيضا وسنذكر في مسألتة اخْتِلَاطِ الرَّطْبَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى . (فان وجديد والصلاح في بعض الجنس من حائط جاز بيع الجنس كله في ذلك الحائط لانا لو قلنا لا يجوز

الافيما بدا صلاحه فيه أدى إلى المشقة والضرر بسوء المشاركة وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فيه الصلاح من جنس آخر ولا ما لم يبد فيه الصلاح في ذلك الجنس من حائط آخر لان المنع من ذلك لا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة فان بدا الصلاح في بعض الجنس في حائط فباع منه ما لم يبد فيه الصلاح مفردا من غير شرط القطع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانا جعلناه في حكم ما بدا فيه الصلاح فجاز افراده بالبيع (والثاني) لا يجوز لانه انما جعل في حكم ما بدا فيه الصلاح تبعا لما بدا فيه الصلاح وما أجيز بيعه تبعا لغيره لم بجز افراده بالبيع كالحمل) . (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بان الثمار لاتطيب دَفْعَةً وَاحِدَةً رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَإِنَّهَا لَوْ طَابَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَكْمُلْ تَفَكُّهُهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا تَطِيبُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي كُلِّ مَا يُبَاعُ طِيبُهُ فِي نَفْسِهِ لَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّ الْعَذْقَ الْوَاحِدَ يَطِيبُ بَعْضُهُ دُونَ بعض وإلى ان الاخير بتساقط الْأَوَّلُ فَكَانَ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يُبَاعَ وَإِمَّا أَنْ يُبَاعَ حَبَّةً حَبَّةً وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السمحة) وذكر

الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْحَائِطِ تَكُونُ فِيهِ النَّخْلَةُ فَتُزْهِي والحائط بلخ قال حسبه إذا كل منه فلبيع ولا أعلم؟ ؟ العلماء خلافا في انه لاشتراط الصَّلَاحُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مقدار ما يضبطونه به ومذهبنا ان يَكْفِي بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي بُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ النَّخْلِ مِنْ الشَّجَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّخْلِ. إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ نُظِرَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَكُنْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ صَلَاحًا فِي الْجِنْسِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ فِيهِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَلَاحًا لِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. وان اتجد الْجِنْسُ وَالنَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اختلف شئ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفِيهِ صُوَرٌ (الْأُولَى) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ فَيَبِيعَ النَّوْعَ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالنَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي التَّأْبِيرِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ التَّبَعِيَّةُ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ التَّأْبِيرِ

وَاحِدٌ وَذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَنْ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إذَا كَانَ فِي حَائِطٍ بَرْنِيُّ وَعَجْوَةٌ وصيحاني فبدا صلاح جنس جَازَ بَيْعُ الْجَمِيعِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ فِي الصَّرْفِ فان كان نخلا وعنبا أو غيره وبد اصلاح صِنْفٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِحَالِهِ فَلَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا يُفْرِدَهُ بِالْبَيْعِ وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَ الْأَصْنَافَ جملة فهذا النَّصُّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمْلَاءِ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ إنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ أَنَّ الصَّلَاحَ إذَا بَدَا في الثمرة الصينية فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بُدُوًّا لَهُ فِي الثَّمَرَةِ الشَّتْوِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّوْعَيْنِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ (قُلْتُ) ولا حجة في هذان لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْوَقْتِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا بَعِيدًا وَالنَّوْعَانِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْوَاحِدَةِ متقاربان غالبا نهم إنْ فُرِضَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا شَتْوِيٌّ وَالْآخَرُ صَيْفِيٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَمْنُهَا من العاهة ولاشك أَنَّ بَيْنَ صَلَاحِ الشِّتْوِيَّةِ وَالصَّيْفِيَّةِ مِنْ الزَّمَانِ مالا

يُوثَقُ بِذَلِكَ فِيهِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَالَهُ قَالَ وَصَلَاحُ الثَّمَرَةِ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فِي الْحَائِطِ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ شِتْوِيًّا وَبَعْضُهُ صَيْفِيًّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حياله وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسَيْنِ فَبَعِيدٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ تَابِعٌ لِبَعْضٍ وَإِنْ كان بعضها شتويا وبعضها صيفيا لمختلفة نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِأَنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ يُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّبَعِيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ فِي الْأَنْوَاعِ بَيْنَ مَا يَتَقَارَبُ إدْرَاكُهَا فَيُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَتَأَخَّرُ فَلَا يُحْكَمُ بَلْ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ بَلْ إلَى تَفَاوُتِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مَعْقِلِيٌّ مَثَلًا مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ لَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ فِي الصَّلَاحِ فَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَالْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْأَمْنَ مِنْ الْعَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَنْوَاعِ لَا أثر له وان اختلف الزمن مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِلْحَاقُهُ بِالتَّأْبِيرِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِاخْتِلَافِ الْمُدْرَكِ فِي التَّأْبِيرِ وَالْقَوْلُ بان اختلاف الانواع مؤبر مُطْلَقًا مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا ثَالِثًا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ النُّصُوصِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُمْكِنُ

أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّيْفِيِّ وَالشِّتْوِيِّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدْفَعُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَإِذَا كَانَ في البستان جنسان يتباعد ادراكهما كالصبفي والشتوى وبدا صلاح السبقي لَا يَتْبَعُهُ الشِّتْوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ اخْتَارَ فِيمَا إذَا أُبِّرَ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّ غَيْرَ المؤبر لايتبع الْمُؤَبَّرَ وَاخْتَارَ أَنَّ النَّوْعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يَتْبَعُ الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَدْ قَدَّمْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّأْبِيرِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاخْتِلَافِ مَأْخَذَيْهِمَا فَلِذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ إل مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الزَّكَاةِ فَمَتَى وُجِدَ مِنْهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَمِنْ هَذِهِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا وَسْقَانِ وَنِصْفٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ يُنْتَقَضُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ الشِّتْوِيَّةِ مَعَ الصيفية فانها لاتتبعها فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَتْ تُضَمُّ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقتضي أنه لافرق بين أن يختلف النوع أولا ولا فرق بين أن يختلف الزمان أولا وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ خَالَفَ فِيهِ وَرَدُّوا عليه بأنه

يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَسْوَدَّ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ البستان كما إذا بدل الصلاح في جنس في بُسْتَانٌ آخَرُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَمْ يَبْدُ فِيهِ الصَّلَاحُ فَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَنَّ صَلَاحَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْآخَرِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَبَاعَدْ وليس بينهما الاجدار وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَثْبَتَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ أَخْذًا مِنْ تَفَقُّهِ الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ نص الشافعي يشهد لما قاله العرقيون فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْحَوَائِطُ تَخْتَلِفُ بِتِهَامَةَ وجد وَالسَّقِيفِ فَيَسْتَأْخِرُ إبَارُ كُلِّ بَلَدٍ بِقَدْرِ حَرِّهَا وَبَرْدِهَا وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ إبَانِهَا فَمَنْ بَاعَ حَائِطًا مِنْهَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَثَمَرَتُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَإِنْ أُبِّرَ غَيْرُهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَا بغيره ولذلك لا يباع منها شئ حتى يبدو صلاحه وان بد اصلاح غيره وسواء كان نخل المؤجل قليلا أم كثيرا إذا كان في خطار واحدة وبقعة واحدة في غير خطار فبد اصلاح وَاحِدَةٍ مِنْهُ حَلَّ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى جَنْبِهِ حَائِطٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَدَا صلاح حائط غيره الذي هوالى جَنْبِهِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ بِحُلُولِ بَيْعِ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صَرِيحٌ بِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ وَظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبُسْتَانِ وَحْدَهُ وَإِنْ

كَانَ قَدْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ حَائِطُ غَيْرِهِ ففي كلامه المذكور موضع تُرْشِدُ إلَى اطِّرَادِ الْحُكْمِ فِي حَائِطِهِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَبَاعَهَا فَيَجِبُ اشتراعها فَيَجِبُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَفِي الَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا إذَا أَفْرَدَ الْبُسْتَانَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِالْبَيْعِ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي الَّذِي إلَى جَانِبِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ خِلَافٍ فِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالْجَزْمِ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ رَأَى الطُّرُقَ مُتَّفِقَةً عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي كَمَا إذَا بَدَا الصلاح في نوع فباع مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ القطع ففيه وجهان مشهوران في طريقتي العرقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَرَتَّبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا جَمَعَ النَّوْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَسْتَتْبِعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ. (فَرْعٌ) قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ نَظَرًا لِتَفْصِيلِ الثمن

وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ وَجْهٌ بِالْجَزْمِ بِالصِّحَّةِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ أَيْضًا فِيمَا إذا قال بعت هذا بدرهم أجرتك هذا بآخر فقال المخاطب قبلتهما نظار إلَى الْجَمْعِ فِي الْقَبُولِ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْبُسْتَانِ قِيلَ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ لِأَجْلِ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّ طِبَاعَهُ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَجْلِ إفْرَادِ ما لم يبد صلاحه بالمبيع والمالك واحد فههنا أولى بعد الصِّحَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ هَهُنَا عِنْدَ اتِّحَادِ الْبُسْتَانِ وَاخْتِلَافِ الْمِلْكِ أَنْ يَكُونَا فِي التَّأْبِيرِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اتِّحَادُ الْمِلْكِ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ ولم أره لغيره وكيف ما كَانَ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ فَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْبُسْتَانِ وَالنَّوْعِ أَوْلَى (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالنَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرَدُ النَّوْعُ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ الْبُسْتَانِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ

فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إثْبَاتُ خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ فَلَا يقال الوقت وقت بد الصلاح فتجعل الثمار المبيعة كأنها مزهبة هذا الا قَائِلَ بِهِ وَكَأَنَّهُ أَوْجَبُ لِلرَّافِعِيِّ ذَلِكَ إجْمَالُ الْكَلَامِ وَعَدَمُ إفْرَادِ كُلِّ صُورَةٍ بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَتَتَعَدَّدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْبَوَاقِي وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي آخِرِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ وَقَبْلَهَا صُورَتَانِ وَإِذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ فتصير تسعا (وأعلم) ان الصورة الممكنة من الاختلاف في ذلك ستة عشر هَذِهِ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ وَسَبْعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (الاولى) ان يتحد الجميع (الثانية) ان يخلف الْجِنْسُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَخْتَلِفَ الصَّفْقَةُ (السَّادِسَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْمِلْكُ (السَّابِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْبُسْتَانُ وَهَذِهِ السَّبْعُ تَقَدَّمَتْ (الثَّامِنَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالصَّفْقَةُ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ نَوْعًا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُنْفَرِدًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحْدَهَا عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْرَى فِيهَا خِلَافٌ إذَا جَعَلْنَا النَّوْعَيْنِ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُورَانِيَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ

لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التأبير بحث في اثبات الخلاف فلينظر هُنَاكَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ النَّوْعُ وَالْمِلْكُ مَعَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا إذَا بَاعَ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا وَعَنْ مُوَكِّلِهِ نَوْعًا فِي بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بَدَا صَلَاحُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُ الْآخَرِ وقلنا ان الصفقة لاتعدد وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَبِيعٌ يَصِحُّ فهل يصح من غغير شَرْطِ الْقَطْعِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ أولا اعْتِمَادًا عَلَى تَعَدُّدِ الْمِلْكِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الْعَاشِرَةُ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالصَّفْقَةُ فَيُفْرِدُ الشَّخْصُ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ بَيْعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ لَهُ آخَرَ وَقَدْ نقدم (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَخْتَلِفَ الْبُسْتَانُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ شَخْصٌ عَنْ نَفْسِهِ نَوْعًا مِنْ بُسْتَانِهِ وَعَنْ مُوَكِّلِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ وَقَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرَ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ مِثْلِ هَذَا الْبَيْعِ فَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تخلف الصَّفْقَةُ وَالْمِلْكُ فَيَبِيعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ اعتمادا على بدو الصلاح في ملك غره مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ النَّوْعُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ فَيُفْرِدَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ بستان غيره

فَإِنْ صَحَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي إفْرَادِ أَحَدِ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْبُسْتَانُ مَعَ اخْتِلَافِ الثالاثة فَيَبِيعَ نَوْعًا اعْتِمَادًا عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ البستان ولا يبعد مجئ خِلَافٍ فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ تَتَّحِدَ الصَّفْقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) أَنْ يَتَّحِدَ الْمِلْكُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِمَا نَقْلًا وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْجَمِيعُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ أَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فَقَطْ وَفِي التَّصْحِيحِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَقِيَّةُ الصور كلها لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا هَلْ هُوَ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ كَلَامُ الجمهور يقتضي الاول ولافرق فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا تَكَلَّمُوا إنَّمَا يَذْكُرُونَ الْبُسْتَانَ وَالثِّمَارَ فَلَيْسَ إلَّا عَلَى جِهَةِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَالثِّمَارِ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا لَكِنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تسنبل جميع الحب والظاهران ذَلِكَ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى

سبيل الاشتراط فانه لوتسنبل بَعْضُ الْحَبّ وَاشْتَدَّ وَبَعْضُهُ إلَى الْآنَ بَقْلٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَبِيعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَلْ يَبِيعُ الْمُؤَبَّرَ حَالَةَ الْبَيْعِ. وَلَوْ بَاعَ الْبِطِّيخَ عَلَى أُصُولِهِ بَعْدَ بُدُوِّ النُّضْجِ وَالْإِدْرَاكِ جَازَ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ كَالثِّمَارِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بِطِّيخَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي زَرَعَ فِيهَا الْبِطِّيخَ وَبَاعَ الْجَمِيعَ جَازَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ كُلُّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ ثَمَرِهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَلْتَحِقَ الصِّغَارُ بِالْكِبَارِ قاله صاحب التتمة. ولايجوز بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ وَجَهَالَتِهِ وَيُخَالِفُ الْغَائِبَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَلْعِ وَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَيَصِحُّ بَيْعُ القبيط فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحَدَّ الَّذِي يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ فِيهِ وَإِنْ بلغه فيجوز مطلقا وبشرط التبقية يترك حتى تلتحق الصغار الكبار كَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ عُرُوقُهُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ. وَالسَّلْجَمُ إنْ كَانَ المعظم منه ظاهر افكالقبيط وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَكَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا. (فَرْعٌ) إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنْ

الْأَصْلِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي ذَلِكَ الْقَدَّاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حكمها قاله في الاسنقصاء. (فرع) ولايجوز في شئ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْوَرْدِ وَمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ في سننه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ يجوز. (فرع) لا خلاف انه لابد من وجود الصلاح في شئ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَافٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ في اقامة وقت التأبير مقام التأبير ونهت عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَقْتِ انه لا يشترط وجو الصَّلَاحِ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ ان الوقت إذا حضر فلابد أَنْ يُوجَدَ فِي بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا كَانَ بُسْتَانَانِ فِيهِمَا زَرْعٌ وَاحِدٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا فِي الْآخَرِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ هذا بالبيع دُونَ الْآخَرِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ الْعَبْدَرِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِحُكْمٍ مِثْلِهِ فِي النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّخْلَ أَيْضًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الزَّرْعِ بِخُصُوصِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فرق والله أعلم. (فرع) قد تَفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ وَقْتِ التَّأْبِيرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ التَّأْبِيرِ نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصَّفْقَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ مَعَ حُصُولِ التَّأْبِيرِ فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا اعْتِبَارُ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ أَصْلًا فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (إذا ابتاع زرعا أو ثمرة بعد بدو الصلاح لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لان العادة فيها تركها إلى الحصاد والجذاذ فلم يكلف نقله قبله كما نقول فيمن اشترى متاعا بالليل أنه لا يكلف نقله الا بالنهار فان احتاجت الثمرة أو الزرع إلى السقى يلزم البائع ذلك لانه يجب عليه تسليمها في حال الجذاذ والحصاد وذلك لا يحصل الا بالسقي فلزمه) .

(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ التَّخْلِيَةُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ فِي الزُّرُوعِ والجذاذ في الثمر وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا يَنْزِلُ عَلَى الْقَطْعِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فِي الْحَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ قَرِيبًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبَيَّنَّا أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُعْتَبَرُ من العادة مالا يُعْتَبَرُ مِنْ الْعَادَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِمَّا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ مُوجَبَ الشَّرْعِ تَفْرِيغُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَصْلَ التَّفْرِيغِ مَقُولٌ بِهِ وَكَيْفِيَّتُهُ تُتَلَقَّى مِنْ الْعُرْفِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ مَتَاعًا بِاللَّيْلِ لَا يُكَلَّفُ نَقْلَهُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَأَمَّا السَّقْيُ فَجُمْهُورُ جَمَاعَاتِ الْأَصْحَابِ أَوْجَبَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ جَمَاعَاتٌ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ (وَالثَّانِي) على البائع لان مُتَّصِلٌ بِمِلْكِهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ وجهان بناء على مالو أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالسَّقْيُ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَعَلَ أَصْلَهُمَا الْقَوْلَيْنِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَدِيدَ أَنَّهَا مِنْ ضمان المشترى

والمذهب ان السقى عل الْبَائِعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْقَدِيمِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وُجُوبَ السَّقْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ (أَمَّا) إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بَعْدَ الصَّلَاحِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ حَكَوْا طَرِيقَةً قَاطِعَةً عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَالُوا إذْ لَا يجب السقى على الْبَائِعِ هُنَا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا وَعَدَمُ رَدِّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَكِنْ لَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى هُنَاكَ قَاطِعَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى الفولين فيحتمل ان يكون أصحاب هاتين الطريقين يُوجِبُونَ السَّقْيَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ الْإِبْقَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ شَرْطِ الْقَطْعِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ وُجُوبِ السَّقْيِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَطْعِ فَكَيْفَ نُوجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْقَطْعِ إذَا خِيفَ مِنْ تَرْكِهِ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ طَلَبِهِ بِالتَّسْلِيمِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ نَصْبُ النَّاطُورِ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ. (فَرْعٌ) إلَى مَتَى يَنْتَهِي الزَّمَانُ الَّذِي يَجِبُ فيه السقي يجئ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا على ما سنحكيه في مسألة وضع الحوائح ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَالثَّانِي) يَتَأَخَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا لَا يُنْسَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ إلَى تَوَانٍ بِتَرْكِ الثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ (وَالثَّالِثُ) بِنَفْسِ الْجُذَاذِ وَهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِي السَّقْيِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُبَيَّنًا هُنَاكَ.

(فَرْعٌ) لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ السَّقْيَ مَجْهُولٌ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا ابطلناه أيضا من قبل انه بيع وجارة فِي أَوْلَى قَوْلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ عِلَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَالْجُذَاذُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ (قُلْتُ) وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي نِهَايَةِ وَضْعِ الْجَوَائِحِ هَلْ هُوَ بِوَقْتِ الْجُذَاذِ أَوْ بِنَفْسِ الْجُذَاذِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَعَلَى البائع لانها لا تصير مسلم إلَّا بِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في السلسة إذا اشترى ثمرة علي رؤس الشجر بعد بدو الصلاح فتركها عليها لى أَوَانِ الْجُذَاذِ فَانْقَطَعَ مَاءُ الْوَادِي فَإِنْ ضَرَّ بَقَاءُ الثَّمَرَةِ بِالشَّجَرَةِ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى تَرْكِ الثَّمَرَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَشْجَارِ ضَرَرٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا لِلثِّمَارِ نَفْعٌ فِي التَّبْقِيَةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الثِّمَارِ بِالْقَطْعِ وَلَوْ تُرِكَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ لَمْ تَزِدْ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ قُطِعَتْ لَمْ يُنْقِصْ الْقَطْعُ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهَا فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِقَطْعِهَا فهل يجبر على القطع فعلى قولين بنبنيان على ما إذا أسلم في شئ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَجَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ وليس في قبضه مزية فهل يجبر عل قَبُولِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَطْعِ الثمرة هنا والا فيجبر وهذ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ وَعَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ عَوْدِ الْمَاءِ وَعَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ (أَمَّا) إذَا تَوَقَّعَ النَّفْعَ فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى القطع ومن

هُنَا أَيْضًا نَأْخُذُ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعٍ مِنْ غير حصول عيب ولاضرر لَا يُثْبِتُ خِيَارًا لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّ مَا سَيَأْتِي من كلا الصيد لاني فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَصْلًا وَعَلَيْهِ ثَمَرَةً لِلْبَائِعِ. (فَرْعٌ) قَرِيبُ مِنْ هَذَا فِيمَا إذا أصابت الثمار آفة بحيث لانمو أَوْ لَا فَائِدَةَ فِي تَبْقِيَتِهَا هَلْ لِلْبَائِعِ تَبْقِيَتُهَا. (فَرْعٌ) بَاعَ الْجَمْدَ فِي الْمُجْمِدِ وَكَانَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ مَعْلُومًا صَحَّ وَيُسَلَّمُ بِحَسْبِ الامكان وفيه وجه ان يلزمه تسليما عَلَى الْعَادَةِ بِأَخْذِ الْجَمْدِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ وَقْرًا أَوْ وَقْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ عَلَى الدَّارِ وَالسَّفِينَةِ الْمَشْحُونَتَيْنِ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ (الْأَصَحُّ) عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيغُهَا فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى مَرِّ الايام على عادة تفريغ المجامد فعلى ماقاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَدْ يُورِدُ هَذَا الْفَرْعُ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى حِمْلَ حَطَبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي موضع البيع ولا يلزمه حمله لاى بَيْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ قَدْ تَقْضِي بِذَلِكَ. قال المصنف رحمه الله تعالى . (وإذا اشترى ثمرة علي الشجر فلم يأخذ حتى حدث ثمرة أخرى واخنلطت ولم تتميز أو اشترى حنطة فلم يقبض حتى انثالت عليها حنطة أخري ففيه قولان (أحدهمام) ينفسخ البيع وهو الصحيح لانه تعذر التسليم المستحق بالعقد فان البائع لا يلزمه تسليم ما اختلط به من ماله فان رضى البائع بتسليم ماله لم يلزم المشترى قبوله وإذا تعذر تسليم المعقود عليه بطل العقد كما لو تلف المبيع (والثاني) لا ينفسخ لان المبيع باق وانما انضاف إليه زيادة فصار كما لو باع عبدا فسن أو شجرة فكبرت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فسخ العقد) .

(الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ مَعْقُودٌ لِحُكْمِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَرَاتِبَ (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرْتُ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ كَلَامِ المصنف ان تكون الثمرة مبيعة فنخلط بغيرها وذلك اما فيما يحمل حملا واحد أو كان قَدْ اشْتَرَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا إمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ ثُمَّ حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْقُطَ الْمُشْتَرِي ثَمَرَهُ وَاخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَتَمَيَّزُ بِالْكِبَرِ والصغر أو نحو هما فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُتَقَدِّمَةَ وَلِلْبَائِعِ الْحَادِثَةَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيين. وان لم تتميز أو اشريت حِنْطَةً فَلَمْ تُقْبَضْ حَتَّى انْثَالَتْ عَلَيْهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرَ مَعْلُومَةِ الْقَدْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا (أَحَدُهُمَا) يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لما ذكره المصنف والمراد بالتسليم الستحق مَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فِي ضِمْنِ الْجَمِيعِ فَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهَا كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ وَعَيَّنَ أُخْرَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَا يُجْبِرُ الْمُبْتَاعَ عَلَى الْقَبْضِ نَقُولُ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا أَسْمَحُ بِحَقِّي فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ (الثَّانِي) نَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَكَذَلِكَ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فَإِذَا سَمَحَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ كَانَ كَزَوَالِ الْعَيْبِ فَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي قَالَ هَؤُلَاءِ وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَإِنَّهُ يَقْبِضُهُ أَكْمَلَ مَا كَانَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ فاعطى أجود مما ذكروه وارادأ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ان الصحيح

الْأَوَّلُ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وابن ألي عَصْرُونٍ وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حِكَايَةُ قَوْلٍ ثَالِثٍ ان العقد لا ينفسخ ولاخيار وَيُجْعَلُ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالِاخْتِلَاطِ بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَهُ الامام وحكاه الجوزي عن أبي سلمة والمروزي وَحَكَى الرُّويَانِيُّ طَرِيقَةً أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَهَا دَلِيلَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ قَالَ وَهَذَا أَوَضَحُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الثِّمَارِ بِالتَّخْلِيَةِ لَكِنْ وَإِنْ قُلْنَا قَبْضُهَا بِالتَّخْلِيَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَبْضٍ تَامٍّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالتَّسْلِيمُ التَّامُّ إنَّمَا هُوَ حِينَ الْجُذَاذِ وَشَبَّهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ رِضَى الْبَائِعِ بِتَرْكِ حقه بالاعراض عَنْ النَّعْلِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً وَنَعَلَهَا ثما اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ الْإِمَامُ وَمَسْأَلَةُ النَّعْلِ لَيْسَتْ خَالِيَةً عَنْ خِلَافٍ وَهَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ تِلْكَ فَإِنَّ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي بِطَوْقِ مِنَّةِ الْبَائِعِ فِيهِ بُعْدٌ وَفِي هبة المجهول غوائل فالمسألة إذا مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَإِنْ أَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى تَخَيُّرِهِ وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فيما إذا انسالت حِنْطَةٌ عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ الْكُلَّ إلَى الْمُشْتَرِي وَجْهَيْنِ فِي إجْبَارِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُسَاعَدَةِ الْإِمَامِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ قَالَ انه لاخيار لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا كَلَامٌ مَتِيحٌ وَالصَّوَابُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبُولِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وانه لافرق فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الامام في باب الخراج بالظمان بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجْبَارِ فِي هِبَةِ الضَّمَانِ وَقَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقَبُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُ مَعْنَى أُنَبِّهُ عَلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى انْثَالَتْ عليها

حِنْطَةٌ أُخْرَى هُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كانا معلومي القدر اولا لَكِنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعٍ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَنْفَسِخُ قُلْنَا للبائع إن سمحت بحقك أقرى الْعَقْدُ وَأَجْبَرْنَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبُولِ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ مَا فِيهِ (وَقَوْلُهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ الْبَائِعُ فُسِخَ الْعَقْدُ أَيْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولايقال لِلْمُشْتَرِي هَهُنَا أَنْكِرْ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ جَمِيعًا إلَى الْبَائِعِ لِئَلَّا يَفُوزَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وما ذكره المصنف من انفسخ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمَا بِالتَّدَاعِي وَهُوَ يُوَافِقُ ما تقدم عن صاحب التقريب. (فرع) لوانثال عَلَى الْحِنْطَةِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا حِنْطَةٌ أُخْرَى فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَهُمَا مَالَانِ اخْتَلَطَا فَإِنْ اصْطَلَحَا على شئ كان القول قول من الشئ فِي يَدِهِ فِي قَدْرِ مَا لِصَاحِبِهِ قَالَ أبو إسحق وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَرَكَ الطَّعَامَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَاخْتَلَطَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ فَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ اخْتَلَطَتْ الْحَادِثَةُ بِالْخَارِجَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ أَمْ قَبْلَهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِيهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفَرَّقَ هُوَ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُبِضَ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَالثَّمَرَةُ إنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَإِنَّ كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهَا عَلَى الْبَائِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّقْيَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ عَطِشَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّمَرَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْحِنْطَةِ فَلَمْ يَقْبِضْ فَلَمْ يَأْتِ فِي الثَّمَرَةِ بِلَفْظِ الْقَبْضِ بَلْ بِلَفْظِ الْأَخْذِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُهَا مِنْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَأَمَّا الْقَبْضُ فَمُتَقَدِّمٌ عَلَى ذَلِكَ

وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ فِي الْجَرِينِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَطِشَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يجب على البائع السقى وقد حكمي الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَرِيبٌ فِي النَّقْلِ وَمِثْلُهُ فِي الْغَرَابَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ (فَإِنْ قُلْنَا) تُوضَعُ كان كما قبل القبض والا فيتفاصلان بالخصومة أو الاصطلاح فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَأْتِي عَلَى الْجَدِيدِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ العراقيون فقد تلخص في اختلاط الثمار اه إنْ كَانَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَرَى الْقَوْلَانِ بِاتِّفَاقِ الطُّرُقِ وَقِيَاسُ الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْحِنْطَةِ أَنْ يُقَالَ هُنَا إنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فالمشهور وهو طريقة العراقيين جريان القولين كما قبل التخلية واختار المزني والامام الغزالي عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَمَا بَعْدَ الْجُذَاذِ فَالْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَمِمَّنْ اخْتَارَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ أَغْرَبَ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لافرق فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَيَلْزَمُهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْجُذَاذِ. (فَرْعٌ) لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ مِنْهُ مُكَايَلَةً وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ جُزَافًا ثُمَّ اخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلْبَائِعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (فَائِدَةٌ) إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْخُصُومَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ ذِي الْيَدِ قَالَ الْإِمَامُ سَبِيلُهُ فِي الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى بَيْعًا في الصاعين فسينكره البائع ثم برجع الكلام إلَى اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ.

(فَرْعٌ) الْيَدُ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ وَقَبْلَ القطاف للبائع أو للمشترى أولهما ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ نَقَلَهَا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَا الثِّمَارَ فِي يَدِ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا فِي يَدِهِمَا فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ وَلَا الْغَزَالِيُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْوَجْهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقْسَمَ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدَّعِي جَمِيعَهَا (أَحَدُهُمَا) يَحْلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْكُلَّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الدَّعَاوَى. (فَرْعٌ) قَدْ تقدم حكاية الخلاف في التصحيح فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَالرَّافِعِيَّ قَالَا إنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَغْلِبُ تَلَاحُقُهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ التَّلَاحُقُ الطَّارِئُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ التَّسْلِيمِ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِطَرَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَنْبَغِي إذَا طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ. (فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَكَذَا هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ إنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَسْمَحُ فَفِي سقوط خيار المشتر وَجْهَانِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ إذا لم يسمح البائع فالمشترى يفسح وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ وَأَيْضًا قِيَاسُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ ان ذلك من باب العيون فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا أَنْ

يُسْقِطَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَخَّرَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ سَقَطَ حَقُّهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ اعْتَرَفَا وَالِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالِالْتِبَاسِ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ رَجَعَ الْكَلَامُ إلَى الْوَقْفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَقَوْلُهُ وَرَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ التَّامِّ فَلَا خِيَارَ وَلَا يُفْسَخُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ فَعِنْدَهُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْتِي هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ إذَا قُلْنَا بعدم الانفساخ فيحنئذ إذَا رَضِيَا بِأَنْ لَا يُفْسَخَ الْعَقْدُ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الِاصْطِلَاحِ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ. (فَرْعٌ) هَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الْبَاذِنْجَانِ فِي شَجَرِهِ إذَا بَلَغَ نِهَايَتَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فانه يترك حتى يتلا حق فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَاعَ فِي الْحَالَتَيْنِ ثُمَّ ظهر شى آخر واختلط بالمبيع جرى القولان وكذلك الخر بر وهو البطيخ وهكذا القثاء والخيار وكل ماله حَمْلٌ بَعْدَ حَمْلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ والاصحاب فلو كان المبيع شجر الباذنجان فيسأتي فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.

(فَرْعٌ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. لَوْ اخْتَلَطَ الطَّعَامُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أوجه (اما) ان يكون كلامنهما مَعْلُومَ الْكَيْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ الْمَبِيعِ قَدْرُ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَبِيعِ مَعْلُومًا فَيُعْلَمُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ كَيْلِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ قَدْرُ الْمَبِيعَ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ صار مختلط العين متميز القدر وتميز والقدر يمنع من الجهل وهو أقى الْمَقْصُودَيْنِ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْعَيْنِ مُغَيِّرٌ لِلصِّفَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ فَصَارَ عَيْبًا يُوجِبُ الْخِيَارَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَقَامَ صَارَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ عَلَى قَدْرِ الْحِصَّتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الطعام مُتَمَاثِلَيْ الْقِيمَةِ تَقَاسَمَاهُ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفَ الْقِيمَةِ بِيعَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَنِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الطَّعَامَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ ذلك كيلا على الحصص دون القمية فَيَجُوزُ. ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ بِكَمَالِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا تَكُونُ إلَّا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

* (فَرْعٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ اخْتِلَاطُ الطَّعَامِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَالْعَقْدُ صحيح بحاله وكذلك الثمر إذَا كَانَ بَعْدَ الْجُذَاذِ فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطعام أو الثمر مَعْلُومًا بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي مَضَتْ تَقَاسَمَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الطَّعَامِ مَجْهُولًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وإن تراضيا على شئ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْمُشْتَرِي قَدْ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قدر ماله مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ صُبْرَةُ الْبَائِعِ انْثَالَتْ عَلَى صُبْرَةِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قول المشترى في قدر ماله مِنْ مَالِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى الطَّعَامَيْنِ مَعًا وَكَانَ أَعْرَفَ بِقَدْرِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُسْتَحْدَثِ الْيَدِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُ الْيَدِ فِيهِ كَانَتْ الْيَدُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُعْتَبَرَةً مِنْ الْيَدِ الْمُرْتَفِعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ التَّصْوِيرِ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُزَنِيّ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ لِلْبَائِعِ فَقَدْ تَكُونُ صُبْرَتُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) لَوْ صَدَرَ الْخَلْطُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ قَصْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا يَنْبَنِيَانِ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَنْفَسِخُ فِيهِ مَعْنَيَانِ (أَحَدُهُمَا) لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (وَالثَّانِي) لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ هَهُنَا (وَإِلَّا) فَلَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْكُلِّ قَالَ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) إذَا بَاعَ دُرَّةً وَوَقَعَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ يَنْفَسِخُ العقد لوجود المعنين وان وقعت في وادى إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ عُصْفُورًا ثُمَّ اخْتَلَطَ بِعَصَافِيرِ الْبَائِعِ قبل القبض أو حنطة فانثالت فيها حِنْطَةٌ أُخْرَى لِلْبَائِعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) إذَا بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لا ينفسخ وقال أبو يعقوب كل الابيوردى ينفسخ قال القاضي ويكن تَخْرِيجُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَكَذَا لَوْ نَهَبَهُ التُّرْكُمَانُ أَوْ غَارُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَالْحِنْطَةِ وَشَبَهِهَا لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَبَيْنَ الْيَأْسِ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَحْدَهُ متميزا فهو متعذر ومأيوس مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ تَسْلِيمُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ بمتعذر ولا مأيوس مِنْهُ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْعُصْفُورِ فَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً فَاخْتَلَطَتْ بِقَطِيعٍ لَا تَتَمَيَّزُ

فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَالَ وَتُفَارِقُ الْحِنْطَةَ لا ان هُنَاكَ الْإِشَاعَةَ لَمْ تَمْنَعْ الْبَيْعَ وَهَهُنَا الِاشْتِبَاهُ مَانِعٌ مِنْ الْعَقْدِ وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَقْبِضَ الْكُلَّ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حكم من اختلطت شاته بقطيع الانسان قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي القبض ان يتسلط به على المقبول وَيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِقَبْضِ الْجُمْلَةِ (قُلْتُ) قَوْلُهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَرَادَ التَّرْجِيحَ فِي الْجُمْلَةِ فَالْحِنْطَةُ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالثَّمَرَةِ لِمَا لَحَظَهُ مِنْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ وَالِاشْتِبَاهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ لان الخلط ههنا لو اقتضى الا شاعة كَمَا يَقُولُهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَأَيْضًا فَكَانَ يَفْصِلُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بالمثل والاردأ أو بالوجود كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ هُنَاكَ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هَهُنَا أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِالْأَجْوَدِ أَوْ بِالْمِثْلِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِشَاعَةَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَالْمِلْكُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَيَتَأَثَّرُ بِالْخَلْطِ وَلَا يُحْكَمُ بِالْإِشَاعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ يُوَافِقُ وَجْهًا فِي الْفَلَسِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا خُلِطَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ هُنَاكَ بِمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ هُنَا وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كان قول

* الْإِشَاعَةِ مُلَاحَظًا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ وَالْحِنْطَةِ لَكُنَّا نَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ هَهُنَا فِيمَا أَعْلَمُ وَإِنَّمَا القائل بعد الِانْفِسَاخِ يَقُولُ بِالتَّخْيِيرِ نَعَمْ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْحِنْطَةِ وَبَعْدَ الْجُذَاذِ فِي الثَّمَرَةِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِشَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُشْتَرَكًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِقْدَارُ مَعْلُومًا وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاخْتِلَاطِ الْمَذْكُورِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ بِحُكْمِ الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْفَلَسِ وَالْغَصْبِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ اشْتَرَى شجرة عليها حمل للبائع فلم يأخذه حتى حدث حمل للمشترى واختلطت ولم تتميز ففيه طريقان قال أبو على بن خيران وأبو علي الطبري لا ينفسخ العقد قولا واحدا بل يقال إن سمح أحد كما بترك حقه من الثمرة أقر العقد لان المبيع هو الشجر ولم يختلط الشجر بغيره وإنما اختلط ما عليها من الثمرة والثمرة غير مبيعة فلم ينفسخ البيع كما لو اشترى دارا وفيها طعام للبائع وطعام للمشترى

فاختلط أحد الطعامين بالآخر فان البيع لا ينفسخ في الدار وقال المزني وأكثر أصحابنا أنها على قولين كالمسألة قبلها لان المقصود بالشجر هو الثمرة فكان اختلاطها كاختلاط المبيع وإن اشترى رطبة بشرط القطع فلم يقطع حتى زادت وطالت ففيه طريقان (أحدهما) أنه لا يبطل البيع قولا واحدا بل يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وان لم تسمح فسخ العقد لانه لم يختلط المبيع بغيره وانما زاد المبيع في نفسه فصار كما لو اشترى عبدا صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن الثاني وهو الصحيح أنه على قولين أحدهما لا ينفسخ البيع والثاني ينفسخ ويخالف السمن والكبر في العقد فان تلك الزيادة لاحكم لها ولهذا يجبر البائع على تسليم العقد مع السمن والكبر لهذه الزيادة حكم ولهذا لا يجبر البائع على تسليمها فدل على الفرق بينهما) . (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ هُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَاطِ (إحداها) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً أَوْ أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الداخلة في البيع من الثمرة حمل. إذ اشترى شجر وَعَلَيْهَا حَمْلٌ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ مُؤَبَّرًا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْبَائِعُ حَتَّى حَدَثَ حَمْلُ الْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ أَمَّا مَا يَحْمِلُ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ متى كان على النخلة شئ مُؤَبَّرٌ كَانَ جَمِيعُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ لِلْبَائِعِ. إذَا عُرِفَ ذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ الْحَادِثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَ الْعَقْدِ لِلْبَائِعِ وَالْحَمْلُ الْحَادِثُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَقَدْ نَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى

وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (إحْدَاهُمَا) طَرِيقَةُ ابْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَصَّ عليها ولا تجئ عَلَى مَذْهَبِهِ أَيْضًا بَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَقَدْ نَكَّتَ ابْنُ خَيْرَانَ وَمَا قَصَّرَ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِيهِ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وكذلك الماوردى قال ان ماقاله ابْنُ خَيْرَانَ أَصَحُّ جَوَابًا وَتَعْلِيلًا وَإِنْ كَانَ نَقْلُ الْمُزَنِيِّ صَحِيحًا قَالَ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ أَوْلَى مِنْ نُصْرَةِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَالطَّبَرِيِّ إنَّهُمَا قَالَا إنَّ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ نَقْلُهُ فِي الْأُمِّ فَوَقَعَ الْغَلَطُ فِي النَّقْلِ مِنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَاحْتَجَّ الْمُنْتَصِرُونَ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَيْسَ فِي المبيع فصار كما لو اشترى رجل ثمار أو تجددت ثِمَارٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَتْ الثِّمَارُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِيَارَ بِعَيْبِ الثِّمَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الكافي (والطريقة الثانية) وبها قال المزني وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا نَسَبَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَصَّهُ عليها فان المزني ثقة فما نقله عنه وفي المسألة مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ فِيهَا يُقَالُ لِلْمُبْتَاعِ أَتَسْمَحُ فَإِنْ سَمَحَ وَإِلَّا قِيلَ للبائع اتسمح فلولا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ نَفْسُ الشَّجَرِ لَمَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَتَسْمَحُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْخَارِجَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحَادِثَةُ لِلْمُشْتَرِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الشَّجَرُ ثُمَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّجَرَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الثَّمَرَةُ فَإِذَا اخْتَلَطَتْ

الْخَارِجَةُ بِالْحَادِثَةِ فَقَدْ اخْتَلَطَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا قَرِيبٌ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ أَسْقَطَ الْمَسْأَلَةَ بِالْأَصَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ إنَّ فِيهَا مالا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (قُلْتُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ وَأَمَّا إسْقَاطُ ابْنِ خَيْرَانَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَقَدْ نَقَلَهَا فَلَمْ يبق لابن خيران متعلق الان أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمُزَنِيَّ أَخْطَأَ فِيهَا وَجَوَابُهُ بِمَا أَبْدَاهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ ينفي الجزم بخطائها وَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ عَلَى جَلَالَتِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ بَيْنَ مُنْكِرٍ لِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَمُقَلِّدٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِمَا لَا يتحمل التَّأْوِيلَ إلَّا بِتَعَسُّفٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخر باب تمر الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ وَمَا أَثْمَرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَبِيعَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْقَضَتْ فَمَا خَرَجَ بَعْدَهَا مِمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ فَلِمُشْتَرِي الْأَصْلِ وَصِنْفٌ من الثمرة مكان يخرج منه الشئ بعد الشئ حَتَّى لَا يَنْفَصِلُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَهُوَ فِي شَجَرِهِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ مَا لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ فَإِنْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَى بِمَا لَمْ يَشْتَرِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَفِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فَيَكُونَ قَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَزِيَادَةً أَوْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِي لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَيَكُونَ قَدْ تَرَكَ لَهُ حَقَّهُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَقَدْ اخْتَلَطَ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنْهُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ البيع ما لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا بَاعَ شَجَرَةَ التِّينِ مَثَلًا بَعْدَ أَنْ نَتَجَتْ الْأَغْصَانُ وَلَمْ تَبْرُزْ الثَّمَرَةُ فَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ تِلْكَ الْأَغْصَانِ فَإِنَّهُ كَالثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ إذَا شَرَطَهَا الْبَائِعُ لنفسه فيشترط فيها القطع على النص فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ قَدْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا تَكَلُّفٌ

بَعِيدٌ وَقَدْ أَحْسَنَ الْمَحَامِلِيُّ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ خَيْرَانَ مَذْهَبًا وَحِجَاجًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَبَيْنَ تَعَيُّبِ الثِّمَارِ الْمُتَّحِدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ سَبَبُهُ بَقَاءُ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْبَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ تَخْلِيَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ حَصَلَ الاختلاط بسبب ما استقاه الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ وَقَرُبَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْأَحْجَارِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ قَلْعِ بَابِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ لِنَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ تَأَوَّلَ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى مَا إذَا ابْتَاعَ الشَّجَرَةَ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي ثَانِيًا الثَّمَرَةَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْحَادِثَةُ فَاخْتَلَطَتْ بِهَا وَهُنَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَوْلَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ بِأَنَّ هُنَا وَإِنْ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ إلَّا أَنَّ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا أَعْرِفُ شَجَرَةً تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا التين فانه يحمل النور وذى ثُمَّ يَحْمِلُ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ قَالَ

غَيْرُهُ إنَّ النَّارِنْجَ وَالْأُتْرُجَّ وَالرَّانِجَ أَيْضًا يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَوْعٍ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهَا كَالتِّينِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ كَوْنِنَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَادِثَةَ تَابِعَةً لِلْخَارِجَةِ كَمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَيْثُ جَعَلْنَا الطَّلْعَ الْحَادِثَ تَابِعًا عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي النَّخْلِ أَنَّهُ يَحْمِلُ حَمْلًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ حَمْلِهِ لِلْبَائِعِ كَانَتْ ثَمَرَةُ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ لَهُ وَالتِّينُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ فَالثَّانِي كَثَمَرَةِ النَّخْلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (قُلْتُ) وَالْآخَرُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي شَجَرٍ بِعَيْنِهِ وَلَا نَقُولُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ مُطْلَقًا إنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَخْلَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَالْمُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْحَمْلَيْنِ مُنْفَصِلًا عَنْ الْآخَرِ انْفِصَالًا بَيِّنًا غَيْرَ مُتَلَاحِقٍ لَمْ يَتْبَعْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ الَّتِي قَدَّمْتُهَا تَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالٌ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ الْحَمْلُ الثَّانِي تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا بَاعَ نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً فَإِنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ (فَالْجَوَابُ) إنَّ في لطلع وجهين

وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الطَّلْعِ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَمْلٌ وَاحِدٌ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُ وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمْلُ الثَّانِي مَعَ الْحَمْلِ الْأَوَّلِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ عَدَمَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ بِغَيْرِهَا لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا تفريع عليه (وان قلنا) يَنْفَسِخُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَمَنْ سَمَحَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ امْتَنَعَا فَسَخَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ ابْنِ خَيْرَانَ إنْ تَرَاضَيَا وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا ينفسخ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَا حَدَثَ تَأْثِيرًا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَحْسَنُ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ لان الاختلاط في غير

المبيع لاأثر لَهُ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ بِعِبَارَةٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْمَحْ بِتَرْكِ ثَمَرَتِكَ فَإِنْ سَمَحَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ نُظِرَ فان كان الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ قَالَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَرُبَّمَا يُظَنُّ بَيْنَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُنَافَاةٌ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَيَّنَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَوْلَ بِالْفَسْخِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَعَنْ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ قَوْلَيْ طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْإِمَامُ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خيران فقط فكلام أبي الطيب لايراد عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ على قول عدم الانقساخ وهو مشترك بين قول ابن خيران وحد قولى طريقة الخلاف وكلام المصنف الا يراد

عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ مَنْ سَمَحَ مِنْكُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَحْ واحد منهما لايقر الْعَقْدُ وَيُفْسَخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَعْدَ طَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ وقالها تفريعا على عدم الانقساخ كان يتعذر عَنْهُ بِمَا اُعْتُذِرَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مُشِيرٌ إلى انه لامزية فِي غَرَضِ تَرْكِ الْحَقِّ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْبُدَاءَةِ بِالْمُشْتَرِي وَالْأَقْرَبُ التَّسْوِيَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَأَنَّ مَنْ بَدَأَ بِالْقَوْلِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَتِّمٌ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْبُدَاءَةِ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) أَوْرَدَ عَلَى إلْزَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ قَبُولَ مَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ مَا إذَا سَمَحَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ بِتَقْدِيمِهِ بِتَمَامِ الثَّمَنِ لِيَسْتَمِرَّ عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَفِيهِ

نَظَرٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْأُخْرَى. إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَقْلَعْ فَمَا حَدَثَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى طَالَتْ وَعَلَتْ فَقَدْ عَطَفَ الْمُزَنِيّ هَذِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْبَيْعُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (1) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هذا أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وجهور أصحابنا والامام الرويانى وَالشَّاشِيُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَغَلَّطَ الشَّيْخُ أبو حامد القائل والاول وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وصيرورة البلح بسر أو ما أشبه ذلك ليست بِعَيْنٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِي أَطْرَافِهِ وَلَا فِي عَدَدِهِ وَالرَّطْبَةُ إذَا طَالَتْ تَفَرَّعَ لها أغصان وحدثت أعيان لتكن فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ وَحَسَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الجواب بقوله ان تلك الزيادة لاحكم لها فلم يقال إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهَا عَيْنٌ قَطْعًا وَلِهَذَا احْتَاجَ الْأَوَّلُونَ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِعَدَمِ زِيَادَةِ أَطْرَافِهِ وعدده لكنها وان كانت

_ (1) كذا بالاصل

عَيْنًا فَلَا حُكْمَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَعَهَا فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمُ عَنْ الْمُشَاحَحَةِ وَقَدْ يُفْرَضُ طُولُ الرَّطْبَةِ مِنْ غَيْرِ تفرع أغصان وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّطْبَةَ وَطُولُهَا ذِرَاعٌ فَأُجْبِرَ فِي نِصْفِ طُولِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ فَإِنَّهُ لَوْ هَزَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لم يسقط شى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرطبة حَدَثَتْ فِي الْأُصُولِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُوثِ حَمْلٍ آخَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا عَيْنٌ مُتَمَيِّزَةٌ بِخِلَافِ الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَيِّزًا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرَّطْبَةِ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَتْ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ والشيخ أبو حامد قبلها وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الْأَصَحَّ مِنْ قَوْلَيْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ الِانْفِسَاخُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَسْخٌ أَيْ يَفْسَخَهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلَيْنِ فِي

اخْتِلَاطِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ وَمَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ فُسِخَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ولايقال للمشترى ان سمحت بحق أُقِرَّ الْعَقْدُ وَفِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَاخْتَلَطَتْ الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ بِالْحَادِثَةِ يُقَال لِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ سَمَحْتَ بِحَقِّكَ أُقِرَّ الْعَقْدُ وَالْفَرْقُ أَنَّ في المسألتين الا ولتين إذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ فَازَ الْبَائِعُ بِالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ. (فَرْعٌ) بَاعَ شَجَرَةَ الْبَاذِنْجَانِ إنْ بَلَغَ نِهَايَتَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْخَرِيفِ لَا يَحْتَاجُ إلى شرط القطع والا فيشرط القطع فان كان عليه نور فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَوْ ظَهَرَ بَاذِنْجَانٌ آخَرُ وَاخْتَلَطَ بِالْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا فِي الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ إنْ بَاعَ الْأَصْلَ مَعَ الثَّمَرَةِ لابد مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فَإِنَّ شَجَرَ الْخِرْبِزِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ زَرْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ إنْ بَاعَ الْأُصُولَ قَبْلَ خُرُوجِ حَمْلِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ خُرُوجِ حَمْلِهَا فَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْحَمْلِ جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ بَاعَهَا دُونَ الْحَمْلِ أَوْ مُطْلَقًا فَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ والحادث

لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الَّذِي حَكَيْتُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْبِطِّيخَ مَعَ أُصُولِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ أفقه منه يَعْنِي مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ يَعْنِي كَلَامًا عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا (فَائِدَةٌ) إنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ تَأْخِيرِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَنْ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ اخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَهِيَ أَشْبَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الاولى (قلت) المرتبتان الاولتان الِاخْتِلَاطُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ إمَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ في الرتبة الْأُولَى وَإِمَّا اخْتِلَاطُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِغَيْرِهِ فِي الرتبة الثَّانِيَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ الْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّطْبَةِ بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَالنِّزَاعُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمُخْتَلَطِ فِيهَا هَلْ هُوَ كَالْمُخْتَلَطِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أولا وَالنِّزَاعُ فِي الِاخْتِلَاطِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَاطَ الْمُحَقَّقَ بِقِسْمَيْهِ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ذَكَرَ مَا يَقْبَلُ النزاع في كونه اختلاطا أولا لكن اجراء القولين هنا أَظُنُّهُ أَوْلَى مِنْ إجْرَائِهِمَا فِي

الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ حَقِيقِيٌّ وَإِنْكَارُ مَا فِيهِ ارْتِكَابُ ضَرْبٍ فِي الْمَجَازِ أَوْ الْقِيَاسِ وَكَوْنُ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ أَقُلْ الثَّالِثَةُ وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ كَأَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ اخْتَارُوا إجْرَاءَ الْقَوْلَيْنِ هُنَا دُونَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى وَدِيًّا فَكَبُرَ فَإِنَّهُ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ غَيْرُ مُمَيَّزَةٍ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَاعِدَةً عَامَّةً أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً وَتَرَكَهَا حَتَّى تَكْبُرَ وَتَطُولَ وَتَزْدَادَ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ وَأَنْوَاعِهِ فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ قَطْعُهُ مِثْلَ الْخِلَافِ وَالْقَصَبِ يُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ تُقْطَعْ حَتَّى نَمَا وَكَبُرَ إطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ ثُمَّ قَالَ جَامِعُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ عَنْ القاضي وانه ينبغي ان تكون لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهَا كَالثَّمَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا لَا يُخَلِّفُ فَلِلْمُشْتَرِي كَالصَّنَوْبَرِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ يُخَلِّفُ كَالْقَتِّ فَقَوْلَانِ (قُلْتُ) وَسَنَذْكُرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَأَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهَا كَاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ

بِغَيْرِهِ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ بَاقِي الْفَتَاوَى وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا فانه فيما لا يسخلف لايجتاج إلى شرط الْقَطْعِ وَتَكُونُ أُصُولُهُ لِلْمُشْتَرِي (فَائِدَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُكَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اشْتَرَى جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الظَّاهِرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الْجُذَّةَ الْمُرَادُ بِهَا الظَّاهِرُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِجَذِّهِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عين في فرض هذه المسألة ان لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْبَاطِنِ. (فَرْعٌ) الزُّرُوعُ الَّتِي تُحْصَدُ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الرَّطْبَةِ وَاخْتِلَاطِهَا قَالَ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَتَأَخَّرَ الْقَطْعُ حَتَّى زَادَ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أُصُولَ الزَّرْعِ الَّتِي مِنْهَا تَحْصُلُ الزيادة هكذ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْحُكْمُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَسَنْبَلَ تَكُونُ السَّنَابِلُ لِلْبَائِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السَّنَابِلَ لَيْسَتْ حَادِثَةً مِنْ خَاصِّ مِلْكِهِ بَلْ هِيَ مِنْهَا

عَلَى رَأْيِهِ وَجَعْلُهَا لِلْمُشْتَرِي أَقْرَبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ فَهَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ (وَالصَّوَابُ) الْقَلْعُ بِاللَّامِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ من أصوله كانت الاصول ملكه فكلما حَدَثَ مِنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْقُرْطَ بِشَرْطِ الْقَلْعِ فَلَمْ يُقْلَعْ حَتَّى ازْدَادَ يَكُونُ مَا حَدَثَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَلَكَ أَصْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى أُصُولَ الْبِطِّيخِ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ الْقَلْعِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أُصُولَ النَّبَاتِ بِشَرْطِ الْقَلْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ أَوْ اسْتَعَارَ وَلَمْ تَبْلُغْ الْأُصُولُ فَمَا يَحْدُثُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ أصل مملوك وهذا من صاحب التتمة بناء عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَا يَمْلِكُ أُصُولَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى مِلْكِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبِطِّيخِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُصُولَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَيَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ بل لابد مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَلْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَجْزُومًا بِهِ لِأَنَّ الْبِطِّيخَ مِمَّا يَسْتَخْلِفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ بَاعَ أُصُولَ النَّبَاتِ

مطلقا قال المتولي لايدخل الْبِطِّيخُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ حَتَّى ان الذي هو يرى ولم ينعقد لايتبع الْأُصُولَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَظْهَرْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةَ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ أَصْلٌ مَقْصُودٌ وَالنَّمَاءُ تَبَعٌ لَهُ فَجُعِلَ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ النَّمَاءِ تَبَعًا لَهُ وَأَمَّا هُنَا أَصْلُ النَّبْتِ لَيْسَ بمقصود وانما المقصود المثار فَلَا يُجْعَلُ الْمَقْصُودُ تَبَعًا. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مَكَانَهُ مِمَّا يستخلف أولا يَسْتَخْلِفُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ بغير شرطه وَقَطَعَهُ بِمَكِنَةٍ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِ الْقَصِيلِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ فَهَذَا النَّصُّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَخْلَفَ خَاصَّةً فَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ نَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ وَإِنْ كان شاملا لما يستخلف ولما يَسْتَخْلِفُ وَلِمَا لَا يَسْتَخْلِفُ فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الزَّرْعِ الَّذِي لَا يَسْتَخْلِفُ لِلْبَائِعِ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَصِيلَ أَوْ الشَّجَرَ الْمُخَلِّفَ كَالْخِلَافِ وَالْقَصَبِ أَوْ وَرَقِ الْفِرْصَادِ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَمْ يَقْطَعْ حَتَّى زَادَ فَفِي انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَالْقَتِّ قَالَ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْمَقَاطِعُ مَعْلُومَةً مِثْلَ أَغْصَانِ الْفَرَاصِيدِ يُبَيِّنُ مُقَاطِعَهَا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وفوق المقطع والطول يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الْقَتِّ وَالْكُرَّاثِ إنَّمَا يَنْفَسِخُ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ أَصْلِهِ الَّذِي لَمْ يبع غير متميز عما باع لانه لايعرف مَقَاطِعُهَا بَعْدَ الزِّيَادَةِ.

(فَرْعٌ) فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إذَا اشْتَرَى وَرَقَ الْفِرْصَادِ مَعَ أَغْصَانِهِ فَتَرَاخَى الْقَطْعُ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ فَلَهُ الْقَطْعُ وَإِنْ اشْتَرَى الْوَرَقَ فَقَطْ فَتَأَخَّرَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي قَوْلٍ لانه اختلط المبيع بغيره. (فرع) مالا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالرَّطْبَةِ وَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالطُّرَفَاءِ وَالْخَشَبِ وَالْبَرْدِيِّ فِي خَرَابِزِهِ ذَكَرَهُ ابن خيران في اللطيف. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (وَإِنْ كَانَ له شجرة تحمل حملين فباع أحد الحملين بعد بدو الصلاح وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ به ولا يتميز فالبيع باطل وقال الربيع فيه قول آخر أن البيع يصح ولعله أخذه من أحد القولين فيمن باع جذة من الرطبة فلم يأخذ حتى حدث شئ آخر أن البيع يصح في أحد القولين والصحيح هو الاول لانه باع ما لا يقدر على تسليمه لان العادة فيها الترك فإذا ترك اختلط به غيره فتعذر التسليم بخلاف الرطبة فانه باعها بشرط القطع فلا يتعذر التسليم) (الشَّرْحُ) ضَبَطَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ حَمْلَيْنِ بِفَتْحِ الْحَاء قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحَمْلُ بِالْفَتْحِ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ شَجَرَةٍ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ وَحَمْلُ الشَّجَرَةِ مَرَّتَيْنِ

يقال ان ذلك التِّينِ وَاللَّوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْأُتْرُجِّ تَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْكَلَامِ فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا أَوْ كَانَ غَالِبًا وَلَكِنْ شُرِطَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَتَّفِقْ حَتَّى وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ غَالِبًا وَلَمْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ قَالَ الرَّبِيعُ هُنَاكَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلٌ أَنَّهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا زَادَ مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الرَّبِيعُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ جُذَّةً مِنْ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يجذه المشترى حتى حدثت أعيان أخرفان الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا آخَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تِلْكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَلِطَ فِي هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّطْبَةَ إنَّمَا تُبَاعُ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُخَافُ تَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ بِمَعْنًى رُبَّمَا حَدَثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَحْدُثْ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَهَهُنَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي تَبْقِيَتَهَا إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ فَإِذَا

عُلِمَ اخْتِلَاطُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُعْلَمُ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ حَالَ اسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ انْتَهَى وَشَبَّهُوهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَقَدْ أَطْبَقَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بالفساد ورد ماقاله الرَّبِيعُ قَالُوا وَإِنَّمَا وِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّطْبَةِ لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الرَّبِيعِ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ قَوْلًا بَعِيدًا أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ سَمَحَ الْبَائِعُ بِبَذْلِ حَقِّهِ تَبَيَّنَّا انْعِقَادَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فِي أَصْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْمَصِيرِ إلَى وَقْفِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ الِاقْتِدَارِ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنْ طَرَدُوا هَذَا فَهُوَ عَلَى فَسَادٍ مُطَّرِدٌ وَمَا أَرَاهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْإِمَامُ بِالْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الرَّبِيعِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ وَقْفِ الْعُقُودِ بَلْ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي حِكَايَةِ

هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ اسْمَحْ بِتَرْكِ حقك فان سمح والافسخ الْعَقْدُ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّبِيعِ فِي الْأُمِّ الَّتِي حَكَيْتُ بَعْضَهَا فِي صَدْرِ كَلَامِي مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ وَقْفِ الْعُقُودِ وَلَا يَتَبَيَّنُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ أَوْ عَدَمَ انْعِقَادِهِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ لَكِنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الرَّطْبَةَ لِأَجْلِ شَرْطِ الْقَطْعِ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا وَهَهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَكَوْنُهُ تَسْلِيمُهُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَا يَكْفِي لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ الَّذِي لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْجَمِيعِ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ اذفا لا أن الاختلاط بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ أَنْ يَقُولَا بِالصِّحَّةِ هَهُنَا فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِلْبَائِعِ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ عُهْدَةِ الضَّمَانِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ

وَحِينَئِذٍ تُسَاوِي مَسْأَلَةَ الرَّطْبَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يُمْكِنُ فِي حَالٍ إلَّا مَعَ الاختلاط لم يصح ذلك وذلك في جمة البئر إذا أفردت بالبيع وقلنا الماء يملك وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ حُدُوثَ مَا تَخْتَلِطُ بِهِ الثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا تَرَكَهَا فينبغي أن يجب القطع للمعذر الْمُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ نَقْلُ الرَّبِيعِ (قُلْتُ) وَإِيجَابُ الْقَطْعِ بِدُونِ شَرْطِهِ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يرجع إلى أن المتوقع كالواقع أولا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَلِهَذَا مَنَعُوا الاب من نكاح جارية ابن إذَا قُلْنَا لَوْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَشَاهِدُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ) وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا فِي إلْزَامِهِمْ الْعِرَاقِيِّينَ طَرْدَهُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ أَنَّهُ أَبْدَى فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ احْتِمَالًا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرُ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الرِّفَاقِ وَعَدَمُ إجْزَاءِ عِتْقِهِ

عَنْ الْكَفَّارَةِ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ وَمِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ أَنَّا إذَا مَنَعْنَا الْبَيْعَ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْعَبْدِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي نُفُوذُ الْبَيْعِ وَإِنْ كان يلتفت على الوقف وَلَكِنْ إذَا بَانَ الْأَمْرُ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَظَنُّ التَّعَذُّرِ لَا يَبْقَى أَثَرُهُ مَعَ تَبَيُّنِ خِلَافِهِ وَكَانَ فِي الْمُعَامَلَاتِ يُضَاهِي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ سَوَادٍ يَحْسِبَهُ عَدُوًّا ثُمَّ بَانَ خِلَافَهُ. (فَرْعٌ) إذَا اشْتَرَى الشَّجَرَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ ظُهُورِ أَحَدِ الْحَمْلَيْنِ وَتَأْبِيرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَمْلَ الْآخَرَ وَيَخْتَلِطُ بِهِ فَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا بِشَرْطِ القطع وقال انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ يَعْنِي خِلَافُ الرَّبِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ وَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالصِّحَّةِ الْحُكْمُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِلَافِ يَكُونُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ الْحَمْلَيْنِ فَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (1) إذا بَاعَ شَجَرَةً وَاسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ

_ (1) بياض الاصل فحرر

فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَرْطُ الْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ (1) وَإِذَا بَاعَ شَجَرَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهَا جَزْمًا (2) وَإِذَا بَاعَ ثَمَرَةً بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَعَلِمَ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْجُذَاذِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ وَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرَةٍ أُخْرَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ (3) وَلَوْ بَاعَ رَطْبَةً أَوْ شَبَهَهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ (4) وَلَوْ بَاعَ الْأَرْضَ وَفِيهَا رَطْبَةٌ تَبْقَى لِلْبَائِعِ وَيَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يَعْلَمُ اخْتِلَاطَهَا بِغَيْرِهَا وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْتُهُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَظَهَرَ لَكَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّأْبِيرِ بِالشَّرْطِ أَوْ بَعْدَ التَّأْبِيرِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِالْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذا لم يكن تلاحق المثار غَالِبًا أَمَّا لَوْ كَانَ غَالِبًا فَمُقْتَضَى مَا تقرر بطلانه كما إذا باع

_ (من 1 إلى 4) بياض بالاصلل فليحرر

ثَمَرَةً يَعْلَمُ تَلَاحُقَهَا بِغَيْرِهَا وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَاكَ مَبِيعَةٌ فَتَعَذُّرُ تَسْلِيمِهَا مُوجِبٌ لِلْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي لَحَظَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّجَرَةَ وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ فَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَاسْتَثْنَاهَا الْبَائِعُ إمَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ إنْ شَرَطْنَاهُ أَوْ بِدُونِهِ فَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ مَا إذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَحَدَثَ طَلْعٌ آخَرُ فَيُجْرَى فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الطَّلْعَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ نَقُولُ هُنَا إنَّ الطَّلْعَ الْحَادِثَ لِلْمُشْتَرِي قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ إنَّمَا بَقِيَتْ بِالشَّرْطِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ الطَّلَبُ الْحَادِثَ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الطَّلْعَ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَالِبُ تَلَاحُقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ يعلم اختلاطها

بِغَيْرِهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةَ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ ثَمَرَتِهَا اُشْتُرِطَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ كَالزَّرْعِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ القطع حتى خرج شئ آخَرُ فَالْخَارِجُ وَالْمَوْجُودُ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَحْصِيلِ كُلِّ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَغَيْرِهَا لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِالْقَطْعِ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَنْفَعَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الارض مطالبته بالقطع قاله الروياني وغيره. بعون الله تعالى قد تم طبع الجزء الحادي عشر..

الجزء الثاني عشر

المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء الثاني عشر دار الفكر

باب بيع المصرات والرد بالعيب

بسم الله الرحمن الرحيم * (باب بيع المصرات والرد بالعيب) * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (إذا اشترى ناقة أو شاة أو بقرة مصراة ولم يعلم بأنها مصراة ثم علم أنها مصراة فهو بالخيار بين أن

يسك وبين أن يرد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " لا تصروا الابل والغنم للبيع فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بعد أن يحلبها ثلاثا إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " وروى أن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من ابتاع محفلة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ معها مثل أو مثلى لبنها قمحا) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الائمة مالك في الموطأ والشافعي عنه والبخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه وليس في شئ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ اللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ الْمَشْهُورُ بِصِحَّتِهِ وَلَفْظُهُ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلِ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأبو دواد وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَفِيهَا زِيَادَةٌ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله (وَأَمَّا) الرَّبِيعُ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ كَمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَمِنْ الرُّوَاةِ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ ردها رد معها صاعا

من طعام " لامراء في رواته مِنْ طَرِيقِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصاعا من تمر " لامراء (1) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد * وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بَعْضَ ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شاء أمسكها وإن شاء ردها مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * (قَالَ) البخاري قال

_ (1) بياض بالاصل

بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا * وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا والتمر أكتراها كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فلينفلت بها فليحلبها وان رَضِيَ حِلَابَهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو صَالِحٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَلَفْظُهُ " إذَا مَا أَحَدُكُمْ اشْتَرَى نَعْجَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يحلبها إما هي والا فليردها وصاع تَمْرٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ * قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد (وَقَالَ) بَعْضُهُمْ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ * وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشَّعْبِيُّ وَلَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْكُمْ مُحَفَّلَةً فَكَرِهَهَا فَلْيَرُدَّهَا وَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَفِي لَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ " مَنْ اشترى نعجة مصراة أو شاة مصراة فحليها فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَإِنَاءً مِنْ طَعَامٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ * وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْفُوعَةٌ إلَى

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ رِوَايَاتُ أبى هريرة ليس في شئ مِنْهَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِتَمَامِهِ بَلْ طَرِيقُ الْأَعْرَجِ جَمَعَتْ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الثَّلَاثِ * وَطَرِيقُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ فِيهَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ وَهِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَيْسَا حَدِيثًا وَاحِدًا حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ تُضَافَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَلْ وَالْمَعْنَى أَيْضًا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ (فَالْأَوَّلُ) يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ابْتِدَائِهِ (وَالثَّانِي) يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُدَّتِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكِتَابِ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِحُكْمٍ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْحَلْبِ ثَلَاثًا فَالثَّلَاثُ إمَّا رَاجِعَةٌ لِلْخِيَارِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ حَلْبِهَا ثَلَاثًا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَكُلُّ واحد من الامرين لم يدل عليه شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ صَرِيحًا (وَأَمَّا الثَّانِي) فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ أَصْلًا لَا صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءً الْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ * وَقَالَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمَا أَصْلَ الحديث لان ذَلِكَ اللَّفْظَ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ حَدِيثُ

مختصر المزني والمنصف تَبِعَ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَلَى الصَّوَابِ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِلَفْظٍ قَرِيبٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَلَيْسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا وَهُوَ مُصَدَّرٌ بِالنَّهْيِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ كَاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ * وَذَكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وثبوته من حديث أبى هريرة رواه عن الْأَعْرَجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُمْ وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَرِوَايَاتُهُ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِقَرِيبٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو إسحق ويزيد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ عَنْ هؤلاء وعن من بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَارَ إلَى التَّوَاتُرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ باللفظ الذى ذكر الْمُصَنِّفُ * قَالَ الْخَطَّابِيُّ

وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ (قَالَ) الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّ جُمَيْعَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ ابن بهير هو مِنْ أَكْذِبْ النَّاسِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ كَانَ رافضا يضع الحديث (قلت) وجميع بن عمير هو الذى له عن ابن عمر هذا الكلام عن ابن بهير وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ أَشَدِّ مَا قِيلَ فِيهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ مِنْ عِتْقِ الشِّيعَةِ وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَادِقُ الْحَدِيثِ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ (وَقَالَ) الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ فِيهِ نَظَرٌ (وَقَالَ) الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لحال جميع ابن عمير هذا وانما أعله بِصَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ الرَّاوِي عَنْ جُمَيْعٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِمَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رفعا الحديث (قال) لا يبيع حاضر لباد ولا تلقوا السلع بأفواه الطريق وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَرُدَّ وَلَا تَسَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أختها لتكتفي مَا فِي صَحْفَتِهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا كُتِبَ لَهَا وَلَا تَبِيعُوا الْمُصَرَّاةَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ اشْتَرَاهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَالرَّهْنُ مَرْكُوبٌ

وَمَحْلُوبٌ " وَلَيْثٌ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِهِ هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا حلب ولا جنب ولا إعراض ولا يبيع حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ إذَا حَلَبَهَا بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ (وَقَالَ) ابْنُ حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ (قَالَ) الدَّارَقُطْنِيّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ تَابَعَهُ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نهى أَنْ تُتَلَقَّى الْأَجْلَابُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَمَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ فَإِنْ حَلَبَهَا وَرَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَقَالَ صَاعًا مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ لَا أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي هَذَا الْبَابِ * وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَإِنَّ

لِصَاحِبِهَا أَنْ يَحْتَلِبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا فَلْيُمْسِكْهَا وَإِلَّا فليردها وصاعا من تمر " اسماعيل بن ابراهيم مُسْلِمٍ مَتْرُوكٌ وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التميمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا " رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خلف التيمى لَكِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي أَحْكَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ (وَقَالَ) ابْنُ الْأَثِيرِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ هِشَامٍ (وَقَالَ) الْإِسْمَاعِيلِيُّ إنَّ أَبَا خَالِدٍ رَفَعَهُ وَإِنَّ ابْنَ المبارك وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَابْنَ أَبِي عَدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ وَهِشَامًا وَجَرِيرًا وَغَيْرَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى شرط البخاري وزاد " من تمر ماله " الاسناد وَالْحُكْمُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ شَرْطٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْوَقْفِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (أَمَّا) عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ فَيَنْبَغِي الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وان أبا خالد وهو سليم بْنُ حِبَّانَ الْأَحْمَرُ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ ومن رفع معه زيادة مَنْ وَقَفَ وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْكُمُ بِصِحَّةِ مِثْلِ ذَلِكَ فَقَدْ تَلَخَّصَتْ رِوَايَاتُ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ جَدِّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَسِ من مالك وابن مسعود

رضى الله عنهم (وأصحهما) رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سَنَدُهَا جَيِّدٌ وَرِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ ضَعِيفَةٌ فِي رَفْعِهَا وتجب عَلَى طَرِيقَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ التَّمَسُّكُ بِهَا وَتَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالْمَرْفُوعِ وَلَا أَرَى التَّمَسُّكَ بِمِثْلِ هذا لمنصف فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ قُوَّةِ الظَّنِّ بِالْوَقْفِ لِرُجْحَانِ رُوَاتِهِ كَثْرَةً وَجَلَالَةً نَعَمْ ذَكَرَ الماوردي أن الشافعي رواه أعنى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ التَّيْمِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ وَكَانَ الرَّفْعُ فِيهِ مُحَقَّقًا تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ مِمَّنْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَكُون عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) اللُّغَةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَرُّوا - فَهُوَ بِضَمِّ التَّاء الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ وَفَتْحِ الصَّادِ وَبَعْدَ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَاوٌ وَفَتْحُ لَامِ الْإِبِلِ عَلَى - مِثَالِ تَرَكُوا (قَالَ) الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا صَحِيحُ الرِّوَايَةِ مِنْ صَرَّى إذَا جُمِعَ مُثَقَّلٌ وَمُخَفَّفٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ مَالِكٍ لَهُ وَالْكَافَّةُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ وَبَعْضِ الرُّوَاةِ تَحْذِفُ وَاوَ الْجَمْعِ وَتَضُمُّ لَامَ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يصير - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَإِثْبَاتِ وَاوِ الْجَمْعِ وَنَصْبِ لَامِ الْإِبِلِ - وَخَطَّأَ الْقَاضِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) إنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ فَسَّرَ بِالرَّبْطِ وَالشَّدِّ مِنْ صَرَّ يَصِرُّ (وَقَالَ) فِيهِ الْمَصْرُورَةُ وَهُوَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ كَأَنَّهُ يَحْبِسُهُ بِرَبْطِ أَخْلَافِهَا وَشَدِّهَا لِذَلِكَ وَخَطَّأَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَجَعَلَهُ وهما محتجا بأنه لو كان كذلك مصروة قال وهذا

لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَهُوَ مِثْلُ الْوَجْهِ الْأَخِيرِ وَقَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَابْنُ مَعْنٍ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ وَالْفَارِقِيُّ أَقَلُّ عُذْرًا لِأَنَّ الْوَاوَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَنُسَخِ الْمُهَذَّبِ (قَالَ) الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ أَيْنَ أُخِذَتْ وَاشْتُقَّتْ (فَقَالَ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَتُتْرَكَ مِنْ الْحَلْبِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا فَإِذَا تُرِكَتْ بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنين عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا (قَالَ) أَبُو عُبَيْدٍ الْمُصَرَّاةُ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الشَّاةُ التي قد صرى اللبن في ضرعها معنى حُقِنَ فِيهِ أَيَّامًا فَلَمْ يُحْلَبْ وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ وَجَمْعِهِ يُقَالُ مِنْهُ صَرَيْتُ الْمَاءَ وَيُقَالُ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَرَّاةُ لِأَنَّهَا مِيَاهٌ اجْتَمَعَتْ قال أبو عبيدة وَلَوْ كَانَ مِنْ الرَّبْطِ لَكَانَ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَالْعَرَبُ تُصِرُّ ضُرُوعَ الحلوبات إذا أرسلتها تسرح ويسمون ذلك الرباط صرارا فان رَاحَتْ حَلَّتْ تِلْكَ الْأَصِرَّةَ وَحَلَبَتْ وَاسْتُدِلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ (الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الكر والفر انما تحسن الحلب والصر) ويقول مالك بْنُ نُوَيْرَةَ فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ مُصَرَّرَةٌ اخلاقها لَمْ تُجَدَّدْ * قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مُصَرَّرَةٌ أُبْدِلَتْ إحْدَى الرَّاءَيْنِ يَاءً وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ

فِي كَلَامِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ جَائِزٌ أَنْ تكون سميت مصراة من صرا خلافها كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً مِنْ الصَّرْيِ وَهُوَ الْجَمْعُ (يُقَالُ) صَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْتَهُ (وَيُقَالُ) كَذَلِكَ الْمَاءُ صَرَى (وَقَالَ) عُبَيْدٌ * يَا رُبَّ مَاءٍ صَرًى وَرَدْتُهُ * سَبِيلَهُ خَائِفٌ حَدَثٌ * وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ الصَّرِّ قَالَ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ في الاصل مصرورة فاجتمعت ثلاث راآت فقلبت إحداها ياء كما قالوا تظمنت من الظن وكما قال العجاج * بمضي الْبَازُ إذْ الْبَازِي كُسِرَ * هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَذْكُورُ وهو فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَنْ النَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ " قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ يَعْنِي لِلضَّبْطِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَأَمَّا) الِاشْتِقَاقُ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ إبْدَالِ الرَّاءِ يَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الصَّرِّ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ وَمَدْلُولُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَسَّرَ التَّصْرِيَةَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ مِنْ الرَّبْطِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْحَلْبِ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ وَالشَّكُّ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ مَعْنَى الرَّبْطِ وَالْجَمْعِ مَعًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ الرَّبْطَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ

فِي احْتِبَاسِ اللَّبَنِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مُخَالَفَةٌ لِغَيْرِهِ إلَّا زِيَادَةٌ تبيين مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلَهُ مِنْ رَبْطِ أَخْلَافِ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّرِّ وَالرَّبْطِ وَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الْمُخَالَفَةُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ الشافعي اعلم باللغة منا نقله عن الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حجة في اللغة قال الربيع وكان ابن هشام بمصر كالأصمعي بالعراق وقالا أَبُو عُبَيْدٍ الشَّافِعِيُّ مِمَّنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ أَوْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الشَّكُّ مِنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْمَازِنِيُّ الشَّافِعِيُّ عِنْدنَا حُجَّةٌ فِي النَّحْوِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْجَارُودِ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ لُغَةً جَيِّدَةً يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا يُحْتَجُّ بِالْبَطْنِ مِنْ الْعَرَبِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْتِ اللُّغَةِ يَجِبُ أن تؤخذ عَنْهُ وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ خُذُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ اللُّغَةَ وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَيْضًا إنَّمَا يُؤْخَذُ الشَّافِعِيُّ بِاللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هذه الاقول كُلَّهَا لِيَتَبَيَّنَ قَدْرُ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ أَنْ يُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَأَخْلَافٌ جَمْعُ خِلْفٍ - بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ - (قَالَ) ابْنُ قُتَيْبَةَ الْخِلْفُ لِكُلِّ ذَاتِ خُفِّ والطى للسباع وذوات الحافر وجمع أَطْيَاءُ وَالضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ قَالَ وَقَدْ يجعل الضرع أيضا لذوات الخف والخلف لِذَوَاتِ الظِّلْفِ وَالثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ

(قُلْتُ) فَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ أَخْلَافَ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ (إمَّا) أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَإِمَّا) أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ غَلَّبْنَا النَّاقَةَ عَلَى الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَفِي التَّصْرِيَةِ لُغَةُ التَّصْوِيَةِ بَدَلُ الرَّاءِ وَاوٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ التَّصْوِيَةُ وَالتَّصْرِيَةُ واحد وهو أن تصرى الشاة أي تجفل قَالَ يُوسُفُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ابن أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَقْدِسِيِّ فِيمَا عَلَّقَهُ مِنْ كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى تَصْحِيفِ أَبِي عُبَيْدٍ الْهَرَوِيِّ فِي كِتَابِ الْغَرِيبَيْنِ تَخْرِيجُ ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ الْحَافِظُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ يُصَرُّ الشَّاةَ بِغَيْرِ يَاءٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُصَرِّيَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ مِنْ حَدِيثِ النَّاقَةِ (فَأَمَّا) قَوْلُهُ أَنْ يُصَرَّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَشُدَّ وَذَلِكَ يَجُوزُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَهُ فِي الْغَرِيبَيْنِ إلَّا بِالرَّاءِ وَالْيَاءِ كَمَا نَقَلْتُهُ فَلَعَلَّ النُّسَخَ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ نَاصِرٍ كَانَتْ مُصَحَّفَةً وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ النُّسَخِ لَكَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ عَنْ الصَّرِّ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ الصَّرِّ وَالتَّصْرِيَةِ حَرَامٌ إذَا قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَائِزٌ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ خَدِيعَةٌ وَلَا ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ لَكِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ الرَّدِّ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ اللَّبَنِ لَا فِي الصَّرِّ الْمُجَرَّدِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَاللِّقْحَةُ - بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ مِثْلَ قِرْبَةٌ وَقِرَبٌ

وَهِيَ النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدُ بِالْوِلَادَةِ نَحْوَ شَهْرَيْنِ أو ثلاثة والمحفلة هي التى جفل اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا وَهِيَ الْمُصَرَّاةُ (وَقَوْلُهُ) بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ هُوَ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ أَوْ يَرُدُّهُ أَيُّهُمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ فَعَلَهُ (وَالْحِلَابُ) هُوَ الْإِنَاءُ يملاه قَدْرُ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَيُقَالُ لَهُ الْمَحْلَبُ أَيْضًا وَبَعْضُهُمْ يُطْلِقُ فَيَقُولُ الْحِلَابُ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ الْأَلْبَانُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَحْلُوبِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَالْحِرَافِ لِمَا يُحْتَرَفُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إنَّمَا يُقَالُ فِي اللَّبَنِ الْإِحْلَابَةُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلَابِ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الْحَلْبَةُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ اللَّبَنُ نَفْسُهُ وَمِنْ الظَّاهِرِيَّةِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَوْا أَنَّ هذا من المجاز للذى لَمْ يَدُلَّ نَصٌّ عَلَى إرَادَتِهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَدَلُ اللَّبَنِ والتمر الحنطة وَالطَّعَامُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَالْمُرَادُ بِهِ التَّمْرُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَطْعِمَتِهِمْ (وَالثَّانِي) لِأَنَّ مُعْظَمَ رِوَايَاتِ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا جَاءَتْ " وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَالِبَ وَلَا أَنْ يَتَرَجَّحَ رِوَايَتُهُ هَذَا مَا فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ وَطُرُقِهِ مِنْ اللُّغَةِ وَتَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الْمَقْصُودُ بِهِ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِخِيَارِ النَّقِيصَةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَتْ بِفَوَاتِ أَمْرٍ مَظْنُونٍ يَنْشَأُ الظن فيه من

تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّصْرِيَةِ أَوْ نَصٍّ عُرْفِيٍّ كَالْعَيْبِ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ كَشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهِ إذَا خَرَجَ بِخِلَافِهِ وَقَدْ ضَمَّنَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ على هذا الترتيب وقدم التصرية لانها هي الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاسَهُ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَقَدْ ورد فِيهِ حَدِيثًا نَصًّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثم ذكره بَعْدَهُ خِيَارَ الْخُلْفِ الَّذِي يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَجُعِلَ مُؤَخَّرًا عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (إمَّا) لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ أَيْضًا أَعْنِي الرَّدَّ بِالْعَيْبِ (وَإِمَّا) لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا ثَبَتَا بِالْقِيَاسِ عَلَى التَّصْرِيَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْلَا التَّصْرِيَةُ وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ لَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُقَدَّمَ الِالْتِزَامُ الشَّرْطِيُّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالشَّرْطِ أَوْكَدُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِالْعُرْفِ أَوْ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ هُوَ الْأَصْلُ وَمَا عَدَاهُ مُلْحَقٌ بِهِ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ ذَلِكَ كَنَصٍّ فِي فَرْعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَصْلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُكْمُ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا وَهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى فَرْعٍ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَأَمَّا) اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسُكُوتُهُ عَلَى خِيَارِ الْخُلْفِ وَإِنْ كَانَ الْخُلْفُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولكنه فوات فضيلة فلاجل استوائهما فِي النَّقْصِ فِيهِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَرْعَانِ لِأَصْلٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَحَظَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَذِكْرُهُمَا فِي التَّرْجَمَةِ مُنَبِّهٌ عَلَى أَصْلِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَوَضَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ لِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَضَمِّنَةِ شُرُوطَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرُوطُهُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَبَيْعِ الثِّمَارِ أَخْذٌ فِي أَسْبَابِ الْفَسْخِ وَاسْتِدْرَاكُ مَا يَقَعُ فِي المبيع مِنْ الْعَيْبِ بِالْفَسْخِ أَوْ بِالْأَرْشِ " وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَقَرَةً " لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ على الابل والغنم اللذين تضمنهما الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ شَامِلٌ إمَّا بالقياس إذا اقتصر على الحديث الذى أوره الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ لَبَنَ الْبَقَرِ أَغْزَرُ وَأَكْثَرُ بَيْعًا مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ

وَإِمَّا بِالنَّصِّ فَإِنَّ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " (وَقَالَ) بَعْضُ شَارِحِي التنبيه إن ذلك للرد علي الظاهريين اللذين خَصُّوا الْحُكْمَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الظَّاهِرِيِّينَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد فصرح ابن المعلس وابن حزم الظاهريان بأن شمول الحكم تمسكا بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَلَمْ يَحْكِيَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهُوَ اللَّائِقُ بمذهبهم أخذ بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَا يَجِبُ تَقْيِيدُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُطْلَقِ وَالْخَبَرُ هَهُنَا عَامٌّ لِصِيغَةِ مَنْ لَكِنْ يَعْرِضُ هَهُنَا بَحْثَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَيْضًا " مَنْ اشْتَرَى شَاةً مصراة " وهذه الرواية فيها زيادة ليس فِي الْأُولَى وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَمُخْرِجَهُ وَاحِدٌ وَوَجْهُ إدْرَاكِ الصَّوَابِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّا نَظَرْنَا الرِّوَايَةَ الْعَامَّةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَوَجَدْنَاهَا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ومن رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ فِي النَّسَائِيّ وَنَظَرْنَا الزِّيَادَةَ فَوَجَدْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ (مِنْهَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ وَفِيهَا " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَهَذَا اخْتِلَافٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سُفْيَانَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالرَّاوِي عَنْهُمَا شَخْصٌ واحد وهو العدلى (وَمِنْهَا) قُرَّةُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيهَا " مَنْ اشترى شاة مصراة " وهذا اختلاف عن ترك أَيْضًا وَكَذَلِكَ مُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَكِلَا السَّنَدَيْنِ إلَيْهِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا رَأَيْنَا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالِاخْتِلَافَ نَظَرْنَا مَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَقُلْنَا جَمِيعُ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ هَهُنَا اُخْتُلِفَ

عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ والشعبى فانه لم يختلف عنهما فِيمَا عَلِمْنَا وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمَا إلَّا الصِّيغَةُ الْعَامَّةُ وَإِلَّا ثَابِتُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يرد عنه إلا الطريق المثبتة للزيادة وَهِيَ قَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً " (فَقَدْ) يُقَالُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَجَلُّ مِنْ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَجَلُّ وَأَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْعُمُومِ لِذَلِكَ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ جَانِبَ الزِّيَادَةِ هُنَا وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَاحْتِمَالُ النَّقْصِ فِي رِوَايَةِ الْمُثْبَتِ الْمُتْقَنِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الثِّقَةِ وَاَلَّذِي أَقُولهُ إنَّ الْحُكْمَ بِالْخَطَأِ عَلَى رَاوِي الزِّيَادَةِ هَهُنَا بَعِيدٌ (فَالْأَقْرَبُ) أَنْ تُجْعَلَ الرِّوَايَتَانِ ثَابِتَتَيْنِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَرَوَاهُمَا أَبُو هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَنَمِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ لَمَا ذُكِرَ فِي الْإِبِلِ وَقَدْ صَحَّ فِي الْإِبِلِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة (والبحث الثاني) إذا ثبتت الروايات في كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَفْهُومُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا التَّقْيِيدُ لِمَ لَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا مَثَّلَهُ فِي قَوْلِهِ " إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ " مَعَ قَوْلِهِ " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ " حَيْثُ خَصُّوا عُمُومَ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِ الْإِفْضَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَذَلِكَ هَهُنَا (إمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى " (وَإِمَّا) مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ حُجَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ (مِنْهُمْ) الشَّافِعِيُّ وَالْمَفْهُومُ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسِّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ جَانِبَ الْمَفْهُومِ هَهُنَا ضَعُفَ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِبِلِ صَرِيحًا بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى مِنْ ذلك بخلاف الاحداث فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ أَضْعَفَا اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى شَاةً " وَقَوْلُهُ " مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَنَمِ " وَالثَّانِي وَحْدَهُ يُضْعِفُ اعْتِبَارَ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ " إذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ نَعْجَةً أَوْ شَاةً " (وَأَمَّا) الظَّاهِرِيَّةُ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَجُّونَ بالعموم لثبوته على ما تقدم والله أَعْلَمُ * (وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةً) شرط لابد مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ

الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَيُعَبَّرُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ هَذَا الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَبَنَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الخيار يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ ثَبَتَ مَعَ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ فَالْبِنَاءُ حينئذ متجه (والمختار) أنه يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَقْرِيرُهُ وَالْجُمْهُورُ هَهُنَا أَنَّ مَتَى عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ لِأَجْلِ النَّقْصِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ لَمْ يُثْبِتُوا الْخِيَارَ هَهُنَا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَأَوَّلٌ وَمَا ادَّعَيْنَا نَحْنُ مِنْ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَفَهْمِهِ هُمْ لَا يعتبرونه (وقوله) فهو بالخيار إلى آخره هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ (وَمِمَّنْ) قَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ (وَمِمَّنْ) قَالَ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أبى ليلى وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَاتَّفَقَ) جَمِيعُ أَصْحَابِنَا عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَرُوِيَتْ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ بِذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَ العتبى من سماع أشهب بن مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " فَقَالَ سَمِعْتُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّأِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إنَّ لَهُ اللَّبَنَ بِمَا عَلَفَ وَضَمِنَ (قِيلَ) لَهُ نراك تضعف الحديث (فقال) كل شئ يوضع موضع وَلَيْسَ بِالْمُوَطَّأِ وَلَا الثَّابِتِ وَقَدْ سَمِعْتُهُ (قَالَ) ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ رِوَايَةٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا عَنْ مَالِكٍ وَمَا رَوَاهَا عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ وَلَكِنَّهُ عِنْدِي اخْتِلَافٌ مِنْ رَأْيِهِ (قُلْتُ) وَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ

الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُهُ " لَيْسَ بِالثَّابِتِ " عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ بِلَا إشْكَالٍ وَقَدْ أَوْدَعَهُ الْمُوَطَّأَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالْقَوْلُ بمقتضى الحديث (قال) ابن القاسم (قلت) لمالك أنأخذ بِهَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ) نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أَوَ لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَخَذْتُهُ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لى أرى لاهل البلدان إذا نزل بِهِمْ هَذَا أَنْ يُعْطُوا الصَّاعَ مِنْ عَيْشِهِمْ (قَالَ) وَأَهْلُ مِصْرَ عَيْشُهُمْ الْحِنْطَةُ (وَقَالَ) ابْنُ عبد البرقى التَّمْهِيدِ إنَّ الصَّحِيحَ عَنْ مَالِكٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ مُنْكَرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (أَمَّا) الِاسْتِدْلَال فَدَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخْبَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَقْصُودِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأُصُولِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ فِي أَجْوِبَةِ الْمُخَالِفِينَ إنْ شاء الله تعالى * ومن القياس علي مالو باع طاحونة حبس ماءها زَمَانًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ حَالَةَ الْبَيْعِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ (وَاعْتَمَدَ) الْمُخَالِفُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عن الحديث أموار ضعيفة ترجع إلى طريقين طَرِيقَةُ الرَّدِّ وَطَرِيقَةُ التَّأْوِيلِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ مُخَالِفٌ لِقِيَاسٍ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْعَمَلُ بِهِ إما كونه مخالف لقياس الاصول المعلومة فمن وجوه (أحدهما) أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ اللَّبَنِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ أَوْجَبَ غُرْمَ قِيمَتِهِ مَعَ وُجُودِ مثله (وثلثهما) أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيمَةَ تَمْرًا وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ جَعَلَهَا مُقَدَّرَةً لَا تَزِيدُ بِزِيَادَةِ اللَّبَنِ وَلَا تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ وَمِنْ حُكْمِ الضَّمَانِ أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمَضْمُونِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (وَخَامِسُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مَوْجُودًا مَنَعَ الرَّدَّ وَمَا حَدَثَ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ (وَسَادِسُهَا) إثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا تُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ (وَسَابِعُهَا) يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ

مَعَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا (وَثَامِنُهَا) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ شَاةً وَصَاعًا بِصَاعٍ وَذَلِكَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الرِّبَا عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ (وَتَاسِعُهَا) أَنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا الرَّدُّ بِهِ بِدُونِ التَّصْرِيَةِ (وَعَاشِرُهَا) أَنَّ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَالثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يَضْمَنُ (وَأَمَّا) الْمَقَامُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ فَلِأَنَّ الْأُصُولَ الْمَعْلُومَةَ مَقْطُوعٌ بِهَا وَخَبَرُ الواح مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ (الْعُذْرُ الثَّانِي لهم) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ أَخْبَارِهِ مَا فِيهِ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ (وَأَمَّا) فِي الْأَحْكَامِ فَلَا يُقْبَلُ وَتَارَةً يَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ وَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَالصَّحَابَةُ يَنْقُلُونَ بِالْمَعْنَى وَلَا ثِقَةَ بِرِوَايَةِ غَيْرِ الْفَقِيهِ (الْعُذْرُ الثَّالِثُ) دَعْوَى النَّسْخِ فِي هذا الحديث وأنه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةً (الْعُذْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لَمَّا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَلْفَاظِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ لِتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ (الْعُذْرُ الْخَامِسُ) فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهَا فَشَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الخيار صح الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ (وَأَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الوقت (والجواب) عن ذَلِكَ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَبِالظَّنِّ فِي الْمَقَامَيْنِ جَمِيعًا (أَمَّا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَخَصَّ الرَّدَّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْأُصُولِ لَا الْمُخَالِفِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ وَقِيَاسُ الْأُصُولِ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ الْقِيَاسَ أن

الْأَكْلَ نَاسِيًا يُفْطِرُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَقَبِلَ أَبُو حنيفة خبر أبى فرارة في جواز التوضى بالنبيذ وخبر زادان في إبطال طهارة المصلى بالقهقهة لانهما إنَّمَا خَالَفَا قِيَاسَ الْأُصُولِ وَرَدَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ وَبَيْعَ الْعَرِيَّةِ لِأَنَّهُمَا خَالَفَا أُصُولَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ وصاحب هذه الطريق يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ كَالْأَوَّلِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ يُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ مخالفة الاصول أيضا قادحة ويقول أن كل مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فَهُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِ كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ إبْطَالُ أَصْلٍ لِمُخَالَفَتِهِ أُصُولًا أُخْرَى بِأَوْلَى مِنْ إبْطَالِ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمُخَالَفَتِهَا ذَلِكَ الْأَصْلَ (وَالصَّوَابُ) الْعَمَلُ بِهَا جَمِيعًا وَيُعْتَبَرُ كُلٌّ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَصَاحِبُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا فَرْقَ بين مخالفة قياس الاصول ومخالة الْأُصُولِ وَكِلَاهُمَا لَا يُوجِبُ الرَّدَّ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذكروها في النصرية وَالْقَهْقَهَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ أَصَحُّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأُصُولَ الْمُخْتَلَفَ فِي رَدِّ الْخَبَرِ بِهَا هِيَ الْمُسْتَنْبَطَةُ الَّتِي تكون في نفسها متحملة (أَمَّا) الْأُصُولُ الْمَقْطُوعُ بِهَا فَنَصُّ الْكِتَابِ وَالتَّوَاتُرُ والاجماع أو الاوصول الَّتِي فِي مَعْنَاهَا كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِخِلَافِهِ رُدَّ وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ مَا يُخَالِفُ ذلك هكذا قاله الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى فَهَذَانِ جَوَابَانِ إجْمَالِيَّانِ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ سَلَكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ طريق التفصيل وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقِيَاسِ الْأُصُولِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا بَلْ فِي الْأُصُولِ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَيُعَاضِدُهُ (أَمَّا) غُرْمُ الْقِيمَةِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ فَإِنَّ رَدَّ اللَّبَنِ فِي التَّصْرِيَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) نَقْصُ قِيمَتِهِ وَذَهَابُ كَثِيرٍ مِنْ مَنَافِعِهِ بِطُولِ الْمُكْثِ (وَالثَّانِي) أَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ قَدْ خَالَطَهُ مَا حَدَثَ فِي الضَّرْعِ بَعْدَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا خَالَطَهُ (وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ) وَهُوَ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ وَكَوْنُهُ تَمْرًا وَكَوْنُهُ مُقَدَّرًا مَعَ اختلاف

قَدْرِهِ إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ جاز الرجوع فيه إلى بدل مقدور فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مِثْلٍ وَلَا تَقْوِيمٍ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) الْحُرُّ يُضْمَنُ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ (وَمِنْهَا) الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَمِنْهَا) الْمُقَدَّرَاتُ من جهة الشرع في الشجاع كَالْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (وَمِنْهَا) جَزَاءُ الصَّيْدِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَلَا مِنْ شَرْطِ الْمِثْلِيِّ أَنْ يُضْمَنَ بِالْمِثْلِ وَالْعُدُولُ فِي الامور التى لا تنضبط إلى شئ مَعْدُودٍ وَلَا يَخْتَلِفُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالتَّشَاجُرِ وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ تُقَدَّرُ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالتَّمْرُ غَالِبُ أَقْوَاتِهِمْ كَمَا قُدِّرَتْ الدية بالابل لانها غلب أَمْوَالِهِمْ (وَعَنْ الْخَامِسِ) وَهُوَ إيجَابُ الرَّدِّ مَعَ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْصِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّقْصَ حَادِثٌ فِي اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ وَهُوَ إنَّمَا يَرُدُّ الشَّاةَ دُونَ اللَّبَنِ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّقْصَ الْحَادِثَ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ إلَّا بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ كَاَلَّذِي يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ إذَا كُسِرَ (وَعَنْ السَّادِسِ) وَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِ مُخَالِفٌ للاصول بأن الشئ إنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا له وخولف في حكمه وههنا هذه الصُّورَةُ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا لَبَنُ الحبلة الْمُجْتَمِعِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ بِالتَّدْلِيسِ فَهِيَ مُدَّةٌ يُتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ عَلَيْهَا غَالِبًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِيهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبٍ وَعَلَى أَنَّ لَنَا فِي تَقْيِيدِ خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ خِلَافًا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَإِنَّمَا جَاءَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لَهُ (وَعَنْ السَّابِعِ) وَهُوَ لُزُومُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ لَا عَنْ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ العوض والعوض (الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا تُبَاعَ شَاةٌ بِصَاعٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بعبد قيمة

كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ زَادَ الْعَبْدُ وَبَلَغَتْ قيمته ألفين ووجد المشترى بالسلعة عيبا فردها ويسترجع العبد وقيمته ألفان وذلك قيمة الثمن وَالْمُثَمَّنِ (وَعَنْ الثَّامِنِ) وَهُوَ مُخَالَفَتُهُ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ وَلَا فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ (وَعَنْ التَّاسِعِ) وَهُوَ إثْبَاتُ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ بَاعَ رَحًى دَائِرَةً بِمَاءٍ قَدْ جَمَعَهُ لَهَا وَكَمَا لَوْ سَوَّدَ الشَّعْرَ فَإِنَّ الْعَيْبَ إنَّمَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَالتَّدْلِيسُ كَذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ هَذَا التَّدْلِيسَ نَفْسَهُ عَيْبٌ (وَعَنْ الْعَاشِرِ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّبَنِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ وَأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ كَاللَّبَنِ فِي الْإِنَاءِ (وَقَوْلُهُمْ) لَوْ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَجَازَ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ مَنْقُوضٌ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَأَطْرَافُ الْخَشَبِ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ وَيُقَابِلُهَا قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَأَمَّا) الْحَمْلُ قُلْنَا فِيهِ قَوْلَانِ (فَعَلَى) قَوْلِنَا بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ قِسْطًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْأُمِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْمِ الْمَخْلُوقِ فِي الْجَوْفِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ دَافِعَةٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ (وَلَئِنْ) سَلَّمْنَا مُخَالَفَتَهُ لِذَلِكَ (فَالْجَوَابُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لَا تَضُرُّ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُمْ) إنَّ تَقْدِيمَ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ فِيهِ تَقْدِيمُ الْمَظْنُونِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأُصُولِ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأُصُولَ عَامَّةٌ وَالْخَبَرُ خَاصُّ وَالْمَظْنُونُ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ (وَأَمَّا الْعُذْرُ الثَّانِي) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْلَا ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْجَوَابِ لكنا نستحي مِنْ ذِكْرِهِ وَنُجِلُّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ أَوْ نَسْمَعَهُ فِي أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحِفْظِهِ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَحَلِّ الْمَعْلُومِ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَبِّبَهُ اللَّهُ وَأُمَّهُ إلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ

ومؤمنة وروى عن عثمان أنه قال حِينَ رَوَى لَهُمْ " اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْكَ دِينَكَ كَمَا حَفِظْتَ عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضَائِلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْمُخَالِفُونَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّلُونَ بِظَنِّهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيُوَلِّيَ غَيْرَ فَقِيهٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَتُرَى كَانَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ فِقْهٍ؟ وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ فَتَاوَى وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابن عباس احدى المعطلات يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاحِدَةٌ تثبتها وثلاث تُحَرِّمُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَيَّنْتَهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْ قَالَ نَوَّرْتَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا يَعْنِي أَصَابَ فَفُتْيَاهُ بِحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى فِقْهِهِ وَلَوْ فَرَضْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ فقيه فاشترط الْفِقْهِ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ عَدَالَةِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ وَفَهْمِهِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إحَالَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّ الْمُخَالِفَ قَبِلَ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَلَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ فَقَبِلُوا خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ الْكِتَابِ قَوْله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ مُخَالَفَتُهُ لِعُمُومِ الْكِتَابِ أَوْ مُخَالَفَتُهُ لِقَوَاعِدَ مُتَنَازَعٍ فِي عُمُومِهَا وَمُخَالَفَتُهُ لِلْقِيَاسِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْكِتَابِ بِمَرَاتِبَ ثُمَّ إنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا طَرِيقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِمَامِ الْمُجْمَعِ عَلَى فِقْهِهِ وَعِلْمِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ رَجَّحْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ طَرِيقَ الرَّفْعِ أَيْضًا جَيِّدَةٌ وَعَلَى طريقه

كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَبْعُدُ تَصْحِيحُهَا وَقَدْ رُوِيَ رَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الاسماعيلي المتقدمة ذكر الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ إذَا صَحَّ فِيهَا الرَّفْعُ طَرِيقٌ قَوِيَّةٌ جِدًّا هَذَا مَعَ مُتَابَعَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَرِيقُ الرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ فَكَوْنُهُ مِنْ كَلَامِهِ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُمْ حجة لاسيما ابْنَ مَسْعُودٍ وَطَرِيقُ فِقْهِهِمْ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا حُجَّةٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَاضِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى زَعْمِهِمْ (وَأَمَّا) نَحْنُ فَلَا نَقُولُ إنَّ الْحَدِيثَ يحتاج إلى شئ يَعْضُدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الثَّالِثُ) وَهُوَ دَعْوَى النَّسْخِ فَذَلِكَ مِنْ أَضْعَفِ الِاعْتِذَارَاتِ لِأَنَّهُ دَعْوَى نَسْخٍ بِالِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (وَأَمَّا الاعتذار الرابع) بالاضطراب فان الالفظ الْمُخْتَلِفَةَ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْهَا مَا سَنَدُهُ ضَعِيفٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ لَا مُنَافَاةَ فِيهِ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي صَحَّتْ كُلُّهَا لا تناقض فيها بل الجمع بينهما مُمْكِنٌ ظَاهِرًا (وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ الْخَامِسُ) وَاسْتِعْمَالُهُمْ لِلْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّصْرِيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ وَمَا اسْتَعْمَلُوهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَصَارَ ذِكْرُ التَّصْرِيَةِ لَغْوًا (الثَّانِي) أَنَّهُ جَعَلَ الرَّدَّ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الشَّرْطِ لَكَانَ لَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَاسِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ أَنَّهَا تَحْلُبُ مِقْدَارًا فَنَقَصَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ جَعَلَ الرِّضَا مُوجِبًا لِلْإِمْضَاءِ وَالسَّخَطَ مُوجِبًا لِلْفَسْخِ وَالرَّدِّ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَعَلِّقًا بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَإِسْقَاطُ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قَالَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ

الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقْوَاهَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِكَمَالِهِ هو وغيره فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَانْدَفَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَصْمُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ (وَأَمَّا) أَنَّ الْقِيَاسَ هَلْ هُوَ مُعَاضِدٌ لِلْحَدِيثِ فَجَمَاعَةٌ يَدَّعُونَ ذَلِكَ وَيُثْبِتُونَهُ بِمَا عُلِمَ فِي الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْضُهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَرْوِي الِاسْتِنَادَ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُ الْأَجْوِبَةَ الْمَذْكُورَةَ لِدَفْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ فَقَطْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَآخِذِ وَالْإِنْصَافُ أَوْلَى مِنْ الْعِنَادِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ لَوْ لَمْ يَرِدْ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ وقد سلم ما وجد حلة الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ إلَّا مَنْفَعَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ وَهُوَ صَرِيحٌ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ لَكُنَّا لَا نُثْبِتُ الْخِيَارَ لَا يَضُرُّنَا فِيمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّا قَدْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَنَدَّعِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ كَالْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَلَوْ سَلَّمْنَا فَحَيْثُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فَهُوَ الْعُمْدَةُ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ خَالَفَ فِيهِ الْإِمَامَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَذَكَرَ بَيَانَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ تَجْعِيدِ الشَّعْرِ وَتَلْطِيخِ الثَّوْبِ بالمداد وشبه ذلك وسنذكر ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) رَدُّ الصَّاعِ فَالْإِمَامُ مُوَافِقٌ عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ نَاظَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أيما رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ " فَقَالَ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَانَ مَا هَرَبَ إلَيْهِ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِمَّا هَرَبَ مِنْهُ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ قَالَ يَعْنِي الَّذِي رَدَّهُ إنَّهُ يُكْثِرُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ قَبُولَهُ وَيُؤَكِّدُ لُزُومَهُ وَغَزَارَةَ حِفْظِهِ وَسَعَةَ عِلْمِهِ وَكَانَ الشيخ أبو محمد اليافى يُجِيبُ عَنْهُ بِقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ *

إذَا مَحَاسِنِيَّ اللَّاتِي أَدِلُّ بِهَا * صَارَتْ ذُنُوبِي فَقُلْ لِي كَيْفَ أَعْتَذِرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَفْسُهُ قَدْ أَجَابَ عَنْ إكْثَارِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِفْظِ * * (فَرْعٌ) * فِي عِلَّةِ هَذَا الْخِيَارِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) التَّدْلِيسُ الصَّادِرُ مِنْ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) الضَّرَرُ الْحَاصِلُ لِلْمُشْتَرِي بِإِخْلَافِ مَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ صَرَّهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ثُبُوتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وقطع الغزالي بخلافه في الوجيز فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَفِي الْوَسِيطِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ وَجَعَلَ الْأَوْلَى عَدَمَ الثُّبُوتِ وَحَقِيقَةُ الْوَجْهَيْنِ تَرْجِعُ إلَى إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ الْمُجْمَعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (فَرَجَّحَ) الْبَغَوِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوَّلَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ صَرَّحُوا أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ (فَإِذَا حَلَبَهَا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) وَقَالَ أَيْضًا (فَإِنْ رَضِيَ الَّذِي ابْتَاعَ الْمُصَرَّاةَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ) (وَرَجَّحَ) الْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي حاويه (والمراد) بتحلفها بِنَفْسِهَا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ شَدٍّ لَا عَنْ قَصْدٍ بَلْ نِسْيَانًا أَوْ لِشُغْلٍ عَرَضَ فَإِنَّ اللَّبَنَ يَجْتَمِعُ فِي ضَرْعِهَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَلَدُهَا أَوْ تنفق شَدُّ أَخْلَافِهَا لِحَرَكَتِهَا بِنَفْسِهَا لَا بِصُنْعٍ آدَمِيٍّ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُهَا حَلْبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ شَدِّ الْأَخْلَافِ لِقَصْدِ غَزَارَةِ اللَّبَنِ لِيَرَاهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الشَّدِّ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ وَلَيْسَ شَدُّ الْأَخْلَافِ شَرْطًا بَلْ هُوَ الْغَالِبُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَتْرُكَ حَلْبَهَا قَصْدًا (قُلْتُ) وَذَاكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّتِي صَرَّاهَا أَجْنَبِيٌّ

بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَا شَكَّ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهَا فَهِيَ كَهِيَ فِي الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الظَّنِّ النَّاشِئِ مِنْ رُؤْيَتِهَا فَظَنَّ السَّلَامَةَ فِي غَيْرِهَا (وَأَمَّا) إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْخُلْفِ جَعَلَ ذَلِكَ كَالِالْتِزَامِ فَبَعِيدٌ وَلَوْ صَرَّاهَا لَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا فَقَدْ حَكَى الشيخ أو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ الْمَشْهُورُ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كلامهم صريحا لكنه يتخرج على أناهل نَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَأْخَذَ التَّدْلِيسُ أَوْ ظَنُّ الْمُشْتَرِي (فَعَلَى) الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخَدِيعَةَ وَالتَّدْلِيسَ (وَعَلَى) الثَّانِي يَثْبُتُ لِحُصُولِ الظَّنِّ (وَالرَّاجِحُ) مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَفَوَاتِ مَا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَدَّ أَخْلَافَهَا قَصْدًا لِصِيَانَةِ لَبَنِهَا عَنْ وَلَدِهَا فَقَطْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ كَمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (قُلْتُ) وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا لَكِنْ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ النِّسْيَانُ وَهُوَ ليس بشرط فانه إذا كان العقد صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ تَدْلِيسٌ وَخَدِيعَةٌ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّدْلِيسَ حَاصِلٌ بِعَدَمِ تَبْيِينِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَبَاعَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وابن لرفعة سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْقُشَيْرِيِّ فَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عنه على أَنَّهُ صَرَّاهَا لِأَجْلِ الْخَدِيعَةِ ثُمَّ نَسِيَهَا ثُمَّ اعترض بأنه ينبغى أن تكون هَذِهِ مِنْ صُوَرِ الْوِفَاقِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا نَقَلَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ حَصَلَ التَّدْلِيسُ وَالظَّنُّ وَلَا يُفِيدُ توسط النسيان فإذا الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَخَرَّجَهَا عَلَى مَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْقُشَيْرِيُّ وَاحِدَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقُشَيْرِيِّ بِحَسْبِ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ غَلَطًا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِالْخِيَارِ فِيهَا فَلِذَلِكَ ذَكَرْتُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَوْجَبْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحًا فِيمَا عَلِمْتُ وَاَللَّهُ أعلم *

* (فرع) * لا خلاف أن فعل التصربة بِهَذَا الْقَصْدِ حَرَامٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ وَالْخِدَاعُ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعًا وَهَلْ يختص اثم فاعله بحاله علم التحريم أولا لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَفْسَدَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي النَّجْشِ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّجْشِ تَخْصِيصُ مَعْصِيَةِ النَّاجِشِ مِمَّنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ ولو حصلت التصرية لغير قصد البيع قد رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الَّذِي أَشَرْتُ إلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي إلْبَاسِ الْعَبْدِ ثَوْبَ الْكَتَّانِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النصرية (قَالَ) إلْبَاسُ ثَوْبِ الْكَتَّانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْبَيْعِ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ بَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُلْبِسَ عَبْدَهُ كُلَّ مَا يَحِلُّ لُبْسُهُ (وَأَمَّا) تَرْكُ حَلْبِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اللَّبَنِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِالشَّرْعِ وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذكرته * قال المصنف رحمه الله * * (واختلف أصحابنا في وقت الرد فمنهم من قال يتقدر الخيار بثلاثة أيام فان علم بالتصرية فيما دون الثلاثة كان له الخيار في بقية الثلاث للسنة (ومنهم) من قال إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور فان لم يرده سقط خياره لانه خيار ثبت لنقص فكان على الفور كخيار الرد بالعيب) * * * (الشرح) * الذى قال بتقدر الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هُوَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ (قَالَ)

مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قَدْ تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِيهَا فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ الْخِيَارُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عن نصه في الاملاء أيضا ونقله الجوزى وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ صَرِيحًا وَلَمْ يذكر الجوزى غَيْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ وَيَقْتَضِي إيرَادُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ وَابْنِ سُرَاقَةَ فِي بَيَانِ مالا يشع جَهْلُهُ وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مَعَ احْتِمَالٍ فِي كَلَامِهِ وَالْخِيَارُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ خِيَارَ تَرْوِيَةٍ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلٍ وَكَخِيَارِ الشَّرْطِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَنَّهُ على الفور على قول أبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ (وَقَالَ) الرويانى في الحيلة إنَّهُ الْقِيَاسُ وَالِاخْتِيَارُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى جواز الرد إذا اطلع على النصرية فِي الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَلَا بَعْدَهَا أَيْضًا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ وَهَكَذَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيرِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ * وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ اشْتِرَاكًا وَافْتِرَاقًا وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يَشْتَرِكَانِ فِي اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ فِي التَّصْرِيَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَيَفْتَرِقَانِ فَأَبُو إِسْحَاقَ يَقُولُ الْمَقْصُودُ بِهَا الْوُقُوفُ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِحَلْبَةٍ وَلَا بِحَلْبَتَيْنِ فَإِذَا حَصَلَتْ الْحَلْبَةُ الثَّالِثَةُ عُرِفَ الْحَالُ وَكَانَ له حِينَئِذٍ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ

وَأَبُو حَامِدٍ يَجْعَلُ الْخِيَارَ فِي الثَّلَاثِ كَالْخِيَارِ الثَّابِتِ بِالشَّرْطِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " جَعَلَ الثلاثة ظرفا للخيار وهو مخالف لما يقوله أَبُو إِسْحَاقَ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مُبَايِنٌ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيَةُ مُوجِبَةٌ لِلْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ الْعُيُوبِ فَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ اشْتِرَاكٌ فِي جَعْلِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ خِيَارَ عَيْبٍ ثَبَتَ عَلَى الْفَوْرِ وَافْتِرَاقٌ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَعْتَبِرُ الثَّلَاثَ عِنْدَ عَدَمِ الشرط أصلا وأبو إسحاق يعتبرها ولذلك أنه إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي هريرة ولا يثبت عن أَبِي إِسْحَاقَ وَتَأْوِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي حامد وابن أبى هريرة متباعدان جدا لكن بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَاحِدٌ فِي جَعْلِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي صُورَةِ الشَّرْطِ وَتَلْخِيصُ هَذَا أَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ خِيَارُ شَرْعٍ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالشَّرْطِ وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالْعَيْبِ (وَأَصَحُّهُمَا وَأَوْفَقُهُمَا) لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَنْ حَكَاهُ أَيْضًا وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَحَّحْتُ هَذَا الْقَوْلَ وَخَالَفْتُ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّصْحِيحِ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ لَمْ يصح شَيْئًا وَاَلَّذِينَ صَحَّحُوا قَدْ ذَكَرْتُهُمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَيْسَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخرة بكثرة

وَالرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيَّ وَهُوَ مُعَارَضٌ بالصيمرى والجوزي وَمَعْنَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْحَدِيثِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَاعْتَذَرَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى التَّصْرِيَةِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُحْمَلُ نُقْصَانُ اللَّبَنِ فِي الْيَوْمَيْنِ عَلَى تَبَدُّلِ الْمَكَانِ وَتَفَاوُتِ الْعَلَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا اطَّلَعَ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ لَقَالَ " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثلاثة أيام " فإذا هذا العذر مع تصحيح هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجْتَمِعَانِ اجْتِمَاعًا ظَاهِرًا لَكِنْ هَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (إحْدَاهَا) مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مستندا لابي إسحق وابن أبى هريرة (أما) أبو إسحق فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ الْفِقْهِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا " فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثَ حَلَبَاتٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَمْتَدُّ بَعْدَ الثَّلَاثِ بَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْتَدُّ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ الْمَلْزُومُ (وَالثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ لَكِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الرواية لم تصح ولا رأيتها في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ فَتَعَذَّرَ هَذَا الْبَحْثُ وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مُتَعَلِّقٌ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ وَيَكُونُ الْحَلْبُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالثَّلَاثِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنِّي سَأُنَبِّهُ فِي التَّنْبِيهِ

الثَّانِي عَلَى زِيَادَةٍ فِي ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمُسْتَنَدُ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَدَمَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ (وَأَمَّا) ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمُسْتَنَدُهُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَخِيَارُ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ فَيُحْمَلُ وُرُودُ الثَّلَاثِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَهَذَا مِنْهُ يُشْبِهُ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَعْضِ اعْتِذَارَاتِهِمْ عَنْ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي رَدِّ الصَّاعِ وَقُوَّةُ الْحَدِيثِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالتَّصْرِيَةِ لَا بِالشَّرْطِ ثُمَّ يُقَالُ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْتَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ فَلْيَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ فِي أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَاسُ عَلَى مَا سِوَاهُ من العيوب فان هذا الليل أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَاللَّائِقُ أَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ فِيهِ ثَلَاثًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فَهُوَ عَامٌّ وَهَذَا خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا مُسْتَنَدَ حِينَئِذٍ لِهَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَا لِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَشْهَدُ له من جهة المذهب شئ وَهُوَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ خِيَارَ الْمُصَرَّاةِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَيْفَ كَانَ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا فِي الْبُيُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ثُبُوتَهُ بِالشَّرْعِ مَعَ عَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ مُسَوِّغٌ لِاشْتِرَاطِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلشَّرْطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) أَنَّ الْحَدِيثَ

بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمُقَابِلِ لِمَا أَبْدَيْتُهُ فِي مَأْخَذِ أَبِي إِسْحَاقَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ لَا أَبَا حَامِدٍ وَلَا غَيْرَهُ إلَّا أبا بكر ابن الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهَا مِنْ آثَارِ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَلْفَاظَ الصَّحِيحَةَ فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ فِيهَا " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " وَفِي الْأَلْفَاظِ الصَّحِيحَةِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْحَلْبِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَيُجْعَلَ أَحَدُهُمَا مُبَيِّنًا لِلْآخَرِ فَيَلْزَمُ هَذَا الَّذِي لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرُ ابْنِ الْمُنْذِرِ (وَأَمَّا) أَنْ يُجْعَلَا مُتَعَارِضَيْنِ فَتَقِفُ الدَّلَالَةُ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا " مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الرضى وَالسُّخْطَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَتَبَيُّنِ الْحَالِ وَالْحَلْبُ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اقْتَضَى زِيَادَةً عَلَى مَا اقتضاه قوله " بعد أن يحلبها " فعملنا بِالزَّائِدِ الْمُبَيِّنِ وَحَمَلْنَا الْآخَرَ عَلَى الْغَالِبِ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَأْبَاهُ اللَّفْظُ بِخِلَافِ حَمْلِ قَوْلِهِ " فهو بالخيار ثلاثة " عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَأْبَاهُ اللَّفْظُ وَاللَّائِقُ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ تَقُولَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ ثَلَاثٍ (التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ يُعَبِّرُونَ عَنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هو خيار

شَرْعٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِأَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ عَلِمْتَ مَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُوَافِقُ أَبَا إِسْحَاقَ فِي أَصْلِ الْخِيَارِ خِيَارُ عَيْبٍ وَالثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْطِ لَا لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ بَلْ بِشَرْطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَيْبِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِالتَّسْلِيمِ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْفَوْرِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي جَوَابِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْمَنْعُ لِذَلِكَ فَإِنَّا نَقُولُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ جَعَلَ خِيَارَ هَذَا الْعَيْبِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ غَالِبًا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنَى فَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ وَالْمَعَانِي وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ يَرُدُّ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَى مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ جَعْلِهَا عَيْبًا أَوْ امْتِدَادُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا لَكِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِيمَا أَقُولُهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْتَدَّا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يَرُدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَرُدُّ بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِذَلِكَ لَمْ أُورِدْهُ وَلَمْ أَرْوِهِ ولذك لَمْ أَذْكُرْهُ مَعَ الْمُوَافِقِينَ لِشَيْخِهِ الصَّيْمَرِيِّ فِي إثْبَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ وَقَدْ يَظْهَرُ لِهَذَا الْبَحْثِ أَثَرٌ فِي التَّفْرِيعِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ التَّرَدُّدُ فِي إلْحَاقِ خِيَارِ التَّصْرِيَةِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ

أَوْ بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَهَهُنَا فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهَا رَاجِعَةً إلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ خِيَارُ شَرْعٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُلْفَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَخِيَارَ الْخُلْفِ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَتَحَفُّلِ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا هَلْ يُثْبِتُ أَصْلَ الْخِيَارِ أَوْ لَا يُثْبِتُ فَاَلَّذِي يَقُولُ هَهُنَا بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ لَا يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ وَكَانَ التَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَبِالْخُلْفِ سَوَاءً (التَّنْبِيهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَيْبِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرُّ عَلَى صَحِيحِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ (وَأَمَّا) عَلَى مَا صَحَّحْتُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ فهل يكون الحكم ثبوت الْخِيَارِ ثَلَاثًا مُسْتَمِرًّا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَشْمَلْ إلَّا الَّتِي صُرِّيَتْ وَإِلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الثَّلَاثِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ خِيَارً أصلا كان ذلك مخافة لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُوَافَقَتُهُ هُنَاكَ وَإِنْ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ذَلِكَ مُوَافَقَةً له هنا فأخذ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ (إمَّا) مُخَالَفَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ هُنَاكَ (وَإِمَّا) مُوَافَقَتُهُ هُنَا (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَثْبُتُ لِأَجْلِهِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ فَوَاتُ الظَّنِّ وَكَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ إثْبَاتَ الثلاث لم تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّلَاثِ هُنَا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ لِوُجُودِ

مَعْنَى الْحَدِيثِ مُوَافَقَتُهُ هَهُنَا فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الثَّلَاثِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الحديث (التنبية السابع) أن قول أبى اسحق الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي نَقْلِهِ مَا يَنْبَغِي التَّثَبُّتُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ كَمَا حَكَيْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ إذَا أُخِذَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قبل الثلاث باقرار البائع أو نيته وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِسَبَبِهِ فَفِيهِ بُعْدٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ عِنْدَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِهَا فَقَالَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ خِيَارُ التَّصْرِيَةِ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهَا حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ فِي الْحَالِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَ لَهُ الْبَيِّنَةُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لِلتَّرْوِيَةِ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ فِي قَوْلٍ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا لِأَنَّ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ وَنَقِيصَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) فِي كَلَامِهِ هُوَ قول أبى حامد المروروذى (الثالث) هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ - والله أعلم - قول أبى اسحق وَقَدْ صَرَّحَ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَمْ يَحْكِ إلَّا قَوْلَ أَبِي حامد وقول أبى إسحق صرح على قول أبي إسحق بأنه إذا علم التصرية بأقرار أو ببينة وَأَخَّرَ الْفَسْخَ بَطَلَ خِيَارُهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ حَكَى الْمَنْعَ عَنْ أَبِي اسحق كَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إذَا ظَهَرَ لَهُ التَّصْرِيَةُ بِحَلْبَةٍ أَوْ حَلْبَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يكون بخلل في العلف

أو لتبدل الْأَيْدِي (أَمَّا) إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا حَصَلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَا يُثْبِتُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِذَلِكَ بِمُوَافَقَةٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ مَعَ أَنَّ مَنْعَ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْعَيْبِ بَعِيدٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ إلَّا بَيْنَ أَبِي حَامِدٍ وأبى اسحق قال ثبت عن أبى اسحق مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَالْخِلَافُ بين أبى هريرة وأبى اسحق متحقق وان كان أبو إسحق يَقُولُ بِالرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ الشيخ أبو حَامِدٍ مُصَرِّحٌ بِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَحْكِ الخلاف الا بين أبى اسحق وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَامِدٍ لَا يُرَدُّ نَقْلُهُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَرْبَعَةٌ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ ما قاله الرويانى عن أبى اسحق مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبِمَا حَكَاهُ القاضى حسين ولم ينسبه فيكون ذلك قَوْلًا مُغَايِرًا لِلثَّلَاثَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَرْبَعَةً هَذَا بَعِيدٌ لَا يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاخْتِلَافِ فِي النَّقْلِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَتَنْبِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَوْلَا تَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بِالْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ

لكنت أقول أن كلاهما يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ مُقَابِلٌ لِوَجْهِ أَبِي حَامِدٍ وَهُمَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ مُطْبِقُونَ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ) أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا (فَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِيَ فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ الْقَائِلُ بِجَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَيَكُونُ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ حِينَئِذٍ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يتعرض المصنف رحمه الله لِحِكَايَتِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَإِنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَّا وَجْهَانِ وَتَكُونُ مَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فهما متفقان قبل الثلاث ويوافق أبا اسحق فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَهَا (التَّنْبِيهُ التَّاسِعُ) أَنَّ اتِّفَاقَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ قَبْلَ الثَّلَاثِ إذَا حصل العلم باقرار البائع وبنيته ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَا يَعْتَبِرُ الْعِلْمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ظُهُورِ التَّصْرِيَةِ بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يُصَرِّحُوا عَنْهُ في ذلك بشئ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِإِحَالَةِ تَنَاقُصِ اللَّبَنِ عَلَى التصرية مع

احْتِمَالِ إحَالَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ وَتَبَدُّلِ الْأَيْدِي غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالِفًا لِأَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ ويكتفي في جواز الرد بظهور ذلك بِالْحَلْبَةِ وَالْحَلْبَتَيْنِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لِذَلِكَ كَمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الثَّلَاثِ فَيَكُونُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ (التَّنْبِيهُ الْعَاشِرُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إذَا عَلِمَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى عِلْمًا فِي الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بين أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُطْلَقَ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ بِدَلَالَةِ الْحَلْبِ فَيَعُودُ فِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (التَّفْرِيعُ) * لَوْ اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ (فَعَلَى) قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ قَالُوا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِلتَّرَوِّي كَخِيَارِ الشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثِ (وَعَلَى) قَوْلِ ابْنِ أَبِي هريرة وأبى اسحق قد تقدم حكمه (وقال) الجوزى إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّدُّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الثَّلَاثَ فُسْحَةً لَهُ إذا علم في أولى يَوْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ أَوْ فِي الثَّانِي أَنْ يُؤَخِّرَ الرَّدَّ إلَى الثَّلَاثِ وَيَنْقَطِعَ بِآخَرَ الرَّدُّ بَعْدَ ثَلَاثٍ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهَذَا حَسَنٌ وَيُوَافِقُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فعلى قول من ابن أبي هريرة وأبى اسحق لا يثبت كسائر العيوب الا أبى حَامِدٍ قَالُوا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ وَشَبَّهُوهُ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي اسحق لَا يَثْبُتُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَثُبُوتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ مَيْلٌ إلى

جَانِبِ التَّعَبُّدِ وَكُلُّ الْمُفَرِّعِينَ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ حَتَّى الْمَاوَرْدِيُّ وَقَدْ نَبَّهْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ اثبات الثلاثة وَجَعْلِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحِكَايَةِ عَنْ نَصِّهِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ يَقْتَضِي مَا قُلْتُهُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ الزَّمَنُ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ التَّرَوِّي قَدْ مَضَى كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْفُلُ عَنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِأَنْ يَكُونَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ يَطَّلِعُ بَعْدَ الثَّلَاثِ على التصرية وتناقص اللَّبَنِ فِي الْحَلْبَاتِ الْمَاضِيَةِ (وَأَمَّا) إذَا اشْتَرَاهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا لِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهَا مُصَرَّاةً حَتَّى يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَعْلَمُ مِقْدَارَ لَبَنِهَا الْأَصْلِيِّ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِأَمْرٍ مَجْهُولٍ كَمَا يَقُولُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَنْفُذُ إجَازَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى قَوْلِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَفِي ذَلِكَ تَمَسُّكٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَبِهِ يَتَّجِهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ مَعَ الْعِلْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطُ الْخِيَارِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ " رُوِيَ

ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مسعود والوقف أصح والرفع ضعيف ولكن يستأنس بِذَلِكَ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى إلْحَاقِ هَذَا الْخِيَارِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا أَنَّ مَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلِمَ عَيْبَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ فَقَدْ حَصَلَتْ مِنْهُ الْخِلَابَةُ (وَهِيَ الْخَدِيعَةُ) وَأَمَّا الَّذِي يَشْتَرِطُ وَصْفًا فِي الْمَبِيعِ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ لَيْسَ حَالُهُ حَالَ الْمُخَادِعِ فَأَفَادَنَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْخَدِيعَةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَأَنَّ التَّصْرِيَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْبَائِعِ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ مُخَادِعٌ كَمَا أَنَّ بَائِعَ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ مُخَادِعٌ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَيْسَ مِنْهُ فَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ أَيَّ وَقْتٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ * ثُمَّ فِي الْمُصَرَّاةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهَا فِي الْعَادَةِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَزِيدَ فِيهَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعِلْمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّصْرِيَةِ لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ وَيَنْخَرِمُ بِهِ الْخَدْشُ عَلَى مِقْدَارِ اللَّبَنِ الْأَصْلِيِّ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا مَعَ الْعِلْمِ وَيَثْبُتُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ ثلاث على الفور وقد قدمت عن الجوزى القول بذلك وابن المنذور لَمَّا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمُشْتَرِيهِ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَالَ) وَفِي مَذْهَبِ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ لَهُ الْخِيَارُ مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ أَنْ يَرُدَّهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ خَرَّجَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذا توهما أَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ لَا يَثِقُ بِخَبَرِهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِنْدَهُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ثُمَّ لَمْ يَدُمْ اللَّبَنُ بَلْ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّصْرِيَةِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَى مَا أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَأَنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا إذَا رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ قَدْ شَبَّهُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَنْ غَيْرِهَا عَلَى رَجَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ عِنِّينًا عَنْهَا فَإِذَا تَحَقَّقَتْ عُنَّتُهُ عَنْهَا أَيْضًا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَنَّ عَنْهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ لَكِنَّ الْخِلَافَ

فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ مُطْلَقٌ لِأَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلْنَا الْخِيَارَ خِيَارَ شَرْعٍ فَيَثْبُتُ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِالتَّصْرِيَةِ سَوَاءٌ دَامَ اللَّبَنُ أَوْ لَمْ يَدُمْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَلِلْمَأْخَذِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَسْأَلَةِ الْعِنِّينِ (وَفِي) الْإِبَانَةِ وَالْوَسِيطِ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ فَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ يُؤْخَذُ منها أنه علي حد الْوَجْهَيْنِ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ بَعْدَ الثَّلَاثِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ اخْتِيَارِي لَهُ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ الْمَذْكُورُ يُقَوِّي التَّمَسُّكَ بِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ قَالَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى قَوْلِ الْفُورَانِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ قبله وكان الاولى التَّرْتِيبِ فِي الصِّنْفِ خِلَافَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَجْهٌ بِذَلِكَ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا اخْتَرْته وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَحْدَهُ يَكُونُ فِي إثْبَاتِ طَرِيقَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْجَزْمِ بِالْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَالتَّرَدُّدِ قَبْلَهَا وَمِنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ * * (فَرْعٌ) * إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهَلْ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ أَوْ مِنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ (وقد) قال الجوزى هنا أن الاصح أن أول وَقْتُ الثَّلَاثِ مِنْ التَّفَرُّقِ قَالَ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تُبِيحُ لَهُ التَّبَسُّطُ بِالْحَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَهُمَا جَمِيعًا وَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَ خِيَارُ الْبَائِعِ وَحَصَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الثَّلَاثِ (وَفِي) الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّلَاثِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَرْوَزِيِّ التَّفَرُّقُ (وَعَلَى) مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ على وجهين *

* (فَرْعٌ) * لَوْ اشْتَرَطَ خِيَارَ الثَّلَاثِ لِلْبَائِعِ فِي المصراة قال الجوزى لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَلْبِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الشَّاةِ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ هَكَذَا قَالَهُ الجوزى وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ لِمَ يكن الْحَلْبُ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ لِمَنْ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَلَهُ الْحَلْبُ وَإِلَا فَلِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ إضْرَارٌ بِالشَّاةِ نَعَمْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى مَحْظُورٍ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِأَنَّ اللَّبَنَ الحادث يكون له تَبَعًا لِلْمِلْكِ وَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَاللَّبَنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِلْمُشْتَرِي لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ وَاخْتِلَاطُهُمَا مَعْلُومٌ فَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحُكِمَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي اللَّبَنِ الْحَادِثِ لَلَزِمَ هَذَا الْمَحْذُورُ فَيُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ مُدَّتَهُ قَصِيرَةٌ غَالِبًا وَأَيْضًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ مَا عَلَّلَ به الجوزى صَحِيحٌ وَإِنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي جُزْئِهِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ مُمْتَنِعٌ وَإِنْ كَانَ إذَا تَصَرَّفَ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ (وَأَمَّا) الْحِلُّ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ فَإِنْ ثَبَتَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّصَرُّفِ لَزِمَ ما قاله الجوزى لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْحَلْبِ تَصَرُّفٌ فِي الْمَبِيعِ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالشَّاةِ كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * لَوْ اُشْتُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي إذَا قُلْنَا عِنْدَ فَقْدِهِ أَنَّهُ مِنْ انْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَذَرًا مِنْ اجْتِمَاعِ مُتَجَانِسَيْنِ كَالْأَجَلِ ذَلِكَ قُلْنَا إنَّ ابْتِدَاءَ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ (قُلْتُ) وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ تَتَبَيَّنُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى فَإِثْبَاتُ ثَلَاثَةٍ أُخْرَى لَا وَجْهَ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَكَانَ كَمَا لَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فان

ذَلِكَ لَغْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ صَحَّ) ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (وَأَمَّا) شَرْطُهُ لَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يمنع أيضا أخذا مما قاله الجوزى وَمِمَّا قُلْتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ بِالْحَلْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ وَمِنْهُ ثبتا في الصورة التي ذكرها الجوزى نَظَرٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْعِ لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ فَلَوْ صَحَّحْنَا اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ هَلْ يَكُونُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُمَا بِهَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ كَثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَا يحكم بالملك حينئذ أو لَا لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * إذَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ مُصَرَّاةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى ثَبَتَ لَبَنُهَا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أشعرت به التصرية وصار ذلك عَادَةً بِتَغَيُّرِ الْمَرْعَى فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ الخيار لتدليس (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ وَشَبَّهُوا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ إلا بعد زواله وبالقولين فيما إذا عنقت الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ عِتْقَهَا حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ وَفِي تَعْلِيقٍ سَلِيمٍ عَنْ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الشَّيْخُ أَمَّا الْقَوْلَانِ فَعَلَى مَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعَيْبِ (فَأَمَّا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا أَعْرِفُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَجْهًا لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْجَمْعِ وَقَدْ اسْتَدَامَ لَهُ ذَلِكَ (قُلْتُ) وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَارِضَةَ عَلَى خِلَافِ الْجِبِلَّةِ لَا يُوثَقُ بِدَوَامِهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَرْعِ إذَا جَعَلْنَا لَهُ الرَّدَّ مِنْ بَابِ الْعَيْبِ (أَمَّا) مَنْ يَجْعَلُ الْخِيَارَ بِالشَّرْعِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا إشْكَالٍ وَبَنَى الْجُرْجَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ هَلْ هُوَ خِيَارُ خُلْفٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ خُلْفٍ فَلَا يَثْبُتُ هَهُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِفْ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خِيَارَ عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ فَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ هل يثبت له الخيار *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * * (فان اختار رد المصراة رد بدل اللبن الذى أخذه واختلفت الرواية فيه فروي أبو هريرة " صاعا من تمر " وروى أبن عمر " مثل أو مثلى لبنها قمحا " واختلف أصحابنا فيه (فقال) أبو العباس ابن سريج يرد في كل بلد من غالب قوته وحمل حديث أبى هريرة على من قوت بلده التمر وحديث ابن عمر علي من قوت بلده القمح كما قال في زكاة الفطر " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ " وأراد التمر لمن قوته التمر والشعير لمن قوته الشعير (وقال) أبو إسحق الواجب صاع من التمر لحديث ابى هريرة وتأول حديث ابن عمر عليه إذا كان مثل لبنها من القمح أكثر قيمة من صاع من التمر فتطوع به) * * * (الشَّرْحُ) * رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا وَأَنَّ الرِّوَايَةَ إلَى ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ قَوِيَّةٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالْمُشْتَرِي لِلْمُصَرَّاةِ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا وَإِمَّا أَنْ يَخْتَارَ رَدَّهَا وَإِذَا اخْتَارَ الرَّدَّ فَإِمَّا قَبْلَ الْحَلْبِ وَإِمَّا بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْدَهُ فَإِمَّا مَعَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَإِمَّا بَعْدَ تَلَفِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ لِسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِيهِمَا وذكر الحالتين الاخرتين احداها فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْفَصْلِ وَالْأُخْرَى فِي الْقِطْعَةِ الَّتِي سَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ إنْ شَاءَ الله تعالى فلنذكر الاحوال الثلاث ونقدم الصورة الَّتِي فَرَضَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّهَا (وَصُورَةُ) الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَكَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ رَدِّهَا وَرَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَا يُخَرَّجُ رَدُّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اللَّبَنُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ عَلَى رَأْيٍ لَا يُقَابِلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ تَحْقِيقُ النَّقْلِ فِي هَذَا الرَّأْي وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَكَى خِلَافًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ إلَّا ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَ اللَّبَنَ فَتَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّاةِ قِيَاسًا عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ الْقَائِمِ بَعْدَ تَلَفِ الْآخَرِ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ مَعَ الْحَدِيثِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ أَقِفْ

عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ بِالْوَجْهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذَا رَدَّهَا بِعَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ قَالَ ذَلِكَ الْوَجْهَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا هَهُنَا فَلَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَضْمُومِ إلى المصراة في الرَّدُّ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ (أَمَّا) الْجِنْسُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا نَسَبَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا عَلَّقَ سُلَيْمٌ عَنْهُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ غَالِبُ قُوتِهَا وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَيْهِمَا وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَنَسَبَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْهُ إلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَرِيبٌ ونسبه الجوزى لَمَّا تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ إلَى ابْنِ سَلَمَةَ قَالَ فَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ سَلَمَةَ يَرُدَّانِهَا مَعَ صَاعٍ مِنْ أَقْرَبِ قُوتِ الْبَلَدِ فان صحت هذه النقول فَلَعَلَّهُمْ الْأَرْبَعَةَ قَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ النَّاقِلِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الوجه النمر إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا أَوْ يَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ في زكاة الفطر وفيه خلاف والجوزي جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الثَّمَنَ فَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إلَّا التَّمْرُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ التَّمْرَ جَازَ وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بدله شيئا آخر كالحنطة أو الشعير فيه وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ قُوتِهِ وَكِلَا هَذَيْنِ المصنفين يُخَالِفُ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ صَوَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ التَّمْرَ ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ فِي تَعَيُّنِهِ وَقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ أَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى فإذا جمعت ما قاله الجوزى وصاحب التتمة مع ما اقتضاه كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ حَصَلَ لَكَ فِي رَدِّ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ (وَالثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَيَمْتَنِعَ

أَوْ مَعْدُومًا فَيَجُوزَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْوَاجِبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُحَقَّقَةٍ مِنْ قَائِلِينَ مُخْتَلِفِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا فِي تَحْقِيقِ قَوْلٍ وَاحِدٍ (أَمَّا) عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ كَابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَا اقتضاه اطلاق الجوزى قَوْلَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَكَ أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الثَّلَاثِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ جَعَلَ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفَ لَفْظُهُ لِذَلِكَ فَقَالَ " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ غَالِبَ قُوتِهَا التَّمْرُ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ بِهَا عَزِيزَةً وَقَالَ " صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ " حَيْثُ يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْ الْقُوتِ الشَّعِيرَ أَوْ الذُّرَةَ أَوْ الْأَرُزَّ وَقَالَ " مِثْلُ لَبَنِهَا قَمْحًا " وَأَرَادَ بِهِ الصَّاعَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ مِثْلُ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَصَدَ بِهِ اللبن الذى يكون غالب قوته ووراء هذه الاوجه الثلاث غَيْرِ الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ التَّمْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ أَيِّ الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ شَاءَ مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْهُ للوجه الاول والله أعلم (قال) الْمَاوَرْدِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ (وَقَوْلُهُ) " مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا " لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ صَاعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْغَنَمِ أَنْ تَكُونَ الْحَلْبَةُ نِصْفَ صَاعٍ يَعْنِي وَيَكُونُ تَرَدُّدُ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى التَّنْوِيعِ مِثْلُ لَبَنِهَا إنْ كان كثيرا قدر لبنها ان كان كثيرا قَدْرَ صَاعٍ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الشِّيَاهِ فِي بِلَادِهِمْ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبُو بَكْرٍ احمد بن ابراهيم بْنُ إسْمَاعِيلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي قَوْلِهِ " صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مَعْرُوفٍ (وَقَوْلُهُ) سَمْرَاءَ لَوْ كَانَ نَوْعُ التَّمْرِ هُوَ الْمَقْصُودُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ لَا سَمْرَاءَ مَعْنًى فَثَبَتَ أَنَّ المعنى التمر وما قام مقامه لا يكلف سَمْرَاءَ (قُلْتُ) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَلَيْسَتْ (لَا) مُتَعَيَّنَةً فِي الْإِخْرَاجِ وَإِنَّمَا هِيَ هُنَا عَاطِفَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْلِكَ جَاءَنِي رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ نَفْيُ تَوَهُّمِ أَنْ تَكُونَ السمراء

مُجْزِئَةً فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ التَّمْرَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ غَيْرُهُ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ قَصَرُوا ذَلِكَ عَلَى الْأَقْوَاتِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَهُنَا فِي التَّخْيِيرِ أَوْ فِي اعْتِبَارِ الْغَالِبِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّمْرِ قَالَ الْإِمَامُ لَكِنْ لَا نَتَعَدَّى هُنَا إلَى الْأَقِطِ بِخِلَافِ مَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ يُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ في نقل قوله التَّخْيِيرِ (وَقَوْلُهُ) إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَقْوَاتِ الْمُزَكَّاةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ النَّقْلَ فِي قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَوَرَاءَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَجْهٌ خَامِسٌ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاخْتُلِفَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ (فَقَالَ) وَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ ذَكَرَ شَيْخِي مَسْلَكًا غَرِيبًا زَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ فَقَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنْ بَقِيَ عَيْنُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ غَيْرِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ رد مِثْلُهُ فَإِنَّ اللَّبَنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلَ فَالرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَلَمْ يُصَرِّحْ وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ صَرِيحٌ وَتَرْكٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بل هو جيد عَنْ مَأْخَذِ مَذْهَبِهِ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخِيَارُ فَإِنْ اعْتَمَدْنَا فِيهِ الْخَبَرَ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْخَصْمِ حَمْلُهُ عَلَى شَرْطِ الْغَزَارَةِ مَعَ تَأْكِيدِ الشرط بالتحفيل فهو إذا هَفْوَةٌ غَيْرُ مَعْدُودَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا عَوْدَ إلَيْهَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِ وَالِدِهِ وَالْأَمْرُ فِي تَضْعِيفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجَانِبٌ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ وَيَقْتَضِي أَنَّ التَّمْرَ لَيْسَ الْوَاجِبَ أَصْلًا وَأَنَّهُ عِنْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ الْوَاجِبِ رَدُّ مِثْلِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ التَّمْرُ ثُمَّ جَعَلَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّمْرِ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ عَدَلَ إلَى مِثْلِ اللَّبَنِ أَوْ إلَى قِيمَتِهِ عِنْدَ إعْوَازِ الْمِثْلِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَفِي هَذَا تَأْوِيلٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ لله وَأَنَّ إيرَادَهُ يَرُدُّهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ حَتْمًا وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى وَجْهٍ عَلَى قَبُولِ اللَّبَنِ إذَا كَانَ باقيا ومال ابن الرافعة إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَقَالَ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أبى محمد رحمه الله

في السلسة يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ لَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَأْبَاهُ ظَاهِرُ حِكَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّهُ يُجْرَى فِي اللَّبَنِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَالْإِمَامُ وان كان كلامه عن الشيخ أبى حامد فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا لَكِنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ نَعَمْ وَأَيْضًا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى بُعْدِهِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ التَّمْرُ وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى مِثْلِهِ فَعَلَى بُعْدِهِ لَيْسَ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ عَنْهُ وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْحَالَتَيْنِ أَعْنِي حَالَةَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَحَالَةَ بَقَائِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمُصَادَمَةِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَكِنْ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْكَائِنَ فِي الضَّرْعِ قَبْلَ الْحَلْبِ يَسِيرٌ لَا يُتَمَوَّلُ فَصَارَ تَابِعًا لِمَا فِي الضَّرْعِ كَمَا إذا اختلط بالثمرة المبيعة ونحوها شئ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَلِهَذَا حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَطْبَةً فَلَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى طَالَتْ أَنَّ الزِّيَادَةَ تكون للمشترى لكبر الثَّمَرَةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ شيخ فِيمَا إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الضَّرْعِ وَقَدْ رَأَى مِنْهُ أُنْمُوذَجًا فَقَالَ وَكَأَنَّ شَيْخِي سَابِقٌ فِي التَّصْوِيرِ وَيَقُولُ إذَا ابْتَدَرَ حَلْبَهُ وَاللَّبَنُ عَلَى كَمَالِ الدَّرَّةِ لَمْ يظهر اختلاط شئ بِهِ لَهُ قَدْرٌ بِهِ سَأَلَاهُ وَإِنْ فُرِضَ شئ عَلَى نُدُورٍ لِمِثْلِهِ مُحْتَمَلٌ كَمَا إذَا بَاعَ جزة من قرط قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْخَبَرُ عَلَى هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَاللَّبَنُ إذْ ذَاكَ يَكُونُ تَالِفًا فِي الْغَالِبِ نَعَمْ الْمُشْكِلُ قَوْلُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ اللَّبَنِ يَعْنِي بِالْحُمُوضَةِ بِوُجُوبِ رَدِّ مِثْلِهِ والخبر إذا أخرج مَخْرَجِ الْغَالِبِ يُوجِبُ رَدَّ غَيْرِهِ فَالْغَرَابَةُ فِي هَذَا لَكِنَّهُ قِيَاسُ إيجَابِ رَدِّ اللَّبَنِ عِنْدَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ نَظَرًا إلَى جَعْلِ زِيَادَةِ اللَّبَنِ بِالْحَلْبِ تَابِعَةً وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ فَتَعَذَّرَ كان الواجب قيمته (قلت) وهذا التكليف عَلَى طُولِهِ لَيْسَ فِيهِ مُحَافَظَةٌ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ

الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ الرَّدُّ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ إبْدَاءُ وَجْهٍ مِنْ الْقِيَاسِ لِرَدِّ اللَّبَنِ وَنَحْنُ لَا نَذْكُرُ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ الحديث وهو عمدة المذهب في ذلك فَالْعُدُولُ عَنْهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ مُقْتَصِرٌ بِظَاهِرِهِ عَلَى حَالَةِ التَّلَفِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حِكَايَةِ الْوَجْهِ لِلْمُشْتَرِي جَبْرُ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا وَإِلَّا عَدَلَ إلَى الدَّرَاهِمِ كسائر المتلفات والله أَعْلَمُ * فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ الْأَوْجَهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَجْمَعُهَا الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّمْرَ لَا يَتَعَيَّنُ وَعَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى مُشْتَرِكَةٌ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْخَامِسُ لَا يُشَارِكُهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَيُقَابِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي الذى ذكره المصنف عن أبى اسحق المروزى اتباعا لحديث أبى هريرة رضى الله عنه وممن صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَمِمَّنْ نَسَبَهُ إلَى أَبِي اسحق كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ لِهَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِ التَّمْرِ وَلَوْ أَعْوَزَ التَّمْرَ أَعْطَى قِيمَتَهُ وَفِي قِيمَتِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) قِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّهُ إنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ وَإِنْ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ دُونَهُ لا يجوز الا برضى الْبَائِعِ هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَدَلَ

إلى الاعلى جاز من غير رضى الْبَائِعِ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْحِنْطَةَ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَعْلَى وَقَدْ تَكُونُ أَدْوَنَ وَكَأَنَّهُ رَاعَى فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ وَكَأَنَّ الْبَغَوِيَّ رَاعَى فِي ذَلِكَ الِاقْتِيَاتَ فَحَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ عن أبى اسحق وجهان والعجب أن الرافعى رحمه الله عمد به التهذيب ولم يحك عن أبى اسحق مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَإِنَّمَا حَكَى عَنْ أبى اسحق مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَحْكِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا عِنْدَ الْإِعْوَازِ إلَّا اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْمَدِينَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جِنْسِ الْمَرْدُودِ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَلَكَ فِي تَرْتِيبِهَا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَقُولَ فِي الْوَاجِبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ (وَالثَّانِي) التَّمْرُ (وَالثَّالِثُ) جِنْسُ الْأَقْوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّمْرِ فَهَلْ نَعْدِلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ أَوْ إلَى غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يكون التمر موجودا فيتعين أَوْ مَعْدُومًا فَيُعْدَلُ إلَى الْغَالِبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَقْوَاتِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ وَجْهَانِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ نَقُولَ الْوَاجِبُ التَّمْرُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ وَجْهَانِ (فَإِنَّ قُلْنَا) يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يُعْدَلُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَتَعَيَّنُ فَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ الْأَقْوَاتُ أَوْ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا وَجْهَانِ (الثَّانِي) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْأَقْوَاتُ وَحْدَهَا فَهَلْ يَتَخَيَّرُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى تَرْتِيبِ الرَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله لا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ يَحْكِ وَجْهَ الْعُدُولِ إلَى الْأَعْلَى وَلَا التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَلَا وَجْهَ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ عَلَى ظَاهِرِ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إثْبَاتَ وَجْهٍ ثَامِنٍ جَمْعًا بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي النَّقْلِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي فَهْمِ كَلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يصح

إثْبَاتُ وَجْهَيْنِ لَوْ ثَبَتَا جَمِيعًا عَنْهُ أَوْ قَائِلِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هَهُنَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا ذَكَرْتَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ سَكَتَ عَنْهُ مِمَّا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَبِي اسحق قَدْ شَمِلَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ يَعْنِي فِي الْقِيَامِ مَقَامَ التَّمْرِ فَهَذَا هُوَ الْعُدُولُ مِنْ التَّمْرِ إلَى أَعْلَى مِنْهُ (قُلْتُ) لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ أَعْلَى مِنْ التَّمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَلَا فِي القيمة فقد يكون بلد غالب قوتها قُوتٌ هُوَ أَدْنَى مِنْ التَّمْرِ قُوتًا وَقِيمَةً وقد نقل الاصحاب عن أبى إسحق أَنَّهُ جَعَلَ تَرْتِيبَ الْأَخْبَارِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَصَرَّحَ بِالتَّمْرِ فِي حَدِيثٍ وَفِي آخَرَ قَالَ " مِنْ طَعَامٍ " وَأَرَادَ التَّمْرَ وَفِي آخَرَ قَالَ " قَمْحًا " وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَمْحُ أَعَزَّ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَحَيْثُ قَالَ " مِثْلُ " أَوْ " مِثْلَيْ لَبَنِهَا " أَرَادَ إذَا كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ صَاعًا وَهَذَا التَّرْتِيبُ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَنْهُ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَلَا يُوَافِقُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ غَيْرِ التَّمْرِ أَصْلًا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مُصَرِّحَةٌ بِالتَّمْرِ وَاَلَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ مُطْلَقًا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِيهِ الْقَمْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ضَعْفِ طَرِيقِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ما تأوله ابن سريج وأبو إسحق عَلَيْهِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي اسحق أَوْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَاقُونَ هَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّيْخِ

أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي اسحق غَيْرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ تَصْحِيحٌ لِمَا نَقَلَهُ الماوردى وأن غير التمر لا يجوز وكذلك هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يكون ذلك برضى الْبَائِعِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا التَّصْحِيحِ لِأَمْرَيْنِ (أحدهما) أن حكاية الاكثرين عن أبى اسحق أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَكَثْرَةُ الْقَائِلِينَ لِذَلِكَ عَنْ أبى اسحق يقتضي على ما نقله الماوردى عنه وتبين مراد أبى اسحق وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَإِذَا لم نتحقق هذا الوجه عن أبى إسحق وَلَيْسَ مَنْقُولًا عَنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ نَقْضِي بِصِحَّتِهِ (الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ عَنْ الْقُوتِ الْوَاجِبِ إلَى قُوتٍ أَعْلَى مِنْهُ فَإِذَا عُدِلَ عَنْ التَّمْرِ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يجوز (والاصح) أن الاعتبار بزيادة الاقنيات وَالْقَمْحُ أَعْلَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ فَقَدْ يَكُونُ الْقَمْحُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ التَّمْرِ فَلَوْ كَانَ التَّمْرُ فِي الْمُصَرَّاةِ مُتَعَيَّنًا حَتَّى لَا يَجُوزَ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى (فَالْجَوَابُ) أَمَّا اختلاف النقل عن أبى اسحق وَكَوْنُ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَحَقِّقًا فَهُوَ بَحْثٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْرُ بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُ أَنْ يَرُدَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ ثَمَنٌ وَاحِدٌ وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ نَصُّ الْحَدِيثِ وَنَصُّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي ان

بدل اللبن هو التمر فتمكن المشترى من إعطاء بدله بغير رضى مستحقه على خلاف القواعد لا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَيَكْفِي التَّمَسُّكُ فِي الصَّحِيحِ بِنَصِّ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ أَقِفْ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا عَلَى نِسْبَةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ إلَى غَيْرِ أَبِي إِسْحَاقَ نَعَمْ الْإِمَامُ قَالَ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمْرُ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ يوافق ما نقله الماوردى عن أبى اسحق فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالذَّاهِبِينَ أَبَا إسحق وَمُتَابِعِيهِ وَيَعُودُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِ النَّقْلِ عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُسْتَنَدُ مَنْ لَمْ يَقُلْ من الاصحاب على كثرتهم يتعين التمر اختلاف الرواية ومجئ الْقَمْحِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي مَهَّدَ لِأَصْحَابِ الْقُوتِ مَذْهَبَهُمْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الِاتِّبَاعُ وَأَنْتَ إذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَةِ الْقَمْحِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الطَّعَامُ تَارَةً وَذُكِرَ التَّمْرُ أُخْرَى لَمْ تُبَالِ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا اتَّبَعْتَ الْحَدِيثَ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ سَدُّ خُلَّةِ الْمَسَاكِينِ وَالْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَةِ مَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مَقْصُودَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلْآدَمِيِّ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِيهَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ ضَرْبِ تعبد فَقَدْ بَانَ وَوَضَحَ لَكَ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ التَّمْرِ وَتَعْيِينُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَوْ أَدْنَى إلَّا برضى الْبَائِعِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهَذَا الصَّحِيحُ خِلَافُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِمَا تَبَيَّنَ لَكَ أن مراده عن أبى إسحق أَنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْأَعْلَى وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * هَذَا الْكَلَامُ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ قل اللبن أو كثر

وإن رادت قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الصَّاعِ أَمْ نَقَصَتْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَهَذَا الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُزْءِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التميز فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَعْيِينَ بَدَلِهِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ أَسْئِلَةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّتِي ادَّعَوْا فِيهَا خُرُوجَ الحديث عن القياس (والثاني) أن الواجب يقدر بِقَدْرِ اللَّبَنِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي فِيهَا مثل أو مثلى لبنها وعلى هذ فَقَدْ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّاعِ كَانَ فِي وَقْتٍ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ اللَّبَنِ فَإِذَا زَادَ زِدْنَا وَإِذَا نَقَصَ نَقَصْنَا وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِنَصِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا وَهَذَانِ الوجهان حكماهما الفورانى والقاضى حسين والشيخ أبو محمد غيرهم مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أنا ننظر إلى قيمة اللبن وتؤدى بِقَدْرِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا زَادَ لَبَنُ التَّصْرِيَةِ عَلَى قِيمَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْأَمْرُ كَمَا قال كَلَامَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ رُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ كَانَ قِيمَتَهُ أَوْ أقل من قيمته لان ذلك شئ وَقَّتَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ الْكَثْرَةِ وَالْأَثْمَانِ فَإِنَّ أَلْبَانَ كُلِّ الْإِبِلِ وَكُلِّ الْغَنَمِ مُخْتَلِفَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّبَنِ لَفَاوَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلَمَّا لَمْ يُفَاوِتْ بَيْنَهُمَا وَأَوْجَبَ فِيهِمَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عُلِمَ قَطْعًا بُطْلَانُ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْوَجْهِ ذِكْرًا فِي طريق العراق عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا فِي كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْغَزَالِيِّ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى قِيمَةِ نِصْفِ الشَّاةِ أو كلها كما سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْلَا أَنَّ الرَّافِعِيَّ

اعْتَدَّ بِهَذَا الْخِلَافِ وَحَكَاهُ وَتَصْرِيحُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ لَكُنْتُ أَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ تنزيله على ما في كتب العراقيين لكن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرُوهُ صَرِيحًا وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ إنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الصَّاعِ فِيمَا إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهُ إطْلَاقًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا مَا يُؤَيِّدُ تَنْزِيلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ العراقيين لكن مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ صَرِيحٌ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ كَشْفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ الصَّاعُ أَوْ يَجِبُ مِنْ التَّمْرِ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصَّاعَ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَجَعَلَ حِكَايَةَ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ الصَّاعِ وَأَفَادَ كَلَامُهُ حُصُولَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ (أَحَدُهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) وُجُوبُ قَدْرِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةَ الشاة أولا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقِيمَةِ الشَّاةِ وَجَبَ الصَّاعُ وَإِلَّا وَجَبَ بِالتَّعْدِيلِ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْدُودَ هُوَ التَّمْرُ إمَّا صَاعٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يُخَالِفُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيلِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ المجموعة من الذخاير وَغَيْرِهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عمر ثم قال قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَرَادَ الْخَبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ الْمِثْلُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ صَاعًا وَيَجِبُ مِثْلَاهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ نِصْفَ صَاعٍ وَهَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ على ما قاله الشيخ أبو محمد رحمه الله وَغَيْرُهُ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الصَّاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ صَاعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَدِيثِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ أَيْضًا ابْنُ دَاوُد فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا ضَمَمْتَ الْخِلَافَ فِي المقدار

إلَى الْخِلَافِ فِي الْجِنْسِ زَادَتْ الْأَوْجُهُ فِيمَا يَرُدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي فَرْعٍ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا زَادَ الصَّاعُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ فَأَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ المجلوب عِنْدَ بَقَائِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَكَانَ التَّمْرِ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَنْعُ مِنْ الِاعْتِيَاضِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ حال من غير بيع فلا بأس أنه يَأْخُذَ بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَاحْتَرَزَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْحَالِّ عَنْ الْمُؤَجَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ الْمُؤَجَّلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لَهُ هُنَاكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ كَجٍّ مُوَافِقَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الطَّعَامِ مُطْلَقًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْبُعْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَمَا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ الْمَنْعُ فِي اعْتِيَاضِ الْبُرِّ عَنْ التَّمْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَوْلًا فَارِقًا بَيْنَ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يُعَمِّمُ الْمَنْعَ فِي الْجَمِيعِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ فَيَكُونَ قَدْ وَافَقَ ابْنَ الْمُنْذِرِ فِي الْحُكْمِ وَخَالَفَهُ فِي الْمَأْخَذِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَالْمَأْخَذِ مَعًا وَيَمْنَعُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الطَّعَامِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَهُوَ خِلَافُ

نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ نَفْيُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يُسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ كُلُّ خِلَافٍ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي قول ابن سريج وقول أبى اسحق رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا ذِكْرُ الْقُوتِ وَإِنَّمَا ذكر الذهب والفضة ومالا يُقْتَاتُ وَرَدَّ اللَّبَنَ وَأَمَّا حِكَايَتُهُ وَحِكَايَةُ الرَّافِعِيِّ عنه الاتفاق على جواز اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صُورَةُ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِهِ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ هَذَا إذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ كَمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّدِّ فَهَلْ يَكْفِي لانهما تراضيا عليه فيرد الرد عليهما أولا يَكْفِي لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرَّدِّ عَلَى صُورَةِ الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي فَرْعٍ الْآنَ فلنبنيه لَهُ * * (فَرْعٌ) * التَّمْرُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعٌ مِنْهُ أَوْ ذَلِكَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا قَالَ أَحْمَدُ بن سرى فِيمَا نَقَلَهُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ صاغا مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ تَمْرٌ وَسَطٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْطِي تَمْرًا دُونَ تَمْرِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ سَلِيمًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَلَا اعْتَدَّ بِهِ لَا هُنَا وَلَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ والذى اقتضاه النص من تعين تمر البلد يشهد له ما ذكر في الشاة لواجبة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ قِيمَةِ الْبَلَدِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا ذُكِرَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الْجُبْرَانِ فِي الصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ نَقْدُ الْبَلَدِ قَطْعًا فَإِذَا ثَبَتَ التَّعَيُّنَ هَهُنَا فَالتَّعْيِينُ فِي زكاة؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أَوْلَى لِأَنَّ أَطْمَاعَ الْفُقَرَاءِ تَمْتَدُّ إلَى قُوتِ البلد ونوع (نَعَمْ) إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَنْوَاعٌ فَقَدْ ذكروا في الشاة لمخرجة عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْجُهًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ به صاحب المهذب بتعين غالب البلد وأصحهما عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ أي النوعين شَاءَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا ذَلِكَ الْخِلَافُ بِعَيْنِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله انه إذا أعوز التمر أو أخرج قيمته

بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى حِكَايَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى قول أبى اسحق فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ وَاعْتِبَارُ قِيمَةِ الْحِجَازِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَمْرُ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ تَمْرَ الْبَلَدِ لَأَخْرَجَ قِيمَتَهُ (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ تَعَيُّنِ تَمْرِ الْبَلَدِ وَتَأَيَّدَ بِالنَّظَائِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ إعْوَازِ التَّمْرِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْحِجَازِ فَذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يَكُونُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُوَافِقُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ من تعين تمر الْبَلَدِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ الْوُجُودِ تَمْرُ الْبَلَدِ فَإِنْ أَعْوَزَ رَجَعَ إلَى قِيمَةِ الْحِجَازِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ قِيمَةَ الْحِجَازِ عِنْدَ الْإِعْوَازِ عَلَى الْمَذْهَبِ ولا شك أن مقتضى قول أبى اسحق اعْتِبَارُهَا فَإِنَّهُ إذَا اعْتَبَرَهَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِعْوَازِ فَفِي حَالَةِ الْإِعْوَازِ أَوْلَى فَتَخَلَّصَ أَنَّ التَّمْرَ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ هُوَ تَمْرُ الْبَلَدِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَفِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق مَا ذَكَرْتُهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا تَمْرًا فَعَدَلَ إلَى تَمْرٍ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ كَمَا قَالُوهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَفِي الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ الْإِبِلِ وَلَوْ عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجِزْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّاةِ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ وَعِنْدَ الْإِعْوَازِ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا عَدَلَ عِنْدَ الْوُجُودِ إلَى نَوْعٍ أَعْلَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْعُدُولِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي السَّلَمِ إنَّ اخْتِلَافَ النَّوْعِ كَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ هَهُنَا بِغَيْرِ التَّرَاضِي وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لان هذا يجوز الاعتياض عنه على لاصح كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَأَمَّا) الْعُدُولُ إلَى نَوْعٍ أَدْنَى فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي إلَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ التَّخْيِيرِ وَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَتْ

عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ نَوْعٍ لَمْ يَعْدِلْ إلَى نَوْعٍ دُونَهُ إلَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ فَفِيهِ خلاف وكذا لا يخرج عن الكرام إلَّا كَرِيمَةً * * (فَرْعٌ) * الصَّاعُ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ بَدَلَ اللَّبَنِ هَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ الْأُخْرَى الَّذِي شَمِلَهَا الْعَقْدُ حَتَّى أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى رَدِّهِ مَعَ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَيَبْقَى بَدَلُ اللَّبَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ أَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ (وَقَوْلُهُ) في الحديث رد معها صَاعًا مِنْ تَمْرٍ يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ إفْرَادَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَجُعِلَ التَّمْرُ قَائِمًا مَقَامَ اللبن لرد عَلَيْهِمَا أَقْرَبُ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَخْذِ بَدَلِ التَّمْرِ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى لَفْظٍ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ التَّمْرَ لَا ثُبُوتَ لَهُ فِي الذِّمَّةِ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ وَإِنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ اللَّبَنِ لِيَرِدَ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا وَيُشْكِلُ أَخْذُ بَدَلِهِ لَا لِأَجْلِ التَّعْلِيلِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَلْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ فَلْتَتَنَبَّهْ لَهُ (نَعَمْ) اتِّفَاقُهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَاضِحٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اعْتِيَاضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عُدِلَ إلَى التَّمْرِ خَوْفًا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ وَوَرَدَ الرد عليهما ويحصل الفسخ في جميع الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ وَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا علي بدل آخر غيره لا يعد ولا غَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمَجْمُوعِ هَذَا فليتنبه لِهَذِهِ الدَّقَائِقَ * * (فَرْعٌ) * يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا جَعَلْنَا التَّمْرَ قَائِمًا مَقَامَ اللَّبَنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ وَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّ الشَّاةِ وَأَنْ يَبْقَى التَّمْرُ فِي ذِمَّتِهِ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُكْتَفَى بِرِضَا الْمُشْتَرِي بِذِمَّةِ الشَّفِيعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَكْفِي ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ وَهَهُنَا رَدٌّ وَالرَّدُّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْ أَخْذِ الْبَدَلِ عَنْ التَّمْرِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ عَنْهُ مَا يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْ مِقْدَارِ غَيْرِهِ وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَتَعْلِيلُهُ وَعَلَى

الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ التَّمْرِ أَوْ اللَّبَنِ بِاتِّفَاقِهِمَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ إقَامَةٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ * * (فَرْعٌ) * وَلَوْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ يَرِدُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِذَلِكَ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ لَكِنْ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْحَنْبَلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةِ صَاعًا لِقَوْلِهِ مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا (قُلْتُ) وَمِمَّنْ ذهب إلى ذلك ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَالَ) وَمَا أَظُنُّ أَصْحَابَنَا يَسْمَحُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لم يقف في ذلك على نُقِلَ وَكَذَلِكَ أَنَا لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ إلَّا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ نَقْلِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي لَبَنِ شِيَاهٍ عِدَّةٍ أَوْ بَقَرَاتٍ عِدَّةٍ إلَّا الصَّاعُ عِبَادَةً وَتَسْلِيمًا * * (فَرْعٌ) * اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ اللَّبَنِ التَّالِفِ لِأَنَّ الصَّاعَ بَدَلُ اللَّبَنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَيُفْهَمُ الْمَعْنَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ مَعَ التَّمْرِ إنْ كَانَ تَالِفًا وعينه ان كان باقيا وذلك فِي اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْحَلْبَةَ مَصْدَرٌ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَحْلُوبِ مَجَازٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ اللَّبَنِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ بِلَفْظٍ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَكَانَ بِمَا احْتَلَبَ مِنْ لَبَنِهَا وهو يدل على أنه بدل المحلوب لكن فِي سَنَدِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ * * (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ اللَّبَنِ هَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ صَاعٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُؤَدِّي أَهْلُ بلد

صَاعًا مِنْ أَغْلَبِ عِيشَتِهِمْ وَهَكَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ وَلَا يَرُدُّ معها صاع تمر ولا شيأ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَنَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا حَلَبَهَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَهَذَا خِلَافُ الْحَدِيثِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَخْتَارَ الرَّدَّ قَبْلَ حَلْبِ اللَّبَنِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ قَبْلَ الْحَلْبِ رَدَّهَا ولا شئ عَلَيْهِ وِفَاقًا فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَأَيْضًا الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا يُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْحَلْبِ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا غَيْرَ التَّصْرِيَةِ فَلَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَجْهٌ أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ رَدَّ الْآخَرِ فَيُخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ كَثِيرُونَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَطَعَ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ أَجْوِبَتَهُمْ بِذَلِكَ وَعُنِيَ بِالْإِمَامِ وَالِدَهُ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الصَّاعَ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ وَالْبَهِيمَةِ مَعَ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا كَالشَّجَرَةِ مَعَ ثَمَرَتِهَا فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَأَرَادَ رَدَّ الشَّجَرَةِ دَخَلَ هَذَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَالَ هَكَذَا حُكْمُ الْقِيَاسِ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعَ الْأَصْحَابِ حَكَمُوا بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قَالَ) وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فِي مَعْنَى الرَّدِّ بِالْخُلْفِ قَطْعًا وَاللَّبَنُ فِي الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فَرَأَى الشَّافِعِيُّ إلْحَاقَ الْوَاقِعَةِ بِالْوَاقِعَةِ كَمَا رَأَى إلْحَاقَ الْأَمَةِ بِالْعَبَدِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَنْ اشْتَرَى شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ " وَذَكَرَ

الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَدَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى مُوجَبِ الْقِيَاسِ وَخَرَّجَهَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (قُلْتُ) وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّ التَّمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحَدِيثِ لَا بِالْقِيَاسِ لَكِنْ مُرَادُ الْإِمَامِ بِالْإِلْحَاقِ الْإِلْحَاقُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ لَا فِي ضَمَانِ بَدَلِ اللَّبَنِ وَاعْتَذَرَ الْغَزَالِيُّ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي حَالَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ فَلْنُؤَيِّدْ به جواز تفريق الصفقة فانه المختار لاسيما فِي الدَّوَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ تجعل اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ذَكَرَهُ فِي لَبَنِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ تَخْرِيجًا عَلَى الْحَمْلِ فَقَالَ الْوَجْهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَبَنُ الْمُصَرَّاةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ إذْ هُوَ مَقْصُودٌ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله انه إذا رَدَّ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ بِعَيْبٍ لَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْغَزَالِيَّ أَثْبَتَ احْتِمَالَ الْإِمَامِ وَجْهًا وَنَقَلَهُ إلَى لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ عَمَّا ذَكَرَهُ إنَّهُ إنْ قَالَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ تَعْضِيدٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ (قُلْتُ) وَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضٌ فِي الْمُصَرَّاةِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا وَهِيَ مَا إذَا اخْتَارَ إمْسَاكَهَا ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ بِالتَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُصَادِمًا لِلْحَدِيثِ وَإِذَا كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ مَفْرُوضًا فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ مُسْتَنِدًا لِمَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى رَأْيٍ وَإِلَّا لَمْ يُخَرَّجْ عَلَى تَفْرِيقِ الصفقة عند ارداته الرَّدَّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا امْتِنَاعُ التَّخْرِيجِ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّدِّ بِالتَّصْرِيَةِ فَيَصُدَّ عَنْهُ الْحَدِيثُ فَلِذَلِكَ لم يصر

إلَيْهِ صَائِرٌ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ خَارِجًا عَمَّا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْقِيَاسُ بِأَنَّا إنَّمَا نُخَرِّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كُلُّهُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالشَّاةِ بَلْ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَاللَّبَنُ إنْ قُصِدَ فَتَابِعٌ وَلِهَذَا اُغْتُفِرَتْ الْجَهَالَةُ فِيهِ وَالتَّوَابِعُ إذَا فاتت لا تحلق بِالْمَتْبُوعَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا ظَهَرَ عَيْبُهُ وَامْتَنَعَ رَدُّهُ لَا نَقُولُ يُخَرَّجُ الْقَوْلُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَقْصُودَةً لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَاللَّبَنِ مِثْلُهَا (قُلْتُ) وَهَذَا أَمْيَلُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ إنْكَارِهِ لَهُ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ إذا رد بتفريق الصفقة يرده وقد حكي الجوزى قَوْلًا يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَيُخَالِفُهُ فِي الْمَأْخَذِ فَقَالَ إنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِ التَّصْرِيَةِ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرُدُّ كَمَا لَا يَرُدُّ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا فَظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رَضِيَهَا مَعِيبَةً (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَرُدُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بَدَلًا لِلَبَنِ الْمُصَرَّاةِ فَكَأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ وَسَائِرُ السِّلَعِ لَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وكان قد رضيه فلا شئ له قال الجوزى قد يجئ فِي السِّلَعِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُصَرَّاةَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِعَيْبٍ وَاحِدٍ دُونَ الْآخَرِ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الذى قاله الجوزى هو القياس ولا يلزم من الرضى بعيب الرضى بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ سَائِرَ السِّلَعِ غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عيب آخر أنه يمتنع الرد بعيد ولا وَجْهَ لَهُ وَمَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَى ذلك كما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ مَنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ثُمَّ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الرِّضَا بِمَا عَلِمَ مِنْ الرَّدِّ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَجَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الرَّدِّ هَهُنَا لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُوَافِقُهُ

فانه قال في ذلك منزلته منزلة للمشترى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبَيْنِ فَرَضِيَ بِأَحَدِهِمَا كَانَ له أنى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ الثَّانِي وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الثَّانِي قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى فِي مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقد حكى ابن الرفعة عن الجوزى هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَقَالَ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِي رَدِّهِ إبْطَالَ عَفْوِهِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا نَظَرٌ يَأْتِي في الجنايات وما حكاه الجوزى مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُصَرَّاةِ قَدْ وُجِّهَ هَذَا الْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ السِّلَعِ وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ إمَّا جَزْمًا وَإِمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَلَئِنْ سَلَّمَ (فَالْفَرْقُ) مَا ذَكَرَهُ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلِ بالمنع الذى حكاه الجوزى غَيْرُ مَأْخَذِ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالْحَدِيثُ يَصُدُّ عنه غير أن القول الذى حكاه الجوزى عَلَى غَرَابَتِهِ وَضَعْفِهِ يُعْتَضَدُ بِهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْخَذِ لِتَوَارُدِهِمَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَكِلَاهُمَا شَاهِدٌ لِلرَّأْيِ الَّذِي حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ التَّخْرِيجِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إلَّا اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَرُدَّ بَدَلَهُ وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ وَلِذَلِكَ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرُ الاصحاب بأنه مقابل بقسط وقعطوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا وَاسْتَدَلُّوا لَهُ هُنَاكَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الشيخ أبو على والجوزي فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ من مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ تَابِعًا تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَلَيْسَ أَوْصَافُ السَّلَامَةِ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا حَتَّى إذَا فَاتَ بَعْضُهَا يَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قسط من الثمن وكون الشئ مُقَابَلًا بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ أَخَصُّ مِنْ كَوْنِهِ مَقْصُودًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ وَرَضِيَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَلَهُ الرَّدُّ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَيَرُدُّ

مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالتَّصْرِيَةِ مَعَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ فَوَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَتَحَصَّلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ وَفِي الرَّوْنَقِ جَزَمَ بِرَدِّهَا وَحَكَى فِي رَدِّ الصَّاعِ التَّمْرِ مَعَهَا قَوْلَيْنِ وَهَذِهِ طريقة رابعة غريبة فهذه الاحوال الثلاثة اللَّاتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِذَكَرِهِنَّ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * إذا قلنا بأنه لايرد تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّهُ لَا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَلَهُ الْأَرْشُ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيَاسُهُ أَنْ يأتي هنا * (فائدة) * قال الجوزى: إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَ الصَّاعُ إنَّمَا يرده به لا لِلَبَنِ التَّصْرِيَةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ فَقَدْ رُدَّتْ الْعَيْنُ مَعَ قِيمَةِ النَّقْصِ فَهَلَّا كَانَ هَذَا أَصْلًا لِكُلِّ نَقْصٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَقِيمَةَ النَّقْصِ (قِيلَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الشَّاةِ عَيْنُهَا وَاللَّبَنُ تَابِعٌ فَقَدْ رَدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا وَرَدَّ قِيمَةَ التَّالِفِ وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ لَمْ يَرُدَّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا لِأَنَّ الْكُلَّ مَقْصُودٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيمَةَ النَّقْصِ لَجَازَ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهَا كُلَّهَا إذَا تَلِفَتْ (فان قيل) كذا نفعل برد قِيمَتَهَا كُلَّهَا وَإِنْ تَلِفَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ (قُلْنَا) هَذَا تَدْفَعُهُ السُّنَّةُ لِأَنَّهُ قِيلَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِيهَا إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي قِيمَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّصْرِيَةِ إلَّا بَعْدَ تَلَفِ الشَّاةِ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْآنَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * (فَائِدَةٌ) * قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَهُوَ فِي حُكْمِ وَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَهُ عَيْبُ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ إنَّهُ كَذَلِكَ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ أحد العبدين الباقين فَإِنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ فِي الْبَاقِي عَيْبًا وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَلَيْسَ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ هَهُنَا حَدَثٌ بَلْ الْعَيْبُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَ وَلِمُتَكَلِّفٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ تَصْحِيحَ كَلَامِهِ بِجَوَابٍ بَعِيدٍ فَيَقُولَ مُرَادُهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ الْحَاصِلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ الْأُخْرَى وَهَذَا تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ انْتَهَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابن الرفعة لهذا السؤال *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَ قيمة الصاع بقيمة الشاة أو أكثر ففيه وجهان (قال) أبو إسحق يجب عليه قيمة صاع بالحجاز لانا لو أوجبنا صاعا بقيمة الشاة حصل للبائع الشاة وبدلها فوجب قيمة الصاع بالحجاز لانه هو الاصل ومن أصحابنا من قال يلزمه الصاع وان كان بقيمة الشاة أو أكثر ولا يؤدى إلى الجمع بين الشاة وبدلها لان الصاع ليس ببدل عن الشاة وانما هو بدل عن اللبن فجاز كما لو غصب عبدا فخصاه فانه يرد العبد مع قيمته ولا يكون ذلك جمعا بين العبد وقيمته لان القيمة بدل عن العضو المتلف) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ وَتَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ وَبَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي مِقْدَارِهِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي تَفَاوُتِ الْمِقْدَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ فَمِنْ الْمُخَصِّصِينَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَهُوَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَاجِبِ قَدْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا كَذَلِكَ مِثْلُ مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أبو الطيب لكنا فَرَضَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّمْرُ يَأْتِي عَلَى ثَمَنِ الشَّاةِ أَوْ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَكِنَّهُ يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَنَّهُ يُجْرَى الْوَجْهَانِ وَجَوَّزْت أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ فِيهَا زِيَادَةً لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابن الصباع فِي الشَّامِلِ وَهُوَ كَثِيرُ الِاتِّبَاعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا فَحَصَلَ الْوُقُوفُ بِمَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نصف قيمة الشاة وقطع بِوُجُوبِ الصَّاعِ إذَا نَقَصَتْ عَنْ النِّصْفِ هَكَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهَذِهِ النُّقُولُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَائِلٌ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ حَكَى

الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْوَجْهَيْنِ وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا لَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ أَوْ زَادَتْ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى مِثْلِ نِصْفِ قيمة الشاة فالوجهان جاريان وليس في شئ مِنْ ذَلِكَ مُنَافَاةٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَاكِتٌ عَنْ حُكْمِ مَا إذَا زَادَتْ عن النصف ونقصت عن الشاة وكلام أبو الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ الخلاف فيها أيضا والقطع فيما إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ إطْلَاقُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ أَقَلَّ وَجَبَ رَدُّهُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ طَرِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي النِّصْفِ كَالْأَكْثَرِ وَذَكَرَ الْعِجْلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَجْهًا بِالتَّعْدِيلِ أَبَدًا أَيْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ في ذكرهم الخلاف عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي تَفَاوُتِ ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ اللَّبَنِ وَزِيَادَةُ قِيمَةِ التَّمْرِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نِصْفِهَا فَرَضُوهُ فِي بِلَادٍ يَكُونُ التَّمْرُ بِهَا عَزِيزًا كَخُرَاسَانَ وَالْوَجْهَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا غَيْرُهُمْ إلَّا مَنْ حَكَاهُمَا عَنْهُمْ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَذِكْرُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يُعْرَفُ إلَّا فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ هُوَ لَا فِيمَا فَرَضَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمُوَافِقُوهُ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الصُّورَةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَبُو الطَّيِّبِ لِذَلِكَ حَتَّى يَصِحَّ استدلاله وفى كلام الامام تعليله بمعنى يكون اطِّرَادُهُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ نَصَّ عَلَى الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ فَقَدْ أَفْهَمْنَا أَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي مقابلة شئ فَائِتٍ مِنْ الْمَبِيعِ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعَ التَّابِعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَلَى هذا حد التابع والغلو في كل شئ مَذْمُومٌ وَقَدْ يَغْلُو الْمَبِيعُ لِلَفْظِ الشَّارِعِ فَيَقَعُ فِي مَسْلَكِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ وَوَجْهُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّرَهُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَرِيبًا مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ الْمُجْتَمِعِ فِي الضَّرْعِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضْبَطَ ذلك بنصف

قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنَّا إذَا عَلِمْنَا زِيَادَةَ قِيمَةِ الصَّاعِ عَلَى مَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نُوجِبْهُ وَعِلَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ سالمة عن هذا السؤال لكن هذا يوافق الوجه الذاهب بأن الواجب مِنْ التَّمْرِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ اللَّبَنِ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي فِي التَّفْرِيعِ إيضَاحٌ لِهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ نَسَبَ هَذَا الْوَجْهَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ شَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسُلَيْمٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ سُلَيْمٌ إنَّهُ أَصَحُّ وَهَذَا الْوَجْهُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَسَنَذْكُرُ فِي التَّفْرِيعِ حَقِيقَةَ مَا يُوجِبُهُ وَنَتَعَرَّضُ فِيهِ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي حَكَوْهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّاعَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ لِلْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُصَرِّحٍ بِهِ إنَّمَا صَرَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرَ اللَّبَنُ أَوْ يَقِلَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ وَقِيمَةُ اللَّبَنِ سَوَاءً أَوْ مُتَفَاوِتَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (وَأَمَّا) قِيمَةُ الصَّاعِ مَعَ قِيمَةِ الشَّاةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لها في ذلك الكلام لكن إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ أَيْضًا وَلِأَنَّ الصاع يدل عَنْ اللَّبَنِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لَهُ فَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فَقَدَّمَ اعْتِبَارَ مُسَاوَاتِهِ لِلشَّاةِ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ مَالَ إلى ذلك القول فلعله الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْأَصْحَابِ هُنَا وَقَدْ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا ذَكَرَهُ وهو حق والمسألة التي استشهر بها فيما إذا غضب الْعَبْدَ وَخَصَاهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَنَّ جراح العبد يتقدر مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ فَالْوَاجِبُ مَا نقص من القيمة فان لم ينقص شئ فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ نَقَصَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّقْصُ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَقَدْ يَكُونُ النُّقْصَانُ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَنَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَكْثَرَ من النصف فانه على القديم صح الِاسْتِشْهَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَسْتَشْهِدْ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدَ بِمَا إذَا بَاعَ سلعة العبد وقيمة كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ ثُمَّ يَزِيدُ الْعَبْدُ فَتَبْلُغُ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ وَيَجِدُ الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا فيردها ويسترجع العبد وقيمته ألفان وذلك قيمة الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا

فِي الْقِيمَةِ فَقَطْ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَرَدَّةُ وَاحِدَةٌ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مَعَهَا شَيْئًا آخَرَ وَمَسْأَلَةُ الْغَصْبِ اسْتَرْجَعَ مَعَ الْعَبْدِ النَّاقِصِ قِيمَتَهُ فَكَانَ نَظِيرَ اسْتِرْجَاعِ الشَّاةِ الَّتِي ذَهَبَ لَبَنُهَا مَعَ صَاعٍ يُسَاوِي قِيمَتَهَا وَقَدْ يَقُولُ الْمُنْتَصِرُ لِأَبِي إِسْحَاقَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُصَرَّاةِ ضَمَانُ اللَّبَنِ التَّالِفِ بِبَدَلِهِ علي قياس المتلفات لكن الشَّارِعَ جَعَلَ الصَّاعَ بَدَلًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ النِّزَاعِ مَعَ قُرْبِ قِيمَةِ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً مُفْرِطَةً فَبَعْدَ إقَامَتِهِ بَدَلًا عَنْ لَبَنٍ لَا يُسَاوِي جُزْءًا مِنْهُ يَقَعُ مَوْقِعًا بِخِلَافِ ضَمَانِ مَا فَاتَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مُتَأَصِّلٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ فِي لَبَنِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْإِبِلِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَفَاوُتِهِمَا تَفَاوُتًا ظَاهِرًا بَدَلًا وَاحِدًا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالشَّرْعُ إذا أناط الامور المضطربة بشئ مُنْضَبِطٍ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَدْ يَقَعُ نَادِرًا وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ النَّادِرُ لَا يُلْتَفَتُ إليه بل يجرى على الضابط الشرعي لاسيما والمشترى ههنا متمكن من الامساك فأن أراد الرد فَسَبِيلُهُ رَدُّ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَدَلًا (وَقَوْلُ) الْإِمَامِ إنَّ الْغُلُوَّ مَذْمُومٌ (جَوَابُهُ) أَنَّ الْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ وَسَلِمَ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ وَجَبَ اتِّبَاعُ اللَّفْظِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ غُلُوًّا مَذْمُومًا وَالْمُخْتَصُّ بِأَهْلِ الظَّاهِرِ الَّذِي ذَمُّوا بِهِ هُوَ التَّمَسُّكُ بِاللَّفْظِ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى وَصِحَّتِهِ بِخِلَافِهِ وَالْعَالِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ بِأَنَّ الصَّاعَ وَإِنْ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْمَتْبُوعِ الَّذِي هُوَ الشَّاةُ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قَطَعَ جَوَابَهُ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْوَسَطِ فِي صُورَةِ الْوَجْهَيْنِ * * (التَّفْرِيعُ) * إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَوُجُوبِ الصَّاعِ لِلِاتِّبَاعِ فَلَا إشكال (وان قلنا) بالوجه الاول وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ صَاعٍ بِالْحِجَازِ وَهَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ يقوم بقيمة

الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَخَصُّ فَإِنَّ الْحِجَازَ يَشْمَلُ مَكَّةَ والمدينة واليمامة ومحاليفها كَمَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْنَا الْوُصُولَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ مَنْ أَطْلَقَ الْحِجَازَ أَرَادَ الْمَدِينَةَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِيهَا وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِعْوَازِ يُرْجَعُ إلَى قِيمَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَلَى قول أبى إسحق (وَأَمَّا) الْإِمَامُ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ نَرَ إيجَابَ الصَّاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَاعْتَبَرْنَا بِحَسَبِ ذَلِكَ قِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ بِالْحِجَازِ وَإِذَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَكَذَا جَرَى الْأَمْرُ فِي الْمَبْذُولِ عَلَى الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ وَهَكَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ فِيهِ إجْمَالٌ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا الوجه يعدل بالقيمة فنقول قيمة شاة وَسَطٌ وَقِيمَةُ صَاعٍ وَسَطٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ (فَإِنْ قِيلَ) هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِهِ لِلنِّهَايَةِ إنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ تِلْكَ الْمُصَرَّاةِ بِالْحِجَازِ والقيمة المتوسطة للتمر بالحجاز فتجب مِنْ التَّمْرِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ كَالظَّاهِرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَتَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى نَقْلِهِ يَتَفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الصَّاعُ وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِقْدَارُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ كَيْفَ كَانَ فَلَمْ نَذْكُرْهُ هُنَا لِأَنَّهُ قَسِيمُ الْوَجْهِ الذى عليه يفرغ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا إلَّا وَجْهَ التَّعْدِيلِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي لَبَنِ الْجَارِيَةِ الْمُصَرَّاةِ قَدْرُ قِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الْقُوتِ لَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ الْوَجْهُ المذكور هناك في صدر كلامه ولا يجئ عَلَيْهِ قَوْلُ التَّعْدِيلِ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قِيلَ هُوَ عُشْرُ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ التَّمْرِ مَا هُوَ قِيمَةُ عُشْرِ الشَّاةِ مُرَادُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِالشَّاةِ الْأُولَى الشَّاةُ الْوَسَطِ وَبِالشَّاةِ الثَّانِيَةِ الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ الْمَبِيعَةُ مِثَالُهُ إذَا قِيلَ قِيمَةُ الصَّاعِ الْوَسَطِ فِي الْغَالِبِ دِرْهَمٌ وَقِيمَةُ شَاةٍ وَسَطٍ فِي الْغَالِبِ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ خَمْسَةٌ فَإِنَّا نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ نِصْفَ عُشْرِ مَا يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ

الشَّاةِ كَمَا إذَا كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَثَلًا بِخَمْسَةٍ فَنُوجِبُ مِنْهُ عَشَرَةً وَهُوَ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ الصَّاعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُسَاوِي ثَلَاثَةً فَوَجَبَ سُدُسُهُ لِأَنَّهُ يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ هَذِهِ الشَّاةِ وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ وَقِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِالْحِجَازِ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَمْ أَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا مَا حَكَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ وَنَسَبْت الْكَلَامَ الَّذِي فِيهِ إجْمَالٌ إلَيَّ وَالْكَلَامَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْجَارِيَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَبَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ يَنْسُبُ قِيمَةَ الصَّاعِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْجَبَ عُشْرَ الصَّاعِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّ آخِرَهُ يَقْتَضِي نِسْبَةَ اللَّبَنِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا أَوْجَبْنَا مِنْ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاللَّبَنُ لَمْ يَجْرِ لَهُ وَلَا لِتَقْوِيمِهِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ التَّمْرُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا كَانَ التَّمْرُ وَقَدْ جَوَّزْتُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اللَّبَنِ بَدَلَ التَّمْرِ سَهْوًا مِنْ نَاسِخٍ لَكِنَّهُ هَكَذَا فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَفِي نسخ الروضة أيضا فأول كلام الرافعى رضى الله عنه وآخره لا يلتئمان التآما ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ التَّمْرَ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَذَلِكَ تَعَسُّفٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالْآخَرِ فَقَطْ بِأَنْ يُقَوَّمَ اللَّبَنُ وَتُقَوَّمَ الشَّاةُ وَيُنْسَبَ قِيمَةُ اللَّبَنِ مِنْهَا لَكِنَّ صَدْرَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْإِمَامِ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقْتَضِي تَقْوِيمَ التَّمْرِ وَأَيْضًا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِتَقْوِيمِ اللَّبَنِ ثُمَّ ان كلام الرافعى والغزالي رحمهم اللَّهُ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّا بَعْدَ النِّسْبَةِ نُوجِبُ مِنْ الصَّاعِ مَا اقْتَضَتْهُ النِّسْبَةُ فَنُوجِبُ فِي المثال المذكور أن يرد من الصاع ما يُسَاوِي عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ جَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمَرْدُودَ فِيهِ الصَّاعُ بِالْحِجَازِ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَفَاوُتٌ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ التَّمْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بمذهب أبى اسحق فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ أَصْلٌ لِأَجْلِ الْخَبَرِ كَيْفَ كَانَ الْحَالُ وَأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَمَا يُوجَدُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ أن يجعل بعض صاع بدلا عن صاع *

* (فَرْعٌ) * هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ * اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا وَلَا اعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَقْصِهِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِقِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنَّ ذلك سوء تدبير منه في المالك فَيَقْتَضِي الْحَجْرَ (قُلْتُ) وَمَتَى فَرَضَ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي امْتِنَاعُ الرَّدِّ لِأَنَّهُ سَفَهٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا فِيمَا إذَا صَارَفَهُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ عَلَى عَيْنِهَا وَخَرَجَ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ كَخُشُونَةِ الْفِضَّةِ وَقُلْنَا بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْإِجَازَةُ بِكُلِّ الثَّمَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَظٌّ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ فَنُبْقِيهِ عَلَى مِلْكِهِ أَصْلَحُ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ غَيْرَ أَبِي الطَّيِّبِ يُشْعِرُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعُدُولُ إلَى قَوْلِ الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الرَّدِّ وَرُدَّ الصَّاعُ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُمْنَعَ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ وَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي سَيَأْتِي وَهُوَ قِيَاسُ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ فَرَاجِعْهُ هُنَاكَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِاسْتِدْرَاكِ النَّقْصِ فَعَلَى هَذَا يُقَوِّمُ الشَّاةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةٌ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَتْ مُصَرَّاةً فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةٌ عُلِمَ أَنَّ نَقْصَ التَّصْرِيَةِ هُوَ الْخَمْسُ فَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي مَعَهَا خُمُسَ الصَّاعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَتَأَيَّدَ مَا قَالَاهُ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا لِأَنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ قِيمَةَ الشَّاةِ لَا الثَّمَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا سَاوَى الصَّاعُ الثَّمَنَ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ التمر قد يكون قدر قِيمَةِ الشَّاةِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ نَعَمْ الْغَالِبُ مُقَارَبَةُ الثَّمَنِ لِلْقِيمَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَائِلُهُ نَاظِرٌ فِيهِ إلَى الْغَلَبَةِ وَمَعَ هَذَا يَصِحُّ أَنْ تَعْضُدَ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بِهِ وَفِي هَذَا الْفَرْعِ وَجْهٌ ثالث ذكره الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ الشَّاةَ وَقِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا بِمِثْلِهِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَوَجْهٌ رَابِعٌ مَجْزُومٌ بِهِ في تعليق الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا ولا شئ عليه *

* (فَرْعٌ) * هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْحِجَازِ أَوْ الْمَدِينَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذَا أُعْوِزَ التَّمْرُ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْوَزَ التَّمْرُ وَبَيْنَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا ضَمَمْتَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَصَلَ لَكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُ الصَّاعِ (الثَّانِي) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِالْمَدِينَةِ (الثَّالِثُ) وُجُوبُ قِيمَتِهِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ (الرَّابِعُ) وُجُوبُ بَعْضِ صَاعٍ لِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ لَيْسَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عِنْدَ إمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ وَمَا حَكَيْنَاهُ عن الجوزى وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إنْ أُعْوِزَ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ الصَّاعِ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا بِتَمْرٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ أَنَّهُ رَضِيَ بِهَا ثُمَّ أَرَادَ الْإِقَالَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ عَقْدٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ تَمْرًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ شَاةً وَصَاعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْإِقَالَةُ فَسْخٌ جَازَ لِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا رِبَا فِيهَا (قُلْتُ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِقَالَةِ يَأْتِي عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وأما الذى حكاه الجوزى أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ نَقْدًا فَيَجُوزُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ * * (فَرْعٌ) * عَنْ البندنيجى أنه يعتبر قيمة يوم الرَّدِّ كَرَجُلٍ أَقْرَضَ رَجُلًا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّمْرِ كَذَا هَهُنَا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (قُلْتُ) فَلَوْ فَرَضْنَا قِيمَةَ التَّمْرِ يَوْمَ الرَّدِّ بِالْحِجَازِ كَثِيرَةً تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ لِغَلَاءِ سِعْرِ التَّمْرِ وَرُخْصِ الشَّاةِ فَكَيْفَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ (يُمْكِنُ) أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقَرْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ الْوَسَطَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ الْأَنْوَاعِ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِكَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ لَكِنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ وَقْتَ الرَّدِّ وَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَقَلُّ *

* (فرع) * الذى يقول بأيجاب شئ مِنْ التَّمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعِ تَمْرٍ وَرَدَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ بِمُقْتَضَى التَّوْزِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ عِنْدَ فَقْدِ التمر فليته قال والظاهر أنه يقول برد مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ مِنْ الْقِيمَةِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ يَكُونُ الْوَاجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرِ الْحِجَازِ كَمَا سَلَفَ وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ آخَرُ عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ صَاعِ تَمْرٍ بِأَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ (قُلْتُ) وَمَا قَالَهُ أَنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ (وَالثَّانِي) قِيمَةُ الصَّاعِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ (وَالثَّالِثُ) إيجَابُ قِيمَةِ بَعْضِ الصَّاعِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّوْزِيعُ (وَالرَّابِعُ) إيجَابُ بَعْضِ قِيمَةِ صَاعٍ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وقد تقدم ما ذكره الجوزى وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ * (فَائِدَةٌ) * قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ لِأَنَّ التَّمْرَ هُوَ الْأَصْلُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ صَاعَ التَّمْرِ بِالْحِجَازِ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعْنَا إلَى قِيمَتِهِ بِالْحِجَازِ كَمَنْ أَقْرَضَ تَمْرًا بِالْحِجَازِ وَلَقِيَهُ بِخُرَاسَانَ فَطَالَبَهُ بِقِيمَةِ الْحِجَازِ ** (فَرْعٌ) * رَأَيْتُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ قِيمَةَ الصَّاعِ فَإِنَّا نُوجِبُ فِيهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْحِجَازِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسْخَةِ تَصْحِيفٌ وَلَعَلَّهُ يُوجِبُ قِيمَةَ صَاعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * تَقَدَّمَ فِي جِنْسِ الْوَاجِبِ رَدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ وَفِي مِقْدَارِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) صَاعُ تَمْرٍ (وَالثَّانِي) بِقَدْرِ قِيمَةِ التَّمْرِ (وَالثَّالِثُ) إنْ زَادَ الصَّاعُ فِيمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ وَإِلَّا وَجَبَ الصَّاعُ (وَالرَّابِعُ) إنْ زَادَ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ بِالْحِجَازِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُهُ إنَّهُ إنْ زَادَ الصَّاعُ فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّمْرُ فَإِذَا خَلَطْت الْأَوْجُهَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَجَمَعْتَهَا حَصَلَ لَكَ فِيمَا تَرُدُّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِي سِتَّةٍ (وَأَمَّا) السَّابِعُ وَهُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَا يَأْتِي خِلَافٌ فِي الْمِقْدَارِ فِيهِ وَتَرْتِيبُهَا هَكَذَا (أَصَحُّهَا) أَنَّ الْوَاجِبَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ (الثَّانِي) صَاعٌ مِنْ الْقُوتِ الْغَالِبِ (الثَّالِثُ) صَاعٌ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ مَا عَدَا

الاقط (الرابع) التمر أو ما هو أعلى مِنْهُ (الْخَامِسُ) التَّمْرُ أَوْ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ (السَّادِسُ) لَوْ كَانَ التَّمْرُ مَوْجُودًا فَصَاعٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَصَاعٌ مِنْ الْغَالِبِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ وَمِثْلُهَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا صَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ وَسِتَّةً إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى الشَّاةِ أَوْ نَصْفِهَا فَالْوَاجِبُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْدِيلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَزِدْ فَالْوَاجِبُ الصَّاعُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةٌ أَنَّهُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهُ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ السِّتَّةُ عَلَى الْخِلَافِ وَالْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْجَرْيِ عَلَى قِيَاسِ الْمَضْمُونَاتِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * فَإِنْ كَانَ بَاعَ الشَّاةَ المصراة بصاع من تمر فيجئ فِيهَا بِمُقْتَضَى التَّرْكِيبِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا هَذِهِ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ وَثَلَاثَةٌ أُخْرَى (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الصَّاعِ بِقَدْرِ نَقْصِ التَّصْرِيَةِ مِنْ التَّمْرِ (وَالثَّانِي) يَرُدُّ قِيمَةَ اللَّبَنِ ذَهَبًا أَوْ فضة (والثالث) يردها ولا شئ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ * وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكِيبَ هَذِهِ الْوُجُوهِ ذُكِرَ لِتُسْتَفَادَ وَيُعْرَفَ كَيْفِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ إثْبَاتَهَا لِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ قَائِلٌ بِالْوُجُوهِ الَّتِي تَرَكَّبَ مَعَهَا حَتَّى يَصِحَّ التَّرْكِيبُ وَقَدْ فَعَلَ الْأَصْحَابُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ والله أعلم * * قال المصنف رحمه الله * * (وان كان ما حلب من اللبن باقيا فأراد رده ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لا يجبر البائع على أخذه لانه صار بالحلب ناقصا لانه يسرع إليه التغير فلا يجبر على أخذه (ومن) أصحابنا من قال يجبر لان نقصانه حصل لمعني يستعلم به العيب فلم يمنع الرد ولانه لو لم يجز رده لنقصانه بالحلب لم يجز إفراد الشاة بالرد لانه افراد بعض المعقود عليه بالرد فلما جاز ذلك ههنا - وان لم يجز في سائر المواضع - جاز رد اللبن هنا مع نقصانه - بالحلب وان لم يجز في سائر المواضع -) *

* (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْوَالِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ وَهِيَ إذَا أَرَادَ رَدَّهَا بَعْدَ الْحَلْبِ وَاللَّبَنُ بَاقٍ وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ قَدْ حَمَضَ وَتَغَيَّرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُكَلَّفُ أَخْذَهُ (وَالثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهِيَ صُورَةُ الْكِتَابِ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أصحهما) وهو قول أبى إسحق أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَخْذُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ بَلْ لَوْ كَانَ عَقِبَ الْحَلْبِ لَمْ يَجِبْ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ صَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغْيِيرُ فَنَقَصَ عَمَّا كَانَ فِي الضَّرْعِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الْعَقْدِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُشْتَرِي فَإِذَا سَمَحَ بِهِ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ وَهَذَا قَدْ يَخْدِشُهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَمَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ فَيَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى أَوْلَى (وَقَدْ يُقَالُ) إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى الْأَخْبَارِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ نَزَعَهُ مَعِيبًا فَلَمْ يَنْزِعْهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَهَهُنَا لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى قَبُولِ اللَّبَنِ لِإِمْكَانِ رَدِّ التَّمْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاعْتِذَارُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تلك المسألة كأنه إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يُفَرِّقُ بِهِ العيب يرده قَهْرًا وَقَاسُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ هَذَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ الَّتِي قَاسُوا عَلَيْهَا رَدَّ الشَّاةِ بِدُونِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ جائز قولا واحد مَعَ النُّقْصَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهَا بِالْحَلْبِ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ الشَّاةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ الَّتِي فِيهَا إذْ لَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُ قَوْلٍ عَلَى وَجْهٍ وَحِينَئِذٍ فَمَسْأَلَةُ اللَّبَنِ هَذِهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُسْنَدَةِ إلَى رَدِّ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ (الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَيْبُ غَيْرَ مَانِعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَبِلَا خِلَافٍ فِي رَدِّ الشَّاةِ نَفْسِهَا بَعْدَ الْحَلْبِ فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا فِي رَدِّ اللَّبَنِ كَذَلِكَ؟ وَلِمَ حَكَمَ الجمهور

بِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ يَقْتَضِي رَدَّهُ بِخِلَافِ الشَّاةِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِسَبَبِهِ يُرَدُّ فَنَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ وَاللَّبَنُ نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِ غَيْرِهِ وَهُوَ الشَّاةُ وَإِلْحَاقُهُ بِمَا نَقَصَهُ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبِهِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَافٍ فِي الْفَرْقِ (وَأَيْضًا) النَّقْصُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَأَدَّى إلَى بُطْلَانِ رَدِّ المعيب وَهَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ بَدَلًا يَرُدُّهُ مَعَ الشَّاةِ الْمَعِيبَةِ وَاللَّبَنُ لَيْسَ بِمَعِيبٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِهِ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ اغْتِفَارُهُ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ (الثَّالِثُ) أَنَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ فِيمَا نَقَصَتْ قيمته بكسره نقول بأنه يغرم الْأَرْشُ عَلَى قَوْلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ خِلَافَهُ وَأَمَّا هَهُنَا عَلَى الْوَجْهِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ مَعَ ذَلِكَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَقِيمَتِهِ مَحْلُوبًا وَهَذَا يُحَرِّكُ لَنَا بَحْثًا وَهُوَ أَنَّ التَّمْرَ يَتَقَسَّطُ عَلَى الشَّاةِ وَاللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قِيمَتَيْهِمَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ أَوْ بَعْدَ الْحَلْبِ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّهُ فِي الضَّرْعِ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ لَكِنَّا إذَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْبِ أَنْقَصُ مِمَّا فِي الضَّرْعِ وَحِينَ الْمُقَابَلَةِ كَانَ فِي الضَّرْعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْسِيطِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَهَذَا الْبَحْثُ حَرَّكْتُهُ لِنَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ فِي الضَّرْعِ وَبِالْحَلْبِ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ قِيَاسُ ذَلِكَ الْوَجْهِ إيجَابَ الْأَرْشِ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْحَلْبِ فَلَا نَقْصَ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَذِرَ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ (الرَّابِعُ) أَنَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّ اللَّبَنِ فَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَرَدُّ الشَّاةِ (قَالَ) صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَ قَدْ أَمْسَكَهَا زَمَانًا يَحْدُثُ فِي مِثْلِهِ لَبَنٌ لَا يُكَلَّفُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مِلْكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَإِنْ حَلَبَ عَقِيبَ الشِّرَاءِ وَقُلْنَا عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ عَيَّنَ حَقَّهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّهُ إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَدَلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي يَدِهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ لَهُ هَهُنَا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ هَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ فَوَجَدَ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ إمْسَاكَ اللَّبَنِ وَرَدَّ الشَّاةِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ فَعَلَى قَوْلٍ يَمْتَنِعُ عليها

الْإِفْرَادُ بِالرَّدِّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِلَاطِ اللَّبَنِ بِلَبَنٍ جَدِيدٍ وَعَلَى قَوْلٍ لَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَبِمَاذَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قبول وَحَقُّهُ فِي التَّمْرِ وَاللَّبَنِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوجِبَ رَدَّ اللَّبَنِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ (السَّادِسُ) أَنَّ رَدَّ اللَّبَنِ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ إذَا قُلْنَا الْخِيَارُ فِيهَا عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى إذَا أَخَّرَ بَطَلَ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَيُقْتَصَرُ عَلَى رَدِّ الشَّاةِ أَوْ نَقُولُ رَدَّ الشَّاةَ عَلَى الْفَوْرِ وَاللَّبَنَ إلَى خِيَرَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَهُوَ يَلْتَفِتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي أَنَّ ذَلِكَ هل هو بطريق الفسخ أولا فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَكُلُّ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ الْمُضْطَرِبَةِ سَبَبُهَا ضَعْفُ هَذَا الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ لَهُ رَدَّ اللَّبَنِ قَهْرًا (السَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَى آخِرِهِ هُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ الَّذِي وَعَدْتُ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ نَاظِرٍ إلَى أَنَّ النقصان لاجل الاستعلام أولا وَبِهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ المسألة ومسألة مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ جَمِيعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَسْأَلَةِ رَدِّ الْمُصَرَّاةِ مَعَ نَقْصِهَا بِالْحَلْبِ وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ امْتِنَاعَ رَدِّ اللَّبَنِ مُسْتَلْزِمًا لِامْتِنَاعِ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ وَعَلَّلَ الْأَوَّلَ بالنقص بالحلب والثانى بأنه إفراد بعض المعقود عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ النَّقْصِ بِالْحَلْبِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ قِيَاسُ النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ عَلَى النُّقْصَانِ بِالْإِفْرَادِ فَإِنَّ إفْرَادَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصٌ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وَلِذِكْرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إمَّا جَزْمًا إذَا كَانَ الْعَيْبُ بِهِمَا أَوْ عَلَى الْأَظْهَرِ إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا وَإِذَا كَانَ إفْرَادُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَقْصًا فَلَوْ امْتَنَعَ رَدُّ اللَّبَنِ بِنُقْصَانِهِ بِالْحَلْبِ لَامْتَنَعَ إفْرَادُ الشَّاةِ لِنُقْصَانِهَا بِالْإِفْرَادِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ النُّقْصَانِ فَلَمَّا جَازَ رَدُّ الشَّاةِ هَهُنَا وَإِفْرَادُهَا عَنْ اللَّبَنِ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَجْعَلْ النُّقْصَانَ بِالْإِفْرَادِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَا يُجْعَلُ النُّقْصَانُ بِالْحَلْبِ مَانِعًا - وَإِنْ كَانَ مَانِعًا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ - هَذَا تقرير هذا الدليل ولابد مِنْ الْجَوَابِ عَنْهُ إذْ الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ (وَطَرِيقُ) الْجَوَابِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ النَّقْصَ مَانِعٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ فِي مَوْضِعٍ مُخَالَفَتُهُ فِي كُلِّ

مَوْضِعٍ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَثْنَى لِأَجْلِهِ نُقْصَانَ إفْرَادِ الشَّاةِ بِالرَّدِّ عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ الْإِفْرَادِ مَوْجُودٌ فِي النُّقْصَانِ بِالْحَلْبِ هَهُنَا حَتَّى يُسْتَثْنَى عَنْ سَائِرِ مَوَاضِعِ النَّقْصِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ بَيِّنٍ (الثَّامِنُ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَقْتَضِي حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ عن أبى اسحق ولذلك الرويانى قال أن أبا اسحق أَشَارَ فِي الشَّرْحِ إلَى وَجْهَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ قَوْلَ أَبِي اسحق وَكَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَلِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يجبر عليه ذكره أبو إسحق فِي الشَّرْحِ وَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُونَ الْوَجْهَيْنِ غَيْرَ مَنْسُوبَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ أن أبا اسحق ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَارَهُ وَالْوَجْهَ الْآخَرَ (التَّاسِعُ) أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي رَدِّهِ علي جهة القهر أما لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَازَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَبَّهْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ أَوْ مِنْ بَابِ الرَّدِّ بِالْفَسْخِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ خَالَفَ فِيهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْمُخَالَفَةُ هَهُنَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِيَاضِ وَذَكَرْتُ بَحْثًا هُنَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يجوز فلينظر ذلك البحث هناك فِي فَرْعٍ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ أجاز رد المصراة رد بَدَلَ اللَّبَنِ " * * (فَرْعٌ) * قَسَّمَ الْمَرْعَشِيُّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي إلَى قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْمُصَرَّاةُ يَرُدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أُخِذَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ فِي ضَرْعِهَا وَمَا سِوَى الْمُصَرَّاةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) يرد قولا واحدا كالعنت وَالْخِيَارِ يَغْمِزُهُ بِعُودٍ أَوْ حَدِيدَةٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مر (والثانى) فيه قولا كَالثَّوْبِ يُقْطَعُ ثُمَّ يُعْلَمُ عَيْبُهُ (وَالثَّالِثُ) ثَلَاثَةُ أقوال إذا كسرنا لَا نُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ نَذْكُرهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * إذَا اشْتَرَى شَاةً وَجَزَّ صُوفَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا إنْ كَانَ الْجَزُّ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ لَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ وَجَرَى مجرى الحلب *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى جارية مصراة ففيه أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صاعا لانه يقصد لبنها فثبت بالتدليس له فيه الخيار والصاع كالشاة (والثانى) أنه يردها لان لبنها يقصد لتربية الولد وَلَمْ يُسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ ولا يرد بدله لانه لا يباع ولا يقصد بالعوض (والثالث) لا يردها لان الجارية لا يقصد في العادة إلا عينها دون لبنها (والرابع) لا يردها ويرجع بالارش لانه لا يمكن ردها مع عوض اللبن لانه ليس للبنها عوض مقصود ولا يمكن ردها من غير عوض لانه يؤدي إلى إسقاط حق البائع من لبنها من غير بدل ولا يمكن إجبار المبتاع على إمساكها بالثمن المسمى لانه لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ به من اللبن فوجب أن يرجع على البائع بالارش كما لو وجد بالمبيع عيبا وحدث عنده عيب) * * * (الشَّرْحُ) * الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْل وَالْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ (وَكَثِيرٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُونَ حُكْمَ الْبَقَرِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْ النَّصِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَفْظُهُ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " فَإِنَّهُ عَامٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْبَقَرِ إمَّا بِالنَّصِّ وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهَا أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِمَا أَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَعَقَدَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَصْلَ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِلْكَلَامِ فِيهِمَا وَاَلَّذِي تُجْرَى أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ عَلَيْهِمَا فَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ إمَّا الْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الجلاء والظهور كالاولى وَإِمَّا إدْرَاجُهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَاَلَّذِي لَا تَجْرِي عَلَيْهِمَا أَحْكَامُ الْمُصَرَّاةِ طَرِيقُهُ قَطْعُ الْقِيَاسِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مُصَرَّاةً (إمَّا) بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَإِمَّا) بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ اللَّفْظِ بِدَلِيلٍ (وَقَدْ) يُقَالُ إنَّ

مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الْجَارِيَةِ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا " فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلْبِ وَفِي إطْلَاقِ الْحَلْبِ عَلَى الْجَارِيَةِ نَظَرٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ قَاعِدَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَدُلُّ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسَوِّغُ إلْحَاقَ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْمَنْصُوصِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّصَّ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ مَا سِوَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى قِسْمَيْنِ (قِسْمٌ) التَّصْرِيَةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فِي غَيْرِ الابل والغنم (وقسم) فيه معني بشبه التَّصْرِيَةَ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَارِيَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَالْأَتَانَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لِشُمُولِ التَّصْرِيَةِ بِالْجَمِيعِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَلِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالتَّصْرِيَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرَهُ وَلَهُ مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ كَتَجْعِيدِ الشَّعْرِ فَيُلْحَقُ وَالْخَفَاءِ كَنُقْطَةٍ مِنْ الْمِدَادِ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ فَلَا يلحق وبين ذلك ففيه خلاف ونذكره هَذِهِ الْمَرَاتِبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِي التَّصْرِيَةِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أنها ليست بعيب (والثانى) وهو قول البغدايين أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ عَيْبٌ (وَأَمَّا) تَصْرِيَةُ الْجَارِيَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِ لَيْسَ مِنْ النَّمَطِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ التَّلْبِيسَ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْجَارِيَةِ كَالتَّلْبِيسِ بِالتَّصْرِيَةِ فِي الْبَهِيمَةِ وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي خِيَارِ الْخُلْفِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الشَّرْطِ والفعل الموهم الْمُدَلِّسِ الْخُلْفُ بِالشَّرْطِ وَهُوَ دُونَهُ وَيَقْوَى أَثَرُهُ فيما يظهر توجه القصد إليه فاما مالا يَتَوَجَّهُ الْقَصْدُ إلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّلْبِيسُ فِيهِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مَعَ التَّقْرِيبِ يلتحق بما قدمناه من مواقع الحلاف يَعْنِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ كما أشرنا إليه من قبل فان الشئ إذَا كَانَ لَا يُقْصَدُ مِمَّا يُجْرَى مِنْ تلبيس فيه وفاقا لا توهم وَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرُبَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْعَ وَالْإِخْلَافَ يُعْتَادُ مُعَايَنَتُهَا وَيُدْرَكُ الْفَرْقُ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّدْيُ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ لَا تَتَعَلَّقُ غَالِبًا بِهِ وَغَرَضُنَا تَخْرِيجُ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ عَلَى أُصُولٍ ضابطة انتهى ومقصود

الامام بذلك أَنَّ الثَّدْيَ إذَا كَانَ لَا يُرَى غَالِبًا وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ قَصْدُ التَّغْرِيرِ غَالِبًا فَلَمْ يتحقق كضرع الناقة والشاة الذى هو مرئ الْغَالِبِ وَمَقْصُودُهُ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ أَيْ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ إلَّا عَلَى نُدُورٍ لِأَجْلِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُلْتَحَقُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُغْتَرَّ بِرُؤْيَةِ الْحَلَمَةِ وَهُوَ الثَّدْيُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَهَلْ التَّصْرِيَةُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا عَيْبٌ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الرَّغْبَةُ فِي رَضَاعِ الْوَلَدِ (وَالثَّانِي) أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ تُحَسِّنُ الثَّدْيَ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يَسْتَرْسِلُ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَلَكِنَّ غَيْرَهُ مُصَرِّحٌ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَشَبَّهُوهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَبَانَتْ اخته فلا خيار لان الوطئ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْصُودٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَصْلُهَا وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سريج وابن سلمة فيما حكاه الجوزى (وَالْآخَرُ) يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ متقوما وهذا معني الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْعِوَضِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ بَيْعِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْحَاوِي وَفِيمَا عَلَّقَهُ سُلَيْمٌ عَنْ أَبِي حَامِدٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وهذا قول أبى حفص ابن الوكيل على ما يقتضيه كلام الجوزى وَعَلَى هَذَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أي ولا شئ لَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْوَجْهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ (وَالْآخَرُ) وَهُوَ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِ فَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَهُ فِيمَا عَلَّقَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لا خلاف في أنها عيب إلى مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ حَسَنٌ وَاسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ بِأَنَّهَا نَقَصَتْ عِنْدَهُ فَهَذَا الْوَجْهُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَعَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثَلَاثَتُهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ عَيْبٌ

وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مُفَرَّقَةً فِي التَّعْلِيقَيْنِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَغَلَّطَهُ قَالَ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مَنَعَ الرَّدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَقَدَّرَ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ الْحَلْبَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَقَالَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يُغَلَّطُ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فَرَّعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ (وَقَالَ) الْإِمَامُ إذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِتَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ قَدَّرْنَا التَّمْرَ بِقِيمَةِ اللَّبَنِ فَلَمْ يَكُنْ للبن الجارية قيمة لم يجب شئ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الصَّاعَ فَهَهُنَا وَجْهَانِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ قيمة فلابد مِنْ بَدَلِهِ وَهَلْ يُبْدَلُ بِالصَّاعِ أَوْ بِقِيمَتِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ حَسَنٌ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عند الرافعى وصاحب التهذيب أنه لا يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَهُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ الْأَقْيَسُ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَمَةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنِ آدَمِيَّةٍ جَازَ وَهُوَ رَدُّ مَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَمَا صَحَّ بَيْعُهَا بلبن ادمية كمالا يَصِحُّ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنِ غنم وعلى ما تقدم من تخريج رَجَعَ النَّظَرُ إلَى تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ أَنَّ لبن الجارية هل له قيمة أولا فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ بَدَلِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (قَالَ) لِأَنَّ نَفْيَ الْبَدَلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَقْتَضِيهِ خَبَرٌ وَلَا يُوجِبُهُ قِيَاسٌ * * (فَرْعٌ) * حُكْمُ الْخَيْلِ حُكْمُ الجارية ذكره الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْجَارِيَةِ الثَّلَاثَةَ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَنَا فِي تَصْرِيَةِ لَبَنِ الْجَارِيَةِ قَوْلَانِ وَفِي الْأَتَانِ وَجْهَانِ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَارِيَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَدَدْتُ الْقَوْلَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

* (فَرْعٌ) * مِنْ جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حُكْمَ التَّصْرِيَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَبْوِيبِهِ بَابُ النَّهْيِ " لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يُحَفِّلَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ تُحْلَبْ أَيَّامًا " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ حَدِيثًا فِيهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ بِنَعْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * حَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَرُدُّ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَالثَّانِي في التنبيه هو الثاني في المهذب والاولى فِي الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الثَّالِثَ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَلَا شئ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الرَّدِّ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي قَوْلِ التَّنْبِيهِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ أَيْ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ هُوَ مَا ظَنَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ (قُلْتُ) وَأَمَّا تَفْسِيرُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِكَلَامِ الشيخ فممنوع لما تقدم وأما كلام لبن يُونُسَ فَمُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعْلَهُمَا مُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي قُلْتُ إنَّهُ الْأَوْلَى وَحِينَئِذٍ لَا يُنْسَبُ إلَى ابْنِ يُونُسَ حُمِلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى أتانا مصراة فان قلنا بقول الاصطخرى أن لبنها طاهر ردها ورد معها بدل اللبن كالشاة (وان قلنا) بالمنصوص أنه نجس ففيه وجهان (أحدهما) أنه يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ لَا قيمة له فلا يقابل ببدل (والثانى) يمسكها ويأخذ الارش لانه لا يمكن ردها مع البدل لانه لا بدل له ولا ردها من غير بدل لما فيه من إسقاط حق البائع من لبنها ولا إمساكها بالثمن لانه لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مع اللبن ولم تسلم فوجب أن تمسك ويأخذ الارش) *

* (الشَّرْحُ) * الْأَتَانُ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ وَقَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ رحمه الله بطهارة لبنها معروف مشهور وهوى يَقُولُ بِطَهَارَتِهِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ وَعَدَّهُ الْإِمَامُ مِنْ هَفَوَاتِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مِنْ أصحابنا من حكم بطهارة لبنها وجزمه وَهَذَا بَعِيدٌ وَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَصْرِيَةَ الْأَتَانِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ إذَا عُرِفَ ذلك ففى حكم تصرية الاتان طرق (احداهما) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ اللَّبَنِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ فَقِيلَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا وَقِيلَ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حسين من الخراسانيين أنه هل يرد أولا يَرُدُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَةِ لَبَنِهَا رَدَّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَةِ لَبَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَلْ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى وَجْهَيْنِ كالجارية وأناث الخيل وهذا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْجَزْمُ بِرَدِّهَا وَتَخْرِيجُ رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِطَهَارَتِهِ رَدَّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِنَجَاسَتِهِ لَا يَرُدُّ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا بَدَلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ وَهَذِهِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ يَتَرَدَّدُ فِي رَدِّ بَدَلِ اللَّبَنِ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَأَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ جَازِمَانِ بِهِ وَتُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ يُمْسِكُهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَدْ نَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الْأَوْجُهَ الَّتِي فِي الْجَارِيَةِ فِي الْأَتَانِ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُهَا فِي كَلَامِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) الَّتِي ارْتَضَاهَا الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا اللبن نجس فلا يقابل بشئ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ إذْ قَدْ يَقْصِدُ غَزَارَةَ لَبَنِهَا لِمَكَانِ الْجَحْشِ فَيَلْتَحِقَ هَذَا الْخِيَارُ بِقَبُولِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْمُحَرَّمُ لَا يُتَقَوَّمُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِحِلِّهِ فَالْقَوْلُ فِي تَصْرِيَةِ الْأَتَانِ كَالْقَوْلِ فِي تَصْرِيَةِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ

كَلَامُهُ فِي الْجَارِيَةِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ طَرِيقَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي إلْحَاقِهَا بِالْجَارِيَةِ عَلَى قَوْلِ طَهَارَةِ اللَّبَنِ وَحِلِّهِ وَتُخَالِفُهَا فِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ اللَّبَنِ مَعَ طَهَارَتِهِ وَلَا التَّفْرِيعَ عَلَيْهِ وَفِي أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَبْنِ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِشُمُولِ الْحُكْمِ لِلْجَمِيعِ فَالْمَاوَرْدِيُّ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِنَا بنجاسة اللبن يرد الاتان ولا شئ مَعَهَا وَالْإِمَامُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّرَدُّدُ فِي رَدِّهَا وَطَرِيقَةُ الْإِمَامِ تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِمْسَاكِهَا بِالْأَرْشِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِطَهَارَةِ اللَّبَنِ مَعَ تَحْرِيمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِ النِّهَايَةِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ من التردد في ثبوت الخيار فتلخص مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يردها ويرد معها بدل اللبن (الثاني) أنه يردها ولا يرد معها شيأ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّنْبِيهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (الرَّابِعُ) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَنَّهُ لا يردها ولا شئ لَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ وَمُرَادُهُ بِهِ إلْحَاقُهُ بِالْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَجْعِيدِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَقْتَضِي كَلَامُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورُ إثْبَاتَ وَجْهٍ كَمَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ أَلْحَقَ الْأَتَانَ بِالْجَارِيَةِ وَحَيْثُ حَكَى الْخِلَافَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ فِي أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِيهَا عَيْبٌ أَوْ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ أَيْضًا وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا عَيْبٌ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ مُسْتَمَدٌّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فَيُجَوِّزُونَ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ نَظِيرُ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ

الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَآخِذُ مُخْتَلِفَةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ إنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَ بَدَلِ لَبَنِ الشَّاةِ قَالَ وَعِنْدِي يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْأَرْشَ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَا يُسَاوِي لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ فِي تَقْدِيرِ بَدَلِهِ كَمَا أَنَّ جَنِينَ الْبَهِيمَةِ لَمَّا لم يساوى جنين الآدمية ضمن بها يقضى مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَوْ ثَبَتَ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَجَعْلِهِ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ لَا يُفَارِقُ لَبَنَ الْأَنْعَامِ وَإِنْ كان أَنْقَصَ قِيمَةً مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَ الْأَنْعَامِ لَبَنُهَا أَنْقُصُ قِيمَةً مِنْ بَعْضٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَاكَ بَلْ قَالَ إنَّ الْأَقْيَسَ أَنَّهُ يَجِبُ رَدَّ بَدَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * قَوْلُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ " لَمْ يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهُ الْأَتَانُ مَعَ اللَّبَنِ " وَكَذَا قوله فيما تقدم في الجارية " لم يَبْذُلْ الثَّمَنَ إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ مَا دُلِّسَ بِهِ مِنْ اللَّبَنِ " رَأَيْتُهَا مَضْبُوطَةً فِي بَعْضِ النُّسَخِ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ - وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقْرَأَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ - فَإِنَّ الْبَائِعَ سَلَّمَ الْأَتَانَ مَعَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ حَصَلَتْ فِي ذَلِكَ السَّلَامَةُ لِلْمُشْتَرِي * * (فَرْعٌ) * جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْأَتَانَ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَتَرَدَّدَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ الْجَزْمِ فِيهَا بأنه لا يرد بدله اللَّبَنِ فَأَمَّا جَزْمُهُ بِرَدِّ الْأَتَانِ وَتَرَدُّدِهِ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ فَلِأَنَّ لَبَنَ الْأَتَانِ مَقْصُودٌ وَلَا يُسَاوِيهِ لَبَنُ الْجَارِيَةِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إنَّهُ يأخذ الْأَرْشِ يَكُونُ اللَّبَنُ فِي الْأَتَانِ مَقْصُودًا فَلَمْ يَتَرَدَّدْ قَوْلُهُ لَا فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا فِي التنبيه في أن لبن الاتان مقصود لكن امْتِنَاعَ رَدِّ بَدَلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَجْلِ نَجَاسَتِهِ وَإِنْ كُنَّا قَدْ حَكَيْنَا عَنْ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهًا رَابِعًا بِعَدَمِ الرَّدِّ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ (أما) جَزْمُهُ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَدَلَ لَبَنِ الْأَتَانِ فَإِنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي نَجَاسَتِهِ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ أَوْ بِطَهَارَتِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ يَجِبُ الصَّاعُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ كان الخلاف

ثَابِتًا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَا يَحْسُنُ أَنْ نَشْرَحَ بِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ فِي الْمُهَذَّبِ جَازِمٌ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِذَلِكَ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الطَّرِيقَانِ حَتَّى يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَكَلَامُهُ فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى طَرِيقَةٍ أُخْرَى وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ الطُّرُقُ المذكورة في ذلك وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (إذا ابتاع شاة بشرط أن تحلب كل يوم خمسة أرطال ففيه وجهان بناء على القولين فيمن باع شاة وشرط حملها (أحدهما) لا يصح لانه شرط مجهول فلم يصح (والثانى) أنه يصح لانه يعلم بالعادة فصح شرطه فعلى هذا إذا لم تحلب المشروط فهو بالخيار بين الامساك والرد) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِيهَا بِعَدَمِ صحة المبيع وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَطْعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَجَزَمَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ صَرَّحَ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّهَا لَبُونٌ فَإِنْ كَانَتْ تُدِرُّ لَبَنًا وَإِنْ قَلَّ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَصْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَلَوْ شَرَطَ أنها غزيرة اللبن فتبين نزارته فله الرد قاله الرويانى وكلتا المسئلتين لا إشكال فيه بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَحِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَلَمْ أَرَهُمَا فِيهَا بَلْ الَّذِي رَأَيْتُ فِيهَا الْبُطْلَانُ وَالْمُصَنِّفُ الْمَذْكُورُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي عصرون وذلك وهم مِنْهُ وَلَعَلَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ الْمُهَذَّبَ كَتَبَ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَوْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلِبُ كُلَّ يَوْمٍ

كَذَا وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَقْلٌ خَارِجٌ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ الْعُمْرَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلْمُصَنِّفِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّ الشَّاةَ تَضَعُ لِرَأْسِ الشَّهْرِ مثلا والمشهور في المسئلتين الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ وَلَمْ أَرَ الْخِلَافَ إلَّا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي النَّقْلِ فَهُوَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ من جهة الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّاةَ الَّتِي خَبِرَهَا الْبَائِعُ وَجَرَّبَهَا دَائِمًا وَهِيَ تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا الْعَقْدُ الَّذِي جَرَّبَ وُجُودَهُ مِنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ دَوَامُهُ أَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ لِرَأْسِ الشَّهْرِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْعُمْرَانِيِّ فَذَلِكَ بَعِيدٌ إلَّا عَلَى إرَادَةِ التَّقْرِيبِ الْكَثِيرِ نَعَمْ هَهُنَا كَلَامَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ اشْتِرَاطِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ اللَّبَنِ وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا حَامِلًا نَظِيرُهُ اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَاشْتِرَاطِ مِقْدَارٍ أَوْ وَصْفٍ فِي الْحَمْلِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ به (واعلم) أن ههنا ثلاثة مَرَاتِبَ (إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ مِقْدَارٌ أَوْ وَصْفٌ فِي الْحَمْلِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ وَلَا ظَنِّهِ (الثَّانِيَةُ) اشْتِرَاطُ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ لانه معلوم موجود عليه أمارات ظاهرة (الثَّالِثَةُ) اشْتِرَاطُ مِقْدَارٍ مِنْ اللَّبَنِ فَهَذَا قَدْرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ لِعَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَنَحْوِهَا وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الْحَمْلَ وَيُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ أنه متعلق بأمر مستقبل يخرج كثيرا فللذلك جرى التردد فيه (الثاني) أن بناء المصنف الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ صِحَّةَ الشَّرْطِ هَهُنَا لِأَنَّ الشَّرْطَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الْحَبَلِ لَكِنَّ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ مِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى حكاية الخلاف صحح الْبُطْلَانَ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِهِ وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْتُهُ وَجَعَلْتُهُ مِنْ رُتْبَةٍ مُنْحَطَّةٍ غَيْرِ رُتْبَةِ أَصْلِ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

* (التَّفْرِيعُ) * إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فَأَخْلَفَ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُصَرَّاةِ بَلْ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ وَذَاكَ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّغْرِيرِ وَمُقْتَضَى إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الْخُلْفُ قَبْلَ الثَّلَاثِ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُصَرَّاةِ فِي أَنَّهُ يَمْتَدُّ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ انْقِضَاءِ الثلاث على الاوجه السابقة فلو ظهر الخف بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ كَالْمُصَرَّاةِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَأْخَذَهُ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ وَهَهُنَا ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ وَأَيْضًا الْخِيَارُ فِي التَّصْرِيَةِ خِيَارُ عَيْبٍ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا هُنَا فَخِيَارُ خُلْفٍ لَيْسَ إلَّا نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ نَقْصُ اللَّبَنِ ههنا بعد مدة فان كان ذلك بطريان حَادِثٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ بِحَالٍ نَقَصَ اللَّبَنُ عَلَيْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّقْصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَامَ اللَّبَنُ وَثَبَتَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ حَصَلَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مِزَاجُ الْحَيَوَانِ وَالنَّقْصُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى تَغَيُّرٍ طَرَأَ وَكَذَلِكَ فِي الْمُصَرَّاةِ لِدَوَامِ اللَّبَنِ مُدَّةً ثُمَّ حَصَلَ نَقْصٌ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِذَلِكَ وُجُودُ التَّصْرِيَةِ بَلْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصٍ حَادِثٍ وَإِنَّمَا يَبْقَى ثُبُوتُ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ إذَا اعْتَرَفَ الْبَائِعُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَرَّاهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُتَعَيِّنٌ (وَأَمَّا) مِقْدَارُ الْمُدَّةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذَا حَلَبَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ واللبن على حاله لم يتغير فنغيره بعد ذلك لا يؤثر وتكون الثلاث ضَابِطًا لِذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُضْبَطَ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ لِأَمْرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ طَارِئٍ والله سبحانه أعلم *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * * (إذا ابتاع جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سبطة أو سود شعرها ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثم بان صفرة وجهها ثبت له الرد لانه تدليس بما يختلف به الثمن فثبت به الخيار كالتصرية وان سبط شعرها ثم بان انها جعدة ففيه وجهان (أحدهما) لا خيار له لان الجعدة أكمل وأكثر ثمنا (والثانى) أنه يثبت له الخيار لانه قد تكون السبطة أحب إليه وأحسن عنده وهذا لا يصح لانه لا اعتبار به وانما الاعتبار بما يزيد في الثمن والجعدة أكثر ثمنا من السبطة وان ابتاع صبرة ثم بان انها كانت عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظاهرها في الجودة ثبت له الرد لما ذكرناه من العلة في المسألة قبلها) * * * (الشَّرْحُ) * الْفَصْلُ يَتَضَمَّنُ مَسَائِلَ مِنْ التَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ مُلْحَقَةً بِالْمُصَرَّاةِ إمَّا بِلَا خِلَافٍ وَإِمَّا عَلَى وَجْهٍ وَقَدْ كُنْتُ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ وَوَعَدْت بِذَكَرِهَا هَهُنَا وَلْنَجْعَلْ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً عَلَى مَسَائِلِ الْفَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ نَصُّوا بِأَنَّ كُلَّ تَلْبِيسٍ حَالٌّ مَحَلَّ التَّصْرِيَةِ مِنْ الْبَهِيمَةِ إذَا فُرِضَ اخْتِلَافٌ فِيهِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فَلَوْ جَعَّدَ الرَّجُلُ شَعْرًا تَجْعِيدًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنَزَّلُوا التَّجْعِيدَ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ الْجُعُودَةِ وَقَدْ طَرَدْت فِي هَذَا مَسْلَكًا فِي الْأَسَالِيبِ وَإِذَا جَرَى الحالف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ فَلَا مُبَالَاةَ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا وَلَوْ كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مَنْزِلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ فَإِذَا أَخْلَفَ الظَّنَّ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وجهان وإذا بني الامر على ظهور شئ فِي الْعَادَةِ فَمَا تَنَاهَى ظُهُورُهُ يَتَأَصَّلُ فِي الباب ومالا يَظْهَرُ يَخْرُجُ عَنْهُ وَمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ منبه على المراتب الثلاثة الَّتِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا جَزْمًا وَاَلَّتِي لَا يَثْبُتُ جَزْمًا وَاَلَّتِي

يَتَرَدَّدُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي يُجْزَمُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ فِيهَا اقْتِصَارًا مِنْهُ عَلَى مَا يُلْحَقُ بِالتَّصْرِيَةِ جَزْمًا أَوْ عَلَى وَجْهٍ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى أَمْثِلَةً (مِنْهَا) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سَبْطَةٌ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِالْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ (وَأَيْضًا) الْجُعُودَةُ قِيلَ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْجَسَدِ وَالسُّبُوطَةُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَلِلْمَسْأَلَةِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَأَى الشعر فلو لم يرده فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ الصِّحَّةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَعَلَى الثَّانِي إذَا لَمْ يَرَهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا إذَا شَرَطَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ فَالْأَكْثَرُونَ حَمَلُوهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ جَعَّدَ شَعْرَهَا بِنَاءً عَلَى الصحيح عندهم أنه لابد من رؤية الشعر وعلى وجه الثَّانِي يُحْتَمَلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ يرد وَلَا يُعْرَفُ جُعُودُهُ وَسُبُوطَتُهُ لِعُرُوضِ مَا يَسْتَوِي الْحَالَتَانِ عِنْدَهُ مِنْ الِابْتِلَالِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِالتَّسْرِيحِ وَنَحْوِهِمَا فَفِي كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي رُؤْيَةِ الشَّعْرِ نَشَأَ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا جَعْدَةً فَوَجَدَهَا سَبْطَةً فَلَهُ الرَّدُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّرْطِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا بِالتَّدْلِيسِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ التَّجْعِيدَ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يتيمز عَنْ تَجْعِيدِ الْخِلْقَةِ وَالْأَكْثَرُونَ سَاكِتُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ فَالْمُشْتَرِي مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ أَمَّا إذَا كَانَ التَّجْعِيدُ بِحَيْثُ يُوهِمُ كَوْنَهُ خُلُقِيًّا فَهَذَا هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْخِيَارِ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ (وَشَرْطٌ ثَالِثٌ) فِيهِ نِزَاعٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَجْعِيدَ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَوْ تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ في الابانة بعدم الخيار

والاشبه يخرجه علي ما إذا تحلفت الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا وَفِي الصَّحِيحِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ ثُبُوتُهُ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ نَظَرَ إلَى شَعْرِهَا فَرَآهُ جَعْدًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ سَبِطٌ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعُمُومِهَا تَشْمَلُ مَا إذَا تَجَعَّدَ بِنَفْسِهِ وَمَا إذَا جَعَّدَهُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْفُورَانِيُّ أَيْضًا فِي الْعُمْدَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَجَعُّدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ تُحَفَّلَ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ مَا نَصُّوا عَلَى تَحَفُّلِ الشَّاةِ لِأَنَّ تَحَفُّلَ الشَّاةَ بِنَفْسِهَا قَدْ يَقَعُ كَثِيرًا (وَأَمَّا) تَجَعُّدُ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ فَبَعِيدٌ لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَادَةِ فَأُفْرِضَ وقوعه فهو كتحفل الشَّاةِ بِنَفْسِهَا وَلَعَلَّ الْفُورَانِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا كَمَا رَأَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ فَيَكُونُ جَزْمُهُ فِي تَجْعِيدِ الشَّعْرِ بِنَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ * (تَنْبِيهٌ) * الْمُرَادُ بِالتَّجْعِيدِ مَا يُخْرِجُ الشَّعْرَ عَنْ السُّبُوطَةِ المكروهة عند العرب وهو ما يظهر إذَا أُرْسِلَ مِنْ التَّكْسِيرِ وَالتَّقَبُّضِ وَالِالْتِوَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَبْلُغَ الْجَعْدَ الْقَطَطَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَأَحْسَنُ الشَّعْرِ مَا كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي وَصْفِ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ شَعْرًا رَجْلًا لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ كَانَ جَعْدًا رَجْلًا " (وَقَوْلُهُ) سَبْطٌ هُوَ - بِفَتْحِ السِّينِ وَبِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - أَيْ مُسْتَرْسِلَةُ الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَقَبُّضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى إذَا سَوَّدَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ بَيَاضُ شَعْرِهَا أَوْ حَمَّرَ وَجْهَهَا ثُمَّ بَانَ صُفْرَةُ وَجْهِهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ بِلَا خِلَافٍ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا جَعَّدَ شَعْرَهَا حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فِيمَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَ هَهُنَا وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخَدَّيْنِ يَكُونُ بِالدِّمَامِ وَهُوَ (الْكُلْكُونُ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْإِحْدَادِ وَهِيَ - بِكَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ مشددة مفتوحة أيضا ثم كاف ثانية مضمونة ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ -

وَأَصْلُهُ كُلْكُونُ - بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ - وَ (الْكُلُّ) الْوَرْدُ وَ (الْكَوْنُ) اللَّوْنُ أَيْ لَوْنُ الْوَرْدِ وَهِيَ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ هَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ وَمِنْ مَسَائِلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إذَا بَيَّضَ وَجْهَهَا بِالطِّلَاءِ ثُمَّ اسْمَرَّ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ والطلاوة بياض وذلك إذا صغ الْحِمَارَ حَتَّى حَسُنَ لَوْنُهُ أَوْ نَفَخَ فِيهِ حتى صار بالنفخ كأنها دَابَّةٌ سَمِينَةٌ قَالَهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَوْ دَهَنَ شَعْرَ الدَّابَّةِ قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ رَحًى قَلِيلَةُ الْمَاءِ فَأَرَادَ العرض على البيع والاجازة أَرْسَلَ ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَحْبُوسَ حَتَّى ظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الرَّحَى كَثِيرَةُ الْمَاءِ شَدِيدَةُ الدَّوْرَانِ ثُمَّ ظهر أن الماء قليل اتفق الاصحاب عليهم وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ عَلَيْهَا وكذلك إذَا حَبَسَ مَاءَ الْقَنَاةِ ثُمَّ أَطْلَقَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَعْنِي إجَارَةَ الْأَرْضِ فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي وَجْهِ الْجَارِيَةِ فَانْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ أَوْ لَوَّنَ جَوْهَرًا بِلَوْنِ الْبَلْخَشِ أَوْ الْعَقِيقِ أَوْ الْيَاقُوتِ فَظَنَّهُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ ثُمَّ بَانَ زُجَاجًا لَهُ قِيمَةٌ بِحَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَوْلُهُ) بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ كَالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَبِطَهُ فَبَانَ جَعْدًا فَإِنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ بِهِ وما أشبهها ممالا يَنْقُصُ الثَّمَنُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُخَضِّبْ الشَّعْرَ وَلَا شَرَطَ سَوَادَهُ وَلَكِنْ بَاعَهَا مُطْلَقًا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي بَيْضَاءَ الشَّعْرِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَلَوْ لَمْ يُلَوِّنْ الْجَوْهَرَ وَبَاعَهُ مُطْلَقًا وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّهُ عَقِيقًا أَوْ فَيْرُوزَجًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً وَقَدْ عَظُمَ بَطْنُهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا وَلَمْ تَكُنْ فَلَا خِيَارَ ولك أن تقول إذ ظَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى أَمْرٍ صحيح الجزم بعد الْخِيَارِ (وَأَمَّا) إذَا عَظُمَ بَطْنُ الْبَهِيمَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَهَا حَتَّى صَارَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى وَجْهٍ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا فَيُجْرَى فِيهَا ذَلِكَ الْخِلَافُ وَكَذَلِكَ إذَا تَلَوَّنَ الْجَوْهَرُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حَكَمَ الشَّاةِ إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ الظَّنَّ فِيهِ قَوِيٌّ بِخِلَافِ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) مَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا خِلَافٌ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَمِنْهُ مَا مَثَارُ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ خُرُوجِهِ عَلَى أَكْمَلِ مِمَّا ظَنَّهُ وَلْنُقَدِّمْ الْكَلَامَ فِي هَذَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه

اللَّهُ إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةُ الشَّعْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَعْدَ أَشْرَفُ وَقَدْ يَكُونُ السَّبْطُ أَشْهَى إلَى بَعْضِ الناس ففى المسألة طريقان (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَارْتَضَاهُ الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهَا سَبْطَةُ الشَّعْرِ فَبَانَتْ جَعْدَةً فَفِي الْخِيَارِ بِالْخُلْفِ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا (أَصَحُّهُمَا) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لا خيار ولذي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي شَرْطِ السُّبُوطَةِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي التَّدْلِيسِ بِالسُّبُوطَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ ثَبَتَ فِي الْخُلْفِ بِاشْتِرَاطِهَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا عَامًا إنَّ كُلَّ مَا لَوْ كَانَ مَشْرُوطًا وَاتَّصَلَ الْخُلْفُ بِهِ اقْتَضَى خِيَارًا وَجْهًا وَاحِدًا فَالتَّدْلِيسُ الظَّاهِرُ فِيهِ كَالشَّرْطِ فَإِذَا جَعَّدَ شَعْرَ الْمَمْلُوكِ ثُمَّ بَانَ سَبْطًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَكُلُّ مَا لَوْ فُرِضَ مَشْهُورًا وَصُوِّرَ الْخُلْفُ فِيهِ فَكَانَ فِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ فَإِذَا فُرِضَ التدليس فيه ثم تترتب عَلَيْهِ خُلْفُ الظَّنِّ قَالَ لَا خِيَارَ وَجْهًا وَاحِدًا لِضَعْفِ الْمَظْنُونِ أَوَّلًا وَقُصُورِ الْفِعْلِ فِي الْبَابِ عَنْ الْقَوْلِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَالتَّدْلِيسُ فِي ظَاهِرِ الْفِعْلِ كالقول في محال الْوِفَاقِ وَالْخِلَافُ عَلَى الِاطِّرَادِ وَالِاسْتِوَاءِ فَإِذَا سَبَطَ الرَّجُلُ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ شَعْرَهَا جَعْدٌ فَفِي الْخِيَارِ الْوَجْهَانِ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَكَ أَنْ تَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ تَحَكُّمٌ عَجَبًا ظَاهِرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ عِنْدَ التَّغْرِيرِ بِالْفِعْلِ التَّصْرِيَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَقَدْ حَكَى أَنَّ مَأْخَذَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْسُنْ إثْبَاتُهُ إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ أَجْوَدَ مِمَّا رَآهُ لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي قَطْعِهِ نَاظِرًا لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَعَلَّهُ هُوَ قَائِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ قَائِلُهُ اسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ (قُلْتُ) وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ إنَّمَا عَلَّلَ انْتِفَاءَ الْخِيَارِ لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ عَنْ الْقَوْلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ وَالظَّنُّ مُعْتَبَرًا

فِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ قِيلَ بِمُسَاوَاةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَيَثْبُتُ فِيهِمَا وَإِنْ قِيلَ بِاعْتِبَارِهِ مَعَ انْحِطَاطِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْقَوْلِ حَتَّى يُجْرَى الْخِلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْأُولَى قَطْعًا كَالْقَوْلِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ قَطْعًا لا وجه وَلَوْ كَانَ الصَّيْدَلَانِيُّ سَكَتَ عَنْ التَّعْلِيلِ لَأَمْكَنَ تَحَمُّلُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ فِي الْأُولَى بِالْعَيْبِ وَمُنْتَفٍ فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْعَيْبِ لَكِنَّ كَلَامَهُ نَاصٌّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ كَالشَّرْطِ فِي الصورة الاولى وعلى أن انْتِفَاءِ الثَّانِيَةِ لِضَعْفِ الظَّنِّ وَقُصُورِ الْفِعْلِ فَلَا جَرَمَ قَالَ الْإِمَامُ إنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ (الثَّانِي) أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ فِي التَّصْرِيَةِ مَأْخَذُهُ الْإِلْحَاقُ بِالْعَيْبِ مَعْنَاهُ الِاكْتِفَاءُ فِي ثُبُوتِهِ بِفَوَاتِ الَّذِي وَطَّنَ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ عَلَيْهِ بِرُؤْيَتِهِ لِلْمَبِيعِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا وَمُقَابَلَةُ الْقَوْلِ الَّذِي يَلْحَقُ ذَلِكَ بِخِيَارِ الْخُلْفِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ إلَّا إذَا كَانَ حَاصِلًا بِتَدْلِيسٍ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ هَهُنَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى السُّبُوطَةِ لَمَّا رَآهَا وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ فَلَيْسَ مَعْنَى إلْحَاقِ ذَلِكَ بِالْعَيْبِ إلَّا جَعْلَ دَلَالَةِ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ كَدَلَالَةِ الْغَلَبَةِ عَلَى وَصْفِ السَّلَامَةِ فَخُرُوجُهَا عَلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الَّذِي رَآهُ هُوَ الْعَيْبُ وَلَيْسَ الْوَصْفُ الَّذِي رَآهُ مِنْ السُّبُوطَةِ أَوْ كِبَرِ الضَّرْعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالتَّصْرِيَةِ عَيْبًا وَاَلَّذِي يَقُولُ بِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ السَّبْطِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ جَعْدًا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْغَرَضُ قَدْ تَعَلَّقَ بِسُبُوطَتِهِ بِاشْتِرَاطٍ أَوْ بِرُؤْيَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْعَيْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّحِيحُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا (وَالطَّرِيقَةُ) الصَّحِيحَةُ هَهُنَا جريان الوجهين لو كَانَ الْمَأْخَذُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِالْعَيْبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَقَطَعُوا بِعَدَمِ الْخِيَارِ هَهُنَا وَأَمَّا كون الصحيح من الوجهين ههنا أنه لاخيار فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَخْلَفَ الشَّرْطَ لِصِفَةٍ أَكْمَلَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُتَّفَقٌ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ بِحُكْمِ ذَلِكَ فَعَلَى وَجْهٍ يُرَدُّ كَمَا فِي التَّصْرِيَةِ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُرَدُّ لِخُرُوجِهِ أَكْمَلَ وَهُوَ لَوْ شَرَطَ وَصْفًا فَخَرَجَ أَكْمَلَ لَمْ يرد

عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافِ فِي الْجُمْلَةِ نَعَمْ كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ الظَّنِّ وَتَصَوُّرِ الْفِعْلِ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَدَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْ لَا اعْتِبَارَ بِغَرَضِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ لِعُمُومِ النَّاسِ وَهَذَا سَيَأْتِي مِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ السُّبُوطَةِ فَخَرَجَتْ جَعْدَةً قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَجْلِ التَّصْرِيحِ وَقِيلَ فيه وجهان فحصل في كل من المسئلتين طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ فِيهِمَا) إجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ فِي المسألة الشرط يثبت قطعا وقيل في المسألة التَّدْلِيسِ لَا يَثْبُتُ قَطْعًا (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ) الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ما يضعف الظن فيه الخلاف فِي هَذَا الْقِسْمِ فِي إلْحَاقِهِ بِالتَّصْرِيَةِ لِأَجْلِ التَّغْرِيرِ وَالظَّنِّ أَوَّلًا لِضَعْفِ الظَّنِّ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَقُصُورِهِ عَلَى الشَّرْطِ وَالظَّنِّ الْمُسْنَدِ إلَى أَمْرٍ غَالِبٍ فَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هذا يقرب استكشافه وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ بِخِلَافِ تَسْوِيدِ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ لَطَخَ ثَوْبَ الْعَبْدِ بِالْمِدَادِ أَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكَتَبَةِ وَالْخَبَّازِينَ أَوْ سَوَّدَ أَنَامِلَهُ وَخُيِّلَ كَوْنُهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا فَبَانَ خِلَافَهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلتَّلْبِيسِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وغيره لاخيار وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيُّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْبِسُ ثَوْبَ غَيْرِهِ عَارِيَّةً فَالذَّنْبُ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ اغْتَرَّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ تَغْرِيرٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْأَتْرَاكِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَمْلُوكَ تُرْكِيٌّ وَكَانَ رُومِيًّا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْثَرَ عَلْفَ الْبَهِيمَةِ حَتَّى انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَتَخَيَّلَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهَا حَامِلًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي قَوْلًا عَنْ الاصحاب والرافعي وكذلك لَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ فِي ضَرْعِهَا حَتَّى انْتَفَخَ وَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي لَبُونًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكَادُ يَلْتَبِسُ عَلَى الْخَبِيرِ وَمَعْرِفَةُ اللَّبَنِ مُتَيَسِّرَةٌ بِعَصْرِ الثَّدْيِ بِخِلَافِ صُورَةِ التصرية وكثرة

اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا وَقِيلَ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ تَحَمُّلِ الْحَمْلِ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ فِي الدَّوَابِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَالْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا إذَا سَبَطَ شَعْرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا جَعْدَةٌ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعُدُّهُ وَصْفَ كَمَالٍ وَقَدْ أَسْلَفْتُ مَا فِيهِ (قُلْتُ) وَكَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ بِعَدَمِ الْخِيَارِ كَمَا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ هُنَاكَ وَانْتَصَرَ لَهُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَرُدُّهُ مِنْ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ أَمَّا هَهُنَا فَلَا يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِكَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْحَمْلُ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فَقَدْ يقصده بعض العقلاء ويتعلق العرض بِهِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ فِي الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِيهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ (وَالطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ) إجْرَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حَمْلِ الْجَارِيَةِ وَالطَّرِيقَةُ الْقَاطِعَةُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا لِأَجْلِ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْآدَمِيَّاتِ عَيْبٌ وَأَنَّ شَرْطَهُ إعْلَامٌ بِالْعَيْبِ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَمْلَ فِي الْجَارِيَةِ وَالْبَهِيمَةِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فَلَيْسَ نَقْصًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ عَدَمُهُ كَعَدَمِ الْعَيْبِ بَلْ عَدَمُهُ يَفُوتُ بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ فَأَخْلَفَ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ سَارِقٌ فَخَرَجَ غَيْرَ سَارِقٍ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةً لَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا الْحَمْلُ عَيْبٌ وَنَقْصٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ وَيَرْغَبُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَغْرَاضٍ صَحِيحَةٍ بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْمَحْضِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا وَهُوَ إذَا جَرَى الخلف بشئ لَا ظُهُورَ لَهُ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْعَبْدِ نُقْطَةٌ مِنْ مِدَادٍ فَهَذَا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذكرناهما في المرتبة الثانية أما إذَا كَانَ وَقَعَ الْمِدَادُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ

عَلَى الثَّوْبِ أَثَرُ مِدَادٍ فَظَنَّهُ كَاتِبًا طَرِيقَيْنِ (أحدهما) فِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَارَ ثَوْبًا فَقَدْ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ فِي مَحَلٍّ وَالْخِلَافُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقَانِ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ (وَالْأَفْقَهُ) التَّفْصِيلُ المتقوم وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الاخيرة ولا شيأ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ سُبُوطَةِ الشَّعْرِ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الرَّدِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصَرَّاةِ بَلْ لِأَجْلِ خُرُوجِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْأَكْمَلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا ذِكْرُ الْمُصَرَّاةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا وَلِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسْأَلَةً هِيَ مِنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى الَّتِي لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَهِيَ إذَا اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ جَيِّدًا لَا عَيْبَ فِيهِ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصُّبْرَةِ إذَا بَانَ أَنَّهَا عَلَى صَخْرَةٍ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فيه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا وَلَكِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْزِيلًا لِمَا ظَهَرَ مَنْزِلَةِ الْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ الْأُمِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (قُلْتُ) وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِأَنَّا بَنَيْنَا بِالْآخِرَةِ أَنَّ الْعِيَانَ لَمْ يُفِدْ عِلْمًا هَذَا إذَا ظَنَّهَا مُسْتَوِيَةَ الْأَرْضِ أَمَّا لو علم بالحال فثلاث طرق (أصحهما) أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَوَقْتُ الْخِيَارِ هُنَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ أَوْ التَّمَكُّنَ مِنْ تَخْمِينِهِ بِرُؤْيَةِ ما تحتها والوجهان في حالة ظن الِاسْتِوَاءُ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ هَهُنَا وَأَمَّا إذَا بَانَ أَنَّ بَاطِنَهَا دُونَ ظَاهِرَهَا فِي الْجَوْدَةِ فَالتَّلْبِيسُ حَاصِلٌ كَمَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَتَجْعِيدِ

الشَّعْرِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَجْزُومِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وتبعه ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُرْشِدِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذَا وَجَدَ بَاطِنَهَا عَفِنًا أَوْ نَدِيًّا أَوْ مَعِيبًا أَمَّا إذَا وَجَدَهُ دُونَ ظَاهِرِهَا فِي الْجَوْدَةِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ إنْ نَقَلَهَا فَوَجَدَ أَرْضَهَا مُسْتَوِيَةً وَبَاطِنَ الطَّعَامِ كَظَاهِرِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى دَكَّةٍ أَوْ خَرَجَ الطَّعَامُ مُتَغَيِّرًا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ فَهَذَا الْكَلَامُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَاضِحٌ لِلتَّدْلِيسِ وَهَذَا فَرْعٌ عَنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ بَاطِنُ الصُّبْرَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا فَحِفْظِي عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ غَائِبٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ تَسْبِيطِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا حَتَّى يَجْعَلَ تَسْبِيطَ الشَّعْرِ بَعْدَ تَجْعِيدِهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا لِغَيْرِ إلْحَاقِهَا بِالْمُصَرَّاةِ كَمَا تَقَدَّمَ التنبيه عليه والله أَعْلَمُ * وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ بِبَاطِنِ الصُّبْرَةِ مِمَّا يَسْهُلُ اسْتِكْشَافُهُ بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهَا وَنَحْوِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَعَلْفِ الْبَهِيمَةِ وَإِرْسَالِ الزُّنْبُورِ وَأَخَوَاتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا لِسُهُولَةِ الِاسْتِكْشَافِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِظَاهِرِ الصُّبْرَةِ عَلَى بَاطِنِهَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى تَفْرِيطٍ وَيَشُقُّ تَقْلِيبَ الصُّبْرَةِ بِكَمَالِهَا وَأَمَّا انْتِفَاخُ بَطْنِ الْبَهِيمَةِ وَضَرْعِهَا وَأَخَوَاتِهَا فَلَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَالْمُكْتَفَى بِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَدَلَالَةُ تَلَطُّخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ مَنْسُوبٌ إلَى تَفْرِيطٍ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ بُشْرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ ثُمَّ جَعَلَ أَعْلَاهَا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ وَإِنْ خَلَطَهُمَا أَوْ حِنْطَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ ظَاهِرُهُ وباطنه واحدا فالتقييد بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ ظَاهِرَهَا أَجْوَدَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ * * (فُرُوعٌ) * إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَارِيَةٍ جَعْدَةٍ فَسَلَّمَ إلَيْهِ جَعْدَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قاله

الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّ شَعْرَهَا أَبْيَضُ فَكَانَ أَسْوَدَ فَفِي الرَّدِّ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا شَاهَدَ شَعْرَهَا أَبْيَضَ فَبَانَ أَسْوَدَ كَمَا فِي السُّبُوطَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ لَمْ أَثِقْ بِهَا الْخِيَارُ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ مُسْتَنَدُهُ التَّغْرِيرُ كَالتَّصْرِيَةِ وَكَذَا خِيَارُ النَّجْشِ إنْ أَثْبَتْنَاهُ وَمِنْ التَّدْلِيسِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ أَنْ يَقُولَ كَاذِبًا طَلَبَ هَذَا الشئ مِنِّي بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْتَرُّ بِمَا يَقُولُهُ وَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِهِ قاله القاضى حسين وغيره والله أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * غَيْرُ الْمُصَرَّاةِ إذَا حَلَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ هَذَا الْفَرْعَ فِي مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْضُهُمْ عَنْ الْإِمْلَاءِ وَبَعْضُهُمْ عَنْ الْقَدِيمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فما تقولون فيما إذا اشتزى شَاةً لَيْسَتْ بِمُصَرَّاةٍ وَلَكِنْ فِيهَا لَبَنٌ فَحَلَبَهَا زَمَانًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَلَهُ الرَّدُّ؟ (قُلْتُ) نَعَمْ فَقَالَ إذَا رَدَّ أَيَرُدُّ شَيْئًا لِأَجْلِ اللَّبَنِ (قُلْتُ) لَا هَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ قَالَ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ مُتَحَقِّقٌ فَوُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ تَلَفِهِ وَغَيْرُ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عليه شئ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ (وَاعْتَرَضَ) الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّا إذَا كُنَّا نُرَدِّدُ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ يُعْلَمُ فَاللَّبَنُ مَعْلُومٌ فِي الضَّرْعِ قَالَ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ تَتَكَامَلُ الدَّرَّةُ وَيَأْخُذُ الضَّرْعُ فِي التَّقْطِيرِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ أَنْ نَجْعَلَ اللَّبَنَ كَالْحَمْلِ فِي مُقَابَلَتِهِ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ فَالْجَوَابُ مَا حَكَوْهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُقَابَلُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ بِسَبَبِ اللَّبَنِ شَيْئًا وَجَزَمَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وما حكاه

أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ عَنْ التَّخْرِيجِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَخْذُ وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِ طَرِيقَةِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقَةِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ لَهُ الرَّدَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِ اللَّبَنِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ صَاعٍ لِأَنَّ الصَّاعَ عِوَضُ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَهَذِهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الَّتِي بِخَطِّ سَلِيمٍ وتعليق القاضى أبى الطيب وغيرهما تفصيل لابد مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ هُنَاكَ رد اللبن المحلوب ولا رد شئ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كان قد ينتج في تلك الحالة شئ فَذَلِكَ يَسِيرٌ لَا حُكْمَ لَهُ وَمَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ بَدَلًا كَغَلَّةِ الْعَبْدِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَبَنٌ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِيجَابُ الْبَدَلِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنًى وَلَا يُفِيدُ أَنَّ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ مُجْتَمِعٌ لَبَنُ الْعَادَةِ لَا لَبَنُ التَّصْرِيَةِ فَحَلَبَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ تَالِفًا فَلَا رَدَّ لانه تناوله لاستعلام العيب فلا يكن لَهُ رَدُّ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهُ رَدُّ الشَّاةِ وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ لِأَنَّ لَبَنَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ يَسِيرٌ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَإِذَا ضَمَمْتَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَى مَا اخْتَارَهُ هُوَ لَاجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ خَمْسُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا (وَالثَّانِي) الرَّدُّ فَلَا يرد بدل اللبن شيأ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَهُ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ صَرِيحًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَأَمَّا أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا ذَكَرْتُ (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (الرَّابِعُ) قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ وَلَا يَرُدُّ الصَّاعَ (الْخَامِسُ) قَوْلُ الْإِمَامِ التَّخْرِيجُ عَلَى

مُقَابَلَتِهِ بِالْقِسْطِ وَالْأَصَحُّ الْمُقَابَلَةُ فَيَلْزَمُ رَدُّ بَدَلِهِ لَكِنْ مَاذَا يَرُدُّ هَلْ هُوَ التَّمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ الماوردى لم يصرح الامام في ذلك بشئ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا فَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ (إنْ قلنا) يرده رَدَّهُ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِحَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ بِخُصُوصِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ الْقَائِلُ يَرُدُّ بِهِ الصَّاعَ التَّمْرَ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ عِنْدَهُ بَيْنَ بَقَاءِ اللَّبَنِ وَتَلَفِهِ كَالْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ اللَّبَنِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى رَدِّهِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا يَأْتِي فِي حَالَةِ بَقَاءِ اللَّبَنِ أَيْضًا سِتُّ طُرُقٍ (امْتِنَاعُ الرَّدِّ) (أَوْ الرَّدُّ) (وَلَا يَرُدُّ) معها شيأ (وَالرَّدُّ) مَعَ رَدِّ اللَّبَنِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ التَّمْرِ (أَوْ الرَّدُّ) مَعَ رَدِّ الْبَدَلِ غَيْرِ التَّمْرِ (أَوْ التَّخْرِيجُ) عَلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُلْنَا بِرَدِّ الشَّاةِ مع اللبن فعند مقابلة شئ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنَّا هُنَاكَ نَقُولُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرُدَّ اللَّبَنَ وَيَرُدَّ الشَّاةَ وَحْدَهَا مَعَ التَّمْرِ وَأَمَّا هُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّا نَقُولُ إمَّا أَنْ يَرُدَّ اللَّبَنَ وَالشَّاةَ واما أن لا يرد شيأ وَلَا نَقُولُ إنَّ لَهُ رَدَّ التَّمْرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَالِفًا لَمْ يَرُدَّ التَّمْرَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَاقِيًا وَاللَّبَنُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لِعَيْنٍ أُخْرَى وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فِي غَيْرِ التَّصْرِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (تَنْبِيهٌ) * اعْلَمْ أَنَّ كل من قال بالرد ورد شئ بَدَلَ اللَّبَنِ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَصْلًا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِسْطِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ إطْلَاقَاتُهُمْ مُخَرَّجَةً عَلَى ذَلِكَ لَا أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةً مُخَالِفَةً وَحِينَئِذٍ تَعُودُ الطَّرِيقُ إلَى القسم الاول إلى أربعة في الثَّانِي إلَى خَمْسَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ طَرِيقَةَ الْإِمَامِ معهم لمغايرتها في ظاهر العبارة والله تعالى أَعْلَمُ * وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا امْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ الْأَقْيَسُ وَذَلِكَ لِأَنَّ

الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّبَنَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ غَيْرِ رَدِّ بَدَلِهِ وَلَا مَعَ بَدَلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرَدِّ الشَّاةِ بَعْدَ تَعَيُّبِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُقُوفِ عَلَى الْعَيْبِ وَلِأَنَّ الصَّاعَ الَّذِي جُعِلَ بَدَلًا عَنْ اللَّبَنِ وَرَدَ فِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي رَدِّ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُهُ وَمُقْتَضَى الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْقِسْمَيْنِ إذَا قُلْنَا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا أَوْ تالفا وان سكنوا عَنْهُ فَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ امْتِنَاعُ الرَّدِّ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ إنَّهُ يَرُدُّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَيْنِ فَفِيهِ بُعْدٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْمُصَرَّاةِ إنْ صَحَّ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ التَّمْرَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَجَبَ أَنْ يُجْرَى فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْقِيَاسِ فَيَمْتَنِعَ الرَّدُّ كما قاله أبو الطيب ومن وافقه فقول الْمَاوَرْدِيُّ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَحْسَنُهَا أحد قولين (إمَّا) قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُ (وَإِمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَجَّحٌ (أَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ مِنْ الشَّارِعِ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بدلا له في المصراة في غيرها لاسيما وَالْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ لِأَجْلِهِ مِنْ قَطْعِ التَّنَازُعِ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَيَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَيُرَجِّحُهُ الْجَرَيَانُ عَلَى الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَصْرُ الْحُكْمِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى بِهِ مَحَلَّهُ وَالْمُخْتَارُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَكْثَرُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إنَّهُ ظَاهِرُ المذهب وعندي في الترجيح بين القولين نظران قَوِيَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَإِلَّا يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ وَمَنْ وَافَقَهُ يُجِيبُونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ بِأَنَّ الْمُصَرَّاةَ حَلْبُهَا لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ هَذِهِ وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ أَمْيَلُ مِنْهُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا وَلَا حَكَاهُ هَذَا إذا كان عند العذر لَبَنٌ مَوْجُودٌ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ

كَذَلِكَ جَازَ رَدُّ الشَّاةِ وَحْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وذلك مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ يَقْتَضِي أَيْضًا مُخَالَفَةَ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَوْلِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يرد معها شيأ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْقَدِيمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُهُمْ لَهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَبَنٌ يَسِيرٌ أَمَّا اللَّبَنُ الْكَثِيرُ فَهُوَ مُقَابَلٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَحَكَيْنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالرَّدِّ بِدُونِ رَدِّ بَدَلِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه لا يرد شيأ لِأَجْلِ اللَّبَنِ أَيْ اللَّبَنُ الْحَادِثُ فَإِنَّ فِي نَصِّهِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ بُشْرَى قَالَ " وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَاحْتَلَبَهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَ لَهُ فيها ردها ولم يرد معها شيأ " وَقُوَّةُ هَذَا الْكَلَامِ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يرد معها شيأ عَنْ ذَلِكَ الَّذِي احْتَلَبَهُ طُولَ الشَّهْرِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَابِعٌ للقاضى حسين فانه سئل عَنْهَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * إذَا كَانَتْ الشَّاةُ غَيْرَ مُصَرَّاةٍ وَشَكَكْنَا هَلْ كَانَ فِي ضرعها حين البيع لبن له قيمة أولا لم يرد معها شيأ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ لَبَنِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَقَسَّطْ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ قِيمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * الْكَلَامُ إلَى هُنَا فِي بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَمِنْ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا ذَلِكَ بَابَيْنِ فَتَرْجَمُوا الْأَوَّلَ بِبَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَتَرْجَمُوا الثَّانِيَ بِبَابِ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالرَّدِّ بِالْعُيُوبِ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ بَابًا وَاحِدًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَمَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أن يبيعها حتى يبين عيبها لما رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ المسلم أخو المسلم فلا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا يعلم فيه عيبا

إلا بينه له " فان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذلك لمن يشتريه لما روى أبو سباع قال " اشتريت ناقة من دار وائلة بن الاسقع فلما خرجت بها أدركنا عقبة بن عامر فقال هل بين لك ما فيها قلت وما فيها إنها لسمينة ظاهرة الصحة فقال أردت بها سفرا أم أردت بها لحما قلت أردت عليها الحج قال إن بخفها نقبا قال صاحبها أصلحك الله ما تريد إلى هذا تفسد على قال إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لا يحل لاحد يبيع شيأ إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه " فان باع ولم يبين العيب صح البيع لان النبي صلى الله عليه وسلم صحح البيع في المصراة مع التدليس بالتصرية) * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَأَمَّا حُكْمُهُ بِصِحَّتِهِ فَصَحِيحٌ لِأَنَّ رُوَاتَهُ كلهم ثقاة مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ عِلَّةٌ مَانِعَةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رُوَاتِهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ وَهُوَ الْغَافِقِيُّ وَشَيْخُ شَيْخِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن سماسة وَكِلَاهُمَا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا هُمَا من أفراد مسلم وللحاكم شئ كَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا وَذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ الْمَذْكُورِينَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَقْصُرُ رُتْبَتُهُمْ عَنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِمْ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ صَعْبٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَيْرِ جَمِيعِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَالْمُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَأَتَّى ذَلِكَ فِي النَّادِرِ فَإِنَّهُ يَصْعُبُ فِي الْأَكْثَرِ وَلَعَلَّ عِنْدَ البخاري شيأ مِنْ حَالِ الشَّخْصِ الَّذِي لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ لَا نَطَّلِعُ نَحْنُ عَلَيْهِ فَدَعْوَى أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ فِيهَا مَا عَلِمْتَ نَعَمْ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ وَالْبَاقِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَالَ فِي بَابِ إذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سلعة يعلم بها داء إلا أخبره أو زده هَكَذَا مُعَلَّقًا وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَعُقْبَةُ أَفْتَى بِذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ مُخَالَفَةً يَسِيرَةً فِي اللَّفْظِ لِمَا ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ لِأَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ " وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ ان لا يبينه له " ليس في شئ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ كَمَا فِي كَلَامِ المصنف رحمه الله وان كان العلم لابد مِنْهُ فِي التَّكْلِيفِ وَلَكِنْ تَرْكُ ذِكْرِهِ كَمَا في الرواية أبلغ في الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدْعَى إلَى الِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِرَازِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ وَلَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ بَحَثَ عَنْهُ وَاسْتَكْشَفَهُ لَعَلِمَهُ فَإِهْمَالُهُ لِذَلِكَ وَتَرْكُهُ الِاسْتِكْشَافَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لَهُ تَفْرِيطٌ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ تَعَرُّضَهُ لِلْإِثْمِ بِسَبَبِهِ نَعَمْ التَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ مَذْكُورٌ فِي الْأَثَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ كَلَامِ عُقْبَةَ وَبَقِيَّةُ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّفْظِ يَسِيرَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعْنًى وَكُلُّ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لَا يَحِلُّ هُوَ الْكِتْمَانُ لَا الْبَيْعُ وَمَعْرِفَةُ هَذَا هُنَا نَافِعَةٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسٍ - بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مِنْ تَحْتِ سَاكِنَةٍ - الْجُهَنِيُّ وَفِي نَسَبِهِ وَكُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَالْأَصَحُّ فِي كُنْيَتِهِ أَبُو حَمَّادٍ سَكَنَ مِصْرَ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا وَتُوُفِّيَ بها في آخر خلافة معاوية وروى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخَلْقٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ إلَيْهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ

مصريون وقبر عقبة معرف مشهور بالقرافة وحديث وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سِبَاعٍ الْمَذْكُورِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَفِي حُكْمِهِ بِصِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ من رواته أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مالك عن أبى السباع وأبى جعفر الرازي وهو عيسى ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ التَّمِيمِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ جماعة قال الغلاس سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ يَهِمُ كَثِيرًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ مَرَّةً مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَرَّةً صَالِحُ الْحَدِيثِ وَعَنْ السَّاجِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَدُوقٌ لَيْسَ بِمُتْقِنٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ إلَّا فِيمَا يُوَافِقُ الثقاة ولا يجوز الاعتبار بروايته فيما لم يخالف الاثبات وأما يزيد ابن أبى مالك فقال يعقوب النسوي في حديث ليس كاتبه خالد هذا ما قاله النسوي وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ وَهُوَ ثقة وسئل أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ وَاثِلَةُ نَفْسُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ فِيهِ أَوْلَى مِمَّا قاله النسوي وَأَمَّا أَبُو سِبَاعٍ فَشَامِيٌّ تَابِعِيٌّ لَمْ أَعْلَمْ من حاله غير ذلك وواثله ابن الْأَسْقَعِ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَهُوَ مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ إلَى لَيْثٍ وَلَا خِلَاف أَنَّهُ مِنْ بَنِي لَيْثٍ أَسْلَمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إلَى تَبُوكَ وَيُقَالُ إنَّهُ خَدَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إسْلَامُهُ قَبْلَ تَبُوكِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ ثَلَاثَ سِنِينَ كَوَامِلَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ سَكَنَ الشَّامَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلَاطُ على ثلاث فَرَاسِخَ مِنْ دِمَشْقَ وَشَهِدَ الْمَغَازِيَ بِدِمَشْقَ وَحِمْصَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَاتَ بِهَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِ سِنِينَ كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير ورواه في الصغير عن ابن عباس وَهُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ وَقِيلَ بَلْ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قَالَ

أَبُو مِسْهَرٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً يُكَنَّى أَبَا الْأَسْقَعِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو قِرْصَافَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي كُنْيَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّهُ وَهْمٌ وَقِيلَ أَبُو الْخَطَّابِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمِهِ وَالصَّحِيحُ فِي نَسَبِهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عبد ياليل بن باسب بن غبرة ابن سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ وَالْأَسْقَعُ بِقَافٍ وَغَيْرُهُ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتِ مَفْتُوحَةٍ - وَمِنْ فَضَائِلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فَقَالَ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ فَقَالَ وَأَنْتَ مِنْ أَهْلِي قَالَ فَهَذَا أَرَجَا مَا أَرْتَجِي وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ فِيهِ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ هُوَ وَاثِلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبُو السِّبَاعِ شَامِيٌّ تَابِعِيٌّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ الْحَاكِمِ وأبى بكر الحرى مَعًا بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا فِيهِ فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا أَدْرَكَنِي وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ اشْتَرَيْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا وَالْبَاقِي سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عُقْبَةَ وَوَاثِلَةَ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَحْرِيمِ كِتْمَانِ الْبَائِعِ الْعَيْبَ وَيَزِيدُ حَدِيثُ وَاثِلَةَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ أَيْضًا إذَا عَلِمَهُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الصَّحِيحِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَقَالَ كَيْفَ تَبِيعُ فَأَخْبَرَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ الْعَدَّاءِ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ - ابْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا

مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْعَدَّاءِ بن خالد بيع المسلم المسلم لاداء وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ العداء بن خالد والخبثة ما كان من غَيْرَ طَيِّبِ الْكَسْبِ وَسَأَلَ الْأَصْمَعِيُّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهَا فَقَالَ بَيْعُ أَهْلِ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا مرض ولا حرام ولا شئ يقوله أَيْ بِمِلْكِهِ مِنْ إبَاقٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مُتَّصِلًا كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بشال عن عتاد بْنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هودة " أَلَا أُقْرِؤُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خالد بن هودة مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا داء ولا عليلة وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى كِلَيْهِمَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَنْ بَاعَ عَيْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عُمَيْرِ ابن سَعِيدٍ عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إلَى الْبَقِيعِ فَرَأَى طَعَامًا يُبَاعُ فِي غَرَائِرَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِجَنَبَاتِ رَجُلٍ عِنْدَهُ طَعَامٌ فِي وِعَاءٍ فَأَدْخَلَ يده فيه فقال لعلك غشيته مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَوُجُوبِ النَّصِيحَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَحُكْمُهَا مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَكِتْمَانُ الْعَيْبِ غش وفى حديث حكيم ابن حِزَامٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ

وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ أَمَّا اللُّغَةُ فَالْعَيْبُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَيْبُ وَالْعَيْبَةُ وَالْعَابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ عَابَ الْمَتَاعَ إذَا صَارَ ذَا عَيْبٍ وَعَيَّبْتُهُ أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى فَهُوَ مَعِيبٌ وَمَعْيُوبٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ فَيَقُولُ مَا فِيهِ مَعَابَةٌ وَمَعَابٌ أَيْ عَيْبٌ والمعاب المعيوب وعيبه نسبه إلى العيب وعنه جَعَلَهُ ذَا عَيْبٍ وَتَعَيَّبَهُ مِثْلُهُ وَقَالَ ابْنُ فارس العيب في الشئ مَعْرُوفٌ وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْعَيْبَ وَأَوْضَحُوهُ وَبَيَّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ عَيْبًا وَالنَّقَبُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ مَصْدَرُ نَقِبَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَنْقُبُ بِفَتْحِهَا - يُقَالُ نَقِبَ خُفُّ الْبَعِيرِ إذَا رَقَّ وَحَفِيَ وَنَقِبَ الْخُفُّ إذَا تَخَرَّقَ وَيُقَالُ نَقَبَ الْبَيْطَارُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - سُرَّةَ الدَّابَّةِ لِيُخْرِجَ مِنْهَا مَاءً وَتِلْكَ الْحَدِيدَةُ مِنْقَبٌ وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْقَبٌ وَقَوْلُهُ بِخُفِّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخُفُّ لِلْبَعِيرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَمَا لَيْسَ بِمُنْشَقِّ الْقَائِمِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالظِّلْفُ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَكُلُّ حَافِرٍ مُنْشَقُّ مُنْقَسِمٌ وَالتَّدْلِيسُ الْمُرَادُ بِهِ إخْفَاءُ الْعَيْبِ مأخوذ من الدلسة وهى الظلمة قال الْأَزْهَرِيُّ التَّدْلِيسُ أَنْ يَكُونَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ بَاطِنٌ ولا يخبر البائع المشترى لهم بِذَلِكَ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ وَيَكْتُمُهُ إيَّاهُ فَإِذَا كَتَمَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَلَمْ يُخْبِرْ بِهِ فَقَدْ دَلَّسَ ويقال فلان لا يدالس وَلَا يُوَاكِسُ أَيْ لَا يُخَادِعُ وَمَا فِي فلان دلس ولا دكس أَيْ مَا فِيهِ خُبْثٌ وَلَا مَكْرٌ وَلَا خِيَانَةٌ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أما) لاحكام فَقَدْ تَضَمَّنَ الْفَصْلُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ الْأُولَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَيْنًا وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلنُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في آخر باب الخراج بالضمان في الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) ما قاله الجرجاني في الشافعي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ سِلْعَةٌ وَبِهَا عَيْبٌ يَعْلَمُهُ وَأَرَادَ بَيْعَهَا استحب له إظهاره لعبارة رديئة موهما لان ذلك غير واجب لذلك لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله بالعلم قد تقدم شئ من الكلام وَإِنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ مُطْلَقٌ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ المصنف

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّنْبِيهِ وَمَنْ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهَا وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْمَالِكَ وَالْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ وَعِبَارَتُهُ هُنَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَالِكِ لَكِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ هُنَا وَإِنْ عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَ كِتْمَانِ الْعَيْبِ مُحَرَّمٌ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَوُجُوبِ بَيَانِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبَيْعِ وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَالتَّدْلِيسُ حَرَامٌ بِالْقَصْدِ فِي نَفْسِهِ وَالْبَيْعُ لَيْسَ حراما لذاته ولكن حرام لغيره وهو كتمان العيب وَضَبْطُ هَذَا نَافِعٌ فِيمَا سَيَأْتِي فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْبَائِعُ الْعَالِمُ بِالْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَعِيبٌ أَوْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ يَقُولَ إنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ أَوْ إنَّهُ لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْحَلِّ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بفعل ذلك بل لابد من بيان العيب المعلم بعينه والعبارات الاول كلها فيها إجمال لابيان وَقَدْ يَظُنُّ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ لَهُ عَلَى الْعَيْبِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابِ وَالشَّافِعِيِّ حُرْمَةَ التَّدْلِيسِ وَوُجُوبَ الْبَيَانِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَلَفْظُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَتْ وَاسْتَدَلَّ بِهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا تَدُلُّ علي المسلم للمسلم وهذا كما وَرَدَ فِي الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالسَّوْمِ على سومه وجمهور أصحابنا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بن حربوتة مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْخِطْبَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا أَمَّا الذِّمِّيُّ فَتَجُوزُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ قَالَ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ فِي السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ (قُلْتُ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا وَيُجْعَلَ تَحْرِيمُ الْكِتْمَانِ خَاصًّا بِمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا وَيُوَافِقُهُ مَا تقدم في الحديث ببيع المسلم المسلم لاداء ولا خبثة وفسر سعيد ابن أبى عروبة

الْخِبْثَةَ بَيْعُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يطرد ابن حربوتة مَذْهَبُهُ هُنَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْخِطْبَةَ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمَ عَلَى السَّوْمِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إيغَارُ الصُّدُورِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ (وَأَمَّا) كِتْمَانُ الْعَيْبِ فَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ وأخذ المالك الَّذِي بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِإِبَاحَةِ ذلك على مالا يظن بأحد من العلماء لقول به على أن قول ابن حربوتة فِي الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ أَيْضًا وَمِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ حربوتة فِي الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ الْأَوْزَاعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هُنَا لِلْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِي مسألتنا وفى مسألة الخطبة والسوم والبيع عَلَى الْبَيْعِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ " (وَأَمَّا) التَّقْيِيدُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّهُ خَرَجَ على الغالب ولا يكون له مفهوم أرأن الْمَقْصُودَ التَّهْيِيجُ وَالتَّنْفِيرُ عَنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ عُمُومُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ ان عَلِمَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ لِلْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَاتِهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا أَظُنُّ فِيهِ خِلَافًا لِوُجُوبِ النَّصِيحَةِ وَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ الْمَالِكِ الْبَائِعِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ الَّذِي دَلَّ كَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْبَائِعِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كما في قصة واثلة الْأَسْقَعِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ بِذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَوْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِقِصَّةِ وَاثِلَةَ فَإِنَّهُ اسْتَفْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَلْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا بِعَدَمِ إعْلَامِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النُّصْحِ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ التَّوَهُّمُ بِمُحْتَمَلِهِ فَلَوْ وَثِقَ بِالْبَائِعِ لِدِينِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْلِمُ الْمُشْتَرِيَ بِهِ وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فَيُحْتَمَلُ أن

يُقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ فِي هَذِهِ الحالة لظاهر حال البائع وخشية من التعر ض لا يغار صَدْرِهِ وَالْبَائِعُ يَتَوَهَّمُهُ أَنَّهُ أَسَاءَ الظَّنَّ بِهِ ويحتمل أن يقال انه يجب الاستفسا كَمَا فَعَلَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْلَامِ وَلَا يَجِدُونَ فِي الِاسْتِفْسَارِ مَعَ عموم الحديث في وجوب التببين هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَالِمًا بِهِ وَحْدَهُ وَجَبَ عليه البيان بكل (وَأَمَّا) وَقْتُ الْإِعْلَامِ فَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ عَصَى كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْبَيْعِ أيضا عد الْحَاجَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بَعْدَهُ لِيُرَدَّ بِالْعَيْبِ كَمَا فَعَلَ وَاثِلَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَقْتِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * قَالَ الْإِمَامُ الضَّابِطُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه أو (1) يَنْبَغِي فِي تَدْلِيسٍ فِيهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فان لم يكن السبب سببا لِلْخِيَارِ فَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا يَكُونُ مِنْ التَّدْلِيسِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْغَبْنَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِهِ خِيَارٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إنْ بَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرَامٌ التَّدْلِيسُ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْبَيْعُ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا عَيْبًا (فَإِمَّا) أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا السَّلَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ (وَإِمَّا) أَنْ يُطْلِقَ فَإِنْ أَطْلَقَ وَاقْتَصَرَ عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَمَذْهَبُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مُشْتَرِيَ الْمُصَرَّاةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَعَ التَّدْلِيسِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَائِعِ بِالتَّصْرِيَةِ وَهِيَ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ وَكِتْمَانِهِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَبِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ وَالنَّهْيُ إذًا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْعَاقِدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ النَّهْيُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الملامسة

_ (1) بياض بالاصل

والمنابذة ألا ترى أن النهى عن البيع وَقْتَ النِّدَاءِ لَمَّا لَمْ يَرْجِعْ إلَى ذَاتِ الْعَقْدِ لَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا بِأَمْرٍ خَارِجٍ (وأما) هنا وفى الْمُصَرَّاةِ فَلَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنَّمَا وَرَدَ هُنَا عَلَى كِتْمَانِ الْعَيْبِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى التَّصْرِيَةِ فَلَيْسَ الْبَيْعُ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ وَالْحَرَامُ هُوَ الْكِتْمَانُ وَالْبَيْعُ وَقْتَ الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّفْوِيتِ فَلْتَفْهَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَنَقُولُ التَّدْلِيسُ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَيْبَ حَرَامٌ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُ بِالصِّحَّةِ (قُلْتُ) لَا شك أن المراتب ثلاثة (الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) وَهِيَ أَعْلَاهَا مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ كَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) ما كان منهبا عَنْهُ لَا لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ لِاسْتِلْزَامِهِ أَمْرًا مَمْنُوعًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّفْوِيتِ الْمَمْنُوعِ أَوْ هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْوِيتُ وَالْمُتَضَمِّنُ أَوْ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْمَمْنُوعِ مَمْنُوعٌ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) وَهِيَ أَدْنَاهَا مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَصْلًا وَلَكِنْ بِهِ يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهَذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّرْعُ عَنْ قِسْمِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ كسائر المباحات إذا استلزم شئ مِنْهَا مُحَرَّمًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا نَقُولُ إنَّهُ يَنْقَلِبُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَيُوَضِّحُ لَكَ هَذَا أَنَّهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إذَا اشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَفَوَّتَ السَّعْيَ لِلْجُمُعَةِ يَأْثَمُ إثْمَيْنِ إثْمٌ لِلْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِثْمٌ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَأْثَمُ إلَّا إثْمًا وَاحِدًا عَلَى الْغِشِّ وَكِتْمَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَأْثَمُ عَلَى الْبَيْعِ إثْمًا آخَرَ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى الْبَيْعِ الْمُقَارِنِ لِلْغِشِّ بِالتَّحْرِيمِ كَذَلِكَ حُكِمَ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَرَامٌ ثَمَّ أَيْ لَيْسَ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ مُسْتَلْزِمًا لِلْكِتْمَانِ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُمْكِنُ أَنْ يُخْبَرَ مَعَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّحْرِيمِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ إذْ يُرَادُ تَحْرِيمُ الْمَجْمُوعِ أَعْنِي الْبَيْعَ مَعَ الْغِشِّ فَلَيْسَ الْبَيْعُ وَحْدَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَلَا بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ وَقَدْ وَافَقَ الظَّاهِرِيُّونَ أَوْ مَنْ وَافَقَ مِنْهُمْ عَلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ مَعَ النَّجْشِ قَالُوا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ النَّجْشِ وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا وَوَافَقُوا عَلَى تصحيح

الْبَيْعِ مَعَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَصُّ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا هُنَا أَيْضًا وَالظَّاهِرِيَّةُ فِي الْمُصَرَّاةِ وَنَحْوِهَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ خَارِجًا بِالنَّصِّ وَيَتَمَسَّكُونَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ بِمَا ذَكَرُوهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّدْلِيسُ حَدِيثًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى إبِلًا هِيمًا مِنْ شَرِيكٍ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ نُوَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخْبَرَ نُوَاسٌ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ شَيْخِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ وَيْلَكَ فَجَاءَ نُوَاسٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ إنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إبِلًا هِيمًا وَلَمْ يعرفك قال فاستقها إذا فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَسْتَاقَهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ دَعْهَا رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى والله تعالى أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبْلَ بَابِ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ثَمَنِ التدليس حرام لاثمن الْمَبِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَهَذَا شئ عَجِيبٌ كَيْفَ يَكُونُ الثَّمَنُ حَرَامًا وَالْبَيْعُ صَحِيحًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِخْبَارِ بِالزِّيَادَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا أَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ بِسَبَبِ التَّدْلِيسِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ اسْتِرْجَاعَهُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا جُمْلَةُ الثَّمَنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ اسْتَقَرَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ اسْتَرْجَعَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ موجبا للوصف بالتحريم فليكن جميعه حراما أولا فلا يكون شئ مِنْهُ حَرَامًا * * (فَرْعٌ) * هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فكانت معينة أَوْ شَرَطَ وَصْفًا وَأَخْلَفَ فَالْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُ هَذَا الْقَوْلِ الْغَرِيبِ هُنَاكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْغَرَضِ بِالْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا أَقْوَى وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُتَعَيَّنِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَهَذَا فَرْقٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ حَتَّى لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ ضَعِيفًا لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمُعَيَّنُ مَعَ الشَّرْطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أعلم *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب واشتراه ثم علم بالعيب فهو بالخيار بين أن يمسك وبين أن يرد لانه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له ذلك فثبت له الرجوع بالثمن كما قلنا في المصراة) * * * (الشَّرْحُ) * الْمُشْتَرِي لِلْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ تَارَةً يَكُونُ عَالِمًا بِعَيْبِهَا وَتَارَةً لَا يَكُونُ (الْحَالَةُ الْأُولَى) إنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمُصَرَّاةِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ هُنَاكَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ التَّعَبُّدُ وَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِكَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ تُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَرَطَ فِي الْخِلَافِ عَدَمَ الْعِلْمِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ عِنْدَ الْعِلْمِ لَا خِيَارَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ لَهُ الْبَائِعُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَحَدَّ مِقْدَارَهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي جِسْمِ الْمَبِيعِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ وَإِلَّا رَدَّ لَهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ * * (فَرْعٌ) * فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ عَلِمَ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ يُوكِسُ الثَّمَنَ وَيُوجِبُ الْفَسْخَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ حُكْمٌ وَالْجَهْلُ بِالْأَحْكَامِ لَا يُسْقِطُهَا قَالَ فَلَوْ كَانَ شَاهَدَ الْعَيْبَ قَدِيمًا وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ زَالَ فَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَيْبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ وَهِيَ مَنْطُوقُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ إنْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ عَيْبًا ظاهر بِالْقِيَاسِ وَالْجَامِعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ تكن التصربة عَيْبًا فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا

ثَبَتَ بِالتَّدْلِيسِ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ فَثُبُوتُهُ بِالتَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الْمُحَقَّقِ أَوْلَى هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ بِالتَّصْرِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يَجْعَلُهَا كَالشَّرْطِ وَيُلْحَقُ الْخِيَارُ فِيهَا بِخِيَارِ الْخُلْفِ وَحِينَئِذٍ قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ التَّصْرِيَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِ الْبَائِعِ كَالشَّرْطِ جَعْلُ التَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَئِنْ جَعَلْنَا التَّدْلِيسَ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ فَالْعَيْبُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى ذَلِكَ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ الْخِيَارُ ثَابِتٌ بِهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَالِ وَأَسْلَمُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ نَعَمْ هُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْخِيَارَ فِيهَا مُلْحَقٌ بِخِيَارِ الْخُلْفِ فَلَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا إخْلَافُ الشَّرْطِ الْمُلْتَزَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْجَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَدَمَ حُصُولِ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ لَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مَقِيسًا عَلَى الِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ هُوَ فِي الْوَسِيطِ تَنْزِيلًا لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ مَنْزِلَةَ الِاشْتِرَاطِ ثُمَّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الِالْتِزَامَ الشَّرْطِيَّ أَصْلًا يُكْتَفَى بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ وَلَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إلَى التَّصْرِيَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقِيَاسِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَإِجْمَاعٌ أَمَّا الْحَدِيثُ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا بِفَصْلٍ فِي الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ خَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ " وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شيئا ولم يبين له البائع لعيب فِيهِ وَلَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي سَلَامَةً وَلَا اشْتَرَطَ الْإِخْلَاءَ بِهِ وَلَا بَيْعَ مِنْهُ بِبَرَاءَةٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ وَكَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حَطًّا لَا يَتَغَابَنْ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ

يَعْنِي وَقْتَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُتْلِفْ عَيْنَ المعيب وَلَا نَقَصَهَا وَلَا تَغَيَّرَ اسْمُهُ وَلَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كُلُّهُ وَلَا بَعْضُهُ وَلَا أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ شَيْئًا وَلَا وَطْئًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ نَقَدَ فِيهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ مَا أَعْطَى فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ إنْ أَحَبَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَا لَا سَبِيلَ إلَى ضَبْطِهِ بِإِجْمَاعٍ جَازَ انْتَهَى وَادَّعَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْغَاشِّ الْخَائِنِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَدِيثَ وَالْإِجْمَاعَ لِأَنَّ الحديث فيه انه رَدٌّ بِعَيْبٍ وَذَلِكَ حِكَايَةُ حَالٍ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَلَا إجْمَاعَ مُقَيَّدٌ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ أَشْمَلَ وَبِالْجُمْلَةِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي الْجُمْلَةِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ (أَمَّا) لو وجد العيب وزال الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ * * (فَرْعٌ) * وَلِيُّ الطِّفْلِ إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ نَفَذَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ فَإِنْ اشْتَرَى سَلِيمًا فَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي الْإِمْسَاكِ أَمْسَكَ أَوْ فِي الرَّدِّ رَدَّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّدَّ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ انْقَلَبَ إلَيْهِ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَالِ الطِّفْلِ بَطَلَ الْعَقْدُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ** (فَإِنْ ابتاع شيئا ولا عيب فيه ثم حدث به عيب في ملكه نظرت فان كان حدث قبل القبض ثبت له الرد لان المبيع مضمون على البائع فثبت له الرد يحدث فيه من العيب كما قبل العقد

وان حدث العيب بعد القبض نظرت فان لم يستند إلى سبب قبل القبض لم يثبت له الرد لانه دخل المبيع في ضمانه فلم يرد بالعيب الحادث وان استند إلى ما قبل القبض بأن كان عبدا فسرق أو قطع يدا قبل القبض فقطعت يده بعد القبض ففيه وجهان (أحدهما) أنه يرد وهو قول أبى اسحق لانه قطع بسبب كان قبل القبض فصار كما لو قطع قبل القبض (والثاني) أنه لا يرد وهو قول أبى علي ابن أبى هريرة لان القطع وجد في يد المشتري فلم يرد كما لو لم يستند إلى سبب قبله) * * * (الشَّرْحُ) * الْكَلَامُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى الْبَائِعِ بِجُمْلَتِهِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ فَأَثْبَتْ الْخِيَارَ وَالْمُصَنَّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِجَعْلِهِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَبِيعِ فِيهِمَا مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ كَسْبِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ الْعَيْبَ الطَّارِئَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ بُطْلَانِ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّبَا وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَسَنَشْرَحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَمَانَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَجْزُومِ بِهَا هُنَا إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (أَمَّا) إذَا حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ

الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ تَقْسِيمِ تَلَفِ الْمَبِيعِ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ وَهُنَاكَ أَسْتَوْعِبُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمُلَخَّصُ مَا هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ جَزْمًا وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ أَثَرُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ مَذْكُورٍ هُنَاكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ ابْنَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَرِثَهُ الِابْنُ ذكره صاحب البحر هناك وهنا أَذْكُرهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتَى حَصَلَ الْعَيْبُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ (وَأَمَّا) مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَقُولُهُ أَبُو ثَوْرٍ مُطْلَقًا وَمَالِكٌ فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا أَثَرَ لَهُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَذْهَبِنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ كَوْنِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ هو المشهور الذى لا يكاد يُعْرَفُ بَلْ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَمْرَانِ غَرِيبَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ الْكَبِيرِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى الاجنبين وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَلَمْ يَتَفَرَّقْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى جَنَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِهِ وَلَهُ رَدُّهُ بِلَا عَيْبٍ وَلَوْ جَنَى ثُمَّ بِيعَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ بِجِنَايَتِهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَلَّسَهُ وَلَوْ بِيعَ وَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَاخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ثُمَّ جَنَى كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرُدَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا حادث في ملكه بعد تَمَامِ الْبَيْعِ بِكُلِّ حَالٍ لَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَهُ وَالْعِلَّةُ تُرْشِدُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْقَبْضِ (قَالَ) وَهَذَا إنْ صَحَّ

يَقْتَضِي أَنَّ الْجِنَايَةَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِهَا لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَإِنْ أَثْبَتَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَجَنَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ غَيْرُهُ جِنَايَةَ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ أَوْ النَّفْسِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَبْدِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَخَذَ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ كَانَ مُخَيَّرًا أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَدَعَهُ وَلَيْسَ لَهُ النَّقْصُ إذَا كَانَ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا لَوْ مَاتَ وَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا نَقَصَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهُزَالٍ فِي يَدَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ كَانَ مُخَيَّرًا وَقَدْ قِيلَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَالْبَيْعُ مُنْفَسِخٌ انْتَهَى وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْبُوَيْطِيُّ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَعْرُوفَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْغَرِيبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ ويسقط عنه حتصه مِنْ الثَّمَنِ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّقْسِيطُ عَلَيْهِ كَالْيَدِ وَنَحْوِهَا لَا كَالْهُزَالِ وَشَبَهِهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله ولا شئ مِنْ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حِكَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى أَبِي يَعْقُوبَ فَلَعَلَّهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ * * (فَرْعٌ) * إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنْ سبب مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَالِمًا بِهِ فَقَطَعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بِكْرًا مُزَوَّجَةً فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ تَكُونُ كَعَيْبٍ حَدَثَ فَيُرَدُّ بِهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مُرْتَدًّا فقتل قبل القبض ينفسخ العقد أو لالان رضاه لسببه رضى بِهِ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الرِّضَا بِخِلَافِ الانفساخ بالتلف لم أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا وَالْأَقْرَبُ

القطع بأنه لا يوجب الرد للرضى بِسَبَبِهِ وَلَكِنْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَمِثْلُ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَا يُوجَدُ مِنْهُ نقل في خصوص المزوجة ووطئ الزَّوْجِ بِهَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَحَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ التفرق والتخاير فالوجه في وذلك بِنَاؤُهُ عَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي في مدة الخيار وفيه طرق (احداهما) وَهِيَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْغَزَالِيُّ وَارْتَضَاهَا الْإِمَامُ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهَا (أَمَّا) إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ لَزِمَ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْقَبْضَ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَتْ عَلَقَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مُكَايَلَةً فَقَبَضَ جُزَافًا أَوْ غُصِبَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَالَ هَذَا التَّعْلِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ (وَالثَّانِي) يَنْفَسِخُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَمَا بَعْدَ الْخِيَارِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَأَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ مَنْسُوبَةٌ لِلشَّيْخِ أبى حامد (الطريقة الثالثة) مثلها إلَّا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَحَصَلَ إمْضَاءُ الْبَائِعِ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ وَهَذِهِ حَكَاهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلِذَلِكَ نَسَبَهَا الْعِمْرَانِيُّ إلَيْهِ (الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ) طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ التَّلَفُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ انْفَسَخَ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ أَوْ مَوْقُوفٌ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ (وَالثَّانِي) وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى (الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ) ما دل

عَلَيْهَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ لَهُ فَوَجْهَانِ وَإِلَّا لَمْ يَنْفَسِخْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أراد بالثمن القيمة لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُعَبِّرُ عَنْ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا تَقَدَّمَ وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ أَكْثَرَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِانْفِسَاخِ وَذَكَرَ نُصُوصًا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الثَّامِنِ وَالْعَاشِرِ مِنْ بَابِ الدَّعْوَى فِي الْمَبِيعِ وَمِنْ بَابِ دَعْوَى الْوَلَدِ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا فِي الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ أيضا أنه إذ بَاعَ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنْ مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ زَمَنَ الْخِيَارِ يَلْزَمُهُ الثمن وبذلك قال المتولي حصل قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالنَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْفِسَاخَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَفْقَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ وَالنُّصُوصُ الَّتِي لِلشَّافِعِيِّ لَيْسَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْهَا مَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالِانْفِسَاخِ وَلَا بِعَدَمِهِ بَلْ الْأَكْثَرُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْأُمِّ فِيهِ إيجَابُ الْقِيمَةِ وَالنَّصُّ الْمُعَارِضُ لَهُ فِيهِ إيجَابُ الثَّمَنِ فَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (إمَّا) الْقَوْلُ بِالِانْفِسَاخِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى كَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَإِمَّا) الطَّرِيقَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَقُلْتُ) إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ

الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ فَالتَّمَسُّكُ بِذَلِكَ لِلِانْفِسَاخِ عَيْبًا كَمَا ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وترجيح عدم الانفساخ ولزوم الثمن موافق للنصف المتقضى لِوُجُوبِ الثَّمَنِ وَمُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ النُّصُوصِ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الثَّمَنَ عَلَى الْقِيمَةِ وما نقله من النصوص في كتبه بترجح القول بالانفساخ لاسيما مع ما أشعر به كلام القاضى أبو حَامِدٍ أَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ لَيْسَ بِثَابِتٍ إذَا عَرَفَ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَحَيْثُ نَقُولُ بِالِانْفِسَاخِ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَظَاهِرِ أَكْثَرِ النُّصُوصِ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَاوَرْدِيُّ والقاضى أبى الطيب على ما فيهما مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْبِنَاءِ فَحُدُوثُ الْعَيْبِ حِينَئِذٍ كَحُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ قَالَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ الْمَقْبُوضَ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ يَسْتَحِقُّ رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ الْعُيُوبِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ تَامًّا وَجَبَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى وَعَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَوْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى طَرِيقَتَيْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى النَّصِّ الْمَحْكِيِّ فِي ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَلَا جُرْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى سَبَبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ الْقَبْضَ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ * * (فَرْعٌ) * لَا فَرْقَ بَيْنَ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَدِ نَائِبِهِ وَلَوْ كَانَتْ يَدُ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قبض المبيع وأودعه اياه بعد القبض نص عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَوْدَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ حق الحبس بالايداع فَتَلِفَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ سَالِمَةٌ عَنْ ذَلِكَ فِي الطَّرَفَيْنِ لِاعْتِبَارِهِ الْقَبْضَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَوَّلِ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي *

* (فَرْعٌ) * هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْقَبْضِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إلَى سَبَبٍ قَبْلَهُ لَا يُرَدُّ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ إلَّا فِي الرَّقِيقِ فَإِنَّهُ قَالَ مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ إبَاقٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فمن ضامن الْبَائِعِ فَإِذَا انْقَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ بَرِئَ الْبَائِعُ إلَّا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَإِنَّ هَذِهِ الادواء الثلاثة إن أصاب شئ مِنْهَا الْمَبِيعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ سَنَةٍ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ قَالَ وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ إلَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِهَا فِيهَا (وَأَمَّا) الْبِلَادُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا فَلَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قَالَ وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَطَلَ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا بَاعَ السُّلْطَانُ لِغَرِيمٍ أَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَلَا عُهْدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فكنمه وَقَالَ قَتَادَةُ إنْ رَأَى عَيْبًا فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ رَدَّهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِنْ رَأَى عَيْبًا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثُ لَيَالٍ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَرْبَعُ لَيَالٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ قَالَ قَتَادَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ ثَلَاثًا قَالَ سَعِيدٌ قُلْتُ لِعُبَادَةَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بِالسِّلْعَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَلَا يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَذَلِكَ الْعَيْبُ بِهَا وَإِلَّا فَيَمِينُ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ وَيَرُدُّ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا قَضَى بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ لِأَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ فَإِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ ابن عثمان وهشام بن اسماعيل بن هشام يذكر ان فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةُ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يَشْتَرِي الْعَبْدَانِ الْوَلِيدَةَ وَعُهْدَةُ السَّنَةِ وَيَأْمُرَانِ بِذَلِكَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى فِي عَبْدٍ اُشْتُرِيَ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ الْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ سَنَةً قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ الْعُهْدَةُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ

نَحْوِ الْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ تَزَلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ فِي الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ والبرص ان ظهر بالمملوك شئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ وَيَقْضُونَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا وَلَا سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ فَرِوَايَتُهُ فِي هَذَا مُنْقَطِعَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ المديني لم يسمع الحسن من عقبة ابن عَامِرٍ شَيْئًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَمُرَةَ فِي ذَلِكَ إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ (قُلْتُ) وَقَدْ حَفِظْتُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا النظر في سماع الحسن بن سَمُرَةَ وَأَيْضًا فَفِيهِ عَنْعَنَةُ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُعِلَّ بِهِ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْحَسَنِ عَلَى الشَّكِّ بَيْنَ عُقْبَةَ وَسَمُرَةَ وَهُمَا وَإِنْ كَانَا صَحَابِيَّيْنِ فَهُوَ اضْطِرَابٌ وَقَدْ سَأَلَ الْأَثْرَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْعُهْدَةِ حَدِيثٌ نَتَثَبَّتُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْإِرْسَالِ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَضَائِهِ بِذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَبَقِيَّةِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ هُيَامٍ وَلَا مِنْ جُذَامٍ ولا شئ وَبِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ وَعُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ فِيهَا أَمْرًا سَالِفًا وَعَنْ ابْنِ طاووس أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْعُهْدَةَ شَيْئًا لَا ثلاثا ولا أقل ولا أكثر وما أشار واليه مِنْ أَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ يَحْدُثُ الْإِبَاقُ وَشِبْهُهُ وَلَوْ سُلِّمَ لَهُمْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ مَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ إنَّ الدَّاءَ الْكَامِنَ لا عتبار به وانما النقض بما يظهر لاما كَمَنَ وَفِيمَا قَالَهُ بُعْدٌ لِأَنَّ الْكَامِنَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِهِ صَارَ كَالظَّاهِرِ وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمَا سُئِلَا عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَا لَا نَجِدُ أمثل من حديث حبان بن معداد كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَلُ الْجَارِيَةِ بِهَا الْجُذَامُ سَنَةٌ فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عن عمرو ابن الزُّبَيْرِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رد ولم يعفد ذَلِكَ بِعَيْبٍ وَلَا فِي الرَّقِيقِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَبَرُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل لحبان بن سعد عُهْدَةً بِثَلَاثٍ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُنَافِيهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا أَدْرَكْتَ الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَمِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَثْنَتْ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا الثِّمَارَ لِقَوْلِهِمْ فِيهَا بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَسَنَذْكُرُ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَهُمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَطْعٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّ بَيْعَ مَنْ وَجَبَ قَطْعُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ سَرِقَةٍ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ السَّبَبِ السَّابِقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ عَلَى الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ الْقَطْعِ حَتَّى قُطِعَ وَهِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قول أبى اسحق وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِطْلَاقُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ بُشْرَى يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَوْ قُطِعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا حَكَاهُ الْأَكْثَرُونَ والقاضى أبو الطيب ونقله ابن بشرى عن من نَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَمَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رحمهما اللَّهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ

الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقٌّ الْقَطْعَ وَغَيْرُ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ وَحُمِلَ النَّصُّ الْأَوَّلُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ هَذَا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالسَّبَبِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ قَطْعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ لِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَإِمْسَاكِهِ إنْ كَانَ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ولا يجئ ههنا الوجه المحكي عن أبى اسحق فِي الْقَتْلِ يَعْنَى سَابِقًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ على رأى أبى اسحق كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَأَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَالَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ بشئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ وَجْهَ أَبِي اسحق يَأْتِي هَهُنَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ * * (فَرْعٌ) * عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مُزَوَّجَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهَا حَتَّى وطئها الزوج بعد القبض فان كان ثَيِّبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَنَقَصَ الافتفضاض مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ان جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِكَوْنِهَا مزوجة فان تعذر الرد بسبب رجع الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَمُزَوَّجَةً مُفْتَرَعَةٍ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً مِنْ الثَّمَنِ هَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بعض نسخا سَقْطٌ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ إلَى غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ فَصَارَ هَكَذَا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ غَلَطٌ فِي الْحُكْمِ وَتَرْكٌ لِلتَّفْرِيعِ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ الْإِفْرَاعُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ يُقَدَّرُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ الْمَضْمُونُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا سَلَامَتُهَا عَلَى التَّزْوِيجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ سَلِيمًا وَأَقْطَعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ مضمون

عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِقَدْرٍ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ وَغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ سَلَامَتُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ وَقَدْ وَافَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا فِي الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ مِنْ الْغَلَطِ فِي الْحُكْمِ وَجَعَلَ الْأَرْشَ عَلَى قَوْلِ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَبِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ (وَإِنْ) كَانَ عَالِمًا بِزَوَاجِهَا أَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ فَلَا رَدَّ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ مَا اُفْتُضَّتْ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُمْ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ لَا رَدَّ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً ثَيِّبًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مُزَوَّجَةً بِكْرًا سَلِيمَةً وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً فَإِنَّ الْقِيمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ قِيمَةُ يَوْمِ الْعَقْدِ عَلَى قَوْلٍ وَيَوْمِ الْقَبْضِ عَلَى قَوْلٍ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ تُقَدَّرُ هُنَا بِكْرًا لِأَنَّهَا بِكْرٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ الثُّيُوبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْبِكْرِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ كَنِسْبَةِ الثَّيِّبِ السَّلِيمَةِ مِنْ الْمَعِيبَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ فِي كَلَامِهِ بِالثَّيِّبِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مزوجة سليما وَمِثْلِهَا مَعِيبَةً وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ ثَيِّبًا حَشْوٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إنْ كان ذلك لَا يَخْتَلِفُ أَوْ زِيَادَةٌ مُفْسِدَةٌ إنْ اخْتَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَالنَّظَرُ فِي الْأَرْشِ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً سَلِيمَةً وَثَيِّبًا مُزَوَّجَةً مَعِيبَةً لِأَنَّ النَّقْصَ الْحَاصِلَ بِالثُّيُوبَةِ رَضِيَ بِهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَبِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَفِي قَوْلِهِ بِكْرًا مُزَوَّجَةً نَقِيضُهُ نَظَرٌ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّهْذِيبِ نَظِيرَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى سَارِقًا عَالِمًا بِسَرِقَتِهِ فَقُطِعَ فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا قَالَ لَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا غَيْرَ مَقْطُوعٍ مَعِيبًا وَغَيْرَ مَعِيبٍ فَقَوْلُهُ غَيْرَ مَقْطُوعٍ نَظِيرُهُ هُنَا أَنْ تقوم بِكْرًا وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِ

وَعِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ هُنَا * ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ الله يقتضى أن الرضى بِالْعَيْبِ لَا يُبْطِلُ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُسْقِطُ الرَّدَّ بِهِ وَبِمَا هُوَ مِنْ سَبَبِهِ وَيَصِيرُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْوَاقِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي عَدَمِ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا إنَّمَا يتجه على قول أبى اسحق الْقَائِلِ بِأَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَى الثَّمَنِ إنْ صَحَّ جَرَيَانُ هَذَا الْوَجْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَشَبَهِهَا وَقَدْ أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ (أَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ عَالِمًا بِرِدَّتِهِ لَا يرجع بشئ وَكَذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَزَوَالِ الْبَكَارَةِ جَزْمًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَزَوَالُ الْبَكَارَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَعَيْبٍ جَدِيدٍ مَانِعٍ مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ (فَإِنْ قُلْتَ) جَعْلُهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ لِمَا وُجِدَ قبل القبض لكن لَا يُرَدُّ بِهِ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْبًا قَدِيمًا رَضِيَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ لا يرد به (قلت) لو جعلناه مَا بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْجَهْلِ أَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ فَلَا فإذا رضى بالعيب أبطل أثره وكلما وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَثَرِهِ فَلَيْسَ مَنْسُوبًا إلَى الْبَائِعِ بَلْ هُوَ حَادِثٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نَاشِئٌ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ إحَالَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي وَالرَّافِعِيِّ وَالْبَغَوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فرعوا ذلك على قول أبى اسحق (قُلْت) لَا لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا قول أبى اسحق فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ الْعِلْمِ بَلْ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِعَدَمِ جَرَيَانِهِ هُنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا قُلْنَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدَّمُوا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ هَذَا الْبَحْثُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ وَعَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * زَوَالُ الْبَكَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِمَّا يُظَنُّ بَكَارَتُهَا فِي الْعَادَةِ لِصِغَرِ سِنِّهَا أَمْ لَا لِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ لَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بصفة تريد فِي ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فيه *

* (فَرْعٌ) * إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَرَضِيَ بِحَمْلِهَا ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهِ وَنَقَصَتْ بِسَبَبِ الْوَضْعِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَارِيَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَنْ لَا يَكُونَ نُقْصَانُهَا بِالْوِلَادَةِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِيمَا إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ جَارِيَةً حَامِلًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ وَوَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا فيه وجهان وفى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَرْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَوْ بَعْضِهَا مَسَائِلَ تُشَارِكُهَا فِي حُصُولِ عَيْبٍ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ الْقَبْضِ وَيُوجَدُ أَثَرُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْقَتْلِ بِرِدَّةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ سَابِقَةٍ أَوْ الْمَوْتِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْرَدَ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فَصْلًا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا وَالْحَادِثُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَلَفٌ يُثْبِتُ الِانْفِسَاخَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا عَيْبَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَلْنُؤَخِّرْ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ لَهَا فَلِلْمُشَارَكَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّ التَّلَفَ فِي ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ حَتَّى يَرْجِعَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْأَرْشِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فُصُولِ الرَّدِّ بالعيب كما سيأتي إن شاء الله وَلِفِعْلِ الْأَوَّلِينَ مُرَجِّحٌ سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْقَطْعِ تَلَفٌ (أَمَّا) لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (تَنْبِيهٌ) جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدِ بِالسَّرِقَةِ وَبِالْقِصَاصِ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ فِي الْقِصَاصَ لَا يُرَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَتَحَتَّمُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ آخر) نظرا لاصحاب الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِالْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا علق العتق فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ (تَنْبِيهٌ آخَرُ) كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرُوا مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِالْجِنَايَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَلِذَلِكَ قَدَّمُوا الْكَلَامَ فِيهَا وَقَدَّمُوا مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ أَخَّرَ مَسْأَلَةَ الْجِنَايَةِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وترجح

فِعْلُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَطْعِ غَيْرُ مَنْصُوصَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمَسْأَلَةُ الْجِنَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَى أَصْلِهَا وَأَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ عَلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِيهِ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يُرَدُّ بَلْ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا مَقْطُوعًا وَقِيمَتِهِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ (قُلْتُ) وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبَّرَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَكِنْ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ * * (فَرْعٌ) * إذَا رضى بالقطع واطلع على عيب آخر قديم فَلَهُ الرَّدُّ إنْ جَعَلْنَا الْقَطْعَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ * * (فَرْعٌ) * إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَدٌّ بِالسِّيَاطِ فَاسْتُوْفِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ مَاتَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَإِنْ سَلَّمَ فَالْحُكْمُ كَمَا مَرَّ فِي السَّابِقِ فَاسْتِحْقَاقُ الْحَدِّ بِالسِّيَاطِ كَاسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ * * (فَرْعٌ) * عَبْدٌ عَلِيلٌ بِهِ أَثَرُ السَّفَرِ فَقَالَ سَيِّدُهُ لِرَجُلٍ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّ مَرَضَهُ مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ وَيَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ فَاشْتَرَاهُ فَازْدَادَ مَرَضُهُ وَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى ليس له المراد لانه غرر بنفسه وما غره الْبَائِعُ * * (فَرْعٌ) * إذَا وُجِدَتْ إزَالَةُ الْبَكَارَةِ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ قَطْعُ الْيَدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ قَدْ رَضِيَ بِالزَّوْجَةِ وَالْجِنَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي جَوَازِ الرَّدِّ بِذَلِكَ والاقرب القطع بأنه لا يوجب الرد فله وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ عَيْبٌ لَمْ يَرْضَ بِهِ هَلْ يَكُونُ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَقَطْعُ الْيَدِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْآخَرِ لِرِضَاهُ بِالسَّبَبِ أَمْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ (إنْ) جَعَلْنَا وُجُودَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ غَيْرَ مَانِعٍ مَعَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ) جَعَلْنَاهُ مَانِعًا وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فَهَهُنَا احْتِمَالَانِ مَأْخَذُهُمَا

أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ لِأَجْلِ الْعِلْمِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ لَمْ يَمْتَنِعْ هُنَا لِوُقُوعِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْعِلْمِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَجْلِ حُدُوثِهِ فِي يَدِ المشترى مع العلم بسببه وهذا المجموع منتف قبل القبض فلا يمتنع الرَّدَّ وَإِنْ عَلِمَ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ زَائِدٌ عَلَى مَا عَلِمَهُ وَلِهَذَا أَقُولُ إنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ هُنَا وَإِنْ كُنْتُ اسْتَشْكَلْتُ عَدَمَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَوَافَقَ فِي مَسَائِلِ التَّلَفِ الَّتِي سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بالجميع لانه من ضمان المشترى * * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا لم يخل أما أن يكون المبيع باقيا على جهته أو زاد أو نقص فان كان باقيا على جهته وأراد الرد لم يؤخره فان أخره من غير عذر سقط الخيار لانه خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فكان على الفور كخيار الشفعة) * * * (الشَّرْحُ) لِلْمَبِيعِ الْمَعِيبِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى جِهَتِهِ أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وَجْهٍ وَنَاقِصًا مِنْ وَجْهٍ أَوْ تَالِفًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى وَعَقَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا فَصْلًا وَذَكَرَ الْخَامِسَةَ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْقِسْمِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ تَلَفِهِ وَهُوَ يُقْسِمُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عيبا ولو أريد بوجد الْعِلْمِيَّةُ الَّتِي تَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ صَحَّ إطْلَاقُهَا بَعْدَ التَّلَفِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِنْ وُجْدَانِ الضَّالَّةِ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَوْجُودًا وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّاقِصُ مِنْ وَجْهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو عَنْ ذلك فالقسمة حينئذ حاصرة وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ من التسمين وَقَلَّمَا يَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَعَطْفُهُ بِأَوْ عَلَى أَمَّا غَيْرُ مُتَّضِحٍ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْ زَادَ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ زَائِدًا عَطْفًا عَلَى مَا هُنَا (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ الْعَيْبُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ فَإِنْ

أَرَادَ رَدَّهُ فَخِيَارُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عن أبى أنه لا يكون الرضى إلَّا بِالْكَلَامِ أَوْ يَأْتِي مِنْ الْفِعْلِ مَا يَكُونُ فِي الْمَعْقُولِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ رِضًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ وَيَسْتَمِعَ لانه ملكه وكذلك نقل ابن حزم فانه قَالَ لَا يَسْقُطُ الرَّدُّ إلَّا بِإِحْدَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مُطْبِقَةٌ بِالرِّضَا أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ إيلَادُ الْأَمَةِ أَوْ موته أو ذهاب عين الشئ أَوْ بَعْضِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَمَنْ يَعُدُّ أَقْوَالَ أَبِي ثَوْرٍ وُجُوهًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَجْهًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَتَاوَى محتملة لان لا يَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَمُحْتَمِلَةً لِخِلَافِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهَا وَلَعَلِّي أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا فِي تَفْصِيلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْطِلَةِ لِلْخِيَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِكَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الدَّلِيلِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ " وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحد منهما فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لُزُومَ الْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ ثُمَّ إنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُبُوتُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَيَجْرِي فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّزُومِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَتَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مَا أَمْكَنَ وَلِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي شُرِعَ الرَّدُّ لِأَجْلِهِ يَنْدَفِعُ بِالْبِدَارِ وَهُوَ مُمْكِنٌ فَالتَّأْخِيرُ تَقْصِيرٌ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ اللُّزُومِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (الدَّلِيلُ الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ احْتِرَازَاتٌ قَالَ ابْنُ مَعْنٍ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ وَبِقَوْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ عَنْ خِيَارِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (إذَا قُلْنَا) لَيْسَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَمِنْ خِيَارِ الْمَرْأَةِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْعُنَّةِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ وَمِنْ الْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَزَادَ غَيْرُهُ خِيَارَ الْعُنَّةِ أَيْضًا كَخِيَارِ الْأَمَةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَلَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا النَّقْضُ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ رِفْقًا بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّرَوِّي وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُحَقَّقِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ ثَمَّ ضَرَرٌ أَصْلًا وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى

ظُهُورِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ هَذَا رَأَيْتُ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الصَّعْبِيِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي سَمَّاهُ غَايَةُ الْمُفِيدِ وَنِهَايَةُ الْمُسْتَفِيدِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ احْتِرَازًا مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ لِلِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ وَقَدْ يرد عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ خِيَارَ التَّصْرِيَةِ عَلَى قول أبى حامد المروروزى كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَامِدٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَبَا حَامِدٍ يَجْعَلُ ثُبُوتَهُ ثَلَاثًا بِالْحَدِيثِ وَلَا يَجْعَلُهُ لِكَوْنِهِ عَيْبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثْبِتُهُ مَعَ الْعِلْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا الْخِيَارَ الَّذِي أَثْبَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُجَابُ عَنْ كُلٍّ مِنْ هَذَا وَخِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ بِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى فِيمَا سِوَاهُمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ يُورِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَاسَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَهُنَا قَاسَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ قِيَاسَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ وُرُودُ الْخَبَرِ فِيهَا وَقِيَاسُ الشُّفْعَةِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمُهَذَّبِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْمُصَنَّفِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ حَكَمْتَ بِعَدَمِ صِحَّةِ السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الْجَدِيدِ الصحيح اسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَسَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَإِنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِالتَّأْخِيرِ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ غَيْرُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ وَهَهُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ فَالْمَقِيسُ هُنَاكَ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ غَيْرُ الْمَقِيسِ هُنَا عَلَى الشُّفْعَةِ فَلَا سُؤَالَ وَلَا إشْكَالَ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَ السُّقُوطُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ظَاهِرِ اللُّزُومِ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا

حَاجَةَ فِي الشُّفْعَةِ إلَى قِيَاسِهِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِثُبُوتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ خَطَرَ لِي فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَالِاعْتِذَارِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي جَعْلِهِ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ مُنْشِئًا عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ نَقَلَهَا أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشُّفْعَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فأراد المطالبة بها كان له مادام فِي الْمَجْلِسِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِجِهَةِ الْمُعَارَضَةِ فَيُعْقَبُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشِّرَاءِ وَعَكْسُهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ تَقْرِيرَ مِلْكٍ فِي غَيْرِهِ (قُلْتُ) فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى هَذَا النَّصِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تبطل بالعفو مادام فِي الْمَجْلِسِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَنْهُ عَلَى أَنِّي نَظَرْتُ بَابَ الشُّفْعَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرَ الْعَجِلِ فَلَمْ أَرَ هَذَا النَّصَّ فِيهِ وَهُوَ غَرِيبٌ مُشْكِلٌ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ بُشْرَى الَّذِي جَمَعَ فِيهِ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي أَوْ تَرَكْتُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ثُمَّ يُفَارِقُ الشُّهُودَ الَّذِينَ قَالَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَدْ سَلَّمْتُ شُفْعَتِي فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى يَقُولَ أَنَا عَلَى شُفْعَتِي فَذَلِكَ لَهُ وَهَذَا هُوَ ذَاكَ النَّصُّ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الشُّفْعَةِ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْفَوْرِ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَدْفَعُهُ * * (فَرْعٌ) * إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَّرَ الرَّدَّ بَعْدَ الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَامِعِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ * * (فَرْعٌ) * أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ وَلَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ قضاء حاجة

فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ وَكَذَا لَوْ اطَّلَعَ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَاشْتَغَلَ بِهَا فَلَا بَأْسَ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا وَأَغْلَقَ بَابًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ لَيْلًا فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يُصْبِحَ وقال الهروي في الاسراف إلَى ضَوْءِ النَّهَارِ وَهُمَا رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ هَكَذَا أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ جَازِمًا بِذَلِكَ اعتبار بالعرف وقال صاحب التتمة إذا اطلق بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا مِنْ اسْتِحْضَارِ الشُّهُودِ لِيَفْسَخَ بِحَضْرَتِهِمْ وَلَا مِنْ إخْبَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ فَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَالُوا لابد أَنْ يَقُولَ فِي الْوَقْتِ فَسَخْتُ وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ أَوْ الشُّهُودُ أَوْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ يُطْرِدُ هَذَا الْخِلَافَ فِي تَأَخُّرِ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ مُطْلَقًا وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْ الْأَكْلِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ وَيَكُونُ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَعْذَارِ المتقدمة على ما ذكر إنَّمَا تَسْتَمِرُّ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون ذلك مختص بِاللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْخِيرِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ أَنَّهَا الْأَعْذَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ تَأْخِيرًا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْفَقُ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَدَمَ التَّمَكُّنِ فِي اللَّيْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى تَمَكَّنَ فِيهِ كَانَ كَالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمَسِيرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّبَاحِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَالْفِقْهُ يَقْتَضِيهِ فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْفَسْخِ وَلَا الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّدِّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أشار إليه يسلكه ملك الْغَيْبَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ لَقِيَ الْبَائِعَ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ سَلَامِهِ صَحَّ وَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِهِ صَحَّ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ لِلتَّنْبِيهِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي كَوْنِ السَّلَامِ عُذْرًا هُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ مَنْ عَدَّهُ فِي اشْتِرَاطِ قَطْعِ مَا هُوَ مَشْغُولٌ بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَشْتَرِطَ تَرْكَ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِعَتَهٍ أَوْ مَرَضٍ كَانَ عَلَى حَقِّهِ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسَيَأْتِي كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ لَوْ لَمْ يَتِمَّ الْغَرَضُ إلَّا بِاسْتِيفَائِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا أَعْذَارٌ احْتَرَزَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُبَادَرَةِ وَمَا يَكُونُ تَقْصِيرًا ومالا يَكُونُ مَحَلُّهُ كِتَابَ الشُّفْعَةِ وَأَحَالُوا الْكَلَامَ هُنَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَوْا هُنَاكَ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الشُّفْعَةِ قَطْعُ

مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ الحمام والنافلة ونحو ذلك تَحْقِيقًا لِلْبِدَارِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُهُ هَهُنَا لِأَنَّهُمَا فِي قَرْنٍ وَعَدَّ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ إبَاقُ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِإِسْقَاطِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْتُ) وَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ مُتَجَدِّدٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَحْصُلُ حَقِيقَةُ التَّأْخِيرِ فَلَا يَحْسُنُ عَدُّهُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ * * (فَرْعٌ) * وَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ عُذْرًا فَكَثِيرٌ (مِنْهَا) لَوْ بَادَرَ حِينَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَقِيَ الْبَائِعَ فَأَخَذَ فِي مُحَادَثَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ فَلَا رَدَّ لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ الرَّدَّ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَالَ أَخَّرْتُ لِأَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي حَقَّ الرَّدِّ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بَرِيَّةٍ لَا يَعْرِفُونَ الْأَحْكَامَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَمُكِّنَ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ الْفُرُوعِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ كَالْأَمَةِ إذَا ادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِالْحُكْمِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ قُبِلَ قَوْلُهُ لانه مما تخفى عَلَى الْعَوَامّ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُ الشَّفِيعِ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ (قُلْت) وَفِي الْإِطْلَاقَيْنِ نَظَرٌ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ أَمَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ وَحَيْثُ بطل حق الرد بالتقصير حَقُّ الْأَرْشِ أَيْضًا * * (فَرْعٌ) * لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى الْقَبْضِ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَدَوَامُ الْعَيْبِ عَيْبٌ * (فَرْعٌ) * فِيهِ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْفَوْرِ وَكَيْفِيَّةِ الرَّدِّ وَحَالِ الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ إنَّ عَلَيْهِ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَنْ الشَّيْخِ وَهُوَ الْقَفَّالُ إنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَرَادَ أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى الْقَفَّالِ وَقَالَ سَبِيلُهُ أَنْ يُفْسَخَ الْوَاقِعُ مِنْهُ لِتَيَسُّرِ الْإِثْبَاتِ لَهُ وَيَقْرَبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَنَقَلَ عَنْ عَامَّةِ

الاصحاب في الليل أنه لابد مِنْ تَلَفُّظِهِ بِالْفَسْخِ وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْبَائِعِ أَوْ الشُّهُودِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الْإِمَامُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِشْهَادِ فَلْيَبْتَدِرْ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا فِي الْعُرْفِ وَلَا يَلْزَمُهُ النُّطْقُ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْحُضُورِ فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَرِيمَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالرَّدِّ وَيَشْهَدَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنْ نَهَضَ إلَى الْبَائِعِ كَمَا اطَّلَعَ لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ فَسَخَ فِي بَيْتِهِ وَأَشْهَدَ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ بَطَلَ حَقُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَرِيمُ حَاضِرًا وَأَمْكَنَ الْإِشْهَادُ فَلَمْ يُشْهِدْ وَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَجَزْمُهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي لَيْسَ مُقَصِّرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْإِشْهَادُ جَمْعًا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَالْإِشْهَادُ أَوْ يَكْتَفِي بِالْحَاكِمِ وَجْهَانِ فَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ ثُمَّ الْحَاكِمُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إنْ كَانَ الْعَاقِدُ حَاضِرًا فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الرَّدِّ اثْنَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي فَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ فَمُقَصِّرٌ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ حُضُورًا فَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَوَجْهَانِ إذْ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي مَزِيدُ تَأْكِيدٍ فَاقْتَضَى هَذَا التَّرْتِيبُ الْغَرِيمَ ثُمَّ الْإِشْهَادَ ثُمَّ الْحَاكِمَ وَقِيلَ الْغَرِيمُ ثُمَّ الْإِشْهَادُ أَوْ الْحَاكِمُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الوجيز يرد عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقَاضِي فَوَافَقَ مَا فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إشْكَالٌ يَعْنِي الَّذِي فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ قَالَ لِأَنَّ الْحُضُورَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إمَّا أَنْ يَعْنِي بِهِ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ الْكَوْنَ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ عِنْدَهُ وَلَا وَجَدَ الشُّهُودَ وَلَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا سَعَى إلَى الْبَائِعِ وَاللَّائِقُ لِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْقَاضِي إذَا وَجَدَ الْبَائِعَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا

إذَا أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَقُولَ شَاهِدَيْنِ حَاضِرَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَائِبَ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ إشْهَادُهُ ثُمَّ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ فَكَوْنُ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ مَشْرُوطًا بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ بَعِيدًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْضَارِ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ الْحُضُورُ عِنْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ يَنْفُذُ فَسْخُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ غَيْرُ مَرْعِيٍّ انْتَهَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا الْإِشْكَالِ وَقَالَ إنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مُشْكِلٌ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ رد عليه بنفسه أو بوكيله وكذا لَوْ كَانَ وَكِيلُهُ حَاضِرًا وَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُرَافَقَةِ فَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ وَحَاصِلُ هَذَا تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ دَفَعَ الْأَمْرَ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ هَلْ يَلْزَمُهُ (وَجْهَانِ) قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ بِاللُّزُومِ وَيَجْرِي مَجْرَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَجَزَ فِي الْحَالِ عَنْ الْإِشْهَادِ فَهَلْ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مخالف لماله لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي كَوْنِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ مُبْطِلًا كَمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَمُخَالِفٌ لَهُ أَيْضًا فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشْهَادِ عَنْ الْحُضُورِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ وَصَدْرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ جَزْمًا وَلَا يَجُوزُ التَّشَاغُلُ بِهِ عَنْ الْحَاكِمِ وَزَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ بِلُزُومِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي فِي الْحَالَيْنِ عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ إنْ صَحَّ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَاصِرٌ عَلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْخَصْمِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي كلام الامام

زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ فَلَا عُذْرَ فِي التَّأْخِيرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ فَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إنْ أَرَادَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الاطلاق وَهُوَ الظَّاهِرُ فَبَقِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَالَةُ لَمْ يذكرها وان ارد مُطْلَقًا اقْتَضَى أَنَّهُ مِنْ الْحَاكِمِ وَيَذْهَبُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ يَتْرُكُ الْبَائِعَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَذْهَبُ إلَى الْحَاكِمِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ الْعَجْزِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَمُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَفِيمَا ذكره الرافعي من التخيير بحيث لابد مِنْ مَعْرِفَتِهِ سَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَى الْغَزَالِيِّ إنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ ابْتَدَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَحَكَيَا مَعًا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ وَتَرَكَهُ وَدَفَعَ إلَى الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضِيَّ إلَى الْقَاضِي أَقْوَى مِنْ لِقَاءِ الْخَصْمِ وَأَنَّ الْإِشْهَادَ أَقْوَى مِنْ الْمُضِيِّ إلَى الْقَاضِي هَكَذَا كَلَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّ مُرَادَ الْغَزَالِيِّ هُنَا فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ بِالْحُضُورِ الْحُضُورُ فِي الْبَلَدِ وَكَذَلِكَ مُرَادُهُ فِي الْبَسِيطِ هُنَا وَيَظْهَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِاحْتِمَالِ الْمُنَازَعَةِ (وَأَمَّا) الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجِبُ الْفَسْخُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ طَالِبٌ لِلرَّدِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالشُّفْعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ إنْ صَحَّ يَنْتَظِمُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْإِشْهَادُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَيَسُّرِهِ عَلَى طَلَبِ الرَّدِّ لَا عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَالصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ الرد ولا يكفى فانه ههنا بمكنة إنْشَاءُ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يمكنه الاخذ إلا بأمور هي مقصودة إذا ذَاكَ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ فِي الْبَسِيطِ قَالَا فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الشَّفِيعَ إذَا تَرَكَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْحُضُورِ وَابْتَدَرَ الْحَاكِمَ فَهُوَ فَوْقَ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حَالَةِ حُضُورِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ وَحُضُورُهُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الشُّفْعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْحَالَيْنِ

فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الحضور لا حلف عَلَى الشَّرِيكِ فِي قَوْلِهِ أَنَا طَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ تَمَلَّكْتُ بِهَا أَوْ وَجَدَ بَدَلَ الْمَالِ فَإِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي إذْ ذَاكَ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَفِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ مَجْلِسِ الاطلاع لابد من المضى إماله أو للحاكم فكان مخيرا بينهما أحوط وهذا لَا تَبَايُنَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ قَالَ وَهَذَا قُلْتُهُ بِنَاءً عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ الرَّدَّ عَلَى (1) لَا يُعْذَرُ بِطَلَبِ الْحَاكِمِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَى الْقَاضِي عَنْهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الطَّلَبِ إلَى وَقْتِ الْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كما ذَلِكَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ عَنْهُ وَلَا جُرْمَ قَالَ الْإِمَامُ مُشِيرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ حَاضِرًا فَابْتَدَرَ الْقَاضِيَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ لَكِنَّ حِكَايَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ الْقَفَّالِ لَا تَدْخُلُ حَالَةَ قُصُورِهِ مَعَ الْبَائِعِ بَلْ حَالَ غَيْبَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ فِيهَا مِنْ الْإِشْهَادِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَ الْغَزَالِيُّ مِنْ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ يُقَصِّرُ يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي وَالْخَصْمُ حَاضِرٌ أَيْ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ (قُلْتُ) مَا حَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي وَالطَّلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ تَطْوِيلٌ يُبْطِلُ الْحَقَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَدْ يَنْحَلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا يَخْتَارُهُ مَنْ فَهِمَ كَلَامَ الْوَسِيطِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّ تَأْخِيرَ الرَّدِّ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي قَدْ جَمَعَهُمَا مَجْلِسُ الِاطِّلَاعِ تَقْصِيرٌ جَزْمًا وَكَذَا تَأْخِيرُهُ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَالْمَالِكُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ وَفِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ عَرَفْتَ انْدِفَاعَهُ وَعِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ الْبَائِعِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ لَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي الْبَلَدِ هَلْ يُجْعَلُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ مُقَصِّرًا وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْقَاضِي الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِشْهَادِ فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا تَقْصِيرَ إلَّا بِإِهْمَالِ طَلَبِ الْبَائِعِ أَوْ الْقَاضِي وَهَلْ يَكُونُ طَلَبُ الْقَاضِي تَقْصِيرًا فِي حَالِ حُضُورِ الْبَائِعِ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ طَلَبُهُ قَبْلَ طَلَبِ الْقَاضِي فِيهِ الْوَجْهَانِ عن القفال

_ (1) بياض بالاصل

وَغَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْغَزَالِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَا يَظُنُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ حَضَرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ رَدَّ جَزْمًا وَإِنْ حضر الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ لَا عَلَى مَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَفَّالِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ وَحَضَرَ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَجْهَانِ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ خَاصَّةً وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَيْسَ الصحيح لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ عِنْدَ تَأْوِيلِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ أَحْوَطُ فَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وأيضا مناقشة ثانية وهى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ جَعَلَ الْحُضُورَ إلَى الْقَاضِي عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ يُوهِمُ الِاكْتِفَاءَ بِالشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الْبَائِعِ وَمُنَاقَشَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْفَعُ اعْتِرَاضَ الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَسْعَ إلَى الْقَاضِي وَلَا يَسْعَى إلَى الْبَائِعِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (وَقَوْلُهُ) إنَّ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ فَيَكُونُ الْحُضُورُ إلَى الْقَاضِي مشروطا بالعجز عن الشهود كما يقتضيه كلام الغزالي بعيد ما ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ إرَادَةِ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ سُؤَالَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ إشْكَالَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ اتَّضَحَ بَعْضُ مُرَادِهِ وَتَلْخِيصُ الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَتَيْنِ يَجِبُ الْإِشْهَادُ إذَا تَيَسَّرَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَلْخِيصُهُ بِأَيْسَرَ مِنْ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَسَأُفْرِدُ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَرْعًا وَلَكَ أَنْ تُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ فنقول تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ مَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَلَقِيَ شُهُودًا وَجَبَ إشْهَادُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وإذا أردت تمييز المراتب فاعم أن الرتبة (الْأُولَى) أَنْ يَحْضُرَ مَعَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَيُبَادِرَ وَلَا يُؤَخِّرَ قَطْعًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ (الثَّانِيَةُ)

أَنْ يَحْضُرَ الْبَائِعُ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَكَذَلِكَ لَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَقْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ مَجْلِسِ الحكم حذرا من إنكاره الْبَائِعِ (الثَّالِثَةُ) حُضُورُ الشُّهُودِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ لِإِمْكَانِ الْإِثْبَاتِ بِهِمْ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِنَقْلِهَا إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِشْهَادُ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَجْهُ هُنَا أَيْضًا وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا فِيهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ مَتَى أَخَّرَ عَنْ مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ بَطَل حَقُّهُ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ أَقْرَبَ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَمُرُّ فِي مُضِيِّهِ إلَى أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ يُعْذَرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ عَنْهُ إلَى أَنْ يتنهى إلَى الْآخَرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهِ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ فِي الْبَلَدِ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَمَّا الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ فلا شك في تعينه (السَّادِسَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْبَلَدِ تَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَتَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ وَلَا تَيَسَّرَ بِهِمْ الِاجْتِمَاعُ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ جَزْمًا (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ تَيَسَّرَ الِاجْتِمَاعُ بِهِمْ قَبْلَ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكْفِي جَزْمًا (الْعَاشِرَةُ) إذَا لم يكن في البلد شئ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالْفَسْخِ يَأْتِي فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِشْهَادِ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ * * (فَرْعٌ) * إذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يَدَّعِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ يَدَّعِي شراء ذلك الشئ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُ أَقَبَضَهُ الثَّمَنَ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي وَجْهٍ مُسَخَّرٍ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي مَعَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ مِنْهُ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَالثَّمَنُ يَبْقَى دَيْنًا على الغائب فيقبضه القاضى من

مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فِي الدَّعْوَى إنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ إنَّمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي تَفْرِيعًا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الْفَسْخَ حَتَّى يَحْضُرَ إلَى الْحَاكِمِ بَلْ يَفْسَخُ عِنْدَ الشُّهُودِ أَوْ وَحْدَهُ وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ وَحَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْشِئُ الفسخ عنده وتكون الدعوى التى تقيم الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا بِالشِّرَاءِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَظُهُورِ الْعَيْبِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ يَنْصِبُ مُسَخَّرًا تَفْرِيعٌ عَلَى رَأْيِهِ أَيْضًا فِي الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي الدَّعَاوَى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ الْمُسَخَّرِ وَتَحْلِيفُهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ المذهب في الدعوى على الغائب وقيل يستجب وَقَوْلُهُ يَقْضِيهِ الْقَاضِي مِنْ مَالِهِ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَغَيْرَهُ وَهُوَ فِي النَّقْدِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِثْلُ الْبَيْعِ فيتخير القاضي في بيع ما شاء منهما وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ بَيْعُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْبَائِعِ فَإِنْ عَجَزَ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ لِيُكْمِلَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ دُونَ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلَ عَلَى مَالِهِ سِوَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * فَأَمَّا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فِي حَالِ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْحَاكِمِ جَزْمًا فالظاهر أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا إعْلَامُ الْحَاكِمِ بِالْفَسْخِ وَطَلَبَ غَرِيمَهُ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِشْهَادِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ أَمَّا إذَا مَنَعْنَا من القضاة بِالْعِلْمِ فَلَا يُفِيدُهُ إخْبَارُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ وَحْدَهُ قبل مجئ الْغَرِيمِ وَإِذَا جَاءَ الْغَرِيمُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ الْآنَ كَمَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ لِيُقَدِّمَ اعْتِرَافَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ في قوله الفسخ في ذلك الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ فَيَقِفُ وهذا يحسن أن يكون مأخذ التقديم الاشهاد

وَأَنَّهُ لَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَلَى الْإِشْهَادِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ لكن ذلك يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى النُّهُوضِ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَقَدْ عُرِفَ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ عِلْمِ الْحَاكِمِ بتقدم عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِعِلْمِهِ بِالْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * الْخَصْمُ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَيُّنِ أَوْ التَّخَيُّرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ مَنْ هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ سَاكِتٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْبَائِعُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عقد لنفسه أو لغيره قال ابن الرافعة وَفِي الثَّانِيَةِ نَظَرٌ (إذَا قُلْنَا) لَا عُهْدَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ (قُلْتُ) وَالْكَلَامُ فِي الْعُهْدَةِ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ الْإِطْلَاقُ هَهُنَا مُحَالًا عَلَى الْبَيَانِ ثُمَّ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَعَلَى الْوَصِيِّ يَعْنِي إذَا بَاشَرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَشِرَاءِ جَارِيَةٍ بِثَمَنِهِ وَإِعْتَاقِهَا فَفَعَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا بالعبد قال الْوَصِيُّ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَرْدُودِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَوْ فُرِضَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ ثَانِيًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْوَصِيِّ لِيُتِمَّ الْبَيْعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ وَيُخَالِفُ الْإِيصَاءَ فَإِنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) مِلْكُ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ فَلَهُ بَيْعُهُ ثَانِيًا (وَإِنْ قُلْنَا) زَالَ وَعَادَ فَهُوَ كَالرَّدِّ بِالْعَبْدِ ثُمَّ إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ ثَانِيًا فَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْوَصِيِّ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُوصِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَمَا رَدَّ غَرِمَ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الاول انه لِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ رَاغِبٍ دَفَعَ قَدْرَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لِلْعَيْنِ وَيَقَعُ عِتْقُ الْجَارِيَةِ عَنْ الْوَصِيِّ إنْ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ ينفذ الشراء

وَلَا الْإِعْتَاقُ وَعَلَيْهِ شِرَاءُ جَارِيَةٍ أُخْرَى وَإِعْتَاقُهَا بِهَذَا الثَّمَنِ عَلَى الْمُوصِي هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ولابد فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِالْعَيْنِ وَتَسْلِيمَهُ عَنْ عِلْمِهِ بِالْحَالِ حِكَايَةٌ يَنْعَزِلُ بِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَاءِ جَارِيَةٍ أُخْرَى هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ الصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ (وَأَمَّا) قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ في العهدة فيهما جميعا فالصحيح مطالبتها جَمِيعًا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَقِيلَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَقِيلَ الْمُوَكِّلُ دُونَ الْوَكِيلِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحَالُفِ وَذَكَرُوا خِلَافًا فِيهِ وَفِي وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا بَاشَرَ الْعَقْدَ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا شَكَّ فِي اتِّجَاهِ رَدِّ الْإِتْلَافِ هُنَا كَمَا قُلْنَا مِنْ الْعُهْدَةِ (وَأَمَّا) وَلِيُّ الْمَحْجُورِ فَفِيهِ الْجَزْمُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ رَفْعِ الْجَزْمِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ إلَى الظُّلَامَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَنَائِبُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ (وَأَمَّا) الْوَارِثُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُنَا بِجَرَيَانِ التَّحَالُفِ مَعَهُ (وَأَمَّا) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ هُنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا وَأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْوَكِيلِ أَيْ جَوَازًا وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّعَهَا ابْنُ سريج على الجامع الصغير لمحمد ابن الْحَسَنِ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ السِّلْعَةَ مَتَى عَادَتْ إلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَمَتَى عَادَتْ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَالْوَكِيلُ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَقَبِلَهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ احتمل فان أقام المشترى بينة القول قَوْلُ الْوَكِيلِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ الرَّدُّ وَإِلَّا رُدَّتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ حَلَفَ وَرَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ إنْ قُلْنَا رَدُّ الثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي يَعْنِي لِأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ * * (فَرْعٌ) * الْإِشْهَادُ الْوَاجِبُ أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُشْهِدُ اثْنَيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذَلِكَ

عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مَعَ الْيَمِينِ كَافٍ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ * * (فَرْعٌ) * تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا مِنْ الْبَلَدِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَلْ تَكْفِي مَسَافَةُ الْعَدْوَى قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِعْدَاءِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالدُّعَاءِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ غَيْبَتُهُ عَنْ الْبَلَدِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ كَالْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا ذُكِرَ وَجْهٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ السَّالِفَةِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْخُرُوجِ عَنْهَا مَشَقَّةً لَا تَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ قَالَ وَهَذَا مَا يُفْهِمُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْجَزْمُ بِهِ (قُلْتُ) وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ هو الظاهر وإن كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْغَيْبَةِ فَإِنْ جَزَمَ الْأَصْحَابُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ عِنْدَ حُضُورِ الْحَاكِمِ مَجْلِسَ الِاطِّلَاعِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ يَبْعُدُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ وَالْمُضِيُّ إلَى الْبَائِعِ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْبَائِعِ خَارِجَ الْبَلَدِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْ مَوْضِعِ الْحَاكِمِ فِي الْبَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ * * (فَرْعٌ) * تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْحَاكِمِ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يجد أحدهما ويعدل عنه إلى الآخر لاسيما قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ إنْ تَرَكَ الْبَائِعَ وَرَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ هَذَا يَرُدُّهُ تَصْرِيحُهُمْ مَتَى كَانَ الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الِاطِّلَاعِ لَا يَجُوزُ التَّأَخُّرُ لِلْبَائِعِ وَبِالْعَكْسِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا سِوَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الذَّهَابُ إلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ لِقَاءُ الْآخَرِ قَبْلَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَوْضِعُ الْحَاكِمِ وَالْبَائِعِ متساويين في القرب والبعد فيظهر التَّخَيُّرُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ بِأَنْ يَكُونَا فِي جِهَتَيْنِ فَهَلْ نُوجِبُ الْمُضِيَّ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا أَوْ يَكُونُ التَّخْيِيرُ مُسْتَمِرًّا إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الَّذِي وَعَدْتُ بِهِ وَلِأَجْلِ مَا فِيهِ قُلْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّهُ إذَا مَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِأَحَدِهِمَا لَا يُعْذَرُ فِي مُجَاوَزَتِهِ إلَى الْآخَرِ *

* (فَرْعٌ) * وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ إنَّ لَهَا زَوْجًا فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ طَلِّقْهَا فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ مِائَتَيْنِ فَأَبَى فَجَعَلَ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَأَبَى فَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَاهَا أَنَّهُ قَدْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ فَاقْبَلُوا جَارِيَتَكُمْ تَمَسَّكَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْأَثَرِ وَالْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يَرَى الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ وَلَيْسَ فِي الْأَثَرِ أَنَّهُ رَدَّ جَبْرًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكَهَا رَضِيَ بِرَدِّهَا وَإِنْ سَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ إقَالَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ * * (فَرْعٌ) * مَحَلُّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِ فِي شِرَاءِ الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَوْصُوفُ الْمَقْبُوضُ إذَا وُجِدَ مَعِيبًا (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالرِّضَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّدَّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ في باب الكتابة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ كَانَ المبيع دابة فساقها ليردها فركبها في الطريق أو علفها أو سقاها لم يسقط حقه من الرد لانه لم يرض بالعيب ولم يوجد منه أكثر من الركوب والعلف والسقى وذلك حق له إلى أن يرد فلم يمنع الرد * * (الشرح) * الانتفاع بالمبيع قبل العلم بالبيع إنْ لَزِمَ مِنْهُ تَأْخِيرٌ أَوْ دَفَعَ فِي زَمَنٍ لَوْ سَكَتَ فِيهِ أَبْطَلَ خِيَارَهُ فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِ الرَّدِّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُبَادَرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَحِينَئِذٍ أَقُولُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّكُوبِ وَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَهُ فِي جُمْلَةِ مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَهُ هَكَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَقَالَ إنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ الرد أَمْرَيْنِ حُدُوثُ نَقْصٍ بِالْمَبِيعِ أَوْ تَرْكُ

الرَّدِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُهَذَّبَ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَذَلِكَ إذَا حَلَبَهَا فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ فِي حَالِ الرَّدِّ جَازَ كَمَنَافِعِهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي حَالِ الرَّدِّ بِالنَّقْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ وممن وافق على نقل ذلك عن الْأَصْحَابِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَوَطِئَهَا وَهُوَ حَامِلٌ لَهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الرَّدِّ وَمُرَادُهُ بِأَنَّهُ حَامِلٌ لها حتى لا يحصل بالوطئ تَأْخِيرٌ فَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ الْمَسِيرُ فِيهِ كَاللَّيْلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُضْطَرُّ وَذَلِكَ فِيهِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْحِكَايَةَ عَنْهُ أنه يجوز وطئ الثَّيِّبِ وَصَرَّحَ الْجُرْجَانِيُّ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّهُ لا يجوز وطئ الْجَارِيَةِ وَلَا لُبْسُ الثَّوْبِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَأَفْهَمَ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرَّدِّ الِاشْتِغَالُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ جَوَازِ كُلِّ الِانْتِفَاعَاتِ نَقْلُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ خَاصَّةً وَذَهَبَ هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِمْ إلَى خِلَافِهِ وَهَا أَنَا أَذْكُرُ مَا ذَكَرُوهُ (فَأَقُولُ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حسين والمتولي والامام الغزالي وَالْبَغَوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ والخوارزمي في الكافي والرافعي والنوى انه يشترط في الرد بالعيب مع الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ الْمَبِيعَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ وَكَانَ رَقِيقًا وَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ مَعًا لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُنَافِي الرَّدَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ في غير ملكه كقوله اسقيني أَوْ نَاوِلْنِي الثَّوْبَ أَوْ أَغْلِقْ الْبَابَ فَفِي هَذَا وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا والذى قاله القاضى حسين والامام وقال الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ وَنَقَلَ عَنْ الْقَفَّالِ

في شرح التلخيص أنه لو جاء الْعَبْدُ بِكُوزِ مَاءٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَإِنْ رَكِبَهَا لَا لِلرَّدِّ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ رَكِبَهَا لِلرَّدِّ أَوْ السَّقْيِ فَإِنْ كَانَتْ جَمُوحًا يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الرُّكُوبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمُوحًا وَلَكِنَّهُ رَكِبَهَا فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَنَسَبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى ابن سريج وصحح ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَسْتَدِلُّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بأن الركوب أعجل لَهُ فِي الرَّدِّ وَأَصْلَحُ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْقَوْدِ قَالَ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ هَذَا اللُّبْسُ مَانِعًا مِنْ الرد لان العادة لم تجر به ولانه لَا مَصْلَحَةَ لِلثَّوْبِ فِي لُبْسِهِ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَلِيلًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَارِقٌ وَلَوْ كَانَ لَابِسًا لِلثَّوْبِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَجَّهَ لِيَرُدَّهُ لَمْ يَنْزِعْ فَهُوَ مَعْذُورٌ لِأَنَّ نَزْعَ الثَّوْبِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُعْتَادُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِلِانْتِفَاعِ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا لَمْ يَجُزْ اسْتِدَامَةُ الرُّكُوبِ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِلرَّدِّ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ كَانَ حَمَلَ عَلَيْهَا سَرْجًا أَوْ إكَافًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَتَرَكَهُمَا عَلَيْهَا بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَانْتِفَاعٌ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلٍ أَوْ تَحْمِيلٍ أَيْ فَتَرْكُهُمَا يُوَفِّرُ عَلَيْهِ كُلْفَةَ الْحَمْلِ وَالتَّحَمُّلِ فَهِيَ انْتِفَاعٌ فَيُمْنَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِنَزْعِهِ ضَرَرٌ بِالدَّابَّةِ فَإِذَا حَصَلَ أَوْ خِيفَ مِنْهُ كَمَا إذَا كَانَتْ عَرِقَتْ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ أَنْ تَهْوَى فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِي هَذِهِ الحالة تقصيرا إذ هو بعيبها فَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِفُّ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالنَّعْلِ إلَى أَنْ يَجِفَّ الْعَرَقُ وَيَكُونُ نَزْعُهُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ الْعِذَارِ وَاللِّجَامِ لِأَنَّهُمَا خَفِيفَانِ لَا يُعَدُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ انتفاعا ولان العقود يعسر دونهما

وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ تَعْلِيقِهِمَا ابْتِدَاءً فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَعْلَهَا فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنْ كَانَتْ تَمْشِي بِلَا نَعْلٍ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ أَنَعْلَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَنَزَعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَخْرِيجًا وَعَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ نَزْعَهُ يَعِيبُ الدَّابَّةَ بِالنَّقْبِ الذى يبقى قال فان كانت النقة مَوْجُودَةً عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَنْعَلَهَا الْمُشْتَرِي فَالنَّزْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللِّجَامَ وَالْعِذَارَ وَالرَّسَنَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالنَّعْلُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْبَغَوِيّ فَكَاللِّجَامِ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَنَزْعُهُ وَالْإِكَافُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ الِاسْتِخْدَامِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا رَكِبَهَا اسْتِعْمَالًا فَإِذَا رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ كَانَتْ جَمُوحًا لَا تَسِيرُ بِنَفْسِهَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَتْ ذَلُولًا لَا تَحْتَاجُ فِي سَيْرِهَا إلَى الرُّكُوبِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِرُكُوبِهَا وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِإِطْلَاقِهِ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ بِتَفْصِيلِهِ مُخَالِفٌ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ جَوَازِ الرُّكُوبِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا تَقَدَّمَ قال ابن الرفعة ولعل عنه وجهان أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَأْوِيلِهِ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مذهبا للشافعي رحمه الله عنده وذاك مِنْ تَخْرِيجِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ وَجَزَمَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَسَبُوهُ إلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَوْلَا هَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلُوهُ لَكُنْتُ أُرَجِّحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لموافقة ابن الصباغ والجرجاني له لاسيما نَقْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلَعَلَّ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَصْلُهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ وَفِي الْمِفْتَاحِ وَابْنِ خَيْرَانَ الْأَخِيرِ على أن أبا الخيرين جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيَّ شَارِحَ الْمِفْتَاحِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رُكُوبَ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ

كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْعُرْفُ فَيَنْبَغِي أن لا يحكم على شئ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِقَطْعِ الْخِيَارِ إلَّا إذَا دَلَّ دلالة ظاهرة على الرضا كالوطئ ولبس الثوب والقرض على البيع وشبه أما مالا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ يَتَرَدَّدُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ نَسْتَلْزِمَ مَعَهُ أَصْلَ الْخِيَارِ وَلَا نَحْكُمَ بِالرِّضَا بِغَيْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ خِيَارَ الرَّدِّ ثَبَتَ قَطْعًا وَالْمُبَادَرَةُ حَصَلَتْ وَاَلَّذِي قَارَنَهَا مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِالرِّضَا إذْ ذَاكَ يَكُونُ حُكْمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ حَالَةَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ لَا تَأَتَّى الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهُ إنْ تَلَفَّظَ بِهِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِعْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ بَطَلَ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ وَلَمَّا كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَرَى وُجُوبَ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ لَا جَرَمَ هُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَالِاسْتِخْدَامَ يُبْطِلُ الرَّدَّ وَالْمُبْطِلُ عِنْدَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّأْخِيرُ لَا خُصُوصُ الِاسْتِعْمَالِ فَيَجِبُ التنبه لِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ رَأْسُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِهِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بَاقٍ فِي زَمَنِ الرَّدِّ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ تَصَرُّفٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَنَحْوِهَا وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الرُّكُوبَ مُبْطِلٌ يَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ يَنْزِلُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ اسْتَدَامَ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ (أَمَّا) الْعَلْفُ وَالسَّقْيُ فَلَا يَضُرُّ هَكَذَا جَزَمُوا بِهِ وَلَا أظنه يجئ فِيهِ خِلَافٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ خَالِصَةٌ لِلدَّابَّةِ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الرُّكُوبِ (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَلْبِ فَكَذَلِكَ جَزَمُوا بِهَا وَنَسَبَهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ ويبغى التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِهَا لكثرة اللبن في ضرعها فلا يجئ فِيهِ خِلَافٌ كَالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَالرُّكُوبِ لِلِانْتِفَاعِ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ يَجُوزُ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَمْتَنِعُ وَنَسَبَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ جَوَازَ الْحَلْبِ إلَى أَصْحَابِنَا وَقَيَّدَهُ بِأَنْ تَكُونَ سائرة فلو وقفها للحالب بطل الرد *

* (فَرْعٌ) * إذَا كَانَ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ مُؤْنَةٌ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قال لان المبيع مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ وَالْمَالُ إذَا كَانَ مَضْمُونَ الْعَيْنِ كَانَ مَضْمُونَ الرَّدِّ (قُلْتُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْفَسْخِ أَمَّا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ حَيْثُ أَمَرْنَاهُ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الشُّهُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا وَحْدَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَبِالْفَسْخِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَصَرَّحَ هُوَ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ لَيْسَتْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْمُؤْنَةِ فِي زَمَنِ الرَّدِّ حُكْمُهَا فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أن أصل هذه اليد الضمان فيستصحب حمكها كَالْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا انْقَضَتْ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَمَانَةً وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ (مِنْهَا) إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِالْعَيْبِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الْإِفْلَاسِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَيِّمُ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ أَوْ عُزِلَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ إذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَيِّمِ وَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَعَلَى الصَّبِيِّ وَيَرُدُّ مُسَلِّمُ الْمُوصَى إلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَالِكِ يَعْنِي عَلَى خِلَافٍ فِيهِ فَالصَّدَاقُ إلَى الزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهَا هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ وَطَرِيقُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهِيَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهَا (وَمِنْهَا أَيْضًا) مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَهِيَ إذَا سُلِّمَ السيد الْعَبْدُ الْجَانِي وَاحْتِيجَ إلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ فِي أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَمُؤْنَةُ الْبَيْعِ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ أَجَابَ يُحَاصُّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَدْرُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (قُلْتُ) فَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي لَهَا وَقَدْ رَأَيْتُ فِي شرح المهذب لابي إسحق العراقى فيما إذا كسر مالا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ قَالَ إذَا احْتَاجَ فِي رَدِّهِ إلَى مُؤْنَةٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) لَهُ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلى ملكه وهذا كلام عجيب وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ * * (فَرْعٌ) * اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَفَصَدَهُ وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنِّي لَوْ فَصَدْتُهُ أَوْ حَجَمْتُهُ زَالَ عَنْهُ

ذَلِكَ الْعَيْبُ فَفَصَدَهُ فَلَمْ يَزُلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ لان فصده رضى مِنْهُ بِالْعَيْبِ فَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ ظُلَامَتِهِ يَفْسَخُ أَوَّلًا ثُمَّ يَفْصِدُ فَإِنْ هَلَكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ (قُلْتُ) وَفِي جَوَازِ فَصْدِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَهُوَ لَيْسَ بِمِلْكِهِ إشْكَالٌ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى إنَّهُ عَلَى هَذَا عِنْدِي إذَا فَسَخَ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ أَوْ فَسَخَ واشتغل بطلبه (أما) إذا فسخ مع غَيْبَتِهِ وَالْتَوَانِي فِي رَدِّهِ بَطَلَ حَقُّهُ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ قُلْتُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي جَوَازِ الْفَصْدِ بَاقٍ وَزَادَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالتَّوَانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَسْخِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْهُ وَلَا يَبْقَى إلَّا الْمُنَازَعَةُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ فَلَا يَضُرُّهُ الْتَوَانِي وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّلَفُّظَ بِالْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَجْلِ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وله أن يرد بغير رضى البائع ومن غير حضوره لانه رفع عقد جعل إليه فلا يعتبر فيه رضى صاحبه ولا حضوره كالطلاق) * * * (الشَّرْحُ) * الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُبَادَرَةُ وَأَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ فِي حُضُورِ الْبَائِعِ وَفِي غَيْبَتِهِ مَعَ رِضَاهُ وَمَعَ عَدَمِهِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ وَلَا إلَى الْحَاكِمِ وسواء كان قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ هُنَاكَ رِضَاهُ فَالْمَسَائِلُ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِيَارُ الشَّرْطِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ لَا الرضى وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِثْلُ الْقَبْضِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الحضور لا الرضى وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا أَوْ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَدَلِيلُنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إطْلَاقُ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي

أَبُو الطَّيِّبِ النُّكْتَةُ فِيهَا أَنَّ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّهُ رَدٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَيْبِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَا الْبَائِعِ كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله لا يعتبر فيه رضى صَاحِبِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَقَوْلُهُ) وَلَا حُضُورُهُ إشَارَةٌ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَنْبِيهًا عَلَى مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ قَابَلَ فِي النُّكَتِ لَفْظَ الرَّفْعِ بِالْقَطْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لَا رَافِعٌ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ أن الخصم لا يسلم أن الرد قطع بل هو رفع لاسيما عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلٌ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَرْفَعُ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَقَاسَ فِي النُّكَتِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ جُعِلَ إلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا إلَيْهِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُهُمَا وَلَا يَرِدُ اللِّعَانُ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُضُورُ المرأة رضى لِلْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى لِعَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ رَفْعٌ لِأَنَّ الرَّافِعَ الشَّرْعُ لَا هُوَ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ هُوَ الْفَاسِخُ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدُهُ الرَّفْعُ وَاسْتَدَلَّ أصحابنا أيضا بالقياس على الرجعة والوديعة فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ حَتَّى إذَا عَلِمَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ طَلَبُ صَاحِبِهَا لِيُسَلِّمَهَا إلَيْهِ أَوْ الْحَاكِمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جُعِلَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يشترط فيه رضى الْبَائِعِ (وَأَمَّا) بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ بِاشْتِرَاطِ رِضَاهُ يُمْنَعُ أَنَّ الرَّفْعَ حِينَئِذٍ جُعِلَ للمشترى لتوقفه عَلَى رِضَا الْبَائِعِ مُنْدَفِعٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جُعِلَ إلَيْهِ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُمَا وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْخَصْمُ فِيهِ شَرْطًا آخَرَ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ بِعَيْبٍ فلا ينفرد به كالرد بالعنة وأجلب أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بالعجز وَإِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِالْفَسْخِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ثَابِتٌ لِأَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ اشْتَرَى ثوبا بجارية فوجد بالثوب عيبا فوطئ الجارية ففيه وجهان (أحدهما) ينفسخ البيع كما ينفسخ البيع في مدة خيار الشرط بالوطئ (والثانى) لا ينفسخ لان الملك قد استقر للمشترى فلا يجوز فسخه إلا بالقول) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَبَنَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا عَلَى الْوَجِيزِ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِثَمَنٍ ثُمَّ أَفْلَسَ وَثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهَا فَوَطِئَهَا هَلْ يَكُونُ فَسْخًا فِيهِ وَجْهَانِ (أحدهما) نعم كالوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِنْ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ أَوَّلُهُمَا كَانَ فَسْخًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَاوِيلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رَدٌّ لِلْمِلْكِ وَفَسْخٌ لِلْبَيْعِ وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ والفعل ولا فرق في الوطئ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ بَيْنَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قَدْ يُقَالُ إنَّ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ بَاقٍ وَالْعَقْدُ أَضْعَفُ وَذَلِكَ أَيُعَيَّنُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْغَرَضُ فِي الصَّرْفِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَلِأَجْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنَّ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ يُلْحَقَانِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ اللُّحُوقَ فيهما فإذا كان الانفساخ بالوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَفِي الْمَجْلِسِ أَوْلَى فَلِذَلِكَ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى خِيَارِ الرَّدِّ الطَّارِئِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْعَقْدِ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي (والوجه الثاني) لا ينفسخ بالوطئ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ حيث نقول ينفسخ بالوطئ وَإِنْ انْتَقَلَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ ضَعِيفٌ وَالْمِلْكَ فِي الْمَعِيبِ قَدْ اسْتَقَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَوْلُ وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ المصنف وههنا

أُمُورٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِالْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ (الثَّانِي) مَا الْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَالْمِلْكُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ هُنَا بِأَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّانِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى زَمَانِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَا يَحْسُنُ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِهِ فَلَمْ يُشْبِهْ الْمَعِيبَ وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ وطئ الْبَائِعِ فَسْخٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ فَعَدَمُ مِلْكِهِ بِالْفِعْلِ أَوْلَى فَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُوَافِقُوهُ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلْيَكُنْ الْأَصَحُّ أَيْضًا عَدَمَ الِانْفِسَاخِ (الثَّالِثُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْمِلْكُ قَدْ اسْتَقَرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي فِي كَلَامِهِ مُشْتَرِي الثَّوْبِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مِلْكَ الثَّوْبِ قَدْ اسْتَقِرَّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فسخه بوطئ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ هُنَا لِأَنَّ الْبَائِعَ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَارِيَةِ لِأَنَّ الرَّاجِعَ فِي الْفَلَسِ هُوَ الْبَائِعُ وَالرَّاجِعَ فِي الْعَيْبِ هُوَ الْمُشْتَرِي وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُسْتَقِرٌّ وَكُلٌّ مِنْ الْمَأْخَذَيْنِ صَحِيحٌ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُشْتَرِيَ الثَّوْبِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَحَقُّهُ فِي رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ انْفِسَاخُهُ فِي مُقَابِلِهِ فَاَلَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ هُوَ الثَّوْبُ لَا الْجَارِيَةُ وَكَانَ التَّعْلِيلُ بِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ أَوْلَى وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ افْتِرَاقُ هَذِهِ مَعَ الْمَبِيعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَفِي هَذَا الْمَأْخَذِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَاكَ وَارِدٌ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَهَهُنَا بواسطة رد الثوب (الرابع) أن الوطئ حَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ (الْخَامِسُ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ فِي هذا انا قصدنا بالوطئ الْفَسْخَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفَسْخَ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا قَوْلًا وَاحِدًا وَيَجِبُ الْمَهْرُ ولا حد عليه ونظير ذلك وطئ الْوَالِدِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا بِقَصْدِ الِاسْتِرْجَاعِ فعلي الوجهين وان لم يقصد كان الوطئ مُحَرَّمًا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ (السَّادِسُ) في

جُمْلَةٍ مِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يُجْعَلُ الْفِعْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَمِنْهَا التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ هَلْ يُجْعَلُ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ هَدْيًا فِيهِ خِلَافٌ وَمِنْهَا لَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَعَقَصَهُ وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْعَازِمُ عَلَى الْحَلْقِ فَهَلْ يَتَنَزَّلُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْجَدِيدُ) لَا (وَأَمَّا) الْمُعَاطَاةُ وَنَحْوُهَا فذلك لقرينة لا للفعل * * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (فان زال العيب قبل الرد ففيه وجهان بناء على القولين في الامة إذا أعتقت تحت عبد ثم أعتق العبد قبل أن تختار الامة الفسخ (أحدهما) يسقط الخيار لان الخيار ثبت لدفع الضرر وقد زال الضرر (والثاني) لا يسقط لان الخيار ثبت بوجود العيب فلا يسقط من غير رضاه) * * * (الشَّرْحُ) * الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالرَّافِعِيُّ حَكَاهُمَا أَيْضًا فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ اسْتِمْرَارِ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى كَثْرَتِهِ وَلَكِنَّهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ جَزَمَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ تبعا لصاحب التهذيب وقال ان مَهْمَا زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْعِلْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّدِّ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَهُمَا طَرِيقَانِ فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ (إحْدَاهُمَا) حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بسقوط الخيار قال وهذا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الْعِتْقِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى قَوْلٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِارْتِفَاعِ السَّبَبِ الْمُثْبِتِ لَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْخِيَارَانِ فِي الْأَصْلِ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ وَالْبَقَاءِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ السَّبَبِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا غَنَاءَ فِيهِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ الصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَكَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ هُنَا وَإِنْ قِيلَ فِي الْأَمَةِ لِأَنَّ خِيَارَهَا مُقَيَّدٌ بِمَا يَنَالُهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْإِقَامَةِ يَجِبُ الْفَرْقُ وَقَدْ زَالَتْ الْعِلَّةُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي مُعَلَّلٌ بِغَيْرِ الْبَائِعِ لَهُ وَأَنَّهُ بَذَلَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ سَلِيمًا واخلف وزوال العيب في يد المشترى مَعَهُ حَاصِلَةٌ لَهُ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَالْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ضعف الوجه في المسئلتين جدا وصحح السقوط في المسئلتين وَقَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا يُبْتَنَى عَلَى قَاعِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا لَمْ يَشْعُرْ بِهَا حَتَّى بَاعَ مِلْكَهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ هَذَا لِأَنَّهُ

حَكَى الْخِلَافَ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلَيْنِ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَوْهُمَا وجهين فالوجه أن تكون ممسألة الْعَيْبِ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ كِلْتَاهُمَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السُّقُوطُ وَمَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ الْأَمَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الِاحْتِمَالِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْتُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُلَاحَظُ فِيهِ موجودا في كلا منهم وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَجْهَيْنِ إلَّا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ زَالَ الْعَيْبُ سَقَطَ الرَّدُّ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فرق بين أن يكون زوال المعيب قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَقَبْلَ الرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ وَالْقَاضِي وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَدْ يُقَالُ الزَّائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ مِنْ الزَّائِدِ بَعْدَهُ وَكَلَامُ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ فِي الْأَشْرَافِ جَازِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ لَكِنَّهُ أَطْلَقَ فِيمَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ فَبَقِيَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ ** (فَرْعٌ) * اشْتَرَى جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ سَمِنَتْ فَرَدَّهَا هَلْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ غَصَبَ شَاةً سَمِينَةً فَهَزِلَتْ ثُمَّ رَدَّهَا هَلْ يَجِبُ ضَمَانُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بِالثَّانِي (إنْ قُلْنَا) يَتَخَيَّرُ وَلَا يَفْسَخُ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ بِأَنَّ زَوَالَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الطَّرِيقَةِ الاخرى فانه يفسخ وَلَوْ قُلْنَا يَتَخَيَّرُ فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ هَكَذَا (إنْ قُلْنَا) لَا يَنْجَبِرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي فُسِخَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا * * (فَرْعٌ) * لَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَكِنْ حَدَثَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَا أَرْشَ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِلَيْهِ صَارَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِعَدَمِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى جَزْمِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْوَجْهَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ جَرَيَانُهُمَا هُنَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ فِي آخِرِ الفصل الثاني لهذا *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * * (وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة يضر تركها بالارض فقال البائع أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشترى من الرد لان ضرر العيب يزول من غير إضرار) * * * (الشَّرْحُ) * صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَضُرَّ تَرْكُهَا وَلَا يَضُرَّ قَلْعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ وَيَسْقُطُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ الْبَائِعُ بِالْقَلْعِ وَالنَّقْلِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ ثُمَّ يَسْقُطُ وَكَلَامُهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ اشترى دارا يلحق سَقْفَهَا خَلَلٌ يَسِيرٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالِ أَوْ كَانَتْ مُنْسَدَّةَ الْبَالُوعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُصْلِحُهُ وَأَبِيعُهَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهَذَا الْكَلَامُ نَاطِقٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْخِيَارِ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِيمَا لَوْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي وَفَسَخَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قُلْتُهُ يَنْفُذُ فَسْخُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا السُّقُوطَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا قَلَعَ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ فَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِبَقَاءِ الْعَيْبِ وَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذا بادر المكترى إلى الاصلاح هذا كَانَ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مُنْقِصًا لَهَا وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ ذِكْرُهُمْ لِذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْحِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ لِقُرْبِ زَمَانِ نَقْلِهَا لَا يُعَدُّ اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَيْهَا عَيْبًا صَحَّ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَيُلْزِمُ الْبَائِعَ بِنَقْلِهَا وَلَكِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ وَأَيْضًا لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَقْلَعُ أَثَرٌ لِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ عِبَارَاتِهِمْ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَّا إذَا بَادَرَ الْبَائِعُ إلَى الْقَلْعِ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعِلَّةُ أَنَّ ضَرَرَ الْعَيْبِ زَالَ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَزُولُ فَيُنَاسِبُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ أَصْلًا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَا يُنَحَّى عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَقَاءَ الْأَحْجَارِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا عَيْبٌ وَبِدُونِ امْتِنَاعِهِ لَيْسَ

بِعَيْبٍ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ يُقَالُ إنَّ إشْغَالَ الْأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ مَانِعٌ مِنْ كَمَالِ صِفَةِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَامْتِنَاعُ الْحِجَارَةِ مَعَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَلْعِهَا كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ هُنَا إلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مَعَ مُبَادَرَةِ الْبَائِعِ إلَى الْقَلْعِ أَخْذًا مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْأَحْجَارِ فِي الْأَرْضِ عَيْبٌ وَزَوَالُهَا بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِهِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَفِيهِ وَجْهٌ كما تقدم وكان الفرق ضعيف الْخِيَارِ هَهُنَا لِكَوْنِ الْبَائِعِ مُسَلَّطًا عَلَى إسْقَاطِهِ أَوْ لِأَنَّهُ زَالَ قَبْلَ كَمَالِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ الزَّائِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ هَذَا الزَّوَالَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ بِخِلَافِ الزَّوَالِ بِنَفْسِهِ وَبَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ ذَلِكَ رَأَيْتُ ابْنَ مَعْنٍ أَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَنَاقَضَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ مِنْ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَتِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ وَادَّعَى الْأَوْلَوِيَّةَ فِي طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا وَكَذَلِكَ ابْنُ الرَّدِيِّ قَالَ أَرَى أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ رَدِّ الْعَيْبِ وَجْهَانِ فَمَعَ بَقَائِهِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرْتُهُ جَوَابٌ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ لا أجرة لمثلها قيد لابد مِنْهُ لِيَتَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِضْرَارِ وَلَوْ كَانَتْ الْحِجَارَةُ يَضُرُّ قَلْعُهَا أَوْ قَلْعُهَا وَتَرْكُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِيمَا لَا يَضُرُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَقَوْلُهُ مَدْفُونَةٌ يَحْتَرِزُ عَنْ الْمَخْلُوقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا وَمَنْ الْوَاضِحَاتِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالَةِ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بالحجارة * * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (وان قال البائع أمسك المبيع وأنا أعطيك أرش العيب لم يجبر المشترى على قبوله لانه لم يرض إلا بمبيع سليم بجميع الثمن فلم يجبر على امساك معيب ببعض الثمن وإن قال المشترى أعطني الارش لامسك المبيع لم يجبر البائع على دفع الارش لانه لم يبذل المبيع إلا بجميع الثمن فلم يجبر علي تسليمه ببعض الثمن) * * * (الشَّرْحُ) * الْمَسْأَلَتَانِ وَاضِحَتَانِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وجب له شئ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْقِصَاصُ إذا عقا عَنْهُ يَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَ الْأَرْشِ *

* قال المصنف رحمه الله تعالى * * (فان تراضيا على دفع الارش لاسقاط الخيار ففيه وجهان (أحدهما) يجوز وهو قول أبى العباس لان خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ وهو إذا حدث عند المشترى عيب فجاز إسقاطه إلى المال بالتراضى كالخيار في القصاص (والثانى) لا يجوز وهو المذهب لانه خيار فسخ فلم يجز إسقاطه بمال كخيار الشرط وخيار الشفعة فان تراضيا علي ذلك (وقلنا) انه لا يجوز فهل يسقط خياره فيه وجهان (أحدهما) أنه يسقط لانه رضى بامساك العين مع العيب (والثانى) لا يسقط وهو المذهب لانه رضى باسقاط الخيار بعوض ولم يسلم له العوض فبقى الخيار) * * * (الشَّرْحُ) * الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّرَاضِي عَلَى إسْقَاطِ الخيار إلى بدل سواء كان ذَلِكَ الْبَدَلُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ غَيْرَهُ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهَا وَالْجَوَابُ مَنْسُوبٌ إلَى أبى العباس ابن سُرَيْجٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَالْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ هَهُنَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَالِ وَيَسْقُطُ إلَى مَالٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ لَيْسَا فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ وَالشَّرْطِ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَلَا تَأَخُّرٌ مُسْقِطٌ إمَّا بِأَنْ يَجْهَلَا فَوْرِيَّةَ الْخِيَارِ أَوْ يَكُونَ فِي خِيَارِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِهِ أَوْ أَنَّ التَّشَاغُلَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَرْشِ لَا يُعَدُّ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ وَنَظَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ لَا تَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي إسحق الْمَرْوَزِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي حسين وقال أبو إسحق ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخَالِفُ فِيهَا أَصْحَابِي حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ أُجَوِّزُ الصُّلْحَ عَنْهَا وَمَنَعَهَا سَائِرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا هُوَ مَالٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ حَقًّا مُجَرَّدًا

فَلَا انْتَهَى * وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ جَوَازَ الْمُصَالَحَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ جَوَازِهَا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَلِذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَمْ يُنْقَلْ عنه موافقة أبى إسحق إذَا خَالَفَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُخَالِفُ فِي حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أو للرد بالعيب أولى كما قدم وَاكْتَفَوْا بِنِسْبَةِ الْخِلَافِ هُنَا إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ (وَإِنَّمَا) قُلْتُ إنَّ الْمُصَالَحَةَ هُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ إلَى الْمَالِ فِي حَالٍ وَلَا كَذَلِكَ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ مَأْخُوذٌ فِي مُقَابَلَةِ حَالٍ نَائِبٍ وَلَا جُرْمَ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُنَا إنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُصَالَحَةُ عَنْ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَ أَبِي إِسْحَاقَ مَعَ حِكَايَتِهِ لِلْخِلَافِ هُنَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ المصنف رحمه الله هُنَا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشُّفْعَةَ أَصْلًا مَقِيسًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ الثَّانِي خِيَارُ فَسْخٍ يَحْتَرِزُ بِالْفَسْخِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْوَصْفُ حَاصِلٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَسْخَ البيع وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَقُّصِ لَكِنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا يَكْفِي بِدُونِ إلْغَاءِ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّم وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ الْأَرْضُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الثَّابِتِ كَمَا سَيَأْتِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَلَا سُلْطَةِ الرَّدِّ وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ جَدِيدٍ ** (التَّفْرِيعُ) * وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (إنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِبُطْلَانِ الْمُصَالَحَةِ بَطَلَ حَقُّهُ قَطْعًا وَإِنْ ظَنَّ صِحَّتَهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (فَوَجْهَانِ) وحكاهما الْإِمَامُ عَنْ نَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَعْلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا قَالَ (وَمِمَّنْ) صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمِنْ التَّفْرِيعِ أَيْضًا أَنَّا (إنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الْمُصَالَحَةِ سَقَطَ الْخِيَارُ وَيَثْبُتُ الْأَرْشُ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْعَيْبِ عَلَى مَالٍ وَجَوَّزْنَا فَزَالَ الْعَيْبُ لَا يَجِبُ رَدُّ

الْمَالِ لِأَنَّهُ أُخِذَ عَلَى جِهَةِ الْمُعَاوَضَةِ قَالَهُ البغوي لا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْمُصَالَحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أو حالا أو مؤجلا قاله الجوزى * * (فَائِدَةٌ) * الْأَرْشُ فِي اللُّغَةِ. أَصْلُهُ الْهَرْشُ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ دِيَتُهَا وَذَلِكَ لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ وَأَرَشْت الْجُرْبَ وَالنَّارَ إذا أورثتهما وَالنَّارُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ الْإِفْسَادُ بَيْنَهُمْ (وَأَمَّا) فِي الشَّرْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الشئ الْمُقَدَّرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَبْرُ عَنْ الْفَائِتِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ * * (فَرْعٌ) * لَنَا صُورَةٌ يَرْضَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِالْعَيْبِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ مُطَالَبَةُ الْوَرَثَةِ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى أَحَدِ الوجهين وسنذكر عند الكلام في الارش * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ أَرَادَ أن يرد بعضه لم يجز لان على البائع ضررا في تبعيض الصفقة عليه فلم يجز من غير رضاه وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا فهل له أن يفرده بالرد فيه قولان (أحدهما) لا يجوز لانه تبعيض صفقة علي البائع فلم يجز من غير رضاه (والثانى) يجوز لان العيب اختص بأحدهما فجاز أن يفرده بالرد * وإن ابتاع اثنان عبدا فاراد أحدهما أن يمسك حصته وأراد الآخر أن يرد حصته جاز لان البائع فرق الملك في الايجاب لهما فجاز أن يرد علة أحدهما دون الآخر كما لو باع منهما في صفقتين) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كانت كلها بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِمَعْنَيَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فَإِذَا رَدَّ النِّصْفَ كَانَ مَعِيبًا وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الْعَيْنِ إذَا حَدَثَ فِيهَا

عَيْبٌ وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (قَالَ) الْإِمَامُ وَرَأَيْتُ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ غَيْرُ بَعِيدٍ وَهَذَا الْخِلَافُ نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا إذَا بَاعَ النِّصْفَ وَمَعَ ذَلِكَ غَلَّطَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ وَاسْتِرْجَاعُ حِصَّتِهِ وَالتَّوَقُّفُ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يؤول إلَيْهِ حَالُهُ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ نَقْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَغَلَّطَهُ وَلَمْ يُطْرِدْ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا فِي حَالِ بَقَاءِ الْجَمِيعِ فِي مِلْكه بَلْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِجَوَازِ الرَّدِّ فَذَاكَ وَيَسْتَرْجِعُ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ (قَالَ) الْإِمَامُ إذْ لَوْ قُلْنَا يَسْتَرْجِعُ الْجَمِيعَ وَبَاقِي الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ فَكَانَ مُضِيًّا إلَى إثْبَاتِ شئ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لِمَ لَا يُقَالُ يَبْقَى الْبَاقِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَسْتَرْجِعُ شَيْئًا وَيَكُونُ الْمَرْدُودُ كَالتَّالِفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ الرَّدِّ التَّخَلُّصَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ كَمَا قاله القاضى حسين فيما إذا أبرأ مِنْ الثَّمَنِ قُلْتُ فَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَافَقَ الْإِمَامَ عَلَى مَا قَالَ وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الرَّدِّ لَوْ قُلْنَا يُمْسِكُ الْجَمِيعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّدُّ فَفِي حَالَةِ بَقَائِهِ كُلِّهِ فِي مِلْكِهِ لَا أَرْشَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّ الْجَمِيعِ وَفِي حَالَةِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَسَنَذْكُرُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بيع الجميع بعد ثلاث فُصُولٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيمَا إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ بِالْوَقْفِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَبِالْعِتْقِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَبِالْهِبَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي خروج الجمع فَإِنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فِي النَّقْصِ وَالْعَجْزِ عَنْ رَدِّ الْجَمِيعِ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ كَالْكَلَامِ فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي الْجَمِيعِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُهُ بِالْبَيْعِ هُنَا أَنَّهُ لَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ كان باعها أو بعضها ثم عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ على البائع بشئ ولا من

قِيمَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ دَلَّهُ لَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عليه بشئ مِنْ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ لَمْ يَأْنَسْ مِنْ الرَّدِّ وَهُنَاكَ أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ جَازَ وَلَنَا فِي إفْرَادِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ بِرِضَاءِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ فَلْيَكُنْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ (إذَا قُلْنَا) بِذَلِكَ فَلَوْ بَذَلَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ نُقْصَانِ النَّقِيضِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ وَغَرَامَةَ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُجَابُ الْمُشْتَرِي أَجَبْنَاهُ وَأَجْبَرْنَا الْبَائِعَ وَمِنْ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) امْتِنَاعُ الرَّدِّ إلَّا بِرِضَاءِ الْبَائِعِ (وَالثَّانِي) الِامْتِنَاعُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْجَوَازُ مَعَ أَرْشِ التَّبْعِيضِ (وَالرَّابِعُ) مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْوَجْهَانِ بَعِيدَانِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْحُكْمَ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّبْعِيضِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يَظْهَرُ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (أَمَّا) الْمِثْلِيُّ فَالْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا إذَا اشْتَرَى صُبْرَةَ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّ بَعْضِهَا قَالَ صَاحِبُ التتمة (ان قلنا) في العبدين يجوز فيها هنا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الْبَعْضِ لَا يُؤَدِّي إلَى تَجْهِيلِ الثَّمَنِ قُلْتُ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُمَا عَلَى خِلَافٍ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أو اتحاد الصفقة ا (ن قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَالصَّفْقَةُ مُتَّحِدَةٌ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ أَوْ لَا فَعَلَى (الْأَوَّلِ) يَجُوزُ وَعَلَى (الثَّانِي) يَمْتَنِعُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ التَّفْرِيقِ هُنَا اخْتِيَارِيًّا لِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا فِي البويطى في آخر باب الصرف قال ومن اشترى من رجل متاعا جملة مالا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَوَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ جَمِيعًا أَوْ يَأْخُذُهُ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يكال ويوزن

فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَيِّدَ بِحِصَّتِهِ وَرَدَّ مَا بَقِيَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ وَدَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى الضَّرَرُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِلْمُشْتَرِي بَعْضَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ وَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا (قَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضُ الْمِلْكِ عَلَى الْبَائِعِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ الضَّرَرُ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَتَخَرَّجَ عَلَى التَّفْرِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَخَلَّفَ وَارِثَيْنِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نَصِيبِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَوْ سلم أحد الابنين نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجِبُ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (ثَالِثُهَا) إنْ أَيِسَ عَلَى الرَّدِّ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عندما إذَا اشْتَرَى وَكِيلٌ عَنْ رَجُلَيْنِ وَسَأَذْكُرُ مَا قَالَهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّانِي) يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَيُعْطِيَ نِصْفَ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ الْأَرْشِ وَيُخَيَّرُ الَّذِي يُرِيدُ الرَّدَّ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي شَرْحِ الْمُوَلَّدَاتِ * * (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) * إذَا اشْتَرَى عَيْنَيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَهَا صُوَرٌ (إحْدَاهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَجِدَ الْعَيْبَ بِإِحْدَاهُمَا وَهُمَا بَاقِيَانِ فِي يَدِهِ فَهَلْ لَهُ إفْرَادُ الْمَعِيبَةِ بِالرَّدِّ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بل

يردهما جميعا أو يمسكهما جميعا سواء كان ذلك قبل القبض أم بعده وسواء كان مِمَّا يَتَسَاوَى قِيمَتُهُ كَالْكُرَّيْنِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يَخْتَلِفُ كَالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّبْعِيضُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ إفْرَادُ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ بِالرَّدِّ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْقَوْلَانِ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَكِنْ قِيَاسُ هَذَا الْبِنَاءِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ التَّجْوِيزِ أَظْهَرَ وَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَفْرِيقِهَا فَلَا يُفَرَّقُ يَعْنِي وَلَيْسَ كَمَا إذَا جَمَعْتَ حَلَالًا وَحَرَامًا أَوْ حَلَالَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ هُنَاكَ لَيْسَ اخْتِيَارِيًّا وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إثْبَاتَ قَوْلٍ يَمْنَعُ إفْرَادَ الْمَعِيبِ بالرد (وان قلنا) بجواز تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَذَكَرَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الصُّلْحِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا الْكَلَامُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصفقة إذا رضى فالراجح أن لا يجعل الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بَلْ مُرَتَّبَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ إنْ مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالتَّرْتِيبُ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَطْلَقُوا الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْبِنَاءُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيَبْعُدُ جَعْلُهُمَا قَوْلَيْنِ بِرَأْسِهِمَا أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَ الْجَوَازِ بِأَنَّ الْعَيْبَ أَخَصُّ بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ العيب إذا لم يختص وَكَانَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَأَفَادَ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرُهُ أَنَّ لَنَا قَوْلًا بِالْمَنْعِ وَإِنْ جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَقَوْلًا بِالْجَوَازِ وَمَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قُلْتُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ الْقَهْرِيُّ لَا يُمْكِنُ القول

بِالْجَوَازِ مَعَ مَنْعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَسْتَحِيلُ شَرْعًا (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ بِرَدِّ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرَّعَانِ عَلَى مَنْعِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَعَلَى تَجْوِيزِ التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ فَالتَّرْتِيبُ صَحِيحٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّفْرِيقُ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَا تَرْتِيبَ فَلَا بِنَاءَ وَهُمَا الْقَوْلَانِ بِعَيْنِهِمَا وَعِلَّةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَعِيبُ فِيهِمَا وَسَأَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ عَنْ الصُّلْحِ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى الْمَنْعِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَمْ أَذْكُرْ لَفْظُهُ خَشْيَةَ التَّطْوِيلِ مَعَ ظُهُورِهِ فهو يرد التحريج عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا نَصٌّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْجَوَازِ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَةِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْمَنْعِ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِالْجَوَازِ هُنَا يَقُولُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شِقْصَيْ دَارَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وقد يحتمل ذلك في شقص دَارٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ وَيَدَعَ بَعْضَهُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقَوْلَانِ مَفْرُوضَانِ في العبدين وفى كل شئ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (فَأَمَّا) فِي زَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ بِحَالٍ وَارْتَكَبَ بَعْضُهُمْ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ (قُلْتُ) وَجَعَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مُرَتَّبًا (إنْ قُلْنَا) هُنَاكَ لَا يَجُوزُ فَهَهُنَا وَجْهَانِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَصْلٍ أَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا غَصَبَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ الزَّوْجِ عَشَرَةٌ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَرَجَّعَ قِيمَةَ الْآخَرِ إلَى دِرْهَمَيْنِ هَلْ يَضْمَنُ خَمْسَةً أَوْ ثَمَانِيَةً (إنْ قُلْنَا) خَمْسَةً جَازَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) ثَمَانِيَةً فَلَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الافراد فقال المشترى وردت الْمَعِيبَ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا لَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا بَلْ هُوَ لَغْوٌ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِإِفْرَادِهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي

(إذَا قُلْنَا) بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَجُوزَ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَقَدْ رَضِيَ (أَمَّا) إذَا مَنَعْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ فَيَمْتَنِعُ وَإِنْ رَضِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ أَقْيَسُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْمَنْعُ قَالَ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّرَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ جَارٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْبِنَاءِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُرَتَّبًا فَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ إذَا رَضِيَ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْمُشْكِلُ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْجَوَازِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ مَعَ بِنَائِهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ مَعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِفْرَادِ جَازَ قَالَ الْإِمَامُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْإِفْرَادِ (الْأَصَحُّ) الْجَوَازُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ وَضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ يُطَالَبُ بِالْأَرْشِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَاعْتَرَضَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَسِيطِ إلَّا فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَرْشُ يَتَعَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ يُمْكِنُ (قُلْتُ) وهو كذلك ولا اتجاد لِمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ نَعَمْ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَقُولُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُمَا إلَّا إذَا كَانَا مَعِيبَيْنِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ اتَّجَهَ عِنْدَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ لَكِنَّهُ يَنْفِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا مَنَعْنَا الْإِفْرَادَ إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ رَدِّ الْجَمِيعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْوَسِيطِ بِمَنْعِ رَدِّهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ رَدِّ أَحَدِهِمَا وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِطَلَبِ الْأَرْشِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ السَّلِيمِ وَحْدَهُ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَقَالَ) ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا وَقَدْ فُقِدَتْ التَّبَعِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ فَرَدَّهُ اشْتَرَطَ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْإِمَامِ تَعْلِيلُهُ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ *

* (فَرْعٌ) * قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْجَوَازِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَافَقَ فِيمَا قَبْلَهُ وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ وَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَاشْتَرَطَ فِي أَحَدِهِمَا خِيَارَ الثَّلَاثِ وَنَقَضَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْعَيْبَ فِيهِمَا أَوْ كَانَا مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ أَوْ مما تتساوى أجزؤه مِثْلَ كُرَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مثل ما قلناه (والجواب) عن شَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ وُجُوهٍ بِالنَّقْضِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَبِأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ لِمَا شَرَطَ وَبِأَنَّ وَصْفَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ الْخِيَارَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي ظُهُورِ الْعَيْبِ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَهُمَا بَاقِيَتَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْمَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَالصُّورَةَ الثَّالِثَةَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَهِيَ إذَا كَانَ السَّلِيمُ تَالِفًا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَالْأَظْهَرُ) مِنْ قَوْلَيْ الْكِتَابِ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي (1) الْأَوْلَى الْمَنْعُ وَفِي الثَّالِثَةِ الْجَوَازُ كَمَا (2) وَيُرَجَّحُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعُمُومِ (3) الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ (4) فِي حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ بَيَّنَ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي أَحَدِهِمَا وَمَا إذَا كَانَ فِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا تَالِفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ (5) سَنَذْكُرُهُ (6) * (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) * وَجَدَ الْعَيْبَ بِهِمَا جَمِيعًا وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَهُ رَدُّهُمَا قَطْعًا وَفِي إفْرَادِ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ سَاكِتًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْطَعُ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ إجْمَاعًا كَالطَّعَامِ الْوَاحِدِ (قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ يَرُدُّ بَعْضَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِمَا فَمَنْ جَوَّزَ هُنَاكَ فَهَهُنَا أَوْلَى وَمَنْ مَنَعَ هُنَاكَ إمَّا قَطْعًا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ حِكَايَةَ الْقَوْلَيْنِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (إنْ قُلْنَا) يُفَرَّقُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْبِنَاءُ هُنَا ظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّفْرِيقِ الْقَهْرِيِّ إنْ مَنَعْنَاهُ امْتَنَعَ هُنَا وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْبِنَاءِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْجَوَازِ هُنَا أَظْهَرَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اقْتَصَرَ فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ وَأَوَّلُوا بِهِ الْجَوَازَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بَيَانُ الْأَصَحِّ وَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ رد الباقي هل يجوز

_ (1) إلى (6) بياض بالاصل فحرر

أولا وَبِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّرْتِيبِ يُعْرَفُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الْجَوَازُ لَكِنَّ النَّصَّ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ والنص الذى سنذكره عن اختلاف العرقيين كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ امْتِنَاعُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْمُرَادُ بِالتَّلَفِ إمَّا حِسًّا وَإِمَّا شَرْعًا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْإِفْرَادَ رَدَّ الْبَاقِيَ وَاسْتَرَدَّ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ عَنْ الْإِمَامِ وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِ الْعَبْدَيْنِ سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا وَيَسْقُطُ الْمُسَمَّى عَلَى الْقِيمَتَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ (فَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (إمَّا) بِثَمَنِ مِلْكِهِ فَلَا يُرَدُّ مِنْهُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ إلَى نصفه فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ مَعَ الْمَالِكِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي حَصَلَ إهْلَاكٌ فِي يَدِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا وَقَدْ رَأَيْتُهُمَا فِيهِ وَلَكِنْ هَلْ هُمَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ أَوْ عَلَى مَنْعِهِ فِيهِ نَظَرٌ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَالِاعْتِمَادُ فِي حِكَايَتِهِمَا هُنَا عَلَى نَقْلِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِرْجَاعِ حصة المردود من الثمن ولم يتعرضوا لشئ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّالِفَ إذَا كَانَ مَعِيبًا أَيْضًا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ كَمَا يَجِبُ الْأَرْشُ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ وَتَبَيَّنَ عَيْبُهُ وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ إحَالَةً لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَاقْتِصَارًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الْمَكَانِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْإِفْرَادُ فَقَوْلَانِ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَطَائِفَةٌ (وَوَجْهَانِ) فِيمَا حَكَاهُ آخَرُونَ وَاقْتَضَى إيرَادُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ تَرْجِيحَهُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا لَا فَسْخَ لَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَيْبِ وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ عَادَ الْقَوْلَانِ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَرُدُّ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ يَرُدُّ حِصَّةَ الْبَاقِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ وَهَلْ النَّظَرُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَى يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِمَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ مِنْهُ) اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا وَيَفْسَخُ الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ

صلى الله عليه وسلم أمر في الْمُصَرَّاةَ بِرَدِّ الشَّاةِ بَدَلَ اللَّبَنِ الْهَالِكِ (قُلْتُ) وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بَلْ الَّذِي فِيهَا أَنَّا (إذَا قُلْنَا) لَا يَرُدُّ رَجَعَ بِالْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّا (إنْ قُلْنَا) لَهُ رَدُّهُ فَيَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ خُرَاسَانَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِيهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا خَطَأٌ وَيُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ لانه نص على ذلك في اختلاف العرقيين وَقَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ فرع عليه وذكر الاختلاف فالعجب من الرفعى رحمه الله إلا أن يكون القاضى أبى الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَمَا رَأَيْتُ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فَعَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّ أَبَا الطَّيِّبِ يَقُولُ (إنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّهُ أَيْ أَصْلًا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّهُ فَهَلْ يُفْرِدُهُ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ فِيهِ (وَجْهَانِ) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ (إنْ قُلْنَا) يُفْرِدُهُ اسْتَرَدَّ الْقِسْطَ وَإِلَّا فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ قِيمَةَ التَّالِفِ (فِيهِ وَجْهَانِ) فَالْكَلَامَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي نِسْبَةِ الرَّافِعِيِّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي الطَّيِّبِ وَوَافَقَ الرَّافِعِيَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ أَعْنِي فِي ضمن قيمة التالف إلى الموجود كما حكاهما لامام وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الشَّامِلِ بَلْ رَأَيْتُ فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ الوهم لذى عَرَضَ لِلرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ هُوَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ عن أبى الطيب فان ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَهْل خُرَاسَانَ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَالَ وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ طلع ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَالَ لِأَبِي الطَّيِّبِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُبَيِّنُهُ ما في تعليقة أَبِي الطَّيِّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ العمرانى فينقل الْمَسْأَلَةَ فِي الزَّوَائِدِ مِنْ الشَّامِلِ وَزَادَ فَقَالَ وَقَالَ الْقَاضِي هَذَا هُوَ السُّنَّةُ قَالَ ابْنُ الصباغ وهذا ليس بصحيح هُوَ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَاقِلٌ عَنْهُ أَوْ موافق له وبالجملة ولقول مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَبَضَهُمَا فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَيَرْجِعَ بِأَصْلِ الثمن لذى أَعْطَاهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لزم المشترى وهو يريد اسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْغَائِبِ وَلَا أَقْبَلُ دَعْوَاهُ قَالَ الرَّبِيعُ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلَكَ وَاحِدٌ وَأَصَابَ بِالْآخَرِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كان له أن يرد الشئ كما أخذ

فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ كَانَ لَا رَدَّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَى مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ فِي الثَّوْبِ الْبَاقِي فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهُمَا (وَالثَّانِي) يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُمَا هَذَانِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فَرَّعْنَاهُمَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِفْرَادِ فَهُمَا مُتَعَاضِدَانِ فِي مَنْعِ الْإِفْرَادِ كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ أَوَّلًا وَقَدْ تَأَمَّلْتُ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَمْ أَجِدْهُ صَرِيحًا فِي الرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِسْطِ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الثَّوْبَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمُشْتَرِي إنْ أَرَادَ رَدَّ الثَّوْبِ يَرُدُّهُ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِهِ بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ولا نعطيه بقوله لزيادة قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الثَّمَنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَلَيْسَ إلَى الرَّدِّ سَبِيلٌ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا صَفْقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ إلَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي حَكَاهُ الرَّبِيعُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَآخِرُ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الرَّدِّ وَأَوَّلُ كَلَامِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَإِنَّمَا احْتَجْتُ إلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّهُ قَالَ يَرْجِعُ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَنْعِ التَّفْرِيقِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَقَلَهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ صَرِيحٍ فِي التَّفْرِيقِ فَلَعَلَّ لَهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَصًّا آخَرَ وَأَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا حَكَى عَنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّا نُفَرِّعُ عَلَى مَنْعِ التَّفْرِيقِ فَالنَّصُّ مُصَرِّحٌ بِالتَّفْرِيقِ فَكَيْفَ يُرَدُّ بِهِ وَهَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ ابن الرفعة عن ابن الصباغ اعترضا عَلَيْهِ لَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ فِيهِ النَّصَّ بِلَفْظٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالتَّفْرِيقِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْعُذْرُ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى

مَنْعِ التَّفْرِيقِ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ بَلْ إنَّمَا قَالَ إذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ فَإِذَا نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ الرَّدِّ يَسْتَرْجِعُ الْقِسْطَ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ لا يسترجع القسط بل يضم القيمة على التَّالِفِ وَيَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ رَدًّا ظَاهِرًا وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) مِنْ اعْتِرَاضِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْقَدِيمِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَنَّهُ يَضُمُّ قِيمَةَ التَّالِفِ إلَى الْبَاقِي وَيَرُدُّهَا فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ حصل التالف فِي يَدِهِ وَهُوَ الْغَارِمُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حسين مع حكاية القولين في الصورتين الاولتين قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْغَارِمُ هُوَ الْبَائِعَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي التَّتِمَّةِ حِكَايَةُ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يريد ازلة يَدِهِ عَنْ الثَّمَنِ الْمَمْلُوكِ لَهُ وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ شَاذٌّ (قُلْتُ) فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّهُ يَرُدُّ الْقَائِمَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ (قَالَ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ قد لزم المشترى وهو يريد إسقاط الشئ عَنْهُ لِمَا يَدَّعِي مِنْ كَثْرَةِ قِيمَةِ الْفَائِتِ ولا أقبل دعواه وهذا يدل للوجه الَّذِي قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ بَلْ هُوَ هُوَ وَالْقِيمَةُ هُنَا مَعْرُوفَةٌ وَاعْتِبَارُهَا بِيَوْمِ التَّلَفِ عَلَى الاصح وليس كما تقدم على القول الْآخَرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّخَالُفِ * * (فَرْعٌ) * إذَا ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ فَقَطْ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ قَطْعًا وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ التَّالِفِ * * (فَرْعٌ) * لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِهِمَا بَعْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ما إذا كان أحدهما تالفا وجزم الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا أَيْضًا بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَاحِدًا وَخَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ امْتِنَاعُ رَدِّ الْبَاقِي فَاشْتَرَكَتْ صُورَةُ التَّلَفِ وَصُورَةُ الْبَيْعِ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُولَى الْجَوَازُ وَفِي الثَّانِيَةِ المنع وهذا الذى ذكرناه إذ بَاعَ أَحَدَهُمَا وَكَانَا مَعِيبَيْنِ أَوْ بَاعَ الصَّحِيحَ وَبَقِيَ الْمَعِيبُ (أَمَّا) لَوْ بَاعَ الْمَعِيبَ وَبَقِيَ الصحيح فلا يرد الباقي لآن قَطْعًا وَالْكَلَامُ فِي الْأَرْشِ عَلَى مَا مَرَّ وَتَحْقِيقُ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ هَلْ هُوَ عَدَمُ الْيَأْسِ أَوْ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ فُصُولٍ * * (فَرْعٌ) * اسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْإِفْرَادِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ أَحَدَهُمَا قَالَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ بِعَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا فَفِي هَذَا الْمَوْجُودِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (1) وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (قُلْتُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَحِيحًا مِنْ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) لشئ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ رُجُوعِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَيَرُدُّهُمَا مَعًا وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وهو يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا بِعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ فَفِي رُجُوعِهِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فِي الثَّانِي قَوْلَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَهُ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ * * (فَرْعٌ) * بِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَلَكِنَّهَا مَرَاتِبُ فَفِي الْعَبْدَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَالِفًا الْجَوَازُ قَوِيٌّ جِدًّا وَدُونَهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَوِيٌّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الْمَنْعَ وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ فِي مِلْكِهِ وَالْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا وَدُونَهُ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ وَالْعَيْبُ بِهِمَا وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا بَاعَ بَعْضَهُ وَدُونَهُ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ كُلُّهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ فَهَذِهِ سِتُّ مَرَاتِبَ لَا يُرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي الْأُولَى * * (فَرْعٌ) * حُكْمُ نَقْصِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ تَلَفِهِ وَعِتْقِهِ وَبَيْعِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ النَّقْصِ الْحَادِثِ فَيَصِيرَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ * (فَائِدَةٌ) * أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُونَ تَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا وَالرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قبل باعتبار قيمتهما إلى سليمتين وَلَا يَتَأَتَّى غَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَوْ وَزَّعْنَا الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خَبْطٍ وَفَسَادٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِامْتِحَانُ فَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ السَّلَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَهِيَ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ (مِنْهَا) فِي الشفعة حيث يأخذ الشقص بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ (وَمِنْهَا) فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا وُزِّعَ الثَّمَنُ فَيُجْبَرُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ

بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَيُجْبَرُ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الرِّبَا فِي الصَّرْفِ إذَا بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا اخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةً الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ الصِّحَّةَ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَانْتَدَبْت لَهُ مَأْخَذًا بَعِيدًا وَبِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هُنَا يَتَرَجَّحُ فَظَهَرَ مَأْخَذٌ حَسَنٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ فِيهِ وَيَقْوَى على أبى طَالِبٍ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ مِنْ جِهَةِ التَّوْزِيعِ وَالتَّوْزِيعُ هَهُنَا لَا يَقْتَضِي المفاصلة إذا وزع باعتبار السلامة وانما يقتضي المفاضلة إذَا وُزِّعَ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ (وَمِنْهَا) فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَمِنْهَا) فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا تَخْفَى الْفُرُوعُ بَعْدَ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَمُلَاحَظَتُهَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ * * (فَرْعٌ) * لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالتَّالِفِ وَحْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ التَّالِفَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ مَقْصُودًا أَوْ مُسَوِّغًا وَإِنَّمَا صَحَّ الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ تَبَعًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَقَاءَ السَّلِيمِ مُسَوِّغٌ لِوُرُودِ الرَّدِّ عَلَى الْمَعِيبِ فِي الصَّفْقَةِ الَّتِي شَمِلَتْهُ وَلَيْسَ لِتَكَلُّفِ الْمَبِيعِ جُمْلَةً إذْ لَا مَوْرِدَ أَصْلًا فَلِذَلِكَ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ * * (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْكِتَابِ) * إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَيْنًا وَوَجَدَا بِهَا عَيْبًا وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إمْسَاكَ حِصَّتِهِ وَالْآخَرُ رَدَّ حِصَّتِهِ جَازَ عَلَى الْقَوْلِ الظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ نَصِّهِ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَمُعْظَمِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو يوسف ومحمد وابن أبى ليلى ومنه أخذ الصفقة تتعدد بتعدى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ ما ملك مجارا كالمشترى الواحد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ أَصَابَ الْمُشْتَرِيَانِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلٍ بِجَارِيَةٍ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ فَذَلِكَ لَهُمَا لِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي شِرَاءِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِي النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَيُحْكَى عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ كَامِلًا وَالْآنَ يَعُودُ إلَيْهِ بعضه وبعض الشئ لَا يُشْتَرَى بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَوْ بِيعَ كُلُّهُ وَرُبَّمَا أَوْرَدُوا ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مُجْتَمِعًا أَوْ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَمِنْ هَذَا الْقَوْلِ أُخِذَ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَعَدِّدَةٌ وَبِذَلِكَ مَنَعُوا مَنْ قَالَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ

صَفْقَةً وَمَنَعُوا أَيْضًا مَنْ قَالَ خَرَجَ مُجْتَمِعًا بما أشار إليه الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْبَائِعَ فَرَّقَ الْمِلْكَ فِي الْإِيجَابِ أَيْ فَلَمْ يَخْرُجَ مُجْتَمِعًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ كَلَامُكَ إنْ أُرِيدَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَهِيَ مَعْنًى وَإِنْ أُرِيدَ التَّأْكِيدُ فَلَا يُفِيدُ وَمَنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِأَنَّ الصَّفْقَةَ متعددة واعترض القائلون باتحادهما وَامْتِنَاعِ الِانْفِرَادِ بِالرَّدِّ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبِمَا إذَا أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَأَرَادَ إجْبَارَ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِ الْعَبْدِ وَبِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِنْدَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ في حقه سواء قبل صاحبه أم رَدَّهُ وَقِيلَ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصًّا فِي الْخُلْعِ يَشْهَدُ لَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي النَّقْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَإِنَّ صِيغَةَ إيجَابِ الْبَائِعِ تَقْتَضِي جَوَابَهُمَا فَكَأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ يُجِيبَاهُ مَعًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ عُرْفًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعَنْ (الثَّانِي) أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ اختلاف التبايعين إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ (الثَّالِثِ) بِأَنَّ الْبَائِعَ هَذَا الَّذِي شَرَطَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَيْبُ حَادِثًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ عَرَفْتَ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَسُّ بِكَلَامِ الْمُخَالِفِ مِنْ اسْتِدْلَالِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ صَحِيحًا وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُمَا فِي صَفْقَتَيْنِ أَيْ مُتَعَدِّدَتَيْنِ لَفْظًا فَإِنَّ هَذِهِ مُتَعَدِّدَةٌ حُكْمًا لَا لَفْظًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الاولى أن نفرض الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ وَالْبَائِعُ وَارِثُهُ أَوْ عَادَ إلَى الْبَائِعِ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بالبيع أو بالهبة كي يسقط حل كَلَامِهِمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا الَّذِي الْتَزَمَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَعَدِّدٌ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو الظفر بْنُ السَّمْعَانِيِّ إنَّ هَذِهِ طَرِيقٌ سَقِيمَةٌ لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهَا وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فَلِضَعْفِهِ فِي المعاني لان قوله بعث مِنْكُمَا فِي جَانِبِهِ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ نَعَمْ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ نَجْعَلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَجَازَ ذَلِكَ لتعدد الجمع وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَكِنْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُمَا وَهُوَ حَقٌّ مَشْرُوعٌ فَيُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتٍ وَإِسْقَاطٍ بِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْآخَرِ لَهُ وَأَجَابَ عَنْ كَوْنِ الشَّرِكَةِ عَيْبًا بِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ زَالَتْ وَاَلَّتِي وُجِدَتْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا

وُجِدَتْ بِعَدَمِ الرَّدِّ وَالرَّدُّ لَا يَعِيبُ الْمَبِيعَ لَكِنْ يُعِيدُهُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ الشَّرِكَةُ تَثْبُتُ بِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ الْعَيْبُ الَّذِي هُوَ مَعْلُولُ الرَّدِّ سَابِقًا لِعِلَّتِهِ وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا لَا يُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ فَإِنَّ مِنْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَخْذَ الْوَارِثِينَ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مُسْتَقِلٌّ بِالرَّدِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مَنَعْنَا انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّعَدُّدِ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الْمَنْعُ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ هَذَا إذَا نَظَرْتَ إلَى التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ أَوَّلًا فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا فِي الِانْفِرَادِ فَأَحْرَزْنَا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَجْوِيزُ التَّفْرِيقِ وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ هَلْ ذَلِكَ لِحُكْمِنَا بِالِاتِّحَادِ أَوْ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ كانت الصفقة متعددة فيه وَجْهَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَوْفَقُ لِكَلَامِهِمْ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ * التَّفْرِيعُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنْ جَوَّزْنَا الِانْفِرَادَ فَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا وَيَخْلُصُ لِلْمُمْسِكِ مَا أَمْسَكَ وَلِلرَّادِّ مَا اسْتَرَدَّ أَوْ تَبْقَى الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ وَاسْتَرَدَّهُ الرَّادُّ حَكَى الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا قُلْتُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي بَعِيدٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ الَّذِي أَمْسَكَهُ الْمُمْسِكُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّادِّ وَالرَّادُّ لَمْ يبقى عَلَى مُلْكِهِ شَيْئًا وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَرْجَعَهُ الرَّادُّ يَأْخُذُ الْمُمْسِكُ نِصْفَهُ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا وَوَجَّهَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنُهُمَا قِسْمَةٌ وَهَذَا تَوْجِيهٌ ضَعِيفٌ لان ذلك إنما يَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ لَا فِي الْمُشَاعِ فَإِنَّ النصف المشاع المردود مختص الراد قطعا وحمله ابن لرفعة عَلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَهَذَا الْحَمْلُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَصِحُّ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ الْبَاقِي فَلَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْمُسْتَرَدِّ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مَلَكَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهُ فِي نصفه الشائع المختص بالراد حكم رَدِّهِ وَيَقْسِمُهُ الرَّادُّ وَالْبَائِعُ وَهُوَ قِسْمَةٌ جَدِيدَةٌ وَارِدَةٌ عَلَى مِلْكَيْهِمَا وَلَيْسَ لِلْمُمْسِكِ فِيهَا حَظٌّ ونصفه الشائع لم ينقض الملك في شئ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا * نَعَمْ قَدْ تَقَدَّمَ لَنَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ شُذُوذٌ فِي جَوَازِ رَدِّ بَعْضِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ فَعَلَى ذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّادُّ رَدَدْتُ النِّصْفَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ نِصْفُهُ وَقُلْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا هُوَ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَيَصِحُّ الرَّدُّ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ وَلَكِنْ لَا يَبْقَى نَصِيبُ الْمُمْسِكِ مُشْتَرَكًا وَلَا الْمُسْتَرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ مُشْتَرَكًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ يَبْقَى لِلرَّادِّ رُبُعُ الْعَبْدِ وَلِلْمُمْسِكِ نِصْفُهُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّادُّ رُبُعَ الثَّمَنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْوَجْهُ إلَى

الْغَلَطِ أَقْرَبُ وَمَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّادَّ ضَمُّ أَرْشِ التَّبْعِيضِ إلى ما يرده لِأَنَّ الْبَائِعَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْإِمَامُ * وَإِنْ مَنَعْنَا الِانْفِرَادَ فَذَاكَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّبْعِيضِ (أما) مالا يَنْقُصُ كَالْحُبُوبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ أَوْ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَعَلَى الثَّانِي يَمْتَنِعُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يَمْنَعُ أحد اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَالْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بَيَانُهُمَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ فَفِي الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ أَصْلَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نُسَخِ التَّنْبِيهِ وَجَعَلَ إنْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا وَلَفْظُ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ شَاهِدٌ لَهُ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُخْتَصَرِ سِلْعَةً مَكَانَ جَارِيَةٍ فَيَكُونُ شَاهِدًا لِلنُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْبُوَيْطِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ مُفِيدًا لِذَلِكَ * وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْسِمَاهُ فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِيهِ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَبَنَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَكَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ بَيْعِ بَعْضِهِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَهُ فِي تَعْلِيقِهِ هَكَذَا لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى مُشَاعًا كَنِصْفِ عَرْصَةٍ ثُمَّ قَاسَمَ الْمَبِيعَ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا قَدِيمًا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَبِيعِ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ (قُلْتُ) أَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ أَوْ بَيْعٌ فَمُتَّجَهٌ مُتَعَيَّنٌ (وَأَمَّا) مَنْعُ الرَّدِّ إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فِيمَا إذَا قَاسَمَ الْبَائِعَ فَمُشْكِلٌ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ مِنْ الْبَائِعِ أَنَّهُ يَرُدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا الصَّحِيحُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قَاسَمَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْفَتَاوَى إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ رُبُعٍ وَقَاسَمَ شَرِيكَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَالَ (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَهُوَ بَاعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَيَرُدُّ النِّصْفَ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ فَإِذَا رَدَّ يَعُودُ إلَيْهِ النصف الذى يملك منه الشريك ثم رد الْكُلَّ بِالْعَيْبِ وَإِلَّا يَبْطُلُ حَقُّهُ لِأَنَّ الرَّدَّ يَعْقُبُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ لِاخْتِلَافِ الْمِلْكِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَرَاهِمَ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَرَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْعَبْدَ وَبِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ رَدَّ الثَّوْبِ وَالْعَبْدُ غاد لَا بِاخْتِيَارِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ لانه يرد الثَّوْبِ اخْتَارَ مِلْكَ الْعَبْدِ مَعِيبًا قُلْتُ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى رَأْيِهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمَعِيبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ خلافه ولو أرد الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّدِّ الْأَرْشَ قَالَ الْإِمَامُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ إمْكَانِ رَدِّ نَصِيبِ الْآخَرِ

بِأَنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ نَظَرٌ إنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِالْعَيْبِ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمنه إلَى نَصِيبِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ وَيَرْجِعَ بنصف الثمن هل يجبر على قوله كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) لَا أَخَذَ الْأَرْشَ (وَإِنْ قُلْنَا) نَعَمْ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَوَقُّعٌ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا لَا يَعْرِفُ الْحَالَ فَفِي الْأَرْشِ وَجْهَانِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مِنْ جِهَةِ الْحَيْلُولَةِ النَّاجِزَةِ * وَقَدْ بَقِيَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ (مِنْهَا) إذا تعدد البائع كما لو اشترى واحد عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُ رَدُّ نِصْفِ الْمَبِيعِ على أحد البائعين قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَهَلْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِلتَّعَدُّدِ (وَالثَّانِي) لَا لِلضَّرُورَةِ قال أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى عَكْسِ مَذْهَبِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَمِنْهَا) إذَا تعدد العاقدان بأن اشترى رجلان عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَرْبَعَةِ عُقُودٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى رُبُعَ الْمَبِيعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبُعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِهِ قاله الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ عَبْدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَرُدَّ بَيْعَ الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ واحد من البائعين الثلاثة لان حكمهما حُكْمُ الْعُقُودِ التِّسْعَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَمِنْهَا) إذَا تَعَدَّدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْعَاقِدُ مَعًا بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ وَهَلْ لَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّدِّ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ أَيْضًا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَيْنِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ هَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وَكَأَنَّهَا غلط والصواب أن يقال على البائعين بأسقاط أحد فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ اشْتَرَى النِّصْفَ مِنْ الْبَائِعَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا رَدُّ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَرَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ قَطْعًا وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ نِصْفِهِمَا عَلَى الْبَائِعَيْنِ أَوْ رُبُعِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ هَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ مُشَاعًا بَيْنَ الْبَائِعَيْنِ (وَمِنْهَا) إذَا كان أحد العبدين لهذا ولآخر لِذَاكَ وَجَمَعَا بَيْنَهُمَا فِي الصَّفْقَةِ

وَجَوَّزْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ رَدُّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِالْعَيْبِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَهَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا مَلَكَ مِنْ جِهَتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ نِصْفَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَعِيدٌ (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَيْ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ نِصْفِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَلَوْ أَرَادَ رَدَّ رُبُعِ الْعَبْدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ قَالَهُ الْقَاضِي الحسين قَالَ وَالْحَدُّ فِيهَا أَنَّ فِيمَا هُوَ الْخَيْرُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَفِيمَا هُوَ الشَّرُّ وَجْهَانِ (وَمِنْهَا) اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَحُكْمُهُمَا ظَاهِرٌ فيما تقدم لهما رَدُّ الْعَبْدَيْنِ قَطْعًا وَلِأَحَدِهِمَا رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ الْوَاحِدَ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مَعَ الْمُشْتَرِي الْوَاحِدِ وَلَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً * * (فَرْعٌ) * جُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ تَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ فَقَطْ أَوْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَتَعَدَّدَ الْبَائِعُ فَقَطْ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمَبِيعُ أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْمَبِيعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَوَجْهٌ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ الْجَمِيعُ أَوْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ أَوْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ ثَلَاثَةٌ * * (فَرْعٌ) * لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي صَفْقَتَيْنِ نِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ وَنِصْفُهُ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ رَدُّ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ بِالْعَيْبِ دُونَ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ ** (فَرْعٌ) * هَذَا كُلُّهُ إذَا تَوَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ وَاحِدٌ (أَمَّا) إذَا عَقَدَ بالوكالة وحصول التعدد في الوكيل أو في الوكل فَهَلْ الِاعْتِبَارُ فِي تَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَاتِّحَادِهِ بِالْعَاقِدِ أَوْ الْمَعْقُودِ لَهُ فِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَيُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ دُونَ رُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ (وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وهو الموكل قاله ابو زيد والحصري وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ (وَالثَّالِثُ) الِاعْتِبَارُ فِي طَرَفِ الْبَيْعِ بِالْمَعْقُودِ لَهُ وَفِي الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ قَالَهُ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى الْقَفَّالِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ فِي الشِّرَاءِ بِالْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْمَعْقُودُ لَهُ الْإِذْنَ في المباشرة وقع العقد للمباشرة بِخِلَافِ طَرَفِ الْبَيْعِ قَالَ الْإِمَامُ

رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْفَرْقُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ (وَالرَّابِعُ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الِاعْتِبَارُ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ بِهِمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا تَعَدَّدَ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ اعْتِبَارًا بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ شِقْصًا لِاثْنَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْفَلَسِ وَلَوْ اشْتَرَى وَكِيلَانِ شِقْصًا لِوَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ حُكْمُ تَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ بَاعَ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ شِقْصًا مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا أَبْعَدُ الطُّرُقِ لِأَنَّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَضَرَّ بِهِ وَهَهُنَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَرَدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا كَانَ لَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا وَإِذَا تَعَدَّدَ الْوَكِيلُ وَاتَّحَدَ الْبَائِعُ فَرَدَّ عَلَيْهِ نِصْفَ مَالِهِ تَضَمَّنَ ضَرَرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ صَحِيحٌ وَمُدْرَكُ الشُّفْعَةِ غَيْرُ مُدْرَكِ هَذَا الْبَابِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ فِي الشُّفْعَةِ إنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي جَزْمًا وَفِي الْبَائِعِ خِلَافٌ عَكْسُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَفِي كُلِّ بَابٍ يُنْظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِذَلِكَ الْبَابِ (وَالْخَامِسُ) إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَالْعِبْرَةُ بِالْمُوَكِّلِ (وَإِنْ) كَانَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَاقِدِ وَهَذَا بِالْعَكْسِ مِمَّا قَالَهُ أبو إسحق حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ في تعدد الصفقة واتحادهما إذَا جَرَتْ بِوَكَالَةٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فَاشْتَرَى لَهُمَا عَبْدًا قَالَ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُ رَجُلَيْنِ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِوَاحِدٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَهَذَا لَيْسَ وَجْهًا سَادِسًا فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ بَلْ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَدُّدِ وَهَكَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا مَأْخَذُهُ رِضَا الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّهْنِ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ عَبْدًا وَرَهَنَ الثَّمَنَ عَيْنًا مُشْتَرَكَةً ثُمَّ وَفَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الرَّهْنِ عَنْ يَدِهِ قَبْلَ كَمَالِ حَقِّهِ (قَالَ) الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ لِشَرِيكِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ لِوَاحِدٍ فَلَهُ الْخِيَارُ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَفَّالَ يَقُولُ بالتعدد

لِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يُخَالِفُهُ كَمَا تقدمت الحكاية عنه في موافقة أبى إسحق وَلَكِنَّ مَأْخَذَهُ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَا قاله مع الاوجه في تعدد الصفقة واتحادهما لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ إذْ الْمَقْصُودُ هَهُنَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ من الفروع في الرد ولابد من التفريع عليه وقد يجئ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ بِسَبَبِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَضَعَّفَ القاضى حسين قول أبى اسحق وَرَأَى أَنَّ الصَّحِيحَ مَأْخَذُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَأْخَذُ أبى زيد وأن أصلهما أَنَّ وَكِيلَ الشِّرَاءِ هَلْ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَوَكِيلُ الْبَيْعِ هَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ * * (فُرُوعٌ) * عَلَى هَذَا الْأَصْلِ (مِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى وَكِيلٌ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَخَرَجَ مَعِيبًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ اعتبار العاقد مطلقا أو لقول أبى اسحق فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى مَا لَوْ اشْتَرَى وَمَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ وَخَرَجَ مَعِيبًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِأَحَدِ الموكلين والاثنين أحد الْأَرْشِ سَيَقَعُ التَّعَرُّضُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةَ الِاثْنَيْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ويوافقه هنا قول أبى اسحق وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي زَيْدٍ جَازَ لِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَكَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ يُفَرِّقُ بَيْنَ عِلْمِ الْبَائِعِ وَجَهْلِهِ إنْ عَلِمَ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ جَهِلَ فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَبْعِيضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَمْ يُعَيِّنَا قَائِلَهُ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُمَا أَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فَبَاعَ الْكُلَّ ثُمَّ خَرَجَ مَعِيبًا هَلْ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ لَا يَجُوزُ للمتشرى رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ وَعَلَى الْخَامِسِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْوَجْهَيْنِ هُنَا مَعَ قَطْعِهِ بِالْمَنْعِ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ يُخَالِفُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ يَقْتَضِي طَرِيقَةً بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَانِبِ الشِّرَاءِ بِالْعَاقِدِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ ولذلك أبديت فما تَقَدَّمَ نَظَرًا فِي قَوْلِ مَنْ نَسَبَ قَوْلَ أبى زيد إلى أئمة العراق (ومنها) ولو وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ لِرَجُلٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ (وَمِنْهَا) عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ رجلان رجلا

فِي شِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَفَعَلَ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ليس للمؤكلين إفْرَادُ نَصِيبِهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ يَجُوزُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لهما فلاحدهما رد نصيبه لرضى الْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ وَإِنْ جَهِلَهُ قُلْتُ وَهَذَا الْفَرْعُ هُوَ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا هُوَ هُنَا وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَرْشِ وَغَيَّرَ عِبَارَتَهُ فَقَالَ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ بِوَكَالَةِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا شَيْئًا فَذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَقَدَّمَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَكَرَ حُكْمَ الرَّدِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَانَ يَسْتَغْنِي بِالْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * * نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا الْفَرْعَ الْمُتَقَدِّمَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَاخْتِيَارُ أبى إسحق لَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ لِأَنَّهُمَا بِالذِّكْرِ صَارَا كَمَا لَوْ بَاشَرَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ * قُلْتُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا (وَالْأَصَحُّ) مَا ذَكَرُوهُ هُنَا لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَكِيلَ مُطَالَبٌ بِالْعُهْدَةِ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ وَكَّلَ رَجُلَانِ رَجُلًا فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَرَجُلَانِ رجلا في شراء فنبايع الْوَكِيلَانِ فَخَرَجَ مَعِيبًا فَعَلَى الْأَوْجُهِ (الْأَوَّلِ) لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى (الثَّانِي) وَ (الرَّابِعِ) يَجُوزُ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا عَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ نِصْفَ الْعَبْدِ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ عَلَيْهِمَا وَلَهُ رَدُّ الرُّبُعِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى (الثَّالِثِ) فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي مُتَّحِدٌ دُونَ الْبَائِعِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَاحِدِ يَشْتَرِي مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرُدَّا نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى (الْخَامِسِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ عَكْسَ الثَّالِثِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ رَدُّ حِصَّتِهِ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ نِصْفِهَا عَلَى أَحَدِ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ حَكَى فِيهِ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ الْوَجْهَ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَجْهَ الَّذِي تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ عَنْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ يَتَّجِهُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وعلى الثاني كما قدمت وأما الرافعى رحمه الله انه اخْتَصَرَ جِدًّا وَقَالَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجُوزُ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الْوَجْهُ

الْآخَرُ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ وَيَكُونُ قَدْ يَدُلُّ التَّفْرِيعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْأُخَرِ يَجُوزُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَأَمَّا جَوَازُهُ عَلَى الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَصَحِيحٌ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَمِنْهَا) وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ عَبْدٍ وَوَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَيْنِ فِي شِرَاهُ فَتَبَايَعَ الْوُكَلَاءُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَعَلَى الْوُجُوهِ الْأُخَرِ لَا يَجُوزُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُطْلَقًا وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَعَلَى الرَّابِعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْخَامِسِ كَذَلِكَ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الْخَامِسَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْفَرْعِ أَرْبَعُ طُرُقٍ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ الْخَمْسَةُ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقَدَّمَهُ بِذَكَرِهَا جَمَاعَةٌ وَهِيَ فِي الرافعي والروضة ستة للتكرار الذى تقدم لتنبيه عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ رَجُلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَالشَّيْخِ أبي إسحق لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ وَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي يزيد لَيْسَ لَهُ رَدُّ النِّصْفِ قُلْتُ وَعَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَا يَأْتِي هُنَا الْوَجْهَانِ * * (فَرْعٌ) * إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ بِالْوَكَالَةِ فَذَلِكَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَكِيلُ الْبَيْعِ وَوَكِيلُ الشِّرَاءِ وَمُوَكِّلَاهُمَا وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْجَمِيعُ وَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ اثْنَانِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةَ عشر ستة في الفروع السنة الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ إذَا تَعَدَّدَ وَاحِدٌ فَقَطْ بِصُورَةِ الْأَرْبَعَةِ وَقِسْمَانِ مِنْ تَعَدُّدِ الِاثْنَيْنِ وَهُمَا تَعَدُّدُ الْوَكِيلَيْنِ وَتَعَدُّدُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَبَقِيَتْ عَشَرَةٌ مِنْهَا اتِّحَادُ الْجَمِيعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ لَا يَخْفَى تَدَبُّرُهَا وَتَفْرِيعُهَا عَلَى الْفَقِيهِ وَإِذَا أَخَذَ مَعَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَعَدُّدَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَاتِّحَادِهَا كَانَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَرْعًا وَيَحْتَاجُ الْفَقِيهُ فِي حُكْمِ كُلٍّ مِنْهَا وَتَفْرِيعِهِ إلَى تَيَقُّظٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * فَأَمَّا إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِوَكَالَةٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ فَسِتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْعَاقِدَ لِنَفْسِهِ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْوَكِيلُ مَعَ مُوَكِّلِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ صَارَتْ ثَمَانِيَةً مَضْرُوبَةً فِي تَعَدُّدِ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فِي الْبَائِعِ وَمِثْلُهَا فِي الْمُشْتَرِي وَقَبْلَهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقَبْلَهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ ثَمَانِيَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَفْصِلَ فِيهِ الثَّمَنَ أولا وَلَوْلَا التَّطْوِيلُ لَذَكَرْت كُلَّ صُورَةٍ مِنْ ذَلِكَ وحكمها

وَمَا يَقْتَضِيهِ التَّفْرِيعُ فِيهَا وَلَكِنَّ مَعْرِفَةَ الْأَصْلِ كَافِيَةٌ لِلتَّبْيِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ تَعَدُّدَ الْمَبِيعِ وَاتِّحَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * هَذَا كُلُّهُ إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ جَرَى بِصِيغَتَيْنِ فلكل منهما حكمهما وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى كُلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فان مات من له الخيار انتقل إلى وارثه لانه حق لازم يختص بالمبيع فانتقل بالموت إلى الوارث كحبس المبيع إلى أن يحضر الثمن) * ** (الشَّرْحُ) * قَوْلُهُ لَازِمٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْحُقُوقِ الْجَائِزَةِ الَّتِي تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَخِيَارِ الْقَبُولِ وَخِيَارِ الْإِقَالَةِ وَخِيَارِ الْمُكَاتَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ احْتِرَازٌ مِنْ خِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْعَيْبِ فِي الْمَنْكُوحَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَجَعَلَهُ احْتِرَازًا مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وقبل التمكن من الرد أو بحدث الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي وَيُقَدِّرُ ثُبُوتَهُ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِ خِيَارِ الْعَيْبِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَلَّ مَنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا وَلَكِنْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ حَيْثُ يَذْكُرُونَ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ يَقِيسُونَهُ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ * * (قَاعِدَةٌ) * الْحُقُوقُ فِي الْمُهَذَّبِ (مِنْهَا) مَا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مالا يُورَثُ قَطْعًا (وَمِنْهَا) مَا فِيهِ خِلَافٌ وَجُمْلَةُ مَا يَحْضُرُنِي مِنْ الْحُقُوقِ الْآنَ خِيَارُ الرَّدِّ بالعيب وخيار الشفعة وخيار الفاس وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَخِيَارُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَخِيَارُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعِتْقِ وَخِيَارُ الْخُلْفِ وَحَقُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ اللُّقَطَةِ وَحَقُّ الْمُرُورِ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْكَلْبِ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِمَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ وَقَبُولُ الوصية وحق القصاص وحد القذف والتعذير وخيار الرؤية إذا أثبتناه والتحالف والعارية والوديعة وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْوَقْفُ وَالْوَلَاءُ وَالْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ خِيَارُ الْقَبُولِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَخِيَارُ

الْوَكِيلِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَحَقُّ الْأَجَلِ وَالتَّعْيِينِ وَالتَّبْيِينِ فِي إبْهَامِ الطَّلَاقِ وَفِي نِكَاحِ المشرك وتفسير الاقرار بالمجمل والله أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * لَوْ قَطَعَ ابْنُ الْمُشْتَرِي يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَانْتَقَلَ الْإِرْثُ إلَى الِابْنِ الْقَاطِعِ هَلْ لَهُ الْخِيَارُ بِحَقِّ الْإِرْثِ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْخِيَارَ عَنْ الْمُوَرَّثِ لَا عَنْ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فِي حَيَاةِ الْمُوَرَّثِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَإِنْ اخْتَارَ إجَازَةَ الْبَيْعِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا لِلْقَطْعِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ فَسَخَ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَغْرَمُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ الحاقا للمماليك بالاموال * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ كَانَ له وارثان فاختار أحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر لم يجز لانه تبعيض صفقة في الرد فلم يجز من غير رضا البائع كما لو أراد المشترى أن يرد بعض المبيع) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّ أَحَدَ الِاثْنَيْنِ لَوْ سَلَّمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ إلَيْهِ وَبِأَنَّهُمَا قَائِمَانِ مَقَامَ الْمُوَرَّثِ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّبْعِيضُ وَهَذَا هُوَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله واحترز بقول تَبْعِيضُ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَبِقَوْلِهِ الصَّفْقَةُ أَيْ الْوَاحِدَةُ عَنْ الْمُشْتَرِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِرَدِّ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ جَمِيعُ مَالِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ مُحْتَجًّا بِالصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا وَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَنَظَرَهُ ابْنُ الرفعة بقول فِي الرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ اثْنَيْنِ فَوَفَّى أَحَدَهُمَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ أَنَّهُ يَنْفُذُ نَصِيبُهُ وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ (وَإِذَا قُلْنَا) بِهِ فَلَا أَرْشَ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِلَّذِي مَنَعْنَاهُ مِنْ الرَّدِّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ وَنَسَبَهُ الرُّويَانِيُّ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا بِالتَّلَفِ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِعَدَمِ الْيَأْسِ فَإِنَّهُ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ بِأَنْ عَلِمَ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَأَبْطَلَ حَقَّهُ أَوْ تَوَانَى مَعَ الْإِنْكَارِ رَجَعَ هَذَا بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو مُوَافَقَةَ صَاحِبِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ حُضُورِهِ مَعَ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ فَلَا وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ

الْأَرْشُ مُطْلَقًا وَإِنْ حَصَلَ الْيَأْسُ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَجَزَمُوا بِهِ وُجُوبُ الْأَرْشِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيَكُنْ قَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَنْزِيلَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلَّتُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي تُرْشِدُ إلَى أَنْ مَحَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْيَأْسِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ الرَّدِّ وَقَوْلَ أَخْذِ الْأَرْشِ وَقَوْلَ التَّفْصِيلِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَسَبَهُ إلَى الْقَفَّالِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَطَعَ حَالَةَ الْيَأْسِ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ حَالَةَ عَدَمِ الْيَأْسِ لِوُجُودِ التَّعَذُّرِ وَالْكَلَامُ فِي الْوَارِثِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ أَجَازَ تَعْيِينَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِالشِّرَاءِ وَمَنَعْنَا كُلًّا مِنْ الْمُوَكِّلَيْنِ مِنْ الِانْفِرَادِ بِرَدِّ نَصِيبِهِ فَهَلْ لَهُ الْأَرْشُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في مسألة الوارثين ثلاثة أوجه (أصحهما) لَا يَرُدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ إنْ أَيِسَ (وَالثَّانِي) لَا يَرُدُّ الْأَرْشَ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ وَقَوْلُنَا هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ أَوْ لِلْبَائِعِ أَنْ يسقطه بالرضي بالرد لذى ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَكَذَلِكَ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِينَ بِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطَى نِصْفَ الْأَرْشِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ عَلَى الرَّدِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَيْنًا رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ سَخِطَ وَيُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مَنْسُوبٌ إلَى ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَائِلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ إنَّهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ الْأَرْشَ يُجْبَرُ الْبَائِعُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا إذا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ مُطْبِقًا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّا إنْ جَعَلْنَا الْمَانِعَ كَوْنَ الصَّفْقَةِ مُتَّحِدَةً وَلَا يُقْبَلُ التَّفْرِيقُ شَرْعًا فَيَمْتَنِعُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ عينا وليس للبائع الرضى بِالرَّدِّ وَإِسْقَاطِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَإِنْ) جَعَلْنَا الْمَانِعَ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْبَائِعِ بِالتَّبْعِيضِ فَإِذَا رَضِيَ بِالرَّدِّ فَقَدْ رَضِيَ بِحُصُولِ الضَّرَرِ لَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ وَالْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ إذَا مَنَعْنَا أَحَدَهُمَا عَنْ الِانْفِرَادِ أَنَّهُ حَصَلَ الْيَأْسُ عِنْدَ رَدِّ الْآخَرِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَكَذَلِكَ عَلَى الاصح فاما جزمه بالارش عند

اليائس الْحَقِيقِيِّ فَجَيِّدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يُوهِمُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ وَتَأْوِيلَهُ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْيَأْسَ عَنْ رَدِّ الْآخَرِ بِأَنْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ الْأَرْشُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلِذَلِكَ يَحْصُلُ برضى الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَدَّمْته عَنْهُ أَنَّ الْيَأْسَ بِإِعْتَاقِ الْآخَرِ وَهُوَ مُعْسِرٌ (وَأَمَّا) الرِّضَا فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ خِلَافًا عَنْ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد رَدَّهُ وَالرُّجُوعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهِ (إنْ قُلْنَا) لَا وَجَبَ الْأَرْشُ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ فَقَطْعُهُ هُنَا بِأَنَّ الرِّضَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَأْسُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَاكَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْأَرْشِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّضَا فَهُوَ فِيهِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَأْخَذِ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَهَلْ هُوَ الْيَأْسُ أولا وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عنه وسأذكره عندما إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ * * (فَرْعٌ) * إذَا أَوْجَبْنَا الْأَرْشَ لِلْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّدِّ فَهَلْ هُوَ أَرْشُ النِّصْفِ أَوْ نِصْفُ الْأَرْشِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الِاثْنَيْنِ (الثَّانِي) وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَأَحَدُ الْوَارِثَيْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَسْتَحِقُّهُ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ الْأَرْشَ كَامِلًا فَيَسْتَحِقُّ أَحَدُ وَارِثِيهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ نِصْفَهُ (وَأَمَّا) أَحَدُ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي الشِّرَاءِ فَمِنْ حَيْثُ كَوْنُ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِالْوَكِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ لنسبة مسألة لاثنين وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لَا يَتَلَقَّيَانِ اسْتِحْقَاقَ الْأَرْشِ مِنْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَنْقَسِمَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْشُ نُقْصَانِ مِلْكِهِ وَقَدْ يَكُونُ أَرْشُ النِّصْفِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ لِأَنَّا نُثْبِتُهُ مِنْ قِيمَةِ النِّصْفِ وَقِيمَةُ النصف أقل من نصف القيمة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد زاد المبيع نظرت فان كانت لزيادة لا تتميز كالسمن واختار الرد رد مع الزيادة لانها لا تنفرد عن الاصل في الملك فلا يجوز أن ترد دونها * * (الشَّرْحُ) * الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ كَالسِّمَنِ وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجر وكثرة أغصانها نابعة يرد الاصل ولا شئ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِهَا وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ زَائِدَةً وَأَوْرَاقُ

شَجَرَةِ الْفِرْصَادِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّهَا كَالْأَغْصَانِ أَوْ كَالثِّمَارِ وَأَوْرَاقُ سَائِرِ الْأَشْجَارِ كَالْأَغْصَانِ قَالَهُمَا الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَى غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَنْ النَّسِيجِ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَائِعَ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَنْسُوجًا وَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ النِّسَاجَةَ زِيَادَةُ عَمَلٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إمْسَاكِ الْمُشْتَرِي وَطَلَبِ الْأَرْشِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ قَوْلًا ثَانِيًا بَلْ يَتَحَرَّرُ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ نَقُولَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَبَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ كَانَ لِلْبَائِعِ دَفْعُ أُجْرَةِ النَّسْجِ وَالرَّدِّ فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ شيئا بصنعه بِأَنْ كَانَتْ دَارًا فَعَمَرَهَا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ إنْ أَمْكَنَهُ نَزْعُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ نَزَعَهَا وَرَدَّ الْأَصْلَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَسَيَأْتِي فَرْعٌ طَوِيلٌ فِي الصَّبْغِ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عند الكلام فيما إذا نقص المبيع * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَتْ زيادة منفصلة كاكساب العبد فله أن يرد ويمسك الكسب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ رجلا ابتاع غلاما فاقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخراج بالضمان ") * * * (الشَّرْحُ) * حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُخْتَصَرًا فَالْمُطَوَّلُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزنجي شيخ الشافعي عن هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ الشافعي في الام ورواه الائمة المذكورة وَقَدْ وَثَّقَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ يَسْأَلُهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فَقَالَ ثِقَةٌ وَكَذَلِكَ قَالَهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ عنه

إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَقِبَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِذَاكَ (وَأَمَّا) الْمُخْتَصَرُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِصَّةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " رَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عن هشام رواه عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَ مُسْلِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ هَكَذَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ رواه الترمذي عن أبي سملة يحيى بن خلف الحويارى وَهُوَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَقَدْ رُوِيَ مُخْتَصَرًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ هِيَ أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أحسن وأصح عن مخلد بن حبان عَنْ عُرْوَةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ رواه المختصر عن من لَا يُتَّهَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَفِي الام عن سعيد بن سالم عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ جِهَةِ جماعة عن ابن أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ مَخْلَدٍ وَعَنْ مَخْلَدٍ قَالَ ابْتَعْتُ غُلَامًا فَاسْتَغْلَيْتُهُ ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَخَاصَمَتْهُ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقضي له برده وقضى على بِرَدِّهِ وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ فَأَتَيْتُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَرُوحُ إلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَعَجِلْتُ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ مَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتُهُ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْحَقَّ فَبَلَغَنِي فِيهِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةُ فَقَضَى لَهُ أَنْ أَخْذَ الْخَرَاجِ مِنْ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي مَخْلَدٍ وَإِسْنَادِهِ هَذَا فَقَالَ الْأَزْدِيُّ مَخْلَدُ بْنُ خُفَافٍ ضَعِيفٌ وَسَيِّدُ أَبُو حَاتِمٍ عنه فقال لم يرد عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَلَيْسَ هَذَا إسنادا يقوم بِهِ الْحُجَّةُ يَعْنِي الْحَدِيثَ وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا أَعْرِفُ لِمَخْلَدِ بْنِ خُفَافٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هشان ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فقال انما رواه مسلم ابن خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ رَاهِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بعد روية المقدمي استغرب محمد ابن إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قُلْتُ يَرَاهُ تَدْلِيسًا قَالَ لَا وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَضَيْتَ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحَدِيثِ كرواية المقدمى لاسيما وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَةً وَقَضَاءُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا كَانَ فِي زَمَنِ إمْرَتِهِ عَلَى

الْمَدِينَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ يَكُونُ فِيهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْخَرَاجُ الْغَلَّةُ يُقَالُ خَارَجْت غلامي إذا واقفته على شئ وَغَلَّةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَيَكُونُ مخل بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمِنْهُ خَرَاجُ السَّوَادِ لِأَنَّ الْفَلَّاحِينَ كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ عَنْ الْأَرْضِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا خَرَجَ من الشئ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْخَرَاجُ اسْمٌ لِلْغَلَّةِ وَالْفَائِدَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْمَبِيعِ وَيُقَالُ لِلْعَبْدِ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ مِقْدَارٌ مِنْ الْكَسْبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ مُخَارَجٌ قَالَ وَقَوْلُنَا الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَرَاجَ لِمَنْ يَكُونُ الْمَالُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَمَّا كَانَ الْمَبِيعُ يَتْلَفُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الضَّمَانَ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ كَانَ الْخَرَاجُ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَضْمُونًا عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ تَلَفُهُ مِنْ مَالِهِ كَانَ خَرَاجُهُ لَهُ وَوِزَانُهُ أَنْ يَكُونَ خَرَاجُ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ وَتَلَفَهُ مِنْهَا مِنْ مَالِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اعْتَذَرَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ الموضع كان الشئ مِلْكًا لَهُ وَقَدْ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ مِلْكًا وَالضَّمَانُ مِنْهُ تَكُونُ الْغَلَّةُ له والمغصوب والمستعار والوديعة إذَا تَعَدَّى فِيهَا كُلَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا مِلْكَ فَلَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ لَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ أَنَّ الْخَرَاجَ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ وَالضَّمَانُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ لَا يَكُونُ الْخَرَاجُ لَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْأَزْهَرِيِّ عَلَى أَلْفَاظِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَاسْتَغَلَّهُ أَوْ اشْتَرَاهُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ فَاسْتَغَلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ عَثَرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا مِنْ الْعَبْدِ وَهِيَ الْخَرَاجُ طَيِّبَةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ فَهَذَا مَعْنَى الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ غَلَطٌ لَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِنَا * (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا حَكَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْخَرَاجِ شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ بِالنَّصِّ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرِّسَالَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَاسَ مَا خَرَجَ مِنْ تَمْرِ حَائِطٍ وَوَلَدٍ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَنَّ الشَّاةَ المصراة إذا

رَضِيَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ آخَرَ بِهَا بَعْدَ شَهْرٍ رَدَّهَا وَرَدَّ بَدَلَ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ مَعَهَا صَاعًا وَأَمْسَكَ اللَّبَنَ الْحَادِثَ قِيَاسًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ سريج وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وأبو إسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ مَالِكٌ فِي أَصْوَافِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّعُورِ كَذَلِكَ وَقَالَ فِي أَوْلَادِ الْمَاشِيَةِ يَرُدُّهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُمْ نَاقَضُوا فَقَالَ فِي الْمُشْتَرَى إذَا كَانَتْ مَاشِيَةً فَحَلَبَهَا أَوْ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعَ بِالْأَرْشِ وَقَالَ فِي الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالْغُلَامِ الْغَلَّةُ لَهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ قُلْتُ قَسَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ إمَّا مَنَافِعُ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ وَمَا اعْتَادَ اصطياده واحتطابه واحتشاشه وقبوله الهدية والوصية ووجد أنه رِكَازًا أَوْ لُقَطَةً وَمَهْرِ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَأُجْرَةِ الْمَبِيعِ إذَا أَجَّرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَكُلُّ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ نَادِرًا كَانَ أَوْ مُعْتَادًا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِهِ وَيُمْسِكَهُ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ وَحْدَهُ وَيَسْتَرْجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْ الرَّافِعِيِّ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض أن الوهوب وَالْمُوصَى بِهِ وَالرِّكَازَ وَالْكَسْبَ

عَلَى الْخِلَافِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مَا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ عند التلف وقد حكى عن عثمان الليثى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ غَلَّةِ الْعَبْدِ حَقَّهُ * وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيَرُدُّ الْهِبَةَ الَّتِي وُهِبَهَا أَيْضًا وَكَانَ شُبْهَتُهُمَا أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَسَيَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ رَدَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَجَمِيعَ مَا لَيْسَ مِنْ غَيْرِ الاصل مع الاصل وإن رد بعد الْقَبْضِ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ أُجْرَةِ اسْتِخْدَامِهِ لِلْعَبْدِ وَتِجَارَتِهِ لَهُ وَسُكْنَى الدَّارِ وَمَرْكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هِيَ مَنَافِعُ مَحْضَةٌ لَا أَعْيَانَ فِيهَا * وَلَوْ قَالَ إنَّ الْفَسْخَ برفع العقد من أصله ووجه الاعتذار عن ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (فائدة لآخر) * الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامَيْنِ - بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ - وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ - بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمٍ بَعْدَهَا وَتَخْفِيفِ اللام - وكل ما ذكره في العبد فمثله في الامة إلا الوطئ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَى هذا القسم أشار المصنف رحمه الله بقول اكْتِسَابُ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ كُلُّ ذَلِكَ أَدْخَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي اسْمِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ لَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الزَّوَائِدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وأما المتولد من الغير فسيأتي حكمه في كلام المصنف * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَ المبيع بهيمة فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت عنده رد الاصل وأمسك الولد والثمرة لانه نماء منفصل حدث في ملكه فجاز أن يمسكه ويرد الاصل كغلة العبد) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْفَوَائِدُ الْحَاصِلَةُ أَعْيَانًا مُتَوَلَّدَةً مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَوْرَاقِ الْفِرْصَادِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ (مَذْهَبُنَا) أَنَّهُ يُمْسِكُ الثِّمَارَ وَالْفَوَائِدَ الْحَاصِلَةَ وَيَرُدُّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَقَصَ بِذَلِكَ يَعْنِي فَلَا يُغَيِّرُهُ وَبِهِ قَالَ أحمد (وقال) أبو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ (وَقَالَ) مَالِكٌ يَرُدُّ مَعَ الْأَصْلِ الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْوَلَدُ وَلَا يَرُدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالثَّمَرَةِ بَلْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَحْدَهُ فَوَافَقْنَا عَلَى الرَّدِّ وخالفنا في

إمساك النتائج * وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَالَفَنَا فِي الرَّدِّ وَمُعْتَمَدُنَا فِي جَوَازِ الرَّدِّ وُجُودُ الْعَيْبِ * وَفِي إمْسَاكِ الْفَوَائِدِ الْحَدِيثُ فَإِنَّ الْخَرَاجَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا خَرَجَ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ تَشْمَلُ الثَّمَرَةَ وَغَيْرَهَا * وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الدَّلِيلَ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ عَلَى غَلَّةِ الْعَبْدِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا * وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِيهَا مُطْلَقًا وَمُعْتَمَدُ الْمُخَالِفِينَ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فُرُوعُ هَذَا الْفَصْلِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا وَالْمَذْهَبُ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ العقد لا ينعلف حُكْمُهُ عَلَى مَا مَضَى فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ انْفَسَخَ مِنْ الْأَصْلِ لَسَقَطَتْ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْجَارِيَةِ فَأَعْتَقَ الْجَارِيَةَ ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ بِهِ وَلَوْ كَانَ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لَبَطَلَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ * وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ إنْ اتَّفَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ضَعِيفٌ بَعْدُ فَإِذَا فُسِخَ فَكَأَنَّهُ لَا عَقْدَ يُخَالِفُ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مُلْحَقٌ بِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ فِي الضَّمَانِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ حَدَثَ بَعْدَ الْمُنْتَبَشِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ هَكَذَا وَهُوَ فِي التَّتِمَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَمُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِالْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ (وَأَمَّا) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَفِي التَّتِمَّةِ تَوْجِيهُ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَارَنَ الْعَقْدَ وَهُوَ الْعَيْبُ فَيَسْتَنِدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا مِنْ كَلَامٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَفِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا فَسَخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْفَسْخُ تَفْرِيعًا عَلَيْهَا إلَى وَقْتِ حُدُوثِ الْعَيْبِ لَا إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ (قُلْتُ) وَهَذَا جَوَابُهُ مَا قَدَّمَهُ هُوَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ وَالطَّارِئِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْقَبْضِ

فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلَوْ ثَبَتَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ لَزِمَ إثْبَاتُ وَجْهٍ بِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى حَالَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ ولا نعلم من قال به في شئ مِنْ الْحَالَتَيْنِ * وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ من أصله وأما بعد القبض فان كَانَ بِالتَّرَاضِي فَيَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ وَإِنْ كَانَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَسْتَنِدُ إلَى الْأَصْلِ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ * وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَجَعَلُوا الرَّدَّ فِي كَوْنِهِ رَافِعًا مِنْ حِينِهِ مَقِيسًا عَلَى الْإِقَالَةِ ثُمَّ قَالُوا لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَأَبْطَلَ حَقَّ الشَّفِيعِ وَهُوَ لَا يُبْطِلُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ * إذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ فَلِذَلِكَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَالْإِقَالَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَمَّا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لَهُ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ النَّمَاءَ الْحَادِثَ لَكِنَّا أَجْمَعْنَا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ وَأَيْضًا قَالُوا لَا يَجُوزُ رَدُّهُ بِدُونِ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ كَالْمُتَّصِلِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْرِي قَوْلَهُ فِي رَدِّ الْوَلَدِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الزَّوَائِدِ وَالثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالرَّدِّ إذَا كَانَتْ مؤجرة حِينَ الرَّدِّ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ وَالْوَلَدُ مُنْفَصِلٌ فَلَمَّا وَافَقَ عَلَى عَدَمِ رَدِّهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي النِّتَاجِ * وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَسْبِ الْحَاصِلِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ وَالنِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ يَجُوزُ الرَّدُّ وَبَقِيَّةُ الْأَكْسَابِ لَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ هُنَا يُمْنَعُ الرَّدُّ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ بَلْ كان اللائق بأصله أن يستوى بَيْنَ الْجَمِيعِ وَأَنْ يَجُوزَ الرَّدُّ وَيَرُدَّ الزَّوَائِدَ كُلَّهَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَبِيعَةٌ تَبَعًا لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْمِلْكِ فِيهَا إلَّا سِرَايَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهَا عَلَى صِفَتِهِ وَمَعَ هَذَا الْأَصْلِ لَا يُحْتَاجُ فِي رَدِّ الْفَوَائِدِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ وَهَذَا قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَبِهِ تَتَمَسَّكُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ سِرَايَةَ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ مَبِيعٌ فَيَسْرِي حُكْمُهُ إلَيْهِ (1) حَاصِلَةٌ وَلَكِنَّ سِرَايَةَ الْعَقْدِ لَا مَعْنَى لَهَا فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَرْجِعُ إلَى وَصْفِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الا كونه مقابلا بالثمن بحكم صيغة العقد وهذه

_ (1) بياض بالاصل فحرر

الْمُقَابَلَةُ لَمْ تُحَصِّلْ الزِّيَادَةَ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْأَوْلَادِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ أَمَّا ولد المرهونة فليس مرهون عِنْدَنَا فَإِنَّ التَّوَثُّقَ بِالْمَرْهُونِ لَا يَرْجِعُ إلَى صِفَةٍ فِيهِ وَوَلَدُ الْمَرْهُونَةِ لَيْسَ مَرْهُونًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حَقَّ الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ سُلْطَةٌ لِلْمُنْعِمِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ وَلَمْ يُنْعِمْ إلَّا بِالْأُمِّ وَالْوَلَدُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْهِبَةِ لَا عَقْدُ الْهِبَةِ وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَعِيبَةِ وَوَلَدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَأُمِّهِمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ نَقَصَ بِالِاسْتِيلَادِ وَصَارَ ذَلِكَ وَصْفًا لَهَا وَالشَّاةُ صَارَتْ كَالْمُسْلَمَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَجْهٍ وَكَالنَّاقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا رَاجِعٌ لِصِفَتِهَا وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فِيهِمَا اختلاف قول ومنشأه التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ نُقْصَانَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ هَلْ يُضَاهِي النُّقْصَانَ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ أَمْ يُقَالُ الْكِتَابَةُ حَجْرٌ لَازِمٌ كَالْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ * فَتَبَيَّنَ بهذا أنه انما يسرى لى الْوَلَدِ مَا كَانَ وَصْفًا لِلْأُمِّ وَالْخَصْمُ يَرُدُّ ذلك في الراهن والبيع إلى صفة في المحل ويزعم أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ كَالتَّضْحِيَةِ وَالِاسْتِيلَادِ * فَهَذَا فصل مقيد فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَالنَّظَرُ فِي الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَقِيقٌ وَالطَّرِيقُ فِيهِ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا تَمَهَّدَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَبِيعَةً بَطَلَ الْقَوْلُ بِرَدِّ النِّتَاجِ وَالْأَكْسَابِ وَبَطَلَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا وَبَطَلَ مَنْعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَبِيعَةً فَالْبَيْعُ هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَلْيَجُزْ لَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَمَا إذَا هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ * ثُمَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَزِيدُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَبِيعًا فَلْيَرُدَّ الاصل معها كما قاله مالك وكما قاله أَبُو حَنِيفَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبِيعًا فَامْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِهِ لَا مَعْنَى لَهُ * وَعِنْدَ هَذَا قَدْ تَمَّ النَّظَرُ فِي مَذْهَبِنَا * هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَأْخَذِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَادِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَهِيَ وَلَدُ الْمَرْهُونَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ والمدبرة والمعنقة بصفة والاضحية والمدبرة والجانية والضامنة والشاهدة والوديعة وَالْعَارِيَّةُ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَالْمَغْصُوبَةُ وَالْمَأْخُوذَةُ بِالسَّوْمِ وَالْمُوصَى بِهَا وَالزَّكَاةُ وَإِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُصُولِ إلَى الرَّهْنِ أَذْكُرُ تَفْصِيلَهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ أُكْمِلُ * وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الرَّدَّ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ يدل علي أحد أمرين إما ضعف الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَإِمَّا أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَحْثِ مع أبى حنيفة وكلام الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يُشْعِرُ بِالْمُلَازَمَةِ

بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ طَرْدِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ يُضْعِفُهُ (الثَّانِي) أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَنْ يَرُدَّ الزَّوَائِدَ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ حَكَوْا قَوْلَيْنِ فِي رَدِّ الزَّوَائِدِ إنْ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَنَوْهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَرُدُّ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَرُدُّ (أَمَّا) إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَقُولُ بِرَدِّ الزَّوَائِدِ وَمُقْتَضَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنْ يُجْرَى الْخِلَافُ فِيهَا أَيْضًا وَابْنُ الرِّفْعَةِ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَعَلَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ يُرِيدُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ حَيْثُ تَكَلَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِيهِ وَفِي الصَّدَاقِ وَهُوَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ إلَى حِينِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّدِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ بَلْ جَزَمُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ بِأَنَّ الزَّوَائِدَ لِلْبَائِعِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي أَحْوَجَهُمْ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ اسْتِقْرَارُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِقْرَارُ مَعْقُودٌ قَبْلَهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَازِمٌ بِعَدَمِ رَدِّ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ لكن طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَطْعِ بِعَدَمِ رَدِّ الزَّوَائِدِ وَأَنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَرِيقَةِ غَيْرِهِمْ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَيْضًا كَمَا جَزَمُوا بِهِ (الرَّابِعُ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّدَّ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ مَعَهُ الزَّوَائِدَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوَائِدِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَاَلَّتِي حَصَلَتْ قَبْلَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّوَائِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْوَجِيزِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ يُسَلِّمُ الزَّوَائِدَ لِلْمُشْتَرِي إنْ حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ قَبْلَهُ عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ طُغْيَانُ قَلَمٍ بِزِيَادَةِ التَّاءِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ حَصَلَ أَيْ الرَّدُّ وَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ (الْخَامِسُ) فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَقِيلَ مِنْ أَصْلِهِ وَفِي عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ أَنَّ الرَّدَّ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَلَا يستند ارتفاع العقد لى ما تقدم وفى عبارة الماوردى شئ مِنْهُ وَيُعْرَضُ فِي ذَلِكَ بَحْثَانِ (أَحَدُهُمَا) هَلْ الرفع من حينه والقطع بمعنى واحدا أولا (وَالثَّانِي) أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ أَصْلِهِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْعَقْدِ أَوْ الْمِلْكِ أَمْ لَا (وَالْجَوَابُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالرَّفْعُ

وَالْقَطْعُ لَيْسَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ صَادِقٌ عَلَى قَطْعِ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَقَطْعِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وكثير من أسباب الانتقالات ولا يسمى شئ مِنْ ذَلِكَ رَفْعًا وَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ يُسَمَّى قَطْعًا لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِهِ الْمِلْكُ حَقِيقَةً فَالرَّفْعُ مِنْ حِينِهِ أَخَصُّ مِنْ الْقَطْعِ فَكُلُّ رَفْعٍ مِنْ حِينِهِ قَطْعٌ وَلَيْسَ كُلُّ قَطْعٍ رَفْعًا ولذلك وقع في كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَسْمِيَتُهُ بِالْقَطْعِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْقَطْعِ الَّذِي لَيْسَ بِرَفْعٍ أَنَّ الرَّفْعَ مَعْنَاهُ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتِصْحَابُ مَا كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْعَائِدَ بَعْدَ الْفَسْخِ مِنْ آثَارِ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَيْسَ مِلْكًا جَدِيدًا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَسَائِرُ أَسْبَابِ الِانْتِقَالَاتِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ مِلْكًا جَدِيدًا هُوَ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَلَيْسَ أَثَرُ السَّبَبِ سَابِقًا وَلَا بطل الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى هَذَا انْتِقَالٌ بَلْ هَذَا الِانْتِقَالُ بِالْبَيْعِ هُوَ مِنْ آثَارِ الشِّرَاءِ السَّابِقِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَصْدُرُ مِنْهُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ شِرَائِهِ (وَأَمَّا) الْفَسْخُ فانه نقض لِشِرَائِهِ وَإِبْطَالٌ لَهُ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ الْأَصْلِ هَلْ مَعْنَاهُ تَبَيُّنُ عَدَمِ الْمِلْكِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا بِمَعْنَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ فان العقد موجود حسا بل بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ ارْتِفَاعُ أَثَرِهِ وَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ وَهَذَا بِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي نِهَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّافِعَ لِلْعَقْدِ هُوَ الْفَسْخُ فَكَيْفَ يَتَقَدَّمُ الْمُسَبَّبُ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا يَخْلُصُ من ذلك أن نقول إنه بطريق التبين لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ قَدْ وجد مستجعا لِشَرَائِطِهِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمَ طَرَيَانِ الْفَسْخِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا يَرْتَبِطُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَا يَشُكُّ أَنَّ الْمِلْكَ حَاصِلٌ الْآنَ إذَا جُمِعَتْ شُرُوطُهُ وَلَا يُوقَفُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الْمِلْكِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ رَدُّ أُجْرَةِ لاستخدام وَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ بَلْ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِلْكِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَامَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ سَوَاءٌ فَوَّتَهَا أَمْ فَاتَتْ بِنَفْسِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَقَدْ أَبَاحَهُ لَهُ الْبَائِعُ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهُ وَأَذِنَ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ هَذَا وَالْعَقْدُ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِبَاحَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَ ارْتَفَعَتْ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْهِبَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لَهُ إذَا اشْتَرَطَا إذْنَ السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ وَأَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ إذَا وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْوَاطِئِ وَأَمَّا قَبْضُهُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ صَيْدٍ وَحَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَاسْتَهْلَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ

الرَّدِّ وَأَنَّ امْتِنَاعَ بَقَاءِ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَبِيعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ الْقَوْلِ بَقَاءُ الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَا سَبَبَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ بِطَرِيقِ السله بَلْ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَوْ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ إلَى حِينِهِ أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِحُكْمِ ارْتِفَاعِ جُمْلَةِ آثَارِ الْعَقْدِ وَمِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِلْكُ النِّتَاجِ وَالْكَسْبِ الْمَوْجُودِ فَيَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ جُمْلَةِ آثَارِهِ مِنْ الْآنَ وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ آثَارُهُ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ فَقَطْ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَسْبِقُ الذِّهْنُ إلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الزَّوَائِدَ الْهَالِكَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَأَنَّ قَبُولَهُ الْهِبَةَ وَتَصَرُّفَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ وَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لِمَهْرِ الشُّبْهَةِ صَحِيحٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ وُجُوبِ أُجْرَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ وَلَمْ أَجِدْ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بشئ بَلْ كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي كَالصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَكْسَابِ وَالْأَعْيَانِ الْحَادِثَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ * وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ الِاكْتِسَابُ وَالصَّيْدُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ بِالْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَنَحْوِهَا لَا تَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَلَكِنْ إنْ وَافَقُونَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ قِيمَةِ الْوَلَدِ الْهَالِكِ وَالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ احْتَاجُوا إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ كَمَا احْتَجْنَا إلَيْهِ * وَنَحْنُ إلَيْهِ أَحْوَجُ لِأَجْلِ عَدَمِ لُزُومِ أُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الرَّدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا إذَا كَانَتْ حَادِثَةً مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ رَدُّ مَهْرِ الشُّبْهَةِ الَّذِي قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَعَهَا (السَّادِسُ) أن مقتضى قوله الخراج بالضمان تبيعة الْخَرَاجِ لِلضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ الْعَقْدُ أَوْ الْفَسْخُ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالثَّانِي لَمْ يُقَلْ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهِيَ مَا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ القبض فما وجه تعطيب دَلَالَةِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْعَمَلُ بِهَا فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي (وَالْجَوَابُ) أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا حَصَلَ فَسْخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ من ألفاظ الاحاديث لاسيما قَوْلُهُ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَيَكُونُ الْخَرَاجُ مُعَلَّلًا بِالضَّمَانِ فِي الْمِلْكِ وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبَائِعِ وَفِيمَا قَبْلَ الْقَبْضِ * فَإِنْ قُلْتَ الْمَحَلُّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِعُ الضَّمَانُ فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ الْحُكْمُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَيَكُونُ الْخَرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَوُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِهَا فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي * قُلْتُ قَالَ الْغَزَالِيُّ

رَحِمَهُ اللَّهُ ذِكْرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَطْعِ اسْتِبْعَادِ السَّائِلِ كَوْنَ الْخَرَاجِ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَ الْقَبْضِ مُعَلَّلٌ بِعِلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الزَّوَائِدَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَالْحُكْمُ قَدْ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ يَعْنِي فَاقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَقْطَعَ لِطَلَبِهِ فَإِنَّ الْغُنْمَ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْمِلْكُ حَاصِلَةً وَلَكِنَّ نَفْسَ الْبَائِعِ تَنْقَادُ لِلْأُولَى أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هل هو خاص بالرد بالعيب أو علم فِي سَائِرِ الْفُسُوخِ حَتَّى يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ والفسخ بالتحالف وَالْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطُ وَالِانْفِسَاخُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قبل القبض * والجواب أن المشهور في هذه الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ هُنَا اخْتِصَاصُهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَنَّهُ لَا يُجْرَى فِي الْإِقَالَةِ وَلِذَلِكَ يَقِيسُونَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي كَوْنِهَا رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا بِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْفَسْخُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَجْهَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالزَّوَائِدُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَطَرَدَهُمَا طَارِدُونَ فِي الْإِقَالَةِ إذَا جَعَلْنَاهَا فَسْخًا وَخَرَّجُوا عَلَيْهِمَا الزَّوَائِدَ * قُلْتُ وَذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ فَلَعَلَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْخِلَافَ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا وَعَلَى تَلَفِ الْمَبِيعِ في يد المشترى في زمن الخيار (إن قُلْنَا) يَنْفَسِخُ ارْتَفَعَ هَهُنَا وَإِلَّا فَالْوَلَدُ هُنَا للمشترى وأما التحالف فمقتضى كلام صاحب التتمة في باب التحالف جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ أَيْضًا فَإِنْ خَرَجَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ إذَا جَرَى التَّخَالُفُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي طَرْدِ الْخِلَافِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّ فَرْضَ التَّخَالُفِ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ لا نرد الزَّوَائِدُ جَزْمًا كَمَا لَا تُرَدُّ هَهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهُ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِالِانْفِسَاخِ مِنْ أَصْلِهِ بِالتَّخَالُفِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّخَالُفِ كَمَا هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْشَاءِ الْفَسْخِ وَالْقِيَاسُ جَرَيَانُهُ وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ إذَا فُسِخَ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَكْسَابَ تَبْقَى لَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ بِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِهِ يُجْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ

وَأَوْلَاهَا بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ زَمَانُ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَلْزَمْ وَأَبْعَدُهَا الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ أَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَيْسَتْ جَبْرًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ * وَبَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ انْفِسَاخُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِالتَّفْرِيقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ هَلْ نَقُولُ انْفَسَخَ مِنْ أَصْلِهِ قطعا لِأَنَّ التَّقَابُضَ شَرْطٌ أَوْ نَقُولُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِيهِ نَعَمْ عُقِدَ السَّلَمُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ جَارِيَةً مَثَلًا وَكَانَتْ مَعِيبَةً وَحَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ فُسِخَ مِنْ حِينِهِ حَتَّى يُسَلَّمَ الْوَلَدُ للمسلم إلَيْهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْبَائِعِ قَطْعًا وَالْأَشْبَهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنْ يَكُونَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَنْبَطَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ عَقْدِ الصَّرْفِ إذَا تَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الرِّبَا (الثَّامِنُ) أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْمَشْهُورَةَ هُنَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ رَفْعًا مِنْ حِينِهِ قَطْعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْجَازِمِينَ فِيمَا إذَا رَدَّ المسلم فيه بعيب وَكَانَ عَبْدًا اسْتَكْسَبَهُ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ رَدُّ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ الْكَسْبَ مَعَهُ فَمُقْتَضَاهُ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخِلَافُ فِي السَّلَمِ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فِي بَابِ الرِّبَا * (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي السَّلَمِ مَأْخَذُهُ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ على أحد القولين في المسلم فيه مشروط بالرضا أو بعدم الرَّدِّ فَإِذَا رُدَّ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ أَصْلًا فَهَذَا هُوَ الْقَائِلُ بِرَدِّ الْأَكْسَابِ وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لَهُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ ثُمَّ انْتَقَضَ بِالرَّدِّ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَرُدُّ الْأَكْسَابَ وَهُوَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ مِنْ حِينِهِ عَلَى الطريقة المشهورة ويجئ فِيهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ رَدِّ الْكَسْبِ فَافْهَمْ تَرْتِيبَ هَذَا التَّفْرِيعِ فَإِنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ ذَكَرَا وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رُدَّ الْمُسْلَمُ بِعَيْبٍ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَمُرَادُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ الْخِلَافُ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَالتَّحْقِيقُ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ قَطَعَ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِأَنَّهُ مِنْ حِينِهِ وَاقْتَضَى إشْكَالًا عَلَى جَمِيعِ الْأَصْحَابِ فِي قَطْعِهِمْ هُنَا بِأَنَّ الْأَكْسَابَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَرْجِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعُ) الزِّيَادَاتُ الَّتِي وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا مَشْرُوطَةٌ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ بِسَبَبِهَا نَقْصٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ فَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً كَالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ

فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَقِيَّةِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ انْفَصَلَتْ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ الْمَجْزُوزِ وَاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ أَوْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ كَالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ أَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِحَمْلٍ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ نَقُولُ إنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِعَيْبٍ أَوْ رَدَّ الشَّجَرَةَ وَقَدْ أَطْلَعَتْ طَلْعًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ أَوْ الشَّاةَ وَقَدْ اشْتَرَاهَا وَلَا صوف عليها وهي مستفرغة الصوف فحدث عليها صوف لم يجذ أَوْ حَدَثَ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَلَمْ يُحْلَبْ فَمَا حُكْمُهُ (أَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَمْلِ فَنَقَلَ الْإِمَامُ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَالْفَلَسِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا بِرَدِّهَا لِذَلِكَ وَلَا يُسْلَمُ لَهُ الْحَمْلُ إنْ كَانَتْ عَلِقَتْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَهُوَ كَالثَّمَنِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ فحبلت عنده ولدت فَجَعَلَ الْوِلَادَةَ شَرْطًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (إنْ قُلْنَا) يَأْخُذُ قِسْطًا بَقِيَ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ أنه للبائع لاتصاله عند لرد (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَأْخُذُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَمَا ذكره القاضى حسين والقاضي أبو حَامِدٍ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْفَلَسِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ رَجَّحُوهُ فِي رُجُوعِ غَرِيمِ الْفَلَسِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ هُنَاكَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُقَابِلُهُ قسط أولا لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَأْخَذِ لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ بِتَبَعِيَّةِ الْحَمْلِ إلَى الرُّجُوعِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةِ الْفَلَسِ وَمَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ رَجَّحَ فِي الْفَلَسِ تَبَعِيَّةَ الثَّمَرَةِ وَالْحَمْلِ وَجَعَلَهُمَا سَوَاءً وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِقْلَالِ لِأَجْلِ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ فِي الْبَيْعِ مُتَتَبَّعَانِ فِي الْفَسْخِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَوْ صَحَّ النَّظَرُ إلَى الْمُقَابَلَةِ بِالْقِسْطِ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الرُّجُوعُ فِي الْفَلَسِ إلَى الثَّمَرَةِ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْقِسْطِ قَطْعًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَدَعْوَى الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي أَخْذِهَا قِسْطًا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْحَمْلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهَا تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمْلَ نَقَصَ لِأَنَّهُ فِي الْجَارِيَةِ يَقِلُّ النَّشَاطُ وَالْجَمَالُ وَفِي الْبَهِيمَةِ يَنْقُصُ اللَّحْمُ وَيُخِلُّ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ (فَإِذَا قُلْنَا) هَذَا أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ وَلَكِنْ حَصَلَ بِالْحَمْلِ نَقْصٌ رَجَعَ بِالْأَرْشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حامد وهل

لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَنْقُصُهَا الْوِلَادَةُ نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الرَّدَّ فَحَبَسَهَا حَتَّى تَضَعَ (فَإِنْ قُلْنَا) الْحَمْلُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا لِأَخْذِ مِلْكِهِ مِنْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْحَمْلَ لِلْبَائِعِ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ قَالَهُ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ * وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَضَعَ وَرَدُّهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ إنْ رَدَّهَا وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ الْحَمْلُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَرْقٌ الْجَرْيُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْحَمْلِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأُمَّ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ مَرْدُودًا مَعَهَا لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتْبَعُ وَمِمَّنْ بَنَى الْحَمْلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقَابَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ * وَحَكَى مَعَ ذَلِكَ وَجْهًا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ عِنْدَ الرَّدِّ هَذَا حُكْمُ الْحَمْلِ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرُدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يُمْسِكُ (وَالثَّانِي) يُمْسِكُهَا أَوْ يَرُدُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَوَازُ إفْرَادِهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ شَيْئًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُهُ لِلثَّمَرَةِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْبَحْثُ مَعَهُ فِيهِمَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ الْأَصْلِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْأَظْهَرُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ وَالرَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اخْتَارَ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَلِذَلِكَ قَالَ فَأَثْمَرَتْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَطْعٍ وَلَا تَأْبِيرٍ وَفِي الْفَلَسِ حَكَى الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ * وَأَمَّا اللَّبَنُ الْحَادِثُ فِي الضَّرْعِ أو الصوف الذى حدث بجزأيهما للمشترى وذكر القاضى هذه المسائل الاربعة فِي تَعْلِيقِهِ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّهُ يُرَدُّ الصُّوفُ تَبَعًا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَفِي كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْحَمْلَ يَنْدَرِجُ في المعاوضة قَوْلًا وَاحِدًا وَفِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَوْلَانِ (فَالْأَظْهَرُ) فِي الرَّهْنِ الِانْدِرَاجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ قِسْطًا وَفِي الْهِبَةِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالِانْدِرَاجِ وَالْإِمَامُ قَالَ إنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُهُ وَفِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَنَاهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْمُقَابَلَةِ كَمَا فَعَلَ بِهَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْدِرَاجِ فَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إلَّا فِي الْفَلَسِ لَمَّا وَجَدَ مَيْلَ الْأَكْثَرِينَ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

فِيهِ إلَى خِلَافِهَا وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ جَرَى فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْفَلَسِ عَلَى قَاعِدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ الْبِنَاءِ فِي انْدِرَاجِ الْحَمْلِ فِي الرَّهْنِ وَهَذِهِ أُمُورٌ مُضْطَرِبَةٌ فَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجْرَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ جَرَيَانَهُ فِي الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَهُوَ يُشْكِلُ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ (إمَّا) أَنْ نَقُولَ إنَّ عَهْدَ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَسْتَتْبِعُ الحمل لقوته وَفَسْخِهِ لِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَسْتَمِرُّ نَصُّهُ الْمَنْقُولُ فِي الْفَلَسِ عَلَى الِاسْتِتْبَاعِ فِي الرُّجُوعِ (وَالْجَدِيدُ) الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي الْهِبَةِ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ يَكُونُ الْأَصَحُّ الِاسْتِتْبَاعُ فِي الرَّهْنِ (وَإِمَّا) أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا لِكَوْنِهِ جزءا أولا (وَأَمَّا) الصُّوفُ وَاللَّبَنُ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمَا كَالْحَمْلِ فَيَنْدَرِجَانِ لانهما جزآن وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا الْآنَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إفْرَادِهِمَا بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي الرَّهْنِ على الصحيح لاقتضاه الْعُرْفِ جَزَّ الْمَرْهُونِ وَحَلْبِهِ نَعَمْ إذَا جُزَّ الصُّوفُ أَوْ حُلِبَ اللَّبَنُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْبَائِعِ لِلرَّدِّ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ تَأْخِيرٌ وَلَا تَعَيُّبٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُصَادِفُ الرَّدَّ فَلَا تَتْبَعُ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَزَّ الصُّوفَ ثم ردها بطل خياره لاشتغاله بالجز بعدما عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةٍ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ إلَى التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا إنْ رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ وَهَذَا يَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ أَمَّا عَلَى رَأْيِهِ فِي أَنَّ الصُّوفَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى الْقَبُولِ إذَا رَدَّهَا مَعَ الصُّوفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي رَدِّ الْبَهِيمَةِ مَعَ النَّعْلِ إنْ كَانَ الْجَزُّ غَيْرَ مُعَيِّبٍ لَهَا فَإِذَا لَمْ يَجُزَّ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي النَّعْلِ وَإِنْ كَانَ مُعَيِّبًا لَهَا فَيَصِحُّ الْقَوْلُ بِالْإِجْبَارِ ولكن ينبغى أن يأتي فيه الحلاف فِي أَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ أَوْ أَعْرَاضٌ وَالْأَشْبَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ الثَّانِي فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ حَتَّى إذَا جَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي * وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَرُدُّ الصُّوفَ * وَأَمَّا الثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا الِانْدِرَاجُ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْكَلَامِ فِي التَّأْبِيرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا رَدَّ لَا يَبْقَى الصُّوفُ لَهُ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْحَمْلَ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْحَمْلَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَوْلَى بِالتَّبَعِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ عند الرافعى

دُخُولُهُ فِي الرَّهْنِ وَعَدَمُ دُخُولِ الصُّوفِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا يَجُوزُ جَزُّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ جَوَازِ الْحَلْبِ وَالرُّكُوبِ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ وَمِنْ الرَّافِعِيِّ مَنْعُهُ وَتَبَيَّنَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ وَهَلْ تَتْبَعُ فِي الرَّدِّ أولا وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِئْجَارِ كَالْحَمْلِ وَمِنْ جِهَةِ قرب التناول كالصوف وكيف ما كَانَ فَالْأَصَحُّ التَّبَعِيَّةُ وَعَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ كَالْحَمْلِ * * (فَرْعٌ) * مِنْ تتمة الكلام في الحمل جزم الجوزى بِأَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ لِلْبَائِعِ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بالعيب سواء كان حُدُوثُ الْحَمْلِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَمْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثمن قال لانها إذا جعلت عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ يَرُدَّهَا فَإِذَا اخْتَارَ رَدَّهَا حَامِلًا فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءُ الْوَلَدِ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا إذَا بِيعَتْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ وَرَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَرْدُودًا * وَأَجَابَ أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَى الْوَلَدِ عقد أو وصية أو هبة * * (فروع) * لَوْ اشْتَرَاهَا وَعَلَيْهَا صُوفٌ وَفِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَطَالَ الصُّوفُ وَكَثُرَ اللَّبَنُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ وَقُلْنَا بِأَنَّ الصُّوفَ تَابِعٌ فِي الرَّدِّ فَلَا إشْكَالَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ أَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ الْحَادِثَيْنِ لِلْمُشْتَرِي فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَذَاكَ وإلا فصلت الخصومة بطريقها لَكِنَّ الَّذِي فِي فَتَاوِيهِ كَمَا سَيَحْكِيهِ خِلَافُ ذلك * ولو جز الصوف ثم أراد بِالْعَيْبِ وَكَانَ اشْتَرَاهَا وَلَا صُوفَ عَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَقَاءِ الصُّوفِ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الشِّرَاءِ فَجَزَّهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رَدَّ الصُّوفَ الْمَجْزُوزَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ جَزِّ الصُّوفِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ جَزَّهُ ثَانِيًا فَالْمَجْزُوزُ ثَانِيًا لَهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ حَتَّى رُدَّ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ الْعَقْدِ ثُمَّ حَدَثَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَرَّحَ بِهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَثِّ وَالْكُرَّاثِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَهُوَ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَيْتُهُ عَنْ تَعْلِيقِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي فِي الْفَتَاوَى مِنْ كَلَامِ جَامِعِهَا وَهُوَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ جز الصوف الذى كان عليها بَعْدَ أَنْ طَالَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَيَزْدَادُ هُنَا أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ فِي الصرف وَقَدْ يَحْصُلُ نِزَاعٌ فِي

مِقْدَارِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَذَلِكَ عَيْبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ * وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ اللَّبَنِ إذَا كَانَ مِنْهُ شئ موجود عند العقد فيلتفت على أَنَّهُ هَلْ يَرُدُّ الثَّمَنَ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّصْرِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَبِهَا أُصُولُ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ وَأَدْخَلْنَاهَا فِي الْبَيْعِ فَنَبَتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِهَا عَيْبًا يَرُدُّهَا وَيَبْقَى الثابت لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصُّوفِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءَ من الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَهَذَا الْفَرْقُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ * * (فَرْعٌ آخَرُ) * إذَا قُلْنَا الزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَا حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الزَّوَائِدِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ الْفَسْخِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّهَا تَرْجِعُ بِالْفَسْخِ إلَى الْبَائِعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَهُ حَبْسُهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ حَبْسِهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ قَبْلَ تَعَرُّضِ الْعَقْدِ لِلِانْفِسَاخِ وَالْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَاحَظَ ذَلِكَ فَعَلَّلَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ التَّعَلُّقَ بِهَا لَكِنَّهُ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ يَحْبِسُهَا لِلثَّمَنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ حَبْسُهَا لَا لِلثَّمَنِ قُلْتُ أَوْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَوَقَّعَ عَوْدَهَا إلَيْهِ صارت كالاصل فيجرى عليها حكمه في الحبس بالثمرة مادام الْأَصْلُ نِصْفَهُ يَسْتَحِقُّ حَبْسَهُ فَلَوْ زَالَ ذَلِكَ بِأَنْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوْ بِتَبَرُّعِ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوَائِدِ لِسُقُوطِ حَبْسِ أَصْلِهَا وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَوَقُّعُ عَوْدِهَا إلَيْهِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي جَوَازَ حَبْسِهَا وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ لَعَلَّ مُرَادُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُقَابَلًا بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ اشْتَرَى حَامِلًا فَمَخَضَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْوَلَدِ

لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شئ مِنْ الثَّمَنِ قَطْعًا وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الَّذِي كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ يَكُونُ مِثْلَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَهَلْ نَقُولُ فِي الْحَادِثِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ أَوْ التَّمْكِينُ مِنْهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي احْتِجَاجِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْمَبِيعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِحَقِّ الْمَالِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ * وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْكِينُ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَمَانَاتِ الشرعية حتى إذا هلك فعل التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ لَا يَضْمَنُهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ ** (فَرْعٌ آخَرُ) * عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْشُورَةِ اشْتَرَى غَنَمًا بِعَشَرَةِ أَقْسَاطٍ مِنْ لَبَنٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَمَدٍ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى حَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهَا عَشَرَةَ أَقْسَاطِ لَبَنٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْغَنَمُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ مَا حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ مِلْكِ النَّمَاءِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ * أَمَّا إذَا قُلْنَا تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَرْفَعُ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّ الزَّوَائِدَ تَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَمْلَ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية فحملت عنده وولدت ثم علم بالعيب ردها وأمسك الولد لما ذكرناه ومن أصحابنا من قال لا يرد الام بل يرجع بالارش لان التفريق بين الام والولد فيما دون سبع سنين لا يجوز وهذا لا يصح لان التفريق بينهما يجوز عند الضرورة ولهذا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ انها تباع دون الولد) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ حَبِلَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَوَلَدَتْ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَيْبِ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ إذا أطلع على الْعَيْبَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَهِيمَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ عَلَى ما تقدم بلا خلاف وقرض الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَلَوْ حَصَلَ نَقْصٌ مُنِعَ مِنْ الرَّدِّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ وَأَمَّا إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ سَبْعَ سِنِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَجَّحَهُ

الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ هُنَا وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيُمْسِكَ الْوَلَدَ إذَا لَمْ تَكُنْ نَقَصَتْ بالحمل أو بالوطئ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْقَدِيمِ الْمُخَالِفِ لِلْجَدِيدِ وَلَكِنَّ نَقْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تُوجَدْ مَنْصُوصَةً لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا فِي الْقَدِيمِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فَرَّعَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ ذَكَر فِيهَا وَجْهَيْنِ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رَدَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ وَسَنَذْكُرُ نَظِيرَهُ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ إذَا رُهِنَتْ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ إنْ صَحَّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ جَمِيعًا وَإِلَّا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ وَافَقَهُ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا فِي الرَّهْنِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ مِنْ تَعْلِيقَةِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ قَائِلِينَ بَيْنَ قَاطِعٍ وَمُرَجِّحٍ بِأَنَّهُمَا يُبَاعَانِ مَعًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ ضَرُورِيًّا مُسَوِّغًا لِلتَّفْرِيقِ فَيَنْبَغِي هَهُنَا كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا امْتِنَاعُ التَّفْرِيقِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ بَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَسَأَذْكُرُ لَهُ فَرْقًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يقال أنه لو جاز التفريق فينبغي أَنْ يَمْتَنِعَ الرَّدُّ هُنَا لِأَنَّ رُجُوعَ الْجَارِيَةِ بِدُونِ وَلَدِهَا عَيْبٌ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ جَدِيدٍ يُمْنَعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ عَيْبًا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيمَنْ يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَطَرِيقُ الْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفْرَضَ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرَّدُّ أَوْ يَرْضَى بِهَا مَعِيبَةً وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَمَتَى لَمْ نَفْرِضْ الْمَسْأَلَةَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ ثُمَّ هَهُنَا كَلَامَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فِيهِ تَابِعٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَهُ هَكَذَا

حَرْفًا بِحَرْفٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ نَصَّانِ فِي الْمُخْتَصَرِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُوجِبُ تَفْرِيقًا ثُمَّ مَا يَتَّفِقُ مِنْ بَيْعٍ وَتَفْرِيقٍ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَةِ إلْجَاءِ الرَّهْنِ إلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ جَوَّزُوا بَيْعَ الْمَرْهُونَةِ وَحْدَهَا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَفْرِقَةَ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا التَّفْرِقَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ يُبَاعَانِ مَعًا وَيُحَذِّرُ مِنْ التَّفْرِيقِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هَذَا النَّصَّ فَالْأَصْحَابُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا رَأَيْتَ وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى مَحْذُورٍ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ الْوَلَدِ كَمَا فِي لَفْظَةِ الْكِتَابِ وَالنَّصُّ الثَّانِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا قبل ذلك فيما إذا وَطِئَ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ أَحَبْلهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا لَمْ تُبَعْ مَا كَانَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَهَذَا النَّصُّ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ يُبْعِدُ إرَادَتَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُرٌّ لِأَنَّهُ ابْنُ الرَّاهِنِ الْمَالِكِ فَالتَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ جَمَاعَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَالصُّورَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ مَمْلُوكٌ وَهُنَا حُرٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَمْلُوكٌ وَهَذَا لا يخفى عن من هُوَ دُونَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَإِنْ أراد نصا آخر فلم أعلمه والله تعالى أَعْلَمُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا حَامِدٍ أَرَادَا هَذَا النَّصَّ الثَّانِيَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ إذَا حَبِلَتْ لَمْ تُبَعْ مَا دَامَتْ حَامِلًا فَإِذَا وَلَدَتْ بِيعَتْ دُونَ وَلَدِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ حُرًّا يُبَاعُ الرَّهْنُ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ * وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ كَالْمَرْهُونَةِ إذَا عَلِقَتْ بِوَلَدٍ حُرٍّ * وَالْجَارِيَةُ الْجَانِيَةُ إذَا كَانَ لها ولد حر بَيْعُهَا دُونَ الْوَلَدِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا التَّفْرِيقُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَلَدَتْ حُرًّا تُبَاعُ الْأُمُّ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ دُونَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي الْأُمِّ فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا رَدُّوا عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا النَّصِّ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الولد الحر يجوز بيع أمه سواء كانت مَرْهُونَةً أَمْ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ مَعَهَا أَصْلًا لِضَرُورَةٍ فِيهِ مُحَقَّقَةٍ وَلَيْسَ كَالْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَطَرِيقُ حَمْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الضَّرُورَةُ

وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ هُنَا رَقِيقًا وَهُنَاكَ حُرًّا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ هَهُنَا أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُوَ التَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا الْفُرْقَةُ حَاصِلَةٌ فَلَا تَفْرِيقَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا هُنَا فَإِنَّ الرَّدَّ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ فِي الْمِلْكِ وَقِيَاسُ التَّفْرِيقِ عَلَى مَا لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ لَا يَظْهَرُ (الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي تَخَيُّلِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ * قَدْ يُقَالُ انْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ مُسَوِّغَيْنِ لِلتَّفْرِيقِ (أَحَدُهُمَا) الضَّرُورَةُ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ وَإِلْزَامِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ وَبَقَاءَ الْمَعِيبِ فِي عَقْدٍ عَسِرٍ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الرَّدُّ وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَفَاءُ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ مَالَ غَيْرِهِ وَفَّيْنَا مِنْهُ وَلَمْ يَبِعْ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ وَالشَّارِعُ مَنَعَ مِنْ التَّفْرِيقِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنَّا نَبِيعُهُمَا تَوَصُّلًا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَحَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ وَمُصَحِّحٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ * (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بِالْفَسْخِ وَقَدْ اغْتَفَرُوا فِي الْفَسْخِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوا فِي إنْشَاءِ الْعُقُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْحَابَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِثَوْبٍ ثُمَّ وجد بالثوب عيبا لَهُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ (وَالثَّانِي) عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ تَقَابَلَا حَيْثُ لَا عَيْبَ وَقُلْنَا الْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَعَلَى الوجهين فهذه المسائل الثلاث اغْتَفَرُوا فِيهَا حُصُولَ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بالفسخ وان كانوا لم يغتفروه بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي الرَّدِّ إمَّا عَوْدُ الْعِوَضِ إلَيْهِ فَهُوَ قَهْرِيٌّ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَأَى أَنَّ الْأَصْوَبَ في توجيه أَنَّ الْفَسْخَ يَقْطَعُ الْعَقْدَ فَيَكُونُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ وَالْإِمَامُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَقْدِ وَارْتِدَادُ الْعَبْدِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَلَهُ فِي رَدِّ الثَّوْبِ غَرَضٌ سِوَى تَمَلُّكِ الْعَبْدِ أَيْ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ عَيْبِهِ وَهَذَا الْغَرَضُ وَهُوَ التَّخَلُّصُ مِنْ الْعَيْبِ حَاصِلٌ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ إلَّا التَّوَصُّلُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالرَّاهِنُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بذلك وملاحظة الضرورة لابد مِنْهَا (وَأَمَّا) الْفَسْخُ وَحْدَهُ فَلَيْسَ بِكَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَزَمُوا فِي الْفَلَسِ بِعَدَمِ التَّفْرِيقِ لما كان مال المفلس كله ميبعا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ الرافعى

رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيهِ وَأَنَّ جَزْمَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا يُوَافِقُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ مُلَاحَظَةُ الفسخ لابد مِنْهَا وَالضَّرُورَةُ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي أَلَا تَرَى أَنَّ فِي رُجُوعِ الزَّوْجِ فِي شَطْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ بَلْ نَقَلُوهُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الشَّطْرِ تَمَلُّكٌ جَدِيدٌ * هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْوِيَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ يحتاج إلى ملاحظة ما تقدم التنبيه على فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَوْ نَفْرِضُ أَنَّ ذَلِكَ لَا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (التَّفْرِيعُ) * إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرَّدِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَذَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ وكذلك قاله الجرجاني والرافعي علله الجرجاني بأن الرد كالميؤس مِنْهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ يُمْكِنُ بِأَنْ يَعْتِقَ الْوَلَدُ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَصِلَ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَقَدْ يَكُونُ بَقِيَ مِنْهُ زَمَنٌ قَلِيلٌ أو كثير الا أنه قد تَقَدَّمَ لَنَا وَجْهَانِ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ بَعِيدًا حَكَيْنَاهُ فِيمَا إذَا رَضِيَ أحد المشتريين بِالْعَيْبِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالرَّدِّ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَلْيَكُنْ الْوَجْهُ الْآخَرُ جَارِيًا هنا لكنه ضعيف مفرع على ضعفه * لنا خلاف هناك أنه لورد أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ عِنْدَ حُصُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَأَرَادَ اسْتِرْجَاعَ نِصْفَ الثَّمَنِ هَلْ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْإِجْبَارِ فَهَهُنَا أَنْ يُرَدَّ الْوَلَدُ مَعَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَتَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَلَا يُعْقَلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا عَنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذا لم يحدث عيب جديد * * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (فان اشتراها وهى حامل فولدت عنده (فان قلنا) ان الحمل له حكم رد الجميع (وان قلنا) لا حكم للحمل رد الام دون الولد) * * * (لشرح) * هَذَا بِنَاءٌ صَحِيحٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيَحْبِسُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ وَعَلَى (الثَّانِي) يَكُونُ الْوَلَدُ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فيأتى فيه

* الْخِلَافُ فِي الرَّدِّ قَبْلَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّفْرِيقِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ إنْ حَصَلَتْ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي حَبْسِهِ بِالثَّمَنِ وَرُجُوعُهُ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ اتِّفَاقٍ فَسْخٌ أَوْ انْفِسَاخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ رد الجميع على الصحيح أم رَدُّ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فشرطه على ما قاله الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُ ابن الصباغ أن لا يَكُونَ حَصَلَ لَهَا بِالْوَضْعِ نَقْصٌ فَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ فَلَا رَدَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ قِيَاسُهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي الْعَيْبِ الَّذِي تَقَدَّمَ سَبَبُهُ هَلْ يكون مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَنْبَغِي عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُرَدَّ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ وايد ذلك بِمَا إذَا أَصْدَقَهَا جَارِيَةً حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَكَى فِي نِسْبَةِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ إلَيْهِ أَوْ إلَيْهَا وَجْهَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَوِيٌّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وابن الصباغ حزما بِخِلَافِ ذَلِكَ * وَاعْلَمْ أَنِّي قَدَّمْتُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في كون ذلك مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي جَارٍ مَعَ الْعِلْمِ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ وَالْعَبْدَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ بِعَيْبٍ آخَرَ قَدِيمٍ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّزَوُّجِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ هُنَاكَ وَقُلْتُ ينبغى أن يكون الرضى بالعيب قاطعا لِأَثَرِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا يُوجَدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ مَنْسُوبًا إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي لِرِضَاهُ لِسَبَبِهِ دُونَ الْبَائِعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ اعْتَضَدَ بِهِ فِي ذَلِكَ النَّقْلِ وَلَا مَا يَرُدُّهُ إلَّا كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُ فَقَدْ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ هُنَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ عَالِمٌ بِالْحَمْلِ فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وقد وجدت بعد ذلك بِآخِرِ التَّتِمَّةِ صَرَّحَ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ إذَا عَلِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ وَقَدْ أَلْحَقْتُهُ هُنَاكَ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْحَمْلِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا يُمْنَعُ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ الرَّافِعِيِّ لِتَصْرِيحِهِ بِالْحُكْمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ

رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَالَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَعَلَّهُ ذَكَرَ التَّفْرِيعَ هُنَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ هُنَاكَ فلا يرد عليه شئ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ تَبِعَهُ وَأَنَّ الْحَادِثَ الَّذِي تَقَدَّمَ سَبَبُهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْبَائِعِ فِي عَدَمِ مَنْعِ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُرَدُّ بِهِ فَطَرِيقُ الْجَوَابِ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَاَلَّذِي خَطَرَ لِي الْآنَ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى حَالَةٍ يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْوِلَادَةِ نُقْصَانٌ عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ رَضِيَ بِهَا حَامِلًا فَالْغَالِبُ أَنَّهَا بِالْوِلَادَةِ تَزِيدُ قِيمَتُهَا عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فإذا انقضت بِالْوِلَادَةِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا جَدِيدًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ حُصُولُهُ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَاَلَّذِي لَا يَغْلِبُ حُصُولُهُ مِنْ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ تَبْعُدُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَكُون مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَاقِ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النُّقْصَانُ عَنْ حَالَةِ الْخِيَارِ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِصْدَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالنَّقْصُ بِالْحَمْلِ قَدْ زَالَ بِالْوَضْعِ وَبَقِيَ النَّقْصُ الْآخَرُ عَنْ حَالَةِ الْحِبَالِ فَالْوِلَادَةُ فِي يد لزوجة وسببها في يد لزوج وَهُوَ مِمَّا فَعَلَتْ وَلَا يَنْدُرُ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فَإِنْ فُرِضَ نَقْصٌ بِالْوِلَادَةِ عَنْ حَالَةِ الْحَمْلِ الْحَاصِلِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ نَقْصٌ جَدِيدٌ يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجَةِ كَمَا فِي الْمُشْتَرِي هَهُنَا هَذَا مَا خَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اشْتِرَاطَ عَدَمِ النَّقْصِ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَمَا قَبْلَهُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَرَضَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ عند المشترى كما فرض المصنف رحمه لله وَلَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَحْصُلْ نَقْصٌ تُرَدُّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عيب آخر وأما إذَا حَصَلَ نَقْصٌ فَقَدْ قَدَّمْتُ كَلَامًا فِي أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ سَابِقٍ عَلِمَ الْمُشْتَرِي هَلْ يَكُونُ موجبا للرد أولا وهل يكون مانعا من الرد بغير أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا وَلَا مَانِعًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً عَالِمًا بِتَزْوِيجِهَا فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا قَبْلَ القبض ثم اطلع على عيب بها فله الرد هَذَا مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله والله أعلم *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَانَ المبيع جارية ثيبا فوطئها ثم علم بالعيب فله أن يردها لانه انتفاع لا يتضمن نقصا فلم يمنع الرد كالاستخدام) * ** (الشرح) * هذه مسألذ مَشْهُورَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يرد معها شيأ وَهُوَ مَذْهَبُنَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَا قِيلَ وَعُثْمَانُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قبله ولا يكون بالوطئ قَابِضًا لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَتْ وَقَبَضَهَا فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِلْبَائِعِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أصله أو من حينه الصحيح لَا مَهْرَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ المردود عليه ممن تحرم عليه بوطئ المشترى كأب وابنه اولا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ قول أبى حنيفة والثوري وأبو يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشُرَيْحٍ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ إنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْمَهْرُ فِي قَوْلِ ابْنِ أبى ليلى ياخذ العشر من قيمتها ونصف فَيَجْعَلُ الْمَهْرَ نِصْفَ ذَلِكَ يَعْنِي يَكُونُ الْمَهْرُ ثلاث أَرْبَاعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا بِذَلِكَ صَرَّحَ عَنْهُ غَيْرُهُ (الرابع) بردها وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وعبد الله بن حسن (وَالْخَامِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ (وَالسَّادِسُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ (وَالسَّابِعُ) أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا يَرُدُّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَالثَّامِنُ) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ ثَمَنِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ عُشْرَ ثَمَنِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ أَعُدَّهُ مَذْهَبًا آخَرَ دُونَ تَحْقِيقٍ * هَذَا فِي وطئ السبب وأما البكر فسيأتي الكلام فيها فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْتُهَا مَا وَرَدَتْ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لِثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ الثَّمَانِيَةُ تَرْجِعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ يَرُدُّهَا ولا شئ مَعَهَا كَمَذْهَبِنَا أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَالرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ كمذهب

أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ كَمَذْهَبِ الْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ يردها ويرد معها شيأ كمذهب الباقين * فاما من يقول يردها ورد شئ مَعَهَا فَالْوَجْهُ تَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُ الْكَلَامِ على المذهبين عليه الاولين الثَّالِثُ يُشَارِكُ الثَّانِي فِي الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ فَلْيُجْعَلْ الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَامْتِنَاعِهِ وَمُعْتَمَدُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وطئ السيب شئ لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا وَلَا مِنْ قِيمَتِهَا ولا يتضمن الرضا بعينها فوجب أن لا يمنع مِنْ رَدِّهَا بِالِاسْتِخْدَامِ وَقَوْلُنَا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ قَطْعِ الطَّرَفِ وَمِنْ قِيمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ حُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وقلنا وَلَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِعَيْنِهَا احْتِرَازٌ مِنْ وَطْئِهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَيْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الرِّضَا وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِدْلَالُ الشافعي رضى الله عنه بأن الوطئ أقل ضررا من الخدمة يعنى أن الوطئ يمتع ويلذ ويطرب والخدمة تلذ وتزيب وَتُتْعِبُ فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ الْخِدْمَةُ مِنْ الرَّدِّ فالوطئ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ فَهَذَا الدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَأَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى وطئ الزَّوْجِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرد ولذلك إذا اكرهها انسان على الوطئ فان كان وطئ الثيب يقتضي وجوب أن يقع وطئ الزَّوْجَةِ وَالْمُكْرَهَةِ: فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَجَبَ أَنْ لا يمنع وطئ السَّيِّدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا غَصَبَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا حَتَّى يُوفِيَهُ الثَّمَنَ فَلَمَّا وَفَّاهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَإِنْ اعتذروا عن وطئ الزوج بأنه مستحق فوطئ المشترى مستحق وأيضا يبطل بوطئ الزوج للبكر فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا بِامْتِنَاعِ رَدِّهَا فان اعتذورا بِأَنَّ مَنَافِعَ بُضْعِ الزَّوْجَةِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ بِالشِّرَاءِ وانما يمتنع الرد بوطئ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فلذلك منع وطئ السيد ولم يمنع وطئ لزوج الثَّيِّبَ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَجِلْدَةُ الْبَكَارَةِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا عَيْنٌ حَقِيقَةً وَالنِّكَاحُ مَحَلُّ الْمَنَافِعِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ تَتْلَفُ لِلضَّرُورَةِ وَإِذَا كَانَتْ مستحقة بالبيع فاتلفها لزوج امتع الرَّدُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مَمْلُوكَةٌ بِالشِّرَاءِ لِلسَّيِّدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَلَّقَ كَانَتْ لَهُ وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ استحق المهر وكون جلدة البكارة جزء مِنْ الْمَبِيعِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ لِلزَّوْجِ لا يفيد لانه مأذون له فِيهَا شَرْعًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلنَّقْصِ لَمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ الرَّدِّ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْمُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَالثَّانِي) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا الْمَهْرَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا شئ مَعَهَا إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْهُمْ فَقَالُوا إنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا لَا يَرُدُّهَا وَعُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا وَإِيرَادُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْأَشْهَرُ وَأَقْرَبُ فِي النَّقْلِ والجواب عنه من وجوه (أحدهما) مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ بَحَثَ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَفْتَيْتَ عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا فَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ يَرُدُّهَا وَذَكَرَ عَشْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قُلْتُ أَوَ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ لَا قُلْتُ وَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا يَثْبُتُ وَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ لَوْ كَانَ قَالَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى الْأَسَانِيدِ وَوُرُودِ ذَلِكَ عَنْهُمَا فَرَأَيْتُهَا ضَعِيفَةً وَأَمْثَلُهَا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَلَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عِنَانٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَعَلَّ حَفْصَ بْنَ عِنَانٍ أَوْ مَسْلَمَةَ مِمَّنْ كَانَ حَاضِرًا مُنَاظَرَةَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قاضى الكوفة حنفيا جليلا ثقة ونقلها البهيقى مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ جَعْفَرٍ وَرُوِيَتْ مُتَّصِلَةً بِطَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذلك شئ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ التَّمَسُّكُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَأَيْتُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ وَلَا يُعْلَمُ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بن السمعاني قد جهدت غاية أَنْ أَجِدَ مَا قَالُوهُ فِي كِتَابٍ فَلَمْ أجده وإنما هي حكاية أخذه العلم من التعليق وسعى السواد على البياض ولم يرد عليه واحد من الصحابة شئ سِوَى عَلِيٍّ (الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْكَثِيرَةِ فِيمَا نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وحكى لنا ذلك يعنى لرواية عن زيد أبو الحسن الماسرخسى وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ أَبَا الْمُظَفَّرِ ابن السَّمْعَانِيِّ قَالَ إنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ زَيْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيَّيْنِ لَمْ يُعْلَمْ انْتِشَارُهُ وَالْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ مَذْهَبَنَا مُوَافِقٌ لِعُمَرَ فَإِنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ فَوَافَقْنَاهُ فِي أَصْلِ الرَّدِّ وَالِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ في أنه يرد معها شيئا أولا اخْتِلَافٌ فِي كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ (الْخَامِسُ) أَنَّ إحْدَاثَ القول الثالث

فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْنُ هُنَا وَافَقْنَا بَعْضَهُمْ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَبَعْضَهُمْ فِي إسْقَاطِ الْمَهْرِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مِمَّا تَعَلَّقُوا بِهِ القياس على وطئ الْبِكْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا يُقَرِّرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ وَعَلَى مَا إذَا زَنَتْ وَبِأَنَّهُ يَنَالُهَا فِي ذَلِكَ ابْتِذَالٌ وَيَنْقُصُهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ فَيَحْرُمُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنَعَ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَتَعَلَّقُوا أَيْضًا بأن الوطئ جِنَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فِي الْغَالِبِ وَلَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْقَطْعَ وَالرَّدُّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَوْ ردها لكان الوطئ حَاصِلًا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لان الوطئ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَهْرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ الْمَهْرَ وَلَا أَنْ يَرُدَّهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَبَطَل الرَّدُّ وَرُبَّمَا قَالُوا فِي هَذَا إنَّهُ إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَانَ عَيْبًا فَيُمْنَعُ الْفَسْخُ فَلَوْ نَفَذَ الْفَسْخُ لِمَا بَعْدُ وَنَقَلُوا عَنْ مُحَمَّدِ بن الحسن أن الوطئ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ وَقَدْ انْتَفَيَا عَنْ المشترى بالاجماع فلو فسخ لا يَبْقَى الْمِلْكُ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ انْتَفَيَا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَوَّلَ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ إيجَابُ الْمَهْرِ وَبِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ وَالْمُشْتَرِي أَتْلَفَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْوَلَدُ وَالزَّوَائِدُ وَيَعُودُ البحث في مسألة لزوائد وإنما استدلوا به على أن الوطئ تنقيص للملك صرف مَهْرِ الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِالشُّبْهَةِ إلَى سَيِّدِهَا فَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ لِصِيَانَةِ الْبُضْعِ فَقَطْ لَوَجَبَ لِلَّهِ كالكفارة فلما صرف السَّيِّدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ كَالْأَجْزَاءِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَيَدِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ يُصْرَفُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْمَالِيَّةُ بِمَنْفَعَةِ البضع الحكم في حكم لاجزاء وَفَوَاتِ الْأَجْزَاءِ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجْزَاءِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي الشَّرْعِ مُحْتَرَمَةٌ مُشَرَّفَةٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ النسل في العامل فَلِشَرَفِهَا وَحُرْمَتِهَا الْتَحَقَتْ بِالْأَجْزَاءِ شَرْعًا (وَالْجَوَابُ) أَنَّ وطئ الْبِكْرِ وَالزِّنَا مُنْقِصَانِ لِلْقِيمَةِ بَلْ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وحدها بغير وطئ مُنْقِصٌ وَالِابْتِذَالُ إنْ سَلِمَهُ كَالِاسْتِخْدَامِ وَكَوْنُ الْمُشْتَرِي أَبَا الْبَائِعِ أَوْ ابْنَهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَعْيُوبِ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَا ينقص قيمة الشئ ولا يؤثر إلا ماله أَثَرٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ جِنَايَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ جِنَايَةً لَمُنِعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا وَطِئَ مُكْرَهَةً وَمِنْ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُمْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ ينتقض بما دون الوطئ هَكَذَا نَقَضَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِمْ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ان ما دون الوطئ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ مَانِعٌ الرَّدَّ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ النَّقْضُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَخْلُو عَنْ مَالٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَخْلُو مِنْ الْمَالِ وَالْعُقُوبَةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا وَعَنْ قَوْلِهِمْ الرَّدُّ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ

تَقَدَّمَ ثُمَّ أَثَرُ ذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ * أَمَّا الْمَنَافِعُ الْبَعْضِيَّةُ فَلَا * ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا جَازَ الرَّدُّ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ وَهُوَ جَائِزٌ وَإِيجَابُ الْمَهْرِ فِي الْبُضْعِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَالسَّيِّدُ يَسْتَحِقُّهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِهَا جُزْءًا وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَلَا يَسْقُطُ به قبل القبض من الثمن شئ وَلَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالَ ذُلٍّ على الاسلام والوطئ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ سَلَّمَهُ فَلِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا فَهَهُنَا وَطِئَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْخِيَارِ وَاعْتَذَرَ أَبُو زَيْدٍ عن الوطئ قبل القبض بأنه وقع في حكم مالك البائع لانه تصرف ولا يتنقل التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ جِنَايَةً وَهَذَا ضَعِيفٌ فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَاحَظَ غَرَضَ الْبَائِعِ وَمَا يَحْصُلُ له من النقرة وَالتَّغَيُّرِ وَالْأَنَفَةِ وَالشَّافِعِيَّ لَاحَظَ الْأَمْرَ الْعَامَّ وَأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الْجَارِيَةَ ثَيِّبٌ لَا يُبَالُونَ بِقِلَّةِ الْوَطْئَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَلَا يَنْقُصُ من قيمتها شيئا فان فرض وطئ ينقص القيمة فليس فرض المسألة والله عز وجل أَعْلَمُ * وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرَّدَّ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا هُنَا عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا مَا سَنَحْكِيهِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهَذَا الِاتِّفَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْيَانِ أَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا وَهُوَ يُقَوِّي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَثْبَتْنَا عَدَمَ الْمِلْكِ كَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمَهْرِ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ الثَّيِّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَتْ أَنَّهُ هَلْ يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الْمَهْرَ عَلَى وَجْهَيْنِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ الْأَصْلِ غَرِمَ وَإِلَّا فَلَا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوهُ وَبِتَقْرِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِضَعْفِهِ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَبَقَاءِ عُلْقَةِ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ طَرْدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الضَّعِيفَةِ الطَّارِدَةِ لِلْقَوْلَيْنِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ * هذا ما يتعلق بمن يَقُولُ بِمَنْعِ الرَّدِّ (وَأَمَّا) الْمَذَاهِبُ النَّافِيَةُ فَمَذْهَبُ ابن شبرمة أقربها لانه يقول يردها مَعَ مَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ تَخْرِيجًا ظَاهِرًا (وَجَوَابُهُ) مَا تَقَدَّمَ وأما من قال يردها ويرد شييئا يَتَقَدَّرُ مَعَهَا فَتَحَكُّمَاتٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَمَّا من قال بامتناع ردها ولا يرجع بشئ فَبَعِيدٌ فَإِنَّ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ يَجِبُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَطْرُدَ الْجُزْءُ مَذْهَبَهُ وَيُمْنَعَ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أعلم *

* (فرع) * هذا كله في وطئ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ القبض بشبهة فهو كوطئ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَارَةً فَهُوَ زِنًا وَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ زَانِيَةً فَعَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَيَجِبُ الْمَهْرُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَّا الْبَائِعُ فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إنْ قُلْنَا) كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الِانْتِفَاعِ بالمبيع قبل القبض فان ماتت بعد وطئ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقُلْنَا الْعَقْدُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْمَهْرَ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ مَاتَتْ بعد وطئ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَطِئَهَا جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ * هَذَا فِي الثَّيِّبِ أَمَّا فِي الْبِكْرِ فَفِيهَا زِيَادَةُ أَحْكَامٍ سَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَرْعٌ) * مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أن الوطئ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ اسْتَثْنَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْهُ مَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِالزِّنَا بِأَنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالزِّنَا وَاشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ بِهِ الرَّدُّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي جَوَابِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَطَرَدَهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَالسَّرِقَةِ إذَا حَدَثَتْ وَلَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةَ قَالَ لِأَنَّهَا عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ يَعْنِي بِخِلَافِ الْبَرَصِ وَنَحْوِهِ إذَا زَادَ فَإِنَّهُ عيب من حيث المشاهدة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وُجِدَ العيب وقد نقص المبيع نظرت فان كان النقص بمعنى لا يقف استعلام العيب على جنسه كوطئ البكر وقطع الثوب وتزويج الامة لم يجز له الرد بالعيب لانه أخذه من البائع وبه عيب فلا يجوز رده وبه عيبان من غير رضاه وينتقل حقه إلى الارش لانه فات جزء من المبيع وتعذر الفسخ بالرد فوجب أن يرجع إلى بدل الجزء الفائت وهو الارش) * * * (الشَّرْحُ) * النَّقْصُ الْحَاصِلُ لِرُخْصِ السِّعْرِ وَنَحْوِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْمَعْنَى أَيْ حَاصِلٌ فِي الْمَبِيعِ وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فِي افْتِضَاضِ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَبَبٌ سَابِقٌ وَلَا ضُمَّ مَعَهَا الْأَرْشُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا عُيُوبٌ حَادِثَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ رَدَّهُ وَبِهِ عَيْبَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي وطئ البكر مذاهب السلف قال ابن سريج وَالنَّخَعِيُّ يَرُدُّهَا وَنِصْفَ

عشر ثمنها وتقدم في وطئ الثيب حكاية ثلاثة مذاهب مطلقة في الوطئ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُطَّرِدَةٌ فِي الْبِكْرِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاتَّفَقُوا فِي الْبِكْرِ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الِافْتِضَاضِ لَا تُرَدُّ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ (إمَّا) امْتِنَاعِ الرَّدِّ (وَإِمَّا) الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِثَالًا لِامْتِنَاعِ إحْدَاثِ الْقَوْلِ الثالث كما هو رأى أكثر الاصوليين ولاسيما هُنَا فَإِنَّ فِيهِ دَفْعَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى افْتِضَاضِ الْبِكْرِ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَعِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدُ عَنْ مَسَائِلَ تَكَلَّمَ عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ فَإِنْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهَا نَاقِصَةً فَيَكُونَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُشْتَرِي حَبْسَهَا وَلَا يَرْجِعُ بشئ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا عَلَى كُلٍّ من المسألتين وحدها وحزموا في وطئ الْبِكْرِ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَيْبِ إنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَبْطَلَ الْآخِرُ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا قُلْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْعِ الرَّدِّ وَلَا يرجع بشئ وذهب حماد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ وَأَرْشَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ الَّذِي فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيمَا إذَا طلب المشترى الرد مع الارش والبائع اعطاء الْأَرْشَ وَبَقَاءَ الْعَقْدِ وَبِالْعَكْسِ مِنْ إيجَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَرْعَشِيُّ قَطْعُ الثَّوْبِ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَرُدُّهُ وَأَرْشَ الْقَطْعِ (وَالثَّانِي) يَأْخُذُ الْأَرْشَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَلَكِنْ هَلْ نَقُولُ الْوَاجِبُ لَهُ ابْتِدَاءً لَهُ الرَّدُّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الارش الا أن يختار البائع الرد كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ * فِيهِ بَحْثٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى لرد وبدل الارش أولا (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَجَبَ (وَإِنْ) قُلْنَا بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ لَمْ يَجِبْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتِمَالٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَقُّهُ أَوَّلًا فِي الرَّدِّ وَحْدَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ جَاءَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَهَلْ ذَلِكَ جَارٍ في وطئ البكر أولا الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِيهِ وَإِنَّمَا أَفْرَدْتُ مسألة وطئ البكر وحدها لانهم ذكروه عقب وطئ الثَّيِّبِ وَالْبَحْثُ فِيهَا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّا نُوَافِقُهُمْ على أن وطئ الْبِكْرِ مَانِعٌ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُقَالَ

هما مسألتان فوطئ الْبِكْرِ وَشِبْهُهُ مِمَّا فِيهِ فَوَاتُ جُزْءٍ كَالْخِصَاءِ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ أَوْ قَطْعِ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ جَزْمًا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ وَالْعُيُوبُ الَّتِي تَنْقُصُ الْقِيمَةَ فَقَطْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَالْوُجُوهُ الَّتِي سَتَأْتِي فَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ بَاقٍ مَعَ إعْطَاءِ الْأَرْشِ إمَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي إذَا اتَّبَعْنَا رَأْيَ الْمُشْتَرِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُطِعَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له رده ووضع الشافعي والمصنف من في الخلاف كابن المنذر وغيره مسألة الوطئ وَحْدَهَا وَمَسْأَلَةَ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَحْدَهَا وَمَا تَقَدَّمَ عن الشعبى عامة قال في الجارية توطئ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا حُكُومَةً وَفِي الْجَارِيَةِ يَحْدُثُ بِهَا عَيْبٌ مُبْطِلٌ لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ وَهَذَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَلِعُمُومِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَلِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فانه سوى بين وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ وَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَاتُ جُزْءٍ وَلَا يَنْحَلُّ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مُشْتَرَكَةٌ فِي أَنَّهَا صَادِرَةٌ مِنْ الشترى فتكون محل الجزم ويخص الخلاف بما لم يكن من جهة المشترى لنقل أبى الطيب الاجماع في قطع الطرف فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعُيُوبَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي مَنْعِ الرَّدِّ الَّذِي لَمْ يَضُمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ أَمَّا إذَا ضَمَّ مَعَهُ الْأَرْشَ فَعَلَى مَا سَيَأْتِي وَعَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَيَأْتِي يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا إلَّا برضى البائع لانه يجاب من طلب تقدير الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلِذَلِكَ صَحَّ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ الْحَادِثُ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُمْنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْحَثُ حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مالا سَبَبَ لَهُ مُتَقَدِّمًا وَمَنْ ذَلِكَ مَا إذَا اشترى بكرا مزوجة جاهلا فافتضها لزوج وَقَدْ تَقَدَّمَ * وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثٌ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ وطئ الْبِكْرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ قِيلَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وافق في وطئ الْبِكْرِ وَخَالَفَ فِي قَطْعِ الثَّوْبِ فَفِيهِ قِيَاسُ أحدهما على الآخر وقوله وطئ الْبِكْرِ مَحْمُولٌ عَلَى افْتِضَاضِهَا فَلَوْ كَانَتْ غَوْرَاءَ فوطئها ولم تزل بكارتها فهو كوطئ الثيب فيما يَظْهَرُ * وَاعْلَمْ أَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ يُفْرَضُ عَلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَحْكَامِ سَأُفْرِدُ لَهَا فَرْعًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ مُفْهِمٌ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالرَّدِّ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ نَقْصُ الْمَبِيعِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ النَّقْصِ وَالنَّقْصُ قَدْ يَكُونُ نَقْصَ صِفَةٍ مَخْفِيَّةٍ كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَالتَّزْوِيجِ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ وَلَكِنَّهَا فِي حكم الوصف

كزوال البكارة فان جلد الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا لَكِنَّهَا لَا تُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ مِنْ الثمن بزوالها قبل القبض شئ وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ مُقَابَلَةٍ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ كَاحْتِرَاقِ بَعْضِ الثَّوْبِ فَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَجَوَازُ الرَّدِّ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَبِيعِ (وَالْأَصَحُّ) جَوَازُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ * إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَشَرْطُ النَّقْصِ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَلَوْ كَانَ قَرِيبَ الزَّوَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَسَنُعِيدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا فِيهِ نُقْصَانُ صِفَةٍ مَحْضَةٍ فَلَا إلَّا أَنْ يُتَجَوَّزَ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَيْهَا وَيَدُلُّكَ قَوْلُهُ بَدَلَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ لَكِنَّهُ هَهُنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ شَرْعًا بِدَلِيلِ جَبْرِهِ بِالْأَرْشِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْجُزْءِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَتِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا حَقِيقِيًّا والا لزم أن يسقط من الثمن شئ فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ وَأَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا حَتَّى يَحْصُرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي يَجِبُ الْأَرْشُ بِفَوَاتِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْأَرْشِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ هُوَ الْخِصَاءَ وَلَمْ تَنْقُصْ بِهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ وَسَأَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ مِنْ قول المصنف أن الارش يدل عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَيَكُونُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ عُرْفًا جَدِيدًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ * (تَنْبِيهٌ) * هَلْ يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِإِعْلَامِ الْبَائِعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْلِمُ الْبَائِعَ بِالْحَالِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرُدَّهُ وَإِمَّا أَنْ تَقْنَعَ بِهِ معيبا ولا شئ لك وان لم ترض فلابد من ضم الارش وصرح الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ بَعْدُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِعْلَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرد والارش إلا أن يكون العيب حادث قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي (قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ أَوَّلًا ثَابِتٌ فِي الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ انْتَقَلَ إلَى الْأَرْشِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَمَا حَكَيْتُهُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْأَرْشِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مَعِيبًا وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ أَرْبَعَةٌ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ هُنَا وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَجْهَانِ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُهُمَا عنده أنه لا يثبت

الارش الا الطالب الْجَازِمُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ قَرِيبَ الزَّوَالِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى وَالرَّمَدِ وَالْعِدَّةِ الَّتِي لَزِمَتْهَا مِنْ وطئ شُبْهَةٍ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ مذكوران في طريقة الخراسانيين عبر عنها الْبَغَوِيّ بِقَوْلَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُعْذَرُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَهُ انْتِظَارُ زَوَالِهِ لِيَرُدَّهُ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ (وَالثَّانِي) لَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِقُدْرَتِهِ عَلَى طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ قَرِيبَ الزَّوَالِ لَا يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعًا وَيَكُونُ الْإِعْلَامُ لِطَلَبِ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُلْتُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الرَّدِّ أَمْ لَا فَإِنْ جَعَلْنَاهُ عُذْرًا كَانَ بَعْدَ زَوَالِهِ الرَّدُّ وَاسْتِرْجَاعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ عُذْرًا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْأَرْشِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ صَرَّحَ عَلَى قَوْلِنَا أَنْ لَا يعذر أنه أبطل حقه وظاهر ذلك بطل حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ جَمِيعًا فَيَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْأَرْشِ عَلَى الْفَوْرِ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ لَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ مِثْلِهِمَا فِيمَا إذَا قُلْنَا إنَّ حَقَّهُ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَأَخَّرَ طَلَبَهُ إلَى زَوَالِ الْحَادِثِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ عَيْبَ الْجَارِيَةِ بَعْدَمَا حَمَلَتْ والحمل ينقصها يرجع لارش وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَمْسِكْهَا حَتَّى تَضَعَ وَيَرُدَّهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ مَتَى وُجِدَ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَعَيْبٌ جَدِيدٌ مُنْتَظَرُ الزَّوَالِ جَرَى الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ أَوْ طَلَبِ الْأَرْشِ الْآنَ لَكِنْ هَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَوْرِيَّةُ فِي طَلَبِهِ أولا فِيهِ مَا سَلَفَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَعَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَلَبِ الرَّدِّ مَعَ بَدَلِ الْأَرْشِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْأَرْشِ بِخِلَافِ مَا أَفْهَمَ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ * نَعَمْ يَلْتَفُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هَلْ حَقُّ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فِي الرَّدِّ أَوْ فِي طَلَبِ الْأَرْشِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ يَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ التَّأْخِيرِ بِهَذَا السَّبَبِ عُذْرًا اولا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي يَظْهَرُ سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ الرد ويعين الارش الا برضى الْبَائِعِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْفَوْرِيَّةُ هَذَا مَا يَتَّضِحُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ * وَالْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ طَلَبَ الْأَرْشِ وَيَرُدُّ بَعْدَ الْوَضْعِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ طَلَبِ الْأَرْشِ وَحْدَهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّدِّ فَجَائِزٌ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِ الْأَرْشِ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مَتَى شَاءَ أَخَذَ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ *

* (فَرْعٌ) * زَوَالُ الْبَكَارَةِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فهو مانع من الرد سواء كان بوطئ المشترى أو البائع أو أجنبي سواء كان بِآلَةِ الِافْتِضَاضِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِصْبَعٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ ظُفُرِهِ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ (1) إلَّا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بوطئ لزوج فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُمَا يَثْبُتَانِ هُنَا فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنَّهُ مَانِعٌ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْبَكَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الزوج فان جهل المشترى الزوجية فلا شكال فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الزَّوْجِيَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي موضعين على كونه موجب لِلرَّدِّ بِسَبَبِهِ أَوْ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ أولا وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ وَلَا مَانِعٍ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ جِنَايَةٌ على المبيع قبل القبض سواء كانت مكرهة أو مطاوعة وسواء كان الْوَاطِئُ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَإِنْ افْتَضَّهَا بِآلَتِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ أَوْ يُفْرَدُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أوجه (أصحهما) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ هُنَا يَدْخُلُ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا (وَالثَّانِي) يُفْرَدُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ فَالْجَمِيعُ لَهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تَمَّ الْعَقْدُ اما إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَرْشُ الْقَطْعِ لِلْبَائِعِ وَفِي مَهْرِ مِثْلِ الثَّيِّبِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ فَلِلْمُشْتَرِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُتَعَيَّنٌ وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَقَدْرُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِ نَاقِصَةً وَالْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي فَأَمَّا قَوْلُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لِلْبَائِعِ فَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِنْدَ التَّلَفِ (وَأَمَّا) إذَا افْتَضَّهَا الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَلَا شئ عَلَى الْبَائِعِ (إنْ قُلْنَا) جِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ قوليه ومرة قال فيما إذا كان

_ (1) بياض بالاصل

بِغَيْرِ آلَةِ الِافْتِضَاضِ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا بِكْرًا وَثَيِّبًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْدَمَلَ وَقُلْنَا جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ أَوْ نِصْفُهَا قَالَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ آصُعٍ حِنْطَةٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتْلَفَ الْبَائِعُ صَاعًا مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا يَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِدٌ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَدَعْوَاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْضًا بَلْ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْمُشْتَرِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَافْتَضَّهَا وَجَعَلْنَا جِنَايَتَهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا أَرْشُ الْبَكَارَةِ يَنْفَرِدُ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَهَابُ الْبَكَارَةِ مِنْ قِيمَتِهَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ يَسْقُطُ إنْ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ عُشْرُهُ وَيَجِبُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ثَيِّبًا إنْ جَعَلْنَاهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ قُلْنَا) أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَا يُفْرَدُ فَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا مَثَلًا مِائَةً وَثَيِّبًا ثَمَانِينَ فَخُمْسُ مَهْرِهَا بِكْرًا أش الْبَكَارَةِ إنْ جَعَلْنَاهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ وَفِي أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَجْهَانِ فان مايت فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ افْتِضَاضِهِ سَقَطَ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَقَدْرُ مَا يُقَابِلُ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَهَلْ يَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِهَا ثَيِّبًا (إنْ قُلْنَا) الْفَسْخُ رَفْعٌ مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يَغْرَمْ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ وَجِنَايَةُ الْبَائِعِ كَالْأَجْنَبِيِّ غَرِمَ * هَذَا التَّفْرِيعُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ إلَّا عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وفيه مخالة كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ فَسْخُ أرش البكارة وهل عليه مهر ثيبا ان افتضى بِآلَتِهِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لم يَجِبُ أَمْ لَا وَهَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَمْ يَجِبْ وَهُوَ صَحِيحٌ (وَإِنْ قُلْنَا) كَالْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ وَيَنْبَغِي إذَا قُلْنَا إنَّ جِنَايَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ (إنْ قُلْنَا) مِنْ أَصْلِهِ لَمْ يجب أيضا والا وجب في هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَلْ هَذَا عَيْبٌ آخَرُ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ وَأَمَّا إذَا افْتَضَّهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَسْتَشْعِرُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا وَهُوَ تَعْيِيبٌ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَإِنْ سَلِمَتْ حَتَّى قَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الِافْتِضَاضِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَلْ عَلَيْهِ مَهْرُ ثَيِّبٍ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا إن ارش البكارة يفرد على الْمَهْرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُفْرَدُ

قَالَ فَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَفِي الْبَاقِي مِنْ الْمَهْرِ الْوَجْهَانِ وَبَيْنَ التَّقْدِيرَيْنِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّا إذَا أَفْرَدْنَا أَرْشَ الْبَكَارَةِ وَكَانَ عِشْرِينَ مَثَلًا وَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا قَرَّرْنَا عُشْرَ الثَّمَنِ وَإِذَا لَمْ يفرد وكان مهرها بكرا مائة أو ثيب ثَمَانِينَ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ الْخُمُسُ فَيَتَقَدَّرُ خُمُسُ الثَّمَنِ ولنفرض القيمة واحدة في المثالين فإذا ما ذكره الرافعى انما يجئ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَةِ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم نجعل وطئ المشترى كوطئ الأجنبي وهو للصحيح وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ هُنَا وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ فَسَادِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَجِبُ مهر بكرا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ وَفِي وجه افتضتاض الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَافْتِضَاضِ الْأَجْنَبِيِّ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ بِالشَّرْعِ فَرُوعِيَ فِيهِ وَاجِبُ الشَّرْعِ وَهَذَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ فَرُوعِيَ فِيهِ مُوجَبُ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ اقْتَضَى التَّقْسِيطَ عَلَى الْأَجْزَاءِ فَلِذَا قَالَ الْفَارِقِيُّ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ تَكَلَّمْتُ يَوْمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَلْقَةِ الدَّامَغَانِيِّ قَاضِي القضاء وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ فَقُلْتُ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَحَقُّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ لِأَنَّهُ بَذَلَ الثَّمَنَ لِيَحْصُلَ عَلَى مَبِيعٍ سَلِيمٍ فَلَمَّا فَاتَ أَثْبَتْنَا لَهُ الرَّدَّ جَبْرًا لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي بَذَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ وَجُعِلَ عَلَى الْمَعِيبِ فَكَانَ إخْلَالًا بِالنَّظَرِ وَتَرْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلِذَلِكَ إذَا حَدَثَ عِنْدَهُ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ ذَلِكَ أَفْضَى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِ مَعِيبًا تَسْوِيَةً بَيْنَ جَانِبِهِ وَجَانِبِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِي هَذَا بَيَانُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ فَلِمَ رَجَّحْتَ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَلْزَمْتَ الْمُشْتَرِيَ الْمَعِيبَ فَقُلْتُ هَذَا فِي قَضِيَّةِ النَّظَرِ لَا يَلْزَمُنِي لِأَنَّ مَقْصُودِي بَيَانُ امْتِنَاعِ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْتَرِي وذلك يحصل بالمعاوضة لمراعات حَقِّ الْبَائِعِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ أَشْرَعُ بِبَيَانِهِ (فَأَقُولُ) إنَّمَا رَجَّحْتُ جَانِبَ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَلْزَمْنَاهُ أَخْذَ الْمَبِيعِ بِعَيْبَيْنِ عَظُمَ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ لِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَالْمُشْتَرِي لم يكن في ملكه شئ ففات عليه وانما قصد تحصيل شئ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وليس الضرر في حق من فاته شئ كَانَ لَهُ حَاصِلًا كَالضَّرَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا قَصَدَهُ (قُلْتُ) قَوْلُهُ إنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيُوَافِقُهُ أَحَدُ الْأَوْجُهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ مالك أيضا عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَهُ *

* (فَرْعٌ) * أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَيَطْرُقُهُ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّا سَنَحْكِي حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ التزويج بِعَيْبٍ وَقِيَاسُ ذَلِكَ يَطَّرِدُ هَهُنَا (الثَّانِي) لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ (الْأَظْهَرُ) عِنْدِي أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ عَقِبَ الرَّدِّ بِلَا فَصْلٍ وَلَا يَخْلُفُ النِّكَاحَ عِنْدَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِمُقَارَنَةِ الْعَيْبِ الرَّدَّ وَعَلَى ذِهْنِي مِنْ كَلَامِ الْغَيْرِ مَا يُعَضِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ ثُمَّ عَيَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ الْآنَ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ قَبْلَهُ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةُ الرَّدَّ فَتَصِحَّ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَصِحُّ لِلْمُقَارَنَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ عَقِيبَ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَيْ لِمُصَادَفَتِهِ زَمَانَ الْبَيْنُونَةِ فَيُؤَدِّي إيجَابُ الْقَبُولِ إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ لَا تُعَدُّ عَيْبًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ لِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَلِمَا قَدَّمْتُهُ وَحِينَئِذٍ يَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ ** (فَرْعٌ) * إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَقَبِلَ رَدَّهُ مَعَ كَوْنِهِ فِي الرَّدِّ جَاءَ الْبَائِعُ وَقَطَعَ يَدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ الرَّدُّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لَا لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) هَكَذَا أَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا خَاصَّيْنِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِعْلُ الْبَائِعِ مَانِعًا لِمَا شَرَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ نَظَرَ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ فِي زَوَالِ الْبَكَارَةِ يُخَالِفُهُ * * (فَرْعٌ) * مِنْ جُمْلَةِ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الرَّدِّ لَوْ كَانَ غُلَامًا فَحَلَقَ شَعْرَهُ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ * * (فَرْعٌ) * اشْتَرَى فَرَسًا بِحِمَارٍ وَخَصَى الْفَرَسَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالظَّاهِرُ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ ليس له الرد إلا برضي الْبَائِعِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ اسْتَرَدَّ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ عَيْنِ الْحِمَارِ لَا مِنْ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ قَدْ تَلِفَ اسْتَرَدَّ مِنْ قِيمَتِهِ *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ قَالَ البائع أنا آخذ المبيع مع العيب الحادث لم يلزمه دفع الارش لانه لم يكن له غير الرد وانما امتنع للعيب الحادث في يده فإذا رضى به صار كأنه لم يحدث عنده عيب فلم يكن له غير الرد وإن قال المشترى أرده وأعطى معه أرش العيب الحادث عندي لم يلزم البائع قبوله كما إذا حدث العيب به عند البائع فقال خذه وأنا أعطيك معه أرش العيب لم يلزم المشترى قبوله) * * * (الشرح) * هذا نَوْعَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ أَحْوَالًا (أَحَدُهَا) أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ لِلْحَادِثِ فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بعد ذلك إلا أن يمكسه مجانا أو يرد وَلَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ كَمَا لَا يُكَلَّفُ رَدَّهُ إذَا انْفَرَدَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الْأَرْشَ وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الرَّدِّ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَيَقْتَضِي أَنَّ حَقَّهُ الْأَصْلِيَّ هُوَ الرَّدُّ لَا الْأَرْشُ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إمْسَاكِهِ وأخذ أرش العيب القديم فذلك جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْوَاجِبُ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي هَهُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى دَفْعِ الْأَرْشِ لِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الِاعْتِيَاضَ هُنَاكَ عَنْ سُلْطَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تقابل والمقابلة هنا عن ما فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْحَالَةَ لَكِنْ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَهَلْ أَخْذُ الْأَرْشِ هُنَا بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ فَيَرِدُ السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَكُونُ هُنَا أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ سُلْطَةِ طَلَبِ الْأَرْشِ أَوْ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاعْتِيَاضِ وَلَكِنْ يُجْعَلُ قَائِمًا مقام الجزء الفائت لعيب الْحَادِثِ وَيَرِدُ الرَّدُّ عَلَيْهَا كَمَا فِي رَدِّ الصورة ويأتى ذلك البحث لذى هُنَاكَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَاتَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُقَابَلٌ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَإِذَا رد الباقي برضى الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ الْمَرْدُودَ مِنْ الثمن وبقى ما يقابل الجزء الفاقت لَمْ يَنْفَسِخْ فِيهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَوْ نَقْدًا بَاقِيًا بِحَالِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مِقْدَارَ أرش العيب الحادث وعلى التقدير بين الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَرْجِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَغْرَمُ مِنْ عِنْدِهِ الْأَرْشَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ لَزِمَهُ غَرَامَةُ مَا فَاتَ تَحْتَ يَدِهِ كَالْمُسْتَلِمِ ويكون من باب الغرامات المحقة لَيْسَ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ المصنف في مسألة

ومالا يقوقفه عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ مَا يَدُلُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الرَّابِعِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ مَا يَشْهَدُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَالَ إنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ من يدعوا إلَى الْإِمْسَاكِ يَقُولُ إذَا فُرِضَ التَّرَاضِي عَلَى الرَّدِّ وَضَمِّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْإِقَالَةِ (قُلْتُ) وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَعُودُ الْبَحْثُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْفَسْخُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَإِنْ ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ لَمْ يُكَلَّفْ أن يبقى في ذمة المشترى بل لابد مِنْ إحْضَارِهِ حَتَّى يُجَابَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ اشْتِرَاطِ رد التمر مَعَهَا وَفِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْأَرْشِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَعْرِفَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى والذى قاله الاصحاب في مسألة يغرم أَنَّ الرَّدَّ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ مَعَ الْأَرْشِ الْمَرْدُودِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْإِمَامَ قَالَ هُنَاكَ وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ لَازِمًا فِي الصَّفْقَةِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضُمُّ أَرْشَ نَقْصِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدُّهُمَا فَهَذَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ إشْكَالٌ فَإِنَّ التَّمْلِيكَ بِالْفَسْخِ رَدٌّ وَاسْتِرْدَادُ حَقِّهِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالرَّدُّ كَاسْمِهِ فَتَقْدِيرُ إدْخَالِ مِلْكٍ جَدِيدٍ فِي التَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الرَّدِّ بَعِيدٌ وَلَا وجه يطابق القاعدة إلا أن يقول لرد يَرِدُ عَلَى الْمَعِيبِ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَضِيَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْمَعِيبِ بِتَأْوِيلِ تَقْدِيرِ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ وَتَشْبِيهِ يَدِهِ بِالْأَيْدِي الضَّامِنَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ بِذِمَّةِ الرَّدِّ فَيَضُمُّ الْأَرْشَ إلَى الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ فَيَكُونُ المضمون مستحقا بالسبيل الذى اشترت إلَيْهِ وَلَيْسَ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مَرْدُودًا وَلَوْ قَالَ الرَّادُّ أَرُدُّ ثُمَّ أَبْذُلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الثِّقَةِ وَإِذَا رَدَّ مَعَ لارش جرى في عين المضمون يَتَأَوَّلُ أَنَّهُ ضَمِنَ وَأَقْبَضَ لَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ بِالرَّدِّ شَيْئًا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهَذَا يَدُلُّ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ عَنْ الْحَادِثِ غَرَامَةٌ غَيْرُ مَنْسُوبَةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَاكَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ أَوْ خَاصٍّ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) إنْ تَنَازَعَا فَيُذْعِنُ أَحَدُهُمَا إلَى الرَّدِّ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيُذْعِنُ الْآخَرُ إلَى الْإِمْسَاكِ وَغَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا يُفْرَضُ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ

هُوَ الْمُشْتَرِيَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَقَدْ يَكُونُ طَالِبُ الرَّدِّ هُوَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي يطالب الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا ومقتضى طلاقه فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُجَابَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَاجِبَ لَهُ الْأَرْشَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِالرَّدِّ أَيْ مَجَّانًا وَهُوَ هُنَا لَمْ يَرْضَ بِالرَّدِّ إلَّا مَعَ الْأَرْشِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي صَحَّحَهُ (1) وَالرَّافِعِيُّ وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ مَنْ يُذْعِنُ إلَى الْإِمْسَاكِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ وَضَمُّ أرش العيب الحادث إدخال شئ جديد لم يكن في العقد فكان الاول أَوْلَى (قُلْتُ) وَهَذَا فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا أَبْدَيْتُهُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَوَرَاءَ هَذَا وَجْهَانِ آخَرَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَاهُمَا غَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) أن المتبع رأس الْمُشْتَرِي وَيُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى مَا يَقُولُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَمَامُ الثَّمَنِ إلَّا بمبيع سليم فإذا تعذر ذلك فوضعت الْخِيَرَةُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ مُلْبِسٌ بِتَرْوِيجِ الْمَبِيعِ فَكَانَ رِعَايَةُ جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَوْلَى وَيُرْوَى هَذَا الْوَجْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَأَنَّهُ رَوَاهُ فِي الْقَدِيمِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ هُنَاكَ فِي إجَابَةِ الْمُشْتَرِي إلى الرد وأما إجابته إلى الامساك فلم أرهم ذكروها هناك (فان قلت) إذا أجيب في الرد فأجابته في الْإِمْسَاكِ أَوْلَى لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (قُلْتُ) قَدْ يَكُونُ أَبُو ثَوْرٍ يَرْوِي أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَلَا يَسُوغُ أَخْذُ الْأَرْشِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ فَأَرْشَ الْعَيْبِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُتَّبَعَ رَأْيُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ آخِذٌ مَا لَمْ يَرِدْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ تَحَصَّلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي الثانية مستويان لراية الصَّيْدَلَانِيِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ الصُّورَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَهِيَ إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَغَرَامَةَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا وَبَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَجَدَ بِالثَّانِي عَيْبًا وَأَرَادَ ضَمَّ قِيمَةِ التَّالِفِ إلَيْهِ وَانْفَسَخَ فِيهِمَا إنْ جَوَّزْنَا هُنَاكَ أَجَبْنَا هُنَا وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَغْرَمُ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْبِنَاءُ يَقْتَضِي ضَعْفَ الْقَوْلِ بِإِجَابَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ هُنَاكَ عَدَمُ إجَابَتِهِ فِي ضَمِّ قِيمَةِ التَّالِفِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُفَرَّعَانِ عَلَى امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَوْجُودِ بِالرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران فهو خلاف

_ (1) بياض بالاصل

عَلَى خِلَافٍ وَبَنَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهَا إذَا اشترى جوازا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا وَقُلْنَا لَهُ رَدُّهُ هَلْ لِلْبَائِعِ الْأَرْشُ قَوْلَانِ (إنْ قُلْنَا) لَهُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا (قُلْتُ) وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ كَذَلِكَ هُنَا (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيُسْأَلُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ الْمُرَادِ بِهِ مَا يُبْقِي لَهُ قِيمَةً بَعْدَ الْكَسْرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ الله تعالى * * (فروع) * الاول لزوال الْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثُمَّ عَلِمَهُ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي البويطى وفيه وجد ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَعْنِي عَنْ قُرْبٍ وَأَمَّا مَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَوْ زَالَ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَوْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِيهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ زَالَ الْقَدِيمُ بَعْدَ أَخْذِهِ أَرْشَهُ رَدَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ نَبَتَ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ هَلْ يَرُدُّهَا وَلَوْ زال العيب الحادث بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا قَطَعَ كَامِلَ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا مِنْ يَدِ رَجُلٍ ثُمَّ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِنْ يَدِ آخَرَ وَيَدَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالطَّلَبِ فَأَعْطَيْنَاهُ الْأَرْشَ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ ثُمَّ قَطَعَ الْأَوَّلُ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا وَأَرَادَ الثَّانِي رَدَّ الْأَرْشِ وَقَطْعَ الْوُسْطَى قَالَ (وَالْأَصَحُّ) أنه ليس ذَلِكَ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْأَخْذِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالْقَبْضِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَجَعَلَ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ ولو تراضيا ولا قضيا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكُلَّمَا ثَبَتَ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ يمنع الرد إذا حدث عند المشترى ومالا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا فِي الْأَقَلِّ وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا قَطَعَ إصْبَعَهُ الزَّائِدَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِجْلِيُّ لَكِنِّي رَأَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ باع اقلف فختنه البائع قبل التسليم وبرأ أَوْ كَانَ بِهِ سِنٌّ شَاغِيَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَلَعَ السِّنَّ وَقَطَعَ الْإِصْبَعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَرِئَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ زَوَالَ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مَعَ الْبُرْءِ لَيْسَ بِعَيْبٍ ولذك لَمْ يُرَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ

لَكِنْ فِي كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِهِ غَرَضٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إذا حدثت قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ بِهِ أَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَصَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ بِهِ جَزْمًا فَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مَعَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَعَيَّنَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاحْتِرَازُ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ كَمَا لَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا حَدَثَ في يده قبل القبض بمنع الرَّدُّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى الطرفان لا يستثني منهما شئ وَسَيَأْتِي وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ خَالَفَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَلَوْ أَخْصَى الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ وَلَوْ نَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ صَنْعَةً ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَضِيعَةً فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّ الْبَائِعِ أَوْ ابْنَتُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْقُصْ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي وطئ الثَّيِّبِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ أَبَا الْمُشْتَرِي أَوْ ابْنَهُ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ رَهْنِهِ فَلَا رَدَّ فِي الْحَالِ وَفِي وُجُوبِ الارش وجهان ان عللنا باستدرك الظلامة فتم وَإِنْ عَلَّلْنَا بِتَوَقُّعِ الْعَوْدِ فَلَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ رَدَّ وَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يجوز مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ كَالْمَرْهُونِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَهُوَ عيب يرجى زواله فان رضى البائع بأخذ مستأجرا رد عليه ولا تعذر الرد نفى الْأَرْشِ الْوَجْهَانِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الدَّرْسِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ كَانَ قَالَ إنَّهُ إذَا رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ فَهَلْ يفسخ في الحال أولا حَتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ وَتَمْضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ مَنَعْنَا لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ الْأَرْشَ لِأَنَّ لِلرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ غَايَةً مَعْلُومَةً بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وسواء؟ ؟ ؟ أَوْ فَسَخَ فِي الْحَالِ فَالْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ تعذر الرد بغصيب أَوْ إبَاقٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَيَأْتِي التَّعَذُّرُ بِالْإِبَاقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِحِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِبَاقِ وَالْغَصْبِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِلتَّعَذُّرِ (وَالثَّانِي) لَا لِعَدَمِ الْيَأْسِ وَقَرَارُ الرَّقِيقِ عَلَى نَفْسِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تُدِينُ الْمُعَامَلَةَ أَوْ تُدِينُ الِائْتِلَافَ مَعَ تَكْذِيبِ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَإِنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرِي الْمَوْلَى عَلَى دَيْنِ الِائْتِلَافِ منع منه فان عفى المقر له بعدما أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الاش وجهان جاريان فيما إذا أخذ اشترى الْأَرْشَ كَرَهْنِهِ الْعَبْدَ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ إبَاقَتِهِ أو غصبه أو نحوها ان مسكناه مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ زَالَ

الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ (أَصَحُّهُمَا) لَا فَسْخَ وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَقْبَلُ الفسخ وكذا التعليق قابل للرفع بازلة الْمِلْكِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ زَوَّجَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْعَبْدَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَهُوَ كَعَيْبٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ بَعْضَهُمْ قَطَعَ بِهَذَا وَإِنَّ الرُّويَانِيَّ وَالْمُتَوَلِّيَ اخْتَارَاهُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ تُفْهِمُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّجَهُ عَلَى الْخِلَافِ * قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ (وَأَمَّا) الْكِتَابَةُ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْأَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ لا رد ولا أرش لعدم اليأس ولاستدرك الظُّلَامَةِ بِالنُّجُومِ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالرَّهْنِ وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ بِالنُّجُومِ يَعْنِي لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مَالُهُ (وَقَالَ) فِي التَّتِمَّةِ إنَّهُ إنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ الْقَبُولِ أَوْ قُلْنَا تَبِعَ الْمُكَاتَبَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالتَّزْوِيجِ وَمُرَادُهُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ (وَأَمَّا) فِي جَوَازِ الرَّدِّ فَقَدْ عَلِمْتَ بِنَاءَ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَتْ كَالتَّزْوِيجِ مُطْلَقًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي الْكِتَابَةِ أربع طرق (أصحهما) أَنَّهُ كَالرَّهْنِ فَلَا يُفْسَخُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الرَّافِعِيِّ (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِي الْحَالِ قَطْعًا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيُّ (الثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يفسخ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي قَوْلِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَسْخَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ وَأَنَّهُ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَدِيمِ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْتِنَاعِ بَيْعِهِ وَلَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي زَوَالِ الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ * * (فَرْعٌ) * لَوْ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ ثُمَّ عَلِمَ بها عيبا قديما ان لم يعيبها نَزْعُ النَّعْلِ بِأَنْ تَكُونَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسَمَّرَ الْمُشْتَرِي النَّعْلَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ بِقَلْعِهَا نَزْعٌ فَلَهُ نَزْعُهُ وَالرَّدُّ فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ قَبُولُ النَّعْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ هُنَا وَالنَّعْلِ فِي يَدِهِ طَلَبُ الْخَصْمِ أَنَّ ذَلِكَ إشْغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي أن اشغال المشتري يجز الصُّوفِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيرَادِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ يُطْرِدُهُ فِيهِمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنَّ بَابَهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ نَزْعُ الْحَافِرِ يَخْرِمُ نَقْبَ الْمَسَامِيرِ وَيَعِيبُ الْحَافِرَ فَنَزَعَ

بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ نَزْعُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ كَانَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فِي الْأَرْشِ وَلَوْ رَدَّهَا مَعَ النَّعْلِ أَجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الْقَبُولِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَةِ النَّعْلِ ثُمَّ تَرْكُ النَّعْلِ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَكُونَ لِلْبَائِعِ لَوْ سَقَطَ أَوْ إعْرَاضٌ فَيَكُونَ لِلْمُشْتَرِي (وَجْهَانِ) أَشْبَهُهُمَا الثَّانِي هَذَا إذَا جَرَى التَّرْكُ وَحْدَهُ فَإِنْ حَصَلَ لَفْظُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَقِيلَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْأَحْجَارِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى قولنا أنه لا يملك المطالبة به مادام مُتَّصِلًا وَلَوْ طَلَبَ نَزْعَهُ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَهُ ذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ ابْتِدَاءً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَسْمَحُ بِالنَّعْلِ وَطَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنِي الْمُسَامَحَةُ وَقَلْعُهُ يَقْتَضِي حُدُوثَ تَعَيُّبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ لم يكن له ذلك فانه كالحضر فِي مُؤْنَةِ الرَّدِّ * * (فَرْعٌ) * إذَا صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ عند الوفاق أو الننازع (وَأَمَّا) إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَالِبَ بشئ فَعَلَى الْبَائِعِ الْقَبُولُ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ إذَا صَبَغَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ مَصْبُوغًا وَيَرْجِعُ بالارش وحلمه ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ بِالصِّبْغِ نَقْصٌ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ لَا يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إذَا لَمْ يَسْمَحْ بِالصِّبْغِ فَإِنْ سَمَحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُ مُطْلَقٌ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَصِيرُ الصِّبْغُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ لَا تُزَايِلُهُ وَلَيْسَ كَالنَّعْلِ قُلْتُ لَكِنْ فِي إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ شَبَهٌ مِنْ مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَفِيهَا خِلَافٌ لِأَجْلِ الْمِنَّةِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ وَالصِّبْغُ فَوْقَ النعل دون الثِّمَارِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وقال البائع رد الثوب لا غرم لَكَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّ الْمُجَابَ الْبَائِعُ وَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَرْشِ وَهَذَا مِمَّا يُعَيِّنُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي الصِّبْغِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا أَهْمَلَ الْقِسْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ أو يكون

لَا يَخْتَارُ الْإِجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّعْلِ فَيَبْقَى كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ أَجَبْنَا الْبَائِعَ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ حَيْثُ نُجِيبُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الصَّحِيحِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَالثَّمَنِ يَسْتَدْرِكُ ظُلَامَتَهُ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا هُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالرَّدِّ مع أرش الحادث غرمناه لا مقابلة شئ أَخَذَهُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ فَإِنَّهُ يُجَابُ قَطْعًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ مَعَ الثَّمَنِ فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَهَذَا الصَّحِيحُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ قَطَعَهُ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى صِبْغٍ تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ (وَقَالَ) الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا قَالَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ قَالَ لَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَالْإِمَامُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَسَتَأْتِي التَّنْبِيهَاتُ الَّتِي أَذْكُرُهَا الْآنَ إن شاء لله تعالى بيان الْحَالِ فِيهِ وَهَلْ ذَلِكَ مُتَحَتِّمٌ أَوْ ثَمَّ طَرِيقٌ غَيْرُهُ وَهَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الطَّرَفَيْنِ أَعْنِي طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْإِمْسَاكَ وَأَخْذَ الْأَرْشِ أَوْ الرَّدَّ وَأَخْذَ قِيمَةِ الصِّبْغِ شَبَّهَهُ بِالْخِلَافِ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى ضَمِّ الْأَرْشِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ وقال فقد جرى الصبغ لزائد مَجْرَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي طَرَفَيْ الْمُطَالَبَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْبَائِعُ رُدَّهُ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي أُمْسِكُ وَآخُذُ الْأَرْشَ فَفِيمَنْ يُجَابُ وَجْهَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَغْرَمُ الْأَرْشَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ إذَا أَفْرَدَ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ بِالنَّظَرِ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الصِّبْغِ الزَّائِدِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ أَنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْعَقْدِ كَإِدْخَالِ الارش الدخيل فيالعقد هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُرَادُهُ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرد يعطى الْبَائِعُ قِيمَةَ الصِّبْغِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ فَمَنْ الْمُجَابُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى مَا تقدم ان المجاب البائع فيالحالتين (والثانى) ان المجاب المشترى فيالحالتين (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَرِيبًا مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَقَالَ) فِي الْوَجِيزِ إنَّ إدْخَالَ الصِّبْغِ كَإِدْخَالِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي عَوْدَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هَهُنَا ثُمَّ يُقَالُ الْمُجَابُ مِنْهَا فِي وَجْهِ مَنْ يَدْعُو إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْأَرْشِ الْقَدِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَقَدْ بَيَّنَّا ثَمَّ أَنَّ الْأَصَحَّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهَهُنَا قَضِيَّةُ إيرَادِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا مَرَّ قُلْتُ وَكَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ ظُهُورُهُ فِيمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا في

النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ (وَأَمَّا) كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ طَلَبَ قِيمَةَ الصِّبْغِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ فِي رَدِّ الثَّمَنِ فِيهِ وَجْهَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا نُكَلِّفُهُ قِيمَتَهُ فَهُوَ كَعَيْبٍ حادث فتعود الاوجه فيه فيان تملك شئ حَادِثٍ أَوْلَى أَوْ تَغْرِيمَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا صَرِيحٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ فِيهِ زِيَادَةُ إشْكَالٍ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مُفَرَّعَةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى بذل قيمة الصبغ ويستبق الرهن إلى أَنَّ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِإِجَابَةِ الْبَائِعِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ إلَّا وَجْهَانِ إجَابَةُ الْمُشْتَرِي أَوْ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْأَرْشَ فَكَيْفَ تَأْتِي ثَلَاثَةُ تفريعا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَحَلُّ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا لَمْ نُجْبِرْ الْبَائِعَ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالصِّبْغُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي والثوب تنقص قيمته باتصاله بصنع لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي التَّقْوِيمِ فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَرْشِ الْحَادِثِ قُوِّمَ الثَّوْبُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ خَالِيًا عَنْ الصِّبْغِ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةٌ قُوِّمَ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الصِّبْغُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّقْوِيمِ فَإِذَا قِيلَ تِسْعَةٌ عُلِمَ أَنَّ الْفَائِتَ دِرْهَمٌ فَيَبْذُلُهُ لِلْبَائِعِ مَعَ الثَّوْبِ وَيَسْتَرْجِعُ ثَمَنَهُ وَيَبْقَى الصِّبْغُ فِي الثَّوْبِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ أَوْ عَلَى أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَذَلِكَ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي هَذَيْنِ الْمَسْلَكَيْنِ فَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْبَائِعُ فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَ الْأَرْشِ عَنْ الْقَدِيمِ أَوْ أَخْذَ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ عَرَضَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَبَاهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَبَ الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ مَعِيبًا بِسَبَبِ الصِّبْغِ وَلَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الصِّبْغِ أُجْبِرَ عَلَى بَذْلِ الْأَرْشِ وَإِنْ طَلَبَ الرَّدَّ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَاسْتِعَادَةِ الثَّمَنِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى وَجْهٍ يُجَابُ الدَّاعِي إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ أَخْذًا أَوْ بَدَلًا هكذا شرح ابن الرفعة ولم يلتزم بمقض كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْشَ غَرَامَةٌ عَمَّا فَاتَ مِنْ مِلْكِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَمَأْلُوفٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُجْبَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ أَوْ يَبْرَأَ مِنْهُ وَإِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى بَذْلِ قِيمَةِ الصبغ اجبار على تملك شئ مُبْتَدَإٍ يُبْذَلُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْغَرَامَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْلُوفٍ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْقَى شَرِيكًا بِالصِّبْغِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ أَوْ سَقَطَ حَقُّهُ يَعْنِي بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِتَعَيُّنِ هَذِهِ

الطَّرِيقِ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ لَا بِالتَّخْيِيرِ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يُقَوِّي التَّأْوِيلَ أَوْ يُضْعِفُهُ فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي فَإِنْ صَحَّ هَذَا التَّأْوِيلُ انْدَفَعَ هَذَا الْإِشْكَالُ الثَّانِي عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ بَيْنَ رَدِّ الثَّوْبِ بِدُونِ الصِّبْغِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ هَلْ يُجَابُ فِيهِ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ طَالِبُ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَرْعٌ زَائِدٌ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ سَاكِتٌ عَنْهُ وَلَيْسَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ تَصْرِيحًا بِمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ فِي إدْخَالِ الصِّبْغِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ قَهْرًا وَكَذَلِكَ كَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْوَسِيطِ فَفِي إدْخَالِ الثَّوْبِ مَعَ أَرْشِهِ بِدُونِ الصبغ فأين أحدهما من لآخر فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا ثَالِثًا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ مِنْهَا أَيْضًا أَنَّ الْمُجَابَ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ هُنَاكَ وَلَا يُنَافِي إيرَادُ الْأَئِمَّةِ هُنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجَابُ إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ مَرَّ لِأَنَّ الَّذِي مَرَّ أَنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي إذَا طَلَبَ الْأَرْشَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ أَمَّا إذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِيَ الْأَرْشَ حَالَةَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ بَذْلِ قيمة الصبغ فما مَرَّ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْإِمَامُ لَا صَائِرَ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ وَيَبْقَى شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقٌ إلَيْهِ وَأَجَابَ الْغَزَالِيُّ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يُبْقِيهِ شَرِيكًا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَضَرُّرِهِ لِعُدْوَانِهِ وَأَعْرَضَ ابْنُ خِلِّكَانَ بِأَنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ يَرْجِعُ فِي الثَّوْبِ الَّتِي زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالصِّبْغِ وَيَكُونُ شَرِيكًا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُفْلِسِ عُدْوَانٌ وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْفَلَسِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ فَإِذَا رَجَعَ حَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمُفْلِسِ تَبَعًا وَالْمَقْصُودُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهِ وَجَعْلُهُ مُشْتَرَكًا يَقَعُ لَهُ ضَرَرٌ مَقْصُودٌ أَكْثَرَ مِنْ ضَرَرِ الْعَيْبِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ إذَا رَجَعَ فِي الثَّوْبِ دُونَ الصِّبْغِ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمُفْلِسِ بِالشَّرِكَةِ لِأَنَّ مَالَهُ مَبِيعٌ كُلَّهُ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ الثَّوْبَ يُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ كُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى وَجْهَيْنِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ تَبَعًا لِلشَّرِكَةِ * وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَيْنِ عنه بناء على مادل عليه كلام الغزالي رحمه الله مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالشَّرِكَةِ هُنَا لِأَجْلِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذلك عليه كما اوله ابن الرفعة عليه وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَنْظِيرُ الْإِمَامِ لَهُ

بِالْغَصْبِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الثَّوْبَ وَيَبْقَى شَرِيكًا مُحْتَمِلٌ لَهُ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَيَأْتِي اعْتِرَاضُ ابن خلكان عليه بسبب أن المفلس مجبر عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَيَأْتِي الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ لَكِنْ فِي آخِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَشَارَ إلَيْهَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالِاحْتِمَالُ فِيهَا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهُوَ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الصِّبْغِ فَإِنَّا قَدْ نَجْعَلُ الْغَاصِبَ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ شَرِيكًا انْتَهَى فَقَوْلُ الْإِمَامِ هُنَا تَجْوِيزَ الرَّدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ليس على سبيل لايجاب بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَحِينَئِذٍ لَا يَأْتِي تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ الْآخَرِ وَالْأَوَّلِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الرَّدِّ مَعَ الشَّرِكَةِ فَيَتَوَقَّفُ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فَرْقُ الْغَزَالِيِّ بِضَرَرِ الْمُشْتَرِي مُتَّجَهًا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمَنْعُ حِينَئِذٍ لِضَرَرِهِ بَلْ لِضَرَرِ الْبَائِعِ وَهُوَ مِثْلُ ضَرَرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْأَوْلَى إذَا انْتَهَيْنَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ أَنْ نُصَحِّحَ تَأْوِيلَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ أَخْبَرُ لِكَلَامِ إمَامِهِ وَأَوَّلُ كَلَامِ الْإِمَامِ مُحْتَمِلٌ وَلَفْظَةُ الْجَوَازِ فِي آخِرِهِ ليست ان صَرِيحَةً فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ فَرْقُ الْغَزَالِيِّ وَاقِعًا فِي غَيْرِ وَجْهِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ الَّذِي اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ وَيَصِيرَ شَرِيكًا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ دُعِيَ الْبَائِعُ لَا يجب علي المشترى وفيه شئ مِمَّا ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ ان صاحب التهذيب قال انه لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُ الصِّبْغِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَنْ يَرُدَّهُ وَيَكُونَ مَعَهُ شَرِيكًا فِي الزِّيَادَةِ رَدَّهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ هُنَاكَ فقوله ان رضى البائع بالشركة رده إنْ أَرَادَ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَصَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَهُوَ الَّذِي نَقَلَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَإِنْ أَبَى أَمْسَكَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الشَّرِكَةِ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي إلْزَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كلامه فهو موافق لما قاله الرافعى رحمه الله وَمُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ جريان الاوجه الثلاثة لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصَحِّ مِنْهَا وَهُوَ إجَابَةُ مَنْ يَدْعُو إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَرُدَّ وَيَصِيرَ شَرِيكًا جَازَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُشْتَرِي الامساك وأخذ

الْأَرْشِ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ لَمْ يُلَاحِظْ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى ضَرَرِ الْبَائِعِ وَيَجِبُ النَّظَرُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا نَظَرْنَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ الله تعالى (التنبيه الرابع) الذى تخلص مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ طَلَبَ الرَّدَّ ولا يطالب بشئ أُجِيبَ قَطْعًا وَأُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ قِيمَةِ الصِّبْغِ جَازَ قَطْعًا وااتفقا عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ جَازَ قَطْعًا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ الثَّوْبِ مَعَ بَقَاءِ الصِّبْغِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي جَازَ عَلَى تَعَذُّرٍ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ مَعَ الْأَرْشِ عَنْ نُقْصَانِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ أَوْ بِدُونِهِ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الصِّبْغِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَذْلِ قِيمَةِ الصِّبْغِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَرْشِ الْقَدِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ وَأَنْ يَرُدَّ أَرْشَ نَقْصِ الثَّوْبِ بِالصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ عَنْ الْقَدِيمِ وَطَلَبَ الْبَائِعُ بَذْلَ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُجَابُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي نُجِيبُ فِيهَا مَنْ طَلَبَ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ وَإِنْ طَلَبَ الْبَائِعُ الرَّدَّ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ عن صاحب التهذيب * * (فَرْعٌ) * لَوْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ علم العيب * * (فَرْعٌ) * لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى عَيْبٍ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ أَوْ أَثَرٌ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ فَهِيَ كَالصِّبْغِ (وَإِنْ قلنا) بالثاني رد الثوب بلا شئ فَهِيَ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَطَعَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُقْتَضَبِ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالْقِصَارَةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَغَيَّرَ بِاللُّبْسِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ قَالَ الزُّبَيْرِيُّ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ * لَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ الْأَرْشُ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهَا مَذْبُوحَةً فَلَا أَرْشَ لِلْمُشْتَرِي لِإِمْكَانِ الرَّدِّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ لِلذَّبْحِ إنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ أَثَرٌ هُوَ نَقْصٌ هَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ * آخَرُ إنْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ اسْتَحَقَّ

الْأَرْشَ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ إنْ بَذَلَ الْأُجْرَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ مَخِيطًا لِأَنَّ فِي الْخِيَاطَةِ عَيْبًا زَائِدًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ * آخَرُ لَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا حُلْوًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهِ حَتَّى صَارَ خَمْرًا فَلَهُ الْأَرْشُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْخَمْرِ وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْبَائِعُ بِقَبُولِهِ أَمْ لَا لِتَحْرِيمِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْخَمْرِ فَلَوْ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَسْتَرْجِعُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ وَلَا أَدْفَعُ الْأَرْشَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنُ الْعَصِيرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي فِيهِ عَمَلٌ يَفُوتُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَفْرِيعِ أَبِي العباس ابن سُرَيْجٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ وُجُوبِ الْأَرْشِ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ أَوْ وَهَبَهُ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ كَمَا سَيَأْتِي فَالرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ خَمْرًا ينبغى أن يمنتع الْآنَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ خَلًّا كَمَا إذَا وَهَبَهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْخَلَّ وَلَا يَدْفَعَ الْأَرْشَ ظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْأَرْشِ لِلْعِلَّةِ المذكورة ولكن العلة المذكورة وهي ان الحل هُوَ عَيْنُ الْعَصِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَيْضًا إذَا طَلَبَ الرَّدَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ وَطَلَبَ الْأَرْشَ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِي النَّقْلِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَلَا مَا يُخَالِفُهُ * آخَرُ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْخَمْرِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ مِنْ ثَمَنِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ وَهُوَ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا رَدَّ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ إسْلَامُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الحسن فان قال البائع آخُذُ الْخَلَّ وَأَرُدُّ الثَّمَنَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ إسْلَامِهِمَا فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ إسْلَامِهِ الرَّدُّ وَلَا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَمَّا الرَّدُّ فَلِحُدُوثِ الْإِسْلَامِ (وَأَمَّا) الْأَرْشُ فَلِإِمْكَانِ الرَّدِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَوْ كَانَ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ بَعْدَ تَبَايُعِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَسْلَمَ وَحْدَهُ جَازَ لِأَنَّ اسْتِرْجَاعَ الْبَائِعِ تَمَلُّكٌ لِلْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَتَمَلَّكُ الْخَمْرَ وَرَدُّ الْمُشْتَرِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَالْمُشْتَرِي يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْخَمْرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ * * (فَرْعٌ) * اشْتَرَى جَارِيَة بعبد ثم وجد بالجارية عيبا قديما فردها وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا حَادِثًا عِنْدَ بَائِعِ الْجَارِيَةِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَأْخُذُ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ الَّتِي رَدَّهَا الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ إنْ اخْتَارَ عَدَمَ اسْتِرْدَادِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَارِيَةَ وَيَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ وَيَطْلُبَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ رَدِّ الْجَارِيَةِ لَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ البائع الْجَارِيَةِ فَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ

يَرُدُّ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَالَ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ الصَّوَابِ بِدَلِيلِ أو الزَّوْجَ إذَا أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ عَبْدًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل المسيس وغلب الْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ تَشَطَّرَ الْعَبْدُ وَعَادَ نِصْفُهُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَبَيْنَ أن يرضى بنصف معيب وَلَا يُكَلِّفُهَا ضَمَّ أَرْشِ الْعَيْبِ إلَى نِصْفِ الْعَيْنِ هَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ بِالْجَارِيَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى حَكَى الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الغصب ثم أعد فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغَصْبِ وَجَزَمَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَرَدَّ الْعَبْدَ مَعِيبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ بَلْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا فِي الصَّدَاقِ وَقَالَ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَلَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ فَنَاقَضَ اخْتِيَارَهُ فِي الْوَسِيطِ (وَقَالَ) فِي الْبَسِيطِ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ إنَّهُ يَأْخُذُ الْعَبْدَ مَعِيبًا وَيُطَالِبُ بِالْأَرْشِ وَفِي الزَّوْجِ إذَا عَادَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ مَعِيبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْنَعَ بِالْمَعِيبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَمِعْتُ الْإِمَامَ فِي التَّدْرِيسِ يَقُولُ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ وَجْهًا فِي الصَّدَاقِ من مسألة العبد والجارية انه يطالب بالارش وجها فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ أَنْ لَا يُطَالَبَ بِالْأَرْشِ وَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ وَلَسْتُ وَاثِقًا بِالْفِعْلِ وَإِنِّي لَمْ أُصَادِفْهُ فِي مَجْمُوعِهِ قال أبو إسحق ابراهيم ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ (قَوْلُهُ) فِي مَجْمُوعِهِ يُرِيدُ نِهَايَةَ الْمَطْلَبِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مسألة العبد والجارية في آخر كتاب النِّهَايَةِ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ سَوَادِ مختصر المزني ذكر بَعْدَهُ مَسَائِلَ مُبَدَّدَةً سَرْدًا مُتَنَوِّعَةً قَالَ إنَّمَا ذَكَرْتُهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ أَكُونَ أَهْمَلْتُهَا فِي ى مَوَاضِعِهَا فَإِنْ كُنْتُ أَهْمَلْتُهَا فَذِكْرُهَا مُفِيدٌ هَهُنَا وَإِنْ كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَمْ تَضُرَّ إعَادَتُهَا قَالَ إذا باع عبدا بثوب ففصل صاحب الثوب الثَّوْبِ وَقَطَّعَهُ فَوَجَدَ الثَّانِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَهُ رَدُّهُ ثُمَّ إذَا رَدَّهُ حَكَى الشَّيْخُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَسْتَرِدُّ الثَّوْبَ مَقْطُوعًا وَيَسْتَرِدُّ أَرْشَ النَّقْصِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ آخِذِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ بِالْعَيْبِ غَرِمَ تَمَامَ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا رَدَّ الْعَبْدَ وَصَادَفَ الثَّوْبَ مَعِيبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ مَعِيبًا وَاسْتَرَدَّهُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَعِيبٍ فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ فَلَا أَرْشَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا تَخَالَفَا وكان غالب الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ وَيُرْجَعُ عَلَى مَنْ نَقَصَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ بِأَرْشِ النَّقْصِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ فَإِنْ طَرَدَ صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّانِي مَذْهَبَهُ فِي مَسَائِلِ التَّخَالُفِ كَانَ ذَلِكَ خَرْقًا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ سَلَّمَهُ بَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ

بِالْعَيْبِ أَيْضًا وَتَشَبَّثَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَالُفِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ وفى قوله اشْتَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي النِّهَايَةِ مُطْلَقًا وَفِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى إذَا بَاعَ حِمَارًا بِفَرَسٍ فَمُشْتَرِي الْفَرَسِ أَخْصَاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالْحِمَارِ عَيْبًا قَالَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الاخصاء منه شيئا استرده ولا شئ وَإِنْ نَقَصَ بَعْضَ قِيمَتِهِ رَدَّ فَرَسَهُ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَرْعِ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْقَاضِي وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا لَوْ بَاعَهُ بِفَرَسٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَخْصَى الْمُشْتَرِي الْفَرَسَ وَرَدَّ الْحِمَارَ بِعَيْبٍ وَنَقَصَتْ قِيمَةُ الْفَرَسِ اسْتَرَدَّ الدَّنَانِيرَ وَالْفَرَسَ وَأَرْشَ النَّقْصِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْفَرْعَ وَقَالَ فِيهِ إذَا رَجَعَ النُّقْصَانُ يَعْنِي فِي الثَّمَنِ إلَى الصِّفَةِ كَالشَّلَلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ زاد زيادة متصلة باخذها مَجَّانًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ ابن سريج في تخير لمشترى لَا أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ نَاقِصًا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ زِيَادَاتِهِ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصَّفْقَةِ بِأَمْرٍ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَأْخُذُهُ ناقصا ولا شئ لَهُ بِسَبَبِ النَّقْصِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ مُقَيَّدٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ مَعَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَسْأَلَةً زَائِدَةً عَنْ الرَّافِعِيِّ وَمَا ذكره عن القفال وغيره هو الذى صححه الرَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْإِمَامِ هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَيْبُ الَّذِي بِالْعَبْدِ مِثْلَ عَيْبِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ يُسَاوِي أَضْعَافَ ثَمَنِهِ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي الرَّدِّ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْإِمْسَاكِ * (تَنْبِيهٌ) * قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ نَقَصَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّ النَّقْصَ عِنْدَ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا آخَرَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا عَلِمَ بِهَا عَيْبًا وَرَضِيَ به ثم وجد عيبا آخر *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ قَوَّمَ الْمَبِيعَ بِلَا عَيْبٍ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ مَعَ الْعَيْبِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ تِسْعُونَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ الْعُشْرَ مِنْ بَدَلِهِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِذَا فَاتَ قَدْرُ الْعُشْرِ مِنْهُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ كَالْجُزْءِ لَمَّا ضُمِنَ جَمِيعُهُ بِالدِّيَةِ ضُمِنَ الْجُزْءُ مِنْهُ بِجُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ وَلِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَدَّى إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي مَا يُسَاوِي مِائَةً بِعَشَرَةٍ فَإِذَا رَجَعَ بِالْعَشَرَةِ رَجَعَ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ) * * * (الشَّرْحُ) * قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَرْشِ وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَبِهِ مَثَّلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْمَبِيعِ السَّلِيمِ عَشَرَةٌ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ لِلنِّسْبَةِ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضمان الغصب والسوم والجناية بأنا إذا ضمنا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لا يلزم الجميع بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَفِي الْأَرْشِ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَعْنَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمُوهُ فِي الذِّكْرِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْصُلُ بِهِ الشِّفَاءُ أَكْثَرَ وَلَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ أَيْ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ الْبَائِعُ (وَقَوْلُهُ) وَلَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَيْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي جَوَازَ الرُّجُوعِ إلَى الْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ وَطَلَبُ الْأَرْشِ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ غَيْرُ سَائِغٍ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ أَوْ الرضى بِالْعَيْبِ كَمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ كُلُّهُ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ اشْتَرَى بِمِائَةٍ وَكَانَ بِتِسْعِينَ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَحِصَّتِهَا مِنْ الرِّبْحِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي كَذِبِ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنَّ الْأَرْشَ الْمُسْتَرْجَعَ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ فَاسْتِرْجَاعُهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا رد على معيب فموجب العيب الرد ولا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى الْأَرْشِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ فَكَأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الرَّدِّ وَإِذَا تَعَذَّرَ وَلَا يَنْتَظِمُ عِنْدَنَا إلَّا

هَذَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ أَوَّلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يُسْتَدْرَكُ بِإِنْشَاءِ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ إنْشَاءِ النَّقْصِ وَلَيْسَ كَالْمُرَابَحَةِ وَآخِرُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَلَكِنْ فِي مُقَابَلَةِ الرَّدِّ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ اسْتِرْجَاعَ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ حَيْثُ فَاتَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَلِذَلِكَ أَتَى بِكَأَنَّ الَّتِي هِيَ حَرْفُ تَشْبِيهٍ فَلَمْ يَجْعَلْهُ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ ولكن مشبها فان سلطنة الرَّدِّ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَخْتَصَّ بِالثَّمَنِ وَعِنْدَ هَذَا لَا يَكُونُ فِي كلام الامام جواب عن الاشكال الذى أورته إلَّا بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَسَيَأْتِي فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا أشكال من هَذَا الْوَجْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْبَائِعَ مَعِيبٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الجارية بعبد معيب يعلم عيبه يستحل وطئها وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهَا يَعْرِضُ الْعَوْدَ إلَى بَائِعِ الْجَارِيَةِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ لَأَوْرَثَ تَوَقُّعُهُ شُبْهَةً وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمُمْكِنُ فِي فَهْمِهِ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَبِيعَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ وَإِلَّا فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضِهِ فَيَخْرُجُ ذَلِكَ الْبَعْضُ عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَيَتَعَيَّنُ لِاسْتِحْقَاقِهِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَكَأَنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ وَلَكِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فما اسْتِبْدَالُ سَبَبٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عِنْدَ إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ بَعْدَ اللُّزُومِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ كَمَا قَالَ وَلَكِنْ مَا الموجب لتغيير المقابلة فانه بالرضى يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ أَشْكَلَ بِمَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ وَبِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الِانْتِقَاضِ كَمَا تَنْتَقِضُ الْمُقَابَلَةُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ إذَا قُلْنَا يُمْسِكُ بِكُلٍّ فَذَلِكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فلا يخرج عليه ما اختاره أكثر الاصحاب هُنَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَتْهُ الضَّرُورَةُ كَالتَّوْزِيعِ وَلَيْسَ الْعَقْدُ يَقْتَضِيهِ مِنْ الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ الاصحاب على خلافه إذ هم يقولون بل العقد في أصله اقضي التَّوْزِيعَ كَمَا صُوِّرَ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ عَلَى رَأْيِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلْخِيصُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مُقَابِلًا لِلْمَبِيعِ وَصِفَاتِ السَّلَامَةِ وأنه ينقسط عليها كما ينقسط عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَيَنْبَغِي عِنْدَ فَوَاتِ بَعْضِهَا أَنْ يَسْقُطَ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ مَعِيبًا وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا تَنْحَصِرُ فَيَكُونُ مَا قُوبِلَ بِالثَّمَنِ مَجْهُولًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالْأَوْصَافُ ليست

داخلة في المقابلة ولا يتقضى فَوَاتُ وَصْفٍ مِنْهَا سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ عَلَى الرَّدِّ لِفَوَاتِ الظَّنِّ فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْشِ كَانَ ذَلِكَ غَرَامَةً جَدِيدَةً لاجزء مِنْ الثَّمَنِ وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَا تقدم عن الغزالي وقد يقال (3 ن) فَوَاتَ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَاسْتِرْجَاعِ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمَبِيعُ الْمُجَرَّدُ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ الْمَرْدُودِ عَلَى الْبَائِعِ وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي تَعَذَّرَ الرد فيه وهو المبيع المجرد عنه استدراكا للظلامة وكأنه فسخ العقد فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنَّهُ إنْشَاءُ نَقْصٍ جَدِيدٍ وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وزيادة عَلَى هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ أَيْضًا لَيْسَ صَافِيًا عَنْ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ جَدِيدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَالْإِمَامُ حَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ مَا يَقْرُبُ مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي إنَّ الْمُصَنِّفَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَالَ إنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهَهُنَا قَالَ الْأَرْشُ بَدَلٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ قَالَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَى أَعْضَائِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْيَدَ كَعَيْنٍ وَالرِّجْلَ كَعَيْنٍ أُخْرَى بَلْ يُقَابِلُ الْمَبِيعَ وَهُوَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيُقَابِلُهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُزْءًا لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَيْنٌ أُخْرَى ثُمَّ إذَا صَادَفَهَا الْمُشْتَرِي نَاقِصَةً لَهُ الرَّدُّ اسْتِدْرَاكًا لِلظُّلَامَةِ فَإِنْ لَمْ يفسخ عند الامكان فلا شئ لَهُ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ الْعَيْنُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالضَّرَرُ يَزُولُ بِالْفَسْخِ فَإِنْ سَقَطَ رَدُّهُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ دَعَتْنَا الضَّرُورَةُ إلَى تَمْيِيزِ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْوِيمُ لِيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ إذْ لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ إلَّا بِذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَعْوَى الضرورة وذلك لاشفاء فيه في جعل ذلك (قلت) جزأ مِنْ الثَّمَنِ وَتَقْدِيرُ عِلَّةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ وَلَيْسَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصًّا بِهِ وَالْفَارِقِيُّ جَعَلَ وُجُوبَ للارش عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَشَبَّهَهُ بِمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ فَكِيلَتْ بعد البيع فخرجت تسعة فانه يسقط

_ (3 ن) كذا بالاصل

دِرْهَمٌ كَذَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَخَرَجَ مَقْطُوعَ الْيَدِ (قُلْتُ) وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّشْبِيهُ لَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى خِلَافٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْجُزْءِ إلَى آخِرِهِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنَّ نَفْيَهَا مِنْ دِيَتِهِ فَنَقُولُ هَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا صَحِيحًا قِيمَتُهُ كَذَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَعَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ قِيمَتُهُ كَذَا فَمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ تَابِعٌ للشيخ أبو حَامِدٍ (فَائِدَةٌ) ادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَفِي غَيْرِ ذلك يدل على أنه جزء أن ذَلِكَ مُنَاقَضَةٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى ذَلِكَ وذكرت تأويله * * (فَرْعٌ) * مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ لَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَوَجَدَهُ خَصِيًّا بَعْدَ أَنْ وَجَدَ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَلَا رُجُوعَ بِالْأَرْشِ أَصْلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَالْجِرَاحُ مُتَأَلِّمَةٌ فَإِنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ أَيْضًا انْسَدَّ طَرِيقُ الارش * * (فَرْعٌ) * مَعَ قَوْلِنَا بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِأَخْذِهِ وَفِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً مَعِيبَةً بعبد معين وتسلم الحنطة وسلم العبد وأعتقه ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا قَدَّرَ الْأَرْشَ وَرَجَعَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيهِ وَهَلْ يَنْتَقِضُ فِي الْبَاقِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْبَعْضِ هَكَذَا عِبَارَتُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ ذَلِكَ مَعَ بُعْدِهِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ انْتِقَاصٌ طَارِئٌ لَا بِطَرِيقِ التَّعْيِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ هَذَا الْإِشْكَالَ الَّذِي قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَانْظُرْ كَيْفَ آلَ التَّفْرِيعُ إلَى أَنْ جَعَلَ أَخْذَ الْأَرْشِ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى العيب *

* (فَرْعٌ) * لَوْ كَانَ الْعَيْبُ فِي عَيْنٍ قُبِضَتْ عَنْ دَيْنٍ هَلْ يَكُونُ الْأَرْشُ عَنْهَا كَمَا قُلْنَاهُ هُنَا أَوْ يُعْتَبَرُ بِمَا يُقَابِلُهُ بَدَلَ الْعَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابَةِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّجْمِ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَرْشُ فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَا يُنْتَقَصُ مِنْ النُّجُومِ الْمَقْبُوضَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَهُمَا فِي كل عقد ورد على مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمْثَلُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُقَالَ يَغْرَمُ السَّيِّدُ مَا قَبَضَ ويطالب بالمسمى بالصفات المشروطة (قلت) فنلخص ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي كُلِّ مَقْبُوضٍ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ خَرَجَ مَعِيبًا وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ (أَحَدُهَا) يَرْجِعُ على الدافع بارشه بنسبته من العرض كما في المعاوضات (والثانى) ما نقض من قيمته كالمغصوب والمستام (وَالثَّالِثُ) يُقَدِّمُ الْقَابِضُ مَا قَبَضَ وَيُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ * * (فَرْعٌ) * فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ اشْتَرَى فِي صحته بمائة ما يساوي مائة فوجد في مرض موته به عيبا ينقص عشر قيمته وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ الكسب قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى (قُلْتُ) وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ فَوَجَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَيْبًا يَنْقُصُ الْعُشْرَ وَرَضِيَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ لَرَبِحَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ قَالَ جَامِعُ الْفَتَاوَى وَهَذَا أَيْضًا كَالْأَوْلَى وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ وَالْحَالُ كَذَلِكَ وَرَضِيَ فَهَلْ نَعْتَبِرُ الْخَمْسَةَ مِنْ الثُّلُثِ الظَّاهِرُ لَا لِأَنَّهُ اسْتَعَادَ بِهِ أَرْبَعِينَ (وَالثَّانِي) يَعْتَبِرُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ رَدِّهِ كَانَ يأخذها * * (فَرْعٌ) * لَوْ وَجَدَ بِعَيْنِهِ بَيَاضًا وَحَدَثَ عِنْدَهُ بَيَاضٌ آخَرُ ثُمَّ زَالَ أَحَدُ الْبَيَاضَيْنِ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ زَالَ الْقَدِيمُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْحَادِثُ حُلِّفَا وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ أَحَدِ الْبَيَاضَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْبَيَاضَانِ أَخَذَ أَرْشَ أَقَلِّهِمَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْبَائِعُ يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ دَرْءَ الْفَسْخِ وَالْمُشْتَرِي يَسْتَفِيدُ بِيَمِينِهِ أَخْذَ الْأَرْشِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَقَالَ) الرُّويَانِيُّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِزَوَالِ حَقِّهِ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ وَيَدَّعِي عَوْدَ الْحَقِّ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا وَالْبَائِعُ يَدَّعِي زواله * * (فَرْعٌ) * إذَا ثَبَتَ الْأَرْشُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بعد في ذمة المشترى يرى مِنْ قَدْرِ الْأَرْشِ وَهَلْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ وَجْهَانِ (أصحهما) الثاني ليبقى له طريق الرضى بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْفَوَاتِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الْبَقَاءِ وَمَيْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَا يَحْصُلُ دُونَ طَلَبٍ وَقَدْ اقْتَصَرُوا هنا على حكاية هذين لوجهين وَكَأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ عَلَى

أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا غُرْمٌ جَدِيدٌ فَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ أَيْضًا بالطلب بل للبائع أن يعطيه من فان اتفق الدينان جرى التقاصى وَلَوْ كَانَ قَدْ وَفَّاهُ الثَّمَنَ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْ يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لِحَقِّهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْأَوَّلُ هَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَمَّا إذَا قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَوْ الِاطِّلَاعِ فَلَا يَسُوغُ لِلْبَائِعِ إبْدَالُهُ لَكِنَّهَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُلَاحَظُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ غُرْمٌ جَدِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا الْوَجْهِ هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ هُنَا (إنْ قُلْنَا) إنَّ الْغُرْمَ جَدِيدٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ (وَإِنْ قُلْنَا) جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَوَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَلَمْ يصحح منهما شيئا (إن قُلْنَا) يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهُ وَإِلَّا جَازَ إبْدَالُهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ وَفَّاهُ وَهُوَ بَاقٍ بِحَالَةٍ وَرُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ بَعْدَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ وَهِيَ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ تِلْكَ فِي الْأَرْشِ وَهَذِهِ فِي الرَّدِّ وَالْمَأْخَذُ غَيْرُ الْمَأْخَذِ لَكِنَّ تَصْحِيحَهُ التَّعَيُّنَ فِي الْأُولَى فَرْعٌ عَنْ تَصْحِيحِ التَّعَيُّنِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ رَدِّ الْبَيْعِ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَإِنِّي هُنَا إنَّمَا ذَكَرْتُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ تَعَيُّنُهُ وَيَجِبُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (إنْ قُلْنَا) الْأَرْشُ غُرْمٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِنْ قُلْنَا جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَعَيَّنَ أَخْذُ الْأَرْشِ مِنْهُ تَالِفًا فَهُوَ كَمَا إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مِثْلِهِ إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى * * (وأن اختلف قِيمَةُ الْمَبِيعِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ قُوِّمَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا كان نقصانه مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَقَلَّ ثُمَّ زَادَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ في ملك المشترى لاحق لِلْبَائِعِ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا فِي التَّقْوِيمِ) * *

* (الشَّرْحُ) * تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ مَعْنًى لِإِيجَابِ الْأَرْشِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَنَّهُ قِيمَةٌ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهِيَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْقَطْعُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ فَالنُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا هَذَا (وَالثَّانِي) وَنُقِلَ عَنْ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ التَّخَالُفِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّخَالُفِ وَنُقِلَ عَنْ الْفُورَانِيِّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مقلاص ووجهه أن الثمن يومئذ قابل المبيع (وَالثَّالِثُ) نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مِقْلَاصٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ معللا بأنه يومئذ تَمَّ الْبَيْعُ فَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَثْبَتُوا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمِمَّنْ اقْتَصَرَ عَلَى إيرَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ وَحَمَلُوا كُلَّ نَصٍّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ أَقَلَّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعْرُوفَةٌ بِالْإِشْكَالِ لاسيما على عبارة المصنف في تَعْلِيلُهُ وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَبَيَانُ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَأَذْكُرُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمَا قِيلَ فِي جَوَابِهِ (اعْلَمْ) أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ أَهْمَلُوا التَّعَرُّضَ لِوَقْتِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ذكر ذلك ابن أبى عمرون وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالْأَكْثَرُونَ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ لَهُمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمُ الْقَبْضِ أَوْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَتْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ

وَعِبَارَةٌ ثَانِيَةٌ قَالَهَا الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ أَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَثْرَةُ النُّقْصَانَيْنِ وَعِبَارَةٌ ثالثة قالها النووي في المنهاج أنه يعبر أَقَلُّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى الْقَبْضِ (فَأَمَّا) عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ فَأُؤَخِّرُ الْكَلَامَ عَنْهَا حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَوَّلَيْنِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْإِمَامِ فَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِعِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أن يكون الواجب من الْأَرْشِ الْأَكْثَرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنَّ الْمَعْنَى بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ مَعَ الْعَيْبِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ وَحَالَةِ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ سَلِيمًا عَشَرَةً فِي الْحَالَيْنِ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ ثَمَانِيَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يُوجِبُ الْخُمُسَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَأَوَّلُ ما أقدم أن لنا قيمة منسوبا إليها وهى قيمة السلم وَقِيمَةً مَنْسُوبَةً وَهِيَ قِيمَةُ الْعَيْبِ وَنِسْبَةً بَيْنَهُمَا بها يعرف قدر العيب من السليم فتارة تَكُونُ تِلْكَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ كَهِيَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَالُ المبيع مختلفا في اليومين ههنا لَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ اتِّحَادِ النِّسْبَةِ مِثَالُهُ قيمة السليم ويوم الْعَقْدِ مِائَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفٌ أَوْ عَشَرَةٌ وَقِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعُونَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعُمِائَةٍ أَوْ تِسْعَةٌ فَالنِّسْبَةُ فِي الْيَوْمَيْنِ الْعُشْرُ وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ بِالزِّيَادَةِ وَلَا بِالنُّقْصَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَاعْتِبَارِ أَكْثَرِهَا وَالسَّاقِطُ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْعُشْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ النِّسْبَةُ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ قِيمَةِ المعيب مع بقاء قيمة السَّلِيمِ عَلَى حَالِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِالْعَكْسِ وَقَدْ يَكُونُ بِاخْتِلَافِهِمَا مَعًا (مِثَالُ الْأَوَّلِ) قِيمَتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْمَنْسُوبِ فَإِنْ نَسَبْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْعَقْدِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْخُمُسَ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَكَلَامُ الْإِمَامِ تَصْرِيحٌ وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّا نَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي هِيَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ القيمتين هنا أوجب زيادة الارش وإيجاد أكثر النقصانين من الثمن لكن سَأُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الكلام

أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْأَصْحَابَ لَمْ يُرِيدُوا هَذَا الْقِسْمَ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَيْهِ هُنَا لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ القبض من ضمان البائع والنقصان من بقاء قيمة السليم لابد أن يكون بعيب والزيادة لابد أَنْ تَكُونَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَنُقْصَانُهُ يَمْنَعُ مِنْ ضَمَانِ مَا نَقَصَ مِنْهُ كَزَوَالِهِ (وَمِثَالُ الثَّانِي) قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِيَةٌ وَسَلِيمًا يَوْمَ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالِاخْتِلَافُ هَهُنَا فِي الْقِيمَةِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ كَانَ الْأَرْشُ التُّسْعَ وَإِنْ نَسَبْنَا إلَى أَكْثَرِهَا كَانَ الْأَرْشُ الْخُمُسَ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ هُنَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي فَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ أَكْثَرِ النُّقْصَانَيْنِ بَلْ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ التُّسْعُ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا الْقِسْمُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى مَا سَأُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِثَالُ الثَّالِثِ) قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ وَمَعِيبًا تِسْعَةٌ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا تِسْعَةٌ وَمَعِيبًا ثَمَانِيَةٌ فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يُوجِبُ أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعُشْرِ وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا من الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عشرة ومعيبا تسعة ويوم القبض سليما اثْنَيْ عَشَرَ وَمَعِيبًا عَشَرَةً فَاعْتِبَارُ الْأَقَلِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ التُّسْعُ وَاعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ السُّدُسُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثمن أو تكون قيمته يوم العقد سليما عَشَرَةً وَمَعِيبًا خَمْسَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَلِيمًا سِتَّةً وَمَعِيبًا أَرْبَعَةً فَاعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ الثُّلُثُ وَاعْتِبَارُ أَكْثَرِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْشَ النِّصْفُ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمُشْتَرِي وَأَكْثَرُ نُقْصَانًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ اخْتِلَافُ الْأَمْثِلَةِ وَأَحْكَامِهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ * فَأَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ عَبَّرَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْمُرَاعَى مَا هُوَ الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ فِي الْحَالَيْنِ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ وَمَثَّلَهُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ يَوْمَ الْعَقْدِ مُنْقِصًا ثُلُثَ الْقِيمَةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ مُنْقِصًا رُبُعَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ مَعَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ الْعَيْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ

الْمَنْسُوبَةِ لَا أَقَلُّ قِيمَتَيْ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَسْتَقِيمُ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ وَالْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَيَبْقَى القسم الثاني مَسْكُوتًا عَنْهُمَا هَلْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْأَضَرُّ بِالْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ فَيُقَوَّمَ بِالْأَكْثَرِ أَمْ لَا بَلْ يُقَوَّمُ بِالْأَقَلِّ دَائِمًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ نَفْعَ الْمُشْتَرِي مُرَاعًى مُطْلَقًا فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ أَكْثَرُ النُّقْصَانَيْنِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْبَاقِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نِسْبَةٌ وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ نُقْصَانًا مِنْ السَّلِيمِ وَأَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيمَةِ فِي نَفْسِهَا لَا إلَى مَا تَنْقُصُهُ مِنْ السَّلِيمِ وَأَيْضًا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَصِحُّ كَلَامُ الْإِمَامِ وَنُوجِبُ أَكْثَرَ النُّقْصَانَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فَعِبَارَةُ الْإِمَامِ مُطَّرِدَةٌ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ هَذَا إنْ كَانَ الْحُكْمُ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا عَدَا ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ رَضُوا بِأَنَّ الْقِيمَةَ عَنْ السَّلِيمِ سَوَاءٌ واختلف قيمة المعيب بحسب زيادتة وَصْفٍ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ نُقْصَانٍ فِيهِ فَيُنْسَبُ النَّقْصُ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَلَا تُنْسَبُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْأَمْرُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ قِيمَةُ السَّلِيمِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي حَالِ اخْتِلَافِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ الْأَقَلَّ مُطْلَقًا فَإِذَا اخْتَلَفَتَا مَعًا اعْتَبَرْنَا اقل قمتى المعيب ونسبناها إلى اقل قميتى السَّلِيمِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَكَذَلِكَ في القسم الثاني فَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى الْمُرَاعَى ضَرَرَ الْبَائِعِ مُطْلَقًا وَلَا ضَرَرَ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا ولم أر في ذلك صَرِيحًا إلَّا أَنَّ فِي تَعْلِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ (فَأَمَّا) وَقْتُ تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا فَهُوَ أَنْقَصُ الْحَالَيْنِ قِيمَةً مِنْ حَالَةِ الْعَقْدِ أَوْ حَالَةِ الْقَبْضِ تُقَوِّمُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ وَبِهِ الْعَيْبُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المراد اقل قميتى السليم المنسوب إليها لا اقل قميتى الْمَعِيبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ أَنْفَعَ لِلْبَائِعِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فَإِنَّهُ قال في مسألة الجارية تقويم فِي أَقَلِّ الْحَالَتَيْنِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا فِي

تِلْكَ الْحَالِ بِكْرًا لَا عَيْبَ بِهَا مِائَةٌ قُوِّمَتْ بِكْرًا وَبِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ فَإِذَا قِيلَ تِسْعُونَ كَانَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرَ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْحَلَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وتبين بحمد الله ان المراد أقل قميتى السَّلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قِيمَتَيْ الْمَعِيبِ كَمَا ظَنَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاعَى هُوَ الْأَضَرَّ بِالْبَائِعِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي لَحَظَهُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ هُوَ الْقِيمَةُ وَالْمَنْسُوبَ هُوَ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَى الْقَبْضِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ الْبَائِعُ عَلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يُعَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) مَا يَخْتَصُّ بِالصِّفَةِ فَنَذْكُرُهُ فِي ضِمْنِ فَائِدَةٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَاسِدَةُ الْوَضْعِ وَالْأَصْلِ وَفَاسِدَةُ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ لَنَا فِي الْكِتَابِ مَسْأَلَةٌ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهَا (أَمَّا) فَسَادُ وَضْعِهَا فانه يعتبر تقويمه بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الِاعْتِبَارُ صَحِيحًا وَمُفِيدًا إذَا كَانَ الْأَرْشُ إسْقَاطَ جُزْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَحْنُ نُسْقِطُ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءًا يقدر نِسْبَةِ فَوَائِدِ مَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبِ مَثَلًا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ فَإِنَّا نُقَوِّمُهُ صَحِيحًا بِمِائَةٍ وَمَقْطُوعًا بِتِسْعِينَ ونعلم أنه قد سَقَطَ عُشْرُ الْأَصْلِ فَيَسْقُطُ فِي مُقَابِلِهِ عُشْرُ الثَّمَنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ عَشَرَةً فَإِنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَثَرُ الْعَيْبِ فِي تَنْقِيصِ عَشَرَةٍ مِنْ مِائَةٍ نَقَصَ مِنْ الْأَلْفِ مِائَةٌ وَمِنْ الْعَشَرَةِ دِينَارٌ فَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى أَصْلِهِ بالعشر فيقسط في مقابله الثَّمَنِ وَعُشْرُ الثَّمَنِ لَا يَتَفَاوَتُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَنَحْنُ إنَّمَا نوجب عشر الثمن ولا مبالات بِاخْتِلَافِ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَأَكْثَرِهَا * بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ أَنَّ حَصْرَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِنْ حَالِ الْعَقْدِ إلَى حَالِ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّ النُّقْصَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَيْسَ يُرِيدُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَةِ الْمُبْتَاعِ وَقِلَّتِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ فَوَائِدَ المبتاع كهزال الدابة وتغيير الثَّوْبِ أَوْ حُدُوثِ

آفَةٍ بِهِ فَقَوْلُهُ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْبَائِعِ (وَقَوْلُهُ) وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ يَعْنِي الْجُزْءَ الْفَائِتَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ فَوَاتُ جُزْءٍ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّاقِصُ وَنُقْصَانُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا أَمَّا أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَهَذَا كَلَامٌ يَتَنَاقَضُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَقَلَّ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَقَّ الْمُشْتَرِي لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِيهَا فَيَجِبُ تَقْوِيمُهَا عَلَيْهِ حَتَّى نُوجِبَ عَلَيْهِ قدر ما نقص من فواتها مضمونا إلَى قَدْرِ الْأَرْشِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ بَيَانُ فَسَادِ التَّعْلِيلِ وَالْوَضْعِ جَمِيعًا هَذَا كَلَامُ الْفَارِقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزَادَ ابْنُ مَعْنٍ فِي حِكَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ مَعْرِفَةَ فَسَادِ التَّعْلِيلِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ثُمَّ نَقَصَ كَانَ مَا نَقَصَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لَا جَائِزَ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ حَصَرَ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ نَزَلْنَا جَدَلًا أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ قَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ النُّقْصَانُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لَا غَيْرُ هَذَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّقْصَانِ تَغَيُّرُ أَحْوَالِ الْمَبِيعِ كَحُدُوثِ آفَةٍ فِي الثَّوْبِ أَوْ الدَّابَّةِ لَا بِغَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الرَّغَبَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَانْخِفَاضِ الْأَسْوَاقِ وَارْتِفَاعِهَا وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ فَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ نُقْصَانُ جُزْءٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْأَمْرِ الثَّانِي وَكَمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَذَلِكَ جُزْؤُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلَى الْمُشْتَرِي لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ مَعْنٍ حَاكِيًا عَنْ الْفَارِقِيِّ وَلِأَجْلِ كَلَامِ الْفَارِقِيِّ هَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَنَصَّ الشيخ أبو إسحق فِي الْمُهَذَّبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَاوِي وَذَكَرَهُ الْقَاضِي

أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ ثُمَّ خَطَّ عليه وقد أوضحت وجه فساده وبفساده قال الشَّاشِيِّ الْأَخِيرِ ثُمَّ اخْتَارَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالْقَبْضُ مُقَدَّرٌ لَهُ كَمَا فِي الْحُكُومَةِ فِي الْجِنَايَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهَذَا يَعْنِي كَلَامَ الشَّاشِيِّ رُجُوعٌ عَمَّا اعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ وَرَدِّهِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ لَا وَجْهَ لِمَا اخْتَارَهُ (وَقَوْلُهُ) إنَّ الْعَقْدَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِمَاذَا بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّظَرِ إلَى قَدْرِهَا وَإِنَّمَا جَعَلْتُ مِعْيَارَ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْتَحَقَّ لِلرُّجُوعِ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَخْتَصُّ بِقِيمَتِهِ حَالَةُ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ كَمَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَاعْتُبِرَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا حَالَةُ النُّقْصَانِ لِيُعْلَمَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ الشَّاشِيُّ مُعْتَرِضًا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَالَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَالْعَيْبُ يَنْقُصُهُ خَمْسَةً والخمسين مِنْ الْمِائَةِ نِصْفُ عُشْرٍ وَمِنْ التِّسْعِينَ أَكْثَرُ لَمْ تَسْتَمِرَّ النِّسْبَةُ فِي الْمَرْجُوعِ بِهِ ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ هَذَا التَّصْوِيرُ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْوَاحِدَ يَنْقُصُ مِنْ الْكَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما ينقصه من قليل القيمة لاسيما وَالْعَيْنُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ مِنْ جِهَةِ السُّوقِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَأَنَا أَقُولُ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِمَا قَالَهُ هَذَانِ الشَّيْخَانِ يَعْنِي الْفَارِقِيَّ وَابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ حَسِيكَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَنَا أُفْرِغُ الْجُهْدَ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدِي فِيهَا نَقْلًا وَبَحْثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَحِكَايَتَهُمَا مَعَ الْمَرَاوِزَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ قَالَ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابو اسحق قَوْلًا مِنْهَا وَتَرْجِيحُهُ لَهَا لَا يَكُونُ فَاسِدًا وَلَا غَلَطًا كَمَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الْفَارِقِيُّ مِنْ الْإِيرَادِ وَالْإِشْكَالِ غَلَطٌ فَإِنَّ التَّقْوِيمَ مَا كَانَ لِإِيجَابِ عَيْنِ الْقِيمَةِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ نِسْبَةِ مَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالْقِيمَةُ مِعْيَارٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ صِحَّتُهَا وَإِفَادَتُهَا (وَقَوْلُهُ) إنَّ أَثَرَ الْعَيْبِ فِي التَّنْقِيصِ وَاحِدٌ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ فَوَجَدَهُ مَقْطُوعَ الْيَدِ يُقَوَّمُ سَلِيمًا فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا يَوْمَ الْعَقْدِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْهُ خُمُسُ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا قِيمَةَ يَوْمِ الْقَبْضِ عُلِمَ أَنَّهُ نَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ فيرجع بعشر

الثَّمَنِ فَحَصَلَ التَّفَاوُتُ الظَّاهِرُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا فَهِمَ الْفَارِقِيُّ أَنَّهُ جَعَلَ قِيمَتَهُ مَعِيبًا تِسْعِينَ وَقِيمَتَهُ بِالْعِوَضِ مِائَةً (قَالَ) فَنَعْلَمُ أَنَّ النَّاقِصَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْعَقْدِ أَكْثَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ وَإِذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانَيْنِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أحدهما لاختلافهما وقول الفارقى في فساد التعليل ففى ما ذكر في كَلَامِ الشَّيْخِ غُنْيَةٌ عَنْهُ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَهَذَا القول الذى صار إليه الشيخ أبو إسحق لَيْسَ قَوْلًا لَهُ اخْتَرَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ مقول عن أئمة المذهب فلا يليق بالمتأخر إظْهَارُ شَنَاعَةٍ عَلَى مَنْ اخْتَارَهُ وَذَكَرَهُ فِي تصنيفه فانه فساد ليس في كتابه شئ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُ وَإِنَّمَا اللَّائِقُ بِهِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ عَلَى دَلِيلِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إشْكَالٍ أَوْ مُبَاحَثَةٍ أَمَّا الحكم عليه بانه أفسد شئ فِي كِتَابِهِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ مِنْهُ وَسُوءُ أَدَبٍ وممن اختار ما اختاره الشيخ أبو إسحق (1) وَالْبَغَوِيُّ * (قُلْتُ) * وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ مِنْ وُجُوبِ حِفْظِ الْأَدَبِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمُصَنِّفِ بِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى اعْتِبَارِ يَوْمِ الْقَبْضِ قَالَ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ أَثَرٌ لَمَا قَيَّدَ الشَّافِعِيُّ بِيَوْمِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ وَبَيَانِ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي اخْتِلَافِ الْأَرْشِ وَمَا فَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ لَعَلَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ قِيمَةِ الْمَعِيبِ مَعَ تَسَاوِي قِيمَةِ السَّلِيمِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ كَمَا مثل به من قطع اليد بعيد لانه متى كانت قيمة السليم يوم العقد ويوم الْقَبْضِ سَوَاءً وَالْعَيْبُ وَاحِدٌ وَالْمَبِيعُ وَاحِدٌ فَكَيْفَ تختلف قيمة العيب لكن قد قدمت أَمْثِلَةٌ تُغْنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَةُ السَّلِيمِ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْمَعِيبِ لِزِيَادَةِ الْعَيْنِ أَوْ نُقْصَانِهَا وَاسْتِبْعَادُ الشَّاشِيِّ لَهُ وَقَوْلُهُ ان العيب ينقض مِنْ كَثِيرِ الْقِيمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَنْقُصُ مِنْ قَلِيلِهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّاشِيَّ قَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ قِيمَةِ السليم المنسوب إليها واتحاد العيب

_ (1) بياض بالاصل

المنسوب وذلك هو القسم الثاني لذى قَدَّمْتُهُ وَقُلْتُ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَمْ يَشْمَلْهُ أَوْ إنَّ الْأَوْلَى فِيهِ عِبَارَةُ الْإِمَامِ (أَمَّا) إذَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ سَوَاءٌ وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِحُدُوثِ عَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ زَادَتْ بِحُدُوثِ صِفَةٍ فَإِنَّ النِّسْبَةَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا قَرَّرَهُ الْفَارِقِيُّ فِي كَلَامِهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ جَوَابُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الِاعْتِرَاضِ وَذَلِكَ هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ وَسَنَزِيدُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّاشِيِّ أن الاصحاب وان سكنوا عن قيمة السليم المنسوب إليها فلابد مِنْ اعْتِبَارِهَا فَإِنَّ قِيمَةَ الْمَعِيبِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهَا فَالضَّرُورَةُ تَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ ذلك الشئ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا فَإِنْ اتَّحَدَ فَذَلِكَ وَإِنْ اختلف فهذا مما قدمت أن الاصحاب سكنوا عَنْهُ إلَّا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَبَحَثَ فِيهِ هُنَاكَ فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا وَأَنَّهَا قَدْ تَخْتَلِفُ فَاخْتِلَافُهَا مَعَ تَعَارُضِ السَّلَامَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِحَيْثُ الْأَسْعَارُ وَالرَّغَبَاتُ وَعِنْدَ ذَلِكَ قَدْ يَنْقُصُ الْعَيْبُ مِنْ قَلِيلِ الْقِيمَةِ نِسْبَةً لَا يَنْقُصُهَا مِنْ كَثِيرِهَا وَذَلِكَ إذَا غَلَا السِّعْرُ وَضَاقَ ذَلِكَ الصِّنْفُ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ تَشْتَدُّ فيه ويغتفرون ما به عن عَيْبٍ وَلَا يَصِيرُ النَّاسُ يُبَالُونَ بِعَيْبِهِ كَمَا يُبَالُونَ بِهِ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ إذَا رَخُصَتْ الْأَسْعَارُ وَاتَّسَعَ الصِّنْفُ وَبُخِسَتْ قِيمَتُهُ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى السَّلِيمِ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ صَدَّتْ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ الْمَعِيبِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَانْحَطَّتْ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ بِنِسْبَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَنْقُولٍ ثُمَّ إنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تُفْرَضُ فِي الْفِقْهِ وَالْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً غَالِبًا بَلْ وَلَا نَادِرًا بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهَا إنْ وُجِدَتْ كَانَ هَذَا حُكْمَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا إنَّمَا جاء في اختلاف السوق وَفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ حُدُوثِ وَصْفٍ فِي الْمَبِيعِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قِيمَةِ الْمَعِيبِ سَبَبُهُ حُدُوثُ الْوَصْفِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ (وَأَمَّا) الِاخْتِلَافُ فِي قِيمَةِ السلم الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ سَبَبٌ إلَّا اخْتِلَافُ السوق ولابد مِنْ اعْتِبَارِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَإِيرَادُ الْفَارِقِيِّ عَلَيْهِ قَوِيٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّا إذَا أَدْخَلْنَا الَّذِي نَقَصَ فِي التَّقْوِيمِ قَبْلَ الْأَرْشِ وَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ فلو قال المشترى لناسبه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِبَقِيَّةِ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا أَنَّ

هَذَا الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُيُوبِ الْمَنْسُوبَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةُ السَّلِيمِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ على البائع لانا إذا نسبنا إليها وَأَدْخَلْنَاهَا فِي التَّقْوِيمِ كَثُرَ الْأَرْشُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِكَلَامِ الْإِمَامِ تَعَلَّقْنَا بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قُلْتَ) ذلك لا يلائم قوله كان ما نص فِي يَدِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَكَانَ نُقْصَانُهَا مِنْ ضَمَانِهِ (قُلْتُ) سَيَأْتِي تَأْوِيلُهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ إنَّا نُوجِبُ عَلَى الْبَائِعِ قَدْرَ ما نقص بفواتها مضمونا إلَى الْأَرْشِ إنَّمَا يَصِحُّ تَخَيُّلُهُ عَلَى بُطْلَانِهِ لَوْ زَالَ بَعْدَ حُدُوثِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ رَأَيْتُ صَاحِبَ الْوَافِي نَقَلَ هَذَا الْجَوَابَ الَّذِي قلته عن شيخ ثُمَّ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُفْرَضُ فِيمَا إذَا زَادَتْ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الزِّيَادَةُ (قَالَ) فَالْجَوَابُ صَحِيحٌ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ يَمْنَعُ مِنْهُ الْحُكْمُ إذَا فَرَضَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ اعْتَذَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي التَّعْلِيلِ فَقَالَ هَذَا مُشْكِلٌ لَكِنْ أَرَادَ أَنَّ النُّقْصَانَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سقط ضمانه برضى المشترى بقبض المبيع ناقصا فلو فرضنا وَقْتَ الْعَقْدِ أَدَّى إلَى إيجَابِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ عَنَى الْبَائِعَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ ظَاهِرًا (قُلْتُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ السَّلَامَةِ فَذَلِكَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْهَا قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ فَلَا يُنْسَبُ الْعَيْبُ إلَّا إلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ وَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ فِيهِ مُحَافَظَةً عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ فَإِنَّ قِيمَةَ السَّلِيمِ إذَا كَانَتْ مِائَةً يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ يَوْمَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَيَوْمَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَعَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَنْبَغِي بأن يقوم بأكثر قيمتي المعيب تسعون لِأَنَّ الْعَيْبَ الزَّائِدَ الْمُنْقِصَ لِلْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُحْسَبْ عَلَى الْبَائِعِ فَيَكُونَ الْأَرْشُ الْعُشْرَ (وَالظَّاهِرُ) من كلامهم أن الارش في هذه الصورة الْخُمُسُ لِأَنَّ الثَّمَانِينَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ أَوْ يَجْهَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ مُنْقِصٌ لِلْقِيمَةِ وَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ يَحْدُثُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ فَلَهُ الْأَرْشُ عَنْ الْعَيْبَيْنِ جَمِيعًا الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَاَلَّذِي حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَقَالَ) صَاحِبُ الْوَافِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَيْ يَذْهَبُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهُوَ نَاقِصٌ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْ أَمْوَالِهِ إذَا لَمْ يَبِعْهُ لَيْسَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي وَرَأَيْتُ فِي تعليقه ابى اسحق الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ غَلَطًا فِي النُّسْخَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ

أَحَدٌ ظَنَّ أَنَّ الْبَائِعَ غَلِطَ فَأَصْلَحَهُ عَلَى ظَنِّهِ وَكُلُّ النُّسَخِ فِيهَا الْبَائِعُ وَالْفَارِقِيُّ أَعْرَفُ بِمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَأَيْتُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ كَانَ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَأَظُنُّ ذَلِكَ كُلَّهُ إصْلَاحًا لِمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيلُ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيلِ المصنف وكذلك أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِشْكَالِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ شيخه القاضى ابن الطَّيِّبِ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَارِدٌ عَلَيْهَا * * (فَرْعٌ) * وَهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ وَحَمَلْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ إنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُتَعَيَّنُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْقِسْمِ الاول ان كَانَتْ قِيمَتُهُ مَعِيبًا تِسْعَةً عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ نقص نقصانه مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ إنَّمَا تَكُونُ لِعَيْبٍ آخَرَ فَذَلِكَ الْعَيْبُ الْآخَرُ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ بِهِ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيُنْسَبُ الَّذِي كَانَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يرضى بِهِ كَانَ الْكُلُّ إلَى الْقَبْضِ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ يُنْسَبُ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَعِيبِ مَعَ بَقَاءِ قِيمَةِ السَّلِيمِ فَذَلِكَ إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ بِمَا نَقَصَ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الرَّدُّ وَلَا الْأَرْشُ فَكَذَلِكَ نقصا فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ هُنَا وَإِنَّ لحصول وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الْمَبِيعِ جَبَرَ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ بِالْعَيْبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَقَدْ فَرَضْنَا أَنَّ قِيمَتَهُ سَلِيمًا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا * * (فَرْعٌ) * عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَيَوْمِ الْقَبْضِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَارَةِ الْإِمَامِ (وَقَالَ) النووي في المنهاج أقل قيمته مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ أَنْ تُعْتَبَرَ تِلْكَ الْقِيمَةُ النَّاقِصَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ سَوَاءً لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَةَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمُتَوَسِّطَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَتَقْتَضِي أَنْ يُقَوَّمَ بِإِحْدَى الْقِيمَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمِ الْقَبْضِ إنْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ فَبِإِحْدَاهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتَا فَبِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَهَذِهِ عَكْسُ الصُّورَةِ الَّتِي فُرِضَ الْكَلَامُ فيهما فيما تقدم عن صاحب الوافى على أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَابِعٌ لِلرَّافِعِيِّ فِي عِبَارَتِهِ وَنَبَّهَ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ غَيَّرَهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْمُنْقِصَ إذَا وُجِدَ وَزَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ النُّسْخَةُ صَحِيحَةً فَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْمِنْهَاجِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ *

* (فَرْعٌ) * هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَفْرُوضٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ إذَا أَرَادَ يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ أَمَّا الْأَرْشُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ ثُمَّ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الْحَادِثُ وَالْقَدِيمُ وَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَدِيمِ عَشَرَةً وَبِهِ مَعَ الْحَادِثِ تِسْعَةً غَرِمَ دِرْهَمًا وَلَا تُجْعَلُ الْقِيمَةُ فِي هَذَا الْحَالِ مِعْيَارًا (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ * * (فَرْعٌ) * قال ابن أبى عَصْرُونٍ الْمُتَأَخِّرُ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ يَتَعَرَّضُ فِي بَعْضِهِ لِأَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ قَالَ (قَوْلُهُ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ قَالَ فَيُقَالُ مَثَلًا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ بِلَا عَيْبٍ ثَلَاثُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَنْقُصُ عَشَرَةً وَيُقَالُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِلَا عَيْبٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِالْعَيْبِ عِشْرُونَ فَيَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَزَادَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا إذَا قُلْنَا سَائِلٌ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّائِلِ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ المراد نسبتها من الثمن * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْأَلْفُ بِدُونِ الْأَلْفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَسْتَرْجِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَغْرَمُ أَرْشَ الْكَسْرِ وَحَكَى أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْفَرْعُ مَنْسُوبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ الْإِنَاءَ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ الْحَادِثِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْإِنَاءِ وَالثَّمَنِ وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَعَيْبِ الْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ فَعَلَيْهِ غَرَامَتُهُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ هُنَا لَيْسَ كَغَرَامَتِهِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَعَذُّرِ أَخْذِ الْأَرْشِ بِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقُصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَعَلَى تَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ بِأَنَّ الْمَرْدُودَ يَزِيدُ عَلَى الثمن وكلا الامرين ريا وَلَا يُسْتَشْكَلُ هَذَا التَّقْرِيرُ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغْرَمُ الْأَرْشَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّنْبِيهِ السَّادِسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِدُونِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرُدُّ الْحُلِيَّ عَلَى الْبَائِعِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مَعَ الْأَرْشِ وَدُونَهُ فَجُعِلَ

كَالتَّالِفِ فَيَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ سَلِيمًا عَنْ الْحَادِثِ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْوَجْهَ وَإِيرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ أَبْعَدُ الْوُجُوهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ تَشْبِيهَهُ بِالْمَأْخُوذِ عَلَى جِهَةِ السَّوْمِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ إذَا نَقَصَ يَلْزَمُ أَرْشُ نُقْصَانِهِ لَا قِيمَةُ جَمِيعِهِ (وَالثَّالِثُ) الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالدَّارِكِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَسَائِرِ الصُّوَرِ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الرِّبَوِيِّ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَالْأَرْشُ حَقٌّ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله (واعلم) أن الوجه الاولى وَالثَّانِيَ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَأَنَّهُ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمَا فِي أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ يُمْسِكُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَقِيَاسُهُ تَجْوِيزُ الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ (قُلْتُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَنْ هُوَ الْفَاسِخُ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا إلَّا عَلَى أَصْلِ الْفَسْخِ وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَخَذَ الْأَرْشَ فَقَدْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ من غير جنس العرض كيلا يَلْزَمَ رِبَا الْفَضْلِ (وَالْأَصَحُّ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِمَا لِأَنَّ الْجِنْسَ لَوْ امْتَنَعَ أَخْذُهُ لَامْتَنَعَ أَخْذُ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بيع مال الربا بجنسه مع شئ آخَرَ وَذَلِكَ مِنْ صُوَرِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَأَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ غَلِطَ أبو إسحق الْعِرَاقِيُّ فَجَعَلَ قَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا رَابِعًا وَحَكَاهُ مَعَ وَجْهِ الدَّارَكِيِّ بِعِبَارَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِاتِّحَادِهِمَا ثُمَّ تَنَبَّهَ لِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِنَاءِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَرَضَهَا فِي إبْرِيقٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي كَتَبَهَا سُلَيْمٌ عَنْهُ نَقَلَهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَى إبْرِيقًا فِضَّةً وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ بِإِبْرِيقٍ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَفَرَضَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مَصُوغٍ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى حُلِيًّا وَزْنُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَفَرْضُهَا فِي الْحُلِيِّ حَسَنٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَرْضُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الْإِنَاءِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ اتِّخَاذِ أَوَانِي الْفِضَّةِ فَصَحِيحٌ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ فَلَا يَكُونُ الكسر عيبا فيها فلا يمتنع الرد والارش كما لو لم يحدث شئ فَلَعَلَّ ابْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ هَذَا عَلَى جَوَازِ الِاتِّخَاذِ وَأَيْضًا فَذَكَرَ الْكَسْرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْمَقْصُودُ حُدُوثُ عَيْبٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (الثَّانِي) أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ تَمَامَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْإِنَاءِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِمَامُ بَلْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَأَنَّهُمَا اكْتَفَيَا بِشُهْرَةِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعِلْمِ بِصُورَتِهَا وَالْمُرَادُ إذا

اشْتَرَاهُ بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ كَذَلِكَ فَرَضَهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ من غير النقود أو من النقود غَيْرِ الْجِنْسِ لَمْ تَأْتِ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّهُ لَا يبقى محذور فِي الْمُفَاضَلَةِ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَظُنُّهُمَا في الذخائر وكانهما ماخوذ ان مِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْحَاوِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ ذَهَبًا وَالْحُلِيُّ الْمَبِيعُ مِنْ الْفِضَّةِ قُوِّمَ الْحُلِيُّ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يُسْتَرَدُّ الْأَرْشُ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كان عرضا فمن الغرض أَوْ ذَهَبًا فَمِنْ الذَّهَبِ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ فِضَّةً وَالْحُلِيُّ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يُقَوَّمُ نَقْدُ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ نُقْرَةٍ خَشِنَةٍ وَالدَّرَاهِمُ الْمَطْبُوعَةُ تَزِيدُ عَلَيْهِ قُوِّمَ بِنَقْدٍ آخَرَ وَهُوَ الذهب كيلا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ وكأنه سقط منها شئ (الثَّالِثُ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أُمُورٍ وَاضِحَةٍ ذَكَرَ الْقِصَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ الرِّبَوِيِّ وَالذَّهَبُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ إنَاءَ الذَّهَبِ حَرَامٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ التَّمْثِيلُ به وجعله قيمة العين مثال لِزِيَادَتِهَا عَلَى وَزْنِهِ حَتَّى يَكُونَ الْكَسْرُ مُنْقِصًا لَهَا فَيَكُونَ عَيْبًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُسَاوِيَةً لِلْوَزْنِ إنْ أَمْكَنَ فَرْضُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْكَسْرُ مُنْقِصًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ وَالْكَسْرُ مِثَالٌ لِحُدُوثِ عَيْبٍ فَلَوْ انْكَسَرَ بِنَفْسِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (1) (الرَّابِعُ) أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ امْتِنَاعَ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ من رُجُوعٌ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ مُوَافِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ غَرَامَةٌ جَدِيدَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ هُنَا كَمَا حَكَى قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْشَيْنِ أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِالْأَرْشَيْنِ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَأَرْشَ الْحَادِثِ يَعْنِي أَنَّ عِلَّةَ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَكُونُ الْأَرْشُ عَنْ القديم جزأ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَرْشُ عَنْ الْحَادِثِ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ وَأَنَّ الْفَسْخَ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا ضُمَّ مَعَ الْمَبِيعِ كَمَا يُرَدُّ عَلَى الْمَبِيعِ وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ فَظَهَرَ لَك بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَأْخَذَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَمَأْخَذُ الثَّالِثِ أَنَّهُ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ لَكِنَّ الْإِمَامَ قَدْ اخْتَارَ قد صاحب التقريب هنا وقد تقدم عن قَوْلٌ بِأَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَطَرِيقُ الجميع بان القائل بان غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ انْتِقَاصٌ جَدِيدٌ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ عَلَّلَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَرْشُ غُرْمًا مُبْتَدَأً لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَيْضًا إنَّ كُلَّ مَسْلَكٍ مِنْ الْمَسَالِكِ يَعْنِي الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْدٍ عَنْ قَانُونٍ فِي الْقِيَاسِ جَارٍ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يصر احد إلى التخيير

_ (1) بياض بالاصل

بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَيْلٍ عَنْ أَصْلٍ وَالضَّرُورَةُ تُحْوِجُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ لَيْسَ غُرْمًا مُبْتَدَأً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ الْقَانُونِ وَفِي كَلَامِهِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَفِي النَّظَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ إنَّ غَرَامَةَ الْأَرْشِ فِي هَذَا الْمَضِيقِ تُقَدَّرُ كَأَرْشٍ مُبْتَدَأٍ مُرَتَّبٍ عَلَى جِنَايَةٍ عَلَى مِلْكِهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْفَاسِخَ لِلْبَيْعِ هُوَ الْحَاكِمُ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يفسخ ايضا كما يقال فِي التَّخَالُفِ إنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا أَنْ يَفْسَخَ عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ قُلْنَا) بِذَلِكَ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي بَابِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا فِيهِ وَقْفَةٌ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَيَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِالتَّخَالُفِ وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ بِالْعَيْبِ لَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ دُخُولُ الْأَرْشِ فِيهِ وَجُعِلَ غَرَامَةً مُبْتَدَأَةً وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى كَيْفِيَّةِ الْفَسْخِ كَمَا وَعَدْتُ بِهِ مِنْ قَبْلُ (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُغَرِّمْهُ أَرْشَ الْكَسْرِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ تَغْرِيمَ أَرْشِ الْكَسْرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْفَسْخِ وَالْفَسْخُ يَرِدُ عَلَى الْإِنَاءِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ حَيْثُ يَرِدُ الْأَرْشُ عَنْ الْحَادِثِ مَعَ الْمَبِيعِ إذ وَرَدَ الرَّدُّ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَدَّى إلَى الرِّبَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ قَبْضَهُ بَلْ رُجُوعَهُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي الْأَوْجُهِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ رَدِّ الْأَرْشِ مَعَ الْمَبِيعِ إلَّا مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ الوجه الثالث فلذلك أتى المصنف بصفة ثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ وَيَجِبُ تَأْوِيلُهَا عَلَى الْمَعِيَّةِ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي انْسِحَابِ حُكْمِ الرَّدِّ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا بَلِيغًا فِي تَحْقِيقِ رَدِّ الْأَرْشِ مَعَ الْعَيْبِ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَى تَقْرِيرِ وُرُودِ الْفَسْخِ عَلَيْهِمَا أَعْنِي فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (السَّابِعُ) أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ حَكَاهُ الدَّارَكِيُّ وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَنْهُ (الثَّامِنُ) مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الدَّارَكِيِّ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ غُرْمٌ مُبْتَدَأٌ بَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ ظَهَرَ يَنْفِي كَوْنَهُ غُرْمًا مُبْتَدَأً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الشَّيْنِ أَوْ بِطَرِيقِ إنْشَاءِ نَقْصٍ جَدِيدٍ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ الْأَقْرَبُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِي (التَّاسِعُ) الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الثَّمَنَ مَجْهُولًا

أَيْ لِأَنَّا ظَهَرَ لَنَا أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَابَلَ الْمَبِيعَ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْأَرْشِ وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا حَالَةَ الْعَقْدِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ مُوجِبَةٌ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ مَا ظَهَرَ مُعْتَبَرًا لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِإِفْضَائِهِ إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ وَبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنَّ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَكُونُ لِمَا ظَهَرَ حُكْمٌ وَهَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْجِيهِ هَذَا الْقَوْلِ لِمَا حَكَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ فِي هَذَا الْمَضِيقِ كَأَرْشٍ مُبْتَدَإٍ مرتب على جناية فانا هَذَا الْقَوْلُ وَاحِدٌ وَمَأْخَذُهُ مُخْتَلِفٌ الْمُصَنِّفُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ لَكِنْ لَيْسَ لِظُهُورِ تغيرها حكم ويطرد فذلك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَالْإِمَامُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّرُورَةُ تَجْعَلُهُ كَغُرْمٍ مُبْتَدَإٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ حَيْدًا عَنْ الْقَانُونِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ يَحْتَاجُ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عما ظهرت وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ نَصٌّ أَوْ لَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ كَانَ عُذْرًا فِي أَنْ يَجْعَلَ أَنَّ مَا ظَهَرَ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ كَغُرْمٍ مُبْتَدَإٍ اتِّبَاعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَمَا الْمُخَلِّصُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ وَمَا الْمُوجِبُ لِارْتِكَابِهَا (الْعَاشِرُ) لَا جَوَابَ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الدَّارَكِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ جَهَالَةُ الثَّمَنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعَيْنِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُقَابَلَةَ تَغَيَّرَتْ بِانْتِقَاصٍ جَدِيدٍ فَلَا وَهَذَا الَّذِي يَقُولُ بِهِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْجَارِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ النَّقْصِ صَارَ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُقَابَلَةِ صَارَتْ الْأَلْفُ مُقَابَلَةً بِدُونِ الْأَلْفِ الْآنَ لَا فِيمَا مَضَى فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ كَذَلِكَ قَالَ الْفَارِقِيُّ فِي الْجَهَالَةِ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهَالَةِ الْحَاصِلَةِ بِفِعْلِ الْعَاقِلِ ابْتِدَاءً وَالْحَاصِلِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ بَطَلَ وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ حَلَّ وَصَارَ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ مَجْهُولًا وَهُوَ صَحِيحٌ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَرُدُّ ثُمَّ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ وَشَبَّهُوهُ بِالْمُسْتَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّدَّ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فَالْعَيْبُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَغْرَمُهُ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ وُرُودُ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَامِ فَإِنَّ الْمُسْتَامَ لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَنَظَرُهُ بِقَوْلٍ مَنْصُوصٍ لِلشَّافِعِيِّ إذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الذخول أَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَرِدُّ الْمُسَمَّى وَيَرُدُّ إلَيْهَا الْبُضْعَ ثُمَّ يَغْرَمُ الزَّوْجُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) مَأْخَذُ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْتَرَى ثَمَرُهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ القطع ثم لم يقطع حتى بدى الصَّلَاحُ ثُمَّ أَرَادَ الْقَطْعَ فَسَخْنَا الْبَيْعَ هَهُنَا لِمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَيْهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ أَوْ بِالْمَسَاكِينِ هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقَتِهِ وَلَمْ أَفْهَمْهُ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى وَاخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ عَلَى أَحَدِ

الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ طَائِفَةٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فَاسِخٍ وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِكَ (الثَّالِثَ عَشَرَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ بَاقِيًا فَلَوْ عَرَفَ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ بَعْدَ تَلَفِهِ عِنْدَهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ التَّالِفِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْأَرْشِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الرِّبَا وَذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الدَّارَكِيِّ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَيَلْزَمُهُمَا مُوَافَقَتُهُ هُنَاكَ وَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَأَلْجَأَهُمْ إلَى ذَلِكَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ وَاحْتَاجُوا إلَى الْفَسْخِ هُنَا لِامْتِنَاعِ أَخْذِ الْأَرْشِ عَنْ الْقَدِيمِ بِخِلَافِ تَلَفِ بَيْعِ الْمَعِيبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ يَكُونُ أَخْذُ الْأَرْشِ مُمْكِنًا قَالُوا وَتَلَفُ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَسْخِ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ التَّلَفِ وَكَذَلِكَ فِي التَّخَالُفِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ جَعَلَ حَالَةَ التَّلَفِ أَصْلًا وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَقُولُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَحَالَةِ التَّلَفِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (قَالَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا اخْتِيَارُهُ وَحِكَايَةُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْحَاوِي فِي بَابِ الرِّبَا عِنْدَ التَّلَفِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِجِنْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ (فَوَجْهَانِ) أَقْيَسُهُمَا الرُّجُوعُ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْفِضَّةِ ذَهَبًا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ يُعْتَبَرُ بِالْأَثْمَانِ فَلَا يَكُونُ داخلا فيها وقد تقدم ذلك وتفرعه عَنْهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يجرى هنا في حالة البقاء لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ وَلَمْ يَفْرِضْهُ حَيْثُ تَكُونُ الْقِيمَةُ زَائِدَةً عَنْ الْوَزْنِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) مَتَى كَانَ كَسْرُ الْإِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَعْدِ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَمَتَى كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَوُجِدَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّفَرُّقِ فَلَا إشْكَالَ وَفِيهِ فَرَضَ الْإِمَامُ المسألة ومتى كان قبلهما فهو من ضامن الْبَائِعِ فَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَمَتَى كَانَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَلْتَفُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ هَلْ يَصِيرُ مِنْ ضَمَانِهِ أَمْ لَا وَفِيهِ طُرُقٌ تَقَدَّمَتْ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِيرُ مِنْ ضَمَانِهِ وَأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَالْعَيْبُ الْحَادِثُ حِينَئِذٍ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ لَا يُوجِبُ الْأَرْشَ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَلَا تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ ضَمَانِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَالْحُكْمُ كَمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالتَّقَابُضِ وَلَا جَرَمَ أطلق المصنف التصوير ولم أجد في شئ مِنْ ذَلِكَ نَقْلًا وَلَكِنَّهُ قَضِيَّةُ التَّفْرِيعِ وَالطُّرُقُ الَّتِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ تقدمت في هذا الباب عند حدوث (1) الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) إذَا غَرَّمْنَاهُ قِيمَتَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَلَى قول الاكثرين

_ (1) بياض بالاصل

* عند تلفه فقد تقدم في حكاية قول ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ هَكَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَعْنِي إذَا كَانَ فِضَّةً يُعْطِي قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا يُعْطِي قِيمَتَهُ فِضَّةً وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فِي حَالَةِ التَّلَفِ أَيْضًا وَالْأَكْثَرُونَ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ بَلْ أَطْلَقُوا الْقِيمَةَ وهو أحسن هذه غرامة وليست عقدا يجئ تحذر فيه من الربا وقد حكى العراقييون فِيمَا إذَا أُتْلِفَتْ آنِيَةُ فِضَّةٍ قِيمَتُهَا أَزْيَدُ من وزنها ثلاثة أوجه (أصحهما) يُضْمَنُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ (وَالثَّالِثُ) بِمِثْلِ وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ وَكَانَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ يَعِيبُ هَذَا وَيَقُولُ الْإِتْلَافُ لَيْسَ مَقِيسًا عَلَى الْبَيْعِ فِي أَمْرِ الرِّبَا (قُلْتُ) فَقِيَاسُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهَا هُنَا (السَّادِسَ عَشَرَ) غَرَامَةُ أَرْشِ النُّقْصَانِ الْحَادِثِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ عِنْدَ بَقَائِهِ هَلْ يَكُونُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ يُجْرَى فِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْغَصْبِ (الظَّاهِرُ) الثَّانِي لِأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُسْتَامِ (السَّابِعَ عَشَرَ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَاخْتَارَ الثَّالِثَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنَّهُ لَمْ يَصِرْ صَائِرٌ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَضَمِّ أَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَانَ محتملا بحكم التوجيه الذى ذكرناه للوجهين ولكن اعْتَقَدَ كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبْعَدُ مِنْ اقْتِحَامِ الرِّبَا فَلَمْ يُثْبِتْ الْخِيَرَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرُدُّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقِيَاسِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِيَاسَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ لَعَلَّ صَاحِبَهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وهو البعد مِنْ الرِّبَا وَلَوْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَ لَنَا قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ وَالْإِمَامُ قَدْ نَفَاهُ (الثَّامِنَ عَشَرَ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الَّذِي ظَهَرَ بِالْإِنَاءِ كَالْكَسْرِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ كَانَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْجِنْسِ كَالْغِشِّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِلْمُفَاضَلَةِ (التَّاسِعَ عَشَرَ) أَنَّ الْكَلَامَ المذكور لا اختصاص به بِالْإِنَاءِ وَالْحُلِيِّ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ عَقْدٍ اشْتَمَلَ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا إذَا بَاعَ صَاعَ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَاطَّلَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى عَيْبٍ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْدَ حُدُوثِ عَيْبٍ فِي يَدِهِ أَوْ تَلَفِهِ وَفِيهِ فَرْضُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَكَمِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الرِّبَا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُ (الْعِشْرُونَ) أَنَّ أَرْشَ الْكَسْرِ الَّذِي يَغْرَمُهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ بَلْ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ هنا يقتضى تشبيه بالمستام ويدل له ما سيأتي في ما لَمْ يُوقَفْ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ (وَقَالَ) أَبُو حَامِدِ بْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ اعْتِرَاضًا عَلَى جَعْلِهِ كَالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ إنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَغَرِمَ أَرْشَ مَا نَقَصَ وَالْمَغْرُومُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ سَاعَدَهُ ولولا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْفِرَارِ مِنْ الرِّبَا وَسَيَأْتِي فِيمَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ تَمَامُ هَذَا الْبَحْثِ وَالْأَقْرَبُ هُنَا مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا من الثمن بل من القيمة *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبَ وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بِمَعْنًى يَقِفُ اسْتِعْلَامُ الْعَيْبِ عَلَى جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ جَوْزًا أَوْ بَيْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَسَرَهُ فَوَجَدَهُ لَا قِيمَةَ لِلْبَاقِي كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ وَالرُّمَّانِ الْعَفِنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ) * * * (الشَّرْحُ) * تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النَّقْصِ الَّذِي لَا يَقِفُ اسْتِعْلَامُ الْعَيْبِ عَلَى جِنْسِهِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا يَقِفُ وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى جِنْسِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ بِمَا دُونَهُ وَمَا إذَا كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكِلَا الْقِسْمَيْنِ سَيَأْتِيَانِ فِي كَلَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ مِمَّا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرَّانِجِ وَالرُّمَّانِ وَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْبَيْضِ فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لشئ وَالْبِطِّيخِ الشَّدِيدِ التَّغَيُّرِ وَالرُّمَّانِ الْعَفِنِ وَالْجَوْزِ وَالرَّانِجِ وَالْقِثَّاءِ الْمُدَوِّدِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَ الْمُزَنِيّ سمعت الشافعي كُلّ مَا اشْتَرَيْتَ مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَكَسَرْتَهُ فَأَصَبْتَهُ فَاسِدًا فَلَكَ رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا إنْ شَاءَ الْبَائِعُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا إلا أن لا يَكُونَ لَهُ فَاسِدًا قِيمَةٌ فَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (1) وَالْقَوْلَانِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ فِي بَابِ مَا اُشْتُرِيَ مِمَّا يَكُونُ مَأْكُولُهُ دَاخِلَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا لم يكن لفساده قِيمَةٌ قَطَعَ بِهَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً لَكِنْ اخْتَلَفُوا في طريقه فالجمهور من الاصحاب العراقيون وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ وَعَنْ الْقَفَّالِ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ الْفَسَادُ لَكِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ نَقْصِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ عِنْدَ فَوَاتِ كُلِّ الْمَبِيعِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقُشُورَ الْبَاقِيَةَ بِمَنْ تَخْتَصُّ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ تَطْهِيرُ الْمَوْضِعِ عَنْهَا وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الشَّيْخِ وَهُوَ الْقَفَّالُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الدَّرْسِ إذَا كَانَ لَا قِيمَةَ لِفَاسِدِهِ غَيْرَ مَكْسُورٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ كَسَائِرِ مَا لَا يُتَقَوَّمُ فَقَالَ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ أَدْنَى قِيمَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُقْتَضَى لِتُنْقَشَ فَيَلْعَبَ بِهَا الصِّبْيَانُ وخالفه الْقَاضِيَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ شِرَاءِ الْبَيْضِ الطُّعْمُ وَأَحَدٌ لَا يَشْتَرِي الْبَيْضَ لِيُنْقَشَ وَتَلْعَبَ بِهِ الصِّبْيَانُ وَالْإِمَامُ حَكَى قَوْلَ الْقَفَّالِ عَنْ طَائِفَةٍ وَأَفْسَدَهُ لَكِنْ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِهَا الْقَاضِي فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي ان

_ (1) بياض بالاصل

هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لِقِلَّتِهَا لَا تُعْتَبَرُ وَلَيْسَتْ مُسَوِّغَةً لا يراد الْعَقْدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ التَّافِهَةِ وَالْإِمَامُ فَرَضَ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا قِيمَةَ مَعَ الصِّحَّةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ نَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ لَكِنَّهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ يَقُولُ لَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالْفَسَادِ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ إنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ أَرْشَ النُّقْصَانِ لَكِنَّ أَرْشَ كَمَالِ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ (وَالْوَجْهُ) أَنْ يُقَالَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فَإِنْ فَرَضَ لَهُ قِيمَةً قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةً لِلنَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْمَالِيَّةُ الْآنَ (فَإِنْ قُلْنَا) طَرِيقُ الِاطِّلَاعِ مِنْ عَهْدِ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَجِبُ بِهِ أَرْشٌ فَهَهُنَا يَتَقَدَّمُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تَمَامَ الثَّمَنِ وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ إلَّا مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ وَإِنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَقَدَّمُ مَعَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تَمَامَ الثَّمَنِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ قَاطِعُونَ بِخِلَافِهِ أَفْهَمَ كَلَامُهُ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ أَصْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ مُعْتَبَرَةٌ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَالَّةِ إذَا كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لِلنَّقْشِ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي اسْتِرْدَادِ تَمَامِ الثَّمَنِ أَيْ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ كَمَا فِي قبل الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَوْلَى فَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْأَصَحُّ) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَهَذَا غَيْرُ قول القفال لان الْقَفَّالِ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْأَرْشِ حَتَّى تَبْقَى الْقُشُورُ لِلْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ إذْ تَرْجِعُ الْقُشُورُ لِلْبَائِعِ وَيَلْزَمُهُ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ عَنْهَا (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ يَكُونُ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ وَهُوَ هَهُنَا الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ (وَالرَّابِعُ) أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ بِكَمَالِهِ بَلْ يَسْتَرِدُّ الْأَرْشَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمَ الْجَوْفِ وَفَاسِدَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَلَى مَا لَا قِيمَةَ لَهُ مَعَ فَسَادِهِ في حال صحته فيحملها على مراتب (احدها) أَنْ يَتَبَيَّنَ بِالْكَسْرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَصْلًا وَهَذِهِ الْحَالَةُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِيهَا قَطْعًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَيُجْرَى فِيهَا وَجْهَانِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ كَالنَّقْشِ ولعب الصبيان فهى محل الاربعة الاوجه المقدمة وَالْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَطَائِفَةٍ وَالْغَزَالِيِّ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي هَذِهِ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُفْرَضَ لَهُ قِيمَةٌ قَبْلَ الْكَسْرِ مُعْتَبَرَةٌ فِي صِحَّةِ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبْطُلَ بالكسر وهذا الغرض لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ أَوْ بَعِيدٌ فَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِتَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ هَهُنَا لَكِنْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ الْمَفْهُومَانِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ البيع

يَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيُجْعَلُ طَرِيقُ الِاطِّلَاعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ إذَا قُلْنَا ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لَكِنْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمًا وَفَاسِدًا صَحِيحَ الْقِشْرِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ إذَا فُرِضَ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ صَحِيحَةٌ لِلْعَقْدِ لَا إشْكَالَ فِي جَرَيَانِهِمَا وَيُمْكِنُ صَاحِبَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِطَرِيقِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ طَرِيقِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ لَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ هُنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ لَا يُوَافِقُ عَلَى تَصْحِيحِ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فِي المسألة الاتية وشبه ايضا بالخلاف في قبل الْمُرْتَدِّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ هَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ * إذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إلَى لَفْظِ الْكِتَابِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَوَجَدَهُ لَا قِيمَةَ لِلْبَاقِي أَيْ بَعْدَ الْكَسْرِ يَشْمَلُ ماذا كَانَ لَهُ قَبْلَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ أَوْ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا وَالْأَخِيرُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ (وَالثَّانِي) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ فَرْضٌ بَعِيدٌ أَوْ مُتَعَذَّرٌ فَلَا نَجْعَلُهُ مُدْرَجًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ لِمَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَفَّالِ فَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ حَتَّى تَشْمَلَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ لَكِنَّ الَّذِي لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ كَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالْمُرَادُ لَا قِيمَةَ لَهُ مُعْتَدًّا بِهَا (وَقَوْلُهُ) فَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ (وَقَوْلُهُ) الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَمَا حَمَلَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ * * (فَرْعٌ) * قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَالْقَفَّالِ أَيْضًا فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الِاطِّلَاعِ هَلْ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ أَمْ لَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا إذَا طَلَبَهُ عَلَى الفور كما تقسم ذِكْرُهُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي تَعَذَّرَ رَدُّهُ لِحُدُوثِ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ يَكُونُ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا مِنْ حِينِ الْكَسْرِ الَّذِي زَالَتْ بِهِ الْمَالِيَّةُ (قُلْتُ) أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِلظُّلَامَةِ لَا يَكُونُ إلَّا طَلَبُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ أَخْذِ الْمَعِيبِ وَتَعَيُّنِ الْحَقِّ فِي الْأَرْشِ لَا يَجِبُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَطْلُبُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَبْلَ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْلِمُهُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَهُ فَهَهُنَا إنْ كَانَ الرَّدُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ سَائِغًا وَأَنَّهُ إذَا طَلَبَهُ الْبَائِعُ يَجِبُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ بَطَلَ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا وَلَا يَحْصُلُ لِلْبَائِعِ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَإِنَّ الرَّدَّ عِنْدَ الْقَفَّالِ ممتنعا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْأَرْشُ مُتَعَيَّنًا وَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ عَلَى

الْقَوْلِ بِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ يَكُونُ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا مِنْ حِينِ الْكَسْرِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ عِلْمَنَا اسْتِحْقَاقَهُ مِنْ حِينِ الْكَسْرِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ مِنْ حِينِ التَّسْلِيمِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * * (فَرْعٌ) * أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْكَسْرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْكَسْرِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَيْبُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا قَبْلَ الْكَسْرِ فَلَا فَرْقَ أَمَّا عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ زَادَ فِي الْكَسْرِ وَكَانَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِهِ الْعَيْبُ لَبَقِيَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ الْيَسِيرَةُ يَكُونُ الزَّائِدُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ الْأَرْشُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَفِيهِ نَظَرٌ * * (فَرْعٌ) * إنْ اخْتَلَفَا فِي تَسْلِيمِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مع يمينه قاله الشيخ أبو حامد * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ كَبَيْضِ النَّعَامَةِ وَالْبِطِّيخِ الْحَامِضِ وَمَا دَوَّدَ بَعْضُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ بِمَا دُونَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَمَنَعَ الرَّدَّ كَقَطْعِ الثَّوْبِ (وَالثَّانِي) لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُوقَفُ عَلَى الْعَيْبِ إلَّا بِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ كَنَشْرِ الثَّوْبِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ مَعَهُ أَرْشَ الْكَسْرِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ لَبَنِ الشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ مُسْتَحَقٌّ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهِ أَرْشٌ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا كَسَرَ مَا لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ وَكَانَ لِلْبَاقِي بَعْدَ الْكَسْرِ قِيمَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ وَكَالرَّانِجِ وَغَيْرِهِ إذَا بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَيْبُ مِثْلُ أَنْ نَقَبَ الرُّمَّانَ فَعَرَفَ حُمُوضَتَهُ أَوْ قَطَعَهُ قَطْعًا يَسِيرًا فَعَرَفَ أَنَّهُ مُدَوِّدٌ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ التَّدْوِيدَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ بِالنَّقْبِ وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فَفِيهِ قَوْلَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى حِكَايَتِهِمَا (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ (ثَانِيًا) وَهُوَ الذى حكى المزني في كلامه أو لا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ هَكَذَا قَاسَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُصَنِّفُ قَاسَهُ عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ قَهْرًا كَمَا لَوْ عَرَفَ عَيْبَ الثَّوْبِ بَعْدَ قَطْعِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ الْمُزَنِيّ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ المتخصر هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ

بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَشْبَهَ بِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرُدُّ الرَّانِجَ مَكْسُورًا كَمَا لَا يَرُدُّ الثَّوْبَ مَقْطُوعًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ وَأَجَابَ الاصحاب بأن للشافعي في الرانج قولان أَيْضًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَرُدُّ فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ يَضُمُّ أَرْشَ النُّقْصَانِ إلَيْهِ وَيَرُدُّهُ كَمَا سَبَقَ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ فَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فَإِذَا رَجَعَ بِالْأَرْشِ فَيُقَوَّمُ صحيحا وقشره صحيح وفاسدا وقشره صحيح وينظركم نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَالْأَرْشِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقَوِّمُهُ مَكْسُورًا لِأَنَّ الكسر نقص حدث في يده وانما يجز تَقْوِيمُهُ مَعَ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وطريق الاطلاع على العيب على هَذَا الْقَوْلُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ الرَّدِّ (وَإِنْ قُلْنَا) يَرُدُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَهَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْكَسْرِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَالْمُصَرَّاةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمُخْتَصَرِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَك رَدُّهُ وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ فَاسِدًا صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ فَاسِدًا مَكْسُورًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّ وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْقَوْلَ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ وَالْبَائِعُ بِالْبَيْعِ كَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَيْضًا وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقَتِهِ وَطَرِيقُ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَرَّاةِ أَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ لَمْ يُفَوِّتْ عَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ حَلْبِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّهُ أَظْهَرُ نَقْصًا مَعَ تَفْوِيتِ عَيْنٍ هَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ تَأْتِي ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ جَمَعَهَا أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ وَالْغَزَالِيُّ جَعَلَهَا أَوْجُهًا (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَرُدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ (وَالثَّانِي) يَرُدُّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْأَعْدَلُ ثُمَّ نُنَبِّهُ عَلَى الامور (أَحَدُهَا) أَنَّ طَرِيقَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلْيَرُدَّ بِغَيْرِ أَرْشٍ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلْيَمْتَنِعْ الرَّدُّ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّ مَعَ الْأَرْشِ خَارِجٌ عَنْ الْمَأْخَذَيْنِ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا قَالَ إنَّهُ الْأَعْدَلُ بِأَنَّهُ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ أَيْضًا وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ (الثَّانِي) قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِذَا رَدَّ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنْهَاجِ فَقَالَ رَدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الرَّدَّ مَجْزُومٌ به والخلاف فِي الْأَرْشِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ أَعْلَمْ مَنْ قَالَ بِهَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ غَايَةً إلَيْهِمَا وَيَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَرُدُّ بِغَيْرِ أَرْشٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ عَدَمُ

الرَّدِّ مُطْلَقًا أَوْ الرَّدُّ مَعَ الْأَرْشِ (الثَّالِثُ) قَالَ الْإِمَامُ مِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ وَلَا تَتَحَقَّقُ الْإِحَاطَةُ بِالْمَسْأَلَةِ دُونَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نحن فيها لا تتميز أصلا عن تفصل الْقَوْلِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ الْمَعِيبَ الْمَكْسُورَ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ فَإِنْ لَمْ نَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّا إذَا ذَكَرْنَا فِي الْكَسْرِ خِلَافًا فِي الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ وَضَمِّ أَرْشِ الْحَادِثِ مِنْ الْعَيْبِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِي كُلِّ عَيْبٍ حَادِثٍ فَلَا تَنْفَصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ غَيْرِهَا إلَّا إذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ مَعَ غَيْرِ غُرْمِ أَرْشٍ فِي مُقَابَلَةِ عَيْبِ الْكَسْرِ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ مَسْأَلَةُ الْكَسْرِ أَوْلَى بِأَنْ يَحْتَكِمَ الْمُشْتَرِي فِيهَا بِالرَّدِّ مَعَ غَرَامَةِ الْأَرْشِ كَانَ هَذَا فَرْقًا فِي تَرْتِيبِ مَسْأَلَةٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَنْ يُجَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ يُجَابُ الْمُشْتَرِي فَهَهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ قُلْنَا) يُجَابُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا أَوْ إذَا طَلَبَ تَقْرِيرَ الْعَقْدِ فَهَهُنَا خِلَافٌ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي سَمِعَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُجَابَ الْمُشْتَرِي فِي طَلَبِ الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ فَتَتَّحِدُ هِيَ وَتِلْكَ الْمَسَائِلُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ هُنَا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا فَنَشَرَهُ وَوَقَفَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالنَّشْرِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَيَرْفُقَ بِهِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَنَقَصَ نَقْصًا زَائِدًا فَعَلَى مَا سَيَأْتِي فِيمَا إذَا زَادَ فِي الْكَسْرِ الْمَذْهَبُ امْتِنَاعُ الرَّدِّ وَقَالَ ابو اسحق عَلَى الْأَقْوَالِ وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ فَصَوَّرَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي فِيمَا إذَا كَانَ مَطْوِيًّا عَلَى طَاقَيْنِ حتي يرى جميع الثوب من جانبيه فان كان على اكثر من طاقين لم يصح البيع ان لم نجوز خِيَارَ الرُّؤْيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ لَكِنَّ الْمَطْوِيَّ عَلَى طَاقَيْنِ لَا يُرَى مِنْ جَانِبَيْهِ إلَّا أَحَدُ وَجْهَيْ الثَّوْبِ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ قَدْ سَبَقَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ هَذَا الْفَرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ بَيْعِ الغائب وذكر الرافعى تنزيلين آخرين (احداهما) أَنْ يَفْرِضَ رُؤْيَةَ الثَّوْبِ قَبْلَ الطَّيِّ وَالطَّيَّ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَا يَنْقُصُ بِالنَّشْرِ يَنْقُصُ بِالنَّشْرِ مَرَّتَيْنِ فَوْقَ مَا يَنْقُصُ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَوْ نُشِرَ مَرَّةً وَبِيعَ وَأُعِيدَ طَيُّهُ ثُمَّ نَشَرَهُ الْمُشْتَرِي فَزَادَ النُّقْصَانُ بِذَلِكَ انْتَظَمَ الْفَرْعُ * إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ قَاسَ عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ فَإِنْ أَرَادَ الَّذِي لَا يحصل به نقص فالفرق ظاهر وان الراد مَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فَكَيْفَ يَجْعَلُهَا أَصْلًا وَيَقِيسُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَاسَ عَلَى

نَشْرِ الثَّوْبِ وَالْمُصَرَّاةِ جَمِيعًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا قَاسَ عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَى الْمُصَرَّاةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي الْمُصَرَّاةِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ بِهَا فَقَاسَهَا عَلَى نَشْرِ الثَّوْبِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي النُّكَتِ قَالَ كَنَشْرِ الثَّوْبِ وَقَلْبِ الصُّبْرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّشْرَ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي عِلَّتِهِ هُنَا إنَّهُ نَقْصٌ بَلْ قَالَ يَعْنِي كَأَنَّهُ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ لَا يُعَدُّ نَقْصًا (الْخَامِسُ) قَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الاقسام سببا ذَكَرْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُخْتَصَرًا وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ فِي الْمُصَرَّاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مَا فِيهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَرُدُّ كالعيب والخيار كغمزه بعود أو بحديدة فَيَتَبَيَّنُ الْأَرْشُ وَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لَهُ أَنَّهُ مَرَّ فَلَهُ الرَّدُّ وَمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَالثَّوْبِ يُقْطَعُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بِهِ حَرْقٌ هَلْ يرده ونقص القطع أولا وَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى عِلْمِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ فَإِذَا كَسَرَهُ فَأَصَابَهُ فَاسِدًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَرُدُّهُ وَمَا نَقَصَ (وَالثَّانِي) يَأْخُذُ الْأَرْشَ (وَالثَّالِثُ) يَرُدُّ وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ (قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ حَيْثُ لَا نَجْعَلُ فِي العيب والخيار عيب بِذَلِكَ الْغَمْزِ فَهُوَ يُخَالِفُ فَرْضَهُ وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ بِذَلِكَ عَيْبٌ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَأْتِ إلَّا الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَمَا قَالَ وَحِينَئِذٍ الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي كَلَامِهِ إنْ لَمْ تَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا يَأْتِي فِيهِ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَتْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَأْتِ فِيهِ الْقَوْلُ بِالرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ (السَّادِسُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوقَفُ عَلَى عَيْبِهِ إلَّا بِكَسْرِهِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الثَّوْبَ إذَا نَشَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى قِطْعَةَ خَشَبٍ لِيَتَّخِذَ مِنْهَا أَلْوَاحًا فَلَمَّا قَطَعَهَا وَجَدَهَا عَفِنَةً قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا رَدَّ لَهُ يَأْخُذُ الْأَرْشَ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا عَفِنَةً وَغَيْرَ عَفِنَةٍ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى (قُلْتُ) وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي عَدَمِ الرَّدِّ وَلَا جَرَمَ صَحَّحَهُ تِلْمِيذُهُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ كما تقدم * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ** (فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ قُوِّمَ مَعِيبًا صَحِيحًا وَمَعِيبًا مَكْسُورًا ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ بالسوم والمقبوض مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَضَمِنَ نُقْصَانَهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُخَالِفُ الْأَرْشَ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَضَمِنَ نقصانه بجزء مِنْ الثَّمَنِ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْأَرْشُ عِنْدَ رَدِّ الْمَكْسُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ عَلَى خِلَافِ الَّذِي رَجَّحُوهُ فَالْأَرْشُ هَهُنَا هَلْ هُوَ كَالْأَرْشِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ عِنْد بَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ إلَى تَمَامِهَا أَوْ الْأَرْشُ هُنَا مُخَالِفٌ لِذَلِكَ

الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ وَأَنَّ الْأَرْشَ هَهُنَا لَا يُنْسَبُ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ هُوَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ السَّلِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ بِحَيْثُ أَمَرْنَا الْمُشْتَرِيَ بِرَدِّ الْأَرْشِ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الرُّويَانِيُّ فيما إذا تقابلا ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا حَدَثَ عِنْدَ المشترى وقلنا بأن الاقلة لَا تَنْفَسِخُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرُّويَانِيِّ إنَّهُ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُرْتَفِعٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَطْرُقُهُ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ (وَالثَّانِي) مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ أَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ فَقَالَ مُجَلِّي فِي الذَّخَائِرِ فِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ حِينِهِ فَقَدْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي يَدِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ مَضْمُونًا بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الَّذِي مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اختلاف المبايعين إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفَسْخُ فَإِنْ انْدَمَلَ ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ النَّقْصِ فَيُقَوَّمُ مَعَ الْيَدِ وَيُقَوَّمُ بِلَا يَدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ الْبِكْرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ نِصْفُ الثَّمَنِ وَقَالَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ الْعَقْدُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ حَتَّى إذَا تَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بشئ وفى الحاوى حكاية خلاف في صور قَطْعِ الْيَدِ فِي أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ تَلَفِ الْعَبْدِ بِالْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي التَّهْذِيبِ هَلْ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَةُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لِلْقَفَّالِ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي حسين والقفال في وطئ الْبِكْرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا إلَّا مَا فِي الْحَاوِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُشْتَرِي مُقَدَّرٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَرْشِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مُجَلِّي وَالْجَوَابُ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ النَّقْلِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَبَيْنَ المسألة التى ذكرها المصنف في اختلاف المتبايعن مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ فَارْتَفَعَ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ وَلَا كَأَنَّهُ الْتَزَمَ ثَمَنَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَنِّ الْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ

الَّتِي يَقْتَضِيهَا مُطْلَقُ الْعَقْدِ فَإِذَا بَانَ كَوْنُهُ معيبا صار كانه اتلفه ولم يجز عَلَيْهِ عَقْدٌ فَكَانَ الثَّمَنُ فِي هَذَا بَعِيدًا عن العقد فلم تنسب الْقِيمَةَ إلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُفَرِّطُ بِقَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ وتعيينه وَلَمْ يُنْسَبْ الْبَائِعُ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ فِي عَيْبٍ أَصْلًا فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِالْعَقْدِ وَرَضِيَ بالتزام الثمن فيه فقرب الثَّمَنُ مِنْ الْعَقْدِ فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الثَّمَنِ (الْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ نِسْبَةَ يَدَيْ الْعَبْدِ كَنِسْبَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ جِرَاحَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فَيَدُهُ كَنِصْفِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ كَانَ قَابِضًا لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِذَا قطع يده فكأنه قبض نصف العبد تقريرا فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ بِيَدِ الْبَائِعِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الثَّمَنِ لِقُرْبِ الْعَقْدِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُقَوِّي ما ذكرناه من الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُ مَا بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْأَرْشِ الْمُقَرَّرِ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ تَقْدِيرًا (وَقَوْلُهُ) فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِغَيْرِ الْعَبْدِ كَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مبنى على مذهب الشافعي في جراح المعبد (وَالثَّانِي) مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا كَالْوَاجِبِ فِي غَيْرِ الْعَبِيدِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ هَلْ يَكُونُ قَابِضًا لَهُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي وَاسْتَضْعَفَ الْقَوْلَ بِالسُّقُوطِ هَذَا جَوَابُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا لَحَظَهُ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّفْرِيطِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُتَّضِحٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي مِنْ قُرْبِ الِاسْتِقْرَارِ أَبْعَدُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ الْمُحَقَّقِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ مَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى مَا قَالَهُ مُجَلِّي وَأَيَّدَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ غَرِيمَ الْمُفْلِسِ إذَا رَجَعَ فِي الْعَيْنِ وَقَدْ نَقَصَتْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ واعتذر عما ذكره الاصحاب على اختلاف احتمال مجلى بتخصيص ما ذكره بِحَالَةِ فَوَاتِ وَصْفٍ مُجَرَّدٍ مِنْ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِجُزْءٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَى الْمُقَابَلَةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُجَرَّدَةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ مُسْتَوْفِيًا لَهَا وَحَسَبَ بَدَلَهَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا زَنَى أَوْ سَرَقَ أَوْ أبق لا يمكن أن يجعل المشترى بذك مُسْتَوْفِيًا لِصِفَةِ السَّلَامَةِ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِنِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ قَالَ وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قُلْتُ) وَهُوَ حَسَنٌ إنْ سَلِمَ لَكِنْ يَخْدِشُهُ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَمَّا رُدَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَالْمَقْبُوضُ بِالسَّوْمِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَوْصَافِ وَكَمَا أَنَّا فِي الْأَرْشِ

المأخوذ من المبائع لَا نُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَوْصَافِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَرْشَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُهُ عَنْ الزِّنَا وَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ مِنْ الْبَائِعِ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِمُقَابَلَتِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ إن صح فكيف لا ينزلها في حانب الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا هُنَا وَقَدْ يكون الذاهب جزأ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابِ قَالَ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى احْتِمَالَيْنِ فِي حَقِيقَةِ كل واحد من الارشين أنه غرم ابتداءا وَفِي مُقَابَلَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِمَا جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَالْفَائِتُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ بِالْكَسْرِ وَصْفٌ لَا جُزْءٌ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ هَذَا وَإِنْ اسْتَشْكَلْنَا بِهِ قَوْلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ يُشْكِلُ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْأَرْشَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَثْبُتُ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ مِنْ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْهُورَ الَّذِي قَالَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ فِي الْأَرْشِ الْقَدِيمِ فَلِمَ لَا كَانَ كَذَلِكَ فِي الْأَرْشِ الْحَادِثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يلزم من كونه جزء مِنْ الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا مِنْهُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يُنْسَبْ مِنْهُ لَا يكون جزأ مِنْهُ فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْأَرْشِ الْحَادِثِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا ثُمَّ إنَّ لِلْغَزَالِيِّ أَنْ يَقُولَ لِلْأَصْحَابِ أَنْتُمْ مَنَعْتُمْ رَدَّ الْحُلِيِّ مَعَ أَرْشِ الْكَسْرِ الْحَادِثِ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَقُلْتُمْ إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ وَيَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ ثُمَّ يَغْرَمَ أَرْشَ الْحَادِثِ كَالْمُسْتَامِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَإِمَّا أَنْ يَغْرَمَ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْقَدِيمِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَمَنَعُوهُ أَنْ يَضُمَّ أَرْشَ الْحَادِثِ إلَيْهِ فِي الرَّدِّ كَمَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ حَيْثُ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ جزأ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا تَخْصِيصَ لِمَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ بَلْ صَارَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا الْأَرْشَ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي كَالْأَرْشِ الَّذِي يَغْرَمُهُ الْمُسْتَامُ وَلَا يَبْقَى مَحْذُورٌ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ جزأ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الحلى وفروا إلى أن جعلوه كالمستام للضرورة فِرَارًا مِنْ الرِّبَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَكُونُ بِخِلَافِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِمَامَ نَبَّهَ عَلَى الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ كَيْفَ يُضَمُّ إلَى الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ وَيَرُدُّ الرَّدَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَاسْتِشْكَالُ ذَلِكَ وَالْخَلَاصُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ فَإِنْ صَحَّ مَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ أَرْشَ الْحَادِثِ لَا يُنْسَبُ مِنْ الثَّمَنِ خَرَجَتْ مَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ فِي رَدِّ الْأَرْشِ الْحَادِثِ مَعَهَا عَنْ الْإِشْكَالِ وَبَيْنَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ فِي رَدِّ الْأَرْشِ عَنْ الْحَادِثِ وَأَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْغَرَامَاتِ لَا غَيْرُ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُجَلِّي مِنْ الْإِشْكَالِ وَعِنْدَ هَذَا أَقُولُ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ هُنَا لَمْ يُرِيدُوا بِهِ كُلَّ الْعُيُوبِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِ المشتر كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ

فَإِذَا فُرِضَ حُصُولُهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَنَعَتْ الرَّدَّ فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ أَرْشِهَا كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَفِي تَقْدِيرِ ذَلِكَ بَحْثٌ قَدَّمْتُهُ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَذَكَرْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ احْتِمَالَاتٍ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالْأَصْحَابِ بِمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَكَسْرِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَامِ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ كَسْرُ الْحُلِيِّ فَلِذَلِكَ يَضْمَنُهُ وَسَائِرُ صُوَرِ حُدُوثِ الْعَيْبِ غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ الْأَمْرُ فِيهَا سَهْلٌ إذَا كَانَتْ عَلَى حَسَبِ التراضي فان المتبايعان عَلَى مَا شَاءَا مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَمَّا ما إذَا قُلْنَا الْمُجَابُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي وَدُعِيَ إلَى الرَّدِّ مَعَ الْأَرْشِ فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ما نقدم عَنْ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالرَّدِّ وَرَدِّ الْأَرْشِ كَانَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ إلْزَامُ الْبَائِعِ بِهِ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فِيهِ وَلَا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُلْزِمُ الْبَائِعَ بِالرَّدِّ ثُمَّ يَبْقَى الْأَرْشُ لَازِمًا لَهُ فَاحْتَاجُوا إلَى بَيَانِهِ وَمَسْأَلَةُ الْحُلِيِّ أَوْلَى بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عَلَى بَيَانِ الْإِلْزَامِ فَإِذَا تَقَرَّرَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِلْزَامِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالْأَصْحَابِ بَلْ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الْقِيمَةِ وَجَزَمَ الْأَصْحَابُ غَيْرُ مُجَلِّي بِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا قَالَهُ مُجَلِّي وَأَمَّا كَوْنُهُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فيه بأن المقصود في المفلس وُصُولُ الْبَائِعِ إلَى الثَّمَنِ فَعِنْدَ التَّعَذُّرِ جُوِّزَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا فَاتَ مِنْهَا جُزْءٌ نَسَبْنَاهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ هُنَاكَ لَا مَقْصُودَ غَيْرُهُ فَالْمُفْلِسُ مَأْخُوذٌ منه بغير اختياره والمشترى هناك يراد باختياره ومقصوده نقض الْبَيْعِ الَّذِي دَلَّسَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فِيهِ * (فَرْعٌ) * قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَيُّ وَقْتٍ نَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصْلُهُمَا) مَا إذَا تَعَيَّبَ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَامِ (أَحَدُهُمَا) وَقْتُ حُدُوثِ الْعَيْبِ (وَالثَّانِي) أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَكَذَا فِيمَا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقْدَ إذَا فُسِخَ لَا يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ حُدُوثِ الْعَيْبِ وَعَلَى الثَّانِي يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُرْتَفِعٌ مِنْ حِينِهِ وَمَنْ ارْتِفَاعُهُ مِنْ حِينِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيرِ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ وَأَقْرَبُ وَقْتٍ تُعْتَبَرُ فِيهِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَقْتُ حُدُوثِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَرْشُهُ فَلِذَلِكَ اعْتَبَرَهُ وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَقُولُ قَدْ انْكَشَفَ الْحَالُ عَنْ ضَمَانِ الْمَعِيبِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَى الْفَائِتِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ فَضَمِنَ أَكْثَرَ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَفِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُسْتَامِ وَالْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْمَقَامِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ مَعَ لِحَاظِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يرفع مِنْ أَصْلِهِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَقْرُبَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فيما

إذا فسخ العقد بالتحالف وَقَدْ نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَعَ لِحَاظِ أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ اعْتِبَارُ وَقْتِ التَّلَفِ وَلَيْسَ الوجهان مثل الوجهين لان الفائت في التحالف جُزْءٌ مُقَابَلٌ بِالثَّمَنِ كَمَا هُوَ مَفْرُوضٌ هُنَاكَ وَهُنَا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَائِتَ صِفَةٌ وَلَكِنَّهُمَا قَرِيبَانِ مِنْهُمَا (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا تَحَالَفَا وَالسِّلْعَةُ هَالِكَةٌ وَقُلْنَا الْعَقْدُ يَرْتَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَامِ (وَإِنْ قُلْنَا) مِنْ حِينِهِ غَرِمَ أَقَلَّ قِيمَتَيْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ يَوْمَ التَّلَفِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ مُجَلِّي أَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُشْتَرِي يَنْبَغِي بناؤه على ذلك * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ قَدْرًا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ بِمَعْنًى لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ الْعَيْبِ فَمَنَعَ الرَّدَّ كَقَطْعِ الثَّوْبِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَسَوَّى بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ *) * * (الشَّرْحُ) * (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) هِيَ الْمَذْهَبُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ اصحابنا (والطريقة الثانية) حكاها ابو اسحق المروزى عن بعض اصحابنا (فان قُلْنَا) بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فَذَلِكَ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ كَذَلِكَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذَا دُعِيَ أَحَدُهُمَا إلَى الْأَرْشِ الْقَدِيمِ وَالْآخَرُ إلَى خِلَافِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِيَةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا لم يزد في الكسر حرفا بحرف * * (فرع) * إذَا عَرَفْت هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَكْسُورُ الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ وَنَقْبُ الرَّانِجِ مِنْ صُوَرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَى الْعَيْبِ بِدُونِهِ وَكَسْرُ الرَّانِجِ وَتَرْصِيصُ بَيْضِ النَّعَامِ مِنْ صُوَرِ الْحَالِ الثَّانِي الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعَيْبِ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكَذَا تَقْوِيرُ الْبِطِّيخِ الْحَامِضِ إذَا أَمْكَنَ معرفة حموضته بغرز شئ فِيهِ وَكَذَا التَّقْوِيرُ الْكَبِيرُ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بالتقويم الصَّغِيرِ وَالتَّدْوِيدُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّقْوِيرِ وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى الشِّقِّ لِيُعْرَفَ وَقَدْ يُسْتَغْنَى فِي مَعْرِفَةِ حَالِ الْبِيضِ بِالْقَلْقَلَةِ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَالرُّمَّانُ بِمُطْلَقِهِ لَا يَقْتَضِي حَلَاوَةً وَلَا حُمُوضَةً فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ الْحَلَاوَةَ فَبَانَ حَامِضًا بِالْغَرْزِ رُدَّ وَإِنْ بَانَ بِالشَّقِّ فَلَا * * (فَرْعٌ) * رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيِّ اشْتَرَى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بَيْضًا مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ كَسَرَ وَاحِدَةً فَإِذَا هِيَ فَاسِدَةٌ ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثالثة حتى

تتابع منهن فاسدات فطلب الاعراب يُخَاصِمُهُ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ شُرَيْحٌ أَمَّا مَا كَسَرَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ وَأَمَّا مَا بَقِيَ فَأَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْتَ كَسَرُوا فَمَا وَجَدُوا فَاسِدًا ردوه وما وجده طَيِّبًا فَهُوَ بِالسِّعْرِ الَّذِي بِعْتَهُمْ بِهِ وَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذَا أَنَّ عَمْرَو بْنَ حريث رضى الله عنه كان رأيه جواز الرد * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ ثَبَتَ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ فَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ *) * * الشَّرْحُ * امْتِنَاعُ الرَّدِّ عِنْدَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ يُعْتَمَدُ مَرْدُودًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُقَامُ قِيمَةُ التَّالِفِ مَقَامَهُ لِيُرَدَّ الرَّدُّ عَلَيْهَا إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ نَقْلِ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ لَكِنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عَنْهُ هُنَا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنَّ الرَّدَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَالْإِجْمَاعُ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ عِنْدَ تَلَفِ الْعَيْنِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وبين التحالف حَيْثُ جَازَ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ بِهَذَا أَوْ بَانَ لَنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ طَرِيقًا آخَرَ وهو الارش بخلاف التحالف وَكَذَلِكَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ عِنْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (إذَا قُلْنَا) بانتقال الضمان بقبضه في زمان الخيار فانه يجوز كالتحالف وَالْإِقَالَةِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ جَائِزَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ قُلْنَا) إنَّهَا فَسْخٌ وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا * إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْأَرْشُ وَاجِبٌ قَطْعًا بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ وَهَذِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَيَتَبَيَّنُ لَكَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَمْ تُسْتَدْرَكْ الظُّلَامَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى عِلَّةِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي وَلَا جُزْءُ عِلَّةٍ كَذَلِكَ بَلْ الْأَكْثَرُونَ يَعْتَبِرُونَ الْيَأْسَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ الْعِلَّةَ الْأُخْرَى وأبو إسحق بالعكس فإذا وجد المعنيان أو انتفيا انفقوا وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ اخْتَلَفُوا وَهَهُنَا اجْتَمَعَ الْيَأْسُ وَعَدَمُ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَاتَّفَقُوا عَلَى الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْأَكْثَرِينَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ ذَكَرَ المصنف ثلاث مسائل مشتركة في الفوات (أحدها) في الفوات الحسى (والثانية وَالثَّالِثَةُ) فِي الْفَوَاتِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا (الْأُولَى) وَهِيَ هَلَاكُ الْمَبِيعِ فَذَلِكَ يَشْمَلُ مَا إذَا هَلَكَ بِنَفْسِهِ كَمَوْتِ الْعَبْدِ وَاحْتِرَاقِ الثَّوْبِ وَشِبْهِهِمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ قُبَيْلَ كِتَابِ الرَّهْنِ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَالَ وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى أن

الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ لَا يَثْبُتُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَقْبُوضِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ يَجْرِي هُنَا بِطَرِيقِ الاولى لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ الْمُعَيَّنُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ (قُلْتُ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَغْرَبْتُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْمُزَنِيِّ فَتَبِعْتُ أَثَرَهُ فَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الرَّهْنِ أَيْضًا مَا يُثْبِتُهُ وَيُبَيِّنُ مَأْخَذَهُ وَأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ هَهُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ وَقَبَضَ بَعْضَهُ وَأَتْلَفَهُ ثُمَّ قَبَضَ الْبَاقِيَ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ وَادَّعَى أَنَّ الْمُتْلَفَ كَانَ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَ الْمُسْلِمُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الرُّجُوعُ الارش لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلًا عَنْ الْبَاقِي قُلْنَا هَذَا لَيْسَ من الاستبدال في شئ وَإِنَّمَا هُوَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ لِأَنَّهُ كَاحْتِبَاسِ جُزْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَوْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا وَأَتْلَفَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِهَا يَنْقُصُ عُشْرَ قِيمَتِهَا رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَلَامُ الْقَاضِي هَذَا يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ مَأْخَذَ الْمُزَنِيِّ فِي ذَلِكَ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْإِمَامُ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي وَاخْتَصَرَ وَسَكَتَ عن مأخذ وَاقْتَصَرَ عَلَى حِكَايَةِ النَّقْلِ عَنْ الْمُزَنِيِّ فِي حَالَةِ التَّلَفِ فَحَصَلَ فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ أَوْجَبَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ نَقَلَ ذَلِكَ هُنَا وَبِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي انْدَفَعَ ذَلِكَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ يَمْنَعُ أَخْذَ الْأَرْشِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُطْلَقًا عِنْدَ التَّلَفِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ أَيْضًا فَرَضَهَا فِي الْإِتْلَافِ لَا فِي التَّلَفِ فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقِسْمِ الَّذِي يَحْصُلُ هَلَاكُ الْمَبِيعِ بِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ أَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ وَنَحْوَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَقَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ وَأَجَابُوا عَنْ الْبَيْعِ بِعَدَمِ الْيَأْسِ وَعَنْ الْإِمْسَاكِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الرضى بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي الْعِتْقِ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ اتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِنْشَاءِ الْمُشْتَرِي كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي مَعْنَاهُ إنْشَاءُ وَكِيلِهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِإِنْشَائِهِ كَمَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ أَوْ كَانَ بِإِنْشَائِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ الْعِتْقِ فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجْهَيْنِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ لَا أَرْشَ فِي

مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ يَعْنِي ابْنَ كَجٍّ وَعِنْدِي أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ الاحتراز ولا يستثنى من كلامه شئ عَلَى رَأْيِ ابْنِ كَجٍّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَطَّانِ تُسْتَثْنَى مَسْأَلَةُ شَرْطِ الْعِتْقِ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْعِتْقِ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَأَمَّا شِرَاءُ الْقَرِيبِ فَإِنْ كَانَ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي بِالْقَرَابَةِ حِينَ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ قُبَيْلَ كِتَابِ السَّلَمِ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي حَالَةَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ قَرِيبُهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ الْمَالُ مَقْصُودًا لَهُ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنْ كَانَ هُوَ الْعِتْقَ فَبَذْلُ ذلك الثمن بكماله انم كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يُظَنُّ مِنْ الْمَبِيعِ فإذا فات جزؤ صَارَ الْمَبِيعُ الَّذِي قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الثَّمَنِ فَيَرْجِعُ فِي الْبَاقِي وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية انه لا يحب الْأَرْشُ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ قَالَ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْعَاقِدِ لَا فِي الْعَبْدِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْمَعْنَى لَوْ سُلِّمَ لَهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي إنْشَاءِ الْعِتْقِ تَبَرُّعًا وَهُوَ يُوَافِقُ عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَصْحَابُ سُؤَالًا وَجَوَابَهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا قَالُوا (فَإِنْ قِيلَ) إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ اسْتِدْرَاكَ الظُّلَامَةِ بِالْمَالِ دُونَ الثَّوَابِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ عَبْدٍ مَعِيبٍ وَهُوَ دُونَ ثَوَابِ السَّلِيمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ فقال أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَالْجُزْءُ الْفَائِتُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعِتْقُ وَلَا حَصَلَ لَهُ عَنْهُ ثَوَابٌ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ (قُلْنَا) لَيْسَ هُوَ بَدَلًا عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ هَذَا ذَكَرَهُ فِي العتق المطلق وهو يأنى فِي الْعِتْقِ الْمَشْرُوطِ وَأَمَّا عِتْقُ الْقَرِيبِ فَقَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ أَيْضًا * * (فَرْعٌ) * يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ أَخْذِ الْأَرْشِ كَمَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِيمَا إذَا كَانَ تَالِفًا خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ * * (فَرْعٌ) * اسْتِيلَادُ الْجَارِيَةِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْأَرْشِ كَمَا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَرَابِعُهَا تَشْتَرِكُ فِي عَدَمِ إمْكَانِ النَّقْلِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ لِلْهَلَاكِ الْحِسِّيِّ وَالْعِتْقُ خَارِجٌ عَنْ الْمِلْكِ وَغَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ شَرْعًا وَالْمُسْتَوْلَدَة غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلنَّقْلِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْخِلَافِ في انتقال الملك فهو بين العتق والاستيلاء (1) وَأَمَّا مَا لَا يَمْنَعُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ مُطْلَقًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَعَ زَوَالِهِ إنْ كان مع زواله وسيأتى

_ (1) بياض بالاصل فححرر

فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَعَ مُقَابِلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ جُمْلَةٌ مِنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ لِأَنَّ منها ما هو عيب * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب حتى أبق العبد لم يطلب بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ فَإِنْ رَجَعَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَإِنْ هَلَكَ أَخَذَ عَنْهُ الْأَرْشَ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ الَّذِي عَلِمَهُ غَيْرَ الْإِبَاقِ كَالْعَرَجِ وَالْعَوَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَهُنَا الْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عيب حادث مانع من الرد بالقديم وَغَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ وَلَمْ تُسْتَدْرَكْ الظُّلَامَةُ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ وَاضِحٌ وَأَغْرَبَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ الصَّحِيحُ لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ يُرْجَى أَنْ يَعُودَ إلَى يَدِهِ وَيَعْرِضُ الرَّأْيَ عَلَى الْبَائِعِ فِي قبوله على العيب واستثي الْعِجْلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْأَرْشِ ما إذا قال البائع انا أرضى به العيب الْحَادِثِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْمُطَالَبَةُ الْآنَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْأَرْشُ وَالرَّدُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَالِ الْإِبَاقِ فَيَصْبِرُ حَتَّى يَعُودَ فَيُرَدَّ لَكِنْ فِيمَا قَالَهُ الْعِجْلِيُّ هُنَا نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ طَلَبِ الْبَائِعِ (1) الرَّدَّ هُنَا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي هُنَا وَتَأَخُّرِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ مَعَ قِيَامِ مُوجِبِهَا وَرَأَيْتُ فِي الِانْتِصَارِ لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهِ فِي إبَاقِهِ سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَرْشِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرَدُّ فِي الْإِبَاقِ وَيَزُولُ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْعِجْلِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِبَاقَ وَيَزُولُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَذَلِكَ عَيْبٌ قَدِيمٌ وَالْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مُسْنَدٌ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْإِبَاقُ عَادَةً لَهُ لَمْ يَنْقُصْهُ الاباق الحادث ولكن المشترى لا يمكنه الرد مادام آبِقًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لانه لم ييئس مِنْ رَدِّهِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وهذا الموضع يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ كَمَا قَالَ أَبُو إسحاق لرجع بالارش ههنا لانه لم يَسْتَدْرِكُ الظُّلَامَةَ وَهَذَا الْإِلْزَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أبا اسحق يوافق على أنه لا يرد

_ (1) بياض بالاصل فححرر

ولا يرجع بالارش مادام آبِقًا وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ إنَّهُ لَا خِلَافَ فيه بين أصحابنا لكن صَاحِبَ التَّتِمَّةِ حَكَى وَجْهًا مُقَابِلًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ بِأَنَّ لَهُ أَخْذَ الْأَرْشِ وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَأَطْلَقَهُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ إبَاقِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ أَبَقًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا غَيْرَ الْإِبَاقِ وَقَدْ كَانَ أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يرده مادام آبِقًا وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهُوَ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَضِيَ بِإِبَاقِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْإِبَاقَ الطَّارِئَ لَا يَكُونُ عَيْبًا جَدِيدًا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أنه إذا رجع رده بِالْعَيْبِ وَإِنْ هَلَكَ فِي الْإِبَاقِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا إذَا أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أبق في يد البائع أوضاع فِي انْتِهَابِ الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَالتَّلَفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْإِبَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ عُذْرٌ فِي تَأْخِيرِ الرد وأنه لو أسقط حقه منه لا سقط عَلَى الصَّحِيحِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ حُكْمِهِ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْهَلَاكِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي لا تفسخ فانا آتيك به ولا خِيَارَ لَهُ وَلْنَرْجِعْ إلَى الْكَلَامِ فِي الْإِبَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ (اعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا هَهُنَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ فِي مُدَّةِ الْإِبَاقِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْعَيْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الثَّوْبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَيْنِ وَأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالْفَسْخِ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَالْحَاكِمِ وَالشُّهُودِ وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَ يَشْتَرِطُ الْعَيْنَ لِلْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْإِبَاقِ تَلَفَّظَ بالفسخ لم لا ينفذ إذا تلفظ به وجاءه (فَإِنْ قُلْت) هُنَاكَ لَهُ فَائِدَةٌ إذَا صَدَّقَهُ الْخَصْمُ وَهَهُنَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قُلْتُ) فَائِدَتُهُ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَبْقَى مَضْمُونًا عَلَيْهِ ضَمَانَ يَدٍ لَا ضَمَانَ عَقْدٍ حَتَّى إذَا تَلِفَ يضمنه بِقِيمَتِهِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَقَدْ يَكُونُ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ أَوْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ لِيُطَالِبَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ عَوْدِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِبَاقَ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الرَّدِّ صُورَةً فَلَا عَلَيْهِ فِي أَنْ يَفْسَخَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ

الشُّهُودِ وَيَصِيرُ قَبْضُ الثَّمَنِ مَوْقُوفًا عَلَى عَوْدِ الْعَبْدِ كَمَا لَمْ يَجْعَلُوا غَيْبَةَ الْعَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عُذْرًا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَعْلِ الْإِبَاقِ عُذْرًا وَالْأَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْبَحْثُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَلَبَ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا مِنْ عِبَارَتِهِمْ فَإِنْ قَالُوا لَا تُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ إلَّا مَعَ تَسْلِيمِ الْمَعِيبِ فَعِنْدَ غَيْبَتِهِ تَتَعَذَّرُ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مُلْزِمَةً فَنَقُولُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ غَائِبَةً فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَيْسَ نُوجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةَ إلَى الْحَاكِمِ بالفسخ قبل أن يردها ومما نُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِبَاقَ إذَا تَكَرَّرَ فَقَدْ تَنْقُصُ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا إذَا صَدَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْعَبْدُ الَّذِي أَبَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً ثُمَّ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إبَاقُهُ الثَّانِي عَيْبًا جَدِيدًا إذَا كَانَ مُنْقِصًا مِنْ الْقِيمَةِ نُقْصَانًا أكثر من الاول فهلا كَانَ مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ (فَإِنْ قِيلَ) بِأَنَّ الْإِبَاقَ الثَّانِيَ مُسْنَدٌ إلَى الْأَوَّلِ أُثْبِتَ لَهُ عَادَةً (قُلْنَا) يَجِبُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ إذَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ قَدِيمٍ هَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي يَمْتَنِعُ الرَّدُّ هُنَا وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْأَوَّلِ وَقَدْ فَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِبَاقُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَزِيدُ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَ قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاشْتَهَرَ بِهِ يَعْنِي فَلَا يُؤَثِّرُ تكررا إبَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا يُجَوِّزُ حَمْلَ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ عَدَمُ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ مِنْ آثَارِ الْإِبَاقِ السَّابِقِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ (وَالْأَوْلَى) تَبْقِيَةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ ومستندهم اسناد الثاني إلى لاول وَقُلْنَا مَا أُسْنِدَ إلَى سَبَبٍ قَدِيمٍ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ * * (فَرْعٌ) * فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْإِبَاقِ إنْ كَانَ آبِقًا قَالَ مَالِكٌ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَا يُصْبِرُهُ أَنْ لَا يَجِدَهُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يُقْضَى عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يوت أو يرده وهذا كقولنا (1) وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي حَالَةِ الْإِبَاقِ فَإِنَّ الْإِبَاقَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا اسْتَحَقَّ الرَّدَّ وَاسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا اسْتَحَقَّ أَخْذَ الْأَرْشِ وَمَا جُهِلَ اسْتِحْقَاقُهُ لَمْ تَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ المطالبة بالارش قال أبو إسحق الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ فَغُبِنَ كَمَا غُبِنَ فَزَالَ عَنْهُ ضَرَرُ الْعَيْبِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ) * *

_ (1) بياض بالاصل فحرر

* (الشرح) * إذا زال ملكه عن المبيع رو والا يُمْكِنُ عَوْدُهُ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَإِنْ زَالَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَشَيْخُ شَيْخِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مِنْ العراقيين والقاضى حسين وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ وَلَوْ بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يكن له ان يرجع على البائع بشئ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ ابو اسحق وَابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَرَوَّجَ كَمَا روج عليه وتخلص مِنْهُ وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مَا أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ فَرُبَّمَا يَعُودُ إلَيْهِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْمَعْنَيَيْنِ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والمحاملي قال الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ (قُلْتُ) وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ أَوْ الثَّوْبَ فَبَاعَ نِصْفَهَا ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ ولا يرجع على البائع بشئ مِنْ نَقْصِ الْمَعِيبِ يُقَالُ لَهُ رُدَّهَا أَوْ احْبِسْ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ إذَا مَاتَتْ أَوْ أُعْتِقَتْ فَصَارَتْ لَا تُرَدُّ بِحَالٍ أَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ بِهَا عَيْبٌ فَصَارَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بِحَالٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا أَوْ بَاعَ بَعْضَهَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّهَا فَيَلْزَمَ ذَلِكَ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعُ بِنَقْصِ الْعَيْبِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ وَيَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مِنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عُلِّلَ بِهِ وَاعْتَرَضُوا عَلَى علة ابى اسحق بِأَنَّ غَيْرَ الْبَائِعِ لَهُ لَا يَتَخَيَّرُ بِعَيْبِهِ لِغَيْرِهِ (الْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ مِنْ تَرْجِيحِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَهُ الْأَرْشُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ فَقَالَ وقيل يرجع وليس شئ وَهَذِهِ التَّضْعِيفَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ وَجْهٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمُخَرَّجَةَ لَا تُنْسَبُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَهَذَا مُخَرَّجٌ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالنَّاقِلُونَ لَهُ قليل منهم لامام كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ وَالْغَزَالِيُّ (1) وَحَكَى ابْنُ دَاوُد أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْعَبْدَ فَبَاعَ نِصْفَهُ ثُمَّ أَصَابَ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَ الْعَيْبُ إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ جَمِيعًا وَقَدْ قِيلَ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ به للمشترى ممن

_ (1) بياض بالاصل فححرر

اشترى منه فذاك والارجع عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى (قُلْتُ) وَقَدْ رَأَيْتُ النَّصَّ الْمَذْكُورَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الْمَتَاعِ يُشْتَرَى فَيُوجَدُ بِهِ الْعَيْبُ وَرَأَيْتُ فِيهِ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِرَاضِ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ سِلْعَةً وَقَبَضَهَا فَأَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا فَإِنْ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَلَمْ يُرِدْ الْآخَرُ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مَجْمُوعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَعِّضَهُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لِلشَّرِيكِ الرَّدُّ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بنصف قيمة العيب وقيل لا يرجع بشئ انْتَهَى وَهَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ حَكَمَ عِنْدَ امْتِنَاعِ الشَّرِيكِ مِنْ الرَّدِّ بِنِصْفِ الْأَرْشِ بِأَنَّهُ لَا يرجع بشئ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَ بَيْعِ الْجَمِيعِ ثَبَتَ لَهُ الْأَرْشُ كَامِلًا لَكَانَ هَهُنَا أَوْلَى فَلَمَّا لَمْ يَحْكُمْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْخَارِجِ عَنْ يَدِهِ وَهَذَا النَّصُّ ذَكَرَهُ ابن سرى مع نصه لذى فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا إذَا بَاعَ بَعْضَ الْعَيْنِ وَتَحَصَّلْنَا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ الْعَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُطَالِبُ بنصف الارش (والثانى) لا يطالب بشئ وَأَمَّا النَّصُّ الْآخَرُ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بشئ كَالْقَوْلِ الَّذِي هُنَا (وَالثَّانِي) فِيهِ احْتِمَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ الْآخَرِ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَكُونَ شَرِيكًا لِلْمُشْتَرِي فَذَاكَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَأَنَّهُ لَا يُعْطِي أَرْشًا عَنْ النِّصْفِ الْمَبِيعِ فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ يَدُلَّانِ عَلَى تَأْوِيلِ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْقَوْلَ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا لِلرَّافِعِيِّ وَابْنِ الرِّفْعَةِ بَلْ يَكُونُ فِيهِ النَّصُّ الْآخَرُ شَاهِدًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فيه لما قاله أبو إسحق مِنْ التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَلِهَذَا أَوْجَبَ أَرْشَ النِّصْفِ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ الْيَأْسُ هُوَ الْعِلَّةَ لما وجب شئ لامكان الرد أو لوجب الجيمع إنْ كَانَ هَذَا الْإِمْكَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِبُعْدِهِ عَلَى أَنَّ النَّصَّ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ الْمَتَاعِ يَسِيرًا فَيُؤْخَذُ بِهِ الْعَيْبُ هُوَ مَنْقُولٌ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَوْجُودُ فِيهِ فِي الْأُمِّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يرجع بشئ وَمَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يُرَدُّ بما في يَدُهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقِيلَ يُجْبَرُ الْبَائِعُ الْمُرَادُ به قول

ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّصِّ مُتَمَسَّكٌ لِلتَّخْرِيجِ وَلَا لِإِثْبَاتِهِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا أَعْلَمُ مِنْ عَادَةِ الْبُوَيْطِيِّ فِعْلَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُ عَنْهُمْ الشَّافِعِيُّ أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَسْمَائِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي النِّصْفِ تَحَقَّقَ بِالنَّصِّ الثَّانِي مَعَ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَمَّا فِي الْكُلِّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَعَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَلَا أَدْرِي بِمَاذَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْبُوَيْطِيِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَنَدًا لِلرَّافِعِيِّ قَبْلَ بَابِ الشَّرِكَةِ قَالَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَبَدًا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ مَا أَخَذَ أَبَدًا لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ فان اشترى وَبِهَا عَيْبٌ ثُمَّ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ ثم صح العيب الذى حدثه عِنْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَهُوَ الْبُوَيْطِيُّ إنْ بَاعَهُ فَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ البيع كحدوث عيب فيأخذ الارش هذا ظَاهِرُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوَجْهَ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالْإِمَامُ حَكَاهُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَوْلًا لَكِنْ فِيمَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ وَقَالَ إنَّ الْقِيَاسَ الرُّجُوعُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ وَرِضَاهُ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ إذَا رَضِيَ فَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ وَجْهَانِ كَمَا إذَا زَالَ بِالْهِبَةِ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الرُّجُوعِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ ظَاهِرُ الْإِمْكَانِ يَطَّرِدُ عَلَى نُظُمِ الْمُعَامَلَةِ وَإِذَا كَانَ الرَّدُّ أَمْكَنَ كَانَ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ أَبْعَدَ وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيمَا إذَا زَالَ بِالْهِبَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَنَسَبَهُ إلَى مَذْهَبِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِيَةُ) حِكَايَةُ الْخِلَافِ ثُمَّ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ لِأَنَّهُ رُوِّجَ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ بِمِثْلِهِ فِي الْبَيْعِ كما قال الاكثرون والنص لكنه هُنَا خَالَفَ وَقَالَ إنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ وَمَا قَالَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَكْثَرِينَ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ قَبْلَهُ إنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ يَقْرُبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ شُهُودَ الزُّورِ إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِمَالٍ وَرَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ هَلْ يَغْرَمُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَا خِلَافَ لَكِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ فِي الْعِتْقِ والطلاق

لانه لامستدرك لهما والحيلولة في المال ممكنة لزوال بِأَنْ يَعْتَرِفَ الْمَشْهُودُ لَهُ يَعْنِي وَامْتِنَاعُ الرَّدِّ هُنَا مُمْكِنُ الزَّوَالِ بِعَوْدِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ كَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِمَامُ خَرَجَ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشُّهُودَ يَغْرَمُونَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْأَرْشِ كَمَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا وَقَالَ الْإِمَامُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إنَّهُ الْقِيَاسُ لَكِنْ الْأَكْثَرُونَ وَالنَّصُّ وَتَصْحِيحُ الْغَزَالِيِّ فِي الشُّفْعَةِ عَلَى خِلَافِهِ * * (فَرْعٌ) * عَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ إذَا أَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مُشْتَرِيهِ بِالْعَيْبِ فَهَلْ يَرُدُّهُ مَعَ الْأَرْشِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ فِيهِ وَجْهَانِ (فَائِدَةٌ) إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ يَشْمَلُ مَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَمَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُوَافِقُ لِمُقْتَضَى النَّصِّ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْخِلَافُ لَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ فَفِي الثَّانِيَةِ أَبْعَدُ لِقُرْبِ الْإِمْكَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّرْتِيبِ هَكَذَا إنَّا إنْ عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ بَعْدَ بَيْعِهِ إلَّا بِأَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ وَالْيَأْسُ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يَحْصُلْ فِي الصُّورَتَيْنِ لكن حالة رضى الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَرِيبَةٌ مِنْ الْيَأْسِ لِيَعُودَ الْعَوْدُ مع أنه عَادَ يَعُودُ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ فَجَرَى فِيهَا الْخِلَافُ وَقَبْلَ الِاطِّلَاعِ لَيْسَ الْعَوْدُ بَعِيدًا وَيُتَوَقَّعُ عَلَى قُرْبٍ أَنْ يَعُودَ بِالرَّدِّ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الخلاف فيها أقوى والقياس في حالة رضي الثَّانِي أَوْ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَا يلزم من تبرع الثاني سقوط الْأَوَّلِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنَّا لَا نَقُولُ بِسُقُوطِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَتَرَقَّبُ عَوْدَهُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ أَوْ فَوَاتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَأْخُذُ الْأَرْشَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا رَضِيَ الثَّانِي بِالْعَيْبِ اسْتَقَرَّ سُقُوطُ الْأَرْشِ ولرد وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى قَوْلِ أبى اسحق أو يؤول على أنه يستقر سقوطه مادام زَائِلًا عَنْهُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يبطل حقه لان ذلك رضى بِالْعَيْبِ وَأَفْهَمَ آخِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فَرْضَ المسألة مادام الْمَبِيعُ زَائِلًا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِحَالَةٍ يُمْكِنُ عَوْدُهُ فَلَوْ فقد شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْعَيْبِ وَسُكُوتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وعلم بالعيب فِي زَمَانِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَفْسَخْ حَتَّى فَسَخَ الْمُشْتَرِي أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَبِتَرْكِ الْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ (قُلْتُ) وَفِيهِ نَظَرٌ إذا كان في زمان الخيار والخيار للبائع أو لهما فانه متمكن من الرد لا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ *

* (فَرْعٌ) * اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ أَوْ صَبَغَهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ العيب لانه استدرك الظلامة ولم ييئسن مِنْ الرَّدِّ لِأَنَّهُ إنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ مَعَ القطع أو الصبغ وأعطاه قِيمَتَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابن سريج * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ) * * * (الشَّرْحُ) هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي اسحق بِالثَّانِي وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَلْفِتُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَعَوْدِهِ هَهُنَا وَسَبَبُهُ أَنَّ الرَّدَّ ينقص الجهة المتجددة ويرد الملك لذي كان ثابتا قبلها فليس ملكا جديد أو سبب الِاخْتِلَافِ فِي الرَّدِّ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَعَوْدِهِ في الصورة التى سنذكرها عن من يَقُولُ بِالْمَأْخَذِ الْمَذْكُورِ إنَّهُ يَعْتَقِدُ الْعَائِدَ مِلْكًا جَدِيدًا وَلَيْسَ الرَّدُّ كَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ رَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ يَرُدَّ بِالتَّرَاضِي ارْتَفَعَ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ له الرد قال الفورانى وعندنا كيف ما كَانَ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ (قُلْتُ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِظَاهِرِهَا مُنْكَرَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلَكِنْ بِطَرِيقِ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِأَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ مِنْ حِينِهِ فَالْعَائِدُ هُوَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الثَّانِيَ انْتَقَضَ وَالرَّدَّ فَسْخٌ لَا سَبَبٌ جَدِيدٌ لِمِلْكٍ آخَرَ وَقَدْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يَجْعَلُ الرَّدَّ بِدُونِ الْحَاكِمِ كَالْإِقَالَةِ * * (فَرْعٌ) * لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَا تَلَقَّى الْمِلْكَ عَنْهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا غَابَ الْبَائِعُ الثَّانِي أَوْ مَاتَ وَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ان له الرد على البائع لاول لِأَنَّ مَالَ الْغَائِبِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَرَدَّ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صحيح *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ حَدَثَ عنه الثَّانِي عَيْبٌ فَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ رَجَعَ هُوَ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ) * * * (الشَّرْحُ) * جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا هَكَذَا كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّهُ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ أَيْ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ لِأَخْذِ الْأَرْشِ مِنْهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ قال إنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ مَعًا وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ المخالف لتخريج بن سُرَيْجٍ إنَّهُ إذَا حَدَثَ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ يُنْظَرُ إنْ قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ خُيِّرَ بَائِعُهُ فَإِنْ قَبِلَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا أَخَذَ الْأَرْشَ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ ابْنُ القطان انه لا يا؟ ؟ د واسترداده رضى بِالْعَيْبِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ وَغَرِمَ الْأَرْشَ لِلثَّانِي فَفِي رُجُوعِهِ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ بِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَهُوَ الذي قاله الفورانى وَالْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ وَمَا قَبِلَهُ مِنْهُ بَائِعُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ (وَأَظْهَرُهُمَا) يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقْبَلُهُ بَائِعُهُ فَيَتَضَرَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَيُمْكِنُ بِنَاءُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إنْ عَلَّلْنَا بِعِلَّةِ ابى اسحق وَإِذَا غَرِمَ الْأَرْشَ زَالَ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ فَيَرْجِعُ وان عللنا بعلة لاكثيرين وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْتَفِعُ الْعَيْبُ الْحَادِثُ فَيَعُودُ إلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَرْجِعُ مَا لم يغرم للثاني فانه ربما لا يطالبه بشئ فيبقى مستدركا للظلامة هذا مَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ التَّرْتِيبِ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالتَّهْذِيبِ وَقَطَعَ الْقَاضِي بِمُوَافَقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ وَالْبَقِيَّةُ من زيادات الرافعى رضى الله عنه وَأَوْرَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى بِنَاءِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ بِالثَّانِي وَهُوَ قَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ التخريج وقال الرَّافِعِيُّ إنَّهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي خَرَّجَهُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ بَائِعِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ عَيْبٌ وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي انْتَهَى (وَأَقُولُ) بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ التَّرْتِيبِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا فِي أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ عَرْضُ الرَّأْيِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ قَبِلَهُ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى الْأَرْشِ فَالْحَقُّ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ حَتَّى يَمْتَنِعَ الْبَائِعُ مِنْ قَبُولِهِ فَلَا جَرَمَ سَلَكَ هَذَا التَّرْتِيبَ هُنَا وَحَسُنَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَقَوْلُ ابْنِ الحداد بعدم

الرُّجُوعِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عَدَمُ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ بِغَرَامَةِ الْأَرْشِ مُتَبَرِّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فَاسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ بَاقٍ لَا يَرْتَفِعُ بِتَبَرُّعِهِ * وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالرُّجُوعِ الْمُقَابِلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي جَعْلِهِ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ وَافَقَهُ فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرُّجُوعِ الْيَأْسُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْيَأْسَ مِنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ فَإِنَّ الْيَأْسَ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودٍ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ إمْكَانِ ارْتِفَاعِ الْحَادِثِ وَعَوْدِهِ إلَيْهِ فَيُمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ بِالْإِلْزَامِ حِينَئِذٍ وَرُبَّمَا يَعُودُ إلَيْهِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ ورضى الْبَائِعِ بِقَبُولِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاضَاةِ وَهُوَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ ابْتِدَاءً عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ فَإِمْكَانُ إلْزَامِ الرَّدِّ مَوْجُودٌ إنْ كَانَ هَذَا الْإِمْكَانُ مُعْتَبَرًا لِاحْتِمَالِ ارْتِفَاعِ الْحَادِثِ وَعَوْدِهِ وَإِمْكَانُ الرَّدِّ بِالتَّرَاضِي مَوْجُودٌ بِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ فَلِمَ جَعَلَ الرَّافِعِيُّ هُنَا الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَّ قَوْلُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أنه على الوجهين لا يرجع ما لم يَغْرَمْ لِلثَّانِي هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ أَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ فَلَيْسَ لِقَرَابَتِهِ لِلثَّانِي أَثَرٌ فَإِنَّ إمْكَانَ الرَّدِّ بِالتَّرَاضِي لَا يَنْقَطِعُ بِهَا وَإِمْكَانُ الرَّدِّ بِالْإِلْزَامِ مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ لَيْسَ مُمْكِنًا قَبْلَهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ يُمْكِنُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ بِالْقَرَابَةِ بَلْ يَنْبَغِي إنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ رَجَعَ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَرْجِعْ مُطْلَقًا وَقَدْ صُحِّحَ أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ فَلْيَرْجِعْ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمْ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ عِنْدَ الثَّانِي فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَغَيْرِهِ مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْعِلَّةَ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ وَعَلَى ذَلِكَ يَصِحُّ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أنه على الوجهين لا يرجع ما لم يَغْرَمْ أَيْ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ الْبِنَاءِ مُشْكِلٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ إنْ كَانَ يُوَافِقُ الْأَكْثَرِينَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْيَأْسِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاَلَّذِي قَالُوهُ هُوَ الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ هُوَ الْأَرْشُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْشِ هُنَا مُطْلَقًا غَرِمَ أَوْ لَمْ يَغْرَمْ وَأَمَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ الْبَائِعُ فَيَنْتَقِلَ إلَى الْأَرْشِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُطْلَقًا غَرِمَ أَوْ لَمْ يَغْرَمْ حَتَّى يَحْصُلَ الْيَأْسُ * وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ ذكرتهم موافقين له في هذه المسألة بالبأس يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْيَأْسُ عَنْ الرَّدِّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَأَنَّ تَوَقُّعَ زَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ * * (فَرْعٌ) * هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ مَا دَامَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمَّا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ حُدُوثِ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ فَأَخَذَ الثَّانِي الْأَرْشَ مِنْ الْأَوَّلِ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى بائعه بلا خلاف

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ تَلِفَ في يد الثاني وقلنا بتعليل أبى اسحق لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ * وَإِنْ قُلْنَا بِتَعْلِيلِ غَيْرِهِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ قَدْ أَيِسَ مِنْ الرَّدِّ) * * (الشَّرْحُ) إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا أَوْ وَقَفَ الْمَبِيعَ فَقَدْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ الرَّدِّ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَى تعليل أبى اسحق لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاضِحٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ عَيْبٍ أَوْ مَعَ حُدُوثِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَغْرَمْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي إمَّا لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ وَلَكِنْ لَمْ يَغْرَمْ بَعْدُ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَقَالَ إنْ عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَلَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَغْرَمْ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْيَأْسِ يَرْجِعُ أَمَّا إذَا غَرِمَ الْأَرْشَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى بَائِعِهِ بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ الْيَأْسِ وَعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والرافعي * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ رَجَعَ المبيع إليه ببيع أو هبة أو ارث لم يرد على تعليل أبى اسحق لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَعَلَى تَعْلِيلِ غَيْرِهِ يَرُدُّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ) * (الشَّرْحُ) طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ الْبِنَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَخَوَاتِهَا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ المذكورين كما بناه المنصف وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِالْإِقَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ وَيَقْتَضِي الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَيَزْدَادُ في حالة رجوعه بالبيع نظرا آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ في بِالْعَيْبِ قَبْلَ شِرَائِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الثَّانِي فَلَهُ الرَّدُّ قَطْعًا وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فيمن يرد عليه فعلى قول أبى اسحق لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ رَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ على الثاني وإذا رد على الثاني فلما رَدُّهُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَرُدُّهُ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلًا بَلْ يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا حَكَاهُ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ يَرُدُّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حِينَ الشِّرَاءِ مِنْ الثَّانِي عَالِمًا بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الثَّانِي وَرَدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُبْنَى عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالصَّحِيحُ الرَّدُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ صَارَ رَاضِيًا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي قاله هو قول القفال على ما نقله الروايانى وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ

وَأَنَّ سَائِرَ الْأَصْحَابِ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بِنَاءَهَا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ فَسْخٌ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا بَيْعٌ أَوْ قُلْنَا بِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ جَوَازِ فَسْخِهَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) فَسْخٌ وَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَمْ يُتَّجَهْ ذَلِكَ فِيهِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ طُرُقِ الْعَوْدِ مِنْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا تَأْتِي فِيهَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ بَلْ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَقَطْ وَلَا أَظُنُّ يَأْتِي فِيهَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي حَالَةِ الْعِلْمِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْعِوَضِ وَقَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي بِنَاءِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فَجَعَلَا مَأْخَذَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ بِجِهَةٍ أُخْرَى هَلْ هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَفِيهِ جَوَابَانِ مَأْخُوذَانِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم جا رَأْسُ الشَّهْرِ فَفِي الْعِتْقِ قَوْلَانِ وَهُمَا يُشْبِهَانِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ وجدت الصفقة وهذا أصل يخرج عَلَيْهِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمَبِيعِ وَعَادَ هَلْ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ (وَمِنْهَا) لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَزَالَ مِلْكُ الْوَلَدِ وَعَادَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ (وَمِنْهَا) إذَا زَالَ مِلْكُ الْمَرْأَةِ عَنْ الصَّدَاقِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (وَمِنْهَا) فِي هَذَا الْبَابِ إذَا زَالَ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَعَادَ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لحق المشترى فيه طريقان (احداهما) تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ (وَالثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالرَّدِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ إلَّا الْهِبَةَ فَالصَّحِيحُ فِيهَا أَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ (وَاعْلَمْ) أَنَّ طَرِيقَةَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ فِي الْبِنَاءِ لَا إشْكَالَ فِيهَا وطريقة الامام المذكورة يحتاج فيها إلى فرق بَيْنَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ ثُمَّ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ أَعْنِي فِي عَوْدِ الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَالْإِقَالَةِ لَيْسَتْ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مِلْكٌ جَدِيدٌ قَطْعًا وَالْإِرْثُ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَكِنَّهُ إذَا جَعَلْنَا الْوَارِثَ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فَالْعَائِدُ بِهَا هُوَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ وَكَانَ ينبغى أن لا يجرى الخلاف فيها لما لَوْ رَجَعَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَدْ اعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا فَهِيَ تشبهه بالتبيع لِأَجْلِ التَّرَاضِي وَلِهَذَا يَرِدُ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ اعْتِذَارٌ حَسَنٌ إنْ سُلِّمَ بِهِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّويَانِيَّ اخْتَارَ خِلَافَهُ وَبَنَاهَا عَلَى أَنَّهَا فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ سَالِمَةٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ أَوْ تَكُونُ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا * نَعَمْ الْإِقَالَةُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِذَارِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِيُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْجَمِيعِ ثُمَّ إنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي بَنَى الْإِمَامُ عَلَيْهَا لَمْ يُلَاحِظُوهَا فِي كُلِّ مَكَان أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمَا الضَّابِطُ

فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَمَا الدَّاعِي إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ زَالَ وَعَادَ فَلَا جَرَمَ كَانَتْ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ أَقْوَمَ وَأَدْخَلَ فِي الْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُخْتَصًّا بِالتَّفْرِيقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْيَأْسِ أَيْ إنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ لَمْ يردو إن قُلْنَا الْعِلَّةُ الْيَأْسُ تُبْنَى عَلَى الزَّائِلِ الْعَائِدِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الصَّحِيحُ جَوَازُ الرَّدِّ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فَجَعَلَ الصَّحِيحَ الْمَنْعَ * * (فَرْعٌ) * اعْلَمْ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الزَّائِلُ الْعَائِدُ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ كَمَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَبْقَ لَنَا بَعْدَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ طَرِيقٌ يُتَوَقَّعُ بِهَا الْعَوْدُ وَالرَّدُّ إلَّا أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنْ فُرِضَ اطِّلَاعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ وَرِضَاهُ انْسَدَّ طَرِيقُ الرَّدِّ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُ الْأَرْشِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِاعْتِبَارِ الْيَأْسِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لكنه عمم مع رضى الثَّانِي وَدُونَهُ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ضَعِيفٌ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَأَمَّا الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ يَسْتَقِرُّ سُقُوطُ الْأَرْشِ وَالرَّدِّ وَهَذَا إنما يستقيم على قول أبي اسحق أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ سُقُوطُ الرَّدِّ وَعَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَا يَسْتَقِيمُ سُقُوطُ الارش وقد ذكرت ذلك على الماوردى فيما مضى وذكرت له تأويلا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ لَمْ يعلم بالعيب حتى وهبه من غيره فإن كَانَ بِعِوَضٍ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) * * (الشَّرْحُ) هَذَا بَيِّنٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ بَيْعٌ وَحِينَئِذٍ تَأْتِي فِيهَا الْأَقْسَامُ وَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهَبْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا فَهُوَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْفُقَهَاءِ لِإِدْخَالِهِمْ لَفْظَةَ مِنْ وَإِنَّمَا الْجَيِّدُ وَهَبْتُ زَيْدًا مَالًا وَوَهَبْتُ لَهُ مَالًا * قَالَ وَجَوَابُهُ أَنَّ إدْخَالَ مِنْ هُنَا صَحِيحٌ وَهِيَ زِيَادَةٌ وَزِيَادَتُهَا فِي الْوَاجِبِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَقَدْ رَوَيْنَا أَحَادِيثَ مِنْهَا وَهَبْتُ مِنْهُ كَذَا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * (وَإِنْ وَهَبَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ) * * (الشَّرْحُ) * هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْيَأْسُ أَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْقَطْعَ هُنَا بِعَدَمِ الرجوع إذا أريد به أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْيَأْسُ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي يُشْعِرُ بِهَا إيرَادُ الْمُصَنِّفِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ جَزَمَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ الْيَأْسِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إسحق وهو

اسْتِدْرَاكُ الظُّلَامَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ هَهُنَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ هُوَ الصحيح دون ما قاله أبو إسحق وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ قَوِّمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَالرُّويَانِيُّ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أبا اسحق وَافَقَنَا عَلَى عَدَمِ الْأَرْشِ هُنَا وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ عِلَّتِهِ لَكِنَّ الْمَحَامِلِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ على تعليل ابى اسحق لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلَيْنِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أقوم إلا أن يكون أبو إسحق صَرُحَ النَّقْلُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ أَمَّا عَلَى مَا خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَرْجِعُ هَهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (تَنْبِيهٌ) الْهِبَةُ قَدْ يُسَمَّى فِيهَا عِوَضٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْهِبَةُ الَّتِي لَا يُسَمَّى فِيهَا عِوَضٌ لَنَا فِي اقْتِضَائِهَا الثَّوَابُ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالتَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَقْتَضِي الثَّوَابَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ خَرَّجُوا ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ أولا وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَعَلَ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ طَرِيقَانِ إمَّا أَنْ تَقُولَ إنَّا إذَا قُلْنَا بِاقْتِضَاءِ الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ الثَّوَابَ صَارَتْ بِعِوَضٍ فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إنَّ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ ههنا بغير عوض ولما أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ هَهُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي عَدَمِ اقْتِضَاءِ الْهِبَةِ الثَّوَابَ * * (فَرْعٌ) * قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَوْ كَانَ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ فَلَا يَرْجِعْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ ثُمَّ يَرُدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ والصحيح ان خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ (قُلْتُ) يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الصَّحِيحِ ويرجع على قول ابى اسحق وَسَنَزِيدُ لَكَ أَنَّ لِلْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَأْخَذًا آخَرَ وَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لابي أسحق عَنْ اعْتِرَاضِ الْأَصْحَابِ عَائِدٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ في صورة واحدة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الرَّدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ الظُّلَامَةَ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا وَهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ تَبِعَ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِيمَا قَالَهُ جَمِيعَهُ مِنْ التَّمْثِيلِ وَبَقِيَ الْخِلَافُ وَالتَّعْلِيلُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَرَجَعَ فِيهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَالْإِمَامُ حَكَى فِيمَا إذَا عَادَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِجِهَةٍ لَا رَدَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا مَلَكَ كَمَا مَلَكَ (وَالثَّانِي) لا لان الرد نقض لِلْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جِهَةٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَائِدِ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُلَاحِظُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَادَ

لَا بِعِوَضٍ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ إذْ لَمْ يَعُدْ (إنْ قُلْنَا) لَا فله الرد لان ذلك لنوقع الْعَوْدِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَأْخُذُ فَيَنْحَصِرُ الْحَقُّ فِيهِ أَوْ يَعُودُ إلَى الرَّدِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (قُلْتُ) وَالْقَوْلُ بِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيهِ بَعِيدٌ وَمَعَ بُعْدِهِ إنَّمَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى عَادَ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ حَتَّى زَالَ الْقَدِيمُ وَحُكْمُهُ الرد الا على وجهة شَاذٍّ وَهَهُنَا أَوْلَى بِأَنْ لَا يَجْرِيَ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَأَمَّا إذَا عَادَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا رَدَّ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَيَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَخِيرِ (وان قلنا) يرد فهها يَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَوْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ خَارِجَةٌ مِمَّا سَبَقَ (قُلْتُ) وَهَذَا الْبِنَاءُ وَالتَّرْتِيبُ جَيِّدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِي مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ وَالْإِقَالَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إذَا عَادَ بِالرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَلَمْ أَرَهَا مُصَرَّحًا بِهَا إلَّا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ بِقَبْضٍ لها كالرد بالعيب والعائد هو الملك فَلَا يَتَأَتَّى تَخْرِيجُهُ عَلَى الزَّائِلِ الْعَائِدِ كَمَا لَمْ يُخَرَّجْ عَلَيْهِ عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَكُونُ هَهُنَا لَهُ الرَّدُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ من انحصار حقه وقد تقدم التنبيه على ضعفه (1) عَلَى بَعْضِهِمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَظَنَّ أَنَّ الرجوع بعد المبيع وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَتَعْلِيلًا وَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْبَيْعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَكَمَّلَ شَرْحُ مَسَائِلِ الْكِتَابِ وَبَقِيَتْ فُرُوعٌ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ الله تعالى * * (فرع) * باع زيد عمرا شيأ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ كَانَ فِي يَدِ زَيْدٍ فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالْحَالِ فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا أَرْشَ وَأَمَّا عَمْرٌو فَلَا رَدَّ لَهُ أَيْضًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلَا أَرْشَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ لاستدراك الظلامة ولتوقع العود فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ زَيْدٍ أَخَذَ الْأَرْشَ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو عَالِمًا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلِزَيْدٍ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلِزَيْدٍ الرَّدُّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ثُمَّ لِعَمْرٍو أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ فَلَا رَدَّ لِزَيْدٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ عَمْرًا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ وَلَهُ الرَّدُّ فِي أَصَحِّهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْضَى بِهِ فلا يرد فلو تلف فِي يَدِ زَيْدٍ ثُمَّ عَرَفَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا بِحَيْثُ يُرَدُّ لَوْ بَقِيَ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَحَيْثُ لَا يَرْجِعُ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ وَلَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ الْبَائِعُ الثَّانِي عَلَيْهِ فَعَلَى أَيِّ الْبَائِعَيْنِ يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الثَّانِي وَرَدِّهِ (وَالثَّانِي) عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرْضَى بِهِ وَرُبَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ تَفَاوُتٌ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ أَصْلًا لانه لو رده لرده عليه ولا

_ (1) بياض بالاصل فحرر

يَكُونُ لَهُ مَعْنًى هَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا تَعْلِيلُ مَنْ يَقُولُ لَا يُرَدُّ عَلَى الثَّانِي وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَمَأْمُونٌ مِنْهُ الرَّدُّ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فِي يد زَيْدٍ فَرَجَعَ بِالْأَرْشِ عَلَى عَمْرٍو كَانَ لِعَمْرٍو أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ عَلَيْهِ وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الآخر فيستفيد (1) مَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ وَفِي بَابِ الْأَرْشِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَرْجِعُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ * وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ الْبَائِعُ الثَّانِي أَوْ مَاتَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَيْبًا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وجه قاله صاحب التتمة (فَرْعٌ) لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ القاضى حسين * (فَرْعٌ) * هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ عَنْ مِلْكِ المشترى أما إذا خرج بعضه وقد تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُرُوجِ الْكُلِّ وَأَنَّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ لِوَاحِدٍ (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَرْشِ لِلْبَاقِي فِي يَدِهِ (والثانى) لا يرجع بشئ ويجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ التهذيب وشبههه بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَشْهَدُ لِلثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِالْيَأْسِ (وَأَمَّا) عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَرْشِ النِّصْفِ الْبَاقِي فِي يَدِهِ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَضَعِيفٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ هُنَا أَضْعَفُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ خلاف ضعيف فيتحمل فِي هَذَا الْفَرْعِ بِذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (وَإِذَا قُلْنَا) يُرَدُّ النِّصْفُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بعود الْخِلَافُ فِي النِّصْفِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ هَلْ يَأْخُذُ أَرْشَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ نُقْصَانُ الشَّرِكَةِ يَرْتَفِعُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ وَقْتَ الرَّدِّ يَرُدُّهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ (قَالَ) صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَظَّرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْجَارِيَةِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ الْبَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ وَلَوْ أَنَّ مُشْتَرِيَ النِّصْفِ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ بأرش النصف الذى

_ (1) بياض بالاصل

فِي يَدِهِ مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتَقُ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ يُقَوِّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِهِ نَاقِصًا وَالنِّصْفُ الَّذِي بَاعَهُ إنْ رَجَعَ مُشْتَرِيهِ عَلَيْهِ بِأَرْشِهِ رَجَعَ هُوَ أَيْضًا عَلَى بَائِعِهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ يَعْنِي عَلَى علة أبى اسحق لَا يَرْجِعُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَرْجِعُ وَلَوْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِيَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى اثْنَانِ عَيْنًا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُنَا أَنَّهُ (إنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ فَلَا قَالَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَسَخَ قِسْمَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ غَيْرُ مِلْكِهِ وَإِنْ أَرَادَ فَسْخَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ يَرُدُّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الْمَعِيبَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ (قُلْتُ) وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ هُنَاكَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ لان له الرد إاذ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَيْبِ وَالْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقَتِهِ هُوَ رَاضٍ بِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ وَاحِدَةً بَاعَ بَعْضَهَا فَلَوْ اشتري عيبين فباع أحدهما وَوَجَدَ بِهَا الْعَيْبَ أَوْ بِالْبَاقِيَةِ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بِالرَّدِّ جَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَيْضًا وَلَا أَرْشَ لِعَدَمِ الْيَأْسِ وَيَنْبَغِي على علة أبى اسحق أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّ الْبَاقِيَ وَهُوَ مُقْتَضَى تَفْرِيعِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَفِي رَدِّ الْبَاقِي فِي يَدِهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظِيرِهِ إذَا كَانَ التَّلَفُ فِي يَدِهِ وَأَنَّ الْعَيْبَ بِاَلَّذِي باعه فقط لم يرجع بارلاش لاستدراك الظلامة وللتوقع * * (فَرْعٌ) * لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْمَبِيعُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَرَهْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ أو غير ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَجُمْلَةٌ مِنْ مَسَائِلِهِ فِيمَا إذَا حَصَلَ فِي الْمَبِيعِ نَقْصٌ * * (فَرْعٌ) * لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمِلْكِهِ وَالثَّمَنُ تَالِفٌ جَازَ الرَّدُّ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ وَيَأْخُذُ مِثْلَ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ متقوما أقل ماكنت مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا ان كانت يوم العقد أقل فالزائد حذث فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ الْقَبْضِ أقل فالنقضان مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يجئ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي اعْتِبَارِ الْأَرْشِ (قُلْتُ) وَصَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ كَعِبَارَةِ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ هُنَاكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ غَيْرِهِ بِخِلَافِهَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا سَوَاءً كما قال النووي واما أن تفرق وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِالْعَرْضِ وَخُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا كَالتَّلَفِ وَلَوْ خَرَجَ وَعَادَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِأَحَدٍ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ إبْدَالُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَوَّلُهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ منهم من

خَرَّجَ اسْتِرْدَادَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي الزَّائِلِ الْعَائِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ يُسْتَرَدُّ وَالْفَارِقُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْمُسْتَرَدَّ لَيْسَ مَقْصُودًا فلا يشترط فيه ما شرط في الردود وَالْمَقْصُودِ (قُلْتُ) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهُ فَفِي تَعْيِينِهِ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ لَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا شَيْئًا وَذَكَرَ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ في نظيرها ما يتقضى أَنَّ الْأَصَحَّ التَّعَيُّنُ وَقَدْ تَعَرَّضْتُ لَهُ هُنَاكَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هَهُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّعَيُّنُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْلَى بِالتَّعْيِينِ مِنْ الْمَقْبُوضِ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي السَّلَمِ وكيف ما كَانَ فَالْأَصَحُّ التَّعَيُّنُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ فَيَرْتَفِعُ مِلْكُ الْبَائِعِ عَنْ الثَّمَنِ فَلَا وَجْهَ لِتَجْوِيزِ إبْدَالِهِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ موصوفا فعيبه إما إذا أخذ عنه عرضا كَقُوتٍ وَنَحْوِهِ فَسَيَأْتِي وَلَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ فان كان إلا براء بَعْدَ التَّفَرُّقِ رَجَعَ بِتَمَامِ الثَّمَنِ (قَالَ) الرُّويَانِيُّ وَفِيهِ قَوْلٌ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى كَالزَّوْجَةِ إذَا أَبْرَأَتْ مِنْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الابراء قبل التفرق فذلك لا حق بِالْبَيْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا بَقِيَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِجَوَازِ الرَّدِّ لِلتَّخَلُّصِ عِنْدَ حِفْظِ الْمَبِيعِ وَقِيَاسُ مَنْ يَقُولُ يَرْجِعُ بِتَمَامِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ أَنْ يَقُولَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ هُنَا وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنَ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَقِيلَ يَرُدُّ وَلَا يُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْبَائِعِ لَكِنْ نَاقِصًا نُظِرَ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ وَبَدَلَ التَّالِفِ وَإِنْ رَجَعَ النُّقْصَانُ إلَى الصِّفَةِ كَالشَّلَلِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْأَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً يَأْخُذُهَا مَجَّانًا هَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَرْعٍ فِيمَا إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَقِيمَتِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ وَإِطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ هُنَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْأَرْشَ يتخير الْبَائِعُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ نَقَلَ النووي هذا الفرع عن القفال وَالصَّيْدَلَانِيُّ مَعَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ * * (فَرْعٌ) * الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ إذَا خَرَجَ مَعِيبًا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ كَالْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَكَانَ فِي عَقْدٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ يُسْتَبْدَلُ وَلَا يفسخ العقد قال المتولي والرافعي سواء أخرح مَعِيبًا بِخُشُونَةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ ظَهَرَ أَنَّ سَكَّتَهُ مُخَالِفَةٌ لِسِكَّةِ النَّقْدِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ أَوْ خَرَجَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا

(قُلْتُ) وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ إذَا خَرَجَ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا وَكَانَ قَدْ اشْتَرَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ دَرَاهِمُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِفَصْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرِّبَا جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَيْبِ فِي عِوَضِ الصَّرْفِ * * (فَرْعٌ) * بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَخَذَ بِالْأَلْفِ ثَوْبًا ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا وَرَدَّهُ فَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَمْلُوكٌ بِعَقْدٍ آخَرَ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهُ نَصًّا وَلَوْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بِالثَّوْبِ رَدَّ وَرَجَعَ بِالْأَلْفِ لَا بِالْعَبْدِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ دُونَ الثَّوْبِ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ بِالتَّلَفِ يَقْطَعُ الْعَقْدَ وَيَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وفيه وجه آخر * * (فَرْعٌ) * اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ رَدِّ الْمَبِيعِ فَعَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَعْيَتْنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَخَالَطَا وَتَبْقَى السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ الْأَرْشُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ القدر المتفق عليه (قال) أبو إسحق وحكى أبو محمد النارسى عن أبى اسحق أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ** (فَرْعٌ) * لَوْ اُحْتِيجَ إلَى الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ فَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَعَنْ رواية القاضى ابن كج فيه قولين الْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ * * (فَرْعٌ) * مِنْ زِيَادَاتِ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَلْفٍ فِي الذِّمَّةِ فَقَضَاهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا فَرَدَّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ لَزِمَ الْبَائِعَ رَدُّ الْأَلْفِ وَعَلَى مَنْ يَرُدُّ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ الدَّافِعُ (وَالثَّانِي) عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَقَدَّرَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا رَجَعَ الْمَبِيعُ رَدَّ إلَيْهِ مَا قَابَلَهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْمُعَايَاةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ (قُلْتُ) وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) إنَّ الاصح الثاني قالا وَلَوْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحِقَّةً رَدَّ الْأَلْفَ عَلَى الأجنبي قطعا لانه تبين أن لا ثمن ولا بيع (1) إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ لَهُ الرَّدُّ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ لَا لِنُقْصَانِهِ بِالشَّرِكَةِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ الرَّهْنِ عَلَى قَوْلٍ وَأَمَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَقُلْنَا التَّعْلِيقُ بِالذِّمَّةِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَقِيلَ كَالرُّجُوعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيلَ بِالرَّدِّ قَطْعًا لِعَدَمِ استدراك الظلامة

_ (1) بياض بالاصل

وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَالِ وَلَمْ نُجَوِّزْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ امْتَنَعَ الرَّدُّ وَوَجَبَ الْأَرْشُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْيَأْسَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ رَدَّ بِقِسْطِهِ وَقِيلَ يُرَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَتَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَشْرَةٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي رَدَدْتُ الَّذِي بِعَشْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ثَوْبًا مِنْ آخَرَ وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَعِيبَ مِنْ أَيِّهِمَا اشْتَرَاهُ فَلَا رَدَّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى * * (فَرْعٌ) * اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ وَإِذَا كَانَ تَالِفًا أَخَذَ قِيمَةَ الثَّمَنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ ثُمَّ وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا فَرَدَّهَا فَإِنَّ مَالَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ وَلَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَكَذَلِكَ نَقَلُوهُ عَنْهُ فِي الْجَارِيَةِ بِالْجَارِيَةِ وَلَا أَدْرِي أَيَطَّرِدُ فِي بَقِيَّةِ الحيوان والعروض أَمْ لَا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ عَيْبًا فان خفى منه شئ رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ الْجِنْسِ) * * * (الشَّرْحُ) * لَمَّا تَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ الْعَيْبِ احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ فَعَقَدَ هَذَا الْفَصْلَ لِذَلِكَ وَبَيَانِ مَا هُوَ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَمْثِلَةُ لَا تَنْحَصِرُ قَدَّمَ عَلَيْهَا الضَّابِطَ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّابِطِ سَدِيدٌ فَإِنَّ الْمُدْرِكَ في ذلك العرف ولولا ذَلِكَ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ حَتَّى جَعَلَ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ لَمَا ثَبَتَ الرَّدُّ فَلِذَلِكَ جَعَلَ ضَابِطَهُ رَاجِعًا إلَى الْعُرْفِ فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ وأهل العرف عيبا كان عيبا ومالا فَلَا وَلَكِنَّ الْإِحَالَةَ عَلَى الْعُرْفِ قَدْ يَقَعُ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إلْبَاسٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ضبطه غير المصنف بضابط أبين وأحسن شئ فِيهِ مَا أَشَارَ لَهُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ أَنْ يُقَالَ مَا ثَبَتَ الرَّدُّ بِكُلِّ مَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ مُنْقِصِ الْقِيمَةِ أَوْ الْعَيْنِ نَقْصًا مَا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ نُقْصَانًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيَغْلِبُ عَلَى أَمْثَالِهِ عَدَمُهُ وَبَعْضُهُمْ قَالَ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ مِنْ الْخِلْقَةِ

التَّامَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا نُقْصَانَ الْعَيْنِ بِمَسْأَلَةِ الْخَصِيِّ يَعْنِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْ الْقِيمَةَ لَكِنَّهُ نَقَصَ الْعَيْنَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِنَقْصِ الْعَيْنِ وَاشْتَرَطَ فَوَاتَ غَرَضٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ مِنْ فَخِذِهِ أَوْ ساقه قطعة يسيره لا تورث شينا ولا يفوت غرض لا يثب الرَّدُّ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إنْ قُطِعَ مِنْ أُذُنِ الشَّاةِ مَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ ثَبَتَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ احْتِرَازٌ أَيْضًا عَمَّا إذَا وَجَدَ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مَخْتُونَيْنِ فَإِنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَكِنَّ فَوَاتَهُ مَقْصُودٌ دُونَ بَقَائِهِ فَلَا رَدَّ بِهِ إذَا كَانَ قَدْ انْدَمَلَ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ لِأَنَّ الْبَقَاءَ بِهِ مِثْلًا فِي الْإِمَاءِ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ لَكِنْ لَا رَدَّ بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ فِيهِنَّ عَدَمَ الثِّيَابَةِ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ كَبِيرَةً فِي سِنٍّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي زَادَ مِنْ الْخِلْقَةِ التَّامَّةِ فَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا نَقَصَ زَائِدٌ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ قَطَعَهَا الْبَائِعُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْنٌ ثُمَّ بَاعَهَا فلا يثبت بزوالهما رَدٌّ هَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ قَالَ فِي ذَلِكَ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الرَّدِّ فِي يَدٍ عِنْدِي وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَجَبَ أَنْ يُوجِبَ الرَّدَّ إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وجب أن لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فَطَرَدَ قَاعِدَتَهُ وَجُلَّ ما لا يثبت بفوته فِي يَدِ الْبَائِعِ خِيَارٌ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي فِي امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِهِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الرَّدِّ بِوُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو الطَّيِّبِ يَقُولُ بِهِ وَيَجْعَلُهُ عَيْبًا وَيَطْرُدُ قَاعِدَتَهُ وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَوَالَ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي وَصَارَ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ الْمُقَابَلِ بِالثَّمَنِ فَلَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بدونه لرد المبيع نقصا عَمَّا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ لَا بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ نَعَمْ إذَا حَصَلَ زَوَالُ هَذِهِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَنَحْوِهَا فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ مَسَاقُ هَذَا الْبَحْثِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِزَوَالِ بَعْضِ مَا شَمِلَهُ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا فَنَسِيَ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَلْ فَوَاتُ كمال وهذا وان لَمْ يَكُنْ كَمَالًا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ وَقَدْ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ

ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي حُصُولِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ الَّذِي حَكَيْتُهُ الْآنَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قُلْتُهُ مِنْ الْبَحْثِ وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ولصاحب التهذيب وصاحب التتمة أن يقولان إنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ وَإِنْ كَانَ شَمِلَهُ الْعَقْدُ الا أنه لا غرض فيه فزاوله مَعَ الْبُرْءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ نَقْصٌ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ فَوَاتِ الْكِتَابَةِ بِالنِّسْيَانِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلُّ مَا أَثْبَتَ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ مَنَعَ الرَّدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَبْقَيْنَا كَلَامَ أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى حَالِهِ وَطَرَدْنَاهُ فِيمَا قَبْلَ الْقَبْضَ فَكَذَلِكَ يَسْتَمِرُّ هَذَا الضَّابِطُ وَإِنْ جَمَعْنَا بَيْنَ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بعض الْقَبْضِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي مَوَانِعِ الرَّدِّ فَيَفْصِلُ فِي فَوَاتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ أو قبله فلا إذا لم يبقى بِسَبَبِهَا نَقْصٌ وَيَكُونُ كُلُّ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ إذا كان قبل الْبَيْعُ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَصَلَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْعَكِسُ فَكُلُّ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَبِالْعَكْسِ وَكُلُّ عَيْبٍ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ وَلَيْسَ كُلُّ مُثْبِتٍ لِلرَّدِّ عَيْبًا كَمَا مَثَّلْنَاهُ فِي فَوَاتِ صِفَةِ الْكَمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ عَيْبًا دَاخِلًا تَحْتَ هَذَا الضَّابِطِ إلَّا أَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْعَقْدِ صَارَ فَوَاتُهُ عَيْبًا وَأَصْلُ هَذَا الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْحَدُّ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى يُنْقِصُ الْعَيْنَ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ الْقِيمَةَ أَوْ يُفَوِّتُ غَرَضًا مَقْصُودًا شَرْطُهُ أَوْ فَاتَ بِتَدْلِيسٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَمَا خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَقَصَدَ الْقَاضِي بِهَذَا حد كل كُلِّ مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ المذكورة في هذا الباب للتصر؟ ة والعيب والخلف والضابط الذى تقوم كِفَايَةٌ وَبِهِ تَعْرِفُ مَا يَرِدُ عَلَى حَدِّ الْقَاضِي وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْعَيْبُ كُلُّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ اقْتَضَى الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْهُ غَالِبًا وَقَدْ يكون ذلك نقصان وصف أو زيادة

وَقَدْ يَكُونُ نُقْصَانَ عَيْنٍ كَالْخَصِيِّ أَوْ زِيَادَتَهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَالْخَصِيِّ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ وَلَكِنْ ما كان منه مقصود تَتَعَلَّقُ بِهِ مَالِيَّةٌ وَإِنَّمَا الزِّيَادَةُ بِالْجُبِّ لِغَرَضٍ آخَرَ حَصَلَ بِهِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ نُقْصَانٍ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ بِهَذَا إلَى أَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ حَاصِلٌ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهِ يُضْعِفُ الْبِنْيَةَ وَلَكِنَّهُ انْجَبَرَ بِزِيَادَتِهَا مِنْ جِهَةِ الرَّغْبَةِ فِي دُخُولِهِ على الحريم عند من يجوزه مكان كَذَلِكَ لِعَبْدٍ كَانَتْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ ونقصت بسبب العيب دون ما زادت فان تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مُحَاوِلَةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نُقْصَانُ القيمة ولذلك قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْخِيَارُ كُلُّ مَا نَقَصَ ثَمَنُهُ من شئ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَتَّى الْأَثَرُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَالْفِعْلُ فَهَذَا النَّصُّ شَاهِدٌ لِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ إذَا كَانَ بِالرَّهْنِ عَيْبٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ عَيْبٌ فِي فِعْلِهِ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ وَعَلِمَ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْبَ قَبْلَ الِارْتِهَانِ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالرَّهْنُ وَالْبَيْعُ ثَابِتَانِ وَهَذَا النَّصُّ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ لَوْ قَالَ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ كَمَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ لِشَمْلِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مَعِيبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ لَا شَكَّ أَنَّهُ هُنَا انما يقصد تعريف لعيب فِي الْمَنْعِ وَمَا فِي حُكْمِهِ فَسَوَاءٌ أَذَكَرَهُ أَمْ تَرَكَهُ الْمُرَادُ مَعْلُومٌ وَلَنَا عُيُوبٌ أُخَرُ؟ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ مُفَسَّرَةٌ بِغَيْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ وَفِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَالْغُرَّةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيَ وَالْعَقِيقَةِ وفى احد الزوجين وفى الاجارة وحدودها مخالفة فَالْعَيْبُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ الْخِيَارُ هُوَ مَا نَقَصَتْ الْمَالِيَّةُ أَوْ الرَّغْبَةُ بِهِ أَوْ الْعَيْنُ وَالْعَيْبُ فِي الْكَفَّارَةِ مَا أَضَرَّ بِالْحَمْلِ إضْرَارًا بَيِّنًا وَالْعَيْبُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيَ وَالْعَقِيقَةِ مَا نَقَصَ بِهِ اللَّحْمُ وَالْعَيْبُ في النكاح ما ينفر عن الوطئ وَيَكْسِرُ سَوْرَةَ التَّوَّاقِ وَالْعَيْبُ فِي الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ لَا مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَهَذَا تَقْرِيبُ ضبطها وهى مذكورة في هذا الكتب بحقائقها وفروعها عيب الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ كَالْمَبِيعِ هَذَا كَلَامُ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (قُلْتُ) وَالْعَيْبُ فِي الزَّكَاةِ كَالْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ كَالْأُضْحِيَّةِ وَفِي الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ النَّظَرُ فِيهِ إلَى مَا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا نُقْصَانِ الْعَيْنِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْحَمْلُ فِي الْبَهَائِمِ فِي الْبَيْعِ زِيَادَةٌ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي الصَّدَاقِ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ الْقَهْرِيِّ فَجُمْلَةُ أَنْوَاعِ الْعَيْبِ سِتَّةٌ وَإِنْ تَكَثَّرَتْ أَبْوَابُهَا وَالْمَوْهُوبُ بِعِوَضٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بشئ وهو بعيد *

* (فَرْعٌ) * قَدْ تَبَيَّنَ لَكَ زَوَالُ الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ غير داخل في الضابط المذكور ولاعتذار عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَفُوتَ الْخِيَارُ لَا لِكَوْنِهِ عَيْبًا بَلْ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ الْجِنْسِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ إنَّهُ عَيْبٌ ثَبَتَ الرَّدُّ بِهِ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَاعْتَبَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ (فَائِدَةٌ) الرُّجُوعُ فِي الْعَيْبِ إلَى الْعُرْفِ لَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ مِنْهَا طُولُ الْمَجْلِسِ الْمَانِعِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَثِيرُ النَّجَاسَةِ الْمُجَاوِزِ لحد العفو وقدر الصفة في الاناء وال؟ فرق القاطع للخيار والقبض والجوز وَالْإِحْيَاءُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ الْحُكْمُ فِيهَا يُحَالُ عَلَى الْعُرْفِ إمَّا قَطْعًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا يَقُولُهُ الْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ الْعُرْفِيِّ ثُمَّ اللُّغَوِيِّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَنَّ مُرَادَ الْأُصُولِيِّينَ إذَا تَعَارَضَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ قَدَّمْنَا الْعُرْفَ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فَالْمُرَادُ أَنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى حَدِّهِ بِمَا يُثْبِتُهُ فَيُسْتَدَلُّ بالعرف عليه * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مريضا أو أنجر أَوْ مَقْطُوعًا أَوْ أَقْرَعَ أَوْ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ آبِقًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ هَذِهِ عَاهَاتٌ يَقْتَضِي مُطْلَقُ الْعَقْدِ السَّلَامَةَ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِهَا) * * * (الشَّرْحُ) * ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ جُمْلَةً مِنْ أَمْثِلَةِ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْحَصِرُ وَلَا مَطْمَعَ فِي اسْتِيعَابِهَا لكن المقصودة زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ عَلَى مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الضابط المتقدم فما ذكره الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الرَّقِيقِ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ مَجْذُومًا أَوْ أَبْرَصَ هذه السِّتَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ الْمُسْتَحْكَمِ وَغَيْرِهِ أَوْ مَرِيضًا وَسَوَاءٌ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَغَيْرُهُ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إذَا كَانَ الْمَرَضُ قَلِيلًا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ فَفِي الرَّدِّ بِهِ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ قَلَّ عيب

وَقَالَ الْعِجْلِيُّ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ مَرَضٌ وَكَانَ يز؟ ل بِالْمُعَالَجَةِ السَّرِيعَةِ فَلَا خِيَارَ كَمَا لَوْ غُصِبَ وَأَمْكَنَ الْبَائِعَ رَدُّهُ سَرِيعًا وَهَذَا حَسَنٌ أَوْ أنجر وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ الْيَأْسُ مِنْ تغير المعدن دون ما يكون بقلع الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ وَاعْتَرَضَ مجلى بان ذلك لا يمسى بَخَرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَفِي التَّجْرِيدِ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ بِتَغَيُّرِ النَّكْهَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَخَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ قصد لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْعَبْدُ قَدْ يُقْصَدُ لِلْمُسَارَةِ (وَقَوْلُهُ) أَوْ مَقْطُوعًا أَيْ مَقْطُوعٌ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ أُنْمُلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَصِيلَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ تقدم استثناء قطع الاصبع الزائد وشبهها وقطع شئ يسير من الفخذ إذا لم يحصل بشئ من ذلك نقص أو أقرع وهو لذى ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ مِنْ آفَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي هذه الامور ان تكون مستمرة فلو حدث فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَزَالَتْ وَانْقَطَعَ أَثَرُهَا فَلَا رَدَّ بِهَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْقَطْعِ أَوْ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ آبِقًا وَهَذِهِ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهَا وَلَا تَفْصِيلَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أقيم عليه الحد في لزنا وَالسَّرِقَةِ أَوْ لَمْ يُقَمْ وَوَافَقَنَا عَلَى الرَّدِّ بعيب الزنا مطلقا مالك وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ الزِّنَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ زِنَاهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِنَسَبِ غَيْرِهِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ زِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُنْقِصُ قِيمَتَهُ وَقَدْ يَمُوتُ تَحْتَ الْحَدِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَتَعَوَّدُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُهُ بَعْدَ الْكِبَرِ نَصَّ الْأَصْحَابُ على أنه لو زنا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ لِأَنَّ تُهْمَةَ الزِّنَا لَا تَزُولُ وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ * وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ اعْتِيَادُ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا عَيْبٌ فَأَشْعَرَ بِاشْتِرَاطِ الِاعْتِيَادِ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ فِي الْإِبَاقِ أَوْ فِيهِ وَفِي السَّرِقَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ إلَّا ذَلِكَ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ السَّرِقَةَ وَالزِّنَا مَعْطُوفَانِ عَلَى اعْتِيَادِهِ وَلَا يَكُونُ الِاعْتِيَادُ شَرْطًا فِيهِمَا لَكِنَّهُ فِي الْوَجِيزِ قَالَ اعْتِيَادُهُ الزنا والاباق والسرقة فهذه صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْبَسِيطِ أَبَّاقًا أَوْ سَرَّاقًا أَوْ زَنَّاءً فَأَتَى فِي الثَّلَاثَةِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فَأَمَّا الزِّنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ فِيهِ بِخِلَافٍ وَالسَّرِقَةُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْإِبَاقُ فَإِنَّ الْإِمَامَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السَّلَمِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ إنَّ اعْتِيَادَ الْإِبَاقِ عَيْبٌ وَاتِّفَاقُ الْإِبَاقِ لَا يَلْتَحِقُ بِالْعُيُوبِ وَهَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ

إذَا تَكَرَّرَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاشْتُهِرَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ وُجُودَهَا فِي يَدِ المشترى عيبا حادثا بَعْدَ تَكَرُّرِهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ فِي الْإِبَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَأْخُذُ الْأَرْشَ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ حَادِثٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى أَبَقَ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ مرة واحدة ولم تُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُرَدُّ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ لَا يُرَدُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُرَدُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي حَالِ الْكِبَرِ يَتَعَذَّرُ الْإِقْلَاعُ عَنْهَا وَفِيهِ فِي الْإِبَاقِ خَاصَّةً وَجْهٌ حكاه الهروي عن الثقفى انه لا؟ ؟ د كَالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّجَاجِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقِيلَ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِي الْإِبَاقِ يجوز ان تعد عيبا ابدا كالوطه فِي إبْطَالِ الْحَضَانَةِ وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَطُولِ الْمُدَّةِ كَالزِّنَا وَفَرَّعَ الْهَرَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ لَا؟ ؟ ين عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ جَوَازَ الرَّدِّ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَذَا مَا تَلَخَّصَ لِي مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الرَّدُّ فِي الْإِبَاقِ فَمَحَلُّهُ فِي حَالِ حُضُورِهِ وَأَمَّا فِي حَالِ إبَاقِهِ فَلَا على ما تقدم وما ذكره أبوسيعد الْهَرَوِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الثَّقَفِيِّ فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ الا انا وُجِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَجَبٌ فَإِنَّهُ إنْ كان ذلك عيبا فلا حاجة إلى شئ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا فَوُجُودُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّ وُجُودَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي دل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ صَارَ عَادَةً وَأَنَّهُ مِنْ ضمان البائع لاستناده إلى سابق * * (فَرْعٌ) * لَوْ وُجِدَ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالزِّنَا وَنَحْوُ ذلك في يد البائع وارتفع مدة ما يده بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهَا ثُمَّ وُجِدَتْ في الْمُشْتَرِي قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الثَّقَفِيُّ وَالزُّجَاجِيُّ أَبُو عَلِيٍّ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ ارْتَفَعَتْ ثُمَّ حَدَثَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمَرَضِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ * * (فَرْعٌ) * لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَلْ لَوْ وُجِدَتْ فِي يَدِ من تلق الْبَائِعُ الْمِلْكَ مِنْهُ أَوْ قَبْلَهُ كَانَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْإِبَاقِ وَهُوَ يَجْرِي فِي الْأَخِيرَيْنِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الامور السابقة من الامراض *

* (فَرْعٌ) * الْحَوَّاءُ كَالسَّارِقِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ أَيْضًا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَبَعًا للامام ** (فرع) * في مذاهب العلماء قال الثوري واسحق فِي الصَّبِيِّ يَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْبَقُ لَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا جَاوَزَ عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ عَيْبٌ * * (فَرْعٌ) * قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَبْدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فَالْأَمَةُ كَذَلِكَ وَبَعْضُ الْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ يَشْتَرِكُ فِيهَا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ أيضا كالعمى والعرج والقطع * * (فَرْعٌ) * وَمَنْ أَمْثِلَةِ الْعُيُوبِ أَيْضًا الْجَبُّ وَهُوَ داخل في قول المصنف مقطوعا والصبئان فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانَ مُسْتَحْكَمًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ حَرَكَةٍ عَنِيفَةٍ أَوْ اجْتِمَاعِ وَسَخٍ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ بَلْ إذَا كَانَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِعِلَاجٍ مُخَالِفٍ لِلْمُعْتَادِ فَهُوَ عَيْبٌ وَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَا يَثْبُتُ بِالصِّبْيَانِ صِئْبَانٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا لَيْسَ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ وَالْجُنُونُ سَوَاءٌ الْمُتَقَطِّعُ وَغَيْرُهُ وَكَوْنُهُ مُخْتَلًّا أَوْ أَبْلَهَ أَوْ أَشَلَّ أَوْ أَعْوَرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْدَرِجُ فِي الْعَمَى لِأَنَّهُ عَمًى فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنَيْنِ نَعَمْ الْعَوَرُ فِي اللُّغَةِ ذَهَابُ الْبَصَرِ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْمَى وَلِهَذَا يُعَبَّرُ بِأَعْوَرِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى وَلَكِنْ صَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ مِنْ إحْدَاهُمَا (وَمِنْهَا) كَوْنُ الرَّقِيقِ أَخْفَشَ وَهُوَ نَوْعَانِ (أَحَدُهُمَا) ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً (وَالثَّانِي) يَكُونُ بِعِلَّةٍ حَدَثَتْ وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ الْمُعَيِّنِ وَفِي يَوْمِ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ وَكَوْنُهُ أَجْهَرَ بِالْجِيمِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ أَوْ أَعْشَى وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ أَوْ أَعْمَشَ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ أَخَشْمَ وَهُوَ الَّذِي فِي أَنْفِهِ دَاءٌ لَا يَشُمُّ شيئا أو أبقم وهو العرج الْفَمِ أَوْ أَرَتُّ لَا يَفْهَمُ - وَالْأَرَتُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ عُجْمَةٌ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللغة وقال الفقهاء في صفة الائمة هُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ عَلَى خِلَافِ الْإِدْغَامِ الْجَائِزِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالرُّتْهُ بِضَمِّ الرَّاءِ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ إلَى جِنْسِ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَهُ كَانَ عَيْبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَهُ كَالزِّنْجِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا وَقَدْ أَطْلَقَ

الْأَصْحَابُ هُنَا الْأَرَتَّ الَّذِي لَا يُفْهَمُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ عَنْهُ بِلُغَتِهِ وَلَا بِغَيْرِ لغته وقال المقاضى حسين إذا وجد أَلْثَغَ أَوْ أَرَتَّ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ يَسْتَظْرِفُ بِكَلَامِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَظْرِفُ بِكَلَامِهِ فَلَهُ الرَّدُّ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ إنْ كَانَ يَفْهَمُ كَلَامَنَا فَلَا رَدَّ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ فَلَهُ الرَّدُّ فِيهِمَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ مُرَادِهِ فِي الْأَرَتِّ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ فاقد الذوق أو شئ مِنْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا تَقَدَّمَ وَالشَّعْرُ أَوْ الظُّفْرُ أَوْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ أو سن ساغية وهى الزائدة المخالفة لبيان الْأَسْنَانِ أَوْ يَدٌ زَائِدَةٌ أَوْ رِجْلٌ زَائِدَةٌ أَوْ مَقْلُوعُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ أَوْ أَدْرَدُ وَكَوْنُ البهيمة در داء إلا في السن المعتاد ونقل المقاضى حسين في الفتاوى هذا التقييد عَنْ الْعَبَّادِيِّ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ أَنَّ لَهُ الرد والتقييد لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ السِّنِّ فِي الْعَقْدِ قَالَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ فِي الرَّدِّ تَفْرِيعًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشعر (ومنها) كونه ذا قروح أو تآليل كَثِيرَةٍ أَوْ بَهَقٍ وَهُوَ بَيَاضُ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ لَيْسَ بِبَرَصٍ أَوْ أَبْيَضَ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَلَا بَأْسَ بِحُمْرَتِهِ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ نَمَّامًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ أَوْ كَذَّابًا أَوْ بِهِ نَفْخَةُ طِحَالٍ كَمَا قال الماوردى وَالرُّويَانِيُّ أَوْ مُقَامِرًا أَوْ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ أَوْ شَارِبًا الْخَمْرَ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لَا رَدَّ بِالشُّرْبِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرَّقْمِ لِلْعَبَّادِيِّ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ تَقْيِيدُ الشُّرْبِ بِأَنْ يُسْكِرَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالشُّرْبِ يجب الحد فيه عَلَيْهِ مُجَلِّي وَأَيْضًا يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً وَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الشُّرْبَ الْمُتَقَادِمَ الَّذِي تَابَ عَنْهُ لَا يُثْبِتُ الرَّدَّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّ سِمَةَ الشُّرْبِ تَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الزِّنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْإِبَاقَ لَا يَسْقُطُ أَثَرُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون القاضى مخالف هنا وصاحب التهذيب مخالف هُنَاكَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ خُنْثَى مُشَكَّلًا أَوْ غَيْرَ مُشَكَّلٍ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَكَانَ يَبُولُ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَلَا رَدَّ (قُلْتُ) وَهَذَا حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ (وَمِنْهَا) كَوْنُهُ وَصَلَ شعره بشعر غيره قاله القاضى حسين والا لتوعد هذا في صور التلبيس كالنصرية (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْعَبْدِ مُخَنَّثًا أَيْ مُمَكِّنًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْمُخَنَّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْفَتْحُ أَشْهُرُ وَهُوَ لذى خلقه كخلق النساء في حركاته وهيأته وكلامه ونحو ذلك وتارة يكون خلقة له فلا يأثم به وتارة بتصنعه فهو مأئوم مَذْمُومٌ مَلْعُونٌ (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْجَارِيَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ زَوْجٍ أو وطئ بهيمة خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي قَالَ فِي الْمُعْتَدَّةِ إنَّهَا لَا تُرَدُّ لِقُرْبِ الْمُدَّةِ وَأَنَّ الشَّاشِيَّ قَالَ مَا كَانَ نَقْصًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَيَنْبَغِي لَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا يَوْمٌ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ (قَالَ) ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَهَذَا حَسَنٌ (قُلْتُ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْحَاوِي أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ التعليل

بِالْقُرْبِ فِي الصَّائِمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَعَلَّ ذِكْرَ الصَّائِمَةِ سَقَطَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي حِلْيَةِ الشَّاشِيِّ أَيْضًا وَهُوَ عَجِيبٌ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أن يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْمُعْتَدَّةِ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا كَانَ العيب يسيرا يمكن البائع ازلته عَنْ قُرْبٍ وَقَدْ قَالُوا فِيهِ إنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ زَمَنًا كَثِيرًا لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَيَوْمٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَمَا تَقَدَّمَ اعْتِبَارُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأَحْجَارِ أَوْ بِهَا لَخَنٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَغْيِيرُ رَائِحَةِ الفرج قاله الرويانى عن ابن المرزيان أَوْ عَلَى لِسَانِهَا نُقْطَةٌ سَوْدَاءُ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ تَأْكُلُ الطِّينَ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ أَوْ كَوْنُ الْجَارِيَةِ مُسَاحَقَةً (وَمِنْهَا) وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ عنه ولا يثبت له خيار (قلت) وللوجه أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ تَحْلِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي الْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ زَمَنٌ يَسِيرٌ كَطَوَافٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ رَمْيٍ فِي آخِرِ الْأَيَّامِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذا لم يكن التحليل (ومنها) على ما قال الجوزى إذَا بَاعَ عَبْدًا قَدْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ بِالذِّمَّةِ مِنْ الصَّوْمِ مُتَفَرِّقًا فَلَا خِيَارَ لِأَنَّهُ لَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ (قُلْتُ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَطَّرِدَ فِي كُلِّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ يكون عيبا إذا كان طويلا يضر كالشهر وَنَحْوِهِ كَمَا مَثَّلَ بِهِ أَمَّا الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ فَلَا وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَوْرُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَيْبًا كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَيْبًا لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ إذَا تَوَقَّعَ الْمَوْتَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ لَوْ كان فاته صَوْمُ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ فَيَصِيرُ كَشَهْرٍ بِعَيْنِهِ وهو قريب الحصول (ومنها) تعلق الدين برقبتها وَلَا رَدَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَثَّلَهُ الْمُتَوَلِّي والرويانى بدين القرض وَحَسَّنَ أَنَّ التِّجَارَةَ وَالشِّرَاءَ فِي الذِّمَّةِ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَمَالِكٍ وَلَوْ بَانَ كَوْنُ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مَبِيعًا فِي جِنَايَةِ عَمْدٍ وَقَدْ تَابَ عَنْهَا فَوَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَعَيْبٌ (قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْبًا مُطْلَقًا كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وقد حكاه صاحب الاستقصاء موجبا وَجِنَايَةُ الْخَطَأِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ وَهَذَا مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَرْشُهَا بَاقِيًا (ومنها) الكعبين وَانْقِلَابُ الْقَدَمَيْنِ إلَى الْوَحْشِيِّ وَالْخَيَلَانُ الْكَثِيرَةُ وَآثَارُ الشجاج والقروح والكي وسواد الاسنان وذهاب الاشار والكنف الْمُغَيِّرُ لِلْبَشَرَةِ وَكَوْنُ أَحَدِ ثَدْيَيْ الْجَارِيَةِ أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ وَالْحَفْرُ فِي الْأَسْنَانِ وَهُوَ تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ فِي أُصُولِهَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ فِي فَصْلٍ فِي عُيُوبِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِأَبِي عَاصِمٍ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَلَوْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ لَا تَحِيضُ

وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ آيِسَةً فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَحِيضُ النِّسَاءُ فِي مِثْلِهِ غَالِبًا فَلَهُ الرَّدُّ وَضَبَطَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَلَوْ تَطَاوَلَ طُهْرُهَا وَجَاوَزَتْ الْعَادَاتِ الْغَالِبَةَ لِلنِّسَاءِ فَلَهُ الرَّدُّ هَكَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا انْقَطَعَ سَنَةً فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مَعْلُومَةٌ فَعَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي عِبَارَةِ الرُّويَانِيِّ اعْتِبَارُ عَادَةِ الْبَلَدِ وَنَسَبَهُ إلَى النَّصِّ وَالْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لَيْسَ بِعَيْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي اقْتَضَاهُ إيرَادُ الرَّافِعِيِّ هُنَا وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ عَيْبٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي الصَّدَاقِ إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا كَانَ فِي الْجَوَارِي زيادة من وجه ونقصان مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِطِيبِ اللَّحْمِ فِي الْمَأْكُولِ وَبِالْحَمْلِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَفِي التَّنَاقُضِ بَيْنَ تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي الصَّدَاقِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إلَى حُصُولِ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ فَوَاتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا نُقْصَانِ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ الضَّابِطُ هَهُنَا فَقَدْ لَا يَكُونُ الْحَمْلُ فِي الْحَيَوَانَاتِ عَيْبًا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ الْقِيمَةِ وَيَكُونُ نَقْصًا فِي الصَّدَاقِ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ غَرَضٍ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ومن العيوب كون الدبة جَمُوحًا أَوْ عَضُوضًا أَوْ رَمُوحًا أَوْ حَثِيثَةَ الْمَشْيِ بِحَيْثُ يُخَافُ مِنْهَا السُّقُوطُ وَشُرْبُ الْبَهِيمَةِ لَبَنَ نَفْسِهَا وَقِلَّةُ أَكْلِ الدَّابَّةِ وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْجَمُوحِ أَنْ لَا تَنْقَادَ إلَّا بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ في كلام القاضى حسين ما يفهمه القاضى حسين ولو كان ترهب من كل شئ تَرَاهُ فَلَهُ الرَّدُّ أَيْضًا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ مِنْ عُيُوبِ الدَّوَابِّ الْحِرَانُ وَأَنْ يَكُونَ إذَا أُعْلِمَ قَبْلَ الرِّحَالِ وَهُوَ مَحَلٌّ وَمَنْ الْعُيُوبِ كَوْنُ الدَّارِ أَوْ الضَّيْعَةِ مَنْزِلَ الْجُنْدِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ هَذَا إذَا اخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ مَا حَوَالَيْهَا بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا حَوْلَهَا مِنْ الدُّورِ بِمَثَابَتِهَا فَلَا رَدَّ وَكَوْنُهَا ثَقِيلَةَ الْخَرَاجِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَرَى أَصْلَ الْخَرَاجِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَتَفَاوُتَ الرَّغْبَةِ وَالْقِيمَةِ ونعنى بثقل الخراج كونه فرق الْمُعْتَادِ فِي أَمْثَالِهَا وَفِي وَجْهٍ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ لَا رَدَّ لِثِقَلِ الْخَرَاجِ وَلَا بِكَوْنِهَا مَنْزِلَ الْجُنْدِ وَأَلْحَقَ فِي التَّتِمَّةِ بِهَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا إذَا اشْتَرَى فَوَجَدَ بِقُرْبِهَا قَصَّارِينَ يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الابنية أو ارضا فَوَجَدَ بِقُرْبِهَا خَنَازِيرَ تُفْسِدُ الزَّرْعَ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَوَجَدَهَا مَرْتَعَ الْخَنَازِيرِ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ قَالَ وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا يَتَوَهَّمُ أَنْ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِهَا خَرَاجٌ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ عَلَى مِثْلِهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا رَدَّ هَكَذَا فِي التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيِّ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهَذَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْخَرَاجِ بشئ غَيْرِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ان على الارض اجرة وظن ان الارش مِلْكُ الْبَائِعِ وَوَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ثُمَّ خَرَجَتْ بخلاف ذلك تخريج عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا لِأَجْلِ الْخَرَاجِ بَلْ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لو شرط ان لا خراج عليها

فبان عَلَيْهَا خَرَاجٌ فَلَهُ الرَّدُّ قَلَّ أَوْ كَثُرَ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ عَلَى أَمْثَالِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَانَ أَنَّهَا تُبِيرُ إذَا بَارَتْ رِجْلَةٌ وَيَضُرُّ بِالزَّرْعِ فَلَهُ الرَّدُّ إنْ قَلَّتْ الرَّغْبَةُ بِسَبَبِهِ وَمِنْ الْعُيُوبِ كَوْنُ الْمَاءِ مُسَخَّنًا عَلَى أَصَحِّ الوجهين ولو باع الظاهر مِنْ الْأَوَانِي بِالِاجْتِهَادِ لَزِمَهُ تَعْرِيفُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَاعَ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ مَاءٍ فِي بِئْرٍ فَاسْتَقَى مِنْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَمَّا أَخْرَجَ الصَّاعَ الْأَخِيرَ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِهَا فَأُرِيقَ هَذَا النَّجَسُ وَقَالَ الْبَائِعُ اسْتَلَمَ الصَّاعَ مِنْ الْبَاقِي فِي الْبِئْرِ لِأَنَّهُ كُسِرَ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ كان له الفسخ لان هذا الماء نجسى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَتَعَافُهُ النَّفْسُ فَيَصِيرُ كَعَيْبٍ أَصَابَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّمَلُ تَحْتَ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ مما يطلب لِلْبِنَاءِ وَالْأَحْجَارُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُطْلَبُ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ وَمِنْ المعيوب نجاسة المبيع إذا كان ينقص بالغسل وطهور مَالِهِ يُوقِفُ الْمَبِيعَ وَعَلَيْهَا خُطُوطُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَيْسَ في الحال من يشهد بذلك عيب نقل ذَلِكَ عَنْ الْعُدَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفَرَضَهُمَا فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُزَوَّرَةً وَنَقَلَهَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ وَعَنْ اخْتِيَارِ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ (قَالَ) الرُّويَانِيُّ وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى مُدَّعٍ يَعُولُ عَلَى دَعْوَاهُ وَفَقِيهًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَيْبٌ وَهَذَا إذَا سَبَقَتْ الدَّعْوَى الْبَيْعُ وان بعد البيع وقبل القبض * * (فَرْعٌ) * قَالَ الْهَرَوِيُّ فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي الَّتِي اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الْبَحَّاثُونَ وَأَفْتَى بِهَا الْمُفْتُونَ التَّابِعُ فِي الْخَلْقِ وَتَغَيُّرُ الْأَظْفَارِ وَالْخُلْفُ هَذَا فِي الْعِنِّينِ وَالسُّعَالُ وَالصَّكَكُ وَهُوَ اصْطِكَاكُ الْقَدَمَيْنِ هَذَا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْكُوعُ وَهُوَ خُرُوجُ الْعُرْقُوبِ عَنْ الْقَدَمِ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ والفرع وهو يتوسط القدم والبقرة والشامات الاشامة بيضاء والغدد والعقد والكسف وهى دارة فِي قِصَاصِ النَّاصِيَةِ وَالْعُسُّ وَالْجَمَاجِمُ فِي غَيْرِ مواضعها والكشف في الحبل اكنواء في عسيب ذنبه والسلوم في الاسنان والسفاق فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ وَالْأَسْنَانِ وَجَرَمُ البسوق والاذن إذا اتسعت ثم خيطت والنمش والسمط وأثار جِلْدِ خُطُوطِ السِّيَاطِ وَأَكْلُ الطِّينِ هَذَا لِشَرِيكٍ القاضى وخضاب الشعر وتجعيده والوشوم والغنة في الصوت وهذا لحفص بن عياث والترس أَخْفَى مِنْ الْبَرَصِ وَاللِّوَاطُ وَالِابْنَةُ وَالْحَوَلُ وَالْفَدَعُ وَذَهَابُ الْأَشْفَارِ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ عَامَّتُهَا حَدَثَ فِي زَمَانِ أَبِي عُمَرَ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ وأن يكون شتاما كذبا خانيا أسرات * * (فَرْعٌ) * قَالَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُقْتَضَبِ لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِحُدُودِهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَ حِيطَانِهَا لَيْسَ لَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ (قُلْتُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَمَنْ جُمْلَتِهَا الْجِدَارُ الَّذِي تَبَيَّنَ أنه ليس لها وقال الصميرى لو اشترى عبدا فبان أنه أخ الْمُشْتَرِي أَوْ عَمُّهُ فَلَهُ الْخِيَارُ

* لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَكَادُ تَطِيبُ بِاسْتِرْقَاقِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا مَعْنًى خَاصٌّ بِالْمُشْتَرِي وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَبَانَتْ أُخْتَهُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا خِيَارَ وَقَالَ ابن الصباغ لو كانت محرمة عليه في بنسب فلا خيار * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * وَإِنْ وَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يُرَدَّ لِأَنَّ بَوْلَ الصَّغِيرِ مُعْتَادٌ فَلَا يُعَدُّ عَيْبًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا رُدَّ لِأَنَّ ذَلِكَ عَاهَةٌ وَنَقْصٌ * * (الشَّرْحُ) * إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الطِّفْلُ وَالطِّفْلَةُ وَقَدَّرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِمَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَمْ يضبطوا ذلك بمقدار بل بأن لَا يَكُونُ مِثْلُهُ يَتَحَرَّزُ مِنْهُ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ يَتَّخِذُهَا لِلْفِرَاشِ فَيَتَأَذَّى بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَبْدَ يُغْسَلُ الثِّيَابُ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَغْسِلُهَا وَيُنَظِّفُهَا وَهَذَا نَقْصٌ فِيهِ وَزَعَمَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لم يذكر العلة بتمامها وان كان متعادا مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَيْبًا وَتَمَامُ الْعِلَّةِ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُعْتَادٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَمَآلُهُ إلَى الزَّوَالِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الزَّائِلِ * وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَكَانَ يَبُولُ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ كِبَرِ الْعَبْدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ لِأَنَّ عِلَاجَهُ بَعْدَ الْكِبَرِ عَيْبٌ فَصَارَ كبره عنده كالعيب الحادث هكذا قال الرُّويَانِيُّ وَكَأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَبِرَ إلَى سِنٍّ عَالِيَةٍ فَوْقَ كِبَرِهِ حَالَةَ الْمَبِيعِ بِحَيْثُ يَكُونُ عِلَاجُهُ أَصْعَبَ أَمَّا الْبَوْلُ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ سَوَاءٌ أَكَبِرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَكْبَرْ لَا رَدَّ بِهِ ولا أرش * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وَجَدَهُ خَصِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا نَاقِصٌ) * * * (الشَّرْحُ) * الْخَصِيُّ الَّذِي نُزِعَتْ خُصْيَتَاهُ وَسُلَّتَا وَقِيلَ مَنْ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ مَعَ جِلْدَتِهِمَا فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَضَى أَوْ مَقْطُوعًا فَيَكُونُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَصَرْحَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ هُوَ عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ عِنْدَ الضَّابِطِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ زِيَادَةَ كَلَامٍ فِيهِ وَأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْبًا فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا مطلقا فخرج فحلا لم يثبت الرد الرَّدُّ وَإِنْ خَرَجَ خَصِيًّا ثَبَتَ الرَّدُّ وَكَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ إذَا وَجَدَهَا خَصِيًّا ثَبَتَ الرَّدُّ قَالَهُ الجرجاني *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وُجِدَ غيره مخنون فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ كبيرا ثبت له الرد لانه يعد نقصا لانه يخلف عليه منه وان كانت جارة لَمْ تُرَدَّ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا كَمَا قَالَ وَضَبَطَ الرُّويَانِيُّ الصِّغَرَ هُنَا بِسَبْعِ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ نَقْصًا فِي الْعَبْدِ الْكَبِيرِ أَيْضًا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ المتولي ان كان الكبير من سيى الْوَقْتِ مِنْ قَوْمٍ لَا يَخْتِنُونَ فَلَا خِيَارَ وَحَكَيَا فِي الْجَارِيَةِ وَجْهَيْنِ قَالَ قَالَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَلَا يُسْتَحَقُّ قَطْعُهَا فلان يثبت ههنا ويستحق إزَالَةَ هَذِهِ الْجِلْدَةِ أَوْلَى (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالَاهُ أَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةَ وُجُودُهَا نَقْصٌ وَيُخْشَى مِنْ إزَالَتِهَا وَهِيَ خِلَافُ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْجَارِيَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ مَخْتُونًا فَلَا خِيَارَ سَوَاءٌ كان صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْخِتَانِ نَقْصٌ وَلَمْ يَكُنْ شَرَطَ أَنَّهُ اقلف فان كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فَبَانَ مَخْتُونًا قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ بِأَنْ كَانَ الْغُلَامُ مَجُوسِيًّا أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَجُوسَ يَرْغَبُونَ فِيهِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَلَا خِيَارَ * وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَقْلَفَ فَخَتَنَهُ وَإِنْ قَلَّ الْمَوْضِعُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الْخِتَانَ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَيَحْتَاجُ الْمُتَوَلِّي إلَى فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ أَقْلَفُ فَخَرَجَ مَخْتُونًا حَيْثُ فَصَلَ ويمكن الفرق * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً لَمْ تُرَدَّ لِأَنَّهُ لَا تَنْقُصُ بِهِ الْعَيْنُ وَلَا الْقِيمَةُ فَلَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ عَيْبًا) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِأَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِيهَا وَمَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمَهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالْمُحَرَّمُ فِعْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُ فَلَيْسَتْ بِحِرَامٍ حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ فَكَانَتْ مُقْرِئَةً فَلَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي ذَلِكَ وَالْقِرَاءَةُ فَضِيلَةٌ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فخرح فَحْلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَنْقُصُ بِهِ الْعَيْنُ احْتِرَازٌ مِنْ الْخِصَاءِ بِهِ وَحُكْمُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَةِ فَلَوْ وَجَدَهُ زَامِرًا أَوْ عَالِمًا بِالْمِعْزَفِ أَوْ الْعُودِ فَلَيْسَ لَهُ

الرَّدُّ وَالسَّيِّدُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعَيْبٍ عندنا هو المشهور (وقال) الهروي في الاسراف وَإِذَا كَانَتْ مُغَنِّيَةً فَاخْتَلَفَ فِيهَا الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ من أصحابنا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا أَوْ مُسِنَّةً لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الثُّيُوبَةَ وَالْكِبَرَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ فَضِيلَةٍ) * * * (الشَّرْحُ) * كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا هَذَا الْحُكْمَ وَقَالُوا إذَا لَمْ يَشْرِطْ بَكَارَتَهَا ولا ئبوبتها فَخَرَجَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطٌ وَلَا تَدْلِيسٌ وَلَا عُرْفٌ غَالِبٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي سن يغلب فيه الاستمتاح بِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَكَانَ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهَا الْبَكَارَةَ فَخَرَجَتْ ثَيِّبًا ثَبَتَ الرَّدُّ وَمِمَّنْ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَأَشْعَرَ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ حَكَى الْإِطْلَاقَ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ مِثْلُهَا يَكُونُ بِكْرًا فِي الْعَادَةِ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ (قَالَ) وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي (قُلْتُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَنْزِلَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَكُونُ في المسألة خلاف * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (فَإِنْ وَجَدَ الْمَمْلُوكَ مُرْتَدًّا أَوْ وَثَنِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ) * * * (الشَّرْحُ) * الرِّدَّةُ عَيْبٌ قَطْعًا فِي الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْكُفْرِ فَالْكِتَابِيُّ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَالتَّوَثُّنِ وَالتَّمَجُّسِ قِيلَ لَا رَدَّ لَا فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْإِمَاءِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ وَجَدَ الْجَارِيَةَ مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَلَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَيَّ كُفْرٍ كَانَ فَلَا رَدَّ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ بِحَيْثُ لَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِي الْكَافِرِ وَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ فَلَهُ الرَّدُّ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُطْلَقًا فَخَرَجَ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَفَصَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الرَّدَّ بِالتَّوَثُّنِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ يَقْضِي أَنَّ الْعَبْدَ الْوَثَنِيَّ يُقْبَلُ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ

خِلَافُهُ وَمَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ صَاحِبَيْ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ يَخْرُجُ فِي الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ مُطْلَقًا وَهُوَ قول صاحب التتمة (والثانى) ان كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ يُرَدُّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ (وَالثَّالِثُ) يُرَدُّ إنْ كَانَ وَثَنِيًّا وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ يُوَافِقُ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ فِي الْمَجُوسِيِّ إنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فُرِضَ أن قيمته تنقص بذلك وأما الجارية ما ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهَا يَتَعَيَّنُ لِنَقْصِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى امْتِنَاعِ وَطْئِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كانت مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْكِتَابِيَّةُ سَيَأْتِي حُكْمُهَا وَالْمُرْتَدَّةُ لَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهَا تُرَدُّ لِأَنَّهَا لَا تُفَرِّقُ وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَارِيَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْكُفْرِ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ الْكَلَامَ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَخَرَجَ كَافِرًا وَنُقِلَ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفَصَّلَ هُوَ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ غَالِبًا فِي مَوْضِعِ الْعَبْدِ وَالْكُفْرُ مُنْقِصَ قِيمَتِهِ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ غَالِبًا فِي الْعَبِيدِ بَلْ كَانُوا مُنْقَسِمِينَ وَكَانَ الْكُفْرُ مُنْقِصًا لِلْقِيمَةِ فَهَذَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَالظَّاهِرُ النَّقْلُ أَنَّهُ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكُفْرُ مُنْقِصًا وَالْعَادَاتُ مُضْطَرِبَةٌ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَقَالَ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ حَبْلِ الْحُبْلَةِ إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ عَبْدًا فَخَرَجَ كَافِرًا إنْ اشْتَرَاهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ رَدُّهُ فَإِنَّهُ نَادِرٌ فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ كَافِرًا فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَخْرُجُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ مُطْلَقًا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ التهذيب * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ وَجَدَهُ كِتَابِيًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ كُفْرَهُ لا ينقص من عينه ولا من؟ منه) * ** (الشَّرْحُ) * هَذَا مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمُخَالِفٌ لِصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيِّ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَقِيمَةُ الْكَافِرِ أَنْقَصُ فَيَثْبُتُ الرد أولا فَلَا فَرْقَ عِنْدَ صَاحِبَيْ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيهَا وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُطْرِدُ تَفْصِيلَهُ الْمَذْكُورَ فِيهَا وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ حَيْثُ لَا تَكُونُ الْقِيمَةُ تَنْقُصُ بِذَلِكَ فَإِنَّ تَعْلِيلَهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ الْكَلَامَ فِي الْكُفْرِ وَنَقَلَهُ عَنْ

عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَالْأَصَحُّ مَا نَقَلَهُ قَرِيبًا مِنْ بَابِ بَيْعِ حَبْلِ الْحُبْلَةِ هُوَ التفصيل الموافق لصاحب التهذيب هو قَدْ خَالَفَ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ إنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ بِالْكُفْرِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْكُفْرَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ وَالْبَيْعُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَكُفْرُ الْكِتَابِيِّ سَبَبٌ فِي تَكْثِيرِ مَالِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَكَثْرَةُ الطَّالِبِينَ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الثَّمَنِ (قَالَ) الْفَارِقِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى فِي إعْتَاقِ الْكَافِرِ فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَلَا يُفَرَّقُ بِالتَّغْلِيظِ لِمَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْكَافِرِ وَمَحَلُّ التَّكْفِيرِ وَهُوَ الرقبة واحدة فَيَسْتَوِي بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِيهِ كَمَا يَسْتَوِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي مَحَلِّ الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَالْحَيْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَا في مقداره * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مُزَوَّجَةً أَوْ عَبْدًا فَوَجَدَهُ مُسْتَأْجَرًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَنَافِعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ * * (الشَّرْحُ) * هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْمُزَوَّجَةَ يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ تَسْلِيمَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَفُوتُ عَلَى السَّيِّدِ مَنْفَعَتُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمُسْتَأْجَرُ مَنْفَعَتُهُ فَائِتَةٌ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الاجارة وقد صح ان عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنه اشْتَرَى مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ جَارِيَةً فَأَخْبَرَ أن لها زوجا فردها وورد وفى سنن البيهقى فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَفِي الْبَيَانِ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي التَّزْوِيجِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ لِنَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ * وَلَوْ قَالَ زَوْجُهَا لَهَا إنْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّزْوِيجِ هَلْ له الخيار فيه احتمالان في البحر (أحدهما) نَعَمْ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ وَجَوَازِ مَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ (وَالثَّانِي) لَا لعدم الضرر لان عدة الوفاة ان وجدت ثَبَتَ الْخِيَارُ بِهَا لِأَنَّهَا عَيْبٌ حَادِثٌ أَيْ مِنْ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يقع الرضى بِهِ وَحُكْمُ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ حُكْمُ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ يُرَدُّ بِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ فِي الْأَمَةِ خَاصَّةً وَأَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنَّهُ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَدَخَلَ بِهَا وَقُلْنَا الْمَهْرُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ الجاني ويجب تقييد اطلاق غيره بذلك وقال صاحب التهذيب ولو علم العبد ذات زَوْجٍ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ لَهُ الرد *

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى شيأ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غُبِنَ فِي ثَمَنِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ منقد كان يخدع في البيع فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إذَا بِعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلَكَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارَ الْغَبْنِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ سَلِيمٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ تَدْلِيسٌ وَإِنَّمَا فَرَّطَ الْمُشْتَرِي فِي تَرْكِ الِاسْتِظْهَارِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّدُّ) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ فيكتفى بهما تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الذى كان يخدع منقد وَالِدُ حِبَّانَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ وَمَعْنَى لَا خِلَابَةَ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ وَجَعَلَهَا الشَّرْعُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ إذَا قَالَهَا ثَبَتَ الْخِيَارُ صرح باشتراطه أولا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكَ الْخِيَارُ إعْلَامٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ (وَقَوْلُهُ) وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارَ الْغَبْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ لَبَيَّنَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَعُدَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ الثَّلَاثِ أَوْ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ وَقَدْ ورد انه خيار كان إذا اشتري فرجع به فيقبلوه ردده فانك قد غبت أو عسيت فَيَرْجِعُ إلَى بَيْعِهِ فَيَقُولُ خُذْ سِلْعَتَكَ وَرُدَّ دراهمي فيقول لافعل قَدْ رَضِيتَ فَذَهَبْتَ بِهِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ فِيمَا يَبْتَاعُ ثَلَاثًا فَتُرَدُّ عَلَيْهِ دَرَاهِمُهُ وَيَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا بِالْغَبْنِ لِكُلِّ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ خُصُوصِيَّةً بِذَلِكَ فَظَاهِرُ قَضِيَّةِ حِبَّانَ أَنَّهُ كان بالخيار ثلاثا سواء عين أو لم يعين وَهَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ أَوْ هُوَ ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَسَاقُ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي حَكَيْتُهَا يُشْعِرُ بِالْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ الْبَائِعُ شَرْطَ الْخِيَارِ لَمْ يُخَالِفْهُ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ إنَّ ذلك بالشرط وهو عام له ولغيره وكيف ما كَانَ فَالدَّلَالَةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَبِيعَ لَا عَيْبَ فِيهِ وَلَا تَدْلِيسَ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ الْخِيَارِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ سَوَاءٌ أَتَفَاحَشَ أَمْ لَا * وَإِنْ اشْتَرَى زُجَاجَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ وَهُوَ يَتَوَهَّمُهَا جَوْهَرَةً فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَبْنِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ حَيْثُ لَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ كشراء الغائب ويجعل لرؤية الَّتِي لَا تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ وَلَا تَنْفِي الْغَرَرَ كَالْمَعْدُومَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الْمَعِيبِ لِلنَّقْصِ لَا لِلْغَبْنِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَ العيب يساوى

أضعاف ثمنه لَهُ الرَّدُّ وَلَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِانْخِفَاضِ الْأَسْوَاقِ فلا ويخالف تلقى الركبان لان هناك وجد مِنْهُ تَغْرِيرٌ بِالْإِخْبَارِ عَنْ السِّعْرِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ وَلَا طَرِيقَ إلَى الِاسْتِكْشَافِ وَيُخَالِفُ الْغَبْنَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ وَالْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ إنْ غُبِنَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِالثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ الْخِيَارُ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَمْ يَجِدْ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَمَذْهَبُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ تَغَابُنِ النَّاسِ فِي قَبِيلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ ثُمَّ أَصْحَابُنَا نَقَلُوا هَذَا مُطْلَقًا وَشَرْطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَكُونَا أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَارِفٍ بِتَقَلُّبِ السِّعْرِ وَتَغَيُّرِهِ فِي عَقْدِهِ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَأَسْعَارِهَا فِي وَقْتِ الْبَيْعِ فَلَا خِيَارَ سواء كان الْغَبْنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَرْسِلًا غَيْرَ عَارِفٍ بِالْبَيْعِ وَإِذَا عَرَفَ لَا يَعْرِفُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْغَبْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لَوْ تَأَمَّلَ فِيهِ لَعَرَفَ أَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَأُطْلِقَ عَنْهُ النَّقْلُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ رجع المغ؟ ون بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ غَبْنٌ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَاسِدٌ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ الاول ونقل أصحابنا عن المالكية انهم استجوا بِحَدِيثِ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَكَوْنُهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ وَبِحَدِيثِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَبِالْقِيَاسِ على الغبن البيع وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ لِلتَّغْرِيرِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ غَرَّهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَبْنِ بَلْ لِاقْتِضَاءِ الْبَيْعِ السَّلَامَةَ وَبِأَنَّ الْعَيْبَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَهُنَا لَا خِيَارَ إذَا حَدَثَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ اتِّفَاقًا بِأَنَّ الْعَيْبَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ هُنَا وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ وَإِطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَنْصِحْهُ الْمُسْتَرْسِلُ أَمَّا إذَا أَسَتَنْصَحُهُ فَيَجِبُ نُصْحُهُ وَيَصِيرُ غَبْنُهُ إذْ ذَاكَ خَدِيعَةً مُحَرَّمَةً هَكَذَا أَعْتَقِدُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَالْمَنْقُولُ عن مذهبنا

ومذهب أبى حنيفة من القول يلزم الْعَقْدِ لَعَلَّهُ لَا يُنَافِي التَّحْرِيمَ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَنْصِحْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَالَ) ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ بَيْعٍ بَاعَهُ رَجُلٌ مِنْ مُسْتَرْسِلٍ وَاخْتَدَعَهُ فِيهِ أَوْ كذبه فالمشترى في ذلك بالخيار إذا تبين لَهُ ذَلِكَ * * (فَرْعٌ) * فِيمَا نُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَيْبٌ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ لَا رَدَّ فِيهِ فَكَوْنُ الرَّقِيقِ رطن الكلام أو غليظ الصوت أو يسئ الْأَدَبَ أَوْ وَلَدَ زِنًا خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وسواء أكان مجلوا أَوْ مُوَلَّدًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا بِكَوْنِهِ يقتل النفس أو بطئ الحركة أو فاسد الرأي أو حَجَّامًا أَوْ أَكُولًا أَوْ قَلِيلَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ بِحَيْثُ تُرَدُّ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِلَّةُ أَكْلِ الْعَبْدِ لِعِلَّةٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ كَافِيَةٌ فِي الرَّدِّ وَلَا بِكَوْنِ الْأَمَةِ عَقِيمًا وَكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا وَعَنْ الصَّيْمَرِيِّ إثْبَاتُ الرَّدِّ بِالتَّعْنِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ الرَّقِيقُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَكُونُ الْأَمَةُ أُخْتَهُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَوْ الْمُصَاهَرَةِ كَابْنَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ مَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَاكَ عَامٌّ فَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ وَهُنَا خَاصٌّ بِهِ وَفِي وَجْهٍ رَوَاهُ ابْنُ كَجٍّ يُلْحِقُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالْمُحَرِّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي مَوْطُوءَةِ لاب وَضَعَّفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْعَبْدَ أَخُو الْمُشْتَرِي أَوْ عَمُّهُ وَقِيَاسُهُ بِغَيْرِ شَكٍّ أَنْ يَقُولَ هُنَا فِيمَا إذَا بَانَتْ أُخْتُهُ مِنْ النَّسَبِ بِالْخِيَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الرَّضَاعِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَارِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُصَاهَرَةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا صَائِمَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ ضعيف ثمرة وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَاطِلٌ * وَلَوْ وَجَدَ الْعَبْدَ فَاسِقًا قَالَ الرُّويَانِيُّ لَا خِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ذَلِكَ عند الكلام مع الحنيفية فِي الْكُفْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ مَا يُرَدُّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُرْتَدًّا حَالَ الْعَقْدِ وَقَدْ تَابَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي فِي ارْتِفَاعِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُنْفَرُ عَنْهُ لِتَوَهُّمِ سُوءِ سَرِيرَتِهِ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ فِي الْحَاوِي فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِي الْحَالِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ بِمَا لَيْسَ بِعَيْبٍ * وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَبَانَ أَنَّ بَائِعَهُ بَاعَهُ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ أَوْ ولاية أو امالة حَاكِمٍ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ لِخَطَرِ فَسَادِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا رَدَّ * وَلَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْبَائِعِ فَبَانَ

أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ أَصْلَعَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَلَا رَدَّ بِخِلَافِ الْأَقْرَعِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ لَا رَدَّ بكون الرقيق في ذمته مال وكذلك قال الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَهُ الرَّدُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَأَرَادَ بِالْعِرَاقِيِّينَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَنَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ أَنَّهُمْ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا * وَلَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا فَكُسِرَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَنَعَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْهُ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِمَّا يُرَدُّ بِهِ وَمَا لَا يُرَدُّ وَلَمْ أَذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا مَنْقُولًا وَلَا سَبِيلَ إلَى حُصُولِهَا وَفِي الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ كِفَايَةٌ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ غَيْرَ كَاتِبٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُحْسِنُ صَنْعَةً فَوَجَدَهُ لَا يُحْسِنُ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِمَّا شَرَطَ فَجَازَ لَهُ الرَّدُّ) * * * (الشَّرْحُ) * هَذَا الْفَصْلُ لِلسَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ الْخِيَارِ وَهُوَ إخْلَافُ الظن بِالِالْتِزَامِ الشَّرْطِيِّ وَالْغَزَالِيُّ يَرَى أَنَّهُ الْأَصْلُ لِلسَّبَبَيْنِ الماضيين وهما التغرير الفعلي والقضاء الغرى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَنَى الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ خُلْفِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَّاطِيَّ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِذَا شَرَطَ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ يُحْسِنُ صَنْعَةً فَخَرَجَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِمَّا شَرَطَ أَيْ فَصَارَ كَالْمَعِيبِ الَّذِي يَخْرُجُ أنقض مِمَّا اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ وَلِهَذَا يُعَبِّرُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِيَارِ النَّقِيصَةِ فِي الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالْأَمْثِلَةِ عَنْ الضَّابِطِ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ ضَابِطًا وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِيهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الصِّفَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا زِيَادَةٌ مَالِيَّةٌ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْخُلْفِ فِيهَا (الثَّانِي) مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ غَيْرُ الْمَالِ وَالْخُلْفُ فِيهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وِفَاقًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَذَلِكَ تَحْتَ قُوَّةِ الْغَرَضِ وَضَعْفِهِ هَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (وَالثَّالِثُ) مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَالِيَّةٌ وَلَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَاشْتِرَاطُهُ لَغْوٌ وَلَا خِيَارَ بِفَقْدِهِ وَأَجَادَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَجَعَلَهَا قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَالْخُلْفُ فِيهِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وِفَاقًا أَوْ عَلَى خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مقصود

فَاشْتِرَاطُهُ لَغْوٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُ الْغَرَضُ دُونَ الْمَالِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ قَطْعًا وَيَفُوتُ الْمَالُ دُونَ الْغَرَضِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا يَأْتِي فِي الْخَصِيِّ وَالْفَحْلِ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَرَضُ وَبِفَوْتِهِ يَحْصُلُ الْوِفَاقُ وَبِضَعْفِهِ يَحْصُلُ الْخِلَافُ وَبِانْتِفَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْخِيَارِ وَمَسَائِلُ الْفَصْلِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَالْمِثَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَفُوتُ بِهِمَا مَالِيَّةٌ وَغَرَضٌ قوى وكسلك لَا خِلَافَ فِيهِمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَكْفِي أَنْ يُوجَدَ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يُشْتَرَطُ النِّهَايَةُ فِيهَا بَقِيَ شَرْطُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَكْفِي اسْمُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْسَنًا * وَلَوْ شَرَطَ حُسْنَ الْخَطِّ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الْعَادَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِ هَذَا الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْفَوْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَيْبِ سَوَاءٌ * مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ بِشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ تَحَالَفَا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ فِي التهذيب * * (فَرْعٌ) * قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ حَجَّامٌ فَأَخْلَفَ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي جُمْلَةِ الْحِرَفِ غَيْرِ الْحِجَامَةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهِ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَعَ فَوَاتِهَا مِنْ الْجِهَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْكِتَابَةِ قَدْ يُخْلَفُ وَيَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتٍ تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ فَاتَ غَرَضٌ وَمَالِيَّةٌ عَلَى أَنِّي نَبَّهْتُ أَنَّ الْأَجْوَدَ اعْتِبَارُ قُوَّةِ الْغَرَضِ وَضَعْفِهِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَالِ وَالْغَرَضُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِصِفَةٍ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ منها من جِهَةٍ أُخْرَى * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ فَحْلٌ فَوَجَدَهُ خَصِيًّا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْخَصِيَّ أَنْقَصُ مِنْ الْفَحْلِ فِي الْخِلْقَةِ وَالْبَطْشِ وَالْقُوَّةِ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْفَحْلَ دُونَ الْخَصِيِّ فِي الثَّمَنِ وَالدُّخُولِ إلَى الْحُرُمِ) * * * (الشَّرْحُ) * الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ فِيهَا لِفَوَاتِ الغرض القوى وإن تأذت الْمَالِيَّةُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَ قِيمَةِ الْفَحْلِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَا رَدَّ فِيهَا لِأَنَّ الْفُحُولَةَ فَضِيلَةٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِفَوَاتِ

الْمَالِ وَالْغَرَضِ جَمِيعًا وَجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ فوات المال يدل ما قَدَّمْتُهُ مِنْ حُسْنِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَفُوتُ بِهِ مَالِيَّةٌ نَقْطَعُ فِيهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ بَلْ قَدْ يَفُوتُ الْمَالُ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ لَا يَفُوتُ الْمَالُ وَيَحْصُلُ الْوِفَاقُ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَرَى جَوَازَ دُخُولِ الْخَصِيِّ عَلَى الْحُرُمِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي النَّظَرِ إنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ ذَكَرُهُ وَالْمَجْبُوبُ الَّذِي بَقِيَ أُنْثَيَاهُ كَالْفَحْلِ وَفِي الْمَمْسُوحِ (وَجْهَانِ) الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْفَحْلَ دُونَ الْخَصِيِّ فِي الدُّخُولِ عَلَى الْحُرُمِ وَإِلَّا فَهُوَ أَضْعَفُ فِي الْعَمَلِ فَإِنْ كان المصنف اطلق الحصى عَلَى الْمَمْسُوحِ اسْتَمَرَّ كَلَامُهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ أَطْلَقَ هَذَا الْحُكْمَ وَإِلَّا فَمَتَى شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَبَانَ فَحْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَرَضٌ (وَالظَّاهِرُ) أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْأَصْحَابَ هُنَا إنَّمَا أَرَادُوا بِالْخَصِيِّ هُنَا الْمَمْسُوحَ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيرًا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَوَجَدَهُ كَافِرًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْكَافِرَ دُونَ الْمُسْلِمِ فِي الدِّينِ) * * * (الشَّرْحُ) * هَذِهِ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهَا لِفَوَاتِ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ الْقَوِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْمَالِيَّةُ قَدْ لَا تَفُوتُ بَلْ تَكُونُ أَكْثَرَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ فَحْلٌ فَخَرَجَ خَصِيًّا وَكَذَا لَوْ شَرَطَ تَهَوُّدَ الْجَارِيَةِ أَوْ تَنَصُّرَهَا فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً قاله المتولي وَالرَّافِعِيُّ * لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ فَكَانَ يَهُودِيًّا قَالَ الرُّويَانِيُّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ فِي الْعَادَةِ لَا خيار وان كانت تنقص بأن كانت الغالب المجوس في تلك الناحية ثبت الْخِيَارُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ في هذا الفصل بين العبد والامة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَافِرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَفْضَلُ فِي الدِّينِ إلَّا أَنَّ الْكَافِرَ أَكْثَرُ ثَمَنًا لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ لَا يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ) * *

(الشَّرْحُ) الْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الرَّدِّ فِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَا لِنَقِيصَةٍ ظَهَرَتْ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ التِّجَارَةَ وَمَالِيَّةُ الْكَافِرِ أَكْثَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَافَقَ الْمُزَنِيَّ فِي ذَلِكَ وَرَأَى مَذْهَبَهُ قَوْلًا مُخَرَّجًا مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ذَلِكَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ الْمُزَنِيّ عَلَيْهَا فِي الْمُخْتَصَرِ * وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَا خِيَارَ وَإِذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَإِذَا هِيَ نَصْرَانِيَّةٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَفِي الْمُسْلِمَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ أَغْلَبُ أَهْلِهَا الذِّمِّيُّونَ ثَبَتَ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَحُمِلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ الْأَوْجُهَ الثلاثة في كساب النكاح وذكر الامام في الانتصار لقول المزني أَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ تَزِيدُ مِنْ وَجْهِ رَغْبَةِ الْكُفَّارِ فَتِلْكَ رَغْبَةٌ بَاطِلَةٌ مُسْتَنَدُهَا الْكُفْرُ وتحسينه واعتقاده كَوْنِهِ حَقًّا فَيَكَادُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِمَثَابَةِ ثَمَنِ الْخَمْرِ قَالَ الْإِمَامُ وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لَوْ أَتْلَفَ فَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَتَهُ اعْتِبَارًا بِمَا بَطَلَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِهِ الْمُسْلِمُ وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ وَمَنْ يُوَافِقُهُ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ لَا يَضْمَنُ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ ازْدِيَادِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ بِأَنْ تُعْتَبَرَ عَوَّادَةً فَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَنَّ الْقِيمَةَ تَزْدَادُ فِي الْمُغَنِّيَةِ فِي الْعَادَةِ ضِعْفَ مَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ النَّاسِكَةُ وَمَنْ اشْتَرَاهَا لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِهَا وَلَكِنْ لَوْ أُتْلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ مُتْلِفُهَا إلا قيمة مثلها وكانت لا تحسنى الْغِنَاءَ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي كِتَابِ الْمِنْهَاجِ مَعَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ اسْتَبْعَدَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ المزني واخبار الْوَجْهَ الثَّالِثَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ لِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ جَوَابُهُ أَنَّ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْكَافِرِ لَيْسَتْ لِلرَّغْبَةِ فِي كُفْرِهِ بَلْ لِكَثْرَةِ طُلَّابِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَتَمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ * ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ هُنَا إنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكَافِرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَخُلْفُ الشَّرْطِ فِيهِ بِمَثَابَةِ خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْجُودَةِ وَالتَّوَسُّطِ وَهَذَا كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لِلْمَسْأَلَةِ وَجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا * * (فَرْعٌ) * هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِمَّا يَشْهَدُ لِرُجْحَانِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ فَوَاتِ الْغَرَضِ الْمُعَلَّقِ بِزِيَادَةِ مَالِيَّتِهِ وَوَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا ضَعْفُ الْغَرَضِ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ

وَانْغِمَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَلَامُ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقْرُبُ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فوجده فحلا والمخالف هناك أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبَّادِيُّ يُوَافِقُ الْمُزَنِيَّ هُنَا وَالْمُزَنِيُّ يُوَافِقُهُ هُنَاكَ وَيُحْتَمَلُ أن لا يَكُونَ كَذَلِكَ وَيُفَرِّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا (أَمَّا) الْعَبَّادِيُّ فَإِنَّ الْخِصَاءَ عَيْبٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَفَوَاتُهُ كَمَالٌ وَالْكُفْرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُرَدُّ بِهِ (وَأَمَّا) المزني فلان فضية الاسلام عظيمة لا يوازنها شئ فيجبر ما فات من الغرض المالى اليسير بخلاف الفحولة فان الغرض فيها وفى الخصاء متقاربان فيتسع مَا شَرَطَهُ * * (فَرْعٌ) * الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ النِّكَاحَ بَعِيدٌ عَنْ قَبُولِ الْخِيَارِ وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ * وَلَنَا قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاعْتِمَادِ الصِّفَاتِ فَتَنْتَفِي الْمَسْأَلَةُ * * (فَرْعٌ) * صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا وَالْبَائِعُ مُسْلِمًا فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا اكْتَفَتْ عَلَى شِرَاءِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ (وَالْأَصَحُّ) فَسَادُهُ * وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا فَفِي رَدِّ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ خِلَافٌ (الاصح) جوازه فيأتى فيه أيضا * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الثَّيِّبَ دُونَ الْبِكْرِ) * * (الشَّرْحُ) هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِفَوَاتِ الْغَرَضِ وَنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَهِيَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِشَرْطِ الْكِتَابَةِ وَحُسْنِ الصَّنْعَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِهَذَا الشَّرْطِ مُزَوَّجَةً أَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ أبا اسحق قَالَ لَا خِيَارَ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَالِافْتِضَاضُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلَا غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي فِي بَكَارَتِهَا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ يُطَلِّقُهَا أَوْ يَمُوتُ فَيَحْصُلُ لَهُ ذلك * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَاهَا على أنها ثيت فَوَجَدَهَا بِكْرًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّ الْبِكْرَ أَفْضَلُ مِنْ الثَّيِّبِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضعيفا لا يظيق وطئ الْبِكْرِ فَكَانَتْ الثَّيِّبُ أَحَبَّ إلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ وَالْبِكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الثَّيِّبِ فِي الثَّمَنِ) * * (الشَّرْحُ) الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مُسْتَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْفَائِتُ فِيهَا الْغَرَضُ دُونَ الْمَالِيَّةِ فَهِيَ تُشَارِكُ فِي ذَلِكَ شَرْطَ

الْفُحُولَةِ وَالْإِسْلَامِ لَكِنْ فِي تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْخُلْفَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ لِقُوَّةِ الْغَرَضِ وَهَهُنَا الْغَرَضُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِهِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وَكَانَ شَرْطُهُ السُّبُوطَةَ فِي الشَّعْرِ أَوْ الْبَيَاضَ فَيَخْرُجُ جَعْدًا أَوْ أَسْوَدَ فِي كُلٍّ منهما خلاف كمسألتنا هذه - الصحيح أَنَّهُ لَا رَدَّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ - كَمَا لو شرط الْعَبْدِ أُمِّيًّا فَبَانَ كَاتِبًا أَوْ كَوْنَهُ فَاسِقًا فبان عفيفا * ولو شرط الجعود أو السواد فَبَانَ سَبْطًا أَوْ أَبْيَضَ فَثَبَتَ الْخِيَارُ وَجْهًا واحدا * ولو شرط البكارة فبانت ثَيِّبًا وَإِنْ اسْتَنْكَرَتْ اشْتِرَاطَ الْجُعُودِ وَغَيْرِهَا فِي الشَّعْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّعْرَ يَجِبُ رُؤْيَتُهُ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ جَعُدَ شَعْرُهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا سَبْطَةٌ وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ عَدْلٌ فَبَانَ فَاسِقًا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَعَكْسُهُ لَا خِيَارَ بِلَا خِلَافٍ قاله الرويانى * * (فَرْعٌ) * لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مَخْتُونًا فَبَانَ أَقْلَفَ فَلَهُ الرَّدُّ وَبِالْعَكْسِ لَا رَدَّ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجُوسِيًّا وَهُنَاكَ مَجُوسٌ يَشْتَرُونَ الْأَقْلَفَ بِزِيَادَةٍ فَلَهُ الرَّدُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَسُؤَالٌ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَحْمَقَ أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَهُوَ لَغْوٌ وَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ الَّذِي لَا مَالِيَّةَ فيه ولا غرض مقصود * * (فَرْعٌ) * إذَا ظَهَرَ الْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسْخُ الْعَقْدِ بِهَلَاكٍ أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي تقدم قاله صاحب التتمة * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَوَجَدَهُ حِمَارًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ حِمَارٌ فَوَجَدَهُ بَغْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مَوْجُودَةٌ فَصَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ عَلَى مَا شَرَطَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ وقع على جنس فلا ينعقد على جِنْسٍ آخَرَ) * * * (الشَّرْحُ) * الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ كَانَتْ فِي الصِّفَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَبَدُّلَ الصِّفَةِ وَالْخُلْفِ أسهل بن ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْجِنْسِ وَمَثَّلَ بِالْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَهُ أَعْلَى مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي شَرَطَهُ أَوْ دُونَهُ وَفِيهَا جَمِيعًا وَجْهَانِ وَقَدْ حَكَيْتُهَا وَأَطْلَقْتُ الْكَلَامَ فِيهَا فِي بَابِ الرِّبَا فِي الصَّرْفِ الْعَيْنِ (وَالْمَذْهَبُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْبُطْلَانُ - وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَحْكِيٌّ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ * وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَبَانَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الزَّوَائِدِ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْبُطْلَانُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ فَرَسِي هَذَا وَهُوَ بَغْلٌ أَنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَكَذَلِكَ قَالَ عَنْ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ هَذَا الْغُلَامَ وَأَشَارَ إلَى ابْنَتِهِ صَحَّ النِّكَاحُ * وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا عَلَى

أَنَّهُ تُرْكِيٌّ فَإِذَا هُوَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهُوَ مِنْ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ * إذَا عَرَفَ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِالْبُطْلَانِ فَلَا كَلَامَ (وَإِنْ قُلْنَا) الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَثَبَتَ الْخِيَارُ فَقَدْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ أَجْوَدَ أَمْ أَرْدَأَ كَمَا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالَيْنِ عَلَيْهِ * وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ إذَا خَرَجَ أَجْوَدُ يَكُونُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ الْقَوْلَ هَذَا عَلَى الاجناس والصفات * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ في العقد عن أَنْ تَسْلَمَ لَهُ الْعَشَرَةُ وَلَمْ تَسْلَمْ لَهُ فثبت له الخيار كما لو وجد بالبيع عَيْبًا وَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِالثَّمَنِ وَيُجْبَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ كَمَا أَجْبَرْنَا الْبَائِعَ إذَا كَانَ دُونَ الْعَشَرَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا زَادَ عَلَى عَشْرَةٍ وَلَا إجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرِّضَا بِمَا دُونَ الثَّوْبِ وَالْمِسَاحَةِ مِنْ الارض لانه لم يرض بالشركة والتبعيض فوجد أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ فَإِنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ فَوَجَدَهَا دُونَ الْمِائَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا شَرَطَ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْأَجْزَاءِ لِتُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ وَيُخَالِفُ الثَّوْبَ وَالْأَرْضَ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَائِهَا لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ كَمْ قيمة الذراع الناقصة لو كانت موجودة لتسقطها مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ وَجَدَ الصُّبْرَةَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ قَفِيزٍ أَخَذَ الْمِائَةَ بِالثَّمَنِ وَتَرَكَ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ) * * * (الشَّرْحُ) * الذِّرَاعُ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَقَالَ) سِيبَوَيْهِ الذِّرَاعُ مُؤَنَّثَةٌ فَعَلَى لُغَةِ التَّذْكِيرِ جَاءَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعَةً وَعَلَى لُغَةِ التَّأْنِيثِ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ تِسْعًا * أَمَّا الْأَحْكَامُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الصِّفَةِ وَالْجِنْسِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَكُونُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْمَبِيعِ فِيهِ بِالْقِيمَةِ (وَالثَّانِي) مَا يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ وَقَسَّمَ كُلًّا مِنْ الْقِسْمَيْنِ إلَى مَا يَحْصُلُ الْخُلْفُ فِيهِ بِالنُّقْصَانِ وَإِلَى مَا يَحْصُلُ بِالزِّيَادَةِ فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي ذَلِكَ تَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَفِكْرٍ * وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ طَرِيقَهُمْ وَطَرِيقَ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أُبَيِّنُ وَجْهَ الْإِشْكَالِ ثُمَّ أُرْدِفُهُ بِمَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَالْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْمِثْلِيِّ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ خَاصَّةً بِلَا خِيَارٍ

وَالتَّرَدُّدُ فِي الزِّيَادَةِ فِي حَالَةِ الْمُتَقَوِّمِ هَلْ يَصِحُّ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ يَبْطُلُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي آخِرِ بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَفَرَضَهَا فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً وَصَحَّحَهَا الشَّاشِيُّ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الصِّحَّةُ فِي الْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْمِثْلِيِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا * وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَجَازَ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فَفِي التَّعْلِيقِ وَافَقَ ذَلِكَ وَفِي الْمُجَرَّدِ قَالَ يَجِبُ بِالْقِسْطِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَا إلَّا فِي الثَّوْبِ خَاصَّةً * قَالَ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَخَرَجَ تِسْعًا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُمْسِكَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّ لو خرج أحد عشر فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ هَهُنَا قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ وَهَذَا إذَا قَالَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشْرُ أَذْرُعٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّهُ عَشْرُ أَذْرُعٍ فَخَرَجَ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَخَرَجَتْ ثَيِّبًا هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَعْلِيقَتِهِ الَّتِي عِنْدِي بِخَطِّ مُسْلِمٍ الدَّارِيِّ تِلْمِيذِهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالتَّجْرِيدُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيقَةِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنْهُ * (الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) * طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي بَابِ الرِّبَا والشيخ أبو محمد والامام والغزالي وَالرَّافِعِيُّ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي حَالَتَيْ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَفَرَضَهَا الْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الصُّبْرَةِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الصُّبْرَةِ أَيْضًا وَالرَّافِعِيُّ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَيُقَالُ بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أَنَّهُ عَشْرُ أَذْرُعٍ أَوْ الْقَطِيعُ عَلَى أَنَّهُ عِشْرُونَ شَاةً أَوْ الصُّبْرَةُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ صاعا وحصل نقص أو زيادة ومعهم مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَأَكْثَرُهُمْ يَحْكِيهِ قَوْلَيْنِ (وَأَظْهَرُهُمَا) عِنْدَهُمْ الصِّحَّةُ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَتَنْزِيلًا لِخُلْفِ الشَّرْطُ فِي الْمِقْدَارِ مَنْزِلَةَ خُلْفِهِ فِي الصِّفَاتِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ بِعْتُكَ هذه الارض أن لا يكون غيرها معيبا وَقَضِيَّةُ الشَّرْطِ أَنْ تَدْخُلَ الزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ فَوَقَعَ التَّضَادُّ وَتَعَذَّرَ التَّصْحِيحُ فَعَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ (إنْ قُلْنَا) بِالْبُطْلَانِ فَذَاكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ فَفِي حَالَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَإِذَا أَجَازَ فَهَلْ يُجِيزُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِالْقِسْطِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) هُنَا الْأَوَّلُ بِخِلَافِ نظائره من تفريق الصفقة وفى حالة الزِّيَادَةِ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الصُّبْرَةِ هَلْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ التسوية بين الارض وبينهما لَكِنْ فِي كَوْنِ الزِّيَادَةِ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الارض والثوب أشكال لابهام الْمَبِيعِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يَدْفَعُ هذا

إلاشكال وينبغى أنه يُحْمَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِذَا قُلْنَا الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ إنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ به فهل للمشترى خيا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ شَرَطَ عَشْرَةً وَقَدْ سَلِمَتْ لَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّبْرَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ غَيْرَ هَذَا وَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ فِيهَا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ فَإِذَا أَجَازَ كَانَتْ كُلُّهَا لِلْمُشْتَرِي ويطالبه للزيادة بشئ (وَالثَّانِي) وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَنْزِلُ شَرْطُهُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ جِيَفًا فَيَخْرُجُ سَلِيمًا لَا خِيَارَ لَهُ فَإِذَا قُلْنَا بالصحيح فقال المشترى لا يفسخ فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزياة فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَرَجَّحَ ابْنُ سُرَيْجٍ السُّقُوطَ فِي جَوَابَاتِ الْجَامِعِ الصغير لمحمد وَلَوْ قَالَ لَا تَفْسَخْ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الثَّمَنِ لِمَا زَادَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ خِيَارُ الْبَائِعِ بِلَا خِلَافٍ هَذَا تَهْذِيبُ الطُّرُقِ الْمَنْقُولَةِ * وَأَمَّا بَيَانُ الْإِشْكَالِ وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الطُّرُقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّمَاتٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يُتَجَاوَزُ بِهَا أَرْبَعَةُ أُصُولٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (أَحَدُهَا) خُلْفُ شَرْطِ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ (وَالثَّانِي) خُلْفُ شَرْطِ الْوَصْفِ فِيهِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلِ الْقَرِيبِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ (وَالثَّالِثُ) خُلْفُ شَرْطِ الصِّفَةِ فِي النِّكَاحِ وَفِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الصِّحَّةُ (وَالرَّابِعُ) تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ مِنْ جِهَةِ إلْحَاقِ الْقَدْرِ بِالْجُزْءِ عَلَى مَا سَأُبَيِّنُهُ (الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْغَرَضَ الْمُتَعَلِّقَ بِجِنْسِ الْمَبِيعِ قَوِيٌّ جِدًّا فَإِنَّ الْجِنْسَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَقَادِيرُ وَالْأَوْصَافُ تَطْرَأُ عَلَيْهِ وَتَزُولُ فَإِذَا أَخْلَفَ فَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ لِفَوَاتِ مَوْرِدِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى العبارة فقط بل لمجموع الاشارة والعبارة ودلالتها عَلَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالتَّعْلِيلُ الْآخَرُ يَنْظُرُ إلَى الْإِشَارَةِ وَحْدَهَا وَيُلْغِي الْعِبَارَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ * وَأَمَّا الْوَصْفُ فِي الْمَبِيعِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا وَلَكِنَّهُ قَدْ يُطْرَحُ وَيُغْتَفَرُ وَمَوْرِدُ الْعَقْدِ هُوَ الْجِنْسُ الْمُعَيَّنُ فَلِذَلِكَ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ لَمْ يَبْطُلْ الْمَبِيعُ * وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَالْغَرَضُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَصْفِ وأقل من الجنس فهو متردد بينهما ولو شَبَهٌ بِالْجُزْءِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ موردا للعقد بخلاف الوصف وله شبه بالوصف فِي النِّكَاحِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ فِي الْمَنْكُوحَةِ الْأَوْصَافُ (الثَّالِثَةُ) قَدْ عَرَفْتَ بِهَذِهِ المقدمة الثانية

انْحِطَاطَ الْغَرَضِ فِي الْمِقْدَارِ عَنْ الْجِنْسِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تِلْكَ ثُمَّ إنْ أَلْحَقْنَا الْمِقْدَارَ بِالْوَصْفِ فِي الْمَبِيعِ اقْتَضَى الصِّحَّةَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَأَنَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ كما قاله صاحب التهذيب وان ألحقنا بِالْوَصْفِ فِي النِّكَاحِ وَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَأَنْ يَصِحَّ حَالَةَ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ قَطَعُوا بِالصِّحَّةِ حَالَةَ النُّقْصَانِ وَقَطَعُوا فِي زِيَادَةِ الْمِثْلِيِّ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ وَتَرَدَّدُوا فِي زِيَادَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَهَذَا السُّؤَالُ كَمَا أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ وَارِدٌ عَلَى الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ هَكَذَا بَلْ إذَا خَرَجَ زَائِدًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي قَطْعًا بِغَيْرِ خِيَارٍ فَمَا مَشَى عَلَى جَعْلِهِ كَالْوَصْفِ مِنْ كُلِّ وجه الاصاحب التَّهْذِيبِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ النُّقْصَانِ إنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الْمِثْلِيِّ يُجِيزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَمَا أَظُنُّهُ يَقُولُ بِهِ وَإِنْ أَلْحَقْنَا الْمِقْدَارَ بِالْجُزْءِ فَفِي حَالِ النُّقْصَانِ قَدْ اقتضى الشرط ادخل شئ مَعَ الْمَوْجُودِ فِي الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ مَوْجُودًا وَمَعْدُومًا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْبُطْلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَبْطُلُ فَإِنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُعْرَفُ فَيَمْنَعُهُ وَفِي حَالِ الزِّيَادَةِ وَالْإِشَارَةُ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَالْعِبَارَةُ فِي الشُّرُوطِ مُخْرِجَةٌ لِلزَّائِدِ فَيَبْطُلُ فِيهِ - وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تفريق الصفقة وينيغى عَلَى هَذَا أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْمُتَقَوِّمِ يَبْطُلُ الْإِبْهَامُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمَيَّزٍ وَلَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ وَهَذَا أَيْضًا وَارِدٌ عَلَى الْعِرَاقِيِّينَ - أَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ فَظَاهِرُ لَفْظِهِمْ بِالصِّحَّةِ في الصور الثلاثة وَتَصْحِيحُهُمْ الصِّحَّةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - وَأَمَّا الْخُرَاسَانِيُّونَ فلانهم يصححون الصحة في الجميع مع اجرا الْخِلَافِ * وَقَالَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأُصُولَ الْمَذْكُورَةَ إنَّ خُلْفَ الْمِقْدَارِ فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى بِالْخِلَافِ مِنْ خُلْفِ الصِّفَاتِ فِي النِّكَاحِ (قَالَ) وَالْبَيْعُ أَقْبَلُ لِلْفَسَادِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ بَعْدَ تَمْهِيدِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَرْتِيبُ مَسْأَلَتِنَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الصَّفْقَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَإِنْ رَتَّبْنَاهَا عَلَى خُلْفِ الصِّفَاتِ فِي النِّكَاحِ فَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالْفَسَادِ قَالَ وَاَلَّذِي بِهِ الْفَتْوَى صِحَّةُ الْبَيْعِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَمَّا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ فِي حَالِ الزِّيَادَةِ التَّخْرِيجَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي حَالَةِ النُّقْصَانِ التَّخْرِيجَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ لَا يَصِحُّ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ قَطْعًا وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي عَلَى الْأَصَحِّ وَهَذَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الصبرة وهي التى تكلم فيه أَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَلَا يَأْتِي عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ الْآنَ فَسَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ - وَأَمَّا تَخْرِيجُهُ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ عَلَى الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ فَالْإِشَارَةُ وَالْعِبَارَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي الْجِنْسِ إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ وَكَانَتْ بَقَرَةً الْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ وَالْفُتْيَا هُنَا على خلافه

وَفِي النِّكَاحِ إذَا قَالَ زَوَّجْتُكَ هَذِهِ عَائِشَةَ فَكَانَتْ فَاطِمَةَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَصِحَّ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمَسَّاحَةَ إذَا نَقَصَتْ عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ صَحَّ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ زَادَتْ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ النقصان والزيادة وطرد صاحب التقريب وسيجئ الْقَوْلَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ طَرِيقَةٌ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ فِي الصِّيغَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالشَّرْطِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الاشكال في هذه المسألة وتلخيصه في ثلاث إشْكَالَاتٍ (أَحَدُهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَهُوَ سُؤَالُ الْإِمَامِ وَفِي فَرْقِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ (الثَّانِي) عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي فَرْقِهِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ إنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَيُجْرَى الْقَوْلَانِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصيغة شرطا فينبغي الخلاف فيها أولا فلا ينبغى الخلاف فيهما (الثَّالِثُ) عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ زِيَادَةُ الصُّبْرَةِ تَكُونُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْبَائِعِ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَبَعْضِهِمْ إنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَعْظَمُ حَيْثُ اخْتَارَ التَّخْرِيجَ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَارَ الْفَتْوَى بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ التَّخْرِيجَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُقْتَضَى خِلَافَ ذَلِكَ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبُ سَالِمٌ مِنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ لَكِنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِلْأَكْثَرِينَ * إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ إنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا اشترى صبرة على أنها مائة كر فَلَمْ يُصِبْ إلَّا خَمْسِينَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فَهَذَا النَّصُّ يَرُدُّ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَيَقْتَضِي الصِّحَّةَ إمَّا قَطْعًا كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَإِمَّا أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَيَقْتَضِي أَيْضًا رَدَّ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الْمِثْلِيِّ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَمِنْ جِهَةِ اقتضائه الصحة يرد القولين بتخرجيه عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَوْلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْعِبَارَةِ وَحْدَهَا وَقَطْعِهَا عَنْ خُلْفِ الشَّرْطِ فِي الْجِنْسِ ومن جهة قوله إنما يُجِيزُ بِالْحِصَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ إلْحَاقِهَا بِاشْتِرَاطِ الْوَصْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَجَازَ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى شَرْطِ السَّلَامَةِ أَوْ زِيَادَةِ وَصْفٍ فَخَرَجَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ لَا يَسْقُطُ مِنْ الثمن شئ وَكَانَ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْغَرَضِ فِي الْقَدْرِ عَنْ الْوَصْفِ وَانْحِطَاطِهِ عَنْ الْجِنْسِ فَجُعِلَ لَهُ حُكْمٌ بِحِصَّتِهِ وَأُلْحِقَ فِي الصِّحَّةِ بِالْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصُّبْرَةَ الْمُشَاهَدَةَ الْمُعَيَّنَةَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَلَمْ تَكُنْ كَإِخْلَافِ الْجِنْسِ وَأَثْبَتْنَا

الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ غَرَضٍ مَقْصُودٍ وَأُلْحِقَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ بِالْجُزْءِ لِشِدَّةِ الْغَرَضِ فِيهِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ الشَّرْطِ وَالْمَبِيعُ الصُّبْرَةُ الْمُشَاهَدَةُ لَا الصُّبْرَةُ وشئ آخَرُ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ مَقْطُوعًا بِهِ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى وَفْقِ النَّصِّ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ الْخِلَافُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَإِجَازَةٌ بِالْقِسْطِ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ - هَذَا فِي حَالَةِ النَّقْصِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ بَاقٍ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ بِالْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى إجْزَائِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَخَيَّرْنَا الْمُشْتَرِيَ بَيْنَ الاجازة بالجميع والفسخ وأما في حالة لزيادة فَيَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُمَا الْإِلْحَاقُ بالوصف من وجه بالجزء مِنْ وَجْهٍ فَمِنْ جِهَةِ إلْحَاقِ الْمِقْدَارِ بِالْجُزْءِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ الزَّائِدَ لَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي كَأَوْصَافِ السَّلَامَةِ إذَا شُرِطَ عَدَمُهَا وَكَانَتْ موجودة بل يكون هذا لزائد يَبْقَى لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ يُمْكِنُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِثْلِيِّ أبقيت الزئد لِلْبَائِعِ وَقُلْنَا إلْحَاقُهُ بِالْجُزْءِ لِتَعَلُّقِ غَرَضِ الْبَائِعِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ غَرَضُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي حَالَةِ النُّقْصَانِ وَيَكُونُ الْمِقْدَارُ الْمَشْرُوطُ مِنْ الْمِثْلِيِّ لِلْمُشْتَرِي لِتَطَابُقِ الْإِشَارَةِ وَالْعِبَارَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ من الثمن شئ لانه لم يقف عليه شئ مَقْصُودٌ وَخُرُوجُ بَعْضِ الصُّبْرَةِ الْمُشَاهَدَةِ مَعَ حُصُولِ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِهِ لَا يَزِيدُ وَلَا يُثْبَتُ خِيَارًا لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَرَضٌ مَقْصُودٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ فِي الصُّبْرَةِ وَيَتَقَاسَمَانِهَا بِغَيْرِ حَذَرٍ * وَأَمَّا فِي الْمُتَقَوِّمِ فَالْقَوْلُ بِالتَّصْحِيحِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ مَوْرِدَ الْعَقْدِ مِنْهُمَا وَهُوَ فَاسِدٌ وَمَشَاعًا وَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ الْقِسْمَةِ فَتَرَدَّدْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَجْعَلُ الْبَيْعَ بَاطِلًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ المخرج وهو ظاهر بهذا التقدير وَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَحْذُورَ يَنْدَفِعُ إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ بِالثَّمَنِ فَيَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لَكِنْ هَهُنَا يَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى النَّصِّ فَهَلْ أَنَّهُ صح في الجمع بِالثَّمَنِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَوْ صَحَّ فِي الْمِقْدَارِ الْمَشْرُوطِ وَإِذَا تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لَزِمَ إن قلنا بالاول فلم لا يقبل بِذَلِكَ فِي الصُّبْرَةِ إذَا خَرَجَتْ زَائِدَةً وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أَنْ يَأْخُذَ الْمِقْدَارَ وَيَتْرُكَ الزِّيَادَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَشْمَلْ الزِّيَادَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون العقد شملها ويكون

مرادهم أنه لا يلزم الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهَا لَكِنَّ الْعِبَارَةَ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي كَانَ ذَلِكَ سَالِمًا فِي الصُّبْرَةِ وَلَكِنْ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ قَدْ وَرَدَ عَلَى مُبْهَمٍ مجهول فيكون باطلا من أصله ولا ينجبر ذَلِكَ بِرِضَاءِ الْبَائِعِ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَطَرِيقُ الْخَلَاصِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ يَصِحُّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الثَّمَنَ مُفَصَّلًا لَا مُجْمَلًا أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُجْمَلًا فَسَيَأْتِي وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ زِيَادَةِ الْمُتَقَوِّمِ فَهَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ عِنْدَ التَّشَاحُحِ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَعِلَّةُ الْمُصَنِّفِ لا تقتضي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ الْبَائِعِ وَلَا إجْبَارُ الْمُشْتَرِي وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا تَرَاضَيَا صَحَّ وَأَقَرَّ الْعَقْدَ كَمَا قَالَ هُوَ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ إذَا خَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَلَيْسَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْزِلَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ في شئ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَيَنْزِلُ قَوْلُ الصِّحَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ يَسْتَرْجِعُ الْبَائِعَ في المثلى إن شاء الزيادة بغير تقيسط وَفِي الْمُتَقَوِّمِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِرْجَاعُ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا فَيَفْسَخُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَأَظُنُّهُ صَوَابًا وَإِنْ كَانَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ * (فَائِدَةٌ) * قَدْ نَبَّهْتُ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي اقْتَضَى الْإِجَازَةَ هَهُنَا فِي الْمُتَقَوِّمِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ أَخَوَاتِهِ مِنْ صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَلَى أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيِّ يُجِيزُ بِالْقِسْطِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُجِيزُ بِالْكُلِّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمِثْلِيِّ بِخِلَافِهِ * (فَائِدَةٌ أُخْرَى) * صُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا بَلْ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَذْكُرَ الثَّمَنَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَقَوْلِهِ بعتك هذه الأرض بعشرة دراهم على أنها عَشْرُ أَذْرُعٍ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَذْكُرَهُ مُفَصَّلًا وَلَا يَذْكُرُهُ مُجْمَلًا كَقَوْلِهِ بعتك هذه الارض عَلَى أَنَّهَا عَشْرُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ومثل بالارض والثوب والقطيع وقال المارودى فِي الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةً ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالصَّحِيحُ خلافه وانه يجيز بكل لثمن قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ خَرَجَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْطُلُ الْعَقْدُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي عَشْرَةٍ وَيَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا بِالْبَاقِي عَلَى الْإِشَاعَةِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا أَيْضًا مُوَافِقٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَفِيهِ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ

يَقُولُ بِالشَّرِكَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَرْضِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ إشْكَالُ الْإِبْهَامِ وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ دَارٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا ذَكَرَ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْلَتَهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَ جُمْلَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْصِيلَهُ فَيَنْبَغِي عَلَى قول الماوردى انه يجيز بالقسط ولذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجِيزُ بِالْكُلِّ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَذْكُرَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ مُقَسَّطًا عَلَى الْأَذْرُعِ كَقَوْلِهِ بِعْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهَا عَشْرُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرِّبَا فِيمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَخَرَجَتَا مُتَفَاضِلَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) عَنْ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَأَجْبَرَ الْآخَرَ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِ صُبْرَتِهِ مِنْ الزَّائِدَةِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ هُنَا إذَا فُصِلَ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ كَمَا مَثَّلْنَاهُ سَوَاءٌ أكان معينا أَمْ فِي الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ هنا اما أن بتشاحا أم لا ووجه ترتيب الحكم بين (والطريقة الثانية) عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْبُطْلَانُ وَقِيَاسُهَا أَنْ تَأْتِيَ هُنَا أَيْضًا فَعَلِمْنَا أَنَّ فرص الْمَسَائِلِ فِيمَا إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ حَالَةَ ذِكْرِ الثَّمَنِ جُمْلَةً فَقَطْ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ المفصل لَا يُعْرَفُ جَمِيعُهُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) فَرْضُ هَذِهِ المسائل في شئ واحد كثوب أَوْ أَرْضٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَوْ بَاعَهُ رِزْمَةَ ثِيَابٍ بَعْدَ رُؤْيَةِ مَا فِيهَا كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةُ أَثَوَّابً فَكَانَ فِيهَا تِسْعَةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعُ جَائِزٌ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِسْطِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ وَلَوْ زَادَتْ ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي جَمِيعِهَا بَاطِلٌ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ إذَا بِيعَا مُذَارَعَةً لِأَنَّ الثِّيَابَ قَدْ تَخْتَلِفُ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الزَّائِدُ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهَا وَمُسَاوِيًا لِبَاقِيهَا وَمَا زَادَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْأَرْضِ فَمُقَارِبٌ لِبَاقِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا فِي جَمِيعِهِ (قُلْتُ) وَقَوْلُهُ فِي النُّقْصَانِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْقِسْطِ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْأَصَحُّ هُنَاكَ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ يلتفت على البحث المتقدم على قوله التَّصْحِيحِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إنْ جَعَلْنَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِشَاعَةِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَبِنِسْبَتِهَا قَالَهُ هُنَا وَإِنْ جَعَلْنَا الصِّحَّةَ فِي الْجَمِيعِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) الْقَائِلُ بِالْبُطْلَانِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَبْلَ بَابِ بَيْعِ حَبَلِ الْحُبْلَةِ

صَوَّرَهَا فِي الصُّبْرَةِ وَنَسَبَ الصِّحَّةَ إلَى النَّصِّ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الثَّوْبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصُّبْرَةِ يُجِيزُ الْعَقْدَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الثَّوْبِ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ فِي الثَّوْبِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَأَمَّا مَالِيَّةُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَمَقَادِيرُهَا وَلِهَذَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالثَّمَنُ يَتَقَسَّطُ عَلَى الْمَقَادِيرِ دُونَ الصِّفَاتِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الذَّرْعَ طَرِيقٌ لِلتَّقْدِيرِ فِي الْعَادَةِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (فَائِدَةٌ أُخْرَى) النَّصُّ الْمَنْقُولُ عن البويطى رأيت مِثْلُهُ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ الثَّنِيَّا عَقِبَ الْكَلَامِ الَّذِي سَأَحْكِيهِ عَنْهُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قَتَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبْدَانِ مُخَالِفَةٌ بعض العدد - ولو كان المشترى كيلا معينا كَانَ هَكَذَا وَإِذَا كَانَ نَاقِصًا فِي الْكُلِّ أَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ فِيهِ الْبَيْعَ انْتَهَى - وَهَذَا فِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ وَهُوَ نَصُّهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمِقْدَارِ كَمَا قُلْتُهُ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ إنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبَدَانِ مُخَالِفَةٌ نَقْصَ الْعَدَدِ (فَائِدَةٌ أُخْرَى) أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا صَوَّرُوا ذَلِكَ في الارض والثوب وصورها الزبيري في المتقضب فِي الدَّارِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الدَّارِ حُكْمُ الْأَرْضِ وَقَطَعَ بِالْبُطْلَانِ فِي حَالَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكِتَابِ * * (فَرْعٌ) * مَرَّ خُلْفُ الشَّرْطِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عَلَيْهَا خَرَاجٌ بِحَقِّ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ بِشَرْطِ أَنَّ عَلَيْهَا دِرْهَمًا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ (قُلْتُ) وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْمُطَارَحَاتِ وَفِي الْبُطْلَانِ إذَا عَلِمَ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَعَلَّ مَأْخَذَ ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ يتجه البطلان والله أعلم * * (فَرْعٌ) * الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ جَارِيَةً وَشَرَطَ حَمْلَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي الْآدَمِيَّاتِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلِهَذَا أُلْغِيَ قَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ يَصِحُّ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُشْتَرِي (قُلْتُ) فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا وَاشْتَرَطَهُ فَأَخْلَفَ هَلْ نَقُولُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَخَرَجَ سليما أوله الرَّدُّ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُقَارِبُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَرْعَشِيُّ هنا يوافق التفصيل في شرط ترك الوطئ فِي النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِطَ هُوَ الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطُ عليه ليس له غرض إلَّا إسْعَافَ الشَّارِطِ وَلَيْسَ الْمَشْرُوطُ مَقْصُودًا لَهُ وهذا معنى صحيح

وان كان لرافعي اسْتَشْكَلَهُ هُنَاكَ فَالْمُشْتَرِي هُنَا لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ في الْحَمْلِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ لِلْبَائِعِ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْ العهدة بسببه وعلى هذا يقوى انه إذَا أَخْلَفَ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * أَمَّا إذَا كَانَ الشَّارِطُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَمْلَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَيْبٌ إلَّا أَنَّهُ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ كما صرحوا به في الصداق * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا جَانِيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَزْنِيِّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَهُوَ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ قَتْلٌ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ أَوْ يُخْشَى هَلَاكُهُ وَتُرْجَى سَلَامَتُهُ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْمَرِيضِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقٌّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبْدٌ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ دَيْنُ آدَمِيٍّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْمَرْهُونِ) * * * (الشَّرْحُ) * ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَلِكَ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّفْرِيعُ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ في هذا الباب والقولان منصوصان قال الشافعي في مختصر المزني وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَقَدْ جَنَى فَفِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ (وَالثَّانِي) الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي عُنُقِهِ كَالرَّهْنِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ وَيُبَاعُ فَيُعْطَى رَبُّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ وَبِهَذَا أَقُولُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَكْثَرَ كَمَا يَكُونُ هَذَا فِي الرَّهْنِ قَالَ الْمُزَنِيّ كَمَا يَكُونُ الْعِتْقُ جَائِزًا تَجْوِيزٌ مِنْهُ لِلْعِتْقِ وَقَدْ سَوَّى فِي الرَّهْنِ بَيْنَ إبْطَالِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا جَازَ الْعِتْقُ فِي الْجِنَايَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِثْلُهُ انتهى - والقول بالجواز مذهب أبى حنيفة وأحمد واختيار المزني وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ هَذَا كَلَامُهُ لِقَوْلِهِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَاحْتَجُّوا لِلْجَوَازِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِهِ إمَّا بِالْمُرْتَدِّ وَإِمَّا بِالْمَرِيضِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ هَذَا إنْ كانت الجناية عمدا وان كانت خَطَأً فَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِرَقَبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وبهذا فارق المرهون واحتج المزني العتق وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَوَّزَهُ أَيْ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي فَلْيَجُزْ الْبَيْعُ وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْبُطْلَانِ فِي الرَّهْنِ فَلِيُسَوِّ بَيْنَهُمَا هُنَا فِي الصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْأَرْشَ فِي رِقْبَتِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ وَبِهَذَا يُفَارِقُ الرَّهْنَ أَيْضًا وَاحْتَجُّوا لِلْبُطْلَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ آكَدُ مِنْ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ وَبَطَلَ الرَّهْنُ فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَالْجِنَايَةُ أَوْلَى وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ إلْزَامِ الْمُزَنِيِّ لِلشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قلنا) البيع جائز فالعتق أول (وَإِنْ قُلْنَا) الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فَفِي الْعِتْقِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ الْعِتْقُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُزَنِيَّ مَا أَرَادَ قِيَاسَ الْبَيْعِ عَلَى الْعِتْقِ ابْتِدَاءً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ بِالْخِلَافِ فِيهِ بَلْ لَمَّا قَاسَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ اسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ فَأَلْزَمَهُ بِتَجْوِيزِ الْبَيْعِ وَالطَّرِيقُ فِي الْجَوَابِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَائِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَرَى الْعِتْقَ جَائِزًا فَشَبَّهَ بِهِ الْبَيْعَ إمَّا بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَالشَّافِعِيُّ قَدْ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَوْلُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ هُوَ جَازِمٌ أَوْ مُرَجِّحٌ لِجَوَازِ الْعِتْقِ حَتَّى يَلْزَمَ بِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِجَوَابِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُزَنِيِّ إنَّ الشَّافِعِيَّ سَوَّى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فِي الرَّهْنِ فِي الْإِبْطَالِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمَا هُنَا يَعْنِي وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ فَلْيَقُلْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لِتَحْصُلَ التَّسْوِيَةُ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ بَلْ خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَرْهُونِ يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي عتقه ثلاثة أقوال فكذا بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ هَذَا الْجَوَابُ (الثَّانِي) أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَكْسِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْجَانِي لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ كَالرَّهْنِ فَإِنَّا نَقِيسُ الْجَانِيَ عَلَى الْمَرْهُونِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْمَنْعِ وَلَمْ نَقُلْ بِهِ لِتَجْوِيزِهِ الْعِتْقَ فَلِيَكُنْ فِي الْجَوَازِ وَأَجَابَ هَذَا أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَصْرِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِجَوَازِ الْعِتْقِ - قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْعِتْقِ جَوَازُ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْآبِقَ وَالْمَغْصُوبَ وَالْمَجْهُولَ وَالْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ عِتْقُهُمْ ولا يجوز بيعهم وقال الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الفقهاء وان خالفهم أكثر المتكلمين وهو اثبات بعض حكم الاصل في الفرع باعتبار علة (قُلْتُ) وَمَنْ الْمَانِعِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ أبو حامد الاسفراينى كذلك نقل عنه أبو الوليد التاجى فِي الْأُصُولِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ هُنَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَمْلُوكٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَاسْتَحَقَّ بِهَا عُقُوبَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَزُلْ بِهَا مِلْكُ الْمَالِكِ عَنْهُ وَلَا تَدْفَعُ الْمُزَاحَمَةَ فِيمَا يَحْدُثُ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِمَالِكِهِ يعني والمستحق

في الجناية وقعت فيه مزاحمة وهو حق الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى فَارِقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ أَيْضًا وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِالْبُطْلَانِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَبِهَذَا أَقُولُ وَجَعَلَ الْقَوْلَ بالجواز مخرجا ومسند التخريج إلْزَامِ الْمُزَنِيِّ لِمَا فُهِمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قد نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَطَلَ كَالْمُفْلِسِ إذَا بَاعَ بَعْضَ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ وَقَدْ تَعَرَّضَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِهَذَا وَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ أصحابنا حتى خرج هذا القول وليس بشئ وَالِاشْتِبَاهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُرَدُّ الْبَيْعُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَبْدُ (وَقَوْلُهُ) يَتَطَوَّعُ السَّيِّدُ يَعْنِي بِدَفْعِ الْأَرْشِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ حَكَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ إلَى تَخْرِيجٍ قَالَ فَإِذَا بِيعَ وَقُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَدَّى الْأَرْشَ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَزِمَ وَإِلَّا بِيعَ إنْ اسْتَغْرَقَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ بَيْعٌ بِقَدْرِ الْأَرْشِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي فَإِنْ أَجَازَ فَبِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ دَاوُد قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ يَسِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ جِنَايَةُ الْعَمْدِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَفِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ آدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْمَالِ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ إلَى مَالٍ بِالْعَفْوِ فَكَانَ كَالْمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جِنَايَةٍ لا توجب القصاص فاما فيما توجب الْقِصَاصَ فَلَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَأَمَّا فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ) * * * (الشَّرْحُ) * الطُّرُقُ الثَّلَاثُ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) الْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ وَأَلْزَمَ السَّيِّدَ الْمَالَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ لَقَالَ وَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ وَيُبَاعُ وَيُعْطَى رَبُّ الْجِنَايَةِ جِنَايَتَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ السَّيِّدُ بِدَفْعِ الْجِنَايَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ (قُلْتُ) وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ جَيِّدٌ عَلَى ضَعْفِ الطَّرِيقَةِ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى فَلَا يَبْقَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلَالَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَمْدِ يَبْقَى

وَلَا إثْبَاتَ فَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّخْرِيجِ إنْ صَحَّ الْقِيَاسُ أَوْ بِنَقْلٍ آخَرَ أما هذا فلا ولاجرم كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّحِيحَةَ وَإِنَّ الْخِلَافَ مَقْصُورٌ عَلَى حَالَةِ إيجَابِهَا الْمَالَ فَقَطْ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّ الطَّرِيقَةَ الثَّالِثَةَ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى فِي الرَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي نِسْبَتَهَا لِابْنِ خَيْرَانَ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِهَا مَنْ بَنَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ عَلَى أَنَّهُ موجب ماذا ان قلنا القود المحصن صَحَّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَإِنْ قُلْنَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهَا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ الْبَيْعِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ وَلَوْ جَعَلْنَا مُوجِبَ الْعَمْدِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَحُكْمُهُ هُنَا كَمَا إذَا جَعَلْنَا مُوجَبَهُ الْقِصَاصَ لَا غير لانا على هذا القول لاثبتها بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ ابْنُ دَاوُد لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَأَنَّهُ قَالَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْجَانِي عَمْدًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِيَارٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عَفْوَ فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ عَرَضَ الْبَيْعَ كان حكمه كالخطأ تجرى فِيهِ طَرِيقَانِ خَاصَّةً إمَّا جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَإِمَّا الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَحُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْخَطَأِ وكذلك إذَا أَتْلَفَ الْعَبْدُ مَالًا * وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْهُونِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نفسه والفرقان يقتضيان وجهان * (الطَّرِيقَةُ الْأُولَى) * إلَّا أَنْ يُلْغَى الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَأَمَّا الْمَرْهُونُ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كُلُّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ لِإِنْسَانٍ بِاخْتِيَارِهِ يَمْنَعُ الْبَيْعَ قَوْلًا وَاحِدًا كَالرَّهْنِ وَكُلُّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالٍ لِإِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَهَلْ يَمْنَعُ الْبَيْعَ أَمْ لا على قولين كما ذكرناه هَهُنَا وَكَمَا قُلْنَا فِي الْمَالِ إذَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَبَاعَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ (1) يَعْنِي إذَا قُلْنَا إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ أَوْ تَعَلُّقَ جِنَايَةٍ بِعَيْنِهِ مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ وَالطُّرُقِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُتَعَلِّقَةً بِرَقَبَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَاعَهُ قَبْلَ الْفِدَاءِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَوْ كَانَتْ مُوجِبَةَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَمْنَعْ بَيْعُهُ بِحَالٍ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَطَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ فِيهِ وَحَكَمَ بِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ صَحَّحْنَا وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفِدَاءِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ اخْتِيَارِهِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفِدَاءِ وَلَكِنْ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَإِطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لان

_ (1) بياض بالاصل

اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ولا يلزمه به شئ بَلْ لَوْ صَرَّحَ بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَسِيطِ فِي آخِرِ الْعَاقِلَةِ قُبَيْلَ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ بَلْ لَوْ قُلْنَا بِاللُّزُومِ فَغَايَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَمَانٌ فَلَمْ يَنْقَطِعْ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ بِهِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهَا وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي الصِّحَّةِ * * قال المصنف رحمه الله تعالى * * (إذا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَقُتِلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ فِي حَالِ الْعَقْدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَتْلِ بِرَقَبَتِهِ كَالْعَيْبِ لِأَنَّهُ تُرْجَى سَلَامَتُهُ وَيُخْشَى هَلَاكُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضَ وَمَاتَ وَكَانَ قَدْ عَلِمَ بِمَرَضِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لم يعلم جع فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ وَقَتْلِ قَوْمٍ وَهُوَ جَانٍ وَقَوْمٍ غَيْرَ جَانٍ فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ أبو إسحق و؟ ود القتل بمنزلة لاستحقاق وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فَإِذَا قُتِلَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بالثمن علي البائع علم بالجناية حال العقد؟ ؟ ولم بعلم لِأَنَّهُ أُزِيلَتْ يَدُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا اسْتَحَقَّ وَيُخَالِفُ الْمَرِيضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِالْمَرَضِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا مَاتَ بِزِيَادَةِ مَرَضٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَرْجِعْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ) * * * (الشَّرْحُ) * بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّفْرِيعِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْبُطْلَانِ لَا تَعَلُّقَ به يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّا ان أبطلنا باع الْعَبْدِ الْجَانِي رَدَّهُ وَاسْتَرْجَعَ الثَّمَنَ وَتَبْقَى الْحُكُومَةُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ توجب القصاص واقتص الولى فذك وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَتْ تُوجِبُ مالا فالسيد على خيرته ان شاء سلمه ليباع وان شَاءَ فَدَاهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ فَإِنْ بيع بقدر الجناية فذك وَإِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ غَيْرُهُ وَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ يُدْفَعُ إلَى السَّيِّدِ البائع وإذا أفدي فالاظهر؟ ؟ ؟ ؟ يفد به بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَرْشِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) يتعين لارش وَإِنْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ الْعَبْدُ لِيُبَاعَ فَإِنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْمَالَ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ السَّيِّدَ مُلْتَزِمٌ لِلْفِدَاءِ بِبَيْعِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ فَيُجْبَرُ عَلَى تسليم الفداء كما لو

أعتقه أو قبله وَقِيلَ هُوَ عَلَى خِيرَتِهِ إنْ فَدَى أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ وَلَوْ اخْتَارَ أَنْ يَفْدِيَهُ ثُمَّ قَبِلَ أَنْ يُخْرِجَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ فِي النَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ وَشَبَّهَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بِمَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا أَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ أَوْ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَا يجب عليه الوفاء بذلك وهو النقل نستفيد منه ان عند اختيار الفداء لا يلزم وهو كذلك على الاصح وَبِهِ يَضْعُفُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ التَّهْذِيبِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ولا يضعف به جعل البيع التزام لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِي ذَلِكَ الْحَيْلُولَةُ كَالْعِتْقِ وَالْقَتْلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ صَرِيحِ الِالْتِزَامِ غَيْرَ مُلْزِمٍ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مُلْزِمًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يَفْدِيهِ هَهُنَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَعَزَاهَا ابْنُ دَاوُد إلَى النَّصِّ (وَالثَّانِيَةُ) ذَكَرَهَا ابْنُ دَاوُد وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَقْتَضِيهَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فيه وَوَجْهُ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْبَيْعِ وَلِذَلِكَ إذَا قَبِلَهُ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ لامرين خَاصَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فُسِخَ الْبَيْعُ وبيع في الجناية لان حق االمجنى عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْبَيْعِ الْفِدَاءُ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ وَفِي الْفِدَاءِ هَهُنَا الْقَوْلَانِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً خِيَارَ الْقِصَاصِ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وان طلب القصاص قتله ونظر فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كان بَعْدَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَالْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ فَإِذَا قبل فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أن ذلك بمنزلة العيب فانه كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ بعده ولم يفسخ حتى قتل فلا شئ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ جَانِيًا وَغَيْرَ جَانٍ مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَسَبَهُ الْجُمْهُورُ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَنْسِبُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا يَذْكُرُ غَيْرَهُ وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَاصَّةً وَلَمْ يَنْسِبْ لِابْنِ سُرَيْجٍ فِي هَذِهِ المسألة شيأ وَنَسَبَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ السَّابِقَةِ أنه في ضَمَانِ الْبَائِعِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ بُشْرَى نَقَلَ مَا يُوَافِقُ قول

ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَيْهِ فِي الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قول ابى اسحق وَابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْفُتْيَا مِنْ الْجُزْءِ الثَّامِنِ من الام قال الشافعي من باع رحلا غَنَمًا قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ بَقَرًا أو بلا فَأُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْهَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا اشْتَرَى كَامِلًا وَأَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ولكن من باعه ابلا دون خمسة وعشرون فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَى الْبَائِعِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي يَدِهِ وَلَا صَدَقَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهَا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلُ يبيع العبد وقد حل دمه عند بِرِدَّةٍ أَوْ قَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ قَطْعِ يَدِهِ فِي سَرِقَةٍ فَإِذَا قُتِلَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ وَإِذَا قُطِعَ فَلَهُ الْخِيَارُ وفى فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْسَاكِهِ لِأَنَّ الْعُيُوبَ فِي الْأَبْدَانِ مخالفة نقص العدد انتهى * وَقَدْ وَجَّهُوا هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأُحِيلَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَحْبَلَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَيْعًا فَاسِدًا وَرَدَّهَا إلَى بَائِعِهَا وَمَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ أَيْ جَعْلُ التَّلَفِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ السَّابِقِ كَظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَبِيعِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ وَهَذَا الشَّبَهُ يُوهَمُ أَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ البيع ولم يريدوا ذك بَلْ يَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ وَوَقَعَ الشَّبَهُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ نَقَلَ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ - وَأَمَّا تَمَسُّكُ الْقَائِلِينَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِمَسْأَلَةِ الْمَرَضِ وَهِيَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَرِيضًا وَتَمَادَى الْمَرَضُ إلَى أَنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَيُحْكَى هَذَا عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَقْتَضِيهِ فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا (وَأَشْهَرُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَيْسَ الْمَوْتُ بالمرض السابق على البيع بل بما يتجدد بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا سَبَبٌ كَامِلٌ لِلْقِصَاصِ وَهَذَا مَعْنَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمَرَضِ الْقَدِيمِ فَكَيْفَ وَالظَّاهِرُ حُدُوثُ سَبَبٍ جَدِيدٍ وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ وَنَظِيرُ ذَلِكَ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا فَمَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ أَوْجَاعِ الطَّلْقِ وَهِيَ حَادِثَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَرِيضِ إذَا مَاتَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطيب وحكم

الْجِرَاحَةِ السَّارِيَةِ حُكْمُ الْمَرَضِ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَجَعَلَهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَمَّا غَيْرُ الْمَخُوفِ كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى فَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ إذَا ازْدَادَ فِي يَدِهِ وَمَاتَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحُكْمُ الْقُولَنْجِ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ والبغوى حينئذ موافقان لِلْحَلِيمِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ حَتَّى قُتِلَ فِي يَدِهِ فَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَفْسَخْ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ ويحكى عن أبى اسحق وَاخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ (قُلْتُ) وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو حامد الاسفرايني فانه كذلك في تعليقه علم به أو لم يعلم وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ إنَّهُ غَلَطٌ وَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ بمنزلة لعيب وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الَّذِي قَدْ رَضِيَ بِهِ ولا شئ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ بشئ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَإِمْسَاكِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال وليس هو كظهور الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ما صح بيعه اصلا وممن اختيار هَذَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الْجَهْلِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَ الْعِلْمِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ سَقَطَ أَثَرُهُ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمَعْنَى وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ عَيْبٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَكِنْ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ سَقَطَ أَثَرُهُ وَفِي حَالَةِ الْجَهْلِ الْقَتْلُ مِنْ أَثَرِهِ فَلِذَلِكَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي نقلته فيما تقدم عند طريان الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ عَيْبٌ دَلَّسَ بِهِ فَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ لان الشافعي ما تَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا اطلع عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِصَاصِ قَالَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ إذَا لَمْ يَرُدَّ حَتَّى قتل هل ينفسخ أولا * * (فَرْعٌ) * أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي إذَا صَحَّحْنَا الْبَيْعَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْقِصَاصُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفِدَاءِ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِي الْعُيُوبِ وَالتَّفْصِيلُ في العمد بين أن يتوب أولا وفى الخطأ بين أن يكثر أولا وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وان كثرت لا تثبت الخيار إذا كانت خَطَأً وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَأَمَّلْتُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَفِيهِ مَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِالْمَفْهُومِ لَا بِالْمَنْطُوقِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ

قَبْلَ الْفِدَاءِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ شِبْهُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ أَمْ لَا وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا حَيْثُ يَقُولُ إنَّ مُجَرَّدَ الْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ عَيْبًا إما عند التوبة أو عند عدم الكرار أَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْبًا فَهِيَ كَافِيَةٌ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ * * (فَرْعٌ) * إذَا بَاعَهُ وَلَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ قَبْلَ الْبَيْعِ فَتَرَدَّى فِيهَا مَنْ يَجِبُ ضَمَانُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ كَانَ قَدْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ قصاصا ثم بعد البيع عفي علي مال وقد تقدم * * (فروع) * وطئ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ لَا يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْفَادِي وَفِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الرَّافِعِيِّ وَلَوْ قال لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ فَجَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ جَاءَ رَأَسُ الشَّهْرِ عَتَقَ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْفِدَاءُ قَالَهُ الْقَاضِي عَنْهُ فِي بَابِ الْأَمَةِ تَغْرِسُ نَفْسَهَا وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَنَى الْعَبْدُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّةِ الْمُعْتَقِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ عَتَقَ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يوجد من السيد فعلى وفى الاولى لم يوجد من العبد شئ فَصَارَ السَّيِّدُ مُتْلِفًا بِالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي عَلَى قَوْلِنَا بِعَدَمِ نُفُوذِ عِتْقِ الجاني وان الاستبار بِحَالِ الصِّفَةِ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بِبَيِّنَةِ لَوْ نَقَصَ الْأَرْشُ عَنْ الرَّقَبَةِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كما تقدم ولا يمتنع البيع لا فِي مِقْدَارِ الْأَرْشِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلِ وَحَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ خِلَافٍ وَقَالَ وَقَدْ ذكره الغزالي في لزكاة وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ الْجَانِي كَبَيْعِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الدَّوْرِ الوقع فِي الْجِنَايَاتِ إذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ وعفى المجني عليه ومات فان أجارته الْوَرَثَةُ فَذَاكَ وَإِلَّا نَفَذَ فِي الثُّلُثِ وَانْفَكَّ ثلث الْعَبْدُ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْعَبْدِ وَأَشَارَ الْإِمَامُ فِيهِ إلى وجه آخر كما ان شيأ من المرهون لا ينفك ما بقى شئ مِنْ الدَّيْنِ * (فَائِدَةٌ) * أَجْمَعُوا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ وَهُوَ مَأْذُونٌ أَنَّ الدَّيْنَ فِي مَالِهِ وَالْجِنَايَةَ فِي رَقَبَتِهِ فَإِذَا عَجَزَتْ الرَّقَبَةُ عَنْ احْتِمَالِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَرُدَّ إلَّا مَا فِي يَدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ الدَّيْنِ لَمْ يُرَدَّ إلَى الرقبة * * (فَرْعٌ) * لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَبِهِ مَرَضٌ أَوْ جراحة فزاد ذلك في يد المشتري ولم يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ حَالَ الِاسْتِقْصَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ الْمِصْرِيِّ تَصِيرُ الزِّيَادَةُ كَأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي يد البائع للمشترى الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَعَلَى قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِنَا زِيَادَةُ الْمَرَضِ فِي

يَدِهِ تَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَعِيبًا بِالْعَيْبِ الذى كان في يد البائع دون لزيادة الَّتِي حَدَثَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ لزيادة حَدَثَتْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَرَضِ أَوْ الْجِرَاحَةِ حَتَّى سَرَتْ إلى النفس فعلى قول ابن الحداد ينفسخ البيع ويرجع بالثمن وعلى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي عَلِيٍّ لَا يَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَمْلِ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فَعَنْ القاضى أبى الطيب أنه على الوجهين * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا مُرْتَدًّا فَقُتِلَ فِي يَدِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ في قول أبى اسحق يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي العباس وأبى على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بالارش - ووجههما ما ذكرناه في الجاني عما * * (الشَّرْحُ) * بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَرِيضِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ حِكَايَةُ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ يُقَاسُ الْجَانِي عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْجَانِي مُسْتَحَقَّةٌ لَآدَمِيٍّ وَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ فَكَأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَقَالَ القاضى حسين ابن الوجه المذكور خط لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ أَنَّ رَهْنَ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ جَائِزٌ فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى صِحَّتِهِ فَقُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْجَانِي عَلَى قَوْلِ أَبِي اسحق وَابْنِ الْحَدَّادِ وَالْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِرِدَّتِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا وَجْهَانِ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أبى حامد وأبى اسحق أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا أَطْلَقَ هُنَا وَرَأْيُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لا ينفسخ البيع ولا يرجع بشئ قَالَ الْإِمَامُ كَانَ يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ يَعْنِي الَّذِي يَقُولُ بِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُقَالَ بِالْوَقْفِ حَتَّى يُقَالَ إن قتل المرتد تبينا أن بعيه لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا الصِّحَّةَ قَالَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِالرِّدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ لِأَنَّهَا عَيْبٌ رَضِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ كَتَعَذُّرِ الرَّدِّ فَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ فَيُتَقَوَّمُ مُرْتَدًّا وَغَيْرَ مُرْتَدٍّ وَيُرْجَعُ بما

بَيْنَهُمَا مَنْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِنْ قِيلَ الْمُرْتَدُّ قُتِلَ لِإِقَامَتِهِ عَلَى الرِّدَّةِ وَذَلِكَ حَادِثٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ إنَّمَا قُتِلَ بِالرِّدَّةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قبل الاستنابة لَمْ يَضْمَنْهُ فَإِقَامَتُهُ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تُوجِبْ القتل لكن استيفاء ما وجب عَلَيْهِ * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَانْحَتَمَ قَتْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشيخ أبو حامد الاسفزايني رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْحَشَرَاتِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَهُ فَصَحَّ بَيْعُهُ كَالزَّمِنِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَتَلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَحُكْمُهُ حكم القائل عَمْدًا فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) * * * (الشَّرْحُ) * إذَا قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ أن نقدر عَلَيْهِ فَالْقَوَدُ هَهُنَا مُتَحَتَّمٌ بَلْ هُوَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ وَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَقُلْنَا تَسْقُطُ الْعُقُوبَةُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الظَّفَرِ فَكَذَلِكَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَسْقُطُ فَثَلَاثُ طرق (إحداهما) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ قولا واحدا لان قلته مُحَتَّمٌ وَيُفَارِقُ الْمَرِيضَ وَالْمُرْتَدَّ وَالْقَاتِلَ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ لِرَجَاءِ بُرْءِ الْمَرِيضِ وَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقَاتِلِ وَوَافَقَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ إلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَطَبَقَتِهِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الحسين ولم أر في تعليق أبى حامد التعليل بِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ فَجَازَ أَنْ يَقُولَ مَنْفَعَةُ هَذِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاقٍ أَلَّا يُتَخَلَّصَ بِهِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنَّهُ بَاقٍ يُتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ لِلْعِبَادَةِ وَمَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ وَقَالَ جَوَازُ عِتْقِهِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ بِدَلِيلِ الْآبِقِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي الْعِتْقِ قُوَّةً وَسِرَايَةً (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّهُ كَبَيْعِ الْجَانِي يَعْنِي عَمْدًا فَيَصِحُّ على الاصح وتوجيهها ما ذكره المصنف وقد علمت ما يرد عليه (والثالثة) قال الرافعى أَنَّهَا الْأَظْهَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ بَيْعَهُ كَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَظْهَرُ مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ قَدْ تَصِيرُ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ هَذَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالْمُرْتَدِّ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مَرْجُوُّ الْبَقَاءِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ الَّذِي تَحَتَّمَ قَتْلُهُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي مَنْفَعَةِ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ مِمَّا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا بِالْأَغْرَاضِ فَتَكُونُ كَبَيْعِ الْمُرْتَدِّ الْمَشْهُورِ بِصِحَّتِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ لَا تُعْتَبَرُ فَيَقْوَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد

وفيه نظر والاقرب الاول لان العتق كيف ما كَانَ فِيهِ أَجْرٌ وَالْأَجْرُ مَقْصُودٌ مُتَوَصَّلٌ إلَيْهِ بِالْأَمْوَالِ فَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي الطَّيِّبِ يَكُونُ حُكْمُهُ حكم القاتل عمدا في غير المحاربة وقد تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهَا أَظْهَرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ كَالْمُرْتَدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَعَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ أبى حامد البيع باطل ولا كلام * * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * * (إذَا بَاعَ عَيْنًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَنَّهُ عَيْبٌ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَبَرِئَ مِنْهُ الْبَائِعُ كَمَا لَوْ أَوْقَفَهُ عليه (والثانى) لا يبرأ من شئ مِنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَرْتَفِقُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ وَالرَّهْنِ الْمَجْهُولِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَيْبُ الْبَاطِنُ فِي الحيوان الذى لا يعلم به البائع لا رَوَى سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةٍ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ فَوَجَدَ الرَّجُلُ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ احْلِفْ لَقَدْ بِعْتَهُ وَمَا بِهِ دَاءٌ تَعْلَمُهُ فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ وَقَبِلَ الْغُلَامَ فَبَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُفَارِقُ مَا سواه لانه يغتذى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طَبَائِعُهُ وَقَلَّمَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَظْهَرُ أَوْ يَخْفَى فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التبرى من العيب الباطن فيه لان لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْقِيفِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْعَيْبِ الْبَاطِنِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَجُزْ التَّبَرِّي مِنْهُ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ فِي الْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِهِ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَرْهُ لِنَفْسِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَمْضَى الْبَيْعَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ هَذَا الشرط يقتضى جزأ مِنْ الثَّمَنِ تَرَكَهُ الْبَائِعُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ فَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ أَنْ يَرُدَّ الْجُزْءَ الَّذِي تَرَكَهُ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْلُومٍ صَارَ الْجَمِيعُ مَجْهُولًا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) * *

* (الشرح) * هذا الفصل باب مستقل وب عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ بِبَابِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَدْرَجُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِهِ وَقَضَاءُ عُثْمَانَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ في الموطأ عن يحيى ابن سَعِيدٍ عَنْ سَالِمٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ الرَّجُلُ بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَفِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَّهُمَا اللَّذَانِ اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ الدَّاءَ زَالَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ تَرَكْتُ الْيَمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فَعَوَّضَنِي اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ جَائِزَةً وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّمَا رَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُمَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدِيثُ شَرِيكٍ عَنْ عاصم بن عبد اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بَرَاءَةٌ لَيْسَ يَثْبُتُ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ أَجَابَ شَرِيكٌ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا قال البيهقى إن صح مَا رَوَاهُ فِي الْبَابِ حَدِيثُ سَالِمٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي قَضَاءِ عُثْمَانَ وَعَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَبْرَأُ من الداء حتى يريه إياه يقول بَرِئْتُ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الدَّاءِ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ مَا رَأَيْتُهُمْ يُجِيزُونَ مِنْ الدَّاءِ إلَّا مَا يَثْبُتُ وَوَضَعْتَ يَدَكَ عَلَيْهِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ كَبِيرٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصحابة وفاتته الصحبة بشئ يَسِيرٍ وَالْإِسْنَادُ إلَيْهِ فِي هَذَا جَيِّدٌ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُسَمِّيهِ وَيُرِيهِ هَذَا مَا فِي هَذِهِ المسألة من

الْإِثْبَاتِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَاخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَبْرَأَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ (وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لا يبرأ من شئ مِنْ الْعُيُوبِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَتَّى يُسَمِّيَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ هَكَذَا مُقَيَّدًا وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَدَاوُد مُطْلَقًا وَظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا سَمَّى كَفَى سَوَاءٌ أَكَانَ العيب مما يعابن أَمْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يَقُولُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَالثَّالِثُ) أنه لا يبرأ من شئ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عنه واسحق ويشبه أن يكون ذلك الاطلاق فيما يُمْكِنُ كَمَا فَصَّلَهُ أَصْحَابُنَا كَمَا سَيَأْتِي لَكِنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُعَايَنَةَ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيمَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وان يُرَادُ ظَاهِرُهُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ بَعِيدٌ (الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ) أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْبِ الْبَاطِنِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً كَقَوْلِ عُثْمَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ هُنَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عندنا فمن باع عبدا أو وليدة أو حيوان بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَرَّجُ مِنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي تحريره ثلاثة أقول كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعُ) قَوْلٌ ثَانٍ لِمَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ مَالِكًا رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بذلك إلا في الرقيق خاصة فيبرأ ما لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ الفحاش لان الفحاش تشترى لتريح - وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَبْرَأُ بِهِ عَيْبٌ أَصْلًا (وَالثَّامِنُ) قَوْلٌ ثَالِثٌ لمالك وقيل انه لذى رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِالْبَرَاءَةِ إلَّا في ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلط لِلْمَغْنَمِ أَوْ عَلَى مُفْلِسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ فِي دُيُونِ الْمَيِّتِ (وَالثَّانِي) الْعَيْبُ الْخَفِيفُ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ (وَالثَّالِثُ) فِيمَا يُصِيبُ الرَّقِيقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً (وَالتَّاسِعُ) أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ خَارِجٌ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا أَعْرِفُهُ صَرِيحًا عَنْ

أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إلَّا عَنْ مَذْهَبِنَا وَبَعْضِ الظاهرية وان صح أن أحد يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ كَانَتْ الْمَذَاهِبُ عَشَرَةً هَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ عَنْ طُرُقٍ أَشْهَرُهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْوَكِيلِ وَالْإِصْطَخْرِيُّ إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ الثَّالِثُ مِنْهَا وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْحَيَوَانِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَدُونَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْبَاطِنِ وَلَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِحَالٍ - وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ ثلاثة أقول وفي غير الحيوان قولين ولا يجئ الثَّالِثُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ لَا بَاطِنَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إنَّهَا الْأَصَحُّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهَا الْأَلْيَقُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ الْأُولَى أَشْهَرُ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ نِسْبَتُهَا إلَى عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَبْرَأُ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ الْمَعْلُومِ دُونَ الْمَعْلُومِ وَلَا يَبْرَأُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْمَعْلُومِ وَفِي غَيْرِ الْمَعْلُومِ قَوْلَانِ وَقَدْ رَأَيْتُهَا كَذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) يُخَرَّجُ مِنْ مَنْقُولِ الْإِمَامِ وَهِيَ إثْبَاتُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ (ثَالِثُهَا) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وغير المعلوم (والطريقة الْخَامِسَةُ) الْقَطْعُ فِي الْحَيَوَانِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَغَيْرِهِ وَإِجْرَاءُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَهِيَ تُخَرَّجُ مِنْ نَقْلِ سَلَامٍ شَارِحِ الْمِفْتَاحِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ مُقْتَضَاهَا عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بين الباطن والظاهر وذلك طَرْدُ التَّفْصِيلِ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ لَا بَاطِنَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطيب وذلك يوافق ما حكاه الامام الماوردى وَالرَّافِعِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ نَفْسَ الْعِلْمِ وَالْأَكْثَرُونَ جَعَلُوا الْعُيُوبَ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْمَعْلُومَةِ لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا وَالْبَحْثِ عَنْهَا قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا جَمَعَ جَامِعُ الْحَيَوَانِ إلَى غَيْرِهِ انْتَظَمَ لَهُ أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ (وَالثَّانِي) الْفَسَادُ فِي الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ

وَغَيْرِهِ (وَالرَّابِعُ) الْفَرْقُ بَيْنَ مَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ وَكَتَمَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَعْضَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ فَقَدْ يَجْرِي مِنْ خِلَافِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ (وَقَالَ) الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنَّ مَجْمُوعَهَا سَبْعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) صِحَّةُ الشَّرْطِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) فَسَادُهُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) فَسَادُهُ فِيمَا عَلِمَهُ وَصِحَّتُهُ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ (وَالرَّابِعُ) فَسَادُهُ فِيمَا عَلِمَهُ أَوْ يَسْهُلُ الْعِلْمُ بِهِ (والخامس) فساده في غير الحيوان وصحة فِي الْحَيَوَانِ (وَالسَّادِسُ) فَسَادُهُ إذَا أَبْهَمَ الْعَيْبَ وَصِحَّتُهُ إذَا عَيَّنَهُ (وَالسَّابِعُ) فَسَادُهُ فِيمَا سَيَحْدُثُ فِي يَدِ الْبَائِعِ إذَا ذَكَرَ مَقْصُودًا وَصِحَّتُهُ فِيمَا عَدَاهُ (قُلْتُ) وَفِي الْخَامِسِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَتَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ يَفْسُدُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَيَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ لَمْ يَسْهُلْ الْعِلْمُ بِهِ (وَالسَّابِعُ) صَحِيحٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مع جريان الخلاف مع التعيين (وَالثَّامِنُ) صَحِيحٌ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي وَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ ثَامِنٌ بِالْفَسَادِ فِيمَا سَيَحْدُثُ فِي يَدِ البائع إذا ذكر ولو تعابا (والوجه التاسع) بطلان العقد وسبب اخلاف الاصحاب على هذه الطريق أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا بَاعَ لِرَجُلٍ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ فَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَيَقِفُهُ عَلَيْهِ تقليلا وأن الحيوان يفارق ما سواه لانه يغتذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقل ما يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ وَإِنْ صح في القياس لولا مَا وَصَفْنَا مِنْ افْتِرَاقِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ لَمْ يَرَهَا وَلَوْ سماها لاختلافهما أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهَذَا النَّصُّ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنَّ فِيهِ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَيْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ الْبَائِعُ ويقفه عليه وانا ذَهَبْنَا إلَى هَذَا تَقْلِيدًا وَأَنَّ فِيهِ مَعْنًى من الغى يفارق فيه الحيوان ما سواه وذلك انما كانت فيه الْحَيَاةُ فَكَانَ يُغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طَبَائِعُهُ قل ما يَبْرَأُ مِنْ عَيْبٍ يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ فَإِذَا خفى على البائع ابراءه يُبَرِّئُهُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ فَقَدْ وقع اسم العيوب على ما بعضه يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَتَقَعُ الْقِسْمَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقِفَهُ عليه وان صح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفرق الحيوان بأن لا يبرأ من عيب كان به لم يبرئه صاحبه ولكن التقليد ما وصفنا الاولى بِمَا وَصَفْنَا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ الْعَبْدُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ فِيهِ تَصْرِيحًا بِالتَّسْوِيَةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُخْبِرُ عن نفسه وبينه على العيب الَّذِي بِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَلَيْسَ كَمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ ذكر إلى قَالَهُ الْمُزَنِيّ آخِرًا مِنْ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إذَا

عَرَفَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُونَ قَالُوا إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ بَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الموافق لقضاء عثمان وبين القولين الاخيرين الذين أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَحَّ فِي الْقِيَاسِ لولا مَا وَصَفْنَا أَنْ لَا يَبْرَأَ أَوْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ الْقَوْلَ وَقَالَ لولا قَضَاءُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ لَكَانَ الْقِيَاسُ هَذَا وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ لِقَوْلِ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قلت) أنا قال الشافعي في كتاب اخْتِلَافُهُ وَمَالِكٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَكَانَ مَذْهَبًا يَجِدُ فِيهِ حُجَّةً وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وأنه قول واحد انتهى * والجوزي نقل عن هَذَا النَّصَّ عَنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالْمَاوَرْدِيِّ ذَكَرَ هذا النص وقال ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُخْرِجَا ذَلِكَ قَوْلًا لا جماله (قُلْتُ) وَالْإِجْمَالُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَقَدْ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تُجَوِّزُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قَوْلًا لَهُ وَالْمَشْهُورُ طَرِيقَةُ إثْبَاتِ الْأَقْوَالِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْعِرَاقِيِّ بِبَغْدَادَ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَاسْتَفَدْنَا بِهَذَا النَّقْلِ إثْبَاتَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ وَأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ وَأَضْعَفُ الطُّرُقِ الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ خِلَافُ صَرِيحِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَطَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى طَرِيقَةٍ سَادِسَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْحَيَوَانِ يَقْطَعُ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَبْرَأُ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ وجه وَهَذِهِ غَيْرُ طَرِيقَةِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْلُومِ فِي الْحَيَوَانِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَقُولُهَا مُقْتَضَاهَا اجراء القولين في غير الحيوان فيما عَلِمَهُ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْقَطْعُ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْحَيَوَانِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ لِقَضَاءِ عثمان وقوله انه ولولا ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ لَكَانَ يَبْرَأُ أَوْ لَا يَبْرَأُ يَعْنِي كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا عَدَا الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ وهو غير الحيوان فالطريقة الْقَاطِعَةِ بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِيهِ مِنْ عَيْبٍ أصلا كما تقتضيه طريقة ابن أبى خَيْرَانَ وَأَبِي إِسْحَاقَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا غَايَةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهَا وَلَهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الظاهر أنه يريد به الاول من الاحتمالمين اللذين ذكرهما لولا تَقْلِيدُ عُثْمَانَ وَمُفَارِقَةُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِهِ أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَصَحُّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي اخْتِلَافَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ

بِالْأَوَّلِ مَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِقَضَاءِ عُثْمَانَ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْحَيَوَانِ وَقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِهِ كَمَا هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ * * (فَرْعٌ) * قَسَّمَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعَ بشرط لبراءة إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) يَبْرَأُ مِنْ عُيُوبٍ سَمَّاهَا وَوَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهَذِهِ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ وَبَيْعٌ جَائِزٌ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ وَلُزُومِ الشَّرْطِ فِي العقد فان وجد المشترى بالبيع غَيْرَ تِلْكَ الْعُيُوبِ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تِلْكَ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَبْرَأَ مِنْ عُيُوبٍ سَمَّاهَا وَلَمْ يَقِفْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ الْعُيُوبُ مِمَّا لَا يُعَيَّنُ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِيهَا بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ فَلَمْ يُمْكِنْ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا وَاكْتَفَى بِالتَّسْمِيَةِ فيها فان ذكرها إعلاما والاطلاع عَلَيْهَا (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُعَايَنُ كَالْبَرَصِ وَالْقُرُوحِ فَلَا تَكْفِي التَّسْمِيَةُ حَتَّى يَقِفَ عليها ويشاهدها لان النقص الْعَيْبِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ الْعَيْبُ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهِ فَصَارَتْ التَّسْمِيَةُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ مُشَاهَدَتِهَا جُمَلًا بِهَا (قُلْتُ) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ سَمَّاهَا لِاخْتِلَافِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا أن يقفه عليه وكلام الماوردى يقتضى أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ لَيْسَ مَحَلَّ الْخِلَافِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا إذَا أَطْلَقَ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ يَقُولُ هُنَا عِنْدَ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَقِفْهُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَرَصُ وَنَحْوُهُ فِي بَاطِنٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَفِي حَالَةِ التَّسْمِيَةِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ إنْ أَرَاهُ مَوْضِعَ الْبَرَصِ وَقَدَّرَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا فَصَّلُوهُ وَكَأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا يَعْرِفُهُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ وَأَمَّا مَا لَا يَعْرِفُهُ وَيُرِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ لَوْ كَانَ فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ تَفْرِيعًا عَلَى فَسَادِ الشَّرْطِ فِيهِ خِلَافًا مُخَرَّجًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي فَسَادِ الشَّرْطِ الْجَهَالَةُ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ صَحَّ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالثَّانِي فَلَا

وَمَثَّلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِتَسْمِيَةِ الْعَيْبِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ الزِّنَا وَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وهذا الذى تقدم من أن الذى تسكن مُعَايَنَتُهُ لَا تَكْفِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ هُوَ قَوْلُ الاصحاب قال القاضى حسين وعنه يكون يصح في هذا الموضع لِقِلَّةِ الْجَهَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَثَّلَ الْقَاضِي هَذَا النَّوْعَ بِإِخْبَارِهِ بِمِثْلِ الْجِدَارِ وَانْكِسَاحِ الْجِذْعِ * * (فَرْعٌ) * ادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْبَرَاءَةِ إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ لِأَنَّ ذِكْرَهُمَا إعْلَامٌ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي الْفَتَاوَى مَا يَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ وَأَنَّهُ إنْ قَالَ هُوَ آبِقٌ وَبِعْتُكَهُ بِشَرْطِ أَنِّي برئ مِنْ عَيْبِ الْإِبَاقِ بَرِئَ قَطْعًا وَلَوْ قَالَ لا أعلمه آبقا وبعتكه بشرط أني برئ مِنْ عَيْبِ الْإِبَاقِ قَالَ فَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةٌ وهى أنه لو اشتراه ولم يعلمه آبقا فقال أبرأتك من عيب الاباق فبان آبقا هل له الرد وجهان كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ عَلَى ظَنِّ أنه حى فبان ميتا (فان قلنا) يبرئ بَرِئَ هُنَا (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْرَأُ فَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ هَلْ يَصِحُّ عَلَى قَوْلَيْنِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَصِحُّ فَفِي صِحَّةِ الشَّرْطِ جَوَابَانِ - وَإِنْ قال بعتكه بشرط أنى برئ من الاباق يعني لَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا قَالَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ إعْلَامٌ - وَإِنْ قال لاعلم هل هو آبق أو لا ولم يزد عليه يعنى ولو يشترط فوجده آبقا فله الرد ذكره هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْرَأَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا وَلَا يَقِفُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ وَالطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ * * (فَرْعٌ) * فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرِ الْقَوْلِ الظَّاهِرِ من المذهب وأجوبتها (أَمَّا) الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَبِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا عِنْدَهُ فِي مواريث درست أسهما وموجبا

وليحلل أحد كما صَاحِبَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَبِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ لَا تَسْلِيمَ فِيهِ فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِاقْتِضَاءِ مُطْلَقِ الْعَقْدِ السَّلَامَةَ فَإِذَا صَرَّحَ بالبراءة فقد ارْتَفَعَ الْإِطْلَاقُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ كَلَامٌ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ ثُمَّ هُوَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ هُوَ في كتاب الله فهو باطل ونهى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّ التَّحْلِيلَ يَصِحُّ بِأَنْ يُصَيِّرَهُ مَعْلُومًا فَيَقُولُ مِنْ كَذَا وَكَذَا (وَعَنْ الثَّالِثِ) بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا فَصَحَّا فِي الْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ من شئ من العيوب إلا بالتسمية والتوقيف فللنهى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَعَنْ الْغَرَرِ وَمِنْ الْقِيَاسِ أَنَّهُ رِفْقٌ فِي الْبَيْعِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى صِفَتِهِ كَمَا إذَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ حدوث العيب والرضى بِهِ وَبِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْهِبَةِ وَبِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يُنْفَى بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَمُلَخَّصُ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ الدَّالَّةِ لِهَذَا الْقَوْلِ تَرْجِعُ إلَى سَبَبَيْنِ (أَحَدُهُمَا) التَّعْلِيلُ بِالْجَهَالَةِ (وَالثَّانِي) بِمُخَالَفَةِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَوَضْعِ الشَّرْعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ قَالُوا الْهِبَةُ فِيهَا تَسْلِيمٌ وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ مِنْ التسليم انتقض عليهم بالوصية والاقرار فيهما تَسْلِيمٌ وَاجِبٌ وَيَصِحَّانِ فِي الْمَجْهُولِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِأَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ فِيمَنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي يَدِهِ مِنْ عَيْبٍ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ الضَّمَانِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَجُزْ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ ضَمَانِ جَمِيعِ الثَّمَنِ إذَا تلف في يده - وأما القول الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ فَضَعِيفَانِ جِدًّا لَا دَلِيلَ لَهُمَا وَالسَّادِسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّالِثِ إلى هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ *

* (فَرْعٌ) * فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْقَوْلِ الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَضَاءِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ مُفَارِقَةِ الْحَيَوَانِ لِمَا سِوَاهُ كَمَا بَيَّنَهُ فَلَوْ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ لَا يَصِحُّ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ فِي حَيَوَانٍ أَصْلًا وَالتَّمَسُّكُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَيْضًا كَذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَتَرَافُعُهُمَا إلَى إمَامِ الْوَقْتِ فِي خُصُومَةٍ وَيُقْضَى بَيْنَهُمَا بِقَضَاءٍ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْسُرُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْإِنْكَارُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الرَّدُّ (أَمَّا) عِلْمُهُ فَلِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْيَمِينِ (وَأَمَّا) اعْتِقَادُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَقَبِلَهُ (وَأَجَابَ) الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ وَامْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا (قُلْتُ) وَهَذَا الْجَوَابُ وَالِاحْتِمَالُ يُعْتَضَدُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْقَوْلُ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ يُبْتَاعُ وَيَبْرَأُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَيْبِ فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عمر رضى الله عنهم بأن يحلف ما كان به داءا عَلِمْتُهُ وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ التَّبَرِّي يبرئه مِمَّا عَلِمَ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَاطِبُ مَنْ سَأَلَهُ فَاخْتَرْتُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ وَسَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِكَ مَنْ يَقُولُ عُثْمَانُ الْخَلِيفَةُ وَقَضَاؤُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ وَقَوْلُهُ بِهَذَا كُلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ انْتَهَى * ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِيمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ وَخِلَافِهِ فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي اعْتِقَادَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِعُثْمَانَ وَحِينَئِذٍ يُعْتَضَدُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ صَحِيحًا لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال لِلشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ وَهُوَ قَائِلٌ بِخِلَافِهِ - نَعَمْ يَصِحُّ لِمَنْ يَنْظُرُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا يتقيد بكلام الشافعي أن يقوله - وما يُضْعِفُ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْوَجْهِ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ

الشَّافِعِيَّ عَضَّدَ قَوْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بما ذكره من مفارقة الحيوان لغيره وعلى هذا الوجه لا يحتاج إلى ذلك وأيضا لو كان كذلك لما سماه تقليد وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ يَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَفِيهِ نِزَاعٌ فَإِنَّهُ أَنْزَلَ رُتْبَةً مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ سُكُوتُ الْبَاقِينَ (وَإِنْ قُلْنَا) بأن الاجماع في السكوت حجة لاسيما هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الِاحْتِمَالِ الْقَوِيِّ فِي مُخَالَفَةِ ابْنِ عُمَرَ وَوُرُودِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَعَنْ زَيْدٍ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَتْ ضعيفة فان ذلك يخرم الظن بعدم المخالف - وَذَكَرَ الْإِمَامُ هَهُنَا مُعْتَرِضًا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذَا الْوَجْهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ مِنْ اعْتِضَادِ قَوْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقِيَاسِ وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ فَلِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ - وَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَلِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مَعَ الْقِيَاسِ الضَّعِيفِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ بِقِيَاسِ التَّقْرِيبِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ بِقِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ الَّذِي لَا تَجْتَمِعُ فِيهِ شُرُوطُ الْقِيَاسِ فَيُشْكَلُ اعْتِضَادُ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَيَأْتِي فِيهِ الْبَحْثُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُرْسَلِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَوْ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ خفى لو انقرد يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَقَدْ فَسَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مُرَادَهُ بِقِيَاسِ التَّقْرِيبِ وَقِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَهَهُنَا مَبَاحِثُ (أَحَدُهَا) أَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمُنْتَشِرِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ - وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّهُ فِي الْقَدِيمِ حُجَّةٌ وَفِي الْجَدِيدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ ينتشر

فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا انْتَشَرَ يَكُونُ حُجَّةً في الجديد وقال الجوزي إن قول السحابى الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُخَالِفٌ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْجَدِيدِ إذَا اُعْتُضِدَ بِضَرْبٍ مِنْ الْقِيَاسِ وَإِنَّهُ فِي الْقَدِيمِ حُجَّةٌ فَإِذَا احْتَمَلَ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا كَانَ مَا وَافَقَهُ أَوْلَى وَهُوَ أَدْوَنُ الِاجْتِمَاعَاتِ وَأَعْلَى مِنْهُ الْإِجْمَاعُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَأَعْلَى مِنْهُ وَهُوَ إجْمَاعُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ لِكَوْنِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي مُقَدَّمَةِ كتابه الذَّخِيرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُرِدْ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ يُسَمَّى تَقْلِيدًا وَإِنَّمَا أَرَادَ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي صُورَةِ التَّقْلِيدِ - فَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنْ قَالَ عُلَمَاؤُهَا قَوْلًا كَانَ حُجَّةً مَقْطُوعًا عَلَى مَعِيَّتِهَا وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قولا وانتشر في الباقين فان صوره أَوْ قَالُوا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ إجْمَاعٌ أَيْضًا وَحُجَّةٌ مَقْطُوعٌ عَلَى مَعِيَّتِهَا إنْ بلغهم ومكتوا وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ وَلَا إنْكَارٍ فَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصْرُ كَانَ حُجَّةً أَيْضًا مَقْطُوعًا عَلَى مَعِيَّتِهَا فِي إطْلَاقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِبَارَةِ وَجْهَانِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا - وَقَالَ دلود وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا وَلَمْ يَنْتَشِرْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ هُوَ حُجَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (فَإِنْ قُلْنَا) لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ عَاضَدَهُ قِيَاسٌ وَإِنْ ضَعُفَ كَانَ قَوْلُهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَإِنْ لَمْ يُعَضِّدْهُ قِيَاسٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَلَا يُخَصُّ بِقَوْلِهِ الْعُمُومُ (وَإِنْ قُلْنَا) حُجَّةٌ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا الْقِيَاسُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَهَلْ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ وَجْهَانِ هَذَا فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْفُتْيَا (أَمَّا) حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ فَإِجْمَاعٌ وَإِلَّا فَإِنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُنْكِرْ فَاَلَّذِي سَمِعْتُ الشَّيْخَ يَقُولُ لَيْسَ بِحَجَّةٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ

الواحد إذا لم ينشر عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسَعُ خلافه فلا يدل السكوت علي الرضى وَرَأَيْتُ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ فِي الْإِفْصَاحِ يَقُولُ هذا حجة قولا واحد وَلَكِنْ هَلْ يَقَعُ عَلَى مَعِيَّتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ كَالْفَتْوَى (وَالثَّانِي) لَا وَإِذَا انْتَشَرَ قَوْلُ التَّابِعِيِّ فِي التَّابِعِينَ لَمْ يَكُنْ كَانْتِشَارِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ هَذَا تَلْخِيصُ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَكَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرَهُ شَارَكَهُ فِيهِ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةُ فَوَائِدَ فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ نَقْلَهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَنَّهُ إذَا عَضَّدَهُ قِيَاسٌ ضَعِيفٌ لا يصير حجة لان كلا منهما بانفراده لَيْسَ بِحُجَّةٍ (وَقَالَ) الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ حُجَّةً وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَفْسِيرُ الضَّعِيفِ بِمَا يَكُونُ حُجَّةً الا أن يكون ثم قياسا أَقْوَى مِنْهُ فَيُقَدَّمُ هُوَ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فُهِمَ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ بِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قادحا في دعوى عدم الخلاف في مسألتنا إذا فسرنا الضعيف بالتفسير الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَا قُلْنَاهُ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ حُجَّةٌ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَلَا يعضده شئ لَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ بِهِ فِي قَدِيمٍ وَلَا جَدِيدٍ وَإِنْ اعْتَضَدَ أَوْ انْتَشَرَ قَالَ بِهِ في القديم والجديد وقال الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقَتِهِ إنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ خَفِيَ قُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قُلْتُهُ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ويؤيده قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّ

سَجَدَاتٍ قَالَ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْتُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ (فالظاهر) أنه فعله توقيعا فَهَذَا النَّصُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَإِنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا هَذَا النَّصَّ مِنْ تَفَارِيعِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ لان اخْتِلَافَ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ - وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إسحاق الاسفراينى قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ حُجَّةٌ مَقْطُوعٌ بِهَا وَهَلْ يُسَمَّى إجْمَاعًا فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ ينشر فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ فَعَلَى الْقَدِيمِ فِي تَخَصُّصِ الْعُمُومِ بِهِ وَجْهَانِ وَيُقَدَّمُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَيْهِ وَفِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَهُوَ الشَّبَهُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ إنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَلَا يُخَصُّ به العموم قطعا وفي ترجح أحد القياسين المتعارضين به وجهان (الثاني) أن هذا القول إذا لم يكن وحده حجة فَالْقِيَاسُ الَّذِي عَضَّدَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً أَيْضًا لَمْ تثبت الدلالة باجتماعها وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ كَافِيًا فِي الْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ الْحُجَّةَ فَالْحُجَّةُ فِيهِ لَا فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْقِيَاسَ الْقَوِيَّ يُقْتَضَى أَنْ لَا يَبْرَأَ مُطْلَقًا أَوْ يَبْرَأَ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ قِيَاسٌ صَحِيحٌ فَلَوْ انْفَرَدَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ لَقُلْنَا بِالْقِيَاسِ الْأَصَحِّ لَكِنْ لَمَّا جَاءَ قَضَاءُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوِيَ هُوَ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ عَلَى الْقِيَاسِ الْأَصَحِّ وَلَا يُمْنَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حجة أن لا يقوى به لاسيما عُثْمَانَ وَقَضَاؤُهُ فِي هَذَا (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ تَقْلِيدًا وَقَبُولُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْقَدِيمِ أَوْ

إذَا اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْتُمْ عَلَى الْجَدِيدِ حُجَّةٌ وقبول الحجة لاسيما تَقْلِيدًا لِقَبُولِ الْخَبَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْوَاجِبَ اتِّبَاعُهُ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِهِ وَهُوَ مَجْمُوعُ مَا حَصَلَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ مَعَ الْقِيَاسِ الْفَارِقِ وَالْمَوْصُوفِ بِالتَّقْلِيدِ هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحده واطلاقه التَّقْلِيدِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَحْدَهُ وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ قَالَهُ وهذان هما حد التقليد فاجتمع هذا تَقْلِيدٌ وَدَلِيلٌ وَالْمُمْتَنِعُ عِنْدَنَا هُوَ التَّقْلِيدُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ إنَّهُ مَا قُصِدَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ مَحْضَ التَّقْلِيدِ بَلْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَاسَ كَمَا قَالَ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ قَلَّدَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْقِيَاسِ (الرَّابِعُ) فِي قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ المشكلات التى استشكله إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَفِي الْأُمِّ مِنْ كَلَامِ الرابيع أَوْ مِنْ كَلَامِ الْبُوَيْطِيِّ اللَّهُ أَعْلَمُ * فِي اخْتِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (فَقُلْتُ) لِلشَّافِعِيِّ إنَّ لَنَا كتابا قد صرنا لى اتباعه وفيه ذكر ان الناس اجتمعوا فيه والامر المجتمع عندنا وَفِيهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أَوْضَحْنَا لَكَ مَا يَدُلُّكَ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَطَوَّلَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَحْثِ في ذلك ولا يراد نحو ثلاث أوراق ثُمَّ قَالَ وَمَا كَلَّمْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَطُّ فرأيته يعرف معناها وما ينبغى لكن أَنْ تَجْهَلُوا كَيْفَ مَوْضِعُ الْأَمْرِ عِنْدَنَا إنْ كَانَ يُوجَدُ فِيهِ مَا تَرَوْنَ (قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ بَيَانَ قَوْلِهِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ (فَقَالَ) اسماعيل بن أبى أوديس سَأَلْتُ خَالِي مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّإِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا يُفَسِّرُهُ لِي (فَقَالَ) أَمَّا قَوْلِي الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الامر الذى لا اختلاف فيه فهذا مالا اخْتِلَافَ فِيهِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا (وَأَمَّا) قَوْلِي الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَنْ أرضى من أهل وَأَقْتَدِي بِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْخِلَافِ (وَأَمَّا) قَوْلِي الْأَمْرُ عِنْدَنَا

وَمَا سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَرْتَضِيهِ وَأَقْتَدِي بِهِ وَمَا اخْتَرْتُهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ دُونَ لَفْظِهِ (قَالَ) وَتَنْزِيلُ مَالِكٍ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَرْتِيبُهَا مَعَ تَقَارُبِهَا فِي الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى تَجَوُّزِهِ فِي الْعِبَارَةِ وَأَنَّهُ يُطْلِقُ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ تَرْجِيحَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ الرُّتْبَةِ * * (التَّفْرِيعُ) * وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (إنْ قُلْنَا) الشَّرْطُ بَاطِلٌ فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهِ وَجْهَانِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ وَابْنِ دَاوُد وَالرَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي الْمَجْمُوعِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالتَّجْرِيدِ لَهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ إنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ صَحَّحَ الْبَيْعَ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ بِأَثَرِ عُثْمَانَ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ بُطْلَانِ الشَّرْطِ - وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ نَصٌّ مِنْهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ عِنْدَهُ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَأَنَّ ظُهُورَ الْعَيْبِ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وان كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ لَقَضَى فِيهِ بِهَذَا أَيْضًا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الَّذِي لَاحَظَهُ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * لَكِنْ يُشْكَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ عُثْمَانَ تَحْلِفُ أَنَّكَ مَا عَلِمْتَ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ صَاحِبِ هذا الوجه لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي هَذَا - الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي الْعَيْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِهَذَا أَنَّ أَثَرَ عُثْمَانَ صَحِيحٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ

بَعْدَهُ إمَّا فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ العلم وغيره كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِمَّا فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَيْبِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَذْهَبُ عُثْمَانَ ذَلِكَ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَنَا إشْكَالًا فِي التَّمَسُّكِ بِهِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْإِمَامُ تَمَسَّكَ لَهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَضْعِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْعَقْدِ النُّفُوذُ فَالشَّرْطُ يَتَضَمَّنُ تَأْكِيدَ اللُّزُومِ وَالظَّاهِرُ السَّلَامَةُ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا المعنى بأنه لو صح لوجب الحكم بحصة الشَّرْطِ مِنْ وَجِهَةٍ مُوَافَقَةٍ مَقْصُودَ الْعَقْدِ - وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بأن قضية الامتناع من التزام سبب يفضى إلى رفع العقد فكان موافقا موضوع العقد لكن يرد عليه فِي هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَكُونُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَنْقُولُ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يبطل العقد كسائر الشروط الفاسدة ولانه يخالف مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْمُصَنِّفُ وَسَيَأْتِي أَنَّ ابْنَ أَبِي عَصْرُونٍ اخْتَارَ هَذَا أَيْضًا وَمَالَ الْغَزَالِيُّ إلَيْهِ وَفِي الْمُجَرَّدِ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بشئ (وَإِنْ قُلْنَا) بِصِحَّةِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ الرَّدُّ بِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ نَقَلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى إلْحَاقِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ بِالْحَادِثِ قبلها في البراءة عنه وليس في كلام الغزالي الحاق ذلك إلا في صحة اشتراط البراءة عنه فلا يعتبر بِذَلِكَ - وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعُيُوبِ الْكَائِنَةِ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ فِي تَعْلِيقَةِ الْقَاضِي حسين

(احدهما) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْكَائِنَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَذْكُرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ غَيْرُهُ إنَّهُ فَاسِدٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ فَالْحُكْمُ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ عَلَى مَا سَبَقَ يَعْنِي فيصح العقد على المذهب فان أفرض مَا سَيَحْدُثُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ بِالْفَسَادِ أَوْلَى قَالَ الرافعى ومقتضى ذلك مجئ الْخِلَافِ فِيهِ بِالتَّرْتِيبِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْكَائِنَةِ وَاَلَّتِي سَتَحْدُثُ وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ فِي الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي) الْفَسَادُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ تَابِعًا أَوْ مَقْصُودًا وَهَذَا مَعْنَى الْأَوْلَوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَحَيْثُ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ هَلْ هُوَ حَادِثٌ أَوْ قَدِيمٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي اخْتِلَافِ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْحُدُوثَ وَادَّعَى المشترى التقدم فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ العلة أن الحدوث تعين والتقدم مشكل فِيهِ فَهَهُنَا لَا يَبْرَأُ مِنْهُ الْبَائِعُ وَيَكُونُ القول قول المشتري - ومن مَنْ قَالَ الْعِلَّةُ أَنَّ مَا أَوْجَبَ الْإِمْضَاءَ أَوْلَى فَالْقَوْلُ هُنَا قَوْلُ الْبَائِعِ وَيُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ - وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ وَكَتَمَهُ وَلَا عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَى الْأَصَحِّ - وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ نَفْسَ الْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ هَلْ الْمُرَادُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِخَفَائِهِ وَإِنْ عِلْمَهُ الْبَائِعُ أَوْ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ لِجَهْلِهِ ومقتضى كلام الرويانى نسبة لاول إلَى الْمُحَصِّلِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَنِسْبَةُ الثَّانِي إلَى حِكَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ وَأَنَّهُ غَلَطٌ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ هَذَا دَفْعًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْلُومِ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْجَامِعِ وَحَيْثُ حَكَى الْوَجْهَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ هَلْ يلحق ما مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ بِالْجَوَازِ قِيلَ نَعَمْ لِعُسْرِ

الْوُقُوفِ - وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والقاضى حسين وغيرهم لا وقال المحاملى انه لا خلاف فيه وكذلك الرُّويَانِيُّ قَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَجَمَاعَةٌ حَكَوْا الْخِلَافَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِتَبَدُّلِ حَالِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْعَيْبَ الَّذِي بِهِ قَدْ يَزُولُ بِنَفْسِهِ وَبِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْعَيْبِ الَّذِي فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهَذَا يمكن بادخال عود ونحوه وبان الحيوان يغتذى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ فَلَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ عَنْ عَيْبٍ بِخِلَافِ هَذَا فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد ان (قلنا) نظر فيه الْإِصْطَخْرِيِّ كَانَ فِيهِ قَوْلَانِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ قَوْلًا وَاحِدًا (قُلْتُ) وَهَذَا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ وَتَأْتِي فِيهِ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ * * (فَرْعٌ) * قَدْ اجْتَمَعَ فِي الشَّرْطِ مَعَ الْعَقْدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ يَصِحَّانِ وَيَفْسُدَانِ يَصِحُّ الْعَقْدُ ويفسد الشرط قال لامام وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ قَبْلَهُ وَهَذَا كَاخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي شرط نفى خيار المجلس والرؤيا إذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ وَفِيهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كَمَا وَصَفْنَاهَا وَخِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ خِيَارٌ شَرْعِيٌّ يتضمه مُطْلَقُ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ (قُلْتُ) لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا صِحَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ (وَأَمَّا) عَلَى مَا نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ فَلَا (قَالَ) الْقَاضِي حُسَيْنٌ فعل هَذَا التَّرْتِيبِ يَجْتَمِعُ فِي الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَرَابِعٌ وَهُوَ التَّفْصِيلُ * (تَنْبِيهٌ) * عَرَفْت بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي غير الحيون وَصِحَّتُهُ فِي الْحَيَوَانِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي الْبَرَاءَةِ فَإِنْ سَقَطَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَالشَّرْطُ وَالْبَيْعُ بَاطِلَانِ وَهَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِهِ الْبُطْلَانُ إذَا قُلْنَا بِفَسَادِ الشَّرْطِ (أَمَّا) عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الشَّرْطُ يَصِحُّ الْعَقْدُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِفَسَادِ الشَّرْطِ بِالْحَيَوَانِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ * * (فَرْعٌ) * لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ القديم والحادث في ضمانه قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَبْطُلُ الْبَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَبِعَهُ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُ مَنْعُ تَصَرُّفٍ فِي حَقٍّ ثَبَتَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَإِنَّهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مَنَعَ ثُبُوتَ الْحَقِّ

وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ مَا جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ أظهر ونما ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي شَرْطِ عَدَمِ الرَّدِّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ مَبِيعِ الْبَرَاءَةِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وأنكر المشترى (فان قلنا) البيع صحيح ومع شرط البراءة تحالفا على الصحيح وقبل الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ غَيْرَهُ وَقَالَ فيحلف أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَرْضَ (وَإِنْ قُلْنَا) فَاسِدٌ فَفِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي وَرَآهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَا أَثَرَ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ الاطلاع أن يقول له هذه الْعُيُوبُ وَأَبْرِئْنِي مِنْهَا (وَإِذَا قُلْنَا) بِالصَّحِيحِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي عَلِمْتُ هَذَا الْعَيْبَ وَكَتَمْتُهُ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَعْلَمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ بِعْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ عَيْبًا كَتَمْتُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُثْمَانَ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ * * (فَرْعٌ) * شُغِفَ بَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِأَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَعْلَمَ الْبَائِعُ المشتري أن بالمبيع جميع العيوب ورضي به وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُمْ عَنْ بُطْلَانِ البيع والشرط على؟ ض اقول في شرط البراءة وهذ جَهْلٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا يُفِيدُ (أَمَّا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلِأَنَّهُ كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي مَحَلٍّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَضَادٌّ (وَأَمَّا) أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يكتفى بِاَللَّهِ بِعْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ عَيْبًا كَتَمْتُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُثْمَانَ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ * * (فَرْعٌ) * شُغِفَ بَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِأَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُمْ عَنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ والشرط على؟ ض اقول في شرط البراءة وهذ جَهْلٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا يُفِيدُ (أَمَّا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فَلِأَنَّهُ كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي مَحَلٍّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَضَادٌّ (وَأَمَّا) أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يكتفى بِالتَّسْمِيَةِ فِيمَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ فَذِكْرُهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِ مَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهِ أَيْضًا فَهَذَا فِعْلٌ بَاطِلٌ وَشَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ قَصَدْتُ التَّحْذِيرَ عَنْهَا لِأَنَّ كَثِيرًا يُغَيِّرُهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيَصِحُّ على الآخر ويبرأ من العيب الباطن المجهول في الحيوان دون غيره *

* (فرع) * نحتم بِهِ الْبَابُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ الْفَسْخُ إلَّا بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ خِيَارُ الْمَجْلِسِ والشرط والعيب وخلف الْمَقْصُودِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّحَالُفِ وَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (قُلْتُ) وَالتَّصْرِيَةُ لَمَّا كَانَتْ مُلْحَقَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِالْخُلْفِ لَمْ تَكُنْ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ رُجُوعُ الْبَائِعِ عِنْدَ إفْلَاسِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بالعيب لكن مثل هذا النكاب يقتضى عد العيب والحلف شَيْئًا وَاحِدًا فَالْوَجْهُ جَعْلُ ذَلِكَ قِسْمًا آخَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا الِافْتِرَاقُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ قَبْلَ التقابس وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ وَبَقِيَ أَيْضًا تَعَذُّرُ إمْضَاءِ الْعَقْدِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ وَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ الْمُخَالِفَةِ لَهَا مُكَايَلَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهَا (وَأَمَّا) الْخِيَارُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِ الْإِجْبَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْعَيْبِ لِأَنَّهُ كَالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ مَسْأَلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ وَإِذَا بَاعَهُ عَصِيرًا أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْمُهَذَّبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وسنشرحها هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَوْنِ اللَّهِ وتيسيره *

تكملة محمد نجيب المطيعي

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب الجزء الثالث عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

باب بيع المرابحة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله: باب بيع المرابحة (من اشترى سلعة جاز له بيعها برأس المال وبأقل منه وبأكثر منه، لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " ويجوز أن يبيعها مرابحة، وهو أن يبين رأس المال وقدر الربح بأن يقول: ثمنها مائة، وقد بعتكها برأس مالها وربح درهم في كل عشرة، لما روى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كان لا يرى بأسا بده يازده وده دوازده (1) ولانه ثمن معلوم فجاز البيع به، كما لو قال: بعتك بمائة وعشرة ويجوز أن يبيعها مواضعة بأن يقول: رأس مالها مائة، وقد بعتك برأس ماله ووضع درهم (2) من كل عشرة لانه ثمن معلوم فجاز البيع به، كما لو قال: بعتك بمائة إلا عشره، ويجوز أن يبيع بعضه مرابحة، فان كان مما لا تختلف أجزاؤه كالطعام والعبد الواحد قسم الثمن على أجزائه وباع ما يريد بيعه منه بحصته، وإن كان مما يختلف كالثوبين والعبدين قومهما وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما ثم باع ما شاء منهما بحصته من الثمن، لان الثمن ينقسم على المبيعين على قدر قيمتهما، ولهذا لو اشترى سيفا وشقصا بألف قسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما، ثم أخذ الشفيع الشقص بما يخصه من الثمن على قدر قيمته.

_ (1) قوله " لا يرى بأسا بده يازده وده دوازده " ده عشرة بالفارسية، ويازده أحد عشر ودوازده اثنا عشر، أي لا يرى بأسا أن يبيع ما اشتراه بعشرة بأحد عشر أو بإثنى عشر (2) قوله " ووضع درهم " أي حط درهم. يقال وضع له في البيع من الثمن أي حط عنه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد فيقول محمد نجيب المطيعى عفا الله عنه بهذا القيل: (الشرح) الحديث أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة ابن الصامت بلفظ " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بيد " ورواه أبو داود بنحوه وفى آخره " وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يدا بيد كيف شئنا " وحديث عبد الله بن مسعود سبق تخريجه، وابن مسعود هو سادس من أسلم روى لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 84 حديثا اتفق الشيخان على 64 منها وانفرد البخاري ب 20 ومسلم ب 35 وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في سمته وهديه، ولى القضاء بالكوفة وبيت مالها في خلافة عمر وصدرا من خلافة عثمان أما أحكام الفصل فإن المرابحة بصورتها المعروفة جائزة بالاتفاق، ولكن كره ذلك ابن عباس وابن عمر، ولم يجوزها اسحاق بن راهويه، واتفقوا على أنه إذا اشترى بثمن مؤجل لم يجز بمطلق بل يجب البيان. وقال الاوزاعي: يلزم العقد إذا أطلق ويثبت الثمن في ذمته مؤجلا، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد يثبت للمشترى الخيار إذا لم يعلم بالتأجيل، ووجه هذه المسائل بواعث مختلفة بينهم بين مشدد ومخفف على البائع أو على المشترى بحسب مداركهم فالشافعى يجيز بيع السلعة برأس مالها أو أقل منه أو أكثر من البائع وغيره قبل نقد الثمن وبعده. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يجوز بيعها من بائعها بأقل من الثمن الذى ابتاعها به قبل نقد الثمن في المبيع الاول، ويجوز أن يبيع ما اشتراه مرابحة بالاتفاق، وهو أن يبين رأس المال وقدر الربح قال في مجمع الابحر " المرابحة بيع ما شراه بما شراه به وزيادة، والتولية بيعه بلا زيادة ولا نقص، والوضيعة بيعه بأنقص منه " قلت ويجوز أن يضيف إلى الثمن الاول نفقات الصناعة والطراز والنقل مع بيانها وإيضاحها لمن يبتاعها

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يخبر إلا بالثمن الذى لزم به البيع، فإن اشترى بثمن ثم حط البائع عنه بعضه، أو ألحق به زيادة، نظرت فإن كان بعد لزوم العقد لم يلحق ذلك بالعقد، ولم يحط في بيع المرابحة ما حط عنه، ولا يخبر بالزيادة فيما زاد، لان البيع استقر بالثمن الاول، فالحط والزيادة تبرع لا يقابله عوض فلم يتغير به الثمن، وإن كان ذلك في مدة الخيار لحق بالعقد وجعل الثمن ما تقرر بعد الحط والزيادة. وقال أبو على الطبري: إن قلنا إن المبيع ينتقل بنفس العقد لم يلحق به لان المبيع قد ملكه بالثمن الاول فلم يتغير بما بعده، والمذهب الاول لانه وإن كان قد انتقل المبيع إلا أن البيع لم يستقر، فجاز أن يتغير الثمن بما يلحق به. وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بدرهم ورفاه بدرهم وطرزه بدرهم، قال هو على بثلاثة عشر، أو قام على بثلاثة عشرة وما أشبه ذلك، ولا يقول اشتريت بثلاثة عشر، ولا يقول ثمنه ثلاثة عشر، لان ذلك كذب وإن قال رأس مالى ثلاثة عشر ففيه وجهان " أحدهما " لا يجوز أن يقول لان رأس المال هو الثمن، والثمن عشرة " والثانى " يجوز لان رأس المال ما وزن فيه، وقد وزن فيه ثلاثة عشر، وإن عمل فيه ذلك بيده قال: اشتريته بعشرة، وعملت فيه ما يساوى ثلاثة. ولا يقول هو على بثلاثة عشر، لان عمله لنفسه لا أجرة له. ولا يتقوم عليه وإن اشترى عينا بمائة ووجد بها عيبا وحدث عنده عيب آخر فرجع بالارش وهو عشرة دراهم. قال هي على بتسعين أو تقوم على بتسعين، ولا يجوز أن يقول الثمن مائة، لان الرجوع بالارش استرجاع جزء من الثمن، فخرج عن أن يكون الثمن مائة، ولا يقول اشتريتها بتسعين، لانه كذب، وإن كان المبيع عبدا فجنى ففداه بأرش الجناية لم يضف ما فداه به إلى الثمن، لان الفداء جعل لاستبقاء الملك فلم يضف إلى الثمن كعلف البهيمة، وإن جنى عليه فأخذ الارش ففيه وجهان: (أحدهما) انه لا يحط من الثمن قدر الارش، لانه كما لا يضيف ما فدى به

الجناية إلى الثمن لا يحط ما أخذ عن أرش الجناية عن الثمن (والثانى) أنه يحط لانه عوض عن جزء تناوله البيع فحط من الثمن كأرش العيب وإن حدثت من العين فوائد في ملكه كالولد واللبن والثمرة لم يحط ذلك من الثمن لان العقد لم يتناوله، وان أخذ ثمرة كانت موجودة عند العقد أو لبنا كان موجودا حال العقد حط من الثمن، لان العقد تناوله وقابله يقسط من الثمن، فأسقط ما قابله، وان أخذ ولدا كان موجودا حال العقد، فإن قلنا ان الحمل له حكم فهو كاللبن والثمرة، وان قلنا لا حكم له لم يحط من الثمن شيئا، وان ابتاع بثمن مؤجل لم يخبر بثمن مطلق، لان الاجل يأخذ جزءا من الثمن، فإن باعه مرابحة ولم يخبره بالاجل ثم علم المشترى بذلك ثبت له الخيار لانه دلس عليه بما يأخذ جزءا من الثمن. فثبت له الخيار، كما لو باعه شيئا وبه عيب ولم يعلمه بعيبه. وإن اشترى شيئا بعشرة وباعه بخمسة، ثم اشتراه بعشرة أخبر بعشرة ولا يضم ما خسر فيه إلى الثمن، فإن اشترى عشرة وباع بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة أخبر بعشرة، ولا يحط ما ربح من الثمن، لان الثمن ما ابتاع به في العقد الذى هو مالك به، وذلك عشرة، وإن اشترى بعشرة ثم واطأ غلامه فباع منه ثم اشتراه منه بعشرين ليخبر بما اشتراه من الغلام كره ما فعله، لانه لو صرح بذلك في العقد فسد العقد، فإذا قصده كره، فان أخبر بالعشرين في بيع المرابحة جاز لان بيعه من الغلام كبيعه من الأجنبي في الصحة فجاز أن يخبر بما اشترى به منه، فان علم بذلك المشترى لم يثبت له الخيار، لان شراءه بعشرين صحيح (الشرح) قوله " لان ذلك كذب " هذا جريا على قاعدة " تبايعا وقولوا لا خلابة " وحديث ابن مسعود " لا تحل الخلابة لمسلم " وعلى هذا يقول أبو حنيفة: لا يقول شريته بكذا، وانما يقول قام على بكذا. وقال في مجمع الابحر " ولا يضم نفقته ولا أجر الراعى أو الحارس أو بيت الحفظ فان ظهر للمشترى خيانة في المرابحة خير في أخذه بكل ثمنه، وعند أبى يوسف يحط من الثمن قدر الخيانة مع حصتها من الربح وعند محمد يخير. اه

وقد عنى شيخ الاسلام ابن تيمية في فتاواه الكبرى بهذا النوع من الخديعة فأبطل العقد وحمل على مجيزيه بالرأى والقياس وفى الترغيب في الصدق عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " رواه الدارمي وقال: لا علم لى به أن الحسن سمع من أبى سعيد. وقال أبو حمزة: هذا هو صاحب ابراهيم بن ميمون الاعور. ورواه الحاكم والترمذي وحسنه. وفى هذا الحديث بحث طويل سنعرض له في كنز العمال إن شاء الله تعالى قوله " ولا يضم ما خسر فيه إلى الثمن " كذا هو مقرر في المذهب أنه لا يرابح إلا على الثمن الاخير، وعند أبى حنيفة تمتنع المرابحة إذا شراه ثانية بأقل مما باعه أولا، وعند الصاحبين محمد وأبى يوسف موافقة المصنف من جواز المرابحة على الثمن الاخير. (فائدة) إذا اشترى مديون مأذون بعشرة وباعه من سيده بخمسة عشر أو بالعكس، فإنه يرابح على عشرة، لان العقد بينهما وإن كان صحيحا ولكن له شبهة العدم، لان العبد ملكه، وما في يده لا يخلو عن حقه، فصار كأنه اشتراه للمولى بعشرة فيعتبر هذا لا غير. وقولنا " مديون " فمن باب أولى أن يرابحه مع عدم الدين لوجود ملك المولى فيه بالاجماع، والمكاتب كالعبد المأذون له. أما المضارب بالنصف لو شرى بعشرة وباع من رب المال بخمسة عشر يرابح رب المال اثنى عشر ونصف، ويرابح بلا بيان لو اعورت المبيعة أو وطئت وهى ثيب، أو أصاب الثوب قرض فأرة أو حرق نار، فلا يجب عليه البيان عند أبى حنيفة. أي لا يجب أن يقول إنى شريتها سليمة بكذا فأعورت في يدى، أو أصاب الثوب قرض فأرة مثلا، لان جميع ما يقابله الثمن قائم، لان الفائت وصف فلا يقابله شئ من الثمن إذا فات بلا صنع أحد. هذا فيما يتعلق ببيان الثمن قبل العيب. أما العيب نفسه فيجب بيانه بالكتاب والسنة والاجماع لحديث العداء بن خالد الذى رواه الجماعة، كتب لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

" هذا ما باع مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لَا داء ولا خبثة ولا غائلة " فيجب بيان العيب بغير أن يبين أنه اشتراه سليما بكذا من الثمن ثم أصابه العيب، وهذا كله فيما إذا كان العيب يسيرا. أما إذا كان العيب كبيرا كبرا يتغابن الناس فيه فإنه لا يجوز بيعه مرابحة. أما إذا وطئت وهى بكر أو تكسر الثوب من طيه ونشره لزم البيان، وإن اشترى بنسيئة ورابح بلا بيان خير المشترى، فان أتلفه ثم علمه لزم كل ثمنه، وكذا التولية. وهو أن يقول: ولنى ما اشتريته بالثمن، فقال وليتك، صح إذا كان الثمن معلوما لهما فإن جهله أحدهما لم يصح (فائدة) لو اشترى ثوبين صفقة كلا بخمسة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة بخمسة بلا بيان، لانه لو كان واحدا جاز بيع نصفه مرابحة اتفاقا، ولو باع بالزائد على الخمسة لا يجوز. ولا يصح بيع المقول قبل قبضه، ويصح في العقار، خلافا لمحمد بن الحسن من أصحاب ابى حنيفة. ومن اشترى كيليا لا يجوز له بيعه ولا أكله حتى يكيله، ويكفى كيل البائع بعد العقد بحضرة المشترى لا في غيبته، ومثل ذلك الوزنى والعددي لا المذروع ولا المقيس بالامتار أو الياردة، فقد مر في كلام السبكى رحمه الله في عدم وجوب ذلك في الاثواب المنضدة المختومة لما يترتب على قياسها من تكسير وإتلاف ويتعلق الاستحقاق بكل ذلك فيرابح ويولى على كل ذلك إن زيد، وعلى ما بقى إن حط، قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قال رأس المال مائة وقد بعتكه برأس المال وربح درهم في كل عشرة أو بربح ده يازده، فالثمن مائة وعشرة، وان قال بعتك برأس المال ووضع ده يازده، فالثمن أحد وتسعون درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم لان معناه بعتك بمائة على أن أضع درهما من كل أحد عشر درهما، فسقط من تسعة وتسعين درهما تسعة دراهم، لانها تسع مرات أحد عشر ويبقى من رأس

المال درهم فيسقط منه جزء من أحد عشر جزءا، فيكون الباقي أحدا وتسعين درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم. وإن قال بعتك على وضع درهم من كل عشرة ففى الثمن وجهان " أحدهما " أن الثمن أحد وتسعون درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله " والثانى " أن الثمن تسعون درهما، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب الطبري، وهو الصحيح، لان المائة عشر مرات عشرة، فإذا وضع من كل عشرة درهما بقى تسعون (الشرح) هذه الصور التى عرض لها المصنف تناولنا حكمها في الفائدة السابق ذكرها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا أخبر أن رأس المال مائة وباع على ربح درهم في كل عشرة ثم قال: أخطأت أو قامت البينة أن الثمن كان تسعين فالبيع صحيح. وحكى القاضى أبو حامد وجها آخر أن البيع باطل، لانه بان أن الثمن كان تسعين وأن ربحها تسعة، وهذا كان مجهولا حال العقد، فكان العقد باطلا، والمذهب الاول، لان البيع عقد على ثمن معلوم، وانما سقط بعضه بالتدليس، وسقوط بعض الثمن لا يفسد البيع كسقوط بعض الثمن بالرجوع بأرش العيب. وأما الثمن الذى يأخذه به ففيه قولان: (أحدهما) أنه مائة وعشرة، لان المسمى في العقد مائة وعشرة، فإذا بان تدليس من جهة البائع لم يسقط من الثمن شئ، كما لو باعه شيئا بثمن فوجد به عيبا. (والثانى) أن الثمن تسعة وتسعون، وهو الصحيح، لانه نقل ملك يعتبر فيه الثمن الاول، فإذا أخبر بزيادة وجب حط الزيادة كالشفعة والتولية، ويخالف العيب، فإن هناك الثمن هو المسمى في العقد، وههنا الثمن هو رأس المال وقدر الربح، وقد بان أن رأس المال تسعون والربح تسعة

فإن قلنا ان الثمن مائة وعشرة فهو بالخيار بين أن يمسك المبيع بالثمن وبين أن يفسخ، لانه دخل على أن يأخذ المبيع برأس المال. وهذا أكثر من رأس فثبت له الخيار. وان قلنا ان الثمن تسعة وتسعون فهل يثبت له الخيار؟ اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال فيه قولان (أحدهما) أن له الخيار، لانه ان كان قد أخطأ في الخبر الاول لم يأمن أن يكون قد أخطأ في الثاني، وأن الثمن غيره، وان كان قد خان في الاول فلا يأمن أن يكون قد خان في الثاني، فثبت له الخيار (والقول الثاني) وهو الصحيح أنه لا خيار له، لان الخيار انما يثبت لنقص وضرر، وهذا زيادة ونفع، لانه دخل على أن الثمن مائه وعشرة وقد رجع إلى تسعة وتسعين، فلا وجه للخيار. ومنهم من قال: ان ثبتت الخيانة بإقرار البائع لزم المشترى تسعة وتسعون ولا خيار له، وان ثبتت بالبينة فهل له الخيار أم لا؟ فيه قولان، لانه إذا ثبتت بالاقرار دل على أمانته، فلم يتهم في خيانة أخرى. وإذا ثبتت بالبينة كان متهما في خيانة أخرى فثبت له الخيار. قال أصحابنا: القولان إذا كانت العين باقية، فأما إذا تلفت العين فانه يلزم البيع بتسعة وتسعين قولا واحدا، لانا لو جوزنا له فسخ البيع مع تلف العين رفعنا الضرر عنه وألحقناه بالبائع، والضرر لا يزول بالضرر، ولهذا لو هلك المبيع عنده ثم علم به عيبا لم يملك الفسخ، فإن قلنا لا خيار له، أو قلنا له الخيار فاختار البيع فهل يثبت للبائع الخيار؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت له الخيار، لانه لم يرض الا الثمن المسمى وهو مائة وعشرة، ولم يسلم ذلك (والثانى) لا خيار له لانه رضى برأس المال وربحه وقد حصل له ذلك (الشرح) قوله " فالبيع صحيح " هذا قول عند الاصحاب أو وجه، وعند الحنابلة كراهة بعض ما مر جوازه عند الشافعية وأصحاب أبى حنيفة. قال ابن قدامة في المغنى: وان قال بعتك برأس مالى فيه، وهو مائة، وأربح في كل عشرة درهما. أو قال: ده يازده أو ده داوزده فقد كرهه أحمد، وقد رويت كراهته

عن ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار. وقال إسحاق: لا يجوز لان الثمن مجهول حال العقد فلم يجز، كما لو باعه بما يخرج به في الحساب. قال ورخص فيه سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأى وابن المنذر، ولان رأس المال معلوم فأشبه ما لو قال وربح عشرة دراهم. ووجه الكراهة أن ابن عمر وابن عباس كرهاه ولم نعلم لهما في الصحابة مخالفا، ولان فيه نوعا من الجهالة، والتحرز عنها أولى. وهذه كراهة تنزيه والعقد صحيح، والجهالة يمكن إزالتها بالحساب: كما لو باعه صبرة كل قفيز بدرهم. وأما ما يخرج به في الحساب فمجهول في الجملة والتفصيل إذا ثبت هذا فنقول: متى باع شيئا برأس ماله وربح عشرة ثم علم بتنبيه أو إقرار أن رأس ماله تسعون فالبيع صحيح، لانه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحه العقد كالعيب وللمشترى الرجوع على البائع بما زاد في رأس المال وهو عشرة وحطها من الربح وهو درهم فيبقى على المشترى بتسعة وتسعين درهما، وبهذا قال الشافعي في الجديد، وبه قال الثوري وابن أبى ليلى وقال أبو حنيفة: هو مخير بين الاخذ بكل الثمن أو يترك قياسا على المعيب وحكى الشافعي في أحد قوليه أنه إذا باعه برأس ماله وما قدره من الربح، فإذا بان رأس ماله قدرا كان مبيعا به، وبالزيادة التى اتفقا عليها، والمعيب كذلك عند الحنابلة فإن له أخذ الارش، ثم المعيب لم يرض به إلا بالثمن المذكور، وههنا رضى فيه برأس المال والربح المقرر. وهل للمشترى خيار؟ فعند الشافعي في أحد قوليه نعم لان المشترى لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا، ولانه ربما كان له غرض في الشراء بذلك الثمن بعينه لكونه حالفا أو وكيلا أو غير ذلك. والمنصوص عن أحمد أن المشترى مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح، وبين تركه قولا واحدا. نقله حنبل قال في المغنى: وظاهر كلام الخرقى أنه لا خيار له (قلت) وهو مخالف للامام كما قاله حنبل والقول الآخر عند الشافعية لا، لانه رضيه بمائة وعشرة فإذا حصل له بتسعة

وتسعين فقد زاده خيرا، فلم يكن له خيار، كما لو اشتراه على أنه معيب فبان صحيحا، أو أمي فبان صانعا، أو كاتبا، أو وكل في شراء معين بمائة فاشتراه بتسعين. وأما البائع فلا خيار له، لانه باعه برأس ماله وحصته من الربح وقد حصل له ذلك. وإذا اشترى سلعة وأراد بيعها فحط له بائعها من ثمنها بعد لزوم العقد أخبر بثمنها قبل أن يحط البائع منها. قال الشافعية وأصحاب أحمد وأبى حنيفة: له أن يخبر بالثمن الاول لا غير، ولان ذلك هبة من أحدهما للآخر لا يكون عوضا وقال أبو حنيفة: يلحق بالعقد ويخبر به في المرابحة أما إذا كان هذا الحط في مدة الخيار وقبل لزوم العقد وجب الاخبار به في المرابحة باتفاق. وفى تغيير السلعة بنقص، كأن تتغير بتلف بعضها أو بولادة أو عيب أو أخذ البائع بعضها كالصوف واللبن الموجود ونحو ذلك فإنه يخبر بالحال على وجهه، وإن أخذ أرش العيب أو الجناية أخبر بذلك على وجهه. وقال أبو الخطاب من الحنابلة يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي، لان أرش العيب عوض ما فات به، فكان ثمن الموجود هو ما بقى، وفى أرش الجناية وأرش العيب، قال الشافعي يحطهما من الثمن ويقول تقوم على بكذا، لانه صادق فيما أخبر به، فأشبه ما لو أخبر بالحال على وجهه فأما ان جنى المبيع ففداه المشترى لم يلحق ذلك بالثمن ولم يخبر به في المرابحة لان هذا الارش لم يزد به المبيع قيمة، فأشبه الدواء المزيل لمرضه الحادث عند المشترى، وانما هو مزيل لنقصه بالجناية، والعيب الحاصل بتعلقها برقبته فأشبه الدواء كما قلنا. وأما ال؟ ؟ ير بالزيادة فكالزيادة في نمائها وسمنها أو تعلم صنعة أو ولادة أو ثمرة مجتناة، أو كسب عمل يدوى، فهذا إن أراد أن يبيعها مرابحة أخبر بالثمن من غير زيادة لانه القدر الذى اشتراها به. وان أخذ النماء المنفصل كالولد أو الثمرة المجتناة أو استخدم الامة أو وطئ الثيب أخبر برأس المال ولم يلزمه تبيين الحال لان ذلك بمثابة الخدمة. وروى

ابن المنذر عن احمد أنه يلزمه تبيين ذلك كله. وهو قول اسحاق. وقال أصحاب الرأى في الغلة يأخذها: لا بأس أن يبيع مرابحة، وفى الولد والثمرة لا يبيع مرابحة حتى يبين ولانه موجب العقد. وعند ابن قدامة من الحنابلة أنه إن كان صادقا من غير تغرير جاز، كما لو لم يزد، ولان الولد والثمرة نماء منفصل فلم يمنع من بيع المرابحة بدون ذكره كالغلة. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أخبر أن الثمن مائة وربحه عشرة، ثم قال أخطأت والثمن مائة وعشرة لم يقبل قوله، لانه رجوع عن إقرار متعلق به حق آدمى فلم يقبل، كما لو أقر له بدين. وإن قال: لى بينة على ذلك لم تسمع، لانه كذب بالاقرار السابق بينته فلم تقبل. فإن قال أحلفوا لى المشترى أنه لا يعلم أن الثمن مائة وعشرة، ففيه طريقان (أحدهما) أنه إن قال ابتعته بنفسى لم يحلف المشترى لان إقراره يكذبه، وإن قال ابتاعه وكيل لى فظننت أنه ابتاع بمائة وقد بان لى أنه ابتاع بمائة وعشرة حلف لانه الآن لا يكذبه إقراره. (والثانى) أنه يبنى على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه، فإن قلنا إنه كالبينة لم يعرض اليمين، لانه إذا نكل حصلنا على بينه، والبينة لا تسمع. وإن قلنا: انه كالاقرار عرضنا اليمين، لانه إذا نكل حصلنا على الاقرار، وإقراره مقبول (الشرح) ثم انتقل المصنف رحمه الله إلى التغير بالزيادة: ومن التغير بالزيادة أن يعمل فيها عملا، كأن يقصرها تجميلا لها أو يرفوها أو يحيكها، فهذه متى أراد أن يبيعها مرابحة أخبر بالحال على وجهه. وإن اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما مرابحة، أو اشترى اثنان شيئا فتقاسماه وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة بالثمن الذى أداه فيه،

باب النجش والبيع على بيع أخيه، وبيع الحاضر للبادى، وتلقى الركبان والتسعير، والاحتكار

فذلك قسمان (أحدهما) أن يكون المبيع من المتقومات التى لا ينقسم الثمن عليها بالاجزاء، كالثياب والحيوان والشجرة المثمرة وأشباه هذا، فهذا لا يجوز بيع بعضه مرابحة حتى يخبر بالحال على وجهه. هكذا نص عليه أحمد فقال: كل بيع اشتراه جماعة ثم اقتسموه، لا يبيع احدهم مرابحة إلا أن يقول: اشتريناه جماعة ثم اقتسمناه. وهذا مذهب الثوري وإسحاق وأصحاب الرأى قال الشافعي: يجوز بيعه بحصته من الثمن، لان الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته، بدليل ما لو كان المبيع شقصا وسيفا أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن. ولو اشترى شيئين فوجد أحدهما معيبا رده بحصته من الثمن. وذكر ابن أبى موسى فيما اشتراه اثنان فتقاسماه رواية أخرى عن أحمد أنه يجوز بيعه مرابحة بما اشتراه لان ذلك ثمنه فهو صادق فيما أخبر به قال ابن قدامة: ولنا أن قسمة الثمن على المبيع طريقه الظن والتخمين، وأحتمال الخطأ فيه كثير وبيع المرابحة أمانة فلم يجز هذا فيه، فصار هذا كالخرص الحاصل بالظن لا يجوز أن يباع به ما يجب التماثل فيه، وانما أخذ الشفيع بالقيمة للحاجة الداعية إليه. وكونه لا طريق له سوى التقويم، ولانه لو لم يأخذ بالشفعة لاتخذه الناس طريقا لاسقاطها فيؤدى إلى تفويتها بالكلية، وههنا له طريق وهو الاخبار بالحال على وجهه أو بيعه مساومة. هكذا ملخصا من السبكى وابن الرفعة وشارح المنهاج من الشافعية وابن قدامة وابن عساكر والخرقى من الحنابلة ومجمع الابحر ومراقي الفلاح من الحنفية، والبغية والكفاية والشرحين الكبير والصغير من المالكية، ونيل الاوطار وفتح الباري وشرح القسطلانى على البخاري والفتاوى الكبرى لابن تيمية والمحلى لابن حزم من كتب المحدثين قال المصنف رحمه الله: (باب النجش والبيع على بيع أخيه، وبيع الحاضر للبادى، وتلقى الركبان والتسعير، والاحتكار) ويحرم النجش، وهو أن يزيد في الثمن ليغر غيره، والدليل عليه ما روى

ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن النجش، ولانه خديعة ومكر، فإن اغتر الرجل بمن ينجش فابتاع فالبيع صحيح، لان النهى لا يعود إلى البيع فلم يمنع صحته، كالبيع في حال النداء، فإن علم المبتاع بذلك نظرت فإن لم يكن للبائع فيه صنع لم يكن للمبتاع الخيار لانه ليس من جهة البائع تدليس. وإن كان النجش بمواطأة من البائع ففيه قولان. (أحدهما) أن له الخيار بين الامساك والرد، لانه دلس عليه فثبت له الرد، كما لو دلس عليه بعيب (والثانى) لا خيار له، لان المشترى فرط في ترك التأمل وترك التفويض إلى من يعرف ثمن المتاع الشرح: - هذا الباب يشتمل على الانواع الآتية: (النجش) وهو في اللغة بفتح النون وسكون الجيم بعدها شين معجمة، وهو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد. يقال: نجشت الصيد أنجشه - من باب نصر - وفى الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الاثم، ويقع ذلك بغير علم المشترى، فيستفيد الناجش، وقد يختص به البائع، كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر بذلك غيره. قال الشافعي: النجش أن يحضر السلعة بتاع فيعطى بها الشئ وهو لا يريد شراءها ليقتدى به السوام، فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه. وقال ابن قتيبة " النجش الختل والخديعة " ومنه قيل للصائد ناجش، لانه يختل الصيد (1)

_ (1) في حاشية الاصل " الناجش الذى يحوش الصيد. والنجش أن تزيد في البيع ليقع غيرك وليس من حاجتك، وفى الحديث لا تناجشوا

قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله، واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك، وهو قول أهل الظاهر، ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو قول الحنفية، وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم، وقد فسره ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك لبعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم أن يبيع على بيع أخيه، وهو أن يجئ إلى من اشترى شيئا في مدة الخيار فيقول: افسخ فإنى أبيعك أجود منه بهذا الثمن، أو أبيعك مثله بدون هذا الثمن، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولان في هذا إفسادا وإنجاشا فلم يحل، فإن قبل منه وفسخ البيع واشترى منه صح البيع، لما ذكرناه في النجش. (الشرح) أما حديث ابن عمر فقد رواه البخاري ومسلم. وأما حديث أبى هريرة فهو متفق عليه، وللنسائي: من طريق ابن عمر " لا يبع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر ". وفى رواية أحمد عن ابن عمر " لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له " وقد تتابعت أحاديث النهى عن أبى هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يبع، الاكثر بإثبات الياء على أن لا نافية، ويحتمل أن يكون استثناء من الحكمين، ويحتمل أن يختص بالاخير، والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الاصول. ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية البخاري التى ذكرناها

(قوله) " لا يخطب الرجل إلخ " وسيأتى الكلام على الخطبة في المناكحات إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى: (فصل) ويحرم أن يدخل على سوم أخيه، وهو أن يجئ إلى رجل أنعم لغيره في بيع سلعة بثمن فيزيده ليبيع منه، أو يجئ إلى المشترى فيعرض عليه مثل السلعة بدون ثمنها أو أجود منها بذلك الثمن، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسم على سوم أخيه، ولان في ذلك إفسادا أيضا وإنجاشا فلم يحل، فأما إذا جاء إليه فطلب منه متاعا فلم ينعم له، جاز لغيره أن يطلبه، لانه لم يدخل على سومه وإن طلبه منه فسكت ولم يظهر منه رد ولا إجابة ففيه قولان. أحدهما: يحرم والثانى: لا يحرم، كالقولين في الخطبة على خطبة أخيه، وأما إذا عرضت السلعة في النداء جاز لمن شاء أن يطلبها ويزيد في ثمنها، لما روى أنس رضى الله عنه عن رجل من الانصار أنه أصابه جهد شديد هو وأهل بيته، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ دلك له فقال. ما عندي شئ، اذهب فأتني بما كان عندك، فذهب فجاء بحلس وقدح، فقال يا رسول الله هذا الحلس والقدح، فقال من يشترى هذا الحلس والقدح، فقال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال من يزيد على درهم، فسكت القوم. قال من يزيد على درهم، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين، قال: هما لك، ثم قال ان المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذى دم موجع، أو فقر مدقع، أو غرم مفظع، ولان في النداء لا يقصد رجلا بعينه، فلا يؤدى إلى النجش والافساد. (الشرح) قوله " ولا يسوم " صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لابيعك خير منه بثمنه، أو يقول للمالك. استرده لاشتريه منك بأكثر، وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن، وركون أحدهما إلى الآخر. فان كان ذلك

تصريحا فقد قال في فتح الباري: لا خلاف في التحريم، وان كان ظاهرا ففيه وجهان في المذهب. وقال ابن حزم: إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الركون، وتعقب بأنه لابد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لان السوم في السلعه التى تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البر فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك، وأما صورة البيع على البيع، والشراء على الشراء فهو ان يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لابيعك بأنقص، أو يقول للبائع افسخ لاشتري منك بأزيد. قال في فتح الباري: وهذا مجمع عليه. وقد اشترط بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشترى مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على البيع، والسوم على السوم لحديث: الدين النصيحة. وأجيب عن ذلك بأن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لانه يمكن أن يعرفه ان قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح. قال الشوكاني: وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الاحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبنى العام على الخاص. واخلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مع الاثم وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم في المحلى وابن تيمية في فتاواه الكبرى. والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الاصول من أن النهى المقتضى للفساد هو النهى عن الشئ لذاته، ولو صف ملازم لا لخارج. وأما حديث أنس فقد رواه احمد والترمذي وحسنه وقال لا نعرفه إلا من حديث الاخضر بن عجلان عن أبى بكر الحنفي عنه، وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي، وأعله ابن القطان بجهل حال أبى بكر الحنفي، ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه، ولفظ الحديث عند أبى داود وأحمد " أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح وحلس لبعض أصحابه، فقال رجل هما على بدرهم، ثم قال آخرهما على بدرهمين " وفيه " إن المسأله لا تحل إلا لاحد ثلاثة ".

والحلس بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير قاله الجوهرى، والحلس البساط أيضا ومنه حديث كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية " كذا في النهاية لابن الاثير قوله " فيمن يزيد " فيه دليل على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التى فعلها النبي صلى الله عليه وسلم. وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد، ووصله ابن أبى شيبة عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس ببيع من يزيد، وكذلك كانت تباع الاخماس. وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث. قال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك. قال الامام الشوكاني: ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التى زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذى باع عنه صلى الله عليه وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا، إما لذلك، وإما لالحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لانهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة، وممن قال باختصاص الجواز بهما الاوزاعي وإسحاق. ثم قال الشوكاني رحمه الله تعالى: وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة، واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مدبر " مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الله بثمانمائة درهم " واعترضه الاسماعيلي فقال ليس في قصة المدبر بيع المزايدة، فإن بيع المزايدة أن يعطى به واحد ثمنا ثم يعطى به غيره زيادة عليه، نعم يمكن الاستدلال له بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن بيع المزايدة لكن في اسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم أن يبيع حاضر لباد، وهو أن يقدم رجل ومعه متاع يريد بيعه ويحتاج الناس إليه في البلد، فإذا باع اتسع، وإذا لم يبع ضاق، فيجئ إليه سمسار فيقول " لا تبع حتى أبيع لك قليلا قليلا، وأزيد في ثمنها " لما روى ابن طاوس عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يبع حاضر لباد " قلت ما لا يبع حاضر لباد؟ قال " لا يكون سمسارا " وروى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " فإن خالف وباع له صح البيع، لما ذكرناه في النحش، فإن كان البلد كبيرا لا يضيق على أهله بترك البيع ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز للخبر (والثانى) يجوز لان المنع لخوف الاضرار بالناس، ولا ضرر ههنا. (الشرح) حديث ابن طاوس عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم الخ. أخرجه الجماعة إلا الترمذي. وقوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادى ساكن البادية. قال في القاموس: الحاضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية، والحضارة الاقامة في الحضر، وتبدى أقام في البادية، والنسبة بداوى وبدوي، وبدا القوم خرجوا إلى البادية وأما حديث جابر فقد رواه الجماعة الا البخاري، وفى مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن عكيم بالعين المهملة ابن أبى يزيد عن أبيه حدثنى أبى قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقى من حديث جابر مثله قال الشافعي في الام بعد سوق الحديثين، حديث ابن عمر وحديث جابر " وليس في النهى عن بيع حاضر لباد بيان معنى " والله أعلم لم نهى عنه، الا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالاسواق، ولحاجة الناس إلى ما قدموا به. ومستثقلي المقام فيكون أدنى إلى ما يبيع الناس من سلعهم، ولا بالاسواق فيرخصوها لهم، فنهوا - والله أعلم - لئلا يكون سببا لقطع ما يرجى من رزق المشترى من أهل

البادية لما وصفت من إرخاصه منهم. فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث، والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه، لان البيع لو كان مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى إلا الضرر على البادى من أن يحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلى هو أو باد مثله بيعها، فيكون كسدا لها، وأحرى أن يرزق مشتريه منه بإرخاصه إياها بإكسادها بالامر الاول من رد البيع وغرة البادى الآخر، فلم يكن ههنا معنى يمنع أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه - والله أعلم - إلا ما قلت من ان بيع الحاضر للبادى جائز غير مردود، والحاضر منهى عنه. اه والشوكانى يرى أن أحاديث الفصل تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادى من غير فرق بين أن يكون البادى قريبا له أو أجنبيا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة. وقالت الحنفية: انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر. وقالت الشافعية ووافقهم الحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجئ البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول: ضعه عندي لابيعه لك على التدريح بأغلى من هذا السعر. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري " فجعلوا الحكم منوطا بالبادى ومن شاركه في معناه قالوا وانما ذكر البادى في الحديث لكونه الغالب فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين، وجعلت المالكية البداوة قيدا. وعن مالك لا يلتحق بالبدوى في ذلك الا من كان يشبهه، فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والاسواق فليسوا داخلين في ذلك. وحكى ابن المنذر عن الجمهور أن النهى للتحريم إذا كان البائع عالما، والمبتاع مما تعم الحاجة إليه، ولم يعرضه البدوى على الحضرى، ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الامور من التخصيص بمجرد الاستنباط. وقد ذكر ابن دقيق العبد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا على أن الشوكاني رحمه الله من مجتهدي الهادوية يتردد في قبول هذه القاعدة

التى أخذ بها الجمهور فيقول: فاتباع اللفظ أولى ولكنه - أي الاستنباط - لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا، ثم يقول: فالبقاء على ظواهر النصوص الاولى فيكون بيع الحاضر للبادى محرما على العموم، وسواء كان بأجرة أم لا. وروى عن البخاري أنه حمل النهى على البيع بأجرة لا بغير أجرة، فإنه من باب النصيحة. وروى عن عطاء ومجاهد وأبى حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادى مطلقا، وتمسكوا بأحاديث النصيحة. وروى مثل ذلك عن الهادى وقالوا: إن أحاديث الباب منسوخة. واستظهروا على الجواز بالقياس عن توكيل البادى للحاضر فإنه جائز، وردد الشوكاني رفضه لهذا الجواز بقوله ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث ثم قال: فإن قيل إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه، لان بيع الحاضر للبادى قد يكون على غير وجه النصيحة، فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين، فيقال المراد بيع الحاضر للبادى - الذى جعلناه أخص مطلقا - هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذى بينه الشارع للامة، وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي، كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا، فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين، لان ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها انما تصح عند العلم بتأخر الناسخ، ولم ينقل ذلك، ويرفض الشوكاني القياس لانه فاسد الاعتبار لمصادمته النص، ثم يجعل حكم البيع حكم الشراء مستندا إلى ما أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد، أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال نعم، قال محمد " صدق " انها كلمة جامعة على أن الشافعي رضى الله عنه في تصحيحه للبيع مع الاثم يستدل بالحديث نفسه ولا يستدل بقياس أو قرينة فيقول، فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث، والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه. لان البيع لو كان يكون

مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى الا الضرر على البادى من أن يحبس سلعته إلى آخر ما أورد في الام، وسبق نقله قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم تلقى الركبان، وهو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم من المتاع ليغبنهم، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تتلقى السلع حتى يهبط بها الاسواق، ولان هذا تدليس وغرر فلم يحل، فإن خالف واشترى صح البيع لما ذكرناه في النجش، فإن دخلوا البلد فبان لهم الغبن كان لهم الخيار لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا تلقوا الجلب، فمن تلقاها واشترى منهم فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق " ولانه غرهم ودلس عليهم فثبت لهم الخيار كما لو دلس عليهم بعيب. وان بان لهم أنه لم يغبنهم ففيه وجهان " أحدهما " أن لهم الخيار للخبر " والثانى " لا خيار لهم لانه ما غر ولا دلس، وان خرج إلى خارج البلد لحاجة غير التلقى فرأى القافلة فهل يجوز أن يبتاع منهم؟ فيه وجهان " أحدهما " يجوز، لانه لم يقصد التلقى " والثانى " لا يجوز، لان المنع من التلقى للبيع، وهذا المعنى موجود وان لم يقصد التلقى فلم يجز (الشرح) أما فصل تحريم تلقى الركبان فان حديث ابن عمر رواه الشيخان وروياه أيضا من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تلقى البيوع " ورواه الجماعة الا الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتلقى الجلب، فان تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق " وقد ذكره الشافعي في الام بسنده. أما لغات الفصل فقوله " بكساد " من باب قتل كسادا لم ينفق لقلة الرغبات، فهو كاسد وكسيد، ويتعدى بالهمزة فيقال أكسده الله، وكسدت السوق فهى كاسد بغير هاء في الصحاح، وبالهاء في التهذيب، ويقال أصل الكساد الفساد.

قوله " الجلب " بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول المجلوب، يقال جلب الشئ جاء به من بلد إلى بلد للتجارة. قوله " الركبان " جمع راكب، والمراد قافلة التجارة التى تجلب الارزاق والبضائع. وذكر الركبان خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكونون عددا ركبانا، ولا مفهوم له، بل لو كان الجالب عددا مشاة أو واحدا، راكبا أو ماشيا لم يختلف الحكم. أما الاحكام ففى هذه الاحاديث دليل على أن التلقى محرم، وقد اختلف في هذا النهى هل يقتضى الفساد أم لا؟ فقيل يقتضى الفساد وقيل لا، وهو الظاهر وقد عقب الشيخ مجد الدين أبو البركات ابن تيمية (الجد) في كتابه المنتقى على حديث أبى هريرة بقوله: وفيه دليل على صحة البيع قال الشوكاني رحمه الله تعالى: لان النهى ههنا لامر خارج، وهو لا يقتضيه كما تقرر في الاصول، وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة، وقال بعضهم بعدم الفساد لما سلف. قال الشافعي في الام: وقد سمعت في هذا الحديث - يعنى حديث أبى هريرة بعد أن ساقه أخبرنا مالك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لا تلقوا السلع - فمن تلقى فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق، وبهذا نأخذ إن كان ثابتا. ففى هذا دليل على أن الرجل إذا تلقى السلعة فاشتراها فالبيع جائز، غير أن لصاحب السلعة بعد أن يقدم السوق الخيار لان تلقيها حين يشترى من البدوى قبل أن يصير إلى موضع المساومين من الغرر له يوجد النقص من الثمن، فإذا قدم صاحب السلعة فهو بالخيار بين انفاذ البيع ورده ولا خيار للمتلقى لانه هو الغار لا المغرور. اه قال العلامة ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية " ومن المنكرات تلقى السلع قبل أن تجئ إلى السوق، فان النبي صلى عليه وسلم نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع، فانه لا يعرف السعر فيشترى منه المشترى بدون القيمة، ولذلك أثبت لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ إذا دخل السوق، ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن. وأما ثبوته بلا غبن ففيه عن أحمد روايتان

(إحداهما) يثبت وهو قول الشافعي لظاهر الحديث (والثانية) لا يثبت لعدم الغبن، ولذلك ثبت الخيار للمشترى المسترسل إذا غبن، وفى الحديث " غبن المسترسل ربا " وفى تفسيره قولان (أحدهما) أنه الذى لا يعرف قيمة السلعة (والثانى) وهو المنصوص عن أحمد أنه الذى لا يماكس، بل يسترسل إلى البائع ويقول: أعطني هذا. وليس لاهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر ويبيعوا المسترسل بغيره. وهذا مما يجب على والى الحسبة إنكاره، وهذا بمنزلة تلقى السلع، فان القادم جاهل بالسعر. ثم قال ابن القيم: ومن هذا تلقى سوقة الحجيج الجلب من الطريق، وسبقهم إلى المنازل يشترون الطعام والعلف ثم يبيعونه كما يريدون فيمنعهم والى الحسبة من التقدم لذلك حتى يقدم الركب، لما في ذلك من مصلحة الركب ومصلحة الجالب، ومتى اشتروا شيئا من ذلك منعهم من بيعه بالغبن الفاحش ومن ذلك نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنْ يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " قيل لابن عباس: ما معنى قوله " لا يبيع حاضر لباد؟ " قال " لا يكون له سمسارا ". وهذا النهى لما فيه من ضرر المشترى فان المقيم إذا وكله القادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها، والقادم لا يعرف السعر أضر ذلك بالمشترى كما أن النهى عن تلقى الجلب لما فيه من الاضرار بالبائعين، اه (قلت) وقد ذهب إلى الاخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا: لا يجوز تلقى الركبان، واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط. وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة أنه أجاز التلقى وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن الذى في كتب الحنفية أنه يكره التلقى في حالتين (الاولى) أن يضر بأهل البلد (والثانية) أن يلبس السعر على الواردين. والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب، وحكم الماشي حكم الراكب من غير فرق. دليلنا حديث أبى هريرة المذكور فان فيه النهى عن تلقى الجلب من غير فرق. وكذلك حديث ابن مسعود المذكور، فان فيه النهى عن تلقى البيوع. وقد أوضحنا في الخيار قول ابن القيم، ونزيدك إيضاحا بما قاله الشوكاني. قال:

اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن، ذهبت الحنابلة إلى الاول وهو الاصح عند الشافعية هو الظاهر، وظاهره أن النهى لاجل صنعة البائع، وإزالة الضرر عنه، وصيانته ممن يخدعه. قال ابن المنذر: وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة، وإلى ذلك جنح الكوفيون والاوزاعي، قال: والحديث حجة للشافعي لانه أثبت الخيار للبائع لا لاهل السوق اه. وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهى عن تلقى السلع حتى تهبط الاسواق، وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لانه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع، لانها إذا هبطت الاسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال: العلة في النهى مراعاة نفع البائع، ونفع أهل السوق. واعلم أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم، كما لا يجوز للشراء منهم لان العلة التى هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك، ويدل على ذلك ما رواه البخاري بلفظ " لا يبع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم، وظاهر النهى المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقى الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس، وشرط بعض الشافعية في النهى أن يكون المتلقى الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس، وشرط بعض الشافعية في النهى أن يكون المتلقى هو الطالب، وبعضهم اشترط أن يكون المتلقى قاصدا لذلك، فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى، فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهى ومن نظر إلى المعنى لم يفرق، وهو الاصح عهد الشافعي، وشرط امام الحرمين في النهى أن يكذب المتلقى في سعر البلد ويشترى منهم بأقل من ثمن المثل. وشرط المتولي من الاصحاب (1) أن يخبرهم بكثرة المئونة عليهم في الدخول، وشرط المصنف رحمه الله تعالى أن يخبرهم بكساد ما معهم. قال الشوكاني: والكل من هذه الشروط لا دليل عليه، والظاهر من النهى أيضا أنه يتناول المسألة القصيرة والطويلة، وهو ظاهر إطلاق الاصحاب.

_ (1) إذا قلت: الاصحاب أو اصحابنا في عزو الاقوال قصدت الائمة من فقهاء المذهب.

وقال بعض المالكية: ميل، وقال بعضهم أيضا: فرسخان، وقال بعضهم يومان، وقال بعضهم: مسافة قصر، وبه قال الثوري، وأما ابتداء التلقى فقيل الخروج من السوق، وإن كان في البلد، وقيل الخروج من البلد وهو قول أصحابنا، وبالاول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية. وقول المصنف رحمه الله تعالى " ولان هذا تدليس وغرر " قلت: التدليس كنم البائع عيب السلعة من المشترى وإخفائه ويقال أيضا: دلس دلسا من باب ضرب والتشديد أشهر في الاستعمال، قال الازهرى: سمعت أعرابيا يقول: ليس لى في الامر ولس ولا دلس: أي لا خيانة ولا خديعة، والدلسة بالضم الخديعة أيضا، وقال ابن فارس وأصله من الدلس وهو الظلمة. أما التدليس عند المحدثين فهو إما تدليس في الاسناد وهو بأن يروى عن معاصر ما لم يحدثه به ويأتى بلفظ يوهم إتصالا كعن، وأن وقال فإذا قال الراوى عن فلان فإن كان يروى ذلك عن شخص لم يعاصره أو عاصره وثبت أنه لم يلاقه جزمنا بأن روايته منقطعة، وإن كان معاصرا له - ولم نعلم ان كان لقيه أو لا، أو علمنا أنه لقيه ولكن كان الراوى مدلسا توقفنا في روايته ولم نحكم لها بالاتصال الا إذا ثبت اللقاء والتحديث. وأما تدليس الاشياخ أن يسمى شيخه أو شيخ شيخه باسم أو كنية أو لقب غير ما اشتهر به وعرف وذلك لستر ضعفه وفى ذلك تفصيل عند المحدثين. أما الغرر فهو في اللغة الخطر، وغرته الدنيا غرورا أي خدعته فهى غرور مثل رسول اسم فاعل مبالغة، وفى اصطلاح الفقهاء كل بيع يحتمل فيه غبن المبتاع لحديث أبى هريرة الذى رواه الجماعة الا البخاري " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " وحديث ابن مسعود عند أحمد وفى روايته يزيد بن أبى زياد عن المسيب بن رافع، وقال البيهقى. فيه ارسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه على ابن مسعود كما قال ذلك الدارقطني في العلل والخطيب وابن الجوزى ولفظه " لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر " وقد روى أبو بكر بن أبى عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا وفيه النهى عن بيع السمك في الماء وهو شاهد لهذا.

وقد مر في أول البيوع من شرح المهذب تفسير وتفصيل بيع الحصاة، وهو أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وقعت عليه هذه الحصاة ويرمى الحصاة أو في الارض ما انتهت إليه الحصاة. والغرر ثبت النهى عنه في أحاديث منها المذكور عن أبى هريرة وابن مسعود ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان، ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه، ومنها عن سهل بن سعد عند الطبراني، ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء، وبيع الطير في الهواء، وبيع المعدوم، وبيع المجهول، وبيع الغائب، وبيع الآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه. قال النووي النهى عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا، ويستثنى من بيع الغرر أمران. أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه، والثانى ما يتسامح بمثله، اما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الامرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن المحشو في الجبة اه. (قلت) ومن جملة الغرر بيع حبل الحبلة فقد نَهَى عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أخرجه أحمد ومسلم والترمذي من حديث ابن عمر، وفى رواية عند أبى داود لفظها أكثر تفصيلا منهم حيث فيها " نهى عن بيع حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التى نتجت " وعند الشيخين رواية أكثر تفصيلا من أبى داود لفظها " كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التى نتجت فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك. والاحاديث المذكورة تقضى ببطلان البيع لان النهى يستلزم ذلك كما تقرر في الاصول. قال شيخ الاسلام ابن تيمية الحفيد: ومن القواعد التى أدخلها قوم من العلماء في الغرر المنهى عنه أنواع من الايجارات والمشاركات، كالمساقاة والمزارعة ونحو ذلك. فذهب قوم من الفقهاء إلى أن المساقاة والمزارعة حرام باطل، بناء على أنها نوع من الاجارة، لانها عمل بعوض، والاجارة لابد أن يكون فيها الاجر معلوما لانها كالثمر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يحل للسلطان التسعير، لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: غلا السعر عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال الناس: يا رسول الله سعر لنا، فقال عليه السلام: إن الله هو القابض والباسط والرازق والمسعر، وإنى لارجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة في نفس ولا مال (الشرح) أما فصل تحريم التسعير على السلطان فإن حديث أنس رواه أبو داود والترمذي وصححه. أما لغات الفصل فإن التسعير جعل سعر معلوم ينتهى إليه ثمن الشئ وأسعرته بالالف لغة، ويقال له سعر إذا زادت قيمته، وليس له سعر إذا أفرط رخصه والجمع أسعار مثل حمل وأحمال. أما أحكام الفصل فقد قال العلامة ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية: وأما التسعير فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب فأما القسم الاول فمثل رواية أنس (التى ساقها المصنف) فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم. وقد ارتفع السعر - إما لقلة الشئ - وإما لكثرة الخلق - فهذا إلى الله، فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها، إكراه بغير حق وأما الثاني فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فالتسعير ههنا إلزام بالعدل الذى ألزمهم الله به.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن ذلك أن يلزم ألا يبيع الطعام أو غيره من الاصناف إلا ناس معروفون فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب: فهذا من البغى في الارض والفساد، والظلم الذى يحبس به قطر السماء وهؤلاء يجب التسعير عليهم، وألا يبيعوا إلا بقيمة المثل ولا يشتروا إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء، لانه إذا منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا، كان ذلك ظلما للناس، ظلما للبائعين، الذين يريدون بيع تلك السلع: وظلما للمشترين منهم. فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته الزامهم بالعدل ومنعهم من الظلم، وهذا كما أنه لا يجوز الاكراه على البيع تغير حق، فيجوز أو يجب الاكراه عليه بحق، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب، والنفقة الواجبة، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس. ومثل الغراس والبناء الذى في ملك الغير فان لرب الارض أن يأخذه بقيمة المثل، ومثل الاخذ بالشفعة، فان للشفيع أن يمتلك الشقص بثمنه قهرا. وكذلك السراية في العتق، فانها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرا، وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرا. وكل من وجب عليه شئ من الطعام واللباس والرقيق والمركوب - بحج أو كفارة أو نفقة - فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه. وأجبر على ذلك، ولم يكن له أن يمتنع حتى يبذل له مجانا، أو بدون ثمن المثل. ثم عقد ابن القيم فصلا آخر قال: ومن ههنا منع غير واحد من العلماء كأبى حنيفة وأصحابه القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالاجرة أن يشتركوا، فانهم إذا اشتركوا، والناس يحتاجون إليهم، أغلوا عليهم الاجرة، ثم قال: (قلت) وكذلك ينبغى لوالى الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من إغلاء الاجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم، على أن في شركة الشهود مبطلا

آخر، فإن عمل كل واحد منهم متميز عن عمل الآخر، لا يمكن الاشتراك فيه، فان الكتابة متميزة والتحمل متميز والاداء متميز، لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون، فبأى وجه يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه؟ وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصنائع فانه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه، ولهذا إذا اختلفت الصنائع لم تصح الشركة على أحد الوجهين، لتعذر اشتراكهما في العمل، ومن صححها نظر إلى أنهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة، فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل واحد منهما، وإن لم يقع في عين العمل. وأما شركة الدالالين ففيها أمر آخر، وهو أن الدلال وكيل صاحب السلعة في بيعه، فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلا له فيما وكل فيه، فان قلنا ليس للوكيل أن يوكل، لم تصح الشركة، وان قلنا له أن يوكل صحت. فعلى والى الحسبة أن يعرف هذه الامور ويراعيها، ويراعى مصالح الناس، وهيهات وهيهات، ذهب ما هنالك. والمقصود أنه إذا منع القسامون ونحوهم من الشركة: لما فيها من التواطؤ على إغلاء الاجرة، فمنع البائعين الذين تواطئوا على ألا يبيعوا إلا بثمن مقدر أولى وأحرى. وكذلك يمنع والى الحسبة المشترين من الاشتراك في شئ لا يشتريه غيرهم، لما في ذلك من ظلم البائع. وأيضا فإذا كانت الطائفة التى تشترى نوعا من السلع أو تبيعها، قد تواطأوا على أن يهضموا ما يشترونه، يشتروه بدون ثمن المثل، ويبيعوا ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل، ويقتسموا ما يشتركون فيه من الزيادة. كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان، وقد قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " ثم قال ابن القيم رضى الله عنه: ولا ريب أن هذا أعظم إثما وعدوانا من تلقى السلع، وبيع الحاضر للبادى، ومن النجش ثم عقد ابن القيم فصلا لتسعير الاجور خلص منه إلى أن الناس يحتاجون

إلى صناعة طائفة متخصصة، كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك، فلولى الامر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك. والمقصود أن هذه الاعمال متى لم يقم بها إلا شخص واحد صارت فرضا معينا عليه، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم، صارت هذه الاعمال مستحقة عليهم، يجبرهم ولى الامر عليها بعوض لمثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم. وألزم من صناعته الفلاحة أن يقوم بها، ألز؟ الجند بأن لا يظلموا الفلاح. كما يلزم الفلاح بأن يفلح. ولو اعتمد الجند والامراء مع الفلاحين ما شرعه الله ورسوله وجاءت به السنة وفعله الخلفاء الراشدون، لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولفتح الله عليهم بركات من السماء والارض، وكان الذى يحصل لهم من المغل أضعاف ما يحصلونه بالظلم والعدوان، ولكن يأبى جهلهم وظلمهم الا أن يرتكبوا الظلم والاثم، فيمنعوا البركة وسعة الرزق، فيجتمع لهم عقوبة الآخرة ونزع البركة في الدنيا (فإن قيل) وما الذى شرعه الله ورسوله، وفعله الصحابة، حتى يفعله من وفقه الله؟ قيل المزارعة العادلة التى يكون فيها المقطع والفلاح على حد سواء من العدل لا يختص أحدهما عن الآخر بشئ من هذه الرسوم التى ما أنزل الله بها من سلطان (1) وهى التى خربت البلاد، وأفسدت العباد، ومنعت الغيث وأزالت البركات، وعرضت أكثر الجند والامراء لاكل الحرام. وإذا نبت الجسد على الحرام فالنار أولى به.

_ (1) يصف الفقيه ابن القيم حال البلاد الشامية والمصرية على عهد أمراء المماليك حين يسخرون الفلاحين في خدمة الارض ويستغل المقطعون أو ذووا الاقطاعات جهود الفلاحين أسوأ استغلال، تمنص الارض عرقهم، ويأكلون هم وطبقتهم ثمرات هذا العرق، حتى ألهم الله ابن القيم أن يلهب ظهورهم بسوط الشرع كما ألهبوا ظهور الفلاحين بسياط الجيروت، فمرحى لابن القيم مرحى؟ " المطيعى "

ومضى ابن القيم في هذا الاستطراد من أمور المساقاة والمزارعة والجعالة ما ندعه لسوقه في موطنه، لانه يقول: وهذه المسألة ذكرت استطرادا، والا فالمقصود أن الناس إذا احتاجوا إلى أرباب الصناعات - كالفلاحين وغيرهم - اجبروا على ذلك بأجرة المثل، وهذا من التسعير الواجب، فهذا تسعير في الاعمال. وأما التسعير في الاموال، فإذا احتاج الناس إلى سلاح للجهاد وآلات فعلى أربابه أن يبيعوه بعوض المثل ولا يمكنوا من حبسه الا بما يريدونه من الثمن، والله تعالى قد أوجب الجهاد بالنفس والمال، فكيف لا يجب على أرباب السلاح بذله بقيمته؟ ومن أوجب على العاجز ببدنه أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه ولم يوجب على المستطيع بماله أن يخرج ما يجاهد به الغير فقوله ظاهر التناقض. وهذا أحد الروايتين عن أحمد وهو الصواب ثم قال الفقيه العلامة مستطردا (فصل) وانما لم يقع التسعير فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة لانهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء، ولا من يبيع طحينا وخبزا، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجالبين، ولهذا جاء الحديث " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وكذلك لم يكن في المدينة حائك، بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما فيشترونها ويلبسونها. ثم قال (فصل في التسعير) وقد تنازع العلماء في التسعير في مسألتين (احداهما) إذا كان للناس سعر غالب فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك فإنه يمنع من ذلك عند مالك، وهل يمنع من النقصان؟ على قولين واحتج مالك رحمه الله بما رواه في موطئه عن يونس بن نسيف عن سعيد بن المسيب " أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبى بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق. فقال له عمر " اما أن تزيد في السعر واما أن ترفع من سوقنا "

قال مالك: لو أن رجلا أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس، لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس وإما رفعت، وأما أن يقول للناس كلهم: لا تبيعوا إلا بسعر كذا فليس ذلك بالصواب، وذكر حديث عمر بن عبد العزيز في أهل الابلة، حين حط سعرهم لمنع البحر، فكتب: " خل بينهم وبين ذلك، فإنما السعر بيد الله ". قال ابن رشد في كتاب البيان: أما الجلابون فلا خلاف في أنه لا يسعر عليهم شئ مما جلبوه، وإنما يقال لمن شذ منهم فباع بأغلى مما يبيع به العامة: اما أن تبيع بما تبيع به العامة، واما أن ترفع من السوق كما فعل عمر بن الخطاب بحاطب بن أبى بلعة، إذ مر به وهو يبيع زبيبا له في السوق فقال له " اما أن تزيد في السعر واما أن ترفع من سوقنا " لانه كان يبيع بالدرهم الواحد أقل مما كان يبيع به أهل السوق. وأما أهل الحوانيت والاسواق الذين يشترون ممن الجلابين وغيرهم جملة، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعا مثل اللحم. والادم، والفواكه، فقيل: انهم كالجلابين، لا يسعر لهم شئ من بياعانهم، وانما يقال لمن شذ منهم وخرج عن الجمهور: اما أن تبيع كما يبيع الناس واما أن ترفع من السوق، وهو قول مالك في هذه الرواية. وممن روى عنه ذلك من السلف عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وسالم ابن عبد الله قيل انهم في هذا بخلاف الجالبين، لا يتركون على البيع باختيارهم إذا أغلوا على الناس، ولم يقتنعوا من الربح بما يشبه. وعلى صاحب السوق الموكل بمصلحته أن يعرف ما يشترون به، فيجعل لهم من الربح ما يشبه، وينهاهم أن يزيدوا على ذلك. ويتفقد السوق (1) أبدا، فيمنعهم

_ (1) في كلام ابن رشد هنا ما يرسم صورة صادقه لما يقوم به مفتشو وزارة التموين في القضاء على السوق السوداء واختزان السلع وحجبها عن محتاجها لاغلاء سعرها واحتكارها وهى ظاهرة يظنون أنها حضارية عصرية وهم في الحقيقة لم يبلغوا شاو الاسلام في رسم أسباب العدل والرحمة ويا حبذا لو أخذ الناس في طرائق العيش اخذ أسلافهم لانعدم الجشع الاشعبى بين التجار.

من الزيادة على الربح الذى جعل لهم فمن خالف أمره عاقبه وأخرجه من السوق وهذا قول مالك في رواية أشهب، واليه ذهب ابن حبيب. وقال به ابن المسيب ويحيى بن سعيد، والليث وربيعة، ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم لا تبيعوا الا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه لا تبيعوه الا بكذا وكذا، مما هو مثل الثمن أو أقل. وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون، لم يتركهم أن يغلوا في الشراء وان لم يزيدوا في الربح على القدر الذى حدد لهم، فإنهم قد يتساهلون في الشراء إذا علموا أن الربح لا يفوتهم. وأما الشافعي فإنه عارض ذلك بما رواه عن الدراوردى عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر رضى الله عنه " أنه مر بحاطب بن أبى بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما، فقال له: مدين لكل درهم، فقال له عمر: قد حدثت بعير جاءت من الطائف تحمل زبيبا، وهم يغترون بسعرك، فإما أن ترفع في السعر واما أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه، ثم أتى حاطبا في داره فقال: ان الذى قلت لك ليس عزمة منى، ولا قضاء انما هو شئ أردت به الخير لاهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع ". قال الشافعي: وهذا الحديث مستقصى وليس بخلاف لما رواه مالك. ولكنه روى بعض الحديث أو رواه عنه من رواه. وهذا أتى بأول الحديث وآخره وبه أقول. لان الناس مسلطون على أموالهم. ليس لاحد أن يأخذها أو شيئا منها بغير طيب أنفسهم الا في المواضع التى تلزمهم. وهذا ليس منها. وعلى قول مالك فقال أبو الوليد الباجى: الذى يؤمر به من حط عنه أن يلحق به. هو السعر الذى عليه جمهور الناس. فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمر باللحاق بسعر الناس أو ترك البيع فان زاد في السعر واحد أو عدد يسير. لم يؤمروا باللحاق بسعره. لان المراعى حال الجمهور. وبه تقوم المبيعات. وهل يقام من زاد في السوق - أي في قدر المبيع بالدراهم - كما يقام من نقص منه؟

قال ابن القصار من المالكية: اختلف أصحابنا في قول مالك " ولكن من حط سعرا " فقال البغداديون: أراد من باع خمسة بدرهم والناس يبيعون ثمانية، وقال قوم من البصريين: أراد من باع ثمانية، والناس يبيعون خمسة فيفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدى إلى الشغف والخصومة. قال: وعندي أن الامرين جميعا ممنوعان، لان من باع ثمانية - والناس يبيعون خمسة - أفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدى إلى الشغب والخصومة فمنع الجميع مصلحة. قال أبو الوليد الباجى: ولا خلاف أن ذلك حكم أهل السوق. وأما الجالب، ففى كتاب محمد - يعنى ابن الحسن - لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع الناس. وقال ابن حبيب: ما عدا القمح والشعير يسعر الناس وإلا رفعوا، وأما جالب القمح والشعير، فيبيع كيف شاء، الا أن لهم في أنفسهم حكم أهل السوق، ان أرخص بعضهم تركوا، وان أرخص أكثرهم، قيل لمن بقى اما أن تبيع كبيعهم، واما أن ترفعوا. قال ابن حبيب: وهذا في المكيل والموزون، مأكولا كان أو غيره، دون مالا يكال ولا يوزن، لانه لا يمكن تسعيره، لعدم التماثل فيه. قال أبو الوليد: هذا إذا كان المكيل والموزون متساويا، فإذا اختلف لم يؤمر صاحب الجيد أن يبيعه بسعر الدون. وأما المسألة الثانية التى تنازعوا فيها من التسعير، فهى أن يحد لاهل السوق حدا لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب فهذا منع منه الجمهور. حتى مالك نفسه في المشهور عنه. ونقل المنع أيضا عن ابن عمر وسالم والقاسم بن محمد. وروى أشهب عن مالك في صاحب السوق يسعر على الجزارين: لحم الضأن بكذا ولحم الابل بكذا. والا أخرجوا من السوق. قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به. ولكن أخاف أن يقوموا من السوق. واحتج أصحاب هذا القول بأن في هذا مصلحة للناس بالمنع من اغلاء السعر عليهم ولا يجبر الناس على البيع. وانما يمنعون من البيع بغير السعر الذى يحده ولى الامر على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشترى.

وأما الجمهور فاحتجوا بما رواه أبو داود وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جاء رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله سعر لنا، فقال: بل أدعو الله، ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله سعر لنا، فقال بل الله يرفع ويخفض، وإنى لارجو أن ألقى الله وليست لاحد عندي مظلمة " قالوا ولان إجبار الناس على ذلك ظلم. وأما صفة ذلك عند من جوزه، فقال ابن حبيب: ينبغى للامام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشئ وحضر غيرهم، استظهارا على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون: فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا به، ولا يجبرهم على التسعير ولكن عن رضى. قال أبو الوليد الباجى: ووجه هذا أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا، بما لا ربح لهم فيه، أدى ذلك إلى فساد الاسعار وإخفاء الاقوات وإتلاف أموال الناس قال شيخ الاسلام (1) ابن تيمية (الحفيد) فهذا الذى تنازعوا فيه، وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع. قال ابن القيم: ومن احتج على منع التسعير مطلقا بقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ اللَّهَ هو المسعر القابض الباسط، وإنى لارجو أن ألقى الله وليس لاحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قيل له هذه قضية معينة وليست لفظا عاما، وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه، ومعلوم أن الشئ إذا قل رغب

_ (1) قصدنا بالحفيد شيخ الاسلام واسمه أحمد، لقبه تقى الدين، كنيته أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام وهو ابن تيمية الجد فاسمه عبد السلام، كنيته أبو البركات، لقبه مجد الدين

الناس في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه - كما جرت به العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه - فهنا لا يسعر عليهم وقد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك فقال: من أعتق شركا له في عبد - وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد " فلم يمكن المالك أن يساوم المعتق بالذى يريد فإنه لما وجب عليه أن يملك شريكه المعتق نصيبه الذى لم يعتقه لتكميل الحرية في العبد، قدر عوضه بأن يقوم جميع العبد قيمة عدل ويعطيه قسطه من القيمة، فإن حق الشريك في نصف القيمة، لا في قيمة النصف عند الجمهور وصار هذا الحديث أصلا في أن ما لا يمكن قسمة عينه فإنه يباع ويقسم ثمنه إذا طلب أحد الشركاء ذلك، ويجبر الممتنع على البيع. وحكى بعض المالكية ذلك إجماعا. وصار ذلك أصلا في أن من وجبت عليه المعاوضة أجبر على أن يعاوض بثمن المثل، لا بما يريد من الثمن. وصار ذلك أصلا في جواز اخراج الشئ من ملك صاحبه قهرا بثمنه للمصلحة الراجحة كما في الشفعة، وأصلا في وجوب تكميل العتق بالسراية مهما أمكن. والمقصود أنه إذا كان الشارع يوجب اخراج الشئ عن ملك مالكه بعوض المثل، لمصلحة تكميل العتق، ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة، فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم، وهم إليها أعوز؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره. وهذا الذى أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تقويم الجميع قيمة المثل، هو حقيقة التسعير. كذلك سلط الشريك على انتزاع الشقص المشفوع فيه من يد المشترى بثمنه الذى ابتاعه به لا بزيادة عليه لاجل مصلحة التكميل لواحد فكيف بما هو أعظم من ذلك؟ فإذا جوز له انتزاعه منه بالثمن الذى وقع عليه العقد لا بما شاء المشترى من الثمن لاجل هذه المصلحة الجزئية، فكيف إذا اضطر إلى ما عنده من طعام وشراب ولباس وآلة حرب؟ وكذلك إذا اضطر الحاج إلى ما عند الناس من آلات السفر وغيرها، فعلى

ولى الامر أن يجبرهم على ذلك بثمن المثل، لا بما يريدونه من الثمن، وحديث العتق أصل في ذلك كله. ثم عقد ابن القيم فصلا نختم به بحثنا في التسعير قال: (فصل) فإذا قدر أن قوما اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان لا يجدون سواه، أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر أو فأس أو غير ذلك، وجب على صاحبه بذله بلا نزاع، لكن هل له أن يأخذ عليه أجرا، فيه قولان للعلماء، وهما وجهان لاصحاب أحمد. ومن جوز له أخذ الاجرة حرم عليه أن يأخذ زيادة على أجرة المثل قال شيخنا - يعنى شيخ الاسلام ابن تيمية -: والصحيح أنه يجب عليه بذل ذلك مجانا، كما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون، ويمنعون الماعون) قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: هو إعارة القدر والدلو والفأس ونحوها، وفى الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الخيل - قال " هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأما الذى هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، وأما الذى هي له ستر، فرجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها، ولا في ظهورها " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا " من حق الابل إعارة دلوها، وإطراق فحلها " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ عسب الفحل " أي عن أخذ الاجرة عليه، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره " ويمضى شيخ الاسلام ابن تيمية فيقول كما يحكيه عنه تلميذه وصنو حياته وعلمه: ولو احتاج إلى إجراء مائه في أرض غيره من غير ضرر لصاحب الارض، فهل يجبر على ذلك. روايتان عن أحمد، والاجبار قول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عنهم. وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين " إن زكاة الحلى عاريته، فإذا لم يعره فلابد من زكاته " وهذا وجه في مذهب أحمد.

قال ابن القيم عقب هذا (قلت) وهو الراجح، وانه لا يخلو الحلى من زكاة أو عارية والمنافع التى يجب بذلها نوعان، منها ما هو حق المال كما ذكرنا في الخيل والابل والحلى، ومنها ما يجب لحاجة الناس. وأيضا فإن بذل منافع البدن تجب عند الحاجة، كتعليم العلم، وإفتاء الناس، وأداء الشهادة والحكم بينهم والجهاد، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك من منافع الابدان. وكذلك من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه، فإن ترك ذلك - مع قدرته - أثم وضمنه، فلا يمتنع وجوب بذل منافع الاموال للمحتاح. وقد قال تعالى (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب) وقال تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) وللفقهاء في أخذ الجعل على الشهادة أربعة أقوال، وهى أربعة أوجه في مذهب أحمد (أحدها) أنه لا يجوز مطلقا (والثانى) أنه يجوز عند الحاجة (والثالث) أنه لا يجوز الا أن يتعين عليه (والرابع) أنه يجوز، فإن أخذه عند التحمل لم يأخذ عند الاداء. والمقصود أن ما قدره النبي صلى الله عليه وسلم من الثمن في سراية العتق هو لاجل تكميل الحرية، وهو حق الله تعالى وما احتاج إليه الناس حاجة عامة، فالحق فيه لله. وذلك في الحقوق والحدود. قال ابن القيم " فأما الحقوق فمثل حقوق المساجد ومال الفئ والوقف على أهل الحاجات، وأموال الصدقات والمنافع العامة، وأما الحدود فمثل حد المحاربة والسرقة والزنا وشرب الخمر المسكر وحاجة المسلمين إلى الطعام واللباس وغير ذلك مصلحة عامة، ليس الحق فيها لواحد بعينه، فتقدير الثمن فيها بثمن المثل على من وجب عليه البيع أولى من تقديره لتكميل الحرية، لكن تكميل الحرية وجب على الشريك المعتق، ولو لم

يقدر فيها الثمن لتضرر بطلب الشريك الآخر، فإنه يطلب ما شاء، وهنا عموم الناس يشترون الطعام والثياب لانفسهم وغيرهم. فلو مكن من عنده سلع يحتاج الناس إليها أن يبيع بما شاء كان ضرر الناس أعظم، ولهذا قال الفقهاء " إذا اضطر الانسان إلى طعام الغير، وجب عليه بذله له بثمن المثل " وأبعد الائمة عن إيجاب المعاوضة وتقديرها هو الشافعي، ومع هذا فإنه يوجب على من اضطر الانسان إلى طعامه أن يبذله له بثمن المثل، وتنازع أصحاب الشافعي في جواز تسعير الطعام إذا كان بالناس إليه حاجة، ولهم فيه وجهان. وقال أصحاب أبى حنيفة: لا ينبغى للسلطان أن يسعر على الناس إلا إذا تعلق به حق ضرر العامة، فإذا رفع إلى القاضى أمر المحتكر ببيع ما فضل من قوته وقوت أهله، على اعتبار السعر في ذلك، ونهاه عن الاحتكار، فإن أبى حبسه وعزره على مقتضى رأيه، زجرا له ودفعا للضرر عن الناس قالوا فإن تعدى أرباب الطعام وتجاوزوا القيمة تعديا فاحشا، وعجز القاضى عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، سعره حينئذ بمشورة أهل الرأى والبصيرة. وهذا على أصل أبى حنيفة ظاهر حيث لا يرى الحجر على الحر ومن باع منهم بما قدره الامام صح لانه غير مكره عليه قالوا: وهل يبيع القاضى على المحتكر طعامه من غير رضاه. على الخلاف المعروف في بيع مال المدين وقيل يبيع ههنا بالاتفاق، لان أبا حنيفة يرى الحجر لدفع الضرر العام والسعر لما غلا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطلبوا منه التسعير فامتنع، لم يذكر أنه كان هناك من عنده طعام امتنع من بيعه، بل عامة من كان يبيع الطعام إنما هم جالبون يبيعونه إذا هبطوا السوق، ولكن نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يبيع حاضر لباد، أي أن يكون له سمسارا. وقال " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "

فنهى الحاضر العالم بالسعر أن يتوكل للبادى الجالب للسلعة، لانه إذا توكل له - مع خبرته بحاجة الناس - أغلى الثمن على المشترى فنهاه عن التوكل له، مع أن جنس الوكالة مباح لما في ذلك من زيادة السعر على الناس، ونهى عن تلقى الجلب وجعل للبائع إذا هبط السوق الخيار، ولهذا كان أكثر الفقهاء على أنه نهى عن ذلك لما فيه من ضرر البائع هنا، فإذا لم يكن قد عرف السعر، وتلقاه المتلقى قبل إتيانه إلى السوق اشتراه المشترى بدون ثمن المثل فغبنه، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم لهذا البائع الخيار. ثم فيه عن أحمد روايتان كما تقدم، إحداهما: أن الخيار يثبت له مطلقا، سواء غبن أو لم يغبن وهو ظاهر مذهب الشافعي. والثانية: أنه إنما يثبت عند الغبن وهى ظاهر مذهب الحنابلة. وقالت طائفة: بل نهى عن ذلك لما فيه من ضرر المشترى إذا تلقاه المتلقى فاشترى منه، ثم باعه، وفى الجملة. قد نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ البيع والشراء الذى جنسه حلال حتى يعلم البائع بالسعر، وهو ثمن المثل، ويعلم المشترى بالسلعة. وصاحب القياس الفاسد يقول: للمشترى أن يشترى حيث شاء، وقد اشترى من البائع كما يقول، فله أن يتوكل للبائع الحاضر وغير الحاضر، ولكن الشارع راعى المصلحة العامة، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر كان جاهلا بثمن المثل، فيكون المشترى غارا له. وألحق أحمد ومالك بذلك كل مسترسل، فإنه بمنزلة الجالب الجاهل بالسعر فتبين أنه يجب على الانسان ألا يبيع مثل هؤلاء إلا بالسعر المعروف، وهو ثمن المثل، وإن لم يكونوا محتاجين إلى الابتياع منه، لكن لكونهم جاهلين بالقيمة أو غير مماكسين، والبيع يعتبر فيه الرضا، والرضا يتبع العلم، ومن لم يعلم أنه غبن فقد يرضى، وقد لا يرضى، فإذا علم أنه غبن ورضى فلا بأس بذلك. وفى السنن " أن رجلا كانت له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الارض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، فَشَكَا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يقبل

بدلها أو يتبرع له بها فلم يفعل فأذن لصاحب الارض أن يقلعها، وقال لصاحب الشجرة: إنما انت مضار ". وصاحب القياس الفاسد يقول: لا يجب عليه أن يبيع شجرته ولا يتبرع بها ولا يجوز لصاحب الارض أن يقلعها، لانه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإجبار على المعاوضة عليه، وصاحب الشرع أوجب عليه إذا لم يتبرع بها أن يبيعها لما في ذلك من مصلحة صاحب الارض بخلاصه من تأذنه بدخول صاحب الشجرة، ومصلحة صاحب الشجرة بأخذ القيمة، وإن كان عليه في ذلك ضرر يسير، فضرر صاحب الارض ببقائها في بستانه أعظم، فإن الشارع الحكيم يدفع أعظم الضررين بأيسرهما، فهذا هو الفقه والقياس والمصلحة، وإن أباه من أباه. والمقصود: أن هذا دليل على وجوب البيع عند حاجة المشترى. وأين حاجة هذا من حاجة عموم الناس إلى الطعام وغيره؟ والحكم في المعاوضة على المنافع إذا احتاج الناس إليها - كمنافع الدور. والطحن والخبز، وغير ذلك..حكم المعاوضة على الاعيان. وبعد فقد استعرضنا ملخصا وافيا مركزا لما عرض له ابن القيم وشيخه. قال ابن القيم: وجماع الامر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير. سعر عليهم تسعير عدل لا وكس ولا شطط. وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يفعل. وبالله التوفيق. وقد قال الشوكاني في المنتقى في باب النهى عن التسعير: وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير، وأنه مظلمة، ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والامام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشترى برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الامران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لانفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بمالا يرضى به مناف لقوله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ منكم) والى هذا ذهب جمهور العلماء. وروى عن مالك أنه يجوز للامام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه. ثم قال يشرح وجهة نظره في منع التسعير: وفى وجه

للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء. وهذا الرأى في نظره مردود وما أوردناه فيه القول الفصل الذى يجعل التسعير يدور مع المصلحة حيث دارت ويقيد ولى الامر بمراعاة طرفي المتبايعين واحقاق العدل بينهما وعدم تغليب طرف على آخر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم الاحتكار في الاقوات، وهو أن يبتاع في وقت الغلاء ويمسكه ليزداد في ثمنه. ومن أصحابنا من قال: يكره ولا يحرم، وليس بشئ. لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وروى معمر العدوى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يحتكر الا خاطئ " فدل على أنه حرام. فأما إذا ابتاع في وقت الرخص أو جاءه من ضيعته طعام فأمسكه ليبيعه إذا غلا فلا يحرم ذلك لانه في معنى الجالب وقد رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وروى أبو الزناد قال: قلت لسعيد بن المسيب: بلغني عنك أنك قلت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال. لا يحتكر بالمدينة الا خاطئ، وأنت تحتكر؟ قال ليس هذا الذى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتي الرجل السلعة عند غلائها فيغالى بها، فأما أن يأتي الشئ وقد اتضع فيشتريه، ثم يضعه فإن احتاج الناس إليه أخرجه، فذلك خير وأما غير الاقوات فيجوز احتكاره، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يحتكر الطعام، فدل على أن غيره يجوز، ولانه لا ضرر في احتكار غير الاقوات فلم يمنع منه. (الشرح) أما فصل الاحتكار فحديث عمر رضى الله عنه، رواه ابن ماجه بلفظ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والافلاس " وفى اسناده الهيثم بن رافع، قال أبو داود روى حديثا منكرا قال الحافظ الذهبي: هو الذى خرجه ابن ماجه، يعنى هذا، وفى اسناده أيضا أبويحيى المكى، وهو مجهول.

وللحديث شواهد أخرى أقوى منه وأصح، كحديث سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يحتكر إلا خاطئ " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم. وحديث معقل بن يسار قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة رواه أحمد والطبراني في معجميه الكبير والاوسط، وفى إسناده زيد بن مرة أبو المعلى، قال في مجمع الزوائد: ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح. وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين هو خاطئ " رواه أحمد والحاكم وزاد " وقد برئت منه ذمة الله " وفى إسناده أبو معشر، وهو ضعيف، وقد وثقه بعضهم. وحديث ابن عمر مرفوعا " الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون " رواه ابن ماجه والحاكم وإسحاق بن راهويه والدارمى وأبو يعلى والعقيلي في الضعفاء وضعف إسناده الحافظ ابن حجر. ومنها حديث آخر عند ابن عمر عند أحمد والحاكم وابن أبى شيبة والبزار وأبى يعلى بلفظ " من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله " وفى إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة، والاول مختلف فيه والثانى قال ابن حزم إنه مجهول، وقال غيره: معروف، ووثقه ابن سعد، وروى عنه جماعة، واحتج به النسائي. قال الحافظ ابن حجر: ووهم ابن الجوزى فأخرج هذا الحديث في الموضوعات وحكى ابن أبى حاتم عن أبيه أنه منكر اه. أما أحكام الفصل: فهذه الاحاديث بمجموعها لا شك أنها تنتهض حجة للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فرض عدم ثبوت شئ منها، وأخذت بمجموعها، فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز، لان الخاطئ هو المذنب العاصى وهو

فاعل من خطئ من باب علم إذا أثم في فعله قاله أبو عبيدة وقال: سمعت الازهرى يقول: خطئ إذا تعمد، وأخطأ إذا لم يتعمد. قال الاصحاب من الشافعية: إن المحرم إنما هو احتكار الاقوات خاصة لا غيرها، ولا مقدار الكفاية منها، وإلى ذلك ذهب الزيدية أيضا. وذهب الشوكاني إلى أن الاحاديث ظاهرها يحرم الاحتكار من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب، وبين غيره، والتصريح (بالطعام) في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، ويمكن الرد عليه بأن المقرر في قواعد الاصول أن المطلق يحمل على المقيد وأن العام يحمل على الخاص الا أن الشوكاني يخرج من هذا المأزق بقوله انه من باب التنصيص على فرد من الافراد التى يطلق عليها المطلق، وذلك لان نفى الحكم عن غير الطعام انما هو لمفهوم اللقب، وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الاصول أيضا. ويفرق العلماء بين الاحتكار والادخار، فالاحتكار اختزان السلعة وحبسها عن طلابها حتى يتحكم المختزن في رفع سعرها لقلة المعروض منه أو انعدامه، فيتسنى له أن يغليها حسبما يشاء وهذا حرام بالاجماع في ضرورات الحياة. مكروه في كمالياتها. ويمكن أن يلحق بالاقوات ما يترتب على احتكاره من تلف وهلاك يصيب الناس، كاحتكار الثياب في وقت البرد الشديد مع حاجة الناس إليه، وحبس وسائل النقل للجند في ابان الجهاد لما في ذلك من اضعاف لقوة المسلمين واتاحة الفرصة لتفوق العدو عليهم وغلبته. أما الادخار فقد قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الانسان من قوت وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به اه. ويقول الشوكاني نقلا عن أئمة الشافعية: انما المحرم هو احتكار الاقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها، ويدل على ذلك ما ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يعطى كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر.

قال ابن رسلان في شرح السنن: وقد كان رسول الله صلى عليه وسلم يدخر لاهله قوت سنتهم من تمر وغيره. قال أبو داود: قيل لسعيد - يعنى ابن المسيب - فإنك تحتكر. قال ومعمر كان يحتكر. وكذا في صحيح مسلم: قال ابن عبد البر وآخرون: إنما كانا - يعنى ابن المسيب ومعمرا - يحتكران الزيت، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه. وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون. قال الشوكاني: ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل " من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم " وقوله في حديث أبى هريرة " يريد أن يغلى بها على المسلمين " قال أبو داود: سألت أحمد بن حنبل ما الحكرة. قال ما فيه عيش الناس، أي حياتهم وقوتهم. وقال الاثرم: سمعت أبا عبد الله - يعنى أحمد بن حنبل - يسئل عن أي شئ الاحتكار، فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذى يكره. وهذا قول عمر وقال الاوزاعي، المحتكر من يعترض السوق، أي ينصب نفسه للتردد إلى الاسواق ليشترى منها الطعام الذى يحتاجون إليه ليحتكره. قال السبكى " الذى ينبغى أن يقال في ذلك أنه إن منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم. وإن كانت الاسعار رخيصة وكان القدر الذى يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى " قال القاضى حسين والرويانى " وربما يكون هذا حسنة لانه ينفع به الناس " وقطع المحاملى في المقنع باستحبابه. قال أصحاب الشافعي " الاولى بيع الفاضل عن الكفاية " قال السبكى " أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره، بل يستحب. قال الشوكاني " والحاصل أن العلة إذا كانت هي الاضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار الا على وجه يضر بهم، ويستوى في ذلك القوت وغيره لانهم يتضررون بالجميع " وقال الغزالي في الاحياء " ما ليس بقوت ولا معين عليه فلا يتعدى النهى

إليه وان كان مطعوما وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شئ من القوت في بعض الاحوال، وان كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجرى مجراه. وقال السبكى " إذا كان في وقت قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها اضرار، فينبغي أن يقضى بتحريمه، وإذا لم يكن اضرار فلا يخلو احتكار الاقوات عن كراهة. وقال القاضى حسين " إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فكره لمن عنده ذلك امساكه " قال السبكى " ان أراد كراهة تحريم فظاهر، وان أراد كراهة تنزيه فبعيد. وحكى أبو داود عن قتادة أنه قال " ليس في التمر حكرة " وحكى أيضا عن سفيان أنه سئل عن كبس القت فقال " كانوا يكرهون الحكرة " والكبس بفتح الكاف واسكان الباء الموحدة، والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية، وهو اليابس من القضب. قال الطيبى " ان التقييد بالاربعين يشير إلى حديث ادخار الطعام أربعين يوما، اليوم غير مراد به التحديد " قال الشوكاني " ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد " ونختم هذا الفصل بما أورد الامام النووي رضى الله عنه في شرحه لصحيح مسلم عند حديث معمر بن عبد الله مرفوعا " من احتكر فهو خاطئ " قال النووي قال اهل اللغة " الخاطئ بالهمز هو العاصى الآثم " وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار في الاقوات خاصة، وهو أن يشترى الطعام في وقت الغلاء للتجارة ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه. فأما إذا جاءه من قريته أو اشتراه في وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في وقته فليس باحتكار ولا تحريم فيه. قال وأما غير الاقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال، هذا تفصيل مذهبنا قال العلماء " والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند انسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس.

باب اختلاف المتبايعين وهلاك المبيع

وأما ما ذكر في الكتاب - يعنى في صحيح مسلم - عن سعيد بن المسيب ومعمر راوي الحديث أنهما كانا يحتكران، فقال ابن عبد البر وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه والغلاء، وكذا حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون. وهو الصحيح وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (باب اختلاف المتبايعين وهلاك المبيع) " إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثمن، ولم تكن بينة تحالفا، لما روى ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه قال " لو أن الناس أعطوا بدعاويهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم، لكن اليمين على المدعى عليه " فجعل اليمين على المدعى عليه والبائع مدعى عليه بيع بألف والمشترى مدعى عليه بيع بألفين، فوجب أن يكون على كل واحد منهما اليمين لان كل واحد منهما مدعى عليه ولا بينة فتحالفا، كما لو ادعى رجل على رجل دينارا وادعى الآخر على المدعى درهما " (فصل) قال الشافعي رحمه الله في البيوع: يبدأ بيمين البائع. وقال في الصداق: إذا اختلف الزوجان يبدأ بيمين الزوج، والزوج كالمشترى. وقال في الدعوى والبينات إن بدأ بالبائع خير المشترى، وإن بدأ بالمشترى خير البائع، وهذا يدل على أنه مخير بين أن يبدأ بالبائع وبين أن يبدأ بالمشترى، فمن أصحابنا من قال فيها ثلاثة أقوال (أحدها) يبدأ بالمشترى، لان جنبته أقوى، لان المبيع على ملكه فكان بالبداية أولى (والثانى) يبدأ بمن شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآخر في الدعوى فتساويا، كما لو تداعيا شيئا في يديهما (والثالث) أنه يبدأ بالبائع وهو الصحيح، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع، والمبتاع بالخيار " فبدأ بالبائع ثم خير المبتاع، ولان جنبته أقوى لانه إذا تحالفا رجع المبيع إليه فكانت البداية به أولى. ومن أصحابنا من قال هي على قول واحد أنه يبدأ بالبائع ويخالف

الزوج في الصداق لان جنبته أقوى من جنبة الزوجة، لان البضع بعد التحالف على ملك الزوج فكان بالتقديم أولى، وها هنا جنبة البائع أقوى لان المبيع بعد التحالف على ملك البائع فكان البائع بالتقديم أولى، والذى قال في الدعوى والبينات ليس بمذهب له، وإنما حكى ما يفعله الحاكم باحتهاده لانه موضع اجتهاد فقال: إن حلف الحاكم البائع باجتهاده خير المشترى، وإن حلف المشترى خير البائع " (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رواه مسلم في صحيحه بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى باليمين على المدعى عليه. هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعا من رواية ابن عباس. وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم قال الامام النووي رضى الله عنه في شرح مسلم: قال القاضى عياض رضى الله عنه، قال الاصيلى: لا يصح مرفوعا، إنما هو قول ابن عباس، كذا رواه أيوب ونافع الجمحى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ القاضى قد رواه البخاري ومسلم من رواية ابن جريج مرفوعا هذا كلام القاضى. قال النووي (قلت) وقد رواه أبو داود والترمذي بأسانيدهما عن نافع بن عمر الجمحى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا. قال الترمذي حديث حسن صحيح. وجاء في رواية البيهقى وغيره بإسناد حسن أو صحيح زيادة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعى، واليمين على من أنكر " اه أما حديث ابن مسعود رضى الله عنه فقد أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان " وزاد ابن ماجه " والبيع قائم بعينه " وكذلك أحمد في رواية " والسلعة كما هي " وللدارقطني عن أبى وائل عن عبد الله قال " إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع " قال ابن تيمية الجد. ورفع الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ

صلى الله عليه وسلم. ولاحمد والنسائي عن أبى عبيدة: وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال " هذا أخذت كذا وكذا. وقال هذا بعت بكذا وكذا، فقال أبو عبيدة: أتى عبد الله في مثل هذا فقال: حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك " وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريح عن اسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبى عبيدة عن أبيه عبد الله ابن مسعود، وقد اختلف فيه على اسماعيل بن أمية. ثم على ابن جريج، وقد اختلف في صحة سماع أبى عبيدة من أبيه. ورواه من طريق أبى عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني، وقد صححه الحاكم وابن السكن، ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان ابن عجلان عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عن ابن مسعود، وفيه أيضا انقطاع، لان عونا لم يدرك ابن مسعود. ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده. وفيه اسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة. ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الاشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبى ليلى عن القاسم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عن عبد الله بن مسعود، ومحمد بن أبى ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه. ورواه ابن ماجه والترمذي، من طريق عون بن عبد الله أيضا عن ابن مسعود، وهو منقطع قال العلامة ابن القيم: وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " فهذا قد روى ولكن ليس له إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الامة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة مثل أبى حنيفة وغيره فإنهم يرون دائما اليمين في جانب المنكر، حتى في القسامة يحلفون المدعى عليه ولا يقضون بالشاهد واليمين، ولا يردون اليمين على المدعى عند النكول، واستدلوا بعموم الحديث.

ثم ساق ابن القيم نماذج من أحكام الرسول صلى الله عليه وسلم توافق معنى هذا الحديث في المعاملات: ولا نأخذ به في الجنايات. قال البيهقى: وأصح إسناد روى في هذا الباب رواية أبى العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الاشعث بن قيس عن أبيه عن جده، ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن، قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه. ورواية التراد رواها أيضا مالك بلاغا والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ " البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا " قال الحافظ ابن حجر: رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح يعنى الراوى له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: وما أظنه حفظه، فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شئ موصول. ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن ابن قيس بالاسناد الذى رواه عنه أبو داود كما سلف، وصححه من هذا الوجه الحاكم، وحسنه البيهقى، ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، ولا بينة لاحدهما تحالفا " ورواه من هذا الوجه الطبراني والدارمى، وقد انفرد بقوله: والسلعة قائمة، محمد بن أبى ليلى وهو ضعيف لسوء حفظه. قال الخطابى: إن هذه اللفظة يعنى: والسلعة قائمة، لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب، لان أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة، كقوله تعالى (في حجوركم) ولم يفرق أكثر الفقهاء بين القائم والتالف انتهى. قال ابن عبد البر إن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الاصل عند جماعة تلقوه بالقبول، وبنوا عليه كثيرا من فروعه، وأعله ابن حزم بالانقطاع وتابعه عبد الحق، وأعله ابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده.

وقال الخطابى: هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله، وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال، كما اصطلحوا على قبول: لا وصيه لوارث وإسناده فيه ما فيه اه. أما لغات الفصل: فقوله (جنبته) أي جانبه، و (البضع) بضم الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة وجمعه أبضاع مثل قفل وأقفال يطلق على الفرج والجماع وقيل البضع مصدر أيضا مثل السكر والكفر. وأبضعت المرأة إبضاعا زوجتها وتستأمر النساء في أبضاعهن، ويقال ملك بضعها أي جماعها، والبضاع الجماع وزنا ومعنى، وهو اسم من باضعها مباضعة. أما أحكام الفصل. فقد اتفق الائمة الاربعة على أنه إذا حصل بين المتبايعين اختلاف في قدر الثمن ولا بينة تحالفا، هذا ما وجدته من مسائل الاتفاق في هذا الفصل. وأما ما اختلفوا فيه، فمن ذلك قول الامام الشافعي إنه يبدأ بيمين البائع، وهو ما عبر عنه المصنف بقوله. ولان جنبته أقوى، أما أبو حنيفة وبعض الاصحاب من الشافعية أنه يبدأ بيمين المشترى. ويبدو أن اختلاف المتبايعين يجعل كل واحد منهما يريد أن يكون له الحظ الاوفر من حكم القاضى لنفسه دون أخيه ومثل ذلك أنه إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، فقال البائع بعتك بعشرين، وقال المشترى بل بعشرة ولاحدهما بينة حكم بها وإن لم يكن لهما بينة تحالفا وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك في رواية عنه، وشريح، وفى رواية عن مالك القول قول المشترى مع يمينه وبه قال أبو ثور وزفر، لان البائع يدعى عشرة زائدة ينكرها المشترى، والقول قول المنكر. وقال الشعبى القول قول البائع أو يترادان. قال ابن قدامة في المغنى ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدا، وأن القول قول البائع مع يمينه، فإذا حلف فرضى المشترى بذلك أخذ به، وان أبى حلف أيضا وفسخ البيع بينهما، لان في ألفاظ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، ولا بينة لاحدهما تحالفا " ولان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فان البائع يدعى عقدا بعشرين ينكره المشترى،

والمشترى يدعى عقدا بعشرة ينكره البائع، والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمين في حقهما. قال الرملي في نهاية المحتاج شرح المنهاج عند الاختلاف في قدر الثمن أو صفة المبيع: والاصح تصديق البائع أو الاجل بأن أثبته المشترى ونفاه البائع أو قدره كشهر أو شهرين، أو قدر المبيع كمد من هذه الصبرة، مثلا بدرهم، فيقول: بل مدين ولا بينة لاحدهما يعول عليها، فشمل ما لو أقام كل بينة وتعارضنا لاطلاقهما أو إطلاق أحدهما فقط، أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين تحالفا، لخبر مسلم (اليمين على المدعى) وكل منهما مدع ومدعى عليه اه. وأما ما استند إليه القائلون بعدم التحالف كابن المقرى في بعض نسخ الروض من إمكان الفسخ في زمنه فقد رد بأن التحالف لم يوضع للفسخ بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب فيتقرر العقد بيمين الصادق. فإذا اختلفا في الصحة أو العقد هل هو بيع أو هبة فلا تحالف كما سيأتي من كلام المصنف، فإذا كان لاحدهما بينة قضى بها، فإن كان لهما بينتان مؤرختان بتاريخين مختلفين فإنه يقضى بالاولى منهما، ولو اختلفا في الثمن أو المبيع بعد القبض مع الاقالة أو التلف الذى ينفسخ به العقد فلا تحالف، بحلف مدعى النقص، لانه غارم، ولهذا زاد بعضهم قيدا، وهو بقاء العفد إلى وقت التنازع احترازا عما ذكر. وأورد على الضابط اختلافهما في عين المبيع والثمن معا مثل: بعتك هذه السيارة الركوب بمائة دينار فيقول: بل النقل بمائتي دينار فلا تحالف جزما إذا لم يتواردا على شئ واحد، مع أنهما اتفقا على بيع صحيح واختلفا في كيفيته فيحلف كل على نفى ما ادعى عليه على الاصل. قال الشافعي في مختصر المزني بعد أن أورد حديث ابن مسعود من طريقي سفيان ومالك الذى رواه مالك بلاغا - يعنى قال: بلغني عن ابن مسعود إلخ. قال الشافعي " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " فإذا تبايعا عبدا فقال البائع: بألف والمشترى بخمسمائة فالبائع

يدعى فضل الثمن، والمشترى يدعى السلعة بأقل من الثمن، فيتحالفان، فان حلفا معا قيل للمشترى: أنت بالخيار في أخذه بألف أو رده، ولا يلزمك ما لا تقر به، فأيهما نكل عن اليمين وحلف صاحبه حكم له. قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم وهما متصادقان على البيع ومختلفان في الثمن بنقض البيع، ووجدنا الفائت في كل ما نقض فيه القائم منتقضا فعلى المشترى رده إن كان قائما أو قيمته إن كان فائتا، كانت أقل من الثمن أو أكثر. قال المزني: يقول: صارا في معنى من لم يتبايع، فيأخذ البائع عبده قائما أو قيمته متلفا، قال: فرجع محمد بن الحسن إلى ما قلنا وخالف صاحبيه - يعنى أبا حنيفة وأبا يوسف - وقال: لا أعلم ما قالا إلا خلاف القياس والسنة. قال والمعقود إذا تناقضاه والسلعة قائمة تناقضاه وهى فائتة، لان الحكم أن يفسخ العقد فقائم وفائت سواء. قال المزني، ولو لم يختلفا وقال كل واحد منهما: لا أدفع حتى أقبض فالذي أحب الشافعي من أقاويل وصفها أن يؤمر البائع بدفع السلعة، ويجبر المشترى على دفع الثمن من ساعته، فان غاب وله مال أشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة، فإذا دفع أطلق عنه الوقف، وإن لم يكن له مال فهذا مفلس والبائع أحق بسلعته ولا يدع الناس يتمانعون الحقوق وهو يقدر على أخذها منهم اه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب أن يجمع كل واحد منهما في اليمين بين النفى والاثبات، لانه يدعى عقد وينكر عقدا، فوجب أن يحلف عليهما، ويجب أن يقدم النفى على الاثبات. وقال أبو سعيد الاصطخرى: يقدم الاثبات على النفى كما قدمنا الاثبات على النفى في اللعان، والمذهب الاول. لان الاصل في اليمين أن يبدأ بالنفى، وهى يمين المدعى عليه، فوجب أن يبدأ ههنا أيضا بالنفى، ويخالف اللعان فانه لا أصل له في البداية بالنفى، وهل يجمع بين النفى والاثبات بيمين واحدة أم لا؟ فيه وجهان.

أحدهما: يجمع بينهما بيمين واحدة، وهو المنصوص في الام، لانه أقرب إلى فصل القضاء فعلى هذا يحلف البائع أنه لم يبع بألف، ولقد باع بألفين ويحلف المشترى أنه ما اشترى بألفين ولقد اشترى بألف، فان نكل المشترى قضى للبائع وإن حلف فقد تحالفا. والثانى أنه يفرد النفى بيمين والاثبات بيمين، لانه دعوى عقد وإنكار عقد فافتقر إلى يمينين، ولانا إذا جمعنا بينهما بيمين واحدة حلفنا البائع على الاثبات قبل نكول المشترى عن يمين النفى، وذلك لا يجوز. فعلى هذا يحلف البائع أنه ما باع بألف، ثم يحلف المشترى أنه ما ابتاع بألفين، فان نكل المشترى حلف البائع أنه باع بألفين، وقضى له، فان حلف المشترى حلف البائع أنه باع بألفين ثم يحلف المشترى أنه ابتاع بألف. فان نكل قضى للبائع، وان حلف فقد تحالفا (الشرح) هذا الفصل بين كيفية اليمين ومضمونها لان كل واحد من المتبايعين ينطوى موقفه على حالتى اثبات ونفى ومن ثم ينبغى أن يكون حلفه مشتملا على أركان الدعوى من اثبات ونفى فمثلا المبتدئ باليمين يحلف ما بعته بعشرة وانما بعته بعشرين، فان شاء المشترى أخذه بما قال البائع، والا يحلف ما اشتريته بعشرين، وانما اشتريته بعشرة وبهذا قال الشافعي في الام. وقال أبو حنيفة يبتدئ بيمين المشترى لانه منكر واليمين في جنبته أقوى ولانه يقضى بنكوله وينفصل الحكم، وما كان أقرب إلى فصل الخصومة كان أولى. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فالقول ما قال البائع " وفى لفظ " ما قال البائع. والمشترى بالخيار " رواه أحمد ومعناه أن شاء أخذ وان شاء حلف ولان البائع اقوى جنبة. لانهما إذا تحالفا عاد المبيع إليه. فكان أقوى كصاحب اليد وقد بينا أن كل واحد منهما منكر من وجه فيتساويان في هذا الوجه. والبائع إذا نكل فهو بمنزلة نكول المشترى يحلف الآخر ويقضى له فهما سواء. وإذا حلف البائع فنكل المشترى عن اليمين قضى عليه. وان نكل البائع حلف المشترى وقضى له. وان حلفا جميعا لم ينفسخ البيع لان العقد صحيح.

والتحالف لا يفسخ العقد، كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه، لكن إن رضى أحدهما بما قال صاحبه أقر العقد بينهما، وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما الخيار. أما على المذاهب تفصيلا فهل يستحب الحلف من البائع أو لا أم المشترى على أربعة أقوال (أصحها) يبدأ في اليمين بالبائع لان جانبه أقوى بعود المبيع الذى هو المقصود بالذات إليه بالفسخ الناشئ عن التحالف، ولان ملكه على الثمن قد تم بالعقد، وملك المشترى على المبيع لا يتم إلا بالقبض، ولانه يأتي بصورة العقد، وصورة المسألة أن المبيع معين والثمن في الذمة، ومن ثم بدئ بالمشترى في عكس ذلك لانه أقوى حينئذ، ويخبر الحاكم بالبداءة بأيهما أداه إليه اجتهاده فيما إذا كانا معينين أو في الذمة. والزوج في الصداق كالبائع، فيبدأ به لقوة جانبه ببقاء التمتع له، ولان أثر التحالف يظهر في الصداق إلا في البضع وهو باذله فكان كبائعه، والخلاف في الاستحباب لحصول المقصود بكل تقدير (الثاني) يبدأ في اليمين بالمشترى لقوة جانبه بالمبيع، وهو قول أبى حنيفة ووجه عند الاصحاب باعتبار أن رب السلعة في الحال هو المشترى، وللحديث: فالقول ما يقول رب السلعة. (الثالث) يتساويان لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فلا ترجيح فيتخير الحاكم فيم يبدأ به منهما (الرابع) يقرع بينهما فمن قرع بدئ به. وذلك لان القرعة سبيل لحسم النزاع عند التشاح. قال الغزالي في الوجيز: أما كيفية اليمين فالبداءة بالبائع، وفى السلم بالسلم إليه وفى الكتابة بالسيد، لانهما في رتبة البائع، وفى الصداق بالزوج لانه في رتبة بائع الصداق، وأثر التحالف يظهر فيه لا في البضع. وقيل انه يبدأ بالمشترى وهو مخرج، وقيل يتساويان فيقدم بالقرعة أو برأى القاضى. اه وفى كيفية اليمين أقوال: (أحدها) أن يجمع بين النفى والاثبات بيمين واحدة مطلقا، والصيغة التى اتفقوا عليها أن يقول: والله ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا. ويقول المشترى: والله ما اشتريت بكذا، ولقد اشتريت بكذا، أو يأتي بلفظ (وإنما) بدل (ولقد)

وأباه بعضهم لما فيه من إبهام اشتراط الحصر، وفى رأى شمس الدين الرملي - وهو الملقب بالشافعي الصغير - لا يكفى قوله ما بعت إلا بكذا، لان الايمان لا يكتفى فيها باللوازم، بل لابد من الصريح. لان فيها نوعا من التعبد، ومن هنا كان قولا ثانيا وهو: (ثانيها) أن يبدأ بالنفى ثم الاثبات بيمين واحدة لكليهما (ثالثها) أن يبدأ بالاثبات ثم بالنفى بيمين واحدة لكليهما، لانه دعوى عقد وإنكار عقد فافتقر إلى يمينين (رابعها) أن يبدأ بالنفى بيمين ثم بالاثبات بيمين أخرى، وهو المستحب في قول الرملي في نهاية المحتاج (خامسها) أن يبدأ بالاثبات بيمين ثم بالنفى بيمين أخرى (سادسها) أن يبدأ بما شاء منهما بيمين والآخر بيمين أخرى والصواب أن يبدأ القاضى - إذا ترافعا إليه أو أحدهما - بيمين البائع وحسبه في ذلك أن يقول والله ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا، والله تعالى أعلم على أن الاختلاف يشمل المبيع والثمن، لان قوله إذا اختلف المتبايعان مع حذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام، على ما قرره علماء المعاني، فيعم الاختلاف في المبيع وفى الثمن وفى كل أمر فرجع اليهما، وفى سائر الشروط المعتبرة، والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات، كما وقع في أحاديث الباب لا ينافى هذا العموم المستفاد من الحذف وفى حديث ابن مسعود عند أحمد " فالقول ما يقول صاحب السلعة " وصاحب السلعة هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات، فلا وجه لما روى عن البعض من أن رب السلعة في الحال هو المشترى والاختلاف بين المتبايعين في أمر من أمور العقد لا علاج له إلا يمين البائع فإذا حلف المشترى فقد تحالفا ولا يكون لهما خلاص من هذا النزاع إلا التفاسخ على أن سبب الاختلاف بين الفقهاء هو قوله صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " لانه يدل بعمومه، على أن اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعى من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا

أو لا. وحديث ابن مسعود يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشترى من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه، فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه، فيتعارضان باعتبار مادة الاتفاق. وهى حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الامور الخارجية، وحديث " أن اليمين على المدعى عليه " رواه أحمد ومسلم، وهو أيضا في صحيح البخاري في الرهن وفى باب اليمين على المدعى عليه. وفى تفسير آل عمران. وأخرجه الطبراني بلفظ " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " وأخرجه الاسماعيلي بلفظ: ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب. وأخرجه البيهقى بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر " وهذه الالفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لا يصعب عليه ذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا تحالفا وجب فسخ البيع لانه لا يمكن إمضاء العقد مع التحالف وهل ينفسخ بنفس التحالف أم لا. فيه وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ بنفس التحالف كما ينفسخ النكاح في اللعان بنفس التحالف، ولان بالتحالف صار الثمن مجهولا والبيع لا يثبت مع جهالة العوض فوجب أن ينفسخ (والثانى) أنه لا ينفسخ إلا بالفسخ بعد التحالف وهو المنصوص لان العقد في الباطن صحيح لانه وقع على ثمن معلوم فلا ينفسخ بتحالفهما، ولان البينة أقوى من اليمين. ثم لو أقام كل واحد منهما بينة على ما يدعيه لم ينفسخ البيع، فلان لا ينفسخ باليمين أولى. وفى الذى يفسخه وجهان (أحدهما) أنه يفسخه الحاكم لانه مجتهد فيه فافتقر إلى الحاكم كفسخ النكاح بالعيب (والثانى) انه ينفسخ بالمتعاقدين لانه فسخ لاستدراك الظلامة فصح من المتبايعين كالرد بالعيب (الشرح) قوله " وإذا تحالفا وجب فسخ البيع " لسبق قولنا إنه يشجب التراضي المنصوص عليه في قوله عز وجل " عن تراض منكم " ولقولنا: والاختلاف بين المتبايعين في أمر من أمور العقد لا علاج له إلا يمين البائع،

فإذا حلف البائع ثم حلف المشترى فلا يكون لهما مناص من التفاسخ ليخرجا من محارج النزاع. ولكن هل ينفسخ بنفس التحالف أم لا؟ وجهان (أحدهما) أنه ينفسخ بنفس التحالف لانه ذروة النزاع المفضى إلى الفسخ كما ينفسخ النكاح في اللعان بنفس التحالف، واللعان من العقود التى تفسخ بالتحالف فيقع الفسخ ظاهرا وباطنا، لانه فسخ لاستدراك الظلامة، ولان الثمن بعد التحالف صار مترددا بين ادعاءى كل من المتبايعين مما يسبغ عليه جهالة تخل بالعقد خللا ينقضه، لان الثمن حينئذ يصير مجهلا لا مجهولا، لانه معلوم عندهما باطنا، ولكن عراه التجهيل باختلافهما عليه إن كان الاختلاف في مقدار الثمن. وكذلك اختلافهما في مقدار المبيع كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولان الثمن عوض عن المبيع فلا يثبت العقد مع جهالة الثمن (والثانى) أنه لا ينفسخ بمجرد التحالف ولكن بفسخه قصدا بعده، وهو المنصوص في الذهب. قال المزني في المختصر في باب اختلاف المتبايعين: والمعقول إذا تناقضاه والسلعة قائمة تناقضاه وهى فائتة لان الحكم أن يفسخ العقد فقائم وفائت سواء. ولنا أن العقد لا ينفسخ بنفس الحالف، لان كل واحد منهما يقصد بيمينه إثبات الملك فلم يجز أن تكون موجبة لفسخ الملك لانهما ضدان فعلى هذا لو فسخه المتبايعان فأيهما فسخ صح اعتبارا بفسخ العيوب التى تكون موقوتة على المتعاقدين دون غيرهما والوجه الثاني: أن الفسخ لا يقع إلا بفسخ الحاكم كالفسخ بالعنة وعيوب الزوجين لانها عن اجتهاد. فعلى هذا لو فسخه المتبايعان لم ينفسخ حتى يفسخه عليهما الحاكم بعد تحالفهما عنده، وتخيير كل منهما في قبول قول الآخر، فإن قبل صح البيع قال الشافعي في الام فيما يتعلق باختلاف المتبايعين: " وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع ثم اختلفا، فقال البائع: بعتك على أنى بالخيار ثلاثا. وقال المشترى بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا، وكان المشترى بالخيار في فسخ البيع، أو يكون للبائع الخيار وهذا والله أعلم كاختلافهما

في الثمن، نحن ننقض البيع باختلافهما بالثمن وننقضه بادعاء هذا أن يكون له الخيار، وأنه لم يقر بالبيع إلا بخيار، وكذلك لو ادعى المشترى الخيار كان القول فيه هكذا. اه ومرادنا من سوق هذا النص: قوله رضى الله عنه: نحن ننقض البيع باختلافهما بالثمن. والنقض هنا نقض الظاهر، أما النقض في الباطن فلا، لانه يمكن أن يتراضيا بغير عقد جديد فيمضى العقد على سننه. وذلك هو قول المصنف (لان العقد في الباطن صحيح) قوله " ولان البينة أقوى من اليمين " لانها مقدمة عليه ولانه بقيامها لا يسوغ اليمين لان وسائل الاثبات إذا كانت كتابية وممهورة بخاتم أو توقيع البائع أو المشترى أو كليهما كان لا محل لليمين هنا ولان العقد وقع بين المتبايعين بالقواعد العامة المقررة شرعا من التراضي بين ذوى أهلية للتعاقد، ويكفينا أن نقول: انه يجب أن يقع التراضي على الامور الثلاثة وهى: ماهية العقد، والمبيع، والثمن فيجب لانعقاد البيع أن تتجه الارادتان إلى البيع والشراء، أما إذا لم تتقابل الارادتان في هذا المعنى بأن قصد أحد المتبايعين البيع والثانى عقدا آخر لم ينعقد عقد بيع ولا عقد آخر، وإذا قصدا معا إلى عقد آخر غير البيع طبقت أحكام هذا العقد ولو سمياه بيعا. ومن هنا كان اتفاق الارادتين على الشئ المبيع ذاته، كان العقد صحيحا باطنا وظاهرا، فإذا اختلفا فقد أخلا بظاهره دون باطنه لسبق التقاء إرادتيهما على عقده. أما إذا كانت هناك بينة ثم اختلفا وترافعا إلى القاضى، فإن القاضى يفسر بحكمه إرادة المتعاقدين، فإذا تعذر على القاضى ذلك لعدم توفر الخصائص الذاتية المميزة للتعاقد بموجب البينة المقدمة إليه، كما لو كانت وثيقة مزورة، أو شهادة مفتعلة، أو أمارات لا ينتهض لاقناعه بتوفر العناصر الاساسية للعقد واستحال على القاضى إعطاء الوصف الشرعي لصحة العقد أمر بفسخه، وهل يأمر بفسخه على الفور؟ أم على التراخي؟ الصحيح أنه إذا خشى تلف المبيع، أو فوات مصلحة تتعلق بنفوقه أو كساده كان قضاؤه على الفور. أما إذا ترتب على التراخي عدم ما ذكرنا مع توقع تقدم أحد

طرفي النزاع أو كليهما بالبينة أو (المستندات) كان له إصدار الحكم مع توقيت حينه بتأجيل النطق به إلى الوقت المناسب مناسبة مطابقة لجميع الاحوال مع اتقاء المضارة. وغنى عن البيان أن عوض المبيع لا يشترط أن يكون نقدا مع الرجوع إلى أحكام الربويات التى مرت للمصنف والشارحين النووي والسبكي رحمهما الله. ورجح ابن الرفعة أن لا يكون فسخ القاضى على الفور، ولا يشكل عليه ما مر من إلحاقه بالعيب وبقاء المنازعة، فقد يفرق بأن التأخير غير مشعر بالرضا للاختلاف في وجود المقتضى بخلافه. ومنازعة الاسنوى في قياس ما تقرر على الاقالة الذى نقله المزني والبويطى وأقراه. بأن كلا لو قال - ولو بحضور صاحبه بعد البيع: فسخته، لم ينفسخ ولم يكن إقالة، إذ لا تحصل الا ان صدرت بإيجاب وقبول، بشرطه المار مردودة بأن تمكين كل بعد التحالف من الفسخ كتراضيهما به. أي بلفظ الاقالة، فالقياس صحيح، وأن لكل الابتداء بالفسخ، وبه صرح الرافعى على ما سيأتي قال الرملي في النهاية، وهو الملقب بالشافعي الصغير، رحمه الله تعالى: وإذا تحالفا فالصحيح أن العقد لا ينفسخ بنفس التحالف، لان البينة أقوى من اليمين. وللخبر الثاني فإن تخييره فيه بعد الحلف صريح في عدم الانفساخ به ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ، فبالتحالف أولى. بل ان أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما ولا ينفسخ، وان تراضيا على ما قال أحدهما أقر العقد وينبغى للحاكم ندبهما للتوافق ما أمكن. ولو رضى أحدهما بدفع ما طلبه صاحبه أجبر الآخر عليه. والا بأن لم يتفقا على شئ واستمرا على النزاع، فيفسخانه أو أحدهما، لانه فسخ لاستدراك الظلامة، فأشبه الفسخ بالعيب، أو الحاكم لقطع المنازعة. ثم فسخ الحاكم والصادق منهما ينفذ ظاهرا وباطنا كالاقالة، وغيره ينفذ ظاهرا فقط. ورجح ابن الرفعة عدم وجوب الفور هنا، ولا يشكل عليه ما مر من إلحاقه

بالعيب، فقد يفرق بأن التأخير غير مشعر بالرضا للاختلاف في وجود المقتضى ثم. قال: وقيل انما يفسخه الحاكم لانه مجتهد فيه كالفسخ بالعنة، وكأنهم اقتصروا في الكتابة على فسخ الحاكم احتياطا لسبب العتق المتشوف إليه الشارع وبعده أيضا على أوجه الوجهين لبقاء ملكه، بل قضية تعليلهم جوازه بعد الفسخ إذا لم يزل به ملك المشترى وهو كذلك على أن لليمين فوائد: (منها) تخويف المدعى عليه سوء عاقبة الحلف الكاذب، فيحمله ذلك على الاقرار بالحق. (ومنها) القضاء عليه بنكوله عنها على ما قدمنا من القضاء عليه إذا نكل عن اليمين. (ومنها) انقطاع الخصومة والمطالبة في الحال، وتخليص كل من الخصمين من ملازمة الآخر، ولكنها لا تسقط الحق، ولا تبرئ الذمة باطنا ولا ظاهرا فلو أقام المدعى بينة بعد حلف المدعى عليه، سمعت وقضى بها، وكذا لو ردت اليمين على المدعى فنكل (1) ، ثم أقام المدعى بينة، سمعت وحكم بها (ومنها) اثبات الحق بها إذا ردت على المدعى أو أقام شاهدا واحدا. (ومنها) تعجيل عقوبة الكاذب المنكر لما عليه من الحق، فإن اليمين الغموس تدع الديار بلاقع، فيشتفى بذلك المظلوم عوض ما ظلمه بإضاعة حقه.

_ (1) نكل عن الشئ امتنع عنه خوفا أو جبنا، ومشروعية اليمين هنا لحكمة كبرى، وهى اعطاء المتخاصمين فرصة من الوقت يراجع فيها ضميره إذا كان على غير الحق.

ومنها أن تشهد قرائن الحال بكذب المدعى، فمذهب مالك أنه لا يلتفت إلى دعواه، ولا يحلف له، وهذا اختيار الاصطخرى من الشافعية، ويخرج على مذهب أحمد مثله، وذلك مثل أن يدعى الدنئ استئجار أمير أو ذى هيئة وقدر لعلف دوابه، وكنس بابه، ونحو ذلك. وروى عن شيخ الاسلام ابن تيمية أنه كان عند نائب السلطان في دمشق (1) يجلس إلى جانبه، فادعى بعض الحاضرين أن له قبل ابن تيمية وديعة، وسأل اجلاسه معه واحلافه فقال لقاضي المالكية - وكان حاضرا - أتسوغ هذه الدعوى؟ وتسمع، فقال: لا، فقال ابن تيمية: فما مذهبك في مثل ذلك، قال تعزير المدعى. قال ابن تيمية: فاحكم بمذهبك، فأقيم المدعى وأخرج. (فرع) إذا أقيمت الدعوى وقدمت البينة لا ينفسخ العقد الا بصدور حكم القاضى بالفسخ وهنا كان عدم انفساخه باليمين أولى. وقوله: وفى الذى يفسخه وجهان، وعند الحنابلة طريقان. اولهما: وهو الاصح عند الشافعي وأصحابه أن الذى يفسخه هو الحاكم لانه مجتهد فيه، أعنى لان أمر النزاع محل اجتهاد فافتقر إلى من يبذل وسعه، ومن يبلغ بعلمه واحاطته تغطية عناصر النزاع، ومن هنا افتقر أمر الفسخ إلى الحاكم كما يفتقر فسخ النكاح بالعيب إليه. قال ابن قدامة في المغنى: ويحتمل ان يقف الفسخ على الحاكم، وهو ظاهر مذهب الشافعي، لان العقد صحيح وأحدهما ظالم، وانما يفسخه الحاكم لتعذر امضائه في الحكم،

_ (1) كانت مصر والشام والحجاز واليمن يحكمها سلطان واحد مقره في القلعة بمصر وله نائب على دمشق ونائب علن حلب ونائب على الحجاز ونائب على اليمن وذلك على عهد المماليك الايوبيه وهم أبناء قلاوون.

فأشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان، وجهل السابق منهما اه. وأما الوجه الثاني على المذهب أو الطريق الاصح عند أحمد فهو أن يفسخه المتعاقدان، لانه يقع منهما صحيحا كالرد بالعيب، وكل ما كان فيه استدراك للظلامة وهو ظاهر الحديث واذعان له " أو يترادان البيع " وظاهره استقلالهما بذلك، وفى قصة بيع ابن مسعود الاشعث بن قيس رقيقا من رقيق الامارة، فقال عبد الله: بعتك بعشرين ألفا. فقال الاشعث اشتريت منك بعشرة آلاف فقال عبد الله سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة، والمبيع قائم بعينه، فالقول قول البائع، أو يترادان البيع " قال فإنى أرد البيع، رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن ابن أبى ليلى عن عبد الرحمن ابن القاسم عن ابن مسعود، ومن هنا لا يتوقف ذلك على فسخ الحاكم، الا إذا لجأ أحدهما إلى المرافعة لديه. وحديث عبد الملك بن عبيدة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع، ثم كان المشترى بالخيار، ان شاء أخذ وان شاء ترك " وهذا ظاهر عند الحنابلة في أنه يفسخ من غير حاكم، لانه جعل الخيار إليه، فأشبه من له خيار الشرط أو الرد بالعيب، ولانه هنا لا يشبه النكاح لان لكل واحد من الزوجين الاستقلال بالطلاق. ويمكن أن يرد على مفهوم هذين الخبرين على هذا النحو بما يأتي: أولا: ان متعلق النزاع بين ابن مسعود والاشعث هو رقيق الامارة، والامارة كانت لعبد الله بن مسعود، فكان هو بمثابة القاضى الذى طبق النص، وأوضحه لصاحبه، إذ لم يكن بهما من حاجة إلى حاكم وصاحب الشأن، حاكم ثقة يحمل الدليل اللاحب فلا يفيد الخبر استقلال المتبايعين بالفسخ عند التحالف وليس نصا قاطعا في هذا المفهوم. ثانيا: خبر عبد الملك بن عبيده لا يفيد ذلك أيضا - أعنى ليس دليلا على استقلال المتبايعين بالفسخ دون الرجوع إلى القاضى - فان الخبر ينص بمنطوقه ومفهومه أيضا على عكس ذلك، فقوله (استحلف) دليل على طلب الحلف

المستفاد من السين والتاء، ولا يكون الطلب إلا من غيرهما، وليس سوى الحاكم هو الذى يستحلف البائع والله أعلم. (مسألة) قال الشافعي في باب المكاتب: إذا اختلف الزوجان في المهر وتحالفا بدأت بالزوج اه. قلت: وهذا مخالف لقاعدة البدء بالبائع لان الزوج يحل محل المشترى. وقال الشافعي في كتاب الدعوى والبينات وآداب القضاه: إن بدأ البائع باليمين خير المشترى، وإن بدأ بها المشترى خير البائع. قلت: وهذا يدل على أن للحاكم تقديم أيهما شاء. ولعل أقوال الشافعي في الام جعلت الاصحاب يخرجون المسألة على الاقاويل الثلاثة المعروفة. أحدها: ان يبدأ الحاكم بإحلاف البائع لانه أقوى جانبا. والثانى: بإحلاف المشترى لانه أقوى جانبا لمشابهته الزوج. والثالث: وهو أصح الاقوال عند الاصحاب أن الحاكم يبدأ بإحلاف البائع قبل المشترى ويمكن أن يجاب عن اختلاف الاقاويل بأن ظاهر النص في البيوع بإحلاف البائع قبل المشترى وظاهر النص في الصداق بإحلاف الزوج قبل الزوجة، والفرق بينهما أن تحالفهما في البيع برد المبيع إلى يد بائعه فبدئ بإحلافه، وتحالفهما في المهر لا يرفع ملك الزوج عن البضع، وهو بعد التحالف على ملكه فبدئ بإحلافه. وأما ما قاله الشافعي في الدعوى والبينات فإنما أراد به أن الحاكم إن أداه اجتهاده إلى تقديم المشترى جاز، وإن أداه اجتهاده إلى تقديم البائع جاز، لان تقديم أحدهما طريقه الاجتهاد دون النص، فجاز أن يؤدى الاجتهاد إلى تقديم كل واحد منهما، وليس كاللعان الذى ورد النص بتقديم الزوج ولا يجوز خلافه فإذا ثبت أن يبدأ بيمين البائع على ما شرحنا من المذهب فهل تقديمه في اليمين من طريق الاولى إلى طريق الاستحقاق؟ على وجهين. أحدهما: أن تقديمه على طريق الاستحقاق، فإن قدم عليه المشترى لم يجز الا أن يؤدى اجتهاد الحاكم إلى ذلك.

والوجه الثاني: تقديمه على طريق الاولى، فإن قدم عليه المشترى جاز وان لم يؤده اجتهاده إليه ولما كان الحاكم منصوبا لاستيفاء الحقوق وقطع التخاصم، ولانه مجتهد، يجب تسليم المبيع والثمن إليه حتى إذا قضى بينهما سلم المبيع اما إلى المشترى واما رده إلى بائعه وسلم الثمن اما إلى البائع واما رده إلى المشترى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا فسخ أو انفسخ فهل ينفسخ ظاهرا وباطنا أم لا فيه ثلاثة أوجه، أحدها ينفسخ ظاهرا وباطنا لانه فسخ بالتحالف فوقع ظاهرا وباطنا كفسخ النكاح باللعان، ولانه فسخ بيع لاستدراك الظلامة فصح ظاهرا وباطنا كالرد بالعيب. والثانى: أنه ينفسخ في الظاهر دون الباطن، لان سبب الفسخ هو الجهل بالثمن، والثمن معلوم في الباطن مجهول في الظاهر، فلما اختصت الجهالة بالظاهر دون الباطن اختص البطلان بالظاهر دون الباطن. والثالث: أنه ان كان البائع هو الظالم وقع الفسخ في الظاهر دون الباطن، لانه يمكنه أن يصدق المشترى، ويأخذ منه الثمن، ويسلم إليه المبيع، فإذا لم يفعل كان ممتنعا من تسليم المبيع بظلم، فلم ينفسخ البيع، وان كان البائع مظلوما انفسخ ظاهرا وباطنا، لانه تعذر عليه أخذ الثمن، ووجد عين ماله فجاز له أن يفسخ ويأخذ عين ماله، كما لو أفلس المشترى ووجد البائع عين ماله. فإن قلنا: ان الفسخ يقع في الظاهر والباطن عاد المبيع إلى ملك البائع والى تصرفه. وان قلنا: ان الفسخ في الظاهر دون الباطن نظرت، فان كان البائع هو الظالم لم يجز له قبض المبيع والتصرف فيه، بل يلزمه أن يأخذ ما أقر به المشترى من الثمن ويسلم المبيع إليه، وان كان مظلوما لم يجز له التصرف في المبيع بالوطئ والهبة، لانه على ملك المشترى، ولكن يستحق البايع الثمن في ذمة المشترى، ولا يقدر على أخذه منه فيبيع من المبيع بقد حقه، كما تقول فيمن له على رجل دين لا يقدر على أخذه منه ووجد شيئا من ماله.

(الشرح) العقد له ظاهر وهو الايجاب والقبول والتقابض من الماديات الظاهرة أما الباطن فهو التقاء ارادة كل من المتبايعين، ووجود العلم بحقيقة النزاع ولكن في ضمير كل منهما. ومن هنا إذا انفسخ العقد بصورة مما أسلفنا فهل ينفسخ ظاهرا وباطنا؟ أم ظاهرا فقط؟ على ثلاثة أوجه عند الشافعية، ووجهان عند أصحاب أحمد، ووجه عند أحمد. أولها: ينفذ الفسخ ظاهرا وباطنا بهذا التحالف، كفسخ النكاح باللعان. ولانه فسخ بيع لاستدراك الظلامة فوقع ظاهرا وباطنا وهو كالر بالعيب. أو فسخ عقد بالتحالف. وهذا الوجه هو ظاهر كلام أحمد بن حنبل. ثانيها: ينفذ الفسخ في الظاهر دون الباطن لان سبب الفسخ هو الجهل بالثمن والثمن معلوم في ضميرهما مجهول في الظاهر. ولان انفساخ العقد سببه الجهالة بالثمن. ولان الجهالة قاصرة على الظاهر دون الباطن انحصر الانفساخ في ظاهر العقد واختص البطلان بالظاهر. وكان العقد في الباطن صحيحا. وكان القاضى الذى يحاسب المتبايعين على هذا التحالف والنزاع هو الله رب العالمين. وكأى عقد من العقود التى في ذمة المسلم واجبة الوفاء يكون للعقد طرفان ظاهران وطرف آخر في الباطن يعلمه الذى لا تخفى عليه خافية. ولقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " وهو الذى يتولى جزاء الناكثين والناقضين بغير حق يسوغ لهم النقض. ولانه لو أراد أحد طرفي النزاع أن يوافق الآخر على رأيه ويتنازل عن دعواه. فانهما لا يفتقران إلى عقد جديد أو ايجاب وقبول آخرين. ومن هنا يتحرك العقد المنقدح من ضميرهما إلى تنفيذ وامضاء في الظاهر ولانه يحرم عليه أمام الله التصرف في المبيع ان كان ظالما لصاحبه. وهذا الوجه هو وجه عند أصحاب أحمد أيضا. قال أبو الخطاب من الحنابلة: ان كان البايع ظالما لم ينفسخ القد في الباطن لانه كان يمكنه امضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ العقد في الباطن ولا يباح له التصرف في المبيع لانه غاصب. فان كان المشترى ظالما انفسخ البيع ظاهرا وباطنا لعجز البايع عن استيفاء حقه. فكان له الفسخ. كما لو أفلس المشترى.

قال الماوردى في الحاوى (1) في المجلد الخامس من النسخة الخطية بمصر، وهى ذات الاربعة والعشرين مجلدا بالخزانة العربية: لا يفسخ العقد بنفس التحالف لان كل واحد منهما يقصد بيمينه إثبات الملك لانهما ضدان، فعلى هذا بماذا يكون الفسخ بعد التحالف؟ فيه وجهان (أحدهما) أن الفسخ يكون لكل واحد من المتبايعين، فأيهما فسخ صح اعتبارا بفسخ العيوب التى تكون موقوفة على المتعاقدين دون غيرها والوجه الثاني أن الفسخ لا يقع إلا بفسخ الحاكم كالفسخ بالعنة وعيوب الزوجين، لانها عن اجتهاد، فعلى هذا لو فسخه المتبايعان لم ينفسخ حتى يفسخه عليهما الحاكم، ولا يجوز للحاكم أن يفسخه بغير تحالفهما بعد عرض ذلك على كل واحد منهما، كما يعرض على الثاني بعد تخيير الاول، ثم يفسخه بينهما حينئذ، فلو تراضيا بعد تحالفهما صح البيع وهل يقع الفسخ ظاهرا أو باطنا؟ ويقع في الظاهر دون الباطن، على ثلاثة أوجه (أحدها) أن الفسخ قد وقع ظاهرا وباطنا، سواء كان البائع ظالما أو مظلوما، كالفسخ باللعان، وكالفسخ عند تحالف الزوجين في نكاح الولى. فإن ذلك يقع ظاهرا وباطنا، كذلك في البيع، فعلى هذا إذا عادت السلعة إلى البائع كان له ان يتصرف فيها بما شاء من أنواع التصرف كما يفعل في سائر أحواله وإن كانت جارية جاز أن يطأها والوجه الثالث: أن الفسخ يقع في الظاهر دون الباطن، سواء كان البائع ظالما أو مظلوما لانهما يتفقان مع الاختلاف على صحة العقد وانتقال الملك، وحكم الحاكم لا يحيل الامور عما هي عليه في الباطن لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما أحكم بالظاهر ويتولى الله السرائر " فعلى هذا إذا عاد المبيع إلى البائع قيل له: إن كنت تعلم فيما بينك وبين الله

_ (1) المجلد الخامس من النسخة الخطية بدار الكتب تحت رقم 82 فقه شافعي على أن هناك نسخة خطية أخرى تقع في أربعة عشر مجلدا تحت رقم 83 وهى غير كاملة.

أنك كاذب، وأن المشترى صادق، فليس لك أن تتصرف في المبيع بوجه لانه ملك لغيرك، وأنت غير ممنوع من ثمنه فإن تصرفت فيه كنت كمن تصرف في ملك غيره متعديا، وإن كنت تعلم أنك صادق وأن المشترى كاذب فالمبيع للمشترى وأنت ممنوع من ثمنه فليس لك أن تطأه إن كان المبيع جارية وأن لا تهب، وتكون كمن له مال على غيره لا يقدر على أخذه منه أو أي شئ من ماله فيتبع السلعة لتصل إلى حقك من ثمنها وفى المتولي لبيعها، والثانى تولاه الحاكم، فإذا بيعت فإن كان الثمن بقدر حقك فلك أخذ حقك، وإن كان أكثر من حقك فعليك رد الباقي، وإن كان الثمن أقل من حقك فالباقي دين لك في ذمة المشترى والوجه الثالث: ان كان البائع مظلوما والمشترى ظالما وقع الفسخ في الظاهر والباطن. وقد أشار إلى هذا الوجه أبو إسحاق المروزى تعلقا بأن الملك للمشترى بالعقد، وان كان لم ينتقل ملكه. وان كان ظالما صار بالظلم مانعا من ثمنها فصار أسوأ حالا من الجنس الذى يزال ملكه بالاولى لتعذر الثمن. فكذلك هذا يزال ملكه بالظلم لتعذر الوصول إلى الثمن. فعلى هذا إن كان البائع مظلوما فقد وقع الفسخ ظاهرا وباطنا وجاز للبائع إذا عادت السلعة إليه أن يتصرف كيف شاء. اه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن اختلفا في الثمن بعد هلاك السلعة في يد المشترى، تحالفا وفسخ البيع بينهما، لان التحالف يثبت لرفع الضرر واستدراك الظلامة، وهذا المعنى موجود بعد هلاك السلعة، فوجب ان يثبت التحالف، فإذا تحالفا رجع بقيمته ومتى تعتبر قيمته؟ فيه وجهان (أحدهما) تجب قيمته يوم التلف (والثانى) تجب قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف، وقد ذكرنا دليل الوجهين في هلاك السلعة في البيع الفاسد، فإن زادت القيمة على ما ادعاه البائع من الثمن وجب ذلك. وحكى عن أبى على بن خيران أنه قال: ما زاد على الثمن لا يجب، لان البائع لا يدعيه فلم يجب، كما لو أقر لرجل بمالا يدعيه، والمذهب الاول. لانه بالفسخ سقط اعتبار السلعة، فالقول قول المشترى لانه غارم. فكان

القول قوله كالغاصب، فإن تقايلا أو وجد بالمبيع عيبا فرده واختلفا في الثمن. فقال البائع الثمن ألف، وقال المشترى الثمن ألفان فالقول قول البائع، لان البيع قد انفسخ، والمشترى مدع، والبائع منكر، فكان القول قوله (الشرح) إذا هلكت السلعة في يد المشترى واختلفا في الثمن تحالفا، ولا اعتبار باليد، إلا أن يكون تلفها قبل القبض. أما إذا كان تلفها بعد القبض وتلفت في يد المشترى فأبو حنيفه يرى أنه إذا تلف المبيع في خيار الثلاث بعد لزوم العقد فالقول قول المشترى ولا تحالف لان تلف السلعة يمنع من التحالف ويوجب قبول قول المشترى لما روى عن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا اختلف المتبايعان ولا بينة لواحد منهما والسلعة قائمة تحالفا أو ترادا. فشرط التحالف بقاء السلعة فاقتضى عدم قيام التحالف مع تلف السلعة. قال ولانه فسخ ثبت مع نقل المبيع، فوجب أن يسقط مع تلفه كالرد بالعيب. قال ولانه تلف عن عقد صحيح فوجب أن يبقى عند الفسخ قال: إذا تلف المبيع في خيار الثلاث بعد لزوم العقد، فهل يستمر العقد أو ينفسخ؟ قال ولان المبيع أقبض وصار في يد المشترى فهو مضمون على مشتريه بالثمن، فلو جاز تحالفهما بعد الثمن لصار مضمونا عليه بالقيمة دون الثمن. وهذا مما ينافى ضمان العقد. ولنا أن الدلالة على صحة ما ذهبنا إليه من تحالفهما مع نقل السلعة وتلفها ما روى في الخبر: " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " وقد مر لنا بيان طرقه ودرجته وتقعيد العمل به، وكل واحد من المتبايعين منكر ومدع، لان البائع يقول بعت بألف ولم أبع بخمسمائة، ويقول المشترى عكس ذلك، فكل واحد منهما يجوز أن يقيم البينة والبينة إنما تسمع من المدعى دون المنكر، فدل على أن كل واحد منهما مدع منكر فوجب أن يتحالفا، لان التحالف يثبت لرفع الضرر واستدراك الظلامة، وهذا المعنى موجود بعد هلاك السلعة، فوجب أن يثبت التحالف

ويدل على ذلك أيضا الحديث الذى رواه الشافعي وغيره عن ابن مسعود " إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار " ولم يفرق بين بقاء السلعة وتلفها. فإن قيل: فقد شرط بقاء السلعة في التحالف في الخبر الآخر، فصار هذا الاطلاق محمولا على ذلك التقييد، كما حملتم إطلاق العتق في كفارة الظهار على تقييد العتق في كفارة القتل، قيل: هذا ليس من المقيد الذى يحمل إطلاق جنسه عليه لان إطلاق خبر ربما يوجب تحالفهما مع بقاء السلعة وتلفها فصار قوله: إذا اختلفا والسلعة قائمة تحالفا مع استواء الحكم في قيامها وتلفها، قيل: يحتمل وجوها: أحدها: البينة على حكم التحالف مع التلف، لان بقاء السلعة يمكن معه اعتبار قيمتها، فيغلب به قول من كانت دعواه أقرب إليه، ومع التلف لا يمكن فلما سقط اعتبار هذا وأوجب التحالف مع قيام السلعة، كان وجوب التحالف مع تلفها أولى. والثانى: أنه نص على بقاء السلعة، إسقاطا لاعتبار اليد، بخلاف مالك، حتى إذا تحالفا مع وجوب اليد كان تحالفهما مع زوال السلعة، لان تلفها قد يكون مكملا للعقد - كان قبل القبض - وبقاؤها ليس يبطل العقد معه، فيتحالفان مع بقائها، ولا يتحالفان مع تلفها. فإن قيل: فلا دلالة لكم في هذا الخبر لانه جعل القول قول البائع، وأنتم لا تقولون به، قيل قد جعل المشترى بعده بالخيار، ومن جعل القول قول البايع على الاطلاق لم يجعل للمشترى خيارا، وإذا ثبت خيار المشترى بعد يمين البائع فخياره في قبول السلعة بما حلف عليه البائع، أو يحلف بعده، ويفسخ البيع، وكذا نقول في تحالفهما. وإنما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم البائع بالذكر لانه المبتدئ باليمين ويدل عليه المسألة من طريق المعنى أنه اختلاف في صفة عقد بيع صحيح فاقتضى أن يوجب التحالف فإذا كانت السلعة قائمة، ولان ما يوجب فسخ العقد يستوى فيه الباقي والتالف كالاستحقاق، ولانه فسخ لا يفتقر إلى تراضيهما. فإذا صح مع تراد الاعيان صح مع تراد القيم.

وإذا اشترى عبدا بجارية وتقابضا ثم تلفت الجارية فوجد بالعبد عيبا فله رده بالعيب واسترجاع قيمة الجارية لفسخ العقد بعد تلفها كما كان له فسخه مع بقائها. وأما الجواب عن استدلال أبى حنيفة بحديث ابن مسعود فقد مضى في معارضته الخبر الذى رواه الشافعي. وأما الجواب عن قياسه على الرد بالعيب فالمعنى فيه أن العيب مما تلف يقدر على استدراك ظلامته بالاوفق فلم يفسخ، وليس كذلك في اختلافهما، لان كل واحد منهما لا يقدر على استدراك ظلامته إلا بالتحالف، فجاز أن يتحالفا مع التلف، ولا وجه لقوله: إن السلعة بعد تلفها لا تقبل الفسخ، كما لا تقبل ابتداء العقد. وإن إقالة العبد الآبق لا تصح ولا تقبل الاقالة، كما لا يقبل ابتداء العقد، لانه يقول فيمن ابتاع عبدا وقتل في يد البائع إن المشترى بالخيار بين أن يفسخ ويسترجع الثمن، أو يقيم على البيع ويأخذ من القاتل قيمة العبد، فقد جعل العقد بعد التلف قابلا للفسخ كذلك فيما جعلناه أصلا معه من بيع العبد بالجارية إذا تلفت ووجد بالعبد عيبا أن له رده بالعيب واسترجاع قيمة الجارية فجعل العقد بعد التلف قابلا للفسخ كما قبل التلف. وأما الجواب عن قياسهم على خيار الثلاث فحكم الاصل غير مسلم فلم نسلم. وأما الجواب عن قولهم ان المقبوض عن البيع الصحيح مضمون بالثمن دون القيمة فهو أن هذا الاستدلال باطل بمبتاع العبد بالجارية إذا تلفت ووجد بالعبد عيبا لان الجارية قد كانت مضمونة بالعبد الذى هو الثمن، ثم صارت بعد الفسخ بالعيب مضمونة بالقيمة دون الثمن. ومقصد الفصل أن المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشترى تحالفا وفسخ البيع ورجع بقيمة المبيع ان كان متقوما، وان كان مثليا وجب على المشترى مثله. وهذا هو قول الشافعي، ومالك وأحمد في احدى روايتيهما " ومتى تعتبر قيمته، وهل يقوم من حين قبضه، أم يقوم من حين هلاكه؟ وجهان.

أحدهما: يقوم، وتجب قيمته يوم التلف. وقد مر بيان ذلك في هلاك السلعة في البيع الفاسد. فإذا زادت القيمة على ما ادعاه البائع من الثمن وجب ذلك خلافا لابي على بن خيران بناء على قاعدة عدم إعطاء البائع ما ليس يدعيه وليس بمذهب. (مسألة) إذا كان الهلاك معنويا بأن وقف المشترى المبيع أو أعتقه أو باعه أو تعلق به حق لازم ككتابة صحيحه - كما سيأتي في المكاتبة إن شاء الله تعالى - أو كان حسيا كأن مات لزمه قيمته إن كان متقوما، وكثيرا ما يعبرون بالقيمة ويريدون بها البدل شرعا، ولو تلف بعضه رد الباقي وبدل التالف وهذه القيمة هي قيمة يوم التلف في أظهر الاقوال كما رجحه الرملي في نهاية المحتاج، وإن كان المصنف رحمه الله ذكر قولا ثانيا وهو وجوب قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف. وموضوع الفسخ العين، والقيمة بدل عنها، ثم تعتبر عند فوات أصلها، وفارق اعتبارها بما ذكر اعتبارها لمعرفة الارش بأقل قيمتي العقد والقبض، والنظر إليها هناك لا للغرم بل ليعرف منها الارش، وهنا المغروم القيمة فكان اعتبار حالة الاتلاف أليق. قاله الرافعى. وجعل الرملي القول الاول للمصنف قولا ثانيا عنده فقال: والثانى: قيمة يوم القبض لانه يوم دخوله في ضمانه. والثالث: أقل القيمتين يوم العقد والقبض. وجعل الرملي القول الثاني للمصنف قولا رابعا فقال: والرابع: أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف لان يده يد ضمان فتعتبر أعلى القيم. ان تعيب - أي أصابه عيب - رده مع أرشه وهو ما نقص من قيمته لان الكل مضمون على المشترى بالقيمة، فكان بعضه مضمونا ببعضها. (مسألة) فرق بين اعتبار قيمة يوم التلف هنا وبين ما لو باع عينا فردت عليه بعيب وقد تلف الثمن المتقوم بيد البائع فانه يضمنه بالاقل من العقد إلى القبض بأن سبب الفسخ هنا حلف البائع، فنزل منزلة إتلافه فتعين النظر ليوم التلف.

وثم الموجب للقيمة هو مجرد ارتفاع العقد من غير نظر لفعل أحد، فتعين النظر لقضية العقد وما بعده إلى القبض. (مسألة) وطئ الثيب ليس بعيب فلا أرش له، وإن كان قد رهنه أي المبيع خير البائع بين أخذ قيمته أو انتظار فكاكه، ولا ينافى ذلك ما ذكر في الصداق أنه لو طلقها قبل الوطئ وكان الصداق مرهونا، وقال: أنتظر الفكاك للرجوع فلها إجباره على قبول نصف القيمة لما عليها من خطر الضمان، فقياسه هنا إجباره على أخذ القيمة، لانا نقول: المطلقة قد حصل لها كسر بالطلاق، فناسب جبرها بإجابتها بخلاف المشترى وذلك للرفق بها ودفع ما أصابها من الكسر. وإن كان قد أجره رجع فيه مؤجرا، ولا ينتزعه من يد المكترى حتى تنقضي المدة والمسمى للمشترى، وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية من وقت الفسخ إلى انقضاءها، ولو كان زكاة معجلة - وتعيب - فلا أرش أو جعله المشترى مثلا - صداقا - وتعيب في يد الزوجة واختار الرجوع إلى الشطر فلا أرش فيه، ولو دبره المشترى لم يمنع رجوع البائع أخذا مما ذكره المصنف في الفلس على ما سيأتي من أنه لا يمنع فيه. قال في الحاوى: إذا فسخ البيع وجب رد السلعة على بائعها سواء قيل: إن الفسخ قد وقع ظاهرا وباطنا، أو قد وقع في الظاهر دون الباطن، فإن كانت السلعة تالفة فلا يخلو حالها من أحد أمرين إما أن تكون مما لها مثل أو مما لا مثل لها، فإن كانت مما لا مثل لها وجب رد قيمتها وفى اعتبار القيمة وجهان. أحدهما: وقت التلف. والثانى: مما كانت قيمته من وقت القبض إلى وقت التلف، فإن اختلفا في قدر القيمة فالقول قول المشترى مع يمينه اعتبارا بها في ذمته، وسواء كانت القيمة أكثر مما ادعاه البائع أو أقل لبطلان ما ادعاه واستحقاق المبيع، وإن كانت السلعة المبيعة مما له مثل كالحنطة والشعير ففيه وجهان. أحدهما: عليه رد مثله كالمغصوب. والثانى وهو الاصح أن عليه غرم قيمته لانه لم يضمنه وقت القبض بالمثل، وإنما ضمنه بالعوض دون المثل بخلاف الغصب

قال: فأما ما أخذه المشترى من المبيع قبل الفسخ من غلة أو ثمرة أو نتاج فكله على ملك المشترى لا يلزمه رد شئ منه على البائع، لانه كان مالكا حين استغله، وإنما زال ملكه بما حدث من الفسخ. اه وإن تقايلا، وأعفى كل منهما صاحبه من التزامه، أخذ البائع سلعته وأخذ المشترى ثمنه، فإذا اختلفا في الثمن، فقال البائع: الثمن ألف، وقال المشترى ألفان فالقول قول البائع، لانه لا يربطهما عقد لانفساخ البيع، فيكون المشترى بمجرد فسخ البيع مدعيا عليه البينة، فان أتى بالبينة كان القول قوله، فان لم تكن له بينة كان القول قول البائع لانه منكر بيمينه. ومثل؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ل الرد بالعيب، وذلك إذا اختلفا في الثمن، فان العقد بمجرد الرد بالعيب يعد منسوخا وينسحب على كل منهما من الوصف ما ذكرناه في التقايل فالمشترى مدع عليه البينة والمشترى منكر. قال ابن قدامة رحمه الله: وإذا اختلفا في ثمن السلعة بعد تلفها فعن أحمد فيها روايتان. إحداهما: يتحالفان مثل ما لو كانت قائمة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك والاخرى قول المشترى مع يمينه اختارها أبو بكر، وهذا قول النخعي والثوري والاوزاعي وأبى حنيفة لقوله عليه السلام في الحديث " والسلعة قائمة ". فمفهومه أنه لا يشرع التحالف عند تلفها، ولانهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشترى، واستحقاق عشرة في ثمنها، واختلفا في عشرة زائدة، البائع يدعيها والمشترى ينكرها، والقول قول المنكر، وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث الوارد فيه، ففيما عداه يبقى على القياس. ووجه الرواية الاولى عموم قوله " إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع. والمشترى بالخيار ". وقال أحمد: ولم يقل فيه والمبيع قائم إلا يزيد بن هرون، قال أبو عبد الله وقد أخطأ رواة الحلف عن المسعودي، لم يقولوا هذه الكلمة، ولكنها في حديث معن، ولان كل واحد منهما مدع ومنكر، فيشرع اليمين كحال لقيام السلعة،

وما ذكروه من المعنى يبطل بحال قيام السلعة، فإن ذلك لا يختلف بقيام السلعة وتلفها. وقولهم تركناه للحديث. قلنا ليس في الحديث تحالفا. وليس ذلك بثابت في شئ من الاخبار قال ابن المنذر. وليس في هذا الباب حديث يعتمد عليه. اه، وعلى أنه إذا خولف الاصل لمعنى وجب تعديته بتعدى ذلك المعنى فنقيس عليه، بل يثبت الحكم بالبينة، فإن التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة مع أنه يمكن معرفة ثمنها للمعرفة بقيمتها فإن الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة، فمع تعذر ذلك أولى فإذا تحالفا فإن رضى أحدهما بما قال الآخر لم يفسخ العقد لعدم الحاجة إلى فسخه، وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما فسخه، كما له ذلك في حال بقاء السلعة، ويرد الثمن الذى قبضه البائع إلى المشترى، ويدفع المشترى قيمة السلعة إلى البائع فإن كانا من جنس واحد وتساويا بعد التقابض تقاصا وينبغى أن لا يشرع التحالف ولا الفسخ فيما إذا كانت قيمة السلعة مساوية للثمن الذى ادعاه المشترى ويكون القول قول المشترى مع يمينه، لانه لا فائدة من يمين البائع ولا فسخ البيوع، لان الحاصل بذلك الرجوع إلى ما ادعاه المشترى وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة للبائع في الفسخ فيحتمل أن لا يشرع له اليمين ولا الفسخ لان ذلك ضرر عليه من غير فائدة ويحتمل أن يشرع لتحصيل الفائدة للمشترى، ومتى اختلفا في قيمة السلعة رجعا إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشترى مع يمينه لانه غارم، والقول قول الغارم وان تقايلا المبيع أو رد بعيب بعد قبض البائع الثمن ثم اختلفا في قدره فالقول قول البائع لانه منكر لما يدعيه المشترى بعد انفساخ العقد، فأشبه ما لو اختلفا في القبض. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان مات المتبايعان فاختلف ورثتهما تحالفوا لانه يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في دعوى المال، وان كان البيع بين وكيلين

واختلفا في الثمن، ففيه وجهان (أحدهما) يتحالفان لانهما عاقدان فتحالفا لمالكين (والثانى) لا يتحالفان لان اليمين تعرض حتى يخاف الظالم منهما فيرجع. والوكيل إذا أقر ثم رجع لم يقبل رجوعه فلا تثبت اليمين في حقه (الشرح) اعلم أن هذا الفصل يتضمن ما يقع من الاختلاف بين من يحل محل المتبايعين والحال محل المتبايعين اما أن يكون وارثا واما أن يكون وكيلا وفى هذه الحال يقوم الوارث مقام الموروث قولا واحدا أما الوكيلان فوجهان (أحدهما) يتحالفان كالمالكين والوارثين (والثانى) لا يتحالفان لعدم وقوع الظلم من أحدهما للآخر وقد يموت أحد المتبايعين وله وكيل فيجرى عليه الوجهان، أو وارث فهو حال محل الموروث في الظلامة والتحالف، فكما أن الوارث يأخذ مال موروثه فله أن يأخذ ما عساه يكون حقا له، ويلزمه ما عساه يصير لازما عليه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان إختلفا المتبايعان في قدر المبيع تحالفا لما ذكرنا في الثمن. وان اختلفا في عين المبيع بأن قال البائع " بعتك هذا العبد بألف. وقال المشترى بل اشتريت هذه الجارية بألف " ففيه وجهان (أحدهما) يتحالفان لان كل واحد منهما يدعى عقدا يتكره الآخر، فأشبه إذا اختلفا في قدر المبيع (والثانى) أنهما لا يتحالفان، بل يحلف البايع أنه ما باعه الجارية ويحلف المشترى أنه ما اشترى العبد. وهو اختيار أبى حامد الاسفراينى رحمه الله، لانهما اختلفا في أصل العقد في العبد والجارية، فكان القول فيه قول من ينكر كما لو ادعى أحدهما على الآخر عبدا والآخر جارية من غير عقد، فإن أقام البائع بينة أنه باعه العبد وجب على المشترى الثمن، فإن كان العبد في يده أقر في يده، وان كان في يد البائع ففيه وجهان (احدهما) يجبر المشترى على قبضه، لان البينة قد شهدت له بالملك (والثانى) لا يجبر لان البينة شهدت له بمالا يدعيه، فلم يسلم إليه، فعلى هذا يسلم إلى الحاكم ليحفظه

(فصل) وإن اختلفا في شرط الخيار أو الاجل أو الرهن أو في قدرها تحالفا لما ذكرناه في الثمن، فإن اختلفا في شرط يفسد البيع ففيه وجهان، بناء على القولين في شرط الخيار في الكفالة. أحدهما: أن القول قول من يدعى الصحة، لان الاصل عدم ما يفسد. والثانى: أن القول قول من يدعى الفساد، لان الاصل عدم العقد فكان القول قول من يدعى ذلك، فإن اختلفا في الصرف بعد التفرق، فقال أحدهما: تفرقنا قبل القبض، وقال الآخر: تفرقنا بعد القبض، ففيه وجهان، أحدهما أن القول قول من يدعى التفرق قبل القبض، لان الاصل عدم القبض، والثانى أن القول قول من يدعى التفرق بعد القبض، لان الاصل صحة العقد، وإن اختلفا بعد التفرق فقال أحدهما تفرقنا عن تراض، وقال الآخر تفرقنا عن فسخ البيع ففيه وجهان. أحدهما أن القول قول من يدعى التراضي، لان الاصل عدم الفسخ وبقاء العقد، والثانى أن القول قول من يدعى الفسخ لان الاصل عدم اللزوم ومنع المشترى من التصرف، فأما إذا اختلفا في عيب المبيع ومثله يجوز أن يحدث فقال البائع عندك حدث العيب وقال المشترى بل حدث عندك، فالقول قول البائع، لان الاصل عدم العيب فان اختلفا في المردود بالعيب فقال المشترى هو المبيع، وقال البائع: الذى بعتك غير هذا فالقول قول البايع لان الاصل سلامة المبيع، وبقاء العقد، فكان القول قوله، فان اشترى عبدين فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا فرده وقلنا إنه يجوز أن يرد أحدهما واختلفا في قيمة التالف ففيه قولان، أحدهما وهو الصحيح أن القول قول البايع. لانه ملك جميع الثمن فلا يزال ملكه إلا عن القدر الذى يقر به كالمشترى والشفيع إذا اختلفا في الثمن. فان القول قول المشترى، لانه ملك الشقص فلا يزال إلا بما يقر به، والثانى. أن القول قول المشترى لانه كالغارم فكان القول قوله فان باعه عشرة أقفزة من صبرة وسلمها بالكيل فادعى المشترى أنها دون حقه ففيه قولان. أحدهما: أن القول قول المشترى، لان الاصل أنه لم يقبض جميعه.

والثانى: أن القول قول البايع، لان العادة فيمن يقبض حقه بالكيل أن يستوفى جميعه فجعل القول قول البايع. (الشرح) اعلم أن اختلاف المتبايعين على ضربين، أحدهما أن يختلفا في أصل العقد، والثانى في صفته، فإن كان اختلافهما في أصل العقد مثل أن يقول البائع بعتك هذا الشئ بألف فيقول الآخر ما اشتريت، أو يقول المشترى: اشتريت منك هذا الشئ بألف، ويقول المالك: ما بعت، فالقول قول منكر العقد مع يمينه بائعا كان أو مشتريا إلا أن يقيم مدعى العقد بينة ولا تحالف بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم " البينة على من ادعى ". وإن كان اختلافهما في صفة العقد، كاختلافهما في قدر الثمن أو صفته أو في قدر المثمن أو في صفته. والضرب الثاني أن يكون اختلافهما مما قد يخلو من العقد كاختلافهما في الاجل وفى قدره أو في الخيار أو في قدره أو في الرهن أو في التمييز أو في عينه. فأما الضرب الاول وهو أن يكون اختلافهما مما يكون يخلو منه العقد من قدر الثمن أو صفته فقد مر تفصيل ذلك في الفصول السابقة، وأما ما يكون من اختلاف في قدر المثمن أو صفته، فالاختلاف في صفة المثمن أن يقول البائع، بعتك عبدا، ويقول المشترى. بل جارية، فان كان اختلافهما فيما ذكرنا وشبهه فقد اختلف الفقهاء في العقد على خمسة مذاهب قد جئنا عليها في الفصول السابقة قال في نهاية المحتاج ما حاصله: وإن اختلفا في الاجل بأن أثبته المشترى ونفاه البائع، أو قدره كشهر أو شهرين، أو قدر المبيع كمد من هذه الصبرة مثلا بدرهم، فيقول. بل مدين به ولا بينة لاحدهما يعول عليها، فشمل ما لو أقام كل بينة وتعارضتا لاطلاقهما أو إطلاق أحدهما فقط أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين تحالفا لخبر مسلم " اليمين على المدعى عليه " ولا يشكل الخبران المتقدمان لانه عرف من هذا الخبر زيادة عليهما وهى حلف المشترى أيضا فأخذنا بها وشمل كلامه ما لو وقع الاختلاف في زمن الخيار فيتحالفان، وهو كذلك كما صرح به ابن يونس والنسائي والاذرعى

وغيرهم، وقد قال الشافعي والاصحاب بالتحالف في الكتابة مع جوازها في حق الرقيق، وفى القراض والجعالة مع جوازهما من الجهتين، وأما ما استند إليه القائل بعدم التحالف كابن المقرى في بعض نسخ الروض من إمكان الفسخ في زمنه رد بأن التحالف لم يوضع للفسخ، بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب فيتقرر العقد بيمين الصادق. والاختلاف في الاجل أو الرهن أو في قدرهما أو في شرط الخيار أو غير ذلك من الشروط لصحيحة ففيها للفقهاء طريقان. أحدهما: وهو قول الشافعي يتحالفان، لانهما اختلفا في صفة العقد فوجب أن يتحالفا قياسا على الاختلاف في الثمن. والثانى: القول قول من ينفى ذلك مع يمينه، وهو أبى حنيفه، لان الاصل عدمه، فالقول قول من ينفيه، كأصل العقد لانه منكر، والقول قول المنكر، فإن اختلفا في شرط يفسد العقد فقال: بعتك بخمر، أو خيار مجهول، فقال: بعتني بنقد معلوم أو خيار ثلاث، فالقول قول من يدعى الصحة مع يمينه، لان ظهور تعاطى المسلم الصحيح أكثر من تعاطيه للفاسد، وإن قال بعتك مكرها، فأنكره فالقول قول المشترى، لان الاصل عدم الاكراه وصحة البيع، وإن قال بعتك وأنا صبى فالقول قول المشترى، كل ذلك قول الشافعي وأحمد والثوري وإسحاق، إلا أن الشافعي يسوى بين المسلم والكافر في تعاطى الصحة. قالوا: لان المتبايعين اتفقا على أصل العقد، واختلفا فيما يفسده، فكان القول قول مدعى الصحة. ويحتمل أن يقبل قول من يدعى الصغر لانه الاصل. وهو قول بعض أصحاب الشافعي، ويفارق ما إذا اختلفا في شرط فاسد أو إكراه لوجهين: أحدهما: أن الاصل عدمه، وههنا الاصل بقاؤه. والثانى: أن الظاهر من المكلف أنه لا يتعاطى إلا الصحيح، وها هنا ما ثبت أنه كان مكلفا، وإن قال. بعتك وأنا مجنون. فإن لم يعلم له حال جنون فالقول قول المشترى. لان الاصل عدمه. وإن ثبت أنه كان مجنونا فهو لصبى.

قال شمس الدين الرملي: ولو ادعى أحد العاقدين صحة البيع أو غيره من العقود وادعى الآخر فساده لانتفاء ركن، أو شرط على المعتمد، كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر على المعتمد أيضا، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لما في فتاوى الشيخ، فالاصح تصديق مدعى الصحة بيمينه غالبا، مسلما كان أو كافرا، لان الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه عدم الفساد في الجملة. ومن غير الغالب ما لو باع ذراعا من أرض معلومة الذرع ثم ادعى إرادة ذراع معين ليفسد البيع، وادعى المشترى شيوعه فيصدق البائع بيمينه أيضا لان ذلك لا يعلم إلا من جهته، وما لو زعم أحد متصالحين وقوع صلحهما على إنكار فيصدق بيمينه أيضا لانه الغالب، وما لو زعم أنه عقد وبه نحو صبا وأمكن، أو جنون أو حجر وعرف له ذلك فيصدق بيمينه أيضا كما ذكره الرويانى. ثم قال: وأما كلام الاصحاب في الجنايات والطلاق فليس من الاختلاف في صحة العقد وفساده، وفارق ما ذكرناه ما سيأتي في الضمان بأن المعاوضات يحتاط فيها غالبا، والظاهر أنها تقع بشروطها وفى البيان للعمراني: لو أقر بالاحتلام لم يقبل رجوعه عنه، ويؤخذ من ذلك أن من وهب في مرضه شيئا فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة لم يقبلوا إلا إن علم له غيبة قبل الهبة وادعوا استمرارها إليها وجزم بعضهم بأنه لابد في البينة بغيبة العقل - إن تبين ما غاب به - أي لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به كسكر تعدى به، وما لو قال المرتهن: أذنت في البيع بشرط رهن الثمن. وقال الراهن بل مطلقا، فالمصدق المرتهن، كما قاله الزركشي وغيره. وهو كما قال، ولكن ليس هذا مما نحن فيه، لان الاختلاف المذكور لم يقع من العاقدين ولا نائبهما ولو أتى المشترى بخمر أو بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر القبض كذلك صدق بيمينه، ولو أتى المشترى بخمر أو بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر القبض صدق بيمينه، ولو صبه في ظرف المشترى فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر صدق البائع لدعواه الصحة، ولان الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن، والاصل أيضا براءة البائع كما في نظيره من السلم إذا اختلفا

هل قبض المسلم إليه رأس المال قبل التفرق أو بعده؟ فلو أقاما في المسئلين بينتين قدمت بينة مدعى الصحة. وقول ابن أبى عصرون إن كان مال كل بيده حلف المنكر وإلا فصاحبه مردود. وقال الرملي: ولو اشترى عبدا مثلا معينا وقبضه فجاء بعبد معيب ليرده فقال البائع " ليس هذا المبيع " صدق البائع بيمينه، لان الاصل السلامة وبقاء العقد، وفى مثله في المبيع في الذمة والسلم بأن قبض المشترى أو المسلم المدفوع عما في الذمة ثم أحضر معيبا ليرده، فقال البائع أو المسلم إليه ليس هذا المقبوض يصدق المشترى والمسلم بيمينه في الاصح أنه المقبوض عملا بأصل بقاء شغل ذمة البائع والمسلم إليه إلى وجود قبض صحيح، ويجرى ذلك في الثمن، فيحلف المشترى في المعين، والبائع فيما في الذمة، ومقابل الاصح يصدق المسلم إليه كالبيع ولو قبض المبيع مثلا بالكيل أو الوزن ثم ادعى نقصه فإن كان قدر ما يقع مثله في الكيل أو الوزن عادة صدق بيمينه لاحتماله مع عدم مخالفته الظاهر وإلا فلا لمخالفته الظاهر ولانهما اتفقا على القبض والقابض يدعى الخطأ فعليه البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعى الخطأ فيه تلزمه البينة، ولو باع شيئا فظهر كونه لابنه أو موكله فوقع اختلاف، كأن قال الابن " باع أبى مالى في الصغر لنفسه متعديا " وقال الموكل " باع وكيلى مالى متعديا " وقال المشترى " لم يتعد الولى ولا الوكيل " صدق المشترى بيمينه، لان كلا من الاب والوكيل أمين ولا يتهم إلا بحجة. انتهى أما لغات الفصل فالشقص القطعة من الارض والطائفه من الشئ. قوله فإن باعه عشرة أقفزة من صبرة فالقفيز مكيال. قال في الصحاح هو ثمانية مكاكيك والجمع أقفزة وقفزان، قال والمكوك مكيال هو ثلاث كيلجات. والكيلجة منا وسبعة أثمان منا، والمنا رطلان، ويمكن بهذا أن نعرف أن الكيلجه هي الكيلو بلغة العصر فيكون القفيز أربعة وعشرين كيلو جراما تقريبا بالوزن، وقد مر في قاعدة مد عجوة أن الوزن مقدم على الكيل لانه أدق وأعدل إلا ما كان اطراد الكيل فيه لخفته تجعله غير صالح للوزن، فينطبق عليه قاعدة الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن.

قال الشافعي في باب جماع السلف في الوزن: والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الاحاطة وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال، لان ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء: لانه إنما يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه، والمتجافي في المكيال يتباين تباينا بينا فليس في شئ مما يوزن اختلاف في الوزن، ثم قال الشافعي: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَا: الله أعلم، أما الذي أدركنا المتبايعين به عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَا قَلَّ مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا والجملة الكثيرة تُبَاعُ وَزْنًا، وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أدركنا الناس عليه. قال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا آكُلُ سَمْنًا مَا دام يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ، وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا. اه قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا باعه سلعة بثمن في الذمة ثم اختلفا فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي. لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أقبض المبيع، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ. فيه ثلاثة أقوال. أحدها يجبر البائع على إحضار المبيع، والمشترى على احضار الثمن، ثم يسلم إلى كل واحد منهما ماله دفعة واحدة، لان التسليم واجب على كل واحد منهما، فإذا امتنعا أجبرا كما لو كان لاحدهما على الآخر دراهم، وللآخر عليه دنانير. والثانى. لا يجبر واحد منهما، بل يقال من يسلم منكما ما عليه أجبر الآخر على تسليم ما عليه، لان على كل واحد منهما حقا في مقابلة حق له، فإذا تمانعا لم يجبر واحد منهما، كما لو نكل المدعى عليه فردت اليمين على المدعى فنكل. والثالث. أنه يجبر البائع على تسليم المبيع، ثم يجبر المشترى وهو الصحيح، لان حق المشترى متعلق بعين، وحق البائع في الذمة، فقدم ما تعلق بعين كأرش الجناية مع غيرها من الديون، ولان البائع يتصرف في الثمن في الذمة، فوجب أن يجبر البائع على التسليم ليتصرف المشترى في المبيع، ومن أصحابنا من قال. المسأله على قول واحد، وهو أنه يجبر البائع على تسليم المبيع كما ذكرناه، وما سواه من الاقوال ذكره الشافعي عن غيره، ولم يختره، فعلى هذا ينظر فيه

فان كان المشترى موسرا نظرت، فان كان ماله حاضرا أجبر على تسليمه في الحال وان كان في داره أو دكانه حجر عليه في المبيع، وفى سائر أمواله، إلى أن يدفع الثمن لانه إذا لم يحجر عليه لم نأمن أن يتصرف فيه، فيضر بالبائع. وان كان غائبا منه على مسافة يقصر فيها الصلاة فللبائع أن يفسخ البيع ويرجع إلى عين ماله، لان عليه ضررا في تأخير الثمن، فجاز له الرجوع إلى عين ماله، كما لو أفلس المشترى، وان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ففيه وجهان. أحدهما ليس له أن يختار عين ماله، لانه في حكم الحاضر. والثانى له أن يختار عين ماله لانه يخاف عليه الهلاك فيما قرب كما يخاف عليه فيما بعد، وان كان المشترى معسرا ففيه وجهان. أحدهما. تباع السلعة ويقضى دينه من ثمنها، والمنصوص أنه يرجع إلى عين ماله لانه تعذر الثمن بالاعسار. فثبت له الرجوع إلى عين ماله كما لو أفلس بالثمن وان كان الثمن معينا ففيه قولان. أحدهما يجبران. والثانى لا يجبر واحد منهما ويسقط القول الثالث أنه يجبر البائع لان الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين والمنع من التصرف فيه قبل القبض. (الشرح) في هذا الفصل بيان حكم اختلافهما عند البيع بثمن في الذمة فيه ثلاثة أقوال عند المصنف (أصحها) يجبر البائع على تسليم السلعة ثم يجبر المشترى على تسليم الثمن. وذلك أنهما ان تمانعا أجبر الحاكم كل واحد منهما على احضار ما عليه من مبيع أو ثمن ثم ينصب عليهما أمينا عدلا يأمر كل واحد منهما بتسليم ما بيده إليه. حتى إذا صار الجميع معه سلم المبيع إلى المشترى والثمن إلى البائع. قال الماوردى. وحكى هذا القول عن سعيد بن سالم القداح. وقال أبو إسحاق المروزى. يجعل هذا والقول الاول واحدا. وتخرج المسألة على ثلاثة أقاويل. وامتنع سائر أصحابنا ممن جعلهما واحدا، وأن كل واحد منهما مخالف لصاحبه. قلت: والقول الاول الذى أراد أبو إسحاق المروزى مزجه بقول سعيد بن سالم القداح هو قول المصنف. أحدها يجبر البائع على تسليم المبيع والمشترى على تسليم الثمن ثم أعطى كل

واحد منهما ماله دفعة واحدة في لحظة واحدة لتساوي الوجوب في التسليم وعدم اختصاص أحدهما بقدر أكثر من الاذعان من صاحبه، وامتنع أكثر الاصحاب من جعلهما قولا واحدا لما يأتي: (أولا) لان حق المشترى متعلق بعين وحق البائع في الذمة، فقدم ما تعلق بعين كأرش الجناية مع غيرها من الديون، ولان البائع يتصرف في الثمن في الذمة فوجب أن يجبر البائع على التسليم ليتصف المشترى في المبيع (ثانيا) إن الدفع والتسليم في القول الاول إلى الحاكم وكان بحكمه، وها هنا الحكم منه في ذمة الامين والامر بالتسليم منه ومن هنا كان قول المصنف: من الاصحاب من قال فيه ثلاثة أقوال يذكرنا بقول الماوردى فيه أربعة أقوال. ذلك القول الرابع هو تعيين الامين العدل. وهذا القول وإن كان قولا رابعا عندنا فإنه ظاهر مذهب الحنابلة فيما إذا كان عرضا بعرض أو عينا بعين. قال ابن قدامة في المغنى: وإن اختلفا في التسليم، فقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثَّمَنَ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أقبض المبيع والثمن في الذمة، أجبر البائع على تسليم المبيع، ثم أجبر المشترى على تسليم الثمن، فإن كان عينا أو عرضا بعرض جعل بينهما عدل، فيقبض منهما ثم يسلم اليهما، وهذا قول الثوري وأحد قولى الشافعي وعن أحمد ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع على الاطلاق، وهو قول ثان للشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك يجبر المشترى على تسليم الثمن لان البائع حبس المبيع على تسليم الثمن، ومن استحق ذلك لم يكن عليه التسليم قبل الاستيفاء كالمرتهن. ثم قال رأيه الذى يدل على موافقته لما ذهبنا إليه من تساوى المبيع، سواء أكان الثمن عينا أم نقدا فقال ولنا أن تسليم المبيع يتعلق به استقرار البيع وتمامه، فكان تقديمه أولى سيما مع تعلق الحكم بعينه، وتعلق حق البائع بالذمة، وتقديم ما تعلق بالعين أولى لتأكده. ولذلك يقدم الدين الذى به الرهن في ثمنه على ما تعلق بالذمة، ويخالف

الرهن فإنه لا تتعلق به مصلحة عقد الرهن، والتسليم ها هنا يتعلق به مصلحة عقد البيع. وأما إذا كان الثمن عينا فقد تعلق الحق بعينه أيضا كالمبيع فاستويا. وقد وجب لكل واحد منهما على صاحبه حق قد استحق قبضه فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه. اه قوله " وما سواه من الاقوال " ذكره الشافعي عن غيره ولم يختره، فعلى هذا ينظر فيه. (قلت) الذى في المزني يدل على اختيار الشافعي لهذا الرأى وتعبيره بكلمة (أحب الشافعي من أقاويل) قال االمزنى في باب اختلاف المتبايعين " وإذا قال كل واحد منهما: لا أدفع حتى أقبض " " ولو لم يختلفا وقال كل واحد منهما لا أدفع حتى أقبض فالذي أحب الشافعي من أقاويل وصفها أن البائع يدفع السلعة ويجبر المشترى على دفع الثمن من ساعته فإن غاب وله مال أشهد على وقف ماله وأشهد على وقف السلعة، فإذا دفع أطلق عنه الوقف، وإن لم يكن له مال فهذا مفلس، والبائع أحق بسلعته، ولا يدع الناس يتمانعون الحقوق وهو يقدر على أخذها منهم " قوله " وإن كان غائبا " قال الماوردى: وإن كان ماله غائبا فله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون على مسافة أقل من يوم وليلة، فهذا في حكم الحاضر، وينتظر له حضور ماله بعد الحجر عليه في المبيع وسائر ماله، فإذا احضر الثمن فك حجره وأطلق تصرفه (والثانى) أن يكون على مسافة ثلاثة أيام فصاعدا فلا يلزم انتظار ماله لبعده عنه، وأنه في حكم المعسر. (والثالث) أن يكون على مسافة أكثر من يوم وليلة وأقل من ثلاثة أيام فعلى وجهين. (أحدهما) ينتظر حضور ماله، كما لو كانت على أقل من يوم وليلة، ويحجر عليه في المبيع حتى يحضر الثمن (والوجه الثاني) لا ينتظر لبعد المسافة، وأنها في حكم ما زاد على الثلاث، فعلى هذا ما الذى يستحقه البائع إذا لم ينتظر؟ فيه وجهان (أحدهما) يجعل كالمفلس ويخير البائع بين أن يرجع

بغير ماله وبين أن يصير بالثمن في ذمة المشترى إلى حين وجوده (والوجه الثاني) أن حكم المفلس منفى عنه لوجود المال، وإن بعد منه، ولكن تباع السلعة المبيعة ليصل البائع إلى حقه منها، فإن بيعت بقدر ما للبائع من الثمن دفع إليه ذلك وقد استوفى حقه. وإن بيعت بأكثر رد الفاضل على المشترى. وإن بيعت بأقل كان الباقي دينا للبائع في ذمه المشترى. (قلت) فإن هرب المشترى ولم يكن له مال فسخ البيع لانه إذا جاز فسخه مع حضوره للاعسار ففى هربه أولى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن باع من رجل عينا فأحضر المشترى نصف الثمن ففيه وجهان (أحدهما) لا يجبر البائع على تسليم شئ من البيع، لانه محبوس بدين، فلا يسلم شئ منه بحضور بعض الدين كالرهن (والثانى) أنه يجبر على تسليم نصف المبيع لان كل واحد منهما عوض عن الآخر، وكل جزء من المبيع في مقابلة جزء من الثمن، فإذا سلم بعض الثمن وجب تسليم ما في مقابلته، ويخالف الرهن في الدين فإن الرهن ليس بعوض من الدين، وإنما هو وثيقة به فجاز له حبسه إلى أن يستوفى جميع الدين، وإن باع من اثنين عبدا بثمن فأحضر أحدهما نصف الثمن وجب تسليم حصته إليه لانه أحضر جميع ما عليه من الثمن، فوجب تسليم ما في مقابلته من المبيع، كما لو اشترى عينا وأحضر ثمنها. والله أعلم (الشرح) هذا الفصل يبنى على أن العقد إذا لزم في الصفقة كلها كان بعض ما أداه المشترى من ثمنها غير مسوغ لتجزئ المبيع بقدر ما أدى المشترى فلا يجبر على تسليم ما يقابله أم يجبر على تسليم ما يساوى ما أداه المشترى؟ فيقع الثمن منجما والمبيع منجما: وذلك لمخالفته الرهن، لانه إذا احتجز الصفقة عنده كلها في مقابلة ما بقى من الثمن فقد أشبه الرهن (قلت) إذا ترتب على تجزئ الصفقة تلف باقيها أو نقصه نقصا يبخس بثمنها كما لو أدى بعض الثمن من كتاب له أجزاء مطبوعة فإذا أخذ ما يساوى ما أداه من الثمن من أجزاء ترتب على ذلك خرم الكتاب عند البائع لم يجبر البائع على تسليم بعض الكتاب وجاز له حبسه حتى يستوفى الثمن كله. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا تلف المبيع في يد البائع قبل التسليم لم يخل اما أن يكون ثمرة أو غيرها، فإن كان غير الثمرة نظرت، فإن كان تلفه بآفة سماوية انفسخ البيع، لانه فات التسليم المستحق بالعقد فانفسخ البيع، كما لو اصطرفا وتفرقا قبل القبض فإن كان المبيع عبدا فذهبت يده بآكلة فالمبتاع بالخيار بين أن يرد وبين أن يمسك فإن اختار الرد رجع بجميع الثمن، وان اختار الامساك أمسك بجميع الثمن، لان الثمن لا ينقسم على الاعضاء فلم يسقط بتلفها شئ من الثمن، وان أتلفه أجنبي ففيه قولان. (أحدهما) أنه ينفسخ البيع لانه فات التسليم المستحق بالعقد فانفسخ البيع، كما لو تلف بآفة سماوية. (والثانى) أن المشترى بالخيار بين أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن، وبين أن يقر البيع ويرجع على الأجنبي بالقيمة، لان القيمة عوض عن المبيع فقامت مقامه في القبض، فإن كان عبدا فقطع الأجنبي يده فهو بالخيار بين أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن، وبين أن يجيزه ويرجع على الجاني بنصف قيمته فإن أتلفه البائع ففيه طريقان. قال أبو العباس فيه قولان كالأجنبي. وقال أكثر أصحابنا ينفسخ البيع قولا واحدا لانه لا يمكن الرجوع على البائع بالقيمة لان المبيع مضمون عليه بالثمن فلا يجوز أن يكون مضمونا عليه بالقيمة بخلاف الأجنبي، فان المبيع غير مضمون عليه بالثمن فجاز أن يضمنه بالقيمة، فان كان عبدا فقطع البائع يده ففيه وجهان. قال أبو العباس " المبتاع بالخيار ان شاء فسخ البيع ورجع بالثمن وان شاء أجاز ورجع على البائع بنصف القيمة " وقال أكثر أصحابنا هو بالخيار ان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه ولا شئ له لانه جزء من المبيع فلا يضمنه البائع بالقيمة قبل القبض، كما لو ذهب بآكلة فان أتلفه المشترى استقر عليه الثمن لان الاتلاف كالقبض، ولهذا لو أعتقه جعل اعتاقه كالقبض فكذلك إذا أتلفه، فان كان عبدا فقطع يده لم يجز له أن يفسخ لانه نقص بفعله، فَإِنْ انْدَمَلَ ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى

الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ النَّقْصِ فَيُقَوَّمُ مَعَ الْيَدِ وَيُقَوَّمُ بِلَا يَدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ لان المبيع مضمون على المشترى بالثمن فلا يجوز أن يرجع عليه بما نقص من القيمة وإن كان المبيع ثمرة فإن كان على الارض فهو كغير الثمرة وقد بيناه وإن كانت على الشجر نظرت فان تلفت قبل التخلية فهى كغير الثمرة إذا هلك قبل أن يقبض وقد بيناه، فان تلفت بعد التخلية ففيه قولان (أحدهما) أنها تتلف من ضمان المشترى، لان التخلية قبض يتعلق به جواز التصرف فدخل في ضمانه كالنقل فيما ينقل (والثانى) أنها تتلف من ضمان البائع، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق " وروى جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ بوضع الجوائح " فان قلنا بهذا فاختلفا في الهالك فقال البائع الثلث، وقال المشترى النصف، فالقول قول البائع، لان الاصل عدم الهلاك، وإن بلغت الثمار وقت الجداد فلم ينقل حتى هلكت كان هلاكها من ضمان المشترى، لانه وجب عليه النقل فلم يلزم البائع ضمانها، والله أعلم (الشرح) حديث جابر الاول رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وحديث جابر الثاني رواه الشافعي في الام. قال سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرا في طول مجالستي له، لا أحصى ما سمعته يحدثه من كثرته لا يذكر فيه " أمر بوضع الجوائح " لا يزيد عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع السنين. ثم زاد بعد ذلك " وأمر بوضع الجوائح " قال الشافعي، قال سفيان: وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلاما قبل وضع الجوائح لا أحفظه، فكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح لانى لا أدرى كيف كان الكلام. وفى الحديث أمر بوضع الجوائح. أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ " قلت " وحديث " أمر بوضع الجوائح " رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود. وروى عن أنس وعائشة، وقد مر في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. قال الربيع، أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أنه سمعها تقول: ابتاع رجل ثمر حائط في زمان

رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وأقام فيه حتى تبين له النقصان، فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف أن لا يفعل، فذهبت أم المشترى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له، فقال رسول الله صلى عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا، فسمع بذلك رب المال، فأتى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله " هو له " أما لغات الفصل فالآفة العاهة، وقد إيف الزرع بالبناء للمجهول أي أصابته آفة فهو مئوف على وزن مقول ومعوف، والجوائح جمع جائحة، وهى الآفة التى تصيب الثمار فتهلكها. يقال حاجهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيها إذا أصابهم بمكروه عظيم والآكلة أما الاحكام فقال الشافعي، قال سفيان في حديثه عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وضع الجوائح: ما حكيت فقد يجوز أن يكون الكلام الذى لم يحفظه سفيان من حديث حميد يدل على أن أمره بوضعها على مثل أمره بالصلح على النصف. وعلى مثل أمره بالصدقة تطوعا حضا على الخير لا حتما، وما أشبه ذلك ثم قال الشافعي وحديث مالك عن عمرة مرسل. وأهل الحديث ونحن لا نثبت مرسلا، ولو ثبت حديث عمرة كانت فيه - والله تعالى أعلم - دلالة على أن لا توضع الجائحة لقولها " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تألى أن لا يفعل خيرا " ولو كان الحكم عليه أن يضع الجائحة لكان أشبه أن يقول ذلك لازم له حلف أو لم يحلف، وذلك أن كل من كان عليه حق قيل هذا يلزمك أن تؤديه إذا امتنعت من حق فأخذ منك بكل حال (قال) ولو لم يكن سفيان وهن حديثه بما وصفت وثبتت السنة بوضع الجائحة، وضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد عليه، فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا بوضع ما دون الثلث فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول. فان قال قائل: فما منعك أن تجعل ثمرة النخل قياسا على ما وصفت من كراء الارض، وأنت تجيز بيع ثمر النخل فيترك إلى غاية في نخله كما تجيز أن يقبض الدار ويسكنها إلى مدة.

قال: فقيل له: إن شاء الله الدار تكترى سنة ثم تنهدم من قبل تمام السنة مخالفة للثمرة تقبض من قبل أن سكناها ليس بعين ترى إنما هي بمدة تأتى، فكل يوم منها يمضى بما فيه وهى بيد المكترى يلزمه الكراء فيه وإن لم يسكنها إذا خلى بينه وبينها والثمرة إذا ابتيعت وقبضت وكلها في يد المشترى يقدر على أن يأخذها كلها من ساعته، ويكون ذلك له، وإنما يرى تركه إياها اختيارا لتبلغ غاية يكون له فيها أخذه قبلها وقد يكون رطبا يمكنه أخذه وبيعه وتيبيسه، فيتركه ليأخذه يوما بيوم رطبا ليكون أكثر قيمة إذا فرقه في الايام وأدوم لاهله فلو زعمت أنى أضع الجائحة بعد أن يرطب الحائط كله أو أكثره ويمكن فيه أن يقطع كله فيباع رطبا، وإن كان ذلك أنقص لمالك الرطب أو بيبس تمرا، وإن كان ذلك أنقص على مالكه زعمت أنى أضع عنه الجائحة وهى تمر، وقد ترك قطعه وتمييزه في وقت يمكنه فيه إحرازه. ثم قال: وجماع الجوائح كل ما أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمى. ثم قال الشافعي: وكان شببها أن يكون جملة القول فيه أن يكون الثمر المبيع في شجره المدفوع إلى مبتاعه من ضمان البائع حتى يستوفى المشترى ما اشترى منه لا يبرأ البائع من شئ منه حتى يأخذه المشترى أو يؤخذ بأمره من شجره، كما يكون من ابتاع طعاما في بيت أو سفينة كله على كيل معلوم، فما استوفى المشترى برئ منه البائع، وما لم يستوف حتى يسرق أو تصيبه آفة فهو من مال البائع، وما أصابه من عيب فالمشترى بالخيار في أخذه أو رده وجعل الشافعي المشترى مسئولا عن المبتاع إذا كان مسلطا عليه مسيطرا على المبيع، وليس على البائع من الضمان شئ ما دام يملك أخذها وقطعها وبقاءها فلو تلفت - في يد البائع بآفة سماوية - فلا ضمان على البائع، لان المشترى مقصر في قبضها، وفى الابواب السابقة من البيوع مزيد تفصيل فليرجع إليها.

باب السلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب السلم السلم جائز لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أجله الله في كتابه وأذن فيه فقال " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ". (فصل) ولا يصح السلم الا من مطلق التصرف في المال لانه عقد على مال فلا يصح الا من جائز التصرف كالبيع: قال الشافعي رحمه الله: ويصح السلم من الاعمى. قال المزني رحمه الله أعلم من نطقه أنه أراد الاعمى الذى عرف الصفات قبل أن يعمى. قال أبو العباس هذا الذى قاله المزني حسن، فأما الاكمه الذى لا يعرف الصفات فلا يصح سلمه لانه يعقد على مجهول وبيع المجهول لا يصح، وقال أبو إسحاق يصح السلم من الاعمى وإن كان أكمه لانه يعرف الصفات بالسماع (الشرح) قال الشافعي رحمه الله في باب السلف والمراد به السلم: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " إلى قوله " وليتق الله ربه " قال الشافعي: فلما أمر الله عز وجل بالكتاب ثم رخص في الاشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا، احتمل أن يكون فرضا وأن يكون دلالة، فلما قال الله جل ثناؤه: فرهان مقبوضة والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه " دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشادا لا فرضا عليهم، لان قوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته " إباحة لان يأمن بعضهم بعضا، فيدع الكتاب والشهود والرهن، قال: وأحب الكتاب والشهود لانه إرشاد من الله ونظر للبائع والمشترى، وذلك أنهما ان كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما، فلا يعرف حق البائع على المشترى فيتلف على البائع أو ورثته حقه، وتكون التباعة على المشترى

في أمر لم يرده، وقد يتغير عقل المشترى فيكون هذا والبائع، وقد يغلط المشترى فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدعى ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما، ولم يكن يدخله ما وصفت انبغى لاهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه ارشادا، ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده. قال الشافعي: قال الله عز وجل " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " يحتمل أن يكون حتما على من دعى للكتاب، فإن تركه تارك كان عاصيا، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم: على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين، فإذا قام به واحد أجزأ عنهم، كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من الماثم ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن يأثموا، بل كأنى لا أراهم يخرجون من المأثم، وأيهم قام به أجزأ عنهم وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم. أما حديث ابن عباس فقد قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبى حسان الاعرج عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أشهد إلى آخر ما أورده المصنف هكذا موقوفا على ابن عباس ورواه سعيد بن منصور أيضا هكذا أما لغات الفصل: فان السلم بفتحتين هو الاستسلام، وسلم إليه الشئ بتشديد اللام تسليما فتسلمه أي أخذه. والتسليم بذل الرضا بالحكم. والتسليم أيضا السلام وأسلم في الطعام أسلف فيه، والتسالم التصالح، ولمادة السين واللام والميم معانيها الكثيرة من السلامة والسلامى والسلم واستلام الحجر ما مكانه معاجم اللغة. وقال الماوردى: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، والاكمه هو الذى يولد أعمى. وفى الاصطلاح الفقهى: السلم أن يسلم عوضا حاضرا في عوض موصوف في الذمة إلى أجل، ويسمى سلما وسلفا وهذا السلف يهمز ويجرد فيقال: أسلف وسلف، وهو نوع من البيع ينعقد بما ينعقد به البيع، ويعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع، وهو جائز بالكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب فقد ذكرناه والمصنف من آية الدين ولفظها يصلح للسلم ويشمله بعمومه. وأما السنة فقد روى الشيخان عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ". وروى البخاري عن محمد بن أبى المجالد قال " أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبى أوفى فسألتهما عن السلف؟ فقالا كنا نصيب المغانم مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، فقلت: أكان لهم؟ أم لم يكن لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك ". وفى رواية عند الترمذي والنسائي وابن ماجه " كنا نسلف عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر وما نراه عندهم " عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود وابن ماجه. وعن ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " من أسلم شيئا فلا يشرط على صاحبه غير قضائه " وفى لفظ " من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله " رواهما الدارقطني، وفى إسناده عطية العوفى، قال ابن المنذر: لا يحتج بحديثه وهو وارد في عموم السلم متابع لهذا العموم. وأما الاجماع فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز، قلت: وخالف سعيد بن المسيب في جوازه. وقد اتفق الائمة - ما عدا ابن المسيب - على أن السلم يصح بستة شروط أن يكون في جنس معلوم، بصفة معلومة وبقدر معلوم وبأجل معلوم، ومعرفة مقدار رأس المال، وتسمية مكان التسليم إذا كان لحمله مؤونة لكن أبا حنيفة يسمى هذا التابع شرطا وباقى الائمة يسمونه لازما. قوله: لا يصح إلا من جائز التصرف كالبيع، أي أنه لا يصح إسلام الكافر

في الرقيق المسلم كما سبق في سرح المجموع للنووي ورد النووي على الماوردى في تصحيحه له وتبعه السبكى، ومثل الرقيق المسلم المرتد كما مر في البيوع ومثل ذلك كل ما يمتنع تملك الكافر له كالمصحف وكتب العلم والسلم في السلاح من الحربى. أما صحة السلم من الاعمى الذى يعرف الصفات إذا كان عماه مسبوقا بإبصار أو كان أكمه يعرف الصفات بكثرة السماع فإنه إذا كان الامر كذلك، فان بيان ذلك ما يأتي: إذا عرفنا أن التنازع والاختلاف يحتمل أن يقع بين المتبايعين مع توفر صحة الابصار فلان يقع في السلم أولى، ولان يقع التنازع مع فقدان البصر أيسر، وأيسر منه وقوعه مع الاكمه. ولذلك استشكل بعض فقهاء الشافعية صحة السلم من الاعمى واتفقوا على أنه إذا صح سلمه فانه لا يصح قبضه بل قد يتعين توكيله، ويرد اشكال آخر وهو اشتراط معرفة المتعاقدين الصفات، ويمنع هذا الاشكال بأن المراد بمعرفتها تصورها ولو بوجه من وجوه التصور، والاعمى يتصورها كذلك، وينبغى لاشتراط صحة العقد وجوه عدلين بمحل التسليم أو أكثر، ويكتب العقد بلغة يفهمها العاقدان وعدلان ثم يقع الختم به بعد كل ذلك، ليكون مناطا عند التنازع وليست الكتابة واجبة في قول الشافعي، وانما هي اذعان مباح لقوله تعالى " فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " وقوله تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم ". ونعود إلى آية الدين فنقول عما تناولته من أحكام مستندين إلى تفصيل السنة لما أجملته فنقول: في هذه الآية اثنتان وأربعون مسألة. الاولى: قال سعيد بن المسيب. بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين. وقال ابن عباس. هذه الآية نزلت في السلم خاصة. قال القرطبى. معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب الاية، وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض على ما قال مالك إذا لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المداينات، وخالف في ذلك الشافعية. وقالوا: الاية ليس فيها جواز التأجيل في سائر الديون وانما فيها الامر بالاشهاد إذا كان دينا مؤجلا، ثم يعلم جواز التأجيل في الدين وامتناعه بدلالة أخرى.

(الثانية) قوله تعالى " بدين " للتأكيد، وحقيقة الدين عبارة عن معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة. وقد بين الله هذا المعنى بقوله " إلى أجل مسمى " (الثالثة) قوله تعالى " إلى أجل مسمى " قال ابن المنذر: دل قوله تعالى على أن السلم إلى الاجل المجهول غير جائز (الرابعة) حد العلماء السلم فقالوا هو بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم (الخامسة) السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد، والسلم بيع من البيوع الجائزة مستثنى من نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ما ليس عندك، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشترى الثمرة وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج، فإن جاز حالا بطلت هذه الحكمة وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثناء ما ليس عندك فائدة. (السادسة) شروط السلم المنفق عليها والمختلف فيها وهى تسعة، ستة في المسلم فيه وثلاثة في رأس مال السلم. أما الستة التى في المسلم فيه، فأن يكون في الذمة، وأن يكون موصوفا، وأن يكون مقدرا، وأن يكون مؤجلا، وأن يكون الاجل معلوما، وأن يكون موجودا عند محل الاجل وأما الثلاثة التى في رأس مال السلم فأن يكون معلوم الجنس مقدرا نقدا. وهذه الشروط الثلاثة متفق عليها إلا النقد فخالف فيه المالكية قال ابن العربي في أحكام القرآن: وأما الشرط الاول وهو أن يكون في الذمة فلا إشكال في أن المقصود منه كونه في الذمة لانه مداينة. ولولا ذلك لم يشرع فينا ولا قصد الناس إليه ربحا ورفقا، وعلى ذلك اتفق الناس. بيد ان مالكا قال لا يجوز السلم في العين إلا بشرطين (أحدهما) أن يكون قرية مأمونة (والثانى) أن يشرع في أخذه كاللبن من الشاة والرطب من النخلة، ولم يقل ذلك أحد سواه وهاتان المسئلتان صحيحتان في الدليل لان التعيين امتنع في السلم مخافة المزابنة والغرر لئلا يتعذر عند المحل

(السابعة) ليس من شرط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه لما رواه البخاري عن محمد بن المجالد قال: بعثنى عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله ابن أبى أوفى - إلى قوله (قلت) إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك. ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلفون عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم نسالهم ألهم حرث أم لا؟ وشرط أبو حنيفة وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين الاجل، مخافة أن يطلب المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا، وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا المراعى وجوده عند الاجل وشرط الكوفيون والثوري أن يذكر موضع القبض فيما له حمل ومؤنة، وقالوا السلم فاسد إذا لم يذكر موضع القبض. وقال الاوزاعي هو مكروه. وعند المالكية لو سكتوا عنه لم يفسد العقد، ويتعين موضع القبض، وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث لحديث ابن عباس وليس فيه ذكر المكان الذى يقبض فيه السلم، ولو كان من شروطه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الكيل والوزن والاجل، ومثله حديث ابن أبى أوفى (الثامنة) حديث أبى سعيد مرفوعا " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " وفيه عطية العوفى. وقد أخذ به مالك، مستدلا بأنه إذا أخذ غير الثمن الذى دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذى ابتاع منه فهو بيع طعام قبل أن يستوفى، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك (التاسعة) قوله تعالى " فاكتبوه " يعنى الدين والاجل، وقد أمرنا بالكتابة لئلا ننسى. روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في قول الله عز وجل " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " إلى آخر الآية " إن أول من جحد آدم، ان الله أراه ذريته، فرأى رجلا أزهر ساطعا نوره، فقال يا رب من هذا. قال هذا ابنك داود. قال يا رب فما عمره، قال ستون سنة قال يا رب زد في عمره. قال لا إلا أن تزيده من عمرك، قال وما عمرى. قال

ألف سنة، قال آدم فقد وهبت له أربعين سنة. قال فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه ملائكته، فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة. قال انه بقى من عمرى أربعون سنة. قالوا انك قد وهبتها لابنك داود. قال ما وهبت لاحد شيئا. قال فأخرج الله تعالى الكتاب وشهد عليه ملائكته، في رواية، وأتم لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة، خرجه أيضا الترمذي وفى قوله تعالى " فاكتبوه " إشارة ظاهرة إلى أنه يكتبه بجميع صفته المبينة له المغربة عنه للاختلاف المتوهم بين المتعاملين، المعرفة للحاكم ما يحكم به عند ارتفاعهما إليه (العاشرة) هل الكتابة في الديون واجبة، اختيار الطبري وجوبها. وقال ابن جريج " من ادان فليكتب، ومن باع فليشهد " وقال الشعبى كانوا يرون أن قوله " فإن أمن " ناسخ لامره بالكتب. وحكى نحوه ابن جريج، وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الالفاظ، ثم خففه الله تعالى بقوله (فإن أمن بعضكم بعضا) . وقال الجمهور الامر بالكتابة ندب إلى حفظ الاموال، وازالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب، وان كان غير ذلك فالكتاب ثقاف له في دينه، وحاجة صاحب الحق. (الحادية عشرة) قوله " وليكتب بينكم كاتب بالعدل " قال عطاء وغيره واجب على الكاتب أن يكتب. وقال الشعبى وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه، فواجب عليه أن يكتب (الثانية عشرة) قوله تعالى " بالعدل " أي بالحق والمعدلة أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل، وانما قال بينكم ولم يقل أحدكم، لانه لما كان الذى له الدين يتهم في الكتابة الذى عليه الدين، وكذلك العكس، شرع سبحانه كاتبا غيرهما يكتب بالعدل، لا يكون في قلبه ولا قلمه انحياز لاحدهما (الثالثة عشرة) الباء في قوله تعالى " بالعدل " متعلقة بقوله " وليكتب " وليست متعلقة بكاتب لانه كان يلزم أن يكتب الوثيقة كاتب عدل في نفسه، وقد يكتبها صبى وعبد إذا فقهوا، أما المنتصبون للكتابة - من الكتبة العموميين - فلا يجوز الترخيص لهم بالكتابة إلا إذا كانوا عدولا مرضيين. قال مالك " لا يكتب الوثائق بين الناس الا عارف بها عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى " وليكتب بينكم كاتب بالعدل "

الرابعة عشرة: قوله تعالى " ولا يأب كاتب أن يكتب " نهى الله الكاتب عن الاباء، فقال الربيع واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب، وقال الحسن: ذلك واجب عليه في الموضع الذى لا يقدر عليه كاتب غيره فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإن كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على ذلك غيره فهو سعة إذا قام به غيره، وحكى المهدوى عن الربيع والضحاك أن قوله: ولا يأب منسوخ بقوله ولا يضار كاتب ولا شهيد " وللقرطبي بحث لطيف في ذلك حيث يقول: هذا - الوجوب - يتمشى على قول من رأى أو ظن أنه قد كان وجب في الاول على من اختاره المتبايعان أن يكتب، وكان لا يجوز له أن يمتنع حتى نسخه قوله تعالى " ولا يضار كاتب ولا شهيد " وهذا بعيد، فانه لم يثبت وجوب ذلك على من أراده المتبايعان كائنا من كان، ولو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار بها لان الاجارة على فعل الفروض باطلة، ولم يخلف العلماء في جواز أخذ الاجرة على كتب الوثيقة. الخامسة عشرة: قوله تعالى " كما علمه الله فليكتب " المعنى كتبا كما علمه الله، أي فليفضل كما أفضل الله عليه. السادسة عشره: قوله تعالى " وليملل الذى عليه الحق " وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسانه، والاملاء والاملال لغتان أمل وأملى، فأمل لغة الحجاز وبنى أسد، أما تميم فتقول: أمليت، وجاء القرآن باللغتين " فهى تملى عليه بكرة وأصيلا " وأمره تعالى بالتقوى فيما يمل، ونهاه عن أن يبخس شيئا من الحق، والبخس النقص. السابعة عشرة: قوله " فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل فالذي عليه الحق إما مستقل بنفسه فهذا يمل، وإما سفيه مهلهل الرأى في المال لا يحسن الاخذ لنفسه ولا الاعطاء مأخوذ من الثوب السفيه وهو الخفيف النسج الثامنة عشرة: والضعيف قد مر في بابى البيوع والربا مزيد إيضاح له في سوق حديث أبى داود والترمذي عن أنس أن رجلا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبتاع وفى عقله ضعف، فأتى أهله نبى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا نبى الله

احجر على فلان فانه يبتاع وفى عقله ضعف فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع، فقال: يا رسول الله انى لا أصبر عن البيع ساعة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان كنت غير تارك فقل: ها وها ولا خلابة " وهذا الرجل هو حبان بن منقذ الانصاري والد يحيى وواسع ابني حبان وذكره البخاري في التاريخ. التاسعة عشرة: والذى لا يستطيع أن يمل كالاخرس والعيى، والابله وما أشبه ذلك واختلاف العلماء فيمن يخدع في البيوع وعمدتهم في ذلك الروايات المستفيضة لقصة حبان بن منقذ. واختصاصه بالخيار ثلاثا كما أورد ذلك النووي في الجزء الثامن من المجموع الموفية عشرين: قوله تعالى " فليملل وليه بالعدل " ذهب الطبري إلى أن الضمير في " وليه " عائد على الحق، وأسند في ذلك عن الربيع وعن ابن عباس وقيل هو عائد على الذى عليه الحق وهو الصحيح، وكيف تشهد البينة على شئ وتدخل مالا في ذمة السفيه باملاء الذى له الدين، الا أن يمل صاحب الحق ويسمع الذى عجز عن الاملاء إذا لم يعجر عن الاعتراف إذا تحيف صاحب الحق الحادية والعشرون: قوله " فليملل الذى عليه الحق " يدل على أنه مؤتمن فيما يورده ويصدره، وسيأتى في الرهن قبول قول الراهن مع يمينه إذا اختلف هو والمرتهن في مقدار الدين والرهن قائم ان شاء الله تعالى. الثانية والعشرون: إذا ثبتت صفة الولى كان اقراره جائز على يتيمه كما سيأتي في الرهن والفرائض ان شاء الله تعالى. الثالثة والعشرون: فساد تصرف الصبى والمحجور عليه وفسخه كما سيأتي في الحجر ان شاء الله تعالى. الرابعة والعشرون: قوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " اختلف الناس هل هي فرض أو ندب، والصحيح أنها ندب. قال الشافعي في باب السلم وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول. الخامسة والعشرون: قوله تعالى " شهيدين " كل ما يترتب على الشهادة من الحقوق المالية والبدنية والحدود جعل لها شهيدين ما عدا الزنا.

السادسة والعشرون: قوله تعالى " من رجالكم " نص في رفض الكفار والصبيان والنساء والعبيد، واختار القاضى أبو إسحاق المروزى أن المراد به الاحرار لنقص الرق وأجاز الشعبى والنخعي في الشئ اليسير وقوله " من رجالكم " يعنى الذين يتداينون ولهم إرادة كاملة في التصرف، ولا يتفق هذا مع الرقيق وفى الشهادة بحث سيأتي. السابعة والعشرون: قوله تعالى " فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وفى شهادة المرأه فيما لا يحسن الشهادة فيه غيرها بحث سيأتي إن شاء الله تعالى. الثامنة والعشرون. جواز شهادة الصبى عند بعض الفقهاء لشهادة الصبيان في الجراح، وهو قول مالك فيما إذا لم يختلفوا ولم يفترقوا في شهادتهم على الكبير أما شهادتهم فيما بينهم فقد قضى بها عبد الله بن الزبير، ومنع الشافعي شهادة الصبيان وكذلك أبو حنيفة وأصحابه وسيأتى مزيد إن شاء الله تعالى. التاسعة والعشرون. عند الشافعي ومالك لما جعل الله سبحانه شهادة امرأتين بشهادة رجل وجب أن يكون حكمهما حكمه وسيأتى حكم اليمين في الشهادة واختلاف الفقهاء في ذلك. الموفية ثلاثين. شهادة النساء محصورة في المال المحض من غير خلاف. لان حقوق الاموال أحفظ من حقوق الابدان، ولا تقبل شهادتهن في النكاح والطلاق المحضين على تفصيل سيأتي. الحادية والثلاثون. قوله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " هذه الآية وان كان الخطاب فيها لجميع الناس ولكن المتلبس بحكمها هم ولاة الامور. الثانية والثلاثون. يدل أيضا قوله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " على أن في الشهود من لا يرضى، على تفصيل سيأتي. الثالثة والثلاثون. الشهادة ولاية عظيمة ومرتبة شريفة هي قبول قول الغير على الغير، ولذا شرط فيها الله تعالى الرضا والعدالة، لانه يحكم بشغل ذمة المطلوب بشهادته. الرابعة والثلاثون: " أن تضل إحداهما " والضلال عن الشهادة نسيان جزء منها وذكر جزء، ومن نسى الشهادة جملة فليس يقال. ضالا.

الخامسة والثلاثون. " فتذكر " خفف الذال والكاف ابن كثير وأبو عمرو وعليه فيكون المعنى أن تردها ذكرا في الشهادة وفيه بعد، إذ لا يحصل في مقابلة الضلال الذى معناه النسيان الا الذكر، وهو معنى قراءة الجماعة بالتشديد. السادسة والثلاثون. قوله تعالى " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال الحسن جمعت هذه الآية أمرين وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة، ولا إذا دعيت إلى أدائها قاله ابن عباس وفى استدعائهم أو المجئ إليهم، قال الشافعي في باب السلم. ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة، فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم، وان ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه، وهذا أشبه معانيه به والله أعلم السابعة والثلاثون. أداء الشهادة مندوب إذا لم يدع لقوله صلى الله عليه وسلم " خير الشهداء الذى يأتي بشهادته قبل أن يسألها " فإذا خيف ضياع الحق وجب أداؤها بغير استدعاء لقوله تعالى " وأقيموا الشهادة لله " وقوله تعالى " الا من شهد بالحق وهم يعلمون " وفى الحديث " انصر أخاك ظالما أو مظلوما ". الثامنة والثلاثون. من وجبت عليه شهادة فلم يؤدها، وترتب على ذلك الذهاب بحق من الحقوق سقطت عدالته فلا يصح أداؤه الشهادة بعد ذلك، قال في الام. فأما من سبقت شهادته بأن شهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق. التاسعة والثلاثون. قوله تعالى " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " فهذا النهى عن السآمة انما جاء لتردد المداينة عندهم فخيف عليهم أن يملوا الكتابة، ويقول أحدهم. هذا قدر يسير لا احتياج إلى كتابته، فأكد الله تعالى حفظ القليل والكثير. الموفية الاربعين. قوله تعالى " ذلكم أقسط عند الله " يعنى أن يكتب القليل والكثير ويشهد عليه ذلك أعدل وأحفظ. الحادية والاربعون. قوله تعالى " وأقوم للشهادة " دليل على أن الشاهد لا يؤدى الا ما يعلم، فإذا لم يعلم قال: هذا خطى ولا أذكر الآن ما كتبت.

الثانية والاربعون: قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) في هذه الآية رفع الجناح عن عدم الكتابة في كل مبايعة بنقد، يدا بيد، وقد مر في البيوع المرسلة. الثالثة والاربعون: قوله تعالى " تديرونها بينكم " يقتضى التقايض والبينونة بالمقبوض، ولا يتسنى ذلك في الرباع والارض وكثير من الاشياء الثمينة لا يقبل البينونة ولا يغاب عليه، لذلك حسن الكتابة فيها، ولحقت في ذلك مبايعة الدين والسلم. قال الشافعي: البيوع ثلاثة، بيع بكتاب وشهود وبيع برهان وبيع بأمانة وقرأ هذه الاية، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ، وإذا باع بنسيئة كتب الرابعة والاربعون، قوله تعالى " وأشهدوا " سبق بيان ذلك في أول الباب. وقد روى عن ابن عباس أنه قال لما قيل له إن آية الدين منسوخة. قال لا والله، إن آية الدين محكمة ليس فيها نسخ. قال الطبري: والاشهاد إنما جعل للطمأنينة، وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا، منها الكتاب ومنها الرهن ومنها الاشهاد، ولا خلاف بين علماء الامصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الاشهاد، وما زال الناس يتبايعون حضرا وسفرا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا من غير إشهاد مع علم الناس بذلك من غير نكير، ولو وجب الاشهاد ما تركوا النكير. اه. وقد مر تفصيل ذلك في البيوع وما ورد فيه من الاحاديث الخامسة والاربعون " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قد تشمل هذه الاية درء كل ما يؤدى إلى مضارة الشاهد. كأن يوقف أمام الحكام زمنا يلحقه من جرائه مضارة، أو يخطب بلهجة تنم عن ازدرائه وخدش حيائه إن كان من أهل الفضل والعلم، فإذا دعى الشاهد إلى الشهادة واعتذر بمشاغله، فلا يهان أو يعنف، أو يكره على الشهادة السادسة والاربعون " وان تفعلوا فإنه فسوق بكم " يعنى مضارة الشاهد، قال سفيان الثوري: إن أذية الكاتب والشاهد إذا كانا مشغولين معصية وخروج عن الصواب من حيث المخالفة لامر الله. وقوله " بكم " أي فسوق حال بكم

السابعة والاربعون: قوله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " وعد من الله بأن من اتقاه علمه وجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه. وقد يجعل في قلبه فرقانا وفيصلا بين الحق والباطل. والله تعالى أعلم والحق أن هذه الايات في السلف بلغت من شمول الاحكام واستيعاب صور العمل مع السنة الشريفة ما جعل الشافعي يقول، قال الشافعي: وما كتبت من الاثار بعدما كتبت من القرآن والسنة والاجماع ليس لان شيئا من هذا يزيد سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوة ولا لو خالفها ولم يحفظ معها يوهنها، بل هي التى قطع بها العذر، ولكنا رجونا الثواب في ارشاد من سمع ما كتبنا، فإن فيما كتبنا بعض ما يشرح قلوبهم لقبوله، ولو تنحت عنهم الغفلة لكانوا مثلنا في الاستغناء بكتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما احتاجوا إذا أمر الله عز وجل بالرهن في الدين إلى أن يقول قائل هو جائز في السلف، لان أكثر ما في السلف أن يكون دينا مضمونا. اه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وينعقد بلفظ السلف والسلم، وفى لفظ البيع وجهان من أصحابنا من قال لا ينعقد السلم بلفظ البيع، فإذا عقد بلفظ البيع كان بيعا ولا يشترط فيه قبض العوض في المجلس، لان السلم غير البيع فلا ينعقد بلفظه، ومنهم من قال ينعقد لانه نوع بيع يقتضى القبض في المجلس فانعقد بلفظ البيع كالصرف (الشرح) هذا الخلاف لفطى، لان صورة السلم يمكن أن تكون نوعا من أنواع البيوع مستثنى منها بإطلاق لفظ السلف أو السلم عليه، ولا يؤثر الخلاف اللفظى في جوهره إلا أنهم قضوا في حالة ما إذا عقد بلفظ البيع ولم يقبضه في المجلس خرج بذلك عن أن يكون سلما. وكلام الشافعي في السلم في كل أنواعه يطلق عليه لفظ البيع فهو نوع خاص من أنواع البيوع أبيح فيه بعض ما هو ممنوع في صور البيوع الاخرى ومنع فيه بعض ما أبيح في البيوع الاخرى. قال الشافعي في (باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة)

ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا، ولا تجوز بيوع الاعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال، لانه لا يمتنع من فوتها ولا بأن لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع إليه ثمنها، وكان إلى أجل لانها قد تتلف في ذلك الوقت، وإن قل، فيكون المشترى قد اشترى غير مضمون على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها، ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين وجب له وقدر على قبضه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويثبت فيه خيار المجلس لقوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا ولا يثبت فيه خيار الشرط لانه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمامه ولهذا لا يجوز أن يتفرقا قبل قبض العوض فلو أثبتنا فيه خيار الشرط أدى إلى أن يتفرقا قبل تمامه. (الشرح) حديث المتبايعان بالخيار رواه الشيخان عن ابن عمر وحكيم بن حزام ورواه الشيخان وأصحاب السنن الا ابن ماجه بلفظ " البيع والمبتاع، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، ورواه أبو داود عن أبى برزة، وعن سمرة عند النسائي، وعن ابن عباس عند ابن حبان. أما الاحكام فإنه لا يجوز في عقد السلم أن يتفرقا قبل توفر شروطه أن يكون في جنس معلوم بصفة معلومة ومقدار معلوم وأجل معلوم وتسليم رأس المال في المجلس وتسمية مكان التسليم. قوله: ولهذا لا يجوز أن يتفرقا قبل قبض العوض، وذلك العوض هو رأس المال وهو الثمن الذى يجب تسليمه في المجلس الذى وقع العقد به قبل التفرق منه وقبل لزومه لان لزومه كالتفرق إذ لو تأخر لكان في معنى بيع الدين بالدين ان كان رأس المال في الذمة، ولان في السلم غررا، فلا يضم إليه غرر تأخير رأس المال، فلابد من حلول رأس المال كما قاله القاضى أبو الطيب كالصرف، ولا يغنى عنه شرط تسليمه في المجلس فلو تفرقا قبل قبض رأس المال أو ألزماه بطل العقد

وكذلك إذا سلم بعضه بطل فيما لم يقبض، وفيما يقابله من المسلم فيه، وصح في الباقي بقسطه، كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض فيؤخذ منه ثبوت الخيار هذا ما أخذ به الرملي عن صاحب الانوار وخالف فيه السبكى، ولو اختلفا فقال المسلم: أقبضتك بعد التفرق، وقال المسلم إليه: قبله، ولا بينة صدق مدعى الصحة، كما علم مما مر فإن أقاما بينتين قدمت بينة المسلم إليه، لانها مع موافقتها للظاهر ناقلة والاخرى مستصحبة " ولا يكفى قبض المسلم فيه الحال في المجلس عن قبض رأس المال لان تسليمه فيه تبرع، وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات وكذا لو قال: أسلمت اليك المائة التى في ذمتك مثلا في كذا فإنه لا يصح السلم. قال الرملي: فلو أطلق رأس المال عن تعيينه في العقد، كأسلمت اليك دينارا في ذمتي في كذا ثم عين وسلم في المجلس قبل التخاير جاز، أي حل العقد وصح، لان المجلس حريم العقد فله حكمه. فلو أحال المسلم به المسلم إليه أو عكسه على ثالث له عليه دين فالحوالة باطلة بكل تقدير كما يعلم ذلك في بابه..أعنى الحواله - فإذا قبضه المحيل وهو المسلم إليه في الصورة الاولى في المجلس نص عليه ليعلم منه حكم ما لم يقبض فيه بالاولى فلا يجوز، ومن ثم لو قبضه المحيل من المحال عليه أو من المحتال بعد قبضه بإذنه له وسلمه في المجلس صح بخلاف ما لو أمره المسلم بالتسليم للمسلم إليه، لان الانسان في ازالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره، لكن المسلم إليه حينئذ وكيل للمسلم في القبض فيأخذه منه ثم يرده كما تقرر، ولا يصح قبضه من نفسه خلافا للقفال. قال: ولو قبضه المسلم إليه وأودعه المسلم وهما بالمجلس جاز، ولو رده إليه قرضا أو عن دين جاز أيضا على المعتمد من تناقض فيه، لان تصرف أحد المتعاقدين في مدة خيار الآخر انما يمتنع إذا كان مع غير الاخر، ولان صحته تقتضي اسقاط ما ثبت له من الخيار أما معه فيصح، ويكون ذلك اجازة منهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز مؤجلا للآية ويجوز حالا لانه إذا جاز مؤجلا فلان يجوز حالا وهو من الغرر أبعد أولى ويجوز في المعدوم إذا كان موجودا عند المحل،

لما روى ابن عباس رضى الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يسلفون في الثمرة السنتين والثلاث فقال أسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فلو لم يجز السلم في المعدوم لنهاهم عن السلم في الثمار السنتين والثلاث ويجوز السلم في الموجود لانه إذا جاز السلم في المعدوم فلان يجوز في الموجود أولى لانه أبعد من الغرر. (الشرح) قوله: للآية قصد قوله تبارك وتعالى " إلى أجل مسمى " أما حديث ابن عباس فقد رواه الجماعة. أما الاحكام فجوازه مؤجلا أمر مجمع عليه، أما جوازه حالا فجمهور المذاهب على خلافه، ويستدلون بحديث ابن عباس " إلى أجل معلوم " على اعتبار الاجل في السلم شرطا وفقهاء المذهب لم يختلفوا على جوازه حالا وهم يجيبون على استدلال المخالفين بأن ذكر الاجل في الحديث ليس للاشتراط، بل معناه ان كان لاجل فليكن معلوما، وتعقيب بالكتابة فان التأجيل شرط فيها، واجيب بالفرق لان الاجل في المكاتبة شرع لعدم قدرة العبد غالبا، واستدل المخالفون بما أخرجه الشافعي عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ". وأجيب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل، ولا يدل على أنه لا يجوز الا مؤجلا، واستدل المخالفون بما أخرجه ابن أبى شيبة عن ابن عباس أنه قال " لا تسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا ". وأجيب بأن هذا ليس بحجة لانه موقوف على ابن عباس وكذلك يجاب عن قول أبى سعيد الذى علقه البخاري، ووصله عبد الرزاق بلفظ " السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل ". وقد اختلف الائمة في مقدار الاجل من ساعة إلى الميسرة ولو بلغت سنين، والحق ما ذهبنا إليه من عدم اعتبار الاجل لعدم ورود دليل يدل عليه، وأما ما يقال من أنه يلزم مع الاجل أن يكون بيعا للمعدوم ولم يرخص فيه الا

في السلم ولا فارق بينه وبين البيع الا الاجل، فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة، وذلك كاف. قوله: ويجوز السلم في الموجود إلخ قلت: قال ابن رسلان أما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه اه. وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الاجل، فذهب جمهور الفقهاء إلى جوازه قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول، وقال أبو حنيفة: لا يصح فيما ينقطع قبله بل لابد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل، فلو أسلم في شئ فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفى وجه عندنا ينفسخ، واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر " أن رجلا أسلف رجلا في نخل فلم يخرج تلك السنة شيئا فاختصما إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بم تستحل ماله؟ اردد عليه ماله، ثم قال: لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه " وهذا نص في التمر وغيره يقاس عليه، ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لدلالته على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبى أوفى فليس فيه الا مظنة الاقرار منه صلى الله عليه وسلم، ولكن حديث ابن عمر هذا في اسناده مجهول فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبى اسحاق عن رجل نجرانى عن ابن عمر ومثل هذا لا حجة فيه. ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الاعيان أو على السلم الحال الذى يقول به أصحابنا، أو على ما قرب أجله. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز السلم في كل مال يجوز بيعه وتضبط صفاته كالاثمان والحبوب والثمار والثياب والدواب والعبيد والجوارى والاصواف والاشعار والاخشاب والاحجار والطين والفخار والحديد والرصاص والبلور والزجاج وغير ذلك من الاموال التى تباع وتضبط بالصفات والدليل عليه حديث ابن عباس في الثمار، وروى عبد الله بن أبى أوفى قال كنا نسلف ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا في الزيت والحنطه، وروى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جيشا فنفدت الابل فأمره أن يأخذ على قلاص الصدقة وكان يأخذ البعير بالبعير إلى إبل الصدقة. وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال في السلم في الكرابيس إذا كان ذرعا معلوما إلى أجل معلوم فلا بأس، وعن أبى النضر قال سئل ابن عمر رضى الله عنه عن السلم في السرق قال: لا بأس والسرق الحرير فثبت جواز السلم فيما رويناه بالاخبار وثبت فيما سواه مما يباع ويضبط بالصفات بالقياس على ما ثبت بالاخبار لانه في معناه. (الشرح) حديث ابن عباس في الثمار، وحديث عبد الله بن أبى أوفى مر ذكرهما في أول الباب مع تخريجهما، أما حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما فقد رواه أبو داود في سننه، وله شاهد عند سعيد بن منصور في سننه عن أبى معشر عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد " أن عليا باع بعيرا يقال له: عصيفر بأربعة أبعرة إلى أجل " والاثران عن ابن عباس وابن عمر رواهما أصحاب السنن أما لغات الفصل فقوله: الاشعار جمع شعر والواحدة شعرة والمقصود هنا ما ينبت على جلود المعز والوبر ما ينبت على جلود الابل، وقوله: فنفدت الابل أي ذهبت ولم يبق منها شئ، وقوله: قلاص جمع قلوص وهو من الابل بمنزلة الشابة من النساء، وقوله: الكرابيس جمع كرباس وهو نسيج خشن، وقوله: السرق هي شقق الحرير. أما الاحكام: فقوله: في كل مال يجوز بيعه خرج بذلك الخمر والخنزير والكلب وكل ما هو غير محترم من الحيوان، وقوله: وتضبط صفاته، يعنى مما يمتنع الخلاف فيه إذا وصفت، ويمكن تمييزها عن غيرها إذا وصفت بصفاتها قال الشافعي في باب ما يجوز من السلف: وأن يشترط عليه أن يسلفه فيما يكال كيلا أو فيما يوزن وزنا ومكيال وميزان معروف عند العامة، فأما ميزان يريه إياه أو مكيال يريه فيشترطان عليه فلا يجوز وذلك لانهما لو اختلفا فيه أو هللك لم يعلم ما قدره، ولا يبالى كان مكيالا قد أبطله السلطان أو لا إذا كان معروفا وان كان تمرا قال: تمر صيحانى أو بردى أو عجوه أو جنيب أو صنف من التمر

معروف فإن كان حنطة، قال شامية أو ميسانية أو مصرية أو موصلية أو صنفا من الحنطة موصوفا، وان كان ذرة قال: حمراء، ثم قال: وان كان في بعير قال: بعير من نعم بنى فلان ثنى غير مودن نقى من العيوب سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين الخ، وهذه الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها وأنسابها وبراءتها من العيوب الا أن يسمى عيبا يتبرأ البائع منه ثم قال: وهكذا النحاس يصفه أبيض أو شبها أو أحمر، ثم قال: وأقل ما يجوز فيه السلف من هذا أن يوصف ما سلف فيه بصفة تكون معلومة عند أهل العلم ان؟ ؟ ؟ ؟ ف المسلف والمسلف، فكل ما وقعت عليه صفة يعرفها أهل العلم بالسلعة التى سلف فيها جاز السلف، وكذلك قال الشافعي في باب السلف في الكيل: ولا خير في السلف في مكيل الا موصوفا، ثم قال في السلف الذرة: والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها ورداءتها وجدتها وعتقها وصرام علم كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز، وقال: لا يجوز السلف في الحنطه في أكمامها وما يكون من الذرة في حشرها لان الحشر والاكمام غلافان فوق القشرة التى هي من نفس الحبة التى هي انما هي للحبة بقاء لانها كمال خلقتها كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها إلى أن قال: فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر فالجوز واللوز مما له قشر لا صلاح له إذا رفع الا بقشره، لانه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده. وقال: وان سلف في وزن ثم أراد اعطاء كيلا لم يجز من قبل أن الشئ يكون خفيفا ويكون غيره من جنسه أثقل منه فإذا أعطاه اياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا، وانما يجوز أن يعطيه معلوما، فإن أعطاه حقه فذلك الذى لا يلزمه غيره، وان أعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شئ كان في العقد فهذا نائل من قبله، فإن أعطاه أقل من حقه وأبرأه المشترى مما بقى عليه فهذا شئ تطوع به المشترى فلا بأس به. وقال في تفريع الوزن من العسل: فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل العلم بالعسل، فإن قالوا: هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب

ينقص ثمنه لم يكن عليه أن يأخذه. وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل. وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير العيب في نفس العسل لزمه أخذه وقال: ألا ترى أنى لو أسلمت في سمن ووصفته ولم أصف جنسه فسد من قبل أن سمن المعزى مخالف سمن الضأن، وأن سمن الغنم كلها مخالف البقر والجواميس، فإذا لم تقع الصفة على الجنس فسد السلف وقال في باب السلف في السمن: والسمن فيه ما يدخن ومالا يدخن، فلا يلزم المدخن لانه عيب. وقال في السلف في الزيت: وما اشترى وزنا بظروفه لم يجز شراؤه بالوزن في الظروف لاختلاف الظروف، وأنه لا يوقف على حد وزنها إلى أن قال: وإن لم يراضيا وأراد اللازم لهما وزنت الظروف قبل أن يصب فيها الادام ثم وزنت بما يصب فيها ثم يطرح وزن الظروف، وإن كان فيها زيت وزن فرغت ثم وزنت الظروف ثم ألقى وزنها من الزيت، وما أسلف فيه من إلادام فهو له صاف من الرب والعكر وغيره مما خالف الصفاء. (قلت) والظرف يشبه العلب التى يباع فيها الزيت في زماننا هذا وقال في السلف في اللبن: يجوز السلف في اللبن كما يجوز في الزبد. ويفسد كما يفسد في الزبد بترك أن يقول ما هو ماعز أو ضأن أو بقر، وإن كان إبلا أن يقول: لبن غواد أو أوراك، ويقول في هذا كله لبن الراعية والمعلفة لاختلاف ألبان الرواعى والمعلفة، وتفاضلها في الطعم والصحة والثمن، فأى هذا سكت عنه لم يجز معه السلم، ولم يجز إلا بأن يقول " حليبا " أو يقول " لبن يومه " لانه يتغير في غده. وقال في السلف في الجبن رطبا ويابسا: والسلف في الجبن كالسلف في اللبن لا يجوز إلا بأن يشرط صفته حين يومه - إلى أن قال - ولا خير فيه إلا بوزن - إلى أن قال - ويشترط فيه جبن ماعز أو بقر أو ضائن - إلى أن قال - وكل ما كان عيبا في الجبن عند أهل العلم من إفراط ملح أو حموضة طعم أو غيره لم يلزم المشترى.

وقال في الصوف والشعر: ولا خير في أن يسلم في صوف غنم بأعيانها، ولا شعرها إذا كان ذلك إلى يوم واحد فأكثر وذلك أنه قد تأتى الآفة عليه فتذهبه أو تنقصه، إلى أن قال: ولا خير في أن يسلم في ألبان غنم بأعيانها ولا زبدها ولا سمنها ولا لبنها ولا جبنها. قال البلقينى: المراد ألا يسلم في صوف غنم معينة أو شعرها أو في غير معينة غير الصوف والشعر اه. قال الشافعي: ولا بأس أن تسلف في شئ ليس في أيدى الناس حين تسلف فيه إذا شرطت محله في وقت يكون موجودا فيه بأيدى الناس. وقال في صفة اللحم وما يجوز فيه وما لا يجوز: من أسلف في لحم فلا يجوز فيه حتى يصفه: لحم ماعز خصى أو ذكر ثنى فصاعدا أو جدى رضيع أو فطيم إلى أن قال: ويشترط الوزن إلى أن قال: وان شرط موضعا من اللحم وزن ذلك الموضع بما فيه من العظم لان العظم لا يتميز من اللحم كما يتميز التبن والمدر والحجارة من الحنطة (وقاسه على النوى في التمر) . وقال الشافعي في الام كثيرا عن لحم الوحش والحيتان والرءوس والاكارع والسلف في العطر وزنا ومتاع الصيادلة واللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر والتبر غير الذهب والفضة وصمغ الشجر والطين الارمني وطين البحيرة والمختوم إلى أن وصل إلى السلف في الحيوان قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يسار عن أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسلف بكرا فجاءته إبل من الصدقة فقال أبو رافع فأمرني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أقضى الرجل بكرة، فقلت: يا رسول الله إنى لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء " فهذا الحديث الثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبه آخذ وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمن بعيرا بصفة وجنس وسن فكالدنانير بصفة وضرب ووزن، وكالطعام بصفة وكيل،

وفيه دليل على أنه لا باس أن يقضى أفضل مما عليه متطوعا من غير شرط، وفيه أحاديث سوى هذا. ثم روى بإسناده عن أبى الزبير عن جابر قال: جاء عبد فبايع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الهجرة ولم يسمع أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بعه " فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعده حتى يسأله: أعبد هو أم حر؟ قال وبهذا نأخذ، وهو إجازة عبد بعبدين، وإجازة أن يدفع ثمن شئ في يده فيكون كقبضه. ثم روى الشافعي بإسناده " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مصدقا له فجاءه بظهر مسان، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هلكت وأهلكت، فقال يا رسول الله إنى كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدا بيد، وعلمت من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذاك إذن " ومذهبنا أنه لا ربا في الحيوان، وإنما النهى عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة مما كان أهل الجاهلية يتبايعونه، وهو مفصل في أبواب الربا التى سبقت في موطنها. (فرع) اختلف الفقهاء في السلم في الحيوان، فروى لا يصح السلم فيه وهو قول الثوري وأصحاب الرأى. وروى ذلك عن عمر وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبى والجوزجاني، لما روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: إن من الربا أبوابا لا تخفى، وإن منها السلم في السن " ولان الحيوان يختلف اختلافا متباينا فلا يمكن ضبطه، وان استقصى صفاته التى يختلف بها الثمن، مثل أزج الحاجبين، أكحل العينين، أقنى الانف أشم العرنين، أهدب الاشفار ألمى الشفة، بديع الصفة تعذر تسليمه لندرة وجوده على تلك الصفات ومذهبنا ومذهب أحمد صحة السلم فيه قال ابن المنذر: وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن والشعبى ومجاهد والزهرى والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وحكاه الجوزجانى عن عطاء والحكم،

لان أبا رافع قال " استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا " رواه مسلم وقد سقناه عن الام قبل فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف، ثم هو محمول على أنهم يشترطول من ضراب فحل بنى فلان. قال الشعبى " انما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لانهم اشترطوا نتاج فحل معلوم. رواه سعيد ابن منصور. وقد روى عن على أنه باع جملا يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل، ولو ثبت قول غمر في تحريم السلم في الحيوان فقد عارضه قول من سمينا ممن وافقنا قال الشافعي " وان كان السلف في خيل أجزأ فيها ما أجزأ في الابل وأحب إن كان السلف في الفرس أن يصف شيته مع لونه، فإن لم يفعل فله اللون بهيما وان كان له شية فهو بالخيار في أخذها وتركها، والبائع بالخيار في تسليمها وإعطائه اللون بهيما " إلى أن قال " وان أتى على السن واللون والجنس أجزأه، وإن ترك واحدا من هذا فسد السلف " إلى أن قال " ولا يحل أن يسلف في ذات رحم من الحيوان - على أن يوفاها وهى حبلى - من قبل أن الحمل مالا يعلمه إلا الله، وأنه شرط شيئا فيها ليس فيها، وهو شراء مالا يعرف، وشراؤه في بطن أمه لا يجوز، لانه لا يعرف ولا يدرى أيكون أم لا. ولا خير في أن يسلف في ناقة ومعها ولدها موصوفا ولا في وليدة ولا في ذات رحم من حيوان كذلك. ولكن ان أسلف في وليدة أو ذات رحم من الحيوان بصفة ووصف بصفة، ولم يقل ابنها أو ولد ناقة أو شاة، ولم يقل ولد الشاة التى أعطاها جاز، وسواء أسلفت في صغير أو كبير موصوفين بصفة وسن تجمعهما أو كبيرين كذلك قال ولو سلف في ذات لبون على أنها لبون كان فيها قولان (أحدهما) أنه جائز. وإذا وقع عليه أنها لبون كانت له واللبن يتميز منها ولا يكون بتصرفها، انما هو شئ يخلقه الله عز وجل فيها، كما يحدث فيها البعر وغيره، فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا كما يفسد أن يقول أسلفك في ناقة يصفها، ولبن معها غير مكيل ولا موصوف قال وكل ما أسلف من حيوان وغيره وشرطت معه غيره فإن كان المشروط

معه موصوفا يحل فيه السلف على الانفراد فسد السلف، ولا يجوز أن يسلف في حيوان موصوف من حيوان رجل بعينه أو بلد بعينه ولا نتاج ماشية رجل بعينه، ولا يجوز أن يسلف فيه إلا فيما لا ينقطع من أيدى الناس كما قلنا في الطعام وغيره. قال الشافعي في باب الاختلاف في أن يكون الحيوان نسيئة أو يصلح منه إثنان بواحد. فخالفنا بعض الناس في الحيوان فقال " لا يجوز أن يكون نسيئة أبدا " قال وكيف أجزتم أن جعلتم الحيوان دينا وهو غير مكيل ولا موزون، والصفة تقع على العبدين ومعهما دنانير وعلى البعيرين وبينهما تفاوت في الثمن؟ قال نقلناه، قلنا أولى الامور بنا أن نقول به بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في استسلافه بعيرا وقضائه إياه، والقياس على ما سواها من سنته، ولم يختلف أهل العلم فيه. قال فاذكر ذلك (قلت) أما السنة النص، فإنه استسلف بعيرا. وأما السنة التى استدللنا بها فإنه قضى بالدية مائة من الابل، ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة، وفى مضى ثلاث سنين، وأنه صلى الله عليه وسلم افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبى هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل قال " أما هذا فلا أعرفه " قلنا فما أكثر مالا تعرفه من العلم. قال أفثابت؟ قلت نعم ولم يحضرني إسناده. قال ولم أعرف الدية من السنة. قلت وتعرف مما لا تخالفنا فيه أن يكاتب الرجل على الوصفاء بصفة، وأن يصدق الرجل المرأه العبيد والابل بصفة؟ قال نعم. وقال ولكن الآية تلزم الابل، إبل العاقلة وسن معلومة وغير معيبة، ولو أراد أن ينقص من أسنانها سنا لم تجز، فلا أراك إلا حكمت بها مؤقتة، وأجزت فيها أن تكون دينا. وكذلك أجزت في صداق النساء لوقت وصفة، وفى الكتابة لوقت وصفة. ولو لم يكن روينا فيها شيئا إلا ما جامعتنا عليه من أن الحيوان يكون دينا في هذه المواضع الثلاث أما كنت محجوجا بقولك " لا يكون الحيوان دينا وكانت علتك فيه زائلة؟

قلت: قد جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دينا في السلف والدية، ولم تخالفنا في أنه يكون في موضعين آخرين دينا في الصداق والكتابة، فإن قلت: ليس بين العبد وسيده ربا، قلت: أيجوز أن يكاتبه على حكم السيد، وعلى أن يعطيه ثمرة لم يبد صلاحها، إلى أن قال، قال الشافعي: وقلت لمحمد بن الحسن: أنت أخبرتني عن أبى يوسف عن عطاء بن السائب عن أبى البحترى أن بنى عم لعثمان أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله، وقتلوا فصالها، فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضى بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطى بواديه إبلا مثل إبله وفصالا مثل فصاله فأنفذ ذلك عثمان فيروى عن ابن مسعود أنه يقضى في حيوان بحيوان مثله دينا لانه إذا قضى به بالمدينة وأعطيه بواديه كان دينا ويزيد أن يروى عن عثمان أنه يقول بقوله، وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زائدة مولانا، فلو اختلف قول ابن مسعود فيه عندك فأخذ رجل ببعضه دون بعض ألم يكن له قال: بلى، قلت: ولو لم يكن فيه غير اختلاف قول ابن مسعود؟ قال: نعم قلت فلم خالفت ابن مسعود ومعه عثمان ومعنى السنة والاجماع؟ قال: فقال منهم قائل فلو زعمت أنه لا يجوز السلم فيه ويجوز إسلامه، وأن يكون دية وكتابة ومهرا وبعيرا ببعيرين نسيئة، قلت: فقله إن شئت قال: فإن قلته؟ قلت يكون أصل قولك لا يكون الحيوان دينا خطأ بحاله. قال فإن انتقلت عنه؟ قلت فأنتم تروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان، وعن رجل آخر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إنا لنرويه. قلت: فإن ذهب رجل إلى قولهما أو قول أحدهما دون قول ابن مسعود أيجوز له؟ قال: نعم قلت: فان كان مع قولهما أو قول أحدهما القياس على السنة والاجماع؟ قال فذلك أولى أن يقال به، قلت أفتجد مع من أجاز السلم في الحيوان القياس فيما وصفت؟ قال نعم. وقال الشافعي في السلف في الثياب: فان شرطه صفيقا ثخينا لم يكن له أن يعطيه دقيقا وإن كان خيرا منه. لان في الثياب علة أن الصفيق الثخين يكون أدفأ في البرد

وأكن في الحر، وربما كان أبقى فهذه علة تنقصه، وإن كان ثمن الادق أكثر فهو غير الذى أسلف فيه وشرط لحاجته. وتكلم الشافعي عن السلف في الاهب والجلود فلم يجزه سلما ولا بيعا إلا منظورا إليه، قال. وذلك أنه لم يجز لنا أن نقيسه على الثياب لانا لو قسناه على الثياب لم يحل إلا مذروعا مع صفته، وليس يمكن فيه لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع بحال وسيأتى في الفصل التالى إن شاء الله. وأجاز الشافعي السلف في الخشب وأجازه خشبا بخشب، بناء على قاعدة لا ربا فيما عدا الكيل والوزن من المأكول والمشروب كله والذهب والورق، وما عدا هذا فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة، سلما وغير سلم كيف كان إذا كان معلوما، والسلف في الخشب مذروعا ومقيسا بالسنتى أو البوصة أو المتر، وفى الكثير منها بالطن والمتر والقليل منها بالوزن والقياس. وتكلم الشافعي عن السلف في الحجارة والارحية وغيرها حتى تكلم على أصنافها ومنع أن يسلف في أنقاض البيوت للمجازفة وعدم الدقة في قدرها أما السلف في العدد فقد جعله الشافعي لا يجوز إلا مع مراعاة ما وصف من الحيوان الذى يضبط سنه وصفته وجنسه والثياب التى تضبط بجنسها وحليتها وذرعها والخشب الذى يضبط بجنسه وصفته وذرعه وما كان في معناه ولم يجز الشافعي السلف في البطيخ ولا القثاء ولا الخيار ولا الرمان ولا السفرجل ولا الموز ولا الجوز ولا البيض - أي بيض كان، دجاج أو حمام أو غيره - ولا البرتقال ولا اليوسفي، وكذلك ما سواه مما يتبايعه الناس عددا وما كان في معناه لاختلاف العدد، واختلافه في الوزن لان بعضها قد يزن الكيلو منها عددا يختلف بعضه عن بعض فلا يضبط بعدد ولا وزن، وما كان مما لا يضبط من صفة أو بيع عدد فيكون مجهولا إلا أن يقدر على أن يكال أو يوزن فيضبط بالكيل والوزن كأن يقال أسلفتك في طن من الموز المغربي يزن اثنى عشر ألف أصبع أو طن من البطيخ لا تزيد حباته على مائتين من النوع الفلاني، لان هذه الانواع كلما قل عددها وزنا دل ذلك على كبر حجمها وجودة نوعها غالبا، وتلحق بالمأكول من

البقول حيث قال: وإن كان منه شئ يختلف صغاره وكباره لم يجز إلا أن يسمى صغيرا أو كبيرا كالقنبيط تختلف صغاره وكباره، وكالفجل وكالجزر وما اختلف صغاره وكباره في الطعم والثمن اه. وكذلك لا يجوز وزنا في القصب عدا ويجوز وزنا على الصفة التى أسلفناها كل ذلك فور قطعه، ولو حفظ شئ من ذلك بالثلاجات فزاد وزنه من فعل الرطوبة فسد السلف. وإن جف في الشمس فنقص ذلك من وزنه أو من مذاقه فسد السلف ولا يجوز السلف فيما يفسد من تلقاء نفسه بمرور الزمن، إذا لم يتميز عن حديث العهد بصنعته كالاسمنت فإنه يفسد من تلقاء نفسه فلا يصلح للبناء ولا يمكن تمييزه من الصالح للبناء للاتفاق في الصفات الظاهرة والله تعالى أعلم. (تنبيه) تركنا التفصيل في الطين والزجاج والحجارة لما يمكن للفقيه أن يعرف حكمها مما سقناه من تفصيل في أشياء كثيرة يؤخذ بقواعدها العامة ويقاس عليها وخشية الاطالة والله الموفق. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وأما ما يضبط بالصفة فلا يجوز السلم فيه لانه يقع البيع فيه على مجهول وبيع المجهول لا يجوز، قال الشافعي رحمه الله: ولا يجوز السلم في النبل لان دقته وغلظه مقصود وذلك لا يضبط ولا يجوز في الجواهر كاللؤلؤ والعقيق والياقوت والفيروزج والمرجان لان صفاءها مقصود وعلى قدر صفائها يكون ثمنها وذلك لا يضبط بالوصف ولا يجوز السلم في الجلود لان جلد الاوراك غليظ وجلد البطن رقيق ولا يضبط قدر رقته وغلظه ولانه مجهول المقدار لانه لا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه ولا يجوز في الرق لانه لا يضبط رقته وغلظه ويجوز في الورق لانه معلوم القدر معلوم الصفة. (الشرح) قوله: الفيروزج هو من الجواهر الثمينة سماوي اللون والنسبة إليه فيروزى، والمرجان صغار اللؤلؤ، والرق بفتح الراء وتشديد القاف جلد رقيق يكتب عليه.

أما أحكام الفصل في باب السلف في الاهب والجلود: ولا يجوز السلف في جلود الابل ولا البقر ولا أهب الغنم ولا جلد إهاب من رق ولا غيره ولا يباع إلا منظورا إليه، قال: وذلك أنه لم يجز أن نقيسه على الثياب لانا لو قسناه عليها لم يحل إلا مذروعا مع صفته، وليس يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع بحال، ولو ذهبنا نقيسه على ما أجزنا بصفة لم يصح لنا، وذلك أنا إنما نجيز السلف في بعبر من نعم بنى فلان ثنى أو جذع موصوف فيكون هذا فيه كالذرع في الثوب، ويقول: رباع وبازل، وهو في كل سن من هذه الاسنان أعظم منه في السن قبله حتى يثناهى عظمه وذلك معروف مضبوط كما يضبط الذرع وهذا لا يمكن في الجلود - إلى أن قال رحمه الله: - هكذا الجلود لا حياة فيها وإنما تفاضلها في تخانتها وسعتها وصلابتها، ومواضع منها، فلما لم نجد خبرا نتبعه ولا قياسا على شئ مما أجزنا السلف فيه لم يجز أن نجيز السلف فيه. أما الجواهر الثمينة فقد قال الشافعي رحمه الله في باب السلف في اللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر: لا يجوز عندي السلف في اللؤلؤ في الزبرجد ولا في الياقوت ولا في شئ من الحجارة التى تكون حليا من قبل أنى لو قلت: سلفت في لؤلؤة مدحرجة صافيه وزنها كذا وكذا وصفتها مستطيلة ووزنها كذا، كان الوزن في اللؤلؤة مع هذه الصفة تستوى صفاته وتتباين، لان منه ما يكون أثقل من غيره فيتفاضل بالثقل والجودة، وكذلك الياقوت وغيره، فإذا كان هكذا فيما يوزن كان اختلافه لو لم يوزن في اسم الصغير والكبير أشد اختلافا. ولو لم أفسده من قبل الصفاء، وإن تباين وأعطيته أقل ما يقع عليه اسم الصفاء أفسد من حيث وصفت، لان بعضه أثقل من بعض، فيكون الثقيلة الوزن بينا وهى صغيرة وأخرى أخف منها وزنا بمثل وزنها وهى كبيرة، فيتباينان في الثمن تباينا متفاوتا ولا أضبط أن أصفها بالعظم أبدا إذا لم توزن اه. قال النووي في المنهاج، ولا يصح فيما لو استقصى وصفه عز وجوده كاللؤلؤ الكبار واليواقيت وجارية وأختها أو ولدها. وخرج بقوله " اللؤلؤ الكبار " الانواع الصغيرة الدقيقة التى لا تستعمل في

الزينة، وإنما التى تطلب للتداوي، وضبطها الجوينى بسدس دينار، ولا يصح في العقيق كما قال الماوردى، بخلاف البللور، فإنه لا يختلف، ومعياره إن كان مسطحا بقياس مساحته وسمكه. (فرع) السلف في الرؤوس والاكارع فيها قولان (أحدهما) لا، وهو أحد قولى الشافعي وقول أبى حنيفة لعدم انضباطه بكيل أو وزن، ولا عدد منفرد. وذلك قد يشتبه ما يقع عليه اسم الصغير وهو متباين، وما يقع عليه اسم الكبير وهو متباين. (والقول الثاني) نعم. وهو قول أحمد ومالك والاوزاعي وأبى ثور، لانه لحم فيه عظم يجوز شراؤه، فجاز السلم فيه كبقية اللحم، وهو أحد القولين عند الشافعي. قال في الام: ولا يجوز عندي السلف في شئ من الرؤوس من صغارها ولا كبارها ولا الاكارع - إلى أن قال - ولو تحامل رجل فأجازه لم يجز عندي أن يؤمر أحد بأن يجيزه إلا موزونا. ثم قال ولا جازته وجه يحتمل بعض مذاهب أهل الفقه ما هو أبعد منه، اه قوله " ويجوز في الورق " قلت إذا كان السلم فيه في نوع مقدور عليه للناس جاز، ولا يجوز أن يسلم في ورق يابانى حيث لا يوجد الا (راكتا (1)) ولا يسلم في وزن من الورق الراكتا لا يقوم المصنع بإشاعته في السوق وتمكين من أراده من نيله. وصفات الورق ومصادره وأوزانه وأحجامه في زماننا هذا ينبغى أن يتحرز التجار فيها، وأكثرهم يشيع بينهم السلم في تجارة الورق، فلا يصح إلا موصوفا بوزنه وبلده ولونه وعلامته (2) ان قدر عليه، وإلا فسد السلم، لان العلم إما بالرؤية وإما بالوصف - لانه في الذمة - فينبغي مراعاة ما ذكرنا وهو متفق عليه عند الشافعي وأحمد ومالك وأبى حنيفة قولا واحدا

_ (1) ورق أبيض مصنوع في الجمهورية العربية المتحدة، حرسها الله (2) العلامة التى يقال لها الماركة كالبوريجار والفبريانو والمانيفولد والستانيه والطبع إلى آخر أصناف الورق التى لا حصر لها

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز فيما عملت فيه النار كالخبز والشواء، لان عمل النار فيه يختلف فلا يضبط، واختلف أصحابنا في اللبأ المطبوخ، فقال الشيخ أبو حامد الاسفراينى رحمه الله لا يجوز لان النار تعقد أجزاءه فلا يضبط، وقال القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله يجوز لان ناره لينة. (الشرح) قوله " لا يجوز فيما عملت فيه النار " وهو قول الاصحاب. قال النووي رحمه الله تعالى: ولا يصح في المطبوخ والمشوى، ولا يضر تأثير الشمس، والاظهر منعه في رءوس الحيوان والظاهر أن منع السلم فيما مسته النار علته عدم انضباط تأثير النار فيها، وإلا لو أمكن انضباط ذلك صح السلم فيه لجواز السلم في الصابون والسكر والفانيذ واللبأ والدبس، وقد نبه النووي على تصحيح ذلك في كتابه التنبيه في كل ما دخلته نار خفيفة، ومثل ببعض المذكورات، وإن خالف في ذلك ابن المقرى تبعا للاسنوى، ويؤيد صحة ذلك تصحيحهم للسلم في الآجر المطبوخ. قال الشربينى الخطيب في المغنى من كتب المذهب: وعليه يفرق بين بابى الربا والسلم بضيق باب الربا. فإن قيل قول النووي كغيره " إن نار ما ذكر لطيفة خلاف المشاهد. وهو كلام من لا عهد له بعمل السكر " أجيب بأن مراده اللطيفة المضبوطة، كما عبرت به، وصرح الامام ببيع الماء المغلى بمثله، فيصح السلم فيه وفى ماء الورد لان ناره لطيفة كما جزم به الماوردى وغيره وكذلك أجازوا السلم في العسل المصفى بالنار، لان تصفيته بها لا تؤثر، لان ناره لطيفة للتمييز. ويجوز في الشمع والقند - وهو السكر الخام - والخزف والفحم وقول النووي " والاظهر منعه في رءوس الحيوان " وذلك لاحتوائها على

أجزاء مختلفة من المناخر والمشافر وغيرها - ويتعذر ضبطها - أي حرارة الشمس وتأثيرها. وقد منع النووي السلم في البرمة المعمولة، وهى القدر، ولا يصح في القمقم والطنجير والكوز والطست أو الطشت ونحوها كالاباريق والخابية والاسطال الضيقة الفتحات لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها اما لاختلاف الاجزاء في الدقة والغلظ فتكون كالجلد، أو لمخالفة أعلاها أو وسطها لاسفلها، أما الجلد المقطع فقد قال الشربينى الخطيب في المغنى يجوز فيها وزنا لانضباطها لان جملتها مقصودة، وما فيها من التفاوت يجعل عفوا، ولا يصح في الرق لما ذكر. (مسألة) إذا كانت البرمة المعمولة لا يجوز فيها السلم، فهل يصح في البرمة المصبوبة في قالب؟ الراجح جوازه. قال الاشمونى " والمذهب جواز السلم في الاواني المتخذة من الفخار " وهذا محمول على ما إذا ضبط بالقوالب ولم تختلف أجزاؤه اختلافا يصعب وصفه منضبطا، وذلك لان المعمولة هي التى تحفر بالآلات. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ولا يجوز فيما يجمع أجناسا مقصودة لا تتميز كالغالية والند والمعجون والقوس والخف والحنطة التى فيها الشعير لانه لا يعرف قدر كل جنس منه، ولا يجوز فيما خالطه ما ليس بمقصود من غير حاجة كاللبن المشوب بالماء والحنطة التى فيها الزوان لان ذلك يمنع من العلم بمقدار المقصود، وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد، ويجوز فيما خالطه غيره للحاجة، كخل التمر وفيه الماء والجبن، وفيه الانفحة والسمك المملوح، وفيه الملح، لان ذلك من مصلحته فلم يمنع جواز العقد ويجوز في الادهان المطيبة، لان الطبيب لا يخالطه وانما تعبق به رائحته ولا يجوز في ثوب نسج ثم صبغ لانه سلم في ثوب وصبغ مجهول، ويجوز فيما صبغ غزله ثم نسج لانه بمنزلة صبغ الاصل، ولا يجوز في ثوب عمل فيه غير غزله كالقرقوبى لان ذلك لا يضبط، واختلف أصحابنا

في الثوب المعمول من غزلين، فمنهم من قال لا يجوز لانهما جنسان مقصودان لا يتميز أحدهما عن الآخر فأشبه الغالية، ومنهم من قال يجوز لانهما جنسان يعرف قدر كل واحد منهما، وفى السلم في الرؤوس قولان، أحدهما يجوز لانه لحم وعظم فهو كسائر اللحوم، والثانى لا يجوز لانه يجمع أجناسا مقصودة لا تضبط بالوصف، ولان معظمه العظم وهو غير مقصود (الشرح) قوله " الغالية " طيب مختلط فيه المسك بماء الورد والكافور والعنبر، وأول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك " والند " بفتح النون نوع من الطيب معرب، وهو من العود كما في المصباح، والصواب أنه مزيج من المسك والعنبر والعود، أما الزوان فهو حب يخالط الحنطة فيكسبها رداءة، والمعجون خليط كثيف من الطيب، والقوس معروف أما الاحكام فقد قال الشافعي في باب السلف في الشئ المصلح لغيره: كل صنف حل السلف فيه وحده فخلط منه شئ بشئ غير جنسه مما يبقى فيه فلا يزايله بحال سوى الماء، وكان الذى يختلط به قائما فيه، وكان مما يصلح فيه السلف، وكانا مختلطين لا يتميزان، فلا خير في السلف فيهما من قبل أنهما إذا اختلطا فلم يتميز أحدهما من الآخر لم أدر كم قبضت من هذا وهذا، فكنت قد أسلفت في شئ مجهول، وذلك مثل أن أسلم في عشرة أرطال سويق لوز فليس يتميز السكر من دهن اللوز، ولا اللوز إذا خلط به أحدهما، فيعرف القابض المبتاع كم قبض من السكر ودهن اللوز واللوز. فلما كان هكذا بيعا كان مجهولا، وهكذا إن أسلم إليه في سويق ملتوت مكيل، لانى لا أعرف قدر السويق من الزيت. والسويق يزيد كيله باللتات، ولو كان لا يزيد كان فاسدا، من قبل أنى ابتعت سويقا وزيتا والزيت مجهول، وإن كان السويق معروفا. اه (قلت) ويجوز أن يسلف في لحم مقدد كالبسطرمة إذا تحدد صنفها من الحيوان، وكونها سمينة أو حمراء مع فصل ما يغشاها من البهار، ويفسد السلم إذا أخفى هذا البهار أوصافها، ويعفى عنه إذا لم يخف أوصافها، لانه كالملح في السمك المملح وهو مما يصلحه فجاز به. ويعفى عن مس الشمس له والاظهر منعه

في رءوس الحيوان لتعدد أجزائها وأشفارها كما نص على ذلك النووي في المنهاج. ولا يجوز في لحم مشوى أو مطبوخ (أولا) لدخوله النار (وثانيا) لخفاء أوصافه ولعدم تقدير ما أخذت منه النار. وخالف أصحاب أحمد ومالك والاوزاعي وأبو ثور، فجعلوا حكم ما مسته النار من ذلك حكم غيره ما عدا بعض الحنابلة وهو ضعيف عندهم ويجوز في الثياب كالقطن أو الكتان أو الصوف إن كانت هذه الاصناف خالصة من الخلط، أو كان خلطها مما يمكن تقديره وضبطه بدقة. على أن يذكر في العقد النوع والبلد الذى ينسج فيه ان اختلف به الغرض. وقيل يغنى ذكر النوع عنه وعن الطول، وهو اختيار الشربينى الخطيب، على أن يذكر الطول والعرض والغلظ والدقة، والصفاقة والرقة، والنعومة والخشونة، لاختلاف الغرض بذلك. وذكر في البسيط اشتراط اللون في الثياب. وقال الاذرعى هو متعين في الثياب كالحرير والقز والوبر. وكذا القطن ببعض البلاد منه أبيض ومنه أشقر خلقة، وهو عزيز، وتختلف الاغراض والقيم بذلك، ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج. قال الماوردى يجوز إذا بين ما صبغ به وكونه في الشتاء أو الصيف واللون وبلد الصبغ أما المصبوغ بعد النسج فقد ذهب النووي في المنهاج إلى أنه الاقبس وليس الاصح، والاصح منعه، وبه قطع الجمهور، وهو المنصوص في البويطى، وفرق في الام بينه وبين ما صبغ غزله ثم نسج بأن الغزال إذا صبغ ثم نسج يكون السلم في الثوب، وإذا صبغ بعد النسج فكأنه أسلم في الثوب والصبغ معا والصبغ مجهول. وهو قول أصحاب أحمد. قال الماوردى: ولا يجوز السلم في الكتان على خشبه ويجوز بعد دقه، أي وبعد نفضه. ويجوز أن يكون قصده النفض، فيذكر بلده وطوله ونعومته وخشونته، ويصح السلم في التمر ولا يصح في المكنوز منه كالعجوة في القواصر كما نقله الماوردى عن الاصحاب، ولو أسلم في تمر منزوع النوى ففى صحته وجهان في الحاوى يظهر منهما الصحة

قال النووي: والحنطة كسائر الحبوب كالتمر، أعنى في الشروط المطلوبة فيبين نوعها كالشامي والمصري والصعيدي والبحيري، وأبيض أو أحمر أو أسمر. قال السبكى وعادة الناس اليوم - أي على عهده رحمه الله تعالى - لا يذكرون اللون ولا صغر الحبات وكبرها، وهى عادة فاسدة مخالفة لنص الشافعي والاصحاب، فينبغي أن ينبه عليها. اه ولاصحاب أحمد في ذكر الصفات واستقصائها، قال ابن قدامة: ولا يجب استقصاء كل الصفات لان ذلك يتعذر وقد ينتهى الحال فيها إلى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه، إذ يبعد تسليم المسلم فيه عند المحل بتلك الصفات كلها، فيجب الاكتفاء بالاوصاف الظاهرة التى يختلف الثمن بها ظاهرا. قلنا: يجمعنا مع القائلين بذلك ما هو مقرر عندنا وعندهم من اشتراط أن يكون السلم في عام الوجود عند المحل، فإذا تحقق هذا مع الصفات كلها مستقصاة صح السلم. أما إذا تعذر وجوده عاما فلا يصح التعاقد ابتداء، والصفات التى نذكرها إنما ترد إذا كان لذكرها أثر في القيمة أو الثمن أو الجودة أو الرداءة، فبطل الخلاف، والله أعلم قال النووي في المنهاج: ولا يصح فيما لو استقصى وصفه عز وجوده. اه وإذا رجعنا إلى تفصيل الصفات في المسلم فيه عند ابن قدامة رحمه الله وجدناه يقول: ويصف البر بأربعة أوصاف، النوع، فيقول سبيلة أو سلموني، والبلد فيقول حورانى أو بلقاوى أو سمالى، وصغار الحب أو كباره. وحديث أو عتيق وإن كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره ولا يسلم فيه إلا مصفى، وكذلك الحكم في الشعير والقطنيات وسائر الحبوب (قلت) وبهذا قلنا. قال النووي بعد ذلك الصفات في الحيوان تفصيلا، وكله على التقريب. اه قوله والخف وكذلك النعل بالاولى لعدم انضباط أجزائها، ولان النعل يشتمل على الجلد وغير الجلد من القماش والورق والخيط والمواد اللاصقة. لان بها ظهارة وبطانة وحشوا، والعقد لا يفى بذكر أوضاعها وأقدارها. قال الشربينى الخطيب في المغنى.

وأما الخفاف المتخذة من شئ واحد ومثلها النعال فيصح السلم فيها إن كانت جديدة واتخذت من غير جلد كالثياب المخيطة والامتعة، وكذلك لا يجوز السلم في القسى - جمع قوس ويجمع على أقواس - وهى تصنع من خشب وعظم وعصب وكذلك النبل المريش - بفتح الميم وكسر الراء - لاختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلظة، وتعذر ضبطه، وهو أحد القولين عند الحنابله، أما النبل قبل خرطه وترييشه فيصح لتيسر ضبطه قولا واحدا. ولا يصح السلم في الكشك - وهو بفتح الكاف، وتنطقه العامة بكسرها - لعدم ضبط حموضته. ولا يصح السلم في الخبز وذلك عند أكثر الاصحاب، وإن صح عند مالك والشافعي وأحمد وأبى ثور والاوزاعي بناء على اعتبار أن ما مسته النار لا يفارق ما لم تمسه النار إذا انضبط، قال الاصحاب في الخبز: لا يصح لتأثير النار فيه تأثيرا لا ينضبط، ولان ملحه يقل ويكثر، والقول الثاني صحته، وصححه الشافعي ومن تبعه، وحكاه المزني عن النص الصحة لان ناره مضبوطة والملح غير مقصود وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ولا يجوز السلم في الطير لانه لا يضبط بالسن ولا يعرف قدره بالذرع ولا يجوز السلم في جارية وولدها ولا في جارية وأختها لانه يتعذر وجود جارية وولدها أو جارية وأختها على ما وصف، وفى الجارية الحامل طريقان: أحدهما لا يجوز السلم فيها لان الحمل مجهول. والثانى: يجوز لان الجهل بالحمل لا حكم له مع الام كما نقول في بيع الجارية الحامل وفى السلم في شاة لبون قولان. أحدهما لا يجوز لانه سلم في شاة ولبن مجهول والثانى: يجوز لان الجهل باللبن لا حكم له مع الشاة كما نقول في بيع شاة لبون. (الشرح) فقد قال النووي - خلافا للمصنف - ويصح السلم في الطير ويذكر النوع والصغر، وكبر الجثة.

قال الشربينى في شرح المنهاج: والسن إن عرف، ويرجع فيه للبائع كما في الرقيق، والذكورة أو الانوثة إن أمكن التمييز وتعلق به الغرض. (فرع) قال الاذرعى: الظاهر أنه لا يجوز السلم في النحل، وان جوزنا بيعه، لانه لا يمكن حصره بعدد ولا وزن ولا كيل وأنه يجوز السلم في أوزة وأفراخها، ودجاجة وأفراخها إذا سمى عددها. قال الرملي وتابعه تلميذه الشربينى وما قاله في هذه مردود، يعنى في الاوزة والدجاجة وأفراخهما إذ هي داخله في قولهم: حكم البهيمة وولدها حكم الجارية وولدها. قوله " لا يجوز السلم فيها لان الحمل مجهول " قال الشافعي: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان وانما نهى من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، والمضامين ما في ظهور الجمال والملاقيح ما في بطون الاناث وحبل الحبله بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج ما في بطنها. قال الشافعي ولا خير في أن يسلم في جارية بصفة على أن يوفاها وهى حبلى، ولا في ذات رحم من الحيوان على ذلك من قبل أن الحمل لا يعلمه الا الله اه. قوله " وفى السلم في شاة لبون قولان " قال الشافعي في باب صفات الحيوان إذا كانت دينا: ولو سلف في ذات در على أنها لبون كان فيها قولان، أحدهما أنه جائز، وإذا وقع عليها أنها لبون كانت له، كما قلنا في المسائل قبلها، وان تفاضل اللبن كما يتفاضل المشى والعمل. والثانى: لا يجوز ممن قبل أنها شاة بلبن لان شرطه ابتياع له، واللبن يتميز منها ولا يكون بتصرفها، انما هو شئ يخلقه الله عز وجل فيها كما يحدث في البعر وغيره، فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا، كما يفسد أن يقول. أسلفك في ناقة يصفها ولبن معها غير مكيل ولا موصوف، وكما لا يجوز أن أسلفك في وليدة حبلى، وهذا أشبه القولين بالقياس والله أعلم اه. (فرع) قال النووي في المنهاج: ولا يصح السلم فيما يندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة، ولا فيما لو استقصى وصفه عز وجوده كاللؤلؤ الكبار واليواقيت وجارية وأختها أو ولدها اه.

ويلحق بالجارية وولدها والشاة وولدها أو سخلتها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وفى السلم في الاواني المختلفة الاعلى والاسفال كالابريق والمنارة والكراز وجهان (أحدهما) لا يجوز لانها مختلفة الاجزاء فلم يجز السلم فيها كالجلود (والثانى) يجوز لانها يمكن وصفها فجاز السلم فيها كالاسطال المربعة والصحاف الواسعة، واختلف أصحابنا في السلم في الدقيق فمنهم مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي القاسم الداركى رحمه الله لانه لا يضبط، والثانى يجوز لانه يذكر النوع والنعومة والجودة فيصير معلوما ولا يجوز السلم في العقار لان المكان فيه مقصود والثمن يختلف باختلافه فلابد من تعيينه والعين لا تثبت في الذمة. (الشرح) قوله: الكراز - بضم الكاف وفتح الراء مخففة ومشددة ثم ألف فزاى - زنة غراب ورمان، وهو القارورة أو كوز ضيق الرأس. أما الاحكام فقد قال النووي رحمه الله تعالى: ولا يصح في مختلف كبرمة معمولة وجلد وكوز وطسى وقمقم ومنارة وطنجير ونحوها، ويصح في الاسطال المربعة وفيما صب منها في قالب. قلت: عدم صحة السلم فيما ذكر بسبب أختلاف بعض الآنية من حيث شكلها وقوامها ففى البرمة المعمولة وهى المحفورة بآلة وفى الابريق الذى يختلف اسفله عن أعلاه في سعته من أسفل ثم ينساب ضيقه إلى أعلا قليلا قليلا ثم يبلغ غاية الضيق المناسب لشكله عند الرقبة ثم يعوج صنبوره إلى الامام كرقبة الاوزة وذلك مع امتداد عنقه إلى أعلا، وقد يكون له غطاء متحرك، وفى الكراز كذلك إتساع من أسفل وضيق من وسطه وأعلاه، وفى الطسى أو الطست حافة كالطوق تندلى من طرفه الاعلى مع اختلاف في أسفله عن أعلاه. كل هذه الاصناف التى وصفناها هل يجوز فيها السلم؟ قولان. أصحهما: لا، وذلك لعدم استطاعة المتعاقدين تحديد وصفها بالعبارة، وهذا قول أصحاب أحمد. أما الاسطال المربعة والصحاف الواسعة فيجوز فيها قولا واحدا.

قال ابن قدامة: وإن أسلم في الاواني التى يمكن ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها، كالاسطال القائمة الحيطان والطسوت جاز اه. قلت: لا يشترط ذكر الجيد أو الردئ في العقد ويحمل مطلقه على أجودها (فرع) اختلف الاصحاب في الدقيق فذهب أبو القاسم الداركى إلى عدم الجواز لانه لا يضبط، والقول أنه يجوز لامكان ذكر النعومة والجودة والنوع وبذلك يصير معلوما مقدورا عليه، فلو أسلم في دقيق (علامة أو زيرو (1)) جاز لانضباط النوع وإمكان القدرة عليه لدى عامة الناس فإذا تعذر ذلك على الناس فسد السلم فيه والله أعلم. (فرع) استحدثت في أزماننا هذه من أسباب الصنعة أدوات لم تكن معروفة عند أئمتنا السابقين رضوان الله عليهم كالمذياع والمرناة وهو جهاز يأتيك بالصورة والصوت (تليفزيون) من بعيد والثلاجة الكهربية والغسالة الكهربية وكل نوع من هذه الانواع له من التركيب وتنوع القطع وتباين الاجزاء ما يصعب على المتعاقدين ضبطه، فإن أمكن تحديد النوع والعلامة وكان مع الجهاز دليل مطبوع مكتوب يوضح أجزاءه ومقاديرها وأبعادها وقوتها وكان المتعاقدان خبيرين بأسرارها كوكيل لمؤسسة لصنع الاجهزة أو توزيعها جاز السلم بينهما، أما إذا لم يكن عليما بدقائق هذه الاجهزة بحيث يمكن تغيير مصباح، أو محرك جيد ووضع بدله أقل جودة أو قديما فسد السلم لانعدام العلم والاحاطة بدقائق الجهاز ويؤخذ من قول الشافعي في الام في باب لحم الوحش جواز سؤال أهل العلم به، فان بينوا عيبا رد بالعيب، وإلا فلا. (فرع) لا يجوز السلم في أنواع الاثاث إذا كان يشتمل على الحشايا والاسلاك اللولبية والقطن والجلد والقماش والطلاء وما أشبه ذلك لعدم إمكان انضباطه وتشابه الردئ منها بالجيد والله أعلم.

_ (1) الدقيق العلامة أو الزيرو وهو أجود الدقيق وأعلاه صنفا ويصنع منه الفطائر وأنواع الحلوى.

(فرع) العقار يختلف مكانه من شارع كبير إلى أزقة ضيقة إلى نواصى الطرقات إلى واجهة في ميدان فسيح مما يجعل كل مكان يختلف ثمنه باختلاف موقعه، وقد يكون مكان مكتظ بالسكان والاهلين وهو أقل سعرا من مكان لا كثافة فيه بالاهلين، ومن هنا كان اختلاف الثمن مع اختلاف الغرض يجعل ثبوت العين بالصفات المطلوبة في الذمة أمرا مستحيلا، ومن ثم لا يجوز السلم في العقار كما قال المصنف. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز السلم إلا في شئ عام الوجود مأمون الانقطاع في المحل فان أسلم فيما لا يعم كالصيد في موضع لا يكثر فيه أو ثمرة ضيعة بعينها أو جعل المحل وقتا لا يأمن انقطاعه فيه لم يصح لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن زيد بن سعنة قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا محمد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما إلى أجل معلوم من حائط بنى فلان فقال لا يا يهودى ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى كذا وكذا من الاجل ولانه لا يؤمن أن يتعذر المسلم فيه وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد. (الشرح) حديث عبد الله بن سلام مر ذكره في البيوع وبيان درجته وفى بابه لانس في الطبراني في الكبير والبزار وفيه موسى بن عبيدة الربذى وهو ضعيف أورده الهيثمى في مجمع الزوائد، وزيد بن سعنة كان من أحبار اليهود، أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة وتوفى في غزوة تبوك مقبلا إلى المدينة روى عنه عبد الله بن سلام، وكان عبد الله بن سلام يقول: قال زيد بن سعية - بالياء - ما من علامات النبوة شئ الا وقد عرفته في وجه محمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، وهذه الرواية وقعت قبل أن يسلم زيد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل ليهودي بعد اسلامه: يا يهودى فعرف أنها كانت قبل اسلامه. أما أحكام الفصل: فإنه مكمل لما سبق أن بيناه من أقوال الفقهاء في أن السلم لا يصح في شئ يندر وجوده، ونتيجة لذلك لا يصح الا في عام الوجود مأمون

الانقطاع في المحل المحدد لتسليمه فيه وفى الوقت المعين، فإن كان موسميا - أعنى يكثر في وقت من العام إلى أجل ما. ثم يقل في الاسواق أو يندر أو ينقطع فيصح السلم فيه إلى موسمه الذى يكثر فيه ويعم الاسواق ويصح السلم في الاصناف المستوردة في وقت السلم، وتعرض السفن في البحار للمخاطر نادر الحدوث، وهو أشبه بتعرض القوافل التى تحمل السلع في الماضي لمخاطر الطريق، ولم يمنع ذلك من السلم، أما وقت الحروب فيمتنع السلم فيها، والله تعالى أعلم. قال النووي: ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله لم ينفسخ على الاظهر، فيتخير المسلم بين فسخه وبين الصبر حتى يوجد، فلو علم قبل المحل انقطاعه عنده فلا خيار قبله في الاصح. اه أما السلم في الصيد فقد أجازه الشافعي في لحمه كلحم الانيس. قال في الام: ولحم الوحش كله كما وصفت من لحم الانيس إذا كان ببلد يكون بها موجودا لا يختلف في الوقت الذى يحل فيه بحال جاز السلف فيه. وإذا كان يختلف في حال ويوجد في أخرى لم يجز السلف فيه إلا في الحال التى لا يختلف فيها. قال ولا أحسبه يكون موجودا في بلد إلا هكذا. وذلك أن من البلدان ما وحش فيه وإن كان به منها وحش فقد يخطئ صائده ويصيبه. والبلدان وان كان منها ما يخطئه لحم يجوز فيه في كل يوم أو بها بعض اللحم دون بعض، فإن الغنم تكاد أن تكون موجودة والابل والبقر، فيؤخذ المسلف البائع بأن يذبح فيوفى صاحبه حقه، لان الذبح له ممكن بالشراء، ولا يكون الصيد له ممكنا بالشراء فيه في الوقت الذى يتعذر فيه لحم الانيس أو شئ منه في الوقت الذى يتعذر فيه، لم يجز في الوقت الذى يتعذر فيه، ولا يجوز السلف في لحم الوحش إذا كان موجودا ببلد إلا على ما وصفت من لحم الانيس أن يقول: لحم ظبى أو أرنب أو تيتل أو بقر وحش أو حمر وحش أو صنف بعينه ويسميه صغيرا أو كبيرا، ويوصف اللحم كما وصفت، وسمينا أو منقيا كما وصفت في اللحم لا يخالفه في شئ يكون معه لحمه غير طيب، شرط صيد كذا دون صيد كذا، فإن لم يشرط سئل أهل العلم به، فإن كانوا يبينون في بعض اللحم الفساد، فالفساد عيب ولا يلزم

المشترى، فإن كانوا يقولون: ليس بفساد ولكن صيد كذا أطيب فليس هذا بفساد، ولا يرد على البائع، ويلزم المشترى قال الشافعي: ويجوز السلم في لحم الطير كله لسن وسمانة وإنقاء ووزن غير أنه لا سن، وانما يباع بصفة مكان السن بكبير أو صغير، وما احتمل أن يباع مبعضا بصفة موصوفة وما لم يحتمل أن يبعض لصغره وصنف طائره وسمانته وأسلم فيه بوزن لا يجوز أن يسلم فيه بعدد وهو لحم، انما يجوز العدد في الحى دون المذبوح، والمذبوح طعام إلا يجوز الا وزنا، وإذا أسلم في لحم طير وزنا لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن رأسه ولا رجليه من دون الفخذين، لان رجليه لا لحم فيهما، وأن رأسه إذا قصد اللحم كان معروفا أنه لا يقع عليه اسم اللحم المقصود قصده. انتهى قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز السلم إلا في قدر معلوم لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " أسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم، فان كان في مكيل ذكر كيلا معروفا، وان كان في موزون ذكر وزنا معروفا، وان كان في مذروع ذكر ذرعا معروفا، فان علق العقد على كيل غير معروف كملء زبيل لا يعرف ما يسع أو ملء جرة لا يعرف ما تسع أو زنة صخرة لا يعرف وزنها أو ذراع رجل بعينه لم يجز لان المعقود عليه غير معلوم في الحال لانه لا يؤمن أن يهلك ما علق عليه العقد فلا يعرف قدر المسلم فيه. وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد، كما لو علقه على ثمرة حائط بعينه، وان أسلم فيما يكال بالوزن وفيما يوزن بالكيل جاز لان القصد أن يكون معلوما والعلم يحصل بذلك، وان أسلم فيما لا يكال ولا يوزن كالجوز والبيض والقثاء والبطيخ والبقل والرءوس إذا جوزنا السلم فيها أسلم فيها بالوزن. وقال أبو إسحق يجوز أن يسلم في الجوز كيلا لانه لا يتجافى في المكيال والمنصوص هو الاول. (الشرح) حديث ابن عباس مر ذكره، وقد رواه الجماعة بصيغة الاخبار لا بصيغة الانشاء كما ساقه المصنف ولفظه " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " أما الاحكام فقوله: فإن كان مكيلا ذكر كيلا معلوما، أعنى معروفا للناس، ولو كان السلطان قد أبطله، الا أن الناس ظلوا يتعاملون به فيما بينهم كان السلم فيه صحيحا، ولا يصح في كيل أو وزن غير معروفين للناس، ولو كان السلطان فرضهما ولكن الناس لم يتعاملوا بهما، والعبرة بشيوع المكيال والميزان عند عامة الناس، فإذا أعطى السلطان مهلة للناس لتصفية ما عندهم من موازين ومكاييل وحددها بأجل ينتهى فيه العمل بهذه المكاييل وجب على الناس طاعة للسلطان ألا يسلفوا في المكيال أو الميزان اللذين تحدد أجل العمل بهما إلا فيما قبل مهلة الابطال لاحتمال أن يتعرضوا للعقاب عند المخالفة قوله " وان كان في مذروع " أي كان القياس فيه بالذراع، ومثله المتر والياردة والقدم في عصرنا هذا، ويجرى على المقياس ما يجرى على الميزان والمكيال. (فرع) لا يجوز أن يسلم في المذروع وزنا، ولابد من تقدير المذروع بالذرع بغير خلاف نعلمه. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز في الثياب بذرع معلوم. اه وفيما عدا المكيل والموزون والمذروع فعلى ضربين، معدود وغيره، فالمعدود نوعان (أحدهما) لا يتباين كثيرا كالبيض والبقل والرءوس من الانواع التى ذكرها المصنف، لان القثاء والبطيخ يباعان في زماننا هذا بالوزن في أكثر البلدان، فيسلم في الانواع المذكورة عددا، وقد نص الفقهاء على جواز السلم في الجوز كيلا ووزنا ولا يجوز عددا. قال النووي: ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان، ويصح في الجوز واللوز بالوزن في نوع يقل اختلافه، وكذا كيلا في الاصح. قال السبكى: ويجوز الكيل والوزن في البندق واللوز والفستق، قال ولا أظن فيهما خلافا (قلت) ويجوز في المشمش كيلا ووزنا وان اختلف نواه كبرا وصغرا. والله أعلم

فالذي لا يتباين كثيرا من المعدود يسلم فيه عددا، وهو قول أبى حنيفة والاوزاعي. وقال الشافعي يسلم في البيض والجوز كيلا ووزنا ولا يجوز عددا لان ذلك يتباين ويختلف فلم يجز عددا كالبطيخ، فإن فيه الكبير والصغير ولاصحاب أحمد قول أنه إذا كان التفاوت يسيرا ويذهب باشتراط الكبر والصغر والوسط، ذهب التفاوت وان بقى شئ يسير عفى عنه، ويفارق البطيخ فإن التفاوت فيه كبير فلا ينضبط بالعدد (الضرب الثاني) ما يتفاوت كالرمان والسفرجل والقثاء والخيار فهذا حكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول ففيه وجهان (أحدهما) يسلم فيه عددا ويضبطه بالصغر والكبر لانه يباع هكذا، وهو قول أحمد ومالك (والثانى) لا يسلم فيه الا وزنا، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لانه لا يمكن تقديره بالعدد، لانه يختلف كثيرا ويتباين جدا فلم يمكن تقديره بغير الوزن، فتعين تقديره به. والله أعلم (فرع) لا يجوز أن يسلم في ثمره بستان بعينه، ولا قرية صغيرة، لانه لا يؤمن تلفه وانقطاعه. قال ابن المنذر: ابطال السلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالاجماع من أهل العلم، وممن حفظنا أنه قال ذلك الثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأى واسحاق، وهو مذهب أحمد. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ولا يجوز حتى يصف السلم فيه بالصفات التى تختلف بها الاثمان كالصغر والكبر، والطول والعرض، والدور والسمك، والنعومة والخشونة، واللين والصلابة، والرقة والصفاقة، والذكورية والانوثية، والثيوبة والبكارة والبياض والحمرة، والسواد والسمرة. والرطوبة واليبوسة والجودة والرداءة، وغير ذلك من الصفات التى تختلف بها الاثمان، ويرجع فيما لا يعلم من ذلك إلى نفسين من أهل الخبرة، وان شرط الاجود لم يصح العقد، لانه ما من جيد إلا ويجوز أن يكون فوقه ما هو أجود منه فيطالب به فلا يقدر عليه، وان شرط الاردأ ففيه قولان (أحدهما) لا يصح لانه ما من ردئ إلا ويجوز أن يكون

دونه ما هو أردأ منه فيصير كالاجود، والثانى أنه يصح لانه ان كان ما يحضره هو الاردأ فهو الذى أسلم فيه، وان كان دونه أردأ منه فقد تبرع بما أحضره فوجب قبوله فلا يتعذر التسليم. وإن أسلم في ثوب بالصفات التى يختلف بها الثمن، وشرط أن يكون وزنه قدرا معلوما ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى لانه لا يتفق ثوب على هذه الصفات مع الوزن المشروط إلا نادرا فيصير كالسلم في جارية وولدها وكالسلم فيما لا يعم وجوده (والثانى) أنه يجوز، لان الشافعي رحمه الله نص على أنه إذا أسلم في آنية وشرط وزنا معلوما جاز فكذلك ههنا. (الشرح) هذا الفصل أحكامه مستوفاة في باب تسليم المسلم فيه بعد هذا الباب وإن كان المطلوب هنا عدم جواز العقد خاليا من ذكر الصفات في المسلم فيه، وقد مر بك تفصيل هذا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن أسلم في مؤجل وجب بيان أجل معلوم لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ولان الثمن يختلف باختلافه فوجب بيانه كالمكيل والوزن وسائر الصفات والاجل المعلوم ما يعرفه الناس كشهور العرب وشهور الفرس وشهور الروم وأعياد المسلمين والنيروز والمهرجان، فإن أسلم إلى الحصاد أو إلى العطاء أو إلى عيد اليهود والنصارى لم يصح لان ذلك غير معلوم لانه يتقدم ويتأخر، وان جعله إلى شهر ربيع أو جمادى صح وحمل على الاول منهما. ومن أصحابنا من قال لا يصح حتى يبين، والمذهب الاول لانه نص على أنه إذا جعل إلى النفر حمل على النفر الاول، فإن قال إلى يوم كذا كان المحل إذا طلع الفجر. فإن قال إلى شهر كذا كان المحل إذا غربت الشمس من الليلة التى يرى فيها الهلال، فإن قال محله في يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا ففيه وجهان: قال أبو على ابن أبى هريرة: يجوز ويحمل على أوله، كما لو قال لامرأته أنت طالق في يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا فإن الطلاق يقع في أولها (والثانى) لا يجوز وهو الصحيح لان ذلك يقع على جميع أجزاء اليوم والشهر والسنة، فإذا لم يبين كان مجهولا ويخالف الطلاق فإنه يجوز إلى أجل مجهول وإذا صح تعلق بأوله بخلاف السلم. فان ذكر شهورا مطلقة حمل على

شهور الاهلة لان الشهور في عرف الشرع شهور الاهلة فحمل العقد عليها فان كان العقد في الليلة التى رؤى فيها الهلال اعتبر الجميع بالاهلة وإن كان العقد في أثناء الشهر اعتبر شهرا بالعدد وجعل الباقي بالاهلة فان أسلم في حال وشرط أنه حال صح العقد وان أطلق ففيه وجهان. (أحدهما) لا يصح لانه أحد محلى السلم فوجب بيانه كالمؤجل (والثانى) أنه يصح ويكون حالا لان ما جاز حالا ومؤجلا حمل اطلاقه على الحال كالثمن في المبيع وان عقد السلم حالا ثم تجعله مؤجلا أو مؤجلا فجعله حالا أو زاد في أجله أو نقص نظرت فان كان ذلك بعد التفرق لم يلحق بالعقد لان العقد استقر فلا يتغير وان كان قبل التفرق لحق بالعقد، وقال أبو على الطبري إن قلنا ان المبيع انتقل بنفس العقد لم يلحق به والصحيح هو الاول وقد ذكرناه في الزيادة في الثمن. (الشرح) حديث ابن عباس سبق تخريجه وضبطه لفظا. أما لغات الفصل: فشهور العرب هي المحرم وصفر وربيع الاول وربيع الآخر وجمادى الاولى وجمادى الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وذو القعدة وذو الحجة أما شهور الفرس فقد كان معمولا بها في الدولة العباسية وتبدأ سنتها من عيد النيروز وهو نزول الشمس برج الميزان، والمهرجان بكسر الميم نزولها برج الحمل اما الشهور الرومية فهى كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) وآذار (مارس) ونيسان (إبريل) وأيار (مايو) وحزيران (يونيو) وتموز (يوليو) وآب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) وتشرين الاول (اكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الاول (ديسمبر) وهذه اسماؤها بالسريانية والفرنجية. أما الاحكام، فقد قال النووي في المنهاج: فإن عين شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز، وإن أطلق حمل على الهلالي، فإن انكسر شهر حسب الباقي بالاهلة، وتمم الاول ثلاثين. قلت: يشترط لصحة السلم في شهور الفرس معرفة المسلمين بها فان كانت قد أهملت وترك الناس العمل بها كما هو واقع في زماننا لا يصح التوقيت بها في السلم، والعبرة بمعرفتها لدى المسلمين، ولذلك قال الشربينى في المغنى: يجوز بعيد

الكفار (كالكريسماس) وكفصح النصارى وفطير اليهود إن عرفها المسلمون، ولو عدلان منهم أو المتعاقدان بخلاف ما إذا اختص الكفار بمعرفتها إذ لا يعتمد قولهم اه. قال الرملي في النهاية: نعم إن كانوا عددا كثيرا يمنع تواطؤهم على الكذب جاز كما قاله ابن الصباغ لحصول العلم بقولهم اه. نعم لو انعقد في أول ليله آخر الشهر اكتفى بالاشهر بعده بالاهلة، وان نقص بعضها ولا يتمم الاول مما بعدها لانها مضت عربية كوامل، هذا إن نقص الشهر الاخير، والا لم يشترط انسلاخه، بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ. فإذا قال: أسلفتك إلى شهر ربيع أو جمادى ولم يبين أي الربيعين أو أي الجماديين، حمل على الاول أعنى على ربيع الاول وعلى جمادى الاولى، وكذلك إذا قال إلى العيد فان كان بعد الفطر وقبل الاضحى تحمل على الاضحى، وان كان بعد الاضحى حمل على الفطر، ومن أصحابنا من قال لا يصح حتى يبين، والمذهب الاول، وهو اختيار المصنف والنووي والرملى والشربينى أرجح ودليل ذلك أنه نص على أنه إذا جعله إلى النفر حمل على النفر الاول والله أعلم: كل هذا لان العلم بالاجل شرط فلو قال: إلى الحصاد أو الميسرة أو قدوم الحاج أو طلوع الشمس لم يصح، ولو قالا: أول فصل الشتاء وقصدا يوم الثاني والعشرين من كانون الثاني وهو أول الشتاء على ما قرره علماء الهيئة، أو قالا: أول فصل الربيع، وقصدا الحادى والعشرين من آذار، أو أول فصل الصيف وقصدا الثاني والعشرين من حزيران، أو أول الخريف وقصد الثالث والعشرين من تشرين الاول لم يصح لاحتمال أن يجحد أحدهما، ولان أول الفصل قد يبلغ الشهر أو أكثر فلم يصح الا على قول على بن أبى هريرة في حمل الاطلاق على الاول قياسا على النفر والعيد وربيع وجمادى وهو قياس غير مقبول عند الاصحاب. فإذا قال: إلى أول أو آخر رمضان، قال الامام والبغوى: ان قال إلى أول أو آخر رمضان ينبغى أن يصح ويحمل على الجزء الاول من كل نصف كما في النفر

قال في الشرح الصغير: وهو الاقوى. وقال السبكى: وهو الصحيح، ونقله الاذرعى عمن ذكر وغيره عن نص الام وقال: إنه الاصح نقلا ودليلا. وقال الزركشي: إنه المذهب، وقد سوى الشيخ أبو حامد بين إلى رمضان وإلى غرته وإلى هلاله والى أوله، فان قال: إلى أول يوم من الشهر حل بأول جزء من أول اليوم، وكذا الماوردى. وقال الرملي: وما ذكراه آخرا بعد الصحة من حمله على الجزء الاول من كل نصف رأى مرجوع في آخره، أما على الراجح فيحمل على آخر جزء منه، ولو قال: في رمضان لم يصح. لانه جعل جميعه ظرفا فكأنهما قالا: يحل في جزء من أجزائه وهو مجهول، وإنما جاز ذلك في الطلاق، لانه لما قبل التعليق بالمجهول كقدوم زيد قبله بالعام ثم تعلق بأوله لصدق اللفظ به، فوجب وقوعه فيه لكونه قضية الوضع والعرف. وأما السلم فلما لم يقبل التأجيل بالمجهول لم يقبله بالعام، وإنما قبله بنحو العيد لانه وضع لكل من الاول والثانى بعينه فدلالته على كل منهما أقوى من دلالة الظرف على أزمنته، لانه لم يوضع لكل منهما بعينه، بل لزمن مبهم منها اه. وقال الشافعي في الام: وكذلك لو قال: أجلك فيه شهر كذا أوله وآخره لا يسمى أجلا واحدا، فلا يصلح حتى يكون أجلا واحدا، ولو سلفه إلى شهر كذا، فإن حبسه فله كذا كان بيعا فاسدا، وإذا سلف فقال: إلى شهر رمضان من سنة كذا كان جائزا والاجل حين يرى هلال شهر رمضان أبدا حتى يقول: إلى انسلاخ شهر رمضان أو مضيه أو كذا وكذا يوما يمضى منه إلى أن قال: ولو قال إلى عقب شهر كذا كان مجهولا فاسدا. وكلام المصنف مشعر ببطلان العقد إذا أطلق الشهر ولم يحدد اليوم خلافا لابي على بن أبى هريرة لان الاطلاق في الشهر يقع على جميع أجزائه وإذا أطلق في السنة يقع على جميع أجزائها وقد رفض الاصحاب هذا القول. (فرع) إذا أحضر المسلم إليه المسلم فيه قبل محله - بكسر الحاء - أي وقت حلول الاجل فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح، كأن كان حيوانا يحتاج لمؤنة

ونفقة إلى حلول الاجل، أو كان يترقب زيادة سعره عند المحل - فيما يظهر - أو وقت إغارة لو قبلها هلكت، أو كان يريد أكله طريا في محله إن كان في لحم ونحوه - وكان المؤدى في ذلك كله يريد أن يفوت على المسلم مصلحة أو يلحق به ضررا - لم يجبر على قبوله. وان كان للمؤدى غرض صحيح، كفك رهن، أو براءة ضامن - كما لو كان المسلم فيه توقع عليه حجز وأراد استشكال هذا الحجز، ثم يرفع قضية استرداد لتسليم المسلم فيه المحجوز عليه للمسلم، أو كان يخاف انقطاع الجنس عند حلول الاجل، أو كان المسلم ليس له غرض صحيح في الامتناع، أو كان يريد الحاق الضرر بالمؤدى، أو كان المؤدى يريد مجرد ابراء الذمة، أجبر المسلم لان امتناعه حينئذ للتعنت. وفى حالة ارادة مجرد ابراء الذمة فما قررناه فيها هو أظهر القولين والثانى لا يجبر للمنة، وسيأتى مزيد في باب تسليم المسلم فيه ان شاء الله تعالى. (فرع) إذا أطلق المتعاقدان في محل - بكسر الحاء - السلم فلم يذكرا وقتا ولم يحددا أجلا انصرف إلى كونه حالا، لان ما جاز حالا ومؤجلا حمل اطلاقه على الحال، وهذا هو قول الشافعي وابن المنذر وأبى ثور. (فرع) إذا أراد أحدهما أن يجعل الحال مؤجلا، أو أراد أن يزيد في الاجل نظرت، فان كان ذلك بعد التفرق وهو لزوم العقد لم يلحق بالعقد، لان العقد استقر فلا يتغير. وإذا أراد أحدهما أن يجعل المؤجل حالا - نظرت - فان كان ذلك من المؤدى وهو المسلم إليه، أجرينا عليه ما قلناه فيما إذا أحضر المسلم فيه قبل محله في فرع سبق من هذا الفصل، وان كان بنقص في الاجل وكان ذلك بعد لزوم العقد أو بعد التفرق فلا يلحق بالعقد لان العقد قد استقر، وان كان ذلك كله، أعنى الزيادة في الاجل أو النقصان فيه أو جعله حالا، قبل التفرق أو قبل لزوم العقد لحق ذلك بالعقد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان أسلم في جنسين إلى أجل أو في جنس إلى أجلين ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يصح لان ما يقابل أحد الجنسين أقل مما يقابل الآخر وما يقابل

أحدهما أجلا أقل مما يقابل الآخر وذلك مجهول فلم يجز (والثانى) أنه يصح وهو الصحيح لان كل بيع جاز في جنس واحد وأجل واحد جاز في جنسين وفى أجلين كبيع الاعيان ودليل القول الاول يبطل بيع الاعيان فانه يجوز إلى أجلين وفى جنسين مع الجهل بما يقابل كل واحد منهما. (الشرح) إذا أسلم في جنسين إلى أجل، وصورة ذلك أن يسلم دينارا في قميص وكتاب ولم يبين ثمن كل واحد منهما على حدة، فقد جوزه مالك وأحد القولين عند الشافعي ومنعه أحمد، والقول الآخر عند الشافعي، والقول المجيز يحتج بأن كل عقد جاز على جنسين في عقدين جاز عليهما في عقد واحد كبيوع الاعيان لما يشتمل عليه من مباني وغيرها على النحو الذى سبق في بيوع الاعيان وهو كما لو بين ثمن أحدهما. وبقول المانعون إن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يصح كما لو عقد عليه مفردا بثمن مجهول، ولان فيه غررا أثر مثله في السلم وبمثل هذا عللوا معرفة صفة الثمن وقدره، والوجه الاخر أنه لا يشترط لانه لما جاز أن يسلم في شئ واحد إلى أجلين، ولا يبين ثمن كل واحد منهما، كذا ههنا، قال ابن موسى ولا يجوز أن يسلم خمسة دنانير وخمسين درهما في كر حنطة حتى يبين حصة ما لكل واحد منهما من الثمن، والاولى صحة هذا، لانه إذا تعذر بعض المسلم فيه رجع بقسطه منهما وأمكن معرفة ثمن كل منهما ما دام موصوفا بصفاته من ثمن مثله في أجله، كذلك إذا أسلف في جنس واحد إلى أجلين فقد قال الشافعي: إذا أسلم في جنس واحد إلى أجلين ففيه قولان. أحدهما: لا يصح، لان ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل الاخر وذلك مجهول فلم يجز، قلت: ولنا أن كل بيع جاز إلى أجل واحد جاز في أجلين، وقد أجازه أحمد وأصحابه في أكثر من أجلين إلى آجال، كبيوع الاعيان، فإذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي ففسخ العقد رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقى فضلا عن المقبوض، لانه مبيع واحد متماثل الاجزاء فيقسط على أجزائه بالسوية كما لو اتفق أجله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وأما بيان موضع التسليم فإنه إن كان العقد في موضع لا يصلح للتسليم كالصحراء وجب بيانه، وان كان في موضع يصلح للتسليم ففيه ثلاثة أوجه: (أحدها) يجب بيانه لانه يختلف الغرض باختلافه فوجب بيانه كالصفات (والثانى) لا يجب بل يحمل على موضع العقد كما نقول في بيع الاعيان (والثالث) أنه إن كان لحمله مؤنة وجب بيانه لانه يختلف الثمن باختلافه فوجب بيانه كالصفات التى يختلف الثمن باختلافها، فإن لم يكن لحمله مؤنة لم يجب بيانه لانه لا يختلف الثمن باختلافها فلم يجب بيانه كالصفات التى لا يختلف الثمن باختلافها. (الشرح) قال النووي رحمه الله تعالى " المذهب أنه إذا أسلم بموضع لا يصلح للتسليم أو يصلح، ولحمله مثونة اشترط محل التسليم وإلا فلا. قال الرملي في النهاية المذهب أنه إذا أسلم سلما حالا أو مؤجلا وهما بموضع لا يصلح للتسليم، أو سلما مؤجلا وهما بمحل يصلح له ولكن لحمله، أي المسلم فيه مئونة اشترط بيان محل. بفتح الحاء، أي مكان التسليم للمسلم فيه لتفاوت الاغراض فيما يراد من الامكنة في ذلك، والا بأن كان صالحا للتسليم، والسلم حال أو مؤجل، ولا مئونة لحمل ذلك إليه فلا يشترط ما ذكر، ويتعين محل العقد للتسليم للعرف فيه، فإن عينا غيره تعين بخلاف المبيع، لان السلم لما قبل شرطا يقتضى تأخير التسليم، ولو خرج المعين للتسليم عن الصلاحية تعين أقرب محل صالح له، ولو أبعد منه، ولا أجرة له فيما يظهر لاقتضاء العقد له فهو من تتمة التسليم الواجب، ولا يثبت للمسلم، خيار ولا يجاب المسلم إليه لو طلب الفسخ ورد رأس المال، ولو لخلاص ضامن وفك رهن خلافا للبلقينى ومن تبعه (قلت) والمسألة فيها ثلاثة أوجه عند المصنف في الصلح فقط وستة طرق عند الرملي في الصالح وغيره، وسبعة عند الشبراملسى، فالمنصوص الاشتراط وعدمه، فقيل هما مطلقا، وقيل هما في حالين. قيل في غير الصالح ومقابله. وقيل هما في الصالح، ويشترط في غيره. وقيل هما فيما لحمله مئونه، ولا يشترط في مقابله

وقيل هما فيما ليس لحمله مئونة، ويشترط في مقابله. والمدار هنا على ما يليق بحفظ المال والمؤن، والغالب استواء المحلة فيهما. ويشهد لذلك قولهم: المراد بمحل العقد هنا محلته لا خصوص محله فيهما، ولهذا قالوا: لو قال تسلمه لى في بلد كذا وهى غير كبيرة كفى إحضاره في أولها وإن بعد عن منزله، أو في أي محل شئت منه صح ما لم يتسع، ومتى اشترط التعيين فتركه لم يصح العقد، ومن ثم عرف صحة كلام ابن الرفعة: إن محل قولهم السلم الحال يتعين فيه موضع العقد للتسليم مطلقا حيث كان صالحا له، وإلا كأن أسلم في كثير من الشعير وهما سائران في البحر، فالظاهر اشتراط التعيين كما هو ظاهر كلام الائمة، وإن توقف فيه بعضهم، إذ هو ظاهر، وجزم به غيره لان من شرط الصحة القدرة على التسليم وهو حال وقد عجز عنه في الحال، وحينئذ فلا فرق بين الحال والمؤجل إذا لم يكن الموضع صالحا في اشتراط التعيين. ويدل عليه كلام الماوردى أيضا، والكلام في السلم المؤجل. أما الحال فيتعين فيه موضع العقد للتسليم، أي إذا كان صالحا وإلا اشترط بما فيه من التفصيل، وحينئذ فقد افترق الحال والمؤجل من بعض الوجوه، وذلك كاف في صحة المفهوم. وقد اختلف أئمة المذاهب في تعيين مكان الايفاء، فقال ابن المنذر: لا يشترط تعيين مكان الايفاء. وحكاه عن أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث. وبه قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولى الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم " في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر مكان الايفاء، فدل على أنه لا يشترط وفى الحديث الذى فيه " ان اليهودي أسلم إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: أما من حائط بنى فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " رواه ابن ماجه ولم يذكر مكان الايفاء، ولانه عقد معاوضة فلا يشترط فيه مكان الايفاء كبيوع الاعيان وقال الثوري: يشترط ذكر مكان الايفاء، وهو القول الثاني للشافعي، وقال الاوزاعي هو مكروه، لان القبض يجب بحلوله ولا يعلم موضعه حينئذ، فيجب شرطه لئلا يكون مجهولا، وقال أبو حنيفة وهو قول أصحابنا: إن كان لحمله مئونة وجب شرطه، والا فلا يجب، لانه إذا كان لحمله مئونة اختلف فيه

الغرض بخلاف مالا مئونة فيه، وقال ابن أبى موسى: ان كانا في برية لزم ذكر مكان الايفاء، وان لم يكونا في برية فذكر مكان الايفاء حسن، وان لم يذكراه كان الايفاء مكان العقد، فإذا ترك ذكره كان مجهولا، وان لم يكونا في برية اقتضى العقد التسليم في مكان العقد، فاكتفى بذلك عن ذكره. وللفقهاء أقوال حول هذا أجملناها بما يوفى المقصود والله أعلم قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز تأخير قبض رأس المال عن المجلس لقوله صلى الله عليه وسلم: أسلفوا في كيل معلوم، والاسلاف هو التقديم، ولانه إنما سمى سلما لما فيه من تسليم رأس المال فإذا تأخر لم يكن سلما فلم يصح، ويجوز أن يكون رأس المال في الذمة ثم يعينه في المجلس ويسلمه، ويجوز أن يكون معينا، فإن كان في الذمة نظرت فإن كان من الاثمان حمل على نقد البلد، وان كان في البلد نقود حمل على الغالب منها، وان لم يكن في البلد نقد غالب وجب بيان نقد معلوم. وان كان رأس المال عرضا وجب بيان الصفات التى تختلف بها الاثمان لانه عوض في الذمة غير معلوم بالعرف فوجب بيان صفاته كالمسلم فيه، وان كان رأس المال معينا ففيه قولان (أحدهما) يجب ذكر صفاته ومقداره لانه لا يؤمن أن ينفسخ السلم بانقطاع المسلم فيه، فإذا لم يعرف مقداره وصفته لم يعرف ما يرده (والثانى) لا يجب ذكر صفاته ومقداره لانه عوض في عقد لا يقتضى رد المثل فوجب أن تغنى المشاهدة عن ذكر صفاته ومقداره كالمهر والثمن في البيع وان كان رأس المال مما لا يضبط بالصفة كالجواهر وغيرها، فعلى القولين إن قلنا يجب ذكر صفاته لم يجز أن يجعل ذلك رأس المال لانه لا يمكن ذكر صفاته وان قلنا لا يجب جاز أن يجعل ذلك رأس المال، لانه معلوم بالمشاهدة والله أعلم (الشرح) الحديث هو حديث ابن عباس الذى دار عليه أكثر الفصول السابقة وأضحناه بلفظه وتخريجه فيما سبق، أما الاحكام فإنه لا يجوز تأخير قبض رأس المال عن مجلس العقد لان الاسلاف هو التقديم فكان لازمه تسليمه قبل الصيغة. وقال الخرقى من الحنابلة: ويقبض الثمن كاملا وقت السلم قبل التفرق

باب تسليم المسلم فيه

قوله: ويجوز أن يكون رأس المال في الذمة ثم يعينه في المجلس خلافا لابن المنذر الذى قَالَ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ على أنه إذا كان له في ذمة رجل دينار فجعله سلما في طعام إلى أجل لم يصح اه. وحكى هذا ابن قدامة عن مالك والاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأى والشافعي وعن ابن عمر أنه قال: لا يصح ذلك، وذلك لان المسلم فيه دين، فإن جعل الثمن دينا كان بيع دين بدين ولا يصح ذلك، قلت وقد مر بك في أول الباب مناقشة هذا الرأى. والمهم في هذا جواز أن يكون رأس المال في الذمة ولكن يجب إحضاره إلى المجلس بعد تعيينه، فإن كان ما في الذمة من الاثمان حمل على نقد البلد، وإن كان في البلد أكثر من نقد حمل على النقد الغالب فيها وإن لم يكن في البلد نقد غالب وجب بيان نقد معلوم، وما دام رأس المال حاضرا في المجلس فإن المشاهدة تغنى عن ذكر صفاته ومقداره، كما لو كان رأس المال من الجواهر والاحجار الكريمة مما يصعب وصفه، فإن كان من الجواهر الثمينة وقلنا بأنه يجب ذكر صفاته لم يجز أن يكون ذلك رأس مال لتعذر وصفه، وإن قلنا لا يجب جاز لمشاهدته في المجلس. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (باب تسليم المسلم فيه) إذا حل دين السلم وجب على المسلم إليه تسليم المسلم فيه على ما اقتضاه العقد فإن كان المسلم فيه تمرا لزمه ما يقع عليه اسم التمر على الاطلاق. فإن أحضر حشفا أو رطبا لم يقبل منه، فإن كان رطبا لزمه ما يقع عليه اسم الرطب على الاطلاق ولا يقبل منه بسر ولا منصف ولا مذنب ولا مشدخ، وان كان طعاما لزمه ما نقى من التبن، فإن كان فيه قليل تراب نظرت، فإن كان أسلم فيه كيلا قبل منه لان القليل من التراب لا يظهر في الكيل، وإن كان أسلم فيه وزنا لم يقبل منه لانه يظهر في الوزن فيكون المأخوذ من الطعام دون حقه، وان كان عسلا لزمه ما صفى من الشمع، فإن أسلم إليه في ثوب فأحضر ثوبا أجود منه لزمه قبوله، لانه

أحضر المسلم فيه وفيه زيادة صفة لا تتميز فلزمه قبوله، فإن جاءه بالاجود وطلب عن الزيادة عوضا لم يجز لانه بيع صفة والصفة لا تفرد بالبيع، فإن أتاه بثوب ردئ لم يجيز على قبوله لانه دون حقه، فان قال خذه وأعطيك للجودة درهما لم يجز لانه بيع صفة ولانه بيع جزء من المسلم فيه قبل قبضه فان أسلم في نوع من جنس فجاءه بنوع آخر من ذلك الجنس كالمعقلي عن البرنى والهروى عن المروى فَفِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ لانه غير الصنف الذى أسلم فيه فلم يجز أخذه عنه كالزبيب عن التمر. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَجُوزُ لان النوعين من جنس واحد بمنزلة النوع الواحد. ولهذا يحرم التفاضل في بيع أحدهما بالآخر، ويضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب في الزكاة. فإن اتفق أن يكون رأس المال على صفة المسلم فيه فأحضره ففيه وجهان أحدهما لا يجوز قبوله لانه يصير الثمن هو المثمن، والعقد يقتضى أن يكون الثمن غير المثمن والثانى أنه يجوز لان الثمن هو الذى سلم إليه والمثمن هو الموصوف، وان أسلم إلى محل فأحضر المسلم فيه قبله أو شرط أن يسلم إليه في مكان فأحضر المسلم فيه في غير ذلك المكان فامتنع المسلم من أخذه، نظرت فان كان له غرض صحيح في الامتناع من أخذه بأن يلزمه في حفظه مؤن أو عليه في حمله مشقة أو يخاف عليه أن يهلك أو يؤخذ لم يلزمه أخذه، وان لم يكن له غرض صحيح في الامتناع لزمه أخذه، فان لم يأخذه رفع إلى الحاكم ليأخذه عنه، والدليل عليه ما روى أن أنسا رضى الله عنه كاتب عبدا له على مال إلى أجل فجاءه بمال قبل الاجل فأبى أن يأخذه فأتى عمر (رض) فأخذه منه وقال له: اذهب فقد عتقت، ولانه زاده بالتقديم خيرا فلزمه قبوله. وان سأله المسلم أن يقدمه قبل المحل فقال: أنقصني من الدين حتى أقدمه ففعل لم يجز لانه بيع أجل والاجل لا يفرد بالبيع، ولان هذا في معنى ربا الجاهلية، فانه كان في الجاهلية يقول من عليه الدين: زدنى في الاجل أزدك في الدين. (الشرح) الخبر الذى ساقه المصنف عن أنس المذكور في الفصل لم أحفظه بهذه الصورة، وانما الذى أحفظه ما رواه الاثرم عن أبى بكر بن حزم أن رجلا أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إنى كاتبت على كذا وكذا وانى أيسرت بالمال فأتيته به

فزعم أنه لا يأخذها الا نجوما، فقال عمر: يأبى؟ وأمر عامله على بيت المال: فخذ هذا المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوما في كل عام وقد عتق هذا، فلما رأى ذلك سيده أخذ المال، ورواه عثمان بن منصور في سننه عن عمر وعثمان جميعا والذى ثبت فيه ذكر أنس حديث أخرجه البخاري عن موسى بن أنس " أن سيرين - أبا محمد وإخوته - سأل أنس بن مالك المكاتبة، وكان كثير المال، فأبى، فانطلق إلى عمر فقال: كاتبه، فأبى فضربه عمر بالدرة وتلا عمر: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " وأحايث أخرى من باب المكاتبة ستأتي في الباب إن شاء الله تعالى. أما لغات الفصل: فالبسر من ثمر النخل ما قبل الرطب وبقية لغات الفصل في الاحكام أما أحكام الفصل: فإنه إذا حل دين المسلم وجب على المسلم إليه تسليم المسلم فيه على ما اقتضاه العقد فإن كان المسلم فيه تمرا، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فليس على المسلم أن يأخذه إلا جافا. قال أصحابنا: ولم يرد بهذا أن يكون مشمسا وإنما أراد به إذا بلغ إلى حالة الادخار فعليه أن يأخذه، وهو إذا وقع عليه اسم الجفاف، وإن لم يتناه جفافه، وان كان المسلم فيه رطبا لزمه ما يقع عليه اسم الرطب، ولا يلزمه أن يقبل بسرا ولا مذنبا، ولا منصفا، ولا مشدخا، فأما المذنب فهو الذى أرطب في أذنابه لا غير. وأما المنصف فهو الذى صار نصف بسره رطبا ونصفها بسرا. وأما المشدخ فذكر الشيخ أبو حامد أن المشدخ هو الذى ضرب بالخشب حتى صار رطبا فلا يلزمه قبوله لانه لا يتناوله اسم الرطب وإن تناوله فيكون رطبا مفتوتا. وقيل: إنهم يشمسون البسر ثم يدلكونه بكسى صوف غليظ وما أشبهه فيصير طعمه طعم الرطب، يفعلون ذلك استعجالا لاكل الرطب من البسير قبل الارطاب، ولعل الشيخ أبا حامد أراد أنهم يضربون البسر بالخشب ليصير طعمه طعم الرطب، وان كان المسلم فيه طعاما لزمه أن يدفع إليه طعاما نقيا من الشعير والزوان وعقد التبن، لان هذه الاشياء تنقصه عن الكيل والوزن. وإن كان فيه قليل تراب أو شئ من دقاق التبن - نظرت - فان أسلم فيه كيلا لزمه قبوله، لان ذلك لا يؤثر في الكيل، وإن أسلم فيه وزنا لم يلزمه قبوله لان دلك يؤثر في الوزن فيكون المقبوض دون حقه.

فإذا أسلم إليه في شئ فأتى المسلم إليه بالمسلم فيه لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يأتيه بالمسلم فيه على الصفة المشروطة. وإما أن يأتيه بأردأ منه. وإما أن يأتيه بأعلى منه. فإن أتى به على الصفة المشروطة وعلى صفة المسلم فيه، بأن أسلم إليه في طعام جيد فأتاه بطعام يقع عليه اسم الجيد، وان كان غيره اجود منه لزمه أن يقبل منه وإن أتاه بأردأ من المسلم فيه، بأن أتاه بطعام ردئ لم يلزمه قبوله، لانه دون ما شرط، وان قال المسلم إليه: خذ هذا وأعطيتك عن الجودة عوضا لم يجز، لانه بيع جزء من المسلم فيه قبل القبض، وان أتاه بأعلى من المسلم فيه فلا تخلو الزيادة من أربعة أحوال: إما أن تكون زيادة في الصفة، أو في العدد، أو في الجنس، أو في النوع، فان كانت الزيادة في الصفة مثل أن يسلم إليه في طعام ردئ فجاءه بطعام جيد، فان رضى المسلم إليه بتسليمه عما في ذمته لزم المسلم قبوله، لانها زيادة لا تتميز أي لا تنفصل عن الطعام لانها صفة فيه. فإذا رضى المسلم إليه بتسليمها لزم المسلم قبولها كما لو أصدق إمرأته عينا فزادت في يدها زيادة تتميز، ثم طلقها قبل الدخول، ورضيت المرأه بتسليم نصف العين مع زيادتها فان الزوج يلزمه قبولها. وان لم يتطوع المسلم إليه بتسليمها بل طلب عن الجودة عوضا لم يصح لان الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد، وان كانت الزيادة في العدد مثل أن يسلم إليه خمسة أرادب من القمح فجاءه بعشرة أرادب من القمح لم يلزمه المسلم قبول ما زاد على الخمسة، لان ذلك ابتداء هبة فلم يجبر على قبولها. وإن كانت الزيادة في الجنس مثل أن يسلم إليه ذرة فأعطاه عن الذرة قمحا أو عدسا لم يلزمه قبول ذلك، فان قبله لم يصح لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره. وإن كانت الزيادة في النوع مثل أن يسلفه على قمح هندي فجاءه بقمح شامى، أو ذرة صفراء فجاءه عنها بذرة بيضاء، فحكى الشيخ أبو حامد وجهين، أحدهما

يلزم المسلم قبوله، وهذا الوجه يستند أصحابه إلى دلالة قول الشافعي رحمه الله وأصل ما يلزم المسلف قبول ما سلف فيه هو أن يأتيه به من جنسه، وهذا قد أتى به من جنسه، ولانه قد أعطى من جنس حقه، وفيه زيادة لا تتميز، فأشبه ما لو أسلم في نوع ردئ فأعطاه من ذلك النوع جيدا، فانه يلزمه قبوله، ولانه يمكنه إكمال نصاب الزكاة به. والوجه الثاني. لا يلزمه قبوله، لانه لم يأت به على الصفة التى اشترط عليه فلا يلزمه قبوله، كما لو أتاه بجنس آخر، وهذا الوجه يقول أصحابه: إنه يجوز أن يقبله إن رضى بغير إلزام لانه من جنس حقه. قال العمرانى في البيان: قال القاضى أبو الطيب: الوجهان في الجواز، فأما الوجوب فلا يجب عليه قبوله وجها واحدا، وهو اختيار الشيخ أبى إسحاق في المهذب، وإن أسلم إليه بذرة بيضاء فجاءه عنها بذرة حمراء فلا يلزمه قبولها وجها واحدا. قال العمرانى: وهل يلزمه قبولها. يحتمل أن يكون على وجهين اه. قلت، وقوله - أعنى المصنف رحمه الله في الفصل - وان أسلم إلى محل الخ " قلت: ان أسلم إليه في شئ إلى محل فجاءه المسلم إليه به قبل المحل فامتنع المسلم من قبضه، فان كان المسلم فيه مما يلحقه التغير والتلف إلى وقت المحل، بأن كان لحما أو رطبا، أو من أنواع الفواكه الرطبة لم يلزم المسلم قبوله، لان له غرضا في تأخيره أن يحتاج إلى أكله أو اطعامه في ذلك الوقت، وكذلك إذا كان المسلم فيه حيوانا لم يلزمه قبوله قبل المحل لانه يخاف عليه التلف، ويحتاج إلى العلف إلى ذلك الوقت. وان كان لا يخاف التغير ولا التلف ولكن يحتاج إلى مكان يحفظ فيه وكان يلزمه عليه مؤنة حفظه كالقمح والقطن لم يلزمه قبوله، لان عليه ضررا في المؤنة في حفظه إلى وقت المحل، فان كان يحتاج إلى مؤنة في حفظه كالحديد والنحاس وغيرها من المعادن وكانت مغلفة محفوظة مأمونة يلزمه قبوله. لانه لا ضرر عليه في قبوله، فان لم يقبله قبله الحاكم، لحديث أبى بكر بن حزم الذى رواه الاثرم

ورواية عثمان بن منصور عن عمر وعثمان، وحديث أبى سعيد المقبرى الذى رواه الدارقطني بنحو حديث أبى بكر بن حزم. وان سأل المسلم المسلم إليه أن يقدم المسلم فيه قبل المحل لم يلزم المسلم إليه تقديمه، لان ذلك يبطل فائدة التأجيل. فان قال السلم إليه: أنقصني من الدين حق أقدمه لك ففعل لم يصح القبض لانه بيع أجل والاجل لا يفرد بالبيع. فان جاء المسلم إليه بالمسلم فيه بعد حلول الدين على صفته فامتنع المسلم من قبضه قال له الحاكم: اما أن تقبضه أو يبرأ المسلم إليه منه، وان كان غرض، وسواء كان للمسلم غرض في الامتناع أو لا غرض له، لان للمسلم إليه غرضا في الدفع، وهو أن يبرأ مما عليه من الحق، وقد حل الحق، فان لم يفعل المسلم ذلك قبضه الحاكم عنه، وبرئ المسلم إليه، لان الحاكم ينوب عن الممتنع، ولا يملك الحاكم الابراء لانه لا نظر للمسلم في الابراء عنه ولا حظ له في حفظ ماله عنده. (فرع) إذا تعين موضع التسليم باطلاق العقد أو بالشرط لانه إذا أطلق العقد تعين موضع التعاقد وإذا اشترط موضعا بعينه فقد تعين بالشرط فإذا جاءه به في غير ذلك الموضع لم يلزمه قبوله، ولم يجز له أخذ الاجرة، لان بدل العوض عن المسلم فيه لا يجوز، فكذلك في تسليمه في موضع. وان جعله نائبا عنه في حمله إلى ذلك الموضع، لم يكن المسلم قابضا له بهذه النيابة، بل يفتقر إلى تسليمه في الموضع المعين أو في غيره إذا رضى المسلم بذلك. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان أسلم إليه في طعام بالكيل أو اشْتَرَى مِنْهُ طَعَامًا بِالْكَيْلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ من غير كيل لم يصح القبض، لان المستحق قبض بالكيل فلا يصح قبض بغير الكيل، فان كان المقبوض باقيا رده على البائع ليكيله له، وان تلف في يده قبل الكيل تلف من ضمانه، لانه قبض عن حقه، وان ادعى أنه كان دون حقه فالقول قوله، لان الاصل أنه لم يقبض الا ما ثبت باقراره، فان باع الجميع قبل الكيل لم يصح، لانه لا يتحقق أن الجميع له، وان باع منه القدر الذى

يتحقق أنه له ففيه وجهان (أحدهما) يصح، وهو قول أبى إسحاق، لانه دخل في ضمانه فنفد بيعه فيه كما لو بالكيل (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ ابن أبى هريرة، وهو المنصوص في الصرف، لانه باعه قبل وجود القبض المستحق بالعقد، فلم يصح بيعه كما لو باعه قبل أن يقبضه، فإن دفع إليه بالكيل ثم ادعى أنه دون حقه فان كان ما يدعيه قليلا قبل منه، وإن كان كثيرا لم يقبل لان القليل يبخس به، والاصل عدم القبض والكثير لا يبخس به فكان دعواه مخالفا للظاهر فلم يقبل. (الشرح) إذا أسلم إليه في شئ كيلا فأعطاه إياه وزنا، أو أسلم فيه وزنا فأعطاه كيلا لم يصح القبض، لان الكيل والوزن يختلفان، لان الرزين الرصين الثقيل يقل كيله ويكثر وزنه، والخفيف يقل وزنه ويكثر كيله، وهذا ما اتفق عليه أئمتنا وأئمة المذاهب. قال ابن قدامة في المغنى من الحنابلة: ولا يقبض المكيل إلا بالكيل، ولا الموزون إلا بالوزن، ولا يقبضه جزافا ولا بغير ما يقدر به، لان الكيل والوزن يختلفان، فإن قبضه بذلك فهو كقبضه جزافا، فيقدره بما أسلم فيه، ويأخذ قدر حقه ويرد الباقي، ويطالب بالعوض، وهل له أن يتصرف في قدر حقه منه قبل أن يعتبره؟ على وجهين - مضى ذكرهما في بيوع الاعيان - وإن اختلفا في قدره فالقول قول القابض مع يمينه اه. وقال الشافعي رضى الله عنه: لو أعطاه طعاما فصدقه في كيله لم يجز، فإن قبض فالقول قول القابض مع يمينه، وجملة ذلك أنه إذا كان له في ذمة رجل طعام أو اشترى منه عشرة أقفزة (1) من صبرة (2) بعينها، فسلم إليه من عليه الطعام طعاما من غير كيل، وأخبره بكيله فصدقه على كيله أو لم يصدقه لم يجز له

_ (1) القفيز مكيال معتبر عندهم كانوا يقولون عنه: إنه ثمانية مكاكيك. (2) الصبرة الكومة من أي شئ وقد نجد في أسواق القرى من يبيعون التمر أو العنب أكواما جزافا بغير كيل ولا وزن فهذه هي الصبرة.

قبضه بغير كيل، لان المستحق عليه القبض بالكيل، فإذا قبض من غير كيل لم يصح القبض. فإن كان الطعام باقيا رده على البائع ثم يكيله على المسلم، فان كان أكثر من حقه كانت الزيادة للمسلم إليه، فان تلف الطعام في يد القابض قبل أن يكال عليه، تلف من ضمانه، لانه قبضه لنفسه، فان اتفقا على قدره فلا كلام. وان اختلفا في قدره، فادعى القابض أنه كان دون حقه، وادعى مالك الطعام أنه قدر حقه أو أكثر فالقول قول القابض مع يمينه، سواء ادعى نقصانا قليلا أو كثيرا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصرف، لان الاصل عدم القبض وبقاء الحق فلا تبرأ ذمة من عليه الحق إلا من القدر الذى يقر به القابض، فان قيل: كيف سمعت دعوى القابض في النقصان، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي المسألة فيصدقه في كيله؟ قلنا: لم يرد الشافعي رحمه الله أنه اعترف بصحة الكيل، وإنما هو قبول قول المخبر، وحمله قوله على الصدق، فإذا بان له خلافه سمعت دعواه. قال الشيخ أبو حامد فيما نقله عنه العمرانى في البيان: إذا ثبت هذا: فانه يكون قبضا فاسدا، فان المسلم إذا قبضه وكان قدر حقه وزيادة عليه، فانه يملك قدر حقه بالقبض، وينتقل الضمان إليه، وتبرأ ذمة البائع عنه اه. وهل يجوز للقابض التصرف فيه نظرت. فان أراد أن يتصرف في الجميع لم يجز، لان للبائع فيه تعلقا، لانه ربما إذا كيل، خرج زيادة على قدر ما يستحق القابض، فلم يصح تصرفه في الجميع، فان أراد أن يبيع منه قدر ما يتحقق أنه له بأن باع نصف قفيز منه وله قفيز ففيه وجهان: الاول: قال أبو إسحاق: يصح، لان ذلك الشئ في ملكه وانتقل الضمان إليه. ويعلم أنه قدر حقه فجاز بيعه فيه. الثاني: قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يصح بيعه، وهو المنصوص في الصرف عند الشافعي في الام، لان العلقة باقية بينه وبين البائع فيه، لان ماله غير متميز عن مال البائع فلم يصح بيعه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان أحاله على رجل له عليه طعام لم يصح لان الحوالة بيع، وقد بينا في كتاب البيوع أنه لا يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض. وإن قال لى عند رجل طعام فاحضر معى حتى أكتاله لك فحضر واكتاله له لم يجز، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، صاع البائع وصاع المشترى، وهذا لم يجز فيه الصاعان، وهل يصح قبض المسلم إليه لنفسه؟ فيه وجهان بناء على القولين فيمن باع دين المكاتب فقبض منه المشترى، فإن قبض المشترى لنفسه لا يصح، وهل يصح القبض للسيد فيه قولان: (أحدهما) يصح لانه قبضه بإذنه فصار كما لو قبضه وكيله (والثانى) لا يصح لانه لم يأذن له في قبضه له، وإنما أذن له في قبضه لنفسه فلا يصير القبض له، ويخالف الوكيل فانه قبضه لموكله، فان قلنا ان قبضه لا يصح اكتال لنفسه مرة أخرى ثم يكيله للمسلم، وإن قلنا ان قبضه يصح كاله للمسلم، فان قال احضر معى حتى أكتاله لنفسي وتأخذه ففعل ذلك صح القبض للمسلم إليه لانه قبضه لنفسه قبضا صحيحا، ولا يصح للمسلم لانه دفعه إليه من غير كيل، وان اكتاله لنفسه وسلم إلى المسلم وهو في المكيال ففيه وجهان. (أحدهما) لا يصح لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، وهذا يقتضى كيلا بعد كيل، وذلك لم يوجد (والثانى) أنه يصح لان استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه، ولو ابتدأ بكيله جاز فكذلك إذا استدامه. (الشرح) حديث جابر رواه ابن ماجه والدارقطني أما الاحكام فقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أسلم في طعام وباع طعاما آخر فأحضر المشترى من اكتاله من بائعه وقال: أكتاله لك. لم يجز، لانه بيع الطعام قبل القبض. واختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة، فمنهم من قال: صورتها أن يسلم

زيد إلى عمرو في طعام، فلما حل الاجل باع زيد الطعام الذى له في ذمه عمرو من خالد قبل قبضه، فان هذا لا يصح، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " ولان بيع الطعام المشترى قبل القبض لا يصح، وان كان معينا، فبأن لا يصح فيه قبل القبض أولى. قال وتعليله يدل عليه، لانه باع ذلك الطعام من آخر. وقال أكثر أصحابنا: ما ذكره القائل صحيح في الفقه، ولكن ليس هذا صورة المسألة التى ذكرها الشافعي رضى الله عنه، وإنما صورتها لزيد طعام في ذمة عمرو سلم، وفى ذمة زيد لخالد طعام سلم. فقال زيد لخالد: احضر اكتيال مالى عند عمرو لاكتاله لك فانه لا يصح، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، صاع البائع وصاع المشترى " ولو كان الشافعي يريد على ذلك الطعام لقال: وباع ذلك الطعام آخر، ولانه قال بعدها، ولو قال أكتاله لنفسي وحده بالكيل لم يجز، ولو كان قد باعه لم يكن لحضوره واكتياله لنفسه معنى قالوا وأما تعليله فانما أراد أن هذا مثل بيع الطعام قبل القبض، لانه يقبضه قبل أن يضمنه بقبضه خالصا له، كما لا يجوز بيعه قبل قبضه. إذا ثبت هذا ففيه خمس مسائل (الاولى) يقول زيد لخالد احضر معى حتى أكتاله لك، فاكتاله زيد لخالد من عمرو فلا يصح القبض لخالد وجها واحدا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، صاع البائع وصاع المشترى، وهذا لم يجر فيه الصاعان، ولانه لا يستحق على عمرو شيئا فلم يصح القبض له منه وهل يصح القبض لزيد من عمرو؟ فيه وجهان بناء على القولين في السيد إذا باع نجوم المكاتب وقلنا لا يصح البيع فقبض النجوم، فهل يعتق المكاتب؟ فيه قولان، فان قلنا يصح قبض زيد ما كاله لخالد مرة ثانية. وان قلنا لا يصح قبض زيد لنفسه رد الطعام إلى عمرو ليكيله لزيد ثم يكيله زيد لخالد، فان اختلف زيد وعمرو في المقبوض فالقول قول زيد مع يمينه، وانما يقبل قوله مع اليمين

إذا كان ما يدعيه محتمل، فأما إذا ادعى تفاوتا كثيرا لم يقبل قوله، لان هذا القدر لا يتفاوت كثيرا، وهكذا لو اختلف زيد وخالد فيما قبض خالد فالقول قول خالد مع يمينه، إذا كان ما يدعيه تفاوتا يسيرا. وإن كان تفاوتا كثيرا لم يقبل قوله، لان مثل ذلك لا يتفاوت (المسألة الثانية) أن يقول زيد لخالد اذهب فاكتل لنفسك من عمرو ففعل، فإن قبض خالد لنفسه لا يصح وجها واحدا: لانه لا شئ له في ذمة عمرو وهل يصح قبض خالد من عمرو لزيد؟ على الوجهين طبقا لما ذكرناه في المسألة الاولى. (المسألة الثالثة) أن يقول زيد لخالد أحضر معى حتى أكتال من عمرو لنفسي ثم يأخذ بذلك الكيل فحضرا فاكتاله زيد لنفسه ثم سلمه زيد إلى خالد جزافا من غير كيل صح قبض زيد لنفسه، لانه قبضه لنفسه قبضا صحيحا، ولا يصح قبض خالد من زيد لانه قبضه من غير كيل (المسألة الرابعة) إذا اكتاله زيد لنفسه من عمرو، ثم كاله زيد لخالد مرة ثانية صح القبضان، لان الطعام قد جرى فيه الصاعان (المسألة الخامسة) أن يكتاله زيد لنفسه من عمرو ثم يسلمه إلى خالد عما عليه له وهو في المكيال، فان قبض زيد لنفسه من عمرو صحيح، وهل يصح قبض خالد من زيد؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يصح لحديث جابر " حتى يجرى فيه الصاعان " وهذا يقتضى كيلا بعد كيل (والثانى) يصح لان استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه، بدليل أنه لو أسلم إليه بذهب طعاما، فابتدأ المسلم إليه وكاله للسلم صح، ولو كان الطعام في الذهب عند السلم فسلمه إليه صح، فكذلك ها هنا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فصل) وان دفع المسلم إليه إلى المسلم دراهم وقال اشتر لى بها مثل مالك على واقبضه لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه، وهل يصح للمسلم إليه على الوجهين المبنيين على القولين في دين المكاتب، فان قال اشتر لى واقبضه لى ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ للمسلم إليه ولا يصح قبضه لنفسه لانه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه

(الشرح) الاحكام: لو كان لزيد في ذمة عمرو طعام من سلم فدفع عمرو إلى زيد دراهم وقال اشتر بها لنفسك طعاما مثل الطعام الذى لك على ففعل لم يجز، لان الدراهم ملك لعمرو فلا يجوز أن تكون. عوضا. ملكا لزيد، فإن اشترى الطعام بقيمة الدراهم لم يصح الشراء، وان اشترى زيد الطعام بدراهم في ذمته ثم سلم تلك الدراهم عما في ذمته صح الشراء لنفسه ولا تبرأ ذمته بتسليم تلك الدراهم لانه لا يملكها وعليه ضمانها. وإن قال عمرو لزيد اشتر بها لى طعاما واقبضه لنفسك فإن الشراء يصح لعمرو لانه اشتراه له، ولا يصح القبض لزيد لانه لا يصح أن يكون قابضا لنفسه. من نفسه. وهل يصح القبض لعمرو؟ فيه وجهان كالوجهين في المسألة قبلها. (فرع) وان كان لزيد في ذمة عمرو طعام من جهة القرض، ولخالد في ذمة زيد طعام من جهة السلم، وأحال زيد خالدا بالطعام الذى له عليه على عمرو لم تصح الحوالة، لان خالدا ببيع طعامه الذى له على زيد من السلم بالطعام الذى لزيد من جهة القرض، وقد بينا أن بيع المسلم فيه قبل القبض لا يصح، فالفساد ها هنا من جهة خالد، فإن كان الطعامان من جهة القرض، فهل تصح الحوالة بهما فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد (أحدهما) يصح. وهو الصحيح. لان بيع العوض قبل القبض يصح، وكل واحد قرض، وكل واحد منهما مستقر في الذمة فجاز أن يعتاض من ذمة إلى ذمة بخلاف السلم، والباقى لا يصح لان الحوالة لو صحت في الطعام إذا كان من جهة القرض لصحت. وان كانت من جهة البيع كالدراهم والدنانير لما جازت الحوالة بهما، إذا كانا من جهة القرض جازت أيضا إذا كانا من جهة البيع، فلما لم تجز الحوالة بالطعام إذا كان من جهة البيع إذا كان من جهة القرض (فرع) ولا تجوز التولية والشركة في المسلم فيه قبل القبض، والشركة أن يقول لغيره أشركتك في النصف المسلم فيه بنصف الثمن، فيكون ذلك بيعا لنصف المسلم فيه. والتولية أن يقول " وليتك بجميع الثمن أو وليتك نصفه بنصف الثمن "

(فرع) ذكر الشافعي في الصرف أربع مسائل: الاولى: لو كان في ذمة رجل لغيره طعام، فسأل من عليه الطعام من له الطعام أن يبيعه طعاما بشرط أن يقبض ماله عليه منه فباعه منه بهذا الشرط، فالبيع باطل، لان هذا تبايع بمقتضى العبد فأبطله. الثانية: إذا اشترى منه طعاما مطلقا وسها أن يقبضه منه صح البيع لانه بيع مطلق. الثالثة: أن يقول من له الطعام لمن عليه: اقض مالى عليك على أن أبيعك فقضاه صح، لان هذا قبض مستحق عليه، فإذا قضاه وقع عن المقبوض والقابض بالخيار، بين أن يبيعه منه أو لا يبيعه، لان هذا وعد وعده، فكان بالخيار في الوفاء به. الرابعة: أن يقول من له الطعام: اقضنى أكثر مما أستحقه، أو أجود منه بشرط أن أبيعه منك فقضاه كذلك لم يصح القبض، لان هذا مستحق عليه فكان قبضا فاسدا، فيجب عليه أن يرد الزيادة، وإن قضاه من غير جنس حقه رده وأخذ قدر حقه من جنسه، ثم إن شاء باعه منه، وإن شاء لم يبعه والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا قبض المسلم فيه ووجد به عيبا فله أن يرده لان اطلاق العقد يقتضى مبيعا سليما فلا يلزمه قبول المعيب فان رد ثبت له المطالبة بالسليم لانه أخذ المعيب عما في الذمة فإذا رده رجع إلى ماله في الذمة وإن حدث عنده عيب رجع بالارش لانه لا يمكنه رده ناقصا عما أخذ ولا يمكن اجباره على أخذه مع العيب فوجب الارش. (الشرح) الاحكام: إذا قبض المسلم المسلم فيه فوجد به عيبا فهو بالخيار بين أن يرضى به معيبا وبين أن يرده ويطالب بالمسلم فيه سليما، لان إطلاق العقد يقتضى التسليم، فإذا أخذ المعيب ورده رجع إلى الذى في ذمة المسلم إليه، وإن حدث عند المسلم بالمقبوض عيب آخر فله أن يطالب بأرش العيب الموجود قبل القبض إلا أن يرضى المسلم إليه بأخذه معيبا فلا يثبت للمسلم المطالبة بالارش وقال أبو حنيفة رحمه الله: ليس للمسلم المطالبة بالارش لان رجوعه بالارش

أخذ عوض عن الجزء الفائت، وبيع المسلم فيه لا يجوز، دليلنا أنه عوض يجوز رده بالعيب فإذا سقط الرد لحدوث عيب ثبت له الرجوع بالارش كبيع الاعيان وأما قوله: إن الرجوع بالارش أخذ عوض عن الجزء الفائت، وبيع المسلم فيه لا يجوز مثل القبض فغير صحيح، لان بيع المبيع المعين قبل القبض لا يصح، وقد جاز أخذ الارش عنه، ولان ذلك فسخ العقد في الجزء الفائت، وليس ببيع، ولهذا يكون بحسب الثمن المسمى في العقد. قال المصنف رحمه الله: (فصل) فان أسلم في ثمرة فانقطعت في محلها أو غاب المسلم إليه فلم يظهر حتى نفدت الثمرة ففيه قولان (أحدهما) أن العقد ينفسخ لان المعقود عليه ثمرة هذا العام وقد هلكت فانفسخ العقد كما لو اشترى قفيزا من صبرة فهلكت الصبرة (والثانى) أنه لا ينفسخ لكنه بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر إلى أن توجد الثمرة فيأخذ لان المعقود عليه ما في الذمة لا ثمرة هذا العام، والدليل عليه أنه لو أسلم إليه في ثمرة عامين فقدم في العام الاول ما يجب له في العام الثاني جاز وما في الذمة لم يتلف وإنما تأخر فثبت له الخيار كما لو اشترى عبدا فأبق. (الشرح) الاحكام: إذا سلم في شئ مؤجل إلى وقت: الغالب فيه وجود المسلم فيه في ذلك الوقت فجاء ذلك الوقت ولم يوجد ذلك الشئ كالثمرة إذا انقطعت أو تعذر القبض حتى نفد ذلك الشئ المسلم فيه، ففيه قولان، أحدهما ينفسخ السلم، لان المعقود عليه قد تعذر تسليمه فانفسخ العقد كما لو اشترى منه قفيزا من صبرة فتلفت الصبرة قبل القبض، ولانه لو أسلم إليه في ثمرة بلد معين كبغداد أو أسيوط صح السلم، ولم يكن للمسلم إليه أن يدفع إليه من ثمرة غير أسيوط أو بغداد، فكذلك إذا أسلم إليه في ثمرة عام يكن له أن يدفع إليه من ثمرة غير ذلك العام. والقول الثاني لا ينفسخ السلم ولكن يثبت للمسلم الخيار بين أن يفسخ العقد وبين أن لا يفسخ ويصبر إلى أن يوجد المسلم فيه، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله، وهو الصحيح،

لان المعقود عليه في الذمة لم يتلف، بدليل أنه لو أسلم إليه في الرطب من ثمرة عامين فقدم المسلم إليه في العام الاول ما يجب فيه، وفى العام الثاني جاز، وإن انقطع بعض المسلم فيه ووجد البعض، فان قلنا: السلم ينفسخ إذا عدم جميع المسلم فيه انفسخ السلم ها هنا في قدر المفقود من المسلم فيه، وهل ينفسخ في الموجود منه فيه طريقان كما قلنا فيمن اشترى بقرتين فتلفت إحداهما قبل القبض، من أصحابنا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لا ينفسخ قولا واحدا. فإذا قلنا: ينفسخ فلا كلام، وإذا قلنا: لا ينفسخ ثبت للمسلم الخيار في الفسخ، لان الصفقة تفرقت عليه، فان فسخ فلا كلام، وإن لم يفسخ أخذ الموجود، وهل يأخذه بجميع الثمن أو بحصته؟ فيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. قلت: وعلى قياس ما ذكره المصنف أنه يأخذه بحصته من الثمن وهو رأس مال السلم قولا واحدا، فإذا قلنا: يأخذه بحصته فهل للمسلم إليه الخيار؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ. وإن قلنا: ان المسلم فيه إذا انقطع جميعه لا ينفسخ، بل يثبت للمسلم الخيار، ثبت له أيضا ها هنا الخيار ليأخذ بعض حقه، فان اختار فسخ السلم في المفقود والموجود جاز ليفرق حقه عليه، وان اختار أن يفسخ السلم في المفقود ويقره في الموجود فهل له ذلك؟ فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فان قلنا: يجوز فسخ السلم في المفقود، فبكم يأخذ الموجود؟ فعلى ما مضى من قولنا حكاية عن الشيخ أبى حامد وابن الصباغ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) يجوز فسخ عقد السلم بالاقالة لان الحق لهما فجاز لهما الرضا باسقاطه فإذا فسخا أو انفسخ بانقطاع الثمرة في أحد القولين أو بالفسخ في القول الآخر رجع المسلم إلى رأس المال فان كان باقيا وجب رده وان كان تالفا ثبت بدله في ذمة المسلم إليه، فان أراد أن يسلمه في شئ آخر لم يجز لانه بيع دين بدين وان أراد أن يشترى به عينا نظرت فان كان تجمعهما علة واحدة في الربا كالدراهم بالدنانير والحنطة بالشعير لم يجز أن يتفرقا قبل القبض كما لو أراد أن

يبيع أحدهما بالآخر عينا بعين وإن لم تجمعهما علة واحدة في الربا كالدراهم بالحنطة والثوب بالثوب ففيه وجهان (أحدهما) يجوز أن يتفرقا من غير قبض كما يجوز إذا باع أحدهما بالآخر عينا بعين ان يتفرقا من غير قبض (والثانى) لا يجوز، لان المبيع في الذمة فلا يجوز أن يتفرقا قبل قبض عوضه كالمسلم فيه، والله تعالى أعلم. (الشرح) الاحكام: الاقالة فسخ وليست ببيع على المشهور من المذهب سواء كان قبل القبض وبعده، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه يقول: هي بيع في حق غير المتعاقدين، فتثبت بها الشفعة، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان قبل القبض فهى فسخ، وإن كان بعد القبض فهى بيع، وقال مالك رحمه الله: هي بيع بكل حال. وحكى القاضى أبو الطيب أنه قول قديم للشافعي رحمه الله، وأما أبو حامد فحكاه وجها لبعض أصحابنا. دليلنا أن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع فكان فسخا كالرد بالعيب. إذا ثبت هذا: فإن سلم رجل إلى غيره شيئا في شئ ثم تقايلا في عقد السلم صح، وقد وافقنا مالك رحمه الله على ذلك وهذا من أوضح دليل على أن الاقالة فسخ، لانها لو كانت بيعا لما صح في المسلم فيه قبل القبض، كما لا يصح بيعه، وإن أقاله في بعض المسلم فيه صح في القدر الذى أقاله. وقال ابن أبى ليلى. يكون إقالة في الجميع. وقال ربيعة ومالك لا يصح. دليلنا أن الاقالة مندوب إليها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " من أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة " وما جاز في جميع المبيع جاز في بعضه كالابراء والانظار، وان أقاله بأكثر من الثمن أو بأقل منه إلى جنس آخر لم تصح الاقالة. وقال أبو حنيفة تصح الاقالة، ويجب رد الثمن المسمى في العقد، دليلنا أن المسلم والمشترى لم يسقط حقه من المبيع الا بشرط العوض الذى شرطه، فإذا لم يصح له العوض لم تصح له الاقالة، كما لو اشترى منه داره بألف بشرط العوض الذى شرطه، فإذا لم يصح له العوض لم تصح له الاقالة، كما لو اشترى منه داره بألف بشرط أن يبيعه سيارته بألف.

باب القرض

(فرع) وإن ضمن ضامن عن المسلم إليه المسلم فيه ثم ان الضامن صالح المسلم عما في ذمة المسلم إليه بمثل رأس مال السلم يصح الصلح، ولان الضامن لا يملك المسلم فيه فيعوض عنه، فأما إذا أكد المسلم إليه بمثل رأس مال السلم، قال أبو العباس صح الصلح وكان إقالة، لان الاقالة هو أن يشترى ما دفع ويعطى ما أخذ. وهذا مثله (فرع) وإذا انفسخ عقد السلم بالفسخ أو لانفساخ سقط المسلم فيه عن ذمة المسلم إليه، ورجع المسلم إلى رأس مال السلم، فإن كان باقيا أخذه، وإن كان تالفا رجع إلى مثله إن كان له مثل، وإن كان لا مثل له رجع إلى قيمته، وان أراد أن يسلم في شئ آخر لم يجز لانه بيع دين بدين. وإن أراد أن يأخذ ما هو من جنسه جاز أن يأخذ مثله، ولم يجز أن يأخذ أكثر منه ولا أقل منه، ولا يصح أن يتفرقا قبل قبضه، وإن أراد أن يأخذ عنه من غير جنسه إلا أنه لا يصح أن يتفرقا قبل قبضه كما قلنا في البيع، وإن أراد أن يأخذ منه عوضا ليس من أموال الربا، كالثياب والدواب، أو كان رأس المال من غير أموال الربا صح ذلك أيضا وهل يشترط فيه القبض قبل التفرق؟ فيه وجهان أحدهما: أنه يشترط ذلك، فلا يفترقان والعوض المعوض في ضمان واحد والثانى لا يشترط ذلك، كما لو اشترى أحدهما بالآخر، وإن اختلفا في قدر رأس مال السلم فالقول قول المسلم إليه مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته مما زاد على ما أقر به، وإن اختلفا في قدر المسلم فيه أو الاجل أو في قدره تحالفا، وان اتفقا على الاجل واختلفا في انقضائه وادعى المسلم انقضاء الاجل، وادعى المسلم إليه بقاءه فالقول قول المسلم إليه مع يمينه لان الاصل بقاؤه. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: * (باب القرض) * القرض قربة مندوب إليه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال " من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه " وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أنه قال " لان أقرض دينارين ثم يردا ثم أقرضهما أحب إلى من أن أتصدق بهما " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنهما قالا " قرض مرتين خير من صدقة مرة " (فصل) ولا يصح الا من جائز التصرف لانه عقد على المال فلا يصح إلا من جائز التصرف كالبيع ولا ينعقد الا بالايجاب والقبول لانه تمليك آدمى فلم يصح من غير إيجاب وقبول كالبيع والهبة، بلفظ القرض والسلف لان الشرع ورد بهما، ويصح بما يؤدى معناه، وهو أن يقول ملكتك هذا على أن ترد على بدله. فإن قال ملكتك ولم يذكر البدل كان هبة، فإن اختلفا فيه فالقول قول الموهوب له لان الظاهر معه، فإن التمليك من غير ذكر عوض هبة في الظاهر وان قال أقرضتك ألفا وقبل وتفرقا ثم دفع إليه ألفا، فان لم يطل الفصل جاز لان الظاهر أنه قصد الايجاب، وان طال الفصل لم يجز حتى يعيد لفظ القرض لانه لا يمكن البناء على العقد مع طول الفصل. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه مسلم بلفظ " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " وفى حديث طويل عن ابن عمر رضى الله عنه " ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة "

رواه البخاري ومسلم، والاثر عن أبى الدرداء في مسند أحمد. وأما ما روى عن ابن مسعود فقد جاء مرفوعا وموقوفا بلفظ " ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة " المرفوع رواه ابن ماجه. وفى إسناده سليمان بن بشير وهو متروك. وقال الدارقطني " الصواب أنه موقوف على ابن مسعود " وأما حديث أنس فقد أخرجه ابن ماجه مرفوعا وفيه " الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر " وفى إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي. قال النسائي " ليس بثقة " وهو باب من أبواب البر لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " وقد كان القرض خيرا من الصدقة لانها قد تدفع إلى من هو غنى عنها، أما القرض فلا يسأله إنسان إلا وهو يحتاج إليه. أما اللغات، فالقرض القطع والقرض في المكان العدول عنه، ومنه قوله " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وقرضت الوادي جزته، وقرض فلان مات، وقرضت الشعر نظمته. قال ابن دريد " وليس في الكلام يقرض على وزن ينصر البتة. وإنما الكلام على وزن يضرب، والقرض ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه، والجمع قروض، واستقرض طلب القرض واقترض أخذه. ولانه قطع له من ماله قطعة. أما الاحكام، فإن القرض مندوب إليه، يعنى مأمور به من غير إيجاب. ولا يصح القرض الا من جائز التصرف في المال، لانه عقد على المال فلا يصح الا من جائز التصرف فيه كالبيع. ولا يصح الا بالايجاب والقبول، لانه تمليك آدمى فافتقر إلى الايجاب والقبول كالبيع والهبة. وفيه احتراز من العتق، وينعقد بلفظ القرض والسلف لانه قد ثبت له عرف الاستعمال، ويمكن انعقاده بما يؤدى معنى ذلك. فإن قال ملكتك هذا على أن ترد إلى بدله كان قرضا. وان قال ملكتك هذا ولم يذكر البدل فهو هبة، وان اختلفا فيه فالقول قول الموهوب له لان الظاهر معه، ولان التمليك من غير عوض هبة.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا امتنع الراهن من تسليم الرهن، أو انفسخ العقد قبل القبض نظرت، فان كان الرهن غير مشروط في العقد على البيع، بقى الدين بغير رهن، وإن كان الرهن مشروطا في البيع ثبت للبائع الخيار، بين أن يمضى البيع من غير رهن أو يفسخه، لانه دخل في البيع بشرط أن يكون له بالثمن وثيقة، ولم تسلم له، فيثبت له الخيار بين الفسخ والامضاء. (الشرح) الاحكام: إذا امتنع الراهن من الاقباض أو انفسخ عقد الرهن قبل القبض نظرت، فان كان الرهن غير مشروط في العقد بقى الدين بغير رهن، ولا خيار للمرتهن، وإن كان الرهن مشروطا في بيع ثبت للبائع الخيار بين فسخ البيع وبين إمضائه، لانه دخل في البيع بشرط الوثيقة ولم تسلم له الوثيقة، فثبت له الخيار. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا أقبض الراهن الرهن تلزم العقد من جهته، ولا يملك فسخه لانه عقد وثيقة، فإذا تم لم يجز فسخه من غير رضا من له الحق كالضمان، ولانا لو جوزنا له الفسخ من غير رضا المرتهن بطلت الوثيقة، وسقط فائدة الرهن. (الشرح) الاحكام: إذا قبض الراهن الرهن لزم من جهته فلم يملك فسخه قال ابن الصباغ: وهو اجماع لا خلاف فيه، ولانه يراد للوثيقة فلو جاز له الفسخ لم يحصل بذلك وثيقة، وإذا قبض الرهن فانه يكون وثيقة بالدين وبكل جزء منه فإذا رهنه عينين بألف وقبضهما المرتهن ثم تلفت احداهما كان الباقي رهنا بجميع الالف، وبه قال أبو حنيفة فيما روى عنه في الاصول، وروى عنه في الزيادات أن الدين يتقسط على الرهن. وروى عن أحمد أن العقد ينفسخ في التالفة إذا كان قبل القبض ويبقى في الباقية لان العقد كان صحيحا فيهما وانما طرأ انفساخ العقد في احداهما فلم يؤثر، كما لو اشترى شيئين ثم رد أحدهما بعيب أو خيار أو اقالة، والراهن مخير بين

يراد للفسخ وكل واحد منهما يملك فسخ القرض متى شاء، فلا معنى لاثبات الخيار ولو أقرضه شيئا إلى أصل ما يلزم الاجل وكان حالا، وهكذا لو كان له عنده له ثمن حال فأجله، أو كان مؤجلا فزاد في أجله لم يلزم ذلك وقال مالك يدخل الاجل في ابتداء القرض بأن مقبوضه إلى أجل، ويدخل في انتهائه بأن يقرضه حالا ثم يؤجله له فيتأجل. ووافقنا أبو حنيفة أن الاجل لا يدخل في القرض. وأما الثمن الحال فيتأجل بالتأجيل دليلنا على مالك رحمه الله تعالى أن الاجل يقتضى جزءا من القرض، والقرض لا يحتمل الزيادة والنقصان في عوضه فلم يجز شرط الاجل فيه وأما الدليل على أبى حنيفة فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل " وتأجيل الحال ليس في كتاب الله تعالى فكان باطلا، ولانه حق مستقر فلم يتأجل بالتأجيل كالقرض وقولنا " مستقر " احتراز من الثمن في مدة الخيار، ولانه إنظار تبرع فلم يلزمه، كالمرأة إذا وجدت زوجها عنينا فأجلته ثم رجعت من ذلك، فإن لها ذلك وقال أصحاب أحمد لا يجوز له الرجوع لان العقد لازم في حق المقرض جائز في حق المقترض، فلو أراد المقرض الرجوع في عين ماله لم يملك ذلك. وقال الشافعي رحمه الله، له ذلك، لان كل ما يملك المطالبة بمثله ملك أخذه إذا كان موجودا كالمغصوب والعارية. (فرع) يجوز شرط الرهن في القرض، لان النبي صلى الله عليه وسلم " رهن درعا عند يهودى بالمدينة وأخذ منه شعيرا لاهله " ولحديث عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اشْتَرَى طعاما من يهودى إلى أجل ورهنه درعا من حديد " وفى رواية " توفى ودرعه مرهونة عند يهودى بثلاثين صاعا من شعير " أخرجهما البخاري ومسلم: ولاحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس قال ابن تيمية أبو البركات " وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة أهل الذمة " وسيأتى تفصيل ذلك في الرهن

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وفى الوقت الذى يملك فيه وجهان (أحدهما) أنه يملكه بالقبض لانه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك فيه على القبض كالهبة فعلى هذا إذا كان القرض حيوانا فنفقته بعد القبض على المستقرض فان اقترض أباه وقبضه عتق عليه (والثانى) أنه لا يملكه إلا بالتصرف بالبيع والهبة والاتلاف لانه لو ملك قبل التصرف لما جاز للمقرض أن يرجع فيه بغير رضاه، فعلى هذا تكون نفقته على المقرض فان اقترض أباه لم يعتق عليه قبل أن يتصرف فيه، واختلف أصحابنا فيمن قدم طعاما إلى رجل ليأكله على أربعة أوجه (أحدها) أنه يملكه بالاخذ (والثانى) أنه يملكه بتركه في الفم (والثالث) أنه يملكه بالبلع (والرابع) أنه لا يملكه بل يأكله على ملك صاحب الطعام. (الشرح) الاحكام: متى يملك المستقرض العين التى استقرضها؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال: لا يملكها إلا بالتصرف بالبيع أو الهبة أو يتلفها أو تتلف في يده، لان المقرض له أن يرجع في العين ولان المستقرض له أن يردها، ولو ملكها المستقرض بالقبض لم يملك واحد منهما فسخ ذلك فعلى هذا إن استقرض حيوانا كانت نفقته على المقرض إلى أن يتلفه المستقرض. قوله: فان اقترض أباه. قال أحمد: أكره قرضهم، وقال ابن قدامة يحتمل كراهية تنزيه، ويصح قرضهم، وهو قول ابن جريج والمزنى لانه مال يثبت في الذمة سلما فصح قرضه كسائر الحيوان، ويحتمل أن أراد كراهة التحريم، فلا يصح قرضهم، اختاره القاضى، ويصح قرض العبيد دون الاماء، وهو قول مالك والشافعي إلا أن يقرضهن من ذوى محارمهن، لان الملك بالقرض ضعيف وسيأتى بيان ذلك إن شاء الله. ومنهم من قال: يملكها المستقرض بالقبض. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح، لانه بالقبض يملك التصرف فيها في جميع الوجوه، فلو لم يملكها بالقبض لما ملك التصرف فيها بما فيه حظ، وبما لا حظ فيها.

وأما الرجوع في العين المقترضة، فلا خلاف بين أصحابنا أن للمستقرض أن يردها على المقرض، أما المقرض فهل له أن يرجع فيها وهى في يد المستقرض؟ فإن قلنا إن المستقرض لا يملكها إلا بالتصرف فللمقرض أن يرجع فيها، ومنهم من قال للمقرض أن يرجع فيها بكل حال، وهو المنصوص عليه في الام. ولا يكون جواز رجوع المقرض فيها مانعا من ثبوت الملك للمستقرض فيها قبل التصرف، ألا ترى أن الاب إذا وهب لابنه هبة وأقبضه اياها فإن الابن قد ملكها، وللاب أن يرجع فيها، وكذلك إذا اشترى سلعة بسلعة ثم وجد كل واحد منهما بما صار إليه عيبا، فإن لكل واحد منهما أن يرجع في سلعته، وان كانت ملكا للآخر، ويبطل بما لو تصرف هذا المستقرض بالعيب المستقرض ثم رجعت إليه، فإن للمقرض أن يرجع فيها، ولا يدل ذلك على أن المستقرض لم يكن مالكا للعين وقت التصرف فيها، فعلى هذا إذا اقترض حيوانا وقبضه كانت نفقته على المستقرض، وان اقترض وقبضه عتق عليه. (فرع) واختلف أصحابنا فيمن قدم إلى غيره طعاما، وأباح له أكله حتى يملكه المقدم إليه، فمنهم من قال. يملكه بالتناول، فإذا أخذ لقمة بيده ملكها، كما إذا وهبه شيئا وأقبضه اياه، فعلى هذا لو أراد أن المقدم أن يسترجعها منه بعد أن يأخذها بيده لم يكن له ذلك. ومنهم من قال: يملكه بتركه في الفم، فعلى هذا للمقدم أن يرجع فيه ما لم يتركه المقدم إليه في فمه. ومنهم من قال لا يملكه الا بالبلع. والرابع الذى حكاه المصنف أنه لا يملكه بالاكل، بل بأكله وهو على ملك صاحبه، فإذا قلنا ان المقدم إليه ملكه بأخذه باليد أو بتركه في الفم، فهل له أن يبيح لغيره أو يتصرف فيه بغير ذلك فيه وجهان، قال عامة أصحابنا لا يجوز له ذلك، لانه أباح له انتفاعا مخصوصا، فهل يجوز له أن ينتفع به بغيره كما لو أعاره ثوبا لم يكن له أن يعيره. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: له أن يفعل به ما شاء من وجوه

التصرفات مثل البيع والهبة لغيره، لانه ملكه، فهو كما لو وهبه شيئا وأقبضه اياه قال ابن الصباغ، وهذا الذى قالاه لا يجئ على أصولهما، لان من شرط الهبة عندهما الايجاب والقبول والاذن بالقبض إلا أن يتضمنها لقوله، ولم يوجد ذلك ها هنا، ولان الاذن بالتناول انما تضمن إباحة الاكل فلا يصح أن يحصل به الملك، ولو كان ذلك صحيحا لجاز له تناول جميع الذى قدم إليه، ويتصرف به إلى بيته، وكذلك إذا قلنا بتركه في فمه فانه لم يحصل الاكل المأذون فيه، وإنما يملكه بالبلع. قال: وعندي أن بالبلع يبطل معنى الملك فيه، ويصير كالتالف. قال: والاوجه في ذلك أن يكون إذنا في الاتلاف لا تمليك فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ويجوز قرض كل مال يملك بالبيع ويضبط بالوصف لانه عقد تمليك يثبت العوض فيه في الذمة فجاز فيما يملك ويضبط بالوصف كالسلم، فأما ما لا يضبط بالوصف كالجواهر وغيرها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان القرض يقتضى رد المثل ومالا يضبط بالوصف لا مثل له (والثانى) يجوز لان مالا مثل له يضمنه المستقرض بالقيمة والجواهر كغيرها في القيمة ولا يجوز إلا في مال معلوم القدر فان أقرضه دراهم لا يعرف وزنها أو طعاما لا يعرف كيله لم يجز لان القرض يقتضى رد المثل فإذا لم يعلم القدر لم يمكن القضاء. (الشرح) الاحكام: يصح القرض في كل عين يصح بيعها وتضبط صفتها كما قلنا في السلم، وأما ما لا يضبط بالصفة كالجواهر وما عملت فيه النار، فهل يصح قرضها؟ فيه وجهان بناء على الوجهين فيما يجب رده بالقرض فيما لا مثل له فان قلنا: يجب رد القيمة جاز قرض هذه الاشياء، وان قلنا: يجب رد المثل فيها لم يجز قرضها ويأتى توجيههما في رد المثليات. (فرع) قال الصيمري: ولا يجوز قرض الدراهم المزيفة، ولا الزرنيخية ولا المحمول عليها، ولو تعامل بها الناس، فلو أقرضه دراهم أو دنانير ثم حرمت لم يكن له الا ما أقرض، وقيل: قيمتها يوم حرمت، ولا يصح القرض الا في

مال معلوم، فان أقرضه دراهم غير معلومة الوزن أو طعاما غير معلوم الكيل لم يصح، لانه إذا لم يعلم قدر ذلك لم يمكنه القضاء. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز استقراض الجارية لمن لا يحل له وطؤها ولا يجوز لمن يملك وطأها. وقال المزني رحمه الله يجوز لانه عقد يملك به المال فجاز أن يملك به من يحل له وطؤها كالبيع والهبة والمنصوص هو الاول لانه عقد ارفاق جائز من الطرفين فلا يستباح به الوطئ كالعارية ويخالف البيع والهبة فان الملك فيهما تام لانه لو أراد كل واحد منهما أن ينفرد بالفسخ لم يملك والملك في القرض غير تام لانه يجوز لكل واحد منهما ان ينفرد بالفسخ فلو جوزنا فيمن يحل له وطؤها أدى إلى الوطئ في ملك غير تام وذلك لا يجوز وان أسلم جارية في جارية فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَجُوزُ لانا لا نأمن أن يطأها ثم يردها عن التى تستحق عليه فيصير كمن اقترض جارية فوطئها ثم ردها. ومن أصحابنا من قال. يجوز وهو المذهب لان كل عقد صح في العبد بالعبد صح في الجارية بالجارية كالبيع. (الشرح) الاحكام: يجوز قرض غير الجوارى من الحيوان فالعبيد والانعام وغيرهما مما يصح بيعها ويضبط وصفها، وقال أبو حنيفة لا يصح قرضها وبنى ذلك على أصله أن السلم فيها لا يصح. دليلنا ما روى أبو رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " استسلف من أعرابي بكرا فأمرني أن أقضيه فقلت: لم أجد في الابل الا جملا خيارا رباعيا فقال اقضه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء رواه الجماعة إلا البخاري، ولان ما صح أن ثبت في الذمة مهرا صح أن يثبت فيها قرضا كالثياب. وأما استقراض الجوارى فيجوز ذلك لم لا يحل له وطؤها بنسب أو رضاع أو مصاهرة كغيرها من الحيوان، ولا يجوز لمن يحل له وطؤها. وقال المزني وابن داود وابن جرير الطبري يجوز. وحكى الطبري عن بعض أصحابنا الخراسانيين أنه يجوز قرضها ولا يحل للمستقرض وطؤها.

دليلنا أنه عقد ارفاق لا يلزم كل واحد من المتعاقدين فلم يملك به الاستمتاع كالعارية، فقولنا عقد ارفاق احتراز من البيع إذا اشترى جارية بجارية ووجد كل واحد بما صار إليه عيبا فان لكل واحد منهما أن يطأ جاريته وليس بعقد ارفاق، ولا ينتقض بالرجل إذا وهب لابنه جارية، لان الهبة تلزم جهة الموهوب، ولا تلزم جهة الواهب، ويقول ابن قدامة من الحنابلة وانا أنه عقد ناقل للملك فاستوى فيه العبيد والاماء كسائر العقود ولا نسلم ضعف الملك، فانه مطلق لسائر التصرفات بخلاف الملك في مدة الخيار. وقولهم متى شاء المقترض ردها، ممنوع. فاننا إذا قلنا الواجب رد القيمة لم يملك المقترض رد الامة، وانما يرد قيمتها، وان سلمنا ذلك لكن متى قصد المقترض هذا لم يحل له فعله، ولا يصح اقتراضه كما لو اشترى أمة ليطأها ثم يردها بالمقايلة أو بعيب فيها وان وقع هذا بحكم الاتفاق لم يمنع الصحة كما لو وقع ذلك في البيع اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز قرض جر منفعة مثل أن يقرضه ألفا على أن يبيعه داره أو على أن يرد عليه أجود منه أو أكثر منه أو على أن يكتب له بها سفتجة يربح فيها خطر الطريق، والدليل عليه ما رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن سلف وبيع والسلف هو القرض في لغة أهل الحجاز، وروى عن أبى بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ولانه عقد ارفاق فإذا شرط فيه منفعة خرج عن موضوعه فان شرط أن يرد عليه دون ما أقرضه ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز، لان مقتضى القرض رد المثل فإذا شرط النقصان عما أقرضه فقد شرط ما ينافى مقتضاه فلم يجز كما لو شرط الزيادة (والثانى) يجوز، لان القرض جعل رفقا بالمستقرض وشرط الزيادة يخرج به عن موضوعه فلم يجز وشرط النقصان لا يخرج به عن موضوعه فجاز فان بدأ المستقرض فزاده أورد عليه ما هو أجود منه أو كتب له سفتجة أو باع منه داره جاز لما روى أبو رافع رضى الله عنه قال استسلف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رجل بكرا فجاءته

إبل الصدقة فأمرني أن أقضى الرجل بكرا، فقلت لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعطه " فإن خياركم أحسنكم قضاء " وروى جَابِرِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق فقضاني وزادني، فإن عرف لرجل عادة أنه إذا استقرض زاد في العوض، ففى إقراضه وجهان: (أحدهما) لا يجوز إقراضه إلا أن يشترط رد المثل لان المتعارف كالمشروط ولو شرط الزيادة لم يجز فكذلك إذا عرف بالعادة (والثانى) أنه يجوز وهو المذهب لان الزيادة مندوب إليها فلا يجوز أن يمنع ذلك صحة العقد، فإن شرط في العقد شرطا فاسدا بطل الشرط. وفى القرض وجهان (أحدهما) انه يبطل لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كل قرض جر منفعة فهو ربا، ولانه إنما أقرضه بشرط ولم يسلم الشرط فوجب أن لا يسلم القرض (والثانى) أنه يصح، لان القصد منه الارفاق، فإذا زال الشرط بقى الارفاق. (الشرح) حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فقد رواه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان بلفظ " لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع " وقد رواه من طريق ابن عمر صاحب المنتقى وقال رواه الخمسة ابن ماجه، فخطأ الشوكاني روايته عن ابن عمر وقال الصحيح اثبات الواو، فتكون رواية عن عبد الله بن عمرو. وبذلك تستقيم الروايات، فإن عمرو بن شعيب جد أبيه عبد الله بن عمرو. والله تعالى أعلم. أما لغات الفصل فقوله: سفتجة فارسية، وهى ما يقال لها بالعامية (كمبيالة) وقوله " بكرا " هي الثنى من الابل، وفى قول أبى عبيد أنه من الابل بمنزلة الفتى من الناس. وقوله " خيارا " أعنى مختارا عند الطلب وقضاء الامور أما الاحكام: فلا يجوز بيع وسلف، وهو أن يقول: بعتك هذه الدار بمائة على أن تقرضني خمسين، لرواية عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيعتين في بيعة. وعن ربح ما لم يضمن وبيع ما ليس عندك "

ولا يجوز أن يقرضه دراهم على أن يعطيه بدلها في بلد آخر، ويكتب له بها صحيفة (كمبيالة) فيأمن خطر الطريق ومئونة الحمل، وهو مذهبنا، وخالفنا أحمد وغيره مستدلين بأن عبد الله بن الزبير كان يقترض ويعطى من أقرضه صحيفة يأخذ قيمتها من مصعب أخيه واليه على العراق. وفى المغنى مزيد بيان. ودليل أصحاب أحمد وخلاصته أنه عقد ارفاق. دليلنا أن أمن الطريق منفعة، وكل قرض جر نفعا فهو ربا. ولا يجوز أن يقرضه شيئا بشرط أن يرد عليه درهمين، ولان هذا ربا عند تماثل البدلين فهو كالبيع فلا يجوز فيه التفاضل عند التماثل. نعم ان كان ذلك في غير أموال الربا كالثياب والحيوان ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد (أحدهما) يجوز لما روى عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أجهز جيشا فنفدت الابل، فأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل، وهذا استسلاف مر بك في أبواب السلم (والثانى) لا يجوز وهو المذهب للحديث " كل قرض جر منفعة فهو حرام " ولان هذا زيادة لا يقابلها عوض فلم يصح، كما لو باعه داره بمائة على أن يعطيه مائة وعشرة، ولانه لو اشترط زيادة في الجودة لم يصح، فلان لا يجوز اشتراط الزيادة في العود أولى. وأما الخبر في الحيوان فهو وارد في السلم بدليل أنه قال: كنت آخذ البعير بالبعيرين إلى أجل، والقرض لا يدخل الاجل وان أقرضه شيئا وشرط أن يرد عليه دون ما أقرضه، ففيه وجهان حكاهما المصنف (أحدهما) لا يجوز لان مقتضى القرض رد المثل، فإذا شرط النقصان عما أقرضه فقد شرط ما ينافى مقتضى العقد فلم يصح، كما لو شرط الزيادة. (والثانى) يجوز لان القرض جعل رفقا بالمستقرض وشرط الزيادة يخرج القرض عن موضوعه فلم يجز وشرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه فجاز. والله تعالى أعلم. (فرع) إذا اقترض من غيره درهما فرد عليه درهمين، أو درهما أجود منه كأن أخذ منه جنيها مصريا فرد عليه جنيها استرلينيا، أو باع منه داره أو كتب له

بدراهمه صحيفة (كمبيالة) إلى بلد آخر من غير شرط ولا جرت للمقرض عادة بذلك جاز. ومن أصحابنا من قال لا يجوز ذلك في أموال الربا ويجوز في غيرها، وليس بصحيح لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرض نصف صاع فرد صاعا واقترض صاعا فرد صاعين، واقترض من الاعرابي بكرا فرد عليه أجود منه وقال صلى الله عليه وسلم " خيار الناس أحسنهم قضاء " وقال جابر رضى الله عنه: كان لى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دين فقضاني وزادني ولانه متطوع بالزيادة فجاز، كما لو وصله بها كصلة. وكذلك لو اقترض رجل شيئا فرد أنقص مما أخذ وطابت نفس المقرض بذلك، فإن كان الرجل معروفا إذا اقترض رد أكثر مما اقترض أو أجود منه، فهل يجوز إقراضه مطلقا، فيه وجهان (أحدهما) لا يصح إقراضه إلا بشرط أن يرد عليه مثل ما أخذ لان ما علم بالعرف كالمعروف بالشرط (والثانى) وهو الصحيح أنه يجوز إقراضه من غير شرط لان الزيادة مندوب إليها في القضاء، فلا يمنع من جواز العقد فأما ما كان معروفا من جهة العرف فلا يمنع جواز الاقراض. ألا ترى أنه لو وجدت عادة رجل أنه إذا اشترى من إنسان تمرا أطعمه منه أو أطعم البائع من غيره لم يضر ذلك بمنزلة المشروط في بطلان البيع منه قال العمرانى: وان أقرضه شيئا بشرط فاسد بأن أقرضه إلى أجل أو أقرضه درهما بدرهمين بطل الشرط لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل " وهل يبطل القرض، فيه وجهان (أحدهما) يبطل. فعلى هذا لا يملكه المقترض، لان القرض انما وقع بهذا الشرط، فإذا بطل الشرط بطل العقد كالبيع بشرط فاسد (والثانى) لا يبطل لان القرض عقد ارفاق، فلم يبطل بالشرط الفاسد بخلاف البيع وقال في المغنى " ان شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه وكان ذلك مما يجرى فيه الربا لم يجز لافضائه إلى فوات المماثلة فيما هي شرط فيه، وان كان في غيره لم يجز أيضا، وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، وفى الوجه الآخر يجوز لان القرض جعل للرفق بالمستقرض، وشرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه بخلاف الزيادة. اه

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويجب على المستقرض رد المثل فيما له مثل، لان مقتضى القرض رد المثل، ولهذا يقال الدنيا قروض ومكافأة فوجب أن يرد المثل، وفيما لا مثل له وجهان (أحدهما) يجب عليه القيمة، لان ما ضمن بالمثل إذا كان له مثل ضمن بالقيمة إذا لم يكن له مثل كالمتلفات (والثانى) يجب عليه مثله في الخلقة والصورة، لحديث أبى رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يقضى البكر بالبكر، ولان ما ثبت في الذمة بعقد السلم ثبت بعقد القرض قياسا على ما له مثل، ويخالف المتلفات فإن المتلف متعد فلم يقبل منه الا القيمة لانها أحصر، وهذا عقد أجيز للحاجة فقبل فيه مثل ما قبض كما قبل في السلم مثل ما وصف، فإن اقترض الخبز وقلنا يجوز اقراض ما لا يضبط بالوصف ففى الذى يرد وجهان (أحدهما) مثل الخبز (والثانى) ترد القيمة فعلى هذا إذا أقرضه الخبز وشرط أن يرد عليه الخبز ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لان مبناه على الرفق فلو منعناه من رد الخبز شق وضاق (والثانى) لا يجوز لانه إذا شرط صار بيع خبز بخبز وذلك لا يجوز (الشرح) الاحكام: وإذا أقرض شيئا له مثل كالحبوب والادهان والدراهم والدنانير وجب على المقترض رد مثلها لانه أقرب إليه، وان اقترض منه مالا مثل له كالثياب والحيوان ففيه وجهان (أحدهما) يجب رد قيمته، وهو اختيار للشيخ أبى حامد ولم يذكر غيره، لانه مضمون بالقيمة في الاتلاف، فكذلك في القرض (والثانى) يضمنه بمثله في الصورة، وهو اختيار القاضى أبى الطيب الطبري لحديث أبى رافع رضى الله عنه قضاء البكر، ولان طريق القرض الرفق فسومح فيه بذلك، ألا ترى أنه يجوز فيه النسبة فيما فيه الربا، ولا يجوز ذلك في البيع بخلاف المتلف فإنه متعد، فأوجبت عليه القيمة لانها أحصر قال ابن الصباع فإذا قلنا يجب القيمة فإن قلنا انه يملك بالقبض وجبت القيمة حين القبض، وان قلنا انه لا يملك الا بالتصرف وجبت عليه القيمة أكثر ما كانت من القبض إلى حين التلف، وان اختلفا في قدر القيمة أو صفة المثل فالقول قول المستقرض مع يمينه لانه غارم.

(فرع) واما إقراض الخبز، فإن قلنا: يجوز قرض مالا يضبط بالصفة كالجواهر جاز قرض الخبز، وإن قلنا لا يجوز قرض مالا يضبط بالوصف ففى قرض الخبز وجهان (أحدهما) لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة كغيره مما لا يضبط بالوصف (والثانى) يجوز. قال ابن الصباغ: لاجماع أهل الامصار على ذلك، فإنهم يقترضون الخبز، فإذا قلنا. يجوز. فإن قلنا يجب فيما لا مثل له رد مثله في الصورة رد مثل الخبز وزنا. وإن قلنا يجب رد قيمة مالا مثل له رد قيمة الخبز فعلى هذا إن شرط أن يرد مثل الخبز ففيه وجهان (أحدهما) يصح، لان الرفق باقتراض الخبز لا يحصل إلا بذلك (والثانى) لا يصح كما لا يجوز بيع الخبز بالخبز وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) إذا أقرضه دراهم بمصر ثم لقيه بمكة فطالبه بها لزمه دفعها إليه، فان طالبه المستقرض بأن يأخذها وجب عليه أخذها لانه لا ضرر عليه في أخذها فوجب أخذها فان أقرضه طعاما بمصر فلقيه بمكة فطالبه به لم يجبر على دفعه إليه لان الطعام بمكة أغلى فان طالبه المستقرض بالاخذ لم يجبر على أخذه لان عليه مؤنة في حمله فان تراضيا جاز لان المنع لحقهما وقد رضيا جميعا، فان طالبه بقيمة الطعام بمكة أجبر على دفعها لانه بمكة كالمعدوم وماله مثل إذا عدم وجبت قيمته ويجب قيمته بمصر لانه يستحقه بمصر فان أراد أن يأخذ عن بدل القرض عوضا جاز لان ملكه عليه مستقر فجاز أخذ العوض عنه كالاعيان المستقرة وحكمه في اعتبار القبض في المجلس حكم ما يأخذه بدلا عن رأس مال السلم بعد الفسخ وقد بيناه والله أعلم. (الشرح) قال الشافعي في الصرف: فإذا اقترض طعاما بمصر فلقيه بمكة وطالبه، لان عليه ضررا في نقل الطعام من مصر إلى مكة، ولان الطعام بمكه أكثر قيمة، وإن طالبه المستقرض بأخذه لم يلزم المقرض أخذه لان عليه مؤنة في حمله إلى مصر، وإن تراضيا على ذلك جاز لان الحق لهما، وإن طالب المقرض

المستقرض بقيمة طعامه بمكة أجبر المقترض على دفع قيمة الطعام، لان الطعام بمكة كالمعدوم وماله مثل إذا عدم وجبت قيمته. قال الشيخ أبو حامد: ويأخذ قيمة الطعام بمصر يوم المطالبة لا بمكة، لانه إنما وجب عليه دفع القيمة يوم المطالبة، وهكذا إن غصب منه طعاما بمصر، أو أسلم إليه بطعام مصر فلقيه بمكة كان الحكم فيه كالحكم في القرض، الا أن الغاصب إذا دفع القيمة للطعام بمكة، وكان الطعام باقيا لم يملكه الغاصب، بل إذا رجع إلى مصر رد الطعام الذى غصبه واسترجع القيمة، فإذا كان في ذمته له دراهم أو دنانير من قرض أو غصب أو سلم بمصر فطالبه بقضائها في مكة وجب عليه القضاء لانه ليس لنقلها مؤنة، ولا يختلف باختلاف البلد. (فرع) وان اقترض من رجل شيئا وقبضه وتصرف فيه أو أتلفه ثم أراد أن يعطيه عن بدل القرض عوضا جاز لانه مستقر في الذمة، لا يخشى انتقاصه بهلاكه فجاز تصرفه فيه قبل القبض كالمبيع بعد القبض بخلاف المسلم فيه، فإنه غير مستقر يخشى انتقاصه بهلاكه، وحكمه في اعتبار القبض حكم ما يأخذ عوضا عن رأس مال السلم بعد الفسخ وقد مضى بيانه، وان كانت العين المقترضة باقية في يد المقترض فانه لا يجوز أخذ العوض عنها، لانا ان قلنا: ان المقترض قد ملكها بالقبض فلا يجوز أخذ العوض، لان ملك المقرض قد زال عن العين، ولم يستقر بدلها في ذمة المستقرض، لان للمقترض أن يرجع في العين، وان قلنا ان المقترض لا يملك العين الا بالتصرف لم يجز للمقرص أخذ بدل العين، لان ملكه عليه ضعيف بتسليط المقترض عليه. هكذا قال ابن الصباغ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله: كتاب الرهن ويجوز الرهن على الدين في السفر لقوله عز وجل " وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " ويجوز في الحضر لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رهن درعا عند يهودى بالمدينة وأخذ منه شعيرا لاهله. (الشرح) حديث أنس رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه وبعد: - فالرهن بفتح الراء وسكون الهاء الاحتباس من قولهم: رهن الشئ إذا دام وثبت، ومنه قوله تعالى " كل نفس بما كسبت رهينة " وفى الشرع جعل مال وثيقة على دين ليستوفى منه الدين عند تعذره ممن عليه ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر، وأما الرهن بضمتين فالجمع، ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب، وقرئ بهما. وقوله: عند يهودى هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر ابن محمد عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رهن درعا عند أبى الشحم اليهودي رجل من بنى ظفر، في شعير " وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته، وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الاوس وكان حليفا لهم، وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الاباء وكأنه التبس عليه بآبى اللحم الصحابي. وفى الحديث الذى روته عائشة رضى الله عنها عند البخاري ومسلم ولاحمد والنسائي وابن ماجه مثله " توفى صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى بثلاثين صاعا من شعير " في رواية الترمذي والنسائي من هذا التوجه " بعشرين " وقال في فتح الباري: لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغى الجبر أخرى والرهن مجمع على جوازه، وفيها أيضا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو

قول الجمهور، والتقييد بالآية في السفر " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الاحاديث على مشروعيته في الحضر، وايضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا إلا فيه، وخالف مجاهد والضحاك فقالا: لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر، والاحاديث ترد عليهم. وقال ابن حزم: إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وان تبرع به الراهن جاز، وحمل أحاديث الباب على ذلك. قال العمرانى في البيان: دليلنا على جوازه في الحضر مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه اقترض من أبى الشحم اليهودي ثلاثين صاعا من شعير لاهله بعد ما عاد من غزوة تبوك بالمدينة، ورهن عنده درعه فكانت قيمتها أربعمائة درهم، ففى هذا الخبر فوائد (منها) جواز الرهن لان النبي صلى الله عليه وسلم رهن. (ومنها) جواز الرهن في الحضر، لان ذلك كان بالمدينة وكانت موطن النبي صلى الله عليه وسلم. (ومنها) أنه يجوز معاملة من في ماله حلال وحرام إذا لم يعلم عين الحلال والحرام، لان النبي صلى الله عليه وسلم عامل اليهودي، ومعلوم أن اليهود يستحلون ثمن الخمر ويربون. (ومنها) أن الرهن لا ينفسخ بموت الراهن، لان النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة. (ومنها) أن الابراء يصح وأن يقبل المبرأ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يعدل عن معاملة مياسير الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم مثل عثمان وعبد الرحمن رضى الله عنهما وأرضاهما إلا لانه كان يعلم أنه لو استقرض منهم أبروه، فلو كانت البراءة لا تصح إلا بقبول المبرأ لكان لا تقبل البراءة فعدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودي الذى يعلم أنه يطالبه بحقه، ولانه وثيقة في السفر فجازت في الحضر كالضمان والشهادة اه. وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف في الرهن في الحضر إلا مجاهدا قال:

لبس الرهن إلا في السفر لان الله تعالى شرط السفر في الرهن. قال الشافعي رحمه الله، بعد أن ساق قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " وقوله تعالى " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " قال: فكان بينا في الآية الامر بالكتاب في الحضر والسفر، وذكر الله تبارك وتعالى الرهن إذا كانوا مسافرين ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا - والله أعلم - فيها أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لملك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر، لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا، ولا أن يأخذوا رهنا لقول الله عز وجل " فإن أمن بعضكم بعضا " فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والاعواز غير محرمة - والله أعلم - في الحضر وغير الاعواز، ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا، ثم أورد أحاديث رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبى الشحم. ثم قال: والدين حق لازم، فكل حق مما يملك، أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه، ولا يجوز الرهن فيما لا يلزم، فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا لانه لا يلزم الصلح على الانكار اه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الرهن إلا من جائز التصرف في المال لانه عقد على المال فلم يصح إلا من جائز التصرف في المال كالبيع. (الشرح) الاحكام: لا يصح الرهن إلا من جائز التصرف في المال، فأما الصبى والمجنون والمحجور عليه، فلا يصح منه الرهن لانه عقد على المال فلم يصح منهم كالبيع. وقال الشافعي رضى الله عنه: كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ومن جاز له أن يرهن أو يرتهن من الاحرار فإذا جازت هبته في ماله جاز له رهنه بلا نظر، ولا يجوز أن يرتهن الاب لابنه، ولا ولى اليتيم له، إلا بما فيه فضل لهما. ويصح الرهن بكل حق لازم في الذمة كديون السلم، ويدل القرض، وثمن المبيعات، وقيم المتلفات، والاجرة والمهر وعوض

الخلع والارش على الجاني، وأما الدية على العاقلة - فإن كان قبل الحول لم يصح لانه لم يجب عليهم شئ، وإن كان بعد حلول الحول صح قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز أخذ الرهن على دين السلم وعوض القرض للآية والخبر، ويجوز على الثمن والاجرة والصداق وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية وغرامة المتلف، لانه دين لازم فجاز أخذ الرهن عليه كدين السلم وبدل القرض ولا يجوز أخذه على دين الكتابة لان الرهن إنما جعل ليحفظ عوض ما زال عنه ملكه من مال ومنفعة وعضو، والمعوض في الكتابة هو الرقبة، وهى باقية على ملكه لا يزول ملكه عنها إلا بالاداء فلا حاجة به إلى الرهن، ولان الرهن إنما يعقد لتوثيق الدين حتى لا يبطل، والمكاتب يملك أن يبطل الدين بالفسخ إذا شاء فلا يصح توثيقه. فأما مال الجعالة قبل العمل ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز أخذ الرهن به لانه مال شرط في عقد لا يلزم فلا يجوز أخذ الرهن به كمال الكتابة (والثانى) يجوز لانه دين يؤول إلى اللزوم فجاز أخذ الرهن به كالثمن في مدة الخيار. وأما مال السبق والرمى ففيه قولان (أحدهما) أنه كالاجارة فيجوز أخذ الرهن به (والثانى) أنه كالجعالة فيكون على الوجهين. وأما العمل في الاجارة فانه ان كانت الاجارة على عمل الاجير فلا يجوز أخذ الرهن به، لان القصد بالرهن استيفاء الحق منه عند التعذر، وعمله لا يمكن استيفاؤه من غيره، وإن كانت الاجارة على عمل في الذمة جاز أخذ الرهن به، لانه يمكن استيفاؤه من الرهن بأن يباع ويستأجر بثمنه من يعمل (الشرح) قال الشيخ أبو حامد: ويحكى عن بعض الناس أنه قال، لا يصح الرهن إلا في دين السلم وهو خلاف الاجماع اه قلت: قد يكون الدين في الذمة ثمنا، وقد يكون فيها مثمنا، ولانه حق ثابت في الذمة فجاز أخذ الرهن كالسلم، ويجوز أخذ الرهن بالدين الحال، لان النبي

صلى الله عليه وسلم رهن درعه ببدل القرض، وهو حال ولا يصح، ولا يصح الرهن بدين الكتابة. وقال أبو حنيفة يصح. دليلنا أنه وثيقة يستوفى منها الحق فلم يصح في دين الكتابة كالضمان، ولان الرهن إنما جعل لكى يستوفى منه من له الحق إذا امتنع من عليه الحق وهذا لا يمكن في الكتابة، لان للكاتب أن يعجز نفسه أي وقت شاء. ويسقط ما عليه، فلا معنى للرهن به. وأما الرهن بمال الجعالة بأن يقول: من رد لى حصاني الجمامح فله دينار، فإن رده رجل استحق الدينار وصح أخذ الرهن به وهل يصح أخذ الرهن به قبل الرد؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يصح وهو اختيار أبى على الطبري والقاضى أبى الطيب لانه حق غير لازم، فهو كمال الكتابة والثانى: يصح لانه يؤول إلى اللزوم فهو كالثمن في مدة الخيار وأما مال السبق والرمى فإن كان بعد العمل صح أخذ الرهن به، وإن كان قبل العمل. فان قلنا إنه كالاجارة صح أخذ الرهن به، وإن كان قبل العمل، فان قلنا انه كالاجارة صح أخذ الرهن به. وان قلنا إنه كالجعالة فعلى الوجهين في الجعالة. وأما العمل في الاجارة فهل يصح أخذ الرهن به، ينظر فيه فان كانت الاجارة على عمل الاجير بنفسه لم يصح أخذ الرهن به لانه لا يمكن استيفاء عمله من الرهن، وان كانت الاجارة على تحصيل عمل في ذمته صح أخذ الرهن به، لانه يمكن استيفاء العمل به من الرهن لانه يباع الرهن ويستأجر منه من يعمل (فرع) لا يصح أخذ الرهن باليمين والاجرة والصداق وعوض الخلع. - إذا كان معينا - ولا بالعين المغصوبة ولا المعارة، ولا بالعين المأخوذة بالسوم. وقال أبو حنيفة: كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز أخذ الرهن بها، وأراد بذلك أن ما كان مضمونا بمثله أو قيمته جاز أخذ الرهن به، لان المبيع لا يجوز أخذ الرهن به لانه مضمون بفساد العقد، ويجوز عنده أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع لانه يضمن بمثله أو قيمته. دليلنا أنه قبل هلاك العين في يده يثبت في ذمته دين فلا يصح أخذ الرهن به كالمبيع.

وعند أحمد ومالك مثل ما عند أبى حنيفة. قال ابن قدامة: فإذا رهنه المضمون كالمغصوب والعارية والمقبوض في بيع فاسد أو على وجه السوم صح وزال الضمان، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة. اه وقال الشافعي رضى الله عنه: لا يزول الضمان ويثبت فيه حكم الرهن، والحكم الذى كان ثابتا فيه يبقى بحاله لانه لا تنافى بينهما، بدليل أنه لو تعدى في الرهن صار مضمونا ضمان الغصب، وهو رهن كما كان فكذلك ابتداؤه، لانه أحد حالتى الرهن. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويجوز عقد الرهن بعد ثبوت الدين، وهو أن يرهن بالثمن بعد البيع، وبعوض القرض بعد القرض، ويجوز عقده مع العقد على الدين، وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع وعقد القرض، لان الحاجة تدعو إلى شرطه بعد ثبوته وحال ثبوته، فأما شرطه قبل العقد فلا يصح لان الرهن تابع للدين فلا يجوز شرطه قبله، (الشرح) الاحكام: يجوز عقد الرهن بعد ثبوت الدين، مثل أن يقرضه شيئا أو يسلم إليه في شئ فيرهنه بذلك لانه وثيقة بالحق بعد لزومه فصح كالشهادة والضمان. ويجوز شرط الرهن مع ثبوت الحق بأن يقول: بعتك هذا بدينار في ذمتك بشرط أن ترهننى كذا، أو أقرضك هذا بشرط أن ترهننى كذا، لان الحاجة تدعو إلى شرطه في العقد، فإذا شرط هذا الشرط لم يجب على المشترى الرهن، أي لا يجبر عليه، ولكن متى امتنع مه ثبت للبائع الخيار في فسخ البيع ولا يجوز عقد الرهن قبل ثبوت الحق. مثل أن يقول: رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها، أو على عشرة أبتاع بها منك. وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى: يصح دليلنا أنه وثيقة بحق فلم يجز أن يتقدم عليه كالشهادة بأن تقول: اشهدوا أن له على ألفا أقترضها منه غدا

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز أخذ الرهن على الاعيان كالمغصوب والمسروق والعارية والمأخوذ على وجه السوم، لانه إن رهن على قيمتها إذا تلفت لم يصح، لانه رهن على دين قبل ثبوته، وان رهن على عينها لم يصح، لانه لا يمكن استيفاء العين من الرهن. (الشرح) الاحكام: إن نقلت السفينة لقوم في البحر متاعا وخافوا الغرق، فقال رجل لغيره ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه، فإن كان المتاع غير معلوم لم يصح أخذ الرهن به قبل الالقاء لانه رهن بدين قبل وجوبه، وهل يصح الضمان به؟ فيه وجهان حكاهما الصيمري. أحدهما: لا يصح الرهن به ولا الضمان به. وهذا هو المشهور لان القيمة لا تجب قبل الالقاء. والثانى: يصحان، ويمكن أن يكون للمسألة وجه ثالث: يصح الضمان ولا يصح الرهن. وأما إذا ألقاه في البحر وجبت القيمة في ذمة المستدعى وصح أخذ الرهن بها والضمان لانها دين واجب فإذا رهنه المضمون، كالمغصوب والعارية والمقبوض في بيع فاسد أو على وجه السوم لم يصح عندنا، وعند أصحاب أحمد ومالك وأبى حنيفة صح وزال الضمان. ولانه مأذون له في إمساكه رهنا لم يتجدد منه فيه عدوان فلم يضمنه كما لو قبضه منه ثم أقبضه إياه أو أبرأه من ضمانه، ويقولون عن التنافى بينهما انه ممنوع لان الغاصب يده عادية يجب عليه إزالتها، ويد المرتهن محقة جعلها الشرع له، ويد المرتهن يد أمانة، ويد الغاصب والمستعير ونحوهما يد ضامنة، وهم ينقضون قول الامام الشافعي رضى الله عنه في قوله " لا يزول الضمان ويثبت فيه حكم الرهن، والحكم الذى كان ثابتا فيه يبقى بحاله لانه لا تنافى بينهما، بدليل أنه لو تعدى في الرهن صار مضمونا ضمان الغصب وهو رهن كما كان، فكذلك ابتداؤه لانه أحد حالتى الرهن

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن، لان العقد لحظه، لا حظ فيه للراهن، فجاز له فسخه إذا شاء، فأما من جهة الرهن فلا يلزم إلا بقبض، والدليل عليه قوله عزوجل: فرهن مقبوضة، فوصف الرهن بالقبض، فدل على أنه لا يلزم إلا به، ولانه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول والقبض فلم يلزم من غير قبض كالهبة، فإن كان المرهون في يد الراهن لم يجز للمرتهن قبضه إلا بإذن الراهن. لان للراهن أن يفسخه قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه من غير إذنه فان كان في يد المرتهن فقد قال في الرهن انه لا يصير مقبوضا بحكم الرهن إلا بإذن الراهن، وقال في الاقرار والمواهب إذا وهب له عينا في يده صارت مقبوضة من غير إذن، فمن أصحابنا من نقل جوابه في الرهن إلى الهبة وجوابه في الهبة إلى الرهن فجعلهما على قولين. (أحدهما) لا يفتقر واحد منهما إلى الاذن في القبض لانه لما لم يفتقر إلى نقل مستأنف لم يفتقر إلى أذن مستأنف. (والثانى) أنه يفتقر وهو الصحيح لانه عقد يفتقر لزومه إلى القبض فافتقر القبض إلى الاذن، كما لو لم تكن العين في يده، وقولهم: إنه لا يحتاج إلى نقل مستأنف لا يصح، لان النقل يراد ليصير في يده، وذلك موجود، والاذن يراد لتمييز قبض الهبة والرهن عن قبض الوديعة والغصب، وذلك لا يحصل الا بإذن، ومن أصحابنا من حمل المسئلتين على ظاهرهما، فقال في الهبة لا تفتقر إلى الاذن، وفى الرهن يفتقر، لان الهبة عقد يزيل الملك فلم يفتقر إلى الاذن لقوته والرهن لا يزيل الملك فافتقر إلى الاذن لضعفه، والصحيح هو الطريق الاول، لان هذا الفرق يبطل به إذا لم تكن العين في يده فإنه يفتقر إلى الاذن في الرهن والهبة مع ضعف أحدهما وقوة الآخر فإن عقد على عين رهنا واجارة وأذن له في القبض عن الرهن والاجارة صار مقبوضا عنهما، فان أذن له في القبض عن الاجارة دون الرهن لم يصر مقبوضا عن الرهن، لانه لم يأذن له في قبض

الرهن، فإن أذن له في القبض عن الرهن دون الاجارة صار مقبوضا عنهما لانه أذن له في قبض الرهن، وقبض الاجارة لا يفتقر إلى الاذن لانه مستحق عليه (الشرح) الاحكام، لا يلزم الرهن من جهة المرتهن بحال، بل متى ما شاء فسخه لانه عقد لحسابه أو لحظه فيجاز له إسقاطه متى شاء كالابراء من الدين. وأما من جهة الراهن فلا يلزم قبل القبض سواء كان مشروطا في عقد أو غير مشروط، وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك رحمه الله تعالى: يلزم من جهة الراهن بالايجاب والقبول، فمن رهن شيئا أجبر على إقباضه، وكذلك قال في الهبة. دليلنا: قوله تعالى " وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " فوصف الرهن بالقبض، فدل على أنه لا يكون رهنا إلا بالقبض، كما أنه وصف الرقبة المعتوقة بالاعيان ثم لا يصح على الكفارة الا عتق رقبة مؤمنة، ولانه عقد إرفاق احتراز من البيع، فانه عقد معاوضة، وقولنا: من شرطه القبول، احتراز من الوقف. إذا ثبت هذا: فالعقود على ضربين. ضرب لازم من الطرفين كالبيع والحوالة والاجارة والنكاح والخلع. وضرب جائز من الطرفين كالوكالة والشركة، والمضاربة والرهن قبل القبض، والضمان، والكتابة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وإن أذن له في قبض ما عنده لم يصر مقبوضا حتى يمضى زمان يتأتى فيه القبض، وقال في حرملة: لا يحتاج إلى ذلك كما لا يحتاج إلى نقل، والمذهب الاول، لان القبض انما يحصل بالاستيفاء أو التمكين من الاستيفاء، ولهذا لو أستأجر دارا لم يحصل له القبض في منافعها الا بالاستيفاء، أو بمضي زمان يتأتى فيه الاستيفاء فكذلك ههنا، فعلى هذا ان كان المرهون حاضرا فبأن يمضى زمان لو أراد أن ينقله أمكنه ذلك، وان كان غائبا، فبأن يمضى هو أو وكيله ويشاهده ثم يمضى من الزمان ما يتمكن فيه من القبض، وقال أبو إسحاق: ان كان مما ينتقل كالحيوان لم يصر مقبوضا الا بأن يمضى إليه لانه يجوز أن يكون

قد انتقل من المكان الذى كان فيه فلا يمكنه أن يقدر الزمان الذى يمكن المضى فيه إليه من موضع الاذن إلى موضع القبض، فأما ما لا ينتقل فانه لا يحتاج إلى المضى إليه بل يكفى أن يمضى زمان لو أراد أن يمضى ويقبض أمكنه، ومن أصحابنا من قال: إن أخبره ثقة أنه باق على صفته ومضى زمان يتأتى فيه القبض صار مقبوضا، كما لو رآه وكيله ومضى زمان يتأتى فيه القبض، والمنصوص هو الاول وما قال أبو إسحاق لا يصح لانه كما يجوز أن ينتقل الحيوان من مكان إلى مكان فلا يتحقق زمان الامكان ففى غير الحيوان يجوز أن يكون قد أخذ أو هلك، وما قال القائل الآخر من خبر الثقة لا يصح، لانه يجوز أن يكون بعد رؤية الثقة حدث عليه حادث فلا يتحقق امكان القبض ويخالف الوكيل، فإنه قائم مقامه فقام حضوره مقام حضوره، والثقة بخلافه. (الشرح) الاحكام، ان عقد الرهن على عين في يد الراهن لم يجز للمرتهن قبضها الا بإذن الراهن، لان للراهن أن يفسخ الرهن مثل القبض فلم يجز للمرتهن اسقاط حقه من ذلك بغير اذنه. وان كانت العين المرهونة في يد المرتهن وديعة أو عارية فان الرهن يصح، لانه إذا صح عقد الرهن على ما في يد الراهن، فلان يصح على ما بيد المرتهن للراهن أولى. (الشرح) فأما القبض فيها فقد قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا يتم به الرهن من القبض فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة للمرتهن ملك البيع، ولا مملوك المنفعة له ملك الاجارة لم يجز أن يكون رهنا الا بما أجازه الله عز وجل به من أن يكون مقبوضا. وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه، وكذلك لو أذن له في قبضه فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له لما وصفت من أنه لا يكون رهنا الا بأن يكون مقبوضا، وكذلك ما لم يتم الا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التى لا تجوز الا مقبوضة وما في معناها، ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان المرتهن والغرماء فيه أسوة سواء اه. وقال فيما يكون قبضا في الرهن: وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن

وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام باقرار الراهن ودعوى المرتهن. ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن أجزت الاقرار، لانه قد يقبض له وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له. اه وقال أيضا " إذا وهب له عينا في يد الموهوب له فقبلها تمت الهبة ولم يعتبر الاذن بالقبض " واختلف أصحابنا فيها عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يلزم واحد منهما الا بالقبض ولا يصح قبضهما الا بالاذن، وما قال الشافعي رحمه الله في الهبة، فأراد إذا أذن، وأضمر ذلك، وصرح به في الرهن. ومنهم من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وخرجهما على قولين. أحدهما: لا يفتقر واحد منهما إلى الاذن بالقبض، ولانه لما لم يفتقر إلى اذن مستأنف لم يفتقر إلى اذن. والثانى: يفتقر إلى الاذن. قال المصنف: وهو الصحيح. قلت: لانه قبض يلزمه به عقد غير لازم فلم يحصل الا باذن، كما لو كانت العين في يد الراهن. ومنهم من حمل المسئلتين على ظاهرهما، فقال في الهبة. لا يفتقر إلى الاذن بالقبض فيها، وفى الرهن لابد من الاذن بالقبض فيه، لان الهبة عقد اقوى يزيل الملك، فلم يفتقر إلى الاذن فيها، والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك فافتقر إلى الاذن بالقبض فيه. إذا ثبت هذا: فرهنه ما عنده فانه لا يحتاج إلى نقله بلا خلاف على المذهب، وهل يحتاج إلى الاذن بالقبض على الطرق المذكورة وسواء قلنا: يفتقر إلى الاذن فلابد من مضى مدة يتباين فيها القبض في مثله ان كان مما ينتقل فيمضى زمان يمكنه نقله، وان كان مما يخلى بينه وبينه فيمضى زمان يمكنه التخلية فيه. قال الشيخ أبو حامد: وحكى عن حرملة نفسه أنه قال: لا يحتاج إلى مضى مدة، بل يكفيه العقد والاذن، إذا قلنا: انه شرط إلى العقد لا غير - إذا قلنا ان الاذن ليس بشرط - لان يده ثابتة عليه، فلا معنى لاعتبار زمان ابتداء القبض، وهذا غلط، لان القبض لا يحصل الا بالفعل أو بالامكان، ولم يوجد

واحد منهما، فعل هذا إن كان المرهون معه في المجلس أو بقربه وهو يراه أو يعلم به فإن القبض فيه مضى مدة لو قبضه فيها أمكنه، وإن كان الرهن في صندوق في البيت وهو في البيت وتحقق كونه فيه فقبضه أن بمضي مدة لو أراد أن يقوم إلى الصندوق ويقبضه أمكنه، وإن كان الرهن غائبا عن المجلس بأن يكون في البيت والمرتهن في المسجد أو السوق، فنقل المزني عن الشافعي رحمه الله أنه لا يصير مقبوضا حتى يصير المرتهن إلى منزله والرهن فيه، فقال المصنف: هذا فيما يزول بنفسه مثل العبد أو البهيمة، فأما ما لا يزول بنفسه مثل الثوب والدار فلا يحتاج إلى أن يصير إلى منزله، ويكفى أن يأتي عليه زمان يمكنه القبض فيه قال القاضى أبو الطيب: وقد نص الشافعي على مثل ذلك في الام، لان ما يزول بنفسه لا يعلم مكانه، وأما الشيخ أبو حامد فقال غلط أبو إسحاق، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أنه لا فرق بين الحيوان وغيره. ولانه يجوز أن يحدث على غير الحيوان التلف من سرقة أو حريق أو غرق فهو بمنزلة الحيوان وحكى المصنف أن من أصحابنا من قال أخبره ثقة بأنه باق على صفته بمضي زمان يتأتى فيه القبض، وليس بشئ لانه يجوز أن يكون قد تلف بعد رؤية الثقة. قال الشافعي رحمه الله: لا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن أو وكيله. قال أصحابنا: هذا الكلام يحتمل تأويلين: (أحدهما) أن هذه مسألة مبتدأة، أي أن القبض لا يحصل في الرهن إلا أن يقبضه المرتهن أو وكيله، يقصد بهذا بينان جواز الوكالة في القبض لان القبض هو نقله من يد الراهن إلى يد المرتهن، وهو لا يوجد إلا بحضور المرتهن أو وكيله، وقد فرع الشافعي رحمه الله على هذا في الام أن المرتهن لو وكل الراهن في قبض الرهن له من نفسه لم يصح لانه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره على نفسه في القبض. والتأويل الثاني أن هذا عطف على المسألة المتقدمة إذا رهنه وديعة عنده غائبة عنه فلا يكون مقبوضا حتى يرجع المرتهن أو وكيله ويشاهدها. قالوا وهذا أشبه لانه اعتبر مجرد الحضور لا غير، وانما يكفى ذلك فيما كان عنده، وأما ما كان في يد المرتهن فلابد من النقل فيه. والله أعلم

(فرع) إذا أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ومضت مدة يتأتى فيها القبض صار مقبوضا عن الرهن ولا يزول عن الغاصب ضمان النصب إلا بالرهن يسلمه إلى المغصوب منه عن الضمان في أحد الوجهين. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد والمزنى رحمهم الله تعالى: يزول ضمان الغصب عن المرتهن دليلنا: أنه لم يتخلل بين الغصب والرهن أكثر من عقد الرهن وقبضه. والرهن لا ينافى الغصب لانهما قد يجتمعان، بأن يرتهن عينا ويتعدى فيها، فإن ارتهن عارية في يده وأذن له في قبضها عن الرهن صح وكان له الانتفاع بها لان الرهن لا ينافى ذلك، ويكون ضمان العارية باقيا عليه، فإن منعه المعير من الانتفاع فهل يزول عن المستعير الضمان؟ فيه وجهان: (أحدهما) يزول لانها خرجت عن أن تكون عارية (والثانى) لا يزول عنه الضمان لان يده لم تزل، وإن أودعها المعير عند المستعير، والمغصوب منه عند الغاصب، فهل يزول عنه الضمان، فيه وجهان (أحدهما) لا يزول عنه الضمان لبقاء يده (والثانى) يزول لان الايداع ينافى الغصب والعارية وقال الشافعي: والقبض في العبد والثوب مما يحول يأخذه مرتهنه من يد راهنه، وقبض مالا يحول من أرض أو دار أن يسأله بلا حامل. وهذا كما قال: القبض في الرهن كالقبض في البيع، فإذا رهنه ما ينقل مثل الدراهم والثياب فقبضها كان له أن يتناولها وينقلها من مكان إلى مكان. وكذلك إذا رهنه بهيمة فقبضها له أن يسوقها أو يقودها من مكان إلى مكان، وكذلك صبرة جزافا أو مكيالا من صبرة وقبضه بالكيل، وإن رهنه مالا ينقل كالارض والدكان والدار فالقبض فيها أن يزيل الراهن يده عنها بأن يخرج منها ويسلمها إلى المرتهن ولا حائل بينه وبينها، فإن كانا في الدار وخرج الراهن منها صح القبض. وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يخلى بينه وبينها بعد خروجه منها، لانه إذا كان في الدار فيده عليها فلا تصح التخلية، وهذا ليس بصحيح لان التخلية تحصل بقوله وبرفعه يده عنها ألا ترى أن بخروجه من الدار لا تزول يده عنها، وبدخول دار غيره لا تثبت يده عليها، ولانه بخروجه محقق لقوله، فلا معنى لاعادة التخلية، هكذا ذكره ابن الصباغ، وان خلى بينه وبين الدار وفيها قماش للراهن صح التسليم في الدار فقط

وقال أبو حنيفة: لا لانها مشغولة بملك الراهن، وكذلك يقال في دابة عليها حمل، لو رهنه الحمل دون الدابة وهو عليها صح، لان كل ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الرهن. وقال أبو حنيفة: إذا رهنه سرج دابة ولجامها وسلمها بذلك لم يصح القبض، وهذا يناقض قوله في الحمل (فرع) ولو أمر الراهن وكيله ليقبض المرتهن فأقبضه وكيله جاز. قال الصيمري: ولو قال الراهن للمرتهن وكل عنى رجلا لقبضك أو ليقبض وكيلك عنى جاز، ولو أمر الراهن وكيله ليقبض المرتهن فأقبض وكيله جاز (فرع) قال الشافعي، والاقرار بقبض الرهن جائز إلا فيما لا يمكن في مثله اه (قلت) وهذا كما إذا أقرا بزمان أو مكان لا يمكن صدقهما فيه، كأن زعما أنهما تراهنا دارا بيافا وهما في القاهرة ويافا في يد اليهود لم يصح، أما إذا أقرا أنهما تراهنا دارا اليوم بأسوان وهما في القاهرة وأمكن انتقالهما بالطائرة وعودتهما صح وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان أذن له في القبض ثم رجع لم يجز أن يقبض لان الاذن قد زال فعاد كما لو لم يأذن له، وإن أذن له ثم جن أو أغمى عليه لم يجز أن يقبضه لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاذن ويكون الاذن في القبض إلى من ينظر في ماله، فان رهن شيئا ثم تصرف فيه قبل أن يقبضه نظرت فان باعه أو جعله مهرا في نكاح أو أجرة في إجارة أو وهبه وأقبضه أو رهنه وأقبضه أو كان عبدا فكاتبه أو أعتقه انفسخ الرهن، لان هذه التصرفات تمنع الرهن فانفسخ بها الرهن، فان دبره فالمنصوص في الام أنه رجوع. وقال الربيع فيه قول آخر أنه لا يكون رجوعا. وهذا من تخريجه، ووجهه أنه يمكن الرجوع في التدبير، فإذا دبره أمكنه أن يرجع فيه فيقبضه في الرهن ويبيعه في الدين. والصحيح هو الاول، لان المقصود بالتدبير هو العتق، وذلك ينافى الرهن، فجعل رجوعا كالبيع والكتابة، فان رهن ولم يقبض، أو وهب ولم يقبض كان ذلك رجوعا على المنصوص، لان المقصود منه ينافى الرهن.

وعلى تخريج الربيع لا يكون رجوعا لانه يمكنه الرجوع فيه. وان كان المرهون جارية فزوجها لم يكن ذلك رجوعا لان التزويج لا يمنع الرهن فلا يكون رجوعا في الرهن وإن كان دارا فأجرها نظرت، فإن كانت الاجارة إلى مدة تنقضي قبل محل الدين لم يكن رجوعا لانها لا تمنع البيع عند المحل، فلم ينفسخ بها كالتزويج، وإن كانت إلى مدة يحل الدين قبل انقضائها، فإن قلنا إن المستأجر يجوز بيعه لم يكن رجوعا لانه لا يمنع البيع عند المحل، وإن قلنا لا يجوز بيعه كان رجوعا لانه تصرف ينافى مقتضى الرهن فجعل رجوعا كالبيع. (الشرح) الاحكام: إن رهن عينا وأذن له بقبضها فقبل أن يقبضها المرتهن رجع الراهن عن الاذن لم يكن للمرتهن قبضها، لانه إنما يقبضها بإذن الراهن وقد بطل إذنه برجوعه، وإن رهنه شيئا ثم جن الراهن أو أغمى عليه أو أفلس أو حجر عليه لم يصح إقباضه الراهن ولا يكون للمرتهن قبضه لانه لا يصح قبضه إلا باذن الراهن، وقد خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ. وكذلك إذا أذن له في القبض فقبل أن يقبض طرأ على الراهن الجنون أو العمى أو الحجر بطل إذنه بذلك ولا يبطل الرهن بذلك. إذا ثبت ما ذكرناه فان الولى على المجنون والمغمى عليه ينظر فان كان الحظ باقباض الرهن مثل أن يكون شرطاه في بيع يستضير بفسخه وما أشبه ذلك أقبضه عنهما، وان كان الحظ في تركه لم يقبضه، وان كان للمحجور عليه غرماء غير المرتهن قال ابن الصباغ: لم يجز للحاكم تسليم الرهن إلى من رهنه عنده قبل الحجر لانه ليس له أن يبتدئ عقد الرهن في هذه الحالة، فكذلك تسليم الرهن. (فرع) وان رهن عنده غيره رهنا ثم تصرف فيه الراهن قبل القبض نظرت فان باعه أو أصدقه أو جعله عوضا أو رهنه وأقبضه، أو كان عبدا فأعتقه أو كاتبه بطل عقد الرهن لانه يملك فسخ الرهن قبل القبض فجعلت هذه التصرفات اختيارا منه للفسخ، فان كانت أمة فزوجها أو عبدا فزوجه لم يبطل الرهن لان التزويج لا ينافى الرهن، ولهذا يصح رهن الامة المزوجة والعبد المزوج، وان أجرا الرهن، فان قلنا يجوز بيع المستأجر لم ينفسخ الرهن بالاجارة، وان قلنا

لا يجوز بيع المستأجر، فان كانت مدة الاجارة تنقضي قبل حلول الدين لم ينفسخ الرهن. وإن كان الدين يحل قبل انقضاء مدة الاجارة انفسخ الرهن بها، وإن دبر الراهن العبد المرهون فالمنصوص أن الرهن ينفسخ (فرع) استدامة القبض في الرهن ليس بشرط في الرهن. وقال أبو حنيفة ومالك: الاستدامة شرط فيه. دليلنا أنه عقد يعتبر فيه القبض فلم تكن استدامته شرطا كالهبة مع أبى حنيفة والقرض مع مالك قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن مات أحد المتراهنين فقد قال في الرهن: إذا مات المرتهن لم ينفسخ. وقال في التفليس: إذا مات الراهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن، فمن أصحابنا من جعل ما قال في التفليس قولا آخر أن الرهن ينفسخ بموت الراهن، ونقل جوابه فيه إلى المرتهن، وجوابه في المرتهن إليه، وجعلهما على قولين. أحدهما ينفسخ بموتهما لانه عقد لا يلزم بحال، فانفسخ بموت العاقد، كالوكالة والشركة. والثانى لا ينفسخ لانه عقد يؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار. ومنهم من قال يبطل بموت الراهن ولا يبطل بموت المرتهن، لان بموت الراهن يحل الدين ويتعلق بالتركة، فلا حاجة إلى بقاء الرهن، وبموت المرتهن لا يحل الدين، فالحاجة باقية إلى بقاء الرهن. ومنهم من قال لا يبطل بموت واحد منهما قولا واحدا، لانه إذا لم يبطل بموت المرتهن على ما نص عليه والعقد غير لازم في حقه بحال، فلان لا يبطل بموت الراهن والعقد لازم له بعد القبض أولى، وما قال في التفليس لا حجة فيه لانه لم يرد أن الرهن ينفسخ، وانما أراد أنه إذا مات الراهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن من غير اذن الورثة (الشرح) الاحكام: وان عقد الرهن ثم مات أحد المتراهنين قبل القبض فقد نص الشافعي أن الرهن لا ينفسخ بموت المرتهن بل الراهن بالخيار بين أن

يقبض ورثة المرتهن ولا يقبضهم. وحكى الداركى أن الشافعي رحمه الله قال في موضع آخر: إن الرهن ينفسخ بموت الراهن قبل التسليم واختلف أصحابنا في المسألة على ثلاثة طرق، فمنهم من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وخرجهما على قولين (أحدهما) ينفسخ بموت أحدهما لانه عقد جائز فبطل بالموت كالوكالة والشركة. (والثانى) لا ينفسخ بموت واحد منهما لانه عقد يئول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع بشرط الخيار. ومنهم من قال: ينفسخ بموت الراهن ولا ينفسخ بموت المرتهن، لان بموت الراهن يحل الدين المؤجل عليه، فإذا كان عليه دين غير دين المرتهن كان للمرتهن أسوة الغرماء، ولا يجوز للورثة تخصيص المرتهن بالرهن، وان لم يكن عليه دين غير المرهون به فقد تعلق بجميع التركة، فلا وجه لتسليم الرهن به. وليس كذلك المرتهن، فإن ماله من الدين لا يحل بموته فالحاجة باقية إلى الاستيثاق بالرهن. ومن أصحابنا من قال: لا يبطل الرهن بموت واحد منهما قولا واحدا، لان الرهن إذا لم ينفسخ بموت المرتهن والعقد لا يلزم من جهته بحال، فلان لا يبطل بموت الراهن - والعقد قد يلزم من جهته - بعد القبض أولى. وأنكر الشيخ أبو حامد ما حكاه الداركى وقال: بل كلام الشافعي رحمه الله يدل أن الرهن لا ينفسخ بموت الراهن لانه قال في الام: وإذا رهن عند رجل شيئا ثم مات الراهن قبل أن يقبض الرهن، فإن كان عليه دين كان أسوة الغرماء وان لم يكن عليه دين فوارثه بالخيار بين أن يقض الرهن المرتهن أو يبقيه، وإن مات أحدهما بعد القبض لم ينفسخ الرهن بلا خلاف، ويقوم وارث كل واحد منهما مقامه لان الرهن لازم جهة من الراهن والعقد اللازم لا يبطل بالموت كالبيع والاجارة. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كتب إليه وهو غائب أقرضتك هذا، أو كتب إليه بالبيع ففيه وجهان: (أحدهما) ينعقد لان الحاجة مع الغيبة داعية إلى الكتابة (والثانى) لا ينعقد لانه قادر على النطق فلا ينعقد عقده بالكتابة، كما لو كتب وهو حاضر. وقول القائل الاول ان الحاجة داعية إلى الكتابة لا يصح لانه يمكنه أن يوكل من يعقد العقد بالقول (الشرح) الاحكام: إن كتب إليه وهو غائب إلى آخر الصورة التى حكاها المصنف في انعقاد القرض وصحته وجهان، أصحهما ينعقد، لاننا قلنا في الفصل قبله: ويمكن انعقاده بما يؤدى معنى ذلك، ولانه عقد ارفاق وقربة. قال ابن قدامة: والشرع لا يرد بتحريم المصالح التى لا مضرة فيها، بل بمشروعيتها، ولان هذا ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص فوجب الابقاء على الاباحة. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يثبت فيه خيار المجلس وخيار الشرط، لان الخيار يراد للفسخ، وفى القرض يجوز لكل واحد منهما أن يفسخ إذا شاء، فلا معنى لخيار مجلس وخيار الشرط، ولا يجوز شرط الاجل فيه لان الاجل يقتضى جزءا من العوض والقرض لا يحتمل الزيادة والنقصان في عوضه فلا يجوز شرط الاجل فيه ويجوز شرط الرهن فِيهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رهن درعه على شعير أخذه لاهله، ويجوز أخذ الضمين فيه لانه وثيقه فجاز في القرض كالرهن. (الشرح) الحديث رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه عن أنس. أما الاحكام فإنه لا يثبت في القرض خيار المجلس ولا خيار الشرط، لان الخيار

إقباض الباقية وبين منعها، وإن كان بعد القبض للاخرى فقد لزم الرهن فيها، ولو تلفت احداهما بعد فلا خيار للبائع إذا كان الرهن مشروطا ببيع، لان الرهن لو تلف كله لم يكن له خيار، فإذا تلف بعضه أولى. دليلنا أنه مال محبوس بحق فوجب أن يكون محبوسا بالحق وبكل جزء منه كما لو مات وخلف تركة ودينا عليه، فان التركة محبوسة بالدين وبكل جزء منه، ولانه وثيقه بحق فكان وثيقة بالحق وبكل جزء منه كالشهادة والضمان، فإذا قضى الراهن الدين أو أبرأه منه المرتهن - والرهن في يد المرتهن بقى في يده أمانة. وقال أبو حنيفة: إن قضاه الرهن كان الرهن مضمونا على المرتهن، وإن أبرأه المرتهن أو وهبه ثم تلف الرهن في يده لم يضمنه استحسانا لان البراءة والرهن لا يقتضى الضمان وكان هذا منا منه لان القبض المضمون عنده لم يحول ولم يبرئه منه قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا ينفك من الرهن شئ حتى يبرأ الراهن من جميع الدين لانه وثيقة محضة، فكان وثيقة بالدين وبكل جزء منه، كالشهادة والضمان، فان رهن اثنان عند رجل عينا بينهما بدين له عليهما فبرئ أحدهما، أو رهن رجل عند اثنين عينا بدين عليه لهما فبرئ من دين أحدهما انفك نصف العين من الرهن، لان الصفقة إذا حصل في أحد شطريها عاقدان فهما عقدان، فلا يقف الفكاك في أحدهما على الفكاك في الآخر، كما لو فرق بين العقدين، وإن أراد الراهنان في المسألة الاولى أن يقتسما أو الراهن في المسألة الثانية أن يقاسم المرتهن الذى لم يبرأ من دينه نظرت، فان كان مما لا ينقص قيمته بالقسمة كالحبوب جاز ذلك من غير رضا المرتهن، وإن كان مما ينقص قيمته ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز من غير رضا المرتهن، لانه يدخل عليه بالقسمة ضرر فلم يجز من غير رضاه (والثانى) يجوز لان المرهون عنده نصف العين فلا يملك الاعتراض على المالك فيما لا حق له فيه. (الشرح) الاحكام: إن أسلم في طعام فأخذ به رهنا ثم تقايلا عقد السلم برئ المسلم إليه من الطعام ووجب عليه رد رأس مال المسلم، وبطل الرهن لان

الدين الذى ارتهن به قد بطل، ولا يكون له حبس الرهن إلى أن يأخذ رأس المال لانه لم يرهنه به، وإن اقترض منه ألفا ورهنه بها رهنا ثم أخذ المقرض بالالف عينا سقطت الالف عن ذمة المقترض وبطل الرهن، وإن تلفت العين في يد المقترض قبل أن يقبضها المقرض انفسخ القضاء وعاد الرهن والقرض لانه متعلق به وقد عاد. قال الشيخ أبو حامد: وإن باع من رجل كر (1) طعام بألف درهم إلى أجل وأخذ بالثمن رهنا فإذا حل الاجل أو كان حالا فللبائع أن يأخذ منه بدل الثمن دنانير، فإذا أخذها انفسخ الرهن، وان تفرقا قبل القبض بطل القضاء، وعاد الثمن إلى ذمة المشترى، ويعود الرهن لان الرهن من حق ذلك الثمن فسقط بسقوطه فإذا عاد الثمن عاد بحقه، وان ابتاع منه مائة دينار بألف درهم في ذمته ودفع عن الدراهم رهنا صح، فان تقابضا في المجلس صح الصرف، وانفك الرهن، وان تفرقا من غير قبض بطل الصرف والرهن. (فرع) وان كان للرجل على رجلين دين فرهناه ملكا بينهما مشاعا جاز، كما لو باعا ذلك منه، فإذا أقضاه أحدهما ما عليه له أو أبرأ المرتهن أحدهما انفك نصف الرهن، لان الصفقة إذا حصل في أحد شطريها عاقدان فهما عقدان فلا يقف الفكاك في أحدهما على الفكاك في الآخر، فان طلب من انفك نصيبه القسمة نظرت، فان كان الرهن مما لا تتساوى أجزاؤه كالثياب والحيوان أو كانا دارين فأراد من انفك نصيبه أن يجعل كل دار سهما لم يجز ذلك من غير اذن المرتهن، لان ذلك منافلة، والرهن يمنع من ذلك. وان كان الرهن مما يتساوى أجزاؤه كالطعام فله مطالبته بقسمته لانه لا ضرر على المرتهن بذلك، وهكذا إذا كانت الارض متساوية الاجزاء فهى كالطعام وان كان الرهن تنقص قيمته بالقسمة كالحجرة الواحدة، إذا قسمتها نصفين أو الشقة إلى شقتين فهل للمرتهن أن يمتنع؟ فيه وجهان. أحدهما: له أن يمتنع لان

_ (1) الكر واحد الاكرار ما يخزن فيه القمح ومنه قول العامة عن غرفة في البيت فيها مخزونه من الطعام (غرفة الكرار) وصوابه السكر أو الاكرار.

الضرر يدخل عليه بذلك (والثانى) ليس له أن يمتنع لان المرهون عنده النصف فلا يملك الاعتراض على المالك فيما لا حق له فيه. وهذا نقل البغداديين من أصحابنا. وقال المسعودي: إن قلنا إن القسمة قدر النصيبين جازت القسمة، وإن قلنا إنها بيع لم يجز، وإن رهن رجل ملكا له عند رجلين بدين لهما عليه فقضى أحدهما دينه أو أبرأه أحدهما عن دينه انفك نصف الرهن، لان في أحد شطرى الصفقة عاقدين فهما كالعقدين، والحكم في القسمة ما مضى قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا قبض المرتهن الرهن ثم وجد به عيبا كان قبل القبض نظرت فإن كان في رهن عقد بعد عقد البيع لم يثبت له الخيار في فسخ البيع، وان كان في رهن شرط في البيع فهو بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يمضيه، لانه دخل في البيع بشرط أن يسلم له الرهن، فإذا لم يسلم له ثبت له الخيار، فإن لم يعلم بالعيت حتى هلك الرهن عنده أو حدث به عيب عنده لم يملك الفسخ، لانه لا يمكنه رد العين على الصفة التى أخذ، فسقط حقه من الفسخ كما قلنا في المبيع إذا هلك عند المشترى أو حدث به عيب عنده، ولا يثبت له الارش، لان الارش بدل عين الجزء الفائت، ولو فات الرهن بالهلاك لم يجب بدله، فإذا فات بعضه لم يجب بدله. والله أعلم (الشرح) الاحكام، إذا قبض المرتهن الرهن ثم وجد به عيبا كان موجودا في يد الراهن نظرت فان كان الرهن غير مشروط في عقد البيع فلا خيار في فسخ البيع لان الراهن متطوع بالرهن، فان كان الرهن مشروطا في عقد البيع ثبت للبائع الخيار في فسخ البيع، لانه لم يسلم له الشرط، وان لم يعلم بالعيب حتى هلك الرهن عنده أو حدث به عنده عيب لم يثبت له الخيار لانه لا يمكنه رد الرهن كما أخذ، ولا يثبت له أرش العيب كما ثبت للمشترى أرش العيب، والفرق بينهما أن المبيع يجبر البائع على إقباضه فأجبر على دفع الارش، والراهن لا يجبر على إقباض الرهن فلم يجبر على دفع الارش

باب ما يجوز رهنه وما لا يجوز

وبهذا قال أحمد وأصحابه وابن المنذر. ولان المبيع لو تلف جميعه في يد البائع قبل التسليم لوجب عليه ضمانه بالثمن. وها هنا لو تلف الرهن في يد الراهن قبل التسليم لم يجب عليه بدله. ولانا لو قلنا لا أرش للمشترى لاسقطنا حقه، وها هنا لا يسقط حق المرتهن لان حقه في ذمة الراهن، قال الشيخ أبو حامد: فلو باعه شيئا بشرط أن يرهنه عبدين فرهنهما عنده وأقبضه أحدهما وتلف عند المرتهن وامتنع الراهن من إقباض الثاني أو تلف في يد الراهن لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع لانه لا يمكن رد العبد الذى قبض فيمضى البيع بلا رهن، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: * (بَابُ مَا يجوز رهنه وما لا يجوز) * ما لا يجوز بيعه كالوقف وأم الولد، والكلب والخنزير لا يجوز رهنه، لان المقصود من الرهن أن يباع ويستوفى الحق منه، وهذا لا يوجد فيما لا يجوز بيعه فلم يصح رهنه. (الشرح) الاحكام: كل عين جاز بيعها جاز رهنها لان مقصود الرهن الاستيثاق بالدين للتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن، إن تعذر استيفاؤه من ذمة الراهن، وهذا يتحقق في كل عين جاز بيعها، ولان ما كان محلا للبيع كان محلا لحكمة الرهن، ومحل الشئ محل لحكمته إلا أن يمنع مانع من ثبوته، أو يفوت شرط فينتفى الحكم لانتفائه كالمشاع، فإنه استثنى من هذه القاعدة فيجوز رهن المشاع لذلك. وبه قال ابن أبى ليلى ومالك والبتى والاوزاعي وسوار والعنبري وأبو ثور، وقال أصحاب الرأى: لا يصح الا أن يرهنها من شريكه أو يرهنها الشريكان من رجل واحد، لانه عقد تخلف عنه مقصوده لمعنى اتصل به فلم يصح كما لو تزوج أخته من الرضاع ولنا أنها عين يجوز بيعها في محل الحق فيصح رهنها كالمفرزة، ولا نسلم أن مقصوده الحبس بل مقصوده استيفاء الدين من ثمنه عند تعذره من غيره، والمشاع

قابل لذلك، والغريب أن أصحاب الرأى يمنعون هذا ويجيزون رهن القاتل والمرتد والمغصوب ورهن ملك غيره بغير إذنه من غير ولاية قال المصنف رحمه الله: (فصل) وما يسرع إليه الفساد من الاطعمة والفواكه الرطبة التى لا يمكن استصلاحها، يجوز رهنه بالدين الحال والمؤجل الذى يحل قبل فساده، لانه يمكن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه، فأما ما رهنه بدين مؤجل إلى وقت يفسد قبل محله فإنه ينظر فيه، فإن شرط أن يبيعه إذا خاف عليه الفساد جاز رهنه، وإن أطلق ففيه قولان: (أحدهما) لا يصح وهو الصحيح، لانه لا يمكن بيعه بالدين في محله فلم يجز رهنه كأم الولد. (والثانى) يصح. وإذا خيف عليه أجبر على بيعه ويجعل ثمنه رهنا، لان مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط. والمتعارف فيما يفسد أن يباع قبل فساده، فيصير كما لو شرط ذلك، ولو شرط ذلك جاز رهنه، فكذلك إذا أطلق، فإن رهن ثمرة يسرع إليها الفساد مع الشجر ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، كما لو أفرده بالعقد، ومنهم من قال يصح قولا واحدا لانه تابع للشجر، فإذا هلكت الثمرة بقيت الشجرة (الشرح) الاحكام: ان رهنه شيئا رطبا يسرع إليه الفساد، فإن كان مما يمكن تجفيفه كالرطب والعنب صح رهنه ووجب على الراهن مئونة تجفيفه، كما يجب عليه مئونة حفظه وعلف الحيوان، فان احتاج إلى ثلاجة ليحفظ فيها كان على الراهن استهلاك الثلاجة من الثلج أو الكهرباء، وان كان مما لا يمكن تجفيفه أو حفظه في الثلاجات نظرت فان رهنه بحق حال أو مؤجل قبل فساده صح الرهن لان الغرض يحصل بذلك وان شرط الراهن أن لا يباع الا بعد حلول الحق لم يصح الرهن لانه يتلف ولا يحصل المقصود، وان أطلقا ذلك ففيه قولان (أحدهما) يصح الرهن، فإذا خيف عليه الفساد بيع وجعل ثمنه رهنا: لان العقد يبنى على عرف الناس،

وفى عرفهم أن المالك لا يترك من ماله ما يخلف عليه الفساد ليفسد (والثانى) لا يصح الرهن وهو الصحيح. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان علق عتق عبد على صفة توجد قبل محل الدين لم يجز رهنه، لانه لا يمكن بيعه في الدين. وقال أبو على الطبري رحمه الله: إذا قلنا يجوز رهن ما يسرع إليه الفساد جاز رهنه، وان علق عتقه على صفة يجوز أن توجد قبل محل الدين، ويجوز أن لا توجد، ففيه قولان (أحدهما) يصح لان الاصل بقاء العقد وامكان البيع، ووقوع العتق قبل محل الدين مشكوك فيه، فلا يمنع صحة الرهن كجواز الموت في الحيوان المرهون (والثانى) لا يصح لانه قد توجد الصفة قبل محل الدين فلا يمكن بيعه، وذلك غرر من غير حاجة، فمنع صحة الرهن. (الشرح) الاحكام، ان علق عتق عبده على صفة ثم رهنه ففيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا قال " إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، وكان قد رهنه بحق حال أو مؤجل قبل مجئ رأس الشهر فيصح الرهن قولا واحدا، لانه يمكن استيفاء الحق من ثمنه. (الثانية) أن يرهنه بحق مؤجل توجد الصفة قبله، فقد قال عامة أصحابنا لا يصح قولا واحدا. وقال أبو على الطبري فيه قولان، كرهن ما يسرع إليه الفساد، والصحيح هو الاول، لان الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خيف عليه الفساد وجعل ثمنه رهنا، والظاهر ممن علق عتق عبده على صفة أنه أراد ايقاع العتق بذلك (الثالثة) إذا علق عتقه على صفة يجوز أن توجد قبل محل الدين، ويجوز أن يحل الدين قبلها، بأن يقول إذا قدم زيد فأنت حر. وإذا دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت حر، فهل يصح رهنه ها هنا بعد ذلك؟ فيه قولان (أحدهما) يصح الرهن لان وقوع العتق قبل محل الدين مشكوك فيه (والثانى) لا يصح، لان الصفة قد توجد قبل محل الدين فيبطل الرهن، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، هذا قول عامة أصحابنا. وقال أبو على في الافصاح لا يصح رهنه قولا واحدا لانه عقد الرهن على غرر.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) واختلف أصحابنا في المدبر. فمنهم من قال: لا يجوز رهنه قولا واحدا، لانه قد يموت المولى فجأة فيعتق فلا يمكن بيعه، وذلك غرر من غير حاجة، فمنع صحه الرهن. ومنهم من قال: يجوز قولا واحدا لانه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعبد القن. ومنهم من قال. فيه قولان، بناء على القولين في أن التدبير وصية أو عتق بصفة، فان قلنا: إنه وصية جاز رهنه، لانه يجوز الرجوع فيه بالقول، فجعل الرهن رجوعا. وان قلنا: إنه عتق بصفة لم يجز رهنه، لانه لا يجوز الرجوع فيه بالقول، وإنما يجوز الرجوع فيه بتصرف يزيل الملك، والرهن لا يزيل الملك. قال أبو إسحاق، إذا قلنا: إنه يصح رهنه فحل الحق وقضى سقط حكم الرهن وبقى العبد على تدبيره، وإن لم يقض قيل له: أترجع في التدبير؟ فان اختار الرجوع بيع العبد في الرهن، وإن لم يختر فإن كان له مال غيره قضى منه الدين، ويبقى العبد على التدبير، وان لم يكن له مال غيره ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يحكم بفساد الرهن، لانا إنما صححنا الرهن لانا قلنا لعله يقضى الدين من غيره أو يرجع في التدبير، فإذا لم يفعل حكمنا بفساد الرهن (والثانى) أنه يباع في الدين وهو الصحيح، لانا حكمنا بصحة الرهن، ومن حكم الرهن أن يباع في الدين وما سوى ذلك من الاموال كالعقار والحيوان وسائر ما يباع يجوز رهنه، لانه يحصل به مقصود الرهن وما جاز رهنه جاز رهن البعض منه مشاعا، لان المشاع كالمقسوم في جواز البيع، فكان كالمقسوم في جواز الرهن، فإن كان بين رجلين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيت بغير إذن شريكه ففيه وجهان. (أحدهما) يصح كما يصح بيعه (والثانى) لا يصح لان فيه إضرارا بالشريك بأن يقتسما فيقع هذا البيت في حصته فيكون بعضه رهنا. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي رحمه الله " ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخا " وجملة ذلك أنه إذا قال لعبده إذا مت فأنت حر ثم رهنه بعد. فاختلف

أصحابنا في صحة الرهن على ثلاث طرق، فمنهم من قال: إن قلنا. إن التدبير وصية صح الرهن وبطل التدبير، لان الوصية يجوز فيها بالقول، فجعل الرهن رجوعا. وإن قلنا: إن التدبير عتق بصفة لم يصح، لانه لا يصح الرجوع فيه، الا بتصرف يزيل الملك، قالوا: وقول الشافعي: كان الرهن مفسوخا أراد على هذا القول، ومنهم من قال: لا يصح الرهن قولا واحدا، وعليه يدل ظاهر قوله في الام، لانه قال: إذا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مفسوخا، ولو قال: كنت رجعت قبل الرهن عن التدبير فهل يصح الرهن فيه قولان، وهذا نص في أنه لا يصح الرهن قبل الرجوع قولا واحدا، ولانا - وان قلنا: ان التدبير وصية - الا أنه أقوى من الوصية بدليل أنه يتحرر بالموت من غير قبول بخلاف الوصية ومنهم من قال: يصح الرهن قولا واحدا، ولا يبطل التدبير، لان الشافعي رحمه الله قال: كل ما جاز بيعه جاز رهنه كالمدبر يجوز بيعه قولا واحدا فكذلك رهنه. قال ابن الصباغ: والطريقة الاولى أصح، والثانية: ظاهر كالامة، والثالثة: مخالفة للنص والقياس. فإذا قلنا: بالطريقة الاولى، وأن الرهن يصح - إذا قلنا، ان التدبير وصية - فان التدبير يبطل، وهو اختيار المزني، فان قضى الحق من غيره فلا كلام ولم يعتق العبد بالموت الا بتدبير ثان أو عتق، وان لم يقضه من غيره بيع العبد بالموت الا بتدبير ثان أو عتق، وان لم يقضه من غيره بيع العبد في الدين، وان قلنا بالطريقة الثانية أن الرهن صحيح والتدبير صحيح نظرت، فان حل الحق وقضى الحق من غير الرهن بقى العبد في الدين، وان لم يختر الرجوع فيه، فان كان له مال غير العبد أجبر على قضاء الدين وبقى العبد على التدبير، وان لم يكن له مال غيره ففيه وجهان من أصحابنا من قال: يحكم بفساد الرهن، لانا انما صححنا الرهن رجاء أن أن يرجع في التدبير فيباع، وتأول قول الشافعي " كان الرهن مفسوخا " على هذا للموضع، ومنهم من قال: يباع في الدين، وهو الصحيح. لانه إذا حكمنا بصحة الرهن لم يتعقبه الفساد بامتناع الراهن، ومن حكم الرهن أن يباع في الدين.

(فرع) وان رهن عبده ثم دبره فان دبره قبل أن يقبض كان فسخا للرهن على المنصوص، وعلى تخريج الربيع لا يكون فسخا له، وقد مضى ذكره، وان أقبضه ثم دبره قال الشافعي رحمه الله أوقفت التدبير، فان حل الحق وقضى الدين من غير الرهن خرج العبد من الرهن وكان مدبرا، وإن لم يقضه من غيره - وان باعه - صح وبطل التدبير، وإن لم يختر الرجوع في التدبير - فإن كان له مال غيره - أجبر على قضائه منه وبقى العبد على التدبير، وإن لم يكن له مال غير العبد بيع في الدين وبطل التدبير، وان مات الراهن قبل قضاء الدين فقد حل الدين بموته، وان خلف تركة تفى بالدين عن العبد قضى الدين منها وعتق العبد من ثلث ما بقى، وان لم يكن له مال غيره، فان كان الدين يستغرق قيمته بيع العبد في الدين، وان كانت قيمته أكثر من الدين بيع منه بقدر الدين، وعتق ثلث ما بقى بالتدبير، فإن أجازه الورثة عتق باقيه. (مسألة) وما صح رهنه صح رهن جزء منه مشاعا سواء كان مما ينقسم كالدور والارضين، أو مما لا ينقسم كالجواهر، وسواء رهنه من شريكه أو من غيره وقد مضى تفصيل الخلاف فيه والرد على أبى حنيفة وأصحاب الرأى في أول الباب فراجعه وتتمة القول: ان كان بين رجلين عمارة فيها شقق فرهن أحدهما نصيبه من شقة من غير شريكه فإن كان بإذن شريكه صح الرهن، وان كان بغير اذنه ففيه وجهان. (أحدهما) يصح كما يصح بيعه (والثانى) لا يصح، لان في ذلك ضررا على الشريك لانهما قد يقتسمان فتقع هذه الشقة في حق شريكه فيكون قد رهن ملك غيره بغير اذنه بخلاف البيع، فإنه إذا باع زال ملكه فيه، ولا يملك المقاسمة على ما باع. إذا ثبت هذا: ورهن سهما مشاعا في عين بينه وبين غيره - فإن كان مما لا ينقل - فإن الراهن يخلى بينه وبين المرتهن سواء حضر الشريك أو لم يحضر، وان كان مما ينقل كالجواهر والبضائع والدواب وما أشبهها فان القبض لا يحصل الا بالنقل، ولا يمكنه تناولها الا باذن الشريك، فان رضى الشريك تناولها،

وإن امتنع - فإن رضى المرتهن أن يكون في يد الشريك - جاز، وناب عنه في القبض، وان تنازعا فإن الحاكم ينصب عدلا، وهو ما يسمى في العرف الحاضر حارسا أمينا يكون في يده لهما، وان كان مما له أجرة ومنفعة (رسوم أتعاب) كانت عليهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز رهن مال الغير بغير اذنه: لانه لا يقدر على تسليمه ولا على بيعه في الدين، فلم يجز رهنه، كالطير الطائر والعبد الآبق، فان كان في يده مال لمن يرثه وهو يظن أنه حى فباعه أو رهنه، ثم بان أنه قد مات قبل العقد. فالمنصوص أن العقد باطل لانه عقد، وهو لاعب فلم يصح. ومن أصحابنا من قال يصح لانه صادف ملكه فأشبه إذا عقد وهو يعلم أنه ميت (الشرح) سبق للنووي رحمه الله أن أخذ على المصنف تعريفه لغير بالالف واللام، فكان الاصح ثم الافصح أن يقول " مال غيره " وان كان سلفنا السبكى رحمه الله تعالى تجوز في استعمالها في شوطه في التكملة. أما الاحكام فانه لا يجوز رهن مال غيره بغير اذنه لانه لا يقدر على تسليمه، فهو كما لو رهنه سمكة في البحر، وان كان في يده مال لمن يرثه فباعه أو رهنه قبل أن يعلم بموته ثم بان أنه كان قد مات قبل البيع والرهن ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أنه لا يصح، لانه باع ورهن مالا يعتقده ملكه فكان متلاعبا في ذلك فلم يصح (والثانى) يصح لانه بان أنه ملكه، قال الشيخ أبو حامد. وهكذا لو وكل رجلا يشترى له شيئا بعينه فباعه الموكل أو رهنه قبل الشراء وقال بعتك هذا الشئ ان كان لى فبان أنه كان له، وان كان له مال في صندوق وقد رآه المرتهن فرهنه أو باعه وهو لا يتحقق كونه فيه، ثم بان أنه كان فيه، فعلى الوجهين المنصوص أنه لا يصح. (فرع) وان رهنه سكنى دار لم يصح، لان الدين ان كان مؤجلا فالمنافع تتلف إلى وقت الحلول، وان كان الدين حالا لم يحصل الاستيثاق، والرهن لا يلزم

إلا بالقبض، والقبض لا يمكن في السكنى إلا بإتلافه، فكأنه رهنه مالا يمكنه إقباضه، فإن قال أردت به إن أجرتها كانت الاجرة رهنا لم يصح أيضا لانه لا يدرى بكم يؤاجرها فكان باطلا، أما في المساكن التى تحددت أجرتها بأوامر السلطات والحكام طبقا لقواعد المثلية أو نفقات البناء أو غير ذلك من مراعاة العدل بين الناس، فقد تعين للمرتهن قدر إجارتها، فصح أن تكون الاجرة من قيمة الرهن. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان رهن مبيعا لم يقبضه نظرت، فان رهنه قبل أن ينقد ثمنه لم يصح الرهن لانه محبوس بالثمن فلا يملك رهنه كالمرهون، فان رهنه بعد نقد الثمن ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، لانه عقد يفتقر إلى القبض فلم يصح في المبيع قبل القبض كالبيع (والثانى) يصح، وهو المذهب، لان الرهن لا يقتضى الضمان فجاز فيما لم يدخل في ضمانه بخلاف البيع (الشرح) الاحكام: ان اشترى عينا فرهنها قبل أن يقبضها - فان كان قبل أن يدفع الثمن لم يصح الرهن لانها مرهونة بالثمن. وكذلك ان رهنها بثمنها لم يصح لانها قد صارت مرهونة به، وإن نقد الثمن ثم رهنها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لان عقد الرهن يفتقر إلى القبض فلم يصح من المبيع قبل القبض، كما لو باعه وفيه احتراز من العتق والتزويج. (والثانى) يصح، وهو الصحيح لان الرهن لا يقتضى الضمان على المرتهن فصح فيما لم يدخل في ضمانه بخلاف البيع. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وفى رهن الدين وجهان (أحدهما) يجوز، لانه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعين (والثانى) لا يجوز لانه لا يدرى هل يعطيه أم لا، وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد. (الشرح) الاحكام، وفى بيع الدين المستقر وهبته ورهنه من غير من هو عليه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح واحد منها، لانه غير مقدور على تسليمه

فلم يصح كالسمك في الماء (والثانى) يصح الجميع منها وهو اختيار ابن الصباغ، لان الذمم تجرى مجرى الاعيان، ألا ترى أنه يصح أن يشترى بثمن في ذمته ويبيع فيها، كما يجوز أن يشترى الاعيان ويبيعها، الا أن البيع لا يفتقر لزومه إلى القبض. وفى الهبة والرهن لا يلزمان من غير قبض، ولا يصح الرهن لان البيع والهبة يصحان، ويلزمان من غير قبض، ولا يصح الرهن لان البيع والهبة تمليك فجرى مجرى الحوالة بخلاف الرهن. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز رهن المرهون من غير إذن المرتهن، لان ما استحق يعقد لازم لا يجوز أن يعقد عليه مثله من غير اذن من له الحق، كبيع ما باعه، وإجارة ما أجره، وهل يجوز رهنه بدين آخر عند المرتهن؟ ففيه قولان. قال في القديم " يجوز " وهو اختيار المزني. لانه إذا جاز أن يكون مرهونا بألف ثم يصير مرهونا بخمسمائة جاز أن يكون مرهونا بخمسمائة، ثم يصير مرهونا بألف. وقال في الجديد: لا يجوز لانه رهن مستحق بدين، فلا يجوز رهنه بغيره، كما لو رهنه عند غير المرتهن، فإن جنى العبد المرهون ففداه المرتهن، وشرط على الراهن أن يكون رهنا بالدين والارش، فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ على القولين، ومنهم من قال يصح ذلك قولا واحدا، والفرق بين الارش وبين سائر الديون أن الارش متعلق بالرقبة، فإذا رهنه به فقد علق بالرقبة ما كان متعلقا بها، وغيره لم يكن متعلقا بالرقبة فلم يجز رهنه به، ولان في الرهن بالارش مصلحة للراهن في حفظ ماله، وللمرتهن في حفظ وثيقته، وليس في رهنه بدين آخر مصلحة، ويجوز للمصلحة ما لا يجوز لغيرها، والدليل عليه أنه يجوز أن يفتدى العبد بقيمته في الجناية ليبقى عليه، وان كان لا يجوز أن يشترى ماله بماله. (الشرح) الاحكام، إذا رهن عبدا عند رجل وأقبضه إياه فقبضه ثم رهنه الراهن عند آخر بغير إذن الاول لم يصح الرهن الثاني. لان ما استحق بعقد لازم لا يجوز أن يعقد عليه مثله من غير إذن من له الحق، كما لو باع عينا من زيد

ولزم البيع ثم باعها من عمرو، فقوله بعقد لازم احتراز من الرهن قبل القبض، ومن إعارة ما أعاره وقوله " لا يجوز أن يعقد عليه مثله " احتراز من عقد الاجارة على الرهن، فإنه يصح بغير إذن المرتهن. وقوله: من غير إذن من له الحق، لان المرتهن لو أذن في رهنه من غيره صح، وان رهن رجلا عبدا بألف درهم ثم رهنه عنده بألف أخرى ففيه قولان. قال في القديم " يصح " وبه قال مالك وأبو يوسف رحمهم الله تعالى، لانه لما جاز أن يزيد في الحق الواحد رهنا آخر جاز أيضا أن يرهن الرهن الواحد بحق آخر. ولان الرهن وثيقة كالضمان، فلما جاز أن يضمن من غيره حقا ثم يضمن عنه حقا جاز في الرهن مثله. وقال في الجديد " لا يصح " وبه قال أبو حنيفة لانه رهن لازم بدين آخر، كما لو رهنه عند غيره، وفيه احتراز من رهنه قبل القبض، فعلى هذا إذا كان أراد أن يرهنه بألفين فسخ الاول ثم يرهنه بالالفين، فإن رهنه بألف ثم رهنه بألف وأقر أنه رهنه بألفين كان كالاقرار صحيحا في الظاهر والباطن على القديم. وأما على الجديد فيكون رهنا بالالفين حكما ظاهرا. وأما في الباطن فلا يكون الامر مرهونا بألف، فإن ادعى المقر أنه رهنه بألف ثم رهنه بألف، وادعى المقر له أنه رهنه بهما معا فالقول قول المقر له مع يمينه، لان الظاهر صحة الاقرار. وإن شهد شاهدان على عقد الرهنين ثم أرادا أن يقيما الشهادة، فان كانا يعتقدان صحة القول الجديد شهدا أنه رهنه بألف ثم رهنه بألف، فان كانا يعتقدان صحة القول القديم ففيه وجهان (أحدهما) يجوز أن يشهدا أنه رهنه بألفين، ويطلقا ذلك، لانهما يعتقدان صحة ما يشهدان به (والثانى) لا يجوز أن يشهدا الا على ما وقع عليه العقدان، لان الاجتهاد في ذلك إلى الحاكم قال المصنف رحمه الله: (فصل) وفى رهن العبد الجاني قولان. واختلف أصحابنا في موضع القولين على ثلاث طرق، فمنهم من قال القولان في العمد، فأما في جناية الخطأ فلا يجوز

قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي جناية الخطأ، فأما في جناية العمد فيجوز قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الجميع، وقد بينا وجوههما في البيع (فصل) ولا يجوز رهن ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والطير الطائر، لانه لا يمكن تسليمه ولا بيعه في الدين فلم يصح رهنه (فصل) وما لا يجوز بيعه من المجهول لا يجوز رهنه، لان الصفات مقصودة في الرهن للوفاء بالدين كما أنها مقصودة في البيع للوفاء بالثمن، فإذا لم يجز بيع المجهول وجب أن لا يجوز رهن المجهول (الشرح) في رهن العبد الجاني قولان وفى موضع القولين ثلاث طرق مضى ذكر ذلك في البيع، ولا يجوز رهن ما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق، ولا رهن عبد من عبد كما لا يجوز بيع ذلك (فرع) إذا قال رهنتك هذا الصندوق بما فيه، أو هذا البيت بما فيه، أو هذه الحقيبة بما فيها فقد نص الشافعي رحمه الله في الام أن الرهن لا يصح بما في هذه الاشياء، قال الشيخ أبو حامد: وهل يصح الرهن في الحق بضم الحاء المهملة. والبيت والجراب والخريطة، فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وان قال: رهنتك هذا الحق دون ما فيه. وهذا البيت دون ما فيه، أو هذا الجراب دون ما فيه، أو هذه الخريطة دون ما فيها صح الرهن في هذه الاشياء دون ما فيها. وإن قال رهنتك هذا الحق أو هذا البيت أو هذا الجراب أو هذه الخريطة ولم يقل دون ما فيه ولا بما فيه، فنص الشافعي رحمه الله أن الرهن يصح في البيت والحق والجراب، ولا يصح في الخريطة، والخريطة وعاء من أدم وغيره تشرج على ما فيها كما في الصحاح، وفى ديارنا يسمى أهل الريف كيسا خشن النسج يطوونه على فلوسهم خريطة. قال لان الحق والبيت والجراب لها قيمة تقصد في العادة. والخريطة ليس لها قيمة مقصودة في العادة، وانما المقصود ما فيها. قال الشيخ أبو حامد: ولاصحابنا في هذا تخليط. ومنصوص الشافعي رحمه الله ما ذكرته.

(فرع) قال الشافعي رحمه الله: وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ، لانها غير مملوكة، واختلف أصحابنا في تأويل هذا فقال أبو سعيد الاصطخرى أراد الشافعي رحمه الله بذلك سواد العراق، وذلك أن أمير المؤمنين عمر (رض) افتتحها وأخرجها من أيدى المجوس وقسمها بين الناس واستغلوها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى أنهم قد اشتغلوا بالارض عن الجهاد فسألهم أن يردوها عليه فمنهم من طابت نفسه بالرد بغير عوض، ومنهم من لم يطيب نفسا إلا بعوض ثم وقفها أمير المؤمنين على المسلمين وأجرها ممن هي في يده على كل نوع من الغلات أجرة معلومه لا إلى غاية، فعلى هذا لا يجوز بيعها أو رهنها، وهذا ظاهر النص وقال أبو العباس بن سريج: لما استردها أمير المؤمنين من المسلمين باعها ممن هي في يده، وجعل منها جعلا هو الخراج الذى يؤخذ منهم، فيجوز بيعها ورهنها لان الناس من وقت أمير المؤمنين إلى وقتنا هذا يبيعونها ويبتاعونها من غير منكر. وأما قول الشافعي رحمه الله فمحمول عليه لو أوقف الامام أرضا وضرب عليها الخراج، فإن قيل فهذا الذى قلتموه في فعل أمير المؤمنين من التأويلين جميعا لا يصح على مذهب الشافعي ولا غيره، ولان الاجارة لا تجوز إلى غير مدة معلومة ولا بأجرة غير معلومة، وكذلك البيع لا يجوز إلى أجل غير معلوم، ولا بثمن غير معلوم. فالجواب أن هذا انما لا يصح إذا كانت المعاملة في أموال المسلمين، فأما إذا كانت في أملاك المشركين فيصح، ألا ترى أن رجلا لو قال من جاء بعبدي الآبق فإن له عبدا وثوبا وهما غير موصوفين لم يكن هذا جعلا صحيحا، ولو قال الامام من دلنا على القلعة الفلانية فله منها جارية كان جعلا صحيحا اه. فإن كان في الخراج بناء أو غراس، فان كان محدثا في أرض الخراج من غيرها صح بيعه ورهنه مفردا، وان باعه أو رهنه مع أرض الخراج - وقلنا لا يصح بيعها ورهنها بطل في الارض، وهل يصح في البناء والغراس؟ فيه قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وقد مضى ذكر ذلك، وان كان البناء والغراس من أرض الخراج لم يصح بيعه ورهنه.

وقال الشافعي رحمه الله: فان أدى عنه الخراج كان متطوعا لا يرجع به إلا أن يكون دفع بأمره فيرجع، وهذا كما قال: إذا رهن أرضا من أرض الخراج وأجرها فان الخراج الذى يجب في الارض يجب على راهن الارض الذى رهنها وأجرها، فان دفع المرتهن أو المستأجر الخراج الواجب فيها نظرت، فان كان بغير أمر من وجب عليه أو قضى الدين عن غيره بغير اذنه لم يرجع عليه بشئ. وقال مالك رحمه الله: يرجع عليه. دليلنا: أنه متطوع بالدفع عنه فلم يرجع بشئ كما لو وهبه شيئا، وان قضى باذنه وشرط عليه البدل. والثانى. لا يرجع عليه بشئ وهو اختيار ابن الصباغ لان الشافعي رحمه الله قال: ولو دفع ثوبا إلى قصار فقصره لا أجرة له لانه لم يشرطها له، ولانه لم يشرط الرجوع فلم يرجع عليه بشئ كما لو وهبه شيئا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وفى رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع قولان. (أحدهما) لا يصح لانه عقد لا يصح فيما لا يقدر على تسليمه فلم يجز في الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع كالبيع. (والثانى) أنه يصح لانه ان كان بدين حال فمقتضاه أن تؤخذ فتباع فيأمن أن تهلك بالعاهة وان كان بدين مؤجل فتلفت الثمرة لم يسقط دينه وانما تبطل وثيقته والغرر في بطلان الوثيقة مع بقاء الدين قليل فجاز بخلاف البيع فان العادة فيه أن يترك إلى أوان الجذاذ فلا يأمن أن يهلك بعاهة فيذهب الثمن ولا يحصل المبيع فيعظم الضرر فلم يجز من غير شرط القطع. (الشرح) الاحكام: إذا رهنه نخلا وعليها طلع مؤبر لم يرهنه الثمرة صح الرهن في النخل دون الثمرة لانه لو باعه نخلا عليها طلع مؤبر، ولم يرهنه الثمرة صح الرهن في النخل دون الثمرة، لانه لو باعه نخلا عليها طلع مؤبر، ولم يشترط دخوله في البيع لم يدخل، فكذلك في الرهن، وان كان عليها طلع غير مؤبر،

ولم يشترط دخوله في الرهن ولا خروجه من الرهن فهل يدخل الطلع في الرهن المنصوص أنه لا يدخل. قال الربيع وفيه قول آخر أنه يدخل كالبيع، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. (أَحَدُهُمَا) يدخل في الرهن كما قلنا في البيع (والثانى) لا يدخل وهو الصحيح كما لا تدخل الثمرة الحادثة بعد الرهن، ومنهم من قال. لا يدخل قولا واحدا وهو اختيار أبى حامد لما ذكرناه. وقال أبو حنيفة: تدخل الثمرة في الرهن بكل حال بخلاف قوله في البيع، وهذا ليس بصحيح، لان البيع أقوى من الرهن، فإذا لم تدخل الثمرة في البيع، فلان لا تدخل في الرهن أولى. وان قال. رهنتك النخل والثمرة صح، سواء كان قبل التأبير أو بعده كما قلنا في البيع، ثم ينظر فيه، فإذا رهن ذلك بحق حال أو بمؤجل يحل قبل ادراك الثمرة أو مع ادراكها صح ذلك، لانه لا يمكن استيفاء الحق منها، وان كان الحق مؤجلا لا يحل الا بعد ادراك الثمرة نظرت في الثمرة، فان كان مما يمكن استصلاحها وتجفيفها كالتمر والزبيب صح ذلك، ولزم الراهن مؤنة تجفيفها، وان كانت ثمرة لا يمكن تجفيفها كالتفاح والكمثرى، فمن أصحابنا من قال. فيه قولان كما قلنا في رهن ما يسرع إليه الفساد، ومنهم من قال. يصح الرهن قولا واحدا لان الثمرة تابعة للاصول فصح رهنها كما يجوز بيع الثمرة التى يبدو صلاحها مع الاصول، ولا يجوز بيعها مفردة. فإذا قلنا. يبطل الرهن في الثمرة فهل يبطل في الاصول، يبنى على القولين في تفريق الصفقة، وقد مضى ذكره، وان رهنه الثمرة مفردة، فان كان بعد بدو صلاحها فهو بمنزلة رهن الاشياء الرطبة، وقد مضى ذكره، وان كان قبل بدو صلاحها سواء كانت قد أبرت أو لم تؤبر - فان كان الدين حالا وشرط القطع صح الرهن، كما يصح البيع، وان لم يشرط القطع ففيه قولان، أحدهما لا يصح الرهن كما لا يصح البيع. والثانى يصح الرهن، لان رهنه بالدين الحال يوجب القطع، وصار كما لو شرط القطع، وان رهنها بدين مؤجل، فان كان بشرط القطع فقد قال ابن الصباغ كان بمنزلة رهن البقول والفواكه.

وذهب أصحاب أحمد إلى صحة الرهن في الثمرة دون الاصول قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع، وكذلك الزرع الاخضر وهو اختيار القاضى منهم وذكره ابن قدامة. قال أصحابنا، أطلق جواب ذلك. وإن رهنها مطلقا ففيه ثلاثة أقوال، (أحدها) لا يصح الرهن كما لا يصح البيع (والثانى) يصح، لان البيع إنما لم يصح لما فيه من الغرر، وليس في الرهن غرر، لانه يتلف إن تلف مال صاحبه (والثالث) نقله المزني إن شرط القطع عند حلول الاجل صح. وإن أطلق لم يصح. إذا أن الاطلاق يوجب بقاءه إلى حال الجذاذ. وذلك تأخير للدين عن محله. هذا ترتيب ابن الصباغ كما حكاه العمرانى في البيان. وأما الشيخ أبو حامد فذكر أنها على القولين الاولين شرط القطع أو لم شرط قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان له أصول تحمل في السنة مرة بعد أخرى كالتين والقثاء فرهن الحمل الظاهر، فان كان بدين يستحق فيه بيع الرهن قبل أن يحدث الحمل الثاني ويختلط به جاز لانه يأمن الغرر بالاختلاط، وإن كان بدين لا يستحق البيع فيه إلا بعد حدوث الحمل الثاني واختلاطه به نظرت فإن شرط أنه إذا خيف الاختلاط قطعه جاز لانه منع الغرر بشرط القطع. وإن لم يشترط القطع ففيه قولان (أحدهما) أن العقد باطل لانه يختلط بالمرهون غيره فلا يمكن إمضاء العقد على مقتضاه (والثانى) أنه صحيح لانه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك تمرته للمرتهن أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه ويأخذ ما زاد فإذا أمكن إمضاء العقد لم يحكم ببطلانه (الشرح) إذا رهن ثمرة شجر يحمل في السنة حملين لا يتميز أحدهما من الآخر فرهن الثمرة الاولى إلى محل تحدث الثانية على وجه لا يتميز فالرهن باطل. ومثال ذلك النباتات الزاحفة، وهى التى يمتد شجرها على الارض كالباذنجان والقثاء والخيار والدباء والبطيخ، وإذا كانت شجرة تحمل في السنة

حملين فرهن الشجرة والحمل الاول أو رهن الحمل الاول منفردا نظرت، فإن كان بحق حال أو بمؤجل يحل قبل حدوث الثمرة الثانية صح الرهن، وكذلك ان رهنه بحق مؤجل لا يحل إلا بعد حدوث الثانية إلا أنهما اشترطا أنه إذا خيف اختلاط الثانية بالاولى قطعت الاولى، أو كانت الثانية إذا اختلطت بالاولى تميزت عنها، فان الرهن صحيح، لان الرهن لا يختلط بغيره، وان رهنه بحق مؤجل لا يحل الا بعد حدوث الثانية ولا يتميز احداهما عن الاخرى فذكر أبو حامد وابن الصباغ أن الرهن لا يصح، لانه لا يمكن استيفاء الحق من الرهن لانه يختلط بغيره فيصير مجهولا. وذكر المصنف أنها على قولين " أحدهما " لا يصح الرهن لما ذكرناه " والثانى " يصح لانه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك الثمرة للمرتهن، أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه، فلم يحكم ببطلان الرهن، قال الشيخ أبو حامد: فإذا رهنه لحق حال فتوانى في قطع الثمرة الاولى حتى حدثت الثانية، واختلطت ولم تتميز ففيه قولان " أحدهما " يبطل الرهن، لان الرهن قد صار مجهولا، لاختلاطه بما ليس برهن " والثانى " لا يبطل لانه كان معلوما عند العقد، وعند حلول الحق فلا يبطل بالجهالة الحادثة، فإذا قلنا يبطل فلا كلام، وإذا قلنا لا يبطل، قلنا للراهن أتسمح بترك الثمرة الثانيه لتكون رهنا. فان سمح فلا كلام، وان لم يسمح، فان اتفقوا على قدر الاولى فلا كلام، وان اختلفا في قدر الاولى فالقول قول الراهن مع يمينه في قدر الاولى، وسواء كانت الثمرة في يده أو في يد المرتهن اه وقال المزني: إن كانت الثمرة في يد المرتهن فالقول قوله مع يمينه. قال العمرانى، وهذا غلط لانهما اتفقا على أن الحادثة ملك الراهن، وانما يختلفان في قدر المرهون منهما، فكان القول قول الراهن مع يمنه لانه مدعى عليه. (فرع) وإذا رهنه ثمرة قال الشافعي رحمه الله تعالى: على الراهن سقيها وصلاحها وجذاذها وتشميسها، كما يكون عليه نفقة العبد. وقال في موضع آخر ليس عليه تشميسها. قال أصحابنا: ليس التشميس على قولين، وإنما هو على اختلاف حالين، فالموضع الذى قال عليه التشميس إذا بلغت الثمرة أو ان الجذاذ قبل حلول الحق،

والذى قال ليس عليه التشميس إذا كان الحق قد حل مع تكامل صلاح الثمرة لانها تباع في الحق، وليس لاحدهما أن يطالب بقطعها قبل أو ان قطعها إلا برضى الآخر، لان على كل واحد منهما ضررا بقطعها قبل وقت قطعها فلم يجز ذلك من غير رضاهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز أن يرهن الجارية دون ولدها لان الرهن لا يزيل الملك فلا يؤدى إلى التفريق بينهما، فان حل الدين ولم يقضه بيعت الام والولد ويقسم الثمن عليهما فما قابل الام تعلق به حق المرتهن في قضاء دينه وما قابل الولد يكون للراهن لا يتعلق به حق المرتهن. (الشرح) الاحكام: إذا رهن الجارية ولها ولد صغير من زوج، أو زنا ولم يرهن الولد معها صح الرهن، لان الرهن لا يزيل الملك فلا يكون فيه تفرقة بينهما فإذا حل الحق فان قضى الراهن الدين من غير الرهن انفسخ الرهن، وان لم يقضه وكان الولد صغيرا يومئذ بيعت الجارية والولد، لانه لا يجوز التفرقة بينهما، ويقسم الثمن على قدر قيمتهما، فما قابل الام تعلق به حق المرتهن، وما قابل الولد تعلق به حق الراهن. قال الشيخ أبو حامد: وكيف ذلك أن يقال: كم قيمة هذه الجارية ولها ولد دون ولدها؟ لانها إذا كانت ذات ولد كانت قيمتها أنقص، فان قيل قيمتها مثلا مائة، قيل فكم قيمة ولدها؟ فان قيل خمسون، تعلق حق المرتهن بثلثي ثمنهما، وللراهن ثلث ثمنهما. وهذا إذا علم المرتهن بولد حال الرهن أو بعد ورضى به. وإن لم يعلم ثم علم ثبت له الخيار في فسخ البيع المشروط به الرهن. وأما إذا رهنه جارية حايلا ثم حملت في يد المرتهن من زوج أو زنا، فان الولد خارج من الرهن، فإذا أراد البيع بيعت الجارية وولدها الصغير، ويكون للمرتهن حصتها من الثمن، وللراهن حصة الولد، وكيفية التقسيط أن يقال: كم قيمة هذه الجارية خالية من الولد ثم يقسم الولد ويقسم الثمن على قدر قيمتها.

والفرق بينهما أن المرتهن رضى في الاولة بكون الجارية التى لها ولد صغير رهنا وها هنا لم يرض بكونها لها ولد صغير رهنا. وهذا كما قال الشافعي رحمه الله: إذا رهن أرضا فحدث فيها نخل وشجر، إذا بيعت الارض والشجر برضاهما فإن الارض تقوم بيضاء لا شجر فيها. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وفى جواز رهن المصحف وكتب الاحاديث والعبد المسلم عند الكافر طريقان. قال أبو إسحاق والقاضى أبو حامد فيه قولان كالبيع " أحدهما " يبطل " والثانى " يصح ويجبر على تركه في يد مسلم. وقال أبو على الطبري في الافصاح يصح الرهن قولا واحدا ويجبر على تركه في يد مسلم، ويفارق البيع بأن البيع ينتقل الملك فيه إلى الكافر، وفى الرهن المرهون باق على ملك المسلم. (الشرح) الاحكام: أما المصحف فقد روى عن أحمد روايتان، الاولى " لا أرخص في رهن المصحف " والثانية " إذا رهن مصحفا لا يقرأ فيه إلا بإذنه " ومن هنا كان لمذهبه قولان. أما أصحابنا فقد جعلوا في رهن المصحف وكتب الفقه والحديث والعبد المسلم من الكافر طريقين. قال أبو إسحاق والقاضى أبو حامد فيه قولان " أحدهما " لا يصح " والثانى " يصح ويوضع ذلك على يد مسلم - كقولهم في البيع - وقال أبو على في الافصاح: يصح الرهن قولا واحدا ويوضع على يد مسلم، لان الكافر لا يملك الرهن بخلاف البيع. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن شرط في الرهن شرطا ينافى مقتضاه مثل أن يقول: رهنتك على أن لا أسلمه أو على أن لا يباع في الدين أو على أن منفعته لك، أو على أن ولده لك، فالشرط بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ شَرْطٍ ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، ولو كان مائة شرط " وهل يبطل الرهن؟ ينظر فيه، فان كان الشرط نقصانا في حق المرتهن كالشرطين الاولين، فالعقد باطل لانه يمنع المقصود فأبطله، وإن كان زيادة في حق المرتهن كالشرطين الآخرين ففيه قولان: أحدهما يبطل الرهن وهو الصحيح، لانه شرط فاسد قارن العقد فأبطله، كما لو شرط نقصانا في حق المرتهن، والثانى أنه لا يبطل لانه شرط جميع أحكامه وزاد فبطلت الزيادة وبقى العقد بأحكامه، فإذا قلنا ان الرهن يبطل، فان كان الرهن مشروطا في بيع فهل يبطل البيع؟ فيه قولان:

أحدهما: أنه لا يبطل لانه يجوز شرطه بعد البيع، وما جاز شرطه بعد تمام العقد لم يبطل العقد بفساده كالصداق في النكاح. والثانى: أنه يبطل وهو الصحيح، لان الرهن يترك لاجله جزء من الثمن، فإذا بطل الرهن وجب أن يضم إلى الثمن الجزء الذى ترك لاجله، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْلُومٍ صار الجميع مجهولا، فيصير الثمن مجهولا. والجهل بالثمن يفسد البيع. (الشرح) الحديث رواه البزار والطبراني عن ابن عباس رضى الله عنهما بلفظ " كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مائة شرط ". أما الاحكام فإنه إذا اشترط المتراهنان شرطا نظرت، فإن كان يقتضيه كأن شرطا أن يباع المرهون في الدين عند حلول الدين أو أن يباع بثمن المثل أو على أن منفعته للراهن صح الشرط والرهن، لان العقد يقتضى ذلك، فكان هذا الشرط تأكيدا، وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد - فلا يخلو - إما أن يكون نقصانا في حق المرتهن أو زيادة في حقه، فإن كان نقصانا في حقه مثل أن رهنه رهنا على أن لا يباع في الدين، أو على أن لا يباع إلا بأكثر من ثمن مثله، أو على أن لا يباع إلا بما يرضى به الراهن فالشرط باطل، لانه ينافى مقتضى العقد، ويبطل الرهن، لانه يمنع مقصود الرهن، وإن كان الرهن زيادة في حق المرتهن كأن يرهنه شيئا بشرط أن يباع قبل محل الحق، أو على أن يباع بأى ثمن كان، وان كان أقل من ثمن المثل، فالشرط باطل لانه ينافى مقتضى الرهن. وهل يبطل الرهن؟ فيه قولان. أحدهما: يبطل الرهن، وهو اختيار الشيخ المصنف لانه شرط فاسد قارن عقد الرهن فأبطله كما لو كان نقصانا في حق المرتهن والثانى: لا يبطل، لان المقصود من الرهن الوثيقة، وهذه الشروط لا تقدح في الوثيقة، لانها زيادة في حق المرتهن بخلاف الشروط التى تقتضي نقصانا في حق المرتهن، فإذا قلنا: الرهن غير مشروط في بيع بقى الدين بغير شرط، وان شرط ذلك في البيع، بأن قال بعتك سيارتي هذه بألف على أن ترهننى دارك هذه بألف على أن لا تباع في الدين، فهل يبطل البيع؟ فيه قولان.

(أحدهما) لا: لان البيع ينعقد منفردا عن الرهن فلم يبطل البيع ببطلان الرهن، كالصداق في النكاح لانه قد يتزوجها من غير صداق ثم يفرض لها صداقا بعد ذلك ثم لا يفسد النكاح لفساد الصداق. وان قارنه فكذلك الرهن مع البيع (والثانى) يبطل البيع وبه قال أبو حنيفة لانه شرط فاسد قارن عقد البيع فأفسده كما لو باعه شيئا بشرط أن لا يسلمه. (فرع) إذا قال لغيره بعنى سيارتك هذه بألف على أن أرهنك دارى هذه، ويكون منفعة الدار لك، فإن كانت منفعة الدار مجهولة المدى كان الرهن والبيع باطلين قولا واحدا، لانه باع السيارة بألف وبمنفعة مدة غير معلومة والبيع بثمن مجهول باطل لان منفعة الدار جزء من الثمن وإن كانت منفعة الدار معلومة فقد قال القاضى أبو الطيب في مثل هذه الصورة: هذه صفقة بيعا وإجارة فهل يصحان؟ فيه قولان. وقال أبو حامد: شرط منفعة المرهون للمرتهن باطل لانه ينافى مقتضاه وهل يبطل به الرهن؟ فيه قولان لانه زيادة في حق المرتهن، فإذا قلنا: إنه باطل فهل يبطل البيع؟ فيه قولان. فإذا قلنا: ان الرهن صحيح، أو قلنا انه باطل ولا يبطل البيع ثبت للبائع الخيار في البيع، لانه لم يسلم له فأشرط، وهذا ظاهر كلام الشافعي رحمه الله تعالى. وان قال لغيره: بعنى سيارتك بألف على أن يكون دارى رهنا به ومنفعتهما رهنا أيضا به، فإن المنفعة لا تكون رهنا، لانها مجهولة، ولانه لا يمكن اقباضها فإذا بطل رهن المنفعة فهل يبطل الرهن في أصل الدار؟ فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فإذا قلنا: ان الرهن لا يفسد في أصل الدار لم يفسد البيع، ولكن ثبت للبائع الخيار، لانه لم يسلم له جميع الرهن. وان قلنا: يفسد في أصل الدار فهل يبطل البيع؟ فيه قولان. (فرع) وان كان لشخص على آخر ألف بغير رهن فقال من عليه الالف بعنى سيارتك هذه بألف على أن أعطيك دارى رهنا بها وبالالف الذى لك على بغير رهن، فقال: بعتك كان البيع باطلا، لان ثمن السيارة مجهول لانه باعها

بألف ومنفعة، وهو أن يعطيه رهنا بالالف التى لا رهن بها، ولانه بيعتان في بيعة وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك كما سبق في كتاب البيوع. (فرع) إذا قال لغيره، أقرضنى ألف جنيه على أن أعطيك سيارتي هذه رهنا وتكون منفعة لك، فأقرضه فالقرض باطل لانه قرض جر منفعة، وهكذا لو كان عليه ألف بغير رهن فقال له أقرضنى ألفا على أن أعطيك سيارتي هذه رهنا بها، وبالالف التى لا رهن، فأقرضه فالقرض فاسد، لانه قرض جر نفعا، والرهن باطل فيهما، لان الرهن انما يصح بالدين ولا دين له في ذمته. وان قال: أقرضنى ألفا على أن أرهنك دارى به وتكون منفعته رهنا بها أيضا لم يصح شرط رهن المنفعة، لانها مجهولة، ولانه لا يمكن اقباضها، فإذا ثبت أنه لا يصح هذا الشرط، فانه زيادة في حق المرتهن، وهل يبطل به الرهن فيه قولان. (فرع) لو رهنه شيئا وشرط على المرتهن ضمان الرهن، فان الرهن غير مضمون عليه على ما يأتي بيانه، ويكون هذا شرطا فاسدا لانه يخالف مقتضاه، وهل يفسد الرهن بهذا الشرط؟ من أصحابنا من قال: يفسد قولا واحدا لان ذلك نقصان في حق المرتهن. قال أبو على في الافصاح: هل يبطل الرهن؟ فيه قولان، لان شرط الضمان يجرى مجرى الحقوق الزائدة في الرهن لانه لم ينقص حق المرتهن. قال ابن الصباغ: والاول أصح. (فرع) قال ابن الصباغ: إذا أقرضه ألفا برهن وشرط أن يكون نماء الرهن داخلا فيه فالشرط باطل في أشهر القولين. وهل يفسد الرهن؟ فيه قولان، لانه زيادة في حق المرتهن. وأما القرض فصحيح، لانه لم يجر منفعة، وانما الشرط زيادة في حق الاستيثاق، ولم يثبت. (فرع) إذا كان له دين مستقر في ذمته متطوع بالرهن به فقال: رهنتك هذه النخلة على أن ما تثمر يكون داخلا في الرهن، أو هذه الماشية على أن ما ينتج داخل في الرهن، فهل يصح الرهن في الثمرة والنتاج؟ فيه قولان.

(أحدهما) يصح الرهن فيهما، لانهما متولدان من الرهن، فجاز أن يكونا رهنا معا (والثانى) لا يصح الرهن فيهما، وهو الصحيح لانه رهن معدوم ومجهول. فعل هذا فهل يبطل الرهن في النخلة والماشية فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وان قال: بعتك سيارتي هذه بألف على أن ترهننى نخلتك هذه على أن ما تثمر داخل في الرهن. فان قلنا: يصح الرهن في الثمرة صح البيع. وان قلنا لا يصح الرهن في الثمرة. فان قلنا: لا يبطل الرهن في النخلة لم يبطل البيع في السيارة. ولكن يثبت لبائعها الخيار، لانه لم يسلم جميع الرهن المشروط. وان قلنا يبطل الرهن في النخله فهل يبطل البيع في السيارة. فيه قولان. فان قلنا لا يبطل ثبت للبائع الخيار. لانه لم يسلم له جميع الرهن المشروط فيحصل في هذه المسألة أربعة اقوال (أحدها) يصح الرهن في الكل ويصح البيع (والثانى) يبطل الرهن والبيع صحيح. وللبائع الخيار والله أعلم. (فرع) إذا اشترى سلعة بشرط أن يجعلها رهنا بالثمن فالرهن باطل لانه رهن ما لا يملك والبيع باطل. لانه رهن ما لا يملك والبيع باطل. لانه في معنى من باع عينا واستثنى منفعتها. فكان باطلا. ولان هذا شرط يمنع كمال تصرف المشترى. لان من اشترى شيئا فله أن يبيعه ويهبه. والرهن يمنع ذلك فأبطل البيع. وسواء شرطا أن يسلمها البائع إلى المشترى ثم يرهنها منه أو لم يشرط. تسليمها إليه فالحكم واحد لما ذكرناه. وان كان لرجل على آخر دين إلى أجل فقال من عليه الدين: رهنتك دراجتى هذه بدينك لتزيدني في الاجل لم يثبت الاجل المزيد لان التأجيل لا يلحق بالدين. والرهن باطل. لانه جعله في مقابلة الاجل. وإذا لم يسلم له الاجل لم يصح الرهن. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ويجوز أن يجعل الرهن في يد المرتهن. ويجوز أن يجعل في يد عدل لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك. فان كان المرهون أمة لم توضع الا عند امرأة أو عند محرم لها. أو عند من له زوجة لقوله صلى الله عليه وسلم

" لا يخلون أحدكم بإمرأة ليست له بمحرم، فان ثالثهما الشيطان " فان جعل الرهن على يد عدل ثم أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يكن له ذلك، لانه حصل عند العدل برضاهما، فلا يجوز لاحدهما أن ينفرد بنقله، فان اتفقا على النقل إلى غيره جاز لان الحق لهما، وقد رضيا فان مات العدل أو اختل فاختلف الراهن والمرتهن فيمن يكون عنده أو مات المرتهن أو اختل والرهن عنده فاختلف الراهن. ومن ينظر في مال المرتهن فيمن يكون الرهن عنده رفع الامر إلى الحاكم فيجعله عند عدل، فان جعلا الرهن على يد عدلين. فأراد أحد العدلين أن يجعل الجميع في يد الآخر ففيه وجهان. أحدهما: لا يجوز لان ما جعل إلى اثنين لم يجز أن ينفرد به أحدهما كالوصية والثانى: يجوز لان في اجتماع الاثنين على حفظه مشقة. فعلى هذا ان اتفقا على أن يكون في يد أحدهما جاز. وان تشاحا نظرت. فان كان مما لا ينقسم جعل في حرز لهما. وان كان مما ينقسم جاز أن يقتسما فيكون عند كل واحد منهما نصفه فان اقتسما ثم سلم أحدهما حصته إلى الآخر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه لو سلم إليه قبل القسمة جاز. فكذلك بعد القسمة. والثانى لا يجوز لانهما لما اقتسما صار كل واحد منهما منفردا بحصته فلا يجوز أن يسلم ذلك إلى غيره كما لو جعل في يد كل واحد منهما نصفه والله أعلم. (الشرح) الحديث مر في كتاب الصلاة وقبله في كتاب الحيض. وفى كتاب الحج بجميع طرقه ورواياته وأصحهن رواية الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يخلون رجل بامرأة الا مع ذى محرم " أما الاحكام: فانهما إذا شرطا في البيع رهن عبد معلوم أو موصوف نظرت فان شرطا أن يكون الرهن على يد عدل جاز وان شرطا أن يكون على يد المرتهن صح، لان الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك. وان أطلقا ذلك ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد. أحدهما أن الرهن باطل لان كون الرهن في يد أحدهما ليس بأولى من الآخر فإذا لم يذكر ذلك بطل الرهن. والثانى: يصح الرهن ويدفع إلى الحاكم ليجعله على يد عدل ان اختلفا فيمن يكون عنده.

وإن كان الرهن جارية ولم يشرطا كونها عند أحد قال الشيخ أبو حامد: صح الرهن وجها واحدا، وجعل على يد امرأة ثقة، لانه ليس لها جهة يوضع فيها غير هذا بخلاف غير الجارية، فان شرطا أن تكون هذه الجارية عند المرتهن أو عند عدل نظرت، فان كان محرما لها جاز ذلك. قال القاضى أبو الطيب: وكذلك ان كانت صغيرة ولا يشتهى مثلها جاز تسليمها إلى المرتهن أو العدل لانه لا يخشى عليها منه، وإن كانت كبيرة فاشترطا وضعها على يد المرتهن والعدل وليس بذى محرم لها: فان كانت له زوجة أو جارية قال الشيخ أبو حامد: وفى داره نساء تكون هذه المرهونة معهن جاز تركها معه لانه لا يخشى عليها أن يخلو بها. فان لم يكن له زوجة ولا جارية لم يجز وضعها على يده للحديث، فإذا شرطا ذلك بطل الشرط ولم يبطل الرهن، ولان هذا الشرط لا يؤثر في الرهن ويسرى هذا على الخنثى المشكل على تفصيل بين أن يكون كبيرا أو صغيرا لا حاجة بنا للاطالة في هذا لعدم الحاجة إذا اتفق المتراهنان على وضع الرهن على يد عدل ثم أقرا أن العدل قد قبض الرهن وأنكر العدل ذلك لزم الرهن لان الحق لهما دون العدل، فان رجع أحدهما وصدق العدل أنه لم يقبض لم يقبل رجوعه لانه إقراره السابق يكذبه. وان أقرا الراهن والعدل بالقبض وأنكر المرتهن فالقول قول المرتهن، لان الاصل عدم القبض، ولا يقبل قول العدل عليه لانه يشهد على فعل نفسه وان قبض العدل الرهن باذن المرتهن صح، وبه قال أبو حنيفة، وقال ابن أبى ليلى: لا يصح توكيل العدل في القبض، دليلنا أن من اشترى شيئا صح أن يوكل في قبضه فكذلك في الرهن وإذا حصل الرهن عند العدل باتفاق المتراهنين فان نقلاه إلى عدل غيره جاز وان أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يجز من غير رضا الآخر، لانه حصل في يده برضاهما فلا يخرج عن يده إلا برضاهما، فان دعا أحدهما إلى نقله وامتنع الآخر رفع الامر إلى الحاكم، فان كان العدل ثقة لم ينقل عنه، وان تغير عن الامانة أو حدثت بينه وبين أحدهما عداوة جاز للحاكم نقله إلى غيره

وإذا كان الرهن عند المرتهن فمات أو أحيل بجناية أو فلس أو حجر عليه نقل الرهن من يده إلى غيره. ولا يجوز للعبد حفظه ولا بيعه سواء بأجر أم بغير أجر عندنا وعند أصحاب أحمد وإذا أراد العدل رد الرهن على المتراهنين فان كانا حاضرين رده عليهما، ويجب عليهما قبوله، لانه أمين متطوع فلا يلزمه المقام على ذلك، فان امتنعا من أخذه رفع الامر في ذلك إلى الحاكم ليجبرهما على تسليمه، فان رده العدل على الحاكم قبل أن يرده عليهما ضمن العدل وضمن الحاكم، لانه لا ولاية للحاكم على غير ممتنع. وكذلك ان أودعه العدل عند ثقة، قال ابن الصباغ جاز، فان امتنع أحدهما فرفعه إلى الآخر ضمن، وإن كانا غائبين، فان كان للعدل عذر. مثل ان يريد سفرا أو به مرض يخاف منه أو قد عجز عن حفظه دفعه إلى الحاكم وقبضه الحاكم أو نصب عدلا ليكون عنده، وإن لم يكن هناك حاكم جاز أن يرفعه إلى ثقة ومع وجود الحاكم فيه وجهان يذكران في الوديعة إن شاء الله، وإن لم يكن له عذر في الرد، فان كانت غيبتهما إلى مسافة يقصر فيها الصلاة وقبض الحاكم منه أو نصب عدلا ليقبضه، لان للحاكم أن يقضى عليهما فيما لزمهما من الحقوق، فان لم يكن حاكم أودعه عند ثقة، وإن كانت عيبتهما إلى مسافة لا يقصر فيها الصلاة، فهو كما لو كانا حاضرين، فان كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا لم يجز تسليمه إلى الحاضر، وكان كما لو كانا غائبين، فان رد على أحدهما في موضع لا يجوز له الرد إليه. قال الشيخ أبو حامد: ضمن الآخر قيمته وذكر المسعودي أنه ان رد على الراهن ضمن للمرتهن الاقل من قيمة الرهن وقدر الدين الذى رهن به، وان رده على المرتهن ضمن الراهن قيمته. قال العمرانى: وهذا التفصيل حسن قال ابن الصباغ: إذا غصب المرتهن الرهن من العدل وتجب عليه رده إليه، فإذا رده إليه زال الضمان عنه. ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل عنه الضمان، لان الاستئمان قد بطل. قال العمرانى في البيان: إذا تركا الرهن في يد عدلين فهل لاحدهما أن يفوض نحفظ جميعه إلى الآخر فيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك، لان المتراهنين لم يرضيا الا بأمانتهما جميعا

فهو كما لو أوصى إلى رجلين فليس لاحدهما أن ينفرد بالتصرف، فعلى هذا عليهما أن يحفظا الرهن في حرز يدهما عليه، اما بملك أو عارية أو اجارة، وان سلم أحدهما جميعه إلى الآخر ضمن نصفه (والثانى) يجوز لان عليهما مشقة في الاجتماع على حفظه، فان كان مما لا ينقسم جاز لاحدهما أن يسلمه إلى الاخر، وان كان مما ينقسم فاقتسما فهل لاحدهما أن يسلم إلى الاخر ما حصل بيده بعد القسم؟ فيه وجهان، احدهما يجوز لانه لو سلم إليه ذلك قبل القسمة صح، فكذلك بعد القسمة، والثانى لا يجوز لانهما لما اقتسما صار كما لو قسمه المتراهنان بينهما. اه (قلت) وقال أبو يوسف ومحمد: إذا رضى أحدهما بامساك الاخر - فيما يمكن قسمته جاز. وقال أبو حنيفة: ان كان مما ينقسم اقتسماه والا فلكل واحد منهما امساك جميعه، لان اجتماعهما على حفظه يشق عليهما. وقال أصحاب أحمد، ان المتراهنين إذا لم يرضيا إلا بحفظهما لم يجز لاحدهما الانفراد بذلك كالوصيين لا ينفرد أحدهما بالتصرف. وقالوا في المشقة انه يمكن لكل واحد منهما أن يضع قفله على المخزن فلا يشق عليهما ذلك، فكان كالقول عندنا. أما مذهبنا فدليله أن المالك لم يرض الا بأمانتهما فلم يكن لاحدهما أن ينفرد بحفظه جميعه كالوصية. وإذا وضعا الرهن على يد عدل ووكلاه في بيعه عند حلول الدين صح التوكيل ولا يكون هذا تعليقا للوكالة على شرط، وانما هو تعليق التصرف. قال ابن الصباغ: وإذا حل الحق لم يجز للعدل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن، لان البيع لحقه فإذا لم يطالب به لم يجز بيعه، فإذا أذن المرتهن ذلك فهل يحتاج إلى استئذان الراهن ليجدد له الاذن؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لابد من استئذانه كما يفتقر إلى تجديد اذن المرتهن، ولانه قد يكون له غرض في أن يقضى الحق من غيره. وقال المصنف لا يفتقر إلى استئذانه لانه الاذن الاول كاف ويفارق المرتهن لان البيع يفتقر إلى مطالبة بالحق. وأما غرض الراهن فلا اعتبار به لانه ما لم يغير الاذن الاول فهو

رأض به. وإن عزل الراهن العدل انعزل ولم يجز له البيع وبه قال أحمد رحمه الله وقال مالك وأبو حنيفة لا ينعزل. دليلنا أن الوكالة عقد جائز فانعزل بعزله كسائر الوكالات، وإن عزله المرتهن ففيه وجهان، من أصحابنا من قال: ينعزل لان الشافعي رحمه الله قال: ولكل واحد منهما منعه من البيع، ولانه أحد المتراهنين فملك عزل كالراهن. وقال أبو إسحاق: لا ينعزل لانه وكيل الراهن فلا ينعزل بعزل غيره، وتأول كلام الشافعي رحمه الله أنه أراد أن لكل واحد منهما منعه من البيع، لان للمرتهن أن يمنعه من البيع، لان البيع إنما يستحق بمطالبته، فإذا لم يطالب به ومنع منه لم يجز، فأما أن يكون فسخا فلا. قال الشيخ أبو حامد في تعليقته. إذا كان الرهن مشرطا أن يكون في يد عدل ووكل العدل في بيعه ولم يقبضه فلا يجوز للعدل أن يبيعه في محل الحق لانه وكله في بيعه رهنا وهذا رهن لم يلزم لانه لم يقبضه، اللهم إلا أن يقبضه الآن فيكون له بيعه. وذكر الطبري في العدة أنه ان وكله في بيعه رهنا لم يكن له بيعه لانه لا يصير رهنا إلا بالقبض، فإن كان له الاذن في بيعه مطلقا كان له أن يبيعه، لان للوكيل بيع الشئ وهو في يد الموكل. ويجوز أن يتراهن المسلمان على يد ذمى أو ذميان على يد مسلم أو المسلم والذمى على يد مسلم أو ذمى جاز، أما إذا اقترض مسلم من ذمى ورهنه خمرا ووضعها على يد ذمى ووكلاه في بيعه لم يصح، لانه بيع خمر على مسلم. وكذلك الذميان إذا تراهنا ووضعا الخمر على يد مسلم ووكلاه في البيع فباعه لم يصح لانه بيع خمر من مسلم، وإن اقترض ذمى من مسلم ورهنه خمرا وجعلاه على يد ذمى ووكلاه في بيعه فباعه فهل يجبر المسلم على قبض حقه منه؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يجبر، لانه ثمن خمر وثمن الخمر محرم على المسلم (والثانى) يجبر، فيقال له. إما أن تأخذه، وإما أن تبرئه من قدره من الدين، لان أهل الذمة إذا تقابضوا في ثمن الخمر وما أشبهه من العقود الفاسدة أقروا عليها وصار ذلك مالا من أموالهم.

(فرع) إذا وكل العدل في بيع الرهن وكان الثمن في يده كان ضمانه على الراهن إلى أن يصل ليد المرتهن، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ هو من ضمان المرتهن، دليلنا أن العدل وكيل الراهن في البيع، والثمن ملك الراهن وكان من ضمانه كالموكل في غير الرهن، فإن تلف الثمن في يده وخرج المبيع مستحقا، فعلى من يرجع المشترى ننظر في العدل، فان أطلق البيع ولم يذكر أن يبيعه على ذمة الراهن رجع المشترى على العدل، لان الظاهر أنه باع مال نفسه فلزمه الضمان بحكم الظاهر، وإن ذكر عند البيع أنه يبيعه على حساب الراهن أو صدقه المشترى على ذلك، فان المشترى يرجع بالعهدة على الراهن دون العدل، فان العقد له، فان قبض العدل الثمن وسلمه إلى المرتهن ثم وجد المشترى بالرهن عيبا، فان لم يذكر العدل أنه يبيعه للراهن فان المشترى يرجع بالثمن على العدل ويرجع العدل على الراهن، لانه وكيله، ولا يسترجع الثمن من المرتهن. لان الرهن لما بيع حصل ثمنه للراهن وهو مالكه، وعندما أخذه المرتهن فقد استوفى دينه من ملك الراهن فزال حينئذ ملك الراهن عنه، فان لم يكن للعدل ولا للراهن مال غير الرهن بيع وقضى حق المشترى من ثمنه وما بقى يكون دينا للمشترى على العدل وللعدل على الراهن، وللبحث تتمة في البيوع فليراجع. والله تعالى أعلم. إذا شرطا أن يبيع المرتهن الرهن فالشرط باطل، فإذا حل الحق لم يجز للمرتهن بيع الرهن الا أن يحضر الراهن، وهل يبطل الرهن بهذا الشرط قولان لانه زيادة في حق المرتهن، وقد مضى ذكر مثل ذلك، فأما إذا رهنه رهنا صحيحا وأقبضه اياه فلما حل الحق وكل الراهن المرتهن ببيع الرهن لم تصح الوكالة وإذا باع المرتهن كان البيع باطلا، وبذلك قال أحمد. وقال مالك وأبو حنيفة: يصح التوكيل والبيع. دليلنا أنه توكيل يجتمع فيه غرضان متضادان، وذلك أن الراهن يريد التأني في البيع للاستقصاء في الثمن، والمرتهن يريد الاستعجال في البيع ليستوفى دينه فلم يجز كما لو كان قد وكله ببيع الشئ من نفسه، فان كان الراهن حاضرا فهل يصح بيع المرتهن باذن فيه وجهان

باب ما يدخل في الرهن ومالا يدخل، وما يملكه الراهن وما لا يملكه

(أحدهما) يصح، وهو ظاهر النص قال في الام " إلا أن يحضر رب الرهن " ولانه بحضوره سمع تقدير الثمن فانتفت التهمة عن المرتهن فصح بيعه (والثانى) وهو اختيار الطبري في العدة أنه لا يصح البيع لانه توكيل فيما يتعلق به حقه فلم يصح، كما لو كان غائبا، ويجيب عن قول الشافعي رحمه الله " إلا أن يحضر رب الرهن " بقوله معناه فيبيعه بنفسه، ألا ترى أنه قال " فإن امتنع أمره الحاكم ببيعه، فإن قيل هلا قلتم يصح البيع وإن كانت الوكالة فاسدة كما قلتم في سائر الوكالات الفاسدة، فالجواب أن الوكالة الفاسدة إنما يصح البيع فيها لان الفساد غير راجع إلى الاذن، وإنما هو راجع إلى معنى في العوض. وها هنا الفساد راجع إلى الاذن نفسه فهو كما لو وكله أن يبيع من نفسه فباع. والله أعلم قال المصنف رحمه الله: (باب ما يدخل في الرهن ومالا يدخل، وما يملكه الراهن وما لا يملكه) ما يحدث من عين الرهن من النماء المتميز، كالشجر والثمر واللبن والولد والصوف والشعر، لا يدخل في الرهن، لما روى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يغلق الرهن الرهن من راهنه الذى رهنه، له غنمه وعليه غرمه " والنماء من الغنم فوجب أن يكون له. وعن ابن عمر وأبى هريرة مرفوعا " الرهن محلوب ومركوب " ومعلوم أنه لم يرد أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فدل على أنه أراد به محلوب ومركوب للراهن ولانه عقد لا يزيل الملك فلم يسر إلى النماء المتميز كالاجارة، فإن رهن نخلا على أن ما يتميز داخل في الرهن، أو ماشية على أن ما تنتج داخل في الرهن، فالمنصوص في الام أن الشرط باطل وقال في الامالى القديمة: لو قال قائل إن الثمرة والنتاج يكون رهنا كان مذهبا، ووجهه أنه تابع للاصل فجاز أن يتبعه كأساس الدار، والمذهب الاول وهذا مرجوع عنه لانه رهن مجهول ومعدوم فلم يصح، بخلاف أساس الدار فإنه موجود، ولكنه شق رؤيته فعفى عن الجهل به

وأما النماء الموجود في حال العقد ينظر فيه، فإن كان شجرا فقد قال في الرهن لا يدخل فيه، وقال في البيع يدخل، واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق وقد بيناها في البيوع، وان كان ثمرا نظرت، فإن كان ظاهرا كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار لم يدخل في الرهن، لانه إذا لم يدخل ذلك في البيع وهو يزيل الملك، فلان لا يدخل في الرهن وهو لا يزيل الملك أولى، وإن كان ثمرا غير ظاهر كالطلع الذى لم يؤبر وما أشبهه من الثمار ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أحدهما) يدخل فيه قياسا على البيع (والثانى) لا يدخل فيه وهو الصحيح لانه لما لم يدخل فيه ما يحدث بعد العقد لم يدخل الموجود حال العقد، ومنهم من قال لا يدخل فيه قولا واحدا. ويخالف البيع، فإن في البيع ما يحدث بعد العقد ملك للمشترى، والحادث بعد العقد لا حق للمرتهن فيه، ولان البيع يزيل الملك فيدخل فيه النماء، والرهن لا يزيل الملك فلم يدخل فيه واختلف أصحابنا في ورق التوت والآس وأغصان الخلاف، فمنهم من قال: هو كالورق والاغصان من سائر الاشجار فيدخل في الرهن. ومنهم من قال انها كالثمار من سائر الاشجار فيكون حكمها حكم الثمار، وان كان النماء صوفا أو لبنا فالمنصوص أنه لا يدخل في العقد. وقال الربيع في الصوف قول آخر أنه يدخل، فمن أصحابنا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا يدخل قولا واحدا، وما قاله الربيع من تخريجه. (الشرح) الحديث عزاه المصنف لابن عمر وفيه نظر. أما الحديث فقد رواه الجماعة الا مسلما والنسائي عن أبى هريرة رضى الله عنه بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقول " الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذى يركب ويشرب النفقة " وفى لفظ رواه أحمد " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب وعلى الذى يشرب نفقته " وللدارقطني والحاكم وصححه من طريق الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعا " الرهن مركوب ومحلوب " وقال ابن أبى حاتم، قال أبى " رفعه " يعنى أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد. ورجح البيهقى أيضا الوقف

وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء: هذا الحديث ورد على خلاف القياس من وجهين (أحدهما) التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه (والثانى) تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة. قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ " لا تحلب ماشية إمرئ بغير إذنه " قال الشوكاني: ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للاصول بأن السنة الصحيحة من جملة الاصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع. وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت الا بدليل يقضى بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الامكان. وقال الاوزاعي والليث وأبو ثور، انه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الانفاق على المرهون، فيباح حينئذ للمرتهن، وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبى هريرة الذى رواه الشافعي والدارقطني وقال: هذا اسناد حسن متصل " لا يغلق الرهن من صاحبه الذى رهنه، له غنمه وعليه غرمه " وفى أحاديث هذا الباب تفصيل في كتب الحديث. أما لغات الفصل فالآس نوع من النبات يقال له الهدس يستخرج منه الطيب ومثله أغصان الخلاف. أما الاحكام: فإنه إذا رهنه أرضا فيها بناء أو شجر فان شرط دخول ذلك في الرهن أو قال. رهنتكها بحقوقها دخل البناء والشجر في الرهن مع الارض، وهكذا ان قال. رهنتك هذا البستان أو هذه الدار دخل الشجر والبناء في الرهن وان قال رهنتك هذه الارض وأطلق فهل يدخل البناء والشجر، فيه ثلاث طرق ذكرها المصنف في البيع، وان باعه شجرة أو رهنها منه صح البيع والرهن في الشجرة، وهل يدخل قرارها في الرهن والبيع، ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ أن قرارها لا يدخل في الرهن وجها واحدا. وهل يدخل في البيع فيه وجهان، وذكر الطبري في العدة أن البيع والرهن على وجهين.

(أحدهما) لا يدخل لان المسمى في العقد هو الشجرة، وهذا ليس بشجر. فعلى هذا إذا انقلعت الشجرة لم يكن للمشترى أن يغرس مكانها غيرها. (والثانى) يدخل فيه قرار الشجرة، لان قوام الشجرة به، فهو كعروق الشجرة تحت الارض، فعلى هذا إذا انقلعت هذه الشجرة كان للمشترى أن يغرس مكانها. وأما نماء الرهن فضربان: موجود حال الرهن، وحادث بعد الرهن، فأما الموجود حال الرهن، فإن كان ثمرة فقد سبق بيانه. واختلف أصحابنا في ورق التوت وأغصان الخلاف والآس، فمنهم من قال: هو كالاغصان من سائر الاشجار فيدخل في الرهن. ومنهم من قال هو كالثمار من سائر الاشجار وقد سبق بيانه. وإن رهنه ماشية وفيها لبن أو صوف فالمنصوص أنه لا يدخل في الرهن، وقال الربيع في الصوف قول آخر أنه يدخل، فمن أصحابنا من قال: في الصوف قولان، ومنهم من قال لا يدخل قولا واحدا، وما ذكره البيع من تخريجه. وأما النماء الحادث بعد الرهن كالولد والثمرة واللبن وسائر منافعه فاختلف أهل العلم فيه. مذهبنا أنه ملك للراهن وأنه لا يدخل في الرهن وللراهن أن ينتفع بالرهن، وقال قوم من أصحاب الحديث: نماء الرهن ومنافعه ملك لمن ينفق عليه فإن كان الراهن هو الذى ينفق عليه فالنماء ملك له. وقال أحمد: الرهن ملك للمرتهن فله حلبه وشربه، وقال أبو حنيفة: الثمرة والولد واللبن الحادث بعد الرهن ملك للراهن إلا أنه يدخل في الرهن. وقال أيضا، ليس للراهن ولا للمرتهن الانتفاع بالرهن بل تترك المنافع تتلف، وقال مالك: الولد الحادث يكون رهنا كقول أبى حنيفة. وأما الثمرة فلا تكون رهنا كقولنا. دليلنا على أصحاب الحديث وعلى أحمد ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يغلق الرهن الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وقد رواه الشافعي والدارقطني والحاكم والبيهقي وابن حبان وابن ماجه وصحح أبو داود والبزار والدارقطني إرساله عن سعيد بن المسيب. فمن قال إنه ملك للمرتهن فقد خالف نص الحديث.

وروى الشعبى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " من رهن دابة فعليه نفقتها وله ظهرها ونتاجها " ولان الرهن ملك للراهن فكان نماؤه ملكا له كما لو لم يكن مرهونا، وعلى أبى حنيفة ما روى الاعمش عن أبى هريرة مرفوعا " الرهن محلوب ومركوب للراهن " وبالاجماع بيننا وبين أبى حنيفة أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فثبت أنه محلوب ومركوب للراهن وحديث " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وغنمه نماؤه، فمن قال انه رهن فقد خالف الاحاديث، ولان الرهن عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلم يسر إلى الولد كالاجارة، ولان الرهن حق تعلق بالرقبة ليستوفى من ثمنها، فلم يسر إلى الولد كأرش الجناية. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويملك الراهن التصرف في منافع الرهن على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، كخدمة العبد وسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الارض، لقوله صلى الله عليه وسلم " الرهن محلوب ومركوب " ولانه لم يدخل في العقد ولا يضر بالمعقود له، فبقى على ملكه وتصرفه كخدمة الامة المزوجة، ووطئ الامة المستأجرة، وله أن يستوفى ذلك بالاجارة والاعارة، وهل له أن يستوفى ذلك بنفسه؟ قال في الام له ذلك. وقال في الرهن الصغير لا يجوز، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يجوز لانه لا يأمن أن يجحد فيبطل حق المرتهن (والثانى) يجوز وهو الصحيح، لان كل منفعة جاز أن يستوفيها بغيره جاز أن يستوفيها بنفسه كمنفعة غير المرهون، ودليل القول الاول يبطل به إذا أكراه من غيره فإنه لا يؤمن أن يجحد ثم يجوز ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة جاز، لانه يؤمن أن يجحد، وإن كان غير ثقة لم يجز، لانه لا يؤمن أن يجحد، وحمل القولين على هذين الحالين (الشرح) الاحكام: إذا ثبت أن منافع الرهن ملك للراهن فله أن يستوفيها على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، فإن كان الرهن دابة فله أن يعيرها من ثقة.

وله أن يؤاجرها من ثقة إلى مدة تنتهى قبل حلول الحق. وهل له أن يستخدمها بنفسه أو يركبها. قال الشافعي رحمه الله: له ذلك. وقال في موضع آخر، ليس له ذلك، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يجوز، لانه لا يؤمن أن يجحده (والثانى) يجوز وهو الصحيح، لانه لما جاز أن يستوفيه بغيره جاز أن يستوفيه بنفسه كغير الرهن. ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة جاز أن يستوفيه بنفسه، وان كان غير ثقة لم يجز أن يستوفى بنفسه، لان الثقة يؤمن منه أن يجحد، وحمل القولين على هذين الحالين والطريق الصحيح الطريق الاول، ومن هنا له أن يعير الرهن ويؤاجره ويستوفى ذلك بنفسه بحيث لا يخرجه من سلطان المرتهن مثل أن يفعل ذلك في بلده بحيث يمكن رده إلى المرتهن أو إلى العدل، فلا يؤاجر لمسافر، ولا يسافر هو به، وعلى الطريقين أيضا في سكناه فيها، ففى الدابة عليه أن يسلمها للمرتهن ليلا. أما الدار فله أن يسكنها ليلا ونهارا ما دامت في سلطان المرتهن. أما الثوب فليس له أن يلبسه ولا يعيره ولا يؤاجره لانه مفض إلى إتلافه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وأما ما فيه ضرر بالمرتهن فإنه لا يملك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فان كان المرهون مما ينقل فأراد أن ينتفع به في السفر، أو يكريه ممن يسافر به لم يجز، لان أمن السفر لا يوثق به فلا يؤمن أن يؤخذ فيه، فيدخل على المرتهن الضرر، وإن كان ثوبا لم يملك لبسه لانه ينقص قيمته وإن كان أمة لم يملك تزويجها، لانه ينقص قيمتها، وهل يجوز وطؤها. ينظر فإن كانت ممن تحبل لم يجز وطؤها، لانه لا يؤمن أن تحبل فتنقص قيمتها وتبطل الوثيقة باستيلادها. وان كانت ممن لا تحبل لصغر أو كبر ففيه وجهان، قال أبو إسحاق يجوز وطؤها لانا قد أمنا الضرر بالاحبال. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يجوز، لان السن الذى لا تحبل فيه لا يتميز عن السن الذى تحبل فيه مع اختلاف الطباع، فمنع من الجميع كما قلنا في شرب الخمر لما لم يتميز ما يسكر مما لا يسكر مع اختلاف الطباع في السكر حرم الجميع، فإذا منعنا من الوطئ منعنا

من الاستخدام لانه لا يؤمن أن يطأها، وإذا لم يمنع من الوطئ جاز الاستخدام فإن كان أرضا فأراد أن يغرس فيها أو يبنى لم يجز، لانه يراد للبقاء وينقص به قيمة الارض عند القضاء، فإذا خالف وغرس أو بنى - والدين مؤجل - لم يقلع في الحال لانه يجوز أن يقضى الدين من غير الارض، وربما لم تنقص قيمة الارض مع الغراس والبناء عن الدين، فلا يجوز الاضرار بالراهن في الحال، لضرر متوهم بالمرتهن في ثانى الحال، فإن حل الدين ولم يقض وعجزت قيمة الارض مع الغراس والبناء عن قدر الدين قلع، فإن أراد أن يزرع ما يضر بالارض لم يجز، وإن لم يضر بالارض نظرت، فان كان يحصد قبل محل الدين جاز، وإن كان لا يحصد إلا بعد محل الدين ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز لانه ينقص قيمة الارض فيستضر به المرتهن (والثانى) يجوز لانه ربما قضاه الدين من غير الارض، وربما وفت قيمة الارض مع الزرع بالدين فلا يمنع منه في الحال، وان أراد أن يؤجر إلى مدة يحل الدين قبل انقضائها لم يجز له لانه ينقص قيمة الارض وقال أبو على الطبري رحمه الله: فيها قولان كزراعة ما لا يحصد قبل محل الدين. وإن كان فحلا وأراد أن ينزيه على الاناث جاز، لانه انتفاع لا ضرر فيه على المرتهن فلم يمنع منه كالركوب، فان كان أنثى أراد أن ينزى عليها الفحل نظرت فان كانت تلد قبل محل الدين جاز، لانه لا ضرر على المرتهن، وإن كان الدين يحل قبل ولادتها وقبل ظهور الحمل بها جاز، لانه يمكن بيعها، وإن كان يحل بعد ظهور الحمل، فان قلنا إن الحمل لا حكم له جاز لانه يباع معها، وإن قلنا له حكم لم يجز لانه خارج من الرهن، فلا يمكن بيعه مع الام، ولا يمكن بيع الام دونه فلم يجز. (الشرح) الاحكام، وإن كان الرهن أرضا فأراد الراهن أن يزرع فيها نظرت، فان كان زرعا يضر بها كزراعة ورد النيل (1) لم يكن له ذلك، لقوله

_ (1) ورد النيل نبات تكافحه الجمهورية العربية المتحدة لخطره على الانهار والاراضي وهو نبات يتليف ويتكاثر ويتماسك بسرعة شديدة تؤدى إلى طمس معالم الارض والماء وقتل المحاصيل وقف تيار الماء الجارى

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " وان كان لا يضر بالارض نظرت فان كان محصوله قبل حلول الدين لم يمنع منه، وان كان محصوله بعد حلول الدين فالمنصوص أنه ليس له ذلك. قال الشيخ أبو حامد: ليس له أن يزرع الارض قولا واحدا. وإن حدث أن زرع أو بنى في الارض فليس يجوز قلعها أو هدمها لانه لا يجوز الاضرار به، لانه قد يقضى الدين في موعده وإن حل الدين ولم يقضه من غير الرهن، نظرت فإن كانت قيمة الارض وحدها تفى بالدين بيعت بغير الغراس والبناء، فان نقصت قيمتها بالغراس والبناء فالراهن بالخيار بين أن يقلع ويهدم ما عليها وبين أن يبيعها بما عليها ثم يوفى المرتهن حقه. وإن كان الراهن محجورا عليه وبيعت الارض بما عليها لم يجز للمرتهن أخذ الثمن جميعه بل يأخذ ثمن الارض وللغرماء ثم الغراس والبناء، فان كان ثمن الارض والغراس معا مائتين، وثمن الارض وحدها مائة وثمن الغراس وحده خمسين بيعت بما عليها للزيادة في الخمسين فتعلق حق المرتهن بثلثي الخمسين الزائدة وللراهن ثلثها وخمسين للغرماء ومائة للمرتهن (فرع) إذا أراد الراهن أن يؤاجر الرهن إلى مدة لا تنقضي الا بعد محل الدين، فان قلنا لا يجوز بيع المستأجر لم يكن له ذلك، لان ذلك يمنع من بيعه، وان قلنا يجوز بيع المستأجر ففيه طريقان، قال عامة أصحابنا: لا يكون له ذلك لان ذلك ينقص من قيمته عند البيع. وقال أبو على الطبري: فيه قولان كالقولين في زراعة ما لا يحصد الا بعد محل الدين وان كان الرهن فحلا وأراد الراهن أن ينزيه على ماشيته أو ماشية غيره، قال الشافعي رحمه الله جاز، لان هذا منفعة ولا ينقص به كثيرا، وان كان أتانا وأراد ينزى عليها الفحل، فان كانت تلد قبل حلول الدين أو مع حلول الدين جاز له استيفاء منفعة لا ضرر على المرتهن بها. وان كانت لا تلد الا بعد حلول الدين فان قلنا: لا حكم للحمل كان له ذلك لان الحق إذا حل وهى حامل صح له بيعها مع حملها. وان قلنا للحمل حكم لم يكن له ذلك لان الحمل لا يدخل في الرهن ولا يمكن بيعها دون الحمل. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في تعليقته من غير تفصيل.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويملك الراهن التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن كودج الدابة وتبزيغها، وفصد العبد وحجامته، لانه إصلاح مال من غير إضرار بالمرتهن، وإن أراد أن يختن العبد، فان كان كبيرا لم يجز، لانه يخاف منه عليه وإن كان صغيرا نظرت، فان كان في وقت يندمل الجرح فيه قبل حلول الدين جاز، وإن كان في وقت يحل الدين قبل اندمال جرحه لم يجز لانه ينقص ثمنه وإن كانت به أكلة يخاف من تركها ولا يخاف من قطعها جاز أن يقطع وإن كان يخاف من تركها ويخاف من قطعها لم يجز قطعها، لانه جرح يخاف عليه منه فلم يجز، كما لو أراد أن يجرحه من غير أكلة، وان كانت ماشية فأراد أن يخرج بها في طلب الكلا - فان كان الموضع مخصبا - لم يجز له ذلك، لانه يغرر به من غير حاجة، وان كان الموضع مجدبا جاز له، لانه موضع ضرورة، وإن اختلفا في موضع النجعة فاختار الراهن جهة واختار المرتهن أخرى، قدم اختيار الراهن، لانه يملك العين والمنفعة وليس للمرتهن إلا حق الوثيقة، فكان تقديم اختياره أولى، وإن كان الرهن عبدا فأراد تدبيره جاز، لانه يمكن بيعه في الدين، فان دبره وحل الدين فان كان له مال غيره لم يكلف بيع المدبر، وإن لم يكن له مال غيره بيع منه بقدر الدين وبقى الباقي على التدبير، وان استغرق الدين جميعه بيع الجميع. (الشرح) في الفصل لغات منها قوله: ودج الدابة بتشديد الدال وتخفيفها وهو منها كالفصد للانسان، ويسميه العامة في ديارنا الخزام، وقوله: تبزيغها مثله وفى المصباح: بزغ البيطار والحاجم بزغا من باب قبل شرط الدم وأساله، وفى الاحكام مزيد بيان لنا. أما الاحكام، فان الراهن يملك التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن كاجراء الودج أو التبزيغ للحيوان أو ملء الساعة، أو تشحيم السيارة أو حقن آلة الطباعة أو نحوها بالزيت أو وضع مركبات النفتالين فيالثياب حتى لا تأتى عليها العثة فتبلى وكل ما هو من شأنه اصلاح المرهون وكماله ولا ضرر فيه

على المرتهن جاز قولا واحدا، ولا يجوز للمرتهن منعه، وان أراد الراهن أن يقطع شيئا من جوارح الحيوان - فان كان في قطعه، منفعة وفى تركه خوف عليه لفساد دب في هذا العضو ويخشى أن يمتد المرض فيتلف غيره أو يصيب الحيوان بالتسمم، فان للراهن أن يقطع ذلك بغير اذن المرتهن، لان في ذلك مصلحة من غير خوف وان كان يخشى من قطعه كما يخشى من بقائه ففيه وجهان ان كان الرهن دابة، واحتاجت إلى التودج وهو فتح عرقين عريضين عن يمين تفرع النحر ويسارها ويسميان الوريدين أو إلى التبزيغ وهو فتح الراهصة من حافره فللراهن أن يفعل ذلك بغير اذن المرتهن، وان أراد الراهن أن يفعل شيئا من هذا بغير اذن المرتهن. قال الشافعي: فكل ما فيه مصلحة ولا يتضمن المضرة أصلا جاز مثل أن يدهن الجرب بالقطران، أما ما كان فيه منفعة وقد يضر كشرب الدواء " ومثله اعطاء الحقن في العضل أو الوريد " فليس للمرتهن أن يفعل ذلك بغير اذن الراهن اه. وقد استغرب الشيخ أبو حامد هذا في التعليق. (فرع) للراهن أن يرعى ماشيته وليس للمرتهن منعه وذلك لانها تأوى بالليل إليه، وان أراد الراهن أن ينتجع بها - أي يحملها أو يسوقها إلى موضع بعيد طلبا للمرعى، فان اتفقا عليه جاز، وان امتنع أحدهما نظرت، فان كان الموضع مخصبا - أي موضع المرتهن - فله أن يمنعه لانه رهنها فليس له نقلها بغير مسوغ أو ضرورة، وان كان الموضع مجدبا، فان اتفقا على النجعة واختلفا في المكان. قال الشيخ أبو حامد: وكان المكانان متساويين في الخصب والامن قدم قول الراهن لانه هو المالك للرقبة، وان اختلفا في النجعة أجبر الممتنع من النجعة عليها، لان المرتهن ان كان هو الممتنع قيل له: ليس لك ذلك لما فيه من الاضرار بالماشية، فاما أن تخرج معها أو تبعث بعدل أو ينصب الحاكم عدلا، وان كان الممتنع هو الراهن قيل له: ليس لك ذلك لانك تضر بالمرتهن، واما أن تبعث بعدل يأخذ لبنها ويرعاها ويحفظها. (فرع) وان كان الرهن نخلا فأطلعت كان للراهن تأبيرها من غير اذن المرتهن لانه مصلحة من غير ضرر، وما ينزع من السعف والليف فهو للراهن

فهو كالثمرة ولا يدخل في الرهن. فان قيل هذا قد تناوله عقد الرهن وليس بحادث فالجواب أن ما يجد وينمو من السعف والليف وقوم مقامه، فصار هذا بمنزلة المنفعة خارجا عن الاصول، فان خرجت الفسلان في جذع النخل. قال ابن الصباغ: فعندي أن ذلك يكون للراهن لا حق للمرتهن فيه لانه كالولد للماشية وكذلك ان ازدحمت أرض الرهن بالفسلان وأراد الراهن أن يحسن توزيعها في أرض الرهن. قال الشافعي: جاز له ذلك بغير اذن المرتهن مادام في ذلك مصلحة للباقى، وكذلك إذا ازدحمت وأراد تخفيفها بالقطع أو القلع وكان في ذلك مصلحة لزيادة نمو الباقي جاز للراهن بغير اذن المرتهن وكانت أخشابها من الرهن، وان أراد الراهن تحويلها إلى أرض أخرى أو قطع جميعها لم يكن له ذلك للضرر. قال الشافعي لو أراد تحويل المساقى فان كان يضر بالرهن لم يكن له. وقال الشيخ أبو حامد وإذا أراد المرتهن ذلك لم يكن له. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يملك التصرف في العين بما فيه ضرر على المرتهن لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فان باعه أو وهبه أو جعله مهرا في نكاح أو أجره في اجارة أو كان عبدا فكاتبه لم يصح، لانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير يبطل به حق المرتهن من الوثيقة فلم يصح من الراهن بنفسه كالفسخ، وان أعتقه ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يصح، لانه عقد لا يزيل الملك فلم يمنع صحة العتق، كالاجارة. والثانى: أنه لا يصح، لانه قول يبطل الوثيقة من عين الرهن، فلم يصح من الراهن بنفسه كالبيع. والثالث، وهو الصحيح أنه ان كان موسرا صح، وان كان معسرا لم يصح لانه عتق في ملكه يبطل به حق غيره، فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك بينه وبين غيره، فان قلنا ان العتق يصح، فان كان موسرا أخذت منه القيمة وجعلت رهنا مكانه، لانه أتلف رقه فلزمه ضمانه كما لو قتله، وتعتبر

قيمته وقت الاعتاق لانه حالة الاتلاف، ويعتق بنفس اللفظ، ومن أصحابنا من قال: في وقت العتق ثلاثة أقوال: (أحدها) بنفس اللفظ (والثانى) بدفع القيمة (والثالث) موقوف، فان دفع القيمة حكمنا أنه عتق من حين الاعتاق، وان لم يدفع حكمنا أنه لم يعتق في حال الاعتاق، كما قلنا فيمن أعتق شركا له في عبد أنه يسرى، وفى وقت السراية ثلاثة أقوال - وهذا خطأ - لانه لو كان كالعتق في العبد المشترك لوجب أن لا يصح العتق من المعسر، كما لا يسرى العتق باعتاق المعسر في العبد المشترك. وان كان معسرا وجبت عليه القيمة في ذمته، فان أيسر قبل محل الدين طولب بها لتكون رهنا مكانه، وان أيسر في محل الدين طولب بقضاء الدين. وان قلنا ان العتق لا يصح ففكه أو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق عليه. ومن أصحابنا من قال: يعتق، لانه انما لم يعتق في الحال لحق المرتهن، وقد زال حق المرتهن فنفذ العتق، كما لو أحبلها ثم فكها أو بيعت ثم ملكها والمذهب الاول لانه عتق لم ينفذ في الحال فلم ينفذ بعد ذلك، كما لو أعتق المحجور عليه عبده ثم فك عنه الحجر، ويخالف الاحبال فانه فعل، وحكم الفعل أقوى من حكم القول، ولهذا لو أحبل المجنون جاريته نفذ احباله وثبت لها حق الحرية، ولو أعتقها لم يصح. وان قلنا انه يصح العتق ان كان موسرا ولا يصح إذا كان معسرا، فقد بينا حكم الموسر والمعسر. وان كان المرهون جارية فأحبلها فهل ينفذ إحباله أم لا، على الاقوال الثلاثة، وقد بينا وجوهها في العتق، فان قلنا انه ينفذ فالحكم فيه كالحكم في العتق وان قلنا انه لا ينفذ احباله صارت أم ولد في حق الراهن لانها علقت بحر في ملكه، وانما لم ينفذ لحق المرتهن، فان حل الدين وهى حامل لم يجز بيعها لانها حامل بحر، وان ماتت من الولادة لزمه قيمتها لانها هلكت بسبب من جهته. وفى القيمة التى تجب ثلاثة أوجه (أحدها) تجب قيمتها وقت الوطئ، لانه وقت سبب التلف، فاعتبرت القيمة فيه، كما لو جرحها وبقيت ضنيئة إلى أن ماتت.

(والثانى) تجب قيمتها أكثر ما كانت من حين الوطئ إلى حين التلف، كما قلنا فيمن غصب جارية وأقامت في يده ثم ماتت (والثالث) أنه تجب قيمتها وقت الموت، لان التلف حصل بالموت والمذهب الاول، وما قال الثاني لا يصح، لان الغصب موجود من حين الاخذ إلى حين التلف، والوطئ غير موجود من حين الوطئ إلى حين التلف. وما قال الثالث يبطل به إذا جرحها ثم ماتت، فان التلف حصل بالموت، ثم تجب القيمة وقت الجراحة، وان ولدت نظرت، فان نقصت بالولادة وجب عليه أرش ما نقص، وان حل الدين ولم يقضه فان أمكن أن يقضى الدين بثمن بعضها بيع منها بقدر ما يقضى به الدين، وان فكها من الرهن أو بيعت وعابت إليه ببيع أو غيره صارت أم ولد له، وقال المزني: لا تصير كما لا تعتق إذا أعتقها ثم فكها أو ملكها، وقد بينا الفرق بين الاعتاق والاحبال فأغنى عن الاعادة. (الشرح) الحديث رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس وابن ماجه في سننه عن عبادة بن الصامت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " وإسناده حسن. أما اللغات ففى النهاية: الضر ضد النفع ضره يضره ضرا وضرارا، وأضر به يضر إضرارا، فمعنى قوله " لا ضرر " أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الضرر، أي لا تجازيه على إضراره بادخال الضرر عليه والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، أو الضرر ابتداء الفعل، والضرار الجزاء. أما الاحكام، فان أزال الراهن ملكه عن الرهن بغير إذن المرتهن نظرت فان كان ببيع أو هبة أو ما أشبهها من التصرفات لم يصح للحديث لان فيها إضرار على المرتهن، ولانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير احترازا من العتق وقوله " يبطل به حق المرتهن من الوثيقة " احتراز من اجارته وإعارته. وقوله " بغير إذن المرتهن " احتراز منه إذا أذن، وان كان الرهن رقيقا فأعتقه الراهن بغير اذن المرتهن.

قال الشافعي في الام، إذا كان موسرا فقد عتقه، وإن كان معسرا فعلى قولين وقال في القديم: قال عطاء لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا، ولهذا وجه. ثم قال: قال بعض أصحابنا ينفذ ان كان موسرا ولا ينفذ ان كان معسرا. واختلف أصحابنا في ترتيب المذهب، فقال أبو على الطبري وابن القطان: في المسألة ثلاثة أقوال (أحدها) ينفذ اعتاقه موسرا كان أو معسرا (والثانى) لا ينفذ موسرا كان أو معسرا (والثالث) ينفذ ان كان موسرا ولا ينفذ ان كان معسرا وهذه الطريقة اختيار المصنف وابن الصباغ. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وقف المرهون ففيه وجهان (أحدهما) أنه كالعتق لانه حق لله تعالى لا يصح اسقاطه بعد ثبوته فصار كالعتق (والثانى) انه لا يصح لانه تصرف لا يسرى إلى ملك الغير فلا يصح كالبيع والهبة (الشرح) الاحكام: إذا تصرف الراهن بغير العتق كالبيع والاجارة والهبة والوقف وغيره فتصرفه باطل، لانه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة غير مبنى على التغليب والسراية فلم يصح بغير اذن المرتهن كفسخ الرهن، فان أذن فيه المرتهن صح وبطل الرهن، لانه اذن فيما ينافى حقه، فيبطل بفعله كالعتق، وان زوج الام المرهونة لم يصح، وهذا هو مذهبنا ومذهب مالك وأحمد، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وما منع منه الراهن لحق المرتهن كالوطئ والتزويج وغيرهما، إذا أذن فيه جاز له فعله، لان المنع لحقه فزال بإذنه، وما يبطل لحقه كالبيع والعتق وغيرهما إذا فعله بإذنه صح، لان بطلانه لحقه فصح بإذنه، فان أذن في البيع أو العتق ثم رجع قبل أن يبيع، أو قبل أن يعتق لم يجز البيع والعتق لانه بالرجوع سقط الاذن فصار كما لو لم يأذن، فان لم يعلم بالرجوع فباع أو أعتق ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسقط الاذن ويصير كما إذا باع أو أعتق بغير الاذن (والثانى) أنه لا يسقط الاذن بناء على القولين في الوكيل إذا عزله الموكل ولم يعلم حتى تصرف. (الشرح) فيما سبق في الفصل قبله الكفاية

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أذن له في العتق فأعتق أو في الهبة فوهب وأقبض بطل الرهن لانه تصرف ينافى مقتضى الوثيقة فعله باذنه فبطلت به الوثيقة، فان أذن له في البيع لم يخل، إما أن يكون في دين حال أو في دين مؤجل، فان كان في دين حال تعلق حق المرتهن بالثمن، ووجب قضاء الدين منه، لان مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق منه، وان كان في دين مؤجل نظرت، فان كان الاذن مطلقا فباع بطل الرهن وسقط حقه من الوثيقة، لانه تصرف في عين الرهن لا يستحقه المرتهن، فعله باذنه فبطل به الرهن، كما لو أعتقه باذنه، وإن أذن له في البيع بشرط أن يكون الثمن رهنا ففيه قولان. قال في الاملاء: يصح، ووجهه أنه لو أذن له في بيعه بعد المحل بشرط أن يكون ثمنه رهنا إلى أن يوفيه جاز. وقال في الام: لا يصح، لان ما يباع به من الثمن مجهول، ورهن المجهول لا يصح، فإذا بطل الشرط بطل البيع، لانه انما أذن في البيع بهذا الشرط ولم يثبت الشرط فلم يصح البيع، وإن أذن له في البيع بشرط أن يعجل الدين فباع لم يصح البيع. وقال المزني: يبطل الشرط ويصح العقد، لانه شرط فاسد سبق البيع، فلم يمنع صحته، كما لو قال لرجل: بع هذه السلعة ولك عشر ثمنها، وهذا خطأ، لانه إنما أذن له بشرط أن يعجل الدين وتعجيل الدين لم يسلم له، فإذا لم يسلم له الشرط بطل الاذن فيصير البيع بغير إذن، ويخالف مسألة الوكيل، فان هناك لم يجعل العوض في مقابلة الاذن، وإنما جعله في مقابلة البيع وههنا جعل تعجيل الدين في مقابلة الاذن، فإذا بطل التعجيل بطل الاذن، والبيع بغير اذن المرتهن باطل. وحكى عن أبى إسحاق أنه قال: في هذه المسألة قول آخر أنه يصح البيع ويكون ثمنه رهنا، كما لو أذن له في البيع بشرط أن يكون ثمنه رهنا. (الشرح) الاحكام: بيانه في الفصول السابقة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما يحتاج إليه الرهن من نفقة وكسوة وعلف وغيرها فهو على الراهن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يركب ويشرب نفقته، والذى يركب ويشرب هو الراهن فوجب أن تكون النفقة عليه، ولان الرقبة والمنفعة على ملكه فكانت النفقة عليه وان احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق فامتنع لم يجبر عليه لان الشفاء بيد الله تعالى، وقد يجئ من غير فصد ولا دواء ويخالف النفقة فانه لا يبقى دونها فلزمه القيام بها. (فصل) وان جنى العبد المرهون لم يخل اما أن يجنى على الأجنبي، أو على المولى أو على مملوك للمولى، فان كانت الجناية على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته، وقدم على حق المرتهن، لان حق المجني عليه يقدم على حق المالك، فلان يقدم على حق المرتهن أولى، ولان حق المجني عليه يختص بالعين فلو قدمنا حق المرتهن عليه أسقطنا حقه، وحق المرتهن يتعلق بالعين والذمة، فإذا قدمنا حق المجني عليه لم يسقط حقه فوجب تقديم حق المجني عليه، فان سقط حق المجني عليه بالعفو أو الفداء بقى حق المرتهن، لان حق المجني عليه لم يبطل الرهن وانما قدم عليه حق المجني عليه لقوته، فإذا سقط حق المجني عليه بقى حق المرتهن وان لم يسقط حق المجني عليه نظرت، فان كان قصاصا في النفس اقتص له وبطل الرهن، وان كان في الطرف اقتص له، وبقى الرهن في الباقي، وان كان مالا وأمكن أن يوفى حقه ببيع بعضه بيع منه ما يقضى به حقه، وان لم يمكن الا ببيع جميعه بيع فان فضل عن حق المجني عليه شئ من ثمنه تعلق به حق المرتهن وان كانت الجناية على المولى نظرت، فان كان فيما دون النفس اقتص منه ان كان عمدا، وان كان خطأ أو عمدا فعفى عنه على مال لم يثبت له المال. وقال أبو العباس: فيه قول آخر أنه يثبت له المال، ويستفيد به بيعه وابطال

حق المرتهن من الرهن، ووجهه أن من ثبت له القصاص في العمد ثبت له المال في الخطأ كالأجنبي، والصحيح هو الاول، لان المولى لا يثبت له المال على عبده ولهذا لو أتلف له مالا لم يستحق عليه بدله، ووجه الاول يبطل بغير المرهون، فانه يجب له القصاص في العمد، ولا يجب له المال في الخطأ، وإن كانت الجناية على النفس - فان كانت عمدا - ثبت للوارث القصاص، فان اقتص بطل الرهن وإن كانت خطأ أو عمدا وعفى على مال ففيه قولان. أحدهما: لا يثبت له المال، لان الوارث قائم مقام المولى، والمولى لا يثبت له في رقبة العبد مال، فلا يثبت لمن يقوم مقامه. والثانى: أنه يثبت له، لانه يأخذ المال عن جناية حصلت، وهو في غير ملكه فصار كما لو جنى على من يملكه المولى، وان كانت الجناية على مملوك للمولى، فان كانت على مملوك غير مرهون، فان كانت الجناية عمدا. فللمولى أن يقتص منه. وان كانت خطأ أو عمدا وعفا على مال لم يجز. لان المولى لا يستحق على عبده مالا. وان كانت الجناية على مملوك مرهون عند مرتهن آخر. فان كانت الجناية عمدا فللمولى أن يقتص منه. فان اقتص بطل الرهن. وان كانت خطأ أو عمدا وعفى على مال ثبت المال لحق المرتهن الذى عنده المجني عليه، لانه لو قتله المولى لزمه ضمانه فإذا قتله عبده تعلق الضمان برقبته. فان كانت قيمته أكثر من قيمة المقتول وأمكن أن يقضى أرش الجناية ببيع بعضه بيع منه ما يقضى به أرش الجناية ويكون الباقي رهنا. فان لم يمكن الا ببيع جميعه بيع. وما فضل من ثمنه يكون رهنا. فان كانت قيمته مثل قيمة المقتول أو أقل منه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه ينقل القاتل إلى مرتهن المقتول. ليكون رهنا مكانه. لانه لا فائدة في بيعه. (والثانى) أنه يباع لانه ربما رغب فيه من يشتريه بأكثر من قيمته فيحصل عند كل واحد من المرتهنين وثيقة بدينه. وان كانت الجناية على مرهون عند المرتهن الذى عنده القاتل. فان كانت عمدا فاقتص منه بطل الرهن. وان كانت خطأ أو عمدا وعفى عنه على مال نظرت. فان اتفق الدينان في المقدار والحلول

والتأجيل، واتفقت قيمة العبدين ترك على حاله، لانه لا فائدة في بيعه، وان كان الدين الذى رهن به المقتول حالا. والدين الذى رهن به القاتل مؤجلا. بيع لان في بيعه فائدة، وهو أن يقضى الدين الحال، فان اختلف الدينان. واتفقت القيمتان نظرت، فان كان الدين الذى ارتهن به القاتل أكثر لم يبع لانه مرهون بقدر، فإذا بيع صار مرهونا ببعضه. وإن كان الدين الذى ارتهن به القاتل أقل نقل، فإن في نقله فائدة، وهو أن يصير مرهونا بأكثر من الدين الذى هو مرهون به، وهل يباع وينقل ثمنه؟ أو ينقل بنفسه؟ فيه وجهان، وقد مضى توجيههما، وإن اتفق الدينان بأن كان كل واحد منهما مائة، واختلف القيمتان نظر فيه، فان كانت قيمة المقتول أكثر لم يبع، لانه إذا ترك كان رهنا بمائة، وإذا بيع كان ثمنه رهنا بمائة، فلا يكون في بيعه فائدة، وان كانت قيمة القاتل أكثر بيع منه بقدر قيمة المقتول ويكون رهنا بالحق الذى كان المقتول رهنا به وباقيه على ما كان. (الشرح) حديث أبى هريرة رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي وفى لفظ " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذى يشرب نفقته " رواه أحمد وتقدم كلام المحدثين في أول الباب مستوفى فيراجع. أما أحكام الفصل: فقد تكلمنا على مضمونه فيما سبق فيما يصلح الرهن. قال المصنف رحمه الله: (فصل) فإن جنى العبد المرهون باذن المولى نظرت، فان كان بالغا عاقلا فحكمه حكم ما لو جنى بغير إذنه في القصاص والارش، على ما بيناه، ولا يلحق السد بالاذن الا الاثم، فانه يأثم لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله فان كان غير بالغ نظرت فان كان مميزا يعرف ان طاعة المولى لا تجوز في القتل كان كالبالغ في جميع ما ذكرناه الا في القصاص. فان القصاص لا يجب على الصبى وان كان صغيرا لا يميز أو أعجميا لا يعرف ان طاعة المولى لا تجوز

في القتل لم تتعلق الجناية برقبته بل يتعلق حكم الجناية بالمولى. فان كان موسرا أخذ منه الارش، وان كان معسرا فقد قال الشافعي رحمه الله يباع العبد في أرش الجناية، فمن أصحابنا من حمله على ظاهره. وقال يباع لانه قد باشر الجناية فبيع فيها، ومنهم من قال: لا يباع لان القاتل في الحقيقة هو المولى، وانما هو آلة كالسيف وغيره، وحمل قول الشافعي رحمه الله على أنه أراد إذا ثبت بالبينة أنه قتله فقال المولى أنا أمرته فقال يؤخذ منه الارش ان كان موسرا بحكم اقراره، وان كان معسرا بيع العبد بظاهر البينة والله أعلم. (فصل) وان جنى على العبد المرهون فالخصم في الجناية هو الراهن، لانه هو المالك للعبد، ولما يجب من بدله، فان ادعى على رجل أنه جنى عليه فأنكره ولم تكن بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، فان نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن، فان نكل فهل ترد اليمين على المرتهن، فيه قولان، بناء على القولين في المفلس، إذا ردت عليه اليمين فنكل، فهل ترد على الغريم؟ فيه قولان. (أحدهما) لا ترد، لانه غير مدع. (والثانى) ترد، لانه ثبت له حق فيما يثبت باليمين. فهو كالمالك. فان أقر المدعى عليه أو قامت البينة عليه أو نكل وحلف الراهن أو المرتهن على أحد القولين. فان كانت الجناية موجبة للقود. فالراهن بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو. فان اقتص بطل الرهن. وان قال: لا أقتص ولا أعفو ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: للمرتهن اجباره على اختيار القصاص أو أخذ المال لان له حقا في بدله فجاز له اجباره على تعيينه. وقال أبو القاسم الداركى: ان قلنا: ان الواجب بقتل العمد هو القود لم يملك اجباره لانه إذا ملك اسقاط القصاص فلان يملك تأخيره أولى. وان قلنا: ان الواجب أحد الامرين أجبر على التعيين لان له حقا هو القصاص وللمرتهن حقا هو المال فلزمه التعيين وان عفى على مال أو كانت الجناية خطأ وجب الارش. وتعلق حق المرتهن به. لان الارش بدل عن المرهون. فتعلق حق المرتهن به. وان أسقط المرتهن حقه من الوثيقة سقط. لانه لو كان الرهن باقيا فأسقط حقه

منه سقط، فكذلك إذا أسقط من بدله، فإن أبرأ المرتهن الجاني من الارش لم يصح إبراؤه لانه لا يملكه فلا ينفذ إبراؤه فيه، كما لو كان الراهن باقيا فوهبه. وهل يبطل بهذا الابراء حقه من الوثيقة؟ فيه وجهان (أحدهما) يبطل، لان إبراءه تضمن إبطال حقه من الوثيقة، فإذا سقط الابراء بقى ما تضمنه من إبطال الوثيقة. (والثانى) لا يبطل، لان الذى أبطله هو الابراء، والابراء لم يصح، فلم يبطل ما تضمنه، فان أبرأه الراهن من الارش لم يصح ابراؤه، لانه يبطل حق المرتهن من الوثيقة من غير رضاه فلم يصح، كما لو كان الرهن باقيا فأراد أن يهبه فان أبرأه ثم قضى دين المرتهن أو أبرأه المرتهن منه فهل ينفذ ابراء الراهن للجاني من الارش؟ فيه وجهان: (أحدهما) ينفذ، لان المنع منه لحق المرتهن، وقد زال حق المرتهن فينفذ ابراء الراهن. (والثانى) أنه لا ينفذ لانا حكمنا ببطلانه فلا يجوز أن يحكم بصحته بعد الحكم ببطلانه، كما لو وهب مال غيره ثم ملكه. وان أراد أن يصالح عن الارش على حيوان أو غيره من غير رضا المرتهن لم يجز، لان حق المرتهن يتعلق بالقيمة، فلا يجوز اسقاطه إلى بدل من غير رضاه، كما لو كان الرهن باقيا فأراد أن يبيعه من غير رضاه، فان رضى المرتهن بالصلح فصالح على حيوان تعلق به حق المرتهن، وسلم إلى من كان عنده الرهن ليكون رهنا مكانه، فان كان مما له منفعة انفرد الراهن بمنفعته، وان كان له نماء انفرد بنمائه كما كان ينفرد بمنفعة أصل الرهن ونمائه، فان كان المرهون جارية فجنى عليها فأسقطت جنينا ميتا وجب عليه عشر قيمة الام ويكون خارجا من الرهن لانه بدل عن الولد، والولد خارج من الرهن، فكان بدله خارجا منه. وان كانت بهيمة فألقت جنينا ميتا وجب عليه ما نقص من قيمة الام ويكون رهنا، لانه بدل عن جزء من المرهون، فان ألقته حيا ثم مات ففيه قولان: (أحدهما) يجب عليه قيمة الولد حيا لانه يمكن تقويمه: فيكون للراهن، فان

عفى عنه صح عفوه (والثانى) يجب عليه أكثر الامرين من قيمته حيا أو ما نقص من قيمة الام، فان كان قيمته حيا أكثر وجب ذلك للراهن وصح عفوه عنه، وان كان ما نقص من قيمة الام أكثر كان رهنا. (فصل) وان جنى على العبد المرهون ولم يعرف الجاني فأقر رجل أنه هو الجاني، فان صدقه الراهن دون المرتهن، كان الارش له ولا حق للمرتهن فيه وان صدقه المرتهن دون الراهن كان الارش رهنا عنده، فان لم يقضه الراهن الدين استوفى المرتهن حقه من الارش، فان قضاه الدين أو أبرأه منه المرتهن رد الارش إلى المقر. (الشرح) حديث من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله، أخرجه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ المناوى: كناية عن كونه كافرا إذ لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون وهذا زجر وتهويل أو المراد يستمر. هذا حاله حتى يطهر بالنار ثم يخرج. اه وقال الحفتى: ان استحل ذلك فهو كافر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان كان المرهون عصيرا فصار في يد المرتهن خمرا زال ملك الراهن عنه وبطل الرهن لانه صار محرما لا يجوز التصرف فيه فزال الملك فيه وبطل الرهن كالحيوان إذا مات، فان تخللت عاد الملك فيه لانه عاد مباحا يجوز التصرف فيه فعاد الملك فيه كجلد الميتة إذا دبغ، ويعود رهنا لانه عاد إلى الملك السابق، وقد كان في الملك السابق رهنا فعاد رهنا، فان كان المرهون حيوانا فمات وأخذ الراهن جلده ودبغه فهل يعود الرهن فيه وجهان. قال أبو على ابن خبران يعود رهنا، كما لو رهنه عصيرا فصار خمرا ثم صار خلا. وقال أبو إسحاق لا يعود الرهن لانه عاد الملك فيه بمعالجة وأمر أحدثه فلم يعد رهنا بخلاف الخمر فانها صارت خلا بغير معنى من جهته (الشرح) الاحكام: إذا رهنه عصيرا صح رهنه كالثياب، ولان أكثر ما فيه أنه يخشى تلفه بأن يصير خمرا، وينفسخ الرهن، وذلك لا يمنع صحة الرهن،

كالحيوان يجوز رهنه، وإذا جاز أن يموت، فإذا رهنه عصيرا فاستحال خلا أو مالا يسكر كثيره، فالرهن فيه بحاله لانه يتغير إلى حالة لا تخرجه عن كونه مالا فلم يخرجه من الرهن، كما لو رهنه عبدا شابا فصار شيخا، فإذا رهنه عصيرا فاستحال خمرا زال ملك الراهن عنه وبطل الرهن فيه. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يزول ملك الراهن عنه، ولا يبطل الرهن به لانه يجوز أن تصير له قيمة دليلنا أن كونه خمرا يمنع صحة التصرف فيه، والضمان على متلفه، فبطل به الملك والرهن، كموت الشاة. إذا ثبت هذا فإنه يجب إراقته، فان أتلف فلا كلام، ولا خيار للمرتهن في البيع - إن كان شرط رهنه فيه - إذا كان انقلابه بيده، لان التلف حصل بيده، وإن استحال الخمر خلا بنفسه من غير معالجة عاد الملك فيه للراهن بلا خلاف، وعاد الرهن فيه للمرتهن، لانا إنما حكمنا بزوال ملك الراهن عنه وبطلان الرهن بحدوث الاسكار، وقد زالت تلك الصفة من غير أن تخلف نجاسة فوجب أن يعود إلى سابق ملكه كما كان. فان قيل: أليس العقد إذا بطل لم يصح حتى يبتدأ، والرهن قد بطل فكيف عاد من غير أن يجدد عقده؟ قيل إنما يقال ذلك إذا وقع العقد فاسدا، وأما وقد وقع العقد صحيحا ابتداء ثم طرأ عليه ما أخرجه عن حكم العقد فانه إذا زال ذلك المعنى عاد العقد صحيحا، كما نقول: إذا أسلمت زوجة الكافر يحرم عليه وطؤها فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدة عاد العقد كما كان، وكذلك إذا ارتد الزوجان أو أحدهما، فإذا استحال الخمر خلا بصنعة آدمى لم يطهر بذلك. بل تزول الخمرية عنه، ويكون خلا نجسا لا يحل الائتدام به، ولا يعود امتلاكه ولا رهنه. وقال أبو حنيفة: يكون طاهرا يحل شربه والرهن فيه بحاله دليلنا ما روى أبو طلحة رضى الله عنه قال: لما نزل تحريم الخمر قلت: يا رسول الله ان عندي خمرا لايتام ورثوه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرقه قلت أفلا أخلله؟ قال لا، فنهاه عن تخليله، وهذا يقتضى التحريم، فان كان مع رجل خمر فأراقه فأخذه آخر وصار في يده خلا أو وهبه لغيره فصار في يد الموهوب خلا، ففيه وجهان.

من أصحابنا من قال يكون لمن أراقه، لانه يعود إلى سابق ملكه، والملك للمريق، فهو كما لو غصب من رجل خمرا وصار في يده خلا (والثانى) يكون ملكا لمن هو في يده، لانه إذا أراقه صاحبه فقد رفع يده عنه، فإذا جمعه الآخر صارت له عليه يد والاول أصح. قال ابن الصباغ: إذا رهنه عصيرا فصار خمرا في يد الراهن قبل القبض بطل الرهن، فان عاد خلا لم يعد الرهن، ويخالف إذا كان بعد القبض لان الرهن قد لزم، وقد صار مانعا للملك، وكذلك إذا اشترى عصيرا فصار خمرا في يد البائع وعاد خلا فسد العقد ولم يكن ملكا للمشترى بعوده خلا، والفرق بينه وبين الرهن أن الرهن عاد تبعا لملك الراهن، وها هنا يعود لملك البائع لعدم العقد. (فرع) إذا رهن عند رجل شاة وأقبضه اياها فماتت زال ملك الراهن وبطل الرهن فيها لانها خرجت عن أن تكون مالا، فان أخذ الراهن جلدها فدبغها عاد ملكه على الجلد بلا خلاف، وهل يعود رهنا؟ فيه وجهان قال ابن خيران: انما عاد بمعالجته، ومعنى أحدثه بخلاف الخمر، وسئل أبو إسحاق عن رجل ماتت له شاة، فجاء آخر وأخذ جلدها فدبغه، فقال إذا لم يطرحها مالكها فان الجلد لمالك الشاة دون الدابغ، لان الملك وان عاد بمعنى أحدثه الدابغ إلا أن يد المالك كانت مستقرة على الجلد وجوز له استصلاحه فإذا غصبه غاصب ودبغه لم ينقل يد المالك كما لو كان له جرو كلب يريد تعليمه الصيد فغصبه إنسان وعلمه، فان المغصوب منه أحق به، لان يده كانت مستقرة عليه، قال فأما إذا طرح صاحب الشاة شاته على المزبلة فأخذ رجل جلدها ودبغه ملكه لان المالك قد أزال يده عنها. قيل له: أليس من يحجر مواتا يكون أحق بإحيائها من غيره ثم جاء غيره فأحياها ملكها، فقال الفرق بينهما أن من يحجر على شئ من الموات صار به بمعنى أثره فيه، وهو الحجز ويده ضعيفة لاستبدال ملك، فإذا وجد سبب الملك وهو الاحياء بطلت يده، وكذلك من ماتت له شاة لان يده مقرة عليها بالملك.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن تلف الرهن في يد المرتهن من غير تفريط تلف من ضمان الراهن ولا يسقط من دينه شئ لما روى سعيد بن المسيب رضى الله عنه قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لا يغلق الرهن ممن رهنه، ولانه وثيقة بدين ليس بعوض منه فلم يسقط الدين بهلاكه كالضامن، فإن غصب عينا ورهنها بدين ولم يعلم المرتهن وهلكت عنده من غير تفريط فهل يجوز للمالك أن يغرمه فيه وجهان (أحدهما) لا يغرمه لانه دخل على الامانة (والثانى) له أن يغرمه لانه أخذه من يد ضامنة، فان قلنا انه يغرمه فغرمه فهل يرجع بما غرم على الراهن فيه وجهان (أحدهما) يرجع لانه عره (والثانى) لا يرجع لانه حصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه، فان بدأ وغرم الراهن، فان قلنا ان المرتهن إذا غرم رجع على الراهن لم يرجع الراهن على المرتهن بما غرمه، وإن قلنا ان المرتهن إذا غرم لا يرجع على الراهن رجع عليه الراهن بما غرمه، فان رهن عند رجل عينا وقال رهنتك هذا إلى شهر فان لم أعطك مالك فهو لك بالدين فالرهن باطل لانه وقته والبيع باطل لانه علقه على شرط فان هلك العين قبل الشهر لم يضمن لانه مقبوض بحكم الرهن فلم يضمنه كالمقبوض عن رهن صحيح، وان هلك بعد الشهر ضمنه لانه مقبوض بحكم البيع فضمنه كالمقبوض عن بيع صحيح (الشرح) الحديث مر تخريجه في غير موضع أما الاحكام فانه إذا قبض المرتهن الرهن فهلك في يده من غير تفريط لم يلزمه ضمانه ولا يسقط من دينه شئ، وبه قال الاوزاعي وعطاء وأحمد وأبو عبيد وهى إحدى الروايتين عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن الرهن مضمون على المرتهن بأقل الامرين من قيمته، أو قدر الدين، فإذا هلك فان كان الدين مائة وقيمة الرهن تسعين ضمنه بتسعين وبقى له من الدين عشرة، وان كان الدين تسعين وقيمة الرهن مائة فهلك الرهن سقط الرهن وسقط جميع دينه، ولا يرجع الراهن عليه بشئ لسقوط الدين، وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه.

وذهب إسحاق بن راهويه إلى أن الرهن مضمون على المرتهن بكمال قيمته، ثم يترادان، وهى الرواية الثانية عن على رضى الله عنه. وذهب الشعبى والحسن البصري إلى أن الرهن إذا هلك في يد المرتهن سقط جميع دينه، سواء كانت قيمته أكثر من قدر الدين أو أقل أو كانا متساويين. وقال مالك: إن هلك الرهن هلاكا ظاهرا، مثل أن كان عبدا فمات أو دارا فاحترقت فهو غير مضمون على المرتهن، وان هلك هلاكا خفيا، مثل أن يدعى المرتهن أنه هلك، فهو مضمون كما قال اسحاق بن راهويه. دليلنا ما روى سعيد بن المسيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن من راهنه الذى رهنه له غنمه وعليه غرمه " فهذا الحديث دليل في ثلاثة أمور: (أحدها) قوله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " وله ثلاثة تأويلات. أحدهما: لا يكون الرهن للمرتهن بحقه إذا حل الحق. والتأويل الثاني: لا يسقط الحق بتلفه. والثالث: أي لا ينغلق حتى لا يكون للراهن فكه عن الرهن بل له فكه. فإن قيل فهذا حجة عليكم لان قوله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " أي لا يهلك بغير عوض. قال زهير: وفارقتك رهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا يعنى ارتهن فخلبه الحب يوم الوداع، فأمسى وقد غلق الرهن، أي هلك بغير عوض. قلنا هذا غلط لان القلب لا يهلك، وانما معناه أن القلب صار رهنا بحقه وقد انغلق انغلاقا لا ينفك (الثاني) قوله صلى الله عليه وسلم " من راهنه " يعنى من ضمانه، قال الشافعي رضى الله عنه: وهذه أبلغ كلمة للعرب في أنهم إذا قالوا هذا الشئ من فلان يريدون من ضمانه. (الثالث) قوله صلى الله عليه وسلم " له غنمه وعليه غرمه " قال الشافعي رضى الله عنه وغرمه هلاكه وعطبه، ولانه مقبوض عن عقد لو كان فاسدا لم يضمن فوجب إذا كان صحيحا أن لا يضمن أصله، كالوديعة ومال المضاربة والوكالة والشركة، وعكسه المقبوض عن البيع والقرض

وان غصب رجل من رجل عينا فرهنها عند آخر وقبضها المرتهن فأتلفها أو تلفت عنده بغير تفريط، فإن كان عالما بأنها مغصوبة فللمغصوب منه أن يرجع بقيمتها على الغاصب أو المرتهن لانه أتلفها ولانه كان عالما بغصبها فيستقر عليه الضمان لحصول التلف في يده، وان رجع المغصوب منه على المرتهن لم يرجع المرتهن على الراهن لان الضمان استقر عليه. وان كان المرتهن غير عالم لكونها مغصوبة وتلفت عنده من غير تفريط فللمغصوب منه أن يرجع على الغاصب لانه أخذها من مالكها متعديا. وهل للمالك أن يرجع على المرتهن؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يرجع عليه لانه أخذها على وجه الامانة (والثانى) يرجع عليه لانه أخذها من يد ضامنه. وإذا قلنا يرجع على المرتهن، فهل للمرتهن أن يرجع بما ضمنه على الراهن؟ قال أبو العباس بن سريج من أئمتنا: لا يرجع لانه تلف في يده فاستقر الضمان عليه. وفيه وجه آخر. ولم يقل الشيخ أبو حامد في التعليق غير أنه يرجع عليه، لان المرتهن أمين فلا يضمن بغير تعد، فيكون تلف الرهن من ضمان الراهن، فرجع بالقيمة عليه لانه غره. وان بدا المغصوب منه المرتهن أنه لا يرجع على الراهن رجع الراهن ها هنا على المرتهن وقال في الام " ولو رهنه رهنا على أنه إذا دفع الحق وقضاه أخذ الرهن، وان لم يقض له بدينه فالرهن والبيع فاسدان " وهذا صحيح قال العمرانى: أما الرهن فبطل لانه مؤقت لمحل الدين ومن شأنه أن يكون مطلقا. وأما البيع فبطل لانه ملق بزمان مستقبل، فيكون هذا الرهن في يد المرتهن إلى أن يحل الحق غير مضمون عليه لانه مقبوض عن رهن فاسد، وحكم المقبوض في الضمان عن العقد الفاسد كالمقبوض عن العقد الصحيح، فان تلف الرهن لم يضمن وإذا حل الحق كان مضمونا على المرتهن لانه مقبوض عن بيع فاسد فضمنه كالمقبوض عن بيع صحيح فعلى هذا إذا تلف في يده لزمه ضمانه سواء فرط فيه أو لم يفرط

باب اختلاف المتراهنين

قال المصنف رحمه الله: باب اختلاف المتراهنين إذا اختلف المتراهنان فقال الراهن ما رهنتك، وقال المرتهن رهنتني فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم العقد. (فصل) إذا اختلفا في عين الرهن فقال الراهن رهنتك العبد وقال المرتهن بل رهنتني الثوب فالقول قول الراهن أنه لم يرهن الثوب فإذا حلف خرج الثوب عن أن يكون رهنا بيمينه وخرج العبد عن أن يكون رهنا برد المرتهن. (الشرح) الاحكام: أولا: إذا اختلف المتراهنان، فقال أحدهما للآخر لقد رهنتني عينا بدين لى عليك، فقال الآخر: ما رهنتكها - ولم تكن ثم بينه، فالقول قول من عليه الدين مع يمينه أنه ما رهنه، لان الاصل عدم الرهن. ثانيا: اختلفا في عين الرهن فادعى المرتهن أنه ارتهن منه راديو (مذياع) فقال الراهن: ما رهنتك هذا المذياع وإنما رهنتك مرناة (تليفزيون) حلف الراهن أنه ما رهنه الراديو وإنما رهنه التليفزيون. فخرج المذياع عن أن يكون رهنا بيمين الراهن وخرج التليفزيون عن أن يكون رهنا بإنكار المرتهن له. ثالثا: اختلفا في قدر الرهن، فقال المرتهن: رهنتني هاتين الدراجتين بعشرة جنيهات فقال الراهن: بل رهنتك إحداهما بعشرة. رابعا: اختلفا في قدر الدين المرهون به فقال المرتهن: رهنتني هذه السيارة بمائة لى عليك، وقال الراهن: بل رهنتكها بخمسين. فالقول في الثالث والرابع قول الراهن مع يمينه في كل من المثلين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضى الله عنهما وقال مالك رضى الله عنه: القول قول من الظاهر معه، فإن كانت الدراجة التى أقر الراهن برهنها تساوى عشرة أو دونها ويرهن مثلها بعشرة فالقول قول الراهن وان كانت لا تساوى عشرة ولا يرهن مثلها في العادة بعشرة فالقول قول المرتهن

وكذلك في السيارة القول قول المرتهن في قدر الرهن إن كانت قيمة السيارة مائة، وإن كانت قيمتها أكثر من مائة فالقول قول الراهن. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " وهذا الراهن منكر فيهما، ولانهما لو اختلفا في أصل العقد لكان القول قول الراهن، فكذلك إذا اختلفا في قدر المعقود عليه. خامسا: ان كان له عليه ألف مؤجلة وألف معجلة فرهنه سيارة بألف ثم اختلفا، فقال المرتهن: رهنتنيه بالالف الحال. وقال الراهن: بل رهنتكه بالالف المؤجل، فالقول قول الراهن مع يمينه، لما ذكرناه في المسائل قبلها. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإذا اختلفا في قدر الرهن فقال الراهن رهنتك هذا العبد وقال: بل رهنتني هذين العبدين فالقول قول الراهن، لان الاصل عدم الرهن إلا فيما أقر به، ولان كل من كان القول قوله إذا اختلفا في أصله كان القول قوله إذا اختلفا في قدره كالزوج في الطلاق فإن رهنه أرضا وأقبضه ووجد فيها نخيل يجوز أن يكون حدث بعد الرهن، ويجوز أن يكون قبله فقال الراهن حدث بعد الرهن فهو خارج من الرهن. وقال المرتهن: بل كان قبل الرهن ورهنتنيه مع الارض فالقول قول الراهن. وقال المزني: القول قول المرتهن لانه في يده وهذا خطأ لما ذكرناه في العبدين. وقوله: إنه في يده لا يصح، لان اليد إنما يقدم بها في الملك دون العقد، ولهذا لو اختلفا في أصل العقد كان القول قول الراهن، وإن كانت العين في يد المرتهن، فان رهن حمل شجرة تحمل حملين وحدث حمل آخر وقلنا: إنه يصح العقد فاختلفا في مقدار الحمل الاول، فالقول قول الراهن، وقال المزني: القول قول المرتهن، لانه في يده، وهذا لا يصح، لان الاصل أنه لم يدخل في العقد إلا ما أقر به، وأما اليد فقد بينا أنه لا يرجح بها في العقد. (الشرح) الاحكام: إذا رهنه أرضا ووجد فيها نخل أو شجر، فقال المرتهن: كان هذا موجودا وقت الرهن فهو داخل في الرهن. وقال الراهن:

بل حدث بعد الرهن فهو خارج من الرهن، فإن كان ما قاله المرتهن غير ممكن كان يكون النخل صغيرا وكان العقد من مدة لا تسمح بأن يكون النخل باقيا على صغره لحداثة مظهره فلا يجوز من ثم أن يكون النخل موجودا وقت العقد، فالقول قول الراهن من غير يمين، لانه لا يمكن صدق المرتهن. وإن كان ما قاله الراهن غير ممكن، كأن يكون لعقد الرهن مدة لا يمكن حدوث النخل بعدها لكبر النخل وقصر مدة العقد وما إلى ذلك فالقول قول المرتهن بلا يمين لان ما يقوله الراهن مستحيل فلم يقبل قوله. وإن كان يمكن صدق كل منهما كأن يكون احتمال وجود النخل مساويا لاحتمال حدوثه بعد العقد، قال الشافعي رضى الله عنه: فالقول قول الراهن مع يمينه. قال المزني قولا ضعيفا في المذهب: القول قول المرتهن، لانه في يده. والمذهب الاول، لان المرتهن قد اعترف للراهن بملك النخل، وقد صار يدعى عليه عقد الرهن، والراهن ينكر ذلك، فكان القول قول الراهن، كما لو ادعى عليه عقد الرهن في النخل مفردا دون الارض واما اليد التى تعلل بها المزني فلا يرجح بها في دعوى لعقد وانما يرجح بها في دعاوى الملك فإذا حلف الراهن نظرت فإن كان الرهن في القرض أو كان متطوعا به في الثمن غير مشروطا في البيع بقى الرهن في الارض ولا كلام وإن كان الرهن مشروطا في البيع فإن هذ الاختلاف يوجب التحالف وقد حلف الراهن وخرج الرهن عن الراهن، فان رضى المرتهن بذلك فلا كلام، وان لم يرض حلف المرتهن أن النخل كان داخلا في الرهن. وهل ينفسخ البيع والرهن بنفس التحالف أو بالفسخ؟ على الوجهين في التحالف. فان قلنا لا ينفسخ فتطوع الراهن بتسليم النخل رهنا فليس للمرتهن فسخ البيع. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن اختلفا في قدر الدين فقال الراهن: رهنتك هذا العبد بألف وقال المرتهن: بل رهنتيه بألفين فالقول قول الراهن، لان الاصل عدم الالف فان قال رهنته بألف وزادني ألفا آخر على أن يكون رهنا بالالفين. وقال المرتهن

بل رهنتني بالالفين، وقلنا: لا تجوز الزيادة في الدين في رهن واحد ففيه وجهان أحدهما: أن القول قول الراهن لانهما لو اختلفا في أصل العقد كان القول قوله فكذلك إذا اختلفا في صفته. والثانى: أن القول قول المرتهن، لانهما اتفقا على صحة الرهن والدين، والراهن يدعى أن ذلك كان في عقد آخر، والاصل عدمه، فكان القول قول المرتهن، فان بعث عبده مع رجل ليرهنه عند رجل بمال ففعل، ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن أذنت له في الرهن بعشرة، وقال المرتهن بل بعشرين نظرت، فان صدق الرسول الراهن حلف الرسول أنه ما رهن إلا بعشرة، ولا يمين على الراهن، لانه لم يعقد العقد، وإن صدق الرسول المرتهن فالقول قول الراهن مع يمينه، فإذا حلف بقى الرهن على عشرة، وعلى الرسول عشرة، لانه أقر بقبضها. (الشرح) إذا اختلفا فقال الراهن رهنتك شيئا بمائة بعقد ثم زدتني مائة أخرى فعقدت الرهن بها على هذا الشئ قبل فسخ العقد، إذا حدث هذا وقلنا: لا يصح ذلك، وقال المرتهن بل ارتهنته منه بالمائتين بعقد واحد ففيه وجهان. (أحدهما) القول قول الراهن مع يمينه، لانهما لو اختلفا في أصل العقد لكان القول قوله، فكذلك إذا اختلفا في صفته (والثانى) القول قول المرتهن مع يمينه، لانهما اتفقا على عقد الرهن، والراهن يدعى معنى يقتضى بطلانه، والاصل عدم ما يبطله. (فرع) إذا قال الرجل لغيره هذه السيارة التى عندي هي لك رهنتنيها بألف لى عليك، فقال له: هذه السيارة لى وديعة لى عندك، وإنما رهنتك بألف على سيارة أخرى أحرقتها، وأنا استحق عليك قيمتها، فالقول قول المقر مع يمينه، أنه ما أحرق له سيارة ولا شئ له عليه من القيمة لان الاصل براءة ذمته والقول قول المقر له مع يمينه أنه ما رهنه هذه السيارة، وعليه الالف لانه مقر بوجوبها (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ " إذا قال الرجل لغيره رهنتك عبدى هذا بألف درهم لك على، فقال المرتهن بل رهنتنيه أنا وزيدا بألفى درهم ألف درهم لى وألف درهم لزيد، وادعى زيد بذلك، فالقول قول الراهن أنه

ما رهن زيدا شيئا، فإذا حلف كان العبد رهنا عند الذى أقر له به " قال الشيخ أبو حامد: وهذا لا يجئ على أصل الشافعي رحمه الله، لان المالك أقر للمرتهن برهن جميع العبد، وهو لا يدعى نصفه، وإنما ادعى وقد حلف له المالك، فيجب ألا يبقى عند المقر له إلا نصف العبد مرهونا. قال الشافعي رحمه الله: وأما إذا قال لغيره رهنتك عبدى هذا بألف درهم لك على، فقال المرتهن هذا الالف الذى أقررت أنه لى رهنتني به العبد هو لى ولزيد قيل ذلك لانه إقرار في حق نفسه فقبل، فيكون بينه وبين زيد قال الشيخ أبو حامد، ولم يذكر الشافعي رحمه الله حكم الرهن ها هنا، ولكن يكون العبد رهنا بالالف لان المرتهن اعترف بالحق الذى أرهن به أنه له ولغيره فقبل إقراره في ذلك، كما لو كان له ألف برهن، فقال هذا الالف لزيد، كان له الالف بالرهن، كذلك هذا مثله. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) قال في الام " إذا كان في يد رجل عبد لآخر فقال رهنتنيه بألف وقال السيد بل بعتكه بألف حلف السيد أنه ما رهنه بألف: لان الاصل عدم الرهن، ويحلف الذى في يده العبد انه ما اشتراه، لان الاصل عدم الشراء، ويأخذ السيد عبده، فإن قال السيد رهنتكه بألف قبضتها منك قرضا، وقال الذى في يده العبد بل بعتنيه بألف قبضتها منى ثمنا، حلف كل واحد منهما على نفى ما ادعى عليه، لان الاصل عدم العقد، وعلى السيد الالف لانه مقر بوجوبها، فان قال الذى في يده العبد " بعتنيه بألف " وقال السيد بل رهنتكه بألف حلف السيد انه ما باعه، فإذا حلف خرج العبد من يد من هو في يده لان البيع قد زال والسيد معترف بأنه رهن، والمرتهن ينكر، ومتى أنكر المرتهن الرهن زال الرهن. (الشرح) ذكر الشافعي رحمه الله في باب الرسالة من الام أربع مسائل الاول، إذا دفع لرجل ثوبا، وأرسله ليرهنه له بحق عند رجل فرهنه، ثم اختلف الراهن والمرتهن، فقال المرتهن جاءني برسالتك في أن أسلفك عشرين

فأعطيته إياها فكذبه الرسول، فالقول قول الرسول والمرسل، ولا أنظر إلى قيمة الرهن. قال العمرانى فيحلف الرسول أنه ما رهنه إلا بعشرة ولا يمين على المرسل، لان الرسول هو الذى باشر العقد قال ابن الصباغ: وعندي أن المرتهن إذا ادعى مع المرسل أنه أذن له في ذلك وقبض منه عشرين بإذنه أن له أن يحلفه، لان المرسل لو أقر بذلك لزمه ما قاله، فإذا أنكره حلف له. الثانية: ولو صدقه الرسول فقال: قد قبضت منك عشرين ودفعتها إلى المرسل، وكذبه المرسل، كان القول قول المرسل مع يمينه ما أمره إلا بعشرة ولا دفع إليه إلا هي، وكان الرهن بعشرة، وكان الرسول ضامنا للعشرة التى أقر بقبضها مع العشرة التى أقر بها المرسل - بفتح السين - بقبضها. قال ابن الصباغ وعندي أن المرتهن إذا صدق الرسول أن الراهن أذن له في ذلك لم يكن له الرجوع على الرسول لانه يقر أن الذى ظلمه هو المرسل الثالثة: قال الشافعي ولو دفع إليه ثوبا فرهنه عند رجل. وقال الرسول أمرتنى برهن الثوب عند فلان بعشرة فرهنته، وقال المرسل أمرتك أن تستسلف من فلان عشرة بغير رهن. ولم آذن لك في رهن الثوب، فالقول قول صاحب الثوب والعشرة حالة عليه. ولو كانت المسألة بحالها فقال أمرتك بأخذ عشرة سلفا في عبدى فلان، وقال الرسول بل في ثوبك هذا أو عبدك هذا العبد غير الذى أقر به الآمر فالقول قول الآمر والعشرة حالة عليه ويسوق العمرانى في البيان المسألة بصورة أخرى فيقول: إذا دفع إليه ثوبا وعبدا وأمره أن يرهن أحدهما عند رجل بشئ يأخذه له منه فرهن الرسول العبد ثم قال المرسل إنما أذنت له في رهن الثوب، وأما العبد فوديعة، وقال الرسول أو المرتهن، إنما أذنت له في رهن العبد، حلف المرسل أنه ما أذن له في رهن العبد وخرج العبد عن الرهن بيمينه. وخرج الثوب عن الرهن لانه لم يرهن. الرابعة: إذا قال المرسل أمرتك برهن الثوب ونهيتك عن رهن العبد، وأقام على ذلك بينة، وأقام الرسول بينة أذن له في رهن العبد فيصح، وإذا احتمل هذا

وهذا فقد وجد من الرسول عقد الرهن على العبد، والظاهر أنه عقد صحيح، فلا يحكم ببطلانه لامر محتمل. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان اتفقا على رهن عين، ثم وجدت العين في يد المرتهن، فقال الراهن قبضته بغير اذنى، وقال المرتهن بل قبضته بإذنك فالقول قول الراهن لان الاصل عدم الاذن، ولانهما لو اختلفا في أصل العقد والعين في يد المرتهن كان القول قول الراهن، فكذلك إذا اختلفا في الاذن، فان اتفقا على الاذن فقال الراهن رجعت في الاذن قبل القبض. وقال المرتهن لم يرجع حتى قبضت فالقول قول المرتهن، لان الاصل بقاء الاذن، وان اتفقا على الاذن واختلفا في القبض فقال الراهن لم تقبضه، وقال المرتهن بل قبضت، فان كانت العين في يد الراهن فالقول قوله لان الاصل عدم القبض، وان كان في يد المرتهن فالقول قوله لانه أذن في قبضه والعين في يده، فالظاهر أنه قبضه بحق، فكان القول قوله. وان قال رهنته وأقبضته ثم رجع، وقال ما كنت أقبضته حلفوه أنه قبض، فالمنصوص أنه يحلف. وقال أبو إسحاق ان قال وكيلى أقبضه وبان لى أنه لم يكن أقبضه حلف. وعليه تأول النص. وان قال أنا أقبضته ثم رجع لم يحلف لان اقراره المتقدم يكذبه. وقال أبو على بن خيران وعامة أصحابنا انه يحلف لانه يمكن صدقه بأن يكون قد وعده بالقبض فأقر به، ولم يكن قبض. (الشرح) إذا كان في يد رجل شئ لغيره فقال من بيده الشئ للمالك رهنتني هذا بألف هي لى عليك قرضا. وقال المالك بل بعتكه بألف هي لى عليك ثمنا حلف المالك أنه ما رهنه هذا الشئ، لان الاصل عدم الرهن، ويحلف من بيده الشئ أنه ما اشتراه، لان الاصل عدم الشراء، ويبطل العقدان ويسقط المالان ويرد الشئ إلى صاحبه. فان قال من بيده الشئ رهنتنيه بألف أقبضتكها، وقال المالك بل رهنتكه بألف لم أقبضها - فالقول قول المالك مع يمينه - لان الاصل عدم القبض

قال العمرانى في البيان: وإن قال من بيده العبد (إن كان الرهن عبدا) بعتنيه بألف وقال السيد: رهنتكه بألف، حلف السيد أنه ما باعه العبد، فإذا حلف خرج العبد من يد من هو بيده لان المبيع زال بيمين السيد، وبطل الرهن، لان المالك يقر له به والمرتهن ينكره، ومتى أنكر المرتهن الرهن زال الرهن ثم قال قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب والمحاملى في المجموع: فإن قال السيد: رهنتكه بألف قبضتها منى ثمنا حلف كل واحد منهما على نفى ما ادعى عليه، لان الاصل عدم العقد، وعلى السيد الالف، لانه مقر بوجوبها. قلت: والذى يقتضى القياس عندي أنه لا يمين على الذى بيده العبد لانه ما ارتهن العبد لما ذكرناه في المسألة قبلها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن رهن عصيرا وأقبضه، ثم وجده خمرا في يد المرتهن فقال: أقبضتنيه وهو خمر، فلى الخيار في فسخ البيع. وقال الراهن: بل أقبضتكه وهو عصير، فصار في يدك خمرا، فلا خيار لك، ففيه قولان. (أحدهما) أن القول قول المرتهن، وهو اختيار المزني، لان الراهن يدعى قبضا صحيحا، والاصل عدمه. (والثانى) أن القول قول الراهن، وهو الصحيح، لانهما اتفقا على العقد والقبض. واختلفا في صفة يجوز حدوثها فكان القول قول من ينفى الصفة، كما لو اختلف البائع والمشترى في عيب بعد القبض، وإن اختلفا في العقد فقال المرتهن رهنتنيه وهو خمر. وقال الراهن: بل رهنتكه وهو عصير. فصار عندك خمرا، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أكثرهم: هي على قولين. وقال أبو على بن أبى هريرة: القول قول المرتهن قولا واحدا، لانه ينكر العقد والاصل عدمه. فإن رهن عبدا فأقبضه في محمل أو ملفوفا في ثوب، ووجد ميتا. فقال المرتهن أقبضتنيه وهو ميت، فلى الخيار في فسخ البيع. وقال الراهن أقبضتكه حيا ثم مات عندك، فلا خيار لك ففيه طريقان. (أحدهما) وهو الصحيح: أنه على القولين كالعصير (والثانى) وهو قول

أبى على الطبري أن القول قول المرتهن، لان هذا اختلاف في اصل القبض لان الميت لا يصح قبضه، لانه لا يقبض إلا ظاهرا، بخلاف العصير، فانه يقبض في الظرف، والظاهر منه الصحة. (الشرح) الاحكام: إذا رهنه عينا فوجدت في يد المرتهن، فقال المرتهن. قبضتها بإذنك رهنا. وقال الراهن لم آذن لك بقبضها، وإنما غصبتنيها أو أجرتها منك، فقبضتها عن الاجارة فالقول قول الراهن مع يمينه، لان الاصل عدم الاذن، وإن اتفقا على الرهن والاذن والقبض، ولكن قال الراهن رجعت في الاذن قبل أن يقبض، وقال المرتهن لم ترجع، ولم تقم بينة على الجوع فالقول قول المرتهن مع يمينه أنه ما يعلم أنه رجع، لان الاصل عدم الرجوع. وان اتفقا على الرهن والاذن، واختلفا في القبض، فقال الراهن. لم تقبض وقال المرتهن بل قبضت. قال الشافعي في موضع القول قول المرتهن وقال في موضع القول قول الراهن قال أصحابنا ليست على قولين وإنما هي على حالين فان كانت العين في يد الراهن فالقول قول الراهن لان الاصل عدم القبض والذى يقتضى المذهب عندي أن يحلف أنه ما يعلم أنه قبض، لا يحلف على نفى فعل غيره، وإن كانت العين في يد المرتهن حلف أنه قبض لان الظاهر أنه قبض بحق. (فرع) وإن أقر أنه رهن عند غيره عينا وأقبضه إياها ثم قال الراهن لم يكن قبضها، وأراد منعه من القبض لم يقبل رجوعه عن إقراره بالقبض، لان إقراره لازم، فإن قال الراهن للمرتهن. احلف أنك قبضتها. قال الشافعي رضى الله عنه أحلفته. قال في البيان واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق ان كان المرهون غائبا فقال أقررت بالقبض لان وكيلى أخبرني أنه أقبضه ثم بان لى أنه لم يقبضه أحلف المرتهن لانه لا يكذب لنفسه، وانما يدعى أمرا محتملا. فأما إذا كان الرهن حاضرا أو أقر أنه أقبضه بنفسه ثم رجع. وقال لم يقبض، لم تسمع دعواه، ولم يحلف المرتهن لانه يكذب نفسه. وقال أبو على بن خيران وعامة أصحابنا يحلف المرتهن بكل حال وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أما مع غيبة الرهن فلما ذكر الشيخ أبو إسحاق مع

حضوره فلانه قد يستنيب غيره بالاقباض، فيخبره بأن المرتهن قد قبض، ثم يبين له أنه خان في إخباره، وأيضا فإنه قد يعده بالاقباض مقر له به قبل فعله، فكانت دعواه محتملة. قالوا: وهكذا لو أن رجلا أقر بأنه أقبض من رجل ألفا ثم قال بعد ذلك: لم أقبضها، وإنما وعدني أن يقرضنى فأقررت به ثم لم يفعل استحلف المقرض، لانه لا يكذب نفسه، فأما إذا شهد شاهدان بأنه رهنه عبده وأقبضه ثم ادعى أنه لم يقبضه، وطلب يمين المرتهن لم تسمع دعواه، ولم يحلف المقر له، لان في ذلك قدحا في البينة اه. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كان لرجل عبد، وعليه ألفان لرجلين لكل واحد منهما ألف فادعى كل واحد منهما أنه رهن العبد عنده بدينه، والعبد في يد الراهن أو في يد العدل نظرت، فإن كذبهما فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الرهن، وإن صدقهما وادعى الجهل بالسابق منهما فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فسخ الرهن على المنصوص، لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر فبطل، كما لو زوج امرأة وليان من رجلين، وجهل السابق منهما، ومن أصحابنا من قال: يجعل بينهما نصفين، لانه يجوز أن يكون مرهونا عندهما بخلاف الزوجة، وإن صدق أحدهما وكذب الآخر أو صدقهما وعين السابق منهما، فالرهن للمصدق، وهل يحلف للآخر؟ فيه قولان. (أحدهما) يحلف (والثانى) لا يحلف بناء على القولين فيمن أقر بدار لزيد. ثم أقر بها لعمرو، فهل يغرم لعمرو شيئا أم لا؟ فيه قولان. فان قلنا لا يغرم لم يحلف، لانه إن نكل لم يغرم فلا فائدة في عرض اليمين، وان قلنا يغرم حلف لانه ربما نكل فيغرم للثاني قيمته، فان قلنا لا يحلف فلا كلام. وان قلنا يحلف نظرت، فان حلف انصرف الآخر، وإن نكل عرضت اليمين على الثاني، فان نكل انصرف، وإن حلف بنينا على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه. فان قلنا انها كالبينة نزع العبد وسلم إلى الثاني. وان قلنا انه كالاقرار، ففيه ثلاثة أوجه.

أحدها: أنه ينفسخ لانه أقر لهما وجهل السابق منهما. والثانى: يجعل بينهما لانهما استويا، ويجوز أن يكون مرهونا عندهما فجعل بينهما. والثالث: يقر الرهن في يد المصدق ويغرم للآخر قيمته، ليكون رهنا عنده، لانه جعل كأنه أقر بأنه حال بينه وبين الرهن فلزمه ضمانه، وان كان العبد في يد أحد المرتهنين نظرت، فان كان في يد المقر له أقر في يده، لانه اجتمع له اليد والاقرار؟ وهل يحلف للثاني؟ على القولين، فان كان في يد الذى لم يقر له فقد حصل لاحدهما اليد وللآخر الاقرار، وفيه قولان. (أحدهما) يقدم الاقرار لانه يخبر عن أمر باطن. (والثانى) يقدم اليد وهو قول المزني، لان الظاهر معه، والاول أظهر، لان اليد انما تدل على الملك لا على العقد، وان كان في يدهما فللمقر له الاقرار. واليد على النصف. وفى النصف الآخر له الاقرار. وللآخر يد، وفيه قولان. أحدهما: يقدم الاقرار فيصير الجميع رهنا عند المقر له. والثانى يقدم اليد فيكون الرهن بينهما نصفين. (الشرح) الاحكام: إذا باعه شيئا بشرط أن يرهنه عصيرا فرهنه العصير. وقبض المرتهن فوجد خمرا. فقال المرتهن: أقبضتنيه خمرا فلى الخيار في فسخ البيع. وقال الراهن: بل صار خمرا بعد أن أخذته في يدك فلا خيار لك: ففيه قولان. أحدهما: أن القول قول المرتهن مع يمينه. وهو قول أبى حنيفة والمزنى لان الراهن يدعى قبضا صحيحا والاصل عدمه. والثانى: أن القول قول الراهن وهو الصحيح لانهما قد اتفقا على العقد والتسليم. واختلفا في تغير صفته. والاصل عدم التغيير. وبقاء صفته كما لو باعه شيئا وقبضه فوجد به عيب في يد المشترى يمكن حدوثه بيده. فان القول قول البائع. وان قال المرتهن: رهنتنيه وهو خمر. وقال الراهن: رهنتكه وهو عصير. وقبضته عصيرا. وانما صار خمرا في يدك. فاختلف أصحابنا فيه. فقال أبو على بن أبى هريرة: القول قول المرتهن قولا واحدا. لانه ينكر أصل العقد. وقال عامة أصحابنا هي على قولين كالتى قبلها وهو المنصوص في مختصر المزني وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله. (فصل) وإن رهن عبدا وأقبضه ثم أقر أنه جنى قبل الرهن على رجل وصدقه المقر له، وأنكر المرتهن ففيه قولان (أحدهما) أن القول قول المرتهن وهو اختيار المزني لانه عقد إذا تم منع البيع فمنع الاقرار كالبيع (والثانى) أن القول قول الراهن، لانه أقر في ملكه بما لا يجر نفعا إلى نفسه فقبل إقراره كما لو لم يكن مرهونا، ويخالف هذا إذا باعه لان هناك زال ملكه عن العبد فلم يقبل اقراره عليه وهذا باق على ملكه فقبل اقراره عليه، فان قلنا ان القول قول الراهن فهل يحلف؟ فيه قولان (أحدهما) لا يحلف لان اليمين انما يعرض ليخاف فيرجع إن كان كاذبا والراهن لو رجع لم يقبل رجوعه، فلا معنى لعرض اليمين، ولانه أقر في ملكه لغيره فلم يحلف عليه كالمريض إذا أقر بدين (والثانى) يحلف لانه يحتمل أن يكون كاذبا بأن واطأ المقر له ليسقط بالاقرار حق المرتهن فحلف فإذا ثبت أنه رهنه وهو جان ففى رهن الجاني قولان (أحدهما) أنه باطل (والثانى) أنه صحيح، وقد بينا ذلك في أول الرهن، فإن قلنا انه باطل وجب بيعه في أرش الجناية، فإن استغرق الارش قيمته بيع الجميع، وإن لم يستغرق بيع منه بقدر الارش. وفى الباقي وجهان (أحدهما) أنه مرهون لانه إنما حكم ببطلانه لحق المجني عليه، وقد زال. (والثانى) أنه لا يكون مرهونا لانا حكمنا ببطلان الرهن من أصله فلا يصير مرهونا من غير عقد، وإن قلنا إنه صحيح فإن استغرق الارش قيمته بيع الجميع وان لم يستغرق بيع منه بقدر الارش ويكون الباقي مرهونا، فإن اختار السيد أن يفديه على هذا القول فبكم يفديه؟ فيه قولان (أحدهما) يفديه بأقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية (والثانى) يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسلم المبيع فان قلنا إن القول قول المرتهن لم يقبل قوله من غير يمين، لانه لو رجع قبل رجوعه فحلف فإذا ثبت أنه غير جان فهل يغرم الراهن أرش الجناية؟ ففيه قولان بناء على القولين فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو. أحدهما يغرم لانه منع بالرهن حق المجني عليه. والثانى لا يغرم لانه إن كان كاذبا فلا حق عليه،

وإن كان صادقا وجب تسليم العبد، فإن قلنا انه لا يغرم فرجع إليه تعلق الارش برقبته كما لو أقر على رجل أنه أعتق عبده ثم ملك العبد فإنه يتق عليه. وان قلنا يغرم فكم يغرم؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالقسم قبله. ومنهم من قال يغرم أقل الامرين قولا واحدا، لان القول الثاني انما يجئ في الموضع الذى يمكن بيعه فيمتنع. وههنا لا يمكن بيعه فصار كجناية أم الولد، وان نكل المرتهن عن اليمين فعل من ترد اليمين؟ فيه طريقان (أحدهما) ترد على الراهن وان نكل، فهل ترد على المجني عليه. فيه قولان كما قلنا في غرماء الميت. ومن أصحابنا من قال نرد اليمين على المجني عليه أولا، فإن نكل فهل ترد على الراهن. على قولين لان المجني عليه يثبت الحق لنفسه وغرماء الميت يثبتون الحق للميت. (الشرح) الاحكام: في هذا الفصل وان كان المثل فيها بالعبد، وكان المثل لا يقتضيه ولا يسوغه عصرنا، لما قام عليه الاجماع البشرى من تحرير الرقاب الآدمية، وكان هذا من مقاصد الشريعة السمحة، وأهدافها وغاياتها، على ما سنبينه ان شاء الله تعالى في أبواب العتق، فإنه يمكن أن ينطبق الحكم على نحو شئ آخر يمتلك ويرتهن ويقع عليه الخلاف احتمالا، فنقول وبالله التوفيق: إذا كان لرجلين على رجل مائتا دينار، ولكل واحد منهما مائة وله سيارة، فادعى عليه كل واحد منهما أنه رهن عنده السيارة وأقبضه اياها ولا بينة لهما، فان كذبهما حلف لكل واحد منهما يمينا، لان الاصل عدم الرهن، سواء كانت السيارة في أيديهما أو في يده لان اليد لا ترجح بها في العقد، وان صدق أحدهما وكذب الآخر حكم بالرهن للمصدق، وسواء كانت السيارة في يد المصدق أو المكذب، وهل يحلف الراهن للمكذب، فيه قولان بناء على من أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو، هل يغرم لعمرو قيمتها. فيه قولان، فان قلنا يغرم حلف ها هنا لجواز أن يخلف اليمين فيقر للمكذب فيثبت له القيمة. فان قلنا لا يغرم لم يحلف، لانه لو أقر له بعد الاقرار الاول لم يحكم له بشئ فلا فائدة في تحليفه، وان أقر لهما بالرهن والتسليم فادعى كل واحد منهما أنه هو

السابق بالرهن والتسليم رجع إلى الراهن. فإن قال لا أعلم السابق منكما بذلك فان صدقاه أنه لا يعلم ولا بينة لهما ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أن الرهن ينفسخ لانهما قد استويا في ذلك، والبيان من جهته قد تعذر، فحكم بانفساخ العقدين كما تقول في المرأة إذا زوجها وليان لها من رجلين، وتعذر معرفة السابق منهما، والثانى يقسم بينهما لانه يمكن قسمته بينهما، ويمكن أن يكون رهن عند كل واحد منهما نصفه. وإن كذباه وقال بل نعلم السابق من العقدين والتسليم فيه فالقول قول الراهن مع يمينه لان الاصل عدم العلم، قال الشيخ أبو حامد: فيحلف لكل منهما يمينا أنه لا يعلم أنه السابق، فإذا أحلف لهما كانت على وجهين سبق ذكرهما، حيث قلنا: المنصوص أنه ينفسخ العقدان. والوجه الثاني يقسم بينهما وإن نكل عن اليمين - أي خاف منها وامتنع من أدائها - عرضنا اليمين عليهما فان حلف كل واحد منهما أن الراهن يعلم أنه السابق. قال ابن الصباغ: كانت على الوجهين الاولين. المنصوص أن الرهنين ينفسخان. والثانى يقسم بينهما. وان حلف أحدهما ونكل الآخر حكم بالرهن للحالف دون الآخر وإن اعترف الراهن أنه يعلم السابق منهما، وقال هذا هو السابق - لم يخل اما أن يكون الرهن في يد الراهن أو في يد أجنبي، أو في يد المقر له بالسبق حكم بالرهن للمقر له لانه اجتمع له اليد والاقرار، وهل يحلف الراهن للآخر. فيه قولان. وحكاهما الشيخ ابو حامد وجهين، المنصوص أنه لا يحلف له لانه ربما خاف من اليمين وأقر للثاني لم ينزع الرهن، فنؤخذ منه القيمة فيكون رهنا مكانه. فإذا قلنا لا يمين عليه فلا كلام، وان قلنا عليه اليمين نظرت، فان حلف للثاني انصرف، وان أقر للثاني أنه رهنه أولا وأقبضه وخاف من اليمين رفضنا هذا الاقرار في حق المقر له أولا بانتزاع الرهن منه، ولكن يؤخذ من المقر قيمة الرهن وتجعل رهنا عند المقر له الثاني، لانه حال بينه وبينه باقراره المتقدم قال في البيان: وان نكل عن اليمين ردت على الثاني، وان لم يحلف قلنا له اذهب فلا حق لك، وان حلف، فان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة انتزع الرهن من الاول وسلم إلى الثاني

قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: إلا أن أصحابنا لم يفرعوا على هذا القول وهذا يدل على ضعفه قال العمرانى: وإن قلنا إن يمين المدعى مع نكول المدعى على كالاقرار، فذهب أبو إسحاق في المهذب في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) ولم يذكر في التعليق والشامل غيره، أن الرهن لا ينزع من يد الاول، ويلزم المقر أن يدفع قيمته إلى المقر له الثاني ليكون رهنا عنده لانه حال بينه وبينه باقراره الاول. (والثانى) يجعل بينهما لانهما استويا في الاقرار، ويجوز أن يكون مرهونا عنده منها (والثالث) ينفسخ الرهنان لانه أقر لهما، وجهل السابق منهما، وان كان الرهن في يد الذى لم يقر له، فقد حصل لاحدهما الاقرار وللآخر اليد، وفيه قولان (أحدهما) أن صاحب اليد أولى، فيكون القول قوله مع يمينه أنه السابق كما لو قال " بعت هذا العبد من أحدهما " وكان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه (والثانى) أن القول قول الراهن أن الآخر هو السابق، لانه إذا اعترف أن السابق هو الآخر فهو يقر أنه لم يرهن من بيده شيئا، ومن بيده يدعى ذلك، كما لو ادعى عليه أنه رهنه فإذا قلنا بهذا فهل يحلف الراهن لمن بيده؟ على القولين فيمن أقر لزيد بدار ثم أقر بها لعمرو على ما سبق، وان كان الرهن في يد المرتهنين فقد اجتمع لاحدهما اليد والاقرار في النصف، فيكون أحق به، وهل يحلف للآخر عليه، على القولين وأما النصف الذى في يد الآخر فهل اليد أقوى أم الاقرار، على القولين الاولين، فان قلنا ان اليد أقوى حلف من هو بيده عليه وكان رهنا بينهما، وهل يحلف لمن يقر له على النصف الذى بيد المقر له، على القولين فان قلنا الاقرار أولى انتزع الرهن فجعل رهنا للمقر له. وهل يحلف للآخر على جميعه، على القولين فيمن أقر بدار لزيد، ثم أقر بها لعمرو، والمنصوص أنه لا يحلف.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أعتق الراهن العبد المرهون ثم اختلفا فقال الراهن أعتقته باذنك، وأنكر المرتهن الاذن فالقول قوله لان الاصل عدم الاذن، فإن نكل عن اليمين حلف الراهن وان نكل الراهن فهل ترد على العبد؟ فيه طريقان. (احدهما) أنه على قولين بناء على رد اليمين على غرماء الميت. قال في الجديد لا ترد، لانه غير المتراهنين فلا ترد عليه اليمين، وقال في القديم: ترد لانه يثبت لنفسه حقا باليمين، ومن أصحابنا من قال: ترد اليمين على العبد قولا واحدا لان العبد يثبت باليمين حقا لنفسه وهو العتق خلاف غرماء الميت. (فصل) وإن كان المرهون جارية فادعى الراهن أنه وطئها بإذن المرتهن، فأتت بولد لمدة الحمل وصدقه المرتهن، ثبت نسب الولد وصارت الجارية أم ولد وان اختلفا في الاذن أو في الولد أو في مدة الحمل فأنكر المرتهن شيئا من ذلك فالقول قوله، لان الاصل في هذه الاشياء العدم. (فصل) فان كان عليه ألف برهن وألف بغير رهن فدفع إليه ألفا ثم اختلفا نظرت، فان اختلفا في اللفظ فادعى المرتهن أنه قال هي عن الالف التى لا رهن بها. وقال الراهن بل قلت هي عن الالف التى بها الرهن، فالقول قول الراهن لانه منه ينتقل إلى المرتهن. فكان القول قوله في صفة النقل. وان اختلفا في النية فقال الراهن نويت أنها عن الالف التى بها الرهن. وقال المرتهن بل نويت أنها عن الالف التى لا رهن بها فالقول قول الراهن لما ذكرناه في اللفظ، ولانه أعرف بنيته، وإن دفع إليه الالف من غير لفظ ولا نية ففيه وجهان. قال أبو إسحاق يصرفه إلى ما شاء منهما، كما لو طلق إحدى المرأتين. وقال أبو على بن أبى هريرة يجعل بينهما نصفين لانهما استويا في الوجوب فصرف القضاء اليهما. (فصل) وإن أبرأ المرتهن الراهن عن الالف ثم اختلفا نظرت. فان اختلفا في اللفظ فادعى الراهن أنه قال أبرأتك عن الالف التى بها الرهن. وقال المرتهن بل قلت أبرأتك من الالف التى لا رهن بها فالقول قول المرتهن، لانه هو الذى يبرئ، فكان القول في صفة الابراء قوله، فان اختلفا في النية فقال الراهن:

نويت الابراء عن الالف التى بها الرهن، وقال المرتهن نويت الابراء عن الالف التى لا رهن بها، فالقول قول المرتهن، لما ذكرناه في اللفظ، ولانه أعرف بنيته فإن أطلق صرفه إلى ما شاء منهما في قول أبى إسحاق، وجعل بينهما في قول أبى على بن أبى هريرة. (فصل) وان ادعى المرتهن هلاك الرهن فالقول قوله مع يمينه، لانه أمين، فكان القول قوله في الهلاك كالمودع، وإن ادعى الرد لم يقبل قوله، لانه قبض العين لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر. (فصل) وان كان الرهن على يد عدل قد وكل في بيعه فاختلفا في النقد الذى يبيع به باعه بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ متساويان باع بما هو أنفع للراهن لانه ينفع الراهن ولا يضر المرتهن، فوجب به البيع، فإن كانا في النفع واحدا فان كان أحدهما من جنس الدين باع به، لانه أقرب إلى المقصود، وهو قضاء الدين، فان لم يكن واحد منهما من جنس الدين باع بأيهما شاء، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر ثم يصرف الثمن في جنس الدين. (الشرح) الاحكام: أظهر ما يدخل في هذا الفصل أنه إذا كاتب عبدا ثم أقر أنه كان جنى قبل ذلك لم يقبل إقراره بذلك لان المكاتب بمنزلة من زال ملكه عنه لان أرش الجناية لا يرجع عليه، وان كاتبه ثم أقر أنه أعتقه أو باعه قبل ذلك. قال الشيخ أبو حامد: عتق في الحال وسقط المال عنه لان اقراره بذلك ابراء منه له من مال الكتابة وكلام المصنف في سائر الفصل ظاهر. والفصول الاخرى بعضها ظاهر المعنى، والآخر مر في الباب أحكامه وتفصيله فلا حاجة بنا للاطالة في اعادته وبالله التوفيق.

باب التفليس

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب التفليس إذا كان على رجل دين، فان كان مؤجلا لم يجز مطالبته، لانا لو جوزنا مطالبته سقطت فائدة التأجيل، فان أراد سفرا قبل محل الدين، لم يكن للغريم منعه، ومن أصحابنا من قال ان كان السفر مخوفا كان له منعه، لانه لا يأمن أن يموت فيضيع دينه، والصحيح هو الاول، لانه لا حق له عليه قبل محل الدين، وجواز أن يموت لا يمنع من التصرف في نفسه قبل المحل، كما يجوز في الحضر أن يهرب ثم لا يملك حبسه لجواز الهرب، وان قال أقم لى كفيلا بالمال، لم يلزمه، لانه لم يحل عليه الدين فلم يملك المطالبة بالكفيل، كما لو لم يرد السفر، وان كان الدين حالا نظرت، فان كان معسرا لم يجز مطالبته لقوله تعالى " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " ولا يملك ملازمته لان كل دين لا يملك المطالبة به لم يملك الملازمة عليه كالدين المؤجل، فان كان يحسن صنعة فطلب الغريم أن يؤجر نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك لانه اجبار على التكسب فلم يجز كالاجبار على التجارة، وان كان موسرا جازت مطالبته. لقوله تعالى " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ". فدل على أنه إذا لم يكن ذا عسرة لم يجب انظاره، فان لم يقضه ألزمه الحاكم، فان امتنع، فان كان له مال ظاهر باعه عليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " ألا ان الاسيفع أسيفع جهينه رضى من دينه أن يقال سبق الحاج فادان معرضا فأصبح وقد رين به، فمن له دين فليحضر، فانا بايعو ماله وقاسموه بين غرمائه " وان كان له مال كتمه حبسه وعزره حتى يظهره، فان ادعى الاعسار نظرت، فان لم يعرف له قبل ذلك مال فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم المال، فان عرف له المال لم يقبل قوله، لانه معسر الا ببينة، لان الاصل بقاء المال، فان قال غريمي يعلم أنى معسر، أو أن مالى هلك فحلفوه حلف، لان ما يدعيه محتمل، فان أراد أن يقيم البينة على هلاك المال قبل فيه شهادة عدلين.

فان أراد أن يقيم البينة على الاعسار لم يقبل الا بشهاة عدلين من أهل الخبرة والمعرفة بحاله، لان الهلاك يدركه كل أحد والاعسار لا يعلمه الا من يخبر باطنه، فان أقام البينة على الاعسار وادعى الغريم أن له مالا باطنا فطلب اليمين عليه، ففيه قولان (أحدهما) لا يحلف، لانه أقام البينة على ما ادعاه فلا يحلف، كما لو ادعى ملكا وأقام عليه البينة. (والثانى) يحلف لان المال الباطن يجوز خفاؤه على الشاهدين، فجاز عرض اليمين فيه عند الطلب، كما لو اقام عليه البينة بالدين وادعى أنه أبرأه منه، وان وجد في يده مال فادعى أنه لغيره نظرت، فان كذبه المقر له بيع في الدين لان الظاهر أنه له، وان صدقه سلم إليه. فان قال الغريم أحلفوه لى أنه صادق في اقراره ففيه وجهان (أحدهما) يحلف لانه يحتمل أن يكون كاذبا في اقراره (والثانى) لا يحلف وهو الصحيح، لان اليمين تعرض ليخاف فيرجع عن الاقرار، ولو رجع عن الاقرار لم يقبل رجوعه فلا معنى لعرض اليمين. (الشرح) خبر عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الموطأ والدارقطني وابن أبى شيبة والبيهقي وعبد الرزاق بألفاظ سنوردها أما لغات الفصل فان الفلس مأخوذ من الفلوس وهو أخس مال الرجل، لان أقل صنوف النقود هو الفلس وهو عند اخواننا أهل العراق والشام يساوى مليما عند أهل مصر والسودان والهللة عند اخواننا أهل الحجاز ونجد، والبقشة عند اخواننا أهل اليمن، وقد دخل لفظ الفلس في لغات أهل أوربا بلهجتهم، فقالوا البنس والبيزا. قال في المصباح: وبعضهم يقول أفلس الرجل أي صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم فهو مفلس، والجمع مفاليس، وحقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر، وفلسه القاضى تفليسا نادى عليه وشهره بين الناس بأنه صار مفلسا والفلس الذى يتعامل به جمعه في القلة أفلس وفى الكثرة فلوس. ومن هنا كان المفلس هو الذى يملك مالا تافها، وقد ورد في الحديث هو

الذى لا مال له، فقد أخرج مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أتدرون من المفلس. قالوا يا رسول المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال ليس ذلك المفلس. ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال. ويأتى وقد ظلم هذا ولطم هذا وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فان بقى عليه شئ أخذ من سيئاتهم فرد عليه ثم صك له صك إلى النار " فقولهم ذلك اخبار عن حقيقة المفلس والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد نفى الحقيقة. بل أراد أن فلس الآخرة أشد وأعظم بحيث يصير مفلس الدنيا بالنسبة إليه كالغنى وذلك نحو قوله صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذى يغلب نفسه عند الغضب " وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس " وقوله " ليس السابق من سبق بعيره. وانما السابق من غفر له " وقول الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت * انما الميت ميت الاحياء وسموه مفلسا لان ماله مستحق. وفى اصطلاح الفقهاء: من ديته أكثر من ماله وخرجه أكثر من دخله الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم. وقوله الاسيفع تصغير أسفع والانثى سفعاء. والسفعة سواد مشرب بحمرة الاحكام: إذا كان على الرجل دين فلا يخلو اما أن يكون حالا أو مؤجلا. فان كان حالا فان كان معسرا لم تجز مطالبته لقوله تعالى " فنظرة إلى ميسرة " ولا يجوز لغريمه ملازمته وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة ليس للغريم مطالبته ولكن له ملازمته فيسير معه حيث سار ويجلس معه حيث جلس الا أنه لا يمنعه من الاكتساب. وإذا رجع إلى داره فان أذن لغريمه بالدخول معه دخل معه وان لم يأذن له بالدخول كان للغريم منعه من الدخول دليلنا قوله تعالى " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " فأمر بانظار المعسر فمن قال انه يلازمه خالف ظاهر الآية. وروى أن رجلا ابتاع ثمرة فأصب بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يف بما عليه. ثم قال تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يف بما عليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه " خذوا ما وجدتم

ما لكم غيره " وهذا نص، ولان كل من لا مطالبة له لم يجز ملازمته، كما لو كان الدين مؤجلا، فإن كان الذى عليه الدين يحسن صنعة لم يجبر على الاكتساب بها ليحصل ما يقضى به دينه. وهذا من أعظم مقاصد الشريعة الغراء في أن الحرية الشخصية أثمن من كل شئ فلا يعدلها مال ولا دين، ولا يقيدها غريم ولا سلطان، بل ان اكتسب وحصل معه مال يفضل عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته قضى به الدين. وبه قال مالك وأبو حنيفة وعامة أهل العلم ما دام معسرا وقال أحمد وإسحاق بن راهويه يجبر على الاكتساب لقضاء الدين، وبه قال عمر بن العزيز وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضى دليلنا حديث الرجل الذى ابتاع الثمرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه أن يأخذوا ما معه وقال " خذوا ما وجدتم ما لكم غيره " ولم يأمره بالاكتساب لهم، ولان هذا إجبار على الاكتساب فلم يجب ذلك، كما لا يجبر على قبول الوصية، وكذلك لو تزوج امرأة بمهر كبير لم يجبر على طلاقهما قبل الدخول ليرجع إليه نصفه، فإن كان موسرا جازت مطالبته لقوله تعالى " وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " فأوجب إنظار المعسر، فدل على أن الموسر لا يجب إنظاره، فان لم يقضه أمره الحاكم بالقضاء، فان لم يفعل - فان كان له مال ظاهر - باع الحاكم عليه ماله وقضى الغريم، وان قضى الحاكم الغريم شيئا من مال من عليه الدين جاز، وبه قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حنيفة لا يجوز أن يبع ماله عليه ولكن يحبسه حتى يقضى الدين بنفسه وان كان الدين مؤجلا لم يجز مطالبته به قبل حلول الاجل، لان ذلك يسقط فائدة التأجيل، فإذا أراد أن يسافر قبل حلول الدين سفرا يزيد على الاجل نظرت فان كان لغير الجهاد لم يكن للغريم منعه ولا مطالبته بأن يقيم له كفيلا يدينه ولا أن يعطيه رهنا. قال الشافعي رضى الله عنه: ويقال له حقك حيث وضعته، يعنى أنك رضيت حال العقد أن يكون مالك عليه بلا رهن ولا ضمين، وحكى أصحابنا عن مالك رحمه الله أنه قال: له مطالبته بالكفيل أو الرهن

دليلنا أنه ليس له مطالبته بالحق فلم يكن له مطالبته بالكفيل والرهن، كما لو لم يرد السفر. وإن كان السفر للجهاد ففيه وجهان، من أصحابنا من قال له منعه إلى أن يقيم له كفيلا أو يعطيه رهنا بدينه، لان الشافعي رحمه الله قال: ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدين، ولم يفرق بين الحال والمؤجل، ولان المجاهد يعرض نفسه للقتل طلبا للشهادة، فلم يكن بد من إقامة الكفيل أو الرهن، ليستوفى صاحب الدين دينه منه. فإذا حل الدين وكان له مال ظاهر باع الحاكم عليه ماله وقضى الدين. دليلنا ما روى أن عمر رضى الله عنه صعد المنبر وقال: ألا إن الاسيفع أسيفع جهينة رضى من دينه، فادان معرضا فأصبح وقد رين به، فمن كان له دين فليحضر فانا بايعوا ماله. وروى: رضى من دينه وأمانته أن يقال سابق الحاج، وروى سبق الحاج فادان معرضا فأصبح قد رين به، فمن كان له عليه دين فليحضر غدا فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه. وروى: فمن كان له دين فليعد بالغداة فلنقسم ماله بينهم بالحصص. وان هذا بمجمع من الصحابة رضى الله عنهم ولم ينكر عليه أحد، فدل على أنه إجماع قوله " فادان معرضا " أي أنه يتعرض الناس فيستدين ممن أمكنه ويشترى به الابل الجياد، ويروح في الحاج فيسبق الحاج. وقوله " فأصبح قد رين به " يقال رين بالرجل إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به، ويقال إنما عليك وعلاك قد ران بك وران عليك. قال الله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب. وإن امتنع من عليه الدين من القضاء وكتم ماله عزره الحاكم وحبسه إلى أن يظهر ماله، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لئ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته " رواه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححه عن عمرو بن الشريد عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ وكيع: عرضه شكايته، وعقوبته حبسه. (قلت) لم يرد أن يقذفه أو يطعن في نسبه، إنما يوصف بالظلم والعدوان. وقوله " لى الواجد " اللى المطل. يقال لويته ألويه ليا

وأما إذا لم يكن له مال وقال: أنا معسر وكذبه الغريم نظرت، فإن حصل بمعاوضة كالديون التجارية وهى تختلف في عصرنا هذا عن الديون المدنية، وهى في عرف الفقهاء أعنى ديون المعاوضة مثل البيع والسلم والقرض فتشمل الديون المدنية والتجارية، أما غير المعاوضة فهى الديون الجنائية ومهر الزوجة، أقول إذا كان الدين من الصنف الاول، وأنه قد صرف له قبل ذلك لم تقبل دعواه أنه معسر، لانه قد ثبت ملكه للمال، والاصل بقاؤه، فلا نقبل قوله في الاقرار، بل يحبسه الحاكم - وهو ما يعمل به في المحاكم والوضعية من الحكم بالسجن على المتفالس، الذى يأخذ أموال الناس وبضائعهم ويدعى الافلاس فيسقط اعتباره ويسجن إلى خمس سنين - فان قال: غريمي يعلم أنى معسر أو أن مالى هلك. فان صدقه الغريم على ذلك خلى من الحبس. وإن كذبه حلف الغريم أنه ما يعلم أنه معسر أو ما يعلم أن ماله هلك وحبس من عليه الدين، فان أراد أن يقيم البينة على الاعسار لم تقبل إلا من شهادة شاهدين من أهل الخبرة والتحقيق واستقصاء أوجه الدخل والخرج كمحاسبين أمينين وهذا هو نصهم " من أهل الخبرة الباطنة " فان كانت البينة من أهل الخبرة الباطنة سمعت. وقال مالك رضى الله عنه: لا تسمع لانها شهادة على النفى فلم تقبل. دليلنا حديث قبيصة بن المخارق الهلالي عند مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يا قبيصة بن مخارق لا تحل المسألة إلا لثلاثة، رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى شهد أو تكلم ثلاثة من ذوى الحجى من قومه أن به حاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما " وما ذكر من أنها شهادة نفى غير صحيح، لانها وان كانت تتضمن النفى فهى تثبت حالا تظهر ويقف عليها الشاهد كما لو شهد أن لا وارث له غير هذا. وان أراد أن يقيم البينة على تلف ماله، قبلت شهادة عدلين سواء كانا من أهل الخبرة أم لا، لان التلف أمر يدركه كل واحد من خلطائه أو المباشرين له أو من كانوا من المال عن كثب، كأن كانوا عمالا عنده أو عند جيرانه أو مالك

العين التى يشغلها في عمله أو متجره، أو كان من عملائه والمترددين عليه أو نحوهم ممن تربطهم بالاطلاع على التلف أسباب. فإن طلب الغريم يمينه مع ذلك لم يحلف لان في ذلك تكذيبا للشهود، وقدحا في البينة. إذا ثبت هذا: فإن البينة في كلتا الحالتين تسمع في الحال ويخلى سبيله من الحبس. وقال أبو حنيفة تسمع في الحال ويحبس من عليه الدين شهرين، وروى ثلاثة أشهر، وروى أربعة أشهر. وقال الطحاوي " يحبس شهرين " والمقصود من حبسه أن يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لاظهره، وهذا ليس بصحيح لان كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها حالا كسائر البينات. وكم عدد البينة التى تقبل في الاعسار؟ قال أصحابنا البغداديون: تقبل فيه شهادة ذكرين عدلين كشهادة التلف مع زيادة الخبرة بباطن حال المفلس، وهو قول أصحاب أحمد. وقال المسعودي لا تقبل أقل من ثلاثة رجال ويحلف معهم ولعله يحتج بخبر قبيصة بن المخارق الهلالي في عددهم. فإن أقام البينة على الاعسار فقال الغريم: له مال باطن لا تعلم به البينة، وطلب يمينه على ذلك، ففيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه أن يحلف وهو قول أبى حنيفة، لان فيه تكذيبا للشهود (والثانى) يجب عليه أن يحلف فإن لم يحلف حبس. وقال الخرقى من أصحاب أحمد: ومن وجب عليه حق فذكر أنه معسر به حبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسرته. وقال ابن المنذر: اكثر من نحفظ عنه من علماء الامصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن، ولم يذكر الشيخ أبو حامد من أصحابنا في التعليق غير أنه يجب عليه أن يحلف، فان لم يحلف حبس، لانه يجوز أن يكون له مال باطن خفى على البينة، وقد يكون لرجل مال لا يعلم به أقرب الناس إليه، وقد يكون لاحد الزوجين مال ولا يعلم به الآخر. وإن ثبت عليه الدين في غير معاوضة مثل جنايته على غيره أو إتلافه عليه ماله

ولم يعلم له قبل ذلك مال. وادعى أنه معسر. فالقول قوله مع يمينه أنه معسر، لان الاصل الفقر حتى يعلم اليسار. وفى الحديث الشريف " إن ابن آدم خلق ليس عليه شئ الا قشرتاه، ثم يرزقه الله ". فإذا حلف ثم ظهر له غريم آخر. قال الصيمري: لم يحلف له ألبتة لانه قد ثبت اعساره باليمين الاولى، وان كان في يده مال فقال هو لزيد وديعة أو مضاربة فان كان المقر له غالبا حلف من عليه الدين وسقطت عنه المطالبة، لان الاصل عدم العسر، وما ذكره الصيمري ممكن جدا. وان كان المقر له حاضرا رجع إليه، فان كذبه قسم المال بين الغرماء، وان صدقه حكم للمقر له، فان طلب يمين المقر أنه صادق في اقراره فهل يجب احلافه فيه وجهان. أحدهما: لا يجب احلافه لانه لو رجع عن اقراره لم يقبل فلا معنى لا حلافه والثانى: أنه يجب احلافه، فان لم يحلف حبس لجواز أن يكون واطأ المقر له على ذلك، فان طلب الغريم يمين المقر له أن المال له. قال ابن الصباغ: فعندي أنه يحلف لانه لو أكذب المقر ثبت المال للغرماء، فإذا صدقه حلف. إذا ثبت هذا، فكل من حكمنا باعساره بالبينة، فانه لا يحبس، وكل من لم يحكم باعساره يحبس ولا غاية للحبس عندنا، بل يحبس حتى ينكشف ثلاثة أيام أو اربعة أيام فإذا ثبت اعساره خلى، ولا تمنع المسألة عنه. وقال أبو حنيفة في الاصول: يحبس أربعة أشهر. وقال في موضع ثلاثة أشهر وقال في موضع ثلاثين يوما. وقال أصحابه: ليس هذا على سبيل التحديد، وانما هو على قدر حال المفلس، فان كان ممن لا يعلم بحاله الا بحبس أربعة أشهر حبس قدر ذلك، وكذلك إذا كان لا يعلم بحاله الا بحبس ثلاثة أشهر حبس قدر ذلك دليلنا: أنه لا سبيل إلى العلم بحاله من طريق القطع، وانما يعلم بحاله من طريق الظاهر، وذلك يعلم بحبس ثلاثة أيام أو أربعة، وما أشبه ذلك، وإذا حبسه الغريم فليس له حبسه عن النوم والاكل. وفى نفقته بالحبس وجهان، حكاهما الصيمري في الايضاح المذهب انها في مال

نفسه، والثانى: أنها على الغريم، فان كان المحبوس ذا صنعة - قال الصيمري: قد قيل: يمكن منها لانه يقضى بما يحصل منها دينه. وقيل: يمنع منها إذا علم أن ذلك يراخى أمره ولا معصية عليه بترك الجمعة والجماعة، ان كان معسرا. وقيل يلزمه استئذان الغريم عند ذلك حتى يمنعه، فيسقط عنه الحضور. (فرع) إذا مرض في الحبس ولم يجد من يخدمه فيه أخرج، وان وجد من يخدمه ويقوم على تمريضه وعلاجه في الحبس، فهل يجب اخراجه؟ فيه وجهان حكاهما الصيدلانى، وان جن في الحبس أخرج، وإذا حبس بطلب جماعة من الغرماء لم يكن لواحد منهم أن يخرجه حتى يجتمعوا على اخراجه وان حبس بطلب غريم، ثم حضر غريم آخر فطلب أن يخرجه ليدعى عليه أحضر، فإذا ثبت له عليه حق وطلب أن يحبس له حبس، ولا يجوز اخراجه الا باجتماعهما، وان ثبت اعساره أخرجه الحاكم من غير اذن الغريم. قال الصيدلانى: وإذا لم يكن للمعسر مال فهل له أن يحلف أنه لا حق عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) له أن يحلف وينوى أن ليس عليه اليوم حق يلزمه الخروج إليه منه (والثانى) ليس له أن يحلف، لان الحاكم إذا كان عادلا لا يحبسه الا بعد الكشف عن حاله اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان ركبته الديون ورفعه الغرماء إلى الحاكم، وسألوه أن يحجر عليه نظر الحاكم في ماله، فان كان له مال يفى بالديون لم يحجر عليه لانه لا حاجة به إلى الحجر، بل يأمره بقضاء الدين على ما بيناه، فان كان ماله لا يفى بالديون حجر عليه وباع ماله عليه لما روى عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال " كان معاذ ابن جبل من أفضل شباب قومه. ولم يكن يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه. فلو ترك أحد من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماله حتى قام معاذ بغير شئ " وروى كعب بن مالك " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجر على معاذ وباع عليه ماله " وان كان ماله يفى

بالديون إلا أنه ظهرت عليه أمارة التفليس بأن زاد خرجه على دخله ففيه وجهان (أحدهما) لا يحجر عليه لانه ملئ بالدين فلا يحجر عليه، كما لو لم يظهر فيه أمارة الفلس (والثانى) يحجر عليه لانه إذا لم يحجر عليه أتى الخرج على ماله فذهب ودخل الضرر على الغرماء. (الشرح) حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك روى متصلا، أخرجه الدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه من طريق كعب بن مالك أبى عبد الرحمن. أما مرسل عبد الرحمن الوارد في الفصل فقد أخرجه أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح. وقال ابن الطلاع في الاحكام هو حديث ثابت، وقد أخرج الحديث الطبراني ويشهد له ما عند مسلم وغيره من حديث أبى سعيد الخدرى قال " أصيب رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " أما قوله " ملئ " أي غنى كثير المال، ولكنه كثير المال الذى لغيره فهو ملئ بالدين الاحكام: إذا ثبتت الديون على رجل إما بالبينة أو باعترافه أو بأيمان المدعى عند نكوله، وسأل الغرماء الحاكم أن يحجر عليه، نظر الحاكم في ماله، فإن كان يفى بما عليه من الدين لم يحجر عليه، بل يأمره بقضاء الدين. فان امتنع باع عليه الحاكم ماله. وقضى أصحاب الديون خلافا لابي حنيفة، وقد سبقت هذه المسألة في الفصل الذى مضى. وهل تقوم الاعيان التى هي عليه بأثمانها؟ وجهان حكاهما ابن الصباغ. (أحدهما) لا يقومها لان لاربابها الرجوع فيها فلا يحتسب أثمانها عليه فلا يقومها مع باقى ماله (والثانى) يقومها لان أصحابها بالخيار أن يرجعوا فيها، أو لا يرجعوا فيها. والوجه الاول يتيح للغريم أن يأخذ عين ماله، وهو مذهب أحمد رضى الله عنه مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به " رواه الشيخان عن أبى هريرة قال الامام أحمد رضى الله عنه: لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء - أي

سوى بين الغرماء في عين المال أو في ثمنه بعد بيعه - ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث، جاز له نقض حكمه. (قلت) جملة القول في هذا أن المفلس متى حجر عليه فوجد بعض غرمائه سلعته التى باعه إياها بعينها بالشروط التى يذكرها ملك فسخ البيع وأخذ سلعه. وروى ذلك عن عثمان وعلى وأبى هريرة. وبه قال عروة ومالك والاوزاعي والشافعي والعنبري وإسحاق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وابن شبرمة وأبو حنيفة: هو أسوة الغرماء وإن قوم ماله فوجدوه لا يفى بديونه لم يحجر الحاكم عليه قبل سؤال الغرماء ذلك لانه لا ولاية له عليه في ذلك، وإن سأل الغرماء أو بعضهم الحجر عليه بعد ذلك حجر عليه، وباع عليه ماله، وبه قال مالك ومحمد وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة لا يحجر عليه ولا يبيع عليه ماله، بل يحبسه حتى يقضى ما عليه. قال العمرانى في البيان: دليلنا ما روى أن معاذ بن جبل رضى الله عنه ركبه دين على عهد رسول الله فكلم غرماؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجر عليه وباع عليه ماله حتى قام معاذ بغير شئ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ ماله لهم - يعنى لغرمائه - وهذا يحتمل تأويلين (أحدهما) أن ماله لم يف بالدين فحجر عليه، فيكون معنى قوله " خلع " أي حجر عليه (والثانى) أن معنى قوله خلع ماله لهم، أي باع ماله لهم وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أصيب في ثمار ابتاعها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تصدقوا عليه " فلم يف بما عليه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خذوا ماله ليس لكم إلا ذلك " رواه الجماعة إلا البخاري. ولم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: خذوا ماله، انهبوا ماله، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم خذوه بالحصص، وأبو حنيفة يقول: ليس لهم أن يأخذوه إلا أن يعطيهم إياه، وهذا يخالف الخبر الصحيح وإن كان ماله يفى بدينه إلا أن أمارات الافلاس بادية، فإن كان ماله بإزاء دينه ولا وجه لنفقته إلا مما بيده. أو كان له وجه كسب إلا أنه قدر نفقته أكثر

مما يجعل له بالكسب، فهل للحاكم أن يحجر عليه إذا سأله الغرماء ذلك؟ حكى المصنف في ذلك قولين، وحكاهما الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجهين (أحدهما) لا يجوز الحجر عليه بل يأمره الحاكم بقضاء الدين على ما بيناه، لان الحجر انما يكون على المفلس وهذا ليس بمفلس، لانه ملئ بالدين. (والثانى) يحجر عليه، لان الظاهر من حاله أن ماله يعجز عن الوفاء بديونه والحجر يجوز بالظاهر، ألا ترى أن السفيه يجوز الحجر عليه، لان الظاهر من حاله التبذير والاسراف، وإن كان يجوز أن لا يبذر قال المصنف رحمه الله: (فصل) والمستحب أن يشهد على الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة، فإذا حجر عليه تعلقت ديون الغرماء بماله ومنع من التصرف فيه، فان افترض أو اشترى في ذمته شيئا صح لانه لا ضرر على الغرماء فيما يثبت في ذمته ومن باعه أو أقرضه بعد الحجر لم يشارك الغرماء في ماله، لانه ان علم بالحجر فقد دخل على بصيرة، وان ديون الغرماء متعلقة بماله، وان لم يعلم فقد فرط حين دخل في معاملته على غير بصيرة فلزمه الصبر إلى أن يفك عنه الحجر، فان تصرف في المال بالبيع والهبة والعتق ففيه قولان (أحدهما) أنه صحيح موقوف لانه حجر ثبت لحق الغرماء فلم يمنع صحة التصرف في المال، كالحجر على المريض (والثانى) لا يصح وهو الصحيح لانه حجر ثبت بالحاكم فمنع من التصرف في المال كالحجر على السفيه، ويخالف حجر المريض لان الورثة لا تتعلق حقوقهم بماله الا بعد الموت، وهنها حقوق الغرماء تعلقت بماله في الحال فلم يصح تصرفه فيه كالمرهون، فان قلنا يصح تصرفه وقف، فان وفى ماله بالدين نفذ تصرفه، وإن لم يف فسخ، لانا جوزنا تصرفه رجاء أن تزيد قيمة المال أو يفتح عليه بما يقضى به الدين، فإذا عجز فسخ كما تقول في هبة المريض قال أصحابنا: وعلى هذا ينقض من تصرفه الاضعف فالاضعف فأضعفها الهبة

لانه لا عوض فيه ثم البيع لانه يلحقه الفسخ ثم العتق، لانه أقوى التصرفات ويحتمل عندي أنه يفسخ الآخر فالآخر، كما قلنا في تبرعات المريض إذا عجز عنها الثلث. (الشرح) وإذا حجر الحاكم فيستحب أن يشهد على الحجر، ويعمل على نشر نبأ الحجر بوسائل الاعلام المناسبة كالنشر في الصحف اليومية، أو الاعلان بنشرة في ديوان الشرطة، أو على حائط المكان الذى يقيم فيه المحجور عليه. وهى الوسائل المستحدثة للاعلام في عصرنا هذا حيث كان يقوم في الماضي مناد من قبل الحاكم ينادى في الاسواق " ألا ان الحاكم قد حجر على فلان ابن فلان لانه إذا لم يعلم الناس اغتروا به فعاملوه فيؤدى ذلك إلى الاضرار به وبهم، فإذا عاملوه بعد اعلامهم بحاله كانوا قد عاملوه - وهم على بينة من أمره وعلى بصيرة من أمر أنفسهم - ولان هذا الاعلام تسجيل واشهار لحكم صدر من الحاكم يأخذ صورة النفاذ، فإذا تقلد أمر القضاء حاكم آخر كان حكم سلفه معروفا له، توفرت له أسباب العلنية التى تحول بينه وبين الغموض في أمر المحجور عليه، فيباشر تنفيذ الحكم الذى صدر من سلفه ولا يحتاج إلى ابتداء الحجر من جديد. فإذا صدر حكم القاضى بالحجر على المفلس تعلقت ديون الغرماء بماله ومنع من التصرف في هذا المال. وقال أبو حنيفة: لا تتعلق الديون بماله، ولا يمنع من التصرف، بل يحبسه الحاكم حتى يوفى ما عليه من الدين دليلنا أن معاذ بن جبل ركبته الديون عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يزل يدان حتى غرق ماله كله في الدين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماؤه، فباع لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماله حتى قام معاذ بغير شئ " رواه سعيد في سننه عن عبد الرحمن بن كعب. إذا عرف هذا فإن المفلس إذا تصرف في ماله بعد الحجر عليه نظرت، فإن تصرف في ذمته، فان اقترض أو اشترى شيئا بثمن في ذمته، أو أسلم إليه في شئ صح ذلك، لان الحجر عليه في أعيان ماله، وهذا يعدل الحجز القضائى أو الاداري في عصرنا هذا على موجودات المدين وممتلكاته، ولا يؤثر ذلك في صحة

معاملاته وعقوده وقروضه وبيعه وسلمه، لانه لم يحجر عليه في ذمته، لانه لا ضرر على الغرماء فيما ثبت عليه بذمته. ومن عامله بعد ذلك فباعه أو أقرضه لم يشارك الغرماء في ماله، لانه إن علم بالحجر فقد دخل على بصيرة، وإن لم يعلم به فقد فرط في ترك التحرى. وهل تقسم الاعيان التى اشتراها بعد الحجر عليه بثمن في ذمته بين الغرماء الاولين أو يكون بائعوها أحق بها؟ فيه وجهان سنذكرهما إن شاء الله وإن تصرف المفلس في أعيان ماله بأن باع أو وهب أو أقرض أو أعتق فهل يصح تصرفه بها؟ فيه قولان (أحدهما) أن تصرفه موقوف، فان كان فيما بقى من ماله وفاء بدينه نفذ تصرفه، وإن لم يف بدينه لم ينفذ تصرفه، وهو أضعف القولين على المذهب، لان من صح ابتياعه في ذمته صح بيعه لاعيان ماله كغير المفلس، ولانه حجر عليه لحق الغير فكان تصرفه موقوفا كالحجر على المريض، وفيه احتراز من تصرف المحجور عليه للسفه والقول الثاني: أن تصرفه باطل، وهو قول ابن أبى ليلى والثوري ومالك رضى الله عنهم، وهو اختيار المزني وهو الصحيح، لانه حجر ثبت بالحاكم فلم يصح تصرفه كالسفيه، ولان كل من تعلق بماله حق الغير وجب أن يكون ممنوعا من التصرف فيه كالرهن لا يصح تصرف الراهن به وإذا قلنا إن تصرفه باطل في أعيان ماله، رد جميع ما باع ووهب وأعتق، وقسم ماله بين الغرماء، فان وفى ماله بدينه بأن زادت قيمته أو أبرئ من بعض دينه، وفصل ما كان تصرف فيه عن الدين لم نحكم بصحة تصرفه الاول، لانه وقع باطلا. فعل هذا إن باع عينا من أعيان ماله من غريمه بدينه الذى له عليه فهل يصح فيه وجهان حكاهما في العدة. (الاول) قال صاحب التلخيص " يصح " لان الحجر عليه للدين، فبيعه بذلك الدين يوجب سقوطه

(والثانى) لا يصح. وهو قول الشيخ أبى زيد، لان الحجر على المفلس ليس بمقصور على هذا الغريم، لانه ربما ظهر له غريم آخر وان قلنا ان تصرفه صحيح موقوف قسم ماله، فان وفى ماله بدينه غير الذى تصرف فيه نفذ تصرفه، وان لم يف ماله إلا أن ينقض جميع ما تصرف فيه نقض جميعه، وان لم يف بدينه الا بعض الاعيان التى تصرف فيها نقض منها شئ بعد شئ، وما الذى ينقض أولا؟ فيه وجهان قال أبو حامد وعامة أصحابنا: ينقض فالاضعف، وان كان متقدما في التصرف. فعلى هذا ينقض الهبة أولا، لانها أضعف، لانه لا عوض فيها، ثم البيع بعدها لانه يلحقه الفسخ قال ابن الصباغ: ثم العتق ثم الوقف، قال العمرانى في البيان: والذى يقتضى القياس عندي على هذا ان الوقف ينقض أولا قبل العتق، لان العتق أقوى من الوقف، بدليل أنه يسرى إلى ملك الغير والوقف لا يسرى إلى ملك الغير. الوجه الثاني. وهو قول المصنف أنه ينقض الآخر فالآخر من تصرفه، عتقا كان أو هبة أو غيرهما، كما قلنا في تبرعات المريض المنجزة إذا عجز عنها الثلث فانه ينقض الآخر فالآخر. قال المصنف رحمه الله: (فصل) قال الشافعي رحمه الله: ولو باع بشرط الخيار ثم أفلس فله اجازة البيع ورده، فمن أصحابنا من حمل هذا على ظاهره. وقال: له أن يفعل ما يشاء، لان الحجر انما يؤثر في عقد مستأنف، وهذا عقد سبق الحجر فلم يؤثر الحجر فيه وقال أبو إسحاق: ان كان الحظ في الرد لم يجز، وان كان في الاجازة لم يرد، لان الحجر يقتضى طلب الحظ، فإذا طرأ في بيع الخيار أوجب طلب الحظ، كما لو باع بشرط الخيار ثم جن، فإن الولى لا يفعل الا ما فيه الحظ من الرد والاجازة. ومن أصحابنا من قال " ان قلنا ان المبيع انتقل بنفس العقد لم يجب الرد، وان كان الحظ في الرد لان الملك قد انتقل فلا يكلف رده، وحمل قول الشافعي رحمه الله

على هذا القول. وان قلنا ان المبيع لم ينتقل أو موقوف لزمه الرد ان كان الحظ في الرد، لان المبيع على ملكه فلا يفعل إلا ما فيه الحظ (الشرح) قال الشافعي رحمه الله: ولو تبايعا بالخيار ثلاثا، ففلسا أو أحدهما فلكل واحد منهما إجازة البيع ورده دون الغرماء، لانه ليس بمستحدث: قلت وهذا كما قال: إذا تبايع رجلان وبينهما خيار الثلاث أو خيار المجلس، ثم حجر عليهما أو على أحدهما وحكم عليهما بالافلاس. وقد اختلف اصحابنا في هذه المسألة على طرق، فمنهم من حملها على ظاهرها وقال لكل واحد منهما أن يفسخ البيع وله أن يجيزه سواء كان الحظ فيما فعله من ذلك أو في غيره، لان الحجر إنما يمنع تصرفه في المستقبل لا فيما مضى، ولان المفلس لا يجبر على الاكتساب، فلو قلنا: يلزمه أن يفعل ما فيه الحظ لالزمناه الاكتساب. وقال أبو إسحاق إن كان الحظ في الفسخ لزمه أنه يفسخ، وان أجازه لم تصح إجازته، وإن كان الحظ (أو الفائدة) في الاجازة لزمه أن يجيز، وان لم يصح الفسخ، لان الحجر يقتضى طلب الحظ، فلم يفعل الا ما فيه الحظ، كما لو باع بشرط الخيار ثم جن، فإن الولى لا يفعل الا ما فيه الحظ. وتأول كلام الشافعي على هذا الذى بينا. ومنهم من قال. يبنى ذلك على وقت انتقال الملك إلى المشترى، وصورتها إذا باع بشرط الخيار وأفلس البائع، فإن قلنا ان الملك انتقل إلى المشترى بنفس العقد، فللبائع أن يجيز البيع، وان كان الحظ في الفسخ فله أن يفسخ. وان كان الحظ في الاجازة وان قلنا ان البيع لا ينتقل الا بشرطين أو قلنا أنه موقوف فليس له ان يفعل الا ما فيه الحظ على القولين. قال ابن الصباغ. والطريقة الاولى أشد عند أصحابنا، لان التصرف من المحجور عليه لا ينفذ، سواء كان الحظ فيه أو لم يكن، وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق طريقة رابعة، وقال الصحيح عندي أنه لا يملك فسخ العقد ولا اجازته بعد الحجر عليه بكل حال، لانه عندنا ينقطع تصرفه بالحجر عليه بدلالة أنه إذا

باع شيئا ثم حجر عليه قبل قبض الثمن لم يكن له قبض، اللهم الا أن يكون الامام امر من يقوم بأمره وينظر في مصالحه فرأى الحظ له في الفسخ فانه يفعل اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى . (فصل) وإن وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا: إن الثواب مقدر بما يرضى به الواهب، ثم أفلس، فله أن يرضى بما شاء، لانا لو ألزمناه أن يطلب الفضل لالزمناه أن يكتسب، والمفلس لا يكلف الاكتساب. (الشرح) الاحكام. إذا وهب لغيره قبل الحجر هبة تقتضي الثواب، ثم حجر على الواهب. وقلنا ان الثواب مقدر بما يرضى به الواهب فله أن يرضى بالقليل والكثير، لانا لو ألزمناه طلب الفضل لالزمناه الاكتساب وذلك لا يلزمه. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان أقر بدين لزمه قبل الحجر لزم الاقرار في حقه، وهل يلزم في حق الغرماء؟ فيه قولان. (احدهما) لا يلزم، لانه متهم، لانه ربما واطأ المقر له لياخذ ما أقر به ويرد عليه (والثانى) أنه يلزمه وهو الصحيح، لانه حق يستند ثبوته إلى ما قبل الحجر فلزم في حق الغرماء كما لو ثبت بالبينة، وان ادعى عليه رجل مالا وأنكر، ولم يحلف، وحلف المدعى. فان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة شارك الغرماء في المال، وان قلنا: كالاقرار فعلى القولين في الاقرار، وان أقر لرجل بعين لزمه الاقرار في حقه، وهل يلزم في حق الغرماء؟ فيه قولان، (أحدهما) لا يلزم (والثانى) يلزم، وتسلم العين إلى المقر له، ووجه القولين ما ذكرناه في الاقرار بالدين. (الشرح) الاحكام: إذا أقر المحجور عليه بدين لزمه قبل الحجر، وصادقه المقر له، وكذبه الغرماء، تعلق الدين بذمته قولا واحدا، وهل يقبل إقراره في حق الغرماء؟ ليشاركهم المقر له؟ فيه قولان.

أحدهما: أنه لا يقبل في حقهم ولا يشاركهم، لانه مال تعلق به حق الغير فلم يقبل إقرار من عليه الحق في ذلك المال كالراهن إذا أقر بدين لم يبطل به حق المرتهن، ولانه لا يؤمن أن يواطئ المفلس من يقر له بالدين ليشاركه الغرماء، ثم يسلمه إلى المفلس. الثاني: ان اقراره مقبول في حق الغرماء، فشاركهم المقر له، وهو الصحيح لانه حق ثبت لسبب منسوب إلى ما قبل الحجر فوجب أن يشارك صاحب الحق بحقه الغرماء، كما لو ثبت حقه بالبينة، ولان المريض لو أقر لرجل بدين لزمه في حال الصحة لشارك من أقر له في حال المرض، كذلك هذا المفلس لو أقر بدين قبل الحجر لشارك الغرماء. وكذلك إذا أقر بدين بعد الحجر وأضافه إلى ما قبل الحجر يكون كما لو أقر به قبل الحجر، وكذلك إذا أقر بدين بعد الحجر. وان كان في يد المفلس عين وقال: هذه العين عارية عندي لفلان، أو غصبتها منه أو أودعنيها، فهل يقبل اقراره في حق الغرماء على القولين (أحدهما) لا يقبل فإن لم يف مال المفلس بدينه الا ببيع تلك العين بيعت، ووزع ثمنها على الغرماء وكان هذا الثمن دينا على المفلس في ذمته. (والقول الثاني) وهو الصحيح: أنه يقبل اقراره فيها على الغرماء، وتسلم العين إلى المقر له، قال الشيخ أبو حامد: وقد شنع الشافعي رحمه الله على القول الاول وقال: من قال بهذا أدى إلى ان القصار (أي الحائك أو الخياط) إذا أفلس وعنده ثياب لقوم فأقر أن هذا الثوب لفلان، وهذا لفلان فلا يقبل منه، وكذلك الصباغ والصائغ إذا أقر بمتاع لاقوام بأعيانهم أن لا تقبل، وهذا لا سبيل إليه، وكذلك لو قال عندي عبد آبق ولم يقبل قوله، فبيع العبد رجع بعهدته على المفلس فيكون قد رجع عليه بعهده عند اقراره أنه أبق وباعه بهذا الشرط وهذا لا سبيل إليه لانه ابطال لاصول الشرع، فلذلك قلنا نقبل اقراره اه. (فرع) وإن ادعى رجل على المفلس بدين في ذمته أو عين في يده فجحده، فان أقام المدعى بينه شارك الغرماء بالدين وأخذ العين، وإن لم يقم بينة فالقول قول المفلس مع يمينه، فان حلف له انصرف المدعى وإن نكل المفلس عن اليمين

فحلف المدعى، فهل يشارك الغرماء في الدين، ويأخذ العين؟ فيه طريقان، قال الشيخان أبو حامد والمصنف رحمهما الله تعالى: إن قلنا إن يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة شارك الغرماء بالدين وأخذ العين، وإن قلنا إنه كالاقرار كان على القولين الاولين في إقرار المفلس وقال ابن الصباغ: يشارك الغرماء قولا واحدا، كما لو ثبت ذلك بالبينة. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وان جنى على رجل جناية توجب المال وجب قضاء الارش من المال، لانه حق لزمه بغير رضى من له الحق فوجب قضاؤه من المال، وان جنى عليه جناية توجب المال تعلق حق الغرماء بالارش كما يتعلق بسائر أمواله. (فصل) وان ادعى على رجل مالا وله شاهد فان حلف استحق وتعلق به حق الغرماء وإن لم يحلف فهل تحلف الغرماء أم لا؟ قال في التفليس لا يحلفون وقال في غرماء الميت: إذا لم يحلف الوارث مع الشاهد ففيه قولان. أحدهما يحلفون. والثانى لا يحلفون. فمن أصحابنا من نقل أحد القولين من غرماء الميت إلى غرماء المفلس، فجعل فيهما قولين. أحدهما يحلفون لان المال إذا ثبت استحقوه. والثانى لا يحلفون لانهم يحلفون لاثبات المال لغيرهم وذلك لا يجوز ومن أصحابنا من قال لا تحلف غرماء المفلس. وفى غرماء الميت قولان: لان الميت لم يمتنع من اليمين فحلف غرماؤه، والمفلس امتنع من اليمين فلم تحلف غرماؤه، ولان غرماء الميت أيسوا من يمين الميت فحلفوا، وغرماء المفلس لم ييأسوا من يمين المفلس فلم يحلفوا، وان حجر عليه وعليه دين مؤجل فهل يحل فيه قولان، أحدهما يحل لان الدين تعلق بالمال فحل الدين المؤجل كما لو مات. والثانى لا يحل وهو الصحيح لانه يملك التصرف في الذمة فلم يحل عليه الدين. كما لو لم يحجر عليه (الشرح) الاحكام: إذا جنى المحجور عليه على غيره أو أتلف عليه مالا شارك المجني عليه والمتلف عليه الغرماء لان ذلك ثبت بغير رضا من له الحق.

وان جنى أحد على الفلس جناية خطأ تعلق حق الغرماء بالارش، لان الارش مال له، فيتعلق به حق الغرماء كسائر أمواله. وإن جنى عليه أحد جناية عمد توجب القصاص فالمفلس بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو وليس للغرماء أن يطالبوه بالعفو على مال، لان ذلك اكتساب للمال، وقد سبق أن قلنا إنه لا يلزمه ذلك، ولانا لو ألزمناه ذلك لصار ذلك ذريعة للجناية عليه مرة بعد أخرى، فلم يلزمه. فان عفا في مقابل مال تعلق به حق الغرماء، وان عفا مطلقا - فان قلنا إن موجب العمد القود لا غير لم يجب المال، وان قلنا ان موجبه أحد الامرين ثبت المال وتعلق به حق الغرماء، وان عفا على غير مال - فان قلنا ان موجب العمد القود لا غير صح عفوه ولم يجب المال، وان قلنا ان موجبه أحد الامرين فقد ذكر في التعليق والشامل أن المال ثبت: ويتعلق به حق الغرماء، ولا يصح عفوه وإذا ادعى المفلس على غيره بدين وأنكره المدعى عليه، فأقام المفلس شاهدا فان حلف معه استحق ما ادعاه قسم على الغرماء لانه ملك له، وان لم يحلف فهل يحلف الغرماء. قال الشافعي في المختصر: لا يحلف الغرماء. وقال صاحب الشامل إذا مات وخاف ورثة وعليه دين وله دين على آخر له به شاهد ولم يحلف الورثة، فهل يحلف الغرماء؟ على قولين، فمن أصحابنا من قال المسألتان على قولين. ومنهم من قال لا يحلف غرماء المفلس قولا واحدا، وفى غرماء الميت قولان، والفرق بينهما أن المفلس يرجى أن يخاف فلم يحلف غرماؤه، والميت لا يرجى أن يحلف فحلف غرماؤه، والصحيح أنهما على قولين (أحدهما) يحلفون لان حقوقهم تتعلق بما ثبت للمفلس فكان لهم أن يحلفوا كالورثة، ولان الانسان قد يحلف ليثبت ما لا لغيره، كما نقول في الوكيل إذا أحلفه العاقد له فان الوكيل يحلف وثبت المال للموكل، كذلك هذا مثله. (الثاني) لا يحلفون، وهو الصحيح، لانهم يثبتون بأيمانهم ملكا لغيرهم، تتعلق به حقوقهم بعد ثبوته، وهذا لا يجوز. كما لا تحلف الزوجة لاثبات مال زوجها، وان كان إذا ثبت تعلقت به نفقتها فأشبهت الورثة لانهم يثبتون ملكا

لانفسهم بأيمانهم. وأما الوكيل فإنما حلف لان اليمين متعلقة بالعقد، فلما كان هو العاقد توجهت اليمين عليه. وإن ادعى المفلس على غيره بد؟ ن أو عين ولا بينة له، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، فإن حلف فلا كلام، وان نكل المدعى عليه عن اليمين ردت على المفلس، فان حلف ثبت المال، وقسم على الغرماء، وان لم يحلف المفلس، فهل يحلف الغرماء؟ قال ابن الصباغ: هما على قولين كاليمين مع الشاهد، وإن حلفوا فان المال الذى ثبت بأيمانهم يقسم بينهم على قدر ديونهم (فرع) إذا كان على رجل دين مؤجل فليس لغرمائه أن يسألوا الحاكم أن يحجر عليه لهذه الديون، وإن كان ماله أولا من ديونهم، لانه لا حق لهم قبل حلول الاجل. وإن كان عليه دين حال ودين مؤجل، فرفع أصحاب الديون الحالة أمره إلى الحاكم، فنظر إلى ما عليه من الديون، والى ما معه من المال، فوجد ماله لا في بالديون الحالة، فحجر عليه بناء على مسألتهم، فهل تحل عليه الديون المؤجلة؟ فيه قولان (أحدهما) تحل، وبه قال مالك، لان ما يتعلق بالمال بالحجر، أسقط الحجر الآجل كالموت، يحل الدين الآجل (الثاني) لا يحل، وهو اختيار المزني، وهو الاصح، لانه دين مؤجل على حى، فلم يحل قبل حلول أجله، كما لو لم يحجر عليه، ويفارق الميت، لان ذمته انعدمت بموته، وهذا له ذمة صحيحة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان لم يكن له كسب ترك له ما يحتاج إليه للنفقة إلى أن يفك الحجر عنه، ويرجع إلى الكسب لقوله صلى الله عليه وسلم: ابدا بنفسك ثم بمن تعول فقدم حق نفسه على حق العيال، وهو دين، فدل على أنه يقدم على كل دين، ويكون الطعام على ما جرت به عادته، وبترك له ما يحتاج إليه من الكسوة من غير إسراف ولا إجحاف، لان الحاجة إلى الكسوة كالحاجة إلى القوت، فان كان له من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب ترك لهم ما يحتاجون إليه من النفقة والكسوة بالمعروف، لانهم يجرون مجراه في النفقة والكسوة، ولا تترك له دار ولا خادم، لانه يمكنه أن يكترى دارا يسكنها وخادما يخدمه، وان كان له كسب جعلت نفقته في كسبه لانه لا فائدة في إخراج ماله في نفقته، وهو يكتسب ما ينفق (الشرح) حديث " ابدا بنفسك ثم بمن تعول " رواه الطبراني عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أما الاحكام: فإذا حجر الحاكم على المفلس ومنعه من التصرف في ماله فمن أين تكون نفقته إلى أن يبيع ماله ويقسمه على الغرماء، ينظر فيه، فان كان له كسب كانت نفقته من كسبه، وان لم يكن له كسب، فإن على الحاكم أن يدفع إليه نفقته من ماله لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للرجل الذى جاءه بالدينار " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " فأمره أن يبدأ بنفقته على من يعول، ومعلوم أن فيمن يعول من تجب نفقته، وتكون دينا عليه، وهى الزوجة. فعلم أن نفقته مقدمة على الدين، ويكون طعامه على ما جرت به عادته ويدفع إليه نفقته كل يوم، وآخرها اليوم الذى يقسم فيه الحاكم ماله، فيدفع إليه نفقته ذلك اليوم، لان النفقة تجب في أوله، ويترك له ما يحتاج إليه من الكسوة لانه لا بد له أن ينصرف، فلو قلنا: انه لا يكتسى لامتنع الناس من معاملته، هكذا قال صاحب البيان عن نصه في الام ويترك له من الكسوة ما يكفيه على ما جرت به عادته، أو ما تدعو إليه ضرورة الزمن أن كان صيفا أو شتاء.

قال الشافعي رضى الله عنه: يكفيه قميص وسراويل ورداءان، ان كان ممن يرتدى وحذاءين لرجله هذا إذا كان صيفا، وان كان في الشتاء زيد على القميص جبة محشوة، وخف بدل النعل، وان كان من عادته أن يتطيلس دفع إليه الطيلسان، وأما جنس ثيابه فمعتبر بحاله، وان كان من عادته لبس الشرب والديبقى ترك له ذلك، وان كانت عادته أن يلبس غليظ الثياب ترك له ذلك. وقال الشافعي رضى الله عنه: ان كان له ثياب غوال بيعت. قال أصحابنا: وأراد إذا كان من عوام الناس وله ثياب غالية جرت العادة أن يلبسها ذوو الاقدار بيعت، ويشترى له ثياب جرت العادة أن يلبسها مثله، ويصرف الباقي من ثمنها إلى الغرماء. (فرع) وان كان المفلس من تلزمه نفقته كالزوجة والوالدين والمولودين ترك لهم ما يحتاجون إليه نفقة وكسوة كما قلنا عن المفلس، لانهم يجرون مجرى نفسه، لان الاقارب يعتقون عليه إذا ملكهم كما يعتق نفسه إذا ملكها، ونفقة الزوجة آكدا من نفقة الاقارب لانها تجب بحكم المعارضة. (فرع) فإن مات المفلس كانت مؤنه تجهيزه وكفنه من ماله، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت عليه جنازة ليصلى عليها فقال: هل على صاحبكم دين، فقالوا: نعم، فقال صلوا على صاحبكم. ولا محالة أنه كان قد كفن، فعلم أن الذى كفن به مقدم على حقوق الغرماء، لانه لم يتعرض له، وان مات من تلزمه - فان كانت زوجة - فهل يجب كفنها ومؤنة تجهيزها عليه، أو في مالها، فيه وجهان سبق ذكرهما في الجنائز للامام النووي رضوان الله عليه ونفعنا بعلمه آمين. وان كان من الوالدين أو المولودين وجب مؤنة تجهيزه وكفنه على المفلس، ويقدم ذلك على الغرماء كما قلنا في نفس المفلس وكم القدر الذى يجب في الكفن من ثوب أو ثوبين أو ثلاثة. قال المصنف رحمه الله تعالى ما يستر العورة لا غير (فرع) إذا كان للمفلس دار يسكنها أو سيارة يركبها بيعتا عليه، وصرف ثمنها للغرماء، لانه يمكنه أن يستأجر دارا يسكنها، ويركب المرافق العامة من

وسائل المواصلات التى ننبث في كل فج، وتصل إلى حيث يشاء راكبها، وقد جرت عادة الناس بذلك، وذلك بخلاف الثياب، فان العادة لم تجر باكترائها، ولذا لا تباع الا في صورة خاصة مضى بيانها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وإذا أراد الحاكم بيع ماله فالمستحب أن يحضره لانه أعرف بثمن ماله، فإن لم يكن من يتطوع بالنداء استؤجر من ينادى عليه من سهم المصالح، لان ذلك من المصالح فهو كأجرة الكيال والوزان في الاسواق، فان لم يكن سهم المصالح اكترى من مال المفلس، لانه يحتاج إليه لايفاء ما عليه، فكان عليه، ويقدم على سائر الديون، لان في ذلك مصلحة له، ويباع كل شئ في سوقه، لان أهل السوق أعرف بقيمة المناع، ومن يطلب السلعة في السوق أكثر، ويبدأ بما يسرع إليه الفساد، لانه إذا أخر ذلك هلك، وفى ذلك اضرار، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار، ثم بالحيوان لانه يحتاج إلى علف ويخاف عليه التلف ويتأنى بالعقار لانه إذا تانى به كثر من يطلبه، ولا يتأنى به أكثر من ثلاثة ايام، لان فيما زاد اضرارا بالغرماء في تأخير حقهم. فإن كان في المال رهن أو عبد تعلق الارش برقبته بيع في حق المرتهن والمجني عليه، لان حقهما يختص بالعين فقدم، وان بيع له متاع وقبض ثمنه فهلك الثمن واستحق المبيع، رجع المشترى بالعهدة في مال المفلس، وهل يقدم على سائر الغرماء؟ روى المزني أنه يقدم، وروى الربيع أنه أسوة الغرماء، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. (أَحَدُهُمَا) يقدم، لان في تقديمه مصلحة فانه متى لم يقدم تجنب الناس شراء ماله خوفا من الاستحقاق فإذا قدم رغبوا في شراء ماله. (والثانى) أنه أسوة الغرماء لان هذا دين تعلق بذمته بغير رضى من له الحق فضرب به مع الغرماء كأرش الجناية ومنهم من قال ان لم يفك الحجر عنه قدم لان فيه مصلحة له، وان فك الحجر عنه كان كسائر الغرماء، وحمل رواية الربيع على هذا.

(الشرح) حديث " لا ضرر ولا ضرار " مضى تخريجه. أما الاحكام: فإنه يستحب أن يشهد المفلس مجلس بيع المال أو الرهن لاجل أولا: لانه يعرف قيمة أمواله وأثمانها عليه التى اشتراها بها. ثانيا: ليحصى ثمنه ويضبطه. ثالثا: لانه إذا حضر احتاط اكثر من غيره لحرصه على أن تباع بأكبر قيمة ممكنه. رابعا. لان ذلك أطيب لنفسه كذلك يستحب أن يحضر الغرماء لاجل: (اولا) لانه ربما كان منهم من يشترى شيئا من مال المفلس. (ثانيا) كثرة المبتاعين، فيكون ذلك أوفر للثمن. (ثالثا) معرفة كل منهم لعين ماله، فربما باع الحاكم سهوا عين ماله فيستدركه (رابعا) لانه أطيب لنفوسهم، فإن باع الحاكم ماله بغير حضور المفلس أو الغرماء صح البيع، لان المفلس لا تصرف له، والغرماء لا ملك لهم. (فرع) إذا اراد الحاكم بيع مال المفلس فلا بد من دلال وهو من ينادى على المتاع فيمن يريد، ويستحب أن يقول الحاكم للمفلس والغرماء: ارتضوا برجل ينادى على بيع المتاع، لانهم اعرف بمن يصلح لذلك الامر، ولان في ذلك تطييبا لانفسهم، فان لم يستأذنهم الحاكم في ذلك، ونصب مناديا من قبله جاز لان المفلس قد انقطع تصرفه، والغرماء لا ملك لهم. قال الشافعي رضى الله عنه. ولا يقبل الا ثقة - وفى بعض نسخ المزني - ولا يقبل الا من ثقة، فمن قبل - ولا نقبل إلا ثقة - معناه إذا نصب المفلس والغرماء من ينادى على ثمن المتاع لم يقبله الحاكم الا أن يكون ثقة. والفرق بين هذا وبين الرهن إذا اتفق المتراهنان على وضع الرهن على يد من ليس بثقة، لم يعترض الحاكم عليهما، لان الحق في الرهن للمتراهنين لا يتعداهما: وههنا النظر للحاكم لانه ربما ظهر غريم آخر، وأما من قبل ولا يقبل الا من ثقة فمعناه إذا نودى على مال المفلس فزاد في ثمنه انسان فانه لا يقبل الزيادة الا من ثقة مخافة أن يزيد فيترك فتفسد.

فإن تطوع الدلال بالنداء من غير أجرة لم يستأجر الحاكم من ينادى لانه لا حاجة إلى ذلك، وإن لم يوجد من يتطوع بذلك استؤجر بأقل ما يوجد، فإن كان في بيت المال فضل أعطى الاجير أجره منه، لان في ذلك مصلحة، فهو كأجرة الكيال والوزان في الاسواق وإن لم يكن في بيت المال فضل استوفى من مال المفلس كذلك، لان العمل له قال أبو على الكيال في الافصاح: فأما أجرة النفاذ فعلى الغريم لا على المفلس فإن اختار المفلس رجلا ينادى على المناع واختار الغرماء غيره، قدم الحاكم الثقة منهما، فان تساويا في التوثيق قدم المتطوع منهما لانه أوفر مؤنة، فان كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر، وإن كانا يجعل قدم أعرفهما وأوثقهما، ويرى أصحاب أحمد أن نفقة النفاذ على الملفس، وفى قول آخر عندهم تدفع من بيت المال، وعندنا على القولين في أن يعطى من الغرماء أو من بيت المال، كما سبق بيانه. (فرع) ويباع كل شئ من الامتعة في سوقه، فتباع الكتب في سوق الوراقين والبز في سوق البزازين، والطعام في سوق الطعام، وهذا إذا كان في البلد أسواق متخصصة بتوفر أربابها على نوع معين من السلع كسوق العطارين وسوق العقادين وغيرها من الاسواق النوعية، وذلك لتفادي ألا يتناول شراءها من لا يعرف قيمتها فيبخسها، كل ذلك إذا أمن عند نقلها عدم التلف أو ضياع شئ منها، فإذا كان مكانها صالحا لبيعها بيعت حيث هي. أما العقار وغيره من الاعيان الثابتة فانه يمكن أن يكتفى بالنشر في صحيفة يومية، ولا ينادى الدلال في جلسة البيع كالامتعة، وإنما يومئ إيماء بالثمن الذى يعرض من المبتاعين، وذلك أعز للعقار وأدعى إلى حفظ حق المفلس. ويباع ما هو معرض للتلف أولا، كالرطب والهريس ونحوهما، ثم الحيوان لانه معرض للتلف إذا لم يجد من يقوم على مئونة حفظه وغذائه، ثم الثياب والاقمشة. وهكذا بالترتيب قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ بقرب ذلك البلد قوم يشترون العقار في ملك المفلس أنفذ إليهم وأعلمهم بذلك ليحضروا فيشتروا فيتوفر الثمن على المفلس

(فرع) ويباع مال المفلس بنقد البلد، وان كان من غير جنس حق الغرماء بأن كانت الديون عليه بالدينار العراقى أو الجنيه الاسترليني أو الليرة السورية وكان المفلس في العراق بيع عليه بالدينار، ولو كان الدين بالليرة أو بالجنية، لان ذلك أيسر وأوفر، فان كان حق الغرماء من نقد البلد دفعه إليهم، وإن كان من غير نقد البلد، فان كان حقهم ثبت من غير جهة السلم دفع إليهم عوضه إن رضوا بذلك، وان لم يرضوا اشترى لهم من جنس حقوقهم، فان كان حقهم ثبت من جهة السلم لم يجز أخذ العوض عن ذلك، وإنما يشترى لهم حقهم (فرع) إذا كان في مال المفلس رهن بدأ ببيعه لان حق المرتهن يختص بالعين وحقوق الغرماء لا تختص بالعين، ولانه ربما زاد ثمن الرهن على حق المرتهن، فتفرق الزيادة على الغرماء، وربما نقص ثمنه عن حق المرتهن فاختلط مع الغرماء بما بقى له، فاحتيج إلى بيعه لذلك (فرع) فان باع شيئا من مال المفلس، فان كان دينه لواحد فانه يدفع كلما باع شيئا وقبضه إلى الغريم لانه لا حاجة به إلى التأخير. وان كان الدين لجماعة نظرت فان بيع جميع ماله دفعة واحدة قبض ثمنه ووزعه على الغرماء بالحصص على قدر ديونهم. وان لم يمكن بيع ماله إلا بشئ بعد شئ نظرت فيما يباع به أولا فان كان ثمنه كثيرا يمكن قسمته على الغرماء قسم بينهم لانه لا حاجة به إلى التأخير. وان كان قليلا يتعذر قسمته. أو يكون القسم منه يراد. أخرت قسمته على الغرماء. فان وجد الحاكم ثقة مليئا - أي غنيا ... فقد قال الشافعي رضى الله عنه: أقرضه إياه حالا. فإذا تكامل بيع المال أخذه من الذى أقرضه إياه وقسمه بين الغرماء، ويكون ذلك أولى من إبداعه. لان القرض مضمون على المقبوض. والوديعة أمانة يخاف تلفها. فان لم يجد ثقة مليئا يقرضه اياه أودعه عند ثقة. فان قيل: فلم قال الشافعي رضى الله عنه: يقرضه حالا. والقرض عنده لا يكون إلا حالا؟ فقال أكثر أصحابنا: وصف القرض بذلك لانه شرط. وقصد بذلك الرد على مالك رضى الله عنه حيث قال: يصح القرض مؤجل،

وقال العمرانى. وقال بعض أصحابنا: أراد حالا بغير تشديد يعنى يقرضه في الحال، وهذا ليس بشئ فإن قبل فقد قال الشافعي رضى الله عنه لا يجوز إقراض مال اليتيم إلا في حال الضرورة وهو أن يكون في بحر ومعه مال اليتيم ويخاف عليه الغرق أو يخاف عليه النهب أو الحريق، ولا يقرضه في غير ذلك وإنما يودعه. فما الفرق بينه وبين المفلس؟ قلنا الفرق بينهما أن مال الصبى معد لمصلحة يظهر من شراء عقار أو تجارة، وقرضه يتعذر معه المبادرة إلى ذلك. ومال المفلس معد للغرماء خاصة فافترقا. (فرع) وإذا باع الحاكم مال المفلس وانصرم البيع بالتفرق وانقضاء الخيار ثم جاء إلى الحاكم وراد في الثمن. قال العمرانى: استحب للحاكم أن يسأل المشترى الاقالة ليطلب الفضل، فان أقاله المشترى باع الحاكم من الطالب بالزيادة وإن لم يفعل لم يجبر على ذلك، لان البيع قد لزم (فرع) وان نصب الحاكم أمينا لبيع مال المفلس وقبض ثمنه فباع شيئا من مال المفلس وقبض ثمنه ثم تلف في يده من غير تفريط، تلف من ضمان المفلس لان العدل أمين له. ورواية عمرو بن خلدة عن أبى هريرة في المفلس أتوه به التى سبق لنا الاستدلال بها أخرجها الشافعي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه وفى اسناده أبو المعتمر. قال الطحاوي مجهول وان باع العدل شيئا من مال المفلس وقبض ثمنه ثم اتى رجل ادعى على المشترى أن العين التى اشتراها ملكه وأقام بينة على ذلك، اخذها من يد المشترى فإن كان الثمن باقيا في يد العدل، رجع به إلى المشترى، وان كان المال قد تلف في يد العدل من غير تفريط رجع المشترى بالعهدة في مال المفلس، ووافقنا أبو حنيفة في هذا، وخالفنا في العدل إذا تلف الرهن في يده. وفى الوكيل والوصى إذا تلف المال في أيديهم بغير تفريط أن الضمان يجب عليهم، فنقيس تلك المسائل على هذه ونقول: لانه باع مال الغير فإذا تلف في يده من غير تفريط لم يضمن قياسا على أمين الحاكم في مال المفلس. وهل يقدم المشترى على سائر الغرماء أو يكون أسوتهم؟

نقل المزني أنه يقدم عليهم، ونقل الربيع أنه يكون أسوة لهم، واختلف أصحابنا فيه على طريقين. فمنهم من قال في المسألة قولان (أحدهما) أنه يقدم عليهم لان في ذلك مصلحة لمال المفالس، لان المشترين إذا علموا أنهم يقدمون بالثمن إذا استحق ما اشتروه رغبوا في الشراء فيكثر المشترون وتزيد الاثمان، وإذا علموا أنهم لا يقدمون تجنبوا الشراء خوفا من الاستحقاق. فتقل الاثمان (الثاني) لا يقدم، بل يكون أسوة الغرماء، لانه تعلق بذمة المفلس بغير اختيار من له الحق، فكان أسوة الغرماء، كما لو جنى على رجل ومنهم من قال هي على حالين، فالموضوع الذى قال يكون أسوتهم أراد به إذا كان بعد القسمة في حجر ثان مثل أن يقسم المال بين الغرماء، ثم استحق شئ من أعيان ماله. ثم حجر عليه ثانيا، فإن المشترى يكون أسوة الغرماء، لان حقه ثبت في ذمته قبل الحجر كسائر الغرماء. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد هذا التفصيل على هذا الطريق. قال العمرانى. وأما صاحب المهذب فقال ان لم ينفك عنه الحجر قدم، لان فيه مصلحة له، وان فك عنه الحجر كان كسائر الغرماء، ولم يذكر الحجر الثاني اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى . (فصل) وان كان في الغرماء من باع منه شيئا قبل الافلاس ولم يأخذ من ثمنه شيئا، ووجد عين ماله على صفته، ولم يتعلق به حق غيره فهو بالخيار بين أن يترك وضرب مع الغرماء بالثمن، وبين أن يفسخ البيع ويرجع في عين ماله، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من باع سلعة ثم أفلس صاحبها فوجدها بعينها فهو أحق بها من الغرماء " وهل يفتقر الفسخ إلى اذن الحاكم، فيه وجهان. قال أبو إسحاق: لا يفسخ الا باذن الحاكم، لانه مختلف فيه فلم يصح بغير الحاكم كفسخ النكاح بالاعسار بالنفقة. وقال أبو القاسم الداركى: لا يفتقر إلى الحاكم، لانه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد فان حكم حاكم بالمنع من الفسخ فقد قال أبو سعيد

الاصطخرى: ينقض حكمه، لانه حكم مخالف لنص السنة، ويحتمل ألا ينقض لانه مختلف فيه فلم ينقض وهل يكون الفسخ على الفور أو على التراخي فيه وجهان (أحدهما) أنه على التراخي لانه خيار لا يسقط إلى بدل، فكان على التراخي كخيار الرجوع في الهبة. (والثانى) أنه على الفور لانه خيار ثبت لنقص في العوض فكان على الفور كخيار الرد بالعيب، وهل يصح الفسخ بالوطئ في الجارية؟ فيه وجهان. أحدهما: يصح كما يصح الفسخ بالوطئ في خيار الشرط. والثانى: انه لا يصح لانه ملك مستقر فلا يجوز رفعه بالوطئ، وان قال الغرماء نحن نعطيك الثمن ولا نفسخ لم يسقط حقه من الفسخ، لانه ثبت له حق الفسخ فلم يسقط ببدل العوض كالمشترى إذا وجد بالسلعة عيبا وبذل له البائع الارش. (الشرح) الحديث رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه عند انسان قد أفلس فهو أحق به " أما الاحكام، إذا كان في الغرماء من باع من المفلس قبل الافلاس ولم يقبض الثمن ووجد عين ماله على صفته خاليا من حق غيره، فالبائع بالخيار بين أن يضرب عن الغرماء في الثمن، وبين أن يرجع في غير ماله، وبه قال عثمان وعلى وأبو هريرة رضى الله عنهم، ومن التابعين عروة بن الزبير ثم مالك والاوزاعي والشافعي ومحمد بن الحسين العنبري واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأحمد، وخالفنا الحسن والنخعي وابن شبرمة وأبو حنيفة فقالوا " هو اسوة الغرماء " دليلنا ما روى عمرو بن خلدة الزرقى قاضى المدينة قال: أتينا أبا هريرة رضى الله عنه في صاحب لنا أفلس فقال: هذا الذى قضى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ". وفى رواية أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضى الله عنهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال " أيما رجل باع متاعا على رجل فأفلس المبتاع ثم وجد البائع متاعه بعينه، فصاحب المتاع أحق به من دون الغرماء " وقد أخرجه أحمد عن الحسن بن سمرة بلفظ " من وجد متاعه عند

مفلس بعينه فهو أحق به " ورواه الستة عن أبى هريرة بلفظ " من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره " وعند مسلم والنسائي عن أبى هريرة بلفظ " إذا وجد عنده المتاع، ولم يفرقه أنه لصاحبه الذى باعه " وحديث أبى هريرة عند أحمد بلفظ " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله، ولم يكن اقتضى من ماله شيئا فهو له " وروى مالك في الموطأ وأبو داود، الاول بطريق الارسال والثانى بطريق الاسناد والمرسل اصح عن أبى بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام بلفظ " أيما رجل باع متاعا فأفلس الذى ابتاعه ولم يقبض الذى باعه من ثمنه شيئا، فوجد متاعه بعينه، فهو أحق به، وإن مات المشترى فصاحب المتاع أسوة الغرماء ". قلت: ولان عقد البيع يلحقه الفسخ بالاقالة فجاز فيه الفسخ لتعذر العوض أو القيمة أو الثمن، كالمسلم فيه إذا تعذر، ولانه إذا شرط في البيع رهنا، فعجز عن تسليمه استحق الفسخ، وهو وثيقة بالثمن، فالعجز عن تسليم الثمن بنفسه أولى. ويفارق المبيع الرهن، فإن امساك الرهن إمساك مجرد على سبيل الوثيقة وليس ببدل، والثمن ههنا بدل عن العين، فان تعذر استيفاؤه رجع إلى المبدل. فان قيل: إنهم تساووا - أعنى الغرماء جميعا من وجد عين ماله ومن لم يجد - في سبب الاستحقاق، قلنا: لكن اختلفوا في الشرط، فان بقاء العين شرط لملك الفسخ، وهو موجود في حق من وجد متاعه دون من لم يجده. إذا ثبت هذا: فان البائع بالخيار، إن شاء رجع في السلعة، وإن شاء لم يرجع وكان أسوة الغرماء، وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر، لان الاعسار سبب جواز الفسخ، فلا يوجبه كالعيب والخيار ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم، لانه فسخ ثبت بالنص فلم يفتقر إلى حكم حاكم، كفسخ النكاح لعتق الامة، وهل خيار الرجوع على الفور أو على التراخي؟ على وجهين بناء على خيار الرد بالعيب، وفى ذلك روايتان: (إحداهما) هو على التراخي، لانه حق رجوع يسقط إلى عوض، فكان على التراخي كالرجوع في الهبة.

(والثانى) هو على الفور، لانه خيار يثبت في البيع لنقص في العوض، فكان على الفور كالرد بالعيب، ولان جواز تأخيرة يفضى إلى الضرر بالغرماء، لافضائه إلى تأخير حقوقهم، فأشبه خيار الاخذ بالشفعة، وأخد القاضى من الحنابلة بهذا الوجه. وحكى ابن قدامة الوجهين كهما عندنا. (فرع) وان اشترى رجل سلعة بثمن في ذمته وكانت قيمة السلعة مثل الثمن أو أكثر، ولا يملك المشترى غير هذه السلعة ولا دين عليه غير هذا الثمن، فهل يجعل هذا المشترى مفلسا، فيكون للبائع الرجوع إلى عين ماله، فيه وجهان حكاهما في الافصاح أبو على الكيال. أحدهما: يكون مفلسا، فيكون البائع بالخيار بين الرجوع في عين ماله. والثانى: لا يكون مفلسا، ولكن تباع السلعة ويعطى منها حقه والباقى للمشترى (فرع) وان كان ماله يفى بدينه ولكن ظهرت فيه أمارة الفلس - وقلنا: يجوز الحجر عليه، فحجر عليه - فهل يجوز لمن باع منه شيئا ولم يقبض ثمنه، ووجد عين ماله أن يرجع إلى عين ماله، فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد. (أحدهما) له أن يرجع إلى عين ماله لقوله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل باع متاعا على رجل ثم أفلس المبتاع الحديث " وهذا قد أفلس، لانه محجور عليه بحق الغرماء فجاز لمن وجد عين ماله الرجوع إليه، كما لو كان ماله أقل من دينه. (والثانى) ليس له الرجوع إلى عين ماله، لانا إنما نجعل للبائع الرجوع إلى عين المال في المواطن التى لا يتمكنون فيها من الوصول إلى كمال حقوقهم، وهذا يتمكن من أخذ جميع حقه فلم يمكن له الرجوع إلى عين ماله. (فرع) وهل يصح فسخ البائع من غير إذن الحاكم، فيه وجهان. الاول قاله المصنف: لا يصح إلا بإذن الحاكم، لانه فسخ مختلف فيه فلم يصح إلا بالحاكم كفسخ النكاح بالاعسار بالنفقة. والثانى: قاله صاحب البيان: يصح بغير اذن الحاكم، لانه فسخ ثبت بنص السنة فهو كفسخ نكاح المعتقة تحت عبد. فان حكم حاكم بالمنع ففيه وجهان. أحدهما: يصح حكمه. لانه مختلف فيه والثانى: لا يصح لانه حكم مخالف لنص السنة.

وهل يشترط أن يكون الفسخ على الفور، أو يجوز على التراخي فيه وجهان (أحدهما) يجوز على التراخي، لانه خيار لا يسقط إلى بدل فجاز على التراخي، كرجوع الاب فيما وهب لابنه، وفيه احتراز من الرد بالعيب، لانه قد يسقط إلى بدل وهو الارش (والثانى) يشترط أن يكون على الفور، لانه خيار لنقص في العوض، فكان على الفور كالرد بالعيب، وفيه احتراز من رجوع الاب في هبته لابنه. (فرع) إذا رهن البائع المبيع في يد المفلس عند ثبوت الرجوع له فهل يجعل رهنه فسخا للبيع. فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ في الرهن وحكاية وطئ البائع الجارية المبيعة جعلوا في فسخ البيع وجهين (أحدهما) يكون فسخا كوطئ البائع مبيعته في مدة الخيار (والثانى) لا يكون فسخا. لان ملك المشترى مستقر فلا يرفع الا بالقول. (فرع) إذا بذل الغرماء للبائع جميع ماله على أن لا يرجع بالعين المبيعة لم يجبر على ذلك. وجاز له الرجوع إلى عين ماله. وقال مالك رضى الله عنه لا يجوز له الرجوع إلى عين ماله. وقال أحمد وأصحابه كقولنا. دليلنا: الحديث، ولم يفرق بين ما إذا عرض الثمن أو لم يعرض ولانه تبرع بالحق غير من عليه الحق فلم يلزم من ثبت له الفسخ اسقاط حقه من الفسخ. كالزوج إذا عسر بالنفقة فجاء أجنبي فبذل لها النفقة ليترك الفسخ، فانه لا يلزمها ذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وإن كان قد باعه بعد الافلاس، ففيه وجهان. أحدهما: أن له أن يفسخ، لانه باعه قبل وقت الفسخ، فلم يسقط حقه من الفسخ كما لو تزوجت إمرأة بفقير ثم أعسر بالنفقة. والثانى: أنه ليس له أن يفسخ لانه باعه مع العلم بخراب ذمته، فسقط خياره، كما لو اشترى سلعة مع العلم بعيبها. (الشرح) الاحكام: إذا اشترى عينا بعد أن حجر عليه بثمن في ذمته فقد

ذكرنا أن شراءه صحيح، وهل ثبت للبائع الرجوع إلى عين ماله؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يثبت له الرجوع إلى عين ماله، لانه باعه مع العلم بخراب ذمته، فلم يثبت له الفسخ، كما لو اشترى سلعة معيبة مع العلم بعيبها. والثانى: يثبت له الفسخ كما لو تزوجت امرأة بفقير مع العلم بحاله، فان لها أن تفسخ النكاح إذا عسر بالنفقة. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان وجد المبيع وقد قبض من الثمن بعضه، رجع بحصة ما بقى من الثمن لانه إذا رجع بالجميع إذا لم يقبض جميع الثمن رجع في بعضه إذا لم يقبض بعض الثمن، وان كان المبيع عبدين متساويى القيمة وباعهما بمائة، وقبض من الثمن خمسين، ثم مات أحد العبدين، وأفلس المشترى، فالمنصوص في التفليس أنه يأخذ الباقي بما بقى من الثمن، ونص في الصداق: إذا أصدقها عبدين فتلف أحدهما ثم طلقها قبل الدخول، على قولين. أحدهما: أنه بأخذ الموجود بنصف الصداق مثل قوله في التفليس. والثانى أنه يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف، فمن أصحابنا من نقل هذا القول إلى البيع، وقال: فيه قولان (أحدهما) أنه يأخذ نصف الموجود ويضرب مع الغرماء بنصف ثمن التالف، وهو اختيار المزني رحمه الله، لان البائع قبض الخمسين من ثمنهما، وما قبض من ثمنه لا يرجع به (والثانى) أنه يأخذ الموجود بما بقى، لان ما أخذ جميعه لدفع الضرر إذا كان باقيا أخد الباقي إذا هلك بعضه كالشقص في الشفعة ومن أصحابنا من قال يأخذ البائع الموجود بما بقى من الثمن قولا واحدا، وفى الصداق قولان، والفرق بينهما أن البائع إذا رجع بنصف الموجود ونصف بدل التالف لم يصل إلى كمال حقه لان غريمه مفلس، والزوج إذا رجع بنصف الموجود ونصف قيمة التالف وصل إلى جميع حقه، لان الزوجة موسرة فلم يجز له الرجوع بجميع الموجود بنصف المهر

(الشرح) الاحكام: إذا باع من رجل عينا بمائة أو عينين بمائة، فقبض البائع من الثمن خمسين والعين المبيعة باقية أو العينان باقيتان، سواء كانت قيمتهما مختلفة أو متساوية، فهل للبائع أن يرجع من المبيع بقدر ما بقى من الثمن؟ حكى ابن الصباغ فيه قولين. قال في القديم سقط حق البائع من الرجوع إلى الغير ويضرب مع الغرماء بالثمن. وحكى الشيخ أبو حامد أن هذا هو مذهب مالك ولم يحكه عن القديم. وقال ابن الصباغ: مذهب مالك إذا قبض شيئا من الثمن والعين باقية كان بالخيار بين أن يرد ما قبض من الثمن ويرجع في العين المبيعة، وبين أن لا يرجع في العين ويضارب مع الغرماء فيما بقى. ووجه القول القديم حديث أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام الذى أنينا على مختلف طرقه وألفاظه فيما سبق من فصول هذا الباب ولان في رجوعه في بعض العين تبعيضا للصفقة على المشترى وإضطرارا به، فلم يكن ذلك للبائع. وقال في الجديد: يثبت له الرجوع بخصم ما بقى من الثمن - وهو الصحيح - لانه سبب يرجع به العاقد إلى جميع العين فجاز ان يرجع به إلى بعضها كالفرقة قبل الدخول، وذلك أن الزوج يرجع تارة بجميع الصداق، وهو ما إذا ارتدت أو وجد أحدهما بالآخر عيبا، وتارة بالنصف، وهو ما إذا طلقها قال في البيان: والخبر عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مرسل، لان أبا بكر ليس بصحابى، وان صح فمعنى قوله " فهو أسوة الغرماء " إذا رضى بذلك. وإن باعه عينين متساويى القيمة بمائة، فقبض البائع من الثمن خمسين وتلف أحد العينين وأفلس المشترى، فإن اختار البائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن الذى بقى له فلا كلام، وان اختار الرجوع إلى عين ماله على الجديد فبكم يرجع؟ قال الشافعي يرجع هنا في العين الباقية بما بقى من الثمن. وقال في الصداق " إذا أصدقها عبدين فتلف أحدهما وطلقها قبل الدخول أنها على قولين (أحدهما) تأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف (والثانى) أنه بالخيار بين أن يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف.

وبين أن يترك الموجود ويأخذ نصف قيمتها، وقال في الزكاة: إذا أصدقها خمسا من الابل فحال عليها الحول فباعت منها بقدر شاة وأخرجتها ثم طلقها قبل الدخول كان له أن يأخذ بعيرين ونصفا، فحصل في الصداق ثلاثة أقوال (أحدها) يأخذ نصف الصداق من الباقي. وهذا موافق لما قاله في المفلس. (والثانى) يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف (والثالث) أنه بالخيار بين أن يأخذ الموجود بنصف الصداق وبين أن يترك الموجود ويأخذ نصف قيمتها. واختلف أصحابنا في مسألة المفلس، فمنهم من قال في المفلس أيضا قولان: (أحدهما) يأخذ الباقي من العينين بما بقى له من الثمن، ويكون النصف الذى أخذ حصة التالف، لانه إنما جاز للبائع أخذ جميع المبيع، إذا وجده كله جاز له أخذ بعضه إذا تعذر جميعه، كما قلنا في الشفيع (والثانى) يأخذ نصف الموجود بنصف ما بقى له، ويضرب مع الغرماء بنصفه، لانه إذا باع شيئين متساويى القيمة بمائة فقد باع كل واحد منهما بخمسين فإذا قبض خمسين من مائة فقد قبض من ثمنهما مجتمعين، بدليل أنهما لو كانا قائمين لرجع في نصفهما، فإذا تلف أحدهما رجع في نصف الباقي بنصف ما بقى. وضرب مع الغرماء بحصة ما تلف من الذى لم يقبضه، قال هذا القائل: ولا يجئ ها هنا القول الثالث في الصداق، وهو أن يترك الموجود ويأخذ نصف قيمتها. لان ذمة الزوجة عليه وذمة المفلس خربة، فلا يمكن ترك الشئ كله والرجوع إلى القيمة، لانه لا يصل إليها. ومن أصحابنا مَنْ حَمَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي الصداق ثلاثة أقوال، وفى المفلس يأخذ البائع العين الباقية بما بقى له من الثمن قولا واحدا، والفرق بينهما أنا إذا قلنا في الصداق: يأخذ الزوج نصف الموجود ونصف قيمة التالف فلا ضرر عليه لانه يصل إلى حقه لان ذمة الزوجة مليئة، وفى المفلس لو قلنا: يأخذ البائع نصف الباقي بنصف ما بقى له، ويضرب مع الغرماء بنصف ما بقى له لم يأمن ألا يصل إلى الكمال من حقه، لان ذمة المفلس خربة

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن وجد البائع عين ماله وهو رهن لم يرجع به، لان حق المرتهن سابق لحقه فلم يملك إسقاطه بحقه، فإن أمكن أن يقضى حق المرتهن ببيع بعضه، بيع منه بقدر حقه ويرجع البائع بالباقي، لان المنع كان لحق المرتهن وقد زال. (الشرح) إذا وجد البائع عين ماله مرهونة عند آخر لم يكن له أن يرجع فيها لان المشترى قد عقد على ما اشتراه عقدا منع نفسه من التصرف فيه، فلم يمكن لبائعه الرجوع فيه، كما لو باعها المشترى أو وهبها إذا ثبت هذا فإن حق المرتهن مقدم على حق البائع لانه أسبق، فإن كان الدين المرهون به مثل قيمة العين أو أكثر بيعت العين في حق المرتهن ولا كلام، وإن كان الدين المرهون به أقل من قيمة الرهن بيع من الرهن بقدر دين المرتهن وكان للبائع ان يرجع في الباقي منها، لانه لا حق لاحد فيما بقى منها، وإن لم يمكن بيع بعض الرهن بحق المرتهن إلا ببيع جميع الرهن، فبيع جميع الرهن وقضى حق المرتهن من ثمن الرهن، وبقى من الثمن بعضه، فالذي يقتضى المذهب أن البائع لا يكون أحق بالباقي من الثمن، بل يصرف ذلك إلى جميع الغرماء، لان حقه يختص بالعين دون ثمنها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان المبيع شقصا تثبت فيه الشفعة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الشفيع أحق، لان حقه سابق، فإنه يثبت بالعقد، وحق البائع ثبت بالحجر، فقدم حق الشفيع (والثانى) أن البائع أحق، لانه إذا أخذ الشفيع الشقص زال الضرر عنه وحده، وإذا أخذه البائع زال الضرر عنهما، لان البائع يرجع إلى عين ماله، والشفيع يتخلص من ضرر المشترى فيزول الضرر عنهما. (والثالث) أنه يدفع الشقص إلى الشفيع ويؤخذ منه ثمنه، ويدفع إلى البائع لان في ذلك جمعا بين الحقين، وإذا أمكن الجمع بين الحقين لم يجز إسقاط أحدهما

(الشرح) قوله " شقصا " الشقص الطائفة من الشئ، والجمع أشقاص مثل حمل وأحمال، وهو مأخوذ من المشقص، سهم فيه نصل عريض أو أن هذا مأخوذ منه. أما الاحكام فإنه إذا اشترى رجل شقصا من دار أو أرض فثبت فيه الشقصة فأفلس المشترى وحجر عليه قبل أن يأخذ الشفيع، فهل البائع أحق بالشقص أم الشفيع؟ فيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أن الشفيع أحق ويكون الثمن بين الغرماء، لان حق الشفيع أسبق لان حقه يثبت بالبيع، وحق البائع يثبت بالحجر، فقدم السابق (والثانى) أن البائع أحق بالشقص لانه إذا رجع في الشقص زال الضرر عنه وعن الشفيع، لان عاد كما كان قبل البيع، ولم يتجدد شركة غيره قال الشيخ أبو حامد: وهذا مدخول، لان من باع شقصا وثبتت فيه الشفعة ثم استقاله البائع فأقاله قبل أن يأخذ الشفيع، فإن البائع عاد للشفيع شريكا كما كان، ومع دلك له الاخذ بالشفعة (والثالث) أن الشفيع أولى بالشقص، ويؤخذ منه الثمن ويسلم إلى البائع دون سائر الغرماء، لان في ذلك جمعا بين الحقين، وازالة للضرر عنهما قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان المبيع صيدا والبائع محرم، لم يرجع فيه، لانه تمليك صيد فلم يجز مع الاحرام كشراء الصيد (الشرح) الاحكام: إذا باع صيدا ثم أحرم وأفلس المشترى لم يكن للبائع أن يرجع في الصيد كما لا يجوز أن يبتاعه، وقد مضى لسلفنا النووي رضى الله عنه ذلك في الصيد فليراجع. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان وجد عين ماله ودينه مؤجل، وقلنا ان الدين المؤجل لا يحل وديون الغرماء حالة، فالمنصوص أنه يباع المبيع في الديون الحالة لانها حقوق

حالة فقدمت على الدين المؤجل ومن أصحابنا من قال لا يباع، بل يوقف إلى أن يحل فيختار البائع الفسخ أو الترك، وإليه أشار في الاملاء، لان بالحجر تتعلق الديون بماله فصار المبيع كالمرهون في حقه بدين مؤجل فلا يباع في الديون الحالة (الشرح) الاحكام: إذا اشترى رجل أعيانا بأثمان مؤجلة فحجر على المشترى بديون حالة عليه، وكانت الاعيان التى اشتراها بالمؤجل باقية في يده لم يتعلق به حق غيره. فإن قلنا إن الدين المؤجل لا يحل بالحجر، فما الحكم في الاعيان التى اشتراها بالاثمان المؤجلة. فيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص ولم يقل الشيخ أبو حامد غيره أنها تباع وتفرق اثمانها على أصحاب الديون لانها حقوق حالة فقدمت على الديون المؤجلة، وتبقى الديون في ذمته إلى الاجل، فإذا أيسر طالبوه، وإلا كانت في ذمته إلى أن يوسر (الثاني) حكاه المصنف أنها لا تباع، بل توقف إلى أن تحل الديون المؤجلة فيخير بائعوها بين فسخ البيع فيها أو الترك، قال واليه أشار في الاملاء، لان بالحجر تعلقت الديون بماله، فصار المبيع كالمرهون في حقه بدين مؤجل، فلم يبع في الديون الحالة. وأما إذا قلنا: إن الديون المؤجلة يحل بالحجر فما الحكم في الاعيان المشتراة بها. فيه وجه حكاه صاحب الفروع، وهو قول أبى إسحاق أن تلك الاعيان لا تباع في حق أصحاب الديون المعجلة ولا تسلم إلى بائعها أيضا، بل توقف قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وجد المبيع وقد باعه المشترى ورجع إليه، ففيه وجهان. (أحدهما) أن له أن يرجع فيه، لانه وجد عين ماله خاليا من حق غيره، فأشبه إذا لم يبعه (والثانى) لا يرجع، لان هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه. (الشرح) الاحكام: إذا اشترى عينا بثمن في ذمته فباعها من غيره أو وهبها له وأقبضها ثم أفلس المشترى لم يكن للبائع إلا الضرب مع الغرماء لانها خارجة عن ملك المشترى، فهو كما لو تلفت، وان رجعت إلى ملك المشترى بإرث أو هبة أو وصية فأفلس. فهل يرجع البائع بها فيه وجهان

أحدهما: لا يرجع لان هذا الملك انتقل إليه من غير البائع. والثانى: للبائع أن يرجع فيها، لانه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره، فهو كما لو لم يخرج عن ملك المشترى، فإذا قلنا: بهذا الوجه، وكان المشترى قد اشتراها ممن هي في يده بثمن في ذمته، فأفلس بالثمنين وحجر عليه، فأى البائعين أحق بالعين؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها المسعودي. (أحدها) البائع الاول أحق بها، لان حقه أسبق. (والثانى) البائع الثاني أحق بها، لانه أقرب. (والثالث) أنهما سواء لانهما متساويان في سبب الاستحقاق. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وجد المبيع ناقصا نظرت، فإن كان نقصان جزء ينقسم عليه الثمن كعبدين، تلف أحدهما أو نخلة مثمرة تلفت ثمرتها، فالبائع بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ البيع فيما بقى بحصته من الثمن، ويضرب مع الغرماء بثمن ما تلف، لان البائع يستحق المبيع في يد المفلس بالثمن كما يستحق المشترى المبيع في يد البائع بالثمن، ثم المشترى إذا وجد أحد العينين في يد البائع والآخر هالكا كان بالخيار بين أن يترك الباقي ويطالب بجميع الثمن، وبين أن يأخذ الموجود بثمنه ويطالب بثمن التالف، فكذلك البائع، وإن كان المبيع نخلا مع ثمرة مؤبرة فهلكت الثمرة، قوم النخل مع الثمرة، ثم يقوم بلا ثمرة، ويرجع بما بينهما من الثمن، وتعتبر القيمة أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض. فان كانت قيمته وقت العقد أقل قوم وقت العقد، لان الزيادة حدثت في ملك المشترى فلا تقوم عليه، وان كانت في وقت القبض أقل قوم في وقت القبض، لان ما نقص لم يقبضه المشترى، فلم يضمنه، فان كان نقصان جزء لا ينقسم عليه الثمن كذهاب يد، وتأليف دار، نظرت، فان لم يجب لها أرش بأن أتلفها المشترى أو ذهبت بآفة سماوية، فالبائع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن وبين أن يتركه، ويضرب بالثمن مع الغرماء كما نقول فيمن اشترى عبدا فذهبت

يده أو دارا فذهب تأليفها في يد البائع، فان المشترى بالخيار بين أن يأخذه بالثمن، وبين أن يتركه ويرجع بالثمن فإن وجب لها أرش بأن أتلفها أجنبي فالبائع بالخيار بين أن يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يأخذ ويضرب بما نقص من الثمن لان الارش في مقابلة جزء كان البائع يسحقه فاستحق ما يقابله، كما نقول فيمن اشترى عبدا فقطع الأجنبي يده: انه بالخيار بين أن يتركه ويرجع بالثمن، وبين أن يأخذه ويطالب الجاني بالارش، غير أن المشترى يرجع على الجاني بقيمة اليد، لانها تلفت في ملكه فوجب له البدل، والبائع يرجع بحصة اليد من الثمن لانها تلفت في ملك المفلس فوجب الارش له، فيرجع البائع عليه بالحصة من الثمن، لان المبيع مضمون على المفلس بالثمن، فان كان المبيع نخلا عليه طلع غير مؤبر فهلكت الثمرة ثم أفلس بالثمن فرجع البائع في النخل ففيه وجهان (أحدهما) يأخذها بجميع الثمن لان الثمرة تابعة للاصل في البيع فلم يقابلها قسط من الثمن (والثانى) يأخذها بقسطها من الثمن ويضرب بحصة الثمرة مع الغرماء. لان الثمرة يجوز إفرادها بالبيع فصارت مع النخل بمنزلة العينين. (الشرح) الاحكام: والذى ذكرناه في الفصل الذى قبل هذا إذا وجد البائع العين المبيعة بحالها لم تنقص ولم تزد، فأما إذا وجدها ناقصة فلا يخلو إما أن يكون نقصان جزء ينقسم عليه الثمن، ويصح إفراده بالبيع أو نقصان جزء لا ينقسم عليه الثمن، ولا يصح إفراده بالبيع. فان كان نقصان جزء ينقسم عليه الثمن بأن باعه شيئين بثمن فقبضهما المشترى فتلف أحدهما وأفلس قبل أن يقبض البائع الثمن. أو كان ثوبا فتلف بعضه أو نخلة مثمرة مؤبرة فتلف الثمرة قبل أن يقبض البائع الثمن فالبائع بالخيار بين أن يترك ما بقى من المبيع. ويضرب بجميع الثمن مع الغرماء وبين أن يرجع فيما بقى من المبيع بحصته من الثمن. ويضرب مع الغرماء بحصة ما تلف من المبيع من الثمن. سواء تلف بآفة سماوية أو بفعل المشترى. أو بفعل أجنبي فالحكم واحد في رجوع البائع. وإنما كان كذلك لان البائع يستحق المبيع في يد المفلس بالثمن كما يستحق المشترى المبيع في يد البائع بالثمن. ثم المشترى إذا وجد بعض المبيع في يد البائع كان له أن يأخذه بحصته من الثمن. فكذلك هذا مثله. فان كان المبيع

ثوبين أو دابتين وتلف أحدهما، وأراد بسط الثمن عليهما قوم كل واحد منهما بانفراده، وقسم الثمن المسمى على قيمتهما، فما قابل التالف ضرب به مع الغرماء وما قابل الباقي رجع في الباقي منهما لما قابله، وان باعه نخلة عليها ثمرة مؤبرة، واشترط المشترى دخول الثمرة في البيع ثم أتلف المشترى الثمرة، أو أتلفت وأفلس، واختار البائع الرجوع في النخله، فإنه يرجع فيها بحصتها من الثمن، ويضرب مع الغرماء بما يقابل الثمرة من الثمن. وحكى المحاملى عن بعض أصحابنا أن يرجع في النخلة بحصتها من الثمن، وقال العمرانى في البيان: قال صاحب المهذب: فيكفيه ذلك أن يقوم النخلة مع الثمرة ثم يقوم النخله من غير ثمرة، ويرجع بما بينهما من الثمن. وأما الشيخ أبو حامد وابن الصباغ قالا: تقوم النخله مفردة. فإن قيل قيمتها تسعون، ثم يقوم الثمرة مفردة، فان قيل قيمتها عشرة، علمنا أن قيمة الثمرة العشرة فيعلم أن الذى يقابل الثمرة عشر الثمن المسمى، فيضرب به مع الغرماء ويأخذ بتسعة أعشار الثمن اه. قال الشافعي رضى الله عنه: وتقوم يوم قبضها. قال أصحابنا: وليس هذا على اطلاقه، وإنما يقوم بأقل الامرين من يوم العقد، لان الزيادة حدثت في ملك المفلس، فلا يكون للبائع فيها حق، فان كانت القيمة يوم القبض أقل قوم يوم القبض، لان ما نقص في يد البائع كان مضمونا عليه، فلا يرجع البائع على المفلس بما نقص في يده، وان اشترى منه نخلة عليها طلع غير مؤبر. فإن الطلع يدخل في البيع، فان أتلف المشترى الثمرة أو تلفت في يده وأفلس واختار البائع الرجوع في النخلة، فهل يضرب مع الغرماء بحصة الثمرة من الثمن لانها ثمرة يجوز إفرادها بالعقد، فرجع بحصتها من الثمن، كما لو كانت مؤبرة. فعلى هذا كيفية التقسيط على ما مضى في المؤبرة. والثانى، لا يضرب بحصة الثمرة مع الغرماء، بل يأخذ النخلة بجميع الثمن ويضرب به مع الغرماء، لان الطلع غير المؤبر يجرى مجرى جزء من أجزاء النخلة بدليل أنها تدخل في العقد بالاطلاق، فصارت كالسعف، ولو أفلس وقد تلف شئ من السعف لم يضرب بحصتها من الثمن، فكذلك هذا مثله واصل هذا، هل الطاع قبل التأبير مما يتميز

أو غير متميز، فيه وجهان، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد. وإن كان النقصان مما لا ينقسم عليه الثمن بأن كان المبيع ثوبا صحيحا فوجده البائع محروقا أو دارا ذهب تأليفها في يد المشترى فصارت غير مألوفة لما طرأ عليها من تصدع أو وحشة فإن اختار البائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن فلا كلام. وإن اختار أن يرجع بعين ماله نظرت. فإن لم يجب في مقابلة ما ذهب أرش بأن ذهب ذلك بآفة سماوية. أو بفعل المشترى. فان البائع يرجع في البيع ناقصا بجميع الثمن - كما قلنا فيمن اشترى دابة فذهبت علينها بآفة سماوية في يد البائع - فان المشترى إذا اختار إجازة البيع. أخذه بجميع الثمن. وإن وجب للنقصان أرش، فان ذهب ذلك بفعل أجنبي فان البائع يرجع في البيع لحصتها من الثمن. ويضرب مع الغرماء بحصة ما تلف من المبيعة من الثمن، ويرجع المشترى على الأجنبي بالارش. وإنما كان كذلك لان الارش الذى يأخذه المشترى من الأجنبي بدل عن الجزء الفائت من المبيع، ولو كان ذلك الجزء موجودا لرجع به البائع، فإذا كان معدوما رجع بما قابله من الثمن. فان قيل: هلا قلتم: إن البائع يأخذ ذلك الارش؟ قلنا: لا نقول ذلك، لان البائع لا يستحق الارش، وإنما استحق ما قابل ذلك الجزء من الثمن، كما أن الأجنبي لو أتلف جميع المبيع لم يرجع البائع لما وجب على الجاني من القيمة، أو بما يرجع بالثمن، وبيان ما يرجع به ان يقال: كم قيمة هذه العين قبل الجناية عليها؟ فان قيل: مائة، قيل: فكم قيمتها بعد الجنايه عليها. فان قيل: تسعون علمنا أن النقص عشر القيمة، فيضرب البائع مع الغرماء بعشر القيمة. وأما المفلس فيرجع على الجاني بالارش. فان كان المبيع من غير الرقيق رجع بما نقص من قيمته بالجناية. وإن كان من الرقيق - وهو اليوم غير قائم في زماننا هذا - نظر إلى ما أتلفه منه. فان كان مضمونا من الحر بالدية كان مضمونا من الرقيق بالقيمة. وإن كان مضمونا من الحر بالحكومه كان مضمونا من الرقيق بما نقص من القيمه ويكون ذلك للغرماء سواء أكثر مما رجع به البائع أو أقل.

(فرع) وإن وجد البائع المبيع وقد أجره المشترى، ولم تنقضي مدة الاجارة واختار البائع الرجوع في العين، كان له ذلك، واستوفى المستأجر مدة الاجارة ولا يأخذ البائع الاجارة ولا شيئا منها، لان المبتاع ملك ذلك بالعقد، فصار ذلك كالعيب، وهكذا إن كان المبيع مكاتبا للمبتاع لم يكن للبائع الرجوع فيه، لانه عقد لازم من جهة المشترى، فان عجز العبد نفسه عن الوفاء كان للبائع أن يرجع فيه كما إذا رهن المبتاع العين المبيعة ثم زال حق المرتهن عنها والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن وجد المبيع زائدا نظرت، فإن كانت زيادة غير متميزة. كالسمن والكبر. واختار البائع الفسخ. رجع في المبيع مع الزيادة. لانها زيادة لا تتميز فتبعت الاصل في الرد. كما قلنا في الرد بالعيب. وان كان المبيع حبا فصار زرعا أو زرعا فصار حبا. أو بيضا فصار فرخا ففيه وجهان. (أحدهما) لا يرجع به لان الفرخ غير البيض، والزرع غير الحب (والثانى) يرجع وهو المنصوص. لان الفرخ والزرع عين المبيع. وإنما تغيرت صفته فهو كالودى إذا صار نخلا. والجدى إذا صار شاة. وإن كانت الزيادة متميزة نظرت. فإن كانت ظاهرة كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار. رجع فيه دون الزيادة. لانه نماء ظاهر متميز حدث في ملك المشترى فلم يتبع الاصل في الرد. كما قلنا في الرد بالعيب. فان اتفق المفلس والغرماء على قطعها قطع. وان اتفقوا على تركها إلى الجداد ترك لانه ملك أحدهما وحق الآخر وإن دعا أحدهما إلى قطعها والآخر إلى تركها وجب القطع. لان من دعا إلى القطع تعجل. فلا يؤخر بغير رضاه. وإن كانت الزيادة غير ظاهرة كطلع غير مؤبر وما أشبهه من الثمار. ففيه قولان، روى الربيع أنه يرجع في النخل دون الطلع، لان الثمرة ليست عين ماله فلم يرجع بها، وروى المزني أنه يرجع لانه يتبع الاصل في البيع فتبعه في الفسخ كالسمن والكبر، فإذا قلنا بهذا فأفلس وهو غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر لم يرجع في الثمرة لانها أبرت وهى في ملك المفلس فان اختلف البائع والمفلس فقال البائع: رجعت فيه قبل التأبير

فالثمرة لى. وقال المفلس: رجعت بعد التأبير فالثمرة لى، فالقول قول المفلس مع يمينه لان الاصل بقاء الثمرة على ملكه فإن لم يحلف المفلس فهل يحلف الغرماء فيه قولان، وقد مضى دليلهما، فإن كذبوه فحلف واستحق وأراد أن يفرقه على الغرماء ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يلزمهم قبوله لانهم أقروا أنه أخذ بغير حق (والثانى) يلزمهم قبوله أو الابراء من الدين، وعليه نص في المكاتب إذا حمل إلى المولى نجما فقال المولى هو حرام، أنه يلزمه أن يأخذه أو يبرئه منه، فإن صدقه بعضهم وكذبه البعض فقد قال الشافعي رحمه الله: يفرق ذلك فيمن صدقه دون من كذبه. فمن أصحابنا من قال لا يجوز أن يفرقه إلا على من صدقه، لانه لا حاجة به إلى دفع إلى من يكذبه وقال أبو إسحاق: إذا اختار المفلس أن يفرق على الجميع جاز، كما يجوز إذا كذبوه. وحمل قول الشافعي رحمه الله إذا اختار أن يفرق فيمن صدقه. وإن قال البائع رجعت قبل التأبير فالثمرة لى فصدقه المفلس وكذبه الغرماء ففيه قولان. (أحدهما) يقبل قول المفلس لانه غير متهم (والثانى) لا يقبل لانه تعلق به حق الغرماء فلم يقبل اقراره فيه. فإذا قلنا بهذا فهل يحلف الغرماء؟ فيه طريقان من أصحابنا من قال: هي على القولين كما قلنا في القسم قبله، ومنهم من قال يحلفون قولا واحدا، لان اليمين ههنا توجهت عليهم ابتداء، وفى القسم قبله توجهت اليمين على المفلس، فلما نكل نقلت إليهم. (الشرح) قوله " كالودى " بفتح الواو وكسر الدال بعدها ياء مشددة صغار الفسيل الواحدة ودية. أما الاحكام فإنه إذا وجد البائع عين ماله زائدة نظرت، فان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن والكبر وما أشبههما، واختار البائع الرجوع في العين رجع فيها مع زيادتها، لانها زيادة لا تتميز، فتبعت الاصل في الرجوع بها كالرد بالعيب. فإن باعه نخلا عليها طلع مؤبر، واشترط المشترى دخول الثمرة في البيع

فأدركت الثمرة في يد المشترى وحدها وجففها ثم أفلس والجميع في حوزته لم يتعلق به حق غيره، فإن للبائع أن يرجع في النخل والثمرة، وإن كان مجففا، لان هذه زيادة غير متميزة فهى كسمن البهيمة، وإن باعه نخلا عليها طلع غير مؤبر فأبرها المشترى ثم أفلس، فهل للبائع الرجوع فيها. قال المسعودي: فيه قولان بناء على أن الثمرة هل تعلم قبل التأبير. وفيه قولان: قال في البيان: وتشبه أن يكون على طريقه أصحابنا البغداديين على وجهين، بناء على أن الثمرة قبل التأبير إما متميزة أو غير متميزة وإن باعه أرضا وفيها بذر مودع فيها واشترط دخول البذر في البيع، فهل يصح بيع البذر. قال الشيخ أبو حامد: فيه قولان، وغيره من أصحابنا قال: فيه وجهان. وقد مضى ذلك في البيوع مفصلا. فإذا قلنا يصح البيع في البذر فأفلس المشترى، فإن كان قبل أن يخرج البذر عن الارض رجع البائع في الارض وفى البذر ولا كلام، وإن أفلس بعد أن صار البذر زرعا فانه يرجع في الارض، وهل يرجع في الزرع أو يضرب بحصة البذر من الثمن مع الغرماء. فيه وجهان من أصحابنا من قال: يرجع في الارض وحدها ويضرب مع الغرماء بثمن البذر، لان البائع إنما يرجع لعين ماله إذا كانت باقية بحالها، وهذا الزرع خلقه الله تعالى ولم يكن موجودا حال البيع (والثانى) يرجع في الزرع مع الارض، وهو المنصوص في الام، لان هذا الزرع عين البذر، وإنما حوله الله تعالى من حالة إلى حالة، فرجع به كالودى إذا صار نخلا. وإن اشترى منه أرضا فيها زرع أخضر واشترط دخول الزرع في البيع صح البيع قولا واحدا، فان أفلس المشترى بعدما استحصد الزرع واشتد حبه. أو كان قد حصده فعلا وذاره ونقاه فهل للبائع أن يرجع في الارض مع هذا الزرع قال عامة فقهائنا فيه وجهان كالتى قبلها. وقال الشيخ أبو حامد: إن قلنا بالمنصوص في التى قبلها فالبائع ههنا أن يرجع

فيهما، وإن قلنا بالوجه الثاني لبعض أصحابنا فيها فههنا وجهان (أحدهما) لا يرجع (الثاني) يرجع لانه تميز ماله وانما تغير صفتها فزادت. قالوا وهكذا لو تغير الزرع من خضرة إلى صفرة. هكذا في الروضة والحاوى والبيان وإذا باعه أرضا فيها نواء مدفونة، واشترط دخول النوى في البيع، فيه وجهان، المذهب أنه يدخل، فإن أفلس المشترى وقد صار النوى نخلا فهل يرجع البائع فيها مع النخل؟ فيه وجهان كالبذر إذا صار زرعا، وان اشترى منه بيضا فحضنه تحت دجاجة حتى صار فرخا ثم أفلس المشترى، فهل يرجع البائع في الفراخ فيه وجهان كالبذر إذا صار زرعا، وتعليلهما على ما سبق ذكره، والله أعلم (فرع) وإذا كانت الزيادة متميزة كاللبن وولد البهيمة رجع البائع في عين المبيعة دون الزيادة، لانها زيادة متميزة فلم تتبع الاصل في الرد - كما قلنا في الرد بالعيب - فان كان المبيع أرضا فارغه فزرعها المشترى، أو نخلا لا ثمر عليها فأثمرت في يد المشترى أو أبرت ثم أفلس المشترى، واختار البائع الرجوع في عين ماله فإنه يرجع في الارض دون الزرع، وفى النخل دون الثمرة لانها زيادة متميزة حدثت في يد المشترى فلم يكن للبائع فيها حق إذا ثبت هذا فليس للبائع أن يطالب المشترى والغرماء بحصاد الزرع ولا بجداد الثمرة قبل وقته، لان المشترى زرع في أرضه فليس بظالم، والثمرة أطلعت في ملكه، فهو كما لو باع أرضا وفيها زرع أو نخلة وعليها طلع، فانه لا يجبر على قطعه قبل أوانه ولا يجب للبائع أجرة الارض، ولا النخل إلى أوان الجداد والحصاد، كما لا يجب ذلك للمشترى على البائع إذا اشترى أرضا فيها زرع أو نخلا عليها طلع، ثم ينظر في المفلس والغرماء، فان اتفق على قطع الثمرة والزرع قبل أو ان قطعهما جاز، لان الحق لهم، وان اتفقوا على تركه إلى وقت الحصاد والجداد جاز وان دعا بعضهم إلى القطع قبل أوانه، ودعا البعض إلى تركه ففيه وجهان، أحدهما، وبه قال عامة أصحابنا وهو المذهب: أنه يجاب قول من دعا إلى القطع. لان الغرماء ان كانوا هم الطالبون القطع أجيبوا، لانهم يقولون: حقوقنا معجلة

فلا يجب علينا التأخير، وإن كان المفلس هو الطالب للقطع. أجيب لانه يستفيد بذلك إبراء ذمته، ولان في التبقية غررا، لانه قد يتلف، فأجيب من دعا إلى القطع. والوجه الثاني وهو قول أبى إسحاق: إنه يفعل ما فيه الحظ من القطع أو التبقية، قال ابن الصباغ، وهذا لا بأس به لانه قد يكون من الثمرة والزرع ماله قيمة تافهة أو ما لا قيمة له، والظاهر سلامته. اه (فرع) إذا باعه نخلا لا ثمرة عليها فأطلعت في يد المشترى وأفلس قبل التأبير فهل للبائع أن يرجع في الثمرة مع النخل؟ فيه قولان (أحدهما) رواه المزني أنه يرجع في الثمرة مع النخل، لانه لو باعه نخلة عليها طلع غير مؤبرة تبعت الثمرة النخلة في المبيع. فتبعتها أيضا في الفسخ، كالثمن في الجارية (والثانى) رواه الربيع أنه لا يرجع في الثمرة لانه يصح إفرادها في البيع فلم تتبع النخلة في الفسخ كالطلع المؤبر، ويفارق البيع أنه زال ملكه عن النخلة باختياره، وههنا زال بغير اختياره قال أصحابنا " كل موضع زال ملك المالك عن أصل النخلة وعليها طلع غير مؤبر باختيار المالك، وكان زوال ملكه عنها بعوض، فإن الثمرة تتبع الاصل، وذلك كالبيع والصلح والاجرة في الاجارة والصداق وما أشبه ذلك. وكل موضع زال ملكه عن أصل النخلة بغير اختياره. فهل تتبع الثمرة الاصل؟ فيه قولان وذلك مثل مسألتنا هذه في المفلس. ومثل أن يشترى نخلة لا ثمر عليها بثمن معين فتطلع النخلة في يد المشترى ثم يجد البائع بالثمن عيبا فرده قبل التأبير، فهل يرجع في الثمرة مع النخلة؟ على قولين وكذلك إذا اشترى شقصا في أرض فيها نخل فأطلعت النخل في يد المشترى ثم علم الشفيع قبل التأبير فشفع، فهل يأخذ الثمرة مع النخل. على هذين القولين وكذلك كل موضع زال ملكه عن الاصل إلى غيره باختياره بغير عوض. فهل يتبع المطلع الذى ليس بمؤبر الاصل. فيه قولان أيضا. وذلك مثل أن يهب الرجل لغيره نخلة عليها طلع غير مؤبر. وكذلك إذا زال ملكه عن الاصل بغير عوض بغير اختياره أيضا مثل أن يهب الاب لابنه نخلة فأطلعت في يد الابن.

ورجع الاب فيها قبل التأبير فهل يتبع الثمرة الاصل. فيه قولان إذا ثبت ما ذكرناه فإذا باعه نخلة لا ثمرة عليها فأطلعت في يد المشترى وأفلس قبل أن تؤبر الثمرة فرجع البائع في عين ماله، فإن قلنا ان الثمرة لا تتبع النخلة في الفسخ كانت الثمرة للمفلس. فان اتفق المفلس والغرماء على تبقيتها إلى أوان جدادها كان لهم ذلك. وليس لبائع النخلة أن يطالبهم بقطعها قبل ذلك. وان اتفقوا على قطعها جاز. وان دعا بعضهم إلى قطعها. وبعضهم إلى تبقيتها ففيه وجهان. قال عامة أصحابنا يجاب من دعا إلى قطعها. وقال المصنف يفعل ما فيه الاحظ وقد مضى دليل الوجهين. وان قلنا ان الثمرة تكون للبائع للنخل فلم يرجع البائع حتى أبرت النخل كانت الثمرة للمفلس والغرماء قولا واحدا. لانها قد صارت متميزا. فالحكم في قطعها وتبقيتها على ما مضى فان قال بائع النخل قد كنت رجعت فيها قبل التأبير. فان صدقه المفلس والغرماء على ذلك أو كذبوه وأقام على ذلك بينة حكم له بالثمرة وان كذبه المفلس والغرماء ولا بينة فالقول قول المفلس مع يمينه. لان الاصل عدم الرجوع، فإذا حلف المفلس كانت الثمرة ملكا له وقسمت على الغرماء. وان نكل عن اليمين فهل يحلف الغرماء. فيه قولان مضى بيانهما فإذا قلنا يحلفون فحلفوا قسمت الثمرة بينهم. وان نكلوا أو قلنا لا يحلفون عرضت اليمين على البائع فان حلف ثبت ملك الطلع له. وان نكل قال ابن الصباغ سقط حقه وكانت الثمرة للمفلس وقسمت بين الغرماء وأن صدق الغرماء البائع وكذبوا المفلس نظرت في الغرماء فان كان فيهم عدلان فشهدا للبائع أنه رجع قبل التأبير قبلت شهادتهما له. وحكم بالثمرة للبائع لانهما لا يجران إلى أنفسهما نفعا بهذه الشهادة ولا يدفعان عنهما ضررا. وكذلك ان كان فيهم عدل واحد حلف مع البائع حكم له بالثمرة. هكذا في الروضة والتحفة والحاوى من كتب المذهب. وان كانوا فساقا أو لم تقبل شهادتهم للبائع لسبب من الاسباب المانعة فالقول قول المفلس مع يمينه

قال العمرانى: والذى يقتضيه المذهب أنه يحلف: ما يعلم أن البائع رجع فيها قبل التأبير، وكذلك الغرماء إذا حلفوا، لانه يحلف على نفى فعل الغير فإذا حلف المفلس ملك الثمرة: فان لم يختر دفع الثمرة إلى الغرماء ولا بيعها لهم لم يجبر على ذلك، ولا لهم أن يطالبوه بذلك لانهم يقرون أنها ملك للبائع دون المفلس، ولكن يصرف إليهم سائر أمواله، ويفك عنه الحجر، ويتصرف في الثمرة كيف شاء اه. فان اختار المفلس دفع الثمرة إلى الغرماء، فهل يجبر الغرماء على قبولها، فيه وجهان. أحدهما وهو المذهب، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره: أنهم يجبرون فيقال لهم: إما أن تقبلوها أو تبرئوه من قدرها من دينكم كما قال الشافعي في المكاتب إذا حمل إلى سيده مالا عن كتابته. وقال للسيد: هو حرام، أنه يلزمه أن يأخذه أو يبرئه من قدره من ماله عليه. والثانى: لا يلزمهم ذلك، لانهم يقرون المفلس لا يملك ذلك، ويفارق سيد المكاتب، لانه يريد الاضطرار بالعبد ورد إلى الرق، فلم يقبل منه ولا ضرر على المفلس في ذلك فإذا قلنا بالاول، وقال الغرماء: نحن لا نأخذ الثمرة ولكنا نفك الحجر عنه ونبريه من حقوقنا، فهل للمفلس الامتناع؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي، فان اختار الغرماء أن يبرء والمفلس من قدر الثمرة من الدين، فأبروه من ذلك فلا كلام، وإن لم يختاروا أن يبروه، فان كان دينهم من جنس الثمرة وجب عليهم أخذها، وكذلك إذا لم يكن دينهم من جنس الثمرة، واختاروا أخذ الثمرة عن دينهم، فان كان دينهم من غير السلم جاز، وبرئت ذمة المفلس من ذلك فإذا أخذوا ذلك لم يملكوه، ولكن لزمهم رد ذلك إلى البائع، لانهم قد أقروا أنها ملكه وإنما لم نقبل إقرارهم لحق المفلس. فإذا زال حقه لزمهم حكم اقرارهم الاول كما لو شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده فلم نقبل شهادتهما عليه، ثم انتقل العبد اليهما أو إلى أحدهما بارث أو بيع، فانه يعتق عليهما باقرار السابق، وان كانت حقوقهم من غير جنس الثمرة، فانه لا يلزمهم قبول الثمرة بعينها، ولكن تباع الثمرة ويدفع الثمن.

قال ابن الصباغ: ولا حق للبائع في الثمن. وإن صدق بعض الغرماء البائع وكذبه بعضهم مع المفلس - فإن كان فيما صدق البائع عدلان فشهدا له أو عدل وحلف مع شاهده - حكم للبائع بالثمرة ولا كلام، وإن لم يكن فيهم من يقبل شهادته له، فإن القول قول المفلس مع يمينه لما ذكرناه فإذا حلف ملك الثمرة، فان أراد أن تقسم الثمرة على من صدقه دون من كذبه جاز، وان اختار قسمتها على الجميع فقد قال الشافعي رضى الله عنه: يدفعها إلى الذين صدقوه دون الذين كذبوه. واختلف أصحابنا فيها على وجهين، فقال أبو إسحاق: هي كالاول، وان للمفلس أن يفرق ذلك على الجميع أو بين من يكذبه عما يخصه من الثمرة من الدين لما ذكرناه في التى قبلها وما ذكره الشافعي رضى الله عنه فمعناه إذا رضى أن يفرقه فيمن صدقه دون من كذبه. ومنهم من قال: لا يجبر من كذبه على قبض شئ من الثمرة ولا الابراء عن شئ من دينه، وجها واحدا بخلاف الاولى لانه مع تكذيب جماعتهم له، به حاجة إلى قضاء دينه، فأجبروا على أخذه. وفى مسألتنا يمكنه دفعه إلى المصدقين له دون المكذبين له فإذا قلنا بالاول لزم المصدقين للبائع أن يدفعوا ما خصهم من الثمرة إليه، ولا يلزم المكذبين له، والذى يقتضى المذهب، أن البائع لو سأل من كذبه من الغرماء أن يحلف له أنه ما يعلم أنه رجع قبل التأبير لزم المكذب أن يحلف، لانه لو خاف من اليمين فأقر لزمه اقراره. هذا إذا كان المفلس مكذبا للبائع، فأما إذا كان المفلس مصدقا للبائع أنه رجع قبل التأبير، وقال الغرماء: بل رجع بعد التأبير، فهل يقبل اقرار المفلس؟ فيه قولان كالقولين فيه إذا قال: هذا العين غصبتها من فلان، أو ابتعتها منه بثمن في ذمتي، فهل يقبل في العين؟ قولان. فإذا قلنا: يقبل كانت الثمرة للبائع ولا كلام، وإذا قلنا: لا يقبل فقد قال الشافعي رضى الله عنه: يحلف الغرماء للبائع أنه ما رجع قبل الابار.

فمن أصحابنا من قال: فيها قولان، كما إذا ادعى المفلس مالا، وأقام شاهدا ولم يحلف معه، فهل يحلف غرماؤه، فيه قولان، وما ذكر الشافعي ههنا فهو أحدهما، ومنهم من قال: يحلفون ههنا قولا واحدا، وهناك على قولين، لان هناك توجهت اليمين على غيرهم، ثم نقلت إليهم، وههنا توجهت عليهم ابتداء، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وان كان المبيع جارية فحبلت في ملك المشترى نظرت، فان أفلس بعد الوضع رجع في الجارية دون الولد، كما قلنا في الرد بالعيب، ولا يجوز التفريق بين الام والولد. فاما أن يزن البائع قيمة الولد فيأخذه مع الام أو تباع الام والولد فيأخذ البائع ثمن الام. ويأخذ المفلس ثمن الولد. ومن أصحابنا من قال: اما أن يزن قيمة الولد فيأخذه مع الام. واما أن يسقط حقه من الرجوع. والمذهب الاول. لانه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره فثبت له الرجوع. وان أفلس قبل الوضع، فان قلنا: لا حكم للحمل رجع فيهما، لانه كالسمن. وان قلنا ان الحمل له حكم رجع في الام دون الحمل لانه كالحمل المنفصل. فان باعها وهى حبلى ثم أفلس المشترى نظرت، فان أفلس قبل الوضع رجع فيهما. وان أفلس بعد الوضع - فان قلنا للحمل حكم - رجع فيهما لانهما كعينين باعهما. وان قلنا لا حكم للحمل. رجع في الام دون الحمل. لانه نماء تميز من ملك المشترى. فلم يرجع فيه البائع، ولا يفرق بين الام والولد على ما ذكرناه. (الشرح) الاحكام: إذا باع من رجل بهيمة حائلا، فحملت في يد المشترى ثم أفلس المشترى بعد أن ولدت فللبائع أن يرجع في البهيمة لانها عين ماله. ولا حق له في ولدها لانه نماء متميز. وحكم الجارية حكم البهيمة الا أنه لا يجوز التفريق بين الجارية وولدها إذا كان صغيرا. فان قال بائع الجارية أنا أدفع قيمة الولد وأملكه مع الام كان له ذلك وينبنى

على عدم التفريق بين الجارية وولدها من التقسيط بين الغرماء أقوال للشيخ أبى حامد وابن الصباغ وأبى إسحاق الشيرازي والعمراني لا مجال لذكرها، ففى كلام المصنف الكفاية في مثل هذا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن كان المبيع طعاما فطحنه المشترى، أو ثوبا فقصره ثم أفلس نظرت فإن لم تزد قيمته بذلك واختار البائع الرجوع رجع فيه، ولا يكون المشترى شريكا له بقدر عمله، لان عمله قد استهلك ولم يظهر له أثر، وإن زادت قيمته بأن كانت قيمته عشرة فصارت قيمته خمسة عشر ففيه قولان (أحدهما) أن البائع يرجع فيه ولا يكون المشترى شريكا له بقدر ما عمل فيه وهو قول المزني، لانه لم يضف إلى المبيع عينا، وإنما فرق بالطحن أجزاء مجتمعة، وفى القصارة أظهر بياضا كان؟ منا في الثوب فلم يصر شريكا للبائع في العين، كما لو كان المبيع جوزا فكسره، ولانه زيادة لا تتميز فلم يتعلق بها حق المفلس، كما لو كان المبيع غلاما فعله أو حيوانا فسمنه (والثانى) أن المشترى يكون شريكا للبائع بقدر ما زاد بالعمل، ويكون حكم العمل حكم العين - وهو الصحيح - لانها زيادة حصلت بفعله فصار بها شريكا كما لو كان المبيع ثوبا فصبغه، ولان القصار يملك حبس العين لقبض الاجرة كما يملك البائع حبس المبيع لقبض الثمن، فدل على أن العمل كالعين بخلاف كسر الجوز وتعليم الغلام وتسمين الحيوان، فان الاجير في هذه الاشياء لا يملك حبس العين لقبض الاجرة، فعلى هذا يباع الثوب فيصرف ثلث الثمن إلى الغرماء والثلثان إلى البائع. وان كان قد استأجر المشترى من قصر الثوب وطحن الطعام ولم يدفع إليه الاجرة دفع الاجرة إلى الاجير من ثمن الثوب: لان الزيادة حصلت بفعله فقضى حقه من بدله (فصل) وإن اشترى من رجل ثوبا بعشرة ومن آخر صبغا بخمسة، فصبغ به الثوب ثم أفلس نظرت فان لم تزد ولم تنقص بأن صار قيمة الثوب خمسة

عشر، فقد وجد كل واحد من البائعين عين ماله، فإن اختار الرجوع صار الثوب بينهما، لصاحب الثوب الثلثان ولصاحب الصبغ الثلث. وان نقص فصار قيمة الثوب إثنى عشر فقد وجد بائع الثوب عين ماله، ووجد بائع الصبغ بعض ماله، لان النقص دخل عليه بهلاك بعضه، فان اختار الرجوع كان لبائع الثوب عشرة ولبائع الصبغ درهمان. ويضرب بما هلك من ماله، وهو ثلاثة مع الغرماء وإن زاد فصار يساوى الثوب عشرين درهما بنينا على القولين في أن زيادة القيمة بالغين أم لا، فان قلنا انها ليست كالعين حصلت الزيادة في مالهما فيقسط بينهما على الثلث والثلثين، لصاحب الثوب الثلثان ولصاحب الصبغ الثلث، وإن قلنا انها كالعين كانت الزيادة للمفلس فيكون شريكا للبائعين بالربع (الشرح) إذا اشترى حنطة من رجل أو ثوبا خاما أو غزلا، فطحن الحنطة أو خاط الثوب أو قصره، أو نسج الغزل ثم أفلس، فللبائع أن يرجع في الدقيق والثوب المقصور أو المخيط والغزل المنسوج بلا خلاف على المذهب لانه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره، فان لم تزد قيمة الثوب والحنطة بذلك فلا شئ للمفلس لان العمل قد استهلك، فان كان المفلس قد عمل ذلك بنفسه سقط عمله وان استأجر من عمل ذلك ولم يدفع الاجرة لم يكن للاجير أن يشارك بائع الثوب بشئ، وانما يضرب مع باقى الغرماء فيما عدا الثوب من مال المفلس لان عمله لم يظهر له قيمة، وهكذا الحكم إذا نقصت قيمة الثوب والحنطة بذلك واختار البائع الرجوع فلا شئ عليه لاجل النقصان، لان المفلس نقص من ماله بيده فإذا اختار الرجوع لم يكن له شئ لاجل النقصان، كما لو وجد الحيوان مريضا، ولا شئ للمفلس ولا يشارك الاجير بائع الثوب بشئ، لان عمله قد استهلك ولكن يضرب مع الغرماء بأجرته وأما إذا زادت قيمة الثوب أو الحنطة بذلك ففيه قولان: (أحدهما) يرجع البائع بالثوب أو الدقيق ولا يشاركه المفلس بشئ، وهو اختيار المزني، لان المشتر؟ لم يضف إلى المبيع عينا، وانما فرق بالطحن أجزاء مجتمعة وأزال بالقصارة، ونسج الثوب فلم يشارك البائع، كما لو اشترى حيوانا

مهزولا فسمن في يده (والثانى) أن هذه الاثار تجرى مجرى الاعيان، فيشارك المفلس البائع بقدر الزيادة - وهو الصحيح - لان الشافعي رضى الله عنه قال " وبه أقول إنها زيادة من فعل المشترى حصلت في المبيع فكان له أن يشاركه، كما لو صبغ الثوب " ولان الطحن والقصارة أجريت مجرى الاعيان، بدليل أن للطحان والقصار والخياط والنساج أن يمسك هذه الاعيان المعمول فيها إلى أن يستوفى الاجرة، فأجريت مجرى الاعيان فيما ذكرناه. إذا ثبت هذا فان قلنا بالقول الاول فاختار البائع الرجوع في عين ماله رجع فيها بزيادتها، فان كان المفلس قد استأجر من عمل ذلك ولم يستوف الاجير أجرته لم يكن للاجير أن يشارك بائع العين بشئ بل يضرب مع الغرماء بقدر أجرته، وإن قلنا بما اختاره الشافعي من أنها آثار تجرى مجرى الاعيان، فان كان المفلس تولى العمل بنفسه أو استعان بمن عمل ذلك بغير أجرة، أو استأجر من عمل ذلك وقد وفى الاجير أجرته فانه يشارك البائع بقدر ما زادت العين بالعمل مثل أن كان الثوب يساوى قبل القصارة (1 عشرة فصار مقصورا يساوى خمسة عشر، فللمفلس في الثوب خمسة قال ابن الصباغ: فان اختار بائع الثوب أن يدفع الخمسة أجبر المفلس والغرماء على قبولها، كما إذا غرس المشترى في الارض المبيعة أو ابتاعها فلبائع الارض أن يدفع قيمة الغراس والبناء ويتملكه مع الارض. وإن لم يختر بائع الثوب أن يدفع ذلك بيع الثوب، وكان ثلثا الثمن للبائع، والثلث للمفلس، وان كان المفلس قد استأجر من عمل ذلك ولم يدفع إليه شيئا من الاجرة تعلق حق الاجير بالزيادة، لانا قد جعلناها كالعين، فان كانت الزيادة قدر أجرته بأن كانت أجرته خمسة دراهم اختص الاجير بالزيادة وشارك البائع

_ (1) يبدو أن الثياب كانت تباع على عصر الشافعي رضى الله عنه مخيطة ولكى تتناسب مع كل قامة وقوام كانت تكون طويلة ويشتريها من يريد ارتداءها ثم يذهب بها إلى القصار فيهندمها بالتقصير على حسب قامته، ومن ثم كانت القصارة صناعة رائجة كالخياطة والنساجة.

بها، وان كانت الزيادة أكثر من أجرته بأن كانت الزيادة عشرة في حين أن أجرته خمسة كانت الزيادة على مقدار الاجرة من حق المفلس تصرف إلى باقى الغرماء. وإن كانت الزيادة أقل من الاجرة بأن كانت قيمة الثوب قبل القصارة عشرة، فصارت قيمته مقصورا ثلاثة عشر وأجرة القصار خمسة، فان القصار يشارك بائع الثوب بثلاثة دراهم ويضرب مع الغرماء بدرهمين (فرع) وإن اشترى غلاما فعله صنعة مباحة، أو علمه القران، ثم أفلس المشترى وقد زادت قيمة الغلام بذلك، فاختلف أصحابنا في ذلك على قولين كالقصار، لانه يجوز الاستئجار على ذلك، وخالف الشيخ أبو حامد وعامة والاصحاب. وكذلك السمن في البهيمة، لانه كان نتيجة علفها، وهو أمر محتم لبقائها، وسمنها مرجعه بعد ذلك إلى الله تعالى. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كان المبيع أرضا فبناها أو غرسها، فان أنفق المفلس والغرماء على قلع البناء والغراس ثبت للبائع الرجوع في الارض، لانه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره، فجاز له الرجوع، فان رجع فيها ثم قلعوا البناء والغراس لزم المفلس تسوية الارض وأرش نقص ان حدث بها من القلع، لانه نقص حصل لتخليص ماله، ويقدم ذلك على سائر الديون، لانه يجب لاصلاح ماله فقدم كعلف البهائم وأجرة النقال. وان امتنعوا من القلع لم يجبروا لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " وهذا غرس وبناء بحق، فان قال البائع: أنا أعطى قيمة الغراس والبناء وآخذه مع الارض، أو أفلع وأضمن أرش النقص، ثبت له الرجوع لانه يرجع في عين ماله من غير إضرار. وان امتنع المفلس والغرماء من القلع، وامتنع البائع من بذل العوض وأرش النقص، فقد روى المزني فيه قولين (أحدهما) أنه يرجع (والثانى) أنه لا يرجع، فمن أصحابنا من قال: ان كانت قيمة الغراس والبناء أقل من قيمة

الارض فله أن يرجع لان الغراس والبناء تابع، فلم يمنع الرجوع، وإن كانت قيمة الغراس والبناء أكثر من قيمة الارض لم يرجع لان الارض صارت كالتبع للغراس والبناء، وحمل القولين على هذين الحالين. وذهب المزني وأبو العباس وأبو إسحاق إلى أنها على قولين (أحدهما) يرجع لانه وجد عين ماله مشغولا بملك المفلس، فثبت له الرجوع، كما لو كان المبيع ثوبا فصبغه المفلس بصبغ من عنده (والثانى) لا يرجع لانه إذا رجع في الارض بقى الغراس والبناء من غير طريق ومن غير شرب، فيدخل الضرر على المفلس، والضرر لا يزال بالضرر. فان قلنا إنه يرجع وامتنع البائع من بذل العوض وأرش النقص، وامتنع المفلس والغرماء من القلع، فهل يجبر البائع على البيع، فيه قولان (أحدهما) يجبر لان الحاجة تدعو إلى البيع لقضاء الدين، فوجب أن يباع كما يباع الصبغ مع الثوب، وإن لم يكن الصبغ له ويباع ولد المرهونة مع الرهن، وان لم يدخل في الرهن (والثانى) لا يجبر لانه يمكن إفراد كل واحد منهما بالبيع، ولا يجبر على بيعها مع الغراس والبناء. (الشرح) حديث " ليس لعرق ظالم حق " أخرجه أبو داود والدارقطني والشافعي عن عروة بن الزبير عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وأعله بالارسال والنسائي وأبو داود من طريق سعيد بن زيد. ورجح الدارقطني إرساله أيضا. وقد اختلف مع ترجيح الارسال من هو الصحابي الذى روى من طريقه؟ فقيل جابر، وقيل عائشة، وقيل عبد الله بن عمر ورجح ابن حجر العسقلاني الاول، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا. ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة وفى إسناده زمعه وهو ضعيف. ورواه ابن أبى شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث كثير ابن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وعلقه البخاري. ولفظ حديث سعيد بن زيد قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " من أحيا أرضا ميتة فهى له. وليس لعرق ظالم حق "

وفى حديث رواه جعفر الصادق رضى الله عنه عن أبيه عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار، قال ومع الرجل أهله، قال: وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل، ويشق عليه، فطلب إليه أن يناقله فأبى، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه يناقله فأبى، قال فهبه لى، ولك كذا أمرا رغبه فيه، فأبى. فقال: أنت مضار فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للانصاري اذهب فاقلع نخله " وفى سماع محمد الباقر أبى جعفر من سمرة نظر، والله تعالى أعلم. أما الاحكام: فإنه إذا ابتاع أرضا من رجل بثمن في ذمته فغرسها من عنده أو بنى فيها بناء بأدوات من عنده، ثم أفلس قبل دفع الثمن، فأراد البائع الرجوع في أرضه، فان اتفق المفلس، والغرماء على قلع الغراس والبناء من الارض جاز لهم ذلك. لان الحق لهم، ولبايع الارض أن يرجع فيها، لانها عين ماله، لم يتعلق بها حق غيره، فإذا رجع البايع فيها ثم قلعوا البناء والغراس لزمهم تسوية الارض، وأرش ما نقص إن حصل بها بسبب القلع، لان ذلك حدث لتخليص ملكهم، وهو كما لو دخل فصيل إلى دار رجل ولم يخرج إلا بنقض الباب. فلرب الفصيل نقض الباب وإخراج فصيله. وعليه إصلاح الباب، ويكون ذلك مقدما على حق سائر الغرماء. فان قيل: أليس قد قلتم: ان البائع إذا وجد عين ماله ناقصة فرجع فيها، فانه لا شئ له. قلنا: الفرق بينهما أن النقص حصل في ملك المشترى، فلم يضمنه الا فيما يتقسط عليه الثمن، وههنا حدث النقص بعد رجوع البايع في أرضه، والنقص حصل لتخليص ملكهم فضمنوه، وان لم يرض المفلس والغرماء بقلع الغراس والبناء لم يكن لبايع الارض اجبارهم على ذلك للحديث " ليس لعرق ظالم حق " وهذا ليس ظالما لانه غرس أو بنى في ملكه. فإذا ثبت هذا: فانهم لا يجبرون، فان بذل البايع قيمة الغراس والبناء ليملكه مع الارض، أو قال: أنا أقلع ذلك وأضمن أرش ما دخل بالقلع من النقص

أجبر المفلس والغرماء على ذلك، وكان لبائع الارض الرجوع فيها: لان الضرر يزول عن الجميع بذلك. وان قال بايع الارض: أرجع فيها وأقر الغراس والبناء وأخذ أجرة الارض قال المسعودي كان له ذلك وان امتنع المفلس والغرماء من القلع وامتنع بائع الارض من بذل قيمة الغراس والبناء وأرش ما حصل بالقلع فهل له أن يرجع في أرضه؟ قال الشافعي رضى الله عنه في موضع: له أن يرجع فيها. وقال في موضع: يسقط حقه من الرجوع فيها. واختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال فيها قولان. (أحدهما) للبايع أن يرجع في أرضه، وان لم يبذل قيمة الغراس والبناء لقوله صلى الله عليه وسلم " صاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه ولم يفرق " ولان أكثر ما فيه أنه وجده مشغولا بملك غيره، وذلك لا يسقط حقه من الرجوع كما لو باع ثوبا فصبغه المشترى بصبغ من عنده (والثانى) ليس له الرجوع في أرضه، لان الارض قد صارت مشغولة بملك غيره فسقط حقه من الرجوع فيها كما لو اشترى من رجل مسامير وسمر بها بابا ثم أفلس البايع فانه ليس للبائع للمسامير أن يرجع فيها ولان رجوع البايع في عين ماله انما جعل له لازالة الضرر عنه، فلو جوزنا له الرجوع ههنا لازلنا عنه الضرر. وألحقناه بالمفلس والغرماء لانه لا يبقى لهما طريق إلى غراسهم وبنائهم. ومنهم من قال: ليست على قولين. وانما هي على حالين. فالموضع الذى قال فيه " يرجع في أرضه ولا يدفع قيمة الغراس والبناء " محمول على ما إذا كانت قيمة الارض أكثر من قيمة الغراس والبناء. لان الغراس والبناء تابعان للارض، والموضع الذى قال فيه " لا يرجع في الارض إذا كانت قيمة الغراس والبناء أكثر من قيمة الارض. لان الارض تكون تابعة للغراس والبناء. والصحيح أنها على قولين. لان البايع لو بذل قيمة الغراس والبناء لكان له الرجوع في أرضه. سواء كانت قيمة الارض أكثر من قيمة الغراس والبناء أو أقل. فإذا قلنا: ليس له الرجوع في أرضه فلا كلام. وان قلنا: له الرجوع في أرضه وان لم يدفع قيمة الغراس والبناء فرجع فيها نظرت فان اتفق الغرماء

والمفلس والبائع على بيع الارض والغراس والبناء بيعا وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما وكيفية ذلك أن يقال: كم قيمة الارض ذات غراس أو بناء؟ فإن قيل خمسون، قيل وكم قيمة الغراس أو البناء منفردا، فإن قيل: عشرون، كان لبائع الارض ثلاثة أخماس القيمة وللمفلس والغرماء الخمسان. وإن امتنع البائع من بيع الارض ففيه قولان (أحدهما) يجبر على بيعها مع البناء والغراس، ويقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما على ما ذكر من التقسيط لان الحاجة تدعو إلى البيع لقضاء الدين فبيع الجميع كما لو كان المبيع ثوبا فصبغه المفلس بصبغ من عنده، فرجع بائع الثوب فيه، وامتنع من دفع قيمة الصبغ، فإن الثوب يباع مع الصبغ، وكذلك إذا كان المبيع جارية فولدت في يد المشترى ورجع بائع الجارية فيها فإنها تباع مع الولد، وكذلك إذا كانت مرهونة فولدت في يد المرتهن فإنه يباع معها. (القول الثاني) لا يجبر على بيع أرضه، وهو المشهور، لانه يمكن إفراد الغراس والبناء بالبيع، فلم يجبر البايع على بيع أرضه. قالوا في البيان والروضة والحاوى: بخلاف الصبغ، فانه لا يمكن إفراده بالبيع، وكذلك ولد الجارية انما وجب بيعه لانه لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها الصغير. وحكى الشيخ أبو حامد أن من أصحابنا من قال: تؤاجر الارض والغراس ثم يكون ما قابل الارض من الاجرة لبايعها وما قابل الشجر للمفلس والغرماء قال الشيخ أبو حامد: وهذا خطأ لان إجارة الشجر لا يجوز، ولهذا لو غصب شجرة وأقامت في يده لم تجب عليه أجرتها. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كان المبيع أرضا فزرعها المشترى ثم أفلس، واختار البايع الرجوع في الارض جاز له، لانه وجد عين ماله مشغولا بما ينقل، فجاز له الرجوع فيه، كما لو كان المبيع دارا وفيها متاع للمشترى، فان رجع في الارض نظرت في الزرع، فان استحصد وجب نقله، وإن لم يستحصد جاز تركه إلى أوان

الحصاد من غير أجرة، لانه زرعه في ملكه، فإذا زال الملك جاز ترك الزرع إلى أوان الحصاد من غير أجرة، كما لو زرع أرضه ثم باع الارض، (الشرح) كلام المصنف في هذا الفصل مضى بيانه في الفصل قبله وهو بمجرده واضح ويزاد عليه من الاحكام ما هو منه فنقول: إذا اشترى من رجل أرضا بثمن في ذمته، ومن آخر غراسا في ذمته، فغرسه في الارض ثم أفلس قبل تسليم الثمنين، فلكل واحد من البائعين الرجوع في عين ماله، فإذا رجعا نظرت، فان أراد صاحب الغراس قلع غراسه كان له ذلك، ولم يكن لبايع الارض منعه منه، فإذا قلعه كان تسوية الارض، وأرش النقص إن حصل بها، لان ذلك حصل لتخليص ملكه. وأن أراد صاحب الارض قلع الغراس، ويضمن أرش النقص أو بذل قيمة الغراس ليتملكه مع الارض، كان له ذلك، لانه متصل بملكه فكان له إسقاط حقه منه بدفع قيمته، وإن أراد صاحب الارض قلع الغراس من غير ضمنا فهل يجبر بايع الغراس على ذلك، فيه وجهان. (أحدهما) ليس له ذلك، لانه ليس بعرق ظالم، ولانه لو كان باقيا على ملك المفلس لم يكن لصاحب الارض أن يطالب بقلعه من غير ضمان، فكذلك من انتقل إليه منه. (والثانى) له ذلك لانه إنما يباع منه الغراس مقلوعا. فكان عليه أن يأخذه مقطوعا، ويفارق المفلس لانه غرسه في ملكه، فثبت حقه في ذلك. قال ابن الصباغ: إذا اشترى من رجل حبا فزرعه في أرضه، ومن آخر ماء فسقاه به فنبت وأفلس، فانهما يضربان مع الغرماء بثمن الماء والحب، ولا يرجعان بالزرع لان عين مالهما غير موجودة فيه، فهو كما لو اشترى طعاما فأطعمه عبده حتى كبر فانه لا حق له في العبد، ولان نصيب الماء غير معلوم لاحد من الخلق. قال العمرانى: قلت. وقد مضى في البذر وجه آخر أنه يرجع فيهما فتحتمل أن يكون لابن الصباغ أختيار أحدهما اه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان المبيع من ذوات الامثال كالحبوب والادهان فخلطه بجنسه نظرت، فان خلطه بمثله كان للبائع أن يرجع، لان عين ماله موجود من جهة الحكم ويملك أخذه بالقسمة فان رجع واتفقا على القسمة قسم ودفع إليه مثل مكيلته، فان طلب البائع البيع فهل يجبر المفلس؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجبر لانه تمكن القسمة فلا يجبر على البيع كالمال بين الشريكين. (والثانى) يجبر لانه إذا بيع وصل البائع إلى بدل ماله بعينه، وإذا قسم لم يصل إلى جميع ماله ولا إلى بدله، وان خلطه بأردأ منه فله أن يرجع لان عين ماله موجودة من طريق الحكم فملك أخذه بالقسمة، وكيف يرجع، فيه وجهان. قال أبو إسحاق: يباع الزيتان ويقسم ثمنه بينهما على قدر قيمتهما، لانه ان أخذ مثل زيته بالكيل كان ذلك أنقص من حقه، وان أخذ أكثر من زيته كان ربا فوجب البيع. (والثانى) وهو المنصوص أنه يأخذ مثل زيته بالكيل لانه وجد عين ماله ناقصا فرجع فيه مع النقص، كما لو كان عين ماله ثوبا فحدث به عيب عند المشترى فان خلطه بأجود منه ففيه قولان (أحدهما) يرجع وهو قول المزني لانه وجد عين ماله مختلطا بمالا يتميز عنه، فأشبه إذا خلطه بمثله أو كان ثوبا فصبغه. (والثانى) أنه لا يرجع لان عين ماله غير موجود حقيقة لانه اختاط بمالا يمكن تمييزه منه حقيقة ولا حكما، لانه لا يمكن المطالبة بمثل مكيلته منه، ويخالف إذا خلطه بمثله، لانه تمكن المطالبة بمثل مكليته، ويخالف الثوب إذا صبغه لان الثوب موجود وانما تغير لونه. فان قلنا انه يرجع فكيف يرجع؟ فيه قولان (أحدهما) يباع الزيتان ويقسم ثمنه بينهما على قدر قيمتهما لانه لا يمكن أن يأخذ مثل زيته بالكيل لانه يأخذ أكثر من حقه، ولا يمكن أن يأخذ أقل من دينه بالكيل لانه ربا فوجب البيع. (والثانى) يرجع من الزيت بقيمة مكيلته. فيكون قد أخذ بعض حقه وترك بعضه باختياره.

(الشرح) الاحكام: إذا ابتاع شيئا من ذوات الامثال فخلطه بجنسه ولم يتميز ففيه ثلاث مسائل: (المسألة الاولى) أن يخلطه بأجود، مثل أن يشترى كيلو من زيت بذر القطن يساوى عشرة قروش فخلطه بكيلو من زيت الزيتون يساوى أربعين قرشا وأفلس المشترى قبل دفع الثمن، فهل للبائع أن يرجع في عين ماله؟ فيه قولان. أحدهما له أن يرجع وهو اختيار المزني لانه ليس فيه أكثر من أنه وجد عين ماله مختلطا بمال المفلس وذلك لا يمنع الرجوع، كما لو اشترى ثوبا فصبغه بصبغ من عنده، فإن لبائع الثوب أن يرجع فيه والثانى: ليس له أن يرجع في عين ماله، قال الشافعي رضى الله عنه: وهذا أصح وبه أقول. لانه لا يجوز له أن يرجع بمثل مكيله لان ذلك أكثر قيمة من عين ماله، ولا بقيمة صاعه لان ذلك أنقص من حقه. فإذا قلنا بهذا ضرب مع الغرماء بالثمن، وإذا قلنا بالاول فيكف يرجع؟ فيه قولان حكاهما المصنف وابن الصباغ. وأما الشيخ أبو حامد فحكاهما وجهين. أحدهما وهو قول المصنف واختيار ابن الصباغ: يباع الزيتان وتؤخذ قيمة أربعة أخماس الزيت وهو الاربعون قرشا، لانا لو قلنا له الرجوع في أربعة أخماس الزيت لكان ربا. (والثانى) وهو اختيار الشيخ أبى حامد، وهو المنصوص في الام أنه يرجع في أربعة أخماس الزيت لانه ليس ببيع، وانما وضع ذلك عن وزن زيته وتقويمه المسألة الثانية: أن يخلطه بمثله، مثل أن يشترى كيلو من زيت يساوى عشرة قروش كزيت بذر القطن فخلطه بكيلو من زيت البقل يساوى عشرة قروش. وأفلس المشترى قبل دفع الثمن فللبائع أن يرجع في عين ماله لانها موجودة من جهة الحكم، فان طلب البائع قسمة الزيت أجبر المفلس والغرماء على القسمة، كما لو ورث جماعة زيتا وطلب واحد منهم قسمته فانه يقسم ويجبر الممتنع، وان طلب البائع بيع الزيت وقسمته فانه يقسم ويجبر الممتنع. وان طلب البائع بيع الزيت وقسم ثمنه فهل يجبر المفلس على ذلك؟ فيه وجهان

أحدهما: لا يجبر على البيع، لان البائع يمكنه الوصول إلى حقه من جهة القسمة فلم يكن له المطالبة بالبيع، كما لو ورث جماعة زيتا وطلب واحد منهم البيع فان شركاءه لا يجبرون على البيع والثانى: يجبر المفلس على البيع لان بالقسمة لا يصل إلى عين ماله، وربما كان له غرض في أن لا يأكل من زيت المشترى. المسألة الثالثة: إذا خلطه بأردأ من زيته بأن اشترى كيلو من زيت الزيتون يساوى أربعين قرشا فخلطه بكيلو من زيت السمسم يساوى عشرين قرشا ثم أفلس فللبائع أن يرجع في عين ماله قولا واحدا، لان عين ماله موجودة بطريق الحكم، فان رضى البائع بأخذ كيلو منه أجير المفلس على ذلك لانه أنقص من حقه، وان لم يرض البائع بذلك ففيه ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد. (أحدهما) ليس له إلا قدر وزنه، لانه وجد عين ماله ناقصا، فإذا اختار الرجوع فيه لم يكن له غيره، كما لو كان المبيع ثوبا فلبسه المشترى ونقص (والثانى) وهو قول المصنف. ولم يذكر ابن الصباغ غيره ان الزيتان يباعان ويدفع إلى البائع قيمة الكيلو الخاص به، وهو أربعون قرشا كما قال في المسألة الاولى، لانه ان أخذ بمثل كيل زيته كان أنقص من حقه، وإن أخذ أكثر من مكيلة زيته كان ربا. (والثالث) حكاه ابن المرزبان: أن له أن يأخذ منه كيلا وثلث كيل بقيمة كيل من زيته، كما قال الشافعي في المسألة الاولى والاول أصح وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن أسلم إلى رجل في شئ وأفلس المسلم إليه وحجر عليه، فان كان رأس المال باقيا فله ان يفسخ العقد، ويرجع إلى عين ماله لانه وجد عين ماله خاليا من حق غيره فرجع إليه كالمبيع، وإن كان رأس المال تالفا ضرب مع الغرماء بقدر المسلم فيه، فان لم يكن في ماله الجنس المسلم فيه اشترى ودفع إليه لان أخذ العوض عن المسلم فيه لا يجوز وقال أبو إسحاق: إذا أفلس المسلم إليه فللمسلم أن يفسخ العقد ويضرب مع

الغرماء رأس المال لانه يتعذر تسليم المسلم فيه فثبت الفسخ كما لو أسلم في الرطب فانقطع، والمذهب أنه لا يثبت الفسخ لانه غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ بالافلاس كما لو باعه عينا فأفلس المشترى بالثمن والعين تالفة ويخالف إذا أسلم وانقطع الرطب لان الفسخ هناك لتعذر المعقود عليه قبل التسليم وههنا الفسخ بالافلاس والفسخ بالافلاس إنما يكون لمن وجد عين ماله وهذا غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ. (الشرح) الاحكام: إذا أسلم رجل إلى غيره في شئ على صفة، ثم أفلس المسلم قبل أن يأخذ المسلم فيه، فإن أراد المسلم أن يأخذ المسلم فيه بدون الصفة التى اسلم فيها لم يجز من غير رضا الغرماء لان حقوقهم تعلقت بماله، وإن رضى المفلس والغرما بذلك جاز، لان الحق لهم ولا يخرج عنهم. فان قيل: ما الفرق بين هذا وبين المكاتب إذا أذن له سيده في أن يبرئه عن الدين أنه لا يصح إبراؤه في أحد القولين؟ قلنا: الفرق بينهما على هذا القول أن المفلس كامل الملك إلا أنه منع من التصرف في ماله لتعلق حق الغير بماله، فإذا أذن له ذلك الغير في التصرف بماله صح تصرفه كالمرتهن إذا أذن الراهن، وليس كذلك المكاتب، فان المنع لنقصان ملكه، فإذا أذن له سيده لم يتكامل ملكه بذلك، فان كان المفلس هو المسلم إليه فحجر عليه قبل أن يقبض المسلم المسلم فيه، فان كان المسلم فيه موجودا في مال المسلم إليه أخذ من ماله منه، وان كان معدوما اشترى له بما يخصه من ماله من جنس المسلم فيه، لان أخذ العوض عن المسلم فيه لا يجوز. قال أبو إسحاق: المسلم بالخيار بين أن يقيم بالعقد ويضرب مع الغرماء بقدر المسلم فيه، وبين أن يفسخ العقد، فيضرب مع الغرماء برأس مال السلم كما قال الشافعي رضى الله عنه، والمنصوص أنه لا يملك فسخ العقد، بل يضرب مع الغرماء بقدر المسلم فيه، كما أن البائع إذا وجد المبيع تالفا ليس له أن يفسخ البيع ويضرب بقيمة العين المبيعة، ويفارق إذا انقطع المسلم فيه، لان له غرضا في الفسخ، وهو أنه يرجع برأس ماله في الحال - وعليه مشقة في التأخير - إلى وجود المسلم فيه.

إذا ثبت هذا فضرب مع الغرماء بقيمة المسلم فيه وعزل ما يخصه ليشترى له المسلم فيه، فإن أسلم في مائة إردب ذرة وكانت قيمتها مائتي جنيه عند القسمة، فعزل له ذلك، فرخص السعر حتى صارت المائة إردب قبل الابتياع تساوى مائة جنيه، اشترى له مائة إردب وقسمت المائة جنيه على باقى الغرماء، إن بقى لهم من دينهم شئ، أو ردت على المفلس ان استوفى أصحاب الديون حقوقهم. وإن غلا الطعام عند الابتياع فصارت المائة تساوى ثلاثمائة جنيه اشترى بالمائتين المعزولة بقدرها ذرة. قال الشيخ أبو حامد: ويكون الباقي في ذمة المسلم إليه. وقال ابن الصباغ: يرجع على الغرماء بما يخصهم من ذلك، لانه بان أن حقه في المسلم فيه دون القيمة. والله أعلم قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أكترى أرضا فأفلس المكترى بالاجرة، فإن كان قبل استيفاء شئ من المنافع فله أن يفسخ لان المنافع في الاجارة كالاعيان المبيعة في البيع. ثم إذا افلس المشترى والعين باقية ثبت له الفسخ، فكذلك إذا أفلس المكترى والمنافع باقية وجب أن يثبت له الفسخ، وان أفلس وقد استوفى بعض المنافع وبقى البعض ضرب مع الغرماء بحصة ما مضى، وفسخ فيما بقى كما لو ابتاع عبدين وتلف عنده أحدهما ثم أفلس فإنه يضرب بثمن ما تلف مع الغرماء ويفسخ البيع فيما بقى، فإن فسخ وفى الارض زرع لم يستحصد نظرت، فان اتفق الغرماء والمفلس على تبقيته بأجرة إلى وقت الحصاد لزم المكرى قبوله لانه زرع بحق وقد بذل له الاجرة لما بقى فلزمه قبولها، وان لم يبذل له الاجرة جاز له المطالبة بقطعه، لان التبقية إلى الحصاد لدفع الضرر عن المفلس والغرماء، والضرر لا يزال بالضرر، وفى تبقيته من غير عوض اضرار بالمكرى وان دعا بعضهم إلى القطع وبعضهم إلى التبقية نظرت فان كان الزرع لا قيمة له في الحال كالطعام في أول ما يخرج من الارض لم يقطع، لانه إذا قطع لم يكن له قيمة، وإذا ترك صار له قيمة، فقدم قول من دعا إلى الترك، وان كان له قيمة كالقصيل الذى يقطع ففيه وجهان:

(أحدهما) يقدم قول من دعا إلى القطع لان من دعا إلى القطع تعجل حقه فلم يؤخر (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه يفعل ما هو أحظ، والاول أظهر. (الشرح) قوله القصيل، فعيل من القصل وبابه ضرب، وقصل الدابة علفها قصيلا، وبابه ضرب، والقصل بفتحتين في الطعام مثل الزوان، والقصالة بالضم ما يعزل من البر إذا نقى ثم يداس الثانية أما الاحكام فانه إذا اكترى منه ارضا بأجرة في ذمته فأفلس المكترى بالاجرة قبل دفعها، فان كان بعد استيفاء مدة الاجارة ضرب المكرى بالاجرة مع الغرماء، وان كان قبل أن يمضى شئ من مدة الاجارة فالمكرى بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالاجرة فيقر العقد، وبين أن يفسخ عقد الايجار ويرجع إلى منفعة أرضه، لان المنفعة كالعين المبيعة فجاز له الرجوع إليها وان كان بعد مضى شئ من مدة الاجارة فالمكرى بالخيار بين أن ينفذ العقد ويضرب مع الغرماء بالاجرة، وبين أن يفسخ عقد الاجارة فيما بقى من المدة، ويضرب مع الغرماء بالاجرة لما مضى، كما تقول فيمن باع عبدين بثمن فتلف أحدهما في يد المشترى وبقى الآخر إذا ثبت هذا فان اختار فسخ عقد الاجارة وفى الارض زرع، فان كان قد استحصد - أعنى تهيأ للحصد - فله أن يطالب المفلس والغرماء بحصاده وتفريغ الارض، وان كان الزرع لم يستحصد - فان اتفق المفلس والغرماء على قطعه جاز، سواء كانت قيمة أو لم تكن، ولا يعترض عليهم الحاكم لان الحق لهم وان اتفق على تركه وبذلوا للمكرى أجرة مثل الارض إلى الحصاد لزمه قبول ذلك ولم يكن له مطالبتهم بقلعه، لانه " ليس بعرق ظالم " وان امتنع المفلس والغرماء من بذل الاجرة كان للمكترى مطالبتهم بفعله أعنى بحصده، لانا قد جوزنا له الرجوع إلى عين ماله، وعين ماله هو المنفعة فلا يجوز تفويتها عليه بغير عوض، بخلاف ما لو باع أرضا وزرعها المشترى وأفلس، ثم رجع بائع الارض فيها فانه يلزمه تبقية الزرع إلى الحصاد بغير أجرة، لان المعقود عليه في البيع هو العين، والمنفعة تابعة، لا يقابلها عوض،

وإنما دخل المشترى في العقد على أن يكون بغير عوض، وفى الاجارة المعقود عليه هو المنفعة، فلا يجوز استيفاؤها بغير عوض. وإن اختلف المفلس والغرماء، فقال بعضهم: يقلع، وقال بعضهم يبقى إلى الحصاد - فإن كان الزرع لا قيمة له، كالزرع أول خروجه، قدم قول من دعا إلى التبقية، لان من دعا إلى القلع دعا إلى الاتلاف فلا يجاب إلى ذلك، وان كان الزرع ذا قيمة كالقصيل ففيه وجهان. قال أبو إسحاق: يفعل ما فيه الاحظ، لان الحجر يقتضى طلب الحظ. وقال أكثر أصحابنا: يجاب قول من دعا إلى القلع، وقد مضى دليلها، فان قيل: فما الفرق بين هذا وبين من ابتاع أرضا وغرسها ثم أفلس المبتاع، وأخذ البائع عين ماله وهو الارض، وصار الغراس للمفلس والغرماء، فقال بعضهم نقلع، وقال بعضهم يبقى أنه يقدم قول من قال: يبقى، قلنا. الفرق بينهما على هذا الوجه أن من دعا إلى قلع الغراس يريد الاضرار بغيره، لان بيع الغراس في الارض أكثر لثمنه، فلم يجب قول من دعا إلى قلعه، وليس كذلك في الزرع، فإن من دعا إلى القلع فيه منفعة من غير ضرر، لان الزرع إذا بقى قد يسلم وقد لا يسلم. إذا ثبت هذا: فإن اتفقوا على تبقية الزرع إلى الحصاد واحتاج إلى زرع ومؤنة فإن اتفق الغرماء والمفلس على أن ينفقوا عليه من مال المفلس الذى لم يقسم ففيه وجهان (أحدهما) لا ينفق منه أحد، لان حصول هذا الزرع مظنون. فلا ينبغى أن يتلف عليه مال موجود، والثانى وهو المذهب أن ينفق منه لان ذلك من مصلحة المال، ويقصد به تنمية المال في العادة. وإن دعا الغرماء المفلس إلى أن ينفق عليه وأبى المفلس ذلك لم يجبر عليه لانه لا يجب عليه تنمية المال للغرماء، فإن تطوع الغرماء أو بعضهم بالانفاق عليه من غير اذن المفلس والحاكم لم يرجعوا بما أنفقوا عليه لانهم متطوعون به، وان أنفق بعضهم بإذن الحاكم أو المفلس على أن يرجع على المفلس بما أنفق جاز ذلك وكان له دينا في ذمة المفلس، لا يشارك به الغرماء، لانه وجب عليه بعد الحجر. وان أنفق

عليه بعض الغرماء بإذن باقى الغرماء على أن يرجع عليهم، رجع عليهم بما أنفق من مالهم. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: ولو اكترى ظهر لتحمل له طعاما إلى بلد من البلدان فحمله وأفلس المكترى قبل دفع الاجرة ضرب المكرى مع الغرماء بالاجرة، فإن أفلس قبل أن يصل إلى البلد نظرت، فان كان الموضع الذى بلغ إليه آمنا كان له فسخ الاجارة فيما بقى من المسافة، ويضع الطعام عند الحاكم. قال ابن الصباغ: وإن وضعه على يد عدل بغير إذن الحاكم ففيه وجهان، كالمودع إذا أراد السفر فأودع الوديعة بغير إذن الحاكم فهل تضمن؟ فيه قولان والصحيح وجهان، وان كان الموضع مخوفا لزمه حمل الطعام إلى الموضع الذى أكراه ليحمله أو إلى موضع دونه يأمن عليه، لانه استحق منفعته بحق الاجارة قبل الحجر. وإن اكترى منه ظهرا في ذمته فأفلس المكرى، فان المكترى يضرب مع الغرماء بقيمة المنفعة إن كان لم يستوف شيئا منها أو بقيمة ما بقى منها إن استوفى بعضها، لان حقه متعلق بذمته، كما لو باعه عينا في ذمته، فان كان ما يخصه من مال المفلس لا يبلغ ما اكترى به، وكانت الاجرة باقية. فللمكترى أن يفسخ الاجارة ويرجع إلى عين ماله إن كان لم يستوف شيئا من المنفعة أو إلى بعضها ان استوفى شيئا من المنفعة، لان الاجرة كالعين المبيعة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) إذا قسم مال المفلس بين الغرماء ففى حجره وجهان (أحدهما) يزول الحجر لان المعنى الذى لاجله حجر عليه حفظ المال على الغرماء وقد زال ذلك فزال الحجر كالمجنون إذا أفاق (والثانى) لا يزول الا بالحاكم لانه حجر ثبت بالحاكم فلم يزل الا بالحاكم كالحجر على المبذر. (الشرح) الاحكام: إذا قسم مال المفلس بين غرمائه ففى حجره وجهان (أحدهما) يزول عنه من غير حكم الحاكم لان الحجر كان لاجل المال، وقد زال

المال فزال الحجر بزواله، كما أن المجنون محجور عليه بالجنون، فإذا زال الجنون زال الحجر (والثانى) لا يزول الحجر الا بحكم الحاكم، لانه حجر ثبت بحكم الحاكم فلم يزل الا بحكمه كالحجر على السفيه. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ومن مات وعليه ديون تعلقت الديون بماله كما تتعلق بالحجر في حياته فان كان عليه دين مؤجل حل الدين بالموت لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذَا مَاتَ الرجل وله دين إلى أجل وعليه دين إلى أجل فالذي عليه حال والذى له إلى أجله ولان الاجل جعل رفقا بمن عليه الدين والرفق بعد الموت أن يقضى دينه وتبرأ ذمته، والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نفس المؤمن مرتهنة في قبره بدينه إلى أن يقضى عنه. (الشرح) الحديثان اللذان رواهما ابن عمر رضى الله عنهما وأبو هريرة رضى الله عنه تكلم فيهما شيخنا النووي في كتاب الجنائز من المجموع وأطال ووفى. أما الاحكام: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ حلول دين الميت والدين عليه من الام: وإذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل، فهى إلى أجلها، لا تحل بموته، ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا حفظت عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء، فان فضل فضل كان لاهل الميراث ووصايا ان كانت له، قال: ويشبه - والله أعلم - أن يكون من حجة من قال هذا القول مع تنابعهم عليه، أن يقولوا لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته منه، كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته، فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما يدعها في الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته، ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه، ولعل من حجتهم أن يقولوا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه " أخبرنا ابراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة (رض) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه ".

قال الشافعي رضى الله عنه: فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه وكان المال ملكا له، أشبه أن يجعل قضاء دينه، لان نفسه معلقة بدينه، ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه، فلا يصير إلى غرمائه، ولا إلى ورثته، وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه، ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه، وكان ماله معرضا أن يهلك، فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقى ورثته اه " ونعود إلى كلام المصنف رحمه الله تعالى فنقول وبالله التوفيق والعون: من مات وعليه ديون تعلقت بماله، وبهذا قال عثمان وعلى وأبو هريرة رضى الله عنهم، وقال مالك وأبو حنيفة لا يتعلق بماله دليلنا حديث ابن عمر في الفصل ولانه لا وجه لبقاء تأجيله لانه لا يخلو اما أن يبقى في ذمة الميت أو في ذمة الورثة أو متعلقا بأعيان المال فبطل أن يبقى في ذمة الميت لان ذمته خربت بموته وبطل أن يبقى في ذمة الورثة لان صاحب الدين لم يرض بذممهم. ولانه لو تعلق بذممهم - إذا كان للميت مال تعلق بذممهم - وان لم يكن للميت مال. وبطل أن يقال: يبقى مؤجلا متعلقا بأعيان ماله. لان ذلك اضرار لصاحب الدين. لان أعيان المال ربما تلفت. واضرار بالميت لان ذمته لا تبرأ حتى يقضى عنه. لحديث أبى هريرة المسوق في الفصل وفى كلام الشافعي. فإذا بطلت هذه الاقيسة لم يبق الا القول بحلوله قال المصنف رحمه الله: (فصل) فان تصرف الوارث في التركة قبل مضى الدين ففيه وجهان: (أحدهما) لا يصح لانه مال تعلق به دين فلا يصح التصرف فيه من غير رضى من له الحق كالمرهون (والثانى) يصح لانه حق تعلق بالمال من غير رضا المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض. وان قلنا انه يصح فان قضى الوارث الدين نفذ تصرفه وان لم يقض فسخنا. وان باع عبدا ومات وتصرف الوارث في التركة ثم وجد المشترى بالعبد

عيبا فرده. أو وقع في بئر كان حفرها بهيمة ففى تصرف الورثة وجهان. (أحدهما) أنه يصح لانهم تصرفوا في ملك لهم لا يتعلق به حق أحد (والثانى) يبطل لانا تبينا انهم تصرفوا والدين متعلق بالتركة، فان كان في غرماء الميت من باع شيئا ووجد عين ماله. فان لم تف التركة بالدين فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ ويرجع في عين ماله لما روى عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ في رجل أفلس: هذا الذى قضى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " فان كانت التركة تفى بالدين ففيه وجهان " أحدهما " وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أن له أن يرجع في عين ماله لحديث أبى هريرة (والثانى) لا يجوز أن يرجع في عين ماله. وهو المذهب. لان المال يفى بالدين فلم يجز الرجوع في المبيع كالحى الملئ. وحديث أبى هريرة قد روى فيه ابو بكر النيسابوري: وان خلف وفاء فهو أسوة الغرماء (الشرح) الاحكام: فإذا تصرف الوارث بالتركة أو ببعضها قبل قضاء الدين فهل يصح تصرفه؟ فيه وجهان " أحدهما " لا يصح سواء بقى من التركة ما يفى من الدين أو لم يبق. لان مال الميت تعلق به ما عليه من الدين فلم يصح تصرف الوارث فيه. كالراهن إذا تصرف في الرهن قبل قضاء الدين " والثانى " يصح تصرفه لانه حق تعلق بالمال بعد رضاء المالك فلم يمنع صحة التصرف كتصرف المريض في ماله. فإذا قلنا بهذا فان قضى الدين نفذ تصرفه. وان لم يقض الدين لم ينفذ تصرفه. لانا انما صححنا التصرف تصحيحا موقوفا على قضاء الدين كما صححنا من تصرف تصرفا موقوفا. فإن باع عبدا ثم مات البائع. أو وجد المشترى بالعبد الذى اشتراه عيبا فرده. فان كان الثمن باقيا بعينه استرجعه. وان كان تالفا رجع المشترى بالثمن في تركة الميت فان الوارث قد تصرف بالتركة قبل ذلك. أو كان حفر الرجل بئرا في طريق المسلمين ومات وتصرف وارثه بتركته ثم وقع في تلك البئر بهيمة أو انسان

وجب ضمان ذلك في تركة الميت. وهل يصح تصرف الوارث قبل ذلك؟ إن قلنا في المسألة قبلها إنه يصح تصرفه فههنا أولى. وإن قلنا هناك لا يصح، ففى هذه وجهان " أحدهما " يصح تصرفه لانه تصرف في مال له لم يتعلق به حق أحد. " والثانى " لا يصح، لانا بينا أنه تصرف والدين معلق بالتركة (فرع) إذا كان في غرماء الميت من باع منه عينا، ووجد عين ماله، ولم يقبض ثمنها، فإن كانت التركة لا تفى بالدين فللبائع أن يرجع في عين ماله. وقال مالك وأبو حنيفة لا يرجع فيها. بل يضرب مع الغرماء بدينه دليلنا ما روى عمرو بن خلدة الزرقى. وقد مضى تخريجنا له قال: أتينا أبا هريرة رضى الله عنه في صاحب لنا أفلس فقال " هذا الذى قضى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما رجل مات أو أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " وهذا نص في موضع الخلاف، وإن كان ماله بقى بالدين ففيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى: للبائع أن يرجع بعين ماله لحديث أبى هريرة رضى الله عنه، فإنه لم يفرق والثانى: ليس له أن يرجع بعين ماله. وهو المذهب، لان ماله يفى بدينه، فلم يكن للبائع الرجوع بعين ماله كما لو كان حيا. وأما الخبر فمحمول عليه إذا مات مفلسا مع أنه قد روى أبو بكر النيسابوري بإسناده عن أبى هريرة: وإن خلف وفاء فهو اسوة الغرماء. فيكون حجة لنا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قسم مال المفلس أو مال الميت بين الغرماء ثم ظهر غريم آخر رجع على الغرماء وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه، لانا إنما قسمنا بينهم بحكم الظاهر إنه لا غريم له غيرهم، فإذا بان بخلاف ذلك وجب نقض القسمة كالحاكم إذا حكم بحكم ثم وجد النص بخلافه. وان أكرى رجل داره سنة وقبض الاجرة وتصرف فيها ثم أفلس وقسم ماله بين الغرماء ثم انهدمت الدار في أثناء المدة فإن المكترى يرجع على المفلس بأجرة ما بقى، وهل يشارك الغرماء فيما اقتسموا به أم لا. فيه وجهان

(أحدهما) لا يشاركهم لانه دين وجب بعد القسمة فلم يشارك به الغرماء فيما اقتسموا، كما لو استقرض مالا بعد القسمة. (والثانى) يشاركهم لانه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء، كما لو انهدمت الدار قبل القسمة، ويخالف القرض لان دينه لا يستند ثبوته إلى ما قبل الحجر وهذا استند إلى ما قبل الحجر، ولان المقرض لا يشارك الغرماء في المال قبل القسمة والمكترى يشاركهم في المال قبل القسمة فشاركهم بعد القسمة (الشرح) الاحكام: إذا قسم مال المفلس أو مال الميت بين غرمائه ثم ظهر له غريم آخر كان مستحقا دينه قبل الحجر، رجع الغريم على سائر الغرماء بما يخصه. وقال مالك رضى الله عنه: يرجع غريم الميت ولا يرجع غريم المفلس. دليلنا: أن الحاكم إنما فرق في غرمائه، وعنده أنه لا غريم له سواهم، فإذا ظهر له غيرهم نقض الحكم، كالحاكم بحكم ثم وجد النص بخلافه، ولانه لما كان لغريم الميت أن يرجع على الباقين كان لغريم المفلس مثله (فرع) وإن فك الحجر عن المفلس وبقى عليه دين فادعى غرماؤه أنه قد استفاد مالا بعد الحجر، سأله الحاكم عن ذلك، فإن أنكر ولا بينة لهم فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل بقاء العسرة، فان ثبت له مال إما بالبينة أو باقراره وطلب الغرماء الحجر عليه، نظر الحاكم فيه وفيما عليه من الدين، فان كان بقى بالدين لم يحجر عليه بل يأمره بقضاء الدين، وإن كان أقل حجر عليه وقسم ماله بين الغرماء، وان تجدد عليه دين بعد الحجر الاول ثم ظهر له مال، فان بان أن المال كان موجودا قبل الحجر الاول قال الجوينى: اختص به الغرماء الاولون دون الآخرين، لان المال كان موجودا تحت الحجر الاول. وان اكتسب هذا المال بعد فك الحجر الاول اشترك به الغرماء الاولون والآخرون على قدر ديونهم. وقال مالك: يختص به الغرماء الآخرون دليلنا: أن حقوقهم متساوية في الثبوت في الذمة بحال الحجر فأشبه غرماء الحجر الاول. (فرع) وان أكرى داره من رجل مدة ثم أفلس المكرى قبل انقضاء الاجل

فإن المكترى أحق بالمنفعة دون الغرماء لانه قد ملك المنفعة بعقد الاجارة قبل الحجر فكان أحق بها، كما لو باع شيئا من ماله ثم أفلس، فإن أراد المكترى فسخ الاجارة لم يكن له ذلك، لان الفسخ إنما يكون في الموضع الذى يدخل عليه ضرر ولا يصل إلى كمال حقه. وههنا يصل إلى كمال حقه. فلم يكن له الفسخ فان انهدمت الدار قبل انقضاء مدة الاجارة انفسخت فيما بقى من المدة: فان كانت الاجرة قد قبضت. فان كانت باقية رجع منها بما يخص ما بقى من المدة، وإن كانت تالفة تعلق ذلك بذمة المفلس، ثم ينظر فيه، فان كان ذلك بعد القسمة ففيه وجهان: (أحدهما) لا يشاركهم، لان حق المكترى كان متعلقا بالمنفعة، فلما تلفت العين المكتراة عاد حقه إلى ذمة المفلس بعد القسمة فلم يشارك الغرماء، كما لو أستدان بعد الحجر. (والثانى) يشاركهم، وهو الصحيح، لان سبب وجوبه كان قبل الحجر فشاركهم، كما لو انهدمت الدار قبل القسمة. ويخالف إذا استدان بعد الحجر. فأن ذلك لم يستند إلى سبب قبل الحجر فلذلك لم يشاركهم، والله أعلم

باب الحجر

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الحجر إذا ملك الصبى أو المجنون مالا حجر عليه في ماله، والدليل عليه قَوْله تَعَالَى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فدل على أنه لا يسلم إليه المال قبل البلوغ والرشد. (الشرح) الحجر في اللغة المنع والتضييق. ومنه سمى الحرام حجرا. قال الله تعالى " ويقولون حجرا محجورا " أي حراما محرما، ويسمى العقل حجرا. قال تعالى " هل في ذلك قسم لذى حجر " سمى حجرا لمنعه صاحبه من ارتكاب القبائح، وما يضر العاقبة، وسمى حجر البيت حجرا لانه يمنع من الطواف به. وفى الشريعة منع الانسان من التصرف في ماله والمحجور عليهم ثمانية، ثلاثة حجر عليهم لحق أنفسهم وخمسة حجر عليهم لحق غيرهم، فالذين حجر عليهم لحق أنفسهم: فالصبي والمجنون والسفيه. والمحجور عليهم لحق غيرهم فهم المفلس يحجر عليه لحق الغرماء، والمريض لحق الورثة، والعبد القن. والمكاتب - بفتح التاء لحق المكاتب بكسرها - والمرتد لحق المسلمين. والاصل في ثبوت الحجر على الصبى قَوْله تَعَالَى " وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا " والابتلاء الاختبار. قال تعالى " هو الذى خلقكم ليبلوكم أيكم أحسن عملا " أي ليختبركم واليتيم من مات أبوه وهو دون البلوغ. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُتْمَ بَعْدَ الحلم " وقوله تعالى " إذا بلغوا النكاح " أراد به البلوغ، فعبر عنه به، وقوله تعالى " آنستم منهم رشدا " أي علمتم منهم رشدا، فوضع الايناس موضع العلم، كما وضع الايناس موضع الرؤية في قوله تعالى " آنس من جانب الطور نارا " أي رأى

روى أنها نزلت في ثابت بن رفاعة وفى عمه. لما توفى رفاعة وترك ابنه صغيرا أتى عم ثابت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ان ابى أخى يتيم في حجري فما يحل لى منه ماله؟ ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية قال الشافعي رضى الله عنه: فلما علق الله تعالى دفع المال إلى اليتيم بالبلوغ، وإيناس الرشد، علم أنه قبل البلوغ ممنوع من ماله محجور عليه فيه. والدليل على ثبوت الحجر على السفيه والصبى والمجنون قوله تعالى " فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " والسفيه يجمع المبذر لماله والمحجور عليه لصغر، والضعيف يجمع الشيخ الكبير الفاني والصغير المجنون. فأخبر الله تعالى بأن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم فيما لهم وعليهم فدل على ثبوت الحجر عليهم. واختلفوا في الحجر على غير العليم الفاقه بأحكام الحلال والحرام، فرجح بعضهم وجوب الحجر عليه قال القرطبى في جامع الاحكام: وأما الجاهل بالاحكام وان كان غير محجور عليه لتنميته لماله وعدم تدبيره فلا يدفع إليه المال لجهله بفاسد البياعات وصحيحها وما يحل وما يحرم منها، وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره والله أعلم. اه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وينظر في ماله الاب ثم الجد لانها ولاية في حق الصغير فقدم الاب والجد فيها على غيرهما كولاية النكاح، فإن لم يكن أب ولا جد نظر فيه الوصي لانه نائب عن الاب والجد فقدم على غيره، وان لم يكن وصى نظر السلطان لان الولاية من جهة القرابة قد سقطت فثبتت للسلطان كولاية النكاح وقال أبو سعيد الاصطخرى: فان لم يكن أب ولا جد نظرت الام لانها أحد الابوين فثبت لها الولاية في المال كالاب، والمذهب أنه لا ولاية لها لانها ولاية ثبتت بالشرع فلم تثبت للام كولاية النكاح.

(الشرح) الاحكام: إذا ملك الصبى مالا، فإن الذى ينظر في ماله أبوه إن كان عدلا، فإن لم يوجد الاب أو كان ممن لا يصلح للنظر، كان النظر إلى الجد أب الاب إذا كان عدلا، لانه ولاية في حق الصغير فقدم الاب والجد فيها على غيرهما كولاية النكاح، فإن مات الاب وأوصى إلى رجل بالنظر في مال ابنه وهناك جد يصلح للنظر، فيه وجهان، المذهب أنه لا تصح الوصية إليه، بل النظر إلى الجد. والثانى: حكاه في الابانة، وبه قال أبو حنيفة: أن النظر إلى الوصي لانه قائم مقام الاب، وليس بشئ، لان الجد يستحق الولاية بالشرع، فكان أحق من الوصي، فان لم يكن أب ولا جد، نظر الوصي من قبلهما، فان لم يستحق الولاية بالشرع فكان أحق من الوصي، فان لم يكن أب ولا جد نظر الوصي من قبلهما. فان لم يكونا ولا وصيهما فهل تستحق الام النظر؟ فيه وجهان، قال أبو سعيد الاصطخرى: تستحق النظر في مال ولدها، لانها أحد الابوين، وقال أحمد بن حنبل: إن عمر أوصى إلى حفصة. والثانى: وهو المذهب: أنه لا وصية لها، بل النظر إلى السلطان، وروى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ في رجل أوصى إلى إمرأته قال: لا تكون المرأة وصيا، فان فعل حولت إلى رجل من قومه اه. (قلت) ولانها ولاية بالشرع فلم تستحقها الام كولاية النكاح، ولان قرابة الام لا تتضمن تعصيبا، فلم تتمضن ولاية كقرابة الخال، فإذا قلنا بقول أحمد والاصطخري، فهل يستحق أبوها وأمها الولاية عند عدمها. فيه وجهان حكاهما الصيمري وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ولا يتصرف الناظر في ماله إلا على النظر والاحتياط ولا يتصرف إلا فيما فيه حظ واغتباط، فأما مالا حظ فيه كالعتق والهبة والمحاباة فلا يملكه، لقوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن " وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار، وفى هذه التصرفات إضرار بالصبى فوجب أن لا يملكه،

ويجوز أن يتجر في ماله. لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: من ولى يتيما وله مال فليتجر له بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. (الشرح) حديث " من ولى يتيما له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " رواه عبد الرزاق وابن جرير عنه بسند صحيح، وسبق للامام النووي استقصاء رواياته في كتاب الزكاة. أما الاحكام: فلا يجوز للناظر في مال الصبى أن يعتق منه، ولا أن يكاتب، ولا يهب، ولا يحابى في البيع لقوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن " وليس في شئ من هذه الاشياء " أحسن ". (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وأحب أن يتجر الوصي بأموال من يلى عليه ولا ضمان، وجملة ذلك أنه يجور للناظر في مال الصبى أن يتجر في ماله، سواء كان الناظر أبا أو جدا أو وصيا أو أمينا من قبل الحاكم لما روى عبد الله ابن عمرو إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من ولى يتيما له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ". (قلت) ولان ذلك أحظ للمولى عليه لتكون نفقته من الربح. هكذا قال عامة أصحابنا إلا الصيمري، فانه قال. لا يتجر له في هذا الزمان لفساده وجور السلطان على التجار، بل يشترى له الارض، أو ما فيه منفعة، فان اتجر له لم يتجر له إلا في طريق مأمون، ولا يتجر له في البحر لانه مخوف، فان قيل فقد روى أن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أبضعت أموال بنى محمد بن أبى بكر رضى الله عنهم (قلنا) يحتمل أن يكون ذلك في موضع مأمون قريب من الساحل أو يحتمل أنها فعلت ذلك وجعلت ضمانه على نفسها إن هلك، قال الصميرى: ولا يبيع له إلا بالحال، أو بالدين على ملئ ثقة، اه. والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويبتاع له العقار لانه يبقى وينتفع بغلته ولا يبتاعه إلا من مأمون لانه إذا لم يكن مأمونا لم يأمن أن يبيع مالا يملكه ولا يبتاعه في موضع قد أشرف

على الخراب أو يخاف عليه الهلاك، لان في ذلك تغريرا بالمال ويبنى له العقار ويبنيه بالآجر والطين ولا يبنيه باللبن والجص، لان الآجر يبقى واللبن يهلك والجص يجحف به والطين لا ثمن له والجص يتناثر ويذهب ثمنه والطين لا يتناثر وان تناثر فلا ثمن له، ولان الآجر لا يتخلص من الجص إذا أراد نقضه ويتلف عليه ويتخلص من الطين فلا يتلف عليه ولا يبيع له العقار إلا في موضعين. (أحدهما) أن تدعو إليه ضرورة بأن يفتقر إلى النفقة وليس له مال غيره ولم يجد من يقرضه. (والثانى) أن يكون له في بيعه غبطة وهو أن يطلب منه بأكثر من ثمنه فيباع له ويشترى ببعض الثمن مثله، لان البيع في هذين الحالين فيه حظ وفيما سواهما لا حظ فيه فلم يجز. وإن باع العقار وسأل الحاكم أن يسجل له نظر، فإن باعه الاب أو الجد سجل له، لانهما لا يتهمان في حق الولد، وإن كان غيرهما لم يسجل حتى يقيم بينة على الضرورة أو الغبطة لانه تلحقه التهمه فلم يسجل له من غير بينة فان بلغ الصبى وادعى أنه باع من غير ضرورة ولا غبطة فان كان الولى أبا أو جدا فالقول قوله وإن كان غيرهما لم يقبل إلا ببينة لما ذكرناه من الفرق فان بيع في شركته شقص، فإن كان الحظ في أخذه بالشفعة لم يترك، وإن كان الحظ في الترك لم يأخذ، لانا بينا أن تصرفه على النظر والاحتياط، فلا يفعل إلا ما يقتضى النظر والاحتياط فان ترك الشفعة والحظ في تركها ثم بلغ الصبى وأراد أن يأخذ، فالمنصوص أنه لا يملك ذلك، لان ما فعل الولى مما فيه نظر لا يملك الصبى نقضه، كما لو أخذ والحظ في الاخذ فبلغ وأراد أن يرد. ومن أصحابنا من قال: له أن يأخذ، لانه يملك بعد البلوغ التصرف فيما فيه حظ، وفيما لا حظ فيه، وقد بلغ فجاز أن يأخذ، وإن لم يكن فيه حظ وهذا خطأ، لان له أن يتصرف فيما لا حظ فيه إذا كان باقيا، وهذا قد سقط بعفو الولى فسقط فيه اختياره، فإن بلغ وادعى أنه ترك الشفعة من غير غبطه فالحكم فيه كالحكم في بيع العقار وقد بيناه.

(الشرح) الاحكام: يجوز أن يبتاع له العقار لانه أقل غررا، لانه ينتفع بغلته مع بقاء أصله. قال ابو على في الافصاح: ولا يشتريه إلا من ثقة أمين يؤمن جحوده في الثمن وحيلته في إفساد البيع لاتباعه في موضع قد أشرف على الهلاك بزيادة ما أوقعته بين طائفتين، فإن ذلك تغرير بماله. ويجوز أن يبنى له العقار إذا احتاج إليه إلا أن يكون الشراء أحظ له فيشترى له ذلك. وإذا احتاج إلى البناء: قال الشافعي رضى الله عنه: يبنى له بالآجر والطين، ولا يبنى له باللبن والحصى، لان اللبن يهلك، والآجر يبقى والحصى يلزق فربما احتيج إلى نقض شئ من الآجر فلا يتخلص من الحصى، ولان الحصى يجحف به، والطين لا يجحف به. قال في البيان تعليقا على قول الشافعي " وهنا في البلاد التى يعز فيها وجود الحجارة، فإن كان في بلد يوجد فيه الحجارة كانت أولى من الآجر، لانها أكثر بقاء، وأقل مؤنة ". قلت: فإذا كان الناظر في مال الصبى عدلا ذا مهارة. ورأى أن يبنى بالخرسانة المسلحة، وكان في ذلك ما يعود على الصغير بفائدة مع حفظ ماله لاسيما في زماننا هذا الذى يكون للتعمير والبناء صيانة ونماء، كان له ذلك، بل كان ذلك هو الافضل، والله تعالى أعلم. (فرع) وان ملك الصبى عقارا لم يبع عليه الا في موضعين أحدهما أن يكون له في بيعه غبطة كأن يكون له شركة مع غيره، أو مجاورة لغيره فيبذل الغير فيه بذلك أكثر من قيمته، ويوجد له مثل بأقل مما باع به فيجوز له بيع العقار عليه لذلك، وكذلك إذا كان له عقار قد أشرف على الهلاك بالغرق أو بالخراب، فيجوز له بيعه عليه، لان النظر له في ذلك البيع، فإذا باع الاب أو الجد عليه عقارا فرفع ذلك إلى الحاكم وسأله امضاءه وتسجيله عليه أمضاه وسجله له، لان الظاهر من حالهما أنه لا يبيعان الا ماله فيه حظ. وهل يحتاج الحاكم إلى ثبوت عدالتهما عنده؟ قال ابن الصباغ: سمعت القاضى أبا الطيب يقول: فيه وجهان (أحدهما) لا يحتاج إلى ذلك، بل يكتفى بالعدالة الظاهرة، كما قلنا في شهود النكاح.

(والثانى) يحتاج إلى الثبوت لولايتهما عنده كما يحتاج إلى ثبوت عدالة الشهود عنده. وأما إذا دفع الوصي أو أمين الحاكم البيع إليه وسأل التسجيل عليه وأمضاه ففيه وجهان (أحدهما) وهو المشهور أنه لا يمضى ذلك حتى تقوم عنده البينة على الحظ أو الغبطة له، لان غير الاب والجد يلحقه التهمة فلم يقبل قوله من غير بينة بخلاف الاب والجد (والثانى) ذكر القاضى أبو الطيب في المجرد أنه يقبل قولهما من غير بينة، كالاب والجد. قال ابن الصباغ: وهذا له عندي وجه لانه إذا جاز لهما التجارة في ماله فيبيعان ويشتريان، ولا يعترض الحاكم عليهما جاز أيضا في العقار، فإن بلغ الصبى وادعى أن الاب أو الجد باع عليه عقاره من غير غبطة ولا حاجة، فإن أقام بينة على ما ادعاه حكم له به، وإن لم تقم بينة فالقول قول الاب أو الجد مع يمينه. وإن باع غير الاب والجد عليه كالوصي وأمين الحاكم، فلما بلغ ادعى أنه باع عليه من غير بينة، لان التهمة تلحقه، وبهذا لا يجوز له أن يشترى مال الولى عليه من نفسه فلم يقبل قوله من غير بينة، بخلاف الاب والجد (فرع) وإن بيع شقص في شركة الصبى، فإن كان للصبى حظ في الاخذ بأن كان له مال يريد أن يشترى له به عقارا، أخذ له بالشفعة، وإن كان الحظ له بالترك بأن كان لا مال له يريد أن يشترى له به، أو كان ذلك في موضع قد أشرف على الهلاك، أو بيع بأكثر من قيمته لم يأخذ له بالشفعة، فإن أخذ له الولى في موضع يرى له الحظ في الاخذ، فبلغ الصبى وأراد أن يرد ما أخذ له الولى لم يملك ذلك، لان ما فعله الولى مما فيه الحظ لا يملك الصبى بعد بلوغه رده، وإن ترك الولى الاخذ له في موضع رأى الحظ له في الترك فأراد الصبى بعد بلوغه أن يأخذه ففيه وجهان: من أصحابنا من قال له ذلك، لانه بعد بلوغه يملك التصرف فيما فيه حظ وفيما لا حظ له، والمنصوص أنه ليس له ذلك، لان الولى قد اختار الترك بحسن نظره، فلم يكن له نقض ذلك، كما لو أخذ له - والحظ في الاخذ -

فإنه لا يملك الصبى بعد البلوغ الرد، فإن ادعى بعد البلوغ أن الولى أخذ - والحظ في الترك - أو الترك والحظ في الاخذ، فان أقام بينة على ذلك حكم له به وإن لم يقم بينة فان كان الولى أبا أو جدا. فالقول قولهما مع يمينهما، وإن كان غيرهما من الاولياء لم يقبل قوله من غير بينة، كما ذكرنا من الفرق قبل هذا والله تعالى أعلم. قال على بن عبد الكافي السبكى في فتاويه: ومن مصالح الصبى أن الولى يصونه عن أكل ما فيه شبهة وعن أن يخلط ماله به، ويحرص على إطعامه الحلال المحض وعلى أن يكون ماله كله منه، وهى مصلحة أخروية ودنيوية، أما أخرويه فظاهر لانه وإن لم يكن مكلفا لكن الجسد النابت من الحلال الطيب أزكى عند الله وأعلى درجة في الآخرة من غيره. وأما دنيويه، فان الجسد الناشئ على الحلال ينشأ على خير، فيحصل له مصالح الدنيا والآخرة. وقد يكون بتركه اجتناب الشبهات يبارك الله له في القليل الحلال فيكفيه ويرزقه من حيث لا يحتسب، فهذه المصالح محققة، والفائدة الدنيوية التى يكتسبها بالمعاملة دنيوية محضة، فتعارضت مصلحتان أخروية ودنيوية، ورعاية الآخرة أولى من رعاية الدنيا، فكان الاحوط والاصلح لليتيم ترك هذه المعاملة، فقد يقال يكون المستحب تركها، وقد يزاد فيقال يجب تركها لقوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن " فالاحسن في الدنيا والآخرة حلال قطعا، وغير الاحسن فيهما يمنع قطعا، والاحسن في الآخرة دون الدنيا إذا راعينا مصلحة الآخرة وقدمناها على الدنيا صار أحسن من الآخرة فهو أحسن مطلقا، فان تيسر متجر ابتغى فعله، وإلا فلا يكلف الله نفسا الا وسعها، ويأكل ماله خير من أن يأكله غيره، والله أعلم اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يبيع ماله بنسيئة من غير غبطة، فان كانت السلعة تساوى مائة نقدا ومائة وعشرين نسيئة فباعها بمائة نسيئة فالبيع باطل لانه باع بدون الثمن، وان باعها بمائة وعشرين نسيئة من غير رهن لم يصح البيع لانه غرر بالمال، فان

باع بمائة نقدا وعشرين مؤجلا وأخذ بالعشرين رهنا جاز لانه لو باعها بمائة نقدا جاز فلان يجوز وقد زاده عشرين أولى، وان باعها بمائة وعشرين نسيئة وأخذ بها رهنا ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه أخرج ماله من غير عوض. (والثانى) يجوز، وهو ظاهر النص. وقول أبى اسحاق لانه باع بربح واستوثق بالرهن فجاز (فصل) ولا يكاتب عبده ولو كان بأضعاف القيمة لانه يأخذ العوض من كسبه وهو مال له فيصير كالعتق من غير عوض (الشرح) الاحكام: ينبغى أن لا يبيع ماله بنسيئة من غير غبطة أي راحة نفس، فان كانت له سلعة يريد بيعها، وهى تساوى مائة نقدا، أو مائة وعشرين نسيئة، فان باعها بمائة نسيئة لم يصح بيعها، سواء أخذ بها رهنا أو لم يأخذ، لان ذلك دون ثمن المثل، فان باعها بمائة نقدا وعشرين نسيئة وأخذ بالعشرين رهنا جاز، لانه قد زاد خيرا ووثيقة وان باعها بمائة وعشرين نسيئة ولم يأخذ بها رهنا لم يجز، لانه غرر بما له. وان باعها بمائة وعشرين نسيئة وأخذ بالجميع رهنا ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز، لان في ذلك تغريرا بالمال وقد يتلف الرهن (والثانى) يصح. وهو قول أبى اسحاق وأكثر أصحابنا، لانه مأمور بالتجارة وطلب الربح ولا يمكنه الا ذلك، فعلى هذا يشترط أن يكون المشترى ثقة مليئا لانه ان لم يكن ثقة ربما رهن مالا يملكه. وإذا لم يكن مليئا فربما تلف الرهن فلا يمكن استيفاء الحق منه ويشترط أن يكون الرهن يفى بالدين أو أكثر لانه ربما أفلس أو تلف ما في يده، فإذا لم يمكن استيفاء الحق من الرهن كان وجود الرهن كعدمه وهل يشترط الاشهاد مع ذلك؟ فيه وجهان حكاهما الصيمري (فرع) قال الصيمري: ولا يجوز أن يشترى له متاعا بالدين ويرهن من ماله لان الدين مضمون والرهن أمانة، فان فعل كان ضامنا. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يسافر بماله من غير ضرورة لان فيه تغريرا بالمال، ويروى أن المسافر وماله على قلت، أي على هلاك. وفيه قول الشاعر: بغاث الطير أكثرها فراخا * وأم الباز مقلات نزور (فصل) فان دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك في الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به لان السفر ههنا أحوط (الشرح) قوله " قلت " إذا قلتها بفتح القاف وسكون اللام كانت النقر في الجبل، وإذا قلتها بفتح القاف وكسر اللام كانت الهلاك. والمقلتة المهلكة، والمقلات الناقة التى تضع واحدا ثم لا تحمل، والبيت للعباس بن مرداس. وآخذ على المصنف رحمه الله تعالى استشهاده بهذا البيت في المعنى الذى أراده، فإن معناه أن بغاث الطير، وهو طائر دون الرخمه بطئ الطيران، وهو طير لا يصيد ولا يرغب أحد في صيده لحقارة شأنه. ومنه المثل " استنسر البغاث " فيمن يلبس غير لباسه متظاهرا بالشجاعة وهو جبان، وعليه قول من قال: إن البغاث بأرضنا يستنسر. أي إن الضعيف يصير بأرضنا قويا تكثر فراخه في حين أن أم الصقر مقلات نزور. وقوله " نزور " أي قليلة الفراخ جدا، والمقابلة والمشاكلة بين بغاث الطير في كثرة فراخها، وبين أم الصقر وهى قليلة الفراخ واضحة، وليس فيها معنى أن المقلات هي المهلكة. أما الاحكام: فانه لا يجوز أن يسافر بماله من غير ضرورة، لان في ذلك تغريرا بالمال وتعريضا له للهلاك، وقد روى أن المسافر وماله على قلت أي هلاك فان دعت إليه ضرورة بأن خاف من نهب أو غرق أو حريق جاز أن يسافر به إلى حيث يأمن عليه، لان ذلك أمر تسوغه الضرورة وتدعو إليه. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة، لانه يخرجه من يده فلم يجز، فان خاف نهب أو حريق أو غرق، أو أراد سفرا وخاف عليه

جاز له الايداع والاقراض، فان قدر على الايداع دون الاقراض أودع، ولا يودع إلا ثقة، وان قدر على الاقراض دون الايداع أقرضه، ولا يقرضه إلا ثقة مليئا، لان غير الثقة يجحد، وغير الملئ لا يمكن أخذ البدل منه، فان أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ وإن قدر على الايداع والاقراض فالاقراض أولى، لان القرض مضمون بالبدل والوديعة غير مضمونة فكان القرض أحوط، فان ترك الاقراض وأودع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه يجوز كل واحد منهما، فإذا قدر عليهما تخير بينهما (والثانى) لا يجوز لقوله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن) والاقراض ههنا أحسن فلم يجز تركه، ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لان في ذلك مصلحة له فجاز (الشرح) إذا خاف على ماله من نهب أو غرق أو حريق ولم يقدر الولى على المسافرة به، أو أراد الولى السفر إلى موضع لا يمكنه نقل المال إليه، أو يحتاج في نقله إلى مؤنة مجحفة جاز أن يودعه أو يقرضه في هذه الاحوال، فان قدر على الايداع دون الاقراض أودعه ثقة، وان قدر على الاقراض دون الايداع أقرضه ثقة مليئا وأشهد عليه، لان غير الثقة يجحد وغير الملئ لا يمكن أخذ المال منه أو بدله إذا تلف، فان رأى أن المصلحة والحظ في أخذ الرهن أخذه، وان رأى أن " التى هي أحسن " في ترك الرهن تركه ولم يأخذه بأن يكون الموضع مخوفا وكان الولى ممن يرى سقوط الحق يتلف الرهن، لانه لا حظ له في أخذ الرهن مع ذلك. وان قدر على الاقراض ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لان كل واحد منهما يجوز فيميز بينهما (والثانى) لا يجوز، لان الاقراض أحظ له، فإذا نزل الاحظ ضمن. (فرع) فأما الاقراض له فيجوز إذا دعته إلى ذلك حاجة للنفقه عليه والكسوة أو النفقة على عقارة المنهدم إذا كان له مال غائب فتوقع قدومه أو ثمرة ينتظرها يفى بذلك، وان لم يكن له شئ ينتظر فلا حظ له في الاقراض، بل يبيع عليه شيئا من أصوله ويصرف في نفقته.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا إقتار، لقوله تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " وإن رأى أن يخلط ماله بماله في النفقة جاز لقوله تعالى " ويسئلونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " فان بلغ الصبى واختلفا في النفقة فان كان الولى هو الاب أو الجد فالقول قوله وان كان غيرهما ففيه وجهان (أحدهما) يقبل، لان في اقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله (والثانى) لا يقبل قوله كما لا يقبل في دعوى الضرر والغبطة في بيع العقار. (الشرح) ينبغى أن ينفق عليه ويكسوه من غير إسراف ولا إقتار لقوله تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما " وان كان الصبى مكتسبا - قال أبو إسحاق المروزى: أجبره الولى على اكتساب لنفقته، وحفظ عليه ماله، لان ذلك أحظ له. (فرع) فإذا رأى الولى أن الحظ للمولى عليه بخلط مع نفقته مع نفقته، بأن كان إذا خلط دقيقه بدقيقه كان أرفق به في المؤنة وأكثر له في الخبز، جاز له الخلط، لما روى أنه لما نزل قوله تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا " تجنب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى وأفردوهم عنهم، فنزل قوله تعالى " وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح، ولو شاء الله لاعنتكم " أي لضيق عليكم، لان العنت الضيق وإن كانت الفائدة والمصلحة في إفراده لم تجز الخلطة لقوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي أحسن ". (فرع) فإن بلغ الصبى واختلف هو والولى في قدر نفقته، فإن كان الولى أبا أو جدا، فان ادعى أنه أنفق عليه زيادة على المنفعة بالمعروف لزمهما ضمان تلك الزيادة، لانه مفرط، وان ادعيا النفقه بالمعروف فالقول قولهما مع أيمانهما لانهما غير متهمين.

وإن كان الولى غيرهما كالوصي وأمين الحاكم، وادعيا النفقة بالمعروف، فهل يقبل قولهما من غير بينة؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يقبل قولهما من غير بينة، كما لا يقبل ذلك منهما في دعوى بيع العقار. والثانى: يقبل قولهما مع أيمانهما. قال ابن الصباغ: وهو الاصح لان إقامة البينة على ذلك تتعذر بخلاف البيع فإنه لا يتعذر عليه إقامة البينة عليه (قلت) ويجب على الولى إذا كان في البلد نظام يسود فيه التوثيق والتسجيل، وكان من السهل على الولى أن يحمل للنفقات والابتياعات للصبى فواتير ومستندات صادرة من جهات الشراء (قلت) يجب عليه أن يتبع ابتياعاته وثائقها الدالة عليها حتى لا يختلط ماله بمال الصبى ولا ينسى شيئا يكون قد انفقه عليه أو يترك لذاكرته أمر استحضار ما اشتراه له فيضرب في عمايات الجزاف، فيقرب مال اليتيم بغير التى هي أحسن. وقوله تعالى " الا بالتى هي أحسن " تفضى - ولا شك - إلى اتباع النظام على أحسن صوره، وأدق وسائله وأضبط أسبابه، ومن ثم تكون الاية نصا في الاخذ بنظام الوثاثق المكتوبة، لانها هي الاحسن. والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان أراد أن يبيع ماله بماله، فإن كان أبا أو جدا جاز ذلك، لانهما لا يتهمان في ذلك لكمال شفقتهما، وان كان غيرهما لن يجز لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يشترى الوصي من مال اليتيم ولانه متهم في طلب الحظ له في بيع ماله من نفسه فلم يجعل ذلك إليه. (الشرح) حديث " لا يشترى الوصي من مال اليتيم " لفظه في سنن الدارمي من قول مكحول: حدثنا محمد بن المبارك ثنا يحيى بن حمزة عن ابن وهب عن مكحول قال: أمر الوصي جائز في كل شئ الا في الابتياع، وإذا باع بيعا لم يقبل قال الدارمي: وهو رأى يحيى بن حمزة. أما الاحكام: فانه يجوز للاب والجد أن يبيعا مالهما من الصبى ويشتريا ماله لانفسهما إذا رأيا الحظ في ذلك، لانهما لا يتهما في ذلك. قال الصيمري فيحتاج

أن يقول: قد اشتريت هذا لنفسي من ابني بكذا، وبعت ذلك عليه، فيجمع بين لفظ البيع والشراء، قال: وغلط بعض أصحابنا وقال: تكفيه النية في ذلك من غير قول، لانه لا يخاطب نفسه. قال العمرانى: وليس بشئ، لانا قد أقمناه مقام المشترى في لفظ الشراء، ومقام البائع في لفظ البيع، ولو احتاج إلى قرض فأقرضه أبواه أو جده وأخذ من ماله رهنا، قال الصيمري: فيه وجهان، الاصح: أنه يجوز إلا أن يكون أقرضه متطوعا ثم أحب أن يأخذ بعد ذلك منه رهنا، فلا يكون له. وأما غير الاب والجد من الاولياء، كالوصي وأمين الحاكم (الحارس) فلا يجوز أن يبيع ماله من الصبى، ويتولى هو وحده طرفي العقد، ولا يجوز أن يشترى ماله بنفسه وقد استدل المصنف بخبر " لا يشترى الوصي من مال اليتيم " ولان غير الاب والجد يتهم في ذلك فلم يجز. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أراد أن يأكل من ماله نظرت، فان كان غنيا لم يجز، لقوله تعالى " ومن كان غنيا فليستعفف، وان كان فقيرا جاز أن يأكل، لقوله تعالى " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " وهل يضمن البدل؟ فيه قولان. (أحدهما) لا يضمن، لانه أجيز له الاكل بحق الولاية فلم يضمنه. كالرزق الذى بأكله الامام من أموال المسلمين (والثانى) أنه يضمن، لانه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة، فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره. (الشرح) عن عائشة رضى الله عنها قوله تعالى " ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " أنها نزلت في ولى اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف وفى لفظ " أنزلت في والى اليتيم الذى يقوم عليه ويصلح ماله إن فقيرا أكل منه بالمعروف " متفق عليه. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انى فقير ليس لى شئ، ولى يتيم فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف

ولا مباذر ولا متأثل " رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده والنسائي وأبو داود وسكت عنه أبو داود. وقال ابن حجر في الفتح: إسناده قوى واختلف الجمهور في الاكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم هو القرض إذا احتاج ويقضى إذا أيسر، قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة وابن جبير والشعبى ومجاهد وأبو العالية، وهو قول الاوزاعي. ولا يتسلف أكثر من حاجته قال عمر رضى الله عنه: ألا إنى أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولى من مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وان افتقرت أكلت بالمعروف. فإذا أيسرت قضيت. روى عبد الله بن المبارك عن عاصم الاحول عن أبى العالية " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " قال قرضا، ثم تلا قوله تعالى " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم " وقول ثان: روى عن ابراهيم وعطاء والحسن البصري والنخعي وقتادة لا قضاء على الوصي الفقير فيما يأكل. لان ذلك حق النظر. قال القرطبى وعليه الفقهاء. قال الحسن هو طعمة من الله له وذلك أنه يأكل ما يسد جوعه ويكسى عورته، ولا يلبس الرفيع من الكتان ولا الحلل، وقال زيد بن أسلم: ان الرخصة في هذه الآية منسوخة بقوله تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنما يأكلون في بطونهم نارا " وذهب أبو يوسف إلى أنها منسوخة بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وهذا ليس بتجارة، وبقول أبى يوسف قال من قبله مجاهد، ومن بعده الكيا الطبري. وعليه إذا أراد الولى أن يأكل من مال الصبى أو المولى عليه، فان كان الولى غنيا لم يجز له أن يأكل منه، وان كان فقيرا وقد انقطع عن أي عمل إلا على مال المولى عليه، وليس له مورد للكسب لنفسه، فقد قال الشافعي رضى الله عنه: فله أن يأخذ من ماله أقل الامرين من كفايته. أو أجرة عمله. لقوله تعالى (وابتلوا اليتامى) إلى قوله تعالى (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)

فمعنى قوله تعالى: بدارا أن يكبروا. أي لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلا يكبروا فيأخذوها. ولانه يستحق ذلك بالعمل والحاجة. هكذا ذكر عامة أصحابنا وذكر المصنف أنه إذا كان فقيرا جاز له أن يأكل - من غير تفصيل - ولعله أراد بإطلاقه ما ذكر غيره. وهل يضمن الولى ما أكله بالبدل؟ قال العمرانى في البيان، فيه وجهان. أحدهما يجب عليه ضمانه في ذمته، والثانى لا يجب لان الله أباح له الاكل ولم يوجب الضمان. ولان ذلك استحقه بعمله في ماله فلم يلزمه رد بدله كالمستأجر. والله أعلم قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يفك الحجر عن الصبى حتى يبلغ ويؤنس منه الرشد، لقوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فأما البلوغ فإنه يحصل بخمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة، وهى الانزال والسن والانبات. وإثنان تختص بهما المرأة، وهما الحيض والحبل فأما الانزال فهو إنزال المنى، فمتى أنزل صار بالغا، والدليل عليه قوله تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) فأمرهم بالاستئذان بعد الاحتلام، فدل على أنه بلوغ. وروى عطية القرظى قال: عرضنا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن قريظة، فمن كان محتلما أو نبتت عانته قتل، فلو لم يكن بالغا لما قتل. وأما السن فهو أن يستكمل خمس عشرة سنة. والدليل عليه ما روى ابن عمر رضى الله عنه قال " عرضت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وأنا ابن أربع عشر سنة فلم يجزني ولم يرنى بلغت، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة فرأني بلغت فأجازنى وأما الانبات فهو الشعر الخشن الذى ينبت على العانة، وهو بلوغ في حق الكافر، والدليل عليه ما روى عطية القرظى قال " كنت فيمن حكم فيهم سعد ابن معاذ رضى الله عنه فشكوا فئ أمن الذرية أنا أم من المقاتلة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم انظروا فإن كان قد أنبت وإلا فلا تقتلوه، فنظروا فإذا عانتي لم تنبت، فجعلونى في الذرية ولم أقتل. وهل هو بلوغ في نفسه؟ أو دلالة على البلوغ؟ فيه قولان (أحدهما) أنه بلوغ، فعلى هذا هو بلوغ في حق المسلم، لان ما كان بلوغا في حق الكافر كان بلوغا في حق المسلم كالاحتلام والسن (والثانى) أنه دلالة على البلوغ، فعلى هذا هل يكون دلالة في حق المسلم؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه دلالة لما روى محمد بن يحيى بن حبان أن غلاما من الانصار شبب (1) بامرأة في شعره، فرفع إلى عمر رضى الله عنه فلم يجده أنبت. فقال لو أنبت الشعر لحددتك. (والثانى) أنه ليس بدلالة في حق المسلم وهو ظاهر النص، لان المسلمين يمكن الرجوع إلى أخبارهم، فلم يجعل ذلك دلالة في حقهم، والكفار لا يمكن الرجوع إلى أخبارهم، فجعل ذلك دلالة في حقهم، ولان الكافر لا يستفيد بالبلوغ إلا وجوب الحرية، ووجوب القتل، فلا يتهم في مداواة العانة بما ينبت الشعر، والمسلم يستفيد بالبلوغ التصرف والكمال بالاحكام فلا يؤمن أن يداوى العانة بما ينبت الشعر، فلم يجعل ذلك دلالة في حقه فأما الحيض فهو بلوغ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " ان المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى الوجه والكف، فعلق وجوب الستر بالمحيض وذلك تكليف، فدل على أنه بلوغ يتعلق به التكليف. وأما الحبل فهو دليل على البلوغ، فإذا حبلت حكمنا بأنها بالغ، لان الحبل لا يكون إلا بإنزال الماء، فدل على البلوغ، فإذا كانت المرأة لها زوج فولدت حكمنا بأنها بالغ من قبل

_ (1) شبب بامرأة في شعره، التشبيب النسيب، يقال هو يشبب بها أي يذكرها في شعره. واشتقاق التشبيب من وجهين (أحدهما) من الشبيبة وأصلها الارتفاع عن حال الطفولية. والآخر أن يكون من الجلاء، يقال شب وجه الجارية إذا جلاه وأبدى ما يخفى من محاسنه

الوضع بستة أشهر، لان ذلك أقل مدة الوضع، وان كانت مطلقة وأتت بولد يلحق الزوج، حكمنا بأنها بالغ من قبل الطلاق وإن كان خنثى فخرج المنى من ذكره أو الدم من فرجه لم يحكم بالبلوغ، لجواز أن يكون ذلك من العضو الزائد، فإن خرج المنى من الذكر، والدم من الفرج فقد بلغ، لانه إن كان رجلا فقد أمنى، وإن كان امرأة فقد حاضت. (الشرح) قوله تعالى (حتى إذا بلغوا النكاح) أي الحلم، لقوله تعالى (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم) وحال النكاح والبلوغ يكون بخمسه أشياء. ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، واثنان يختصان بالنساء، وهما الحيض والحبل. فأما الحيض والحبل فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ. وأن الفرائض والاحكام تجب بهما. واختلفوا في الثلاث، فأما الانبات والسن فقال الاوزاعي والشافعي وابن حنبل: خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم، وهو قول ابن وهب وأصبغ وعبد الملك بن الماجشون وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل المدينة. واختاره ابن العربي في أحكام القرآن، وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذه السن. واحتجوا بحديث ابن عمر الذى أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن الاربعة إذ عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجيز، ولم يجز يوم أحد، لانه كان ابن أربع عشرة سنة. قال أبو عمر بن البر: هذا فيمن عرف مولده. وأما من جهل مولده وعدم سنه أو جحده فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الاجناد " ألا تضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسى. وقال عثمان رضى الله عنه في غلام سرق " انظروا ان كان قد اخضر مبرزه فاقطعوه " وقال عطية القرظى " عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى قريظة فكل من أنبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ، ومن لم ينبت منهم استحياه، فكنت فيمن لم ينبت فتركني " رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه،

وقال مالك مرة: بلوغه يغلظ صوته وتنشق أرنبته، وعن أبى حنيفة رواية أخرى تسع عشرة وهى الاشهر، وقال في الجارية: بلوغها لسبع عشرة سنة وعليها النظر. وقال داود الظاهرى: لا يبلغ بالسن ما لم يحتلم، ولو بلغ أربعين سنة، فأما الانبات فمنهم من قال: يستدل به على البلوغ، روى عن ابن القاسم وسالم، وقاله مالك مرة، والشافعي في أحد قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وقيل: هو بلوغ إلا أن يحكم به في الكفار فيقتل من أنبت، ويجعل من لم ينبت في الذرارى، قاله الشافعي في القول الاخر لحديث عطية القرظى، ولا اعتبار في الخضرة والزغب، وإنما يترتب الحكم على الشعر. وقال مالك: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب لو جرت عليه المواسى لحددته، قال أصبغ. قال لى ابن القاسم: وأحب إلى أن لا يقام عليه الحد إلا باجتماع الانبات والبلوغ. قال ابن العربي: إذا لم يكن حديث ابن عمر دليلا في السن فكل عدد يذكرونه من السنين فانه دعوى، والسن التى أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من سن لم يعتبرها، ولا قام في الشرع دليل عليها، وكذلك اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانبات في بنى قريظة، فمن عذيري ممن ترك أمرين اعتبرهما النبي صلى الله عليه وسلم فيتأوله، ويعتبر ما لم يعتبره النبي صلى الله عليه وسلم لفظا، ولا جعل الله له في الشريعة نظرا على ان ابن العربي تبعا لامير المؤمنين عمر بن عبد العزيز تأول حديث ابن عمر في الانفال، وأن موجبه الفرق بين من يطيق القتال ويسهم له وهو ابن خمس عشرة سنة ومن لا يطيقه، فلا يسهم له فيجعل في العيال، وهو الذى فهمه عمر بن عبد العزيز من الحديث والله تعالى أعلم. قال العمرانى في البيان: فأما الانزال فمتى خرج منه المنى وهو الماء الابيض الدافق الذى يخلق منه الولد في الجماع أو في النوم أو اليقظة فهو بلوغ لقوله تَعَالَى " وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا " فلما أمر الاطفال بالاستئذان إذا احتلموا دل على أنهم قد بلغوا لانهم قبل ذلك لم يكونوا يستأذنون. وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رفع القلم عن ثلاثه، عن النائم حتى

يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يحتلم " رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه والحاكم عن على وعمر رضى الله عنهما. وهل يكون الاحتلام بلوغا من الصبية، فيه وجهان (أحدهما) لا يكون بلوغا لقوله صلى الله عليه وسلم " وعن الصبى حتى يحتلم " فخص الصبى بالاحتلام، (والثانى) وهو طريقة أصحابنا البغداديين أنه بلوغ، كما روت أم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت، سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقالت عائشة رضى الله عنها فضحت النساء، أو يكون ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم. فبم يشبهها ولدها؟ وفى رواية " فبم الشبه " ثم قال صلى الله عليها وسلم " إذا رأت ذلك فلتغتسل " رواه الجماعة فأمرها بالاغتسال، فثبت أنها مكلفة، وأما السن فهو أن يستكمل الرجل والمرأة خمس عشرة سنة. وحكى المسعودي وجها لبعض أصحابنا أن البلوغ يحصل بالطعن في أول سنة الخمس عشرة، والاول أصح، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله، وقال أبو حنيفة لا يبلغ الغلام إلا بتسع عشرة سنة وهى رواية محمد رضى الله عنه وفى رواية الحسن اللؤلؤي عنه إذا بلغ ثمانى عشرة سنة. أما الجارية فتبلغ إذا بلغت تسع عشرة سنة. وقال مالك كقول داود. ليس للبلوغ حد في السن. دليلنا حديث ابن عمر رضى الله عنهما. عرضت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى في المقاتلة. ولا يجاز في المقاتلة إلا بالغ، فدل على ما قلناه، وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال. إذا استكمل الغلام خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه، وأخذت منه الحدود، رواه البيهقى، قال في التلخيص وسنده ضعيف وأما الانبات فهو انبات الشعر القوى الذى يحتاج إلى الموسى، لا الزغب الاصغر حول العانة وحول الفرج، ولا يختلف المذهب أنه إذا ثبت ذلك للكافر حكم ببلوغه، وهل هو بلوغ فيه، أو لا دلالة له على البلوغ، فيه قولان.

(أحدهما) أنه بلوغ في نفسه، لان ما حكم به بالبلوغ كان بلوغا بنفسه كالاحتلام (والثانى) أنه ليس ببلوغ في نفسه، وإنما دلالة على البلوغ، لان العادة جرت أنه لا يظهر إلا في وقت البلوغ، فإذا قلنا إنه بلوغ في حق الكافر كان بلوغا في حق المسلم، لان ما كان بلوغا في حق الكافر كان كذلك في حق المسلم كالاحتلام، وإذا قلنا: إنه ليس ببلوغ في حق الكافر وإنما هو دلالة على البلوغ فهل يجعل ذلك دلالة في حق المسلم، منهم من قال: فيه وجهان، ومنهم من قال فيه قولان. (أحدهما) أنه دلالة على بلوغه، لان ما كان دلالة على البلوغ في حق الكافر كان دلالة وعلما على البلوغ في حق المسلم كالحمل. (والثانى) أنه لا يكون دلالة على البلوغ عند المسلم، لانه يمكن الرجوع إلى معرفة سن المسلم، لانه مولود بين المسلمين، ولا يمكن ذلك في سن الكافر هكذا قال صاحب البيان. قلت وهو دليل على أن النظام عند المسلمين في عنفوان مجدهم جعلهم يؤرخون لمواليدهم في زمن كانت تسود العالم الفوضى والعشوائية حتى في تحديد سن الذرية بين غير المسلمين فمتى يعود المسلمون إلى سابق مجدهم فيسبقوا أمم الارض بنظامهم وعلومهم وقوتهم وإيمانهم، وتلك لعمري عمد المجد الذى تدين الدنيا لهم به، فاللهم بصرنا وافتح قلوبنا للايمان. وقال أبو حنيفة: الانبات لا يكون بلوغا ولا دلالة على البلوغ في حق المسلم والكافر. دليلنا ما روى عطية السوفى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه في بنى قريظة فحكم بسبي ذراريهم ونسائهم، وقسم أموالهم. وقتل من جرت عليه الموسى. فأمر أن يكشف عن مؤتزريهم فمن أنبت منهم فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرارى: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعه أرقعة. قال الصيمري: وكيف يعرف الانبات، قيل: يدفع إليهم شمع أو طين رطب

يلزقونه الموضع، وقيل يلمس ذلك من فوق ثوب ناعم. وقيل يكشف حالا بعد حال وهو الصحيح، لان سعدا رضى الله عنه أمر بكشف بنى قريظة. وأما خضرة الشارب، ونزول العارضين، ونبات اللحية، وخشونة الحلق، وقوة الكلام، وانفراج مقدم الانف، ونهود الثدى فليس شئ من ذلك بلوغا لانه قد يتقدم على البلوغ وقد يتأخر عنه. وأما الحيض فهو بلوغ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة امرأة تحيض إلا بخمار، فجعلها مكلفة بوجود الحيض، فدل على أنه بلوغ، وأما الحمل فإنه ليس ببلوغ في نفسه، وإنما هو دلالة على البلوغ، فإذا حملت المرأة علمنا أنه قد خرج منها المنى لقوله تعالى " خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب " فإذا وضعت المرأة الحمل حكمنا بأنها بلغت قبل الوضع بستة اشهر، إن كانت ذات زوج، لان ذلك قدر مدة الحمل عندنا، وإن كانت مطلقة فأتت بولد يلحق الزوج حكمنا أنها كانت بالغة قبل الطلاق. وأما الغلام الذى شبب في شعره فهو عمر بن أبى ربيعة وكانت له جولات في الغزل على عهد عمر ومن بعده. (فرع) وأما الخنثى المشكل فإذا استكمل خمس عشرة سنة أو نبت له الشعر الخشن على عانته حكم ببلوغه، لانه يستوى في ذلك الرجل والمرأة، فان حمل زال إشكاله، وبان أنه إمرأة، وحكم بأنه بالغ قبل الوضع، وان خرج المنى منه من أحد الفرجين لم يحكم ببلوغه لجواز أن يكون خرج منه من الفرج الزائد، وان خرج منه الدم من فرج النساء لم يحكم ببلوغه لجواز أن يكون رجلا. وهذا عضو زائد، وان خرج منه المنى من الفرجين حكم ببلوغه. لان خروج المنى من فروج الرجال والنساء بلوغ. قال الشافعي رضى الله عنه: وان حاض وأمنى لم يبلغ واختلف أصحابنا فيه فقال الصيمري: إذا حاض من فرج النساء وأمنى من فرج الرجال لم يحكم ببلوغه. وقال الشيخ أبو حامد وعامة أصحابنا يحكم ببلوغه، لانه ان كان رجلا فقد احتلم. وان كانت امرأة فقد حاضت، وما ذكره

الشافعي رضى الله عنه فله تأويلان (أحدهما) أنه أراد أمنى وحاض من فرج واحد (والثانى) أراد حاض وأمنى. فان قيل: هلا جعلتم خروج المنى منه من أحد الفرجين، دليلا على بلوغه؟ كما جعلتم خروج البول دليلا على ذكوريته وأنوثيته، فالجواب أن البول لا يخرج الا من الفرج المعتاد، والمنى قد يخرج من المعتاد وغيره. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فأما ايناس الرشد فهو اصلاح الدين والمال فاصلاح الدين ان لا يرتكب من المعاصي ما يسقط به العدالة واصلاح المال أن يكون حافظا لماله غير مبذر ويختبره الولى اختبار مثله من تجارة ان كان تاجرا أو تناء ان كان تانئا (1) أو اصلاح أمر البيت ان كانت امرأة. واختلف أصحابنا في وقت الاختيار فمنهم من قال: لا يختبر في التجارة الا بعد البلوغ لان قبل البلوغ يصح تصرفه، فلا يصح اختباره، ومنهم من قال: يختبر قبل البلوغ لقوله تَعَالَى " وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ " فأمر باختبار اليتامى وهم الصغار فعلى هذا كيف يختبر فيه وجهان (أحدهما) أنه يسلم إليه المال فإذا ساوم وقرر الثمن عقد الولى لان عقد الصبى لا يصح (والثانى) أنه يتركه حتى يعقد لان هذا موضع ضرورة. (فصل) وان بلغ مبذرا (2) استديم الحجر عليه لان الحجر عليه انما يثبت للحاجة إليه لحفظ المال والحاجة قائمة مع التبذير فوجب أن يكون الحجر باقيا، وان بلغ مصلحا للمال فاسقا في الدين استديم الحجر عليه لقوله تعالى " فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " والفاسق لم يؤنس منه الرشد ولان حفظه للمال لا يوثق به مع الفسق لانه لا يؤمن ان يدعوه الفسق إلى التبذير فلم يفك الحجر عنه ولهذا لم تقبل شهادته، وان كان معروفا بالصدق لانا لا نأمن أن يدعوه الفسق إلى الكذب وينظر في ماله من كان ينظر في حال الصغر وهو الاب والجد

_ (1) قوله " أو تناء ان كان تانئا " التنأ الزراعة والتانئ الزارع (2) المبذر الذى يخرج المال في غير وجهه وأصله التفريق، ومنه البذر في الزراعة لانه يفرق.

والوصى والحاكم لانه حجر ثبت من غير قضاء، فكان النظر إلى من ذكرنا كالحجر على الصبى والمجنون. (الشرح) قوله " آنستم " مر بك بعض معانيه. وقال الازهرى: تقول العرب: اذهب فاستأنس هل ترى أحدا معناه تبصر. قال النابغة: كأن رحلى وقد زال النهار بنا * يوم الجليل على مستأنس وحد أراد ثورا وحشيا يتبصر هل يرى قانصا فيحذره، وقيل آنست وأحسست ووجدت بمعنى واحد، وقراءة العامة " رشدا " بضم الراء وسكون الشين. وقرأ السلمى وعيسى الثقفى وابن مسعود " رشدا " بفتح الراء والشين، وقيل رشدا مصدر رشد وبابه سما يسمو، ورشدا بفتح الشين مصدر رشد. وبابه علم. وكذلك الرشاد. واختلف العلماء في تأويل " رشدا " فقال الحسن وقتادة وغيرهما صلاحا في الدين والعقل. وقال ابن عباس والسدى والثوري صلاحا في العقل وحفظ المال قال سعيد بن جبير والشعبى: إن الرجل ليأخذ بلحبته وما بلغ رشده، فلا يدفع إلى اليتيم ماله وإن كان شيخا حتى يؤنس منه رشده. وقال مجاهد " رشدا " يعنى في العقل خاصة، وقال الضحاك: لا يعطى اليتيم ماله وإن بلغ مائة سنة حتى يعلم منه إصلاح ماله. وأكثر العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ، وإذا لم يرشد بعد بلوغ الحلم. وان شاخ. لا يزول الحجر عنه. وهو مذهب مالك. وقال أبو حنيفة لا يحجر على الحر البالغ إذا بلغ مبلغ الرجال، ولو كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا إذا كان عاقلا. وبه قال زفر بن الهذيل. وهو مذهب النخعي. واحتجوا في ذلك بما رواه قتادة عن أنس أن حبان بن منقد كان يبتاع وفى عقله ضعف. فقيل يا رسول الله احجر عليه فإنه يبتاع وفى عقله ضعف، فاستدعاه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " لا تبع " فقال " لا أصبر " فقال " إذا بايعت فقل: لا خلابة. ولك الخيار ثلاثا " قالوا: فلما سأله القوم الحجر عليه لما كان من تصرفه من الغبن ولم يفعل

عليه السلام، ثبت أن الحجر لا يجوز، وهذا لا حجة لهم فيه، لانه مخصوص بذلك على أوجه ساقها شيخنا النووي في أول البيوع قال الامام الشافعي رضى الله عنه " ان كان مفسدا لماله ودينه، أو كان مفسدا لماله دون دينه حجر عليه " وإن كان مفسدا لدينه مصلحا لما له فعلى وجهين. (أحدهما) وهو اختيار أبى العباس بن سريج " يحجر عليه " (والثانى) لا حجر عليه، وهو اختيار أبى إسحاق المروزى، والاظهر من مذهب الشافعي، قال الثعلبي وهذا الذى ذكرناه من الحجر على السفيه قول عثمان وعلى والزبير وعائشة وابن عباس، وعبد الله بن جعفر رضوان الله عليهم ومن التابعين شريح، وبه قال الفقهاء مالك وأهل المدينة والاوزاعي وأهل الشام وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قال الثعلبي: وادعى أصحابنا الاجماع في هذه المسألة. قال صاحب البيان: وأما إيناس الرشد فهو إصلاح الدين والمال، فإصلاح الدين يكون بأن لا يرتكب من المعاصي ما ترد به شهادته، وإصلاح المال أن لا يكون مبذرا، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى: إذا بلغ الرجل مصلحا لماله دفع إليه ماله، وان كان مفسدا لدينه. اه دليلنا قول الله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا) قال ابن عباس: الرشد الحلم والعقل والوقار، والحلم والوقار لا يكونان إلا لمن كان مصلحا لماله ودينه، وهكذا قال الحسن البصري، ولان إفساده لدينه يمنع رشده، والثقة في حفظ ماله، كما أن الفسق يسقط عدالته، ويمنع من قبول قوله وان عرف عنه الصدق في القول إذا ثبت هذا، فبلغ غير مصلح لماله ولدينه، فإنه يستدام عليه الحجر، وان صار شيخا. وبه قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حنيفة " إذا بلغ غير مصلح لماله لم يدفع إليه، لكن ان تصرف فيه ببيع أو عتق أو غيره نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة انفك عنه الحجر ودفع إليه ماله، وان كان مفسدا لدينه وماله. لانه قد آن له أن يصير جدا لانه قد بلغ بإثنتى عشرة سنة فيتزوج ويولد له ولد ويبلغ ولده الاثنتى عشرة سنة ويولد له. قال وأنا أستحيى أن أمنع الجد ماله.

دليلنا قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) وقد بينا الرشد ما هو، وهذا لم يؤنس منه الرشد فلم يفك عنه الحجر ولم يدفع إليه ماله، كما لو كان ابن أربع وعشرين سنة. وأما قوله إنه آن له أن يصير جدا فلا اعتبار بكونه جدا، ألا ترى ان المجنون يستدام عليه الحجر مادام مجنونا، وان كان جدا، إذا ثبت هذا فإنه ينظر في ماله من كان ينظر فيه قبل البلوغ، لانه حجر ثبت عليه من غير حاكم فكان إلى الناظر فيه قبل البلوغ، كالنظر في مال الصغير (فرع) وأما إصلاح المال فلا يعلم إلا بالاختبار، وفى وقت الاختبار وجهان (احدهما) لا يصح إلا بعد البلوغ، لان الاختبار أن يدفع إليه المال ليبيع ويشترى فيه وينفقه. وهذا لا يصح إلا بعد البلوغ، فأما قبل هذا فهو محجور عليه للصغير والثانى يصح لقوله تعالى (وابتلوا اليتامى الخ) وهذا يقتضى أن يكون الاختبار قبل بلوغ النكاح ولان تأخير الاختبار إلى البلوغ يؤدى إلى الحجر على رشيد، لانه قد يبلغ مصلحا لماله ودينه، فلو قلنا: إن الاختيار لا يجوز الا بعد البلوغ لاستديم الحجر على رشيد ومنع من ماله، لانه لا يدفع إليه إلا بعد الاختبار فإذا قلنا بهذا فكيف يختبر بالبيع والشراء؟ فيه ثلاثة أوجه: (أحدها) يأمره الولى أن يساوم في السلع ويقدر الثمن، وليس العقد، لان عقد الصبى لا يصح، ولكن يعقد الولى، ومنهم من قال يشترى الولى سلعة ويدعها بيد البائع ويواطؤه على بيعها من الصبى، فإن اشتراها منه بثمنها عرف رشده. ومنهم من قال يجوز عقد الصبى لانه موضع ضرورة. وأما كيفية الاختبار فان كان من أولاد التجار واصحاب المهن الذين يخرجون إلى السوق، فاختباره أن يدفع إليه شئ من ماله ليبيع ويشترى في السوق، أو تترك له مناسبة يباشر فيها مهنة أبيه مستقلا تحت نظر الولى واشرافه، فان كان ضابطا جازما في البيع والشراء والحرفة دل على رشده، وان عيى عما لا يتغابن الناس بمثله فهو غير رشيد.

وان كان من أولاد الحكام وأبناء الذين يصانون عن الاسواق قال الشيخ أبو حامد: فاختبارهم أصعب من الاول، واختبار الواحد منهم أن يدفع إليه شئ من المال ويجعل إليه نفقة الاسرة مدة شهر مثلا أو ما أشبه ذلك، لشراء متطلبات الدار واحتياجاتها، فان كان ضابطا حافظا يحسن انفاق ذلك علم رشده، وان كان غير ضابط لم يعلم رشده، أو كما قال. قال الصيدلانى: وولد البناء يختبر بالدراعة. هذا إذا كان المختبر غلاما، فان كان امرأة قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: لا تختبر بالبيع والشراء، لان العادة جرت أنها لا تباشر ذلك، وانما تختبر في البيت بأن يدفع إليها شئ من المال ويتولى نساء ثقات الاشراف على فعلها، وتؤمر بانفاق ذلك في الخبز والملح واللحم والخضر والوقود واصلاح أدوات المطبخ وصيانة أثاث البيت، وما إلى ذلك، أو كما قال. قال الصيمري: ان كانت متبذلة تعامل الخباز والصباغ اختبرت بالبيع والشراء. وقال الصيمري: ولا يعلم رشده حتى يتكرر ذلك منه التكرر الذى يؤمن أن يكون ذلك اتفاقا (مصادفة) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَقَدْ رَأَيْت مَنْ الحكام من أمر باختبار من لا يوثق بحاله تلك الثقة بأن يدفع إليه القليل من ماله، فان أصلح فيه دفع إليه ما بقى، وإن أفسد فيه كان الفساد في القليل أيسر منه في الكل، ورأينا هذا وجها من الاختبار حسنا. والله أعلم (فرع) فيمن قامت بينة برشده ثم قامت بينة أخرى بسفهه كتب السبكى على بن عبد الكافي رحمه الله تعالى ردا على سؤال من ابنه في امرأة سفيهة تحت الحجر قامت بينة برشدها ثم حضر وصيها فأقام بينة بسفهها، فهل تسمع بينة السفه ويعاد الحجر عليها، واختلف ابنه مع غيره من الفقهاء، فقال على رحمه الله أما كون بينة السفه لا تقبل الا مفسرة فينبغي ذلك. لان الناس مختلفون في أسباب السفه والرشد، فمن الناس من يرى صرف المال إلى الطعمة النفيسة التى لا تليق بحاله سفها، والصحيح أنه ليس بسفه، ولكن صرفها في الحرام سفه

ومن الناس من يرى أن الصبى إذا بلغ وهو يفرط في إنفاق المال في وجوه الخير من الصدقات ونحوها يكون سفيها لذلك، والصحيح أنه لا يكون بذلك سفيها. ومن الناس من يرى أن الرشد هو الصلاح في المال فقط. وعندنا ليس كذلك، بل لابد من الصلاح في الدين والمال، وخالف فيه بعض أصحابنا وجماعة من العلماء ومن السفه ما يكون طارئا ومنه ما يكون مستداما، والشاهد قد يكون عاميا وقد يكون فقيها ويرى سفها ما ليس بسفه عند القاضى. وكذلك الرشد. فكيف تقبل شهادته مطلقة. فينبغي أن لا تقبل الشهادة بالسفه حتى يبين سببه، ولا بالرشد حتى يبين أنه مصلح لدينه وماله كما هي عادة المحاضر التى تكتب بالرشد. وقال الماوردى: إذا أقر الراهن والمرتهن عند شاهدين أن يؤديا ما سمعاه مشروحا فلو أرادا أن لا يشرحا بل شهدا أنه رهن بألفين، فإن لم يكونا من أهل الاجتهاد لم يجز، وكذا إن كانا من أهل الاجتهاد في الاصح، لان الشاهد ناقل، والاجتهاد إلى الحاكم وقال ابن ابى الدم: الذى تلقيته من كلام المراوزة وفهمته من مدارج مباحثاتهم المذهبية أن الشاهد ليس له أن يرتب الاحكام على أسبابها، بل وظيفته نقل ما سمعه أو شاهده، فهو سفير إلى الحاكم فيما ينقله من قول سمعه أو فعل رآه، وقد اختلف أصحابنا في الشهادة بالردة، هل تقبل مطلقة أو لابد من البيان، والمختار عندي أنه لابد من البيان وفاقا للغزالي لاختلاف المذاهب في التكفير، ولجهل كثير من الناس، وإن كان الرافعى رجح قبولها مطلقة لظهور أسباب للكفر. وهذه العلة لا يأتي مثلها في السفه والرشد فيترجح أنه لابد من البيان كالجرح، وليس الرشد كالتعديل حتى يقبل مطلقا، نعم هو مثله في الاكتفاء في الاطلاق في صلاح الدين، والاطلاق في صلاح المال لعسر التفصيل فيه. أما إطلاق الرشد من غير بيان الدين والمال فلا يكفى، وبعد أن أوضح العلامة رحمه الله تقديم بينة الرشد على بينة السفه مقيدة بالتاريخ قال: وأما إذا قبلناها مطلقة فالذي بحثه الولد - يعنى ابنه - صحيح. ويشهد له ما قاله الشيخ تقى الدين أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في فتاويه في ثلاث مسائل متجاورة في

أول كتاب التدليس. إحداها فيمن علم يسار شخص في زمان متقادم هل له ان يشهد الآن بيساره؟ وهل يسأله الحاكم عن كونه موسرا حال أداء الشهادة. وعليه الشهادة. كذلك أجاب رضى الله عنه - يعنى ابن الصلاح - أن له أن يشهد الآن بيساره معتمدا على الاستصحاب، الا أن يكون قد طرأ ما أوجب اعتقاده بزواله أو جعله في صورة التشكيك في بقائه وزواله، والاعتماد في هذا على الاستصحاب السالم عن طارئ فحدثه كالاعتماد على مثله في الملك ولا يشترط فيه الخبرة الباطنة كما هنالك، وما علل به ذلك من أنه لا طريق له الا الاستصحاب في الباطن لابد له من الاستصحاب موجود هنا. قال ومما يدل من كلامهم على جريانه في نظائره قولهم في البينة الناقلة في الدين في مسألة الابنين المسلم والنصراني وفى غيرها أنها ترجح على المنفية، لانها اعتمدت على زيادة علم، والاخرى ربما اعتمدت على الاستصحاب. وهذا تجويز منهم لذلك، والا لكان ذلك قد جاء فيها لا من قبيل الترجيح، بل يكتفى الحاكم بالشهادة أنه موسر، فإنه يتناوله الحال، فإن أحوجه إلى ذكر الحالة الراهنة فله أن يشهد لذلك معتمدا على الاستصحاب المذكور، بل لا ينبغى أن يفصح بذلك في الشهادة، فإنه لابد من الدين بما شمل الحال الحاضرة. هكذا نقل السبكى كلام ابن الصلاح. والله أعلم قال المسعودي: ولا يضمن الولى المال الذى يدفعه إليه للاختبار، لان ذلك موضع حاجة إليه اه (فرع) إذا بلغت المرأة مرتبة من الادراك والنصون تجعلها مصلحة لمالها ودينها فك عنها الحجر ودفع إليها مالها، سواء تزوجت أو لم تتزوج، ثم يكون لها التصرف في جميع مالها بغير اذن زوجها. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال مالك رضى الله عنه: لا يفك عنها الحجر حتى تتزوج ويدخل بها، وإذا تزوجت لم يجز لها أن تتصرف بأكثر من ثلث مالها بغير معارضة الا باذن زوجها دليلنا ما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خطب في العيد فلما فرغ من خطبته أتى النساء فوعظهن وقال " تصدقن ولو من حليكن، فتصدقن بحليهن "

رواه الشيخان. فلو كان لا ينفذ تصرفهن بغير اذن أزواجهن لما أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، ولا محالة أنه كان فيهن من لها زوج ومن لا زوج لها ولو أنها حرة بالغه رشيدة فليس تمنع من مالها كما لو تزوجت قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان بلغ مصلحا للدين والمال فك عنه الحجر لقوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وهل يفتقر فك الحجر إلى الحاكم. فيه وجهان. (أحدهما) لا يفتقر إلى الحاكم، لانه حجر ثبت من غير حكم فزال من غير حكم كالحجر على المجنون. (والثانى) أنه يفتقر إلى الحاكم لانه يحتاج إلى نظر واختبار، فافتقر إلى الحاكم كفك الحجر عن السفيه (الشرح) الاحكام: وإذا بلغ مصلحا لماله ودينه فك عنه الحجر، وهل يفتقر فكه إلى الحاكم. فيه وجهان (أحدهما) لا يفتقر إلى الحاكم، لانه حجر لم يفتقر ثبوته إلى الحاكم فلم يفتقر فكه إلى الحاكم كالحجر على المجنون، وفيه احتراز من حجر السفيه. (والثانى) لا ينفك الا بحكم الحاكم، لانه يفتقر إلى نظر واجتهاد فافتقر إلى الحاكم كالحجر على السفيه. هذا هو المشهور وقال الصيمري: ان كان الناظر في ماله هو الاب أو الجد لم يفتقر إلى الحاكم وان كان الناظر فيه أمين الحاكم (الحارس) لم ينفك الا بالحاكم وان كان الناظر فيه هو الحاكم ففيه وجهان (أحدهما) لا يفتقر فكه إلى الحاكم، كما لو كان الناظر فيه الاب والجد. (والثانى) يفتقر إلى الحاكم، كما لو كان الناظر فيه أمين الحاكم

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن فك عنه الحجر، ثم صار مبذرا حجر عليه، لما روى أن عبد الله بن جعفر رضى الله عنه ابتاع أرضا سبخة بستين ألفا فقال عثمان ما يسرنى أن تكون لى بنعلى معا، فبلغ ذلك عليا كرم الله وجهه، وعزم أن يسأل عثمان أن يحجر عليه، فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير، وذكر أن عليا يريد أن يسال عثمان رضى الله عنهما أن يحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكك فجاء على إلى عثمان رضى الله عنهما وسأله أن يحجر عليه، فقال: كيف أحجر على من شريكه الزبير فدل على جواز الحجر ولان كل معنى اقتضى الحجر إذا قارن البلوغ اقتضى الحجر إذا طرأ بعد البلوغ، كالجنون. فإن فك عنه الحجر ثم صار فاسقا ففيه وجهان. قال أبو العباس: يعاد عليه الحجر، لانه معنى يقتضى الحجر، عند البلوغ، فاقتضى الحجر بعده كالتبذير. وقال أبو إسحاق: لا يعاد عليه الحجر، لان الحجر للفسق لخوف التبذير، وتبذير الفاسق ليس بيقين، فلا يزال به ما تيقنا من حفظه للمال، ولا يعاد عليه الحجر بالتبذير إلا بالحاكم، لان عليا كرم الله وجهه أتى عثمان رضى الله عنه وسأله أن حجر على عبد الله بن جعفر، ولان العلم بالتبذير يحتاج إلى نظر، فإن الغبن قد يكون تبذيرا، وقد يكون غير تبذير، ولان الحجر للتبذير مختلف فيه فلا يجوز إلا بالحاكم، فإذا حجر عليه لم ينظر في ماله إلا الحاكم، لانه حجر ثبت بالحاكم فصار هو الناظر كالحجر على المفلس. ويستحب أن يشهر على الحجر ليعلم الناس بحاله وأن من عامله ضيع ماله، فان أقرضه رجل مالا أو باع منه متاعا لم يملكه، لانه محجور عليه لعدم الرشد، فلم يملك بالبيع والقرض كالصبى والمجنون، فإن كانت العين باقية ردت. وان كانت تالفة لم يجب ضمانها. لان المالك ان علم بحاله فقد دخل على بصيرة وأن ماله ضائع وان لم يعلم فقد فرط حين ترك الاستظهار، ودخل في معاملته على غير معرفة.

وان غصب مالا وأتلفه وجب عليه ضمانه، لان حجر العبد والصبى آكد من حجره، ثم حجر العبد والصبى لا يمنع من وجوب ضمان المتلف، فلان لا يمنع حجر المبذر أولى، فإن أودعه مالا فأتلفه، ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يجب ضمانه، لانه فرط في التسليم إليه. (والثانى) يجب ضمانه، لانه لم يرض بالاتلاف. فان أقر بمال لم يقبل اقراره لانه حجر عليه لحظه فلا يصح اقراره بالمال كالصبى، ولانا لو قلنا يصح اقراره توصل بالاقرار إلى ابطال معنى الحجر، ومالا يلزمه بالاقرار والابتياع لا يلزمه إذا فك عنه الحجر، لانا أسقطنا حكم الاقرار والابتياع لحفظ المال، فلو قلنا: انه يلزمه إذا فك عنه الحجر لم يؤثر الحجر في حفظ المال، وان طلق امرأته صح الطلاق، لان الحجر لحفظ المال، والطلاق لا يضيع المال، بل يتوفر المال عليه وان خالع جاز، لانه إذا صح الطلاق بغير مال فلان يصح بالمال أولى. ولا يجوز للمرأة أن تدفع إليه المال فان دفعته لم يصح القبض ولم تبرأ المرأة منه، فان تلف كان ذلك من ضمانها، وان تزوج من غير اذن الولى فالنكاح باطل لانه يجب به المال فإذا صححنا من غير اذن الولى تزوج من غير حاجة، فيؤدى إلى اتلاف المال، فان تزوج باذنه صح، لان الولى لا يأذن الا في موضع الحاجة، فلا يؤدى إلى اتلاف ماله، فان باع باذنه ففيه وجهان. (أحدهما) يصح، لانه عقد معاوضة فملكه بالاذن كالنكاح. (والثانى) لا يصح، لان القصد منه المال، وهو محجور عليه في المال، فان حلف انعقدت يمينه، فإذا حنث كفر بالصوم، لانه مكلف ممنوع من التصرف بالمال، فصحت يمينه، وكفر بالصوم كالعبد، وان أحرم بالحج صح احرامه لانه من أهل العبادات، فان كان فرضا لم يمنع من اتمامه، ويجب الانفاق عليه إلى أن يفرغ منه لانه مال يحتاج إليه لاداء الفرض فوجب. وان كان تطوعا - فان كان ما يحتاج إليه في الحج لا يزيد على نفقته - لزمه اتمامه، وان كان يزيد على نفقته - فان كان له كسب إذا أضيف إلى النفقة أمكنه الحج. لزمه اتمامه، وان لم يمكنه حلله الولى من الاحرام، ويصير كالمحصر

ويتحلل بالصوم دون الهدى، لانه محجور عليه في المال، فتحلل بالصوم دون الهدى كالعبد، وإن أقر بنسب ثبت النسب، لانه حق ليس بمال فقبل إقراره به كالحد وينفق على الولد من بيت المال، لان المقر محجور عليه في المال، فلا ينفق عليه من المال كالعبد. وإن وجب له القصاص فله أن يقتص ويعفو. لان القصد منه التشفي ودرك الغيظ، فان عفا على مال وجب المال، وإن عفا مطلقا أو عفا على غير مال - فان قلنا: إن القتل يوجب أحد الامرين من القصاص أو الدية وجبت الدية، ولم يصح عفوه عنها. وان قلنا: إنه لا يوجب غير القصاص سقط ولم يجب المال. (الشرح) قصة عبد الله بن جعفر رواها الشافعي في مسنده عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف القاضى عن هشام بن عروة عن أبيه، وأخرجها أيضا البيهقى وقال: يقال ان أبا يوسف تفرد به، وليس كذلك، ثم أخرجها من طريق الزهري المدنى القاضى عن هشام نحوه، ورواها أبو عبيدة في كتاب الاموال عن عفان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: قال عثمان لعلى رضى الله عنه ألا تأخذ على يد ابن أخيك - يعنى عبد الله بن جعفر - وتحجر عليه، اشترى سبخة - أي أرضا لا تنبت - بستين ألف درهم ما يسرنى أنها لى ببغلى، وقد ساق القصة البيهقى فقال: اشترى عبد الله بن جعفر أرضا سبخة فبلغ ذلك عليا رضى الله عنه فعزم على أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر ذلك له، فقال الزبير: أنا شريكك، فلما سأل على عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر قال: كيف أحجر على من شريكه الزبير وفى رواية للبيهقي أن الثمن ستمائة ألف. وقال الرافعى: الثمن ثلاثون ألفا. قال الحافظ: لعله من غلط النساخ، والصواب بستين ألفا اه. (قلت) وقد ورد التصحيف أيضا في قول عثمان رضى الله عنه: ما يسرنى أن تكون لى ببغلى، فوردت ببغلى. ووردت بنعلى. وروى القصة ابن حزم في المحلى فقال: بستين ألفا.

أما الاحكام فقد استدل بهذه الواقعة من أجاز الحجر على من كان سيئ التصرف، وبه قال على وعثمان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وشريح وعطاء والشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمد. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والجمهور على جواز الحجر على الكبير وخالف أبو حنيفة وبعض الظاهرية، ووافق أبو يوسف ومحمد. قال الطحاوي ولم أر عن أحد من الصحابة منع الحجر على الكبير، ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم وابن سيرين وحكى صاحب البحر عن العترة أنه لا يجوز مطلقا، وعن أبى حنيفة أنه لا يجوز أن يسلم إليه ماله إلا بعد خمس وعشرين سنة ولا يعاد عليه الحجر إذا أسلم إليه ماله بعد خمس وعشرين، سواء أفسد دينه وماله أو أحدهما. قال العمرانى في البيان: إذا بلغ الصبى مصلحا لماله ودينه ففك عنه الحجر ودفع إليه ماله ثم صار مفسدا لدينه وماله. أو لماله، فانه يعاد الحجر عليه بلا خلاف على المذهب. فأما إفساد الدين فمعروف، وأما إفساد المال، قال الشيخ أبو حامد: فيكون بأحد أمرين: إما بأن ينفقه في المعاصي. مثل الزنا وشرب الخمر وغير ذلك. والثانى أن ينفقه فيما لا مصلحة له فيه ولا غرض، مثل أن يشترى ما يساوى درهما بمائة درهم. فأما إذا أكل الطيبات ولبس الناعم من الثياب، وأنفق على الفقهاء والفقراء فهذا ليس فيه إفساد للمال اه وأما إذا عاد مفسدا لدينه وهو مصلح لماله فهل يعاد الحجر عليه؟ فيه وجهان قال أبو العباس يعاد عليه الحجر لقوله تعالى (فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فأثبت الولاية على السفيه وهذا سفيه. ولانه معنى لو قارن البلوغ لمنع فك الحجر عنه، فإذا طرأ بعد فك الحجر عنه، اقتضى ذلك إعادة الحجر عليه كالتبذير وقال أبو إسحاق المروزى: لا يعاد عليه الحجر لان الحجر يراد لحفظ ماله فإذا كان مصلحا لماله لم يعد عليه الحجر، ويخالف إذا قارن إفساد الدين البلوغ لان الحجر إذا ثبت لم يزل عنه إلا بأمر قوى، فكذلك إذا فك عنه الحجر لم يعد عليه الا بأمر قوى. هذا مذهبنا، وأنه إذا عاد مفسدا لماله ودينه عاد عليه

الحجر، وبه قال عثمان وعلى والزبير وابن الزبير وعبد الله بن جعفر وعائشة أم المؤمنين وشريح ومالك وأبو يوسف ومحمد، وقد مضى خلاف أبى حنيفة لهم جميعا دليلنا ما مضى في قوله تعالى (فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) قال الشافعي رضى الله عنه: والسفيه هو المفسد لماله ودينه، والضعيف هو الصبى والشيخ الفاني، والذى لا يستطيع أن يمل المجنون والسفيه اسم ذم يتناول المبذر، فأما قوله تعالى (سيقول السفهاء من الناس) الاية. فأراد اليهود. وقيل أراد المنافقين. وقيل أراد اليهود والنصارى. وقوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) الاية. قيل أراد به النساء، وهو قول مجاهد وهذا القول لا يصح، انما تقول العرب للنساء سفائه أو سفيهات، لانه الاكثر في جمع فعلية، وروى عن عمر رضى الله عنه: من لم يتفقه فلا يتجر في سوقنا، قال القرطبى فكذلك قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) يعنى الجهال بالاحكام، وقوله تعالى " أموالكم " أي أموالهم، كقوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " أي أموال بعضكم. ويدل على ما ذكرناه أن حبان بن منقذ أصابه في عقله ضعف، فأتى أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يحجر عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تبع، فقال انى لا أصبر، فقال صلى الله عليه وسلم: من بايعته فقل: لا خلابة ولك الخيار ثلاثا " فلو كان الحجر لا يجوز على البالغ لانكر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سؤالهم، وانما لم يجبهم إلى الحجر لانه يحتمل أن يكون الذى يغبن به مما يتغابن الناس بمثله. ويدل على ما ذكرناه اجماع الصحابة في قصة عبد الله بن جعفر حين قال عثمان رضى الله عنه: كيف أحجر على من شريكه الزبير، وانما قال هذا لان الزبير ابن العوام رضى الله عنه كان معروفا ببصره في التجارة، فدل على أن الحجر جائز عندهم بالاجماع. وروى أن عائشة رضى الله عنها كانت تنفق نفقة كثيرة، فقال ابن الزبير

لتنتهين عائشة أو لاحجرن عليها. فبلغها ذلك فحلفت أن لا تكلمه " فأتاها ابن الزبير واعتذر إليها فكفرت عن يمينها وكلمته، فلم ينكر عليه أحد. ويقول: إن عائشة رضى الله عنها بالغة رشيدة، فكيف يحجر عليها؟ ولان كل معنى لو قارن البلوغ منع من تسليم المال إليه فإذا طرأ بعد البلوغ اقتضى إعادة الحجر عليه كالمجنون (فرع) بعض الناس يكون شحيحا على نفسه جدا مع يساره وامتلائه فهل يحجر عليه؟ فيه وجهان حكاهما الصيمري، الصحيح أنه لا يحجر عليه (فرع) أما في حالة التبذير والاسراف إذا صار ذلك منه بعد فك الحجر عنه فانه لا يعيد الحجر عليه إلا الحاكم. وبه قال أبو يوسف. وقال محمد: يصير بذلك محجورا عليه، وهو قول بعض اصحابنا الخراسانيين دليلنا أن عليا رضى الله عنه سأل عثمان رضى الله عنه أن يحجر على عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب، فدل على أنه لا يصير محجورا عليه إلا بالحاكم، ولان الحجر بالتبذير مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم، كالطلاق بالعنة لا يثبت الا بالحاكم لموضع الاختلاف فيه، فإذا حجر عليه لم ينظر في ماله إلا الحاكم، لانه حجر ثبت بالحاكم فكان هو الناظر فيه كالحجر على المفلس ويستحب أن يشهر الحاكم على ذلك، فيشهر هذا الحجر بوسائل الاشهار العرفية حسب كل زمان ومكان، ففى القرى مثلا أو في البلاد المتبدية بكون بالمنادى أو الاعلان الملصق، وفى المدن الكبرى يكون بالنشر في الصحف المقروءة، حتى لا يغتر الناس بمعاملته (فرع) فإذا باع أو اشترى بعد الحجر كان ذلك باطلا، فان حصل له في يد غيره مال استرجعه الحاكم منه إن كان باقيا، أو استرجع بدله ان كان تالفا. وان حصل في يد المحجور عليه مال لغيره ببيع أو غيره استرده الحاكم منه ورد على مالكه، وان باعه غيره شيئا أو أقرضه إياه، ثم تلف في يده أو أتلفه فانه لا يجب عليه ضمانه، سواء علم بحجره أو لم يعلم، لانه ان علم بحجره فقد دخل على بصيرة، وان لم يعلم بحاله فقد قصر وفرط حيث بايع من لا يعلم حاله، ولا يلزمه إذا فك عنه الحجر، لان الحجر عليه لحفظ ماله، فلو ألزمناه ذلك بعد الحجر لبطل معنى الحجر، وهذا في ظاهر الحكم، وهل يلزمه ضمانه فيما بينه وبين

الله تعالى؟ فيه وجهان حكاهما في الافصاح (أحدهما) يلزمه ذلك. وبه قال الصيدلانى والعمراني، لان الحجر لا يبيح له مال غيره (والثانى) لا يلزمه. قال في الافصاح: وهو الاصح، وان غصب في يده عينا فتلفت في يده أو أتلفها في يده أو يد مالكها وجب عليه ضمانها، لان السفيه أحسن حالا من الصبى والمجنون لانه مكلف، لانه ثبت أن الصبى والمجنون إذا أتلفا على غيرهما ما لا وجب عليهما الضمان، فكذلك هذا مثله وان أودعه رجل عينا فأتلفها، فهل يجب عليه الضمان. فيه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه ضمانها لان صاحبها عرضها للاتلاف بتسليمها إليه (والثانى) يجب عليه الضمان لان مالكها لم يرض بإتلافها، لان غير المحجور عليه لا يلزمه ذلك فالمحجور عليه أولى. وإن أقر لغيره بعين في يده أو دين في ذمته لم يلزمه ذلك في الحال، ولا بعد فك الحجر، لانا لو قبلنا إقراره لبطلت فائدة الحجر، والحجر يقتضى حفظ ماله. (فرع) وان طلق السفيه أو خالع صح طلاقه وخلعه، الا أن المرأة لا تسلم المال إليه، بل تسلم إلى وليه، فان سلمته إليه فتلف في يده أو أتلفه وجب عليها الضمان كما قلنا في البيع. ولو أذن ولى السفيه المرأة بتسليم المال إلى السفيه فسلمته إليه فهل تبرأ. فيه وجهان (أحدهما) تبرأ كما لو سلمت المرأة المال إلى العبد باذن سيده (والثانى) لا تبرأ لانه ليس من أهل القبض. هذا مذهبنا وبه قال عامة أهل العلم وقال ابن أبى ليلى والنخعي وأبو يوسف: لا يصح طلاقه وخلعه دليلنا قوله تعالى " الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان " ولم يفرق بين السفيه وغيره، ولانه يستفيد بالطلاق، فانه ان كان قبل الدخول رجع إليه نصف المهر، وان كان بعد الدخول سقطت عنه النفقة والكسوة والمصالح. ويحصل له ذلك بالخلع وما بذلت له (فرع) ولا يصح نكاحه بغير اذن الولى لان النكاح يتضمن وجوب المال

فلم يصح بغير إذن الولى، وإن احتاج إلى النكاح فالولى بالخيار إن شاء زوجه بنفسه وتولى العقد، وإن شاء أذن له ليعقد بنفسه، لانه عامل مكلف، وإنما حجر عليه لحفظ ماله بخلاف الصبى وإن تزوج السفيه بغير إذن الولى ودخل بها فما الذى يلزمه؟ قال المسعودي فيه ثلاثة أقوال (أحدها) لا يلزمه شئ كما لو اشترى شيئا يغير إذن وليه وأتلفه (والثانى) يلزمه مهر المثل، كما لو جنى على غيره (والثالث) يلزمه أقل شئ يستباح به البضع لان البضع لا يستباح بالاباحة. وأما البغداديون من أصحابنا فقالوا: هي على وجهين (أحدهما) لا يلزمه شئ (والثانى) يلزمه مهر المثل. (فرع) وإن أذن الولى في البيع والشراء فباع أو اشترى فهل يصح. فيه وجهان (أحدهما) يصح كما يصح النكاح إذا أذن له فيه (والثانى) لا يصح لان البيع والشراء يختلف حكمه ساعة فساعة، لانه قد يزيد سعر السوق وينقص، فافتقر إلى عقد الولى، ولان البيع والشراء يتضمن المال لا غير. وهو محجور عليه في المال بخلاف النكاح. (فرع) وإن حلف انعقدت يمينه، فإن حنث كفر بالصوم، ولا يكفر بالمال لانه محجور عليه في المال، وإن أحرم بالحج صح إحرامه لانه من أهل التكليف فإن كان فرضا لم يمنع من اتمامه وأنفق عليه من ماله ما يحتاج إليه، وان كان متطوعا - فان كان نفقته على إتمامه لا تزيد على نفقة الحضر - لم يجز تحليله، وان كانت تزيد على نفقة الحضر، فان كان له كسب وقال أنا أتمم النفقة بالكسب لم يحلل، وان لم يكن له كسب حلله الولى ويصير كالمحصر، فيتحلل بالصوم دون الهدى لانه محجور عليه في المال فأشبه المفلس في هذه الامور كلها. وبهذا قال أصحاب أحمد رضى الله عنه (فرع) وان أقر بنسب يلحقه في الظاهر ثبت النسب، لان ذلك لا يتضمن اتلاف المال. وان أقر بنسب من يلزمه نفقته لم ينفق عليه من ماله بل ينفق عليه من بيت المال، وان وجب له القصاص فله أن يقبض لان الغرض منه التشفي، وان عفا عنه على مال كان الامر له. وان عفا مطلقا أو على غير مال. فان قلنا

ان الواجب القصاص لا غير صح عفوه. وان قلنا الواجب أحد الامرين لم يصح عفوه عن المال وان أقر بجناية العمد صح اقراره لانه غير متهم في ذلك، فان أراد المقر له العفو على المال. قال الطبري: فان قلنا ان موجب العمد القود ثبت المال، لان الذى ثبت باقراره هو القتل والقطع دون المال. وان قلنا ان موجبه أحد الامرين فهل يثبت. اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: فيه قولان كالعبد إذا أقر بالسرقة فانه يقبل في القطع، وهل يقبل في المال، فيه قولان. ومنهم من قال: له أخذ المال قولا واحدا، لان الواجب أحدهما لا بعينه، وكل واحد منهما بدل عن الآخر، وتعلقهما بسبب واحد. وأما السرقة ففيها حكمان (أحدهما) القطع لله تعالى لانه حق الله تبارك وتعالى، والاخر للآدمي فجاز ثبوت أحدهما دون الاخر. ولهذا لو شهد رجل وامرأتان على السرقة ثبت المال دون القطع، ولو شهدا على القطع لم يثبتا. وان دبر السفيه أوصى - على ما سنفصله ان شاء الله في أحكام المدبر - فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال فيه قولان كالصبى، ومنهم من قال: يصح قولا واحدا قال الطبري وهو الصحيح، لان الصغير لا حكم لقوله ولا يصح شئ من اقراره بخلاف السفيه فانه يصح اقراره بالنسب (فرع) المرتد إذا قلنا ان ملكيته باقية على ماله فانه محجور عليه، وهل يفتقر إلى حجر الحاكم، فيه قولان. وإذا زال السفه فانه لا ينفك الحجر عنه الا بحكم الحاكم، لانه حجر ثبت بالحاكم فلم يزل من غير حكمه. والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.

قال المصنف رحمه الله: كتاب الصلح إذا كان لرجل عند رجل عين في يده، أو دين في ذمته، جاز أن يصالح منه والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين " فإن صالح عن المال على مال، فهو بيع يثبت فيه ما يثبت في البيع من الخيار، ويحرم فيه ما يحرم في البيع من الغرر، والجهالة، والربا، ويفسد بما يفسد به البيع من الشروط الفاسدة، لانه باع ماله بمال، فكان حكمه حكم البيع فيما ذكرناه، وإن صالحه من دين على دين وتفرقا قبل القبض لم يصح، لانه بيع دين بدين تفرقا فيه قبل القبض. فإن صالحه من دين على عين، وتفرقا قبل القبض، ففيه وجهان. أحدهما: لا يصح، لانهما تفرقا والعوض والمعوض في ضمان واحد، فأشبه إذا تفرقا عن دين بدين. والثانى: يصح، لانه بيع عين بدين فصار كبيع العين بالثمن في الذمه، وان صالح عن المال على منفعه فهو إجارة يثبت فيه ما يثبت في الاجارة من الخيار. ويبطل بما تبطل به الاجارة من الجهالة. لانه استأجر منفعة بالمال فكان حكمه فيما ذكرناه حكم الاجارة. (فصل) وإن صالح من دار على نصفها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، لانه ابتاع ماله بماله (والثانى) يصح، لانه لما عقد بلفظ الصلح صار كأنه وهب النصف وأخذ النصف وإن صالحه من الدار على سكناها سنة ففيه وجهان. (أحدهما) لا يصح، لانه ابتاع داره بمنفعتها (والثانى) يصح، لانه لما عقد بلفظ الصلح صار كما لو أخذ الدار وأعاره سكناها سنة وإن صالحه من ألف درهم على خمسمائة ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، لانه بيع ألف بخمسمائة (والثانى) أنه يصح لانه لما عقد بلفظ الصلح جعل كأنه قال أبرأتك من خمسمائة وأعطني خمسمائة.

(الشرح) حديث أبى هريرة أخرجه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبى هريرة. قال الحاكم: على شرطهما وصححه ابن حبان، ورواه الترمذي وحسنه بزيادة " المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " عن عمرو بن عوف وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود وابن ماجه والترمذي أيضا عن عمرو بن عوف بلفظ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما " وأخرجه الحاكم وابن حبان في إسناده عند هؤلاء جميعا كثير ابن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب، وقال النسائي: ليس بثقة. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده نسخة موضوعة، وتركه أحمد، وقد نوقش الترمذي في تصحيحه لهذا الحديث. قال الذهبي: فروى من حديثه " الصلح جائز بين المسلمين " وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه. وقال ابن كثير في ارشاده: قد نوقش أبو عيسى الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله اه. وقد اعتذر له الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال في بلوغ المرام: وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وقد صححه ابن حبان من طريق أبى هريرة، وقال في الفتح: وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وذلك لانه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبى هريرة اه. وأخرجه أيضا الحاكم من طريق أنس، وأخرجه أيضا من حديث عائشة، وكذلك الدارقطني. وأخرجه أحمد من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة وأخرجه ابن أبى شيبة عن عطاء مرسلا وأخرجه البيهقى موقوفا على عمر كتبه إلى أبى موسى الاشعري، وقد صرح الحافظ ابن حجر بأن إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان، وضعف ابن حزم حديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف، وكذلك ضعفه عبد الحق.

وقد روى من طريق عبد الله بن الحسين المصيصى وهو ثقة، وكثير بن زيد المذكور، قال أبو زرعة صدوق، ووثقه ابن معين، والوليد بن رباح صدوق أيضا، ولا يخفى أن الاحاديث المذكورة، والطرق يشهد بعضها لبعض. قال الشوكاني: فأقل أحوالها أن يكون المتن الذى اجتمعت عليه حسنا. أما لغات الفصل: فالصلح هو التوفيق، ومنه صلح الحديبية، والصلاح هو الخير والصواب وصالح للامر أي له أهلية القيام به. وفى الدين أقسام: صلح المسلم مع الكافر. والصلح بين الزوجين. والصلح بين الفئتين الباغية والعادلة. والصلح بين المقاضين. والصلح في الجراح كالعفو على المال. والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في الاملاك أو في المشتركات وهذا الصلح الاخير هو الذى يتكلم فيه أصحابنا من أهل الفروع، أما الاحكام: فإن الاصل في جواز الصلح الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما الاية " فأمر الله تعالى بالصلح بين المؤمنين. وقوله تعالى " وان إمرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير " وقوله تعالى " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما " فدلت هذه الايات على جواز الصلح. أما السنة فقد روى البخاري وأحمد والترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرضه أو شئ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته. وان لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " لفظ البخاري هكذا أما الاخران فقالا فيه " مظلمة من مال أو عرض " وحديث أبى هريرة الذى ساقة المصنف وأحاديث أخرى تأتى في فصول الصلح الاتية ان شاء الله تعالى. وأما الاجماع فإن الامة أجمعت على جوازه. إذا ثبت هذا: فإن الصلح فرع على غيره، وهو ينقسم على خمسة أقسام:

قسم هو فرع على البيع، وهو أن يدعى عليه عينا في يده فيقر له بها فيصالحه من ذلك على عين أو دين، فهذا حكمه حكم ما لو اشترى منه عينا بعين أخرى أو بدين، فيعتبر فيه ما يعتبر في البيع من الربا. ويبطل بما يبطل فيه البيع من الغرر وثبت فيه ما ثبت في البيع من الخيار، لان ذلك مع تلفظ الصلح وإن ادعى عليه دينا في ذمته فأقر له به ثم صالحه منه على ذمته وتفرقا قبل القبض لم يصح الصلح، كما لا يصح في بيع الدين بالدين، وإن صالحه منه على عين وقبض العين قبل التفرق صح الصلح - إذا كان الدين مما يصح أخذ العوض عنه وإن افترقا عن المجلس قبل فبض العين فهل يصح؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يصح لانهما افترقا والعوض في ضمان واحد فلم يصح، كما لو صالحه من دين على دين وتفرقا قبل القبض (والثانى) يصح كما يصح في بيع العين بالدين القسم الثاني: صلح هو فرع على الاجارة، وهو أن يدعى عليه عينا في يده أو دينا في ذمته فيقر له به، ثم يصالحه من ذلك على سكنى داره شهرا، أو استعمال سيارته مدة معلومة: ويملك المقر ما ادعى عليه به، ويملك المقر له منفعة الدار والسيارة، كما لو استأجر منه ذلك، ويشترط فيه ما يشترط في الاجارة على ما يأتي بيانه فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْقِسْمُ الثالث: صلح هو فرع على الابراء والحطيطة. وهو أن يدعى عليه ألفا في ذمته فيقر له بها فيصالحه على بعضها. قال الشيخ أبو حامد: فهذا ينقسم قسمين (أحدهما) أن يقول الذى عليه الحق لمن له الحق: أدفع اليك خمسمائة بشرط أن تسقط عنى الخمسمائة الاخرى، أو يقول صاحب الحق: ادفع إلى خمسمائة على أن أسقط عنك الخمسمائة الاخرى. فهذا لا يجوز، فإذا فعلا ذلك كان باطلا، وكان لصاحب الالف المقر له أن يطالب بالخمسمائة الاخرى، لانه دفع إليه بعض حقه وشرطه شرطا لا يلزمه، فسقط الشرط، ووجب الالف بالاقرار (والثانى) أن يقول أدفع اليك خمسمائة وأبرئني من خمسمائة، أو يقول الذى له الحق: ادفع إلى خمسمائة فقد أبرأتك من الخمسمائة الاخرى، فإن هذا

يجوز، إذ لم يدخل فيه حرف الشرط. وهو قوله عى أن تبرئني، أو بشرط أن تبرئني، لانه كان له حق فأخذ بعضه وأبرأ من البعض. اه وقد قال المصنف: وإن صالحه من ألف على خمسمائة ففيه وجهان. (أحدهما) لا يصح كما لو باع ألفا بخمسمائة (والثانى) يصح لانه لما عقد بلفظ الصلح صار كأنه قال أبرأتك من خمسمائة وأعطني خمسمائة. وقال المسعودي: إذا ادعى عليه ألف درهم حالة فأقر له بها ثم صالحه على خمسمائة مؤجلة صح الصلح ولا يلزم الاجل. وان ادعى عليه ألف درهم مؤجلة فأقر له بها ثم صالحا عنها على خمسمائة حالة لم يصح، لانه جعل الخمسمائة التى تركها عوضا للحلول. وذلك لا يجوز أخذ العوض عليه. وإن ادعى عليه ألف درهم صحاحا فأقر له بها ثم صالحه على خمسمائة مكسرة قال المسعودي: صح الصلح، ولا يلزمه أخذ المكسرة، بل يجب له خمسمائة صحاح، لان الصحة صفة فلا يصح الابراء منها. اه القسم الرابع: صلح هو فرع على الهبة، وهو أن يدعى عليه دارا فيقر بها. فقال المقر: أدفع اليك نصفها ووهبتك النصف الاخر صحت الهبة، لانها مجردة غير معلقة على شرط، وان كان بلفظ الصلح بأن قال المقر للمقر له: صالحني من هذه الدار بنصفها فذكر المصنف أنها على وجهين (أحدهما) لا يصح، لانه باع ماله بماله (والثانى) ولم يذكر ابن الصباغ غيره أنه يصح، لانه لما عقد بلفظ الصلح صار كما لو قال: ادفع إلى نصفها ووهبتك النصف الثاني القسم الخامس: صلح هو فرع على العارية بأن يدعى عليه دارا في يده فأقر له بها، ثم قال المقر له للمقر: صالحني عن هذه الدار بسكناها سنة، فقال المقر صالحتك، صح الصلح، ويكون كأن المقر له أعار المقر أن يسكنها سنة. قال المسعودي " وللمقر له أن يرجع في عاريته " وذكر المصنف أنها على وجهين. (أحدهما) هذا (والثانى) لا يصح لانه ابتاع داره بمنفعتها (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه " فإن صالح الرجل أخاه من مورثه، فإن عرفا ما صالحه عليه بشئ يجوز في البيع جاز. وهذا كما قال إذا ورث اثنان

من ابنهما أو أخيهما مالا فصالح أحدهما الآخر عن نصيبه، فإن هذا فرع للبيع، فإذا شاهد التركة وعرف العوض صح الصلح كما لو اشتراه بلفظ الشراء (فرع) وإن صالحه عن الدارهم على دنانير أو على الدنانير على دارهم، فإن ذلك صرف، ويشترط فيه قبض العوض في المجلس كما قلنا في الصرف. (فرع) إذا أتلف عليه ثوبا أو حيوانا قيمته دينار فأقر له به، ثم صالحه من ذلك على أكثر منه، لم يصح الصلح دليلنا أن الواجب في ذمته قيمة المتلف فلم يصح الصلح على أكثر منه، كما لو غصب منه دينارا ثم صالحه على أكثر منه، وإن صالحه عن قيمة الحيوان بعوض وجعله مؤجلا لم يتأجل العوض ولم يصح الصلح. وقال أبو حنيفة يصح دليلنا أن الواجب هو دين حال في ذمته، فإذا كان العوض عنه مؤجلا كان بيع الدين بالدين. وذلك لا يجوز وإن ادعى عليه مالا مجهولا فأقر له به وصالحه عليه بعوض لم يصح الصلح. وقال أبو حنيفة " يصح " دليلنا: أن ذلك معاوضة، ولهذا ثبت بالشقص فيه الشفعة، فلم يصح في المجهول كالبيع، قال الشافعي رضى الله عنه " إذا ادعى على رجل شيئا مجملا فأقر له به ثم صالحه منه على شئ صح الصلح " قال الشيخ أبو حامد أراد إذا كان المعقود عليه معلوما فيما بين المتعاقدين فيصح وإن لم يسمياه، كما إذا قال بعت منك الشئ الذى أعرفه أنا وأنت بكذا، فقال ابتعت فإنه يصح والله تعالى أعلم وقد أجمل الخرقى من الحنابلة الصلح الجائز عندهم بقوله والصلح الذى يجوز هو أن يكون للمدعى حق لا يعلمه المدعى عليه فيصطلحان على بعضه، فإن كان يعلم ما عليه فجحده فالصلح باطل. اه، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثوري أن الصلح على الانكار صحيح، ولكن الشافعي قال لا يصح لانه عاوض على ما لم يثبت له، فلم تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره، ولانه عقد معاوضة خلا عن العوض في أحد جانبيه، فبطل كالصلح على حد القذف

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن ادعى عليه عينا في يده أو دينا في ذمته فأنكر المدعى عليه فصالحه منه على عوض لم يصح الصلح، لان المدعى اعتاض عما لا يملكه فصار كمن باع مال غيره. والمدعى عليه عاوض على ملكه، فصار كمن ابتاع مال نفسه من وكيله. فان جاء أجنبي إلى المدعى وصدقه على ما ادعاه وقال صالحني منه على مال لم يخل إما أن يكون المدعى عينا أو دينا، فان كان دينا نظرت فإن صالحه عن المدعى عليه صح الصلح، لانه إن كان قد وكله المدعى عليه فقد قضى دينه بإذنه، وان لم يوكله فقد قضى دينه بغير إذنه. وذلك يجوز فان صالحه عن نفسه وقال: صالحني عن هذا الدين ليكون لى في ذمة المدعى عليه، ففيه وجهان بناء على الوجهين في بيع الدين من غير من عليه (أحدهما) لا يصح، لانه لا يقدر على تسليم ما في ذمة المدعى عليه (والثانى) يصح كما لو اشترى وديعة في يد غيره، وان كان المدعى عينا، فان صالحه عن المدعى عليه وقال: قد أقر لك في الباطن ووكلني في مصالحتك، فصدقه المدعى صح الصلح، لان الاعتبار بالمتعاقدين وقد اتفقا على ما يجوز العقد عليه فجاز. ثم ينظر فيه فان كان قد أذن له في الصلح ملك المدعى عليه العين لانه ابتاعه له وكيله، وان لم يكن أذن له في الصلح لم يملك المدعى عليه العين لانه ابتاع له عينا بغير اذنه فلم يملكه. ومن أصحابنا من قال يملكه ويصير هذا الصلح استنقاذا لماله، كما قال الشافعي رحمه الله في رجل في يده دار فجعلها مسجدا، ثم ادعاها رجل فأنكر فاستنقذه الجيران من المدعى بغير اذن المدعى عليه أنه يجوز ذلك. وان صالحه لنفسه فقال أنا أعلم أنه لك فصالحني فأنا أقدر على أخذه، صح الصلح لانه بمنزلة بيع المغصوب ممن يقدر على أخذه، فان أخذه استقر الصلح، وإن لم يقدر على أخذه فهو بالخيار بين أن يفسخ ويرجع إلى ما دفع وبين أن يصبر إلى أن يقدر، كمن ابتاع عبدا فأبق قبل القبض.

(الشرح) الاحكام: إذا ادعى عليه عينا في يده أو دينا في ذمته فأنكره المدعى عليه ثم صالحه على عين أو دين في ذمته لم يصح الصلح بلا خلاف على المذهب، لانه ابتاع ملكه، وإن ادعى عليه ألف درهم في ذمته، فأنكره، ثم صالحه على خمسمائة منها وقلنا: يصح صلح الحطيطه فهل يصح هذا الصلح؟ فيه وجهان حكاهما في الابانة. (أحدهما) لا يصح، لانه صلح على الانكار فلم يصح، كما لو ادعى عليه عينا فأنكره (والثانى) يصح، والفرق بينهما أن في صلح المعاوضة يحتاج إلى ثبوت العوضين برضى المتعاقدين وليس العين المدعى بها ثابتة للمدعى حتى يأخذ عليها عوضا، وههنا هو إبراء فلا يحتاج إلى رضاء صاحبه، هذا مذهبنا، وأن الصلح على الانكار لا يصح. وقال ابن أبى ليلى: إن أنكره لم يصح الصلح، وإن سكت صح الصلح. دليلنا: قوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " والصلح على الانكار من أكل المال بالباطل، لان من ادعى على غيره دارا في يده فأنكر ذلك المدعى عليه ثم صالحه عنها بعوض فقد ابتاع ماله بماله، وهذا لا يجوز، وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لبلال بن الحارث " يا بلال اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ". وهذا المدعى لا يخلو إما أن يكون كاذبا أو صادقا، فان كان كاذبا فهذا الصلح الذى يصالح به يحل له ما هو حرام عليه، وإن كان صادقا فانه يستحق جميع ما يدعيه، فإذا أخذ بعضه بالصلح فالصلح حرم عليه الباقي الذى كان حلالا له، فوجب أن لا يجوز، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، ولان البيع لا يجوز مع الانكار وهو أن يدعى عينا في يد غيره فينكره فيبيعها من غيره، فان البيع لا يصح، فكذلك الصلح. إذا ثبت هذا: فادعى على رجل ألفا في ذمته فأنكره عنها، ثم ان المدعى أبرأه منها صحت البراءة، وهل يشترط في صحة البراءة القبول؟ على وجهين يأتي ذكرهما فيما بعد ان شاء الله تعالى.

وانما صحت البراءة على الانكار لانها ليست بمعاوضه، والذى جعل المالكية والحنفية والحنابلة يجيزن الصلح مع الانكار. ولا يفرقون بين الابراء والشرط قاعدتهم في أن الصلح يبيح لكل واحد منهما ما كان محرما عليه قبله، كالصلح بمعنى الهبة، فانه يحل للموهوب له ما كان حراما عليه، والاسقاط يحل له ترك أداء ما كان واجبا عليه، وقالوا: ان هذا لا يدخل في حديث " الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " لان الصلح الفاسد لا يحل الحرام وانما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه، كما لو صالحه على استرقاق حر، أو احلال بضع محرم، أو صالحه بخمر أو خنزير، وليس ما نحن فيه كذلك. قلت: فان ادعى عليه ألفا في ذمته فأنكره عنها ثم صالحه على بعضها وقبض ذلك وأبرأه عن الحق الذى عليه. قال الشافعي رضى الله عنه: فالصلح باطل والابراء لا يلزم، فأما الصلح فيبطل لانه صلح على انكار وعلى المصالح رد ما أخذه، وأما البراءة فلا تلزمه لانه انما ابرأه براءة قبض، واستيفاء وهو أن يسلم له ما أحذه، فإذا لم يسلم له ذلك لم تلزمه البراءة. هذا إذا لم يعلم المدعى بفساد الصلح، وأما إذا علم بفساد الصلح فأبرأ صحت براءته وهذا كما تقول في رجل اشترى عبدا شراء فاسدا. فقال البائع للمشترى اعتق هذا العبد، ولم يعلم البائع بفساد البيع فأعتقه - قال الشيخ أبو حامد: لم يصح العتق، لان البائع لم يأمره باعتاقه عن نفسه، وانما أمره أن يعتقه يظن أنه قد ملكه بالشراء، وان علم البائع بفساد البيع فأمر المشترى باعتاقه فأعتقه صح العتق، وان عليه ألفا في ذمته فأقر له بها فصالحه عنها صلح حطيطة، وأبرأه على خمسمائة فان قبض منها خمسمائة، وأبرأه عن الباقي ثم خرجت الخمسمائة التى قبض مستحقة - قال الشيخ أبو حامد: فانه يرجع عليه بخمسمائة التى أخذها والابراء صحيح، لانه لم يبرئه ليسلم له ما قبض بل أبرأه عن حق هو مقر له به والابراء صادف حقه المقر به فنفذ ذلك وليس يتعلق بسلامة ما قبضه وعدم سلامته (فرع) وإذا ادعى عينا فصالحه منها على عوض ثم اختلفا فقال المدعى: انما صالحت منها على الانكار فالصلح باطل، ولى الرجوع إلى أصل الخصومة.

وقال المدعى عليه لا، بل كنت أقررت لك بها ثم أنكرت ثم صالحت منها. قال الشيخ أبو حامد: فالقول قول المدعى لان الاصل هو الصلح على الانكار الذى قد عرف إلى أن تقوم البينة بإقراره لها قبل ذلك. (فرع) وإن ادعى رجل على رجل حقا فأنكر فجاء أجنبي إلى المدعى وقال أنت صادق في دعواك فصالحني عليه - فلا يخلو إما أن يكون المدعى دينا أو عينا، فإن كان المدعى دينا نظرت، فإن صالحه عن المدعى عليه صح الصلح لانه إن كان أذن له في ذلك فهو وكيله والتوكيل في الصلح جائز، وإن لم يكون وكيله ولم يوكله المدعى عليه، فقد قضى عن غيره دينا، ويجوز للانسان أن يقضى عن غيره دينا بغير إذنه، فإذا أخذ المدعى المال ملكه وانقطعت دعواه. وهل للاجنبي أن يرجع على المدعى عليه بما دفع؟ ينظر فيه، فإن صالح عنه بإذنه ودفع بإذنه رجع عليه، وإن صالح عنه باذنه، ودفع بغير إذنه لم يرجع عليه بشئ لانه متطوع بالدفع. وإن صالح الأجنبي ليكون الدين له، فان الشيخ أبا إسحاق (المصنف) قال: هلى يصح الصلح؟ فيه وجهان بناء على جواز بيع الدين من غير من هو عليه، وقال ابن الصباغ: لا يجوز وجها واحدا، واليه أشار الشيخ أبو حامد، لان الوجهين في بيع الدين مع الاقرار، فأما مع الانكار فلا يصح وجها واحدا كبيع العين المغصوبة ممن لا يقدر على قبضها. وقال أصحاب أحمد: وإن صالح عند المنكر أجنبي صح، سواء اعترف للمدعى بصحة دعواه أو لم يعترف، وسواء كان باذنه أو غير إذنه، لان عليا وأبا قتادة رضى الله عنهما قضيا عن الميت فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا وفى الموضعين - أعنى إن كان باذنه أو بغير إذنه - لم يرجع عليه بشئ، لانه أدعى عنه مالا يلزمه أداؤه، أما إذا أذن له بالاداء عنه رجع إليه، وهذا كله كقولنا في المذهب. (قلت) وإن كان المدعى عينا، فان صالح عن المدعى عليه بأن يقول للمدعى: المدعى عليه مقر لك بها في الباطن، وقد وكلنى في مصالحتك فصالحه عنه صح الصلح، لان الاعتبار بالمتعاقدين، وقد اتفقا على ما يجوز العقد عليه فإذا صالحه

ملك المدعى ما يأخذه وانقطع حقه من العين، وهل يملك المدعى عليه العين المدعى بها، ينظر فيه، فإن كان قد وكل الأجنبي ملك العين، فان كان الأجنبي قد دفع العوض من مال نفسه باذن المدعى عليه، وإن دفع بغير إذنه لم يرجع عليه كالدين، لانه متطوع، لانه إنما أذن له في العقد دون الدفع. وإن كان المدعى عليه لم يوكل الأجنبي في الصلح فهل يملك العين؟ فيه وجهان المنصوص أنه لا يملكها. وحكى أبو على في الافصاح أنه يملكها كما قال الشافعي رضى الله عنه إذا اشترى رجل أرضا وبناها مسجدا، وجاء رجل فادعاها، فان صدقه لزمه قيمتها، وإن كذبه فجاء رجل من جيران المسجد فصالحه صح الصلح لانه بذل مال على وجه البر. قال العمرانى في البيان: وهذا ليس بصحيح لانه لا يجوز أن يملك غيره بغير ولاية ولا وكالة، قال: فعلى هذا يكون الصلح باطلا في الباطن، صحيحا في الظاهر. (قلت) وأما المسألة المذكورة في المسجد فلا تشبه هذه، لان الواجب على المدعى عليه القيمة، لانه قد وقفها، ويجوز الصلح عما في ذمة غيره بغير إذنه كما سبق أن بينا ذلك. وإن قال الأجنبي للمدعى: المدعى عليه منكر لك ولكن صالحني عما ادعيت لتكون العين له. فهل يصح الصلح؟ قال المسعودي: فيه وجهان. وأما إذا قال الأجنبي: أنت صادق في دعواك، فصالحني لتكون هذه العين إلى فانى قادر على انتزاعها فيصح الصلح كما يصح أن تبتاع شيئا في يد غاصب، فان قدر الأجنبي على انتزاعها استقر الصلح، وان لم يقدر كان له الخيار في فسخ الصلح، كمن ابتاع عينا في يد غاصب ولم يقدر على انتزاعها. إذا ثبت هذا: فان المدعى عليه قد وكل الأجنبي في أن يصالح عنه، فهل يصح هذا التوكيل وهذا الصلح فيما بينه وبين الله تعالى؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس لا يجوز له الانكار لانه كاذب، الا أنه يجوز له بعد ذلك أن يوكل ليصالح عنه على ما ذكرناه، قال المصنف: لا يجوز له ذلك بل يلزمه الاقرار به لصاحبه، ولا يجوز له الوكالة لمصالحة عنه إذا غصب العين أو اشتراها من غاصب وهو يعلم ذلك.

فأما إذا مات أبوه أو من يرثه وخلف له هذه العين، فجاء رجل فادعاها وأنكره ولا يعلم صدقه وخاف من اليمين، وخاف ان أقربها للمدعى أن يأخذها فيجوز أن يوكل الأجنبي في الصلح على ما بيناه، لتزول عنه الشبهة. (فرع) إذا صالح الأجنبي عن المدعى عليه بعوض بعينه، فوجد المدعى بالعوض الذى قبضه من الأجنبي عيبا كان له الرد بالعيب، ولا يرجع ببدله عليه ولكن ينفسخ عقد الصلح ويرجع إلى خصومة المدعى عليه، وكذلك إذا خرج العوض مستحقا، كما لو ابتاع من رجل عينا فوجد فيها عيبا فردها أو خرجت مستحقة، فانه لا يطالبه ببدلها، وان صالحه على دراهم أو دنانير في ذمته. قال العمرانى: ثم سلم إليه دراهم أو دنانير فوجد بها عيبها فردها أو خرجت مستحقه فله أن يطالبه ببدلها كما قال النووي رضى الله عنه في البيع على ما مضى في المجموع (فرع) وان ادعى عينا في يد رجل فأنكره المدعى عليه، فقال المدعى: أعطيك ألف درهم على أن تقر لى بها ففعل لم يكن صلحا ولا يلزم الالف، وبدله حرام، وأمده حرام، وهل يكون اقرارا؟ فيه وجهان حكاهما الطبري في العدة، قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا أقر المدعى عليه بالحق ثم أنكر جاز الصلح فان أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا، لان الاقرار المتقدم لا يبطل بالانكار الحادث فيصح الصلح إذا أنكر بعد اقراره لوجوده بعد لزوم الحق، ولم يصح الصلح إذا كان عقيب انكاره وقبل اقراره لوجوده قبل لزوم الحق. (فصل) فلو أنكر الحق فقامت عليه البينة جاز الصلح عليه للزوم الحق بالبينة كلزومه بالاقرار لفظا ويقاس عليه ما لو نكل المدعى عليه فحلف المدعى من طريق الاولى، إذ اليمين المردودة كالاقرار على أحد القولين. (الشرح) إذا أقر المدعى عليه بالحق فقد لزم الحق فإذا أنكر جاز أن يعقدا عقد الصلح على ما مر من أمر المنكر ابتداء، فإذا عقد الصلح بينهما بعد الانكار ثم أقر بأن عاد إلى اعترافه الاول كان الصلح باطلا لان القرار تقدم على الانكار

وكان الانكار حادثا، فيصح الصلح إذا أنكر بعد الاقرار لحدوث الانكار بعد لزوم الحق، ولان الصلح على الاقرار هضم للحق، ولان الحق ثبت قبل إنكاره والصلح من بواعثه وأسبابه وقوع النزاع بالانكار (فرع) إذا أنكر المدعى عليه ثم قامت البينة فقد لزم الحق كلزومه بالاقرار ومن ثم يجوز الصلح، ومثله لو نكل المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعى فقد لزم الحق وثبت للمدعى. لان اليمين المردودة كالاقرار وكالبينة، ومن ثم جاز الصلح. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن ادعى عليه مالا فأنكره، ثم قال صالحني عنه لم يكن ذلك إقرارا له بالمال، لانه يحتمل أنه أراد قطع الخصومة، فلم يجعل ذلك اقرارا، فان قال بعنى ذلك ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجعل ذلك اقرارا. وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرابنى، لان البيع والصلح واحد، فإذا لم يكن الصلح اقرارا لم يكن البيع اقرارا (والثانى) وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب أنه يجعل ذلك اقرارا لان البيع تمليك، والتمليك لا يصح الا ممن يملك (الشرح) إذا ادعى على رجل دينا في ذمته أو عينا في يده فأنكره المدعى عليه ثم قال صالحني عن ذلك بعوض لم يكن ذلك اقرارا من المدعى عليه، لان الصلح قد يراد به المعاوضة وقد يراد به قطع الخصومة والدعوى، فإذا كان الامر يحتملهما لم نجعل ذلك اقرارا. وان قال المدعى عليه للمدعى بعنى هذه العين أو ملكني اياها، فحكى المصنف وابن الصباغ في ذلك وجهين (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد أنه لا يكون اقرارا لان الصلح والبيع بمعنى واحد. فإذا لم يكن قوله صالحني اقرارا، فكذلك قوله بعنى (والثانى) يكون اقرارا، وهو قول القاضى أبى الطيب، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في التعليق غيره. وهو قول أبى حنيفة رضى الله عنه. لان قوله بعنى أو ملكني يتضمن الاقرار له بالملك

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أخرج جناحا إلى طريق لم يخل، اما أن يكون الطريق نافذا أو غير نافذ، فان كان الطريق نافذا نظرت فان كان الجناح لا يضر بالمارة جاز، ولم يعترض عليه. واختلفوا في علته. فمن أصحابنا من قال يجوز، لانه ارتفاق بما لم يتعين عليه ملك أحد من غير اضرار فجاز كالمشى في الطريق، ومنهم من قال يجوز لان الهواء تابع للقرار، فلما ملك الارتفاق بالطريق من غير اصرار ملك الارتفاق بالهواء من غير اضرار، فإن وقع الجناح أو نقضه وبادر من يحاذيه، فأخرج جناحا يمنع من اعادة الجناح الاول جاز، لان الاول ثبت له الارتفاق بالسبق إلى اخراج الجناح، فإذا زال الجناح جاز لغيره أن يرتفق، كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه (الشرح) قوله " جناحا " فعله جنح أي مال، وبابه خضع ودخل والجوانح الاضلاع التى تحت الترائب، وجناح الطائر يده. وقد شبه به البناء الناتئ البارز من جدار البيت معلقا في الهواء. أما الاحكام: فانه إذا أخرج جناحا أو روشنا، وهو نافذة تشبه الشرفة (أو البلكونة) إلى شارع نافذ نظرت فان كان لا يضر بالمسلمين جاز ولم يمنع من ذلك. وبه قال مالك والاوزاعي وأحمد واسحاق وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: له اخراجه إلى أن يمنعه المسلمون أو واحد منهم، فإذا منعه واحد من المسلمين لم يجز له اخراجه، فان أخرجه أزيل أو قلع دليلنا ما روى أن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه مر بميزاب للعباس رضى الله عنه فقطر عليه فأمر بقلعه، فخرج إليه العباس رضى الله عنه فقال له: خلعت ميزابا ركبه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فقال عمر: والله لا يصعد من ينصبه الا على ظهرى، فصعد العباس على ظهره ونصبه. فإذا ثبت هذا في الميزاب ثبت في الروشن مثله، لان الميزاب خشبة واحدة - على عهدهم أو قضيب مجوف على عهدنا - أما الروشن أو الجناح فهو بناء متكامل

مركب من قطع كثيرة، فاشغاله لحيز أكبر من الميزاب لا شك فيه ولا فرق بين ولان الناس يخرجون الرواشن من لدن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يومنا هذا من غير انكار. اللهم الا ما تحتمه قواعد النظام الذى تأخذ بأسبابه مؤسسات الاسكان والمجالس البلدية في المدن والحواضر في عصرنا هذا الذى يجعل للجناح المتعارض أو البارز من البيت تناسبا مع اتساع الشارع، فان كان الشارع عرضا أو كان ميدانا فسيحا سمح لصاحب البناء من واقع الرسم المرخص به أن يكون الجناح أو الروشن مترا ونصف المتر، وان كان الشارع ضيقا كان البروز أقل، وذلك حتى يتسنى للناس ممارسة شئونهم وانتقالاتهم بأسباب الانتقال الكهربية أو البخارية أو غيرها بدون أن تعترضهم الرواشن والشرفات فتعيق مصالحهم، فدل ذلك كله على أن الاجماع منعقد على جواز ذلك في الحدود والصفات التى يرسم بها الامام أو الحاكم، ولانه ارتفاق بما لم يتعين عليه ملك أحد من غير اضرار فجاز، كما لو مشى في الطريق قال العمرانى في البيان: إذا أخرج جناحا أو روشنا في شارع نافذ فانه لا يملك ذلك المكان وانما يكون أحق به لسبقه إليه، فان انهدم روشنه أو هدمه فبادره من يحاذيه فمد خشبة تمنعه من اعادة الاول لم يكن للاول منعه من ذلك، لان الاول كان أحق به لسبقه إليه، فإذا زال روشنه سقط حقه وكان لمن سبق إليه، كما نقول في المرور بالطريق. ثم قال: وان أخرج من يحاذيه روشنا تحت روشنه الاول جاز ولم يكن للاول منعه من ذلك، لانه لا ضرر عليه في ذلك فان أراد الثاني أن يخرج روشنا فوق روشن الاول قال ابن الصباغ: فان كان الثاني عاليا لا يضر بالمار فوق روشن الاول جاز، وان كان يضر بالمار فوق روشن الاول منع من ذلك، كما لو اخرج روشنا يضر بالمار في الشارع، فانه يمنع من ذك. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان صالحه الامام عن الجناح على شئ لم يصح الصلح لمعنيين: (أحدهما) أن الهواء تابع للقرار في العقد فلا يفرد بالعقد كالحمل (والثانى) أن

ذلك حق له فلا يجوز أن يؤخذ منه عوض على حقه كالاجتياز في الطريق، وإن كان الجناح يضر بالمارة لم يجز. وإذا أخرجه وجب نقضه، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " ولانه يضر بالمارة في طريقهم فلم يجز كالقعود في المضيق، وإن صالحه الامام من ذلك على شئ لم يجز لمعنيين (أحدهما) أن الهواء تابع للقرار فلا بالعقد (والثانى) أن ما منع منه للاضرار بالناس لم يجز بعوض كالقعود في المضيق والبناء في الطريق (الشرح) حديث " لا ضرر ولا ضرار " رواه أحمد في مسنده وابن ماجه عن ابن عباس رضى الله عنه، وأخرجه أيضا ابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وقد مضى شرحنا له أما الاحكام: فإنه إذا صالحه الامام على هذا الجناح الذى لا يضر بعوض أو برسم من المال يؤديه لينفق من هذا ومثله على تعبيد الطرق ورصف الشوارع، وتيسير الارتفاق على المسلمين فإنه يجوز ذلك، أما إذا صالحه الامام أو أحد المسلمين على مال يؤديه بدون ذلك لم يجز أن يؤخذ عليه عوض لان الهواء تابع للقرار، كما لا يجوز أن يؤخذ منه عوض على المرور في الطريق، إلا إذا كان يمر في طريق غير مسموح بالمرور فيه في وقت تنظيم المرور لما يؤدى هذا إلى الاضرار به أو بغيره بأن كان يركب سيارة تسير بسرعة زائدة عن الحد المعقول أو المعتاد في شوارع تزدحم بالمارة ووقع الحاكم عليه عقوبة المخالفة حتى لا يعود إلى تعريض سلامته وسلامة غيره للاضرار أو المخاطر فإن ذلك يجوز، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " (فرع) وإن اراد إخراج روشن أو جناح إلى شارع نافذ يضر بالمار منه لم يجز، فان فعل ذلك أزيل للحديث الشريف، وليس له الانتفاع بالعرصة، وهى ما أمام بيته بما فيه ضرر على المسلمين، بأن يبنى فيها دكة أو يتخذ منها مجلسا له يشغل طريق المارة ويعيقهم فيؤذيهم بذلك، وكذلك ليس له الانتفاع بالهواء بما يضر به عليهم، فإن صالحه الامام أو بعض الرعية على ذلك بعوض لم يصح الصلح لانه افراد الهواء بالعقد، ولان في ذلك اضرار بالمسلمين، وليس للامام أن يفعل ما فيه الحاق الضرر بهم، هكذا قال العمرانى في البيان

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويرجع فيما يضر وفيما لا يضر إلى حال الطريق، فان كان الطريق لا تمر فيه القوافل، ولا تجوز فيه الفوارس، لم يجز اخراج الجناح الا بحيث يمر الماشي تحته منتصبا، لان الضرر يزول بهذا القدر، ولا يزول بما دونه، وان كان الطريق تمر فيه القوافل وتجوز فيه الفوارس، لم يجز الا عاليا بمقدار ما تمر العمارية تحته، ويمر الراكب منتصبا. وقال أبو عبيد بن حربويه: لا يجوز حتى يكون عاليا يمر الراكب ورمحه منصوب، لانه ربما ازدحم الفرسان فيحتاج إلى نصب الرماح، ومتى لم ينصبوا تأذى الناس بالرماح، والاول هو المذهب، لانهم يمكنهم ان يضعوا أطرافها على الاكتاف غير منصوبة فلا يتأذوا (الشرح) الاحكام: وأما كيفية الضرر، فان ذلك معتبر بالعادة في ذلك الشارع، فان كان شارعا لا تمر فيه القوافل والجيوش والركبان أو التروللى أو الترام فيشترط أن يكون الجناح عاليا بحيث يمر الماشي تحته منتصبا، فان كان الشارع تمر فيه الجيوش أو القوافل أو الركبان أو المركبات الكهربية والبخارية اشترط أن يكون الجناح أعلى بحيث يمر الركبان في السكة بدون عوائق تصطدم بسطح المركبات. وقال أبو عبيد بن حربويه: يشترط أن يمر الفارس تحته ورمحه منصوب بيده لان الفرسان قد يزدحمون فيحتاجون إلى نصب الرماح. قال المصنف ردا على ابن حربويه ما يفيد أن هذا ليس بصحيح لانه يمكنه ان يحط رمحه على كتفه. ولان الرمح لا غاية لطوله. قوله " العمارية " من وسائل الهجوم في الجيوش الاسلامية في عصر المصنف وهى أشبه بعربة تجرها الجباد مصنوعة من الخشب السميك ومصفحة بالفولاذ ينترس بها المهاجمون. وقد ترتفع إلى حد يتسلق منها المقاتلون إلى أسوار الحصون. والعمارة القبيلة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أخرج جناحا إلى دار جاره من غير إذنه لم يجز. واختلف أصحابنا في تعليله، فمنهم من قال لا يجوز لانه ارتفاق بما تعين مالكه فلم يجز بغير إذنه من غير ضرورة، كأكل ماله. ومنهم من قال لا يجوز، لان الهواء تابع للقرار. والجار لا يملك الارتفاق بقرار دار الجار، فلا يملك الارتفاق بهواء داره، فإن صالحه صاحب الدار على شئ لم يجز لان الهواء تابع فلا يفرد بالعقد (الشرح) الاحكام: إذا أراد أن يخرج جناحا أو روشنا فوق دار غيره أو شارع جاره بغيره إذنه لم يجز لانه لا يملك الارتفاق بقرار أرض جاره إلا بإذنه فكذلك الارتفاق بهواء أرض جاره، فان صالحه صاحب الدار أو الشارع على ذلك بعوض لم يصح لانه لا يجوز إفراد الهواء بالعقد. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن أخرج جناحا إلى درب غير نافذ نظرت فان لم يكن له في الدرب طريق لم يجز، لما ذكرناه في دار الجار، وان كان له فيه طريق ففيه وجهان (أحدهما) يجوز، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرابنى، لان الهواء تابع للقرار، فإذا جاز أن يرتفق بالقرار بالاجتياز جاز أن يرتفق بالهواء باخراج الجناح (والثانى) لا يجوز، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب رحمه الله لانه موضع تعين ملاكه فلم يجز اخراج الجناح إليه كدار الجار، فان صالحه عنه أهل الدرب، فان قلنا يجوز اخراج الجناح لم يجز الصلح، لما ذكرناه في الصلح على الجناح الخارج إلى الشارع، وان قلنا لا يجوز اخراجه لم يجز الصلح لما ذكرناه في الصلح على الجناح الخارج إلى دار الجار (الشرح) وان أراد أن يخرج جناحا أو روشنا إلى درب غير نافذ وله طريق في هذا الدرب، فان كان يضر بالمارة لم يجز من غير إذن أهل الدرب، كما لا يجوز اخراج جناح يضر إلى شارع نافذ الا إذا أذنوا بذلك أهل الدرب وقال القاضى أبو الطيب " لا يجوز له ذلك بغير اذنهم لانه مملوك لقوم معينين فلم يجز له اخراج الجناح إليهم بغير اذنهم " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أراد أن يعمل ساباطا ويضع أطراف أجذاعه على حائط الجار المحاذي لم يجز ذلك من غير إذنه، لانه حمل على ملك الغير من غير ضرورة فلم يجز من غير إذنه كحمل المتاع على بهيمة غيره، فإن صالحه منه على شئ جاز إذا عرف مقدار الاجذاع، فإن كانت حاضرة نظر إليها، وإن لم تحضر وصفها فإن أراد أن يبنى عليها ذكر سمك البناء، وما يبنى به، فإن أطلق كان ذلك بيعا مؤبدا لمغارز الاجذاع ومواضع البناء، وإن وقت كان ذلك إجارة تنقضي بإنقضاء المدة (الشرح) وإن أراد أن يعمل ساباطا - وهو سقيفة بين حائطين تحتها طريق والجمع سوابيط وساباطات - على جدار جاره وصفته أن يكون له جدار وبحذائه جدار جاره وبينهما شارع، فيمد جذوعا من جداره إلى جدار جاره، فلا يجوز له ذلك إلا باذن جاره، لانه حمل على ملك غيره بغير إذنه، من غير ضرورة فلم يجز كما لو أراد أن يحمل على بهيمة غيره بغير إذنه. وقولنا: من غير ضرورة احتراز من السقيف على الحائط الرابع لجاره على ما يأتي بيانه، فان صالحه على ذلك بعوض صح الصلح، ولابد أن تكون الاخشاب معلومة إما بالمشاهدة أو بالصفة، فيقول: صالحني على أن أضع هذه الاخشاب بكذا، قال الشيخ أبو حامد: وهكذا إذا قال: خذ منى مالا وأقر لى حقا في أن أضع على جدارك جذوعي هذه أو نصفها، فإذا أقر له بذلك وأخذ العوض جاز. فان أراد أن يبنى عليها ذكر طول البناء وعرضه وما يبنى به، لان الغرض يختلف بذلك، فان أطلقا ذلك ولم يقدراه بمدة كان ذلك تبعا لمغارز الجذوع، وإن قدرا ذلك بمدة كان إجارة تنقضي بانقضاء المدة، هكذا ذكره الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق والقاضى أبو الطيب أيضا. وقال ابن الصباغ: لا يكون ذلك بيعا بحال، لان البيع ما يتناول الاعيان،

وهذا الصلح على وضع الخشب لا يملك به الواضع شيئا من الحائط الذى يضع عليه لانه لو كان بيعا لملك جميع الحائط ولكان إذا تهدم يملك أخذ الانقاض، وهذا لا يقوله أحد، قال: فإن قيل إنما يكون بيعا لموضوع الوضع خاصة قيل: لا يصح ذلك لان موضع الوضع محمل بقية الحائط الذى لغيره وتلك منفعة استحقها وإذا بطل أن يكون تبعا كان ذلك إجارة بكل حال. قال: فإن قيل: فكيف يكون الاجارة إلى مدة غير معلومة؟ فالجواب أن المنفعة يجوز أن يقع العقد عليها في موضع الحاجة غير مقدرة كما يقع عقد النكاح على منفعة غير مقدرة، والحاجة إلى ذلك، لان الخشب وما يشبهه مما يراد للتأبيد، ويضر به التقدير، بخلاف سائر الاجارات، ولان سائر الاعيان لو جوزنا فيها عقد الاجارة على التأبيد بطل فيها معنى الملك، وها هنا وضع الخشب على الحائط لا يمنع مالكه أن ينتفع به منفعة مقصودة، والاول أصح، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: ولو اشترى علو بيت على أن يبنى على جدرانه ويسكن على سطحه أجزت ذلك إذا سميا منتهى البنيان، لانه ليس كالارض في احتمال ما يبنى عليها. إذا ثبت هذا: فان أقر صاحب الحائط لصاحب الخشب أن له حق الوضع على جداره لزم ذلك في الحكم. فان تقدمه صلح لزم ظاهرا وباطنا وان لم يتقدمه صلح لزم في الظاهر دون الباطن والله تعالى أعلم. وقال أصحاب أحمد: لا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا، وهو الروش سواء كان ذلك يضر بالمارة أو لا يضر، وسواء أذن الامام أو لم يأذن، ولا يجوز الساباط من باب الاولى، ولو كان الحائط ملكه. وقال ابن عقيل من الحنابلة. ان لم يكن فيه ضرر جاز باذن الامام لانه نائبهم فجرى اذنه مجرى اذن المشتركين في الدرب ليس بنافذ وهذا القول ضعيف عندهم لان الضرر لابد أن يتحقق ولو بحجب الضوء عن الطريق، أو الهواء، وليس كالجلوس أو المرور فانهما طارئان. وقال أبو حنيفة يجوز من ذلك مالا ضرر فيه، وان عارضه رجل من المسلمين وجب قلعه.

وقال مالك والاوزاعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد والشافعي رضى الله عنهم يجوز ذلك إذا لم يضر بالمارة، ولا يملك أحد منعه، لانه ارتفق بما لم يتعين ملك أحد فيه من غير مضرة، فكان جائزا كالمشئ في الطريق والجلوس فيها. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز أن يفتح كوة، ولا يسمر مسمارا في حائط جاره الا باذنه، ولا في الحائط المشترك بينه وبين غيره الا باذنه. لان ذلك يوهى الحائط ويضر به، فلا يجوز من غير اذن مالكه، ولا يجوز أن يبنى على حائط جاره ولا على الحائط المشترك شيئا من غير اذن مالكه ولا على السطحين المتلاصقين حاجزا من غير اذن صاحبه. لانه حمل على ملك الغير فلم يجز من غير اذن كالحمل على بهيمته، ولا يجوز أن يجرى على سطحه ماء من غير اذنه، فان صالحه منه على عوض جاز، إذا عرف السطح الذى يجرى ماؤه لانه يختلف ويتفاوت. (الشرح) الاحكام: لا يجوز أن يفتح كوة، ولا يدق وتدا في حائط الجار ولا في الحائط المشترك بينه وبين غيره عن غير اذن، لان ذلك يضعف الحائط، ولا يجوز أن يبنى عليه من غير اذن كما لا يجوز أن يحمل على بهيمة غيره بغير اذنه. (فرع) ولا يجوز أن يجرى الماء في أرض غيره ولا على سطحه بغير اذنه هذا قوله في الجديد، وقال في القديم: إذا ساق رجل عينا أو بئرا فلزمته مؤنة ودعته الضرورة إلى اجرائه في ملك غيره ولم يكن على المجرى في ملكه ضرر بين فقد قال بعض أصحابنا يجبر عليه، فأوما إلى أنه يجبر لما روى أن الضحاك ومحمد ابن مسلمة اختلفا في خليج أراد الضحاك أن يجريه في أرض محمد بن مسلمة فامتنع فترافعا إلى أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقال: والله لامرنه ولو على بطنك. قال العمرانى. والاول هو المشهور في المهذب للشيخ أبى اسحاق، لانه حمل على ملك غيره فلم يجز من غير اذنه، كالحمل على بهيمته قال. وأما الخبر فيحتمل أنه كان له رسم اجراء الماء في أرضه فامتنع منه فلذلك أجبره أمير المؤمنين على ذلك

(قلت) فإذا صالح رجلا على موضع قناة من أرضه يجرى فيها ماء وبينا موضعها وعرضها وطولها جاز، لان ذلك بيع موضع من أرضه، ولا حاجة إلى بيان عمقه، لانه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه، فله أن يترك فيه ما شاء، وإن صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض رب الارض مع بقاء ملكه عليها فهذا إجارة للارض فيشترط تقدير المدة لان هذا شأن الاجارة فان كانت الارض في يد رجل بإجارة جاز أن يصالح رجلا على إجراء الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة إجارته، وإن لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك، لانه لا يجوز إحداث ساقية في أرض في يده باجارة. فأما إن كانت الارض في يده وقفا عليه فهو كالمستأجر، له أن يصالح على اجراء الماء في ساقية محفورة في مدة معلومة، وليس له أن يحفر فيها ساقية لانه لا يملكها إنما يستوفى منفعتها كالارض المستأجرة سواء وقال أصحاب أحمد: يجوز له حفر الساقية لان الارض له وله التصرف فيها كيفما شاء ما لم ينقل الملك إلى غيره، بخلاف المستأجر فانه إنما يتصرف فيها بما أذن له فيه، فكان الموقوف عليه بمنزلة المستأجر إذا أذن له في الحفر، فان مات الموقوف عليه في أثناء المدة، فهل لمن انتقل إليه فسخ الصلح فيما بقى من المدة؟ على وجهين. (فرع) إذا ادعى على رجل مالا فأقر له به ثم قال صالحني فيه على أن أعطيك مسيل ماء في ملكى، قال الشافعي رضى الله عنه " فان بينا الموضع وقدر الطول والعرض صح، لان ذلك بيع لموضع من أرضه ولا يحتاجان ان يبينا عمقه لانه إذا ملك الموضع كان له النزول إلى تخومه، وهل يملك المدعى عليه هذه الساقية فيه وجهان حكاهما الصيدلانى (أحدهما) يملكها تبعا للارض (والثانى) لا يملكها فعلى هذا لا يمنع مالك الارض من بناء فوق المسيل قال ابن الصباغ وان صالحه على أن يجرى الماء في ساقية في أرض للمصالح قال في الام فان هذا اجارة يفتقر إلى تقدير المدة. قال أصحابنا انما يصح إذا كانت الساقية محفورة، فإذا لم تكن محفورة لم يجز لانه لا يمكن المستأجر من اجراء

الماء الا بالحفر، فليس له الحفر في ملك غيره، لان ذلك اجارة لساقية غير موجودة، فان حفر الساقية وصالحه جاز قال العمرانى " وان كانت الارض في يد المقر باجارة جاز له أن يصالحه على اجراء الماء في ساقية فيها محفورة مدة لا تجاوز مدة اجارته، وان لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك، لانه لا يجوز له احداث ساقية في أرض في يده باجارة، وكذلك إذا كانت الارض وقفا عليه جاز أن يصالحه على إجراء الماء في ساقية في أرض في يده وان أراد أن يحفر ساقية لم يكن له ذلك لانه لا يملكها، وانما له أن يستوفى منفعتها كالارض المستأجرة، وان صالحه على اجراء الماء على سطحه جاز إذا كان السطح الذى يجرى ماؤه فيه معلوما، لان الماء يختلف بكبر السطح وصغره وقال ابن الصباغ ولا يحتاج إلى ذكر المدة، ويكون ذلك فرعا للاجارة لان ذلك لا يستوفى به منافع السطح بخلاف الساقية فانه يستوفى منفعتها فكانت مدتها مقدرة ولانهما يختلفان أيضا فان الماء الذى يجرى في الساقية لا يحتاج إلى تقدير لانه لا يجرى فيها أكثر من ملئها، ويحتاج إلى ذكر السطح الذى يجرى منه لانه يجرى فيه القليل والكثير. وان صالحه على أن يسقى زرعه أو ماشيته من مائه سقية أو سقيتين لم يصح، لان القدر من الماء الذى يسقى به الزرع والماشية مجهول، فان صالحه على ربع العين أو ثلثها صح كما قلنا في البيع قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وفى وضع الجذوع على حائط الجار والحائط بينه وبين شريكه قولان، قال في القديم " يجوز " فإذا امتنع الجار أو الشريك اجبر عليه إذا كان الجذع خفيفا لا يضر بالحائط، ولا يقدر على التسقيف الا به. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه على جداره " قال أبو هريرة رضى الله عنه " انى لاراكم عنها معرضين، والله لارمينها بين أظهركم " ولانه إذا وجب بذل فضل الماء للكلا لاستغنائه عنه وحاجة غيره وجب بذل فضل

الحائط لاستغنائه عنه وحاجة جاره. وقال في الجديد: لا يجوز بغير إذن، وهو الصحيح: لقوله صلى الله عليه وسلم " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه " ولانه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلا يجوز بغير اذنه كالحمل على بهيمته، والبناء في أرضه، وحديث أبى هريرة تحمله على الاستحباب. وأما الماء فإنه غير مملوك في قول بعض أصحابنا. والحائط مملوك، ولان الماء لا تنقطع مادته، والحائط بخلافه. فان كان الجذع ثقيلا يضر بالحائط لم يجز وضعه من غير اذنه قولا واحدا، لان الارتفاق بحق الغير لا يجوز مع الاضرار، ولهذا لا يجوز أن يخرج إلى الطريق جناحا يضر بالمارة. وان كان لا حاجة به إليه لم يجبر عليه، لان الفضل انما يجب بذله عند الحاجة إليه، ولهذا يجب بذلك فضل الماء عند الحاجة إليه للكلا ولا يجب مع عدم الحاجة. فان قلنا يجبر عليه فصالح منه على مال لم يجز، لان من وجب له حق لا يؤخذ منه عوضه، وان قلنا: لا يجبر عليه فصالح منه على مال جاز على ما بيناه في أجذاع الساباط. (فصل) وإذا وضع الخشب على حائط الجار أو الحائط المشترك، وقلنا انه يجبر في قوله القديم، أو صالح عنه على مال في قوله الجديد فرفعه جاز له أن يعيده، فان صالحه صاحب الحائط عن حقه بعوض ليسقط حقه من الوضع جاز لان ما جاز بيعه جاز ابتياعه كسائر الاموال. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه، وقد أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي وأحمد والطبراني وعبد الرزاق من طريق ابن عباس بلفظ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضرر ولا ضرار، وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره، وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع " وأخرجه أحمد وابن ماجه أيضا من حديث عكرمة بن سلمة بن ربيعة " أن أخوين من بنى المغيرة أعتق أحدهما أن

لا يغرز خشبا في جداره، فلقيا مجمع بن يزيد الانصاري ورجالا كثيرا فقالوا: نشهد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبا في جداره، فقال الحالف: أي أخى قد علمت أنك مقضى لك على، وقد حلفت فاجعل اسطونا دون جدارى ففعل الآخر، فغرز في الاسطوان خشبة " وهو أيضا عند ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبى سعيد، وعند البيهقى من طريق عبادة. وعند الطبراني في الكبير وأبى نعيم من حديث ثعلبة بن مالك القرظى، وما جاء في بعض ألفاظه من جعل الطريق سبعة أذرع ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة، وعكرمة بن سلمة بن ربيعة مجهول وقوله " لا يمنع " بالجزم على النهى. وفى رواية لاحمد " لا يمنعن " وفى لفظ للبخاري بالرفع على الخبرية، وهى في معنى النهى. وقوله " خشبة " قال القاضى عياض رويناه في مسلم وغيره من الاصول بصيغة الجمع والافراد، ثم قال: وقال عبد الغنى بن سعيد: كل الناس تقوله بالجمع الا الطحاوي، فانه قال عن روح بن الفرج. سألت أبا زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الاعلى عنه. فقالوا كلهم خشبة بالتنوين، ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع. ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقى من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه ". قال القرطبى وانما اعتنى هؤلاء الائمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف، لان أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار المسامحة به بخلاف الاخشاب الكثيرة أما الاحكام فان هذه الاحاديث تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع وبهذا قال الشافعي في القديم وأحد قولى الجديد، وأحمد واسحاق وابن حبيب من المالكية وأهل الحديث وقال الشافعي في أحد قولى الجديد والحنفية ومالك والجمهور من الفقهاء انه يشترط اذن المالك، ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع، وحملوا النهى على التنزيه جمعا بينه وبين الادلة القاضية بأنه " لا يحل مال امرئ " مسلم الا بطيبة من نفسه "

وأجيب بأن هذا الحديث أخص من تلك الادلة مطلقا فيبنى العام على الخاص قال البيهقى: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها. وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار، كما وقع في رواية لابي داود بلفظ " إذا استأذن أحدكم أخاه " وفى رواية لاحمد " من سأله جاره " وكذا في رواية لابن حبان، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع، لا إذا لم يتقدم، وبهذا يصح الجمع بين الاحاديث العامة والخاصة، والمطلقة والمقيدة والله تعالى أعلم. والمذهب انه إذا أراد رجل أن يضع أجذاعه على حائط جاره أو حائط مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه، فإن كان به إلى ذلك حاجة، مثل أن يكون له براح من الارض ويحيط له بالبراح ثلاثة جدر ولجاره أو شريكه جدار رابع، أو أراد صاحب الجدر الثلاثة أن يضع عليها سقفا فهل يجبر صاحب الجدار الرابع على تمكينه من ذلك، فيه قولان قال في القديم: يجبر إذا كان ما يضعه لا يضر بالحائط ضررا بينا. وبه قال أحمد وغيره ممن مضى ذكرهم لحديث أبى هريرة الذى نكس فيه القوم رؤوسهم، فقال أبو هريرة: مالى أراكم عنها معرضين، والله لارمينها بين أظهركم، يعنى هذه السنة التى أنتم عنها معرضون. فإذا قلنا بهذا فلم يبذل الجار له أجبره الامام أن يضع خشبه على جداره. وقال في الجديد: لا يجبر على ذلك. قال العمرانى: وهو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة لحديث " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه " ولانه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلم يجز من غير إذنه، كزراعة أرضه والبناء في أرضه (قلت) قد ذهب المصنف إلى أن للخبر تأويلين (أحدهما) أنه محمول على الاستحباب (والثانى) أن معناه إذا أراد الرجل أن يضع خشبة على جدار له لاخراج روشن أو شرفة أو جناح إلى شارع نافذ فليس لجاره المحاذي له أن يمنعه من ذلك، لانه قال: لا يمنع أحدكم جاره ان يضع خشبه على جداره، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الجار.

فأما إذا أراد أن يبنى على الحائط أو يضع عليه خشبا يضر به ضررا بينا أو جدار آخر يمكنه أن يسقف عليه، لم يجبر الجار قولا واحدا، فإذا قلنا بقوله في الجديد فأعاره صاحب الحائط فوضع الخشب عليه لم يكن لصاحب الحائط أن يطالبه بقلعه، لان اذنه يقتضى البقاء على التأبيد، فان قلع المستعير خشبه أو سقطت فهل له أن يعيد مثلها؟ فيه وجهان. (أحدهما) له ذلك، لانه قد استحق دوام بقائها. (والثانى) ليس له بغير اذن مالك الحائط وهو الصحيح، لان السقف إذا سقط فلا ضرر على المعير في الرجوع. وان أراد صاحب الحائط هدم حائطه، فإن لم يكن مستهدما لم يكن له ذلك، لان المستعير قد استحق تبقية خشبه عليه، وان كان مستهدما فله ذلك، وعلى صاحب الخشب نقله، فإذا أعاد صاحب الحائط حائطه - فان بناه بمادة أخرى - لم يكن لصاحب الخشب اعادة خشبه من غير اذنه، لان هذا الحائط غير الاول. وقال الحنابلة: يجوز اعادة وضعه بغير اذنه. وان بناه بمادته الاولى بعينها بأن كانت عضادته خشبا فأقامه أو حجرا فرصه، فهل له أن يعيد خشبه بغير اذن على الوجهين الاولين، فان صالحه بمال ليضع أجذاعه على جداره في قوله الجديد أو قلنا يجبر الجار على تمكينه من وضعها على القديم فصالح مالك الجدار مالك الخشب ليضع عن جداره الخشب صح الصلح، لان ما صح بيعه صح ابتياعه كسائر الاموال، والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان كان في ملكه شجرة فاستعلت وانتشرت أغصانها وحصلت في دار جاره جاز للجار مطالبته بازالة ما حصل في ملكه، فان لم يزله جاز للجار ازالته عن ملكه، كما لو دخل رجل إلى داره بغير اذنه، فان له أن يطالبه بالخروج، فان لم يخرج أخرجه، فان صالحه منه على مال فان كان يابسا لم يجز لانه عقد على الهواء، والهواء لا يفرد بالعقد، وان كان رطبا لم يجز لما ذكرناه ولانه صلح على مجهول، لانه يزيد في كل وقت.

(الشرح) الاحكام: إذا كانت له شجرة في ملكه فانتشرت أغصانها فوق ملك جاره فللجار أن يطالب مالك الشجرة بازالة ما انتشر فوق ملكه لان الهواء تابع للقرار، وليس له أن ينتفع بقرار أرض جاره بغير اذنه، فكذلك هواء أرض جاره، فان لم يزل مالك الشجرة ذلك فللجار أن يزيل ذلك عن هواء أرضه بغير اذن الحاكم كما لو دخلت بهيمة لغيره إلى أرضه فله أن يخرجها بنفسه وقال أصحاب أحمد: إذا امتنع المالك من ازالته لم يجبر لان ذلك ليس من فعله، وعلى كلا الامرين إذا امتنع من ازالته كان لصحاب الهواء ازالته مع عدم الاتلاف، فإذا أتلف شيئا ضمنه كما لو دخلت البهيمة داره فعليه اخراجها بغير اتلاف فإذا أتلفها ضمنها، فان لم يمكنه ازالتها الا بالاتلاف فلا شئ عليه لانه لا يلزمه اقرار مال غيره في ملكه. قال العمرانى في البيان: ينظر فيه فان كان ما انتشر لينا يمكنه أن يزيل ذلك عن ملكه من غير قطع، لواه عن ملكه، فان قطعه لزمه أرش ما نقصت الشجرة بذلك لانه متعد بالقطع، وان كان يابسا لا يمكنه ازالة ذلك عن ملكه الا بقطعه فله أن يقطع ذلك ولا ضمان عليه اه. (قلت) فان صالحه على اقرارها بعوض معلوم، فان كان غير معتمد على حائطه لم يجز ذلك لانه افراد للهواء بالعقد ان كان يابسا، وان كان رطبا لم يجز أيضا لهذه العلة، ولانه يزيد في كل وقت بنمو الاغصان. وقال أصحاب أحمد كابن حامد وابن عقيل وابن قدامة: يجوز ذلك رطبا كان الغصن أو يابسا، لان الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فانه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه، لان الحاجة داعية إلى الصلح عنه لكون ذلك يكثر في الاملاك المتجاورة في القطع اتلاف وضرر قالوا: والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب. (قلت) والصلح لا يجوز عندنا الا في حالة ما إذا كان الغصن يابسا معتمدا على حائط الجار كما لو صالحه على وضع خشبة على حائطه، وأما الرطب فانه يمكن ليه، ويمكن تهذيبه.

(فرع) إذا كان سطح داره أعلا من سطح دار جاره لم يجبر من علا سطحه على بناء سترة. وقال أحمد رضى الله عنه: يجبر من علا سطحه على بناء سترة، لانه إذا صعد سطحه أشرف على دار جاره، والانسان ممنوع من الانتفاع بملكه على وجه يستضر به غيره، كما لا يجوز أن يدق في ملكه ما يهتز به حائط جاره. دليلنا: أنه حاجز بين ملكيهما فلا يجبر أحدهما على ستره كالاسفل وما ذكره فغير صحيح، لان الاعلى ليس له أن يشرف على الاسفل، وإنما يستضر الاسفل بالاشراف عليه دون انتفاعه بملكه، ويخالف الدق، لانه يضر بملك جاره، قاله في البيان. (فرع) قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: يجوز للانسان أن يفتح في ملكه كوة مشرفة على جاره، وعلى جسر عليه، ولا يجوز للجار منعه لانه لو أراد رفع جميع الحائط لم يمنع فكذلك إذا رفع بعضه لم يمنع اه. (قلت) إلا إذا ترتب على ذلك إضرار بجاره وإزالة للجدار الفاصل بين المسكنين مما يترتب عليه كشف سوءات البيت أو تعريض المال للضياع أو زوال صفة الصلاحية للسكنى أجبر على إزالة ذلك فان كان كوة سدها، وإن كان جدارا أقامه، وسيأتى مزيد لذلك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن كان لرجل في زقاق لا ينفذ دار، وظهرها إلى الشارع ففتح بابا من الدار إلى الشارع جاز، لان له حق الاستطراق في الشارع فجاز أن يفتح إليه بابا من الدار، وان كان باب الدار إلى الشارع وظهرها إلى الزقاق ففتح بابا من الدار إلى الزقاق نظرت، فإن فتحه ليستطرق الزقاق لم يجز لانه يجعل لنفسه حتى الاستطراق في درب مملوك لاهله لا حق له في طريق، فان قال: أفتحه ولا أجعله طريقا، بل أغلقه وأسمره، ففيه وجهان. (أحدهما) أن له ذلك، لانه إذا جاز له أن يرفع جميع حائط الدار، فلان يجوز أن يفتح فيه بابا أولى. (والثانى) لا يجوز، لان الباب دليل على الاستطراق، فمنع منه، وان فتح

في الحائط كوة إلى الزقاق جاز، لانه ليس بطريق ولا دليل عليه، فان كان له داران في زقاقين غير نافذين، وظهر كل واحدة من الدارين إلى الاخرى، فأنفذ احدى الدارين إلى الاخرى ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز، لانه يجعل الزقاقين نافذين، ولانه يجعل لنفسه الاستطراق من كل واحد من الزقاقين إلى الدار التى ليست فيه، ويثبت لاهل كل واحد من الزقاقين الشفعة في دور الزقاق الآخر على قول من يوجب الشفعة بالطريق (والثانى) يجوز، وهو اختيار شيخنا القاضى رحمه الله، لان له أن يزيل الحاجز بين الدارين، ويجعلهما دارا واحدة، ويترك البابين على حالهما، فجاز أن ينفذ احداهما إلى الاخرى. (الشرح) الاحكام: إذا كان لرجل دار في زقاق غير نافذ وظهر الدار إلى شارع عام فأراد أن يفتح بابا في ظهر بيته إلى الشارع فإن فتحه وسد الباب الذى في الزقاق جاز له ذلك قولا واحدا، أما إذا أبقى الباب الذى في الزقاق نظرت فإذا جعله لاستطراق المارة من الشارع إلى الزقاق لم يجز له ذلك، لان الدرب مملوك لاهله لا يعبر أحد أجنبي من زقاقهم، فإذا استأذن أصحاب الزقاق وقال لهم أفتحه ولا أجعله طريقا، بل أجعل بابى ذا أقفال وترابيس لا يمر فيه الا أهل بيتى وضيفاني ففيه وجهان. (أحدهما) يجوز، لانه إذا جاز أن يهدم الحائط جاز له أن يهدم بعضه. (والثانى) لا يجوز، لان الباب ثغرة يمكن أن يستدل منها المارة على الاستطراق إلى الزقاق فمنع منه. وقال الحنابلة: يجوز له ذلك قولا واحدا، ولانه يرتفق بما لم يتعين ملك أحد عليه وعلى القول بالجواز ان قيل: في هذا اضرار بأهل الدرب، لانه يجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع (قلنا) لا يصير نافذا، وانما تصير داره نافذة، وليس لاحد استطراق داره، فاما ان كان باب داره إلى الشارع، وليس له باب إلى الدرب فأراد أن يفتح بابا في ظهر داره إلى الزقاق للاستطراق لم يكن له ذلك،

لانه ليس له حق في الدرب الذى قد تعين ملك أربابه، ويحتمل الجواز كما ذكرنا في الوجه الذى تقدم. (فرع) إذا أراد أن يفتح إلى الدرب كوة أو شباكا لم يمنع منه، لانه يتصرف في ملكه، وربما أراد ذلك للهواء أو النور أو الشمس. (فرع) فإن كان لرجل داران وباب كل واحدة منهما إلى زقاق غير نافذ وظهر كل واحدة منهما إلى ظهر الاخرى، فإن أراد صاحب الدارين رفع الحائط بينهما وجعلهما دارا واحدة جاز، وإن أراد أن يفتح من أحدهما بابا إلى الاخرى ليدخل من كل واحدة من الدارين إلى الاخرى، ويدخل من كل واحدة من الدارين ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا أنه لا يجوز، لانه يجعل لكل واحدة من الدارين طريقا من كل واحدة من الدارين، ويجعل الدار كالدرب الواحد، ولانه يثبت الشفعة لكل واحد من الدربين لاهل الدرب الآخر في قول من يثبت الشفعة في الدار لاشتراكهما في الطريق، وهذا لا يجوز. وقال القاضى أبو الطيب: يجوز، لانه يجوز له أن يرفع الحائط كله، فجاز له أن يفتح فيه بابا. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا كان لداره باب في وسط درب لا ينفذ، فأراد أن ينقل الباب نظرت فإن أراد نقله إلى أول الدرب جاز له لانه يترك بعض حقه من الاستطراق وإن أراد أن ينقله إلى آخر الدرب ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز، لانه يريد أن أن يجعل لنفسه حق الاستطراق في موضع لم يكن له (والثانى) يجوز، لان حقه ثابت في جميع الدرب، ولهذا لو أرادوا قسمته كان له حق في جميعه، فإن كان بابه في آخر الدرب وأراد أن ينقل الباب إلى وسطه، ويجعل إلى عند الباب دهليزا - إن قلنا: ان من بابه في وسط الدرب - يجوز أن يؤخره إلى آخر الدرب، لم يجز لهذا أن يقدمه، لانه مشترك بين الجميع، فلا يجوز أن يختص به، وان قلنا: لا يجوز جاز لهذا أن يقدمه لانه يختص به.

(الشرح) الاحكام: إذا كان لرجلين داران في زقاق غير نافذ وباب دار أحدهما قريب من أول الدرب، ولداره فناء يمتد إلى آخر الدرب، وباب دار الآخر في وسط الدرب، فان أراد من باب داره قريب من أول الدرب أن يقدم بابه إلى أول الدرب جاز لانه يترك بعض ما كان له من استحقاق، وإن أراد أن يؤخر بابه إلى داخل الدرب الذى له فناء داره هناك ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لان فناء داره يمتد فكان له تأخير بابه إلى هناك، ولان له يدا في الدرب، فكان الجميع في يدهما (والثانى) ليس له ذلك وهو الصحيح، لانه يريد أن يجعل لنفسه الاستطراق في موضع لم يكن له وإن أراد من باب داره في وسط الدرب أن يقدم بابه. قال الشيخ أبو حامد فان أراد أن يقدمه إلى الموضع الذى لا فناء لصاحبه فيه كان له ذلك وجها واحدا وإن أراد أن يقدمه إلى الموضع الذى لصاحبه هناك فناء فهل له ذلك؟ يبنى على الوجهين الاولين. فإن قلنا ليس لمن باب داره في أول الدرب أن يؤخر بابه فلمن باب داره في وسط الدرب أن يقدم بابه وهو الصحيح. وإن قلنا لمن باب داره في أول الدرب أن يؤخر بابه إلى وسط الدرب، فليس لمن باب داره في وسط الدرب أن يقدم بابه إلى فناء دار جاره وقال ابن الصباغ: ينبغى له أن يقدم بابه في فنائه إلى فناء صاحبه وجها واحدا لانه انما يفتح الباب في فناء نفسه، ولا حق له فيما جاوز ذلك وقال أصحاب أحمد: إذا كان لرجلين بابان في زقاق غير نافذ أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر في داخله، فللقريب من الباب نقل بابه إلى ما يلى باب الزقاق، لان له الاستطراق إلى بابه القديم، فقد نقص من استطراقه، ومتى أراد رد بابه إلى موضعه الاول جاز لان حقه لم يسقط، وإن أراد نقل بابه تلقاء صدر الزقاق لم يكن له ذلك. قال ابن قدامة نص عليه أحمد اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا كان بين رجلين حائط مشترك فانهدم، فدعا أحدهما صاحبه إلى العمارة وامتنع الآخر، ففيه قولان، قال في القديم يجبر لانه إنفاق على

مشترك يزول به الضرر عنه وعن شريكه فأجبر عليه كالانفاق على العبد. وقال في الجديد: لا يجبر لانه إنفاق على ملك لو انفرد به لم يجب، فإذا اشتركا لم يجب كزراعة الارض. فإن قلنا بقوله القديم أجبر الحاكم الممتنع على الانفاق، فان لم يفعل وله مال باعه وأنفق عليه، فإن لم يكن له مال اقترض عليه وأنفق عليه، فإذا بنى الحائط كان بينهما كما كان. ومن له رسم خشب أو غيره أعاده كما كان. وإن أراد الشريك أن يبنيه لم يمنع منه، لانه يعيد رسما في ملك مشترك فلم يمنع منه، كما لو كان على الحائط رسم خشب فوقع، فإن بنى الحائط من غير إذن الحاكم نظرت فإن بناه بآلته ونقضه معا عاد الحائط بينهما كما كان برسومه وحقوقه لان الحائط عاد بعينه وليس للبانى فيه إلا أثر في تأليفه، وإن بناه بغير آلته كان الحائط للبانى، لا يجوز لشريكه أن ينتفع من غير اذنه، فإن أراد البانى نقضه كان له ذلك لانه ملكه لا حق لغيره فيه فجاز له نقضه، فان قال له الممتنع لا تنقض وأنا أعطيك نصف القيمة لم يجز له نقضه، لان على هذا القول يجبر على البناء. فإذا بناه أحدهما وبذل له الآخر نصف القيمة وجب تبقينه وأجبر عليه، كما أجبر على البناء. وإن قلنا بقوله الجديد فأراد الشريك أن يبنيه لم يمنع، لانه يعيد رسما في ملك مشترك وهو عرصة الحائط فلم يمنع منه، فان بناه بآلته فهو بينهما، ولكل واحد منهما أن ينتفع به ويعيد ماله من رسم خشب. وان بناه بآلة أخرى فالحائط له، وله أن يمنع الشريك من الانتفاع به، وان أراد نقضه كان له، لانه لا حق لغيره فيه. فان قال له الشريك لا تنقضه وأنا أعطيك نصف القيمة لم يمنع من نقضه، لان على هذا القول لو امتنع من البناء في الابتداء لم يجبر. فإذا بناه لم يجبر على تبقيته. وان قال: قد كان لى عليه رسم خشب وأعطيك نصف القيمة وأعيد رسم الخشب، قلنا للبانى: اما أن تمكنه من اعادة رسمه وتأخذ نصف القيمة. واما أن تنقضه ليبنى معك، لان القرار مشترك بينهما، فلا يجوز أن يعيد رسمه، ويسقط حق شريكه.

(الشرح) الاحكام: إذا كان بينهما حائط مشترك فانهدم أو هدماه، فدعا أحدهما إلى بنائه وامتنع الآخر، فهل يجبر الممتنع؟ فيه قولان. هكذا لو كان بينهما نهر عظيم، أو بئر فاجتمع فيه الطين، فهل يجبر الممتنع من كسحها على ذلك؟ فيه قولان. وقال أبو حنيفة: لا يجبر الممتنع على بناء الحائط، ويجبر على كسح النهر والبئر. وقال أحمد لا يجبر على البناء لانه إذا كان الممتنع مالكه لم يجبر على البناء في ملكه المختص به، وإن كان الممتنع الآخر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه. وقال مالك وأبو ثور: وأحد القولين عندنا يجبر قال العمرانى في البيان: وعندنا الجميع على قولين - وهو يعنى بالجميع الحائط والبئر والنهر في البناء وكسح الطين قال في القديم: يجبر الممتنع منهما. وبه قال مالك رحمه الله تعالى. واختاره ابن الصباغ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فإذا لم يجبر الممتنع أضررنا بشريكه، ولانه إنفاق على ملك مشترك لازالة الضرر فأجبر الممتنع منهما، كالانفاق على الحيوان المشترك. وقال في الجديد: لا يجبر الممتنع، لانه إنفاق على ملك لو انفرد بملكه لم يجبر عليه، فإذا كان مشاركا لغيره لم يجبر عليه، كما لو كان بينهما براح من الارض لا بناء عليه فدعا أحدهما الآخر إلى البناء فامتنع فانه لا يجبر، وعكس ذلك البهيمة والعبد المشتركين، لما لزم صاحبه الانفاق عليه عند الانفراد بملكه أجبر على الانفاق عليه إذا شارك غيره. وأما الخبر فلا حجة فيه، لانا لو أجبرنا الشريك لاضررنا به، والضرر لا يزال بالضرر، فإذا قلنا بقوله القديم فطالب الشريك شريكه بالبناء لزمه الانفاق معه بقسط ما يملك من الحائط، فان امتنع أجبره الحاكم، فإن كان له مال أخذ الحاكم منه وأنفق عليه ما يخصه، وإن كان معسرا اقترض له الحاكم من الشريك أو من غيره. وإن بناه الشريك بإذن الحاكم أو بإذن الممتنع كان الحائط ملكا بينهما كما كان

ويرجع الذى بناه على شريكه بحصته من النفقة، وان بناه بغير اذن شريكه لا ان الحاكم لم يرجع بما أنفق، لانه متطوع بالانفاق، ثم ينظر فان بنى الحائط بآلته ومادته الاولى كان ملكا بينهما كما كان، لان المنفق انما أنفق على التأليف، وذلك أثر لا عين يملكها. وان أراد الذى بناه نقضه لم يكن له ذلك لان الحائط ملك لهما، وان بنى له بآلة أخرى كان الحائط للذى بناه، وله أن يمنع شريكه من الارتفاق به، فان أراد الذى بناه نقضه كان له ذلك لانه منفرد بملكه وان قال له الممتنع لا تنقض وأنا أدفع ما يخصنى من النفقة أجبر الذى بناه على التبقية، لانه لما أجبر الشريك على البناء أجبر الذى بنى على التبقية ببذل النفقة وان كان بينهما نهر أو بئر وأنفق أحدهما بغير اذن شريكه أو اذن الحاكم فانه لا يرجع بما أنفق، وليس له أن يمنع شريكه من نصيبه من الماء، لان الماء ينبع في ملكيهما، وليس له الا نقل الطين، وذلك أثر لا عين بخلاف الحائط. وان قلنا بقوله الجديد لم يجبر الممتنع منهما. فان أراد أحدهما بناءه لم يكن للآخر منعه من ذلك لانه يزول به الضرر عن الثاني، فان بناه بآلته كان الحائط ملكا لهما كما كان، فلو أراد الذى بناه أن ينقضه لم يكن له ذلك لان الحائط ملكهما، فهو كما لو لم ينفرد ببنائه. وان بناه بآلة له فهو ملك الذى بناه وله أن يمنع شريكه من الارتفاق به. فان أراد الذى بناه أن ينقضه كان له ذلك لانه ملك له ينفرد به، فان قال له الممتنع: لا تنقض وأنا أدفع اليك ما يخصنى من النفقة لم يجبر الذى بنى على التبقية لانه لما لم يجبر على البناء في الابتداء لم يجبر على التبقية في الانتهاء فإن طالب الشريك الممتنع بنقضه لم يكن له ذلك الا أن يكون له خشب فيقول له اما أن تأخذ منى ما يخصنى من النفقة وتمكنني من وضع خشبي أو تقلع حائطك لنبنيه جميعا فيكون له ذلك لانه ليس للذى بناه ابطال رسوم شريكه، هذا إذا انهدم أو هدماه من غير شرط البناء. فأما إذا هدماه على أن يبنيه أحدهما، أو هدمه أحدهما متعديا. قال الشافعي رضى الله عنه أجبرته على البناء واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال هي على قولين، كما لو هدماه من غير شرط

والذى نص عليه الشافعي رضى الله عنه إنما هو على القول القديم، وهو اختيار المحاملى، لان الحائط لا يضمن بالمثل، ومنهم من قال يجبر قولا واحدا. قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ في الجديد، ولانه هدمه بهذا الشرط فلزمه الوفاء به. (فرع) وإن كان الحائط بينهما نصفين فهدماه أو انهدم ثم اصطلحا على أن يبنياه وينفقا عليه بالسوية ويكون لاحدهما ثلث الحائط وللآخر ثلثاه، ويحمل عليه كل واحد منهما ما شاء فلا يصح هذا الصلح، لان الصلح هو أن يترك بعض حقه بعوض. وههنا قد ترك أحدهما لصاحبه سدس الحائط بغير عوض فلم يصح كما لو ادعى على رجل دارا فأقر له بها ثم صالحه المدعى منها على سكناها فلا يصح لانه ملكه الدار والمنفعة، ثم مصالحته على منفعتها ترك حق له بلا عوض كذلك ههنا مثله، ولان هذا شرط فاسد، لان كل واحد منهما شرط أن يحمل عليه ما شاء والحائط لا يحمل ما شاء فلم يصح، كما لو صالحه على أن يبنى على حائطة ما شاء فانه لا يصح لان ذلك مجهول. وإن اصطلحا على أن يبنيا وينفق عليه أحدهما ثلث النفقة، وينفق عليه الآخر ثلثى النفقة، ويحمل على الحائط خشبا معلومة، فقد قال الشيخ أبو حامد في دراسة أولى يصح الصالح، لانه لما زاد في الانفاق ترك الآخر بعض حقه بعوض. وقال في درسه مرة ثانية: لا يصح هذا الصلح لان النفقة التى تزيد على نفقة حقه مجهولة، والصلح على عوض مجهول لا يصح، ولانه صلح على ما ليس بموجود، لان الحائط وقت العقد معدوم اه قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان كان لاحدهما علو وللآخر سفل والسقف بينهما، فانهدم حيطان السفل لم يكن لصاحب السفل أن يجبر صاحب العلو على البناء قولا واحدا لان حيطان السفل لصاحب السفل فلا يجبر صاحب العلو على بنائه، وهل لصاحب العلو إجبار صاحب السفل على البناء؟ فيه قولان. فإن قلنا يجبر ألزمه الحاكم، فإن لم يفعل وله مال باع الحاكم عليه ماله وأنفق عليه. وإن لم يكن له مال اقترض

عليه، فإذا بنى الحائط كان الحائط ملكا لصاحب السفل لانه بنى له وتكون النفقة في ذمته ويعيد صاحب العلو غرفته عليه وتكون النفقة على الغرفة وحيطانها من ملك صاحب العلو دون صاحب السفل لانها ملكه لا حق لصاحب السفل فيه وأما السقف فهو بينهما وما ينفق عليه فهو من مالهما، فان تبرع صاحب العلو وبنى من غير اذن الحاكم لم يرجع صاحب العلو على صاحب السفل بشئ، ثم ينظر فإن كان قد بناها بآلتها كانت الحيطان لصاحب السفل لان الآلة كلها له وليس لصاحب العلو منعه من الانتفاع بها ولا يملك نقضها لانها لصاحب السفل وله أن يعيد حقه من الغرفة، وإن بناها بغير آلتها كانت الحيطان لصاحب العلو وليس لصاحب السفل أن ينتفع بها ولا أن يتد فيها وتدا ولا يفتح فيها كوة من غير إذن صاحب العلو، ولكن له أن يسكن في قرار السفل لان القرار له ولصاحب العلو أن ينقض ما بناه من الحيطان لانه لا حق لغيره فيها، فإن بذل صاحب السفل القيمه ليترك نقضها لم يلزمه قبولها، لانه لا يلزمه بناؤها قولا واحدا فلا يلزمه تبقيتها ببذل العوض. والله أعلم (الشرح) قوله " يتد " مثل يعد ويزن، وهو الفعل المسمى عند النحاة بالمثال تحذف فاء مضارعة. أما الاحكام: فإن كان حيطان العلو لرجل وحيطان السفل لآخر، والسقف بينهما فانهدم الجميع فليس لصاحب السفل أن يجبر صاحب العلو على البناء قولا واحدا، لان حيطان السفل لصاحب السفل فلا يجبر غيره على بنائها، وهل لصاحب العلو المطالبة بإجبار صاحب السفل على بناء السفل؟ على القولين في الحائط، فإن قلنا بقوله القديم أجبر الحاكم صاحب السفل على البناء، وان لم يكن له مال اقترض عليه من صاحب العلو ومن غيره وبنى له سقفه، وكان ذلك دينا في ذمته إلى أن يوسر. وهكذا إذا بنى صاحب العلو حيطان السفل باذن صاحب السفل أو باذن الحاكم جاز، وكانت حيطان السفل لصاحب السفل، ولصاحب العلو أن يرجع بما أنفقه على حيطان السفل على صاحب السفل، ثم يعيد علوه كما كان.

فان أراد صاحب العلو أن يبنى من غير إذن الحاكم وأذن صاحب السفل لم يمنع من ذلك لانه يستحق الحمل على حيطان السفل، ولا يرجع بما انفق عليها لانه متطوع، فان بنى السفل بآلته كان ملكا لصاحب السفل كما كان، ويرجع لصاحب العلو نقضها، ولكن يعيد علوه عليها. وإن بناه بآلة أخرى كانت الحيطان ملكا لصاحب العلو، وليس لصاحب السفل أن يضع عليها شيئا، ولا يتد فيها وتدا، ولكن له أن يسكن في قرار السفل، لان ذلك قرار ملكه، فان أراد صاحب العلو نقض ذلك كان له ذلك لانه له أن يسكن في قرار السفل، لان ذلك قرار ملكه، فان أراد صاحب العلو نقض ذلك كان له ذلك لانه ملكه فان بذل صاحب السفل ما أنفق ولا ينقض لم يجبر صاحب العلو على التبقية لانه لم يجبر على البناء في الابتداء فلم يجبر على التبقية في الانتهاء (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو ادعى على رجل بيتا في يده فاصطلحا بعد الاقرار على أن يكون لاحدهما سطحه، والبناء على جدرانه بناء معلوما فجائز، واختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة، فقال أبو العباس بن سريج وصورتها أن يدعى رجل على رجل دارا في يده علوها وسفلها فيقر له بها، ثم اصطلحا على أن يكون السفل والعلو للمقر له. ويبنى المقر على العلو بناء معلوما. فيصح الصلح، ويكون ذلك فرعا للعارية وليس بصلح معاوضة، لان صلح المعاوضة إسقاط بعض حقه بعوض، وهذا ترك بعض حقه بلا عوض، لانه ملك العلو والسفل بالاقرار، ثم ترك المقر له للمقر العلو بغير عوض فيكون عارية له الرجوع فيها قبل البناء، وليس له الرجوع بعد البناء، كما قال الشافعي رضى الله عنه: إذا ادعى على رجل دارا فأقر له بها ثم صالحه منها على سكناها فلا يكون صلحا وإنما يكون عارية ومنهم من قال صورتها أن يدعى رجل على رجل سفل بيت عليه علو ويقر أن العلو للمدعى، فيقر المدعى عليه للمدعى بالسفل، ثم اصطلحا على أن يكون السفل للمدعى عليه، على أن المدعى يبنى على العلو غرفة معلومة البناء فيصح

قال الشيخ أبو حامد الاسفراينى: وهذا أصح التأويلين، وقال ابن الصباغ: الاول أشبه بكلام الشافعي رحمه الله تعالى. (مسألة ثانية) إذا ادعى رجل دارا في يد رجلين فأقر له أحدهما بنصفها، وانكر الآخر وحلف له. فصالح المقر للمدعى عن نصف الدار على عوض وصار ذلك النصف للمقر، فهل لشريكه المنكر أن يأخذ ذلك بالشفعة؟ قال الشيخ أبو حامد: إن كان ملكا بجهتين مختلفتين، مثل أن كان أحدهما ورث ما بيده والآخر ابتاع ما بيده، فللشريك المنكر الشفعة، لان الجهتين إذا اختلفتا أمكن أن يكون نصيب أحدهما مستحقا، فيدعيه صاحبه فيعطيه ثم يملكه بالصلح فتثبت فيه الشفعة. وإن اتفقت جهة الملك لهما بالارث مثلا أو الابتياع. ففيه وجهان (أحدهما) ليس للمنكر الاخذ بالشفعة، لانه يقر بأن أخاه أقر بنصف الدار بغير حق ولم يملكه بالصلح. وهذا يمنعه من المطالبة بالشفعة (والثانى) له المطالبة بالشفعة وهو الصحيح، لانه قد حكم بنصفها للمقر له وحكم بأنه انتقل إلى المقر له بالصلح، مع أنه يحتمل أن يكون قد انتقل إليه نصيب المقر من غير أن يعلم الآخر. وأما ترتيب ابن الصباغ فيها فقال: إن كان إنكار المنكر مطلقا، كأن أنكر ما ادعاه فله الاخذ بالشفعة. وان قال: هذه الدار لنا ورثناها عن أبينا، فهل له الاخذ بالشفعة؟ فيه وجهان (مسألة ثالثة) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا أقر أحد الورثة في دار في أيديهم بحق لرجل ثم صالحه منه على شئ بعينه فالصلح جائز، والوارث المقر متطوع ولا يرجع على إخوته بشئ، واختلف أصحابنا في صورتها، فمنهم من قال: صورتها أن يدعى رجل على جماعة ورثة لرجل دارا في أيديهم كان أبوهم قد غصبه إياها فأقر له أحدهم بذلك وقال صدقت في دعواك وقد وكلنى شركائي على مصالحتك بشئ معلوم، فحكم هذا في حق شركائه حكم الأجنبي إذا صالح عن المدعى عليه عينا مع الانكار، على ما مضى بيانه وقال أبو على الطبري: تأويلها أن يدعى رجل على جماعة ورثة دينا على

مورثهم، وأن هذه الدار رهن عنده بالدين، فيقر له أحدهم بصحة دعواه ويصالحه عن ذلك بشئ، فحكمه حكم الأجنبي إذا صالح عن المدعى عليه بالدين مع إنكاره، قال لان الشافعي رحمه الله قال: وأقر أحد الورثة في دار في أيديهم بحق. ولو أقر بالدار يقال: أقر بالدار، وإنما أراد رهن الدار، وأيهما كان فقد مضى حكمه. قال الشيخ أبو حامد: والتأويل الاول أصح، وقد بين الشافعي رحمه الله ذلك في الام. (مسألة رابعة) قال الشافعي في الام: ولو ادعى رجل على رجل زرعا في الارض فصالحه من ذلك على دراهم فجائز، وهذا كما قال: إذا ادعى رجل على رجل زرعا في أرض فأقر له به فصالحه منع بعوض، فان كان بشرط القطع صح الصلح، وإن كانت الارض للمقر كان له تبقية الزرع، لان الزرع له، والارض له. فان قيل هلا كان للمدعى إجباره على القطع، لان له عوضا في ذلك، وهو أنه ربما أصابته جائحة فرفعه إلى الحاكم، يرى إيجاب وضع الجوائح فيضمنه ذلك؟ قال ابن الصباغ: فالجواب أن ذلك إنما يكون إذا لم يشرط القطع. فأما مع شرط القطع فلا يضمن البائع الجوائح، وان صالحه من غير شرط القطع، فان كانت الارض لغير المقر لم يصح الصلح، وان كانت الارض للمقر فهل يصح الصلح؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في البيع وان كان الزرع بين رجلين، فادعى عليهما رجل به فأقر له أحدهما بنصفه وصالحه منه على عوض، فان كانت الارض لغير المقر لم يصح، سواء كان مطلقا أو بشرط القطع، لانه ان كان مطلقا فلا يصح لانه زرع أخضر فلا يصح بيعه من غير شرط القطع، وان كان شرط القطع لم يصح أيضا لان نصيبه لم يتميز عن نصيب شريكه، ولا يجبر شريكه على قلع زرعه، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ، وقد مضى ذكر أقوالهما في البيوع وذكر القاضى أبو الطيب أن ذلك يبنى على القولين في القسمة، هل هي بيع أو اقرار حق؟ وان كانت الارض للمقر - فان قلنا من اشترى زرعا في أرضه

يصح من غير شرط القطع صح الصلح ههنا، وان قلنا لا يصح أن يشترى زرعا في أرضه الا بشرط القطع لم يصح ههنا (فرع) قال ابن الصباغ: وان ادعى على رجل زرعا في أرضه فأقر له بنصفه ثم صالحه منه على نصفه على نصف الارض لم يجز، لان من شرط بيع الزرع قطعه. وذلك لا يمكن في المشاع، وان صالحه منه عى جميع الارض بشرط القطع على أن يسلم إليه الارض فارغة صح، لان قطع جميع الزرع واجب نصفه بحكم الصلح والباقى لتفريغ الارض فأمكن القطع وجرى مجرى من اشترى أرضا فيها زرع وشرط تفريغ الارض فانه يجوز، كذلك ههنا وان أقر له بجميع الزرع وصالحه من نصفه على نصف الارض ليكون الزرع والارض بينهما نصفين، وشرط القطع في الجميع، فان كان الزرع زرع في الارض بغير حق جاز الصلح لان الزرع يجب قطع جميعه، وان كان الزرع زرع لحق لم يصح الصلح، لانه لا يمكن قطع الجميع وذكر الشيخ أبو حامد الاسفراينى في التعليق أن أصحابنا قالوا: إذا كان له زرع أرض غيره فصالح صاحب الزرع صاحب الارض من نصف الزرع على نصف الارض بشرط القطع جاز، لان نصف الزرع قد استحق قطعه بالشرط، والنصف الاخر قد استحق أيضا قطعه لانه يحتاج إلى تفريغ الارض ليسلها فوجب أن يجوز. قال وهذا ضعيف. أما النصف فقد استحق قطعه. وأما النصف الاخر فلا يحتاج إلى قطعه. لانه يمكن تسليم الارض وفيها زرع قال ابن الصباغ: ولان باقى الزرع ليس يمنع فلا يصح شرط قطعه في العقد، ويفارق ما ذكرناه إذا أقر بنصف الزرع وصالحه على جميع الارض، لانه بشرط تفريغ المبيع، والله أعلم وبه التوفيق ومنه العون سبحانه

كتاب الحوالة

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الحوالة تجوز الحوالة بالدين، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مطل الغنى ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع " (الشرح) الحول: الحيلة أو القوة أو السنة، وحال الغلام وحالت الدار أتى عليها الحول. وحالت القوس اعوجت، وحال اللون تغير. والحال: الطين. والتحول التنقل والاسم الحول، ومنه قوله تعالى (لا يبغون عنها حولا) وذكر الازهرى عن الزجاج أن الحول مصدر كالصغر، وأحال الرجل أتى بالمحال، وأحال عليه بدينه، والاسم الحوالة بفتح الحاء، المحالة في قولهم: لا محالة. أي لابد. والملئ: الغنى الواسع الثراء، ومن هنا تكون الحوالة نقل حق من ذمة إلى ذمة من قولهم: حولت الشئ من موضع إلى موضع إذا نقله إليه. أما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه باللفظ الذى ساقه المصنف، ورواه أحمد بلفظ " مطل الغنى ظلم، ومن أحيل على ملئ فليحتل " وعند ابن ماجه من حديث ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مطل الغنى ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه " وإسناده: حدثنا اسماعيل بن توبة ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر. واسماعيل بن توبة قال ابن أبى حاتم صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح. وقد أخرجه الترمذي وأحمد أيضا والحوالة لا تتم إلا بثلاثة أنفس، محيل. وهو من يحيل بما عليه، ومحتال. وهو من يحتال بما له من الحق، ومحال عليه، وهو من ينتقل حق المحتال إليه. واختلفوا هل هي بيع دين بدين، ورخص فيه فاستثنى عن بيع الدين بالدين. أو هي استيفاء. وقيل هي عقد إرفاق مستقبل، ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف. والمحتال عند الاكثر، والمحال عليه عند بعض، ويشترط أيضا تماثل التقدير

في الصفات وأن يكون في شئ معلوم، ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لانها بيع طعام قبل أن يستوفى. قوله " مطل الغنى " الجمهور على أنه من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمعنى أنه يحرم على الغنى القادر أن يمطل صاحب الدين، بخلاف العاجز. وقيل هو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي يجب على المستدين أن يوفى صاحب الدين. ولو كان المستحق للدين غنيا فإن مطله ظلم، فكيف إذا كان فقيرا، فإنه يكون ظلما بالاولى، ولا يخفى بعد هذا. كما قال الحافظ بن حجر والمطل في الاصل المد. وقال الازهرى: المدافعة قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر. قوله " وإذا أتبع " بهمز القطع وإسكان التاء المثناة الفوقية على البناء للمجهول قال الامام النووي: هذا هو المشهور في الرواية واللغة. وقال القرطبى: أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع. وأما فليتبع فالاكثر على التخفيف. وقيده بعضهم بالتشديد، والاول أجود، وتعقب الحافظ ما ادعاه من الاتفاق. يقول الخطابى: إن أكثر المحدثين يقولونه. يعنى اتبع بتشديد التاء والصواب التخفيف. والمعنى إذا أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الاخرى قوله " على ملئ " قيل هو بالهمز، وقيل بغير همز، ويدل على ذلك قول الكرماني: الملئ كالغنئ لفظا ومعنى وقال الخطابى: إنه في الاصل بالهمز. ومن رواه بتركها فقد سهله قوله " فاتبعه " قال الحافظ بن حجر: هذا بتشديد التاء بلا خلاف (قلت) وحديث أبى هريرة وحديث ابن عمر يدلان على أنه يجب على من أحيل بحقه على ملئ أن يحتال، والى هذا ذهب أهل الظاهر وأكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير، وحمله الجمهور على الاستحباب. قال ابن حجر: ووهم من نقل فيه الاجماع. وقد اختلف في المطل من الغنى هل هو كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق، واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؟ وهل تعتبر

الطلب من المستحق أم لا؟ قال في فتح الباري: وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذى عليه حاضرا عنده، لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا؟ قولان عندنا (أولهما) عدم الوجوب (والثانى) الوجوب مطلقا، وفصل أصحاب قول ثالث بين أن يكون أصل الدين بسبب يعصى به فيجب وإلا فلا. قال الشوكاني: والظاهر الاول لان القادر على التكسب ليس بملئ، والوجوب إنما هو عليه فقط، لان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا تجوز إلا على دين يجوز بيعه، كعوض القرض، وبدل المتلف، فأما مالا يجوز بيعه كدين السلم ومال الكتابة فلا تجوز الحوالة به، لان الحوالة بيع في الحقيقة، لان المحتال يبيع ماله في ذمة المحيل بما له في ذمة المحال عليه، والمحيل يبيع ماله في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين، فلا يجوز إلا فيما يجوز بيعه. (الشرح) الاحكام: تجوز الحوالة بعوض القرض وبدل المتلف، لانه حق ثابت مستقر في الذمة، فجازت الحوالة به كبيعه قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: وتجوز الحوالة بثمن المبيع لانه دين مستقر. وهل تجوز الحوالة بالثمن في مدة الخيار؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) وهو قول القاضى أبى حامد: لا تصح الحوالة به لانه ليس بثابت. (والثانى) يصح لانه يؤول إلى اللزوم ولا تجوز الحوالة بالمبيع لانه غير مستقر، لانه قد يتلف قبل القبض فيبطل البيع فيه. (فرع) ولا تجوز الحوالة بدين السلم ولا عليه، لان دين السلم غير مستقر لانه يعرضه للفسخ انقطاع المسلم فيه، ولا تصح الحوالة به لانها لم تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه والسلم لا يجوز أخذ العوض عنه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره " وأما المكاتب إذا حصلت عليه ديون لغير سيده من المعاملة، وله ديون جاز

أن يحيل بعض غرمائه على بعض، وجاز لغرمائه أن يحيلوا عليه بما لهم في ذمته. لان الحق ثابت في ذمته. وأما ما في ذمته من مال الكتابة فلا يجوز لسيده أن يحيل به عليه، لانه غير مستقر، لان له أن يعجز نفسه متى شاء، فلا معنى للحوالة به، وإن أراد المكاتب أن يحيل سيده بمال الكتابة الذى عليه على غريم للمكاتب قال ابن الصباغ صحت الحوالة. (قلت) وقد قال أصحاب أحمد كقولنا في كل ما ذكرنا وفى الدين على المكاتب وله حكمه حكم الاحرار، وكذلك ما في ذمته من مال الكتابة له أن يحيل سيده على غرمائه وتبرأ ذمته من مال الكتابة بهذه الحوالة، ويكون ذلك بمنزلة القبض، ولا يصح لسيده أن يحيل مال الكتابة إلى غرمائه لانه يستطيع أن يعجز نفسه. واشترط صاحب المجموع أن يكون النجم قد حل لانه بمنزلة أن يقضيه ذلك من يده، وان كان لسيده عليه مال من جهة المعاملة فهل يجوز للسيد أن يحيل غريما له عليه، فيه وجهان حكاهما الطبري (أحدهما) يصح. ولم يذكر ابن الصباغ غيره، لانه دين لازم (والثانى) لا يصح لانه قد يعجز نفسه فيسقط ما في ذمته لنفسه من دين المعاملة وغيرها، لان السيد لا يثبت له مال على العبد قال الصيمري: وان أحاله رجل على عبده - فإن كان مأذونا في التجارة - جاز، وان كان غير مأذون ففيه وجهان، الاصح لا تصح الحوالة (فرع) إذا أحالت المرأة على زوجها بصداقها قبل الدخول لم يصح لانه دين غير مستقر، وان أحالها الزوج به صح، لانه له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه، وان أحالت به بعد الدخول صح لانه مستقر قال المصنف رحمه الله: (فصل) واختلف أصحابنا في جنس المال الذى تجوز به الحوالة، فمنهم من قال لا تجوز الا بما له مثل، كالاثمان والحبوب وما أشبهها، لان القصد بالحوالة اتصال الغريم إلى حقه على الوفاء من غير زيادة ولا نقصان، ولا يمكنه ذلك الا فيما له مثل، فوجب أن لا يجوز فيما سواه، ومنهم من قال تجوز في كل ما يثبت

في الذمة بعقد السلم كالثياب والحيوان، لانه مال ثابت في الذمة يجوز بيعه قبل القبض، فجازت الحوالة به كذوات الامثال. (فصل) ولا تجوز الا بمال معلوم، لانا بينا أنه بيع فلا تجوز في مجهول واختلف أصحابنا في ابل الدية، فمنهم من قال لا تجوز. وهو الصحيح لانه مجهول الصفة فلم تجز الحوالة به كغيره. ومنهم من قال تجوز لانه معلوم العدد والسن فجازت الحوالة به. (الشرح) الاحكام: تجوز الحوالة بالدراهم والدنانير وبما له مثل كالطعام والادهان، وما استحدث في عصرنا هذا من صناعات بخارية وكهربية كالسيارة والثلاجة والغسالة والمرناة (التلفزيون) والمذياع بشرط أن تكون جديدة محددة الصفات حتى تتحق المثلية، فإذا كانت مستعملة وأمكن تحديد الهرش من حيث زمن الاستعمال وقدر الهرش وضبطه ووجد المثيل بشهادة الخبير الامين من غير زيادة أو نقصان جازت الحوالة، لان القصد بالحوالة ايفاء الغريم حقه من غير زيادة ولا نقصان، وذلك يحصل بما ذكرناه. وهل تصح الحوالة بما لا مثل له مما يضبط بالصفة كالثياب والحيوان والعروض التى يصح السلم عليها؟ فيه وجهان (أحدهما) يصح، لانه مال ثابت في الذمة مستقر فصحت الحوالة به، كالدراهم والدنانير (والثانى) لا يصح، لان المثل فيه لا ينحصر، ولهذا لا يضمن بمثله في الاتلاف. فإذا قلنا بهذا لم تجز الحوالة بإبل الدية، وإذا قلنا بالاول فهل تصح الحوالة بإبل الدية. فيه وجهان مخرجان من القولين للشافعي رضى الله عنه: إذا جنت امرأة على رجل موضحة فتزوجها على خمس من الابل في ذمتها له أرش جنايتها عليه. وكذلك قال في الصلح: إذا كان له في ذمته أرش جناية خمس من الابل فصالح عنها، فهل يصح. فيه قولان (أحدهما) يصح لانه دين مستقر في الذمة معلوم العدد والسن. (والثانى) لا يصح وهو الصحيح، لانها مجهولة الصفة، لا يتعين على من وجبت عليه أن يسلمها بخصوصها

وقال أصحاب أحمد لا تصح الحوالة فيما لا يصح السلم فيه، لانه لا يثبت في الذمة، ومن شرط الحوالة تساوى الدينين، فأما ما يثبت في الذمة سلما غير المثليات كالمذروع والمعدود، ففى صحة الحوالة به وجهان (أحدهما) لا تصح لان المثل فيه لا يتحرر، ولهذا لا يضمنه بمثله في حالة الاتلاف (الثاني) تصح، ذكره القاضى من الحنابلة قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا تجوز الا أن يكون الحقان متساويين في الصفة والحلول والتأجيل، فإن اختلفا في شئ من ذلك لم تصح الحوالة، لان الحوالة ارفاق كالقرض، فلو جوزنا مع الاختلاف صار المطلوب منه طلب الفضل، فتخرج عن موضوعها، فان كان لرجل على رجلين ألف على كل واحد منهما خمسمائة، وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه خمسمائة، فأحال عليهما رجلا له عليه ألف، على أن يطالب من شاء منهما بألف، ففيه وجهان (أحدهما) تصح، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله، لانه لا يأخذ الا قدر حقه. (والثانى) لا تصح، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب رحمه الله، لانه يستفيد بالحوالة زيادة في المطالبة، وذلك لا يجوز، ولان الحوالة بيع فإذا خيرناه بين الرجلين صار كما لو قال " بعتك أحد هذين العبدين " (الشرح) ولا تصح الحوالة الا ان كان الحقان من جنس واحد، فإن كان عليه لرجل دنانير فأحاله بها على رجل له عليه دراهم، أو حال من له عليه حنطة على من له شعير أو ذرة لم تصح الحوالة، لان موضوع الحوالة أنها لا تفتقر إلى رضى المحال عليه، فلو صححناها بغير جنس الحق لاشترط فيها رضاه، لانه لا يجبر على تسليم غير الجنس الذى عليه، ولان الحوالة تجرى مجرى المقاصة، لان المحبل سقط ما في ذمته بما له في ذمة المحال عليه، ثم المقاصة لا تصح من جنس بجنس آخر وكذلك الحوالة، ولا تصح الحوالة الا ان كان الحقان من نوع

واحد لما ذكرناه في الجنس. فإن كان له على رجل ألف صحاح، فأحاله بها على من له عليه ألف مكسرة، أو كان بالعكس من ذلك لم تصح الحوالة، لان الحوالة في الحقيقة بيع دين بدين، وبيع الدراهم بالدراهم صرف من شرطه القبض في المجلس إلا ان جوزنا تأخير القبض في الحوالة، لانه عقد إرفاق معروف، فإذا دخل فيه الفضل صار بيعا وتجارة، وبيع الدين بالدين لا يجوز. ألا ترى أن القرض في الحقيقة صرف، لانه يعطى درهم بدرهم، ولكن جوز تأخير القبض فيه لانه إرفاق. ولو قال أقرضتك هذه الدراهم المكسرة لتردها على صحاحا لم يصح. وكذلك هذا مثله. (فرع) وإن كان لرجل على رجلين ألف درهم كل واحد خمسمائة، وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه، فأحاله أحدهما على آخر بألف برئت ذمتهما مما له عليهما وإن أحال عليهما رجلا له عليه ألف ليأخذ من كل واحد منهما خمسمائة صح. وإن أحاله عليهما على أن يطالب من شاء منهما بالالف فهل تصح الحواله، فيه وجهان حكاهما أبو العباس بن سريج (أحدهما) تصح الحوالة، وهو اختيار الشيخ أبى حامد الاسفرايينى، لان المحتال لا يأخذ الا قدر حقه، لان الزيادة انما تكون في القدر أو الصفة، ألا ترى أنه يجوز أن يحيل على من هو أملا منه (والثانى) لا تصح الحوالة، وهو اختيار القاضى أبى الطيب لانه يستفيد بهذه الحوالة زيادة في المطالبة، لانه كان يطالب واحدا فصار يطالب اثنين، ولان الحوالة بيع فإذا كان الحق على اثنين كان المقبوض منه منهما مجهولا فلم يصح وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ولا تجوز الحوالة الا على من له عليه دين، لانا بينا أن الحوالة بيع ما في الذمة بما في الذمة، فإذا أحال من لا دين له عليه كان بيع معدوم فلم تصح. ومن أصحابنا من قال تصح إذا رضى المحال عليه، لانه تحمل دين يصح إذا كان عليه مثله فصح، وان لم يكن عليه مثله كالضمان فعلى هذا يطالب المحيل

بتخليصه، كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه، فإن قضاه بإذنه رجع على المحيل، وإن قضاه بغير إذنه لم يرجع. (الشرح) الاحكام: إذا كان لرجل على رجل حق فأحاله على من لا حق عليه: فإن لم يقبل المحال عليه الحوالة لم تصح الحوالة ولم يبرأ المحيل لانه لا يستحق شيئا على المحال عليه. وإن قبل المحال عليه الحوالة فهل تصح الحوالة فيه وجهان (أحدهما) لا تصح. وهو قول أكثر أصحابنا، وهو ظاهر كلام المزني لان الحوالة معاوضة، فإذا كان لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه لم يصح، كما لو اشترى شاة حية بشاة ميتة. ولانه لو أحال على من له عليه دين غير لازم أو غير مستقر أو مخالف لصفة دينه لم يصح، فلان لا تصح الحوالة على من لا دين له عليه أولى (والثانى) تصح الحوالة. وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، لان المحال عليه إذا قبل الحوالة صار كأنه قال لصاحب الحق أسقط عنه حقك وأبرئه وعلى عوضه. ولو قال ذلك للزمه لانه استدعى إتلاف ملك بعوض فكذلك هذا مثله فإذا قلنا بهذا فللمحال عليه أن يطالب المحيل بتخليصه، كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه. وإن قبض المحتال الحق من المحال عليه بإذن المحيل، ثم وهبه المحتال للمحال عليه فهل يرجع المحال عليه على المحيل بشئ، فيه وجهان (أحدهما) لا يرجع عليه بشئ، لانه لم يغرم شيئا، لان ما دفع إليه رجع إليه (والثانى) يرجع عليه وهو المذهب، لا أنه قد غرم، وإنما يرجع عليه بسبب آخر. وان كان عليه حق مؤجل فأحال به على رجل لا شئ له عليه، وقبل المحال عليه الحوالة - وقلنا تصح - فإن قضاه المحال عليه الحق في محله بإذن المحيل رجع عليه، وان قضاه قبل حلول الحق لم يرجع على المحيل قبل محل الدين، لانه متطوع بالتقديم فإن اختلف المحيل والمحال عليه فقال المحال عليه: أحلت على ولا حق لك على، فأنا أستحق الرجوع عليك لانى قضيت بإذنك، وقال المحيل: بل أحلت بحق لى عليك، فالقول قول المحال عليه مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته من الدين. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا تصح الحوالة من غير رضا المحتال، لانه نقل حق من ذمة إلى غيرها فلم يجز من غير رضا صاحب الحق، كما لو أراد أن يعطيه بالدين عينا، وهل تصح من غير رضا المحال عليه. ينظر فيه فإن كان على من لا حق له عليه وقلنا انه تصح الحواله على من لا حق له عليه لم تجز الا برضاه، وإن كان على من له عليه حق ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى واختيار المزني أنه لا تجوز الا برضاه لانه أحد من تتم به الحوالة فاعتبر رضاه في الحوالة كالمحتال (والثانى) وهو المذهب أنه تجوز، لانه تفويض قبض فلا يعتبر فيه رضى من عليه، كالتوكيل في قبضه، ويخالف المحتال فإن الحق له فلا ينقل بغير رضاه كالبائع، وههنا الحق عليه فلا يعتبر رضاه كالعبد في البيع (الشرح) الاحكام: اعتبار رضى المحتال، هو مذهبنا ومذهب مالك رضى الله عنه. وقال أحمد وأصحابه وداود وأهل الظاهر: لا يعتبر الرضا. قال الخرقى ومن أحيل بحقه على ملئ فواجب عليه أن يحتال وقال ابن قدامة، قال أحمد في تفسير الملئ " كان الملئ عنده أن يكون مليئا بماله " وقوله وبدنه ونحو هذا، فإذا أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ولم يعتبر رضاهما. وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما، لانها معاوضة فيقتضى الرضا من المتعاقدين. (قلت) ودليل أحمد وداود وأهل الظاهر قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أحيل على ملئ فليحتل " وهذا أمر، والامر يقتضى الوجوب أما دليلنا فان الحق قد تعلق بذمة المحيل فلا يملك نقله إلى غير ذمته بغير رضا من له الحق، كما لو تعلق بعين فليس له أن ينقله إلى عين أخرى بغير رضا من له الحق. وأما الحديث فمحمول على الاستحباب وأما المحيل فان البغداديين من أصحابنا قالوا يعتبر رضاه لان الحق عليه فلا يتعين عليه جهة قضائه، كما لو كان له دراهم في كيسه فليس لصاحب الحق أن يطالب باجباره على أن يقضيه حقه من كيس معين.

وأما الخراسانيون فقالوا: هل يعتبر رضا المحيل؟ فيه وجهان. وصورتها أن يقول المحتال عليه لرجل أحلتك على نفسي بالحق الذى لك على فلان، فإذا قال: قبلت، فهل يصح؟ على الوجهين بناء على الوجهين فيما لو قال: ضمنت عنه بشرط أن تبرئه. وعندي أن هذين الوجهين انما يتصوران في المحال عليه، إذا لم يكن عليه حق للمحيل - وقلنا: تصح الحوالة على من لا حق له عليه برضاه - فأما إذا كان عليه حق للمحيل فهل يعتبر في صحة الحوالة؟ فيه وجهان. أحدهما: وهو قول ابن القاص وأبى سعيد الخدرى وأبى سعيد الاصطخرى أن الحوالة لا تصح الا برضاه، وهو قول الزهري، لانه أحد من تتم به الحوالة فاعتبر رضاه كالمحيل والمحتال. والثانى: وهو المذهب أن الحوالة تصح من غير رضاه، لان المحيل أقام المحتال مقامه في القبض فلم يعتبر رضا من عليه الحق، كما لو وكل من له الحق وكيلا في القبض، فانه لا يعتبر رضا من عليه الحق. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا أحال بالدين انتقل الحق إلى المحال عليه، وبرئت ذمة المحيل لان الحواله اما أن تكون تحويل حق أو بيع حق، وأيهما كان وجب أن تبرأ به ذمة المحيل. (فصل) ولا يجوز شرط الخيار فيه، لانه لم يبن على المغابنة فلا يثبت فيه خيار الشرط، وفى خيار المجلس وجهان (أحدهما) يثبت لانه بيع فيثبت فيه خيار المجلس كالصلح (والثانى) لا يثبت، لانه يجرى مجرى الابراء، ولهذا لا يجوز بلفظ البيع، فلم يثبت فيه خيار المجلس. (الشرح) الاحكام: قال الشيخ أبو حامد. اختلف أصحابنا في الحوالة هل هي بيع أو رفق، على وجهين، فمنهم من قال. انها رفق لقوله صلى الله عليه وسلم " فإذا أحيل أحدكم على ملئ فليحتل " فندب إلى الحوالة والبيع مباح لا مندوب

إليه، وانما المندوب إليه الرفق لقوله صلى الله عليه وسلم في القرض " قرض درهم خير من صدقة " ولان الحوالة لو كانت بيعا لدخل فيها الفضل، ولما صحت بالدين ومنهم من قال. ان الحوالة بيع، لان البيع ضربان. ضرب بلفظ البيع فيدخله الربح والفضل والمغابنة. وضرب منه بغير بفظ البيع القصد منه الرفق فلا يدخله الفضل والمغابنة، ولا يقتضى التمليك كالبيع، لان المحيل يملك المحتال ماله في ذمة المحال عليه الا أنهما اختلفا في الاسم ليعرف به المطلوب من كل واحد منهما فإذا قلنا: انها رفق لم يدخلها خيار المجلس كالقرض. وإذا قلنا: انها بيع دخلها خيار المجلس في الصرف. وأما خيار الثلاث فلا يدخلها بالاجماع، وعندي أن الوجهين في الحوالة على من لا حق له عليه برضا المحال مأخوذان من هذا، فإذا قلنا. ان الحوالة رفق صحت، وان قلنا. انها بيع لم تصح. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أحاله على ملئ فأفلس أو جحد الحق وحلف عليه لم يرجع إلى المحيل، لانه انتقل حقه إلى مال يملك بيعه فسقط حقه من الرجوع، كما لو أخذ بالدين سلعة ثم تلفت بعد القبض، وان احاله على رجل بشرط أنه ملئ فبان أنه معسر فقد ذكر المزني أنه لا خيار له، وأنكر أبو العباس هذا. وقال له الخيار، لانه غيره بالشرط فثبت له الخيار، كما لو باعه عبدا بشرط أنه كاتب ثم بان أنه ليس بكاتب. وقال عامة أصحابنا. لا خيار له، لان الاعسار نقص، فلو ثبت به الخيار لثبت من غير شرط كالعيب في المبيع، ويخالف الكتابة، فان عدم الكتابة ليس بنقص، وانما هو عدم فضيلة، فاختلف الامر فيه بين أن يشرط وبين أن لا يشرط. (الشرح) الاحكام. إذا أحال بالحق انتقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. وبرئت ذمة المحيل، وهو قول العلماء كافة. وقال زفر. لا ينتقل الحق من ذمة المحيل، وانما يكون له مطالبة أيهما شاء كالضمان. دليلنا: أن الحوالة مشتقة من تحويل الحق، والضمان مشتق من ضم ذمة

إلى ذمة، فيجب أن يعطى كل لفظ ما يقتضيه، إذا ثبت أن الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فإن الحق لا يعود إلى ذمة المحيل بافلاس المحال عليه، ولا بموته، ولا بجحوده ويمينه، وبه قال مالك والليث وأحمد رضى الله عنهم وروى ذلك عن على كرم الله وجهه. وقال أبو حنيفة: يرجع إليه في حالين، إذا مات المحال عليه مفلسا، وإذا جحد الحق وحلف. وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع إليه في هذين الحالين، وفى حالة ثالثة إذا أفلس المحال عليه، وحجر عليه. وقال الحكم: يرجع عليه في حالة واحدة إذا مات المحال عليه مفلسا، وأيس من الوصول إلى حقه لقوله صلى الله عليه وسلم " مطل الغنى ظلم وإذا أتبع على ملئ فليتبع ". وقال أصحاب أحمد رضى الله عنه: لانه شرط ما فيه المصلحة للعقد في عقد معاوضة. فيثبت الفسخ بفواته ويرجع على المحيل، كما لو شرط صفة في المبيع وقد يثبت بالشرط ما لا يثبت باطلاق العقد، بدليل اشتراط صفة في المبيع. وقال الشافعي رضى الله عنه: فلما ندب المحتال إلى إتباع المحال عليه بشرط أن يكون المحال عليه مليئا علم أن الحق يتحول عن المحيل إلى ذمة المحال عليه تحولا يمنع المحتال من الرجوع إلى المحيل إذ لو كان له الرجوع إليه لم يكن لعقد هذا الشرط ضرورة. وقال الربيع بن سليمان: أخبرنا الشافعي في الاملاء قال. والقول عندنا - والله أعلم - ما قال مالك بن أنس، ان الرجل إذا أحال الرجل على الرجل بحق له، ثم أفلس المحال عليه أو مات لم يرجع المحال على المحيل أبدا، فان قال قائل ما الحجة فيه؟ قال مالك بن أنس أخبرنا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال " مطل الغنى ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع " فان قال قائل. وما في هذا مما يدل على تقوية قولك، قيل. أرأيت لو كان المحال يرجع على المحيل كما قال محمد بن الحسن إذا أفلس المحال عليه في الحياة أو مات مفلسا، هل يصير المحال على من أحيل، أرأيت لو أحيل

على مفلس وكان حقه نائيا عن المحيل هل ان يزداد بذلك الا خيرا ان أيسر المفلس، والا فحقه حيث كان، ولا يجوز الا أن يكون في هذا. ثم قال: أما قولنا: إذا برئت من حقك وضمنه غيرى فالبراءة لا ترجع إلى أن تكون مضمونة، واما لا تكون الحوالة جائزة، فكيف يجوز أن أكون بريئا من دينك إذا أحلتك لو حلفت وحلفت ما لك على حق بررنا، فان أفلس عدت على بشئ بعد أن برئت منه بأمر قد رضيت به جائزا بين المسلمين واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان قال في الحوالة والكفالة: يرجع صاحبه لا توى على مسلم، وهو في أصل قوله يبطل من وجهين، ولو كان ثابتا عن عثمان لم يكن فيه حجة، انما شك فيه عثمان. ولو ثبت ذلك عن عثمان احتمل حديث عثمان خلافه. وإذا أحال الرجل على الرجل بالحق فأفلس المحال عليه أو مات ولا شئ له لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل، من قبل أن الحوالة تحول حق من موضعه إلى غيره، وما تحول لم يعد، والحوالة مخالفة للحمالة، ما تحول عنه لم يعد الا بتجديد عودته عليه، ونأخذ المحتال عليه دون المحيل بكل حال. اه قال أصحابنا: ولان عموم الخبر يدل على أنه يتبع أبدا، وان مات مفلسا أو جحد فحلف. وروى أن جد سعيد بن المسيب كان له على عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حقا فسأله أن يحيل به على رجل فأحاله به عليه فمات المحال عليه فعاد جد سعيد يسأل عليا رضى الله عنه حقه فقال له على: اخترت علينا غيرنا أبعدك الله. فثبت أنه اجماع لانه لم ينكر على على رضى الله عنه أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولانه لا يخلو اما أن يكون بالحوالة سقط حقه من ذمة المحيل، أو لم يسقط، فان لم يسقط حقه عنه كان له الرجوع عليه، سواء مات المحال عليه أو لم يمت، وسواء أفلس أو لم يفلس. وان كان قد سقط حقه عنه فكيف يرجع بالاعسار والجحود. لان الحوالة كالقبض للحق فلم يرجع على المحيل، كما لو قبض عن حقه عوضا فتلف في يده. (فرع) إذا كان عليه لرجل فأحاله على من له عليه دين، ثم ان المحيل

قضى المحتال صح القضاء، ولا يرجع المحيل على المحال عليه بشئ، إذا قضى بغير اذنه. وقال أبو حنيفة رضى الله عنه وأصحابه: يكون له الرجوع عليه. دليلنا أن الحوالة قد صحت، وانما يتبرع بالقضاء، فلم يرجع عليه بشئ، ولانه لا يملك ابطال الحوالة فكان بدفعه متبرعا، كما لو قضى عنه أجنبي. (فرع) فان أحاله على رجل ولم يشرط أنه ملئ أو معسر فبان أنه معسر لم يرجع المحتال على المحيل سواء علم باعساره أو لم يعلم، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك إذا لم يعلم باعساره كان له الرجوع على المحيل دليلنا أن الاعسار لو حدث بعد الحوالة وقبل القبض لم يثبت للمحتال الخيار فكذلك إذا ثبت أنه معسر حال العقد، وأما إذا أحاله على رجل بشرط أنه ملئ قال الشيخ أبو حامد، فان قال أحلتك على فلان الموسر أو على فلان وهو موسر فقبل الحوالة، ثم بان أنه معسر فقد روى المزني عن الشافعي أنه لا يرجع على المحيل أبدا، سواء كان المحال عليه غنيا أو فقيرا أفلس أو مات معدما، غره أو لم يغره. واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس بن سريج له أن يرجع على المحيل كما لو باعه سلمة بشرط أنها سليمة من العيب فبانت بخلافها، قال وما نقله المزني فلا أعرفه للشافعي رحمه الله في شئ من كتبه. وقال أكثر أصحابنا ليس له أن يرجع عليه كما نقله المزني، لان الاعسار لو كان غنيا في الحوالة لثبت له به الخيار من غير شرط كالعيب في المبيع، ولان التفريط في البيع من جهة البائع حيث لم يبين العيب في سلعته. فإذا لم يبين ثبت للمشترى الخيار. والتفريط ههنا من جهة المحتال حيث لم يختبر حال المحال عليه ولان السلعة حق للمشترى فإذا وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى الثمن. وليس كذلك ذمة المحال عليه لانها ليست بنفس حق المحتال وانما هي محل لحقه فوجود الاعسار بذمة المحال عليه ليس بنقصان في حقه، وانما يتأخر حقه، ألا ترى أنه قد يتوصل إلى حقه من هذه الذمة الخربه. بأن يوسر أو يستدين فيقضيه حقه بخلاف المبيع إذا وجده معيبا. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن اشترى رجل من رجل شيئا بألف، وأحال المشترى البائع على رجل بالالف، ثم وجد بالمبيع عيبا فرده فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو على الطبري: لا تبطل الحوالة، فيطالب البائع المحال عليه بالمال ويرجع المشترى على البائع بالثمن لانه تصرف في أحد عوضي البيع فلا يبطل بالرد بالعيب كما لو اشترى عبدا وقبضه وباعه، ثم وجد البائع بالثوب عيبا فرده. وقال أبو إسحاق تبطل الحوالة، وهو الذى ذكره المزني في المختصر، فلا يجوز للبائع مطالبة المحال عليه، لان الحوالة وقعت بالثمن، فإذا فسخ البيع خرج المحال به عن أن يكون ثمنا فإذا خرج عن أن يكون ثمنا ولم يتعلق به حق غيرهما وجب ان تبطل الحوالة ويخالف هذا إذا اشترى عبدا وقبضه وباعه لان العبد تعلق به حق غير المتبايعين وهو المشترى الثاني، فلم يمكن إبطاله، والحوالة لم يتعلق بها حق غيرهما، فوجب إبطالها. وإن أحال الزوج زوجته بالمهر على رجل، ثم ارتدت المرأة قبل الدخول ففى الحوالة وجهان بناء على المسألة قبلها. وإن أحال البائع رجلا على المشترى بالالف، ثم رد المشترى المبيع بالعيب لم تبطل الحوالة وجها واحدا، لانه تعلق بالحوالة حق غير المتعاقدين، وهو الأجنبي المحتال، فلم يجز إبطالها. (الشرح) الاحكام: إذا اشترى رجل من رجل سيارة بألف ثم أحال المشترى البائع بالالف على رجل عليه للمشترى ألف، ثم وجد المشترى بالسيارة عيبا فردها. فإن ردها بعد قبض البائع مال الحوالة انفسخ البيع ولم تبطل الحوالة بلا خلاف على المذهب. بل تثبت في ذمة المحال عليه ويرجع المشترى على البائع بالثمن. وان رده قبل قبض البائع مال الحوالة فقد ذكر المزني في المختصر أن الحوالة باطلة. وقال في الجامع الكبير الحوالة ثابتة. واختلف أصحابنا فيها على أربع طرق. فقال أبو العباس بن سريج وأبو علي ابن أبى هريرة: تبطل الحوالة كما ذكر في المختصر. لان الحوالة وقعت بالثمن

فإذا رد المبيع بالعيب انفسخ البيع فسقط الثمن فبطلت الحوالة. وقال أبو على في الافصاح: لا تبطل الحوالة كما ذكر في الجامع الكبير، لان الحوالة كالقبض فلم تبطل برد المبيع، كما لو قبض المحتال مال الحوالة ثم وجد المشترى بالمبيع عيبا فرده ولان المبتاع دفع إلى البائع بدل ماله في ذمته وعاوضه بما في ذمة المحال عليه، فإذا انفسخ العقد الاول لم ينفسخ الثاني، كما لو أعطاه بالثمن ثوبا وسلمه إليه ثم وجد بالمبيع عيبا فرده فإن العقد لا ينفسخ في الثوب ومنهم من قال هي على حالين. فحيث قال الحوالة باطلة أراد إذا رد المبيع قبل أن يقبض البائع مال الحوالة. وحيث قال الحوالة لا تبطل أراد إذا رد المبيع بعد قبض البائع مال الحوالة. ومنهم من قال هي على حالين أخريين. فحيث قال تبطل الحوالة أراد إذا ادعى المشترى وجود العيب فصدقه البائع، لان الحوالة تمت بهما جميعا فانحلت بهما. وحيث قال لا تبطل أراد دعوى المشترى أن العيب كان موجودا حال العقد وقال البائع بل حدث في يدك وكان مما يمكن حدوثه فلم يحلف البائع وحلف المشترى، فإن الحوالة لا تنفسخ، لان الحوالة تمت بهما فلم ينفسخ بأحدهما، هذا إذا كان الرد بغير مدة الخيار فأما إذا كان الرد في مدة الخيار فإن البيع ينفسخ بأحدهما: هذا إذا كان الرد بغير مدة الخيار، فأما إذا كان الرد في مدة الخيار فإن البيع ينفسخ والحوالة تبطل وجها واحدا. سواء كان قبل القبض أو بعده، لان البيع لا يلزم قبل انقضاء الخيار، وإذا لم يلزم لم تلزم الحوالة لانها متعلقة بالثمن، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وهذا بدل من قوله ان الحوالة بالثمن في مدة الخيار تصح، وقد مضى فيها وجهان (فرع) وإن أحال الزوج زوجته بالمهر ثم اردت قبل الدخول، أو وحد أحدهما بالآخر عيبا ففسخ النكاح، فان كان ذلك بعد أن قبضت المرأة مال الحوالة لم تبطل الحوالة، وان كان ذلك قبل القبض فعلى الخلاف المذكور في البيوع (فرع) وإن أحال البائع رجلا بالثمن على المشترى ثم وجد المشترى بالمبيع عيبا فرده لم تنفسخ الحواله وجها واحدا، لانه تعلق بالحواله حق غير المتعاقدين وهو الأجنبي فلم يبطل حقه بغير رضاه، وهكذا لو أحالت الزوجه بمهرها على

الزوج رجلا ثم ارتدت قبل الدخول لم تبطل الحواله، لانه تعلق بالحواله حق أجنبي وهو المحتال فلا يبطل من غير رضاه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وإن أحال البائع على المشترى رجلا بألف ثم اتفقا على أن العبد كان حرا فإن كذبهما المحتال لم تبطل الحواله، كما لو اشترى عبدا وباعه ثم اتفق البائع والمشترى أنه كان حرا فإن أقاما على ذلك بينة لم تسمع لانهما كذبا البينه بدخولهما في البيع. وان صدقهما المحتال بطلت الحواله لانه ثبتت الحرية وسقط الثمن فبطلت الحواله (الشرح) الاحكام: ولو اشترى رجل من رجل عبدا بألف ثم أحال البائع رجلا له ألف على المشترى ثم صادف البائع والمشترى أن العبد كان حرا وقت البيع فان صدقهما المحتال على حرية العبد وقت البيع وأن الحواله وقعت بالثمن حكم ببطلان الحواله وكان للمحتال أن يطالب البائع بما له عليه لان الحواله وقعت بالثمن وقد صدقهما أنه لا ثمن للبائع على المشترى. وان كذبهما المحتال ولم يكن هناك بينة فالقول قول المحتال مع يمينه لان الحواله تمت بالمحيل والمحتال فلا يتحلل إلا بهما. كما أن البيع لما تم بالبيع والمشترى لا ينفسخ البيع الا بهما. ولانه قد تعلق بالثمن حق غير المتعاقدين فلا يبطل حقه بقول المتبايعين كما لو اشترى عبدا فقبضه وباعه من آخر ثم اتفق المتبايعان الاولان أن العبد كان حرا فإنهما لا يحيلا على المبتاع الثاني. فإذا حلف المحتال قبض المال من المشترى. وهل يرجع المشترى على البائع بذلك. فيه وجهان قال صاحب الفروع يرجع عليه. لان المشترى قضى عن البائع دينه باذنه فرجع عليه وقال الطبري في العدة " لا يرجع عليه لان المشترى يقر أن المحتال ظلمه بأخذ ذلك منه فلا يرجع به على غير من ظلمه. وان أقام البائع والمشترى بينة فهل تسمع. فيه وجهان

قال الشيخ أبو إسحاق: لا تسمع، لانهما كذبا البينة بدخولهما في البيع، وقال الشيخ أبو حامد وصاحب الفروع: إن شهدت البينة أن العبد حر الاصل، وأن الحوالة وقعت بالثمن أو شهدت بأنه حر الاصل وأقر المحتال بأن الحوالة وقعت بالثمن بطلب الحواله، لانه إذا ثبت أنه حر تبينا أنه لم يتعلق بذمة المشترى شئ فحكم ببطلان الحوالة، وإن أقام العبد بينة بحريته، قال ابن الصباغ تثبت حريته وبطلت الحواله، ولم يذكر له وجها والذى يقتضى المذهب أن الحوالة لا تبطل بذلك، لان العبد يحكم بحريته بتصادق البائع والمشترى، ولا تبطل الحوالة بذلك فكذلك إذا أقام العبد بينة، ولان المتبايعين إذا كانا مقرين بحريته فلا حاجة به إلى إقامة البينة فلا تبطل الحوالة بإقامته البينة. وإن صدقهما المحتال أنه كان حرا وادعى أن الحوالة وقعت بغير الثمن وقالا بل وقعت بالثمن أو أقاما البينة أن العبد كان حرا، ولم يذكر البينة أن الحوالة وقعت بالثمن، فالقول قول المحتال مع يمينه، لانهما يدعيان ما يفسدها، والاصل صحتها، قال الشيخ أبو حامد: ويحلف على العلم. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) إذا أحال رجل رجلا له عليه دين على رجل له عليه دين ثم اختلفا فقال المحيل وكلتك، وقال المحتال: بل أحلتني نظرت، فان اختلفا في اللفظ فقال المحيل: وكلتك بلفظ الوكالة، وقال المحتال: بل أحلتني، بلفظ الحوالة، فالقول قول المحيل، لانهما اختلفا في لفظه، فكان القول فيه قوله، وإن اتفقا على لفظ الحواله ثم اختلفا فقال المحيل وكلتك، وقال المحتال: بل أحلتني ففيه وجهان. قال أبو العباس: القول قول المحتال، لان اللفظ يشهد له. ومن أصحابنا من قال: القول قول المحيل، وهو قول المزني، لانه يدعى بقاء الحق في الذمة والمحتال يدعى انتقال الحق من الذمة، والاصل بقاء الحق في الذمة. فإن قلنا: بقول أبى العباس، وحلف المحتال ثبتت الحوالة وبرئ المحيل وثبتت له مطالبة المحال عليه، وإن قلنا بقول المزني فحلف المحيل ثبتت الوكالة

فإن لم يقبض المال انعزل عن الوكالة بانكاره فان كان قد قبض المال أخذه المحيل وهل يرجع هو على المحيل بدينه؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يرجع، لانه أقر ببراءة ذمته من دينه. (والثانى) له أن يرجع لانه يقول: إن كنت محتالا فقد استرجع منى ما أخذته بحكم الحوالة، وإن كنت وكيلا فحقي باق في ذمته فيجب أن يعطينى، وإن هلك في يده لم يكن للمحيل الرجوع عليه، لانه يقر بأن ماله تلف في يد وكيله من غير عدوان، وليس للمحتال أن يطالب المحيل بحقه لانه يقر بأنه استوفى حقه وتلف عنده. وان قال المحيل: أحلتك، وقال المحتال بل وكلتني، فقد قال أبو العباس القول قول المحيل، لان اللفظ يشهد له. وقال المزني: القول قول المحتال، لانه يدعى بقاء دينه في ذمة المحيل، والاصل بقاؤه في ذمته. فان قلنا بقول أبى العباس فحلف المحيل برئ من دين المحتال، وللمحتال مطالبة المحال عليه بالدين، لانه إن كان محتالا فله مطالبته بمال الحوالة، وإن كان وكيلا فله المطالبة بحكم الوكالة، فإذا قبض المال صرف إليه، لان المحيل يقول: هو له بحكم الحوالة، والمحتال يقول. هو لى فيما لى عليه من الدين الذى لم يوصلني إليه. وإن قلنا بقول المزني وحلف المحتال، ثبت أنه وكيل، فان لم يقبض المال كان له مطالبة المحيل بماله في ذمته، وهل يرجع المحيل على المحال عليه بشئ فيه وجهان. (أحدهما) لا يرجع، لانه مقر بأن المال صار للمحتال. (والثانى) يرجع، لانه إن كان وكيلا فدينه ثابت في ذمة المحال عليه وان كان محتالا فقد قبض المحتال المال منه ظلما، وهو مقر بأن ما في ذمة المحال عليه للمحتال، فكان له قبضه عوضا عما أخذه منه ظلما فان كان قد قبض المال فان كان باقيا صرف إليه، لانه قبضه بحوالة فهو له، وإن قبضه بوكالة فله أن يأخذه عما له في ذمة المحيل. وان كان تالفا نظرت، فان تلف بتفريط لزمه ضمانه، وثبت للمحيل عليه مثل ما ثبت له في ذمته فتقاصا، وان تلف من غير تفريط

لم يلزمه الضمان، لانه وكيل، ويرجع على المحيل بدينه، ويبرأ المحال عليه، لانه إن كان محتالا فقد وفاه حقه وإن كان وكيلا فقد دفع إليه. (الشرح) الاحكام: قال أبو العباس بن سريج: إذا كان لرجل عند رجل ألف فقال من له الدين لرجل لا شئ له عليه، أحلتك على فلان بألف، فهذا توكيل منه في القبض، وليس بحوالة، لان الحوالة إنما تكون عمن له حق، ولا حق للمحتال ههنا فثبت أن ذلك توكيل. وإن كان لزيد على عمرو ألف درهم ولعمرو على خالد ألف، فاختلف زيد وعمرو، فقال زيد. أحلتني بالالف التى عليك لى بالالف التى لك على خالد بلفظ الحوالة. وقال عمرو. بل وكلتك بأن يقبضها لى منه بلفظ الوكالة، فالقول قول عمرو لانهما اختلفا في لفظه، وهو أعلم بلفظه، ولانه قد ثبت استحقاق عمرو الالف في ذمة خالد، وزيد يدعى أن ملكها قد انتقل إليه بالحوالة، والاصل بقاء ملك عمرو عليها، وعدم ملك زيد. فإن قال عمرو لزيد. أحلتك على خالد بالالف التى لى عليه، فقبل زيد ثم اختلفا فقال عمرو وكلتك لتقبضها لى منه. ومعنى قولى أحلتك أي سلطتك عليه وقال زيد. بل أحلتني عليه بدينى الذى لى عليك، فاختلف أصحابنا فقال المزني. القول قول المحيل وهو عمرو. وقال الشيخ أبو حامد والطبري: وبه قال المصنف وأبو العباس بن سريج وأكثر أصحابنا، وهو قول أبى حنيفة. لانهما قد اتفقا على ملك عمرو للالف التى في ذمة خالد، واختلفا في انتقالها إلى زيد وهو المحتال كان القول قول عمرو لان الاصل بقاء ملكه عليها، وإن كان الظاهر مع زيد، كما لو كان لرجل سيارة في يد آخر فادعى من هي بيده أن مالكها وهبها منه. وقال المالك. بل أعرتكها فالقول قول المالك. وكما لو كانت دار في يد رجل فادعى رجل أنه ورثها من أبيه أو ابتاعها، وأقام على ذلك بينة، وادعى من هي بيده أنها ملكه فإنه يحكم بها لصاحب البينة لانه قد عرف له أصل ملك، وإن كان الظاهر مع صاحب اليد.

(والوجه الثاني) حكاه المصنف وابن الصباغ عن أبى العباس بن سريج أن القول قول زيد وهو المحتال، لان اسم الحوالة موضوع لتحويل الحق من ذمة إلى ذمة، فكان اللفظ يشهد له. كما لو تنازعا دارا وهى في يد أحدهما فوجهان فذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يرجع عليه، والثانى. له أن يرجع عليه، لان المحتال إن كان صادقا فالذي في ذمة المحال عليه يمكنه أخذه عن حقه، فإذا قلنا يرجع عليه لان المحتال إن كان صادقا فالذي في ذمة المحال عليه للمحيل، وإن كان المحتال كاذبا فقد استحق المحيل على المحتال ما أخذه منه ظلما، وللمحتال حق على المحال عليه يمكنه أخذه عن حقه. فإذا قلنا: يرجع عليه، فالذي يقتضى المذهب أنه يرجع عليه بأقل الامرين مما أخذ منه المحتال أو الدين الذى على المحال عليه لانه إن أعطى المحتال أكثر من حقه فلم يستحق الرجوع على المحال عليه بأكثر مما عنده، وإن أعطى المحتال أقل من حقه فهو يقر أن جميع ما على المحال عليه للمحتال، وإنما يرجع من ماله بالقدر الذى أخذه منه، وما زاد عليه يقر به المحتال. وإن قلنا. القول قول المحيل فحلف فبرئ من دين المحتال، وكان للمحتال مطالبة المحال عليه إما بحكم الحواله أو الوكالة فإذا أخذ منه المال أمسكه بحقه لان المحيل يقول. هو له بحق الحوالة، والمحتال يقول. هو للمحيل ولى عليه مثله وهو غير قادر على حقه من جهة المحيل، فكان له أخذه. (مسألة) إذا كان لزيد على عمرو ألف درهم، ولخالد على زيد ألف درهم فجاء خالد إلى عمرو وقال. قد أحالني زيد بالالف التى عليك له فان صدقه وجب عليه دفع المال إليه، ثم ينظر في زيد فان صدقه فلا كلام، وإن كذبه كان القول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الحوالة، فإذا حلف رجع زيد بالالف على عمرو، ولا يرجع خالد على زيد بشئ، لانه إن كان قد قبض حقه من عمرو فقد استوفى، وإن لم يقبضه فله أن يطالبه بحقه، لانهما متصادقان على الحوالة. وان كذب عمرو خالدا ولا بينة فالقول قول عمرو مع يمينه، لان الاصل

عدم الحوالة، فإذا حلف سقطت دعوى خالد، ولم يكن لخالد الرجوع على زيد بشئ لانه يقر أن ذمته برئت من حقه، ثم ينظر في زيد فان كذب خالدا كان له مطالبة عمرو بدينه، وإن صدق خالدا ففيه وجهان. قال عامة أصحابنا: يبرأ من دين زيد لانه قد أقر بذلك. وقال ابن الصباغ إذا قلنا: ليس من شرط الحوالة رضا المحال عليه، فان الحوالة ثبتت بتصادق المحيل والمحتال. (فرع) إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فطالبه بها فقال من عليه الدين أحلت بها على فلان الغائب، فأنكر المحيل فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الحوالة، فان أقام من عليه الدين بينة بالحواله. قال ابن الصباغ: سمعت البينة لاسقاط حق المحيل عليه، ولا يثبت بها الحق للغائب، لان الغائب لا يقضى له بالبينة، فإذا قدم الغائب وادعى فانما يدعى على المحال عليه دون المحيل وهو مقر له بذلك فلا يحتاج إلى إقامة البينه ولو ادعى رجل على رجل أنه أحاله على فلان الغائب، وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه، وان أقام المدعى بينة ثبتت في حق الغائب، لان البينة يقضى بها على الغائب، فان شهد للمحتال ابناه لم تقبل شهادتهما لانهما يشهدان لابيهما، وان شهد له ابنا المحال عليه أو ابنا المحيل قبلت شهادتهما، لانهما يشهدان على أبيهما، والله تباك وتعالى أعلم. تم الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر وأوله كتاب الضمان

الجزء الرابع عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب الجزء الرابع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الضمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الضمان (1) (الشرح) الاصل في جواز الضمان الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله تعالى في سورة يوسف الآية 72 " قالوا: نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " قال ابن عباس: الزعيم الكفيل. وفيها ست مسائل: (الاولى) قال علماؤنا: هذا نص في جواز الكفالة. وقال القاضى أبو إسحاق ليس هذا من باب الكفالة فإنها ليس فيها كفالة إنسان عن إنسان وإنما هو رجل التزم عن نفسه وضمن منها، وذلك جائز لغة لازم شرعا. قال الشاعر: فلست بآمر فيها بسلم * ولكني على نفسي زعيم وقال الآخر: وإنى زعيم إن رجعت مملكا * بسير ترى منه الغرانق أزورا قال الامام ابو بكر بن العربي: هذا الذى قاله القاضى أبو إسحاق صحيح. بيد أن الزعامة فيه نص، فإذا قال أنا زعيم فمعناه أنى ملتزم، وأى فرق بين ان يقول: التزمه عن نفسي أو التزمت به عن غيرى؟ (الثانية) قوله " وأنا به زعيم " إنما يكون في الحقوق التى تجوز النيابة فيها، وأما كل حق لا يقوم فيه أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيها، وتركب على هذا مسألة وهي: (الثالثة) إذا قال: أنا زعيم لك بوجه فلان. قال مالك " يلزمه " وقال الشافعي لا يلزمه لانه غرر، إذ لا يدرى هل يجحده أم لا؟ والدليل على جوازه

_ (1) الضمان مشتق من ضم ذمة إلى ذمة. وقال في البسيط: هو مشتق من التضمين، ومعناه تضمين الدين في ذمة من لا دين عليه، وقد غلط من قال هو مأخوذ من الضم فان النون أصلية فيه وهذا لام فعل منه ميم، وأصله ضمم، والضمان لام فعل منه نون.

أن المقصود بالزعامة تنزيل الزعيم مقام الاصل، والمقصود من حضور الاصل أداء المال، فكذلك الزعيم (الرابعة) كما أن لفظ الآيه نص في الزعامه فمعناها نص في الجعاله، وهى نوع من الاجارة، لكن الفرق بين الجعاله والاجارة أن الاجارة يتقدر فيها العوض والمعوض من الجهتين، والجعاله يتقدر فيها الجعل والعمل غير مقدر. ودليله أن الله سبحانه شرع البيع والابتياع في الاموال لاختلاف الاغراض وتبدل الاحوال، فلما دعت الحاجة إلى انتقال الاملاك شرع لها سبيل البيع، وبيئن أحكامه، ولما كانت المنافع كالاموال في حاجة إلى استيفائها، إذ لا يقدر كل أحد أن يتصرف لنفسه في جميع أغراضه نصب الله الاجارة في استيفاء المنافع بالاعواض، لما في ذلك من الاغراض (الخامسه) فإذا ثبت هذا فقد يمكن تقدير العمل بالزمان كقوله: تخدمني اليوم. وقد يقول: تخيط لى هذا الثوب، فيقدر العمل بالوجهين، وقد يتعذر تقدير العمل، كقوله: من جاءني بضالتي فله كذا. فأحد العوضين لا يصح تقديره والعوض الآخر لابد من تقديره، فان ما يسقط بالضرورة لا يتعدى سقوطه إلى مالا ضرورة فيه، والاصل فيه الحديث الذى ورد من أخذ الاجرة على الرقيه: وهو عمل لا يتقدر، وقد كانت الاجارة والجعاله قبل الاسلام فأقرتهما الشريعه، ونفت عنهما الغرر والجهاله (السادسة) في حقيقة القول في الآيه: ان المنادى لم يكن مالكا، انما كان نائبا عن يوسف ورسولا له: فشرط حمل البعير على يوسف لمن جاء بالصواع، وتحمل هو به عن يوسف، فصارت فيه ثلاث فوائد: (الاولى) الجعاله، وهى عقد يتقدر فيه الثمن، ولا يتقدر فيه المثمن (الثانيه) الكفالة، وهى ههنا مضافه إلى سبب موجب على وجه التعليق بالشرط، وقد اختلف الناس فيها اختلافا متباينا تقريره في المسائل وهذا دليل على جوازه فانه فعل نبى ولا يكون إلا شرعا. وقد اختلف الائمة في الكفالة، فجوزها أصحاب أبى حنيفه محالة على سبب

وجوب. كقوله: ما كان لك على فلان فهو على، أو إذا أهل الهلال فلك على عنه كذا، بخلاف أن تكون معلقة على شرط محضر، كقوله إن قدم فلان. أو إن كلمت زيدا. وقال الشافعي لا يجوز بشئ من ذلك. وهذه الآية نص على جوازها محالة على سبب الوجوب. (الثالثة) جهالة المضمون له. قال علماؤنا هي جائزة، وتجوز عندهم أيضا مع جهاله الشئ المضمون أو كليهما ومن العجب أن أبا حنيفة والشافعي اتفقا على أنه لا تجوز الكفالة مع جهالة المكفول له. وادعى أصحاب أبى حنيفه أن هذا الخبر منسوخ من الآيه خاصه وقال أصحابنا من أئمة المذهب هذه الآيه دليل على جواز الجعل، وهى شرع من قبلنا، وليس لهم فيه تعلق في مذهب وقال أصحابنا أيضا إن معرفة المضمون عنه والمضمون له فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه لابد من معرفتهما، أما معرفه المضمون عنه فليعلم هل هو أهل للاحسان أم لا، وأما معرفة المضمون له فليعلم هل يصلح للمعاملة أم لا؟ (الثاني) أنه افتقر إلى معرفة المضمون له خاصة، لان المعاملة معه خاصة (الثالث) أنه لا يفتقر إلى معرفة واحد منهما وهو الصحيح في حديث أبى قتادة أنه ضمن عن الميت ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المضمون له، ولا عن المضمون عنه، والآية نص في جهالة المضمون له، وحمل جهالة المضمون عليه أخف وقال القرطبى، إن قيل كيف ضمن حمل البعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح، قيل له حمل البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق فصح ضمانه، غير أنه بذل مال للسارق، ولا يحل للسارق ذلك، فلعله كان يصح في شرعهم، أو كان هذا جعالة وبذل مال لمن يفتش ويطلب، ثم قال قال بعض العلماء في هذه الآيه دليلان (أحدهما) جواز الجعل وقد أجيز

للضرورة، ثم ساق كلام الشافعي الذى سبق إيراده (الثاني) جواز الكفالة على الرجل لان المؤذن الضامن هو غير يوسف. قال علماؤنا: إذا قال الرجل تحملت أو تكفلت أو ضمنت أو وأنا حميل لك أو زعيم لك أو كفيل أو ضامن أو قبيل، أو هو لك عندي أو على أو إلى أو قبلى، فذلك كله حمالة لازمة. والزعامة لا تكون إلا في الحقوق التى تجوز النيابة فيها بما يتعلق بالذمة في الاموال وكان ثابتا مستقرا فلا تصح الحمالة بالكتابة لانها ليست بدين ثابت مستقر، لان للعبد إن عجز رق وانفسخت الكتابة، وأما كل حق لا يقوم به أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيه. ويسجن المدعى عليه الحد حتى ينظر في أمره. وشذ أبو يوسف ومحمد فأجازا الكفالة في الحدود والقصاص وقالا: إذا قال المقذوف أو المدعى القصاص بينتي حاضرة كفله ثلاثة أيام. واحتج الطحاوي لهم بما رواه حمزة بن عمرو عن عمر وابن مسعود وجرير بن عبد الله والاشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة رضى الله عنهم وأما السنة ففى حديث أبى هريرة عند أبى داود والترمذي وقال حديث حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يوم فتح مكة فقال " ألا إن الله تعالى قد أعطى كل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث، ولا تنفق امرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها، والعارية مؤداة والمنحة مردودة، والدين مقضى والزعيم غارم، فلولا أن الضمان يلزمه إذا ضمن لم يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم غارما وروى قبيصة بن المخارق الهلالي إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تحل الصدقة إلا لثلاثة. فذكر رجلا تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك " فأباح له الصدقة حتى يؤدى، فدل على أن الحمالة قد لزمته وروى عن سلمة بن الاكوع أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى برجل ليصلى عليه فقال " هل عليه دين " قالوا " نعم. ديناران " قال " هل ترك لهما وفاء؟ قالوا لا فتأخر. فقيل لم لا تصلى عليه؟ فقال ما تنفعه صلاتي وذمته مرهونة، إلا إن قام أحدكم فضمنه، فقام أبو قتادة فقال: هما علي يا رسول الله، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ

صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري وأحمد والنسائي والترمذي وصححه. والنسائي وابن ماجه وقالا " فقال أبو قتادة أنا أتكفل به " وقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله وأخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وفيه " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلى، ومن ترك مالا فلورثته " وفى معناه عند الدارقطني والبيهقي عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفيه أن عليا قال أنا ضامن، ثم دعا له الرسول صلى الله عليه ثم قال " ما من مسلم فك رهان أخيه إلا فك الله رهانه يوم القيامة " قال الحافظ بن حجر في إسناده ضعف وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبى هريرة رضى الله عنه وزاد " وعلى الولاة من بعدى من بيت مال المسلمين " وفى إسناده عبد الله بن سعيد الانصاري متروك ومتهم. وعن أبى أمامة رضى الله عنه عند ابن حبان في ثقاته ضعف والحكمة في تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة، وقد توسع شيخنا الامام النووي رضى الله عنه في كتاب الجنائز من المجموع في بحث صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيان الاحاديث الواردة فيها والكلام عليها وأما الاجماع فإن أحدا من العلماء لم يخالف في صحة الضمان، وان اختلفوا في فروع منه على ما بينا في أقوالهم في الكتاب، فإذا ثبت هذا فإنه يقال: ضمين وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير كلها بمعنى واحد ولابد في الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له، ولابد من رضى الضامن، فان أكره على الضمان لم يصح، ولا يعتبر رضا المضمون عنه. لا نعلم في ذلك خلافا، لانه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح فكذلك إذا ضمن عنه. ولا يعتبر رضا المضمون له. وقال أبو حنيفة " يعتبر " لانه إثبات مال لآدمي فلم يثبت إلا برضاه أو رضى من ينوب عنه كالبيع والشراء. وعندنا كالمذهبين لاصحابنا، والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: يصح ضمان الدين عن الميت، لما روى أبو قتادة قال " أقبل بجنازة عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: هل على صاحبكم من دين فقالوا: عليه ديناران، قال صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة هما على يا رسول الله فصلى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ويصح عن الحى لانه دين لازم فصح ضمانه كالدين على الميت. (الشرح) الحديث مر تخريجه في شرح الترجمة. أما الاحكام: فإنه يصح ضمان الدين عن الميت سواء خلف وفاء بدينه أو لم يخلف، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد. وقال الثوري وأبو حنيفة. لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف وفاء بماله أو بضمان ضامن. دليلنا ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى بالميت وعليه دين فيقول. هل خلف لدينه قضاء؟ وروى. وفاء؟ فإذا قيل له. لم يخلف وفاء، قال للمسلمين. صلوا عليه، فلما فتح الله عليه الفتوح قال. من خلف مالا فلورثته، ومن خلف دينا فعلى قضاؤه " فضمن النبي صلى الله عليه وسلم القضاء. وكذلك حديث جابر رضى الله عنه الذى أشرنا إلى تخريجه في شرح ترجمة هذا الباب وَلَفْظُهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يصلى على رجل مات عليه دين فأتى بميت فسأل. عليه دين؟ قالوا. نعم ديناران، قال. صلوا على صاحبكم الحديث " وهى أحاديث تدل على جواز الضمان عن الميت، ولانه لم يكن يمتنع من الصلاة إلا على من مات وعليه دين ولم يخلف وفاء، ولان صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة، والدين يحجبها بدليل ما روى عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ. مِنْ استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين فليفعل فإنى شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أتى بجنازة فقالوا صل عليها فقال أليس عليه

دين؟ فقالوا: بلى، فقال " ما ينفعكم صلاتي عليها وهو مرتهن في قبره، فإن ضمنه أحدكم قمت وصليت عليه ". قال في البيان: بعد أن ساق هذا الحديث " فكانت صلاتي تنفعه " لان كل من صح الضمان عنه إذا كان له وفاء بما عليه، صح الضمان عنه، وإن لم يكن له وفاء كالحى. (فرع) قال أبو على الطبري رحمه الله: لو قال تكفلت لك بمالك على فلان صح، وإن قال: أنا به قبيل، لم يكن صريحا في الضمان في أحد الوجهين خلافا لابي حنيفة، لان القبيل بمعنى قابل كالسميع بمعنى سامع وإيجاب الضمان لا يكون موقوفا على قبوله فلم يصح. وإن قال: إلى دين فلان، لم يكن صريحا في الضمان في أحد الوجهين خلافا لابي حنيفة. دليلنا: أنه يحتمل قوله إلى بمعنى إذن عنه، ويحتمل مرجعه إلى بحق أستحقه. ولو قال: خل عن فلان والدين الذى عليه لك عندي، لم يكن صريحا في الضمان خلافا لابي حنيفة، لان كلمة عندي تستعمل في غير مضمون كقولهم الوزير عند الامير. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويصح ذلك من كل جائز التصرف في ماله، فأما من يحجر عليه لصغر أو جنون أو سفه فلا يصح ضمانه، لانه إيجاب مال بعقد، فلم يصح من الصبى والمجنون والسفيه كالبيع، ومن حجر عليه للفلس يصح ضمانه. لانه إيجاب مال في الذمة بالعقد فصح من المفلس كالشراء بثمن في الذمة. وأما العبد فإنه إن ضمن بغير إذن المولى ففيه وجهان. قال أبو إسحاق: يصح ضمانه ويتبع به إذا عتق لانه لا ضرر فيه على المولى لانه يطالب به بعد العتق، فصح منه كالاقرار بإتلاف ماله. وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا يصح لانه عقد تضمن إيجاب مال فلم يصح منه بغير إذن المولى كالنكاح، فإن ضمن بإذن مولاه صح ضمانه، لان الحجر لحقه فزال بإذنه، ومن أين يقضي؟ ينظر فيه، فان قال له المولى اقضه من كسبك قضاه منه، وإن قال.

أقضه مما في يدك للتجارة قضاه منه لان المال له، وقد أذن له فيه، وإن لم يذكر القضاء ففيه وجهان. (أحدهما) يتبع به إذا أعتق، لانه أذن في الضمان دون الاداء. (والثانى) يقضى من كسبه إن كان له كسب: أو مما في يده إن كان مأذونا له في التجارة، لان الضمان يقتضى الغرم كما يقتضى النكاح المهر، ثم إذا أذن له في النكاح وجب قضاء المهر مما في يده، فكذلك إذا أذن له في الضمان وجب قضاء الغرم مما في يده، فان كان على المأذون له دين وقلنا: ان دين الضمان يقضيه مما في يده، فهل يشارك فيه الغرماء؟ فيه وجهان. (أحدهما) يشارك به، لان المال للمولى، وقد أذن له في القضاء منه، اما بصريح الاذن، أو من جهة الحكم، فوجب المشاركة به. (والثانى) أنه لا يشارك به، لان المال تعلق به الغرماء فلا يشارك بمال الضمان كالرهن. وأما المكاتب فانه ضمن بغير اذن المولى فهو كالعبد القن، وان ضمن بإذنه فهو تبرع، وفى تبرعات المكاتب بإذن المولى قولان نذكرهما في المكاتب ان شاء الله تعالى. (الشرح) الاحكام: يصح الضمان من كل جائز التصرف في المال، فأما الصبى والمجنون والسفيه فلا يصح ضمان أحد منهم، لانه ايجاب مال بعقد فلم يصح كالبيع، فقوله بعقد، احتراز من ايجاب المال عليه بالجناية، ومن نفقة من تجب عليه نفقته، والزكاة. وأما المحجور عليه للافلاس فيصح ضمانه لانه ايجاب مال في الذمة بالعقد فصح من المفلس، كالشراء بثمن في ذمته كما مضى في التفليس. وأما المرأة فإنه يصح الضمان منها إذا كانت جائزة التصرف. وقال مالك: لا يصح الا أن يكون بإذن زوجها. دليلنا أن كل من لزمه الثمن في البيع والاجرة في الاجارة صح ضمانه كالرجل. (فرع) ولا يصح الضمان من المبرسم - على ما لم يسم فاعله، والبرسم علة تصيب الاعصاب - الذى لا يعقل لانه لا حكم لكلامه، فأما الاخرس فإن لم

يكن له إشارة مفهومة وكناية معقولة أو كتابة مقروءة لم يصح ضمانه، وإن كانت له إشارة مفهومة وكناية معقوله، لانه حصل مع الكناية إشارة مفهومة، وإلا فالكتابة المقروءة تنفرد مكانهما أو مكان النطق ما دام ذلك يؤدى إلى فهم قصده من الضمان على أحد القولين. وإن انفردت إشارته المفهومة بالضمان صح وإن انفردت الكتابة في الضمان عن إشارة يفهم بها أن قصده الضمان. قال ابن الصباغ لم يصح الضمان، لان الكتابة قد تكون عبثا، أو تجربة للقلم أو حكاية للخط. فلم يلزمه الضمان بمجردها. (مسألة) إذا ضمن العبد دينا لغير سيده فان كان غير مأذون له في التجارة نظرت، فان كان بغير اذن سيده فهل يصح ضمانه؟ فيه وجهان (أحدهما) يصح ضمانه لانه مكلف له قول صحيح، وانما منع من التصرف فيما فيه ضرر على السيد ولا ضرر على السيد في ضمانه، فهو كما لو أقر لغيره بمال. فعلى هذا يثبت في ذمته إلى أن يعتق. (والثانى) لا يصح، لانه اثبات مال لآدمي بعقد، فلم يصح من العبد بغير اذن سيده كالمهر، فقولنا " لآدمي " احتراز من النذر. وقولنا " بعقد " احتراز من الاقرار لانه اجبار. ومن الجناية على غير سيده. وان ضمن بإذن سيده صح لان المنع منه لحق السيد، وقد أذن فيه فإن أذن فيه أن يؤديه من كسبه قضاه منه. وان أطلق الاذن ففيه وجهان (أحدهما) يقضيه من كسبه. كما لو أذن له سيده في النكاح، فإن المهر والنفقة يقضيان من كسبه. (والثانى) لا يقضيه من كسبه، ولكن يتبع به إذا عتق، لان السيد انما أذن في الضمان دون القضاء، فيعلق ذلك بذمة العبد لانها محل للضمان، ويفارق المهر والنفقة يجبان عوضا عن الاستمتاع المعجل، وكان ما في مقابلهما معجلا. وحكى أبو على الشيحى وجها آخر أنه يتعلق برقبته - وليس بشئ - وان كان العبد مأذونا له في التجارة فلا يخلو اما أن يضمن بإذن السيد أو بغير اذنه، فإن ضمن بغير إذنه نظرت، فإن قال: ضمنت لك حتى أؤدى من هذا المال لم يصح الضمان، لان السيد انما أذن له في التجارة فيما ينمى المال لا فيما يتلفه.

وان ضمن له مطلقا فهل يصح ضمانه؟ على الوجهين في غير المأذون، فإذا قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا يصح فإنه لا يجوز له أن يقضى مما في يده من مال التجارة، ولكن يثبت في ذمته إلى أن يعتق. وان ضمن باذنه صح الضمان. فان كان اذن السيد بالضمان مطلقا فمن أين يقضى العبد دين الضمان، فيه وجهان (أحدهما) من كسبه أو مما في يده للتجارة (والثانى) يثبت في ذمته إلى أن يعتق. وان أذن له السيد بالضمان في المال الذى في يديه فقال: ضمنت لك حقك الذى لك على فلان حتى أؤدى من المال الذى في يدى صح الضمان ولزمه أن يؤدى من المال الذى في يده للتجارة لان المنع منه لاجل السيد، وقد أذن فجاز فإذا قال الحر: ضمنت لك دينك على فلان في هذا المال لم يصح الضمان، والفرق بينهما أن العبد ضمن الحق في ذمته. وانما علق الاداء في مال بعينه، والحر لم يضمن الحق في ذمته، وانما ضمنه في المال بعينه، فوزانه أن يقول الحر ضمنت لك دينك على فلان وأزنه من هذا المال فيصح الضمان، فان كان على المأذون له (العبد) دين يستغرق ما بيده ثم أذن له السيد بالضمان والقضاء مما في يده من مال التجارة، أو قلنا يلزمه القضاء منه، على أحد الوجهين، فهل يشارك المضمون له الغرماء، فيه وجهان (أحدهما) يشاركهم، لان المال للسيد، وقد أذن بالقضاء منه، اما بصريح القول أو من جهة الحكم (والثانى) لا يشاركهم، لان حقوق أصحاب الديون متعلقة بما في يده فصار ذلك كالمرهون بحقوقهم، نرى أن السيد لو أراد أخذ ذلك قبل قضاء الغرماء لم يكن له ذلك. (فرع) وان كان في ذمة العبد دين فضمن عنه ضامن صح الضمان لان الدين في ذمته لازم، وانما لا يطالب به لعجزه في حال رقه فصح الضمان عنه كالدين على المعسر. قال الصيمري: لو ثبت على عبده دين بالمعاملة فضمنه عنه سيده صح ضمانه كالأجنبي (فرع) وأما المكاتب فانه إذا ضمن دينا على سيده - فان كان بغير اذنه

فهل يصح؟ فيه وجهان كما قلنا في غير المكاتب، وإن قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا يصح كان ذلك في ذمته إلى أن يعتق وإن ضمن بإذن سيده، فان قلنا يجوز للكاتب أن يهب شيئا من حاله بإذن سيده على ما مضى من بياننا لحكمه وإن قلنا لا يجوز للمكاتب أن يهب شيئا لغيره بغير إذن سيده فالذي يقتضى المذهب أن يصح الضمان ويتبع به إذا عتق، ولا يقضى من المال الذى بيده قبل أداء الكتابة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ويصح الضمان من غير رضا المضمون عنه لانه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه، جاز ضمان ما عليه من غير رضاه. واختلف أصحابنا في رضا المضمون له، فقال أبو على الطبري: يعتبر رضاه لانه إثبات مال في الذمة بعقد لازم، فشرط فيه رضاه كالثمن في البيع وقال أبو العباس: لا يعتبر، لان أبا قتادة ضمن الدين عن الميت بحضرة النبي. ولم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم رضا المضمون له (فصل) وهل يفتقر إلى معرفة المضمون له والمضمون عنه. فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يفتقر إلى معرفة المضمون عنه، ليعلم أنه هل هو ممن يسدى إليه الجميل ويفتقر إلى معرفة المضمون له ليعلم هل يصلح لمعاملته أم لا يصلح، كما يفتقر إلى معرفة ما تضمنه من المال هل يقدر عليه أم لا يقدر عليه (والثانى) أنه يفتقر إلى معرفة المضمون له: لان معاملته معه ولا يفتقر إلى معرفة المضمون عنه لانه لا معاملة بينه وبينه (والثالث) أنه لا يفتقر إلى معرفة واحد منهما لان أبا قتادة ضمن عن الميت: ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المضمون له، والمضمون عنه. (الشرح) الاحكام: يصح الضمان من غير رضى المضمون عنه، لان عليا رضى الله عنه وأبا قتادة رضى الله عنه ضمنا عن الميت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. والميت لا يمكن رضاه، ولانه لما جاز له أن يقضى الدين بغير اذن جاز أن يضمن عنه الدين بغير اذنه. وأما المضمون له فهل يعتبر رضاه؟ فيه وجهان قال أبو على

الطبري: يعتبر رضاه، وهو قول أبى حنيفة كما سبق في شرح ترجمة الباب إلا في مسألة واحدة، وهو إذا قال المريض لبعض ورثته اضمن عنى دينا لفلان الغائب فضمن عنه بغير اذن المضمون له وان لم يسم الدين استحسانا، لانه اثبات مال لآدمي فلم يصح الا برضاه أو من ينوب عنه كالبيع والشراء له فقولنا " لآدمي " احتراز كما قلنا من النذر. وقال أبو العباس بن سريج يصح من غير رضاه، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره، وبه قال أبو يوسف لان عليا وأبا قتادة رضى الله عنهما ضمنا الدين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بغير رضا المضمون له ولان الضمان وثيقة بالحق فلم يفتقر إلى رضا من له الوثيقة، كما لو أشهد من عليه الدين بنفسه فصحت الشهادة وان لم يرض المشهود له. وأما معرفة الضامن للمضمون له والمضمون عنه فهل يفتقر إلى ذلك فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يفتقر إلى معرفة واحد منهما، وانما يضمن بالاسم والنسب ووجهه ضمان أبى قتادة وعلي، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يعرفان عين المضمون له والمضمون عنه أم لا، ولو كان الحكم يختلف بذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولان الواجب أداء الحق فلا حاجة إلى معرفة ما سوى ذلك. (والثانى) أنه لا يصح حتى يعرف الضامن عينهما: لان معاملته المضمون له فلابد من معرفته بعينه ليعلم هل هو أهل لان يسدى إليه الجميل أم لا. (والثالث) أنه يفتقر إلى معرفة عين المضمون له لان معاملته معه، ولا يفتقر إلى معرفة المضمون عنه، لانه لا معاملة بينه وبينه قال المحاملى فإذا قلنا بهذا افتقر إلى قبوله، فان قيل لزم الضمان وان رد بطل، وان رجع الضامن قبل قبول المضمون له صح رجوعه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان باعه بشرط أن يضمن الثمن ضامن، لم يجز حتى يعين الضامن، لان الغرض يختلف باختلاف من يضمن، كما يختلف باختلاف

ما يرهن من الرهون: وإن شرط أن يضمنه ثقة لم يجز حتى يعين، لان الثقات يتفاوون، فان لم يف له بما شرط من الضمين ثبت للبائع الخيار، لانه دخل في العقد بشرط الوثيقة ولم يسلم له الشرط، فثبت له الخيار، كما لو شرط له رهنا ولم يف له بالرهن. وإن شرط أن يشهد له شاهدين جاز من غير تعيين، لان الاغراض لا تختلف باختلاف الشهود، فان عين له شاهدين فهل يجوز إبدالهما بغيرهما؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز. كما لا يجوز في الضمان (والثانى) يجوز، لان الغرض لا يختلف. (الشرح) الاحكام: إذا باع رجل من غيره شيئا بثمن في ذمته بشرط أن يضمن له بالثمن ضامن معين صح البيع والشرط، لان الحاجة تدعو إلى شرط الضمين في عقد البيع، فان لم يضمن له الضمين المعين ثبت للبائع الخيار في فسخ البيع، لانه إنما دخل في البيع بهذا الشرط، فإذا لم يف له المشترى بالشرط ثبت للبائع الخيار. وان أتاه المشترى بضمين غير الضمين المعين لم يلزم البائع قبوله بل يثبت له الخيار، وإن كان الذى جاءه به أملا من المعين، لانه قد يكون له غرض في ضمانه المعين، وان شرط في البيع أن يضمن له بالثمن معه لم يصح الشرط وبطل البيع لان الثقات يتفاوتون، وإذا كان الشرط مجهولا بطل البيع (فرع) وان باعه سلعة بثمن بشرط أن يشهد له شاهدين جاز من غير تعيين وكان عليه أن يشهد له شاهدين عدلين، لان الاغراض لا تختلف باختلاف الشهود، فإذا لم يشهد له ثبت لصاحبه الخيار في فسخ البيع، وان باعه بشرط أن يشهد له شاهدين معينين فأشهد له شاهدين عدلين غير المعينين فهل يسقط خيار الآخر؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزم الآخر قبول ذلك بل يثبت له الخيار في فسخ البيع. كما قلنا في الضمين المعين (والثانى) يلزم قبول ذلك ولا خيار له لانه لا غرض له في أعيان الشهود إذا حصلت العدالة، ولهذا قلنا لابد في شرط الضمين من تعيينه وفى الشهادة يجوز شرط شاهدين عدلين وان كانا غير معينين. والذى يقتضى

المذهب أن هذا الشرط في الشهادة يصح أن يكون وثيقة لكل واحد من المتبايعين ويثبت لكل واحد منهما الخيار، إذا شرط ذلك على الآخر ولم يف الآخر له بذلك، لان للبائع غرضا في الاستيثاق بالشهادة خوفا أن يستحق عليه المبيع فيرجع بالثمن على البائع قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويصح ضمان كل دين لازم كالثمن والاجرة وعوض القرض ودين السلم وأرش الجناية وغرامة المتلف لانه وثيقة يستوفى منها الحق فصح في كل دين لازم كالرهن، وأما مالا يلزم بحال وهو دين الكتابة فلا يصح ضمانه لانه لا يلزم المكاتب أداؤه فلم يلزم ضمانه، ولان الضمان يراد لتوثيق الدين، ودين الكتابة لا يمكن توثيقه، لانه يملك إسقاطه إذا شاء فلا معنى لضمانه، وفى مال الجعالة والثمن في مدة الخيار ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح ضمانه لانه دين غير لازم فلم يصح ضمانه كدين الكتابة (والثانى) يصح لانه يؤول إلى اللزوم فصح ضمانه (والثالث) يصح ضمان الثمن في مدة الخيار ولا يصح ضمان مال الجعالة لان عقد البيع يؤول إلى اللزوم وعقد الجعالة لا يلزم بحال. فأما المال المشروط في السبق والرمى ففيه قولان (أحدهما) أنه كالاجارة فيصح ضمانه (والثانى) أنه كالجعالة فيكون في ضمان وجهان (الشرح) الاحكام قال أصحابنا: الحقوق على أربعة أضرب (أحدها) حق لازم كالثمن في الذمة بعد قبض المبيع، والاجرة في الذمة بعد انقضاء الاجارة ومال الجعالة بعد العمل، والمهر بعد الدخول وعوض القرض وقيم المتلفات فهذا يصح ضمانه لانه دين لازم مستقر (الضرب الثاني) دين لازم غير مستقر كالمهر قبل الدخول، وثمن المبيع قبل قبض المبيع والاجرة قبل انقضاء الاجارة ودين السلم، فهذا يصح ضمانه أيضا وقال احمد رضى الله عنه في احدى الروايتين لا يصح سمان المسلم فيه.

لانه يؤدى إلى استيفاء المسلم فيه من غير المسلم عليه فهو كالحوالة. ودليلنا أنه دين لازم فصح ضمانه كالمهر بعد الدخول (الضرب الثالث) دين ليس بلازم ولا يئول إلى اللزوم، وهو دين الكتابة فلا يصح ضمانه لان المكاتب يملك إسقاطه بتعجيز نفسه فلا معنى لضمانه، ولان ذمة الضامن فرع لذمة المضمون، فإذا لم يلزم الاصل لم يلزم الفرع، ومن حكم الضمان أن يكون لازما، وإن كان على المكاتبة دين لاجنبي صح ضمانه لانه دين لازم عليه، وإن كان عليه لسيده دين من غير جهة الكتابة فهل يصح ضمانه فيه وجهان (أحدهما) يصح ضمانه لانه يجبر على أدائه (والثانى) لا يصح ضمانه لانه قد يعجز نفسه فيسقط ما في ذمته لسيده قال العمرانى: وأصلهما الوجهان هل يستدام ثبوت الدين في ذمته لسيده بعد أن يصير ملكا له؟ فيه وجهان. فإن قلنا: يستدام ثبوته صح ضمانه، وإن قلنا: لا يستدام ثبوته لم يصح ضمانه. الضرب الرابع: دين غير لازم إلا أن يؤل إلى اللزوم، وهو مال الجعاله قبل العمل بأن يقول: من رد ضالتي فله دينار، فان أضمن عنه غيره ذلك قبل رد الضالة هل يصح، فيه وجهان. (أحدهما) يصح لقوله تعالى: قالوا " نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " فضمن المنادى مال الجعالة، وحمل البعير معلوم. (والثانى) لا يصح، لانه دين غير لازم فلا يصح ضمانه، كمال الكتابة، وممن قال: لم يضمن المنادى، وإنما أخبر عن الملك أنه بذل لمن رده حمل البعير، وأن الملك قال: وأنا به زعيم. وأما ضمان ثمن المبيع في مدة الخيار فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: فيه وجهان، كمال الجعالة قبل العمل، ومنهم من قال يصح ضمانه وجها واحدا لانه يؤل إلى اللزوم، ولان الثمن قد لزم، وإنما له إسقاطه بالفسخ بخلاف مال الجعالة، فإنه لا يلزم بحال. (فرع) وأما مال السبق والرمى بعد العمل فيصح ضمانه، لانه دين لازم

مستقر، فهو المهر بعد الدخول، وأما قبل العمل فان كان المخرج للسبق أحدهما أو أجنبيا فهل يصح ضمانه: فيه وجهان، كما في الجعالة، وإن كان مال السبق منهما وبينهما محلل، فان قلنا إن ذلك كالاجارة صح ضمانه، كضمان الاجرة قبل انقضاء مدة الاجارة، وإن قلنا: إنها كالجعالة كان في ضمان المال عنهما: أو عن احدهما، وجهان كمال الجعالة. (فرع) وأما أرش الجناية والدية - فان كان دراهم أو دنانير - مثل أن جنى على عبد أو كانت الابل معدومة، فأوجبنا قيمتها وكانت معلومة، أو قلنا يجب ألف مثقال، أو اثنى عشر ألف درهم صح ضمانها. وإن كان الواجب الابل. فهل يصح ضمانها، فيه وجهان، بناء على القولين في جواز بيعها. (فرع) وأما ضمان نفقة الزوجة - فإن ضمن عنه نفقة مدة قد مضت - صح ضمانها، لانه دين لازم مستقر فهى كالمهر بعد الدخول، وإن ضمن عنه نفقة يومه الذى هو فيه صح أيضا، لانه دين لازم فصح ضمانه، وإن كان غير مستقر كضمان المهر قبل الدخول لم يصح، وإن ضمن عنه مدة مستقبلة معلومة فهل يصح؟ فيه قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أو بالعقد والتمكين من الاستمتاع، فقال في القديم: يجب بالعقد، وإنما يجب استيفاؤها يوما بيوم فعلى هذا يصح أن يضمن نفقة مدة معلومة، ولكن لا يضمن إلا نفقة المعسر. وإن كان الزوج وقت الضمان موسرا، لان نفقة المعسر متحققة، وما زاد على ذلك مشكوك فيه. وقال في الجديد: لا تجب النفقة إلا بالعقد والتمكين من الاستمتاع، فعلى هذا لا يصح أن يضمن نفقة مدة مستقبلة بحال. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز ضمان المجهول، لانه إثبات مال في الذمة بعقد لآدمي فلم يجز مع الجهالة، كالثمن في البيع، وفى إبل الدية وجهان. (أحدهما) لا يجوز ضمانه، لانه مجهول اللون والصفة (والثانى) أنه يجوز

لانه معلوم السن والعدد، ويرجع في اللون والصفة إلى عرف البلد. (فصل) ولا يصح ضمان ما لم يجب، وهو أن يقول: ما تداين فلان فأنا ضامن له، لانه وثيقة بحق، فلا يسبق الحق كالشهادة. (الشرح) الاحكام: لا يصح ضمان مال مجهول، وهو أن يقول ضمنت لك ما تستحقه على فلان من الدين، وهو لا يعلم قدره، وكذلك لا يصح ضمان ما لم يجب، وهو أن يقول: ضمنت لك ما تداين فلانا، وبه قال الليث وابن أبى ليلى وابن شبرمة والثوري وأحمد. وقال مالك وأبو حنيفة: يصح ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، وقال أبو العباس بن سريج: وهو قول الشافعي في القديم كما قال الشافعي في القديم: يصح ضمان نفقة الزوجة عن مدة مستقبلة، وهذا ضمان ما لم يجب، وضمان مجهول وهو طريقة الخراسانيين أنها على قولين، قال الشيخ أبو حامد خالف سائر أصحابنا ذلك، وقالوا: لا يصح قولا واحدا، وما قاله الشافعي رحمه الله في القديم أنه يصح ضمان نفقة الزوجة مدة مستقبلة، فانها أجازه لان النفقة تجب على هذا بالعقد فقد ضمن ما وجب، ولا يصح منها إلا ضمان شئ مقدر وليس بمجهول دليلنا: على أنه لا يصح ضمانها لانه إثبات مال في الذمة بعقد لازم فلم يصح مع جهله، ولا قبل ثبوته كالثمن في البيع، والمهر في النكاح فقولنا: في الذمة احتراز ممن غصب من رجل شيئا مجهولا، وقولنا بعقد، احتراز ممن أتلف على غيره مالا أو وطئ امرأة بعقد فاسد، فان ذلك يثبت في ذمته مالا، وإن كان لا يعلم قدره. (فرع) قال في الابانة: فلو جهل مقدار الدين إلا أنه قال: ضمنت لك من درهم إلى عشرة. وقلنا لا يصح ضمان المجهول، فهل يصح هذا، فيه قولان. (أحدهما) قال: وهو الاشهر -: يصح، لان جملة ما ضمن معلومة (والثانى) وهو الاقيس أنه لا يصح، لان مقدار الحق مجهول. (فرع) فأما إذا قال الرجل لغيره ضمنت لك ما تعطى وكيلى وما يأخذ منك فان يلزمه ذلك، لا من جهة الضمان، ولكن من جهة التوكيل، وذلك أن يد الوكيل يد الموكل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز تعليقه على شرط، لانه ايجاب مال لآدمي بعقد، فلم يجز تعليقه على شرط كالبيع. وان قال: ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه صح فإذا ألقاه وجب ما ضمنه. لانه استدعاء اتلاف بعوض لغرض صحيح. فأشبه إذا قال: طلق امرأتك أو أعتق عبد على ألف، وان قال: بع عبدك من زيد بخمسمائة ولك على خمسمائة أخرى فباعه، ففيه وجهان. (أحدهما) يصح البيع، ويستحق ما بذله لانه مال بذله في مقابلة ازالة الملك فأشبه إذا قال: طلق امرأتك أو أعتق عبدك على ألف. (والثانى) لا يصح لانه بذل مال لغرض غير صحيح فلم يجز، ويخالف ما بذله في الطلاق والعتق، فان ذلك بذل مال لغرض صحيح، وهو تخليص المرأة من الزوج وتخليص العبد من الرق (الشرح) الاحكام: لا يصح تعليق الضمان على شرط بأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت لك دينك على فلان. وحكى المسعودي أن أبا حنيفة قال " يصح ". دليلنا أنه إيجاب مال لآدمي بعقد فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع. وقوله لآدمي احتراز من النذر كما سبق تقريره، وقولنا بعقد احتراز من وجوب النفقه للقريب والزوجة فإنه معلق بشروط (فرع) إذا قال لغيره في البحر عند هيجان الموج وخوف الغرق: ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فألقاه، وجب على المستدعى ضمانه. وقال أبو ثور لا يصح لانه ضمان ما لم يجب دليلنا أنه استدعاء إتلاف ملك لغرض صحيح فصح، كما لو قال: طلق امرأتك بمائة درهم على، وكان الغرض صحيحا لحسم نزاع أو درء مضارة صح الضمان. وكذا لو قال: اعتق عبدك بمائة على، فإن ذلك غرض صحيح لان فيه فكاكا لآدمي من الرق وهو قربة إلى الله تعالى ومقصد من مقاصد الشريعة السمحة، فان قال لرجل: بع عبدك من زيد بألف وعلى لك خمسمائة فباعه. قال الصيدلانى

وقاله في العقد. فهل يصح العقد؟ فيه وجهان لابي العباس بن سريج. أحدهما يصح البيع ويستحق البائع على المشترى خمسمائة وعلى المستدعى خمسمائه، لانه مال بذله في مقابلة إزالة ملكه فيصح والثانى: لا يصح. ولا يستحق على الباذل شيئا لان الثمن يجب أن يكون جميعه على المشترى، فإذا شرط بعضه على غيره لم يصح. وإذا قال بع سيارتك من فلان بألف على إن أذن منه خمسمائة جاز وينظر فان ضمن قبل المبيع لم يلزمه لانه ضامن قبل الوجوب، وان ضمنه بعده لزمه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز أن يضمن الدين الحال إلى أجل لانه رفق ومعروف فكان على حسب ما يدخل فيه، وهل يجوز أن يضمن المؤجل حالا؟ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يضمن الحال مؤجلا (والثانى) لا يجوز، لان الضمان فرع لما على المضمون عنه فلا يجوز أن يكون الفرع معجلا والاصل مؤجلا (الشرح) الاحكام: إذا كان لرجل على غيره دين حال فضمنه عنه ضامن إلى أجل معلوم صح الضمان وكان الدين معجلا على المضمون مؤجلا على الضامن، لان الضمان رفق ومعروف، فكان على حسب الشرط، وكذلك إذا كان الدين مؤجلا إلى شهر، فضمنه عنه ضامن مؤجلا إلى شهرين كان مؤجلا على المضمون عنه إلى شهر وعلى الضامن إلى شهرين، فان قبل فعندكم الدين الحال لا يتأجل فكيف تأجل على هذا الضامن؟ فالجواب أن الدين لم يثبت على الضامن حالا، وانما ثبت عليه مؤجلا، والدين يتأجل في ابتداء ثبوته، وان كان الدين على رجل مؤجلا فضمنه ضامن حالا أو كان مؤجلا على من هو عليه إلى شهرين فضمنه عنه ضامن إلى شهر ففيه ثلاثة أوجه حكاها المحاملى وابن الصباغ (أحدها) يصح الضمان ويلزم الضامن تعجيل الدين دون المضمون عنه لانه ضمن له دينا فكان على حسب ما ضمنه، كما لو ضمن المعجل مؤجلا.

(والثانى) لا يصح الضمان، لان الضامن فرع للمضمون عنه، فلا يجوز أن يستحق مطالبة الضامن دون المضمون عنه (والثالث) يصح الضمان ولا يلزمه التعجيل كأصله. إذا ثبت هذا فضمن الحال مؤجلا فمات الضامن، حل عليه الدين ووجب دفع ذلك من تركته، ولو لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه حتى يحل الاجل. وقال زفر: يرجعون عليه في الحال، لانه أدخله في ذلك مع علمه أنه يحل بموته. دليلنا أن المضمون عنه لم يأذن في الضمان عنه إلا إلى أجل، فلا يستحق الرجوع عليه في الحال. وإن مات المضمون عنه - فإن اختار المضمون له الرجوع على الضامن لم يطالبه قبل حلول الاجل، وإن اختار المطالبة من تركة المضمون عنه كان له ذلك في الحال، وبه قال أحمد وأصحابه. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) ولا يثبت في الضمان خيار، لان الخيار لدفع الغبن وطلب الحظ، والضامن يدخل في العقد على بصيرة أنه مغبون، وانه لا حظ له في العقد، ولهذا يقال الكفالة أولها ندامة، وأوسطها ملامة. وآخرها غرامة (الشرح) الاحكام: لا يجوز شرط الخيار في الضمان، فإذا شرط فيه أبطله. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصح الضمان ويبطل الشرط. دليلنا أن الخيار يراد لطالب الحظ. والضامن يعلم أنه مغبون لا من جهة المال بل من جهة الثواب. ولهذا يقال الكفالة أولها ندامة، وأوسطها ملامة وآخرها غرامة، وإذا ثبت أنه لا وجه لشرط الخيار فيه. قلنا عقد لا يدخله خيار الشرط فأبطله كالصرف والسلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويبطل بالشروط الفاسدة، لانه عقد يبطل بجهالة المال فبطل

بالشرط الفاسد كالبيع، وان شرط ضمانا فاسدا في عقد بيع فهل يبطل البيع؟ فيه قولان كالقولين في الرهن الفاسد إذا شرطه في البيع، وقد بينا وجه القولين في الرهن. (الشرح) الاحكام: يبطل الضمان بالشروط الفاسدة، لانه عقد يبطل بجهالة المال فبطل بالشروط الفاسدة كالبيع وفيه احتراز من الوصية، فإن قال بعتك سيارتي بألف على أن يضمن لى فلان عليك على أنه بالخيار، فهذا شرط يفسد الضمان، وهل يفسد البيع في السيارة بذلك، فيه قولان كالقولين فيمن شرط رهنا فاسدا في بيع، وقد سبق توجيهما في الرهن قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويجب بالضمان الدين في ذمة الضامن ولا يسقط عن المضمون عنه. والدليل عليه ما روى جابر رضى الله عنه قال " توفى رجل منا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه، فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين، قلنا ديناران فتحملهما أبو قتادة، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران، قال انما مات أمس ثم أعاد عليه بالغد، قال قد قضيتهما، قال الآن بردت عليه جلده " ولانه وثيقة بدين في الذمة فلا يسقط الدين عن الذمة كالرهن، ويجوز للمضمون له مطالبة الضامن والمضمون عنه، لان الدين ثابت في ذمتهما فكان له مطالبتهما، فإن ضمن عن الضامن ثالث جاز لانه ضمان دين ثابت فجاز كالضمان الاول، وان ضمن المضمون عنه عن الضامن لم يجز لان المضمون عنه أصل والضامن فرع، فلا يجوز أن يصير الاصل فرعا والفرع أصلا، ولانه يضمن ما في ذمته ولانه لا فائدة في ضمانه وهو ثابت في ذمته. (الشرح) حديث جابر رضى الله عنه ولفظه " توفى رجل فغلسناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلى عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين. قلنا ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران على، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أوفى الله حق الغريم وبرئ

منه الميت، قال نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ إنما مات أمس. قال فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده " رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم. وفى قوله " أتينا به النبي صلى الله عليه " زاد الحاكم " ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل عليه السلام " قوله " فانصرف " لفظ البخاري في حديث أبى هريرة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على صاحبكم " وقد سبق لنا تخريجه. وكذلك حديث سلمة بن الاكوع أما الاحكام: فإنه إذا ضمن عن غيره دينا تعلق الدين بذمة الضامن ولا يبرأ المضمون عنه بالضمان، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأهل العلم. وقال ابن أبى ليلى وابن شبرمة وداود وأبو ثور: تبرأ ذمة المضمون عنه بالضمان ويتحول الحق إلى ذمة الضامن، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لابي قتادة رضى الله عنه: حق الغريم عليك والميت منه برئ. قال نعم، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه: فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك ودليلنا ما روى جابر رضى الله عنه الحديث الذى سقناه وفيه " الآن بردت عليه جلده " فلو كان قد تحول الدين عن المضمون عنه بالضمان لكان قد برد جلده بالضمان، ولان الضمان وثيقة بدين، فلم يتحول إلى الوثيقة ويسقط عن الذمة كالرهن والشهادة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لابي قتادة رضى الله عنه " والميت منه برئ " يريد به من الرجوع في تركته. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه " فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك " أراد به لامتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه لاجل ما عليه من الدين فلما ضمنهما عنه فك رهانه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، لان صلاته رحمة إذا ثبت هذا فيجوز للمضمون له مطالبة من شاء من الضامن والمضمون عنه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يطالب الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة

المضمون عنه، دليلنا أن الحق متعلق بذمة كل واحد منهما، فكان له مطالبة كل واحد منهما كالضامنين. (فرع) قال العمرانى في البيان: فإن ضمن عن الضامن ضامن أجنبي صح الضمان لانه دين لازم عليه كالضمان الاول، وان ضمن عن الضامن المضمون عنه لم يصح ضمانه، لان الضمان يستفاد به حق المطالبة، ولا فائدة في هذا الضمان لان الحق ثابت في ذمته قبل الضمان، ولان الضامن فرع المضمون عنه فلا يجوز أن ينقلب الاصل فرعا والفرع أصلا. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن ضمن عن رجل دينا بغير إذنه لم يجز له مطالبة المضمون عنه بتخليصه، لانه لم يدخل فيه بإذنه فلم يلزمه تخليصه، وان ضمن بإذنه نظرت، فإن طالبه صاحب الحق جاز له مطالبته بتخليصه، لانه إذا جاز أن يغرمه إذا غرم جاز أن يطالبه إذا طولب وإن لم يطالب ففيه وجهان (أحدهما) له أن يطالبه، لانه شغل ذمته بالدين بإذنه فجاز له المطالبة بتفريغ ذمته، كما لو أعاره عينا ليرهنها فرهنها (والثانى) ليس له، وهو الصحيح، لانه لما لم يغرمه قبل أن يغرم لم يطالبه قبل أن يطالب، ويخالف إذا أعاره عينا ليرهنها فرهنها لان عليه ضررا في حبس العين والمنع من التصرف فيها ولا ضرر عليه في دين في ذمته لا يطالب به، فإن دفع المضمون عنه مالا إلى الضامن وقال: خذ هذا بدلا عما يجب لك بالقضاء، ففيه وجهان (أحدهما) يملكه، لان الرجوع يتعلق بسببين: الضمان والغرم، وقد وجد أحدهما فجاز تقديمه على الآخر، كإخراج الزكاة قبل الحول، وإخراج الكفارة قبل الحنث، فإن قضى عنه الدين استقر ملكه على ما قبض، وان أبرئ من الدين قبل القضاء وجب رد ما أخذ، كما يجب رد ما عجل من الزكاة إذا هلك النصاب قبل الحول

(والثانى) لا يملك لانه أخذه بدلا عما يجب في الثاني فلا يملكه، كما لو دفع إليه شيئا عن بيع لم يعقده فعلى هذا يجب رده، فإن هلك ضمنه لانه قبضه على وجه البدل فضمنه كالمقبوض بسوم البيع (الشرح) الاحكام: إذا ضمن الرجل دينا عن رجل آخر بغير إذنه لم يكن للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليص ذمته لانه لم يدخل فيه بإذنه فلزمه تخليصه، وإن ضمن عنه بإذنه، فإن طالب المضمون له الضامن بالحق كان للضامن أن يطالب المضمون عنه بتخليصه لانه دخل في الضمان بإذنه، وإن لم يطالب المضمون له الضامن فهل للضامن أن يطالب عنه؟ قال الشيخ أبو حامد نظرت فان قال أعطني المال الذى ضمنته عنك ليكون عندي حتى إذا طالبني المضمون له أعطيته ذلك، لم يكن له ذلك، لانه لم يغرم وإن قال خلصني من حق المضمون له وفك ذمتي من حقه، كما أوقعتني فيه فهل له ذلك. فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لانه لزمه هذا الحق من جهته وبأمره فكان له مطالبته بتخليصه كما لو استعار كتابا ليرهنه فرهنه فللمعير أن يطالب المستعير بقضاء الدين وفك الرهن عن الكتاب. (والثانى) ليس له ذلك، لانه إذا لم يطالبه المضمون له، فلا ضرر عليه في كون الحق في ذمته، فلم يكن له مطالبته بذلك، ويفارق الكتاب المرهون، لان على صاحب الكتاب يقع الضرر في كون الكتاب مرهونا قال المسعودي: وأصل هذين الوجهين ما قال ابن سريج: هل ينعقد بين الضامن والمضمون عنه حكم بنفس الضمان. على قولين. ولهذا خمس فوائد. إحداهن هذه المسألة المتقدمة. الثانية: إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مال الضمان عوضا عما سيغرم فهل يملكه الضامن، فيه وجهان (أحدهما) يملكه لان الرجوع يتعلق بسببين بالضمان والغرم، وقد وجد أحدهما فجاز تقديمه على الآخر، كإخراج الزكاة بعد النصاب وقبل الحول، فعلى هذا إذا قضى الحق استقر ملكه على ما قبض، وإن أبرأه من الدين قبل القضاء وجب رد ما أخذ (الثاني) لا يملك ما قبض لانه أخذه بدلا عما يجب في الثاني فلا يملكه،

كما لو دفع إليه شيئا عن بيع لم يعقد، فعلى هذا يجب رده، وان تلف ضمنه لانه قبضه على وجه البدل فضمنه كالمقبوض بسوم البيع (الفائدة الثالثة) لو أبرأ الضامن المضمون عنه عما سيغرم، هل يصح. على الوجهين. (الفائدة الرابعة) لو ضمن الضامن ضامن عن المضمون عنه، هل يصح فيه وجهان، وعلى قياس هذا إذا رهن المضمون عنه الضامن بما ضمن عنه، هل يصح. على الوجهين (الفائدة الخامسة) لو ضمن في الابتداء بشرط أن يعطيه المضمون عنه ضامنا معينا بما ضمن هل يصح، على الوجهين وعلى قياس هذا إذا ضمن عنه باذنه بشرط أن يرهنه رهنا معلوما هل يصح على الوجهين، والله تعالى الموفق للصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قبض المضمون له الحق من المضمون عنه، برئ الضامن لانه وثيقة بحق فانحلت بقبض الحق كالرهن، وان قبضه من الضامن برئ المضمون عنه، لانه استوفى الحق من الوثيقة فبرئ من عليه الدين، كما لو قضى الدين من ثمن الرهن. وان أبرئ المضمون عنه برئ الضامن، لان الضامن وثيقة بالدين، فإذا أبرئ من عليه الدين انحلت الوثيقة، كما ينحل الرهن إذا أبرئ الراهن من الدين، وان أبرئ الضامن لم يبرأ المضمون عنه لان إبراءه إسقاط وثيقة من غير قبض، فلم يبرأ به من عليه الدين كفسخ الرهن. (الشرح) الاحكام: إذا قبض المضمون له حقه من المضمون عنه برئ الضامن، لان الضمان وثيقة بالحق فانحلت باستيفاء الحق، كما لو استوفى المرتهن الحق من غير الرهن فان قبض الحق من الضامن برئ المضمون عنه لانه قبض الحق من الوثيقة فبرئ من عليه الحق كالمرتهن إذا استوفى حقه من ثمن الرهن

وإن أبرأ المضمون له المضمون عنه، برئ المضمون عنه وبرئ الضامن، لان المضمون عنه أصل والضامن فرع، فإذا برئ الاصل برئ الفرع. وإن أبرأ الضامن برئ الضامن ولم يبرأ المضمون عنه كالمرتهن إذا أسقط حقه من الرهن فان الراهن لا يبرأ قال المسعودي وان قال المضمون له للضامن وهبت الحق منك. أو تصدقت به عليك كان إبراء منه للضامن. وقال أبو حنيفة يكون كما لو استوفى منه الحق. دليلنا أن الاستيفاء منه هو أن يغرم الضامن ولم يغرم شيئا هنا (فرع) وإن ضمن عن الضامن ثم ضمن عن الثاني ثالث ثم رابع عن الثالث صح ذلك، فإذا قبض المضمون له الحق حقه من أحدهم برئ الجميع، لانه قد استوفى حقه. وإن أبرأ المضمون له المضمون أولا برئوا جميعا، وإن أبرأ أحد الضمناء برئ وبرئ فرعه وفرع فرعه، ولا يبرأ أصله، لما ذكرناه في المسألة قبلها، ولانه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها فلم تبرأ ذمة الاصل كالرهن إذا انفسخ من غير استيفائه، وأى الضامنين قضى الحق برئ الباقون من المضمون له لانه حق واحد. وبهذا كله قال أصحاب أحمد، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وان قضى الضامن الدين نظرت، فان ضمن باذن المضمون عنه وقضى باذنه رجع عليه، لانه أذن له في الضمان والقضاء، وإن ضمن بغير اذنه وقضى بغير اذنه لم يرجع لانه تبرع بالقضاء فلم يرجع، وان ضمن بغير اذنه وقضى باذنه ففيه وجهان، من أصحابنا من قال يرجع لانه قضى باذنه، والثانى لا يرجع وهو المذهب، لانه لزمه بغير اذنه فلم يؤثر اذنه في قضائه، وان ضمن باذنه وقضى بغير اذنه فالمنصوص أنه يرجع عليه، وهو قول أبى على ابن أبى هريرة، لانه اشتغلت ذمته بالدين باذنه فإذا استوفى منه رجع، كما لو أعاره مالا فرهنه في دينه وبيع في الدين وقال أبو إسحاق ان أمكنه أن يستأذنه لم يرجع لانه قضاه باختياره. وان لم

يمكنه رجع لانه قضاه بغير اختياره، وان أحاله الضامن على رجل له عليه دين برئت ذمة المضمون عنه، لان الحوالة بيع فصار كما لو أعطاه عن الدين عوضا. وإن أحاله على من لا دين له عليه وقبل المحال عليه وقلنا يصح برئ الضامن، لان بالحوالة تحول ما ضمن، ولا يرجع على المضمون عنه، لانه لم يغرم، فان قبضه منه ثم وهبه له، فهل يرجع على الضامن، فيه وجهان بناء على القولين في المرأة إذا وهبت الصداق من الزوج ثم طلقها قبل الدخول. (فصل) وان دفع الضامن إلى المضمون له ثوبا عن الدين في موضع يثبت له الرجوع رجع بأقل الامرين من قيمة الثوب أو قدر الدين، فان كان قيمة الثوب عشرة والدين عشرين لم يرجع بما زاد على العشرة، لانه لم يغرم، وان كان قيمة الثوب عشرين والدين عشرة لم يرجع بما زاد على العشرة لانه تبرع بما زاد فلا يرجع به، وان كان الدين الذى ضمنه مؤجلا فعجل قضاءه لم يرجع به قبل المحل لانه تبرع بالتعجيل (الشرح) الاحكام: إذا قضى الضامن الحق فهل يرجع على المضمون عنه. فيه أربع مسائل إن قال اضمن عنى هذا الدين أو أنفذ عنى رجع عليه، وان قال اضمن هذا الدين أو أنفذ هذا الدين ولم يقل عنى لم يرجع عليه، الا أن يكون بينهما خلطة. مثل أن يكون يودع أحدهما الآخر أو يستقرض أحدهما من الآخر، أو يكون ذا قرابة أو مصاهرة فالاستحسان أن يرجع عليه. دليلنا انه ضمن عنه بأمره، وقضى عنه بأمره، فرجع عليه، كما لو قال اضمن عنى أو كان بينهما قرابة (الثانية) أن يضمن عنه بغير أمره ويقضى عنه بغير اذنه فانه لا يرجع عليه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رضى الله عنهما له أن يرجع دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يكن يصلى على من عليه دين، وقد ضمن على وأبو قتادة عن الميتين بحضرة النبي صلى الله عليه بغير اذنهما فصلى عليهما النبي صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي قتادة " الآن بردت

عليه جلده " فلو كان إذا قضى عنه يستحق عليه الرجوع لم يبرد عليه جلده، ولانه ضمن عنه بغير اذنه وقضى عنه بغير اذنه فلم يرجع، كما لو علف دوابه أو أطعم خادمه. (الثالثة) إذا ضمن بغير اذنه ثم قضى باذنه فهل يرجع عليه، فيه وجهان أحدهما لا يرجع عليه وهو المذهب، لانه لزمه بغير اذنه وأمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب عليه بالضمان، والثانى يرجع عليه لانه أدى عنه بأمره فرجع عليه كما لو ضمن عنه باذنه، وأصل هذين الوجهين من قال لغيره، اقض عنى دينى، فقضى عنه فهل له أن يرجع عليه. فيه وجهان قال المسعودي والصيمري الا أن الاصح ههنا أن يرجع، والاصح في الاولى أن لا يرجع، والفرق بينهما أن في الضمان وجب في ذمته بغير اذنه، وفى القضاء لم يتعلق الحق بذمته، بل حصل القضاء باذنه. وان قال اقض الدين ولم يقل عنى فان قلنا لا يرجع عليه فها هنا أولى أن لا يرجع، وان قلنا هناك يرجع فها هنا فيه وجهان حكاهما الصيمري الصحيح لا يرجع وان قال اقض عنى دينى لترجع على فقضى عنه رجع عليه وجها واحدا لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وان قال اقض عن فلان دينه فقضى عنه، قال المسعودي لم يرجع عليه وجها واحدا لانه لا غرض عليه في ذلك (الرابعة) إذا ضمن عنه بأمره وقضى بغير أمره، فهل له أن يرجع عليه، فيه ثلاثة أوجه - حكاها الشيخ أبو حامد - (أحدها) يرجع عليه وهو المذهب، لانه دين لازم باذنه، فرجع عليه كما لو ضمن باذنه وقضى باذنه (الثاني) لا يرجع عليه لانه أسقط الدين عنه بغير اذنه فلم يرجع عليه. كما لو ضمن بغير اذنه وقضى بغير اذنه (والثالث) وهو قول أبى اسحاق ان كان الضامن مضطرا إلى القضاء مثل أن طالبه المضمون له والمضمون عنه غائب أو حاضر معسر فقضى المضمون له رجع الضامن لانه مضطر إلى القضاء. وان كان غير مضطر إلى القضاء، مثل أن كان

المضمون عنه حاضرا موسرا يمكنه أن يطالبه بتخليصه من الضمان، فقضى لم يرجع لانه متطوع بالاداء، وكل موضع ثبت للضامن الرجوع على المضمون عنه، فأحال الضامن المضمون له بالحق على من له عليه دين فانه يرجع على المضمون عنه في الحال، لان الحوالة كالقبض وإن أحاله على من لا حق له عليه وقبل المحال عليه - وقلنا يصح برئ الضامن والمضمون عنه ولا يرجع الضامن على المضمون عنه بشئ في الحال لانه لم يغرم شيئا، فان قبض المحتال من المحال عليه ورجع المحتال عليه على الضامن رجع الضامن على المضمون عنه وان أبرأ المحتال المحال عليه من مال الحوالة لم يرجع المحال عليه على المحيل وهو الضامن بشئ، ولم يرجع الضامن على المضمون عنه، لانه لم يغرم واحد منهما شيئا. وان قبض المحتال الحق من المحال عليه ثم وهبه منه، أو قبض المضمون له الحق من الضامن ثم وهبه منه فهل لهما الرجوع. فيه وجهان، بناء على القولين في المرأة إذا وهبت صداقها من الزوج ثم طلقها قبل الدخول (فرع) إذا كان لرجل على رجلين ألف دينار على كل واحد منهما ضامن عن صاحبه، فلمن له الدين أن يطالب بالالف من شاء منهما، فان قبض من أحدهما ألفا برئا جميعا، وكان للدافع أن يرجع على صاحبه بخمسمائة ان ضمن باذنه وقضى باذنه. وان قبض من أحدهما خمسمائة، فان قال الدافع خذها عن التى على لك أصلا لم يرجع الدافع على صاحبه بشئ، وان قال خذها عن التى ضمنت برئا عنها وكان رجوعه على صاحبه على ما مضى وان دفعها إليه وأطلق، فاختلف الدافع والقابض فقال الدافع دفعتها وعينتها عن التى ضمنتها أو نويتها عنها، وقال المضمون له بل عينتها أو نويتها عن التى هي أصل عليك، فالقول قول الدافع مع يمينه لان أعلم بقوله ونيته وان اتفقا أنه لم يعينها عن أحدهما ولا نواها، ثم اختلفا في جهة صرفها، ففيه وجهان (أحدهما) يصرف اليهما نصفين

(والثانى) للدافع أن يصرفها إلى أيهما شاء. وقد مضى دليل الوجهين في الرهن. وان أبرأه المضمون له عن خمسمائة واختلفا فيما وقعت عليه البراءة. ففى هذه المسائل القول قول المضمون له فيما أبرأ عنه إذا اختلفا في تعيينه أو نيته وان أطلق ففيه وجهان (أحدهما) ينصرف اليهما (والثانى) يعينه المضمون له فيما شاء. (فرع) إذا ضمن عن غيره ألف درهم. قال العمرانى في البيان وكانت هذه الالف مكسرة فدفع إليه ألفا صحاحا في موضع يثبت له الرجوع على المضمون عنه فانه لا يرجع عليه بالصحاح لانه تطوع بتسليمها وانما يرجع بالمكسرة، قال وان ضمن عنه الف درهم صحاحا فدفع ألفا مكسرة لم يرجع الا بالمكسرة لانه لم يغرم غيرها، وان صالح الضامن عن الالف على ثوب ففيه وجهان (أحدهما) وهو المشهور أنه يرجع على المضمون عنه بأقل الامرين من قيمة الثوب أو الالف، لانه ان كانت قيمة الثوب أقل لم يرجع بما زاد عليه لانه لم يغرم غير ذلك، وان كانت قيمة الثوب أقل لم يرجع بما زاد عليه لانه لم يغرم غير ذلك، وان كانت قيمة الثوب أكثر من الالف لم يرجع بما زاد على الالف لانه متطوع بالزيادة عليه والوجه الثاني حكاه المسعودي والشيخ أبو نصر المروذى أنه يرجع بالالف وهو قول أبى حنيفة رحمه الله، كما لو اشترى رجل شقصا بألف ثم أعطاه عن الالف ثوبا يساوى خمسمائة فان المشترى يرجع على الشفيع بألف وأما إذا صالح الضامن المضمون له عن الالف على خمسمائة وقلنا يصح. فان الضامن والمضمون عنه يسقط عنهما الالف كما لو أخذ بالالف ثوبا يساوى خمسمائة. قال المسعودي ولا يرجع الضامن على المضمون عنه الا بخمسمائة وجها واحدا، لانه لم يغرم غيرها (فرع) إذا كان على مسلم لذمى ألف درهم فضمن عنه ذمى، ثم ان الضامن صالح المضمون له عن الدين الذى ضمنه على المسلم على خمر أو خنزير، فهل يصح الصلح. فيه وجهان

(أحدهما) لا يصح ولا يبرأ واحدا منهما عنه حق المضمون له لانه متصل بحق المسلم. (والثانى) يصح لان المعاملة بين ذمتين، فإذا قلنا بهذا فبماذا يرجع الضامن على المسلم، إن قلنا إنه إذا صالحه على ثوب يرجع عليه بأقل الامرين، لم يرجع ها هنا شئ، وان قلنا يرجع بالالف رجع ها هنا فيها أيضا (فرع) إذا ضمن عن غيره دينا مؤجلا بإذنه ثم إن الضامن عجل الدين المضمون له قبل أجله لم يرجع على المضمون عنه قبل حلول الاجل لتطوعه بالتأجيل، فإذا ضمن رجل صداق امرأة فأداه إليها الضامن فارتدت قبل الدخول سقط مهرها. قال المسعودي: وترد المرأة ما قبضت من الصداق إلى الزوج ثم ترده إلى الضامن (فرع) إذا ضمن رجل عن غيره ألف درهم بإذنه، ثم ادعى الضامن أنه دفعها إلى المضمون له وأنكر المضمون له ذلك ولم يكن هناك بينة فالقول قول المضمون له مع يمينه، لان الاصل عدم القبض، فإذا حلف كان له أن يطالب أيهما شاء، لان حقه ثابت في ذمتهما، فإن أخذ الالف من المضمون عنه برئت ذمته وذمة الضامن. وهل للضامن أن يرجع بالالف الاولى على المضمون عنه لا يخلو إما أن يكون دفع بغير محضر المضمون أو بمحضره، فان دفع بغير محضره فلا يخلو إما أن يشهد على الدفع أو لم يشهد على الدفع، فان لم يشهد نظرت في المضمون عنه، فان صدق الضامن أنه دفع، فهل له الرجوع عليه. فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه يرجع عليه لانه قد صدقه أنه أبرأ ذمته بدفع الالف فكان له الرجوع عليه. كما لو كان دفع بحضرته (والثانى) وهو قول أبى إسحاق انه لا يرجع عليه بشئ وهو المشهور. ولم يذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايينى غيره، لانه يقول: إن دفعت فلم تدفع دفعا يبرئني من حقه، لانك لم تسقط عنى بذلك المطالبة، فلم تستحق على بذلك رجوعا. قال صاحب البيان: ويخالف إذا كان بحضرته. فان المفرط هو المضمون عنه، وإن كذبه المضمون عنه فهل عليه اليمين. إن قلنا لو صدقه كان له الرجوع

كان على المضمون عنه أن يحلف أنه ما يعلم أنه دفع. وإن قلنا لو صدقه لا رجوع له عليه، فلا يمين عليه. وإن اختار المضمون له أن يرجع على الضامن فيرجع عليه برئت ذمة المضمون عنه والضامن، وهل للضامن ان يرجع عن المضمون عنه إذا صدقه في دفع الاولة. ان قلنا بقول أبى على بن أبى هريرة ان للضامن أن يرجع بالاولة على المضمون عنه إذا رجع المضمون له على المضمون عنه رجع الضامن ههنا بالالف الاولة على المضمون عنه، ولا يرجع عليه بالثانية لانه يعترف أن المضمون له ظلم بأخذها فلا يرجع بها على غير من ظلمه وان قلنا بالشهود وأنه لا يرجع عليه في الاولة فهل يرجع ها هنا بشئ. فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) لا يرجع عليه بشئ. أما الاولة فقد ذكرنا الدليل عليها. وأما الثانية فلا يرجع بها، لانه يعترف أن المضمون له ظلم بأخذها، فلا يرجع بها على غير من ظلمه. (والثانى) يرجع عليه، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره، لانه قد أبرأ المضمون عنه بدفعه عنه ظاهرا وباطنا فكان له الرجوع عليه كما لو دفع بالبينة، فإذا قلنا بهذا فبأيتهما يرجع. فيه ثلاثة أوجه أحدها وهو قول أبى حامد الاسفرايينى أنه يرجع عليه بالثانية، لان المطالبة عن المضمون عنه سقطت بها في الظاهر والثانى يرجع بالاولة لان براءة الذمة حصلت بها في الباطن والثالث وهو قول ابن الصباع: أنه يرجع بأقلهما لانه ان كان قد ادعى أنه دفع في المرة الاولة ثوبا قيمته دون الالف وفى الثانية دفع الالف، فقد أقر بأن الثانية ظلمه بها المضمون له فلا يرجع بها على غير من ظلمه، وان كان يدعى أنه دفع في المرة الاولة ألف درهم، وفى المرة الثانية ثوبا قيمته دون الالف لم يرجع الا بقيمة الثوب، لانه لم يستحق الرجوع بالاولة فلم يستحق الا قيمة الثوب. فان كان الضامن حين دفع الالف الاولة بغير محضر المضمون عنه قد أشهد على

الدفع، فان كانت البينة قائمة حكم بها على المضمون له ولم يقبل يمنيه ويكون للضامن أن يرجع على المضمون عنه. وإن كانت البينة غير قائمة وصدقه المضمون له أنه قد دفع وأشهد نظرت، فان كان قد أشهد شاهدين عدلين إلا أنهما غابا أو ماتا أو فسقا، فان المضمون له إذا حلف كان له أن يرجع على أيهما شاء، فإن رجع على المضمون عنه كان للضامن أن يرجع أيضا على المضمون عنه بالالف التى قد دفعها عنه، لانه قد اعترف أنه دفع عنه دفعا يبرئه ولا صنع له في تعذر الشهادة. وان رجع المضمون له على الضامن لم يرجع بالثانية لانه ظلمه بها، وإنما يرجع بالاولة لما ذكرناه وان أشهد شاهدين كافرين أو فاسقين ظاهرين الفسق فهو كما لو لم يشهد، هل له أن يرجع على المضمون عنه. على الوجهين، إذا صدقه على الدفع ولم يشهد على ما مضى في الاولة من التفريع. وان أشهد شاهدين ظاهرهما العدالة ثم بان أنهما كانا فاسقين ففيه وجهان (أحدهما) يرجع الضامن على المضمون عنه، لانه لم يفرط في الاشهاد، وليس عليه المعرفة في الباطن، فعلى هذا حكمه حكم ما لو أشهد عدلين ثم ماتا (والثانى) حكمه حكم ما لو لم يشهد، لانه أشهد من لا يثبت الحقوق بشهادته وان أشهد شاهدا واحدا عدلا حرا، فان كان موجودا حلف معه، وكان كما لو أشهد عدلين وحكم بشهادتهما. وان كان ميتا أو غائبا أو طرأ الفسق عليه. فقيه وجهان. (أحدهما) حكمه حكم ما لو أشهد عدلين ثم فسقا لانه دفع بحجته، وإنما عدمت كالشاهدين (والثانى) حكمه حكم ما لو لم يشهد، لانه فرط حيث اقتصر على بينة مختلف في قبولها ; فهو كما لو لم يشهد. وأما إذا دفع الضامن الالف الاولة بمحضر من المضمون عنه، فان أشهد على الدفع فان كانت البينة قائمة أقامها وحكم بها، وان كانت غير قائمة فعلى ما مضى وان لم يشهد فحلف المضمون له رجع على من يشاء منهما. وهل للضامن أن يرجع على المضمون عنه، فيه وجهان. من أصحابنا من قال: حكمه حكم ما لو لم

يشهد، فكان الدفع بعينه المضمون عنه على ما مضى، لانه فرط في ترك الاشهاد فصار الدفع بعينه المضمون عنه، لانه فرط في ترك الاشهاد فصار كما لو دفع في عين المضمون عنه. (والثانى) وهو المنصوص أنه يرجع عليه، لان المفرط في ترك الاشهاد هو المضمون عنه. وإن ادعى الضامن أنه دفع الحق إلى المضمون له فأنكر ذلك المضمون له. والمضمون عنه. ولم تكن هناك بينة فالقول قول المضمون له مع يمينه، فان لم يحلف ردت اليمين على الضامن، فان حلف بنينا على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه. فإن قلنا إنه كالبينة برئ الضامن والمضمون عنه من دين المضمون له. وكان للضامن أن يرجع على المضمون عنه وإن قلنا إن يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كإقرار المدعى عليه، فهو كما لو صدق المضمون له الضامن على الدفع، وأنكر المضمون عنه الدفع، فانه لا مطالبة للمضمون له على أحدهما، لانه قد استقر باستيفاء الحق وهل للضامن أن يرجع بشئ على المضمون عنه. فيه وجهان لابي العباس ابن سريج (أحدهما) القول قول المضمون عنه مع يمينه، ولا يرجع الضامن عليه بشئ، لان الضامن يدعى القضاء ليرجع، فلم يقبل، لان الاصل عدمه، والمضمون له يشهد على فعل نفسه فلم يقبل (والثانى) يرجع الضامن على المضمون عنه، لان قبض المضمون له يثبت مرة بالبينة ومرة بالاقرار، ولو ثبت القبض بالبينة لرجع عليه، وكذلك إذا ثبت بالاقرار، والله تبارك وتعالى أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويصح ضمان الدرك على المنصوص، وخرج أبو العباس قولا آخر أنه يصح لانه ضمان ما يستحق من المبيع، وذلك مجهول، والصحيح أنه يصح قولا واحدا، لان الحاجة داعية إليه لانه يسلم الثمن ولا يأمن أن يستحق عليه المبيع، ولا يمكنه أن يأخذ على الثمن رهنا، لان البائع لا يعطيه مع المبيع

رهنا ولا يمكنه أن يستوثق بالشهادة، لانه قد يفلس البائع فلا تنفعه الشهادة، فلم يبق ما يستوثق به غير الضمان، ولا يمكن أن يجعل القدر الذى يستحق معلوما فعفى عن الجهالة فيه، كما عفى عن الجهل بأساس الحيطان، ويخالف ضمان المجهول لانه يمكنه أن يعلم قدر الدين ثم يضمنه، وفى وقت ضمانه وجهان (أحدهما) لا يصح حتى يقبض البائع الثمن، لانه قبل أن يقبض ما وجب له شئ ; وضمان ما لم يجب لا يصح (والثانى) يصح قبل قبض الثمن، لان الحاجة داعية إلى هذا الضمان في عقد البيع فجاز قبل قبض الثمن. وإن اشترى جارية وضمن دركها فخرج بعضها مستحقا فان قلنا إن البيع يصح في الباقي رجع بثمن ما استحق، وإن قلنا يبطل البيع في الجميع رجع على الضامن بثمن ما استحق، وهل يرجع عليه بثمن الباقي. فيه وجهان (أحدهما) يرجع عليه، لانه بطل البيع فيه لاجل الاستحقاق، فضمن كالمستحق. (والثانى) لا يرجع لانه لم يضمن إلا ما يستحق فلم يضمن ما سواه، وإن ضمن الدرك فوجد بالمبيع عيبا فرده، فهل يرجع على الضامن بالثمن؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يرجع، وهو قول المزني وأبى العباس، لانه زال ملكه عنه بأمر حادث فلم يرجع عليه بالثمن، كما لو كان شقصا فأخذه الشفيع (والثانى) يرجع لانه رجع إليه الثمن بمعنى قارن العقد، فثبت له الرجوع على الضامن، كما لو خرج مستحقا، وإن وجد به العيب وقد حدث عنده عيب فهل يرجع بأرش العيب؟ على ما ذكرناه من الوجهين (الشرح) قوله " الدرك " التبعة بفتح الراء وسكونها، قال في الصحاح: يقال ما لحقك من درك فعلى خلاصه أما الاحكام: فإنه يصح ضمان العهد على المنصوص في الام، وهو أن يشترى رجل عينا بثمن في ذمته فيضمن رجل عن البائع الثمن ان خرج المبيع مستحقا، وخرج أبو العباس بن سريج قولا آخر أنه لا يصح وبه قال ابن القاص، لانه ضمان ما لم يجب، ولانه ضمان مجهول لانه لا يعلم هل يستحق المبيع أو بعضه.

والصحيح أنه يصح، لان البائع لا يعطيه مع المبيع رهنا، والشهادة لا تفيد لان الباع قد يفلس فلا تفيد الشهادة، فلم يبق ما يستوثق المشترى به غير الضمان وأما قول ابن القاص انه ضمان ما لم يجب وضمان مجهول فغير صحيح، لانه ان لم يكن المبيع مستحقا فلا ضمان أصلا، وان كان مستحقا فقد ضمن الحق بعد وجوبه، وانما صح الضمان ها هنا مع جهالة ما يستحقه المشترى، لان الحاجة تدعو إلى ذلك، وقال أبو يوسف: إذا ضمن له العهد كان ضامنا لنكبات الابتياع. وهذا ليس بصحيح، لان العرف قد صار في العهد عبارة من الدرك وضمان الثمن فانصرف الاطلاق إليه، فإذا قلنا يصح ضمان العهد صح بعد قبض الثمن وجها واحدا، لانه ضمان الحق بعد وجوبه، وهل يصح ضمانه قبل أن يقبض البائع الثمن؟ فيه وجهان. (أحدهما) يصح لان الحاجة تدعو إلى هذا الضمان قبل قبض الثمن، كما تدعو إليه بعد قبضه. (والثانى) ولم يذكر ابن الصباغ غيره: أنه لا يصح لانه ضمان الحق قبل وجوبه. فلم يصح قال ابن الصباغ: وألفاظه أن يقول: ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه، أو يقول للمشترى ضمنت خلاصك منه، أو يقول: متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن، فإن قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لان التقدير على ذلك متى خرج مستحقا. قال ابن سريج: لا يضمن درك المبيع إلا أحمق. إذا ثبت هذا فإنه إذا ضمن له عهدة دار اشتراها أو خلاصها فاستحقت رجع بالثمن على الضامن، ان شاء الخلاص الحال يسلم إليه، فتأول أصحابنا ذلك تأويلين (أحدهما) أنه أراد خلاصك به (والثانى) أنه أراد وخلاصها، وقد جاءت (أو) بمعنى الواو. قال تعالى " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " وقال تعالى " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " وأما (ما) فتكتب في الوثائق: ضمن فلان البائع لفلان بن فلان المشترى

قيمة ما أحدث في المبيع من غراس أو بناء وغير ذلك إذا خرج مستحقا. قال أصحابنا: فان هذا ضمان باطل بلا خلاف على المذهب. لانه ضمان ما لم يجب وضمان مجهول، فان قيد ذلك وقال: من درهم إلى ألف لم يصح، لانه ضمان ما لم يجب. وقال أبو حنيفة رحمه الله يصح ضمان هذا مع العهدة بناء على أصله ما لم يجب وقد مضى ذكره ; فإن ضمن خلاص المبيع أو ضمن قيمة ما يحدث في المبيع من بناء أو غراس، فإن كان في غير عقد البيع نظرت، فان أفرد ذلك عن ضمان العهدة لم يبطل البيع ولا ضمان العهدة، بل يبطل ضمان خلاص المبيع وضمان ما يحدث فيه من بناء أو غراس، وإن قرنه مع ضمان العهدة بطل خلاص المبيع وما يحدث فيه، وهل يبطل ضمان العهدة؟ فيه قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وإن شرط ذلك في البيع بأن قال: بعنى هذه الارض بمائة دينار بشرط أن يضمن لى فلان خلاصها، وقيمة ما أحدثته فيها من بناء أو غراس إذا استحققت فقال بعتك. أو كان هذا الشرط في زمان الخيار فسد البيع لانه بيع بشرط فاسد قال الشيخ أبو حامد: ويجئ فيه قول آخر أنه لا يبطل البيع إذا شرط ضمان قيمة ما يحدث في الارض - كما قلنا فيمن شرط رهنا فاسدا في البيع - والاول أصح (فرع) إذا ضمن رجل لرجل العهدة واستحق جميع المبيع على المضمون له وقد دفع الثمن إلى البائع فالمشترى بالخيار ان شاء طالب البائع بالثمن، وان شاء طالب به الضامن. وإن خرج بعضه مستحقا بطل البيع فيما خرج منه مستحقا وكان للمشترى أن يطالب الضامن بثمن القدر الذى خرج منه مستحقا، وهل يبطل البيع في الباقي؟ فيه قولان، فإذا قلنا يبطل البيع أو قلنا لا يبطل إلا أن المشترى اختار فسخ البيع فيه. فهل للمشترى أن يرجع بثمن ذلك القدر على الضامن؟ فيه وجهان (أحدهما) يرجع عليه، لانه ثبت له بسبب الاستحقاق (والثانى) لا يرجع عليه، لانه لم يضمن إلا ثمن ما استحق، فهذا ثمن ما لم يستحق، وإنما بطل البيع فيه لانه لا يفرق الصفقة، ويفسخه المشترى،

وان وجد المشترى بالمبيع عيبا فرده فهل له أن يطالب الضامن بالثمن. قال أصحابنا ان قال الضامن ضمنت لك درك ما يلحقك في المبيع، أو ضمنت لك درك المبيع لكل عيب تجد فيه، فله أن يرجع بالثمن على الضامن وجها واحدا، وكذلك إن حدث عند المشترى عيب وقد وجد به عيبا فله أن يرجع بالارش على الضامن، لان ضمانه يقتضى ذلك وإن ضمن درك المبيع أو عهدته لا غير: فهل له أن يرجع بالثمن على الضامن إذا وجد به عيبا. أو بالارش إن حدث عنده عيب آخر؟ فيه وجهان (أحدهما) يرجع عليه بالثمن، لان الثمن رجع إليه بمعنى قارن عقد البيع بتفريط من البائع فرجع به على الضامن كما لو استحق المبيع (والثانى) لا يرجع به عليه بل يرجع به على البائع وهو قول المزني وأبى العباس بن سريج، لانه زال ملكه عن المبيع بغير الاستحقاق فلم يرجع بالثمن على الضامن، كما لو كان المبيع شقصا فأحذه الشفيع (فرع) فان ضمن العهدة فبان أن البيع كان باطلا بغير الاستحقاق فهل للمشترى ان يرجع بالثمن على الضامن. فيه وجهان حكاهما في الابانة (أحدهما) يرجع به عليه، لانه رجع إليه الثمن لمعنى قارن عقد البيع، فصار كما لو استحق. (والثانى) لا يرجع عليه به لانه يمكنه أن يمسك العين المبيعة إلا أن يسترجع ما دفع من الثمن، فلم يرجع به على الضامن: بخلاف ما لو استحق المبيع في يد البائع قبل القبض أو فسخ المبيع، أو كان شقصا فأخذه الشفيع بالشفعة، فإن المشترى لا يرجع بالثمن على الضامن، لان الثمن رجع إليه بمعنى حادث بعد العقد ولم يضمن الضامن الا الثمن عند استحقاق المبيع (فرع) قال المسعودي: لو اشترى رجل شيئا بثمن وسلمه وضمن رجل للبائع نقصان الوزن أو رداءة الثمن، فخرج الثمن ناقصا أو رديئا أو معيبا فله أن يطالب الضامن بما نقص من المثن، وله أن يرد الردئ والمعيب على المشترى ويطالب الضامن بالثمن، اه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتجوز كفالة البدن على المنصوص في الكتب، وقال في الدعاوى والبينات: إن كفالة البدن ضعيفة، فمن أصحابنا من قال: تصح قولا واحدا، وقوله: ضعيفة أراد من جهة القياس، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أنها لا تصح، لانه ضمان عين في الذمة بعقد فلم يصح كالسلم في ثمرة نخلة بعينها. والثانى: يصح، وهو الاظهر لما روى أبو إسحاق السبيعى عن حارثة ابن مضرب قال صليت مع عبد الله بن مسعود الغداة فلما سلم قام رجل فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فو الله لقد بت البارحة وما في نفسي على أحد احنة وانى كنت استطرقت رجل من بنى حنيفة، وكان أمرنى أن آتيه بغلس فانتهيت إلى مسجد بنى حنيفة، مسجد عبد الله بن النواحة: فسمعت مؤذنهم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن مسيلمة رسول الله، فكذبت سمعي وكففت فرسى حتى سمعت أهل المسجد قد تواطأوا على ذلك فقال عبد الله بن مسعود، على بعبد الله ابن النواحة، فحضر واعترف، فقال له عبد الله: أين ما كنت تقرأ من القرآن قال: كنت أتقيكم به، فقال له: تب فأبى، فأمر به فأخرج إلى السوق فجز رأسه ثم شاور أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في بقية القوم، فقال عدى بن حاتم: تؤلول كفر قد أطلع رأسه فاحسمه. وقال جرير بن عبد الله والاشعث بن قيس اسثتبهم فان تابوا كفلهم عشائرهم فاستتابهم فتابوا، وكفلهم عشائرهم، ولان البدن يستحق تسليمه بالعقد فجاز الكفالة به كالدين، فإن قلنا: تصح جازت الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين، لانه حق لازم لآدمي فصحت الكفالة به كالدين، وإن كان عليه حد فإن كان لله تعالى لم تصح الكفالة به، لان الكفالة للاستيثاق وحق الله تعالى مبنى على الدرء والاسقاط ; فلم يجز الاستيثاق بمن عليه، وإن كان قصاصا أو حد قذف ففيه وجهان. (أحدهما) لا تصح، لانه لا تصح الكفالة بما عليه فلم تصح الكفالة به

كمن عليه حد لله تعالى. والثانى: تصح لانه حق لآدمي فجازت الكفالة ببدن من عليه كالدين، ومن عليه دين غير لازم كالمكاتب لا تجوز الكفالة ببدنه، لان الحضور لا يلزمه فلا تجوز الكفالة به كدين الكتابة. (الشرح) حديث أبى إسحاق السبيعى أخرجه أبو داود من طريق حارثة بن مضرب - وهو بتشديد الراء المكسورة - العبدى الكوفى، وهو ثقة من الطبقة الثانية، وقد غلط من نقل عن المدينى أنه تركه. هكذا في التهذيب لابن حجر: أنه أتى عبد الله بن مسعود فقال " ما بينى وبين أحد من العرب حنة، وإنى مررت بمسجد لبنى حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد الله فجئ بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: لولا أنك رسول اضربت عنقك، فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق، وترجع قصة بن النواحة هذا إلى أيام النبي صلى الله عليه وسلم حين أرسله مسيلمة مع آخر هو بن أثال - بضم الهمزة بعدها مثلثة - فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أتشهدان أنى رسول الله. قالا نشهد أن مسيلمة رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمنت بالله ورسوله، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما. قال عبد الله: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل رواه أحمد وأبو داود. والحاكم والنسائي مختصرا من حديث عبد الله بن مسعود، وليس في رواية من الروايات أن ابن النواحة قد أسلم، وإنما كان هناك من الصحابة عندما أعلن مسيلمة أكذوبته من انضم إليه وارتد عن الاسلام، مع أنه كان من حفظة القرآن هو الفقيه الخوان الاثيم، القارئ للقرآن الرجال بن عنفوة. وقد كان على مقدمة جيش مسيلمة حين هاجمهم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد، وقد قتل في هذه المعركة وعجل الله به إلى النار أما ابن النواحة فعله كان قد أسلم ثم ارتد مع مسيلمة ثم ظل على ولائه لمسيلمة عصبية جاهلية لانهم كانوا يقولون: كذاب، ربيعة خير من صادق مضر

فلما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم الرسولين وفيهما ابن النواحة. وبعد حروب الردة ذهب عبد الله بن مسعود يستطرق لفرسه ذكرا من بنى حنيفة. وقد انفق مع صاحب الفرس الذكر أن يأتيه بغلس فانتهى إلى مسجد القوم وكان الذى بناه عبد الله بن النواحة، فسمع المؤذن يشهد لمسيلمة بالرسالة، حتى إذا استيقن عبد الله من هذه المفاجأة المذهلة واستوضحه فاعترف، وكان رأى الصاحبة الذين استشارهم أن ثؤلول كفر - والثؤلول بضم الثاء وإسكان الهمزة والثآليل أورام خبيثة تظهر كالدرن في الجسم - قد أطلع رأسه ويجب أن يحسم قوله: عدى بن حاتم الطائى: وكان ممن ثبت على الاسلام في الردة وحضر فتوح العراق، وحارب مع على ومات سنة ثمان وستين، وكان أبوه مضرب المثل في الكرم. قوله: جرير بن عبد الله هو ابن جابر البجلى صاحبي مشهور ويكنى أبا عمرو، ويقال له: الشليل بن مالك من ولد انمار بن نزار، ولم يختلف النسابون أن بجيلة أمهم نسبوا إليها، وهى بجيلة بنت صعب، وكان جرير سيد قبيلته، وكان إسلامه في العام الذى توفى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قال هو عن نفسه انه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما. وفيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وفى جرير قال الشاعر: لولا جرير هلكت بجيله * نعم الفتى وبئست القبيلة فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما مدح من هجى قومه. وكان عمر يقول: جرير بن الله يوسف هذه الامة، يعنى في حسنه، وكان جرير رسول على بن أبى طالب إلى معاوية فحبسه مدة طويلة، روى عنه أنس بن مالك وقيس ابن أبى حازم وهمام بن الحارث والشعبى، وروى عنه بنوه عبيد الله والمنذر وابراهيم. وأما الاشعث بن قيس فقد ساق نسبه ابن منده وأبو نعيم هكذا: الاشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن ثعلبة بن عدى بن ربيعة الكندى وكنيته أبو محمد. وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في وفد كنده وكانوا

ستين راكبا فأسلموا. وقال الاشعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت منا فقال " نحن بنو النضر بن كنانة لانقفو أمنا ولا تنتفى من أبينا " فكان الاشعث يقول: لا أوتى بأحد ينفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته ولما أسلم خطب أم فروة أخت أبى بكر الصديق رضى الله عنه ثم عاد إلى اليمن شهد اليرموك وفقئت عينه، ثم سار إلى العراق فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، وسكن الكوفة وشهد صفين مع على، وكان ممن ألزم عليا بالتحكيم، وشهد الحكمين بدومة الجندل، وكان عثمان قد استعمله على أذربيجان وكان الحسن بن على تزوج ابنته. فقيل هي التى دست السم له فمات منه. رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث وروى عنه قيس بن أبى حازم وأبو وائل. وقد نزل في الاشعث بن قيس قوله تعالى " ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " الآية، لانه خاصم رجلا في بئر، توفى سنة ثنتين وأربعين وصلى عليه الحسن بن على. وقال ابن منده: هذا وهم، لان الحسن لم يكن بالكوفة، وإنما كان قد سلم الامر إلى معاوية ثم رجع إلى المدينة. ولكن أبا نعيم يؤكد أنه توفى بعد على بأربعين ليلة وصلى عليه الحسن. أما أحكام الفصل: فان المنصوص للشافعي رضى الله عنه في أكثر كتبه أن الكفالة بالبدن تصح. وقال في الدعوى والبينات: كفالة الوجه عندي ضعيف. واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال تصح الكفالة بالبدن قولا واحدا، وقوله في الدعوى والبينات ضعيف، يريد في القياس، وهو قوى في الاثر، وذهب المزني وأبو إسحاق إلى أن المسألة على قولين (أحدهما) لا يصح لان الكفالة بعين فلم تصح كالكفالة بالزوجة وبدن الشاهد، ولانه ضمان عين في الذمة بعقد فلم يصح، كما لو أسلم في ثمرة نخلة بعينها. فقوله " في الذمة " احتراز من البائع فانه يضمن العين المبيعة في يده لا في ذمته فلو تلفت قبل القبض لم يضمنها في ذمته وقوله " بعقد " احتراز من الغاصب، فإنه يضمن العين المغصوبة في يده وفى ذمته

والقول الثاني: أن الكفالة بالبدن صحيحة، وهو قول شريح والشعبى ومالك وأبى حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن الحسن وأحمد رضى الله عنهم. وهو الصحيح لقوله تعالى " فخد أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين " ولحديث عبد الله ابن مسعود الذى استشار في الذين كانوا يضجون في مسجدهم بمسيلمة استشار أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشار عليه جرير بن عبد الله والاشعث ابن قيس أن يستتابوا ويتكفل بهم عشائرهم، فاستتابهم فتابوا وكفلهم عشائرهم فدل على أن الكفالة بالبدن كانت سائغة عند الصحابة رضوان الله عليهم: إذ لم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك: وان كان هذا الموضع لم يتوجه عليهم فيه حق فلم يكن موضعا تصح فيه الكفالة بالبدن، إلا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وأصحابه الذين معه أرادوا بهذا الاستظهار على هؤلاء المارقين فإذا قلنا لا تصح الكفالة بالبدن فلا تفريع عليه، وإذا قلنا تصح، فإنما تصح ببدن كل من يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم بدين، لانه لازم فصحت الكفالة ببدن من عليه كالدين. (فرع) وأما الكفالة ببدن من عليه جلد، فان كان لله تعالى كحد الزنا وحد شرب الخمر وما أشبههما لم يصح لمعنيين (أحدهما) أنه لما لم تصح الكفالة بما عليه من الحق لم تصح الكفالة ببدن من عليه (والثانى) لا، لان الكفالة وثيقة وحدود الله لا يستوثق بها لانها تسقط بالشبهات. وإن كان الحد للآدمي كحد القذف والقصاص، فهل تصح الكفالة ببدن من عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تصح، لانها لا تصح الكفالة بما عليه من الحق، فلم تصح الكفالة ببدنه. كمن عليه حد الزنا (والثانى) تصح الكفالة ببدنه لان عليه حقا لآدمي فصحت الكفالة ببدنه، كما لو كان له عليه دين (فرع) وان تكفل ببدن مكاتب السيدة لاجل مال الكتابة لم يصح، لان الحق الذى عليه غير لازم له فلم تصح الكفالة، قال ابن الصباغ: وان تكفل ببدن صبى أو مجنون صحت الكفالة لان الحق يجب عليهما، وقد يحتاج إلى

إحضارهما للشهادة عليهما للاتلاف. وان رهن رجل شيئا ولم يسلمه فتكفل رجل عليه بتسلميه لم يصح، لان تسليمه غير لازم له فلم تصح الكفالة به. وان ادعى على رجل حقا فأنكره جازت الكفالة ببدنه: لان عليه حق الحضور، والكفالة واقعة على إحضاره. (فرع) إذا قال رجل لرجل: تكفل بفلان لفلان ففعل كان الكفالة لازمة على الذى باشر الكفالة دون الآمر، لان المتكفل فعل ذلك باختياره، والامر بذلك حث على المعروف. وهكذا في الضمان مثله. والله تعالى الموفق للصواب قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كان عليه دين مجهول ففيه وجهان، قال أبو العباس: لا تصح الكفالة ببدنه لانه قد يموت المكفول به فيلزمه الدين، فإذا كان مجهولا لم تمكن المطالبة (والثانى) أنه تصح، وهو المذهب، لان الكفالة بالبدن لا تعلق لها بالدين. (فصل) وتصح الكفالة ببدن الكفيل كما يصح ضمان الدين عن الضمين (الشرح) الاحكام: إذا تكفل ببدن رجل لرجل له عليه دين فمات المكفول به بطلت الكفالة ولم يلزم الكفيل ما كان على المكفول به من الدين. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال مالك رضى الله عنه وأبو العباس بن سريج: يلزم الكفيل ما كان على المكفول به من الدين المكفول له، لان الكفالة وثيقة بالحق ; فإذا تعذر الحق من جهة من عليه الدين استوفى من الوثيقة كالرهن دليلنا أنه تكفل ببدنه لا بدينه فلم يلزمه ما عليه من الدين، كما لو غاب، ويفارق الرهن لانه علق به الدين فاستوفى منه وها هنا لم يتكفل إلا بإحضاره. وقد تعذر إحضاره بموته، فإذا قلنا بالمذهب صحت الكفالة ببدن من عليه دين مجهول عند الكفيل، وإن قلنا بقول أبى العباس لم تصح الكفالة ببدن من عليه دين مجهول عند الكفيل (فرع) وان تكفل ببدن رجل وشرط أنه متى لم يحضر فعليه الحق الذى عليه

أو قال على كذا وكذا لم تصح الكفالة ولم يجب عليه المال المضمون به، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ أَبُو حنيفة وأبو يوسف: ان لم يحضره عليه المال دليلنا أن هذا حظر فلم يجز تعليق الضمان عليه، كما لو قال: إن جاء المطر فأنا ضامن ببدنه، وإن قال تكفلت لك ببدن زيد على إن جئت به، وإلا فأنا كفيل لك ببدن عمرو لم يصح، لانه لم يلتزم بإحضار أحدهما فصار كما لو تكفل بأحدهما لا بعينه، وإن تكفل ببدن رجل بشرط الخيار لم تصح الكفالة. وقال أبو حنيفة يفسد الشرط وتصح الكفالة دليلنا أنه عقد لا يجوز فيه شرط الخيار، فإذا شرط فيه الخيار أفسده كالصرف، ولو أقر رجل فقال إنما تكفل لك ببدن فلان على أن لى الخيار. ففيه قولان. (أحدهما) يقبل إقراره في الجميع فيحكم ببطلان الكفالة، كما لو قال له على ألف درهم إلا خمسمائة (والثانى) يقبل إقراره في الكفالة ولا يقبل في أنه كان بشرط الخيار. لانه وصل إقراره بما يسقط فلم يصح، كما لو قال له على ألف درهم إلا ألف درهم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وتجوز الكفالة حالا ومؤجلا، كما يجوز ضمان الدين حالا ومؤجلا وهل يجوز إلى أجل مجهول. فيه وجهان (أحدهما) يجوز، لانه تبرع من غير عوض، فجاز في المجهول كاباحة الطعام (والثانى) لا يجوز لانه إثبات حق في الذمة لآدمي فلا يجوز إلى أجل مجهول كالبيع، ويخالف الاباحة فانه لو أباحه أحد الطعامين جاز، ولو تكفل ببدن أحد الرجلين لم يجز. (الشرح) الاحكام. إذا تكفل ببدن رجل نظرت، فان شرط احضاره حالا لزمه إحضاره في الحال، كما لو تكفل ببدنه وأطلق اقتضى ذلك إحضاره في الحال كما قلنا فيمن باع بثمن وأطلق فان ذلك يقتضى الحلول، وان تكفل ببدنه إلى أجل معلوم صحت الكفالة، ولا يلزمه إحضاره قبل ذلك، كما إذا ضمن الدين إلى أجل معلوم.

وإن تكفل ببدنه إلى أجل مجهول فهل يصح، فيه وجهان. (أحدهما) يصح، كما تصح العارية إلى أجل مجهول. (والثانى) لا يصح وهو الصحيح، لانه إثبات حق في الذمة لآدمي فلم يصح إلى أجل مجهول، كضمان المال. ويخالف العارية فإنها لا تلزم، ولهذا لو أعاره إلى مدة كان له الرجوع فيها قبل انقضائها، ولو تكفل له ببدنه إلى أجل معلوم لم تكن له المطالبة به قبل حلول الاجل، ولان العارية تجوز من غير تعيين، ولهذا لو قال: أعرتك أحد هذين الكتابين جاز، ولو قال تكفلت لك ببدن أحد هذين الرجلين لم يجز وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وتجوز الكفالة به ليسلم في مكان معين، وتجوز مطلقا، فإن أطلق وجب التسليم في موضع العقد، كما تجوز حالا ومؤجلا، وإذا أطلق وجب التسليم في حال العقد. (الشرح) الاحكام: وتجوز الكفالة ببدن رجل ليسلمه في مكان معين ; كما يصح السلم بشرط أن يسلم المسلم فيه في موضع معين، وتجوز الكفالة ببدن رجل وإن لم يذكر موضع التسليم، فعلى هذا في موضع العقد، كما تصح الكفالة بالبدن حالا ومؤجلا، وإذا أطلق اقتضى الحلول، فإذا تكفل له ببدن رجل ليسلمه إليه في موضع معين، فسلمه إليه في غير ذلك البلد لم يلزم المكفول له قبوله لان عليه مشقة في تسلمه في غير ذلك البلد، وقد يكون له غرض بتسلميه في ذلك البلد، وإن تكفل له ببدنه ليسلمه في موضع معين من البلد، بأن يقول في مجلس القاضى أو في مسجده سلمه إليه في ذلك البلد في غير ذلك الموضع المعين فهل يلزمه قبوله؟ فيه وجهان لابي العباس بن سريج. (أحدهما) لا يلزمه قبوله، كما لو سلمه في غير ذلك البلد. (والثانى) يلزمه قبوله، لان العادة أنه لا مؤنة عليه في نقله من موضع في البلد إلى موضع فيه والله الموفق والمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تصح الكفالة بالبدن من غير إذن المكفول به، لانه إذا تكفل به من غير اذنه لم يقدر على تسلميه، ومن أصحابنا من قال. تصح كما تصح الكفالة بالدين من غير اذن من عليه الدين. (الشرح) الاحكام: إذا تكفل ببدن رجل بإذن المكفول به صحت الكفالة فإذا سأل المكفول له الكفيل احضار المكفول به وجب على الكفيل أن يحضره ووجب على المكفول أن يحضر لانه يكفل به بإذنه، وان لم يطالبه المكفول له، فقال الكفيل للمكفول به احضر معى لاردك إلى المكفول له لتبرئ ذمتي من الكفالة، كان عليه أن يحضر معه، لانه قد تعلق عليه احضاره بأمره، فلزمه تخليصه منه. وان تكفل رجل لرجل ببدن رجل بغير اذن المكفول به، فهل يصح، فيه وجهان. قال عامة أصحابنا: لا يصح، لان المقصود بالكفالة بالبدن احضار المكفول به عند المطالبة. فإذا كان ذلك بغير اذنه لم يلزمه الحضور معه فلا تفيد الكفالة شيئا. فعلى هذا إذا تكفل ببدن صبى أو مجنون لم يصح ذلك الا باذن وليه. لان الصبى والمجنون لا اذن لهما. وقال أبو العباس بن سريج: تصح الكفالة بالبدن من غير اذن المكفول به كما يصح الضمان عليه بالدين من غير اذنه. قال أبو العباس: فعلى هذا إذا قال المكفول له للكفيل: أحضر المكفول به، وجب على الكفيل أن يطالب المكفول به بالحضور، فإذا طالبه وجب على المكفول به الحضور من غير جهة الكفالة، ولكن لان صاحب الحق قد وكل الكفيل باحضاره. وان قال المكفول له للكفيل: أخرج إلى من كفالتك. أو رد على كفالتئ فهل يلزم المكفول به الحضور؟ فيه وجهان (أحدهما) يلزمه. لان ذلك يتضمن الاذن في احضاره. فهو كما وكله باحضاره (والثانى) لا يلزمه الحضور. لانه انما طالبه بما عليه من الاحضار. قال أبو العباس: فعلى هذا المكفول له حبس

الكفيل، قال ابن الصباغ: وهذا يدل عندي على فساد ما قاله، لانه يحبس على مالا يقدر عليه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن تكفل بعضو منه، ففيه ثلاثة أوجه: (أحدها) أنه يصح لان في تسليمه تسليم جميعه. (والثانى) لا تجوز، لان إفراد العضو بالعقد لا يصح، وتسريته إلى الباقي لا تمكن ; لانه لا سراية له فبطلت. (والثالث) إن كان العضو لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب جاز، لانه لا يمكن تسليمه إلا بتسليم البدن، وإن كان عضوا يبقى البدن دونه كاليد والرجل لم يصح، لانه قد يقطع فيبرأ مع بقائه. (الشرح) الاحكام: إذا تكفل بعضو رجل كيده أو رجله أو رأسه أو بجزء مشاع منه كنصفه، أو ثلثه، أو ربعه، فيه ثلاثه أوجه: (أحدها) يصح لانه لا يمكن تسليم نصفه أو ثلثه الا بتلسيم جميع البدن، ولا يسلم اليد والرجل الا على هيئتها عند الكفالة، وذلك لا يمكن الا بتسليم جميعه (والثانى) وهو قول القاضى أبى الطيب، وحكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبى حامد: أنه لا يصح لان مالا يسرى إذا خص به عضو أو جزء مشاع لم يصح كالبيع منه، والاجارة والوصية، وفيه احتراز من العتق والطلاق. (والثالث) ان تكفل بمالا يبقى البدن الا به كالرأس والقلب والكبد، والنصف والثلث، لانه لا يمكن تسليم ذلك الا بتسليم جميع البدن، وان تكفل بما يبقى البدن دونه كاليد والرجل لم يصح، لانه قد يقطع منه ويبقى البدن، ولا فائدة في تسليمه وحده، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان أحضر المكفول به قبل المحل أو في غير الموضع الذى شرط فيه التسليم، فان كان عليه في قبوله ضرر. أو له في رده غرض. لم يلزم قبوله،

وان لم يكن عليه ضرر ولا له في رده غرض وجب قبوله، فإن لم يتسلمه أحضره عند الحاكم ليتسلم عنه ويبرأ كما قلنا في دين السلم وان أحضره وهناك يد حائلة لم يبرأ، لان التسليم المستحق هو التسليم من غير حائل، ولهذا لو سلم المبيع مع الحائل لم يصح تسلميه: وان سلمه وهو في حبس الحاكم صح التسليم لان حبس الحاكم ليس بحائل، ويمكن احضاره ومطالبته بما عليه من الحق. وان حضر المكفول به بنفسه، وسلم نفسه برئ الكفيل كما يبرأ الضامن إذا أدى المضمون عنه الدين، وان غاب المكفول به إلى موضع لا يعرف خبره، لم يطالب به، وان غاب إلى موضع يعلم خبره لم يطالب به حتى يمضى زمان يمكن فيه الذهاب والمجئ، لان ما لزم تسليمه لم يلزم الا بامكان التسليم، فان مضى زمان الامكان ولم يفعل حبس الكفيل إلى أن يحضره، فان أبرأه المكفول له من الكفالة برئ كما يبرأ الضامن إذا أبرأه المضمون له، فان جاء رجل وقال أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به، ففيه وجهان، قال أبو العباس: يصح، لانه نقل الضمان إلى نفسه فصار كما لو ضمن رجل مالا فأحال الضامن المضمون له على آخر. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطبري رحمهما الله لا يصح لانه تكفل بشرط أن يبرأ الكفيل. وذلك شرط فاسد فمنع صحة العقد. وان تكفل ببدن رجل لنفسين، فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر. لانه ضمن تسليمين فلم يبرأ بأحدهما، كما لو ضمن لهما دينين فأدى دين أحدهما وان تكفل اثنان لرجل ببدن رجل فأحضره أحدهما، فقد قال شيخنا القاضى أبو الطيب رحمه الله: انه لا يبرأ الاخر، لانه لو أبرئ أحدهما لم يبرأ الاخر فإذا سلمه أحدهما لم يبرأ الاخر، وعندي أنه يبرأ، لان المستحق احضاره وقد حصل فبرئا، كما لو ضمن رجلان دينا فأداه أحدهما. ويخالف الابراء فان الابراء مخالف للاداء ; والدليل عليه أن في ضمان المال لو أبرئ أحد الضامنين لم يبرأ الآخر، ولو أدى أحد الضامنين برئ.

(الشرح) الاحكام: إذا تكفل ببدن ليحضره إلى أجل، فأحضره الكفيل قبل الاجل - فإن قبل المكفول له - برئ الكفيل، وإن امتنع المكفول له من القبول نظرت، فإن كان عليه في قبوله ضرر، بأن كان حقه مؤجلا، أو كان حقه حالا إلا أن له بينة غائبة فإنه لا يلزمه قبوله لان عليه ضررا في قبوله فإن امتنع من تسلمه. قال الشيخ أبو حامد رفعه الكفيل إلى الحاكم وسلمه إليه ليبرأ وإن لم يجد حاكما أحضر شاهدين يشهدان بتسليمه أو امتناع المكفول له وذكر القاضى أبو الطيب أنه يشهد على امتناعه رجلين. قال ابن الصباغ وهذا أقيس لانه مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه إلى من ينوب عنه من حاكم أو غيره، وإن أحضره الكفيل وهناك يد سلطان لا يقدر عليه يمنع منه لم يبرأ الكفيل بذلك، لان المستحق تسليمه من غير حائل، وإن سلمه وهو في حبس الحاكم لزمه تسليمه، لان حبس الحاكم لا يمنعه من استيفاء حقه، فإن كان حقه قد ثبت عليه بالبينة وطلب إحضاره، فإن الحاكم يحضره ليحكم بينهما، فان ثبت عليه حق وطلب حبسه فان الحاكم يحبسه به وبالحق الاول فإذا سقط حق أحدهما لم يجز تخليته الا بعد سقوط حق الآخر، وإن جاء المكفول به إلى المكفول له وسلم نفسه إليه برئ الكفيل كما يبرأ الضامن إذا دفع المضمون عنه مال الضمانة. (فرع) إذا تكفل ببدن رجل ثم ارتد المكفول به ولحق بدار الحرب: أو حبس بحق لزم الكفيل احضاره فيخرج إلى دار الحرب لاحضاره ; والمحبوس يمكنه أن يقضى عنه الحق ويطلق من الحبس (فرع) إذا غاب المكفول به نظرت، فان كانت غبته إلى موضع معلوم فعلى الكفيل أن يحضره، فإذا مضت مدة يمكنه فيها الذهاب إليه والمجئ به، ولم يأت به حبسه الحاكم، هذا قولنا وقال ابن شبرمة: يحبس في الحال، لان حقه قد توجه عليه، وهذا ليس بصحيح، لان الحق وان كان قد حل ; فانه يعتبر فيه امكان التسليم، وانما يجب عليه احضار الغائب عند امكان ذلك، وان كان غائبا غيبة منقطعة، لا يعلم مكانه

لم يطالب الكفيل باحضاره، وان أبرأ المكفول له المكفول به من الحق برئ المكفول به كما قلنا في المضمون له إذا أبرأ الضامن (فرع) إذا تكفل ببدن رجل ثم جاء رجل إلى المكفول له وقال تكفلت لك ببدن فلان المكفول به على أن تبرئ فلانا الكفيل ففيه وجهان. قال أبو العباس تصح كفالة الثاني ويبرأ الاول، لان الثاني قد حول الكفالة إلى نفسه فبرئ الاول كما لو كان له حق فاحتال به على آخر قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لا تصح الكفالة الثانية، ولا يبرأ الاول لان الكفالة والضمان لا يحول الحق، فكفالة الثاني لا تبرئ الاول من كفالته ; وإذا لم يبرأ الاول فلم يتكفل به الثاني الا بهذا الشرط، وإذا لم يصح الشرط لم تصح الكفالة (فرع) وان تكفل ببدن رجل لرجلين بعقد فرد على أحدهما برئ من حقه ولم يبرأ من حق الآخر حتى يرد عليه، لان العقد مع اثنين بمنزلة العقدين فهو كما لو تكفل لكل واحد منهما بعقد منفرد، وان تكفل رجلان لرجل ببدن رجل فأحضره أحدهما إلى المكفول له برئ الذى أحضره، وهل يبرأ الكفيل الآخر فيه وجهان. (أحدهما) وهو قول المزني والشيخ أبى اسحاق أنه يبرأ كما لو ضمن رجلان لرجل دينا على رجل فأداه أحدهما. فان الآخر يبرأ (والثانى) وهو قول أبى العباس والشيخ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ أنه لا يبرأ الآخر، لان الحق باق لم يسقط، والكفيلان وثيقتان فلا تنفك احدى الوثيقتين بانفكاك الاخرى، كما لو كان الحق مرهونا فانفك أحدها مع بقاء الحق فانه لا ينفك الباقي منها، ويفارق إذا قضى أحد الضامنين المال المضمون به. فان الحق هناك قد سقط. فانفكت الوثيقة. وههنا الحق لم يسقط. (فرع) إذا تكفل رجل لرجل بدن رجل فقال المكفول له مالى قبل المكفول به حق. قال أبو العباس. ففيه وجهان

(أحدهما) يبرأ المكفول به مما عليه. وتبطل الكفالة لان قوله لا حق لى قبله نفى في سياق نكرة فاقتضى العموم (والثانى) يرجع إليه. فإن قال: أردت به لا شئ لى عليه بطلت الكفالة، وبرئ المكفول. وان قال: أردت به لا حق لى عليه من عارية أو وديعة، وصدقه الكفيل والمكفول به قبل قوله، وان كذباه أو أحدهما فالقول قوله مع يمينه لانه أعلم بنيته، وان قال لا حق لى في ذمته ولا في يده برئا جميعا، قيل للشيخ أبى حامد: فإذا كان لرجل على رجل دين، فقال: لا حق لى قبله. فقال: هو على هذين الوجهين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان تكفل ببدن رجل فمات المكفول به برئ الكفيل. وقال أبو العباس يلزمه ما على المفكول به من الدين لانه وثيقة، فإذا مات من عليه الدين وجب أن يستوفى الدين منها كالرهن، والمذهب الاول، لانه لم يضمن الدين فلا يلزمه. (فصل) وان تكفل بعين نظرت، فان كان أمانة كالوديعة لم يصح، لانه إذا لم يجب ضمانها على من هي عنده، فلان لا يجب على من يضمن عنه أولى، وان كان عينا مضمونة كالمغصوب والعارية والمبيع قبل القبض ففيه وجهان، بناء على القولين في كفالة البدن. فان قلنا انها تصح فهلكت العين فقد قال أبو العباس فيه وجهان (أحدهما) يجب عليه ضمانها (والثانى) لا يجب، وقال الشيخ أبو حامد لا يجوز بناء ذلك على كفالة البدن، فان البدن لو تلف لم يضمن بدله، ولو هلكت العين ضمنها.

(الشرح) الاحكام. إذا تكفل رجل ببدن رجل لرجل فأبرأ المكفول له الكفيل ثم رآه ملازما له فقال له خل عنه وأنا على ما كنت عليه من الكفالة، أو على مثل ما كنت عليه، قال أبو العباس بن سريج: صحت كفالته لانه إما أن يكون هذا إخبارا عن كفالته، أو إقرارا به، أو ابتداء كفالة في الحال، وأنها كانت فوجب أن يصح، وإن تكفل رجل ببدن رجل، ورابع بالثالث ; فيصح الجميع، فان أحضر المكفول به الاول نفسه أو أحضره الكفيل برئ جميع الكفلاء. وإن مات المكفول به الذى عليه الدين برئ الكفلاء على المذهب، فان مات الكفيل الاول برئ جميع الكفلاء. وان مات الكفيل الثاني برئ الثالث والرابع. وان مات الثالث برئ الرابع ولم يبرأ الاولون. وإن مات الرابع بطلت كفالته وحده وحكم البراءة حكم الموت، وان المكفول به سقطت الكفالة ولم يلزم الكفيل شئ وبهذا قال شريح والشعبى وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وقال الحكم ومالك والليث: يجب على الكفيل غرم ما عليه وحكى ذلك عن ابن شريح، لان الكفيل وثيقة بحق، فإذا تعذرت من جهة من عليه الدين استوفى من الوثيقة كالرهن، ولانه تعذر إحضاره فلزم كفيله ما عليه كما لو غاب. ولنا أن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ الكفيل، كما لو برئ من الدين ولان ما التزمه من أجله سقط عن الاصل فبرئ الفرع، كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدين أو أبرئ منه، وفارق ما إذا غاب، فان الحضور لم يسقط عنه، ويفارق الرهن فانه علق به المال فاستوفى منه (فرع) إذا ضمن الرجل في مرض موته عن غيره دينا، فإن ذلك معتبر من ثلث ماله لانه تبرع، فهو كما لو ذهب لغيره مآلا

إذا ثبت هذا: فإذا ضمن رجل في مرض موته عن غيره تسعين درهما بإذنه ومات الضامن، وخلف تسعين درهما لا غير ومات المضمون عنه، ولا يملك غير خمسة وأربعين درهما، فان طالب المضمون له بحقه من تركة الضامن وقع في هذه المسألة دور، والعمل فيه أن يقول: يذهب بالضمان من التسعين شئ، ولكنه يرجع إليهم نصف شئ، لان ما خلفه المضمون عنه مثل نصف تركة الضامن فيعلم أنه ما ذهب عنهم بالضمان إلا نصف شئ، ويجب أن تكون هذه التسعون إلا نصف شئ الباقية معهم تعدل شيئا كاملا مثلى ما ذهب عنهم بالضمان فأجبر التسعين بنصف الشئ الناقص عنها، ثم رده على الشئ الكامل، فيكون تسعون تعدل شيئا ونصف شئ الشئ، ثلثاها وهو ستون، فيأخذ المضمون ستين من تركة الضامن، ويستحق ورثة الضامن الرجوع في تركة المضمون عنه بها، لان الضمان باذنه ويبقى للمضمون له من دينه ثلاثون، فيرجع بها في تركة المضمون عنه وتركته أقل من ذلك فيقاسم المضمون له ورثة الضامن الخمسة والاربعين على قدر حقهم، فيكون لورثة الضامن ثلثاها، وهو ثلاثون، وللمضمون له ثلثها، وهو خمسة عشر، فيجتمع لورثة الضامن ستون، وخرج منهم بالضمان ثلاثون، فقد بقى معهم مثلا ما خرج عنهم. فإذا تقرر هذا: وعرف ما يستحقه المضمون له من تركة الضامن بالعمل فهو بالخيار، إن شاء فعل ما ذكرناه، وإن شاء أخذ من ورثة الضامن خمسة وسبعين ورجع ورثة الضامن بجميع تركة المضمون عنه، فان كانت بحالها إلا أن المضمون عنه خلف ثلاثين درهما لا غير، فالعمل فيه يخرج من التسعين شئ بالضمان، ويرجع إليهم ثلث شئ، لان تركة المضمون له ثلث تركة الضامن، فيبقى مع ورثة الضامن تسعون إلا ثلثى شئ يعدل شيئا وثلث شئ. فإذا أجبرت التسعون عدلت شيئين الشئ نصفها وهو خمسة وأربعون، فيأخذها من تركة الضامن ويرجع المضمون له وورثة الضامن في تركة المضمون عنه بنصفين لاستواء حقهما فيرجع إلى ورثة الضامن خمسة عشر فيجتمع لهم ستون، وخرج منهم ثلاثون، ويجتمع للمضمون له ستون ; ويسقط من دينه

ثلاثون ; فإن شاء فعل ما ذكرناه، وإن شاء أخذ الستين كلها من تركة الضامن ورجع ورثة الضامن بجميع تركة المضمون عنه، وإن شاء المضمون له أخذ جميع تركة المضمون عنه وهو ثلاثون، وأخذ من تركة الضامن ثلثها، وهو ثلاثون، يبقى لهم ستون مثلا ما خرج منهم، فإن خلف المضمون عنه ستين فإن المضمون له لا ينقص شئ من دينه ههنا، والعمل فيه على قياس ما مضى والله تبارك وتعالى المستعان. (مسألة) إذا ادعى رجل على رجل حاضر أنه ابتاع منه هو ورجل غائب سيارة بألف دينار على كل واحد منهما خمسمائة، وقبضاه وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه فان أقر الحاضر بذلك لزمه أن يدفع إلى المدعى ألفا، فإذا قدم الغائب فإن صدق الحاضر رجع عليه الحاضر بما قضى عنه، وهو خمسمائة، وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف سقط حق الحاضر، وإن أنكر الحاضر المدعى فانه لم يكن للمدعى بينة، فالقول قول الحاضر مع يمينه. فإذا حلف سقطت عنه المطالبة. فإذا قدم الغائب فادعى عليه البائع - فان أنكره - حلف له أيضا ولا كلام وإن أقر بما ادعاه عليهما لزم القادم الخمسمائة التى أقر أنه اشترى هو بها. وهل يلزمه الخمسمائة التى أقر أن شريكه أنه اشترى بها وضمن هو عليه؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا يلزمه لانا قد حكمنا بسقوطها عن الحاضر بيمينه. وقال ابن الصباغ: يلزم القادم لان اليمين لم تبرئه من الثمن، وإنما سقطت عنه المطالبة في الظاهر، فإذا أقر أنه الضامن لزمه، ولهذا لو أقام بينة عليه بعد يمينه لزمه الثمن، ولزم الضامن فثبت أن الحق لم يسقط عن الحاضر وعن الغائب. فإذا أقام المدعى بينة على الحاضر بأنهما اشتريا منه السيارة بألف وقبضاها وضمن كل واحد منهما عن صاحبه الخمسمائة فللمدعى أن يطالب الحاضر بجميع الالف، لان البينة قد شهدت عليه بذلك، وهل للحاضر أن يرجع بنصفها على الغائب إذا قدم؟ نقل المزني أنه يرجع بالنصف على الغائب. واختلف أصحابنا

في ذلك، فمنهم من قال: لا يرجع عليه بشئ ; ولم يذكر ابن الصباغ غيره. لانه منكر لما شهدت له البينة، مقر أن المدعى ظالم له فلا يرجع على عين من ظلمه، ومن قال بهذا تأول ما نقله المزني أربع تأويلات. (أحدها) يحتمل أن يكون الحاضر صدق المدعى فيما ادعى غير أن المدعى قال: وأنا أقيم البينه أيضا فأقامها، فيرجع ههنا، لانه ليس فيه تكذيب البينة. (الثاني) أن يكون الحاضر لم يقر ولم ينكر، بل سكت، فأقام المدعى البينة فليس فيه تكذيب. (الثالث) أن يكون الحاضر أنكر شراء نفسه، ولم يعرض لشراء شريكه. فقامت عليه البينة. (الرابع) أن يكون الحاضر أنكر شراءه وشراء شريكه وضمانهما إلا أن الحاضر لما قامت البينة وأخذ من المدعى الالف ظلما ثبت على الغائب خمسمائة بالبينة، وقد أخذ المدعى من الحاضر خمسمائة ظلما فيكون للحاضر أن يأخذ ما ثبت للمدعى على الغائب. ومن أصحابنا من وافق المزني وقال: يرجع الحاضر على الغائب بخمسمائة وإن أنكر الشراء والضمان لانه يقول: كان عندي إشكال في ذلك، وقد كشفت هذه البينة هذا الاشكال وأزالته، فهو كمن اشترى شيئا وادعاه عليه آخر بأنه له وأنكر المشترى ذلك، وأقام المدعى بينه وانتزع منه. فان له أن يرجع على البائع بالثمن، ولا يقال: ان باقراره أن المدعى ظالم يسقط حقه من الرجوع. وقال الشيخ أبو حامد في التعليق ينظر في الحاضر فان تقدم منه تكذيب البينه مثل أن قال من يبيع منك شيئا ولا يستحق علينا شيئا. ثم قامت البينه بذلك فانه لا يرجع على صاحبه بشئ لانه قد كذب البينة بما شهدت وأن هذا المدعى ظالم قيل له. فان قدم الغائب واعترف بصدق المدعى وقال: لا يرجع عليه بشئ لانه يقر له بما لا يدعيه. وان لم يتقدم منه تكذيب البينة مثل أن قال. مالك عندي شئ. فانه يرجع على صاحبه بخمسمائه لانه ضمن عنه باذنه ودفع عنه (قلت) ولعل صاحب الوجه الاول لا يخالف تفصيل الشيخ أبى حامد في جواب الحاضر وأن الحكم يختلف باختلاف جوابه كما ذكر والله الموفق والمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن ضمن عنه دينا ثم اختلفا فقال الضامن: ضمنت وأنا صبى، وقال المضمون له. ضمنت وأنت بالغ، فالقول قول الضامن، لان الاصل عدم البلوغ، وإن قال. ضمنت وأنا مجنون، وقال. بل ضمنت وأنت عاقل، فان لم يعرف له حالة جنون فالقول قول المضمون له، لان الاصل العقل وصحة الضمان، وان عرف له حالة جنون فالقول قول الضامن، لانه يحتمل أن يكون الضمان في حاله الافاقة. ويحتمل أن يكون في حالة الجنون، والاصل عدم الضمان وبراءة الذمة. وان ضمن عن رجل شيئا وأدى المال ثم ادعى أنه ضمن باذنه وأدى باذنه ليرجع، وأنكر المضمون عنه الاذن لم يرجع عليه، لان الاصل عدم الاذن، وان تكفل ببدن رجل ثم ادعى أنه تكفل به ولا حق عليه فالقول قول المكفول له لان الكفيل قد أقر بالكفالة، والكفالة لا تكون الا بمن عليه حق فكان القول قول المكفول له، فان طلب الكفيل يمين المكفول له على ذلك ففيه وجهان. (أحدهما) يحلف، لان ما يدعيه الكفيل ممكن، فحلف عليه الخصم. (والثانى) لا يحلف، لان اقراره بالكفالة يقتضى وجوب الحق وما يدعيه يكذب اقراره، فلم يحلف الخصم. وان ادعى الضامن أنه قضى الحق عن المضمون عنه. وأقر المضمون له. وأنكر المضمون عنه. ففيه وجهان. (أحدهما) أن القول قول المضمون عنه. لان الضامن يدعى القضاء ليرجع فلم يقبل قوله. والمضمون له يشهد على فعل نفسه أنه قبض فلم تقبل شهادته. فسقط قولهما وحلف المضمون عنه (والثانى) أن القول قول الضامن لان قبض المضمون له يثبت بالاقرار مرة. وبالبينة أخرى. ولو ثبت قبضه بالبينة رجع الضامن. فكذلك إذا ثبت بالاقرار. (الشرح) الاحكام. إذا ضمن عن رجل دينا ثم اختلفا. فقال الضامن. ضمنت وأنا صبى. وقال المضمون له. بل ضمن وأنت بالغ فان أقام المضمون له

بينة أنه ضمن وهو بالغ حكم بصحة الضمان، وان لم تكن بينة فالقول قول الضامن لان الاصل عدم البلوغ وان قال الضامن ضمنت وأنا مجنون، وقال المضمون له بل ضمنت وأنت عاقل، فان أقام المضمون له بينة أنه ضمن له وهو عاقل حكم له بصحة الضمان. وان لم تكن له بينة: فان لم يعرف للضامن حال جنون فالقول قول المضمون له مع يمينه، لان الاصل صحة الضامن وان عرف له حال جنون فالقول قول الضامن مع يمينه، لانه يحتمل أنه ضمنه في حال الجنون، ويحتمل أنه ضمن في حال الافاقة، والاصل براءة ذمته (فرع) وإن ادعى الضامن أن المضمون له أبرأه عن الضمان وأنكر المضمون له البراءة، فأحضر الضامن شاهدين أحدهما المضمون عنه. قال الصيمري، فان لم يأمره بالضمان عنه قبلت شهادته، وان أمره بالضمان عنه لم تقبل شهادته (فرع) وان ادعى على رجل أنه ضمن له دينا على رجل غائب معين وأنكر الضامن واحضر المضمون له بينة تشهد بالضمان، فان بين قدر المال المضمون له وشهدت معه البينة بذلك حكم بها، وان ادعى الضمان بمال معلوم والمضمون مجهول وشهدت له بينة بذلك فهل تسمع بينتة؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تسمع هذه البينة ولا يحكم له على الضامن بشئ لان الذى عليه الحق إذا كان مجهولا لم يثبت حقه، وإذا لم يثبت على الاصل لم يثبت على الضامن. (والثانى) يحكم له على الضامن لان البينة قد قامت عليه بذلك، ألا ترى أنها لو شهدت بأن عليه ألفا من جهة الضامن سمعت ; فكذلك هذا مثله (فرع) إذا ضمن الرجل لغيره دينا وقضاه، وادعى الضامن على المضمون منه أنه ضمن باذنه وقضى باذنه فليرجع عليه، وأنكر المضمون عنه الاذن، فان أقام الضامن بينة حكم له بالرجوع على المضمون عنه، وان لم يقم بينة فالقول قول المضمون عنه مع يمينه لان الاصل عدم الاذن (فرع) فان قال تكفلت لك ببدن فلان مؤجلا، وقال المكفول له تكفلت به معجلا. وأقام كل واحد منهما شاهدا واحدا بما قال. ففيه قولان حكاهما

الصيدلانى (أحدهما) لا يلزمه إلا مؤجلا لانه لم يقر بغيره (والثانى) يحلف كل واحد منهما مع شاهده ويتعارضان ويسقطان ويبقى الضمان معجلا (فرع) إذا ادعى الكفيل أن المكفول به برئ من الحق، وأن الكفالة قد سقطت، وأنكر ذلك المكفول له ولم تكن بينة، فالقول قول المكفول له مع يمينه لان الاصل بقاء الحق، لانه لا يبرأ بيمين غيره. وإن قال الكفيل تكفلت به ولا حق لك عليه فالقول قول المكفول له لان الظاهر صحة الكفالة. وهل يحلف؟ قال أبو العباس فيه وجهان (أحدهما) لا يحلف، لان دعوى الكفيل تخالف ظاهر قوله. (والثانى) يحلف لان ما يدعيه الكفيل ممكن، فإن حلف فلا كلام، وان نكل رد اليمين على الكفيل لانه لا يجوز أن يعلم أنه لا حق للمكفول له بإقرار، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: كتاب الشركة يصح عقد الشركة على التجارة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تعالى " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت من بينهما " ولا تصح الشركة إلا من جائز التصرف في المال، لانه عقد على التصرف في المال فلم تصح إلا من جائز التصرف في المال. (فصل) ويكره أن يشارك المسلم الكافر، لما روى أبو جمرة عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا، قلت: لم؟ قال لانهم يربون، والربا لا يحل (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رفعه. رواه أبو داود والحاكم وصححه، وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان. وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وأعله أيضا ابن القطان بالارسال، فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال:

إنه الصواب، ولم يسنده غير أبى همام محمد بن الزبرقان، وسكت أبو داود والمنذري عن هذا الحديث. وأخرج نحوه أبو القاسم الاصبهاني في الترغيب والترهيب عن حكيم بن حزام أما لغات الفصل وغريب الحديث، فالشركة بكسر الشين وسكون الراء، وحكى ابن باطيش فتح الشين وكسر الراء. وذكر صاحب الفتح فيها أربع لغات فتح الشين وكسر الراء، وكسر الشين وسكون الراء، وقد تحذف الهاء مع كسر أوله، وقد تحذف مع فتح أوله. قوله " أنا ثالث الشريكين " المراد أن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة ويمدهما بالرعاية والمعونة ويتولى الحفظ لما لهما. قوله " خرجت من بينهما " أي نزعت البركة من المال، زاد رزين " وجاء الشيطان " ورواية الدارقطني " فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " يعنى البركة والشركة ثبوت الحق لاثنين فأكثر على جهة الشيوع. وعن السائب بن أبى السائب المخزومى أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: كنت شريكي ونعم الشريك، كنت لا تداريني ولا تماريني " رواه أبو داود وابن ماجه بلفظ " كنت شريكي ونعم الشريك، لا تدارى ولا تمارى " وفى لفظ أن السائب المخزومى كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال: مرحبا بأخى وشريكي، لا تدارى ولا تمارى. وفى لفظ أن السائب قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوا يثنون علي ويذكرونني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا أعلمكم به، فقلت: صدقت بأبى أنت وأمى، كنت شريكي فنعم الشريك لا تدارى ولا تمارى " وقوله " لا تدارى " أي لا تخالف ولا تنازع من قوله تعالى " فادارأتم فيها " يعنى اختلفتم وتنازعتم أما الاحكام فان الاصل في جواز الشركة الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى " واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول " الآية فجعل الخمس مشتركا بين الغانمين وقوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين "

فجعل الميراث مشتركا بين الاولاد. وقوله تعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " الآية. فجعل الصدقة مشتركة بين أهل الاصناف. وقوله تعالى " وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض " والخلطاء هم الشركاء وأما السنة فقد مضى بعضها، ونضيف إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من كان له شريك في ربع أو حائط فلا يبعه حتى يؤذن شريكه " وقد سبق تخريحه وطرقه عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وأما أثر أبى جمرة عن ابن عباس " لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا، قلت لم؟ قال لانهم يربون. وأبو جمرة هو نصر بن عمران الضبعى صاحب ابن عباس، والاثر رواه الاثرم. وقد روى الخلال بإسناده عن عطاء قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن مشاركة اليهودي والنصراني، إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم " وأما الاجماع فإن أحدا من العلماء لم يخالف في جوازها. إذا ثبت هذا فإن الشركة تنقسم على ستة أقسام: شركه في الاعيان والمنافع، وشركه في الاعيان دون المنافع، وشركه في المنافع دون الاعيان، وشركه في المنافع المباحة، وشركه في حق الابدان، وشركه في حقوق الاموال. فأما شركة المنافع والاعيان فهو أن يكون بين الرجلين أو بين الجماعة أرض أو بهائم ملكوها بالارث أو بالبيع أو الهبة مشاعا وأما شركة الاعيان دون المنافع فمثل أن يوصى رجل لرجل بمنفعة أرضه أو داره فيموت ويخلف جماعة ورثة، فإن رقبة الارض والدار تكون موروثة للورثة دون المنفعة. وأما الشركة في المنافع دون الاعيان فمثل أن يوصى بمنفعة عربته لجماعه أو يستأجر جماعة عربة وأما الوقف على جماعة - فان قلنا ان ملك الرقبه إلى الله كانت الشركة بينهم في المنافع دون الاعيان، وإن قلنا ينقل الملك إليهم كانت الشركة بينهم في المنافع والاعيان، وأما الشركة في المنافع المباحة فمثل أن يموت رجل وله ورثة جماعة ويخلف كلب صيد أو كلب ماشيه أو زرع، فإن المنفعة مشتركة بينهم

وأما الشركة في حقوق الابدان فهو أن يرث جماعه قصاصا أو حد قذف، وأما الشركة في حقوق الاموال فهو أن يرث جماعه الشفعة أو الرد بالعيب وخيار الشرط وحقوق الرهن ومرافق الطرق (مسألة) وتجوز الشركة في التجارة لما روى أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان بنسيئة فردوه، ويكره للمسلم أن يشارك الكافر سواء كان المسلم هو المتصرف أو الكافر أو هما، وقال الحسن رضى الله عنه " ان كان المسلم هو المتصرف لم يكره، وان كان الكافر هو المتصرف أو هما كره دليلنا ما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال " أكره أن يشارك المسلم اليهودي والنصراني، ولا مخالف له، ولانهم لا يمتنعون من الربا ومن بيع الخمر، ولا يؤمن أن يكون ماله الذى عقد عليه الشركة من ذلك فكره، فإن عقد الشركة معه صح، لان الظاهر مما في أيديهم أنه ملكهم، وقد اقترض النبي صلى الله عليه وسلم من يهودى شعيرا ورهنه درعه، وقال أحمد يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلوان به، ويخلو به المسلم، وحديث الاثرم فيه إرسال، وخبر ابن عباس موقوف عليه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وتصح الشركة على الدراهم والدنانير، لانهما أصل لكل ما يباع ويبتاع، وبهما تعرف قيمة الاموال وما يزيد فيها من الارباح، فأما ما سواهما من العروض فضربان، ضرب لا مثل له، وضرب له مثل، فأما مالا مثل له كالحيوان والثياب فلا يجوز عقد الشركة عليها لانه قد تزيد قيمة أحدهما دون الآخر، فإن جعلنا ربح ما زاد قيمته لمالكه أفردنا أحدهما بالربح والشركة معقودة على الاشتراك في الربح، وان جعلنا الربح بينهما أعطينا من لم تزد قيمة ماله ربح مال الآخر، وهذا لا يجوز وأما ماله مثل كالحبوب والادهان ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز عقد

الشركة عليه، وعليه نص في البويطى لانه من غير الاثمان فلم يجز عقد الشركة عليه كالثياب والحيوان (والثانى) يجوز، وهو قول أبى إسحاق لانه من ذوات الامثال فأشبه الاثمان، وإن لم يكن لهما غير العروض وأرادا الشركة باع كل واحد منهما بعض عرضه ببعض عرض الاخر، فيصير الجميع مشتركا بينهما، ويشتركان في ربحه. (الشرح) الاحكام. قال المزني: والذى يشبه قول الشافعي رحمه الله أنه لا تجوز الشركة في العروض ولا فيما يرجع في حال المفاضلة إلى القيم ولغير الاثمان. وجملة ذلك أن عقد الشركة يصح على الدراهم والدنانير لانها قيم المتلفات ومعايير الاثمان، وبها تعرف قيم الاموال وما يزيد فيها من الارباح، وممن منع الشركة بالعروض أصحاب أحمد كما نص عليه هو في رواية أبى طالب وحرب، وحكاه عنه ابن المنذر. وكره ذلك ابن سيرين ويحيى بن أبى كثير والثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأى، لان الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها. فأما أعيانها فإنه لا يجوز أن تقع عليها لان الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه لا مثل لها فيرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الاخر فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدى إلى أن يشاركه الاخر في ثمن ملكه الذى ليس بربح وأما قيمتها فإنها غير متحققة القدر فيفضى إلى التنازع، وقد يقوم الشوء بأكثر من قيمته، ولان القيمه قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الاخر في العين المملوكة له. وأما الاثمان فإنها معدومه حال العقد ولا يملكانها، ولانه إن أراد ثمنها الذى اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع. وان أراد ثمنها الذى يبيعها به فإنها تصير شركه معلقه على شرط وهو بيع الاعيان، ولا يجوز ذلك وقد فرق أصحابنا بين ماله مثل وبين مالا مثل له. فأما مالا مثل له كالنبات والحيوان وما أشبههما فلا يصح عقد الشركة عليها، وبه قال من مضى ذكرهم، وقال مالك يصح عقد الشركة عليها ويكون رأس المال قيمتها

دليلنا: أن موضع الشركة على أن لا ينفرد أحد الشريكين بربح مال أحدهما وهذه الشركة تفضى إلى ذلك، لانه قد يزيد قيمة عرض أحدهما، ولا يزيد قيمة عرض الآخر، فيشاركه من لم يزد قيمة عرضه عند المفاصلة، وهذا لا سبيل إليه فان كان لكل واحد منهما عربة تساوى مائة وأراد الشركة، باع أحدهما نصف عربته بنصف عربة صاحبه ثم يتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف وان كانت قيمة احداهما مائتين وقيمة الاخرى مائة باع من قيمة عربته مائتان ثلث عربته بثلثي عربة الآخر، وان شاءا باع كل واحد منهما من صاحبه بعض عرضه بثمن في ذمته ثم تقاصا، وان شاءا اشتريا عرضا من رجلين بثمن في ذمتهما ثم دفعا عرضهما عما في ذمتهما. وأما ما له مثل كالحبوب والادهان، فهل يصح عقد الشركة فيها؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز، وهو ظاهر ما نقله المزني، لانه قال: ولا فيما يرجع حال المفاصلة إلى القيم، وما له مثل لا يرجع إلى قيمته ولانهما مالان إذا خلطا لم يتميز أحدهما عن الآخر، فصح عقد الشركة عليهما كالدراهم والدنانير. (والثانى) لا يجوز، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي البويطى ولا تجوز الشركة في العروض، وما له مثل من العروض، ولانها شركة على عروض فلم يصح كالنبات والحيوان. قال أبو إسحاق المروزى في الشرح: فإذا قلنا: تصح الشركة فيها - فان كانت قيمتهما سواء - أخذ كل واحد منهما مثل سلعته يوم المفاصلة واقتسما ما بقى من الربح، وان كانت قيمتهما مختلفه مثل أن كانت حنطة أحدهما جيده وحنطة الآخر مسوسة كان لكل واحد منهما قيمة حنطته يوم الشركة واقتسما ما بقى من الربج قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ولا يصح من الشرك الا شركة العنان، ولا يصح ذلك الا أن يكون مال أحدهما من جنس مال الآخر وعلى صفته، فان كان مال أحدهما دنانير والآخر دراهم، أو مال أحدهما صحاحا والآخر قراضه أو مال أحدهما من سكة ومال الآخر من سكة أخرى لم تصح الشركة، لانهما مالان لا يختلطان فلم تصح

الشركة عليهما كالعروض، فان كان مال أحدهما عشرة دنانير ومال الآخر مائة درهم، وابتاعا بها شيئا وربحا قسم الربح بينهما على قدر المالين، فان كان نقد البلد أحدهما قوم به الاخر، فان استوت قيمتاهما استويا في الربح، وان اختلفت قيمتاهما تفاضلا في الربح على قدر مالهما. (فصل) ولا تصح حتى يختلط المالان، لانه قبل الاختلاط لا شركة بينهما في مال، ولانا لو صححنا الشركة قبل الاختلاط وقلنا: ان من ربح شيئا من ماله انفرد بالربح أفردنا أحدهما بالربح، وذلك لا يجوز، وان قلنا: يشاركه الاخر أخذ أحدهما ربح مال الاخر، وهذا لا يجوز، وهل تصح الشركة مع تفاضل المالين في القدر؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا تصح، وهو قول أبى القاسم الانماطى لان الشركة تشتمل على مال وعمل ثم لا يجوز أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، فكذلك لا يجوز أن يتساويا في العمل ويتفاضلا في الربح وإذا اختلف مالهما في القدر فقد تساويا في العمل وتفاضلا في الربح، فوجب أن لا يجوز. (والثانى) تصح، وهو قول عامة أصحابنا وهو الصحيح، لان المقصود بالشركة أن يشتركا في ربح مالهما، وذلك يحصل مع تفاضل المالين كما يحصل مع تساويهما، وما قاله الانماطى من قياس العمل على المال لا يصح، لان الاعتبار في الربح بالمال لا بالعمل، والدليل عليه أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالمال ويشتركا في الربح، فلم يجز أن يستويا في المال ويختلفا في الربح، وليس كذلك العمل، فانه يجوز أن ينفرد أحدهما بالعمل ويشتركا في الربح، فجاز أن يستويا في العمل ويختلفا في الربح. (الشرح) قوله: شركة العنان وهو أن يشتركا في شئ خاص دون سائر أموالهما، كأنه عن لهما شئ فاشترياه مشتركين فيه، وقيل: مأخوذة من عناني فرسى الرهان، لان الفارسين إذا تسابقا تساوى عنانا فرسيهما، وكذلك الشركة يتساوى فيها الشريكان.

والشركة أربع: شركة العنان، وشركة الابدان، وشركة المفاوضة وشركة الوجوه، ولا يصح من هذه الشركة عندنا إلا شركة العنان. قال في البيان واختلف الناس لم سميت شركه العنان فقيل سميت شركة العنان لظهورها وهو أنهما ظاهرا باخراج المالين، ويقال عن الشئ إذا ظهر ومنه قول إمرئ القيس فعن لنا سرب كأن نعاجه * عذارى دوار في ملاء مذيل (وقيل) سميت عنانا من المعاننة وهى المعارضة، وكل واحد من الشريكين عارض شريكه بمثل ماله، إلى أن قال. وقال أبو بكر الرازي سميت بذلك مأخوذا من العنان، لان الانسان يأخذ عنان الدابة بإحدى يديه، ويحبسه عليها، ويده الاخرى مرسلة يتصرف بها كيف شاء، كذلك هذه الشركة كل واحد من الشريكين بعض ماله مقصور عن التصرف فيه من جهة الشركة، وبعض ماله يتصرف فيه كيف شاء. اه وقد اعتبر أصحاب أحمد الشركة خمسا حيث زادوا شركة المضاربة، وقد أجازوا بعض ما هو ممنوع عندنا على تفصيل سيأتي ان شاء الله تعالى. وجماع القول في شركة العنان هو أن يخرج كل واحد منهما مالا من جنس مال الآخر وعلى صفته ويخلطا المالين، ولا خلاف في صحة هذه الشركة لسلامتها من سائر أنواع الغرر، ويشترط فيها لفظ صريح من كل للآخر يدل على الاذن للمتصرف من كل منهما أو من أحدهما، أو كنايه تشعر بذلك وكاللفظ الكتابة وإشارة الاخرس المفهمه فلو أذن أحدهما فقط تصرف المأذون في الكل والآذن في نصيبه خاصة، فإن شرط عدم تصرفه في نصيبه لم تصح. (فرع) الشركة الصحيحه أن يخرج كل واحد من الشريكين دنانير مثل دنانير صاحبه ويخلطاها فيكونا شريكين، وجملة ذلك أن من شرط صحة شركه العنان أن يكون مالهما المشترك بينهما من جنس واحد وسكة واحدة، فإن كان مال أحدهما عملة محلية والاخر عملة أجنبيه واختلفا قيمة لم تصح الشركة لاختلاف جهة الاصدار وعدم اتحاد القيمة واحتمال دخول عنصر الغرر أو الربا في الاستبدال والصرف فلم تصح كما لو كانت نقود أحدهما مكسرة والاخر صحيحه، أو كانت

لاحدهما دنانير والآخر دراهم، أو كانت لاحدهما طبرية والاخر عبدية، وقال أبو حنيفة " يصح " دليلنا أنه مالان مختلفان، فوجب أن لا ينعقد عليهما عقد الشركة، كما لو كان مال أحدهما حنطة ومال الاخر شعيرا، فإن خالفا وأخرج أحدهما عشرة دنانير والاخر عشرة دراهم وخلطا ذلك وابتاعا فإن ذلك يكون ملكا لهما على قدر مالهما فان كان نقد البلد دنانير قومت الدراهم، فان كانت قيمتها خمسة دنانير كان لصاحب الدنانير ثلثا المتاع ولصاحب الدراهم ثلثه، وكذلك بقسم الربح والخسران بينهما، وإن كان نقد البلد من غير جنس ما أخرجاه قوم ما أخرج كل واحد منهما بنقد البلد، فان تساويا كان ذلك بينهما نصفين، وإن تفاضلا كان الحكم في ملك المتاع لهما كذلك. ولا تصح الشركة حتى يختلط المالان ثم يقولا: تشاركنا أو اشتركنا، فان عقدا الشركة قبل خلط المالين لم يصح وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تصح الشركة وان لم يخلطا المالين، بل مال كل واحد منهما بيده يتصرف فيه كيف شاء ويشتركان في الربح وقال مالك رحمه الله تعالى: من شرط عقد الشركة أن تكون أيديهما على المالين، أو يد وكيلهما. وان لم يكونا مخلوطين دليلنا أنهما مالان يتميز أحدهما عن الاخر فلم تصح الشركة عليهما كما لو كانا حنطة وشعيرا، أو كما لو لم تكن يدهما على المالين، ولانا لو صححنا عقد الشركة قبل الخلط لادى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الاخر، لانه قد ربح بمال أحدهما دون الاخر وهل من شرط صحة هذه الشركة أن يتساويا في قدر ماليهما؟ فان كان مال أحدهما عشرة دنانير ومال الاخر خمسة لم تصح، لان الشافعي شرط أن يخرج أحدهما مثل ما يخرج الاخر، ولانهما إذا نفاضلا في المال فلابد أن يتفاضلا في الربح. لان الربح على قدر المالين، فلم يجز أن يتفاضلا في الربح مع تساويهما في العمل، كما لا يجوز أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح قال أبو القاسم الانماطى: لا تصح الشركة. وقال عامة أصحابنا تصح الشركة

وإن كانا متفاضلين في المالين، لان المقصود في الشركة أن يشتركا في ربح ماليهما وذلك يمكن مع تفاضل المالين، كما يمكن مع تساويهما. وما قال الشافعي فأراد به المثل من جهة الجنس والسكة، لا من جهة المقدار، وأما اعتبار الربح بالعمل فغير صحيح، لان عمل الشريكين في مال الشركة لا تأثير له، لانه تابع، وقد يعمل أحدهما في مال الشركة أكثر من عمل الاخر مع استوائهما في المال. وقد يعمل أحدهما في مال الشركة وحده من غير شرط في العقد، ويصح ذلك كله ولا يؤثر في الربح. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز لاحد الشريكين أن يتصرف في نصيب شريكه إلا بإذنه فان أذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف تصرفا، وإن أذن أحدهما ولم يأذن الاخر تصرف المأذون في الجميع، ولا يتصرف الاخر الا في نصيبه، ولا يجوز لاحدهما أن يتجر في نصيب شريكه إلا في الصنف الذى يأذن فيه الشريك، ولا أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بثمن مؤجل، ولا بغير نقد البلد إلا أن يأذن له شريكه، لان كل واحد منهما وكيل للآخر في نصفه، فلا يملك الا ما يملك كالوكيل. (الشرح) الاحكام: إذا عقدا الشركة على مال لهما نصفين، فان كل واحد منهما يملك التصرف في نصف المال مشاعا من غير إذن شريكه لانه ملكه، وهل له أن يتصرف في النصف الاخر من غير اذن شريكه؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي أحدهما يملك ذلك، وبه قال أبو حنيفة لان هذا مقتضى عقد الشركة، فلم يحتج إلى إذن الاخر، كما لو عقد القراض على مال له والثانى: وهو طريقة البغداديين من أصحابنا أنه لا يملك ذلك من غير إذن شريكه، لان المقصود بالشركه هو أن يشتركا في ربح ماليهما. وذلك لا يقتضى التوكيل من كل واحد منهما لصاحبه. إذا ثبت هذا فان أذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف بنصيبه تصرف

كل واحد منهما بجميع مال الشركة، وان أذن أحدهما لصاحبه دون الآخر صح تصرف المأذون له في جميع المال، ولا يتصرف من لم يؤذن له الا في نصفه مشاعا ولا يتجر المأذون له في نصيب شريكه إلا في النوع المأذون له فيه من الامتعة، سواء كان يعم وجوده أو لا يعم وجوده، ولان ذلك توكيل، وللانسان أن يوكل غيره يشترى له نوعا من الامتعة، وإن لم يكن عام الوجود بخلاف القراض فإن المقصود منه الربح، وذلك لا يحصل إلا في الاذن بالتجارة فيما يعم وجوده. قال ابن الصباغ: وإن أذن له أن يتجر في جميع التجارات جاز ذلك أيضا. ولا يبيع المأذون له نصيب شريكه إلا بنقد البلد حالا بثمن المثل كما نقول في الوكيل قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) ويقسم الربح والخسران على قدر المالين، لان الربح نماء مالهما والخسران نقصان مالهما، فكانا على قدر المالين، فإن شرطا التفاضل في الربح والخسران مع تساوى المالين، أو التساوى في الربح أو الخسران مع تفاضل المالين لم يصح العقد، لانه شرط ينافى مقتضى الشركة فلم يصح، كما لو شرط أن يكون الربح لاحدهما، فإن تصرفا مع هذا الشرط صح التصرف، لان الشرط لا يسقط الاذن فنفذ التصرف، فان ربحا أو خسرا جعل بينهما على قدر المالين، ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمله في نصيب شريكه، لانه إنما عمل ليسلم له ما شرط، وإذا لم يسلم رجع بأجرة عمله. (الشرح) الاحكام: إذا اشترك رجلان وتصرفا - فان ربحا - قسم الربح بينهما والخسران على قدر المالين. سواء شرطا ذلك في العقد أو أطلقا، لان هذا مقتضى الشركة، وان شرطا التفاضل في الربح أو الخسران مع تساوى المالين أو شرطا التساوى في الربح أو الخسران مع تفاضل المالين لم يصح هذا الشرط. وقال أبو حنيفة " يصح " دليلنا أنه شرط ينافى مقتضى الشركة فلم يصح، كما لو شرطا الربح لاحدهما فان تصرفا مع هذا الشرط صح تصرفهما، لان الشرط يسقط الاذن، فان ربحا

أو خسرا قسم الربح والخسران على قدر مالهما، لانه مستفاد بمالهما، ولانه ثمرة المال فكان على قدرهما، كما لو كان بينهما نخيل فأثمرت، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة عمله في ماله. لانه إنما عمل بشرط ولم يسلم له الشرط. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) وأما شركة الابدان، وهى الشركة على ما يكتسبان بأبدانهما فهى باطلة، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل " وهذا الشرط ليس في كتاب الله تعالى. فوجب أن يكون باطلا، ولان عمل كل واحد منهما ملك له يختص به فلم يحز أن يشاركه الآخر في بدله، فإن عملا وكسبا أخذ كل واحد منهما أجرة عمله. لانها بدل عمله فاختص بها. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ الشيخان: قال النووي: صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من استنباط الفوائد. أما الاحكام: فإذا كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لاحدهما ألف وللآخر ألفان، وعقدا الشركة على أن يكون الربح بينهما نصفين، فان شرط صاحب الالفين على نفسه شيئا من العمل كانت الشركة فاسدة، فإذا عملا قسم الربح والخسران بينهما على قدر مالهما، ويرجع كل منهما على صاحبه بأجرة عمله في ماله. وقال ابو حنيفة رحمه الله: الشركة فاسدة ولا يرجع أحدهما على الاخر بأجرة عمله في ماله. دليلنا أنه عقد قصدا به الربح في كل حال، فإذا كان فاسدا استحق أجرة عمله فيه كالقراض، فإن عمل صاحب الالف على مال الشركة عملا أجرته ثلاثمائة. وعمل صاحب الالفين على مال الشركة عملا أجرته مائة وخمسون، فإن صاحب الالف يستحق على صاحب الالفين مائتين ويستحق عليه صاحب الالفين خمسين فيقاصه بها، وتبقى لصاحب الالف على صاحب الالفين مائة وخمسون. وان عمل كل واحد منهما على مال الشركة عملا أجرته مائة وخمسون فان صاحب

الالف يستحق على صاحب الالفين مائة، ويستحق صاحب الالفين عليه خمسين فيقاصه بها، ويبقى لصاحب الالف على صاحب الالفين خمسون وإن شرط صاحب الالفين جميع العمل على صاحب الالف وشرط نصف الربح، فان هذه الشركة صحيحة وقراض صحيح، لان صاحب الالف يستحق ثلث الربح بالشركة، لان له ثلث المال ولصاحب الالفين ثلثا الربح، فلما شرط جميع العمل على صاحب الالف وشرط له نصف الربح فقد شرط لعمله سدس الربح فجاز، كما لو قارضه على سدس الربح فان قيل كيف صح عقد القراض على مال مشاع؟ قلنا إنما صح لان الاشاعة مع العامل فلا يتعذر تصرفه، وإنما لا تصح إذا كانت الاشاعة في رأس المال مع غيره، لانه لا يتمكن من التصرف (فرع) قال صاحب البيان: وإن كان بين رجلين ألفا درهم لكل واحد منهما ألف فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك ويكون الربح بينهما نصفين. فان هذا ليس بشركة ولا قراض، لان مقتضى الشركة أن يشتركا في العمل والربح. ومقتضى القراض أن للعامل نصيبا من الربح. ولم يشترط له ههنا شيئا. انتهى. إذا ثبت هذا فعمل وربح كان الربح بينهما نصفين لانه نماء مالهما قال ابن الصباغ: ولا يستحق العامل لعمله في مال شريكه أجرة لانه لم يشترط لنفسه عوضا. فكان عمله تبرعا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأما شركة المفاوضة وهو أن يعقدا الشركة على أن يشتركا فيما يكتسبان بالمال والبدن، وأن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الاخر بغصب أو بيع أو ضمان فهى شركة باطلة، لحديث عائشة رضى الله عنها. ولانها شركة معقودة على أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يختص بسببه فلم تصح، كما لو عقدا الشركة على ما يملكان بالارث والهبة. ولانها شركة معقودة على أن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الاخر بعدوانه فلم تصح. كما لو عقدا الشركة

على أن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الاخر بالجناية، فان عقدا الشركة على ذلك واكتسبا وضمنا أخذ كل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، وضمن كل واحد منهما ما لزمه بغصبه وبيعه وضمانه، لان الشرط قد سقط، وبقى الربح والضمان على ما كانا قبل الشرط، ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمله في نصيب شريكه، لانه عمل في ماله ليسلم له ما شرط له، ولم يسلم فوجب أجرة عمله. (الشرح) الاحكام: إن شركة المفاوضة باطلة عندنا، وهى أن يشترطا أن يكون ما يملكان من المال بينهما، وأن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الاخر بغصب أو بيع أو ضمان. قال الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين: لا أعلم في الدنيا شيئا باطلا إن لم تكن شركة المفاوضه باطلة، ولا أعلم القمار إلا هذا وأقل منه. وقال أبو حنيفة والثوري والاوزاعي رضى الله عنهم: شركة المفاوضة صحيحة إلا أن أبا حنيفة يقول: من شرط صحتها أن يخرج كل واحد منهما جميع ما يملكه من الذهب والفضة، حتى لو أن أحدهما استثنى مما يملكه درهما لم تصح الشركة، ويكون مال أحدهما مثل مال صاحبه، ويكونان حرين بالغين مسلمين. ولا تصح بين مسلم وذمى، ولا بين ذميين، ولا بين حر وعبد، فإذا وجدت هذه الشركة تضمنت الوكالة والكفالة. فأما الوكالة فهو أن يشارك كل واحد منهما صاحبه في الكسب وفيما يوهب له، وفى الكنز الذى يجده وفى جميع ما يكسبه إلا الاصطياد والاحتشاش فانهما ينفردان. وأما الميراث فإنهما لا يشتركان فيه، فإذا ورث أحدهما نظر فيه، فإن كان عرضا لم يضمن الشركة، وان كان ذهبا أو فضه فما لم يقبضه فالشركة بحالها وان قبضه بطلت الشركة، لانه قد صار ماله أكثر من مال الاخر. وأما الكفالة فإن كل ما يلزم أحدهما باقرار أو غصب أو ضمان أو عهدة فان صاحبه يشاركه فيه إلا أرش الجناية. دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن الغرر وهذا غرر، والنهى يقتضى فساد المنهى عنه، ولانها شركة تصح مع المفاضلة فلم تصح مع المساواة كالشركة

في العروض وعكسه شركة العنان، ولانهما عقدا الشركة على ما يملكان بالارث أو بقول شركة على أن يضمن كل واحد منهما ما يجب على الاخر بعدوانه فلم يصح كما لو عقدا الشركة على أن يضمن كل واحد منهما ما يجب على كل واحد منهما كالجناية. إذا ثبت هذا فان كسبا اختص كل واحد منهما بملك ما كسبه ووجب عليه ضمان ما أتلفه وغصبه، لان وجود هذا العقد بمنزلة عدمه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأما شركة الوجوه، وهو أن يعقدا الشركة على أن يشارك كل واحد منهما صاحبه في ربح ما يشتريه بوجهه، فهى شركة باطلة، لان ما يشتريه كل واحد منهما ملك له ينفرد به، فلا يجوز أن يشاركه غيره في ربحه، وإن وكل كل واحد منهما صاحبه في شراء شئ بينهما، واشترى كل واحد منهما ما أذن فيه شريكه. ونوى أن يشتريه بينه وبين شريكه دخل في ملكهما وصارا شريكين فيه فإذا بيع قسم الثمن بينهما لانه بدل مالهما (الشرح) هذه أيضا إحدى الصور من الشركات التى لا تصح عندنا وتسمى شركة الوجوه. وهو أن يتفقا على أن يشترى كل واحد منهما بوجهه، ويكون ذلك شركه بينهما وإن لم يذكر شريكه وقال أبو حنيفة " تصح " دليلنا أن ما يشتريه كل واحد منهما ملك له، فلا يشارك غيره فيه، فان أذن أحدهما لصاحبه أن يشترى له عينا معينه أو موصوفه ويبين له الثمن فاشترى له ونواه عند الشراء كان ذلك للآخر. (فرع) حكى الصيمري أن الشافعي رحمه الله قال: شركة الازواد في السفر سنة، فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رضى الله عنهم، وليس من باب الربا سبيل، فيخلط هذا طعامه بطعام غيره جنسا وجنسين وأقل وأكثر، ويأكلان ولا ربا في ذلك، ونحو هذا إشراك الجنس في الطعام بدار الحرب. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أخذ رجل من رجل جملا، ومن آخر راوية، على أن يستقى الماء ويكون الكسب بينهم، فقد قال في موضع: يجوز. وقال في موضع لا يجوز، فمن أصحابنا من قال: إن كان الماء مملوكا للسقاء فالكسب له، ويرجع عليه صاحب الجمل والراوية بأجرة المثل للجمل والراوية، لانه استوفى منفعتهما بإجارة فاسدة فوجب عليه أجرة المثل وإن كان الماء مباحا فالكسب بينهم أثلاثا لانه استقى الماء على أن يكون الكسب بينهم فكان الكسب بينهم كما لو وكلاه في شراء ثوب بينهم فاشتراه، على أن يكون بينهم، وحمل القولين على هذين الحالين، ومنهم من قال: إن كان الماء مملوكا للسقاء كان الكسب له، ويرجعان عليه بالاجرة لما ذكرناه، وإن كان الماء مباحا ففيه قولان. (أحدهما) أنه بينهم أثلاثا لانه أخذه على أن يكون بينهم فدخل في ملكهم كما لو اشترى شيئا بينهم بإذنهم. (والثانى) أن الكسب للسقاء، لانه مباح اختص بحيازته فاختص بملكه كالغنيمة، ويرجعان عليه بأجرة المثل لانهما بذلا منفعة الجمل والراوية، ليسلم لهما الكسب ولم يسلم، فثبت لهما أجرة المثل. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي رحمه الله تعالى في البويطى: إذا اشترك أربعة أنفس في الزراعة فأخرج أحدهما البذر ومن الثاني الارض ومن الثالث الفدان يعنى البقر التى يعمل عليها، والرابع يعمل على أن يكون الزرع بينهم فإن هذا عقد فاسد، لانه ليس شركة ولا قراضا ولا إجارة لان الشركة لا تصح حتى يخلط الشركاء أموالهم، وها هنا أموالهم متميزة، وفى القراض يرجع رب المال إلى رأس ماله عند المفاصلة، وههنا لا يمكن، والاجارة تفتقر إلى أجرة معلومة وعمل معلوم، فإذا ثبت هذا كانت الغلة كلها لمالك البذر لانها عين ماله زادت، وعليه لصاحب الارض ولصاحب الفدان أجرة مثل مالهم، وللعامل أجرة مثل عمله عليه، لان كل واحد منهم دخل في العقد ليكون له شئ من الغلة، ولم يسلم لهم ذلك، وقد تلفت منافعهم فكان لهم بدلها.

(فرع) قال في البويطى: فان اشترك أربعة فأخرج أحدهم بغلا والآخر حجر الرحى، ومن الآخر البيت، ومن الرابع العمل على أن يكون ما حصل من الاجرة بينهم على ما شرطوه، فان هذه معاملة فاسدة، لانها ليست شركة ولا قراضا ولا إجارة لما بيناه في الفصل قبله. قال الشافعي رضى الله تعالى عنه: فإذا أصابوا شيئا جعل لكل واحد منهم أجرة مثله، وجعل كرأس ماله، وقسم ما حصل بينهم على قدره. قال أبو العباس ابن سريج: في هذا مسألتان. (إحداهما) إذا جاء رجل فاستأجر من كل واحد ماله ليطحنوا له طعاما معلوما بأجرة معلومة بينهم، بأن يقول لصاحب البيت: استأجرت منك هذا البيت ومن هذا الحجر، ومن هذا البغل، ومن هذا نفسه ليطحنوا لى كذا وكذا من الحنطة بكذا وكذا درهم، فقالوا: قبلنا الاجارة، فهل يصح هذا العقد؟ فيه قولان كالقولين في أربعة أنفس لهم أربع دواب باعوها بثمن واحد، وكالقولين فيمن تزوج أربع نسوة بمهر واحد، أو خالعنه بعوض واحد، فإذا قلنا لا يصح استحق كل واحد منهم أجرة مثل ماله على صاحب الطعام. وإن قلنا يصح نظر، كم أجرة مثل كل واحد منهم. وقسم المسمى بينهم على قدر أجور مثلهم، ولو استأجر من كل واحد ملكه بأجرة معلومة على عمل معلوم أو مدة معلومة بعقد مفرد صح ذلك قولا واحدا واستحق كل واحد منهما ما يسمى له. (المسألة الثانية) إذا استأجرهم في الذمة مثل أن يقول: استأجرتكم لتحصلوا لى طحن هذا الطعام بمائة صحت الاجارة قولا واحدا. ووجب على كل واحد منهم ربع العمل واستحق ربع المسمى من غير تقسيط فإذا طحنوا استحقوا المسمى ارباعا، وكان لكل واحد منهم أن يرجع على شركائه بثلاثة أرباع عمله. فيرجع صاحب البغل على شركائه بثلاثة أرباع أجرة بغله. وكذلك صاحب البيت والرحى والعامل، لان كل واحد منهم يستحق عليه ربع العمل. وقد عمل الجميع فسقط الربع لاجل ما استحق عليه، ورجع على شركائه بما لم يستحق عليه. فان قال: استأجرتكم لتطحنوا لى هذا الطعام بمائة فقالوا قبلنا. فذكر الشيخ

أبو حامد الاسفرايينى في التعليق أنها على قولين كالمسالة الاولى. وذكر المحاملى في البحر وابن الصباغ: أنها لا تصح قولا واحدا كالمسألة الثانية. فإن قال لرجل منهم: استأجرتك لتحصل لى طحن هذا الطعام بمائة فقال: قبلت الاجارة لى ولاصحابي، أو نوى ذلك وكانوا قد أذنوا له في ذلك فالاجارة صحيحة، والمسمى بينهم أرباعا، فإذا طحنوا رجع كل واحد منهم بثلاثة أرباع أجرة ماله على شركائه، وان لم ينو أن يقبل له ولاصحابه لزمه العمل بنفسه، فإذا طحن الطعام بالآلة التى بينه وبين شركائه استحق المسمى وكان عليه أجرة مثل آلاتهم (فرع) قال في البويطى: فإن اشترك ثلاثة من أحدهم البغل، ومن الاخر الراوية، ومن الاخر العمل على أن يستقى الماء ويكون ما رزق الله بينهم، فإن هذه معاملة فاسدة، لانها ليست بشركة ولا قراض ولا إجارة لما بيناه، فإذا استقى الماء وباعه، وحصل منه ثمن فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: يكون ثمن الماء كله للعامل، وعليه أجرة مثل البغل والراوية. وقال في موضع: يكون ثمن الماء كله للسقاء، وعليه أجرة البغل والراوية إذا كان الماء ملكا له مثل أن يأخذ الماء من بركة له أو مما ينبع في ملكه لان الماء ملكه، وكان ثمنه ملكا له، وعليه أجرة البغل والراوية لانه استوفى منفعتهما على عوض، ولم يسلم لهما الغرض. والموضع الذى قال: يكون ثمن الماء بينهم، إذا كان الماء مباحا، لان الثمن حصل بالعمل والبغل والراوية، ومنهم من قال: إن كان الماء ملكا للسقاء فالثمن كله له. وعليه أجرة البغل والراوية لما ذكرناه، وإن كان الماء مباحا ففيه قولان (أحدهما) أن الثمن كله للسقا لان الماء يملك بالحيازة ولم توجد الحيازة إلا منه، وعليه أجرة مثل البغل والراويه، لانهم دخلوا على أن يكون لهم قسط من ثمن الماء، فإذا لم يحصل ذلك لهم استحقوا أجرة المثل. (والقول الثاني) أن ثمن الماء بينهم لانه لم يتناول الماء لنفسه، وإنما تناوله ليكون بينهم فكان بينهم، فصار كالوكيل لهم. قال ابن الصباغ وهكذا لو اصطاد له ولغيره فهل لغيره منه شئ؟ فيه وجهان:

أحدهما وهو قول الشيخ أبى حامد في التعليق أنه يقسم بينهم بالتقسيط على قدر أجور أمثالهم. وحكى أن الشافعي رحمه الله نص على ذلك. والثانى: حكاه ابن الصباغ عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه يكون بينهم أثلاثا ويرجع صاحب البغل بثلثي أجرته على صاحبه ويرجع صاحب الراوية بثلثي أجرته على صاحبيه، ويرجع السقا على صاحبيه بثلثي أجرته. وأما صاحبنا المصنف فذكر أنه يكون بينهم أثلاثا وأطلق، فان أستأجرهم غيرهم ليستقوا له ماء. قال أبو العباس: ففيه مسألتان كما ذكر في الطحن إن استأجرهم إجارة معينة بأجرة واحدة ففيه قولان، وإن استأجرهم في ذممهم صح قولا واحدا والله تعالى أعلم. ويستخلص مما مضى أنه يجوز عندنا على أحد الوجهين اشتراك مالين وبدن صاحب أحدهما على سبيل الشركة والمضاربة معا بصورة يمتنع فيها الغرر مثل أن يشترك رجلان بينهما ثلاثة آلاف درهم لاحدهم ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الالفين على أن يتصرف صاحب الالف على أن يكون الربح بينهما نصفين ويكون لصاحب الالف ثلث الربح بحق ماله والباقى وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الالفين ثلاثة أرباعه وللعامل ربعه، وذلك لانه جعل له نصف الربح، فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل، حصة ماله سهمان وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم سهم للعامل وهو الربع. وقال مالك: لا يجوز أن يضم إلى القراض شركة، كما لا يجوز أن يضم إليه عقد إجارة. دليلنا: أنهما لم يجعلا أحد العقدين شرطا للآخر، فلم نمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزا. (مسألة) إذا اشترى الشريكان عينا فوجدا به عيبا، فإن اتفقا على رده وإمساكه فلا كلام، وان أراد أحدهم الرد والآخر الامساك، فإن كانا قد عقدا جميعا عقد البيع فلاحدهما أن يرد نصيبه دون نصيب شريكه، وقد مضى ذكرهما في البيوع، وإن تولى أحدهما عقد البيع له ولشريكه فإن كان لم يذكر أنه يشترى له ولشريكه ثم قال بعد ذلك: كنت اشتريت لى ولشريكي لم يقبل قوله على البائع

لان الظاهر أنه اشترى لنفسه، وإن كان قد ذكر في الشراء أنه لنفسه ولشريكه فهل له أن يرد حصته دون شريكه؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد. أحدهما له ذلك، لان البائع قد علم أن الصفقة لنفسين فصار كما لو اشتريا بأنفسهما. والثانى: ليس له الرد، وإن ذكر أنه يشترى له ولشريكه، فحكم العقد له، ألا ترى أنه لو اشترى سيارة فقال: اشتريتها لخالد فقال خالد: ما أذنت له. كان الشراء لازما للمشترى. فأما إذا باع لرجل سيارة ثم قال: كانت بينى وبين فلان، فان باعها مطلقا ثم قال بعد ذلك: إنها بينه وبين غيره لم يبقل قوله على المشترى، لان الظاهر أنه باع ملكه. قال الشيخ أبو حامد فيحلف المشترى أنه لا يعلم ذلك، فان أقام الشريك بينة أنها بينه وبينه حكم له بذلك، فان كان قد أذن له بالبيع صح، وان لم يأذن له كان القول قوله أنه ما أذن له، لان الاصل عدم الاذن، فان ذكر البائع حين البيع أنها بينه وبين شريكه قبل قوله، لانه مقر على نفسه في ملكه. وان أقر الشريك أنه أذن له في البيع نفذ البيع، وان لم يقر بالاذن ولا بينة عليه حلف أنه ما أذن له وبطل البيع، لان الاصل عدم الاذن. قال المصنف رحمه الله: (فصل) والشريك أمين فيما في يده من مال شريكه فان هلك المال في يده من غير تفريط لم يضمن، لانه نائب عنه في الحفظ والتصرف، فكان للهالك في يده كالهالك في يده، فان ادعى الهلاك - فان كان بسبب ظاهر - لم يقبل حتى يقيم البينة عليه، فإذا أقام البينة على السبب فالقول قوله في الهلاك مع يمينه، وان كان بسبب غير ظاهر فالقول قوله مع يمينه من غير بينة، لانه يتعذر اقامة البينة على الهلاك، فكان القول قوله مع يمينه. وان ادعى عليه الشريك خيانة وأنكر فالقول قوله لان الاصل عدم الخيانة. وان كان في يده عين وادعى شريكه أن ذلك من مال الشركة، وادعى هو أنه له فالقول قوله مع يمينه، لان الظاهر مما في يده أنه ملكه فان اشترى شيئا فيه ربح فادعى الشريك أنه اشتراه للشركة، وادعى هو أنه اشتراه لنفسه أو اشترى شيئا فيه خسارة، وادعى

الشريك أنه اشتراه لنفسه، وادعى هو أنه اشتراه للشركة. فالقول قوله، لانه أعرف بعقده ونيته (الشرح) الاحكام: الشريك أمين فيما في يده من مال الشركة، فإن تلف في يده شئ منه من غير تفريط لم يجب عليه ضمانه، لانه نائب عن شريكه في الحفظ فكان الهالك في يده كالهالك في يد المالك، وللامانة أن تحفظ بدعامتين من الصدق والثقة، فان ادعى الهلاك بسبب ظاهر لم يقبل قوله حتى يقيم البينة على السبب الظاهر، لانه يمكنه إقامة البينة عليه، فإن شهدت البينة بصدق قوله وترتب الهلاك على السبب الظاهر فلا كلام. وإن شهدت البينة بالسبب ولم تذكر هلاك المال فالقول قول الشريك مع يمينه أنه هلك بذلك. وإن ادعى الهلاك بسبب غير ظاهر فالقول قوله مع يمينه لانه يتعذر عليه إقامة البينة مع الهلاك. وإن ادعى الشريك على شريكه جناية لم تسمع دعواه حتى يبين قدر الجناية فإذا بينها فأنكرها الآخر، ولا بينة على المنكر فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الجناية. وإن اشترى أحد الشريكين شيئا فيه ربح، فقال شريكه اشتريته شركة بيننا وقال المشترى: بل اشتريته لنفسي فالقول قول المشترى مع يمينه وإن اشترى شيئا فيه خسارة، فقال المشترى: اشتريته شركة بيننا. وقال الآخر: بل اشتريته لنفسك فالقول قول المشترى مع يمينه، لانه أعرف بعقده ولان الاصل عدم الخيانة. (فرع) إذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه بالتصرف، فاشترى أحدهما شيئا للشركة بأكثر من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس بمثله، فان اشترى ذلك بثمن في ذمته لزم المشترى جميع ما اشتراه، ولا يلزم شريكه ذلك، لان الاذن يقتضى الشراء بثمن المثل، فان دفع الثمن من مال الشركة ضمن نصيب شريكه بذلك لانه تعدى بذلك. وإن اشتراه بعين مال الشركة لم يصح الشراء في نصيب الشريك، لان العقد متعلق بعين المال. وهل يبطل في نصيب المشترى؟ فيه قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

فإذا قلنا يبطل فهما على شركتهما كما كانت وإن قلنا يصح الشراء في نصيبه انفسخت الشركة بينهما في قدر الثمن، لان حقه من الثمن قد صار للبائع، فيكون البائع شريك شريكه بقدر الثمن، ويكون هو شريك البائع في السلعة، فان باع أحد الشريكين شيئا من مال الشركة بأقل من ثمن المثل بمالا يتغابن الناس بمثله بطل البيع في نصيب شريكه لان مطلق الاذن يقتضى البيع بثمن المثل وهل يبطل البيع في نصيب البائع؟ فيه قولان بناء على القولين، إن قلنا يبطل فهما على الشركة كما كانا، وإن قلنا لا يبطل بطلت الشركة بينهما في المبيع، لان حصته منها صارت للمشترى للابتياع، فيكون المشترى شريك شريكه. قال أبو إسحاق: ولا يضمن البائع نصيب شريكه ما لم يسلمه، لان ذلك موضع اجتهاد لوجود الاختلاف فيه، ولو أودع عند رجل عينا فباعها المودع فانه يضمن ذلك بفسخ البيع إن لم يسلم، لان المودع لا يجوز له البيع بالاجماع، واستضعف الشيخ أبو حامد هذا وقال: هو متعد بالبيع، فلا فرق بين أن يكون مختلفا فيه أو مجمعا عليه. ألا ترى أنه إذا ضمن وان كان مختلفا فيه. (فرع) إذا كانت بهيمة بين اثنين فجاء رجل أجنبي وأزال يد أحد الشريكين من البهيمة صار غاصبا لحصته منها، وإن كانت مشاعا لان الغصب أزال اليد، وذلك يوجد في المشاع كما يوجد في المقسوم. ألا ترى أن رجلين لو كان بينهما دار فجاء رجل وأخرج أحدهما من الدار وقعد فيه مكانه كان غاصبا لحصته من الدار. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد فإذا باع الغاصب والشريك الذى لم يغصب منه البهيمة صفقة واحدة من رجل، فان الشافعي رضى الله عنه قال: يصح البيع في نصيب المالك، ويبطل فيما باعه الغاصب. قال العمرانى: واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال هي على قولين بناء على القولين في تفريق الصفقة. ومنهم من قال: يصح البيع في نصيب المالك قولا واحدا، لان عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين، فلا يفسد أحدهما بفساد الآخر. وإن وكل الشريك الذى لم يغصب منه الغاصب في بيع نصيبه فباع جميع

العين صفقة واحدة. فان باع وأطلق ولم يذكر الشريك الموكل لم يصح البيع في نصيب المغصوب منه. وهل يصح البيع في نصيب الموكل؟ فيه قولان. وان ذكر الغاصب في البيع أنه وكيل في بيع نصفه لم يصح بيع نصيب المغصوب منه. وهل يصح البيع في نصيب الموكل؟ على الطريقين في المسألة قبلها لانه بمنزلة العقدين. وان غصب الشريك نصيب شريكه فباع العبد صفقة واحدة بطل البيع في نصيب المغصوب منه. وهل يبطل في نصيبه؟ فيه قولان. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن كان بينهما عبد فأذن أحدهما لصاحبه في بيعه فباعه بألف ثم أقر الشريك الذى لم يبع أن البائع قبض الالف من المشترى وادعى المشترى ذلك وأنكر البائع. فان المشترى يبرأ من حصة الشريك الذى لم يبع لانه أقر أنه سلم حصته من الثمن إلى شريكه باذنه وتبقى الخصومة بين البائع وبين المشترى وبين الشريكين. فان تحاكم البائع والمشترى. فان كان للمشترى بينة بتسليم الثمن قضى له وان لم يكن له من يشهد غير الشريك الذى لم يبع فان شهادته مردودة في قبض حصته - لانه يجر بها إلى نفسه نفعا - وهو حق الرجوع عليه بما قبض من حصته. وهل ترد في حصة البائع؟ فيه قولان: فان قلنا تقبل تحلف معه المشترى ويبرأ. وان قلنا لا تقبل أو لم يكن عدلا فالقول قول البائع مع يمينه إنه لم يقبض. فان حلف أخذ منه نصف الثمن وليس للشريك الذى لم يبع أن يأخذ مما أخذ البائع شيئا. لانه أقر أنه قد أخذ الحق مرة. وإن ما أخذه الآن أخذه ظلما فلا يجوز أن يأخذ منه. وان نكل البائع حلف المشترى ويبرأ

وإن تحاكم الشريكان - فإن كان للذى لم يبع بينة بأن البائع قبض الثمن - رجع عليه بحصته، وإن لم تكن له بينة حلف البائع أنه لم يقبض ويبرأ، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الذى لم يبع فيحلف ويأخذ منه حصته وان ادعى البائع أن الذى لم يبع قبض الالف من المشترى وادعاه المشترى وأنكر الذى لم يبع نظرت، فإن كان الذى لم يبع مأذونا له في القبض برئت ذمة المشترى من نصيب البائع، لانه أقر أنه سلمه إلى شريكه باذنه. وتبقى الخصومة بين الذى لم يبع وبين المشترى وبين الشريكين، فيكون البائع ههنا كالذى لم يبع، والذى لم يبع كالبائع في المسألة قبلها، وقد بيناه. وإن لم يكن واحد منهما مأذونا له في القبض لم تبرأ ذمة المشترى من شئ من الثمن، لان الذى باعه أقر بالتسليم إلى من لم يأذن له، والذى لم يبع أنكر القبض، فان تحاكم البائع والمشترى أخذ البائع منه حقه من غير يمين، لانه سلمه إلى شريكه بغير إذنه. وإن تحاكم المشترى والذى لم يبع، فان كان للمشترى بينة برئ من حقه، وان لم يكن له من يشهد غير البائع - فان كان عدلا - قبلت شهادته لانه لا يجر بهذه الشهادة إلى نفسه نفعا ولا يدفع بها ضررا، فإذا شهد حلف معه المشترى وبرئ، وان لم يكن عدلا فالقول قول الذى لم يبع مع يمينه، فإذا حلف أخذ منه حقه. وان كان البائع مأذونا له في القبض والذى لم يبع غير مأذون له، وتحاكم البائع والمشترى قبض منه حقه من غير يمين، لانه سلمه إلى شريكه من غير اذنه وهل للشريك الذى لم يبع مشاركته فيما أخذ. قال المزني: له مشاركته وهو بالخيار بين أن يأخذ من المشترى خمسمائة، وبين أن يأخذ من المشترى مائتين وخمسين، ومن الشريك مائتين وخمسين. وقال أبو العباس: لا يأخذ منه شيئا لانه لما أقر أن الذى لم يبع قبض جميع الثمن عزل نفسه من الوكالة في القبض، لانه لم يبق له ما يتوكل في قبضه، فلا يأخذ بعد العزل الا حق نفسه، فلا يجوز للذى لم يبع أن يشاركه فيه، فان

تحاكم المشترى والذى لم يبع فالقول قول الذى لم يبع مع يمينه أنه لم يقبض، لان الاصل عدم القبض، فان كان للمشترى بينة قضى له وبرئ، وان لم يكن له من يشهد الا البائع لم تقبل شهادته على قول المزني، لانه يدفع عن نفسه بهذه الشهادة ضررا وهو رجوع الشريك الذى لم يبع عليه بنصف ما في يده، وعلى قول أبى العباس تقبل شهادته قولا واحدا، لانه لا يدفع بشهادته ضررا لانه لا رجوع له عليه. (الشرح) الاحكام: إذا كانت الشركة بينهما مناصفة في شئ فأذن أحدهما لصاحبه ببيع نصيبه منه وقبض ثمنه، أو قلنا: انه يملك القبض بمقتضى الوكالة في البيع فباع العين المشتركة من رجل بألف، ثم أقر الشريك الذى لم يبع أن البائع قبض الالف من المشترى، وادعى ذلك المشترى وأنكر البائع فإن المشترى يبرأ من نصيب الشريك الذى لم يبع، لانه اعترف أنه سلم ما يستحقه عليه من الثمن إلى شريكه بإذنه، ثم تبقى الخصومة بين الشريكين وبين البائع والمشترى، فان تحاكم البائع والمشترى، فان أقام المشترى بينة شاهدين أو شاهدا وإمرأتين بأنه قد سلم إليه الالف حكم على البائع أنه قد قبض الالف وبرئ المشترى منها ولزم البائع بذلك تسليم خمسمائة إلى الذى لم يبع، وإن لم يكن مع المشترى من يشهد له غير الشريك الذى لم يبع فان شهادته في نصيبه لا تقبل على البائع. وهل تقبل شهادته في نصيب البائع؟ فيه قولان، فان قلنا: انها تقبل حلف عنه المشترى وبرئ من حصة البائع. وان قلنا: لا تقبل أو كان فاسقا فالقول قول البائع مع يمينه أنه ما قبض الالف ولا شيئا منها، لان الاصل عدم القبض فإذا حلف أخذ منه خمسمائة درهم، ولا يشاركه الذى لم يبع، لانه لما أقر أن البائع قد قبض الالف اعترف ببراءة ذمة المشترى من الثمن، وأنه يأخذه الآن ظلما فلا يشاركه فيه. وان نكل البائع عن اليمين حلف المشترى أنه قد سلم إليه الالف، وبرئ من الالف، ولا يستحق الشريك الذى لم يبع على البائع بيمين المشترى شيئا،

سواء قلنا إن يمين المدعى مع نكول المدعى عليه بمنزلة الاقرار من المدعى عليه أو بمنزلة إقامة البينة من المدعى، لانا إنما نجعل ذلك في حق المتحالفين في حق غيرهما. وكذا لو أقام المشترى شاهدا واحدا وحلف معه فإنه يبرأ من الالف، ولا يرجع الذى لم يبع على البائع بشئ إلا إذا حلف مع الشاهد، بخلاف ما لو أقام المشترى بينة، فانه يحكم بها للمشترى وللذى لم يبع وإن بدأ الشريكان فتحاكما - فان كان للشريك الذى لم يبع بينة أن البائع قبض الالف فأقامها - حكم بها على البائع للمشترى وللذى لم يبع، وإن لم يكن له بينة غير المشترى لم تقبل شهادته للمشترى قولا واحدا، لانه يشهد على فعل نفسه، فيحلف البائع أنه لم يقبض الالف ولا شيئا منها ويسقط حق الذى لم يبع من كل جهة. وإن نكل البائع عن اليمين فرد اليمين على الذى لم يبع فحلف استحق الرجوع على البائع بخمسمائة، ولا يثبت حق المشترى على البائع، سواء قلنا إن يمين الذى لم يبع بمنزلة إقرار البائع أو بمنزلة قيام البينة عليه، لان ذلك إنما يحكم به في حق المتحالفين لا في حق غيرهما. ولان اليمين حجة في حق الحالف لا تدخلها النيابة فلم يثبت بيمينه حق غيره بخلاف البينة. هكذا ذكر عامة أصحابنا. وذكر أبو على الشيخى وجها لبعض أصحابنا أنه ثبت باليمين والنكول جميع الثمن على البائع في هذه وفى التى قبلها، وهو إذا حلف المشترى مع نكول البائع كما قلنا في البينة وليس بشئ. وإن ادعى البائع أن الذى لم يبع قبض الالف من المشترى، وادعى المشترى ذلك وأنكر الذى لم يبع، فلا يخلو من أربعة أقسام. إما أن يكون كل واحد منهما مأذونا له في القبض، أو كان الذى لم يبع مأذونا في القبض وحده أو كان كل واحد منهما غير مأذون له في القبض، أو كان البائع مأذونا له في القبض وحده. فان كان كل واحد منهما قد أذن لصاحبه بالقبض، أو كان البائع قد أذن

للذى لم يبع بقبض نصيبه وحده، فان المشترى يبرأ من نصيب البائع من الثمن لانه أقر أنه دفع حقه إلى وكيله فيكون النظر إلى هذه المسألة كالنظر في التى قبلها إلا أن البائع ههنا يكون كالذى لم يبع هناك، والذى لم يبع ههنا كالبائع هناك على ما ذكرنا حرفا بحرف. قال العمرانى: وإن كان كل واحد منهما غير مأذون له في القبض فانه باقرار البائع أن الذى لم يبع قبض الالف لا تبرأ ذمة المشترى من شئ من الثمن: لان البائع أقر بتسليم حصته من الالف إلى غير وكيله، والذى لم يبع ينكر القبض فيأخذ البائع حقه من الثمن من غير يمين، وتبقى الخصومة بين الذى لم يبع وبين المشترى، فان طالب الذى لم يبع المشترى بحقه من الثمن، فان كان مع المشترى بينة حكم له بها على الذى لم يبع. وإن لم يكن له بينة غير البائع وهو عدل حلف معه وحكم ببراءة ذمة المشترى من نصيب الذى لم يبع قولا واحدا والفرق بين هذه وبين المسائل المتقدمة أن هناك ردت شهادته في القبض للتهمة، وههنا لم ترد شهادته في شئ أصلا، وإن لم يكن البائع عدلا، أو كان ممن لا تقبل شهادة المشترى بأن يكون والده أو ولده، أو كان ممن لا تقبل شهادته على الذى لم يبع بأن يكون عدوا له، فالقول قول الذى لم يبع مع يمينه، لانه لم يقبض الالف ولا شيئا منه، فإذا حلف أخذ حقه من الثمن، وان نكل حلف المشترى وبرئ من حق الذى لم يبع وأما إذا كان البائع قد أذن له الذى لم يقبض حقه، وقلنا ان الاول في البيع يقتضى قبض الثمن ولم يأذن البائع الذى لم يبع بقبض حقه من الثمن، فان باقرار البائع لا تبرأ ذمة المشترى من نصيب البائع من الثمن، لانه يقر أنه دفع ذلك إلى غير وكيله. وأما نصيب الذى لم يبع، فان المزني نقل أن المشترى يبرأ من نصف الثمن باقراره البائع أن شريكه قد قبض، لانه في ذلك أمين. فمن أصحابنا من خطأه في النقل وقالوا هذا مذهب أهل العراق، وأن إقرار الوكيل يقبل على الموكل.

فيحتمل أن يكون الشافعي رحمه الله ذكر ذلك. قال: وبه قال محمد بن الحسن رحمه الله، فظن المزني أنه أراد بذلك نفسه، ولم يرد الشافعي رحمه الله تعالى إلا محمد بن الحسن ومن أصحابنا من اعتذر للمزني وقال: معنى قوله " يبرأ المشترى من نصف الثمن يريد به في حق البائع، فان البائع كان له المطالبة بجميع الالف فلما أقر أن شريكه قبض الالف سقطت مطالبته بالنصف إذا ثبت هذا وأن المشترى لا يبرأ من شئ من الثمن فان البائع يأخذ خمسمائة من غير يمين، فإذا قبض ذلك فهل للذى لم يبع أن يشارك البائع بما قبضه؟ نقل المزني أن له أن يشاركه فيما قبضه، وبه قال بعض أصحابنا، لان الذى لم يبع يقول: قد أخذ البائع خمسمائة من المشترى بحق مشاع بينى وبينه، وقول البائع: إنه أخذه لنفسه لا يقبل على الذى لم يبع لان المال إذا كان مشاعا بين اثنين فقبض أحدهما منه شيئا ثم قال قبضته لنفسي لم يقبل وقال أبو العباس والمصنف وعامة الاصحاب: لا يشاركه فيما قبض، لان البائع لما أقر أن الذى لم يبع قد قبض الثمن تضمن ذلك عزل نفسه من الوكالة لانه لم يبق ما يتوكل فيه فان قلنا بقول المزني كان الذى لم يبع بالخيار بين أن يطالب المشترى بخمسمائة وبين أن يأخذ من البائع مائتين وخمسين ومن المشترى مائتين وخمسين فإذا أخذ من البائع مائتين وخمسين لم يكن للبائع أن يرجع بها على المشترى، لانه يقول: ان للذى لم يبع ظلمه بها فلا يرجع بها على غير من ظلمه وإن قلنا بقول أبى العباس ومن تابعه لم يكن للذى لم يبع أن يشارك البائع بشئ مما أخذ، بل له أن يطالب المشترى بحقه من الثمن وهو خمسمائة فإذا طالب الذى لم يبع المشترى - فإن كان مع المشترى بينة على الذى لم يبع أنه قبض منه الالف - برئ من نصيبه من الثمن، وكان له أن يرجع عليه بخمسمائة لانه قبض منه الفا ولا يستحق عليه إلا خمسمائة. وإن لم يكن مع المشترى من يشهد له بقبض الذى لم يبع الالف غير البائع وكان عدلا، فهل تقبل شهادته، إن قلنا بقول أبى العباس: إن الذى لم يبع

لا يشارك البائع فيما قبض قبلت شهادته عليه، فيحلف معه المشترى وتبرأ ذمته من حقه من الثمن، ويرجع عليه بخمسمائة لانه لا يدفع بشهادته عن نفسه ضررا ولا يجر بها إلى نفسه نفعا وان قلنا بقول المزني ومن تابعه: ان الذى لم يبع يشارك البائع فيما قبض لم تقبل شهادته، لانه يدفع بها عن نفسه ضررا وهو حق الرجوع عليه بنصف ما قبض، لانه إذا ثبت أنه قد استوفى الخمسمائة من المشترى لم يشارك البائع في شئ مما قبض. فإن قلنا: لا تقبل شهادته عليه، أو كان ممن لا تقبل شهادته عليه، أو كان ممن لا تقبل شهادته لمعنى غير هذا فالقول قول الذى لم يبع مع يمينه أنه لم يقبض الالف ولا شيئا منه فإذا حلف استحق الرجوع بحصته من الثمن على ما مضى، وان نكل عن اليمين فحلف المشترى أنه قد قبض منه الالف برئ من حصته من الثمن، ويرجع عليه بما زاد على حقه. (فرع) وان أقر أحد الشريكين أنه باع وقبض الثمن وتلف في يده وهو مأذون له فأنكر شريكه البيع أو القبض فهل يقبل قول المأذون له؟ فيه قولان نذكرهما في الوكالة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله: (فصل) ولكل واحد من الشريكين أن يعزل نفسه عن التصرف إذا شاء، لانه وكيل، وله أن يعزل شريكه عن التصرف في نصيبه لانه وكيله فيملك عزله فإذا انعزل أحدهما لم ينعزل الآخر عن التصرف، لانهما وكيلان، فلا ينعزل أحدهما بعزل الاخر، فإن قال أحدهما فسخت الشركة انعزلا جميعا، لان الفسخ يقتضى رفع العقد من الجانبين فانعزلا، وإن ماتا أو أحدهما انفسخت الشركة، لانه عقد جائز فبطل بالموت كالوديعة، وإن جنا أو أحدهما، أو أغمى عليهما أو على أحدهما، بطل لانه بالجنون والاغماء يخرج عن أن يكون من أهل التصرف ولهذا تثبت الولاية عليه في المال، فبطل العقد كما لو مات، والله أعلم.

(الشرح) الاحكام: إذا اشتركا وأذن كل واحد منهما لصاحبه بالتصرف ثم عزل أحدهما صاحبه عن التصرف في نصيبه أو عزل أحدهما نفسه عن التصرف في نصيب شريكه كانت الشركة باقية إلا أن المعزول لا يتصرف إلا في نصيب نفسه مشاعا ولا ينعزل الاخر عن التصرف في نصيب صاحبه ما لم يعزله صاحبه، أو يعزل نفسه - أي ينحيها عن التصرف - لان تصرف كل واحد منهما في نصيب شريكه بالاذن، فإذا عزله المالك أو عزل نفسه انعزل، وان عزل كل واحد منهما صاحبه، أو قال أحدهما: عزلت نفسي عن التصرف في نصيب شريكي وعزلته عن التصرف في نصيبي انعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب شريكه، ولا تبطل الشركة بذلك. وإن قال أحدهما: فسخت الشركة انعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب شريكه، لان ذلك يقتضى العزل من الجانبين ولا يبطل الاشتراك، وإن اتفقا على القسمة قسم، وإن اتفقها على البيع أو التبقية كان لهما ذلك فان دعا أحدهما إلى البيع والاخر إلى القسمة أجيب من دعا إلى القسمة كالمال الموروث بين الورثة وان جن أحدهما أو أغمى عليه انفسخت الشركة وانعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب الاخر، لان الاذن عقد جائز فبطل بالجنون والاغماء كالوكالة. (فرع) إذا مات أحدهما انفسخت الشركة وانعزل الباقي منهما عن التصرف في نصيب الاخر، لان الاذن عقد جائز فبطل بالموت كالوكالة، إذا ثبت هذا: فان لم يكن على الميت دين ولا أوصى بشئ، وان كان الوارث بالغا رشيدا فله أن يقيم على الشركة بأن يأذن الاخر في التصرف، وبأذن الشريك له، وله أن يقاسم لان الحق لهما، فكان لهما أن يفعلا ما شاءا. قال الشيخ أبو إسحاق: غير أن الاولى أن يقاسمه، وان كان الحظ في الشركة لان الحوالة وقعت وهو رشيد، وان كان الوارث مولى عليه كان النظر فيه إلى وليه، فان كان الحظ في الشركة لم يجز له أن يقاسمه، وان كان الحظ في القسمة لم يجز له أن يقيم على الشركة، لان الناظر في مال المولى عليه لا ينفذ تصرفه فيه الا فيما له حظ. وسواء ان كان المال نقدا أو عرضا فان الشركة تجوز، لان

الشركة انما لا تجوز ابتداء على العروض، وهذا استدامة للشركة وليس بابتداء عقد، وان مات وعليه دين لم يجز للوارث أن يأذن في التصرف بمال الشركة، لان الدين يتعلق بجميع المال فهو كالمرهون، فان قضى الدين من غير مال الشركة كان كما لو مات ولا دين عليه، وهكذا إذا قضى الدين ببعض مال الشركة كان للوارث أن يأذن له في التصرف فيما بقى، فان أوصى بثلث ماله أو بشئ من مال الشركة - فان كانت الوصية لمعين - كان الموصى له شريكا كالوارث، وله أن يفعل ما يفعل الوارث. وان كانت الوصية لغير معين لم يجز للوصي الاذن للشريك في التصرف، لانه قد وجب دفعه إليهم، بل يعزل نصيبه ويفرق عليهم، فان كان قد أوصى بثلث ماله فأعطى الوارث ثلث الموصى لهم من غير ذلك المال مثله لم يجز له ذلك لان الموصى لهم قد استحقوا ثلث ذلك المال بعينه، فلا يجوز أن يعطوا من غيره. مسائل حول الشركة. لو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فقياس المذهب أن السمك كله للصياد، إذا قلنا: ان الآلة تؤجر بأجر معلوم، فيكون لصاحب الشبكة أجر المثل، وبهذا لا يكون صاحب الشبكة شريكا في حصيلة الصيد، فإذا قلنا: ان الالة لا تؤجر، وان الصياد قد لا يجد سمكا يحصل في شبكته فمن أين يأتي بأجر الشبكة وليس لها أجر مثل معلوم في حين أن أجر الصياد معلوم قضينا بأن صاحب الشبكة له الصيد كله وللصياد أجر مثله على صاحب الشبكة. لان الربح تابع للمال وقياس مذهب أحمد أن الصيد بينهما نصفان جائز على ما شرطاه لانها عين تنمى بالعمل، فصح دفعها ببعض نمائها كالارض التى دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود في خيبر أن يعملوا فيها على الشطر. الشركات التى تؤسس من بلاد غير بلاد المسلمين لتعمل في أرض المسلمين لاستخراج خيراتها واستنباط خاماتها واستدرار زيوتها ومعادنها لا تصح إلا إذا قامت على هيمنة المسلمين وسيطرتهم على إدارتها. ويجب على المسلمين أن يبعثوا طائفة منهم تتعلم علوم طبقات الارض ووسائل استثمار خاماتها وخيرا بها، ولو أن المسلمين فقهوا دينهم والتزموا في سلوكهم بأحكام هذه الفروع الدقيقة

كتاب الوكالة

لدانت لهم الارض ولبرعوا في شتى علومها الدنيوية وفنونها الحيوية. ولم تتعرض أرضهم للاغتصاب ورقابهم للعناء. وقد عرفنا أن احتلال الكفار للهند وأندونيسيا ومليزيا بدأ بتكوين شركات مالية تعمل على المناجرة واستغلال الارض حتى انقلبت إلى سيطرة على المسلمين، وكذلك فعل اليهود في فلسطين. فقد بدأوا بعمل شركات وجلبوا لها خبراء وعمالا فنيين، ثم اتسعوا في ذلك حتى ابتلعوا ديار المسلمين وأرضهم وأموالهم، وصاروا خطرا جاثما قائما على أنفاسنا ومقدراتنا، فليتنا نتنبه إلى خطر الترخص في معاملة غير المسلمين، والله الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الوكالة (الشرح) الوكالة مشتقة من وكل يكل الامر إليه. إذا أنابه عنه واعتمد عليه لعجز أو طلب للراحة، وفى الحديث: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا. وأيضا " من تعلق تميمة وكل أمره إليها " كأن الله قد تخلى عنه وجرده من عنايته به فصار أمره إلى نفسه أو إلى التميمة التى يتعلقها. والوكالة جائزة بالكتاب والسنة والاجماع. فأما الكتاب فقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) الآية 60 من سورة التوبة. فجواز العمل عليها يفيد حكم النيابة عن المستحقين في تحصيل حقوقهم. ويقول القاضى أبو بكر بن العربي: قوله تعالى (والعاملين عليها) وهم الذين يقدمون لتحصيلها ويوكلون على جمعها، وقال القرطبى في جامع أحكام القرآن: قوله تعالى (والعاملين عليها) يعنى السعاة والجباة الذين يبعثهم الامام لتحصيل الزكاة بالتوكل على ذلك. ومن أدلة الكتاب على جواز الوكالة قوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف) قال ابن العربي في أحكام القرآن: هذا يدل على صحة عقد الوكالة، وهو عقد

نيابة أذن الله فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة به، إذ يعجز كل أحد عن تناول أمور إلا بمعونة من غيره أو يترفه فيستنيب من بريحه حتى جاز ذلك في العبادات لطفا منه سبحانه ورفقا بضعفة الخليقة، ذكرها الله كما ترون، وبينها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تسمعون. وهو أقوى آية في الغرض وقد تعلق بعض علمائنا في صحة الوكالة من القرآن بقوله تعالى (والعاملين عليها) وبقوله (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا) وآية القميص ضعيفة في الاستدلال، وآية العاملين حسنه. وقد روى جابر بن عبد الله قال: أردت الخروج إلى خيبر فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلت له: إنى أريد الخروج إلى خيبر، فقال ائت وكيلى فخذ منه خمسة عشر وسقا، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته. رواه أبو داود وقد جازت في الطهارة، وهى عبادة تجوز النيابة فيها في صب الماء خاصة على أعضاء الوضوء، ولا تجوز على عركها إلا أن يكون المتوضئ مريضا لا يقدر عليه. وتجوز في الزكاة في أخذها وإعطاءها، وتجوز النيابة في الصيام عند الشافعي وأحمد وجملة من السلف الاول. وكذلك الاعتكاف مثله، كما تجوز النيابة في الحج على ما مضى في أحكام الحج. وتجوز الوكالة في البيع - وهو المعاوضه وأنواعها - والرهن وسائر المعاملات من الحجر والحواله والضمان والشركة والاقرار والصلح، والعارية كلها أعمال تجوز النيابة فيها. وكذلك من الكتاب قوله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) بناء على أنه وكيل. وأما السنة فقد روى أبو داود والاثرم وابن ماجه عن الزبير بن الخريت عن أبى لبيد عن عروة بن الجعد قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا، فقال يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة، قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار، فجئت أسوقهما أو أقودهما: فلقينى رجل في الطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة، فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال وصنعت

كيف؟ قال فحدثته الحديث، قال اللهم بارك له في صفقة يمينه. هذا لفظه رواية الاثرم. وروى أبو داود بإسناده حديث جابر الذى مضى وحديث أبى: استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءت إبل الصدقة فأمرني أن أقضى الرجل بكره " وقد تقدم تخريجه في السلم، وحديث ابن أبى أوفى، وقد مر في كتاب القرض وكتاب الزكاة. وحديث أبى هريرة " وكلنى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حفظ زكاة رمضان. وأعطى عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه " وقد مر في كتاب الزكاة. وفى الوكالة أحاديث كثيرة ستأتي في فصول هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. وأما الاجماع فهو منعقد على مدى الدهر منذ نزل الوحى إلى اليوم وإلى يوم الدين قال المصنف رحمه الله تعالى: تجوز الوكالة في عقد البيع لما روى عن عروة بن الجعد قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا أشترى له شاة أو أضحية، فاشتريت شاتين فبعت إحداهما بدينار، وأتيته بشاة ودينار، فدعا لى بالبركة. فكان لو اشترى ترابا لربح فيه، ولان الحاجة تدعو إلى الوكالة في البيع، لانه قد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن ولا يتفرغ إليه لكثرة أشغاله فجاز أن يوكل فيه غيره، وتجوز في سائر عقود المعاملات كالرهن والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكالة والوديعه والاعارة والمضاربة والجعاله والمساقاة والاجاره والقرض والهبة والوقف والصدقة، لان الحاجة إلى التوكيل فيها كالحاجة إلى التوكيل في البيع وفى تملك المباحات، كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والاحتشاش قولان. (أحدهما) لا يصح التوكيل فيها، لانه تملك مباح فلم يصح التوكيل فيه، كالاغتنام (والثانى) يصح، لانه تملك مال بسبب لا يتعين عليه، فجاز أن يوكل فيه كالابتياع والاتهاب، ويخالف الاغتنام لانه يستحق بالجهاد. وقد تعين عليه بالحضور، فتعين له ما استحق به.

(الشرح) حديث عروة بن أبى الجعد البارقى رواه البخاري وأحمد وأبو داود والاثرم والترمذي وابن ماجه والدارقطني، وفى إسناد من عدا البخاري سعيد ابن زيد أخو حماد، وهو مختلف فيه، عن أبى لبيد لمازة بن زبار، وقد قيل إنه مجهول، لكنه قال الحافظ ابن حجر انه وثقه ابن سعد. وقال حرب سمعت أحمد يثنى عليه. وقال في التقريب انه ناصبى جلد قال المنذرى والنووي اسناده صحيح لمجيئه من وجهين، وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحى يحدثون عن عروة. ورواه الشافعي عن ابن عيينه، وقال ان صح قلت به. ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده. قال البيهقى انما ضعفه لان الحى غير معروفين. وقال في موضع آخر هو مرسل لان شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة، وإنما سمعه من الحى. وقال الرافعى هو مرسل. قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعى من فتح العزيز " الصواب أنه متصل في إسناده مبهم " أما الاحكام فإن الاجماع منعقد على أن ما جاز فيه المباشرة من الحقوق جازت فيه الوكالة كالبيع والشراء والاجارة وقضاء الديون والخصومات في المطالبة بالحقوق والتزويج والطلاق ونحو ذلك، واتفق الائمة على أن اقرار الوكيل على موكله في غير مجلس الحكم لا يقبل بحال. وكذلك اتفقوا على أن اقراره على موكله في الحدود والقصاص غير مقبول، سواء كان بمجلس الحكم أو غيره. وكذلك اتفقوا على أنه لا يجوز للوكيل أن يشترى بأكثر من ثمن المثل ولا إلى أجل. وعلى أن قول الوكيل مقبول في تلف المال بيمينه. وأما ما اختلفوا فيه فأمور ستأتي منبثة في فروع هذا وحول حديث عروة في شراء الشاة يقول ابن تيميه رحمه الله تعالى انه يدل على الوكيل في شراء معلوم بمعلوم إذا اشترى به أكثر من المقدر جاز له بيع الفاضل. وكذا ينبغى أن يكون الحكم. وقال صاحب الكافي " ظاهر كلام أحمد صحة ذلك الحديث عن عروة " وفى الحديث دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها أن يشترى به شاتين بالصفة المذكورة، لان مقصود الموكل قد

حصل وزاد الوكيل خيرا، ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بأن يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم، وهو الصحيح عندنا كما نقله النووي في زيادات الروضة. وقد استدل بهذا الحديث على صحة بيع الفضولي، وهو الذى يبيع مالا يملك أو ما ليس مأذونا في بيعه، وهو قول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في القديم، وقواه النووي في الروضة، وهو مروى عن جماعة من السلف منهم على وابن عباس وابن مسعود وابن عمر، واليه ذهب الزيدية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه: إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان لحديث " لا تبع ما ليس عندك " وأجابوا عن حديث عروة بما فيه من المقال. وعلى تقدير الصحة فيمكن أن يكون وكيلا في البيع أيضا بقرينة فهمها من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة: إنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء. والوجه أن الاخراج عن ملك المالك مفتقر إلى إذنه بخلاف الادخال، ويجاب بأن الادخال المبيع في الملك يستلزم الاخراج من الملك للثمن. وروى عن مالك العكس من قول أبى حنيفة، فإن صح فهو قوى فإن فيه جمعا بين الاحاديث وأما الوكالة في تملك المباحات كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والاحتشاش فعلى قولين (أحدهما) لا يصح فيها لانه تملك مباح، فهل يكون بتملكه بوضع يده نائبا عن غيره من نفسه، كأنه قد حاز شيئا ثم وهبه فلم يصح التوكيل فيه كالغنيمة، لا يخرج المجاهد بالغنيمة وكيلا لغيره (والثانى) يصح، لانه امتلك مالا بسبب لا يتعين عليه فجاز أن يوكل فيه كسائر المعاملات من المعاوضات والهبات قال في روضة الطالب: يجوز التوكيل في تملك المباحات وإحياء الموات والالتقاط، ويخالف الاغتناء لانه لا يستحق إلا بالجهاد، والجهاد لا وكالة فيه، لانه يتعين عليه بالحضور للملحمة، فاستحق قسمه وسهمه فتعين له. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز التوكيل في عقد النكاح لِمَا رُوِيَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وكل عمرو بن أمية الضمرى في نكاح أم حبيبة " ويجوز في الطلاق والخلع والعتاق لان الحاجة تدعو إلى التوكيل فيه كما تدعو إلى التوكيل في البيع والنكاح، ولا يجوز التوكيل في الايلاء والظهار واللعان، لانها أيمان فلا تحتمل التوكيل. وفى الرجعة وجهان (أحدهما) لا يجوز التوكيل فيه كما لا يجوز في الايلاء والظهار (والثانى) أنه يجوز، وهو الصحيح، فإنه إصلاح للنكاح، فإذا جاز في النكاح جاز في الرجعة. (الشرح) حديث زواج أم حبيبة رضى الله عنها أخرجه ابو داود وأحمد والنسائي عن عروة عن أم حبيبة ولفظ أبى داود " أنه زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف درهم وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة، وأخرج أبو داود أيضا من حديث الزهري مرسلا " أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبى سفيان مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وكانت أم حبيبه مهاجرة إلى أرض الحبشه مع زوجها عبد الله بن جحش فمات بتلك الارض فزوجها النجاشي للنبى صلى الله عليه وسلم وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم أبا رافع في نكاح ميمونة وقد مضى تخريجه في كتاب الحج في أحكام نكاح المحرم ووجه الصواب في ذلك. أما الاحكام فإنه يصح من كل من صح تصرفه في شئ بنفسه وكان مما تدخله النيابة كالزواج. وهل يصح توكيل العبد في قبول النكاح لانه ممن يجوز أن يقبله لنفسه. ذكر أصحابنا في ذلك وجهين (أحدهما) يجوز توكيله لانه ليس بولي. ووجه الوجه الآخر أنه موجب للنكاح فأشبه الولى. وقد صحح الائمة التوكيل في عقد النكاح في الايجاب والقبول، لان النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أميه وأبا رافع في قبول النكاح له، ولان الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه. وفى الرجعة وجهان (أحدهما) أنه يجرى مجرى الايلاء والظهار فلا يجوز التوكيل (والثانى) وهو الصحيح أنه إصلاح لما فسد من النكاح، فإذا صح التوكيل في عقد النكاح ابتداء فقد صح في استئنافه وإعادته فجاز. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويجوز التوكيل في اثبات الاموال والخصومة فيها لما روى أن عليا كرم الله وجهه وكل عقيلا (رض) عند أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وقال: ما قضى له فلى وما قضى عليه فعلى، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان (رض) وقال على: إن للخصومات قحما. قال أبو زياد الكلابي: القحم المهالك، ولان الحاجة تدعو إلى التوكيل في الخصومات لانه قد يكون له حق أو يدعى عليه حق ولا يحسن الخصومه فيه، أو يكره أن يتولاها بنفسه، فجاز أن يوكل فيه. ويجوز ذلك من غير رضى الخصم، لانه توكيل في حقه فلا يعتبر فيه رضى من عليه كالتوكيل في قبض الديون، ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف لانه حق آدمى فجاز التوكيل في إثباته كالمال، ولا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى لان الحق له، وقد أمرنا فيه بالدرء والتوصل إلى إسقاطه، وبالتوكيل يتوصل إلى إيجابه فلم يجز، ويجوز التوكيل في استيفاء الاموال، لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث العمال لقبض الصدقات وأخذ الجزى. ويجوز في استيفاء حدود الله تعالى، لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا لاقامة الحد وقال: يأ أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، ووكل عثمان (رض) عليا كرم الله وجهه ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبه. وأما القصاص وحد القذف فإنه يجوز التوكيل في استيفائهما بحضرة الموكل لان الحاجه تدعو إلى التوكيل فيه لانه قد يكون له حد أو قصاص ولا يحسن أن يستوفيه فجاز أن يوكل فيه غيره، وهل يجوز أن يستوفيه في غيبة الموكل؟ قال في الوكالة: لا يستوفى، وقال في الجنايات: ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل بعد العفو، وقبل العلم بالعفو، ففى الضمان قولان. وهذا يدل على أنه يجوز أن يقتص مع غيبة الموكل، فمن أصحابنا من قال: يجوز قولا واحدا، وهو قول أبى اسحاق، لانه حق يجوز أن يستوفيه بحضرة الموكل فجاز في غيبته كأخذ المال، وحمل قوله لا يستوفى على الاستحباب، ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا، لان القصاص والحد يحتاط في إسقاطهما، والعفو مندوب إليه فيهما، فإذا حضر رجونا أن يرحمه فيعفو عنه، وحمل قوله في الجنايات على أنه أراد إذا تنحى به ولم يغب عن عينه فعفا ولم يسمع الوكيل فقتل.

ومنهم من قال فيه قولان. أحدهما يجوز، والثانى لا يجوز ووجههما ما ذكرناه (فصل) ويجوز التوكيل في فسخ العقود لانه إذا جاز التوكيل في عقدها ففى فسخها أولى، ويجوز أن يوكل في الابراء من الديون، لانه إذا جاز التوكيل في إثباتها واستيفائها جاز التوكيل في الابراء عنها، وفى التوكيل في الاقرار وجهان (أحدهما) يجوز، وهو ظاهر النص، لانه اثبات مال في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع. (والثانى) لا يجوز، وهو قول أبى العباس، لانه توكيل في الاخبار عن حق فلم يجز كالتوكيل في الشهادة بالحق، فإذا قلنا: لا يجوز فهل يكون توكيله اقرارا؟ فيه وجهان. (أحدهما) أنه اقرار، لانه لم يوكل في الاقرار بالحق الا والحق واجب عليه (والثانى) أنه لا يكون اقرارا كما لا يكون التوكيل في الابراء ابراء. (الشرح) حديث أنيس سيأتي في كتاب الحدود وقد أخرجه البخاري ومسلم وقصة توكيل على لاخيه عقيل وابن أخيه عبد الله بن جعفر. قال الشافعي في الام: وأقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء في العذر وغير العذر، وقد كان على بن أبى طالب وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر، وعلى حاضر، فقيل: ذلك عثمان وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبى طالب ولا أحسبه الا كان يوكله عند عمر، ولعل عند أبى بكر: وكان على يقول: ان للخصومة قحما وان الشيطان يحضرها اه. وأما أحكام الفصل: أنه يجوز التوكيل في اثبات حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فإذا كان لرجل خصومة لرجل على شئ فوكل غيره عنه كما فعل على حين وكل عقيلا أخاه عند أبى بكر وعبد الله بن جعفر بن أخيه عند عثمان وقال " ان للخصومة قحما، وان الشيطان ليحضرها، وانى لاكره أن أحضرها " قال أبو زياد الكلابي: القحم المهالك، وهذه الروايات تحتاج إلى تحرير وتخريج الا أن ابن قدامة في المغنى يقول: وهذه قصص قد انتشرت، لانها في مظنة الشهرة فلم ينقل انكارها، ولان الحاجة تدعو إلى ذلك، فانه قد يكون له حق أو يدعى عليه ولا يحسن الخصومة، أو لا يحب أن يتولاها بنفسه.

قلت: ولاصحابنا وجهان (أحدهما) لا يجوز التوكيل فيه لانه اخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة. (والثانى) يجوز، وهو الصحيح، واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى، ولا يشترط في صحة التوكيل رضى الخصم، لانه توكيل في حقه فلا يعتبر فيه رضى من عليه الحق كالتوكيل في قبض الديون، وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد رضى الله عنهم من أن وكالة الحاضر صحيحة، وان لم يرض الخصم بشرط أن لا يكون الوكيل عدوا للخصم. وقال أبو حنيفة لا تصح وكالة الحاضر الا برضى الخصم الا أن يكون الموكل مريضا أو مسافرا على ثلاثة أيام فيجوز حينئذ وأما التوكيل في الجنايات فينقسم إلى قسمين: (أحدهما) التوكيل في اثبات الجناية فهذا غير جائز، لان الحق لله تعالى وقد أمرنا فيه بالدرء لقوله صلى الله عليه وسلم " ادرءوا الحدود بالشبهات " وأمرنا بالتوصل إلى اسقاطه وقد يتوصل بالتوكيل إلى ايجابه فلم يجز. (القسم الثاني) وهو استيفاء حدود الله تعالى، كالقصاص وأرش الجناية وحد القذف وكل ما تعلق به حق للعباد، وكذلك في اقامة الحد بعد ثبوت الجنايه لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لانيس اذهب إلى امرأة فلان فان اعترفت فارجمها فعلق الجزاء على شرط الاعتراف، وكذلك يمكن التوكيل في حضرة الموكل، وهذه العبارة التى ساقها المصنف في قوله: فانه يجوز التوكيل في استيفائها بحضرة الموكل، لان الحاجة تدعو إلى التوكيل فيه، لانه قد يكون له حد أو قصاص الخ عبارته. تدل هذه العبارة على صحة ما اتسم به عصرنا هذا من تخصيص فريق من الدارسين لاحكام الشرع وفقه الفروع يتوكلون عن أصحاب الخصومات في عمل الاجراءات التى يترافعون بها في ساحة المحاكم ومجالس القضاء ويسمونهم بالمحامين. (فرع) قال الشافعي في الجنايات: ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل بعد العفو وقبل العلم بالعفو، فعلى من يكون الضمان؟ على القاتل الذى لم يعلم بعفو موكله؟ أم على الموكل الذى لم يحتط فوقع القتل؟

قال المصنف فيه قولان، وهذا يدل على أنه يجوز أن يقتص مع غيبة الموكل فمن أصحابنا من قال: يجوز قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لانه حق يجوز استيفاؤه بحضرة الموكل فجاز في غيبته، كقبض الدين، وحمل قوله: لا يستوفى الذى قاله الشافعي في الوكالة على الاستحباب ومن أصحابنا من قال: لا يجوز قولا واحدا، لان الحد والقصاص إذا عرفنا أننا مأمورون بالدرء والاحتياط والتماس الشبهات الصارفة عن الادانة وعرفنا مع ذلك أن العفو مندوب إليه بل رغب الله فيه وقال " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ومن ثم كان رجاؤنا أن يرحم أخاه فيعفو عنه، ومن هنا حمل قول الشافعي في الجنايات على أنه أراد إذا تنحى به ولم يغب عن عينه فعفا عنه من حيث لم يسمع الوكيل صيغة العفو فقتله، ووجه القولين بالجواز وعدمه ما ذكرنا والله تعالى أعلم. (فرع) توكيل مسلم كافرا في استيفاء قود من مسلم هل يصح؟ قولان. (أحدهما) لا يصح (والثانى) يصح، وهو اختيار الرملي في شرحه للمنهاج للنووي قال: وهذه مردودة بأن الوكيل لا يستوفيه لنفسه، وبأن المصنف إنما جعل صحة مباشرته شرطا لصحة توكله، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط وإنما يلزم من عدمه عدمه والاول صحيح والثانى في غير محله إذ الشرط وهو صحة المباشرة غير موجود هنا رأسا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) ولا يصح التوكيل إلا ممن يملك التصرف في الذى يوكل فيه بملك أو ولاية فأما من لا يملك التصرف في الذى يوكل فيه كالصبى والمجنون والمحجور عليه في المال والمرأة في النكاح والفاسق في تزويج ابنته، فلا يملك التوكيل فيه لانه لا يملكه، فلا يملك أن يملك دلك غيره، وأما من لا يملك التصرف إلا بالاذن كالوكيل والعبد المأذون، فإنه لا يملك التوكيل الا بالاذن لانه يملك التصرف بالاذن، فكان توكيله بالاذن، واختلف أصحابنا في غير الاب والجد من العصبات، هل يملك التوكيل في التزويج من غير إذن المرأة؟ فمنهم من قال:

يملك، لانه يملك التزويج بالولاية من جهة الشرع، فملك التوكيل من غير اذن كالاب والجد، ومنهم من قال: لا يملك لانه لا يملك التزويج إلا بإذن فلا يملك التوكيل إلا بإذن كالوكيل والعبد المأذون. (الشرح) الاحكام: لا يصح التوكيل إلا إذا صدر للوكيل من الموكل الذى يملك التصرف عن نفسه في ملكه أو فيما يولى فيه أو عليه فإذا كان فاقد الاهلية لصغر سن أو جنون أو حجر لسفه أو غيره فإن أولئك لا يصح توكيلهم ما داموا لا يملكون التصرف، وفاقد الشئ لا يعطيه، ويلحق بهؤلاء المرأة لا تكون وكيلة عن غيرها من النساء ولو ابنتها في عقد النكاح، وكذلك الفاسق المعروف بفسقه في تزويج ابنته، لفقده حق الولاية عليها، ويلحق بالمجنون المغمى عليه والنائم، إذ تصرفه لنفسه أقوى منه لغيره فإذا لم يملك الاقوى لم يملك ما دونه بالاولى وانما أبيح توكيل الصبى فيما يكون مصدقا فيه كالخادم والعبد ما دام الصبى مميزا لم يجرب عليه كذب وذلك في الاذن في دخول دار وايصال هدية. أما الصبى غير المأمون المجرب الكذب عليه فلا يعتمد قطعا وما حفته قرينة يعتمد قطعا، وحينئذ يكون العمل بالعلم لا بالخبر. وأما المرأة فلا تتوكل في عقد النكاح كما قلنا ايجابا وقبولا. واختلف في الجد وغير الاب من العصبات هل يملك التوكيل في التزويج من غير اذن المرأة؟ فان قلنا بحصول ولايته عليها من جهة الشرع فملك التوكيل من غير اذنها كالاب وأبى الاب. ومنهم من قال: لا يملك التزويج الا باذن، ويكون الاذن بمثابة توكيل منها والحق أن الاذن والتوكيل والولاية الشرعية أمور تحتاج منا إلى بيان درجاتها واعطائها ما تستحقه من تقويم فالولاية الشرعية يعطى الولى الحق في التزويج بغير اذن ولا توكيل، والتوكيل يعطى الحق للوكيل بالولاية الجعليه أو الولاية العرفية، والظاهر أن الاولى أقوى فيكتفى فيها بما لا يكتفى في الثانيه، وأن باب الاذن أوسع من باب الوكالة، وما جمع به بعضهم بين ما ذكر بحمل عدم الصحة

على الوكالة، والصحة على التصرف، إذ قد تبطل الوكالة ويصح التصرف، رد بأنه خطأ صريح مخالف للمنقول إذ الابضاع يحتاط لها فوق غيرها ومقابل الاصح أنه يصح وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) ومن لا يملك التصرف في حق نفسه لنقص فيه كالمرأة في النكاح والصبى والمجنون في جميع العقود لم يملك أن يتوكل لغيره لانه إذا لم يملك ذلك في حق نفسه بحق الملك لم يملكه في حق غيره بالتوكيل، ومن ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه جاز أن يتوكل فيه لغيره، لانه يملك في حق نفسه بحق الملك فملك في حق غيره بالاذن. واختلف أصحابنا في العبد، هل يجوز أن يتوكل في قبول النكاح؟ فمنهم من قال: يجوز، لانه يملك قبول العقد لنفسه باذن المولى، فملك أن يقبل لغيره بالتوكيل، ومنهم من قال: لا يجوز لانه لا يملك النكاح، وانما أجيز له القبول لنفسه للحاجة إليه ولا حاجة إلى القبول لغيره، فلم يجز، واختلفوا في توكيل المرأة في طلاق غيرها، فمنهم من قال: يجوز كما يجوز توكيلها في طلاقها، ومنهم من قال: لا يجوز، لانها لا تملك الطلاق، وانما أجيز توكيلها في طلاق نفسها للحاجة، ولا حاجة إلى توكيلها في طلاق غيرها، فلم يجز، ويجوز للفاسق أن يتوكل في قبول النكاح للزوج، لانه يجوز أن يقبل لنفسه مع الفسق، فجاز أن يقبل لغيره، وهل يجوز أن يتوكل في الايجاب؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز، لانه موجب للنكاح فلم يجز أن يكون فاسقا كالولي، (والثانى) يجوز، لانه ليس بولي. وانما هو مأمور من جهة الولى، والولى عدل (الشرح) الاحكام: بعض أحكام هذا الفصل مضى في الذى قبله. وقال الرملي في شرح المنهاج وشرط الوكيل تعيينه الا في نحو: من حج عنى فله كذا، فيبطل: وكلت أحدكما، نعم ان وقع غير المعين تبعا لمعين كوكلتك في كذا وكل مسلم صح كما بحثه

الشيخ في شرح منهجه قال: وعليه العمل. وما نظر فيه من قياسه على الموكل فيه غير صحيح فسيأتي الفرق بينهما، ودعوى أنه يحتاط في العاقد مالا يحتاط في المعقود عليه لا التفات له هنا، إذ الغرض الاعظم الاتيان بالمأذون فيه وصحة مباشرته التصرف الذى وكل فيه لنفسه، وإلا لم يصح توكيله إذ تصرفه لنفسه أقوى منه لغيره. إلى أن قال: والاصح صحة توكيل عبد في قبول نكاح وإن لم يأذن له سيده لانتفاء ضرره وتعبيره بلكن فيه إشارة إلى استثناء هذين من عكس الضاط، وهو من لا تصح مباشرته لنفسه لا يصح توكله، ويستثنى صحة توكل سفيه في قبول نكاح بغير إذن وليه وتوكل امرأة في طلاق غيرها ومرتد في تصرف لغيره مع امتناعه لنفسه وإنما يصح ذلك إن لم يشرط في بطلان تصرفه لنفسه حجر الحاكم عليه، وسيأتى في بابه ما فيه: ورجل في قبول نكاح أخت زوجته مثلا أو خامسة وتحته أربع والموسر في قبول نكاح أمة. واستثناء بعضهم توكل كافر عن مسلم في شراء مسلم أو طلاق مسلمة غير صحيح، إذ لو أسلمت زوجته فطلق ثم أسلم في العدة بان نفوذ طلاقه. وأشار المصنف - يعنى النووي في المنهاج - في مسألة طلاق الكافر للمسلمة بأنه يصح طلاقه في الجملة إلى أن المراد صحة مباشرة الوكيل التصرف لنفسه في جنس ما وكل فيه في الجملة لا في عينه، وحينئذ فيسقط أكثر ما مر من المستثنيات وقياسه جريان ذلك في الموكل أيضا كما قدمناه، ومنعه أي توكيل العبد، أي من فيه رق في الايجاب للنكاح، لانه إذا امتنع عليه تزويج ابنته فبنت غيره أولى، ويصح توكيل المكاتب في تزويج أمته كما بحثه الاذرعى وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل حالة التوكيل، وإلا فكيف يأذن فيه؟ (فرع) إذا جاز للفاسق أن يتزوج وصح تعاقده فجاز أن يتعاقد لغيره على أحد الوجهين لانه ليس بولي. والولى عدل. والوجه الثاني: إذا امتنع عليه تزويج ابنته فبنت غيره أولى.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا تصح الوكالة إلا بالايجاب والقبول، لانه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الايجاب والقبول كالبيع والاجارة، ويجوز القبول على الفور وعلى التراخي. وقال القاضى أبو حامد المروروذى: لا يجوز إلا على الفور لانه عقد في حال الحياة فكان القبول فيه على الفور كالبيع - والمذهب الاول - لانه إذن في التصرف، والاذن قائم ما لم يرجع فيه، فجاز القبول. ويجوز القبول بالفعل، لانه أذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفعل كالاذن في أكل الطعام (الشرح) الاحكام: الوكالة كأى عقد من العقود لا ينقدح في الذمة إلا بتحقق هذين الشرطين: الايجاب والقبول، لما يترتب على هذا العقد من حق كل واحد منهما. فيشترط من الموكل أو نائبه لفظ صريح أو كناية ككتابة أو إشارة أخرس مفهمه لا لكل أحد يقتضى رضاه كوكلتك في كذا أو فوضته إليك أو أنبتك فيه أو أقمتك مقامي فيه، أو أنت وكيلى فيه كبقية العقود، إذ الشخص ممنوع من التصرف في مال غيره إلا برضاه، فلا يصح أن يقول: وكلت من أراد بيع دارى ولا ينفذ تصرف أحد بهذا الاذن لفساده. نعم لو لم يتعلق بعين الوكيل فيه غرض كوكلت من أراد في إعتاق عبدى هذا أو تزويج أمتى هذه صح على ما بحثه السبكى وأخذ منه صحة قول من لا ولى لها أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجنى. قال الاذرعى: وهذا إن صح فمحله عند تعيينها الزوج ولم تفوض سوى صيغة العقد خاصة، وبذلك أفتى بن الصلاح، ويجرى ذلك التعميم في التوكيل، إذ لا يتعلق بعين الوكيل غرض وعليه عمل القضاة. وقد يشترط القبول هنا لفظا، كما لو كان له عين مؤجرة أو معارة أو مغصوبة فوهبها لآخر وأذن له في قبضها فوكل من هي في يده في قبضها له، لابد من قبول لفظا لنزول يده عنها به.

إذا ثبت هذا فهل يجوز القبول على الفور. أم يصح على التراخي. قولان فالمصنف والاصحاب كافة على جوازه على الفور وعلى التراخي خلافا للقاضى أبى حامد المروروذى فإنه قال: لا يجوز إلا على الفور كالبيع (فرع) إذا قال أذنت لك في إعطاء فلان صكا بمائة دينار فأخرج القلم وأخذ يكتب الصك كان ذلك هو القبول. ومن أصحابنا من اشترط التلفظ بلفظ القبول وهو مرجوح، إذ لو قال له أذنتك في الطعام فأقبل على الطعام ولم يقل شيئا وأكل ألا يكون ذلك قبولا، وما دام التوكيل أو الاذن القصد منه أداء الفعل فأداه فقد تحقق الغرض من الوكالة أو النيابة. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى . (فصل) ولا يجوز التوكيل إلا في تصرف معلوم. فإن قال وكلتك في كل قليل وكثير لم يصح، لانه يدخل فيه ما يطيق ومالا يطيق، فيعظم الضرر ويكثر الغرر. وإن قال وكلتك في بيع جميع مالى أو قبض جميع ديونى صح، لانه يعرف ماله ودينه، وإن قال بع ما شئت من مالى أو اقبض ما شئت من ديونى جاز لانه إذا عرف ماله ودينه عرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر. وإن قال اشتر لى عبدا لم يصح لان فيه ما يكون بمائة وفيه ما يكون بألف، فيكثر الغرر، وان قال اشتر لى عبدا بمائة لم يصح، لان ذكر الثمن لا يدل على النوع فيكثر الغرر. وإن قال اشتر لى عبدا تركيا بمائة جاز، لان مع ذلك النوع وقدر الثمن يقل الغرر، فإن قال اشتر لى عبدا تركيا ولم يقدر الثمن ففيه وجهان. قال أبو العباس يصح لانه يحمل الامر على أعلى هذا النوع ثمنا فيقل الغرر. ومن أصحابنا من قال لا يصح لان أثمان الترك تختلف وتتفاوت، فيكثر الغرر، وإن وكله في الابراء لم يجز حتى يبين الجنس الذى يبرئ منه والقدر الذى يبرئ منه، وان وكله في الاقرار وقلنا إنه يصح التوكيل فيه لم يجز حتى يبين جنس ما يقر به، وقدر ما يقربه، لانه إذا أطلق عظم الضرر وكثر الغرر فلم يجز، وإن وكله في

خصومة كل من يخاصمه ففيه وجهان (أحدهما) يصح، لان الخصومة معلومة (والثانى) لا يصح، لانها قد تقل الخصومات وقد تكثر فيكثر الغرر. (الشرح) الاحكام: لا يجوز التوكيل إلا في تصرف معلوم من بعض الوجوه لئلا يعظم الغرر. ولا يشترط علمه من كل وجه. هكذا قرر النووي في المنهاج، ولا يشترط ذكر أوصاف المسلم فيها لانها جوزت للحاجة فسومح فيها فلو قال: وكلتك في كل قليل وكثير لى في كل أمورى أو حقوقي، أو فوضت اليك كل شئ لى، أو كل ما شئت من مالى لم يصح لما فيه من عظيم الغرر، لانه يدخل فيه مالا يسمح الموكل ببعضه كعتق أرقائه وطلاق زوجاته والتصدق بأمواله وظاهر كلامهم بطلان هذا وإن كان تابعا لمعين. وكذلك أفتى الرملي الكبير شهاب الدين. فلا ينفذ تصرف الوكيل في شئ من التابع لان عظم الغرر فيه الذى هو السبب في البطلان لا يندفع بذلك. قال شمس الدين الرملي: وفارق ما مر عن أبى حامد بأن ذاك في جزئي خاص معين فساغ كونه تابعا لقلة الغرر فيه بخلاف هذا، وبخلاف ما جاء في قوله: وكلتك في كذا وكل مسلم. إذ الوكيل المتبوع معين والتابع غير معين وهو مستثنى من أن يكون الوكيل معينا، وليست هذه المسأله مثل ذلك لما تقرر من كثرة الغرر في التابع فيها. وإن قال: وكلتك في بيع أموالي وعتق أرقائي ووفاء ديونى واستيفائها ونحو ذلك صح، وإن كان ما ذكر معلوما عندهما لقلة الغرر فيه. ولو قال في بعض أموالي أو شئ منها لم يصح. أما لو قال: بع هذا أو هذا لتناول كل بطريق العموم البدلى فلا إبهام فيه. وكما لو قال: أبرئ فلانا عن شئ من دينى صح وحمل على أدنى شئ. إذ الابراء عقد غبن فتوسع فيه بخلاف البيع. وكقوله أبرئ فلانا عما شئت من دينى فليبق عليه شيئا. أما لو قال أبرئه عن جميعه صح ابراؤه عن بعضه بخلاف بيعه لبعض ما وكله ببيعه بأنقص من قيمة الجميع لتضمن التشقيص فيه الغرر. وان قال اشتر لى عبدا بمائة ولم يبين جنسه ولا يغنى ذكر الوصف كأبيض أو

أسود. نعم لا يشترط ذكر أوصاف السلم ولا ما يقرب منها. هذا إذا كان العبد للاقتناء أما إذا كان للتجارة فلا يجب فيه ذكر نوع أو غيره لشبهه بالقراض. ونقله ابن الرفعة عن الماوردى وغيره. قال الرملي شمس الدين: ولو وكله في تزويج امرأة اشترط تعيينها، ولا يكتفى بكونها مكافئة له، لان الغرض يختلف مع وجود وصف المكافأة كثيرا فاندفع ما ذكره السبكى هنا. نعم ان أتى له بلفظ عام كزوجني من شئت صح للعموم، وجعل الامر راجعا إلى رأى الوكيل بخلاف الاول فإنه مطلق، ودلالة العام على أفراد ظاهرة، وأما المطلق فلا دلالة فيه على فرد فلا تناقض، أو في شراء دار للقنية أيضا وجب بيان المحلة - أي الحارة - ومن لازمها بيان البلد، فلذا لم يصرح به. أما الاقرار فإنه لا يصح التوكيل فيه الا إذا بين جنس ما يقر به وقدره لعظم الغرر عند الاطلاق وكثرة الضرر فلم يصح، فإذا وكله في خصوماته، كقوله: وكلتك في خصومة من أخاصمه ففيه وجهان قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز تعليق الوكالة على شرط مستقبل. ومن أصحابنا من قال يجوز لانه أذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوصية، والمذهب الاول لانه عقد تؤثر الجهالة في إبطاله فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والاجارة ويخالف الوصية فإنها لا يؤثر فيها غرر الجهالة فلا يؤثر فيها غرر الشرط ولوكالة تؤثر الجهالة في ابطالها فأثر غرر الشرط فإن علقها على شرط مستقبل ووجد الشرط وتصرف الوكيل صح التصرف، لان مع فساد العقد الاذن قائم فيكون تصرفه بإذن فصح، فإن كان قد سمى له جعلا سقط المسمى ووجب له أجرة المثل لانه عمل في عقد فاسد لم يرض فيه بغير بدل فوجب أجرة المثل كالعمل في الاجارة الفاسدة، وان عقد الوكالة في الحال وعلق التصرف على شرط، بأن قال وكلتك أن تطلق امرأتي أو تبيع مالى بعد شهر صح، لانه لم يعلق العقد على شرط، وإنما علق التصرف على شرط فلم يمنع صحة العقد

(الشرح) الاحكام: فرقوا بين تعليق العقد على شرط وتعليق التصرف على شرط فالاول لا يجوز والثانى يجوز. أما أجرة الوكيل فتتحدد بأجرة المثل ولو سمى له جعلا. أما الشرط فقد قال الرملي شمس الدين: ولا يصح تعليقها بشرط من صفة أو وقت في الاصح كسائر العقود سوى الوصية لقبولها الجهالة والامارة للحاجة والثانى: تصح كالوصية ورد بما مر اه، ومثال الوصية قوله: إذا جاء رأس الشهر فقد أوصيت له بكذا، وصورة الوكالة الباطلة لارتباطها بالشرط كقوله: وكلت من أراد بيع دارى، وقال الزركشي: لا ينفذ التصرف. قال ابن الصلاح: والاقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة جائز، إذ أنه ليس من تعاطى العقود الفاسدة لانه إنما قدم على عقد صحيح خلافا لابن الرفعه. فإن نجزها وشرط للتصرف شرطا جاز، كوكلتك الآن ببيع هذا ولكن لا تبعه الا بعد شهر، وعلم من هذا أنه لو قال لآخر قبل رمضان: وكلتك في إخراج فطرتي وأخرجها في رمضان صح لتنجيزه الوكالة، وإنما قيدها بما قيدها به الشارع، بخلاف إذا جاء رمضان فأخرج فطرتي، لانه تعليق محض وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق من أطلق الجواز ومن أطلق المنع. قال الشمس الرملي: والاقرب إلى كلامهم عدم الصحة إذ كل من الموكل والوكيل لا يملك ذلك عن نفسه حال التوكيل (قلت) وعلى هذا يتوجه كلام ابن الصلاح، لان إخراج الفطرة هنا عمل صحيح ترتب على وكالة فاسدة فنقول بصحة إخراجها عنه. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه اذن الموكل من جهة النطق أو من جهة العرف لان تصرفه بالاذن فلا يملك الا ما يقتضيه الاذن والاذن يعرف بالنطق وبالعرف فان تناول الاذن تصرفين. وفى أحدهما اضرار بالموكل لم يجز ما فيه ضرار لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار " فان

تناول تصرفين وفى أحدهما نظر للموكل لزمه ما فيه النظر للموكل لما روى ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس الدين النصيحة: قلنا يا رسول الله لمن قال لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وللمسلمين عامة وليس من النصح أن يترك ما فيه الحظ والنظر للموكل. (الشرح) حديث " لا ضرر ولا ضرار " مضى تخريجه في غير موضع، وحديث ثوبان رواه الجماعه. الاحكام: إذا وكله في بيع شئ أو طلب الشفعه أو قسم شئ ففيه وجهان (أحدهما) يملك تثبيته، وهو قول أبى حنيفة في القسمة وطلب الشفعة، لانه لا يتوصل إلى ما وكله فيه إلا بالتثبيت (والثانى) لا يملكه، وهو قول بعض أصحابنا لانه يمكن أحدهما دون الآخر، فلم يتضمن الاذن في أحدهما الاذن في الآخر، فإذا قال: اقبض حقى من فلان لم يكن له قبضه من وارثه. لانه لم يؤمر بذلك، وإن قال: اقبض حقى الذى قبل فلان أو على فلان جاز له مطالبة وارثه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وان وكل في تصرف وأذن له أن يوكل إذا شاء نظرت، فإن عين له من يوكله وكله أمينا كان أو غير أمين لانه قطع اجتهاده بالتعيين، وان لم يعين من يوكل لم يوكل الا أمينا لانه لا نظر للموكل في توكيل غير الامين، فان وكل أمينا فصار خائنا فهل يملك عزله، فيه وجهان. (أحدهما) يملك عزله، لان الوكالة تقتضي استعمال أمين، فإذا خرج عن أن يكون أمينا لم يجز استعماله، فوجب عزله. (والثانى) لا يملك عزله، لانه أذن له في التوكيل دون العزل، وان وكله ولم يأذن له في التوكيل نظرت، فإن كان ما وكله فيه مما يتولاه الوكيل ويقدر عليه، لم يجز أن يوكل فيه غيره، لان الاذن لا يتناول تصرف غيره من جهة النطق، ولا من جهة العرف، لانه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضى غيره،

وإن وكله في تصرف وقال: اصنع فيه ما شئت ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز أن يوكل فيه غيره لعموم قوله: اصنع فيه ما شئت. (والثانى) لا يجوز، لان التوكيل يقتضى تصرفا يتولاه بنفسه، وقوله: اصنع فيه ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل في تصرفه بنفسه، وإن كان ما وكله فيه مما لا يتولاه بنفسه كعمل لا يحسنه، أو عمل يترفع عنه، جاز أن يوكل فيه غيره، لان توكيله فيما لا يحسنه أو فيما يترفع عنه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف. وان كان مما يتولاه إلا أنه لا يقدر على جميعه لكثرته، جاز له أن يوكل فيما لا يقدر عليه منه، لان توكيله فيما لا يقدر عليه إذن في التوكيل فيه من جهة العرف، وهل يجوز أن يوكل في جميعه؟ فيه وجهان. (أحدهما) له أن يوكل في جميعه. لانه ملك التوكيل فملك في جميعه كالموكل (والثانى) ليس له أن يوكل فيما يقدر عليه منه، لان التوكيل يقتضى أن يتولى الوكيل بنفسه، وإنما أذن له فيما لا يقدر عليه للعجز، وبقى فيما يقدر عليه على مقتضى التوكيل، وإن وكل نفسين في بيع أو طلاق فإن جعله إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما أن ينفرد به، لانه أذن لكل واحد منهما في التصرف وإن لم يجعل إلى كل واحد منهما لم يجز لاحدهما أن ينفرد به، لانه لم يرض بتصرف أحدهما، فلا يجوز أن ينفرد به، وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه في حرز لهما. وخرج أبو العباس وجها آخر أنه إن كان مما ينقسم، جاز أن يقتسما ويكون عند كل واحد منهما نصفه، وان لم ينقسم جعلاه في حرز لهما كما يفعل المالكان والصحيح هو الاول، لانه تصرف أشرك فيه بينهما. فلم يجز لاحدهما أن ينفرد ببعضه فيه كالبيع، ويخالف المالكين، لان تصرف المالكين بحق الملك ففعلا ما يقتضى الملك، وتصرف الوكيلين بالاذن، والاذن يقتضى اشتراكهما، ولهذا يجوز لاحد المالكين أن ينفرد ببيع بعضه ولا يجوز لاحد الوكيلين أن ينفرد ببيع بعضه.

(الشرح) الاحكام: لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال: (أحدها) أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف لان ما نهاه عنه غير داخل في اذنه كما لو لم يوكله. (الثاني) أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك، لانه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه، ولا نعلم في هذا خلافا، فإن قال له: وكلتك فاصنع ما شئت فهل له أن يوكل؟ نظرت فإن كان ما وكله فيه مما يمكن أن يتولاه الوكيل ويقدر عليه، فإنه ليس له التوكيل، لانه موكل بتصرف يتولاه بنفسه، وقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه، وقال أصحاب أحمد له أن يوكل من شاء لدخوله في عموم التوكيل. ولنا أنه إذا كان ما وكل به كثير الجوانب متعدد الجهات بحيث يحتاج الوكيل إلى من يعينه على أدائه، ومثله لو كان العمل شاقا لا يقدر مثله على القيام به، ويحتاج إلى شخص قوى يؤديه جاز له توكيله، ومثل ذلك لو كان العمل يحتاج إلى مهارة أو فن خاص له دارسوه والمتخصصون فيه كالهندسة ونحوها جاز له توكيله، وكذلك لو كان عملا سهلا ولكنه من الاعمال التى يترفع مثله عن القيام بها لدناءتها جاز له أن يوكل من يقوم به. (الثالث) أطلق الوكالة فلا يخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون العمل من الاعمال التى أشرنا إليها مما يرتفع الوكيل عن مثله كالاعمال الدنيئة في حق أشراف الناس أو يعجز عن فعلها أو لاى اعتبار مما ذكرنا آنفا فإن الاذن ينصرف إلى ما جرت به العادة من الاستنابة، وبه قال أحمد وأصحابه، القسم الثاني. أن يكون مما يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فجاز التوكيل في بعضه فيما لا يقدر عليه منه، أما التوكيل في جميعه فيجوز عند أصحاب أحمد، أما عند أصحابنا فوجهان (أحدهما) له أن يوكل في جميعه لانه ملك التوكيل فملك في جميعه كالموكل (والثانى) ليس له أن يوكل الا فيما لا يقدر عليه منه، وانما أذن له فيما لا يقدر عليه للعجز، وبقى ما يقدر عليه على مقتضى التوكيل، وهذا قول عند أصحاب أحمد ذكره ابن قدامة عن القاضى.

(القسم الثالث) وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه، فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين إحداهما لا يجوز. وهو المذهب عندنا، واليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف لانه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه، ولانه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه لمن لم يأمنه كالوديعة والاخرى يجوز، نقلها حنبل وبه قال ابن أبى ليلى، إذا مرض أو غاب، لان الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه نيابة كالمالك. دليلنا أن التوكيل لا يتناول تصرف غيره من جهة النطق ولا من جهة العرف، لانه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضى غيره ويفارق المالك، فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل فإنه يتصرف بالاذن. (فرع) كل وكيل جاز له التوكيل فليس له أن يوكل إلا أمينا لانه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين، فيقيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر، كما أن الاذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن المثل، إلا أن يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله وإن لم يكن أمينا، لانه قطع نظره بتعيينه. وإن وكل أمينا وصار خائنا فعليه عزله، لان تركه يتصرف مع الخيانة تضييع وتفريط، والوكالة تقتضي استئمان أمين. وهذا ليس بأمين فوجب عزله ويقول النووي: لا يملك الوكيل عزله في الاصح لانه أذن في التوكيل دون العزل. وقد أورد الرملي الوجهين. (فرع) إذا وكل وكيلين في تصرف وجعل لكل واحد الانفراد بالتصرف فله ذلك، لانه مأذون له فيه، فإن لم يجعل ذلك فليس لاحدهما الانفراد به، لانه لم يأذن له في ذلك، وإنما يجوز له ما أذن فيه موكله، وبهذا قال أحمد وأصحاب الرأى. وإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما، لان قوله افعلا كذا يقتضى اجتماعهما على فعله، وهو مما يمكن فتعلق بهما. وفارق هذا قوله بعتكما، حيث كان منقسما بينهما. لانه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن يتصرف.

وخرج أبو العباس بن سريج وجها آخر أنه إن كان المال مما ينقسم اقتسماه ويكون عند كل واحد منهما نصفه والصحيح ما قررنا وليس للحاكم أن يضم أمين إلى الوكيل ليحل محل الغائب، لان الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه، فلا يضم الحاكم وكيلا له بغير أمره وفارق ما لو مات أحد الوصيين - وفرق بين الوصاية والوكالة - حيث يضيف الحاكم إلى الوصي أمينا ليتصرف، لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم. ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم. وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب وادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما، ولم يملك الحاضر التصرف وحده، فإذا حضر الآخر تصرفا معا ولا يحتاج إلى إعادة البينة، لان الحاكم سمعها لهما مرة. وإن ججد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف، وبما ذكرناه قال أحمد وأبو حنيفة وقال أبو حنيفة إذا وكلهما في خصومة فكل واحد منهما الانفراد بها. ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما فأشبه البيع والشراء وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن وكل رجلا في الخصومة لم يملك الاقرار على الموكل، ولا الابراء من دينه ولا الصلح عنه، لان الاذن في الخصومة لا يقتضى شيئا من ذلك، وان وكله في تثبيت حق فثبته لم يملك قبضه، لان الاذن في التثبيت ليس بإذن في القبض من جهة النطق، ولا من جهة العرف، لانه ليس في العرف أن من يرضاه للتثبيت يرضاه للقبض، وان وكله في قبض حق من رجل فجحد الرجل الحق، فهل يملك أن يثبته عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يملك، لان الاذن في القبض ليس بإذن في التثبيت من جهة النطق، ولا من جهة العرف، لانه ليس في العرف أن من يرضاه للقبض يرضاه للتثبيت. (والثانى) أنه يملك لانه يتوصل بالتثبيت إلى القبض، فكان الاذن في

القبض إذنا في التثبيت، وإن وكله في بيع سلعة فباعها لم يملك الابراء من الثمن، لان الاذن في البيع ليس بإذنه في الابراء من الثمن. وهل يملك قبضه أم لا؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يملك، لان الاذن في البيع ليس بإذن في قبض الثمن من جهة النطق ولا من جهة العرف، لانه قد يرضى الانسان للبيع من لا يرضاه للقبض (والثانى) أنه يملك، لان العرف في البيع تسليم للمبيع وقبض الثمن، فحملت الوكالة عليه، وإن وكله في شراء عبد فاشتراه وسلم الثمن ثم استحق العبد فهل يملك أن يخاصم البائع في درك الثمن. فيه وجهان (أحدهما) يملك، لانه من أحكام العقد (والثانى) لا يملك، لان الذى وكل فيه هو العقد، وقد فرغ منه فزالت الوكالة. (الشرح) الاحكام: إذا وكل رجلا في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره، وبهذا قال أحمد ومالك وابن أبى ليلى. وقال أبو حنيفة ومحمد: يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص. وقال أبو يوسف يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره، لان الاقرار أحد جوابي الدعوى فصح من الوكيل كالانكار دليلنا أن الاقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها، فلا يملكه الوكيل فيها كالابراء، وفارق الانكار فإنه لا يقطع الخصومة، ويملكه في الحدود وفى غير مجلس الحاكم، ولان الوكيل لا يملك الانكار على وجه يمنع الموكل من الاقرار فلو ملك الاقرار لامتنع على الموكل الاقرار فافترقا. ولا يملك المصالحة عن الحق ولا الابراء منه بغير خلاف نعلمه، لان الاذن في الخصومة لا يقتضى شيئا من ذلك، وان أذن له في تثبيت حق لم يملك قبضه، وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة يملك قبضه، لان المقصود من التثبيت قبضه وتحصيله. دليلنا أن القبض لا يتناوله الاذن نطقا ولا عرفا، إذ ليس كل من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه وإن وكله في قبض حق فجحد من عليه الحق فهل يملك القيام بثبيت الحق على الجاحد. فيه وجهان لاصحابنا (أحدهما) لا يملك وليس له ذلك، وهو أحد

الوجهين عند أصحاب أحمد، لانهما معنيان مختلفان، فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر، كما لا يكون وكيلا في القبض بالتوكيل في الخصومة. (والثانى) كان له القيام بتثبيت الحق على جاحده، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو أحد الوجهين عند أصحاب أحمد ووجه هذا الوجه أنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبيت، فكان إذنا فيه عرفا، ولان القبض لا يتم الا به فملكه، كما لو وكل في شراء شئ ملك وزن ثمنه أو وكل في بيع شئ ملك تسليمه، ويحتمل أنه أن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه. وان لم يعلم ذلك لم يكن توكيلا فيه لعدم علمه بتوقف القبض عليه، ولا فرق بين كون الحق عينا أو دينا. وقال بعض أصحاب أبى حنيفة: ان وكله في قبض عين لم يملك تثبيتها لانه وكيل في نقلها، أشبه الوكيل في نقل الزوجة. (فرع) إذا وكله في بيع شئ ملك تسليمه، لان اطلاق التوكيل في البيع يقتضى التسليم لكونه من تمامه، ولم يملك الابراء من ثمنه، وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة: يملكه دليلنا أن الابراء ليس من البيع ولا من تتمته، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالابراء من غير ثمنه (فرع) وأما قبض الثمن فعلى وجهين، ان قلنا انه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن فعلى هذا ليس له قبض الثمن. وان قلنا ان العرف في البيع تسليم للمبيع وقبض للثمن. وأنه موجب للبيع ملك القبض فكان كتسليم المبيع، فعلى هذا ليس له تسليم المبيع الا بقبض الثمن، فإذا سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه، والاولى أن ينظر فيه فان دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل، أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له كان اذنا في قبضه، ومتى ترك قبضه كان ضامنا له، لان ظاهر حال الموكل أنه انما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه، ولهذا يعد من فعل

ذلك مضيعا مفرطا وان لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه، وبالوجهين قال أحمد وأصحابه. قال الماوردى في الحاوى: لو وكله في المطالبة بدين لم يكن له قبضه بعد المطالبة، وان وكله في المخاصمة في دار يدعيها لم يكن له قبضها. ولو وكله في اثبات منفعة يستحقها لم يكن له انتزاعها وكان عمل الوكيل في هذه الاحوال كلها مقصورا على ما تضمنه الاذن والقسم الثاني ما كان عمل الوكيل فيه متجاوزا إلى ما تضمنته الوكالة من مقصوده، وهو ما كان مقصود واجبا على الموكل، كالتوكيل في بيع أو شراء فله إذا عقد البيع أن يسلم المبيع ويتسلم الثمن. وان لم يصرح له الموكل به، لان عقد البيع أوجب عليه تسليم ما باعه، وهو مندوب إلى أن لا يسلمه الا بعد قبض ثمنه، فلذلك جاز أن يتجاوز العقد إلى تسليم المبيع وقبض ثمنه وهكذا لو وكله في شراء سلعة جاز له أن يقبضها ويدفع ثمنها، فان الشراء قد أوجب عليه دفع الثمن، وهو مندوب إلى أن لا يدفع الثمن الا بعد قبض المبيع، فان وكله في البيع على أن لا يقبض الثمن من المشترى صحت الوكالة ولم يكن له قبض الثمن، ولو وكله فيه على أن لا يسلم المبيع كان في الوكالة وجهان ذكرهما أبو على الطبري في افصاحه (أحدهما) تصح الوكالة، كما لو نهاه عن قبض الثمن، فإذا أخذ تسليم المبيع أخذ به الموكل. (والوجه الثاني) أن الوكالة باطلة، لان اقباض المبيع من لوازم البيع فإذا نهاه عنه بطل التوكيل (القسم الثالث) ما اختلف المذهب، هل يكون عمل المذهب فيه مقصورا على ما تضمنه الاذن أو تجوز له المجاوزة إلى ما أدى إليه، وهو مالا يمكن من عمل المأذون فيه الا به كالوكالة في مقاسمته في دار وقبض الحصة منها إذا جحد الشريك، هل يجوز للوكيل المخاصمة فيها واثبات الحجج والبينات عليها، وكالوكالة في قبض دين، أما جحده المطلوب هل يجوز للوكيل مخاصمته واثبات

البينة عليه؟ فيه قولان حكاهما ابن سريج مخرجا (أحدهما) ليس له ذلك ويكون مقصود العمل على ما تضمنه صريح الاذن، لان ما تجاوزه ليس بواجب فيه فشابه القسم الاول. (والقول الثاني) يجوز له ذلك، لانه لا يصل إلى العمل المأذون فيه إلا به كالقسم الثاني. والله أعلم اه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان وكل في البيع في زمان لم يملك البيع قبله ولا بعده، لان الاذن لا يتناول ما قبله ولا ما بعده من جهة النطق ولا من جهة العرف، لانه قد يؤثر البيع في زمان لحاجة، ولا يؤثر في زمان قبله ولا زمان بعده، وإن وكله في البيع في مكان - فان كان الثمن فيه أكثر أو النقد فيه أجود - لم يجز البيع في غيره، لانه قد يؤثر البيع في ذلك المكان لزيادة الثمن أو جودة النقد، فلا يجوز تفويت ذلك عليه، وان كان الثمن فيه وفى غيره واحدا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يملك البيع في غيره، لان المقصود فيهما واحد، فكان الاذن في أحدهما اذنا في الآخر (والثانى) لا يجوز لانه لما نص عليه دل على أنه قصد عينه لمعنى هو أعلم به من يمين وغيرها فلم تجز مخالفته. (الشرح) الاحكام: قال الماوردى في الحاوى. وقال أبو حنيفة: يجوز له أن يوكل لامرين (أحدهما) أنه لما أقامه فيه مقام نفسه جاز له التوكيل فيه كما يجوز لنفسه (والثانى) أن المقصود بوكالته حصول العمل في الحالين لموكله. وهذا خطأ من وجهين: (أحدهما) أن فعل الوكيل مقصور على ما تضمنه الاذن من غير مجاوزة، وليس في التوكيل مجاوزة (والثانى) أن الموكل يسكن في عمله إلى أمانة وكيله فلم يجز أن يوكل من لم يسكن الموكل إلى أمانته كالوديعة التى لا يجوز للمودع أن يودعها عند غيره، لان المالك لم يرض الا بأمانته. فأما استدلاله بأن هذا أقامه مقام نفسه فلعمري أنه

كذلك في فعل ما وكل فيه لا في غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يهب ولا يبرئ وان كان للموكل أن يهب ويبرئ لانه لم يأذن له فيه، فكذلك في التوكيل. وأما الجواب عن قولهم بأن الغرض حصول العمل فهو كذلك لكن قد خصه به وارتضى أمانته، كمن استأجر أجيرا بعينه لعمل لم يكن له أن يستأجر غيره في عمله، لان قصد المستأجر انما هو حصول العمل من جهة الاجير وفعله لا بفعل غيره. كذلك ها هنا. قلت: ولكلام المصنف هنا دلالته على ما يترتب على مخالفة الاذن ومجاوزته من أحكام، فمثلا إذا أذن الموكل للوكيل بالبيع في زمان فباع قبله فترتب على بيعه قبله نقص ثمنه عن مثله في الزمن المحدد لنقص في السن أو الوزن أو الصفة كان ذلك من ضمان الوكيل. وكذلك إذا باعه بعد الزمان الذى أذن له فيه فترتب على ذلك ما ذكرنا كان من ضمانه. وكذلك إذا أذن له في مكان لمصلحة يراها الموكل لكثرة الطالبين للسلعة في ذلك المكان أو لكثرة الثمن أو جودة النقد فلا يملك الوكيل مخالفة مضمون الاذن، فإذا كان الثمن في كل هذه الاحوال التى خالف فيها متفقا مع الزمن المطلوب أو المكان المطلوب بحيث لا يفوت الموكل شئ من الفائدة فهل يجوز للوكيل مخالفة الاذن؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز له ذلك، لان المقصود فيها واحد (والثانى) لا يجوز، لان الموكل أعرف بما هو الاحظ له وعلى الوكيل الامتثال لامر الموكل قال الماوردى في الحاوى: أن يكون الشرط الذى شرطه الموكل في بيع وكيله يصح معه العقد ولا يبطل به البيع، فعلى الوكيل أن يعقد البيع على الشرط المأذون فيه ولا يتجاوزه الا أن يكون الشرط بالمجاوزة موجودا مع زيادة فصح البيع حينئذ على ما سنشرحه ولا تكون الزيادة مانعة من صحته. فأما اذنه في بيعه على رجل بعينه فلازم ولا يجوز للوكيل أن يعدل إلى بيعه على غيره لانه المقصود بالتمليك فلم يصح عدول الوكيل عنه كالهبه، فعلى هذا لو مات ذلك الرجل بطلت الوكالة بالبيع. ولم يجز للوكيل أن يبيعه على وارثه ولا على غير وارثه.

ولو كان حيا وامتنع من ابتياعه لم تبطل الوكالة لجواز أن يرغب فيه من بعد، وأما إذنه ببيعه في زمان بعينه فلازم، ولا يجوز للوكيل أن يبيعه قبل ذلك الزمان ولا بعده، أما قبله فلان وقت الاذن لم يأت، وأما بعده فلبطلان الوكالة بالفوات وقد يكون للانسان غرض صحيح في استيفاء ملكه إلى زمان بعينه. فأما إذنه في مكان بعينه - فإن كان فيه غرض صحيح لاختلاف الاسعار باختلاف الاماكن أو جودة النقود وهو شرط لازم فلا يجوز للوكيل أن يبيعه في غير ذلك المكان، فان فعل وسلمه فالبيع باطل وهو بالتسليم ضامن، فإن لم يكن في ذلك المكان غرض صحيح، ولا معنى مستفاد نظر في صفة إذنه، فإن كان قال: لا تبيعوا إلا في مكان كذا أو في سوق كذا لزم، وكان بيع الوكيل في غير ذلك المكان باطلا لصريح النهى عنه. وإن قال: بعه في سوق كذا أو في مكان كذا، ولم يصرح بالنهي عما سواه ففى لزوم اشتراطه وجهان. (أحدهما) أنه شرط لازم لا يجوز للوكيل أن يبيعه في غيره، لانه أملك بأحوال إذنه. (والوجه الثاني) أنه شرط غير لازم لفساد الغرض المقصود به، والاول أشبه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن وكله في البيع من رجل لم يجز أن يبيع من غيره، لانه قد يؤثر تمليكه دون غيره، فلا يكون الاذن في البيع منه إذنا في البيع من غيره، وان قال خذ مالى من فلان فمات لم يجز أن يأخذ من ورثته، لانه قد لا يرضى أن يكون ماله عنده، ويرضى أن يكون عند ورثته، فلا يكون الاذن في الاخذ منه إذنا في الاخذ من ورثته، وإن قال: خذ مالى على فلان فمات، جاز أن يأخذ من ورثته، لانه قصد أخذ ماله، وذلك يتناول الاخذ منه، ومن ورثته، وان وكل العدل في بيع الرهن فأتلفه رجل، فأخذت منه القيمة لم يجز له بيع القيمة، لان الاذن لم يتناول بيع القيمة.

(الشرح) الاحكام: فأما إذنه على رجل بعينه فلازم، لانه المقصود بالتمليك فلم يصح عدول الوكيل عنه كما أوضح ذلك الماوردى فيما نقلناه في الفصل قبله، وأما إذا قال الموكل لوكيله: قد وكلتك في استيقاء مالى (على) زيد فمات زيد جاز للوكيل أن يستوفيه من وارثه، فإذا قال الموكل لوكيله: قد وكلتك في استيفاء مالى (من) زيد فمات زيد لم يجز للوكيل أن يستوفيه من وارثه، والفرق بينهما أن الامر باستيفائه من زيد في الاول متوجه إلى المال فجاز أن يستوفيه من ورثته والامر باستيفائه من زيد في الثاني متوجه إلى زيد أن يكون هو المستوفى منه، فلم يجز أن يستوفيه من غيره. فإذا وكل العدل لامانته وصدقه في بيع الرهن فأتلفه غيره فأخذت القيمة من المتلف فلا يجوز له أن يبيع القيمة ليحصل على الثمن لرده إلى الموكل، لان الاذن لا يتضمن بيع القيمة، وإنما كان قاصرا على بيع الرهن وليست القيمة عين الرهن قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وكل في بيع فاسد لم يملك الفاسد، لان الشرع لم يأذن فيه، ولا يملك الصحيح، لان الموكل لم يأذن فيه. (الشرح) الاحكام: إذا وكله في بيع فاسد كبيع الخمر أو الكلب أو الخنزير أو بيع حر أو بيع مالا يملك كالمغصوب أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه أو البيع بغير جنس الاثمان، أو بيع مباح بمحرم أو باع بمالا يتغابن الناس بمثله على ما سيأتي تفصيله أو أعطاه دراهم ليسلم فيما لا يجوز السلم فيه كاللحم والثياب على ما مضى في كتاب السلم وكتاب البيوع بطلت الوكالة لان الشرع لم يأذن فيه للموكل فكان الحظر على الوكيل، وما كان محظورا على الوكيل لنفسه كان محظورا عليه نيابة لغيره، فإذا استبدل المبيع المحرم بمباح أو أبدل المسلم فيه بمجاز السلم فيه لم يملك ذلك من قبل أنه لم يأذن له الموكل في ذلك، لان مقتضى الوكالة في الاذن في البيع الفاسد فلم يصح العدول عن الفاسد إلى الصحيح كما لم يصح نفاذ الوكالة في الفاسد من جهة الشرع والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وكل في بيع سلعة لم يملك بيعها من نفسه من غير اذن، لان العرف في البيع أن يوجب لغيره فحمل الوكالة عليه، ولان اذن الموكل يقتضى البيع ممن يستقصى في الثمن عليه، وفى البيع من نفسه لا يستقصى في الثمن، فلم يدخل في الاذن، وهل يملك البيع من ابنه أو مكاتبه؟ فيه وجهان. (أحدهما) يملك، وهو قول أبى سعيد الاصطخرى، لانه يجوز أن يبيع منه ماله، فجاز له أن يبيع منه مال موكله كالأجنبي. (والثانى) لا يجوز، وهو قول أبى اسحاق، لانه متهم في الميل اليهما كما يتهم في الميل إلى نفسه، ولهذا لا تقبل شهادته لهما، كما لا تقبل شهادته لنفسه، فان أذن له في البيع من نفسه، ففيه وجهان. أحدهما: يجوز كما يجوز أن يوكل المرأة في طلاقها. والثانى: لا يجوز، وهو المنصوص لانه يجتمع في عقده غرضان متضادان الاستقصاء للموكل، والاسترخاص لنفسه فتمانعا، ويخالف الطلاق، فانه يصح بالزوج وحده، فصح بمن يوكله، والبيع لا يصح بالبائع وحده، فلم يصح بمن يوكله، وان وكل رجلا في بيع عبده ووكله آخر في شرائه لم يصح، لانه عقد واحد يجتمع فيه غرضان متضادان، فلم يصح التوكيل فيه كالبيع من نفسه. وان وكله في خصومة رجل ووكله الرجل في خصومته، ففيه وجهان. أحدهما: لا يصح لانه توكيل في أمر يجتمع فيه غرضان متضادان، فلم يصح، كما لو وكله أحدهما في بيع عبده ووكله آخر في شرائه. والثانى: يصح، لانه لا يتهم في اقامة الحجة لكل واحد منهما مع حضور الحاكم فان وكل عبد الرجل ليشترى له نفسه أو عبدا غيره من مولاه، ففيه وجهان. (احدهما) يجوز، لانه لما جاز توكيله في الشراء من غير مولاه جاز توكيله في الشراء من مولاه (والثانى) لا يجوز، لان يد العبد كيد المولى، ولهذا يحكم له بما في يد العبد كما يحكم له بما في يده. ثم لو وكل المولى في الشراء من نفسه لم يجز فكذلك إذا وكل العبد.

(الشرح) الاحكام: إذا وكله في بيعها لا يجوز له أن يبيعها من نفسه، فان أذن له كان بيعا، فان وقع حين التسليم وعقد الوكالة كان بيعا ولا عبرة بالوكالة ولان العرف في البيع وأيضا أحكام الشريعة في البيع تقوم على الايجاب، والايجاب هو أن يوجب لغيره، ولان اذن البيع يقتضى من الوكيل أن يبيع بما هو الاحظ في الثمن من حيث استقصاء الثمن بغير محاباة، فلو باع من نفسه فانه ربما تغاضى عن مراعاة هذا الاعتبار بمحاباة نفسه، ولم يدخل في الاذن. ودليلنا أن كل ما عقده الوكيل للموكل اقتضى وقوع الملك بالعقد للموكل كالنكاح، ولان كل من ناب في العقد عن غيره وقع الملك به للمعقود له دون عاقده قياسا على ولى اليتيم وأب الطفل، ولانه لما كان الوكيل في البيع لا يملك الثمن ويكون الثمن بالعقد ملكا للموكل وجب أن يكون الوكيل في الشراء لا يملك الثمن ويكون الملك بالعقد واقعا للموكل وأما الجواب عن استدلالهم بالشفعة فمنتقض بولي اليتيم وأب الطفل، ثم المعنى في الشفيع أنه يملك المبيع بالشفعة دون العقد. وأما الجواب عن استدلالهم بالثمن فسيذكر من شرح المذهب فيه ما يكون انفصالا عنه. وأما الجواب عن استدلالهم بأن تمام العقد لمتعاقدين فكذا موجبه من الملك يكون واقعا بالمتعاقدين فهو أنه منتقض بالحاكم وولى اليتيم وأب الطفل وبعقد النكاح، وليس لهم استدلال في المسألة يسلم من الكسر. (فرع) قال في الحاوى: قال المزني: أعلم للوكيل والوصى أن يشترى من نفسه. اعلم أن النيابة في البيع والشراء قد يكون من أربعة أوجه، أحدها من جهة النسب، وهى الاب والجد على ابنه الطفل، والثانى من جهة الحكم، وهى للحاكم أو أمينه على المولى عليه لصغر أو سفه. والثالث من جهة الوصية، وهى وصاية الاب والجد وغيرهما على الطفل ممن تصح وصايته. والرابع من جهة الوكالة، وهو الوكيل الرشيد، فاختلف الفقهاء هل لهم ولاية أن يبيعوا على أنفسهم مالهم بيعه، ويشتروا من أنفسهم ما لهم شراؤه؟ على أربعة مذاهب (أحدها) وهو مذهب مالك والاوزاعي أنه يجوز لجميعهم أن يبيعوا على أنفسهم ويشتروا من أنفسهم.

والمذهب الثاني، وهو قول زفر بن الهذيل: أنه لا يجوز لجميعهم أن يبيعوا على أنفسهم ولا أن يشتروا من أنفسهم والمذهب الثالث، وهو قول أبى حنيفة: أنه يجوز ذلك لجميعهم إلا الوكيل وحده. والمذهب الرابع، وهو مذهب الشافعي: أنه لا يجوز ذلك لجميعهم إلا الاب وحده والجد مثله واستدل من ذهب إلى جوازه لجميعهم بأن المقصود في البيع حصول الثمن وفى الشراء حصول المشترى. ولذلك لم يلزم ذكر من له البيع والشراء بخلاف النكاح، فلم يقع الفرق بين حصول الثمن من النائب وغيره لحصول المقصود في الحالين، وقياسا على الاب أن كل من جاز له بيعه على نفسه كالاب واستدل من منع جوازه لجميعهم بأن الانسان مجبول على تغليب حظ نفسه على حظ غيره، والنائب مندوب إلى طلب الحظ المستبين فإن باع نفسه انصرف بجبلة الطبع إلى حظ نفسه، فصار المقصود بالنيابة معدوما فلم يجز، وقياسا على الوكيل لانه نائب في العقد عن غيره فلم يجز أن يعقد مع نفسه واستدل من منع منه للوكيل وحده، وأجاز لمن سواه بأن نيابة الوكيل غير جائز الامر فكان مأذونا له من غير ولاية فصار أنقص حالا من ذى الولاية. فجاز للولى مبايعة نفسه لقوة سببه كالاب، ولم يجز لغير ذى الولاية كالوكيل مبايعة نفسه لضعف سببه كالأجنبي ودليلنا أن غير الاب لا يجوز له مبايعة نفسه، ما روى أن رجلا أوصى إلى رجل بوصية فأراد الوصي بيع فرس من التركة على نفسه، فسأل عبد الله بن مسعود عن جوازه فقال لا. وليس نعرف له مخالفا في الصحابة ولا جبلة الطبع تصرفه عن حظ غيره إلى حظ نفسه، ولان كل من كانت ولايته لغيره لم يكن له مبايعة نفسه كالوكيل ودليلنا على أن الاب يجوز له مبايعة نفسه هو أن الاب مجبول بحيوية الابوة وشدة الميل والمحبة على طلب الحظ لولده والايثار على نفسه والاستكثار لولده ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد مجبنة مبخلة مجهلة، فانتفت التهمة عنه في مبايعة نفسه. وهذا المعنى مفقود فيمن عداه، فصار هذا الحكم لاختصاصه

بمعناه مقصورا عليه منتفيا عما سواه. وهذا دليل وانفصال، فلو وكل الابن البالغ أباه في بيع سلعة، فاختلف أصحابنا هل يجوز له بيعها على نفسه أم لا؟ على وجهين: (أحدهما) يجوز كما لو كان في حجره تغليبا لحكم الابوة (والثانى) لا يجوز، لان ارتفاع الحجر يقتضى تغليب الوكالة. (فرع) فأما الوصي والوكيل إذا أراد بيعها لمتولاه بالوصية والوكالة، على ابن نفسه أو على أب نفسه ففيه لاصحابنا وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه يجوز لانه غير مبايع لنفسه (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أنه لا يجوز لانه مقهور في الميل إلى ولده كما كان مقهورا في الميل إلى نفسه. ولذلك لم يجز أن يشهد لولده، كما لا يصح منه الشهادة لنفسه فلم يجز مبايعة ولده بمال غيره، كما لم يجز مبايعة نفسه أو يشترى من نفسه، فمذهب الشافعي رضى الله عنه أنه غير جائز لما فيه تنافى المقصود والغرض من الوكالة قال الماوردى: لان عقد الوكالة قد أوجب عليه الاستقصاء لموكله، وإذا كان هو المشترى انصرف منه إلى الاستقصاء لنفسه. وقال ابن سريج: يجوز ذلك كما يجوز أن يجعل إلى زوجته الطلاق لنفسها أو إلى أمته عتقها قال الماوردى: وهذا خطأ لما ذكرنا في الفرق بين البيع والطلاق والعتق من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في البيع ثمنا يختلف بالزيادة والنقصان، فصار بالميل إلى نفسه متهما فيه، وليس في الطلاق والعتق لمن تصير بالميل إلى نفسها متهمة فيه (والثانى) أن العتق والطلاق أوسع لوقوعهما بالصفات، والبيع أضيق حكما منهما. (والثالث) أنه ليس في الطلاق والعتق قبول معتبر. وفى البيع قبول معتبر فلم يجز أن يكون الباذل قابلا. فأما إذا وكله رجل في بيع سيارته ووكله آخر في شراء السيارة الموكل في بيعها لم يجز لتنافى المقصود في العقدين، وكان له أن يقيم على إحدى الوكالتين، فإن أراد أن يقيم على أسبقهما في بيع أو شراء جاز، وإن أراد أن يقيم على الثانية فيهما بيعا كان أو شراء احتمل وجهين، لان ثبوت الاولة يمنع من جواز الثانيه

والوجه الثاني: يجوز، لان الوكالة لا تلزم، فلم يكن للمتقدمة منهما تأثير، وتبطل بقبول الثانية. ومثل ذلك يقال في التوكل في الخصومة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وكل في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشترى معيبا لان إطلاق البيع يقتضى السلامة من العيب، ولهذا لو اشترى عينا فوجد بها عيبا ثبت له الرد، فإن اشترى معيبا نظرت، فإن اشتراه وهو يعلم أنه معيب لم يصح الشراء للموكل، لانه اشترى له ما لم يأذن فيه، فلم يصح له، وإن اشتراه وهو لا يعلم أنه معيب ثم علم لم يخل إما أن يرضى به أو لا يرضى، فإن لم يرض به نظرت، فان علم الموكل ورضى به لم يجز للوكيل رده، لان الرد لحقه وقد رضى به فسقط. وإن لم يعلم الموكل ثبت للوكيل الرد، لانه ظلامة حصلت بعقده فجاز له رفعها كما لو اشترى لنفسه فإن قال له البائع: أخر الرد حتى تشاور الموكل، فإن لم يرض قبلته لم يلزمه التأخير، لانه حق تعجل له فلم يلزمه تأخيره، وإن قبل منه وأخره بهذا الشرط فهل يسقط حقه من الرد، فيه وجهان: (أحدهما) يسقط لانه ترك الرد مع القدرة (والثانى) لا يسقط لانه لم يرض بالعيب، فان ادعى البائع أن الموكل علم بالعيب ورضى به فالقول قول الوكيل مع يمينه، لان الاصل عدم الرضا، فان رضى الوكيل بالعيب سقط خياره، فان حضر الموكل ورضى بالعيب استقر العقد وإن اختار الرد نظرت فان كان قد سماه الوكيل في الابتياع أو نواه وصدقه البائع جاز أن يرده، لان الشراء له وهو لم يرض بالعيب، وإنما رضى وكيله فلا يسقط حقه من الرد، وإن لم يسمه الوكيل في الابتياع ولا صدقه البائع أنه نواه فالمنصوص أن السلعة تلزم الوكيل، لانه ابتاع في الذمة للموكل ما لم يأذن فيه له ومن أصحابنا من قال يلزم الموكل، لان العقد وقع له وقد تعذر الرد بتفريط الوكيل في ترك الرد، ويرجع الموكل على الوكيل بنقصان العيب، لان الوكيل صار كالمستهلك له بتفريطه

وفى الذى يرجع به وجهان (أحدهما) وهو قول أبى يحيى البلخى: أنه يرجع بما نقص من قيمته معيبا عن الثمن، فإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة مائة لم يرجع بشئ، وإن كان الثمن مائة وقيمة السلعة تسعين رجع بعشرة، كما نقول في شاهدين شهدا على رجل أنه باع سلعة بمائة، فأخذت منه ووزن له المشترى الثمن، ثم رجع الشهود عن الشهادة فإن الحكم لا ينقض ويرجع البائع على الشهود بما نقص من القيمة عن الثمن، فان كان الثمن والقيمة سواء لم يرجع عليهم بشئ، وإن كانت القيمة مائة والثمن تسعون رجع بعشرة (والثانى) أنه يرجع بأرش العيب، وهو الصحيح، لانه عيب فات الرد به من غير رضاه فوجب الرجوع بالارش. وإن وكل في شراء سلعة بعينها فاشتراها ووجد بها عيبا فهل له أن يرد من غير إذن الموكل؟ فيه وجهان (أحدهما) له أن يرد، لان البيع يقتضى السلامة من العيب ولم يسلم من العيب فثبت له الرد كما لو وكل في شراء سلعة موصوفة فوجد بها عيبا فعلى هذا يكون حكمه في الرد على ما ذكرناه في السلعة الموصوفة (والثانى) لا يرد من غير إذن الموكل لانه قطع نظره واجتهاده بالتعيين. (الشرح) قال المزني رحمه الله تعالى: ولو وكله بشراء سلعة فأصاب بها عيبا كان له الرد بالعيب. وليس عليه أن يحلف: ما رضى به الآمر، فهذا قول الشافعي ومعناه. اه قال الماوردى في الحاوى: أعلم أن للموكل إذا أمر وكيله بشراء شئ فعلى حالين (أحدهما) أن يعينه (والثانى) أن يصفه ولا يعينه، فإن وصفه ولم يعينه لزمه أن يشتريه سليما من العيوب لان إطلاق الصفه يقتضيه، ويجوز للعامل في القراض أن يشترى السليم والمعيب، والفرق بينهما أن يشترى الوكيل للقنيه، وليس في المعيب صلاح للمقتنى، وشراء العامل في القراض طلبا للربح، وقد يوجد الربح في المعيب كوجوده في السليم فإن اشترى الوكيل شيئا على الصفة وكان معيبا فعلى ضربين (أحدهما) أن

يشتريه عالما بعيبه فالشراء غير لازم للموكل لاقدامه على ابتياع ما لم يقتضه الاذن وهو لازم للوكيل على ما تقدم من اعتبار صفة الاذن والضرب الثاني: أن يشتريه غير عالم بعيبه فللوكيل إذا علم بعيبه أن يبادر إلى رده ولا يلزمه استئذان موكله، لان رد المعيب من حقوق عقده. فلو قال له البائع: قد أمهلتك في رده فطالع موكلك بعيبه لم يلزمه المطالعه وكان له تعجيل الرد لما ذكرنا، فإن رده ثم جاء الموكل راضيا بعيبه لم يكن لرضاه بعد ذلك تأثير لفسخ البيع بالرد قبل الرضى ولو رضى بعيب قبل رد الوكيل لزم البيع ولم يكن للوكيل الرد، ولو رضى رب المال في القراض بعيب المشترى كان للعامل أن يرده بخلاف الوكيل والفرق بينهما أن للعامل في القراض شرك في الربح. وليس للوكيل فيه شرك فإن ادعى البائع على الوكيل حين أراد الرد أن موكله راض بالعيب فلا يمين له على الوكيل، فان ادعى عليه أنه قد علم برضى موكله بالعيب وكان عليه أن يحلف أنه ما علم برضى موكله بالعيب، وله الرد واسترجاع الثمن. ثم للبائع إذا أراد الثمن على الوكيل وظفر بالموكل أن يحلفه بالله أيضا ما رضى بعيب المشترى الذى ابتاعه موكله قبل رده، فان نكل عن اليمين حلف البائع وحكم له بلزوم البيع واستحقاق الثمن، وهذا حكم الوكيل إذا رد بالعيب والله اعلم فأما إن رضى الوكيل بالعيب نظر في الموكل، فان رضى بالعيب كان الشراء لازما له، وإن لم يرض بالعيب نظر في عقد البائع فان كان قد سمى موكله فيه فله الرد، لان مالك المشترى لا يلتزم عيبا لم يرض به، وإن لم يسم الموكل في عقده نظر في البائع، فان صدق المبيع أن عقد الشراء لموكله كان له الرد، وإن لم يصدقه حلف له، ولا رد للوكيل على البائع لما تقدم من رضاه وفى كيفية رجوع الموكل به وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى يحيى البلخى: أنه يرجع عليه بقدر النقص من ثمنه فأما إن كان يساوى معيبا بمثل ما اشتراه فلا شئ له على الوكيل لعدم النقص في الثمن استشهادا بأن من ادعى بيع سيارته بمائة على رجل وأنكر، وأقام المدعى بينة بالبيع فحكم له بالثمن ثم رجع الشهود، فان كان ثمن السيارة مائة

فلا غرم على الشهود، وإن كان ثمنها أقل من مائة غرم الشهود برجوعهم قدر النقص من ثمنها. والوجه الثاني، وهو قول جمهور أصحابنا: أنه يرجع على الوكيل بأرش العيب سواء كان يساوى قدر ثمنه معيبا أم لا، لان العيب إذا فات معه الرد كان مقدرا بالارش، وإن لم يكن معتبرا بنقص الثمن، وليس كالذى استشهد به من رجوع الشهود، لان غارم الثمن بشهادتهم إنما يستحق الرجوع بما غرم، فإذا وصل إليه من الثمن لم يبق له حق بغرمه، فهذا حكم التوكيل في شراء سيارة موصوفة، فأما إذا كانت السيارة معيبة فهل للوكيل عند ظهور العيب أن يردها قبل استئذان موكله أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ جمهور أصحابنا لا رد له إلا بعد استئذان موكله فيها، لانه بالتعيين فيها قد قطع اجتهاده فيها، ولعله قد أمره بشرائها مع علمه بعيبها. والوجه الثاني وهو قول أبى حامد الاسفرايينى: له الرد من غير استئذان، لان الرد من حقوق عقده، ولانها لا تكون مأخوذة به إن لم يرض الموكل بعيبها هذا والله الموفق للصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وكل في بيع عبد أو شراء عبد لم يجز أن يعقد على بعضه، لان العرف في بيع العبد وشرائه أن يعقد على جميعه، فحمل الوكالة عليه، ولان في تبعيضه إضرارا بالموكل فلم يملك من غير إذن، وإن وكل في شراء أعبد أو بيع أعبد جاز أن يعقد على واحد واحد، لان العرف في العبيد أن تباع وتشترى واحدا واحدا، ولانه لا ضرر في إفراد بعضهم عن بعض، وإن وكله أن يشترى له عشرة اعبد صفقة واحدة فابتاع عشرة أعبد من اثنين صفقة واحدة، ففيه وجهان، قال أبو العباس: يلزم الموكل، لانه اشتراهم صفقة واحدة، ومن أصحابنا من قال: لا يلزم الموكل، لان عقد الواحد مع الاثنين عقدان (فصل) ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد من غير إذن،

ولا للوكيل في الشراء أن يشترى بغير نقد البلد من غير إذن، لان إطلاق البيع يقتضى نقد البلد، ولهذا لو قال: بعتك بعشرة دراهم حمل على نقد البلد، وإن كان في البلد نقدان باع بالغالب منهما، لان نقد البلد هو الغالب، فإن استويا في المعاملة باع بما هو أنفع للموكل، لانه مأمور بالنصح له، ومن النصح أن يبيع بالانفع، فان استويا باع بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا على الآخر فخير بينهما وإن أذن له في العقد بنقد لم يجز أن يعقد بنقد آخر، لان الاذن في جنس ليس بإذن في جنس آخر، ولهذا لو أذن له في شراء عبد لم يجز أن يشترى جارية، ولو أذن له في شراء حمار لم يجز أن يشترى فرسا. (الشرح) الاحكام: إذا وكله في بيع الشئ جميعه لانه لا يتجزأ، أو يتجزأ ولكن الاذن منعقد على أن يباع صفقة واحدة، فلبس له أن يبيع بعضه، فان قال له: بع هذه السيارة بمائة، فباع نصفها بسبعين، فان هذا البيع لا يلزم الموكل، لانه لا يأمن أن يبيع الباقي بثلاثين فإن قال له: بع هذه السيارة بمائة، فباع نصفها بمائة جاز، لانه زاد خيرا وأتى بالغرض للموكل من الحصول على المائه، وزيادة ملكيته لنصف السيارة، وليس عليه ضير من هذه التجزئة. وكذلك توكيله في بيع شيئين بمائه فباع أحدهما بمائه. وبهذا قال أحمد والشافعي ومحمد وأبو يوسف وقال أبو حنيفة: يجوز أن يبيع بعض الموكل فيه بأى ثمن إذا كان التوكيل مطلقا بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء. أما الشراء فإذا وكله في شراء طن من الورق فاشتراه رزمه رزمه، فإذا كان ثمنه ثمن الطن مرة واحدة جاز إذا لم يختلف بعضها عن بعض نوعا أو وزنا أو لونا أو ملمسا، وعند أحمد لا يصح لعدم الاذن والذى يدور عليه مفهوم الوكالة هو اذن الموكل أولا، وتوخى الانفع أو الاحظ له ثانيا، ومراعاة أن يكون النقد الذى يبيع به نقدا محليا، حتى لا يشق على الموكل الانتفاع به أو الحصول على نقد معتبر متداول معروف، فقد تتفق بعض النقود في الاسماء ولكنما تختلف من حيث القيمة وجهة الاصدار،

والمعتبر هو نقد بلد البيع وليس بلد التوكيل، فقد تعقد الوكالة في بلد والمراد بيعه في بلد آخر فيكون البيع بنقد البلد الذى جرى فيه البيع، وذلك لمعرفة أهل البلد بنقدهم، وتقويمهم المبيع بنقدهم يمنع وقوعهم في الغرر. قال الماوردى: لما لم يصح من الوكيل أن يشترى بغير نقد البلد لم يصح من الوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد، وتحريره أنه عقد معاوضه بوكاله مطلقه فوجب أن لا يصح بغير نقد البلد قياسا على الشراء، أو لان كل جنس لا يجوز للوكيل أن يبتاع به لم يجز للوكيل أن يبيع به قياسا على البيع بغير جنس الاثمان وبالمحرمات، فعلى هذا لو كان غالب نقد البلد ذهبا لم يبعه بالفضة، ولو كان كلا النقدين سواء وليس أحدهما غالبا لزم الوكيل ببيعها بأحظها للموكل، فان استويا كان حينئذ مخيرا في بيعه بأيهما شاء، فان باعه بكلا النقدين فان كان في عقدين صحا جميعا إذا كان مما يجوز تفريق الصفقه في بيعه، وإن كان في عقد واحد فعلى وجهين أحدهما: يجوز الجمع بين النقدين كما جاز إفراد كل واحد من النقدين. والثانى: لا يجوز، لان غالب البياعات يتناول جنسا واحدا من الاثمان فلم يجز أن يعدل إلى غالبها، وبالله التوفيق قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان دفع إليه ألفا وقال اشتر بعينها عبدا، فاشترى في ذمته لم يصح الشراء للموكل لانه لم يرض بالتزام غير الالف، فإذا ابتاع بألف في الذمه فقد ألزمه في ذمته ألفا لم يرض بالتزامها فلم يلزمه. وان قال اشتر لى في الذمه وانقد الالف فيه، فابتاع بعينها ففيه وجهان، أحدهما أن البيع باطل، لانه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف الالف فعقد عقدا ينفسخ بتلف الالف، وذلك لم يأذن فيه ولم يرض به. والثانى أنه يصح لانه أمره بعقد يلزمه الثمن مع بقاء الالف ومع تلفها وقد عقد عقدا يلزمه الثمن مع بقائها ولا يلزمه مع تلفها فزاده بذلك خيرا، وان دفع إليه ألفا وقال اشتر عبدا ولم يقل بعينها، ففيه وجهان. أحدهما أن مقتضاه الشراء بعينها لانه لما دفع إليه الالف دل على أنه قصد الشراء بها، فعلى هذا إذا اشترى في ذمته لم يصح الشراء. والثانى أنه لا يقتضى الشراء بعينها لان الامر مطلق، فعلى هذا يجوز أن يشترى بعينها، ويجوز أن يشترى في الذمه وينقد الالف فيه.

(الشرح) الاحكام: إذا أذن له في الشراء بالنقد فاشترى بالنسيئة، فهذا على ضربين (أحدهما) أن يعين له الثمن الذى يشترى به، فالشراء غير لازم للموكل لانه إذا اشترى بغير العين كان مخالفا ولزم الوكيل، وإن اشترى بالعين إلى أجل كان باطلا، ولم يلزم الموكل ولا الوكيل، وبهذا قال أحمد. (والضرب الثاني) أن لا يعين له الذى يشترى به فهذا على ضربين (أحدهما) أن يشتريه نسئا بما يساوى ثمنه نقدا أو بأقل من ثمن النساء، فمذهب الشافعي وأحمد رضى الله عنهما أن الشراء لازم للموكل، لانه قد حصل له غرضه في استصلاح مع تعجيل الثمن، ومن أصحابنا من قال: الشراء غير لازم للموكل لمخالفته، وبقاء الثمن في ذمته، وهو قول من زعم أن الوكيل في بيع النساء لا يجوز بيعه نقدا. (والثانى) أن يشتريه بما يساوى نسئا وبأكثر مما يساوى نقدا، فالشراء غير لازم للموكل لما فيه من التزام فعل النساء والشراء لازم للوكيل إن لم يذكر اسم موكله، وإن ذكره فعلى وجهين. أحدهما باطل، والثانى لازم للوكيل. أما إذا أذن له في الشراء بالنسيئة فاشترى بالنقد فالشراء غير لازم للموكل لا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابه سواء اشتراه بما يساوى نقدا أو نسئا لما فيه من التزامه التعجيل بما لم يأذن به. وهكذا لو أذن له أن يشتريه إلى أجل فاشتراه إلى أجل هو أقرب لم يلزم الموكل ولو اشتراه إلى أجل هو أبعد كان حكمه للوكيل حكمه في النقد إذا اشترى بالنساء فيكون لازما للموكل. قال الماوردى: وهذا على مذهب الشافعي رضى الله عنه وعلى مذهب بعض أصحابه غير لازم. (فرع) إذا دفع الموكل إلى وكيله ليشترى له به سيارة فهذا على ثلاثة أقسام أحدها: أن يأمره أن يشترى بعين المال سيارة فوجب على الوكيل أن يشترى بعين مال موكله، فان اشتراه في ذمته لم يلزم الموكل، وكان الشراء لازما للوكيل. وقال أبو حنيفة: الوكيل بالخيار بين أن يشترى الشئ بعين المال وبين أن

يشتريه في ذمته، وهو في كلا الحالين لازم للموكل، وبنى ذلك على أصله: أن الدراهم والدنانير لا يتعينان عنده. قال الماوردى: وهذا خطأ لتعين الدراهم والدنانير عندنا في العقود كما يتعين في الغصوب، وقد دللنا على ذلك في كتاب البيوع، ولان يد الوكيل كيد المودع، ومال الوديعة متعين وكذا ما بيد الوكيل متعين، وإذا تعين ما بيده لموكله حتى لا يجوز أن يرد عليه غير ماله، وجب أن يكون الشراء محمولا على موجب اذنه. والقسم الثاني: أن يأمره أن يشترى في ذمته وينقد المال في ثمنه، فان اشتراه في الذمة صح وكان لازما للموكل، وان اشتراه بعين المال ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبى على الطبري ذكره في افصاحه أن الشراء جائز، وهو للموكل لازم لان العقد على المعين أحوط. والوجه الثاني وهو اختيار أبى حامد الاسفرايينى: أن الشراء باطل لا يلزم الوكيل لانه غير مالك للعين، فلا يلزم الموكل، لان الموكل قد فوت عليه بالمخالفة غرضا، لان العقد في الذمة لا يبطل بتلف الثمن، والعقد على العين يبطل بتلف الثمن. فصار فعل الوكيل مخالفا لامر الموكل، فلو امتثل الوكيل أمر موكله أو اشترى السيارة بثمن في ذمته ثم نقد الثمن من عنده، برئ الوكيل والموكل منه، ولم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل لان أمره بنقد هذا المال في الثمن يتضمن نهيا عن نقده من غيره. والقسم الثالث: أن يطلق الاذن في الشراء عند دفع المال فيقول: خذ هذا المال فاشتر لى به سيارة فقد اختلف أصحابنا هل يكون اطلاقه مقتضيا للتعيين أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أبى على الطبري: أنه يقتضيه لان تقديم الثمن على السيارة شاهد فيه، فعلى هذا ان اشترى في ذمته كان الشراء لازما للوكيل دون الموكل، والوجه الثاني - وهو قول بعض البصريين: انه لا يقتضى التعيين، لان الاطلاق على العموم، فعلى هذا يكون الوكيل مخيرا بين العقد على العين أو في الذمة، ومذهب أحمد في هذا كله كنحو مذهبنا.

فإذا تقرر ما أوضحنا فصورة مسألة الكتاب في رجل دفع إلى رجل مالا ليشترى له به طعاما فتسلف المال قرضا ثم اشترى له بمثله من ماله طعاما فالشراء غير لازم للموكل سواء كان الموكل قد أذن في الشراء بعين المال أو في الذمة. وقال أبو حنيفة: الشراء لازم للموكل سواء كان الاذن بالعين أو في الذمة وهذا خطأ لان الوكالة بتلف المال أو استهلاكه باطلة لانعقاد بقائه، فإذا بطلت الوكالة وانعزل الوكيل فعقده لازم لنفسه دون موكله، فلو أن الوكيل لم يستهلك ولكن تعدى فيه تعديا صار له ضامنا فقد اختلف أصحابنا هل ينعزل بتعديه عن الوكالة أم لا، على وجهين: (أحدهما) ينعزل عن الوكالة بالتعدي لانه مؤتمن كالمودع الذى ينعزل بالتعدي عن الوديعة، فعلى هذا يكون الشراء لازما للوكيل دون موكله. (والوجه الثاني) وهو قول أبى على الطبري أنه على الوكالة لا ينعزل عنها بالتعدي مع بقاء الملك كالمرتهن لا يبطل الرهن بتعديه، وإن كان مؤتمنا فعلى هذا يكون الشراء لازما للموكل وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى . (فصل) فإن وكله في الشراء ولم يدفع إليه الثمن فاشتراه، ففى الثمن ثلاثة أوجه (أحدها) أنه على الموكل والوكيل ضامن، لان المبيع للموكل فكان الثمن عليه، والوكيل تولى العقد والتزم الثمن فضمنه، فعلى هذا يجوز للبائع أن يطالب الوكيل والموكل، لان أحدهما ضامن والآخر مضمون عنه، فان وزن الوكيل الثمن رجع على الموكل، وإن وزن الموكل لم يرجع على الوكيل. (والثانى) أن الثمن على الوكيل دون الموكل، لان الذى التزم هو الوكيل فكان الثمن عليه، فعلى هذا يجوز للبائع مطالبة الوكيل، لان الثمن عليه، ولا يجوز له مطالبة الموكل لانه لا شئ عليه، فان وزن الوكيل رجع على الموكل لانه التزم باذنه، وإن لم يزن لم يرجع كما نقول فيمن أحال بدين عليه على رجل لا دين له عليه: إنه إذا وزن رجع، وإذا لم يزن لم يرجع، وإن أبرأ البائع الوكيل سقط الثمن وحصلت السلعة للموكل من غير ثمن.

(والثالث) أن الثمن على الوكيل، وللوكيل في ذمة الموكل مثل الثمن، فيجوز للبائع مطالبة الوكيل دون الموكل، وللوكيل مطالبة الموكل بالثمن وإن لم يطالبه البائع. (الشرح) الاحكام: قال الماوردى في الحاوى: فإذا ثبت أن الملك يكون واقعا بالعقد للموكل دون الوكيل فللوكيل حالتان: (إحداهما) أن يذكر اسم موكله في العقد فيقول: قد اشتريت هذا الشئ لفلان بأمره، فيكون الثمن واجبا على الموكل، وهل يكون الوكيل ضامنا أم لا على وجهين، حكاهما ابن سريج (أحدهما) عليه ضمانه لانه عاقد (والثانى) لا يلزمه ضمانه لانه غير مالك. (والحال الثانية) أن لا يذكر الوكيل اسم موكله في العقد، ولكن ينوى قبله أن الشراء لموكله، فعلى الوكيل ضمان الثمن بالعقد. وهل يصير الثمن واجبا على الموكل بالعقد؟ أم لا؟ على وجهين حكاهما ابن سريج. أحدهما: أنه يكون الثمن واجبا عليه بالعقد لوقوع الملك له بالعقد، فعلى هذا يكون البائع بالخيار بين مطالبة الوكيل به أو الموكل، فإذا أخذه من أحدهما برئا معا. والوجه الثاني: أن الثمن غير واجب على الموكل بالعقد، وإنما يلزم الوكيل وحده لتفرده بالعقد، فعلى هذا يطالب الوكيل وحده بالثمن دون الموكل. وهل يستحق الوكيل الثمن على الموكل قبل أدائه عنه أم لا؟ على وجهين حكاهما ابن سريج. أحدهما: أنه لا يستحقه عليه إلا بعد أدائه عنه، فإن أداه الوكيل عنه رجع به عليه حينئذ، وإن أبرأه البائع منه لم يرجع به على الموكل، فصار الموكل مالكا للمبيع بغير بدل. والوجه الثاني: أن الوكيل قد استحق الثمن على الموكل بما وجب على الوكيل من ضمانه بالعقد وله مطالبة الموكل به قبل أدائه، وإن أبرأ الوكيل منه رجع به على الموكل، ولو دفع بالثمن عرضا رجع على الموكل بالثمن دون قيمة العرض وعلى الوجه الاول إذا دفع الوكيل بالثمن عرضا رجع على الموكل بأقل الامرين

من الثمن أو قيمة العرض، فلو أراد الوكيل أن يمنع الموكل من المبيع إلا بعد قبض ثمنه لم يكن له ذلك على الوجهين معا، لان البائع لم يبعه منه. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بثمن مؤجل من غير إذن، لان الاصل في البيع النقد، وإنما يدخل التأجيل لكساد أو فساد، فإذا أطلق حمل على الاصل، فإن أذن له في بيع مؤجل وقدر الاجل لم يبع إلى أجل أكثر منه، لانه لم يرض بما زاد على المقدر، فبقى على الاصل في المنع، إن أطلق الاجل ففيه وجهان. أحدهما: لا يصح التوكيل، لان الآجال تختلف فيكثر الغرر فيه فلم يصح، والثانى: يصح ويحمل على العرف في مثله، لان مطلق الوكالة يحمل على المتعارف وإن لم يكن فيه عرف باع بأنفع ما يقدر عليه، لانه مأمور بالنصح لموكله، ومن أصحابنا من قال: يجوز القليل والكثير لان اللفظ مطلق، ومنهم من قال: يجوز إلى سنة، لان الديون المؤجلة في الشرع مقدرة بالسنة، وهى الدية والجزية، والصحيح هو الاول. وقول القائل الثاني: إن اللفظ مطلق لا يصح، لان العرف يخصه، ونصح الموكل يخصه وقول القائل الثالث: لا يصح لان الدية والجزية وجبت بالشرع فحمل على تأجيل الشرع، وهذا وجب باذن الموكل فحمل على المتعارف، وان أذن له في البيع إلى أجل فباع بالنقد نظرت، فان باع بدون ما يساوى نسيئة لم يصح لان الاذن في البيع نسيئة يقتضى البيع بما يساوى نسيئة فإذا باع بما دونه لم يصح، وان باع نقدا بما يساوى نسيئة، فان كان في وقت لا يأمن أن ينهب أو يسرق لم يصح، لانه ضرر لم يرض به فلم يلزمه، وان كان في وقت مأمون، ففيه وجهان. أحدهما: لا يصح، لانه قد يكون له غرض في كون الثمن في ذمة ملى ففوت عليه ذلك فلم يصح. والثانى: يصح، لانه زاده بالتعجيل خيرا، وان وكله أن يشترى عبدا بألف فاشتراه بألف مؤجل ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الشراء

للموكل لانه قصد أن لا يكون عليه دين وأن لا يشترى إلا بما معه (والثانى) أنه يصح لانه حصل له العبد وزاده بالتأجيل خيرا. (فصل) ولا يجوز للوكيل في البيع أن يشترط الخيار للمشترى ولا للوكيل في الشراء أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ لانه شرط لا حظ فيه للموكل، فلا يجوز من غير إذن كالاجل، وهل يجوز أن يشترط لنفسه أو للموكل، فيه وجهان. (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي البيع من غير شرط (والثانى) يجوز لانه احتاط للموكل بشرط الخيار. (الشرح) الاحكام: ان بيعه بالثمن المؤجل من غير اذن موكله لا يجوز، ودليلنا أن الاجل في البيوع يدخل تارة في المثمن فيكون سلما، وتارة في الثمن فيكون دينا، فلما لم يجز للوكيل أن يدخل الاجل في الثمن فيجعله دينا، وتحريره أنه تأجيل أحد العوضين فوجب أن لا يصح من الوكيل مع اطلاق الاذن قياسا على تأجيل المثمن، ولان الاجل لما لم يلزم المالك في عقده، ولا شرط صريح لم يلزم الموكل الا بإذن صريح، لان اطلاق كل واحد من العقدين معتبر بالآخر وسواء طال الاجل أو قصر. فأما الجواب عن الاستدلال بأن اطلاق الاذن يقتضى العموم فهو أنه خطأ في القول، بل الاطلاق في الاذن يقتضى العرف بدليل أن اطلاق الاذن بالشراء لا يقتضى عموم الاشرية كذلك اطلاق الاذن بالبيع لا يقتضى عموم البيوع. وأما قياسه على نقد البلد فالمعنى فيه أن المعهود يقتضيه، وأما قياسه في الاجل على خيار الثلاث فلاصحابنا في جوازه للوكيل وجهان سيأتي بيانهما، والقياس منتقض بالاجل في المثمن، ثم المعنى في خيار الثلاث أنه لما ملكه الوكيل في الشراء ملكه في البيع، ولاصحابنا في جوازه للوكيل وجهان. أحدهما: لا يصح من الوكيل، فعلى هذا سقط الدليل. والثانى: يصح منه والقياس عليه منتقض بالاجل في المثمن، فهذا حكم العقد مع اطلاق اذن الموكل، وما يلزم من الشروط في عقد التوكيل.

وأما حالة التقييد مثل أن يكون إذن الموكل في البيع مقيدا بشرط، فإن كان الشرط مبطلا للعقد كالاجل المجهول، وهو كما يقول المصنف باطل على أحد الوجهين، لان الآجال تختلف فيكثر فيها الغرر، وكالخيار أكثر من ثلاث إلى ما جرى هذا المجرى الذى يبطل معه العقد على وجه من الوجوه، فقد صار الموكل بها آذنا لوكيله بالبيع الفاسد، فإن باع الوكيل ذلك على الشرط الذى أذن فيه الموكل كان فاسدا، وإن رضى المالك بفساده، فإذا أذن له في الاجل وأطلق الاجل فإن الصحيح بطلانه كما قلنا. والثانى وهو وجه عند أصحابنا وبه قال أبو حنيفة: يصح. ويحمل على العرف في مثله، لان المطلق يحمل على المقيد نصا أو عرفا، فإن لم يكن ثم عرف اجتهد في البيع بأحظ وأنفع ما يقدر عليه لموكله، لانه مؤتمن له ومن خصاله النصح له ومن أصحابنا من أجاز بيعه على أي نحو ولو لم يتحر الانفع لموكله ومنهم من قيد الاطلاق الاجل بسنة قمرية، لان الله تعالى جعل عدة الشهور إثنى عشر شهرا، ولان الجزية والدية والزكوات لانها ديون شرعية في ذمة المكلفين بها مقدرة بالسنه، فإذا أطلق الموكل حملنا إطلاقه على القيد الشرعي في الديون الشرعية، والقول الاول هو الذى جعله الماوردى في الحاوى قولا واحدا للمذهب ولم يحك غيره، أما المصنف رحمه الله فقد ساق الاقوال كلها ثم رجح الاول. ثم هو إذا خشى تلف المال أو سطو غاصب عليه أو كساده مما يلحق الضرر بموكله جاز له أن يبيع ولو لم يأذن له الموكل إذا لم يجد مشتريا نقدا فإذا قدر الموكل له الاجل لم يصح أن يؤجل أكثر منه (فرع) إذا باع نقدا ما هو مأذون فيه بأجل نظرت فان تساوى ثمن المبيع نقدا مع ما قدره الموكل للثمن نسئا، فعلى وجهين (أحدهما) يصح لانه زاد خيرا بتعجيل الثمن. (والثانى) لا يصح لانه قد يكون له غرض في جعل الثمن في ذمة ملئ كأنه وديعة في صورة دين ففوت عليه هذا القصد فلم يصح

(فرع) لا يجوز أن يشترط الوكيل الخيار للمشترى ولا لوكيله، كما لا يجوز له أن يقبل شرط الخيار من غير اذن موكله في البيع أو في الشراء، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لموكله؟ وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه قيد المطلق بشرط ليس مأذونا فيه. والوجه الثاني: إذا رأى أن هذا الشرط أنفع لموكله للاحتياط ولضمان مصلحته فانه يصح وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فصل) ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع بدون ثمن المثل بما لا يتغابن به من غير إذن، ولا للوكيل في الشراء أن يشترى بأكثر من ثمن المثل بمالا يتغابن الناس به من غير إذن، لانه منهى عن الاضرار بالموكل مأمور بالنصح له وفى النقصان عن ثمن المثل في البيع، والزيادة على ثمن المثل في الشراء اضرار، وترك النصح، ولان العرف في البيع ثمن المثل، فحمل إطلاق الاذن عليه، فان حضر من يطلب بالزيادة على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لانه مأمور بالنصح والنظر للموكل، ولا نصح ولا نظر للموكل في ترك الزيادة وإن باع بثمن المثل ثم حضر من يزيد في حال الخيار ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه فسخ البيع، لان المزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزمه الفسخ بالشك. (والثانى) يلزمه الفسخ وهو الصحيح، لان حال الخيار كحال العقد. ولو حضر في حال العقد من يزيد وجب البيع منه، فكذلك إذا حضر في حال الخيار وقول القائل الاول: إنه قد لا يثبت على الزيادة فيكون الفسخ بالشك، لا يصح لان الظاهر أنه يثبت فلا يكون الفسخ بالشك، وإن باع بنقصان يتغابن الناس بمثله، بأن باع ما يساوى عشرة بتسعة صح البيع. وإن اشترى بزيادة يتغابن الناس بمثلها بأن ابتاع ما يساوى عشرة بأحد عشرة صح الشراء ولزم الموكل، لان ما يتغابن الناس بمثله يعد ثمن المثل، ولانه لا يمكن الاحتراز منه فعفى عنه

وإن اشترى بزيادة لا تتغابن الناس بمثلها بأن ابتاع ما يساوى عشرة بإثنى عشر فان كان بعين مال الموكل بطل الشراء، لانه عقد على ماله عقدا لم يأذن فيه، وإن كان في الذمة لزم الوكيل لانه اشترى في الذمة بغير إذن فوقع الملك له. وإن باع بنقصان لا يتغابن الناس بمثله بأن باع ما يساوى عشرة بثمانية لم يصح البيع لانه بيع غير مأذون فيه، فإن كان المبيع باقيا رد، وإن كان تالفا وجب ضمانه وللموكل أن يضمن الوكيل لانه سلم ما لم يكن له تسليمه، وله أن يضمن المشترى لانه قبض ما لم يكن له قبضه، فان اختار تضمين المشترى ضمن جميع القيمة، وهو عشرة، لانه ضمن المبيع بالقبض فضمنه بكمال البدل، وإن اختار تضمين الوكيل ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه يضمنه جميع القيمة، لانه لزمه رد المبيع فضمن جميع بدله (والثانى) يضمنه تسعة لانه لو باعه بتسعة جاز، فلا يضمن ما زاد ويضمن المشترى تمام القيمة وهو درهم. (والثالث) يضمنه درهما لانه لم يفرط إلا بدرهم، فلا يضمن غيره ويضمن المشترى تمام القيمة وهو تسعة، وما يضمنه الوكيل يرجع به على المشترى، وما يضمنه المشترى لا يرجع به على الوكيل، لان المبيع تلف في يده فاستقر الضمان عليه. وإن قدر الثمن فقال: بع بألف درهم، لم يجز أن يبيع بما دونها، لان الاذن في الالف ليس بإذن فيما دونها، وإن باع بألفين نظرت، فان كان قد عين من يبيع منه لم يجز، لانه قصد تمليكه بألف فلا يجوز أن يفوت عليه غرضه، وإن لم يعين من يبيع منه جاز. لان الاذن في الالف إذن فيما زاد من جهة العرف. لان من رضى بألف رضى بألفين وإن قال بع بألف ولا تبع بما زاد لم يجز أن يبيع بما زاد، لانه صرح بالنهي فدل على غرض قصده فلم يجز مخالفته وإن قال بع بألف فباع بألف وثوب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح لانه حصل له الالف وزيادة، فصار كما لو باع بألفى درهم (والثانى) أنه لا يصح، لان الدراهم والثوب تتقسط على السلعة فيكون ما يقابل الثوب من السلعة مبيعا بالثوب. وذلك خلاف ما يقتضيه الاذن: فان

الاذن يقتضى البيع بالنقد. فعلى هذا هل يبطل العقد في الدراهم؟ فيه قولان بناء على تفريق الصفقة وإن وكله في بيع عبد بألف فباع نصفه بألف جاز، لانه مأذون له فيه من جهة العرف، لان من يرضى ببيع العبد بألف يرضى ببيع نصفه بالالف، فان باع نصفه بما دون الالف لم يصح، لانه ربما لم يمكنه الباقي بتمام الالف. وإن وكله في بيع ثلاثة أعبد بألف فباع عبدا بدون الالف لم يصح، لانه قد لا يشترى الباقي بما بقى من الالف، وإن باع أحد الثلاثة بألف جاز، لان من رضى ببيع ثلاثة بألف رضى ببيع أحدهم بألف وهل له أن يبيع الآخرين فيه وجهان (أحدهما) لا يملك لانه قد حصل المقصود وهو الالف (والثانى) أنه يجوز لانه أذن له في بيع الجميع فلا يسقط الامر ببيع واحد منهم، كما لو لم يقدر الثمن. وإن وكله في شراء عبد بعينه بمائة فاشتراه بخمسين لزم الموكل لانه مأذون فيه من جهة العرف. لان من رضى أن يشترى عبدا بمائة رضى أن يشتريه بخمسين، وإن قال اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين جاز أن يشترى بمائة، لانه مأذون فيه، ولا يشترى بخمسين لانه منهى عنه، ويجوز أن يشترى بما بين الخمسين والمائة، لانه لما أذن في الشراء بالمائة دل على أنه رضى بالشراء بما دونها، ثم خرج الخمسون بالنهي وبقى فيما زاد على مادل عليه المأمور به وهل يجوز أن يشترى بأقل من الخمسين؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه لما نص على المائة دل على أن ما دونها أولى إلا فيما أخرجه النهى (والثانى) لا يجوز لانه لما نهى عن الخمسين دل على أن ما دونها أولى بالمنع. وإن قال اشتر هذا العبد بمائة فاشتراه بمائة وعشرة لم يلزم الموكل. وقال أبو العباس يلزم الموكل بمائة ويضمن الوكيل ما زاد على المائة لانه تبرع بالتزام الزيادة، والمذهب الاول، لانه زاد على الثمن المأذون فلم يلزم الموكل. كما لو قال اشتر لى عبدا فاشتراه بأكثر من ثمن المثل، ولانه لو قال: بع هذا العبد بمائة فباعه بمائة إلا عشرة لم يصح، ثم يضمن الوكيل ما نقص من المائة، فكذلك

إذا قال اشتر هذا العبد بمائة فاشتراه بمائة وعشرة. لم يلزم الموكل، ثم يضمن الوكيل ما زاد على المائه. وإن وكله في شراء عبد بمائة فاشترى عبدا بمائتين وهو يساوى المائتين، لم يلزم الموكل، لانه غير مأذون فيه من جهة النطق ولا من جهة العرف، لان رضاه بعبد بمائة لا يدل على الرضا بعبد بمائتين، وإن دفع إليه دينارا وأمره أن يشترى شاة فاشترى شاتين، فإن لم تساو كل واحدة منهما دينارا لم يلزم الموكل لانه لا يطلب بدينار مالا يساوى دينارا، وإن كان كل واحدة منهما تساوى دينارا نظرت، فان اشترى في الذمة ففيه قولان. (أحدهما) أن الجميع للموكل، لان النبي صلى الله عليه وسلم " دفع إلى عروة البارقى دينارا ليشترى له شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار فدعا له بالبركة " ولان الاذن في شاة بدينار إذن في شاتين بدينار، لان من رضى شاة بدينار رضى شاتين بدينار (والثانى) أن للموكل شاة لانه أذن فيه، والاخرى للوكيل لانه لم يأذن فيه الموكل، فوقع الشراء للوكيل فان قلنا ان الجميع للموكل فباع إحداهما فقد خرج أبو العباس فيه وجهين (أحدهما) أنه لا يصح لانه باع مال الموكل بغير إذنه فلم يصح (والثانى) أنه يصح لحديث عروة البارقى، والمذهب الاول، والحديث يتأول وإن قلنا إن للوكيل شاة استرجع الموكل منه نصف دينار، وإن اشترى الشاتين بعين الدينار، فإن قلنا فيما اشترى في الذمة: إن الجميع للموكل كان الجميع ههنا للموكل. وإن قلنا: إن إحداهما للوكيل والاخرى للموكل صح الابتياع للموكل في إحداهما ويبطل في الاخرى، لانه لا يجوز أن يحصل الابتياع له بمال الموكل فبطل. (الشرح) حديث عروة البارقى مر في غير موضع الكلام عليه في البيع والربا وأول الوكالة، وقد أوفيناه حقه من البحث فليراجع. أما الاحكام فقد قال المزني: ومن باع بمالا يتغابن الناس بمثله فبيعه مردود.

لانه تلف على صاحبه، فهذا قول الشافعي ومعناه. وهذا صحيح. قال الماوردى للموكل فيما أذن له ببيعه حالتان: حالة إطلاق. وحالة تقييد فأما حالة الاطلاق فهو أن يأذن لوكيله في البيع إذنا مطلقا من غير أن يقيده بشرط، أو على صفة، فعلى الوكيل في بيعه ثلاثة شروط: (أحدها) أن يبيعه بغالب نقد البلد، فان عدل إلى غيره لم يجز والشرط الثاني: أن يبيعه بثمن مثله، فان باعه بمالا يتغابن الناس بمثله وإلى أجل، كان بيعه نافذا، ولموكله نافذا استدلالا بأن إطلاق الاذن يشتمل على عموم البيع، وتخصيص المطلق لا يكون إلا بدليل، كالمطلق من عموم الكتاب والسنة، فلما كان اسم البيع ينطبق على المبيع بغير نقد البلد وبما لا يتغابن الناس به وعلى المؤجل، وجب أن يصح لانه عقد مأذون فيه، كما لو باعه بنقد البلد وبثمن المثل وبالمعجل. ثم استدل على جواز البيع بغير نقد البلد بأنه بيع بجنس الاثمان فصح كالمبيع بنقد البلد واستدل على جوازه إلى أجل بأن الاجل مدة ملحقة بالعقد فجاز أن يملكها الوكيل قياسا على خيار الثلاث، وهذا كله خطأ. والدليل على ما قلنا على الشرط الاول وهو أن بيعه بغير نقد البلد لا يجوز هو أنه لما لم يصح من الوكيل في الشراء أن يشترى بغير نقد البلد لم يصح من الوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد. وتحريره أنه عقد معاوضة بوكالة مطلقة فوجب ألا يصح بغير نقد البلد، قياسا على الشراء، أو لان كل جنس لا يجوز للوكيل أن يبتاع به لم يجز للوكيل أن يبيع به قياسا على البيع بغير جنس الاثمان وبالمحرمات والدليل على الشرط الثاني، وهو أن بيعه بمالا يتغابن الناس بمثله لا يجوز هو أنه عقد معاوضه عن وكالة مطلقة فوجب أن لا يصح بأكثر من ثمن المثل قياسا على الشراء ولان من لم يملك الهبة في مال لم يملك المحاباة فيه كالوصي والعبد المأذون له في التجارة، ولان المحاباة كالهبة لاعتبارها من الثلث، فلما لم يصح من الوكيل في البيع هبة المال أو بعضه لم تصح منه المحاباة فيه. وتحريره أنه عقد استهلك به شيئا من مال موكله بغير إذنه فوجب أن يكون باطلا كالهبة، فإذا ثبت ما ذكرنا وأن المثل معتبر، وأن البيع بمالا يتغابن الناس

بمثله، فالاعتبار بالغبن عرف الناس في مثل المبيع، وليس له حد مقدر. وقال مالك: حد الغبن في البيوع الثلث فصاعدا لقوله صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " وقال أبو حنيفة: حد الغبن من العشر فصاعدا لانه أقل ما يجب في زكوات الزروع والثمار. قال الماوردى: وكلا المذهبين فاسد، لان عرف الناس فيما يكون غبنا كثيرا يختلف باختلاف الاجناس، فمن الاجناس ما يكون ربع العشر فيه غبنا كثيرا، وهو الحنطة والشعير والذهب والورق. ومنها ما يكون نصف العشر فيه غبنا يسيرا، كالرقيق والجوهر، فلم يجز أن يحد ذلك بقدر مع اختلافه في عرفهم. ووجب الرجوع فيه إليهم. فإذا باع الوكيل بمالا يتغابن الناس بمثله كان بيعه باطلا ولا ضمان عليه ما لم يسلم المبيع، فان سلمه كان ضامنا ولزمه استرجاع المبيع إن كان باقيا، فان هلك في يد المشترى كان كل واحد من الوكيل والمشترى ضامنا. أما المشترى فضامن بجميع القيمة، لانه فائض عن عقد بيع فاسد. وأما الوكيل ففى قدر ما يضمنه قولان ذكرهما الشافعي في كتاب الرهن الصغير (أحدهما) أنه يضمن جميع القيمة (والثانى) أنه يضمن ما غبن به من قدر المحاباة، لان به فسد العقد ولزم الضمان وقد مضى من التفريع في كتاب الرهن ما يقنع. والدليل على الشرط الثالث وأن بيعه بالثمن المؤجل لا يجوز هو أن الاجل في البيوع يدخل تارة في المثمن فيصير سلما، وتارة في الثمن فيكون دينا، فلما لم يجز للوكيل أن يدخل الاجل في الثمن لم يجز أن يدخل الاجل في المثمن على ما مضى في الفصل قبله (فرع) قال الماوردى رحمه الله تعالى: " وأما المختص بقدر الثمن وصورته أن يقول: بع بمائة درهم، فلا يجوز أن يبيعه بأقل منها ولو بقيراط، فان فعل كان البيع باطلا، ولو باعه بأكثر من مائه درهم كان البيع جائزا لحصول المائة التى أرادها، والزيادة عليها زيادة حظ له،

إلا أن يكون قد أمره أن يبيعه بالمائة على رجل بعينه، فلا يجوز أن يبيعه عليه بأكثر من مائة، كما لا يجوز أن يبيعه على غيره، لانه لما نص على القدر صار مسامحا له بالزيادة عليه. فلو باع نصف العبد بمائة درهم صح البيع، لان بقاء نصف العبد مع حصول المائة التى أرادها أحظ، فلو باع نصف العبد بأقل من مائة درهم ولو بقيراط لم يجز لتفويت ما أراده من كمال الثمن وتفريق الصفقة. فلو وكله ببيع عبيد فباع كل عبد في عقد، فإن لم يذكر له قدر الثمن جاز. لان العادة في بيع العبيد جارية بإفرادهم في العقود. ولو ذكر له قدر الثمن فقال: بع هؤلاء العبيد الثلاثة بألف درهم. فإن باع أول صفقة من العبيد بأقل من ألف درهم لم يجز لانه قد لا يشترى العبدان الآخران بما بقى من تكملة الالف وإن باع أول صفقة بأكثر من ألف درهم جاز. وهل يجوز بيع الاثنين الآخرين بعد حصول الالف؟ على وجهين أحدهما: لا يجوز، لان مقصوده بالبيع حصول الالف من ثمنه، فصارت الوكالة مقصورة عليها وباطلة فيما سواها والوجه الثاني: أنه يجوز له بيع من بقى منهم لانعقاد الوكالة يبيعهم. ولا يكون حصول الثمن بكماله من بعضهم مانعا من بيع باقيهم. كما لو باع أحدهم بأكثر من ألف. ولم يلزمه أن يبيع منه بقدر الالف، ويكون عن بيع باقيه بالزيادة على الالف. فأما العدد من الثياب إذا وكله في بيعها وأمكن أن يبتاع صفقة وتفاريق. فعلى الوكيل أن يعمل على أحظ الامرين لموكله في بيع جميعها صفقة أو أفرادا كل واحد منها بعقد. فان عدل عن أحظهما لم يجز ما لم يكن من الموكل تصريح به " اه (قلت) وكلام المصنف في المهذب يفيد أن البيع يصح وينفذ في كل حالة نقص فيها الثمن عن القدر الذى أذن فيه وضمنه الوكيل أعنى ضمن - الفرق الذى ينقص عن القدر المأذون فيه - كأن أذن له في البيع بمائة فباع بتسعين كان على الوكيل ضمان النقص وهو العشرة، ونتيجة هذا أن البيع ينفذ بحصول الموكل على الثمن الذى حدده بكماله، وذلك بضمان مقدار النقص على الوكيل

ومثل ما ذكر في البيع يكون في الشراء فلو أمره أن يشترى شاة بعشرة فاشتراها بأحد عشرة كان عليه ضمان الفرق ولا يلزم الموكل سوى عشرة، وهذا هو تخريج أبى العباس بن سريج رحمه الله تعالى. هذا وبقية ما ورد في هذا الفصل مضى بيانه في شرح الفصول السابقة: لان المصنف في هذا الفصل ضمنه ما ورد في بعض الفصول السابقة، وقد شرحناها والله المستعان. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا اشترى الوكيل ما أذن فيه الموكل انتقل الملك إلى الموكل لان العقد له فوقع الملك له كما لو عقده بنفسه وان اشترى ما لم يأذن فيه، فإن كان قد اشتراه بعين مال الموكل، فالعقد باطل، لانه عقد على مال لم يؤذن في العقد عليه، فبطل كما لو باع مال غيره بغير إذنه، وإن اشتراه بثمن في الذمة نظرت، فإن لم يذكر الموكل في العقد لزمه ما اشترى، لانه اشترى لغيره في الذمة ما لم يأذن فيه فانعقد الشراء له كما لو اشتراه من غير وكالة، وإن ذكر الموكل في العقد ففيه وجهان (أحدهما) أن العقد باطل، لانه عقد على أنه للموكل والموكل لم يأذن فيه فبطل (والثانى) أنه يصح العقد ويلزم الوكيل ما اشتراه، وهو قول أبى إسحاق، وهو الصحيح، لانه اشترى في الذمة ولم يصح في حق الموكل فانعقد في حقه كما لو لم يذكر الموكل. (فصل) وإن وكله في قضاء دين لزمه أن يشهد على القضاء، لانه مأمور بالنظر والاحتياط للموكل، ومن النظر أن يشهد عليه لئلا يرجع عليه، فإن ادعى الوكيل أنه قضاه وأنكر الغريم لم يقبل قول الوكيل على الغريم، لان الغريم لم يأتمنه على المال، فلا يقبل قوله عليه في الدفع، كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى الصبى، وهل يضمن المال للموكل؟ ينظر فيه فإن كان في غيبة الموكل وأشهد شاهدين ثم مات الشهود أو فسقوا لم يضمن، لانه لم يفرط، وان لم يشهد ضمن لانه فرط.

وأن أشهد شاهدا واحدا ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن، لان الشاهد مع اليمين بينة (والثانى) يضمن لانه فرط حيث إنه اقتصر على بينة مختلف فيها وان كان بمحضر الموكل وأشهد لم يضمن، وإن لم يشهد ففيه وجهان. أحدهما: لا يضمن، لان المفرط هو الموكل، فإنه حضر وترك الاشهاد. والثانى: أنه يضمن لان ترك الاشهاد يثبت الضمان فلا يسقط حكمه بحضور الموكل، كما لو أتلف ماله وهو حاضر، وان وكله في إيداع ماله عند رجل فهل يلزمه الاشهاد؟ ففيه وجهان. أحدهما: يلزمه لانه لا يأمن أن يجحد فيشهد عليه الشهود. والثانى: لا يلزمه، لان القول قول المودع في الرد والهلاك، فلا فائدة في الاشهاد، وإن وكله في الايداع فادعى أنه أودع وأنكر المودع لم يقبل قول الوكيل عليه، لانه لم يأتمنه المودع فلا يقبل قوله عليه، كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى اليتيم، وهل يضمن الوكيل؟ ينظر فيه، فإن أشهد ثم مات الشهود أو فسقوا لم يضمن، لانه لم يفرط، وإن لم يشهد - فإن قلنا: إنه يجب الاشهاد ضمن لانه فرط، وإن قلنا: لا يجب لم يضمن لانه لم يفرط. (الشرح) الاحكام: قال المزني رحمه الله تعالى: لو دفع إليه مالا اشترى به طعاما فيسلفه، ثم اشترى له بمثله طعاما فهو ضامن للمال والطعام، لانه خرج من وكالته بالتعدي، واشترى بغير ما أمره به اعلم أن لهذه المسألة مقدمة لا يستغنى عن شرحها وتقدير المذهب فيها ليكون الجواب في المسألة مبنيا عليها، وهو أن الرجل إذا وكل رجلا في ابتياع متاع له فلا يخلو حاله من أحد أمرين، إما أن يدفع إليه ثمنه أم لا، فإن لم يدفع الثمن إليه جاز للوكيل أن يشتريه بثمن في ذمته ناويا به أنه لموكله، فيكون بالعقد واقعا للموكل دون الوكيل. وقال أبو حنيفة: يقع الملك بالعقد للوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل استدلالا بأن ما ملكه الانسان بعقد غيره وقع الملك للعاقد، ثم انتقل عنه إلى متملكه كالشفعة يقع الملك إلى المشترى ثم ينتقل عنه إلى الشفيع، ولان الوكيل يلزمه

الثمن بعقده فوجب أن يقع له الملك بعقده، لان الثمن في مقابلة المثمن، ولانه لما كان شروط العقد والافتراق معتبرا بالعاقدين اقتضى أن يكون موجبه من الملك واقعا للعاقدين. ودليلنا أن كل ما عقده الوكيل للموكل اقتضى وقوع الملك بالعقد للموكل كالنكاح، ولان كل من ناب في العقد عن غيره وقع الملك به للمعقود له دون عاقده قياسا على ولى اليتيم. (فرع) قال المزني: ولو أمر الموكل الوكيل بدفع مال إلى رجل فادعى أنه دفعه إليه لم يقبل منه الا ببينة اه قلت: وصورة ذلك تتضح في رجل أمر وكيله بدفع مال إلى رجل فادعى الوكيل الدفع وأنكر المدفوع إليه القبض، فلا يخلو حال ذلك المال من أربعة أقسام. أحدها: أن يكون دينا في ذمة الموكل، فقول الوكيل في الدفع غير مقبول على المدفوع إليه، لان الموكل لو ادعى دفع الدين لم تقبل دعواه، فوكيله في دفعه أولى أن لا تقبل دعواه، ويكون صاحب الدين على حقه في مطالبة الموكل بدينه، وليس له مطالبة الوكيل به فأما قبول قول الوكيل على الموكل فلا يخلو حال الموكل من أن يصدقه على الدفع أو يكذبه فإن كذبه على ما ادعاه من الدفع لم يقبل قوله عليه، وكان ضامنا له لانه، وان كان أمينا له بقوله - غير مقبول في الدفع إلى غيره. ألا ترى أن الوصي أمين للموصى، ولا يقبل قوله على اليتيم في دفع ماله إليه، لانه يدعى دفعا إلى غير من ائتمنه. وكذلك أمره الله تعالى بالاشهاد على اليتيم في دفع ماله إليه بقوله " فإذا دفعتم الهم أموالهم فأشهدوا عليهم " لان غير الايتام قد ائتمنوهم. وقال في غير الاوصيا " فان أمن بعضكم بعضا. فليؤد الذى اؤتمن أمانته " فأمره بأداء الامانة إلى من ائتمنه من غير اشهاد. لان قوله في الدفع مقبول. وأمر الاوصياء بالاشهاد. لان قولهم في الدفع غير مقبول فإذا ثبت أن قول الوصي غير مقبول في دفع مال اليتيم إليه. وان كان مؤتمنا لان الائتمان من جهة غيره فكذا قول الوكيل غير مقبول في دفع المال إلى غير موكله، وان كان مؤتمنا

لانه دفع إلى غير مؤتمنه، أو لا فرق بين أن يكون المؤتمن موصيا مات، أو موكلا باقيا. فأما إن صدق الموكل وكيله في الدفع فلا يخلو حال الموكل من أن يكون حاضرا للدفع أو غائبا عنه، فإن كان غائبا عنه فالوكيل ضامن مع تصديق الموكل، كما كان ضامنا مع تكذيبه، لانه وإن صدقة على الدفع فقد فرط بترك الاشهاد، لان أمره بالدفع يقتضى دفعا بيديه من المطالبة، ولا يكون ذلك مع جواز الجحود إلا بالاشهاد، فصار الاشهاد من مقومات الدفع، وكما نقول في الاشهاد نقول في التوثيق والاشهار وكتابة الصكوك مع توقيع المدفوع إليه، لان العرف في زماننا هذا وفشو الفساد واستحلال المحرمات، وصعوبة الاثبات بغير الوثائق المكتوبة صار من مقومات الدفع اعتبار هذه العناصر من البينات، وعدم التفريط فيها. فصار الوكيل بترك الاشهاد مفرطا فيضمن به كما يضمن بالجناية وإن كان الوكيل حاضرا لدفع الوكيل ففى وجوب الضمان على الوكيل وجهان (أحدهما) لا ضمان عليه، والاشهاد غير لازم له، لان الموكل إذا حضر كان هو المستوفى لنفسه الاشهاد، لان ما كان من شروط الدفع مع غيبة الموكل كان من شروطه مع حضوره، وليس ما اتفق من حضور الموكل بمسقط لحق الاستيثاق عن الوكيل. والقسم الثاني: أن يكون المدفوع عينا مضمونة في يد الموكل كالعوارى والغصوب، فيدعى الوكيل المأمور بالدفع أنه قد دفعها إلى ربها، وينكر ربها ذلك فالقول قوله مع يمينه، وقول الوكيل غير مقبول على واحد منهما في الدفع، ولصاحب العارية والمال المغصوب أن يرجع على من شاء من الموكل والوكيل بخلاف الدين الذى لا يرجع صاحبه به على الوكيل، لان الوكيل في قضاء الدين لم تثبت له يد على عين مال لرب الدين، وقد ثبت للوكيل في العارية والغصب فكانت يد الوكيل في وجوب الضمان كالموكل، فإن رجع رب العارية بالغرم على الموكل رجع الموكل به على الوكيل إن لم يصدقه على الدفع وإن صدقه على الدفع وكان غائبا عن الدفع رجع به ايضا، وإن كان حاضرا فعلى ما ذكرنا من الوجهين، وإن رجع رب العارية بالغرم على الوكيل لم يرجع

الوكيل به على الموكل إن كذبه ولا إن صدقه وكان غائبا، وهل يرجع به إن كان حاضرا معه على الوجهين. والقسم الثالث: أن يكون ذلك وديعة في يد الموكل، فلا يخلو حال رب الوديعة من أحد أمرين: إما أن يكون قد أذن للمودع أن يوكل في ردها أم لا، فإن لم يأذن له في التوكيل في رد الوديعة عليه فقول الوكيل غير مقبول في الرد والمودع ضامن للوديعة، وهل يكون الوكيل ضامنا لها أم لا؟ على وجهين. وإن أذن له ان يوكل في ردها فهذا على ضربين (أحدهما) أن يصدقه على التوكيل. فيكون قول الوكيل في هذا مقبولا على رب الوديعة في ردها عليه، لانه قد صار وكيلا له، وقول الوكيل مقبول على موكله والضرب الثاني: أن يكذبه في التوكيل مع اعترافه بالاذن فيه. فهل يقبل قول المودع في الوكالة أم لا. على وجهين (أحدهما) يقبل قوله، لان التوكيل من جهته، فعلى هذا يصح وكالة الوكيل عن رب الوديعة، ويصير قول الوكيل مقبولا عليه في الرد. والوجه الثاني: أن قول المودع غير مقبول في الوكالة لانه يدعى عقد توكيل على غيره، فعلى هذا لا يقبل بقبول الوكيل في الرد، ويصير المودع ضامنا، وليس له إذا غرم الوديعة أن يرجع بها على الوكيل، لان المودع مفرط بترك الاشهاد في التوكيل، فصار ضامنا لتفريطه. فلم يجز أن يرجع به على غيره. والقسم الرابع: أن يكون ذلك وديعه للموكل ويأمر وكيله بإيداعها عند رجل فيدعى الوكيل تسليمها إليه فيكذب في دعواه فلا يخلو ذلك من ثلاثة أقسام. أحدها أن يكذبه المالك الموكل في الدفع ويكذبه المودع في القبض، ففيه وجهان من اختلافهم في وجوب الاشهاد عليه عند الدفع (أحدهما) يجب عليه الاشهاد، كما يجب عليه في قضاء الدين، فعلى هذا يكون الوكيل بترك الاشهاد مفرطا. وقوله في الدفع بعد ضمانه بالتفريط غير مقبول. والوجه الثاني: أن الاشهاد لا يجب عليه في دفع الوديعة. لان المودع عنده لو ادعى تلفها بعد الاشهاد عليه كان مقبول القول فيه. فعلى هذا لا يكون مفرطا. وقوله في الدفع مقبول

القسم الثاني: أن يصدقه المالك الموكل ويكذبه المودع، فلا ضمان على الوكيل وقوله بتصديق الموكل مقبول عليه في سقوط الضمان عنه، وغير مقبول على المودع. فإذا حلف المودع: ما تسلم منه الوديعة برئ من الدعوى القسم الثالث: أن يصدقه المودع على قبضها منه ويدعى تلفها وتكذيب المالك الموكل لقول الوكيل مقبول. وهو من ضمانها برئ لان إقرار المودع بالقبض أقوى من الاشهاد عليه فلما برئ من الاشهاد عليه فأولى ان يبرأ بالاقرار وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن كان عليه حق لرجل فجاء رجل وادعى أنه وكيل صاحب الحق في قبضه وصدقه، جاز أن يدفع إليه، ولا يجب الدفع إليه. وقال المزني: يجب الدفع إليه، لانه أقر له بحق القبض، وهذا لا يصح لانه دفع غير مبرئ فلم يجبر عليه، كما لو كان عليه دين بشهادة فطولب به من غير إشهاد. فان دفع إليه ثم حضر الموكل وأنكر التوكيل فالقول قوله مع يمينه: أنه ما وكل، لان الاصل عدم التوكيل، فإذا حلف نظرت. فان كان الحق عينا أخذها إن كانت باقية ورجع ببدلها إن كانت تالفة، وله أن يطالب الدافع والقابض. لان الدافع سلم إلى من لم يأذن له الموكل. والقابض أخذ ما لم يكن له أخذه. فان ضمن الدافع لم يرجع على القابض. وان ضمن القابض لم يرجع على الدافع. لان كل واحد منهما يقول: إن ما يأخذه المالك ظلم فلا يرجع به على غيره. وإن كان الحق دينا فله أن يطالب به الدافع. لان حقه في ذمته لم ينتقل. وهل له أن يطالب القابض؟ فيه وجهان (أحدهما) له أن يطالب. وهو قول أبى اسحاق لانه يقر بأنه قبض حقه فرجع عليه كما لو كان الحق عينا (والثانى) ليس له. وهو قول أكثر أصحابنا. لان دينه في ذمة الدافع لم يتعين فيما صار في يد القابض فلم يجز أن يطالب به. وان جاء رجل إلى من عليه الحق وادعى أنه وارث صاحب الحق فصدقه وجب الدفع إليه لانه اعترف بأنه لا مالك له غيره وأن دفعه إليه دفع مبرئ فلزمه. وان جاء رجل فقال: أحالني عليك صاحب الحق فصدقه. ففيه وجهان

(أحدهما) يلزمه الدفع إليه، لانه أقر له أنه انتقل الحق إليه فصار كالوارث (والثانى) أنه لا يلزمه لان الدفع غير مبرئ لانه ربما يجئ صاحب الحق فينكر الحوالة فيضمنه، وإن كذبه لم يلزمه الدفع إليه في المسائل كلها وهل يحلف إن قلنا: إنه إن صدقه لزمه الدفع إليه حلف، لانه قد يخاف اليمين فيصدقه فيلزمه الدفع إليه. وإن قلنا لا يلزمه الدفع إليه إذا صدقه لم يحلف لان اليمين يعرض ليخاف فيصدق، ولو صدق لم يلزمه الدفع فلا معنى لعرض اليمين. (الشرح) الاحكام: قال المزني: ولو كان لرجل على رجل حق، فقال له رجل: وكلنى فلان بقبضه منك فصدقه ودفعه إليه فتلف وأنكر رب الحق أن يكون وكله فله الخيار، فإن أغرم الدافع على القابض لانه يعلم أنه وكيل برئ، وان اغرم القابض لم يكن له الرجوع على الدافع لانه يعلم أنه مظلوم وبرئ. وصورتها فيمن غاب وله مال على رجل أو في يده، فحضر رجل ادعى وكالة الغائب في قبض ماله، فان أقام على ما ادعاه من الوكالة بينة عادلة حكم بها والبينة شاهدان عدلان، فان كان فيهما ابن مدعى الوكالة لم تقبل شهادته، لانه يشهد لابيه، وكذا لو كان فيهما ابن من عليه الحق لم يقبل، لانه يشهد لابيه بالبراءة من صاحب الحق بهذا الدفع، ولكن لو كان فيهما ابن صاحب الحق قبلت شهادته لانه يشهد على أبيه لا له، فإذا قامت البينة بالوكالة أجبر الحاكم من عليه المال على دفعه إلى الوكيل، لان لصاحب الحق أن يستوفيه بنفسه ان شاء، وتوكيله ان شاء، وليس لمن هو عليه أن يمتنع من تسليمه إلى وكيل مالكه، وان لم يكن لمدعى الوكالة بينة يثبت بها الوكالة لم يلزم من عليه الحق أن يدفعه إلى مدعى الوكالة، سواء صدقه على الوكالة أو كذبه، وقال أبو حنيفة وكذا قال المزني: ان صدقه على الوكالة لزمه دفع المال إليه كالمصدق لمدعى سداد رب المال يلزمه دفع المال إليه. وهذا خطأ من وجهين. أحدهما وهو تعليل أبى اسحاق: انه دفع لا يبرئه من حق الوكيل عند انكار الوكالة ومن لم يبرأ بالدفع عند انكاره لم يجبر. ألا ترى أن من عليه حق توثيقه فله الامتناع من الدفع الا باشهاد صاحب الحق على نفسه

ولو لم تكن عليه وثيقة ففى جواز امتناعه لاجل الشهادة وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: له أن يمتنع لانه لا يتوجه يمين عند ادعائه بعد دفعه (والثانى) ليس له أن يمتنع ولا يلزم صاحب الحق الاشهاد، لانه إذا أنكر الحق بعد أدائه حلف بارا. والتعليل الثاني - وهو تعليل أبى على بن أبى هريرة - أنه مقر في ملك غيره، ومدع عقد وكاله لغيره، فلم تقبل دعواه، ولم يلزم إقراره، ألا ترى أن من عليه الحق لو أقر بموت صاحب الحق، وأن هذا الحاضر وصيه في قبض دينه لم يلزم دفع المال إليه، وان اقر باستحقاق قبضه، فكذا الوكيل، فأما اعترافه للوارث بموت صاحب الحق فيلزمه دفع المال إليه، والفرق بينه وبين الوكيل أنه مقر للوارث بالملك، فيلزمه الدفع لانه بين أنه من الحق، ولا يصير الوكيل مالكا، ولا يبرأ بقبضه من الحق. فأما ان أقر من عليه المال بأن صاحبه قد أحال هذا الحاضر به، فهل يلزمه دفع المال إليه باقراره؟ أم لا؟ على وجهين (أحدهما) يلزمه لانه مقر له بالملك فصار كإقراره للوارث (والثانى) لا يلزمه لانه لا يبرأ بالدفع عند الجحود، فصار كإقراره بالتوكيل. فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال من عليه الحق من أن يصدق الوكيل أو يكذبه فان كذبه على الوكالة وأنكره فلا يمين عليه، وعليه عند أبى حنيفة والمزنى اليمين لوجوب الدفع عندهما مع التصديق، ولا يجوز مع تكذيبه للوكيل أن يدفع إليه المال، وان صدقه على الوكالة لم يلزمه دفع المال إليه لما ذكرنا، لكن يجوز له في الحكم أن يدفعه إليه، فان دفعه إليه، وقدم صاحب الحق فلا يخلو حاله من أحد أمرين اما أن يعترف بالوكالة أو ينكرها، فان اعترف بها برئ من عليه الحق بالدفع سواء وصل الموكل إلى حقه من وكيله أو لم يصل إليه بتلفه. فان أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فله المطالبة، ثم لا يخلو حال حقه من أحد أمرين، اما أن يكون عينا أو دينا، فان كان حقه عينا قائمة كالغصوب والعوارى والودائع فكل واحد من الدافع والقابض ضامن لها،

أما الدافع فلتعديه بالدفع. وأما القابض فليده عند إنكار توكيله، ويكون ربها بالخيار في مطالبة من شاء بها من الدافع والقابض، سواء كانت باقية أو تالفة، إلا أنها إن كانت باقية فله مطالبة أيهما شاء بالقيمة: فان طالب بها الدافع وأغرمه برئا ولم يرجع الدافع على القابض بغرمها لانه مقر أن القابض وكيل برئ منها وأنه هو المظلوم بها. وإن طالب القابض فأغرمه برئا، ولم يرجع القابض على الدافع بغرمها: لانه مقر ببراءته منها، وأنه هو المظلوم بها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ويجوز للموكل أن يعزل الوكيل إذا شاء، ويجوز للوكيل أن يعزل نفسه متى شاء، لانه أذن في التصرف في ماله فجاز لكل واحد منهما ابطاله كالاذن في أكل طعامه، وان رهن عند رجل شيئا وجعلاه على يد عدل واتفقا على أنه يبيعه إذا حل الدين ثم عزله الراهن عن البيع انعزل لانه وكيله في البيع فانعزل بعزله كالوكيل في بيع غير الرهن. وان عزله المرتهن ففيه وجهان (أحدهما) أنه ينعزل، وهو ظاهر النص لانه يبيع الرهن لحقه، فانعزل بعزله كالراهن (والثانى) لا ينعزل، وهو قول أبى اسحاق لانه ليس بوكيل له في البيع، فلم ينعزل بعزله، وان وكل رجلا في تصرف وأذن له في توكيل غيره نظرت، فان أذن له في التوكيل عن الموكل فهما وكيلان للموكل، فان بطلت وكالة أحدهما لم تبطل وكالة الآخر، وان أذن له في توكيله عن نفسه فان الثاني وكيل الوكيل، فان عزله الموكل انعزل لانه يتصرف له فملك عزله كالوكيل، وان عزله الوكيل انعزل، لانه وكيله فانعزل بعزله، وان بطلت وكالة الوكيل بطلت وكالته، لانه فرع له، فإذا بطلت وكالة الاصل بطلت وكالة الفرع. وان وكل رجلا في أمر ثم خرج عن أن يكون من أهل التصرف في ذلك الامر بالموت أو الجنون أو الاغماء أو الحجر أو الفسق بطلت الوكالة، لانه

لا يملك التصرف فلا يملك غيره من جهته، وإن أمر عبده بعقد ثم أعتقه أو باعه ففيه وجهان. (أحدهما) لا ينعزل كما لو أمر زوجته بعقد ثم طلقها. (والثانى) أنه ينعزل، لان ذلك ليس بتوكيل في الحقيقة، وإنما هو أمر ولهذا يلزم امثاله، وبالعتق والبيع سقط أمره عنه، وإن وكل في بيع عين فتعدى فيها بأن كان ثوبا فلبسه، أو دابة فركبها، فهل تبطل الوكالة أم لا؟ فيه وجهان أحدهما: تبطل فلا يجوز له البيع، لانه عقد أمانة فتبطل بالخيانة كالوديعة. والثانى: أنها لا تبطل، لان العقد يتضمن أمانة وتصرفا، فإذا تعدى فيه بطلت الامانة وبقى التصرف، كالرهن يتضمن أمانة ووثيقة، فإذا تعدى فيه بطلت الامانة وبقيت الوثيقة. وان وكل رجلا في تصرف ثم عزله ولم يعلم الوكيل بالعزل، ففيه قولان. (أحدهما) لا ينعزل، فان تصرف صح تصرفه، لانه أمر فلا يسقط حكمه قبل العلم بالنهي كأمر صاحب الشرع (والثانى) أنه ينعزل، فان تصرف لم ينفذ تصرفه لانه قطع عقد لا يفتقر إلى رضاه فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق. (الشرح) الاحكام: لما كانت الوكالة عقدا جائزا من الطرفين فللموكل عزل وكيله متى شاء، وللوكيل عزل نفسه، لانه أذن في التصرف، فكان لكل واحد منهما ابطاله، كما لو أذن في أكل طعامه، وتبطل أيضا بموت أحدهما أيهما كان وجنونه المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم، فمتى تصرف الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك، فان لم يعلم الوكيل بالعزل ولا موت الموكل فعن أحمد فيه روايتان، وللشافعي فيه قولان، وظاهر النص أنه ينعزل علم أو لم يعلم، ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل، لانه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق والى هذا ذهب الخرقى من الحنابلة. والقول الثاني وهى الرواية الثانية عن أحمد: لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل وعزله، نص عليه في رواية جعفر بن محمد امام العترة، لانه لو انعزل قبل علمه

كان فيه ضرر، لانه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة، وربما باع الطعام فيأكله المشترى أو غير ذلك من اطلاق يد المشترى ويجب ضمانه. فيتضرر المشترى والوكيل. ولانه يتصرف بأمر الموكل ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه بالفسخ. فعلى هذا لو تصرف قبل العلم نفذ تصرفه. وعن أبى حنيفة أنه ان عزله الموكل فلا ينعزل قبل علمه لما ذكرنا، وان عزل الوكيل نفسه لم ينعزل الا بحضرة الموكل، لانه متصرف بأمر الموكل، فلا يصح رد أمره بغير حضرته كالمودع في رد الوديعة. ولنا ما تقدم، فأما الفسخ ففيه وجهان كالروايتين ثم هما مفترقان، فان أمر الشارع يتضمن المعصية بتركه: ولا يكون عاصيا من غير علمه، وهذا يتضمن العزل عنه ابطال التصرف، فلا يمنع منه عدم العلم. ومتى خرج أحدهما عن أن يكون من أهل التصرف مثل أن يجن أو يحجر عليه لسفه فحكمه حكم الموت. لانه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته. فإذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل. وان حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها، لانه لم يخرج عن كونه أهلا للتصرف. وان حجر على الموكل وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه في أعيان ماله. وان كانت في الخصومة أو الشراء في الذمة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص فالوكالة بحالها، لان الموكل أهل لذلك. وله أن يستنيب فيه ابتداء فلا تنقطع الاستدامة، وان فسق الوكيل لم ينعزل. لانه من أهل التصرف. الا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالايجاب في عقد النكاح فانه ينعزل بفسقه أو فسق موكله بخروجه عن أهلية التصرف. فان كان وكيلا في القبول للموكل لم ينعزل بفسق موكله لانه لا ينافى جواز قبوله. وهل ينعزل بفسق نفسه؟ فيه وجهان. وان كان وكيلا فيما تشترط فيه الامانه كوكيل اليتيم وولى الوقف على المساكين ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله بخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وان كان وكيلا لوكيل من يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه. لان الوكيل

ليس له توكيل فاسق. ولا ينعزل بفسق موكله. لان موكله وكيل لرب المال، ولا ينافيه الفسق ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر والاغماء، لان ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف، ولا تثبت عليه ولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فيكون فيه من التفصيل ما أسلفنا (فرع) إذا تعدى فيما وكل فيه، مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة فهل تبطل الوكالة. وجهان (أحدهما) تبطل الوكالة لانها عقد أمانة فتبطل بالتعدي كالوديعة (الثاني) لا تبطل الوكالة بالتعدي فيما وكل فيه، وبهذا الوجه قال أحمد وأصحابه. لانه إذا تصرف فإنما يتصرف في نطاق إذن موكله فكان كما لو لم يتعد فصح ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة، والوكالة إذن في التصرف تضمنت الامانة، فإذا انتفت الامانة بالتعدي بقى الاذن بحاله. فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا، فإذا باعه صح بيعه وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشترى وضمانه، فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه، لانه قبضه باذن الموكل ولم يتعد فيه. وإذا دفع إليه مالا ووكله في شراء شئ فتعدى في الثمن فصار ضامنا له، فإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة. وإن وجد بالمبيع عيبا فرد عليه، أو وجد هو بما اشترى عيبا فرده وقبض الثمن كان مضمونا عليه، لان العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال عنه. (فرع) إذا وكل أمرأته في بيع أو شراء أو غيره ثم طلقها لم تنفسخ الوكالة لان زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) والوكيل أمين فيما في يده من مال الموكل، فان تلف في يده من غير تفريط لم يضمن، لانه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد الموكل فلم يضمن. وإن وكله في بيع سلعة وقبض ثمنها فباعها وقبض ثمنها. وتلف الثمن واستحق

المبيع رجع المشترى بالثمن على الموكل لان البيع له فكان الرجوع بالعهدة عليه. كما لو باع بنفسه. (الشرح) الاحكام: اليد في أموال الغير على ثلاثة أقسام، يد ضامنة ويد أمينة، ويد اختلف الشافعي هل هي ضامنة أو أمينة، فالاولى كيد الغاصب والمستعير والمساوم والمشترى والمستقرض، وكل هؤلاء يلزمهم ضمان ما هلك بأيديهم، وإن كان هلاكه من غير تعديهم، لانهم أصلا بين متعد أو معاوض. والثانية كيد الوكيل والمضارب والشريك والمودع والمستأجر والمرتهن، فهؤلاء كلهم لا ضمان عليهم ما لم يتعدوا ويفرطوا، لانه ليس فيهم متعد بيده ولا معاوض. وأما اليد المختلف فيها فيد الاجير المشترك إذا هلك بيده ما استؤجر على عمله من غير تفريط فيه ولا تعد عليه، ففيها قولان (أحدهما) أنها كيد المستعير عليها الضمان، والثانى أنها كيد المودع لا ضمان عليها فيما هلك فإذا تقرر هذا فإن الوكيل أمين فيما بيده لموكله، ولا ضمان عليه إن هلك لامرين (أحدهما) أن الموكل قد أقامه فيه مقام نفسه، وهو لا يلزم لنفسه ضمان ما بيده، فكذلك الوكيل الذى هو بمثابته (والثانى) أن الوكيل له عقد ارفاق ومعونة، وفى تعلق الضمان بها ما يخرج عن مقصود الارفاق والمعونة فيها: وسواء كانت الوكالة بعوض أو بغير عوض فكان أبو على الطبري رحمه الله يقول: إذا كانت بعوض جرت مجرى الاجير المشترك فيكون وجوب الضمان على قولين. وهذا ليس بصحيح. لانها إذا خرجت عن حكم الاجارة في اللزوم خرجت عن حكمها في الضمان (فرع) قال المزني: فإن طلب منه الثمن فمنعه فقد ضمنه الا في حال لا يمكنه فيه دفعه. قال الماوردى في حاويه " وهذا كما قال: إذا كان مع الوكيل ثمن ما باع الموكل فطلب منه فمنعه، فلا يخلو حال منعه من أحد أمرين. اما أن يكون بعذر أو بغير عذر. فان كان لعذر لحدوث مرض أو خوف منع من الوصول إلى موضع الثمن. أو لخوف فوات فرض من جمعة أو مكتوبة قد ضاق وقتها.

أو لضياع مفتاح أو لملازمة غريم له إلى ما جرى مجرى ذلك فهذا عذر في تأخير الدفع ولا ضمان عليه ان تلف قبل الدفع. وان منعه لغير عذر صار ضامنا له. فان تلف كان عليه غرمه. فلو منعه من دفعه حتى يشهد على نفسه بقبضه فقد اختلف أصحابنا الخ " (قلت) سيأتي مزيد ايضاح لهذا الفصل في آخر فصل في هذا الباب لتعلقها به هناك. أما بقية الكلام على أحكام هذا الفصل فنقول: ان تلفت العين التى وكل في التصرف فيها فقد بطلت الوكالة. لان محلها ذهب فذهبت الوكالة كما لو وكله في بيع بقرة فماتت. ولو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء به فهلك الدينار أو ضاع. أو استقرضه الوكيل وتصرف فيه بطلت الوكالة. سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا: ويجرى عليه من الضمان ما أسلفنا ايضاحه من حيث التعدي والتفريط أو عكسهما وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . (فصل) إذا ادعى رجل على رجل أنه وكله في تصرف فأنكر المدعى عليه فالقول قوله لانه ينكر عقدا الاصل عدمه فكان القول قوله. وان اتفقا على الوكالة واختلفا في صفتها. بأن قال الوكيل: وكلتني في بيع ثوب. وقال الموكل: بل وكلتك في عبد، أو قال الوكيل: وكلتني في البيع بألف وقال: بل وكلتك في البيع بألفين. أو قال الوكيل: وكلتني في البيع بثمن مؤجل وقال الموكل: بل وكلتك في البيع بثمن حال فالقول قول الموكل لانه ينكر اذنا والاصل عدمه، ولان من جعل القول قوله في أصل التصرف كان القول قوله في كيفيته كالزوج في الطلاق (فصل) وان اختلفا في التصرف فادعى الوكيل أنه باع المال وأنكر الموكل أو اتفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن فادعى الوكيل أنه قبض الثمن وتلف وأنكر الموكل ففيه قولان (أحدهما) أن القول قول الوكيل لانه يملك العقد والقبض. ومن ملك تصرفا ملك الاقرار به. كالاب في تزويج البكر.

(والثانى) أنه لا يقبل قوله، لانه إقرار على الموكل بالبيع وقبض الثمن، فلم يقبل كما لو أقر عليه أنه باع ماله من رجل وقبض ثمنه، وإن وكله في ابتياع جارية فابتاعها ثم اختلفا، فقال الوكيل: ابتعتها بإذنك بعشرين. وقال الموكل: بل أذنت لك في ابتياعها بعشرة، فالقول قول الموكل لما بيناه. فإن حلف الموكل صارت الجارية للوكيل في الظاهر، لانه قد ثبت أنه ابتاعها بغير الاذن، فإن كان الوكيل كاذبا كانت الجارية له في الظاهر والباطن، وإن كان صادقا كانت الجارية للموكل في الباطن، وللوكيل في الظاهر قال المزني: ويستحب الشافعي رحمه الله في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالموكل فيقول: إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين فبعه إياها بعشرين، فان قال له: بعتك هذه الجارية بعشرين صارت الجارية للوكيل في الظاهر والباطن وإن قال كما قال المزني: إن كنت أذنت لك في ابتياعها بعشرين فقد بعتكها بعشرين، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا يصح، لانه بيع معلق على شرط فلم يصح، وجعل ما قاله المزني من كلام الحاكم لا من كلام الموكل. ومنهم من قال يصح، لان هذا الشرط يقتضيه العقد لانه لا يصح أن يبيعها إلا أن يكون قد أذن له في الابتياع بعشرين، وما يقتضيه العقد لا يبطل العقد بشرطه فان امتنع الموكل من البيع قال المزني: يبيعها الوكيل ويأخذ حقه من ثمنها. وقال أبو سعيد الاصطخرى فيه وجهان (أحدهما) ما قال المزني. (والثانى) أنه يملكها ظاهرا وباطنا بناء على القولين فيمن ادعى على رجل أنه اشترى منه دارا وأنكر المشترى، وحلف أن المستحب للمشترى أن يقول للبائع: إن كنت اشتريتها منك فقد فسخت البيع، وإن لم يفعل المشترى ذلك ففيه قولان (أحدهما) أن البائع يبيع الدار ويأخذ ثمنها (والثانى) أن البائع يملك الدار لان المشترى صار كالمفلس بالثمن لتعذر الثمن من جهته، فيكون البائع أحق بعين ماله. وقال أبو إسحاق: لا يملك الوكيل الجارية قولا واحدا، وتخالف الدار لانها كانت للبائع، فإذا تعذر الثمن انفسخ البيع وعاد المبيع إليه كما يعود إذا

تحالف المتبايعان والجارية لم تكن للوكيل، فتعود إليه عند التعذر، فان قلنا يملكها ظاهرا وباطنا تصرف فيها بالوطئ وغيره. وان قلنا انها للموكل في الباطن كان كمن له على رجل دين لا يصل إليه. ووجد له مالا من غير جنس حقه. (الشرح) الاحكام: قال المزني رحمه الله تعالى: فان كان وكله ببيع متاعه فباعه فقال الوكيل قد دفعت اليك الثمن فالقول قوله مع يمينه. وقال الماوردى في حاويه: اعلم أن ما يدعيه الوكيل على موكله ينقسم ثلاثة أقسام: قسم يقبل فيه قول الوكيل. وقسم لا يقبل فيه قوله. وقسم اختلف قوله في قبول قوله (1) فيه. فأما القسم الاول وهو ما قبل فيه قول الوكيل على الموكل فهو في رد ما قد ائتمنه عليه. وجملة الايدى التى لا يتعلق بها ضمان أنها على ثلاثة أقسام (أحدها) ما يقبل فيه (قول (2)) صاحبها في رد ما كان معه، وهو من ائتمنه المالك على ماله في حق نفسه من غير نفع يعود (عليه) في أمانته كالمودع، فقوله في رد ما بيده من الوديعة على ربها مقبول، لانه لما أقامه مقام نفسه وجب أن يكون قوله عليه (مقبولا) كقوله على نفسه (والثانى) من لا يقبل قوله وان كان أمينا في رد ما بيده وهو من يده لحق نفسه كالمرتهن فلا يقبل قوله في الرهن على راهنه، لانه ليس بنائب عنه، فلم يقبل قوله عليه (والثالث) من اختلف أصحابنا في قبول (قوله) وهو من كان نائبا عن المالك لكن لنفع يعود عليه (من) نيابته، كالعامل في القراض، والاجير المشترك، ففى قبول قولهم وجهان (أحدهما) أن قولهم مقبول في رد ما بأيديهم لنيابتهم عن المالك، وهذا أظهر القولين (الوجهين) وهو قول الجمهور

_ (1) اختلف قوله، أي قول الامام الشافعي رضى الله عنه، وكذا كل ما جاء على هذا النحو من عود ضمير الغائب على غير مذكور في اثبات قول أو حكم أو مذهب. (2) ما بين القوسين منا.

(والثانى) وهو قول أبى على الطبري: أن قولهم غير مقبول في رد ما بأيديهم لان عود النفع إليهم يجعلهم كالمتصرفين في حق أنفسهم فلم يقبل قولهم كالمرتهن فإذا تقرر هذا للاصل فالوكيل إن كان متطوعا، فقوله في رد ما بيده مقبول على موكله، وإن كان بأجرة ففى قبول قوله وجهان، فهذا ما يتعلق بالقسم الاول مما يقبل فيه قول الوكيل على الموكل. وأما القسم الثاني: وهو مالا يقبل فيه قول الوكيل على الموكل، فهو أن يدعى إذنا في تصرف لقول الوكيل: أمرتنى ببيع كذا، أو بإعطاء زيد كذا فينكر الموكل ذلك، فالقول قول الموكل دون الوكيل، لانه في هذه الدعوى بمثابة مدعى عقد الوكالة، ومدعى الوكالة لا يقبل قوله في ادعائها، لذلك مدعى الاذن لا يقبل قوله في ادعائه، وكذلك إذا اتفقا على الاذن، واختلفا في صفته كقول الوكيل أمرتنى بإعطاء زيد ألفا فقال: بل أمرتك بإعطائه ثوبا، وكقوله أمرتنى ببيع عبدك بألف، فقال: بل أمرتك بألفين، فالقول فيه قول الموكل، فلا يقبل فيه دعوى الوكيل إلا ببينه يقيمها على ادعاءه، والبينة شاهدان عدلان لا غير، لانها بينة في إثبات الوكالة. وأما القسم الثالث: وهو ما اختلف قوله في قبول (قول) الوكيل فيه على موكله، فهو أن يوكل في عمل فيدعى الوكيل إيقاعه على الوجه المأذون فيه، وينكره الموكل، كتوكيله في بيع أو نكاح أو هبة أو عتق أو طلاق أو إقباض مال، فينكر الموكل ذلك مع تصديق البائع والمنكوحة والموهوبة له والمطلقة والقابض والمقبض، ففيه قولان محكيان عن الشافعي، ووجهان ذكرهما ابن سريج، فأحد قولى الشافعي أن القول في جميع ذلك قول الموكل إلا أن يقيم الوكيل بينة على ما ادعاه، والبينة عليه معتبرة في كونه مالا أو غير مال، وإنما كان القول قول الموكل لانها عقود فلم يلزم بمجرد الدعوى. والقول الثاني: أن القول في جميع ذلك قول الوكيل، لان الموكل أقامه مقام نفسه، بعد قوله عليه. فهذان قولا الشافعي المحكيان عنه. وأما وجها أبى العباس بن سريج فإنه ذكر في كتاب الوكالة بعد حكاية قول

الشافعي وجهين ذكر احتمالهما، ونص توجيههما، أحد الوجهين أنه إن كان ما أقر به الوكيل يتم به وحده كالعتق والطلاق والابراء كان قوله مقبولا فيه، لانه لما كان يصح من الوكيل في الحال صح إقراره به في تلك الحال، وما كان بخلافه لم يقبل إقراره به. والوجه الثاني: وهو الذى عول عليه واعتمد على نصرته: إن؟ ن الاقرار به كإيقاع (طلاق) قبل قوله فيه، وما كان بخلافه لم يقبل قوله فيه، وهذان الوجهان إنما يكون للقول بها وجه إذا كان الوكيل عند الاختلاف باقيا على الوكالة، فأما منع عزله عنها فلا وجه لتخريجها لما يقتضيه تعليل كل واحد منهما والله تعالى أعلم. (فرع) إذا أمر الموكل وكيله ببيع متاعه وقبض ثمنه، فادعى الوكيل البيع وقبض الثمن وتسليمه إلى الموكل، فإن صدقه على البيع وقبض الثمن وتسليمه إلى الموكل، فإن صدقه على البيع وقبض الثمن وأنكر أن يكون قبضه منه كان قول الوكيل مقبولا عليه، لكن مع يمينه، لانه اختلاف في الدفع، ولو صدقه على البيع وأنكر قبض الوكيل الثمن من المشترى فهو على قولين، لان الوكيل يدعى عملا ينكره الموكل، وإن كذبه في البيع وقبض الثمن، فهو على قولين أيضا لما ذكرنا. (فرع) إذا أمر الرجل وكيله أن يشترى سيارة، فقال الوكيل: اشتريتها بألف، قال الموكل: اشتريتها بخمسمائة فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه اشترى السيارة بألف - وثمة قول بأنه إذا كانت السيارة ليست بيده فالقول قول الموكل - وهذا ليس بصحيح، بل قول الوكيل أولى في الحالين لقبول قوله في أصل الشراء وكذا يقبل قوله في قدر أصل ثمنه. (فرع) قال المزني: ولو قال أمرتك أن تشترى هذه الجارية بعشرة فاشتريتها بعشرين. وقال الوكيل: بل أمرتنى بعشرين فالقول قول الآمر مع يمينه وتكون الجارية في الحكم للموكل، والشافعي يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالآمر فيقول: إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين فقد بعته إياها بعشرين، ويقول للآخر: قد قبلت، ليحل له الفرج ولمن يبتاعها منه.

وقد أثارت هذه العبارة من المزني كلاما لدى الاصحاب، لانه إن قبل فبيع الموكل معقود بشرط وهو قوله: ان كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتها عليك بعشرين، وهذا شرط يفسد معه البيع، فاختلف أصحابنا فيما ذكره المزني من ذلك على وجهين. أحدهما: أن المزني انما اختار للحاكم أن يقول ذلك لهما تنبيها على معنى هذا العقد، والسبب المقصود به من غير أن يذكراه في نفس العقد، فإذا ذكراه فيه لم يصح، بل يعقد له مطلقا من هذا الشرط، وهذا قول أكثر البصريين. والوجه الثاني: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وجمهور البغداديين أنه يجوز لهما أن يعقداه كذلك لانه هكذا يكون في الحكم فجائز أن يكون ملفوظا به في العقد. (فرع) إذا ثبت ما أسلفنا فللموكل حالتان: احداهما: أن يجيب إلى بيعها على الوكيل ان كان صادقا فيصير الوكيل مالكا لها ظاهرا وباطنا. ويجوز له امساكها والاستمتاع بها وبيعها وأخذ الفضل من ثمنها والحال الثانية: أن لا يجيب إلى بيعها فلا يجبر عليه لانه ليس بمالك، ولو كان مالكا لم يجبر على بيع ملكه، وهل يكون الوكيل مالكا لها أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أبى سعيد الاصطخرى انه قد ملكها ملكا تاما ظاهرا وباطنا لان الملك قد انتقل عن الموكل بثمنه فاقتضى أن ينتقل إلى الوكيل بعقده، فعلى هذا يجوز للوكيل أن يمسكها، وان باعها ملك الفضل في ثمنها. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: انه لا يصير مالكا لها، وانما له أن يأخذ من ثمنها ما غرم فيه، لانه مقر بأنها ملك لموكله، فعلى هذا لا يجوز أن يستمتع بها، وان كان في ثمنها فضل لم يملكه، وهل يجوز أن ينفرد ببيعها أم لا؟ على وجهين. (أحدهما) يبيعها بنفسه (والثانى) يتولاه الحاكم، فإن كان الثمن بقدر ما دفع فقد استوفاه، وان كان أقل فلا رجوع له ينافيه، وان كان أكثر فلا حق له في الزيادة. وهل يجوز اقرارها في يده؟ أم ينزعها الحاكم منه؟ على وجهين، أحدهما:

يقرها في يده لانه لا خصم له فيها، والوجه الثاني: ينزعها منه لانه مال قد جهل مستحقه فصار كأموال العيب - التى ترد بالعيب ويختلف فيها المتبايعان ويضع الحاكم يده عليها حتى يفصل في النزاع - أم يكون مشترى الجارية مالكها، على الوجهين جميعا، ولا يكون عدم ملك البائع لها بمانع من استقرار ملك المشترى من وكيل في بيعها والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن اختلفا في تلف المال فادعى الوكيل أنه تلف وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل، لان التلف يتعذر إقامة البينة عليه فجعل القول قوله. (فصل) وإن اختلفا في رد المال فقال الوكيل: رددت عليك المال وأنكر الموكل نظرت، فان كانت الوكالة بغير جعل فالقول قول الوكيل مع يمينه: لانه قبض العين لمنفعة المالك، فكان القول في الرد قوله كالمودع، وإن كانت الوكالة بجعل ففيه وجهان. (أحدهما) لا يقبل قوله لانه قبض العين لمنفعة نفسه، فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر والمرتهن (والثانى) أنه يقبل قوله لان انتفاعه بالعمل في العين، فأما العين فلا منفعة له فيها، فقبل قوله في ردها كالمودع في الوديعة. (فصل) إذا كان لرجل على رجل آخر حق فطالبه به فقال: لا أعطيك حتى تشهد على نفسك بالقبض نظرت، فإن كان مضمونا عليه كالغصب والعارية فان كان عليه فيه بينة فله أن يمتنع حتى يشهد عليه بالقبض، لانه لا يأمن أن يقبض ثم يجحد، ويقيم عليه البينة فيغرمه، وإن كان أمانة كالوديعة أو ما في يد الوكيل والشريك أو مضمونا لا بينة عليه فيه، ففيه وجهان. (أحدهما) أن له أن يمتنع حتى يشهد بالقبض، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لانه لا يأمن أن يقبض ثم يجحد، فيحتاج أن يحلف أنه لا يستحق عليه، وفى الناس من يكره أن يحلف (والثانى) أنه ليس له أن يمتنع، لانه إذا جحد كان القول قوله أنه لا يستحق عليه شيئا، وليس عليه في اليمين على الحق ضرر فلم يجز له أن يمتنع والله أعلم.

(الشرح) الاحكام: هذا الفصل قد أسلفنا الكلام على بعضه ومجمل القول: إذا اختلف الموكل والوكيل لم يخل من ستة أحوال: الاول: إذا اختلفا في التلف، فقال الوكيل تلف مالك في يدى، أو الثمن الذى قبضته ثمن متاعك تلف في يدى فيكذبه الموكل، فالقول قول الوكيل مع يمينه لانه أمين. وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه، فلا يكلف ذلك كالمودع. وكذلك كل من كان في يده شئ على سبيل الامانة، كالاب والوصى وأمين الحاكم والمودع والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر والاجير المشترك على اختلاف فيه، إلا أن يدعى التلف بأمر ظاهر كالحريق والنهب وشبههما فعليه إقامة البينة على وجود ذلك في ناحيته، ثم يكون القول قوله في تلفها، وهذا هو مذهبنا ومذهب أحمد. لان وجود الامر الظاهر مما لا يخفى، فلا تتعذر إقامة البينة عليه الثاني: أن يختلفا في تعدى الوكيل أو تفريطه في الحفظ ومخالفته أمر موكله مثل أن يدعى عليه أنه حمل على الدابة فوق طاقتها، أو حمل عليها شيئا لنفسه، أو فرط في حفظها أو لبس الثوب، أو أمره برد المال فلم يفعل، ونحو ذلك فالقول قول الوكيل مع يمينه، لانه أمين ولانه منكر لما يدعى عليه. والقول قول المنكر. الثالث: أن يختلفا في التصرف فيقول الوكيل: بعت الثوب، وقبضت الثمن فتلف، فيقول الموكل: لم تبع ولم تقبض شيئا، فالقول قول الوكيل مع يمينه إن كان بغير جعل، لانه إن كان يجعل كان أجيرا ويده ضامنة (فرع) قال المزني: ولو قال لصاحب له قد طلبته منك فمنعتني وأنت ضامن فهو مدع ان الامانة تحولت مضمونة وعليه البينة، وعلى المنكر اليمين. وهذا كما قال، إذا منعه من دفع الثمن إليه حتى هلك، ثم اختلفا فقال الوكيل: منعتك معذورا فلا ضمان على. وقال الموكل منعتني غير معذور فعليك الضمان، فالقول قول الوكيل مع يمينه إذا كان ما قاله ممكنا، ولا ضمان عليه لانه على أصل أمانته فلا تقبل دعوى الموكل عليه في انتقاله عن الامانة إلى الضمان (فرع) قال المزني: ولو قال وكلتك ببيع متاعى فقبضته منى وأنكر ثم أقر،

أو قامت عليه البينة ضمن - أي انتقل من حال الامين إلى حال الضامن - لانه خرج بالجحود من الامانة، وهذا صحيح، وصورة ذلك في رجل ادعى على رجل أنه وكله ببيع متاعه وأقبضه إياه فأنكر المدعى عليه الوكالة وقبض المتاع فالقول قوله مع يمينه لانه منكر، فإن أقام المدعى بينة بالوكالة وقبض المتاع صار ضامنا وخرج بالجحود عن الامانة فصار كجاحد الوديعة، فلو ادعى بعد قيام البينة عليه تلفها أو ردها على مالكها لم تقبل دعواه، لانه ضمن مالا يقبل قوله في ادعاء البراءة منه، ولانه صار بالانكار الاول مكذبا لهذه الدعوى منه، وهكذا لو عاد بعد إنكاره فأقر بقبض المتاع فادعى تلفه أو رده لم يقبل منه، وكان ضامنا له كقيام البينة عليه بقبضه. فلو أقام البينة برده على موكله أو بتلف ذلك في يده قبل جحوده ففيه وجهان أحدهما وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنها بينة مردودة، لانه قد أكذبها بسابق إنكاره. والوجه الثاني وهو قول أبى القاسم الصيمري، وحكاه أبو حامد الاسفرايينى إن بينته مقبوله، يقدم ما شهدت به على الجحود الموجب للضمان. قال الماوردى والوجه الاول أصح. (فرع) قال المزني: ولو قال: وكلتك في بيع متاعى فبعته، وقال: مالك عندي شئ، فأقام عليه البينة فقال: صدق أو قد دفعت إلى أهله ثمنه فهو مصدق لان من دفع شيئا إلى أهله فليس هو عنده، ولم يكذب نفسه فهو على أصل أمانته وتصديقه. وهذا صحيح، إذا ادعى أنه وكله في متاع أقبضه إياه ليبيعه فقال الوكيل: مالك عندي شئ أو ليس لك في يدى حق فهذا جواب مقنع في الدعوى والقول فيه قوله مع يمينه، لانه منكر. وكل من ادعى عليه مال في يديه وذكر المدعى سبب استحقاقه كالوديعة والغصب فالمدعى عليه إذا كان منكرا له أن يجيب بأحد جوابين، إما أن يقول: ما أخذت منك هذه الوديعة، ولا غصبتك هذا المال، وإما أن يقول: مالك قبلى حق، فكلا الجوابين مقنع في إنكار الدعوى وعليه اليمين. وصفة إحلافه وتحليفه بحسب اختلاف الجواب، فإن كان جوابه مطلقا

بأن قال: ليس عندي لك حق، أحلف على ما أجاب بالله أن ماله قبله حق، ولا يجوز للحاكم أن يحلفه: ما أخذ وديعة، أو ما غصبه، لانه قد يجوز أن يكون قد ملكه عليه بعد الوديعة والغصب، بهبة أو بيع استوفى ثمنه، فلا يكون قبله حق، وبحيث إن حلف ما استودع ولا غصب بر وإن كان جوابه أن قال: ما غصبتك، أو قال: ما أخذت وديعتك، فقد اختلف أصحابنا في صفة إحلافه على وجهين (أحدهما) أنه يحلف بالله ماله قبله حق احترازا مما ذكرنا (والوجه الثاني) أنه يحلف على ما أجاب بالله ما غصبه، ولا أخذ وديعته لان تركه الاحتراز في جوابه ينفى التوهم عنه فيما ذكرنا. فإذا ثبت أن جوابه بما ذكرنا مقنع فحلف ثم قامت البينة عليه بقبض المال أو عاد فأقر به ثم ادعى تلفه أو رد ثمنه لم يضمن وكان قوله مقبولا فيه لامرين أحدهما: أن ما ادعاه في الثاني مطابق لما أجاب به في الاول، لان من يرد الشئ على مالكه فليس له شئ في يده. والثانى: أنه ليس له في جوابه الاول تكذيب الشهود، وبهذين المعنيين فرقنا بين المسألتين، فلو قامت عليه البينة في هذه المسأله بأن المتاع كان في يده بعد أن أجاب بأن لا شئ لك عندي صار ضامنا ولم يقبل قوله في الرد أو التلف لان هذا الجواب منه مع بقاء الشئ في يده كذب وجحود فصار ضامنا: (فرع) قال المزني: ولو جعل للوكيل فيما وكله جعلا، فقال للموكل جعلى قبلك، وقد دفعت إليك مالك، فقال: بل خنتني فالجعل مضمون لا تبرئه منه الجناية عليه. وقد ذكرنا أن الوكالة تجوز بجعل وبغير جعل، ولا يصح الجعل إلا أن يكون معلوما، فلو قال: قد وكلتك في بيع هذا الثوب على أن جعلك عشر ثمنه أو من كل مائة درهم من ثمنه درهم لم يصح للجهل بمبلغ الثمن وله أجرة مثله، فلو وكله في بيع كتاب بأجر معلوم فباعه بيعا فاسدا فلا جعل له، لان مطلق الاذن بالبيع يقتضى ما صح منه، فصار الفاسد غير مأذون فيه فلم يستحق جعلا عليه، فلو باعه بيعا صحيحا وقبض ثمنه، وتلف الثمن في يده فله الاجرة لوجود العمل، وهذا بخلاف الصانع إذا استؤجر عليه حياكة ثوب أو تجليد كتاب

فتلف الثوب أو الكتاب في يده بعد عمله، فلا أجرة له إن كان مشتركا، والفرق الذى تلف الثمن في يده والذى تلف الثوب أو الكتاب في يده أن المقصود من الاجير تسليم العلم المستحق في مقابلة العوض، فما لم يحصل التسليم لم يجب ما في مقابلته من العوض، والمقصود من الوكيل وجود العمل المأذون فيه، فلو باع الوكيل الثوب فتلف الثوب في يده قبل تسليمه إلى مستحقه بطل البيع، ولم يبطل جعل الوكيل، لان بطلانه بمعنى حادث بعد صحته، فصار بالعمل مأجورا فيه، وكان بخلاف وقوع البيع فاسدا، فلو سلم الثوب إلى مشتريه وقبض ثمنه فتلف في يده، ثم استحق الثوب من يد المشترى كان البيع فاسدا وللوكيل جعله لان بطلانه ليس من جهة الوكيل فصار مقصوده بالاذن مجرد العمل على وجه الصحة دون الصحه، وقد وجد من الوكيل ذلك العمل. فأما رجوع المشترى بالثمن، فإن لم يعلم بالوكالة فله الرجوع على الوكيل ويرجع الوكيل به على الموكل، وإن علم بالوكاله ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى حامد المروزى ذكره في جامعه أن يرجع على الموكل دون الوكيل، لانه مبيع عليه كالمبيع على المفلس (والثانى) يرجع على من شاء منهما، لان لكل واحد منهما في العقد تأثيرا فإذا ثبت ما وصفنا من جواز الوكالة بجعل واستحقاقه بعد العمل، فطالب الوكيل الموكل بجعله، وادعى أنه قد باع ما وكل في بيعه، وأنه قد رد ثمنه على موكله فللموكل حالتان، حالة ينكر العمل الذى ادعاه من البيع وقبض الثمن، وحالة يعترف به، فإن انكر الموكل ذلك فالقول قوله مع يمينه، ولا جعل للوكيل إلا ببينة يقيمها على البيع، سواء قبل قوله في البيع؟ أم لا، لانه يدعى عملا يستحق به جعلا فلم يقبل قوله في دعواه، وإن صدقه الموكل على ذلك وادعى دفع الجعل إليه فالقول قول الوكيل مع يمينه وله الجعل، لان الموكل مدع براءة الذمة من جعل تعلق بها، فلو قال الموكل له بعد تصديقه على البيع، إنك خنتني في عملك بقدر جعلك فبرئت منه بخيانتك، وأنكر الوكيل الخيانة، فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لم يخن وله المطالبة بجعله.

(فرع) إذا تلف الثمن قبل دفعه للموكل، فإن كان لعذر في تأخير الدفع فلا ضمان، فلو منعه من دفعه حتى يشهد على نفسه بقبضه فقد اختلف أصحابنا هل له ذلك ويلزم الموكل الاشهاد على نفسه بالقبض أم لا؟ على ثلاثة أوجه. أحدها وهو الصحيح: أن ليس له ذلك ولا يلزم الموكل بالاشهاد على نفسه بالقبض، لان قول الوكيل مقبول في الدفع، فعلى هذا يصير بالمنع ضامنا، وعليه الغرم إن تلف. والوجه الثاني: له الامتناع بالدفع إلا بالاشهاد ليسلم من اليمين مع الاكذاب فعلى هذا لا يصير بالمنع ضامنا ولا غرم عليه إن تلف. والوجه الثالث وهو مذهب مالك: أنه إذا قبض المال بالاشهاد لم يلزم دفعه إلا بالاشهاد، وإن قبضه بغير إشهاد لزمه الدفع بغير إشهاد، فأما من كان غير مقبول القول في الدفع فلا يلزمه الدفع إلا بالاشهاد سواء كان ضامنا كالغاصب والمستعير أو غير ضامن كالمرتهن. فأما المضارب والاجير المشترك - فإن قلنا بأحد الوجهين: إن قوله في الدفع غير مقبول لم يلزمهم الدفع الا بالاشهاد، وان قلنا بالصحيح من المذهب: ان قولهم في الدفع مقبول ففى وجوب الاشهاد لهم ثلاثة أوجه على ما أسلفنا والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

كتاب الوديعة

قال المصنف رحمه الله: كتاب الوديعة (الشرح) يقال: ودعته أدعه ودعا تركته، وأصل المضارع الكسر من ثم حذفت الواو ثم فتح لمكان حرف الحلق، قال بعض المتقدمين: وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضى يدع ومصدره واسم الفاعل، وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبى عبلة ويزيد النحوي " ما ودعك ربك " بالتخفيف، وفى الحديث " لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات " أي تركهم، فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القراء، فكيف يكون اماتة، وقد جاء الماضي في بعض الاشعار وما هذه سبيله فيجوز القول بقلة الاستعمال، ولا يجوز القول بالاماتة، ووادعته موادعة صالحته، والاسم الوداع بالكسر وودعته توديعا والاسم الوداع بالفتح مثل سلم سلاما وهو ان تشيعه عند سفره، والوديعة فعيلة، بمعنى مفعولة، وأودعت زيدا مالا دفعته إليه ليكون عنده وديعة وجمعها ودائع واشتقاقها من الدعة وهى الراحة، أو أخذته منه وديعة، فيكون الفعل من الاضداد لكن الفعل في الدفع أشهر واستودعته مالا دفعته له وديعة يحفظه وقد ودع زيد بضم الدال وفتحها وداعة بالفتح والاسم الدعه وهى الراحة وخفض العيش والهاء عوض من الواو والاصل فيها الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أهلها " وقوله تعالى " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته " وقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ". أما السنه: فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أد الامانه إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه أبو داود والترمذي من حديث أبى هريرة (رض)

وقال: حديث حسن. وأخرجه الحاكم وصححه، وفى إسناده طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبى التياح عن أنس، وفى إسناده أيوب بن سويد وهو مختلف فيه، وقد تفرد به كما قال الطبراني، وقد استنكره أبو حاتم وقد روى هذا الحديث أيضا البيهقى ومالك. وفى هذا الباب عن أبى بن كعب عند ابن الجوزى في العلل المتناهية، وفى إسناده من لا يعرف، وأخرجه أيضا الدارقطني. وعن أبى أمامة عند البيهقى والطبراني بسند ضعيف. وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وأبى نعيم وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبى داود والبيهقي، وفى إسناده مجهول آخر غير الصحابي، لان يوسف بن ماهك رواه عن فلان آخر وقد صححه ابن السكن وعن الحسن مرسلا عند البيهقى. قال الشافعي رضى الله عنه: هذا الحديث ليس بثابت، وقال أحمد: هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح. وقال ابن الجوزى: لا يصح من جميع طرقه، ولا يخفى أن ورود هذا الحديث بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الائمه المعتبرين لبعضها، وتحسين إمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج به. وقوله " ولا تخن من خانك " فيه دليل على عدم جواز مكافأة الخائن بمثل فعله، فيكون مخصصا للعموم في قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " وقوله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " وقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". قال الشوكاني رحمه الله تعالى: إن الادلة القاضية بتحريم مال الآدمى ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الآيات الثلاث، والحديث مخصص لهذه الآيات، فيحرم من مال الآدمى وعرضه ودمه ما لم يكن على طريق المجازاة فإنها حلال إلا الخيانة ولكن الخيانة إنما تكون في الامانة كما يشعر بذلك كلام صاحب القاموس على أن الاحاديث التى يثبت معها أداء الوديعة كثيرة سيأتي كثير منها في فصول هذا الباب إن شاء الله

وأما الاجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الابداع والاستيداع والضرورة تقتضيها وبالناس إليها حاجة فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم ويحتاجون إلى من يحفظ لهم، واشتقاق الوديعة من السكون يقال ودع وديعه فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة، أو هي مشتقه من الخفض والدعه فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الامانه، لان فيها قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يستحب لمن قدر على حفظ الوديعة وأداء الامانه فيها أن يقبلها لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " ولما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله تعالى في عون العبد مادام العبد في عون أخيه فإن لم يكن من يصلح لذلك غيره وخاف ان لم يقبل أن تهلك تعين عليه قبولها، لان حرمة المال كحرمة النفس، والدليل عليه ما روى ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " حومة مال المؤمن كحرمة دمه " ولو خاف على دمه لوجب عليه حفظه، فكذلك إذا خاف على ماله وان كان عاجزا عن حفظها أو لا يأمن أن يخون فيها لم يجز له قبولها، لانه يغرر بها ويعرضها للهلاك، فلم يجز له أخذها. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عن ابن عمر، وروى بعضه ابن ماجه واسناده صحيح ورواه الترمذي يلفظ " المسلم أخو السلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم " قال الترمذي: حديث حسن أما حديث ابن مسعود رضى الله عنه: فقد رواه أبو نعيم في الحلية. قال في الجامع الصغير: وهو غريب ضعيف، وقد وردت أحاديث كثيرة بمعناه أظهرها ما جاء في خطبة الوداع " ان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة

يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذا " واقتران المال والدم والعرض في حرمتها وتشبيه الحرمة بحرمة مكة في يوم الوقوف من شهر ذى الحجة يدل على صحة التساوى بين المال والدماء. أما الاحكام فقد اتفق الائمة كلهم على أن الوديعة من القرب المندوب إليها. واتفقوا على أن حفظها فيه ثواب، وأن قبول حفظها أمانة محضة، وأن الضمان لا يجب على المودع إلا إذا تعدى، وأن القول قوله في تلفها وردها على الاطلاق مع يمينه على تفصيل سيأتي كما سيأتي ما اختلفوا فيه. أما إذا خاف على الوديعة التلف أو الضياع أو عدم القدرة على حمايتها وكان معرضا للغارة، أو كان له غرماء ولا يأمن أن يستولوا عليها وفاء لحقهم، أو كان لا يأمن أن تحدثه نفسه بالخيانة فيها، وجب عليه بذل النصيحة لصاحبها، ولا يجوز له قبولها، حتى لا يغرر بها ويعرضها للهلاك فلم يجز له أخذها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الايداع إلا من جائز التصرف في المال، فإن أودعه صبى أو سفيه لم يقبل لانه تصرف في المال، فلم يصح من الصبى والسفيه كالبيع، فإن أخذها منه ضمنها، لانه أخذ ماله من غير إذن فضمنه كما لو غصبه، ولا يبرأ من الضمان إلا بالتسليم إلى الناظر في ماله، كما نقول فيما غصبه من ماله، وإن خاف المودع أنه إن لم يأخذ منه استهلكه فأخذه ففيه وجهان، بناء على القولين في المحرم إذا خلص طائرا من جارجة وأمسكه ليحفظه (أحدهما) لا يضمن، لانه قصد حفظه (والثانى) يضمن، لانه ثبتت يده عليه من غير ائتمان (الشرح) الاحكام: يشتمل هذا الفصل على أمور: أولها: لا يجوز لاحد أن يقبل الوديعة الا من جائز التصرف، وكما عرفنا من قبل أنه العاقل البالغ ثانيها: إذا أودعه من لا يجوز له التصرف فقبله منه ضمن الوديعة وانتقلت يده من يد أمينة إلى يد ضامنة كالغاصب ثالثها: إذا أراد أن يبرئ ذمته بعد قبض الوديعة فإن عليه أن يسلمها إلى

الناظر في مال الصبى أو المحجور عليه. رابعها: إذا خشى على مال الصبى أو السفيه التلف أو الهلاك أو التبذير أو استهلاكه في غير ما يصلح شأنه كان عليه أن يقبله صيانة له وحفظا من الضياع، كالمحرم إذا خلص طائرا من جارحة وأمسكه ابتغاء حفظه. خامسا: إذا قبله على هذا النحو في الامر الرابع هل عليه ضمانه أم لا؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يضمن لان أخذه كان ضرورة اقتضاها واجب حفظ المال وصيانته (والثانى) وجب عليه الضمان. لانه استقرت يده على الوديعة من غير توفر شرط الائتمان وهو يتسلمها من غير جائز التصرف فكان عليه الضمان كما أسلفنا في الامر الثاني ولا يزول عنه الضمان بردها إليه، وإنما بدفعها إلى وليه الناظر له في ماله أو الحاكم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح إلا عند جائز التصرف، فإن أودع صبيا أو سفيها لم يصح الايداع، لان القصد من الايداع الحفظ، والصبى والسفيه ليسا من أهل الحفظ، فإن أودع واحدا منهما فتلف عنده لم يضمن، لانه لا يلزمه حفظه فلا يضمنه، كما لو تركه عند بالغ من غير إيداع فتلف، وإن أودعه فأتلفه ففيه وجهان (أحدهما) يضمن لانه لم يسلطه على اتلافه فضمنه بالاتلاف، كما لو أدخله داره فأتلف ماله (والثانى) لا يضمن، لانه مكنه من اتلافه فلم يضمنه، كما لو باع منه شيئا وسلمه إليه فأتلفه. (الشرح) الاحكام: كما لا يجوز للعاقل المكلف الرشيد أن يقبل الوديعة من الصبى والسفيه حسبما أسلفنا من البيان، فإنه لا يجوز له أن يودع عند صبى أو سفيه أو مجنون لان الايداع مقصود للحفظ، وهؤلاء ليسوا من أهل الحفظ وهم مفتقرون إلى من يحفظ لهم مالهم، فلا يحفظون مال غيرهم فإذا أودع رجل عند صبى أو معتوه وديعة فتلفت في يده لم يضمنها، سواء حفظها أو فرط فيها، فإن أتلفها أو أكلها أو استهلكها ضمنها في ظاهر المذهب، وبه قال القاضى من الحنابلة والخرقى وابن قدامة، وذهب بعض الحنابلة، وهو

قول أبى حنيفة وبعض أصحابنا إلى أنه لا ضمان عليه، لان ربها سلطه على إتلافها بدفعها إليه، فلا يلزمه ضمانها، ألا ترى أنه لو دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته؟ ولنا أن ما ضمنه باتلافه قبل الايداع ضمنه بعد الايداع كالبالغ، ولا يصح قولهم: إنه سلطه على إتلافها لانه استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فانه سبب للاتلاف، ودفع الوديعة بخلاف ذلك (فرع) إذا ترك ماله عند رجل عاقل من غير إيداع فتلف لا ضمان عليه، كما لو أودعه ويفارق الايداع من حيث التفريط، فلو فرط فيه لم يضمنه في ظاهر المذهب بخلاف المودع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وتنعقد الوديعة بما تنعقد به الوكالة من الايجاب بالقول، والقبول بالفعل، وتنفسخ بما تنفسخ به الوكالة من العزل والجنون والاغماء والموت، كما تنفسخ الوكالة، لانه وكالة في الحفظ، فكان كالوكالة في العقد والفسخ. (الشرح) الاحكام: وتتبع الوديعة الوكالة في جوازها وانعقادها وفسخها، فمن هنا لا تنعقد إلا بالايجاب والقبول. وصورة الايجاب أن يدفع الوديعة إليه - وهذا فعل - فإذا كانت سيارة فأدخلها مرساه أو حظيرته أو جراشه وقال له: هذه سيارتي عندك وديعة صح الايجاب. أما القبول فبأى لفظ دال على القبول يصح عقد الوديعة أما الفسخ فيجرى فيه ما يجرى في فسخ الوكالة، فإذا أراد المودع ردها انفسخ عقدها، لانه متبرع بالقبول. وإذا أراد ربها استردادها وفسخ عقدها كان له ذلك لانه مالكها، كما تنفسخ بجنون أحدهما أو موته أو اغمائه، لان استمرار العقد ينبغى أن تتوفر فيه شروط العقد ابتداء، ويبطل العقد ما يمنعه ابتداء. ففى حالة عزل الوديع نفسه يرد الوديعة إلى ربها، وفى حالة الجنون أو

الاغماء يردها إلى الناظر في مال مالكها، وفى حالة الموت يردها إلى وارثه، فان لم يفعل فقد زال الائتمان وصار ضامنا كالغاصب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والوديعة أمانة في يد المودع، فان تلفت من غير تفريط لم تضمن لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال " من أودع وديعة فلا ضمان عليه " وروى ذلك عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وجابر رضى الله عنهم، وهو اجماع فقهاء الامصار، ولانه يحفظها للمالك فكانت يده كيده، ولان حفظ الوديعة معروف واحسان، فلو ضمنت من غير عدوان زهد الناس في قبولها، فيؤدى إلى قطع المعروف، فان أودعه وشرط عليه الضمان لم يصر مضمونا لانه أمانة فلا يصير مضمونا بالشرط، كالمضمون لا يصير أمانة بالشرط. وإن ولدت الوديعة ولدا كان الولد أمانة، لانه لم يوجد فيه سبب يوجب الضمان لا بنفسه ولا بأمه، وهل يجوز له امساكه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز بل يجب أن يعلم صاحبه، كما لو ألقت الريح ثوبا في داره (والثانى) يجوز، لان ايداع الام ايداع لما يحدث منها. (الشرح) حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رواه الدارقطني. وقال الحافظ ابن حجر: فيه ضعف، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى بلفظ " ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان " وقال الدارقطني: انما نروى هذا عن شريح غير مرفوع. قال الحافظ ابن حجر: في اسناده ضعيفان. وقد روى ابن ماجه عن ابن عمرو بلفظ " من أودع وديعة فلا ضمان عليه " وفى اسناده المثنى بن الصباح وهو متروك، وتابعه ابن لهيعه فيما ذكره البيهقى. وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه من حديث أبى أمامة الباهلى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حجة الوداع " العارية مؤداة، والزعيم غارم "

وحديث الفصل الذى رواه الدارقطني يتجه ضعفه إلى ما اشتهر بين المحدثين من أن عمرو بن شعيب يروى عن أبيه وأبوه شعيب يروى عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وفى سماع شعيب من جده نظر، وقد أثبتت السماع في حاشيتي على تفسير القرآن للعلامة صديق خان المسمى " بفتح البيان في مقاصد القرآن " الصادرة عن مطبعة الامام. وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو، فالضمير في جده يعود على شعيب لا على عمرو، ويمكن حمل الضمير على عمرو وصرف الجد إلى عبد الله لان جد الاب جد، والمدار على ثبوت لقاء شعيب لجده وسماعه منه، وليس منصرفا إلى جده محمد بن عبد الله بن عمرو أما الاحكام: ففى الحديث دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينا على عين من الاعيان كالوديع والمستعير، أما الوديع فلا يضمن بالاجماع إلا لجناية منه على العين. وقد حكى في البحر الاجماع على ذلك. وتأول ما حكى عن الحسن البصري أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة، والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنا، والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن. وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لانه نوع من الخيانة. وقد استدل القائلون بالضمان بحديث الحسن البصري عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " زاد أبو داود والترمذي: قال قتادة ثم نسى الحسن فقال: هو أمينك لا ضمان عليه قال المقبلى في المنار: يستدلون بهذا الحيث على التضمين ولا أراه صريحا، لان اليد الامينة أيضا عليها ما أخذت حتى ترد، والا فليست بأمينة ومستخبر عن سر ليلى تركته * بعمياء من ليلى بغير يقين يقولون خبرنا فأنت أمينها * وما أنا ان خبرتهم بأمين إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية، وليس الفرق بين المضمون

وغير المضمون إلا هذا. وأما الحفظ فمشترك، وهو الذى تفيده " على " فعلى هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال " هو أمينك لا ضمان عليه " بعد رواية الحديث. اه قال الشوكاني " ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة، وبيان ذلك أن قوله " لان اليد الامينة عليها ما أخذت حتى ترد، والا فليست بيد أمينة " يقتضى الملازمة بين عدم الرضا وعدم الامانة، فيكون تلف الوديعة والعارية بأى وجه من الوجوه قبل الرد مقتضيا لخروج الامين عن كونه أمينا وهو ممنوع، فان المقتضى لذلك انما هو التلف بجناية أو خيانه، ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان، إنما النزاع في تلف لا يصير به الامين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه، أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماويه أو سرقة، أو ضياع بلا تفريط، فانه يوجد التلف في هذه الامور مع بقاء الامانة " انتهى. والمقتضى الذى يتوقف عليه فهم الحديث هو الامر المقدور عليه وهو الضمان أو الحفظ، وكل منهما صالح للتقدير ولا يقدران معا، لما تقرر من أن المقتضى لا عموم له، فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير، ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر، وبهذا تعرف أن التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغى وأما مخالفة رأى الحسن لروايته فقد تقرر في الاصول أن العمل بالرواية لا بالرأى، لاسيما إذا تعززت الرواية بعمل الصحابة رضوان الله عليهم ورأيهم وفى مقدمتهم أبو بكر وعمر وعلى وابن مسعود وجابر وممن قال بأن الوديعة أمانة لا يترتب على تلفها ضمان من الوديع إذا لم يفرط شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأى وأحمد، وعن أحمد رواية أخرى " ان ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها لما روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، وأصحاب أحمد يرجحون قول الجمهور على هذا القول

دليلنا: أن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافى الامانة، وحديث عمرو بن شعيب وغيره وعمل الصحابة ومن ذكرنا من أئمة أهل العلم، ولان المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يعود عليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع، وذلك مضر لما بيناه من الحاجة إليها، وما روى عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها، فلا ينافى ما ذكرنا. (فرع) إذا شرط رب الوديعة على المستودع ضمان الوديعة فقبله أو قال: أنا ضامن لها لم يضمن، وبهذا قال الشافعي والثوري وإسحاق وابن المنذر، وقال أحمد: إذا قال: أنا ضامن لها فسرقت لا شئ عليه، وكذلك كل ما أصله الامانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكاله. دليلنا: أنه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه، كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه، لانه أقامه مقام نفسه وكالمضمون لا يصير أمانة بالشرط (فرع) إذا ولدت الوديعة من دابة أو سائمة أو رقيق ولدا، كان ما ولدته أمانة، لانه لا سبب منه ولا من أمه يوجب الضمان، وهل يجوز له إمساكه، باعتبار أنه قدر زاد عن قدر ما أودع عنده؟ فيه وجهان: (أحدهما) لا يجوز، بل يجب أن يعلم صاحبه، كما لو ألقت الريح ثوبا في داره (والثانى) يجوز إمساكه، لان إيداع الام إيداع لما يحدث منها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ومن قبل الوديعة نظرت، فإن لم يعين المودع الحرز لزمه حفظها في حرز مثلها، فإن أخر إحرازها فتلفت لزمه الضمان، لانه ترك الحفظ من غير عذر فضمنها، فإن وضعها في حرز دون حرز مثلها ضمن، لان الايداع يقتضى الحفظ، فإذا أطلق حمل على التعارف، وهو حرز المثل، فإذا تركها فيما دون حرز مثلها فقد فرط فلزمه الضمان، وإن وضعها في حرز فوق حرز مثلها لم يضمن لان من رضى بحرز المثل رضى بما فوقه، فإن قال: لا تقفل عليه فأقفل عليه، أو قال: لا تقفل عليه قفلين، فأقفل قفلين، أو قال: لا ترقد عليه فرقد عليه

فالمذهب أنه لا يضمن، لانه زاده في الحرز، ومن أصحابنا من قال: يضمن، لانه نبه اللص عليه وأغراه به. (فصل) وان عين له الحرز فقال احفظها في هذا البيت فنقلها إلى ما دونه ضمن لان من رضى حرزا لم يرض بما دونه وإن نقلها إلى مثله أو إلى ما هو أحرز منه لم يضمن، لان من رضى حرزا رضى مثله وما هو أحرز منه، وإن قال له احفظها في هذا البيت ولا تنقلها فنقلها إلى ما دونه ضمن، لانه لم يرض بما دونه وإن نقلها إلى مثلها أو إلى ما هو أحرز منه فَفِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يضمن لانه جعله في مثله، فأشبه إذا لم ينهه عن النقل. وقال أبو إسحاق: يضمن لانه نهاه عن النقل فضمنه بالنقل، فإن خاف عليه في الحرز المعين من نهب أو حريق نظرت، فإن كان النهى مطلقا لزمه النقل ولا يضمن، لان النهى عن النقل للاحتياط في حفظها، والاحتياط في هذا الحال أن تنقل، فلزمه النقل، فإن لم ينقلها حتى تلفت ضمنها لانه فرط في الترك وإن قال: له لا تنقل وإن خفت عليها الهلاك فنقلها لم يضمن، لانه زاده خيرا وان تركها حتى تلفت ففيه وجهان. قال أبو العباس وأبو إسحاق: لا يضمن، لان نهيه مع خوف الهلاك أبرأ من الضمان وقال أبو سعيد الاصطخرى: يضمن لان نهيه عن النقل مع خوف الهلاك لا حكم له، لانه خلاف الشرع، فيصير كما لو لم ينهه، والاول أظهر، لان الضمان يجب لحقه فسقط بقوله: وان خالف الشرع كما لو قال لغيره: اقطع يدى أو أتلف مالى. (الشرح) قوله: الحرز المكان الذى يحفظ فيه والجمع أحراز مثل حمل وأحمال، وأحرزت المتاع جعلته في الحرز، ويقال: حرز حريز للتأكيد، كما يقال: حصن حصين واحترز من كذا أي تحفظ وتحرز مثله، ومنه قولهم: أحرز قصب السبق، إذا سبق إليها فضمها دون غيره. أما الاحكام فإن الوديع إذا لم يعين له رب الوديعة المكان الذى يحفظها فيه، عليه أن يجتهد في حفظها بما يحفظ به مثلها، فإذا اشترط عليه أن يحفظها في

صفائح وكانت زيتا أو سمنا فحفظها في زجاج ابتغاء حفظها من الرشح فكسرت القنائن كان عليه ضمانها لانه خالف مالكها، فإذا أمره أن يحفظها في زجاج فكسرت القنائن فلا ضمان عليه فإذا خالفه وحفظها في براميل أو صفائح لا ينقص منها كيلها ولا وزنها فقد زاد خيرا بهذه المخالفة وكان على أمانته، فلو أمره أن يحفظها في حرز من الجلد فحفظها في قماش ضمن. فإذا أمره أن لا يقفل عليها فأقفل عليها، أو أمره أن لا يقفل قفلين فأقفل قفلين، أو قال لا ترقد عليها فرقد عليها فظاهر المذهب عدم الضمان لانها أمور تزيد في وسائل الحفظ، وقوة الحرز. ومن أصحابنا من قال: يضمن، لانه بكثرة احتياطه أو نومه على الصندوق أو شدة اهتمامه يشد انتباه اللصوص إليه. وقال أصحاب أحمد: إذا بالغ في حفظها من غير حاجة ضمن. (فرع) فإذا عين له الحرز فان نقلها إلى ما دونه - أعنى أقل كفاءة في الحفظ - ضمن، فإذا نقلها إلى حرز مثل الذى عينه أو أعلا كفاءة وحفظا؟ ففيه وجهان أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: لا يضمن لانه لا فرق بين الحرزين فكان كأن لم ينقلها، أو كأن ربها لم يعينه، أو لم ينهه عن غير ما عينه. والثانى وهو قول أبى اسحاق المروزى. يضمن، لانه نهاه عن النقل فإذا خالف انتقل من الائتمان إلى الضمان. (فرع) إذا كان الحرز الذى عينه المودع معرضا لخطر الحريق أو السرقة أو كانت رطوبة الارض تنلفه نظرت فان كان نهيه مطلقا بأن قال. لا تنقلها من هنا لزمه مخالفته، لان النهى أريد به التنبيه والاحتياط لحفظها، فان لم ينقلها حتى تلفت ضمنها لتفريطه بتركها معرضة للتلف. (فرع) إذا قال له لا تنقلها وان خفت عليها الهلاك، فخاف عليها الهلاك ونقلها لم يضمن بالمخالفة لانه زاده خيرا، أما إذا لم ينقلها فتلفت فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ. لا يضمن لان نهيه مع خوف الهلاك أبرأه من الضمان. قال أبو سعيد الاصطخرى: عليه الضمان، لان هذا النهى يتعارض مع

مسئولية الامين في الاجتهاد وعدم التفريط شرعا، فلا حكم للنهى وكأنه لم يكن وقد رجح الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الاول لانه بهذه الصورة من النهى قد أهدر حقه في الضمان وإن خالف الشرع، كما لو أمر غيره بقطع يده أو إتلاف ماله فإنه لا ضمان له، وإن أثم الفاعل، وبهذا قال الحنابلة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن أودعه شيئا فربطه في كمه لم يضمن، فإن تركه في كمه ولم يربطه نظرت، فإن كان خفيفا إذا سقط لم يعلم به ضمنه، لانه مفرط في حفظه وإن كان ثقيلا إذا سقط علم به لم يضمن لانه غير مفرط، وان تركه في جيبه فإن كان مزررا أو كان الفتح ضيقا لم يضمن لانه لا تناله اليد، وان كان واسعا غير مزرر ضمن لان اليد تناله. وان أودعه شيئا فقال: أربطه في كمك فأمسكه في يده فتلف فقد روى المزني أنه لا يضمن، وروى الربيع في الام أنه يضمن، فمن أصحابنا من قال: هو على قولين (أحدهما) لا يضمن، لان اليد أحرز من الكم، لانه قد يسرق من الكم ولا يسرق من اليد (والثانى) أنه يضمن، لان الكم أحرز من اليد، لان اليد حرز مع الذكر دون النسيان والكم حرز مع النسيان والذكر. ومن أصحابنا من قال: ان ربطها في كمه وأمسكها بيده لم يضمن، لان اليد مع الكم أحرز من الكم وان تركها في يده ولم يربطها في كمه ضمن، لان الكم أحرز من اليد، وحمل الروايتين على هذين الحالين. وان أمره أن يحرزها في جيبه فأحرزها في كمه ضمن، لان الجيب أحرز من الكم، لان الكم قد يرسله فيقع منه ولا يقع من الجيب، وان قال احفظها في البيت فشدها في ثوبه وخرج ضمنها، لان البيت أحرز، فان شدها في عضده، فان كان الشد مما يلى أضلاعه لم يضمن، لانه أحرز من البيت، وان كان من الجانب الآخر ضمن، لان البيت أحرز منه، وان دفعها إليه في السوق وقال: احفظها في البيت فقام في الحال ومضى إلى البيت فأحرزها لم يضمن، وان قعد في السوق وتوانى ضمنها لانه حفظها فيما دون البيت.

وان أودعه خاتما وقال: احفظه في البنصر فجعله في الخنصر ضمن، لان الخنصر دون البنصر في الحرز، لان الخاتم في الخنصر أوسع فهى إلى الوقوع اسرع. وان قال اجعله في الخنصر فجعله في البنصر لم يضمن، لان البنصر أحرز لانه أغلظ والخاتم فيه أحفظ. وان قال اجعله في الخنصر فلبسه في البنصر فانكسر ضمن لانه تعدى فيه. (الشرح) هذا الفصل تتلخص أحكامه فيما إذا خالف الوديع المودع وكانت المخالفة من تهاون أو تفريط أو ترتب عليها تلف الوديعة ضمن في كل الصور التى ساقها المصنف، لانه لو قال له اربط الدراهم في كمك فأمسكها بيده فضاعت لارتخاء يده أو انفراج أصابعه بنوم أو غفلة أو نسيان فانه يضمن، لان ضياعها كان بسبب المخالفة. ولو قال له: اربطها في كمك فربطها ولم يحكم ربطها ضمن. ولو قال له: ضعها في كور عمامتك فلم يشد عليها العمامة ضمن وهكذا. والجيب عندهم ما ينفتح على النحر. قال تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أراد المودع السفر ووجد صاحبها أو وكيله سلمها إليه، فان لم يجد سلمها إلى الحاكم، لانه لا يمكن منعه من السفر، ولا قدرة على المالك ولا وكيله، فوجب الدفع إلى الحاكم، كما لو حضر من يخطب المرأة والولى غائب، فان الحاكم ينوب عنه في التزويج، فإن سلم إلى الحاكم مع وجود المالك أو وكيله ضمن، لان الحاكم لا ولاية له مع وجود المالك أو وكيله، كما لا ولاية له في تزويج المرأة مع حضور الولى أو وكيله، فان لم يكن حاكم سلمها إلى أمين، لان النبي صلى الله عليه وسلم " كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم أيمن واستخلف عليا كرم الله وجهه في ردها، وان سلم إلى أمين مع وجود الحاكم، ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن وهو ظاهر النص، وهو قول أبى اسحاق لانه أمين فأشبه الحاكم (والثانى) يضمن، وهو ظاهر قوله في الرهن. وهو قول أبى سعيد الاصطخرى، لان أمانة الحاكم مقطوع بها، وأمانة الامين غير

مقطوع بها فلا يجوز ترك ما يقطع به بما لا يقطع به كما لا يترك النص للاجتهاد فإن لم يكن أمين لزمه أن يسافر بها، لان السفر في هذه الحال أحوط، فإن وجد المالك أو الحاكم أو الامين فسافر بها ضمن، لان الايداع يقتضى الحفظ في الحرز، وليس السفر من مواضع الحفظ، لانه إما أن يكون مخوفا أو آمنا لا يوثق بأمنه، فلا يجوز مع عدم الضرورة. وأن دفنها ثم سافر نظرت فان كان في موضع لا يد فيه لاحد ضمن، لان ما تتناوله الايدى معرض للاخذ، فان كان في موضع مسكون فان لم يعلم بها أحدا ضمن، لانه ربما أدركته المنية في السفر فلا تصل إلى صاحبها، فإن أعلم بها من لا يسكن في الموضع ضمن، لان ما في البيت انما يكون محفوظا بحافظ، فان أعلم بها من يسكن في الموضع فان كان غير ثقة ضمن، لانه عرضه للاخذ. وإن كان ثقة فهو كما لو استودع ثقة ثم سافر، وقد بينا حكم من استودع ثم سافر (الشرح) أم أيمن هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورثها عن ابيه وهى أم أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وابن حبه، تزوجها زيد بن حارثة بعد أبى أيمن وكان حبشيا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أم أيمن أمي بعد أمي هاجرت بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عائشة وأسماء وزيد وأسامة، وأدركت المدينة والمسجد يبنى وقد عطشت وهى مهاجرة فنزل لها دلو من السماء فشربت فما ظمئت بعد ذلك أبدا، وكانت تقول ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش في الصوم في الهواجر فما عطشت. والخبر وإن كان شائعا في كتب الفقه، إلا أنه غير موجود في الكتب الستة، وليس في مسند أحمد أو سنن الدارمي أو سنن الدارقطني أو موطأ مالك، وليس في مجمع الزوائد للهيثمي. وليس في أمهات فقه الحديث كنيل الاوطار وسبل السلام، وليس في شئ من كتب تراجم الصحابة كالاستيعاب وسير أعلام النبلاء. وليس في كتب السير الا ما في ابن هشام أن ابن اسحاق قال: بلغني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر جعل عليا على الودائع، ولم يذكر شيئا عن أم أيمن رضى الله عنها.

أما الاحكام فانها تشتمل على ما يأتي: (أولا) يجب على الوديع إذا أزمع السفر أن يردها، فان لم يجد ربها فوكيله والا سلمها إلى الحاكم. قال الشافعي في الام " فان كان المستودع حاضرا أو وكيله لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه أو إلى وكيله، أو يأذن له أن يودعها من رأى فان فعل فأودعها من شاء فهلكت ضمن " وقال الشافعي أيضا " إذا استودع الرجل الرجل وديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن. وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن " اه (قلت) وهذا واضح من كلام المصنف أن الحاكم لا ولاية له مع وجود المالك (ثانيا) إذا لم يقدر على ردها أو ايداعها عند الحاكم فقد قال الشافعي " وان كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا فهلكت لم يضمن، فان أودعها من يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن " ثم قال " لانه يجوز أن يوكل بماله غير أمين، ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين. اه (ثالثا) إذا أودعها أمينا مع وجود الحاكم فعلى الوجهين (أحدهما) وهو ظاهر النص الذى أسلفنا نقله لا يضمن، وبه أخذ أبو إسحاق المروزى (والثانى) وهو ظاهر قول الشافعي في الرهن حيث يقول " وإذا أراد العدل الذى عليه الرهن الذى هو غير الراهن والمرتهن رده بلا علة أو لعلة والمرتهن والراهن حاضران فله ذلك وان كانا غائبين أو أحدهما لم يكن له اخراجه من يدى نفسه، فان فعل بغير أمر الحاكم فهلك ضمن، وان جاء الحاكم فان كان له عذر أخرجه من يديه. وذلك أن يبدو له سفر أو يحدث له. وان كان مقيما لشغل أو علة، وان لم يكن له عذر يحبسه ان كان قريبا حتى يقدما أو يوكلا، فان كانا بعيدا لم أر عليه أن يضطره إلى حبسه، وانما هي وكالة وكل بها بلا منفعة له فيها، ويسأله ذلك فان طابت نفسه بحبسه والا أخرجه إلى عدل غيره " اه ولان أمانة الحاكم أمر قطعي وأمانة غيره كالامين أمر ظنى والقطعي مقدم على الظنى، كالنص يرد الاجتهاد

(رابعا) وإن أراد السفر بها وقد نهاه المالك عن ذلك ضمنها لانه مخالف لصاحبها، وإن لم يكن نهاه لكن الطريق مخوف أو البلد الذى يسافر إليه مخوف ضمنها لانه فرط في حفظها، وإن لم يكن كذلك فله السفر بها عند أحمد وأبى حنيفة سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن. وقال الشافعي: إن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لانه يسافر بها من غير ضرورة، أشبه ما لو كان السفر مخوفا. دليلنا: أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو نائبه أو الحاكم بغير إذنه فهو مفرط عليه الضمان، لانه يفوت على صاحبها إمكان استرجاعها، ويخاطر بها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ المسافر لعلى قلت إلا ما وقى الله " والقلت الهلاك على ما أسلفنا القول. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن حضره الموت فهو بمنزلة من حضره السفر، لانه لا يمكنه الحفظ مع الموت بنفسه: كما لا يمكنه الحفظ مع السفر، وقد بينا حكمه، وإن قال في مرضه: عندي وديعة ووصفها، ولم يوجد ذلك في تركته، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق: لا يضرب المفر له مع الغرماء بقيمتها، لان الوديعة أمانة فلا يضمن بالشك، ومن أصحابنا من قال يضرب المقر له بقيمتها مع الغرماء وهو ظاهر النص، لان الاصل وجوب ردها، فلا يسقط ذلك بالشك. (الشرح) قوله: لا يضرب المقر له. قال ابن بطال: مأخوذ من الضارب الذى يضرب بالقداح، وهو الموكل بها، ومثله الضريب والجمع الضرباء، لانه يضرب مع الغرماء بسهم. أما الاحكام فقد قال المصنف: ان حكم الميت حكم المسافر، وقد مضى في الفصل قبله. أما إذا قال في مرض الموت: عندي وديعة ثم وصفها، فلما مات لم توجد في تركته فقد اختلف فيه أصحابنا، فقد ذهب أبو إسحاق المروزى إلى أنها أمانة لا يجوز أن يسقط الائتمان فيه بالشك، ومن ثم لا يضرب مالكها مع

الغرماء، ومنهم من قال بظاهر النص في مختصر المزني حيث يقول الشافعي " وإذا استودع الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر بالوديعة بعينها، أو قامت عليها بينة - وعليه دين يحيط بماله - كانت الوديعة لصاحبها، فإن لم يعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت، وعرف لها عدد أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء " قلت: وذلك أقيس، لان الله تعالى أمر برد الامانات إلى أهلها، فكان ردها واجبا، ولا يرد الواجب بمجرد الشك. (فرع) إذا أوصى وصيته كتابة وبين فيها وصف الوديعة ووجدت مطابقة لوصفه كانت الوصية بمثابة بينة لصاحبها إذا كان تحريرها مؤرخا في تاريخ قريب من يوم موته، فإن كان في تاريخ بعيد نظرت، فإذا ظهرت احتمالات شرائها من مالكها أو وجدت مبايعة محررة بتاريخ لاحق بطلت الوصيه واعتبرت المبايعة أما إذا وضعها في حرز أو ظرف وكتب عليها اسم صاحبها: فلا تعد هذه الكتابة بينة لمالكها، لانه يحتمل أن يكون الظرف أو الحرز لوديعة قبل هذه، أو كانت وديعة فابتاعها. (فرع) إذا وجد بين أوراق الميت بيان بأن لفلان عندي وديعه لم يلزمه بذلك لجواز أن يكون قد ردها ونسى أن يضرب على ما كتب، أو غير ذلك. (فرع) قال الشافعي: وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بعينها فإن أبا حنيفه يقول: جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وكذلك قال ابن أبى ليلى ثم ساق رواية أبى حنيفة عن إبراهيم مثله، ورواية الحجاج بن أرطاة عن عطاء وإبراهيم مثله. (فرع) إذا ترك الوديع الوصية عند الاشراف على الموت - والوصية كما ستأتي إن شاء الله تعالى مفصلة - أن يعلم بها القاضى أو الامين عند عدم وجود القاضى مع ذكر صفاتها إن كانت غائبه، أو الاشارة إليها إن كانت حاضرة مع الامر بردها إلى المالك أو وكيله فورا، وعلى الوديع إذا مرض مرضا مخوفا أن يبادر بردها إلى ربها أو وكيله فان لم يقدر ردها إلى الحاكم العادل إن وجده، أو يوصى بها إلى من ذكرنا، فان لم يكن حاكم ردها إلى أمين، فان لم يفعل ضمنت

في تركته، وكذا لو أوصى بها إلى فاسق ضمن، وقد ذهب السبكى إلى الضمان إذا تلفت بعد الموت لا قبله وكان لم يوص أو يودع كما أسلفنا، وذهب الاسنوى إلى أنه يصير ضامنا بمجرد المرض حتى لو تلفت بآفة سماوية لتفريطه في ردها، ومحل هذا كله عند التمكن منه ان بالرد أو الايداع أو الوصية، أما موت الفجاءة أو الغيلة فلا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لان المودع لم يرض بأمانة غيره، فان هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمن الاول، لانه سلم ما لم يكن له تسليمه، وله أن يضمن الثاني، لانه أخذ ما لم يكن له أخذه فان ضمن الثاني نظرت، فان كان قد علم بالحال لم يرجع بما ضمنه على الاول، لانه دخل على أنه يضمن فلم يرجع. فان لم يعلم ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يرجع لانه دخل على أنه أمانه. فإذا ضمن رجع على من غره (والثانى) أنه لا يرجع. لانه هلك في يده فاستقر الضمان عليه. فان ضمن الاول. فان قلنا: ان الثاني إذا ضمن يرجع على الاول - لم يرجع الاول عليه وان قلنا انه لا يرجع رجع الاول عليه. فأما إذا استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز. أو سقيها أو علفها. فانه لا يضمن. لان العادة قد جرت بالاستعانة ولانه ما أخرجها عن يده ولا فوض حفظها إلى غيره. (الشرح) قوله: يضمن الاول - من ضمن يضمن بتضعيف الميم لتتعدى إلى مفعولين. ومعناها ألزمه بالضمان. وقال بعض الفقهاء: الضمان مأخوذ من الضم. وهو غلط من جهة الاشتقاق. لان نون الضمان أصلية. وضمنت الشئ كذا جعلته محتويا عليه هكذا ذكر الفيومى في المصباح. (أما الاحكام) فقد قال المزني: قال الشافعي: وإذا أودع الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن ان تلفت. لان المستودع رضى بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره. وكان متعديا ضامنا ان تلفت اه.

(قلت) للايداع لدى غيره صورتان (إحداهما) أن يودعها غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب. وهو قول شريح ومالك وأحمد وأصحابه وأبى حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه. وقال ابن أبى ليلى لا ضمان عليه، لان عليه حفظها وإحرازها. وقد أحرزها عند غيره وحفظها به. ولانه يحفظ ماله بإيداعه، فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها، كما لو حفظها في حرزه. دليلنا أنه خالف المودع فضمنها، كما لو نهاه عن ايداعها، فإنه أمره بحفظها بنفسه ولم يرض لها غيره فإذا ثبت هذا فان له تضمين الاول وليس للاول الرجوع على الثاني لانه دخل معه في العقد على أنه أمين لا ضمان عليه، فان أحب المالك تضمين الثاني كان له ذلك. وقال أبو حنيفة ليس له تضمين الثاني. وهذا هو ظاهر كلام أحمد إذ ذكر الضمان على الاول فقط. دليلنا أنه أخذ ما لم يكن له أخذه، فإذا استعمل المالك حقه وضمنه، فان لم يكن يعلم - أعنى الوديع الثاني - بأن هذه الوديعة ليست لمن أودعها إياه ففى رجوع الثاني على الاول وجهان (أحدهما) أنه يرجع عليه لانه غره ولم يوضح له الامر (والثانى) لا يرجع لانها تلفت في يده فاستقر الضمان عليه، فان قلنا بالوجه الاول برجوع الثاني على الاول فليس للاول أن يرجع عليه. وإن قلنا بالوجه الثاني رجع عليه وإن كان يعلم فلم يغرر به الاول فليس له الرجوع عليه وجها واحدا (فرع) للوديع أن يعين للوديعة إن كانت ماشية من يقوم على رعيها وسقيها، فان كانت تحتاج إلى حمل أو تنظيف أو صيانة فعهد بذلك لمن يقوم به مما جرى العرف ولا يعد هذا إيداعا لغيره وسيأتى مزيد له. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أودعه دراهم فخلطها بمثلها من ماله ضمن، لان صاحبها لم يرض أن يخلط ماله بمال غيره، فان خلطها بدراهم لصاحب الدراهم ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن، لان الجميع له (والثانى) أنه يضمن وهو الاظهر، لانه

لم يرض أن يكون أحدهما مختلطا بالآخر. وإن أودعه دراهم في كيس مشدود فحله أو خرق ما تحت الشد ضمن ما فيه، لانه هتك الحرز من غير عذر، وإن أودعه دراهم في غير وعاء فأخذ منها درهما ضمن الدرهم لانه تعدى فيه ولا يضمن الباقي لانه لم يتعد فيه، فان رد الدرهم فان كان متميزا بعلامة لم يضمن غيره، وان لم يتميز بعلامة فقد قال الربيع يضمن الجميع، لانه خلط المضمون بغيره فضمن الجميع. والمنصوص أنه لا يضمن الجميع، لان المالك رضى أن يختلط هذا الدرهم بالدراهم فلم يضمن. فان أنفق الدرهم ورد بدله، فان كان متميزا عن الدراهم لم يضمن الدراهم لانها باقية كما كانت، وإن كان غير متميز ضمن الجميع لانه خلط الوديعة بمالا يتميز عنها فضمن الجميع (الشرح) الاحكام: إذا خلط دراهمه بمثلها من دراهمه ضمن عندنا، وبهذا قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأى. وقال مالك: لا يضمن. وقال ابن القاسم من المالكية: إن خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن قال في الام: ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقه ثم أخذه فرده بعينه ثم هلكت الوديعة ضمن الدرهم ولا يضمن التسعة، لانه تعدى بالدرهم ولم يتعد بالتسعة، وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ثم رده بعينه ضمنه وقال الربيع: قول الشافعي: إن كان الدرهم الذى أخذه ثم وضع عينه معروفا من الدراهم ضمن عينه ولم يضمن التسعة. وان كان لا يتميز ضمن العشرة. انتهى من الام، ولم أطلع على قول الربيع الذى أشار إليه الشيخ أبو إسحاق قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان أودعه دابة فلم يسقها ولم يعلفها حتى ماتت ضمنها، لانها ماتت بسبب تعدى به فضمنها، وان قال لا تسقها ولا تعلفها فلم يسقها ولم يعلفها حتى ماتت ففيه وجهان. قال أبو سعيد الاصطخرى: يضمن لانه لا حكم لنهيه، لانه يجب عليه سقيها وعلفها، فإذا ترك ضمن كما لو لم ينه عن السقى والعلف وقال أبو العباس وأبو إسحاق: لا يضمن. لان الضمان يجب لحق المالك، وقد رضى بإسقاطه.

(الشرح) الاحكام، قال الشافعي في الام: وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها، فأمر بذلك من يسقى دوابه ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن، وان كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارخا من داره ضمن قال وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ولا علفها فحبسها المستودع مدة إذا أتت على مثلها لم تأكل ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن. وإن كانت تلفت في مدة قد تقيم الدواب في مثلها ولا تتلف فتلفت لم يضمن ممن تركها. وإذا دفع إليه الدابة. اه (قلت) فإذا أودعه بهيمة فأمره بعلفها وسقيها كان واجبا ذلك لوجهين. (الاول) لحرمة صاحبها (والثانى) لحرمة البهيمة لحديث " دخلت امرأة النار في هرة " وإن لم يأمره بقيت في ذمته حرمة البهيمة، كما لو أطلق ولم يأمره. وبهذا قال أحمد والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يلزمه لانه استحفظه اياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها، فإذا لم يعلفها كان التفريط من مالكها دليلنا أنه لا يجوز له إتلافها أو التفريط فيها، فإذا أمره بحفظها تضمن الامر علفها وسقيها. فان قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالانفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن له في الانفاق عليها ليرجع به عليه. فإذا عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الامر إلى الحاكم، فان وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه، وان لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من اجارتها أو بيع جزء منها فان تعذر عليه، علفها وأشهد على ذلك ليرجع به عليه، فإذا نهاه عن إطعامها لتخمة حاصلة لها فأطعمها فتلفت ضمن بالتعدي والمخالفة لعلمه بعلة النهى. وبهذا قال أحمد وأصحابه. وقال بعضهم يضمن مطلقا. أما إذا نهاه عن إطعام بهيمة سليمة فانه لا يضمن إذا تلفت، وعليه إثم ترك إطعامها، لان الضمان يجب لحق المالك وقد أسقطه، وهو قول أبى العباس ابن سريج وأبى إسحاق المروزى. وقال أبو سعيد الاصطخرى يضمن إذ لا حكم لنهيه عما أوجبه الله من حرمة البهيمه. وقال الزركشي " لو كانت الدابة ملكا لغيره، كأن أودع الولى حيوان

محجوره فيشبه أن نهيه كالعدم. قال الشافعي: وإذا أودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعله دينا على المستودع، ويوكل الحاكم بالنفقة من يقبضها منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه أو ببيعها، وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ولا يرجع عليه بشئ، وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة لانه متطوع. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا أخرج الوديعة من الحرز لمصلحة لها، كإخراج الثياب للتشرير لم يضمن، لان ذلك من مصلحة الوديعة، ومقتضى الايداع فلم يضمن به، وإن اخرجها لينتفع بها ضمنها، لانه تصرف في الوديعة بما ينافى مقتضاها فضمن به. كما لو أحرزها في غير حرزها، فإن كان دابة فأخرجها للسقي والعلف إلى خارج الحرز، فإن كان المنزل ضيقا لم يضمن لانه مضطر إلى الاخراج، وإن كان المنزل واسعا ففيه وجهان (أحدهما) يضمن، وهو المنصوص، وهو قول أبى سعيد الاصطخرى. لانه أخرج الوديعة من حرزها من غير حاجة فضمنها، كما لو أخرجها ليركبها. (والثانى) أنه لا يضمنها. وهو قول أبى إسحاق، لان العادة قد جرت بالسقى والعلف خارج المنزل، وحمل النص عليه إذا كان الخارج غير آمن. وان نوى إخراجها للانتفاع كاللبس والركوب، أو نوى أن لا يردها على صاحبها، ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو قول أبى العباس أنه يضمن كما يضمن اللقطة إذا نوى تملكها (والثانى) وهو قول القاضى أبى حامد المروروذى أنه ان نوى اخراجها للانتفاع بها لم يضمن. وان نوى أن لا يردها ضمن، لان بهذه النية صار ممسكا لها على نفسه، وبالنية الاولى لا يصير ممسكا على نفسه (والثالث) وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يضمن، لان الضمان انما يكون بفعل يوقع في العين، وذلك لم يوجد. (الشرح) الاحكام: هناك بعض الودائع لا تحفظ الا بتعريضها للهواء أو الشمس في بعض الاوقات مع عدم المبالغة حتى لا يحول لونها لتأثير الهواء والشمس

على ألوان النسيج وغيره كما هو مشاهد ومعروف في علم الكيمياء حتى ان الضوء له تأثير على الالوان، فإذا شررها - أي نشرها - بفرض حفظها فتلفت أو حالت ألوانها لم يضمن، وإذا بسط السجاد واستعمله حتى لا يتلف بتخزينه كان له استعمالها استعمالا يحفظها، فان هلكت فلا يضمن لانه إذا أهملها تلفت، ولان ذلك من مصلحتها فلم يضمن وقال بعض أصحابنا: لا يضمن الا إذا تحقق أن السارق دله على الموضع بعض من دخل أولا أو دله عليها وان لم يحدد موضعها، فلو أخرجها ليركبها أو كان ثوبا ليلبسه ضمن، أو نوى أن لا يردها على صاحبها فعلى ثلاثة أوجه: (أحدها) وهو قول ابن سريج أنه يضمن، لانه نوى امتلاكها، كما لو التقط شيئا ونوى امتلاكه (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد أنه لا يضمن في الانتفاع ويضمن في عدم الرد (والثالث) وهو قول أكثر الاصحاب أنه لا يضمن لان نية الامتلاك لا تؤثر في عين الوديعة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أخذت الوديعة منه قهرا لم يضمن لانه غير مفرط في ذلك، وان أكره حتى سلمها ففيه وجهان، بناء على القولين فيمن أكره حتى أكل في الصوم (أحدهما) أنه يضمن، لان فوت الوديعة على صاحبها لدفع الضرر عن نفسه، فأشبه إذا أنفقها على نفسه لخوف التلف من الجوع (والثانى) أنه لا يضمن لانه مكره فأشبه إذا أخذت بغير فعل من جهته (فصل) وان طالبه المودع برد الوديعة فأخر من غير عذر ضمن لانه مفرط، فان أخرها لعذر لم يضمن لانه غير مفرط (فصل) وان تعدى في الوديعة فضمنها ثم ترك التعدي في الوديعة لم يبرأ من الضمان لانه ضمن العين بالعدوان فلم يبرأ بالرد إلى المكان، كما لو غصب من داره شيئا ثم رده إلى الدار، فإن قال المودع أبرأتك من الضمان أو أذنت لك في حفظها ففيه وجهان (أحدهما) يبرأ من الضمان وهو ظاهر النص، لان الضمان يجب لحقه فسقط بإسقاطه (والثانى) لا يبرأ حتى يردها إليه، لان الابراء انما يكون عن حق في الذمه، ولا حق له في الذمة فلم يصح الابراء

(الشرح) الاحكام: فرق المصنف بين الاخذ منه قهرا وتسليمها للظالم قهرا فالاخذ قهرا بدون أن يسلم فيها حتى استطاع الظالم أن ينتزعها لم يضمن، أما إذا أكره على تسليمها فسلمها، فإن للمالك تضمينه على أصح الوجهين إذ لا فرق بين أن يسلمها مجبرا وبين أن يسلمها مختارا، ويرجع الوديع على الظالم بما غرمه كما يرجع المالك أيضا، وعلى الوجه الثاني: ليس للمالك تضمين الوديع، لانه أكره ويرجع المالك على الظالم في كلا الحالين، وهما مبنيان على الوجهين فيمن أكره في الصوم على الاكل. (أحدهما) لا يكون مفطرا (والثانى) يحكم بإفطاره. ويجب على الوديع إنكار الوديعة عن الظالم والامتناع عن اعلامه بها جهده، فإن ترك ذلك مع القدرة ضمن، ويجوز له أن يحلف على ذلك لحفظها، ويجب عليه إذا أمكنته التوريه أن يورى فإن لم يمكنه صرح بغير تورية منكرا لها وكفر عن يمينه (فرع) لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها لقوله تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أهلها " ولقوله صلى الله عليه وسلم " أد الامانة إلى من ائتمنك " يعنى عند طلبها، ولانها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره فلزم أداؤها له كالمغصوب والدين الحال، فإن أمتنع فتلفت ضمنها لانه صار غاصبا لامساكه مال غيره بغير إذنه، أما ان طلبها في وقت لا يمكن دفعها إليه لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فان تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه، فإذا قال: أمهلوني حتى أقضى صلاتي أو آكل لانى جائع أو أنام فانى ناعس أو ينهضم عنى الطعام فانى ممتلئ أمهل بقدر ذلك. (فرع) إذا تعدى في الوديعة بأى من أنواع التعدي كجحودها ثم عاد فأقر بها انتقلت يده من الائتمان إلى الضمان ولو زالت أسباب ذلك بالاقرار فانه يبقى على الضمان ولا يبرأ منه الا بالرد وان أقام البينة على تلفها بعد جحودها لم يسقط عنه الضمان، فلو أقام البينة بتلفها قبل جحودها فهل تسمع بينته؟ فيه وجهان. أحدهما: لا تسمع بينته لانه مكذب لها بانكاره الايداع. والثانى: تسمع بينته،

فإذا أبرأه المودع من الضمان، أو أذن له في حفظها بعد ذلك فوجهان. أحدهما وهو ظاهر قول الشافعي: يبرأ من الضمان، لان الضمان وجب لحقه فسقط باسقاطه له. والثانى: لا يبرأ حتى يردها على ربها لان الابراء لا يكون الا عن حق في الذمة فلم يصح. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا اختلف المودع والمودع فقال أودعتك وديعة وأنكرها المودع فالقول قوله، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّ الناس أعطوا بدعاويهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه والبينة على من أنكر " ولان الاصل أنه لم يودعه فكان القول قوله. (فصل) وان ادعى أنها تلفت نظرت، فإن ادعى التلف بسبب ظاهر كالنهب والحريق لم يقبل حتى يقيم البينه على وجود النهب والحريق، لان الاصل أن لا نهب ولا حريق، ويمكن إقامة البينة عليها، فلم يقبل قوله من غير بينة فان أقام البينة على ذلك أو ادعى الهلاك بسبب يخفى فالقول قوله مع اليمين أنها هلكت، لان الهلاك يتعذر إقامة البينة عليه، فقبل قوله مع يمينه. (فصل) وإن اختلفا في الرد فالقول قوله مع يمينه، لانه أخذ العين لمنفعة المالك فكان القول في الرد قوله، وإن ادعى عليه أنه أودعه فأنكر الايداع فأقام المودع بينة بالايداع فقال المودع: صدقت البينه أودعتني، ولكنها تلفت أو رددتها لم يقبل قوله، لانه صار خائنا ضامنا فلا يقبل قوله في البراءة بالرد والهلاك، فإن قال: أنا أقيم البينة بالتلف أو الرد ففيه وجهان (أحدهما) أنها تسمع، لانه لو صدقه المدعى ثبتت براءته، فإذا قامت البينه سمعت (والثانى) لا تسمع، لانه كذب البينة بإنكاره الايداع، فأما إذا ادعى عليه أنه أودعه فقال: ماله عندي شئ فأقام البينه بالايداع فقال: صدقت البينه أودعتني، ولكنها تلفت أو رددتها قبل قوله مع اليمين لانه صادق في إنكاره أنه لا شئ عنده، لانها إذا تلفت أو ردها عليه لم يبق له عنده شئ والله أعلم.

(الشرح) الحديث سبق وسبق تخريجه. اما الاحكام: فإنه إذا ادعى عليه أنه أودعه وديعة فقال: مالك عندي شئ أو لا تستحق على شيئا فالقول قوله. فإذا أقام المالك البينة فأقر الوديع قائلا: صدقت بالبينه ولكنها تلفت، أو قال: ولكني رددتها اليك لم يقبل قوله، لانه خان بجحوده، فلا يقبل قوله في التلف أو الرد. وقد جمع الاستاذ محمد الخضراوي من فقهائنا المعاصرين عناصر ذات فائدة في أحكام دعوى الرد على المالك أو وارثه، قال أثابه الله: وإذا ادعى الوديع رد الوديعة على من ائتمنه من مالك وحاكم وولى ووصى وقيم، صدق بيمينه، وإن أشهد عليه بها عند دفعها لانه ائتمنه. أما لو ضمنها بتفريط أو عدوان فانه لا يقبل دعواه ردها، ويجرى ما ذكر في كل أمين أو وكيل وشريك وعامل قراض وجاب في رد ما جباه على الذى استأجره للجباية كما قاله ابن الصلاح وأمين ادعى الرد على الوديع إذا أودعه عند سفره، لانه ائتمنه بناء على أن للوديع الاسترداد إذا عاد من سفره، وهو المعتمد بخلاف ما إذا ادعى الرد على المالك فانه لا يصدق لانه لم يأتمنه. ولا يصدق ملتقط الشئ ولا من ألقت عليه الريح ثوبا في الرد إلى المالك، لانه لم يأتمنهما وضابط الذى يصدق بيمينه في الرد هو كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه الا المرتهن والمستأجر فانهما يصدقان في التلف لا في الرد، لانهما أخذا العين لغرض أنفسهما. قال ابن القاص وغيره: كل مال تلف في يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه الا فيما إذا استسلف السلطان لحاجة المساكين زكاة قبل حلولها، فتلفت في يده، فيضمنها لهم. وإذا ادعى الوديع الرد على غير من ائتمنه كوارث المالك، أو ادعى وارث الوديع الرد للوديع منه لا من مورثه على المالك أو أودع عند سفره أمينا فادعى الامين الرد على المالك طولب كل من ذكر ببينة بالرد على من ذكر، إذ الاصل عدم الرد ولم يأتمنه. أما إذا ادعى الوارث الرد من مورثه فانه يصدق بيمينه، وصرح به البغوي

وقال الرافعى وهو الوجه، لان الاصل عدم حصولها في يده. وقال ابن أبى الدم انه الاصح، وخالف في ذلك المتولي وقال: يطالب بالبينة. ولو تنازع الوديعة بأن ادعى كل منهما أنه ملكه، فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فان حلف سقطت دعوى الآخر، وان نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وان صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وان قال: هي لاحدكما ونسيته، وكذباه في النسيان ضمن كالغاصب، والغاصب إذا قال: المغصوب لاحدكما وأنسيته، فحلف أحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين. ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك، وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفى العلم بذلك، فان نكل الوارث وأخذها، وان قال الوديع: حبستها عندي لانظر هل أوصى بها مالكها أم لا؟ فهو متعد ضامن. (مسألة) سئل الشيخ عز الدين عن رجل تحت يده وديعه ولم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام فقال: يصرفها في أهم مصالح المسلمين ويقدم اهل الضرورة ومسيس الحاجة، ولا يبنى بها مسجدا، ولا يصرفها الا فيما يجب على الامام العادل صرفها فيه، وان جهله فليسأل أورع العلماء بالمصالح الواجبة التقديم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتاب العارية

كتاب العاريّة العارية بتشديد الياء. يقال تعاوروا الشئ واعتوروه تداولوه. والعارية منه. والاصل فعلية بفتح العين. قال الازهرى: نسبة إلى العارة وهم اسم من الاعارة. يقال أعرته الشئ إعارة وعارة، مثل أطعته إطاعة وطاعه، وأجبته إجابه وجابه. وقال الليث: سميت عاريه لانها عار على طالبها، وقال الجوهرى مثلة. وبعضهم يقول مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها وهما غلط، لان العارية من الواو، لان العرب تقول: هم يتعاورون العوارى ويتعورونها بالواو إذا أعار بعضهم بعضا. والعار وعار الفرس من الياء فالصحيح ما قال الازهرى، وقد تخفف العارية في الشعر والجمع العوارى بالتخفيف وبالتشديد على الاصل، واستعرت منه الشئ فأعارنيه. والفقهاء يذهبون دائما إلى الاخذ بقول الجوهرى قال ابن قدامة: العارية إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال مشتقة من عار الشئ إذا جاء. ومنه قيل للبطال عيار لتردده في بطالته. اه وهو كما أوضحنا خطأ لانه من مادة أخرى، وقال ابن بطال: ومنه سميت العير لذهابها وعودتها، وهو خطأ كما قلنا، وقال ابن الاثير مثله قال المصنف رحمه الله تعالى: الاعارة قربة مندوب إليها لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " وروى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت بقاع قرقر تشتد عليه بقوائمها وأخفافها، قال رجل يا رسول الله ما حق الابل؟ قال حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها " (فصل) ولا تصح الاعارة إلا من جائز التصرف في المال، فأما من لا يملك التصرف في المال كالصبى والسفيه فلا تصح منه لانه تصرف في المال فلا يملكه الصبى والسفيه كالبيع

(فصل) وتصح الاعارة في كل عين ينتفع بها مع بقائها، كالدور والعقار والعبيد والجوارى والثياب والدواب والفحل للضراب، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ذكر إعارة دلوها وإعارة فحلها. وروى أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من أبى طلحة فرسا فركبه " وروى صفوان " أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا غزاة حنين " فثبت في هذه الاشياء بالخبر وقسنا عليها كل ما كان ينتفع به مع بقاء عينه (الشرح) الاصل في العارية الكتاب والسنه والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (ويمنعون الماعون) روى عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا: العوارى. وفسرها ابن مسعود فقال: القدر والميزان والدلو، وقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وأما السنة فما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في خطبة الوداع " العارية مؤداة والدين مقضى والمنحه مردودة والزعيم غارم " أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وروى صفوان بن أميه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين فقال: أغصبا يا محمد؟ قال " بل عاريه مضمونه " رواه أبو داود وأحمد والنسائي والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس، ولفظه " بل عاريه مؤداة " وفى روايه لابي داود " ان الادراع كانت ما بين الثلاثين إلى الاربعين " ورواه البيهقى عن أميه بن صفوان مرسلا، وبين أن الادراع كانت ثمانين، ورواه الحاكم من حديث جابر بن عبد الله، وذكر أنها مائة درع، وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث، قال ابن حزم: أحسن ما فيها حديث يعلى ابن أميه وقد سقناه في الوكالة أما حديث جابر في الفصل فقد رواه أحمد ومسلم، فقد استوفى الكلام عليه الامام النووي في كتاب الزكاة من المجموع وأما الاجماع فقد انعقد من الامه كلها على أن العارية مندوب إليها لانها من القربات

وأما القياس فلانه لما جازت الهبة بالاعيان جازت الهبة بالمنافع. ولذلك صحت الوصية بالاعيان والمنافع جميعا، ولانه سبحانه قال " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " والعارية من المعروف، وقال " وتعاونوا على البر والتقوى " والعارية من البر، والماعون والماعون كان متعارفا عليه في الجاهلية بأنه كل ما فيه منفعه من قليل أو كثير قال الاعشى: بأجود منه بما عونه * إذا ما سماؤهم لم تغمأ وفى الاسلام الطاعة والزكاة والمعروف وأنشدوا للراعي: أخليفة الرحمن إنا معشر * حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله في أموالنا * حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الاسلام لما يمنعوا * ما عونهم ويضيعوا التهليلا أما الاحكام فإن العارية تفتقر إلى ثلاثة أشياء: معير ومستعير ومعار، فالمعير وهو كل من كان مالكا مطلق التصرف جاز أن يكون معيرا، ولا يجوز من غير مالك ولا ممنوع من التصرف. وأما المستعير فكل من صح منه قبول الهبة صح منه طلب العارية لانها نوع من الهبة. وأما المعار فهو كل مملوك صح الانتفاع به مع بقاء عينه، ولا يصح فيما لا ينتفع به مع بقاء عينه كالمأكولات، لاختصاص العارية بالمنافع دون الرقاب. فأما الفضه والذهب فتنقسم ثلاثة أقسام: قسم يجوز إعارته واجارته وهو الحلى لاباحة الانتفاع به مع بقاء عينه، وقسم لا تجوز اعارته ولا اجارته، وهو الاواني المحظور الانتفاع بها مع بقاء عينها، وقسم تجوز اعارته، وفى جواز اجارته وجهان وهو الدراهم والدنانير، لان في التجمل بهما نفعا، والفرق بين العارية والاجارة وان اختصا بملك المنفعة أن حكم العارية أوسع من حكم الاجارة، لانه يجوز أن يستعير فحل ضراب ولا يجوز أن يستأجره والحيوان على أربعة أقسام: أحدها ما يجوز اعارته واجارته، وهو كل ما يقتنى المنفعة، كالدواب للانتفاع بظهورها والجوارح المنتفع بصيدها،

والثانى: ما لا يجوز إعارته ولا إجارته، وهو نوعان (أحدهما) ما كان محرما. (والثانى) ما كانت منفعته عينا، فأما المحرم الانتفاع به فالسباع والذئاب والكلاب غير المعلمة، فلا يجوز أن تعار ولا أن يؤاجر، وأما ما كانت منفعته عينا فذات الدر من المواشى كالغنم فلا يجوز أن تعار ولا تؤاجر لاختصاص العارية والاجارة بالمنافع دون الاعيان، ولكن يجوز أن تمنح قال الشافعي: والمنحة أن يدفع الرجل ناقته أو شاته إلى رجل ليحلبها ثم يردها فيكون اللبن ممنوحا. وروى الشافعي عن مالك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المنحة أفضل الصدقة تغدو بأجر وتروح بأجر. والقسم الثالث ما تجوز إعارته ولا تجوز إجارته كالفحول إذ إجارتها ثمن لعسبها، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن عسب الفحل والقسم الرابع ما تجوز إعارته، وفى جواز إجارته وجهان، وهو ما انتفع به من كلاب الصيد والفحول لغير العسب، وإذا صحت إعارة البهائم دون إجارتها فعلفها ومؤونتها على المالك دون المستعير والمستأجر، لان ذلك من حقوق الملك، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا يجوز اعارة جارية ذات جمال لغير ذى رحم محرم، لانه لا يأمن أن يخلو بها فيواقعها، فإن كانت قبيحه أو كبيرة لا تشتهى لم يحرم، لانه يؤمن عليها الفساد، ولا تجوز اعارة العبد المسلم من الكافر، لانه لا يجوز أن يخدمه. ولا تجوز اعارة الصيد من المحرم، لانه لا يجوز له امساكه ولا التصرف فيه. ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة، لانه يكره أن يستخدمهما فكره استعارتهما لذلك. (فصل) ولا تنعقد الا بإيجاب وقبول لانه ايجاب حق لآدمي فلا يصح الا بالايجاب والقبول كالبيع والاجارة، وتصح بالقول من أحدهما والفعل من الآخر، فإن قال المستعير أعرني فسلمها إليه انعقد، وان قال المعير: أعرتك

فقبضها المستعير انعقد، لانه اباحة للتصرف في ماله، فصح بالقول من احدهما والفعل من الآخر، كإباحة الطعام (الشرح) هذا الفصل فيه من محاسن الاسلام في معاملة السبى، وهو ظاهرة اجتماعية عالمية جاء الاسلام لتصفيتها بالتقرب إلى الله تعالى بفك رقابها. ومن ذلك أن المرء إذا كانت عنده جارية جميلة فإنه لا يجوز اعارتها لخدمه آخر حتى لا يؤدى ذلك إلى اغرائه بأن ينزو عليها، ويسرى هذا الامر على الخادمات اللائى يغشين المنازل في زماننا هذا لاداء بعض الخدمة واعانة ربات البيوت على بعض ما يشق عليهن، فلا يجوز اعارة مثل هؤلاء الخادمات إذا كن جميلات، كما يكره للرجل أن يتحرى أن تكون خادمته ذات جمال، كما لا يجوز للمرء أن يستخدم أباه ولا أن يستعيره لخدمته، وهذا الحكم في شكله الذى سقناه هو الملائم الآن. اه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإذا قبض العين ضمنها، لما روى صفوان " أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال أغصبا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة ولانه مال لغيره أخذه لمنفعة نفسه، لا على وجه الوثيقة، فضمنها كالمغصوب فان هلكت نظرت، فان كان مما لا مثل له ففى ضمانها وجهان (أحدهما) يضمنها بأكثر ما كانت قيمتها مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كَالْمَغْصُوبِ، وتصير الاجزاء تابعة للعين ان سقط ضمانها بالرد سقط ضمان الاجزاء وان وجب ضمانها بالتلف وجب ضمان الاجزاء (والثانى) أنها تضمن بقيمتها يوم التلف وهو الصحيح، لانا لو ألزمناه قيمتها أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ أوجبنا ضمان الاجزاء التالفة بالاذن، وهذا لا يجوز، ولهذا لو كانت العين باقية وقد نقصت أجزاؤها بالاستعمال لم يجب ضمانها وان كان مما له مثل. فإن قلنا فيما لا مثل له انه يضمن بأكثر ما كانت قيمته لزمه مثلها، وان قلنا انه يضمن بقيمته يوم التلف ضمنها بقيمتها

واختلف أصحابنا في ولد المستعارة فمنهم من قال: إنه مضمون لانها مضمونة فضمن ولدها كالمغصوبة، ومنهم من قال: لا يضمن: لان الولد لم يدخل في الاعارة فلم يدخل في الضمان، ويخالف المغصوبة، فإن الولد يدخل في الغصب فدخل في الضمان، فإن غصب عينا فأعارها من غيره، ولم يعلم المستعير وتلفت عنده، فضمن المالك المستعير لم يرجع بما غرم على الغاصب، لانه دخل على أنه يضمن العين، وإن ضمنه أجرة المنفعة فهل يرجع على الغاصب؟ فيه قولان، بناء على القولين فيمن غصب طعاما وقدمه إلى غيره. أحدهما: يرجع لانه غره والثانى: لا يرجع، لان المنافع تلفت تحت يده. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: العارية كلها مضمونة، الدواب والرقيق والدور والثياب لا فرق بين شئ منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والاشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة، فما كان منها مضمونا مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفى فهو مضمون على الغاصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفى فالقول فيها قول المستودع مع يمينه وخالفنا بعض الناس في العارية فقال: لا يضمن شيئا إلا ما تعدى فيه، فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله، وقال: ما حجتكم في تضمينها. قلنا: استعار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صفوان فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عارية مضمونه مؤداة " قال: أفرأيت إذا قلنا: فان شرط المستعير الضمان ضمن وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا: فأنت إذن تترك قولك. قال: وأين؟ قلنا: أليس قولك: إنها غير مضمونة إلا أن يشترط؟ قال: بلى، قلنا: فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب؟ قال لا يكون ضامنا، قلنا فما تقول في المستسلف إذا اشترط أنه غير ضامن؟ قال. لا شرط له ويكون ضامنا. قلنا. ويرد الامانة إلى أصلها والمضمون إلى أصله ويبطل الشرط فيهما جميعا؟ قال. نعم، قلنا. وكذلك ينبغى لك أن تقول في العارية، وبذلك شرط النبي صلى الله عليه وسلم

أنها مضمونة الا لما يلزم. قال. فلم شرط؟ قلنا لجهالة صفوان، لانه كان مشركا لا يعرف الحكم، ولو عرفه ما ضر الشرط إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة وخلاص عقدك في البيع، ولو لم يشترط كان عليه العهدة والخلاص أو الرد، قال. فهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية، وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضى الله عنهما " ان العارية مضمونة " وكان قول أبى هريرة في بعير استعير فتلف. انه مضمون اه. وقال الماوردى في الحاوى: فتمامها بالقبض فقد اتفق الفقهاء على أن ما تلف من أجزائها بالاستعمال غير مضمون على المستعير، واختلفوا في تلف عينها على خمسة مذاهب. (أحدها) وهو مذهب الشافعي أنها مضمونة عليه سواء تلفت بفعل آدمى أو بجائحة سماوية، وبه قال من الصحابة ابن عباس وعائشة وأبو هريرة رضى الله عنهم ومن التابعين عطاء ومن الفقهاء أحمد بن حنبل. (والمذهب الثاني) وهو مذهب أبى حنيفه أنها غير مضمونه عليه الا بالتعدي وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والاوزاعي. (والثالث) وهو مذهب مالك: ان كان مما يخفى هلاكه ضمن، وان كان مما يظهر لم يضمن. (والرابع) وهو مذهب الشيعة: ان تلفت بالموت لم يضمن، وان تلفت بغيره ضمن. (والخامس) وهو مذهب قتادة وعبيد الله الحسن العنبري وداود: ان شرط ضمانها لزم، وان لم يشترط لم يلزم، واستدلوا على سقوط الضمان بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وهذا نفى، وبرواية عطاء بن أبى رباح عن صفوان ابن يعلى عن أبيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين بعيرا وثلاثين درعا فقلت يا رسول الله أعارية مضمونه أو عاريه مؤداة قال: بل مؤداة " قالوا: فقد نفى الضمان عنها فلم يجز أن يتوجه إليها قالوا: ولانه

مستعار تلف بغير تفريط فوجب أن لا يضمنه المستعير قياسا على تلف الاجزاء قالوا: ولان ما لم تكن أجزاؤه مضمونه لم تكن جملته مضمونه كالودائع طردا والغصوب عكسا. دليلنا رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " على اليد ما أخذت حتى تؤدى " وهذا تضمين، ثم ساق الماوردى حديث صفوان المار كدليل آخر، فإن قيل: هو محمول على ضمان الرد كالودائع التى هي مضمونة الرد، وليست مضمونة العين، قيل: إطلاق القول يتناول ضمان الاعيان، ولذلك امتنع أن يطلق على الامانات المؤداة حكم الضمان، على أنه روى عنه صلى الله عليه وسلم قال " عارية مضمونه مؤداة " وكان الاداء محمولا على الرد والضمان على التلف، ثم يجيب صاحب الحاوى على اعتراضات المخالفين فيقول عن حديث ليس على المستعير غير المغل ضمان: الجواب من وجهين: أحدهما أنه محمول على ضمان الاجزاء التالفه بالاستعمال وهذا وان كان تخصيصا فلما عارضه من الاخبار المخصصة. والثانى: أن المغل في هذا الموضع ليس بمأخوذ من الخيانه والغلول وإنما هو مأخوذ من استغلال الغلة، يقال: هذا غل فهو مغل إذا أخذ الغلة. قال زهير بن أبى سلمى: فتغل لكم مالا تغل لامثالها * قرى بالعراق من قفيز ودرهم فيكون لا ضمان على المستعير غير المستغل أي غير القابض لانه بالقبض يصير مستغلا وهذا صحيح، وأما الجواب عن " عارية مضمونة أو مؤداة؟ " فهو أن معناه عارية مضمونه بالبدل، أو مؤداة العين استعلاما لحكمها هل تؤخذ على طريق البدل والمعاوضة أو على طريق الرد والاداء فأخبر أنها مؤداة العين، لا يملكها الآخذ بالبدل، وأما تلفها بالاستعمال المأذون فيه كالثوب المستعار إذا بلى باللبس لم يضمنه المستعير، والمعنى فيه أنه أتلفه بإذن مالكه فسقط عنه ضمانه، والعارية إذا تلفت بغير إذن مالكها وجب عليه ضمانها، ولو تلف الثياب بغير اللبس المأذون فيه كأن شد فيها متاعا أو حل فيها ترابا ضمن، وعند أحمد في أظهر القولين يجب ضمانها لو بليت باللبس.

(فرع) لا يخلو حال العارية إذا تلفت عن أحد أمرين. اما أن يكون لها مثل أو لا مثل لها، فإن لم يكن لها مثل ضمنها بالقيمه، وفيها وجهان. (أحدهما) يضمن قيمتها يوم التلف ليسقط ضمان الاجزاء التالفه بالاستعمال (والوجه الثاني) أنه يضمن أكثر قيمتها من حين القبض إلى حين التلف كالغصب، وتصير الاجزاء تبعا للجملة، فإن كان للعارية مثل ففى ما يضمنها به وجهان بناء على صفة ضمان مالا مثل له. (أحدهما) يضمنها بالمثل إذا جعل ضمانها في أكثر الاحوال كالغصب (والثانى) يضمنها بالقيمة إذا جعل ضمانها وقت التلف. فأما ما تنتجه العارية من ولد إذا حدث في يد المستعير ففى وجوب ضمانه عليه وجهان، أحدهما: عليه ضمانه لان ولد المضمون مضمون كالمغصوبه، والوجه الثاني: لا ضمان عليه لان معنى الضمان في الام معدوم في الولد بخلاف الغصب لان ولد العارية لا يكون مستعارا، وولد المغصوبة يكون مغصوبا. وأما قول الشافعي في موضع من كتاب الاجارات: ان العارية غير مضمونه الا بالتعدي - وهو ما أشرنا إليه في كتاب الضمان - فليس بقول ثان في سقوط ضمانها كما وهم فيه الربيع، وهو محمول على أحد ثلاثة أوجه، اما على سقوط ضمان الاجرة، أو على سقوط ضمان الاجزاء: أو حكاية عن مذهب غيره كما قال: يجوز نكاح المحرم حكاية عن مذهب غيره وفرع عليه وان لم يعلنه مذهبا لنفسه والله أعلم. هذا وما يتعلق بالغصب في هذا الفصل آت ان شاء الله في الغصب ومن الله التوفيق. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز للمعير أن يرجع في العارية بعد القبض، ويجوز للمستعير أن يرد، لانه اباحة فجاز لكل واحد منهما رده كإباحة الطعام. وإذا فسخ العقد وجب الرد على المستعير، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدرعا وسلاحا، فقال أعارية مؤداة؟ قال: عارية مؤداة، ويجب ردها إلى المعير أو إلى وكيله، فان ردها إلى المكان

الذى أخذها منه لم يبرأ من الضمان، لان ما وجب رده وجب رده إلى المالك أو إلى وكيله كالمغصوب والمسروق. (فصل) ومن استعار عينا جاز له أن يستوفى منفعتها بنفسه وبوكيله، لان الوكيل نائب عنه، وهل له أن يعير غيره؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز كما يجوز للمستأجر أن يؤجر (والثانى) لا يجوز وهو الصحيح، لانه إباحة فلا يملك بها الاباحة لغيره كإباحة الطعام، ويخالف المستأجر فإنه يملك المنافع. ولهذا يملك أن يأخذ عليه العوض، فملك نقله إلى غيره كالمشترى للطعام والمستعير لا يملك، ولهذا لا يملك أخذ العوض عليه، فلا يملك نقله إلى غيره، كمن قدم إليه الطعام. (فصل) وتجوز الاعارة مطلقا ومعينا، لانه إباحة فجاز مطلقا ومعينا كإباحة الطعام، فإن قال: أعرتك هذه الارض لتنتفع بها، جاز له أن يزرع ويغرس ويبنى، لان الاذن مطلق، وإن استعار للبناء أو للغراس جاز له أن يزرع لان الزرع أقل ضررا من الغراس والبناء فإذا رضى بالبناء والغراس رضى بالزرع ومن أصحابنا من قال: إن استعار للبناء لم يزرع، لان في الزرع ضررا ليس في البناء، وهو أنه يرخى الارض، وإن استعار للزرع لم يغرس ولم يبن، لان الغراس والبناء أكثر ضررا من الزرع فلا يكون الاذن في الزرع إذنا في الغراس والبناء. وإن استعار للحنطة زرع الحنطة وما ضرره ضرر الحنطة، لان الرضا بزراعة الحنطة رضا بزراعة مثله،. وإن استعار للغراس أو البناء ملك ما أذن فيه منهما، وهل يملك الآخر؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يملك الآخر، لان الغراس والبناء يتقاربان في البقاء والتأبيد فكان الاذن في أحدهما إذنا في الآخر (والثانى) أنه لا يجوز، لان في كل واحد منهما ضررا ليس في الآخر، فان ضرر الغراس في باطن الارض أكثر، وضرر البناء في ظاهر الارض أكثر، فلا يملك بالاذن في أحدهما الآخر (الشرح) أما الاحكام فانه إذا طالب المعير بردها كانت ضرورة ردها واجبة على المستعير بخلاف المستأجر، والفرق بينهما أن تسليم المنفعة في الاجارة مستحق

على المؤاجرة فكانت مؤونه الرد عليه، وتسليمها في العارية هبة للمستعير فكانت مؤونة الرد عليه. فإذا استعار دابة ثم ردها إلى اصطبل المعير لم يبرأ من ضمانها حتى يدفعها إلى المعير أو وكيله فيها. وقال أبو حنيفة: يبرأ منها بردها إلى الاصطبل استحسانا لا قياسا وهذا خطأ، لان الاصطبل لو كان كيده لاقتضى أن يكون سارقها من الاصطبل إذا ردها إليه أن يسقط عنه ضمانها كما يسقط بردها إلى يده، وفى بقاء الضمان عليه دليل على أن ليس عودها إلى الاصطبل عودا إلى يده. وقال الحنابلة إن كانت العين باقية فعلى المستعير ردها إلى المعير أو وكيله في قبضها، ويبرأ بذلك من ضمانها. وان ردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده كزوجته المتصرفة في ماله ورد الدابة إلى سائسها فقياس المذهب أنه يبرأ (فرع) إذا استعار شيئا فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله، لان وكيله نائب عنه ويده كيده، وليس له أن يؤجره لانه لم يملك المنافع فلا يصح أن يملكها غيره، لان المستعير لا يملك العين، وليس للمستعير استعمال المعار الا فيما أذن له فيه، وليس له أن يعيره غيره. وهذا هو الوجه الاصح عندنا، ولا قول غيره عند الحنابلة. والوجه الآخر له ذلك - وهو قول أبى حنيفة - لانه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كما للمستأجر أن يؤجر، قال أصحاب الرأى: إذا استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره فلبسه فهو ضامن، وان لم يسم من يلبسه فلا ضمان عليه. وقال مالك: إذا لم يعمل بها الا الذى كان يعمل بها الذى أعيرها فلا ضمان عليه. ولنا أن العارية اباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره كاباحة الطعام، وفارق الاجارة لانه ملك الانتفاع على كل وجه فملك أن يملكها، وفى العارية لم يملكها انما ملك استيفاءها على وجه ما أذن له فأشبه من أبيح له أكل الطعام، فعلى هذا ان أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل، وله أن يطالب من شاء منهما، لان الاول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير اذنه. والثانى استوفاه بغير اذنه فان ضمن الاول رجع على الثاني، لان الاستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عليه، وان ضمن الثاني لم يرجع على الاول الا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل

أن يستقر الضمان على الاول لانه غر الثاني. ودفع إليه العين على أنه يستوفى منافعها بغير عوض، وإن تلفت العين في يد الثاني استقر الضمان عليه بكل حال، لانه قبضها على أن تكون مضمونة عليه، فان رجع على الاول رجع الاول على الثاني. وإن رجع على الثاني لم يرجع على أحد على احد القولين والثانى: له أن يرجع، وسيأتى في الغصب إن شاء الله (فرع) تجوز الاعارة مطلقا ومقيدا لانها إباحة فجاز فيها إباحة ذلك كاباحة الطعام، ولان الجهالة إنما تؤثر في العقود اللازمة، فإذا أعاره شيئا مطلقا أبيح له الانتفاع به في كل ما هو مستعد له من الانتفاع به، فإذا أعاره أرضا مطلقا فله أن يزرع فيها ويغرس ويبنى ويفعل فيها كل ما هي معدة له من الانتفاع لان الاذن مطلق، وإن أعاره للغراس أو للبناء فله أن يزرع فيها ما شاء لان ضرره دون ضررهما، فكأنه استوفى بعض ما أذن له فيه، وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم يبن، لان ضررهما أكثر، فلم يكن الاذن في القليل إذنا في الكثير. وإن استعارها للغراس أو للبناء ملك المأذون فيه منهما وفى امتلاك الآخر وجهان (أحدهما) يملك الآخر لان الغراس والبناء يتقاربان في البقاء والتأبيد فكان الاذن في أحدهما إذنا في الآخر (والثانى) لا لاختلاف كل منهما. ولان ضررهما مختلف، فان ضرر الغراس في باطن الارض لانتشار العروق فيها، وضرر البناء في ظاهرها فلم يكن الاذن في أحدهما إذنا في الاخر. وإن استعارها لزرع الحنطة فله زرعها وزرع ما هو أقل ضررا منها كالشعير والباقلا والعدس، وله زرع ما ضرره كضرر الحنطه، لان الرضى بزراعة شئ رضى بضرره وما هو دونه، وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه كالذرة والدخن والقطن. لان ضرره أكثر، وحكم إباحة الانتفاع في العارية كحكم الانتفاع في الاجارة فيما له أن يستوفيه، وما يمنع منه. وفى الاجارة مزيد إن شاء الله تعالى. ولما كانت بعض النباتات تجهد الارض مثل القطن، ولذا تحتاج إلى تسميد وسباخ وبعضها يفيد الارض كالفول والبرسيم فانهما يفيدان الارض ويكسبانها

مادة الا زوت. وفى البرسيم ميزة أخرى وهى تمكين الماشية والدواب من التغذى به بربطها عليه فتحدث أنفاسها، وبخاصة أنفاس الغنم، وكذلك أبوالها وأرواثها تسميدا للارض يكسبها قوة ويكمل في التربة بالمواد العضوية من الكفاءة والقوة والخصب مالا يتوفر في الذرة والقمح والقطن التى تضعف خصوبة التربة، فان اختلاف ضرر الارض أو انتفاعها يختلف باختلاف مزروعها. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن أعاره أرضا للغراس أو البناء فغرس وبنى ثم رجع لم يجز أن يغرس ويبنى شيئا آخر، لانه يملك الغراس والبناء بالاذن وقد زال الاذن، فأما ما غرس وبنى فينظر، فان كان قد شرط عليه القلع أجبر على القلع، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " ولانه رضى بالتزام الضرر الذى يدخل عليه بالقلع، فإذا قلع لم تلزمه تسوية الارض، لانه لما شرط عليه القلع رضى بما يحصل بالقلع من الحفر، ولانه مأذون فيه فلا يلزمه ضمان ما حصل به من النقص، كاستعمال الثوب لا يلزمه ضمان ما يبلبه منه، وان لم يشرط القلع نظرت، فان لم تنقص قيمة الغراس والبناء بالقلع قلع، لانه يمكن رد العارية فارغة من غير اضرار، فوجب ردها، فان نقصت قيمة الغراس والبناء بالقلع نظرت، فان اختار المستعير القلع كان له ذلك. لانه ملكه فملك نقله فإذا قلعه فهل تلزمه تسوية الارض؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تلزمه، لانه لما أعاره مع العلم بأن له أن يقلع، كان ذلك رضا بما يحصل بالقلع من التخريب فلم تلزمه التسويه. كما لو شرط القلع (والثانى) تلزمه لان القلع باختياره، فانه لو امتنع لم يجبر عليه فلزمه تسوية الارض، كما لو أخرب أرض غيره من غير غراس، وان لم يختر القلع نظرت، فان بذل المعير قيمة الغراس والبناء ليأخذه مع الارض أجبر المستعير عليه، لانه رجوع في العارية من غير اضرار، وان ضمن أرش النقص بالقلع أجبر المستعير على القلع، لانه رجوع في العارية من غير إضرار. وان بذل المعير القيمة ليأخذه مع الارض، وبذل المستعير قيمة الارض

ليأخذها مع الغراس قدم المعير، لان الغراس يتبع الارض في البيع فجاز أن يتبعها في التملك، والارض لا تتبع الغراس في البيع فلم تتبعه في التملك، وإن امتنع المعير من بذل القيمة وأرش النقص وبذل المستعير أجرة الارض لم يجبر على القلع لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " وهذا ليس بظالم فوجب أن يكون له حق، ولانه غراس مأذون فيه فلا يجوز الاضرار به في قلعه، وإن لم يبذل المستعير الاجرة ففيه وجهان (أحدهما) لا يقلع لان الاعارة تقتضي الانتفاع من غير ضمان (والثانى) يقلع لان بعد الرجوع لا يجوز الانتفاع بماله من غير أجرة (فصل) وإذا أقررنا الغراس في ملكه فأراد المعير أن يدخل إلى الارض للتفرج أو يستظل بالغراس لم يكن للمستعير منعه، لان الذى استحق المستعير من الارض موضع الغراس. فأما البياض فلا حق للمستعير فيه فجاز للمالك دخوله وإن أراد المستعير دخولها نظرت فإن كان للتفرج والاستراحة لم يجز، لانه قد رجع في الاعارة فلا يجوز دخولها من غير إذن، وإن كان لاصلاح الغراس أو أخذ الثمار ففيه وجهان (أحدهما) لا يملك لان حقه إقرار الغراس والبناء دون ما سواه (والثانى) أنه يملك، وهو الصحيح لان الاذن في الغراس إذن فيه فيما يعود بصلاحه وأخذ ثماره، وإن أراد المعير بيع الارض جاز لانه لا حق فيها لغيره فجاز له بيعها، وإن أراد المستعير بيع الغراس من غير المعير، ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه ملك له لا حق فيه لغيره (والثانى) لا يجوز لان ملكه غير مستقر، لان للمعير أن يبذل له قيمة الغراس والبناء فيأخذهما، والصحيح هو الاول لان عدم الاستقرار لا يمنع البيع كالشقص المشفوع يجوز للمشترى بيعه، وإن جاز أن ينتزعه الشفيع بالشفعة (الشرح) حديث " المؤمنون عند شروطهم " وكذلك حديث " ليس لعرق ظالم حق " أسلفنا القول فيهما في غير موضع. أما الاحكام فقد قال صاحب الحاوى إذا قبض المستعير الارض للغرس والبناء ثم رجع المعير فان كان رجوعه قبل الغرس منع المستعير من غرسها وبنائها، فإن بنى بعد رجوعه أو غرس كان في حكم الغاصب يؤخذ بقلع الغرس والبناء مع أجرة المثل وتسوية الارض، فإن رجع المعير بعد الغرس والبناء لم يكن له إحداث زيادة في غرسه وبنائه، فإن

أحدث زيادة أجبر على قلعها. فأما ما تقدم من الغرس والبناء قبل الرجوع فللمعير حالتان: إحداهما أن يكون قد شرط على المستعير حين أعاره أن يقلع غرسه وبناءه عند رجوعه فيؤخذ المستعير بقلع ذلك للشرط المتقدم، ولقوله صلى الله عليه " المؤمنون عند شروطهم " ولان رضاه بهذا الشرط التزام منه للضرر الداخل عليه بالقلع فكان هو الضامن لنفسه، ولم يكن مغرورا بغيره. (والحال الثانية) أن لا يشترط المعير على المستعير القلع بعد الرجوع فهذا على ضربين. أحدهما أن يكون قيمة الغرس والبناء مقلوعا كقيمته قائما أو أكثر، فيؤخذ المستعير بالقلع، لان العارية لا تلزم والضرر بالقلع مرتفع. والضرب الثاني: أن يكون قيمته مقلوعا أقل، فإن بذل المعير قيمته قائما أو بذل نقص ما يميز قيمته مقلوعا وقائما منع المستعير من إقراره وخير بين قلعه أو أخذ قيمته أو أرش نقصه، لان ما يخافه من ضرر النقص بالقلع قد زال ببذل القيمة أو الارش، فلو بذل المستعير قيمة الارض وبذل المعير قيمة الغرس كان المعير أحق من المستعير لامرين. (أحدهما) أن الارض أصل والغرس تبع فكان ملك الاصل أقوى. (والثانى) أنه أسبق ملكا، وقيل للمستعير: لا يجوز مع زوال الضرر عنك أن تدخل الضرر على المعير بالترك، فان أخذت القيمة وإلا أجبرت على القلع فإذا قلع فهل تلزمه تسوية الارض بعد القلع أم لا، على وجهين (أحدهما) لا يلزم لانه مأذون فيه، فأشبه بلى الثوب باللبس (والوجه الثاني) يلزمه ذلك لانه قلع باختياره بعد زوال العارية من غير أن يلجأ إليه فصار مأخوذا بنقصه (فرع) إذا امتنع المعير من بذل قيمة الغرس وامتنع المستعير من القلع فقد اختلفوا في حكمه على ثلاثة مذاهب: أحدها وهو قول أبى حنيفه أنه يؤخذ بالقلع سواء كانت مدة العارية مقررة أو مطلقه لحديث " العارية مؤداة ". والثانى وهو قول أبى ابراهيم المزني أنه ان كانت العارية مطلقه تترك وان كانت مقدرة بمدة قلع بعدها، فرقا بين المطلقة والمقيدة. لانه المقصود في اشتراط المدة

والثالث: وهو قول الشافعي أنه يقر ولا يجبر على القلع إذا بذل الاجرة بعد الرجوع في العارية لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " والمستعير ليس بظالم فلم يجز أن يؤخذ بالقلع كالظالم لان العارية إرفاق ومعونة فلو أوجبت الاضرار بالقلع لخرجت عن حكم الارفاق والمعونه إلى حكم العدوان والضرر. (فرع) إذا ثبت أن الغرس والبناء مقر فإقراره مشروط ببذل الاجرة واقامة المعير على المبيع من ترك القيمة، فصار اقراره مستحقا بهذين الشرطين فإن أجاب المعير من بعد إلى بذل القيمة أو امتنع المستعير من بذل الاجرة أجبر على القلع، لانه لا يجوز أن يدخل الضرر على المعير بتفويت الاجارة وما استدام وجب الاقرار ولم يكن للمستعير منع المعير من دخول أرضه: وان كان مستظلا بغرسه وبنائه لان الاجرة مأخوذة على اقرار الغرس والبناء، فأما البياض الذى بين أثنائه فليس بمشغول بملك المستعير فلم يجز منه المعير منه، وان بذلت له الاجرة عليه أن يجيب إلى اجارتها طوعا بمسمى يرضاه فيكون كمن أجر أرضه مختارا، فأما المستعير فهل يستحق دخول الارض ليصل إلى غرسه وبنائه أم لا على وجهين. (أحدهما) لا يستحق الدخول لارض المعير. (والوجه الثاني) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: انه يستحق دخول الارض ليصل إلى غرسه وبنائه في مراعاته ومصلحته، ويجبر المعير على تمكينه لان الاذن بالغرس والبناء اذن به وبمنافعه، فإن مات الغرس وانهدم البناء لم يكن له اعادة بدله الا باستحداث عارية والى ما سبق ذهب الحنابلة. (فرع) وإذا أراد المستعير بيع غرسه وبنائه على غير المعير ففي جوازه وجهان، أحدهما: يجوز، لانه مملوك، وليس للمعير أن يأخذ المشترى بالقلع كما لم يكن له أن يأخذ به المستعير. والوجه الثاني أن بيعه لا يجوز، لان المشترى غير مستعير، وترك ما اشتراه غير مستديم، لان المعير متى بذل القيمه استحق بها أخذ الغرس أو قلعه، وهذان الوجهان من اختلافهم في المستعير هل يجوز له أن يعير؟

(فرع) وللمعير دخول أرضه كيف شاء للتفرج والاستراحة، لان بين الغراس أرضا بيضاء ليست عارية، وليس لصاحب الغرس منع صاحب الارض من غشيانها والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان حمل السيل طعام رجل إلى أرض آخر فنبت فيها فهل يجبر صاحب الطعام على القلع مجانا، فيه وجهان (أحدهما) لا يجبر لانه غير مفرط في انباته (والثانى) يجبر، وهو الصحيح، لانه شغل ملك غيره بملكه من غير اذن، فأجبر على ازالته كما لو كان في داره شجرة فانتشرت أغصانها في هواء دار غيره. (فصل) وان أعاره أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع في العارية قبل أن يدرك الزرع وطالبه بالقلع، ففيه وجهان. أحدهما: أنه كالغراس في التبقية والقلع والارش والثانى: أنه يجبر المعير على التبقية إلى الحصاد بأجرة المثل، لان للزرع وقتا ينتهى إليه، وليس للغراس وقت ينتهى إليه، فلو أجبرناه على التبقية عطلنا عليه أرضه. (فصل) وان أعاره حائطا ليضع عليه أجذاعا فوضعها لم يملك اجباره على قلعها، لانها تراد للبقاء، فلا يجبر على قلعها كالغراس، وان ضمن المعير قيمة الاجذاع ليأخذها، لم يجبر المستعير على قبولها، لان أحد طرفيها في ملكه فلم يجبر على أخذ قيمته، وان تلفت الاجذاع وأراد أن يعيد مثلها على الحائط لم يجز أن يعيد الا باذن، لان الاذن تناول الاول دون غيره، فان انهدم الحائط وبناه بتلك الآلة لم يجز أن يضع الاجذاع على الثاني، لان الاذن تناول الاول ومن أصحابنا من قال: يجوز لان الاعارة اقتضت التأبيد والمذهب الاول. (فصل) وان وجدت أجذاع على الحائط، ولم يعرف سببها، ثم تلفت جاز اعادة مثلها، لان الظاهر أنها بحق ثابت. (الشرح) الاحكام: إذا حمل السيل بذر رجل فنبت في أرض غيره أو نوى فصار غرسا فهو لمالك البذر والنوى لانه نماء ملكه، وهل لصاحب الارض

أن يأخذه المالك بقلعه أم لا؟ على وجهين (أحدهما) له قعله لانه نبت في أرضه بغير اختياره. والوجه الثاني: ليس له قلعه إذا بذلت له الاجارة، لان مالكه غير متعد به وإلى هذا ذهب أحمد وأصحابه، لان قلعه إتلاف للمال على مالكه، ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك. وفرق الحنابلة بين الحب والنوى أي بين الزرع والغرس. وقد صححنا الوجه الاول أنه يجبر على ذلك إذا طالبه رب الارض به، لان ملكه نما في ملك غيره بغير إذنه، فأشبه ما لو انتشرت أغصان شجرته في هواء ملك جاره. وكذلك النوى حيث ينبت شجرا كالزيتون والنخيل ونحوهما فهو لمالك النوى ويجبر على قلعه. وبهذا أخذ الحنابلة وأوجبوا إزالتها قولا واحدا. (فرع) إذا غرس الارض المعارة ثم رجع المعير قبل إدراك الزرع ففى لزوم قلعه وجهان (أحدهما) أنه كالغراس في التبقية والقلع والارش على ما مضى في الفصل قبله (والثانى) يجبر المعير على التبقية إلى الحصاد بأجرة المثل، وذلك لان الزرع يختلف عن الغرس من حيث الزمن فالزرع يحصد في أشهر معلومات. أما الغراس فلا حد له. (فرع) إذا أعار الرجل جاره حائطا ليضع عليه أجذاعا فليس للمعير أن يأخذ المستعير بقطعها بعد الوضع، لان وضع الاجذاع يراد للاستدامة والبقاء وهل يستحق عليه الاجر بعد رجوعه في العارية أم لا؟ على وجهين (أحدهما) يستحقها كما يستحق أجرة أرضه بعد الغرس والبناء، فعلى هذا إن امتنع صاحب الاجذاع من بذلها أخذ بقلعها (والوجه الثاني) وهو أصح: لا أجرة له. والفرق بين الحائط والارض أن الحائط قد يصل مالكه إلى منافعه وإن كانت الاجذاع موضوعة فيه وليس كالارض التى لا يصل مالكها إلى منافعها مع بقاء الغرس والبناء فيها، مع أن العرف لم يمكن بإجارة الحائط وهو جار كما يمكن بإجارة الارض، فلو بذل صاحب الحائط ثمن الاجذاع لصاحبها لم يجبر على قبولها ولا على قلعها بخلاف الغرس والبناء، والفرق بينهما أن الاجذاع إذا حمل أحد طرفيها في حائط المعير والطرف الآخر في حائط المستعير فلم يجبر أن يأخذ

قيمة ما في ملكه، والغرس والبناء كله في أرض المعير فجاز أن يجبر على أخذ قيمة ما في غير ملكه. فلو انهدم الحائط الذى فيه الاجذاع موضوعة فبناه المالك فهل يجوز لصاحب الاجذاع إعادة موضعها بالاذن الاول أم لا، على وجهين (أحدهما) له إعادتها لان العارية أوجبت دوام وضعها، فعلى هذا لو امتنع صاحب الحائط من بنائه كان لصاحب الاجذاع أن يبنيه ليصل إلى حقه من وضع أجذاعه فيه والوجه الثاني: ليس له إعادتها، لان الحائط المأذون فيه لم يبق وهذا غيره ولم يعره مالكه، فعلى هذا لو أراد صاحب الاجذاع أن يبنى الحائط عند امتناع صاحبه من بنائه لم يكن له (فرع) إذا أعاره جذعا ليمسك به حائط فليس له بعد الامساك أن يرجع فيه ما كان الحائط قائما وكان الجذع صحيحا لما فيه من إدخال الضرر على صاحب الحائط بعد إقامته من خوف السقوط وهلاكه. وهل له المطالبة بعد الرجوع بأجرته أم لا، على ما ذكرنا من الوجهين، فإن أنكر الجذع أو انهدم الحائط فله الرجوع به لانه لا يتجدد بأخذه ضرر (فرع) إذا أعار أرضا لدفن ميت فليس له بعد الدفن الرجوع فيها، لان دفن الميت للاستدامة والبقاء شرعا وعرفا، ولو رضى أولياؤه بنقله منعوا منه، لانه حق للميت ولما فيه من انتهاك حرمته بالنقل، وليس لصاحب الارض المطالبة بأجرة القبر بعد الرجوع في العارية وجها واحدا لا يختلف لامرين. (أحدهما) أن العرف غير جار به (والثانى) أن الميت زائل الملك والاولياء لا يلزمهم، فلو أن الميت المدفون نبشه الوحش وجب أن يعاد إلى قبره جبرا وليس لصاحب الارض بعد ظهوره أن يرجع في عاريته ويمنع من دفنه، لانه قد صار حقا للميت مؤبدا، فلو أن رجلا أذن للناس أن يدفنوا أمواتهم في أرضه فإن سبلها للدفن فليس له الرجوع فيها لخروجها عن ملكه، وإن لم يسبلها فله الرجوع فيها، ولا يكون الاذن بالدفن فيها تسبيلا لها. فإذا رجع فله المنع من إحداث دفن، وليس له نقل من دفن، ويحرم على من أعار الارض للدفن أن

يتصرف على ظاهر القبر من أرضه لما فيه من انتهاك حرمة الميت مع ورود النهى عنه فلو أراد أن يدفن فيه ميتا آخر لم يجز إلا أن يتجاوز مكان لحده فيجوز وإن كان مقارنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا استعار من رجل عبدا ليرهنه فأعاره ففيه قولان. أحدهما أنه ضمان وأن المالك للرهن ضمن الدين عن الراهن في رقبة عبده، لان العارية ما يستحق به منفعة العين والمنفعة ههنا للمالك، فدل على أنه ضمان. والثانى أنه عارية لانه استعاره ليقضى به حاجته فهو كسائر العوارى فإن قلنا إنه ضمان لم يصح حتى يتعين جنس الدين وقدره ومحله، لانه ضمان فاعتبر فيه العلم بذلك. وإن قلنا إنه عارية لم يفتقر إلى ذلك لانه عاريه فلا يعتبر فيه العلم، فإن عين له جنسا وقدرا ومحلا، تعين على القولين، لان الضمان والعارية يتعينان بالتعيين، فإن خالفه في الجنس لم يصح لانه عقد على ما لم يأذن له فيه، وإن خالفه في المحل بأن أذن له في دين مؤجل فرهنه بدين حال لم يصح. لانه قد لا يجد ما يفك به الرهن في الحال، وان أذن له في دين حال فرهنه بدين مؤجل لم يصح، لانه لا يرضى أن يحال بينه وبين عبده إلى أجل، فإن خالفه في القدر بأن أذن له في الرهن بعشرة فرهن بما دونها جاز، لان من رضى أن يقصى عن غيره عشرة رضى أن يقضى ما دونه، وإن رهنه بخمسة عشر لم يصح، لان من رضى بقضاء عشرة لم يرض بما زاد. (فصل) وإن رهن العبد بإذنه بدين حال جاز للسيد مطالبته بالفكاك على القولين في الحال، لان للمعير أن يرجع في العارية، وللضامن أن يطالب بتخليصه من الضمان، فان رهنه بدين مؤجل بادنه، فان قلنا: انه عاريه جاز له المطالبة بالفكاك، لان للمعير أن يرجع متى شاء. وان قلنا انه ضمان لم يطالب قبل المحل لان الضامن إلى أجل لا يملك المطالبة قبل المحل. (فصل) وان بيع في الدين فان قلنا انه عاريه رجع السيد على الراهن بقيمته لان العارية تضمن بقيمتها. وان قلنا انه ضمان رجع بما بيع به، سواء بيع بقدر

قيمته أو بأقل أو بأكثر، لان الضامن يرجع بما غرم، ولم يغرم إلا ما بيع به. (فصل) وإن تلف العبد فإن قلنا إنه عارية ضمن قيمته، لان العارية مضمونة بالقيمة، وإن قلنا انه ضمان لم يضمن شيئا لانه لم يغرم شيئا. (فصل) وإن استعار رجل من رجلين عبدا فرهنه عند رجل بمائة ثم قضى خمسين على أن تخرج حصة أحدهما من الرهن، ففيه قولان (أحدهما) لا تخرج لانه رهنه بجميع الدين في صفقة فلا ينفك بعضه دون بعض (والثانى) يخرج نصفه لانه لم يأذن كل واحد منهما إلا في رهن نصيبه بخمسين، فلا يصير رهنا بأكثر منه. (الشرح) الاحكام: سبق أن قلنا إن العارية إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره، ولكن إذا أذن له المعير في إجارتها أو رهنها أو إعارتها مدة معلومة جاز، لان الحق لمالكه فجاز ما أذن فيه. وهل تكون العين مضمونه على المستعير أم تبقى يده على الائتمان؟ قلنا: إن كان ذلك بإذنه لا تكون العين مضمونه، أما إذا خالف المستعير المعير بأن أذن له في رهنها فأعارها ففيه قولان (أحدهما) أنه لا ضمان لان العين قد استعارها للانتفاع بمنفعتها ولقضاء حاجته منها (والثانى) أنه تعدى في منفعة العين على وجه لم يأذن فيه مالكها، وهو الذى يملك المنفعة فدل على أنه ضمان. وقال ابن المنذر: إذا استعار الرجل من الرجل شيئا يرهنه عند رجل على شئ معلوم إلى وقت معلوم فرهن ذلك على ما أذن فيه له فقد أجمعوا على أن ذلك جائز، وذلك لانه استعاره ليقضى به حاجته، فصح كسائر العوارى. فإذا أذن له في رهن العارية، فان مالك العارية يكون مالكا للرهن فيضمن بذلك الدين عن الراهن، فيجب أن يكون المعير عالما بقدر الدين ومحله، فإذا خالفه في أيهما لم يصح لما يترتب عليه من حرج لمالك الرهن وقال أحمد وأبو ثور وأصحاب الرأى: لا يعتبر العلم بقدر الدين وجنسه إلا إذا عينه المستعير من تلقاء نفسه لان العارية لا يعتبر فيها العلم، ولان العارية لجنس من النفع فلم تعتبر معرفة قدره كعارية الارض للزرع. ولنا في هذه المسألة

قولان. وكذلك إذا رهنه بأكثر مما قدره. أو حال بمؤجل أو مؤجل بحال للعلل التى أوضحها المصنف، فإذا رهنه بأقل من القدر الذى عينه جاز، لان من رضى بعشرة رضى بما دونها عرفا، فأشبه من أمر بشراء شئ بثمن فاشتراه بأنقص، وللمعير مطالبة الراهن بفكاك الرهن في حال، سواء كان بدين مؤجل أو حال، لان للمعير الرجوع في العارية متى شاء. وهو أحد القولين عندنا، وقول واحد عند أصحاب أحمد. (فرع) إذا حل الدين فلم يفكه الراهن جاز بيعه لان ذلك مقتضى الرهن، فإذا بيع في الدين أو تلف. فان قلنا: إنه عارية رجع المعير على المستعير بقيمتها لان العارية تضمن بقيمتها، وان تلف من غير تفريط فلا شئ على المرتهن، لان الرهن لا يضمن من غير تعد. وإذا استعار عاريه من رجلين فرهنها بمائة ثم قضى خمسين على أن تخرج حصة أحدهما فقولان (أحدهما) لا تخرج لانه رهنها بجميع الدين في الصفقة فلا ينفك بعضه بقضاء بعض الدين كما لو كان العبد لواحد. وبهذا قال أحمد وأصحابه (والثانى) يخرج نصفه لان كل واحد منهما لم يأذن إلا في رهن نصيبه. وله أن يرجع متى شاء وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) إذا ركب دابة غيره ثم اختلفا فقال المالك أكريتها فعليك الاجرة وقال الراكب: بل أعرتنيها فلا أجرة لك، فقد قال في العارية: القول قول الراكب. وقال في المزارعة: إذا دفع أرضه إلى رجل فزرعها ثم اختلفا فقال المالك أكريتكها وقال الزارع بل أعرتنيها، فالقول قول المالك: فمن أصحابنا من حمل المسئلتين على ظاهرهما، فقال في الدابة: القول قول الراكب، وقال في الارض القول قول المالك لان العادة أن الدواب تعار، فالظاهر فيها مع الراكب والعادة في الارض أنها تكرى ولا تعار، فالظاهر فيها مع المالك، ومنهم من نقل الجواب في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين، وهو اختيار المزني (أحدهما) أن القول قول المالك، لان المنافع كالاعيان في الملك والعقد عليها، ثم لو اختلفا في عين فقال المالك بعتكها. وقال الآخر بل وهبتنيها. كان القول قول المالك. فكذلك إذا اختلفا في المنافع

(والثانى) أن القول قول المتصرف، لان المالك أقر بالمنافع له، ومن أقر لغيره بملك ثم ادعى عليه عوضا لم يقبل قوله، فان قلنا: ان القول قول المالك حلف ووجبت له الاجرة وفى قدر الاجرة وجهان. أحدهما: يجب المسمى لانه قبل قوله فيها وحلف عليها. والثانى: أنه تجب أجرة المثل وهو المنصوص لانهما لو اتفقا على الاجرة واختلفا في قدرها وجب أجرة المثل فلان تجب أجرة المثل وقد اختلفا في الاجرة أولى فان نكل عن اليمين لم يرد على المتصرف لان اليمين انما ترد ليستحق بها حق والمتصرف لا يدعى حقا فلم ترد عليه. (وان قلنا) ان القول قول المتصرف حلف وبرئ من الاجرة، فإن نكل رد اليمين على المالك - فإذا حلف - استحق المسمى وجها واحدا لان يمينه بعد النكول كالبينة في أحد القولين وكالاقرار في الآخر وأيهما كان وجب المسمى، وان تلفت الدابة بعد الركوب ثم اختلفا (فإن قلنا) ان القول قول المالك حكم له بالاجرة (وان قلنا) القول قول الراكب، فهل يلزمه أقل الامرين من الاجرة أو القيمه، فيه وجهان، أحدهما يلزمه لاتفاقهما على استحقاقه، والثانى لا يحكم له بشئ لانه لا يدعى القيمة ولا يستحق الاجرة. (فصل) وان قال المالك: غصبتنيها فعليك الاجرة، وقال المتصرف: بل أعرتنيها فلا أجرة على، فان المزني نقل أن القول قول المستعير، واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال المسألة على طريقين كما ذكرنا في المسألة قبلها، أحدهما الفرق بين الارض والدابة، والثانى: أنهما على قولين لان الخلاف في المسئلتين جميعا في وجوب الاجرة، والمالك يدعى وجوبها، والمتصرف ينكر فيجب أن لا يختلفا في الطريقين. ومنهم من قال: ان القول قول المالك، وما نقل المزني غلط، لان في تلك المسألة أقر المالك للمتصرف بملك المنافع، فلا يقبل قوله في دعوى العوض، وههنا اختلفا أن الملك للمالك أو للمتصرف والاصل أنها للمالك. (فصل) وان اختلفا فقال المالك: أعرتكها، وقال الراكب بل أجرتنيها

فالقول قول المالك لانهما اتفقا أن الملك له، واختلفا في صفة انتقال اليد، فكان القول قول المالك، فإن كانت العين باقية حلف وأخذ. وان كانت تالفة نطرت. فان لم تمض مدة لمثلها أجرة حلف واستحق القيمة، وإن مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة والراكب يقر له بالاجرة، فان كانت القيمة أكثر من الاجرة لم يستحق شيئا حتى يحلف، وإن كانت القيمة مثل الاجرة أو أقل منها، ففيه وجهان. (أحدهما) يستحق من غير يمين، لانهما متفقان على استحقاقه. (والثانى) لا يستحق من غير يمين، لانه أسقط حقه من الاجرة وهو يدعى القيمة بحكم العارية، والراكب منكر، فلم يستحق من غير يمين. (فصل) وإن اختلفا فقال المالك: غصبتنيها فعليك ضمانها وأجرة مثلها وقال الراكب: بل أجرتنيها فلا يلزمنى ضمانها، ولا أجرة مثلها، فالقول قول المالك مع يمينه، لان الاصل أنه ما أجره، فإن اختلفا - وقد تلفت العين - حلف واستحق القيمة، وان بقيت في يد الراكب مدة ثم اختلفا، فإن المالك يدعى أجرة المثل والراكب يقر بالمسمى فان كانت أجرة المثل أكثر من المسمى لم يستحق الزيادة حتى يحلف، وإن لم تكن أكثر استحق من غير يمين، لانهما متفقان على استحقاقه، والله أعلم. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي في العارية من الام: ولو قال رب الدابة أكريتها إلى موضع كذا بكذا، وقال الراكب بل عارية كان القول قول الراكب مع يمينه، ولو قال. أعرتنيها، وقال ربها غصبتها كان القول قول المستعير، قال المزني هذا عندي خلاف أصله، لانه يجعل من سكن دار رجل كمن تعدى على سلعة فأتلفها فله قيمة السكن، وقوله من أتلف شيئا ضمن، ومن ادعى البراءة لم يبرأ به، وجملة هذه المسألة أن الكلام يشتمل فيها على أربعة فصول. فالفصل الاول وهو مذكور في الام صورته في رجل ركب دابة غيره ثم اختلفا، فقال المالك أجرتكها فلى الاجرة، وقال الراكب أعرتنيها، فليس لك أجرة، فالذي نص عليه الشافعي في كتاب العارية أن القول قول الراكب، فاختلف أصحابنا

لاختلاف هذا الجواب، فكان أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة وجمهورهم ينقلون جواب كل واحدة من المسألتين إلى الآخر، ويخرجونها على قولين (أحدهما) وهو اختيار المزني والربيع أن القول قول المالك في الدابة والارض على ما نص عليه في المزارعة وله الاجرة، ووجهته ما ذكره المزني، وهو أن المنافع مملوك تصح المعاوضة عليها كالاعيان، ثم ثبت أنهما لو اختلفا في العين بعد استهلاكها، فقال ربها: بعتها عليك، وقال المستهلك. بل وهبتنيها، فان القول قول المالك دون المتلف وله الاجرة. (والقول الثاني) ان القول قول الراكب في الدابة والزارع في الارض معا على ما نص عليه في العارية ولا أجرة عليه، ووجهه أنهما متفقان على أن المتصرف قد استهلك منافع لنفسه إما بعارية أو إجارة، ومن ادعى ثبوت عوض على غيره في استهلاك منافعه لم يقبل منه، وخالف استهلاك العين التى قد اتفقا عليها أنها ملك لربها دون مستهلكها، وفى هذا انفصال عما ذكره المزني توجيها. وقال أبو العباس بن سريج. ليس ذلك على اختلاف قولين وإنما الجواب على ظاهره في الموضعين فيكون القول في الدابة قول راكبها وفى الارض قول مالكها اعتبارا بالعرف فيها، لان العادة في الدواب جارية باعارتها، فكانت العادة شاهدة لراكبها، والعادة جارية في الارض بالاجارة فكانت العادة شاهدة لمالكها، وهذه طريقة أبى العباس في اعتبار العرف والعادة فيها، وليس مذهبا للشافعي لان من يؤجر قد يعير، ومن يعير قد يؤجر. فإذا تقرر ما وصفنا فان قلنا: إن القول قول رب الدابة والارض فمع يمينه فإذا تلف فله الاجرة، وفيها وجهان: (أحدهما) أنه القدر الذى سماه، لانه قد جعل القول قوله فيه. (والوجه الثاني) وهو أصح أن له أجرة المثل لانهما لو اختلفا في الاجرة مع اتفاقهما على الاجارة لم يقبل قول المؤجر فيها، فأولى أن لا يقبل قوله مع اختلافهما فيها، فان نكل المالك عن اليمين لم ترد على المتصرف المستعير، لان ردها لا يفيد، لان الاجرة ساقطه عنه لنكول المالك. وإن قلنا إن القول قول

الراكب مع يمينه، فان حلف برئ من الاجرة ورد الدابة، وإن نكل ردت اليمين على المالك ليستحق بها ما ادعاه من الاجرة، فإذا حلف فله المسمى وجها واحدا، لان يمينه بعد النكول، إما أن تجرى مجرى البينة أو الاقرار وأيهما كان فيوجب الحكم بالمسمى. فلو كانت الدابة قد تلفت بعد الركوب ثم اختلفا فالمالك يدعى الاجرة دون القيمة، والراكب يقر بالقيمة دون الاجرة - فان قلنا: إن القول قول المالك حكم له بالاجرة وحدها دون القيمة لانه لا يدعيها. وإن قلنا: إن القول قول الراكب فهل يلزمه للمالك أقل الامرين من الاجرة أو القيمة؟ على وجهين. (أحدهما) يحكم له به لاتفاقهما على استحقاقه. (والوجه الثاني) لا يحكم له بشئ فيها لانه لا يدعى القيمة ولا يستحق الاجرة والفصل الثاني وهو أن يقول المالك غصبتها ويقول الآخر بل أعرتنيها، فهذا الاختلاف مؤثر في الاجرة دون القيمة، لان العارية مضمونه كالغصب وأجرة العارية غير مضمونه بخلاف الغصب، فان كان هذا قبل الركوب سقط تأثير هذا الاختلاف، وإن كان بعد الركوب فالذي نقله المزني ههنا أن القول قول المستعير فاختلف أصحابنا فكان أبو على بن أبى هريرة يخرجها على قولين كالمسألة الاولى لاشتراكهما في العله، ويجعل قول المزني ههنا أحد القولين. وذهب آخرون من أصحابنا إلى أن القول في هذه المسألة قول المالك قولا واحدا، والفرق بين هذه المسألة والتى قبلها أن في اختلافهما في العارية والاجارة اتفاقا على أن الراكب مالك للمنفعه، فجاز أن لا يقبل قول المالك في الاجرة، ولم يتفقا على مثل ذلك في هذه المسألة، لان المالك يقول: أتلفت أيها الراكب منفعتي بغير حق، والراكب يقول: أتلفتها مستعيرا بحق، فلم يصدق. فمن قال بهذا أجاب عما نقله المزني بجوابين (أحدهما) أن ذلك خطأ من المزني في نقله وسهوه (والثانى) تسليم الراوية واستعمالها على أحد تأويلين إما على: القول قول المستعير في قدر الاجرة، وإما على: أن القول قول المستعير في أن لا يلزمه

الضمان إلا في العارية دون الغصب، وهذا تأويل من فرق بين ضمان العارية وضمان الغصب، فعلى هذا لو تلفت الدابه ضمن قيمتها وكانت الاجرة على ما مضى والفصل الثالث أن يقول رب الدابة: أعرتكها، ويقول الراكب: استأجرتها فتأثير هذا الاختلاف من وجهين. (أحدهما) في ضمان رقبتها، لان العارية مضمونه والمؤاجرة غير مضمونه فان كانت الدابه باقية سقط هذا الاختلاف. (والثانى) لزوم ركوبها تلك المدة، فان كانت الدابه تالفه أو المدة منقضيه سقط تأثير هذا الاختلاف، فيكون القول قول المالك مع يمينه أنه ما أجرها لان الراكب يدعى عليه عقدا في إجارتها، فان كانت الدابه قائمة أخذها ولا أجرة له، لان الراكب وإن أقر بها فالمالك لا يدعيها، وان كانت الدابة تالفه كان له الرجوع على الراكب بقيمتها لانها تالفه في يده وهو يدعى بالاجارة إستئمانا فلم تقبل دعواه، ولزمه غرم القيمه، فان لم يكن لمدة الركوب أجرة لم يكن للمالك القيمة إلا بعد يمينه بالله تعالى أنه ما أجرها ولقد أعارها، إلا أن تنقضي فيحلف بالله تعالى لقد أعارها ولا يحلف ما أجرها لانقضاء زمن الاجارة وإن كان لمدة الركوب أجرة هي بقدر القيمه فصاعدا فهل يجب على المالك يمين يستحق بها القيمة أم لا، على وجهين. (أحدهما) لا يمين عليه، لان الراكب مقر له أجرة، والمالك يدعيها قيمة فصارا متفقين على استحقاقه. وإن اختلفا في جنسه فسقطت اليمين فيه. (والوجه الثاني) عليه اليمين لانه قد أسقط حقه من الاجرة فلم يؤثر إقرار الراكب بها وهو يدعى القيمة. والراكب منكر لها. فإذا حكم له بدعواه لما ذكرنا من التعليل فلا يثبت إلا باليمين. والفصل الرابع: أن يقول المالك غصبتنيها. ويقول الراكب: أجرتنيها، فتأثير هذا الاختلاف من وجهين (أحدهما) في ضمان الرقبة. لان المغصوب مضمون والمؤجر غير مضمون. فان كانت العين باقيه سقط تأثير هذا الاختلاف

والثانى في لزوم المدة، فإن كانت المدة قد انقضت أو الدابة قد هلكت سقط تأثير هذا الاختلاف. وإذا كان كذلك فالقول قول المالك مع يمينه أنه ما أجره ويصير الراكب ضامنا للدابه والاجرة. فيأخذ بالملك من غير يمين الا أن تكون أجرة المثل أكثر من المسمى الذى أقر به الراكب. فلا يستحق الزيادة الا بيمين. وأما القيمة فلا يستحقها الا بيمين. والله أعلم بالصواب. وهو حسبى ونعم الوكيل. والى ما ذهبنا إليه قال أحمد وأصحابه: قال ابن قدامه: وان قال المالك: غصبتها، وقال الراكب أجرتنيها فالاختلاف هنا في وحوب القيمه، لان الاجر يجب في الموضعين، الا أن يختلف المسمى وأجر المثل، والقول قول المالك مع يمينه، فان كانت الدابة تالفه عقيب أخذها حلف وأخذ قيمتها، وان كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر، والمسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لاتفاقهما على استحقاقه، وكذلك ان كان أجر المثل دون المسمى. وفى اليمين وجهان. وان كان زائدا على المسمى لم يستحقه الا بيمين وجها واحدا والله أعلم

كتاب الغصب

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الغصب الغصب محرم لما روى أبو بَكْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. وروى أبو حميد الساعدي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير طيب نفس منه " (فصل) ومن غصب مال غيره، وهو من أهل الضمان في حقه ضمنه، لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " على اليد ما أخذت حتى ترده " (فصل) فان كان له منفعة تستباح بالاجارة فأقام في يده مدة لمثلها أجرة ضمن الاجرة، لانه يطلب بدلها بعقد المغابنة. فضمن بالغصب كالاعيان. (فصل) فإن كان المغصوب باقيا لزمه رده، لما روى عبد الله بن السائب ابن يزيد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا أو جادا، فإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها " فان اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين الرد لم يلزمه ضمان ما نقص من قيمته وقال أبو ثور من أصحابنا: يضمن كما يضمن زيادة العين، وهذا خطأ، لان الغاصب يضمن ما غصب. والقيمة لا تدخل في الغصب، لانه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين، وإنما حقه في العين، والعين باقية كما كانت فلم يلزمه شئ (فصل) وإن تلف فئ يد الغاصب أو أتلفه لم يخل إما أن يكون له مثل أو لا مثل له، فان لم يكن له مثل نظرت، فان كان من غير جنس الاثمان كالثياب والحيوان ضمنه بالقيمة. لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من أعتق شركا له في عبد فان كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه. وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق عليه ما عتق فأوجب القيمة في العبد بالاتلاف بالعتق، ولان إيجاب مثله من جهة الخلقة

لا يمكن لاختلاف الجنس الواحد في القيمة، فكانت القيمة أقرب إلى إيفاء حقه وان اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف ضمنها بأكثر ما كانت لانه غاصب في الحال التى زادت فيها قيمته فلزمه ضمان قيمته فيها، كالحالة التى غصبه فيها، وتجب القيمة من نقد البلد الذى تلفت العين فيه، لانه موضع الضمان فوجبت القيمة من نقده، وان كان من جنس الاثمان نظرت، فان لم يكن فيه صنعة كالسبيكة والنقرة، فان كان نقد البلد من غير جنسه، أو من جنسه ولكن لا تزيد قيمته على وزنه ضمن بالقيمة، لان تضمينه بالقيمة لا يؤدى إلى الربا. فضمن بالقيمة كما قلنا في غير الاثمان، وان كان نقد البلد من جنسه وإذا قوم به زادت قيمته على وزنه قوم بجنس آخر حتى لا يؤدى إلى الربا، وان كانت فيه صنعة نظرت، فان كانت صنعة محرمة ضمن كما تضمن السبيكة والنقرة، لان الصنعة لا قيمة لها فكان وجودها كعدمها، وان كانت صنعة مباحة فان كان النقد من غير جنسه أو من جنسه، ولكنه لا تزيد قيمته على وزنه ضمنه بقيمته، لانه لا يؤدى إلى الربا. وان كان النقد من جنسه ونوعه وتزيد قيمته على وزنه ففيه وجهان (أحدهما) يقوم بجنس آخر حتى لا يؤدى إلى الربا (والثانى) أنه يضمنه بقيمته من جنسه بالغة ما بلغت، وهو الصحيح، لان الزيادة على الوزن في مقابلة الصنعه فلا تؤدى إلى الربا، وان كان مخلوطا من الذهب والفضة قومه بما شاء منهما (فصل) وان كان مما له مثل كالحبوب والادهان ضمن بالمثل، لان ايجاب المثل رجوع إلى المشاهدة والقطع، وايجاب القيمة رجوع إلى الاجتهاد والظن فإذا أمكن الرجوع إلى القطع لم يرجع إلى الاجتهاد، كما لا يجوز الرجوع إلى القياس مع النص. وان غصب ماله مثل واتخذ منه ما لا مثل له، كالتمر إذا اتخذ منه الخل بالماء أو الحنطة إذا جعلها دقيقا. وقلنا انه لا مثل له ثم تلف لزمه مثل الاصل. لان المثل أقرب إلى المغصوب من القيمه. وان غصب ما لا مثل له واتخذ منه ماله مثل كالرطب إذا جعله تمرا ثم تلف لزمه مثل التمر، لان المثل أقرب إليه من قيمة

الاصل، وإن غصب ماله مثل واتخذ منه ماله مثل كالسمسم إذا عصر منه الشيرج ثم تلف فالمغصوب منه بالخيار إن شاء رجع عليه بمثل السمسم، وإن شاء رجع عليه بمثل الدهن، لانه قد ثبت ملكه على كل واحد من المثلين، فرجع بما شاء منهما. وإن وجب المثل فأعوز فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تجب قيمته وقت المحاكمة، لان الواجب هو المثل، وإنما القيمة تجب بالحكم فاعتبرت وقت الحكم. ومنهم من قال تعتبر قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين تعذر المثل، كما تعتبر قيمة المغصوب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف. ومنهم من قال تضمن قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى وقت الحكم. لان الواجب في الذمة هو المثل إلى وقت الحكم، كما أن الواجب في المغصوب رد العين إلى وقت التلف، ثم يغرم قيمة المغصوب أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف، فيجب أن يعتبر في المثل أكثر ما كانت قيمته إلى وقت الحكم. ومنهم من قال: إن كان ذلك مما يكون في وقت وينقطع في وقت كالعصير وجبت قيمته وقت الانقطاع، لانه بالانقطاع يسقط المثل وتجب القيمة. وان كان مما لا ينقطع عن أيدى الناس وانما يتعذر في موضع وجبت قيمته وقت الحكم لانه لا ينتقل إلى القيمة الا بالحكم. وان وجد المثل بأكثر من ثمن المثل احتمل وجهين (أحدهما) لا يلزمه المثل لان وجود الشئ بأكثر من ثمن المثل كعدمه، كما قلنا في الماء في الوضوء والرقبة في الكفارة (والثانى) يلزمه، لان المثل كالعين، ولو احتاج في رد العين إلى أضعاف ثمنه لزمه فكذلك المثل. (الشرح) الغصب ومادته من غصبه غصبا من باب ضرب، واغتصبه أخذه قهرا وظلما فهو غاصب، والجمع غصاب ككافر وكفار، ويتعدى إلى مفعولين. فيقال: غصبته ماله، وقد تزاد من في المفعول الاول فيقال. غصبت منه ماله، فزيد مغصوب ماله، ومغصوب منه ماله، ويبنى للمفعول فيقال: اغتصبت

لما لم يسم فاعله - المرأة نفسها - بالنصب على المفعولية، وربما قيل: على نفسها يضمن الفعل معنى غلبت، والشئ مغصوب وغصب تسمية بالمصدر وعند الفقهاء الاستيلاء على مال غيره بغير حق، وحكمه أنه محرم بالكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون) وأما السنة: فقد أخرج أحمد والبخاري عن أبى بكرة ولفظه " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النحر فقال: أتدرون أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس يوم النحر؟ قلنا بلى. قال أي شهر هذا. قلنا الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس ذا الحجة. قلنا بلى. قال أي بلد هذا. قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليست البلدة الحرام. قلنا بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت. قالوا نعم. قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ورواه البخاري من حديث ابن عباس وفيه " قالوا يوم حرام " وقالوا " شهر حرام " و " بلد حرام " وعند البخاري أيضا من حديث ابن عمر بنحو حديث أبى بكرة الا أنه ليس فيه قوله " فسكت " في المواضع الثلاثة وقد جمع بعضهم بين الاحاديث بتعدد الواقعة، ورد ذلك الحافظ بن حجر في الفتح فقال وليس بشئ لان الخطبة يوم النحر انما تشرع مرة واحدة، وقد قال في كل منها ان ذلك كان يوم النحر

وأشار الكرماني إلى فخامة حديث أبى بكرة مما ليس في الروايات الاخرى، وقد رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهى رواية مشهورة مرت في كتاب الحج، وقد رأيت الحديث في كتاب دعائم الاسلام للقاضى أبى حنيفة النعمان بن محمد بن حيون التميمي من قضاة المعز لدين الله الفاطمي قال: روينا عن جعفر بن محمد بن على عن أبيه عن آبائه عن على عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب يوم النحر بمنى في حجة الوداع وهو على ناقته القصواء فقال " أيها الناس، إنى خشيت ألا ألقاكم بعد موقفي هذا بعد عامى هذا، فاسمعوا ما أقول لكم وانتفعوا به، ثم قال أي يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم يا رسول الله. قال: فأى الشهور أعظم عند الله حرمة، قالوا: هذا الشهر يا رسول الله. قال: فأى بلد أعظم حرمة. قالوا: هذا البلد يا رسول الله، قال: فإن حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت، قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد " اه من كتاب الغصب والتعدى ج 2 ص 484. ومن السنة أيضا حديث أبى حميد الساعدي الذى ساقه المصنف مر بك تخريجه في كتاب الصلح وغيره من أسفار المجموع، وقد أخرجه الدارقطني وغيره. ومن السنة أيضا ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث سعيد بن زيد قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول " من أخذ شبرا من الارض ظلما طوقه من سبع أرضين " ورواه الشيخان أيضا من حديث عائشة، ورواه أحمد عن أبى هريرة، ورواه أحمد والبخاري عن ابن عمر، ورواه ابن حبان وابن أبى شيبة وأبو يعلى عن يعلى بن مرة. وأبو بكرة - هو نفيع بن الحارث - أو ابن مسروح الثقفى، وأم أبى بكرة سمية جارية الحارث بن كلدة وهى أم زياد بن أبيه، وكان أبو بكرة يقول: أنا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأبى أن ينتسب إلى أحد، وكان قد نزل يوم الطائف إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حصن الطائف، فأسلم في غلمان من غلمان أهل الطائف فأعتقهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فكان يقول: أنا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد عد في مواليه، قال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: أملى على هوذة بن خليفة البكراوى نسبة إلى أبى بكرة، فلما بلغ إلى أبى بكرة، قلت: ابن من، قال. دع لا تزده، وكان أبو بكرة يقول: أنا من إخوانكم في الدين. وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة، وإنما اختلفوا في فروع منه، فإذا ثبت هذا فإن من غصب شيئا لزمه رده لحديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " على اليد ما أخذت حتى ترده " رواه الحسن البصري عن سمرة، وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور، وقد أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ في المستدرك. وحديث السائب بن يزيد عند أحمد وأبى داود والترمذي وقال: حسن غريب وقال: لا نعرفه إلا من حديث ابن أبى ذئب. وقال الشافعي: إذا شق رجل لرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا فأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا أو كسر له شيئا صغيرا أو كبيرا أو رضخه أو جنى له على مملوك فأعماه فذلك كله سواء، ويقوم المتاع والحيوان غير الرقيق صحيحا ومكسورا أو صحيحا ومجروحا قد برئ من جرحه ثم يعطى مالكه ما بين القيمتين ويكون ما بقى بعد الجناية لصاحبه نفعه أو لم ينفعه. وقد عرف الماوردى الغصب بأدق ما رأيت تعريفا قال " الغصب هو منع الانسان من ملكه والتصرف فيه بغير استحقاق " ومن ثم يكمل الغصب بالمنع والتصرف، فان منع ولم يتصرف كان تعديا وتعلق به ضمان لانه تعد على المالك دون الملك، وإن تصرف ولم يمنع كان تعديا وتعلق به ضمان لانه تعد على الملك دون المالك، فإذا جمع بين المنع والتصرف تم الغصب ولزم الضمان سواء نقل المغصوب عن محله أم لا. وقال أبو حنيفة: لا يتم الغصب إلا بالنقل والتحويل، فان كان مما لا ينقل كالدور والعقار لم يصح غصبه ولم يضمن استدلالا بأن غير المنقول مختص بالمنع دون التصرف، فصار كحبس الانسان عن ملكه لا يكون موجبا لغصب ماله،

ولان المسروق لا يكون مسروقا إلا بالنقل عن الحرز فكذا المغصوب لا يصير مغصوبا إلا بالنقل. وتحريره قياسا أن كل ما لم يصر به المال مسروقا لم يصر به مغصوبا كالمنع والاحالة، دليله ما روى عطاء بن يسار عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إن أعظم الغلول عند الله أن يأخذ الرجل من أرض غيره إلى أرض نفسه " فأطلق على الارض حكم الغلول والغصب، وروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله " لعن الله سارق المنار، قيل: وما سارق المنار، قال: أن يأخذ الرجل العلامة من أرضه إلى أرض غيره " فجعل ذلك سرقة، وقوله صلى الله عليه وسلم " ملعون من لعن أباه، ملعون من لعن أمه، ملعون من غير نجوم الارض " وفى نجوم الارض تأويلان. أحدهما: علماؤها، والثانى: حدودها وأعلامها وما ضمن بالقبض في العقود ضمن بالتصرف في العقود كالمحول والمنقول، ولان ما ضمن به المنقول ضمن به غير المنقول كالعقود، ولانه عدوان فجاز أن يضمن به غير المنقول كالجناية. فأما الجواب بأن ما لم ينقل مختص بالمنع كالحبس فهو أن المحبوس عن ماله حصل التعدي عليه دون ماله فلم يصر المال مغصوبا، وخالف ما لو تصرف فيه، مع اشتهار القول عرفا أن فلانا غصب دارا أو أرضا. وأما الجواب عن المسروق فهو أن القطع فيها يعتبر بهتك الحرز وإخراج المال عنه حتى لو نقل غير محرز لم يكن سارقا يقطع ويخالف الغصب المعتبر بالتصرف في المال، ألا ترى أنه لا يقال: سرق دارا، ويقال: غصب دارا، فإذا تقرر ما بينا فالمغصوب على ثلاثة أحوال. (أحدها) أن يكون باقيا (والثانى) أن يكون تالفا (والثالث) أن يكون ناقصا، وفى هذه الفصول التى سقناها للمصنف حالان منها. فإن كان باقيا بحاله ارتجعه المالك منه، فإن ضعف عن ارتجاعه فعلى والى الامر استرجاعه وتأديب الغاصب وإن كان مما لا أجرة لمثله كالطعام والدراهم والدنانير فقد برئ بعد رده من حكم الغصب، وسواء كانت قيمته قد نقصت في الاسواق

أو أرخصت الاسعار أم لا، لان بقاء العين لا يعتبر فيه نقص السوق، وإن كان مما لمثله أجرة كالدواب والآلات وسيارات الركوب (التاكسى) وأقمشة الصواوين والسرادقات وأخشاب المقاولين وآلات المعمار والدراجات والالات الكاتبة والالات الحاسبة والمكرفون وما إلى ذلك فعليه رد العين مع أجره المثل ان كان لمثل زمان الغصب أجرة عرفا، وعليه مؤونة الرد إن كان له مؤونة. وأما الحال الثانية: وهو أن يكون المغصوب تالفا فهو مضمون عليه، سواء تلف بفعله أو بغير فعله لقوله صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترده ثم هو على ضربين. (أحدهما) أن يكون له مثل كالذى تتساوى أجزاؤه من الحبوب والادهان والدراهم والدنانير فعليه رد مثله جنسا ونوعا وصفة وقدرا، لان مثل الشئ أحصر به بدلا من القيمة، لانه مثل في الشرع واللغة، والقيمة مثل في الشرع دون اللغة، فإن طلب أحدهما القيمة لم يجب إليها سواء كان طالبها الغاصب أو المغصوب منه، لانها غير المستحق، فأما إن تراضيا بالقيمة مع القدرة على المثل ففى جوازه وجهان بناء على اختلاف الوجهين في جواز أخذ أرش العيب مع القدرة على رد المعيب (والثانى) أن لا يكون له مثل كالذى تختلف أجزاؤه من الثياب والجوهر فعليه ثمنه في أكثر أحواله، فثمنه من وقت الغصب إلى وقت التلف، وبه قال جمهور الفقهاء. وقال عبيد اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عليه مثله من جنسه وعلى صفته استدلالا برواية العامري عن أنس في رواية الترمذي، وعند الجماعة بمعناه إلا مسلما، وعن عائشة في رواية أحمد وأبى داود والنسائي، قالت عائشة: ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية، صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاما فبعثت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إناء فما ملكت نفسي أن كسرته، فقلت: يا رسول الله ما كفارته، قال: إناء مثل إناء وطعام كطعام، وما روى أن عثمان رضى الله عنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن بنى عمك سعوا على إبلى فاحتلبوا ألبانها وأكلوا فصلانها، فقال عثمان: نعطيك إبلا مثل ابلك،

وفصلانا مثل فصلانك، فقال عبد الله بن مسعود: وقد رأيت يا أمير المؤمنين أن يكون ذلك من الوادي الذى جنى فيه بنو عمك، فقال عثمان. نعم. ودليلنا ما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال. من أعتق شركا له في عبد قوم عليه ان كان موسرا فأوجب قيمة الحصة، ولم يوجب مثل تلك الحصة ولانه لما كانت أجزاؤه مضمونة القيمة دون المثل، حتى من قطع يد دابة لم تقطع يد دابته، ومن حرق ثوبا لم يحرق ثوبه، وجب أن يكون في استهلاك العين بمثابته، ولان ما تختلف أجزاؤه يتعذر فيه المماثله، ولا يخلو من أن يكون زائدا يظلم به الغاصب، أو ناقصا يظلم به المغصوب، والقيمة عدل يؤمن فيها ظلم الفريقين، فأما الجواب عن قوله اناء مثل الاناء وطعام مثل طعام فهو أن القيمة مثل في الشرع، قال تَعَالَى " فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين " فجعل قيمة الجزاء من الطعام مثلا وأما خبر عثمان فمحمول على التفضل منه لتطوعه بذلك عن غيره من بنى عمه. (فرع) إذا تقرر أنه مضمون بالقيمة دون المثل فلا يخلو أن يكون من جنس الاثمان كالثياب والحيوان فقيمته من غالب نقد البلد فيه أكثر ما كان قيمة من حين الغصب إلى حين التلف في سوقه وبلده، فإن قيل لم لم يضمن نقص السوق مع بقاء العين وضمن نقص السوق مع تلف العين، قيل لانه قد فوت عليه زيادة السوق مع تلف العين ولم يفوتها عليه مع بقاء العين. وان كان من جنس الاثمان فعلى ضربين. (أحدهما) أن يكون مباح الاستعمال كالحلي ففى كيفية ضمانه وجهان. (أحدهما) يضمن قيمته مصوغا من غير جنسه، ان كان من الذهب ضمن قيمته فضه، وان كان من الفضه ضمن قيمته ذهبا. (والوجه الثاني) أنه يضمن بمثل وزنه من جنسه وبأجرة صياغته، مثل أن يكون وزن مائة جرام من ذهب وهو مصوغ فيضمن بمائة جرام ذهبا وبأجرة صياغته، وهل تجوز أن تكون الاجرة ذهبا، أم لا، على وجهين (أحدهما) لا يجوز حتى تكون ورقا لئلا تفضى إلى الربا، والتفاضل في الذهب بالذهب.

والوجه الثاني وهو الاصح، لانه بدل من الصياغة والعمل الذى لا يدخله الربا، ولو دخله الربا إذا كان ذهبا لدخله الربا وإن كان ورقا، لانه لا يجوز أن تباع مائة دينار بمائة دينار ودرهم، كما لا يجوز أن تباع بمائة دينار ودينار. والضرب الثاني: أن يكون محظور الاستعمال كالأواني، ففى ضمان صياغته وجهان بناء على اختلاف الوجهين في إباحة ادخارهما (أحدهما) ان ادخارها محظور وصياغتها غير مضمونة لانها معصية لا تقر فلم تضمن، كصنعة الطنبور والمزمار والعود والبيانة لا تضمن صنعتها إذا نقضت أوتارها أو تلفت أزرارها لانه لا يضمن النقص في الايقاع. والوجه الثاني: أن ادخارها مباح وصياغتها مضمونة، فعلى هذا في كيفية ضمانها وجهان على ما مضى. (فرع) إذا غصب منه تمرا فجعله دبسا (عجوة) أو سمسما فعصره شيرجا، أو زيتونا فاعتصره زيتا فللمغصوب أن يأخذ ذلك كله ويرجع بالنقص إن حدث فيه، فإن ترك ذلك على الغاصب وطالبه بالبدل عن أصل ما غصبه فلا يخلو حال الشئ المغصوب من أحد أمرين، إما أن يكون له مثل أو مما لا مثل له، فان كان مما لا مثل له كالعجوة (التمر اللصيق) وكان يكنز بالبصرة قديما وحديثا، وعندنا في ديارنا يصنع مثله في واحة سيوه، رجع على الغاصب بما استخرجه من دبسه لانه غير ماله، ولم يكن له المطالبة بقيمة تمره، لان أجزاء المغصوب أخص به من قيمته، وإن كان مما له مثل كالسمسم فعلى وجهين (أحدهما) أنه بمثابة مالا مثل له في استرجاع ما استخرج منه. والثانى أن المغصوب منه يستحق المطالبة بمثل الاصل لانه أشبه بالمغصوب من أجزائه الامر الثاني: وهو على أربعة أضرب (الاول) أن يكون له مثل والمستخرج منه مما ليس له مثل، كالحنطة إذا طحنها فيكون للمغصوب منه أن يرجع بمثل الاصل من الحنطة ولا يرجع بقيمة الدقيق، لان مثل ذى المثل أولى من قيمته. فإن كانت الحنطة بعد الطحن قد زادت قيمتها دقيقا على قيمتها حبا استحق المغصوب منه أن يرجع على الغاصب بعد أخذ المثل بقدر الزيادة في الدقيق كما لو غصب دابة فسمنت ثم ردها بعد ذهاب السمن ضمن نقص السمن الحادث في يده

مع بقاء العين، فلان يضمن نقص الزيادة مع استرجاع المثل أولى. والضرب الثاني: أن يكون الاصل مما ليس له مثل. والمستخرج منه مما له مثل. كالزيتون إذا اعتصره زيتا، لان للزيت مثلا وليس للزيتون مثل فيكون للمغصوب منه بمثل الزيت المستخرج وبنقص ان حدث في الزيتون، لانه لما صار المغصوب ذا مثل كان المثل أولى من قيمة الاصل لتقديم المثل على القيمه والضرب الثالث: أن يكون الاصل مما له مثل والمستخرج منه مما له مثل، كالسمسم إذا اعتصره شيرجا، لان لكل واحد من السمسم والشيرج مثلا فيكون للمغصوب منه الخيار في الرجوع بمثل أيها شاء من السمسم أو الشيرج لثبوت ملكه على كل واحد منها، فإن رجع بالسمسم وكان أنقص ثمنا من الشيرج فأراد نقصه لم يجز. وقيل له ان رضيت به وإلا فاعدل عنه إلى الشيرج ولا أرش لك لان عين مالك مستهلك ولكل حقك مثل، فلا معنى لاخذ الاصل مع الارش مع استحقاقك لمثل لا يدخله الارش والضرب الرابع أن يكون مما لا مثل له والمستخرج منه لا مثل له كالدبس (العجوة) إذا استخرج دبسه بالماء، فكل واحد من التمر والدبس غير ذى مثل فيكون للمغصوب منه أن يرجع بمثل الاصل من الحنطه والدقيق، ولا يرجع بقيمة الدقيق بأكثر من قيمته تمرا أو دبسا. والله أعلم قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان ذهب المغصوب من اليد وتعذر رده بأن كان عبدا فأبق، أو بهيمه فضلت، كان للمغصوب منه المطالبة بالقيمه لانه حيل بينه وبين ماله، فوجب له البدل كما لو تلف، وإذا قبض البدل ملكه، لانه بدل ماله فملكه كبدل التالف، ولا يملك الغاصب المغصوب، لانه لا يصح تملكه بالبيع، فلا يملك بالتضمين كالتالف، فإن رجع المغصوب وجب رده على المالك. وهل يلزم الغاصب الاجرة من حين دفع القيمه إلى أن رده، فيه وجهان (أحدهما) لا تلزمه لان المغصوب منه ملك بدل العين فلا يستحق أجرته (والثانى) تلزمه لانه تلفت عليه منافع ماله بسبب كان في يد الغاصب فلزمه ضمانها، كما لو لم يدفع

القيمة. وإذا رد المغصوب وجب على المغصوب منه رد البدل، لانه ملكه بالحيلولة وقد زالت الحيلولة فوجب الرد، وإن زاد البدل في يده نظرت، فإن كانت الزيادة متصلة كالسمن وجب الرد مع الزيادة لان الزيادة المتصلة تتبع الاصل في الفسخ بالعيب. وهذا فسخ، وإن كانت زيادة منفصله كالولد واللبن لم ترد الزيادة كما لا ترد في الفسخ بالعيب. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي رضى الله عنه: ولو غصب دابة فضاعت فادعى قيمتها ثم ظهرت ردت عليه ورد ما قبض من قيمتها لانه أخذ قيمتها على أنها فائتة فكأن الفوت قد بطل لما وجدت، ولو كان هذا بينا ما جاز أن تباع دابته عليه، كعين جنى عليها فابيضت، أو على سن صبى فانقلعت، فأخذ أرشها بعد أن يئس منها ثم ذهب البياض ونبتت السن، فلما عاد أرجع حقها وبطل الارش بذلك فيهما. وهذا كما قال: إذا غصب عبدا فأبق أو بعيرا فشرد أو فرسا فعاد فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون ذلك ممكنا ومكانه معروفا، فالواجب أن يؤخذ الغاصب بطلبه والتزام المؤونة في رده، ولو كانت أضعاف قيمته، كما يؤخذ بهدم بنائه، وان كان أكثر من قيمة الارض المغصوبة أضعافا، فلو أمر الغاصب مالكها أن يستأجر رجلا لطلبها فأستأجر رجلا، وجبت أجرته على الغاصب، ولو طلب المالك بنفسه لم يستحق على الغاصب أجرة لطلبها، لانه أمره باستئجار غيره فصار متطوعا بطلبه. فإن استأجر الغاصب مالكها لطلبها بأجرة مسماة ففيه وجهان. أحدهما أن الاجارة غير جائزة وله الاجرة المسماة، لانه مالك لمنافع نفسه فملك المعاوضة عليها، والوجه الثاني أن الاجارة باطلة ولا أجرة له لانه لا يصح أن يعمل في ماله بعوض على غيره. فإذا حصل منهما عدول عن طلب المغصوب إلى أخذ قيمته فهذا على ثلاثة أقسام (أحدها) أن يبذلها الغاصب ويمتنع المغصوب منه. والقسم الثاني: أن يطلبها المغصوب منه ويمتنع الغاصب. والقسم الثالث أن يتفق عليها المغصوب منه والغاصب

فأما القسم الاول وهو أن يبذل الغاصب قيمة المغصوب ويطالب المغصوب منه بغصبه ويمتنع من أخذ قيمته فالقول قول المغصوب منه ويجبر الغاصب على طلبه والتزام مئونته، لان المالك لا يجبر على إزالة ملكه وأما القسم الثاني وهو أن يطلب المغصوب منه قيمة غصبه ويمتنع الغاصب من بذلها ليرد الغصب بعينه فينظر: فإن كانت الغصب على مسافة قريبة يقدر على رده بعد زمان يسير فالقول قول الغاصب ولا يجبر على بذل القيمة، لان الشئ المغصوب مقدور عليه. وإن كان على مسافة بعيدة لا يقدر على رده إلا بعد زمان طويل فالقول قول المغصوب منه ويجبر الغاصب على بذل القيمة له ليتعجل ما استحقه عاجلا، فإذا أخذ القيمة وملكها ملكا مستقرا وملك الغاصب الغصب ملكا صريحا فليس للمغصوب منه أن يسترده، لانه وإن ملكه بالخيار ابتداء فلم يملكه انتهاء، والغاصب وإن لم يملكه بالخيار ابتداء فقد ملكه انتهاء، وقد استقر ملكه عليه. الضرب الثاني: وهو أن يكون رده ممتنعا للجهل بمكانه فيؤخذ الغاصب جبرا بقيمته أكثر ما كانت من وقت الغصب إلى فوات الرد فإذا أخذها المغصوب منه ففى استقرار ملكه عليها وجهان لاصحابنا (أحدهما) أن ملكه عليها مستقر لفوات الرد والوجه الثاني: لا، لجواز القدرة على الرد، فإن وجد الشئ المغصوب بعد أخذ قيمته فقد اختلفوا في حكمه، فذهب الشافعي ومالك إلى أنه باق على ملك المغصوب منه يأخذه ويرد ما أخذ من قيمته. وقال أبو حنيفة: يكون المغصوب ملكا للغاصب بما دفعه من قيمته ما لم يكونا قد تكاذبا في قيمته، فإن كانا قد تكاذبا وأقر الغاصب بأقل منها وحلف عليها كان المغصوب منه أحق بالغصب حينئذ استدلالا بأن البدل إذا كان في مقابلة المبدل كان استحقاق البدل موجبا لتملك المبدل، كالبيع والنكاح لما استحق على المشترى الثمن تملك المثمن، ولما استحق على الزوج المهر ملك البضع. كذلك الغاصب لما ملك المغصوب منه القيمة ملك الغاصب المغصوب، ولان الجمع بين البدل والمبدل مرتفع في الاصول وفى بقاء ملك المغصوب منه على الغصب بعد أخذ القيمة جمع بينه وبين بدله وذلك باطل، البائع لا يجوز له أن يجتمع له ملك

الثمن والمثمن، والزوج لا يجوز أن يجتمع له ملك المهر والبضع، ولان ما أخذت قيمته للمغصوب امتنع بقاؤه على ملك المغصوب قياسا على ما أمكن رده ودليلنا قوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فما خرج عن التراضي خرج عن الاباحة في التمليك، ولحديث سمرة مرفوعا " على اليد ما أخذت حتى ترده " فجعل الرد غاية الاخذ، فاقتضى عموم الظاهر استحقاقه في الاحوال كلها، ولان قدرة المعاوض على ما عاوض عليه أولى بصحة تملكه من العجز عنه (فرع) إذا نما البدل في يد المغصوب منه فلا يخلو حال البدل من أن تكون الزيادة منفصلة أو غير منفصلة، فإن كانت الزيادة منفصلة كالولد والبيض واللبن فلا ترد الزيادة. أما إذا كانت متصلة كالسمن ونحوه فإن البدل يرد مع الزيادة وهذا الحكم يختلف عنه في حالة زيادة المغصوب كما سيأتي. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) فإن نقص المغصوب نقصانا تنقص به القيمة نظرت، فان كان في غير الرقيق لم يخل إما أن يكون نقصانا مستقرا أو غير مستقر، فان كان مستقرا بأن كان ثوبا فتخرق، أو إناء فانكسر أو شاة فذبحت أو طعاما فطحن ونقصت قيمته رده ورد معه أرش ما نقص، لانه نقصان عين في يد الغاصب نقصت به القيمه فوجب ضمانه كالقفيز من الطعام والذراع من الثوب، فان ترك المغصوب منه المغصوب على الغاصب وطالبه ببدله لم يكن له ذلك ومن أصحابنا من قال في الطعام إذا طحنه: أن له أن يتركه ويطالبه بمثل طعامه لان مثله أقرب إلى حقه من الدقيق، والمذهب الاول، لان عين ماله باقيه فلا يملك المطالبة ببدله كالثوب إذا تخرق والشاة إذا ذبحت وإن كان نقصانا غير مستقر، كطعام ابتل وخيف عليه الفساد، فقد قال في الام " للمغصوب منه مثل مكيلته " وقال الربيع فيه قول آخر أنه يأخذه وأرش النقص، فمن أصحابنا من قال هو على قولين (أحدهما) يأخذه وأرش النقص كالثوب إذا تخرق (والثانى) أنه يأخذ مثل مكيلته لانه يتزايد فساده إلى أن يتلف

فصار كالمستهلك. ومنهم من قال يأخذ مثل مكيلته قولا واحد ولا يثبت ما قاله الربيع، وإن كان في الرقيق نظرت، فإن لم يكن له أرش مقدر كإذهاب البكارة والجنايات التى ليس لها أرش مقدر رده وأرش ما نقص، لانه نقصان ليس فيه أرش مقدر فضمن بما نقص كالثوب إذا تخرق، وإن كان له أرش مقدر كذهاب اليد نظرت، فان كان ذهب من غير جناية رده وما نقص من قيمته. ومن أصحابنا من قال يرده وما يجب بالجناية، والمذهب الاول، لان ضمان اليد ضمان المال. ولهذا لا يجب فيه القصاص ولا تتعلق به الكفارة في النفس، فلم يجب فيه أرش مقدر. وإن ذهب بجناية بأن غصبه ثم قطع يده، فان قلنا إن ضمانه باليد كضمانه بالجناية وجب عليه نصف القيمة وقت الجناية، لان اليد في الجناية تضمن بنصف بدل النفس. وإن قلنا إن ضمانه ضمان المال وجب عليه أكثر الامرين من نصف القيمة أو ما نقص من قيمته، لانه وجد اليد والجناية فوجب أكثرهما ضمانا. وإن غصب عبدا يساوى مائة ثم زادت قيمته فصار يساوى ألفا ثم قطع يده لزمه خمسمائة، لان زيادة السوق مع تلف العين مضمونة، ويد العبد كنصفه فكأنه بقطع اليد فوت عليه نصفه فضمنه بزيادة السوق. (فصل) وإن نقصت العين ولم تنقص القيمة نظرت، فان كان ما نقص من العين له بدل مقدر فنقص ولم تنقص القيمة، مثل أن غصب عبدا فقطع أنثييه ولم تنقص قيمته، أو غصب صاعا من زيت فأغلاه فنقص نصفه ولم تنقص قيمته، لزمه في الانثيين قيمة العبد وفى الزيت نصف صاع، لان الواجب في الانثيين مقدر بالقيمة. والواجب في الزيت مقدر بما نقص من الكيل فلزمه ما يقدر به. وان كان ما نقص لا يضمن إلا بما نقص من القيمة فنقص ولم تنقص القيمه كالسمن المفرط إذا نقص ولم تنقص القيمه لم يلزمه شئ، لان السمن يضمن بما نقص من القيمة ولم ينقص من القيمه شئ فلم يلزمه شئ. واختلف أصحابنا فيمن غصب صاعا من عصير فأغلاه ونقص نصفه ولم تنقص قيمته، فقال أبو على الطبري: يلزمه نصف صاع كما قلنا في الزيت وقال أبو العباس: لا يلزمه شئ لان نقص العصير باستهلاك مائية ورطوبه

لا قيمة لها، وأما حلاوته فهى باقيه لم تنقص، ونقصان الزيت باستهلاك أجزائه ولاجزائه قيمة فضمنها بمثلها. (فصل) وإن تلف بعض العين ونقصت قيمة الباقي بأن غصب ثوبا تنقص قيمته بالقطع فشقه بنصفين ثم تلف أحد النصفين لزمه قيمة التالف، وهو قيمة نصف الثوب، أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف ورد الباقي وأرش ما نقص، لانه نقص حدث بسبب تعدى به فضمنه، فان كان لرجل خفان قيمتهما عشرة فأتلف رجل أحدهما فصار قيمة الباقي درهمين ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه درهمان، لان الذى أتلفه قيمته درهمان (والثانى) تلزمه ثمانيه، وهو المذهب، لانه ضمن أحدهما بالاتلاف ونقص قيمة الآخر بسبب تعدى به، فلزمه ضمانه (فصل) فان غصب ثوبا فلبسه وأبلاه، ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أكثر الامرين من الاجرة أو أرش ما نقص، لان ما نقص من الاجزاء في مقابلة الاجرة، ولهذا لا يضمن المستأجر أرش الاجزاء (والثانى) تلزمه الاجرة وأرش ما نقص، لان الاجرة بدل للمنافع، والارش بدل الاجزاء، فلم يدخل أحدهما في الآخر، كالاجرة وأرش ما نقص من السمن (فصل) وان نقصت العين ثم زال النقص بأن كانت جاريه سمينه فهزلت ونقصت قيمتها، ثم سمنت وعادت قيمتها ففيه وجهان (أحدهما) يسقط عنه الضمان، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لانه زال ما أوجب الضمان فسقط الضمان، كما لو جنى على عين فابيضت ثم زال البياض (والثانى) أنه لا يسقط، وهو قول أبى سعيد الاصطخرى، لان السمن الثاني غير الاول فلا يسقط به ما وجب بالاول وإن سمنت ثم هزلت ثم سمنت ثم هزلت ضمن أكثر السمنين قيمه، في قول أبى على بن أبى هريرة، لان بعود السمن يسقط ما في مقابلته من الارش، ويضمن السمنين في قول أبى سعيد - لان السمن الثاني غير الاول - فلزمه ضمانهما.

(فصل) وإن غصب عبدا فجنى على إنسان في يد الغاصب لزم الغاصب ما يستوفى في جنايته، فان كانت الجناية على النفس فأقيد به ضمن الغاصب قيمته لانه تلف بسبب كان في يده فان كان في الطرف فأقيد منه ضمن وفى الذى يضمن وجهان (أحدهما) أرش العضو في الجناية (والثانى) ما نقص من قيمته لانه ضمان وجب باليد لا بالجناية لان القطع في القصاص ليس بجناية وقد بينا الوجهين فيما تقدم فان عفى عن القصاص على مال لزم الغاصب أن يفديه لانه حق تعلق برقبته في يده فلزمه تخليصه منه. (الشرح) الاحكام: يشتمل هذا الفصل على الحال الثالثة من حالات المغصوب وهو أن يكون المغصوب ناقصا فعلى ضربين. أحدهما: أن يكون حيوانا. والثانى: أن يكون غير حيوان، فإن كان غير حيوان فالنقص على ضربين (أحدهما) أن يكون متميزا كالحنطة يتلف بعضها أو كالثياب يتلف ثوب منها أو ذراع من جملتها، فيكون ضامنا للنقص بالمثل إن كان ذا مثل، وبالقيمة إن لم يكن ذا مثل، ويرد الباقي بعينه، سواء كان التالف أكثر المغصوب أو أقله، وهذا متفق عليه. (والضرب الثاني) أن يكون النقص غير متميز كثوب شقه أو إناء كسره أو رضضه، فإن كان الناقص من أقل منافعه أخذه وما نقص من قيمته إجماعا فيقوم صحيحا، فإن قيل: مائة درهم قوم ممزقا أو مكسورا، فإن قيل: ستون درهما فنقصه أربعون فيأخذه ممزقا أو مكسورا ويأخذ منه أربعين درهما، وإن كان الناقص أكثر منافعه فقد اختلف الفقهاء فيه فذهب الشافعي إلى أنه يأخذه وما نقص من قيمته حتى لو كان يساوى مائة درهم فصار بعد النقص يساوى درهما أخذه وتسعة وتسعين درهما، وهكذا لو تمزق الثوب وترضض الاناء حتى لم يبق لهما قيمة أخذ قيمتها كاملة وأخذ المرضوض والممزق ولم يملكه الغاصب مع أداء القيمة. وقال مالك: يكون المالك مخيرا بين تسليمه إلى الغاصب ويأخذ منه جميع القيمة وبين أن يمسك به ناقصا ولا أرش له. وقال أبو حنيفة. يكون المالك مخيرا بين أن يتمسك به ويرجع بأرش نقصه

وبين أن يسلمه إلى الغاصب ويرجع بجميع قيمته، وإذا تمزق الثوب وترضض الاناء حتى بلغ النقص جميع القيمة غرم القيمة وملك المرضوض والممزق استدلالا بأن لا يصير جامعا بين البدل والمبدل، قالوا ولان العين إذا ذهب أكثر منافعها صار الباقي منها ذاهب المنفعة فجاز له أن يرجع بجميع القيمة، ولان الاقل تبع للاكثر فلما كان غارما لاكثر المنافع وجب أن يكون غارما لاقلها. دليلنا. قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فإذا اعتدى باستهلاك بعضه لم يجز أن يقوى عليه باستهلاك كله، ولان ما لم يلزم غرم جميعه باستهلاك أكثره قياسا على النقص المتميز، ولان ما لم يكن تمييز بعضه موجبا لغرم جميعه لم يكن عدم تمييزه موجبا لغرم جميعه قياسا على النقص الاقل ولا يدخل على هاتين العلتين أطراف العبد كما نص عليه الماوردى في الحاوى. فأما الجواب عن قولهم. انه جمع بين البدل والمبدل فهو غير صحيح، لان المأخوذ بدل من المستهلك دون الباقي، فلم يكن جمعا بين البدل والمبدل، وأما الجواب عن قولهم. ان الاقل تبع للاكثر، فهو أنه لو جاز أن يكون هذا دليلا على وجوب الاقل تبعا لسقوط الضمان في الاكثر، حتى لو أنه أتلف أقل المنافع لم يضمنها، لانه لم يضمن الاكثر فيها، وهذا قول مردود عندنا، فإذا ثبت وجوب أخذه وقدر نقصه قليلا كان النقص أو كثيرا، نفع الباقي منه أو لم ينفع نظر، فإن كان من غير جنس الاثمان ضمن نقص قدر قيمته، وان كان من جنس الاثمان فقد قال أبو حنيفة ليس له الرجوع بنقصه، وهو بالخيار بين تسليمه إلى الغاصب وأخذ قيمته كلها وبين امساكه ولا أرش، لان الاثمان مستحقة في الارش، فلم يجز أن يدخلها أرش، وهذا خطأ لان كل نقص دخل عوض أو معوض استحق أرشه - ولم يجز مع امكان الارش أن يكون جزءا، وإذا كان هذا ضامنا ففى كيفية ضمانه وجهان على ما مضى. (أحدهما) يضمن اجزاء صنفه لا غير. (والثانى) يضمن قدر النقص من قيمته ذهبا ان كان من ورق وورقا ان كان من ذهب.

وان كان حيوانا فعلى ضربين (أحدهما) أن يكون بهيمة (والثانى) أن يكون آدميا، فإن كان بهيمة - وهو محل اهتمامنا بالبحث دون الآخر - فإنه يردها ويرد معها نقص ما بين قيمتها سليمة وناقصة، وسواء كان النقص بجناية أو حادثة، وسواء كانت البهيمة ذات ظهر أو در. وقال أبو حنيفة. ان كان حيوانا ينتفع به من جهة واحدة كذات ظهر لا در لها كالبغال والحمير أو ذات در لا ظهر لها كالغنم ضمنها بما نقص من قيمتها كقولنا وان كان ينتفع بها من جهتين كظهر ودر كالابل، وكذلك البقر والجاموس فانهما يعملان في المحراث والساقية وجر العربات والعجلات والزحافات والنوارج كان في احدى عينيه ربع قيمته، وفى سائر أعضائه ما نقص استدلالا بما رواه عن عمر رضى الله عنه أنه حكم في احدى عينى بقرة بربع قيمتها، وقد رد الماوردى وغيره هذا الوجه، لان ما لم يضمن أعضاؤه بمقدر لم تضمن عينه قياسا على ذات الظهر، ولان كل ما لم يضمن بمقدر في غير ذات الظهر لم يضمن بمقدر من ذات الظهر والدر، قياسا على سائر الاعضاء، وما روى عن عمر (رض) لا دليل فيه لانها قصه وافقت الحكومة فيها ربع القيمة. وقال مالك إذا قطع ذنب حمار القاضى كان عليه جميع قيمته، ولو كان لغير القاضى لزمه ما نقص من قيمته استدلالا بأن في قطع ذنب حماره غضاضة على المسلمين ووهن في الدين، وحسبك بقبح هذا القول دليلا على فساده، ولو جاز أنه يجب في ذنب حماره جميع القيمه لوجب ذلك في تحريق ثيابه والتعدى في قماشه ولتضاعف الجناية عليه على الجنايه على غيره، ولكان كل ما اختص به زائدا في الحكم على من سواه، وفى اتفاق الجميع على أن القاضى وغيره سواء في ضمان ما استهلك له أو جنى عليه وجب أن يكون وغيره على سواء في الجنايه على حماره (فرع) صورة من نقصت العين في يده ثم زال النقص فهى كما قال الشافعي في الام هكذا. ولو غصب جارية تساوى مائة فزادت في يده بتعليم وتهذيب وأنفق عليها من ماله حتى صارت تساوى ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوى مائه فإنه يأخذها وتسعمائة معها. قال الماوردى: وهذه المسألة مشتلة على فصلين:

(أحدهما) يغصبها ناقصة فتزيد ثم تنقص (والثانى) أن يغصبها زائدة فتنقص ثم تزيد، وتكلم عن الفصل الاول فصور المسألة في أمة زادت ببرء أو سمن أو تعليم قرآن فصارت تساوى ألفا ثم نقصت بنسيان أو هزال أو مرض حتى عادت لحالها لا تساوى إلا المائة، فإنه يردها ومعها تسعمائة لنقص الزيادة الحادثه في يده وقال أبو حنيفة: يردها ولا غرم عليه لنقص ما زاد في يده استدلالا بأنه رد المغصوب كما أخذه. ولان الزيادة في يد الغاصب قد تكون زيادة في السوق أو زيادة في العين، فلما كانت زيادة الرق غير مضمونة على الغاصب إذا نقصت، كانت زيادة العين غير مضمونة على الغاصب إذا نقصت، وتحريره قياسا أنها زيادة حدثت في يد الغاصب فوجب أن يضمنها مع بقاء المغصوب قياسا على زيادة السوق طردا وعلى تلف العين عكسا، وكان ضمان الغصب إنما يستحق فيما غصب باليد دون ما لم يغصب. وإن صار تحت يده، ألا ترى لو أن شاة دخلت دارا لرجل لم يضمنها. وان صارت تحت يده. وهكذا لو أطارت الريح ثوبا إلى داره لحدوث ذلك بغير فعله، وكذا الزيادة الحادثة في يده دليلنا: أنه نقص عين حدث في يد الغاصب فوجب أن يكون مضمونا عليه قياسا على نقصها عن حال غصبها، بأن يغصبها صحيحة فتمرض أو سمينة فتهزل، ولانه لو باعها بعد حدوث الزيادة بها ضمن نقصها فكذلك ان لم يبعها وفى ضمان النقص وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه غير مضمون على الغاصب استشهادا بقول الشافعي فيمن جنى على عين رجل فابيضت فأخذ ديتها، ثم زال البياض أنه يرد ما أخذ من الدية لارتفاع النقص بحدوث الصحه، فكذا الغاصب والوجه الثاني: وهو قول أبى سعيد الاصطخرى، والاشبه بأصول الشافعي أنه مضمون على الغاصب فيردها وتسعمائة معها كما نقلنا ذلك عن الشافعي فيما سبق، ووجهه أن حدوث النقص قد أوجب ثبوت الضمان في ذمته فما طرأ بعده من زيادة فحادث على ملك المغصوب منه، فلم يجز أن يسقط به ما قد ملكه من الغرم وليس كبياض العين بالجناية لانها مضمونة بالفعل، والغصب مضمون باليد.

فعلى هذا يتفرع على هذين الوجهين إذا ماتت ضمن على قول أبى سعيد الاصطخرى قيمتها ونقصها مهما تكرر، ويتفرع على ذلك إذا غصبها وهى تساوى ألفا فمرضت حتى صارت تساوى مائة ثم برأت حتى صارت قيمتها ألفا ثم مرضت حتى صارت قيمتها مائه فعلى قول أبى على بن أبى هريرة ردها وتسعمائه نقص مرة واحدة، وعلى قول أبى سعيد رد معها ألفا وثمانمائه نقصها مرتين. وهكذا لو عاد نقصها مائة مرة ضمن مائة نقص، فلو عادت بعد النقص الثاني إلى البدء ثم ردها لم يلزمه عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ شئ ولزمه على قول أبى سعيد نقصان. والله أعلم بالصواب (فرع) قال الشافعي إن كان ثوبا فأبلاه المشترى أخذه من المشترى وما بين قيمته صحيحا يوم غصبه وبين قيمته وقد أبلاه، ويرجع المشترى على الغاصب بالثمن الذى دفع. اه وهذه المسألة تشتمل على: إما إبلاء الغاصب له وإما إبلاء المشترى، فالغاصب لا يخلو حاله في الثوب الذى غصبه من أربعة أقسام (أحدها) أن لا يبلى في يده ولا تمضى عليه مدة يكون لها أجرة، فهذا يرد الثوب ولا شئ عليه سواه (والثانى) أن يكون قد بلى ولم تمض عليه مدة يكون لها أجرة، فهو يرده ويرد معه أرش البلى لا غير. (والثالث) أن لا يبلى، لكن قد مضت عليه مدة يكون لها أجرة، فهو يرده ويرد معه أجرة مثله لا غير (والرابع) أن يبلى وتمضى عليه مدة يكون لها أجرة، فهل يجمع عليه بين الارش والاجرة أم لا؟ على وجهين (أحدهما) يجمع بينهما وتجبان عليه لاختلاف موجبها، لان الارش يجب باستهلاك الاجزاء والاجرة تجب باستهلاك المنفعة والوجه الثاني: أنهما يجتمعان عليه، ويجب عليه أكثر الامرين من الارش والاجرة، لان استهلاك الاجزاء في مقابلة الاجرة، ألا ترى أن المستأجر لا يضمن أرش البلى، لانه في مقابلة ما قد ضمنه من الاجرة. ولكن لو كان المغصوب حيوانا فمضت عليه في يد الغاصب مدة فهزل فيها بدنه وذهب فيها سمنه لزمته الاجرة مع أرش الهزال وجها واحدا. والفرق بينها وبين الثوب أن استعمال الثوب موجب لبلاه، وليس استخدام الحيوان موجبا لهزاله. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإذا زاد المغصوب في يد الغاصب بأن كانت شجرة فأثمرت، أو جارية فسمنت أو ولدت ولدا مملوكا، ثم تلف، ضمن ذلك كله، لانه مال للمغصوب منه حصل في يده بالغصب، فضمنه بالتلف، كالعين المغصوبة، وان ألقت الجارية الولد ميتا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يضمنه بقيمته يوم الوضع كما لو كان حيا، وهو ظاهر النص لانه غصبه بغصب الام فضمنه بالتلف كالام. (والثانى) أنه لا يضمنه، وهو قول أبى اسحاق، لانه انما يقوم حال الحيلولة بينه وبين المالك، وهو حال الوضع، ولا قيمة له في تلك الحال فلم يضمن، وحمل النص عليه إذا ألقته حيا ثم مات. (فصل) وان غصب دراهم فاشترى سلعه في الذمه، ونقد الدراهم في ثمنها وربح، ففى الربح قولان، قال في القديم: هو للمغصوب منه، لانه نماء ملكه فصار كالثمرة والولد، فعلى هذا يضمنه الغاصب إذا تلف في يده كالثمرة والولد، وقال في الجديد: هو للغاصب لانه بدل ماله فكان له. (فصل) وان غصب عبدا فاصطاد صيدا فالصيد لمولاه، لان يد العبد كيد المولى فكان صيده كصيده وهل تلزم الغاصب أجرة العبد للمدة التى اصطاد فيها فيه وجهان. (أحدهما) تلزمه لانه أتلف عليه منافعه (والثانى) لا تلزمه لان منافعه صارت إلى المولى، وان غصب جارحه كالفهد والبازى فاصطاد بها صيدا ففى صيده وجهان (أحدهما) أنه للغاصب، لانه هو المرسل والجارحه آله، فكان الصيد له، كما لو غصب قوسا فاصطاد بها، وعليه أجرة الجارحة لانه أتلف على صاحبها منافعها (والثانى) أن الصيد للمغصوب منه، لانه كسب ماله فكان له كصيد العبد فعلى هذا في أجرته وجهان على ما ذكرناه في العبد. (فصل) وان غصب عينا فاستحالت عنده بأن كان بيضا فصار فرخا أو كان حبا فصار زرعا أو كان زرعا فصار حبا فللمغصوب منه أن يرجع به لانه عين ماله

فان نقصت قيمته بالاستحالة رجع بأرش النقص لانه حدث في يده، وان غصب عصيرا فصار خمرا ضمن العصير بمثله لانه بانقلابه خمرا سقطت قيمته فصار كما لو غصب حيوانا فمات فان صار الخمر خلا رده، وهل يلزمه ضمان العصير مع رد الخل؟ فيه وجهان. (أحدهما) يلزمه لان الخل غير العصير فلا يسقط برد الخل ضمان ما وجب بهلاك العصير. (والثانى) لا يلزمه لان الخل عين العصير فلا يلزمه مع ردها ضمان العصير، فعلى هذا إن كانت قيمة الخل دون قيمة العصير رد مع الخل أرش النقص. (فصل) وإن غصب شيئا فعمل فيه عملا زادت به قيمته بأن كان ثوبا ففصره أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ذهبا فصاغه حليا أو خشبا فعمل منه بابا رده على المالك لانه عين ماله ولا يشارك الغاصب فيه ببدل عمله لانه عمل تبرع به في ملك غيره فلم يشاركه ببدله. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي: وفى ولد المغصوبة الذى ولد في الغصب مضمون على الغاصب سواء كان الحمل موجودا عند الغصب أو حادثا بعده وقال أبو حنيفة: ولد المغصوب غير مضمون على الغاصب سواء كان الحمل موجودا عند الغصب أو حادثا بعده، إلا أن يمنع من بعد الطلب فيضمن بالمنع استدلالا بما ذكره في زيادة البدن من أن حدوث الشئ في يده من غير فعل لا يوجب الضمان عليه كالريح إذا أطارت ثوبا إليه أو الشاة إذا دخلت دارا. ودليلنا: هو أن ولد المغصوبة في يد الغاصب كالام بدليل أنه لو ادعاه لقبل قوله لمكان يده فوجب أن يكون ما مثاله باليد كأمه، ولان ضمان الغصب أقوى من ضمان العبد، ثم ثبت أن ولد الصيد مضمون على المحرم فولد الغصب أولى أن يكون مضمونا على الغاصب، لانه نماء عن أصل مضمون بالتعدي فصح أن يكون مضمونا ومغصوبا كالصوف واللبن، ولانه متصل بالمغصوب فصح أن يكون مضمونا كالسمن وثمر الغرس، ولان ما ضمن بالجناية ضمن بالغصب كالمنفصل، ولان ما صح أن يضمن بالغصب خارج وعائه كالدراهم في كيس والحلى في حق.

وأما الجواب عن استدلالهم بدخول الشاة إلى داره والثوب إذا أطارته الريح إليها فهو أن لا يكون بذلك متعديا فلم يكن ضامنا ويكون بإمساك الولد متعديا فكان ضامنا. ألا ترى أن دخول الصيد إلى داره لا يوجب عليه الضمان لعدم تعديه، وولادة الصيد في يده توجب عليه الضمان لتعديه. فإذا ثبت أن ولد المغصوبة مضمون على الغاصب فسواء تلف بعد إمكان رده أو قبل إمكانه في ضمان قيمته في أكثر أحواله فيه من حين الولادة إلى وقت التلف، فإن نقصت قيمة أمه بعد الولادة - فان كان نقصها لغير الحمل - ضمنه مع قيمة الولد، وان كان نقصها لاجل لم يضمنهما معا لان ضمان ولدها هو ضمان لحملها، فكان ضامنا لاكثر الامرين من نقص الحمل وقيمة الولد. فإذا تقرر ما وصفنا فللولد ثلاثة أحوال يضمن فيها، وحال لا يضمن، وحال مختلف فيها. فأما أحوال الضمان ففى الغصب والجناية والاحرام، فإن ضمان الولد فيها واجب كالام، وأما حال سقوط الضمان ففى الاجارة والرهن والوديعة، فإن ولد المستأجرة والمرهونة والمودعة غير مضمون كالام، فأما الحال المختلف فيها ففى العارية والبيع الفاسد ففى ضمان الولد فيهما وجهان مبنيان على اختلاف أصحابنا في ضمان الام في العارية والبيع الفاسد، هل هو ضمان غصب أم لا؟ على وجهين. (أحدهما) أنه ضمان غصب، فعلى هذا يكون الولد مضمونا بأكثر الامرين من قيمته أو نقص الحمل كالغصب. (والوجه الثاني) أنه يكون مضمونا ضمان عقد، فعلى هذا يكون الولد غير مضمون لانه لم يدخل في العقد. فأما إذا غصب مالا فاتجر به وربح فيه ففى ربحه قولان: أحدهما وهو قوله في القديم: أنه لرب المال، وهو مذهب مالك. والقول الثاني: أنه للغاصب وهو مذهب أبى حنيفة، وسنذكر توجيه القولين في القراض، فأما إذا غصب شيئا فصاد به، فعلى ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون آلة كالشبكة والقوس فالصيد للغاصب وعليه أجرة الآلة، والضرب الثاني: أن يكون عبدا فالصيد للمغصوب منه لان يده يد لصاحبه وهل على الغاصب أجرته مدة صيده أم لا؟ على وجهين

أحدهما: عليه الاجرة، لانه غاصب. والثانى: لا أجرة عليه لان السيد قد صار إلى منافعه في ذلك الزمان. والضرب الثالث: أن يكون جارحا كالكلب والفهد والنمر ففى الصيد وجهان. أحدهما: للغاصب لانه المرسل فعلى هذا عليه أجرة الفهد والنمر، فهل عليه أجرة الكلب أم لا؟ على وجهين. قال الشافعي: ولو باعها الغاصب فأولدها المشترى ثم استحقها المغصوب منه أخذ من المشترى مهرها وقيمتها إن كانت ميتة، وأخذها إن كانت حية، وأخذ قيمة أولادها يوم سقطوا أحياء، ولا يرجع بقيمة من سقط ميتا، ويرجع المشترى على الغاصب بجميع ما ضمنه من قيمة الولد لانه غره، إلى أن قال: وعليه الحد إن لم يأت بشبهة. (فرع) إذا كان قد غصب بيضا فصار فراخا أو فروجا كان ملكا للمغصوب منه لتولده في ملكه، ولو غصب منه شاة فانزى عليها فحله فوضعت سخلا كان للغاصب، لان مالك الام ولا شئ للمغصوب منه في نزو فحله لانه عسب فحل محرم الثمن إلا أن يكون النزو قد نقص من بدنها وقيمتها فيرجع على الغاصب بقدر النقص. فلو غصبه شاة فذبحها وطبخها لم يملكها ويرجع بها للمغصوب منه مطبوخة وبنقص ما حدث فيها. وقال أبو حنيفة: قد صارت للغاصب بالطبخ، ويغرم قيمتها استدلالا برواية عاصم بن كليب عن أبى بردة بن أبى موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوما من الانصار فقدموا إليه شاة فصيلة فأكل منها لقمة فلم يبلعها فقال مالى لا أسيغها، ان لها لشأنا أو قال خبرا، قالوا يا رسول الله إنا أخذناها من بنى فلان وأنهم إذا وافوا راضيناهم فقال أطعموها الاسارى. فجعل لهم تملكها بالعمل لانه أمرهم باطعامها للاسارى ولو لم يملكوها لمنعهم. ودليلنا ما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال. لا يحل لاحد منكم من مال أخيه شئ إلا بطيب نفس منه فقال له عمرو بن حزم. يا رسول الله أرأيت إن لقيت غنم ابن عمى اخترت منها شاة؟ قال. إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش - بفتح فسكون، والجميش وزان الخميس - وهو صحراء بين مكة والمدينة - فلا تأخذها. قال الماوردى.

وأما الخبر الذى استدل به فيحمل على أن يكونوا قد أخذوا ذلك عن إذنهم من غير ثمن مقدر، ويحتمل أن يكون لتعذر مستحقه عن استبقاء الطعام لهم فأمرهم بذلك حفظا لقيمته على أربابه اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن غصب شيئا فخلطه بمالا يتميز منه من جنسه، بأن غصب صاعا من زيت فخلطه بصاع من زيته، أو صاعا من الطعام فخلطه بصاع من طعامه، نظرت، فإن خلطه بمثله في القيمة فله أن يدفع إليه صاعا منه لانه تعذر بالاختلاط عين ماله، فجاز أن يدفع إليه البعض من ماله والبعض من مثله وإن أراد أن يدفع إليه مثله من غيره وطلب المغصوب منه مثله منه، ففيه وجهان أحدهما وهو المنصوص أن الخيار إلى الغاصب، لانه لا يقدر على رد عين ماله، فجاز أن يدفع إليه مثله كما لو هلك، والثانى وهو قول أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يلزمه أن يدفع إليه صاعا منه لانه يقدر أن يدفع إليه بعض ماله فلا ينتقل إلى البدل في الجميع كما لو غصب صاعا فتلف بعضه، وإن خلطه بأجود منه فإن بذل الغاصب صاعا منه لزم المغصوب منه قبوله، لانه دفع إليه بعض ماله وبعض مثله خيرا منه، وإن بذل مثله من غيره وطلب المغصوب منه صاعا منه ففيه وجهان. أحدهما وهو المنصوص في الغصب. أن الخيار إلى الغاصب لانه تعذر رد المغصوب بالاختلاط فقبل منه المثل. والثانى. أنه يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما وهو المنصوص في التفليس، لانا إذا فعلنا ذلك أوصلنا كل واحد منهما إلى عين ماله، وإذا أمكن الرجوع إلى عين المال لم يلزم الرجوع إلى البدل، فإن كان ما يخص المغصوب منه من الثمن أقل من قيمة ماله استوفى قيمة صاعه ودخل النقص على الغاصب، لانه نقص بفعله فلزمه ضمانه وعلى هذا الوجه ان طلب المغصوب منه أن يدفع إليه من الزيت المختلط بقدر قيمة ماله ففيه وجهان، أحدهما، لا يجوز، وهو قول أبى اسحق لانه يأخذ بعض صاع عن صاع وذلك ربا والثانى انه يجوز لان الربا انما يكون في البيع

وليس ههنا بيع، وانما يأخذ هو بعض حقه ويترك بعضه كرجل له على رجل درهم فأخذ بعضه وترك البعض. (فصل) وإن خلطه بما دونه فإن طلب المغصوب منه صاعا منه وامتنع الغاصب أجبر على الدفع، لانه رضى بأخذ حقه ناقصا، وإن طلب مثله من غيره وامتنع الغاصب أجبر على دفع مثله، لان المخلوط دون حقه فلا يلزمه أخذه. ومن أصحابنا من قال: يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما، ليصل كل واحد منهما إلى عين ماله، وإن نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته ضمن الغاصب تمام القيمة، لانه نقص بفعله (فصل) وان غصب شيئا فخلطه بغير جنسه أو نوعه، فإن أمكن تمييزه كالحنطة إذا اختلطت بالشعير أو الحنطة البيضاء إذا اختلطت بالحنطة السمراء، لزمه تمييزه ورده، لانه يمكن رد العين فلزمه، وإن لم يمكن تمييزه كالزيت إذا خلطه بالشيرج لزمه صاع من مثله، لانه تعذر رد العين بالاختلاط فعدل إلى مثله. ومن أصحابنا من قال: يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما ليصل كل واحد منهما إلى عين ماله كما قلنا في القسم قبله (فصل) وإن غصب دقيقا فخلطه بدقيق له ففيه وجهان: أحدهما: أن الدقيق له مثل. وهو قول أبى العباس وظاهر النص، لان تفاوته في النعومة والخشونة ليس بأكثر من تفاوت الحنطة في صغر الحب وكبره. فعلى هذا يكون حكمه حكم الحنطة إذا خلطها بالحنطة. وقد بيناه والثانى: أنه لا مثل له. وهو قول أبى إسحاق، لانه يتفاوت في الخشونة والنعومة، ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض، فعلى هذا اختلف أصحابنا فيما يلزمه فمنهم من قال يلزمه قيمته لانه تعذر رده بالاختلاط ولا مثل له فوجبت القيمة ومنهم من قال يصيران شريكين فيه، فيباع ويقسم الثمن بينهما على ما ذكرناه في الزيت إذا خلطه بالشيرج

(الشرح) الاحكام: قال الشافعي: " وما كان له كيل أو وزن فعليه مثل كيله ووزنه " وقد ذكرنا أن ماله مثل فهو مضمون في الغصب بالمثل، ومالا مثل له فهو مضمون بالقيمة فأما حد ماله مثل فقد قال الشافعي ما سقنا، وليس ذلك منه حدا لماله مثل، لان كل ذى مثل مكيل أو موزون، وليس كل مكيل أو موزون له مثل، وإنما ذكر الشافعي ذلك شرطا في المماثلة عند الغرم، ولم يجعله حدا لماله مثل. وحد ماله مثل. أن يجتمع فيه شرطان، تماثل الاجزاء وأمن التفاضل، فكل ما تماثلت أجزاؤه وأمن تفاضله فله مثل، كالحبوب والادهان، فإن كان مكيلا كان الكيل شرطا في مماثلته دون الوزن، وإن كان موزونا كان الوزن شرطا في مماثلته دون الكيل، فأما ما اختلفت أجزاؤه كالحيوان والثياب أو خيف تفاضله كالثمار الرطبة فلا مثل له وتجب قيمته. أما خلط الشئ بمثله كالزيت بالزيت، أو الحنطة بالحنطة فقد قال الشافعي: " ومن الشئ الذى يخلطه الغاصب بما اغتصب فلا يتميز منه، أو يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله، أو خير منه، فيقال للغاصب: إن شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته، وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان زيتك مثل زيته، وكنت تاركا للفضل، إذا كان زيتك أكثر من زيته ولا خيار للمغصوب لانه غير منتقص، فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته، لانه قد انتقص زيته بتصييره فيما هو شر معه، وإن كان صب زيته في شيرج أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في هذا كله، لانه لا يتخلص منه الزيت، ولا يكون له أن يدفع إليه مكيالا مثله، وإن كان المكيال منه خيرا من الزيت من قبل أنه غير الزيت ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه، وتكون مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله، وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه " قال الربيع، ويعطيه هذا الزيت بعينه وان نقصه الماء، ويرجع عليه بنقصه

وهو معنى قول الشافعي قلت: فهذا هو المنصوص الذى أشار إليه المصنف وقول الشافعي أعدل حكومه وأبعد عن الغرر. (فرع) قال الشافعي ولو اغتصبه زيتا فأغلاه على النار فنقص كان عليه أن يسلمه إليه، وما نقص مكيلته ثم ان كانت النار تنقصه شيئا في القيمة كان عليه أن يغرم له نقصانه وان لم تنقصه شيئا في القيمة فلا شئ عليه، ولو اغتصبه حنطة جيدة خلطها برديئة كان خلطها بمثلها أو أجود منها كما وصفت في الزيت يغرم له مثلها بمثل كيلها، الا أن يكون يقدر على أن يميزها حتى تكون معروفة، وان خلطها بمثلها أو أجود كان كما وصفت في الزيت. قال: ولو خلطها بشعير أو ذرة أو حب غير الحنطة كان عليه أن يؤخذ بتمييزها حتى يسلمها إليه بعينها بمثل كيلها، وان نقص كيلها شيئا ضمنه، قال: ولو اغتصبه حنطة جيدة فأصابها عنده ماء أو عفن أو أكلة أو دخلها نقص في عينها كان عليه أن يدفعها إليه وقيمة ما نقصها تقوم بالحال التى غصبها والحال التى دفعها بها ثم يغرم فضل ما بين القيمتين. قال: ولو غصبه دقيقا فخلطه بدقيق اجود منه أو مثله أو أردأ كان كما وصفنا في الزيت. هذا نصه فلو أن المغصوب منه أراد أن يأخذ من المختلط بقدر مكيلته أو بقدر قيمة ماله وفرق بين المكيلة وقدر القيمة لان الاول التساوى في الكيل والآخر التساوى في القيمة فعلى وجهين أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَا يجوز، والثانى: يجوز لانه ليس بيعا ويكون متبرعا بفرق القيمة أو المكيلة أو الجودة ولا يكون ذلك من الربا لانه ليس بيعا وهو كما قال الشافعي في الام: ان غصبه سمنا وعسلا ودقيقا فعصده كان للمغصوب الخيار في أن يأخذه معصودا ولا شئ للغاصب في الحطب والقدر والعمل من قبل أن ماله فيه أثر لا عين، أو يقوم له العسل منفردا والسمن والدقيق منفردين. فإن كان قيمته عشرة وهو معصود قيمته سبعة غرم له ثلاثة من قبل أنه أدخله النقص، ولو غصبه دابة وشعيرا فعلف الدابة الشعير رد الدابة والشعير من قبل أنه هو المستهلك له وليس في الدابة عين من الشعير يأخذه انما فيها منه أثر، قال: ولو

غصبه طعاما فأطعمه إياه والمغصوب لا يعلم كان متطوعا بالاطعام، وكان عليه ضمان الطعام. وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شئ له عليه من قبل أن سلطانه إنما كان على أخذ طعامه فقد أخذه وقال الربيع: وفيه قول آخر أنه إذا أكله عالما أو غير عالم فقد وصل إليه شيئه ولا شئ على الغاصب، إلا أن يكون نقص عمله فيه شيئا فيرجع بما نقصه العمل. قلت وإلى هذا ذهب أحمد وأصحابه (فرع) إذا نقص المغصوب نقصا غير مستقر كطعام ابتل وخيف فساده، فعليه ضمان نقصه، فللشافعي قولان (أحدهما) يضمن (والثانى) لا يضمن. وهو قول أحد الاقوال الثلاثة عند الحنابلة (أحدها) وهو قول القاضى لا يضمن (والثانى) يضمن، وهو قول ابن قدامة (والثالث) المغصوب منه مخير بين أخذ بدله وبين تركه حتى يستقر فساده ويأخذ أرش نقصه. وقال أبو حنيفة: يتخير بين إمساكه ولا شئ له، أو تسليمه إلى الغاصب ويأخذ قيمته. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن غصب أرضا فغرس فيها غراسا أو بنى فيها بناء، فدعا صاحب الارض إلى قلع الغراس ونقض البناء لزمه ذلك. لما روى سعيد بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ليس لعرق ظالم حق " فإن قلعه فقد قال في الغصب يلزمه أرش ما نقص من الارض. وقال في البيع: إذا قلع الاحجار المستودعة، عليه تسوية الارض فمن أصحابنا من جعلهما على قولين (أحدهما) يلزمه أرش النقص لانه نقص بفعل مضمون، فلزمه أرشه. (والثانى) يلزمه تسوية الارض لان جبران النقص بالمثل أولى من جبرانه بالقيمة. ومنهم من قال: يلزمه في الغصب أرش ما نقص. وفى البيع يلزمه تسوية الارض، لان الغاصب متعد فغلظ عليه بالارش لانه أوفى، والبائع غير متعد فلم يلزمه أكثر من التسوية، وان كان الغراس لصاحب الارض فطالبه بالقلع، فإن كان له غرض في قلعه أخذ يقلعه، لانه قد فوت عليه بالغراس غرضا مقصودا في الارض، فأخذ بإعادتها إلى ما كانت، وان لم يكن له غرض

ففيه وجهان (أحدهما) لا يؤخذ بقلعه، لان قلعه من غير غرس سفه وعبث (والثانى) يؤخذ به، لان المالك محكم في ملكه، والغاصب غير محكم، فوجب أن يؤخذ به. (فصل) وان غصب أرضا وحفر فيها بئرا فطالبه صاحب الارض بطمها لزمه طمها لان التراب ملكه، وقد نقله من موضعه فلزمه رده إلى موضعه، فإن أراد الغاصب طمها فامتنع صاحب الارض أجبر. وقال المزني: لا يجبر كما لو غصب غزلا ونسجه لم يجبر المالك على نقضه، وهذا غير صحيح، لان له غرضا في طمها. وهو أن يسقط عنه ضمان من يقع فيها، بخلاف نقض الغزل المنسوج فإن أبرأه صاحب الارض من ضمان من يقع فيها ففيه وجهان (أحدهما) يصح الابراء لانه لما سقط الضمان عنه إذا أذن في حفرها سقط عنه إذا أبرأه منها. (والثانى) أنه لا يصح، لان الابراء انما يكون من واجب، ولم يجب بعد شئ فلم يصح الابراء. (الشرح) حديث سعيد بن زيد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وأعله بالارسال والنسائي، ورجح الدارقطني الارسال أيضا، وقد اختلف مع ترجيح الارسال على الصحابي الذى رواه فقيل جابر، وقيل عائشة، وقيل ابن عمر، ورجح ابن حجر الاول، وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا، ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة، وفى اسناده زمعة، وهو ضعيف. ورواه البخاري تعليقا أما الاحكام فقد قال الشافعي: ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو اصولا أو بنى فيها بناء أو شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الارض بالحال الذى اغتصبه اياها، وكان على البانى والغارس أن يقلع بناءه وغرسه، فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الارض حتى يرد إليه الارض بحالها حين أخذها ويضمن القيمة بما نقصها. قال وكذلك ذلك في النهر وفى كل شئ أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا ظالما. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ لعرق ظالم حق " ولا يكون لرب الارض أن يملك مال الغاصب، ولم يملكه اياه كان ما يقلع الغاصب منه ينفعه

أو لا ينفعه، لان له منع قليل مائه كما منع كثيره. وقال الماوردى قد ذكرنا أن الارض والعقار يجرى عليها حكم الغصب إبراءا وضمانا، وبه قال فقهاء الحرمين والبصرة، وخالف أهل الكوفة فقال أبو حنيفة لا يجرى على الارض حكم الغصب ولا حكم الضمان باليد. وهو قول أبى يوسف، وقال محمد بن الحسن يجرى عليها حكم الضمان باليد، ولا يجرى عليها حكم الغصب. اه. وكلام محمد يرد عليه أنه كل ما ضمن باليد ضمن بالغصب كالمنقول، على أنه ليس للتفرقة بين ضمان اليد وضمان الغصب تأثير. فإذا صح غصب الارض فلا يخلو حال غاصبها من أن يكون قد شعلها بغرس أو بناء أو لم يشغلها، فان لم يكن قد شغلها بغرس ولا بناء درها وأجرة مثلها مدة غصبه، وان شغلها باحداث غرس أو بناء أخذ بقلع بناءه وغرسه ولا يجبر على أخذ قيمتها، سواء أضر قلعها بالارض أم لا. وقال أبو حنيفة " إن لم يضر القلع بالارض اضرارا بينا فله القلع، ولا يجبر على أخذ القيمة، وان كان في قلعه اضرار بالارض فرب الارض بالخيار بين أن يبذل له قيمة الغرس والبناء مقلوعا فيجبر على أخذها، وبين أن يأخذه بقلع الغرس والبناء فيجبر على قلعها استدلالا بما جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار. وبما روى مجاهد أن رجلا غصب قوما أرضا براحا فغرس فيها نخلا فرفع ذلك إلى عمر رضى الله عنه فقال لهم " ان شئتم فادفعوا إليه قيمة النخل " وروى رَافِعٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من زرع أرض قوم بلا اذن منهم فليس له في الزرع شئ وله نفقته " قال ولان من دخل تملك على ملك استحق المالك ازالة ملك الداخل كالشفيع ودليلنا ما روى أنس مرفوعا " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسه " أخرجه الدارقطني وأحمد والحاكم والبيهقي وابن حبان. وما رواه هشام بن عروة عن أبيه أن رجلا غصب أرضا من رجلين من بنى بياضه من الانصار فغرسها نخلا جما فرفع ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بقلعه ولم يجعل لرب الارض خيارا ولو استحق خيارا لاعلمه وحكم به. ولان يسير الغرس والبناء أشبه بأن يكون تبعا للارض من كثيره، فلما لم يكن لرب الارض أن يتملك يسيره فأولى أن

لا يتملك كثيره ويتحرر من اعتلاله قياسان (أحدهما) أنه ما لم يملك بالغصب يسيره لم يملك به كثيره لمتاع (والثانى) أنه عدوان لا تملك به الاعيان المنفصلة فوجب أن لا تملك به الاعيان المتصلة. وأما حديث لا ضرر ولا ضرار فهو أن رفع الضرر مستحق ولكن ليس بتملك العين. وأما قضية عمر فمرسلة لان مجاهدا لم يلق عمر، ثم لا دليل فيها من وجهين (أحدهما) أنها قضيه في عين إن لم تنقل شرعا لم تلزمه حكما (والثانى) قوله إن شئم فادفعوا قيمة النخل بعد أن طلب صاحبها ذلك. وهذا عندنا جائز. وأما قوله من زرع أرضا بغير إذنهم فليس له في الزرع شئ ففيه جوابان (أحدهما) أنه يستعمل على أنه زرع أرضهم ببذرهم (والثانى) ليس له في الزرع حق الترك والاستبقاء، بما بينه بقوله " ليس لعرق ظالم حق " فإذا ثبت هذا فلا يخلو حال الغرس والبناء من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تكون ملكا للغاصب (والثانى) أن يكون مغصوبا من رب الارض (والثالث) أن يكون مغصوبا من غيره فأما الاول فلرب الارض والغاصب أربعة أحوال، أن يتفقا على ترك الغرس والبناء بأجر وبغير أجر فيجوز ما أقاما على اتفاقهما، لان الحق فيه مختص بهما، ثم ننظر فان كان بعقد صح استحقاق المسمى فيه. ولم يكن له الرجوع في المطالبة بالقلع قبل انقضاء المدة سواء علما قدر أجرة المثل أو لم يعلما، وإن كان بغير عقد فله اجرة المثل ما لم يصرح بالعفو عنها وأن يأخذه بالقطع متى شاء. والحال الثانية أن يتفقا على أخذ قيمة الغرس والبناء قائما أو مقلوعا فيجوز ويكون ذلك بيعا يراعى فيه شروط البيع، لانه عن مراضاة فان كان على الشجر ثمر ملكه إن كان مؤبرا، ولا يلزم الغاصب أرش ما كان ينقص من الارض لو قلع لانه لم يقلع، فلو باع الغاصب الغرس على غير مالك الارض فان اشتراها بشرط التبقيه فالبيع باطل، وان اشتراها بشرط القلع فالبيع جائز، فإذا قلعه المشترى فأحدث به نقصا فأرشه على الغاصب وحده لترتبه على تعديه أو يشتريه مطلقا ففيه وجهان (أحدهما) باطل لاحتمال التبقية (والثانى) يجوز ويؤخذ المشترى بالقلع.

والحال الثالثة: أن يتفقا على أخذ ثمن الارض من الغاصب وتسقط المطالبة عن الغاصب الا بثمن الارض، وليس له أن يطالب بعد الثمن بأرش النقص لو قلع لانه لم يقلع، ولو كان صاحب الارض باعها على أحد غير الغاصب كان للاجنبي الذى ابتاعها أن يأخذ الغاصب بقلع بنائه وغرسه، فإذا قلع لم يكن للاول أن يطالبه به لانه عيب قد دخل أرضه، ويكون البيع سببا لسقوط الارش عن الغاصب والحال الرابعة ألا يتفقا على أحد الاحوال الثلاثة فيؤخذ الغاصب بالقلع، لحديث سعيد بن زيد، فإذا قلع برئ من أجرة الارض بعد قلعه، فان نقصت الارض شيئا لم يبرأ حتى يرد ما نقصت الارض كما قال في الغصب وأما القسم الثاني وهو أن يكون الغرس والبناء ملكا لرب الارض فان رضى رب الارض ان يأخذ الارض بغرسها وبنائها فأيما أخذه فلا شئ عليه من مئونة البناء وليس للغاصب أن ينقص الغرس والبناء لانه لا يستفيد بقلعها شيئا فصار منه ذلك سفها، وان طالب رب الارض الغاصب بقلع الغرس والبناء لينفصلا عن الارض فقال الماوردى: فان كان له في ذلك غرض صحيح أجبر الغاصب على القلع ولزمه غرم نقص الغرس والبناء عما كان قبل أن غرس وبنى ونقص الارض وإن لم يكن في قلعه غرض يصح لقاصد فهل يجبر الغاصب على قلعه أم لا؟ على وجهين (أحدهما) لا يجبر عليه لانه عبث وسفه (والثانى) يجبر عليه لان المالك متحكم على الغاصب لتعديه، فان قيل بالاول لم يكن له الارش، وان قيل بالوجه الثاني استحق الارش وأما القسم الثالث وهو أن يكون الغرس والبناء مغصوبا من غير مالك الارض فلكل واحد من رب الارض ومالك الغرس أن يأخذ الغاصب بالقلع ثم يرجع كل واحد منهما عليه بأرش ما نقص من ملكه، فيرجع رب الارض بما نقص من أرضه ويرجع رب الغرس بما نقص من غرسه، فلو أن رب الارض اشترى الغرس من ربه قبل القلع صار مالكا لهما وله أن يأخذ الغاصب بالقلع إن كان في قلعه غرض صحيح ثم يأخذ منه نقص الارض دون الشجر (فرع) قال الشافعي ولو حفر فيها بئرا وأراد الغاصب دفنها فذلك له وان لم ينفعه وهذا كما قال " إذا غصب أرضا وحفر فيها بئرا كان متعديا بحفرها وعليه شدها

وضمان ما تلف فيها ثم لا يخلو حال رب الارض والغاصب من أربعة أحوال. (أحدها) أن يتفقا على شدها ليبرأ الغاصب من ضمان ما يسقط فيها، فإن لم يكن للارض بعد سدها أرش فلا شئ عليه سوى أجرة المثل في مدة الغصب، وان كان لها أرش كان عليه غرمه مع الاجرة. (والثانية) أن يتفقا على تركها فذاك لهما وعلى الغاصب ضمان ما سقط فيها لتعديه بحفرها وليس لرب الارض من أن يطالبه بمؤونة السد وإنما له أن يأخذه متى شاء بالسد. (والثالثة) أن يدعو رب الارض إلى سدها ويأبى الغاصب، فإن الغاصب يجبر على سدها إن كان فيه غرض صحيح لحديث سعيد بن زيد " ليس لعرق ظالم حق " قال الشافعي: والعروق أربعة عرقان ظاهران الغرس والبناء، وعرقان باطنان البئر والنهر، وان لم يكن فيه غرض صحيح، فعلى وجهين كما قلنا في قلع الغرس والبناء. (والرابعة) أن يدعو الغاصب إلى سدها، ويأبى ربها، فإن لم يرؤه ربها من ضمان ما تلف فيها فله سدها ليستفيد به سقوط الضمان عنه، وإن أبرأه بها من الضمان ففيه وجهان. (أحدهما) أن للغاصب أن يسدها لان الضمان قد يجب لغيره فلم يسقط بإبرائه (والوجه الثاني) أن الغاصب يمنع من سدها لانه بالابراء يصير كالاذن له في الابتداء فيرتفع التعدي، ولا يلزمه ضمان، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (فرع) إذا دفن في الارض المغصوبة ميتا أخذ الغاصب بنبشه منها، وان كان فيه انتهاك حرمة الميت، لان دفنه فيها عدوان يأثم به الدافن، ثم إذا نبش ضمن أرش نقصها إن نقصت، فلو قال مالك الارض: أنا أقر الميت مدفونا في الارض إن ضمن لى نقص الارض ففى اجبار الغاصب على بذله وجهان، أحدهما يجبر على بذله حفظا لحرمة الميت المتعدى هو بدفنه فيها، والثانى: لا يلزمه ذلك لانه مدفون بغير حق. (فرع) قال الشافعي: وكذلك لو نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه اياها بالحال التى أخذها قال المزني: غير هذا أشبه بقوله، لانه بقوله

لو غصب غزلا فنسجه ثوبا أو نقرة فطبعها دنانير أو طينا فضربه لبنا فهذا أثر لا عين، ومنفعة المغصوب له ولا حق في ذلك للغاصب كذلك نقل التراب عن الارض والنهر إذا لم يبن بها أثر لا عين الفعل، وصورتها في رجل غصب أرضا فنقل منها ترابا فلا يخلو حال التراب من أن يكون باقيا أو مستهلكا فإن استهلك فعليه رد مثله فإن للتراب مثلا، فإن لم يقدر على مثله لانه من تربة ليس في الناحية مثلا ضمن القيمة، وفيها وجهان. (أحدهما) وقد نقله المزني عن الشافعي في جامعه الكبير أن تقوم الارض وعليها التراب ثم تقوم الارض بعد أخذه منها ويضمن الغاصب ما بين القيمتين (والوجه الثاني) أنه يضمن أكثر الامرين من هذا ومن قيمة التراب بعد نقله عن الارض، وان كان التراب باقيا فللغاصب ورب الارض أربعة أحوال أحدها أن يتفقا على رده إلى الارض فيبرأ الغاصب منه ولا يغرم الا النقص ان وجد في الارض وأجرة مثلها في أكثر الحالين أجرة. الثانية: أن يتفقا على ترك التراب خارجا عنها فذلك لهما ما لم يطرح في أرض مغصوبة، الثالثة: أن يطلب رب الارض رد التراب إليها ويمتنع الغاصب فيؤخذ جبرا برده إليها مهما كانت مؤونته. والرابعة: أن يدعو الغاصب إلى رد التراب ويمتنع منه المالك فهو اما أن يبرئه من ضمان التراب أو لا يبرئه فإن لم يبرئه كان للغاصب أن يرد التراب وحده بغير اذنه ولا اعتبار بمنعه ليسقط عنه ضمان رده قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) إذا غصب ثوبا فصبغه بصبغ من عنده نظرت، فان لم تزد قيمة الثوب والصبغ، ولم تنقص بأن كانت قيمة الثوب عشرة، وقيمة الصبغ عشرة فصارت قيمة الثوب مصبوغا عشرين، صار شريكا لصاحب الثوب بالصبغ لان الصبغ عين مال له قيمة، فان بيع الثوب كان الثمن بينهما نصفين، فان زادت قيمتهما بأن صارت قيمة الثوب ثلاثين حدثت الزيادة في ملكهما، لانه بفعله زاد ماله ومال غيره، وما زاد في ماله يملكه لانه حصل بعمل عمله بنفسه في ماله

فإن بيع الثوب قسم الثمن بينهما نصفين، وإن نقص قيمتهما بأن صار الثوب يساوى خمسة عشر حسب النقصان على الغاصب في صبغه، لانه بفعله حصل النقص، فان بيع الثوب بخمسة عشر دفع إلى صاحب الثوب عشرة، وإلى الغاصب خمسة فان صارت قيمة الثوب عشرة حسب النقص على الغاصب، فان بيع الثوب بعشرة دفع العشرة كلها إلى صاحب الثوب، لانه إما أن يكون سقط بدل الصبغ بالاستهلاك، أو نقص به قيمة الثوب فلزمه أن يجبر ما نقص من قيمة الثوب، فان صارت قيمة الثوب ثمانية لم يستحق بصبغه شيئا لانه استهلكه في الثوب، ويلزمه درهمان لانه نقص بصبغه من قيمة الثوب درهمان. (فصل) إذا استهلك ثمن الصبغ لم يبق للغاصب في الثوب حق، لان ماله هو الصبغ وقد استهلكه، وان بقى للصبغ ثمن فطلب الغاصب استخراجه أجيب إلى ذلك لانه عين ماله فكان له أخذه كما لو غرس في أرض مغصوبة غراسا ثم أراد قلعه، فان نقص قيمة الثوب باستخراج الصبغ ضمن ما نقص لانه حصل بسبب من جهته، وان طلب صاحب الثوب استخراج الصبغ وامتنع الغاصب، ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجبر، وهو قول أبى العباس، لان الصبغ يهلك بالاستخراج ولا حاجة به إلى ذلك، لانه يمكنه أن يستوفى حقه بالبيع، ولا يجوز أن يتلف مال الغير. (والثانى) يجبر، وهو قول أبى اسحاق وأبى على بن خيران، لانه عرق ظالم لا حق له فيه فأجبر على قلعه كالغراس في الارض المغصوبة وان بذل المغصوب منه قيمة الصبغ ليتملكه وامتنع الغاصب لم يجبر على القبول، لانه اجبار على بيع ماله، وان أراد صاحب الثوب البيع وامتنع الغاصب بيع، لانه ملك له فلا يملك الغاصب أن يمنعه من بيعه بتعديه، وان أراد الغاصب البيع وامتنع صاحب الثوب ففيه وجهان. أحدهما يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغة، كما يجبر الغاصب على البيع ليصل رب الثوب إلى ثمن ثوبه. والثانى: لا يجبر لانه متعد فلم يستحق بتعديه إزالة ملك

رب الثوب عن ثوبه، وإن وهب الغاصب الصبغ من صاحب الثوب ففيه وجهان أحدهما: يجبر على قبوله، لانه لا يتميز من العين فلزمه قبوله كقصارة الثوب، والثانى: لا يجبر لانه هبة عين فلا يجبر على قبولها. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي: ولو كان ثوبا فصبغه فزاد في قيمته خمسه فقال للغاصب: إن شئت أن تستخرج الزعفران على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه، ولا يكون له غير ذلك، وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه، وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما يقوم الثوب، فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له: ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا به، فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص الثوب، وإن شئت فدعه. وصورتها في رجل غصب ثوبا فصبغه فلا يخلو حال الصبغ من ثلاثه أقسام أحدها. أن يكون للغاصب، والثانى. أن يكون لرب الثوب، والثالث. أن يكون لاجنبي، فإن كان الصبغ للغاصب فهو على ثلاثة أقسام أحدها. أنه يمكن استخراجه. والثانى. لا يمكن. والثالث. أن يمكن استخراج بعضه ولا يمكن استخراج جميعه، فإن لم يمكن استخراجه لم يخل ثمنه بعد الصبغ من ثلاثة أقسام إما أن يكون بقدر قيمته قبل الصبغ أو يكون أقل، أو يكون أكثر، فإن كان بقدر ثمنه قبل الصبغ مثل أن يكون قيمة الثوب عشرة دراهم وقيمة الصبغ عشرة دراهم فيباع الثوب بعد صبغه بعشرة دراهم فهى بأسرها لرب الثوب لاستهلاك الصبغ إما بذهاب قيمته، وإما بجبره نقص الثوب. وان كان ثمنه بعد البيع أقل مثل أن يساوى بعد الصبغ ثمانية دراهم فيأخذها رب الثوب ويرجع على الغاصب بنقصه وهو درهمان ليستكمل بهما جميع الثمن، ويصير صبغ الغاصب ونقص أجزاء الثوب مستهلكين، وان كان ثمنه بعد الصبغ أكثر فلا يخلو حال الزيادة على ثمنه من ثلاثة أقسام، إما أن يكون بقدر ثمن الصبغ، أو يكون أقل، أو يكون أكثر، فان كانت بقدر ثمن

الصبغ مثل أن يكون ثمنه بعد الصبغ عشرين درهما فيأخذ رب الثوب منها عشرة التى هي ثمن ثوبه ويأخذ الغاصب عشرة هي ثمن صبغه، ولم يحصل فيها نقص لا في الثوب ولا في الصبغ، وان كانت الزيادة أقل من ثمن الصبغ مثل أن يكون ثمنه بعد الصبغ خمسة عشر درهما فيأخذ رب الثوب عشرة ثمن ثوبه كاملا ويأخذ الغاصب الخمسة الباقية ويصير النقص مختصا بصبغه لضمانه نقص الثوب. وان كانت الزيادة أكثر من ثمن الصبغ فتكون الزيادة بينهما بقدر ماليهما بحسب قانون النسبة المعروف في الرياضيات، وإذا كانت الزيادة بينهما على قدر المالين لم يختص الغاصب بها، وان كانت حادثة بعمله، لانه عمل في ماله ومال غيره فلم يحصل له عوض عن عمله في مال غيره وحصل له عوض عمله في مال نفسه، فان دعا أحدهما إلى بيعه وابى الآخر نظر في الداعي إلى البيع، فان كان رب الثوب فله ذاك، وليس للغاصب لتعديه بالصبغ أن يمنعه من البيع فيستديم حكم الغصب، وان دعا الغاصب إلى بيعه ليتوصل إلى ثمن صبغه وأبى رب الثوب، فان بذل له مع إبائه ثمن الصبغ الذى يستحقه لو بيع الثوب فله ذاك ولا يجبر على البيع. وان لم يبذل له الصبغ ففيه وجهان ذكرهما أبو على الطبري في افصاحه، أحدهما. أنه يجبر رب الثوب إلى ثمن ثوبه. والوجه الثاني أنه لا يجبر رب الثوب على بيعه لان الغاصب متعد بصبغه فلم يستحق بتعديه ازالة ملك رب الثوب عن ثوبه فهذا الكلام في الصبغ إذا لم يمكن استخراجه، ولا فرق بين أن يكون سوادا وبين أن يكون غيره من الالوان. وقال أبو حنيفة. ان كان الصبغ سوادا فلا شئ للغاصب فيه وكان رب الثوب مخيرا بين أن يأخذه ولا شئ عليه للصبغ وبين أن يعطيه للغاصب ويأخذ منه قيمته، وان كان الصبغ حمرة أو صفرة فهو مخير بين أن يأخذه وعليه قيمة الصبغ وبين أن يعطيه الغاصب ويأخذ منه قيمه الثوب فجعل له في الاصباغ كلها أن يأخذ من الغاصب قيمته ان شاء فله أن يأخذه مصبوغا لكن ان كان

الصبغ سوادا فلا قيمة عليه له، وإن كان لونا غيره فعليه قيمته. واختلف أصحابه لم خص السواد بإسقاط القيمه، فقال بعضهم لما فيه من إتلاف أجزاء الثوب. وقال آخرون: بل قاله في آخر الدولة الاموية حين كان السواد شعارا للعباسية في نمو دعوتها وكثرة أتباعها، فقام أبو حنيفة واعتبر السواد نقصا وشيئا مذموما، فأما بعد أن صار شعار الدولة العباسية فقد زاد على غيره من الالوان. ولنا أن تمليك الغاصب الثوب بأخذ قيمته منه فخطأ، لان بقاء العين المغصوبة يمنع من أخذ قيمتها من الغاصب قياسا عليه لو كان غير مصبوغ، ولان من لم تجب عليه قيمة الثوب قبل صبغه لم يجب عليه قيمته بعد صبغه كالاجير، ولان الصبغ لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون نقصا أو غير نقص، فإن كان نقصا ضمنه لا غير، وإن لم يكن نقصا فأولى أن لا يضمن وأما القسم الثاني وهو أن يكون الصبغ مما يمكن استخراجه فللغاصب ورب الثوب أربعة أحوال (أحدها) ان يتفقا على تركه في الثوب وبيعه مصبوغا فيجوز ويكون القول فيه بعد بيعه كالقول فيما لا يمكن استخراج صبغه. والحال الثانية: ان يتفقا على استخراجه منه فذلك جائز ليصل الغاصب إلى صبغه ورب الثوب إلى ثوبه، فإن استخرجه وأبى في الثوب نقصا ضمنه به. والحال الثالثة: أن يدعو الغاصب إلى استخراجه ويدعو رب الثوب إلى تركه فللغاصب أن يستخرجه سواء نفعه أو لم ينفعه، لانها عين مملوكة فعلى هذا يكون ضامنا لنقص الثوب ونقص الزيادة الحادثة فيه بدخول الصبغ لان رب الثوب قد ملكها ففوتها الغاصب عليه باستخراج صبغه مثاله: أن تكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فيساوى الثوب مصبوغا ثلاثين وبعد استخراج الصبغ منه بخمسة فيضمن الغاصب عشرة خمسة منها هي نقص الثوب قبل صبغه، وخمسة أخرى هي نقص قسطه من الزيادة الحادثة بعد صبغه والحال الرابعة: أن يدعو رب الثوب إلى استخراجه ويدعو الغاصب إلى تركه، فهذا على وجهين (أحدهما) أن يترك استبقاء لملك الصبغ فيه فينظر،

فإن لم يكن الصبغ قد أحدث زيادة تفوت باستخراج الصبغ منه ففيه وجهان حكاهما ابن أبى هريرة (أحدهما) وهو اختيار أبى حامد أنه لا يجبر على استخراجه إذا امتنع لما فيه من استهلاك ماله مع قدرة رب الثوب على الوصول إلى استيفاء حقه بالبيع. قال وهو كلام الشافعي حيث قال: إن قيل للغاصب إن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص، وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ فحصل الخيار إليه. والوجه الثاني وهو الاصح: أنه يجبر على أخذه لانه عرق ظالم لا حرمة له في الاستبقاء فصار كالغرس والبناء: ويكون تخيير الشافعي له في الترك والاستخراج عند رضا رب الثوب بالترك، فعلى هذا إذا استخرجه ضمن نقص الثوب قبل الصبغ. وأما القسم الثالث وهو أن يكون الصبغ مما يمكن استخراج بعضه، ولا يمكن استخراج بعضه فالقول فيما لا يمكن استخراجه كالقول في القسم الاول، والقول في تمكين استخراجه كالقول في القسم الثاني، فيجتمع في هذا القسم حكم القسمين الماضيين على ما بيناه تقسيما وشرحا، فهذا حكم الصبغ إذا كان للغاصب قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) فان غصب ساجا فأدخله في البناء أو خيطا فخاط به شيئا نظرت فإن عفن الساج وبلى الخيط لم يؤخذ برده لانه صار مستهلكا فسقط رده ووجبت قيمته، وإن كان باقيا على جهته نظرت فان كان الساج في البناء والخيط في الثوب وجب نزعه ورده، لانه مغصوب يمكن رده فوجب رده، كما لو لم يبن عليه ولم يخط به، وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان، فان كان مباح الدم كالمرتد والخنزير والكلب العقور وجب نزعه ورده، لانه لا حرمة له فكان كالثوب وان كان محرم الدم، فإن كان مما لا يؤكل كالآدمي والبغل والحمار وخيف من نزعه الهلاك لم ينزع، لان حرمة الحيوان آكد من حرمة المال، ولهذا يجوز أخذ مال الغير بغير إذنه لحفظ الحيوان ولا يجوز أخذه لحفظ المال، فلا يجوز هتك حرمة الحيوان لحفظ المال.

وإن كان مما يؤكل ففيه قولان (أحدهما) يجب رده، لانه يمكن نزعه بسبب مباح فوجب رده كالساج (والثانى) لا يجب، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذبح الحيوان لغير مأكلة (فصل) وان غصب لوحا وأدخله في سفينة وخاف من نزعه الغرق، فإن كان فيها حيوان - لم ينزع لما ذكرناه في الخيط، وإن كان فيها مال غير ماله، - فإن كان لغير الغاصب - لم ينزع، لانه إتلاف مال من له حرمة بجناية غيره فلم يجز. وان كان المال للغاصب ففيه وجهان (أحدهما) ينزع كما تنقض الدار لرد الساج (والثانى) لا ينزع لانه يمكن رده من غير إتلاف المال، بأن تجر إلى الشط بخلاف الساج في البناء. وعلى هذا إذا أراد المالك أن يطالب بالقيمة كان له ذلك، لانه حيل بينه وبين ماله فجاز له المطالبة بالبدل، كما لو غصب منه عبدا فأبق، وإن اختلطت السفينة التى فيها اللوح بسفن للغاصب ففيه وجهان (أحدهما) ينقض الجميع كما ينقض جميع السفينة (والثانى) لا ينقض ما لم تتعين، لانه إتلاف مال لم يتعين فيه التعدي (فصل) وإن غصب جوهرة فبلعتها بهيمة له، فان كانت البهيمة مما لا تؤكل ضمن قيمة الجوهرة، لانه تعذر ردها فضمن البدل، وإن كانت مما تؤكل ففيه وجهان بناء على القولين في الخيط الذى خيط به جرح ما يؤكل (فصل) وإن غصب فصيلا فأدخله إلى داره فكبر ولم يخرج من الباب نقض الباب لرد الفصيل كما ينقض البناء لرد الساج، وإن دخل الفصيل إلى داره من غير تفريط منه نقض الباب وعلى صاحب الفصيل ضمان ما يصلح به الباب، لانه نقض لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الباب (فصل) وان غصب دينارا وطرحه في محبرة كسرت المحبرة ورد الدينار، كما ينقض البناء لرد الساج، وإن وقع في المحبرة من غير تفريط من صاحبها

كسرت وعلى صاحب الدينار قيمة المحبرة، لانها كسرت لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب المحبرة. (فصل) وان غصب عينا وباعها وقبضها المشترى وتصرف فيها وتلفت عنده، فللمالك أن يضمن الغاصب، لانه غصبها. وله أن يضمن المشترى لانه قبض ما لم يكن له قبضه فصار كالغاصب فإن ضمن الغاصب العين ضمنه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى أن تلف في يد المشترى، لانه من حين الغصب إلى حين التلف في ضمانه. وإن ضمن المشترى ضمنه أكثر ما كانت قيمته من حين قبض إلى أن تلف لانه لم يدخل في ضمانه قبل القبض، فلا يضمن ما قبله. فإن بدأ فضمن المشترى نظرت، فان كان عالما بالغصب لم يرجع بما ضمنه على الغاصب، لانه غاصب تلف المغصوب عنده فاستقر الضمان عليه كالغاصب من المالك إذا تلف عنده فان لم يعلم نظرت فيما ضمن، فان التزم ضمانه بالعقد كبدل العين وما نقص منها لم يرجع به على الغاصب، لان الغاصب لم يغره، بل دخل معه على أن يضمنه، وان لم يلتزم ضمانه بالعقد نظرت، فان لم يحصل له في مقابلته منفعة كقيمة الولد ونقصان الجارية بالولادة رجع على الغاصب، لانه غره ودخل معه على أن لا يضمنه. وان حصلت له في مقابلته منفعة - كالاجرة والمهر وأرش البكارة - ففيه قولان: (أحدهما) يرجع به لانه غره ولم يدخل معه على أن يضمنه (والثانى) لا يرجع، لانه حصل له في مقابلته منفعة وان بدأ فضمن الغاصب فما لا يرجع به المشترى على الغاصب إذا غرم رجع به الغاصب على المشترى، وما يرجع به المشترى على الغاصب لا يرجع به، لانه لا فائدة في أن يرجع عليه ثم يرجع المشترى به عليه

(فصل) وإن غصب من رجل طعاما فأطعمه رجلا فللمالك أن يضمن الغاصب لانه غصبه، وله أن يضمن الآكل لانه أكل ما لم يكن له أكله فإن ضمن الآكل نظرت فان علم أنه مغصوب فأكله لم يرجع على الغاصب بما ضمن لانه غاصب استهلك المغصوب فلم يرجع بما ضمنه فان أكل ولم يعلم أنه مغصوب ففيه قولان. (أحدهما) يرجع لانه غره وأطعمه على أن لا يضمنه. (والثانى) لا يرجع لانه حصل له منفعة، فان أطعمه المالك فان علم أنه له برئ الغاصب من الضمان، لانه استهلك ماله برضاه مع العلم به، وإن لم يعلم ففيه قولان (أحدهما) يبرأ الغاصب لانه عاد إلى يده فبرئ الغاصب من الضمان، كما لو رده عليه (والثانى) لا يبرأ لانه إنما ضمن، لانه أزال يده وسلطانه عن المال وبالقديم إليه ليأكله لم تعد يده وسلطانه، لانه لو أراد أن يأخذه لم يمكنه فلم يزل الضمان. (الشرح) قال الشافعي: ولو كان لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا أخذ بقلعه، وهذا كما قال: إذا غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه سفينة أو دارا أخذ بهدم بنائه اللوح بعينه إلى صاحبه، وبه قال مالك وأهل الحرمين، وقال أبو حنيفة وأهل العراق يدفع القيمة ولا يجبر على هدم البناء لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار، فمن ضار أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه وفى أخذه بهدم بنائه أعظم إضرار به. ولقوله صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا إنى بعثت بالحنيفية السمحة. وفى أخذ القيمة منه تيسير، وفى هدم بنائه تعسير منهى عنه، ولانه مغصوب يستضر برده فلم يجبر عليه كالخيط إذا خاط به جرح حيوان، ولانه مغصوب لا يملك رده إلا باستهلاك مال فلم يجب رده كما لو كان في السفينة مال لغير الغاصب ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " فلزمه رد اللوح، وروى عبد الله بن مسعود مرفوعا: لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه، وذلك لشدة ما حرم الله مال المسلم على المسلم، وهذا خبر ظاهره كالنص، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن لصاحب الحق يدا ومقالا،

ولان كل مغصوب كان له رده وجب عليه رده كالذى لم يبن عليه طردا، والخيط في جرح الحيوان عكسا، ولانه شغل المغصوب بما لا خير فيه له فوجب أن يلزمه رده، كما لو كانت أرضا فزرعها أو غرسها، ولانه كل ما لو احتاج ابتداء إليه لم يجبر مالك عليه، ووجب إذا غصب أن يجبر على رده إليه كالارض طردا والخيط للجرح عكسا ولان دخول الضرر على الغاصب لا يمنع من رد المغصوب كما لو حلف بعتق عبده ألا يرد ما غصبه فإن عليه رد الغصب وعتق العبد. والجواب عن حديث: لا ضرر ولا ضرار فهو أنه مشترك الدليل، لان في منع المالك منه إضرارا به فكان دخول الضرر على الغاصب ورفعه عن المغصوب أولى من دخوله على المغصوب منه في تيسير أمر الغاصب ورفعه عنه والاستهانة بحق المغصوب وحماية متعلقات الغاصب. والجواب عن حديث: يسروا ولا تعسروا، فمن وجهين. (أحدهما) استعماله في المغصوب منه وتيسير أمره برد ماله أولى من استعماله في الغاصب في تمليكه غير ماله. (والثانى) أن التيسير معصية، والغاصب عاص لا يجوز التيسير عليه لما فيه من الذريعة إلى استدامة المعصية. والجواب عن قياسهم على الخيط في جرح الحيوان فمن وجهين. أحدهما: أنه معارضة الاصل لان المعنى في الخيط أنه ليس له رده، فلم يجب عليه رده، وفى اللوح له رده. والثانى: أنه إذا احتاج ابتداء إليه أجبر المالك عليه لحرمة الحيوان وتقديمها على حرمة الملك. فإذا تقرر أن نقض البناء لرد المغصوب واجب فسواء كان البناء قليلا أو كثيرا أو سواء كانت قيمة اللوح قليلة أو كثيرة حتى لو كانت قيمة اللوح درهما وقيمة البناء ألف درهم أخذ بقلعه حتى يخلص اللوح لربه، إلا أن يراضيه على أخذ ثمنه، ثم إذا استرجع اللوح لزمه أجرة مثله ان كانت له أجرة وأرش نقصه ان حدث به نقص فإن كان المغصوب حجرا فبنى عليه منارة مسجد أخذ بنقض المنارة لرد الحجر عليه ثم غرم نقض المنارة للمسجد، وان كان هو المتطوع ببنائها لخروج ذلك عن ملكه، وان كانت السفينة سائرة في البحر، فان كان اللوح

على سطحها أو على مكان مرتفع منها وأمكن أخذه أخذ منها، وإن كان في أسفلها بحيث لو أخذ منها هلكت وما فيها نظر، فإن كان فيها حيوان لم يجز أن يقلع صيانة للنفوس سواء كانت آدمية أو عجماء، وسواء كانت العجماوات للغاصب أو لغيره، لان للحيوان حرمتين، حرمة نفسه وحرمة صاحبه، وإن لم يكن فيها حيوان وكان فيها مال نظر، فإن كان لغير الغاصب لم يجز أخذ اللوح منها لما في أخذه من إتلاف مال له حرمة في الحفظ والحراسة وان كان للغاصب ففيه وجهان (أحدهما) يؤخذ اللوح منها، وإن تلف مال الغاصب فيها لذهاب حرمته بتعديه كما يذهب ماله في هدم بنائه. (والوجه الثاني) أنه لا يجوز أن يؤخذ منها لانه قد يمكن أخذه بعد الدخول إلى الشط من غير استهلاك ما فيها من مال، وليس كالبناء الذى لا يقدر على اللوح إلا بعد استهلاكه، فعلى هذا يقال لرب اللوح: أنت بالخيار بين أن تصبر باللوح حتى تصل السفينة إلى الشط فتأخذ لوحك وبين أن تأخذ في الموضع قيمة لوحك، فلو اختلطت السفينة التى فيها اللوح بعشر سفن للغاصب ولم يوصل إليه إلا بهدم جميعها ففيه وجهان. أحدهما: تهدم جميعها حتى يوصل إليه. والوجه الثاني: أنه لا يجوز هدم شئ منها إلا أن يتعين اللوح المغصوب فيه لانه لا يجوز أن يستهلك عليه مال إلا بتعيين المتعدى فيه. فإذا عمل اللوح المغصوب بابا، أو حديدا فعمله درعا لم يملكه في هذه الاحوال وجعله أبو حنيفة مالكا لذلك بعمله وذلك من أقوى الذرائع والمغريات للاقدام على المغصوب، وإذا لم يملك الارض المغصوبة ببنائه وبغرسه فيها والارض عندهم غير مغصوبة فلان لا يملك غيرها من المغصوب عندنا وعندهم أولى، وإذا كان كذلك فللمغصوب منه استرجاعه منه معمولا، ولا شئ للغاصب إلا أن يكون قطع ركبها أو مسامير أو آلات بأعيانها ركبها فيها، فيسترجعها ويضمن نقص المغصوب. (فرع) قال الشافعي: ولو كان خيطا فخاط به ثوبا، وكذلك فان خاط به

جرح إنسان أو حيوان ضمن الخيط ولم ينزعه، قال الماوردى: وصورتها فيمن غصب خيطا فخاط به شيئا فهذا على ضربين. (أحدهما) أن يكون قد خاط به غير حيوان كالثياب فيؤخذ الغاصب بنزعه ورده على مالكه وأرش نقصه إن نقص. (والضرب الثاني) أن يكون قد خاط به حيوانا فعلى ضربين. أحدهما: أن يكون الحيوان ميتا عند المطالبة بالخيط فينظر، فان كان الحيوان مما له حرمة كالآدمي نظر، فان لم يفحش حاله بعد نزع الخيط منه نزع، وإن فحش لم ينزع لقوله صلى الله عليه وسلم حرمة ابن آدم حيا كحرمته ميتا. والضرب الثاني: أن يكون حيا فعلى ضربين. (أحدهما) أن يكون مباح النفس من آدمى أو بهيمة كالمرتد والخنزير والكلب العقور فيؤخذ بنزعه لانه مما لا حرمة لحفاظ نفسه ثم يغرم بعد نزعه أرش نقصه (والضرب الثاني) أن يكون محظور النفس فعلى ضربين. أحدهما: أن يكون آدميا فعلى ضربين. أحدهما: أن يخاف من نزعه التلف فيقر الخيط ولا ينزع سواء كان الغاصب أو غيره لما يلزم من حراسة نفسه بعد غصبه، فأولى أن يجبر على تركه فعلى هذا يغرم قيمته. والضرب الثاني: أن يأمن التلف، فهذا على ضربين (أحدهما) أن يأمن الضرر وشدة الالم فهذا ينزع منه ويرد على مالكه مع أرش نقصه. (والضرب الثاني) أن يخاف ضررا أو شدة ألم وتطاول مرض إلخ اه. قلت: ومثل الخيط شاش الجبائر والجص وجميع ما يستعمل في الجراح والكسور والرضوض لدى الاطباء والصيدلانية، وكذلك جسور الاسنان والاضراس الصناعيه وأسلاكها وأقماعها وبدائلها فانها جميعا عليها ما مضى من حكم الخيط نزعا وضررا وحرمه للمستفيد منها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن غصب من رجل شيئا ثم رهنه عنده أو أودعه أو آجره منه وتلف عنده فان علم أنه له برئ الغاصب من ضمانه لانه أعاده إلى يده وسلطانه،

وان لم يعلم ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبرأ الغاصب من الضمان لانه عاد إلى يده (والثانى) لا يبرأ لانه لم يعد إلى سلطانه، وانما عاد إليه على أنه أمانة عنده، وان باعه منه برئ من الضمان علم أو لم يعلم، لان قبضه بابتياع يوجب الضمان فبرئ به الغاصب من الضمان. (فصل) وان غصب شيئا فرهنه المالك عند الغاصب لم يبرأ الغاصب، وقال المزني: يبرأ لانه أذن له في امساكه فبرئ من الضمان كما لو أودعه، والمذهب الاول، لان الرهن يجتمع مع الضمان وهو إذا رهنه شيئا فتعدى فيه فلا ينافى الضمان. (فصل) وان غصب حرا وحبسه ومات عنده لم يضمنه لانه ليس بمال فلم يضمنه باليد وان حبسه مدة لمثلها أجرة فان استوفى فيها منفعته لزمته الاجرة لانه أتلف عليه ما يتقوم فلزمه الضمان كما لو أتلف عليه ماله أو قطع أطرافه، وان لم يستوف منفعته ففيه وجهان. (أحدهما) تلزمه الاجرة لان منفعته تضمن بالاجارة فضمنت بالغصب كمنفعة المال (والثانى) لا تلزمه لانها تلفت تحت يده فلا يضمنه الغاصب بالغصب كأطرافه وثياب بدنه. (فصل) وان غصب كلبا فيه منفعة لزمه رده على صاحبه لانه يجوز اقتناؤه للانتفاع به فلزمه رده فان حبسه مدة لمثلها أجرة، فهل تلزمه الاجرة فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ اجارته. (فصل) وان غصب خمرا نظرت، فان غصبها من ذمى لزمه ردها عليه لانه يقر على شربها فلزمه ردها عليه وان غصبها من مسلم ففيه وجهان. أحدهما: يلزمه ردها عليه لانه يجوز أن يطفئ بها نارا أو يبل بها طينا فوجب ردها عليه. والثانى: لا يلزمه وهو الصحيح، لما روى أن أبا طلحه رضى الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أيتام ورثوا خمرا فأمره صلى الله عليه وسلم أن يهرقها فان أتلفها أو تلفت عنده لم يلزمه ضمانها، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه،

ولان ما حرم الانتفاع به لم يضمن ببدل كالميتة والدم فإن صار خلا لزمه رده على صاحبه لانه صار خلا على حكم ملكه فلزمه رده إليه فإن تلف ضمنه لانه مال للمغصوب منه تلف في يد الغاصب فضمنه. (فصل) وان غصب جلد ميتة لزمه رده لان له أن يتوصل إلى تطهيره بالدباغ فوجب رده عليه فإن دبغه الغاصب ففيه وجهان أحدهما يلزمه رده كالخمر إذا صار خلا والثانى لا يلزمه لانه بفعله صار مالا فلم يلزمه رده (فصل) وان فصل صليبا أو مزمارا لم يلزمه شئ لان ما أزاله لا قيمة له والدليل عليه ما روى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أن الله تعالى حرم بيع الخمر وبيع الخنازير وبيع الاصنام وبيع الميتة فدل على أنه لا قيمة له وما لا قيمة له لا يضمن فان كسره نظرت فاكان إذا فصله يصلح لمنفعه مباحة وإذا كسره لم يصلح لزمه ما بين قيمته مفصلا ومكسورا لانه أتلف بالكسر ماله قيمة فلزمه ضمانه فان كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يلزمه شئ لانه لم يتلف ماله قيمة. (الشرح) الاحكام: إذا غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فقال أصحابنا حكمها حكم الخيط الذى خاط به جرحها، ويحتمل أن الجوهرة متى كانت أكثر من قيمة الحيوان ذبح الحيوان وردت إلى مالكها، وضمان الحيوان على الغاصب وفارق الخيط لانه أقل قيمة من الحيوان والجوهرة أكثر قيمة ففى ذبح الحيوان رعاية حق المالك برد عين ماله ورعاية حق الغاصب بتقليل الضمان عليه. وإن ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة ولم يمكن إخراجها إلا ذبحها ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقل، وكان ضمان نقصها على صاحب الجوهرة لانه لتخليص ماله، إلا أن يكون التفريط من صاحب الشاة يكون يده عليها فلا شئ على صاحب الجوهرة لان التفريط من صاحب الشاة. فإذا مرت بهيمة رجل في سوق فأتلفت جوهرة رجل قال الماوردى في الحاوى والعمراني في البيان والرويانى في البحر ما حاصله: لم يخل حال البهيمة من أن يكون معها مالكها أو لا، فإن لم يكن معها فلا ضمان عليه في الجوهرة،

لانه غير ضامن لما جنته، فلو سأله صاحب الجوهرة بيع البهيمة ليتوصل منها إلى جوهرته، أو صيرورتهما معا في ملكه لم يجبر المالك على البيع. وقال أبو حنيفة: إن كانت قيمة الجوهرة أكثر من قيمة البهيمة أجبر صاحبها على أخذ قيمتها وإن كانت قيمة الجوهرة أقل لم يجبر. وهذا فاسد، استدلالا بقياسين أحدهما: أن ما لا يستحق تملكه باستهلاك الاقل لم يستحق تملكه باستهلاك الاكثر قياسا على كسرها إناء أو أكلها طعاما - والثانى - أنه لا يستحق تملكه مع تلف شئ لم يستحق تملكه مع بقائه، قياسا على ما قيمته أقل. وان كان صاحبها معها كان ضامنا لها عندنا سواء كانت البهيمة شاة أو بعيرا وقال أبو على بن أبى هريرة: ان كانت البهيمة بعيرا ضمن، وإن كان شاة لم يضمن، وفرق بينهما بأن المألوف في البعير النفور فلزم منعه ومراعاته، والمألوف في الشاة السكون فلم يلزم منعها ومراعاتها. وهذا خطأ عند الاصحاب لان سقوط مراعاة الشاة إنما كان لان المعهود منها السلامة، فإذا أفضت إلى غير السلامة لزم الضمان كما أبيح للرجل ضرب زوجته وللمعلم ضرب الصبى لان عاقبته السلامة، فإذا أفضى إلى التلف ضمنا، فإذا ثبت أن ذلك مضمون عليه نظر في البهيمة فان كانت غير مأكولة اللحم غرم القيمه لتحريم ذبحها وتعذر الوصول إليها، وان كانت مأكولة اللحم فعلى قولين. أحدهما: تذبح عليه وتؤخذ الجوهرة من جوفها، والثانى: لا يجوز ذبحها وتؤخذ منه قيمة الجوهرة. فعلى هذا لو ماتت البهيمة أو ذبحها لمأكله فوصل إلى الجوهرة رجع بها المالك ورد ما أخذه من القيمة: ولنا بناء على ما تقدم، وعلى ما وصل إليه الطب من عمل البنج للحيوان واجراء جراحة بيطرية لاستخراج الجوهرة أنه يجوز ذلك ويبذل صاحب الجوهرة مؤونة الجراحة والنقاهة حتى تبرأ، فإذا كان صاحبها مفرطا كان عليه ذلك. فإذا كان صاحب البهيمة مغتصبا للجوهرة على ما بنى المصنف فصله فالضمان عليه.

(فرع) إذا تبايعا بهيمة وابتلعت ثمنها فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون ذلك بعد قبض الثمن فالبيع صحيح، سواء كان الثمن معينا أو في الذمة أجراه المشترى منه بالدفع، ثم ينظر في البهيمة فإن كانت في يد البائع فالثمن غير مضمون لان ما جنته في يده مضمون عليه والثمن ملك له. وعليه تسليم البهيمة، فان قدر على الثمن بموت أو ذبح اختاره المشترى لمأكلة رد على البائع وإن كانت البهيمة في يد المشترى فالثمن مضمون عليه للبائع، فان كانت غير مأكولة غرم مثله، وإن كانت مأكولة اللحم فهل تذبح لاخذ الثمن منها أم لا؟ على ما مضى من القولين. والضرب الثاني: أن تبتلع الثمن قبل قبضه فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون في الذمة لم يتعين بالعقد فالبيع لا يبطل، وهو باق في ذمة المشترى. ثم ينظر، فان كانت البهيمة عند ذلك في يد المشترى فما ابتلعته غير مضمون على واحد منهما. أما البائع فلزوال يده بالتسليم. وأما المشترى فلانه ماله، وجناية البهيمة من ضمانه، وإن كانت في يد البائع فهو مضمون عليه، فان كانت البهيمة مما لا تؤكل لزمه غرم مثله. فعلى هذا يكون له الثمن وعليه مثله. وإن كانت البهيمة مأكولة فهل تذبح أم لا. على القولين، فان قيل لا تذبح لزمه غرم مثل الثمن وتقاضاه، ولا خيار للمشترى في فسخ البيع لان ذبح البهيمة قد استحق في يد البائع، وذلك عيب حادث وهو مضمون عليه فلاجله ما استحق المشترى خيارا به. وإن كان هو المستحق لما أوجب العيب والضرب الثاني: أن يكون الثمن معيبا فهذا على ضربين (أحدهما) أن تكون البهيمة غير مأكولة فالبيع باطل، لان تلف الثمن المعين قبل قبضه فبطل البيع وهو متعذر القدرة عليه كالتالف. ثم ينظر فان كانت البهيمة في يد المشترى فهو تالف من ماله والبائع غير ضامن له وعلى المشترى رد البهيمة على البائع، فان قدر على الثمن بموتها رد على المشترى، وان كانت في يد البائع فالثمن مضمون عليه ويغرم مثله (فرع) إن غصب فصيلا - وهو ولد الناقة سمى بذلك لفصله عن أمه - فأدخله

حظيرته فكبر حتى استحال خروجه من باب الحظيرة، أجبر على نقض الباب أو البناء لرد الفصيل على ما مضى من نقض السفينة لرد اللوح ونقض المنارة لرد الحجر. أما إذا دخل الفصيل إلى داره من غير تفريط منه بأن دخل الحظيرة فاختلط بفصلانها وكبر وتعذر إخراجه من الحظيرة، نقض الباب أو البناء وعلى صاحب الفصيل إعادة الباب أو الحائط كما كان فإذا مرت بهيمة بقدر فول فأدخلت رأسها فيه فلم يخرج الا بكسر القدر أو ذبح البهيمة فلا يخلو حالهما من أربعة أقسام (أحدها) أن يكون صاحب القدر متعديا في وضعها في غير حق - بأن أشغل بها الطريق وعرضها لطريق المارة مكشوفة بغير غطاء ولا حراسة - وكان صاحب البهيمه غير متعد فالواجب كسر القدر لتخليص البهيمه. والقسم الثاني: أن يكون صاحب البهيمة متعديا لادخالها في غير حق وصاحب القدر غير متعد فيكون تخليص البهيمه مضمونا على صاحبها لتعديه بها، فإن كانت مما لا يؤكل كسرت القدر لان لنفس البهيمه حرمة في حراستها، ثم كسر القدر مضمونا على صاحبها، وإن كانت مما تؤكل فعلى قولين بناء على جواز ذبحها في تخليص ما جنته. (أحدهما) تذبح ويخرج رأسها من القدر ولا يجوز كسرها. والقول الثاني: لا يجوز ذبحها وتكسر القدر لتخليص رأسها ثم يضمن أرش كسرها. والقسم الثالث: أن يكون كل واحد منهما غير متعد فالتخليص مضمون على صاحب البهيمه لا بالتعدي ولكن لاستصلاح ملكه وعليه ضمان مؤونة ذلك فان لم تكن البهيمه مأكولة كسرت القدر وضمن كسرها، فان كانت مأكولة فعلى قولين، في ذبحها أو كسر القدر وضمانه على صاحبها والقسم الرابع: أن يكون كل واحد منهما متعديا فالتخليص مضمون عليهما لاشتراكهما في التعدي كالمتصادمين، فان كانت البهيمة غير مأكولة كسرت القدر وضمن صاحب البهيمه نصف الكسر وأهدر النصف الباقي، وان كانت مأكولة فان قيل لا يجوز ذبحها كسرت القدر وضمن صاحب البهيمه أرش القدر كله لا نصفه. فان قال صاحب القدر: بل تذبح البهيمه لاضمن نصف النقص

في ذبحها نظر البادئ منهما بطلب التخليص، فجعل ذلك في جنبته. (فرع) وإن غصب دينارا أو جوهرة فوقع أو ألقاها في محبرته أو أخذ دينارا لغيره فسها فوقع في محبرة كسرت ورد الدينار أو الجوهرة كما ينقض البناء أو تهدم السفينة لرد اللوح على ما مضى. وكذلك إن كان درهما أو أقل منه. وإن وقع من غير فعله كسرت لرد الدينار إن أحب صاحبه والضمان عليه لانه لتخليص ماله. وإن غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو غير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لانه السبب في كسرها، وإن كان كسرها أكثر ضررا من تبقية الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم تكسر. وإن رمى إنسان ديناره في محبرة غيره عدوانا فأبى صاحب المحبرة كسرها لم يجبر عليه لان صاحبه تعدى برميه فيها فلم يجبر صاحبها على إتلاف ماله لازالة ضرر عدوانه عن نفسه وعلى الغاصب نقص المحبرة بوقوع الدينار فيها وما ترتب على قذف الدينار من رشاش الحبر على الاوراق أو الكتب أو الثياب فعليه ضمان قيمته تالفا أو أرشه معيبا، وأجاز أصحاب أحمد إجبار مالك المحبرة على كسرها لرد دينار الغاصب وتضمين الغاصب قيمة المحبرة. (فرع) قال الشافعي ولو باعه عبدا وقبض المشترى ثم أقر البائع أنه غصبه من رجل، فإن أقر المشترى نقضنا البيع ورددناه إلى ربه، وقال في موضع آخر وإن باعه وقبضه المشترى ثم أعتقه فقامت بينة بغصبه وكان المغصوب أو ورثته قياما رد العتق لان البيع كان فاسدا ويرد إلى المغصوب. وإن لم تكن بينة وصدق الغاصب والمشترى المدعى أنه غصبه لم يقبل قول واحد منهما في العتق ومضى العتق ورددنا المغصوب على الغاصب بقيمة العبد في أكثر ما كان قيمة. وقال: ولو كان المشترى أعتقه ثم أقر هو والبائع أنه للمغصوب منه لم يقبل قول واحد منهما في رد العتق وللمغصوب القيمة إن شاء أخذناها له من المشترى المعتق، ويرجع المشترى المعتق على الغاصب بما أخذ منه لانه أقر أنه باعه مالا يملك، وهذا كما قال: إذا كان مشترى العبد قد أعتقه ثم أحضر من ادعاه ملكا وأن البائع أخذه غصبا كلف البينة قيل سؤالهما. اه

والعبد المغصوب بعد عتقه من مبتاعه له حق الله تعالى في الحرية، فلا يعاد إلى مالكه وانما تعاد قيمته كأى شئ اغتصبه ثم باعه وتلف في يد المشترى، فان المالك يرجع على الغاصب أو المشترى. وللمشترى أن يرجع على البائع لانه غره فان كان عالما بالغصب لم يرجع على الغاصب. (فرع) ينبنى على ما تقدم أنه إذا غصب طعاما فأطعمه غيره فللمالك تضمين أيهما شاء، لان الغاصب حال بينه وبين ماله، والآكل أتلف مال غيره بغير اذنه وقبضه عن يد ضامنة بغير اذن مالكه، فان كان الآكل عالما بالغصب استقر الضمان عليه لكونه أتلف مال غيره بغير اذن عالما من غير تغرير، فإذا ضمن الغاصب رجع عليه. قال الشافعي: ولو غصب طعاما فأطعمه من أكله ثم استحق كان المستحق أخذ الغاصب به، فان غرمه فلا شئ للواهب على الموهوب له، وان شاء أخذ الموهوب له، فان غرمه فقد قيل يرجع على الواهب وقيل لا يرجع به. قال المزني أشبه بقوله: ان هبة الغاصب لا معنى لها وقد أتلف الموهوب له ما ليس له ولا للواهب فعليه غرمه ولا يرجع به، فان غرمه الغاصب رجع به عليه. وهذا عندي أشبه بأصله. وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين يتضمن كل قسم منها ثلاثة أنواع: فأما القسم الاول فأول أنواعه أن يهبه فيأكله الموهوب له، فرب الطعام بالخيار بالرجوع على أيهما شاء (ثانيها) وهو أن يأذن له في أكله من غير هبة ولا اقباض، فان علم الآكل أنه مغصوب كان مضمونا عليه وربه أيضا بالخيار لتغريم أيهما شاء، فان أغرم الآكل فقد اختلف أصحابنا، فذهب البغداديون إلى أن في رجوعه على الغاصب قولين. وذهب البصريون إلى الرجوع به قولا واحدا. والفرق بين الآكل والموهوب له أن استهلاك الاكل بإذن الغاصب فرجع عليه، وأن استهلاك الموهوب له بغير اذنه فلم يرجع عليه، فان رجع المالك على الغاصب يكون رجوعه فعلى مذهب البغداديين يكون رجوعه بالغرم على الآكل على قولين وعلى مذهب البصريين لا يرجع به قولا واحدا

وثالثها: أن يطعمه بهيمة رجل فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون ذلك بغير أمر مالك البهيمة فهو مضمون على الغاصب وحده، ويرجع به المالك على الغاصب ولا يرجع على مالك البهيمة، فإن أعسر به الغاصب فلا شئ له في رقبة البهيمة أو مالكها لان المتلف هو الغاصب، وإن كان إطعامها بأمر مالكها نظر، فإن علم بأنه مغصوب عند أمره ضمن ومالك الطعام بالخيار أن يرجع على أيهما شاء وليس للغاصب إذا غرم أن يرجع على الآمر إذا لم يعلم ويرجع إذا علم ويجرى عليه حكم الآكل والموهوب له من الاذن وعدمه. وأما القسم الثاني فمصور في الانواع الثلاثة الآتية: إذا وهب الغاصب الطعام لمالكه فأكله فإن علم حين الاكل أنه طعامه لم يرجع بغرمه على الغاصب وان لم يعلم فعلى قولين. والنوع الثاني: أن يأذن الغاصب لرب الطعام في أكله فإن علم حين الاكل أنه طعامه لم يرجع بغرمه، وان لم يعلم فعلى قول البغداديين يكون رجوعه على قولين وعلى قول البصريين يرجع به قوله واحدا. والنوع الثالث: أن يطعمه بهيمة رب الطعام فان كان بغير أمره رجع عليه بغرمه، وإن كان بأمره فان علم لم يرجع، وان لم يعلم فان دفعه إليه كان رجوعه على قولين، كما لو وهبه له، وإن لم يدفعه إليه كان على اختلاف المذهبين كما لو أطعمه إياه، فلو باع الغاصب الطعام على مالكه وهو يعلم أو لا يعلم فتلف في يده بعد قبضه أو لم بتلف كان المالك بريئا من الثمن والغاصب بريئا من الضمان، وذهب المصنف إلى أنه إذا علم فيه قولان على ما أوضح والله أعلم. (فرع) إذا أودع العبد عند مالكه أو رهنه إياه أو كان مما يستأجر فأجره وقبضه منه بالوديعة أو بالرهن أو بالاجرة ثم تلف عنده نظر، فان علم بعد قبضه أنه ماله برئ العبد من ضمانه، وان لم يعلم نظر، فان كان تلفه على وجه يوجب الضمان على المودع والمرتهن المستأجر برئ الغاصب من ضمانه لكونه مضمونا

عليه، وان كان تلفه على وجه لا يوجب الضمان في هذه الاحوال، ففى براءة الغاصب منه وجهان. أحدهما: يبرأ منه لعودته إلى يد مالكه. والوجه الثاني: لا يبرأ منه لان خروجه من يده اما نيابة عنه أو أمانة منه، فلم تزل يده فكان على ضمانه. فلو أن الغاصب خلطه بمال المالك فتلف والمالك لا يعلم به، فان لم يكن المال في يد المالك فالضمان باق على الغاصب، وان كان في يده فان تلف باستهلاك المالك برئ منه الغاصب، وان تلف بعد استهلاكه كان في براءته منه وجهان. وأما حبس الحر سواء عاش أو مات فسوف يأتي حكمه ان شاء الله تعالى في الجنايات والحدود. وأما كلب المنفعة ككلب الصيد أو الحراسة، فانه يجرى فيه ما يجرى في البهائم المستأجرة لظهرها أو لعملها في الحقول والفارق أنها غير مأكولة كبعض الدواب التى لا تؤكل. (فرع) قال الشافعي: فان أراق له - أي للذمي - خمرا أو قتل له خنزيرا فلا شئ عليه ولا قيمة لمحرم لانه لا يجرى على ملك. أما التملك بالخمر والخنزير فمعصية، والقول فيها كالقول في الصليب ولا شئ على متلفها مسلما كان أو ذميا على مسلم أتلفه أو على ذمى، ويعذران باتلافه على منازلهم أو بيعهم. وقال أبو حنيفة: ان أتلفها على مسلم لم يضمن المتلف مسلما كان أو ذميا، وان أتلفها على ذمى ضمنها المتلف مسلما كان أو ذميا، فان كان مسلما ضمن قيمة الخمر والخنزير، وان كان ذميا ضمن مثل الخمر وقيمة الخنزير استدلالا من وجوب ضمانها للذمي بما روى أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الاشعري والى سمرة بن جندب في خمور أهل الذمة أن لهم بيعها، وخذ العشر من أثمانها. فكان الدليل من وجهين. أحدهما: أن جعل لها أثمانا والعقد عليها صحيحا، والثانى: أخذ العشر منها، ولو حرمت أثمانها لحرم عشرها، قال: ولانه معمول في عرفهم فوجب أن يكون مضمونا باتلافه عليهم قياسا على غيره من أموالهم،

قالوا: ولانه من أشربتهم المباحة فوجب أن يكون مضمونا بإتلافه عليهم كسائر الاشربه، قالوا: ولان ما كان متمولا عند مالكه ضمن بالاتلاف وإن لم يتمول عند متلفه قياسا على المصحف إذا أتلفه ذمى على مسلم. ودليلنا ما رواه ابن أبى حبيب عن عطاء عن جابر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة: ان الله حرم عليكم ورسوله بيع الخمر وبيع الخنزير وبيع الاصنام وبيع الميتة، فقال رجل يا رسول الله ما ترى في شحومها فإنها يدهن بها السفن ويستصبح بها فقال: قاتل الله اليهود حرم عليهم شحومها فجملوها فباعوها فدل تحريمه لبيعه على تحريم ثمنه وقيمته، ولان المرجوع في كون الشئ مالا إلى صفته لا إلى صفة مالكه، لان صفات الشئ قد تختلف فيختلف حكمه في كونه مالا ويختلف مالكوه. فلا يختلف حكمه في كونه مالا كالحيوان هو مال لمسلم وكافر ثم لو مات خرج من أن يكون مالا لمسلم أو كافر ثم لو دبغ جلده صار مالا لمسلم وكافر، فلما لم يكن الخمر والخنزير مالا لمسلم أو كافر ثم لو دبغ جلد الميتة صار مالا لمسلم وكافر. ويتحرر من هذا قياسان: أحدهما. أن كل ما ليس مالا مضمونا في حق المسلم لم يكن مالا مضمونا في حق الكافر كالميته والدم، وإن شئت قلت. كل عين لم يصح أن تشتغل ذمة المسلم بثمنها لم يصح أن تشتغل ذمة المسلم بقيمتها أصله ما ذكرنا. والثانى. أن ما لم يستحقه المسلم من عوض الحكم لم يستحقه الكافر كالثمن، ولانه شراب مسكر فوجب أن لا يستحق على متلفه قيمته، ولان ما استبيح الانتفاع به من الاعيان النجسة إذا لم يملك الاعتياض عليه كالميته: فما حرم الانتفاع به من الخمر والخنزير أولى أن لا يملك الاعتياض عليه، وتحريره قياسا أن ما حرم نفعا فأحرى أن يحرم عوضا من كافر على مسلم. وأما الجواب عن حديث عمر وقوله. ولهم بيعها وخذ العشر من أثمانها فمن وجهين. أحدهما. أن معناه أن ولهم ما تولوه من بيعها، ولا يعترض عليهم فيما

استباحوه منها، وخذ العشر من أثمانها أي من أموالهم وان خالطت أثمانها بدليل ما أجمعنا عليه من بطلان ثمنها. والثانى. أنه محمول على العصير الذى يصير خمرا من باب اطلاق اسم ما سيؤول إليه عليه قال تعالى. " وقال انى أرى في المنام أنى أرانى أعصر خمرا " وتحريم بيعها خمرا متفق عليه بيننا وبينهم كاتفاقنا على اباحته عصيرا. وأما كونه م؟ ؟ ولا في عرفهم فمنتقض بموقوذة المجوس والعبد المرتد. ولنا أدلة من السنة تفحم كل ذى مراء فحديث أنس عن أبى طلحة الذى ساقه المصنف هنا ورجال اسناده وأصله في صحيح مسلم ورواه الترمذي والدارقطني بلفظ. يارسول الله انى اشتريت خمرا لايتام في حجري فقال: أهرق الخمر واكسر الدنان. وأخرجه أحمد وأبو داود وحديث ابن عمر. أمرنى النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمديه وهى الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال أغد على بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جليت من الشام، فأخذ المدية منى فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها، وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معى ويعاونونى وأمرني أن آتى الاسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر الا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا الا شققته " رواه أحمد وأشار إليه الترمذي وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح معزوا إلى أحمد وقال الهيثمى في مجمع الزوائد. انه رواه باسنادين في أحدهما أبو بكر بن أبى مريم وقد اختلط وفى الاخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقات. وقد ترجم له البخاري في صحيحه فقال: باب هل تكسر الدنان التى فيها خمر وتخرق الزقاق. ويعلق ابن حجر على هذا فينفي أن المراد بهذا اتلاف الاواني وانما المقصود اراقة الخمر واهدار جرمها، واتلاف الآنية جاء تبعا لذلك عقوبة لاصحابها.

(فرع) قال الشافعي: ولو كسر لنصراني صليبا، فإن كان لشئ من المنافع مفصلا فعليه ما بين قيمته مفصلا أو مكسورا وإلا فلا شئ عليه. أما الصليب فموضوع على معصية لزعمهم أن عيسى صلى الله عليه وسلم قتل وصلب على مثله فاعتقدوا إعظامه طاعة والتمسك به قربة، وقد أخبر الله تعالى بتكذيبهم فيه ومعصيتهم به، ولا يجوز أن يقتحم أحد بيعهم وكنائسهم ولا أن يعطل لهم طقوسهم ما داموا لا يظهرون بها تحديا ولا يجاهرون بها إغاظة ولا يعد هذا إقرارا منا على ما يعتقدونه فان جاهرونا بصليبهم نظر، فان كان الامام قد شرط عليهم في عقد جزيتهم ترك المجاهرة به جاز في الانكار عليهم تفصيل الصليب وكسره رفعا لما أظهروه من مخالفة عقد الذمة، وإن لم يشترط ذلك عليهم وجب الاقتصار على الانكار في حال المجاهرة ولا يتجاوز الانكار إلى كسره، وقد حمى الاسلام الحنيف أهل الذمة وعاشت في ظله ديانات اليهود والنصارى بعد أن كان يضطهد بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا فأقر بينهم السكينة والوئام والسلام وترك لهم حرية الاعتقاد عملا بقوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ". وباغ من تسامح المسلمين وحسن معاملتهم أن الكنائس التى فر أهلها إلى الصحارى القصية وشعف الجبال ومغاراتها أخذوا يبنونها في المدن والقرى، بل إن المجاهدين من السلف كانوا يتخيرون أحيانا المواقع التى بها كنيسة مثلا فيتخذون من جوارها مدينة يتخذونها حاضرة أو عاصمة لحكمهم كمدينة تونس بكسر النون قولا واحدا سميت كذلك لان عقبة بن نافع الفهرى فاتح المغرب كان يسمع قرب معسكر أنعام القسس وهم يترنمون في الليل بترانيمهم فقال هذه البقعة تونس بحذف الهمزة فسميت بذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى . (فصل) وان فتح قفصا عن طائر نظرت، فان نفره حتى طار ضمنه لان تنفير الطائر بسبب ملجئ إلى ذهابه فصار كما لو باشر اتلافه وان لم ينفره نظرت فان وقف ثم طار لم يضمنه لانه وجد منه سبب غير ملجئ ووجد من الطائر

مباشرة والسبب إذا لم يكن ملجئا واجتمع مع المباشرة سقط حكمه، كما لو حفر بئرا فوقع فيها إنسان باختياره، فإن طار عقيب الفتح ففيه قولان (أحدهما) لا يضمن لانه طار باختياره فأشبه إذا وقف بعد الفتح ثم طار. (والثانى) يضمن لان من طبع الطائر النفور ممن قرب منه، فإذا طار عقيب الفتح كان طيرانه بنفوره منه فصار كما لو نفره (فصل) وإن وقع طائر لغيره على جدار فرماه بحجر فطار لم يضمنه، لان رميه لم يكن سببا لفواته، لانه قد كان ممتنعا وفائتا من قبل أن يرميه، فإن طار في هواء داره فرماه فأتلفه ضمنه، لانه لا يملك منع الطائر من هواء داره فصار كما لو رماه في غير داره (فصل) وإن فتح زقا فيه مائع فخرج ما فيه نظرت، فإن خرج في الحال ضمنه، لانه كان محفوظا بالوكاء فتلف بحله فضمنه. وإن خرج منه شئ فابتل أسفله أو ثقل به أحد جانبيه فسقط وذهب ما فيه ضمنه، لانه ذهب بعضه بفعله وبعضه بسبب فعله فضمنه، كما لو قطع يد رجل فمات منه، وإن فتحه ولم يخرج منه شئ ثم هبت ريح فسقط وذهب ما فيه لم يضمن، لان ذهابه لم يكن بفعله فلم يضمنه، كما لو فتح قفصا عن طائر فوقف ثم طار، أو نقب حرزا فسرق منه غيره، وان قتح زقا فيه جامد فذاب وخرج ففيه وجهان: (أحدهما) لا يضمنه، لانه لم يخرج عقيب الحل، فصار كما لو كان مائعا فهبت عليه الريح فسقط. (والثانى) أنه يضمن وهو الصحيح، لان الشمس لا توجب الخروج، وانما تذيبه والخروج بسبب فعله فضمنه كالمائع إذا خرج عقيب الفتح وإن حل زقا فيه جامد وقرب إليه آخر نارا فذاب وخرج، فقد قال بعض أصحابنا: لا ضمان على واحد منهما، لان الذى حل الوكاء لم توجد منه عند فعله جناية يضمن بها وصاحب النار لم يباشر ما يضمن فصارا كسارقين نقب أحدهما الحرز وأخرج الآخر المال، فإنه لا قطع على واحد منهما، وعندي أنه يجب الضمان على صاحب النار، لانه باشر الاتلاف بإدناء النار فصار كما لو حفر رجل بئرا

ودفع فيها آخر إنسانا، وأما السارق فهو حجة عليه، لانا أوجبنا الضمان على من أخرج المال فيجب أن يجب الضمان ههنا على صاحب النار. وأما القطع فلا يجب عليهما، لانه لا يجب القطع إلا بهتك الحرز، والذى أخذ المال لم يهتك الحرز والضمان يجب بمجرد الاتلاف وصاحب النار قد أتلف فلزمه الضمان (فصل) وإذن فتح زقا مستعلى الرأس فاندفع ما فيه فخرج فجاء آخر فنكسه حتى تعجل خروج ما فيه، ففيه وجهان. (أحدهما) يشتركان في ضمان ما خرج بعد التنكيس كالجارحين (والثانى) أن ما خرج بعد التنكيس يجب على الثاني كالجارح والذابح (فصل) وإن حل رباط سفينة فغرقت نظرت، فإن غرقت في الحال ضمن لانها تلفت بفعله، وإن وقفت ثم غرقت، فإن كان بسبب حادث كريح هبت لم يضمن، لانها غرقت بغير فعله. وان غرقت من غير سبب حادث ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن، كالزق إذا ثبت بعد فتحه ثم سقط (والثانى) أنه يضمن، لان الماء أحد المتلفات. (فصل) إذا أجج على سطحه نارا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها، أو سقى أرضه فنزل الماء إلى أرض جاره فغرقها، فإن كان الذى فعله ما جرت به العادة لم يضمن لانه غير متعد، وان فعل ما لم تجر به العادة بأن أجج من النار ما لا يقف على حد داره أو سقى أرضه من الماء ما لا تحتمله ضمن لانه متعد (فصل) إذا ألقت الريح ثوبا لانسان في داره لزمه حفظه. لانه أمانة حصلت تحت يده، فلزمه حفظها كاللقطة، فان عرف صاحبه لزمه إعلامه، فان لم يفعل ضمنه، لانه أمسك مال غيره بغير رضاه من غير تعريف فصار كالغاصب. وان وقع في داره طائر لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه، لانه محفوظ بنفسه، فان دخل إلى برج في داره طائر فأغلق عليه الباب نظرت، فان نوى إمساكه على نفسه ضمنه لانه أمسك مال غيره فضمنه كالغاصب، وان لم ينو إمساكه على نفسه لم يضمنه لانه يملك التصرف في برجه فلا يضمن ما فيه.

(الشرح) الاحكام: قال الشافعي: ولو حل دابة أو فتح قفصا عن طائر فوقف ثم ذهب لم يضمن لانهما أحدثا الذهاب وصورة ذلك أن رجلا حل دابة مربوطة أو فتح قفصا عن طائر محبوس فشردت الدابة وطار الطائر، فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون شرود الدابة وطيران الطائر بتهييجه وتنفيره، فعليه الضمان إجماعا، وإنما لزمه الضمان وإن كان الحل سببا والطيران مباشرة لانه قد ألجأه بالتنفير والتهييج إلى الطيران، وإذا انضم إلى السبب إلجاء تعلق الحكم بالمسبب الملجئ سقط حكم الفاعل كالشاهدين على رجل بالقتل إذا اقتص منه الحاكم بشهادتهما ثم رجعا تعلق الضمان عليهما دون الحاكم، لانهما الجاه بالشهادة فسقط حكم المباشرة (والثانى) أن لا يكون منه تهييج ولا تنفير فللدابة والطائر حالتان: (إحداهما) إن مكثا بعد حل الرباط وفتح القفص زمانا فلا ضمان عليه لانفصال السبب عن المباشرة. وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: عليه الضمان. وكذلك قال أحمد. والحال الثانية: أن تشرد الدابة ويطير الطائر في الحال من غير لبث، ففى الضمان لاصحابنا وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: عليه الضمان لاتصاله بالسبب. وهو قول أبى حنيفة (والثانى) وهو ظاهر نص الشافعي في كتاب اللقطة: لا ضمان عليه لعدم الالجاء. واستدل مالك ومن تابعه على وجوب الضمان بالسبب متصلا ومنفصلا بأن أسباب التلف المضمونة كحفر البئر وفتح القفص سبب للتلف فوجب أن يتعلق به الضمان، ولان كل ما تعلق به الضمان مع اتصاله بسببه جاز أن يتعلق به الضمان مع انفصاله عن سببه كالجارح يضمن إن تعجل التلف أو تأجل ودليلنا هو أن للحيوان اختيارا يتصرف به لما شاهد عيانا من قصده لمنافعه واجتنابه لمضاره، ثم لما قد استقر حكما من تحريم ما قد صاده باسترساله وتحليل ما صاده باسترسال مرسله، فإذا اجتمع السبب والاختيار تعلق الحكم على

الاختيار دون السبب كملقى نفسه مختارا من شاهق يسقط الضمان عن بانى الشاهق أو في بئر يسقط عن حافرها. وطيران الطائر باختياره لانه غير ملجأ، وقد كان يجوز بعد فتح القفص أن لا يطير، فوجب إذا طار بعد الفتح أن لا يتعلق بالفتح ضمان، ولان طيران الطائر بفتح القفص كهرب العبد المحبوس إذا فتح حبسه فكما أن فاتح الحبس لا يضمنه إن هرب كذلك فاتح القفص لا يضمن الطائر إذا طار، ولان مثابته من فتح القفص عن طائر حتى طار بمثابة من هتك حرمة مال حتى سرق، ثم كان كما لو فتح باب دار فيها مال فسرق لم يضمنه. وكذلك القفص إذا فتح بابه حتى طار طائر لم يضمن، ولان فتح القفص يكون تعديا على القفص دون الطائر، بدليل أنه لو مات الطائر في القفص بعد فتحه لم يضمنه، وما انتفى عنه التعدي لم يضمن به.* * * فأما الجواب عن استدلالهم بأن أسباب التلف مضمونة لحافر البئر يضمن ما سقط فيها، فهو أنهما سواء، وذاك أن من طبع الحيوان توقى المتالف. فإذا سقط في البئر دل على أن سقوطه بغير اختياره فضمن الحافر، ولو علمنا أنه سقط باختياره بإلقاء نفسه عمدا سقط الضمان عن الحافر، والطير مطبوع على الطيران عند القدرة: إلا في أوقات الاستراحة، فإذا طار دل على أن طيرانه باختياره فسقط الضمان عن فاتح القفص ولو علمنا أنه طار بغير اختياره بالالجاء والتنفير وجب الضمان على فاتح القفص فكانا سواء. فأما استدلالهم باستواء الاسباب فيما تعجل بها التلف أو تأجل فلاصحابنا في ضمانه إذا طار عقيب الفتح وجهان (أحدهما) لا يضمنه، فعلى هذا سقط السؤال فيه (الثاني) يضمنه. فعلى هذا يكون الفرق بين أن يطير في الحال فيضمن، وبين أن يطير بعد زمان فلا يضمن هو أن الطير مطبوع على النفور من الانسان

قال الماوردى: فإذا طار في الحال علم أنه طار لنفوره منه فصار كتنفيره إياه وإذا لبث زمانا لم يوجد منه النفور فصار طائرا باختياره، فأما إذا أمر طفلا أو مجنونا بإرسال طائر في يده فأرسله فطار فهو كفتحه القفص في أنه إذا نفره أو أمر الطفل بتنفيره ضمن وان لم ينفره ولبث زمانا لم يضمنه، وان طار في الحال فعلى وجهين، ولو كان ساقطا على برج أو جدار فرماه بحجر فنفره فطار من تنفيره لم يضمنه لانه قبل التنفير لم يكن مقدورا عليه. (فرع) إذا رمى رجل حجرا في هواء داره فأصاب طائرا فقتله ضمنه سواء تعمد قتله أو لم يتعمده، لانه وان لم يتعد بالرمي في هواء داره فليس له منع الطائر من الطيران في هوائه، فصار كما لو رماه من غير هوائه وخالف دخول البهيمة إذا منعها بضرب لا تخرج الا به أنه لا يضمنها. (فرع) إذا فتح رجل مراح غنم فرعت زرعا فان كان الفاتح مالكها ضمن الزرع، وان كان غيره لم يضمن، لانه لا يلزمه حفظها، وكذلك لو حل دابة مربوطة فأكلت شعيرا أو فولا لم يضمن لان الدابة هي المتلفة دونه وكذا لو كسرت اناء لم يضمنه لما عللناه. (فرع) قال الشافعي: ولو حل زقا (1) أو راوية فاندفقا ضمن الا أن يكون الزق يثبت مستندا وكان الحل لا يدفع ما فيه ثم سقط بتحريك أو غيره فلا يضمن لان الحل كان ولا جناية فيه. وصورتها في زق أوكى على ما فيه فحل الوكاء حتى ذهب ما في الزق، فلا يخلو حال ما فيه من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون من أرق المائعات قواما وأسرعها ذهابا كالخل والزيت واللبن فهذا على ضربين. أحدهما: أن يكون فم الزق منكسا فعليه ضمان ما فيه، لان الذائب مع التنكيس لا يبقى، فكان هو المتلف له.

_ (1) الزق قارورة من الجلد يسميها عامة الحجاج زمزمية، والوكاء الرباط، ومنه حديث " هاتوا سبع قرب لم تحلل أوكيتهن " وحديث " العين وكاء السه " والسه الاست أو المقعدة من الانسان.

والضرب الثاني: أن يكون فم الزق مستعليا فهذا على ضربين (أحدهما) أن يميل في الحال فيذهب ما فيه فعليه ضمانه لانه متماسك بوكائه، فإذا حله كان بالحل تالفا، وليس كالدابة إذا حلها لان للدابة اختيارا (والثانى) أن يلبث بعد الحل متماسكا زمانا ثم يميل فيسقط فلا ضمان عليه وسواء كان الزق مستندا أو غير مستند لانه قد كان باقيا بعد الحل فعلم أن تلفه بغير الحل من هبوب ريح أو تحريك انسان. والقسم الثاني: أن يكون ما في الزق ثخين القوام بطئ الذهاب كالدبس (العجوة بالعسل أو مريب التمر) والعسل القوى فإذا حل وكاؤه فاندفع يسيرا بعد يسير حتى ذهب ما فيه، فان كان مستعلى الرأس فلبث زمانا لا يتدفق شئ منه ثم اندفع فلا ضمان، وان اندفع في الحال أو كان منكسا نظر، فان لم يقدر مالكه على استدراك سده حتى ذهب ما فيه فعليه الضمان وان قدر على الاستدراك لسده ففى الضمان وجهان. (أحدهما) عليه الضمان كما لو خرق ثوبه وهو قادر على منعه، لزمه الضمان ولا يكون قدرته على الدفع اختيارا وابراء، كذلك ها هنا. والوجه الثاني: لا ضمان عليه، والفرق بينهما أنه في القتل والتحريق، وفى حل الوكاء غيره متسبب والسبب يسقط حكمه مع القدرة على الامتناع منه كمن حفر بئرا فمر بها انسان وهو يراها ويقدر على اجتنابها فلم يفعل حتى سقط فيها لم يضمنه الحافر. ولو كان الزق مستعلى الرأس وهو يندفع بعد الحل يسيرا يسيرا فجاء آخر فنكسه حتى تعجل خروج ما فيه فذهب فعلى الاول ضمان ما خرج قبل التنكيس وفيما خرج بعده وجهان (أحدهما) أن ضمانه عليهما لاشتراكهما في سبب ضمانه كالجارحين (والوجه الثاني) أن ضمانه على الثاني وحده لسقوط السبب مع المباشرة فصار كالذابح بعد الجارح يسقط ببراءة الجارح ويتوجه للذابح. والقسم الثالث: أن يكون ما في الزق جامدا كالسمن والدبس إذا جمدا ومريب الجزر والفواكه إذا جف ماؤهما وتبخر فيكشف بحل الوكاء أو بكشف الغطاء عن الاناء حتى تسطع عليه الشمس فيذوب ويذهب فان كان الزق أو الاناء

على حال لو كان ما فيها عند الحل أو الكشف ذائبا يعبأ في زقه وإنائه فلا ضمان عليه، وإن كان لا يعبأ لو كان ذائبا ففى ضمانه وجهان. أحدهما: لا ضمان عليه لان ذوبانه من تأثير الشمس لا من تأثير حله (والوجه الثاني) عليه الضمان لان بحله إياه وكشفه أثرت فيه الشمس فكان الحل أقوى سببا فتعلق به الضمان. (فرع) إذا أدنى من الجامد نارا بعد كشف إنائه وحل وكائه فحمى فذاب وذهب فلا ضمان على واحد منهما. أما صاحب النار فلم يباشر بها ما يضمن به، وأما كاشف الاناء وحال الوكاء فلم يكن فعله جناية يضمن بها. وصارا كسارقين ثقب أحدهما الحرز وأخرج الآخر المال لم يقطع واحد منهما، لان الاول هتك الحرز وبهتك الحرز لا يجب القطع. والثانى: أخذ مالا غير محرز وأخذ المال من غير حرز لا يوجب القطع، فإن قيل: لم يضمن إذا ذاب بالشمس في أحد الوجهين ولم يضمن بالنار، قيل: لان طلوع الشمس معلوم، فصار كالقاصد له ودنو النار غير معلوم، فلم يصر قاصدا له ولكن لو كان كاشف الاناء وحال الوكاء هو الذى أدنى النار منه فذاب ضمن وجها واحدا بخلاف الشمس في أحد الوجهين، ولان إدناء النار من فعله وليس طلوع الشمس من فعله، وخالف حدوث ذلك من شخصين وصار كتفرده بهتك الحرز وأخذ ما فيه في وجوب القطع عليه ولا يجب الضمان لو كان من شخصين، بيد أن المصنف يقضى بأن عنده وجوب الضمان على صاحب النار قياسا على من حفر بئرأ وجاء آخر فدفع إليها آخر ضمن صاحب البئر، وفيما ذهب إليه المصنف نظر عندي والله أعلم بالصواب.* (فرع) * وينبنى على ما تقدم أنه إذا حل رباط سفينة وترنحت في أحضان الموج فغرقت فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون غرقها في الحال من غير لبث فعليه الضمان لحدوث التلف بفعله (والضرب الثاني) أن يتطاول بها اللبث بعد الحل ثم تغرق بعد فهو على ضربين، أحدهما: أن يظهر سبب غرقها بحادث من ريح - أو موج فلا ضمان عليه لتلفها بما هو غير منسوب إليه. والضرب الثاني: أن لا يظهر

حدوث سبب لتلفها ففى ضمانها وجهان (احدهما) أنه لا يضمنها كما لا يضمن الزق إذا لبث بعد حله تم مال (والوجه الثاني) عليه الضمان بخلاف الزق لان الماء أحد المتلفات. (فرع) إذا نصب رصيصا من اللبن لحرقه (قمينة) حتى يجعر آجرا في غير المكان المخصص والوقت المناسب اللذين جرت عادة الناس بنصب الرصائص أو القمائن فيها كأن جاء في أوقات امتلاء الاجران بحصاد الحقول فأوقد في تنور اللبن بين الاجران أو وقت تعبئة القطن في الاكياس فطارت شرارة من النور إلى الاجران أو الاقطان فأحرقتها ضمن ما أتلف، أما إذا أعد الرصيص في أوانه ولم يكن وقت حصاد ولا جنى قطن، وكان لآخر صومعة فيها تبن أو طعام فطارت شرارة أصابت ما فيها فاحترق فلا ضمان عليه لانه غير متعد، وكذلك لو أروى أرضه في دوره فتسربت المياه إلى حقل جاره لم يضمن لانه غير متعد، فإذا أرواها في غير دوره - وهو الوقت المخصص له بترتيب أصحاب الحق في المياه - ثم تسربت إلى حقل جاره فأتلفته كان عليه ضمان المتلف، أما الثوب الذى حمله الريح من منشر الجار فألقاه في بيته فقد أسلفنا القول في الوديعة أنه وديعة يجب المبادرة إلى اعلام صاحبه به فإذا أخفاه أو تباطأ في اعلام صاحبه أو تلكأ كان عليه ضمانه وارتفعت يده من الامان إلى الضمان وإذا طار فلم يعلم به صاحب الدار حتى احترق بنار في داره أو بهيمة أكلته لم يضمنه، ولو علم به فإن لم يقدر على منعها لم يضمن، وان قدر على منعها فعليه الضمان، ولكن لو زاره عند حصول الثوب في داره فتركه، فإن كان مالكه غير عالم به فعليه اعلامه فإن لم يعلمه فهو ضامن، وان كان مالكه عالما به فهو غير ضامن، فإذا هبت ريح فاجتاحته فألقته بعيدا فإن لم يستطع منعه فلا ضمان، وان قدر على منعه من الريح قتركه ففى ضمانه وجهان. أحدهما: لا ضمان عليه لانه لم يكن منه ما يضمن به. والثانى: عليه الضمان كما لو أكلته بهيمة يقدر على منعها، فلو أن الثوب حين أطارته الريح وقع في صبغ لصاحب الدار فانصبغ به فلا ضمان على واحد

منهما لا على صاحب الثوب ولا على صاحب الصبغ لعدم التعدي منهما، وفى حالة إمكان استخراج الصبغ من الثوب فاستخراجه ونقص الصبغ ونقص الثوب إن حدث نقص كل ذلك مهدر لا قيمة له في ذمة واحد منهما وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) إذا اختلف الغاصب والمغصوب منه في تلف المغصوب، فقال المغصوب منه هو باق. وقال الغاصب تلف فالقول قول الغاصب مع يمينه لانه يتعذر إقامة البينة على التلف وهل يلزمه البدل فيه وجهان. أحدهما: لا يلزمه لان المغصوب منه لا يدعيه. والثانى: يلزمه لانه بيمينه تعذر الرجوع إلى العين فاستحق البدل كما لو غصب عبدا فأبق. (فصل) وإن تلف المغصوب واختلفا في قيمته، فقال الغاصب قيمته عشرة، وقال المغصوب منه قيمته عشرون فالقول قول الغاصب، لان الاصل براءة ذمته فلا يلزمه إلا ما أقر به كما لو ادعى عليه دينا من غير غصب فأقر ببعضه (فصل) وإن اختلفا في صفته فقال الغاصب كان سارقا فقيمته مائة. وقال المغصوب منه لم يكن سارقا فقيمته ألف فالقول قول المغصوب منه لان الاصل عدم السرقة. ومن أصحابنا من قال: القول قول الغاصب لانه غارم، والاصل براءة ذمته مما زاد على المائة، فإن قال المغصوب منه: كان كاتبا فقيمته ألف، وقال الغاصب: لم يكن كاتبا فقيمته مائة، فالقول قول الغاصب، لان الاصل عدم الكتابة وبراءة الذمة مما زاد على المائة، فإن قال المغصوب منه غصبتني طعاما حديثا، وقال الغاصب بل غصبتك طعاما عتيقا فالقول قول الغاصب، لان الاصل أنه لا يلزمه الحديث فإذا حلف كان للمغصوب منه أن يأخذ العتيق لانه أنقص من حقه. (فصل) وان غصبه خمرا وتلف عنده ثم اختلفا فقال المغصوب منه صار خلا ثم تلف فعليك الضمان وقال الغاصب بل تلف وهو خمر فلا ضمان على فالقول قول الغاصب، لان الاصل براءة ذمته، ولان الاصل أنه باق على كونه خمرا.

(فصل) وإن اختلفا في الثياب التى على العبد المغصوب، فادعى المغصوب منه أنها له، وادعى الغاصب أنها له، فالقول قول الغاصب لان العبد وما عليه في يد الغاصب فكان القول قوله والله أعلم (الشرح) الاحكام. قال الشافعي: ولو غصبه جارية فهلكت فقال: ثمنها عشرة فالقول قوله مع يمينه. قلت: قد ذكرنا أن المغصوب مضمون بأكثر قيمته في السوق والبدن ووقت الغصب إلى وقت التلف. وقال أبو حنيفة: هو مضمون بقيمته وقت الغصب اعتبارا بحال التعدي، وهذا خطأ من وجهين (أحدهما) أن استدامة الفعل كابتدائه شرعا. أما الشرع فقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا " أي استداموا الايمان، وقال تعالى " اهدنا الصراط المستقيم " أي ثبتنا على الهداية إليه، فاستوى حكم الابتداء والاستدامة في الاخبار والطلب وأما اللسان فهو أن مستديم الغصب بيمين في كل حال غاصبا. ويقال قد غصب، وإن كان قد تقدم من الغصب (والثانى) أن الغصب عدوان يوجب الضمان كالجناية، فلما كانت براءة الجراح في الجناية إلى تلف النفس توجب ضمان ما حدث بعد الجرح، وجب أن يكون الحادث بعد الغصب في حكم الموجود في حال الغصب، ثم هو في الغصب أولى منه في الجناية لبقاء يده في الغصب وارتفاعها في الجناية، وفيما ذكرناه من المعاني الماضية في نمو البدن وزيادته دليل كاف فإذا ثبت هذا واختلفا في المغصوب فهو على ثلاثة أضرب: (أحدها) أن يختلفا في قيمته (والثانى) أن يختلفا في تلفه (والثالث) أن يختلفا في مثله. فأما الضرب الاول وهو اختلافهما في قيمته فعلى ضربين: (أحدهما) أن يكون اختلافهما في القيمة مع اتفاقهما على الصفة، فيقول المغصوب منه قيمة مالى ألف. ويقول الغاصب: قيمة مالك مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه في قدر قيمته لامرين: أحدهما إنكاره الزيادة، والشرع في الانكار يجعل القول قول المنكر دون المدعى. والثانى: أنه غارم والقول في الاصول قول الغارم

فإن قيل: فكلا المعنيين يفسد بالشفيع والشفيع منكر وغارم، فالجواب عنه من وجهين. أحدهما: أن المشترى مالك فلم يكن للشفيع انتزاع ملكه إلا بقوله كما أن الغارم مالك، ولا يغرم إلا بقوله. والثانى: أن المشترى فاعل الشراء فكان القول فيه قوله لانه من صنعه، وكذلك الغاصب فاعل الغصب وهو من صنعه فكان القول فيه قوله، فحل المشترى بهذين محل الغارم وسلم المعنيان. فإن كان للمغصوب منه بنية على ما ادعاه من القيمة سمعت وهى شاهدان أو امرأتان وشاهد أو شاهد ويمين، فإن شهدت بينه بأن قيمة المغصوب وقت الغصب أو وقت التلف أو فيما بين الغصب والتلف كذا حكم بها لان الغاصب ضامن لقيمته في هذه الاحوال كلها، وإن شهدت بينة بأن قيمته كانت ألفا قيل الغصب لم يحكم بها لان ما قبل الغصب غير مضمون على الغاصب لكن كان بعض أصحابنا يقول: إنه يصير لاجل هذه البينة القول قول المغصوب منه مع يمينه، لان الاصل بقاء هذه القيمة ما لم يعلم نقصها وهذا غير صحيح، لان ما قبل الغصب غير معتبر، والبينة فيه غير مسموعة ولو جاز أن يصير القول بها قول المشهود له لجاز الاقتصار عليها من غير يمين، فإن شهدت البينة بصفات المغصوب دون قيمته ليستدل بها على قدر القيمة لم يجز أن يحكم بها لامرين. أحدهما: أن تقويم ما لا مثل له بالصفة باطل. والثانى: أن اختلافهما في القيمة دون الصفة فلم تسمع البينة في غير ما تداعياه واختلفا فيه. والضرب الثاني: أن يكون اختلافهما في الصفه فهو على نوعين أحدهما: أن تكون صفة زائدة. والثانى: أن تكون صفة نقص. فأما صفة الزيادة فترد دعوى المغصوب منه وصورتها. أن يقول المغصوب منه قيمة سيارتي ثلاثة آلاف لانها مرسيدس أو كاديلاك 7 راكب موديل 68 ويقول الغاصب قيمتها ألف لانها مرسيدس أو كاديلاك سعة 5 راكب موديل 69 فالقول قول الغاصب مع يمينه لا يختلف لوجود المعنيين فيه وهما الغرم والانكار. وأما صفه النقص فهو دعوى الغاصب وصورتها أن يقول الغاصب قيمة السيارة التى غصتها منك

مائة لانها مستهلكه ومحركها ضعيف وفراملها ناعمه وهى ماركة فيات أو فكسهول موديل. فيقول المغصوب منه قيمتها ألف لانها ليست مستهلكه ومحركها سليم وفراملها قويه ففيه وجهان لاختلاف المعنيين أحدهما أن القول قول الغاصب مع يمينه تعليلا بغرمه والثانى. القول قول المغصوب منه مع يمينه تعليلا بانكاره. وأما الضرب الثاني وهو اختلافهما في تلفه فصورته أن يقول المغصوب منه سيارتي باقيه في يدك ويقول الغاصب، قد تلفت وذهبت أجزاؤها في (وكالة البلح (1)) فالقول قول الغاصب مع يمينه ثم فيه وجهان أحدهما، أنه لا شئ عليه للمغصوب منه ما لم يصدقه على تلفها، لانه لا يدعى القيمه وإنما يدعى عينها وقد حلف الغاصب على تلفها، والوجه الثاني، أن عليه القيمه للمغصوب منه لانه وإن كان منكرا للتلف فيمين الغاصب ما تلفت ولا قدرة له عليها فصارت كالتالفه يلزم الغاصب قيمتها مع بقاء عينها إذا كانت باقيه. وأما الضرب الثالث وهو اختلافهما في مثله فعلى ثلاثة أضرب أحدها. أن يختلفا في صفات المثل كقول المغصوب منه غصبتني طعاما حديثا فيقول الغاصب بل طعاما عتيقا أو قديما فالقول قول الغاصب مع يمينه تعليلا بالمعنيين من الانكار والغرم، ثم للمغصوب منه أن يتملك ذلك لانه أنقص من حقه الذى يدعيه. والضرب الثاني. أن يختلفا في أصل المثل كقول المغصوب منه، لما غصبته مثل، وقول الغاصب، ليس له مثل فلا اعتبار باختلافهما ويرجع فيه إلى اجتهاد الحكام، فان حكموا له بمثل طولب به، وإن حكموا فيه بالقيمة أخذت منه، والضرب الثالث أن يختلفا في وجود المثل كقول المغصوب منه، المثل موجود وقول الغاصب بل المثل معدوم، فيكشف الحاكم عن وجوده، ويقطع تنازعهما

_ (1) سوق على شاطئ النيل في الشمال الغربي من مدينة القاهرة كانت تنزل من مرساه التمور الواردة من الصعيد الاعلى على عهد المماليك وهو اليوم سوق تباع فيه أجزاء السيارات القديمة وغيرها من الالات.

فيه، فإن وجده ألزم الغاصب دفع المثل رخيصا كان أو غالبا، وإن عدمه خير المغصوب منه بين أن يصبر إلى وجود المثل فإن تعجل أخذ القيمه ثم وجد المثل بعد ذلك فلا حق له فيه وقد استقر ملكه على ما أخذ من قيمته بخلاف الرقيق إذا أخذت قيمته ثم وجد، والفرق بينهما أن قيمة الآبق أخذت عند الاياس منه فلزم ردها بعد القدرة عليه، وقيمة المثل أخذ مع العلم بالقدرة عليه من بعد فلم يلزم ردها بعد القدرة عليه، وإن جهد إلى وجود المثل ثم رجع مطالبا بالقسمة قبل الوجود فذلك له لتعجل حقه بخلاف السلم في الشئ إلى مدة تنقطع فيها فرضى المسلم بالصبر إلى وجوده فلا يكون له الرجوع قبله. والفرق بينهما أن تقدير وجود السلم عيب فإذا رضى به لزمه ذلك بالعقد. وصبر المغصوب منه إلى وجود المثل إنظار وتأجيل تطوع به فلم يلزم. (فرع) ولو غصب رجل عصيرا فصار في يده خلا رجع به المغصوب منه وينقص إن حدث في قيمته، ولو صار العصير خمرا رجع على الغاصب بقيمته عصيرا لان الخمر لا قيمة له، وهل له أخذ الخمر أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ الاسفرايينى - إنه ليس له أخذه لوجوب إراقته وإتلافه. والوجه الثاني: له أخذه لانه قد شفع بإراقته في بئر أو مسقى حيوان، فلو صار الخمر في يد الغاصب خلا رجع به المغصوب منه، وفى رجوعه عليه بالقيمه وجهان كنقص المرض إذا زال أحدهما: يرجع بالقيمة لوجوبها. والثانى - لا يرجع عليه لعدم استقرارها. وإذا غصبه خمرا فصار في يده خلا صار حينئذ مضمونا عليه لكونه خلا ذا قيمه، فلو اختلط بعد تلفه فقال المالك: صار خلا فعليك ضمانه، وقال الغاصب: بل تلف في يدى خمرا على حاله فالقول قول الغاصب مع يمينه اعتبارا ببراءة ذمته، فلو صار الخمر بعد غصبه خلا ثم عاد الخل فصار خمرا ضمنه مع بقاء عينه لانه بمصيره خمرا قد صار تلفا، فلو عاد ثانية فصار خلا رد على المغصوب منه، وهل يضمن قيمته مع رده على وجهين أحدهما: لا ضمان عليه لعوده إلى ما كان عليه، والوجه الثاني: عليه الضمان لاستقراره عليه فلم يسقط عنه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب الشفعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الشفعة وتجب الشفعة في العقار لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشفعة في كل شرك لم يقسم، ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به، ولان الضرر في العقار يتأبد من جهة الشريك فثبتت فيه الشفعة لازالة الضرر. (فصل) وأما غير العقار من المنقولات فلا شفعة فيه لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شفعه إلا في ربعة أو حائط وأما البناء والغراس، فإنه إن بيع مع الارض ثبتت فيه الشفعة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ له شريك في ربع أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضى أخذه، وإن كرهه تركه ولانه يراد للتأبيد فهو كالارض، فإن بيع منفردا لم تثبت فيه الشفعة لانه ينقل ويحول فلم تثبت فيه الشفعة واختلف أصحابنا في النخل إذا بيعت مع قرارها مفردة عما يتخللها من بياض الارض فمنهم من قال: تثبت فيه الشفعة لانه فرع تابع لاصل ثابت. ومنهم من قال: لا شفعة فيها، لان القرار تابع لها، فإذا لم تجب الشفعة فيها إذا بيعت مفردة لم تجب فيها وفى تبعها، وإن كانت دار أسفلها لواحد وعلوها مشترك بين جماعة، فباع أحدهم نصيبه فإن كان السقف لصاحب السفل لم تثبت الشفعة في الحصة المبيعة من العلو، لانه بناء منفرد، وإن كان السقف للشركاء في العلو ففيه وجهان، أحدهما لا تثبت فيه الشفعة، لانه لا يتبع أرضا. والثانى: تثبت لان السقف أرض لصاحب العلو يسكنه، ويأوى إليه فهو كالارض. (فصل) وإن بيع الزرع مع الارض أو الثمرة الظاهرة مع الاصل لم

تؤخذ مع الاصل بالشفعة، لانه منقول فلم يؤخذ مع الارض بالشفعة كثيران الضيعه، فإن بيع وفيه ثمرة غير مؤبرة ففيه وجهان (أحدهما) تؤخذ الثمرة مع الاصل بالشفعة، لانها تبعت الاصل في البيع فأخذت معه بالشفعة كالغراس. (والثانى) لا تؤخذ لانه منقول فلم تؤخذ مع الاصل كالزرع والثمرة الظاهرة. (فصل) ولا تثبت الشفعة إلا للشريك في ملك مشاع، فأما الجار والمقاسم فلا شفعة لهما لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إنما جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ولان الشفعة إنما تثبت لانه يدخل عليه شريك فيتأذى به، فتدعو الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقصان قيمة الملك، وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق. وهذا لا يوجد في المقسوم. (فصل) ولا تجب إلا فيما تجب قسمته عند الطللب، فأما ما لا تجب قسمته كالرحا والبئر الصغيرة والدار الصغيرة فلا تثبت فيه الشفعة. وقال أبو العباس: تثبت فيه الشفعة لانه عقار فثبت فيه الشفعة قياسا على ما تجب قسمته، والمذهب الاول، لما روى عن أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر والارف تقطع كل شفعة، ولان الشفعه إنما تثبت للضرر الذى يلحقه بالمقاسمة، وذلك لا يوجد فيما لا يقسم. وأما الطريق المشترك في درب مملوك ينظر فيه، فان كان ضيقا إذا قسم لم يصب كل واحد منهم طريقا يدخل فيه إلى ملكه فلا شفعة فيه، وان كان واسعا نظرت فان كان للدار المبيعة طريق آخر وجبت الشفعة في الطريق، لانه أرض مشتركة تحتمل القسمة، ولا ضرر على أحد في أخذه بالشفعه فأشبه غير الطريق وان لم يكن للدار طريق غيره ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) لا شفعة فيه، لانا لو أثبتنا الشفعة فيه أضررنا بالمشترى لانه يبقى ملكه بغير طريق، والضرر لا يزال بالضرر (والثانى) تثبت فيه الشفعه، لانه أرض تحتمل القسمه فتثبت فيها الشفعه كغير الطريق.

(والثالث) أنه إن مكن الشفيع المشترى من دخول الدار ثبت له الشفعة، وإن لم يمكنه فلا شفعة لانه مع التميكن يمكن دفع الضرر من غير إضرار، ولا يمكن مع عدم التمكين إلا بالاضرار. (فصل) وتثبت الشفعة في الشقص المملوك بالبيع لِحَدِيثِ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " وتثبت في كل عقد يملك الشقص فيه بعوض كالاجارة والنكاح والخلع، لانه عقد معاوضة فجاز أن تثبت الشفعة في الشقص المملوك به كالبيع (فصل) فأما فيما ملك فيه الشقص بغير عوض كالوصية والهبة من غير عوض فلا تثبت فيه الشفعه، لانه ملكه بغير بدل فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو ملكه بالارث، وإن باع من رجل شقصا فعفا الشفيع فيه عن الشفعه ثم رجع الشقص إليه بالاقالة ثم تثبت فيه الشفعه، لانه لم يملكه بعوض وإنما انفسخ البيع ورجع المبيع إلى ملكه بغير بدل، فإن باعه شقصا فعفا الشفيع عن الشفعه ثم ولاه رجلا ثبتت فيه الشفعه، لان التوليه بيع برأس المال. وإن قال لام ولده: إن خدمت ورثتي شهرا فلك هذا الشقص، فخدمتهم ملكت الشقص، وهل تثبت فيه الشفعه؟ فيه وجهان. أحدهما أنه تثبت لانها ملكته ببدل هو الخدمه فصار كالمملوك بالاجارة (والثانى) لا تثبت فيه الشفعه لانه وصية في الحقيقة لانه يعتبر من الثلث فلم تثبت فيه الشفعه كسائر الوصايا، وإن دفع المكاتب إلى مولاه شقصا عن نجم عليه ثم عجز ورق فهل للشفيع في الشقص شفعه أم لا؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا شفعة فيه، لانه بالعجز صار ماله للمولى بحق الملك لا بالمعاوضة وما ملك بغير المعاوضه لا شفعة فيه (والثانى) تثبت فيه لانه ملكه بعوض فثبت فيه الشفعه فلا تسقط بالفسخ بعده. (فصل) وإن بيع شقص في شركة الوقف، فإن قلنا ان الموقوف عليه لا يملك الوقف لم تجب فيه الشفعه لانه لا ملك له، وان قلنا انه يملك ففيه وجهان (أحدهما) أنه يأخذ بالشفعه، لانه يلحقه الضرر في ماله من جهة الشريك فأشبه مالك الطلق (والثانى) لا يأخذه لان ملكه غير تام، بدليل أنه لا يملك التصرف فيه، فلا يملك به ملكا تاما

(الشرح) قال الضياء المقدسي في شرحه لثلاثيات المسند: الشفعة لغة الزيادة، لان الشفيع يضم ما يشفع فيه إلى نصيبه فكأنه كان وترا فصار شفعا، والشفيع فعيل بمعنى فاعل، وعرفا: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقل عنه من يد من انتقلت إليه. اه قال الحافظ بن حجر في الفتح: الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها، وهى مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج، وقيل من الزيادة، وقيل من الاعانة، وفى الشرع: انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى. اه وقد ثبتت بالسنة والاجماع. فأما السنة فالحديث الذى ساقه المصنف عن جابر ولفظه عند مسلم والنسائي وأبى دَاوُد " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فان شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " ولفظه عند الترمذي وصححه " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعه " ولفظه عند أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه " إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعه " وفى رواية عند أحمد والبخاري والشافعي في الام " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بالشفعه في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعه " وكلها عن جابر الا الشافعي فقد قال: أخبرنا مالك عن الزهري عن سعيد ابن أبى سلمه. وقد روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا قسمت الدار وحددت فلا شفعه " رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه أما الاجماع فقد انعقد ولم يختلف العلماء على مشروعيتها إلا ما نقل عن أبى بكر الاصم من إنكارها، وفى ذلك يقول بعضهم: لا عبرة بقول الاصم فإنه عن الحق أصم. قال الماوردى في الحاوى: إن ما روى في الشفعه وان لم يكن متواترا فالعمل به مستفيض يصير به الخبر كالمتواتر، ثم الاجماع عليه منعقد، والعلم بكونه شرعا واقع وليس في التمسك بحديث " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه "

ما يمنع من الشفعه لان المشترى يعاوض عليها بما بذله فيصل إليه ولا يستحل منه فإذا ثبت هذا فإن الشفعه تجوز للمسلم والكافر عند الشافعي وأبى حنيفة ومالك. وخالف أحمد فقهاء مذهبه على أنه لا شفعة لكافر على مسلم، قال الضياء المقدسي نص عليه أحمد قال في الانصاف: وهو المذهب وعليه الاصحاب وهو من مفردات المذهب، وبه قال الحسن البصري والشعبى، وقد أفاض الضياء في شرح عمدة الاحكام في بيان العلة، ووجه المذهب من جهة الدليل، كما تفرد أبو حنيفة دون الثلاثة بوجوب الشفعة للجار، وهو رواية عن أحمد إلا أنها مرجوحة بالمرة حسب الاظهر من المذهب فإذا ثبت هذا فإن الشفعه مستحقة في عراص الارضين. ويكون ما أثقل بها من الغراس والبناء تبعا، وإن كان المبيع منها مشاعا كانت الشفعه فيه على قولين وإن كان المبيع منها محررا فالذي عليه جمهور الناس أنها غير واجبه، وبه قال من الصحابة عمر وعثمان وعلى في أصح الروايتين عنه، ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو سلمه بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير، ومن الفقهاء ربيعه ومالك وأحمد وإسحاق وأهل الحرمين. وقال أبو حنيفة وصاحباه وسفيان الثوري: إن الشفعه المجوزة مستحقه للجار وليس لهم فيه سلف، وربما أضافوه إلى ابن مسعود، فان عفا الجار عنها كانت لمن يليه في القرب ثم لمن يليه إلى آخر الجوار، إلا أن تكون الطريق نافذة فلا يجب لغير الجار الملاصق استدلالا برواية عمرو بن الشريد عن أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " الجار أحق بشقصه " وروى " بسقبه " أي بقربه، وبرواية شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " جار الدار أحق بدار الجار أو الارض " وبرواية عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من غيره وروى عمرو بن الشريد بن سويد عن أبيه أنه قال: قلت: يا رسول الله أرض ليس لاحد فيها شرك ولا قسم الا الجوار،

بيعت لى، فقال " أنت أحق بشفعة جارك يا شريد " قالوا ولان الشفعة إنما وجبت تخوفا من سوء عشرة الداخل عليه، وهذا قد يوجد في الجار كوجوده في الخليط، فاقتضى أن تجب الشفعة للجار كوجوبها للخليط ودليلنا ما رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه قال: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، وهذا وإن كان مرسلا فمرسل سعيد عند الشافعي حسن، ثم قد رواه مسندا عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزهري عن أبى سلمة عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: الشفعه فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، فكان من هذا الحديث دليلان: أحدهما: قوله الشفعه فيما لم يقسم، فكان دخول الالف واللام مستوعبا لجنس الشفعه فلم يجب في المقسوم شفعه والثانى: قوله فإذا وقعت الحدود فلا شفعة. فصرح بسقوط الشفعه مع عدم الخلطة، فإن قيل: فإنما نفى الشفعه عنه بالقسمة الحادثة بعده ففيه جوابان (أحدهما) أنه محمول على عموم القسمه حادثة ومتقدمة (والثانى) أنه إنما نفى الشفعة عن المقسوم بما أثبتها في غير المقسوم. فلما أثبتها في غير المقسوم بالبيع دل على أنه نفاها عن المقسوم بالبيع. وقال أبو حنيفة: تجب للجار، ثم ساق أحاديث الموجبين لها للجار، وهى التى أوردناها هنا. ثم قال: وقال العلقمي في حاشية الجامع الصغير: يحتج بهذا الحديث من أوجب الشفعه للجار - يعنى حديث. الجار أحق بصقبه - ومن لم يثبتها للجار تأول الجار على الشريك، ويحتمل أن يكون المراد أحق بالبر والمعونة وما في معناهما بسبب قربه من جاره. وأجابوا عن حديث سمرة بأن أهل الحديث اختلفوا في لقاء الحسن له. ومن أثبت لقاءه قال: إنه لم يرو عنه إلا حديث العقبة، وقد رواه الحسن عن سمرة. وعن حديث الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا بأن شعبة قال: سها فيه عبد الملك راوي الحديث.

قال الامام أحمد: هذا الحديث منكر. وقال ابن معين: لم يروه إلا عبد الملك وقد أنكر عليه. وقال بعض علماء الحنفيه: يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجوار، لان الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك وأجيب عنه بأن محل ذلك عند التجرد عن القرائن، وقد قامت القرينه هنا للمجاز فان حديث جابر صريح في اختصاص الشفعه بالشريك، وحديث أبى رافع مصروف الظاهر اتفاقا، لانه يقتضى أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك، ولا قائل به، فان القائلين بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا، ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور. (قلت) واختار شيخ الاسلام ابن تيميه ثبوت الشفعه للجار بشرط أن يكون شريكا في الطريق محتجا بآخر حديث جابر مرفوعا: الجار أحق بشفعة جاره. قال، وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية أبى طالب حيث قال: إذا كان طريقهما واحدا شركاء لم يقتسموا، فإذا طرقت وعرفت الحدود فلا شفعه. قلت: واختار بعض الحنابلة هذا الرأى ولكن لو استعرضنا مذهب الجمهور في نفى شفعة الجار لوجدنا أمة من الصحابة والتابعين كعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهرى ويحيى الانصاري وأبو الزناد وربيعه والمغيرة بن عبد الرحمن ومالك والاوزاعي وأحمد والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وقال ابن شبرمة والثوري وابن أبى ليلى وأصحاب الرأى: الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجوار. ولان الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الاصل لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه. وبيان انتفاء المعنى هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجه إلى مقاسمته، أو يطلب الداخل المقاسمه فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى احداثه من المرافق، وهذا لا يوجد في المقسوم. م 10: 14

فأما حديث أبى رافع فليس بصريح في الشفعة فإن الصقب القرب، قال الشاعر: كوفية نازح محلتها * لا أمم دارها ولا صقب وبقية الاحاديث التى تثبت الشفعة للجار فيها مقال كما قال ابن المنذر على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك فإن ذلك جار على ألسنة الشعراء، ويسمى كل واحد من الزوجين جارا، قال الاعشى: أجارتنا بينى فإنك طالقه * وموموقة ما كنت فينا ووامقه وتسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج. قال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لى فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، وهذا كله يمكن حمل حديث أبى رافع عليه، فإذا ثبت أن الشفعة واجبة بالخلطه دون الجوار فالكلام فيها يشتمل على أربعة أقسام. (أحدها) ما تجب به الشفعة. (والثانى) ما تجب فيه (والثالث) من تجب له (والرابع) ما تؤخذ به. فأما ما تجب به فهو انتقال الملك بعقد المعاوضات والعقود على ثلاثة أقسام قسم يجب فيه العوض، وقسم لا يجب فيه العوض، وقسم اختلف قول الشافعي في وجوب العوض فيه، فأما الموجب للعوض فخمسة عقود، البيع والاجارة والصلح والصداق والخلع، فالشفعة بجميعها مستحقه كالمبيع لانتقال الملك بها عوضا أو معوضا وسنشرح كلا في موضعه. وأما ما لا يوجب العوض إما لانه لا ينقل الملك كالرهن والعارية، أو لانه لا يوجب العوض مع انتقال الملك كالوقف والوصيه فلا شفعة به لان ما لا ينقل لملك استحق به نقل الملك، وما لا عوض فيه لا معوض فيه. واختلف أصحابنا هل يغلب في ملك أم الولد للشقص حكم المعاوضات أو حكم الوصايا إذا قال لها: إن خدمت ورثتي سنة بعد موتى فلك هذا الشقص ففعلت على وجهين. أحدهما: أن حكم المعاوضات عليه أغلب لاستحقاقه بالخدمة، فعلى هذا يأخذه الشفيع بعد انقضاء السنة بأجرة مثل خدمتها تلك السنة.

والوجه الثاني: وهو ظاهر المذهب أن حكم الوصايا أغلب عليه لامرين. أحدهما اعتباره من الثلث، والثانى: ملك الشقص من لم يملك الخدمة. وأما ما اختلف قوله في وجوب العوض فعقد الهبة اختلف قوله في وجوب المكافأة عليها فقال في القديم والاملاء بالوجوب، فعلى هذا تجب الشفعة بهما بالثواب الذى تجب به المكافأة، فعلى هذا لو شرط الثواب فيها قدرا معلوما كان على قولين. أحدهما قاله في الاملاء: إن الهبة جائزة والشفعه فيها واجبة بالثواب المشروط، لانها إذا صحت مع الجهل بالثواب كانت مع العلم به أصح. والقول الثاني: إن الهبة بشرط الثواب باطله، والشفعه فيها ساقطه لان العوض فيها يجعلها بيعا والبيع بلفظ الهبة باطل، فهذا حكم الهبة على قوله في القديم والاملاء. وقال في الجديد: ان المكافأة على الهبة غير واجبه، فعلى هذا لا شفعة بها، ويكون في انتقال الملك بها في سقوط الشفعة به كانتقاله بالميراث فهذا حكم الفصل. وأما القسم الثاني: وهو ما تجب فيه الشفعه فهى عراص الارضين وما يتبعها متصلا دون غيرها، وهى على ثلاثة أنواع، أحدها ما وجب في الشفعه معقودا وهى عراص الارضين المحتمله للقسمة الجبريه، فان لم تحتملها لصغرها كطريق ضيقه وبياض يسير فلا شفعة هكذا حكاه الماوردى. وقال أبو العباس بن سريج: يجب فيه الشفعة تعليلا بسوء المشاركة، واستدامة الضرر بها لتعذر القسمة، وبه قال أبو حنيفة. وعند الشافعي أنه لا شفعه فيها تعليلا في وجوبها بالخوف من مؤونة القسمه وأن ما لا يقسم جبرا فلا شفعة فيه لارتفاع الضرر بمؤونة القسمة. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله " لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة ولا ركح ولا رهوة " رواه أبو الخطاب من أصحاب الامام أحمد في رءوس المسائل، والمنقبة الطريق الضيقة تكون بين الدارين والركح بضم الراء ناحية البيت من ورائه وما كان فضاء للسابلة والمارة، والرهوة الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره.

والنوع الثاني: ما تجب فيه الشفعة تبعا وهو البناء والغرس إن كان مبيعا مع الارض وجبت فيه الشفعة تبعا للارض إن كان فيها ما يحتمل قسمته الاجبار، وإن لم يحملها لم تجب فيه الشفعة عند الشافعي، ووجبت فيه عند أبى العباس بن سريج، وهو قول أبى حنيفه، وإن كان البناء والغرس منفصلا عن الارض في البيع فلا شفعة فيه عند الشافعي وأبى حنيفة. وقال مالك: يجب الشفعة في البناء المنفرد وفى الثمار والمقائى والمباطخ لاتصاله بعراص الارض المستحق فيها الشفعة وهذا خطأ لقوله صلى الله عليه وسلم " الشفعة فيما لم يقسم " رواه البخاري. فإذا أوقعت الحدود فلا شفعة فجعل حدود القسم شرطا في إبطال الشفعة، فدل على استحقاقها فيما يجبر فيه على القسمة، ولان البناء والغرس تبع لاصله، فلما لم يستحق في الارض شفعة لخروجها عن العقد لم يجب في البناء والغرس شفعة، وان دخلت في العقد، فإذا تقرر ألا شفعة فيما أفرد بالبيع من البناء والغرس، وكانت دار ذات علو مشترك، وسفلها لغير الشركاء في علوها فباع أحد الشركاء في العلو حقه نظر في السقف، فان كان لارباب السفل فلا شفعة في الحصة المبيعة من العلو لانها بناء مفرد، وان كان السقف لارباب العلو ففى وجوب الشفعة في الحصة المبيعة منه وجهان. (أحدهما) لا شفعة فيه لانه لا يتبع أرضا (والوجه الثاني) فيه الشفعه، لان السقف كالعرصه. ولقول الشافعي في كتاب الصلح ان السقف أرض لصاحب العلو، ولانه إذا حاز أحدهما حصة من البناء والسقف أمكنه سكناه كالارض. والنوع الثالث: لا تجب فيه الشفعة لا مقصودا ولا تبعا وهو سائر الاشياء سوى ما ذكرنا، وقال عطاء بن أبى رباح: الشفعة واجبة في كل مشترك من متاع وحيوان وغيره في صنوف الاموال وسائر الكلام معه. وأما القسم الثالث وهو من تجب له الشفعة فهو الخليط في الملك المبيع دون الجار، وقد مضى الكلام مع أبى حنيفة في شفعة الجوار، وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن يكون الخليط وافر السهم وبين أن يكون قليله حتى لو خالط بنسبة واحد من ألف استحق الشفعة، وإذا تعدد الخلطاء كانت بينهم على ما سيأتي.

ولا فرق بين أن يكون ملكه صار إليه بابتياع أو ميراث أو هبة أو وصية من بائع الشقص أو من غيره لانه مالك قد يستضر بسوء المشاركة ويتأذى بمؤونة المقاسمة. وأما إذا كانت حصة الخليط وقفا نظر في الوقف فان كان عاما كالوقف على الفقراء والمساكين، أو كان خاصا لا يملك كالوقف على جامع فلا يستحق به شفعة في المبيع، وان كان خاصا على مالك الوقف على رجل بعينه أو على جماعة بأعيانهم فلا يملك به الواقف شفعة لزوال ملكه عن الوقف، فأما الموقف عليه، فقد اختلف قول الشافعي هل يكون مالكا لرقبة الوقف أم لا؟ على قولين، أحدهما: يستحق به الشفعة لثبوت ملكه واستضراره بسوء المشاركة والوجه الثاني: لا شفعة له لانه ليس بتام الملك ولا مطلق التصرف. ثم الشفعة تجب للاب على ابنه وللابن على أبيه وللرجل على زوجته وللمرأة على زوجها وللسيد على مكاتبه وللمكاتب على مولاه ولا يستحقها السيد على عبده ولا على مدبره ولا على أم ولده ولا يستحقها أحدهم عليه. وأما القسم الرابع وهو ما تؤخذ به الشفعة فهو ما جعل بدلا عن الشقص المنقول الملك من ثمن ان كان في أجرة أو بيع أو أجرة المثل ان كان في اجارة أو مهر المثل ان كان في صداق على ما سنفصله والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان اشترى شقصا وشرط الخيار فيه للبائع لم يكن للشفيع أن يأخذ قبل انقضاء الخيار لانه في أحد الاقوال لا يملك الشقص، وفى القول الثاني ملكه موقوف، فلا يعلم هل يملك أم لا؟ وفى القول الثالث يملكه ملكا غير تام، لان للبائع أن يفسخه، ولانه إذا أخذ بالشفعة أضر بالبائع لانه يسقط حقه من الفسخ والضرر لا يزال بالضرر وان شرط الخيار للمشترى وحده فان قلنا أنه لا يملك أو قلنا أنه موقوف لم يأخذ لما ذكرناه في خيار البائع وان قلنا: انه يملكه ففيه قولان أحدهما لا يأخذه، لانه بيع فيه خيار فلا يأخذ به كما لو كان الخيار البائع. والثانى: يأخذه وهو الصحيح لانه لا حق فيه لغير

المشترى، والشفيع يملك اسقاط حقه، ولهذا يملك اسقاط حقه بعد لزوم البيع واستقرار الملك، فلان يملك قبل لزومه أولى. (فصل) وتثبت الشفعة للكافر على المسلم لحديث جابر رضى الله عنه لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه فان باعه ولم يؤذنه فهو أحق به ولم يفرق ولانه خيار جعل لدفع الضرر عن المال فاستوى فيه الكافر والمسلم كالرد بالعيب. (فصل) ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على العوض لانه إذا أخذه ولم يقدر على العوض أضر بالمشترى والضرر لا يزال بالضرر فان أحضر رهنا أو ضمينا أو عوضا عن الثمن لم يلزم قبوله لان ما استحق أخذه بالعوض لم يلزم قبول الرهن والضمين والعوض فيه كالمبيع في يد البائع. (فصل) ويأخذ الشفيع بالعوض الذى ملك به فان اشتراه أخذه بالثمن لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال فان باعه فهو أحق به بالثمن وإن اشترى شقصا وسيفا بثمن قسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما وأخذ الشقص بحصته وترك السيف على المشترى بحصته لان الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته ولا يثبت للمشترى الخيار في فسخ البيع بتفريق الصفقة عليه لانه دخل في العقد على بصيرة أن الصفقة تفرق عليه وإن اشترى الشقص بثمن ثم ألحق به زيادة أو حط عنه بعضه أو وجد به عيبا فأخذ عنه الارش فعلى ما ذكرناه في بيع المرابحة فان نقص الشقص في يد المشترى فقد روى المزني أن الشفيع يأخذه بجميع الثمن وقال في القديم يأخذه بالحصة واختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من قال فيه قولان وهو الصحيح أحدهما يأخذه بجميع الثمن كالعبد المبيع إذا ذهبت عينه في يد البائع فان المشترى يأخذه بجميع الثمن والقول الثاني أنه يأخذه بالحصة وهو الصحيح لانه أخذ بعض ما دخل في العقد فأخذه بالحصة كما لو كان معه سيف. ومنهم من قال إن ذهب التأليف ولم يذهب من الاجزاء شئ أخذ بالجميع لان الذى يقابله الثمن أجزاء العين وهى باقية فان تلف بعض الاجزاء

من الآجر والخشب أخذه بالحصة لانه تلف بعض ما يقابله الثمن فأخذ الباقي بالحصة وحمل القولين على هذين الحالين ومنهم من قال إن كانت العرصة باقية أخذ بالجميع لان العرصة هي الاصل وهى باقيه فان ذهب بعض العرصة أخذ بالحصة لانه تلف بعض الاصل فأخذ الباقي بالحصة وحمل القولين على هذين الحالين ومنهم من قال إن تلف بجائحة من السماء أخذ بالجميع لانه لم يحصل للمشترى بدل التالف وأن تلف بفعل آدمى أخذ بالحصة لانه حصل للمشترى بدل التالف وحمل القولين على هذين الحالين. (فصل) وإن اشترى الشقص بمائة مؤجلة ففيه ثلاثة أقوال أحدها يأخذ بمائة مؤجلة لان الشفيع تابع للمشترى في قدر الثمن وصفته فكان تابعا له في التأجيل. والثانى: أنه يأخذه بسلعة تساوى مائة إلى الاجل، لانه لا يمكن أن يطالب بمائة حالة لان ذلك أكثر مما لزم المشترى، ولا يمكن أن يطالب بمائة مؤجلة، لان الذمم لا تتماثل فتجعل ذمة الشفيع مثل ذمة المشترى، فوجب أن يعدل إلى جنس آخر بقيمته كما يعدل فيما لا مثل له إلى جنس آخر بقيمته. والثالث: وهو الصحيح أنه يخبر بين أن يعجل الثمن ويأخذ، وبين أن يصبر إلى أن يحل فيأخذ، لانه لا يمكن أن يطالب بمائة حالة ولا بمائة مؤجلة لما ذكرناه ولا يمكن أن يأخذ بسلعة لان الشفيع إنما يأخذ بالمثل أو بالقيمة، والسلعه ليست بمثل الثمن ولا هي قيمته فلم يبق إلا التخيير. (فصل) وإن باع رجل في مرضه من وارثه شقصا يساوى ألفين بألف ولم تجز الورثة بطل البيع في نصفه لانه قدر المحاباة فان اختار الشفيع أن يأخذ النصف بالالف لم يكن للمشترى الخيار في تفريق الصفقة لان الشفيع أخذه بالف وان لم ياخذه الشفيع فللمشترى أن يفسخ البيع ليفرق الصفقة عليه وان باع من أجنبي وحاباه والشفيع وارث فاحتمل الثلث المحاباة ففيه خمسة أوجه أحدها أن البيع يصح في نصف الشقص بالالف، وللشفيع أن ياخذه ويبقى النصف للمشترى بلا ثمن، لان المحاباة وصية والوصية للمشترى تصح، ولا تصح للشفيع، فيصير كانه وهب له النصف وباع منه النصف بثمن المثل، وياخذ الشفيع النصف بجميع

الثمن، ويبقى النصف للمشترى بغير ثمن. والثانى أن البيع يصح في نصفه بالالف لانا إن دفعنا الجميع إلى الشفيع بالالف حصلت الوصية للوارث وإن دفعنا إليه النصف بالالف وتركنا النصف على المشترى ألزمنا الشفيع في النصف أكثر مما لزم المشترى فلم يبق إلا الفسخ بالنصف، ودفع النصف إلى الوارث من غير محاباة، والثالث أن البيع باطل لان المحاباة تعلقت بالكل فلا يجوز أن تجعل في نصفه، والرابع أنه يصح البيع وتسقط الشفعه، لان اثبات الشفعة يؤدى إلى إبطال البيع، وإذا بطل البيع سقطت الشفعة، وما أدى ثبوته إلى سقوطه وسقوط غيره سقط فسقطت الشفعة وبقى البيع، والخامس وهو الصحيح أنه يصح البيع في الجميع بالالف، ويأخذ الشفيع الجميع بالالف، لان المحاباة وقعت للمشترى دون الشفيع والمشترى أجنبي فصحت المحاباة له (الشرح) قال الشافعي: وان علم يعنى بالبيع فطالب مكانه فهى له، وإن أمكنه فلم يطلب بطلت شفعته قال الماوردى في الحاوى: اعلم أن الشفعة تجب بالبيع وتستحق بالطلب وتملك بالاخذ، فإذا بيع الشقص ووجبت فيه الشفعة لم يخل حال الشفيع من أحد أمرين اما أن يعلم بالبيع أو لا يعلم، فان لم يعلم بالبيع فهو على حقه من الشفعه إذا علم وان تطاول به الزمان كالمشترى إذا لم يعلم بعيب ما اشترى كان على حقه من الرد إذا علم، وأما إذا علم بالبيع فله حالتان احداهما: أن يكون قادرا على الطلب. والحال الثانية: أن يكون معذورا، فان كان قادرا على الطلب فله ثلاثة أحوال إحداها: أن يبادر إلى الطلب، فهو على حقه من الشفعة، ولا يحتاج إلى حكم حاكم في الاخذ بها لانها ثبتت بنصر واجمال وانما يفتقر إلى حكم الحاكم فيما ثبت باجتهاده فلو قال الشفيع حين بادر بالطلب: انظروني بالثمن واحكموا لى بالملك لم يجز، وهكذا لو قال: احكموا لى بالملك متراخص الثمن لم يجز أن يحكم له بالملك. لانه لا يجوز أن يزيل الضرر عن نفسه بالشفعة ويدخله على المشترى بالتأخير، فان سأل التوقف حتى يحضر الثمن جاز أن ينظره الحاكم به يوما أو يومين وأكثره ثلاثا، فان جاء بالثمن كان على حقه من الشفعة وان أخره عن المدة التى أنظره الحاكم بها بطلت شفعته.

والحال الثانية: من أحوال الشفيع بعد علمه بالبيع أن يعفو عن الشفعة، والعفو على ضربين صريح وتعريض، فالصريح أن يقول: قد عفوت عن الشفعة أو تركتها أو نزلت عنها: فهذا مبطل لشفعته، والتعريض أن يساوم المشترى في الشقص أو يطالبه بالقسمة أو يستأجر منه أو يساميه، فهل يكون التعريض بهذه الالفاظ كصريح العفو في إبطال الشفعه أم لا؟ على قولين نص عليهما في القديم (أحدهما) أنها كالصريح في إبطال الشفعه (والثانى) إنه على حقه ما لم يصرح بالعفو لما فرق الله به في الخطبة بين حكم التعريض والتصريح. فأما قوله للمشترى " بارك الله لك في صفقتك " فليس بعفو صريح ولا تعريض لان وصوله إلى الثمن من الشفيع بركة في صفقته، وهكذا لو شهد للمشترى في ابتياعه لم يكن عفوا صريحا ولا تعريضا، لان الشهادة وثيقة في البيع الذى بتمامه يستحق الشفعة. وجعل أبو حنيفة هذين الامرين عفوا صريحا والحال الثالثة بعد علمه بالبيع وتمكنه من الاخذ أن يمسك عن الطلب. ففيه ثلاثة أقاويل: (أحدها) وهو قوله في الجديد والاملاء وبه تقع الفتيا أن الشفعه قد بطلت بتقضى زمان المكنة وان حق طلبها على الفور (والثانى) أن حق الشفعة مؤقت بثلاثة أيام بعد المكنة، فإن طلبها إلى ثلاث كان على حقه، وان مضت الثلاث قبل طلبه بطلت قاله الشافعي في كتاب السير قال وهذا استحسان وليس بأصل. (والقول الثالث) أن حق الشفعة ممتد على التراخي من غير تقدير بمدة، وبه قال في القديم. (قلت) فإذا قيل بالاول (الفور) وبه قال أبو حنيفة، فإن أخذها فهى له وإن تركها رجع باللائمة على نفسه، وإذا قيل بالثاني بتقديره بثلاثة أيام بعد المكنة فوجهه أن الشفعه موضوعه لارتفاق الشفيع بها في التماس الحظ لنفسه في الاخذ والترك والاختيار والمشترى في حسن المشاركة ليقر، أو في سوء المشاركة ليصرف فكان تقديرها بثلاثة أيام يتوصل بها إلى إتمام حظه، ولا يضر المشترى

بتأخيره بخلاف ما قال مالك من تقديرها بسنة في رواية ابن وهب، وبأربعة أشهر في رواية غيره. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " الشفعه كنشيطة عقال، فان أخذها فهى له وإن تركها رجع باللائمة على نفسه (فرع) تثبت الشفعه للكافر على المسلم إذا كان شريكا لحديث جابر " لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه " وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي وإياس بن معاويه وحماد بن أبى سليمان والثوري ومالك والشافعي والعنبري وأصحاب الرأى لعموم الحديث. وقال أحمد: لا شفعة لمسلم على كافر وتصح من الذمي للذمي، وهو مروى عن الحسن والشعبى أخذ من حديث " لا شفعة لنصراني " وهو حديث لم يصح إسنادا ودليلنا عموم الحديث وقواعد البياعات لانها خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب (فرع) قال الشافعي: وان اشتراها بثمن إلى أجل قيل للشفيع: ان شئت تعجل الثمن وتعجل الشفعه، وان شئت فدع حتى يحل الاجل، وصورتها في رجل اشترى شقصا بثمن مؤجل وحضر الشفيع مطالبا ففيه قولان (أحدهما) وهو قوله في القديم وبه قال مالك: إن للشفيع أن يتعجل أخذها ويكون الثمن مؤجلا في ذمته إن كان ثقة، وإن كان غير ثقة أقام ضمينا ثقة. قال الشافعي: وهذا أشبه بصلاح الناس. ووجه هذا القول شيئان (أحدهما) أن الشفيع يدخل مدخل المشترى في قدر الثمن وصفاته والاجل وصفاته، فاقتضى أن يأخذها بمثل الثمن وأجله. (والثانى) أن تعجيل المؤجل زيادة في القدر تتفاضل الاثمان به وليس للمشترى أن يشتريه. وتأخير الشفيع دفع له عن حقه، وليس للمشترى دفع الشفيع والقول الثاني وبه قال في الجديد، وهو قول أبى حنيفه أن الشفيع لا يتعجل الشقص بالثمن المؤجل، ويقال له: أنت مخير بين أن تعجل الثمن فتعجل أخذ الشقص وبين أن تصبر إلى حلول الاجل فتدفع الثمن وتأخذ الشقص. ووجه هذا القول شيئان (ا) إن أخذ الشفعه باستحقاق والاجل يدخل في عقود

المراضاة ولا يدخل في الاستحقاق ما لم يكن مراضاة (ب) إن رضا البائع بذمة المشترى لا يوجب على المشترى أن يرضى بذمة الشفيع، ولذلك حل دين الميت لان رضى ربه بذمته لا يوجب عليه الرضا بذمة وارثه فإذا تقرر توجيه القولين فللمشترى والشفيع أربعة أحوال (أحدها) أن يعجل الشفيع الثمن فيجبر المشترى على تسليم الشقص على القولين معا، لانه قد تعجل مؤجلا وأمن خطرا. والحال الثانية أن يرضى المشترى تسليم الشقص وتأجيل الثمن فيلزم الشفيع أن يأخذ أو يعفو على القولين معا، لانه قد يتعجل منافع الشقص حتى لا يستضر بتعجيل الثمن، فإن لم يفعل وانتظر لاخذه بحلول الاجل بطلت شفعته على قوله في القديم، وفى بطلانها على الجديد وجهان. أحدهما وهو قول ابى العباس بن سريج أنه على شفعته إلى حلول الاجل، لان تأجيل الثمن قد جعل حق الطلب مقدرا به. والوجه الثاني وهو الاصح: أن شفعته قد بطلت لان طلبه قدر بمدة الاجل رفقا بالمشترى فصار من حقوقه لا من حقوق الشفيع. والحال الثالثة: أن يدعو المشترى إلى تعجيل الشئ وتسليم الشقص، فلا يلزم الشفيع ذلك على القولين معا، لان تعجيل المؤجل استزادة في الثمن والمشترى ممنوع من الاستزادة فيه، فلو قال المشترى: أنا أحطه من الثمن بسبب التعجيل قدر ما بين الحال والمؤجل لم يجز لامرين: (أحدهما) أنه مفض إلى الربا (والثانى) أن ما استحق تأجيله لم يلزم تعجيله والحال الرابعة: أن يطالب الشفيع بالشقص معجلا، ويؤخر الثمن إلى حلول الاجل فهى مسألة القولين، فعلى قوله في القديم يجاب إلى ذلك إن كان ثقة أو يضمنه ثقة، فعلى هذا لو مات المشترى حل ما عليه من الثمن ولم يحل ما على الشفيع منه وكان باقيا إلى أجله، ولو مات الشفيع حل ما عليه من الثمن وللمشترى أن يتعجله وما عليه باق إلى أجله، ولو كان المشترى قد دفع الثمن رهنا لم يلزم الشفيع أن يدفع به رهنا، لان الرهن وثيقة في الثمن، وليس في جملة الثمن وعلى قوله في الجديد يمنع من الشقص إلى حلول الاجل والمشترى يمكن من التصرف فيه بما شاء من سكنى واستغلال وإجارة وبيع ما لم يستهلك، لان تعلق حق

الشفيع به لا يزيل ملك المشترى عنه فلا يمنع من التصرف في ملكه إلا بما يفضى إلى إبطال حق الشفيع من الاستهلاك والاتلاف وليس البيع استهلاكا لانه بعد البيع يقدر على أخذه بأى العقدين شاء فلو مات المشترى حل ما عليه من الثمن وكان للشفيع أن يصبر إلى حلول الاجل، ولو مات الشفيع كان لورثته أن يصبروا إلى حلول الاجل لانه لم يتعلق بذمته ما يحل بموته بخلاف القول الاول (فرع) لو باع الرجل في مرض موته شقصا بألف درهم وهو يساوى ثلاثة آلاف حاباه في ثمنه بألفين فللمشترى وللشفيع ثلاثة أحوال: إحداهن أن يكونا أجنبيين من البائع، والثانية أن يكون المشترى وارثا والشفيع أجنبيا، والثالثة أن يكون المشترى أجنبيا والشفيع وارثا. فأما الحال الاولى فلا تخلو حال البائع من أن يملك مالا غير الشقص أو لا، فإن كان يملك مالا تخرج المحاباة من ثلثه صحت المحاباة وأخذ المشترى الشقص بألف درهم وللشفيع أن يأخذه منه بالالف لانه يملك الشفعة بالثمن مسترخصا كان أو غاليا، وإن كان البائع لا يملك غير الشقص فللمشترى الخيار في أن يأخذ عن الشقص بألف درهم أو يرد ليحصل له نصف المحاباة، وهى ألف تكون ثلث التركة ويرجع إلى الورثة ثلث الشقص وقيمته ألف مع ألف حصلت لهم ثمنا فيصير مثلى المحاباة بالالف ثم للشفيع أن يأخذ بالالف ثلثى الشقص الصائر للمشترى بالالف. أما الحال الثانية: وهو أن يكون المشترى وارثا والشفيع أجنبيا فالمحاباة باطلة. وإن خرجت من الثلث لانها وصية لوارث والمشترى بالخيار بين أن يأخذ ثلث الشقص بألف وبين أن يرده، فإن أخذ مثله بالالف فللشفيع أخذ الثلث منه بالالف، وان رده المشترى عرض على الشفيع قبل رده، فإن رضى أن يأخذ ثلث الشقص بألف كان أحق وبطل رد المشترى لانه يرد ليحصل له الثمن الخارج من يده وقد حصل له ذلك من جهة الشفيع فوصل إلى حقه ومنع من إبطال حق الشفيع برده، كالمنع من رده بعيب لو ظهر إذا رضى الشفيع، ويكون عهدة الشفيع على المشترى، فلو أن باقى الورثة أجازوا للوارث محاباته وأعطوا الشقص كله بالالف جاز. وفيما يأخذه الشفيع قولان مبنيان على اختلاف قولين في إجازة الورثة هل تكون عطية أو إمضاء؟

(أحدهما) أنه امضاء فعلى هذا للشفيع أن يأخذ الشقص كله بالالف (والثانى) أنه ابتداء عطية فعلى هذا يأخذ ثلث الشقص بالالف ويخلص للمشترى ثلثاه لانها عطية له خالصة. وأما الحال الثالثة وهو أن يكون المشترى أجنبيا والشفيع وارثا، فالمحاباة وهى ألفا درهم ثلاثة أحوال: حال يحتمل الثلث جميعها، وحال لا يحتمل شيئا منها، وحال يحتمل الثلث بعضها، فإن لم يحتمل الثلث شيئا منها لاحاطة الدين بالتركة بطلت المحاباة وكان للمشترى الخيار في أخذ ثلث الشقص بالالف أو رده، فإن أخذه كان الشفيع أحق به، وإن كان وارثا لانه لا محاباة فيه. وان احتمل الثلث جميع المحاباة لانه ذو مال تخرج الالفان من ثلثه فالمحاباة بثلثي الشقص. وان احتمل الثلث بعضها وهو أن لا يملك غير الشقص المقوم بثلاثة آلاف درهم احتمل الثلث نصف المحاباة وهو ثلث الشقص. وفيها أربعة أوجه حكاها ابن سريج: (أحدها) أنها جائزة للمشترى والشفيع لان المشترى مقصود بها فصحت له، والشفيع داخل عليه فوجبت له. فعلى هذا يأخذ المشترى ثلثى الشقص بألف درهم وللشفيع أخذ هذين الثلثين بالالف ويرجع الثلث على الورثة مع الالف الصائر إليهم ثمنها والوجه الثاني: أن المحاباة جائزة للمشترى دون الشفيع، لان المشترى ممن تصح محاباته - وهو بها مقصود - والشفيع ممن لا تصح محاباته، وهو بها غير مقصود. فعلى هذا يأخذ المشترى ثلث الشقص بألف، وللشفيع أن يأخذ منه ثلثه بألف ويرجع إلى الورثة الثلث، فيصير الشقص أثلاثا: ثلثه للورثه، لان الثلث لا يحتمل، وثلثه للمشترى لانها محاباة له، وثلثه للشفيع بعد رد المحاباة التى لا تصح له. والوجه الثالث: أن المحاباة باطلة للمشترى وللشفيع جميعا، لانها قد تفضى إلى الشفيع الذى لا يملكها وهى مقترنة بالمبيع الذى لا يجوز أن يفرد عنها، فعلى هذا للمشترى أن يأخذ ثلث الشقص بالالف، وللشفيع أن يأخذه منه بالالف ويرجع الثلثان على الورثة.

والوجه الرابع أن المحاباة موقوفه مراعاة فإن عفى الشفيع عن شفعته صحت المحاباة للمشترى واستحق الشفيع المحاباة بشفعته، لانها ليست محاباة من المشترى ألا تراه يأخذها منه جبرا بلا اختيار. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اشترى الشقص بعرض فإن كان له مثل كالحبوب والادهان أخذه بمثله، لانه من ذوات الامثال، فأخذ به كالدراهم والدنانير وإن لم يكن له مثل كالعبيد والثياب أخذه بقيمته لان القيمة مثل لما لا مثل له ويأخذه بقيمته حال وحوب الشفعة كما يأخذ بالثمن الذى وجب عند وجوب الشفعة وان اشترى الشقص بعبد وأخذ الشفيع بقيمته ووجد البائع بالعبد عيبا ورده أخذ قيمة الشقص وهل يثبت التراجع للشفيع والمشترى بما بين قيمة العبد وقيمة الشقص فيه وجهان أحدهما لا يتراجعان لان الشفيع أخذ بما استقر عليه العقد وهو قيمة العبد فلا يتغير بما طرأ بعده والثانى يتراجعان فإن كانت قيمة الشقص أكثر رجع المشترى على الشفيع وإن كانت قيمة العبد أكثر رجع الشفيع على المشترى لانه استقر الشقص على المشترى بقيمته فثبت التراجع بما بين القيمتين وان وجد البائع بالعبد العيب وقد حدث عنده عيب آخر فرجع على المشترى بالارش نظرت فإن أخذ المشترى من الشفيع قيمة العبد سليما لم يرجع عليه بالارش لان الارش دخل في القيمة وإن أخذ قيمته معيبا فهل يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ لانه أخذ الشقص بقيمة العبد المعيب الذى استقر عليه العقد. والثانى يرجع بالارش لانه استقر الشقص عليه بقيمة عبد سليم فرجع به على الشفيع. (فصل) وان جعل الشقص أجرة في إجارة أخذه الشفيع بأجرة مثل المنفعة فإن جعل صداقا في نكاح أو بدلا في خلع أخذ الشفيع بمهر مثل المرأة لان المنفعة لا مثل لها فأخذ بقيمتها كالثوب والعبد وان جعل متعة في طلاق امرأة أخذ الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر لان الواجب بالطلاق متعة مثلها لا المهر. (فصل) والشفيع بالخيار بين الاخذ والترك لانه حق ثبت له لدفع الضرر

عنه فخير بين أخذه وتركه وفى خياره أربعة أقوال قولان نص عليهما في القديم أحدهما له على التراخي لا يسقط إلا بالعفو أو بما يدل على العفو كقوله بعنى أو قاسمني وما أشبههما لانه حق له لا ضرر على المستحق عليه في تأخيره فلم يسقط إلا بالعفو كالخيار في القصاص والثانى أنه بالخيار إلى أن يرفعه المشترى إلى الحاكم ليجبره على الاخذ أو العفو لانا لو قلنا أنه على الفور أضررنا بالشفيع لانه لا يأمن مع الاستعجال أن يترك والحظ في الاخذ أو يأخذه والحظ في الترك فيندم وإن قلنا أنه على التراخي إلى أن يسقط أضررنا بالمشترى لانه لا يقدر على التصرف والسعى في عمارته خوفا من الشفيع فجعل له إلى أن يرفع إلى الحاكم ليدفع عنه الضرر. والثالث نص عليه في سير حرملة أنه بالخيار إلى ثلاثة أيام لانه لا يمكن أن يجعل على الفور لانه يستضر به الشفيع ولا أن يجعل على التراخي لانه يستضر به المشترى فقدر بثلاثة أيام لانه لا ضرر فيه على الشفيع لانه يمكنه أن يعرف ما فيه من الحظ في ثلاثة أيام ولا على المشترى لانه قريب. والرابع نص عليه في الجديد أنه على الفور وهو الصحيح لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال الشفعة لمن واثبها وروى أنه قال الشفعة كنشطة العقال إن قيدت ثبتت وان تركت فاللوم على من تركها. فَعَلَى هَذَا إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَسَقَطَ بِالتَّأْخِيرِ من غير عذر كالرد بالعيب وان أخره لطهارة أو صلاة أو طعام أو لبس ثوب أو اغلاق باب فهو على شفعته لانه ترك الطلب لعذر وان قال سلام عليكم أنا مطالب بالشفعة ثبتت الشفعة لان السلام قبل الكلام سنة فلا تسقط به الشفعه وان قال بارك الله في صفقة يمينك أنا مطالب بالشفعه لم تسقط لان الدعاء له بالبركة لا يدل على ترك الشفعه لانه يجوز أن يكون دعاء للصفقه بالبركه لانها أوصلته إلى الاخذ بالشفعه وان قال صالحني عن الشفعه على مال لم يصح الصلح لانه خيار فلا يجوز أخذ العوض. عنه كخيار الشرط وفى شفعته وجهان أحدهما تسقط لانه أعرض عن طلبها من غير عذر والثانى لا تسقط لانه تركها على عوض ولم يسلم له العوض

فبقى على شفعته فان أخذه بثمن مستحق ففيه وجهان أحدهما تسقط لانه ترك الاخذ الذى يملك به من غير عذر والثانى لا تسقط لانه استحق الشقص بمثل الثمن في الذمه فإذا عينه فيما لا يملك سقط التعيين وبقى الاستحقاق كما لو اشترى شيئا بثمن في الذمه ووزن فيه ما لا يملك. (الشرح) قال الشافعي وللشفيع الشفعة بالثمن الذى وقع به البيع، وهذا كما قال: وإنما أخذه بالثمن لرواية بعضهم ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصا، ولانه يدخل مدخل المشترى فوجب أن يأخذ الشقص بما أخذه المشترى، ولان عدولهما عن الثمن لا يخلو من ثلاثة أحوال فاسدة، إما أن يأخذه بما يرضى به المشترى، وفى ذلك ضرر على الشفيع لانه قد لا يرضى إلا ببعض الثمن، وإما أن يأخذه بالقيمة فقد تكون أقل من الثمن فيستضر المشترى وقد يكون أكثر من الثمن فيستضر الشفيع، وإذا بطلت هذه الاحوال فثبت أخذه بالثمن. فإذا ثبت أن الشفيع يأخذه بالثمن فلا يخلو أن يكون الثمن مما له مثل كالدراهم والدنانير والبر والشعير أو مما لا مثل له كالحيوان والعروض، فإن كان مما له مثل أخذه بمثله جنسا وصفة وقدرا، وإن كان مما لا مثل له اخذه الشفيع بقيمته في أقل الاحوال من وقت العقد إلى وقت تسليم المشترى له إلى البائع، لانه إن زاد فالزيادة حادثة في ملك البائع لم يتناولها العقد، وإن نقص فالنقصان مضمون على المشترى فخرج من العقد. فلو كان الثمن ألف درهم فدفعها المشترى إلى البائع فوجدها البائع زيوفا فهو بالخيار بين أن يسامح وبين أن يبدلها، فإن رضى بها فللشفيع أن يأخذ الشقص بألف درهم جياد، أو لو كان الثمن حيوانا فاعور الحيوان في يد المشترى فللبائع الخيار بين فسخ البيع في الحيوان وبين الرضا بالعور وإمضاء البيع فإن رضى بالعور أخذه الشفيع بقيمة الحيوان أعور. وقال أبو حنيفة: يأخذه بقيمته سليما كما يأخذه بمثل الالف جيادا، لانه ليس الرضا بالعيب الحادث خطأ في الثمن وهذا خطأ، لان رضاه بعيبه رضا منه بأنه هو الثمن بعينه والفرق بين الحيوان والالف أن عور الحيوان لما أحدث له خيارا في فسخ البيع صار الحيوان

الاعور ثمنا وزيافة الدراهم لا تحدث له خيارا في فسخ البيع، وإذا استحق أخذ بدلها فصار الجيد ثمنا له. (فرع) إذا اشترى شقصا من دار بمائة دينار ثم وجد به عيبا نقصه عشر الثمن فصالحه البائع عن العيب على شئ كمذياع صغير أو كبش ثم حضر الشفيع فله أخذ الشقص بتسعين دينارا لان المشترى قد استرجع العشر أرشا، فإن استحق المذياع أو الكبش من يد المشترى أو ردها بخيار شرط أو عيب نظر، فإن دفع البائع إلى المشترى العشرة التى هي أرش العيب فقد وصل إلى حقه من تمام الثمن ولا مطالبة بينه وبين الشفيع، وإن امتنع البائع من دفعها ولم يرض إلا برد المبيع لم يجبر على بذل الارش، وقيل للشفيع: إن دفعت إلى المشترى عشرة لتتم المائة التى دفعها ثمنا جمعت لك الشفعة، وإن امتنعت لم تجبر على دفعها ولزمك رد الشقص على المشترى واسترجاع التسعين التى دفعتها، فإذا عاد الشقص إلى المشترى كان بالخيار بين أن يأخذه معيبا بالمائة كلها وبين أن يرده، فإن رضى بأخذه بالمائة فلا شفعه للشفيع إن عاد يريدها لانها قد عرضت عليه بالمائة فردها فلو أن الشفيع أنكر تقدم العيب وتصادق عليه البائع والمشترى كان القول قول الشفيع مع يمينه على العلم دون البت ولا يصدقان في الازدياد عليه، فان نكل الشفيع حلف المشترى دون البائع لانه هو المتروك لنقص العيب، فان حلف كان الشفيع مخبرا بين دفع العشرة تكملة المائة أو الرد. (فرع) وقال الشافعي: فان تزوجها على شقص فهو للشفيع بقيمته وهذا كما قال: إذا تزوجها على شقص أصدقها وجب فيه الشفعه وهكذا لو خالعها عليه، وقال أبو حنيفة: لا شفعه فيه استدلالا بأمرين. أحدهما: أنه مملوك بغير مال فلم تجب فيه الشفعه كالهبه والميراث. والثانى: أن البضع لا يقوم إلا في عقد أو شبهة عقد، وليس بين الشفيع وبينهما ما يوجب تقويم بضعها.

ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: الشفعة فيما لم يقسم، ولانه عقد معاوضة فجاز أن تثبت فيه الشفعة كالبيع، ولانه معنى وضع لرفع الضرر عن المالك فوجب أن يثبت في الصداق كالرد بالعيب، ولانه معنى يوجب زوال اليد المستحدثة عن المشترى فوجب أن يستحق زوال اليد عن الصداق كالاستحقاق ولان كل عضو استحق فيه إقباض الشقص معاوضة، استحق به إقباضه بشفعة كالبيع، ولان كل قبض وجب في عقد البيع وجب في عقد الصداق كالقبض الاول وبيانه أن في البيع قبضين، قبض المشترى من البائع وقبض الشفيع من الزوجة وأما الجواب عن قوله: إنه مملوك بغير مال فهو أن البضع في حكم الاموال لامرين. أحدهما: أنه يعاوض عليه بمال في الصداق والخلع، وما لم يكن في حكم الاموال فلا يجوز أن يعاوض عليه بمال. والثانى: أنه معتبر في اغتصابه بالمال وما لم يكن مالا لم يقوم في استهلاكه بالمال، ثم المعنى في الهبة والميراث أنه مملوك بغير بدل فلم تجب فيه الشفعة، والصداق مملوك ببدل فوجبت فيه الشفعه. واما الجواب عن قوله: ان البضع لا يقوم الا في عقد أو شبهة عقد فهو أنه غير مسلم لان المغتصبه مقومة البضع عندنا على غاصبها والمشهود بطلاقها مقومة البضع على الشهود إذا رجعوا للزوج دونها، فصار بضعها مقوما في غير عقد وشبهته في حقها وحق غيرها فلم يمنع من تقويمه في شفعة صداقها. فإذا ثبت وجوب الشفعه في الصداق والخلع فمذهب الشافعي أنه مأخوذ بمهر المثل. وقال مالك وابن أبى ليلى يؤخذ بقيمته لا بمهر المثل، وحكى نحوه عن الشافعي في القديم لان المهر قد يزاد فيها وينقص فخالفت البيوع، وهذا فاسد من وجهين، أحدهما: وجود هذا المعنى في الاثمان لجواز الزيادة والنقصان فيها، ثم لم يمتنع أن يؤخذ الشقص بمثل الثمن، كذلك لا يمتنع في الصداق أن يؤخذ بقيمة البضع، والثانى: أن ما لا مثل له من الاعواض يوجب الرجوع إلى قيمة العوض دون الشقص كالعبد والثوب، كذلك البضع الذى لا مثل له يوجب الرجوع إلى قيمته من المهر دون الشقص والله اعلم.

(فرع) مضى كلامنا في الخيار للشفيع بين الاخذ والترك والمدة التى يجوز له فيها الرد، ونزيد البحث فنقول: إذا قيل بأن حق الشفعه مقدر بثلاثة أيام بعد المكنة فوجهه أن الشفعه موضوعه لارتفاق الشفيع بها في التماس الحظ لنفسه في الاخذ والترك والاختيار والمشترى في حسن المشاركة ليقر أو في سوء المشاركة ليصرف. وقلنا إنه لو روعى فيه الفور ضاق على الشفيع، ولو جعل على التأبيد أضر بالمشترى فاحتاج إلى مدة يتوصل بها الشفيع إلى إتمام حظه ولا يستضر المشترى بتأخيره فكان أولى الامور تقديرها بثلاثة أيام لامرين: أحدهما: أن الثلاث حد في الشرع لمدة الخيار. والثانى أنها أقصى حد القله وأدنى حد الكثرة. ألا ترى أن الله تعالى قد قضى بهلاك قوم أنظرهم بعده ثلاثا، فقال: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا، فعلى هذا لو حصل في خلال الثلاثة الايام زمان يتعذر فيه المطالبة لم يحتسب به منها، ولقوله من زمان الملكة ثلاثة أيام يتمكن جميعها من المطالبة، فإذا قيل بأن حق الشفعه على التراخي فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم " فإن باع فشريكه أحق به حتى يؤديه " فكان على عموم الاوقات، ولان ما ملك من الحقوق لا يبطل بالتأخير كالديون ولان تأخير الشفعه أرفق بالمشترى في حصول المنفعة وتملك الاجرة، فعلى هذا الذى يسقط حقه من الشفعه ثلاثة أقاويل. (أحدها) العفو الصريح دون غيره من التعويض، وليس للقاضى أن يقطع خياره إذا رفع إليه، لان الحاكم لا يملك إسقاط الحقوق وكالديون. والثانى: أن شفعته تسقط بأحد أمرين: إما بالعفو الصريح أو بما يدل عليه من التعريض على ما ذكرنا. والقول الثالث: أن شفعته تسقط بأحد ثلاثه. أحدها العفو الصريح أو بما يدل عليه من التعريض أو بأن يتحاكم المشترى إلى القاضى فيلزمه الاخذ أو الترك فإن أخذ وإلا حكم عليه بإبطال الشفعه، لان القاضى مندوب إلى فصل الخصومات

فإذا تقرر ما وصفنا وأخذ الشفيع الشقص بالشفعه لم يجز أن يشرط فيه خيار الثلاث، وفى استحقاق خيار المجلس وجهان حكاهما أبو القاسم: أحدهما له خيار المجلس لانه يوافق عقد البيع. والثانى لا خيار له لانه يملك الشقص ملك إجبار لا عن مراضاة. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن وجبت له الشفعة وهو محبوس أو مريض أو غائب نظرت فان لم يقدر على الطلب ولا على التوكيل ولا على الاشهاد فهو على شفعته، لانه ترك بعذر، وان قدر على التوكيل فلم يوكل ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) وهو قول القاضى أبى حامد أنه تسقط شفعته لانه ترك الطلب مع القدرة فأشبه إذا قدر على الطلب بنفسه فترك (والثانى) وهو قول أبى على الطبري أنه لا تسقط، لان التوكيل إن كان بعوض لزمه غرم وفيه ضرر، وإن كان بغير عوض احتاج إلى التزام منه وفى تحملها مشقة وذلك عذر فلم تسقط به الشفعة ومن أصحابنا من قال: إن وجد من يتطوع بالوكالة سقطت شفعته لانه ترك الطلب من غير ضرر، فإن لم يجد من يتطوع لم تسقط لانه ترك للضرر، وان عجز عن التوكيل وقدر على الاشهاد فلم يشهد ففيه قولان (أحدهما) تسقط شفعته لان الترك قد يكون للزهد وقد يكون للعجز وقد قدر على أن يبين ذلك بالشهادة، فإذا لم يفعل سقطت شفعته (والثانى) لا تسقط لان عذره في الترك ظاهر فلم يحتج معه إلى الشهادة (فصل) وإن قال أخرت الطلب لانى لم أصدق، فإن كان قد أخبره عدلان سقطت شفعته لانه أخبره من يثبت بقوله الحقوق، وان أخبره حر أو عبد أو امرأة ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط لانه ليس ببينة (والثانى) تسقط لانه أخبره من يجب تصديقه في الخبر وهذا من باب الاخبار فوجب تصديقهم فيه (فصل) فإن قال المشترى اشتريت بمائة فعفا الشفيع ثم بان أنه اشترى بخمسين فهو على شفعته لانه عفا عن الشفعة لعذر، وهو انه لا يرضاه بمائه

أو ليس معه مائة. وإن قال اشتريت بخمسين فعفا ثم بان أنه كان قد اشتراه بمائة لم يكن له أن يطالب لان من لا يرضى الشقص بخمسين لا يرضاه بمائة، وإن قال اشتريت نصفه بمائة فعفا ثم بان أنه قد اشترى جميعه بمائة فهو على شفعته لانه لم يرض بترك الجميع، وإن قال اشتريت الشقص بمائة فعفا ثم بان أنه كان قد اشترى نصفه بمائه لم يكن له أن يطالب بالشفعة. لان من لم يرض الشقص بمائة لا يرضى نصفه بمائه. وإن قال اشتريت بأحد النقدين فعفا ثم بان أنه كان قد اشتراه بالنقد الاخر فهو على شفعته لانه يجوز أن يكون عفا لاعواز أحد النقدين عنده أو لحاجته إليه. وإن قال اشتريت الشقص فعفا ثم بان أنه كان وكيلا فيه. وإنما المشترى غيره، فهو على شفعته لانه قد يرضى مشاركة الوكيل، ولا يرضى مشاركة الموكل. (فصل) وإن وجبت له الشفعة فباع حصته، فإن كان بعد العلم بالشفعة سقطت شفعته، لانه ليس له ملك يستحق به، وإن باع قبل العلم بالشفعة ففيه وجهان (أحدهما) تسقط لانه زال السبب الذى يستحق به الشفعة، وهو الملك الذى يخاف الضرر بسببه (والثانى) لا تسقط لانه وجبت له الشفعه والشركة موجودة فلا تسقط بالبيع بعده. (فصل) ومن وجبت له الشفعه في شقص لم يجز أن يأخذ البعض ويعفو عن البعض، لان في ذلك اضرارا بالمشترى في تفريق الصفقه عليه، والضرر لا يزال بالضرر، فإن أخذ البعض وترك البعض سقطت شفعته لانه لا يتبعض فإذا عفا عن البعض سقط الجميع كالقصاص. وان اشترى شقصين من أرضين في عقد واحد فأراد الشفيع أن يأخذ أحدهما دون الاخر ففيه وجهان، أحدهما: لا يجوز، وهو الاظهر لما فيه من الاضرار بالمشترى في تفريق الصفقه عليه. (والثانى) يجوز لان الشفعه جعلت لدفع الضرر وربما كان الضرر في أحدهما دون الاخر، فان كان البائع أو المشترى اثنين جاز للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون الاخر، لان عقد الواحد مع الاثنين عقدان، فجاز أن يأخذ أحدهما دون الاخر كما لو اشتراه في عقدين متفرقين

(فصل) وإن كان للشقص شفعاء نظرت فإن حضروا وطلبوا أخذوا، فإن كانت حصة بعضهم أكثر ففيه قولان (أحدهما) أنه يقسم الشقص بينهم على عدد الرؤوس، وهو قول المزني، لان كل واحد منهم لو انفرد أخذ الجميع، فإذا اجتمعوا تساووا كما لو تساووا في الملك (والثانى) أنه يقسم بينهم على قدر الانصباء لانه حق يستحق بسبب الملك فيقسط عند الاشتراك على قدر الاملاك كأجرة الدكان وثمرة البستان، وإن عفا بعضهم عن حقه أخذ الباقون جميعه. لان في أخذ البعض إضرارا بالمشترى، فإن جعل بعضهم حصته لبعض الشركاء لم يصح بل يكون لجميعهم، لان ذلك عفو وليس بهبة. وإن حضر بعضهم أخذ جميعه، فإن حضر آخر قاسمه، وإن حضر الثالث قاسمهما، لانا بينا أنه لا يجوز التبعيض، فإن أخذ الحاضر الشقص وزاد في يده، بأن كان نخلا فأثمرت، ثم قدم الغائب قاسمه على الشقص دون الثمار، لان الثمار حديث في ملك الحاضر فاختص بها. وإن قال الحاضر: أنا آخذ بقدر مالى لم يجز، وهل تسقط شفعته فيه وجهان أحدهما: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنها تسقط لانه قدر على أخذ الجميع وقد تركه. والثانى: وهو قول أبى إسحاق أنها لا تسقط لانه تركه بعذر، وهو أنه يخشى أن يقدم الغائب فينتزعه منه. والترك للعذر لا يسقط الشفعة، كما قلنا فيمن أظهر له المشترى ثمنا كثيرا فترك ثم بان بخلافه (فصل) وإن كان المشترى شريكا بأن كان بين ثلاثة دار فباع أحدهم نصيبه من أحد شريكيه لم يكن للشريك الثاني أن يأخذ الجميع لان المشترى أحد الشريكين فلم يجز للآخر أن يأخذ الجميع - كما لو كان المشترى أجنبيا - وقال أبو العباس للشريك أن يأخذ الجميع، لانا لو قلنا انه يأخذ النصف لتركنا النصف على المشترى بالشفعة، والانسان لا يأخذ بالشفعة من نفسه، والمذهب الاول، لان المشترى لا يأخذ النصف من نفسه بالشفعة، وإنما يمنع الشريك أن يأخذ الجميع، ويبقى الباقي على ملكه (فصل) وان ورث رجلان من أبيهما دارا ثم مات أحدهما وخلف ابنين ثم باع أحد هذين الابنين حصته ففى الشفعة قولان. أحدهما أن الشفعة بين الاخ والعلم وهو الصحيح لانهما شريكان للمشترى فاشتركا في الشفعة كما لو ملكاه بسبب واحد

(والثانى) أنها للاخ دون العم لان الاخ أقرب إليه في الشركة لانهما ملكاه بسبب واحد والعم ملك بسبب قبلهما فعلى هذا إن عفا الآخ عن حقه فهل يستحق العم فيه وجهان. أحدهما. يستحق به لانه شريك وإنما قدم الاخ عليه لانه أقرب في الشركة فإذا ترك الاخ ثبت للعم كما نقول فيمن قتل رجلين أنه يقتل بالاول لان حقه أسبق فإذا عفا ولى الاول قتل بالثاني: والوجه الثاني أنه لا يستحق لانه لم يستحق الشفعة وقت الوجوب فلم يستحق بعده. وإن كان بين ثلاثة أنفس دار فباع أحدهم نصيبه من رجلين، وعفا شريكاه عن الشفعة، ثم باع أحد المشتريين نصيبه، فعلى القولين (أحدهما) أن الشفعة للمشترى الآخر لانهما ملكاه بسبب واحد، والشريكان الاخران ملكاه بسبب سابق لملك المشتريين (والثانى) أنها بين الجميع لان الجميع شركاء في الملك في حال وجوب الشفعه، وان مات رجل عن دار وخلف ابنتين وأختين ثم باعت إحدى الاختين نصيبها ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: هي على القولين. أحدهما: أن الشفعة للاخت لانها ملكت مع الاخت بسبب واحد وملك البنات بسبب آخر. والثانى: أن الشفعه بين البنات والاخت لان الجميع شركاء في الملك: ومنهم من قال: إن الشفعه بين البنات والاخت قولا واحدا، لان الجميع ملكن الشقص في وقت واحد لم يسبق بعضهن بعضا. (الشرح) قال الشافعي: فان علم وأخر الطلب فان كان له عذر من حبس أو غيره فهو على شفعته والا فلا شفعة له، ولا يقطعها طول غيبة، وانما يقطعها أن يعلم فيتركه، وهذا كما قال: إذا علم الشفيع بالبيع وكان معذورا بترك الطلب اما لغيبة أو مرض أو حبس فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يقدر على الترك، فان وكل كان على حقه من الشفعة بل لو وكل وهو قادر على الطلب بنفسه جاز وكان على شفعته، لان من ثبت له حق فله الخيار

في استيفائه بنفسه أو بوكيله، وهل إذا قدر على التوكيل مع عجزه عن الطلب بنفسه يكون التوكيل واجبا وشرطا في بقاء شفعته أم لا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حامد المروروذى في جامعه: إن التوكيل واجب عليه بعوض وغير عوض لكونه قادرا به على الطلب. والوجه الثاني وهو قول أبى على الطبري في إفصاحه: إن التوكيل غير واجب عليه بعوض وغير عوض، لان بذل العوض التزام غرم. والوجه الثالث وهو قول بعض المتأخرين: إن وجد متطوعا بالوكاله وجب عليه التوكيل لقدرته على الطلب من غير ضرر، وإن لم يجد إلا مستجعلا - والمستجعل طالب الجعالة لم يجب عليه التوكيل لما فيه من التزام زيادة على الثمن، فعلى هذا إن قيل بوجوب التوكيل بطلت شفعته إن لم يوكل، وان قيل: انها غير واجبة كان على شفعته. والحال الثانيه: أن يعجز عن التوكيل ويقدر على الاشهاد بالطلب، فعند أبى حنيفة أن الاشهاد شرط في استحقاق الشفعة مع القدرة على الطلب ومع العجز عنه وانه متى لم يشهد مع مكنته من الاشهاد بطلت الشفعة، وعند الشافعي أن الاشهاد مع القدرة على الطلب ليس بواجب، لان الاشهاد انما يراد ليكون بينة له على ارادة الطلب فاستغنى عنه بظهور الطلب، فأما وجوب الاشهاد مع العجز عن الطلب ففيه قولان. أحدهما وهو ظاهر نص الشافعي أن الاشهاد ليس بواجب، وهو على شفعته ان ترك كالقادر على الطلب. والقول الثاني: أن الاشهاد واجب، وتركه مبطل للشفعة، والفرق بين القادر على الطلب والعاجز عنه أن ظهور الطلب من القادر عليه يغنى عن الاخبار بمراده، والعاجز عنه قد يحتمل أن يكون امساكه تركا للشفعة، ويحتمل أن يكون قصدا للطلب مع المكنة فافتقر إلى نفى الاحتمال في الاخبار عن مراده بالاشهاد فعلى هذا يجب أن يشهد ويكون بينة كاملة عند الحاكم وهو أن يشهد شاهدين عدلين أو شاهدا وامرأتين، فإن أشهد شاهدا واحدا ليحلف معه لم يجز لان من الحكام

من لا يحكم بالشاهد واليمين فلم يصر مستوثقا لنفسه بالاشهاد، ولو أشهد عبدا أو صبيانا أو فساقا لم يجزه. وقال أبو حنيفة: يخرجهم به اشهادهم لانه قد ينعتق العبيد ويرشد الفساق ويبلغ الصبيان وهذا خطأ، لان مقصود الشهادة هو الاداء، فلم ينفع اشهاد من لا يصح منه الاداء، وليس ما ذكره من جواز انتقالهم من أحوالهم بأغلب من جواز بقائهم على أحوالهم، فلو يشهد وطالب عند الحاكم بالشفعة فهو أقوى من الاشهاد في ثبوت الشفعة. والحال الثالثة: أن يعجز عن التوكيل والاشهاد فهو على حقه من الشفعة، وان تطاول به الزمان ما لم يقدر على القدوم للطلب، فإن قدر على القدوم فأخذ فيه على المعهود في الناقب والمسير من غير ارهاق ولا استعجال كان على شفعته، وان أخر قدومه عن وقت المكنة بطلت شفعته، قال الماوردى: فإن اختلفا فقال المشترى تأخرت مع القدرة عليه، وقال الشفيع: تأخرت للعجز عنه فالقول قول الشفيع مع يمينه إذا كان ما قال ممكنا ويكون على شفعته ولم يقبل قول المشترى في ابطالها، وهكذا لو قال المشترى: قدمت بغير المطالبة، وقال الشفيع: قدمت للطلب كان القول قوله مع يمينه، وهو على شفعته. (فرع) وهكذا لو قال المشترى: تقدم علمك على زمان الطلب، وقال الشفيع لم أعلم الا وقت الطلب فالقول قول الشفيع مع يمينه، فأما ما يصير به عالما فالبينة العادلة، وكل جهر طرق سمعه صوته ووقع في نفسه، ولو من امرأة أو عبد أو كافر لان ما تعلق بالمعاملات يستوى فيه خبر الحر والعبد والعدل والفاسق إذا وقع في النفس أن المخبر صادق. وقال أبو حنيفة: لا يصير عالما الا بالبينة العادله لان الحق لا يثبت الا بها فلو علم الشفيع بالبيع فأمسك عن الطلب لجهله باستحقاق الشفعه ففى بطلانها وجهان مخرجان من اختلاف قولين في الامة إذا أعتقت تحت عبد فأمسك عن الفسخ لجهله باستحقاقه. (فرع) إذا باع بمصر شقصا من دار بدمشق وحضر الشفيع فأخر طلبها مع

القدرة عليه ليأتي دمشق فيطالبه بها بطلت شفعته لان قدرته على أخذها بدمشق كقدرته على أخذها بمصر. ولكن لو أنكر المشترى بمصر أنه خليط فأخرها ليقيم البينة في دمشق كان على شفعته إذا لم يجد بينة بدمشق قال الماوردى واختلف أصحابنا فيمن شهد به البينة في استحقاق الشفعة على وجهين: أحدهما أنه لا شفعة له إلا أن تشهد له البينة بالملك، وبه قال أبو حنيفة لئلا ينتزع ملكا بأمر محتمل والوجه الثاني: أنه يستحق الشفعة إذا شهدت له البينة باليد، وبه قال أبو يوسف، لانها حجة في الملك، لكن يحلف الشفيع مع بينته أنه مالك، ثم يحكم له بالشفعة. وإذا عرض الشقص قبل البيع على الشفيع فلم يشتره ثم بيع فله المطالبة بالشفعة ولا يسقط حقه منها بامتناعه من الشراء لوجوبها بالبيع الحادث. فلو عفا الشفيع عنها قبل الشراء كان عفوه باطلا وهو على حقه من الشفعة بعد الشراء لانه عفا عنه قبل استحقاقها فصار كإبرائه من الدين قبل وجوبه. فإذا صالح الشفيع المشترى على مال يأخذه منه عوضا على تركه الشفعة لم يجز وكان صلحا باطلا وعوضا مردودا، كما لا يجوز أن يعاوض على ما قد استحقه من دين أو شرط. وفى بطلان شفعته بذلك وجهان (أحدهما) أنها قد بطلت لانه تارك لها. والوجه الثاني: أنها لم تبطل لان الترك مشروط بعوض فلما بطل العوض بطل الترك. وإذا عفا الشفيع عن بعض الشفعة لم يتبعض العفو، وفيه وجهان. أحدهما أن العفو باطل وهو على حقه من الشفعه في الكل، لان العفو لما لم يكمل بطل، وبه قال أبو يوسف والوجه الثاني وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ العفو صحيح في الكل تعليقا لما ظهر من حكم التسليم، وبه قال محمد بن الحسن (فرع) إذا وجبت الشفعة بخليط فباع حصته قبل الاخذ أو الترك لم يخل حاله عند بيعها من أحد أمرين، إما أن يبيعها قبل العلم بالشفعه أو بعد العلم بها، فإن باع حصته بعد العلم بالشفعة فلا شفعة له، لان المعنى الموجب لها من سوء

المشاركة والخوف من مئونة القسمة قد ارتفع بالبيع وزوال المالك، فعلى هذا لو باع بعض حصته ففى بطلان شفعته وجهان مخرجان من العافى عن بعض شفعته. أحدهما: أنها لا تبطل وهو على حقه منها لانها لا تستحق بقليل الملك كما تستحق بكثيره. فأما إن كان بيعه لحصته قبل العلم بشفعته ففى بطلان الشفعة وجهان. أحدهما: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ شفعته قد بطلت لانه باع الملك المقصود بالشفعة كما له منافعه. والثانى حكاه أبو حامد الاسفرايينى أنه على شفعته لانه قد ملكها، وليس في بيعه قبل العلم عفو عنها. والوجه الاول أصح فإذا علم بالمبيع وقيل له إن الثمن ألف درهم فعفا عن الشفعة ثم بان ان الثمن مائة دينار كانت له الشفعة ولا يؤثر فيها ما تقدم من العفو لانه قد يعفو عن الدراهم لاعوازها معه، وهكذا لو قيل له إن الثمن مائة دينار فعفا عن الشفعه ثم بان أنه ألف درهم كان على شفعته. وقال أبو يوسف: إن كان قيمة الالف مائة دينار فصاعدا فلا شفعة له، وان كانت قيمته أقل فله الشفعه، وقد خطأ أصحابنا هذا. وإذا تعدد الشفعاء فقد قال الشافعي: إذا حضر أحد الشفعاء أخذ الكل بجميع الثمن، فان حضر الثاني أخذ منه النصف بنصف الثمن، فان حضر الثالث أخذ منهما الثلث بثلث الثمن حتى يكونوا في ذلك سواء. وصورتها في دار بين أربعة شركاء باع أحدهم حصته على غير شركائه فالشفعة فيها واجبه لشركائه الثلاثه، فان كانوا حاضرين وطلب بعضهم الشفعه دون بعض فيعطى الطالب وتبطل الشفعه لمن عفا، وللطالب أن يأخذ جميع الشقص بشفعته وليس له أن يبعض ويأخذ الثلث لما فيه من تفريق الصفقه فإذا كانوا جميعا غائبين فهم على حقوقهم من الشفعه ما لم يكن منهم عفو، فإذا ادعى المشترى على أحدهم العفو عن شفعته لم تسمع دعواه، لان للآخرين أن يأخذا الجميع فلم يكن لدعواه معنى، ولكن لو ادعى شريكان على الثالث منهم العفو سمعت دعواهما لما فيه من توفر حقه عليهما وأحلف لهما ولم تسمع شهادة المشترى عليه بالعفو لما فيها من شفعة عن مطالبته ولو ادعى المشترى على الثلاثة كلهم العفو كان له إحلافهم لانهم لو نكلوا

ردت اليمين عليه وسقط حقهم من الشفعة، فان حلف أحد الثلاثه ونكل إثنان منهم لم ترد أيمانهما على المشترى بنكولهما، لان عفو بعض الشفعاء مما يوجب الترك على المشترى ويأخذه من لم يعف ثم لا يقضى للحالف بالشفعة في الكل الا أن يحلف أن شريكيه قد عفوا، فإذا حلف أخذ كل الشقص وإن نكل أخذ منه قدر حصته وأخذ الناكلان منه قدر حصته. وقال الشافعي: إذا كان الاثنان اقتسما كان للثالث نقض قسمتهما، وهذا كما قال: إذا كان للشقص المبيع ثلاثة شفعاء فحضر إثنان فأخذا الشقص بينهما لغيبة الثالث منعا من قسمته لان في الشقص حقا لشريكهما الغائب مع السهم الذى لم بقديم ملك، فان اقتسماه كانت القسمة باطلة، فلو حضر فعفا عن الشفعه لم تصح القسمة المتقدمة لفسادها ولو أراد الشفيعان الحاضران أن يبيعا ما كان لهما بقديم الملك وما أخذاه بحادث الشفعة لم يمنعا من ذلك لحق الغائب وقدرته على أخذه بأى العقدين شاء، فإذا قدم الغائب وقد باع الحاضران ما أخذاه بالشفعة فهو بالخيار بين أن يأخذ بالشفعتين وبين أن يأخذ بالاولى ويعفو عن الثانيه، وبين أن يأخذ بالثانية ويعفو عن الاولى. فان أراد أن يأخذ بالشفعتين أخذ بالاولة ثلث الشقص وبطل البيع فيه وأخذ بالثانيه نصف الباقي وهو ثلث الشقص، لانه أخذ شفعتين ففضل له ثلث الشقص بالشفعتين وإن أراد أن يأخذ بالشفعه الثانيه ويعفو عن الاولة صح البيع في الجميع وأخذ نصف الشقص كله لانه أخذ شفعتين. وإن أراد أن يأخذ بالشفعه الاولة ويعفو عن الثانيه أخذ ثلث الشقص لانه أخذ ثلث الشفعه، فان أحب أن يأخذه بشفعته الثانيه صح البيع في الكل وكان له أخذ الجميع بها لانه شفيع واحد. وإن أراد أن يأخذه بالشفعتين أخذ ثلث الشقص بشفعته الاولة وبطل فيه البيع وصح في ثلثيه فيما كان لهما بقديم الملك وأخذهما بشفعته الثانيه (فرع) قال الشافعي: ولو ورثه رجلان فمات أحدهما وله ابنان فباع أحدهما نصيبه فأراد أخوه الشفعه دون عمه فكلاهما سواء، لانهما فيها شريكان.

قال المزني: هذا أصح من أحد قوليه: إن أخاه أحق بنصيبه. قال المزني: وفى تسويته بين الشفعتين على كثرة ما للعم على الاخ. وصورتها في دار بين رجلين، إما أخوين أو أجنبيين ملكاها بسبب واحد أو بسببين مات أحدهما وترك ابنين فصارت الدار بينهم على أربعة أسهم للباقى من الاخوين المالكين سهمان ولكل واحد من ابن الميت سهم واحد، باع أحد الابنين حقه وهو سهم واحد على أجنبي فالشفعة مستحقة فيه، وهل يختص بها أخوه أو تكون بينه وبين العم. فيه قولان أحدهما: وهو أحد قوليه في القديم: ان الاخ أحق بشفعة أخيه من العم لامرين: أحدهما أنهما اشتركا في سبب ملكه، وتميز العم عنهما بسببه فكان الاخ لمشاركته في السبب أحق بشفعة أخيه من العم لتفرده (بسببه) ؟ (والثانى) أن ملك الاخوين كان مجتمعا في حياة الاب وقد يجرى عليه حكم الاجتماع بعد موت الاب. ألا ترى لو ظهر على الاب دين تعلق بالسهمين معا ولم يتعلق بسهم العم. والقول الثاني قاله في الجديد وبعض القديم أن الشفعة مشتركة بين الاخ والعم لامرين: (أحدهما) أنه لما تساويا في الاشتراك وجب أن يتساويا في الاستحقاق كالمختلفى الاسباب (والثانى) أن ما أخذ بالشفعة أخذت به الشفعة، وقد ثبت أن العم لو باع حصته تشاركا في شفعته، فاقتضى أن يشاركهما بشفعته. فإذا تقرر توجيه القولين، فان قيل بأن الاخ أحق بها تفرد بأخذها دون العم، فان عفا الاخ عنها احتمل استحقاق العم لها وجهين. (أحدهما) لا حق له فيها لخروجه عن استحقاقها والوجه الثاني: يستحقها لخلطته، وإنما قدم الاخ عليه لامتزاج سببه، وان قيل إنها بينهما نصفين بالسوية، وبه قال أبو حنيفة لامرين: أنها تستحق بقليل الملك كما تستحق بكثيره حتى لو ملك أحد الشريكين سهما من عشرة أسهم أخذ به شفعة التسعة الباقيه، ولو بيع السهم أخذه صاحب التسعه الباقيه فاقتضى أن يتساوى الشريكان فيهما.

وإن تفاضلا في المال اعتبارا بأعداد الرؤوس لا بقدر الاملاك كالعبد المشترك يملك أحد الثلاثة نصفه والثانى ثلثه والثالث سدسه فإذا أعتق صاحبا النصف والسدس حقوقهما معا قوم عليهما الثلث نصفين وعتق بينهما بالسوية كذلك الشفعة. والثانى: أن استحقاق الشفعة لرفع الضرر بها وقد يستضر صاحب الاقل كاستضرار صاحب الاكثر فوجب أن يساوى صاحب الاقل منهما صاحب الاكثر فعلى هذا تصير الدار بينهم على ثمانية أسهم، خمسة منها للعم منها أربعة بقديم ملكه وسهم بشفعته، وثلاثة أسهم للاخ منها سهمان بقديم ملكه وسهم بشفعته. والقول الثاني قاله في الجديد - وهو الصحيح - أنها بينهما على قدر مالهما اعتبارا بالاملاك، وبه قال مالك لامرين. أحدهما: أن منافع الملك يتوزع على قدره كالارباح في التجارة والنتاج في الحيوان. والثانى: أن الشفعة إنما وجبت لرفع الضرر بها عن الملك الداخل عليه بحق لا بظلم مثل مؤونة القسمة ونقصان القيمة بعد القسمة، وهذا يقل ويكثر لقلة الملك وكثرته فوجب أن يتقسط على الاملاك دون الملاك. وأما سوء الم؟ اركة فظلم يمكن رفعه بالسلطان، وفى هذا انفصال، فعلى هذا تكون الشفعة بينهما على ثلاثة أسهم لصاحب النصف سهمان ولصاحب الربع سهم واحد وتصبر جميع الدار بينهما أثلاثا. فأما المزني فإنه اختار من القولين الاولين أن تكون الشفعة بينهما وهو أصح القولين ثم اختار من القولين الآخرين أن يكون بينهما نصفين استدلالا بما ذكرنا من العتق قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن تصرف المشترى في الشقص ثم حضر الشفيع نظرت، فان تصرف بما لا تستحق به الشفعة كالوقف والهبة والرهن والاجارة فللشفيع أن يفسخ ويأخذ لان حقه سابق للتصرف ومع بقاء التصرف لا يمكن الاخذ فملك الفسخ، وإن تصرف بما تستحق به الشفعة كالبيع والصداق فهو بالخيار بين أن

يفسخ ويأخذ بالعقد الاول وبين أن يأخذ بالعقد الثاني، لانه شفيع بالعقدين، فجاز أن يأخذ بما شاء منهما، وإن قايل البائع أو رده عليه بعيب فللشفيع أن يفسخ الاقالة والرد بالعيب، ويأخذه لان حقه سابق ولا يمكن الاخذ مع الاقالة والرد بالعيب، فملك الفسخ، وإن تحالفا على الثمن وفسخ العقد جاز للشفيع أن يأخذ بالثمن الذى حلف عليه البائع، لان البائع أقر للمشترى بالملك وللشفيع بالشفعة بالثمن، الذى حلف عليه، فإذا بطل حق المشترى بالتحالف بقى حق الشفيع، وإن اشترى شقصا بعبد ووجد البائع بالعبد عيبا ورده قبل أن يأخذ الشفيع ففيه وجهان. أحدهما: يقدم الشفيع لان حقه سابق لانه ثبت بالعقد وحق البائع ثبت بالرد، والثانى أن البائع أولى لان في تقديم الشفيع اضرارا بالبائع في إسقاط حقه من الرد والضرر لا يزال بالضرر وإن أصدق إمرأته شقصا وطلقها قبل الدخول وقبل أن يأخذ الشفيع ففيه وجهان. (أحدهما) يقدم الزوج على الشفيع لان حق الزوج أقوى لانه ثبت بنص الكتاب وحق الشفيع ثبت بخبر الواحد فقدم حق الزوج (الثاني) يقدم الشفيع لان حقه سابق لانه ثبت بالعقد وحق الزوج ثبت بالطلاق. (الشرح) الاحكام: على المنصوص من حق الشفيع بقدم الملك أن يفسخ تصرف المشترى في الشقص إذا بذله فيما لا تستحق به الشفعة كأن وقفه أو وهبه أو رهنه أو آجره لسبق حقه على التصرف الحادث بعد قيام حقه في الشفعة لانه لا يملك الاخذ للشقص ما دام تصرفه نافذا فلا مناص من الفسخ. أما البيع والصداق فهو مخير بين أن يأخذ بأحد العقدين، فإما أن يأخذ بالثمن الذى بذله المشترى أو بالثمن الذى أخذه أو بمهر المثل بما هو الاحظ له. فإذا تبايع الرجلان شقصا فعفا الشفيع عن شفعته فلا شفعة فيه بالاقالة لانها رفع للعقد وليست استيفاء ولم يكن الشفيع قد عفا حتى تقايلا كان للشفيع إبطال الاقاله لما فيها من إسقاط حقه من الشفعة ثم يأخذ الشقص بشفعة البائع فلو كان مشترى

الشقص قد وقفه قبل عفو الشفيع فللشفيع إبطال الوقف وأخذ الشقص بالشفعه وكذا إذا رهنه أبطل الرهن وأخذه بالشفعة، ولو أجره أخذه ثم له الخيار في إمضاء الاجارة وفسخها، ولا تبطل بأخذ الشفيع بخلاف الرهن، فإن أمضاها الشفيع فالاجرة للمشترى دون الشفيع لانه عقدها في ملكه، ولو كان المشترى قد باع الشقص على غيره كان الشفيع مخيرا بين إمضاء البيع وأخذه بالشفعة من المشترى الثاني وبين فسخه وأخذه بالشفعة من المشترى الاول. وفى الصداق خلاف بين الفقهاء فقد قال مالك وابن أبى ليلى: يأخذ الشقص بقيمته لا بمهر المثل، وحكى نحوه عن الشافعي في القديم لان المهور قد يزاد فيها وينقص فخالفت البيوع وهذا فاسد من وجهين. (أحدهما) وجود هذا المعنى في الاثمان لجواز الزيادة والنقصان فيها ثم لم يمنع ذلك من أن يؤخذ الشقص بمثل الثمن، كذلك لا يمتنع في الصداق أن يؤخذ بقيمة البضع (والثانى) أن ما لا مثل له من الاعواض يوجب الرجوع إلى قيمة العوض دون الشقص من ذلك البضع الذى لا مثل له فإنه يوجب الرجوع إلى قيمته من المهر دون الشقص، فإذا ثبت أنه مأخوذ بمهر المثل فسواء كان قيمة المثل بازاء مهر المثل أو كان زائدا عليه أو ناقصا عنه حتى لو كان مهر المثل دينارا وأخذ الشقص بمائة دينار فعلى هذا لو اختلفا في مهر المثل فترافعا فيه إلى الحاكم ليجتهد في مهر مثلها ويسقط تنازعهما. (فرع) قال الشافعي: فان طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمة الشقص وهذا كما قال: إذا طلقها الزوج وقد أصدقها شقصا من دار لم يخل حال الطلاق من أن يكون قبل الدخول أو بعده، فان كان بعد الدخول فلا رجوع له بشئ منه، وان كان قبل الدخول فقد استحق الرجوع بنصف الصداق لقوله تعالى " وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " ثم لا يخلو حال الشفيع من ثلاثة أحوال. (أحدها) أن يكون قد أخذ الشقص من الزوجة شفعته فللزوج أن يرجع عليها بنصف قيمة الشقص في أقل أحواله قيمة من حين أصدق إلى أن أقبض، ويكون استحقاقه بالشفعة لزوال ملكها عنه ببيع أو هبة

والحال الثانية: أن يكون الشفيع قد عفا عن شفعته فيه فللزوج أن يرجع عليها بنصفه لبقائه في يدها ولا شفعة على الزوج في النصف الذى ملكه بالطلاق لانه ملك بغير بدل. والحال الثالثة: أن يكون الشفيع على حقه لعذر طال به فلم يعف ولم يأخذ حتى طلق الزوج، فأيهما أحق بالشفعة؟ فيه وجهان " أحدهما " أن الزوج أحق من الشفيع لان حقه ثابت بنص كتاب مقطوع به، وحق الشفيع ثبت استدلالا بخبر الواحد فكان ظنيا، والقطعي يرد الظنى، فعلى هذا يرجع الزوج بنصف الشقص ويكون الشفيع بعد ذلك مخيرا في أخذ النصف الباقي بنصف مهر المثل. والوجه الثاني وهو أصح أن الشفيع أحق به من الزوج لامرين: (ا) لان الزوج يرجع عن الشقص إلى بدل، والشفيع لا يرجع عنه إلى بدل (ب) أن حق الزوج متأخر وحق الشفيع اسبق، فعلى هذا يعرض على الشفيع فان أخذه رجع الزوج عليها بنصف قيمته، وإن تركه رجع الزوج بنصفه، وقد زعم بعض الاصحاب أن تخريج هذين الوجهين في اختلافهم في نصف الصداق هل يملكه الزوج بالطلاق أو بالتملك، فان قيل بالطلاق كان أحق من الشفيع، وإن قيل بالتملك كان الشفيع أحق. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان اشترى شقصا وكان الشفيع غائبا فقاسم وكيله في القسمة أو رفع الامر إلى الحاكم فقاسمه وغرس وبنى ثم حضر الشفيع أو أظهر له ثمنا كثيرا فقاسمه ثم غرس وبنى ثم بان خلافه وأراد الاخذ فان اختار المشترى قلع الغراس والبناء لم يمنع لانه ملكه فملك نقله ولا تلزمه تسوية الارض لانه غير متعد، وإن لم يختر القلع فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ الشقص بالثمن والغراس والبناء بالقيمة وبين أن يقلع الغراس والبناء ويضمن ما بين قيمته قائما ومقلوعا، لان النبي صلى الله عليه سلم قال: لا ضرر ولا ضرار، ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك.

(فصل) وإن اشترى شقصا وحدث فيه زيادة قبل أن يأخذ الشفيع نظرت فان كانت زيادته لا تتميز كالفسيل إذا طال وامتلا، فان الشفيع يأخذه مع زيادته لان ما لا يتميز يتبع الاصل في الملك كما يتبعه في الرد بالعيب، وإن كانت متميزة كالثمرة فان كانت ثمرة ظاهرة لم يكن للشفيع فيها حق لان الثمرة الظاهرة لا تتبع الاصل كما قلنا في الرد بالعيب، وإن كانت غير ظاهرة ففيها قولان. قال في القديم: تتبع الاصل كما تتبع في البيع. وقال في الجديد: لا تتبعه لانه استحقاق بغير تراض، فلا يؤخذ به إلا ما دخل بالعقد ويخالف البيع لانه استحقاق عن تراض يقدر فيه على الاستثناء فإذا لم يستثن تبع الاصل (فصل) إذا أراد الشفيع أن يأخذ الشقص ملك الاخذ من غير حكم الحاكم لان الشفعة ثابتة بالنص والاجماع فلم تفتقر إلى الحاكم كالرد بالعيب، فإن كان الشقص في يد المشترى أخذه منه، وإن كان في يد البائع ففيه وجهان أحدهما يجوز أن يأخذ منه لانه استحق فملك الاخذ، كما لو كان في يد المشترى. والثانى لا يجوز أن يأخذ منه، بل يجبر المشترى على القبض ثم يأخذه منه، لان الاخذ من البائع يؤدى إلى إسقاط الشفعه، لانه يفوت به التسليم، وفوات التسليم يوجب بطلان العقد، فإذا بطل العقد سقطت الشفعة، وما أدى إثباته إلى إسقاطه سقط. (فصل) ويملك الشفيع الشقص بالاخذ لانه تملك مال بالقهر فوقع الملك فيه بالاخذ كتملك المباحات، ولا يثبت فيه خيار الشرط، لان الشرط إنما يثبت مع تملك الاختيار، والشقص يؤخذ بالاجبار فلم يصح فيه شرط الخيار، وهل يثبت له خيار المجلس فيه وجهان (أحدهما) يثبت لانه تملك مال بالثمن فثبت فيه خيار المجلس كالبيع (والثانى) لا يثبت لانه إزالة ملك لدفع الضرر فلم يثبت فيه خيار المجلس كالرد بالعيب. (فصل) وإن وجد بالشقص عيبا فله أن يرده لانه ملكه بالثمن فثبت له الرد بالعيب كالمشترى في البيع، وإن خرج مستحقا رجع بالعهدة على المشترى لانه أخذ منه على أنه ملكه فرجع بالعهدة عليه كما لو اشتراه منه

(الشرح) قال الشافعي: ولو قاسم وبنى قيل للشفيع: إن شئت فخذ الثمن وقيمة البناء أو دع لانه بنى غير متعد فلا يهدم ما بناه قال المزني: هذا غلط، وكيف لا يكون متعديا وقد بنى فيما للشفيع فيه شرك مشاع، ولولا أن للشفيع فيه شركا ما كان شفيعا. وصورة هذه المسألة في رجل اشترى شقصا من دار وقاسم عليه ثم بنى في حصته وحضر الشفيع مطالبا لشفعته قال الشافعي: قيل للشفيع إن شئت فخذ الشقص بثمنه وبقيمة البناء قائما، ولا يجبر المشترى على قلعه لانه بناء غير متعد، وهكذا عمارة الارض للزرع. قال المزني: هذا غلط من الشافعي لان القسمة إن وقعت مع الشفيع فقد بطلت شفعته وصحت القسمة، وإن لم يقاسمه الشفيع فالقسمة باطلة والشفعة واجبة، فلم تجتمع صحة القسمة مع بقاء الشفعة. وهذا الذى اعترض به المزني على الشافعي من تنافى بقاء الشفعة وصحة القسمة غلط، لانه قد تصح القسمة مع بقاء الشفعة من خمسة أوجه. (أحدها) أن يكون الشفيع غائبا وقد وكل في مقاسمة شركائه وكيلا فيطالب المشترى الوكيل بمقاسمته على ما اشترى، فيجوز للوكيل أن يقاسمه لتوكيله في المقاسمة، ولا يجوز أن يطالبه بالشفعة لانه غير موكل في طلب الشفعة ويكون الشفيع على شفعته بعد القسمه ويكون المشترى غير متعد في البناء. والوجه الثاني: أن لا يكون للشفيع الغائب وكيل في القسمة فيأبى المشترى التحاكم فيسأله أن يقاسمه على الغائب فيجوز للحاكم مقاسمة المشترى إذا كان الشريك بعيد الغيبة وليس له أن يأخذ للغائب بالشفعة الا لمولى عليه، ولا تبطل شفعة الغائب بمقاسمة الحاكم عنه، والمشترى غير متعد في البناء. والوجه الثالث: أن يذكر المشترى للشفيع ثمنا موفورا فيعفو عن الشفعة لوفور الثمن ويقاسم المشترى، ثم يبين أن الثمن أقل مما ذكره المشترى فالقسمة صحيحه والشفعه واجبه والمشترى غير متعد ببنائه، لانه بالكذب متعد في قوله لا في قسمته وبنيانه، فصار كرجل ابتاع دارا بثمن قد داسه بعيب ثم بنى ووجد البائع العيب في الثمن فعليه إذا رد المعيب واسترجع الدار أن يدفع إلى المشترى قيمة البناء قائما لانه بناء غير متعد في فعله، وان دلس كاذبا في قوله

والوجه الرابع أن ينكر المشترى الشراء ويدعى الهبة فيكون القول قوله مع يمينه ولا شفعة عليه في الظاهر فيقاسمه الشريك ثم يبنى وتقوم البينة عليه بعد بنائه بالشراء، فالشفعة واجبة مع صحة القسمه ولا يكون متعديا بالبناء مع جحوده الشراء لانه تعدى في القول دون الفعل والوجه الخامس: أن يكون الشفيع طفلا أو مجنونا فيمسك الولى عن طلب الشفعة ويقاسم المشترى، ثم يبلغ الطفل ويفيق المجنون فتكون له الشفعة مع صحة القسمة، ولايكون إمساك الولى عن الشفعة مبطلا للقسمه، ولا مقاسمته مبطلا للشفعة. فإذا صحت القسمة مع بقاء الشفعة من هذه الوجوه الخمسة وبطل اعتراض المزني بها لم يجبر المشترى على قلع بنائه وقيل للشفيع إن شئت فخذ الشقص بثمنه وقيمة البناء. وقال أبو حنيفة: يجبر المشترى على قلع بنائه ولا قيمة له على الشفيع استدلالا بأن حق الشفيع أسبق من بنائه فصار كالاستحقاق بالغصب. وهذا خطأ لان المشترى تام الملك قبل أخذ الشقص، ألا تراه يملك النماء، ومن بنى في ملكه لم يتعد كالذى لا شفعة عليه، ومن بنى في ملكه لم يكن جواز انتزاعه من يده موجبا لتعديه ونقض بنائه كالموهوب له إذا بنى ورجع الواهب في هبته، ولان الشفعه موضوعه لازالة الضرر فلم يجز أن تزال بضرر. وفى أخذ المشترى بهدم بنائه ضرر. فأما الجواب عما ذكره من إلحاقه بالغصب فهو تعدى الغاصب بتصرفه في غير ملكه، وليس المشترى متعديا لتصرفه في ملكه (فرع) قال الشافعي: ولو كان الشقص في النخل فزادت كان له أخذها زائدة. أما النخل فلا يخلو حال بيعها من ثلاثة أقسام " أحدها " أن تباع مفردة عن الارض فلا شفعة فيها. وكذلك سائر الاشجار كالابنيه التى إذا أفردت بالعقد لم تجب فيها الشفعه، لانها مما ينتقل عن الارض والمنقول لا شفعة فيه كالزرع. والقسم الثاني أن تباع النخل مع الارض فتجب فيها الشفعه تبعا للارض بخلاف الزرع، لانه لا يتبع الارض في البيع ولا يتبعها في الزرع، والفرق بينهما ان إقرار الزرع في الارض غير مستدام واقرار النخل والشجر مستدام.

وأوجب أبو حنيفة الشفعه في الزرع تبعا للارض. والقسم الثالث أن يباع النخل مع قرارها مفردة عما يتخللها من بياض الارض ففى وجوب الشفعة فيها وجهان، وكذلك بيع البناء مع قراره دون البياض على هذين الوجهين: " أحدهما " فيه الشفعه لانه فرع لاصل ثابت " والوجه الثاني " أنه لا شفعة فيه لان قرار النخل يكون تبعا لها، فلما لم تجب الشفعه فيها مفردة لم تجب في تبعها فإذا تقرر هذا وكان المبيع شقصا من أرض ذات نخل وشجر فزادت بعد البيع وقبل أخذ الشفيع لغيبه أو عذر لا تبطل به الشفعه لم يخل حال الزيادة من أحد أمرين: إما أن تكون مثمرة أو غير مثمرة، فإن كانت الزيادة غير مثمرة كالفسيل إذا طال وامتلا، والغرس إذا استغلظ واستوى فللشفيع أن يأخذ ذلك بزيادته، لان مالا يتميز من الزيادة تبعا لاصله، وان كانت الزيادة متميزة كالثمرة الحادثه بعد البيع فلا يخلو حالها عند الاخذ بالشفعه من أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة، فإن كانت مؤبرة فلا حق فيها للشفيع وهى ملك المشترى، لان ما كان مؤبرا من الثمار لا يتبع أصله وعلى الشفيع أن يقرها على نخله إلى وقت الجداد، وان كانت الثمرة غير مؤبرة ففى استحقاق الشفيع لها قولان: أحدهما: يستحقها لاتصالها كما يدخل في البيع تبعا. وهذا قوله في الجديد، ويكون الفرق بين الشفعه والبيع أن البيع نقل ملك بعوض عن مراضاة فجاز أن يكون ما لم يؤبر من الثمار تبعا للقدرة على استثنائها بالعقد، والشفعه استحقاق ملك بغير مراضاة فلم يملك بها الا ما تناوله العقد، وهكذا الحكم في كل ما استحق بغير مراضاة كالشفعه والتفليس، أو يكون بغير عوض كالرهن والهبة، هل يكون ما لم يؤبر من الثمار فيها تبعا لاصلها على ما ذكرنا من القولين (فرع) أما قوله: إذا أراد الشفيع أن يأخذ الشقص ملك الاخذ الخ، فقد مضى قولنا ما حاصله ان كان الشفيع قادرا على الطلب فله ثلاثة أحوال: (ا) أن يبادر إلى الطلب فهو على حقه من الشفعه ولا يحتاج إلى حكم حاكم في الاخذ بها، لانها ثبتت بالنص الصحيح المرفوع وبالاجماع، ولم يشذ الا الاصم، وللحاكم أن ينظره حتى يحضر الثمن يوما أو يومين.

(ب) خياره في التمسك بالشفعة والعفو عنها والعفو على ضربين صريح وتعريض، وذهب أبو حنيفة إلى صحة العفو في بعض التعريض القوى لشبهه بالتصريح (ج) زمان المكنة، وقد أوضحنا كل هذه الاحوال بما لا مزيد عليه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: وإذا اشترى شقصا على أنها بالخيار جميعا فلا شفعة حتى يسلم البائع، وإن كان الخيار للمشترى دون البائع فقد خرج من ملك البائع وفيه الشفعه اه. قلت: إن ما يثبت من الخيار في البيع على أربعة أقسام: 1 - خيار عقد 2 - خيار شرط 3 - خيار رؤية 4 - خيار عيب فالاول هو خيار المجلس فلا تستحق فيه الشفعة إلا بعد إمضائه بالافتراق عن تمام، وسواء قيل: إن الملك منتقل بنفس العقد أو بالافتراق مع تقديم العقد لان ثبوت الفسخ لكل واحد منهما يمنع من استقرار العقد بينهما، ولان البائع لما لم يلزمه عقد المشترى فأولى أن لا يلزمه شفعة الشفيع، فإذا افترقا عن تمام وإمضاء استحق الشفيع حينئذ أن يأخذ بالشفعة. وبماذا يصير الشفيع مالكا على ثلاثة أقوال من اختلاف أقواله في اقتضاء الملك. 1 - أن يكون مالكا لها بنفس العقد 2 - أن يكون مالكا للشفعة بافتراقهما عن تراض وهذا على القول الذى يقول فيه: لا ينتقل إلا بالعقد والافتراق. 3 - أن ملك الشفعة كان موقوفا على اتمام العقد وامضائه فتمامه يدل على تقديم ملكها بالعقد، وفسخه يدل على أنه لم يملكها بالعقد، وهذا يدل على الذى يقول فيه: ان الملك موقوف فإذا أخذ ذلك بالشفعة بعد الافتراق عن تراض بحكم أو بغير حكم فهل ثبت له بعد الاخذ خيار المجلس أم لا؟ على وجهين لاصحابنا أحدهما: أن له خيار المجلس لانه يملك بمعاوضة كالبيع. والوجه الثاني وهو أصح: أنه لا خيار له لان الشفعه موضوعه لرفع الضرر بها

كالرد بالعيب الذى لا يملك فيه بعد الرد خيارا وليس كالبيع الموضوع للمعاينه وطلب الارباح. وأما خيار الشرط فله ثلاثة أحوال: ا - أن يكون خيار الثلاث مشروطا للبائع والمشترى. ب - أن يكون مشروطا للبائع دون المشترى. ج - أن يكون مشروطا للمشترى دون البائع، فإن كان الخيار مشروطا للبائع والمشترى أو للبائع دون المشترى فلا حق للشفيع في أخذه بالشفعه ما لم تنقض مدة الخيار لما ذكرنا في خيار المجلس، فإذا تم البيع بينهما بانقضاء مدة الخيار استحق الشفيع حينئذ الاخذ بالشفعه، وبماذا يصير مالكا لها؟ على ما مضى من الاقوال الثلاثه، وان كان الخيار مشروطا للمشترى دون البائع فقد روى المزني ههنا أن للشفيع أخذه بالشفعه، ورواه الربيع أيضا، قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا حق للشفيع في أخذه الا بعد نقض مدة الخيار، فإن قيل: انه لا ينتقل الا بالعقد وانقضاء مدة الخيار لان الشفيع يملك عن المشترى فامتنع أن يملك ما لم يملكه المشترى، وان قيل: ان الملك قد انتقل بنفس العقد ففيه قولان. 1 - أن فيه الشفعه لان علقة البائع عنه منقطعه وخيار المشترى فيه كخياره في الرد بالعيب وهو لا يمنع الشفيع من الاخذ وهى رواية المزني. 2 - أنه لا شفعة فيه الا بانقضاء مدة الخيار لان المشترى لم يرض بدخوله في عهدة العقد فخالف خيار العيب الموضوع لاستدراك الغبن الذى قد يحصل له من جهة الشفيع، وهى رواية الربيع. وأما خيار الرؤيه فهو حال غياب العين المبيعة وفى صحة البيع به قولان ويتفرع عليهما خلاف في صحة الشفعة، وأما خيار العيب فإما أن يكون في الشقص أو في الثمن فالاول خياره للمشترى وللشفيع أن يأخذه منه بعيبه ويمنعه من رده، لان رد المشترى بالعيب لاستدراك الغبن وهو يستدرك من الشفيع للحصول على الثمن الذى دفعة، فلو صالح المشترى البائع على أرشه كان للشفيع أخذه بالباقي بعد اسقاط الارش، ان قيل بجواز أخذ الارش صلحا مع بقاء

العين في أحد الوجهين، وإن قيل لا يجوز أخذه الشفيع بجميع الثمن، وأما العيب في الثمن ففى آخر الباب وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن مات الشفيع قبل العفو والاخذ انتقل حقه من الشفعة إلى ورثته لانه قبض استحقه بعقد البيع فانتقل إلى الورثة كقبض المشترى في البيع ولانه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فورث كالرد بالعيب وان كان له وارثان فعفا أحدهما عن حقه سقط حقه وهل يسقط حق الآخر فيه وجهان. أحدهما: يسقط لانها شفعة واحدة، فإذا عفى عن بعضها سقط الباقي كالشفيع إذا عفا عن بعض الشقص، والثانى: لا يسقط لانه عفا عن حقه فلم يسقط حق غيره كما لو عفا أحد الشفيعين. (فصل) إذا اختلف الشريكان في الدار فادعى أحدهما على الآخر أنه ابتاع نصيبه فله أخذه بالشفعة، وقال الآخر: بل ورثته أو أوهبته فلا شفعة لك، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، لانه يدعى عليه استحقاق ملكه بالشفعة، فكان القول قوله كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة، فإن نكل عن اليمين حلف المدعى وأخذ بالشفعة، وفى الثمن ثلاثة أوجه. أحدها: أنه يقال للمدعى عليه قد أقر لك بالثمن وهو مصدق في ذلك، فاما أن تأخذه أو تبرئه من الثمن الذى لك عليه كما قلنا في المكاتب إذا حمل نجما إلى المولى فادعى المولى أنه مغصوب. والثانى: أنه يترك الثمن في يد المدعى لانه قد أقر لمن لا يدعيه فأقر في يده كما لو أقر بدار لرجل وكذبه المقر له. والثالث: يأخذه الحاكم ويحفظه إلى أن يدعيه صاحبه لانهما اتفقا على أنهما لا يستحقان ذلك. (فصل) وان ادعى كل واحد منهما على شريكه أنه ابتاع حصته بعده، وأنه يستحق على ذلك بالشفعة، فالقول قول كل واحد منهما، لما ذكرناه، فان

سبق أحدهما فادعى وحلف المدعى عليه استقر ملكه. ثم يدعى الحالف على الآخر فإن حلف أستقر أيضا ملكه. وإن نكل الاول ردت اليمين على المدعى فإذا حلف استحق، وإن أراد الناكل أن يدعى على الآخر بعد ذلك لم تسمع دعواه، لانه لم يبق له ملك يستحق به الشفعة (الشرح) الاحكام: سبق الكلام في ميراث الشفعة في فصل مضى، فإذا صح ما ذكرنا لم يخل أن يكون موت الشفيع قبل البيع أو بعده، فإن كان موته قبل البيع فالشفعة إنما حدثت على ملك الورثة، ولم يكن للموروث فيها حق لتقدم موته على البيع، ثم يكون بين جميع من ملك ميراث الحصة، وفيها قولان (أحدهما) أنها بينهم على عدد رؤوسهم، الزوجة والابن فيها سواء على ما حكاه المزني عن الشافعي. (والثانى) أنها مقسطة بينهم على قدر مواريثهم للزوجة الثمن وللابن الباقي وعلى هذا لو عفا أحد الورثة لم يسقط حق من لم يعف، وكان لمن بقى من الورثة - ولو كان واحدا - أن يأخذ جميع الشفعة كالشراء، فإذا عفا بعضهم عاد حقه إلى من بقى، وان مات الشفيع بعد البيع فقد ملك الشفعة بالبيع وانتقلت عنه بالموت إلى ورثته، ويستوى فيها الوارث بنسب وسبب، وهى بينهم على قدر مواريثهم للزوجه الثمن والباقى للابن قولا واحدا، لانهم إنما يأخذونها عن ميتهم فكانت بينهم على قدر مواريثهم، ويكون تأويل ما نقله المزني عن الشافعي أن امرأته وابنه في ذلك سواء، يعنى في استحقاقها لجميع الورثة، لا يختصر بها بعضهم دون بعض. قال الماوردى: كان بعض أصحابنا يغلط فيخرج ذلك على قولين ويجعل ما نقله المزني أحد القولين. فعلى هذا لو أن أحد الورثة حضر مطالبا قضى له بجميع الشفعه، والقول الثاني وهو أصح أنه لا يرجع على من بقى، لان جميعهم شفيع واحد. وليسوا كالشركاء الذين كل واحد منهم شفيع مستقل، فعلى هذا لو حضر أحد الورثة مطالبا لم يقض له بشئ حتى يجتمعوا، فإن عفا أحدهم عن حقه فهل تبطل بحقه

شفعة من بقى على وجهين " أحدهما " وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنها قد بطلت وسقط حق من لم يعف لانها شفعة واحدة عفا عن بعضها فصار كالشفيع إذا عفا عن بعض شفعته سقط جميعها. والثانى وبه قال أبو حامد الاسفرايينى: إن من لم يعف على شفعته يأخذ منها بقدر ميراثه ولا يكون عفو غيره مبطلا لحقه بخلاف الواحد إذا عفا عن بعض شفعته، لان الواحد قد كان له أخذ جميعها فجاز أن يسقط بعفوه عن البعض جميعها، وليس كذلك أحد الورثة لانه لا يملك منها إلا قدر حقه فلم يبطل بالعفو عن غير حقه، ولان العافى عن البعض مختار للعفو فجاز أن يسرى عفوه في جميع حقه، وليس الباقي من الورثة مختارا للعفو فلم يسر عفو غيره في حقه. (فرع) إذا ادعى على شريكه: أنك اشتريت نصيبك من عمرو فلى شفعته فصدقه عمرو فأنكر الشريك وقال: بل ورثته من أبى فأقام المدعى بينة أنه كان ملك عمرو لم تثبت الشفعة بذلك، وقال محمد بن الحسن: تثبت. ويقال له: إما أن تدفعه وتأخذ الثمن وإما أن ترده إلى البائع فيأخذه الشفيع منهما لانهما شهدا بالملك لعمرو فكأنهما شهدا بالبيع فإذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء أنك اشتريت نصيبك فلى أخذه بالشفعة فإنه يحتاج إلى تحرير دعواه فيحدد المكان الذى فيه الشقص، ويذكر قدر الشقص والثمن ويدعى الشفعة فيه، فإذا فعل ذلك سئل المدعى عليه، فإن أقر لزمه. وان أنكر وقال: انما اتهبته أو ورثته فلا شفعة لك فيه فالقول قول من ينفيه، كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة، فإن حلف برئ وان نكل وقضى عليه. وان قال: لا تستحق على الشفعة، فالقول قوله مع يمينه، ويكون يمينه على حسب قوله في الانكار. وإذا نكل وقضى عليه بالشفعة عرض عليه الثمن فإن أخذه دفع إليه، وان قال لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه 1 - يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشترى فيدفع إليه، كما لو أقر له بدار فأنكرها. 2 - أن يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه المشترى. ومتى ادعاه دفع إليه

3 - يقال له: اما أن تقبضه واما أن تبرئ منه كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال المكاتبة فادعى أنه حرام، اختار هذا القاضى، وهذا مفارق للمكاتب لان سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذى أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى السيد تحريم ما أتاه به، وهذا لا يطالب الشفيع بشئ، فلا ينبغى ان يكلف ابراءه مما لا يدعيه. والوجه الاول أولى، وبهذا قال الحنابله (فرع) إذا كانت دار بين رجلين، فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يستحق ما في يديه بالشفعة سألناهما متى ملكتماها؟ فإن قالا: ملكناها دفعة واحدة، فلا شفعة لاحدهما على الآخر، لان الشفعة انما تثبت بملك سابق في ملك متجدد بعد وان قال كل واحد منهما ملكى سابق ولاحدهما بينة بما ادعاه قضى له، وان كان لكل واحد منهما بينة قدمنا أسبقهما تاريخا، وان شهدت بينة كل واحد منهما بسبق ملكه وتجدد ملك صاحبه تعارضتا، وان لم تكن لواحد منهما بينة نظرنا إلى السابق بالدعوى فقدمنا دعواه وسألنا خصمه، فان أنكر فالقول قوله مع يمينه لانه منكر، فان حلف سقطت دعوى الاول ثم تسمع دعوى الثاني على الاول فان أنكر وحلف سقطت دعواهما جميعا وان ادعى الاول فنكل الثاني عن اليمين قضينا عليه ولم تسمع دعواه، لان خصمه قد استحق ملكه، وان حلف الثاني ونكل الاول قضينا عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان اختلفا في الثمن فقال المشترى الثمن ألف وقال الشفيع هو خمسمائة فالقول قول المشترى مع يمينه لانه هو العاقد فكان أعرف بالثمن ولانه مالك للشقص فلا ينزع منه بالدعوى من غير بينة (فصل) وان ادعى الشفيع أن الثمن ألف، وقال المشترى لا أعلم قدره فالقول قول المشترى، لان ما يدعيه ممكن، فانه يجوز أن يكون قد اشترى بثمن جزاف، ويجوز أن يكون قد علم الثمن ثم نسى، فإذا حلف لم يستحق الشفعا لانه لا يستحق من غير بدل ولا يمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه

وقال أبو العباس: يقال له إما أن تبين قدر الثمن أو نجعلك ناكلا فيحلف الشفيع أن الثمن ألف ويستحق كما نقول فيمن ادعى على رجل ألفا فقال المدعى عليه لا أعلم القدر، والمذهب الاول، لان ما يدعيه ممكن، فإنه يجوز أن يكون قد اشتراه بثمن جزاف لا يعرف وزنه، ويجوز أن يكون قد علم ثم نسى، ويخالف إذا ادعى عليه ألفا، فقال: لا أعرف القدر، لان هناك لم يجب عن الدعوى. وههنا أجاب عن استحقاق الشفعه، وإنما ادعى الجهل بالثمن (فصل) وإن قال المشترى: الثمن ألف. وقال الشفيع لا أعلم هل هو ألف أو أقل، فهل له أن يحلف المشترى؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس له أن يحلفه حتى يعلم، لان اليمين لا يجب بالشك (والثانى) له أن يحلفه لان المال لا يملك بمجرد الدعوى، وإن قال المشترى الثمن ألف، وقال الشفيع لا أعلم كم هو؟ ولكنه دون الالف، فالقول قول المشترى، فإن نكل لم يحلف الشفيع حتى يعلم قدر الثمن، لانه لا يجوز أن يحلف على ما لم يعلم (فصل) وإن اشترى الشقص بعرض وتلف العرض (واختلفا) ؟ في قيمته، فالقول قول المشترى، لان الشقص ملك له فلا ينتزع بقول المدعى (فصل) وإن أقر المشترى أنه اشترى الشقص بألف وأخذ الشفيع بألف ثم ادعى البائع أن الثمن كان ألفين وصدقه المشترى لم يلزم الشفيع أكثر من الالف، لان المشترى أقر بأنه يستحق الشفعه بألف فلا يقبل رجوعه في حقه فان كذبه المشترى فأقام عليه بينة أن الثمن ألفان لزم المشترى الالفان، ولا يرجع على الشفيع بما زاد على الالف، لانه كذب البينة بإقراره السابق (الشرح) قال الشافعي: وان اختلف فالثمن فالقول قول المشترى مع يمينه، وهذا كما قال: إذا اختلف الشفيع والمشترى في قدر الثمن فادعى المشترى أن الثمن ألف. وقال الشفيع خمسمائة ولا بينه لواحد منهما فالقول قول المشترى مع يمينه لامرين:

(أحدهما) أنه مباشر للعقد فكان أعلم به من غيره (والثانى) أنه مالك للشقص فلم ينتزع منه الا بقوله، فإن حلف المشترى على ما ادعاه من الثمن أخذه الشفيع به، وإن نكل المشترى ردت اليمين على الشفيع، فإن حلف أخذه بما قال. فإن قيل: فهذا تحالفا عليه كما يتحالف المتبايعان. قيل لان كل واحد من المتبايعين مدع ومدعى عليه فتحالفا لاستوائهما في الشقص. والشفيع وحده منفرد بالدعوى أنه مالك للشقص بما ادعى، فكان القول قول المشترى لتفرده بالانكار، فلو أقام أحدهما بينة بما ذكره من الثمن حكم بها: والبينة شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين، فإن أقامها المشترى استفاد بها سقوط اليمين، فلو شهد له البائع بما ادعاه من الثمن ردت شهادته لانه شاهد بالزيادة لنفسه. ولو أقام الشفيع البينة استفاد بها الحكم لقول الشافعي: فإن شهد له البائع بما ادعى من الثمن ردت شهادته لانه متهوم في شهادته بنقص الثمن عند الرجوع عليه بالدرك مع أنه عاقد في الحالين فلم تقبل شهادته فيما تولى عقده فلو أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعاه من الثمن، فعند أبى حنيفة ومحمد ابن الحسن أن بينة الشفيع أولى للاتفاق عليها. وعند أبى يوسف أن بينة المشترى أولى، لان فيها زيادة علم، ويخرج في مذهب الشافعي على قولين من تعارض البينتين. 1 - اسقاطهما بالتعارض. ويكون القول قول المشترى مع يمينه 2 - الاقراع بينهما فمن قرعت بينته كان أولى، وهل يحلف معها أم لا؟ على قولين من اختلاف قولين في القرعة، هل جاءت مرجحة للدعوى أو مرجحة للبينة. فعلى هذا لو أخذه الشفيع بالالف عند يمين المشترى ثم قامت البينه أن الثمن خمسمائه رجع الشفيع على المشترى بخمسمائه ولا خيار للشفيع، لانه لما رضى الشقص بالالف كان له بخمسمائة أرضى ولو أخذه الشفيع بخمسمائة بيمينه ثم قامت البينه أن الثمن ألف كان الشفيع مخيرا بين أن يأخذه بالالف أو يرده

ولو ادعى المشترى أن الثمن سيارة قيمتها ألف فأخذه الشفيع بها ثم ظهر أن الثمن (ريكوردر) المسجل للصوت، فان كانت قيمته ألفا لم يتراجعا بشئ، لان المستحق فيه القيمة وهما سواء، وإن كانت قيمة المسجل أكثر لم يرجع المشترى بالزيادة لانه مقر باستيفاء حقه. وإن كانت قيمة المسجل أقل رجع الشفيع بنقصها على المشترى ولا خيار له. فلو قال المشترى ان الثمن ألف وقال الشفيع لست أعلم قدر الثمن مع علمي بنقصه عن الالف فله إحلاف المشترى، فإن رد اليمين عليه لم يكن له أن يحلف حتى يعلم قدر الثمن، ولو لم يعلم الشفيع هل الثمن ألف أو أقل فهل يستحق إحلاف المشترى أم لا؟ على وجهين: 1 - لا يستحق إحلافه حتى يعلم خلاف قوله، لان اليمين لا يجب بالشك. 2 - يستحق إحلافه ما لم يعلم صدقه لان المال لا يملك بمجرد القول. (فرع) ولو قال المشترى: لا أعلم قدر الثمن لنسيان حدث. قيل للشفيع: أتعلم قدره أم لا؟ فان قال لا أعلم قدره فلا شفعة له، وله إحلاف المشترى أنه لا يعلم قدر الثمن، وإنما يطلب لانها تستحق بالثمن فكان جهلها به مانعا من استحقاقها بمجهول. فان قال الشفيع أنا أعلم قدر الثمن وهو خمسمائة درهم. وقال المشترى: قد نسيت قدر الثمن، قيل للمشترى: أفتصدق الشفيع على ما ذكر من الثمن فان قال نعم، أخذ الشفيع الشقص بخمسمائة من غير يمين. وإن أكذبه قال الشافعي حلف المشترى بالله ما يعلم قدر الثمن ولا شفعته. واختلف أصحابنا في ذلك. فكان أبو حامد المروروذى وأبو حامد الاسفرايينى يجعلان هذا القول مذهبا له في هذه المسألة، ويبطلان بيمين المشترى الشفعه تعليلا بأن الثمن موقوف على عاقده وقد جهل الثمن بنسيانه فبطلت الشفعة به.

وكان أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أبى هريرة يجعلان هذا الجواب مصروفا إلى المسألة الاولى عند نسيان المشترى وجهل الشفيع دون المشترى، ويحكم له بالشفعه، وهذا هو الصحيح لان نسيان المشترى كالنكول فوجب رد اليمين على الشفيع. قال الشافعي: وسواء في ذلك قديم الشراء وحديثه، وهذا إنما أراد به ما ادعى، فانه قال: إن ادعى المشترى نسيان الثمن والشراء حديثا حلف الشفيع وحكم له بالشفعه، وإن كان الشراء قديما حلف المشترى وبطلت الشفعه ورفض الماوردى هذا الفرق وقال: هذا قول مرذول وفرق معلول. فأما إن اختلف البائع والمشترى في الثمن فقال البائع: بعته بألف، وقال المشترى: اشتريته بخمسمائه فانهما يتحالفان، فإذا حلفا ففى بطلان البيع بتحالفهما وجهان ذكرا في البيوع. أحدهما: أنه قد بطل فعلى هذا يعود الشقص إلى البائع ولا شفعة فيه. والثانى: أن البيع لا يبطل إلا بالفسخ، فعلى هذا لا يخلو حال المثمن من أحد أمرين إما أن يكون معينا أو غير معين، فان كان المثمن معينا كقول البائع بعتك شقصى بهذه السيارة فيقول المشترى: اشتريته بهذا (الريكوردر) المسجل فإذا تحالفا وامتنع المشترى أن يأخذه بالسيارة التى ادعاها البائع ثمنا لم يعرض على الشفيع لان عين هذه السيارة لا تحصل للبائع من جهة الشفيع، وفسخ الحاكم البيع بينهما وأبطل الشفعة فيه، وإن كان الثمن غير معين كقول البائع بعتك الشقص بألف فيقول المشترى بخمسمائة، عرض الشقص على المشترى والشفيع بالالف ليأخذاه أو يرداه لانه قد يحصل للبائع ما ادعاه من القدر من الشفيع والمشترى، فلذلك عرض عليها، وإذا كان كذلك فللشفيع والمشترى أربعة أحوال. ا - أن يرضيا جميعا به فيلزم المشترى الالف وللشفيع أن يأخذ منه الشقص بالالف. ب - أن يرداه جميعا بالالف فيفسخ البيع وتبطل الشفعة.

ج - أن يرضاه المشترى بالالف ويرده الشفيع بها فيلزم البيع للمشترى بالالف وتبطل شفعة الشفيع. د - أن يرضى به الشفيع بالالف ويرده المشترى فيكون رد المشترى باطلا لما فيه من إسقاط حق الشفيع، ويصير البيع لازما للمشترى ليتوصل به الشفيع إلى حقه من الشفعة ويأخذ الشقص فيه بالالف، فلو رده الشفيع بعيب رده على المشترى ورجع عليه بالثمن لان عهدته عليه، وللمشترى حينئذ أن يفسخ البيع فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) فإن كان بين رجلين دار وغاب أحدهما وترك نصيبه في يد رجل فادعى الشريك على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه منه، وأنه استحق أخذه بالشفعة، فأقر به، فهل يلزمه تسليمه إليه بالشفعة؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يسلمه، لانه أقر بالملك للغائب، ثم ادعى انتقاله بالشراء، فلم يقبل قوله (والثانى) يسلم إليه لانه في يده فقبل قوله فيه. (فصل) وإن أقر أحد الشريكين في الدار أنه باع نصيبه من رجل ولم يقبض الثمن، وصدقه الشريك وأنكر الرجل، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا تثبت الشفعة للشريك، لان الشفعه تثبت بالشراء ولم يثبت الشراء، فلم تثبت الشفعة للشريك، وذهب عامة أصحابنا إلى أنه تثبت الشفعة، وهو جواب المزني فيما أجاب فيه على قول الشافعي رحمه الله، لانه أقر للشفيع بالشفعه، وللمشترى بالملك، فإذا أسقط أحدهما حقه لم يسقط حق الآخر كما لو أقر لرجلين بحق فكذبه أحدهما وصدقه الاخر، وهل يجوز للبائع أن يخاصم المشترى. فيه وجهان. أحدهما: ليس له ذلك لانه يصل إلى الثمن من جهة الشفيع فلا حاجة به إلى خصومة المشترى. والثانى: له أن يخاصمه لانه قد يكون المشترى أسهل في المعاملة من الشفيع، فإن قلنا: لا يخاصم المشترى أخذ الشفيع الشقص من البائع وعهدته عليه لانه منه أخذ، واليه دفع الثمن.

وإن قلنا: يخاصمه، فان حلف أخذ الشفيع الشقص من البائع ورجع بالعهدة عليه، وإن نكل فحلف البائع سلم الشقص إلى المشترى وأخذ الشفيع الشقص من المشترى، ورجع بالعهدة عليه لانه منه أخذ، واليه دفع الثمن، وان أقر البائع بالبيع وقبض الثمن، وأنكر المشترى، فمن قال: لا شفعة إذا لم يقر بقبض الثمن لم تثبت الشفعة إذا أقر بقبضه، ومن قال: تثبت الشفعة إذا لم يقر بقبض الثمن اختلفوا إذا أقر بقبضه، فمنهم من قال: لا تثبت لانه يأخذ الشقص من غير عوض، وهذا لا يجوز، ومنهم من قال: تثبت، لان البائع أقر له بحق الشفعة وفى الثمن الاوجه الثلاثة التى ذكرناها، فيمن ادعى الشفعه على شريكه وحلف بعد نكول الشريك، والله أعلم. (الشرح) قال الشافعي: وعهدة المشترى على البائع وعهدة الشفيع على المشترى، قال الماوردى في الحاوى: أما العهدة فمشتقة من العهد لما فيه من الوفاء بموجبه قال تعالى " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " وقال الفيومى في المصباح: العهد الوصية يقال: عهد إليه يعهد من باب تعب إذا أوصاه وعهدت إليه بالامر قدمته وفى التنزيل " ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان " والعهد الامان والموثق والذمه، ومنه قيل للحربى يدخل بالامان ذو عهد. ومعاهد أيضا بالبناء للفاعل والمفعول، لان الفعل من اثنين فكل واحد يفعل بصاحبه مثل ما يفعل صاحبه - إلى أن قال - وقولهم: عهدته عليه من ذلك لان المشترى يرجع على البائع بما يدركه وتسمى وثيقة المتبايعين عهدة لانه يرجع إليها عند الالتباس اه. ونعود إلى قول الشافعي فنقول: لقد سمى ضمان الدرك عهدة ثم سمى كتاب الشراء (الفاتورة) عهدة، واختلف الفقهاء في عهدة الشفيع هل تجب على البائع أو على المشترى؟ فذهب الشافعي إلى أن عهدة الشفيع على المشترى وعهدة المشترى على البائع. وقال ابن أبى ليلى: عهدة الشفيع على البائع، وقال أبو حنيفة: ان كان الشفيع

قد قبضه من المشترى فعهدته على المشترى، وان كان قد قبضه من البائع فسخ عقد المشترى وكانت عهدته على البائع. فأما ابن أبى ليلى فاستدل بأن البائع أصل والمشترى فرع، فكان الرجوع على البائع أولى من المشترى، لانه لا اعتبار بالفرع مع وجود الاصل. قال: ولان المشترى يحل محل الوكيل للشفيع لدخوله على علم بانتقال الشراء إلى الشفيع، ثم ثبت في شراء الوكيل أن العهدة على البائع دون الوكيل، كذلك في استحقاق الشفيع. وأما أبو حنيفة فاستدل على أن للشفيع أن يفسخ عقد المشترى بأنه لما استحق إزالة ملكه عنه استحق فسخ عقده فيه لان ثبوت العقد لاستيفاء الملك ودليلنا هو أن الشفيع يملك الشقص عن المشترى، بدليل أنه لو تركه لكان مقرا على ملك المشترى، ولو حدث منه نماء لكان للمشترى، فوجب أن تكون العهدة عليه كما كانت على البائع للمشترى، وتحريره قياسا أن انتقال الملك بالعوض ممن يظاهر بملك المعوض يوجب أخذه بالعهدة كالبيع، ولان الرجوع بالثمن قد يستحق في الرد بالعيب كما يستحق في الاستحقاق بالشفعة فلما كان الرجوع به في الرد بالعيب مستحقا على المشترى دون البائع وجب أن يكون الرجوع به في الاستحقاق بالشفعة مستحقا على المشترى دون البائع وقد يتحرر من اعتلال هذا الاستدلال قياسان: (أحدهما) أن أحد نوعيه ما يوجب الرجوع بالثمن فوجب أن يستحقه الشفيع على المشترى دون البائع قياسا على الرد بالعيب (والثانى) أن من استحق عليه الثمن في الرد بالعيب لم يستحق عليه الثمن في الاستحقاق وبالغصب قياسا على المشترى لو كان بائعا فأما الجواب عن استدلال ابن أبى ليلى بأن البائع أصل والمشترى فرع فمنتقض بالمشترى لو باع على الشفيع، ثم نقول ان المشترى وان كان فرعا للبائع فانه أصل للشفيع. وأما الجواب عن استدلاله بالوكيل فهو امتناع الجمع بينهما من وجهين: (ا) ان الشفيع لما كان مخيرا بين أخذه من المشترى وبين تركه عليه صار مالكا

عنه لا عن البائع، ولما لم يكن للموكل خيار في أخذه من الوكيل وتركه عليه صار مالكا عن البائع دون الوكيل. (ب) إنه لما استحق الشفيع الرد بالعيب على المشترى دون البائع صار مالكا عنه لا عن البائع، ولما استحق الموكل الرد بالعيب على البائع دون الوكيل صار مالكا عنه لا عن الوكيل. وأما الجواب عن استدلال أبى حنيفة بأنه لما ملك إزالة ملكه رفع عقده فمن وجهين: (ا) انه قد يملك إزالة ملكه بعد القبض ولا يملك رفع عقده فكذلك قبل القبض. (ب) أنه بالعقد ملك الشفعة، وفى رفعه إبطال الشفعة. (فرع) فأما قبض الشفيع الشقص من البائع قبل قبض المشترى له أو من ينوب عنه ففيه وجهان حكاهما ابن سريج (أحدهما) ليس له ذلك لانه يحل محل المشترى في الاخذ بالثمن، ولا يجوز شراء ما لم يقبض، فكذلك لا يجوز أخذ شفعة ما لم يقبض. فعلى هذا يأخذ الحاكم المشترى بالقبض، فإذا صار بيده انتزعه الشفيع منه، فإن كان المشترى غائبا وكل الحاكم عنه من يقبض له ثم حكم للشفيع بأخذه منه. (والثانى) وهو اختيار ابن سريج أن للشفيع أخذه من البائع قبل قبض المشترى، لان الشفيع يأخذه جبرا بحق، وإن كره المشترى فجاز، وإن كان قبل قبضه، كما يجوز الفسخ والاقالة قبل القبض ويبرأ البائع من ضمانها بقبض الشفيع لانه يأخذها بحق توجه على المشترى، وبالوجه الاول قال أبو إسحاق المروزى. (فرع) قال المزني: ولو أن البائع قال قد بعت من فلان شقصا بألف درهم وأنه قبض الشقص وأنكر ذلك فلان وادعاه الشفيع، فإن الشفيع يدفع الالف إلى البائع ويأخذ الشقص. وصورتها في رجل ادعى بيع شقصه على رجل فأنكر المشترى الشراء وحضر الشفيع مصدقا للبائع ومطالبا بالشفعة، فهذا على ضربين (ا) أن يكون البائع مدعيا بقاء الثمن على المشترى (ب) أن يكون مقرا بقبضه، فان كان مع ادعاء البيع مدعيا بقاء الثمن

حكم عليه للشفيع بالشفعة لانه مدع على المشترى ومقر للشفيع فيحكم عليه باقراره وإن ردت دعواه. وفى منعه من محاكمة المشترى واحلافه على الانكار وجهان: 1 - أن يكون البائع مدعيا بقاء الثمن على المشترى 2 - أن يكون مقرا بقبضه، فان كان مع ادعاء البيع مدعيا بقاء الثمن حكم عليه للشفيع بالشفعة لانه مدع على المشترى ومقر للشفيع فيحكم عليه باقراره وإن ردت دعواه. وفى منعه من محاكمة المشترى وإحلافه على الانكار وجهان: 1 - قول أبى على بن أبى هريرة: ليس له إحلافه، لان قصده حصول الثمن وقد حصل له، وسواء حصل له من مشترى أو شفيع، ولانه لا يؤمن ان أحلف أن يحكم بفسخ البيع، وفيه إبطال لحق الشفيع 2 - له إحلافه لاستحقاق اليمين عليه بانكاره، ولما فيه من البغية لوصول الملك إلى مستحقه، ولا يبطل ليمينه حق الشفيع، فإذا قضى للشفيع بالشفعة لزمه دفع الثمن إلى البائع وتكون عهدة الشفيع هنا على البائع دون المشترى، لانه لما لم يلزمه الشراء مع انكاره لم تلزمه عهدته. هذا ولم يتسع المقام لاستقصاء فروع الشفعة وجميع الاوجه وأحكامها، وسأفرد ما قيدته فيها في كتاب مستقل ان شاء الله تعالى. والله أعلم بالصواب.

كتاب القراض

كتاب القراض القراض جائز لما روى زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه فرحب بهما وسهل وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه في المدينة وتوفران رأس المال إلى أمير المومنين ويكون لكما ربحه، فقالا وددنا، ففعل فكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما وباعا وربحا فقال عمر أكل الجيش قد أسلف كما أسلفكما؟ فقالا لا، فقال عمر ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما. أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: يا أمير المؤمنين لو هلك المال ضمناه فقال أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، فأخذ رأس المال ونصف ربحه. وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال، ولان الاثمان لا يتوصل إلى نمائها المقصود الا بالعمل فجاز المعاملة عليها ببعض النماء الخارج منها كالنخل في المساقاة (فصل) وينعقد بلفظ القراض لانه لفظ موضوع له في لغة أهل الحجاز وبلفظ المضاربة لانه موضوع له في لغة أهل العراق وبما يؤدى معناه لان المقصود هو المعنى فجاز بما يدل عليه كالبيع بلفظ التمليك (فصل) ولا يصح إلا على الاثمان وهى الدراهم والدنانير، فأما ما سواهما من العروض والنقار والسبائك والفلوس، فلا يصح القراض عليها لان المقصود بالقراض رد رأس المال والاشتراك في الربح، ومتى عقد على غير الاثمان لم يحصل المقصود لانه ربما زادت قيمته فيحتاج أن يصرف العامل جميع ما اكتسبه في رد مثله ان كان له مثل، وفى رد قيمته ان لم يكن له مثل. وفى هذا إضرار بالعامل، وربما نقصت قيمته فيصرف جزءا يسيرا من الكسب في رد مثله أو رد قيمته، ثم يشارك رب المال في الباقي، وفى هذا إضرار برب المال، لان

العامل يشاركه في أكثر رأس المال. وهذا لا يوجد في الاثمان لانها لا تقوم بغيرها، ولا يجوز على المغشوش من الاثمان لانه تزيد قيمته وتنقص كالعروض (فصل) ولا يجوز إلا على مال معلوم الصفة والقدر، فإن قارضه على دراهم جزاف لم يصح، لان مقتضى القراض رد رأس المال، وهذا لا يمكن فيما لا يعرف صفته وقدره، فان دفع إليه كيسين في كل واحد منهما ألف درهم فقال قارضتك على أحدهما وأودعتك الآخر ففيه وجهان (أحدهما) يصح لانهما متساويان (والثانى) لا يصح لانه لم يبين مال القراض من مال الوديعة، وإن قارضه على ألف درهم هي له عنده وديعة جاز لانه معلوم، وان قارضه على ألف درهم هي له عنده مغصوبة ففيه وجهان " أحدهما " يصح كالوديعة " والثانى " لا يصح لانه مقبوض عنده قبض ضمان، فلا يصير مقبوضا قبض أمانة (الشرح) قال ابن بطال: القراض مشتق من القرض وهو القطع، كأنه يقطع له قطعة من ماله أو قطعة من الربح. وقيل اشتقاقه من المساواة، يقال: تقارض الشاعران إذا ساوى كل منهما صاحبه في المدح، وتقارضا الثناء. وقال الصنعانى في سبل السلام: القراض بكسر القاف وهو معاملة العامل بنصيب من الربح. وهذه تسميته في لغة أهل الحجاز، وتسمى مضاربة، مأخوذة من الضرب في الارض لما كان الربح يحصل في الغالب بالسفر أو من الضرب في المال وهو التصرف. اه وقال الرافعى: ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل لان العامل يختص بالضرب في الارض، فعلى هذا تكون المضاربة من المفاعلة التى تكون من واحد، مثل عاقبت اللص. وقال ابن قدامة في المغنى من كتب الحنابلة: وهذه المضاربة تسمى قراضا أيضا، ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه، على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه، فأهل العراق يسمونه مضاربة، مأخوذة من الضرب في الارض. اه وقد جمع النووي بين الاسمين في المنهاج فقال: القراض والمضاربة أن يدفع

إليه مالا ليتجر فيه والربح مشترك. قال السبكى. قد يشاح النووي في قوله: أن يدفع. ويقال القراض العقد المقتضى للدفع لا نفس الدفع. قال الشربينى في شرح المنهاج: وأركانه خمسة: مال وعمل وربح وصيغه وعاقدان. وقال الرشيدى في حاشيته على شرح شمس الدين الرملي للمنهاج في عطف الشارح: المقارضة على القرض، أي إن القراض يجوز أن يكون مشتقا من القرض ومن المقارضة. وهذا الصنيع ظاهر في أن دفع المال على الوجه الآتى لا يسمى مقارضة بل قراضا ومضاربة، وهو ظاهر المتن حيث اقتصر عليهما. لكن ظاهر كلام المحلى يخالفه حيث عطف المقارضة على ما في المتن فأفاد أن القراض والمضاربة بمعنى قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة. وقال الصنعانى لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الاسلام وقال ابن حزم: كل أبواب الفقه فيه أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلا في السنة لكنه إجماع صحيح، ويقطع بأنه كان في عصره صلى الله عليه وسلم وعلم به وأقره. (قلت) ولسنا نخالف ابن حزم الا في أن أمرا مجمعا عليه من الامة منذ عهد نبيها صلى الله عليه وسلم ثم لا يتبين مصدره واضحا بالاخبار، ولعل ابن حزم لم يبلغه لبعد الشقه ما بلغ غيره، وإن كانت هذه الاخبار المرفوعة يعتريها بعض الوهن من ناحية الاسناد فانها مؤيدة بأخرى صحيحة موقوفة على الصحابة، وهو لا يدل بالاستقراء على أنه كان موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم، وانما يدل بمنطوقه على وجوده، فيكون استقراؤه من الاجماع على وجوده ينقصه ما رويناه عن الصحابة من صحيح الاخبار فأما المرفوع فقد روى ابن ماجه عن صهيب إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل والمقارضة وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع " أورده ابن حجر في بلوغ المرام وضعف اسناده. وأما الموقوف فما رواه الدارقطني ورجاله ثقات عن حكيم بن حزام أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة أن لا تجعل مالى في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به في بطن مسيل، فان فعلت شيئا من ذلك فقد

ضمنت مالى. وقال مالك في الموطأ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما، وروى حميد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق، وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر خرجا في جيش إلى العراق فتسلفا من أبى موسى مالا وابتاعا به متاعا، وقدما به إلى المدينة، فباعاه وربحا فيه، فأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا: لو تلف كان ضمانه علينا، فلم لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا قال: قد جعلته، وأخذ منهما نصف الربح، وقد ساقها المصنف بأوفى من هذا. وعن قتادة عن الحسن أن عليا قال: إذا خالف المضارب فلا ضمان، هما على ما شرطا، وعن ابن مسعود وحكيم بن حزام أنهما قارضا. قال الماوردى في الحاوى: والاصل في إحلال القراض وإباحته قوله تَعَالَى " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا من ربكم " وفى القراض ابتغاء فضل وطلب نماء وقد استدل بحديث " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " على جوازها وقد ضارب النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة بأموالها إلى الشام وأنفذت لخدمته عبدا لها يقال له ميسرة، وروى ابن أبى الجارود حبيب بن يسار عن ابن عباس قال: كان العباس إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشترى به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن، قال الماوردى: فرفع ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجازه. وقد اختلف أصحابنا في وجه الاستدلال من حديث عمر على ثلاثة أوجه: (أحدها) قول الجليس: لو جعلته قراضا، وإقرار عمر على صحة القراض ولو علم عمر فساده لرده، فلم يكن ما فعله معهما قراضا لا صحيحا ولا فاسدا، ولكن استطاب طهارة انفسهما بما أخذه من ربحهما لاسترابته بالحال واتهامه أبا موسى بالميل لانهما ابنا أمير المؤمنين، الامر الذى ينفر منه الامام العادل وتأباه طبيعة الاسلام. (والثانى) أن عمر أجرى عليهما في الربح حكم القراض الفاسد لانهما عملا

على أن يكون الربح لهما ولم يكن قد تقدم في المال عقد يصح حملهما عليه، فأخذ منهما جميع الربح، وعاوضهما على العمل بأجرة المثل وقدره بنصف الربح فرده عليهما أجرة، وهو اختيار أبى إسحاق المروزى. (والثالث) أن عمر أجرى عليهما أجرا في الربح حكم القراض الصحيح، وإن لم يتقدم منهما عقد، لانه كان من الامور العامة ما يتسع حكمه عن العقود الخاصة، فلما رأى المال لغيرهما والعمل منهما ولم يرهما متعديين فيه، جعل ذلك عقد قراض صحيح، وهذا ذكره أبو على بن أبى هريرة، فعلى هذا الوجه يكون القول والفعل معا دليلا، ثم الحديث الذى ساقه المصنف من مساقاة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شطر ما يخرج من تمر وزرع لا يدل بمنطوقه على هذا وإنما يدل بالمفهوم أو المحمول، لان المساقاة عمل في محل استوجب به شطر ثمرها فاقتضى ذلك جواز القراض من طريق المعنى. وقد ذهب الماوردى إلى أن صحة القراض دليل على جواز المساقاة. قوله: النقار وهو مذاب الفضة وقبل الذوب هي تبر، والسبائك جمع سبيكة القطعة المستطيلة من الذهب. والفلوس جمع فلس وهو أدنى ما يتعامل من المال، ويسمى في الشام قرشا وفى العراق فلسا، وفى مصر والسودان مليما، وفى الحجاز ونجد هللة، وفى اليمن بقشة، وفى المغرب والجزائر بيزا أو بسيطة، وفى اليونان دراخما، وفى اليابان ين، وفى انجلترا وأمريكا بنس، والفرق بين الفلوس قديما وحديثا أوضحناها في كتابنا تاريخ النقود الاسلامية. فإذا ثبت أن القراض جائز بين المتعاقدين لانه عقد معونة وإرفاق، فانه عقد اختيار وليس عقد لزوم ويجوز لمن شاء منهما أن يفسخه، ومن. أجل تيسير رد رأس المال على صاحبه لم يبحه الفقهاء إلا بالدراهم والدنانير. قال الشافعي: ولا يجوز القراض إلا في الدراهم والدنانير التى هي أثمان الاشياء وقيمتها، وحكى عن طاوس والاوزاعي وابن أبى ليلى جواز القراض بالعروض لانها كالدراهم والدنانير، ولان كل عقد صح بالدراهم والدنانير صح بالعروض

كالبيع، وهذا خطأ لان القراض مشروط برد رأس المال واقتسام الربح وعقده بالعروض يمنع من هذين الشرطين، أما رد رأس المال فلان من العروض مالا مثل لها فلم يمكن ردها. وأما الربح فقد يفضى إلى اختصاص أحدهما به دون الآخر لانه إن زاد خيره العامل بالربح فاختص به رب المال، وان نقص أخذ العامل شطر فاضله من غير عمل، وهذه أمور يمنع القراض منها فوجب أن يمنع مما أدى إليها ولان كل مال يوجب القراض منع من أن ينعقد عليه القراض كالمنافع. فأما الجواب عن قياسهم على الدراهم والدنانير فهو أنها لا تمنع موجب القراض وأما قياسهم على البيع فالمعنى فيه أنه لا يلزم فيه رد مثل ولا قسمة ربح فجاز بكل مال، فإذا ثبت أن القراض لا يصح إلا بالدراهم والدنانير فلا يصح إلا بما كان منها مضروبا لا غش فيه، فإنه بالنقار والسبائك لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة، وكذلك بالفضة المغشوشة، وذهب أبو حنيفة إلى جوازها إذا كانت الفضة أكثر اعتبارا بحكم الاغلب، وهذا خطأ لان غش الفضة بالنحاس لو تميز عنها لم يجز به القراض فإذا خالطها لم يجز به القراض، ولان ما لم تخلص فضته لم تجز مقارضته كالكثير الغش. فإن قيل: فمن شرطها أن تكون معلومة القدر والصفة عند عقد القراض بها فإن تقارضا على مال لا يعلمان قدره كان القراض باطلا للجهل بما تعاقدا عليه، وإن علما قدره وجهلا صفته بطل القراض، لان الجهل بالصفة كالجهل بالقدر في بطلان العقد، فلو عقد القراض على ألف من أنواع شتى، فإن علما كل نوع منها صح العقد، وإن جهلاه بطل. فلو دفع إليه ألف درهم وألف دينار على أن يقارض بأى الالفين شاء ويستودعه الاخرى لم يجز للجهل بالقراض هل عقد بألف درهم أو بألف دينار، كما لو أعطاه مبلغا من العملة الصعبة كالدولار والمارك والاسترلينى ومبلغا من العمله الاخرى ولكل من النقدين قيمة رسمية وقيمة حرة، وقيمة محلية وأخرى في أسواقها الرسمية أو الدوليه، ولم يحدد له أحد النوعين المراد به القراض كان العقد باطلا

ولو دفع إليه بكيسين في كل واحد منهما ألف دينار على أن تكون إحدى الالفين قراضا والاخرى وديعة ففيه وجهان. (أحدهما) يجوز ويكون قراضا صحيحا لانه معقود على ألف دينار معلومة لتساوي الالفين. (والثانى) لا يجوز للجهل بمال القراض من مال الوديعة، ولكن لو دفع إليه ألفا وألفا على أن له من ربح أحد الالفين النصف ومن ربح الآخر الثلث، فإن عين الالف التى شرط له نصف ربحها من الالف التى شرط له ثلث ربحها جاز وكانا عقدين، وإن لم يعين لم يجز للجهل بمال كل واحد من العقدين. وإذا كانت لرجل في يد رجل ألف درهم وديعه فقارضه عليها وهما يعلمان قدرها وصفتها جاز، ولو كانا يجهلان القدر أو الصفة لم يجز، ولو قال له: قد قارضتك على ألف من ديتي التى على فلان فاقتضى منه قراضا لم يجز لانه قراض على ملك غائب، فان قبضها وأنجز بها صح القبض لانه وكل فيه، وكان الربح والخسران لرب المال وعليه، لحدوثها عن ملكه في قراض فاسد، ولو كان له على العامل دين فقال له: قد جعلت ألفا من دينى عليك قراضا في بدل لم يجز تعليلا بأنه قراض على مال غائب، وفيما حصل فيه من الربح والخسران قولان حكاهما أبو حامد في جامعه تخريجا. (أحدهما) أنه لرب المال وعليه، كالحادث عن مقارضة من دين على غيره، فعلى هذا تبرأ ذمة العامل من الدين إذا اتجر به. (والقول الثاني) وهو الاصح أن الربح والخسران للعامل وعليه دين رب المال، والفرق بين كون الدين عليه وبين كونه على غيره أن قبضه من غيره صحيح لانه وكيل فيه لرب المال فعاد الربح والخسران على رب المال لحدوثها عن ملكه وقبضه من نفسه فاسد لانه يصير مشتريا لنفسه بنفسه فعاد الربح والخسران عليه دون رب المال لحدوثها عن ملكه لان في كل واحد من الموضعين يعود الربح والخسران على من له المال. (فرع) فأما إذا غصبه ألفا ثم قارضه عليها فهذا على ضربين. أحدهما: أن

يكون قد استهلكها بالغصب فقد صارت بالاستهلاك دينا، فيكون على ما ذكرنا والثانى أن تكون باقية فهذا على ضربين (أحدهما) أن يقارض عليهما بعد إبرائه من ضمانها فيجوز لانها تصير بعد الابراء وديعة (والثانى) أن تقارضه عليها من غير تصريح بإبرائه منها، ففى القراض وجهان (أحدهما) باطل لانها مضمونة عليه كالدين وبما حصل فيها من ربح وخسران فلرب المال وعليه. (والثانى) وهو الصحيح أن القراض صحيح لانه قراض على مال حاضر كما لو باعها عليه أو وهبها منه. وفى براءته بذلك من ضمانها ثلاثة أوجه: 1 - براءته من ضمانها لانه قد صار مؤتمنا عليها 2 - لا يبرأ من ضمانها كما لا يبرأ الغاصب من ضمان ما ارتهن 3 - أنه ما لم يتصرف فيها بعقد القراض فضمانها باق عليه، وإن تصرف فيها بدفعها في ثمن ما ابتاعه بها برئ من ضمانها إن عاقد عليها بأعيانها، ولم يبرأ إن عاقد بها في ذمته لانها في التعيين مدفوعة إلى مستحقها بإذن مالكها، فصار كردها عليه، وفيما تعلق بذمته يكون مبرئا لنفسه. فأما إذا دفع إليه عرضا وأمره ببيعه والمضاربة بثمنه لم يجز لعلتين (ا) جهالة ثمنه والقراض بالمال المجهول باطل (ب) عقده بالصفة، والقراض بالصفات باطل فإن باعه العامل كان بيعه جائزا لصحة الاذن فيه، وإن اتجر به كان الربح والخسران لرب المال لحدوثها عن ملكه، وللعامل أجرة مثله في عمل القراض دون القرض، لانه لم يجعل له في بيع القرض جعلا، وإنما جعل له في عمل القراض ربحا فصار متطوعا بالبيع معتاضا على القراض. ولو قال خذ من وكيلى ألف درهم فضارب بها لم يجز لعلة واحدة، وهو أنه قراض بصفة وما حصل من ربح وخسران فلرب المال وعليه. فأما إذا دفع شبكة إلى صياد ليصيد بها ويكون الصيد بينهما لم يجز وكان الصيد للصياد وعليه أجرة الشبكة، وقد مضى تفصيل ذلك من التكملة الاولى ومناقشة كل من القائلين بأن الشبكة لمالكها وعليه أجر المثل للصياد. أو أن المصيد للصياد وعليه أجر الشبكة، والاتفاق على أن الصيد لا يقسم بين الصياد والمالك مرابحة

قياسا على المزارعة. والفرق بين صيد الصياد ونتاج الماشية أن حدوث النتاج من أعيانها فكان لمالكها دون عالفها وحصول الصيد بفعل الصياد فكان له دون مالك الشبكة في رأى الماوردى وكان لمالك الشبكة حتى لا يضيع تعب العامل إذا لم تخرج الشبكة صيدا في رأى السبكى وعلى صاحبها أجر مثله، وعلى هذا لو دفع سفينة إلى ملاح ليعمل فيها بنصف كسبها لم يجز، وكان الكسب للملاح لانه بعمله وعليه لمالك السفينة أجرة المثل، وهذه الاصول من أعظم ما تتميز به شريعتنا الالهية من حماية العامل وجهده وكسبه، وهى السمات الظاهرة المشرقة المشرفة في مجتمع مسلم يقوم على الاسلام. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز إلا على جزء من الربح معلوم، فان قارضه على جزء مبهم لم يصح، لان الجزء يقع على الدرهم والالف فيعظم الضرر، وإن قارضه على جزء مقدر كالنصف والثلث جاز، لان القراض كالمساقاة، وقد ساقى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ خيبر على شطر ما يخرج من تمر وزرع، وان قارضه على درهم معلوم لم يصح، لانه قد لا يربح ذلك الدرهم فيستضر العامل، وقد لا يربح إلا ذلك الدرهم فيستضر رب المال. وإن قال قارضتك على أن الربح بيننا ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لانه مجهول، لان هذا القول يقع على التساوى وعلى التفاضل (والثانى) يصح لانه سوى بينهما في الاضافة فحمل على التساوى، كما لو قال: هذه الدار لزيد وعمرو. وإن قال قارضتك على أن لى نصف الربح ففيه وجهان (أحدهما) يصح ويكون الربح بينهما نصفين، لان الربح بينهما، فإذا شرط لنفسه النصف دل على أن الباقي للعامل (والثانى) لا يصح وهو الصحيح، لان الربح كله لرب المال بالملك، وإنما يملك العامل جزءا منه بالشرط ولم يشرط له شيئا فبطل وإن قال قارضتك على أن لك النصف ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، لانه لم يبين ما لرب المال (والثانى) يصح، وهو الصحيح، لان ما لرب المال لا يحتاج إلى شرط، لانه يملكه بملك المال، وانما يحتاج إلى شرط ما للعامل،

فإذا شرط للعامل النصف بقى الباقي على ملك رب المال، فعلى هذا لو قال قارضتك على أن لك النصف ولى الثلث وسكت عن السدس صح، ويكون النصف له، لان الجميع له إلا ما شرطه للعامل، وقد شرط له النصف، فكان الباقي له. (فصل) وإن قال: قارضتك على أن الربح كله لى أو كله لك بطل القراض لان موضوعه على الاشتراك في الربح، فإذا شرط الربح لاحدهما فقد شرط ما ينافى مقتضاه فبطل، وإن دفع إليه ألفا وقال: تصرف فيه والربح كله لك فهو قرض لا حق لرب المال في ربحه، لان اللفظ مشترك بين القراض والقرض، وقد قرن به حكم القرض، فانعقد القرض به كلفظ التمليك لما كان مشتركا بين البيع والهبة إذا قرن به الثمن كان بيعا، وإن قال: تصرف فيه والربح كله لى فهو بضاعة، لان اللفظ مشترك بين القراض والبضاعة، وقد قرن به حكم البضاعة فكان بضاعة كما قلنا في لفظ التمليك. (فصل) ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما لانه ربما لم يحصل ذلك الدرهم فيبطل حقه وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم فيبطل حق الآخر، ولا يجوز أن يخص أحدهما بربح ما في الكيسين لانه قد لا يربح في ذلك فيبطل حقه أو لا يربح إلا فيه فيبطل حق الاخر ولا يجوز أن يجعل حق أحدهما في عبد يشتريه فان شرط أنه إذا اشترى عبدا أخذه برأس المال أو أخذه العامل بحقه لم يصح العقد لانه قد لا يكون في المال ما فيه ربح غير العبد فيبطل حق الاخر (الشرح) حديث المساقاة رواه الجماعة عن ابن عمر وَلَفْظُهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع " ورواه الشيخان بلفظ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظهر على خيبر سأله اليهود أن يقرهم بها على أن يكفون عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم: نقركم بها على ذلك ما شئنا " وللبخاري " أعطى يهود خيبر أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها " ولمسلم وأبى داود والنسائي " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها " ورواه أحمد عن عمر بلفظ

" أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا " ورواه البخاري بمعناه، ورواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس بلفظ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خيبر أرضها ونخلها مقاسمة على النصف " ورواه البخاري عن أبى هريرة بلفظ " قالت الانصار للنبى صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا - المهاجرين - النخل، قال: لا، فقالوا: تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة، فقالوا سمعنا وأطعنا ". أما الاحكام فقد قال الشافعي: ولا يشترط أحدهما درهما على صاحبه وما بقى سهما ويشترط أن يوليه سلعة، أو على أن يرتفق أحدهما بشئ دون صاحبه، وهذا صحيح، فقد ظهر ان عقد القراض موجب لاشتراك رب المال والعامل في الربح ولا يختص به أحدهما دون الاخر، لان المال والعمل متقابلان، فرأس المال في مقابلة عمل العامل، ولذلك وجب أن يشتركا في الربح، ولم يجز أن يختص به أحدهما مع تساويهما، وإذا منعنا من اختصاص أحدهما بالربح دون الاخر وجب أن يمنعا مما يؤدى إلى اختصاص أحدهما بالربح دون الاخر، فمن ذلك أن يشترط أحدهما لنفسه من الربح درهما معلوما والباقى لصاحبه أو بينهما، فلا يجوز، لانه قد لا يحصل من الربح إلا الدرهم المشروط فينفرد به أحدهما وينصرف الاخر بغير شئ مع وجود العمل وحصول الربح، ومثاله في البيوع أن يبيعه الثمرة إلا مدا يستثنيه لنفسه فيبطل البيع لانه قد يجوز أن تهلك الثمرة إلا ذلك المد، فيصير البائع آخذا للثمن والثمرة معا ولو شرطا تفاضلا في الربح مثل أن يشترط أحدهما عشر الربح وتسعة أعشاره للآخر جاز لانه ليس ينصرف أحدهما بغير ربح، ومثاله في البيوع أن يبيع الثمرة إلا عشرها فيصح البيع لان ما بقى منها فهو مبيع وغير مبيع. قال الماوردى: ومن ذلك أن يشترط أحدهما أن يولى ما يرتضيه أو ما يكتسبه برأس ماله فيبطل القراض لانه قد لا يكون في المشترى ربح إلا فيما تولاه فيصير مختصا بجميع الربح ويخرج الآخر بغير ربح، ومن ذلك أن يشترط أحدهما ربحا دون صاحبه، مثل أن يشترط ركوب ما اشتراه من الدواب أو لبس ما اشتراه

من الثياب مدة بقائها في القراض فيبطل العقد لانه قد لا يكون في أثمانها فضل إلا ما اختص به أحدهما من الرفق فيصير منفردا بالربح لان المنفعة مقومة كالاعيان فأما إذا شرطا جميع الربح لاحدهما فهما مسألتان: 1 - أن يشترطا جميع الربح لرب المال 2 - أن يشترطا جميع الربح للعامل، فإذا شرطا الاول نظر فيه، فان لم يقل رب المال عند دفعه: انه قراض ولكن قال: خذه فاشتر به وبع ولى جميع الربح فهذه استعانة بعمله وليس بقراض والعامل متطوع بعمله فيه وجميع الربح لرب المال ولا أجرة للعامل في عمله. وإن قال خذه قراضا على أن جميع الربح لى، فهذا قراض فاسد وجميع الربح لرب المال، وفى استحقاق العامل أجرة مثله وجهان (أحدهما) وهو قول المزني إنه لا أجرة له، لانه مع الرضا بأن لا ربح له متطوع بعمله (والثانى) وهو قول ابن سريج إن له أجرة مثله لعمله في قراض فاسد، فصار كالمزوجة من غير صداق تستحق بذلك مهر المثل. وأما ان شرطا جميع الربح للعامل فهذا على ضربين (أحدهما) أن يقول رب المال خذه قراضا على أن جميع الربح لك، فهذا فاسد وجميع الربح لرب المال على حكم القراض الفاسد وللعامل أجرة مثله لدخوله على عوض لم يحصل له. والضرب الثاني: أن يقول: خذه على أن جميع ربحه لك ولا يصرح في حال الدفع بأنه قراض، ففيه لاصحابنا وجهان (أحدهما) أن يكون سلفا ولا يكون قراضا لانه غير منطوق به، فعلى هذا يكون ضامنا للمال وجميع الربح له. والوجه الثاني: أن يكون قراضا فاسدا ولا يكون قراضا ولا سلفا لانه غير منطوق به. فعلى هذا لا يكون ضامنا للمال، ويكون جميع الربح لرب المال، وللعامل أجرة المثل. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز أن يعلق العقد على شرط مستقبل لانه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع والاجارة.

(فصل) قال الشافعي رحمه الله: ولا تجوز الشريطة إلى مدة، فمن أصحابنا من قال لا يجوز شرط المدة فيه لانه عقد معاوضة يجوز مطلقا فبطل بالتوقيت كالبيع والنكاح، ومنهم من قال: إن عقده إلى مدة على أن لا يبيع بعدها لم يصح لاأ العامل يستحق البيع لاجل الربح، فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما ينافى مقتضاه فلم يصح. وإن عقده إلى مدة على أن لا يشترى بعدها صح، لان رب المال يملك المنع من الشراء إذا شاء، فإذا شرط المنع منه فقد شرط ما يملكه بمقتضى العقد فلم يمنع صحته. (فصل) ولا يصح إلا على التجارة في جنس يعم كالثياب والطعام والفاكهة في وقتها، فان عقده على ما لا يعم كالياقوت الاحمر والخيل البلق وما أشبهها أو على التجارة في سلعة بعينها لم يصح لان المقصود بالقراض الربح فإذا علق على ما لا يعم أو على سلعة بعينها تعذر المقصود لانه ربما لم يتفق ذلك ولا يجوز عقده على أن لا يشترى إلا من رجل بعينه، لانه قد لا يتفق عنده ما يربح فيه أو لا يبيع منه ما يربح فيه فيبطل المقصود (فصل) وعلى العامل أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه بنفسه من النشر والطى والايجاب والقبول، وقبض الثمن ووزن ما خف كالعود والمسك، لان إطلاق الاذن يحمل على العرف، والعرف في هذه الاشياء أن يتولاها بنفسه، فان استأجر من يفعل ذلك لزمه الاجرة في ماله. فأما ما لم تجر العادة أن يتولاه بنفسه كحمل المتاع ووزن ما يثقل وزنه فلا يلزمه أن يتولاه بنفسه، وله أن يستأجر من مال القراض من يتولاه، لان العرف في هذه الاشياء أن لا يتولاه بنفسه، فان تولى ذلك بنفسه لم يستحق الاجرة لانه تبرع به. وإن سرق المال أو غصب فهل يخاصم السارق والغاصب؟ فيه وجهان: (أحدهما) لا يخاصم، لان القراض معقود على التجارة فلا تدخل فيه الخصومة (والثانى) أنه يخاصم فيه لان القراض يقتضى حفظ المال والتجارة ولا يتم ذلك الا بالخصومة والمطالبة

(فصل) ولا يجوز للعامل أن يقارض غيره من غير إذن رب المال لان تصرفه بالاذن ولم يأذن له رب المال في القراض فلم يملكه، فان قارضه رب المال على النصف وقارض العامل آخر واشترى الثاني في الذمه ونقد الثمن من مال القراض وربح بنينا على القولين في الغاصب إذا اشترى في الذمة ونقد فيه المال المغصوب وربح، فان قلنا بقوله القديم إن الربح لرب المال فقد قال المزني ههنا ان لرب المال نصف الربح والنصف الآخر بين العاملين نصفين. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هذا صحيح لان رب المال رضى أن يأخذ نصف ربح فلم يستحق أكثر منه والنصف الثاني بين العاملين لانهما رضيا أن يكون ما رزق الله بينهما، والذى رزق الله تعالى هو النصف، فان النصف الآخر أخذه رب المال فصار كالمستهلك. ومن أصحابنا من قال: يرجع العامل الثاني على العامل الاول بنصف أجرة مثله لانه دخل على أن يأخذ نصف ربح المال ولم يسلم له ذلك، وان قلنا بقوله الجديد فقد قال المزني الربح كله للعامل الاول وللعامل الثاني أجرة المثل فمن أصحابنا من قال هذا غلط لان على هذا القول الربح كله للعامل الثاني لانه هو المتصرف فصار كالغاصب في غير القراض. ومنهم من قال الربح للاول كما قال المزني لان العامل الثاني لم يشتر لنفسه وانما اشتراه للاول فكان الربح له بخلاف الغاصب في غير القراض، فان ذلك اشتراه لنفسه فكان الربح له.* * * (الشرح) قال الشافعي: ولا يجوز أن يقارضه إلى مدة من المدد. فإذا عرفت ما قررناه في أول الباب من أن القراض من العقود الجائزة لا اللازمة فقد صح عقده مطلقا بدون شرط مدة أو تحديد وقت يكون القراض فيه، فلو شرطا مدة يكون القراض فيها لازما بطل. فإذا ثبت هذا فاشتراط المدة على ضربين: (أحدهما) أن يشترطا لرفع العقد فيها فيكون القراض باطلا لما ذكرنا. (الثاني) أن يشترطا الفسخ في العقد بعدها فهذا على ضربين:

(أحدهما) أن يشترطا فسخ القراض بعد المدة في البيع والشراء فيكون القراض باطلا إذا فاته موجب العقد في بيع ما حصل في القراض من عرض. (والثانى) أن يشترطا فسخ القراض بعد المدة في الشراء دون البيع فيكون القراض جائزا، لان له فسخ القراض في الشراء عند مضى المدة فجاز أن يشترطه قبل مضى المدة. ولو قال: خذ هذا المال قراضا ما شئت أنا من الزمان أو ما شئت أنت جاز لان كذلك تكون العقود الجائزة، ولو قال: خذه ما رضى فلان مقامك أو ما شاء فلان أن يقارضك لم يجز وكان قراضا فاسدا، لانه لا يجوز أن يكون قراضهما موقوفا على رأى غيرهما. ولو قال: خذ المال قراضا ما أقام العسكر، أو إلى قدوم الحاج نظر، فإن شرط لزومه في هذه المدة كان باطلا، وإن شرط فسخه بعدها في الشراء دون البيع، ففيه وجهان، أحدهما: يجوز لما لهما من ذلك. والثانى: لا يجوز، لان لجهالة المدة قسطا من الغرر وتأثيرا في الفسخ. (فرع) عقد القراض يقتضى تصرف العامل في المال بالبيع والشراء، فإذا قارضه على أن يشترى به نخلا يمسك رقابها ويطلب ثمارها لم يجز لانه قيد تصرفه الكامل بالبيع والشراء، ولان القراض مختص بما يكون النماء فيه نتيجة البيع والشراء وهو في النخل نتيجة عن غير بيع وشراء فبطل أن يكون قراضا ولا يكون مساقاة، لانه عاقده على جهالة بها قبل وجود ملكها، وهكذا لو قارضه على شراء دواب أو مواشي يحبس رقابها ويطلب نتاجها لم يجز لما ذكرنا، فإن اشترى بالمال النخل والدواب صح الشراء ومنع من البيع لان الشراء عن إذن والبيع بغير إذن، وكان الحاصل من الثمار والنتاج ملكا لرب المال لانه نتج عن ملكه، وللعامل أجرة مثله في الشرط والخدمة لانها عمل عاوض عليها، وحكى عن محمد بن الحسن جواز ذلك كله حتى قال: لو أطلق القراض معه جاز له أن يشترى أرضا أو يستأجرها ليزرعها أو يغرسها ويقتسما فضل زرعها وغرسها وهذا فاسد لما بيناه.

وأما القسم الثاني وهو مئونة العمل فمنه ما يجب في مال القراض ومنه ما يلزم العامل ولا يجب في مال القراض. فأما الاول فأجرة النقل والشحن وأرضيات الجمارك إذا لم يتأخر عن تسلمها من إهمال، وأجر الصوامع والمخازن، وما صار معهودا من الرسوم والضرائب والدمغات التى لا يقدر على عدم أدائها فله دفع ذلك كله بالمعروف من رأس المال ثم وضعه من الربح الحاصل فيه ليكون الفاضل بعد ذلك من الربح هو المقسوم بينهما على شرطهما. وأما ما يلزم العامل ماليا فما يدفع من المخالفات ورسوم الارضية في الجمارك نتيجة الاهمال في ترك الاسراع لتسلمها وتخليصها، وما يلزمه عمليا فهو ما يفعله التجار من تحرير العقود ومباشرة عمليات التسويق والبيع وتنضيد السلع وعرضها وكتابة الاسعار عليها إن كانت أوامر السلطان تقضى بذلك، أما الاعلان عن السلعة في الصحف أو الحوائط أو شاشات العرض فتكون في مال القراض. وأما القسم الثالث وهو نفقة العامل فهو نوعان (أحدهما) ما يختص العامل بالتزامه كمأكوله وملبوسه ونفقة إقامته (والثانى) نفقة سفره، فالذي رواه المزني في مختصره أن له النفقة بالمعروف. وقال في جامعه الكبير: والذى أحفظ له أنه لا يجوز القراض إلا على نفقة معلومة في كل يوم وعما يشتريه فيكتسبه، فروى في مختصره وجامعه وجوب النفقة، وجعلها في جامعه معلومة كنفقات الزوجات، وفى مختصره بالمعروف كنفقات الاقارب، فهذا ما رواه المزني. وروى أبو يعقوب البويطى أنه لا ينفق على نفسه من مال المضاربة حاضرا كان أو مسافرا. فاختلف أصحابنا، فكان أبو الطيب وأبو حفص بن الوكيل يجعلان اختلاف الروايتين على اختلاف قولين (أحدهما) وهو رواية المزني أنه ليس له النفقة في سفره لاختصاص سفره بمال القراض بخلاف نفقة الاستيطان والقول الثاني: لا نفقة له لما فيه من اختصاصه بالربح أو بشئ منه دون رب المال. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْن أَبِي هريرة: لا نفقة له قولا واحدا على ما رواه البويطى، وحملا رواية المزني على نفقة المبتاع دون العامل، وهذا

التأويل مدفوع بما بينه المزني في جامعه الكبير بقوله: نفقة معلومة في كل يوم، وثمن ما يشتريه فيكتسبه. (فرع) قال الشافعي: وإذا سافر كان له أن يكترى من المال من يكفيه بعض المئونة في الاعمال التى لا يعملها العامل، وله النفقة بالمعروف اه والكلام في هذه المسألة التى ذكرها المصنف واستدللنا له عليها بقول الشافعي مشتمل على ثلاثة أقسام: 1 - في جواز سفر العامل بمال القراض 2 - في مئونة العمل 3 - في نفقة العامل فأما الاول فلرب المال معه ثلاثة أحوال (ا) أن ينهاه عن السفر به فلا يجوز أن يسافر إجماعا، فإن أذن له في السفر إلى بلد لم يجز أن يسافر إلى غيره، وان لم يخص به بلدا جاز أن يسافر به إلى البلدان المأمونة المسالك والامصار التى جرت عادة أهل بلده أن يسافروا بأموالهم ومتاجرهم إليها ولا يخرج عن العرف المعهود فيها، وفى البعد إلى أقصى البلدان، فإن أبعد إلى أقصى البلدان ضمن المال (ب) أن يطلق فلا يأمره ولا ينهاه، فقد اختلف الناس في جواز سفره بالمال، فذهب الشافعي أنه لا يجوز أن يسافر به قريبا ولا بعيدا سواء رد الامر إلى رأيه أم لا. وقال أبو حنيفة يجوز له أن يسافر بالمال إذا رأى، وان لم يأمره بذلك ما لم ينهه، وقال محمد بن الحسن وأبو يوسف: يجوز أن يسافر بالمال إلى حيث يمكنه الرجوع من قبل الليل، وقال محمد بن الحسن: يجوز له أن يسافر بالمال إلى حيث لا يلزمه إليه مؤونة. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " ان المسافر وماله على قلت الا ما وقى الله " يعنى على خطر، وهو لا يجوز أن يخاطر بالمال، ولانه مؤتمن فلم يجز أن يسافر بالمال كالوكيل، ولان كل سفر منع منه الوكيل منع منه العامل، كالسفر البعيد. (فرع) قال الشافعي: فإن قارض العامل بالملك آخر من غير اذن صاحبه فهو ضامن، فإن ربح به صاحب المال شطر الربح ثم يكون للذى عمل شطره مما قى

قال المزني: هذا قوله في القديم وأصل قوله الجديد المعروف أن كل عقد فاسد لا يجوز. قال المزني: فإن اشترى بعين المال فهو فاسد، وإن اشترى بغير العين جائز والربح للعامل الاول وعليه الضمان، وللعامل الثاني أجرة مثله في قياس قوله. وقال الماوردى: إن العامل في القراض ممنوع أن يقارض غيره بمال القراض ما لم يأذن له رب المال به إذنا صحيحا صريحا. وقال أبو حنيفة: إن قال له رب المال عند دفعه له: اعمل فيه برأيك جاز أن يدفع منه قراضا إلى غيره لانه مفوض إلى رأيه فجاز أن يقارض لانه من رأيه. وهذا خطأ لان قوله: اعمل فيه برأيك يقتضى أن يكون عمله فيه موكولا إلى رأيه، فإذا قارض به كان العمل لغيره ولانه لو قارض بجميع المال لم يجز، وإن كان ذلك من رأيه لعدوله بذلك عن عمله إلى عمل غيره، فكذلك إذا قارض ببعضه، فإذا تقرر أنه لا يجوز أن يقارض غيره بالمال الا بإذن صريح من رب المال فلا يخلو رب المال من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يأذن له في العمل بنفسه ولا يأذن له في مقارضة غيره (والثانى) أن يأذن له في مقارضة غيره فأما القسم الاول فإن قارض غيره بالمال فقد تعدى وصار ضامنا للمال بعدوانه كالغاصب فيكون ربحه حكمه حكم الغاصب. ولمن يكون الربح؟ على قولين: أحدهما وهو القديم أن ربح المغصوب لرب المال، فعلى هذا قال المزني ههنا ان لرب المال نصف الربح والنصف الآخر بين العاملين الاول والثانى فاختلف أصحابنا في ذلك، فكان أبو العباس بن سريج يقول: يجب أن يكون على هذا القول جميع الربح لرب المال، لانه ربح مال مغصوب فأشبه المغصوب من غير مقارضه، فإذا أخذ رب المال ماله وربحه كله رجع العامل الثاني على العامل الاول بأجرة مثله لانه هو المستهلك لعمله والضامن له بقراضه، فلو تلف المال في يد العامل الثاني كان رب المال بالخيار في الرجوع برأس ماله وربحه على من شاء منهما، لان الاول ضامن بعدوانه والثانى ضامن بيده، فإن أغرم الاول لم يرجع على الثاني بشئ لانه أمينه فيما غرمه. وان أغرم الثاني رجع على الاول بما غرمه مع أجرة مثل عمله، ولا يلزم رب المال - وان

أخذ جميع الربح - أن يدفع إلى واحد من العاملين أجرة المثل لاجراء حكم الغصب عليهما بالمخالفة. وذهب أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة وجمهور أصحابنا إلى أن ما رواه المزني على هذا القول صحيح، وأن رب المال ليس له من الربح الا نصفه خلاف المأخوذ غصبا محضا، لاب رب المال في هذا الموضع دفع المال راضيا بالنصف من ربحه وجاعلا نصفه الباقي لغيره، فلذلك لم يستحق منه الا النصف. فأما النصف الثاني فقد روى المزني أنه يكون بين العاملين، فاختلف أصحابنا على وجهين. (أحدهما) وهو قول أبى اسحاق المروزى أن هذا خطأ من المزني في نقله، ويجب أن يكون النصف الباقي من الربح للعامل الاول ولا حق فيه للثاني لفساد عقده، ويرجع على الاول بأجرة مثل عمله، فجعل الربح بين رب المال والعامل الاول، ويجعل للثاني أن يرجع بأجرة مثله على الاول. والوجه الثاني وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن نقل المزني صحيح ويكون النصف الباقي من الربح بين العاملين نصفين على شرطهما، لانه لما جرى على العامل الاول حكم القراض مع رب المال جرى على العامل الاول حكم القراض مع العامل الثاني، فهذا حكم قوله الجديد. (والثانى) وهو قوله في الجديد: ان ربح المال المغصوب للغاصب، فعلى هذا لا شئ لرب المال في الربح وله مطالبة أي العاملين شاء برأس ماله، لان الاول ضامن بعدوانه والثانى ضامن بيده. وقال أبو حنيفة: ان الربح للغاصب دون المغصوب لان كل نماء حدث عن سبب كان ملك النماء لمالك السبب، وربح المال المغصوب ناتج عن التقلب والعمل دون المال فاقتضى أن يكون ملكا لمن له العمل دون من له المال، وهذه هي النظرية الحديثة المعاصرة التى تقول بأن فائض القيمة ناتج عن عمل العامل وأما الثالث وهو أن يأذن له في مقارضة غيره ولا يأذن له في العمل بنفسه فهو وكيل في عقد القراض مع غيره، فلم يجز أن يقارض نفسه كوكيل البيع لا يجوز له أن يبايع نفسه. ثم ينظر فإن كان رب المال قد عين له من يقارضه لم

يجز أن يعدل عنه إلى غيره وإن لم يعينه له اجتهد رأيه فيمن يراه أهلا لقراضه من ذوى الامانة والخبرة، فإن قارض أمينا غير خبير بالتجارة لم يجز، وإن قارض خبيرا بالتجارة غير أمين لم يجز حتى يجتمع الشرطان، فإن عدل عن ذلك كان ضامنا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ولا يتجر العامل إلا فيما أذن فيه رب المال فان أذن له في صنف لم يتجر في غيره، لان تصرفه بالاذن فلم يملك ما لم يأذن له فيه، فإن قال له اتجر في البز جاز أن يتجر في أصناف البز من المنسوج من القطن والابريسم والكتان وما يلبس من الاصواف، لان اسم البز يقع على ذلك كله، ولا يجوز أن يتجر في البسط والفرش لانه لا يطلق عليه اسم البز. وهل يجوز أن يتجر في الاكسية البركانية؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه يلبس فأشبه الثياب (والثانى) لا يجوز لانه لا يطلق عليه اسم البز. ولهذا لا يقال لبائعه بزاز، وإنما يقال له كسائي، ولو أذن له في التجارة في الطعام لم يجز أن يتجر في الدقيق ولا في الشعير، لان الطعام لا يطلق إلا على الحنطة. (فصل) ولا يشترى العامل بأكثر من رأس المال، لان الاذن لم يتناول غير رأس المال، فإن كان رأس المال ألفا فاشترى عبدا بألف، ثم اشترى آخر بألف قبل أن ينقد الثمن في البيع الاول فالاول للقراض لانه اشتراه بالاذن. وأما الثاني فينظر فيه فان اشتراه بعين الالف فالشراء باطل، لانه اشتراه بمال استحق تسليمه في البيع الاول فلم يصح، وإن اشتراه بألف في الذمة كان العبد له ويلزمه الثمن في ماله لانه اشترى في الذمة لغيره ما لم يأذن فيه فوقع الشراء له (فصل) ولا يتجر إلا على النظر والاحتياط فلا يبيع بدون ثمن المثل ولا بثمن مؤجل لانه وكيل فلا يتصرف الا على النظر والاحتياط، وإن اشترى معيبا رأى شراءه جاز لان المقصود طلب الحظ وقد يكون الربح في المعيب، وان

اشترى شيئا على أنه سليم فوجده معيبا جاز له الرد، لانه فوض إليه النظر والاجتهاد فملك الرد (فصل) وان اختلفا فدعا أحدهما إلى الرد والآخر إلى الامساك فعل ما فيه النظر لان المقصود طلب الحظ لهما، فإذا اختلفا حمل الامر على ما فيه الحظ. (فصل) وان اشترى من يعتق على رب المال بغير إذنه لم يلزم رب المال لان القصد بالقراض شراء ما يربح فيه وذلك لا يوجد في شراء من يعتق عليه وإن كان رب المال امرأة فاشترى العامل زوجها بغير اذنها ففيه وجهان. (أحدهما) لا يلزمها لان المقصود شراء ما تنتفع به وشراء الزوج تستضر به لان النكاح ينفسخ وتسقط نفقتها واستمتاعها (والثانى) يلزمها لان المقصود بالقراض شراء ما يربح فيه والزوج كغيره في الربح فلزمها شراؤه (فصل) ولا يسافر بالمال من غير اذن رب المال لانه مأمور بالنظر والاحتياط، وليس في السفر احتياط، لان فيه تغريرا بالمال، ولهذا يروى أن المسافر ومتاعه لعلى قلت، فان أذن له في السفر فقد قال في موضع له أن ينفق من مال القراض، وقال في موضع آخر لا نفقة له، فمن أصحابنا من قال لا نفقة له قولا واحدا لان نفقته على نفسه فلم تلزم من مال القراض كنفقة الاقامة، وتأول قوله على ما يحتاج إليه لنقل المتاع وما يحتاج إليه مال القراض. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) لَا ينفق لما ذكرناه (والثانى) ينفق لان سفره لاجل المال فكان نفقته منه كأجرة الحمال. فإن قلنا ينفق من مال القراض ففى قدره وجهان (أحدهما) جميع ما يحتاج إليه، لان من لزمه نفقة غيره لزمه جميع نفقته (والثانى) ما يزيد عل؟ نفقة الحضر لان النفقة انما لزمته لاجل السفر فلم يلزمه الا ما زاد بالسفر (فصل) وإن ظهر في المال ربح ففيه قولان (أحدهما) أن الجميع لرب المال فلا يملك العامل حصته من الربح إلا بالقسمة لانه لو ملك حصته من الربح لصار شريكا لرب المال حتى إذا هلك شئ كان هالكا من المالين، فلما لم يجعل التالف من المالين دل على أنه لم يملك منه شيئا (والثانى) أن العامل يملك حصته من

الربح لانه أحد المتقارضين فملك حصته من الربح بالظهور كرب المال. (فصل) وإن طلب أحد المتقارضين قسمة الربح قبل المفاصلة فامتنع الآخر لم يجبر لانه إن امتنع رب المال لم يجز إجباره لانه يقول الربح وقاية لرأس المال فلا أعطيك حتى تسلم لى رأس المال، وإن كان الذى امتنع هو العامل لم يجز إجباره لانه يقول لا نأمن أن نخسر فنحتاج أن نرد ما أخذه، وإن تقاسما جاز لان المنع لحقهما وقد رضيا، فإن حصل بعد القسمة خسران لزم العامل أن يجبره بما أخذ لانه لا يستحق الربح إلا بعد تسليمه رأس المال (فصل) وإن اشترى العامل من يعتق عليه فإن لم يكن في المال ربح لزم الشراء في مال القراض لانه لا ضرر فيه على رب المال، فإن ظهر بعد ما اشتراه ربح، فإن قلنا انه لا يملك حصته قبل القسمة لم يعتق، وإن قلنا إنه يملك بالظهور فهل يعتق بقدر حصته؟ فيه وجهان (أحدهما) إنه يعتق منه بقدر حصته لانه ملكه فعتق. (والثانى) لا يعتق لان ملكه غير مستقر، لانه ربما تلف بعض المال فلزمه جبرانه بماله، وإن اشترى وفى المال ربح، فان قلنا إنه لا يعتق عليه صح الشراء لانه لا ضرر فيه على رب المال، وإن قلنا يعتق لم يصح الشراء لان المقصود بالقراض شراء ما يربح فيه، وهذا لا يوجد فيمن يعتق عليه. (الشرح) قد ذكرنا أن القراض خاص وعام، فأما العام فهو أن يطلق تصرف العامل في كل ما يرجو فيه ربحا، فهذا جائز على عموم التصرف، وأما الخاص فهو أن يختص بالعامل على نوح واحد فهو على ثلاثة أضرب: (أحدها) ما يوجد في عموم الاحوال كالحنطة والبر فيجوز، ويكون مقصور التصرف على النوع الذى أذن فيه، فلو أذن له أن يتجر في البز جاز له أن يتجر في صنوف البز كلها وجاز أن يتجر في القطن والكتان والحرير والصوف ولا يجوز أن يتجر في البسط والفرش. وهل يجوز أن يتجر في الثياب والاكسية أم لا؟ على وجهين: (أحدهما) يجوز لانها ملبوسة (والثانى) لا يجوز لخروجها عن اسم البز

فلو أذن له أن يتجر في الطعام اقتصر على الحنطة وحدها دون الدقيق. وقال محمد بن الحسن: يجوز أن يتجر في الحنطة والدقيق، وعندي أن تصنيف السلع يمكن أن تقوم على ما جرى العرف بتناسقه وانسجامه واعتبار التاجر فيه جامعا لما يندرج تحته بالعرف لمفردات المجموعة من الاصناف المتشابهة التى يتجر فيها فلو أذن له في البقالة اندرج تحت هذا الاسم أنواع الجبن والزيتون والمعلبات والصابون والمأكولات المجففة. وإذا أذن له في الخردوات (البازار) اندرج تحت هذا الاسم مجموعة من الاصناف كالخيوط والاشرطة والعطور وما أشبه ذلك. وهكذا في كل مجموعة من السلع المتشابهة يطلق على من يتجر فيها اسم عند ما يسمعه المرء مثلت للذهن أصناف متجره بغير عناء. فإذا أذن له في فتح محل حاتى فلا يفتح مسمطا ولا فوالا ولا طباخا، وان كانت كلها مأكولات، ولكن العرف حدد لكل نوع منها اسمه الذى لا يختلط بغيره وهكذا. فإذا أذن له في أن يتجر فيما ندر وجوده وعز مطلبه، كالياقوت الاحمر والخيل البلق والعبيد الخصيان فالقراض باطل سواء وجده أو لم يجده لانه على غير ثقة من وجوده. فإذا أذن له أن يتجر في ثمار موسمية كالثمار والفواكه فينظر في عقد القراض، فان كان في غير أوان تلك الثمار فالقراض باطل، فان جاءت تلك الثمار من بعد لم يصح القراض بعد فساده، وان كان ذلك في أوان الثمار وإبانها فالقراض جائز ما كانت تلك الثمار باقية، فان انقطعت ففى القراض وجهان (أحدهما) قد بطل بانقطاعها، وليس له في العام المقبل أن يتجر فيها الا باذن وعقد مستجد. والوجه الثاني: أن القراض على حاله ما لم يصرح بفسخه في كل عام أتت فيه تلك الثمرة فيتجر فيها بالعقد الاول. أما إذا كان انقطاعه في العام قليلا فالقراض على وجهه وحاله.

(فرع) إذا تقرر أنه لا يشترى إلا في حدود رأس المال المأذون فيه كان ممنوعا من البيع والشراء نسيئة، فإذا عاقد بالنساء فذلك نوعان بيع وشراء فالشراء ضربان. (أحدهما) أن يشترى بالنساء في مال القراض فيكون الشراء باطلا. (والثانى) أن يشترى بالنساء في ذمته فيكون الشراء لازما له، وأما البيع فباطل ولا ضمان عليه ما لم يقبضه فإن قبضه ضمنه حينئذ بالاقباض، وعليه استرجاعه ما كان باقيا، فإن تلف فلرب المال أن يأخذ بضمانه وغرمه من شاء من العامل أو المشترى، فإن أغرم العامل رجع بما غرمه على المشترى، وإن أغرم المشترى لم يرجع على العامل لان الغرم ثبت على من كان في يده التلف. فلو قال رب المال للعامل: اعمل في القراض برأيك لم يجز أن يعاقد بالنساء وإذا قارضه على غير مال ليشترى بالنساء فإن القراض باطل لانه يصح في الاعيان ولا يصح في الذمم، ولو قارضه على مال فأذن له في الشراء بالنساء لم يكن للعامل أن يشترى نساء بأكثر من مال القراض قدرا لان ما زاد عليه خارج منه. (فرع) لا يجوز له أن يبيع بأقل من ثمن المثل إلا إذا كان عن رغبة في تأليف المبتاعين وترويج السلعة والقناعة بالقليل من الربح ما دام يتصرف على النظر والاحتياط وتوخى ما فيه الحظ له ولصاحبه بشرط أن لا يكون كثيرا لا يتغابن الناس بمثله. (فرع) قال الشافعي: ومتى شاء رب المال أخذ ماله قبل العمل وبعده ومتى شاء العامل أن يخرج من القراض يخرج منه، وقد سبق أن قررنا أن عقد القراض عقد جواز وليس عقد لزوم فلكل واحد من رب المال والعامل أن ينفرد بالفسخ قبل العمل وبعده مع وجود الربح أو حدوث الخسران، فإذا فسخها أحدهما انفسخت فصار كاجتماعهما على قسمها، فإذا كان المال من جنس رأس المال فالعامل ممنوع من التصرف فيه ببيع أو شراء سواء كان هو الفاسخ أو صاحبه، ثم نظر فان كان فيه فضل تقاسماه على شرطهما، وإن لم يكن فيه فضل أو كان فيه خسران أخذه رب المال ولا شئ فيه للعامل، وإن كان من غير جنس رأس المال فحكم

هذا كحكمه لو كان عرضا، ولهما في العرض بعد فسخ القراض أربعة أحوال. (ا) أن يجتمعا على بيعه فيلزم العامل أن يبيعه لانه من لوازم عقده فإذا قضى ثمنه أخذ رب المال ماله فضلا إن كان فيه. (ب) أن يتفقا على ترك بيعه فهذا على نوعين: أحدهما: لا يكون في ثمنه - لو بيع - فضل، فقد سقط حق العامل منه فصار العرض ملكا لرب المال بزيادته ونقصه، فان زاد ثمنه بعد ترك العامل له لم يكن له حق في زيادته لخروجه بالترك عن قراضه. والنوع الثاني: أن يكون في ثمنه فضل لو بيع عند تركه نظر في ترك العامل فان كان قد تركه إسقاطا لحقه فقد صار العرض بزيادته ونقصه ملكا لرب المال ولا شئ للعامل فيه، وإن كان قد ترك تأخير البيع فهو على حقه من فضل ثمنه وله بيعه متى شاء. (ج) أن يدعو العامل إلى بيعه ويمنعه رب المال منه فهذا على ضربين. أحدهما: أن لا يرجو في ثمنه فضلا، ولا يأمل ربحا فليس له بيعه، ويمنع منه لانه لا يستفيد ببيعه شيئا. والضرب الثاني: أن يرجو في ثمنه فضلا ويأمل ربحا فله بيعه وليس لرب المال أن يمنعه ليصل بالبيع إلى حقه من الربح، فلو بذل له رب المال حصته من ربحه ففى منعه من بيعه وجهان مخرجان من اختلاف قولين في سيد العبد الجاني إذا امتنع المجني عليه من بيعه وبذل له قدر قيمته. (أحدهما) يمنع المجني عليه من بيعه لوصوله إلى قيمته ويمنع العامل من بيع العرض لوصوله إلى حقه. (والقول الثاني) أن المجني عليه لا يمنع من بيع الجاني، وكذلك لا يمنع العامل من بيع القراض لانه قد يرجو زيادة على القيمة لوجود راغب. (د) أن يدعو رب المال إلى بيعه ويمتنع العامل منه، فان كان امتناعه تركا لحقه منه ففى إجباره على بيعه وجهان، أحدهما: لا يجبر عليه لان البيع والشراء انما يلزم في حقيهما وببطلان القراض قد سقط أن يكون ذلك حقا لهما.

والثانى: أن يجبر على بيعه، لان رأس المال مستحق عليه وليس العرض هو رأس المال وانما هو بدل عنه. (فرع) سبق أن قررنا أنه لا يجوز له أن يسافر بغير إذن رب المال وأوضحنا من النفقات ما يؤخذ من القراض بالمعروف كنفقة الاقارب أو مقدرة كنفقة الزوجة، وقال أبو حنيفة: له في نفقته أجرة حمامه وعلاجه وطبيبه وما يباج من شهواته، وهذا غير صحيح من وجهين. (أحدهما) أن نفقات الزوجات أوكد من نفقات العامل ومع ذلك ليس فيها شئ من ذلك. (والثانى) أن ذلك مما لا يختص بالسفر ولا بعمله، على أن من أصحابنا من جعل له نفقة السفر ما زاد على نفقة الحضر، وحكاه أبو على بن أبى هريرة عن بعض متقدميهم وهو أشبه بالقياس، فان دخل في سفره بيتا فله النفقة ما أقام فيه مقام المسافر ما لم يتجاوز أربعا فإن زاد على إقامة أكثر من أربع نظر، فان كان بغير مال القراض من مرض طرأ أو عارض يختص به فنفقته في ماله دون القراض وإن كان مقامه لاجل مال القراض انتظارا لبيعه وقبض ثمنه أو التماسا لحمله أو لسبب يتعلق به فنفقته في سفره لاختصاصه بالقراض. قال الشافعي: وإن خرج بمال لنفسه كانت النفقة على قدر المالين بالحصص، ويستفاد من ذلك أنه يصح أن يسافر بمال نفسه مع مال القراض، ومنعه بعض العراقيين لان عمله مستحق في مال القراض فصار كالاجير، وقد خطأ بعض أصحابنا هذا لانه إذا كان له أن يعمل في ماله ومال القراض حضرا جاز له ذلك سفرا ولان عمله في القراض لا يمنعه من العمل في جميع الاعمال ما دام يؤدى ما لزمه من عمل القراض وسواء فيما لسواه ممسكا أو عاملا فلو شرطه في العقد أن لا يسافر بمال لنفسه بطل القراض لانه قد أوقع عليه حجرا غير مستحق، والمطلوب منه أن لا يخلط ماله بمال القراض، وعليه تمييز كل واحد من المالين، فان خلطهما فعلى ضربين. (أحدهما) أن يكون باذن رب المال فيجوز ويصير شريكا ومضاربا، ومؤونة

المال مقسطة على قدر المالين، ونفقة نفسه إن قيل: إنها لا تجب في مال القراض فهو مختص بها، وإن قيل انها تجب في مال القراض فهى مقسطة على قدر المالين (والثانى) أن يخلط المالين بغير إذن رب المال فيبطل القراض لانه يصير كالعادل به عن حكمه فيلتزم نفقة نفسه، وتكون نفقة المالين بقدر الحصص وربح مال القراض كله لرب المال لفساد القراض وللعامل أجرة المثل بحيث لا يوجب له أجرة كاملة لان عمله قد توزع على ماله ومال القراض (فرع) إذا أبضع رب المال عامله في مال القراض بضاعة - أي أعطاه قطعة من المال يتجر فيها لنفسه - يختص بربحها جاز إن كان من غير شرط في القراض ولم يجز ان كان عن شرط وخالف مالك (فرع) إذا ادعى ظهور الربح في المال وطالب بالقسمة لم يجبر المالك ما لم يعترف بظهور الربح أو يتحاسبان فيظهر له الربح، ولا يلزم رب المال أن يحاسبه إلا بعد حضور المال لانه قد لا يصدق فيما يخبر به من وفوره أو سلامته فإذا حضر المال وتحاسبا فوجدا رأس المال ناقصا ترادا الربح ليستكمل رأس المال، ولو رضى رب المال والعامل بالمحاسبة عليه مع غيبة المال عنهما ففى جوازه وجهان: (أحدهما) يجوز لانه احتياط لهما تركاه (والثانى) لا يجوز. وقد ذكره الشافعي في موضع لانهما يتحاسبان على جهالة والله أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والعامل أمين فيما في يده فان تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن لانه نائب عن رب المال في التصرف فلم يضمن من غير تفريط كالمودع، فان دفع إليه ألفا فاشترى عبدا في الذمة ثم تلف الالف قبل أن ينقده في ثمن العبد انفسخ القراض لانه تلف رأس المال بعينه. وفى الثمن وجهان: (أحدهما) أنه على رب المال لانه اشتراه له فكان الثمن عليه، كما لو اشترى الوكيل في الذمة ما وكل في شرائه فتلف الثمن في يده قبل أن ينقده. (والثانى) أن الثمن على العامل، لان رب المال لم يأذن له في التجارة إلا في رأس المال فلم يلزمه ما زاد.

وان دفع إليه ألفين فاشترى بهما عبدين ثم تلف أحدهما ففيه وجهان: أحدهما: يتلف من رأس المال وينفسخ فيه القراض لانه بدل عن رأس المال فكان هلاكه كهلاكه. والثانى: أنه يتلف من الربح لانه تصرف في المال فكان في القراض، وان قارضه رجلان على مالين، فاشترى لكل واحد منهما جارية ثم أشكلتا عليه ففيه قولان " أحدهما " تباعان فان لم يكن فيهما ربح قسم بين ربى المال، وإن كان فيهما ربح شاركهما العامل في الربح، وان كان فيهما خسران ضمن العامل ذلك لانه حصل بتفريطه، والقول الثاني أن الجاريتين للعامل ويلزمه قيمتهما، لانه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو أتلفهما (فصل) ويجوز لكل واحد منهما أن يفسخ إذا شاء لانه تصرف في مال الغير باذنه فملك كل واحد منهما فسخه كالوديعة والوكالة، فان فسخ العقد والمال من غير جنس رأس المال وتقاسماه جاز. وإن باعاه جاز لان الحق لهما، وان طلب العامل البيع وامتنع رب المال أجبر، لان حق العامل في الربح، وذلك لا يحصل الا بالبيع فان قال رب المال أنا أعطيك مالك فيه من الربح وامتنع العامل، فان قلنا انه ملك حصته من الربح بالظهور لم يجبر على أخذه، كما لو كان بينهما مال مشترك وبذل أحدهما للآخر عوض حقه. وان قلنا لا يملك ففيه وجهان بناء على القولين في العبد الجاني إذا امتنع المولى عن بيعه وضمن للمجني عليه قيمته " أحدهما " لا يجبر على بيعه لان البيع لحقه وقد بذل له حقه " والثانى " أنه يجبر لانه ربما زاد مزايد ورغب راغب فزاد في قيمته. وان طلب رب المال البيع وامتنع العامل أجبر على بيعه لانه حق رب المال في رأس المال ولا يحصل ذلك الا بالبيع، فان قال العامل أنا أترك حقى ولا أبيع فان قلنا ان العامل يملك حصته بالظهور لم يقبل منه، لانه يريد أن يهب حقه وقبول الهبات لا يجب. وان قلنا انه لا يملك بالظهور ففيه وجهان: " أحدهما " لا يجبر على بيعه لان البيع لحقه وقد تركه فسقط " والثانى " يجبر لان البيع لحقه ولحق رب المال في رأس ماله، فإذا رضى

بترك حقه لم يرض رب المال بترك رأس ماله، وإن فسخ العقد وهناك دين وجب على العامل أن يتقاضاه لانه دخل في العقد على أن يرد رأس المال فوجب أن يتقاضاه ليرده. (فصل) وإن مات أحدهما أو جن انفسخ لانه عقد جائز فبطل بالموت والجنون كالوديعة والوكالة. وإن مات رب المال أو جن وأراد الوارث أو الولى أن يعقد القراض والمال عرض، فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق يجوز لانه ليس بابتداء قراض، وإنما هو بناء على مال القراض فجاز. ومنهم من قال لا يجوز وهو الصحيح لان القراض قد بطل بالموت وهذا ابتداء قراض على عرض فلم يجز. (فصل) وإن قارض في مرضه على ربح أكثر من أجرة المثل ومات اعتبر الربح من رأس المال، لان الذى يعتبر من الثلث ما يخرجه من ماله والربح ليس من ماله، وإنما يحصل بكسب العامل فلم يعتبر من الثلث، وإن مات وعليه دين قدم العامل على الغرماء لان حقه يتعلق بعين المال فقدم على الغرماء (فصل) وإن قارض قراضا فاسدا وتصرف العامل نفذ تصرفه لان العقد بطل وبقى الاذن فملك به التصرف، فان حصل في المال ربح لم يستحق العامل منه شيئا لان الربح يستحقه بالقراض وقد بطل القراض. فأما أجرة المثل فإنه ينظر فيه فان لم يرض إلا بربح استحق لانه لم يرض أن يعمل إلا بعوض، فإذا لم يسلم له رجع إلى أجرة المثل، وان رضى من غير ربح بأن قارضه على أن الربح كله لرب المال ففى الاجرة وجهان (أحدهما) لا يستحق وهو قول المزني لانه رضى أن يعمل من غير عوض فصار كالمتطوع بالعمل من غير قراض (والثانى) أنه يستحق وهو قول أبى العباس لان العمل في القراض يقتضى العوض فلا يسقط بإسقاطه كالوطئ في النكاح. وإن كان له على رجل دين فقال اقبض مالى عليك فعزل الرجل ذلك وقارضه عليه لم يصح القراض، لان قبضه له من نفسه لا يصح، فإذا قارضه عليه فقد

قارضه على مال لا يملكه فلم يصح، فإن اشترى العامل شيئا في الذمة ونقد في ثمنه ما عزله لرب المال وربح ففيه وجهان (أحدهما) أن ما اشتراه مع الربح لرب المال لانه اشتراه له بإذنه ونقد فيه الثمن باذنه وبرئت ذمته من الدين، لانه سلمه إلى من اشترى منه باذنه ويرجع العامل بأجرة المثل لانه عمل ليسلم له الربح ولم يسلم فرجع إلى أجرة عمله. (والثانى) أن الذى اشتراه مع الربح له لا حق لرب المال فيه، لان رب المال عقد القراض على مال لا يملكه فلم يقع الشراء له (فصل) وان اختلف العامل ورب المال في تلف المال، فادعاه العامل وأنكره رب المال، أو في الخيانة فادعاها رب المال وأنكر العامل فالقول قول العامل لانه أمين والاصل عدم الخيانة فكان القول قوله كالمودع (فصل) فان اختلفا في رد المال فادعاه العامل وأنكره رب المال ففيه وجهان: " أحدهما " لا يقبل قوله لانه قبض العين لمنفعته فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير " والثانى " يقبل قوله لان معظم منفعته لرب المال، لان الجميع له إلا السهم الذى جعله للعامل فقبل قوله عليه في الرد كالمودع (فصل) فان اختلفا في قدر الربح المشروط فادعى العامل انه النصف وادعى رب المال انه الثلث تحالفا، لانهما اختلفا في عوض مشروط في العقد فتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن، فان حلفا صار الربح كله لرب المال ويرجع العامل بأجرة المثل لانه لم يسلم له المسمى فرجع ببدل علمه (فصل) وان اختلفا في قدر رأس المال، فقال رب المال ألفان، وقال العامل ألف فان لم يكن في المال ربح فالقول قول العامل لان الاصل عدم القبض فلا يلزمه إلا ما أقر به، وان كان في المال ربح ففيه وجهان

أحدهما: أن القول قول العامل لما ذكرناه. والثانى: أنهما يتحالفان لانهما اختلفا فيما يستحقان من الربح فتحالفا كما لو اختلفا في قدر الربح المشروط، والصحيح هو الاول لان الاختلاف في الربح المشروط اختلاف في صفة العقد فتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن وهذا اختلاف فيما قبض فكان الظاهر مع الذى ينكر كالمتبايعين إذا اختلفا في قبض الثمن فان القول قول البائع. (فصل) وإن كان في المال عبد فقال رب المال اشتريته للقراض، وقال العامل اشتريته لنفسي أو قال رب المال اشتريته لنفسك، وقال العامل اشتريته للقراض فالقول قول العامل لانه قد يشترى لنفسه وقد يشتريه للقراض ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية فوجب الرجوع إليه، فان أقام رب المال البينة انه اشتراه بمال القراض ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يحكم بالبينة لانه لا يشترى بمال القراض الا للقراض. (والثانى) أنه لا يحكم بها لانه يجوز أن يشترى لنفسه بمال القراض على وجه التعدي فلا يكون للقراض لبطلان البيع. (فصل) وان كان في يده عبد فقال رب المال كنت نهيتك عن شرائه وأنكر العامل فالقول قول العامل لان الاصل عدم النهى ولان هذا دعوى خيانة والعامل أمين فكان القول فيهما قوله. (فصل) وإن قال ربحت في المال ألفا ثم ادعى أنه غلط فيه أو أظهر ذلك خوفا من نزع المال من يده لم يقبل قوله لان هذا رجوع عن الاقرار بالمال لغيره فلم يقبل كما لو أقر لرجل بمال ثم ادعى أنه غلط، فان قال قد كان فيه ربح ولكنه هلك قبل قوله لان دعوى التلف بعد الاقرار لا تكذب اقراره فقيل. (الشرح) سبق أن قررنا أن القراض عقد معونة وارفاق يجوز بين المتعاقدين ما أقاما عليه مختارين وليس بلازم لهما، ويجوز فسخه لمن شاء منهما، فهو عقد ائتمان كالوديعة والعارية، فإذا تلف في يده فعلى تفصيل نضرب له مثلا تجتمع فيه

صور المسألة: رب مال دفع ألفى دينار قراضا فتلف أحد الالفين في يد العامل وبقى ألف، فلا يخلو حال تلفها من ثلاثة أقسام. (أحدها) أن يكون تلفها قبل ابتياع العامل لهما فهذا يكون رأس المال فيه الالف الباقية ولا يلزم العامل أن يجبر بالربح الالف التالفة لانها بالتلف قبل التصرف قد خرجت عن أن تكون قراضا. (والقسم الثاني) أن يكون تلفها بعد أن اشترى بها وباع ثم تلفت الالف من ثمن ما باع فيكون رأس المال كلا الالفين ويلزم العامل أن يجبر بالربح الالف التالفة لانها بالتصرف الكامل قد صارت قراضا. (القسم الثالث) أن يكون تلفها بعد أن اشترى بها عرضا وتلف العرض قبل بيعه ففيه وجهان. أحدهما: أنها قراض لتلفها بعد التصرف بها في الابتياع فعلى هذا يكون رأس المال الفى دينار، وعلى العامل أن يجبر بالربح الالف التالفة لانها قد صارت قراضا. (والوجه الثاني) أن الالف التالفة لا تصير قراضا لتلفها قبل كمال التصرف ببيع ما اشترى بها فعلى هذا يكون رأس المال ألفى درهم ولا يلزم العامل أن يجبر بالربح الالف التالفة لانها لم تصر قراضا. فإذا دفع رب المال ألف درهم قراضا فاشترى العامل بها عرضا ثم تلفت الالف قبل دفعها في ثمن العرض فلا يخلو حال الشراء من أمرين (أحدهما) أن يكون قد تعين الالف فيكون الشراء باطلا، لان تلف الثمن المعين قبل القبض موجب لبطلان البيع، فعلى هذا قد بطل القراض ويسترجع البائع عرضه (والثانى) أن يكون الشراء في ذمة العامل ولم يعقده على عين الالف ففى الشراء وجهان. (أحدهما) يكون للعامل لانه لم يبق بيده من مال القراض ما يكون الشراء مصروفا إليه، وهذا على الوجه الذى يقول فيه الشافعي: ان ما تلف بعد الشراء وقبل البيع خارج من القراض. (والوجه الثاني) أن الشراء يكون في القراض لانه معقود له، وهذا على الوجه الذى يقول فيه الشافعي: ان ما تلف بعد الشراء وقبل البيع داخل في

القراض، فعلى هذا يجب على رب المال أن يدفع ألفا ثانية، تصرف في ثمن العرض، يصير رأس المال ألفى دينار، وعلى العامل أن يجبر بالربح الالف التالفة فلو تلفت الالف الثانية قبل دفعها في ثمن العرض لزم رب المال أن يدفع ألفا ثالثة، ويصير رأس المال ثلاثة آلاف دينار، وعلى العامل أن يجبر بالربح كلا الالفين التالفتين. فإذا دفع ألفا قراضا فعمل بها العامل وخسر مائة وأخذ منها رب المال مائة ثم عمل العامل بالباقي فصارت ألفا وخمسمائة وأرادا أن يعرفا قدر رأس المال ليقتسما الربح، فوجه العمل فيه أن يقال لما خسر في الالف مائة لزم تقسيطها على التسعمائة فيكون قسط كل مائة دينار أحد عشر دينارا وتسع، وهو القدر المسترجع من الالف ويبقى رأس المال ثمانمائة وثمانية وثمانين وثمانية أتساع دينار فلو كان قد خسر العامل مائتي دينار واسترجع رب المال مائة صار رأس المال ثمانمائة وخمسة وسبعين لان قسط كل مائة من الخسران خمسة وعشرون ثم على هذا القياس. (فرع) قال الشافعي: وإن مات رب المال صار لوارثه فإن رضى ترك المقارض على قراضه وإلا فقد انفسخ قراضه، وإن مات العامل لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه وهذا كما قال: عقد القراض يبطل بموت كل واحد من رب المال والعامل لان العقود الجائزة دون اللازمة تبطل بموت عاقدها وهما في العقد سواء، لانه تم بهما وهو غير لازم، فإذا بطل بموت كل واحد منهما لم يخل أن يكون الميت هو رب المال أو العامل، فان كان الميت منهما هو رب المال لم يخل أن يكون المال ناضا أو عرضا، فان كان ناضا - والناض النقود - منع العامل أن يتصرف فيه ببيع أو شراء ثم لورثة رب المال أن يسترجعوا رأس المال ويقاسموا العامل على ربح إن كان، فان أدنوا له في المقام على قراض أبيهم كان ذلك عقدا مبتدأ، فلا يخلو حالهم فيه من أحد أمرين، إما أن يكونوا عالمين بقدر المال أو جاهلين به، فان

كانوا عالمين بقدره صح القراض إن كانوا أهل رشد لا يولى عليهم ولم يتعلق بتركة ميتهم ديون ولا وصايا وإن كانوا بخلاف ذلك لم يصح إذنهم، ثم إذا صح فلا يخلو أن يكون قد حصل للعامل فيه ربح قبل موت رب المال أو لم يحصل، فان لم يحصل فكل المال الذى في يده قراض لورثة ربه، وإن كان قد حصل فيه ربح قبل موت ربه فهو شريك في المال بحصته من ربحه، ويختص بما يحصل من فضله ومضاربته فيما يبقى من الربح مع رأس المال بما شرط له من ربحه. وإن كان الورثة جاهلين بقدر المال عند إذنهم له بالقراض ففيه وجهان مخرجان من وجهين. (أحدهما) أن القراض باطل لانه معقود بمال مجهول. (والثانى) أن القراض صحيح لانه مبتدأ لعقد صحيح، فإن كان مال القراض عند موت ربه عرضا فقد قال الماوردى: للعامل بيعه من غير استئذان الورثة، ولا يجوز ان يشترى بثمنه شيئا من غير إذن الورثة لان البيع من حقوق العقد الماضي، وليس الشراء من حقوقه إلا بعقد مستأنف، فإن أذن له الورثة في المقام على قراض أبيهم - فإن كان بعد بيعه للعرض فقد صار الثمن ناضا - أي نقودا - فيكون كاذنهم له بالقراض والمال ناض. وان كان قبل بيع العرض ففى جواز القراض وجهان خرج منهما الوجهان المذكوران، أحدهما وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إن القراض باطل لان عقده بالقرض باطل. الثاني وهو قول أبى إسحاق المروزى أن القراض جائز لانه استصحاب لعقد جائز. وإن كان الميت منهما هو العامل فليس لوارثه أن يبيع ويشترى سواء كان المال ناضا أو عرضا، والفرق بين أن يموت رب المال فيجوز للعامل أن يبيع بغير إذن الوارث وبين أن يموت العامل فلا يجوز لوارثه أن يبيع إلا باذن رب المال أن عقد القراض قد أوجب ائتمان العامل على التصرف في المال سواء كان المال لربه أو لوارثه، وما أوجب ائتمان وارث العامل في المال لا مع ربه ولا مع وارثه، وإذا كان كذلك نظر في المال، فان كان ناضا استرجع رب المال رأس ماله واقتسما

ربحا ان كان فيه، فلو أذن رب المال لوارث العامل في المقام على القراض صح ان كانا عالمين بقدر المال. ويبطل ان كانا جاهلين بقدره وجها واحدا. والفرق بين هذا حيث بطل بجهالة القدر وبين أن يموت رب المال من جهة ربه والعمل من جهة العامل، فإذا مات رب المال كان المقصود من الامرين باقيا فجاز استصحاب العقد المقدم لبقاء مقصوده، ولم يبطل بحدوث الجهالة فيه، وإذا مات العامل فقد فات أخذ المقصود به فلم يكن استصحاب العقد المتقدم وكان استئنإف عقد مع وارثه فبطل بحدوث الجهالة فيه. وان كان مال القراض عند موت العامل عرضا لم يجز لوارثه أن ينفرد ببيع العرض من غير اذن رب المال به، فإذا أذن له باعه واقتسما بعد رد رأس المال بفضل ان كان فيه، فلو أذن رب المال لوارث العامل أن يقيم على عقد القراض كالعامل - فان كان بعد بيع العرض والعمل بثمنه - صح، وان كان العرض باقيا أو ثمنه مجهولا بطل وجها واحدا لما ذكرنا. (فرع) قال الشافعي: وبيع ما كان في يديه مع ما كان من ثياب أو أداة للسفر أو غير ذلك مما قل أو كثر، فان كان فيه فضل كان لوارثه وان كان خسرانا كان ذلك في المال، وهذا كقوله: وإذا بطل القراض بموت أحدهما وجب بيع كل ما كان من مال القراض من غير عرض للتجارة أو أداة للسفر. قال الشافعي: مع ما كان من ثياب فتمسك بذلك من ذهب من أصحابنا إلى أن للعامل أن ينفق على نفسه في سفره من مال القراض، لانه لو لم يشتر ثياب سفره من مال القراض لم يجز بيعها في القراض وهو لعمري ظاهر يجوز التمسك به وقد تأوله من ذلك إلى أنه لا نفقة له على ثياب اشتراها العامل للتجارة، أو اشتراها لنفسه وهى غير مختصة بسفره، فإذا بيع جميع ما وصفنا فلا يخلو ما حصل من ثمن جميعه من ثلاثة أنواع. 1 - أن يكون بقدر رأس المال فهو لرب المال ولا حق للعامل فيه لعدم ربحه 2 - أن يكون أكثر من رأس المال فلرب المال أن يأخذ رأس ماله ثم العامل

شريكه في الربح على مقتضى الشرط من نصف أو ثلث أو ربع، فلو تلف بعض المال بعد أن صار ناضا - نقودا - نظر فيه، فإن كانا قد عينا حق العامل منها فيه كان التالف منه تالفا بالحصص. وإن لم يكونا قد عينا حق العامل فيه فالتالف منه تالف من الربح وحده، لان الربح قبل أن يتعين ملك للعامل مرصد لجبران رأس المال. 3 - أن يكون أقل من رأس المال، إما بخسران حصل في المال أو لحادث أتلف شيئا منه فيكون ذلك عائدا على رب المال دون العامل، لان الربح يعود عليهما والخسران مختص برب المال. فإن قيل فهلا كان الخسران عليهما كما كان الربح لهما؟ قيل هما في الحكم سواء وإن عاد الخسران على رب المال لان الخسران يعود إليه، إلى ما تناوله عقد القراض، لانه إنما تناول عملا من جهة العامل ومالا من جهة رب المال، فعاد الخسران على العامل بذهاب عمله وعلى رب المال بذهاب ماله. فعلى هذا لو شرطا في عقد القراض تحمل العامل الخسران كان القراض باطلا لاشتراطهما خلاف موجبه. (فرع) قال المزني " وإن دفع مالا قراضا في مرضه وعليه دين ثم مات بعد أن اشترى وباع وربح أخذ العامل ربحه واقتسم الغرماء ما بقى من ماله " وهذا صحيح لانه يجوز للمريض أن يدفع مالا قراضا لما فيه من تثمير ماله، وسواء قارض العامل على تساو في الربح أو تفاضل فكان أقلهما سهما أو أكثر، ويكون ما يصل إلى العامل من كثير الربح من رأس المال دون الثلث، لانه بيسير الربح واصل إلى ما لم يكن واصلا إليه لو كف عن القراض. وهكذا الخلاف فيمن أجر دارا بأقل من أجرة المثل لانه قد كان مالكا للمنفعة، فإذا عاوض عليها في مرضه ببعض الاجرة فقد أتلف بعض ملكه فكان معتبرا في الثلث، وليس رب المال مالكا لربح المال الذى صار إلى بعضه فلذا كان من رأس المال فإذا تقرر صحة القراض من رأس المال في قليل الربح وكثيره تولى رب المال وان كان حيا محاسبة العامل واستيفاء الحقين من أصل وربح، فإن مات مفلسا وكثرت ديونه عن ماله قدم العامل بحصته من الربح على سائر الغرماء لانه إن كان

شريكا فالشريك لا يدفعه الغرماء عن شركته، وإن كان أجيرا فحقه متعلق بعين المال كالمرتهن، والمرتهن لا يزاحمه الغرماء في رهنه. وهكذا لو أخذ المريض مالا قراضا صح. وإن كان بأقل السهمين من الربح وكان من رأس المال، لان قليل الربح كسب وليس بإتلاف (فرع) قال المزني: من ذلك لو دفع إليه ألف درهم فقال: خذها فاشتر بها هرويا أو مرويا (1) بالنصف كان فاسدا لانه لم يبين، فان اشترى فجائز وله أجرة مثله، وإن باع فباطل لان البيع بغير أمره إذا دفع رب المال إلى العامل ألف درهم وقال: اشتر بها هرويا أو مرويا كان فاسدا باتفاق أصحابنا، وانما اختلفوا في علة فساده على ثلاثة أوجه: أحدها: أن علته أنه قال: فاشتر بها هرويا أو مرويا فلم يبين أحد النوعين من المروى والهروى ولا جمع بينهما فجعله مشكلا، والقراض انما يصح بأن يعم جميع الاجناس أو يعين أحد الاجناس وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هريرة أن علة فساده أنه قال بالنصف ولم يبين النصف هل يكون لرب المال أو للعامل. قال واشتراطه نصف الربح للعامل غير مبطل له فصار لنفسه مبطلا للقراض ما لم يبين نصيب العامل، واشتراطه نصف الربح للعامل غير مبطل للقراض، فصار القراض بهذا القول مترددا بين الصحة والفساد فبطل والثالث: وهو اختيار أبى إسحاق المروزى: أنه بطل بقوله فاشترى ولم يقل وبع، والقراض انما يصح بالشراء والبيع فلذلك بطل، فإذا تقرر ما وصفنا من اختلاف أصحابنا في علة فساده، فان اشترى كان الشراء جائزا لانه مأمور به وله أجرة مثله، وان باع كان البيع باطلا لانه غير مأمور به وإذا قال: خذ هذا المال قراضا، ولم يزد على ذلك كان قراضا فاسدا للجهل بنصيب كل واحد منهما من الربح. الا أن شراء العامل وبيعه جائز، لانه أمر

_ (1) ثياب تنسب إلى مدنها التى صنعت فيها مثل هراه ومرو وهما مدينتان بين بخارى ونيسابور وراء بحر قزوين.

أمر بهما لكونهما من موجبات القراض وللعامل أجرة مثله. وحكى عن أبى العباس بن سريج أن القراض جائز ويكون الربح بينهما نصفين، لان ذلك هو الغالب من أحوال القراض فحمل إطلاقه عليه. قال الماوردى: وهذا المحكى عنه غير صحيح لانه لو جاز ذلك في إطلاق القراض لجاز مثله في البيع إذا أغفل فيه الثمن أن يكون محمولا على ثمن المثل وهو القيمة، وكذا في الاجارة وكل العقود. فأما إذا قال: خذ هذا المال فاشتر به وبع ولم يزد عليه فلا خلاف بين أصحابنا أنه لا يكون قراضا صحيحا، ويصح شراء العامل وبيعه، وهل يكون قراضا فاسدا أو معونة؟ على وجهين: أحدهما: يكون استعانة بعمله كما لو قال: اشتر وبع على أن جميع الربح لى. فعلى هذا لا أجرة للعامل في عمله والثانى: أنه يكون قراضا فاسدا لانه الاغلب من حال أمره وحال قوله: على أن جميع الربح لى لما فيه من التصريح بأن لا شئ له فيه. فعلى هذا يكون للعامل أجرة مثله، وسواء حصل في المال فضل أو لم يحصل (فرع) قال المزني: وإن قال خذها قراضا أو مضاربة على ما شرط فلان من الربح لفلان، فان علما ذلك فجائز، وإن جهلاه أو أحدهما ففاسد. وهذا كما قال: إذا دفع المال قراضا من غير أن يسمى في الربح قدرا ففعله محمول على مثل ما قارض زيد عمرا. فان علما ما تقارض زيد وعمرو عليه صح قراضهما، لانهما عقداه بمعلوم من الربح، إذ لا فرق بين قوله على أن الربح بيننا نصفين وبين قوله: على مثل ما قارض به زيد عمرا كان القراض باطلا لجهلهما بقدره. والجهالة بقدر الربح مبطلة للقراض فان علما بعد ذلك ما تقارض عليه زيد وعمرو لم يصح لوقوعه فاسدا. وهكذا لو علمه أحدهما حال العقد وجهله الآخر لم يصح القراض، لان جهل

أحد المتعاقدين بالعوض كجهلهما معا به، فلو قال: خذه قراضا على ما تقارض به زيد وعمرو كان باطلا، لان زيدا قد يقارض عمرا وقد لا يقارضه، وقد يقارض على قليل أو كثير. وهكذا لو قال خذه قراضا على ما يوافقك عليه زيد لم يجز للجهل بما يكون من موافقته. وهكذا لو قال: خذه قراضا على أن لك من الربح ما يكفيك أن يقنعك لم يجز لجهله بكفايته وقناعته، فان اشترى وباع في هذه المسائل كلها صح بيعه وشراؤه وكان جميع الربح والخسران لرب المال وعليه، وللعامل أجرة المثل: (فرع) إذا اختلف رب المال والعامل في قدر رأس المال فقال العامل: هو ألف دينار وقال رب المال هو ألفان، فان لم يكن ربح فالقول قول العامل مع يمينه، وان كان في المال ربح بقدر ما ادعاه رب المال من رأس ماله، مثل أن يدعى العامل - وقد أحضر الفى دينار - أن أحد الالفين رأس مال وليس فيها ربح، ففيه لاصحابنا وجهان، وعن أبى حنيفة روايتان مخرجان من اختلاف قولين في العامل هل هو وكيل أو شريك؟ (أحدهما) أن القول قول رب المال إذا قيل: ان العامل وكيل مستأجر. وهذا قول زفر بن الهذيل (والثانى) أن القول قول العامل إذا قيل انه شريك مساهم. وهذا قول محمد ابن الحسن، وهو أصح الوجهين في اختلافهما، لان قوله نافذ فيما بيده، فعلى هذا لو أحضر ثلاثة آلاف دينار وذكر أن رأس المال منها ألف والربح ألفان. وقال رب المال: رأس المال منها ألفان والربح ألف حكم بقول العامل واقتسما الالفين ربحا، وجعل رأس المال ألفا. فلو قال العامل وقد أحضر ثلاثة آلاف: رأس المال منها ألف والربح ألف والالف الثالثة لى، أو وديعة في يدى، أو هي دين على من قراض وادعاها رب المال ربحا فالقول قول العامل مع يمينه لمكان يده والله أعلم.

باب العبد المأذون له في التجارة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب العبد المأذون له في التجارة) لا يجوز للعبد أن يتجر بغير إذن المولى لان منافعه مستحقة له فلا يملك التصرف فيها بغير إذنه فإن رآه يتجر فسكت لم يصر مأذونا له لانه تصرف يفتقر إلى الاذن فلم يكن السكوت إذنا فيه كبيع مال الأجنبي فان اشترى شيئا في الذمة فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الاصطخرى وأبو إسحاق لا يصح لانه عقد معاوضة فلم يصح من العبد بغير إذن المولى كالنكاح. وقال أبو على بن أبى هريرة: يصح لانه محجور عليه لحق غيره فصح شراؤه في الذمة كالمفلس ويخالف النكاح فانه تنقص به قيمته ويستضر به المولى فلم يصح من غير اذنه، فإن قلنا: أنه يصح دخل المبيع في ملك المولى لانه كسب للعبد فكان للمولى كما لو احتش أو اصطاد ويثبت الثمن في ذمته لان اطلاق البيع يقتضى إيجاب الثمن في الذمة، فإن علم البائع برقه لم يطالبه حتى يعتق لانه رضى بذمته فلزمه الصبر إلى أن يقدر كما نقول فيمن باع من مفلس، وإن لم يعلم ثم علم فهو بالخيار بين أن يصبر إلى أن يعتق وبين أن يفسخ البيع ويرجع إلى عين ماله لانه تعذر الثمن فثبت الخيار كما نقول فيمن باع من رجل ثم أفلس بالثمن، وان قلنا ان الشراء باطل وجب رد المبيع لانه مقبوض عن بيع فاسد فان تلف في يد العبد أتبع بقيمته إذا عتق لانه رضى بذمته وان تلف في يد السيد جاز له مطالبة المولى في الحال ومطالبة العبد إذا عتق لانه ثبتت يد كل واحد منهما عليه بغير حق. (فصل) وان أذن له في التجارة صح تصرفه لان الحجر عليه لحق المولى وقد زال وما يكتسبه للمولى لانه ان دفع إليه مالا فاشترى به كان المشترى عوض ماله فكان له، وان أذن له في الشراء في الذمة كان المشترى من أكسابه لانه تناوله الاذن فان لم يكن في يده شئ اتبع به إذا عتق لانه دين لزمه برضى من له الحق فتعلق بذمته ولا تباع فيه رقبته لان المولى لم يأذن له في رقبته فلم يقض منها دينه.

(فصل) ولا يتجر الا فيما أذن به لان تصرفه بالاذن فلا يملك الا ما دخل فيه فان أذن له في التجارة لم يملك الاجارة، ومن أصحابنا من قال: يملك اجارة ما يشتريه للتجارة لانه من فوائد المال فملك العقد عليه كالصوف واللبن، والمذهب الاول لان المأذون فيه هو التجارة. والاجارة ليست من التجارة فلم يملك بالاذن في التجارة. (فصل) ولا يبيع بنسيئة ولا بدون ثمن المثل لان اطلاق الاذن يحمل على العرف والعرف هو البيع بالنقد وثمن المثل ولانه يتصرف في حق غيره فلا يملك إلا ما فيه النظر والاحتياط وليس فيما ذكرناه نظر ولا احتياط فلا يملك ولا يسافر بالمال لان فيه تغريرا بالمال فلا يملك من غير إذن، وان اشترى من يعتق على مولاه بغير إذنه ففيه قولان. (أحدهما) أنه لا يصح وهو الصحيح لان الاذن في التجارة يقتضى ما ينتفع به ويربح فيه وهذا لا يوجد فيمن يعتق عليه (والثانى) أنه يصح لان العبد لا يصح منه الشراء لنفسه فإذا أذن له فقد أقامه مقام نفسه فوجب أن يملك جميع ما يملك فان قلنا يصح فان لم يكن عليه دين عتق، وان كان عليه دين ففيه قولان، أحدهما يعتق لانه ملكه، والثانى: لا يعتق لان حقوق الغرماء تعلقت به فان اشتراه باذنه صح الشراء فان لم يكن عليه دين عتق عليه، وان كان عليه دين فعلى القولين ومتى صح العتق لزمه أن يغرم قيمته للغرماء لانه أسقط حقهم منه بالعتق. (فصل) وإذا اكتسب العبد مالا بأن احتش أو اصطاد أو عمل في معدن فأخذ منه مالا أو ابتاع أو اتهب أو أوصى له بمال فقبل دخل ذلك في ملك المولى لانها اكتساب ماله فكانت له فان ملكه مالا ففيه قولان، قال في القديم: يملكه لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ولانه يملك البضع فملك المال كالحر، وقال في الجديد. لا يملك لانه سبب يملك به المال فلا يملك به العبد كالارث فان ملكه جارية وأذن له في وطئها ملك وطأها في قوله القديم ولا يملك في الجديد وان ملكه نصابا لم يجب زكاته على المولى في قوله القديم ويجب في الجديد، فان

وجب كفارة عليه كفر بالطعام والكسوة في قوله القديم وكفر بالصوم في قوله الجديد، وأما العتق فلا يكفر به على القولين لان العتق يتضمن الولاء والعبد ليس من أهل الولاء وان باعه وشرط المبتاع ماله جاز في قوله القديم أن يكون المال مجهولا لانه تابع ولا يجوز في الجديد لانه غير تابع والله أعلم. (الشرح) الاحكام: لا يبطل الاذن بالاباق، وقال أبو حنيفة: يبطل لانه يزيل به ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا رهنه فأشبه ما لو باعه. وقال أحمد: ان الاباق لا يمنع ابتداء الاذن له في التجارة فلم يمنع استدامته كما لو غصبه غاصب أو حبس بدين عليه أو على غيره، وما ذكره أبو حنيفة غير صحيح، فان سبب الولاية باق وهو الرق، ويجوز بيعه واجارته ممن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب. ولا يجوز للمأذون في التجارة التبرع بهبة الدراهم ولا كسوة الثياب ولا الهبة بالمأكول ولا اعارة الدابة، وقال أحمد: يجوز هبته واعارته دابته واتخاذ الدعوة ما لم يكن اسرافا، وبه قال أبو حنيفة. دليلنا: أنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كهبة دراهمه، وقد استدل أحمد وأبو حنيفة بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يجيب دعوة المملوك، وروى أبو سعيد مولى أبى أسيد أنه تزوج فحضر دعوته أناس مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم منهم عبد الله بن مسعود وحذيفة وأبو ذر فأمهم وهو يومئذ عبد، رواه صالح في مسائله باسناده، قال ابن قدامة: ولان العادة جارية بذلك بين التجار فجاز كما جاز للمرأة الصدقة بكسرة الخبز من بيت زوجها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب المساقاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب المساقاة تجوز المساقاة على النخل لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، وتجوز على الكرم لانه شجر تجب الزكاة في ثمرته فجازت المساقاة عليه كالنخل، وتجوز على الفسلان وصغار الكرم إلى وقت تحمل لانه بالعمل عليها تحصل الثمرة كما تحصل بالعمل على النخل والكرم، ولا تجوز على المباطخ والمقاثئ والعلف وقصب السكر لانها بمنزلة الزرع فكان المساقاة عليها كالمخابرة على الزرع. واختلف قوله في سائر الاشجار المثمرة كالتين والتفاح، فقال في القديم: تجوز المساقاة عليها، لانها شجر مثمر فأشبه النخل والكرم. وقال في الجديد: لا تجوز لانه لا تجب الزكاة في ثماره فلم تجز المساقاة عليه كالغرب (1) والخلاف. واختلف قوله في المساقاة على الثمرة الظاهرة فقال في الام: تجوز لانه إذا جاز على الثمرة المعدومة مع كثرة الغرر فلان تجوز على الثمرة الموجودة وهى من الغرر أبعد أولى. وقال في البويطى: لا تجوز، لان المساقاة عقد على غرر، وإنما أجيز على الثمرة المعدومة للحاجة إلى استخراجها بالعمل، فإذا ظهرت الثمرة زالت الحاجة، فلم تجز. (الشرح) حديث ابن عمر رواه الجماعة، وقد جاء في رواية الصحيحين عن ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة، فقال لهم: نقركم بها على ذلك ما شئنا "

_ (1) قال ابن بطال: الغرب ضرب من الشجر يسمى بالفارسية اسبنددار. والخلاف شجر يستخرج منه ماء طيب كماء الورد، وسمعناه بالتخفيف وروى بالتشديد. وذكر ابن قتيبة في كتاب عيون الاخبار ان الخلاف شجر سقط ثمره قبل تمامه وهو الصفصاف.

وعن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا رواه أحمد والبخاري بمعناه. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالت الانصار للنبى صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخل. قال لا، فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة، فقالوا سمعنا وأطعنا. رواه البخاري. وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الارض عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا. رواه ابن ماجه. قال البخاري وقال قيس بن مسلم عن أبى جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع على وسعد بن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبى بكر وآل على وآل عمر. قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر. وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. وقال الشافعي: ساقى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ خيبر على أن نصف الثمر لهم فكان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم وان شئتم فلى. والمساقاة على إطلاقها أن يدفع الرجل إلى آخر شجره ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره، إلا أن هذا التعريف على سعتة يقتضى وقوع غبن وغرر إذا ظل على إطلاقه، فقيد الشافعي هذا المفهوم الواسع وقصره على ما يكفل الرفق بالعامل وصاحب المال، فخص المساقاة في قوله الجديد بالنخل والكروم وخصها داود بالنخل فقط، وتجاوز مالك فجعلها تشمل الزرع والشجر واستثنى منها البقول، وأجازها عبد الله بن دينار في البقول، وجعلها أحمد في الشجر والنخل والكرم وقد ثبتت المساقاة بالسنة والاجماع، فأما السنة فقد مضى حديث ابن عمر المتفق عليه، وأما الاجماع فقد قال أبو جعفر محمد بن على بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: عامل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ خيبر بالشطر ثم أبو بكر وعمر وعثمان أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع، وهذا عمل به الخلفاء الراشدون في مدة خلافتهم، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فإن عبد الله ابن عمر الذى روى حديث معاملة أهل خيبر قد رجع عنه وقال: كنا نخابر

أربعين سنة حتى حدثنا رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المخابرة. وهذا يمنع انعقاد الاجماع ويدل على نسخ حديث ابن عمر لرجوعه عن العمل به إلى حديث رافع. (قلت) هذا الكلام فيه نظر، لانه لا يجوز حمل حديث رافع على مخالفة الاجماع، ولا حديث ابن عمر، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء من بعده، ثم من بعدهم، فكيف يتصور نهى الرسول عن شئ ثم يخالفه؟ أم كيف يعمل بذلك في عهد الخلفاء ولم يخبرهم من سمع النهى وهو حاضر معهم وعالم بفعلهم فلم يخبرهم. قال ابن قدامة: فلو صح خبر رافع لوجب حمله على ما يوافق السنة والاجماع وعلى أنه قد روى في تفسير خبر رافع عنه ما بدل على صحة قولنا، فروى البخاري بإسناده قال: كنا نكرى الارض بالناحية منها تسمى لسيد الارض، فربما يصاب ذلك وتسلم الارض، وربما تصاب الارض ويسلم ذلك فنهينا. فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ، روى تفسيره أيضا بشئ غير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب جدا وسئل أحمد بن حنبل عن حديث رافع فقال: رافع روى عنه في هذا ضروب قال الاثرم كأنه يرى أن اختلاف الروايات عنه يوهن حديثه، وقال طاوس: إن أعلمهم - يعنى ابن عباس - أخبر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ ينه عنه ولكن قال " لان يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما " متفق عليه وأنكر زيد بن ثابت حديث رافع عليه، وكيف يجوز نسخ أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات وهو يفعله ثم أجمع عليه خلفاؤه وأصحابه بعد بخبر لا يجوز العمل به ولو لم يخالفه غيره، ورجوع ابن عمر إليه يحتمل أنه رجع عن شئ من المعاملات الفاسدة التى فسرها رافع في حديثه. وأما غير ابن عمر فقد أنكر على رافع ولم يقبل حديثه وحمله على أنه غلط في روايته والمعنى يدل عليه. فإن كثيرا من اصحاب النخيل والكروم يعجزون عن سقيه والقيام على شئونه، وقال الماوردى في الحاوى: والمساقاة في تسميتها ثلاثة تأويلات، أحدها أنها

سميت بذلك لانها مفاعلة على ما تشرب بساق. والثانى: أنها سميت بذلك لان موضع النخل والشجر سمى سقيا فاشتقوا اسم المساقاة منه. والثالث أنها سميت بذلك لان غالب العمل المقصود فيها هو السقى فاشتق اسمها منه. قال والمساقاة جائزة لا يعرف خلاف بين الصحابة والتابعين في جوازها وهو قول الفقهاء كافة إلا أبا حنيفة وحده دون سائر أصحابه، فانه تفرد بابطالها، وحكى عن النخعي كراهتها. واستدل من نصر قول أبى حنيفة على إبطال المساقاة بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الغرر، وغرر المساقاة متردد بين ظهور الثمرة وعدمها، وبين قلتها وكثرتها، فكان الغرر فيها أعظم: فاقتضى أن يكون بابطال العقد أحق، ولانه عقد على منافع أعيان باقية فامتنع أن يكون معقودا ببعضها كالمخابرة، ولانه عقد تناول ثمرة لم تخلق فوجب أن يكون باطلا كالبيع، لانه عمل العوض عليه ثمرة لم تخلق فوجب أن يكون باطلا كما لو استؤجر على عمل بثمرة هذه الثمار في القابل ولان المساقاة اجارة على عمل جعلت الثمرة فيه أجرة والاجرة لا تصح إلا أن تكون معينة أو ثابته في الذمة، وما تثمره نخل المساقاة غير معين ولا ثابت في الذمة فوجب أن تكون باطلة ولان ما امتنع من المساقاة فيما سوى النخل والكرم من الشجر من جهالة الثمن منع فيها من النخل لجهالة الثمن. فإذا ثبت ما ذكرنا فان المساقاة لا تصح في الزروع لانها كالمخابرة على الزروع وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه أحمد ومسلم عن جابر قال " كنا نخابر عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها " وأختلف قوله في سائر الاشجار فأجازها في قوله القديم في التين والتفاح لانها شجر مثمر فأشبه النخل إلا أنه قال في الجديد " والمساقاة جائزة بما وصفت في النخل والكرم دون غيرهما، لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ صدقتهما بالخرص وثمرهما مجتمع بائن من شجره، ولا حائل دونه يمنع احاطة النظر إليه، وثمر غيرهما متفرق بين أصفاف ورق شجره ولا يحاط بالنظر إليه.

وجملة الثمر من النبات مثمرا على ثلاثة أقسام، قسم لا يختلف مذهب الشافعي في جواز المساقاة عليه وهو النخل والكرم، وقال داود: المساقاة جائزة في النخل دون الكرم، وحكى عن الليث بن سعد جواز المساقاة فيما لم يكن بعلا من النخل ومنع منها في البعل من النخل وفى الكرم، واختلف أصحابنا في جواز المساقاة في الكرم، هل قال به الشافعي نصا أو قياسا، فقال بعضهم: بل قال به نصا وهو مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساقى في النخل والكرم، وقال آخرون - وهو الاشبه: إنه قال به قياسا على النخل من وجهين ذكرهما، أحدهما لاشتراكهما في وجوب الزكاة فيها، والثانى: بروز ثمرهما وإمكان خرصهما (والقسم الثاني) ما لا يختلف مذهب الشافعي في بطلان المساقاة فيه، وهو المقاثى والمباطخ والباذنجان ويسميها الزراعيون النباتات الزاحفة (1) وهى التى تمتد أوراقها وعروقها على الارض. وحكى عن مالك جوازها في هذا كله ما لم يبد صلاحه. (والقسم الثالث) ما كان شجرا وهو الذى له ساق من الخشب ففى جواز المساقاة عليه قولان، أحدهما: وبه قال في القديم وهو قول أبى ثور: ان المساقاة عليه جائزة، ووجهه أنه لما اجتمع في الاشجار معنى النخل مع بقاء أصلها ومنع إجارتها كانت كالنخل في جواز المساقاة عليها، مع أنه قد كان بأرض خيبر شجر لم يَرْوِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إفرادها عن حكم النخل، ولان المساقاة مشتقة مما يشرب بساق. والقول الثاني: وبه قال في الجديد، وهو قول أبى يوسف أن المساقاة على الشجر باطلة اختصاصا بالنخل والكرم لما ذكره الشافعي من المعنيين في الفرق بين النخل والكرم وبين الشجر.

_ (1) عند علماء النبات: الزاحفة كالبطيخ والشمام والدباء والقثاء والخيار، والمتسلقة كالعنب والياسمين واللوف، والنباتات الدرنيه كالبطاطس والقلقاس والبطاطا وهذه كلها لا يجوز المساقاة فيها واختلفوا كما ذكرنا في الاشجار الخشبية المثمرة للفواكه كالتفاح والبرتقال والمانجو فعلى الجديد لا تصح فيها المساقاة.

(أحدهما) اختصاص النخل والكرم بوجوب الزكاة فيهما دون ما سواهما من جميع الاشجار. (والثانى) بروز ثمرهما وإمكان خرصهما دون غيرهما من سائر الاشجار، فأما إذا كان بين النخيل شجر قليل فساقاه عليها صحت المساقاة فيها وكان الشجر تبعا كما تصح المخابرة في البياض الذى بين النخل ويكون تبعا. (فوائد أصولية) انعقد اجماع الصحابة عن سيرة أبى بكر وعمر رضى الله عنهما في مساقاة أهل خيبر بعد النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا له إلى أن حدث من أجلائهم ما حدث، ثم الدليل من طريق المعنى هو أنها عين تنمى بالعمل فإذا لم تجز اجارتها جاز العمل عليها ببعض نمائها كالدراهم والدنانير في القراض ثم الاستدلال بالقراض من وجهين، أحدهما ذكره أبو على بن أبى هريرة أن الامة مجمعة على جواز القراض وما انعقد الاجماع عليه فلا بد أن يكون حكمه مأخوذا عن توقيف أو اجتهاد يرد إلى أصل، وليس في المضاربة توقيف نص عليه، فلم يبق الا توقيف اجتهاد أدى إلى الحاقه بأصل، وليس في المضاربة في الشرع أصل ترد إليه الا المساقاة، وإذا كانت المساقاة أصلا لفرع مجمع عليه كانت أحق بالاجماع عليه، والثانى: ذكره أبو حامد الاسفرايينى وهو أنه لما جازت المضاربة اجماعا وكانت عملا على عوض مظنون من ربح مجوز كانت المساقاة أولى بالجواز لانها عوض على عمل معتاد من ثمرة نمائية. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تجوز الا على شجر معلوم، وان قال: ساقيتك على أحد هذين الحائطين لم يصح، لانها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الاعيان فلم يجز على حائط غير معين كالبيع وهل يجوز على حائط معين لم يره؟ فيه طريقان أحدهما: أنه على قولين كالبيع: والثانى: أنه لا يصح قولا واحدا لان المساقاة معقودة على الغرر فلا يجوز أن يضاف إليها الغرر لعدم الرؤية بخلاف البيع.

(فصل) ولا تجوز الا على مدة معلومة لانه عقد لازم، فلو جوزناه مطلقا استبد العامل بالاصل فصار كالمالك، ولا تجوز على اقل من مدة توجد فيها الثمرة فإن ساقاه على النخل أو على الودى إلى مدة لا تحمل لم يصح، لان المقصود أن يشتركا في الثمرة، وذلك لا يوجد، فإن عمل العامل فهل يستحق أجرة المثل؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يستحق، وهو قول المزني، لانه رضى أن يعمل بغير عوض فلم يستحق الاجرة كالمتطوع في غير المساقاة (والثانى) أنه يستحق، وهو قول أبى العباس، لان العمل في المساقاة يقتضى العوض فلا يسقط بالرضا بتركه كالوطئ في النكاح، وان ساقاه إلى مدة قد تحمل وقد لا تحمل ففيه وجهان. أحدهما: أنها تصح لانه عقد إلى مدة يرجى فيها وجود الثمرة، فأشبه إذا ساقاه إلى مدة توجد الثمرة فيها في الغالب. والثانى: أنها لا تصح وهو قول أبى اسحاق لانه عقد على عوض غير موجود، ولا الظاهر وجوده، فلم يصح، كما لو أسلم في معدوم إلى محل لا يوجد في الغالب، فعلى هذا ان عمل استحق أجرة المثل، لانه لم يرض أن يعمل من غير ربح، ولم يسلم له الربح، فرجع إلى بدل عمله. واختلف قوله في أكثر مدة الاجارة والمساقاة، فقال في موضع: سنة، وقال في موضع: يجوز ما شاء، وقال في موضع: يجوز ثلاثين سنة، فمن أصحابنا من قال: فيه ثلاثة أقوال. أحدها: لا تجوز بأكثر من سنة، لانه عقد على غرر أجيز للحاجة ولا تدعو الحاجة إلى أكثر من سنة، لان منافع الاعيان تتكامل في سنة. والثانى: تجوز ما بقيت العين، لان كل عقد جاز إلى سنة جاز إلى أكثر منها كالكتابة والبيع إلى أجل. والثالث: أنه لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة، لان الثلاثين شطر العمر، ولا تبقى الاعيان على صفة أكثر من ذلك، ومنهم من قال: هي على القولين الاولين، وأما الثلاثون فانما ذكره على سبيل التكثير، لا على سبيل التحديد، وهو الصحيح. فان ساقاه إلى سنة لم يجب ذكر قسط كل شهر، لان شهور السنة لا تختلف

منافعها، وإن ساقاه إلى سنتين ففيه قولان، أحدهما: لا يجب ذكر كل سنة كما إذا اشترى أعيانا بثمن واحد لم يجب ذكر قسط كل عين منها، والثانى: يجب، لان المنافع تختلف باختلاف السنين، فإذا لم يذكر قسط كل سنة لم نأمن أن ينفسخ العقد فلا يعرف ما يرجع فيه من العوض، ومن أصحابنا من قال: القولان في الاجارة، فأما في المساقاة فإنه يجب ذكر قسط كل سنه من العوض، لان الثمار تختلف باختلاف السنين، والمنافع لا تختلف في العادة باختلاف السنين. (فصل) وإذا ساقاه إلى عشر سنين فانقضت المدة ثم أطلعت ثمرة السنة العاشرة لم يكن للعامل فيها حق لانها ثمرة حدثت بعد انقضاء العقد وان أطلعت قبل انقضاء المدة وانقضت المدة وهى طلع أو بلح تعلق بها حق العامل لانها حدثت قبل انقضاء المدة (الشرح) قال الشافعي: فإذا ساقى على النخل والعنب بجزء معلوم فهى المساقاة التى ساقى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اه. (قلت) إذا تقرر هذا، فإن المساقاة من العقود اللازمة وليست من العقود الجائزة كالمضاربة، والفرق بينهما أن نماء النخل في المساقاة متأخر عن العمل، فكان في ترك لزومه تفويت العمل بغير بدل، ونماء المال في المضاربة متصل بالبيع فلم يكن في ترك لزومه تفويت للعمل بغير بدل فلذلك انعقد لازما في المساقاة وجائزا في المضاربة، وإذا كان كذلك فان صحة العقد فيها معتبرة بأربعة شروط 1 - أن تكون النخل معلومة، فان كانت مجهولة بأن قال: ساقيتك أحد حوائطي، أو على مال يثبت من نخلى كان باطلا، لان النخل أصل في العقد فبطل بالجهالة كالبيع، فلو ساقاه على نخل غائب بشرط خيار الرؤية فقد اختلف أصحابنا فيه، فخرجه بعضهم على قولين كالبيع، وذهب آخرون منهم - وهو الاصح - إلى فساد العقد قولا واحدا. وفرقوا بين المساقاة والبيع بأن البيع يغرى بالغرر، فإذا دخل عليه غرر العين الغائبة بخيار الرؤية، جرى على احتماله فصح فيه، وعقد المساقاة غرر فإذا دخل

عليه غرر العين الغائبة صعب احتماله فبطل فيه، وإذا لم يكن يجوز إلا على معين مشاهد - فإن كانت عند عقد المساقاة مثمرة - فقد قال المزني: إن كان ذلك قبل بدو الصلاح جاز. وإن كان بعده لم يجز. وقال أبو ثور: إن احتاجت إلى القيام بها حتى يطيب جاز، وإن لم تحتج لم يجز. وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانت تزيد جاز، وإن لم تزد لم يجز. فأما الشافعي فقد حكى عنه في الاملاء جوازه من غير تفصيل، لانه لما جازت المساقاة على ثمرة معدومة كان جوازها بالمعلومة أولى، ولعل هذا على قوله في الام إنه أجير، والمشهور من مذهبه والاصح على أصله أن المساقاة باطلة بكل حال. وقد حكى البويطى ذلك عنه نصا كما أشار إليه الماوردى، لان علة جوازها عنده أن لعمله تأثيرا في حدوث الثمرة، كما أن لعامل المضاربة تأثيرا في حصول الربح، ولو حصل ربح المال قبل عمل العامل لم يكن له فيه حق، كذلك المساقاة، فلو ساقاه على النخل المثمرة على ما تحدث من ثمرة العام المقبل لم يجز لانه قد يتعجل العمل فيها استصلاحا لثمرة قائمة من غير بدل. (فرع) فإذا ثبت أن المساقاة عقد لازم فإنها لا تجوز إلا على مدة معلومة وهذا الشرط هو أحد الشروط الاربعة أن يكون النخل معلوما، وأن يكون نصيب العامل من الثمرة معلوما مدة تكون لهما معلومة. وأن يعقد بلفظ المساقاة وقال بعض أصحاب الحديث: يجوز اطلاقها من غير تقدير بمدة محددة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يقدر لاهل خيبر مدة. وقال أبو ثور: إن قدر مدة لزمت إلى انقضائها، وإن لم يقدر مدة صحت وكانت على سنة واحدة، وكلا القولين خطأ عندنا، فإذا كانت المدة المعلومة شرطا فيها فأقلها مدة تطلع فيها الثمرة وتستغني عن العمل، ولا يجوز أن يقدرها بذلك حتى يقدرها بالشهور التى قد أجرى الله تعالى العادة بأن الثمار تطلع فيها طلوعا متناهيا، فإن تأخر طلوعها فيها بحادث أطلعت بعد تقضيها فعلى الاصح من المذهب في أن العامل شريك تكون بينهما، وإن انقضت المدة، وإن استحق الثمرة إلا فيما اخنص بالثمرة من تأبير وتلقيح إن قيل بأن العامل أجير فلا حق

له في الثمرة الحادثة بعد انقضاء المدة وانقطاع العمل، ولا يستهلك عمله بغير بدل فيحكم له حينئذ بأجرة المثل، فأما أكثر مدة المساقاة فقد قال الشافعي: تجوز المساقاة سنين. (قلت) فإذا عرفنا أن أقلها مدة تطلع فيها الثمرة وتستغني عن العمل فان أقصاها، فقد حكى الماوردى أنها كالاجارة. وقد رأينا كيف اختلف قول الشافعي في أكثر مدة الاجارة على قولين (أحدهما) لا يجوز إلا سنة واحدة لزيادة الغرر فيما زاد على السنة. والقول الثاني: يجوز سنين كثيرة قال الشافعي يجوز ثلاثين سنة. فمن أصحابنا من جعل الثلاثين حدا لاكثر المدة اعتبارا بظاهر كلامه. وذهب سائرهم - وهو الصحيح - إلى أن قوله ثلاثين سنة ليس بحد لاكثر المدة، ولهم فيه تأويلان (أحدهما) أنه قاله على وجه التكثير (والثانى) أنه محمول على ما لا يبقى أكثر من ثلاثين سنة فعلى هذا تجوز الاجارة سنين كثيرة، فهل ذكر أجرة كل سنة لازم فيها على قولين (أحدهما) يلزم أن يبين أجرة كل سنة منها (والثانى) لا يلزم فأما المساقاة فأحد القولين أنها لا تجوز أكثر من سنة واحدة كما لا تجوز الاجارة أكثر من سنة (والثانى) تجوز سنين كثيرة يعلم بقاء النخل إليها كما تجوز الاجارة سنين كثيرة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تجوز إلا على جزء معلوم، فإن ساقاه على جزء مقدر كالنصف والثلث جاز، لحديث ابن عمر، فإن عقد على جزء غير مقدر كالجزء والسهم والنصيب لم يصح، لان ذلك يقع على القليل والكثير، فيعظم الغرر. وإن ساقاه على صاع معلوم لم يصح، لانه ربما لم يحصل ذلك فيستضر العامل، وربما لا يحصل إلا ذلك فيستضر رب النخل، وإن ساقاه على أن له ثمر نخلات بعينها لم يصح لانه قد لا تحمل تلك النخلات فيستضر العامل، أو لا يحمل إلا هي فيستضر رب النخل، وإن ساقاه عشر سنين وشرط له ثمرة سنة غير السنة العاشرة

لم يصح، لانه شرط عليه بعد حقه عملا لا يستحق عليه عوضا. وإن شرط له ثمرة السنة العاشرة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يصح كما يصح أن يعمل في جميع السنة، وإن كانت الثمرة في بعضها (والثانى) لا يصح لانه يعمل فيها مدة تثمر فيها ولا يستحق شيئا من ثمرها. (فصل) ولا يصح إلا على عمل معلوم فإن قال إن سقيته بالسيح فلك الثلث وان سقيته بالناضح فلك النصف لم يصح لانه عقد على مجهول. (فصل) وتنعقد بلفظ المساقاة لانه موضوع له وتنعقد بما يؤدى معناه، لان القصد منه المعنى، فصح بما دل عليه، فان قال استأجرتك لتعمل فيه على نصف ثمرته لم تصح لانه عقد الاجارة بعوض مجهول القدر فلم تصح (فصل) ولا يثبت فيه خيار الشرط لانه إذا فسخ لم يمكن رد المعقود عليه وفى خيار المجلس وجهان (أحدهما) يثبت فيه لانه عقد لازم يقصد به المال فيثبت فيه خيار المجلس كالبيع (والثانى) لا يثبت لانه عقد لا يعتبر فيه قبض العوض في المجلس، فلو ثبت فيه خيار المجلس لثبت فيه خيار الشرط كالبيع. (فصل) وإذا تم العقد لم يجز لواحد منهما فسخه لان النماء متأخر عن العمل، فلو قلنا انه يملك الفسخ لم يأمن أن يفسخ بعد العمل ولا تحصل له الثمرة (فصل) وعلى العامل أن يعمل ما فيه مستزاد في الثمرة من التلقيح وصرف الجريد واصلاح الاجاجين وتنقية السواقى والسقى وقلع الحشيش المضر بالنخل، وعلى رب النخل عمل ما فيه حفظ الاصل من سد الحيطان ونصب الدولاب وشراء الثيران، لان ذلك يراد لحفظ الاصل ولهذا من يريد انشاء بستان فعل هذا كله واختلف أصحابنا في الجذاذ واللقاط، فمنهم من قال لا يلزم العامل ذلك، لان ذلك يحتاج إليه بعد تكامل النماء، ومنهم من قال يلزمه لانه لا تستغنى عنه الثمرة. (فصل) وان شرط العامل في القراض والمساقاة أن يعمل معه رب المال لم يصح لان موضوع العقد أن يكون المال من رب المال والعمل من العامل، فإذا لم يجز شرط المال على العامل لم يجز شرط العمل على رب المال، وان شرط أن

يعمل معه غلمان رب المال فقد نص في المساقاة أنه يجوز. واختلف أصحابنا فيها على ثلاثة أوجه، فمنهم من قال لا يجوز فيهما لان عمل الغلمان كعمل رب المال، فإذا لم يجز شرط عمله لم يجز شرط عمل غلمانه، وحمل قوله في المساقاة على أنه أراد ما يلزم رب المال من سد الحيطان وغيره (والثانى) يجوز فيهما، لان غلمانه ماله، فجاز أن يجعل تابعا لماله كالثور والدولاب والحمار لحمل المتاع، بخلاف رب المال فإنه مالك، فلا يجوز أن يجعل تابعا لماله (والثالث) أنه يجوز في المساقاة ولا يجوز في القراض، لان في المساقاة ما يلزم رب المال من سد الحيطان وغيره، فجاز أن يشترط فيها عمل غلمانه، وليس في القراض ما يلزم رب المال، فلم يجز شرط غلمانه. فإذا قلنا إنه يجوز لم يصح حتى تعرف الغلمان بالرؤية أو الوصف، ويجب أن يكون الغلمان تحت أمر العامل، وأما نفقتهم فإنه إن شرط على العامل جاز، لان بعملهم ينحفظ الاصل وتزكو الثمرة، وإن لم يشرط ففيه ثلاثة أوجه: (أحدها) أنها على العامل، لان العمل مستحق عليه فكانت النفقة عليه. (والثانى) أنها على رب المال، لان شرط عملهم عليه فكانت النفقة عليه: (والثالث) أنها من الثمرة لان عملهم على الثمرة فكانت النفقة منها. (فصل) وإذا ظهرت الثمرة ففيه طريقان من أصحابنا من قال هي على القولين في العامل في القراض (أحدهما) تملك بالظهور (والثانى) بالتسليم. ومنهم من قال في المساقاة تملك بالظهور قولا واحدا، لان الثمرة لم تجعل وقاية لرأس المال فملك بالظهور. والربح جعل وقاية لرأس المال فلم يملك بالظهور في أحد القولين (فصل) والعامل أمين فيما يدعى من هلاك وفيما يدعى عليه من خيانة، لانه ائتمنه رب المال فكان القول قوله، فان ثبتت خيانته ضم إليه من يشرف عليه ولا تزال يده، لان العمل مستحق عليه ويمكن استيفاؤه منه فوجب أن يستوفى وإن لم ينحفظ استؤجر عليه من ماله من يعمل عنه لانه لا يمكن استيفاء العمل بفعله فاستوفى بغيره (فصل) وان هرب رفع الامر إلى الحاكم ليستأجر من ماله من يعمل عنه فان لم يكن مال افترض عليه، فإن لم يجد من يقرضه فلرب النخل أن يفسخ،

لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فثبت له الفسخ، كما لو اشترى عبدا فأبق من يد البائع فان فسخ نظرت فان لم تظهر الثمرة فهى لرب النخل لان العقد زال قبل ظهورها وللعامل أجرة ما عمل، وان ظهرت الثمرة فهى بينهما فان عمل فيه رب النخل أو استأجر من عمل فيه بغير اذن الحاكم لم يرجع لانه متبرع وان لم يقدر على اذن الحاكم فان لم يشهد لم يرجع لانه متبرع، وان أشهد ففيه وجهان. أحدهما يرجع لانه موضع ضرورة، والثانى لا يرجع لانه يصير حاكما لنفسه على غيره وهذا لا يجوز لا لضرورة ولا لغيرها (فصل) وان مات العامل قبل الفراغ فان تمم الوارث العمل استحق نصيبه من الثمرة وان لم يعمل، فان كان له تركة استؤجر منها من يعمل لانه حق عليه يمكن استيفاؤه من التركة فوجب أن يستوفى كما لو كان عليه دين وله تركة، وان لم تكن له تركة لم يلزم الوارث العمل لان ما لزم الموروث لا يطالب به الوارث كالدين ولا يقترض عليه لانه لا ذمة له ولرب النخل أن يفسخ لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فان فسخ كان الحكم فيه على ما ذكرناه في العامل إذا هرب. (فصل) وان ساقى رجلا على نخل على النصف فعمل فيه العامل وتقاسما الثمرة ثم استحق النخل رجع العامل على من ساقاه بالاجرة لانه عمل بعوض ولم يسلم له العوض فرجع ببدل عمله، فان كانت الثمرة باقية أخذها المالك فان تلفت رجع بالبدل، فان أراد تضمين الغاصب ضمنه الجميع لانه حال بينه وبين الجميع، وان أراد أن يضمن العامل ففيه وجهان، أحدهما يضمنه الجميع لانه ثبتت يده على الجميع فضمنه كالعامل في القراض في المال المغصوب، والثانى لا يضمن الا النصف لانه لم يحصل في يده الا ما أخذه بالقسمة وهو النصف، فأما النصف الآخر فانه لم يكن في يده، لانه لو كان في يده لزمه حفظه كما يلزم العامل في القراض (فصل) إذا اختلف العامل ورب النخل في العوض المشروط، فقال العامل شرطت لى النصف وقال رب النخل شرطت لك الثلث تحالفا لانهما متعاقدان اختلفا في العوض المشروط ولا بينة فتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن وبالله التوفيق.

(الشرح) حديث ابن عمر هو حديث معاملة الرسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل خيبر وقد مضى تخريجه وبيان طرقه وما قيل من رجوع ابن عمر عنه، أما قوله: السيح فهو الماء الجارى ويسميه الفلاحون في ديارنا المصرية (السقى بالراحة) وهو ما لا يحتاج إلى شد للماء بالسواقي أو الشواديف وإنما يرتفع الماء في جداوله على أعلى من مستوى سطح الارض فيفتح الزارع فتحة من المسقاة فينساب الماء سيحانا إلى الارض المراد سقيها فيغمرها في لحظات قصيرة، أما التلقيح فهو التأبير، أما صرف الجريد وهو تنحيته وتخفيفه وبتر أسافله لتهذيب النخل والخلوص إلى العذوق بغير أن تؤذى سلاها والاجاجين جمع أجانة وهو الطسوت والمواجير والمراكن الكبير التى تغسل فيها الثياب. أما الاحكام: فقد قال الشافعي: ولا تجوز المساقاة إلا على أجر معلوم. قلت: لانه عقد معاوضة فلم يصح مع جهالة العوض كالبيع والاجارة، فلو ساقاه على ما يكفيه أو ما يرضيه بطلت المساقاة للجهل بقدر نصيبه منها، إذ قد لا يرضيه إلا جميعها، ولا يكفيه إلا أكثرها، فإن قيل: فإذا صحت المساقاة مع الجهالة بقدر الثمرة فهل صحت مع الجهاله بقدر نصيبه من الثمرة؟ قيل: لان العلم بقدر ما يحدث من الثمرة غير ممكن فلم يعتبر العلم بقدر نصيبه منها. (فرع) قال الشافعي: وان ساقاه على أن له ثمر نخلات بعينها من الحائط لم يجز، قال الماوردى: هذا صحيح، لان عقد المساقاة يوجب اشتراك العامل ورب النخل في الثمر فإذا عقداها على أن للعامل ثمر نخلات بعينها منها وأفضى إلى أن يستبد أحدهما بجميع الثمرة دون صاحبه لانه قد يجوز أن لا تحمل تلك النخلات فينصرف العامل بغير شئ، ويجوز أن لا تحمل الا تلك النخلات فينصرف رب المال بغير شئ فلذلك بطل اه. (فرع) وتحديد نصيب العامل من الثمرة بقدر معلوم أحد شروط عقد المساقاة على أن يكون شائعا في الثمرة غير معين من نصف أو ربع أو ثلث أو عشر قل ذلك الجزء أو كثر، فإن جهل نصيبه بأن جعل له ما يرضيه أو ما يكفيه أو ما يحكم له

الحاكم لم يجز للجهل به، وهكذا لو جعل له منها مائة صاع مقدرة لم يجز للجهل به من جملة الثمرة، وأنه ربما كان جميعها أو سهما يسيرا منها، فلو قال: قد ساقيتك على هذه النخل سنة ولم يذكر قدر نصيبه من ثمرها فقد حكى عن أبى العباس بن سريج جوازها وجعل الثمرة بينهما نصفين بالسوية حملا لهما على عرف الناس في المساقاة وتسويته بينهما في الثمرة، وقد خطأ الماوردى هذا لان ترك ذكر العوض في العقد لا يقتضى حمله على معهود الناس عرفا، كالبيع والاجارة، مع أن العرف مختلف. فإذا قال: عاملتك على هذه النخل سنة ولم يذكر قدر نصيبه منها لم يجز عند أبى العباس لانه ليس للمعاملة عنده عرف، فلو قال: ساقيتك على مثل ما ساقى زيد عمرا فإن علما قدر ذلك جاز، وان جهلاه أو أحدهما لم يجز ويجوز أن يكون النصيب مختلفا فيكون في السنة الاولى النصف والثانية الثلث والثالثة الربع ومنع مالك من اختلاف نصيب العامل في كل عام حتى يتساوى نصيبه في جميع الاعوام وهذا خطأ لان ما جاز أن يكون العوض في أحواله متفقا جاز أن يكون مختلفا كالبيع والاجارة، فإذا علم نصيب العامل ورب المال فمذهب الشافعي أن العامل شريك في الثمرة بقدر حصته. وقد خرج قول آخر أنه أجير كالمضاربة، ويختص رب المال بتحمل الزكاة دون العامل والاصح أنه شريك تجب الزكاة عليه إن بلغت حصة كل واحد نصابا ففى وجوب الزكاة قولان من اختلاف قولين في الخلطة في غير المواشى هل يكون كالخلطة في المواشى، وقد مضى في الزكاة للامام النووي إفاضة وإفادة فيه. (فرع) الشرط الرابع من شروطها عقدها بلفظ ساقيتك لينتفي الاحتمال عنها فان عقداه بلفظ الاجارة بأن قال: استأجرتك للعمل فيها كان العقد باطلا لان الاجارة فيها لا تصح، فإذا عقدا بلفظ الاجارة، انصرف إلى الاجارة فبطل، وان لم يعقداه بواحدة من اللفظين وقال. قد عاملتك عليها بالعمل فيها على الشطر من ثمرها ففيه وجهان.

أحدهما: أن العقد صحيح لان هكذا يكون عقد المساقاة. والثانى: أن العقد باطل، لان هذا من أحكام العقد فلم ينعقد به العقد، وهذان الوجهان من اختلاف أصحابنا في البيع على ما فصله واستقصاه مجيدا السبكى في التكمله الاولى إذا عقد بلفظ التمليك. (فرع) فإذا اشتمل العقد على شروطه المعتبرة فيه صح ولم يجز فيه خيار الثلاث، واختلف أصحابنا هل يثبت فيه خيار المجلس أم لا؟ على وجهين كالاجارة ويجوز أن يستوثق فيه بالشهادة ولا يجوز أن يستوثق فيه بالرهن والضمان، لانه عقد غير مضمون، ثم يؤخذ العامل بالعمل المشروط عليه، فان لم يعمل في النخل حتى أثمرت كان له نصيبه من الثمرة ان قيل: انه شريك، ولا شئ له فيها ان قيل: انه أجير، ولرب العمل أن يأخذ العامل جبرا بالعمل للزوم العقد، فان أراد العامل أن يساقى غيره عليها مدة مساقاته جاز بمثل نصيبه فما دون كالاجارة، ولا يجوز بأكثر من نصيبه لانه لا يملك الزيادة، والفرق بين المساقاة حيث كان للعامل أن يساقى عليها وبين المضاربة حيث لم يجز للعامل أن يضارب بها أن تصرف العامل في المضاربة تصرف في حق رب المال لان العقد ليس بلازم فلم يملك الافتيات عليه في تصرفه، وتصرف العامل في المساقاة تصرف في حق نفسه للزوم العقد فملك الاستنابة في تصرفه. (فرع) قال الشافعي: وكل ما كان مستزادا في الثمرة من اصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد، وابار النخل وقطع الحشيش الذى يضر بالنخل أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها جاز شرطه على المساقاة، وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لاصلاح في الثمرة ولا يصلح شرطه على المساقى، فان قال: فان كان أصلح للنخل أن يسد الحظار - بحاء مفتوحة كسحاب ومكسورة ككاب بعد ظاء معجمة: الحائط - فكذلك أصلح لها أن يبنى عليها حظار لم يكن، وهو لا يجيزه في المساقاه، وليس هذا الاصلاح من الاستزاده في شئ من النخل انما هو دفع الداخل، قلت: والعمل المشروط في المساقاه على أربعة أنواع: 1 - ما يعود نفعه على الثمرة دون النخل. 2 - ما يعود نفعه على النخل دون الثمرة.

3 - ما يعود نفعه على النخل والثمرة 4 - مالا يعود نفعه على الثمرة ولا النخل. فالاول مثل الابار وتصريف الجريد وتلقيح الثمرة ولقاطها رطبا أو جدادها تمرا. فهذا النوع يجوز اشتراطه على العامل وينقسم إلى (ا) ما يجب عليه فعله من غير شرط وهو كل مالا تصلح الثمرة إلا به كالتلقيح والابار (ب) مالا يجب عليه فعله إلا بالشرط، وهو كل ما فيه مستزاد للثمرة، وقد تصلح بعدمه كتصريف الجريد وتدلية الثمرة (ج) ما هو مختلف فيه، وهو كل ما تكاملت الثمرة قبله كاللقاط والجداد ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يجب على العامل إلا بشرط لتكامل الثمرة بعدمه. (الثاني) أنه واجب على العامل بغير شرط، لان الثمرة لا تستغنى عنه، وإن تكاملت قبله. وأما النوع الثاني وهو ما يعود على النخل دون الثمرة، فمثل سد الحظار وحفر الآبار وشق السواقى ورفع مياه الانهار، فكل هذا مما يعود نفعه على النخل دون الثمرة، فلا يجوز اشتراط شئ من ذلك على العامل. وكذا ما شاكله من عمل الدواليب وإصلاح الزرانيق، فإن شرط رب المال على العامل شيئا مما ذكرنا كان الشرط باطلا، والمساقاة فاسدة. وقال بعض أصحابنا: يبطل الشرط وتصح المساقاة حملا على الشروط الزائدة في الرهن تبطل ولا تبطل معها الرهن في أحد القولين، وقد خطأ جمهور فقهائنا هذا لان عقود المعاوضات إذا تضمنت شروطا فاسدة بطلت كالشروط الفاسدة في البيع والاجارة والنوع الثالث وهو ما يعود نفعه على النخل والثمرة، فكالسقى والابارة وقطع الحشيش المضر بالنخل إلى ما جرى هذا المجرى مما فيه اصلاح النخل ومستزاد في الثمرة مما لا تصلح الثمرة الا به كالسقى فيما لا يشرب بعروقه كنخل البصرة فهو وغيره من شروط هذا الفعل سواء، وفيه لاصحابنا ثلاثة أوجه: (أحدها) أنه واجب على العامل بنفس العقد واشتراطه عليه تأكيدا لما فيه من صلاح النخل وزيادة الثمرة (والوجه الثاني) أنه واجب على رب النخل، واشتراطه عليه مبطل للعقد

باب المزارعة

لانه بصلاح النخل أخص منه بصلاح الثمرة (والثالث) أنه يجوز اشتراطه على العامل لما فيه من زيادة الثمرة، ويجوز اشتراطه على رب النخل لما فيه من صلاح النخل فلم يتناف الشرطان فيه، فإن شرط على العامل لزمه، وإن شرط على رب النخل لزمه، وان أغفل لم يلزم واحدا منهما، أما العامل فلانه لا يلزمه إلا ما كان من موجبات العقد أو من شروطه، وأما رب النخل فلانه لا يجبر على تثمير ماله. وأما النوع الرابع، وهو مالا يعود نفعه على النخل ولا على الثمرة، فهو كالاشتراط على العامل أن يبنى له قصرا أو يخدمه شهرا أو يسقى له زرعا تنافى العقد وتمنع من صحته، لانه لا تعلق لها به ولا تختص بشئ من مصلحته (فرع) قال الشافعي: ساقى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، والمساقون عمالها لا عامل للنبى صلى الله عليه وسلم فيها غيرهم، فإذا كان يجوز للساقي أن يساقى نخلا على أن يعمل فيه عمال الحائط، لان رب الحائط رضى ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه، لان عمل من فيه وعمل من ليس فيه سواء، وإن لم تجز إلا بأن يكون على الداخل في المساقاة العمل كله لم يجز أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه، وجواز الامرين من أشبه الامور عندنا والله أعلم قال ونفقة الرقيق على ما تشارطا عليه، وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم، فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة. اه وبقية الفروع التى فصلها المصنف على وجهها، والله تعالى الموفق للصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب المزارعة) لا تجوز المزارعة على بياض لا شجر فيه لما روى سليم بن بشار أن رافع بن خديج قال: كنا نخابر عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمر كان لنا نافعا وطاعة الله ورسوله أنفع لنا وأنفع. قلنا وما ذاك؟ قال رسول الله صلى الله عليه: من كانت له أرض فليزرعها ولا يكرها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى. فأما إذا كانت

الارض بين النخل لا يمكن سقى الارض إلا بسقيها نظرت فإن كان النخيل كثيرا والبياض قليلا جاز أن تساقيه على النخل وتزارعه على الارض لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر وزرع فان عقد المزارعة على الارض ثم عقد المساقاة على النخل لم تصح المزارعة لانها إنما أجيزت تبعا للمساقاة للحاجة ولا حاجة قبل المساقاة، وإن عقدت بعد المساقاة ففيه وجهان (أحدهما) لا تصح لانه أفرد المزارعة بالعقد فأشبه إذا قدمت (والثانى) تصح لانهما يحصلان لمن له المساقاة، وان عقدها مع المساقاة وسوى بينهما في العوض جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، فإن فاضل بينهما في العوض ففيه وجهان، أحدهما: يجوز وهو الصحيح لانهما عقدان فجاز أن يفاضل بينهما في العوض، والثانى لا يجوز لانهما إذا تفاضلا تميزا فلم يكن أحدهما تابعا للآخر، فان كان النخل قليلا والبياض كثيرا ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه لا يمكن سقى النخل الا بسقي الارض فأشبه الكثير (والثانى) لا يجوز لان البياض أكثر فلا يجوز أن يكون الاكثر تابعا للاقل. (الشرح) حديث رافع بن خديج راه البخاري ومسلم بلفظ " كنا أكثر الانصار حقلا فكنا نكرى الارض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك. فأما الورق فلم ينهنا " وفى لفظ للبخاري " كنا أكثر أهل الارض مزدرعا، كنا نكرى الارض بالناحية منها لسيد الارض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الارض، وربما تصاب الارض ويسلم ذلك فنهينا. فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ " وفى لفظ عند مسلم وأبى داود والنسائي " انما كان الناس يؤاجرون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بما على الماذيانات (1)

_ (1) الماذيانات: حكى القاضى عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم، وهى ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء، وليست عربية لكنها سوادية، وهى في الاصل مسايل المياه فتسمية النابت عليها باسمها، كما وقع في بعض الروايات يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة والمحلية والاربعاء جمع ربع وهو النهر الصغير كنبى وأنبياء.

وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شئ معلوم مضمون فلا بأس به. وفى رواية عند أحمد والبخاري والنسائي عن رافع قال " حدثنى عماى أنهما كانا يكريان الارض عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بما ينبت على الاربعاء وبشئ يستثنيه صاحب الارض قال: فَنَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ". وفى رواية عند أحمد " إن الناس كانوا يكرون المزارع فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالماذيانات وما يسقى الربيع وشئ من التين فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها ". وقد حكى في الفتح الحافظ بن حجر عن الجمهور أن النهى محمول على الوجه المفضى إلى الغرر والجهالة، لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال: ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهى على التنزيه قال: ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال: النبي عن كرائها محمول على ما إذا اشترط صاحب الارض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النهر لصاحب الارض لما في كل ذلك من الغرر والجهاله. وفى رواية رافع عند البخاري أنه قال: ليس بها بأس بالدينار والدرهم، قال ابن حجر: يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده، ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهى عن كرى الارض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشئ مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكرى بالذهب والفضه ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عَنْهُ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن المحاقله والمزابنة وقال: إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض ورجل منح أرضا، ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة " لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهى عن المحاقلة والمزابنه، وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب.

وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا، وهو حديث سعد بن ابى وقاص " إن أصحاب المزارع فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقى وما صعد بالماء مما حول النبت فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال: اكروا بالذهب والفضة " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضى إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الاحاديث الواردة في النهى عن المخابرة التى فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة، ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شئ معلوم مضمون، ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد ابن حضير قال " كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع، ويشترط ثلاث جداول، والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا، ويصيب منها منفعة فأتانا رافع بن خديج فقال نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أمر كان لكم نافعا، وطاعة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ لكم، نهاكم عن الحقل " رواه أحمد وابن ماجه. والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس. نعم لا يشكل هذا الحديث لان مجموع ما في الحديث غير المخابرة التى أجازها صلى الله عليه وسلم وفعلها في خيبر، نعم حديث رافع عند أبى داود والنسائي وابن ماجه " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى ". وكذلك حديثه أيضا عند أبى داود باسناد فيه بكر بن عامر البجلى الكوفى وهو فيه مقال قال: إنه زرع أرضا فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يسقيها فسأله: لمن الزرع؟ ولمن الارض؟ فقال زرعي ببذرى وعملى ولى الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما، فرد الارض على أهلها وخذ نفقتك. ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبى داود قال " نهى رسول الله عن المخابرة قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الارض بنصف أو ثلث أو ربع " فيها دليل

على المنع من المخابرة بجزء معلوم، ومثل هذه الاحاديث، حديث أسيد على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وهو مستمر على ذلك إلى موته وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الاحاديث المشتملة على النهى منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وتقريره لصدور النهى عنه في أثناء مدة معاملته، ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهى، والجمع ما أمكن هو الواجب. قال الشوكاني: النهى يحمل على معناه المجازى وهو الكراهة. قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت ابن عمر يقول كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنها فتركناها لقول رافع. قال الشافعي: والمخابرة استكراء الارض ببعض ما يخرج منها فدلت سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نهيه عن المخابرة على أن لا يجوز المزارعة على الثلث ولا على الربع ولا جزء من أجزاء، وذلك أن المزارع يقبض الارض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا، والزرع ليس بأصل والذى هو في معنى المزارعة الاجارة، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا الا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة. ثم قال الشافعي بعد أن جوز كراء الارض بالذهب والفضة: وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهرانى النخل على المعاملة، وكان ما بين ظهرانى النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف، وان كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها أو ماء يشرب متى شربه لا يكون ريا للنخل ولا شرب للنخل ريا له لم تحل المعاملة عليه، وجازت اجارته، وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الاصل، وسواء قل البياض في ذلك أو كثر اه ومن هنا نرى الامام الشافعي يجيز المزارعة في بياض النخل تبعا للمساقاة، وقد قال في المساقاة: وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما تجوز

في الاصل، وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ولم تصح إلا أن يكترى كراء، وسواء قليل ذلك وكثيره ولا حد فيه إلا ما وصفت اه. وقال الماوردى: وإذا كانت المخابرة هي استكراء الارض لزراعتها ببعض ما يخرج منها فهى على ضربين، ضرب أجمع الفقهاء على فساده، وضرب اختلفوا فيه، فأما الضرب الذى أجمعوا على فساده فهو أن تكون حصة كل واحد منهما من زرع الارض مفردة عن حصة صاحبه مثل أن يقول: قد زارعتك على هذه الارض على ما نبت من الماذيانات كان لى، وما نبت على السواقى والجداول كان لك أو على أن ما سقى بالسماء فهو لى وما سقى بالرشا فهو لك، فهذه مزارعة باطلة اتفق الفقهاء على فساده لرواية سعيد بن المسيب عن سعد بن أبى وقاص ثم ساق الحديث، وأما الضرب الثاني الذى اختلف الفقهاء فيه فهو أن يزارعه على ارضه ليكون العمل على الاجير والارض لربها والبذر منهما أو من أحدهما بحسب شرطهما على أن ما أخرج الله تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف أو ثلث أو ربع ليأخذ الزارع سهمه بعمله، ويأخذ رب الارض سهمه بأرضه فهذه هي المخابرة، والمزارعة التى اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة مذاهب: أحدها وهو مذهب الشافعي أنها باطلة سواء شرط البذر على الزارع أو على رب الارض، وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله ورافع ابن خديج رضى الله عنهم ومن التابعين سعيد بن جبير وعكرمة ومن الفقهاء الشافعي ومالك وأبو حنيفة. والمذهب الثاني أنها جائزة سواء شرط البذر على الزارع أو على رب الارض وبه قال من الصحابة على بن أبى طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وسعد ابن أبى وقاص ومعاذ بن جبل رضى الله عنهم ومن التابعين سعيد بن المسيب ومحمد ابن سيرين وعبد الرحمن بن أبى ليلى، ومن الفقهاء سفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد، والمذهب الثالث: أنه إن شرط البذر على صاحب الارض لم يجز، وإن شرطه على الزارع جاز وهو مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، واستدل من أجاز ذلك برواية عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج من ثمر وزرع، وروى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قال: قلت لطاوس يا أبا عبد الرحمن لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عنها فقال: يا عمرو أخبرني أعلمهم ابن عباس أنه لم ينه عنها، ولكن قال: لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما. والدليل على فسادها ما رواه الشافعي عن ابن عمر، وروى يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار أن رافع بن خديج قال: كنا نخابر إلى أن قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمى. وروى أبو خيثم عن أبى الزبير عن جابر قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: من لم يدع المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله، ولان الاصول التى تصح إجارتها ولا تصح المعاملة عليها ببعض كسبها، وكذا الارض لما جازت إجارتها لم تجز المخابرة عليها فهذه دلائل الفريقين في صحة المخابرة وفسادها، ولما اقترن بدلائل الصحه عمل أهل الامصار مع الضرورة الماسة إليها، وكان ما عارضها محتملا أن يكون جاريا على ما فسره زيد بن ثابت، وقال عبد الله بن عباس كان صحة المخابرة أولى من فسادها مع شهادة الاصول لها في المساقاة والمضاربة، ومن خلال هذا الحوار المفتوح بين المؤيدين والمعارضين تبرز حقيقة ماثلة وهى أن الاصل هو التغلب على أسباب الغبن والغرر، ثم إن ما منيت به البشريه من بلشفيه ملحدة قتلت الحوافز، وكفت الارادة، وجعلت من الانسان آلة صماء لا تعقل ليجعلنا أحوج ما نكون إلى فهم روح الشريعة السمحة. تم الجزء الرابع عشر ويليه الجزء الخامس عشر وأوله كتاب الاجارة

الجزء الخامس عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء الخامس عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الإجارة

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الإجارة يجوز عقد الاجارة على المنافع المباحة، والدليل عليه قوله تعالى (فان ارضعن لكم فآتوهن أجورهن) وروى سعيد بن المسيب عن سعد رضى الله عنه قال: كنا نكرى الارض بما على السواقى من الزرع، فنهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك وامرنا ان نكريها بذهب أو ورق. وروى أبو أمامة التيمى قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نكرى في هذا الوجه، وإن قوما يزعمون أن لا حج لنا، فقال ابن عمر: ألستم تلبون وتطوفون بين الصفا والمروة، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فسأل عما تسألونني عنه فلم يرد عليه حتى نزل (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ ربكم) فتلاها عليه. وروى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره، ولان الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الاعيان، فلما جاز عقد البيع على الاعيان وجب أن يجوز على المنافع (فصل) ولا تجوز على المنافع المحرمة لانه يحرم فلا يجوز أخذ العوض عليه كالميتة والدم. (فصل) واختلف أصحابنا في استئجار الكلب المعلم، فمنهم من قال يجوز لان فيه منفعة مباحة فجاز استئجاره كالفهد، ومنهم من قال: لا يجوز، وهو الصحيح، لان اقتناءه لا يجوز إلا للحاجة. وهو الصيد وحفظ الماشية وما لا يقوم غير الكلب فيه مقامه إلا بمؤن، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ وما ابيح للحاجة لم يجز أخذ العوض عليه كالميتة، ولانه لا يضمن منفعته بالغصب فدل على أنه لا قيمة لها. (فصل) واختلفوا في استئجار الفحل للضراب، فمنهم من قال يجوز لانه

يجوز أن يستباح بالاعارة فجاز أن يستباح بالاجارة كسائر المنافع، ومنهم من قال لا يجوز، وهو الصحيح، لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نهى عن ثمن عسب الفحل، ولان المقصود منه هو الماء الذى يخلف منه وهو محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عليه كالميتة والدم (فصل) واختلفوا في استئجار الدراهم والدنانير ليجمل بها الدكان واستئجار الاشجار لتجفيف الثياب والاستظلال، فمنهم من قال يجوز، لانه منفعة مباحة فجاز الاستئجار لها كسائر المنافع. ومنهم من قال لا يجوز، وهو الصحيح، لان الدراهم والدنانير لا تراد للجمال ولا الاشجار لتجفيف الثياب والاستظلال، فكان بذل العوض فيه من السفه وأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل، ولانه لا يضمن منفعتها بالغصب فلم يضمن بالعقد (الشرح) حديث سعد بن أبى وقاص رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري. قال ابن حجر في فتح الباري: رجاله ثقات إلا أن محمد بن عكرمة المخزومى لم يرو عنه الا ابراهيم بن سعد. وأما حديث أبى أمامة التيمى فاخرجه احمد وغيره، وقد مضى تخريجه وبيان ما يشتمل عليه من احكام في كتاب الحج. واما حديث (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ ماشية) فقد أخرجه أحمد في مسنده والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر. وأما حديث النهى عن ثمن عسب الفحل فقد رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود، ورواه الدارقطني عن أبى سعيد الخدرى بلفظ (نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان) وقال في مجمع الزوائد: رجال أحمد رجال الصحيح، الا أن ابراهيم النخعي لم يسمع من أبى سعيد فيما أحسب. وأخرجه أيضا البيهقى وعبد الرزاق واسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع والاصل في جواز الاجارة الكتاب والسنة والاجماع، فأما الكتاب فقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) (قالت إحداهما: يا أبت استأجره

إن خير من استأجرت القوى الامين، قال إنى أريد أن أنكحك إحدى إبنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك) وروى ابن ماجه عن عتبة بن المنذر قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موسى قال (إن موسى عليه السلام أجر نفسه ثمانى حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه) وقال تعالى (فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وأما السنة فقد ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الاريقط الديلى وكان خريتا - وهو الخبير بمسالك الصحراء والوهاد العالم بجغرافية بلاد العرب على الطبيعة - ليكون هاديا ومرشدا لهما في هجرتهما من مكة إلى المدينة. وفى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره) والاحاديث في هذا كثيرة أما الاجماع فقد انعقد بين أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الاجارة إلا ما روى عن عبد الرحمن الاصم الذى قيل فيه: إنه عن الحق أصم من أنه لا يجوز ذلك لانه غرر، لانه يعقد على منافع لم تخلق، ولو تحقق ما يتصوره الاصم صوابا لتعطلت الصنائع والمساكن والمتاجر والموصلات بكل أنواعها لانها كلها - وهى تستغرق مظاهر الحياة قديما وحديثا - قائمة على المؤاجرات والمعاوضات على المنافع كالمعاوضات على الاعيان سواء بسواء. بل إن المعاوضات على المنافع أوسع مدى وأكثر عددا وأشمل مرفقا، ولان المنافع المتاحة أوسع آفاقا من الاعيان والعروض. فإذا ثبت هذا فإن الاجارة كالبيع تنعقد بأربعة: بمؤجر ومستأجر ومؤاجر وأجرة. فالاول فهو باذل المنفعة كالبائع، والثانى طالب المنفعة كالمشترى، وكل من صح شراؤه صح استئجاره. والثالث فهو كل عين صح الانتفاع بها مع بقائها صحت إجارتها كالدور والعقار إذا لم يكن المقصود من منافعها أعيانا كالنخل

والشجر، وما تم الانتفاع به مع عينه لم تصح اجارته كالدراهم والمأكول، لان منفعة الدراهم بإزالتها عن الملك، ومنفعة المأكول بالاستهلاك كاستئجار الدراهم والدنانير للجمال والزينة والطعام ليعتبر مكيلا ففيه لاصحابنا وجهان: (أحدهما) يصح لوجود المعنى وحصول الانتفاع مع بقاء العين (والوجه الثاني) لا يصح لان هذا نادر من منافع ذلك، والاغلب سواه، فصار حكم الاغلب هو المغلب، ولان المنافع المضمونة بالاجارة هي المضمونة بالغصب، ومنافع الدراهم والطعام لا تضمن بالغصب كنشر الثياب فوق الشجر فلم يصح أن تضمن بالاجارة. وهكذا كل ما كانت منافعها أعيانا من النخل والشجر، لان منافعها ثمار هي أعيان يمكن العقد عليها بعد حدوثها، فلم يصح العقد عليها قبله. فإن استأجر ذلك لمنفعة تستوفى مع بقاء العين كالاستظلال بالشجر أو ربط ماشية إليها فذلك ضربان: (أحدهما) أن يكون هذا غالبا فيها ومقصودا من منافعها فتصح الاجارة عليها (والثانى) أن يكون نادرا غير مقصود في العرف، فيكون على ما مضى من الوجهين. ثم العقد وان توجه إلى العين فهو أنه ربما تناول المنفعة لان الاجرة في مقابلتها وانما توجه إلى العين لتعتبر المنفعة بها. وقال أبو إسحاق المروزى: العقد انما تناول العين دون المنفعة ليستوفى من العين مقصوده من المنفعة، لان المنافع غير موجودة حين العقد فلم يجز أن يتوجه العقد إليها. وهذا خطأ، ألا ترى أنه قد يصح العقد على منفعة مضمونة في الذمة غير مضافة إلى عين؟ كرجل استأجر من رجل عملا مضمونا في ذمته، وإذا كان كذلك فلا بد أن تكون المنفعة معلومة كما لابد أن يكون المبيع معلوما، فإن كانت مجهولة لم تصح الاجارة، كما لو كان المبيع مجهولا، والعلم بها قد يكون من وجهين: (أحدهما) تقدير العمل مع الجهل بالمدة (والثانى) تقدير المدة مع الجهل بقدر العمل، وسيأتى تفصيلهما وبالله والتوفيق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلفوا في الكافر إذا استأجر مسلما إجارة معينة، فمنهم من قال فيه قولان لانه عقد يتضمن حبس المسلم فصار كبيع العبد المسلم منه. ومنهم من قال يصح قولا واحدا لان عليا كرم الله وجهه كان يستقى الماء لامرأة يهودية كل دلو بتمرة (فصل) ولا يصح إلا من جائز التصرف في المال لانه عقد يقصد به المال فلم يصح الا من جائز التصرف في المال كالبيع (فصل) وينعقد بلفظ الاجارة لانه لفظ موضوع له، وهل ينعقد بلفظ البيع، فيه وجهان (أحدهما) ينعقد لانه صنف من البيع لانه تمليك يتقسط العوض فيه على المعوض كالبيع فانعقد بلفظه (والثانى) لا ينعقد لانه يخالف البيع في الاسم والحكم فلم ينعقد بلفظه كالنكاح. (فصل) ويجوز على منفعة عين حاضرة، مثل أن يستأجر ظهرا بعينه للركوب ويجوز على منفعة عين في الذمة مثل أن يستأجر ظهرا في الذمة للركوب، ويجوز على عمل معين مثل أن يكترى رجلا ليخيط له ثوبا أو يبنى له حائطا، ويجوز على عمل في الذمة، مثل أن يكترى رجلا ليحصل له خياطة ثوب أو بناء حائط لانا بينا أن الاجارة بيع والبيع يصح في عين حاضرة وموصوفة في الذمة، فكذلك الاجارة. وفى استئجار عين لم يرها قولان (أحدهما) لا يصح (والثانى) يصح ويثبت الخيار إذا رآها كما قلنا في البيع (فصل) وتجوز على عين مفردة وعلى جزء مشاع لانا بينا أنه بيع، والبيع يصح في المفرد والمشاع فكذلك الاجارة. (فصل) ولا تجوز إلا على عين يمكن استيفاء المنفعة منها، فان استأجر أرضا للزراعة لم تصح حتى يكون لها ماء يؤمن انقطاعه، كماء العين والمد بالبصرة والثلج والمطر في الجبل لان المنفعة في الاجارة كالعين في البيع فإذا لم يجز بيع عين لا يقدر عليها لم تجز إجارة منفعه لا يقدر عليها فإن اكترى أرضا على نهر إذا زاد سقى وإذا لم يزد لم يسق، كأرض مصر والفرات وما انحدر من دجلة نظرت فان اكتراها بعد الزيادة صح العقد لانه يمكن استيفاء المعقود عليه، فهو كبيع الطير

في القفص، وإن كان قبل الزيادة لم يصح لانه لم يعلم هل يقدر على المعقود عليه أو لا يقدر فلم يصح كبيع الطير في الهواء، وان اكترى أرضا لا ماء لها ولم يذكر أنه يكتريها للزراعة ففيه وجهان، أحدهما: لا يصح لان الارض لا تكترى في العادة الا للزراعة، فصار كما لو شرط أنه يكتريها للزراعة، والثانى: ان كانت الارض عالية لا يطمع في سقيها صح العقد لانه يعلم أنه لم يكترها للزراعة. وان كانت مستفلة يطمع في سقيها بسوق الماء إليها من موضع لم يصح لانه اكتراها للزراعة مع تعذر الزراعة، فإن اكترى أرضا غرقت بالماء لزراعة ما لا يثبت في الماء كالحنطة والشعير نظرت فان كان للماء مغيض إذا فتح انحسر الماء عن الارض وقدر على الزراعة صح العقد، لانه يمكن زراعتها بفتح المغيض، كما يمكن سكنى الدار بفتح الباب، وان لم يكن له مغيض ولا يعلم أن الماء ينحسر عنها لم يصح العقد لانه لا يعلم هل يقدر على المعقود عليه أم لا يقدر فلم يصح العقد كبيع ما في يد الغاصب، فان كان يعلم أن الماء ينحسر وتنشفه الريح ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لانه لا يمكن استيفاء المنفعة في الحال. والثانى يصح وهو قول أبى إسحاق وهو الصحيح لانه يعلم بالعادة امكان الانتفاع به، فان اكترى أرضا على ماء إذا زاد غرقت فاكتراها قبل الزيادة صح العقد لان الغرق متوهم فلا يمنع صحة العقد (الشرح) خبر على رضى الله عنه رواه أحمد وجود الحافظ بن حجر اسناده ولفظه (جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله، فقاطعتها كل ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداى، ثم أتيتها فعدت لى ست عشرة تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معى منها) وقد أخرجه ابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس أن عليا أجر نفسه من يهودى يسقى له كل دلو بتمرة) وعندهما أن كل عدد التمر سبع عشرة تمرة. وفى اسناده حنش راويه عن عكرمة وهو ضعيف، وقوله (ذنوبا) الدلو مطلقا أو التى فيها ماء أو الممتلئة أو غير الممتلئة وكلها في القاموس، وقوله (مجلت) بكسر الجيم أي غلظت وتنفطت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء، أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل.

وهذا الخبر يدل دلالة يعجز القلم عن استقصاء ما توحى به، من بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الوسع وإتعاب النفس في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتن، وأن تأجير النفس لا يعد دناءة، وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والاجير من أشراف الناس وعظمائهم، وقد أورده صاحب المنتقى ليستدل به على جواز الاجارة معاددة يعنى أن يفعل الاجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الاجرة. (فرع) الاجارة عوض في مقابلة المنفعة كالثمن في مقابلة المبيع وحكمه كحكمه في جوازه معينا وفى الذمة، قال الشافعي: فالاجارات صنف من البيوع لانها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه اه. ومن هذا اخذ الفقهاء انه عقد لازم لا يجوز فسخه إلا بعيب كالبيع، فإن كان العيب موجودا في الشئ المؤاجر كالدار إذا خربت والدابة إذا مرضت فللمستأجر أن يفسخ دون المؤجر كما لو وجد بالمبيع عيب كان للمشترى أن يفسخ دون البائع، وإن كان العيب موجودا في الاجرة فان كانت في الذمة أبدل المعيب بغيره ولا خيار، وان كانت معيبة فللمؤجر ان يفسخ دون المستاجر كما يفسخ البائع بوجود العيب في الثمن المعين دون المشترى: ولا يجوز فسخ الاجارة بعذر يطرأ إذا لم يطرأ في المعقود عليه عيب، ومن هنا كان لاصحابنا وجهان في انعقاده بلفظ البيع، ونظرا لان عقد الاجارة كعقد النكاح يؤخذ جانب البيع فيه بمفهوم المعاوضه وليس بمنطوق التعاقد لذلك قالوا: إنه يخالف البيع في الاسم والحكم فلم ينعقد بلفظه كالنكاح، والوجه الثاني: ينعقد بلفظ البيع لانه تمليك يتقسط العوض فيه على الباذل كالبيع سواء بسواء. إذا ثبت هذا: فهل المعقود عليه العين لانها الموجودة فيقال: أجرتك دارى أم أن العقد يتعلق بالمنفعه دون الاعيان، فيقال: أجرتك دارى أو منفعة دارى بكذا، أو بعتك منفعتها، وهذا الاخير هو قول مالك وأبى حنيفة وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي، ويصح العقد على منفعة مضمونه في الذمه غير مضافه إلى عين كرجل استأجر من رجل عملا مضمونا في ذمته، وإذا كان كذلك فلابد أن تكون

المنفعة معلومة كما لا بد ان يكون المبيع معلوما، فإن كانت مجهوله لم تصح الاجارة كما لو كان المبيع مجهولا، ومن ثم كانت الاجارة على نوعين، نوع يكون عقده على مدة معلومه: ونوع يكون على عمل معلوم فالاول كالدار والارض فلا تجوز إجارتها إلا على مدة ومتى تقدرت المدة لم يجز تقدير العمل، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد، لان الجمع بينهما يزيدها غررا، لانه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة، فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما تعاقدا عليه وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة، وقد لا يفرغ من العمل في المدة، فإن أتمه عمل في غير المدة، وهذا غرر أمكن التحرز منه، ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه، (فرع) قال الشافعي: إذا تكارى الرجل الارض ذات الماء من العين أو النهر نيل أو غير نيل أو الغيل أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الارض بذهاب الماء فذلك له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذى زرع الثلث أو النصف أو الثلثين أو أقل أو أكثر أدى ذلك وسقطت عنه حصه الزرع الثاني اه. قال النووي في المنهاج: ولا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ وأرض للزراعة لا ماء لها دائم، ولا يكفيها المطر المعتاد، ويجوز إن كان لها ماء دائم، وكذا إن كفاها ماء المطر الدائم أو الثلوج المجتمعة، والغالب حصولها في الاصح اه. قال الشربينى الخطيب في المغنى: ومجرد الامكان لا يكفى كإمكان عود الآبق والمغصوب، نعم لو قال المكرى أنا أحفر لك بئرا وأسقى أرضك منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر صحت الاجارة كما قال الرويانى. أما لو استأجرها للسكنى فإنه يصح، وإن كانت بمحل لا يصلح لها كالمفازة، إلى أن قال: ويجوز استئجار أراضي مصر للزراعة بعد ريها بالزيادة، وكذا قبله على الاصح إن كانت ترزى من الزيادة الغالبة كخمسة عشر ذراعا فما دونها كما نقله في الكفايه عن أبى الطيب وابن الصباغ واقتضاه كلام الشيخين. وقال السبكى: وما يروى من خمسة عشر كالموثوق به عادة. وما يروى من

ستة عشر وسبعة عشر غالب الحصول، وإن كان الاحتمال متطرقا إلى الستة عشر وإلى السبعة عشر كثيرا اه وتصح الارض للزراعة قبل انحسار الماء عنها، وإن سترها عن الرؤية، لان الماء من مصلحتها كاستتار اللوز والجوز بالقشرة، فإن قيل: ينبغى عدم الصحة لان الانتفاع عقب العقد شرط، والماء يمنعه أجيب بأن الماء من مصالح الزرع، وبأن صرفه ممكن في الحال بفتح موضع ينصب إليه فيتمكن من الزرع حالا كاستئجار دار مشحونة بالامتعة التى يمكن نقلها في زمن لا أجرة له هذا إن وثق بانحساره وقت الزراعة وإلا فلا يصح، وإن كانت الارض على شط نهر، والظاهر أنه يجرفها بفيضانه أو تنهار من أمواجه لم يصح استئجارها لعدم القدرة على تسليمها، وإن احتمله ولم يظهر جاز لان الاصل والغالب السلامة. وإن استأجر أرضا للزراعة وأطلق دخل فيها شربها ان اعتيد دخوله بعرف مطرد والشرب بكسر الشين النصيب من الماء، بخلاف مالو باعها لا يدخل، لان المنفعة هنا لا تحصل بدونه أو شرط في العقد، فإن اضطرب العرف فيه أو استثنى الشرب ولم يوجد شرب غيره لزوال المانع بالاغتناء عن شربها، والامتناع الشرعي لتسليم المنفعة كالحسى في حكمه. وقد أورد المصنف وجهين في الارض التى يغطيها الماء وعلم انحسار أو احتمال تبخرها وجفافها، أحدهما: عدم صحة العقد لعدم امكان استيفاء المنفعة حالا، والثانى: وهو قول أبى اسحاق المروزى وهو الصحيح والذى عليه الفتوى من أئمه المذهب أنه يصح، لانه يعلم بالعادة المطردة إمكان الانتفاع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان استأجر رجلا ليعلمه بنفسه سورة وهو لا يحسنها ففيه وجهان (أحدهما) يصح كما يصح أن يشترى سلعه بدراهم، وهو لا يملكها ثم يحصلها ويسلم (والثانى) لا يصح لانه عقد على منفعة معينة لا يقدر عليها فلم يصح كما لو أجر عبد غيره. (فصل) ولا تصح الاجارة الا على منفعة معلومة القدر لانا بينا أن الاجارة

بيع والبيع لا يصح إلا في معلوم القدر فكذلك الاجارة ويعلم مقدار المنفعة بتقدير العمل أو بتقدير المدة، فإن كانت المنفعة معلومة القدر في نفسها كخياطة ثوب وبيع عبد والركوب إلى مكان قدرت بالعمل لانها معلومة في نفسها فلا تقدر بغيرها، وإن قدر بالعمل والمدة بأن استأجره يوما ليخيط له قميصا فالاجارة باطله لانه يؤدى إلى التعارض وذلك انه قد يفرغ من الخياطة في بعض اليوم فان طولب في بقية اليوم بالعمل اخل بشرط العمل وان لم يطالب اخل بشرط المدة، فان كانت المنفعة مجهولة المقدار في نفسها كالسكنى والرضاع وسقى الارض والتطيين والتجصيص قدر بالمدة لان السكنى وما يشبع به الصبى من اللبن وما تروى به الارض من السقى يختلف ولا ينضبط، ومقدار التطيين والتجصيص لا ينضبط لاختلافهما في الرقة والثخونة فقدر بالمدة، واختلف اصحابنا في استئجار الظهر للحرث، فمنهم من قال يجوز ان يقدر بالعمل بان يستأجره ليحرث أرضا بعينها، ويجور ان يقدر بالمدة بأن يستأجره ليحرث له شهرا، ومنهم من قال لا يجوز تقديره بالمدة والاول أظهر لانه يمكن تقديره بكل واحد منهما فجاز التقدير بكل واحد منهما (فصل) وما عقد على مدة لا يجوز الا على مدة معلومة الابتداء والانتهاء. فان قال أجرتك هذه الدار كل شهر بدينار فالاجارة باطلة، وقال في الاملاء تصح في الشهر الاول وتبطل فيما زاد، لان الشهر الاول معلوم وما زاد مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول، كما لو قال اجرتك هذا الشهر بدينار وما زاد بحسابه، والصحيح هو الاول لانه عقد على الشهر وما زاد من الشهور. وذلك مجهول فبطل، ويخالف هذا إذا قال أجرتك هذا الشهر بدينار وما زاد بحسابه لان هناك أفرد الشهر الاول بالعقد وههنا لم يفرد الشهر عما بعده بالعقد، فبطل بالجميع، فإن أجره سنة مطلقة حمل على سنة بالاهلة، لان السنة المعهودة في الشرع سنة الاهلة. والدليل عليه قوله عزوجل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج. فوجب ان يحمل العقد عليه، فإن كان العقد في أول الهلال عد اثنا عشر شهرا بالاهلة، تاما كان الشهر أو ناقصا، وان كان في اثناء الشهر عد ما بقى من الشهر وعد بعده احد عشر شهرا بالاهلة ثم كمل عدد الشهر

الاول بالعدد ثلاثين يوما لانه تعذر اتمامه بالشهر الهلالي فتمم بالعدد، فان أجره سنة شمسيه ففيه وجهان: (أحدهما) لا يصح لانه على حساب انسئ فيه أيام والنسئ حرام، والدليل عليه قوله تعالى، (انما النسئ زيادة في الكفر) (والثانى) انه يصح لانه وان كان النسئ حراما، الا أن المدة معلومة فجاز العقد عليها كالنيروز والمهرجان، وفى أكثر المدة التى يجوز عقد الاجارة عليه طريقان ذكرناهما في المساقاة (فصل) ولا تصح الاجارة الا على منفعة معلومة، لان الاجارة بيع والمنفعة فيها كالعين في البيع، والبيع لا يصح الا في معلوم فكذلك الاجارة، فان كان المكترى دارا لم يصح العقد عليها حتى تعرف الدار لان المنفعة تختلف باختلافها فوجب العلم بها ولا يعرف ذلك الا بالتعيين لانها لا تضبط بالصفة فافتقر إلى التعيين كالعقار والجواهر في البيع، وهل يفتقر إلى الرؤية؟ فيه قولان بناء على القولين في البيع، ولا يفتقر إلى ذكر السكنى ولا إلى ذكر صفاتها لان الدار لا تكترى الا للسكنى وذلك معلوم بالعرف فاستغنى عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف، وان اكترى ارضا لم يصح حتى تعرف الارض لما ذكرناه في الدار، ولا يصح حتى يذكر ما يكترى له من الزراعة والغراس والبناء، لان الارض تكترى لهذه المنافع وتاثيرها في الارض يختلف فوجب بيانها. وان قال: أجرتك هذه الارض لتزرعها ما شئت جاز، لانه جعل له زراعة أضر الاشياء، فأى صنف زرع لم يستوف به أكثر من حقه، وان قال اجرتك لتزرع واطلق ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لان الزروع مختلفة في التأثير في الارض فوجب بيانها (والثانى) يصح لان التفاوت بين الزرعين يقل وان قال أجرتك لتزرعها أو تغرسها لم يصح لانه جعل له أحدهما ولم يعين فلم يصح، كما لو قال بعتك أحد هذين العبدين، وان قال أجرتك لتزرعها وتغرسها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح وهو قول المزني وأبى العباس وأبى اسحاق لانه

لم يبين المقدار من كل واحد منهما (والثانى) يصح وله ان يزرع النصف ويغرس النصف، وهو ظاهر النص، وهو قول أبى الطيب بن سلمة، لان الجمع يقتضى التسوية فوجب ان يكون نصفين (الشرح) هذا الحكم في تعليم القران ينبنى على ان تعليم القرآن هل يجوز بأجر أو لا؟ فقد روى ابن ماجه والبيهقي والرويانى في مسنده عن أبى بن كعب قال: علمت رجلا القرآن فاهدى لى قوسا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إن أخذتها أخذت قوسا من نار) فرددتها. قال البيهقى وابن عبد البر: هو منقطع، يعنى عطية الكلاعى وأبى بن كعب وكذلك قال المزى، وتعقبهم الحافظ بن حجر بأن عطية ولد فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوى عن عطية، * * * وورد عن عبادة بن الصامت عند أبى داود وابن ماجه بلفظ (علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فاهدى إلى رجل منهم قوسا فقلت: ليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله عزوجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاسألنه فاتيته فقلت: يا رسول الله، إنه رجل اهدى إلى قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب ان تطوق طوقا من نار فاقبلها) وفى اسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة. وقال احمد: ضعيف الحديث، حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر. وقال أبو زرعة الرازي: لا يحتج بحديثه، ولكنه قد روى عن عبادة من طريق اخرى عند أبى داود بلفظ (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال جمرة

بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها) وفى هذه الطريق بقية بن الوليد، وقد تكلم فيه جماعة ووثقة الجمهور إذا روى عن الثقات، وقد أورد ابن حجر حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من تخليص الحبير وتكلم عليه، وفى هذا المعنى ورد عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبى، وعن أبى الدرداء عند الدارمي بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا. وقد استدل بهذه الاحاديث القائلون بعدم جواز الاجرة على تعليم القرآن كاحمد بن حنبل واصحابه وأبى حنيفة، وبهذا قال عطاء والضحاك بن قيس والزهرى واسحاق بن راهوية وعبد الله بن شقيق، وذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية إلى أنها تحل الاجرة على تعليم القرآن، وأجابوا عن هذه الاحاديث بأجوبة منها ان حديثى عبادة وأبى قضيتان في عين فيحتمل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه، وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به. وقد استدلوا على الجواز بحديث سهل بن سعد عند الشيخين (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امرأة فقالت: يا رسول الله إنى قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي الا إزارى هذه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أعطيتها إزارك، جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال، ما اجد شئا فقال: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل معك من القران شئ؟ فقال: نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زوجتكها بما معك من القرآن) وفى رواية (قد ملكتكها بما معك من القرآن) ولمسلم (زوجتكها تعلمها القرآن) وفى رواية لابي داود (علمها عشرين آية وهي امرأتك) ولاحمد (قد أنكحتكها على ما معك من القرآن)

ومن أدلة الجواز حديث عمر المتقدم في كتاب الزكاة (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: ما اتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فخذه، ومن ادلة الجواز حديث الرقية المشهور الذى اخرجه البخاري عن ابن عباس وفيه (ان أحق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله) . فإذا ثبت هذا: فان كان الاجر على تعليم السورة لا يحفظها ففى صحة ذلك وجهان (احدهما) يصح كما يصح شراء مالا يملكه ثمنه على ان يحصلها ثم يدفعها (والثانى) لا يصح لان المنفعة غير مقدور عليها فلم يصح. قال العلامة الشربينى في المغنى على المنهاج: اما إذا استاجره مدة لجميعه فانه لا يصح على الاصح فان فيه جمعا بين الزمان والعمل وحينئذ كان ينبغى ان يقول المصنف - يعنى النووي - تعليم قرآن بالتنكير، فان الشافعي رضى الله عنه في باب التدبير نص على ان القران بالالف واللام لا يطلق الا على جميعه، فإذا قدر التعليم بمدة كشهر هل يدخل الجميع اولا؟ أفتى الغزالي بان ايام السبوت مستثناة في استئجار اليهودي شهرا لاطراد العرف به. وقال البلقينى: ويقاس عليه الاحد للنصارى، والجمع في حق المسلمين، ثم قال ويشترط على المنعاقدين بما يقع العقد على تعليمه، فان لم يعلماه وكلا من يعلم ذلك ولا يكفى ان يفتح المصحف ويقول: تعلمني من هنا إلى هنا، لان ذلك لا يفيد معرفة المشار إليه بسهولة أو صعوبة، فإذا اطلق العقد في تعلم القرآن ولم يشترط قراءة بعينها فقد قال الماوردى والرويانى تفريعا على ذلك: يعلمه الاغلب من قراءة البلد كما لو اصدقها دراهم فانه يتعين دراهم البلد، أي فان لم يكن فيها أغلب علمه ما شاء من ذلك وهذا أوجه، فان عين له قراءة تعينت. فان أقرأه غيرها ولم يستحق اجرة في احد وجهين يظهر ترجيحه، ولا يشترط رؤية المتعلم، ويشترط في المتعلم أن يكون مسلما أو يرجى إسلامه، فان لم يرج لم يعلم كما يباع المصحف من الكافر. (فرع) قال الشافعي وكذلك يملك المستأجر المنفعة التى في العبد والدار والدابة إلى المدة التى اشترط حتى يكون أحق بها من مالكها، ويملك بها صاحبها

العوض فهى منفعة معقولة من عين معروفة فهى كالعين المبيعة، ولو كان حكمها خلاف حكم العين لكان في حكم الدين ولم يجز أن يكترى بدين لانه حينئذ يكون دينا بدين، وقد نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدين بالدين، فإذا وقع ما أكرى وجب له جميع الكراء كما إذا دفع ما باع وجب له جميع الثمن إلا أن يشترط أجلا اه. وجملة القول في عقد الاجارة أن يتضمن تمليك منافع في مقابلة أجرة، فأما المنافع فلا خلاف أنها تملك بالعقد ويستقر الملك بالقبض، وأما الاجارة فلها ثلاثة أحوال. (أحدها) أن يشترطا حلولها وتكون حالة اتفاقا. (والثانى) أن يشترطا تأجيلها أو تنجيمها فتكون مؤجلة أو منجمه اجماعا (والثالث) ان يطلقاها فلا يشترطا فيها حلولا ولا تأجيلا، فقد اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة مذاهب: فمذهب الشافعي منها أن الاجرة تكون حالة تملك بالعقد وتستحق بالتمكين، وقال أبو حنيفة: لا يتعجل الاجرة بل تكون في مقابلة المنفعة، فكلما مضى من المنفعة جزء ملك ما في مقابلته من الاجرة، وقال مالك: لا يستحق الاجرة الا بمضي جميع المدة استدلالا بقوله تعالى، فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن، فاقتضى أن تكون باستكمال الرضاع يستحق الاجرة، وبما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه) فكان ذلك منه حثا على تعجيلها في أول زمان استحقاقها، وذلك بعد العمل الذى يعرف به، ولان أصول العقود موضوعة على تساوى المتعاقدين فيما يملكانه بالعقد ويكون ملك العوض تاليا لملك المعوض كالبيع إذا ملك على البائع المبيع ملك به الثمن، وإذا سلم المبيع استحق قبض المنافع مؤجلا وجب أن يكون قبض الاجرة مؤجلا، وتحريره قياسا أنه عقد معاوضه فوجب أن يكون استحقاق العوض بعد اقباض المعوض كالبيع، ولان ما استحق من الاعواض على المنافع يلزم أداؤه بعد تسليم المنافع كالجعالة والقراض، ولان من ملك للاجرة يمنع من استحقاقها عليه بالعقد، وقد ثبت أن الدار المؤجرة من الاجرة فدل على أنه لم يكن مالكا للاجرة.

ودليلنا هو أن ما لزم من عقود المنافع استحق العوض فيه حالا كالنكاح، ولان كل عوض تعجل بالشرط فإطلاقه يوجب حلوله كالثمن، ولان الاصول موضوعة على أن تسليم المعوض يوجب تسليم العوض ليستوي حكم المتعاقدين فيما يملكانه من عوض ومعوض كما هو مقرر في الاصول فلا يكون حظ أحدهما فيه أقوى من حظ الآخر كالبيع إذا سلم المبيع فيه وجب تسليم الثمن، وكالنكاح إذا حصل التمكين وجب تسليم الصداق، كذلك الاجارة إذا حصل تسليم المنفعة وجب تسليم الاجرة، والمنافع ههنا مقبوضة بالتمكين حكما، وإن لم يكن القبض مستقرا. (فرع) قال الشافعي: وله أن يؤاجر عبده وداره ثلاثين سنة، أما عقد الاجارة على سنة واحدة فيجوز لان الغرر يسير فيها والضرورة داعية إليها فأما ما زاد على السنة الواحدة فقد حكى مالك أنه جوزها إلى خمس سنين أو ست سنين لا غير، وللشافعي فيما زاد على السنة الواحدة قولان. (أحدهما) لا تجوز الاجارة أكثر من سنة، لان الاجارة غرر لانها عقد قد تسلم وقد لا تسلم، فإذا قل الزمان قل غررها فجاز، وإذا طال الزمان كثر غررها فبطل كالخيار، ولان السنه هي المدة التى تكمل فيها منافع الزراعة في الارضين، ولا تتغير فيها غالبا الحيوانات والدور فلذلك تقدرت مدة الاجارة بها وبطلت فيما جاوزها. (والقول الثاني) وهو أصح القولين هنا، أن الاجارة تجوز أكثر من سنة بثلاثين سنة قدرها الشافعي على سبيل الكثرة، أما أدناها فأقل مدتها ما أمكن فيه استيفاء المنفعة المعقود عليها وذلك قد يختلف باختلاف المؤاجر، فإن كان ذلك دارا للسكنى جازت إجارتها يوما واحدا، وان كان ذلك أرضا للزراعة فأقلها مدة زراعتها، فأما أكثر المدة فهو ما علم بقاء الشئ المؤاجر فيها، فإن كان ذلك أرضا تأيد بقاؤها، وإن كان دارا روعى فيها مدة يبقى فيها بناؤها، وإن كان حيوانا روعى فيه الاغلب من مدة حياته.

(فرع) فأما إذا آجر داره كل شهر بدينار ولم يذكر عدد الشهور وغايتها لم تصح الاجارات فيما عدا الشهر الاول للجهالة بمبلغه، فصار كقوله: أجرتكها مدة، واختلف أصحابنا في صحتها ولزومها في الشهر الاول على وجهين. (أحدهما) أن الاجارة فيه صحيحه لكونه معلوما. (والوجه الثاني) وهو الاصح أنها باطلة لكونه واحدا من عدد مجهول فلم يتميز في الحكم. وقال أبو حنيفة: الاجارة صحيحه وللمستأجر فسخ الاجارة في كل شهر قبل دخوله، فإذا دخل قبل فسخه لزمه وجعل إطلاق الشهور مع تسمية الاجرة لكل شهر جاريا مجرى بيع الصبرة المجهولة القدر إذا سمى ثمن كل قفيز، وهذا خطأ للخطأ بما تناوله العقد من الشهور بخلاف الصبرة التى قد أشير إليها وينحصر كيلها، ولانه لا يخلو أن تصح الاجارة فلا يكون له فسخها من غير عذر أو تبطل، فلا يجوز أن يقيم عليها مع العذر، ويلزم أجرة المثل إن سكن دون المسمى. فإذا قدر المدة بسنه حملت على السنه الهلاليه المعهودة شرعا فان شرط هلاليه كان تأكيدا، وإن قال عدديه أو سنه بالايام كان له ثلاثمائة وستون يوما، لان الشهر العددى يكون ثلاثين يوما، وإن استأجر سنه هلاليه أول الهلال عد اثنى عشر شهرا بالاهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا، لان الشهر الهلالي ما بين الهلالين ينقص مرة ويزيد أخرى، وإن كان العقد في أثناء شهر عد ما بقى من الشهر وعد بعده أحد عشر شهرا بالهلال ثم كمل الشهر الاول بالعدد ثلاثين يوما لانه تعذر اتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لانه الاصل، وقد مضى في السلم بحث في الشهور العربية الهلاليه والشمسية الرومية ويعد ذلك أساسا لتوقيت التعامل هنا كمثله هناك. (فرع) قال في المنهاج: يشترط كون المنفعة معلومة ثم تارة تقدر بزمان كدار سنه، وتارة بعمل كدابه إلى مكة وكخياطه ذا الثوب فلو جمعهما فاستأجره ليخيطه بياض النهار لم يصح في الاصح، ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور وفى البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك وما يبنى به إن قدر بالعمل،

وإذا صلحت الارض لبناء وزراعة وغراس اشترط تعيين المنفعة، ويكفى تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع في الاصح، ولو قال: لتنتفع بما شئت صح، وكذا لو قال: إن شئت فازرع وإن شئت فاغرس في الاصح، ويشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام، وقيل لا يكفى الوصف، وكذا الحكم فيما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له. وقال السبكى: لا بد في تصوير هذه المسألة من زيادة ما شئت فيقول: إن شئت فازرع ما شئت أو اغرس ما شئت، فإن لم يزد ما ذكر عاد الخلاف في وجوب تعيين ما يزرع، اه وإذا صلحت الارض لغراس أو بناء أو زراعة أو لاثنين من هذه الثلاثة اشترط تعيين المنفعة في الصورتين لاختلاف الضرر اللاحق باختلاف منافع هذه الجهات، فإن أطلق لم يصح، أما إذا لم تصلح إلا لجهة واحدة فإنه يكفى الاطلاق فيها كأراضي الاحكار فإنه يغلب فيها البناء، وبعض البساتين فانه يغلب فيها الغراس، ويكفى في أرض استؤجرت للزراعة تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع فيها، كقوله أجرتكها للزراعة أو لتزرعها، فيصح لقلة التفاوت بين أنواع الزرع، ويزرع ما شاء للاطلاق قال الرافعى: وكان يحتمل أن ينزل على أقل الدرجات. وما قاله حكاه الخوارزمي وجها، فيكون الوجه الثاني أنه لا يكفى لان ضرر الزرع مختلف. نعم إن أجر على غيره بولاية أو نيابة لا يكفى الاطلاق لوجوب الاحتياط. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن استأجر ظهرا للركوب لم يصح العقد حتى يعرف جنس المركوب، لان الغرض يختلف باختلافه، ويعرف ذلك بالتعيين والوصف لانه يضبط بالصفة فجاز أن يعقد عليه بالتعيين والوصف كما قلنا في البيع، فإن كان في الجنس نوعان مختلفان في السير كالمهماج والقطوف من الخيل ففيه وجهان (أحدهما) يفتقر إلى ذكره لان سيرهما يختلف (والثانى) لا يفتقر لان التفاوت

في جنس واحد يقل ولا يصح حتى يعرف الراكب، ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين لانه يختلف بثقله وخفته وحركته وسكونه، ولا يضبط ذلك بالوصف فوجب تعيينه، ولا يصح حتى يعرف ما يركب به من سرج وغيره، لانه يختلف ذلك على المركوب والراكب. فإن كان عماريه أو محملا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجوز العقد عليه بالوصف لانه يمكن وصفه فجاز العقد عليه بالصفة كالسرج والقتب، والثانى إن كانت من المحامل البغدادية الخفاف جاز العقد عليه بالصفة لانها لا تختلف وإن كانت من الخراسانيه الثقال لم يجز إلا بالتعيين لانها تختلف وتتفاوت (والثالث) وهو المذهب انه لا يجوز إلا بالتعيين لانها تختلف بالضيق والسعه والثقل والخفه وذلك لا يضبط بالصفة فوجب تعيينه. واختلف أصحابنا في المعاليق كالقدر والسطيحه، فمنهم من قال لا يجوز حتى يعرف قولا واحدا لانها تختلف فوجب العلم بها. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ حتى يعرف لما ذكرناه (والثانى) يجوز وتحمل على ما جرت به العادة لانه تابع غير مقصود فلم تؤثر الجهالة فيه كالغطاء في الاجارة والحمل في البيع، وان كان السير في طريق فيه منازل معروفه جاز العقد عليه مطلقا لانه معلوم بالعرف فجاز العقد عليه مطلقا كالثمن في موضع فيه نقد متعارف، فان لم يكن فيه منازل معروفه لم يصح حتى يبين لانه مختلف لا عرف فيه فوجب بيانه كالثمن في موضع لا نقد فيه. (فصل) فان استأجر ظهر الحمل متاع صح العقد من غير ذكر جنس الظهر لانه لا غرض في معرفته ولا يصح حتى يعرف جنس المتاع انه حديد أو قطن لان ذلك يختلف على البهيمه ولا يصح حتى يعرف قدره لانه يختلف، فان كان موزونا ذكر وزنه، وان كان مكيلا ذكر كيله، فإن ذكر الوزن فهو أولى لانه أخصر وأبعد من الغرر، فان عرف بالمشاهدة جاز كما يجوز بيع الصبرة بالمشاهدة وان لم يعرف كيلها، فان شرط أن يحمل عليها ما شاء بطل العقد لانه دخل في الشرط ما يقتل البهيمه، وذلك لا يجوز فبطل به العقد. فأما الظروف التى فيها المتاع فانه ان دخلت في وزن المتاع صح العقد لان

الغرر قد زال بالوزن وإن لم تدخل في وزن المتاع نظرت فان كانت ظروفا معروفة كالغرائر الجبلية جاز العقد عليها من غير تعيين لانها لا تتفاوت، وإن كانت غير معروفة لم يجز حتى تعين لانها تختلف ولا تضبط بالصفة فوجب تعيينه. (الشرح) المهملج. قال في القاموس: والهملجة فارسي معرب، وشاة هملاج لا مخ فيها لهزالها، وأمر مهملج مذلل منقاد، والهملاج بالكسر من البراذين، والقطوف الدابة ضاق مشيها، قال زهير: بارزة الفقارة لم يخنها قطاف في الركاب ولا خلاء والعمارية نسبة إلى موضع باليمامة والمحمل كمجلس الهودج فكأن منها ما يصلح للركوب، ومنها ما يصلح للحمل، والمعاليق جميع معلاق، وهو ما يعلق بعروة بلا شد ولا ربط، والسطيحة إناء مسطح من الجلد. أما الاحكام فإنه يشترط في إجارة الظهر للركوب عينا أو ذمة معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام له لينتفي الغرر. وذلك بنحو ضخامة أو نحافة، كما في الحاوى الصغير خلافا للبلقينى وغيره من اعتبار الوزن، إذ أن ثقل الوزن يخل بتوازنه أو بحشمته، وإنما اعتبروا في نحو المحمل الوصف مع الوزن لانه إذا عين لا يتغير، والراكب قد يتغير بسمن أو هزال، فلم يعتبر جمعهما فيه، وقيل لا يكفى الوصف وتتعين المشاهدة لانه ليس الخبر كالعيان، ولما يأتي من عدم الاكتفاء بوصف الرضيع، وكذا الحكم فيما معه من متاع، وفيما يركب عليه من محمل وسرج وأكاف إن فحش تفاوته ولم يكن هناك عرف مطرد أو كان ذلك تحت يد المكترى ولو بعارية فيشترط معرفته بمشاهدته أو وصفه التام، فإذا كان الراكب مجردا فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه، ويركبه المؤجر على ما شاء من سرج يليق بالدابة ويناسب قوتها، فان كان هناك عرف مطرد فلا حاجة إلى ذكره أو النص عليه خلافا للاذرعي، ولا بد في نحو المحمل من وطاء وهو ما يجلس عليه. وكذا غطاء إن شرط في العقد، فان كان ثمة عرف مطرد حمل الاطلاق عليه، ولو شرط في عقد الاجارة حمل المعاليق فسد العقد في الاصح لاختلاف الناس فيها قلة وكثرة (والثانى) يصح ويحمل على الوسط المعتاد،

وإن لم يشرطه لم يستحق حملها في الاصح، هكذا أفاده النووي والرملى وغيرهما ويقاس على هذا ما ينبغى أن تكون عليه مؤاجرة السيارات للركوب لانتقال أو ارتحال، فقد تحددت في زماننا هذا حمولة السيارات الركوبية بعدد الراكبين وما يجوز حمله بالعرف المطرد من حقائب، وكذلك السيارات الحمولية تحددت حمولتها بالوزن ومقصد الشرع المحافظة على البهيمة من وجهين: حرمة الحياة وحرمة المال. (فرع) وأما الآلات والعربات ففيها حرمة يجب في الايجار أن يعرف المحمول وقدره وجنسه، فإذا كان في أو طبه وأجوله أو صناديق امتحنها وعرف ما فيها، فان كانت عارية فلا كلام وإن كانت مظروفة في أكياس أو معبأة وجب امتحانها ومعرفتها جنسا ووزنا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا يَجُوزُ من ذلك شئ على شئ مغيب لا يجوز حتى يرى الراكب والراكبين، وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه لان ذلك يختلف فيتباين أو تكون الحمولة بوزن معلوم أو كيل معلوم أو ظرف ترى أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر الحلبه وما أشبه هذا. وقال أيضا (وإذا تكارى الرجل الدابه إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذى تكاراها إليه الكراء الذى تكاراها به وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع، وإذا عطبت عليه لزمه الكراء إلى الموضع التى عطبت فيه وقيمتها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان استأجر ظهرا للسقي لم يصح العقد حتى يعرف الظهر، لانه لا يجوز الا على مدة، وذلك يختلف باختلاف الظهر فوجب العلم به على الاظهر ويجوز أن يعرف ذلك بالتعيين والصفة، لانه يضبط بالصفة فجاز أن يعقد عليه بالتعيين والصفة، كما يجوز بيعه بالتعيين والصفة، ولا يصح حتى يعرف الدولاب لانه يختلف، ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين، لانه لا يضبط بالصفة فوجب تعيينه.

(فصل) وإن استأجر ظهرا للحرث لم يصح حتى يعرف الارض، لانه يختلف ذلك بصلابة الارض ورخاوتها، فإن كان على جربان لم يفتقر إلى العلم بالظهر لانه لا يختلف، وإن كان على مدة وقلنا إنه يصح لم يجز حتى يعرف الظهر الذى يحرث به، لان العمل يختلف باختلافه، ويعرف ذلك بالتعيين والصفه لما ذكرناه في السقى. (فصل) وان استأجر ظهرا للدياس لى يصح حتى يعرف الجنس الذى يداس لان العمل يختلف باختلافه، فان كان على زرع معين لم يفتقر إلى ذكر الحيوان الذى يداس به، لانه لا غرض في تعيينه، فان كان على مدة لم يصح حتى يعرف الحيوان الذى يداس به، لان العمل يختلف باختلافه (فصل) وإن استأجر جارحة للصيد لم يصح حتى يعرف جنس الجارحه لان الصيد يختلف باختلافه ويعرف ذلك بالتعيين والصفه لانه يضبط بالصفة ولا يصح حتى يعرف ما يرسله عليه من الصيد، لان لكل صنف من الصيد تأثيرا في اتعاب الجارحه. (الشرح) يجوز اكتراء الدابه للاستقاء بالغرب وهو الدلو العظيمه ونحوه كالدولاب، فلا بد من معرفته لانه يختلف بكبره وصغره، ويقدر بكيله متريا أو قياسه أو وزنه، ولا يجوز تقدير ذلك بحوض في الارض أو حفرة فيها للجهالة ولتسرب الماء في باطن التربه فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة الموضع الذى يستقى منه والذى يذهب إليه، لان ذلك يختلف بالقرب والبعد والسهولة والحزونه، وان قدره بملء شئ معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقى منه، هذا ما يقال في الاستيقاء. ولما كانت البهيمة تؤجر للحرث والدراس والطحن غير ما مضى من الحمل والنقل فنقول: ان جواز كراء الدابة للحمل ثابت بالكتاب (وتحمل أثقالكم إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الانفس)

أما كراء البقر للحرث فقد ثبت بالنص والعرف قال النبي صلى الله عليه وسلم (بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت: إنى لم أخلق لهذا، وإنما خلقت للحرث، رواه الشيخان، على أن هذا يحتاج إلى شرطين، معرفة الارض وتقدير العمل، فأما الارض فلا تعرف الا بالمشاهدة لاختلافها صلابة ورخاوة وسعة وضيقا وقد كانت الارض تقدر مساحتها بالجربان جمع جريب وهو ما يبلغ ستين ذراعا مربعا مهيا للزرع ولذلك كانوا يقولون فلان يملك ألف جريب وألف خريب ويعنون بالخريب غير المهيأ للزراعة ويحتاج إلى اصلاح حتى يكون جريبا، ومن هنا اختلف كراء الجريب عن الخريب لان الجريب تكون مستوية السطح خالية من الحجارة والحفر بعكس الخريب لذلك وجب رؤيتها لانها لا تعرف الا بالمشاهدة وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين اما بالمدة كيوم ويومين واما بالارض كهذه القطعة، أو من هذا المكان أو بالمساحة كقصبة أو قصبتين (والقصبة 355 س م. ) والفدان 333 وثلث قصبة. أما الدراس أو الدياس والدياس جعلوها مصدرا لداس يدوس دوسا ودياسا مثل الدراس فمن علماء اللغة من ينكر كون الدياس من كلام العرب، ومنهم من يقول: هو مجاز وكأنه مأخوذ من داس الارض دوسا إذا شدد وطأه عليها بقدمه، والمدوس الذى تداس به الحنطة بكسر الميم لانه آلة. وأما المداس الذى ينتعله الانسان فإن صح سماعه فقياسه كسر الميم لانه آلة والا فالكسر أيضا حملا على النظائر الغالبة من العربية، ولا أدرى وجه صاحب القاموس المحيط في جعله زنة سحاب قلت: أما تأجير البقر للدراس أو غير البقر فأشبه الحرث في معرفة نوع الزرع المراد دياسه وهل بالنورج أم بدونه وعلى مدة ومعرفة الحيوان، لان الغرض يختلف باختلافه، فمن الحيوانات ما يكون نجس البول والروث فيختلط بالطعام فيحتاج إلى اختياره وتحديد نوعه وكذلك ادارة الرحى للطحن يفتقر إلى شيئين، معرفة الحجر بالمشاهدة، واما بصفة تعرف بها حالته من الثقل أو الخفة وتقدير العمل اما بالزمان كيوم ويومين ونوع المطحون فقد يكون عسير الطحن لصلابته.

(فرع) إذا استأجر جارحة للصيد لم يصح حتى يعرف جنسها لانها إذا كانت الجارحة كلبا فلا يصح استئجاره كما صحح ذلك النووي، وحكى الرملي والشربينى منازعة النووي في هذا، وقال الاذرعى: المختار قول الغزالي، يعنى من حيث جواز إجارة الكلب المعلم للصيد. أما الجوارح الاخرى كالبازي والعقاب والفهد فيجوز استئجارها قولا واحدا كما يجوز استئجار السنور لصيد الفأر وعلى هذا يصح استئجارها أعنى الجوارح من ذمى أو مجوسي ويجرى عليها حكم صيد المسلم بكلب النصراني واليهودى، إن قلنا بصحة استئجاره فإن صيده جائز. أما الجوارح الاخرى فإنه يصح استئجارها من يهودى أو نصراني ويصح صيدها قال العبدرى: وبه قال الفقهاء كافة. وقال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وهو أصح الروايتين عن عطاء وَمِمَّنْ كَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه، وقال أحمد: كلب النصراني واليهودى عندي أهون من المجوسى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان استأجر رجلا ليرعى له مدة لم يصح حتى يعرف جنس الحيوان: لان لكل جنس من الماشية تأثيرا في اتعاب الراعى. ويجوز أن يعقد على جنس معين وعلى جنس في الذمة، فإن عقد على موصوف لم يصح حتى يذكر العدد، لان العمل يختلف باختلافه، ومن أصحابنا من قال: يجوز مطلقا ويحمل على ما جرت به العادة أن يرعاه الواحد من مائه أو أقل أو أكثر، والاول أظهر لان ذلك يختلف وليس فيه عرف واحد. (فصل) وان استأجر امرأة للرضاع لم يصح العقد حتى يعرف الصبى الذى عقد على ارضاعه، لانه يختلف الرضاع باختلافه، ولا يعرف ذلك الا بالتعيين، لانه لا يضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر موضع الرضاع لان الغرض يختلف باختلافه.

(فصل) وان استأجر رجلا ليحفر له بئرا أو نهرا لم يصح العقد حتى يعرف الارض لان الحفر يختلف باختلافها ولا يصح حتى يذكر الطول والعرض والعمق، لان الغرض يختلف باختلافها، وان استأجر لبناء حائط لم يصح العقد حتى يذكر الطول والعرض وما يبنى به من الآجر واللبن والجص والطين، لان الاغراض تختلف باختلافها، وان استأجره لضرب اللبن لم يصح حتى يعرف موضع الماء والتراب، ويذكر الطول والعرض والسمك والعدد، وعلى هذا جميع الاعمال التى يستأجر عليها. وان كان فيما يختلف الغرض باختلافه، رجع فيه إلى أهل الخبره ليعقد على شرطه، كما إذا أراد أن يعقد النكاح، ولم يعرف شروط العقد رجع إلى من يعرفه ليعقد بشروطه، وان عجز عن ذلك فوضه إلى من يعرفه ليعقد بشرطه كما يوكل الاعمى في البيع والشراء من يشاهد المبيع. (فصل) وان استأجر رجلا ليلقنه سورة من القرآن لم يصح حتى يعرف السورة لان الغرض يختلف باختلافها، وان كان على تلاوة عشر آيات من القرآن لم يصح حتى يعينها لان آيات القرآن تختلف، فإن كان على عشر آيات من سورة معينة ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح، لان الاعشار تختلف (والثانى) يصح، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرضت نفسها عليه، فقال لها: اجلسي بارك الله فيك، أما نحن فلا حاجة لنا فيك، ولكن تملكيننا أمرك؟ قالت: نعم، فنظر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجوه القوم، فدعا رجلا منهم فقال لها: انى أريد أن أزوجك هذا ان رضيت فقالت: ما رضيت لى يا رسول الله فقد رضيت، ثم قال للرجل: هل عندك من شئ؟ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ما تحفظ من القرآن؟ قال سورة البقرة والتى تليها، قال: قم فعلمها عشرين آية وهى امرأتك) وهل يفتقر إلى تعيين الحرف؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يصح حتى يعين الحرف، لان الاغراض تختلف باختلاف الحرف (والثانى) لا يحتاج إلى تعيين الحرف، لان ما بين الاحرف من الاختلاف قليل.

(فصل) وإن استأجر للحج والعمرة لم يصح حتى يذكر أنه إفراد أو قران أو تمتع، لان الاغراض تختلف باختلافها، فأما موضع الاحرام فقال في الام لا يجوز حتى يعين وقال في الاملاء: إذا استأجر أجيرا أحرم من الميقات ولم يشرط التعيين، واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق المروزى: فيه قولان: (أحدهما) لا يجوز حتى يعين، لان الاحرام قد يكون من الميقات، وقد يكون من دويرة أهله، وقد يكون من غيرهما، فإذا أطلق صار العقد على مجهول فلم يصح (والثانى) أنه يجوز من غير تعيين ويحمل على ميقات الشرع، لان الميقات معلوم بالشرع فانصرف الاطلاق إليه كنقد البلد في البيع ومن أصحابنا من قال: إن كان الحج عن حى لم يجز حتى يعين، لانه يمكن الرجوع إلى معرفة غرضه، وإن كان عن ميت جاز من غير تعيين، لانه لا يمكن الرجوع إلى معرفة غرضه، وحمل القولين على هذه الحالين. ومنهم من قال: إن كان للبلد ميقاتان لم يجز حتى يبين لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فوجب بيانه كالثمن في موضع فيه نقدان. وإن لم يكن له إلا ميقات واحد جاز من غير تعيين، كالثمن في موضع ليس فيه إلا نقد واحد، وحمل القولين على هذين الحالين، فإن ترك التعيين وقلنا إنه لا يصح فحج الاجير، انعقد الحج للمستأجر لانه فعله بإذنه مع فساد العقد فوقع له كما لو وكله وكالة فاسدة في بيع (الشرح) أوردنا في صدر هذا الباب آية استئجار شعيب لموسى، وقد روى أحمد والبخاري وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه وأنت؟ قال نعم. كنت أرعاها على قراريط لاهل مكة، وقال سويد بن سعيد: يعنى كل شاة بقيراط. وقال ابراهيم الحربى: قراريط اسم موضع، وقد صوب ابن الجوزى وابن ناصر التفسير الذى ذكره ابراهيم الحربى: لكن الذى رجح تفسير ابن سويد أن أهل مكة لا يعرفون مكانا يقال له: قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن قال: افتخر أهل الابل والغنم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بعث موسى وهو راعى غنم، وبعث داود

وهو راعى غنم وبعثت وأنا راعى غنم أهلى بجياد، وفى الحديث دليل على جواز الاجارة على رعى الغنم، ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوان، وهل يصح أن يرعى قطيعا بغير عدد من الغنم، أو قطيعا بغير عدد من البقر قل أو كثر؟ قولان (أحدهما) وهو الاصح أن يذكر العدد وأن يكون الاجر مناسبا لقدر المنفعة والعمل (والثانى) إذا جرى عرف مطرد بأن يرعى القطيع من غير عدد صح عقده. (فرع) مذهب الشافعي رضى الله عنه على أنه يجوز استئجار الام لارضاع ولدها. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ما دامت في النكاح أو العدة اه. ولا يجوز استئجار امرأة حرة منكوحة لرضاع أو غيره مما يؤدى إلى خلوة محرمة إلا بإذن زوجها على الاصح، ويؤخذ من قول الاذرعى أنه يجوز لها ذلك إذا كان زوجها غائبا فأجرت نفسها لعمل مباح لا خلوة فيه بأجنبى ينقضى أجله قبل قدومه، وقد اعترض الغزى على هذا بأن المرأة ومنافعها مستحقة لزوجها بعقد النكاح. قال الرملي: وهذا الاعتراض ممنوع بأنه لا يستحقها، وانما يستحق المنفعة منها وهى متعذرة منه، ولو اختلفت الزوجة مع زوجها حول الاذن صدق الزوج ولا كلام. على أن الاقيس على ظاهر المذهب أنه يصح لها ذلك على حد قول الاذرعى لانه لما جاز للزوج أن يستأجر زوجته لارضاع ولده ولو كان منها فان ذلك يفيد بمفهومه ملكها المنفعة، إذا تقرر هذا فهل يجوز أن يستأجر المرضعة بطعامها وكسوتها؟ مذهب الشافعي على أن ذلك لا يجوز في الظئر ولا في غيره من أنواع الاجارات وقد اختلفت الرواية عن أحمد فيمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل أجرا وشرط طعامه وكسوته فروى عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك واسحاق وروى عن أبى بكر وعمر وأبى موسى أنهم استأجروا الاجراء بطعامهم وكسوتهم، وروى عن أحمد أن ذلك جائز في الظئر دون غيره لقوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فأوجب لهن النفقة والكسوة

على الرضاع، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها، بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لان الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع، لان الله تعالى قال (وعلى الوارث مثل ذلك) والوارث ليس بزوج، ولان المنفعة في الحضانة والرضاع غير معلومة، فجاز أن يكون عوضها كذلك. وروى عنه رواية ثالثة: لا يجوز ذلك بحال، لا في الظئر ولا في غيرها. وبهذا قال الشافعي وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لان ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا فيكون مجهولا، والاجر من شرطه أن يكون معلوما. إذا ثبت هذا فهل تدخل الحضانة في الرضاع أم لا؟ على وجهين (أحدهما) لا تدخل وهو قول أبى ثور وابن المنذر لان العقد لم يتناولها (والثانى) تدخل وهو قول أصحاب الرأى، لان العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبى فحمل الاطلاق على ما جرى به العرف والعادة. ويشترط لعقد الرضاعة أربعة شروط: 1 - أن تكون مدة الرضاع معلومة، لانه لا يمكن تقديره إلا بها، فإن السقى والعمل فيها يختلف. 2 - معرفة الصبى بالمشاهدة، لان الرضاع يختلف باختلاف الصبى في كبره وصغره ونهمته وقناعته. 3 - موضع الرضاع لانه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل عليها في بيتها 4 - معرفة العوض وكونه معلوما كما سبق (فرع) إذا استأجر عاملا يحفر له بئرا وحدد له مكان البئر وسعتها وأجره، أو استأجر عاملا يضرب له لبنا وهيأ له الماء والتبن والتراب والمكان الصالح اضرب اللبن، ثم انهارت البئر أو تلف اللبن بمطر أو داست عليه بهيمة فأتلفته فقد استحق العامل أجره، ولا ضمان عليه في البئر ولا في اللبن (فرع) يجوز أن يأخذ الاجرة على تعليم القرآن أو سورة منه مع تعيينها أو قدر منه مع تعيينه وتحديده كما يجوز أن يأخذ الاجرة على تعليم الفقه والحديث ونحوهما ان كان محتاجا وهو وجه في المذهب، ولا يصح الاستئجار على القراءة على الموتى لنصه في الام حيث قال: إن القراءة لا تحصل له. وقال الشربينى في المغنى: الاجارة للقرآن على القبر مدة معلومة أو قدرا معلوما

جائزة للانتفاع بنزول الرحمة حيث يقرأ القرآن ويكون الميت كالحى الحاضر، سواء أعقب القرآن بالدعاء أم جعل قراءته له أم لا فتعود منفعة القرآن إلى الميت في ذلك، ولان الدعاء يلحقه وهو بعدها أقرب إلى الاجابة وأكثر بركة، ولانه إذا جعل أجرة الحاصل بقراءة للميت فهو دعاء بحصول الاجر فينتفع به. فقول الشافعي رضى الله عنه أن القراءة لا تحصل له محمول على غير ذلك. وقد أفتى الشهاب الرملي بذلك وأفاده ولده شمس الدين في نهاية المحتاج قلت: وقد أجمع أهل العلم على أن القارئ إذا قرأ ابتغاء المال وطلبا للنقود لا سيما في زماننا الذى عمت فيه حرفة القراءة، وصاروا يتقاولون على القراءة ويتزيدون كما يتزيد المتبذلون من أهل الغناء والفتنة فإنه لا ثواب له وقد يكون مأزورا آثما لانه لا يبتغى بالقرآن وجه الله، ولم يقف عند عجائبه فيحرك به قلبه، وكما يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: الموعظة زكاة نصاب الاتعاظ ومن لا نصاب عنده لا زكاة عليه، ففاقد الاتعاظ بكتاب الله ليس عنده ما يمنحه غيره من الموعظة (فرع) قال أصحابنا: أعمال الحج معروفة فإذا علمها المتعاقدان عند الاجارة صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ جَهِلَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ والبغوى وَالْمُتَوَلِّي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِيقَاتِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ؟ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ، وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لا يشترط وللاصحاب أَرْبَعُ طُرُقٍ، أَصَحُّهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ، وَوَافَقَ الْمُصَنَّفُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ: فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ عَلَى مِيقَاتِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ عَلَى حَجٍّ شَرْعِيٍّ، وَالْحَجُّ الشَّرْعِيُّ لَهُ مِيقَاتٌ مَعْقُودٌ شَرْعًا وَغَيْرُهَا فَانْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُقَرِّرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ، وَهُوَ النَّقْدُ الْغَالِبُ ويكون كما لو قَرَّرَاهُ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْقَوْلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ والرافعي وآخرون. والثانى: يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ، وَالْغَرَضُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَوَجَبَ بَيَانُهُ

والطريق الثاني: إن كان للبلد طريقان مختلفان إلى الميقات أو طريق يفضى إلى ميقاتين اشترط بيانه وإلا فلا. والطريق الثالث: إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَنْ حَيٍّ اُشْتُرِطَ، وَإِنْ كان عن ميت فلا لانه قد يتعلق للحى غرض فيه وهذا الطريق هو الذى حكاه المصنف هنا وحكاه الشيخ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفرايينى وآخرون، وهذا والذى قبله ليس بشئ عندهم ونقله إمام الحرمين. والطريق الرابع: ما حكاه الدارمي من أنه يشترط قولا واحدا، وعلى هذا إن شرطاه فأهملاه فسدت الْإِجَارَةُ، لَكِنْ يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَيْهِ أجرة المثل، أما تَعْيِينُ زَمَانِ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ بِلَا خِلَافٍ. قالوا: وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اُشْتُرِطَ بِلَا خلاف بيان أنهما إفراد أو تمتع أو قران لاختلاف الغرض بذلك، هذا وقد نَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ حَجَّ عَنَى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَحَجَّ عَنْهُ إنْسَانٌ اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ، قَالَ الْمُزَنِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، لِأَنَّ هَذَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأَجْرِ، هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب الجعالة، وللاصحاب فيها ثلاثة أوجه (أصحها) صحة الحج عن المستأجر واستحقاق الاجير أجرة المثل، لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ وَالْجَعَالَةُ تَجُوزُ عَلَى عمل مجهول فوقوعها عن معلوم أولى، هذا وبقيه ما يتعلق بالاجارة عن الحج من انفراد أجير أو تعدد أجراء أو حصول الاجارة بمكة أو غيرها مفصل مبسوط في كتاب الحج من المجموع فاشدد به يديك وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا تصح الاجارة الا على أجرة معلومة لانه عقد يقصد به العوض، فلم يصح من غير ذكر العوض كالبيع، ويجوز اجارة المنافع من جنسها ومن غير جنسها: لان المنافع في الاجارة كالاعيان في البيع، ثم الاعيان يجوز بيع بعضها ببعض فكذلك المنافع. (فصل) ولا تجوز الا بعوض معلوم لم روى أبو سعيد الخدرى (رض)

إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من استأجر أجيرا فليعلمه أجره) ولانه عقد معاوضة فلم يجز بعوض مجهول كالبيع، وان عقد بمال جزاف نظرت، فإن كان العقد على منفعة في الذمة ففيه قولان، لان اجارة المنفعة في الذمة كالسلم، وفى السلم على مال جزاف قولان، فكذلك في الاجارة، فإن كان العقد على منفعة معينه ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا، لان اجارة العين كبيع العين، وفى بيع العين يجوز أن يكون العوض جزافا قولا واحدا، فكذلك في الاجارة، ومنهم من قال: فيه قولان (أحدهما) يجوز (والثانى) لا يجوز، لانه عقد على منتظر، وربما انفسخ فيحتاج إلى الرجوع إلى العوض، فكان في عوضه جزافا قولان كالسلم. وان كانت الاجارة على منفعه معينه جاز بأجرة حالة ومؤجلة، لان اجارة العين كبيع العين، وبيع العين يصح بثمن حال ومؤجل، فكذلك الاجارة، فإن أطلق العقد وجبت الاجرة بالعقد، ويجب تسليمها بتسليم العين، لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف رشحه) . ولان الاجارة كالبيع ثم في البيع يجب الثمن بنفس العقد ويجب تسليمه بتسليم العين، فكذلك في الاجارة، فإن استوفى المنفعة استقرت الاجرة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ ربكم عزوجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره ولانه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع، فان سلم إليه العين التى وقع العقد على منفعتها ومضت مدة يمكن فيها الاستيفاء استقر البدل لان المعقود عليه تلف تحت يده فاستقر عليه البدل كالمبيع إذا تلف في يد المشترى فان عرض العين على المستأجر ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء استقرت الاجرة لان المنافع تلفت باختياره فاستقر عليه ضمانها كالمشترى إذا أتلف المبيع في يد البائع. فإن كان هذا في اجارة فاسدة استقر عليه أجرة المثل، لان الاجارة كالبيع

والمنفعة كالعين، ثم البيع الفاسد كالصحيح في استقرار البدل، فكذلك في الاجارة فإن كان العقد على منفعة في الذمة لم يجز بأجره مؤجلة، لان إجارة ما في الذمة كالسلم، ولا يجوز السلم بثمن مؤجل، فكذلك الاجارة، ولا يجوز حتى يقبض العوض في المجلس كما لا يجوز في السلم، ومن أصحابنا من قال: إن كان العقد بلفظ السلم وجب قبض العوض في المجلس لانه سلم، وإن كان بلفظ الاجارة لم يجب لانه إجارة والاول أظهر، لان الحكم يتبع المعنى لا الاسم. ومعناه معنى السلم فكان حكمه كحكمه، ولا تستقر الاجرة في هذه الاجارة إلا باستيفاء المنفعة، لان المعقود عليه في الذمة فلا يستقر بدله من غير استيفاء كالمسلم فيه: (الشرح) حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رواه أحمد ولفظه (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره، وعن النجش واللمس والقاء الحجر) قال في مجمع الزوائد: رجال أحمد رجال الصحيح الا أن ابراهيم النخعي لم يسمع من أبى سعيد فيما أحسب. وأخرجه أيضا البيهقى وعبد الرزاق وإسحاق بن راهويه وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع، ولفظ بعضهم (من استأجر أجيرا فليسلم له أجرته) وفى هذا الحديث دليل على وجوب بيان قدر الاجرة، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال مالك وأحمد بن حنبل وابن شبرمة: لا يجب للعرف واستحسان المسلمين، قال صاحب البحر: لا نسلم بل الاجماع على خلافه اه. ويؤيد قول المذهب القياس على ثمن المبيع. اما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ الله تعالى: ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة، الحديث) فقد أخرجه أحمد والبخاري، وأخرجه أيضا البزار وفى اسناد البزار هشام بن زياد (أبو المقدام) وهو ضعيف قال ابن التين: هو سبحانه خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح، والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك. وقال الهروي: الواحد بكسر أوله، قال الفراء في الطلاق الخصم على الواحد فاكثر هو قول الفصحاء، ويجوز في الاثنين خصمان، قلت: استعمل القرآن

في الاثنين خصمان في قوله تعالى (خصمان بغى بعضنا على بعض) وهو ابلغ استعمال وافصحه. قوله (من كنت خصمه خصمته) هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والاسماعيلي، قوله (باع حرا وأكل ثمنه) في رواية لابي داود (ورجل اعتبد محرره) وهو أعم في الفعل وأخص في المفعول. قال الخطابى: اعتباد الحر يقع بأمرين، ان يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده، والثانى أن يستخدمه كرها بعد العتق، والاول أشدهما. قال في الفتح: الاول أشد لان فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد. وفى قضاء الاجر عند توفية العمل خلاف بين العلماء فعند أبى حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك، وعند الشافعي واصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة، وأما الفاسدة فقال في البحر: لا تجب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا. والاجارة أصول في أنفسها تتنوع على وجهها، وهى كالبيع سواء بسواء، قال الشافعي رضى الله عنه: البيوع الصحيحة صنفان بيع عين يراها المشترى والبائع، وبيع صفة مضمونة على البائع، وبيع ثالث وهو الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشترى، غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى يراها المشترى كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التى باعه إياها، أو مخالفة لتلك الصفة، لان بيع الصفات التى تلزم المشترى ما كان مضمونا على صاحبه، ولا يتم البيع في هذا حتى يرى المشترى السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذى رآه فيه، فحينئذ يتم البيع ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم بالاجل ويجوز فيما حل لصاحبه، وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه اه. ونقل السبكى في فتاويه عن القفال قوله: أما الاجارة على الذمة فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة بناء على أنها ملحقه بالسلم حتى يجب فيها قبض البدل في المجلس

وقال: أما الرجل يؤاجر نفسه فالاجارة تجوز معينا، وفى الذمة، فإن أجره معينا فلا بد أن تكون المنفعة معلومة بأحد أمرين بتقدير العمل أو المدة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وما عقد من الاجارة على منفعة موصوفة في الذمة يجوز حالا ومؤجلا في الذمة كالسلم، والسلم يجوز حالا ومؤجلا، فكذلك الاجارة في الذمة وإن استاجر منفعة في الذمة وأطلق وجبت المنفعة حالة، كما إذا أسلم في شئ واطلق وجب حالا، فان استأجر رجلا للحج في الذمة لزمه الحج من سنته، فإن أخره عن السنة نظرت، فان كانت الاجارة عن حى كان له أن يفسخ، لان حقه تأخر، وله في الفسخ فائدة، وهو أن يتصرف في الاجرة، فإن كانت عن ميت لم يفسخ، لانه لا يمكن التصرف في الاجرة إذا فسخ العقد، ولابد من استئجار غيره في السنة الثانية، فلم يكن للفسخ وجه، وما عقد على منفعة معينة لا يجوز إلا حالا، فإن كان على مدة لم يجز إلا على مدة يتصل ابتداؤها بالعقد، وإن كان على عمل معين لم يجز الا في الوقت الذى يمكن الشروع في العمل لان إجارة العين كبيع العين وبيع العين لا يجوز الا على ما يمكن الشروع في قبضها فكذلك الْإِجَارَةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّوَجُّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ اسْتِيفَاءُ المعقود عليه عن حال العقد، وإن كان فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ إلَّا أَنْ يَسِيرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَمْ يَسْتَأْجِرْ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الشروع في الاستيفاء، فإن قال أجرتك: هذه الدار شهرا لم يصح. لانه ترك تعيين المعقود عليه في عقد شرط فيه التعيين، فبطل كما لو قال: بعتك عبدا، فإن أجر دارا من رجل شهرا من وقت العقد ثم أجرها منه الشهر الذى بعده قبل انقضاء الشهر الاول، ففيه وجهان. (أحدهما) لا يصح، لانه اجارة منفعة معينة على مدة متأخرة عن العقد، فأشبه إذا أجرها من غيره.

(والثانى) أنه يصح، وهو المنصوص، لانه ليس لغيره يد تحول بينه وبين ما استاجره. ولان أحد شهريه لا ينفصل عن الآخر، فأشبه إذا جمع بينهما في العقد. (الشرح) قال المحاملى في المجموع: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلا في الوقت الذى يتمكن فيه. وقال النووي: إن كان في موضع قريب لم يجز استئجاره قبل أشهر الحج. وإن كان في موضع بعيد لم يستأجره إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وقت الشروع في الاستيفاء. وقال أبو الطيب لا يمكن إجارة إلَّا فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ يحتاج فيه إلى السبب. اه ومن هنا إذَا لَمْ يَشْرُعْ فِي الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ الاجارة على العين انفسخت لفوات موضوع العقد قولا واحدا، وإن كانت في الذمة، فإن لم تتعين السنة فهو كتعيين السنة الاولى، وعند بعض اصحابنا يجوز التأخر عن السنة الاولى ويثبت الخيار للمستأجر، وإن عينا السنة وتأخر عنها فطريقان أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فيه عند حلول الاجل (أ) لا ينفسخ العقد وهو الاظهر (ب) يَنْفَسِخُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هنا. وإن كان الاستئجار عن ميت فلا خيار للمستأجر، وهذا هو رأى المصنف وأصحابنا العراقيين، وقد قال إمام الحرمين: وفيما ذكروه نظر لانه لا يمنع أن يثبت للورثة الخيار ويستردون الاجرة بالفسخ، وهذا استدراك على المصنف يجعل للورثة الحق في أن يبذلوا الاجرة لاجير آخر، وهذا أجدر بحصول المقصود وقد تابع الغزالي شيخه على هذا. وقال البغوي وآخرون بوجوب مراعاة الولى المصلحة في ذلك، فإن رأى الفسخ لخوف إفلاس الاجير أو هربه وإلا تركه وضمن، وصحح الرافعى هذا وحمل الرافعى قول المصنف وأصحابه من العراقيين على أن الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ فتكون الوصية مستحقة الصرف إليه. وقال أبو إسحاق المروزى: للمستأجر أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْعَقْدَ

إن كانت المصلحة تقتضيه. قال الرافعى: فإن نَزَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ارْتَفَعَ الخلاف، وإن على الثاني هان امره. قوله (لانه اجارة منفعة معينة على مدة متأخرة) قال النووي في المنهاج: ولا تجوز اجارة عين لمنفعة مستقبلة. اه وذلك كإجارة هذه الدار السنة المستقبلة أو سنة أولها من غد، وكذا ان قال أولها من أمس، وكإجارة أرض مزروعة لا يمكن تفريغها الا بعد مدة لمثلها أجرة، وذلك كما لو باعه عينا على ان يسلمها له بعد ساعة بخلاف اجارة الذمة كما مر، ولو قال وقد عقد آخر النهار: اولها يوم تاريخه لم يضر لان القرينة ظاهرة في أن المراد باليوم الوقت أو في التعبير باليوم عن بعضه، ويستثنى من المنع في المستقبلة صور، كما لو أجره ليلا ليعمل نهارا. وهذا عرف شائع في ديارنا ابان الحصاد وجنى القطن ونقاوة الدودة وشتل الارز وتعفير الطماطم بالكبريت قبل جفاف الندى. ومثله اجارة دار بغير بلد المتعاقدين، كمن يستأجر عشة برأس البر ليصطاف فيها فأجرها قبل الصيف لان استيفاء العقد لا يكون الا صيفا، وإذا لم يؤجرها فاته الانتفاع بمقصوده. فلو آجر الشهر الثاني لمستأجر الشهر الاول أو السنة الثانية لمستأجر السنة الاولى قبل انقضائها جاز في الاصح لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر، كما لو آخر منه السنتين في عقد، ولا نظر إلى احتمال انفساخ العقد الاول لان الاصل عدمه، فان وجد ذلك لم يقدح في الثاني. (فرع) في جواز الوارث ما آجره الميت من المستأجر تردد. أفاد شمس الدين الرملي أن الاقرب منه الجواز لانه نائبه. وقال الزركشي: أنه الظاهر، وهذا إذا لم يحصل فصل بين السنين، والا فلا يصح، وهذا يشمل الطلق والوقف، نعم لو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ثلاثا في عقد آخر قبل مضى المدة فالمعتمد كما افتى به ابن الصلاح ووافقه السبكى والاذرعى وغيرهما عدم صحة العقد الثاني. وان قلنا بصحة اجارة الزمان القابل من المستأجر اتباعا لشرط الواقف، لان المدتين المتصلتين في العقدين في معنى العقد الواحد. وهذا بعينه

يقتضى المنع في هذه الصورة لوقوعه زائدا على ما شرطه الواقف، وان خالفه ابن الاستاذ وقال: ينبغى ان يصح نظرا إلى ظاهر اللفظ. (فرع) مذهبنا انه لا تصح اجارة المسلم للجهاد في سبيل الله لحرب أعداء الدين، لان الجهاد فرض عليه ما دام مستطيعا، ولانه إذا حضر الصف تعين عليه القتال فريضة، ويصح للامام ان يستأجر غير المسلمين لقتال غير المسلمين من الكفار. ولا يصح استئجار المسلم لعبادة تحتاج إلى نية الا الحج وتفرقة الزكاة أو تعليم قرآن، وتصح الاجارة لتجهيز ميت ودفنه، وتصح الاجارة للصوم عن الميت، وتصح لذبح الهدى والاضاحي ونحوها. ويصح الاستئجار لشعار غير فرض كالاذان. قال الشربينى في المغنى: ولا يصح الاستئجار للامامة ولو نافلة كالتراويح لان فادتها من تحصيل فضيلة الجماعة لا تحصل للمستأجر بل للاجير، ويصح استئجار بيت ليتخذه مصلى، وصورته كما قال صاحب الانتصار ان يستأجره للصلاة، اما إذا استأجره ليجعله مسجدا فلا يصح بلا خلاف، ولا يصح الاستئجار لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الرملي وغيره: فزيارة قبر غيره أولى. هكذا افاده الخطيب الشربينى وشمس الدين الرملي الشبراملسى في شروحهم لمنهاج النووي، وعزا الرملي إلى الماوردى هذا ووافقه عليه. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) فإن اكرى ظهرا من رجلين يتعاقبان عليه أو اكترى من رجل عقبة ليركب في بعض الطريق دون بعض جاز. وقال المزني: لا يجوز اكتراء العقبة الا مضمونا لانه يتأخر حق احدهما عن العقد فلم يجز، كما لو اكراه ظهرا في مدة تتأخر عن العقد، والمذهب الاول، لان استحقاق الاستيفاء مقارن للعقد، وانما يتأخر عن القسمة وذلك لا يمنع صحة العقد، كما لو باع من رجلين صبرة فانه يصح، وان تأخر حق أحدهما عند القسمة، فان كان ذلك في طريق فيه عادة في الركوب والنزول، جاز العقد عليه مطلقا، وحملا في الركوب والنزول على العقادة لانه معلوم بالعادة. فحمل الاصلاق عليه كالنقد المعروف

في البيع، وإن لم يكن فيه عادة لم يصح حتى يبين مقدار ما يركب كل واحد منهما لانه غير معلوم بالعادة، فوجب بيانه كالثمن في موضع لا نقد فيه، فان اختلفا في البادئ في الركوب أقرع بينهما، فمن خرجت عليه القرعة قدم لانهما تساويا في الملك فقدم بالقرعة. (الشرح) التعاقب التناوب، فينزل هذا نوبة وهذا نوبة. وفى الحديث (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكه بالنهار) والعقب بضم العين جمع عقبة، أي نوبة قال الشافعي رضى الله عنه: فان تكارى منه لعبده فأراد أن يركب الليل دون النهار بالاميال، أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما، ويركب على ما يعرف الناس العقبة، ثم ينزل فيمشي بقدر ما يركب، ثم يركب بقدر ما مشى، فيفدحه ولا الركوب فيضر بالبعير اه. ويفهم من كلامه ان القصد من عقد الاجارة تحقيق المنفعة للمستأجر وعدم المضارة بالبهيم لحرمته. قال النووي رضى الله عنه (ويجوز كراء العقب في الاصح) وبيان ذلك ان يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق ويمشى بعضها أو يركبه المالك تناوبا أو يؤجرها رجلين ليركب ذا أياما وذا أياما كذلك تناوبا، أو يقول: آجرتك نصفها لمكان كذا أو كلها لتركبها نصف الطريق فيصح كبيع المشاع، ويبين البعضين في الصورتين كنصف أو ربع ما لم يكن ثم عادة معروفه مضبوطة بالزمن أو المسافة ثم يقتسمان بالتراضى، فإذا تنازعا أيهما يبدأ أقرع بينهما، لانهما يملكان المنفعة معا، ويغتفر التأجير الواقع لضرورة القسمة. نعم شرط الصحه في الاولى تقدم ركوب المستأجر، وإلا بطلت لتعلقها حينئذ بزمن مستقبل، ومقابل الاصح في قول النووي أوجه أصحها المنع لانها إجارة أزمان متقطعه. وفى الروضة أنه ليس لاحدهما أن يطلب المشى ثلاثا والركوب ثلاثا للمشقه. اه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما عقد من الاجارة على مدة لا يجوز فيه شرط الخيار، لان الخيار يمنع من التصرف، فان حسب ذلك على المكرى زدنا عليه المدة، وإن حسب على المكترى نقصنا من المدة وهل يثبت فيه خيار المجلس؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يثبت لما ذكرناه من النقصان والزيادة في خيار الشرط. (والثانى) يثبت لانه قدر يسير، ولكل واحد منهما إسقاطه، وإن كانت الاجارة على عمل معين ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يثبت فيه الخياران، لانه عقد على غرر فلا يضاف إليه غرر الخيار (والثانى) يثبت فيه الخياران، لان المنفعة المعينة كالعين في البيع، ثم العين المعينه يثبت فيها الخياران فكذلك المنفعة (والثالث) يثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط، لانه عقد على منتظر فيثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط كالسلم. وإن كانت الاجارة على منفعه في الذمه ففيه وجهان (احدهما) لا يثبت فيه الخياران، لانه عقد على غرر فلا يضاف إليه غرر الخيار (والثانى) يثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط، لان الاجارة في الذمة كالسلم، وفى السلم يثبت خيار المجلس دون خيار الشرط، فكذلك في الاجارة. (فصل) وإذا تم العقد لزم ولم يملك واحد منهما ان ينفرد بفسخه من غير عيب لان الاجارة كالبيع، ثم البيع إذا تم لزم فكذلك الاجارة وبالله التوفيق (الشرح) مذهبنا أنه لا خيار بعد لزوم العقد. وقال أبو حنيفة: يجوز للمستأجر فسخ الاجارة بالاعذار الظاهرة مع السلامه من العيوب، ولا يجوز للمؤجر أن يفسخ بالاعذار، مثل أن يستأجر دارا ليسكنها ثم يريد النقلة عن البلد أو يستأجر حرز لمتاعه ثم يريد بيعه، أو يستأجر من يطحن له برا ثم يريد بذره. إلى ما أشبه ذلك من الاعذار، فيجعل له بها فسخ الاجارة للعذر. ألا ترى أن من استؤجر لقلع فدانين من الحطب جاز للمستأجر فسخ الاجارة للعذر الطارئ ولم يجبر على قلع فدانيه، وكذا كل عذر.

ودليلنا على أبى حنيفة قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) فكان عموم هذا الامر يوجب الوفاء بكل عقد ما لم يقم دليل بتخصيصه، ولان كل عقد لزم العاقدين مع سلامة الاحوال لزمهما ما لم يحدث بالعوضين نقص كالبيع، ولان كل عقد لزم العاقد عند ارتفاع العذر لم يحدث له خيار بحدوث عذر كالزوج، ولان كل سبب لا يملك المؤجر الفسخ لم يملك المستأجر به الفسخ كالاجرة لا يكون حدوث الزيادة فيها موجبا لفسخ المؤجر كما لم يكن حدوث النقصان فيها موجبا لفسخ المستأجر، لان نقصانها في حق المستأجر كزيادتها في حق المؤجر ولانه عقد إجارة فلم يجز فسخه بعذر كالمؤجر، ولان العقود نوعان، لازمة فلا يجوز فسخها بعذر كالبيع، وغير لازمة فيجوز فسخها بغير عذر كالقراض. فلما لم يكن عقد الاجارة ملحقا بغير اللازم في جواز فسخه بغير عذر وجب أن يكون ملحقا باللازم في إبطال فسخه بعذر. فأما الجواب عن قياسه على الوكالة فهو أن الوكالة غير لازمة يجوز فسخها بعذر وغير عذر، وليس كذلك الاجارة، وأما استدلاله بأن للاعذار تأثيرا في عقود الاجارات كالضرس المستأجر على قلعه إذا برئ، فالجواب عنه هو أن من ملك منفعة بعقد إجارة فقد استحقها، وليس يجب عليه استيفاؤها، ألا ترى أن من استأجر سكنى دار فله أن يسكنها، ولا يجبر على سكناها، فإن مكن من سكناها فلم يسكن فعليه الاجرة، هذا أصل مقرر في الاجارة، وإذا كان كذلك - فإن كان الضرس على حال مرضه وألمه - فقلعه مباح، وللمستأجر أن يأخذ الاجير بقلعه إن شاء، فإن أبى المستأجر أن يقعله من ألمه لم يجبر عليه. وقيل له: قد بذل لك الاجير القلع وأنت ممتنع، فإذا مضت مدة يمكن فيها قلعه فقد استحق أجرته كما لو مضت مدة السكنى، وان برئ الضرس في الحال قبل إمكان القلع بطلت الاجارة، لان قلعه قد حرم، وعقد الاجارة انما يتناول مباحا لا محظورا، فصار محل العمل معدوما، فلذلك بطلت الاجارة كما لو استأجر لخياطة ثوب فلف، إذ لا فرق بين تعذر العمل بالتلف وبين تعذره بالحظر.

فإذا تقرر أن عقد الاجارة من العقود اللازمة، وأن فسخه بالعذر غير جائز فلا يجوز اشتراط الثلاث فيه، وقال أبو حنيفة: يجوز اشتراط الخيار فيه كما يجوز في البيع لانهما معا من عقود المعاوضات. ودليلنا: هو ان ما لزم من عقود المنافع لم يصح اشتراط الخيار فيه كالنكاح ولان اشتراط الثلاثة يتضمن اتلاف بعض المعقود عليه فيما ليس متابع للمعقود عليه مع بقاء العقد في جميعه فلم يصح، كما لو شرط في ابتياع جوادين أنه ان تلف أحدهما في يد البائع لم يبطل البيع. ولان المعقود إذا لم يبق جميعه في مدة الخيار لم يصح اشتراط الخيار قياسا على بيع الطعام الرطب. فإذا صح ان خيار الشرط لا يدخله فقد اختلف أصحابنا هل يدخله خيار المجلس ام لا؟ على وجهين. (احدهما) يدخله كالبيع لكونهما عقدى معاوضة. فعلى هذا ان أخرها المؤجر من غير المستأجر في خيار المجلس صحت الاجارة الثانية وكان ذلك فسخا للاجارة الاولى. هكذا أفاده الماوردى. وقال بعض أصحابنا: تفسخ الاجارة الاولى ولا تصح الاجارة الثانية لتقدم الفسخ. لانه لا يصير الفعل الواحد فسخا وعقدا لتنافيهما. ولهذا القول وجه فإن كان المذهب هو ان استقرار العقد الثاني يوجب فسخ العقد الاول بالتأهب الثاني. وعلى هذا الوجه لو أخره المستأجر كانت اجارته باطلة سواء قبضه أو لم يقبضه. لان خيار المؤجر يمنع من امضاء المستأجر. وعلى هذا الوجه لو افترقا عن تراض لم يكن للمستأجر أن يؤجر قبل قبضه كما ليس للمشترى بيع ما لم يقبضه (والوجه الثاني) ان خيار المجلس لا يدخله. ويصير العقد بالبذل والقبول لازما. لان خيار المجلس يفوت بعض المدة فاشبه خيار الشرط. فعلى هذا لو أجره المؤجر قبل الافتراق أو بعده لم يجز. ولو آجره المستأجر. فان كان بعد القبض جاز. وان كان قبله؟ فعلى وجهين. (أحدهما) يجوز لمفارقته البيع في الخيار ففارقه في القبض. (الوجه الثاني) لا يجوز لكون المنفعة مضمونه على المستأجر فأشبه ضمان

باب ما يلزم المتكاريين وما يجوز لهما

المبيع على البائع وان فارق البيع في حكم الخيار وهذان الوجهان في اجارة ما لم يقبض مبنى على اختلاف اصحابنا في عقد الاجارة هل تناول الدار المؤاجرة لاستيفاء المنفعة منها أو تناول المنفعة؟ فقال أبو إسحاق المروزى: عقد الاجارة انما تناول الدار الموجودة، لان المنافع غير مخلوقة، فعلى هذا يمنع من إجارتها قبل القبض كما يمنع من البيع. (والوجه الثاني) وهو الاكثر من أصحابنا أن العقد إنما تناول المنفعة دون الرقبة لان العوض في مقابلتها، ولا يصح أن يتوجه العقد إلى ما لم يقابله العوض وتصير المنافع بتسليم الرقبة مقبوضة حكما، وإن لم يكن القبض مستقرا إلا بمضي المدة فعلى، هذا تجوز إجارتها قبل قبضها. وقال النووي: لا تنفسخ الاجارة بعذر كتعذر وقود حمام وسفر ومرض مستأجر دابة لسفر، ولو استأجر أرضا لزراعه فزرع فهلك الزرع بجائحه فليس له الفسخ، ولا حط شئ من الاجرة، وتنفسخ بموت الدابه والاجير المعينين في المستقبل لا الماضي في الاظهر، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (بَابُ مَا يلزم المتكاريين وما يجوز لهما) يجب على المكرى ما يحتاج إليه المكترى للتمكين من الانتفاع كمفتاح الدار وزمام الجمل والبرة التى في أنفه والحزام والقتب والسرج واللجام للفرس لان التمكين عليه ولا يحصل التمكين إلا بذلك، فان تلف شئ منه في يد المكترى لم يضمنه كما لا يضمن العين المستأجرة وعلى المكرى بدله لان التمكين مستحق عليه إلى أن يستوفى المستأجر المنفعة وما يحتاج إليه لكمال الانتفاع كالدلو والحبل والمحمل والغطاء فهو على المكترى، لان ذلك يراد لكمال الانتفاع، واختلف أصحابنا فيما يشد به أحد المحملين إلى الآخر، فمنهم من قال: هو على المكرى لانه من آلة التمكين، فكان على المكرى، ومنهم من قال: هو على المكترى لانه بمنزلة تأليف المحمل وضم بعضه إلى بعض.

(فصل) وعلى المكرى إشالة المحمل وحطه وسوق الظهر وقوده، لان العادة أنه يتولاه المكرى فحمل العقد عليه، وعليه أن ينزل الراكب للطهارة وصلاة الفرض لانه لا يمكن ذلك على الظهر، ولا يجب ذلك للاكل وصلاة النفل، لانه يمكن فعله على الظهر وعليه أن يبرك الجمل للمرأة والمريض والشيخ الضعيف، لان ذلك من مقتضى التمكين من الانتفاع، فكان عليه فأما أجرة الدليل فينظر فيه فإن كانت الاجارة على تحصيل الراكب فهو على المكرى لان ذلك من مؤن التحصيل، وإن كانت الاجارة على ظهر بعينه فهو على المكترى لان الذى يجب على المكرى تسليم الظهر وقد فعل، وعلى المكرى تسليم الدار فارغة الحش، لانه من مقتضى التمكين، فإن امتلا في يد المكترى ففى كسحه وجهان: (أحدهما) أنه على المكرى لانه من مقتضى التمكين فكان عليه (والثانى) أنه على المكترى لانه حصل بفعله فكان تنقيته عليه كتنظيف الدار من القمامة وعلى المكرى إصلاح ما تهدم من الدار وإبدال ما تكسر من الخشب، لان ذلك من مقتضى التمكين فكان عليه. واختلف أصحابنا في المستأجرة على الرضاع هل يلزمها الحضانة وغسل الخرق؟ فمنهم من قال يلزمها لان الحضانة تابعة للرضاع، فاستحقت بالعقد على الرضاع ومنهم من قال لا يلزمها لانهما منفعتان مقصودتان تنفرد إحداهما عن الاخرى فلا تلزم بالعقد على إحداهما الاخرى وعليها أن تأكل وتشرب ما يدر به اللبن ويصلح به، وللمستأجر أن يطالبها بذلك لانه من مقتضى التمكين من الرضاع، وفى تركه إضرار بالصبى (فصل) وعلى المكرى علف الظهر وسقيه لان ذلك من مقتضى التمكين فكان عليه، فان هرب الجمال وترك الجمال فللمستأجر أن يرفع الامر إلى الحاكم ليحكم في مال الجمال بالعلف لان ذلك مستحق عليه فجاز أن يتوصل بالحكم إليه فإن أنفق المستأجر ولم يستأذن الحاكم لم يرجع لانه متطوع، وإن رفع الامر الحاكم ولم يكن للجمال مال اقترض عليه، فإن اقترض من المستأجر وقبضه منه

ثم دفعه إليه لينفق جاز، وان لم يقبض منه ولكنه أذن له في الانفاق عليها قرضا على الجمال ففيه قولان. (أحدهما) لا يجوز لانه إذا أنفق احتجنا أن يقبل قوله في استحقاق حق له على غيره (والثانى) يجوز لانه موضع ضرورة، لانه لا بد للجمال من علف وليس ههنا من ينفق غيره، فإن أذن له وأنفق ثم اختلفا في قدر ما أنفق فان كان ما يدعيه زيادة على المعروف لم يلتفت إليه لانه ان كان كاذبا فلا حق له وان كان صادقا فهو متطوع بالزيادة فلم تصح الدعوى، وإن كان ما يدعيه هو المعروف فالقول قوله لانه مؤتمن في الانفاق فقبل قوله فيه، فان لم يكن حاكم فأنفق ولم يشهد لم يرجع لانه متطوع، وإن أشهد فهل يرجع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يرجع لانه يثبت حقا لنفسه على غيره من غير اذن ولا حاكم. (والثانى) يرجع لانه حق على غائب تعذر استيفاؤه منه فجاز أن يتوصل إليه بنفسه، كما لو كان له على رجل دين لا يقدر على أخذه منه، فان لم يجد من يشهد أنفق. وفى الرجوع وجهان (أحدهما) لا يرجع، لما ذكرناه فيه إذا أشهد، (والثانى) يرجع، لان ترك الجمال مع العلم أنه لا بد لها من العلف إذن في الانفاق. (الشرح) قوله (برة) محذوفة اللام، هي حلقة تجعل في أنف البعير تكون من النحاس ونحوه، وأبريت البعير جعلت له برة، وقوله (القماش) وهو ما على وجه الارض من فتات الاشياء، حتى يقال لرذالة الناس قماش. وما أعطاني إلا قماشا، أي أردأ ما وجد، أفاده في القاموس. وقوله في ترجمة الباب (ما يلزم المتكاريين) أي ما يتعين لدفع الخيار، فعلى المكرى تسليم مفتاح ضبة الدار إلى المكترى لتوقف الانتفاع عليه، وهو أمانة بيده، فو تلف ولو بتقصير فعلى المكرى تجديده، فان امتنع لم يجبر ولم يأثم وينبنى على ذلك سؤال: هل تصح إجارة دار لا باب لها؟ ففى هذه الصورة نظر وقد تتوجه الصحه إن أمكن الانتفاع بها بلا باب، كأن أمكن التسلق من الجدار، وعلى القول

بالصحة هل يثبت الخيار للجاهل، كأن رآها قبل سد بابها ثم استأجرها اعتمادا على الرؤية السابقة؟ قلنا يثبت له الخيار وجها واحدا. فأما القفل فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه لانه منقول وليس بتابع، كما أن عليه من أسباب التمكين مبنيا على أصل المذهب إضاءة المدخل واستكمال المرافق الصحيه، فإن لم يفعل لم يجبر، وكان المكترى بالخيار والمستأجر عليه كنس السلم والفناء لان ذلك ميسور لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كراء الابل والدواب من الام: وعلى المكرى أن يركب المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا، لان ذلك ركوب النساء. اما الرجال فيركبون على الاغلب من ركوب الناس، وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل له ولما لا بد له منه كالوضوء، وليس عليه أن ينتظره لغير ما لابد له منه. قال وليس للجمال إذا كانت القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلا، ولا للمكترى إذا أراد عزلة الناس، وكذلك إن اختلفا في الساعة التى يسيران فيها، فان أراد الجمال أو المكترى ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر المرحلة التى يريدان وقال الشافعي رضى الله عنه: وعلف الدواب والابل على الجمال أو مالك الدواب، فان تغيب واحد منهما فعلف المكترى فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان، وينبغى للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابه والابل، وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب. فان قال قائل: يأمر الراكب أن يعلف لان من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة، وهذا موضع ضرورة، ولا يوجد فيه الا هذا، لانه لابد من العلف والا تلفت الدابه ولم يستوف المكترى الركوب كان مذهبا ثم قال الشافعي رضى الله عنه: وفى هذا أن المكترى يكون أمين نفسه، وأن رب الدابه إن قال لم يعلفها الا بكذا، وقال الامين: علفتها بكذا لاكثر،

فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف، وإن قبل قول المكترى العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه فقد خرج مالك الدابة والمكترى من أن يكون القول قولهما، وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس، وأن القياس ضعيف، وقد ذكر في غير هذا الموضع، ويقولون: يقضى بين الناس بأقرب الامور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدما من حكم يتبعه. قال الشافعي رضى الله عنه: فيعيب هذا المذهب بعض الناس من كره الرأى فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم، وإن لم يجز فقد يترك أهل القياس القياس، والله تعالى أعلم. (فرع) إذا استأجر دارا فانطمت آبارها وامتلات حشوشها فالذي عليه أصحابنا أن تنقية ذلك وتنظيفه على المؤجر دون المستأجر من غير تفصيل لما عليه من حقوق التمكين. قال الماوردى: والذى عندي وأراه مذهبا أن تنقية ما انطم من آبارها على المؤجر وتنقية ما امتلا من حشوشها على المستأجر، لان امتلاء الحشوش من فعله فصار كتحويل القماش وليس كذلك انطمام الآبار، فلو امتنع المستأجر من تنقية الحشوش أجبر عليه، ولو امتنع المؤجر ما يلزمه من الآبار لم يجبر عليه، وكان المستأجر بالخيار، والله أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) واختلف أصحابنا في رد المستأجر بعد انقضاء الاجارة، فمنهم من قال: لا يلزمه قبل المطالبة لانه أمانة فلا يلزمه ردها قبل الطلب كالوديعة، ومنهم من قال: يلزمه لانه بعد انقضاء الاجارة غير مأذون له في إمساكها، فلزمه الرد كالعارية المؤقتة بعد انقضاء وقتها، فإن قلنا: لا يلزمه الرد لم يلزمه مؤنة الرد كالوديعة، وان قلنا: يلزمه لزمه مؤنة الرد كالعارية. (فصل) وللمستأجر أن يستوفى مثل المنفعة المعقود عليها بالمعروف، لان إطلاق العقد يقتضى المتعارف، والمتعارف كالمشروط، فإن استأجر دارا للسكنى

جاز أن يطرح فيها المتاع، لان ذلك متعارف في السكنى، ولا يجوز أن يربط فيها الدواب ولا يقصر فيها الثياب ولا يطرح في أصول حيطانها الرماد والتراب، لان ذلك غير متعارف في السكنى، وهل يجوز أن يطرح فيها ما يسرع إليه الفساد، فيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز لان الفأر ينقب الحيطان للوصول إلى ذلك. (والثانى) يجوز، وهو الاظهر، لان طرح ما يسرع إليه الفساد من الطاهر المأكول متعارف في سكنى الدار، فلم يجز المنع منه، وإن اكترى قميصا للبس لم يجز أن ينام فيه بالليل، ويجوز بالنهار، لان العرف أن يخلع لنوم الليل دون نوم النهار. وإن استأجر ظهرا للركوب ركب عليه لا مستلقيا ولا منكبا: لان ذلك هو المتعارف، وإن كان في طريق العادة فيه السير في أحد الزمانين من ليل أو نهار لم يسر في الزمان الآخر لان ذلك هو المتعارف، وان اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول للرواح ففيه وجهان. (أحدهما) يلزمه النزول، لان ذلك متعارف والمتعارف كالمشروط. (والثانى) لا يلزمه، لانه عقد على الركوب في جميع الطريق فلا يلزمه تركه في بعضه، فإن اكترى ظهرا إلى مكة لم يجز أن يحج عليه، لان ذلك زيادة على المعقود عليه، وإن اكتراه للحج عليه، فله أن يركبه إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى المزدلفة ثم إلى منى ثم إلى مكة، وهل يجوز أن يركبه من مكة عائدا إلى منى للمبيت والرمى؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لانه من تمام الحج (والثانى) ليس له لانه قد حل من الحج. (الشرح) قد عرفنا مما سبق من الشواهد والادله والنصوص أن عقد الاجارة يصح على العين مدة تبقى بصفاتها غالبا لامكان استيفاء المعقود عليه كسنة أو عشر سنين أو ثلاثين سنة على ما يليق بكل عين مستأجرة. قال البغوي: الا أن الحكام اصطلحوا على أن لا يؤجروا الوقف أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف. قال السبكى: ولعل سببه أن اجارة الوقف

تحتاج إلى أن تكون بالقيمة وتقويم المدة المستقبلة البعيدة صعب. وللمستأجر في اجارة العين أن ينتفع بها من أول العقد ويده عليها يد أمانة فيأتى فيه ما مر في الوديع مدة الاجارة ان قدرت بزمن، أو مدة امكان استيفاء المنفعة ان قدرت بمحل عمل لعدم امكان الاستيفاء للمنفعة بدون وضع يده، وبه فارق كون يده يد ضمان على طرف مبيع قبضه فيه لتمحض قبضه لغرض نفسه، ويجوز السفر للمكترى بالعين المكتراة عند انتفاء الخطر لملكه المنفعة فجاز له استيفاؤها حيث شاء، وظاهره عدم الفرق بين اجارة العين وهو ظاهر، والذمة وهو محتمل، نعم سفره بها كسفر الوديع فيما يظهر أخذا مما مر في الوديعة. ووجه ما قررنا أنه عقد لا يقتضى الضمان لان العين أمانة في يد المستأجر ان تلفت بغير تفريط لم يضمنها، وسئل أحمد بن حنبل عن المظل والخيمة إلى مكة فتذهب من المكترى بسرق أو ذهاب هل يضمن؟ قال: أرجو أن لا يضمن، وكيف يضمن؟ إذا ذهب لا يضمن. اه فإذا انقضت المدة فعليه رفع يده، وليس عليه الرد في قول غير أن عليه أن يتوقف عن الانتفاع، وفارق العارية فإنه عليه أن يردها من حيث أخذها، ووجهه أنه عقد لا يقتضى الضمان فلا يقتضى رده ومؤنته كالوديعه وفارق العارية فإن ضمانها يجب فكذلك ردها، وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعه، ان تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه. والقول الآخر: يضمن إذا انتهت مدة الاجارة لانه بعد انقضاء الاجارة غير مأذون له في امساكها أشبه العارية المؤقته بعد وقتها، فإن ضمن المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لانه ينافى مقتضى العقد، وهل تفسد الاجارة به؟ فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع. وروى عن ابن عمر أنه قال: لا يصلح الكراء بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون: لا تكترى بضمان، الا أنه من شرط على كراء أنه لا ينزل متاعه بطن واد أو لا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شئ مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن، فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان

فيه، وإن شرطه لم يصح الشرط لان ما لا يجب ضمانه لا يصير بالشرط مضمونا وما يجب ضمانه لا ينتفى ضمانه بشرط نفيه. فأما إن أكراه عينا وشرط عليه أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها؟ أو لا يسلك بها الطريق الفلانية وأشباه هذا مما له فيه غرض مخالف ضمن لانه متعد لشرط كرائه فضمن ما تلف به، كما لو شرط عليه أن لا يحمل عليها إلا قفيزا فحمل قفيزين، فإذا كانت العين دارا فلا يصح أن يقتنى فيها ما يؤدى إلى المضارة بالبناء إلى الحد الذى جعل بعض الاصحاب يمنع أن يكون في متاعه بعض المأكولات التى تحدث رائحة تجلب الفيران لما يترتب عليه من احداث شقوق في جدار البيت، وقد رد هذا القول جمهور العلماء بأن المتعارف بين الناس وما تحكم به ضرورات المعيشة أن كل مأكولات الانسان تغرى الفيران وتجذبها إليها ولذا فقد عفى في الاصح عما لا يمكن التحرز منه أو الاستغناء عنه ومقتضى أصول المذهب أن كل متعارف هو كالمشروط فلا يلزمه تركه. (فرع) يشترط في اجارة الذمة أو العين للركوب بيان قدر السير كل يوم وكونه ليلا أو نهارا والنزول في عامر أو صحراء لتفاوت الاغراض بذلك، ولو أراد أحدهما مجاوزة المحل المشروط أو نقصا منه لخوف لحوق ضرر منه ولو كان ظنا جاز دون غيره كما لو استأجر مطية للذهاب والاياب فإنه لا تحسب عليه مدة اقامتها لخوف الا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة بالعادة، فينزل عليها، فإن لم تنضبط اشترط بيان المنازل أو التقدير بالزمن وحده، والا امتنع التقدير بالسير به لعدم تعلقه بالاختيار، وحينئذ يتعذر الاستئجار في طريق مخوفة لا منازل فيها (فرع) من اكترى مطية ليحج عليها فله الركوب عليها إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج عليها إلى منى لانه من تمام الحج، وقيل ليس له الركوب إلى منى لانه بعد التحلل من الحج، والاولى له ذلك لانه من تمام الحج وتوابعه، ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل فِي قَوْله تَعَالَى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا) ومن اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب

إلى الحج لانها زيادة، ويحتمل أن له ذلك لان الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء إلى الحج لكونها لا يكترى إليها الا للحج غالبا فكان بمنزلة المكترى للحج، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وأصحابه. قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا تكارى رجل محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح، وان لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه المراحل فيلزمان المراحل لانها الاغلب من سير الناس، فإن قال قائل كيف لا يفسد في هذا الكراء والسير يختلف؟ قيل: ليس للافساد ههنا موضع، فان قال: فبأى شئ قسته، قيل: بنقد البلد، البلد له نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم ولا يشترط نقدا بعينه، ولا يفسد البيع، ويكون له الاغلب من نقد البلد وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس اه. قال المصنف رحمه الله: (فصل) فان اكترى ليحمل له أرطالا من الزاد فهل له أن يبدل ما يأكله فيه قولان. (أحدهما) له أن يبدل وهو اختيار المزني كما أن له أن يبدل ما يشرب من الماء (والثانى) ليس له أن يبدله، لان العادة أن الزاد يشترى موضعا واحدا بخلاف الماء قال أبو إسحاق: هذا إذا لم تختلف قيمة الزاد في المنازل، فأما إذا كانت قيمته تختلف في المنازل جاز له أن يبدله قولا واحدا لان له غرضا أن لا يشترى موضعا واحدا. (فصل) وان اكترى ظهرا فله أن يضربه ويكبحه باللجام ويركضه بالرجل للاستصلاح لما روى جابر قال: سافرت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشترى منى بعيرا وحملنى عليه إلى المدينة، وكان يسوقه وأنا راكبه وأنه ليضربه بالعصا ولا يتوصل إلى استيفاء المنفعة الا بذلك فجاز له فعله. (فصل) وللمستأجر أن يستوفى مثل المنفعة المعقود عليها وما دونها في الضرر ولا يملك أن يستوفى ما فوقها في الضرر، فإن اكترى ظهرا ليركبه في طريق فله أن يركبه في مثله وما دونه في الخشونه ولا يركبه فيما هو أخشن منه،

فإن استأجر أرضا ليزرع فيها الحنطة فله أن يزرع مثلها وما دونها في الضرر ولا يزرع ما فوقها، لان في مثلها يستوفى قدر حقه وفيما دونها يستوفى بعض حقه، وفيما فوقها يستوفى أكثر من حقه، فان اكترى ظهرا ليحمل عليه القطن لم يحمل عليه الحديد لانه أضر على الظهر من القطن لاجتماعه وثقله، فان اكتراه للحديد لم يحمل عليه القطن لانه أضر من الحديد، لانه يتجافى ويقع فيه الريح فيتعب الظهر، فان اكتراه ليركبه بسرج لم يجز أن يركبه عريا لان ركوبه عريا أضر، فان اكتراه عريا لم يركبه بسرج لانه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه، فان اكترى ظهرا ليركبه لم يجز أن يحمل عليه المتاع لان الراكب يعين الظهر بحركته والمتاع لا يعينه، فان اكتراه لحمل المتاع لم يجز أن يركبه لان الراكب أشد على الظهر لانه يقعد في موضع واحد والمتاع يتفرق على جنبيه، فان اكترى قميصا للبس لم يجز أن يتزر به، لان الاتزار أضر من اللبس، لانه يعتمد فيه على طاقين وفى اللبس يعتمد فيه على طاق واحد، وهل له أن يرتدى به فيه وجهان: (أحدهما) يجوز لانه أخف من اللبس (والثانى) لا يجوز لانه استعمال غير معروف فلا يملكه كالاتزار (فصل) وله أن يستوفى المنفعة بنفسه وبغيره، فان اكترى دارا ليسكنها فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر، ولا يسكنها من هو أضر منه، فان اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل منه لما ذكرناه في الفصل قبله. (الشرح) حديث جابر رواه البخاري ومسلم بلفظ (أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه، قال: ولحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لى وضربه فسار سيرا لم يسر مثله فقال: بعنيه، فقلت لا، ثم قال: بعنيه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلى، وفى لفظ لاحمد والبخاري (وشرطت ظهره إلى المدينة) وتمام الحديث في الصحيحين (فلما بلغت أتيته فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثرى فقال: أتراني ماكستك لا آخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك) أما أحكام هذه الطائفة من الفصول فانه إذا اكترى دابة في الذمة فانه لا خيار

في عقدها إذا وجد بالدابة عيبا، لان المعقود عليه في الذمة بصفة السلامة، والمعقود عليه هنا غير سليم، فإذا لم يرض به رجع إلى ما في الذمة، ولو عجز عن الابدال ثبت للمستأجر الخيار، كما ذكر ذلك الاذرعى، ويخص المكترى بما تسلمه فله إيجار، ويمتنع إبدالها بغير رضاه ويتقدم بمنفعتها على جميع الغرماء. فإذا ثبت هذا بالنسبة للدابة فانه يلزم ثبوته للطعام المحمول ليؤكل في الطريق إذا لم يتعرض في العقد لابداله ولا لعدمه فانه يبدل إذا أكل في الاظهر عملا بمقتضى اللفظ لتناوله حمل كذا إلى كذا. وكأنهم قدموه على العادة بأنه لا ببدل لعدم اطرادها. (والثانى) لا، لان العادة عدم الابدال للزاد ولو لم يجده فيما بعد محل الفراغ بسعره فيه أبدل جزما. نعم لو شرط عدم إبداله اتبع الشرط، ولو شرط قدرا فلم يأكل منه فالظاهر كما قاله السبكى أنه ليس للمؤجر مطالبته بنقص قدر أكله اتباعا للشرط، ويحتمل أن له ذلك للعرف، لانه لم يصرح بحمل الجميع في جميع الطريق. قال: وهو الذى إليه نميل. وخرج بعض الفقهاء ما يحمل عما يؤكل، وما حمل فتلف قبل الوصول فانه يبدل قطعا. قال الشافعي رضى الله عنه: وإن اختلفا في الرحله رحل لا مكبوبا ولا مستلقيا، وان انكسر المحمل أو الظل أبدل محملا مثله أو ظلا مثله، وإن اختلفا في الزاد الذى ينفد بعضه، فقال صاحب الزاد: أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفى الوزن وقال: ولو قال قائل: ليس له أن يبدل من قبل أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا ولا يبدل مكانه كان مذهبا والله تعالى أعلم من مذاهب الناس. (فرع) يجوز للمستأجر ضرب الدابة بقدر ما جرت به العادة، ويكبحها باللجام وحثها على السير بحسب طبيعتها، فان كانت من النوع الذى قال فيه علقمة: فأدركها ثانيا من عنانه * يمر كمر الرائح المتحلب فليس له أن يضربها لادراكها المقصود مع راحة الراكب في سرعتها

وأما إن كانت غير ذلك فعلى حد قول امرئ القيس: فللساق ألهوب وللسوط درة * وللزجر منه وقع أهوج منعب إلا أنه لا يجوز أن يكون أهوج منعب، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخس بعير جابر وضربه، وكان أبو بكر رضى الله عنه يخرش بعيره بمحجنه. قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو نخسها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب، فان كان فعل من ذلك ما تفعل العامه فلا يكون عندهم فيه خوف تلف أو فعل بالكبح والضرب مثل ما يفعله بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقه ولا شئ عليه، وان فعل ذلك عند الحاجه إليه بموضع قد يكون بمثله تلف أو فعله في الموضع الذى لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد، والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه، فان أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعد أو لم يتعد. وأما الرائض فان من شأن الرواض الذى يعرف به إصلاحهم للدواب الضرب على حملها من السير، والحمل عليها من الضرب أكثر ما يفعل الركاب غيرهم، فإذا فعل من ذلك ما يكون عند اهل العلم بالرياضة اصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعناف بين لم يضمن إن عيت، وان فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكترى في ركوبها إذا تعدى ضمن، وإذا لم يتعد لم يضمن ثم قال: والذى ناخذ به في المستعير انه يضمن تعدى أو لم يتعد، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مضمونه مؤداة) وهو آخر قوله صلى الله عليه وسلم اه هذا وقد سئل احمد رضى الله عنه عن ضرب الصبيان فقال: على قدر ذنوبهم ويتوقى يجهده الضرب. وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه. ومن ضرب من هؤلاء الضرب المأذون فيه لم يضمن ما تلف. وبهذا في الدابة قال مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد. وقال الثوري وأبو حنيفة: يضمن لانه تلف بجنايته فضمنه كغير المستأجر، وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب الصبى لانه يمكنه تأديبه بغير الضرب (فرع) إذا كترى دابة إلى مسافة فسلك أشق منها فهى مثل مسألة الزرع

ولانه متعد فلرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق. وان اكترى لحمل القطن فحمل بوزنه حديدا أو حديدا فحمل بوزنه قطنا فالصحيح أن عليه أجر المثل لان ضرر أحدهما مخالف لضرر الآخر، فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الاجارة وزيادة عليه، فإذا أكراه لحمل قفيزين فحملها فوجدهما ثلاثة، فان كان المكترى تولى الكيل ولم يعلم المكرى بذلك رطل حنطة فحمل مائة شعيرا أو عكس ذلك لاجتماعهما بسبب ثقلها في محل واحد، وهو لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر، فضررهما مختلف، وكذا كل مختلفى الضرر كما قلنا في الحديد والقطن. فلو اكترى لعشرة اقفزة شعير فحمل عشرة اقفزة حنطة لانها أثقل دون عكسه بأن اكتراه لحمل عشرة أقفزة حنطة فحمل عشرة أقفزة شعيرا من غير زيادة أصلا فلا ضمان عليه لاتحاد جرمهما باتحاد كيلهما مع كون الشعير أخف، فلو اكترى لحمل مائة فحمل مائة وعشرة لزمه مع المسمى أجرة المثل للزيادة لتعديه، وان تلفت بذلك المحمول أو بسبب آخر ضمنها ضمان يد إن لم يكن صاحبها معها لكونه غاضبا لها بحمل الزيادة. فان كان صاحبها معا وتلفت بسبب الحمل دون غيره إذ ضمانها ضمان جناية لاسيما ومالكها معها ضمن قسط الزيادة فقط لاختصاص يده بها، ولهذا لو سخره مع دابته فتلفت لم يضمنها المسخر لتلفها في يد مالكها، وفى قول يضمن نصف القيمة توزيعا على الرؤس. ولو سلم المائة والعشرة إلى المؤجر فحملها جاهلا بالزيادة، كان قال له: مائه فصدقه ضمن المكترى القسط واجرة الزيادة على المذهب إذ المكرى لجهله صار كالآلة بتأثير تدليس المكترى. والطريق الثاني أنه على القولين في تعارض الغرر والمباشرة، فان كان عالما كان وزن المؤجر وحمل، أو رأى المكترى يكيل ويحمل، أو أعلمه المكترى بحقيقة الكيل فلا أجرة للزيادة لعدم تدليس المستأجر ولا ضمان إن تلفت، وبهذا قال أحمد وأصحابه، الا أنهم اختلفوا في أجر القدر الزائد على العقد

على وجهين (أحدهما) لا اجر له كمذهبنا (والثانى) له أجر الزائد لانهما اتفقا على حمله على سبيل الاجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير اجره. قالوا وان كاله المكرى وحمله المكترى على الدابة عالما بذلك من غير ان يامر بحمله عليها فعليه اجر القفيز الزائد. وان امره ففى وجوب الاجر وجهان عندهم. (فرع) قال النووي (رض) : وللمكترى استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره. قلت: وينبغى ان يكون غيره امينا، فلو شرط المكرى استيفاء المنفعة بنفسه بطل العقد، لان المكترى يملك المنفعة فلا ينازعه فيها المكرى، ومثله كمثل من يشترط على المشترى الا يبيع ما اشتراه، وله ان يركب ويسكن من هو مثله في الضرر اللاحق بالعين ودونه بالاولى، لان ذلك استيفاء للمنفعة المستحقة من غير زيادة، ولا يسكن حدادا ولا قصارا لما يحدثه القصار من الدق والازعاج وتاثير الدق في المبنى والازعاج للجار. قال الرملي: الا إذا قال: لتسكن من شئت كازرع ما شئت، ونظر فيه الاذرعى فقال ان مثل ذلك يقصد به التوسعه دون الاذن في الاضرار، وقد رد الرملي بان الاصل خلافه، كما لا يجوز ابدال ركوب بحمل ويجوز عكسه، وان قال اهل الخبرة لا يتفاوت الضرر. وبهذا قال احمد واصحاب الراى قال الشافعي مقررا: وهم يزعمون ان رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له ان يعمل فيه رحى ولا قصارة ولا عمل حدادين لان هذا مضر بالبناء، فأن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت، وان سلم البيت فله اجره. ويزعمون ان من تكارى قميصا فليس له ان ياتزر به، لان القميص لا يلبس هكذا، فان فعل فتخرق ضمن قيمة القميص، وان سلم كان له اجره، ويزعمون انه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس أو مطر فقد تعدى لاضرار ذلك بها. فان عطبت ضمن وان سلمت فعليه اجرها مع اشياء من هذا الضرب يكتفى باقلها حتى يستدل على انهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار، ومما فيه صلاح الناس. اه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان استأجر عينا لمنفعة وشرط عليه ان لا يستوفى مثلها أو دونها أو لا يستوفيها لمن هو مثله أو دونه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الاجارة باطله لانه شرط فيها ما ينافى موجبها فبطلت (والثانى) أن الاجارة جائزة، والشرط باطل، لانه شرط لا يؤثر في حق المؤجر، فألغى وبقى العقد على مقتضاه (والثالث) أن الاجارة جائزة والشرط لازم، لان المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به. (فصل) وللمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها لان الاجارة كالبيع وبيع المبيع يجوز بعد القبض فكذلك إجارة المستأجر، ويجوز من المؤجر وغيره كما يجوز بيع المبيع من البائع وغيره وهل يجوز قبل القبض فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجوز كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (والثانى) يجوز لان المعقود عليه هو المنافع، والمنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين، فلم يؤثر فيها قبض العين (والثالث) أنه يجوز إجارتها من المؤجر لانها في قبضته، ولا يجوز من غيره لانها ليست في قبضته، ويجوز أن يؤجرها برأس المال وبأقل منه وبأكثر لانا بينا أن الاجارة بيع وبيع المبيع يجوز برأس المال وبأقل منه وبأكثر منه، فكذلك الاجارة (فصل) وإن استأجر عينا لمنفعة فاستوفى أكثر منها فإن كانت زيادة تتميز بأن اكترى ظهرا ليركبه إلى مكان فجاوز أو ليحمل عليه عشرة أقفزة فحمل عليه أحد عشر قفيزا لزمه المسمى لما عقد عليه وأجرة المثل لما زاد لانه استوفى المعقود عليه فاستقر عليه المسمى واستوفى زيادة فلزمه ضمان مثلها، كما لو اشترى عشرة أقفزة فقبض أحد عشر قفيزا. فان كانت الزيادة لا تتميز بأن اكترى أرضا ليزرعها حنطة فزرعها دخنا، فقد اختلف أصحابنا فيه، فذهب المزني وأبو اسحاق إلى أن المسألة على قولين (أحدهما) يلزمه أجرة المثل للجميع، لانه تعدى بالعدول عن المعقود عليه إلى غيره، فلزمه ضمان المثل كما لو اكترى أرضا للزراعة فزرع أرضا أخرى.

(والثانى) يلزمه المسمى وأجرة المثل للزيادة، لانه استوفى ما استحقه وزيادة، فأشبه إذا استأجر ظهرا إلى موضع فجاوزه، وذهب القاضى أبو حامد المروروذى إلى أن المسألة على قول واحد، وأن صاحب الارض بالخيار بين أن يأخذ المسمى وأجرة المثل للزيادة، وبين أن يأخذ أجرة للجميع، لانه أخذ شبها ممن استأجر ظهرا إلى مكان فجاوزه، وشبها ممن اكترى أرضا للزرع فزرع غيرها، فخير بين الحكمين. (فصل) وان أجره عينا ثم أراد أن يبدلها بغيرها لم يملك لان المستحق معين فلم يملك إبداله بغيره كما لو باع عينا فأراد أن يبدلها بغيرها. (الشرح) إذا اشترط ألا يستوفى في المنفعة مثلها أو ما دونها أو اشتراط أن لا يستوفيها بمثله أو من هو دونه، فعلى ثلاثة أوجه. أحدها: أن الاجارة باطله لاشتراط ما ينافى موجبها وقد عرفنا من الشواهد الماضية أنه لو اشتراط أمرا كأن قال: أتكارى منك محملا أو زاملة على المنصوص في الام، فإن هذا الشرط يبطل العقد، كما لو قال أبيعك أقل من عشرة فما دونها بكذا فان هذا البيع باطل، لانه ينافى موجب العقد الذى يوجب ملك المنفعة والتسلط على استيفائها بنفسه وبنائبه، واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه. والشرط ينافى ذلك فكان باطلا. والوجه الثاني: أن الاجارة جائزة والشرط باطل لانه شرط لا يؤثر في حق المستأجر من استيفاء المنفعة، وفارق البيع، لان البائع يده هنا على المبيع والمستأجر يده على المنفعة، وبهذا قال أحمد، لان المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به. والوجه الثالث: صحة الشرط وصحة العقد لان المستأجر يملك المنفعة من قبل المؤجر فليس للمستأجر أن يتعدى بامتلاك لم يرض به فلزمه الشرط وصحت الاجارة وقد فصلنا ذلك على أصل المذهب، ونصه في الام على ما سيأتي. (فرع) يجوز للمستأجر أن يؤجر العين التى استأجرها إذا قبضها، ونص أحمد على ذلك، وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين ومجاهد وعكرمة

وأبى سليمان بن عبد الرحمن والنخعي والشعبى والثوري والشافعي وأصحاب الرأى وذكر القاضى من الحنابلة فيه رواية أخرى أنه لا يَجُوزُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ربح ما لم يضمن، والمنافع لم تدخل في ضمانه، ولانه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه، والاول أصح، لان قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة، وقياس الرواية الاخرى باطل على هذا الاصل إذا ثبت هذا: فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقام أو دونه في الضرر لما مضى فأما اجارتها قبل قبضها فلا تجوز من غير المؤجر في أحد الوجوه الثلاثة عندنا وأحد الوجهين عند الحنابلة، وهو قول أبى حنيفة، لان المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالاعيان. والوجه الثاني يجوز العين لان قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه، فلم يقف جواز التصرف عليه، فأما إجارتها قبل القبض من المؤجر - وهو الوجه الثالث عندنا وهو قول عند الحنالبة - فإذا قلنا: لا يجوز من غير المؤجر كان فيه وجهان أحدهما: لا يجوز لانه عقد عليها قبل قبضها، والثانى: يجوز لان القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي، وأصلهما: بيع الطعام قبل قبضه لا يصح من غير بائعه رواية واحدة، وهل يصح من بائعه؟ على روايتين، فأما إجارتها بعد قبضها من المؤجر فجائزة، وبهذا قال أحمد والشافعي رضى الله عنه. وقال أبو حنيفة لا يجوز لان ذلك يؤدى إلى تناقض الا حاكم، لان التسليم مستحق على الكراء، فإذا اكتراها صار مستحقا له فيصير مستحقا لما يستحق عليه، وهذا تناقض. دليلنا أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لان التسليم قد حصل، وهذا المستحق له تسليم آخر يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحق تسليمها، فان قال: التسليم ههنا مستحق في جميع المدة بخلاف البيع. قلنا: المستحق تسليم العين وقد حصل، وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر، فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار وغصبها رجع عليه لانها بسبب كان في ضمانه.

(فرع) ويجوز للمستأجر إجارة العين بمثل الاجر وزيادة، وهذا قول أحمد والشافعي وأبى ثور وابن المنذر، وروى ذلك عن عطاء والحسن والزهرى. وفى رواية لاحمد: إن أحدث في العين زيادة جاز له أن يكريها بزيادة، والا لم تجز الزيادة، فإن فعل تصدق بالزيادة، وروى هذا عن الشعبى والثوري وأبو حنيفة لانه يربح فيما لم يضمن. وعن أحمد رواية ثالثة: إذا أذن له فيها المالك جاز، وإذا لم يأذن لم يجز، وكره ابن المسيب وأبو سلمة وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والشعبى والنخعي الزيادة مطلقا لدخولها فيما لم يضمن، دليلنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه. وأما الحديث فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه، فانها لو فاتت من غير استيفائه كانت من ضمانه، ولا يصح القياس على بيع الطعام قبل قبضه. فإن البيع ممنوع منه بالكلية سواء ربح أو لم يربح، وههنا جائز في الجملة. وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغى بما إذا كنس الدار ونظفها، فان ذلك يزيد في أجرها في العادة. (فرع) كل عين استأجرها لمنفعة فله أن يستوفى تلك المنفعة وما دونها في الضرر. هذا ما سبق ان بيناه. وبه قال أحمد. ولا نعرف في ذلك مخالفا، ومتى فعل ما ليس له كان ضامنا، وقد ضرب المصنف مثلا بالارض يستأجرها لزرعها حنطة فزرعها دخنا. قال الماوردى في الحاوى الكبير 1) بعد ان أورد قول الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وَلَوْ اكتراها ليزرعها قمحا فله أن يزعها ما لا يضر بالارض إضرار القمح، وهذا كما قال: إذا استأجر أرضا ليزرعها حنطة فله أن يزرعها الحنطة وغير الحنطة مما يكون ضرره مثل ضرر الحنطة أو أقل، وليس له

_ (1) الحاوى الكبير مخطوطة في دار الكتب العربية ذات أربعة وعشرين مجلدا ومن نوعها المجلد الاول في دار الكتب الازهرية والحاوى الصغير مخطوطة في دار الكتب العربية ذات أربعة عشر مجلدا. على أن نقولنا التى اعتمدناها هنا في التكملة هذه من الحاوى الكبير.

أن يزرعها ما ضرره اكثر من ضرر الحنطة. وقال داود بن على: لا يجوز إذا استأجرها لزرع الحنطة أن يزرعها غير الحنطة، وان كان ضرره أقل من ضرر الحنطة استدلالا بقوله تعالى (أوفوا بالعقود) فلم يجز العدول عما تضمنه العقد قال: ولانه لما لم يجز إذا اشترى بدراهم بأعيانها أن يدفع غيرها من الدراهم وان كانت مثلها لما فيه من العدول عما اقتضاه العقد، كذلك في اجارة الارض لزرع الحنطة لا يجوز أن يعدل فيها عن زرع الحنطة. ودليلنا ان ذكر الحنطة في اجارة الارض انما هو لتقدير المنفعة به لا لتعيين استيفائه، الا تراه لو تسلم الارض ولم يزرعها لزمته الاجرة، فإذا ثبت أن ذكر الحنطة لتقدير المنفعة فهو إذا استوفى المنفعة فقدرت به في العقد وبغيره جاز، كما لو استأجر لحمل قفيز من حنطة فحمل قفيزا غيره، وكما لو استاجر ليزرع حنطة بعينها فزرع غيرها، ولان عقد الاجارة يتضمن اجرة يملكها المؤجر ومنفعه يملكها المستأجر، فلما جاز للمؤجر ان يستوفى حقه كيف شاء بنفسه وبوكيله وبمن يحيله جاز للمستأجر أن يستوفى حقه من المنفعة كيف شاء بزرعها الحنطة وغير الحنطة، وباعارتها لمن يزرعها وبتركها وتعطيلها. فأما استدلاله بقوله تعالى (أوفوا بالعقود) فمثل الحنطة ما يتضمنه العقد بما دللنا. وأما الجواب عما استدل به من تعيين الاثمان بالعقد فكذا في الاجارة، فهو أن الفرق بينهما في التعيين متفق عليه، لان الدارهم تتعين بالعقد حتى لا يجوز العدول إلى جنسها والحنطة لا تتعين في عقد الاجارة وانما الخلاف في تعيين جنسها لاقراره لو استاجرها لزرع حنطة بعينها جاز له العدول إلى غيرها من الحنطة، فكذلك يجوز ان يعدل إلى غير الحنطة. اه فإذا تقرر هذا لم يخل حال المستأجر ليزرع الارض حنطة من ثلاثة اقسام: 1 - أن يستأجرها لزرع الحنطة وما أشبهها، فيجوز له مع موافقة داود أن يزرعها الحنطة وغير الحنطة مما يكون ضرره مثل ضرر الحنطة أو أقل، الا أن داود يجيزه بالشرط ونحن نجيزه بالعقد والشرط تأكيدا 2 - أن يستأجرها لزرع الحنطة ويغفل ذكر ما سوى الحنطة مما ضره أكثر من الحنطة أو أقل،

3 - أن يستأجرها لزرع الحنطة على ان لا يزرع سواها ففيه ثلاثة أوجه حكاها ابن أبى هريرة (أحدها) أن الاجارة باطلة (والثانى) أن الاجارة جائزة والشرط باطل، وله أن يزرعها الحنطة وغير الحنطة لانه لا يؤثر في حق المؤجر ما يفى (والثالث) أن الاجارة جائزة والشرط لازم، وليس له أن يزرعها غير الحنطة لان منافع الاجارة إنما تملك بالعقد على ما سمى فيه، ألا تراه لو استأجرها للزرع لم يكن له الغرس فكذلك إذا استأجرها لنوع من الزرع، قال الشافعي: وان كان يضرها مثل عروق تبقى فليس ذلك له، فان فعل فهو متعد ورب الارض بالخيار ان شاء أخذ الكراء وما نقص الارض على ما ينقصها زرع القمح ويأخذ منه كراء مثلها. قال المزني: يشبه أن يكون قوله الاول أولى، لانه أخذ ما كرى وزاد على الكرى ضررا، كرجل اكترى منزلا يدخل فيه ما يحتمل سقفه فجعل فيه أكثر. إذا عرف هذا فانه إذا استأجر أرضا لزرع حنطة لم يكن له ان يزرعها ولا أن يغرسها ما هو أكثر ضررا منها لانه غير مأذون فيه فصار كالغاصب، وهل يصير بذلك ضامنا لرقبة الارض حتى يضمن قيمتها ان غصبت أو تلفت بسيل، على وجهين (أحدهما) وهو قول أبى حامد الاسفرايينى أنه يضمنها لانه قد صار بالعدول عما استحقه غاصبا. والغاصب ضامن (والثانى) وهو الاصح، أنه لا يضمن رقبة الارض لان تعديه في المنفعة لا في الرقبة، فإن تمادى الامر بمستأجرها حتى حصد زرعه ثم طولب بالاجرة فالذي نص عليه الشافعي أن رب الارض بالخيار بين أن يأخذ المسمى وما نقصت الارض وبين أن يأخذ أجرة المثل، فاختلف أصحابنا، فكان المزني وأبو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يخرجون تخيير الشافعي على قولين (أحدهما) أن رب الارض يرجع بأجرة المثل دون المسمى لان تعدى الزارع بعدوله عن الحنطة إلى ما هو أضر منها كتعديه بعدوله عن الارض إلى غيرها، فلما كان بعدوله عن الارض إلى غيرها ملتزما لاجرة المثل دون المسمى فكذلك بعدوله إلى غير الحنطة. والقول الثاني: أنه يرجع بالمسمى من الاجرة، وينقص الضرر الزائد على

الحنطه لانه قد استوفى ما استحقه وزاد، فصار كمن استأجر بعيرا من مكة إلى المدينة فتجاوز به إلى البصرة فعليه المسمى وأجرة المثل في الزيارة. وقال الربيع وأبو العباس ابن سريج وأبو حامد المروروذى: إن المسألة على قول واحد، وليس التخيير فيه اختلافا للقول فيها، فيكون رب الارض بالخيار بين أن يرجع بالمسمى وما نقصت الارض بالزيادة كالمجاوز بركوب الدابة وبين أن يفسخ الاجارة ويرجع بأجرة المثل لانه عيب قد دخل عليه فجاز أن يكون مخيرا به بين المقام أو الفسخ فأما المزني فإنه اختار أن يرجع بالمسمى وما نقصت الارض. وتابعه أبو اسحاق المروزى واستدلا بمسألتين: (إحداهما) أن يستأجر بيتا لحمولة مسماة فيعدل إلى غيرها فهذا أمر ينظر، فان استأجر أسفل البيت ليحرز، فيه مائة رطل حديد فأحرز فيه مائة وخمسين رطلا، أو عدل عن الحديد إلى القطن فلا ضمان عليه، لان سفل البيت لا تؤثر فيه هذه الزيادة ولا العدول عن الجنس، وان كان علو البيت تكون فيه الحمولة على سقفه، فإن كانت الاجارة لمائة رطل من حديد فوضع عليه مائة وخمسين رطلا فهذه زيادة متميزة فيلزمه المسمى من الاجرة وأجرة مثل الزيادة. وان كان قد استأجر لمائة رطل قطنا فوضع فيه مائة رطل من حديد فهذا ضرر لا يتميز، لان القطن يتفرق على السقف والحديد مجتمع في موضع منه، فكان أضر فيكون رجوع المؤجر على ما ذكرنا من اختلاف أصحابنا في القولين. والمسألة الثانية من دليل المزني على اختيار أن يستأجر دارا للسكنى فيسكن فيها حدادين أو قصارين أو ينصب رحى، فهذه زيادة ضرر لا تتميز، فيكون رجوع المؤجر على ما وصفنا من اختلاف أصحابنا في القولين. قال الماوردى: ليس للمزني من دليل فيما استشهد به من مذهب ولا حجاج. (فرع) قوله: وان أجره عينا ثم أراد أن يبدلها الخ. قال الشافعي في الام: وإذا تكارى ابلا بأعيانها ركبها، قال وان تكارى حمولة ولم يذكر بأعيانها وركب ما يحمله، فان حمله على بعير غليظ فان كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله، وان كان شبيها بما يركب الناس لم يجبر على ابداله. والله أعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن استأجر أرضا مدة للزراعة فأراد أن يزرع ما لا يستحصد في تلك المدة، فقد ذكر بعض أصحابنا أنه لا يجوز، وللمؤجر أن يمنعه من زراعته فإن بادر المستأجر وزرع لم يجبر على قلعه قبل انقضاء المدة، ويحتمل عندي أنه لا يجوز منعه من الزراعة، لانه يستحق الزراعة إلى أن تنقضي المدة فلا يجوز منعه قبل انقضاء المدة، ولانه لا خلاف أنه إن سبق وزرع لم يجبر على نقله، فلا يجوز منعه من زراعته. (فصل) وإن اكترى أرضا مدة للزرع لم يخل إما أن يكون لزرع مطلق أو لزرع معين، فان كان لزرع مطلق فزرع وانقضت المدة ولم يستحصد الزرع نظرت، فان كان بتفريط منه بأن زرع صنفا لا يستحصد في تلك المدة أو صنفا يستحصد في المدة إلا أنه أخر زراعته، فللمكرى أن يأخذه بنقله، لانه لم يعقد إلا على المدة فلا يلزمه الزيادة عليها لتفريط المكترى، فان لم يستحصد لشدة البرد أو قلة المطر ففيه وجهان. (أحدهما) يجبر على نقله، لانه كان يمكنه أن يستظهر بالزيادة في مدة الاجارة، فإذا لم يفعل لم يلزم المكرى أن يستدرك له ما تركه. (والثانى) لا يجبر وهو الصحيح، لانه تأخر من غير تفريط منه، فان قلنا يجبر على نقله وتراضيا على تكره باجارة أو إعارة جاز، لان النقل لحق المكرى وقد رضى بتركه، وإن قلنا: لا يجبر فعليه المسمى إلى انقضاء المدة بحكم العقد وأجرة المثل لما زاد لانه كما لا يجوز الاضرار بالمستأجر في نقل زرعه، لا يجوز الاضرار بالمؤجر في تفويت منفعة أرضه. فان كان لزرع معين لا يستحصد في المدة وانقضت المدة والزرع قائم نظرت فان شرط عليه القلع فالاجارة صحيحة لانه عقد على مدة معلومة ويجبر على قلعه لانه دخل على هذا الشرط، فان تراضيا على تركه باجاره أو إعارة جاز لما ذكرناه وإن شرط التبقيه بعد المدة فالاجارة باطلة لانه شرط ينافى مقتضى العقد فأبطله فان لم يزرع كان لصاحب الارض أن يمنعه من الزراعة لانها زراعة في عقد باطل

فان بادر وزرع لم يجبر على القلع، لانه زرع مأذون فيه، وعليه أجرة المثل لانه استوفى منفعة الارض باجارة فاسدة، فان أطلق العقد ولم يشرط التبقية ولا القلع فَفِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه يجبر على قلعه لان العقد إلى مدة وقد انقضت فأجبر على قلعه كالزرع المطلق. (والثانى) لا يجبر لانه دخل معه على العلم بحال الزرع وأن العادة فيه الترك إلى الحصاد، فلزمه الصبر عليه، كما لو باع ثمرة بعد بدو الصلاح وقبل الادراك ويخالف هذا إذا اكترى لزرع مطلق، لان هناك يمكنه أن يزرع ما يستحصد في المدة، فإذا ترك كان ذلك بتفريط منه فأجر على قلعه، وههنا هو زرع معنى علم المكرى أنه لا يستحصد في تلك المدة، فإذا قلنا: يجبر فتراضيا على تركه باجارة أو إعارة جاز لما ذكرناه، وإن قلنا: لا يجبر لزمه المسمى للمدة، وأجرة المثل للزيادة، لانه كما لا يجوز الاضرار بالمكترى في نقل زرعه لا يجوز الاضرار بالمكرى في إبطال منفعة أرضه. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا تكاراها سنة فزرعها فانقضت السنة والزرع فيها لم يباغ أن يحصد - فان كانت السنة يمكنه أن يزرع فيها زرعا يحصد قبلها فالكراء جائز، وليس لرب الارض أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن الارض إلا أن يشاء رب الارض تركه، وإذا شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة فانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا، وإن تكارى مدة أقل من سنة وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يحصد فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة تكاراها فالكراء فاسد من قبل أن أثبت بينهما شرطهما ولم أثبت على رب الارض أن يبقى زرعه فيها بعد انقضاء المدة أبطلت شرط الزارع أن يتركه حتى يستحصد، وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الارض فكان هذا كراء فاسدا ولرب الارض كراء مثل أرضه إذا زرع، وعليه تركه حتى يستحصد.

وصورة هذه المسألة أن يستأجر الرجل أرضا مدة معلومة ليزرعها موصوفا فزرعها، ثم انقضت المدة قبل استحصاد زرعها، فلا يخلو حال المدة من ثلاثة أحوال (احداها) أن يعلم أن ذلك الزرع يستحصد في مثلها (والثانية) أن يعلم أنه لا يستحق في مثلها (والثالثة) أن يقع الشك فيه، فأما الاولى فلا تخلو من ثلاثة أقسام. (أحدها) أن تأخير استحصاده لعدوله عن الجنس الذى شرطه إلى غيره مثل أن يستأجر خمسة أشهر لزرع الباقلا فيزرعها برا فتنقضى المدة، والبر غير مستحصد فهذا يؤخذ بقلعه قبل استحصاده، لانه بعدوله عن الباقلا إلى البر يصير متعديا فلم يستحق استيفاء زرع تعدى فيه، فان تراضى المؤجر والمستأجر على تركه إلى أوان الحصاد بأجرة المثل فيما زاد على المدة أقر، وان رضى المستأجر وأبى المؤجر أو رضى المؤجر وأبى المستأجر من بذل أجرة المثل قلع. (والقسم الثاني) أن يكون تأجير استحصاده لتأخير بذره من عدول عن جنسه فهذا مفرط ويؤخذ بقلع زرعه قبل استحصاده لان تفريطه لا يلزم غيره، فان بذل أجرة مثل المدة الزائدة ورضى المؤجر بقبولها ترك والا قلع. (والقسم الثالث) أن يكون تأخير استحصاده لامر سماوي من طول برد أو تأخر مطر أو انخفاض نيل أو دوام ثلج ففيه وجهان. أحدهما: يترك إلى وقت استحصاده لانه لم يكن من المستأجر عدوان ولا تفريط، فإذا ترك إلى وقت الحصاد ضمن المستأجر أجرة مثل المدة الزائدة على عقده. الوجه الثاني: أن يؤخذ بقلعه ولا يترك لانه قد كان بقدر على الاستظهار لنفسه في استزادة المدة خوفا مما عساه يحتمل من أسباب سماوية فلو لم يأخذ لنفسه فرصة صار مفرطا. أما الحال الثانية: وهو أن يعلم مجارى العادة أن مثل ذلك الزرع لا يستحصد في مثل تلك المدة، مثل أن يستأجرها أربعة أشهر لزرعها برا أو شعيرا فهذا اما: (أ) أن يشترط قلعه عند انقضاء المدة، فهذه اجارة جائزة، لانه قد يريد زرعه قصيلا ولا يريده حبا، فإذا انقضت المدة أخذ بقلع زرعه وقطعه. (ب) أن يشترط تركه إلى وقت حصاده فهذا اجارة فاسدة، لان اشتراط

استيفاء الزرع بعد مدة الاجارة ينافى موجبها فبطلت، ثم للزارع استيفاء زرعه وقت حصاده، وإن بطلت الاجارة، ولا يؤخذ بقلع زرعه لانه زرع عن إذن اشترط فيه الترك وعليه أجرة المثل، والفرق بين هذه المسألة في استيفاء الزرع مع فساد الاجارة وبين أن يؤخذ بقلعه فيما تقدم من الاحوال والاقسام مع صحة الاجارة أن الاجارة إذا بطلت روعى الاذن دون المدة، وإذا صحت روعيت المدة (ج) أن يطلق العقد فلا يشترط فيه قلعا ولا تركا فقد اختلف أصحابنا هل إطلاقه يقتضى القلع أو الترك؟ على وجهين. (أحدهما) وهو قول أبى إسحاق المروزى: أنه يقتضى القلع اعتبارا بموجب العقد، فعلى هذا الاجارة صحيحة، ويؤخذ المستأجر بقلع زرعه عند تقضى المدة (والثانى) وهو ظاهر كلام الشافعي أن الاطلاق يقتضى الترك إلى أوان الحصاد اعتبارا بالعرف فيه، كما أن ما لم يبد صلاحه من الثمار يقتضى إطلاق بيعه للترك إلى وقت الجداد اعتبارا بالعرف فيه، فعلى هذا تكون الاجارة فاسدة، ويكون للمستأجر ترك زرعه إلى وقت حصاده، وعليه أجرة المثل كما لو شرط الترك. الحال الثالثة: وهو أن يقع الشك في المدة هل يستحصد الزرع فيها؟ كأن استأجرها خمسة أشهر لزرع البر والشعير، فقد يجوز أن يستحصد الزرع في هذه المدة في بعض البلاد وبعض السنين، ويجوز أن لا يستحصد فيكون حكم هذه الحال حكم ما علم أنه يستحصد فيه، على ما مضى إسقاطا للشك واعتبارا باليقين هكذا أفاده الماوردى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن اكترى أرضا للغراس مدة لم يجز أن يغرس بعد انقضائها، لان العقد يقتضى الغرس في المدة فلم يملك بعدها، فإن غرس في المدة وانقضت المدة نظرت، فإن شرط عليه القلع بعد المدة أخذ بقلعه لما تقدم من شرطه ولا يبطل العقد بهذا الشرط، لان الذى يقتضيه العقد هو الغراس في المدة، وشرط القلع بعد المدة لا يمنع ذلك، وإنما يمنع من التبقية بعد المدة، والتبقة بعد

المدة من مقتضى الاذن لا من مقتضى العقد، فلم يبطل العقد بإسقاطها، فإذا قلع لم يلزمه تسوية الارض لانه لما شرط القلع رضى بما يحصل به من الحفر، فإن أطلق العقد ولم يشترط القلع ولا التبقية لم يلزمه القلع، لان تفريغ المستأجر على حسب العادة، ولهذا لو اكترى دارا وترك فيها متاعا وانقضت المدة لم يلزمه تفريغها إلا على حسب العادة في نقل مثله، والعادة في الغراس التبقية إلى أن يجف ويستقلع. فإن اختار المكترى القلع نظرت، فإن كان ذلك قبل انقضاء المدة ففه وجهان أحدهما: يلزمه تسوية الارض، لانه قلع الغراس من أرض غيره بغير إذنه، فلزمه تسوية الارض، والثانى: لا يلزمه لانه قلع الغراس من أرض له عليها يد فإن كان ذلك بعد انقضاء المدة لزمه تسوية الارض وجها واحدا لانه قلع الغراس من أرض غيره من غير إذن ولا يد، فان اختار التبقية نظرت، فان أراد صاحب الارض أن يدفع إليه قيمة الغراس ويتملكه أجبر المكترى على ذلك لانه يزول عنه الضرر بدفع القيمة، فان أراد أن يقلع نظرت، فان كانت قيمة الغراس لا تنقص بالقلع أجبر المكترى على القلع، لانه لا ضرر عليه في القلع، فان كانت قيمة الغراس تنقص بالقلع، فان ضمن له أرش ما نقص بالقلع أجبر عليه، لانه لا ضرر عليه بالقلع مع دفع الارش، فان أراد أن يقلع ولا يضمن أرش النقص لم يجبر المكترى. وقال المزني يجبر لانه لا يجوز أن ينتفع بأرض غيره من غير رضاه، وهذا خطأ، لان في قلع ذلك من غير ضمان الارش إضرارا بالمكترى، والضرر لا يزال بالضرر. فان اختار أن يقر الغراس في الارض ويطالب المكترى بأجرة المثل أجبر المكترى، لانه كما لا يجوز الاضرار بالمكترى بالقلع من غير ضمان، لا يجوز الاضرار بالمكرى بابطال منفعة الارض عليه من غير أجرة، فان أراد المكترى أن يبيع الغراس من المكرى جاز، وإن أراد بيعه من غيره ففيه وجهان، وقد بيناهما في كتاب العارية، فان اكترى بشرط التبقية بعد المدة جاز، لان إطلاق

العقد يقتضى التبقية فلا يبطل بشرطها، والحكم في القلع والتبقية على ما ذكرناه فيه إذا أطلق العقد. (فصل) فإن اكترى أرضا بإجارة فاسدة وغرس كان حكمها في القلع والاقرار على ما بيناه في الاجارة الصحيحة لان الفاسد كالصحيح فيما يقتضيه من القلع والاقرار فكان حكمهما واحدا، وبالله التوفيق (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال اغرسها وازرعها ما شئت فالكراء جائز، قال المزني: أولى بقوله ألا يجوز هذا لانه لا يدرى يغرس أكثر فيكثر الضرر على صاحبها أو لا يغرس وهذه العبارة تشتمل على ثلاث مسائل، احداهن أن يقول: أجرتكها لتزرعها ان شئت أو تغرسها ان شئت فالاجارة صحيحة، وهو مخير بين زرعها ان شاء وبين غرسها، فان زرع بعضها وغرس بعضها جاز، لانه لما جاز له غرس الجميع كان غرس البعض أولى بالجواز. الثانية أن يقول: قد أجرتكها لتزرعها أو تغرسها، فالاجارة باطلة، لانه لم يجعل له الامرين معا، ولا أحدهما معينا، فصار ما أجره له مجهولا الثالثة أن يقول: قد أجرتكها لتزرعها وتغرسها ففيه وجهان (أحدهما) وهو مذهب المزني أن الاجارة باطلة، لانه لما لم يخيره بين الامرين وجمع بينهما صار ما يزرع منها ويغرس مجهولا، وهذا قول أبى اسحاق المروزى (والثانى) وهو ظاهر كلام الشافعي. وقال ابن أبى هريرة: أن الاجارة صحيحة وله أن يزرع النصف ويغرس النصف لان جمعه بين الامرين يقتضى التسوية بينهما، فلو زرعها جميعا جاز، لان زرع النصف المأذون في غرسه أقل ضررا، ولو غرسها جميعا لم يجز لان غرس النصف المأذون في زرعه أكثر ضررا قال الشافعي رضى الله عنه: وان انقضت سنوه لم يكن لرب الارض أن يقلع الغراس حتى يعطيه قيمته وقيمة ثمرته ان كانت فيه يوم نقلعه، ولرب الارض الغراس ان شاء أن نقلعه على أن عليه ما نقص من الارض، والغراس كالبناء إذا كان باذن مالك الارض مطلقا.

قال المزني: القياس عندي أنه إذا حد له أجلا يغرس فيه فانقضى الاجل وأذن له أن يبنى في عرصة له، فانقضى الاجل فالارض والعرصة بعد انقضاء الاجل مردودان. وصورتها فيمن استأجر أرضا ليبنى فيها ويغرس فانقضى الاجل والبناء والغراس قائم في الارض فليس له بعد انقضاء الاجل أن يحدث بناء ولا غرسا، فإن فعل كان متعديا وأخذ بقلع ما أحدثه بعد الاجل من غرس وبناء، فأما القائم في الارض قبل انقضاء الاجل فلا يخلو حالهما فيه عند العقد من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يشترطا قلعه عند انقضاء المدة فيؤخذ المستأجر بقلع غرسه وبنائه لما تقدم من شرطه، وليس عليه تسوية ما حدث من حفر الارض لانه مستحق بالعقد (الثانية) أن يشترطا تركه بعد انقضاء المدة فيقر ولا يفسد العقد بهذا الشرط لانه من موجباته لو أخل بالشرط ويصير بعد انقضاء المدة مستعيرا على مذهب الشافعي فلا يلزمه أجرة، وعلى مذهب المزني عليه الاجرة ما لم يصرح له بالعارية فإن قلع المستأجر غرسة وبنائه لزمه تسوية ما حدث في حفر الارض لانه لم يستحقه بالعقد، وإنما استحقه بالملك، وهذا قول جميع أصحابنا وإنما اختلفوا في تعليله فقال بعضهم: العلة فيه أنه لم يستحقه بالعقد، وهو التعليل الذى ذكرناه فعلى هذا لو قلعه قبل انقضاء المدة لالزمه تسوية الارض. والحال الثالثة: أن يطلقا العقد فلا يشرطا فيه قلعه ولا تركه فينظر، فإن كانت قيمة الغرس والبناء مقلوعا كقيمته قائما أخذ المستأجر بقلعه لانه لا ضرر يلحقه فيه ولا نقص. وان كانت قيمته مقلوعا أقل من قيمته قائما وهو الاغلب نظر، فان بذل رب الارض قيمة الغرس والبناء قائما، أو ما بين قيمته مقلوعا لم يكن للمستأجر تركه، لان ما يدخل عليه من الضرر بقلعه يزول ببذل القيمة أو النقص، وقيل: لا يجبرك على أخذ القيمة ولكن يخيرك بين أن تقلعه أو تأخذ قيمته وليس لك إقراره وتركه، وإن لم يبذل رب الارض قيمة الغرس والبناء ولا قدر النقص نظر في المستأجر، فان امتنع من بذل أجرة المثل بعد تقضى

المدة لم يكن له إقرار الغرس والبناء وأخذ بقلعه، وإن بذل له أجرة المثل مع امتناع رب الارض من بذل القيمة أو النقص، فمذهب الشافعي وجمهور أصحابه أن الغرس والبناء مقران لا يؤخذ المستأجر بقلعهما ولا يجبر رب الارض بعد انتهاء المدة على تركهما استدلالا بما ذكره المزني من قول الله تَعَالَى (إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) وليس من رب الارض رضى بالترك فلم يجبر عليه، ولانه لما أخذ بقلع زرعه عند انقضاء المدة لم يقر إلى أوان حصاده مع أن زمان حصاده محدود، فلان يؤخذ بقلع الغرس والبناء مع الجهل بزمانهما أولى، ولان تحديد المدة يوجب اختلاف الحكم في الاستيفاء كما أوجب اختلاف الحكم في إحداث الغرس والبناء، وهذا المذهب أظهر حجاجا وأصح اجتهادا. واستدل أصحابنا على تركه وإقراره بقوله صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) رواه أبو داود والدارقطني عن عروة بن الزبير مرسلا، فاقتضى ذلك وقوع الفرق بين الظالم والمحق، فلم يجز أن يسوى بينهما في الاخذ بالقلع. قالوا ولان من أذن لغيره في إحداث حق في ملك كان محمولا فيه على العرف المعهود في مثله كمن اذن لجاره في وضع اجزاعه في جداره كان عليه تركه على الدوام، ولم يكن له اخذه بقلعها، لان العادة جارية باستدامة تركها، كذلك الغرس والبناء العادة فيهما جارية بالترك والاستبقاء دون القلع، والتناول محمول على العادة. وهذا الاستدلال يفسد بالزرع لان العادة جارية بتركه إلى أوان حصاده. ثم هي غير معتبرة حين يؤخذ بقلعه. (فرع) وإذا كانت الاجارة فاسدة فبنى المستأجر فيها وغرس أو زرع فهو في الاقرار والترك على ما ذكرنا في الاجارة الصحيحة، لان الفاسد في كل عقد حكمه حكم الصحيح في الامانة والضمان. والله تعالى أعلم بالصواب

باب ما يوجب فسخ الاجارة

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (بَابُ مَا يوجب فسخ الاجارة) إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا جاز له ان يرد، لان الاجارة كالبيع، فإذا جاز رد المبيع بالعيب جاز رد المستأجر، وله أن يرد بما يحدث في يده من العيب، لان المستأجر في يد المستأجر كالمبيع في يد البائع، فإذا جاز رد المبيع بما يحدث من العيب في يد البائع، جاز رد المستأجر بما يحدث من العيب في يد المستأجر. (فصل) والعيب الذى يرد به ما تنقص به المنفعة، كتعثر الظهر في المشي والعرج الذى يتأخر به عن القافلة وضعف البصر والجذام والبرص في المستأجر للخدمة، وانهدام الحائط في الدار، وانقطاع الماء في البئر والعين والتغير الذى يمتنع به الشرب أو الوضوء وغير ذلك من العيوب التى تنقص بها المنفعة. فاما إذا اكترى ظهرا فوجده خشين المشي لم يدر، لان ذلك لا تنقص به المنفعة. وان اكترى ظهرا للحج عليه فعجز عن الخروج بالمرض أو ذهاب المال لم يجز له الرد، وان اكترى حماما فتعذر عليه ما يوقده لم يجز له الرد، لان المعقود عليه باق، وانما تعذر الانتفاع لمعنى في غيره فلم يجز له الرد، كما لو اشترى ظهرا ليحج عليه فعجز عن الحج لمرض أو ذهاب المال، وان اكترى أرضا للزراعة فزرعها ثم هلك الزرع بزيادة المطر أو شدة برد أو دوام ثلج أو أكل جراد لم يجز له الرد لان الجائحة حدثت على مال المستأجر دون منفعة الارض فلم يجز له الرد، وان اكترى دارا فتشعثت فبادر المكرى إلى اصلاحها لم يكن للمستأجر ردها لانه لا يلحقه الضرر، فان لم يبادر ثبت له الفسخ لانه يلحقه ضرر بنقصان المنفعة، فان رضى سكناها ولم يطالب بالاصلاح فهل يلزمه جميع الاجرة ام لا؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه جميع الاجرة لانه لم يستوف جميع ما استحقه من المنفعة فلم يلزمه جميع الاجرة، كما لو اكترى دارا سنة فسكنها بعض السنة ثم غصبت (والثانى) يلزمه جميع الاجرة لانه استوفى جميع المعقود عليه ناقصا بالعيب

فلزمه جميع البدل، كما لو اشترى عبدا فتلفت يده في يد البائع ورضى به. (فصل) ومتى رد المستأجر العين بالعيب، فان كان العقد على عينها انفسخ العقد، لانه عقد على معين فانفسخ برده، كبيع العين. وان كان العقد على موصوف في الذمة لم ينفسخ العقد برد العين، بل يطالب ببدله، لان العقد على ما في الذمة، فإذا رد العين رجع إلى ما في الذمة، كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده. (فصل) وان استأجر عبدا فمات في يده، فان كان العقد على موصوف في الذمة طالب ببدله لما ذكرناه في الرد بالعيب، وان كان العقد على عينه فان لم يمض من المدة ما له أجرة انفسخ العقد. وقال أبو ثور من أصحابنا: لا ينفسخ، بل يلزم المستأجر الاجرة لانه هلك بعد التسليم فلم ينفسخ العقد، كما لو هلك المبيع بعد تسليم فلم ينفسخ العقد، والمذهب الاول، لان المعقود عليه هو المنافع، وقد تلفت قبل قبضها فانفسخ العقد كالمبيع إذا هلك قبل القبض. وان مضى من المدة ماله أجرة انفسخ العقد فيما بقى بتلف المعقود عليه، وفيما مضى طريقان: (أحدهما) لا ينفسخ فيه العقد قولا واحدا (والثانى) انه على قولين بناء على الطريقين في الهلاك الطارئ في بعض المبيع قبل القبض، هل هو كالهلاك المقارن للعقد ام لا؟ لان المنافع في الاجارة كالمبيع قبل القبض، وفى المبيع قبل القبض طريقان فكذلك الاجارة. (فصل) وان اكترى دارا فانهدمت فقد قال في الاجارة ينفسخ العقد، وقال في المزارعة إذا اكترى أرضا للزراعة فانقطع ماؤها ان المكترى بالخيار بين أن يفسخ وبين أن لا يفسخ. واختلف أصحابنا فيهما على طريقين، فمنهم من نقل جواب كل واحدة من المسئلتين إلى الاخرى فخرجهما على قولين، وهو الصحيح (أحدهما) ان العقد ينفسخ فيهما، لان المنفعة المقصودة هي السكنى والزراعة وقد فاتت فانفسخ العقد، كما لو اكترى عبدا للخدمة فمات. (والثانى) لا ينفسخ لان العين باقية يمكن الانتفاع بها وانما نقصت منفعتها فثبت له الخيار كما لو حدث به عيب. ومنهم من قال إذا انهدمت الدار انفسخ

العقد، وان انقطع الماء من الارض لم ينفسخ لان الارض باقية مع انقطاع الماء والدار غير باقية مع الانهدام. (الشرح) لا ينفسخ عقد الاجارة عينية كانت أو في الذمة بنفسها ولا يفسخ احد العاقدين بالاعذار التى لا توجب خللا في المعقود عليه، كمن استأجر حماما وتعذر عليه جلب الوقود له، أو استأجر سيارة وتعذر على شراء وقودها، أو مرض فحال مرضه دون السفر عليها، أو استأجر بيتا ولم يجد أثاثا يتخذه فراشا فيها، ويقاس على هذه الامثلة كل عذر لا يلحق المعقود عليه خلل في عينه بعيب فيه، وإذا استأجر دارا فوجد ماء بئرها متغيرا، قال أبو حنيفة: إن استطيع الوضوء به فلا خيار للمستأجر. وعندنا انه ان خالف معهود الآبار في تلك الناحية فله الخيار، فان كان معهودهم الشرب من آبارهم - فإذا كان تغيره يمنع من شربه - فله الخيار، وان أمكن الوضوء منها، وان كان معهودهم الا يشربوا منها فلا خيار، وإن كان غير معهود في ذلك الوقت - فان كان مع نقصانه كافيا لما يحتاج المستأجر من شرب أو طهور، فلا خيار له، وان كان مقصرا عن الكفاية فله الخيار. فأما رجاء الحصول على الماء إذا تغير ماؤه فلا خيار لمستأجره، ولو نقص ماؤه فله الخيار الا أن يكون معهودا في وقته فلا خيار فيه. قال الشافعي: وإذا اكترئ الرجل الارض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع أو ذهب بها سيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك، وهى مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة أو آخرها، والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الاجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقى، وان أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء، أو لم يذكر انه اكتراها للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا، فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقى بحصته من الكراء أو يرده لانه قد انتقص مما اكترى. وكذلك ان اكتراها للزرع، وكراؤها للزرع أبين في ان له أن يردها ان شاء، وإن كان مر بها فافسد زرعه أو أصابه

حريق أو ضريب 1) أو جراد أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الارض فالكراء له لازم، فان أحب أن يجدد زرعا جدده ان كان ذلك يمكنه، وان لم يمكنه فهذا شئ أصيب به في زرعه لم تصب به الارض فالكراء له لازم، وهذا مفارق للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها. ومن وضع الجائحة ثم ابتغى أن لا يضعها ههنا، فان قال قائل: إذا كانتا جائحتين فما بال احداهما توضع والاخرى لا توضع، فان من وضع الجائحة الاولى فانما يضعها بالخبر، وبانه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجدد فانما ينزلها بمنزلة الكراء الذى يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلف. اه وقد اختلف أصحابنا في الفساد الطارئ على المستأجر - بفتح الجيم - على حسب اختلافهم في الفساد الطارئ على بعض الصفقة، هل يكن كالفساد المقارن للعقد؟ فقال بعض أصحابنا هما سواء، فيكون بطلان الاجارة فيما مضى من المدة على قولين من تفريق الصفقة. وقال آخرون: ان الفساد الطارئ على العقد مخالف للفساد المقارن للعقد، فتكون الاجارة فيما مضى من المدة غير فاسدة قولا واحدا. فان قبل ببطلان الاجارة فيما مضى من المدة لزم المستأجر أجرة المثل في الماضي دون المسمى. وان قيل بصحة الاجارة فيما مضى فقد اختلف أصحابنا هل له الخيار في فسخه أم لا؟ على وجهين (أحدهما) لا خيار له لفواته على يده، فعلى هذا ان كانت اجرة السنة كلها متساوية لتساوي العمل فيها فعليه نصف الاجرة المسماة لاستيفاء نصف العمل المستحق بنصف السنة المسماة وان كان العمل فيها مختلفا والاجرة فيه مختلفة مثل ان تكون اجرة النصف الماضي من السنة مائة درهم واجرة النصف الباقي خمسين درهما تقسطت الاجرة على العمل المختلف دون المدة، وكان على المستأجر ثلثى ثلثا الاجرة بمضي نصف المدة لانها تقابل ثلثى العمل

_ (1) الضريب يقال للثلج الدائب ولسموم الماء انشفه الارض. هكذا في القاموس

(والوجه الثاني) أن له الخيار لتفريق الصفقة عليه بين المقام على الاجارة فيما مضى وبين فسخها فيه، فان أقام على الماضي لزمه من الاجرة ما ذكرناه من الحساب والقسط، وكان بعض أصحابنا يخرج قولا آخر أن يقيم بجميع الاجرة والا فسخ، وهو قول من يجعل الفساد الطارئ كالفساد المقارن، وان فسخ الاجارة في الماضي لزمه فيه أجرة المثل، لان الفسخ قد رفع العقد فسقط حكم المسمى فيه. (فرع) وجملة بيان هذه الفصول ان من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام ثلاثة. (احدها) ان تتلف العين كنفوق دابة فهذا على ثلاثة أضرب، أحدها: ان تتلف العين قبل قبضها، فان الاجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه، لان المعقود عليه تلف قبل قبضه فاشبه ما لو تلف الطعم المبيع قبل قبضه. (والثانى) أن تتلف عقيب قبضها، فان الاجارة تنفسخ ايضا ويسقط الاجر عند عامة الفقهاء الا أبا ثور حكى عنه أنه قال: يستقر الاجر، لان المعقود عليه اتلف بعد قبضه أشبه المبيع، وهذا غلط، لان المعقود عليه المنافع، وقبضها استيفاؤها أو التمكن من استيفاؤها، ولم يحصل ذلك فاشبه تلفها قبل قبض العين (والثالث) أن تتلف بعد مضى شئ من المدة، فان الاجارة تنفسخ فيما بقى من المدة دون ما مضى، ويكون للمؤجر من الاجر بقدر ما استوفى من المنفعة، هذا معنى ما نقلناه من الام قبل. وقال أحمد فيما رواه عنه ابراهيم بن الحارث: إذا اكترى بعيرا بعينه فنفق البعير يعطيه بحساب ما ركب، وذلك لما ذكرنا من ان المعقود عليه المنافع، وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيما تلف دون ما قبض، كما لو اشترى صبرتين فقبض احداهما وتلفت الاخرى قبل قبضها. فان كان المستأجر مختلف الاجر حسب اختلاف الازمان كدار بسيف البحر ايجارها صيفا أكثر من أجرها شتاء، أو دار بأسوان أجرها شتاء أكثر من أجرها صيفا أو دار لها موسم كدور مكة شرفها الله رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة

ويقسط الاجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الاعيان المختلفة في البيع، وكذلك لو كان الاجر على قطع المسافة وكانت معروفة بالاميال أو الكيلو مترات. القسم الثاني: ان يحدث على العين ما يمنع نفعها كدار انهدمت وأرض غرقت أو انقطع عنها الماء فهذه ينظر فيها فان لم يبق فيها أصلا فهى كالتالفة سواء، وان بقى فيها نفع غير ما استأجرها له انفسخت الا في انقطاع الماء لانه لم يحدث في المعقود عليه خلل يفسد العقد فاشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه، فهو مخير بين الفسخ والامضاء، فان فسخ فعليه ما مضى من العقد، وان اختار امضاءه فعليه جميع الاجر لان العيب إذا رضى به سقط حكمه. فإذا انهدمت الدار أو مرض الخادم، فان الاجارة لا تنفسخ لبقاء المعقود عليه، ولكن المستأجر بالخيار لاجل العيب الحادث المؤثر في منفعته بين المقام والفسخ، والخيار فيه على التراخي لا على الفور بخلاف الخيار في البيع لانه يتجدد بمرور الاوقات لحدوث النقص فيها فان كان مرض الخادم مرضا لا يؤثر في العمل نظر فيما استؤجر له من العمل، فان كان مما لا تعاف النفس مرضه فيه كالكنس والرعى وحرث الارض فلا خيار للمستأجر، وان كان مما تعاف النفس مرضه فيه كخدمته في مأكله ومشربه وملبسه فله الخيار. وقال النووي في الدار: تنفسخ بهدمها. وقال شمس الدين الرملي: في الاصح وان كانت الاجارة في دار حرث شارعها أو دكان بطلت سوقه فلا خيار له لانه عيب خدث في غير المعقود عليه، فإذا استأجر دارا فانهدم فيها حائط أو سقط فيها سقف نظر، فان لم يمكن سكنى الدار بانهدام حائطها وسقوط سقفها كان كما لو انهدم جميعها في بطلان الاجارة فيها، وان أمكن سكناها لم تبطل الاجارة وكان مخيرا في الفسخ للعيب الحادث. وأما ان انهدم نصفها وبقى نصفها والباقى منها يمكن سكناه بطلت الاجارة في النصف المنهدم، وهى صحيحة في النصف السليم والمستأجر بالخيار، ومن جعل من أصحابنا الفساد الطارئ على بعض الصفقة كالفساد المقارن للصفقة خرج الاجارة فيما سلم من الدار على قولين.

(فرع) فإذا انهدمت الدار فبناها المؤجر لم تعد الاجارة فيها بعد فسادها الا بعقد جديد: لان بطلانه يمنع من عوده الا باستحداث عقد ولكن لو اشتركت وتشعبت فلم يختر المستأجر الفسخ حين عمرها المؤجر ففى خيار المستأجر وجهان أحدهما: قد سقط لارتفاع موجبة، والثانى: انه باق بحاله لما تقدم من استحقاقه ولكن له لو رام المؤجر ان يمنع المستأجر من الفسخ حتى يعمرها له لم يكن ذلك للمؤجر، وكان المستأجر على خيار. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو اكترى أرضا سنة فغصبها رجل لم يكن عليه كراه لانه لم يسلم له ما اكترى، قلت: ومن هنا نعلم أن الارض إذا غصبت من يد المستأجر فله الفسخ، وهل تبطل الاجارة بالغصب؟ على قولين. أصحهما: باطلة، والمستأجر برئ من اجرة مدة الغصب، ولا يكون المستأجر خصما للغاصب فيها، لان خصم الغاصب انما هو المالك أو وكيله وليس المستأجر مالكا ولا وكيلا فلم يكن خصما. والقول الثاني: ان الاجارة لا تبطل لان غاصبها ضامن لمنافعها لكن يكون المستأجر بحدوث الغصب مخيرا بين المقام أو الفسخ فان فسخ سقطت عنه الاجرة ولم يكن خصما للغاصب فيها، وان أقام فعليه المسمى ويرجع باجرة المثل على الغاصب ويصير خصما له في الاجرة دون الرقبة، الا ان يبقى من مدة الاجارة شئ فيجوز أن يصير خصما في الرقبة ليستوفى حقه من المنفعة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان اكرى نفسه فهرب أو أكرى عينا فهرب بها نظرت، فان كانت الاجارة على موصوف في الذمة استؤجر عليه من ماله كما لو اسلم إليه في شئ فهرب، فانه يبتاع عليه المسلم فيه، وان لم يمكن الاستئجار عليه ثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ وبين ان يصبر، لانه تأخر حقه فيثبت له الخيار، كما لو اسلم في شئ فتعذر، وان كانت الاجارة على عين فهو بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر، لانه تأخر حقه فثبت له الخيار، كما لو ابتاع عبدا فابق قبل القبض، فان لم يفسخ نظرت، فان كانت الاجارة على مدة انفسخ العقد بمضي المدة يوما بيوم

لان المنافع تتلف بمضي الزمان فانفسخ العقد بمضيه، وان كانت على عمل معين لم ينفسخ لانه يمكن استيفاؤه إذا وجده (فصل) وان غصبت العين المستأجرة من يد المستأجر - فان كان العقد على موصوف في الذمة - طولب المؤجر باقامة عين مقامها على ما ذكرناه في هرب المكرى، وان كان على العين فللمستأجر أن يفسخ العقد، لانه تأخر حقه فثبت له الفسخ، كما لو ابتاع عبدا فغصب فان لم يفسخ - فان كانت الاجارة على عمل - لم تنفسخ لانه يمكن استيفاؤه إذا وجده، وان كانت على مدة فانقضت ففيه قولان: (أحدهما) ينفسخ العقد فيرجع المستأجر على المؤجر بالمسمى، ويرجع المؤجر على الغاصب باجرة المثل (والثانى) لا ينفسخ، بل يخير المستأجر بين ان يفسخ ويرجع على المؤجر بالمسمى، ثم يرجع المؤجر على الغاصب باجرة المثل، وبين ان يقر العقد ويرجع على الغاصب بأجرة المثل، لان المنافع تلفت في يد الغاصب، فصار كالمبيع إذا اتلفه الأجنبي. وفى المبيع قولان إذا اتلفه الأجنبي فكذلك ههنا. (فصل) وان مات الصبى الذى عقد الاجارة على إرضاعه فالمنصوص انه ينفسخ العقد، لانه تعذر استيفاء المعقود عليه، لانه لا يمكن اقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع فبطل. ومن أصحابنا من خرج فيه قولان آخر انه لا ينفسخ، لان المنفعة باقية، وانما هلك المستوفى فلم ينفسخ العقد، كما لو استأجر دارا فمات، فعلى هذا ان تراضيا على ارضاع صبى آخر جاز. وان تشاحا فسخ العقد، لانه تعذر امضاء العقد ففسخ. (فصل) وان استأجر رجلا ليقلع له ضرسا فسكن الوجع، أو ليكحل عينه فبرئت، أو ليقتص له فعفا عن القصاص، انفسخ العقد على المنصوص في المسألة قبلها، لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فانفسخ، كما لو تعذر بالموت، ولا ينفسخ على قول من خرج القول الآخر.

(الشرح) إذا هرب الاجير أو شردت الدابة المتاجرة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها، أو منعه استيفاء المنفعة من غير هرب على نحو ما، لم تنفسخ الاجارة، لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ فلا كلام، وان لم يفسخ انفسخت الاجارة بمضي المدة يوما فيوما، فان عادت العين في اثناء المدة استوفى ما بقى منها، فان انقضت المدة انفسخت الاجارة لفوات المعقود عليه، وان كانت الاجارة على موصوف في الذمة، كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعلمه، كما لو أسلم إليه في شئ فهرب ابتيع من ماله، فان لم يمكن ثبت للمستأجر الفسخ، فان فسخ فلا كلام، وان لم يفسخ وصبر إلى ان يقدر عليه فله مطالبته بالعمل، لان ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الاجير من العمل فيه، أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق، الا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل - ان لم يكن على مدة - قبل فسخ المستأجر، فيكون له أجر ما عمل. فأما ان شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الاجر بقدر ما استوفى بكل حال، والى هذا كله ذهب الحنابله (فرع) إذا غصبت العين المستأجرة من يد المستأجر ففيه قولان: أحدهما للمستأجر الفسخ لان فيه تأخير حقه، فان فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين سواء، وان لم يفسخ حتى انقضت مدة الاجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى، وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب باجرة المثل، لان المعقود عليه لم يفت مطلقا بل إلى بدل وهو القيمة، فاشبه ما لو اتلف الثمرة المبيعة آدمى قبل قطعها، ويتخرج انفساخ العقد بكل حال على القول بأن المنافع الغصب لا تضمن، وهو محل خلاف بين أصحابنا، وهو قول أصحاب الرأى وأصحاب أحمد. (والثانى) لا تخيير، بل ينفسخ ويرجع المستأجر على المؤجر بالمسمى ويرجع المؤجر على الغاصب بأجرة المثل

وقول ثالث لم يذكره المصنف، وهو قول ابن الرفعة: لا خيار ولا فسخ أخذا من النص، وقد استشهد له الغزى. قال الرملي: فيه نظر. وقال الاذرعى هو مشكل وما أظن الاصحاب يسمحون به وان كانت الاجارة على عمل في الذمة كخياطة ثوب أو حمل شئ إلى موضع معين فغصبت الماكينة التى يخيط. بها، أو العربة التى يحمل عليها لم ينفسخ العقد وللمستأجر مطالبة الاجير بعوض المغصوب وإقامة من يعمل العمل، لان العقد على ما في الذمة، كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده، فان تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفى منها (فرع) وتنفسخ الاجارة بموت الطفل، لانه يتعذر استيفاء المعقود عليه لانه لا يمكن اقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم، فانه قد يدر على احد الوالدين دون الآخر، وهذا هو منصوص الشافعي، فإذا انفسخ العقد بطلت الاجارة من أصلها بالاجر كله. وان كان في اثناء المدة رجع بحصة ما بقى. ومن أصحابنا من خرج قولا آخر انه لا ينفسخ، لان المنفعة باقية ببقاء المرضعة وانما المستوفى هو الذى هلك والعقد باق بين المتعاقدين فإذا تراضيا على إرضاع صبى آخر جاز والا انفسخ العقد. أما إذا ماتت المرضعة فان الاجارة تنفسخ لفوات المنفعة بهلاك محلها، وحكى عن بعض أصحاب أحمد أنها لا تنفسخ، وكذلك ذهب بعض الاصحاب وقالوا: يجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لانه كالدين. (فرع) يجوز أن يستأجر طبيبا يخلع له ضرسه لانها منفعة مباحة مقصوده فجاز الاستئجار على فعلها كالختان، فإذا برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الاجارة لان قلعه سليما لا يجوز، وان لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه لان اتلاف جزء من الادمى محرم في الاصل، وانما أبيح القلع إذا صار بقاؤه ضررا، والامر مفوض إلى الانسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك. وصاحب الضرس أعلم بمضرته ومنفعته، وكذلك. وإذا استأجر طبيبا في الرمد ليكحل عينه بالنترات والاكاسيد فلم يبرأ عينه استحق الاجر، وبه قال أكثر الفقهاء.

وقال مالك: إنه لا يستحق أجرا حتى تبرأ عينه، ولم يحك ذلك أصحابه، وهو فاسد، لان المستأجر قد وفى العمل الذى وقع العقد عليه فوجب له الاجر وإن لم يحصل الغرض، كما لو استأجره لبناء حائط يوما أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه فان برئت عينه فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ من مدة، لانه قد تعذر العمل فاشبه ما لو حجر عنه امر غالب، وكذلك لو مات، فان امتنع من العلاج فلم يستعمله مع بقاء المرض استحق الطبيب الاجر بمضي المدة، كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعلمه فيه، فاما ان شارطه على البرء فان مذهبنا ومذهب أحمد ابن حنبل ان ذلك يكون جعالة فلا يستحق شيئا حتى يتحقق البرء، سواء وجد قريبا أو بعيدا، فان برئ بغير دوائه أو تعذر علاجه لموته أو غير ذلك من الموانع التى هي من جهة المستاجر فله أجر مثله، كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ العقد، وان امتنع لامر من جهة المعالج أو غير الجاعل فلا شئ له على تفصيل سيأتي في الجعالة ان شاء الله. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان مات الاجير في الحج قبل الاحرام نظرت، فان كان العقد على حج في الذمة استؤجر من تركته من يحج، فان لم يمكن ثبت المستأجر الخيار في فسخ العقد كما قلنا في السلم، وان كان على حجة بنفسه انفسخ العقد، لانه تلف المعقود عليه قبل القبض، فان مات بعدما أتى بجميع الاركان وقبل المبيت والرمى سقط الفرض لانه أتى بالاركان، ويجب في تركته الدم لما بقى كما يجب ذلك في حج نفسه. وان مات بعد الاحرام وقبل أن يأتي بالاركان فهل يجوز أن يبنى غيره على علمه؟ فيه قولان، قال في القديم: يجوز لانه عمل تدخله النيابة فجاز البناء عليه كسائر الاعمال. وقال في الجديد: لا يجوز، وهو الصحيح، لانه عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فلا تتأدى بنفسين كالصوم والصلاة، فان قلنا لا يجوز البناء فان كانت الاجارة على عمل الاجير بنفسه بطلت، لانه فات المعقود عليه ويستأجر المستأجر من يستأنف الحج.

وان كانت الاجارة على حج في الذمة تبطل، لان المعقود عليه لم يفت بموته، فان كان وقت الوقوف باقيا استؤجر من تركته من يحج، وان فات وقت الوقوف فللمستأجر ان يفسخ لانه تأخر حقه فثبت له الفسخ. وان قلنا: يجوز البناء على فعل الاجير: فان كانت الاجارة على فعل الاجير بنفسه، بطلت لان حجه فات بموته، فان كان وقت الوقوف باقيا أقام المستأجر من يحرم بالحج ويبنى عمل الاجير، وان كان بعد فوات وقت الوقوف أقام من يحرم بالحج ويتم. وقال أبو إسحاق: لا يجوز للبانى أن يحرم بالحج، لان الاحرام بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد، بل يحرم بالعمرة ويتم، والصحيح هو الاول لانه لا يجوز ان يطوف في العمرة ويقع عن الحج، وقوله: ان الاحرام بالحج لا ينعقد في غير أشهر الحج لا يصح، لان هذا بناء على إحرام حصل في أشهر الحج، وان كانت الاجارة على حج في الذمة استؤجر من تركه الاجير من يبنى على إحرامه على ما ذكرناه. (فصل) ومتى انفسخ العقد بالهلاك أو بالرد بالعيب أو بتعذر المنفعة بعد استيفاء بعض المنفعة قسم المسمى على ما استوفى وعلى ما بقى، فما قابل المستوفى استقر، وما قابل الباقي سقط، كما يقسم الثمن على ما هلك من المبيع وعلى ما بقى، فإذا كان ذلك مما يختلف رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة، وان كان العقد على الحج فمات الاجير أو أحصر نظرت، فان كان بعد قطع المسافة وقبل الاحرام فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: انه لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءُ عَلَى قوله في الام: إن الاجرة لا تقابل قطع المسافة وهو الصحيح، لان الاجرة في مقابلة الحج وابتداء الحج من الاحرام وما قبله من قطع المسافة تسبب إلَى الْحَجِّ وَلَيْسَ بِحَجٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةً كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ فَأَحْضَرَ الْآلَةَ وَأَوْقَدَ النَّارَ وَمَاتَ قَبْلَ أن يخبز. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي بكر الصيرفى أنه يستحق من مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ الْمَسَافَةِ بناء على قوله في الاملاء أن الاجرة تقابل قطع المسافة والعمل لان الحج لا يتأدى الا بهما فقسطت الاجرة عليهما.

وان كان بعد الفراغ من الاركان وقبل الرمى والمبيت ففيه طريقان، أحدهما يلزمه أن يرد من الاجرة بقدر ما ترك قولا واحدا لانه ترك بعض ما استؤجر عليه فلزمه رد بدله، كما لو استؤجر على بناء عشرة أذرع فبنى تسعة، ومنهم من قال: فيه قولان (أحدهما) يلزمه لما ذكرناه (والثانى) لا يلزمه لان ما دخل على الحج من النقص بترك الرمى والمبيت جبره بالدم، فصار كما لو لم يتركه، وان كان بعد الاحرام وقبل أن ياتي بباقى الاركان ففيه قولان (احدهما) لا يستحق شيئا كما لو قال من رد عبدى الابق فله دينار فرده رجل إلى باب البلد ثم هرب (والثانى) انه يستحق بقدر ما علمه وهو الصحيح، لانه عمل بعض ما استؤجر عليه فاشبه إذا استؤجر على بناء عشرة اذرع فبنى بعضها ثم مات. فإذا قلنا: انه يستحق بعض الاجرة فهل تقسط الاجرة على العمل والمسافة أو على العمل دون المسافة؟ على ما ذكرناه من القولين. (فصل) وان اجر عبدا ثم اعتقه صح العتق لانه عقد على منفعة فلم يمنع العتق كما لو زوج امته ثم اعتقها، ولا تنفسخ الاجارة كما لا ينفسخ النكاح، وهل يرجع العبد على مولاه بالاجرة؟ فيه قولان، قال في الجديد: لا يرجع وهو الصحيح، لانها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها بعد العتق كما لو زوج امته ثم اعتقها، وقال في القديم: يرجع لانه فوت بالاجارة ما ملكه من منفعته بالعتق، فوجب عليه البدل. فان قلنا يرجع بالاجرة كانت نفقته على نفسه لانه ملك بدل منفعته فكانت نفقته عليه، كما لو أجر نفسه بعد العتق، وان قلنا: لا يرجع بالاجرة ففى منفعته وجهان. (أحدهما) انها على المولى، لانه كالباقي على ملكه بدليل أنه يملك بدل منفعته بحق الملك، فكانت نفقته عليه. (والثانى) أنها في بيت المال لانه لا يمكن ايجابها على المولى، لانه زال ملكه عنه، ولا على العبد لانه لا يقدر عليها في مدة الاجارة، فكانت في بيت المال.

(الشرح) إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ فَلَهُ احوال: 1 - يموت بعد الشروع في الاركان وقبل الفراغ منها. 2 - أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ وَقَبْلَ الاحرام. 3 - أن يموت بعد الفراغ من الاركان وقبل الفراغ من باقى الاعمال. فأما الاولى وهى الموت بعد الشروع وقبل الفراغ من الاركان ففى استحقاق الاجرة قولان مشهوران أوردهما المصنف هنا (أَحَدُهُمَا) لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ ضالتي فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُ إلَى بَابِ الدَّارِ ثُمَّ هربت أو ماتت فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، ووافقه النووي والاصحاب يستحق بقدر عمله، لقيامه بجزء مما استؤجر له فوجب له بقدره كمن استؤجر لقطع عشرة اميال فقطع بعضها أو بناء عَشْرَةِ أَذْرُعِ فَبَنَى بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يستحق بقدره بخلاف الجعالة فانها ليست عقدا لازما، ولكنها التزام بشرط فان لم يوجد الشرط تاما فانه لا يلزمه شئ كالطلاق المعلق، ونقل النووي عن الشيخ أبى حامد والاصحاب القول الاول وهو نص الشافعي في القديم، والثانى نصه في الجديد والام وهو الاصح. وسواء مات بعد الوقوف بعرفة أَوْ قَبْلَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وحكى الرافعى وجها شاذا أنه يستحق بعده، ثم في استحقاقه إذا قلنا به هل يكون على الاعمال والمسافة معا أم على الاعمال فقط؟ قولان، أصحهما: على الاعمال والمسافة جميعا عند الاكثرين، وممن صححه الرافعى، وأصحهما عند المصنف وطائفة على الاعمال فقط، وفى المسألة طريق آخر ساقه النووي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي قُسِّطَ عَلَى الْعَمَلِ فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: لِتَحُجَّ مِنْ بَلَدِ كَذَا قُسِطَ عَلَيْهِمَا جميعها، وحمل القولين على هذين الحالين. وأما الحال الثانية: وهى أن يموت قبل الاحرام وبعد الشروع في السفر، ففيه وجهان مشهوران الصحيح ومنصوص الشافعي فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: لَا يستحق شيئا من الاجرة لانه لم يقم بشئ من أعمال الحج، وليست المسافة بسبب الحج من الحج كما لو أجر خبازا ليخبز له فاستحضر أدواته

وأوقد تنوره ثم مات قبل أن يخبز فلا استحقاق له: وساق النووي تعليلا لغير المصنف بأنه لم يحصل شيئا من المقصود. والوجه الثاني وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ: يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ من المسافة. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ أَبِي الْفَضْلِ ابن عَبْدَانَ أَنَّهُ إنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ مِنْ بلد كذا استحق بقسطه، ثم في البناء على فعل الاجير نظر، إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ وَلَا بِنَاءَ لِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبْنِيَ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فَلِوَرَثَةِ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْحَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِبَقَاءِ الوقت فذاك، وان تأخر إلى القابل ثبت الخيار في فسخ الاجارة، فان جوزنا البناء فلورثة الاجير أن يبنوا. وأما الحال الثالثة: وهى موتة قبل الفراغ من الاعمال بعد أدائه الاركان فينظر، ان كان قد فات وقتها أو لم يفت ولم نجوز البناء يجبر الباقي بالدم من مال الاجير، وفى رد شئ من الاجرة الخلاف فِيمَنْ أَحْرَمَ بَعْد مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَعُدْ إليه وجبره بالدم، الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الرَّدِّ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ وَكَانَ الوقت متسعا فان كانت الاجارة على العين انفسخت في الباقي من الاعمال، ووجب رد ما يقابلها مِنْ الْأُجْرَةِ، وَيَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَرْمِي وَيَبِيتُ، ولا حاجة إلى الاحرام لان الرمى والمبيت يؤديان بعد التحلل، ولا يلزم بذلك دم ولا شئ من الاجرة، هكذا ذكره المتولي وغيره، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان أجر عينا ثم باعها من غير المستأجر ففيه قولان، أحدهما: أن البيع باطل لان يد المستأجر تحول دونه فلم يصح البيع، كبيع المغصوب من غير الغاصب، والمرهون من غير المرتهن، والثانى: يصح لانه عقد على المنفعة فلم يمنع صحة البيع، كما لو زوج أمته ثم باعها ولا تنفسخ الاجارة كما لا ينفسخ النكاح في بيع الامة المزوجة. وان باعها من المستأجر صح البيع قولا واحدا

لانه في يده لا حائل دونه فصح بيعها منه، كما لو باع المغصوب من الغاصب، والمرهون من المرتهن، ولا تنفسخ الاجارة بل يستوفى المستأجر المنفعة بالاجارة لان الملك لا ينافى الاجارة، والدليل عليه أنه يجوز أن يستأجر ملكه من المستأجر، فإذا طرأ عليها لم يمنع صحتها، وإن تلفت المنافع قبل انقضاء المدة انفسخت الاجارة ورجع المشترى بالاجرة لما بقى على البائع. (فصل) فإن أجر عينا من رجل ثم مات أحدهما لم يبطل العقد، لانه عقد لازم فلا يبطل بالموت مع سلامة المعقود عليه كالبيع، فإن أجر وقفا عليه ثم مات ففيه وجهان. (أحدهما) لا يبطل لانه أجر ما يملك إجارته فلم يبطل بموته كما لو أجر ملكه ثم مات فعلى هذا يرجع البطن الثاني في تركه المؤجر المدة الباقيه لان المنافع في المدة الباقيه حق له، فاستحق أجرتها. (والثانى) تبطل لان المنافع بعد الموت حق لغيره فلا ينفذ عقده عليها من غير إذن ولا ولايه، ويخالف إذا أجر ملكه ثم مات، فان الوارث يملك من جهة الموروث: فلا يملك ما خرج من ملكه بالاجارة والبطن الثاني يملك غلة الوقف من جهة الواقف، فلم ينفذ عقد الاول عليه، وإن أجر صبيا في حجره أو أجر ماله ثم بلغ ففيه وجهان. أحدهما: لا يبطل العقد لانه عقد لازم عقده بحق الولاية فلا يبطل بالبلوغ كما لو باع داره، والثانى يبطل لانه بان بالبلوغ أن تصرف الولى إلى هذا الوقت والصحيح عندي في المسائل كلها أن الاجارة لا تبطل وبالله التوفيق. (الشرح) قال الماوردى في الحاوى الكبير: فإذا بيعت الدار المستأجرة فذلك ضربان. أحدهما: أن تباع على المستأجر فالبيع جائز والاجارة بحالها، ويصير جامعا بين ملك المنفعة بالاجارة والرقبه بالبيع، والفرق بنى أن يرثها المستأجر فتبطل الاجارة وبين أن يبتاعها فلا تبطل أنه بالارث صار قائما مقام المؤجر فلم يجز له عقد على نفسه، وهو بالبيع لا يقوم مقام البائع إلا فيما سمى بالعقد.

والضرب الثاني أن تباع على أجنبي غير المستأجر، ففى البيع قولان: أحدهما أنه باطل والاجارة لحالها، لان يد المستأجر ممنوعة بحق فصارت أسوأ حالا من المغصوب الذى يمنع يد المشترى منه بظلم. والقول الثاني وهو الصحيح أن البيع صحيح والاجارة لازمة لان ثبوت العقد على المنفعة لا يمنع من بيع الرقبة كالامة المزوجة، فعلى هذا ان كان المشترى عالما بالاجرة فلا خيار له والاجرة للبائع لانه قد ملكها بعقده. وان كان غير عالم فله الخيار بين المقام والفسخ. اه قلت: وقد نص أحمد رضى الله عنه على صحة البيع سواء باعها من المستأجر أو من غيره. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال في الآخر: ان باعها لغير المستأجر لم يصح البيع، لان يد المستأجر حائلة تمنع التسليم إلى المشترى فمنعت الصحة كما في المغصوب. فإذا ثبت هذا فان المشترى يملك مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الاجارة، ولا يستحق تسليم العين الا حينئذ، لان تسليم العين انما يراد لاستيفاء نفعها، ونفعها انما يستحقه إذا انقضت الاجارة فيصير هذا بمنزلة من اشترى عينا في مكان بعيد، فانه لا يستحق تسليمها الا بعد مضى مدة يمكن احضارها فيها، كالمسلم إلى وقت لا يستحق تسلم المسلم فيه الا في وقته، فان لم يعلم المشترى بالاجارة فله الخيار بين الفسخ وامضاء البيع بكل الثمن. لان ذلك عيب ونقص. وعلى هذا إذا اشتراها المستأجر صح البيع أيضا: لانه يصح بيعها لغيره فله أولى لان العين في يده، وهل تبطل الاجارة؟ لا تبطل الاجارة عندنا قولا واحدا. وعند أحمد وأصحابه وجهان: (أحدهما) وهو المذهب عندنا عدم البطلان لانه تملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا، كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الاصل بعقد آخر، ولو أجر الموصى بالمنفعة مالك الرقبة صحت الاجارة، فدل على أن ملك المنفعة لا ينافى العقد على الرقبة. وكذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها جاز. فعلى هذا يكون الاجر باقيا على المشترى وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشترى غيره

والوجه الثاني: تبطل الاجارة فيما بقى من المدة لانه عقد على منفعة العين فبطل ملك العاقد للعين كالنكاح، فإنه لو تزوج أمة ثم اشتراها بطل نكاحه. قالوا ولان ملك الرقبة يمنع ابتداء الاجارة فمنع استدامتها كالنكاح، فعلى هذا يسقط عن المشترى الاجر فيما بقى من الاجارة، كما لو بطلت الاجارة بتلف العين، وإن كان المؤجر قد قبض الاجر كله حسب عليه باقى الاجر من الثمن والله تعالى أعلم. (فرع) قال المزني: قال الشافعي ولا يفسخ بموت أحدهما إذا كانت الدار قائمة وليس الوارث بأكثر من الموروث الذى عنه ورثوا. اه فإذا ثبت هذا فان عقد الاجارة لازم لا ينفسخ بموت المؤجر ولا المستأجر وبه قال مالك واحمد واسحاق. وقال أبو حنيفة وسفيان والليث بن سعد: الاجارة تبطل بموت المؤجر والمستأجر استدلالا بأن عقود المنافع تبطل بموت العاقد كالنكاح والمضاربة والوكالة، ولان الاجارة تفتقر إلى مؤجر ومواجر فلما بطلت بتلف المواجر بطلت بتلف المؤجر، وتحريره قياسا أنه عقد اجارة يبطل بتلف المواجر فوجب ان يبطل بتلف المؤجر قياسا عليه إذا أجر نفسه، ولان زوال ملك المؤجر عن رقبة المواجر يوجب فسخ الاجارة قياسا عليه إذا باع ما أجره برضى المستأجر، ولان منافع الاجارة انما تستوفى بالعقد والملك، وقد زال ملك المؤجر بالموت وان كان عاقدا. والوارث لا عقد عليه وان صار مالكا، فصارت منتقلة من العاقد إلى من ليس بعاقد، فوجب أن يبطل لتنافى اجتماع العقد والملك. ودليلنا هو ان ما لزم من عقود المعاوضات المحضة لم تنفسخ بموت أحد المتعاقدين كالبيع، فان قيل ينتقض بموت من أجر نفسه لم يصح لان العقد انما يبطل بتلف المعقود عليه لا بموت العاقد، ألا تراه لو كان حيا فزمن بطلت الاجارة، وان كان العاقد حيا، ولان السيد قد يعاوض على بضع أمته بعقد النكاح كما يعاوض على خدمتها بعقد الاجارة. فلما لم يكن موته مبطلا للعقد على بضعها لم يبطل بالعقد على استخدامها. ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان: (أحدهما) أنه عقد لازم على منافع ملكه فلم يبطل بموته كالنكاح على أمته

(والثانى) أنه أحد منفعتي الامة فلم يبطل بموت السيد كالمنفعة الاخرى، ولان المنافع قد تنتقل بالمعاوضة كالاعيان فجاز أن تنتقل بالارث كالاعيان. ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان: (أحدهما) أن ما صح أن ينتقل بعوض صح أن تنقل به المنافع في الاجارات ولان بالموت يعجز عن إقباض ما استحق تسليمه بعقد الاجارة فلم يبطل بعد العقد كالجنون والزمانة، ولانه عقد لا يبطل بالجنون فلم يبطل بالموت كالبيع، ولان منافع الاعيان مع بقاء ملكها قد يستحق بالرهن تارة وبالاجارة أخرى. فلما كان ما تستحق منفعته بارتهانه إذا انتقل ملكه بالموت لم يوجب بطلان رهنه وجب أن يكون ما استحقت منفعته بالاجارة إذا انتقل ملكه بالموت لم يوجب بطلان إجارته، وقد استدل الشافعي بهذا في الام. ولان الوارث إنما يملك بالارث ما كان يملكه الموروث، والموروث إنما كان يملك الرقبة دون المنفعة فلم يجز أن يصير الوارث مالكا للرقبة والمنفعة، ولان إجارة الوقف لا تبطل بموت موجره بوفاق أبى حنيفة. وإن قال بعض أصحابنا: تبطل، فكذلك إجارة الملك لا تبطل بموت موجره كالوقف وأما الجواب عن قياسه على النكاح والمضاربة مع انتقاضه بالوقف فهو أنه إن رده إلى النكاح، فالنكاح لم يبطل بالموت، وانما انقضت مدته بالموت فصار كانقضاء مدة الاجارة. وان رده إلى المضاربة والوكالة فالمعنى فيهما عدم لزومهما في حال الحياة، وجواز فسخهما بغير عذر، وليست الاجارة كذلك للزومهما في حال الحياة. وأما الجواب عن قياسه على انهدام الدار، فهو أن المعنى فيه فوات المعقود عليه قبل قبضه. وأما الجواب عن قياسه على ما إذا باع ما أجر برضى المستأجر فهو غير مسلم الاصل لان الاجارة لا تبطل بالبيع عن رضاه كما لا تبطل بالبيع عن سخطه، وإنما البيع مخطب في إبطاله ثم ينتقص على أصله بعتق العبد المواجر قد زال ملك

سيده عن رقبته مع بقاء الاجارة عليها، فكذلك إذا زال بالبيع والموت. وأما الجواب عن استدلاله بأن المنافع تستوفى بعقد وملك وهذا مفترق بالموت، فهو أن اجماعهما يعتبر عند العقد ولا يعتبر فيما بعد كما لو أعتق أو باع ولا يمتنع أن يستوفى من يد الوارث ما لم يعاقد عليه كما يستوفى منه ثمن ما اشتراه الموروث ويقبض منه أعيان ما ترك الموروث، لان الموروث قد ملك عليه ذلك بعقده فلم يملكه الوارث بموته. فأما قول الشافعي: فان قيل: فقد انتفع المكترى بالثمن قيل: كما لو أسلم في متاع لوقت فانقطع ذلك أو ابتاع متاعا غائبا ببلد ودفع الثمن فهلك المتاع رجع بالثمن وقد انتفع به البائع فهذا سؤال أورده الشافعي، وقد اختلف أصحابنا في مراده فقال أبو إسحاق المروزى: أراد به الرد على من اجل الاجره ومنع من حلولها لئلا ينتفع المكرى بالاجرة قبل انتفاع المكترى بالمنفعة، وقد تنهدم الدار فتفوت المنفعة فقال الشافعي: مثل هذا ليس يمتنع كما أن بائع السلم قد يتعجل مقتضى الثمن وينتفع به وقد يهلك المسلم فيه عند محله فيسترجع ثمن ما انتفع به البائع دون المشترى، وكما يقبض غائب عنه فيتلف قبل قبضه فيرد ثمنه بعد الانتفاع به. وقال أبو العباس بن سريج: يحتمل أن يريد به الرد على من أبطل الاجاره بموت المؤجر لئلا ينتفع المؤجر بالاجرة ويلزم وارثه تسليم المنفعة فأجاب عنه بما ذكرنا من الجوابين. وقال أبو حامد الاسفرايينى: انما أراد به ان انهدام الدار وموت العبد في تضاعيف المدة يبطل الاجاره فيما بقى ويوجب أن يرد من الاجره بقسطها، وان انتفع المكرى بها ولم ينتفع المكترى بما قابلها فأجاب بما ذكرنا من انتفاع البائع بثمن المسلم فيه وتلف العين الغائبة. وقال المزني: هذا تجويز بيع الغائب، وعنه جوابان (أحدهما) أنه محمول على أحد قوليه (والثانى) أنه محمول على بيع غائب قدراه: فإذا ثبت أن اجارة الملك لا تبطل بموت المؤجر والمستأجر انتقل الكلام إلى اجارة الوقف، فإن أجر ولا حق له في غلته صحت اجارته ولم تبطل بموته

لانه لم يؤجل ملكه وإنما ناب عن غيره، وإن أجره من يستحق غلته ويستوجب أجرته لكونه وقفا عليه فقد اختلف أصحابنا في بطلان الاجارة بموته على وجهين (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أن الاجارة قد بطلت بموته وانتقال المنفعة إلى غيره، وفرق بين المالك والوقف بأن وارث الملك يملك عن المؤجر فلم يملك ما خرج عن ملك المؤجر، وليس كذلك الوقف، لان مؤجره يملك منفعته مدة حياته، فإذا فقد انقطع ملكه وانتقل إلى من بعده بشرط الوقف بالارث. (والوجه الثاني) وهو الاظهر: الاجارة لا تبطل لان مؤجره وال قد أجره في حق نفسه وحق من بعده بولايته، فإذا انقضى حقه بموته صحت إجارته في حق من بعده بولايته، فإذا كان قد استوفى الاجرة استرجع من تركته أجرة ما بقى من المدة بعد موته. وإذا استأجر الرجل من أبيه دارا سنة ودفع إليه الاجرة ثم مات الاب نظرت فان لم يكن له غير هذا الابن المستأجر فقد سقط حكم الاجارة لانه صار مالكا للدار والمنفعة إرثا فامتنع بقاء عقده على المنفعة، فان لم يكن على أبيه دين فقد صارت الدار مع التركة إرثا، وإن كان على أبيه دين ضرب مع الغرماء بقدر الاجرة، لانها صارت بانفساخ الاجارة بالارث دينا على الاب فساوى الغرماء فيها، فلو كان للاب ابن آخر انفسخت الاجارة في نصف الدار وهو حصة المستأجر ولزمت في حصة الابن الآخر ورجع المستأجر منهما بنصف الاجره في تركة أبيه لانها صارت دينا عليه. فإذا أجر الاب أو الوصي صبيا ثم بلغ في الصبى في مدة الاجارة رشيدا لاجارة لازمة لا تنفسخ ببلوغه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب تضمين المستأجر والاجير

قال المصنف رحمه الله تعالى: * (باب تضمين المستأجر والاجير) * إذا تلفت العين المستأجرة في يد المستأجر من غير فعله لم يلزمه الضمان، لانه عين قبضها ليستوفى منها ما ملكه، فلم يضمنها بالقبض كالمرأة في يد الزوج، والنخلة التى اشترى ثمرتها، وإن تلفت بفعله نظرت فان كان بغير عدوان كضرب الدابة وكبحها باللجام للاستصلاح لم يضمن لانه هلك من فعل مستحق فلم يضمنه كما لو هلك تحت الحمل، وان تلفت بعدوان كالضرب من غير حاجة لزمه الضمان، لانه جناية على مال الغير لزمه ضمانه. (فصل) وان اكترى ظهرا إلى مكان فجاوز به المكان فهلك نظرت، فان لم يكن معه صحابه لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ جاوز به المكان إلى أن تلف لانه ضمنه باليد من حين جاوز فصار كالغاصب، وان كان صاحبه معه نظرت، فان هلك بعد نزوله وتسليمه إلى صاحبه لم يضمن، لانه ضمنه باليد فبرئ بالرد كالمغصوب إذا رده إلى مالكه، وان تلف في حال السير والركوب ضمن، لانه هلك في حال العدوان، وفى قدر الضمان قولان. (أحدهما) نصف قيمته، لانه تلف من مضمون وغير مضمون، فكان الضمان بينهما نصفين، كما لو مات من جراحته وجراحة مالكه. (والثانى) أنه تقسط القيمة على المسافتين، فما قابل مسافة الاجارة سقط، وما قابل الزيادة يجب، لانه يمكن تقسيطه على قدرهما فقط بناء على القولين في الجلاد إذا ضرب رجلا في القذف احدى وثمانين فمات، وان تعادل اثنان ظهرا استأجراه وارتدف معهما ثالث من غير اذن فتلف الظهر ففيه ثلاثه أوجه. (أحدها) أنه يجب على المرتدف نصف القيمة، لانه هلك من مضمون وغير مضمون. (والثانى) يجب عليه الثلث، لان الرجال لا يوزنون فقسط الضمان على عددهم.

(والثالث) أنه يقسط على أوزانهم، فيجب على المرتدف ما يخصه بالوزن لانه يمكنه تقسيطه بالوزن فقسط عليه. (فصل) وان استأجر عينا واستوفى المنفعة وحبسها حتى تلفت، فإن كان حبسها لعذر لم يلزمه الضمان، لانه أمانة في يده فلم يضمن بالحبس لعذر كالوديعة وان كان لغير عذر فإن قلنا لا يجب الرد قبل الطلب لم يضمن كالوديعة قبل الطلب، وان قلنا يجب ردها ضمن كالوديعة بعد الطلب (فصل) وان تلفت العين التى استؤجر على العمل فيها نظرت، فإن كان التلف بتفريط بأن استأجره ليخبز له فأسرف في الوقود أو ألزقه قبل وقته أو تركه في النار حتى احترق ضمنه لانه هلك بعدوان فلزمه الضمان. وان استؤجر على تأديب غلام فضربه فمات ضمنه، لانه يمكن تأديبه بغير الضرب، فإذا عدل إلى الضرب كان ذلك تفريطا منه فلزمه الضمان. وان كان التلف بغير تفريط، نظرت، فإن كان العمل في ملك المستأجر بأن دعاه إلى داره ليعمل له، أو كان العمل في دكان الاجير والمستأجر حاضر، أو اكتراه ليحمل له شيئا وهو معه لم يضمن، لان يد صاحبه عليه فلم يضمن من غير جناية. وان كان العمل في يد الاجير من غير حضور المستأجر نظرت، فان كان الاجير مشتركا، وهو الذى يعمل له ولغيره، كالقصار الذى يقصر لكل أحد والملاح الذى يحمل لكل أحد ففيه قولان: (أحدهما) يجب عليه الضمان، لما روى الشعبى عن أنس رضى الله عنه قال: استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين متاعى. فضمنيها عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه. وعن خلاس بن عمرو أن عليا رضى الله عنه كان يضمن الاجير. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن على كرم الله وجهه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال لا يصلح الناس الا ذلك. ولانه قبض العين لمنفعته من غير استحقاق فضمنها كالمستعير، والثانى: لا ضمان عليه، وهو قول المزني، وهو الصحيح.

قال الربيع: كان الشافعي رحمه الله يذهب إلى أنه لا ضمان على الاجير، ولكنه لا يفتى به لفساد الناس، والدليل عليه أنه قبض العين لمنفعته ومنفعة المالك فلم يضمنه كالمضارب. وإن كان الاجير منفردا وهو الذى يعمل له ولا يعمل لغيره، فقد اختلف أصحابنا فيه، من قال: هو كالاجير المشترك وهو المنصوص، فان الشافعي رحمه الله قال: والاجراء كلهم سواء، فيكون على قولين لانه منفرد باليد فأشبه الاجير المشترك، ومنهم من قال: لا يجب عليه الضمان قولا واحدا لانه منفرد بالعمل فأشبه إذا كان عمله في دار المستأجر. فإن قلنا إنه أمين فتعدى فيه ثم تلف ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين تعدى إلى أن تلف، لانه ضمن بالتعدي فصار كالغاصب، وان قلنا انه ضامن لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى حِينِ التَّلَفِ كالغاصب. ومن أصحابنا من قال: يلزمه قيمته وقت التلف كالمستعير. وليس بشئ (فصل) وان عمل الاجير بعض العمل أو جميعه ثم تلف نظرت فان كان العمل في ملك صاحبه أو بحضرته وجبت له الاجرة أنه تحت يده فكل ما عمل شيئا صار مسلما له، وان كان في يد الاجير فان قلنا انه أمين لم يستحق الاجرة لانه لم يسلم العمل، وان قلنا انه ضامن استحق الاجرة لانه يقوم عليه معمولا فيصير بالتضمين مسلما للعمل فاستحق الاجرة (فصل) وان دفع ثوبا إلى خياط وقال: ان كان يكفيني لقميص فاقطعه فقطعه ولم يكفه لزمه الضمان، لانه أذن له بشرط فقطع من غير وجود الشرط فضمنه. وان قال: أيكفينى للقميص؟ فقال نعم، فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن لانه قطعه بإذن مطلق. (الشرح) الاخبار الواردة في هذه الفصول كرواية الشعبى عن أنس وخبر خلاس بن عمرو ففى الام. وقد روى الشافعي خبر جعفر الصادق قال: أخبرنا بذلك ابراهيم بن أبى يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عليا ضمن الغسال

والصباغ وقال: لا يصلح الناس الا بذلك. وقد أعلها الشافعي كما سيأتي في شرح الفصل. أما الاحكام، فان الدابة إذا لم يكن صاحبها معها لزم المكترى قيمتها كلها، وان كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكترى لانها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي، وان تلفت بفعل تحت الراكب ففيه قولان. (أحدهما) يلزمه نصف قيمتها لانها تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها. (والثانى) تقسط القيمة على المسافتين، فما قابل مسافة الاجارة سقط ووجب الباقي، ونحو هذا قول أبى حنفيه فانه قال: من اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكترى عشر قيمته، وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها. فأما إذا تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لانها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمخصوبة، وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها، لان اليد للراكب وصاحب الحمل، بدليل أنهما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها لكانت للراكب ولصاحب الحمل، ولان الراكب متعد بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان. كمن جلس إلى انسان فحرق ثيابه وهو ساكت ولانها ان تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدى، كمن ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقت. فأما ان تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها فينظر، فان كان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب. وان تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في هوة ونحو ذلك فلا ضمان فيها لانها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان. واختلف أصحاب أحمد في الضمان فظاهر كلام الخرقى وجوب قيمتها إذا تلفت سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة، وسواء كان صاحبها مع المكترى

أو لم يكن. وهذا ظاهر مذهب فقهاء المدينة السبعة فيما رواه الاثرم بإسناده عن أبى الزناد وقال: ربما اختلفوا في الشئ فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا، فكان الذى وعيت عنهم على هذه الصفة: أن من اكترى دابة إلى بلد ثم جاوز ذلك إلى بلد سواه، فإن الدابة إن سلمت في ذلك كله أدى كراءها وكراء ما بعدها وإن تلفت في تعديها ضمنها وأدى كراءها الذى تكاراها به. وهذا هو قول الشافعي والحكم وابن شبرمة وأحمد. وقال القاضى من الحنابلة: إن كان المكترى نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكترى، وإن هلكت والمكترى راكب عليها أو حمله عليها فعليه ضمانها. وقال أبو الخطاب من الحنابلة أيضا: إن كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكترى جميع قيمتها، واحتمل أن يلزمه نصف قيمتها. ولنا أن ما نقلنا عن الشافعي رضى الله عنه في ضرب الدابة ونخسها مما مضى في شرح هذه الفصول كاف في توضيح المذهب. وقال الشافعي أيضا في اختلاف العراقيين: وإذا تكارى الرجل الدابة إلى موضع فجاوزه إلى غيره فعليه كراء الموضع الذى تكاراها إليه الكراء الذى تكاراها به، وعليه من حين تعدى إلى أن ردها كراء مثلها من ذلك الموضع. وإذا عطبت لزمه الكراء إلى الموضع الذى عطبت فيه وقيمتها، وهذا مكتوب في كتاب الاجارات. قال الشافعي رضى الله عنه: الاجراء كلهم سواء، فإذا تلف في أيديهم شئ من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه الا واحد من قولين (أحدهما) أن يكون كل من أخذ الكراء على شئ كان ضامنا له يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه. ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول: الامين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا يعطى أجرا على شئ مما دفعت إليه، واعطائي هذا الاجر تفريق بينه وبين الامين الذى أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل، أو يقول قائل: لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه انما يضمن من تعدى فأخذ

ما ليس له أو أخذ الشئ على منفعة له فيه، اما يتسلط على اتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون ان شاء ينفقه ويرد مثله. واما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن، لانه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه. وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له، والصانع والاجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال الا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده. وليس في هذا سنة أعلمها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روى فيه شئ عن عمر وعلى وليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الاجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والاجير المشترك والاجير على الحفظ والرعى وحمل المتاع والاجير على الشئ يصنعه لان عمر ان كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى الا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من كان أخذ أجرا فهو في معناهم. وان كان على رضى الله عنه ضمن القصار والصائع، فكذلك كل صانع. وكل من أخذ أجرة. وقد يقال للراعي صناعته الراعية، وللحمال صناعته الحمل للناس، ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين. ومن ضمن الاجير بكل حال فكان مع الاجير ما قلت مثل أن يستحمله الشئ على ظهره أو يستعمله الشئ في بيته أو غير بيته، وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأى وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا على الاجير. وكذلك ان جنى عليه غيره فلا ضمان عليه، والضمان على الجاني. اه كلام الشافعي رضى الله عنه (فرع) إذا ترك الاجير ما يلزمه عمله بلا عذر فتلف ما استؤجر عليه ضمنه والاجير على ضربين: خاص ومشترك، فالخاص هو الذى يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها، كرجل استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة أو رعاية يوما أو شهرا سمى خاصا لاختصاص المستأجر بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس، والمشترك الذى يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب وبناء حائط وحمل شئ إلى مكان معين، أو على عمل في مدة

لا يستحق جميع نفعه فيها كالكحال والطبيب، سمى مشتركا لانه يتقبل أعمالا لاثنين أو ثلاثة أو أكثر لاشتراكهم في منفعته، فالاجير المشترك ضامن لما جنت يده إلا إذا كان المستأجر حاضرا في دكان الاجير وقت العمل كانت يده عليه فيكون كالاجير الخاص لم يضمن من غير جناية ويجب له أجر عمله، فكلما عمل شيئا صار مسلما إليه. وذهب مالك إلى ما ذهب إليه الاصحاب. وذهب أحمد إلى أنه لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره أو كان صاحب العمل حاضرا عنده أو غائبا عنه قياسا على الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنا مع حضور المطيب والمختون فأما الاجير الخاص فهو الذى يستأجره مدة فلا ضمان عليه ما لم يتعد. قال قال أحمد في رواية مهنا في رجل أمر غلامه أن يكيل لرجل بزرا فسقط الرطل من يده فانكسر لا ضمان عليه، فقيل: أليس هو بمنزلة القصار؟ قال لا، القصار مشترك. قيل: فرجل اكترى رجلا يحرث له على بقرة فكسر الذى يحرث به؟ قال لا ضمان عليه. قلت وهذا ظاهر مذهب الشافعي ومذهب مالك وأبى حنيفة وأصحابه، وللشافعي قول آخر أن جميع الاجراء يضمنون، والقول الاول أظهر. قال الربيع: هذا مذهب الشافعي وإن لم يبح به. وروى ذلك عن عطاء وطاوس وزفر لانها عين مقبوضة بعقد الاجارة فلم تصر مضمونة كالعين المستأجرة. وما تلف بتعدى الخباز الذى يسرف في الوقود أو يلزقه قبل أوانه من حيث التخمر المطلوب عند خبزه، أو يتركه بعد وقته حتى يحترق، فانه يضمن في كل ذلك. (فرع) إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال: إن كان يقطع قميصا فاقطعه، فقال هو يقطع، وقطعه فلم يكف فعليه ضمانه. وإن قال: انظر هذا يكفيني قميصا؟ قال نعم. قال اقطعه، فقطعه فلم يكفه لم يضمن، وبهذا قال أحمد وأصحاب الرأى. وقال أبو ثور: لا ضمان عليه في المسألتين لانه لو كان غره في الاولى لكان قد غره في الثانية. أفاده ابن قدامة في المغنى.

دليلنا أنه إنما أذن له في الاولى بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه. وفى الثانية أذن له من غير شرط فافترقا، ولم يجب عليه الضمان في الاولى لتغريره، بل لعدم الاذن في قطعه، لان إذنه مقيد بشرط كفايته فلا يكون إذنا في غير ما وجد فيه الشرط بخلاف الثانية. والله أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا فيما يأخذ الحمامى، هل هو ثمن الماء أو أجرة الدخول والسطل وحفظ الثياب، فمنهم من قال هو ثمن الماء وهو متطوع بحفظ الثياب ومعير للسطل، فعلى هذا لا يضمن الثياب إذا تلفت وله عوض السطل إذا تلف. ومنهم من قال هو أجرة الدخول والسطل وحفظ الثياب، فعلى هذا لا يضمن الداخل السطل إذا هلك لانه مستأجر، وهل يضمن الحمامى الثياب؟ فيه قولان لانه أجير مشترك. (فصل) وان استأجر رجلا للحج فتطيب في إحرامه أو لبس، وجبت الفدية على الاجير، لانه جناية لم يتناولها الاذن فوجب ضمانها، كما لو استأجره ليشترى له ثوبا فاشتراه ثم خرقه. وإن أفسد الحج صار الاحرام عن نفسه، لان الفاسد غير مأذون فيه فانعقد له كما لو وكله في شراء عبد فاشترى أمة، فإن كان العقد على حجه في هذه السنة انفسخ، لانه فات المعقود عليه، وإن كان على حج في الذمة ثبت له الخيار، لانه تأخر حقه، فإن استأجر للحج من ميقات فأحرم من ميقات آخر لم يلزمه شئ لان المواقيت المنصوص عليها متساوية في الحكم، وإن كان بعضها أبعد من بعض، فإذا ترك بعضها إلى بعض لم يحصل نقص يقتضى الجبران. وإن أحرم دون الميقات لزمه دم، لانه ترك الاحرام من موضع يلزمه الاحرام منه، فلزمه دم كما لو ترك ذلك في حجه لنفسه، فإن استأجره ليحرم من دويرة أهله فأحرم دونه لزمه دم، لانه وجب عليه ذلك بعقد الاجارة فصار كما لو لزمه في حجه لنفسه بالشرع أو بالنذر فتركه. وهل يلزمه أن يرد من الاجرة بقسطه؟ قال في القديم يهرق دما وحجه تام

وقال في الام: يلزمه أن يرد من الاجرة بقدر ما ترك، فمن اصحابنا من قال يلزمه قولا واحدا، والذى قاله في القديم ليس فيه نص أنه لا يجب. ومنهم من قال فيه قولان وهو الصحيح (أحدهما) لا يلزمه لان النقص الذى لحق الاحرام جبره بالدم فصار كما لو لم يترك (والثانى) انه يلزمه لان ترك بعض ما استؤجر عليه فلزمه رد بدله، كما لو استأجره لبناء عشرة أذرع فبنى تسعة، فعلى هذا يرد ما بين حجه من الميقات وبين حجه من الموضع الذى أحرمه منه فإن استأجره ليحرم بالحج من الميقات فأحرم من الميقات بعمرة عن نفسه ثم أحرم بالحج عن المستأجر من مكة لزمه الدم لترك الميقات، وهل يرد من الاجرة بقدر ما ترك؟ على ما ذكرناه من الطريقين، فإن قلنا يلزمه ففيه قولان قال في الام: يرد بقدر ما بين حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْ مَكَّةَ، لِأَنَّ الحج من الاحرام وما قبله ليس من الحج. وقال في الاملاء: يلزمه أن يرد ما بين حجه من بلده وبين حجه من مكة. لانه جعل الاجرة في مقابلة السفر والعمل وجعل سفره لنفسه، ويخالف المسألة قبلها لان هناك سافر للمستأجر، وإنما ترك الميقات. وان استأجره للحج فحج عنه وترك الرمى أو المبيت لزمه الدم كما يلزمه لحجه وهل يرد من الاجرة بقسطه؟ على ما ذكرناه فيمن ترك الاحرام من الميقات. (الشرح) لا تتوقف منفعة الحمام على مجرد وجود الماء، وإنما المطلوب تبليط الحمام وعمل الابواب والبزل وهى الثقوب والفتحات التى يأتي منها الماء أو النور ومجرى الماء. وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكترى. وإن احتاج المكترى للتمكن من الانتفاع إلى تنقية الكف والبالوعة فعلى المكرى، وان امتلات بفعل المكترى فعليه تفريغها، وهذا مذهب الشافعي وأحمد رضى الله عنهما. وقال أبو ثور: هو على رب الدار، لان به يتمكن من الانتفاع، فأشبه مالو اكترى وهى ملآى.

وقال أبو حنيفة: القياس أنه على المكترى والاستحسان أنه على رب الدار لان عادة الناس ذلك. وإذا انقضت الاجارة وفى الحمام قمامة من فعله فعليه رفعه. وهو مذهب الشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى. قال الشمس الرملي: نعم دخول الحمام بأجرة جائز بالاجماع مع الجهل بقدر المكث وغيره، لكن الاجرة في مقابلة الآلات لا الماء، فعليه ما يغرف به الماء غير مضمون على الداخل، وثيابه غير مضمونة على الحمامى إن لم يستحفظه عليها ويجيبه إلى ذلك، ولا يجب بيان ما يستأجره له في الدار لقرب التفاوت من السكنى ووضع المتاع، ومن ثم حمل العقد على المعهود في مثلها من سكانها، ولم يشترط عدد من يسكن اكتفاء بما اعتيد في مثلها (فرع) إذا استأجر رجلا للحج فارتكب ما يوجب الفدية، كمس الطيب ولبس المخيط في الاحرام، فعلى الاجير الفدية من ماله، فإن أفسد أعمال الحج انقلب الْحَجُّ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي مَالِهِ وَالْمُضِيُّ في فاسده والقضاء، وهذا هو الذى قطع الجمهور بصحته وتظاهرت عليه نصوص الشافعي. وفى قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ وَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، بَلْ يَبْقَى صَحِيحًا وَاقِعًا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَفْسُدُ بفعل غيره. وبهذا القول قال المزني. ولكن المذهب الاول. قال الشافعي رضى الله عنه: الْوَاجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ الواجب بالشرع أو الشرط اه. فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبًا، وَإِنْ أحرم قبله فقد زاد خيرا كما قال أبو حامد الاسفرايينى وغيره. أما إذا عدل الاجير عن الميقات المعتبر إلى طريق آخر مِثْلُ الْمُعْتَبَرِ أَوْ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجى والجمهور أنه لا شئ عليه. وحكى القاضى حسين والبغوى وغيرهما فيه وجهين ساقهما النووي في الحج أصحهما أنه لا شئ عليه لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمِيقَاتِ الْمُعْتَبَرِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كمن ترك الميقات وأحرم بعده. وهذا القول الثاني يعتبر الشرط في تعيين المكان.

أما إذا اتفقا على تعيين موضع آخَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ الشرعي فالشرط فاسد يفسد الاجارة إذ لا يجوز لمريد النسك تجاوز الميقات دون إحرام وإن كان أبعد كدويرة أهله فيلزم الاجير الاحرام منها وفاء بالشرط، فان جاوزها ثم أحرم فهل يلزمه الدم؟ فيه وجهان (أصحهما) كما هو منصوص: عليه الدم لانه جاوز الميقات المشروط فأشبه مجاوزة الميقات الشرعي (والثانى) لا دم، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَجَبَ حَطُّ قسط من الاجرة. قال الشيخ أبو حامد والاصحاب: إن تَرَكَ نُسُكًا لَا دَمَ فِيهِ كَالْمَبِيتِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ إذَا قُلْنَا: لَا دَمَ فِيهِمَا لَزِمَهُ رد شئ من الاجرة بقسطه بلا خلاف فإن لزمه بفعل محظور كاللبس والقلم والطيب لم يحط عنه شئ من الاجرة بلا خلاف. نقل الغزالي وغيره الاتفاق عليه فإذا اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَارَةً يَمْتَثِلُ وتارة يعدل، فإن امتثل فعلى من يجب دم القران؟ وجهان (أصحهما) على المستاجر، ولو شرطاه على الاجير فقد نص الشافعي على فساد الاجارة لجمعه بين مجهول الصفة وهو الدم، وبين الاجارة. فإذا قلنا بالاصح إنه على الاجير، فان كان معسرا فعليه الصوم الايام الثلاثة في الحج، لان الذى في الحج منهما هو الاجير وعلى المستاجر الاجرة بكمالها. هذا وقد أفرد الامام النووي رضى الله عنه في كتاب الحج من المجموع فصلا عن الاجير أو في والله تعالى أعلم بالصواب.

باب اختلاف المتكاريين

قال المصنف رحمه الله تعالى: * (باب اختلاف المتكاريين) * إذا اختلف المتكاريان في مقدار المنفعة أو قدر الاجرة ولم تكن بينة تحالفا لانه عقد معاوضة فأشبه البيع وإذا تحالفا كان الحكم في فسخ الاجارة كالحكم في البيع، لان الاجارة كالبيع، فكان حكمها في الفسخ كالحكم في البيع، فان اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فادعاه المؤجر وأنكره المستأجر، فالقول قول المستأجر، لان الاصل عدم العدوان، والبراءة من الضمان، فان اختلفا في الرد فادعاه المستأجر وأنكره المؤجر، فالقول قول المؤجر أنه لم يرد عليه، لان المستاجر قبض العين لمنفعته، فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير، وان اختلف الاجير المشترك والمستاجر في رد العين فادعى الاجير انه ردها وانكر المستاجر فان قلنا: ان الاجير يضمن العين بالقبض لم يقبل قوله في الرد، لانه ضامن فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير والغاصب. وان قلنا: انه لا يضمن العين بالقبض فهل يقبل قوله في الرد؟ فيه وجهان كالوكيل يجعل: وقد مضى توجيههما في الوكالة، وان هلكت العين فادعى الاجير انها هلكت بعد العمل، وانه يستحق الاجرة وانكر المستاجر، فالقول قول المستاجر، لان الاصل عدم العمل وعدم البدل. (فصل) وان دفع ثوبا إلى خياط فقطعه قباء ثم اختلفنا فقال رب الثوب: امرتك ان تقطعه قميصا فتعديت بقطعه قباء فعليك ضمان النقص. وقال الخياط بل امرتي ان اقطعه قباء فعليك الاجرة، فقد حكى الشافعي رحمه الله في اختلاف العراقيين قول ابن أبى ليلى أن القول قول الخياط. وقول أبى حنيفة رحمه الله عليه ان القول قول رب الثوب. ثم قال: وهذا اشبه، وكلاهما مدخول. وقال في كتاب الاجير والمستاجر: إذا دفع إليه ثوبا ليصبغه احمر نصبغه اخضر فقال: امرتك ان تصبغه احمر، فقال الصباغ: بل امرتني ان اصبغه اخضر، انهما يتحالفان.

واختلف اصحابنا فيه على ثلاث طرق، فمنهم من قال: فيه ثلاثة اقوال (احدهما) ان القول قول الخياط، لانه ماذون له في القطع فكان القول قوله في صفته (والثانى) ان القول قول رب الثوب، كما لو اختلفا في اصل الاذن (والثالث) انهما يتحالفان وهو الصحيح، لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه لان صاحب الثوب يدعى الارش والخياط ينكره، والخياط يدعى الاجرة وصاحب الثوب ينكره فتحالفا كالمتابعين إذا اختلفا في قدر الثمن. ومن اصابنا من قال: المسألة على القولين المذكورين في اختلاف العراقيين وهو قول أبى العباس وأبى اسحاق وأبى على بن أبى هريرة والقاضى أبى حامد. ومن اصحابنا من قال: هو على قول واحد انهما يتحالفان، وهو قول أبى حامد الاسفرايينى لان الشافعي رحمه الله ذكر القولين الاولين، ثم قال وكلاهما مدخول فان قلنا: ان القول قول الخياط فحلف لم يلزمه ارش النقس، لانه ثبت بيمينه انه ماذون له فيه، وهل يستحق الاجرة؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه لا يستحق الاجرة، لان قوله قبل في سقوط الغرم لانه منكر. فاما في الاجرة فانه مدع فلم يقبل قوله. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ان له الاجرة لانا قبلنا قوله في الاذن، فعلى هذا هل يجب المسمى أو اجرة المثل فيه وجهان احدهما يجب المسمى لانا قبلنا قوله انه اذن له فوجب ما اقتضاه (والثانى) يجب له اجرة المثل لانا إذا قبلنا قوله لم نامن ان يدعى الفا واجرة مثله درهم. (وان قلنا) ان القول قول صاحب الثوب فحلف لم تجب الاجرة لانه فعل ما لم يؤمن فيه ويلزمه ارش القطع لانه قطع ما لم يكن له قطعه. وفى قدر الارش قولان (احدهما) يلزمه ما بين قيمته مقطوعا وصحيحا لانا حكمنا انه لم يؤذن له في القطع فلزمه ارش القطع (والثانى) يلزمه ما بين قيمته مقطوعا قميصا وبين قيمته مقطوعا قباء، لانه قد اذن له في القطع، وانما حصلت المخالفة في الزيادة فلزمه ارش الزيادة، فان لم يكن بينهما تفاوت لم يلزمه شئ وإذا قلنا: انهما يتحالفان فتحالفا لم تجب الاجرة، لان التحالف يوجب رفع العقد، والخياطة من غير عقد لا توجب الاجرة وهل يجب ارش القطع فيه قولان

(احدهما) يجب، لان كل واحد منهما حلف على ما ادعاه ونفى ما ادعى عليه فبرئا كالمتبايعين (والثانى) انه يجب ارش النقص لانا حكمنا بارتفاع العقد بالتحالف، فإذا ارتفع العقد حصل القطع من غير عقد فلزمه ارشه. ومتى قلنا انه يستحق الاجرة لم يرجع بالخيوط، لانه اخذ بدلها، فان قلنا: لا يستحق الاجرة فله ان ياخذ خيوطه، لانه عين ماله فكان له ان ياخذه (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا اختلف الرجلان في الكراء وتصادقا في العمل تحالفا، وكان للعامل اجر مثله فيما عمل، قال وإذا اختلفا في الصفة فقال: امرتك ان تصبغه اصفر أو تخيط قميصا فخطته قباء. وقال الصانع عملت ما قلت لى، تحالفا وكان على الصانع ما نقص الثوب ولا اجر له، وان زاد الصبغ فيه كان شريكا بها زاد الصبغ في الثوب، وان نقصت منه فلا ضمان عليه ولا اجره له. وقال الربيع: الذى ياخذ به الشافعي في هذا ان القول قول رب الثوب وعلى الصانع ما نقص الثوب، وان كان نقصه شيئا لانه مقر باخذ الثوب صحيحا ومدع على انه امره بقطعه أو صبغه كما وصفت فعليه البينة بما قال، فان لم يكن بينة حلف رب الثوب ولزم الصانع ما نقصته الصنعة، وان كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها ان كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ، ولا ياخذ من الاجرة شيئا، فان لم تكن عين قائمة فلا شئ له. وقال في اختلاف العراقيين: وإذا اختلف الاجير والمستاجر في الاجرة، فان ابا حنيفة كان يقول: القول قول المستاجر مع يمينه إذا عمل العمل وبهذا ياخذ. وكان ابن أبى ليلى يقول: القول قول الاجير فيما بينه وبين اجرة مثله، الا ان يكون الذى ادعى اقل فيعطيه اياه، وان لم يكن عمل العمل تحالفا وترادا في قول أبى حنيفة. وينبغى كذلك في قول ابن أبى ليلى. وقال أبو يوسف بعد: إذا كان شيئا متقاربا قبلت قول المستاجر واحلفته، وإذا تفاوت لم أقبل وجعلت العمل اجر مثله إذا حلف.

فلو اعطاه ثوبا ليخيطه بعد قطعه فخاطه قباء وقال امرتني بقطعه قباء، فقال بل قميصا فالاظهر تصديق المالك بيمينه، لانه منكر اذنه له في قطعه قباء، إذ هو المصدق في اصل الاذن فكذا في صفته والقول الثاني: يتحالفان، وانتصر الاسنوى له نقلا ومعنى، ونبه على انهما لو اختلفا قبل القطع تحالفا اتفاقا، وكل ما وجب التحالف مع بقائه وجب مع تغير احواله، فعلى هذا يبدا بالمالك كما حكاه الرملي، ونقل عن الاستوى المنع منه بل يبدا بالخياط لانه بائع المنفعة. قال النووي: ولا اجرة عليه - يعنى المؤجر - بعد حلفه، وعلى الخياط ارش النقص لما ثبت من عدم الاذن، والاصل الضمان، وهو ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء كما رجحه السبكى. ولان اصل القطع ماذون فيه، وان رجح الاسنوى كابن أبى عصرون. وجزم به القونوى والبارزي وغيرهما من شراح الحاوى وغيره انه مابين قيمته صحيحا ومقطوعا لانتفاء الاذن من اصله ولا يقدح في ترجيح الاول عدم الاجرة له، إذ لا تلازم بينها وبين الضمان، وللخياط نزع خيطه، وعليه ارش نقص النزع ان حصل، كما قاله الماوردى والرويانى في البحر، وله منع المالك من شد خيط فيه بجره مكانه. هكذا افاده الشمس الرملي في النهاية. ويمكننا ان نستلخص مما مضى من اقاويل انهما إذا اختلفا في قدر الاجر فقال اجرتنيها سنة بدينار، قال بل بدينارين تحالفا، ويبدا بيمين الاجر، وهو قول الشافعي واحمد، لان الاجارة نوع من البيع، فإذا تحالفا قبل مضى شئ من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله، وان رضى احدهما بما حلف عليه الآخر قر العقد، وان فسخا العقد بعد المدة أو شئ منها سقط المسمى ووجب اجر المثل، كما لو اختلفا في المبيع بعد تلفه وهذا قول احمد واصحابه، وبه قال أبو حنيفة ان لم يكن عمل العمل، وان كان عمله فالقول قول المستاجر لانه منكر للزيادة في الاجر والقول قول المنكر فإذا عرفنا ان الاجارة نوع من المبيع عرفنا انهما يتحالفان عند اختلافهما في العوض كالبيع، وكما قبل ان يعمل العمل عند أبى حنيفة.

وقال ابن أبى موسى: القول قول المالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع وقال الشافعي في اول اختلاف العراقيين: إذا اسلم الرجل إلى الخياطة ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب: امرتك بقميص. وقال الخياط امرتني بقباء، فان ابا حنيفة رحمه الله كان يقول: القول قول الخياط في ذلك، ولو ان الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله فان ابا حنيفة قال: لا ضمان عليه ولان على القصار والصباغ، وما اشبه ذلك من العمال الا فيما جنت ايديهم، بلغنا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه انه قال: لا ضمان عليهم، وكان ابن أبى ليلى يقول: هم ضامنون لما هلك عندهم وان لم تجن ايديهم فيه. وقال أبو يوسف: هم ضامنون الا ان يجئ شئ غالب. وقال الشافعي: وثابت عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: لا ضمان على صانع ولا على اجير، فاما ما جنت ايدى الاجراء، والصناع فلا مسألة فيه فهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده، ولان الجناية لا تبطل عن احد، وكذلك لو تعدوا ضمنوا. قال الربيع: الذى يذهب إليه الشافعي فيما رايت انه لا ضمان على الصانع الا ما جنت ايديهم، ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الضياع. اه، يعنى خوفا من ان يتمادى الصناع في الاهمال فيفضى ذلك إلى ضياع اموال الناس بفشو التلف بين اصحاب الحرف قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا استاجر صانعا على عمل من خياطة أو صباغة فعمل فهل له ان يحبس العين على الاجرة؟ فيه وجهان (احدهما) لا يجوز لانه لم يرهن العين عنده فلم يجز له احتباسها، كما لو استاجره ليحمل له متاعا فحمله ثم اراد ان يحبس المتاع على الاجرة (والثانى) يجوز لان عمله ملكه فجاز له حبسه على العوض كالمبيع في يد البائع.

(فصل) وإن دفع ثوبا إلى رجل فخاطه ولم يذكر له أجرة فقد اختلف أصحابنا فيه اربعة أوجه. أحدها: أنه تلزمه الاجرة، وهو قول المزني رحمه الله، لانه استهلك عمله فلزمه أجرته. والثانى: أنه إن قال له: خطه لزمه، وإن بدأ الرجل فقال: أعطني لاخيطه لم تلزمه وهو قول أبى إسحاق لانه إذا أمره فقد ألزمه بالامر، والعمل لا يلزم من غير أجرة فلزمته، وإذا لم يأمره لم يوجد ما يوجب الاجرة فلم تلزم. والثالث: أنه إذا كان الصانع معروفا بأخذ الاجرة على الخياطة لزمه، وإذا لم يكن معروفا بذلك لم يلزمه، وهو قول أبى العباس، لانه إذا كان معروفا بأخذ الاجرة صار العرف في حقه كالشرط، وإن لم يكن معروفا لم يوجد ما يقتضى الاجرة من جهة الشرط ولا من جهة العرف. والرابع: وهو المذهب: أنه لا يلزمه بحال، لانه بذل ماله من غير عوض فلم يجب له العوض، كما لو بذل طعامه لمن أكله، وان نزل رجل في سفينة ملاح بغير اذنه فحمله فيها إلى بلد لزمه الاجرة، لانه استهلك منفعة موضعه من السفينة من غير اذن فلزمه أجرتها، وان نزل فيها عن اذنه ولم يذكر الاجرة، فعلى ما ذكرناه من الوجوه الاربعة في الخياطة، وبالله التوفيق. (الشرح) قال الماوردى في الحاوى الكبير: وليس لمؤجر الارض أن يحتبس الارض على المستأجر على دفع الاجرة، ولا للجمال أن يحبس ما استؤجر على حمله من المبتاع ليأخذ الاجرة لانه في يده أمانة وليس برهن. فأما الصانع المستأجر على عمل من خياطة أو صباغة هل له احتباس ما بيده من العمل على أجرته؟ فيه وجهان. أحدهما: ليس له ذاك قياسا على ما ذكرنا، والثانى: له ذاك لان عمله ملك له كالبائع، فإذا حبس الصانع الثوب بعد عمله على استيفاء الاجر فتلف ضمنه، لانه لم يرهنه عنده، ولا اذن له في امساكه، فلزمه الضمان كالغاصب، وبهذا قال أصحاب أحمد كما أفاده ابن قدامة. (فرع) إذا عمل الصانع عملا لغيره بإذنه كأن دفع ثوبا إلى قصار ليقصره

أو إلى خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر أحدهما أجرة فلا أجرة له لتبرعه، ولانه لو قال: أسكني دارك شهرا فأسكنه لم يستحق عليه أجرة بالاجماع كما في البحر والاوجه كما بحثه الاذرعى وجوبها في قن ومحجور سفه لانهما غير أهل للتبرع ومثلهما غير المكلف بالاولى. قال النووي: وقيل: له أجرة مثله، وقيل: أن كان معروفا بذلك العمل بالاجرة فله والا فلا وقد يستحسن اه. وصورة المسألة إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليخيطه أو يقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض بأجر مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله وأنا أعلم أنك انما تعمل بأجر، وكان الخياط والقصار متوفرين على ذلك وقد عرف عنهما الاجر الذى يأخذانه، وكان لصاحب الدكان لافتة سجل فيها أسعار أجرته كما يفعل الكواءون والحلاقون والخياطون والساعاتيون كان ذلك يجرى مجرى الافهام الذى هو شرط عندنا في صحة الاجارة. وعند أصحاب أحمد أن العرف الجارى بذلك يقوم مقاوم القول فصار كنقد البلد، ولان شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعيريض، إذا عرف هذا فإن في المسألة أربعة أوجه. (أحدهما) وهو قول المزني يستحق الاجر مطلقا لانه استهلك عمله فلزمه عوضه والثانى: التفريق بين طلب رب الثوب منه أن يخيطه وبين أن يطلب من رب الثوب أن يخيطه له، فإذا قال له رب الثوب خط هذا لى فقد كلفه بعمل له ما يقابله من الاجر فيلزمه لانه يأمره بالعمل والعمل لا يلزم بغير أجرة، وإذا قال الخائط أعطني هذا الثوب لاخيطه لك لم تلزمه أجرته وهو قول أبى اسحاق المروزى، حيث لم يأمره فليس ثم ما يوجب له الاجرة (والثالث) وهو قول أبى العباس بن سريج، وهو الذى أخذ به أحمد واصحابه، وذكره النووي في المنهاج بصيغة التمريض بقوله: وقيل وهو أنه إذا كان الصانع معروفا بأخذ الاجرة على الخياطة لزمه، والا لم يلزمه لان العرف يجرى مجرى الشرط (والرابع) وهو الظاهر من المذهب أنه لا أجرة لن كمن قدم طعامه لمن يأكل فليس له أن يطلب ثمنه. وخص المصنف والاصحاب السفينة إذا نزلها أو شحن فيها متاعة بغير اذن

الملاح فإنه يلزمه عوض استهلاك منفعة موضعه من السفينة. وقال الشمس الرملي وقد يستحسن ترجيحه لوضوح مدركه وهو يقصد أن يكون الصانع معروفا بأخذ الاجرة إذ هو العرف، وهو يقوم مقام اللفظ كثيرا، ونقل عن الاكثرين، والمعتمد الاول، فإن ذكر أجرة استحقها قطعها إن صح العقد، وإلا فأجرة المثل، وأما إذا عرض كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما تحبه أو يسرك أو أطعمك فتجب أجرة المثل، نعم في الاخيرة يحسب على الاجير ما أطمعه إياه كما هو ظاهر، وقد تجب من غير تعريض بها كما في عامل الزكاة اكتفاه بثبوتها بالنص فكأنها مسماة شرعا، وكعامل مساقاة عمل ما ليس بلازم له بإذ المالك اكتفاء بذكر المقابل له في الجملة. قال: ولا يستثنى وجوبها على داخل الحمام أو راكب السفينة مثلا من غير إذن لاستيفائه المنفعة من غيرب أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه، وسواء في ذلك أسيسر السفينة بعلم مالكها أم لا. وقول ابن الرفعة في المطلب لعله فيما إذا لم يعلم به مالكها حين سيرها، وإلا فيشبه أن يكون كما لو وضع متاعة على دابة غيره فسيرها مالكها، فإنه لا أجرة على مالكه، ولا ضمان مردود، فقد فرق العراقى بينهما بأن راكب السفينة بغير إذن غاصب للبقعة التى هو فيها ولو لم يسير، بخلاف واضع متاعه على الدابة لا يصير غاصبا لها بمجرد وضع متاعة، ويفرق أيضا بأن مجرد العلم لا يسقط الاجرة ولا الضمان، فإن السكوت على إتلاف المال لا يسقط الضمان، وهو علم وزيادة، ومالك الدابة بسبيل من إلقاء المتاع قبل تسييرها بخلافه في راكب السفينة اه. قال الرملي الصغير في النهاية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب الجعالة

قال المصنف رحمه الله تعالى: * (باب الجعالة) * يجوز عقد الجعالة وهو أن يبذل الجعل لمن عمل له عملا من رد ضالة ورد آبق وبناء حائط وخياطة ثوب وكل ما يستأجر عليه من الاعمال، والدليل عيله قوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) وروى أبو سعيد الخدرى (أن ناسا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتو احيا من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم راق فقالوا لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شاء فجعل رجل يقرأ بام القرآن ويجمع بزاقة ويتفل فبرا الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا: لا نأخذها حتى نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك فضحك وقال: ما أدراك إنها رقية؟ خذوها واضربوا إلى فيها بسهم ولان الحاجة تدعو إلى ذلك من رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه فجاز كالاجارة والمضاربة. (فصل) ويجوز ان يعقد لعامل غير معين للآية، ولانه قد يكون له عمل ولا يعرف من يعمله، فجاز من غير تعيين، وروى المزني في المختصر عن الشافعي رحمه الله في المنثور انه قال إذا قال أول من يحج عنى فله مائة فحج عنه رجل أنه يستحق المائة. وقال المزني: ينبغى أن يستحق أجرة المثل لانه اجازة فلم تصح من غير تعيين، وهذا خطا، لان ذلك جعالة، وقد بينا ان الجعالة تجوز من غير تعيين العامل. (فصل) وتجوز على عمل مجهول للآية، ولان الحاجة تدعو إلى ذلك فجاز مع الجهالة كالمضاربة، ولا تجوز الا بعوض معلوم، لانه عقد معاوضة فلا تجوز بعوض مجهول كالنكاح، فان شرط له جعلا مجهولا فعمل استحق أجرة المثل، لان كل عقد وجب المسمى في صحيحه وجب المثل في فاسده، كالبيع والنكاح.

(فصل) ولا يستحق العامل الجعل الا بإذن صاحب المال، فأما إذا عمل له عملا من غير إذنه بأن وجد له آبقا فجاء به، أو ضالة فردها إليه، لم يستحق الجعل لانه بذل منفعته من غير عوض، فلم يستحق العوض، فان عمل باذنه ولم يشرط له الجعل، فعلى الاوجه الاربعة التى ذكرناها في الاجارة، فان اذن له وشرط له الجعل فعمل استحق الجعل، لانه استهلك منفعته بعوض فاستحق العوض كالاجير، فان نادى فقال: من رد عبدى فله دينار فرده من لم يسمع النداء لم يستحق الجعل لانه متطوع بالرد من غير بدل، فان أبق عبد لرجل فنادى غيره ان من رد عبد فلان فله دينار، فرده رجل وجب الدينار على المنادى، لانه ضمن العوض فلزمه، فان قال في النداء: قال فلان: من رد عبدى فله دينار فرده رجل لم يلزمه المنادى، لانه لم يضمن. وانما حكى قول غيره. (فصل) ولا يستحق العامل الجعل الا بالفراغ من العمل، فان شرط له جعلا على رد الآبق فرده إلى باب الدار ففر منه أو مات قبل ان يسلمه لم يستحق شيئا من الجعل، لان المقصود هو الرد، والجعل في مقابلته ولم يوجد منه شئ، وان قال: من رد عبدى الآبق من البصرة فله دينار وهو ببغداد فرده رجل من واسط استحق نصف الدينار، لانه رد من نصف الطريق، وان رده من أبعد من البصرة لم يستحق اكثر من الدينار، لانه لم يضمن له لما زاد شيئا. وان أبق له عبدان فقال من ردهما فله دينار، فرد رجل أحدهما استحق نصف الجعل، لانه عمل نصف العمل. وان قال: من رد عبدى فله دينار، فاشترك في رده اثنان اشتركا في الدينار، لانهما اشتركا في العمل فاشتركا في الجعل وان قال لرجل: ان رددت عبد فلك دينار، وقال لآخر: ان ردته فلك ديناران، فاشتركا في الرد استحق كل واحد منهما نصف ما جعل له، وان جعل لاحدهما دينارا وللآخر ثوبا مجهولا فرداه استحق صاحب الدينار نصف دينار وصاحب الثوب نصف أجرة المثل، لان الدينار جعل صحيح، فاستحق نصفه، والثوب جعل باطل فاستحق نصف اجرة المثل، وان قال لرجل ان رددت عبدى فلك دينار فشاركه غيره في رده، فان قال: شاركته معاونة له كان الدينار للعامل

لان العمل كله له فكان الجعل كله له، وان قال شاركته لاشاركه في الجعل كان للعامل نصف الجعل، لانه عمل نصف العمل، ولا شئ للشريك لانه لم يشرط له شيئا. (الشرح) هي بتثليث الجيم عند ابن مالك وغيره. واقتصر النووي والجوهري والفيومى صاحب المصباح على كسرها، وابن الرفعة في الكفاية والمطالب على فتحها، وهى لغة اسم لما يجعله الانسان لغيره على شئ يفعله، وكذا الجعل والجعيلة، وأما تعريفها شرعا فهو التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم أو مجهول بمعين أو مجهول. وقد أورد المصنف الجعالة عقب الاجارة، وكذلك فعل النووي في الروضة وصاحب الشرح، لان التلازم بين الاجارة والجعالة واضح، لانها عقد على عمل، إلا أن أكثر المصنفين في الفقه جعلوها بعد اللقطة، لانها طلب النقاط الدابة الضالة. وقد استدل المصنف على انها من العقود الجائزة بقوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير) واعتبر الرملي سوقه الاية استئناسا وليس استدلالا، وعلل ذلك الشبراملسى في حاشيته على النهاية هذه العبارة بان شرع من قبلنا ليس شرعا لنا وان ورد في شرعنا ما يقرره. اما الحديث الذى ساقه المصنف عن أبى سعيد فقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وأتم هذه الطرق جميعا رواية البخاري ولفظها (انطلق نفر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرة سافروها حتى نزلوا على حى من احياء العرب فاستضافوهم فابوا ان يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحى فسعوا له بكل شئ، لا ينفعه شئ، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم ان يكون عندهم بعض شئ، فاتوهم فقالوا: يا ايها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه فهل عند احد منكم من شئ؟ قال بعضهم إنى والله لا رقى لكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما انا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من غنم فانطلق يتفل عليه، ويقرأ الحمد لله

رب العالمين، فكانما نشط من عقال، فانطلق يمشى وما به قلبة، قال فاوفواهم جعلهم الذى صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذى رقى: لا تفعلوا حتى ناتى النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذى كان، فننظر الذى يامرنا، فقدموا على النبي صلى الله عليه واسلم فذكروا له ذلك فقال: وما يدريك انه رقية؟ ثم قال: قد اصبتم واضربوا إلى معكم سهما، وضحك النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَى البخاري رواية عن ابن عباس بلفظ (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من اهل الماء فقال: هل فيكم من راق فان الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم فقرا بفاتحة الكتاب على شاء، فجاء بالشاء إلى اصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: اخذت على كتاب الله اجرا؟ حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله اخذ على كتاب الله اجرا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ان احق ما أخذتم عليه اجرا كتاب الله) قوله (فاستضافوهم) في رواية للترمذي انهم ثلاثون رجلا. وقد روى الحاكم رواية أبى سعيد الخدرى على انه هو الرقى، وهى على شرط مسلم. قال الزركشي: ويستنبط منه جواز الجعالة على ما ينتفع به المريض من داوء أو رقبة وان لم يذكروه. وهو متجه ان حصل به تعب والا فلا اخذا مما ياتي. على ان الاجماع منعقد على جوازها لما تدعو إليه الحاجة من ضالة، أو عمل لا يقدر عليه ولا يجد من يتطوع به، ولا تصح الاجارة عليه لجهالة، فجاز ان يجعل له جعلا كالاجارة والقراض. واركان الجعالة اربعة: صيغة ومتعاقدان وعمل وعوض. ولما كان الجعل لا يستحق الا باذن صاحب المال كالاجارة، فانه فارق الاجارة في استحاقه بالعمل، اما الاجارة فانها تستحق بالعقد، لانه لو قال: من رد على ضالتي فله درهم قبلها بطل، هكذا افاده الغزالي في كتاب الدور، وعدم اشتراط قبضه في المجلس مطلقا، ويشترط في المللتزم للجعل مالكا أو غيره ان يكون مطلق التصرف كما في الاجارة فلا يصح بالتزام الصبى أو المحجور عليه للسفه أو المجنون. كما يشترط في العامل المعين اهلية العمل بان يكون قادرا عليه ولا

تشترط الحرية وغير المكلف، وان يقوم بالعمل باذن وبغير اذن، كما قال ذلك السبكى خلافا لابن الرفعة في اشتراط اذن السيد، ويخرج بذلك العاجز عن العمل كالصغير والضعيف إذا غلبهما العمل، فاشبه استئجار الاعمى للحراسة. هكذا افاده الزركشي وابن العماد ونقل المزني ان الشافعي نص في المنشور أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ حَجَّ عَنَى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَحَجَّ عَنْهُ إنْسَانٌ اسْتَحَقَّ الْمِائَةَ. قَالَ الْمُزَنِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، لِأَنَّ هَذَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأَجْرِ. هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ، والمسألة التى ساقها المصنف بذكر النووي رضى الله عنه ان للاصحاب فيها ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وُقُوعُ الْحَجِّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ويستحق الاجرة المسماة. وبهذا نص الشافعي واختاره النووي، لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ. وَالْجَعَالَةُ تَجُوزُ عَلَى عمل مجهول، فمن باب اولى المعلوم، (وَالثَّانِي) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ: أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى. وقد حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مُعْظَمَ الْإِصْحَابِ مَالُوا إلى هذا. قال النووي. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِذْنُ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ إلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُ مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فِي بَيْعِهَا. فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا التَّوْكِيلِ. وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ. وذكر امام الحرمين ان شيخ وَالِدَهُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسَادِ الْإِذْنِ، وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ. فَقَالَ مَنْ حج عنى فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَسَمِعَهُ رَجُلَانِ وَأَحْرَمَا عَنْهُ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْأَصْحَابُ: إنْ سَبَقَ إحْرَامُ أَحَدِهِمَا وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وَيَسْتَحِقُّ السَّابِقُ المائة. واحرام الثاني يقع عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَنْ عَقَدَ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ قَالَ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ مائة دينار فحج عَنْهُ رَجُلَانِ. أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ.

وَقَعَ إحْرَامُ السَّابِقِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَائِلِ وله عليه المائة. ولو احراما معا وقع حج كل منهما عن نفسه ولا شئ لهما على القائل، لانه لَيْسَ فِيهَا أَوَّلٌ. وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا بأن قال: من حج عنى فله ثوب أو دراهم أو ناقة وقع الحج عن القائل بأجرة المثل. (فرع) استدل المصنف من قوله تعالى (ولمن جاء به) على جواز عقدها لغير المعين، كما في المثال الذى سبق فيمن يحج عنه، كما استدل بالآية أيضا على جوازها على عمل مجهول. وكذلك لو قال: من رد ضالتي من سامعي ندائى فله كذا فرده من علم ندائه ولم يسمع منه لم يستحق، هكذا أفاده الماوردى وصرح بمثله القاضى حسين. قال الاذرعى، وقول القاضى فان رده بنفسه أو بعده استحق، يفهم عدم الاستحقاق إذا استقل العبد بالرد. قال النووي، ولو قال أجنبي من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبي. قال الرملي استحقه الراد العالم به على الأجنبي لانه التزمه فصار كخلع الأجنبي، وكما لو التمس إلقاء متاع غيره في البحر لخوف الهلاك وعليه ضمانه. إذا ثبت هذا فان العامل بلا إذن لا يستحق الجعالة، لانه لو أذن لشخص فعمل غيره فلا شئ له ولو كان معروفا برد الضال بعوض لانه لم يلتزم عوضا له فوقع عمله تبرعا. وقال الشبراملسى عند قوله (فلو عمل أحد بلا إذن فقال ومن ذلك ما جرت به العادة في قرى مصرنا من أن جماعة اعتادوا حراسة الجرين نهارا وجماعة اعتادوا حراسته ليلا، فان اتفقت معاقدتهم على شئ من أهل الجرين أو من بعضهم باذن الباقين لهم في العقد استحق الحارسون ما شرط لهم ان كانت الجعالة صحيحة وإلا فأجرة المثل وأما ان باشروا الحراسة بلا إذن من أحد اعتمادا على ما سبق من دفع أرباب الزرع للحارس سهما معلوما عندهم لم يستحقوا شيئا. وليس كما لو التزم الثمن في شراء غيره أو الثواب في هبة غيره، لانه عوض تمليك فلا يتصور وجوبه على غير من حصل له الملك، والجعل ليس عوض تمليك. واستشكل ابن الرفعة هذه بأنه لا يجوز لاحد وضع يده على مال غيره بقول

الأجنبي بل يضمنه فكيف يستحق الاجرة. وأجيب بأنه لا حاجة إلى الاذن في ذلك لان المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء في الرد والتزم الأجنبي بالجعل، أو يكون للاجنبي ولاية على المالك، وقد يصور أيضا بما إذا ظنه العامل المالك أو عرفه وظن رضاه. وظاهر كلام المصنف أنه يلزمه العوض المذكور وإن لم يقل على. قال الرملي: وهو كذلك فقد قال الخوارزمي في الكافي: ولو قال الفضولي: من رد عبد فلان فله على دينار، أو قال فله دينار، فمن رده استحق على الفضولي ما سمى. وصرح به ابن يونس في شرح التعجيز، فانه صور المسألة بما إذا قال على ثم قال وألحق الائمة به قوله فله كذا. وإن لم يقل عليه، لان ظاهره التزام. ولو قال أحد الشريكين في رقيق: من رد رقيقي فله كذا فرده شريكه فيه استحق الجعل. وصورة المسألة إذا لم يكن القائل ولى المالك. فأما إذا كان وليه وقال ذلك عن محجوره على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أو أقل استحقه الراد في مال المالك بمقتضى قول وليه، ويعلم مما تقرر أنه لا يتعين على العامل المعين العمل بنفسه. فلو قال لشخص معين: إن رددت على ضالتي فلك كذا لم يتعين عليه السعي بنفسه، بل له أن يستعين بغيره، فإذا حصل الفعل استحق الاجرة. قاله الغزالي في البسيط قال الرملي: وحاصله أن توكيل العامل المعين غيره في الرد كتوكيل الوكيل فيجوز له أن يوكله فيما يعجز عنه وعلم به القائل أو لا يليق به كما يستعين به، وتوكيل غير المعين بعد سماعه النداء غيره، كالتوكيل في الاحتطاب والاستقاء ونحوهما فيجوز، فعلم أن العامل المعين لا يستنيب فيها إلا إن عذر وعلم به الجاعل حال الجعالة. اه (فرع) تصح الجعالة على عمل مجهول كما ذكر ذلك المصنف لان الجهالة احتملت في القراض لحصول زيادة، فاحتمالها في رد الحاصل أولى، وهو مقيد كما أفاده جمع بما إذا عسر ضبطه لا كبناء حائط فيذكر محله وطوله وسمكه وارتفاعه وما يبنى به، وخياطة ثوب فيصفه كالاجارة. أما صحتها على المعلوم فأولى. ومثال ذلك قوله: من رد على ضالتي من مكان كذا فله كذا، وهذا هو الاصح.

(والثانى) المنع للاستغناء عنه بالاجارة، وقد عرفت أنه لا بد من كون العمل فيه كلفة أو مؤنة، كرد آبق أو ضال، أو أداء حج أو خياطة ثوب أو تعليم علم أو حرفة، أو إخبار فيه غرض وصدق فيه، فلو رد من هو بيده ولا كلفة فيه فلا شئ له، إذ مالا كلفة فيه لا يقابل بعوض فلو قال من دلنى على مالى فله كذا فدله غير من هو بيده استحق، لان الغالب أنه تلحقه مشقة. قال الاذرعى ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك. أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجعل فلا عبرة بهما ويلزم عدم التوقيت في الجعالة. لانه لو قال من رد على ضالتي إلى شهر كذا فله كذا لو يصح كما في القراض، لان تقدير المدة مخل بمقصود العقد، فقد لا يظفر به فيها فيضيع سعيه ولا يحصل الغرض، سواء أضم إليه من محل كذا أم لا، وغير واجب على العامل. فلو قال من دلنى على مالى فله كذا فدله من المال في يده لم يستحق شيئا لان ذلك واجب عليه شرعا، فلا يأخذ عليه عوضا. وكذا لو قال من رد مالى فله كذا فرده من هو في يده ويجب عليه رده. وقضيته أنه لو كان الدال أو الراد غير مكلف استحق. وقد أفتى الامام النووي كما حكى ذلك صاحب نهاية المحتاج فيمن حبس ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه وغيره بأنها جعالة مباحة، وأخذ عوضها حلال، ونقله عن جماعه، ثم قال وفى ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفا (قلت) فإذا كان العرف هو الذى يبنى عليه حد الاباحة والمنع في الجعالة فمقتضى العرف الذى نعلمه اليوم أن ذلك رشوة، فإذا كان صاحب جاه يستطيع أن يرفع ظلما وقع على إنسان بجاهه وجب عليه العمل على رفعه، وبذلك تبطل الجعالة، لانها لا تكون إلا عوضا عما لا يجب على العامل. ومقتضى النصيحة والعمل لاحقاق الحق الذى يلزمه كل مسلم يمنع هذه الصورة التى أفتى بها النووي رحمه الله تعالى. ولانهم قالوا إن السعي والعمل وبذلك المجهود هي مع حصول المقصود توجب

الجعالة، وجعلو إخبار الطبيب للمريض بدوائه عملا تافها لا جهد فيه ولا سعى فلا يستحق عليه جعلا، فكيف بمن له جاه يمكن أن يؤثر به في رفع ظلم أو قضاء مصلحة بدون مشقة أو جهد أو سعى إلا أن يتفوه بكلمة هل يحل له أن يأخذ جعالة؟ إن قياس المذهب والبناء على أصله يمنع ذلك. ولا أعلم في ذلك خلاف في الاصل الذى بنينا عليه، لانه يستمد قوته من قوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين) ويشترط لصحة العقد كون الجعل مالا معلوما لانه عوض كالاجرة والمهر ولانه عقد جوز للحاجة، ولا حاجة لجهالة العوض بخلاف العمل، ولان جهالة العوض تفوت مقصود العقد إذ لا يرغب أحد في العمل مع جهالة العوض، ويحصل العلم بالمشاهدة إن كان معينا، وبالوصف إن كان في الذمة. فلو قال: من رد ضالتي فله ما حملت، وكان ما تحمله معروفا كسرجها ولجامها أو شيئا آخر تنقله ضلت به وكان معروفا للعامل، واستشكل ابن الرفعة اعتبار الوصف في المعين لانهم منعوه في البيع والاجارة وغيرهما. قال البلقينى: ويمكن الفرق بدخول التخفيف هنا فلم يشدد فيها بخلاف نحو البيع، وقياسه صحته فله نصفه إن علم، وإن لم يعرف محله وهو أوجه الوجهين. وما قاسه عليه الرافعى من استئجار المرضعة بنصف الرضيع بعد الفطام أجاب عنه في الكفاية بأن الاجرة المعينة تملك بالعقد فجعلها جزءا من الرضيع بعد الفطام يقتضى تأجيل ملكه، وهنا إنما تملك بتمام فلا مخالفة لمقتضى العقد ولا عمل يقع في مشترك، كذا أفاده الرملي (فرع) إذا قال: من رد على ضالتي من بلد كذا فرده من جهه ذلك البلد لكن من أبعد منه فلا زيادة له لتبرعه بها. أما إذا قال: من رده من بلد كذا فرده من أقرب منه فلا يستحق الاقسطه من الجعل، لانه جعل كل الجعل في مقابلة العمل، فبعضه في مقابلة بعضه، فإن رده من نصف الطريق استحق نصف الجعل.

فإذا كانت الطريق غير متساوية في الحزونة والسهولة بأن كان النصف الذى قطعه يمكن أن تكون أجرته ضعف أجرة النصف الآخر استحق الثلثين من الجعل، فإن كان من البلد أو من مسافة مثل مسافته ولو من جهة أخرى استحق المسمى. ولو رد من البلد المعين، ورأى المالك في نصف الطريق فدفعه إليه استحق نصف الجعل. ولو قال: من رد على ضالتي فله كذا، فرد احدهما استحق نصف الجعل، استوت قيمة الضالتين أو اختلفت. ولو قال لرجلين ان رددتما ضالتي فلكما كذا فرد أحدهما احداهما استحق الربع أو كليهما استحق النصف أو رداهما استحقا المسمى. ولو قال أول من يرد ضالتي فله كذا فرداها استحقا المسمى مناصفة لوصفهما بالاوليه في الرد. ولو قال لكل واحد من ثلاثة ردها ولك دينار، فردوها جميعا استحق كل واحد منهم ثلث دينار توزيعا بالحصص على الرؤوس، هذا إذا عمل كل منهم لنفسه ليأخذ الدينار. أما لو قال: أعنت صاحبي فلا شئ له ويقتسمان في الدينار، أو قال اثنان ذلك أخذ الثالث الدينار وحده ولا شئ لهما وللآخر جميع المشروط، فان شاركهم رابع فلا شئ له. أما إذا قصد بمعاونته المالك أو أخذ الجعل منه فلكل واحد من الثلاثة ربع المشروط، فان أعانا أحدهما فلكل واحد من الاثنين ربع المشروط وللمعاون بفتح الواو النصف، فان شرط لاحدهم جعلا مجهولا، ولكل من الآخرين دينارا فردوه فله ثلث أجرة المثل ولهما ثلثا المسمى. وهكذا قال النووي إذا اشترك اثنان في رده اشتركا في الجعل. ولو التزم جعلا لمعين فشاركه غيره في العمل ان قصد اعانته فله كل الجعل.

وهنا يقول صاحب النهاية: لان قصد الملتزم الرد ممن التزم له بأى وجه أمكن فلم يقصر لفظه على المخاطب وحده بخلاف ما مر فيما إذا أذن لمعين فرد نائبه مع قدرته، لان المالك لم يأذن فيه اصلا. ولا شئ للمعين إلا إن التزم له المخاطب أجرة، ويؤخذ من كلامهم هنا، وفى المساقاة كما أفاده السبكى جواز الاستنابة في الامامة والتدريس وسائر الوظائف التى تقبل النيابة، أي ولو بدون عذر فيما يظهر، ولو لم يأذن الواقف إذا استناب مثله أو خيرا منه، ويستحق المستنيب جميع المعلوم، وان أفتى ابن عبد السلام والنووي بأنه لا يستحقه واحد منهما، إذ المستنيب لم يباشر والنائب لم يأذن له الناظر، فلا ولاية له، وما نازع به الاذرعى من كون ذلك سببا لفتح باب أكل أرباب الجهالات مال الوقف دائما مما أرصد للمناصب الدينية، واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنذر يسير. قال غيره: وهكذا جرى فلا حول ولا قوه إلا بالله مردود باشتراط كونه مثله أو خيرا منه. ولو قال لواحد: إن رددته فلك دينار. وقال لآخر: إن رددته أرضيك، أو أحلى بالحلوى فمك، فرداه، فللاول نصف الدينار، وللآخر نصف أجرة مثل عمله. وينقسم العقد باعتبار لزومه وجوازه إلى ثلاثة أقسام: (أحدها) لازم من الطرفين قطعا كالبيع والاجارة والسلم والصلح والحواله والمسافاة والهبة لغير الفروع بعد القبض والخلع، ولازم من أحدهما قطعا، ومن الاخر على الاصح وهو النكاح فإنه لازم من جهة المرأة قطعا، ومن جهة الزوج على الاصح، وقدرته على الطلاق ليست فسخا. (ثانيها) لازم من أحد الطرفين جائز من الاخر قطعا كالكتابة، والرهن وهبة الاصول للفروع بعد القبض والضمان والكفالة. (ثالثها) جائز من الطرفين كالشركة والوكالة والعارية والوديعة، وكذا الجعل له قبل فراغ العمل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز لكل واحد منهما فسخ العقد لانه عقد على عمل مجهول بعوض، فجاز لكل واحد منهما فسخه كالمضاربة، فإن فسخ العامل لم يستحق شيئا لان الجعل يستحق بالفراغ من العمل، وقد تركه فسقط حقه، وإن فسخ رب المال، فان كان قبل العمل لم يلزمه شئ، لانه فسخ قبل أن يستهلك منفعة العامل فلم يلزمه شئ، كما لو فسخ المضاربة قبل العمل، وإن كان بعدما شرع في العمل لزمه أجرة المثل لما عمل، لانه استهلك منفعته بشرط العوض فلزمه أجرته، كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل. (فصل) وتجوز الزيادة والنقصان في الجعل قبل العمل، فان قال: من رد عبدى فله دينار، ثم قال: من رده فله عشره، فرده رجل استحق عشرة، وان قال: من رد عبدى فله عشرة، ثم قال: من رده فله دينار، استحق الدينار، لانه مال بذل في مقابلة عمل في عقد جائز فجائز والزيادة والنقصان فيه قبل العمل كالربح في المضاربة. (فصل) وإن اختلف العامل ورب المال فقال العامل: شرطت لى الجعل وأنكر رب المال، فالقول قول رب المال، لان الاصل عدم الشرط وعدم الضمان، وان اختلفا في عين العبد فقال السيد: شرطت الجعل في رد غيره. وقال العامل: بل شرطت الجعل في رده، فالقول قول المالك، لان العامل يدعى عليه شرط الجعل في عقد، الاصل عدمه، فكان القول فيه قوله، وان اختلفا في قدر الجعال تحالفا كما قلنا في البيع، فإذا تحالفا رجع إلى أجرة المثل كما رجع في البيع بعد هلاك السلعة إلى قيمة العين. وان اختلف العامل والعبد فقال العامل: أنا رددته. وقال العبد جئت بنفسى وصدقة المولى، فالقول قول المولى مع يمينه، لان الاصل عدم الرد، وعدم وجوب الجعل، وبالله التوفيق. (الشرح) قلنا: ان العقود منها الجائز من الطرفين كالشركة والوكالة والعارية

والوديعة (والجعالة قبل الفراغ من العمل) ومن ثم يجوز لاى منهما الفسخ قبل تمام العمل، لانه عقد جائز من الطرفين، أما من جهة الجاعل فمن حيث إنها تعلن استحقاق بشرط فأشبهت الوصية. وأما من جهة العامل فلان العمل فيها مجهول، وما كان كذلك لا يتصف باللزوم كالفراض، وإنما يتصور الفسخ من العامل في الابتداء إذا كان معينا بخلاف غيره فلا يتصور فسخه إلا بعد شروعه في العمل، والمراد بالفسخ رفع العقد ورده، وخرج بقوله: قبل العمل، ما بعده، فإنه لا أثر للفسخ، لان الجعل قد لزم واستقر، وعلم من جوازها انفساخها بموت أحد المتعاقدين أو جنونه أو إغمائه. فلو مات المالك بعد الشروع في العمل فرده إلى وارثه استحق قسط ما عمله في الحياة من المسمى. وإن مات العامل فرده وارثه استحق القسط منه أيضا، فإن فسخ قبل الشروع أو فسخه العامل بعد الشروع فلا شئ له، لانه لم يعمل شيئا في الاولى، ولان الجعل إنما يستحق في الثانية بتمام العمل، وقد فوته باختياره. وان فسخ المالك بعد الشروع في العمل فعليه أجرة المثل لما مضى في الاصح لان جوازه يقتضى التسلط على رفعه، وإذا ارتفع لم يجب المسمى كسائر الفسوخ لكن عمل العامل وقع محترما فلا يحبط بفسخ غيره فرجع إلى بدله وهو أجرة المثل كالاجارة إذا فسخت بعيب. والثانى: لا شئ للعامل كما لو فسخ بنفسه، ولا فرق على هذا القول بين أن يكون ما صدر من العامل لا يحصل به مقصود أصلا كرد الضال إلى بعض الطريق أو يحصل به بعضه كما لو قال: ان علمت ابني القرآن فلك كذا ثم منعه من تعليمه ولا يشكل ما رجحوه هنا كما يقول الرملي من استحقاق أجرة المثل بقولهم: إذا مات العامل أو المالك في أثناء العمل حيث ينفسخ ويجب القسط من المسمى لان الجاعل أسقط حكم المسمى في مسئلتنا بفسخه بخلافه في تلك، وما فرق به بعض الشراح من أن العامل في الانفساخ تمم العمل بعده ولم يمنعه المالك منه

بخلافه في الفسخ، محل نظر، إذ لا أثر له في الفرق بين خصوص الوجوب من المسمى تارة، ومن أجرة المثل أخرى كما هو ظاهر للمتأمل. (فرع) ويجوز للمالك أن يزيد وينقص في العمل وفى الجعل ولو من غير جنسه ونوعه قبل الفراغ كالمبيع في زمن الخيار، سواء ما قبل الشروع في العمل أو بعده، لانه عقد جائز، فلو قال: من رد ضالتي فله عشرة، ثم قال من ردها فله خمسة أو عكس فالاعتبار بالاخير من قوليه، أما بعد الشروع ففائدته وجوب أجرة المثل له، لان النداء الاخير فسخ للاول، والفسخ في أثناء العمل يقتضى الرجوع إلى أجرة المثل، ومحله قبل الشروع أن يعلم العامل بالتغيير، فإن لم يعلم به فيما إذا كان معينا ولم يعلن به الملتزم فيما إذا كان غير معين، هكذا أفاده في النهاية. وقال الغزالي في الوسيط: ينقدح أن يقال: يستحق أجرة المثل وهو الراجح وقال الماوردى والرويانى وأقره السبكى: يستحق الجعل الاول، كما أقر ذلك البلقينى وغيره، فعلى الاول لو عمل من سمع النداء الاول خاصة، ومن سمع النداء الثاني استحق الاول نصف أجرة المثل والثانى نصف المسمى الثاني، وعلى قول الماوردى والرويانى والسبكي والبلقيني للاول نصف الجعل الاول وللثاني نصف الثاني. أما التغيير بعد الفراغ فلا يؤثر، لان المال قد لزم، ويتوقف لزوم الجعل على تمام العمل، ولهذا قال النووي: ولو مات الآبق في بعض الطريق أو هرب فلا شئ للعامل. قال الشراح: لانه لم يرده والاستحقاق معلق بالرد، ويخالف موت أجير الحج في أثناء العمل فإنه يستحق من الاجرة بقدر ما عمله في الاصح لان القصد بالحج الثواب، وقد حصل للمحجوج عنه الثواب بالبعض، والقصد هنا الرد ولم يوجد، ولو لم يجد المالك سلم المردود إلى الحاكم واستحق الجعل، فإن لم يكن حاكم أشهد واستحقه، ويجرى ذلك في سائر ما يتلف من محال الاعمال.

(فرع) إذا اختلف المالك والعامل فقد قال النووي رضى الله عنه يصدق المالك بيمينه إذا أنكر شرط الجعل أو سعى العامل اه. والاول كأن يقول: ما شرطت الجعل، أو شرطته في شئ آخر. والثانى كأن يقول: لم ترده أنت وانما رده غيرك، أو عادت الضالة بنفسها من غير سعى منك، لان الاصل عدم الرد والشرط وبراءة ذمته، فلو اختلفا بعد الاستحقاق في قدر الجعل أو جنسه أو صفته أو في قدر العمل كأن قال شرطت مائة على رد ضالتين فقال العامل بل على رد هذا فقط تحالفا، وللعامل أجرة المثل كما في القراض والاجارة ن كل هذا إذا اختلفا بعد الفراغ من العمل والتسليم، أو قبل الفراغ فيما إذا وجب للعامل قسطه من العمل الذى عمله وجعالة، فان كان العمل مضبوطا مقدرا فاجارة ولو احتاج إلى تردد غير مضبوط فجعالة والمراد أنه يجوز عقد الاجارة في الشق الاول دون الثاني، ويد العامل على المأخوذ إلى رده يد أمانة. ولو رفع يده عنه وخلاه بتفريط كأن خلاه بمضيعة ضمنه لتقصيره، وان خلاه بلا تفريط كأن خلاه عند الحاكم لم يضمنه ونفقته على مالكه، فان انفق عليه مدة الرد فمتبرع الا ان أذن له الحاكم فيه أو أشهد عند فقده ليرجع، والله تعالى أعلم بالصواب.

كتاب السبق والرمى

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب السبق والرمى تجوز المسابقة والمناضلة لما روى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الخيل، المضمرة منها، من الحفيا إلى ثنية الوداع. وما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق وروى أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له ناقه يقال لها العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقالوا يا رسول الله سبقت العضباء، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه حق على الله أن لا يرتفع من هذه القذرة شئ إلا وضعه. وروى سلمة بن الاكوع قال: أتى عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نترامى فقال (حسن هذا لعبا، ارموا يا بنى اسماعيل، فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع ابن الادرع، فكف القوم أيديهم وقسيهم وقالوا غلب يا رسول الله من كنت معه، قال ارموا وأنا معكم جميعا) فإن كان ذلك للجهاد فهو مندوب إليه لما رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول على المنبر (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) إلا إن القوة هي الرمى. قالها ثلاثا وروى عقبة بْنِ عَامِرٍ قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (ارموا واركبوا، ولان ترموا أحب إلى من أن تركبوا، وليس من اللهو إلا ثلاثة، ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه بقوسه. ومن علمه الله الرمى فتركه رغبة عنه فنعمة كفرها، وان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه المحتسب فيه الخير، والرامي، ومنبله) (فصل) ويجوز ذلك بعوض لما روى أنه سئل عثمان رضى الله عنه أكنتم تراهنون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ نعم. راهن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فرس له فجاءت سابقة فهش لذلك وأعجبه، والرهن

لا يكون إلا على عوض، ولان في بذل العوض فيه تحريضا على التعلم والاستعداد للجهاد. (فصل) ويجوز أن يكون العوض منهما، ويجوز أن يكون من أحدهما ويجوز أن يبذله السلطان من بيت المال، ويجوز أن يكون من رجل من الرعية لانه إخراج مال لمصلحة الدين فجاز من الجميع كارتباط الخيل في سبيل الله، ولا يجوز إلا على عوض معلوم إما معينا أو موصوفا في الذمة، لانه عقد معاوضة فلم يجز إلا على عوض معلوم كالبيع، ويجوز على عوض حال ومؤجل لانه عوض يجوز أن يكون عينا ودينا فجاز أن يكون حالا ومؤجلا كالثمن في البيع، (فصل) فإن كان العوض من أحدهما أو من السلطان أو من رجل من الرعية فهو كالجعالة، وان كان منهما ففيه قولان (أحدهما) أنه يلزم كالاجارة وهو الصحيح لانه عقد من شرط صحته أن يكون العوض والمعوض معلومين فكان لازما كالاجارة (والثانى) أنه لا يلزم كالجعالة، لانه عقد يبذل العوض فيه على ما لا يوثق به فلم يلزم كالجعالة. فان قلنا إنه كالاجارة كان حكمهما في الرهن والضمين حكم الاجارة وحكمهما في خيار المجلس، وخيار الشرط حكم الاجارة، ولا يجوز لواحد منهما فسخه بعد تمامه، ولا الزيادة ولا النقصان بعد لزومه، كما لا يجوز ذلك في الاجارة. وإن قلنا إنه كالجعالة كان حكمه في الرهن والضمان حكم الجعالة، وقد مضى ذلك في كتاب الرهن والضمان، فأما الفسخ والزيادة والنقصان فإن كان قبل الشروع فيه أو بعد الشروع فيه وهما متكافئان فلكل واحد منهما أن يفسخ ويزيد وينقص، لانه عقد جائز لا ضرر على أحد في فسخه والزيادة والنقصان فيه. وان كانا غير متكافئين نظرت، فإن كان الذى له الفضل هو الذى يطلب الفسخ أو الزيادة جاز، لانه عقد جائز لا ضرر على صاحبه في الفسخ والزيادة فيه، فملك الفسخ والزيادة فيه. وان كان الذى عليه الفضل هو الذى يطلب الفسخ أو الزيادة ففيه وجهان

(أحدهما) له ذلك، لانه عقد جائز فملك فسخه والزيادة فيه (والثانى) ليس له لانا لو جوزنا ذلك لم يسبق أحد أحدا، لانه متى لاح له أن صاحبه يغلب فسخ أو طلب الزيادة فيبطل المقصود. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ متفق عليه عند الشيخين، ورواه أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ (سابق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الخيل فأرسلت التى ضمرت منها وأمدها الحفياء إلى ثنية الوداع، والتى لم تضمر أمدها ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق) وزاد البخاري قال، قال سفيان (من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة. ومن ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق ميل. وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه عَنْ ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سابق بين الخيل وفضل القرح في الغاية) أما حديث أنس بن مالك فقد رواه أحمد والبخاري بلفظ (كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقة تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه) أما حديث سلمة بن الاكوع فقد أخرجه أحمد والبخاري بلفظ (مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نفر من أسلم ينتضلون بالسوق فقال: ارموا يا بنى اسماعيل فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بنى فلان، قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما لكم لا ترمون؟ قالوا كيف نرمى وأنت معهم؟ فقال ارموا وأنا معكم) وفى رواية عند ابن حبان والبزار عن أبى هريرة في مثل هذه القصة (وأنا مع ابن الادرع وعند الطبراني من حديث حمزة بن عمرو الاسلمي (وأنا مع محجن بن الادرع) وفى رواية (وأنا مع جماعتكم) وفى رواية للطبراني: أنهم قالوا من كنت معه فقد غلب، وكذا في رواية ابن اسحاق) أما حديث عقبه بن عامر الجهنى فقد رواه أحمد ومسلم، ولفظه (سمعت

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة. ألا إن القوة الرمى، الا ان القوة الرمى، الا ان القوة الرمى. وفيهما عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عيله وسلم (من علم الرمى ثم تركه فليس منا) وعنه ايضا عند احمد واصحاب السنن مرفوعا (ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر نفر الجنة، صانعه الذى يحتسب في صنعه الخير، والذى يجهز به في سبيل الله. والذى يرمى به في سبيل الله. وقال ارموا واركبوا. فان ترموا خير لكم من ان تركبوا. وقال كل شئ يلهو به ابن آدم باطل الا ثلاثا: رميه عن قوسه وتاديبه فرسه، وملاعبته اهله، فانهن من الحق، وفى اسناده خالد بن زيد أو ابن يزيد فيه مقال. وقال فيه ابن حجر في التقريب: خالد ابن زيد أو بن يزيد الجهنى عن عقبة في الرمى، مقبول من الثالثة. قلت: وبقية اسناده ثقات، وقد اخرجه الترمذي وابن ماجه من غير طريقة. واخرجه ايضا ابن حبان، وفى رواية ابى داود زيادة (ومن ترك الرمى بعدما علمه فانها نعمة تركها) وفى هذا الاحاديث وغيرها مما سياتب في موضعه دليل على جواز المسابقة ومشروعيتها على جعل وعلى غير جعل، فان كان الجعل من غير المتسابقين كالامام يجعله للسابق جائزة جاز أو من احدهما جاز عند الجمهور. وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط ان لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عن صورة القمار وعلى تفصيل سيأتي في موضعه. وقد وقع الاتفاق على جواز المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل، وخصه بعض العلماء بالخبل. واجازه عطاء في كل شئ. وقد حكى عن ابى حنيفة ان عقد المسابقة على مال باطل. وحكى عن مالك ايضا انه لا يجوز ان يكون العوض من غير الامام، وحكى ايضا عن مالك وابن الصباغ وابن خيران انه لا يصح بذل المال من جهتهما وان دخل المحلل. وروى عن احمد بن حنبل انه لا يجوز السبق على الفيلة، وروى عن اصحابنا انه يجوز

على الاقدام مع العوض. وقوله (ضمرت)) لفظ البخاري التى اضمرت والتى لم تضمر بسكون الضاد المعجمة والمراد به ان تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها (بقدر القوت) وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى يحمى فتعرق، فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجرى) هكذا في الفتح والنهاية. وزاد في الصحاح اربعين يوما. وقوله (الحفياء) بفتح فسكون بعد ياء ممدودة وقد تقصر. وحكى الحازمى تقديم الياء على الفاء، وحكى القاضى عياض ضم اوله وخطاه. وقوله (ثنية الوداع (1)) من منعطفات الجبال قرب المدينة، وكانوا يودعون الحاج منها. وقوله (قعود) بفتح القاف، وهو ما استحق الركوب من الابل وقال الجوهرى: هو البكر حتى يركب، واقل ذلك ان يكون ابن سنتين إلى ان يدخل في السادسة فيسمى جملا. وقال الازهرى: لا يقال الا للذكر، ولايقال للانثى قعودة، وانما يقال لها قلوص. قال وقد حكى الكسائي في النوادر قعودة للقلوص وكلام الاكثر على غيره. وقال الخليل بن احمد: القعود من الابل ما يقتعده الراعى لحمل متاعه. قوله (تسمى العضاء) بفتح العين وسكون الضاد المعجمة ومد. قوله (وكانت لا تسبق) زاد البخاري: قال حميد: أو لا تكاد تسبق. شك منه وهو موصول باسناده الحديث المذكور كما قاله ابن حجر. وقوله ان لا يرفع شيئا الخ فر رواية موسى بن اسماعيل: ان لا يرتفع. وكذلك في رواية للبخاري، وفى

_ (1) يزعم بعض من لم يرزق نعمة التمحيص والتحقيق أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المدينة منها في الهجرة إليها، وقابله أهلها بقولهم (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) وهذا غير صحيح لانه صلى الله عليه وسلم إنما دخلها من ثنية بنى النجار وهذه في الجنوب وتلك في شمال المدينة. وإنما قيلت هذه الانشودة من جارية نذرت أن تضرب بين يديه فقال لها: إن كنت نذرت فافعلي، فأخذت تضرب بالدف بين يديه وهى تغنى بها. هكذا رواها أبو داود وساقها النووي في كتاب النذور من المجموع، أنها قيلت وهو عائد من غزاة تبوك. ولم يرد أنها قيلت في الهجرة من طريق معتبر.

رواية للنسائي (أن لا يرفع شئ نفسه في الدنيا) ولم اطلع على رواية في طرق الحديث فيه لفظ (القذر) والله اعلم فإذا عرف ان السبق والرمى قد ثبتا بالنسبة المستفيضة عرف ايضا انهما ثبتا بالاجماع، والسبق والرماية عنصران فارهان من عناصر مكونات المرء المسلم القوى. وقد بلغ من حرص النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ يهتم اصحابه رضوان الله عليهم بهما حرصا جعله يحضر مبارياتهم ويشترك فيها ويحث على حضورها ويقول صلى الله عليه وسلم (احضروا الهدف فان الملائكة تحضره، وان بين الهدفين لروضة من رياض الجنة) قال المارودى في الحاوى الكبير: فإذا ثبت جواز السبق والرمى فهو مندوب إليه ان قصده به أهبة الجهاد، ومباح ان قصد به غيره، لانه قد يكون عدة للجهاد ويجوز أخذ العوض في المسابقة والمناضلة منهم ومن السلطان على ما سنصفه. وحكى عن ابى حنيفة انه منع من اخذ العوض عليه بكل حال، فمن متأخرى اصحابنه من انكره من مذهبه وجعله موافقا. وقال مالك: ان اخرجه السلطان من بيت المال جاز، وان أخرجه المتسابقون المتناضلون لم يجز، استدلالا بأمرين (أحدهما) انه اخذ عوض على لعب فاشبه اخذه على اللهو والصراع (والثانى) انه أخذ مال على غير بدل فاشبه القمار. وَدَلِيلُنَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل. فلما استثناه في الاباحة دل على اختصاصه بالعوض، ولولا العوض لما احتاج إلى الاستثناء لجواز جميع الاستباق بغير عوض. اه وقول المصنف: لما روى انه سئل عثمان رضى الله عنه الخ. يؤخذ على المصنف فيه أمور: (أحدها) انه ساق الحديث بقوله روى بصيغة التمريض، والحديث رواه احمد في مسنده والدارمى في سننه والدارقطني والبيهقي، ولفظ احمد باسناده إلى انس وقيل له (أكنتم تراهنون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال: نعم والله لقد راهن على فرس يقال له: سبحة فسبق الناس فبهش (1) لذلك واعجبه) ورواية الدارمي والدارقطني والبيهقي عن ابى لبيد قال: اتينا انس بن مالك واخرج نحوه البيهقى من طريق سليمان بن حزم عن حماد بن زيد أو سعيد بن زيد عن واصل مولى ابى عتبة قال حدثنى موسى بن عبيد قال كنا في الحجر بعدما صلينا الغداة فما اسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر فجعل يستقر بنا رجلا رجلا ويقول: صليت يا فلان حتى قال: أين صليت يا أبا عبيد؟ فقلت: ههنا، فقال: بخ لخ، ما يعلم صلاة افضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم الجمعة، فسألوه: أكنتم تراهنون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم، لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة) ثانيها: انه قال سئل عثمان ورواية احمد السؤال كان موجها إلى أنس. ورواية الدارمي والدارقطني والبيهقي من حديث ابى لبيد قال: اتينا أنس بن مالك، واخرج نحوه البيهقى من طريق سليمان بن حزم التى اوردناها متصلة مسندة إلى ابن عمر وليس في شئ منها سئل عثمان رضى الله عنه. ثالثها. رواية بعض الفاظ الخبر بالمعنى كقوله. فهش لذلك بحذف الباء، وقد تكون هذه الاخيرة من أخطاء النساخ أو الطباعين. أما بعد فإذا صح جواز السبق بعوض وغير عوض فهو بغير عوض من العقود الجائزة دون اللازمة، وان كان معقودا على عوض ففى لزومه قولان. (أحدهما) انه من العقود اللازمة كالاجارة، ليس لواحد منهما فسخه بعد تمامه الا عن تراض منهما بقسمته، ولا يدخله خيار الثلاث، وفى دخول خيار المجلس فيه وجهان كالاجارة، فان شرعا في السبق والرمى سقط خيار المجلس فيه لان الشروع في العمل رضى بالامضاء. (والقول الثاني) انه من العقود الجائزة دون اللازمة كالجعالة، وبه قال أبو حنيفة، وبكون كل واحد من المتسابقين قبل الشروع في السبق وبعد الشروع فيه بالخيار ما لم يستقر السبق وينبرم، فان شرط فيه اللزوم بطل.

_ (1) بهش بالباء الموحدة والشين المعجمة أي هش وفرح.

فإن قيل بلزومه على القول الاول فدليله شيئان. (أحدهما) أنه عقد ومن شرط صحته أن يكون معلوم العوض والمعوض، فوجب أن يكون لازما كالاجارة طردا والجعالة عكسا. (والثانى) أن ما أفضى إلى إبطال المقصود بالعقد كان ممنوعا منه في العقد، وبقاء خياره فيه مفض إلى إبطال المقصود به، لانه إذا توجه السبق على أحدهما وفسخ لم يتوصل إلى سبق ولم يستحق فيه عوض، والعقد موضوع لاستقراره واستحقاقه فنافاه الخيار وضاهأه اللزوم. فإن قيل بجوازه على القول الثاني فدليله شيئان أحدهما أن ما صح من عقود المعاوضات إذا قابل غير موثوق بالقدرة عليه عند استحقاقه كان من المعقود الجائزة دون اللازمة كالجعالة طردا، لانه لا يثق بالغلبة في السبق والرمى كما لا يثق بوجود الضالة في الجعاله، وعكسه الاجاره، متى لم يثق بصحة العمل منه لم يصح العقد، والثانى أن ماكان إطلاق العوض فيه موجبا لتعجيل استحقاقه كان جائزا ولا يكون لازما وحاصل ذلك أن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو فريقين لم تخل إما أن يكون العوض منهما أو من غيرهما نظرت، فان كان من الامام جاز سواء كان من ماله أو من بيت المال، لان في ذلك مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين، وإن كان غير إمام جاز له بذل العوض من ماله، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال مالك: لا يجوز بذل العوض من غير الامام، لان هذا مما يحتاج إليه للجهاد، فاختص به الامام كتولية الولايات وتأمير الامراء ولصحة العقد على السبق بالاعواض خمسة شروط. (أحدها) التكافؤ فيما يسبقان عليه، وفيما يتكافآن به وجهان، أحدهما: وهو الظاهر من مذهب الشافعي وما عليه جمهور أصحابه، أن التكافؤ بالتجانس فيسابق بين فرسين أو بغلين أو حمارين أو بعيرين ليعلم بعد التجانس أيهما السابق ولا يجوز أن يسابق بين فرس وبغل، ولا بين حمار وبعير، لان تفاضل الاجناس

معلوم، وأنه لا يجرى البغل في شوط الفرس على ما سيأتي قريبا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أن التكافؤ في الاستباق غير معتبر بالتجانس. (والشرط الثاني) الاستباق عليها مركوبة لتنتهي إلى غايتها بتدبير راكبها فان شرط إرسالها لتجرى مسابقة بأنفسها لم يجز وبط العقد عليها لانها تتنافر بالارسال ولا تقف على غاية السبق، وإنما يصح ذلك في الاستباق بالطيور إذا قيل بجواز الاستباق عليها لما فيه من الهداية إلى قصد الغاية، وأنها لا تتنافر في طيرانها. (والشرط الثالث) أن تكون الغاية معلومه لانها مستحقه في عقد معاوضه فان وقع العقد على إجراء الفرسين حتى يسبق أحدهما الآخر لم يجز لامرين، أحدهما: جهالة الغاية. والثانى: لانه يفضى ذلك لاجرائهما حتى يعطبا ويتلفا. (والشرط الرابع) أن تكون الغاية التى يمتد إليها شوطهما يحتملها الفرسان ولا ينقطعان فيها، فان طالت عن انتهاء الفرسين إليها الا عن انقطاع وعطب بطل العقد لتحريم ما أفضى إلى ذلك. (والشرط الخامس) أن يكون العوض فيه معلوما كالاجور والاثمان ن فان أخرجه غير المتسابقيه جاز أن يتساويا فيه ويتفاضلا، لان الباذل للسبق مخير بين القليل والكثير، فجاز أن يكون مخير بين التساوى في التفضيل، ويجوز أن يتماثل جنس العوضين وان لم يختلف. قال الشافعي رضى الله عنه: والاسباق ثلاثه سبق يعطيه الوالى أو الرجل غير الوالى من ماله متطوعا به، وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غايه إلى غايه فيجعل للسابق شيئا معلوما وان شاء جعل للمصلى، والثالث والرابع والذى يليه بقدر ما رأى، فما جعل لهم كان على ما جعل لهم، وكان مأجورا عليه أن يؤدى فيه وحلالا لمن أخذه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتجوز المسابقه على الخيل والابل بعوض، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا سبق الا في نصل أو خف أو حافر) ولان

الخيل تقاتل عليها العرب والعجم والابل تقاتل عليها العرب فجازت المسابقة عليها بالعوض واختلف قوله في البغل والحمار، فقال في أحد القولين تجوز المسابقة عليهما بعوض لحديث أبى هريرة، ولانه ذو حافر أهل فجازت المسابقة عليهما بعوض كالخيل (والثانى) لا تجوز لانه لا يصلح للكر والفر، فأشبه البقر واختلف أصحابنا في المسابقة على الفيل بعوض، فمنهم من قال: لا تجوز، لانه لا يصلح للكر والفر. ومنهم من قال: تجوز لحديث أبى هريرة، ولانه ذو خف يقاتل عليه فأشبه الابل. واختلفوا في المسابقة على الحمام، فمنهم من قال لا تجوز المسابقة عليها بعوض وهو المنصوص لحديث أبى هريرة، ولانه ليس من آلات الحرب فلم تجز المسابقة عليه بعوض، ومنهم من قال تجوز لانه يستعان به على الحرب في حمل الاخبار فجازت المسابقة عليه بعوض كالخيل. واختلفوا في سفن الحرب كالزبازب والشذوات، فمنهم من قال تجوز، وهو قول أبى العباس، لانها في قتال الماء كالخيل في قتال الارض، ومنهم من قال لا تجوز، لان سبقها بالملاح لا بمن يقاتل فيها واختلفوا في المسابقة على الاقدام بعوض، فمنهم من قال تجوز لان الاقدام في قتال الرجالة كالخيل في قتال الفرسان، ومنهم من قال لا تجوز، وهو المنصوص لحديث أبى هريرة، ولان المسابقة بعوض أجيزت ليتعلم بها ما يستعان به في الجهاد، والمشى بالاقدام لا يحتاج إلى التعلم واختلفوا في الصراع، فمنهم من قال يجوز بعوض، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صارع يزيد بن ركانه على شاء فصرعه، ثم عاد فصرعه، ثم عاد فصرعه، فأسلم ورد عليه الغنم. ومنهم من قال: لا يجوز. وهو المنصوص لحديث أبى هريرة، ولانه ليس من آلات القتال. وحديث يزيد بن ركانة محمول على أنه فعل ذلك ليسلم، ولانه لما أسلم رد عليه ما أخذ منه.

(الشرح) حديث ابى هريرة أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولم يذكر فيه ابن ماجه: أو نصل، وأخرجه أيضا الشافعي والحاكم من طرق وصححه ابن القطان وابن حبان وابن دقيق العبد، وحسنه الترمذي وأعله يحيى بن سعيد القطان بالوقف، ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس. وأما حديث يزيد بن ركانة فقد رواه أبو داود بلفظ (عن محمد بن على بن ركانة أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم) وفى إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول. وأخرجه أيضا الترمذي من حديث العسقلاني أيضا عن أبى جعفر محمد بن ركانة وقال: غريب وليس إسناده بالقائم. وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له فقال له: يا محمد هل لك أن تصارعني؟ فقال ما تسبقني أي ما تجعله لى من السبق قال: شاة من غنمي، فصارعه فصرعه فأخذ الشاة، فقال ركانة: هل لك في العود؟ ففعل ذلك مرارا، فقال يا محمد ما وضع جنبى أحد إلى الارض، وما أنت بالذى تصرعنى فأسلم ورد النبي صلى الله عليه وسلم عليه غنمه قال الحافظ بن حجر: إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة، قال البيهقى وروى موصولا وفى كتاب السبق لابي الشيخ من رواية عبيد الله بن يزيد المصرى عن حماد عن عمر بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مطولا. ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبى أمامة مطولا، وإسنادهما ضعيف وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبى زياد، وأحسبه عن عبد الله ابن الحارث قال (صارع النبي صلى الله عليه وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدا ن فقال شاة بشاة، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عاودني في اخرى، فصرعه النبي صلى الله علهى وسلم، فقال عاودني، فصرعه صلى الله عليه وسلم الثالثة، فقال أبو ركانة: ماذا أقول لاهلي؟ شاة أكلها ذئب! وشاة نشزت فما أقول في الثالثة؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك خذ غنمك) هكذا وقع فيه: أبو ركانة والصواب ركانه.

أما ألفاظ الفصل فقوله: لا سبق هو بفتح الباء. المال الذى يسابق عليه، والنصل هو السهم، والخف للابل، والحافر للفرس والبغل والحمار، الظلف لسائر البهائم، والمخلب للطير، وقله كالزبازب جمع زبزب نوع من السفن منها الصغير والكبير والاول سريع خفيف، وكذك الشذوات وكلا اللفظين أعجمى أما الاحكام فقد فسر الشافعي رضى الله عنه حديث أبى هريرة بقوله: والخف الابل والحافر الخيل والنصل كل سهم أو ما يشابهه. وقال في موضع ان الحافر الخيل والبغال والحمير لانها تركب للجهاد كالابل ويلقى عليها العدو كالخيل وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب هوازن على بغلته الشهباء فصار في الحافر قولان. فأما النصل فالمراد به السهم المرمى به عن قوس، وان كان النصل اسما لحديدة السهم فالمراد جميع السهم، فهذه الثلاثة هي التى نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في جواز السبق بها، فاختلف قول الشافعي فيها فقال: يحتمل معنيين. أحدهما أنها رخصة مستثناة من جمله محظورة لانه أخرج باستثنائه ما خالف حكم أصله، فعلى هذا لا يجوز أن يقاس على هذه الثلاثة غيرها، ويكون السبق مقصورا على التى تضمنها الخبر وهى الخف، والخف الابل وحدها والحافر وفيه قولان. (أحدهما) الخيل وحدها (والثانى) الخيل والبغال والحمير، والنصل وهو السهام ويكون السبق بما عداها محظورا. والقول الثاني في المعنيين أن النص على الثلاثة أصل مبتدأ ورد الشرع ببيانه وليس بمستثنى، وان خرج مخرج الاستثناء لان المراد به التوكيد دون الاستثناء فعلى هذا يقاس على كل واحد من الثلاثة ما كان في معناها كما قيس على الستة في الربا ما وافق معناها، وعليه يكون التفريع، فيقاس على الخف السبق بالفيله لانها ذوات أخفاف كالابل، وهى في ملاقاة العدو أنكى من الابل. وهل يقاس عليها السبق بالسفن والطيارات البحرية التى أطلقوا عليها الزبازب والشذوات أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

(أحدهما) وهو قول ابن سريج يجوز السبق عليها لانها معدة لجهاد العدو في البحر وحمل ثقله كالابل في البر. (والوجه الثاني) لا يجوز السبق عليها لان سبقها بقوة ملاحها دون المقاتل فيها، فأما بالزواريق الكبار والمراكب الثقال التى لم تجر العادة في لقاء العدو بمثلها فغير جائز على الوجهين معا هكذا أفاده الماوردى في الحاوى، فأما كون الحافر بالخيل والبغال والحمير نصا في أحد القولين لا نقلا من اسم الحافر عليها وقياسا في القول الثاني لانها ذوات حوافر كالخيل وفى معناها، واختلف أصحابنا هل يقاس عليها السبق بالاقدام أم لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. (أَحَدِهِمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة: تجوز المسابقة بالاقدام بعوض وبغير عوض لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبق هو وعائشة على أقدامهما، ولان السعي من قتال الرجالة كالخيل في قتال الفرسان. والوجه الثاني وهو الظاهر من مذهب الشافعي أن المسابقة بالاقدام لا تجوز مطلقا عند الماوردى في الحاوى ويشمل ما كان بغير عوض أو بعوض لانه سبق على فعلها من غير آلة فاشبه الطفرة والوثبة، ولان السبق على ما يستفاد بالتعليم ليكون باعثا على معاطاته، والسعى لا يستفاد بالتعليم، وقيد المصنف عدم الجواز على المذهب والمنصوص أنه ما كان بعوض. قال الماوردى: فعلى هذا ان قيل: ان المسابقة بالاقدام لا تجوز فالمسابقة بالسباحة أولى أن لا تجوز، وان قيل بجوازها على الاقدام ففى جوازها بالسباحة وجهان (أحدهما) تجوز كالاقدام لان أحدهما على الارض والآخر في الماء. (والوجه الثاني) أنها لا تجوز بالسباحه وان جازت بالاقدام لان الماء مؤثر في السباحه والارض غير مؤثرة في السعي أه. وهذا كلام من لا يعرف قواعد السباحه وكونها علما ومهارة ولها قواعد لا تتأتى الا بالتعلم والتمرس مع لياقة البدن وقوته حتى تكون المهارة والتفوق والسبق. وقد تطورت أسباب الاعداد للجهاد فكان منها الضفادع البشريه الذين يغوصون في أعماق البحار ليدمروا السفن الحربيه وقلاع الثغور، وهى أنكى

على الاعداء من ركوب الخيل والحمير. ولولا مهارة عساكر الاسلام وجند القرآن في علوم البحار وأولها إتقان السباحة ما تسنى للصحابة أن ينتصروا على الروم في معركه ذات الصوارى في الاسكندرية ولا طرقوا بأيديهم القوية أبواب القسطنطينية على عهد معاوية وكانت قيادة الاسطول لولده يزيد. وأما السبق بالصراع أو المصارعة فقد كانت تقوم عند السلف على قوة البدن وعلى إحسان القبض على الخصم وإلقائه أرضا وهى في زماننا هذا تقوم على أضرب منها الحرة والرومانية واليابانية، ولكل نوع منها أسلوبه في صرع الخصم، وهى تهدف جميعا إلى إحسان القبض على الخصم وإجباره على أن يتخذ وضعا ببدنه يعجز معه عن المقاومة. وقد اختلف أصحابنا في السبق بالصراع على وجهين: (أحدهما) وهو مذهب أبى حنيفة أنه جائز لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خرج إلى الابطح في قصة يزيد بن ركانة، وقد مضى تخريج طرقها وبيان وجه الحق فيها وهى روايات بمجموعها وإن لم يصح منها واحدة إلا أنها تنهض للاحتجاج. والوجه الثاني وهو ظاهر مذهب الشافعي، والمنصوص عنه أنه لا يجوز، فالسبق على المشابكه بالايدي لا تجوز. وإن قيل بجوازه في الصراع ففى جوازه بالمشابكة وجهان كالسباحة. ومنها اختلاف أصحابنا في السبق بالحمام وجهان، وهو نوع من الحمام الذكى الصبور الذى يعبر البحار ويقطع الفيافي والقفار حتى يصل إلى غايته بسرعة فائقة يحمل الاخبار والكتب، وكان لامراء الاسلام وقواد الجيوش أبراج لتلقى هذه الحمائم فيفضون كتبها بأنفسهم، فمن جيش يطلب النجدة إلى قائد يعلن هزيمة عدوه، فكان لهذا الحمام أثره وفعله، وهو سلاح من أسلحة الجيوش كالبرق وسلاح الاشارة، فالوجه الاول يجوز لانها تؤدى أخبار المجاهدين بسرعة. والوجه الثاني: لا يجوز لانها لا تؤثر في جهاد العدو. وأما السبق بنطاح الكباش ونقار الديكة، فهو أسفه أنواع السبق وهو باطل لا يختلف أحد من أهل العلم في عدم جوازه. والله أعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتجوز المسابقة بعوض على الرمى بالنشاب والنبل، وكل ماله نصل يرمى به كالحراب والرانات لحديث أبى هريرة، ولانه يحتاج إلى تعلمه في الحرب فجاز أخذ العوض عليه، ويجوز على رمى الاحجار عن المقلاع، لانه سلاح يرمى به فهو كالنشاب وأما الرمح والسيف والعمود ففيه وجهان، أحدهما تجوز المسابقه عليها بعوض لانه سلاح يقاتل به فأشبه النشاب، والثانى لا تجوز لان القصد بالمسابقة التحريض على تعلم ما يعد للحرب، والمسابقة بهذه الآلات محاربه لا مسابقه، فلم تجز لسبق على أن يرمى بعضهم بعضا بالسهم (فصل) وأما كرة الصولجان ومداحاة الاحجار ورفعها من الارض، والمشابكة والسباحه واللعب بالخاتم والوقوف على رجل واحدة وغير ذلك من اللعب الذى لا يستعان به على الحرب، فلا تجوز المسابقة عليها بعوض، لانه لا يعد للحرب، فكان أخذ العوض فيه من أكل المال بالباطل. (فصل) وإن كانت المسابقه على مركوبين فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لا تجوز الا على مركوبين من جنس واحد كالفرسين والبعيرين، فإن سابق بين فرس وبعير أو فرس وبغل لم يجز لان تفاضل الجنسين معلوم، وأنه لا يجرى البغل في شروط الفرس كما قال الشاعر: إن المذرع لا تغنى خؤولته كالبغل يعجز عن شوط المحاضير ويجوز أن يسابق بين العتيق والهجين، لان العتيق في أول شوطه أحد وفى آخره ألين، والهجين في أول شوطه ألين وفى آخره أحد. فربما صارا عند الغاية متكافئين. ومنهم من قال، وهو قول أبى إسحاق انه يعتبر التكافؤ بالتقارب في السبق، فإن تقارب جنسان كالبغل والحمار جاز، لانه يجوز أن يكون كل واحد منهما سابقا والآخر مسبوقا، وإن تباعد نوعان من جنس كالهجين والعتيق والبختي والنجيب لم يجز، لانه يعلم أن أحدهما لا يجرى في شوط الآخر. قال الشاعر: إن البراذين إذا أجريتها مع العتاق ساعة أعنيتها، فلا معنى للعقد عليه (فصل) ولا تجوز إلا على مركوبين معينين لان القصد معرفة جوهرهما، ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين.

(الشرح) السلاح نوعان نوع يفارق اليد ونوع لا يفارق اليد، فكل سلاح فارق يد صاحبه كالسهام والحراب ومقاليع الاحجار وقسى البندق ورصاصة فهو جائز بالاتفاق، أما ما لا يفارق يد صاحبه من السيوف والرماح والاعمدة فقد اختلف أصحابنا فيها على وجهين. أحدهما: يجوز كالمفارق ليده، لان جهاد العدو بها. والوجه الثاني: لا يجوز، لانه يكون بذلك محاربا لا مسابقا، فأما السبق بالمداحى وأكرة الصولجان وما ذكره المصنف من أنواع اللعب فعلى الوجه الذى ذكره المصنف لا وجه غيره، وفرق الماوردى بين السبق بالمداحى وهى إحداث حفرة يلقون بأحجار مستديرة فيها فمن وقع حجره فيها فقد قمر وبين الدحو بالحجر الثقيل أو رفعه من الارض لاختبار القوة والارتياض بها وهو في رياضة حمل الاثقال فيكون السبق عليه كالسبق على الصراع فيكون على وجهين. (فرع) عرفت فيما أسلفنا في الفصل قبلة أن لصحة السبق على الاعواض المبذولة خمسة شروط. أحدها: التكافؤ فيما يسبقان عليه وفيما يتكافآن به وجهان، أحدهما: وهو الظاهر من المذهب وما عليه جمهور الاصحاب أن التكافؤ بالتجانس، فيسابق بين فرسين أو بغلين أو حمارين أو بعيرين ليعلم بعد التجانس أيهما السابق، ولا يجوز أن يسابق بين فرس وبغل، ولا بين حمار وبعير، لان تفاضل الاجناس معلوم، وأنه لا يجرى البغل في شوط الفرس كما قال الشاعر في البيت الذى ساقه المصنف والمذرع وهو الذى أمه أشرف من أبيه كما يقول الفرزدق: إذا باهلي عنده حنظليه * له ولد منها فذاك المذرع وإنما سمى البغل مذرعا بالعلامتين المستديرتين السوداوين في ذراعيه الاماميتين ورثهما من الحمار، والمحاضير السريعة العدو واحدها محضار، والعتيق عربي الابوين، والهجين عربي الاب أعجمى الام، والبختي إبل بطيئة العدو، والنجيب الحسن الخلق السريع وانجبته استخلصته، ولكن يجوز السبق بين عتاق الخيل

وهجانها لان جميعها جنس، والعتيق في أول الشوط احد من الهجين، والهجين في أول الشوط ألين وفى آخره أحد فربما صار عند الغاية متكافئين، وهذا وجه (والثانى) وهو قول أبى إسحاق المروزى: أن التكافؤ في الاستباق غير معتبر بالتجانس، وإنما هو معتبر بأن يكون كل واحد من المستبقين يجوز أن يكون سابقا ويجوز أن يكون مسبوقا، فإن جوز ذلك بين فرس وبغل أو بين بعير وحمار جاز السبق بينهما، وإن علم يقينا أن أحدهما يسبق الآخر عند الاختيار لم يجز السبق بينهما، ولو علم ذلك بين فرسين عتيق وهجين، أو بين بعيرين عربي وبختى لم يجز السبق بينهما، وكذلك لو اتفق الفرسان في الجنس، واختلفا في القوة والضعف فيمنع من الاستباق بينهما وهما من جنس واحد، وتجوز بينهما وهما من جنسين مختلفين اعتبارا بالجواهر دون التجانس. والشرط الثاني من الشروط الخمسه: الاستباق عليها مركوبة لتنتهي إلى غايتها بتدبير راكبها، فإن شرط إرسالها لتجرى مسابقة بأنفسها لم يجز، وبطل العقد عليها لانها تتنافر بالارسال، ولا تقف على غاية السبق، وإنما يصح ذلك في الاستباق بالطيور - إذا قيل بجواز الاستباق عليها لما فيه من الهداية إلى قصد الغاية وانها لا تتنافر في طيرانها، وبقية الشروط مضى ذكرها إجمالا، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تجوز إلا على مسافة معلومة الابتداء والانتهاء لحديث ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق، ولانهما إذا تسابقا على إجراء الفرسين حتى يسبق أحدهما الآخر إلى غير غاية لم يؤمن أن لا يسبق أحدهما الاخر إلى أن يعطبا، ولا يجوز أن يكون اجراؤه الا بتدبير الراكب لانهما إذا جريا لانفسهما تنافرا ولم يقفا على الغاية، وان تسابقا على أن من سبق صاحبه بخمسة أقدام فأكثر كان السبق له، فقد قال أبو على الطبري في الافصاح: يجوز ذلك عندي لانهما يتحاطان ما تساويا فيه، وينفرد

أحدهما بالقدر الذى شرطه، فجاز كما يجوز في الرمى أن يتناضلا على أن يتحاطا ما تساويا فيه، ويفضل لاحدهما عدد. قال أبو على الطبري: ورأيت من أصحابنا من منع ذلك وأبطله ولا أعرف له وجها. (فصل) وإن كان المخرج للسبق هو السلطان أو رجل من الرعية لم يخل إما أن يجعله للسابق منهم أو لبعضهم أو لجميعهم، فإن جعله للسابقه بأن قال: من سبق منكم فله عشرة جاز، لانه يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق ليأخذ السبق فيحصل المقصود، فإن سبق واحد منهم استحق العشرة لانه سبق، وإن سبق إثنان أو ثلاثة وجاءوا مكانا واحدا اشتركوا في العشرة لانهم اشتركوا في السبق، فإن جاءوا كلهم مكانا واحدا لم يستحق واحد منهم لانه لم يسبق منهم أحد، وإن جعله لبعضهم بأن جعله للمجلى والمصلى ولم يجعل للباقى جاز، لان كل واحد منهم يجتهد أن يكون هو المجلى أو المصلى ليأخذ السبق فيحصل المقصود وإن جعله لجميعهم نظرت، فإن سوى بينهم بأن قال: من جاء منكم إلى العاية فله عشرة لم يصح، لان القصد من بذلك العوض هو التحريض على المسابقة وتعلم الفروسية، فإذا سوى بين الجميع عليم كل واحد منهم أنه يستحق السبق تقدم أو تأخر فلا يجتهد في المسابقة فيبطل المقصود وإن شرط للجميع وفاضل بينهم بأن قال للمجلى وهو الاول مائة، وللمصلى وهو الثاني خمسون، وللتالى وهو الثالث أربعون، وللبارع وهو الرابع ثلاثون وللمرتاح وهو الخامس عشرون، وللحظى وهو السادس خمسة عشر، وللعاطف وهو السابع عشرة، وللرمل وهو الثامن ثمانية، وللطيم وهو التاسع خمسة. وللسكيت وهو العاشر درهم، وللفسكل وهو الذى يجئ بعد الكل نصف درهم ففيه وجهان (أحدهما يجوز لان كل واحد منهم يجتهد ليأخذ الاكثر (والثانى) لا يجوز لان كل واحد منهم يعلم انه لا يخلوا من شئ تقدم أو تأخر، فلا يجتهد في المسابقة، وان جعل للاول عشرة وللثالث خمسه وللرابع اربعة ولم يجعل للثاني شيئا فييه وجهان (احدهما) يصح ويقوم الثالث مقام الثاني. والرابع مقام الثالث، لان الثاني بخروجه من السبق يجعل كان لم يكن (والثانى) انه يبطل، لانه فضل الثالث والرابع على من سبقهما.

(الشرح) حديث ابن عمر مضى تخريجه في اول هذه الفصول وشرحنا غريبه وطريقة. اما الاحكام فانه يشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة وان يكون لابتداء عدوهما واخره غاية لا يختلفان فيها، لان الغرض معرفة أسبقهما، ولا يعلم ذلك الا بتساويهما في الغاية، ولان احدهما قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في انتهائه. وقد يكون عكس ذلك فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه أو احواله. ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره وقد روى أبو داود في سننه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم (سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية) وسبق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وذلك ستة أميال أو سبعة، وبين التى لم تضمر من الثنية إلى مسجد بنى زريق، وذلك ميل أو نحوه. فان استيفاء بغير غاية لينظرا أيهما يقف أولا لم يجز، لانه يؤدى إلى أن لا يقف احدهما حتى ينقطع فرسه ويتعذر الاشهاد على السبق فيه ويشترط في المسابقة إرسال الفرسين أو البعيرين دفعة واحدة، فان ارسل احدهما قبل الاخر أو لا لم يجز هذا في المسابقة بعوض لانه قد لا يدركه مع كونه اسرع منه لبعد ما بينهما، ويكون عند اول المسافة من يشاهد ارسالهما ويرتبهما، وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك. وقول الشافعي: الاسباق جمع سبق - بفتح الباء - وهو العوض المخرج في المسابقة - وهو باسكان الباء - مصدر سبق من المسابقة اما السبق الاول الذى يراه الشافعي، وهو الذى يخرجه غير المتسابقين فيجوز، سواء اخرجه الامام من بيت المال أو أخرجه غير الامام من ماله. وكلام مالك من عدم جوازه لغير الامام فاسد من وجهين (أحدهما) ان ما فيه معونه على الجهاد جاز ان يفعله غير الائمه كارتباط الخيل واعداد السلاح. (والثانى) ان ما جاز أن يخرجه الامام من بيت مال المسلمين جاز ان يتطوع به كل واحد من المسلمين كبناء المساجد والقناطر فإذا صح جوازه جاز أن يختص به السابق وحده دون غيره، كقول الباذل

إذا كان المتسابقون عشرة فقد جعلت للسباق منكم عشرة وهذا جائز، فايهم جاء سابقا لجماعتهم استحق العشرة كلها ولا شئ لمن بعده، وان كانوا متفاضلين، في السبق، فلو سبق اثنان من الجماعة فجاءا معا وتأخر الباقون اشترك الاثنان في العشرة لتساويهما في السبق فاستويا في الاخذ، ولو سبق خمسة اشتركوا في الاخذ كذلك. ولو سبق تسعة وتاخر واحد اشتركوا في العشرة دون المتأخر منهم، ولو جاءوا جميعا غرضا واحدا لم يتأخر عنهم واحد منهم فلا شئ لهم لانه ليس فيهم سابق ولا مسبوق. والقسم الثاني: ان يبذله لجماعة منهم ولا يبذله لجميعهم، كان بذل الاول عوضا والثانى عوضا ولكل واحد منهم في اللغة إذا تقدم على غيره خاص. فيقال للسابق الاول المجلى والثانى المصلى والثالث التالى والرابع البارع والخامس المرتاح والسادس الحظى والسابع العاطف والثامن المؤمل والتاسع الطيم والعاشر السكيت، وليس لما بعد العاشر اسم، الا الذى يجئ آخر الخيل كلها، ويقال له الفسكل. قال الجاحظ: كانت العرب تعد السوابق ثمانية ولا تجعل لما جاوزها حظا، فأولها السابق ثم المصلى ثم المقفى ثم التالى ثم العاطف ثم المذمر ثم البارع ثم اللطيم. قال الثعالبي: وكانت العرب تلطم الاخر ان كان له حظ. وقال أبو عكرمة: اخبرنا ابن قادم معن الفراء انه ذكر في السوابق عشرة اسماء لم يحكها احد غيره وهى: السابق ثم المصلى ثم المسلى ثم التالى ثم المرتاح ثم العاطف ثم الحظى ثم المؤمل ثم اللطيم ثم السكيت. وقد جاء في الحاوى الكبير للماوردى هذه الاسماء التى ذكرها المصنف مع جعل المؤمل بدل المرمل، وهو ما يوافق رواية الفراء هنا، فإذا بذل لبعض دون بعض فعلى ضربين: (احدهما) ان يفاضل بين السابق والمسبوق فيجعل للاول الذى هو المجلى - وقد اشنق اسمه من الجلاء - قال ابى بطال: قال المطرزى: يحتمل ان يكون من جلاء الهموم - عشرة، ويجعل للثاني الذى هو المصلى - لان جفلته على صلى السابق وهي منخره، والصلوان عظمان عن يمين الذنب وشماله - تسعة،

والثالث الذى هو التالى - أي التابع - خمسة والرابع الذى هو البارع - أي الفائق كما يقال لمن فاق اصحابه في العلم: بارع - اربعة، والخامس الذى هو المرتاح - من راح يراح راحة إذا فحلا أو إذا نشط وجف - ثلاثة، فان هذا جائز لانه قد منع المسبوقين وفاضل بين السابقين فحصل التحريض في طلب التفاضل وخشبة المنع ويتفرع على هذا ان يجعل للسابق عشرة، وللمصلى خمسة ولا يجعل لمن بعدهم شيئا فيكون السابق أو المجلى خمسة والمصلى واحدا الخمسة السابقين بالعشرة لكل واحد درهمان وينفرد المصلى بالخمسة وان صار بها افضل من السابقين لانه اخذ الزيادة لتفرده، بدرجته، ولم ياخذ لتفضيل اصل درجته، وقد كان يجوز ان يشاركه غيره في درجته فيقل سهمه عن سهم من بعده. ثم على هذا القياس إذا جعل للثاني شيئا ثالثا فحصل في كل درجة انفراد أو اشتراك وجب ان يختص المنفرد بسبق درجته، ويشترك المشتركون بسبق درجتهم. والضرب الثاني: ان يستوى فيهم بين سابق ومسبوق، كانه يجعل للسابق عشرة وللمصلى عشرة وفاضل بين بقية الخمسة. وهذا جائز لان مقتضى التحريض ان يفاضل بين السابق والمسبوق، فإذا تساويا فيه بطل مقصوده فلم يجز، وكان السبق في حق المصى الذى سوى بينه وبين سابقه باطلا، ولم يبطل في حق الاول بطلانه في حق من عداه وجهان بناء على اختلاف الوجهين في الذى بطل السبق في حقه هل يستحق على الباذل اجرة مثله أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ ابى اسحاق المروزى انه لا اجرة له على الباذل، لان منعه عائد عليه لا على الباذل. فعلى هذا يكون السبق في حق من بعده باطلا لانه يجوز ان يفضلوا به على من سبقهم. والوجه الثاني هو قول ابى على الطبري انه له على الباذل اجرة مثله لان من استحق المسمى في العقد الصحيح استحق اجرة المثل في العقد الفاسد اعتبارا بكل واحد من عقدى الاجارة والجعالة.

فعلى هذا يكون السبق في حق من بعده صحيحا، ولكل واحد منهم ما سمى له، وان كان اكثر من اجرة من بطل السبق في حقه، لانه لا يجوز ان يفضلوا عليه إذا كان مستحقا بالعقد. وهذا مستحق بغيره ويتفرع على هذا إذا جعل للاول عشرة ولم يجعل للثاني شيئا، وجعل للثالث خمسة وللرابع ثلاثة ولم يجعل بعدهم شيئا، فالثاني خارج من السبق لخروجه من البدل. وفى قيام من بعده مقامه وجهان: (احدهما) يقوم الثالث مقام الثاني، ويقوم الرابع مقام الثالث لانه يصير وجوده بالخروج من السبق كعدمه، فعلى هذا يصح السبق فيها بالمسمى لهما بعد الاول. والوجه الثاني: انهم يترتبون على التسمية ولا يكون خروج الثاني منهم بالحكم مخرجا له من البدل. فعلى هذا يكون السبق فيهما باطلا لتفضيلهما على السابق لهما، وهل يكون لهما اجرة مثلهما ام لا؟ على ما ذكرنا من الوجهين: والقسم الثالث: ان يبذل العوض لجماعتهم ولا يخلى اخرهم من عوض فينظر فان سوى فيهم بين سابق ومسبوق كان السبق باطلا. وكان الحكم فيه على ما قدمنا وان لم يساو بين السابق والمسبوق، وفضل كل سابق على كل مسبوق حتى يجعل متاخرهم اقلهم سهما ففى السبق وجهان: (احدهما) انه جائز اعتبارا بالتفضيل في السبق، فعلى هذا ياخذ كل واحد منهم ما سمى له. والوجه الثاني: ان السبق باطل لانهم قد تكافأوا في الاخذ وان تفاضلوا فيه، فعلى هذا هل يكون باطلا في حق الاخر وحده؟ فيه وجهان: (احدهما) انه باطل في حقه وحده لان بالتسمية له فسد السبق والوجه الثاني: ان يكون باطلا في حقوق جماعتهم، لان اول العقد مرتبط باخره، وهل يستحق كل واحد منهم اجرة مثله ام لا؟ على الوجهين المذكورين فهذا حكم السبق الاول.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) فان كان المخرج للسبق هما المتسابقان نظرت، فان كان معهما محلل وهو ثالث على فرس كفء لفرسيهما صح العقد، وان لم يكن معهما محلل فالعقد باطل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من ادخل فرسا بين فرسين وهو لايامن ان يسبق فلا باس ومن ادخل فرسا بين فرسين وقد امن ان يسبق فهو قمار) ولان مع المحلل لا يكون قمارا، لان فيهم من ياخذ إذا سبق ولا يعطى إذا سبق وهو المحلل، ومع عدم المحلل ليس فيهم الا من ياخذ إذا سبق، ويعطى إذا سبق، وذلك قمار، وان كان المحلل اثنين أو اكثر جاز، لان ذلك ابعد من القمار، وان كانت المسابقة بين حزبين كان حكمهما في المحلل حكم الرجلين، لان القصد من دخول المحلل الخروج من القمار، وذلك يحصل بالمحلل الواحد مع قلة العدد وكثرته. واختلف اصحابنا في دخول المحلل فذهب اكثرهم إلى ان دخول المحلل لتحليل السبق لكل من سبق منهم، وذهب أبو على بن خيران إلى ان دخوله لتحليل السبق لنفسه وان ياخذ إذا سبق، ولا يأخذان إذا سبقا، لانا لو قلنا: انهما إذا سبقا أخذا حصل فيهم من يأخذ مرة ويعطى مرة، وهذا قمار، والمذهب الاول لانا بينا ان بدخول المحلل خرجا من القمار، لان في القمار ليس فيهم الا من يعطى مرة وياخذ مرة، وبدخول المحلل قد حصل فيهم من يأخذ ولا يعطى فلم يكن قمارا، فان تسابقوا نظرت فان انتهوا إلى الغاية معا احرز كل واحد منهما سبقه لانه لم يسبقه احد، ولم يكن للمحلل شئ لانه لم يسبق واحدا منهما، وان سبق المخرجان احرز كل واحد منها سبقه لانهما تساويا في السبق ولا شئ للمحلل لانه مسبوق، وان سبقهما المحلل اخذ سبقهما لانه سبقهما، وان سبق احد المخرجين وتاخر المحلل والمخرج الاخر احرز السابق سبق نفسه. وفى سبق المسبوق وجهان المذهب انه للسابق المخرج لانه انفرد بالسبق، وعلى مذهب ابن خيران يكون سبق المسبوق لنفسه لانه لا يستحقه السابق المخرج

على قوله ولا يستحقه المحلل لانه لم يسبق، وان سبق المحلل واحد المخرجين احرز السابق سبق نفسه، وفى سبق المسبوق وجهان المذهب انه بين المخرج السابق والمحلل، وعلى مذهب ابن خيران يكون سبقه للمحلل، وان سبق احد المخرجين ثم جاء المحلل ثم جاء المخرج الاخر ففيه وجهان المذهب ان سبق المسبوق للمخرج السابق بسبقه، وعلى مذهب ابن خيران يكون للمحلل دون السابق، وان سبق احد المخرجين ثم جاء المخرج الثاني، ثم جاء المحلل ففيه وجهان المذهب ان سبق المسبوق للسابق، وعلى مذهب ابن خيران يكون للمسبوق لان المخرج السابق لا يستحقه والمحلل لم يسبق فبقى على ملك صاحبه. (فصل) وان كان المخرج للسبق احدهما جاز من غير محلل لان فيهم من ياخذ ولا يعطى وهو الذى لم يخرج فصار كما لو كان السبق منهما وبينهما محلل، فان تسابقا فسبق المخرج احرز السبق، وان سبق الاخر اخذ سبقه وان جاءا معا احرز المخرج السبق لانه لم يسبقه الاخر. (الشرح) حديث ابى هريرة رواه احمد وابو داود وابن ماجه، واخرجه ايضا الحاكم وصححه والبيهقي ورواه ابن حبان باسناده وصححه. وقال الطبراني في الصغير: تفرد به سعيد بن بسير عن قتادة عن سعيد بن المسيب وتفرد به عنه الوليد وتفرد به عنه هشام بن خالد، ورواه ايضا أبو داود عن محمود بن خالد عن الوليد لكنه ابدل قتادة بالزهرى، ورواه أبو داود وغيره ممن تقدم من طريق سفيان بن حسينن عن الزهري وسفيان ضعيف في الزهري، وقد رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من اهل العلم، كذا قال ابو داود وقال: هذا أصح عندنا. وقال أبو حاتم: احسن احواله ان يكون موقوفا على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عنه وهو كذلك في الموطأ عن سعيد من قوله، وقال ابن ابى خيثمة: سالت ابن معين فقال: هذا باطل، وضرب على ابى هريرة. وحكى أبو نعيم في الحيلة انه من حديث الوليد عن سعيد بن عبد العزيز.

قال الدارقطني: والصواب سعيد بن بشير كما عند الطبراني والحاكم. وحكى الدارقطني في العلل ان عبيد بن شربك رواه عن هشام بن عمار عن الوليد عن سعيد عن الزهري. قال الحافظ: وقد رواه عبدان عن هشام، اخرجه ابن عدى مثل ما قال عبيد وقال: انه غلط قال: فتبين بهذا ان الغلط فيه من هشام، وذلك انه تغير حفظه اما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه والسبق الثاني من الاساق ان يجمع شيئين وذلك مثل الرجلين يريدان ان يستبقا بفرسيهما ولا يريد كل منهما ان يسبق صاحبه ويخرجان سبقين، ولا يجوز الا بمحلل، وهو ان يجعل بينهما فرس ولايجوز حتى يكون كفؤا لفرسيهما لا يا منان ان يسبقهما. قلت: هذا هو السبق الثاني وهو ان يستبق الرجلان ويخرج كل واحد منهما سبقا من ماله ياخذه السابق منهما، وهذا لا يصح حتى يوكلا بينهما محللا لا يخرج شيئا، وياخذ ان سبق ولا يعطى ان سبق لنص ومعنى. اما النص فهو حديث ابى هريرة الذى مضى تخريجه. واما المعنى فهو ان اباحة السبق معتبرة بما خرج عن معنى القمار هو الذى لا يخلو الداخل فيه من ان يكون غانما ان اخذ أو غارما ان اعطى فإذا لم يدخل بينهما محلل كانت هذه بحالها فكان قمارا، وإذا دخل بينهما محلل غير مخرج ياخذ ان سبق ولا يعطى ان سبق خرج عن معنى القمار فحل، وهذا الداخل يسمى محللا، لان العقد صح به فصار حلالا ويسميه اهل السبق ميسرا، ويصح العقد به باربعة شروط. احدها: ان يكون فرسه كفؤا لفريسهما أو اكفا منهما لايامنان ان يسبقهما فان كان فرسه ادون من فرسيهما وهما يا منان ان يسبقهما لنصر الحديث، ولان دخوله مع العلم بانه لا يسبق غير مؤثر من اخذ السبق. والشرط الثاني: ان يكون المحلل غير مخرج لشئ وان قل، فان اخرج شيئا خرج من حكم المحلل وصار في حكم المستبق. والشرط الثالث: ان ياخذ ان سبق، فان شرط ان لا يأخذ لم يصح. والشرط الرابع: ان يكون فرسه معينا عند العقد لدخوله فيه كما يلزم تعيين

فرس المستبقين، وان كان غير معين بطل، فإذا صح العقد بالمحلل على استكمال شروطه فمذهب الشافعي وما عليه جمهور أصحابه أن المحلل دخل ليحلل العقد، ويحلل العقد الاخر فيأخذ إن سبق ويؤخذ به إن سبق. وقال أبو على بن خيران: إن المحلل دخل للتحلل للعقد ويأخذ ولا يؤخذ به وهذا خطأ لان التحريض المقصود باستفراه الخيل ومعاطاه الفروسية غير موجود إذا لم يوخذ بالسبق شئ فيصير مانعا من السبق، وإذا أخذ به صار باعثا عليه وحافزا له، وهذا يتضح في التفريعات الاتية، والله اعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويطلق الفرسان من مكان واحد في وقت واحد لما روى الحسن أو خلاس عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلى: يا على قد جعلت اليك هذه السبقة بين الناس، فخرج على كرم الله وجهه فدعا بسراقة ابن مالك فقال: يا سراقة إنى قد جعلت اليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك، فإذا اتيت الميطان فصف الخيل ثم ناد ثلاثا هل مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل، فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من يشاء من خلقه) فإن كان بينهما محلل وتنازعا في مكانه جعل بينهما، لانه أعدل وأقطع للتافر وإن اختلف المتسابقان في اليمين واليسار أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الاخر ولا يجلب ورواءه لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا، قال مالك: الجلب أن يجلب وراء الفرس حين يدنو أو يحرك وراءه الشسن. ليستحث به السبق. (فصل) وأما ما يسبق به فينظر فيه فان شرط في السبق أقداما معلومة لم يستحق السبق بما دونها لانه شرط صحيح فتعلق الاستحقاق به وإن أطلق نظرت فان تساوى المركوبان في طول العنق اعتبر السبق بالعنق أو بالكند، فان سبق أحدهما بالعنق أو ببعضه أو بالكتد أو ببعضه فقد سبق، وان اختلفا في العنق

اعتبر السبق بالكتد لانه لا يختلف، وإن سبق أطولهما عنقا بقدر زيادة الخلقة لم يحكم له بالسبق لانه يسبق بزيادة الخلقة لا بجودة الجرى (فصل) وإن عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الارض أو وقف لعلة أصابته فسبقه الاخر لم يحكم للسابق بالسبق لانه لم يسبق بجودة الجرى ولا تأخر المسبوق لسوء جريه. (فصل) وإن مات المركوب قبل الفراغ بطل العقد، لان العقد تعلق بعينه وقد فات بالموت فبطل كالمبيع إذا قبل القبض. وإن مات الراكب، فان قلنا: انه كالجعالة بطل العقد بموته، وان قلنا: إنه كالاجارة لم يبطل وقام الوارث فيه مقامه. (فصل) وإن كان العقد على الرمى لم يجز بأقل من نفسين، لان المقصود معرفة الحذق، ولا يبين ذلك بأقل من اثنين، فان قال رجل لاخر: ارم عشرا وناضل فيها خطأك بصوابك، فان كان صوابك أكثر فلك دينار لم يجز، لانه بذل العوض على أن يناضل نفسه. وقد بينا أن ذلك لا يجوز، وإن قال ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر فلك دينار، ففيه وجهان: (أحدهما) يجوز لانه بذل له العوض على عمل معلوم لا يناضل فيه نفسه فجاز (والثانى) لا يجوز لانه جعل العوض في مقابلة الخطأ والصواب، والخطأ لا يستحق به بدل. (الشرح) حديث على رواه الدارقطني واخرجه البيهقي بإسناد الدارقطني وقال: هذا إسناد ضعيف ولفظه كاملا هكذا (يا على قد جعلت اليك هذه السبقة بين الناس، فخرج على فدعا سراقة بن مالك فقال: يا سراقة إنى قد جعلت اليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك، فإذا أتيت الميطان - قال أبو عبد الرحمن: والميطان مرسلها من الغاية - فصف الخيل ثم ناد: هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل، فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه.

وكان على يقعد عند منتهى الغاية ويخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفه بين ابهامى أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول إذا خرج احد الفرسين على صحابه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فاجعلوا السبقة له، فإن شككنما فاجعلا سبقهما نصفين، فإذا قرنتم ثنتين فاجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام) . أما غريبة فقوله (هذه السبقة) فهى بضم السين وإسكان الباء هو الشئ الذى يجعله المتسابقان بينهما يأخذه من سبق منهما. قال في القاموس: السبقة بالضم الخطر يوضع بين أهل السباق والجمع أسباق. قوله (فإذا أتيت الميطان) بكسر الميم. قال في القاموس: والميطان بالكسر الغاية. قوله (فصف الخيل) هي خيل الحلبة. قال في القاموس. الحلبة بالفتح هي الدفعة من الخيل في الرهان، وخيل تجتمع للسباق من كل أوب. قوله (ثم ناد الخ) فيه استحباب التأني قبل ارسال خيل الحلبة، وتنبيههم على إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه، وجعل علامه على الارسال من تكبير أو غيره، وتأمير أمير يفعل ذلك. وأما حديث ابن عباس فقد أخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح بلفظ (ليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان، وأخرجه الطبراني بلفظ (لا جلب في الاسلام) وفى إسناده أبو شيبة ضعيف، والمراد بالجلب في الرهان أن يأتي برجل يجلب على فرسه أي يصيح عليه يستحثه بالازعاج حتى يسبق، والجنب أن يجنب فرسا إلى فرسه حتى إذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب. وقال ابن الاثير: له تفسيران ثم ذكر معنى في الرهان ومعنى في الزكاة، وقد مضى معناه في الزكاة من كتاب الزكاة أما الاحكام: فإن السبق يحصل في الخيل بالرأس إذا تماثلت الاعناق، فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الابل اعتبر السبق بالكتف لان الاعتبار بالرأس متعذر، فإن طويل العنق قد يسبق رأسه لطول عنقه لا لسرعة عدوه، وقد مضى لنا تفصيل ذلك، وهو مذهب الشافعي وأحمد. وقال الثوري: إذا سبق أحدهما بالاذن كان سابقا ولا يصح لان أحدهما قد يرفع رأسه ويمد الاخر عنقه فيكون سابقا بأذنه لذلك لا لسبقه، وان شرطا

السبق بأقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح على أحد القولين عند أصحابنا والثانى: يصح ويتخاطان ذلك كما في الرمى. قال الماوردى في الحاوى الكبير: وإذا استقرت بينهما مع المحلل في الجرى فيختار أن يكون في الموضع الذى ينتهى إليه السبق، وهو غاية المدى قصب قد غرزت في الارض يسميها العرب قصب السبق ليحرزها السابق منهم فيتلقفها حتى يعلم بسبقه الدانى والقاصى فيسقط الاختلاف، وربما كر بها راجعا يستقبل بها المسبوقين إذا كان مفضلا في السبق مباهيا في الفروسية. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: والسبق أن يسبق أحدهما صاحبه وأقل السبق أن يسبق أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو الكتد أو بعضه اه. فالسبق ضربان. أحدهما: أن يكون معتبرا بأقدام مشروطة كاشتراطهما السبق بعشرة أقدام ولا يتم السبق الا بها ولو سبق أحدهما بتسعة أقدام لم يكن سابقا في استحقاق البدل، وان كان سابقا في العمل. والضرب الثاني: أن يكون مطلقا بغير شرط فيكون سابقا بكل قليل وكثير. قال الشافعي رضى الله عنه: أقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو الكتد أو بعضه، فأما الهادى فهو العنق، وأما الكتد ويقال بفتح التاء وكسرها والفتح أشهر، وفيه تأويلان. أحدهما: أنه الكتف. والثانى: أنه ما بين أصل العنق والظهر، وهو مجتمع الكتفين في موضع السنام من الابل، فجعل الشافعي رضى الله عنه أقل السبق السبق بالهادي والكتد. وقال الاوزاعي: أقل السبق بالرأس وقال المزني: أقل السبق بالاذن استدلالا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر باذنه: قال الماوردى ردا على المزني: المقصود بهذا الخبر ضرب المثل على وجه المبالغة وليس بحد لسبق الرهان كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من بنى لله بيتا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة) وان كان بيت لا يبنى كمفحص القطاة وانما لم يعتبر بالاذن كما قال المزني، ولا بالرأس كما قال الاوزاعي، لان من الخيل ما يزجى أذنه ورأسه فيطول، ما يرفعه فتقصر، فلم يدل واحد منهما على التقديم اه.

وإذا سقط اعتبارهما ثبت اعتبار الهادى والكتد، ولو اعتبر السبق بأيديهما فأيهما تقدمت يداه وهو السابق كان عندي أصح، لان السعي بهما والجرى عليهما لكن الشافعي اعتبر بالهادي والكتد. فأما السبق بالكتد فمتحقق سواء اتفق الفرسان في الطول والقصر أو تفاضلا وأما السبق بالهادي وهو العنق فلا يخلو حال الفرسين أن يتساويا فيه أو يتفاضلا في طوله أو قصره، فإن سبق بالعنق أقصرهما عنقا، وإن سبق بالعنق أطولهما عنقا لم يكن سابقا إلا أن يتصاف السابق بكتده، لان سبقه بعنقه إنما كان لطوله لا لزيادة جريه. فإن قيل: فإن كان السبق بالكتد صحيحا مع اختلاف الخلقة فلم اعتبر بالعنق التى يختلف حكمها باختلاف الخلقة؟ قيل: لان السبق بالكتد يتحققه القريب دون البعيد، والسبق بالعنق يتحققه القريب والبعيد، وربما دعت الضرورة إليه ليشاهده شهود السبق فشهدوا به للسابق شهودا يستوقفون عند الغاية ليشهدوا للسابق على المسبوق، فلو سبق أحدهما عند الغاية بهاديه أو كتده ثم جريا بعد الغاية فتقدم المسبوق بعدها على السابق بهاديه أو كتده كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق بعدها، لان ما يجاوز الغاية غير داخل في العقد فلم يعتبر وهكذا لو سبق أحدهما قبل الغاية ثم سبقه الآخر عند الغاية كان السبق لمن سبق عند الغاية دون من سبق قبلها لاستقرار العقد على السبق إليها. (فرع) إذا عثر أحد الفرسين أو ساخت قوائمه في الارض فسبق الاخر لم يحتسب له بالسبق، لان العثرة أخرته. ولو كان العاثر هو السابق احتسب سبقه، لانه إذا سبق مع العثرة كان بعدها أسبق، ولو وقف أحد الفرسين بعد الجرى حتى وصل الاخر إلى غايته كان مسبوقا إن وقف لغير مرض، ولا يكون مسبوقا إن وقف لمرض. فأما إن وقف قبل الجرى لم يكن مسبوقا، سواء وقف لمرض أو غير مرض لانه بعد الجرى مشارك. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما

الاخر. والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لا يختلفان في الاصل فيجوز فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الاخر، ويرد فيهما ما يرد في الاخر ثم يتفرعان، فإذا أختلفت عللهما اختلفا. اه أما السبق فاسم يشتمل على المسابقة بالخيل حقيقة وعلى المسابقة بالرمي مجازا ولكل واحد منهما اسم خاص فتختص الخيل بالرهان ويختص الرمى بالنضال: فأما قولهم: سبق فلان بتشديد الباء فمن أسماء الاضداد يسمى به من أخرج مال السبق، ويسمى به من أحرز مال السبق. وقد مضى حكم السباق بالخيل. فأما السباق بالنضال فهما في الاباحة سواء، والخلاف فيهما واحد، وقد تقدم الدليل عليهما، وقد ذكر الشافعي ها هنا كلاما اشتمل على أربعة فصول: أحدها قوله: والنضال فيما بين الرماة كذلك في السبق والعلل، يريد بهذا أمرين (أحدهما) جواز النضال بالرمي كجواز السباق بالخيل (والثانى) اشتراكهما في التعليل لارهاب العدو بهما لقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) والفصل الثاني: قوله يجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الاخر، يريد بهذا أن الاسباق في النضال ثلاثة كما كانت الاسباق في الخيل ثلاثة (أحدها) أن يخرج الوالى مال السبق فيجوز كجوازه في الخيل (والثانى) أن الخيل ثلاثة: أحدهما أن يخرج الوالى مال السبق فيجوز كجوازه في الخيل. والثانى: أن يخرجه المتناضلان فلا يجوز حتى يدخل بينهما محلل يكون رميه كرميهما أو أرمى منهما، كما لا يجوز في الخيل إلا محلل يكون فرسه كفؤا لفرسيهما أو أكفأ، والثالث: أن يخرجه أحد المناضلين فيجوز كما يجوز في الخيل إذا أخرجه أحد المتسابقين والفصل الثالث: قوله ثم يتفرعان، يريد به أمرين (أحدهما) أن الاصل في سباق الخيل الفرس والراكب تبع. والاصل في النضال الرامى والالة تبع. لان المقصود في سباق الخيل فراهة الفرس، ولو أراد أن يبدله بغيره لم يجز، ويجوز أن يبدل الراكب بغيره. والمقصود في النضال حذق الرامى، ولو أراد أن يستبدل بغيره لم يجز،

ويجوز أن يبدل آلة بغيرها. والثانى: أن في النضال من تفريع المرمى بالمبادرة والمحاطة ما لا يتفرع في سباق الخيل. والفصل الرابع قوله: فإذا اختلفت عللهما اختلفا، يريد به أنه لما كان المقصود في سباق الخيل الفرس دون الراكب لزم تعيين الفرس ولم يلزم تعيين الراكب، ومتى مات الفرس بطل السبق، ولا يبطل بموت الراكب إن لم يكن هو العاقد. وفى بطلانه بموت العاقد قولان: (أحدهما) لا يبطل بموته إذا قيل إنه كالاجارة (والثانى) يبطل بموته إذا قيل إنه كالجعالة. ولما كان المقصود في النضال الرامى دون الالة لزم تعيين الرامى ولم يلزم تعيين الالة، وبطل النضال إذا مات الرامى، ولم يبطل إذا انكسر القوس، فقد اختلف حكمهما كما اختلفت عللهما. والله أعلم بالصواب إذا ثبت هذا فإن الرمى لا يجوز إلا بين اثنين فأكثر، فإذا قال رجل لآخر ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم، قال أحمد وأصحابه: صح ذلك جعالة ولم يصح نضالا لانه بذل مالا له في فعل له فيه غرض صحيح ولم يكن هذا نضالا لان النضال يكون بين نفسين فأكثر على أن يرموا جميعا ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقا. وإن قال: إن أصبت فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لانه قمار. وإن قال: ارم عشرة إسهم فان كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم ففيه وجهان (أحدهما) أنه بذل له العوض على عمل معلوم لم يناضل فيه نفسه فجاز (والثانى) أنه لا يجوز، لانه جعل العوض في مقابلة الخطأ والصواب. وقال الماوردى: إذا قال أحدهما لصاحبه أو لغيره: ارم بسهمك هذا فإن أصبت به فلك درهم جاز واستحق الدرهم إن أصاب. ولجوازه علتان (إحداهما) أنه قد أجابه إلى ما سأل فالتزم له ما بذل، وهذا قول ابن أبى هريرة (والثانية) أنه تحريض في طاعة فلزم البذل عليها كالمناضلة وقال أبو إسحاق المروزى: وهذا بذل مال على عمل وليس بنضال، لان النضال لا يكون الا بين اثنين فأكثر.

وقال الشافعي رضى الله عنه، ولو قال له: ارم عشرة أرشاق، فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه. وقد اختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة على وجهين. (أحدهما) أن المزني حذف منها ما قد ذكره الشافعي في كتاب الام فقال فيه، ولو قال له: ناضل نفسك وارم عشرة أرشاق، فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه، فحذف المزني قوله: ناضل نفسك. وأورد باقى كلامه وحكمه على هذه الصورة باطل باتفاق أصحابنا واختلفوا في تعليله فقال أبو إسحاق، وهو الظاهر من تعليل الشافعي: انه جعله مناضلا لنفسه، والنضال لا يكون الا بين اثنين فأكثر فاستحال نضال نفسه فبطل. وقال آخرون: بل علة بطلانه أنه ناضل على خطئه لصوابه بقوله: ان كان صوابك أكثر من خطئك والخطأ لا يناضل عليه ولا به والوجه الثاني: ان المسألة مصورة على ما أورده المزني ههنا ولم يذكر فيه نضال نفسه وقال له: ارم عشرة أرشاق، فعلى هذا يكون في صحته وجهان من اختلاف العلتين: (أحدهما) انه صحيح ويستحق ما جعل له التعليل الاول، لانه بذل مال على عمل لم يناضل فيه نفسه. والوجه الثاني: أنه باطل للتعليل الثاني أنه مناضل على خطئه وصوابه ويتفرع على هاتين المسألتين ثالثة، واختلف فيها أصحابنا بأيها تلحق؟ على وجهين، وهو أن يقول: ناضل وارم عشرة أرشاق، فان كان صوابك أكثر فلك كذا فيوافق المسألة الاولى في قوله ناضل، وتوافق المسألة الثانية في حذف قوله: ناضل نفسك، وأحد الوجهين وهو قول أبى اسحاق المروزى أنها في حكم المسألة الاولى في البطلان لاجل قوله: ناضل، والنضال لا يكون الا بين اثنين فصار كقوله: ناضل نفسك، والوجه الثاني أنها في حكم المسألة الثانية في حمل صحتها على وجهين من اختلاف العلتين إذا سقط قوله: نفسك، صار قوله ناضل، يعنى ارم على نضال، والنضال المال، فصار كالابتداء بقوله: ارم عشرة أرشاق. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز إخراج السبق إلا على ما ذكرناه في المسابقة من إخراج العوض منهما أو من غيرهما، وفى دخول المحلل بينهما. (فصل) ولا يصح حتى يتعين المتراميان، لان المقصود معرفة حذقهما، ولا يعلم ذلك إلا بالتعيين، فإن كان أحدهما كثير الاصابة والاخر كثير الخطأ، ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان نضل أحدهما معلوم فيكون الناضل منهما كالأخذ للمال من غير نضال وذلك من أكل المال بالباطل (والثانى) لا يجوز لان أخذ المال منه يبعثه على معاطاة الرمى والحذق فيه. (فصل) ولا يصح إلا على آلتين متجانستين فان عقد على جنسين بأن يرمى أحدهما بالنشاب والاخر بالحراب لم يجز، لانه لا يعلم فضل أحدهما على الاخر في واحد من الجنسين، وان عقد على نوعين من جنس بأن يرمى إحدهما بالنبل والاخر بالنشاب أو يرمى أحدهما على قوس عربي والاخر على قوس فارسي جاز، لان النوعين من جنس واحد يتقابان، فيعرف به حذقهما، فإن أطلق العقد في موضع العرف فيه نوع واحد حمل العقد عليه، وإن لم يكن فيه عرف لم يصح حتى يبين، لان الاغراض تختلف باختلاف النوعين، فوجب بيانه، وإن عقد على نوع فأراد أن ينتقل إلى نوع آخر لم تلزم الاجابة إليه، لان الاغراض تختلف باختلاف الانواع، فإن من الناس من يرمى بأحد النوعين أجود من رميه بالنوع الاخر، وان عقد على قوس بعينها فأراد أن ينتقل إلى غيرها من نوعها جاز، لان الاغراض لا تختلف باختلاف الاعيان، فإن شرط على أنه لا يبدل فهو على الاوجه الثلاثة فيمن استأجر ظهرا ليركبه على أن لا يركبه مثله وقد بيناها في كتاب الاجارة. (فصل) ولا يجوز إلا على رشق معلوم وهو العدد الذى يرمى به لانه إذا لم يعرف منتهى العدد لم يبين الفضل. ولم يظهر السبق. (فصل) ولا يجوز إلا على إصابة عدد معلوم، لانه لا يبين الفضل

إلا بذلك فإن شرط اصابة عشرة من عشرة أو تسعة من عشرة ففيه وجهان. أحدهما. يصح لانه قد يصيب ذلك فصح العقد كما لو شرط اصابة ثمانية من عشرة والثانى: لا يصح لان اصابة ذلك تندر وتتعذر فبطل المقصود بالعقد. (الشرح) ذكرنا فيما مضى من أحكام المسابقة أنه لا يجوز اخراج السبق الا على ما تراضيا عليه، وكما يقول الامام الشافعي رضى الله عنه: ويخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه ويتواضعانه على يدى رجل يثقان به أو يعينانه، ولصحة العقد بينهما مع دخول المحلل أربعة شروط. (أحدهما) ان يكون العوض معلوما اما معينا أو موصوفا، فإن كان مجهولا لم يصح، لان الاعواض في العقود لا تصح الا معلومة. (والشرط الثاني) أن يتساويا في جنسه ونوعه وقدره فإن تفاضلا أو اختلفا لم يصح، لانهما لما تساويا في العقد وجب أن يتساويا في بذله. (والشرط الثالث) تعيين الفرس في السباق. والرابع أن يكون مدى سبقهما معلوما اما بالابتداء والانتهاء كالاجارة المعينه، واما مذروعا بذراع مشهور كالاجارة المضمونه. فإذا صح العقد بينهما على الشروط المعتبرة وفى المحلل الداخل بينهما لم يخل حالهما في مال السبق من ثلاثة أحوال. أحدهما: أن يتفقا على تركه في أيديهما ويثق كل واحد منهما بصاحبه فيحملان على ذلك ولا يلزم اخراج مال السبق من أحدهما الا بعد أن يصير مسبوقا فيؤخذ باستحقاقه، والحالة الثانية: أن يتفقا على أمين فيؤخذ مال السبق منهما ويوضع على يده ويعزل مال كل واحد منهما على حدته، فإن سبق أحدهما سلم إليه ماله ومال المسبوق، فان سبق المحلل سلم إليه مال السبقين ولم يكن للامين أجرة على السابق ولا على المسبوق الا عن شرط، فإن كانت له أجرة في عرف المتسابقين ففى حمله على عرفهم فيه مع عدم الشرط وجهان من اختلافهم فيمن استعمل خياطا فعمل بغير شرط هل يستحق أجرة مثله هل يستحق أجرة مثله أم لا؟ على وجهين. (أحدهما) أن الامين يستحق أجرة مثله إذا حكم للصانع بالاجرة، ويكون

على المستبقين لا يختص بها السابق منهما لانها أجرة على حفظ المالين، والثانى أنه لا أجرة له وإن جرى العرف إلا أن يحكم للصانع بالاجرة، والحال الثالثة أن يختلفا على الامين فيخرج الحاكم لهما أمينا يقطع تنازعهما. إذا ثبت هذا فقد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا يَجُوزُ السبق إلا معلوما، كما يجوز في البيع. قال الماوردى: وهذا صحيح، يريد بالسبق المال المخرج في العقد فلا يصح معه العقد حتى يكون معلوما من وجهين إما بالتعيين كاستباقهما على عين مشاهد، وإما بالصفة كاستباقهما على مال في الذمة، لانه من عقود المعاوضات كالبيع والاجارة، فإن تسابقا على ما يتفقان عليه أو على ما يحكم به زيد كان باطلا للجهالة به عند العقد. ولو تسابقا وتناضلا على مثل ما يسابق أو يناضل به زيد وعمرو، فان كان ذلك بعد علمهما بقدره صح، وان كان قبل علمهما بقدره بطل، ولو كان لاحدهما في ذمة الاخر قفيز من حنطة فتناضلا عليه، فان كان القفيز مستحقا من سلم لم يصح، لان المعاوضة على السلم قبل قبضه لا تصح، وان كان عن غصبه صح، لان المعاوضة عليه قبل قبضه تصح. وان كان من قرض فعلى وجهين من الوجهين في صحة المعاوضة عليه قبل قبضه ولو تناضلا على دينار الا دانقا صح، ولو تناضلا على دينار الا درهما لم يصح لانه يكون بالاستثناء من جنسه معلوما وبالاستثناء من غير جنسه مجهولا، ولو تناضلا على دينار معجل وقفيز حنطه مؤجل صح، لانه على عوضين: حال ومؤجل، ولو تناضلا على ان يأخذ الناضل دينارا ويعطى درهما لم يجز، لان الناضل من شرطه أن يأخذ ولا يعطى. ولو تناضلا على دينار بذله أحدهما، فان نضل دفعه وان شرط لم يرم أبدا أو شهرا كان العقد فاسدا لانه قد شرط فيه الامتناع وهو مندوب إليه فبطل، وإذا تناضلا وقد فسد العقد بما ذكرنا فنضل احدهما، فان كان الناضل باذل المال فلا شئ على المنضول، وان كان الناضل غير الباذل ففى استحقاقه لاجرة مثله على الباذل وجهان على ما مضى.

قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا سبق احد الرجلين الاخر على ان يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق أو حوابى فهو جائز. اه قلت: نعلم من اقوال الامام الشافعي رضى الله عنه ان عقد الرمى معتبر بشروط. احدهما ان يكون الراميان متعينين، لان العقد عليهما، والمقصود به حذقهما، فان لم يتعينا بطل العقد، سواء وصفا أو لم يوصفا، كما لو أطلق في السبق الفرسان، فان لم يتعينا كان باطلا، ولا يلزم تعيين الآلة، ولكل واحد منهما ان يرمى عن أي قوس شاء، وبأى سهم أحب، فان عينت الآلة لم يتعين وبطلت في التعين. ولو قيل: ويرمى عن هذين القوسين لم يؤثر في العقد وجاز لهما الرمى عنها ولغيرهما، وان قيل: على ان لا يرمى الا عن هذين القوسين كان فاسدا لانه على الوجه الاول صفة وعلى الوجه الثاني شرط. أما قوله (ولا يصح الا على آلتين متجانستين) فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يصلح ان يمنع الرجل أن يرمى بأى نبل أو قوس شاء إذا كانت من صنف القوس التى سابق عليها. قلت: وأنواع القسى تختلف باختلاف أنواع الناس فللعرب قسى وسهام وللعجم قسى وسهام، وقيل إن أول من صنع القسى العربية ابراهيم الخليل عليه السلام، وأول من صنع الفارسية النمرود. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القوس العربية ويأمر بها ويكره الفارسية وينهى عنها، ورأى رجلا يحمل قوسا فارسية فقال: ملعون حاملها عليكم بالقسى العربية وسهامها، فانه سيفتح عليكم بها. قال الماوردى: وليس هذا منه محمولا على الحظر المانع، وفى تأويله. ثلاثة أوجه (أحدها) ليحفظ به آثار العرب، ولا يعدل الناس عنها رغبة في غيرها، فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيل القوس العربية باقيا. والوجه الثاني: انه أمر بها لتكون شعار المسلمين حتى لا يتشبهوا باهل الحرب من المشركين فيقتلوا، فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيلها مرتفاعا لانها قد فشت في عامة المسلمين. (والثالث) ما قاله عطاء انه لعن من قاتل المسلمين بها. فعلى هذا لا يكون

وذلك ندبا إلى تفضيل العربية عليها، ويكون نهيا عن قتال المسلمين بها وبغيرها. وخصها باللعن لانها كانت انكى في المسلمين من غيرها، وقد رمى عنها الصحابة والتابعون في قتال المشركين، وان كان الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوسه لمن قوى رميه عنها أحب الينا. فان كان بالفارسية أرمى كانت به أولى، ويكون الندب منهما إلى ما هو به أرمى. اه فإذا تقرر ذلك فلا يخلو حال المتناضلين في عقد نضالهما من خمسة أحوال: أحدها أن يشترطا فيه الرمى عن القوس العربية، فعليهما أن يتناضلا بالعربية، وليس لاحدهما العدول عنها لاجل الشرط، فان تراضيا معا بالعدول إلى الفارسية جاز (الثانية) أن يشترطا فيه الرمى عن القوس الفارسية فعليهما ان يتناضلا بها وليس لاحدهما العدول إلى العربية، فان تراضيا بالعدول جاز (الثالثة) أن يشترطا أن يرمى أحدهما عن القوس العربية ويرمى الاخر عن القوس الفارسية فهذا جائز. وان اختلفت قوساهما، لان مقصود الرمى حذق الرامى والالة تبع. (الرابعة) أن يشترطا ان يرمى كل واحد منهما عما شاء من قوس عربية أو فارسية، فيجوز لكل واحد ان يرمى عن أي القوسين شاء قبل الشروع في الرمى وبعده. فان أراد أحدهما منع صاحبه من خياره لم يجز، سواء تماثلا فيها أو اختلفا (الخامسة) أن يطلقا العقد من غير شرط، فان كان للرماة عرف في احد القوسين حمل عليه، وجرى العرف في العقد المطلق مجرى الشرط في العقد المقيد. وان لم يكن للرماة فيه عرف معهود فهما بالخيار فيما اتفقا عليه من أحد القوسين إذا كانا فيها متساويين، لان مطلق العقد يوجب التكافؤ، وان اختلفا لم يقرع بينهما لانه أصل في العقد، وقيل لهما ان اتفقتما والا فسخ العقد بينكما. والشرط الثالث: أن يكون عدد الاصابة من الرشق معلوما ليعرف به الفاضل عن المفضول، وأكثر ما يجوز ان تشترط فيه ما نقص من عدد الرشق المشروط بشئ وان قل ليكون متلافيا للخطأ الذى يتعذر ان يسلم منه المتناضلان، فقد كان معروفا عندهم ان أحذق الرماة من يصيب ثمانية من العشرة، فان شرط أصابة الجميع من الجميع بطل لتعذره غالبا، وان شرطا إصابة ثمانيه من العشرة جاز

فان شرطا إصابة تسعة من العشرة ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لبقاء سهم الخطأ والوجه الثاني: لا يجوز لان اصابتها نادرة. فأما أقل ما يشترط في الاصابة فهو ما يحصل فيه القاصر. وهو ما زاد على الواحد. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى بطلان اشتراط إصابة تسعة من عشرة. واختلف أصحابنا في تأويل هذا على وجهين (أحدهما) تأويلها أن يشترطا إصابة تسعة من عشرة فيبطل على ما ذكرناه من أحد الوجهين (والثانى) تأويلها أن يشترطا أن يكون الرشق عشرة والاصابة محتسبة من تسعة دون العاشر فيبطل وجها واحدا لاستحقاق الاصابة من جميع الرشق به، فان أغفلا عدد الاصابة وعقداه على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة ففيه وجهان (أحدهما) من التعليلين في اشتراط فعله في سباق الخيل إذا عقداه إلى غير غاية ليكون السابق من تقدم في أي غاية كانت، وهو باطل في الخيل لعلتين (إحداهما) ان من الخيل من يقوى جريه في ابتدائه ويضعف في انتهائه، ومنها ما هو بضده، فعلى هذا يكون النضال على كثرة الاصابة باطلا، لان من الرماة من تكثر إصابته في الابتداء وتقل في الانتهاء ومنهم من هو بضده. والتعليل الثاني: ان اجراء الخيل إلى غير غاية مفض إلى انقطاعها، فعلى هذا يجوز النضال على كثرة الاصابة لانه مفض إلى انقطاع الرماة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز الا ان يكون مدى الغرض معلوما، لان الاصابة تختلف بالقرب والبعد، فوجب العلم به، فان كان في الموضع غرض معلوم المدى فاطلق العقد جاز وحمل عليه، كما يجوز ان يطلق الثمن في البيع في موضع فيه نقد واحد وان لم يكن فيه غرض معلوم المدى لم يجز العقد حتى يبين، فان أطلق العقد بطل كما يبطل البيع بثمن مطلق في موضع لا نقد فيه، ويجوز ان يكون مدى الغرض قدرا يصيب مثلهما في مثله في العادة، ولا يجوز ان يكون قدرا لا يصيب مثلهما في مثله، وفيما يصيب مثلهما في مثله نادرا وجهان: (أحدهما) يجوز لانه قد يصيب مثلهما في مثله، فإذا عقدا عليه بعثهما العقد

على الاجتهاد في الاصابة (والثانى) لا يجوز لان اصابتهما في مثله تندر فلا يحصل المقصود، وقدر أصحابنا ما يصاب منه بمائتين وخمسين ذراعا، وما لا يصاب بما زاد على ثلثمائة وخمسين ذراعا، وفيما بينهما وجهان، فإن تراميا على غير غرض على أن يكون السبق لابعدهما رميا ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه يمتحن به قوة الساعد، ويستعان به على قتال من بعد من العدو (والثانى) لا يجوز لان الذى يقصد بالرمي هو الاصابة، فأما الابعاد فليس بمقصود فلم يجز أخذ العوض عليه. (فصل) ويجب أن يكون الغرض معلوما في نفسه فيعرف طوله وعرضه وقدر انخفاضه وارتفاعه من الارض، لان الاصابة تختلف باختلافه، فان كان العقد في موضع فيه غرض معروف فأطلق العقد حمل عليه كما يحمل البيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد متعارف على نقد البلد، وان لم يكن فيه غرض وجب بيانه، والمستحب أن يكون الرمى بين غرضين، لما روى عبد الدائم بن دينار قال: بلغني أن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنه. وعن عقبه بن عامر أنه كان يرمى بين غرضين بينهما أربعمائة. وعن ابن عمر أنه كان يختفى بين الغرضين وعن أنس أنه كان يرمى بين الهدفين، ولان ذلك أقطع للتنافر وأقل للتعب (الشرح) خبر: ما بين الهدفين الخ سبق أن سقناه في الحث على الرمى نقلا عن المصنف وغيره من الفقهاء، كابن قدامه في المغنى، وقد أعضله ولم يوضح، وأبناء دينار ثلاثة: عبد الله. ومالك. وعمرو، وليس فيهم من اسمه عبد الدائم، بل ليس في رواة السنة من اسمه عبد الدائم فضلا عن أن يكون ابن دينار وذكر الماوردى في الحاوى الخبر مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق ابن دينار مبهما، والخبر ساقه صاحب الترغيب والترهيب في الترغيب في الرمى. وقد أخرجه صاحب مسند الفردوس من طريق ابن أبى الدنيا باسناده عن مكحول عن أبى هريرة يرفعه (تعلموا الرمى فان ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة) وفى اسناده ضعف وانقطاع.

أما خبر عقبة بن عامر فهو ثابت من سيرته أنه لم يثبت عن أحد غيره الرمى إلى أربعمائة ذراع وهو أحد ولاة مصر بعد عمرو وتوفى في آخر خلافة معاوية روى عنه من الصحابة جابر وابن عباس وأبو أمامة ومسلمة بن مخلد ورواته من التابعين لا يحصون، وقد غلط ابن الخياط عندما قال: إنه قتل شهيدا في معركة النهروان، ومعركة النهروان كانت سنة ثمان وثلاثين وقد كان بعد ذلك واليا على مصر بعد سنة خمسين: أما الاحكام: فإن الشرط الرابع من شروط الرمى أن تكون المسافة بين موقف الرامى والهدف معلومة، لان الاصابة تكثر مع قرب المسافة وتقل مع بعدها فلزم العلم بها وأبعد ما في العرف ثلاثمائة ذراع، وأقلها ما يحتمل أن يصاب وأن لا يصاب، فإن أغفلا مسافة الرمى فلها ثلاثة أحوال. (إحداها) ان لا يكون للرماة هدف منصوب ولا لهم علف معهود فيكون العقد باطلا للجهاله. (والثانية) أن يكون للرماة الحاضرين هدف منصوب وللرماة فيه موقف معروف فيصح العقد ويكون متوجها إلى الهدف الحاضر من الموقف المشاهد، والرماة يسمون موقف الوجه. (والثالثة) أن لا يكون لهم هدف منصوب ولكن لهم عرف معهود، ففيه وجهان، أصحهما يصح العقد مع الاطلاق، ويحملان فيه على العرف المعهود كما يحمل إطلاق الاثمان على غالب النقد المعهود، والوجه الثاني: أن العقد باطل، لان حذق الرماة يختلف فاختلف لاجله حكم الهدف فلم يصح حتى يوصف. (والشرط الخامس) الذى تضمنه هذان الفصلان من كلام المصنف أن يكون الغرض أو الهدف معلوما لانه المقصود بالاصابة، أما الهدف فهو تراب يجمعونه أو حائط بيت، وقد قيل من صنف فقد استهدف لانه يرمى بالاقايل من الحاسدين والناقضين وأما الغرض فهو جلد أو شن بال ينصب في الهدف ويختص بالاصابة وربما جعل في الغرض دارة كالهلال تختص بالاصابة ممن يحمله الغرض وهى الغاية في المقصود من حذق الرماة، وإذا كان كذلك فالعلم بالغرض يكون من ثلاثة أوجه.

أحدها: موضعه من الهدف في ارتفاعه وانخفاضه لان الاصابة في المنخفض أكثر منها في المرتفع. والثانى: قدر الغرض في ضيقه وسعته، لان الاصابة في الواسع أكثر منها في الضيق، وأوسع الاغراض في عرف الرماة ذراع وأقله أربع أصابع. والثالث قدر الدارة من الغرض إن شرطت الاصابة فيها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب أن يكون موضع الاصابة معلوما، وأن الرمى إلى الهدف وهو التراب الذى يجمع أو الحائط الذى يبنى أو إلى الغرض، وهو الذى ينصب في الهدف، أو الشن الذى في الغرض، أو الدارة التى في الشن أو الخاتم الذى في الدارة، لان الغرض يختلف باختلافها، فإن أطلق العقد حمل على الغرض، لان العرف في الرمى إصابه الغرض فحمل العقد عليه، ويجب أن تكون صفة الرمى معلومه من القرع وهو إصابه الغرض أو الخزق وهو أن يثقب الشن أو الخسق وهو الذى يثقبه، ويثبت فيه، أو المرق وهو الذى ينفذ منه، أو الخرم وهو أن يقطع طرف الشن ويكون بعض السهم في الشن وبعضه خارجا منه، لان الحذق لا يبين إلا بذلك، فإن أطلق العقد حمل على القرع، لانه هو المتعارف فحمل مطلق العقد عليه، فإن شرط قرع عشرة من عشرين وأن يحسب خاسق كل واحد منهما بقارعين جاز لانهما يتساويان فيه، وإن أصاب أحدهما تسعه قرعا وأصاب الاخر قارعين وأربعة خواسق فقد نضله لانه استكمل العشرة بالخواسق. (فصل) واختلف أصحابنا في بيان حكم الاصابة أنه مبادرة أو محاطه أو حوابى، فمنهم من قال: يجب بيانه، فإن أطلق العقد لم يصح، لان حكمهما يختلف وأغراض الناس فيها لا تتفق فوجب بيانه، ومنهم من قال: يصح ويحمل على المبادرة لان المتعارف في الرمى هو المبادرة، واختلفوا في بيان من يبتدئ بالرمي، فمنهم من قال: يجب فإن أطلق العقد بطل، وهو المنصوص، لان ذلك موضوع على نشاط القلب وقوة النفس، ومتى قدم أحدهما انكسر قلب الاخر

وساء رميه، فلا يحصل مقصود العقد، ومنهم من قال: يصح لان ذلك من توابع العقد ويمكن تلافيه بما تزول به التهمة من العرف أو القرعة، فإذا قلنا: إنه يصح ففى البادئ وجهان. (أحدهما) إن كان السبق من أحدهما قدم، لان له مزية بالسبق، وإن كان السبق منهما أقرع بينهما لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ. (وَالثَّانِي) لا يبدأ أحدهما إلا بالقرعة لان أمر المسابقة موضوع على أن لا يفضل أحدهما على الآخر بالسبق، فإن كان الرمى بين غرضين فبدأ أحدهما من أحد الغرضين بدأ الاخر من الغرض الاخر، لانه أعدل وأسهل فان كانت البداية لاحدهما فبدأ الاخر ورمى لم يحسب له إن أصاب ولا عليه ان أخطأ لانه رمى بغير عقد فلم يعتد به، وان اختلفا في موضع الوقوف كان الامر إلى من له البداية لانه لما ثبت له السبق ثبت له اختيار المكان فإذا صار الثاني إلى الغرض الثاني صار الخيار في موضع الوقوف إليه ليستويا، وان طلب أحدهما استقبال الشمس والاخر استدبارها أجيب من طلب الاستدبار لانه أوفق للرمي. (الشرح) لغات الفصل فيها قوله: الشن وهو جلد بال ينصب في الهدف. أما الدارة فهى قطعة على شكل نصف دائرة، والقرع باسكان الراء من باب نفع يقال: قرع السهم القرطاس إذا أصابه، والقرع بفتحتين السبق والندب الذى يستبق عليه. وأما الاحكام: فإن المصنف ذكر هنا الشرط وهو أن يكون محل الاصابة معلوما، هل هو في الهدف أو في الغرض أو في الدارة، لان الاصابة في الهدف أوسع، وفى الغرض أوسط وفى الدارة أضيق، وإن أغفل ذلك كان جميع الغرض محلا للاصابة لان ما دونه تخصيص، وما زاد عليه فهو بالغرض مخصوص، فإن كانت الاصابة مشروطة في الهدف سقط اعتبار الغرض، ولزم وصف الهدف طوله وعرضه، وإن شرطت الاصابة في الغرض سقط اعتبار الهدف ولزم وصف الغرض، وإن شرطت الاصابة في الدارة سقط اعتبار الغرض ولزم وصف الدارة.

(فرع) والشرط السابع: أن تكون الاصابة موصوفه بقرع أو خرق أو خسق فالقارع ما أصاب الغرض ولم يؤثر فيه، والخارق ما ثقب الغرض ولم يثبت فيه، والخاسق ما ثبت في الغرض بعد أن ثقب، ولا يحتسب بالقارع في الخرق والخسق، وتحتسب بالخارق في القرع ولا يحتسب به في الخسق، ويحتسب بالخاسق في القرع والخرق وينطلق على جميع هذه الاصابات اسم الخواصل وهو جمع خصال فإن أغفل هذا الشرط كانت الاصابة محمولة على القرع لان ما عداه زيادة. (فرع) والشرط الثامن أن يكون حكم الاصابة معلوما، هل مبادرة أو محاطه لان حكم كل واحد منهما مخالف لحكم الاخر، والمبادرة أن يبادر أحدهما إلى استكمال إصابته من أقل العددين على ما سيأتي، والمحاطة أن يحط أقل الاصابتين من أكثرهما ويكون الباقي بعدها هو العدد المشروط على ما سنشرحه، فان أغفلا ذلك ولم يشترطاه فسد العقد إن لم يكن للرماة عرف معهود، وفى فساده إن كان لهم عرف معهود وجهان على ما تقدم. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وقد رأيت من الرماة من يقول: صاحب السبق أولى أن يبدأ وللمسبق لهما أن يبدأ أيهما شاء، ولا يجوز في القياس عندي إلا أن يتشارطا. أما اشتراط الابتداء فهو معتبر في الرمى دون السبق لانهما في السبق يتساويان في الجرى معا لا يتقدم أحدهما على الاخر، وأما الرمى فلا بد أن يبتدئ به أحدهما قبل الاخر ولا يرميان معا لاختلاط رميهما ولما يخاف من تنافرهما، فان شرطا في العقد البادى منهما بالرمي كان أحقهما بالابتداء سواء كان المبتدئ مخرج المال أو غير مخرجه، فإن أراد بعد استحقاقه التقدم أن يتأخر لم يمنع لان التقدم حق له وليس بحق عليه، وان أغفل في العقد اشتراط البادئ بالرمي ففى العقد قولان. (أحدهما) وهو اختبار الشافعي في هذا الموضع أن العقد باطل لان للبداية تأثيرا في قوة النفس وكثرة الاصابة فصارت مقصودة فبطل العقد باغفالها. (والقول الثاني) أن العقد صحيح، وإن أغفلت فيه البداية، وقد حكا الشافعي عن بعض فقهاء الرماة لانه من توابع الرمى الذى يمكن تلافيه بما تزول التهمه

فيه من الرجوع إلى عرف أو قرعة، فعلى هذا إن كان مخرج المال أحدهما كان هو البادئ بالرمي اعتبارا بالعرف وفيه، وجه آخر أنه يقرع بينهما، فإن كانا مخرجين للمال أقرع بينهما لتكافئهما وهل يدخل المحلل في قرعتهما أو يتأخر عنهما على وجهين (أحدهما) يتأخر ولا يدخل في القرعة إذا قيل: إن مخرج المال يستحق التقدم (والوجه الثاني) يدخل في القرعة ولا يتأخر إذا قبل: إن مخرج المال لا يتقدم إلا بالقرعة. قال الشافعي رضى الله عنه: وقد جرت الرماة أن يكون الرامى الثاني يتقدم على الاول بخطوة أو خطوتين أو ثلاث وهذا معتبر بعرف الرماة وعادتهم فإن كانت مختلفة فيه، يفعلونه تارة ويسقطونه أخرى سقط اعتباره ووجب التساوى فيه، وإن كانت عادتهم جارية لا يختلفون فيها ففى لزوم اعتباره بينهما وجهان. أحدهما: لا يعتبر لوجوب تكافئهما في العقد فلم يجز أن يتقدم أحدهما على الاخر بشئ لانه يصير مصيبا بتقدمه لا لحذقه. والوجه الثاني: يعتبر ذلك فيها، لان العرف في العقود كإطلاق الاعيان، فعلى هذا إن لم يختلف عرفهم في عدد الاقدام حملا على العرف في عددها ليكون القرب بالاقدام في مقابلة قوة النفس تقدم أحدهما على الاخر بما لا يستحق لم يحتسب له بصوابه واحتسب عليه بخطئه. وقال الشافعي رضى الله عنه: وأيهما بدأ من وجه بدأ صاحبه من الاخر. قال الماوردى: عادة الرماة في الهدف مختلفة على وجهين وكلاهما جائز، فمنهم من يرمى بين هدفين متقابلين فيقف أحد الحزبين في هدف يرمى منه إلى الهدف الاخر ويقف الحزب الاخر في الهدف المقابل فيرمى إلى الهدف الاخر اه. (قلت) والحكمة في ان يتقدم أحدهما الاخر وان لا يرميا سويا هو أن التساوى في الرمى مفض إلى الاختلاف في الاصابة حيث لا يعرف من المصيب منهما ومن ثم توجه ما مضى من أقوال وبهذا كله أخذ أحمد وأصحابه. فإذا تشاحا في موضع الوقوف، فان كان ما طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا تؤذيه باستقبالها ونحو ذلك، والاخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لانه العرف في الرمى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز أن يرميا سهما سهما وخمسا خمسا، وان يرمى كل واحد منهما جميع الرشق، فان شرطا شيئا من ذلك حملا عليه، وإن أطلق العقد تراسلا سهما لان العرف فيه ما ذكرناه، وان رمى أحدهما أكثر مما له لم يحسب له ان أصاب، ولا عليه ان أخطا لانه رمى من غير عقد فلم يعتد به. (فصل) ولا يجوز أن يتفاضلا في عدد الرشق ولا في عدد الاصابة ولا في صفة الاصابة ولا في محل الاصابة، ولا أن يحسب قرع أحدهما خسقا ولا أن يكون في يد أحدهما من السهام اكثر مما في يد الاخر في حال الرمى، ولا أن يرمى أحدهما والشمس في وجهه لان القصد أن يعرف حذقهما، وذلك لا يعرف مع الاختلاف، لانه إذا نضل أحدهما كان النضل بما شرط لا بجودة الرمى، فان شرط شيئا من ذلك بطل العقد، لانه في أحد القولين كالاجارة، وفى الثاني كالجعالة، والجميع يبطل بالشرط الفاسد. وهل يجب للناضل في الفاسد أجرة المثل؟ فيه وجهان أحدهما لا تجب. وهو قول ابى اسحاق لانه لا يحصل المسبوق منفعة بسبق السابق فلم تلزمه أجرته (والثانى) تجب، وهو الصحيح، لان كل عقد وجب المسمى في صحيحه وجب عوض المثل في فاسده كالبيع والاجارة (فصل) وان شرط على السابق ان يطعم أصحابه من السبق بطل الشرط لانه شرط ينافى مقتضى العقد فبطل، وهو يبطل العقد المنصوص انه يبطل لانه تمليك مال شرط فيه يمنع كمال التصرف، فإذا بطل الشرط بطل العقد، كما لو باعه سلعة بالف على ان يتصدق بها. وقال أبو إسحاق: يحتمل قولا آخر لا يبطل، كما قال فيمن أصدق امرأته الفين على أن تعطى أباها ألفا أن الشرط باطل، ويصح الصداق، فإذا قلنا بالمنصوص سقط المستحق، وهل يرجع الساق بأجرة المثل؟ على الوجهين. (الشرح) إذا شرطا في العقد شرطا حملا فيه على موجب الشرط وان خالف العرف لان الشرط أحق من العرف، فان شرطا أن يرميا سهما وسهما أو شرطا

أن يرميا خمسا وخمسا، أو شرطا أن يواصل كل واحد منهما رمى جميع رشقه رمى كل واحد منهما عدد ما أوجب الشرط، فان زاد عليه لم يحسب به مصيبا ولا مخطئا لخروجه عن موجب العقد، وان اغفل ولم يشترط في العقد لم يبطل العقد باغفاله لامكان التكافؤ فيه واعتبر فيها عرف الرماة لانه يجرى بعد الشرط مجرى الشرط، فان كان عرف الرماة جاريا بأحد الثلاثة المجوزة من الشرط صار كالمستحق بالشرط، وان لم يكن للرماة عرف لاختلافه بينهم رميا سهما وسهما، ولم يزد كل واحد منهما على سهم واحد حتى يستنفدا جميع الرشق. لان قرب المعاودة إلى الرمى احفظ لحسن الصنيع، فان رمى أحدهما أكثر من سهم فان كان قبل استقرار هذا الترتيب كان محتسبا به مصيبا ومخطئا، وان كان بعد استقراره لم يحتسب به مصيبا ولا مخطئا، لانه قبل الاستقرار يجوز وبعد الاستقرار ممنوع. وهذا الذى ذكرناه هو الشرط التاسع من شروط الرمى. قال في الحاوى الكبير: يذكر المبتدئ منهما بالرمي وكيفية الرمى هل يتراميان سهما وسهما أو خمسا وخمسا ليزول التنازع ويعمل كل واحد منهما على شرطه، فان اغفل ذكر المبتدئ منهما بالرمي ففى العقد قولان (أحدهما) انه باطل (والثانى) جائز وفى المبتدئ وجهان (أحدهما) مخرج المال (والثانى) من قرع، وان اغفل عددما يرميه كل واحد منهما في يديه فالعقد صحيح ويحملان على عرف الرماة ان لم يختلف، فان اختلف عرفهم رميا سهما وسهما. قلت: وقد مضى ذكر الشرط العاشر، وهو المال المخرج في النضال ويسمى الحظر ويجب ذكره، فان كان مجهلا ففى استحقاقه لاجرة مثله إذا نضل وجهان (فرع) ولا يجوز ان يتناضلا على أن تكون إصابة أحدهما قرعا وإصابة الاخر خسقا، لان المقصود بالعقد معرفة احذقهما بالرمي، كما لا يجوز أن يتفاضلا على ان تكون اصابة أحدهما خمسة من عشرين واصابة الاخر عشرة من عشرين لما فيه من التفاضل الذى لا يعلم به الاحذق قال الشافعي رضى الله عنه: وهو متطوع باطعامه إياه، وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره، وهو عندي كرجل كان له على رجل دينار

فاسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو، وقال أيضا: ومستحق سبقه يكون ملكا له يكون لقضائه عليه كالدين يلزمه ان شاء أطعم أصحابه، وان شاء تموله. قلت: وهذا صحيح إذا نضل الرامى ملك مال النضال وكذلك في السبق وصار كسائر أمواله، فان كان عينا استحق أخذها، وان كان دينا استوجب قبضه ولم يلزمه أن يطعم اصحابه، من أهل النضال والسباق. وحكى الشافعي عن بعض فقهاء الرماة ان عليه أن يطعم أصحابه ولا يجوز ان يتملكه، وهذا فاسد، لانه لا يخلو اما ان يكون كمال الاجارة أو مال الجعالة لان عقده متردد بين هذين العقدين، والعوض في كل واحد منهما مستحق يتملكه مستحقه ولا يلزمه مشاركة غيره فبطل ما قاله المخالف فيه، فعلى هذا إن مطل به المنضول قضى به الحاكم عليه وحبسه فيه وباع عليه ملكه. وان مات أو أفلس ضرب به مع غرمائه ويقدم به على ورثته. وقال الشافعي رضى الله عنه: ولو شرط أن يطعم السبق أصحابه كان فاسدا. وقد ذكرنا ان مال السبق يملكه الناضل ولا يلزمه ان يطعم أصحابه، فان شرط عليه في العقد أن يطعم أصحابه ولا يملكه كان الشرط فاسدا، لانه ينافى موجب العقد، وفى فساد العقد وجهان (أحدهما) وهو الظاهر من المذهب ان العقد يفسد بفساد الشرط كالبيع. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وبه قال أبو حنيفة ان العقد صحيح لا يفسد بفساد هذا الشرط، لان نفعه لا يعود على مشترطه، وكان وجوده كعدمه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا تناضلا لم يخل أما أن يكون الرمى مبادرة أو محاطة أو حوابى فان كان مبادرة، وهو ان يعقد على اصابة عدد من الرشق وان من بدر منهما إلى ذلك مع تساويهما في الرمى كان ناضلا، فان كان العقد على اصابة عشرة من ثلاثين نظرت - فإن أصاب أحدهما عشرة من عشرين، وأصاب الاخر تسعة

من عشرين، فالاول ناضل لانه بادر إلى عدد الاصابة، وان أصاب كل واحد منهما عشرة من عشرين لم ينضل واحد منهما ويسقط رمى الباقي، لان الزيادة على عدد الاصابة غير معتد بها، وان أصاب الاول تسعة من عشرين وأصاب الاخر خمسة من عشرين فالنضال بحاله، لانه لم يستوف واحد منهما عدد الاصابة فيرميان، فان رمى الاول سهما وأصاب فقد فلج وسقط رمى الباقي، وان رمى الاول خمسة فأخطأ في جميعها ورمى الثاني فاصاب في جميعها، فان الناضل هو الثاني ويسقط رمى ما بقى من الرشق، لان الاول أصاب تسعة من خمسة وعشرين. وأصاب الثاني عشرة من خسمة وعشرين. وان أصاب الاول تسعة من تسعة عشر وأصاب الاخر ثمانية من تسعة عشر فرمى البادئ سهما فاصاب فقد نضل، ولا يرمى الثاني ما بقى من رشقه لانه لا يستفيد به نضلا ولا مساواة، لان الباقي من رشقه سهم وعليه إصابة سهمين، فإن أصاب كل واحد منهما تسعة من عشرة ثم رمى البادئ فأصاب جاز للثاني أن يرمى، لانه ربما يصيب فيساويه. (فصل) وان كان الرمى محاطة وهو أن يعقدا على أصابة عدد من الرشق وان يتحاطا ما استويا فيه من عدد الاصابة ويفضل لاحدهما عدد الاصابة فيكون ناضلا نظرت، فان كان العقد على اصابة خمسة من عشرين فأصاب كل واحد منهما خمسة من عشرة لم ينضل أحدهما الاخر، لانه لم يفضل هل عدد من الاصابة ويرميان ما تبقى من الرشق، لانه يرجو كل واحد منهما أن ينضل، فان فضل لاحدهما بعد تساويهما في الرمى واسقاط ما استويا فيه عدد الاصابة لم يخل - أما أن يكون قبل إكمال الرشق أو بعده - فان كان بعد إكمال الرشق بان رمى أحدهما عشرين وأصابها، ورمى الاخر فأصاب خمسة عشر، فالاول هو الناضل، لانه يفضل هل بعد المحاطه فيما استويا فيه عدد الاصابة، وان كان قبل كمال الرشق وطالب صاحب الاقل صاحب الاكثر برمى باقى الرشق نظرت، فان لم يكن له فائدة مثل أن يرمى الاول خمسة عشر وأصابها، ورمى الثاني خمسة عشر فأصاب خمسة، لم يكن له مطالبته لان أكثر ما يمكن أن يصيب فيما بقى له وهو خمسة، ويبقى للاول خمسه فينضله، بها، وان كان له فيه فائدة بأن يرجو

أن ينضل بأن يرمى أحدهما أحد عشر فيصيب ستة ويرمى الاخر عشرة. فيصيب واحدا، ثم يرمى صاحب الستة فيخطئ فيما بقى له من الرشق. ويرمى صاحب الواحد فيصيب في جميع ما بقى له فينضله بخمسه أو يساويه بأن يرمى أحدهما خمسة عشر. فيصيب منها عشرة ويرمى الاخر خمسة عشر فيصيب منها خمسه. ثم يرمى صاحب العشرة فيخطئ في الجميع ويرمى صاحب الخمسه فيصيب فيساويه أو يقلل اصابته بأن يصيب أحدهما أحد عشر من خمسة عشر ويصيب الاخر سهمين من خمسة عشر ثم يرمى صاحب الاحد ما بقى له من رشقه فيخطئ في الجميع ويرمى صاحب السهمين فيصيب في الجميع فيصير له سبعة ويبقى لصاحبه أربعة. فهل لاقلهما إصابة مطالبة الاخر بإكمال الرشق؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس له مطالبته لانه بدر إلى الاصابة مع تساويهما في الرمى بعد المحاطة فحكم له بالسبق (والثانى) له مطالبته لان مقتضى المحاطة إسقاط ما استويا فيه من الرشق. وقد بقى من الرشق بعضه (فصل) وإن كان العقد على حوابى وهو أن يشترطا إصابة عدد من الرشق عليه أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابة الاخر: فمن فضل له بعد ذلك مما اشترطا عليه من العدد كان له السبق. فان رمى أحدهما فأصاب من الهدف موضعا بينه وبين الغرض قدر شبر حسب له، فان رمى الآخر فأصاب موضعا بينه وبين الغرض قدر أصبع حسب له وأسقط ما رماه الاول فإن عاد الاول ورمى فأصاب الغرض أسقط ما رماه صاحبه. وان أصاب أحدهما الشن وأصاب الاخر العظم الذى في الشن فقد قال الشافعي رحمه الله: من الرماة من قال: انه تسقط الاصابة من العظم ما كان أبعد منه. قال الشافعي رحمه الله: وعندي أنهما سواء. لان الغرض كله موضع الاصابة فان استوفيا الرشق ولم يفضل أحدهما صاحبه بالعدد الذى اشترطاه فقد تكافأ وان فضل أحدهما صاحبه بالعدد أخذ السبق. وحكى عن بعض الرماة أنهما إذا أصابا أعلى الغرض لم يتقايسا. قال والقياس أن يتقايسا لان أحدهما أقرب إلى الغرض من الاخر فأسقط الاقرب الابعد. كما لو أصابا أسفل الغرض أو جنبه.

(الشرح) أما غريب هذه الفصول فقد مضى شرح المبادرة والمحاطة والحوابى أما قوله: فلج من الفلوج وبابه خرج فيقال: فلج فلوجا أي ظفر بما يريد، وقوله: نضل أن فاز عليه بالمراماة أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وإن كان رميهما مبادرة فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذى يراسله ثم رمى الثاني فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه، وإن لم يرم الاخر بالسهم، لان المبادرة أن يفوت أحدهما الاخر وليس كالمماثلة. قال المزني: وهذا عندي غلط لا ينضله حتى يرمى صاحبه بمثله، قد ذكرنا أن الرمى ضربان محاطة ومبادرة فالمبادرة صورتها أن أن يتناضلا على إصابة عشرة من ثلاثين مبادرة فيكون الرشق ثلاثين سهما والاصابة المشروطة منها عشرة أسهم فأيهما بدر إلى إصابتها من أقل العددين فيه نضل وسقط رمى الرشق، وان تكافئا في الاصابة من عدد متساو سقط رمى الثاني وليس منهما فاضل. وبيانه أن يصيب أحدهما عشرة من عشرين وقد رماها الثاني فنقص منها، ولا يرميان بقية الرشق لحصول النضل، فلو أصاب كل واحد منهما عشرة من عشرين لم يكن منهما ناضل ولا منضول وسقط رمى الباقي من الرشق، لان زيادة الاصابة فيه غير مفيدة لنضل. ولو أصاب أحدهما خمسة من عشرين وأصاب الاخر تسعة من عشرين فالنضال بحاله، لان عدد الاصابة لم يستوف، فيرميان من بقية الرشق ما يكمل به اصابة أحدهما عشرة، فإن رمى الاول سهما فأصاب فقد فلج على الثاني ونضل وسقط رمى الثاني، ولو رمى الاول خمنسة فأخطأ في جميعها ورمى الثاني خمسة فأصاب في جميعها صار الثاني ناضلا وسقط رمى الثاني من الرشق، لان الاول أصاب تسعة من خمسة وعشرين وأصاب الثاني عشرة من خمسة وعشرين ثم على هذا الاعتبار. فأما مسألة الكتاب فصورتها أن يتناضلا على اصابة عشرة من ثلاثين مبادرة فيصيب البادئ منهما تسعة من تسعة عشر ويصيب الاخر ثمانية من تسعة عشر

ثم يرمى البادئ منهما سهما آخر يستكمل به العشرين فيصيب فيصير به ناضلا، ويمنع الاخر من رمى السهم الاخر الذى رماه الثاني لانه لا يستفيد به نضالا ولا مساواة، لان الثاني له من العشرين سهم واحد وعليه إصابتان. ولو رمى فأصابه بقيت عليه إصابة يكون بها منضولا فلم يكن لرميه معنى يستحقه بالعقد. فلذلك منع منه. ولو كان كل واحد منهما قد أصاب تسعة من تسعة عشر ثم رمى المبادى وأصاب كان للمبدأ أن يرمى بجواز أن يصيب فيكافئ فأما المزني فظن أن الشافعي منع المبدأ أن يرمى بالسهم الباقي في هذه المسألة فتكلم عليه وليس كما ظن بل أراد منعه في المسألة المتقدمة للتعليل المذكور. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وإن اشترطا محاطة فكل ما أصاب أحدهما واصاب الاخر مثله أسقطا العددين ولا شئ لواحد منهما ويستأنفان. وإن أصاب أقل من صاحبه حط مثله حتى يخلص له ذلك العدد الذى شرطه فينضله به. قد ذكرنا أن النضال على ضربين محاطة ومبادرة. فبدأ الشافعي رضى الله عنه بذكر المحاطة في الام وإن جعلها المصنف هنا بعد المبادرة، لان الغالب من النضال في زمانه كان محاطة والغالب في بلد الشيخ أبى إسحاق كان المبادرة، وقد قيل إن الشافعي كان راميا يصيب من العشرة ثمانية في الغالب، وهى عادة حذاق الرماة فإذا عقدا سبق النضال على اصابة خمسة من عشرين محاطة ورماية وجب أن يحط أقل الاصابتين من أكثرهما وينظر في الباقي بعد الحط، فإن كان خمسة فهو القدر المشروط فيصير صاحبه به ناضلا. وان كان الباقي أقل من خمسة لم ينضل، وان كان أكثر اصابة لنقصانه من العدد المشروط، وإذا كان كذلك لم يخل حالهما بعد الرمى من أحد أمرين: اما أن يتساويا في الاصابة أو يتفاضلا، فان تساويا في الاصابة فأصاب كل واحد منهما عشرا عشرا أو خمسا خمسا قال الشافعي فلا شئ لواحد منهما ويستأنفان. فاختلف أصحابنا في قوله: ويستأنفان على وجهين حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَدُهُمَا يستأنفان الرمى بالعقد الاول، لان عقد المحاطة ما أوجب حط الاقل

من الاكثر وليس مع التساوى عقد حط. فخرج من عقد المحاطة. فلذلك استأنفا الرمى ليصير ما يستأنفانه من عقود المحاطة. والوجه الثاني: أن أراد بها يستأنفان عقدا مستجدا ان أحبا، لان العقد الواحد لا يلزم فيه اعادة الرمى مع التكافؤ، كما لا يلزم في الخيل اعادة الجرى مع التكافؤ. قال الماوردى: والذى أراه وهو عندي الاصح أن ينظر فان تساويا في الاصابة قبل الرشق استأنفا الرمى بالعقد الاول، وان تساويا فيه بعد استكمال الرشق استأنفا بعقد مستحدان أحبا لانها قبل استكمال الرشق في بقايا أحكام العقد، وبعد استكماله قد نقصت جميع أحكامه. فان تفاضلا في الاصابة لم يخل تفاضلهما فيها من أقسام ثلاثة: 1 - أن يفضل ولا ينضل بما فضل. وهو أن يشترطا إصابة خمسة من عشرين محاطه فيصيب أحدهما عشرة أسهم ويصيب الاخر ستة أسهم، فتحط الستة من العشرة يكون الباقي منها أربعه فلا ينضل، لان شرط الاصابة خمسة وهكذا لو أصاب أحدهما خمسة عشر واصاب الاخر أحد عشر لم ينضل الفاضل لان الباقي له بعد الحط أربعة، ثم على هذا الاعتبار ان كان الباقي أقل من خمسة. 2 - أن ينضل بما فضل بعد استيفاء الرشق. وهو أن يصيب أحدهما خمسة عشر من عشرين، ويصيب الاخر عشرة من عشرين فينضل الفاضل لانك إذا أسقطت من اصابته عشرة كان الباقي بعدها خمسة، وهو عدد النضل. وهكذا لو أصاب أحدهما عشرة وأصاب الاخر خمسة كان الفاضل ناضلا، لانك إذا أسقطت الخمسة من اصابته كان الباقي بعدها خمسة، وهو عدد الاصابات. وهكذا لو كان الباقي بعد الحط أكثر من خمسة، ثم على هذا الاعتبار.

3 أن ينضل بما فضل قبل استيفاء الرشق وهو أن يصيب أحدهما عشرة من خمسة عشر، ويصيب الآخر خمسة من خمسة عشر ويكون الباقي من الاكثر خمسة، وهو عدد النضل، فهل يستقر النضال بهذا قبل استيفاء الرشق أم لا؟ على وجهين. أحدهما: يستقر النضل ويسقط باقى الرشق، لان مقصوده معرفة الاحذق وقد عرف. والوجه الثاني: وهو الاظهر، أنه لا يستقر النضل بهذه المبادرة إلى العدد حتى يرميا بقية الرشق، لان العقد قد تضمنها، وقد يجوز أن يصيب المفضول جميعها أو أكثرها ويخطئ الفاضل جميعها أو أكثرها. وعلى هذا يكون التفريع فإذا رميا بقية الرشق وهو الخمسة الباقيه، فإن أصاب المفضول جميعها وأخطأ الفاضل جميعها فقد استويا ولم ينضل واحد منهما، لان إصابة كل واحد منهما عشرة، وإن أصاب الفاضل وأخطأ المفضول جميعها استقر فضل الفاضل لانه أصاب خمسه وعشرين، وأصاب المفضول خمسه من عشرين فكان الباقي بعد الحط عشرة، هي أكثر من شرطه، فلو أصاب الفاضل من الخمسة الباقيه سهما وأصاب المفضول سهمين لم ينضل الفاضل لان عدد إصابته أحد عشر سهما وعدد إصابة المفضول سبعه إذا حطت من تلك الاصابة كان الباقي أربعه والشرط أن تكون خمسه، فلذلك لم ينضل وإن فضل. فلو أصاب الناضل سهمين والمنضول سهمين صار الفاضل ناضلا، لانه أصاب اثنى عشرة وأصاب المنضول سبعه يبقى للناضل بعد الحط خمسه، ولو أصاب أحدهما سبعه من عشرة وأصاب الاخر سهمين من عشرة فإذا رميا بقية السهام فإن أصاب المفضول جميعها وأخطأ الفاضل جميعها صار الاول ناضلا والثانى منضولا، لان الاول له سبعه والثانى له اثنا عشر يبقى له بعد الحط خمسه، ولو أصاب الاول جميعها وأصاب الثاني جميعها كان الاول ناضلا لان إصابته سبعة عشر وإصابة الثاني اثنا عشر، فإن أخطأ الاول في سهم من بقية الرشق لم يفضل ولم ينضل، ولو أصاب اثنى عشر من خمسة عشر وأصاب الاخر سهمين من

خمسة عشر استقر النضل وسقط بقية الرشق وجها واحدا، لان المنضول لو أصاب جميع الخمسه الباقيه من الرشق حتى استكمل بما تقدم سبعه كان منضولا، لان الباقي للفاضل بعد حطها خمسه فلم يستفد ببقية الرمى أن يدفع عن نفسه النضل فسقط، ثم على هذا الاعتبار. (فرع) قول المصنف: وإن كان العقد على حوابى. فإن الحوابى نوع من أنواع الرمى وهم فيه أبو حامد الاسفرايينى فجعله صفه من صفات السهم وسماه حوابى بإثبات الياء فيه وحذفها وأنه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو إليه حتى ينضل به مأخوذا من حبو الصبى. وهذا نوع من الرمى المزدلف يفترقان في الاسم لان المزدلف أحد والحوابى أضعف ويستويان في الحكم على ما سيأتي، والذى قاله سائر أصحابنا أن الحوابى نوع من الرمى، وأن أنواع الرمى ثلاثه: المحاطه والمبادرة والحوابى وقد ذكرنا المحاطه والمبادرة. فأما الحواب فهو أن يحتسب بالاصابة في الشن، وإن أصاب أحدهما الهدف على شبر من الشن فاحتسب به ثم أصاب الاخر الهدف فتر من الشن احتسب به وأسقط إصابة الشبر لانها أبعد، ولو أصاب أحدهما خارج الشن واحتسب به وأصاب الاخر في الشن احتسب به وأسقط إصابة خارج الشن، ولو أصاب أحدهما الشن فاحتسب به وأصاب الاخر الدارة التى في الشن فاحتسب به وأصاب الاخر العظم الذى في دارة الشن احتسب وأسقط إصابة الدارة فيكون كل قريب مسقطا لما هو أبعد منه، فهذا نوع من الرمى ذكره الشافعي في كتاب الام وذكر مذاهب الرماة فيه وفرع عليه، ولم يذكره المزني إما لاختصاره، وإما لانه غير موافق لرأيه لضيقه وكثره خطره، لانه يثبت الاصابة بعد إثباتها، والمذهب كما ذكر المصنف جوازه لامرين. (أحدهما) أنه نوع معهود في الرمى فأشبه المحاطه والمبادرة. (والثانى) أنه أبعث على التمرن على الحذق، والتمرس بمعاطاة الدقة في التصويب والتسديد فصح، فإذا كان كذلك في جواز النضال على إصابة الحواب وكان عقدهما على إصابة خمسه من عشرين فلها إذا تناضلا ثلاثة أحوال.

1 - أن يقصرا عن عدد الاصابة. 2 - أن يستوفيا عدد الاصابة. 3 - أن يستوفيها أحدهما ويقصر الاخر عنها. فأما الاول كأن يصيب كل منهما أقل من خمسة فقد ارتفع حكم العقد بنقصان الاصابة من العد والمشروط من غير أن يكون فيها ناضل أو منضول ولا اعتبار بالقرب والبعد مع نقصان العدد. وأما الثانية من استيفائهما معا عدد الاصابة فيصيب كل منهما خمسة فصاعدا، فيعتبر حينئذ حال القرب والبعد، فإنهما لا يخلو أمرهما من: (أ) أن تكون الاصابات في الهدف، وقد تساوت في القرب من الشن، وليست بعضها بأقرب إليه من بعض فقد تكافئا ; وليس فيهما ناضل ولا منضول وهكذا لو تقدم لكل واحد منهما سهم كان أقرب إلى الشن من باقى سهامه وتساوى السهمان المتقدمان في القرب من الشن كانا سواء لا ناضل فيهما ولا منضول، فإن تقدم لاحدهما سهم وللآخر سهمان وتساوت السهام الثلاثة في قربها من الشن ففيه وجهان. أحدهما: أن المتقرب بسهمين ناضل للمتقرب بسهم لفضله في العدد. والثانى أنهما سواء لا ناضل فيهما ولا منضول، لان النضال الحواب موضوع على القرب دون زيادة العدد. (ب) أن تكون سهام أحدهما أقرب إلى الشن من سهام الاخر، فأقربهما إلى الشن هو الناضل، وأبعدهما من الشن هو المنضول، وهكذا لو تقدم لاحدهما سهم واحد فكان أقرب إلى الشن من جميع سهام الاخر أسقط به سهام صاحبه ولم يسقط به سهام نفسه، وكان هو الناضل بسهم الاقرب. (ج) أن تكون سهام أحدهما في الهدف وسهام الاخر في الشن فيكون المصيب في الشن هو الناضل والمصيب في الهدف منضول. وهكذا لو كان لاحدهما سهم واحد في الشن وجميع سهام الاخر خارج الشن كان المصيب في الشن هو الناضل بسهمه الواحد، وقد أسقط به سهام صاحبه ولم يسقط به سهام نفسه، وإن كانت أبعد إلى الشن من سهام صاحبه

(د) أن تكون سهامهما جميعا صائبة في الشن، ولكن سهام أحدهما أو بعضهما في الدارة وسهام الآخر خارج الدارة وإن كان جميعا في الشن ففيه وجهان. (أحدهما) وقد حكاه الشافعي عن بعض الرماة أن المصيب في الدارة ناضل والمصيب خارج الدارة منضول قطب الاصابة. (والوجه الثاني) وإليه أشار الشافعي في اختياره أنهما سواء وليس منهما ناضل ولا منضول، لان جميع الشن محل الاصابة. وأما الحال الثالثة: وهو أن يستوفى أحدهما إصابة الخمس ويقصر الاخر عنها فهذا على ضربين. أحدهما: أن يكون مستوفى الاصابة أقرب سهاما إلى الشن أو مساويا صاحبه، فيكون ناضلا والمقصر منضولا. والثانى: أن يكون المقصر في الاصابة أقرب سهاما من المستوفى لها، فليس فيهما ناضل ولا منضول، لان المستوفى قد سقطت سهامه ببعدها، والمقصر قد سقطت سهامه بنقصانها، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان النضال بين حزبين جاز. وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: لا يجوز لانه يأخذ كل واحد منهم بفعل غيره، والمذهب الاول لما رويناه في أول الكتاب من حديث سلمة بن الاكوع، وينصب كل واحد من الحزبين زعيما يتوكل لهم في العقد، ولا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا، كما لا يجوز أن يكون وكيل المشترى والبائع واحد، ولا يجوز إلا على حزبين متساويى العدد لان القصد معرفة الحذق، فإذا تفاضلا في العدد فضل أحدهما الاخر بكثرة العدد لا بالحذق وجودة الرمى، ويجب أن يتعين الرماة كما قلنا في نضال الاثنين، ولا يجوز أن يتعينوا إلا بالاختيار، فإن اقترع الزعيمان على أن من خرجت عليه قرعة أحدهما كان معه لم يجز، لانه ربما أخرجت القرعة الحذاق لاحد الحزبين والضعفاء للحزب الاخر، فإن عدل بين الحزبين في القوة والضعف بالاختيار، ثم اقترع الزعيمان على أن من خرجت قرعته على أحد الحزبين كان معه لم يجز، لانه عقد معاوضة فلم يجز تعيين المعقود عليه فيه بالقرعة كالبيع.

ويجب أن يكون على عدد من الرشق معلوم، فأن كان عدد كل حزب ثلاثة اعتبر أن يكون عدد الرشق له ثلث صحيح كالثلاث والستين، وإن كانوا أربعة اعتبر أن يكون عدد الرشق له ربع صحيح كالاربعين والثمانين، لانه إذا لم يفعل ذلك بقى سهم ولا يمكن اشتراك جماعة في سهم واحد، فإن خرج في أحد الحزبين من لا يحسن الرمى بطل العقد فيه، لانه ليس بمحل في العقد وسقط من الحزب الاخر بإزائه واحد، كما إذا بطل البيع في أحد العبدين سقط ما في مقابلته من الثمن وهل يبطل العقد في الباقي من الحزبين؟ فيه قولان بناء على تفريق الصفقة. فإن قلنا: لا يبطل في الباقي ثبت للحزبين الخيار في فسخ العقد، لان الصفقة تبعضت عليهم بغير اختيارهم، فان اختاروا البقاء على العقد وتنازعوا فيمن يخرج في مقابلته من الحزب الاخر فسخ العقد، لانه تعذر إمضاؤه على مقتضاه ففسخ. ومن أصحابنا من قال: يبطل في الجميع قولا واحدا، لان من في مقابلته من الحزب الاخر لا يتعين، ولا سبيل إلى تعيينه بالقرعة، فبطل في الجميع. فإن نضل أحد الحزبين الاخر ففى قسمة المال بين الناضلين وجهان. أحدهما: تقسم بينهم بالسوية كما يجب على المنضولين بينهم بالسوية، فعلى هذا إن خرج فيهم من لم يصب استحق. والثانى: تقسم بينهم على قدر إصاباتهم لانهم استحقوا بالاصابة فاختلف باختلاف الاصابة، ويخالف ما لزم المنضولين، فإن ذلك وجب بالالتزام والاستحقاق بالرمي، فاعتبر بقدر الاصابة، فعلى هذا إن خرج فيهم من لم يصب لم يستحق شيئا، وبالله التوفيق. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي رضى الله عنه: إذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقسموا قسما معروفا. قلت: إذا صح هذا فالنضال ضربان: أفراد وأحزاب، فأما نضال الافراد فقد مضى في فصول الكتاب. وأما نضال الاحزاب فهو أن يناضل حزبان يدخل في كل واحد منهما جماعة يتقدم عليهم أحدهم فيعقد النضال على جميعهم فهذا يصح على شروطه، وهو منصوص الشافعي وعليه جماعة أصحابه وجمهورهم.

وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يصح لان كل واحد يأخذ بفعل غيره وهذا فاسد لانهم إذا اشتركوا صار فعل جميعهم واحدا فاشتركوا في موجبه لاشتراكهم في فعله مع ورود السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يرمون فقال: ارموا وأنا مع بنى الاذرع، فأمسك القوم قسيهم وقالوا: يا رسول الله من كنت معه غلب، فقال: ارموا وأنا معكم كلكم فدل على أنهم كانوا حزبين مشتركين ولان مقصود النضال التحريض على الاستعداد للحرب والجهاد، وهو بالاحزاب والمجموعات أشد تحريضا وأكثر اجتهادا، وأدعى إلى التنسيق بين افراد الجماعة وربطهم بالنظام والقيادة، وتلك لعمر الله أعظم أسباب النصر في الجهاد. فإذا ثبت جوازه في الحزبين بجوازه بين الاثنين فلصحته خمسه شروط: (أحدها) أن يتساوى عدد الحزبين، ولا يفضل أحدهما على الاخر فيكونوا ثلاثة وثلاثة، أو خمسة وخمسة أو أقل أو أكثر، فان فضل أحدهما على الآخر برجل بطل العقد لان مقصوده معرفة أحذق الحزبين، فإذا تفاضلوا تغالبوا بكثرة العدد لا بحذق الرمى. (الثاني) أن يكون العقد عليهم باذنهم، فان لم يأذنوا فيه لم يصح، لانه عقد معاوضه متردد بين الاجارة والجعالة، وكل واحد منهما لا يصح إلا باذن واختيار فان عقد عليهم من لم يستأذنهم بطل (والثالث) أن يعينوا على متولى العقد منهم فيكون فيه متقدما عليهم ونائبا عنهم، فان لم يعينوا واحدا منهم لم يصح العقد عليهم لانه توكيل فلم يصح إلا بالتعيين، ويختار أن يكون زعيم كل حزب أحذقهم وأطوعهم، لان صفة الزعيم في العرف أن يكون متقدما في الصناعة، مطاعا في الجماعة، فان تقدموه في الرمى وأطاعوه في الاتباع جاز، وان تقدمهم في الرمى ولم يطيعوا في الاتباع لم يجز، لان أهم خصائص الزعيم أن يكون مطاعا، فإذا أمر ولم يتبعه أحد فلا يجوز العقد عليه. (والرابع) أن يكون زعيم كل واحد من الحزبين غير زعيم الحزب الاخر

لتصح نيابته عنهم في العقد عليهم مع الحزب الاخر، فان كان زعيم الحزبين واحدا لم يصح كما لا يصح أن يكون الوكيل في العقد بائعا ومشتريا. والشرط الخامس وهو مسألة الكتاب أن يتعين رماة كل حزب منهما قبل العقد باتفاق ومراضاة، فان عقده الزعيمان عليهم ليقترعوا على من يكون في كل حزب لم يصح، مثال ذلك: أن يكون الحزبان ثلاثة وثلاثة، فيقول الزعيمان نقترع عليهم فمن حرجت قرعتي عليه كان معى، ومن خرجت قرعتك عليه كان معك، فهذا لا يصح لامرين. أحدهما: أنهم أصل في عقد فلم يصح عقده على القرعة كابتياع أحد العينين بالقرعة والثانى: أنه ربما أخرجت القرعة حذاقهم لاحد الحزبين، وضعفاءهم للحزب الآخر، فخرج عن مقصود التحريض في التناضل، فان عدلوا بين الحزبين في الحذق والضعف قبل العقد على أن يقترع الزعيمان على كل واحد من الحزبين بعد العقد لم يصح التعليل الاول من كونهم في العقد أصلا دون التعليل الثاني من اجتماع الحذاق في أحد الحزبين، لانهم قد رفعوه بالتعديل، فإذا ثبت تعينهم قبل العقد بغير قرعة تعينوا فيه بأحد أمرين، إما بالاشارة إليهم إذا حضروا، وإن لم يعرفوا، وإما باسمائهم إذا عرفوا، فان تنازعوا عند الاختيار قبل العقد فعدلوا إلى القرعة في التقدم بالاختيار جاز لانها قرعة في الاختيار وليست بقرعة في العقد، فإذا قرع أحد الزعيمين اختار من الستة واحدا ثم اختار الزعيم الثاني واحدا، ثم دعا الزعيم الاول فاختار ثانيا واختار الزعيم الثاني ثانيا، ثم عاد الاول فاختار ثالثا، وأخذ الاخر الثالث الباقي. ولم يجز أن يختار الاول الثلاثة في حال واحدة لانه لا يختار إلا الاحذق، فيجتمع الحذاق في حزب والضعفاء في حزب فيعدم مقصود التناضل من التحريض. (فرع) فإذا تكاملت الشروط الخمسه في عقد النضال بين الحزبين لم يخل حالهم في مال السبق من ثلاثة أقسام. أحدها: أن يخرجها أحد الحزبين دون الاخر، فهذا يصح سواء انفرد زعيم الحزب باخراجه أو اشتركوا فيه، ويكون الحزب المخرج للسبق معطيا إن كان

منضولا وغير آخذ إن كان ناضلا ن ويكون الحزب الآخر آخذا إن كان ناضلا وغير معط إن كان منضولا، وهذا يغنى عن المحلل لانه محلل. والقسم الثاني: أن يكون الحزبان مخرجين، ويختص باخراج المال زعيم الحزبين فهذا يصح ويغنى عن محلل، لان مدخل المحلل ليأخذ ولا يعطى، ورجال كل حزب يأخذون ولا يعطون، فإذا نضل أحد الحزبين أخذ زعيمهم مال نفسه، وقسم مال الحزب المنضول بين أصحابه، فان كان الزعيم راميا معهم شاركهم في مال السبق، وإن لم يرم معهم فلا حق له فيه، لانه لا يجوز أن يتملك مال النضال من لم يناضل، وصار معهم كالامين والشاهد، فان رضخوا له بشئ منه عن طيب أنفسهم جاز وكان قطوعا، فان شرط عليهم أن يأخذ معهم بطل الشرط ولم يبطل به العقد لانه ليس بينه وبين أصحابه عقد يبطل بفساد شرطه، وإنما العقد بين الحزبين وليس لهذا الشرط تأثير فيه. والقسم الثالث: أن يخرجا المال ويشترك أهل كل حزب في إخراجه، فهذا لا يصح حتى يدخل بين الحزبين حزب ثالث يكون محللا يكافئ كل حزب في العدد والرمى يأخذ ولا يعطى كما يعتبر في إخراج المتناضلين المال أن يدخل بينهما محلل ثالث يأخذ ولا يعطى. فإذا انعقد النضال بين الحزبين على ما وصفنا اشتمل الكلام بعد تمامه بالمال المسمى فيه على ثلاث مسائل. (إحداها) في حكم المال المخرج في كل حزب، ولهم فيه حالتان. احداهما: أن لا يسموا قسط كل واحد من جماعتهم فيشتركوا في التزامه بالسوية على أعدادهم من غير تفاضل فيه لاستوائهم في التزامه، فان كان زعيمهم راميا معهم دخل في التزامه كأحدهم كما يدخل في الاخذ معهم، فان لم يكن راميا لم يلزم معهم كما لا يأخذ معهم. والثانية: أن يسموا قسط كل واحد منهم في التزام مال السبق فهو على ضربين أن يتساوى في التسمية فيصح، لانه موافق لحكم الاطلاق. والضرب الثاني: أن يتفاضلوا فيه، ففى جوازه وجهان (أحدهما) لا يجوز لتساويهم في العقد فوجب أن يتساووا في الالتزام.

(والثانى) يجوز لانه عن اتفاق لم يتضمنه فيما بينهم عقد فاعتبر فيه التراضي فان شرطوا أن يكون المال بينهم مقسطا على صواب كل واحد منهم وخطئه لم يجز لانه على شرط مستقبل مجهول غير معلوم فبطل ولا يؤثر بطلانه في العقد لانه ليس فيما بينهم عقد وكانوا متساوين فيه. المسألة الثانية في حكم نضالهما وفيما يحتسب به من الصواب والخطأ، والمعتبر فيه أن يكون عدد الرشق ثلاثين أو ستين أو تسعين أو عددا يكون له ثلث صحيح، ولا يجوز أن يكون عدد الرشق خمسين ولا سبعين ولا مائة، لانه ليس له ثلث صحيح. وان كان عدد الحزب أربعة كان عدد الرشق أربعين أو ماله ربع صحيح، ولا يجوز أن يكون عدد الرشق ما ليس له ربع صحيح، وهكذا ان كان عدد الحزب خمسة وجب أن يكون عدد الرشق ماله خمس صحيح لانه إذا لم ينقسم عدد الرشق على عدد الحزب الا بكسر يدخل عليهم لم يصح التزامهم له لان اشتراكهم في رمى السهم لا يصح، فأما عدد الاصابة المشروطة فيجوز أن لا ينقسم على عددهم لان الاعتبار فيها باصابتهم لا باشتراكهم، فإذا استقر هذا بينهم لزعيم كل حزب باصابات كل واحد من أصحابه واحتسب عليه خطأ كل واحد منهم سواء تساوى رجال الحزب في الاصابة وهو نادر أو تفاضلوا فيها وهو الغالب، فإذا جمعت الاصابتان والمشروط فيها اصابة خمسين من مائة لم يخل مجموع الاصابتين من ثلاثة أحوال. أحدها: أن يكون المجموع من اصابة كل حزب خمسين فصاعدا، فليس فيهما منضول، وان تفاضلا في النقصان من الخمسين. والحال الثانية: أن مجموع اصابة كل منهما أقل من خمسين، فليس فيهما منضول لتساويهما في النقصان. والحال الثالثة: أن يكون مجموع اصابة احداهما خمسين فصاعدا، ومجموع اصابة الاخر أقل من خمسين فمستكمل الخمسين هو الناضل، وان كان أحدهم في

الاصابة مقلا فالمقصور عن الخمسين هو المنضول، وإن كان أحدهم في الاصابة مكثرا فيصير مقلل الاصابة آخذا ومكثرها معطيا، لان حزب المقلل ناضل وحزب المكثر منضول. المسألة الثالثة في حكم المال إذا استحقه الحزب الناضل. فيقسم بين جميعهم وفى قسمته بينهم وجهان: (أحدهما) أنه مقسوم بينهم بالسوية مع تفاضلهم في الاصابة لاشتراكهم في العقد الذى أوجب تساويهم فيه. والوجه الثاني: أنه يقسم بينهم على قدر إصاباتهم لانهم بالاصابة قد استحقوه فلا يكافئ مقل الاصابة مكثرها. وخالف التزام المنضولين حيث تساووا فيه مع اختلافهم في الخطأ، لان الالتزام قبل الرمى فلم يعتبر بالخطأ والاستحقاق بعد الرمى، فصار معتبرا بالصواب. فعلى هذا لو أخطأ واحد من أهل الحزب الناضل في جميع سهامه ففى خروجه من الاستحقاق وجهان: (أحدهما) يستحق معهم وإن لم يصب إذا قيل بالوجه الاول: انه مقسوم بينهم بالسوية لا على قدر الاصابة. والوجه الثاني أنه يخرج بالخطأ من الاستحقاق ويقسم بين من عداه إذا قيل بالوجه الثاني إنه مقسوم بينهم على قدر الاصابة ويقابل هذا أن يكون في الحزب المنضول من أصاب بجميع سهامه. ففى خروجه من التزام المال وجهان. (أحدهما) يخرج من التزامه إذا قيل بخروج المخطئ من استحقاقه والوجه الثاني: لا يخرج من الالتزام ويكون فيه أسوة من أخطا إذا قيل بدخول المخطئ في الاستحقاق، وأنه فيه أسوة من أصاب. والله أعلم بالصواب

باب بيان الاصابة والخطأ في الرمى

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب بيان الاصابة والخطأ في الرمى) إذا عقد على إصابة الغرض فأصاب الشن أو الجريد الذى يشد فيه الشن أو العرى وهو السير الذى يشد به الشن على الجريد، حسب له. لان ذلك كله من الغرض، وإن أصاب العلاقة ففيه قولان (أحدهما) يحسب له، لانه من جملة الغرض، ألا ترى أنه إذا مد امتد معه فأشبه العرى (والثانى) لا يحسب لان العلاقة ما يعلق به الغرض. فأما الغرض فهو الشن وما يحيط به، وإن شرط اصابة الخاصرة وهو الجنب من اليمين واليسار فأصاب غيرهما لم يحسب له. لانه لم يصب الخاصرة. وان شرط إصابة الشن فأصاب العروة - وهو السير أو العلاقة - لم يحسب لان ذلك كله غير الشن، فإن أصاب سهما في الغرض - فان كان السهم متعلقا بنصله وباقيه خارج الغرض - لم يحسب له ولا عليه، لان بينه وبين الغرض طول السهم، ولا يدرى لو لم يكن هذا السهم هل كان يصيب الغرض أم لا يصيب؟ وان كان السهم قد غرق في الغرض إلى فوقه حسب له، لان العقد على اصابة الغرض، ومعلوم انه لو لم يكن هذا لكان يصيب الغرض. فان خرج السهم من القوس فهبت ريح فنقلت الغرض إلى موضع آخر فأصاب السهم موضعه حسب له وان أصاب الغرض في الموضع الذى انتقل إليه حسب عليه في الخطأ لانه أخطأ في الرمى، وانما أصاب بفعل الريح لا بفعله. وان رمى وفى الجو ريح ضعيفة فارسل السهم مفارقا للغرض وأمال يده ليصيب مع الريح فأصاب الغرض، أو كانت الريح خلفه فنزع نزعا قريبا ليصيب مع معاونة الريح فأصاب حسب له، لانه أصاب بفراهته وحذقه، وان أخطأ حسب عليه، لانه أخطأ بسوء رميه، ولانه لو أصاب مع الريح لحسب له، فإذا أخطأ معها حسب عليه. وان كانت الريح قوية لا حيلة له فيها لم يحسب له إذا أصاب، لانه لم يصب بحسن رميه، ولا يحسب عليه إذا أخطأ لانه لم يخطئ بسوء رميه، وانما أخطأ

بالرمي في غير وقته، وان رمى من غير ريح فثارت ريح بعد خروج السهم من القوس فأخطأ لم يحسب عليه، لانه لم يخطئ بسوء رميه، وانما أخطأ بعارض الريح. وان أصاب فقد قال بعض أصحابنا: فيه وجهان بناء على القولين في إصابة السهم المزدلف، وعندي انه لا يحسب له قولا واحدا لان المزدلف انما أصاب الغرض بحدة رميه ومع الريح لا يعلم انه أصاب برميه، وان رمى سهما فأصاب الغرض بغوقه لم يحسب له لان ذلك من أسوأ الرمى وأردئه (فصل) وان انكسر القوس أو انقطع الوتر، أو أصابت يده ريح فرمى وأصاب حسب له، لان اصابته مع اختلال الالة أدل على حذقه، فان أخطأ لم يحسب عليه في الخطأ لانه لم يخطئ بسوء رميه وانما أخطأ بعارض. وان أغرق السهم فخرج من الجانب الاخر نظرت، فان أصاب حسب له لان اصابته مع الاغراق أدل على حذقه، وان أخطأ لم يحسب عليه. ومن أصحابنا من قال: يحسب عليه في الخطأ لانه اخطا في مد القوس، والمنصوص هو الاول، لان الاغراق ليس من سوء الرمى، وانما هو لمعنى قبل الرمى فهو كانقطاع الوتر وانكسار القوس، وان انكسر السهم بعد خروجه من القوس وسقط دون الغرض لم يحسب عليه في الخطأ لانه انما لم يصب لفساد الالة لسوء الرمى، وان أصاب بما فيه النصل حسب له لان اصابته مع فساد الالة ادل على حذقه، وان أصابه بالموضع الاخر لم يحسب له لانه لم يصب، ولم يحسب عليه لان خطأه لفساد الالة لا لسوء الرمى. (فصل) وان عرض دون الغرض عارض من انسان أو بهيمة نظرت فان رد السهم ولم يصل لم يحسب عليه لانه لم يصل للعارض لا لسوء الرمى وان نفذ السهم وأصاب حسب له، لان إصابته مع العارض أدل على حذقه. وحكى أن الكسعى كان راميا فخرج ذات ليلة فرأى ظبيا فرمى فأنفذه وخرج السهم فأصاب حجرا وقدح فيه نارا فرأى ضوء النار فظن أنه أخطأ فكسر القوس وقطع إبهامه، فلما أصبح رأى الظبى صريعا قد نفذ فيه سهمه فندم فضربت به العرب مثلا وقال الشاعر: ندمت ندامة الكسعى لما * رأت عيناه ما صنعت يداه

وان رمى فعارضه عارض فعثر به السهم وجاوز الغرض ولم يصب فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه يحسب عليه في الخطأ، لانه أخطأ بسوء الرمى لا للعارض، لانه لو كان للعارض تأثير لوقع سهمه دون الغرض فلما جاوزه ولم يصب دل على انه أخطأ بسوء رميه فحسب عليه في الخطأ. (والثانى) انه لا يحسب عليه لان العارض قد يشوش الرمى فيقصر عن الغرض وقد يجاوزه. وان رمى السهم فأصاب الارض وازدلف فأصاب الغرض ففيه قولان (أحدهما) يحسب لانه أصاب الغرض بالنزعة التى أرسلها وما عرض دونها من الارض لا يمنع الاحتساب كما لو عرض دونه شئ فهتكه وأصاب الغرض (والثانى) لا يحسب له، لان السهم خرج عن الرمى إلى غير الغرض وانما اعانته الارض حتى ازدلف عنها إلى الغرض فلم يحسب له، وان ازدلف ولم يصب الغرض ففيه وجهان (أحدهما) يحسب عليه في الخطأ لانه انما ازدلف بسوء رميه لان الحاذق لا يزدلف سهمه (والثانى) لا يحسب عليه لان الارض تشوش السهم وتزيله عن سننه فإذا أخطأ لم يكن من سوء رميه (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أغرق أحدهما السهم من يده ولم يبلغ الغرض كان له أن يعود من قبل العارض فأما إغراق السهم فهو أن يزيد في مد القوس لفضل قوته حى يستغرق السهم فيخرج من جانب الوتر المعهود إلى جانب الاخر، فان من أجناس القسى والسهام ما يكون مخرج السهم منها عن يمين الرامى جاريا على ابهامه فيكون اغراقه أن يخرج السهم باستيفاء المد إلى يساره جاريا على سبابته، فيكون اغراقه ان يخرج السهم باستيفاء المد إلى يساره جاريا على سبابته، ومنها ما يكون مخرجه على يسار الرامى جاريا على سبابته فيكون اغراقه أن يخرج على يمينه جاريا على ابهامه، فإذا أغرق السهم قال الشافعي: لم يكن اغراقه من سوء الرمى وانما هو لعارض فلا يحتسب عليه ان أخطأ به، وفيه عندي نظر، لانه إذا لم يمد القوس بحسب الحاجة حتى زاد فيه فأغرق أو نقص فقصر كان بسوء الرمى أشبه، فإذا أخطأ بالسهم المغرق لم يحتسب عليه على مذهب الشافعي، وان أصاب به احتسب له لان الاصابة به مع المحلل أدل على حذق الرامى من الاصابة مع الاستقامة

وقال الشافعي رضى الله عنه: ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته إليه ن أو مقصر فأسرعت به فأصاب حسب مصيبا ولا حكم للريح اه. إننا نعلم أن للريح تأثير في تغيير مجرى السهم عن جهته، وحذاق الرماة يعرفون مخرج السهم عن القوس هل هو مصيب أو مخطئ؟ فإذا خرج السهم فغيرته الريح فهو على ضربين. (أحدهما) أن يخرج مفارقا للشن فتعدل به الريح إلى الشن فيصيب أو يكون مقصرا عن الهدف فهبته الريح حتى أصاب فتعتبر حال الريح، فان كانت ضعيفة كان محسوبا في الاصابة لاننا على يقين من تأثير الرمى وفى شك من تأثير الريح، وإن كانت الريح قوية نظر، فإن كانت موجودة عند الارسال كان محسوبا في الاصابة لانه قد اجتهد في التحرز من تأثير الريح وحسب حسابها بتحريف سهمه فأصاب باجتهاده ورميه، وإن حدثت الريح بعد إرسال السهم ففى الاحتساب به وجهان تخريجا من اختلاف قوليه في الاحتساب بإصابة المزدلف. أحدهما: يحتسب به مصيبا إذا احتسبت إصابة المزدلف. والوجه الثاني: لا يحتسب مصيبا ولا مخطئا، إذا لم يحتسب باصابة المزدلف. (والضرب الثاني) أن يخرج السهم موافقا للهدف فتعدل به الريح حتى يخرج عن الهدف فيعتبر حال الريح، فان كانت طارئة بعد خروج السهم عن القوس ألغى السهم ولم يحتسب به في الخطأ، لان التحرز من حدوث الريح غير ممكن، فلم يذهب إلى سوء الرمى، وإن كانت الريح موجودة عند خروج السهم نظر فيها فان كانت قوية لم يحتسب به في الخطأ لانه أخطا في اجتهاده الذى يتحرز به من الريح، ولم يخطئ في سوء الرمى. وإن كانت الريح ضعيفة ففى الاحتساب به في الخطأ وجهان. أحدهما: يكون خطأ لاننا على يقين من تأثير الرمى وفى شك من تأثير الريح. والثانى لا يكون محسوبا في الخط لان الريح تفسد صنيع المحسن، وإن قلت كما تفسده إذا كثرت فإذا أزالت الريح الشن عن موضعه إلى غيره لم يخل حال السهم بعد زوال الشن من ثلاثة أحوال.

1 - أن يقع في غير الشن وفى غير موضعه الذى كان فيه فيحتسب به مخطئا لانه وقع في غير محل الاصابة قبل الريح وبعدها. 2 - أن يقع في الموضع الذى كان فيه الشن في الهدف فيحتسب مصيبا لوقوعه في محل الاصابة. 3 - أن يقع في الشن بعد زواله عن موضعه، فهذا على ضربين. أحدهما: أن يزول الشن عن موضعه بعد خروج السهم فتحتسب به في الخطأ لوقوعه في غير محل الاصابة عند خروج السهم. والضرب الثاني: أن يخرج السهم بعد زوال الشن عن موضعه وعلم الرامى بزواله فينظر في الموضع الذى صار فيه، فان كان خارجا من الهدف لم يحتسب به مصيبا ولا مخطئا لخروجه عن محل الصواب والخطأ، وان كان مماثلا لموضعه من الهدف احتسب به مصيبا، لانه قد صار محلا للاصابة، والله تعالى أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وكذلك لو انقطع وتره أو انكسر قوسه فلم يبلغ الغرض، أو عرض دونه دابة أو إنسان فأصابه أو عرض له في يده ما لا يمر السهم معه كان له أن يعود به. قلت: إذا انقطع وتره أو انكسر قوسه فقصر وقع السهم وأخطأ لم يحتسب عليه، لانه لم يخطئ لسوء رميه، ولكن لنقص آلته، ولو أصاب به كان محسوبا من اصابته لانه أدل على حذقة، وهكذا لو عرض دون الهدف عارض من بهيمة أو انسان وقع السهم فيه ومنع من وصوله إلى الهدف لم يحتسب عليه وأعيد السهم إليه، فان خرق السهم الحائل ونفذ فيه حتى وصل إلى الهدف فأصاب كان محسوبا من إصابته لانه بالاصابة مع هذا العارض أشد وأرمى، ويسمى هذا السهم مارقا. وقد كان الكسعى في العرب راميا وقصته كما ساقها المصنف على وجهها، والكسعى هو محارب بن قيس من كسيعه، وقيل: هو من بنى محارب من قحطان واسمه عامر بن الحارث، وقد قال عن نفسه أو قيل بلسان حاله فيما جرت عليه عادة القصاص من تسجيل الاخبار بالشعر على لسان أصحابها:

ندمت ندامة لو أن نفسي * تطاوعني إذن لقطعت خمسى تبين لى سفاه الرأى منى * لعمر أبيك حين كسرت قوسى وهكذا لو عرض للرامي علة في يده أو أخذته ريح في يديه ضعف بها عن مد قوسه لم يحتسب عليه إن قصر أو أخطا، لانه لعارض يمنع وليس من سوء رمى أو قلة حذق. قال الشافعي رضى الله عنه: فأما إن جاز السهم وأجاز من وراء الناس فهذا سوء رمى وليس بعارض غلب عليه فلا يرد إليه. يقال: جاز السهم إذا مر في أحد جانبى الهدف ويسمى خاصر وجمعه خواصر، لانه في أحد الجانبين مأخوذ من الخاصرة لانها في جانبى الانسان، ويقال: أجاز السهم إذا وقع وراء الهدف، فإذا جاز السهم وسقط في جانب الهدف أو أجاز فوقع وراء الهدف كان محسوبا من خطئة، لانه منسوب إلى سوء رميه، وليس بمنسوب إلى عارض في يديه أو إليه. وقال أبو على بن أبى هريرة: الجائز أن يقع في الهدف عن أحد جانبى الشن فعلى هذا إن كانت الاصابة مشروطة في الشن كان الجائز مخطئا، وإن كانت مشروطة في الهدف كان الجائز مصيبا، ويجوز أن يشترطا أن تكون إصابة سهامها جائزة فيحتسب بالجائز ولا يحتسب بغير الجائز. قال الشافعي رضى الله عنه: ولو كان الشن منصوبا فمرق منه كان عندي خاسقا، ومن الرماة من لا يحتسبه إذا لم يثبت فيه. أما السهم المارق فهو أن ينفذ في الشن وهو منصوب فوق الهدف ويخرج منه فيقع وراء الهدف فيحتسب به في القارع، فأما الخاسق ففى الاحتساب به قولان أحدهما: وهو منصوص الشافعي أنه يحتسب به خاسقا اعتبارا بالمعنى وأنه زائد على الخسق فيؤخذ فيه معنى الخسق. والقول الثاني حكاه الشافعي عن بعض الرماة أنه لا يحتسب به خاسقا اعتبارا بالاسم لانه يسمى مارقا ولا يسمى خاسقا، فمن أصحابنا من أثبت هذا القول للشافعي، ومنهم من نفاه عنه، لانه أضافه إلى غيره ولا يكون مخطئا، وإن لم يحتسب خاسقا لا يختلف فيه أصحابنا.

وأما السهم المزدلف فهو أن يقع على الارض ثم يزدلف منها بحمولته وحدته فيصير في الهدف، ففى الاحتساب به مصيبا قولان. أحدهما: يحتسب به مصيبا لانه بحدة الرمى أصاب، والقول الثاني: ليس بمصيب لخروجه من الرامى إلى غير الهدف، وإنما أعادته الارض حين ازدلف عنها في الهدف. قال أبو إسحاق المروزى: ومن أصحابنا من لم يخرج المزدلف على قولين، وحمله على اختلاف حالين باعتبار حاله عند ملاقاة الارض، فإن ضعفت حموته بعد ازدلافه ولانت كان محسوبا في الاصابة، وإن قويت وصار بعد ازدلافه أحد لم يحتسب به مصيبا، ويجوز أن يتناضلا على مروق السهم ولا يجوز أن يتناضلا على ازدلافه، لان مروق السهم من فعل الرامى، وازدلافه من تأثير الارض. فعلى هذا في الاحتساب به مخطئا إذا لم يحتسب به مصيبا وجهان. أحدهما: يكون مخطئا لانه من سوء الرمى. والثانى: لا يكون مخطئا ما أصاب ويسقط الاعتداد به مصيبا ومخطئا، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان العقد على اصابة موصوفة نظرت، فإن كان على القرع فأصاب الغرض وخزق أو خسق أو مرق حسب له لان الشرط هو الاصابة ; وقد حصل ذلك في هذه الانواع. (فصل) وان كان الشرط هو الخسق نظرت، فان أصاب الغرض وثبت فيه ثم سقط حسب له، لان الخسق هو أن يثبت وقد ثبت فلم يؤثر زواله بعد ذلك كما لو ثبت ثم نزعه انسان، فان ثقب الموضع بحيث يصلح لثبوت السهم لكنه لم يثبت ففيه قولان. (أحدهما) أنه يحسب له، لان الخسق ان يثقب بحيث يصلح لثبوت السهم وقد فعل ذلك، ولعله لم يثبت لسعة الثقب أو لغلظ لقيه. (والثانى) وهو الصيح: انه لا يحسب له لان الاصل عدم الخسق، وانه لم يكن فيه من القوة ما يثبت فيه فلم يحسب له، وان كان الغرض ملصقا بالهدف فأصابه السهم ولم يثبت فيه، فقال الرامى: قد خسق الا أنه لم يثبت فيه لغلظ

لقيه من نواة أو حصاة. وقال رسيله: لم يخسق نظرت، فإن لم يعلم موضع الاصابة من الغرض فالقول قول الرسيل، لان الاصل عدم الخسق، وهل يحلف؟ ينظر فيه فإن فتش الغرض فلم يكن شئ يمنع من ثبوته لم يحلف، لان ما يدعيه الرامى غير ممكن، وإن كان هناك ما يمنع من ثبوته حلف، لان ما يدعيه الرامى غير ممكن. وإن علم موضع الاصابة ولم يكن فيه ما يمنع من ثبوته فالقول قول الرسيل من غير يمين، لان ما يدعيه الرامى غير ممكن، وإن كان فيه ما يمنع الثبوت ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول الرامى، لان المانع شهد له (والثانى) أن القول قول الرسيل لان الاصل عدم الخسق، والمانع لا يدل على أنه لو لم يكن لكان خاسقا، ولعله لو لم يكن مانع لكان هذا منتهى رميه فلا يحكم له بالخسق بالشك، وإن كان في الشن خرق أو موضع بال فوقع فيه السهم وثبت في الهدف نظرت، فان كان الموضع الذى ثبت فيه في صلابة الشن اعتد به، لانا نعلم أنه لو كان الشن صحيحا لثبت فيه، وإن كان دون الشن في الصلابة كالتراب والطين الرطب لم يعتد له ولا عليه، لانا لا نعلم أنه لو كان صحيحا هل كان يثبت فيه أم لا؟ فيرد إليه السهم حتى يرميه. وإن خرمه وثبت ففيه قولان (أحدهما) يعتد به لان الخسق هو أن يثبت النصل وقد ثبت (والثانى) لا يعتد به لان الخسق أن يثبت السهم في جميع الشن ولم يوجد ذلك، فان مرق السهم فقد قال الشافعي رحمه الله: هو عندي خاسق ومن الرماة من لا يحتسبه، فمن أصحابنا من قال: يحتسب له قولا واحدا وما حكاه عن غيره ليس بقول له. لان معنى الخسق قد وجد وزيادة، ولانه لو مرق والشرط القرع حسب فكذلك إذا مرق والشرط الخسق وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يحسب له لما ذكرناه (والثانى) لا يحسب له لان الخسق أن يثبت، وما ثبت، ولان في الخسق زيادة حذق وصنعة من نزع القوس بمقدار الخسق، والتعليل الاول أصح، لان هذا يبطل به إذا مرق والشرط القرع، وإن أصاب السن ومرق وثبت في الهدف

ووجد على نصله قطعة من الشن والهدف دون الشن في الصلابة فقال الرامى هذا الجلد قطعة سهمي بقوته، وقال الرسيل بل كان في الشن ثقبة وهذه الجلدة كانت قد انقطعت من قبل فحصلت في السهم فالقول قول الرسيل لان الاصل عدم الخسق. (فصل) إذا مات أحد الراميين أو ذهبت يده بطل العقد، لان المقصود معرفة حذقه، وقد فات ذلك فبطل العقد كما لو هلك المبيع، وان رمدت عينه أو مرض لم يبطل العقد لانه يمكن استيفاء المعقود عليه بعد زوال العذر، وان أراد أن يفسخ فان قلنا انه كالجعالة كان حكمه حكم الفسخ من غير عذر، وقد بيناه في أول الكتاب، وإن قلنا إنه كالاجارة جاز أن يفسخ، لانه تأخر المعقود عليه فملك الفسخ كما يملك في الاجارة، وإن أراد أحدهما أن يؤخر الرمى للدعة فان قلنا انه كالاجارة أجبر عليه كما أجبر في الاجارة، وان قلنا انه كالجعالة لم يجبر كما لا يجبر في الجعالة (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو تشارطا المصيب، فمن أصاب الشن ولم يخرق حسب له لانه مصيب قلت: فإذا تشارطا الاصابة احتسب كل مصيب من قارع وخارق وخاسق، لان جميعها مصيب. وهكذا لو تشارطا الاصابة قرعا احتسب بالقارع وبالمارق وبالخاسق لانه زيادة على القرع. ولو تشارطا الخواصر احتسب بكل مصيب لان اصابة الخواصر مشتمل على كل مصيب من قارع وخارق وخاسق. فأما الخواصر فهو ما أصاب جانب الشن، فان شرطا في الرمى لم يحتسب الا به، وان لم يشترطاه احتسب به مع كل مصيب في الشن إذا كانت الاصابة مشروطة في الشن. وقال الشافعي رضى الله عنه: ولو تشارطا الخواسق والشن ملصق بالهدف فأصاب ثم رجع فزعم الرامى أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق، وانما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه الا أن تقوم بينة فيؤخذ بها

واشتراط الخسق إنما يكون في إصابة الشن دون الهدف، وقد ذكرنا أن الشن وهو جلد ينصب في الهدف تمد أطرافه بأوتار أو خيوط تشد في أوتاد منصوبة في الهدف المبنى، وربما كان ملصقا بحائط الهدف، وربما كان بعيدا منه بنحو من شبر أو ذراع، وهو أبعد ما ينصب، وخسق الشن إذا كان بعيدا من الهدف أوضح منه إذا كان ملصقا به. فإذا رمى والشن ملصق بالهدف فأصاب الشن ثم سقط بالاصابة خسق فزعم الرامى أنها خسق، ولقى غليظا في الهدف من حصاة أو نواة فرجع وهو خاسق، وزعم المرمى عليه أنه قرع فسقط ولم يخسق فلهما ثلاثة أحوال: (أحدها) أن يعلم صدق الرامى في قوله بغير يمين، لان الحال شاهدة بصدقه والحال الثانية: أن يعلم صدق المرمى عليه في إنكاره إما بأن لا يرى في الشن خسقا، وإما بأن لا يرى في الهدف غلظا، فالقول قوله ولا يمين عليه، لان الحال شاهدة بصدقه والحال الثالثة: أن يحتمل صدق المدعى وصدق المنكر لان هل في الشن خواسق أم لا، فإن كانت بينة حمل عليها، وإن عدمت البينة فالقول قول المنكر مع يمينه ولا يحتسب به مصيبا، وفى الاحتساب به مخطئا وجهان: (أحدهما) يحتسب به في الخطأ إذا لم يحتسب به في الاصابة لوقوف الرامى بين صواب وخطأ. والوجه الثاني. لا يحتسب به في الاصابة، لان الاصابة لا يحتسب بها إلا مع اليقين، وكذلك لا يحتسب بالخطأ إلا مع اليقين، فإن نكل المنكر عن اليمين أحلف الرامى. فإذا حلف احتسب بإصابته قال الشافعي رحمه الله: وإن كان الشن باليا فأصاب موضع الخسق فصار في الهدف فهو مصيب. وهذا معتبر بالشن والهدف ولهما ثلاثة أحوال (أحدهما) أن يكون الهدف أشد من الشن لانه مبنى قد قوى واشتد فإذا وصل السهم إليه من ثقب في الشن

ثبت في الهدف الذى هو أقوى من الشن كان ثبوته في الشن الاضعف أجدر. وهو الذى أراده الشافعي فيحتسب به خاسقا والحال الثانية أن يكون الشن أقوى من الهدف وأشد لانه جلد متين والهدف تراب ثائر أو طين فلا يحتسب به مصيبا ولا مخطئا، أما الاصابة فلجواز أن لا يخسق الشن. وأما الخطأ فلعدم ما خسقه مع بلى الشن والحال الثالثة: أن يتساوى الشن والهدف في القوة والضعف فلا يحتسب به مخطئا، وفى الاحتساب به مصيبا وجهان: (أحدهما) يحتسب من اصابة الخسق لان ثبوته في الهدف قائم مقام ثبوته في الشن عند تساويهما. والوجه الثاني: لا يحتسب في اصابة الخسق ويحتسب في اصابة القرع على الاحوال كلها. وإن صادف السهم في ثقب في الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض، فقال الرامى: خسقت، وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فأنكر صاحبه وقال: بل هي كانت مقطوعة، فإن علم أن الغرض كان صحيحا حكم بقول الرسيل لان الاصل عدم الخسق. وقال أحمد وأصحابه القول قول الرامى إذا كان الغرض صحيحا. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا أراد المستبق أن يجلس ولا يرمى وللمستبق فضل له، فسواء قد يكون له الفضل فينضل وعليه الفضل فينضل. إلى آخر ما قال. قلت: إذا جلس أحد المتناضلين عن الرمى فله حالتان: احدهما أن يريد به تأخير الرمى عن وقته فلا يخلو أن يكون فيه معذورا أو غير معذور، فإن كان له عذر وطلب التأخير أخر ولم يجبر على التعجيل، سواء قيل بلزومه كالاجارة أو بجوازه كالجعالة، لانه ليس بأوكد من فرض الجمعة التى يجوز التأخر عنها بالعذر وأعذاره في تأخير الرمى ما أثر في نفسه من مرض أو شدة حر أو برد أو أثر في رميه من شدة ريح أو مطر أو أثر في أهله من موت أو حادث نزل أو أثر في ماله من جائحة طرقت أو خوف طرأ.

وإن لم يكن له تأخير الرمى عذر: والثمن به الدعة إلى وقت آخر ففى إجباره على التعجيل قولان. (أحدهما) يجبر عليه إذا قيل بلزومه كالاجارة. (والثانى) لا يجبر على تعجيله إذا قيل بجوازه كالجعالة. أما الحال الثانية: كأن يريد بالجلوس عن الرمى فسخ العقد فلا يخلو أن يكون معذورا في الفسخ أو غير معذور، فإن كان معذورا في الفسخ وأعذار الفسخ أضيق وأغلظ من أعذار التأخير وهى ما اختصت نفسه من العيوب المانعة من صحة رمية وهى ضربان. (أحدهما) مالا يرجى زواله كشلل يده أو ذهاب بصره فالفسخ واقع بحدوث هذا المانع وليس يحتاج إلى فسخه بالقول. (والضرب الثاني) ما يرجى زواله كمرض يده أو رمد عينيه أو علة جسده فلا ينفسخ العقد بحدوث هذا المانع بخلاف الضرب الاول لامكان الرمى بعد زواله ويكون الفسخ بالقول، وذلك معتبر بحال صاحبه، فإن طلب تعجيل الرمى فله الفسخ لتعذر التعجيل عليه، ويكون استحقاق هذا الفسخ مشتركا بينه وبين صاحبه، ولكل واحد منهما فسخ العقد به. وأن أجاب صاحبه إلى الانظار بالرمي إلى زوال المرض فهل يكون عذره في الفسخ باقيا؟ أم لا؟ على وجهين. أحدهما: يكون باقيا في استحقاق الفسخ لئلا تكون ذمته مرتهنة بالعقد. والوجه الثاني: أن عذر الفسخ قد زال بالانتظار، وليس للمنظر أن يرجع في هذا الانظار، وان جاز له أن يرجع في الانتظار بالديون لان ذلك عن عيب رضى به، وجرى مجرى الانظار بالاعسار، وان لم يكن لطالب الفسخ عذر في الفسخ، فإن قيل بلزوم العقد كالاجارة لم يكن له الفسخ وأخذ به جبرا، فإن امتنع منه حبس عليه كما يحبس بسائر الحقوق إذا امتنع منها فإن طال به الحبس وهو على امتناعه عزر حتى يجيب. فان قيل بجواز العقد كالجعالة فله الفسخ قبل الرمى وبعد الشروع فيه وقبل ظهور الغلبة، فان ظهرت الغلبة لاحدهما، فان كانت لطالب الفسخ، فله الفسخ وان كانت لغيره ففى استحقاقه للفسخ قولان مضيا.

أحدهما: لا يستحقه بعد ظهورها لتفويت الاغراض بعد ظهورها والقول الثاني - وهو الذى نص عليه الشافعي هاهنا - له الفسخ لما علل به من أنه قد يكون له الفضل فينضل، ويكون عليه الفضل فينضل. (مسألة) إذا عرفت أن الرمى مما يلزم المسلمين حذقه والتمرس عليه لقهر الاعداء وجهادهم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وعرفت أن السهام والنبال من أسلحة النضال قد استحالت في أعصرنا إلى أسلحة نارية منها ما يصيب بالتوجيه كرشاش بور سعيد واللانكستر والبرتا، ومنها ما يصيب بالتسديد أو التصويب الدقيق كالبندقية حكيم واللى أنفيلد والتوميجن، ومنها ما يعطى مخروطا ناريا باللمس الهين ويسمى آليا، ومنها ما يعطى القذيفة بالضغط بالاصبع ويسمى منفردا، وقليل من حذاق الرماية الذين يستطيعون أن يجعلوا الآلي منفردا، وهو أمر يفتقر إلى قدرة على ضبط حركة الاصبع وسيطرة على لمس الزناد، والفرق بين هذه الآلات والآلات السابقة لا يختلف في حكمه إلا بمقدار ما يراعى من قوة الرمى وبعد ما ترميه الآلات الحديثة ومدى تأثيرها. وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم الاخذ بآلات غير المسلمين حين حاصر الطائف بالمجانيق، ووجه الصحابة رضوان الله عليهم إلى صناعتها وصناعة الضبور وهى نوع من المدافع البدائية التى تطورت صناعتها حتى بلغت في عصرنا هذا الصاروخ عابر القارات، ويحتسب في الرماية بتلك القذائف دورة الارض حول نفسها ودورتها السنوية وقانون الجاذبية وهو تحتاج إلى معادلات رياضية وحساب دقيق لنصل إلى أهدافها في قلاع الاعداء فتدمرها تدميرا. وقد أخرج الشيخان والحاكم وصححه والشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عبد الله بن مغفل أن رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وقال إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) . فقد وجهنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ما فيه الاثر الاقوى والاغلاظ البالغ والسلاح الحاسم لارهاب العدو. فإذا ثبت هذا فان الرماية بالبندقية وغيرها من المستحدثات من فروض الكفايات التى تتأصل بها عزة الامة وتحمى بها حوزتها

وتعلى بها رايتها وعلى ولى الامر أن يحرض من وهب من قوة البنية وخفة الحركة وحدة البصر ونور الايمان من ينهض به ويتوفر عليه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب احياء الموات يستحب احياء الموات لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر، وما أكله العوافي منها فهو له صدقه) وتملك به الارض لما روى سعيد بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (من أحيا أرضا ميتة فهى له) ويجوز ذلك من غير اذن الامام للخبر، ولانه تملك مباح فلم يفتقر إلى اذن الامام كالاصطياد. (فصل) وأما الموات الذى جرى عليه الملك وباد أهله ولم يعرف مالكه ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يملك بالاحياء لما روى طاوس إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عادى الارض لله ولرسوله، ثم هي لكم بعد) ولانه ان كان في دار الاسلام فهو كاللقطه التى لا يعرف مالكها، وان كان في دار الحرب فهو كالركاز. (والثانى) لا يملك لانه ان كان في دار الاسلام فهو لمسلم أو لذمى أو لبيت المال، فلا يجوز احياؤه وان كان في دار الحرب جاز أن يكون لكافر لا يحل ماله أو لكافر لم تبلغه الدعوة، فلا يحل ماله، ولا يجوز تملكه. (والثالث) أنه ان كان في دار الاسلام لم يملك، وان كان في دار الحرب ملك، لان ما كان في دار الاسلام فهو في الظاهر لمن له حرمة، وما كان في دار الحرب فهو في الظاهر لمن لا حرمة له. ولهذا ما يوجد في دار الحرب يخمس وما يوجد في دار الاسلام يجب تعريفه، وان قاتل الكفار عن أرض ولم يحيوها ثم ظهر المسلمون عليها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز أن تملك بالاحياء، بل هي

غنيمة بين الغانمين، لانهم لما منعوا عنها صاروا فيها كالمتحجرين، فلم تملك بالاحياء (والثانى) أنه يجوز أن تملك بالاحياء لانهم لم يحدثوا فيها عمارة فجاز أن تملك بالاحياء كسائر الموات. (فصل) وما يحتاج إليه المصلحة العامر من المرافق كحريم البئر وفناء الدار والطريق ومسيل الماء لا يجوز احياؤه لانه تابع للعامر فلا يملك بالاحياء ولانا لو جوزنا احياءها أبطلنا الملك في العامر على أهله وكذلك ما بين العامر من الرحاب والشوارع ومقاعد الاسواق لا يجوز تملكه بالاحياء لان الشرع قد ورد بإحياء الموات وهذا من جملة العامر ولانا لو جوزنا ذلك ضيقنا على الناس في أملاكهم وطريقهم وهذا لا يجوز. (فصل) ويجوز احياء كل من يملك المال لانه فعل يملك به فجاز من كل من يملك المال كالاصطياد ولا يجوز للكافر أن يملك بالاحياء في دار الاسلام ولا للامام أن يأذن له في ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (موتان الارض لله ولرسوله ثم هي لكم منى) فجمع الموتان وجعلها للمسلمين، فانتفى أن يكون لغيرهم، ولان موات الدار من حقوق الدار والدار للمسلمين، فكان الموات لهم كمرافق المملوك لا يجوز لغير المالك إحياؤه، ولا يجوز للمسلم أن يحيى الموات في بلد صولح الكفار على المقام فيه، لان الموات تابع للبلد، فإذا لم يجز تملك البلد عليهم لم يجز تملك مواته. (الشرح) حديث جابر رواه أحمد والترمذي وصححه بلفظ (من أحيا أرضا فهى له) وفى لفظ عند احمد وابى داود (من أحاط حائطا على أرض فهى له) ولاحمد وابى داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود من رواية سمرة بن جندب رواه عنه الحسن وفى سماع الحسن من سمرة خلاف معروف بين المحدثين تكلمنا عليه في غير ما موضع، وأخرجه النسائي وابن حبان بنحوه. أما حديث سعيد بن زبد فقد رواه احمد وابو داود والترمذي بلفظ (من أحيا أرضا ميتة فهى له، وليس لعرق ظالم حق) وأخرجه أيضا النسائي، وحسنه

الترمذي وأعله بالارسال ورجح الدارقطني إرساله وقد مضى الاختلاف في الصحابي الذى رواه غير سعيد بن زيد. أما سعيد بن زيد فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، كنيته أبو الأعور، وهو قرشي عدوى من السابقين الاولين البدريين، ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه، شهد المشاهد كلها، وشهد حصار دمشق وفتحها، وأول من ولى على دمشق في الاسلام: له حديثان في الصحيحين، وانفرد البخاري له بحديث، روى عنه ابن عمر وابو الطفيل وعمرو بن حريث وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن ظالم وطائفة. وأبوه زيد بن عمر بن نفيل، مات قبل الاسلام على النجاة، لانه خرج يطلب الدين القيم حتى مات. واخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه يبعث امة وحده يوم القيامة. وهو ابن عم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقال ابن عبد البر: هذا الحديث مسنده صحيح متلقى بالقبول عند الفقهاء في المدينة وغيرها. أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: بلاد المسلمين شيئان: عامر وموات، فالعامر لاهله كل ما صلح به العامر ان كان مرفقا لاهله من طريق وفناء ومسيل ماء أو غيره فهو كالعامر في ان لا يملك على أهله الا بإذنهم. اه والموات هو الارض الخراب الدارسة تسمى ميتة ومواتا وموتانا بفتح الواو والموتان بضم الميم وسكون الواو والموت الذريع، ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو لا بصيرة له ولا فهم. إذا عرف هذا فان الموات شيئان: موات قد كان عامرا لاهله معروفا في الاسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا، فذلك كالعامر لاهله لا يملك عليهم الا بإذنهم (والثانى) ما لم يملكه احد من أهل الاسلام يعرف ولا عمارة في الجاهلية أو لم يملك، فذلك الموات الذى قال فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أحيا مواتا فهو له) وروى وهب بن كيسان عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من أحيا أرضا ميتة فهى له وله فيه أجر وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة، والعوافي جمع عاف وهو طالب الفضل.

وقد روى أحمد والبخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من عمر أرضا ليست لاحد فهو أحق بها) وعن اسمر بن مضرس قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعته فقال: من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له. قال فخرج الناس يتعادون يتخاطئون) أي يتسابقون عدوا يخططون في الارض تمهيدا لتعميرها. وروى ابن ابى مليكة عن عروة قال: أشهد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أن الارض أرض الله والعباد عباد الله. ومن أحيا مواتا فهو أحق به. جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاؤوا بالصلوات عنه) والحديث بهذه المثابة لا يكون مرسلا على القول الصحيح بناء على الاصل في ان الصحابة كلهم عدول، فإذا قال التابعي الثقة أشهد انه جاءني عن النبي صلى الله عليه وسلم به الذين جاءوا بالصلوات عنه وهو يعنى الصحابة. فقد ارتفع الارسال وبقيت الجهالة، والجهالة بالصحابى لا تقدح في الحديث، اللهم الا إذا ثبت ولو مرة واحدة ان عروة التبس عليه أمر تابعي معاصر بإسلامه للنبى صلى الله عليه وسلم فظنه صحابنا، ولكن إذا عرفنا ان عروة لا يشك في تثبته وعلمه باحوال الصحابة والذى تربى في بيت النبوة والخلافة. فابوه ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وجده لامه أبو بكر رضى الله عنه. وخالته أم المؤمنين، وأخوه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. وروى الشافعي عن سفيان عن طاوس إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عمارة الارض لله ولرسوله ثم هي لكم منى) ولان ما لم يجر عليه ملك نوعان أرض وحيوان، فلما ملك الحيوان إذا ظهر عليه بالاصياد ملك موات الارض إذا ظهر عليه بالاحياء وقوله في حديث الفصل عن طاوس إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عادى الارض) نسبة إلى عاد رجل من العرب الاولى، وهم العرب البائدة، وبه سميت قبيلة قوم هود، ويقال للملك القديم عادى كأنه نسبة إليه لتقدمه، وبئر عادية كذلك، وعادى الارض ما تقادم ملكه. وقد جاء حديث طاوس في الام وعندد المصنف هنا هكذا مرسلا. وقد رواه هكذا سعيد بن منصور في سننه وابو عبيد في الاموال، فإذا تقرر جواز الاحياء قال الشافعي: بلاد المسلمين شيئان عامر وموات، وانما خص بلاد المسلمين بما

ذكره من قسمي العامر والموات، وان كانت بلاد الشرك أيضا عامرا ومواتا، لما ذكره من ان عامر بلاد المسلمين لاهله لا يملك عليه الا بإذنهم. وعامر بلاد الشرك قد يملك عليهم قهرا وغلبة بغير إذنهم. وإذا كان كذلك بدأنا بذكر العامر من بلاد المسلمين ثم بمواتهم. أما العامر فلاهله الذى قد ملكوه بأحد أسباب التمليك وهى ثمانية: 1 - الميراث 2 - المعاوضات 3 - الهبات 4 - الوصايا 5 - الوقف 6 - الصدقات 7 - الغنيمة 8 - الاحياء. فإذا ملك عامرا من بلاد المسلمين بأحد هذه الاسباب الثمانية صار مالكه له ولحريمه ومرافقيه من بناء وطريق ومسيل ماء وغير ذلك من مرفق العامر التى لا يستغنى العامر عنها فلا يجوز ان يملك ذلك على أهل العامر باحياء ولا غيره فمن أحياه لم يملكه. وقال داود بن على: حريم العامر كسائر الموات من أحياه فقد ملكه استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهى له) وهذا خطأ لان حريم العامر قد كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثم على عهد خلفائه مقرا على اهله لم يتعرض أحد لاحيائه عما انتهوا إليه، ولانه لو جاز احياء حريم العامر لبطل العامر على أهله وسقط الانتفاع به، لانه يفضى إلى ان يبنى الرجل دارا يسد بها باب جاره فلا يصل الجار إلى منزله. وما ادى إلى هذا من الضرر وكان ممنوعا منه، وليس الحريم مواتا فيصح استدلال داود عليه. واما الموات فضربان: أحدهما ما لم يزل على قديم الدهر مواتا لم يعمر قط. فهذا هو الموات جاء في الحديث ان من أحياها فهى له، فان أحياه ذمى لم يملكه وقال أبو حنيفة: يملكه الذمي بالاحياء كالمسلم، استدلالا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أحيا أرضا مواتا فهى له) ولانها أعيان مباحة فجاز أن يستوى في تملكها المسلم والذمى كالصيد والحطب، ولان من يملك بالاصطياد والاحتطاب صح أن يملك بالاحياء كالمسلم، ولانه سبب من أسباب التمليك فوجب أن يستوى فيه المسلم والذمى كالبيع، ودليلنا حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ هي لكم منى) فوجه الخطاب للمسلمين وأضاف ملك الموات إليهم فدل على اختصاصهم بالحكم.

ولان النبي صلى الله عليه قال (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) اشارة إلى إجلائهم حتى أجلاهم عمر رضى الله عنه من الحجاز، فلما أمر بإزالة أملاكهم الثابتة فأولى أن يمنعوا من أن يستبيحوا أملاكا محدثة، لان استدامة الملك أقوى من الاستحداث، فإذا لم يكن لهم الاقوى فالاضعف أولى، ولان من لم يقر في دار الاسلام الا بجزية منع من الاحياء كالمعاهد، ولان كل ما لم يملكه الكافر قبل عقد الجزية لم يملكه بعد عقد الجزية وأصله نكاح المسلمة. ولانه نوع تمليك ينافيه كفر الحربى فوجب أن ينافيه كفر الذمي كالارث من مسلم فأما الجواب عن حديث (من أحيا أرضا مواتا فهى له) فهو أن هذا الخبر وارد في بيان ما يقع به الملك. وقوله (ثم هي لكم) وارد في بيان من يقع له الملك فصار المفسر في كل واحد منهما فيما قصد له قاضيا على صاحبه، فصار الخبران في التقدير كقوله (من أحيا أرضا مواتا من المسلمين فهى له) وأما الجواب عن قياسهم على الصيد والحطب فهو أنه منتقض بالغنيمة حيث لم يستو المسلم والذمى فيها مع كونها أعيانا مباحة، ثم لو سلم من النقض لكان المعنى في الصيد والحطب أن لا ضرر على المسلم فيه إذا أخذه الكافر، وليس كذلك الاحياء. لذلك لم يمنع المعاهد من الاصطياد والاحتطاب وان منع من الاحياء، فكان المعنى الذى فرقوا به في المعاهد بين إحيائه واصطياده (وفرقنا في الذمي بين إحيائه واصطياده، وهو الجواب عن قياسهم الثاني ويكون المعنى في المسلم فضيلته بدينه واستقراره في دار الاسلام بغير حرمة مباينة لصغار الذمة فاستعلى على من خالف الملة. وأما الجواب عن قياسهم على البيع فهو إنه منتقض بالزكاة لانها سبب من أسباب التمليك الذى يختص بها المسلم دون الذمي. ولما لم يجز في الاحياء أن يملك به المعاهد لم يملك به الذمي. وقال أحمد بعدم الفرق بين المسلم والذمى وقد مضى الرد على ذلك. والضرب الثاني من الموات ما كان عامرا ثم خرب فصار بالخراب مواتا فذلك ضربان، أحدهما ان كان جاهليا لم يعمر في الاسلام فهذا على ضربين أحدهما أن يكون قد خرب قبل الاسلام حتى صار مواتا مندرسا كأرض عاد وتبع ومدن طيبة ومنف وبابل وآشور وبعلبك فهذه إذا أعلن أيلولتها إلى بيت

مال المسلمين وملكت الدولة التى من حقها أن تكون لها الولاية عليها لعرضها للاعتبار عملا بقوله تعالى (أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الارض، وعمروها أكثر مما عمروها) إلى آخر ما ورد في القرآن الكريم من آيات الحث على السياحة والسير إلى الآثار للاعتبار والاتعاظ، كان إحياؤها معلقا بإذن السلطان، بل إن السلطان إذا أحياها بصيانتها وإقامة الحراس عليها وتمهيد طرقها وتيسير سبل الوصول إليها بسبب ما تحويه من تواريخ من كانوا يعمرونها من الدارسين والبائدين كان هذا إحياء لها على هذا النحو، وصارت ملكا عاما لا يختص به أحد، وذلك أصله قوله صلى الله عليه وسلم (عادى الارض لله ولرسوله ثم هي لكم منى) والضرب الثاني: ما كان باقى العمارة إلى وقت الاسلام ثم خرب وصار مواتا قبل أن يصير من بلاد الاسلام فهذا على ثلاثة أقسام (أحدهما) أن يرفع أربابه أيديهم عنه قبل القدرة عليه فهذا يملك بالاحياء كالذى لم يزل مواتا (والقسم الثاني) أن يتمسكوا به إلى حين القدرة عليه فهذا يكون في حكم عامرهم لا يملك بالاحياء. (والقسم الثالث) أن يجهل حاله فلا يعلم هل رفعوا أيديهم عنه قبل القدرة عليه أم لا، ففى جواز تملكه بالاحياء وجهان كالذى جهل حاله من الركاز. والضرب الثاني: ما كان في الاصل عامرا من بلاد الاسلام ثم خرب حتى ذهبت عمارته، واندرست آثاره، فصار مواتا. فقد اختلف الفقهاء في جواز تملكه بالاحياء على ثلاثة مذاهب، فمذهب الشافعي منها أنه لا يجوز أن يملك بالاحياء سواء عرف إربابه أو لم يعرفوا. وقال أبو حنيفة: إن عرف أربابه فهو على ملكهم لا يملك بالاحياء وإن لم يعرفوا ملك بالاحياء استدلالا بعموم الحديث (من أحيا أرضا مواتا فهى له) وحقيقة الموات ما صار بعد الاحياء مواتا من العامر فزال عن حكم العامر كالجاهلي. ولانه موات فجاز احياؤه كسائر الموات. وقال مالك: يصير كالموات الجاهلي يملكه من أحياه سواء عرف أربابه أم لم يعرفوا. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) وهذا مال مسلم. وروى عروة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من أحيا أرضا ميتة ليست لاحد فهو أحق بها)

فجعل زوال الملك عن الموات شرطا في جواز ملكه بالاحياء. ودل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالاحياء. وروى أسامة بن مضرس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له مال، فخرج الناس يتعادون يتخاطون) وهذا نص ولانها أرض استقر عليها ملك أحد المسلمين فلم يجز أن تملك بالاحياء كالتى بقيت آثارها عند مالك، وكالتى تعين أربابها عند إبى حنيفة، ولان ما صار مواتا من عامر المسلمين لم يجز إحياؤه بالتملك كالاوقاف والمساجد. وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهى له) فهو دليل عليهم، لان الاول قد إحياها، فوجب أن يكون أحق بها من الثاني لامرين أحدهما: أنه سبق. والثانى: أن ملكه قد ثبت باتفاق. وأما الجواب عن قياسهم على الجاهلي وعلى التى لم تزل خرابا فالمعنى فيها أنها لم يجر عليها ملك مسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والاحياء الذى يملك به أن يعمر الارض لما يريده، ويرجع في ذلك إلى العرف، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الاحياء ولم يبين فحمل على المتعارف، فان كان يريده للسكنى فأن يبنى سور الدار من اللبن والآجر والطين والجص إن كانت عادتهم ذلك، أو القصب أو الخشب إن كانت عادتهم ذلك، ويسقف وينصب عليه الباب لانه لا يصلح للسكنى بما دون ذلك، فإن أراد مراحا للغنم أو حظيرة للشوك والحطب بنى الحائط ونصب عليه الباب، لانه لا يصير مراحا وحضيرة بما دون ذلك، وإن أراد للزراعة فأن يعمل لها مسناة ويسوق الماء إليها من نهر أو بئر، فإن كانت الارض من البطائح فأن يحبس عنها الماء لان إحياء البطائح أن يحبس عنها الماء كما أن إحياء اليابس بسوق الماء إليه، وبحرثها، وهو إن يصلح ترابها، وهل يشترط غير ذلك؟ فيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه لا يشترط غير ذلك وهو المنصوص في الام، وهو قول أبى إسحاق، لان الاحياء قد تم وما بقى إلا الزراعة، وذلك انتفاع بالمحيا فلم يشترط كسكنى الدار.

(والثانى) وهو ظاهر ما نقله المزني: أنه لا يملك إلا بالزراعة لانها من تمام العمارة، ويخالف السكنى فإنه ليس من تمام العمارة، وإنما هو كالحصاد في الزرع، (والثالث) وهو قول أبى العباس: أنه لا يتم إلا بالزراعة والسقى، لان العمارة لا تكمل إلا بذلك، وإن أراد حفر بئر فإحياؤها أن يحفر إلى أن يصل إلى الماء لانه لا يحصل البئر الا بذلك، فان كانت الارض صلبة تم الاحياء، وان كانت رخوة لم يتم الاحياء حتى تطوى البئر لانها لا تكمل الا به، (الشرح) يختلف الاحياء باختلاف المقصود منه، ولما كان الشارع قد أطلق الاحياء لم يحده، ولما كان ليس للاحياء في اللغة حد وجب الرجوع إلى العرف كالحرز والقبض وضابطه تهيئة الشئ لما يقصد منه غالبا، فإن أراد مسكنا نظرت إلى العرف الشائع في المكان الذى يجرى فيه الاحياء سكنا، كتحويطه بالآجر أو اللبن أو القصب على عادة المكان، وقد رأى بعض الاصحاب الاكتفاء بالتحويط من غير بناء لكنه نص في الام على اشتراط البناء. قال الرملي: وهو المعتمد، والاوجه الرجوع في جميع ذلك إلى العادة، ومن هنا قال المتولي وأقره ابن الرفعة والاذرعى وغيرهما: لو اعتاد نازلو الصحراء تنظيف الموضع من نحو شوك وحج وتسويته لضرب خيمته وبناء معلفه ففعلوا ذلك بقصد التملك ملكوا البقعة، وان ارتحلوا عنها أو بقصد الارتفاق فهم أولى بها إلى الرحلة. إذا ثبت هذا: فإن تحويط الارض احياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو للخشب أو لغير ذلك، هذا مذهبنا ونص عليه أحمد في رواية على بن سعيد فقال: الاحياء أن يحوط عليها حائطا ويحفر فيها بئرا أو نهرا ولا تعتبر في ذلك تسقيف، وذلك لما روى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من أحاط حائطا على أرض فهى له) رواه أبو داود واحمد، ويروى عن جابر مثله. وقد نص الامام النووي على عدم اشتراط تعليق الباب لان الباب لا يشترط للسكنى وانما هو للحفظ والسكنى لا تتوقف عليه. وقد اعتبر القصد في مذهب

الشافعي رضى الله عنه ولم يعتبر القصد في مذهب أحمد رضى الله عنه، فلو أحاط مواتا بقصد أن يكون حظيرة فاتخذه سكنا له ولم يتخذه لما قصد له ملكه عند أحمد لعدم اعتبار القصد وملكه عند الشافعي بالقصد الطارئ أما إذا حوطها لتكون حظيرة ولا تصلح للسكنى ثم سكنها فإنه لا يملك عند الشافعي ويملك عند أحمد، فلو خندق حول الارض خندقا لم يكن إحياء لانه ليس بحائط ولا عمارة، وإنما هو حفر وتخريب، وإن أحاطها بشوك وشبهه لم يكن ذلك إحياء ولو نزل منزلا فنصب به بيت شعر أو خيمة لم يكن ذلك إحياء. أما إذا فعل ذلك بحيث يريدها مزورعة فجمع التراب أو الشوك حولها وسوى الارض فطم المنخفض منها واكتسح العالي وحرثها إذا توقف زرعها على الحرث ورتب لها الماء بشق المسقاة أو حفر الساقية أو شق للماء طريقا ولم يبق الا اجراؤه كفى ذلك في تملكه، وان لم يجز الماء، فان هيأه ولم يحفر له طريقا كفى أيضا وهو المنصوص في الام، وبه قال أبو إسحاق المروزى ورجحه صاحب الشرح الصغير وتابعه الشمس الرملي. فإذا كفاها المطر لم تحتج إلى ترتيب للماء وذلك خلاف لظاهر ما نقله المزني من أنه يشترط الزراعة لتمام الملك بذلك، ويخالف السكنى، وقد زاد أبو العباس بن سريج على ذلك اشتراط السقى أيضا، وأرض الجبال التى لا يمكن سوق الماء إليها ولا يكفيها المطر تكفى الحراثة وجمع التراب كما اقتضاه كلام النووي في الروضة تبعا للرافعي وجزم به غيرهما. ولا يشترط أن تتم الزراعة على الاصح كما لا يشترط سكنى الدار لان استيفاء المنفعة خارج عن الاحياء. والثانى: لا تصير محياة الا بالزراعة كما لا تصير الدار محياة الا إذا صار فيها مال المحيى، وإذا اعتادوا أن يجمعوا ترابا حول ما يزرعونه بستانا فجمع التراب بدلا من التحويط كفى، والا اشترط التحويط حسب العادة وتهيئة ماء للبستان أن لم يكفه ماء المطر، ويشترط فيه اتخاذ الباب وغرس الاشجار ولو لبعضه بحيث يسمى بستانا كما أفاده الاذرعى، فلا يكفى غرس الشجرة والشجرتين في المكان الواسع على المذهب إذ لا يتم اسم البستان بدون ذلك بخلاف المزرعة

بدون الزرع، ولا يشترط في البستان الاثمار، وما عمله مما يعود نفعه على غيره كطى بئر، فان ملكه له يتوقف على قصده من حفر البئر، وقال الشافعي رضى الله عنه: وانما يكون الاحياء ما عرفه الناس إحياء مثل المحيا ان كان مسكنا فأن يبنى بمثل ما يبنى به مثله من بنيان حجر أو لبن أو مدر يكون مثله بناء، وهكذا ما أحيا الادمى من منزل له أو لدواب من حظار أو غيره فاحياه ببناء، حجر أو مدر أو بماء لان هذه العمارة بمثل هذا، ولو جمع ترابا لحظار أو خندق لم يكن هذا إحياء. وكذلك لو بنى خياما من شعر أو جريد أو خشب لم يكن هذا إحياء تملك له الارض بالاحياء، وما كان هذا قائما لم يكن لاحد أن يزيله، فإذا أزاله صاحبه لم يملكه، وكان لغيره ان ينزله ويعمره، اه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإذا أحيا الارض ملك الارض وما فيها من المعادن كالبلور والفيروزج والحديد والرصاص لانها من اجزاء الارض فملك بملكها ويملك ما ينبع فيها من الماء والقار وغير ذلك. وقال أبو اسحاق لا يملك الماء وما ينبع فيها، وقد بينا ذلك في البيوع، ويملك ما ينبت فيها من الشجر والكلا. وقال ابو القاسم الصيمري: لا يملك الكلا لما روى ان ابيض بن حمال سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حمى الاراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسمل (لا حمى في الاراك) ولانه لو فرخ في الارض طائر لم يملك، فكذلك إذا نبت فيه الكلا، وقال أكثر أصحابنا: يملك لانه من نماء الملك فملكه بملكه كشعر الغنم. (فصل) ويملك بالاحياء ما يحتاج إليه من المرافق، كفناء الدار والطريق ومسيل الماء وحريم البئر، وهو بقدر ما يقف فيه المستقى إن كانت البئر للشرب وقدر ما يمر فيه الثور إن كانت للسقي، وحريم النهر وهو ملقى الطين وما يخرج منه من التقن، ويرجع في ذلك إلى أهل العرف في الموضع. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها عطن لماشيته. وروى ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: من السنة أن حريم القليب

العادية خمسون ذراعا، وحريم البدئ خمسة وعشرون ذراعا، وحريم بئر الزرع ثلثمائة ذراع، فان أحيا أرضا إلى جنب غيره فجعل أحدهما داره مدبغة أو مقصرة لم يكن للاخر منعه من ذلك، لانه تصرف مباح في ملكه فلم يمنع منه. وان الصق حائطه بحائطه منع من ذلك. وان طرح في أصل حائطه سرجينا منع منه لانه تصرف باشر ملك الغير بما يضر به فمنع منه، فان حفر حشا في أصل حائطه لم يمنع منه لانه تصرف في ملكه. ومن أصحابنا من قال: يمنع لانه يضر بالحاجز الذى بينهما في الارض. وان ملك بئرا بالاحياء فجاء رجل وتباعد عن حريمه وحفر بئرا فنقص ماء الاول لم يمنع منه لانه تصرف في موات لاحق لغيره فيه. (الشرح) حديث أبيض بن حمال رواه الترمذي وحسنه وابو داود بلفظ (أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم استقطعه الملح فقطع له، فلما ان ولى قال رجل: أتدرى ما أقطعت له؟ إنما أقطعته الماء العد. فقال انتزعه منه، قال: وسألته عما يحمى من الاراك فقال: ما لم تنله خفاف الابل) وأخرجه أيضا ابن ماجه والنسائي وصححه ابن حبان وضعفه ابن القطان ولم يذكر وجه تضعيفه ولعله بسبب السبئ المازنى الذى في الاسناد. وقال فيه ابن عدى: أحاديثه مظلمة منكرة. وفى رواية (ما لم تنله أخفاف الابل) قال محمد بن الحسن المخزومى: يعنى ان الابل تأكل منتهى رؤسها ويحمى ما فوق ذلك. ورواه سعيد بن منصور قال: حدثنى اسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربى عن أبيه عن أبيض بن حمال المأربى قال (استقطعت رسول الله صلى عليه وسلم معدن الملح بمأرب فاقطعنيه، فقيل يا رسول الله انه بمنزلة الماء العد، يعنى انه لا ينقطع، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلا إذن) . وأما حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقد رواه ابن ماجه باسناد ضعيف لان فيه اسماعيل بن سلم، وقد أخرجه الطبراني من حديث أشعث عن الحسن، واخرج حرب وعبد الله عن أحمد من حديث أبى هريرة بلفظ (من سبق

إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له، وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب) واختيار الخمسين هو مذهب أحمد وأصحابه، وأخرج ابن ماجه بلفظ (حريم البئر طول رشائها) أما اللغات في الفصل فالبلور كنتور وسنور وسبطر. وهو جوهر. وكذلك الفيروزج، والقار نوع من القطران، والعد بكسر العين، قال أبو عبيد: العد بلغة تميم الكثير، وبلغة بكر بن وائل هو القليل، والمراد هنا في الحديث الكثير الذى لا ينقطع. وأما كلمة التقن التى جرت هنا في كلام المصنف فهى من الكلمات التى كانت شائعة عند أهل بغداد، ويريدون بها سيف النهر وما اجمتع فيه من الطين وغيره. أما الاحكام فإن المعادن إما ظاهرة، وهى التى سنتكلم عليها في الفصل التالى أما المعادن الباطنة وهى التى لا يوصل إليها الا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج، فإذا كانت ظاهرة فلا تملك بالاحياء لما سيأتي، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان لم تملك بذلك في ظاهر مذهب أحمد والشافعي، وهو قول أبى اسحاق المروزى، ويحتمل أن يملكها بذاك، وهو قول للشافعي والمصنف والنووي في المنهاج. ومنع أبو القاسم الصيمري أن يملك الكلا، ولانه لو فرخ طائر في الارض لم يملك. وقول أكثر الاصحاب يملك لانه من نماء الارض كمن يملك غنما فانه يملك أصوافها وأشعارها لانه نماء في ملكه، ولانه إظهار تهيأ بالعمل والمؤنة فملك بالاحياء كالارض، ولانه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل، فاشبه إحاطة الارض أو إجراء الماء إليها. ووجه الاول أن الاحياء الذى يملك به هو العمارة التى تهيأ بهال المحمى للانتفاع من غير تكرار عمل. وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع، فإن قيل: فلو احتفر بئرا ملكها وملك حريمها، قلنا: البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة، وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا. أما إذا ملك الارض بالاحياء فظهر أن فيها معدنا من المعادن الجامدة ظاهرا

أو باطنا فقد ملكه لانه ملك الارض بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فانه مودع فيها وليس من أجزائها، ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها لانه قطع عن المسلمين نفعا كان واصلا إليهم، ومنعهم انتفاعا كان لهم. وههنا لم يقطع عنهم شيئا لانه انما ظهر بإظهاره له، ولو تحجر الارض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها لكان له احياؤها ويملكها بما فيها لانه صار أحق به بتحجره واقطاعه فلم يمنع من اتمام حقه. (فرع) يقال للبئر التى تحفر في الارض الموات: بئر عادية بتشديد الياء منسوبة إلى عاد، وليس المراد عادا بعينها، ولكن لما كانت عاد في الزمن الاول وكانت لها آثار في الارض نسب إليها كل قديم، فكل من حفر بئرا في موات للتمليك فله حريمها أربعون ذراعا حولها أو خمس وعشرون ذراعا من كل جانب أو خمسون ذراعا طول أبعد طرفي حريمها، ومن سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب) وقد فرق سعيد بن المسيب بين العادى منها والبدئ، فجعل الاولى حريمها خمسون ذراعا وجعل البدئية حريمها خمسة وعشرون ذراعا. وجعل حريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع وقال: هذا من السنة. وإذا قال تابعي كبير كابن المسيب (من السنة) وكذلك روى أبو عبيد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ (السنة في حريم القليب العادى خمسون ذراعا والبدئ خمس وعشرون ذراعا) فإنما يقول كل منهما - وهما تابعيان كبيران - ذلك لما صح عندهما من عمل الصحابة واتفاقهم عليه مما يجعل هذا القدر هو السنة لانه لا يخلو من هدى نبوى. وقال أصحاب أحمد منهم أبو الخطاب والقاضى: ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها، فإن كان بدولاب فقدر مد الثور أو غيره، وان كان بساقية فبقدر طول البئر، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حريم البئر مد رشائها) رواه ابن ماجه.

وذهب النووي إلى تحديد حريم البئر المحفورة في الموات بمقدار موقف النازح منها، قال الرملي: وهل يعتبر قدر النازح من سائر الجوانب أو من أحدها فقط الاقرب اعتبار العادة في مثل ذلك المحل اه. وعلى هذا يكون حريم البئر من جوانبه ما يحتاج إليه في مجال عمله، وينبغى أن يمتد حريمها إلى ما تقتضيه. وقال أبو حنيفة: حريم البئر أربعون ذراعا، وحريم العين خمسمائة ذراع، لان أبا هريرة رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال (حريم البئر أربعون ذراعا لاعطان الابل والغنم) . (قلت) حديث أبى هريرة رواه احمد (حريم البئر العادى خمسون ذراعا، وحريم البئر البدئ خمسة وعشرون ذراعا) وعن الشعبى مثله. وقد روى الدارقطني والخلال بإسنادهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: حريم البئر خمس وعشرون ذراعا، وحريم العادى خمسون ذراعا) وقد أعله الدارقطني بالارسال وقال: من أسنده فقد وهم، وفى سنده محمد بن يوسف المقرى شيخ شيخ الدارقطني وهو منهم بالوضع، ورواه البيهقى من طريق يونس عن الزهري عن المسيب مرسلا وزاد فيه (وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها) وأخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة موصولا ومرسلا والموصول فيه عمر بن قيس وهو ضعيف: والاحاديث في مجموعها تثبت أن للبئر حريما، والمراد بالحريم ما يمنع منه المحيى والمحتفر لاضراره. وفى النهاية: سمى بالحريم لانه يحرم منع صاحبه منه، ولانه يحرم على غيره التصرف فيه. وحديث عبد الله بن مغفل الذى ساقه المصنف يجعل العلة في ذلك هي ما يحتاج إليه صاحب البئر عند سقى إبله لاجتماعها على الماء. وحديث أبى هريرة دال على أن العلة هو ما يحتاج إليه البئر لئلا تحصل المضرة عليها باقتراب الاحياء منها، ولذا وقع الاختلاف بين حالى كل من البدئ والعادي، والجمع بين الحديثين يمكن أن ينظر فيهما من وجه الحاجة فإن كانت لاجل سقى الماشية فحديث الاربعين أو الخمس والعشرين، وإن كانت لاجل البئر فخمسين وقد ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن حريم البئر أربعون، وذهب أحمد إلى أن الحريم خمسة وعشرون.

(فرع) ومن كانت له بئر فيها ماء فجاء آخر فحفر قريبا منها بئرا فليس له منعه من ذلك، وإن نقص ماء البئر الاولى أو انسرب الماء إليها لانه تصرف مباح في ملكه، ويحتمل أن يمنع من ذلك من حفر بئرا في موات إلى جوار بئر مثلها وجعلها أعمق منها بحيث تجتذب ماء الاولى إليها، لانه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالملك قبله، وهو مذهب أحمد وقول للشافعي رضى الله عنهما، والقول الاظهر وهو المذهب: له ذلك لانه تصرف مباح في ملكه فجاز له كتعلية داره. وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره، مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره برائحته أو غيرها، أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحو ذلك مما يؤذى الجيران فمذهب أحمد: المنع من ذلك، ومذهب الشافعي: له ذلك كله، لانه تصرف مباح في ملكه أشبه ببناء ونقضه. وأما إذا ألصق الحائط بالحائط بغير مسافة ولو يسيرة منع من ذلك. أما إذا طرح في أصل حائطه فضلات عفنة تسرى في مسام الارض فتحدث في البناء العطب والتلف منع من ذلك قولا واحدا، لانه تصرف باشر ملك غيره بما يضره. أما إذا حفر في أصل حائطه حشا فقولان. أحدهما: لم يمنع من ذلك والثانى: يمنع لانه يضر بالحاجز الذى بينهما وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان تحجر رجل مواتا وهو أن يشرع في إحيائه ولم يتمم صار أحق به من غيره لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به، وان نقله إلى غيره صار الثاني أحق به، لانه آثره صاحب الحق به، وان مات انتقل ذلك إلى وارثه، لانه حق تملك ثبت له فانتقل إلى وارثه كالشفعة، وان باعه فَفِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه يصح لانه صار أحق به فملك بيعه. (والثانى) أنه لا يصح، وهو المذهب، لانه لم يملكه بعد فلم يملك بيعه كالشفيع قبل الاخذ، وان بادر غيره إلى إحيائه نظرت، فان كان ذلك قبل أن تطول المدة ففيه وجهان.

أحدهما: لا يملك لان يد المتحجر أسبق. والثانى: يملك لان الاحياء يملك به والتحجر لا يملك به، فقدم ما يملك به على ما لا يلملك به، وإن طالت المدة ولم يتمم قال له السلطان: إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك، لانه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن منه كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء ومنع غيره منها، وإن سأل أن يمهل أمهل مدة قريبة، فان انقضت المدة ولم يحيى فبادر غيره فأحيا ملك، لانه لا حق له بعد انقضاء المدة. (فصل) ومن سبق في الموات إلى معدن ظاهر وهو الذى يوصل إلى ما فيه من غير مؤنة كالماء والنفط والمومياء والياقوت والبرام والملح والكحل كان أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم: من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به، فإن أطال المقام فيه ففيه وجهان. (أحدهما) لا يمنع لانه سبق إليه (والثانى) يمنع لانه يصير كالمتحجر، فان سبق اثنان وضاق المكان وتشاحا، فان كانا يأخذان للتجارة، هايأ الامام بينهما فان تشاحا في السبق أقرع بينهما، لانه لا مزية لاحدهما على الاخر فقدم بالقرعة وإن كانا يأخذان للحاجة ففيه ثلاثة أوجه. أحدهما: يقرع بينهما لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ. وَالثَّانِي: يقسم بينهما لانه يمكن لهما القسمة فلا يؤخر حقه. والثالث: يقدم الامام أحدهما لان للامام نظرا في ذلك فقدم من رأى تقديمه، وان كان من ذلك ما يلزم عليه مؤنة بأن يكون بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء حصل فيه ملح جاز أن يملك بالاحياء لانه يوصل إليه بالعمل والمؤنة فملك بالاحياء كالموات. (الشرح) حديث (من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به) هذا الحديث هو الذى سبق تخريجه فقد رواه أبى داود وصححه الضياء المقدسي عن أسمر بن مضرس. وقال البغوي: لا أعلم بهذا الاسناد غير هذا الحديث، التحجر أحاطة الارض بالحجارة، أو بحائط صغير، وهو شروع في احياء الموات وليس احياء تاما، ولذلك فانه لا يملكها بذلك لان الملك لا يكون الا بالاحياء، وليس هذا

إحياء ولكن يصير أحق الناس بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) فإن نقله إلى غيره صار الثاني بمنزلته لان صاحبه أقامه مقامه، وإن مات فوارثه أحق به لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَرَكَ حقا أو مالا فهو لورثته من بعده) وهذا هو المذهب ومذهب أحمد رضى الله عنه وقال أبو إسحاق المروزى: إن حق التملك قد ثبت له فيصح له بيعه وقبض ثمنه، والمذهب أنه لا يصح له بيعه كالشفيع لا يصح له أن يبيع قبل أن يأخذ. وإن ثبت له الاختصاص وفرق بين الاختصاص والملك. والاختصاص لا يستلزم صحة البيع أو الهبة. فإن سبق غيره فأحياه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يملكه لان الاحياء يملك به والحجر لا يملك به فثبت الملك بما لم يملك به دون ما لم يملك به كمن سبق إلى معدن أو مشرعة ماء فجاء غيره فأزاله وأخذه (والثانى) لا يملكه، لانه مفهوم قوله عليه السلام (من أحيا أرضا ميتة ليست لاحد) وقوله (في حق غير مسلم فهى له) أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فهو أحق، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وروى سعيد بن منصور في سننه أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَنْ كانت له أرض يعنى من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها) . هذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها، وهو مذهب أحمد رضى الله عنه، ومذهب الشافعي رضى الله عنه أن المدة في التحجر إذا طالت عرفا بلا عذر، فإن السلطان يقول للمتحجر: إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك، لانه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم فلم يمكن من ذلك كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينفع ولا يدع غيره ينتفع. فإن سأل الامهال لعذر له أمهل الشهر والشهرين ونحو ذلك، فان أحياه غيره في مدة المهلة ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما، وان انقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه، لان المدة قد ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له

السلطان في عمارتها أو لم يأذن له، وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة قيل له أما أن تعمر واما أن ترفع يدك، فان لم يعمرها كان لغيره عمارتها. ومذهب أحمد في هذا كله نحو مذهبنا إلا في التوقيت بثلاث سنين لقول عمر رضى الله عنه لان عمر رضى الله عنه أخذ بالعرف في زمنه، وقد تكون السنين الثلاث معطلة لنفع يعود على المسلمين من إحياء الموات ونشر العمران مما يحقق مقاصد الاسلام، ويدفع المسلمين إلى التسابق في استخراج خيرات الارض واستنباط معادنها وإصلاح تربتها وتأهيل مهجورها وتعمير خرابها، وذلك صلاح للمسلمين وقوة لهم وعدة على أعدائهم ومصادر أعمال لعاطليهم وتوسيع لرقعة مساكنهم، وما نشطت شركات الكفار وتسابقت تستعمر بلاد المسلمين إلا لتعطيلهم هذه الاحكام الشريفه، وتخلفوا عن غيرهم في مجالات التعمير والبناء وهجرهم لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال: رب لم حشرتني أعمى، وقد كنت بصيرا؟ قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) . (فرع) حكم المعادن الظاهرة، قال الشافعي رضى الله عنه: ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط أو كبريت أو موميا (1) أو حجارة ظاهرة كموميا في غير ملك لاحد، فليس لاحد أن يتحجرها دون غيره، ولا لسلطان أن يمنعها لنفسه ولا لخاص من الناس، لان هذا كله ظاهر كالماء والكلا اه. وهى التى يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والنفط وأحجار التلك الذى يتخذ مسحوقه لتبريد الجلد وإشباه ذاك لا تملك بالاحياء،

_ (1) الموميا لفظة يونانية الاصل وأصلها مومياى فخذفت الياء اختصارا وبقيت الالف مقصورة، وهو معدن يؤخذ منه دواء للعلاج كالتوتيا وكالجنزار من سلفات النحاس. وقال الرملي: الموميا شئ يلقيه البحر في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار وقيل حجارة سود في اليمن، والبرام حجر يعمل منه قدور الطبخ.

ولا يجوز إقطاعها لاحد من الناس، ولا احتجازها دون المسلمين لما في ذلك من التضييق عليهم وحرمانهم خيرات ظاهرة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أقطع أبيض بن حمال معدن الملح في مأرب باليمن، فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العد. أمر برده، فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الكثير منزلة مشارع الماء وطرقات المسلمين. قال ابن عقيل من الحنابلة: هذا من مواد الله وفيض جوده الذى لا غناء عنه فلو ملكه أحد بالاحتجاز ملك منعه فضاق على الناس، فان أخذ عنه الثمن أغلاه فخرج عن الموضع الذى وضعه الله من تعميم ذوى الحوائج من غير كلفة. وهذا مذهب الشافعي وأحمد ولا نعلم لهما مخالفا من الائمة. قال الرملي: وللاجماع على منع إقطاع مشارع الماء وهذا مثلها بجامع الحاجة العامة وأخذها بغير عمل، ويمتنع أيضا إقطاع وتحجر أرض لاخذ نحو حطبها وصيدها وبركة لاخذ سمكها، وظاهر كلام الاصحاب المنع من التملك والارتفاق ولكن الزركشي قيد المنع بالتملك. ويأتى بعد هذا إذا اطال من سبق إليه المقام فيه ففيه وجهان. أحدهما: لا يمنع لانه سبق إليه فهو أحق به، بشرط أن لا يمنع غيره ويأخذ قدر حاجته والثانى: يمنع لانه أطال المقام والاخذ، واحتمل أن يمنع غيره لانه يصير كالمتملك له أو المتحجر. وإن استبق إليه اثنان وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على صاحبه وهذا إذا كانا يأخذانه للتجارة، فإن كانا يأخذانه للحاجة ففيه ثلاثة أوجه، اما أن يقرع بينهما كالمتجرين، واما أن يقسم بينهما لامكان هذه القسمة وقد تساويا فيه كما لو تداعيا في أيديهما ولا بينة لاحدهما بها، واما أن يقدم الامام من يرى منهما لان له نظرا في ذلك، وهذه الاوجه كلها عند أحمد وأصحابه وأضاف القاضى وجها رابعا وهو أن الامام ينصب من يأخذ لهما ويقسم بينهما.

ولو كان في الموات موضع يمكن أن يحدث فيه معدن ظاهر كموضع على شاطئ البحر إذا صار فيه ماء البحر وتبخر صار ملحا ملك بالاحياء وجاز للامام اقطاعه لشركات أو أفراد، لانه لا يضيق على المسلمين باحداثه، بل يحدث نفعه بفعله، فلم يمنع منه كبقية الموات، واحياء هذا يتم بتهيئته لما يصلح من حفر ترابه وتمهيده وفتح القنوات إليه تصب الماء فيه، لانه يتهيأ بهذا الانتفاع به، قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان سبق إلى معدن باطن وهو الذى لا يوصل إليه الا بالعمل والمؤنة كمعدن الذهب والفضة والحديد والرصاص والياقوت والفيروزج فوصل إلى نيله ملك ما أخذه لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وهل يملك المعدن، فيه قولان (أحدهما) يملكه لانه موات لا يوصل إلى ما فيه الا بالعمل والانفاق، فملكه بالاحياء كموات الارض (والثانى) لا يملك وهو الصحيح، لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الملك في الموات على الاحياء وهو العمارة، والعمل في المعدن حفر وتخريب فلا يملك به، ولانه يحتاج في كل جزء يأخذه إلى عمل فلا يملك منه الا ما أخذ، ويخالف موات الارض لانه إذا عمر انتفع به على الدوام من غير عمل مستأنف فملك به، فان قلنا انه يملك بالاحياء ملكه إلى القرار وملك مرافقه، فان تباعد انسان عن حريمه وحفر معدنا فوصل إلى العرق لم يمنع من أخذ ما فيه، لانه احياء في موات لا حق فيه لغيره، فان حفر ولم يصل إلى النيل صار أحق به كما قلنا فيمن تحجر في موات الارض. فان قلنا: لا يملك كان كالمعدن الظاهر في ازالة يده إذا قال مقامه، وفى القسمة والتقديم بالقرعة وتقديم من يرى الامام تقديمه. (فصل) ويجوز الارتفاق بما بين العامر من الشوارع والرحاب والواسعة بالقعود للبيع والشراء، لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى اقرار الناس على ذلك من غير انكار، ولانه ارتفاق بمباح من غير اضرار فلم يمنع منه كالاجتياز، فان سبق إليه كان أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل بما لا ضرر به على المارة من بارية وثوب، لان الحاجة تدعو

إلى ذلك، وان أراد أن يبنى دكة منع، لانه يضيق به الطريق، ويعثر به الضرير وبالليل البصير فلم يجز، وان قام وترك المناع لم يجز لغيره أن يقعد فيه، لان يد الاول لم تزل، وان نقل متاعه كان لغيره ان يقعد فيه لانه زالت يده، وان قعد وأطال ففيه وجهان: (أحدهما) يمنع لانه يصير كالمتملك، وتملكه لا يجوز (والثانى) يجوز لانه قد ثبت له اليد بالسبق إليه، وان سبق إليه اثنان ففيه وجهان (أحدهما) يقرع بينهما لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ (وَالثَّانِي) يقدم الامام أحدهما، لان للامام النظر والاجتهاد، ولا تجئ القسمة لانها لا تملك فلم تقسم. (الشرح) حديث من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق، سبق لنا تخريجه أما الاحكام فقد مضى أكثر مسائل هذين الفصلين، أما ما كان من الشوارع والطرقات والرحاب (الميادين) بين العمران فليس لطحد احياؤه، سواء كان واسعا أو ضيقا، وسوء ضيق على الناس أو لم يضيق، لان ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فاشبه مساجدهم، ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى اقرار الناس على ذلك من غير انكار، ولانه ارتفاق مباح من غير اضرار فلم يمنع منه كالاجتياز والعبور. وقال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غدوة فهو له إلى الليل، وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية ومظلة وكساء ونحوه لان الحاجة تدعو إليه، فإذا جرى العرف بمنعه الا بإذن السلطان لتنظيم صفوفهم وحصرهم فيما لا يخل بحرمة الطريق ومخاطر الآلات المستحدثه للركوب كالمترو والتروللى والترام والباس، والسيارات العام منها والخاص، وللسلطان أن يقيد المطلق أحيانا إذا اقتضت ذلك مصلحة أرجح من الاطلاق وجميع المدن المتحضرة في العالم اليوم لا تسمح بإشغال الطريق الا في حدود المترو ونحوه، وبترخيص يصدر

من وزارة الاسكان والمرافق. ولو تركت الطرقات هكذا لكل من يريد أن ينصب فيها تابوتا لبضاعته في عرض الطريق لضاقت الطرقات والشوارع على المارة والمجتازين، وربما ادعى أحدهم ملكية المكان الذى يشغله على أن الفقهاء لم يرتبوا حقا للتملك لمن يجلس في الطرقات للبيع والشراء فقالوا: والسابق أحق به ما دام فيه، فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته لان يد الاول عليه، وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه، لان يده قد زالت وإن قعد وأطال منع من ذلك لانه يصير كالمتملك، ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه، ويحتمل أن لا يزال. وهذا وجه آخر لانه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم. وان استبق إثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما، واحتمل أن يقدم الامام من يرى منهما. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما كان ينبغى لنا أن نشترى من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق. قلت: إن الامام أحمد رضى الله عنه يرى في وقوف مثله على قارعة الطريق للشراء ضربا من التبذل المخل بأهل الوقار والنصون: لان هؤلاء قلما يراعون حقوق الطريق، فقد روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: إذا أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الاذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهى عن المنكر) هذا والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.

باب الإقطاع والحمى

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الإقطاع والحمى يجوز للامام أن يقطع موات الارض لمن يملكه بالاحياء لما روى علقمة بن وائل عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطعه أرضا فارسل معه معاوية أن أعطه إياها، أو قال أعطاها إياه. وروى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه، فقال أعطوه من حيث وقع السوط. وروى أن أبا بكر أقطع الزبير وأقطع عمر عليا وأقطع عثمان رضى الله عنهم خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: الزبير وسعدا وابن مسعود وخبابا وأسامة بن زيد رضى الله عنهم. ومن أقطعه الامام شيئا من ذلك صار أحق به. ويصير كالمتحجر في جميع ما ذكرناه، لان بإقطاع الامام صار أحق به كالمتحجر، فكان حكمه حكم المتحجر، ولا يقطع من ذلك إلا ما يقدر على إحيائه لانه إذا أعطاه أكثر من ذلك دخل الضرر على المسلمين من غير فائدة. (فصل) وأما المعادن فانها إن كانت من المعادن الظاهرة لم يجز اقطاعها لما روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده أبيض بن حمال أنه استقطع النبي صلى الله عليه وسلم ملح المأرب فأقطعه إياه، ثم ان الاقرع بن حابس قال: يا رسول الله انى قد وردت الملح في الجاهلية، وهو بأرض ليس بها ملح، ومن ورده أخذه، وهو مثل الماء العد بأرض، فاستقال أبيض بن حمال فقال أبيض قد أقلتك فيه على أن تجعله منى صدقة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو منك صدقة وهو مثل الماء العدو من ورده أخذه. وان كانت من المعادن الباطنة فإن قلنا انها تملك بالاحياء جاز إقطاعه لانه موات يجوز أن يملك بالاحياء فجاز اقطاعه كموات الارض، وان قلنا لا تملك بالاحياء فهل يجوز اقطاعه، فيه قولان. (أحدهما) يجوز إقطاعه لانه يفتقر الانتفاع به إلى المؤن فجاز اقطاعه

كموت الارض. والثانى لا يجوز لانه معدن لا يملك بالاحياء فلم يجز إقطاعه كالمعادن الظاهرة، فإذا قلنا يجوز إقطاعه لم يجز إلا ما يقوم به لما ذكرناه في إقطاع الموات. (فصل) ويجوز إقطاع ما بين العامر من الرحاب ومقاعد الاسواق للارتفاق، فمن أقطع شيئا من ذلك صار أحق بالموضع نقل متاعه أو لم ينقل، لان للامام النظر والاجتهاد، فإذا أقطعه ثبتت يده عليه بالاقطاع فلم يكن لغيره أن يقعد فيه. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وفيه ضعف لان في إسناده عبد الله ابن عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بن الخطاب الملقب بالعمرى المكبر. قال ابن حجر في التقريب: ضعيف عابد. وقال الصنعانى: فيه مقال. وقال الذهبي: صدوق في حفظه شئ. وروى عن ابن معين أنه قال: ليس به بأس، يكتب حديثه، وقال الدارمي قلت لابن معين: كيف حاله في نافع؟ قال: صالح ثقة. وقال الفلاس: كان يحيى القطان لا يحدث عنه. وقال أحمد بن حنبل: صالح لا بأس به، وقال النسائي وغيره ليس بالقوى، وقال ابن عدى هو في نفسه صدوق. وقال أحمد: كان عبد الله رجلا صالحا، كان يسأل عن الحديث في حياة أخيه عبيد الله فيقول: أما وأبو عثمان حى فلا. وقال ابن المدينى: عبد الله ضعيف. وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الاخبار وجودة الحفظ للآثار، فلما فحش خطؤه استحق الترك وقد أخرج الشيخان عن أسماء بنت أبى بكر في حديث ذكرته قالت (كنت أنقل النوى من أرض الزبير التى أقطعه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رأسي وهو منى على ثلثى فرسخ) وقوله: حضر فرسه، أي قدر ارتفاع الفرس في عدوه، وفى قولها (من أرض الزبير) يحتمل أن تكون هذه الارض هي التى وردت في حديث ابن عمر وفى البخاري في آخر كتاب الخمس من حديث أسماء أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أقطع الزبير أرضا من أموال بنى النضير. وفى سنن أبى داود عن أسماء (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع الزبير نخلا) والاحاديث تدل على أنه يجوز للنبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الائمة إقطاع الاراضي وتخصيص بعض دون بعض لمن يأنس فيهم القدرة على القيام عليها وإحيائها واستنباط منافعها. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع صخر بن أبى العيلة البجلى الاحمسي ماء لبنى سليم لما هربوا عن الاسلام وتركوا ذلك، ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبى داود. ومنها ما أخرجه أبو داود عن سبرة بن معبد الجهنى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى تبوك وإن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم: من أهل ذى المروة؟ فقالوا: بنو رفاعة من جهينة، فقال قد أقطعتها لبنى رفاعة فاقتسموها، فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل ومنها عند أبى داود عن قيلة بنت مخرمة قالت: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقدم صاحبي يعنى حريت بن حسان وافد بكر بن وائل، فبايعه على الاسلام عليه وعلى قومه، ثم قال يا رسول الله: اكتب بيننا وبين بنى تميم بالدهناء أن لا يجاوزها الينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور، فقال اكتب له يا غلام بالدهناء فلما رأيته قد أمر له بها شخص بى وهى وطنى ودارى، فقلت: يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الارض إذ سألك، انما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الابل، ونساء بنى تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان) يعنى الشيطان، وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا وقال الشافعي رضى الله عنه: والموات الذى للسلطان أن يقطعه من يعمره خاصة وأن يحمى منه ما رأى أن يحميه عاما لمنافع المسلمين، والذى عرفنا نصا ودلالة فيما حمى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حمى البقيع، وهو بلد ليس بالواسع الرى إذا حمى ضاقت البلاد على أهل المواشى وأضربهم

ويشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام تختص بالموات وهى الاحياء والاقطاع والحمى. فأما الاحياء فقد ذكرنا جوازه ومن يجوز له. وأما الاقطاع وهو موضوع الفصل، فإنه لا يصح الا في موات لم يستقر عليه ملك وعلى هذا كان قطائع النبي صلى الله عليه وسلم حين أقطع الزبير ركض فرسه من موات البقيع فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فقال: اعطوه منتهى سوطه، وأما ورود بعض الاخبار فيما أعطاه للزبير من أرض بنى النضير أو من نخل المدينة فقد أوردها البخاري في آخر كتاب الخمس ومعى هذا أنها عنائم زالت عنها يد الكفار وهذه قضية أخرى غير ما أقطعه من أرض البقيع مواتا لاحيائه، وهكذا كانت قطائع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا ما كان من شأن تميم الدارى وأبى ثعلبة الخشنى، فإن تميما سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يقطعه عبون البلد الذى كان منه بالشام قبل فتحه، وأبو ثعلبة سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه الذى قال: ألا تسمعون ما يقول؟ فقال والذى بعثك بالحق لتفتحن عليك، فكتب له كتابا. فاحتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك اقطاع تقليد لا اقطاع تمليك، أو يجوز أن يكونا مخصوصين بذلك لتعلقه بتصديق أخبار وتحقيق احجاز، وأما الائمة بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فان أبا بكر وعمر رضى الله عنهما لم يقطعا الا مواتا لم يجر عليه ملك، واصطفى عمر رضى الله عنه من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان يبلغ تسعة آلاف ألف فكان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئا، ثم ان عثمان رضى الله عنه أقطعها لانه رأى اقطاعها أوفى لغلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه الغنى، فكان ذلك منه اقطاع اجازة لا اقطاع تمليلك، وقد توفرت عليه حتى بلغت خمسين ألف ألف، ثم تناقلها الخلفاء بعده فلما كان عام الجماجم سنة اثنين وثمانين وفتنة ابن الاشعث أحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم. فإذا كان اقطاع الامام إبما يختص بالموات دون العامر فالذي يؤثره اقطاع

الاما إنما يختص بالموات دون العامر، فالذي يؤثره إقطاع الامام أن يكون المقطع أولى الناس بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه لمكان اذنه وفصل اجتهاده، فلو بادر فأحياها غير المقطع فهى ملك للمحيى دون المقطع. وقال أبو حنيفة: ان أحياها قبل مضى ثلاث سنوات من وقت الاقطاع فهى للمقطع، وان أحياها بعد ثلاث سنين فهى للمحيى. وقال مالك بن أنس: ان أحياها عالما بالاقطاع فهى للمقطع، وان أحياها غير عالم بالاقطاع خير المقطع بين أن يعطى المحيى نفقة عمارته وتكون الارض له، وبين أن يترك عليه الارض ويأخذ قيمتها قبل العمارة استدلالا برواية معمر عن أبى نجيح عن عمرو بن سعيب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقطع أقواما فجاء آخرون في عهد عمر فأحيوها فقال لهم عمر رضى الله عنه حين فزعوا إليه: تركتموهم يعملون ويأكلون ثم جئتم تغيرون عليهم لولا أنها قطيعة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أعطيتكم شيئا، ثم قومها عامرة وقومها غير عامرة، ثم قال لاهل الاصل: ان شئتم فردوا عليهم ما بين ذلك وخذوا أرضكم، وان شئتم ردوا عليكم ثمن أرضكم ثم هي لهم. ودليلنا على أنها ملك المحيى بكل حال دون المقطع، قوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهى له) ولان الاقطاع لا يوجب التمليك، والاحياء يوجب التمليك، فإذا اجتمعا كان ما أو وجب التمليك أقوى حكما مما لم يوجبه. فأما حديث عمر رضى الله عنه فقد قال في قضيته: لولا أنها قطيعة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أعطيتكم شيئا، فدل على أن من رأيه أنها للمحيى، وانما عدل عن هذا الرأى لما توجه إليها من اقطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره أن يبطله، فاستنزل الخصمين إلى ما قضى به مراضاة لا جبرا. فان كان المقطع قد حجرها وجمع ترابها حتى تميزت عن غيرها فجاء غيره فعمرها وحرثها نظر، فان كان المقطع مقيما على عمارتها حتى تغلب عليها الثاني فعمرها فهى للاول ويكون الثاني متطوعا بعمارته، وان كان المقطع قد ترك عمارتها فعمرها الثاني فهى للثاني دون الاول، وهكذا لو كان الاول قد بدأ بالعمل من غير اقطاع فهذا حكم الاقطاع.

(فرع) مضى ما سقناه من حديث أبيض بن حمال الذى وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم استقطعه الملح ثم انتزعه منه لما علم أنه كالماء العد، وفى إقطاع المعادن روى أحمد وأبو داود عن أبن عباس قال (أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحرث المزني معادن القبيلة جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم) وفى إسناده أبى أويس عبد الله بن عبد الله أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد. قال أبو عمر بن عبد البر: هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبى أويس غير ثور. وحديث عمرو بن عوف رواه أحمد وأبو داود أيضا بمعنى حديث ابن عباس، وفى إسناده ابن ابنه كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف عن أبيه عن جده. والاحاديث واردة في جواز أن يقطع الامام من يأنس منه صلاحا مكانا فيه معادن غير ظاهرة حتى يعالج أمرها بالعمل والتنقيب والبحث. ومن ثم فقد انتزع ما أقطعه من أرض مأرب للابيض بن حمال عندما علم أن الملح فيها كالماء الجارى ويشترط في إقطاع المعادن أن يكون في موات لا يختص به أحد. وهذا أمر متفق عليه. وقال في فتح الباري: حكى عياض أن الاقطاع تسويع الامام من مال الله شيئا لمن أهلا لذلك، وأكثر ما يستعمل في الارض وهو أن يخرج منها لمن يراه يحوزه، إما بأن يملكه إياه فيعمره، وإما بأن يجعل له غلته مدة. قال السبكى: والثانى هو الذى يسمى في زماننا هذا إقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره. وتخريجه على طريق فقهى مشكل. قال والذى يظهر أنه يحصل للمقطع اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة، وبهذا جزم الطبري، وادعى الاذرعى نفى الخلاف في جواز تخصيص الامام بعض الجند بغلة أرضه إذا كان مستحقا لذلك. هكذا في الفتح وحكى صاحب الفتح أيضا عن ابن التين أنه إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار، وانما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد،

قال: وقد يكون الاقطاع تمليكا وغير تمليك، وعلى الثاني يحمل إقطاعه صلى الله عليه وسلم. وذكر الخطابى وجها آخر فقال: إنما يحمى من الاراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الابل الرائحة إذا أرسلت في الرعى اه إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز للامام أن يقطع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة لان النبي صلى الله عليه وسلم استعاد من أبيض بن حمال ما أقطعه، لانه وإن كان فيه توسعة على المقطع له إلا أن فيه تضييقا على المسلمين فإذا رأى الامام أن مكانا نائيا عن العمران فيه من المعادن والمواد الاولية ما يدخل في منافع الناس، وهو من المعادن الظاهرة، إلا أن بعد مكانها عن العمران يجعلها في حكم المعادن الباطنة، لان حملها إلى حيث المنتفعون بها عمل يفوق أحيانا مؤنة التنقيب والحفر. وقد تكون المعادن الظاهرة هي في حقيقتها مركبة من مواد مختلفة يحتاج فصلها بعضها عن بعض إلى مصانع ومعامل كالفوسفات والمنجنيز، وثاني أكسيد الكالسيوم الذى يستخرج من الجير وهو يمثل نسبة عالية في الجير تبلغ النصف منه قدرا ووزنا، ومع ذلك فإن الجير مع احتوائه على ثانى أكسيد الكالسيوم يباع الطن منه بقروش معدودة في حين ان ثانى أكسيد الكالسيوم يباع بالجرام والسببت في ذلك هو نفقات استخلاصه ومؤنة تميزه ومن ثم يجوز للامام أن يقطع المناجم والمحاجر المحتوية على الخامات الظاهرة إذا قصد تصنيعها واستخلاص المواد النافعة الثمينة منها، وذلك يساوى التنقيب عن المعادن الباطنة. (فرع) مضى كلامنا في أمر كان يده الفقهاء من الاقطاع ويعده المختصون في زاماننا هذا باسم الترخيص، وهو إذن السلطان، فإذا إراد أحد التجار أن يشغل الطريق أمامه استأذن الحاكم فمنحه رخصة يتحدد فيها المساحة المأذون في شغلها نظير مكوس يؤديها توقف على تعبيد الطريق وتنظيفها وإنارة الشوارع وصيانتها من الروائح الكريهة والمزابل المؤذية وهى من الامور التى تناط باجتهاد السلطان وبصره بالامور ونظره في صلاح رعيته، والله اعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز لاحد أن يحمى مواتا ليمنع الاحياء ورعى ما فيه من الكلا. لما روى الصعب بن جثامة قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (لا حمى إلا لله ولرسوله) فأما الرسول عليه السلام فإنه كان يجوز له أن يحمى لنفسه وللمسلمين، فأما لنفسه فإنه ما حمى ولكنه حمى للمسلمين. والدليل عليه ما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين) وأما غيره من الائمة فلا يجوز أن يحمى لنفسه للخبر. وهل يجوز أن حمى لخيل المجاهدين، ونعم الجزية، وإبل الصدقة وماشية من يضعف عن الابعاد في طلب النجعة؟ فيه قولان: أحدهما لا يجوز للخبر. والثانى يجوز لما روى عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى أعرابي من أهل نجد عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الاسلام، فعلام تحميها؟ فأطرق عمر رضى الله عنه وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كره أمرا فتل شاربه ونفخ فلما رأى الاعرابي ما به جعل يردد ذلك: فقال عمر: المال مال الله. والعباد عباد الله، فلولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الارض شبرا في شبر) قال مالك: نبئت أنه كان يحمل في كل عام أربعين ألفا من الظهر، وقال مرة من الخيل. وروى زيد بن أسلم عن أبيه (أن عمر رضى الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى وقال له، ياهنى اضمم جناحل عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فان دعوة المظلوم مجابة. وأدخل رب الصريمة والغنيمة. واياك ونعم ابن عوف. وإياك ونعم ابن عفان، فإنهما ان تهلك ما شيتهما يرجعا إلى نخل وزرع وان رب الصريمة ورب الغنيمة ان تهلك ماشيتهما فيأتياني فيقولا: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك، ان الماء والكلا أيسر عندي من الذهب والورق، والذى نفسي بيده لولا المال الذى أحمل عليه في سبيل الله

ما حميت عليهم من بلادهم شبرا، فإن حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا لحاجة والحاجة باقية لم يجز إحياؤها. وإن زالت الحاجة ففيه وجهان: (أحدهما) يجوز لانه زال السبب. (والثانى) لا يجوز لان ما حكم بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص، فلا يجوز نقضه بالاجتهاد، وإن حماه إمام غيره وقلناه: إنه يصح حماه فأحياه رجل. ففيه قولان (أحدهما) لا يملكه كما لا يملك ما حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالثَّانِي) يملك لان حمى الامام اجتهاد، وملك الارض بالاحياء نص، والنص لا ينقض بالاجتهاد (الشرح) حديث الصعب بن جثامة رواه أحمد وأبو داود والبخاري والنسائي ولفظ النسائي هو الذى ساقه المصنف، والفظ أحمد وأبى دَاوُد (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع وقال (لا حمى إلا لله ولرسوله) وتتمة رواية البخاري هكذا: وقال (بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة) وأخرج الحديث أيضا الحاكم وقال البيهقى: ان قوله (حمى النقيع) من قول الزهري. وقد روى الحديث النسائي فذكر الموصول فقط وهو قوله (لا حمى إلا لله ورسوله) ويؤيد ما قاله البيهقى أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره وقال في آخره قال ابن شهاب: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع. قال بعض المحدثين: وقد وهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا لله متفق عليه. وهو من أفراد البخاري، وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيرى في الالمام وابن الرفعة في المطلب. والصعب بن جثامة بتشديد المثلثة مع فتح الجيم اللبثى، صحابي مات في خلافة أبى بكر على ما قيل، والاصح أنه عاش إلى خلافة عثمان رضى الله عنه. وحديث ابن عمر رواه أحمد وابن حبان. والنقيع بالنون مكان معروف. وحكى الخطابى أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة، وهو على قدر عشرين فرسخا من المدينة ومساحته ميل في ثمانية أميال، أفاده ابن وهب في موطئه، وأهل

النقيع كل موضع فيه الماء، وهذا النقيع المذكور غير نقيع الخضمات الذى جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة على المشهور. وقال ابن الجوزى: إن بعضهم قال: إنهما واحد والاول أصح وأثر عمر سقناه في الفصل قبله في الرد على مالك، وأما خبر تولية هنئ مولى عمر فقد رواه البخاري عن أسلم مولى عمر وأخرجه عن الدراوردى عن زيد بن أسلم عن أبيه بلفظ المصنف. وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا أما الاحكام فإن الحمى هو المنع من إحياء الموات ليتوفر فيه الكلا فترعاه المواشى، لان الحمى في كلامهم هو المنع، والحمى على ثلاثة أنواع: حمى حَمَاهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ روى أنه وقف على جبل يعمل فصلى عليه ثم قال: هذا حماى وأشار إلى النقيع وهو قدر ميل في ثمانية. وقال الماوردى ستة أميال فحماه لخيل المسلمين. ولان اجتهاد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أمته أمضى، وقضاؤه فيهم أنفذ، وكان ما حماه لمصالحهم أولى أن يكون مقرا من إحيائهم وعمارتهم. فأما حمى الامام بعده فإن أراد أن يحمى لنفسه أو لاهله أو للاغنياء خصوصا لم يجز، وكان ما حماه مباحا لمن أحياه. وان أراد أن يحمى لخيل المجاهدين ونعم الجزية والصدقة ومواشي الفقراء نظر، فإن كان الحمى يضر بكافة المسلمين فقرائهم وأغنيائهم لضيق الكلا عليهم فحمى أكثر مواتهم لم يجز. وان كان لا يضر بهم لانه قليل من كثير يكتفى المسلمون بما بقى من مواتهم ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز أن يحمى لرواية مجاهد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: المسلمون شركاء في ثلاثة. الماء والغار والكلا وثمنه حرام، وسيأتى تخريجه في باب حكم المياه، وحديث الصعب بن جثامة الذى سبق.

(والقول الثاني) يجوز له أن يحيى لما فيه من صلاح المسلمين، ولما روى أن أبا بكر رضى عنه حميى الربذة لابل الصدقة واستعمل عليها مولاه أبا أسامة وتولى عليه قطبة بن مالك الثعلبي رضى الله عنه وحمى عمر رضى الله عنه الشرف فحمى منه نحو ما حمى أبو بكر بالربذة، وولى عليه مولى له يقال له: هنئ وقال: يا هنى اضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوه المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة وهى بالتصغير القطعة من الابل نحو الثلاثين أو ما بين العشرة إلى الاربعين ورب الغنيمة ما بين الاربعين إلى المائة من الشاء والغنم وتفرد به راع واحد وإياى ونعم ابن عوف يعنى عبد الرحمن ونعم ابن عفان يعنى عثمان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، ورب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه يقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك، فالماء والكلا أيسر من الذهب والورق وعمر بهذا يلزم نفسه ويلزم أمراء المسلمين بعده بأن عليهم عوض ما هلك من أموال الرعية بسبب تقصيرهم في حفظ أموالهم وعنده أن توفير المرعى والكلا أيسر من توفير الذهب والفضة يبذلهما في تعويض ما تلف على رب الصريمة والغنيمة ثم يقول: وايم الله إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام. وهكذا يعطى تقويما صحيحا وتقديرا سليما لمقومات الوطنية عند الشعب وهم الرعية ومقومات الديموقراطية والعدل عند الحاكم حين يسمح لرعيته أن يتهموه بالظلم إذا قصرت الدولة في بذل الخدمات وتأمين سلامة الرعية وهو حمى من أرضهم جزءا للمرعى فيجب ألا يسمح للاغنياء والقادرين أن يزاحموهم في مراعيهم لان لهم من بساتينهم ومزارعهم غنية عن مزاحمة الفقراء. والحمى فيه نفع للفقراء والاغنياء، أما الفقراء فلانه مرعى صدقاتهم، وأما الاغنياء فلخيل المجاهدين عنهم، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا حمى إلا الله) فمعناه لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فيسلم فيما للفقراء المسلمين ومصالحهم فخالف فيه فعل الجاهلية فإن الذى في الجاهلية كان إذا استولى على بلد أوتى بكلب فجعله على جبل أو على نشز من الارض واستعداه فحيث انتهى عواؤه حماه لنفسه، فلا يرعى فيه غيره ويشارك الناس فيما سواه، وهكذا كان كليب بن وائل إذا أعجبته روضة ألقى فيها كلبا وحمى إلى منتهى عوائه وفيه يقول معبد بن شعبة الضبى: كفعل كليب أنبئت أنه يرى * يخطط أكلاء المياه ويمنع وقال العباس بن مرداس: كما كان يبغيها كليب * لظلمه من العز حتى صاح وهو قتيلها على وائل إذ يترك الكلب هائجا * وإذ يمنع الاكلاء منها حلولها وأما حمى الواحد من عوام المسلمين فمحظور وحماه مباح، ان حمى لنفسه فقد تحكم وتعدى بمنعه، وان حمى للمسلمين فليس من أهل الولاية عليهم ولا ممن يؤثر اجتهاده لهم، وقد أخرج الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلا) . فلو أن رجلا من عوام المسلمين حمى مواتا ومنع الناس منه زمانا رعاه وحده، ثم ظهر الامام عليه ورفع يده عنه لم يغرمه ما رعاه لانه ليس بمالك، ولا يعزره لانه أحد مستحقيه ولكن ينهاه عن مثله من التعدي. فأما أمير البلد ووالى الاقليم إذا رأى أن يحمى لمصالح المسلمين كالامام فليس له ذلك الا بإذن الامام، لان اجتهاد الامام أعم. ولكن لو أن والى الصدقات اجتمعت معه ماشية الصدقة، وقل المرعى لها وخاف عليها التلف ان لم يحم الموات لها: فإن منع الامام من الحمى كان والى الصدقات أولى، وان جوز الامام الحمى ففى جوازه لو إلى الصدقات عندما ذكرناه من حدوث الضرورة به وجهان. (أحدهما) يجوز كما يجوز عند الضرورة أن يبيع ما بيده من مال الصدقة،

باب حكم المياه

وإن كان بيعها لا يجوز من غير الضرورة، فعلى هذا يتقدر الحمى بزمان الضرورة، ولا يستديم بخلاف حمى الامام. (والوجه الثاني) لا يجوز أن يحمى لانه ليس له أن يرفع الضرر عن أموال الفقراء بإدخال الضرر على الاغنياء، ويكون الضرر إن كان بالفريقين معا، وهذا أصح الوجهين كما أفاده الماوردى في الحاوى الكبير. (فرع) إذا حمى الامام مواتا وصححناه وقلنا: انه كحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحياه رجل من عامة المسلمين فهل يملك بإحيائه أم لا؟ قال الماوردى تبعا للشيخ أبى اسحاق: فيه قولان. أحدهما: لا يملك المحي ما أحياه من حمى الامام كما لا يملك حمى النبي صلى الله عليه وسلم لان كليهما حمى محرم. والقول الثاني: يملك بالاحياء، وان منع منه لان حمى الامام اجتهاد وملك الموات بالاحياء نص، والنص أثبت حكما من الاجتهاد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: باب حكم المياه الماء اثنان، مباح وغير مباح، فأما غير المباح فهو ما ينبع في أرض مملوكة، فصاحب الارض أحق به من غيره، لانه على المنصوص: يملكه، وعلى قول أبى إسحاق: لا يملكه، إلا أنه لا يجوز لغيره أن يدخل إلى ملكه بغير إذنه، فكان أحق به، وإن فضل عن حاجته واحتاج إليه الماشية للكلا لزمه بدله من غير عوض. وقال أبو عبيد بن حرب: لا يلزمه بذله كما لا يلزمه بذل الكلا للماشية ولا بذل الدلو والحبل ليستقى به الماء للماشية، والمذهب الاول لما روى إياس بن عمرو (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع فضل الماء) . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلا منعه الله فضل رحمته) ويخالف الكلا فإنه لا يستخلف عقيب أخذه، وربما احتاج إليه لماشيته قبل أن يستخلف فتهلك ماشيته

والماء يستخلف عقيب أخذه وما ينقص من الدلو والحبل لا يستخلف، فيستضر والضرر لا يزال بالضرر، ولا يلزمه بذل فضل الماء للزرع، لان الزرع لا حرمة له في نفسه، والماشية لها حرمة في نفسها، ولهذا لو كان الزرع له لم يلزمه سقيه، ولو كانت الماشية له لزمه سقيها، وان لم يفضل الماء عن حاجته لم يلزمه بذله، لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الوعيد على منع الفضل. ولان ما لا يفضل عن حاجته يستضر ببذله، والضرر لا يزال بالضرر. (الشرح) حديث اياس بن عمرو عند أهل السنن وصححه الترمذي. وقال أبو الفتح القشيرى: هو على شرط الشيخين وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر مرفوعا. أما حديث أبى هريرة فقد وجدته عند الشيخين بلفظ (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلا) وللبخاري (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلا) وعند أحمد من حديث أبى هريرة أيضا (ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه) أما اللفظ الذى ساقه المصنف معزوا إلى أبى هريرة فإنى وجدته عند أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ولفظه (من منع فضل مائه، أو فضل كلئه. منعه الله عز وجل فضله يوم القيامة) وفى اسناده محمد بن راشد الخزاعى وهو ثقة وقد ضعفه. قال ابن حجر: صدوق يهم، ورمى بالقدر، ورواه الطبراني في الصغير عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر واسناده ضعيف والاحاديث يشهد بعضها لبعض ويشهد لها جميعا حديث أبى هريرة عند الشيخين وحديث عائشة عند أحمد وابن ماجه (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يمنع نفع البئر) وحديث جابر عند مسلم (نهى عن بيع فضل الماء) وفى مسند عبد الله بن أحمد عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلا) والنقع الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها، وقوله (فضل الماء) المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبى هريرة بلفظ (ولا يمنع ماء بعد أن يستغنى عنه) .

قال ابن حجر في فتح الباري: وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الارض المملوكة. وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك، والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها. وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل. وفى الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته. والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، هذا هو الصحيح عند الشافعية، وخص المالكية هذا الحكم بالموات. وقالوا في البئر التى لا تملك لا يجب عليه بذل فضلها. وأما الماء المحرز في الاناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح. اه قال في البحر: والماء على أضرب، حق إجماعا كالانهار غير المستخرجة والسيول، وملك إجماعا كماء يحرز في الجرار ونحوها، ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقنا المحتفرة في الملك اه قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروى قال الحافظ ابن حجر، وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك، فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك وقد استدل بتوجه النهى إلى الفضل على جواز بيع الماء الذى لا نضل فيه. وقد تقدم في أبواب البيوع بحوث مستفيضة من المجموع فاشدد بها يديك. وقوله (ليمنع به الكلا) هو النبات، رطبه ويابسه، والمعنى أن يكون حول البئر كلا ليس عنده ماء غيره، ولا يمكن أصحاب المواشى رعيه إلا إذا مكنوا من سقى بهائمهم من تلك لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعى، فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعى، والى هذا التفسير ذهب الجمهور. وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية، ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب، لانه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعى هناك. ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لانفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم، والصحيح الاول، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك، والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفرق الشافعي فيما حكاه المزني

عنه بين المواشى والزرع، بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها، بخلاف الزرع، وبهذا أجاب النووي وغيره. واستدل لمالك بحديث جابر في صحيح مسلم الذى ذكرناه لاطلاقه وعدم تقييده، وتعقب بأنه يحمل على المقيد، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلا يرعى فلا منع من لانتفاء العلة. على أنه ليس هناك صارف يصرف النهى عن معناه الحقيقي من التحريم، لا سيما وأن النهى مصحوب في بعض روايات الحديث بالوعيد. وقال في الفتح، وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور. وقيل: لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة، ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له، فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن، ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء، ورواية النهى عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع، ولو جاز له أخذ العوض لجاز له البيع. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وأما المباح فهو الماء الذى ينبع في الموات، فهو مشترك بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاثة، الماء والنار والكلا) فمن سبق منهم إلى شئ منه كان أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه، فهو أحق به) فإن أراد أن يسقى منه أرضا، فإن كان نهرا عظيما كالنيل والفرات وما أشبههما من الاودية العظيمة، جاز أن يسقى منه ما شاء ومتى شاء، لانه لا ضرر فيه على أحد، وإن كان نهرا صغيرا لا يمكن سقى الارض منه الا أن يحبسه، فان كانت الارض متساوية، بدأ من أول النهر، فيحبس الماء حتى يسقى أرضه إلى أن يبلغ الماء إلى الكعب، ثم يرسله إلى من يليه، وعلى هذا إلى أن تنتهى الاراضي، لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قضى في شرب نهر من سيل أن للاعلى أن يشرب قبل الاسفل، ويجعل الماء فيه إلى الكعب، ثم يرسله إلى الاسفل الذى يليه كذلك، حتى تنتهى

الارضون) وروى عبد الله بن الزبير أن الزبير ورجلا من الانصار تنازعا في شراج الحرة التى يسقى بها النخل، فقال الانصاري للزبير: سرح الماء، فأبى الزبير، فاختصما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير (اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك، فقال الانصاري: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟ فتلون وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يا زبير اسق أرضك واحبس الماء إلى أن يبلغ الجذر) وإن كانت الارض بعضها أعلى من بعض ولا يقف الماء في الارض العالية إلى الكعب حتى يقف في الارض المستقلة إلى الوسط، فيسقى المستقلة حتى يبلغ الماء إلى الكعب، ثم يسدها ويسقى العالية حتى يبلغ الكعب، فإن أحيا جماعة أرضا على هذا النهر وسقوا منه، ثم جاء رجل فأحيا أرضا في أعلاه إذا سقى أرضه استضر أهل النهر، منع من ذلك، لان من ملك أرضا ملكها بمرافقها، والنهر من مرافق أرضهم فلا يجوز مضايقتهم فيه (الشرح) حديث (الناس شركاء) رواه أحمد وأبو داود عن أبى خراش عن بعض اصحاب النبي صلى الله علهى وَسَلَّمَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلا والنار) ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس وزاد فيه (وثمنه حرام) وقد رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبى خراش، ولم يذكر الرجل، وقد سئل أبو حاتم عنه فقال أبوخراش لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد وجدت ممن كنيته أبوخراش في الصحابة، وهو حدرد بن أبى حدود الاسلمي وهو صحابي قال ابن حجر في التقريب: له حديث واحد. ووجدت هذا الحديث يذكره ابن الاثير في أسد الغابة يقول: روى جندل بن والق عن يحيى بن يحيى الاسلمي عن سعيد بن مقلاص عن الوليد بن أبى الوليد عن عمران بن ابى أنس عن حدود الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (هجرة الرجل أخاه سنة كسفك دمه) ووجدت أبا داود يسميه في روايته حبان بن زيد وفى هامش فتح العلام

أبوخداش حبان بن زيد الشعرى ثقة لم يعرفه ابن حزم فقال: انه مجهول. انتهى. وقال ابن حجر في التقريب: حبان بن زيد الشرعبى أبوخداش ثقة. أخطأ من زعم أن له صحبة. وقال في بلوغ المرام: عن رجل من الصحابة قال (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول (الناس شركاء في ثلاثة. الكلا والماء والنار) رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات. (قلت) والجهالة بالصحابى لا تؤثر في صحة الحديث كما هو معروف عند المحدثين، لانهم رضوان الله عليهم عدول أجمعون. وأما رواية ابن عباس عند ابن ماجه والتى فيها (وثمنه حرام) ففيها عبد الله ابن خراش، هو متروك، وقد صححه ابن السكن، ويشهد لرواية ابن عباس رواية أبى خراش ورواية أبى هريرة عند ابن ماجه وعبد الله بن أحمد إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يمنع الماء والنار والكلا) وأما حديث من (سبق الخ) فقد مر تخريجه في غير موضع وحديث عبادة بن الصامت رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد والبيهقي والطبراني وفيها انقطاع بلفظ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في شرب النخل من السبيل أن الاعلى يشرب قبل الاسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الاسفل الذى يليه. وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء) ورواها عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى على الاسفل) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ عبد الرحمن بن الحرث المخزومى المدنى تكلم فيه الامام أحمد.

وقال الحافظ في الفتح: إن إسناد هذا الحديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة أنه قضى في سيل مهزور أن الاعلى يرسل إلى الاسفل ويحبس قدر الكعبين. وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم، ورواه ابن ماجه وأبو داود من حديث ثعلبة بن أبى مالك. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبى حاتم القرظى عن أبيه عن جده أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بنى قريظة فخاصم إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مهزور السيل الذى يقسمون ماءه فقضى بينهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الماء إلى الكعبين لا يحبس الاعلى الاسفل) ومهزور وادى بنى قريظة بالحجاز. قال ابن الاثير: أما مهروز بتقديم الراء على الزاى فموضع سوق المدينة. وهذه الاحاديث تدل على أن الاعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والنيل وماء البئر قبل الارض التى تحتها، وأن الاعلى يمسك الماء حتى يبلغ الكعبين أي كعبي رجل الانسان الواقعيين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك. وقال صاحب البحر: إن الماء إذا كان قليلا فحده أن يعم أرض الاعلى إلى الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك في خبر عبادة بن الصامت. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير (اسق أرضك حتى يبلغ الجدر) فقيل: عقوبة لخصمه، وقيل: بل هو المستحق، وكان أمره صلى الله عليه وسلم بالتفضيل، فإن كانت الارض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين، قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها. وقال أبو طالب: العبرة بالكفاية للاعلى. أما حديث الزبير فقد رواه أصحاب الكتب الستة وهو عند الخمسة من رواية عبد الله بن الزبير عن أبيه وعند النسائي من رواية عبد الله بن الزبير لم يذكر فيه عن أبيه وللبخاري في رواية قال: خاصم الزبير رجلا وذكر نحوه وزاد فيه: فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه، وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير برأى فيه سعة له وللانصاري، فلما أحفظ الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم) .

قال عروة: قال الزبير (فوالله ما أحسب هذه الآية نزلت الا في ذلك) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) رواه أحمد كذلك لكن قال، عن عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا وذكره جعله من مسنده وزاد البخاري في رواية. قال ابن شهاب فقدرت الانصار والناس قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسق يا زبير ثم احتس الماء حتى يرجع إلى الجدر) فكان ذلك إلى الكعبين، وقد جاء هذا الحديث عند المحدثين في أبواب الاقضية وأن القاضى إذا حكم وهو غضبان صح ان صادف الحق لانه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بعد أن أغضبه الرجل ولا يخفى أنه لا يصح الحاق غيره صلى الله عليه وسلم به لانه معصوم فلا يدل حكمه صلى الله عليه وسلم وهو غضبان على جواز ذلك للقضاء، والنبى صلى الله عليه وسلم معصوم عن الحكم بالباطل في غضبه ورضاه بخلاف غيره، ولهذا ذهب بعض الحنابلة إلى أنه لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهى عنه، وسيأتى مزيد ايضاح ان شاء الله تعالى في كتاب الاقضية، وقد رواه مالك في موطئه من حديث عروة عن ابيه. والرجل المبهم الذى خاصم الزبير هو ثعلبة بن حاطب، وقيل حميد، وقيل حاطب بن ابى بلتعة ولا يصح لانه ليس أنصاريا، وقيل: انه ثابت بن قيس بن شماس، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتله بعد ان جاء في مقاله بما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جار في الحكم لاجل القرابة لان ذلك كان في أوائل الاسلام وقد كان صلى الله عليه وسلم يتالف الناس إذ ذاك ترك قتل عبد الله بن أبى بعد أن جاء بما يسوغ به قتله. وقال القرطبى: يحتمل انه لم يكن منافقا بل صدر منه ذلك عن غير قصد، كما اتفق لحاطب بن أبى بلتعة في قصة تخابره مع العدو ومسطح في قصة الافك وحمنة وغيرهم ممن بدره لسانه بدرة شيطانية. على ان الحكم في هذا الفصل ياتي هكذا: إذا كان الماء صغير المجرى بحيث يزدهم الناس فيه ويتشاحون في مائة أو سيل يتشاح الناس من أصحاب الارض الشاربة منه فيه، فان يبدأ بمن في أول النهر فيسقى ويحبس الماء حتى يبلغ إلى

الكعب ثم برسل إلى الذى يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى ان تنتهى الاراضي كلها، فان لم يفضل عن الاول شئ أو عن الثاني أو عمن يليهم فلا شئ للباقين، لانه ليس لهم إلا ما فضل، فهم كالعصبة في الميراث، وهذا قول الفقهاء من اهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد ولا نعلم فيه ومخالفا، والاصل فيه حديث الزبير، قال الزهري: نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) فوجدنا ذلك إلى الكعبين. قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج، والشرج نهر صغير، والحرة أرض ملتبسة بحجارة بركانية سود، والجدر الجدار، وانما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير ان يسقى ثم يرسل الماء تسهيلا على غيره، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان اشترك جماعة في استنباط عين اشتركوا في مائها، فان دخولوا على أن يتساووا، تساووا في الانفاق، وان دخولوا على أن يتفاضلوا تفاضلوا في الانفاق، ويكون الماء بينهم على قدر النفقة، لانهم استفادوا ذلك بالانفاق فكان حقهم على قدره، فإن أرادوا سقى اراضيهم بالمهاياة يوما يوما جاز، وان ارادوا قسمة الماء نصبوا خشبة مستوية قبل الاراضي وتفتح فيها كوى على قدر حقوقهم، فخرج حصة كل واحد منهم إلى أرضه، فان أراد أحدهم أن يأخذ حقه من الماء قبل المقسم في ساقية يحفرها إلى أرضه منع من ذلك، لان حريم النهر مشترك بينهم، فلا يجوز لواحد منهم ان يحفر فيه، فان أراد أن ينصب رحا قبل المقسم ويديرها بالماء منع من ذلك، لانه يتصرف في حريم مشترك، فان أراد أن يأخذ الماء ويسقى به أرضا اخرى ليس لها رسم بشرب من هذا النهر منع منه يجعل لنفسه شربا لم يكن له، كما لا يجوز لمن له داران متلاصقان في دربين أن يفتح من أحدهما بابا إلى الاخرى فيجعل لنفسه طريقا لم يكن له، والله تعالى أعلم. (الشرح) قوله: بالمهايأة أي بالمناوبة. وقوله: كوى جمع كوة بضم الكاف وتشديد الواو مثل مدية ومدى وتفتح ايضا وهى الثقب في الحائط.

إذا كان النهر لجماعة وقد قلنا فيما مضى ان النهر المحيى في موات يكون لمحييه حقوق الملك، وان لم يكن مالكا فهو بينهم على حسب العمل والنفقة أو على حسب اتفاقهم، لانه انما كان لهم حق الملك بالعمارة والعمارة بالنفقة، فان كفى جميعهم فلا كلام، وان لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهاياة أو غيرها جاز لانه حقهم لا يخرج عنهم، وان تشاحوا في قسمته قسمه الحاكم بينهم على قدر نفقتهم، لان لكل واحد منهم من الحقوق بقدر ذلك، فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوى الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستو من الارض في مقدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم يخرج من كل جزء أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم، فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به وليس له أن يأخذ قبل القسم، كما أن ليس له أن يسقى أرضا ليس لها رسم شرب في هذا الماء لان ذلك يدل على أن لها قسما في هذا الماء، فربما جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الاولى، فأراد تنفيذ أحداهما إلى الاخرى لم يجز، لانه يجعل لنفسه استطارقا من كل واحدة من الدارين وان قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصه يوما وليلة أو أكثر من ذلك أو أقل. وان قسموا النهار فجعلوا الواحد من طلوع الشمس إلى وقت الزوال وللاخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز. وان قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشئ معلوم كطاسة مثقوبة تترك في الماء وفيها علامات إذا انتهى الماء إلى علامه كانت ساعة وإذا انتهى إلى الاخرى كانت ساعتين. لا يجوز في النهر المشترك ان يتصرف أحد المشتركين بعمل رحى أو دولاب أو معبر للماء لانه يتصرف في نهر مشترك وفى حريمه بغير اذن شركائه. اما الشرب لنفسه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه والانتفاع به في أشباه ذلك فانه يجوز لكل المسلمين، ولا يحل لصاحب الماء منعه من ذلك لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم رجل كان يفضل ماء الطريق فمنعه ابن السبيل) رواه البخاري.

كتاب اللقطة

وعن بهيسه عن أبيها أنه قال: يا نبى الله ما الشئ الذى لا يحل منعه؟ قال: (الماء) قال يا نبى الله ما الشئ الذى لا يحل منعه؟ قال (الملح) قال يا نبى الله ما الشئ الذى لا يحل منعه؟ قال (ان تفعل الخير خير لك) رواه أبو داود، ولان ذلك لا يؤثر في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر، فاما إذا لم يفضل شئ عن حاجة ماشيته لم يلزمه. والله تعال أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب اللقطة إذا وجد الحر الرشيد لقطة يمكن حفظها وتعريفها كالذهب والفضة والجواهر والثياب - فان كان ذلك في غير الحرم - جاز التقاطه للتملك، لما روى عبد الله ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال (ما كان منها في طريق مئاء فعرفها حولا، فان جاء صاحبها والا فهى لك، وما كان منها في خراب ففيها وفى الركاز الخمس) وله ان يلتقطها للحفظ على صاحبها، لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا. كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه) وان كانت في الحرم لم يمر أن يأخذها الا للحفظ على صاحبها. ومن أصحابنا من قال: يجوز التقاطها للتملك لانها أرض مباحة فجاز اخذ لقطتها للتملك كغير الحرم، والمذهب الاول، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض، فهو حرام إلى يوم القيامة، لم يحل لاحد قبلى، ولا يحل لاحد بعدى ولم يحل لى الا ساعة من نهار، وهو حرام إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا تلتقط لقطتها الا لمعرف) ويلزمه المقام للتعريف، وان لم يمكنه المقام دفعها إلى الحاكم ليعرفها من سهم المصالح (فصل) وهل يجب أخذها؟ روى المزني أنه قال: لا أحب تركها. وقال

في الام: لا يجوز تركها. فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يجب لانها أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة (والثانى) يجب، لما روى ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حرمة مال المؤمن كحرمة دمه) ولو خاف على نفسه لوجب حفظها، فكذلك إذا خاف على ماله. وقال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما (ان كانت في موضع لا يخاف عليها لامانة أهله لم يجب عليه. لان غيره يقوم مقامه في حفظها، وإن كان في موضع يخاف عليها لقلة أمانة أهله وجب، لان غيره لا يقوم مقامه، فتعين عليه، وحمل القولين على هذين الحالين، فإن تركها ولم يأخذها لم يضمن، لان المال انما يضمن باليد أو بالاتلاف. ولم يوجد شئ من ذلك، ولهذا لا يضمن الوديعة إذا ترك أخذها فكذلك اللقطة، (فصل) وان أخذها اثنان كانت بينهما، كما لو أخذا صيدا كان بينهما، فإن أخذها واحد وضاعت منه ووجدها غيره وجب عليه ردها إلى الاول لانه سبق إليها فقدم، كما لو سبق إلى موات فتحجره (الشرح) حديث عبد الله بن عمر مروى من طريق عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وقد مضى للنووي تخريجه في زكاة الركاز. وقد روى الجوزجانى والاثرم في كتابيهما قال، حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد قال حدثنى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال (أتى رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله كيف ترى من متاع يرى في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة؟ فقال عرفه سنه، فإن جاء صاحبه والا فشأنك به) وحديث (من كشف عن مسلم كربة الخ) سبق في غير موضع، وحديث ابن عباس مضى في الحج، وحديث ابن مسعود مضى في البيوع في غير موضع أما لغات الفصل فإن اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط. قال الخليل بن أحمد لان ما جاء عل فعلة فهو اسم للفاعل، كقولهم همزة ولمزة وضحكة وهزأة. واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل الضحكة الذى يضحك منه والهزأة

الذى يهزأ به وقال الاصمعي وابن الاعرابي والفراء: هي بفتح القاف اسم المال الملقوط أيضا وتعريفها عند الفقهاء المال الضائع من ربه يلتقطه غيره وقال الزمخشري، اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها وأصله من لفظ الشئ والتقطه إذا اخذه من الارض. وأصل فعله في الكلام اسم الفاعل وفعلة اسم المفعول، غير أن كلام العرب جاء في اللقطة على غير قياس. أجمع اهل اللغة ورواة الاخبار على أن اللقطة الشئ الملتقط. ذكره الازهرى. قال ابن عرفة الالتقاط وجود الشئ من غير طلب. قوله (مئتاء) أي مسلوك مفعول من الاتيان، وقد تبدل التاء دالا لمجاورة النطق فتكون ميداء، ولا يزال العامة ينطقونها محرفة فيقولون المدأ. وفى الحديث: لولا أنه طريق مئتاء لحزنا عليك يا إبراهيم أما الاحكام فإن اللقطة إذا وجدت بمضيعة وأمن نفسه عليها أخذها. وهذا قول الشافعي رضى الله عنه. وقال أحمد رضى الله عنه: الافضل ترك الالتقاط. وروى معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال جابر وابن زيد والربيع بن خيثم وعطاه، ومر شريح بدرهم فلم يعرض له. وقال الشافعي رضى الله عنه: انه يجب أخذها لقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فإن كان وليه وجب عليه حفظ ماله وقال في الام في اللقطة الصغيرة في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهى لك فكلها، فإذا جاء صاحبها فاغرمها له. وقال في المال يعرفه سنة ثم يأكله ان شاء، فإن جاء صاحبه غرمها له، وقال يعرفها سنة ثم يأكلها، موسرا كان أو معسرا إن شاء، إلا أنى لا أرى له أن يخلطها بماله ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له الخ. اه وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب والحسن بن صالح وأبو حنيفة، وأخذها

أبى بن كعب وسويد بن غفلة. وقال مالك ان كان شيئا له بال يأخذه أحب إلى ويعرفه، لان فيه حفظ مال المسلم عليه، فكان أولى من تضييعه وتخليصه من الغرق وقال ابن قدامة من الحنابلة في المغنى: ولنا قول ابن عمر وابن عابس ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة، ولانه تعريض لنفسه لاكل الحرام، وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الامانة فيها، فكان تركه أولى وأسلم، كولاية مال اليتيم وتخليل الخمر. فإذا ثبت هذا فان اللقطة والضوال مختلفات في الجنس والحكم، فالضوال الحيوان، لانه يضل بنفسه، واللقطة غير الحيوان، سميت بذلك لالتقاط واجدها لها، ولها حالتان. (إحداهما) أن توجد في أرض مملوكة، فلا يجوز لواجدها التعرض لاخذها وهى في الظاهر لمالك الارض إن ادعاها، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عبد الله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال ما كان منها في طريق ميتاء فعرفها حولا، فإن جاء صاحبها والا فهى لك، وما كان في خراب ففيها وفى الركاز الخمس) والحال الثانية: أن توجد في أرض غير مملوكة من مسجد أو طريق أو موات فلا يخلو ذلك من أحد أمرين: إما أن يكون بمكة أو بغير مكة، فإن كان بغير مكة من سائر البلاد فعلى ضربين، ظاهر ومدفون، فإن كان ظاهرا فعلى ضربين أحدهما ما لا يبقى كالطعام الرطب فله حكم نذكره من بعد (والثانى) أن يكون مما يبقى كالدراهم والدنانير والثياب والحلى والقماش فهذه هي اللقطة التى قال فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حديث زيد بن خالد قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللقطة الذهب والورق فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه، وسأله عن ضالة الابل، فقال: مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها،

وسأله عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب) متفق عليه. فعليه أن يقوم بشروط تعريفها ثم له بعد الحول إن لم يأت صاحبها أن يتملكها وإن كان مدفونا فضربان جاهلي وإسلامى، فإن كان إسلاميا فلقطة أيضا وهى على ما ذكرنا، وإن كان جاهليا فهو ركاز يملكه واجده وعليه وإخراج خمسه في مصرف الزكوات للحديث (وفى الركاز الخمس) . وإن كانت اللقطة بمكة فمذهب الشافعي رضى الله عنه أنه ليس لواجدها أن يتملكها، وعليه إن أخذها أن يقيم بتعريفها أبدا بخلاف سائر البلاد، وقال بعض أصحابنا: مكة وغيرها سواء في اللقطة استدلالا بعموم الخبر، وهذا خطأ لقوله صلى الله عليه وسلم (إن أبى إبراهيم حرم مكة، فلا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) وفى المنشد تأويلان: أحدهما وهو قول أبى عبيد: إنه صاحبها الطالب، والناشد هو المعرف الواجد لها. قال الشاعر: يصيخ للبناة أسماعه * إصاخة الناشد للمنشد فكأن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يحل أن يتملكها إلا صاحبها التى هي له دون الواجد، والتأويل الثاني وهو للشافعي رضى الله عنه أن المنشد الواجد المعرف، والناشد هو المالك الطالب، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال (أيها الناشد غيرك الواجد) يعنى لا وجدت كأنه دعا عليه، فعلى هذا التأويل معنى قوله: لا تحل لقطتها إلا لمنشد أي لمعرف يقيم على تعريفها ولا يتملكها، فكان في كلا التأويلين دليل على تحريم تملكها، ولان مكة لما باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها تغليظا لحرمتها باينت غيرها في ملك اللقطة، ولان مكة لا يعود الخارج منها غالبا الا بعد حول ان عاد، فلم ينتشر انشادها في البلاد كلها، فلذلك وجب عليه مداومة تعريفها، ولا فرق بين مكه وبين سائر الحرم لاستواء جميع ذلك في الحرمه.

فأما عرفة ومصلى ابراهيم عليه السلام ففيه وجهان. أحدهما: أنه حل تحل لقطته قياسا على جميع الحل. والثانى: أنه كالحرم لا تحل لقطته الا لمنشد لان ذلك مجمع الحاج، ثم اختلفوا في جواز انشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم انشادها في غيره من المساجد على وجهين (أصحهما) جوازه اعتبارا بالعرف وأنه مجمع الناس. (فرع) إذا ضاعت اللقطه من ملتقطها بغير تفريط فلا ضمان عليه لانها أمانه في يده فأشبهت الوديعة، فإن التقطها آخر فعرف أنها ضاعت من الاول فعليه ردها إليه لانه قد ثبت له حق التمول، وولاية التعريف والحفظ، فلا يزول ذلك بالضياع. فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها، لان سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك به كالاول، ولا يملك الاول انتزاعها. لان الملك مقدم على حق التملك، وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني، وليس له مطالبة الاول لانه لم يفرط، وان علم الثاني بالاول فردها إليه فأبى أخذها وقال عرفها أنت فعرفها ملكها إيضا، لان الاول ترك حقه فسقط، وان قال: عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لانه أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي، وان قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الاول احتمل وجهين. (الاول) يملكها، لان سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الاول في تعريفها لنفسه. (والثانى) لا يملكها لان ولاية التعريف للاول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها، وكذلك الحكم إذا علم الثاني بالاول فرفعها ولم يعلمه بها، ويشبه هذا المتحجر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير اذنه، فأما ان غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجها واحدا، لانه معتد بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها، فإن الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه، ويفارق هذا ما إذا التقطها ثان فإنه وجد منه الالتقاط والتعريف. (فرع) إذا التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها جميعا، وإن قلنا بوقوف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها دون الآخر

وإن رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهى لآخذها، لان استحقاق اللقطة بالاخذ لا بالرؤية كالاصطياد. وإن قال أحدهما لصاحبه: هاتها فأخذها نظرت، فان أخذها لنفسه فهى له دون الآمر، وإن أخذها للآمر فهى له كما لو وكله في الاصطياد له. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا أخذها عرف عفاصها، وهو الوعاء الذى تكون فيه، ووكاءها وهو الذى تشد به وجنسها وقدرها، لما روى زيد بن خالد الجهنى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللقطة فقال (اعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة، فان جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك) فنص على العفاص والوكاء، وقسنا عليهما الجنس والقدر، ولانه إذا عرف هذه الاشياء لم تختلط بماله، وتعرف به صدق من يدعيها، وهل يلزمه أن يشهد عليها وعلى اللقيط؟ فيه ثلاثة أوجه. (أحدهما) لا يجب لانه دخول في أمانة فلم يجب الاشهاد عليه كقبول الوديعة (والثانى) يجب لما روى عياض بن حمار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (من التقط لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب) ولانه إذا لم يشهد لم يؤمن أن يموت فتضيع اللقطة أو يسترق اللقيط. (والثالث) أنه لا يجب لانه اكتساب مال فلم يجب الاشهاد عليه كالبيع، ويجب على اللقيط لانه يحفظ به النسب فوجب الاشهاد عليه كالنكاح، وإن أخذها وأراد الحفظ على صاحبها لم يلزمه التعريف، لان التعريف للتملك فإذا لم يرد التملك لم يجب التعريف. فان أراد أن يتملكها نظرت، فان كان مالا له قدر يرجع من ضاع منه في طلبه لزمه أن يعرفه سنة لحديث عبد الله بن عمرو. وحديث زيد بن خالد، وهل يجوز تعريفها سنة متفرقة؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز، ومتى قطع استأنف، لانه إذا قطع لم يظهر أمرها ولم يظهر طالبها.

(والثانى) يجوز لان اسم السنة يقع عليها، ولهذا لو نذر صوم سنه جاز أن يصوم سنه متفرقه. ويجب أن يكون التعريف في أوقات اجتماع الناس كأوقات الصلوات وغيرها، وفى المواضع التى يجتمع الناس فيها كالاسواق وأبواب المساجد لان المقصود لا يحصل إلا بذلك ويكثر منه في الموضع الذى وجدها فيه، لان من ضاع منه شئ يطلبه في الموضع الذى ضاع فيه، ولا يعرفها في المساجد، لما روى جابر قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا ينشد ضالة في المسجد فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا وجدت) وذلك لانه كان يكره أن ترفع فيه الاصوات، ويقول: من ضاع منه شئ، أو من ضاع منه دنانير، ولا يزيد عليها حتى لا يضبطها رجل فيدعيها، فان ذكر النوع والقدر والعفاص والوكاء، ففيه وجهان. أحدهما: لا يضمن، لان بمجرد الصفه لا يجب الدفع، والثانى: يضمن لانه لا يؤمن أن يحفظ ذلك رجل ثم يرافعه إلى من يوجب الدفع بالصفة، فان لم يوجد من يتطوع بالنداء كانت الاجرة على الملتقط، لانه يتملك به، وان كانت اللقطة مما لا يطلب كالتمرة واللقمه لم تعرف، لما روى أنس قَالَ: مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تمرة في الطريق مطروحه فقال (لولا أن أخشى أن تكون من الصدقة لاكلتها) وان كان مما يطلب الا أنه قليل، ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: يعرف القليل والكثير سنه وهو ظاهر النص لعموم الاخبار. والثانى: لا يعرف الدينار، لما روى أن عليا كرم الله وجهه وجد دينارا فعرفه ثلاثا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كله أو شأنك به) . والثالث: يعرف ما يقطع فيه السارق، ولا يعرف ما دونه، لانه تافه، ولهذا قالت عائشة رضى الله عنها: ما كانت اليد تقطع عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الشئ التافه. (الشرح) حديث زيد بن خالد الجهنى رواه البخاري ومسلم وأحمد، واللفظ الذى ساقه المصنف أقرب إلى رواية أحمد. ولفظ الشيخين (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللقطة الذهب والورق فقال: اعرف وكائها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها

يوما من الدهر فأدها إليه. وسأله عن ضالة الابل فقال: مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها. وسأله عن الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لاخيك أو للذئب) ولم يقل فيه أحمد (الذهب أو الورق) وفى رواية لمسلم (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهى لك) وحديث عياض بن حمار رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود النسائي وابن حبان، وفى لفظ للبيهقي (ثم لا يكتم وليعرف) وصححه ابن الجارود وبان حبان وقد رواه الشافعي أورده الربيع في اختلاف مالك والشافعي في اللقطة ليلزم مالكا بما رواه فقال: أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهنى الخ. أما حديث جابر فقد مضى تخريجه في كتاب الصلاة من المجموع. أما حديث أنس فقد أخرجه الشيخان. أما حديث على فقد أخرجه أبو داود عن بلال بن يحيى العبسى عنه وفيه (أنه التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه على فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما. قال المنذرى: في سماع بلال بن يحيى من على نظر. وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن، ورواه أبو داود أيضا عن أبى سعيد الخدرى أن على بن أبى طالب وجد دينارا، فأتى به فاطمة عسألت عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (هو رزق الله فأكل مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكل على وفاطمة، فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا على أد الدينار) وفى إسناده رجل مجهول. وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبى سعيد، وذكره مطولا وفى إسناده موسى بن يعقوب الزمعى وثقه ابن معين. وقال ابن عدى لا بأس به، وقال النسائي ليس بالقوى. وروى هذا الحديث الشافعي عن الدراوردى عن شريك بن أبى نمر عن عطاء ابن يسار عن أبى سعيد الخدرى وزاد (أنه أمره أن يعرفه) ورواه عبد الرزاق

من هذا الوجه، وزاد فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام، وفى إسناده هذه الزيادة أبو بكر بن أبى سبرة وهو ضعيف جدا. وقد أعل البيهقى هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لاحاديث اشتراط السنة في التعريف، قال ويحتمل أن يكون إنما أباح له الاكل قبل التعريف للاضطرار، وأما خبر عائشة فقد رواه الشيخان وأحمد، وسيأتى في الحدود إن شاء الله تعالى. قولهن (فليشهد) ظاهر الامر يدل على وجوب الاشهاد، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وفى كيفية الاشهاد قولان، أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها، والثانى يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار بعض أصحابنا إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات، ولكن يذكر بعضها، قال النووي وهو الاصح، والثانى من قولى الشافعي أنه لا يجب الاشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، وقالوا إنما يستحب احتياطا، لان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به في حديث زيد بن خالد، ولو كان واجبا لبينه أما العفاص بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء، وهو الوعاء الذى تكون فيه النفقة جلدا أو غيرة أخذا من العفص وهو الثنى لانثنائه على ما فيه، وقد وقع في زوائد المسند لعبد الله بن احمد في حديث لابي بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال عرفها فان جاء أحد يخبرك بعدتها ووعائها ووكائها وفرقتها فأعطها إياه وإلا فاستمتع بها) والعفاص يكون على رأس القارورة لسدها وأما الذى يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام، فحيث يذكر الوعاء مع العفاص فالمراد الاول، وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد الثاني، أفاده في فتح الباري قوله (ولا يكتم) يعنى لا يحل كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وجاء من أوصافها ما يغلب الظن بصدقة، والمقصود من معرفة الآلات التى تحفظ فيها ويلتحق بذلك معرفة جنسها ونوعها وقدرها، فقد قال النووي: يجمع بين الروايات بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط

حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء بعد ذلك فردها إليه قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون في الروايتين (يشير إلى رواية البخاري، عرفها سنة ثم عرف عفاصها ووكاءها) ورواية البخاري أيضا (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة)) ثم بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبا، فلا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع، ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة، وإنما يحسن الجمع بما تقدم لو كان المخرج مختلفا أو تعددت القصة، وليس الغرض إلا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما يسبق. قال واختلف العملاء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الامر. وقبل يستحب، وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده. وقال أيضا في الفتح عند قوله (ثم عرفها) محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والاسواق ونحو ذلك. قلت: كبرامج الاذاعة المخصصة للاشياء المفقودة كبرنامج طريق السلامه الذى توفر له إذاعة القاهرة عشر دقائق من صباح كل يوم في زماننا هذا. قوله (سنه) الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب، فلا يلزمه التعريف بالليل، ولا استيعاب الايام بل على المعتاد، فيعرف في الابتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة، ثم في كل شهر مرة، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه، بل يجوز له توكيل غيره، ويعرفها في مكان وجودها وفى غيره. كذا قال العلماء، وظاهره أن التعريف واجد لاقتضاء الامر الوجوب، لا سيما وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من لم يعرفها بالضلال في حديث لزيد بن خالد عند أحمد ومسلم (قال: لا يأوى الضالة إلا ضال ما لم يعرفها) هكذا جاءت (لا يأوى) من الثلاثي اللازم، وقد يتعدى كما في هذا الحديث. وفى المبادرة إلى التعريف خلاف مبناه هل الامر يقتضى الفور أم على التراخي وظاهره أنه لا يجب التعريف بعد السنه، وبه قال الجمهور وادعى صاحب البحر الاجماع، على أنه وردت رواية عند البخاري عن أبى بن كعب بلفظ: وجدت

صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال (عرفها حولا، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد، ثم أتيته ثالثا فقال احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت، فلقيته بعد بمكه فقال: لا ادرى ثلاثة أحوال أو حولا واحدا) وذكر البخاري الحديث في موضع آخر من صحيحه فزاد (ثم أتيته الرابعة فقال: اعرف وعاءها الخ) قال في فتح الباري: القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة، والذى قال لا ادرى هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الراوى لهذا الحديث عن سويد عن أبى، قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عاما واحدا، وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل: فلقيته والقائل لا أدرى، فقال في آخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدرى ثلاثة أحوال أو حولا واحدا، وبهذا يتبين بطلان قول ابن بطال أن الذى شك هو أبى بن كعب، والقائل هو سويد ابن غفلة، وقد رواه عن شعبة عن سلمه بن كهيل بغير شك جماعه، وفيه ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمه فإن في حديثه عامين أو ثلاثة، وجمع بعضهم بين حديث أبى هذا وحديث خالد بن زيد المذكور فيه سنه فقط بأن حديث أبى محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها، وحديث زيد على ما لا بد منه. وجزم ابن حزم وابن الجوزى بأن الزيادة في حديث أبى غلط. قال ابن الجوزى: والذى يظهر لى أن سلمه أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه، لا بما يشك فيه راويه. وقال أيضا: يحتمل أن يكون صلى الهل عليه وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذى ينبغى، فأمر ثانيا بإعادة التعريف، كما قال للمسئ صلاته (ارجع فصل فإنك لم تصل) قال الحافظ بن حجر: ولا يخفى بعد هذا على مثل أبى مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم. قال المنذرى (لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطه تعرف ثلاثه أعوام إلا شريح عن عمر أربعة أقوال يعرف بها، ثلاثة أحوال، عاما واحدا، ثلاثة أشهر، ثلاثة أيام، وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر.

قال في الفتح: ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها. وأما قوله في الحديث (فإن لم تعرف فاستنفقها) فقد قال يحيى بن سعيد الانصاري: لا ادرى هذا في الحديث أم هو شئ من عند يزيد مولى المنبعث (وهو الراوى عن زيد بن خالد) كما حكى البخاري ذلك عن يحيى، وتعقب ابن حجر هذا في الفتح فقال: شك يحيى هل قوله (ولتكن وديعة عنده) مرفوع أم لا، وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات، وخلوها عن ذكر الوديعة، وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ (فاستنفقها ولتكن وديعة عندك) وكذلك جزم برفها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعه عند مسلم، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لانها وديعة عنده، والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق، لا أنها وديعة حقيقة يجب رد عينها، لان المأذون في استنفاقه لا تبقى عينه، كذا أفاده ابن دقيق العيد قال: ويحتمل أن تكون الواو في قوله (ولتكن وديعة) بمعنى أو، أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها، وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجئ صاحبها فتعطيها إياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف. (فرع) روينا عن أحمد وأبى داود عن جابر بن عبد الله قَالَ (رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العصا والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) وفى إسناده المغيرة بن زياد، قال المنذرى. تكل فيه غير واحد، وفى التقريب: صدوق له أوهام وفى الخلاصة: وثقة وكيع وابن عدى وغيرهم. وقال أبو حاتم: شيخ لا يحتج به، وفيه جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا سيما إذا كان هذا الشئ الحقير مأكولا لما في حديث أنس الذى ساقه المصنف، فإنه يجوز أكله ولا يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بين أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة، ولولا ذلك لاكلها.

وقد روى ابن أبى شيبة عن ميمونة أم المؤمنين أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد. قال في الفتح: يعنى أنها لو تركها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت ثم قال: وجواز الاكل هو المجزوم به عند الاكثر. وعندنا أن القليل إذا كان يطلب في العادة وجب التعريف به كالكثير مدة التعريف المنصوص عليها وهى سنة لعموم الاحاديث الواردة. وعند أبى حنيفة أنه يعرف بالقليل ثلاثة أيام. وذلك لحديث يعلى بن مرة مرفوعا (من التقط لقطه يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام، فإم كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام) رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وزاد الطبراني (فإن جاء صاحبها والا فليتصدق بها) وفى اسناده عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد صرح جماعه ضعفه، وزعم ابن حزم أنه مجهول وقد دافع عنه ابن حجر وابن رسلان والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان عرفها فلم يجد صاحبها ففيه وجهان (أحدهما) تدخل في ملكه بالتعريف لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فان جاء صاحباه والا فهى لك ولانه كسب مال بفعل فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد (والثانى) أنه يملكه باختيار التملك، لما روى في حديث زيد بن خالد الجهنى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فان جاء صاحبها والا فشأنك بها فجعله إلى اخياره ولانه تملك ببدل فاعتبر فيه اختيار التملك كالملك بالبيع. وحكى فيه وجهان آخران. أحدهما: أنه يملك بمجرد النية. والثانى يملكه بالتصرف ولا وجه لواحد منهما، ولا فرق في ملكها بين الغنى والفقير لقوله صلى الله عليه وسلم (فان جاء صاحبها والا فشأنك بها) ولم يفرق لانه ملك بعوض فاستوى فيه الغنى والفقير كالملك في القرض والبيع. (فصل) فان حضر صاحبها قبل أن يملكها نظرت، فان كانت العين باقيه وجب ردها مع الزيادة المتصلة والمنفصلة، لانها باقيه على ملكه، وان كانت تالفه لم يلزم الملتقط ضمانها، لانه يحفظ لصاحبها، فلم يلزم ضمانها من غير تفريط

كالوديعة، وإن حضر بعد ما ملكها فان كانت باقية وجب ردها، وإن كانت تالفة وجب عليه بدلها، وقال الكرابيسى: لا يلزمه ردها ولا ضمان بدلها لانه مال لا يعرف له مالك: فإذا ملكه لم يلزمه رده ولا ضمان بدله كالركاز، والمذهب الاول، لما روى أبو سعيد الخدرى أن عليا كرم الله وجهه وجد دينارا فجاء صاحبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أده قال على: قد أكلته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاءنا شئ أديناه) ويخالف الركاز فإنه مال لكافر لا حرمة له، وهذا مال مسلم، ولهذا لا يلزمه تعريف الركاز، ويلزمه تعريف اللقطة، فان كانت العين باقية فقال الملتقط: أنا أعطيك البدل، لم يجبر المالك على قبوله، لانه يمكنه الرجوع إلى عين ماله، فلا يجبر على قبول البدل، وإن حضر وقد باعها الملتقط وبينهما خيار ففيه وجهان. (أحدهما) يفسخ البيع، ويأخذ لانه يستحق العين والعين باقية. (والثانى) لا يجوز له أن يفسخ، لان الفسخ حق للعاقد، فلا يجوز لغيره من غير إذنه، وإن حضر وقد زادت العين، فان كانت زيادة متصلة رجع فيها مع الزيادة، وان كانت زيادة منفصلة رجع فيها دون الزيادة، لانه فسخ ملك فاختلفت فيه الزيادة المتصلة والمنفصلة كالرد بالعيب (الشرح) الاحاديث المذكورة في هذين الفصلين سبق استيفاء الكلام عليها في الفصل قبلهما. أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ويأكل اللقطة الغنى والفقير ومن تحل له الصدقة وتحرم عليه. وهذا كما قال: يجوز لواجد اللقطة بعد تعريفها حولا أن يتملكها ويأكلها غنيا كان أو فقيرا. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك ان كان فقيرا، ولا يجوز إن كان غنيا أن يتملكها، ويكون مخيرا بين أمرين: إما أن تكون في يده أمانة لصاحبها أبدا كالوديعة، وإما أن يتصدق بها، فان جاء صاحبها وأمضى صدقته فله ثوابها ولا غرم على الواجد، وإن لم يمض الصدقة فثوابها للواجد وعليه غرمها استدلالا بما رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: فان جاء صاحبنا وإلا تصدق بها، وهو حديث في إسناده عمر بن عبد الله

ابن يعلى، قال أبو حنيفة وهذا نص، ولانه مال يعتبر فيه الحول فوجب أن يختلف فيه حال الغنى والفقير كالزكاة، ولانه مال مسلم فوجب أن لا يحل إلا لمضطر قياسا على غير اللقطة. ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم (فان جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) وهو يقتضى التسوية بين الغنى والفقير، وروى أن أبى بن كعب وجد صرة فيها ثمانون دينارا أو مائة دينار فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يعرفها حولا (فان جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها) . قال الشافعي رضى الله عنه: وأبى من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم، ولو لم يكن موسرا لصار بعشرين دينارا منها موسرا على قول أبى حنيفة. فدل على أن الفقر غير معتبر فيها وأن الغنى لا يمنع منها. وروى عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أن على بن أبى طالب وجد دينارا فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره أن يعرف به ثلاثا فعرفه فلم يجد من يعرفه، فرجع به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: كله حتى إذا أكله جاء صاحب الدينار يتعرفه فقال على رضى الله عنه: قد أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأكله فانطلق صاحب الدينار وكان يهوديا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جاءنا شئ أديناه اليك. قال الشافعي رضى الله عنه: وعلى ممن يحرم عليهم الصدقة، لانه من طينة بنى هاشم، فلو كانت اللقطه تستباح بالفقر دون الغنى لحظرها عليه، ولان كل من كان من أهل الالتقاط جاز أن يرتفق بالكل والتملق كالفقير، ولان ما ثبت للفقير في اللقطه ثبت للغنى كالنسك والصدقة، ولان كل مال استباح الفقير اتلافه بشرط الضمان استباح الغنى اتلافه بشرط الضمان كالقرض، ولا يدخل عليه طعام المضطر لاستوائهما فيه، وقد يجعل المضطر أصلا فيقول: كل ارتفاق بمال الغير إذا كان مضمونا استوى فيه الغنى والفقير كأكل مال الغير المضطر، ولانه استباحه اتلاف مال لغيره لمعنى في المال فوجب أن يستوى فيه حكم الغنى والفقير كالفحل الصائل، ولان كل ما استبيح تناوله عند الاياس من مالكه في الاغلب استوى فيه حكم الغنى والفقير كالركاز، ولان حال اللقطة في يد واجدها لا يخلو

من أن تكون في حكم المغصوب فيجب انتزاعها قبل الحول وبعده من مال الغنى والفقير، أو في حكم الودائع فلا يجوز أن يتملكها فقير ولا أن يتصدق بها غنى أو في حكم الكسب فيجوز أن يتملكها الغنى والفقير. ومذهب أبى حنيفة مخالف لاصول هذه الاحكام الثلاثه فكان فاسدا: ثم يقال لابي حنيفة الثواب إنما يستحق على المقاصد بالاعمال لا على أعيان الافعال لان صورها في الطاعه والمعصية على سواء كالمرائي بصلاته، ثم لا يصح أن يكون ثواب العمل موقوفا على غير العامل في استحقاقه أو إحباطه فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصدق بها فمحمول على فرض صحة الرواية على أن الواجد سأله عن ذلك فأذن له فيه، وأما الزكاة فلا معنى للجمع بينها وبين اللقطه، لان الزكاة تملك غير مضمون ببدل، واللقطه تؤخذ مضمونه ببدل فكان الغنى أحق بتملكها، لانه أوفى ذمة، وأما ما ذكروه من المضطر فقد جعلناه أصلا. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه ولا أحب لاحد ترك اللقطة إذا وجدها وكان أمينا عليها، وظاهر قوله يقتضى استحباب أخذها دون إيجابه، وقال أيضا ولا يجوز لاحد ترك اللقطه إذا وجدها، فكان ظاهر هذا القول يدل على إيجاب أخذها، فاختلف أصحابنا لاختلاف هذين الظاهرين، فكان أبو الحسن بن القطان وطائفة يخرجون ذلك على اختلاف قولين (أحدهما) أن أخذها استحباب وليس بواجب على ظاهر ما نص عليه في هذا الموضع لانه غير مؤتمن عليها ولا مستودع لها. (والقول الثاني) أن أخذها واجب وتركها مأثم، لانه لما وجب عليه حراسة نفس أخيه المسلم وجب عليه حراسة مال أخيه المسلم وقال جمهور أصحابنا، ليس ذلك على قولين، انما هو على اختلاف حالين، فالموضع الذى لا يأخذها إذا كانت يؤمن عليها ويأخذها غيره ممن يؤدى الامانه فيها، والموضع الذى أوجب عليه أخذها إذا كانت في موضع لا يؤمن عليها ويأخذها غيره ممن لا يؤدى الامانة فيها، لما في ذلك من التعاون، وعلى كلتا

الحالتين لا يكره له أخذها إذا كان أمينا عليها، بل يدور أخذها بين الاستحباب والوجوب. وحكى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أخذها. وروى أن شريحا مر بدرهم فلم يعرض له. وفى هذا القول إبطال التعاون وقطع المعروف. وقد أخذ أبى الصرة وأخذ على الدينار. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليهما ولا كرهه لهما، ويجوز أن يكون المحكى عن ابن عباس وابن عمر فيمن كان غير مأمون عليها، أو ضعيفا عن القيام بها. ونحن نكره لغير الامين عليها والضعيف عن القيام بها أن يتعرف لاخذها، وإنما يؤمر به من كان أمينا قويا، فلو تركها القوى الامين حتى هلكت فلا ضمان عليه وإن أساء. وإن أخذها لزمه القيام بها، وإن تركها بعد الاخذ لزمه الضمان. ولو ردها على الحاكم فلا ضمان عليه بخلاف الضوال في أحد الوجهين لانه ممنوع من أخذ الضوال فضمنها. وغير ممنوع من أخذ اللقطة فلم يضمنها وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا؟ فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت قد استهلكت. وخالف في ذلك الكرابيسى صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن على الظاهرى إمام المذهب المعروف لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة. ومن أدلة الجمهور مما تقدم من الاحاديث (ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فإن جاء صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها) وفى رواية للبخاري (فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فان جاء صاحبها فأدها إليه) أي بدلها لان العين لا تبقى بعد أكلها. وفى رواية لابي داود (فان جاء باغيها فأدها إليه، والا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فان جاء باغيرها فأدها إليه) فأمر بأدائها قبل الاذن في أكلها وبعده. قال الماوردى في الحاوى الكبير: أن الواجد لو منع بعد الحول من تملكها أدى ذلك إلى أحد أمرين، اما أن لا يرغب الواجد في أخذها، واما أن تدخل

المشقة عليه في استدامة امساكها، فكان اباحة التمليك لها بعد التعريف أحث على أخذها وأحفظ لها على مالكها لثبوت غرمها في ذمته، فلا تكون معرضة للتلف، وليكون ارتفاق الواجد بمنفعتها في مقابلة ما عاناه في حفظها وتعريفها وهذه كلها معان استوى فيها الغنى والفقير، ثم مذهب الشافعي لا فرق بين المسلم والذمى في أخذها للتعريف، وتملكها بعد الحول، لانها كسب يستوى فيه المسلم والذمى. فإذا ثبت جواز تملكها بعد الحول لكل واجد من غنى أو فقير فقد اختلف أصحابنا بماذا يصير مالكا؟ على ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يصير مالكا لها بمضي الحول وحده إلا أن يختار أن تكون أمانة فلا تدخل في ملكه. وهذا قول أبى حفص بن الوكيل لانه كسب على غير بدل فأشبه الركاز والاصطياد والوجه الثاني: أنه يملكها بعد مضى الحول باختيار التملك، فإن لم يختر التملك لم يملك. وهذا قول أبى إسحاق المروزى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فان جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) فرد أمرها إلى اختياره، ولانه أبيح له التملك بعد الحول بعد أن كان مؤتمنا. فاقتضى أن لا ينتقل عما كان عليه الا باختيار ما أبيح له والوجه الثالث: أنه لا يملكها بعد مضى الحول الا بالاختيار والتصرف، وهو ما لم يتصرف غير مالك، لان التصرف منه كالقبض فأشبه الهبة. فإذا صار مالكها بما ذكرنا فقد ضمنها لصاحبها فمن جاء طالبا لها رجع بها ان كانت باقية، وليس للمتملك أن يعدل به مع بقائها إلى بدلها، فإن كانت ذا مثل رجع بمثلها، وان كانت غير ذى مثل رجع لقيمتها حين تملكها، لانه إذ ذاك صار ضامنا لها. فإن اختلفا في القيمة فالقول قول متملكها لانه غارم، فلو كانت عند مجئ صاحبها باقية لكن حدث منها نماء منفصل رجع بالاصل دون النماء لحدوث النماء بعد ملك الواجد فلو عرف الواجد صاحبها وجب عليه اعلامه بها. ثم ينظر فإن كان ذلك قبل أن يملكها الواجد فمؤنة ردها على صاحبها دون الواجد كالوديعة، وفى هذه

الحال ترد بنمائها متصلا ومنفصلا لان ذلك قبل زمن التملك. وان كان بعد تملكها فمؤنة ردها على الواجد دون صاحبها لبقائها على ملكه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن جاء من يدعيها ووصفها، فإن غلب على ظنه أنها له جاز له أن يدفع إليه ولا يلزمه الدفع لانه مال للغير فلا يجب تسليمه بالوصف كالوديعة فإن دفع إليه بالوصف ثم جاء غيره وأقام البينة انها له قضى بالبينة لانها حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف، فان كانت باقية ردت على صاحب البينة، وان كانت تالفة فله أن يضمن الملتقط لانه دفع ماله بغير حق وله أن يضمن الآخذ لانه أخذ ماله بغير حق، فان ضمن الآخذ لم يرجع على الملتقط، لانه إن كان مستحقا عليه فقد دفع ما وجب عليه فلم يرجع، وإن كان مظلوما لم يجز أن يرجع على غير من ظلمه. وإن ضمن الملتقط نظرت فان كان قد أقر للآخذ بالملك بأن قال هي لك لم يرجع عليه، لانه اعترف أنه أخذ ماله وأن صاحب البينة ظلمه فلا يرجع على من لم يظلمه، وان لم يقر له ولكنه قال يغلب على ظنى أنها لك فله الرجوع لانه بان أنه لم يكن له، وقد تلف في يده فاستقر الضمان عليه. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول، فإذا التقط الرجل لقطة قلت أو كثرت عرفها سنة، ويعرفها على أبواب المساجد والاسواق ومواضع العامة، ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التى أصابها فيها، ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه، فإن جاء صاحبها وإلا فهى له بعد سنة. على أن صاحبها متى جاء غرمها، وان لم يأت فهى مال من ماله. وان جاء بعد السنة وقد استهلكها والملتقط حى أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء

فإن جاء ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق، فإن ادعاها واحد أو اثنان فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه. وقال أيضا: ونفتى الملتقط إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن، ووقع في نفسه أنه صادق أن يعطيه، ولا أجبره عليه إلا ببينة لانه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها. قلت: وصورتها في رجل ادعى لقطة في يد واجدها، فان أقام البينة العادلة على ملكها وجب تسليمها، وإن لم يقم بينة لكن وصفها فان أخطأ في صفتها لم يجز دفعها إليه، وإن أصاب في جميع صفاتها من العفاص والوكاء والجنس والنعت والعدد والوزن، فان لم يقع في نفسه صدقه لم يدفعها إليه، وان وقع في نفسه أنه صادق وأفتياه بدفعها إليه جوازا لا واجبا فان امتنع من الدفع لم يجبر عليه، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يجبر على دفعها إليه بالصفة استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة. فان جاء طالبها فادفعها إليه) فلما أخبر بمعرفة العفاص والوكاء دل على أنه كالبينة في الاستحقاق. وروى سويد بن غفله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فان جاء باغيها فعرفك عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) وهذا نص. قالوا: ولان كل إمارة غلب بها في الشرع صدق المدعى جاز أن يوجب قبول قوله كالبينات. قالوا: ولان البينات في الاصول مختلفه، وما تعذر منها في الغائب يخفف كالنساء المنفردات في الولادة وإقامه البينه على اللقطه متعذر لا سيما على الدنانير والدراهم التى لا تضبط أعيانها فجاز أن تكون الصفه التى هي غاية الاحوال الممكنة أن يكون بينة فيها. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم، لو أعطى الناس بدعاواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينه على المدعى، واليمين على المدعى عليه. فلم يجعل الدعوى حجه، ولا جعل مجرد القول حجه بينة، ولان الصفه للمطلوب من تمام الدعوى، فلم يجز أن تكون بينة للطالب قياسا على الطلب. قال الشافعي رضى الله عنه محتجا عليهم. أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها،

ونحن نعلم أن كلهم كذبة إلا واحدة بغير عينه، فرد عليه ابن داود فقال: كما لو ادعاها عشرة واقام كل واحد منهم بينة عليها، قسمتها بينهم، وان صدق جميعهم مستحيلا، كذلك إذا وصفوها كلهم. والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن كذب المدعى أسقط الدعوى من كذب الشهود، ألا ترى أن إكذاب المدعى لنفسه مبطل للدعوى وإكذاب الشهود لانفسهم غير مبطل للدعوى. والثانى أن البينة هي أقصى ما يقدر عليه المدعى وأقوى ما يحكم به الحاكم، فدعت ضرورة الحاكم في البينة إلى ما لم يدعه من الصفة. وأما الجواب عن قولهم: اعرف عفاصها ووكاءها فهو أن ذلك منه لا لدفعها بصفة العفاص والوكاء ووجوب رده معه، ولكن لمعان هي أخص بمقصود اللقط، منها أن بينته بحفظ العفاص والوكاء ووجوب رده مع قلته ونزارته على حفظ ما فيه ووجوده مع كثرته. ومنها أن يتميز بذلك عن ماله ومنها جواز دفعها بالصفة، وإن لم يجب، وعلى هذا المعنى نحمل حديث سويد بن غفله الذى جعلوه نصا. وأما استدلالهم فنحن ما جعلنا الامارة على الصدق حجة في قبول الدعوى وإنما جعلنا الايمان بعدها حجة، وأما استدلالهم بأن البينات في الاصول مختلفة فصحيح، وليس في جميعها بينة تكون بمجرد الصفة، ولا يكون تعذر البينة موجبا ان تكون الصفة بينه. الا ترى أن السارق تتعذر إقامة البينه عليه، ولا يكون صفة ما بيده لمدعى سرقته حجة. فإذا ثبت أن دفعها بالصفة لا يجب فدفعها بالصفة وسعه ذلك إذا لم يقع في نفسه كذبه، فان أقام غيره البينه عليها بشاهدين أو شاهد وإمرأتين أو شاهد ويمين كان مقيم البينة أحق بها من الآخذ لها بالصفة، فان كانت باقية في يد الواصف انتزعت منه لمقيم البينه، وان كان قد استهلكها نظر في الدافع لها فان كان قد دفعها بحكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة، وان كان قد دفعها بغير حكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع

بغرمها على من شاء من الدافع الملتقط أو الآخذ الوصف، فان رجع بها على الاخذ لها بالصفة فله ذلك لضمانه لها باليد، واستحقاق غرمها بالاتلاف، وقد برئ الدافع لها من الضمان لوصول الغرم إلى مستحقه، وليس للغارم أن يرجع بما غرمه على الدافع، لانه إن كان مستحقا عليه فمن وجب عليه حق لم يرجع به على أحد، وان كان مظلوما به فالمظلوم بالشئ لا يجوز أن يرجع به على غير ظالمه. وان رجع مقيم البينه بغرمها على الدافع الملتقط نظر في الدافع، فان كان قد صدق الواصف لها على ملكها وأكذب الشهود لصاحب البينه عليها فليس له الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة، لانه مقر أنه مظلوم بالمأخوذ منه، فلا يرجع به على غير من ظلمه، وان لم يكن قد صدق الواصف ولا أكذب الشهود فله الرجوع بالغرم على الآخذ لها بالصفة لضمانه لها بالاستهلاك وتكون البينه موجبة عليه وله، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وجد ضالة لم يخل اما أن تكون في برية أو بلد، فان كانت في بريه نظرت، فان كانت مما يمتنع على صغار السباع بقوته كالابل والبقر والخيل والبغال والحمير، أو ببعد أثره لسرعته كالظباء والارانب، أو بجناحه كالحمام والدراج، لم يجز التقاطه للتملك، لما روى زيد بن خالد الجهنى قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضالة الابل فغضب واحمرت عيناه. وقال مالك ولها معها الحذاء وللشقاء، تأكل من الشجر وترد الماء حتى يأتي ربها، وسئل عن ضالة الغنم فقال: خذها هي لك أو لاخيك أو للذئب) وهل يجوز أخذها للحفظ؟ ينظر فيه، فان كان الواجد هو السلطان جاز، لان للسلطان ولايه في حفظ أموال المسلمين، ولهذا روى أنه كان لعمر حظيرة يجمع فيها الضوال، فان كان له حمى تركها في الحمى وأشهد عليها ويسمها بسمة الضوال لتتميز عن غيرها من الاموال، وان لم يكن له حمى، فان كان يطمع في مجئ صاحبها، بأن يعرف أنها من نعم قوم يعرفهم، حفظها اليومين والثلاثة، وان لم يعرف أو عرف

ولم يجئ صاحبها باعها وحفظ ثمنها، لانه إذا تركها احتاجت إلى نفقة، وفى ذلك إضرار. وإن كان الواجد لها من الرعية ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه يأخذها للحفظ على صاحبها فجاز كالسلطان (والثانى) لا يجوز لانه لا ولاية له على صاحبها بخلاف السلطان، فإن أخذها للتملك أو للحفظ وقلنا: إنه لا يجوز ضمنها لانه تعدى بأخذها فضمنها كالغاصب، وان دفعها إلى السلطان ففيه وجهان. (أحدهما) لا يبرأ من الضمان لانه لا ولاية للسلطان على رشيد. (والثانى) يبرأ، وهو المذهب، لان للسلطان ولاية على الغائب في حفظ ما يخاف عليه من ماله، ولهذا لو وجدها السلطان جاز له أخذها للحفظ على مالكها، فإذا أخذها غيره وسلمها إليه برئ من الضمان، وإن كان مما لا يمتنع من صغار السباع كالغنم وصغار الابل والبقر أخذها، لحديث زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال في ضالة الغنم (خذها هي لك أو لاخيك أو للذئب) ولانه إذا تركها أخذها غيره أو أكلها الذئب، فكان أخذها أحوط لصاحبها، وإذا أخذها فهو بالخيار بين أن يمسكها ويتطوع بالانفاق عليها ويعرفها حولا ثم يملكها وبين ان يبيعها ويحفظ ثمنها ويعرفها ثم يملك الثمن، وبين أن يأكلها ويغرم بدلها ويعرفها، لانه إذا لم يفعل ذلك احتاج إلى نفقة دائمه، وفى ذلك إضرار بصاحبها، والامساك أولى من البيع والاكل لانه يحفظ العين على صاحبها ويجرى فيها على سنة الالتقاط في التعريف والتملك، والبيع أولى من الاكل، لانه إذا أكل استباحها قبل الحول، وإذا باع لم يملك الثمن إلا بعد الحول، فكان البيع أشبه بأحكام اللقطة، فإن أراد البيع ولم يقدر على الحاكم باعها بنفسه، لانه موضع ضرورة، وإن قدر على الحاكم ففيه وجهان. أحدهما: لا يبيع إلا بإذنه، لان الحاكم له ولاية ن ولا ولاية للملتقط. والثانى: يبيع من غير اذنه لانه قد قام مقام المالك فقالم مقامه في البيع، وان أكل فهل يلزمه أن يعزل البدل مدة التعريف؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يلزمه، لان كل حالة جاز أن يستبيح أكل اللقطة لم يلزمه عزل

البدل كما بعد الحول، ولانه إذا لم يعزل كان البدل قرضا في ذمته، وإذا عزله كان أمانة والقرض أحوط من الامانة. (والثانى) يلزمه عزل البدل لانه أشبه بأحكام اللقطة، فإن من حكم اللقطة أن تكون أمانة قبل الحول، وقرضا بعد الحول، فيصير البدل كاللقطة ان شاء حفظها له وان شاء عرفها ثم تملك. وان أفلس الملتقط كان صاحبها أحق بها من سائر الغرماء، وان وجد ذلك في بلد. فقد روى المزني أن الصغار والكبار في البلد لقطة، فمن أصحابنا من قال: المذهب ما رواه المزني، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فرق بين الصغار والكبار في البرية، لان الكبار لا يخاف عليها لانها ترد الماء وترعى الشجر وتتحفظ بنفسها، والصغار يخاف عليها لانها لا ترد الماء والشجر فتهلك، وأما في البلد فالكبار كالصغار في الخوف عليها، فكان الجميع لقطة. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أن البلد كالبرية، فالصغار فيه لقطة، والكبار ليست بلقطة لعموم الخبر، فإن قلنا: ان البلد كالبرية فالحكم فيه على ما ذكرناه الا في الاكل، فله أن يأكل الصغار في البرية، وليس له أكلها في البلد، لان في البرية إذا لم يأكل الصغار هلكت، لانه لا يمكن بيعها، وفى البلد يمكن بيعها، فلم يجز الاكل، وان قلنا: ان الجميع في البلد لقطه فالحكم في الكبار كالحكم في الصغار في البرية الا في الاكل، فإن لا يأكل في البلد ويأكل الصغار في البريه لما ذكرناه. (فصل) وان وجد عبدا صغيرا لا تمييز له أن يلتقطه، لانه كالغنم يعرفه حولا ثم يملكه، وان وجد جاريه صغيرة لا تمييز لها، فان كان لا يحل له وطؤها جاز له أن يلتقطها للتملك، كما يجوز أن يقترضها، وان كانت تحل له لم يجز أن يلتقطها للتملك كما لا يجوز أن يقترضها. (الشرح) حديث زيد بن خالد الجعفي متفق عليه، وقد مضى الكلام عليه في الفصل قبله. أما الاحكام: فان ضوال الحيون إذا وجدت لم يخل حالها من أحد أمرين، اما أن توجد في صحراء أو في مصر، فان وجدت في صحراء فعلى ضربين:

(أحدهما) أن يكون مما يصل بنفسه إلى الماء والرعى، ويدفع عن نفسه صغار السباع، اما لقوة جسمه كالابل والبقر والخيل والبغال والحمير. واما لبعد أثره كالغزال والارنب والطير، فهذا الانواع كلها لا يجوز لواجدها أن يتعرض لاخذها إذا لم يعرف مالكها لقوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الابل: مالك ولها معها حذاؤها، أي خفها الذى يقيها العثرات وتعتمد عليه في السعي إلى المرعى بدون أن يتجشم أحد تقديم الطعام إليها، ومعها سقاؤها، اشارة إلى طول عنقها، فتمد عنقها إلى الماء فلا تحتاج إلى من يقدمه لها. ولذا قال: ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها ولانها تحفظ أنفسها فلم يكن لصاحبها حظ في أخذها فإن أخذها لم يخل من أحد أمرين، أما أن يأخذها لقطة ليتملكها ان لم يأت صاحبها، فهطا متعد وعلى ضمانها، فإن أرسلها لم يسقط الضمان. وقال أبو حنيفة ومالك: قد سقط الضمان عنه بالارسال بناء على أن من تعدى في وديعة ثم كف عن التعدي فعندهما يسقط عنه الضمان. وعند الشافعي وأصحابه لا يسقط، فان لم يرسلها ودفعها إلى مالكها فقد سقط عنه ضمانها بأدائها إلى مستحقها، وان دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك ففى سقوط الضمان وجهان: (أحدهما) قد سقط لان الحاكم نائب عمن غاب (والثانى) لا يسقط لانها قد تكون لحاضر لا يولى عليه. والامر الثاني: أن لا يأخذها لقطة ولكن يأخذها حفظا لها على مالكها، فان كان عارفا بمالكها لم يضمن ويده يد أمانة حتى تصل إلى المالك. وان كان غير عارف للمالك ففى وجوب الضمان وجهان (أحدهما) لا ضمان لانه من التعاون على البر والتقوى (والوجه الثاني) عليه الضمان لانه لا ولاية له على غائب، فان كان واليا كالامام أو الحاكم فلا ضمان عليه، فقد روى أن عمر رضى الله عنه كانت له حظيرة يحظر فيها ضوال المسلمين. فهذا حكم أحد الضربين والضرب الثاني: ما لا يدفع عن نفسه ويعجز عن الوصول إلى الماء والرعى كالغنم والدجاج، فلو أخذه وأكله في الحال من غير تعريف، غنيا كان أو فقيرا

فعليه غرمه لمالكه إذا وجده، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك وداود: هو غير مضمون عليه ويأكله إباحة ولا غرم عليه في استهلاكه استدلالا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (هي لك أو لاخيك أو للذئب) ومعلوم أن ما استهلكه الذئب هدر لا يضمن، وإنما أراد بيان حكم الآخذ في سقوط الضمان، ولان ما استباح أخذه من غير ضرورة إذا لم يلزمه تعريفه لم يلزمه غرمه كالدراهم وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) ولانها لقطة يلزمه ردها مع بقائها، فوجب أن يلزمه غرمها عند استهلاكها قياسا على اللقطة في الاموال، ولانها ضالة فوجب أن تضمن بالاستهلاك كالابل. فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هي لك أو لاخيك أو للذئب) فهو أنه نبه بذلك على إباحة الاخذ وجواز الاكل دون الغرم. وأما الركاز فإنه لا يلزم رده فلذلك سقط غرمه، وليس كذلك الشاة، لان ردها واجب فصار غرمها واجبا. فإذا ثبت جواز أخذ الشاة وما لا يدلع عن نفسه وإباحة أكله ووجوب غرمه فكذلك صغار الابل والبقر، لانها لا تمنع عن أنفسها كالغنم ثم لا يخلو حال واجد الشاة وما في معناها من أربعة أحوال (أحدها) أن يأكلها فيلزمه غرم قيمتها قبل الذبح عند الاخذ في استهلاكها ويكون ذلك مباحا لا يأثم به وان غرم (والحال الثانية) أن يتملكها ليستبقيها حية لدر أو نسل فذلك له، لانه لما استباح تملكها مع استهلاكها فأولى أن يستبيح تملكها مع استبقائها ثم في صحة ضمانها وجهان كالعارية مخرجا. وفى الاختلاف قولين في ضمان الصداق، أحدهما أنه ضامن لقيمها أكثر ما كانت من حين وقت التملك إلى وقت التلف، فإن جاء صاحبها وهى باقية وقد أخذ الواجد درهما ونشلها كان الدر والنسل للواجد لحدوثه على ملكه، وللمالك أن يرجع بها دون قيمتها، فإن بذلك له الواجد قيمتها لم يجبر على أخذها مع بقاء عينها إلا أن يتراضيا على ذلك فيجوز، فلو كانت

الشاة حين رجع بها المالك زائدة في بدنها أو قيمتها لم يكن للواجد حق في الزيادة وكانت للمالك تبعا للاصل، ولو كانت ناقصة رجع المالك بنقصها على الواجد لانها مضمونة بالتلف فكانت مضمونة بالنقص. والحال الثالثة: أن يستبقيها في يديه أمانة لصاحبها فذلك له، لانه لما جاز أن يتملكها على صاحبها فأولى أن يحفظها لصحابها. ولا يلزمه تعريفها، لان ما جاز تملكه سقط تعريفه، ولا يلزمه إخبار الحاكم بها ولا الاشهاد عليها، بل إذا وجد صاحبها سلمها إليه، ولا ضمان عليه مدة إمساكها لصاحبها لو تلفت أو نقصت لان يده يد أمانة كالمعرف. وقال بعض أصحابنا وجها آخر أنه يضمنها لان إباحة أخذها مقصور على الاكل الموجب للضمان دون الائتمان. وهكذا القول فيما حدث من درها ونسلها على المذهب لا يضمنه. وعلى هذا الوجه يضمنه، فان أنفق عليها أكثر من مؤنة علوفتها، فإن كان ذلك منه مع وجود حمى للمسلمين ترعى فيه فهو متطوع بالنفقة وليس له الرجوع بها، وإن كان مع عدم الحمى، فان كان عن إذن الحاكم رجع بما أتفق، وإن كان عن غير إذنه، فان كان قادرا على استئذانه لم يرجع بها وان لم يقدر عل استئذانه، فان لم يشهد لم يرجع. وان أشهد ففى رجوعه بها وجهان (أحدهما) يرجع للضرورة (والثانى) لا يرجع لئلا يكون حاكم نفسه فلو أراد بعد امساكها أمانة، أن يتملكها ففى جوازه وجهان (أحدهما) له ذلك كالابتداء (والثانى) ليس له ذلك لاستقرار حكمها فأما ان أراد أن يتملك درها وتسلمها من غير أن يتملك أصلها لم يكن له ذلك وجها واحدا، لانه فرع يتبع أصله، فلو أرسلها بعد امساكها أمانة لزمه الضمان الا أن يرفعها إلى حاكم فلا يضمن. ولو نوى تملكها ثم أراد أن يرفع ملكه عنها لتكون أمانة لصاحبها لم يسقط عنه ضمانها. وفى ارتفاع ملكه عنها وجهان (احدهما) لا يرتفع ملكه لان الملك لا يزول الا بقبول المتملك، فعلى هذا يكون مالكا لما حدث من درها ونسلها لبقائها على ملكه.

والوجه الثاني: يرتفع ملكه عنها مع بقاء ضمانها وذلك أحوط لمالكها، ووجه ذلك أنه لما جاز أن يتملكها من غير بذل مالكها جاز أن يزول ملكه عنها من غير قبول متملكها، فعلى هذا يكون الحادث من درها ونسلها ملك لربها تبعا لاصلها وعليه ضمانها كالاصل. والحال الرابعة: أن يريد بيعها فلا يخلو ذلك من أحد أمرين: إما أن يبيعها قبل أن يملكها فذلك له ويكون ضامنا بقيمتها دون ثمنها. وفى هذه الحال تفصيل مضى للمصنف في فصل مضى. قال المزني فيما وصفه بخطه: إذا وجد الشاة أو البعير أو الدابة ما كانت في المصر أو في قرية فهى لقطة يعرفها سنة. قد مضى حكم ضوال الابل والغنم إذا وجدها في الصحراء، فأما إذا وجدها في البلد أو المصر فالذي حكاه المزني فيما وجده بخط الشافعي أنها لقطة له أخذها وعليه تعريفها حولا وحكى عن الشافعي في الام أنها في المصر والصحراء سواء، يأكل الغنم ولا ولا يعرض للابل، فاختلف أصحابنا فمنهم من خرج ذلك على قولين (أحدهما) أن المصر كالبادية يأكل الغنم ولا يعرض للابل، وهى المحكى في الام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (ضالة المؤن حرق النار) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والطبراني والطحاوى من حديث عبد الله بن الشخير والقول الثاني: أنها لقطة يأخذها الغنم والابل جميعا، ويعرفها كسائر اللقطة حولا كاملا، وهو الذى حكاه المزني عنه فيما لم يسمع منه، لان قوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الابل: معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر يختص بالبادية التى يكون فيها الماء والشجر دون المصر، وهى تمنع صغار السباع عن أنفسها في البادية، ولا يقدر على منع الناس في المصر، والشاة تؤكل في البادية لان الذئب يأكلها وهو لا يأكلها في المصر، فاختلف معناهما في البادية والمصر فاختلف حكمهما. ومن أصحابنا من يحمل جواز أحدهما على تسليمها إلى الامام وحمل المنع من أخذها على سبيل التملك. هذا وبقية ما جاء في الفصل على وجهه. والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن وجد كلب صيد لم يجز أن ينتفع به قبل الحول فإن عرفه حولا ولم يجد صاحبه جاز له أن ينتفع به: لان الانتفاع بالكلب كالتصرف في المال والتصرف في المال يقف على التعريف في الحول، فكذلك الانتفاع بالكلب. (فصل) وإن وجد ما لا يبقى كالشواء والطبيخ والخيار والبطيخ فهو بالخيار بين أن يأكله ويغرم البدل، وبين أن يبيعه ويحفظ الثمن على ما ذكرناه في الغنم في بيعه وحفظ ثمنه وأكله وعزل بدله، وخرج المزني فيه قولا آخر أنه يلزمه البيع، ولا يجوز الاكل، والمذهب الاول، لانه معرض للهلاك فخير فيه بين البيع والاكل كالغنم، وان وجد ما لا يبقى ولكن يمكن التوصل إلى حفظه كالرطب والعنب - فان كان الانفع لصاحبه أن يباع - بيع، وإن كان الانفع أن يجفف جفف، وإن احتاج إلى مؤنة في تجفيفه ولم يوجد من يتطوع بيع بعضه وأنفق عليه. (فصل) وإن وجد خمرا أراقها صاحبها لم يلزمه تعريفها، لان اراقتها مستحقة فلم يجز التعريف، فإن صارت عنده خلا ففيه وجهان. أحدهما: أنها لمن أراقها لانها عادت إلى الملك السابق، والملك السابق الذى أراق، فعاد إليه كما لو غصبه من رجل فصار في يده خلا. والثانى: أنه للملتقط لان الاول أسقط حقه منها فصارت في يد الثاني، ويخالف المغصوبة لانها أخذت بغير رضاه فوجب ردها إليه. (فصل) فاما العبد إذا وجد لقطة ففيه قولان (أحدهما) له أن يلتقط لانه كسب بفعل فجاز للعبد كالاصطياد (والثانى) لا يجوز لان الالتقاط يقتضى ولاية قبل الحول وضمانا بعد الحول والعبد ليس من أهل الولاية ولا له ذمة يستوفى منها الحق إلى أن يعتق ويوسر، فان قلنا: انه يجوز أن يلتقط فالتقط فهلك في يده من غير تفريط لم يضمن، وان هلك بتفريط ضمنها في رقبته فتباع فيها، وان عرفها صح تعريفه ولا يملك به لانه في أحد القولين لا يملك المال،

وفى الثاني: يملك إذا ملكه السيد، وههنا لم يملكه السيد، فان قلنا: ان الملتقط يملك بالتعريف من غير اختيار التملك دخل في ملك السيد كما يدخل في ملكه ما التقطه وعرفه، وان قلنا: لا يملك الا باختيار التملك وقف على اختياره، فان تملكها العبد وتصرف فيها ففيه وجهان. (أحدهما) يضمنها في ذمته ويتبع بها إذا عتق كما لو اقترض شيئا. (والثانى) يضمنها في رقبته لانه مال لزمه بغير رضا من له الحق، فتعلق برقبته كأرش الجناية. وان علم السيد نظرت فان لم يكن عرفها العبد عرفها السيد حولا ثم تملك وان عرفها العبد تملكها السيد في الحال لان تعريف العبد كتعريفه فان عرفها العبد بعض الحول عرفها السيد ما بقى ثم تملك، وان أقرها في يد العبد نظرت، فان كان العبد أمينا لم يضمن كما لا يضمن ما التقطه بنفسه وسلمه إلى عبده، وان كان خائنا ضمنها كما لو التقطها بنفسه وسلمها إليه وهو خائن. وان قلنا: أنه لا يجوز أن يلتقط فالتقط ضمنها في رقبته لانه أخذ مال غيره بغير حق فأشبه إذا غصبه، وان عرفها لم يصح تعريفه لانها ليست في يده بحكم اللقطة، فان علم السيد نظرت، فان أخذها صارت في يده أمانة لانه أخذ ما يجوز له أخذه بحكم الالتقاط فصار كما لو وجد لقطة فالتقطها ويبرأ العبد من الضمان لانه دفعها إلى من يجوز الدفع إليه فبرئ من الضمان كما لو دفعها إلى الحاكم. وان أراد أن يتملك ابتدأ التعريف ثم تملك، فان أقرها في يد العبد ليعرفها فان كان أمينا لم يضمن كما لو استعان به في تعريف ما التقطه بنفسه وان لم يأخذها ولا أقرها في يده ولكنه أهملها، فقد روى المزني أنه يضمنها في رقبة العبد. وروى الربيع أنه يضمنها في ذمته ورقبه العبد، فمن أصحابنا من قال: الصحيح. ما رواه المزني أنه يختص برقبته لان الذى أخذ هو العبد فاختص الضمان برقبته فعلى هذا ان تلف العبد سقط الضمان. وقال أبو إسحاق: الصحيح ما رواه الربيع وأنه يتعلق بذمة السيد ورقبة العبد لان العبد تعدى بالاخذ والسيد تعدى بالترك فاشتركا في الضمان، فعلى هذا ان

تلف العبد لم يسقط الضمان وان التقط العبد لقطة ولم يعلم السيد بها حتى أعتقه، فعلى القولين، إن قلنا: أنه يجوز للعبد أن يلتقط. كان للسيد أن يأخذها منه لانه كسب له حصل له في حال الرق فكان للسيد كسائر أكسابه، وان قلنا: لا يجوز له أن يلتقط لم يكن للسيد أن يأخذها منه لانه لم يثبت للعبد عليه يد الالتقاط، فعلى هذا يكون العبد أحق بها لانها في يده وهو من أهل الالتقاط (1) ، ويحتمل أن لا يكون أحق بها لان يده يد ضمان فلا تصير يد أمانة. (فصل) وإن وجد المكاتب لقطة فالمنصوص أنه كالحر، واختلف اصحابنا فيه، فمنهم من قال: انه كالحر قولا واحدا لانه يملك التصرف في المال وله ذمة يستوفى منها الحق فهو كالحر، ومنهم من قال: هو كالعبد لانه ناقص بالرق كالعبد فيكون في التقاطه قولان، فان قلنا: أنه كالحر أو قلنا أنه كالعبد وجوزنا التقاطه صح تعريفه فإذا عرفها ملكها لانه من أهل الملك، وإذا قلنا أنه كالعبد ولم نجوز التقاطه صار ضامنا لانه تعدى بالاخذ ويجب أن يسلمها إلى السلطان لانه لا يمكن اقرارها في يده لانها في يده بغير حق ولا يمكن تسليمها إلى السيد لانه لا حق له في أكسابه فوجب تسليمها إلى السلطان فان أخذها السلطان برئ المكاتب من الضمان فتكون في يد السلطان أبدا إلى أن يجد صاحبها. (فصل) وان وجد اللقطة من نصفه حر ونصفه عبد فالمنصوص أنه كالحر فمن أصحابنا من قال: هو كالحر قولا واحدا لانه تملك ملكا تاما وله ذمة صحيحة فهو كالحر، ومنهم من قال هو كالعبد القن لما فيه من نقص الرق فيكون على قولين فإذا قلنا: انه كالحر نظرت، فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة كانا شريكين فيها كسائر أكسابه، وان كان بينهما مهايأة، فإن قلنا: ان الكسب النادر لا يدخل في المهايأة كانت اللقطة بينهما لانه بمنزلة ما لم يكن بينهما مهايأة، وان قلنا: ان الكسب النادر يدخل في المهايأة كانت اللقطة لمن وجدها في يومه. (فصل) وإن وجد المحجور عليه لسفه أو جنونه أو صغر لقطة صح التقاطه

_ (1) هكذا بالاصل ولينظر فيه فانه جعله من غير أهل الالتقاط اه مصححه

لانه كسب بفعل فصح من المحجوز عليه كالاصطياد وعلى الناظر أمره أن ينتزعها منه ويعرفها لان اللقطة في مدة التعريف أمانة والمحجور عليه ليس من أهل الامانة فان كان ممن يجوز الاقتراض عليه تملكها له، وإن كان ممن لا يجوز الاقتراض عليه لم يتملك له لان التملك بالالتقاط كالتملك بالاقتراض في ضمان البدل. (فصل) وان وجد الفاسق لقطة لم يأخذها لانه لا يؤمن أن لا يؤدى الامانة فيها فان التقطها ففيه قولان. (أحدهما) لا تقر في يده وهو الصحيح لان الملتقط قبل الحول كالموالي في حق الصغير. والفاسق ليس من أهل الولاية في المال (والثانى) تقر في يده لانه كسب بفعل فاقر في يده كالصيد، فعلى هذا يضم إليه من يشرف عليه وهل يجوز أن ينفرد بالتعريف فيه قولان (أحدهما) يجوز لان التعريف لا يفتقر إلى الامانة (والثانى) لا يجوز حتى يكون معه من يشرف عليه لانه لا يؤمن أن يفرط في التعريف فإذا عرفه ملكه لانه من أهل التملك. (فصل) وان التقط كافر لقطة في دار الاسلام ففيه وجهان (أحدهما) يملك بالتعريف لانه كسب بالفعل فاستوى فيه الكافر والمسلم كالصيد (والثانى) لا يملك لان تصرفه بالحفظ والتعريف بالولاية. والكافر لا ولاية له على المسلم (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: فإن كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى فله أن يأكله إذا خاف فساده ويغرمه لربه. وقال فيما وضع خطه لا أعلمه سمع منه إذا خاف فساده أحببت أن يبيعه ويقيم على تعريفه. قال المزني: هذا أولى القولين به اه. قلت: أما الطعام الرطب فضربان: أحدهما أن يكون مما يبس فيبقى كالرطب الذى يصير تمرا، والعنب الذى يصير زبيبا فهذا حكمه حكم غير الطعام في وجب تعريفه واستبقائه، فإن احتاج تجفيفه إلى مؤنة كانت على مالكه، ويفعل الحاكم أحفظ الامرين للمالك من بيعه أو الانفاق عليه. (والضرب الثاني) أن يكون مما لا يبقى كالطعام الذى يفسد بالامساك كالهريسة والفواكه والبقول التى لا تبقى على الايام، فقد حكى المزني عن الشافعي ههنا أنه

قال في موضع: يألكه الواجد، وقال في موضع آخر: أحببت أن يبيعه، فاختلف أصحابنا فكان أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة وطائفة من أصحابنا يخرجون على قولين. (أحدهما) لواجده أكله كالشاة التى لما تعذر استبقاؤها أبيح لواجدها أكلها (والقول الثاني) ليس لواجده أكله بخلاف الشاة لا يجب تعريفها فأبيح له أكلها، والطعام وان كان رطبا يجب تعريفه فلم يستبح واجده أكله. وحكى أبو على بن أبى هريرة أن ذلك على اختلاف حالين ان كان الحاكم موجودا يقدر على بيعه لم يكن لواجده أكله، وان كان معدوما جاز أكله. وكان أبو القاسم الصيمري يقول: اختلاف حاليه في إباحة أكله معتبر بحال واجده، فإن كان فقيرا محتاجا استباح أكله، وان كان غنيا لم يستبحه، فإن قلنا بجواز أكله فاكله صار ضامنا لقيمته وعليه تعريف الطعام حولا، وهل يلزمه عزل قيمته من ماله عند أكله أم لا؟ على قولين. (أحدهما) يلزمه عزل القيمة لئلا يصير متملك اللقطة. (والقول الثاني) لا يجب عليه عزلها لانه لو عزلها فهلكت كانت من ماله، فكانت ذمته أحظ لها، ولم يكن عزلها مفيدا، ومن قال بالاول جعل فائدة عزلها أنه لو أفلس بعد عزل قيمتها ثم حضر المالك كان أولى بالمعزول من قيمتها من جميع الغرماء، وزعم أن تلفها من يده بعد وجوب عزلها لا يوجب عليه غرمها فصار في ضمانه للثمن أن تلف بعد وجوب عزله وجهين. أحدهما - وهو قول ابن أبى هريرة انه يكون مضمونا عليه. والثانى وهو الاشبه: أنه لا ضمان عليه لان الثمن مع وجوب عزله يقوم مقام الاصل مع بقائه. وإذا قلنا: لا يجوز له أكله فعليه ان يأتي الحاكم حتى يأذن له في بيبعه، ولا يجوز أن يتولى بنفسه مع القدرة على استئذان الحاكم بخلاف الشاة إذا وجدها وأراد بيعها لان يده على الشاة اقوى لما استحقه عاجلا من أكلها ويده على الطعام أضعف لما وجب عليه من تعريفه، فان أعوزه اذن الحاكم جاز بيعه فلو باعه باذن الحاكم كان الثمن في يده امانة، وعليه تعريف الطعام حولا،

فان جاء صاحبه فليس له الا الثمن دون القيمة، ولو لم يأت صاحبه فللواجد أن يتملك الثمن. ولو هلك الثمن في يده قبل الحول أو بعده وقبل التملك له كان تالفا من مال ربه ولا ضمان على الملتقط، وهكذا حكم الثمن لو كان الواجد هو البائع عند إعواز الحاكم. فاما ان باعه مع وجود الحاكم فبيعه باطل وللمالك القيمة دون الثمن لفساد العقد، فان تلف الثمن من يد الواجد قبل الحول عليه غرمه لتعديه بقبضه مع فساد بيعه، فان حضر المالك والثمن بقدر القيمة من غير زيادة ولا نقص أخذه وهو مبلغ حقه، وان كان أقل فله المطالبة بتمام القيمة ويرجع على المشترى لان المشترى اشترى شراء فاسدا فكان ضامنا للقيمة دون المسمى الا أن يشاء. المالك ان يسامح بفاضل القيمة ويكون الباقي منه مردودا على المشترى، إذ ليس يلزمه الا القيمة. وما ساقه المصنف من مسائل فعلى وجهه، هذا وما ذكر في الفصل من كلب الصيد إذا التقط فقد وفاه في المجموع في الصيد فاشدد به يديك (فرع) مذهبا لا فرق بين المسلم والذمى في أخذها للتعريف والتملك بعد الحول لانها كسب يستوى فيه المسلم والذمى. وقال بعض أصحابنا: لاحق للذمي فيها وهو ممنوع من أخذها وتملكها لانه ليس من أهل التعريف لعدم ولايته على مسلم، ولا ممن يملك مرافق دار الاسلام كإحياء الموات. ولاحمد وأصحابه انه كالصبى والمجنون فانه يصح التقاطهما مع عدم الامانة، فإذا التقطها الذمي وعرفها حولا ملكها كالمسلم، وإن علم بها الحاكم أو السلطان اقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا (حارسا) يشرف عليه ويعرفها قالوا لاننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولانا منه ان يخل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه. ويحتمل عندهم أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يد عدل، لانه غير مأمون عليها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

كتاب اللقيط

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب اللقيط التقاط المنبوذ فرض على الكفاية لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولانه تخليص آدمى له حرمة من الهلاك فكان فرضا كبذل الطعام للمضطر. قال (اخذت منبوذا على عقد عمر رضى الله عنه فذكره عريفي لعمر رضى الله عنه فارسل إلى فدعاني والعريف عنده، فملما رأني قال: عسى الغوير ابؤسا، فقال عريفي انه لا يتهم، فقال عمر: ما حملك على ما صنعت؟ قلت: وجدت نفسا بمضيعة فأحببت أن يأجرني الله فيه، فقال هو حر وولاؤه لك وعلينا رضاعه. ولان الاصل في الناس الحرية، فان كان عليه ثياب أو حلى أو تحته فراش أو في يده دارهم أو عنان فرس، أو كان في دار ليس فيها غيره فهى له، لانه حر، فكان ما في يده له كالبالغ. وان كان على بعد منه مال مطروح أو فرس مربوط لم يكن له لانه لايد له عليه. وان كان بالقرب منه وليس هناك غيره ففيه وجهان (أحدهما) ليس له لانه لا يد له عليه (والثانى) له لان الافسان قد يترك ماله بقربه فإذا لم يكن هناك غيره فالظاهر انه له، وان كان تحته مال مدفون لم يكن له لان البالغ لو جلس على الارض وتحته دفين لم يكن له ذلك فكذلك اللقيط. (فصل) وان وجد في بلد من بلاد المسلمين وفيه مسلم فهو مسلم، لانه اجمتع له حكم الدار واسلام من فيها، وان كان في بلد الكفار ولا مسلم فيه، فهو كافر، لان الظاهر انه ولد بين كافرين. وان كان فيه مسلم ففيه وجهان. (أحدهما) انه كافر تغليبا لحكم الدار (والثانى) انه مسلم تغليبا لاسلام المسلم الذى فيه. وان التقطه حر مسلم امين مقيم موسر أقر في يده، لما ذكرناه مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لابد من ان يكون في يد من يكفله، فكان الملتقط أحق به لحق السبق

(الشرح) اثر عمر وسنين ابى جميلة رواه سعيد بن منصور عن سفيان عن الزهري سمع سنينا أبا جميلة بهذا. وقال الامير ابن مأكولا في كتاب الاكمال: سنين بنونين بينهما ياء حج من النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وروى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وروى عنه الزهري. قال أبو موسى: سنين بن فرقد. أما غريب الخبر فقوله (قد كره عريفي) العريف رجل يكون رئيسا على نفر يعرف أمورهم ويجمعهم عند الغزو، وهو فعيل بمعنى فاعل وقوله (عسى الغوير أبؤسا) الغوير ماء لبنى كلب وهذا مثل، أول من تكلم به الزباء ملكة تدمر حين رأت الابل عليها الصناديق فاستنكرت شأن قصير إذ أخذ على غير الطريق أرادت عسى أن يأتي بذلك الطريق بشر، والابؤس جمع بأس وانتصابه بعسى على أنه خبره على ما عليه أصل القياس. وقال الاصمعي: أصله أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو أتاهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلا لكل شئ يخاف أن يأتي منه شر. وقوله بمضيعه على وزن معيشة أي مهلكة من ضاع الشئ أي هلك، وقد أتى على هذا الوزن في قول قيس بن ذريح: بدار مضيعة تركتك لبنى كذلك الحين يهدى للمضاع هكذا أفاده ابن بطال في شرح غريب المهذب، وللقيط فعيل بمعنى مفعول وهو الملقوط، وهو يطلق على الطفعل المنبوذ والتقاطه واجب لقوله تعالى (تعاونوا على البر والتقوى) ولان فيه إحياء نفس فكان واجبا كاطعام المضطر وإنجائه من الغرق، وكذلك قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، على أن تسميته منبوذا بعد أخذه والتقاطه أو تسميته لقيطا قبل أخذه فهذا وان كان مجازا لكنه صار حقيقة شرعية فهو بعد أخذه يبقى مجازا بناء على زوال الحقيقة بزوال المعنى المشتق منه. وحكمه شرعا فرض كفاية إذا علم به جماعة وأداه بعضهم سقط عن الباقين،

فان تركه الجمعة أثموا جميعا إذا علموا فتركوه مع إمكان أخذه. على أن اللقيط حر في قول عامة أهل العلم الا النخعي. قال ابن المذر: أجمع عوام أهل العلم أن اللقيط حر، روى هذا عن عمر وعلى رضى الله عنهما، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبى والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأى ومن بتعهم. وقال النخعي: إن التقطه للحبسة فهو حر، وان كان أراد أن يسترقه فذلك له، وذلك قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء، ولا يصح في النظر، فان الاصل في الادميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا، وانما الرق للعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الاصل. واللقيط اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الكفر: فالاولى ضربان، دار اختطها المسلمون وأحدثوا مبانيها ابتداء أو أعادوا بناءها بعد أن كانت لغيرهم لغلبة الاسلام عليها وأصطباغها بصبغة الاسلام فلا يوجد فيها من غير المسلمين إلا قليل فلقيط هذه البلاد يحكم باسلامه، وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا للاسلام ولظاهر الدار، ولان الاسلام يعلو ولا يعلى، فمثل التى أنشأها المسلمون الكوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والفسطاط وتونس والرباط، ومثل التى أعادها المسلمون الاسكندرية ودمشق ودمنهور والقدس صانها الله وطهرها من رجس اعدائه اليهود، وقد مضى عام بتمامه منذ غزاها اليهود إلى ساعة كتابة هذا الفصل وحسبنا الله ونعم الوكيل. (الضرب الثاني) بلاد فتحها المسلمون وبقى أهلها على دينهم فإذا وجد فيها مسلم واحد كان لقيطها مسلما تغليبا لحكم الاسلام ووجود مسلم فيها. وأما بلد الكفار فضربان ايضا، بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كبلاد فلسطين فهذا كالضرب الذى قبله ان كان فيه مسلم حكم باسلام لقيطه: الثاني بلد لم يفتحه المسلمون من قبل أو فتحوه وغلب الكفار عليه واستأصلوا منه شأفة المسلمين كبلاد الاندلس (لهفى على قرطبه ومرسية وقشتالة وغرناطة ومجريط (مدريد) وميورقه كلهفي على ربوع المسجد الاقصى وما حوله من المباركات)

ففى لقيطها مع وجود مسلم فيها وجهان (أحدهما) ان يحكم بكفره تغليبا للدار. والوجه الثاني أنه مسلم تغليبا للاسلام بوجود مسلم فيه، وهذا التفصيل كله مذهب أحمد بن حنبل أيضا. والضرب الثاني: دار لم تكن للمسلمين أصلا كأكثر بلاد أوربا وأمريكا. فهذه البلاد إن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد وجب غسله وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين. قال: إذا وجد لقيط في قرية ليس فيها الا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به انه كافر. هذا قول الشافعي وأحمد وأصحاب الرأى. قالوا وفى الموضع الذى حكمنا باسلامه إنما يثبت ذلك ظاهرا لا يقينا، لانه يحتمل ان يكون ولد كافر، فلو أقام كافر بينة أنه ولد على فراشه حكمنا له به. وإذا بلغ اللقيط حدا يصح فيه اسلامه وردته فوصف الاسلام فهو مسلم، سواء ممن حكم باسلامه أو كفره، وان وصف الكفر وهو ممن حكم باسلامه فهل هو مرتد لا يقر على كفره؟ نص الشافعي في الام انه يقر على كفره ولا يكون مرتدا. وقال أبو حنيفة هو مرتد لا يقر على كفره، وعند الحنابلة وجهان كقولي أبى حنيفة والشافعي. دليلنا أنه وصف الكفر بقوله، وقوله اقوى من ظاهر الدار. اللهم الا أن يقال: الاحتياط للاسلام يلغى قوله المانع له لاحتمال أن يكون كذبا. هكذا أفاده الرملي. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان كان له مال كانت نفقته في ماله كالبالغ، ولا يجوز للملتقط أن ينفق عليه من ماله بغير اذان الحاكم، فان أنفق عليه من غير اذنه ضمنه لانه لا ولاية له عليه الا في الكفالة فلم يملك الانفاق بنفسه كالام، وان فوض إليه الحاكم أن ينفق عليه مما وجده معه فقد قال في كتاب اللقيط يجوز.

وقال في كتاب اللقطة: إذا انفق الواحد على الضالة ليرجع به لم يجز حتى يدفع إلى الحاكم ثم يدفع الحاكم إليه ما ينفق عليه، فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة من المسئلتين إلى الاخرى، وجعلهما على قولين (أحدهما) لا يجوز لانه لا يلى بنفسه فلم يجز ان يكون وكيلا لغيره في القبض له من نفسه، كما لو كان عليه دين ففوض إليه صاحب الدين قبض ماله عليه من نفسه (والثانى) يجوز لانه جعل أمينا على الطفل فجاز أن ينفق عليه مما له في يده كالوصي. ومنهم من قال: يجوز في اللقيط ولا يجوز في الضالة، لان اللقيط لا ولى له في الظاهر، فجاز ان يجعل الواحد وليا والضالة لها مالك هو ولى عليها فلا يجوز ان يجعل الواحد وليا عليها. وان لم يكن حاكم فانفق من غير اشهاد ضمن، وان أشهد ففيه قولان (أحدهما) يضمن لانه لا ولاية لفضمن، كما لو كان الحاكم موجودا (والثانى) لا يضمن لانه موضع ضرورة، وان لم يكن له مال وجب على السلطان القيام بنفقته لانه آدمى له حرمة يخشى هلاكه، فوجب على السلطان القيام بحفظه، كالفقير الذى لا كسب له. ومن اين تجب النفقة؟ فيه قولان (أحدهما) من بيت المال، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ استشار الصحابة في نفقة اللقيط فقالوا من بيت المال، ولان من لزم حفظه الانفاق ولم يكن له مال وجبت نفقته من بيت المال، كالفقير الذى لا كسب. فعلى هذا لا يرجع على احد بما انفق عليه، والقول الثاني لا يجب مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لا يصرف الا فيما لا وجه له غيره واللقيط يجوز ان يكون عبدا فنفقته على مولاه، أو حرا له مال أو فقيرا له من تلزمه نفقته، فلم يلزم من بيت المال. فعلى هذا يجب على الامام أن يقترض له ما ينفق عليه من بيت المال أو من رجل من المسلمين، فان لم يكن في بيت المال ولا وجد من يقرضه جمع الامام من له مكنة وعد نفسه فيهم وقسط عليهم نفقته، فان بان أنه عبد رجع على مولاه. وان بان أن له أبا موسرا رجع عليه بما اقترض له، فان لم يكن له أحد وله كسب رجع في كسبه. وان لم يكن له كسب قضى من سهم من يرى من المساكين أو الغارمين. (فصل) واما إذا التقطه عبد فان كان باذن السيد وهو من أهل الالتقاط جاز

لان الملتقط هو السيد، والعبد نائب عنه وان كان بغير اذنه لم يقر في يده لانه لا يقدر على حضانته مع خدمة السيد، وان علم به السيد واقره في يده كان ذلك التقاطا من السيد، والعبد نائب عنه (الشرح) إذا وجد مع اللقيط شئ فهو له وينفق عليه منه، والى هذا ذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأى، وذلك الطفل يملك وله يد صحيحة، بدليل أنه يرث ويورث ويصح ان يشترى له وليه ويبيع، ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة كالبالغ فإذا ثبت هذا: فكل ما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعة فهو تحت يده ويثبت بذلك ملكا له في الظاهر، فمن ذلك ما كان لابسا له أو مشدودا في ملبوسه أو في يديه أو مجعولا فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم، والثياب التى تحته والتى عليه، وان كان مشدودا على دابة، أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو في دار فهى له. وأما المنفصل عنه فان كان بعيدا منه فليس في يده، وان كان قريبا منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان. أحدهما: ليس هو له لانه منفصل عنه فهو كالبعيد. والثانى: هو له، وهو أصح لان الظاهر انه ترك له فهو بمنزلة ما هو تحته، ولا القريب من البالغ يكون في يده، الا ترى ان البائع الجائل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بأنه في يده؟ والحمال إذا جلس لاستراحة ترك حمله قريبا منه فاما المدفون تحته فقد قال بعض الفقهاء: ان كان الحفر طريا فهو له، والا فلا، لان الظاهر أنه إذا كان طريا فواضع اللقيط حفره، وإذا لم يكن طريا كان مدفونا قبل وضعه، وقيل: ليس هو له بحال، لانه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طريا، فلم يكن له إذا كان طريا كالبعيد منه، ولان الظاهر انه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به، ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه، وكل ما حكمنا بانه ليس له فحكمه حكم اللقطة، وما هو له انفق عليه منه، فان كان كفايته لم بجب نفقته على أحد لانه ذو مال فاشبه غيره من الناس. فإذا ثبت هذا: فان لملتقطه الانفاق عليه بإذن الحاكم، وقال أصحاب أحمد: ينفق عليه بغير اذن الحاكم ذكره أبو عبد الله بن حامد من الحنابلة.

قال ابن قدامة: لانه ولى له فلم يعتبر في الانفاق عليه في حقه إذن الحاكم كوصي اليتيم، ولان هذا من الامر بالمعروف فاستوى فيه الامام وغيره كتبديد الخمر. وروى أبو الحارث عن احمد رضى الله عنه في رجل أودع رجلا مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له، هل ينفق عليهم؟ فلم يجعل له الانفاق عليهم من غير إذن الحاكم، فقال بعض أصحاب أحمد: هذا مثله. وقال بعضهم وهو الصحيح عندهم: إن هذا مخالف بناء على ان الملتقط له ولاية على اللقيط عندهم فيكون له ولاية أخذه وحفظه. ولنا أن اللقيط ينبغى أن يتولى الحاكم أمره فقد يعين له من هو أوفر خبرة وأكثر صيانة والحاكم مجتهد له بصره النافذ ورأيه الصائب وهو ولى من لا ولى له فإذا أنفق عليه الملتقط من ماله الذى وجده ضمنه لانه لا حق له في الانفاق إلا بإذن الحاكم فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رواية الربيع بن سليمان في المنبوذ هو حر ولا ولاء له، وانما يرثه المسلمون بأنهم خولوا كل مال لا مالك له، ألا ترى أنهم يأخذون مال لنصراني ولا وارث له؟ ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء، ولكنهم خولوا مالا مالك له من الاموال اه. وقال في اللقطة ما يفيد عدم جواز الانفاق على الضاله بقصد الرجوع به على ربها الا باذن الحاكم، ثم يدفع الحاكم إليه ما ينفق عليه، ففى النص الاول جعل للمسلمين جميعا حق الولاية والارث على اللقيط وماله، وفى النص الثاني جعل ذلك باذن الحاكم، فمن أصحابنا من نقل جواب كل مسألة إلى الاخرى فجعل في اللقطة قولين وفى اللقيط قولين، فالقول بجواز اللقطه يمنعه في اللقيط، والقول بجوازه في اللقيط يمنعه في اللقطه. فإذا لم يجد الحاكم فأشهد رجلين أو رجلا وامرأتين أو أربع نسوة ففى ضمانه قولان. أما إذا لم يكن له مال لم يلزم الملتقط الانفاق عليه قى قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبه على الملتقط كوجوب نفقة الولد، وذلك لان أسباب وجوب النفقه من

القرابة والزوجية والملك والولاء منتفية، والالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك، وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك نفقة كما لو فعله بغير اللقيط، فإذا عرف هذا وكان نسمة يجب تعهدها بالتربية والانفاق انصرف هذا الواجب إلى بيت مال المسلمين، لقول عمر رضى الله عنه: هو حر لك ولاؤه وعلينا نفقته، وذلك لانه كالفقير الذى لا كسب فان نفقته واجبة له في بيت مال المسلمين، وذلك لان بيت المال وارثه، وماله مصروف إليه فتكون نفقته عليه كقرابته وموالاته. فان تعذر الانفاق عليه لعدم وجود مال في بيت المال أو كان اللقيط في مكان لا تقوم فيه حكومه تنفذ شريعة الله وترعى العجزة والفقراء واللقطاء فعلى من علم حاله أن يتولى الانفاق عليه. ويحتمل أن يقال: إنه لا يجب الانفاق عليه من بيت المال ولو كان موجودا وفيه مال، لان بيت المال إنما ينفق منه في الوجوه التى توفر على الانفاق عليها، وقد تكون أهم من هذا، واللقيط يحتمل أن يكون غنيا، ويحتمل أن يكون له أب موسر، ويحتمل أن له سيد تجب عليه نفقته. فإذا قلنا: إنه لا يجب الانفاق عليه من بيت المال وجب على الامام أن ينظم جماعة يكون هو أحد أفرادها تتولى الانفاق عليه على سبيل الاقراض، حتى إذا ظهر له مال أو ولى شرعى موسر، أو استطاع الكسب أمكن رد ما أنفق عليه، فان لم يكن يستطع الكسب ولم يكن له ولى موسر قضى من سهم المساكين أو الغارمين، ويجرى هذا كله على اللقيط ولو حكم بكفره. قال في النهاية: خلافا لما في الكفاية تبعا للماوردى. فإذا امتنع أهل القرية أو البلدة عن أن ينفقوا على اللقيط وجب على الامام قتالهم، ويفرق هنا بين كونها قرضا وفى بيت المال مجانا، بأن وضع بيت المال الانفاق على المحتاجين فلهم فيه حق مؤكد دون مال المياسير، وإذا لزمهم وزعها الامام على مياسير بلده، فان شق ذلك فعلى من يراه الامام منهم، فان استووا في نظره تخير، وهذا إن لم يبلغ اللقيط، فان بلغ فمن سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين كما قررنا، فان ظهر له سيد أو قريب رجع عليه وقد ضعف هذا النووي في الروضة وخالفه الشمس الرملي في النهايه.

وجملة هذا أن من أنفق متبرعا فلا شئ له سواء كان الملتقط أو غيره، وإن تبرع بالانفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره محتسبا بالرجوع عليه إذا أيسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصدا بالمعروف، وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأى وان أنفق بغير أمر الحاكم محتسبا بالرجوع عليه فقد قال الشافعي ومالك والثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشعبى وابن المنذر: هو متبرع. وقال أحمد بن حنبل: تؤدى النفقة من بيت المال، وقال شريح والنخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه. وقال بن عبد العزيز: يحلف ما أنفق احتسابا، فإن حلف استسعى والاصل عند القائلين بالرجوع أنه أدى ما وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا قضى عن المضمون عنه. هذا وما بقى من كلام المصنف فعلى وجهه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان التقطه كافر نظرت، فإن كان اللقيط محكوما بإسلامه لم يقر في يده، لان الكفالة ولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم، ولانه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه، وان كان محكوما بكفره أقر في يده لانه على دينه، وان التقطه فاسق لم يقر في يده، لانه لا يؤمن أن يسترقه، وأن يسئ في تربيته، ولان الكفالة ولاية والفاسق ليس من أهل الولاية (فصل) وان التقطه ظاعن يريد أن يسافر به نظرت، فان لم تختبر أمانته في الباطن، يقر في يده، لانه لا يؤمن أن يسترقه إذا غاب، وان اختبرت أمانته في الباطن، فان كان اللقيط في الحضر والملتقط من أهل البدو ويريد أن يخرج به إلى البدو منع منه، لانه ينقله من العيش في الرخاء إلى العيش في الشقاء، ومن طيب المنشأ إلى موضع الجفاء. وفى الخبر (من بدا فقد جفا) وان أراد أن يخرج به إلى بلد آخر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز، وهو ظاهر النص، لان البلد كالبلد (والثانى) لا يجوز، لان البلد الذى وجد فيه أرجى لظهور نسبه فيه.

وإن كان الملتقط في بدو، فإن كان الملتقط من أهل الحضر وأراد أن يخرج به إلى الحضر جاز، لان الحضر أرفق به وأنفع له، وإن كان من البادية فإن كانت حلته في مكان لا ينتقل عنه أقر في يده، لان الحلة كالقرية، وإن كان يظعن في طلب الماء والكلا ففيه وجهان (أحدهما) يقر في يده لانه أرجى لظهور نسبه. (والثانى) لا يقر في يده لانه يشقى بالتنقل في البدو. (فصل) وإن التقطه فقير ففيه وجهان (أحدهما) لا يقر في يده لانه لا يقدر على القيام بحضانته، وفى ذلك إضرار باللقيط (والثانى) يقر في يده لان الله تعالى يقوم بكفاية الجميع. (الشرح) حديث (من بدا فقد جفا) رواه أحمد في المسند عن البراء بن عازب بلفظ (من بدا جفا) ورواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود بلفظ (من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن) وإسناد أحمد صحيح، وفى إسناد الطبراني نظر أما اللغات فقوله: ظاعن فاعل ظعن وبابه نفع، أي ارتحل ويتعدى بالهمزة وبالحرف، فيقال أظعنته وظعنت به، فهو ظاعن للفاعل ومظعون للمفعول، والاصل مظعون به ولكن حذفت الصله لكثرة الاستعمال، وباسم المفعول سمى الرجل، ويقال للمرأة ظعينة فعيلة بمعنى مفعولة، لان زوجها يظعن بها، ويقال الظعينة الهودج، وسواء كان فيه امرأة أم لا، والجمع ظعائن وظعن بضمتين. ويقال الضعينة في الاصل وصف المرأة في هودجها، سميت بهذا الاسم وإن كانت في بيتها. قال تعالى (ويوم ظعنكم ويوم إقامتكم) قوله: ومن طيب المنشأ إلى موضع الجفاء. المنشأ بالهمز مقصور، وهو موضع النشوء وزمان الحداثة، يقال نشأت في بنى فلان إذا شببت فيهم، مأخوذ من أنشاء الله له، أي ابتداء خلقه. وقوله صلى الله عليه وسلم (من بدأ جفا) أي من نزل البادية صار فيه جفاء الاعراب، والجفاء ممدود وهو ضد البر، يقال جفوت الرجل أجفوه، ولا يقال جفيت. وهو مأخوذ من جفاء السيل، وهو ما نفاه السيل، والحلة المنزل ينزله القوم وحيث يحلون.

أما الاحكام فإنه ليس لكافر التقاط مسلم لانه لا ولاية لكافر على مسلم، ولانه لا يؤمن أن يفتنه ويلقنه الكفر، بل الظاهر أنه يربيه على ملته وينشأ على ذلك كولده، فإن التقطه فلا يقر في يده، وإن كان الطفل محكوما بكفره فله التقاطه لان الذين كفروا بعضهم أولياء بعض. أما إذا التقطه من هو مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا الخيانة أقر اللقيط في يديه، لان حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفى أكثر الاحكام، ولان الاصل في المسلم العدالة، ولذلك قال عمر رضى الله عنه: المسلمون عدول بعضهم على بعض، فان أراد أن يسافر بلقطته فانه لا يقر في يديه، وهذا هو مذهبنا، لانه لم تتحقق أمانته فلم تؤمن خيانته، وهذا أحد الوجهين عند الحنابله. والوجه الثاني عندهم يقر فأما من عرفت عدالته واتضحت أمانته، فيقر اللقيط في يده في سفره وحضره لانه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة، فإذا كان سفر الامين باللقيط إلى مكان يقيم به نظرت فان كان التقطه من الحضر فأراد النقل به إلى البادية لم يقر في يده لوجهين: (أحدهما) أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له (والثانى) أنه إذا وجد في الحضر فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به، النقلة به من بلد الحضر ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص، وهو أحد الوجهين عند الحنابله: يقر في يده لان ولايته ثابتة، والبلد الثاني كالبلد الاول في الرفاهية فيقر في يده، كما لو انتقل من أحد أقسام البلد إلى قسم آخر، وفارق المنتقل به إلى البادية لانه يضر به بتفويت الرفاهية عليه وان التقطه من البادية فله نقله إلى الحضر لانه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين (الثاني) لا يقر في يده، ولان بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يد المنتقل عنه قياسا على المنتقل به إلى الباديه، وان أقام به في حلة يستوطنها، فله ذلك، وان كان ينتقل به إلى المواضع أحتمل أن يقر في يديه، لان الظاهر

أنه أبن بدويين وإقراره في يدى ملتقطه أرجى لكشف نسبه، ويحتمل أن يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لانه أرفه له وأخف عليه وكل موضع قلنا ينزع من ملتقطه فإنما يكون ذلك إذا وجد من يدفع إليه ممن هو أولى به، فإن لم يوجد من يقوم به أقر في يدى ملتقطه، لان إقراره في يديه مع قصوره أولى من إهلاكه، وإن لم يوجد إلا مثل ملتقطه فملتقطه أولى به. إذ لا فائدة في نزعه من يده، ودفعه إلى مثله. (فرع) إذا التقطه فقير فإن قلنا إنه لا يقدر على حضانته من حيث ضعف الامكانيات اللازمة لحياة الطفل من الامور التى تخرج من الانفاق، إذ أن الانفاق لا يلزم الملتقط كما قررنا قبل، كأن كان مسكنه غير صحي لا تتوفر فيه وسائل التهوية ولا أسباب الوقاية والنظافة، فعلى هذا الوجه لا يقر في يده، وإن قلنا بأن الامور تجرى بضمان الله وكفالته، وأن الله تعالى تكفل بحفظه إذا شاء، وأن الاسباب الضرورية للحياة التى ينشأ عليها ابناء الفقراء مألوفة عندهم ويشبون عليها وتبنى فيها أجسامهم كأقوى ما تبنى الاجسام، وقد رأينا بالحس والمشاهدة ما يتمتع به أبناء الفقراء من مناعة ضد الامراض مع الكفاف في العيش، وذلك من رعاية الله تعالى لخلقه، فعلى هذا الوجه يقر في يده وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن تنازع في كفالته نفسان من أهل الكفالة قبل أن يأخذاه، أخذه السلطان وجعله في يد من يرى منهما أو من غيرهما، لانه لا حق لهما قبل الاخذ ولا مزية لهما على غيرهما، فكان الامر فيه إلى السلطان. وإن التقطاه وتشاحا أقرع بينهما، فمن خرجت عليه القرعة أقر في يده. وقال أبو على بن خيران: لا يقرع بينهما، بل يجتهد الحاكم فيقره في يد من هو أحظ له، والمنصوص هو الاول لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولانه لا يمكن أن يجعل في أيديهما، لانه لا يمكن أجتماعهما على الحضانة، ولا يمكن أن يجعل بينهما مهايأة، لانه تختلف عليه الاخلاق والاغذية فيستضر، ولا يمكن أن يقدم أحدهما لانهما متساويان في

سبب الاستحقاق، ولا يمكن أن يسلم إلى غيرهما، لانه قد ثبت لهما حق الالتقاط فلا يجوز اخراجه عنهما فأقرع بينهما. كما لو أراد أن يسافر بإحدى نسائه، وان ترك أحدهما حقه من الحضانة ففيه وجهان (أحدهما) يدفع إلى السلطان فيقره في يد من يرى، لان الملتقط لا يملك غير الحفظ. فأما إقرار اللقيط في يد غيره فليس ذلك إليه، ولهذا لو انفرد بالالتقاط لم يملك أن ينقله إلى غيره. (والثانى) وهو المذهب أنه يقر في يد الآخر من غير اذن السلطان، لان الحضانة بحكم الالتقاط لا تفتقر إلى اذن السلطان، ولهذا لو انفرد كل واحد منهما بالالتقاط ثبت له الحضانة من غير اذن، فإذا اجتمعا وترك أحدهما حقه ثبت للآخر كالشفعة بين شفيعين. (فصل) فاما إذا اختلفا في الالتقاط فادعى كل واحد منهما انه الملتقط ولم تكن بينة، فان لم يكن لاحدهما عليه يد أقره السلطان في يد من يرى منهما أو من غيرهما، لانه لاحق لهما، وان كان في يد احدهما فالقول قوله مع يمينه لان اليد تشهد له. وان كان في يدهما تحالفا، فان حلفا أو نكلا صارا كالملتقطين يقرع بينهما على المذهب، وعلى قول أبى على بن خيران يقره الحاكم في يد من هو أحظ له، فان كان لاحدهما بينة قضى له، لان البينة اقوى من اليد والدعوى، وان كان لكل واحد منهما بينة، فان كانت بينة أحدهما اقدم تاريخا قضى له، لانه قد ثبت له السبق إلى الالتقاط، وان لم تكن بينة أحدهما أقدم تاريخا فقد تعارضت البينتان، ففى أحد القولين تسقطان فيصيران كما لو لم تكن بينة، وقد بيناه، وفى القول الثاني تستعملان، وفى الاستعمال ثلاثة أقوال (أحدها) القسمة (والثانى) القرعة (والثالث) الوقف. ولا يجئ ههنا الا القرعة لانه لا يمكن قسمة اللقيط بينهما. ولا يمكن الوقف، لان فيه اضرارا باللقيط فوجبت القرعة.

(الشرح) الاحكام: إذا تنازع كفالته اثنان من غير أهل الكفالة لفسقهما أو رقهما مع كونهما غير مأذونين من سيديهما فانه لا يقر في يدى واحد منهما: وينزع منهما ويسلم إلى غيرهما: فإذا كانا من أهل الكفالة، وان كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد، الا أن أحدهما احظ للقيط من الاخر، مثل أن يكون احدهما موسرا والاخر معسرا فالموسر أحق لان ذلك أحظ للطفل، وان التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره، فقد قال أصحابنا وأصحاب أحمد: هما سواء، لان للكافر ولاية على الكافر، ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه، فساوى المسلم في ذلك، ولابن قدامة الحنبلى رأى في مخالفته مذهبه بقوله: ان دفعه إلى المسلم احظ له، لانه يصير مسلما فيسعد في الدنيا والاخرة، وينجو من النار، ويتخلص من الجزية والصغار، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذى انما يتعلق به توسعة عليه في الانفاق، وقد يكون الموسر بخيلا فلا تحصل التوسعة، فان تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيرا والكافر موسرا فالمسلم أولى، لان النفع الحاصل له باسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره مع كفره. قال: وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغى أن يقدم الجواد على البخيل، لان حظ الطفل عنده اكثر من الجهة التى يحصل له الحظ فيها باليسار، وربما تخلق باخلاقه وتعلم من جوده. فإذا تساويا في كونهما مسلمين عدلين حرين مقيمين فهما سواء فيه فان ضى احدهما باسقاط حقه وتسليمه إلى صاحبه جاز، لان الحق له فلا يمنع من الايثار به، وان تشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولانه لا يمكن كونه عندهما، لانه لا يمكن ان يكون عندهما في حاله واحدة، وان تهايأة فجعل عندكل واحد يوما أو اكثر من ذلك اضر بالطفل لانه تختلف عليه الاغذية والانس والالف، ولا يمكن دفعه إلى احدهما دون الاخر بغير قرعة لان حقهما متساو، فتعيين أحدهما بالتحكم لا يجوز فتعين الاقراع بينهما، كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الاعناق، والرجل مقدم على المرأة عندنا على الاصح

وهما سواء عند احمد وأصحابه، ولا ترجح المرأة هنا كما ترجح في حضانة ولدها على ابيه لانها رجحت هناك لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها، والاب يحضنه باجنبية، فكانت أمه أحظ له وأرفق به، أما ههنا فانها أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا على القول بالتساوى، أو رحج الرجل على الاصح فان كان احدهما مستور الحال والاخر ظاهر العدالة رجح السلطان العدل على المستور، لان المانع من الالتقاط منتف في حقه والاخر مشكوك فيه، فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أثم، ويحتمل أن يساوى السلطان بينهما بالقرعة لان احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح، والامر متروك إلى اجتهاد الحاكم الذى ليس له أن يسلم إلى ثالث لم يثبت له حق الالقاط. وقال أبو على بن خيران: يجتهد الحاكم في اختيار الاحظ للطفل والاجدى عليه والاحفظ وليس له أن يقرع بينهما وليس هذا بالمذهب بل المذهب الاقراع (فرع) وان رأياه جميعا فسبق أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وان رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر، فالسابق إلى أخذه أحق، لان الالتقاط هو الاخذ لا الرؤية، ولو قال أحدهما لصاحبه: ناولنيه، فأخذه الآخر نظرت إلى نيته، فان نوى أخذه لنفسه فهو أحق به، كما لو لم يأمره الاخر بمناولته أياه، وان نوى مناولته فهو للآمر لانه فعل ذلك بنية النيابة عنه، فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح. فان اختلفا فقال كل واحد منهما: أنا التقطته ولا بينة لاحدهما، وكان في يد أحدهما، فالقول قوله مع يمينه أنه التقطه، وهذا هو المذهب عند أصحاب أحمد كما ذكره أبو الخطاب، وقد خالفه القاضى وجعل قياس مذهب أحمد أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح. ولنا قوله صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم، فان كان في يديهما تحالفا فان حلفا أو نكلا صارا كالملتقطين ويقرع السلطان بينهما على المذهب.

وقال أبو على بن خيران مقالته في الفرع قبله لا قرعة بينهما بل يجتهد الحاكم في اختيار أحدهما ممن هو أحظ للطفل، فإن كان لاحدهما بينة قضى له، وإن كان لكل منهما بينة نظرت في أقدم البينتين تاريخا وقضيت لصاحبها، فإذا استوى تاريخهما أو أطلقتا معا، أو أرخت إحداهما وأطلقت الاخرى فقد تعارضتا، وهل تسقطان؟ أو تستعملان؟ فيه قولان عندنا وجهان عند أصحاب أحمد، (أحدهما) تسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما فيقرع بينهما. (والثانى) تستعملان، وفى الاستعمال ثلاثة أقوال. أحدها: القسمة واستعمال القسمة بين المتداعيين إذا جاز في المال فلا سبيل إليه ههنا. والثانى: الاقراع بينهما. والثالث: الوقف وفى الوقف إضرار باللقيط، وليس اللقيط مما يجوز وقفه فلا مناص من الاقراع فوجبت القرعة بينهما، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وإن ادعى حر مسلم نسبه لحق به وتبعه في الاسلام، لانه يقر له بحق لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر له بمال، وله أن يأخذه من الملتقط لان الوالد أحق بكفالة الولد من الملتقط، وإن كان الذى أقر بالنسب هو الملتقط فالمستحق أن يقال له: من أين صار ابنك؟ لانه ربما اعتقد أنه بالالتقاط صار أباله، وإن ادعى نسبه عبد لحق به ن لان العبد كالحر في السبب الذى يلحق به النسب، ولا يدفع إليه لانه لا يقدر على حضانته لاشتغاله بخدمة مولاه، وان ادعى نسبه كافر لحق به، لان الكافر كالمسلم في سبب النسب، وهل يصير اللقيط كافرا؟ قال في اللقيط: أحببت أن أجعله مسلما. وقال في الدعوى والبينات: أجعله مسلما، فمن أصحابنا من قال: إن أقام البينة حكم بكفره قولان واحدا، وإن لم تقم البينة ففيه قولان. (أحدهما) يحكم بكفره لانا لما حكمنا بثبوت نسبه فقد حكما بأنه ولد على فراشه (والقول الثاني) يحكم بإسلامه لانه محكوم بإسلامه بالدار فلا يحكم بكفره يقول كافر. وقال أبو إسحاق: الذى قال في اللقيط أراد به إذا ادعاه وأقام البينه

عليه، لانه قد ثبت بالبينه أنه ولد على فراش كافر، والذى قال في الدعوى والبينات أراد إذا ادعاه من غير بينه لانه محكوم باسلامه بظاهر الدار، فلا يصير كافرا بدعوى الكافر، وهذا الطريق هو الصحيح لانه نص عليه في الاملاء. وإذا قلنا انه يتبع الاب في الكفر فالمستحق أن يسلم إلى مسلم إلى أن يبلغ احتياطا للاسلام، فان بلغ ووصف الكفر أقررناه على كفره، وان وصف الاسلام حكمنا باسلامه من وقته. (فصل) وان ادعت امرأة نسبه ففيه ثلاثة أوجه. أحدها: يقبل لانها أحد الابوين، فقيل اقرارها بالنسب كالاب. والثانى: لا يقبل وهو الظاهر النص لانه يمكن اقامة البينه على ولادتها من طريق المشاهدة، فلا يحكم فيها بالدعوى بخلاف الاب، فانه لا يمكن اقامة البينه على ولادته من طريق المشاهدة، فقبلت فيه دعواه، ولهذا قلنا: انه إذا قال لامرأته: ان دخلت الدار فأنت طالق، لم يقبل قولها في دخول الدار الا ببينه، ولو قال لها: ان حضت فأنت طالق، قبل قولها في الحيض من غير بينه، لما ذكرناه من الفرق، فكذلك ههنا. والثالث: ان كانت فراشا لرجل لم يقبل قولها، لان اقرارها يتضمن الحاق النسب بالرجل وان لم تكن فراشا قيل لانه لا يتضمن الحاق النسب بغيرها. (الشرح) اللغه: الدعوى، ودعواه ودعواها كلها بكسر الدال. قال الازهرى: الدعوة بالكسر ادعاء الولد الدعى غير أبيه، يقال: الدعى بين الدعوة بالتكسر إذا كان يدعى إلى غير أبيه أو يدعيه غير أبيه فهو بمعنى فاعل من الاول وبمعنى مفعول من الثاني. وعن الكسائي: لى في القوم دعوة أي قرابه واخاه، والدعوة بالفتح في الطعام اسم من دعوت الناس إذا طلبتهم ليأكلوا عندك، يقال: نحن في دعوة فلان ومدعاته ودعائه بمعنى. قال أبو عبيد: وهذا كلام أكثر العرب الا عدى الرباب فانهم يعكسون ويجعلون الفتح في النسب والكسر في الطعام، ودعوى فلان كذا أي قوله: وادعيت الشئ تمنيته، وادعيته طلبته لنفسي والاسم الدعوى. أما الاحكام: فانه إذا ادعى نسبه فلا تخلو دعوى النسب من قسمين.

أحدهما: أن يدعيه واحد ينفرد بدعواه فينظر، فإن كان المدعى رجلا مسلما حرا لحق نسبه به بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن ان يكون منه، لان الاقرار محض نفع للطفل لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فقبل كما لو أقر له بمال ثم إن كان المقر به ملتطة أقر في يده، إلا أن المستحق أن يناقش كيف صار ابنك لانه قد يعتقد أنه بالالتقاط يصير أبا له، والله يقول (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) . (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه. وإذا التقط مسلم لقيطا فهو حر مسلم ما لم يعلم لابويه دين غير دين الاسلام، فإذا أقر به نصراني ألحقناه به وجعلناه مسلما لان اقراره به ليس يعلم منا أنه كما قال، فلا نغير الاسلام إذا لم نعلم الكفر. اه من الدعوى والبينات من الام. وقال في كتاب اللقيط من الام. سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبى يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالاسلام فقال لا يصلى عليه، وهو على دين أبيه لانه لا يقر بالاسلام. وقال الاوزاعي: مولاه أولى من أبيه يصلى عليه. وقال لو لم يكن معه أبوه ن وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه. وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما، ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان، وهو ينقض قول الاوزاعي: انه لا بأس أن يبتاع السبى ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا، فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة إذا كان معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم اه. (قلت) إذا ادعى نسبه اثنان فصاعدا نظرت، فإذا ادعاه مسلم وكافر أو حر وعبد فهما سواء، وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد رضى الله عنهما. وقال أبو حنيفة المسلم أولى من الذمي والحر أولى من العبد، لان على اللقيط ضررا إذا ألحق بالعبد والذمى، فكان الحاقه بالحر المسلم أولى، كما لو تنازعوا في الحضانة. ولنا أن كل واحد لو انفرد صحت دعواه، فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالاحرار المسلمين، وما ذكروه من الضرر لا يتحقق، فاننا لا نحكم برقه

ولا كفره، ولا يشبه النسب الحضانة، بدليل أننا نقدم في الحضانة الموسر والحضرى ولا نقدمهما في دعوى النسب. وجعل الامام الشافعي رضى الله عنه التسليم للنصراني بدعواه بنوة اللقيط لا يعد تسليما للقيط بالكفر، بل نجعله مسلما حتى نعلم الكفر. وهذا احد قوليه فمن أصحابنا من قال: إن اقام الذمي البينة حكمنا بكفره قولا واحدا، كقوله في الاخذ بقول أبى حنيفة مما سقناه عنه. وإن لم تقم بينة ففيه قولان (أحدهما) إن الحكم بثبوت النسب من الكافر حكم بكفره على طريق التبع والضمن، لانه ولد على فراشه. (والثانى) لان غلبة دار الاسلام أقوى من دعوى النسب التى يدعيها الكافر وكل لقيط في دار الاسلام هو مسلم، فلا يحكم بكفره بقول كافر. وذهب أبو إسحاق المروزى في قولى الشافعي إلى تخريجهما وجهين للمسألة لا قولين، بأن الكفر بكفره يتبع البينة للذى ادعاه من الكفار، فإذا ثبت أنه ولد على فراش الكفر قضينا بكفره والحقناه بصاحب البينة، وأنه إذا لم يقيم بينة حكمنا بإسلامه وهذا هو توجيه ما في الدعوى والبينات من الام، وفى هذا التخريج ما يؤيده من قوله في الاملاء قال النووي في المنهاج: ومن حكم بإسلامه بالدار فأقام ذمى بينة بنسبه لحقه وتبعه في الكفر. وقال الزركشي: وكذلك المعاهد والمؤمن. وقال الرملي: فارتفع ما ظنناه من إسلامه، لان الدار حكم باليد، والبينة أقوى من اليد المجردة وتصور علوقه من مسلم بوطئ شبهة أمر نادر لا يعول عليه مع البينة. قال وإن اقتصر الكافر على الدعوى بأنه ابنه ولا حجة له فالمذهب أنه لا يتبعه في الكفر وان لحقه في النسب، لانا حكمنا بإسلامه فلا نغيره بدعوى كافر مع إمكان تلك الشبهة النادرة. والطريق الثاني: فيه قولان ثانيهما يتبعه في الكفر كالنسب، وجعل الماوردى محل الخلاف ما إذا استلحقه قبل أن يصدر منه صلاة أو صوم، فإن صدر منه ذلك لم يغير عن حكم الاسلام قطعا، وسواء اقلنا بتبعيته في الكفر أم لا يحال بينهما كما يحال بين أبوى مميز وصف الاسلام وبينه

قال في الكفاية وقضية اطلاقهم وجوب الحيلولة بينهما إن قلنا بعدم تبعيته له في الكفر، لكن في المهذب انه يستحق تسلميه لمسلم، فإذا بلغ ووصف الكفر، فان قلنا بالتبعية قرر لكن هذا التقرير يهدده لعله يسلم ن وإلا ففى تقريره ما سبق من الخلاف. (فرع) إذا كان المدعى امرأة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو أحد الروايات عن أحمد رضى الله عنه أن دعواها تقبل ويلحقها نسبه لانها أحد الابوين، فيثبت النسب بدعواها كالاب، ولانه يمكن أن يكون منها كما يكون ولد الرجل بل أكثر، لانها تأتى به من زوج ووطئ بشبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، ولان في قصة داود وسليمان في المرأتين كان لهما بنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها وأن الذى أخذه الذئب ابن الاخرى فحكم به داود للكبرى وحكم به سليمان للاخرى بمجرد الدعوى منهما فعلى هذا الوجه يلحق بها دون زوجها، لانه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقر به، وكذلك إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته. فان قيل الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة أخرى أو من أمته، والمرأة لا يحل لها نكاح غير زوجها ولا يحل وطؤها لغيره، قلنا يمكن أن تلد من وطئ شبهة أو غيره، وإن كان الولد يحتمل أن يكون موجودا قبل أن يتزوجها هذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر. فان قيل إنما قبل الاقرار بالنسب من الزوج لما فيه من المصلحة بدفع العار عن الصبى وصيانته عن النسبة إلى كونه ولد زنا، ولا يحصل هذا بالحاق نسبه بالمرأة، بل الحاقه بها دون زوجها تطرق للعار إليه واليها. قلنا بل قبلنا دعواه لانه يدعى حقا لا منازع له فيه، ولا مضرة على أحد فيه فقبل قوله فيه كدعوى المال، وهذا متحقق في دعوى المرأة. والوجه الثاني وهو رواية ثانيه عن أحمد رضى الله عنه نقلها الكوسج عنه في امرأة ادعت ولدا، ان كان لها اخوة أو نسب معروف لا تصدق الا ببينه وان لم يكن لها دافع لم يحل بينها وبينه، لانه إذا كان لها أهل وتسب معروف لم تخف ولادتها عليهم، يتضررون بالحاق النسب بها لما في من تعييرهم

بولادتها من غير زوجها، وليس كذلك إذا لم يكن لها أهل، ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعواها بحال، وهذا قول الثوري والشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوى المرأة، لانها يمكنها إقامة البينة على الولادة، فلا يقبل قولها بجرده، كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها. أما كيف تكون البينة؟ فقد قال الشافعي رضى الله عنه: لا يجوز على الولادة ولا شئ مما تجوز فيه شهادة النساء مما يغيب عن الرجال إلا أربع نسوة عدول من قبل أن الله عز وجل حيث أجاز الشهادة انتهى بأقلها إلى شاهدين أو شاهد وامرأتين، فأقام الثنتين من النساء مقام رجل حيث أجازهما، فإذا أجاز المسلمون شهادة النساء فيما يغيب عن الرجال لم يجز والله أعلم ان يجيزوا إلا على أصل حكم الله عز وجل في الشهادات، فيجعلون كل امرأتين يقومان مقام رجل، وإذا فعلوا لم يجز إلا أربع. وهكذا المعنى في كتاب الله عز وجل وما أجمع عليه المسلمون. أخبرنا مسلم عن ابن جريح عن عطاء أنه قال في شهادة النساء على الشئ من أمر النساء لا يجوز فيه أقل من أربع. وقد قال غيرنا تجوز فيه واحدة لانه من موضع الاخبار كما تجوز الواحدة في الخبر، لا أنه من موضع الشهادة، ولو كان من موضع الشهادات ما جاز عدد من النساء وإن كثرن على شئ إلى أن قال قال: فإنا روينا عن على رضى الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة وحدها. قلت: لو ثبت هذا عن على صرنا إليه إن شاء الله تعالى، ولكنه لا يثبت عندكم ولا عندنا عنه. وهذا لا من جهة ما قلنا من القياس على حكم الله ولا من جهة قبول خبر المرأة، ولا أعرف له معنى. قلت إذا ثبت هذا في وجب البينة لما يمكن أن تقوم عليه بينة كالولادة للقيط المدعى أو للمعلق طلاقها على دخول الدار في المجئ ببينة على دخول الدار، وفارق الحيض فإنه من الاعراض الخفية التى يقبل فيها الاقرار ولا يطالب فيها بالبينة لنعذرها أو استحالتها. والوجه الثالث وهو الرواية الثالثة عن أحمد رضى الله عنه أنها ان كان لها زوج لم يثبت النسب بدعواها لافضائه إلى إلحاق النسب بزوجها

بغير إقراره ولا رضاه، أو إلى أن امرأته وطئت بزنا أو شبهة وفى ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به، وان لم يكن لها زوج قبلت دعواها لعدم هذا الضرر. والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن تداعى نسبه رجلان لم يجز إلحاقه بهما، لان الولد لا ينعقد من اثنين، والدليل عليه قوله تعالى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) فإن لم يكن لواحد منهما بينة عرض الولد على القافة، وهم قوم من بنى مدلج من كنانة، فإن ألحقته بإحدهما لحق به لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرف السرور في وجهه فقال: ألم ترى إلى مجزز المدلجى نظر إلى أسامة وزيد وقد غطيا رؤسهما، وقد بدت أقدامهما فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض) فلو لم يكن ذلك حقا لما سر بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ يجوز أن يكون من غير بنى مدلج؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يجوز لان ذلك ثبت بالشرع، ولم يرد الشرع إلا في بنى مدلج (والثانى) أنه يجوز وهو الصحيح، لانه علم يتعلم ويتعاطى، فلم تختص به قبيلة كالعلم بالاحكام، وهل يجوز أن يكون واحدا؟ فيه وجهان. أحدهما: أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سر بقول مجزز المدلجى وحده ولانه بمنزلة الحاكم لانه يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم ثم يحكم. والثانى: لا يجوز أقل من اثنين لانه حكم بالشبه في الخلقة فلم يقبل من واحد كالحكم في المثل في جزاء الصيد. ولا يجوز أن يكون امرأة ولا عبدا كما لا يجوز أن يكون الحاكم إمرأة ولا عبدا ولا يقبل الا قول من جرب وعرف بالقيافة حذقه كما لا يقبل في الفتيا الا قول من عرف في العلم حذقه، وان ألحقته بهما أو نفته عنهما أو أشكل الامر عليها أو لم تكن قافه ترك حتى يبلغ، ويؤخذان بالنفقة عليه، لان كل واحد منهما يقول: أنا الاب وعلى نفقته، فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ للغلام الذى ألحقته القافة بهما: وال أيهما شئت، ولان الولد يجد لوالده مالا يجد لغيره، فإذا تعذر العمل بقول القافة رجع إلى اختيار الولد، وهل يصح أن ينتسب إذا صار مميزا ولم يبلغ؟ فيه وجهان

(أحدهما) يصح كما يصح أن يختار الكون مع أحد الابوين إذا صار مميزا. (والثانى) لا يصح لانه قول يتعين به النسب ويلزم الاحكام به، فلا يقبل من الصبى، ويخالف اختيار الكون مع أحد الابوين، لان ذلك غير لازم، ولهذا لم اختار أحدهما ثم انتقل إلى الاخر جاز، ولا يجوز ذلك في النسب، وان كان لاحدهما بينه قدمت على القافة، لان البينة تخبر عن سماع أو مشاهدة والقافة تخبر عن اجتهاد، فان كان لكل واحد منهما بينه فهما متعارضتان لانه لا يجوز أن يكون الولد من اثنين، ففى أحد القولين يسقطان ويكون كما لو لم تكن بينة، وقد بيناه، وفى الثاني تستعملان، فعلى هذا هل يقرع بينهما، فيه وجهان. أحدهما: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة قضى له، لانه لا يمكن قسمة الولد بينهما، ولا يمكن الوقف، لان فيه اضرارا باللقيط فوجبت القرعة. والثانى: لا يقرع، لان معنا ما هو أقوى من القرعة وهو القافة، فعلى هذا يصير كما لو لم يكن لهما بينة، وليس في موضع تسقط الاقوال الثلاثة في استعمال البينتين الا في هذا الموضع على هذا المذهب. وان تداعت امرأتان نسبه وقلنا: انه يصح دعوى المرأة ولم تكن بينة، فهل يعرض على القافة، فيه وجهان (أحدهما) يعرض، لان الولد يأخذ الشبه من الام كما يأخذ من الاب، فإذا جاز الرجوع إلى القافة في تمييز الاب من غيره بالشبه جاز في تمييز الام من غيرها (والثانى) لا يعرض لان الولد يمكن معرفة أمه يقينا فلم يرجع فيه إلى القافة بخلاف الاب فانه لا يمكن معرفته الا ظنا فجاز أن يرجع فيه إلى الشبه. (فصل) وان ادعى رجل رق اللقيط لم يقبل الا ببينه، لان الاصل هو الحرية فان شهدت له البينه نظرت، فان شهدت له بأنه ولدته أمته فقد قال في اللقيط: جعلته له. وقال في الدعوى والبينات: أن شهدت له بأنه ولدته أمته في في ملكه جعلته له، فمن أصحابنا من قال يجعل له قولا واحدا، وان لم تقل ولدته في ملكه، وما قال في الدعوى والبينات ذكره تأكيدا لا شرطا لان ما تأتى به أمته من غيره لا يكون الا مملوكا له.

ومنهم من قال: فيه قولان (أحدهما) يجعل له لما بيناه (والثانى) لا يجعل له لانه يحتمل أن تكون الامة ولدته قبل أن يملكها ثم ملكها فلم يملك ولدها وان شهدت له البينة بالملك ولم تذكر سبب الملك، ففيه قولان. أحدهما: يحكم له كما يحكم له إذا شهدت له بملك مال، وإن لم نذكر سببه. والثانى: لا يحكم لان البينة قد تراه في يده فتشهد بأنه عبده بثبوت يده عليه بالالتقاط أو غيره، وإن شهدت البينة له باليد، فإن كان المدعى هو الملتقط لم يحكم له لانه قد عرف سبب يده وهو الالتقاط، ويد الالتقاط لا تدل على الملك. فلم يكن للشهادة تأثير. وان كان المدعى غيره، ففيه قولان. (أحدهما) يحكم له مع اليمين لان اليد قد ثبتت، فإذا حلف حكم له كما لو كان في يده مال فحلف عليه (والثانى) لا يحكم له لان ثبوت اليد على اللقيط لا تدل على الملك لان الظاهر الحرية. (الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها متفق عليه بلفظ (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم ترى إلى مجزز المدلجى نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامه بن زيد فقال: هذه الاقدام بعضها من بعض) وفى رواية للبخاري (ألم ترى أن مجززا المدلجى دخل فرأى أسامه وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما ومدت أقدامهما فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض) ومجزر بضم الميم وفتح الجيم ثم زاى مشددة مكسورة ثم زاى أخرى اسم فاعل لانه كان في الجاهلية إذا أسر أسيرا جز ناصيته وأطلقه وقد كان الكفار يقدحون في نسب أسامه لكونه كان أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض كذا قاله أبو داود. وأم أيمن هي أم أيمن بركة الحبشيه مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورثها عن أبيه حيث كانت وصيفته، ويقال: كانت من سبى الحبشه الذين قدموا زمن الفيل فصارت لعبد المطلب فوهبها لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجت قبل زيد عبيدا الحبشى فولدت له أيمن فكنيت به والقافة جمع قائف كقادة جمع قائد وسادة جمع سائد، والقائف هو الذى يتتبع الاثر ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه.

أما الاحكام: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدعوى والبينات من الام وإذا تداعى الحر والعبد المسلمان والذمى الحر والعبد مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين أحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما تداعوا فيه مما يملكون: فتراه القافه، فإن ألحقوه بأحدهم فهو ابنه ليس له أن ينفيه ولا للمولود أن ينتفى منه بحال أبدا وان ألحقته القافه باثنين فأكثر أو لم تكن قافه، أو كانت فلم تعرف، لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء، فإذا فعل ذلك انقطعت دعوى الآخرين، ولم يكن للذى انتسب إليه أن ينفيه وهو حر في كل حالاته بأيهم لحق لان اللقيط حر، وانما جعلناه حرا إذا غاب عنا معناه، لان أصل الناس الحريه حتى يعلم أنهم غير أحرار ولو أن أحدهم قال: هو ابني من أمة نكحتها لم يكن بهذا رقيقا لرب الامة حتى يعلم أن الامة ولدته، ولا يجعل اقرار غيره لازما له، ويكفى القائف الواحد لان هذا موضع حكم بعلم لا موضع شهادة، ولو كان، انما حكمه حكم الشهادات ما أجزنا غير اثنين ولا أجزنا شهادة اثنين يشهدان على ما لم يحضرا ولم يريا، ولكنه كاجتهاد العالم ينفذه هذا، ولا يحتاج معه إلى ثان ولا يقبل القائف الواحد حتى يكون أمينا ولا أكثر منه حتى يكونوا أمناء أو بعضهم، فإذا أحضرنا القائف والمتداعيين للولد أو ذوى أرحامهم ان كان المدعون له موتى أو كان بعض المدعين له ميتا، فأحضرنا ذوى رحمه أحضرنا احتياطا أقرب الناس نسبا وشبها في الخلق والسن والبلد والمدعين له، ثم فرقنا بين المتداعيين منهم، ثم أمرنا القائف يلحقه بأبيه أو أقرب الناس بأبيه ان لم يكن له أب. وان كانت معه أم أحضرنا لها نسبا في القرب منها كما وصفت ثم بدأنا فأمرنا القائف أن يلحقه بأمه لان للقائف في الام معنى، ولكى يستدل به على صوابه في الاب ان أصاب فيها ويستدل على غيره ان أخطأ فيها، فخالفنا بعض الناس في القافه فقال القافه باطل، فذكرنا لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ مجززا المدلجى ونظر إلى أقدام أسامه وأبيه زيد وقد غطيا وجوههما فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض فحكى ذلك النبي صلى الله عيله وسلم لعائشه مسرورا به، فقال:

ليس في هذا حكم. فقنا انه وان لم يكن فيه حكم فإن فيه دلالة عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضيه ورآه علما، لانه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سره ما سمع منه ان شاء الله تعالى، ولنهاه أن يعود له. فقال انك وان أصبت في هذا فقد تخطئ في غيره. فقال فهل في هذا غيره؟ قلنا نعم، أخبرنا ابن علية عن حميد عن أنس أنه شك في ابن له فدعا القافة. أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أن رجلين تداعيا ولدا، فدعا له عمر القافة، فقالوا قد اشتركا فيه، فقال له عمر وال أيهما شئت. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن عمر مثل معناه، أخبرنا مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن عروة عن عمر بن الخطاب مثل معناه قال فإنا لا نقول بهذا ونزعم أن عمر قال هو ابنكما ترثانه ويرثكما، وهو للباقى منكما. قلت فقد رويت عن عمر أنه دعا القافة، فزعمت أنك لا تدعو القافة، فلو لم يكن في هذا حجة عليك في شئ مما وصفنا، الا أنك رويت عن عمر شيئا فخالفته فيه كانت عليك قال، قد رويت عنه أنه ابنهما، وهذا خلاف ما رويتم، قلنا وأنت تخالف أيضا هذا، قال فكيف لم تصيروا إلى القول به؟ قلنا هو لا يثبت عن عمر لان اسناد حديثن هشام متصل، والمتصل أثبت عندنا وعندك من المنقطع، وانما هذا حديث منقطع وسليمان بن يسار وعروة أحسن مرسلا عن عمر ممن رويت عنه، قال فأنت تخالف عمر فيما قضى به من أن يكون ابن اثنين؟ قلت فإنك رعمت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قضى به إذ كان في أيديهما قضاء الاموال قال كذلك قلت اه قلت ووجه دلالته ما علم من أن التقرير منه صلى الله عليه وسلم حجة، لانه أحد أقسام السنة، وحقيقة التقرير أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم فعلا من أحد أو يسمع قوله أو يعلم به وكان ذلك الفعل من الافعال التى لا يعلم تقدم انكاره لها، دل ذلك على جوازه، فان اسبتشر به فأوضح كما في هذه القصه، والحكم بالقافة إذا لم تكن بينة أو تعارضت به بينتان وسقطتا إذا ألحقوه، فنلحقه بمن ألحقوه

وهذا قول أنس وعطاء ويزيد بن عبد الملك والاوزاعي والليث وأبى ثور والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل. وقال أصحاب الرأى: لا حكم للقافة، ويلحق بالمدعيين جميعا تعويل على مجرد الشبه والظن والتخمين، فإن الشبه يوجد بين الاجانب، وينتفى بين الاقارب ولهذا روى الشيخان أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال: هل لك من ابل، قال نعم، قال: فما ألوانها، قال حمر. قال: فهل فيها من أورق، قال نعم، قال أنى أتاها ذلك، قال لعل عرقا نزع، قال: وهذا لعل عرقا نزع) قالوا ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد الملاعنة، وفيما إذا أقر أحد الورثة بأخ فأنكره الباقون. ودلينا عليهم غير حديث مجزز قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ولد الملاعنة (انظروها فان جاءت به أحمش الساقين كأنه وجرة فلا أراه الا قد كذب عليها وان جاءت به أكحل جعدا جماليا سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو للذى رميت به، فأتت به على النعت المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا الايمان لكان لى ولها شأن (فقد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم للذى أشبهه منهما، وقوله لولا الايمان لكان لى ولها شأن، يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه الا الايمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه. وكذلك قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابن زمعة حين رأى به شبها بينا بعتبه بن أبى وقاص (احتجبي منه يا سودة) فعمل بالشبه في حجب سودة عنه. فان قيل: فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشبه فيهما بل ألحق الولد بزمعة، وقال لعبد بن زمعه هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر. ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في اقامة الحد عليها لشبه بالمقذوف، قلنا انما لم يعمل في ابن زمعه لان الفراش أقوى، وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منه لا يوجب الاعراض عنه، إذا خلت عن المعارض وكذلك ترك اقامة الحد عليها من أجل أيمانها على ضعف الشبه عن اقامة الحد لا يوجب ضعفه عن الحاق النسب، فان الحد في الزنا لا يثبت الا بأقوى البينات

وأكثرها عددا وأقوى الاقرار حتى يعتبر فيه تكراره أربع مرات، ويدرأ الشبه عن نفى النسب لا يلزم منه ضعفه عن إثباته، فإن النسب يحتاط لاثباته، ويثبت بأدنى دليل، وأنه لا ينتفى إلا بأقوى الادلة، كما أن الحد لما انتفى بالشبه لم يثبت إلا بأقوى دليل، فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به النسب في مسألتنا. والقافة قوم يعرفون الانسان بالشبه. ولا يختص ذلك بقبيلة معينة على الصحيح من المذهب، وبه قال أحمد رضى الله عنه وأصحابه، بل هو علم يتعلم بقواعده وأصوله التى كانت عند العرب، وكان أكثر ما يكون في بنى مدلج رهط مجزز الذى رأى أسامة وأباه زيدا، وان إياس بن معاوية المزني قائفا. وكذلك قيل في شريح. ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون عدلا مجربا في الاصابة، حرا لان قوله حكم. وقد كان بعض العرب يستدل من اختلاف أحد الابناء عن إخوته على أسباب الشك التى تساوره، فقد عاد أحدهم إلى امرأته من سفر فوجدها قد ولدت له ولدا، فقال لها: لا تمشطي رأسي ولا تفليني * وحاذري ذا الريق في يمينى واقتربى منى أخبريني * ما له أسود كالهجين خالف ألوان بنى الجون على أن أسباب المعرفة في زماننا هذا قد اتسعت آفاقها واستقرت قواعدها على أسباب أدق ومبادئ أضبط، وإن كانت غير قطعية في أكثر أحوالها، وقد يأخذ العلم الحديث بالقيافة حيث يعجز التحليل الطبى، والقيافة أحد فروع الطب الشرعي أو هي الاساس الفعلى للطب الشرعي، ومن قرأ كتب الطب الشرعي العربية أو الاجنبية يتضح له صحة هذا الحكم. وقد حاء في كتاب الطب الشرعي الجنائى للدكاترة شريف وسيف النصر ومشالى أن فصائل الدم تنقسم في جميع الشعوب إلى أربعة أقسام، قسمان كبيران ويمكن إطلاق معنى السائدة عليهما ويرمز اليهما بألف وباء، ونوع يتكون منهما

ويرمز إليه بألف باء، ونوع نادر ويسمى (أو) فإذا كان الرجل من فصيلة (أ) والمرأة من فصيلة (ب) أمكن أن يكون الولد أأو ب أو (اب) ويلاحظ أن قيافة الدم هنا وإن كانت قائمة على أساس علمي إلا أنها سلبية وليست إيجابية، فهى تقول بأن هذا ليس أبا ولا تستطيع أن تقول هذا أب، لانه قد يكون الاب شخصا له فصيلة المدعى، ولكن يمكن أن ينفى فيقول إذا كانت فصيلة دم الابن أو كانت فصيلة الاب المدعى اب والام ب حكموا بالقطع بأن هذا ليس أباه، ولكن لو كانت فصيلته من فصيلة الطفل قالوا يحتمل أن يكون أباه ويحتمل أن يكون أبوه غيره، على أن أحسن القيافة التعرف عن طريق الاطراف كالايدى والارجل وملامح الوجه. وهل يقبل قول واحد أو لا يقبل الا قول اثنين وجهان (أحدهما) أنه حكم بالاجتهاد فيصح من واحد. (والثانى) لا يجوز بأقل من اثنين كالحكم بالمثل في جزاء الصيد في قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) ولانه حكم بالشبه في الخلقة فأشبه الحكم في المثل في جزاء الصيد (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وبهذا الوجه قال أحمد رضى الله عنه في ظاهر رواية الاثرم عنه أنه قيل له: إذا قال أحد القافة هو لهذا، وقال الآخر هو لهذا. قال لا يقبل واحد منهما حتى يجتمع اثنان فيكونان شاهدين، فإذا شهد إثنان من القافة أنه لهذا فهو لهذا، لانه قول يثبت به النسب فأشبه الشهادة. وقال القاضى من الحنابلة، يقبل قول الواحد لانه حكم، ويقبل في الحكم قول واحد. وحمل كلام أحمد على ما إذا تعارض قول القائفين فقال (إذا خالف القائف غيره تعارضا وسقطا، فان قال إثنان قولا وخالفهما واحد فقولهما أولى لانهما شاهدان فقولهما أولى لانه أقوى من قول واحد. وان عارض قول اثنين قول اثنين سقط قول الجميع. وان عارض قول الاثنين قول ثلاثة أو أكثر لم يرجح وسقط الجميع، فأما إن ألحقته القافة بواحد ثم جاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان لاحقا بالاول، لان القائف جرى مجرى حكم الحاكم، ومتى حكم الحاكم حكما لم ينقض بمخالفة وغيره له، وإن ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم

بكفره ولا رقه لان الحرية والاسلام ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد. ولو ادعى نسب اللفيط إنسان فألحق نسبه به لانفراده بالدعوى ثم جاء آخر فادعاه لم يزل نسبه عن الاول لانه حكم له به فلم يزل بمجرد الدعوى، فإن ألحقته به القافة لحق به وانقطع عن الاول، لانها بينة في إلحاق النسب، ويزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة. (فرع) إذا ادعاه إثنان فألحقته القافة بهما لحق بهما في النفقة. وكان أحمد رضى الله عنه يقول: إنه ابنهما يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد وهذا يروى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضى الله عنهما وهو قول أبى ثور. وقال أصحاب الرأى يلحق بهما بمجرد الدعوى. وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد، فإذا ألحقته بهما سقط قولهما ولم يحكم لهما، واحتج برواية عمر رضى الله عنه أن القافه قالت (قد اشتركا فيه، فقال عمر وال أيهما شئت) ولانه لا يتصور كونه من رجلين، فإذا الحقته القافلة بهما تبينا كذبهما فسقط قولهما كما لو الحقته بامين، ولان المدعيين لو اتفقا على ذلك لم يثبت، ولو ادعاه كل واحد منهما وأقام بينة سقطتا، ولو جاز أن يلحق بهما لثبت باتفاقهما وألحق بهما عند تعارض بينتهما، هذا وما لم نتناول من مسائل الفصل فعلى وجهه من تقرير المصنف. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ومن حكم بإسلامه أو بأحد أبويه أو بالسابي فحكمه قبل البلوغ حكم سائر المسلمين في الغسل والصلاة والميراث والقصاص والدية. لان السبب الذى أوجب الحكم بإسلامه لم يزل فأشبه من أسلم بنفسه وبقى على إسلامه، فان بلغ ووصف الكفر فالمنصوص أنه مرتد، فان تاب وإلا قتل لانه محكوم باسلامه قطعا فأشبه من أسلم بنفسه ثم ارتد. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) ما ذكرناه (والثانى) أنه يقر على الكفر لانه لما بلغ زال حكم التتبع فاعتبر بنفسه، فان بلغ ولم يصف الاسلام ولا الكفر فقتله قاتل المنصوص أنه لا قود على قاتله.

ومن أصحابنا من قال: يجب القود لانه محكوم بإسلامه فأشبه ما قبل البلوغ، وهذا خطأ لانه يحتمل أن يكون غير راض بالاسلام، والقصاص يسقط بالشبهة فسقط، ويخالف ما قبل البلوغ فإن إسلامه قائم قطعا وبعد البلوغ لا نعلم بقاء الاسلام، فأما من حكم بإسلامه بالدار فانه قبل البلوغ كالمحكوم بإسلامه بأبويه أو بالسابي، فإن بلغ ووصف الكفر فإنه يفزع ويهدد على الكفر احتياطا، فإن أقام على الكفر أقر عليه. ومن أصحابنا من قال: هو كالمحكوم باسلامه بأبويه لانه محكوم باسلامه بغيره فصار كالمسلم بأبويه، ولمنصوص أنه يقر على الكفر لانه محكوم باسلامه من جهة الظاهر، ولهذا لو ادعاه ذمى وأقام البينة حكم بكفره. (فصل) وإن بلغ اللقيط وقذفه رجل وادعى أنه عبد. وقال اللقيط: بل أنا حر ففيه قولان (أحدهما) أن القول قول اللقيط لان الظاهر من حاله الحرية (والثانى) أن القول قول القاذف لانه يحتمل أن يكون عبدا، والاصل براءة ذمة القاذف من الحد وان قطع حر طرفه وادعى انه عبد. وقال اللقيط: بل أنا حر فالمنصوص أن القول قول اللقيط، فمن أصحابنا من قال: فيه قولان كالقذف، ومنهم من قال: ان القول قول اللقيط قولا واحدا وفرق بينه وبين القذف بأن القصاص قد وجب في الظاهر ووجوب القيمة مشكوك فيه فإذا أسقطنا القصاص انتقلنا من الظاهر إلى الشك فلم يجز وفى القذف قد وجب الحد في الظاهر ووجوب التعزير يقين لانه بعض الحد، فإذا أسقطنا الحد انتقلنا من الظاهر إلى اليقين فجاز. (فصل) إذا بلغ اللقيط ووهب وأقبض وباع وابتاع ونكح وأصدق وجنى، وجنى عليه ثم قامت البينة على رقة كان حكمه في التصرفات كلها حكم العبد القن يمضى ما يمضى من تصرفه، وينقض ما ينقض من تصرفه فيما يضره ويضر غيره، لانه قد ثبت بالبينة أنه مملوك فكان حكمه حكم المملوك، فان أقر على نفسه بالرق لرجل فصدقه نظرت، فان كان قد تقدم منه إقرار بحريته لم يقبل إقراره بالرق، لانه باقراره بالحرية أحكام الاحرار في العبادات والمعاملات لم يقبل

إقراره في إسقاطها، وإن لم يتقدم منه إقرار بالحرية ففيه طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. (أَحَدُهُمَا) لَا يقبل إقراره بالرق، لانه محكوم بحريته فلم يقبل إقراره بالرق كما لو أقر بالحرية، ثم أقر بالرق. (والثانى) يقبل لانا حكمنا بحريته في الظاهر، وما ثبت بالظاهر يجوز إبطاله بالاقرار، ولهذا لو ثبت إسلامه بظاهر الدار وبلغ وأقر بالكفر قبل منه، فكذلك ههنا، ومنهم من قال: يقبل إقراره بالرق قولا واحدا لما ذكرناه، ويكون حكمه في المستقبل حكم الرقيق، فأما تصرفه بعد البلوغ وقبل الحكم برقه فعلى قولين (أحدهما) يقبل إقراره في جميعه، لان الرق هو الاصل وقد ثبت فوجب أن تثبت أحكامه كما لو ثبت بالبينة (والثانى) يقبل فيما يضره ولا يقبل فيما يضر غيره، لان اقراره يتضمن ما يضره ويضر غيره فقبل فيما يضره، ولم يقبل فيما يضر غيره، كما لو أقر بمال عليه وعلى غيره، وهذا الطريق هو الصحيح وعليه التفريع فان باع واشترى فان قلنا: يقبل إقراره في الجميع، وقلنا: ان عقود العبد من غير إذن المولى لا تصح كانت عقودة فاسدة فان كانت الاعيان باقية وجب ردها، وان كانت تالفة وجب بدلها في ذمته يتبع به إذا عتق. وان قلنا: يقبل فيما يضره، ولا يقبل فيما يضر غيره، لم يقبل قوله في افساد العقود، ويلزمه اعواضها، فان كان في يده مال استوفى منه، فان فضل في يده شئ كان لمولاه. وان كان اللقيط جارية فزوجها الحاكم ثم أقرت بالرق فان قلنا: يقبل اقرارها في الجميع فالنكاح باطل، لانه عقد بغير اذن المولى، فان كان قبل الدخول لم يجب على الزوج شئ، وان كان بعد الدخول وجب عليه مهر المثل لانه وطئ في نكاح فاسد، وان أتت بولد فهو حر لانه دخل على أنه حر وعليه قيمته ويجب عليها عدة أمة وهى قرءآن. وان قلنا: لا يقبل فيما يضر غيره لم يبطل النكاح، لان فيه اضرارا بالزوج ولكنه في حق الزوج في حكم الصحيح، وفى حقها في حكم الفاسد، فان كان قبل الدخول لم يجب لها مهر، لانها لا تدعيه، وان كان بعد الدخول وجب لها أقل

الامرين من مهر المثل أو المسمى، لانه إن كان المهر أقل لم يجب ما زاد لان فيه إضرارا بالزوج، وإن أتت منه بولد فهو حر ولا قيمة عليه لانا لا نقبل قولها فيما يضره، وتقول للزوج قد ثبت أن زوجتك أمة، فإن اخترت إمساكها كان ما تلده مملوكا للسيد لانك تطؤها على علم أنهات أمة، وإن طلقها اعتدت عدة حرة وهو ثلاثة أقراء وله فيها الرجعة لانا لا نقبل قولها عليه فيما يضره، وإن مات عنها لزمتها عدة أمة وهى شهران وخمس ليال. لان عدة الوفاة تجب لحق الله تعالى لا حق له فيها، ولهذا تجب من غير وطئ. وقول اللقيط يقبل فيما يسقط حق الله تعالى من العبادات، وان كان اللقيط غلاما فتزوج ثم أقر بالرق. فإن قلنا: يقبل اقراره في الجميع: بطل النكاح من أصله لانه بغير اذن المولى فإن لم يدخل بها لم يلزمه شئ، وان دخل بها لزمه أقل الامرين من المسمى أو مهر المثل. لانه ان كان المسمى أقل لم يجب ما زاد لانها لا تدعيه، وان كان مهر المثل أقل لم يجب ما زاد لان قوله مقبول، وان ضر غيره. وان قلنا: لا يقبل قوله فيما يضر غيره لم يقبل قوله: ان النكاح باطل، لانه يضرها، ولكن يحكم بانفساخه في الحال لانه أقر بتحريمها، فإن كان قبل الدخول نصف المسمى وان دخل بها لزمه جميعه لانه لا يقبل قوله في اسقاط المسمى. (الشرح) من حكم باسلامه أو باسلام أحد أبويه، وان علا وقت العلوق ولو أنثى غير وارثه، ولو كان حدوث الولد بعد موت أصله فهو مسلم بالاجماع بشرط نسبته إليه نسبة تقتضي التوارث فلا يرد آدم أبو البشر عليه السلام، ولو ارتد بعد البلوغ بأن وصف كفرا أي أعرب به عن نفسه فمرتد لانه مسلم ظاهرا وباطنا، ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما، وان علا قبل بلوغه ولو بعد تمييزه حكم باسلامه اجماعا كما في اسلام الاب والخبر (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) ولو أمكن احتلامه فادعاه قبل اسلامه أصله فظاهر اطلاقهم قبول قوله فيه لزمن امكانه قال الرملي: وما بحثه الولى العراقى من عدم قبول قوله الا أن ينبت على عانته شعر خشن، غير ظاهر اللهم الا أن يقال: الاحتياط للاسلام يلغى قوله المانع له لاحتمال كذبه، ولاصل بقاء الصغر، فان بلغ ووصف كفرا فمرتد لسبق الحكم

بإسلامه ظاهرا وباطنا، وفى قول كافر أصلى، لان تبعيته أزالت الحكم بكفره، وقد زالت باستقلاله فعاد لما كان عليه أولا، وبنى عليه أنه يلزمه التلفظ بالاسلام بعد البلوغ بخلافه على الاول، ومن ثم لو مات قبل التلفظ جهز كمسلم. بل قال امام الحرمين وصوبه في الروضه هو كذلك على الثاني أيضا لان هذا الامور مبنية على الظاهر، وظاهره الاسلام. وما ذكره بعضهم من أن المسلم باسلام أحد أبويه لا يغنى عنه اسلامه شيئا ما لم يسلم بنفسه فغريب أو سبق قلم على ما قرره الاذرعى أو مفرع على وجوب التلفظ ولو تلفظ ثم ارتد فمرتد قطعا، ولا ينقض ما جرى عليه من أحكام الاسلام قبل ردته على الاصح. ولو سبى مسلم طفلا تبع هذا الطفل سابيه في الاسلام ظاهرا وباطنا ان لم يكن معه أحد أبويه بالاجماع، ولا اعتبار بمن شذ، ولانه صار تحت ولايته كالابوين، وقضية الحكم باسلامه باطنا أنه لو بلغ ووصف الكفر كان مرتدا أما إذا كان معه أحد أبويه وان علا بأن كان في جيش واحد وغنيمة واحدة، وان لم يتحد المالك وقد سبيا معا وان أطلق القاضى في تعليقه أنه إذا سبق سبى أحدهما سبى الآخر تبع السابى، فلا يحكم باسلامه، لان تبعيتهما أقوى من تبعية السابى وان ماتا بعد، لان التبعية انما تثبت في ابتداء السبى، ولو سباه ذمى قاطن ببلادنا على حد قول امام الحرمين أو دخل به دارنا كما قال البغوي، أو سباه في جيشنا، وكل ذلك انما هو قبل للخلاف في قولهم: لم يحكم بالامه في الاصح. والثانى: يحكم باسلامه تبعا للدار والاوجه أنه لو سبى أبواه ثم أسلما صار مسلما بإسلامهما خلافا للحليمي ومن تبعه، ولو سباه مسلم وذمى حكم باسلامه تغليبا لحكم الاسلام، ولو سبى الذمي صبيا أو مجنونا وباعه لمسلم أو باعه المسلم السابى له مع أحد أبويه في جيش واحد ولو دون أبويه من مسلم لم يتبع المشترى لفوات وقت التبعية، لانها انما تثبت ابتداء وما جاء من قتله فسيأتي في الاقضية ان شاء الله تعالى. (فرع) إذا ادعى رق اللقيط مدع بعد بلوغه كلف اجابته، فان أنكر ولا بينة

لم تقبل دعواه، وإن كانت له بينة حكم له بها، فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته لتصرفه بغير إذن، وان لم تكن بينة فأقر بالرق نظرنا، فان كان اعترف لنفسه بالحرية قبل ذلك لم يقبل إقراره بالرق لانه اعترف بالحرية وهى حق الله تعالى فلا يبطل برجوعه. فإن قلنا: يقبل إقراره كأحد الوجهين عند الشافعي صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه دون ماله، وبهذا قال أبو حنيفة ولمزني وأحمد، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لانه أقر بما يوجب حقا له وحقا عليه، فوجب أن يثبت ما عليه دون ماله كما لو قال: لفلان على ألف درهم ولى عنده رهن. ويحتمل أن يقبل إقراره في الجميع، وهو القول الثاني للشافعي لانه ثبت ما عليه فيثبت ماله كالبينة، فإن قبلنا إقراره بالرق لم يخل من أن يكون ذكرا أو أنثى. فإن كان اللقيط أنثى فالنكاح صحيح في حقها، فان كان قبل الدخول فلا جهر لها، وان كان دخل بها لم يسقط مهرها وأما أولادها فأحرار ولا يثبت الرق في حق أولادها باقرارها فأما بقاء النكاح فيقال للزوج: قد ثبت أنها أمة، فإن اخترت المقام على ذلك فأقم، وإن شئت ففارقها، وسواء كان ممن يجوز له نكاحا الاماء أو لم يكن لاننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان إفسادا للعقد جميعه بقولها، لان شروط نكاح الامه لا تعتبر في استدامة العقد انما تعتبر في ابتدائه. فإن قيل: قد قبلتم قولها لى أنها أمة في المستقبل وفيه ضرر على الزوج. قلنا لم يقبل قولها في إيجاب حق لم يدخل في العقد عليه، فأما الحكم في المستقبل فيمكن إيفاء حقه وحق من يثبت له الرق عليها بأن يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليها أو يقم على نكاحها فلا يسقط حق سيدها، فان طلقها اعتدت عدة الحرة، لان عدة الطلاق حق للزوج عند أحمد والشافعي ثلاثة قروء، وان مات اعتدت عدة الامة وهى شهران وخمس ليال لانه وطئ في نكاح فاسد، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان جنى عمدا على عبد ثم أقر بالرق وجب عليه القصاص على

القولين وان جنى خطأ وجب الارش في رقبته على القولين لان وجوب القصاص ووجوب الارش في رقبته يضره ولا يضر غيره فقبل قوله فيه، وإن جنى عليه حر عمدا لم يجب القود على الجاني لان ذلك مما يضره ولا يضر غيره فقبل قوله فيه، وان جنى عليه خطأ بأن قعع يده، فإن الجاني يقر بنصف الدية واللقيط يدعى نصف القيمة، فإن كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية وجب نصف القيمة، لان ما زاد عليه لا يدعيه. وإن كان أكثر من نصف الدية فعلى القولين إن قلنا يقبل قوله في الجميع وجب على الجاني نصف القيمة، وإن قلنا لا يقبل فيما يضر غيره وجب نصف الدية لان فيما زاد إضرارا بالجاني (فصل) وإن أقر اللقيط أنه عبد لرجل وكذبه الرجل سقط إقراره، كما لو أقر له بدار فكذبه، وإن أقر اللقيط بعد التكذيب بالرق لآخر لم يقبل. وقال أبو العباس يقبل كما لو أقر لرجل بدار فكذبه ثم أقر بها لآخر، والمذهب الاول لان بإقراره الاول قد أخبر أنه لم يملكه غيره، فإذا كذبه المقر له رجع إلى الاصل، وهو انه حر فلم يقبل اقراره بالرق بعده، ويخالف الدار لانه إذا كذبه الاول رجع إلى الاصل وهى مملوكة فقبل الاقرار بها لغيره. (فصل) وإن بلغ اللقيط فادعى عليه رجل أنه عبده فأنكره فالقول قوله لان الاصل الحرية، وإن طلب المدعى يمينه فهل يحلف؟ يبنى على القولين في إقراره بالرق، فان قلنا يقبل حلف لانه ربما خاف من اليمين فأقر له بالرق، وإن قلنا لا يقبل لم يحلف، لان اليمين انما تعرض ليخاف فيقر، ولو أقر لم يقبل فلم يكن في عرض اليمين فائدة وبالله التوفيق. (الشرح) إذا جنى جناية موجبة للقصاص فعليه القود حرا كان المجني عليه أو عبدا، لان اقراره بالرق يقتضى وجوب القود عليه فيما إذا كان المجني عليه عبدا أو حرا فقبل اقراره فيه. وان كانت الجناية خطأ تعلق أرشها برقبته، لان ذلك مضر به، فان كان أرشها أكثر من قيمته وكان في يده مال استوفى منه وان كان مما تحمله العاقلة لم يقبل قوله في اسقاط الزيادة، لان ذلك يضر بالمجنى عليه فلا يقبل قوله فيه.

وقيل تجب الزيادة في بيت المال لان ذلك كان واجبا للمجني عليه فلا يقبل قوله في اسقاطه. وان جنى عليه جناية موجبة للقود وكان الجاني حرا سقط، لان الحر لا يقاد منه للعبد، وقد أقر المجني عليه بما يسقط القصاص، وإذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لانها ممكنة وان كانت مخالفة لظاهر الدار، فان لم يكن له بينة فلا شئ له، أما إذا ادعاه بعد بلوغه فأنكر اللقيط فالقول قوله لاستصحاب الاصل وهو الحرية، وهى حق لله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى كتاب الوقف الوقف قربة مندوب إليها لما روى عبد الله بن عمر أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وكان قد ملك مائة سهم من خيبر، فقال: قد أصبت مالا لم أصب مثله، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله تعالى، فقال: حبس الاصل وسبل الثمرة) (فصل) ويجوز وقف كل عين ينتفع بها على الدوام كالعقار والحيوان والاثاث والسلاح، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أنه ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم أنه مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ بن عبد المطلب يعنى الصدقة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما نقم ابن جميل الا أنه كان فقيرا فأعناه الله ورسوله. فأما خالد فانكم تظلمون خالدا، ان خالدا قد حبس أدرعه وأعتده معا في سبيل الله) ولانه لما أمر عمر رضى الله عنه بتحبيس الاصل وتسبيل الثمرة، دل ذلك على جواز وقف كل ما يبقى وينتفع به. وأما مالا ينتفع به على الدوام كالطعام وما يشم من الريحان وما تحطم وتكسر من الحيوان فلا يجوز وقفه لانه لا يمكن الانتفاع به على الدوام، ويجوز وقف الصغير من الرقيق والحيوان، لانه يرجى الانتفاع به على الدوام، ولا يجوز وقف الحمل لانه تمليك منجز فلم يصح في الحمل وحده كالبيع

(فصل) واختلف أصحابنا في الدراهم والدنانير، فمن أجاز إجارتها أجاز وقفها، ومن لم يجز إجارتها لم يجز وقفها، واختلفوا في الكلب فمنهم من قال لا يجوز وقفه لان الوقف تمليك والكلب لا يملك. ومنهم من قال يجوز الوقف لان القصد من الوقف المنفعة وفى الكلب منفعة فجاز وقفه، واختلفوا في أم الولد فمنهم من قال يجوز وقفها لانه ينتفع بها على الدوام فهى كالامة القنة، ومنهم من قال لا يجوز لانها لا تملك (فصل) ولا يصح الوقف إلا في عين معينة، فإن وقف عبدا غير معين أو فرسا غير معين فالوقف باطل لانه إزالة ملك على وجه القربة فلم يصح في عين في الذمة كالعتق والصدقة. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ (أن عمر أصاب أرضا من أرض خيبر فقال: يا رسول الله أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أنفس عندي منه فما تأمرني؟ فقال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوى القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول) وفى لفظ (غير متأثل مالا) وفى حديث عمرو بن دينار عند البخاري قال في صدقة عمر (ليس على الولى جناح أن يأكل صديقا له غير متأثل) قال (وكان ابن عمر هو يلى صدقة عمر ويهدى لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم) وللحديث روايات للبيهقي والطحاوى والدارقطني. وروى النسائي وابن ماجه والشافعي عن ابن عمر، وهو متفق عليه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ عمر للنبى صلى الله عليه وسلم (إن المائة سهم التى لى بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلى منها، وقد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احبس أصلها وسبل ثمرتها)

وأما حديث أبى هريرة فقد رواه أحمد ومسلم بلفظ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر عَلَى الصَّدَقَةِ فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بن الوليد وعباس عم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتَبَسَ أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى، وأما العباس فهى عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) وأخرجه البخاري وليس فيه ذكر عمر ولا ما قيل له في العباس. وأخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبى رافع وفيه إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعمر (إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الاول) وأخرجه الطبراني والبزار وفى اسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف. ورواه البزار من حديث موسى بن طلحة عن أبيه نحوه. وفى إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس، وفى إسناده مندل بن على والعرزمى وهما ضعيفان. أما اللغات فالوقف مصدر وقف يقف، ووقفته أنا يتعدى ويلزم، ووقفت الدار حبستها في سبيل الله، وشئ موقوف ووقف تسمية بالمصدر، والجمع أوقاف، كثوب وأثواب، ولا يقال أوقفت إلا في الكلام، فتقول فأوقفت عن الكلام. وقوله (حبس الاصل وسبل الثمرة) الحبس ضد الاطلاق، أي اجعله محبوسا لا يباع ولا يوهب. وسبل الثمرة، أي اجعل لها سبيلا، أي طريقا لمصرفها، والاثاث متاع البيت، قال الله تعالى (أثاثا ومتاعا إلى حين) وقوله (ما تقم ابن جميل) نقم من باب ضرب نقما ونقوما، وفى لغة من باب تعب، ومعناه كره الشئ وعابه أشد العيب، وفى التنزيل (وما تنقم منا) على اللغة الاولى، أي وما تطعن فينا وتقدح، وقيل ليس لك عندنا ذنب ولا ركبنا مكروها.

والاعتدة جمع عتاد وهو أهبة الحرب من السلاح والذخيرة وغيرهما يقال: أخذ للامر عدته وعتاده أي أهبته وآلته. أما الاحكام: فقد استدل المصنف بحديث ابن عمر علب صحة وقف المشاع وهو مذهب الشافعي وأبى يوسف ومالك، لان عمر وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة، وقد عارض وقف المشاع بعض الفقهاء وأوضح ما احتجوا به أن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن عليه بحكمين مختلفين متضادين مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكا وعدم الصحة بالنسبة إلى كونه موقوفا، فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها وأجيب عن هذا بأبه نظير العتق المشاع كحديث الستة الاعبد كما صح هنا، وإذا صح من جهة الشارع بطل هذا الاستدلال. وقد استدل البخاري على صحة وقف المشارع بحديث أنس في قصة بناء المسجد وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثامنونى حائطكم، قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عزوجل) وهذا ظاهر في جواز وقف المشارع ولو كان غير جائز لانكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قولهم هذا وبين لهم الحكم. على أن الوقف عند أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحتة قال جابر رضى الله عنه لم يكن أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذو مقدرة إلا وقف ولم ير شريح الوقف وقال: لا حبس عن فرائض الله، وقال أحمد: وهذا مذهب أهل الكوفة، وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده، وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوص به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم، وحكاه بعضهم عن على وابن مسعود وابن عباس، وخالفه صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم. واحتج بعضهم بما روى أن عبد الله بن زيد صاحب الاذان جعل حائطه صدقة وجعله إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أبواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط، فرده النبي صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما. رواه المحاملى في أماليه، ولانه أخرج ماله على وجه القربة

من ملكه فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة، وهذا القول يخالف السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجماع الصحابة رضى الله عنهم فإنه صلى الله عليه قال لعمر في وقفه (لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث) قال الترمذي العمل عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافا. قال الحميدى شيخ البخاري: تصدق أبو بكر رضى الله عنه بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق على بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده قال: فذلك كله إلى اليوم اه. فإن الذى قدر منهم على الوقف وقف واشتهر فلم ينكره أحد فكان إجماعا، ولانه إزالة ملك يلزم بالوصية، فإذا انجزه حال الحياة لزم من غير حكم كالعتق، وأجيب عن حديث عبد الله بن زيد بأنه إن ثبت فليس فيه ذكر للوقف والظاهر أنه جعله صدقه غير موقوف، استناب فيها النبي صلى الله عليه وسلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها اليهما ولذلك لم يردها عليه، إنما دفعها اليهما، ويحتمل أن الحائط كان لهما، وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما فتصرف بهذا التصرف بغير اذنهما فلم ينفذاه، وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده اليهما والقياس على الصدقة لا يصح لانها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم، وانما تفتقر إلى القبض، والوقف لا يفتقر إليه فافترقا، فإذا صح الوقف فقد زال به ملك الواقف على المشهور من مذهبنا. والصحيح من مذهب أحمد، وكذلك المشهور من مذهب أبى حنيفة. وعن مالك: لا يزول ملكه، وهو قول لاحمد. وحكى قولا للشافعي لقول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَبِّسْ الْأَصْلَ وسبل الثمرة) . واجيب على القول ببقاء الملك بان الوقف سبب يزيل التصرف في الرقبة والمنفعة، فازال الملك كالعتق، ولانه لو كان ملكه لرجعت إليه قيمته كالملك المطلق، واما الخبر فالمراد به ان يكون محبوسا، لا يباع ولا يوهب ولا يورث،

وفائدة الخلاف أنا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزمته مراعاته والخصومة فيه، ويحتمل أن يلزمه أرش جنايته كما يفدى ام الولد سيدها لما تعذر تسليمه بخلاف غير المالك إذا صح هذا فما ينتفع به باتلافه كالمطعوم المشروب والمشموم فوقفه غير جائز، وكذلك الشمع، وكذلك كل ما يسرع إليه الفساد وكل مالا يمكن الانتفاع به على الداوم وقد ألحق الحنابلة، الدراهم والدنانير بالمأكول والمشروب، ويحكى شئ عن مالك والاوزاعي في وقف الطعام انه يجوز، ولم يحكه أصحاب مالك، وهذا غير صحيح، لان الوقف تحبيس الاصل وتسبيل الثمرة وملا ينتفع به الا بالاتلاف لا يصح فيه ذلك ولا يصح في المشموم مقطوفا ويصح فيه مزروعا لبقائه مدة كما قاله النووي وغيره، ولهذا قال ابن الصلاح والخوارزمي يصح وقف المشموم كالريحان وغيره وكالعنبر والمسك بخلاف عود البخور لاستهلاكه بالمنفعة وقد اختلف اصحابنا في الدراهم والدنانير فمن قال يجوز ان تكون لها ثمرة دائمة كالاجارة اجاز وقفها، ومن قال بعد جواز الاجارة، قال بعدم جواز الوقف فيها، لان تلك المنفعة ليست المقصود الذى خلقت له الاثمان، ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له واجاز الاصحاب وقف الدراهم والدنانير حليا وللعارية لما روى نافع قال: ابتاعت حفصة حليا بعشرين الفا فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته، رواه الخلال باسناده، ولانه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما تصح وقفها كالعقار، ولانه يصح تحبيس اصلها وتسبيل الثمرة فصح وقفها كالعقار، والى هذا ذهب أصحاب أحمد. وروى عن أحمد أنه لا يصح وقفها، وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه، وذكره ابن أبى موسى، ووجه هذه الرواية أن التحلى ليس هو المقصود الاصلى من الاثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم. قال ابن قدامة: والاول هو المذهب، والتحلى من المقاصد المهمة، والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه وجوز اجارته لذلك، ويفارق الدارهم والدنانير، فان العادة لم تجر بالتحلى به ولا اعتبره الشرع في اسقاط زكاته ولا ضمان نفعه في العصب بخلاف مسألتنا.

(فرع) لا يجوز وقف مالا يجوز امتلاكه كالكلب ولو كلب صيد وكذلك الخنزير كما لا يجوز وقف أدوات اللهو والمعارف، والكلب إنما ابيح الانتفاع به على خلاف الاصل للقدرة فلا يجوز التوسع فيها. هذا هو الاصح كما قرره النووي في المنهاج وتابعه جميع الشراح. كما لا يجوز الوقف الا على عين معينة مملوكة ملكا يقبل النقل يحصل منها مع بقاء عينها فائدة أو منفعة وضابط المنفعة المقصودة ما يصح استئجاره، على شرط ثبوت حق الملك في الرقبه وشمل كلام النووي في المنهاج وقف الموصى بعينه مدة والمأجور، وان طالت مدتهما ونحو الجحش الصغير وان لم تكن لاولئك منفعة حالا، ولا يصح وقف حيوان أو متاع أو ثياب في الذمه لان حقيقته إزالة ملك عن عين، نعم يجوز التزامه فيها بالنذر وبهذا كله قال أحمد وأصحابه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما جاز وقفه جاز وقف جزء منه مشاع لان عمر رضى الله عنه وقف مائة سهم من خيبر باذن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ القصد بالوقف حبس الاصل وتسبيل المنفعة، والمشاع كالمقسوم في ذلك، ويجوز وقف علو الدار دون سفلها دون علوها، لانهما عينان يجوز وقفهما، فجاز وقف أحدهما دون الاخر كالعبدين. (فصل) ولا يصح الوقف الا على بر ومعروف كالقناطر والمساجد والفقراء والاقارب، فان وقف على ما لا قربة فيه كالبيع والكنائس وكتب التوراة والانجيل، وعلى من يقطع الطريق أو يرتد عن الدين لم يصح، لان القصد بالوقف القربة، وفيما ذكرناه إعانة على المعصية، وان وقف على ذمى جاز لانه في موضع القربة، ولهذا يجوز التصدق عليه فجاز الوقف عليه، وفى الوقف على المرتد والحربي وجهان. (احدهما) يجوز لانه يجوز تمليكه فجاز الوقف عليه كالذمي. (والثانى) لا يجوز، لان القصد بالوقف نفع الموقوف عليه، والمرتد والحربي مأمور بقتلهما فلا معنى للوقف عليهما، وان وقف على دابة رجل،

ففيه وجهان، أحدهما: لا يجوز، لان مؤنتها على صاحبها، والثانى: يجوز لانه كالوقف على مالكه. (فصل) ولا يجوز ان يقف على نفسه، ولا ان يشرط لنفسه منه شيئا. وقال أبو عبد الله الزبيري (1) : يجوز لان عثمان رضى الله عنه وقف بئر رومة وقال (دلوى فيها كدلاء المسلمين) وهذا خطا لان الوقف يقتضى حبس العين وتمليك المنفعة والعين محبوسة عليه ومنفعتها مملوكة له فلم يكن للوقف معنى، ويخالف وقف عثمان رضى الله عنه لان ذلك وقف عام ويجوز ان يدخل في العام مالا يدخل في الخاص، والدليل عليه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى في المساجد وهى وقف على المسلمين، وان كان لا يجوز ان يخص بالصدقة ولان في الوقف العام يدخل فيه من غير شرط ولا يدخل في الوقف الخاص فدل على الفرق بيهما. (فصل) ولا يجوز الوقف على من لا يملك كالعبد والحمل لانه تمليك منجز فلم يصح على من لا يملك كالهبة والصدقة. (فصل) ولا يصح الوقف على مجهول كالوقف على رجل غير معين والوقف على من يختاره فلان لانه تمليك منجز فلم يصح في مجهول كالبيع والهبة. (الشرح) خبر عمر رضى الله عنه مضى تخريجه وبعض فقهه ولما تكلم المصنف عن منع وقف غير المعين ناسب ان يردفه بحكم المشارع، وبجوازه قال مالك والشافعي وأبو يوسف وأحمد، وقال محمد بن الحسن، لا يصح، وبناه على اصله في ان القبض شرط، وان القبض لا يصح في المشاع، وخبر عمر هو أول وقف شرع في الاسلام حيث لم يكن وقف في الجاهلية. وقال الشافعي رضى الله عنه ان هذا الوقف المعروف حقيقة شرعية لم تعرفه الجاهلية. وقيل ان أول وقف ما وقفه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أموال مخيريق التى أوصى بها له في السنة الثالثة.

_ (1) في نسخ المهذب المتداولة الزبيدى وصوابه الزبيري. المطيعى

وصحح أصحابنا وقف المشاع وان جهل قدر حصته أو صفتها، لان وقف عمر كان مشاعا، ولانه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع، أو عرصة يجوز بيعها فجاز وقفها كالمفرزة، ولان الوقف تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز، ولا نسلم اعتبار القبض. إذا ثبت هذا فانه يجوز ان يوقف جزءا من داره أو علويها أو سفليها. وكذلك إذا وقف داره على جهتين مختلفتين، مثل أن يقفها على أولاده وعلى المساكين أو على جهة أخرى سواهم، لانه إذا جاز وقف الجزء مفردا جاز وقف الجزين. (فرع) إذا لم يكن الوقف على بر أو معروف فهو باطل، وبيان ذلك أنه لا يصح الا على ولده وأقاربه ورجل معين، أو بناء المساجد والجسور والقناطر وكتب الفقه والعم والقرآن والمقابر والسقايات ولا يصلح على غير معين كرجل وامرأة، لان الوقف تمليك للعين أو للمنفعة فلا يصح على غير معين كالبيع والاجارة، ولا على معصية كبيت النار لعبدتها والبيع والكنائس وكتب التوراة والانجيل لان ذلك معصية، فان هذه المواضع بنيت للكفر، وهذه الكتب مبدلة منسوخة. ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شئ من التوراة وقال (أفى شك أنت يابن الخطاب؟) وفى رواية (أمتهوكون أنتم؟ لو كان موسى أخى حيا ما وسعه الا اتباعى) وفى رواية (الم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان موسى اخى حيا ما وسعه الا اتباعى) فلولا ان ذلك معصية ما غضب صلى الله عليه وسلم منه. والوقف على قناديل البيعة أو معابد البوذيين أو دور الهندوك أو محافل البهائيين أو القاديانيين أو أي معبد يقوم على غير أصل الاسلام وخلوص الوحدانية من شوائب الزيغ باطل. وقال احمد بن حنبل في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا كثيرة وماتوا ولهم أبناء نصارى فاسلموا والضياع بيد النصارى، فلهم اخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم.

وهذا هو مذهب الشافعي رضى الله عنه ولا نعلم فيه خلافا، ولان مالا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين. فان قيل: فقد قلتم إن أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا الينا لم ننقض ما فعلوه، فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة، وانما هو ازالة للملك في الموقوف على وجه القربة، فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك فيبقى بحاله كالعتق، وقد أفتى أحمد رضى الله عنه في نصراني أشهد في وصيته أن غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر، ثم مات مولاه وخدم سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجره خدمة مبلغ أربع سنين. وروى عنه قال: هو حر ساعة مات مولاه لان هذه معصية. وظاهر كلام المصنف التفريق بين الذمي ومعابد الكفار، حيث يقول: وان وقف على ذمى جاز الخ. قلت هذا مبنى على أصل أن الوقف لا يصح على من لا يملك، كالوقف على القن وأم الولد والجن والملائكة ولانه يجوز التصدق عليه أما الوقف على المرتد والحربي في صفوف الاعداء فوجهان. فمن جعله كالذمي أجاز الوقف عليه. ومن قال أن القصد من الوقف نفع الموقوف عليه ونحن مامورون بقتل المرتد والحربي، وهذا اقصى درجات الحرمان وهو فقد الحياة، فكيف يجوز ايصال المنفعة إليه؟ ولان أموال المرتدين والمحاربين مباحة في الاصل، ويجوز أخذها بالقهر والغلبة، فما يتجدد لهم أولى على أن الوقف لا يجوز ان يكون مباح الاخذ لانه تحبيس الاصل وفارق أهل الذمة فانه يصح الوقف عليهم لانهم يملكون ملكا محترما، ولان صفيه ام المؤمنين وقفت على اخ لها يهودى، ولان من جاز أن يقف الذمي عليه جاز أن يقف عليه المسلم كالمسلم، ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين صح أيضا لان الوقف عليهم لا على الموضع (فرع) لا يجوز أن يخص نفسه بالوقف وكذلك إذا جعله عاما وجعل لنفسه شيئا منه فانه لا يجوز وقيل يجوز، واستدل القائلون بجوازه، ومنهم أبو عبد الله

الزبيري وابن حجر العسقلاني في الباري بحديث بئر رومة، وهو عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قدم المدينة ولبس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال (من يشترى بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالى) رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن، وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه. وفى رواية للبغوي في كتاب الصحابة من طريق بشر بن بشير الاسلمي عن ابيه انها كانت لرجل من بنى غفار عين يقال لها رومة. وكان يبيع منها القربة بمد فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال يا رسول الله ليس لى ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين الف درهم. ثم أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أتجعل لى ما جعلت له؟ قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين. وللنسائي من طريق الاحنف عن عثمان قال: إجعلها سقاية للمسلمين واجرها لك، وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق ان عثمان قال ذلك وهو محصور وصدقة جماعة منهم على بن أبى طالب وطلحة والزبير وسعد بن ابى وقاص وفى قوله: فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين، الدليل عل جواز أن يجعل الواقف لنفسه نصيبا في الوقف، قالوا ويؤيده جعل عمر لمن ولى وقفه أن يأكل منه بالمعروف، وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره. هكذا قالوا. قال ابن حجر في فتح الباري: ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول ابن أبى ليلى وابى يوسف وأحمد في الارجح عنه. وقال به ابن شعبان من المالكية، وجمهورهم على المنع الا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم انه قصد حرمان ورثته. ومن الشافعية أبو العباس بن سريج وطائفة. وصنف فيه محمد بن عبد الله الانصاري شيخ البخاري جزءا ضخما، واستدل له بقصة عمر هذه، وبقصة راكب البدنة، وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، ووجه الاستدلال به انه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط. اه وقد حكى جواز الوقف على النفس ابن شبرمة والزبيرى. وعن الشافعي

ومحمد بن الحسن انه لا يصح الوقف على النفس، قالا لانه تمليك فلا يصح أن بتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة، ولقوله صلى الله عليه وسلم (سبل الثمرة) وتسبيلها تمليكها للغير. قال ابن حجر: وتعقب بان امتناع ذلك غير مستحيل، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة. والفائدة في الوقف حاصلة لان استحقاقه إياه وقفا. اه قلت: وقد استدل القائلون بصحة الوقف على النفس بحديث الرجل الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عندي دينار، فقال تصدق به على نفسك) رواه أبو داود والنسائي. وقال ابن قدامة: قال الاثرم: قيل لابي عبد الله - يعنى أحمد بن حنبل - يشترط في القوف انى أنفق على نفسي وأهل منه؟ قال نعم. واحتج قال: سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن ابه عن حجر المدرى ان في صدقة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر. اه. ودليل المانعين وهم مالك والشافعي ومحمد بن الحسن انه إزالة ملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة، وكما لو اعتق عبدا بشرط ان يخدمه، ولان ما ينفقه على نفسه مجهول، فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئا واشترط ان ينتفع به. وقال النووي في المنهاج (ويصح على ذمى لا مرتد وحربي ونفسه في الاصح) وقد فهم بعض الشراح كما يقول الرملي من هذا ان النووي صحح الوقف لنفسه، والذى يتبادر إلى الفهم من كلام النووي ان عطف نفسه يرجع على المعطوف عليه وهو ذمى المقول بصحة الوقف عليه، ولكن الرملي رحمه الله قال: لتعذر تمليك الانسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه لانه حاصل، ويمتنع تحصيل الحاصل واختلاف الجهة، إذ استحقاقه وقفا غيره ملكا الذى نظر له مقابل الاصح. واختاره جمع، ومنه ان يشترط نحو قضاء دينه مما وقفه، أو انتفاعه به أو شربه منه أو مطالعته في الكتاب، أو طبخه في القدر أو استعماله من بئر أو كوز وقف ذلك على الفقراء؟ فيبطل الوقف بذلك، خلافا لبعض الشراح هنا، وكانه توهم جواز ذلك من قول عثمان في وقفه لبئر رومة دلوى فيها كدلاء المسلمين.

قال: وليس بصحيح فقد أجابوا عنه بانه لم يقل ذلك على سبيل الشرط، بل الاخبار بأن للواقف الانتفاع بوقفه العام، كالصلاة بمسجد وقفه والشرب من بئر وقفها. نعم، لو شرط ان يضحى عنه صح أخذا من قول الماوردى وغيره بصحة شرط ان يحج عنه منه، أي لانه لا يرجع له من ذلك سوى الثواب وهو لا يضر، بل هو المقصود من الوقف، ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا أجاز له الاخذ منه. وكذا لو كان فقيرا حال الوقف، كما في الكافي واعتمده السبكى وغيره، ويصح شرطه النظر لنفسه ولو بمقابل ان كان بقدر أجرة المثل فأقل كما قيده بذلك ابن الصلاح ومن حيل الفقهاء الذين يمنعون الوقف بهذه الصورة أن ابن الرفعة وهو من كبار الفقهاء وقف على الافقه من بنى الرفعة، فعنى بذلك نفسه، أو يأتي آخر ويقف على أولاد أبيه الذين من صفاتهم كيت وكيت ويضفى صفات نفسه على المنتفع من الوقف فينصرف ذلك إلى نفسه، وقد صحح هذه الحيلة الرملي وقال: وهو الاوجه وان خالف في الاسنوى وغيره تبعا للغزالي والخوارزمي فابطلوه إن انحصرت الصفة فيه وإلا صح. (فرع) إذا وقف على من لا يصح تمليكه أو غير مؤهل للملك، لان الوقف تمليك منفعة، وضرب مثلا بالعبد والحمل، لان الجنين لا يملك شيئا، كما لا يصح الوقف على مجهول أو معدوم كعلى مسجد سيبني أو على ولده ولا ولد له أو على فقراء أولاده وليس فيهم فقير. ولا على عمارة المسجد إذا لم يبينه بموضعه ولا على ميت لان الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصية، كما لا يصح الوقف على بهيمة مجهولة بأن أطلق بغير تعيين، وقيل هو وقف على مالكها، ومن ثم لا يصح على الوحوش ولا على الطيور المباحة، ولو كانت معينة على نزاع في الجزم به. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل لانه عقد يبطل بالجهالة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع ولا يصح بشرط الخيار وبشرط أن

يرجع فيه إذا شاء أو يبيعه إذا احتاج أو يدخل فيه من شاء أو يخرج منه من شاء لانه إخراج مال على وجه القربة فلم يصح مع هذه الشروط كالصدقة. (فصل) ولا يجوز إلى مدة لانه إخراج مال على وجه القربة فلم يجز إلى مدة كالعتق والصدقة (الشرح) الاحكام: لا يجوز تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فدارى وقف أو فرسى حبس، أو إذا ولد لى ولد أو إذا قدم لى غائبي ونحو ذلك. ولا نعلم في هذا خلافا، لانه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية، فلم يجز تعليقه بالموت، وتعليقه بشرط في الحياة ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما قبل هذا. وان علق انتهاءه على شرط نحو قوله: دارى وقف إلى سنة أو إلى ان يقدم الحاج لم يصح، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة، لانه ينافى مقتضى الوقف، فان مقتضاه التأبيد. والوجه الاخر عندهم يصح لانه منقطع الانتهاء فاشبه مالو وقفه على منقطع الانتهاء، فان حكمنا بصحته ههنا فحكمه حكم منقطع الانتهاء. وان شرط ان يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه لم يصح الشرط ولا الوقف لا نعلم فيه خلافا، لانه ينافى مقتضى الوقف. ويحتمل أن يفسد الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع، وان شرط الخيار في الوف فسد. هكذا قال الشافعي ونص عليه أحمد وقال أبو يوسف في رواية عند يصح، لان الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالاجارة. ولنا أنه شرط ينافى مقتضى العقد فلم يصح، كما لو شرط أن له بيعه متى شاء، ولانه إزالة ملك لله تعالى فلم يصح الخيار فيه كالعتق، ولانه ليس بعقد معاوضه فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة، ويفارق الاجارة فإنها عقد معاوضة وهى نوع من البيع، ولان الخيار إذا دخل في العقد منع ثبوت حكمه قبل انقضاء الخيار

أو التصرف، وههنا أو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف ولم يمنع التصرف فافترقا. وان شرط في الوقف ان يخرج من شاء من اهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم، لانه شرط ينافى مقتضى الوقف فافسده كما لو شرط ان لا ينتفع. إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز ان يقول: وقفت هذا على الفقراء أو على مسجد مثلا سنة مثلا، وبطلانه من فساد صيغته، إذ ان وضع الوقف على التأبيد فإذا جعله إلى مدة كان باطلا كالعتق والصدقة، وسواء في ذلك طويل المدة وقصيرها وقد بحث الاذرعى كما فعل الزركشي جوازه إذا وقفه على الفقراء ألف سنة أو نحوها مما يبعد البقاء إليه، كما تقرر أنه لا أثر لتوقيت الاستحقاق، كقوله وقفته على زيد سنة ثم على الفقراء، أو إلا أن يولد لى ولد، كما نقله البلقينى عن الخوارزمي وجزم به ابن الصباغ وجرى عليه في الانوار وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ولا يجوز إلا على سبيل لا ينقطع، وذلك من وجهين: (أحدهما) أن يقف على من لا ينقرض كالفقراء والمجاهدين وطلبة العلم وما أشبهها (والثانى) أن يقف على من ينقرض ثم من بعده على من لا ينقرض، مثل أن يقف على رجل بعينه، ثم على الفقراء أو على رجل ثم على عقبه ثم على الفقراء، فأما إذا وقف وقفا منقطع الابتداء والانتهاء كالوقف على عبده أو على ولده ولا ولد له فالوقف باطل لان العبد لا يملك والولد الذى لم يخلق لا يملك فلا يفيد الوقف عليهما شيئا. وإن وقف وقفا متصل الابتداء منقطع الانتهاء بأن وقف على رجل بعينه ولم يزد عليه، أو على رجل بعينه ثم على عقبه ولم يزد عليه ففيه قولان (أحدهما) أن الوقف باطل، لان القصد بالوقف أن يتصل الثواب على الدوام، وهذا لا يوجد في هذا الوقف، لانه قد يموت الرجل وينقطع عقبه. (والثانى) أنه يصح ويصرف بعد انقراض الموقف عليه إلى أقرب الناس إلى الواقف، لان مقتضى الوقف الثواب على التأبيد، فحمل فيما سماه على ما شرطه

وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد. ويقدم المسمى على غيره فإذا انقرض المسمى صرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، لانه من أعظم جهات الثواب، والدليل عليه قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لا صدقة وذو رحم محتاج) وروى سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صدقتك على المساكين صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ، صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) وهل يختص به فقراؤهم أو يشترك فيه الفقراء والاغنياء؟ فيه قولان (أحدهما) يختص به الفقراء، لان مصرف الصدقات إلى الفقراء. (والثانى) يشترك فيه الفقراء والاغنياء: لان في الوقف الغنى والفقير سواء، وإن وقف وقفا منقطع الابتداء متصل الانتهاء بأن وقف على عبد ثم على الفقراء، أو على رجل غير معين ثم على الفقراء، ففيه طريقان. من أصحابنا من قال: يبطل قولا واحدا لان الاول باطل والثانى فرع لاصل باطل فكان باطلا. ومنهم من قال فيه قولان: (أحدهما) أنه باطل لما ذكرناه (والثانى) أنه يصح لانه لما بطل الاول صار كأن لم يكن. وصار الثاني أصلا. فإذا قلنا إنه يصح فإن كان الاول لا يمكن اعتبار انقراضه كرجل غير معين صرف إلى من بعده وهم الفقراء، لانه لا يمكن اعتبار انقراضه فسقط حكمه، وإن كان يمكن اعتبار انقراضه كالعبد ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) ينقل في الحال إلى من بعده، لان الذى وقف عليه في الابتداء لم يصح الوقف عليه، فصار كالمعدوم (والثانى) وهو المنصوص: أنه للواقف ثم لوارثه إلى أن ينقرض الموقوف عليه، ثم يجعل لمن بعده لانه لم يوجد شرط الانتقال إلى الفقراء، فبقى على ملكه. (والثالث) أن يكون لاقرباء الواقف إلى أن ينقرض الموقوف عليه ثم يجعل للفقراء، لانه لا يمكن تركه عليه الواقف لانه أزال الملك فيه، ولا يمكن أن يجعل للفقراء لانه لم يوجد شرط الانتقال إليهم فكان أقرباء الواقف أحق وهل يختص به فقراؤهم؟ أو يشترك فيه الفقراء والاغنياء؟ على ما ذكرنا من القولين.

(فصل) وإن وقف وقفا مطلقا ولم يذكر سبيله ففيه قولان: (أحدهما) أن الوقف باطل لانه تمليك فلا يصح مطلقا، كما لو قال: بعت دارى ووهبت مالى. (والثانى) يصح وهو الصحيح لانه إزالة ملك على وجه القربة فصح مطلقا كالاضحية، فعلى هذا يكون حكمه حكم الوقف المتصل الابتداء المنقطع الانتهاء، وقد بيناه (الشرح) الحديث الاول جزء من حديث طويل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (والذى بعثنى بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم ولان له في الكلام ورحم يتمه وضعفه ولم يتطاول على جاره بفضل ما آتاه الله. وقال: يا أمة محمد والذى بعثنى بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم، والذى نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة) رواه الطبراني في الاوسط. قال الهيثمى في مجمع الزوائد: وفيه عبد الله بن عامر الاسلمي، وهو ضعيف. وقال أبو حاتم ليس بالمتروك. أما بقية رجاله فثقات. أما حديث سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ (الصدقة على المسلمين صدقة، وهى على ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي وابن حيان والدارقطني والحاكم وحسنه الترمذي أما الاحكام: فإنه لا يجوز إلا على سبيل مراد للتأبيد لا للانقطاع ولا يتحقق هذا إلا إذا جعل وقفه لفئة أو طائفة لا تنقرض، فإذا وقف على قوم ونسلهم ثم على المساكين فانقرض القوم ونسلهم فلم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين ولم ينتقل إليهم مادام أحد من القوم أو من نسلهم باقيا، لانه رتبة للمساكين بعدهم والمساكين من الزكاة والفقراء يدخلون فيهم. وكذلك لفظ الفقراء يدخل فيه المساكين ن لان كل واحد من اللفظين يطلق عليهما، والمعنى الذى يسميان به شامل لهما وهو الحاجة والفاقة، ولهذا لما سمى الله عز وجل المساكين في مصرف كفارة اليمين وكفارة الظهار وفدية الاذى تناولهما جميعا، وجاز الصرف إلى كل

واحد منهما. فإذا وقفه وقفا متصل الابتداء منقطع الانتهاء، كعلى رجل، أو رجل ونسله ففيه وجهان: (أحدهما) البطلان لانه منقطع. وهو لا يجوز إلا على الدوام. (والثانى) أنه يجوز لامكان صرفه إلى أقرب الناس إلى الوقف وإن كانوا أغنياء. وهذا هو أحد القولين عندنا وبه قال أحمد وأصحابه. والثانى يقدم الفقراء منهم وأكثرهم حاجة. ويحتمل أن يجزأ الوقف ثلاثة أجزاء. فجزء يصرف إلى الغزاة في سبيل الله وجزء يصرف إلى أقرب الناس إليه من الفقراء لانهم أكثر الجهات ثوابا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صدقتك على ذى القرابة صدقة وصلة) والثالث يصرف إلى من يأخذ الزكاة لحاجته. وهم خمسة أصناف لانهم أهل حاجة منصوص عليهم في القرآن، فكان من نص الله تعالى عليه في كتابه أولى من غيره وإن ساواه في الحاجة. (فرع) سبق أن قررنا أن الوقف على من لا يملك باطل، فإذا وقف وقفا متصلا غير منقطع في دوامه واستمراره إلا أنه منقطع في ابتدائه بأن وقفه على عبد أو جنين في بطن أمه على أن يؤول بعد ذلك إلى الفقراء فلاصحابنا طريقان، الاول يبطل لبطلان أوله قولا واحدا. والثانى يصح لصحة استمراره ودوامه فيصير أوله كأن لم يكن ويصرف الوقف على وجهه الصحيح وقد بحث الرملي في شرحه على المنهاج المسألة فقال: ولو قال وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله أو نحوهما مما لا يدوم ولم يزد على ذلك فالاظهر صحة الوقف، لان مقصوده القربة والدوام، فإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير، فإذا انقرض الذكور أو لم تعرف أرباب الوقف فالاظهر أنه يبقى وقفا، لان وضع الوقف الدوام كالعتق، ولانه صرفه عنه فلا يعود، كما لو نذر هديا إلى مكة فرده فقراؤها. (والثانى) يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو إلى ورثته إن كان مات، لان بقاء الوقف بلا مصرف متعذر، وإثبات مصرف لم يذكره الواقف بعيد

فتعين ارتفاعه، والاظهر ما أفتى به الزين العراقى أن المراد بما في كتب الاوقاف ثم الاقرب إلى الواقف أو المتوفى قرب الدرجة والرحم لا قرب الارث والعصوبة فلا ترجيح بهما في مستويين في القرب من حيث الرحم والدرجة. ومن ثم قال لا يرجح عم على خالة بل هما مستويان ويعتبر فيهم الفقر، ولا يفضل الذكر على غيره فيما يظهر ولكن بالقرب إلى الواقف، لان الصدقة على الاقارب أفضل القربات ن فإذا تعذر الرد للواقف تعين أقربهم إليه، لان الاقارب مما حث الشرع عليهم في جنس الوقف لخبر أبى طلحة: أرى أن تجعلها في الاقربين. وبه فارق عدم تعينهم في نحو الزكاة، على أن لهذه مصرفا عينه الشارع بخلاف الوقف، ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء صرف الربع لصالح المسلمين، كما نص عليه البويطى في الاولى، أو إلى الفقراء والمساكين على ما قاله سليم الرازي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم، أو قال: ليصرف من غلته لفلان كذا، وسكت عن باقيها فكذلك. وصرح في الانوار بعدم اختصاصه بفقراء بلد الوقف بخلاف الزكاة. أما الامام إذا وقف منقطع الآخر فيصرف للمصالح لا لاقاربه، كما أفاده الزركشي، وهو ظاهر. ولو كان الوقف منقطع الاول كوقفته على من سيولد لى، أو على مسجد سيبني ثم على الفقراء مثلا فالمذهب بطلانه لتعذر الصرف إليه حالا ومن بعده (مرعه؟) والطريق الثاني فيه قولان: أحدهما الصحة، وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ولو لم يذكر بعد الاول مصرفا بطل قطعا ن لانه منقطع الاول والآخر. ولو قال وقفت على أولادي ومن سيولد لى على ما افصله، ففصله على الموجودين وجعل نصيب من مات منهم بلا عقب لمن سيولد له صح، ولا يؤثر فيه قوله: وقفت على أولادي ومن سيولد لى، لان التفصيل بعده بيان له، أو كان الوقف مقطوع الوسط كوقفته على أولادي ثم على رجل، وأبهم لانه لا يضر تردد في صفة أو شرط أو مصرف دلت قرينة قبله أو بعده على تعينه، إذ لا يتحقق الانقطاع الا مع الابهام من كل وجه. ثم قال: ثم على الفقراء، فالمذهب صحته لوجود المصرف حالا ومآلا.

ولو اقتصر على قوله: وقفت كذا ولم يذكر مصرفا، أو ذكر مصرفا متعذرا كوقفت كذا على جماعة فالاظهر بطلانه. ولو وقف على شخصين ثم الفقراء مثلا فمات احدهما فالاصح المنصوص أن نصيبه يصرف إلى الآخر، لان شرط الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجدوا إذا امتنع الصرف إليهم فالصرف لمن ذكره الواقف أولى. والثانى: يصرف إلى الفقراء كما يصرف إليهم إذا ماتا، ومحل الخلاف ما لم يفصل، وإلا بأن قال: وقفت على كل منهما نصف هذا فهما وقفان كما ذكره السبكى فلا يكون نصيب الميت منهما للآخر انتقاله للاقرب إلى الواقف ولو وقف عليهما وسكت عمن يصرف له بعدهما فهل نصيبه للآخر أو لاقرباء الواقف؟ وجهان أوجههما كما أفاده الرملي الاول وصححه الاذرعى، ولو رد أحدهما أو بان ميتا فالقياس على الاصح صرفه للآخر. ولو وقف على زيد ثم عمرو ثم بكر ثم للفقراء، فمات عمرو قبل زيد ثم مات زيد، قال الماوردى والرويانى لا شئ لبكر وينتقل الوقف من زيد إلى الفقراء، لانه رتبه بعد عمرو، وعمرو بموته أولا لم يستحق شيئا فلم يجز أن يتملك بكر عنه شيئا. وقال القاضى أبو الطيب: الاظهر أنه يصرف إلى بكر لان استحقاق الفقراء مشروط بانقراضه، كما لو وقف على ولده ثم ولد ولده ثم الفقراء، فمات ولد الولد ثم الولد يرجع للفقراء. ويوافقه فتوى البغوي في مسألة حاصلها أنه إذا مات واحد من ذرية الواقف في وقف الترتيب قبل استحقاقه للوقف لحجبه بمن فوقه يشارك ولده من بعده عند استحقاقه. قال الزركشي وهذا هو الاقرب. ولو وقف على أولاده فإذا انقرض أولادهم فعلى الفقراء، فالاوجه كما صححه الشيخ أبو حامد أنه منقطع الوسط، لان أولاد الاولاد لم يشرط لهم شيئا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم. واختار ابن أبى عصرون دخولهم، وجعل ذكرهم قرينة على استحقاقهم وفيما ذكرنا كله مذهب أحمد وأصحابه في الاوجه والاقوال وطرق الترجيح (فرع) إذا أطلق ولم يعين مصرف الوقف فالصحيح أنه يصح، لانه إزالة

ملك على وجه التقرب إلى الله تعالى، وما أطلق من كلام الآدميين محمول على المعهود في الشرع، فعلى هذا يكون حكمه حكم الوقف المتصل الابتداء المنقطع الانتهاء فيصرف إلى أقرب الناس إليه، والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الوقف الا بالقول، فإن بنى مسجدا وصلى فيه أو أذن للناس بالصلاة فيه لم يصر وقفا، لانه إزالة ملك على وجه القربة فلم يصح من غير قول مع القدرة كالعتق، وألفاظه ستة: وقفت. وحبست. وسلبت. وتصدقت وأبدت وحرمت. فأما الوقف والحبس والتسبيل فهى صريحة فيه، لان الوقف موضوع له ومعروف به، والتحبيس والتسبيل ثبت لهما عرف الشرع ن فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ رضى الله عنه: حبس الاصل وسبل الثمرة. وأما التصدق فهم كناية فيه لانه مشترك بين الوقف وصدقة التطوع فلم يصح الوقف بمجرده، فإن اقترنت به نية الواقف أو لفظ من الالفاظ الخمسة بأن يقول: تصدقت به صدقة موقوفة أو محبوسة أو مسبلة أو مؤبدة أو محرمة، أو حكم الوقف بأن يقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث صار وقفا، لانه مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف، وأما قوله: حرمت وأبدت ففيه وجهان (أحدهما) أنه كناية فلا يصح به الوقف الا بإحدى القرائن التى ذكرنا، لانه لم يثبت له عرف الشرع ولا عرف اللغة فلم يصح الوقف بمجرده كالتصدق (والثانى) أنه صريح لان التأبيد والتحريم في غير الابضاع لا يكون الا بالوقف فحمل عليه (فصل) وإذا صح الوقف لزم وانقطع تصرف الواقف فيه، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعمر رضى الله عنه: ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها لا تباع ولا توهب ولا تورث. ويزول ملكه عن العين. ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه لا يزول ملكه عن العين، لان

الوقف حبس العين وتسبيل المنفعة، وذلك لا يوجب زوال الملك. والصحيح هو الاول، لانه سبب يزيل ملكه عن التصرف في العين والمنفعة فازال الملك كالعتق. واختلف أصحابنا فيمن ينتقل الملك إليه، فمنهم من قال: ينتقل إلى الله تعالى قولا واحدا، لانه حبس عين وتسبيل منفعة على وجه القربة فأزال الملك إلى الله تعالى كالعتق ومنهم من قال فيه قولان (أحدهما) أنه ينتقل إلى الله تعالى وهو الصحيح لما ذكرنا (والثانى) أنه ينتقل إلى الموقوف عليه لان ما أزال المالك عن العين لم يزل المالية تنقل إلى الآدمى كالصدقة (فصل) ويملك الموقوف عليه غلة الوقف، فإن كان الموقوف شجرة ملك ثمرتها وتجب عليه زكاتها، لانه يملكها ملكا تاما فوجب زكاتها عليه، فإن كان حيوانا ملك صوفه ولبنه، لان ذلك من غلة الوقف وفوائده فهو كالثمرة، وهل يملك ما تلده؟ فيه وجهان (أحدهما) يملكه لانه نماء الوقف فأشبه الثمرة وكسب العبد (والثانى) أنه موقوف كالام لان كل حكم ثبت للام يتبعها فيه الولد كحرمة الاستيلاد في أم الولد، وإن كان جارية ملك مهرها لانه بدل منفعتها ولا يملك وطأها، لان في أحد القولين لا يملكها، وفى الثاني يملكها ملكا ضعيفا فلم يملك به الوطئ، فإن وطئها لم يلزمه الحد لانه في أحد القولين يملكها، وفى الثاني له شبهة ملك. وفى تزويجها وجهان (أحدهما) لا يجوز، لانه ينقص قيمتها وربما تلفت من الولادة فيدخل الضرر على من بعده من أهل الوقف (والثانى) يجوز لانه عقد على منفعتها فأشبه الاجارة. فإن قلنا إنها للموقوف عليه كان تزويجها إليه، وإن قلنا إنها تنتقل إلى الله تعالى كان تزويجها إلى الحاكم كالحرة التى لا ولى لها ولا يزوجها الحاكم إلا بإذن الموقوف عليه، لان له حقا في منافعها فلم يملك التصرف فيها وبغير اذنه، فإن أتت ولد مملوك كان الحكم فيه كالحكم فيما تلد البهيمة (فصل) وان أتلفه الواقف أو أجنبي فقد اختلف أصحابنا فيه على طريقين فمنهم من قال يبنى على القولين، فإن قلنا انه للموقوف عليه وجبت القيمة له لانه

بدل ملكه، وان قلنا: انه لله تعالى اشترى به مثله ليكون وقفا مكانه. وقال الشيخ أبو حامد الاسفراينى: يشترى بها مثله ليكون وقفا وكانه قولا واحدا لانا وان قلنا انه ينتقل إلى الموقوف عليه الا أنه لا يملك الانتفاع برقبته، وانما يملك الانتفاع بمنفعته، ولان في ذلك ابطال حق البطن الثاني من الوقف، وان أتلفه الموقوف عليه - فإن قلنا انه إذا أتلفه غيره كانت القيمة له - لم تجب عليه، لانها تجب له ن وان قلنا يشترى بها ما يكون وقفا مكانه أخذت القيمة منه واشترى بها ما يكون مكانه. وان كان الوقف جارية فوطئها رجل بشبهة فاتت منه بولد ففى قيمة الولد ما ذكرناه من الطريقين في قيمة الوقف إذا أتلف، وان كان الوقف عبدا فجنى جناية توجب المال لم يتعلق برقبته، لانها ليست بمحل للبيع، فان قلنا انه للموقوف عليه وجب الضمان علين. وأن قلنا: انه لله تعالى ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) يلزم الواقف، وهو قول أبى اسحاق وهو الصحيح، لانه منع من بيعه ولم يبلغ به حالة يتعلق الارش بذمته فلزمه أن يفديه كأم الولد (والثانى) أنه يجب في بيت المال لانه لا يمكن ايجابه على الواقف لانه لا يملكه ولا على الموقوف عليه لانه لا يملكه، فلم يبق الا بيت المال، والثالث أنه يجب في كسبه لانه كان محله الرقبة ولا يمكن تعليقه عليها فتعلق بكسبه لانه مستفاد من الرقبة، ويجب أقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية لانه لا يمكن بيعه كأم الولد. (الشرح) خبر عمر معروف ومضى الكلام عليه وافيا ان شاء الله، أما مقاصد الفصل، فإن الوقف لا ينعقد الا بالقول لانه طريقنا إلى العلم بمراده كالعتق، وألفاظ الوقف ستة، ثلاثة صريحة وثلاثة كناية، فالصريحة وقفت وحبست وسلبت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار وقفا من غير انضمام أمر زائد، لان هذه الالفاظ ثبت لها حكم الاستعمال عرفا بين الناس وشرعا بالاخبار الصحيحة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر (ان شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها) أو (حبس الاصل وسبل الثمرة) على أي من الروايتين فصارت هذه الالفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق

وأما الكناية فهى: تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة، لان لفظة الصدقة والتحريم مشتركة ن فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والايمان، ويكون تحريما على نفسه وعلى غيره، والتأييد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت لهذه الالفاظ عرف الاستعمال، فلا يحصل الوقف بمجردها ككنايات الطلاق فيه. فإن انضم إليها احد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها. (أحدها) أن ينضم إليها لفظة أخرى تخلصها من الالفاظ الخمسة فيقول: صدقة محبوسة أو موقوفة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة، أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة. (الثاني) أن يصفها بصفات الوقف فيقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، لان هذه القرينة تزيل الاشتراك. (الثالث) أن ينوى الوقف فيكون على ما نوى، إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاق على ما في الضمائر، فان اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره. وإن قال: ما أردت الوقف فالقول قوله لانه أعلم بما نوى، قال في النهاية (ولا يصح الوقف من ناطق لا يحسن الكتابة إلا بلفظ) أما الاخرس فيصح بإشارته. وأما الكاتب فبكتابته مع النية. فلو أنه بنى مسجدا وأذن فيه وصلى فيه، أو مقبرة وأذن في الدفن فيها، فمذهب الشافعي لا يكون ذلك وقفا إلا إذا اقترن باللفظ صريحا أو كناية مقترنة بما يزيل لبسها. وقال أحمد في رواية أبى داود وأبى طالب فيمن دخل بيتا في المسجد وأذن فيه: لم يرجع فيه، وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس فيها فليس له الرجوع. وهذا قول أبى حنيفة رضى الله عنه. وذكر ابن قدامة رواية أخرى عن أحمد أنه لا يصير وقفا إلا بالقول، وقد اجتهد ابن قدامة في الجمع بين الروايتين وجعلهما قولا واحدا وهو الاخذ باللفظ، فإذا ثبت هذا فانه متى صح وقفه فقد زالت يده عنه زوال ملك وانقطع بذلك تصرفه. فإذا قلنا بزوال ملكه عن العين وهو الصحيح من المذهب وبه قال

أحمد وأصحابه، فهل ينتقل الملك إلى الموقوف عليهم؟ فمن أصحابنا من قال: ينتقل الملك إلى الموقوف عليهم، وهو ظاهر مذهب أحمد حيث يقول: إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم. وهذا يدل على أنهم ملكوه. وروى عن أحمد أنه لا يملك، فان جماعة نقلوا عنه فيمن وقف على ورثته في مرضه يجوز، لانه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة، وانما ينتفعون بغلتها، وهذا يدل بظاهره على أنهم لا يملكون، ويحتمل أن يريد بوقله: لا يملكون، أي لا يملكون التصرف في الرقبة، فان فائدة الملك وآثاره ثابتة في الوقف وقال أبو حنيفة: لا ينتقل الملك في الوقف اللازم، بل يكون حقا لله تعالى لانه ازالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة، فانتقل الملك إلى الله تعالى كالعتق. وبهذا قال بعض أصحابنا، وهو الصحيح من المذهب عندنا. والقول الآخر أن الوقف سبب يزيل ملك الواقف وجه إلى من يصح تمليكه على وجه لا يخرج المال عن ماليته فوجب أن ينقل الملك إليه كالهبة والبيع ولانه لا وكان تمليك المنفعة المجردة لميلزم كالعارية والسكنى ولم يزل الواقف عنه كالعارية. ويفارق العتق فانه أخرجه عن ماليته، وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك كأم الولد، وعلى أن الاظهر أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه. على أن الذى لا نزاع فيه أن الموقوف عليه يملك غلة الوقف ومنافعه لان ذلك مقصوده، والمنتفع يستوفيها بنفسه وبغيره باعارة واجارة ان كان ناظرا. والا امتنع عليه نحو الاجارة لتعلقها بالناظر أو نائبه وذلك كسائر الاملاك، ومحله ان لم يشرط ما يخالف ذلك. ولو خربت ولم يعمرها الموقوف عليه أجرت للضرورة بما تعمر به، إذ الفرض أنه ليس للوقف ما يعمر به سوى الاجرة المعجلة، وذكر ابن الرفعة أنه يلزم الموقوف عليه ما نقصه الانتفاع من عين الموقوف. ورجح السبكى أنه ان وقف أرضا غير مغروسة على معين امتنع عليه غرسها الا إذا نص الواقف عليه أو شرط له جميع الانتفاعات، ومثل الغرس البناء،

ولا يبنى ما كان مغروسا وعكسه. وضابطه أنه يمتنع كل ما غير الوقف بالكلية عن اسمه الذى كان عليه حال الوقف، بخلاف ما يبقى الاسم معه، نعم إن تعذر المشروط جاز إبداله، وأفتى الولى العراقى في علو وقف أراد الناظر هدم واجهته وإخراجه رواش له في هواء الشارع بامتناع ذلك إن كانت الواجهة صحيحة أو غيرها واضر بجدار الوقف. وإلا جاز بشرط أن لا يصرف عليه من ريع الوقف إلا ما يصرف في إعادته على ما كان عليه وما زاد في ماله، وإنما لم تمتنع الزيادة مطلقا لانها لا تغير معالم الوقف، ويملك الاجرة لانها بدل المنافع المملوكة له، وقضيته أنه يعطى جميع الاجرة المعجلة، ولو لمدة لا يحتمل بقاؤه إلى انقضائها، كما مر في الاجارة، ويملك فوائد الموقوف كثمرة. ومن ثم لزمه زكاتها، وهو قول مالك والشافعي وأحمد. وروى عن طاوس ومكحول أنه لا زكاة فيه لان الارض ليست مملوكة لهم فلم تجب الزكاة في الخارج منها عليهم كالمساكين. على أن الثمرة الموجودة حال الوقف للواقف إن كانت مؤبرة، وإلا فقولان ارجحهما أنها موقوفة كالحمل المقارن. وذكر القاضى في فتاواه أنه لو مات الموقوف عليه وقد برزت ثمرة النخل فهى ملكه، أو وقد حملت الموقوفة فالحمل له ن أو قد زرعت الارض فالزرع الذى بذر، فإن كان البذر له فهو لورثته ولمن بعده أجرة بقائه في الارض وأفتى جمع من المتأخرين في نخل وقف مع أرضه ثم حدث منه ودى بأن تلك الودية الخارجة من أصل النخل جزء منها فلها حكم أغصانها، وسبقهم لنحو ذلك السبكى فإنه أفتى في أرض وقف وبها شجر موز فزالت بعد أن نبت من أصولها فراخ. وفى السنة الثانية كذلك وهكذا بأن الوقف ينسحب على كل ما نبت من تلك الفراخ المتكررة من غير احتياج إلى إنشائه. ولو ماتت البهيمة اختص بجلدها لكونه أولى به من غيره ومحله ما لم يدبع ولو بنفسه وإلا عاد وقفا، وله مهر الجارية الموقوفة عليه بكرا أو ثيبا إذا وطئت من غير الموقوف عليه بشبهة منها، كأن كانت مكرهة أو مطاوعة لا يعتد بفعلها لصغر أو اعتقاد حل وعذرت أو نكاح ان صححناه لانه عقد على منفعة فلم يمنعه الوقف كالاجارة. وكذا إن لم نصححه لانه وطئ شبهة هنا أيضا.

والمزوج لها الحاكم بإذن الموقوف عليه، ومن ثم لو وقفت عليه زوجته انفسخ نكاحه، وخرج بالمهر أرش البكارة فهو كأرش طرفها، ولا يحل للواقف ولا للموقوف عليه وطؤها ويحد الاول به كما حكى عن الاصحاب. قال الرملي: وكذا الثاني كما رجحناه هنا وهو المعتمد أما المطاوعة إذا زنى بها وهى مميزة فلا مهر لها. قال النووي في المنهاج: والمذهب أنه لا يملك قيمة العبد إذا أتلف. ومعنى هذا أن الموقوف عليه لا يملك قيمة الموقوف إذا اتلف من واقف أو أجنبي أو موقوف عليه تعدى باستعماله في غير ما وقف له أو تلف تحت يد ضامنة له. أما إذا لم يتعد باتلاف الموقوف عليه فلا يكون ضامنا، كما لو وقع منه صنبور على حوض سبيل فانكسر من غير تقصير ن وفى حال التعدي يشترى الحاكم أو الناظر في الوقف بقيمة التالف بدله. ولا بد من إنشاء وقفه من جهة مشتريه فيتعين أحد ألفاظ الوقف المارة. قال الرملي: وقول القاضى اقمته مقامه محل نظر، وفارق هذا صيرورة القيمة رهنا في ذمة الجاني بأنه يصح رهنها دون وقفها، وعدم اشتراط جعل بدل الاضحية أضحية إذا اشترى بعين القيمه أو في الذمة، ونوى بأن القمة هناك ملك الفقراء والمشترى نائب عنهم، فوقع الشراء لهم بالعين أو مع النية. وأما القيمة هنا فليست ملك أحد فاحتيج لانشاء وقف ما يشترى بها حتى ينتقل إلى الله تعالى، ولا يجوز شراء أنثى مكان ذكر إذا كان الموقوف ذكرا، كما لا يجوز أن يشترى صغيرا مكان كبير إذا كان الموقوف كبيرا وعكسه، لان الغرض يختلف بذلك وما فضل من القمية يشترى به شقص بخلاف نظيره الذى سيأتي في الوصيه ان شاء الله تعالى لتعذر الرقبة المصرح بها فيها. فان لم يمكن شراء شقص بالفاضل صرف للموقوف عليه فيما يظهر، كما مر نظيره، بل لنا وجه بصرف جميع ما اوجبته الجنايه إليه. ولو أوجبت قودا استوفاه الحاكم، فان تعذر شراء بدل الموقوف بها فبعض بدله يشترى بها لكونه أقرب إلى مقصوده كنظيره من الاضحية على الراجح ووجه الخلاف أن الشقص من حيث هو يقبل الوقف بخلاف الاضحية،

ولو جنى الموقوف جناية أو جبت قصاصا أقتص منه وفات الوقف، أو قصاصا أو مالا وعفى على المال فداه الواقف بأقل الامرين. وله إن تكررت الجناية حكم أم الولد في عدم تكرر الفداء وسائر أحكامها، فان مات الوقف ثم جنى الموقوف فمن بيت المال كالحر المعسر، كما أفتى بذلك الشهاب الرملي. ولو مات الجاني بعد الجناية لم يسقط الفداء. هكذا أفاده الشمس الرملي ولو جفت الشجرة الموقوفة أو قلعها ريح أو زمنت الدابة لم ينقطع الوقف على المذهب، وان امتنع وقفها ابتداء لقوة الدوام، بل ينتفع بها جذعا باجارة ويحتمل أن تباع لتعذر الانتفاع بها على وفق شرط الوقف والثمن الذى بيعت به على هذا الوجه، كقيمة العبد، فيأتى فيه ما مر، فلو لم يمكن الانتفاع بها الا باستهلاكها باحراق ونحوه صارت ملكا للموقوف عليه كما صححه ابن الرفعة والقمولى وجرى عليه ابن المقرى في روضه لكنها لا تباع ولا توهب بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الاضحية فإذا ثبت هذا فانها لا تصير ملكا لان معنى عودة ملكا انه ينتفع به ولو باستهلاك عينه كالاحراق. ومعنى عدم بطلان الوقف الذى قررناه انه مادام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الاملاك من بيع ونحوه قال النووي: والاصح جواز بيع حصر المسجد إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح الا للاحتراق اه. وذلك لئلا تضيع وادراك اليسير من ثمنها يعود على الوقف اولى من ضياعها. واستثنيت من بيع الوقف لصيرورتها كالمعدومة ويصرف ثمنها لمصالح المسجد ان لم يمكن شراء حصير أو جذع. والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتصرف الغلة على شرط الواقف من الاثرة والتسوية والتفضيل والتقديم والتاخير والجمع والترتيب، وادخال من شاء بصفة واخرجه بصفة، لان الصحابة رضى الله عنهم وقفوا وكتبوا شروطهم، فكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه صدقة للسائل والمحروم، والضيف ولذي القربى وابن السبيل،

وفى سبيل الله، وكتب على كرم الله وجهه بصدقته (ابتغاء مرضاة الله ليولجنى الجنة، ويصرف النار عن وجهى ويصرفني عن النار، في سبيل الله وذى الرحم والقريب والبعيد، لا يباع ولا يورث) وكتبت فاطمة رضى الله عنها بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقراء بنى هاشم وبنى المطلب) (فصل) فان قال وقفت على أولادي دخل فيه الذكر والانثى والخنثى، لان الجميع اولاده، ولا يدخل فيه ولد الولد، لان ولده حقيقة ولده من صلبه، فان كان له حمل لم يدخل فيه حتى ينفصل، فإذا انفصل استحق ما يحدث من الغلة بعد الانفصال دون ما كان حدث قبل الانفصال، لانه قبل الانفصال لا يسمى ولدا، وان وقف على ولده وله ولد فنفاه باللعان لم يدخل فيه. وقال أبو اسحاق يدخل فيه لان اللعان يسقط النسب في حق الزوج، ولا يتعلق به حكم سواه، ولهذا تنقضي به العدة، والمذهب الاول لان الوقف على ولده وباللعان قد بان انه ليس بولده، فلم يدخل فيه، وان وقف على أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات، لان الجميع أولاد أولاده، فان قال على نسلى أو عقبى أو ذريتي دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات، قربوا أو بعدوا، لان الجميع من نسله وعقبه وذريته، ولهذا قال الله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى) فجعل هؤلاء كلهم من ذريته على البعد، وجعل عيسى من ذريته وهو ينسب إليه بالام، فان وقف على عترته فقد قال ابن الاعرابي وثعلب هم ذريته. وقال القتيبى: هم عشيرته. وان وقف على من ينسب إليه لم يدخل فيه أولاد البنات، لانهم لا ينسبون إليه. ولهذا قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن ابناء الرجال الاجانب وان وقف على البنين لم يدخل فيه الخنثى المشكل، لانا لا نعلم انه من البنين فان وقف على البنات لم يدخل فيه، لانا لا نعلم انه من البنات، فان وقف على

البنين والبنات ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يدخل فيه، لانه ليس من البنين ولا من البنات (والثانى) انه يدخل لانه لا يخلو من أن يكون ابنا أو بنتا. وان أشكل علينا - فان وقف على بنى زيد - لم يدخل بناته، فان وقف على بنى تميم وقلنا ان الوقف صحيح ففيه وجهان (أحدهما) لا يدخل فيه البنات لان البنين اسم للذكور حقيقة (والثانى) يدخلن فيه، لانه إذا اطلق أسم القبيلة دخل فيه كل من ينسب إليها من الرجال والنساء. (فصل) وان قال وقفت على أولادي فان انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء لم يدخل فيه ولد الولد ويكون هذا وقفا منقطع الوسط فيكون على قولين كالوقف المنقطع الانتهاء. ومن أصحابنا من قال يدخل فيه أولاد الاولاد بعد انقراض ولد الصلب لانه لما شرط انقراضهم دل على انه يستحقون كولد الصلب، والصحيح هو الاول، لانه لم يشرط شيئا، وانما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم. (الشرح) قوله الاثرة وهى أن يخص قوما دون قوم، مثل ان يقف على اولاده فيخص الذكور دون الاناث أو العكس. واما التقديم والتأخير فيتحقق بأمرين بالمفاضلة، مثل أن يقول وقفت على اولادي للذكر مثل حظ الانثيين أو على أن للانثى الثلثين والذكر الثلث مثلا. والثانى أن يقول على أن البطن الاعلى يقدم على البطن الثاني. وأما التسوية فان يسوى بين الغنى والفقير أو بين الذكور والاناث والاطلاق، يقتضى ذلك. وأما اخراج من شاء بصفة فمثل أن يقول وقفت على أولادي على أن من اشتغلت ممثلة فلا حق لها، أو من استغنى من أولادي فلا حق له فيه، ويمكن أن يقول: إذا رجعت عن التمثيل أو افتقر فيرد إليه. وأما كتاب عمر رضى الله عنه فقد أخرجه أبو داود، ولفظه حدثنا سليمان المهرى قال: اخبرنا ابن وهب قال: اخبرني الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نسخها لى عبد الحميد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب:

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب عبد الله عمر في ثمع فقص من خبره نحو حديث نافع قال: غير متأثل مالا، فما عفا عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم قال وساق القصة قال: وان شاء ولى ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعمله وكتب معيقيب، وشهد عبد الله بن الارقم. بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، أن ثمغا وصرمة بن الاكوع والعبد الذى فيه، والمائة سهم التى بخيبر، ورقيقه الذى فيه، والمائة التى أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأى من أهلها أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذى القربى ولا حرج على من وليه ان أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه) وبعد، فان هذا الفصل يشتمل على أحكام نبحثها مستعينين بالله مستمدين منه التوفيق والسداد فنقول: إذا وقف على ولده لا يدخل فيه ولد الولد بحال، سواء في ذلك ولد البنين وولد البنات، لان الولد حقيقة وعرفا انما هو ولده لصلبه، وانما يسمى ولد الولد ولد مجازا، ولهذا يصح نفيه. فيقال ما هذا ولدى إنما هو ولد ولدى. وان قال على ولدى لصلبي فهو آكد. وان قال على ولدى وولد ولدى ثم على المساكين، دخل فيه البطن الاول والثانى ولم يدخل فيه البطن الثالث. وان قال على ولدى وولد ولدى وولد ولد ولدى دخل فيه ثلاث بطون دون من بعدهم، وموضع الخلاف الاطلاق. فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين فانه يصرف إليه بغير الخلاف كان يقول: على ولد فلان وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه فانه يصرف إلى أولاد الاولاد باتفاق. وكذلك ان قال: على أولادي أو ولدى وليس له ولد من صلبه، أو قال ويفضل ولد الاكبر أو الاعلم على غيرهم. أو قال: فإذا خلت الارض من عقبى عاد إلى المساكين. وان اقترنت به قرينة تقتضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل ان يقول: على ولدى لصلبي أو الذين يلوننى ونحو هذا فانه يختص بالبطن الاول دون غيرهم.

وقال أحمد في روراية المروذى، قلت لابي عبد الله ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده فمات الاولاد وتركوا النسوة حوامل؟ فقال كل ما كان من أولاده الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفه عليهم، وما كان من أولاد البنات فليس لهم فيه شئ لانهم من رجل آخر. وقال أيضا فيمن وقف على ولد على بن اسماعيل ولم يقل ان مات ولد على ابن اسماعيل دفع إلى ولد ولده، فمات ولد على بن اسماعيل: دفع إلى ولد ولده أيضا لان هذا من ولد على بن اسماعيل، ووجه ذلك قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) فدخل فيه ولد البنين وان سفلوا، ولما قال (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد) فتناول ولد البنين، وخالف القاضى وأصحابه من الحنابلة ووافقوا مذهب الشافعي رضى الله عنه فيها. (فرع) إذا قال وقفت هذا على ولدى وولد ولدى ما تناسلوا وتعاقبوا الاعلى فالاعلى أو الاقرب فالاقرب أو الاول فالاول أو البطن الاول ثم البطن الثاني أو قال على أولادي ثم على أولاد أولادي، أو قال على أولادي فان انقرضوا على أولاد أولادي، فكل هذا على الترتيب فيكون على ما شرط، ولا يستحق البطن الثاني شيئا حتى ينقرض البطن كله، ولو بقى واحد من البطن الاول كان الجميع له، لان الوقف ثبت بقوله فيتبع فيه مقتضى كلامه فان قال على أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا على أنه من مات منهم عن ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على ولده، كان ذلك دليلا على الترتيب، لانه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية، ولو جعلنا لولد الولد سهما مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم، وهذا ينافى التسوية، ولانه يفضى إلى تفضيل ولد الابن على الابن، وهذا يخالف أرادة الواقف فان قال وقفت على ولدى وولد ولدى ثم على أولادهم، أو على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا، أو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال، يشترك فيه من شرك بينهم بواو العطف المقتضية للاشتراك بين ما بعدها في الحكم مع ما قبلها

ففى الصورة الاولى يشترك الولد وولد الولد ثم إذا انقرضوا صار لمن بعدهم وفى الثانية يختص به الولد، فإذا انقرضوا صار مشتركا بين من بعدهم، وفى الثالثة يشترك فيه البطنان الاولان دون غيرهم، فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم. ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وفيهم حمل لم يستحق شيئا قبل انفصاله لانه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله. ويروى عن جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم وما توالدوا ثم ولد مولود، فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شئ، وإن لم تكن قد أبرت فهو معهم. وهذا الحكم راجع إلى اتباع الاصل في البيع، وهذا الموجود يستحق نصيبه من الاصل، وبعد التأبير لا تتبع الاصل، ويستحقها من كان له الاصل فكانت للوجود قبل التأبير لان الاصل كان له فاستحق ثمرته، كما لو باع هذا النصيب منها، ولم يستحق المولود لا يستحق منه شيئا كالمشترى. وهذا الحكم في سائر ثمر الشجر الظاهر، فإن المولود لا يستحق منه شيئا ويستحق مما ظهر بعد ولادته. (فرع) إذا وقف على قوم وأولادهم وذريتهم دخل في الوقف ولد البنين بغير خلاف نعمله. فأما ولد البنات فمذهب الشافعي رضى الله عنه أنهم يدخلون وقال الخرقى من أصحاب أحمد: لا يدخلون. وقال أحمد فيمن وقف على ولده ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شئ قال ابن قدامة: وهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده. وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذى على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن. وهكذا إذا قال: على ذريتهم أو نسلهم أو عقبه، وقال أبو بكر وعبد الله بن حامد من الحنابلة: يدخل فيه ولد البنات، وهو مذهب أبى يوسف، لان البنات أولاده، فأولادهن أولاد حقيقة، فيجب أن يدخلوا في الوقت لتناول اللفظ لهم. وقد دل على صحة هذا قول الله تعالى (ونوحا هدينا من قبل، ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله تعالى وعيسى) وهو من ولد بنته فجعله من ذريته وكذلك ذكر الله تعالى قصة عيسى وابراهيم وموسى واسماعيل وإدريس ثم قال

(أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) وعيسى فيهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر (إن ابني هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين) يعنى الحسن بن على رواه أحمد والبخاري والترمذي عن أبى بكرة رضى الله عنه. وعن أنس قال (بلغ صفية أن حفصة قالت. بنت يهودى فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهى تبكى وقالت: قالت لى حفصة: أنت ابنة يهودى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لابنة نبى، وإن عمك لنبى وإنك لتحت نبى فبم تفتخر عليك؟ ثم قال: اتقى الله يا حفصة) رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي. وفى حديث عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلى: وأما أنت يا على فختنى وأبو ولدي) رواه أحمد وعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وحسن وحسين على وركيه (هذان إبناى وإبنا ابنتى، اللهم إنى أحبهما وأحب من يحبهما) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وأخرج نحوه الترمذي من حديث البراء بن عازب بدون قوله: هذان إبناى ولفظه (أبصر حسنا وحسينا فقال: اللهم إنى أحبهما فأحبهما) وللشيخين من حديث البراء أيضا بنحوه ولما قال الله تعالى (وحلائل ابنائكم الذين من أصلابكم) دخل التحريم حلائل أبناء البنات، ولما حرم الله تعالى البنات دخل في التحريم بناتهن، فإن وقف على عترته فقد قال في المصباح: العترة نسل الانسان، قال الازهرى: وروى ثعلب عن ابن الاعرابي أن العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه، ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك، ويقال: رهطه الادنون، ويقال: أقرباؤه. ومنه قول أبى بكر رضى الله عنه: نحن عترة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي خرج منها، وبيضته التى تفقأت عنه. وعليه قول ابن السكيت: العترة والرهط بمعنى. ورهط الرجل قومه وقبيلته الاقربون. وان وقف على من ينسب إليه لم يدخل فيه أولاد البنات لانهم لا ينسبون إليه. قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الاباعد

وقد أورد المصنف البيت بإبدال القافية ولمحفوظ هو ما أثبتناه (فرع) لا يدخل الولد المنفى بلعان إلا أن يستلحقه فيستحق حينئد من الريع الحاصل قبل استلحاقه وبعده حتى يرجع بما يخصه في مدة النفى وينتفى الولد بقوله: أشهد بالله لقد زنت وما هذا ولدى، فينتفى بلعان الزوج وحده خلافا للحنابله، فإنهم لا يعتبرون نفى الزوج وحده، وانما يعتبرون النفى باللعان التام، وهو أن يوجد اللعان بينهما جميعا فلا ينتفى بلعان الزوج وحده. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان وقف على أقاربه دخل فيه كل من تعرف قرابته، فإن كان للواقف أب يعرف به وينسب إليه دخل في وقفه كل من ينسب إلى ذلك الاب ولا يدخل فيه من ينسب إلى أخى الاب أو أبيه، فإن وقف الشافعي رحمه الله لاقاربه دخل فيه كل من ينسب إلى شافع بن السائب لانهم يعرفون بقرابته، ولا يدخل فيه من ينسب إلى على وعباس بن السائب ولا من ينسب إلى السائب لانهم لا يعرفون بقرابته، ويستوى فيه من قرب وبعد من أقاربه، ويستوى فيه الذكر والانثى تساوى الجميع في القرابة، فان حدث قريب بعد الوقف دخل فيه. وذكر البويطى أنه لا يدخل فيه، وهذا غلط من البويطى لانه لا خلاف أنه إذا وقف على أولاده دخل فيه من يحدث من أولاده. (فصل) وان وقف على أقرب الناس إليه ولم يكن له أبوان صرف إلى الولد ذكرا كان أو أنثى لانه أقرب من غيره، لانه جزء منه، فان لم يكن له ولد قال ولد الولد من البنين والبنات، فان لم يكن ولد ولا ولد ولد وله أحد الابوين صرف إليه لانهما أقرب من غيرهما، فان اجتمعا استويا، فان لم يكون صرف إلى أبيهما الاقرب فالاقرب، فان كان له أب وابن ففيه وجهان (أحدهما) أنهما سواء لانهما في درجة واحدة في القرب (والثانى) يقدم الابن لانه أقوى تعصيبا من الاب، فان قلنا انهما سواء قدم الاب على ابن الابن لانه اقرب منه، وان قلنا يقدم الابن قدم ابن الابن على الاب لانه أقوى تعصيبا منه، فان لم يكن أبوان ولا ولد وله اخوة صرف إليهم

لانهم أقرب من غيرهم، فإن اجتمع أخ من اب وأخ من أم استويا، وإن كان أحدهما من الاب والام والآخر من أحدهما قدم الذى من الاب والام لانه أقرب، فان لم يكن إخوة صرف إلى بنى الاخوة على ترتيب آبائهم. فإن كان له جد وأخ ففيه قولان (أحدهما) أنهما سواء لتساويهما في القرب، ولهذا سوينا بينهما في الارث. (والثانى) يقدم الاخ لان تعصيبه تعصيب الاولاد، فإذا قلنا إنهما سواء قدم الجد على ابن الاخ، وان قلنا يقدم الاخ فابن الاخ وإن سفل أولى من الجد، فان لم يكن إخوة وله أعمام صرف إليهم ثم إلى أولادهم على ترتيب الاخوة وأولادهم، فان كان له عم وأبوجد فعلى القولين في الجد والاخ، وان كان له عم وخال أو عمة وخالة أو ولدهما فهما سواء، فان كان له جدتان إحداهما تدلى بقرابتين والاخرى بقرابة، فالتى تدلى بقرابتين أولى لانها أقرب، ومن أصحابنا من قال: ان قلنا ان السدس بينهما في الميراث استويا في الوقف (فصل) وان وقف على جماعة من أقرب الناس إليه صرف إلى ثلاثة من أقرب الاقارب، فان وجد بعض الثلاثة في درجة والباقى في درجة أبعد استوفى ما أمكن من العدد من الاقرب وتمم الباقي من الدرجة الابعد، لانه شرط الاقرب والعدد فوجب اعتبارهما. (فصل) وان وقف على مواليه وله مولى من أعلى ومولى من أسفل ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يصرف اليهما لان الاسم يتناولهما (والثانى) يصرف إلى المولى من أعلى، لان له مزية بالعتق والتعصيب (والثالث) ان الوقف باطل لانه ليس حمله على أحدهما بأولى من حمله على الآخر، ولا يجوز الحمل عليهما لان المولى في أحدهما بمعنى وفى الآخر بمعنى آخر، فلا تصح ارادتهما بلفظ واحد فبطل. (الشرح) الاحكام: الوقف على الاقارب من القرب إلى الله تعالى، يتألف من صلة الرحم والاحسان والبر، فقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أنس ان

أبا طلحة قال (يا رسول الله ان الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وان أموالي بيرحاء وانها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال: بخ بخ، ذلك مال رابح مرتين وقد سمعت: أرى أن تجعلها في الاقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله: فقسمهما أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه) وفى رواية عند أحمد ومسلم (لما نزلت هذه الآية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. قال أبو طلحة: يا رسول الله أرى ربنا يسألنا من أموالنا فأشهدك أنى جعلت أرضى بيرحاء لله، فقال اجعفها في قرابتك. قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبى بن كعب) وللبخاري معناه وقال فيه (اجعلها لفقراء قرابتك) قال محمد بن عبد الله الانصاري: أبو طلحة زيد بن سهل بن الاسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار. وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان إلى حرام، وهو الاب الثالث. وأبى بن كعب ابن قيس بن عيك بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك بن النجار، فعمرو يجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا، وبين ابى وأبا طلحة ستة آباء. وأخرج الشيخان عن أبى هريرة واللفظ لمسلم (لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الاقربين، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقار: يا بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد مناف أنقذوا انفسكم من النار، يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فانى لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) وفى هذا دليل على أن كل من ناداهم النبي صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم لفظ الاقربين، لانه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى: وأنذر

عشيرتك الاقربين، وهو دليل على صحة ما ذهب إليه الشافعي رضى الله عنه من دخول النساء لذكره فاطمة، ودخول الكفار وقد اختلف العلماء في الاقارب، فقال أبو حنيفة: القرابة كل ذى رحم محرم من قبل الاب أو الام، ولكن يبدأ بقرابة الاب قبل الام. وقال أبو يوسف ومحمد. من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب وأم من تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب. وهو رواية عن ابى حنيفة، وأقل من يدفع له ثلاثة، وعند محمد اثنان وعند أبى يوسف واحد، ولا يصرف للاغنياء عندهم إلا إن شرط ذلك. وقال أصحابنا: القريب من اجتمع سواء قرب أم بعد، مسلما كان أو كافرا، غنيا أو فقيرا، ذكرا أو أنثى، وارثا أو غير وارث محرما أو غير محرم. واختلفوا في الاصول والفروع على وجهين. وقالوا: إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا. وقيل يقتصر على ثلاثة وإن كانوا غير محصورين. فنقل عن الطحاوي الاتفاق على البطلان. قال الحافظ ابن حجر: وفى نظر، لان الشافعية عندهم وجه بالجواز، ويصرف منهم لثلاثة ولا يجب التسوية. وقال أحمد في القرابة كالشافعي إلا أنه أخرج الكافر، وفى رواية عنه: القرابة كل من جمعه، والموصى الاب الرابع إلى ما هو أسفل منه. وقال مالك: يختص بالعصبة سواء كان برئه أو لا، ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا، ثم يعطى الاغنياء وقد تمسك برواية (فجعلها في حسان بن ثابت وأبى كعب) من قال: أقل من يعطى من الاقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان، وفيه نظر لانه وقع في رواية البخاري فجعلها أبو طلحة في ذوى رحمه، وكان منهم حسان وأبى بن كعب، فدل ذلك على أنه أعطى غيرهما معهما وفى مرسل أبى بكر بن حزم: فرده على أقاربه أبى بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه وابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر، فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم. إذا ثبت هذا فإنه إذا وقف على أقاربه دخل فيه كل من تعرف قرابته منتسبا إلى أبيه، ولا يدخل فيه من ينسب إلى عمه، فإذا وقف الامام الشافعي رضى الله عنه

لاقاربه دخل فيه كل من ينسب إلى شافع بن السائب لانه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بن عبد الله بن يزيد بن هاشم ابن الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ، وقد أعقب السائب بن عبد الله شافعا وعليا وعباسا، ومن ثم فإن أبناءهم لا يدخلون في وقف الشافعي لاقاربه فإن أعقبوا بعد الوقف دخل عقبهم مثلهم أيضا، ولا خلاف أن ما يحدث من أولادهم بعد استحقاقهم يدخل معهم في الاستحقاق خلافا للبويطى فان وقف لاقاربه وكان له أولاد قدموا على غيرهم ثم على أولادهم. وان قال من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده، ومن مات عن غير ولد فنصيبه لاهل الوقف. وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهما عن ابنين انتقل نصيبه اليهما ثم مات الثاني عن غير ولد فنصيبه لاهل الوقف، وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهما عن ابنين انتقل نصيبه اليهما، ثم مات الثاني عن غير ولد فنصيبه لاخيه وابنى اخيه بالسوية لانهم أهل الوقف، ثم ان مات أحد ابني الابن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لانهما أهل الوقف. وإن مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابنى أخ له فنصيبه لاخويه دون ابني أخيه لانهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبويهما حيا، فإذا مات أبوهما فنصيبه لهما، فإذا مات الثالث كان نصيبه لابنى أخيه بالسوية إن لم يخلف ولدا، وإن خلف إبنا واحدا فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف لكل واحد الربع وإن قال: من مات منهم من غير ولد كان جاريا عليه جاريا على من هو في درجته، فان كان الوقف مرتبا بطنا بعد بطن كان نصيب الميت غن غير ولد لاهل البطن الذى هو منه. وإن كان مشتركا بين البطون كلها احتمل أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم لانهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الدرجة. وإن كان الوقف على البطن الاول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده، ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من هو في درجته ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه. سواء كان

من بطن واحد أو من بطون، وسواء تساويا أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا (والثانى) أن يكون لاهل بطن، سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الاول ثلاثة فمات أحدهما عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وعمه وابن عمه وابنا لعمه الحى، فيكون نصيبه بين أخيه وإبنى عمه (والثالث) أن يكون لاهل بطنه من أهل الوقف، فيكون نصيبه على هذا لاخيه وابن عمه الذى مات أبوه، فإن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال، كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شئ لانه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم. وقد اختلفت الرواية عن أحمد فيمن يستحق الوقف من أقرباء الواقف، ففى إحدى الروايتين يرجع إلى الورثة منهم لانهم الذى صرف الله تعالى إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه، فكذلك يصرف إليهم من صدقته ما لم يذكر له مصرفا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم ويكون وقفا عليهم، وعلى هذا ذكر أصحاب أحمد أن المقصود بالوقف هو التأبيد، وإنما صرفناه إلى هؤلاء لانهم أحق الناس بصدقته فصرف إليهم مع بقائه صدقة، ويحتمل كلام الخرقى منهم أن يصرف إليهم على سبيل الارث ويبطل الوقف فيه، فعلى هذا يكوم قوله متفقا مع قول أبى يوسف. والرواية الثانية عن أحمد يكون وقفا على أقرب عصبة الواقف دون بقية الورثة من أصحاب الفروض، ودون البعيد من العصبات فيقدم الاقرب فالاقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالى لانهم خصوا بالعقل عنه وبميراث مواليه فخصوا بهذا أيضا.

ونازعه في هذا ابن قدامة في مغنية وقال: لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة والاولى صرفه إلى المساكين وفى نزاعه نظر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وقف على زيد وعمرو وبكر ثم على الفقراء فمات زيد صرف إلى من بقى من أهل الوقف، فإذا انقرضوا صرف إلى الفقراء فمات زيد صرف إلى من بقى من أهل الوقف، فإذا انقرضوا صرف إلى الفقراء. وقال أبو على الطبري: يرجع إلى الفقراء، لانه لما جعل إذا انقرضوا وجب أن تكون حصة كل واحد منهم لهم إذا انقرض، والمنصوص في حرملة هو الاول لانه لا يمكن نقله إلى الفقراء، لانه قبل انقراضهم لم يوجد شرط النقل إلى الفقراء، ولا يمكن رده إلى الواقف لانه أزال ملكه عنه فكان أهل الوقف أحق به. (فصل) وإن وقف مسجدا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه، لم يعد إلى الملك، ولم يجز له التصرف فيه، لان ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال كما لو أعتق عبدا ثم زمن، وإن وقف نخلة فجفت أو بهيمة فزمنت أو جذوعا على مسجد فتكسرت ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز بيعه لما ذكرناه في المسجد (والثانى) يجوز بيعه لانه لا يرجى منفعته فكان بيعه أولى من تركه بخلاف المسجد، فإن المسجد يمكن الصلاة فيه مع خرابه، وقد يعمر الموضع فيصلى فيه، فإن قلنا تباع كان الحكم في ثمنه حكم القيمة التى توجد من متلف الوقف وقد بيناه. وان وقف شيئا على ثغر فبطل الثغر كطرسوس أو على مسجد فاختل المكان حفظ الارتفاع، ولا يصرف إلى غيره لجواز أن يرجع كما كان. (فصل) وإن احتاج الوقف إلى نفقة أنفق عليه من حيث شرط الواقف لانه لما اعتبر شرطه في سبيله اعتبر شرطه في نفقته كالمالك في أمواله، وإن لم يشترط أنفق عليه من غلته، لانه لا يمكن الانتفاع به إلا بالنفقة، فحمل الوقف عليه، وان لم يكن له غلة فهو على القولين إن قلنا إنه لله تعالى كانت نفقته في بيت المال كالحر المعسر الذى لا كسب له، وإن قلنا للموقوف عليه كانت نفقته عليه (فصل) والنظر في الوقف إلى من شرطه الواقف، لان الصحابة

رضى الله عنهم وقفوا وشرطوا من ينظر، فجعل عمر رضى الله عنه إلى حفصة رضى الله عنها، وإذا توفيت فإنه إلى ذوى الرأى من أهلها، ولان سبيله إلى شرطه فكان النظر إلى من شرطه. وإن وقف ولم يشرط الناظر ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه إلى الواقف لانه كان النظر إليه، فإذا لم يشرطه بقى على نظره (والثانى) أنه للوقوف عليه، لان الغلة له فكان النظر إليه (والثالث) إلى الحاكم لانه يتعلق به حق الموقوف عليه وحق من ينتقل إليه فكان الحاكم أولى، فإن جعل الواقف النظر إلى اثنين من أفاضل ولده ولم يوجد فيهم فاضل إلا واحد ضم الحاكم إليه آخر لان الواقف لم يرض فيه بنظر واحد. (فصل) إذا اختلف أرباب الوقف في شروط الوقف وسبيله ولا بينة جعل بينهم بالسوية، فإن كان الواقف حيا رجع إلى قوله، لانه ثبت بقوله فرجع إليه. (الشرح) بعض هذه الفصول مضى ذكر أحكامها. أما المسجد فإنه إذا انهدم وتعذرت اعادته فإنه لا يباع بحال لامكان الانتفاع به حالا بالصلاة في أرضه، وبهذا قال مالك رضى الله عنه. وقال الرملي: وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه. نعم لو خيف على نقضه نقض وحفظ ليعمر به مسجد آخر ان رأى الحاكم ذلك، وان توقع عوده حفظ له، والا فإن أمكن صرفه إلى مسجد آخر صرف إليه، والا فمنقطع الآخر فيصرف لاقرب الناس إلى الواقف، فان لم يكونوا صرف إلى الفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين. أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه يشترى به عقار ويوقف عليه بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لاجلها لانه يعرض للضياع أو لظالم يأخذه. ولو وقف أرضا للزراعة فتعذرت وانحصر النفع في الغرس أو البناء فعل الناظر أحدهما أو آجرها كذلك، وقد أفتى البلقينى في أرض موقوفة لتزرع حناء

فآجرها لتغرس كرما، فإن قوله لتزرع حناء متضمن لاشتراط أن لا يزرع غيره لان من المعلوم أنه يغتفر في الضمنى مالا يغتفر في المنطوق، على أن الفرض في مسألتنا أن لا يقصد تعطيل وقفه وثوابه، ومسألة البلقينى ليس فيها ضرورة فاحتاج إلى التقييد. وقال أصحاب أحمد: إذا تعطلت منافع الوقف كدار انهدمت أو أرض عادت مواتا أو مسجد انصرف أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه الا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وان لم يمكن الانتفاع بشئ منه بيع جميعه. وقال أحمد في رواية أبى داود صاحب السنن: إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه. وقال في رواية صالح: يحول المسجد خوفا من اللصوص، وإذا كان موضعه قذرا، يعنى إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه، ونص في رواية عبد الله على جواز بيع عرصته وتكون الشهادة في ذلك على الامام. وقد روى على بن سعيد أن المساجد لا تباع انما تنقل آلتها. وقال محمد بن الحسن: إذا خرب المسجد أو الوقوف عاد إلى ملك واقفه، لان الوقف انما هو تسبيل المنفعة، فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يباع أصلها ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث) ولان ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع بقاء تعطلها كالمعتق، والمسجد أشبه الاشياء بالمعتق (فائدة، لا يصح عندنا وقف لاجل نقش مسجد أو زخرفته، أما دهانه وملاطه وتجصيصه فجائز، لقول عمر رضى الله عنه (أكن الناس من المطر واياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس) أفاده الشمس الرملي في النهاية (فرع) إذا كان الوقف للاستغلال لم يتصرف فيه سواء ناظره الخاص أو العام أو لينتفع به الموقوف عليه، وأطلق أو قال: كيف شاء، فله استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره بأن يركبه الدابة مثلا ليقضى له عليها حاجة فلا ينافى ذلك ما قيل في الاعارة والاجارة وما قيدناه به.

ثم إن شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره اتبع كبقية شروطه، لما روى أن عمر (رض) ولى أمر صدقته لحفصة ما عاشت، ثم لاولى الرأى من أهلها، وقبول من شرط له النظر كقبول الوكيل فيما يظهر لا الموقوف عليه ما لم يشرط له شئ من ريع الوقف، ودعوى السبكى أنه بالاباحة أشبه فلا يرتد بالرد بعيد، بل لو قبله ثم أسقط حقه منه سقط إلا أن يشترط نظره حال الوقف، فلا ينعزل بعزل نفسه على الراجح خلافا لمن زعم خلافه. قال الرملي: نعم يقيم الحاكم متكلما غيره مدة إعراضه، فلو أراد العود لم يحتج إلى تولية جديدة، فإذا لم يشرط الواقف النظر لاحد فالنظر للقاضى الموجود ببلد الموقوف عليه كما مر نظيره في مال اليتيم، إذ نظره عام فهو أولى من غيره، ولو كان واقفا أو موقوفا عليه. وما جزم به الماوردى من ثبوته للواقف بلا شرط في مسجد المحلة، والخوارزمي في سائر المساجد، وزاد أن ذريته مثله مردود. هكذا أفده الرملي وشرط الناظر العدالة الباطنة مطلقا كما رجحه الاذرعى خلافا لاكفاء السبكى بالعدالة الظاهرة، ومن ثم ينعزل بالفسق المحقق بخلاف غيره بخلاف الكذب الذى يمكن أن يكون معذورا فيه. وسواء في الناظر أكان هو الواقف أم غيره، ومتى انعزل بالفسق فالنظر للحاكم، كما تشترط الكفاية لما تولاه من نظر عام أو خاص وهى الاهتداء إلى التصرف الذى فوض له قياسا على الوصي والقيم، لانها ولاية على غيره، وعند زوال الاهلية يكون النظر للحاكم، هكذا رجحه السبكى وقد أفتى النووي بعدم عود النظر بعود الاهلية ما لم يكن نظره بشرط الواقف، لقوته بالشرط، إذ ليس لاحد عزله ولا الاستبدال به، وعارض فقد الاهلية مانع من تصرفه لا سالب لولايته. ولو كان له النظر على مواضع فأثبت أهليته في مكان ثبتت في بقية الاماكن من حيث الامانة لا من حيث الكفاية إلا ان يثبت أهليته في سائر الاوقاف كما قرره ابن الصلاح. ووظيفة الناظر حفظ الاصول وثمرتها على وجه الاحتياط كولى اليتيم،

كما يتولى الاجارة والعمارة والاقتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه له الواقف أو أذن له فيه الحاكم كما في الروضه وغيرها، خلافا للبلقينى، سواء في ذلك مال نفسه وغيره، كما انه منوط به تحصيل الغله وقسمتها على مستحقيها، ويلزمه رعاية زمن عينه الواقف، ويجوز تقديم تفرقة المنذور على الزمن المعين لشبهه بالزكاة المعجله، ولو كان له وظيفه فاستناب فيها فالاجرة عليه لا على الوقف وقال الاذرعى: إن الذى نعتقده أن الحاكم لا نظر له معه ولا تصرف، بل نظره معه نظر إحاطه ورعاية. فإن فوض الواقف إليه بعض هذه الامور لم يتعده اتباعا للشرط، ويستحق الناظر ما شرط من الاجرة، كما يجوز له رفع الامر إلى الحاكم ليقرر له أجره قال العراقى في تحريره: ومقتضاه أنه يأخذ مع الحاجة إما قدر النفقة كما رجحه الرافعى أو الاقل من نفقته وأجرة مثله كما رجحه النووي، وقد رجح بعض المتأخرين من أصحابنا أن الظاهر هنا أنه يستحق أن يقرر له أجرة المثل، وإن كان أكثر من النفقة، وانما اعتبرت النفقة هنا لوجوبها على فرعه سواء أكان وليا على ماله أم لا، بخلاف الناظر ولو جعل النظر لعدلين من أولاده وليس فيهم سوى عدل نصب الحاكم آخر، وان جعله للارشد من أولاده فالارشد، فأثبت كل منهم أنه أرشد اشتركوا في النظر بلا استقلال ان وجدت الاهلية فيهم، لان الارشدية قد سقطت بتعارض البينات فيها ويبقى أصل الرشد، ولو تغير حال الارشد حين الاستحقاق فصار مفضولا انتقل النظر إلى من هو أرشد منه، ويدخل في الارشد من أولاد أولاده الارشد من أولاد البنات، وللواقف عزل من ولاه نائبا عنه ان شرط النظر لنفسه ونصب غيره كالوكيل. وأفتى النووي بأنه لو شرط النظر لانسان، وجعل له أن يسنده لمن شاء فأسنده لآخر، لم يكن له عزله ولا مشاركته، ولا يعود النظر إليه بعد موته. قال الرملي: بنظير ذلك أفتى فقهاء الشام وعللوه بأن التفويض بمثابة التمليك، وخالفهم السبكى فقال: بل كالتوكيل، وأفتى السبكى بأن للناظر والواقف من جهته عزل المدرس ونحوه ان لم يكن مشروطا في الوقف ولو لغير مصلحه، وهو مردود بما في الروضة للنووي أنه لا يجوز للامام اسقاط بعض الاجناد المثبتين

في الديوان بغير سبب، فالناظر الخاص أولى، ولا اثر للفرق بأن هؤلاء ربطوا أنفسهم للجهاد الذى هو فرض، ومن ربط نفسه لا يجوز إخراجه بلا سبب بخلاف الوقف فإنه خارج عن فروض الكفايات، بل يرد بأن التدريس فرض أيضا، وكذلك قراءة القرآن، فمن ربط نفسه بهما فحكمه كذلك على تسليم ما ذكر من أن الربط به كالتلبس به، وإلا فشتان ما بينهما، ومن ثم اعتمد البلقينى أن عزله من غير مسوغ لا ينفذ، بل هو قادح في نظره، وفى شرح المنهاج في الكلام على عزل القاضى بلا سبب ونفوذ العزل في الامر العام: أما الوظائف كأذان وإقامة وتدريس وطلب ونحوه فلا ينعزل أربابها بالعزل من غير سبب كما أفتى به كثير من المتأخرين، منهم ابن رزين فقال: من تولى تدريسا لم يجز عزله بمثله ولا بدونه ولا ينعزل بذلك، قال الرملي: وهذا هو المعتمد. وإذا قلنا: لا ينفط عزره الا بسبب فهل يلزمه بيان مستنده؟ الفتوى أكثر المتأخرين بعدمه وقيده بعضهم بما إذا وثق بعلمه ودينه، وزيفه التاج السبكى بأنه لا حاصل له. ثم بحث أنه ينبغى وجوب بيان مستنده مطلقا أخذا من قولهم: لا يقبل دعواه الصرف لمستحقين معينين، بل القول قولهم ولهم مطالبته بالحساب وادعى الولى العراقى أن الحق التقييد وله حاصل لان عدالته غير مقطوع بها، فيجوز أن يختل وأن يظن ما ليس بقادح قادحا بخلاف من تمكن علما ودينا زيادة على ما يعتبر في الناظر من تمييز ما يقدم وما لا يقدح، ومن ورع وتقوى يحولان بينه وبين متابعة الهوى. ولو طلب المستحقون من الواقف كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخه حفظا لاستحقاقهم لزمه تمكينهم وذلك أخذا من افناء جماعة أنه يجب على صاحب كتب الحديث إذا كتب فيها سماع غيره معه لها أن يعيره اياها ليكتب سماعه منها ولو تغيرت المعاملة وجب ما شرطه الواقف مما كان يتعامل به حال الوقف، زاد سعره أم نقص سهل تحصيله أم لا، فإن فقد اعتبرت قيمته يوم المطالبة ان لم يكن له مثل حينئذ والا وجب مثله. وإذا أجر الناظر الوقف على معين أو جهة اجارة صحيحة فزادت الاجرة

في المدة أو ظهر بالزيادة لم ينفسخ العقد في الاصح لوقوعه بالغبطة في وقته فأشبه ارتفاع القيمة أو الاجرة بعد بيع أو اجارة مال المحجور. والثانى: تنفسخ إذا كان للزيادة وقع، والظالب ثقة لتبين وقوعه على خلاف المصلحة، وقد مر في الاجارة أنه لو كان المؤجر المستحق أو مأذونه جاز ايجاره بأقل من أجرة مثله وعليه فالاوجه انفساخه بانتقالها لغيره ممن لم يأذن له في ذلك. وأفتى ابن الصلاح فيما إذا أجر بأجرة معلومة شهد اثنان بأنها أجرة المثل حالة العقد ثم تغيرت الاحوال فزادت أجرة المثل بأنه يتبين بطلانها وخطؤهما لان تقويم المنافع المستقبله انما يصح حيث استمرت حالة العقد بخلاف ما لو طرأ عليها أحوال تختلف بها قيمة المنفعة فإنه بان أن المقوم لم يوافق تقويمه الصواب ولو حكم حاكم بصحة اجارة وقف، وان الاجرة وقف، وأن الاجرة أجرة المثل، فإن ثبت بالتواتر أنها دونها تبين بطلان الحكم والاجارة. (فرع) نفقة الوقف من حيث شرط الواقف لانه لما اتبع شرطه في سبيله وجب اتباع شرطه في نفقته، فإن لم يمكن فمن غلته، لان الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل منفعته، ولا يحصل ذلك الا بالاتفاق عليه، فكان ذلك من ضرورته، وان تعطلت منافع الحيوان الموقوف فنفقتهن على الموقوف عليه لانه ملكه، ويحتمل وجوبها في بيت المال، والله تعالى أعلم بالصواب.

كتاب الهبات

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الهبات الهبة مندوب إليها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تهادوا تحابوا) وللاقارب أفضل لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ) وفى الهبة صلة الرحم، والمستحب أن لا يفضل بعض أولاده على بعض في الهبة لما روى النعمان بن بشير قال (أعطاني أبى عطية فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رسول الله إنى أعطيت ابني عطية وإن أمه قالت لا أرضى حتى تشهد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ أعطيت كل ولدك مثل ذلك؟ قال لا. قال رسول الله اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء؟ قال بلى قال فلا إذا) قال الشافعي رحمه الله: ولانه يقع في نفس المفضول ما يمنعه من بره، ولان الاقارب ينفس بعضها بعضا مالا ينفس العدى، فإن فضل بعضهم بعطية صحت العطية، لما روى في حديث النُّعْمَانُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أشهد على هذا غيرى) فلو لم يصح لبين له ولم يأمره أن يشهد عليه غيره، ولا يستنكف ان يهب القليل ولا أن يتهب القليل، لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لو دعيت إلى كراع لاجبت. ولو أهدى إلى كراع أو ذراع لقبلت) (الشرح، الحديث الاول أخرجه البخاري في الادب المفرد والبيهقي وابن طاهر في مسند الشهاب من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن اسماعيل عن موسى

ابن وردان عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) قال الحافظ ابن حجر وإسناده حسن، وقد اختلف فيه على ضمام. قال الذهبي: لينه بعضهم بلا حجة. وقال أحمد بن حنبل: صالح الحديث. وسرد له ابن عدى في كامله أحاديث حسنة، ولما كان ضمام ختن أبى قبيل على ابنته فقد اختلف عليه، فقيل عنه: عن أبى قبيل عن عبد الله بن عمر أورده ابن طاهر ورواه في مسند الشهاب من حديث عائشة بلفظ (تهادوا تزدادوا حبا) وفى اسناده محمد بن سليمان. قال ابن طاهر: لا اعرفه، وأورده أيضا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية وقال: اسناده غريب وليس بحجة. وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني رفعه (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) وفى الاوسط للطبراني من حديث عائشة (تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم) قال الحافظ بن حجر: وفى اسناده نظر وأخرج في الشهاب عن عائشة (تهادوا فان الهدية تذهب الضغائن) ومداره على محمد بن عبد النور عن أبى يوسف الاعشى عن هشام عن أبيه عنها. والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقرى. قال الدارقطني: ليس بثقة، وقال ابن ظاهر لا أصل له عن هشام. ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ (تهادوا فان الهدية قلت أو كثرت تذهب السخيمة) وضعفه بعائذ. قال أبو حاتم: في حديثه ضعف. وقال ابن طاهر: ليس بشئ وقد رواه عنه جماعة. قال ورواه كوثر بن حكيم عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وكوثر متروك. وروى الترمذي من حديث ابى هريرة (تهادوا فان الهدية تذهب وحر الصدر) وفى اسناده أبو معشر المدنى تفرد به وهو ضعيف. ورواه ابن طاهر في احاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ (الهدية تذهب بالسمع والبصر) ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر بلفظ (تهادوا فان الهدية تذهب الغل) رواه محمد بن غيزغة قال: لا يجوز الاحتجاج به وقال فيه البخاري منكر الحديث وروى أبو موسى المدينى في الذيل في ترجمة زعبل، بالزاى والعين المهملة والباء

الموحدة، يرفعه (تزاوروا وتهادوا فان الزيارة تثبت الوداد، والهدية تذهب السخيمة. قال ابن حجر: وهو مرسل وليس لزعبل صحبة اما حديث عبد الله بن عمر رواه احمد في مسنده والطبراني باسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو، ورواه مسلم عن عائشة، ورواه البخاري عن ابى هريرة بلفظ الرحم شجنة من الرحمن، قال الله: من وصلته ومن قطعته. اما حديث النعمان بن بشير عند البخاري ومسلم واحمد بلفظ (ان اباه أتى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انى نحلت ابني هذا غلاما كان لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: فارجعه) ولفظ مسلم (نصدق على ابى ببعض ماله، فقالت امى عمرة بنت رواحة لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق ابى إليه يشهده على صدقتي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا فقال: اتقوا الله واعدلوا في اولادكم، فرجع ابى في تلك الصدقة) وللبخاري مثله لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة. وقد روى احمد وابو داود والنسائي والمنذري عن النعمان بن بشير قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعدلوا بين ابنائكم، اعدلوا بين ابنائكم، اعدلوا بين ابنائكم) وهذا الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله ثقات الا المفضل ابن المهلب بن ابى صفرة، وقد اختلف فيه وهو صدوق، وفى رواية لمسلم بلفظ (ايسرك ان يكونوا في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا اذن وفى بابه عن ابن عباس عند الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ (سووا بين اولادكم في العطية، ولو كنت مفضلا احدا لفضلت النساء) وفى اسناده سعيد ابن يوسف وهو ضعيف، وذكر ابن عدى في الكامل انه لم ير له انكر من هذا وقد حسن ابن حجر في الفتح اسناده. أما حديث أبى هريرة فقد اخرجه البخاري بلفظ (ذلود دعيت إلى كراع أو ذراع لاجبت، ولو اهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) ورواه احمد والترمذي وصححه من حديث انس بلفظ (لو اهدى إلى كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لاجبت) وفى بابه عن أم حكم الخزاعية عند الطبراني قالت (قلت: يا رسول الله

تكره اللطف؟ قال: ما أقبحه، لو اهدى إلى كراع لقبلت) قوله: اللطف بالتحريك: اليسير من الطعام. أما الهبة بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة. قال في الفتح: تطلق بالمعنى الاعم على انواع الابراء، وهو هبة الدين ممن هو عليه، والصدقة وهى هبة ما يتمخض به طلب ثواب الاخرة، والهدية وهى ما يلزم به الموهوب له عوضه، ومن خصها بالحياة اخرج الوصية، وهى تكون أيضا بالانواع الثلاثة، وتطلق الهبة بالمعنى الاخص على مالا يقصد له بدل، وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بانها تمليك بلا عوض اه والهبة والعطية والهدية والصدقة معانيها متقاربة وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، واسم العطية شامل لجميعها، وكذلك الهبة والصدقة والهدية متغايران، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. وقال في اللحم الذى تصدق به على بريرة (هو عليها صدقة ولنا هدية) فالظاهر ان من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة. ومن دفع إلى انسان شيئا بتقرب به إليه محبة له فهو هدية، وجميع ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه لقوله صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) وأما الصدقة فما ورد في فضلها اكثر من ان يمكننا حصره، وقد قال الله تعالى (ان تبدوا الصدقات فنعما هي، وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم سيئاتكم) إذا ثبت هذا فان المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة والهبة الا بالقبض، وهو قول اكبر الفقهاء، منهم النخعي والثوري والحسن بن صالح وابو حنيفة والشافعي واحمد. وقال مالك وابو ثور: يلزم ذلك بمجرد العقد لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (العائد في هبته كالعائد في قيئه) ولانه ازالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقوف والعتق. وربما قالوا: تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف، ولانه عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع، وتطلق الهبة على الشئ الموهوب واحاديث النعمان بن بشير تمسك بها من اوجب التسوية بين الاولاد في

العطيه، وبه صرح البخاري، وهو قول طاوس والثوري واحمد واسحاق وبعض المالكية، قال في الفتح: والمشهور عن هؤلاء انها باطلة. وعن احمد تصح، ويجب ان يرجع. وعنه يجوز التفاضل ان كان له سبب، كان يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين. وقال أبو يوسف تجب التسوية ان قصد بالتفضيل الاضرار. وذهب الجمهور إلى ان التسوية مستحبه، فان فضل بعضا صح وكره، وحملوا الامر على الندب وكذلك حملوا النهى الثابت في رواية لمسلم بلفظ (ايسرك ان يكونوا لك في البر سواء؟ قال بلى. قال فلا اذن) على التنزيه. واجابوا عن حديث النعمان باجوبة عشرة جاءت في فتح الباري، اختصرها الشوكاني ووضع عليها زيادات مفيدة (احدها) ان الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر، وتعقبه بان كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضيه، كما في حديث جابر وغيره ان الموهوب كان غلاما، وكما في لفظ مسلم عن النعمان (تصدق على ابى ببعض ماله) (الجواب الثاني) ان العطية المذكورة لم ينجز، وانما جاء بشير يستشير النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فاشار عليه بان لا يفعل فترك، حكاه الطبري ويجاب عنه بان امره صلى الله عليه وسلم له بالارتجاع يشعر بالنجيز. وكذلك قول عمرة (لا ارضى حتى تشهد) الخ (الجواب الثالث) ان النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لابيه الرجوع. ذكره الطحاوي. قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله (ارجعه) فانه يدل على تقدم وقوع القبض، والذى تظافرت عليه الروايات انه كان صغيرا وكان ابوه قابضا له لصغره فأمره برد العطيه المذكورة بعدما كانت في حكم المقبوضة. (الرابع) ان قوله (ارجعه) دليل على الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وانما امره بالرجوع لان للوالد ان يرجع فيما وهب لولده، وان كان الافضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك امره به. وفى الاحتجاج بذلك نظر، والذى يظهر ان معنى قوله ارجعه، أي لا تمض الهبة

المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة (الخامس) أن قوله: أشهد على هذا غيرى، إذن بالاشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الامام، وكأنه قال: لا أشهد لان الامام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم، حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه، والاذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث، وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن حبان: قوله (أشهد) صيغة أمر والمراد به نفى الجواز وهى كقوله لعائشة: اشترطي لهم الولاء اه. ويؤيد هذا الوجه تسميته صلى الله عليه وسلم لذلك جورا كما في بعض الروايات المذكورة. (السادس) التمسك بقوله: ألا سويت بينهم، على أن المراد بالامر الاستحباب وبالنهى التنزيه. قال ابن حجر: وهذا جيد لولا ورود تلك الالفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما رواية (سو بينهم) (السابع) قالوا المحفوظ في حديث النعمان (قاربوا بين اولادكم) لا سووا، وتعقب بانكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية (الثامن) في التشبيه الواقع بينهم في التسوية، بالتسوية بينهم، بالتسوية فيهم في البر قرينة تدل على ان الامر للندب، ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهى عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لنفس الامر (التاسع) ما سيأتي في الفصل الذى بعد هذا من منحة أبى بكر لعائشة. وقوله لها فلو كنت احترثته، وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده، ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين، وقال في الفتح وقد أجاب ابن عمر عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين، ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم. ولا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع (العاشر) أن الاجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض ولده

بالتمليك لبعضهم. ذكره ابن عبد البر. قال الحافظ ابن حجر ولا يخفى ضعفه لانه قياس مع وجود النص، وقد رأى الشوكاني أن التسوية واجبة وأن التفضيل محرم واختلف الموجبون للتسوية في كيفيتها فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث، واحتجوا بان ذلك حظه من المال لو مات عنه الواهب. وقال غيرهم لا فرفق بين الذكر والانثى، وظاهر الامر بالتسوية معهم. على أن حديث النعمان بن بشير رواه عنه عدد كثير من التابعين، منهم عروة ابن الزبير عند مسلم والنسائي وأبى داود، وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوى، والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبى داود والنسائي، وعبد الله بن عتبه بن مسعود عند أحمد، وعون بن عبد الله عند أبى عوانة والشعبى عند الشيخين وأبى داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشير والد النعمان فشذ بذلك. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وما جاز بيعه من الاعيان جاز هبته لانه عقد يقصد به ملك العين فملك به ما يملك بالبيع وما جاز هبته جاز هبة جزء منه مشاع لما روى عمر بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من المدينة حتى أتى الروحاء فإذا حمار عقير، فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير، فقال دعوه فانه سيطلبه صاحبه، فجاء رجل من فهر فقال يا رسول الله انى أصبت هذا فشأنكم به، فأمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بقسم لحمه بين الرفاق، ولان القصد منه التمليك والمشاع كالمقسوم في ذلك. (فصل) وما لا يجوز بيعه من المجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض لا تجوز هبته لانه عقد يقصد به تمليك المال في حال الحياة فلم يجز فيما ذكرناه كالبيع (فصل) ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل لانه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع

(الشرح) حديث عمرو بن سلمة الضمرى كذا في نسخ المهذب وفى مواطن مختلفة من فصول المهذب وصوابه عمير بن سلمة الضمرى بالتصغير. قال الحافظ ابن حجر في التهذيب: له صحبة وحديث، وهذا الحديث أخرجه أحمد والنسائي ومالك في الموطأ وصححه ابن خزيمة وغيره عن عمير بن سلمة الضمرى عن رجل من بهز (أنه خرج مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد مكه حتى إذا كانوا في بطن واد الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهرى وكان صاحبه فقال: يارسول الله شأنكم هذا الحمار فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر فقسمه في الرفاق، وهم محرمون، قال: ثم مررنا حتى إذا كنا بالاتاية إذا نحن بظبى حاقف في ظل فيه سهم فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا أن يقف عنده حتى يخير الناس عنه) . ولاحمد والبخاري ومسلم من حديث قتادة قال (كنت يوما جالسا مع رجال مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل في طريق مكه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم عام الحديبية فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي فلم تؤذنوني، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْتُ: لَهُمْ نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لا والله لا نعينك عليه، فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتهمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فوقعوا فيه يَأْكُلُونَهُ، ثُمَّ إنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عن ذلك فقال: هل معكم منه شئ فقلت: نعم، فناولته العضد فأكلها وهو محرم) ولمسلم (هل أشار إليه إنسان أو أمره بشئ قالوا: لا، قال: فكاوه) وللبخاري (قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقى من لحمها) قلت. وهذا الخبر صريح في صحة هبة المشاع، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، سواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن

وقال أصحاب الرأى لا تصح هبة المشاع الذى يمكن قسمته لان القبض شرط في الهبة، ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه، فإن كان مما لا يمكن قسمته صحت هبته لعدم ذلك فيه، وإن وهب وأحد اثنين شيئا مما ينقسم لم يجز عند أبى حنيفة، وجاز عند صاحبيه، وان وهب اثنان اثنين شيئا مما ينقسم لم يصح في قياس قولهم، لان كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع. ولنا حديث عمرو بن سلمة في الفصل، ولانه يجوز بيعه فجازت هبته كالذى لا ينقسم، ولانه مشاع فاشبه ما لا ينقسم. وقولهم: إن وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح، فإنه لم يمنع صحته في البيع فكذا ههنا، ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه بإذنه ثبت ملكهما فيه، وإن قبضه أحدهما ثبت الملك في نصيبه أما قوله ما جاز بيعه من الاعيان جاز هبته، فظاهر في عموم ثبوت الملك بالقبض بالهبة فيما يجوز امتلاكه بالعوض، والجواز هنا اعتبار الشئ في حق حكمه، وأما صحته بانعقاد اللفظ بحيث إذا انضم إليه القبض اعتبر، ويثبت حكمه وفى معنى البيع، قال الشافعي رضى الله عنه ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار. ولما كانت الهبة تمليكا لمعين في الحياة لم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فان علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم لام سلمة (إن رجعت هذيتنا إلى النجاشي فهى لك) كان وعدا، وإن شرط في الهبة شروطا تنافى مقتضاها نحو أن يقول وهبتك هذا بشرط أم لا، تهبه أو لا تبيعه أو بشرط أن تهبه أو تبيعه أو بشرط أن تهب فلانا شيئا لم يصح. وفى حصة الهبة وجهان على الشروط الفاسدة في البيع، وان وقت الهبة، فقال وهبتك هذا سنة ثم يعود إلى لم يصح، لانه عقد تمليك لعين فلم يصح مؤقتا. وجملة ذلك أن التمليك إذا كان لعين بغير عوض عن غير احتياج كان هبة، فإن كان عن احتياج فصدقة، فإن كان للمنفعة بغير عوض فعارية أو بعوض فأجارة وإن كان للعين بعوض فبيع. (فرع) لا يجوز هبة المجهول أو غير المملوك أو جعله في الذمة. قال النووي

وما لا يجوز بيعه كمجهول ومغصوب لمن لا يقدر على انتزاعه، وضال وآبق فلا يجوز هبته. قال الرملي: بجامع أن كلا منهما تمليك في الحياة ولا ينافيه خير: زن وأرجح، لان الرجحان المجهول وقع تابعا لمعلوم، عل أن الاوجه كون المراد بأرجح تحقق الحق حذرا من التساهل فيه، ولا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عنه في المال الذى جاء من البحرين: خذ منه - الحديث، لان الظاهر أن ما ذكر في المجهول إنما هو بالمعنى الاخص بخلاف هديته وصدقته فيصحان فيما يظهر، واعطاء العباس الظاهر صدقة لا هبة، لكونه من جملة المستحقين. وقد اختلف الفقهاء في ترك الدين المستقر الذى في الذمة للمدين، فقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق: إن وهب الدين لغير من هو في ذمته أو باعه إياه لم يصح. وقال أحمد: إذا كان لك على رجل طعام قرضا فبعه من الذى هو عليه بنقد، ولا تبعه من غيره عرضا بمالك عليه. وقال الشافعي: إن كان الدين على معسر أو مماطل أو جاحد له لم يصح البيع لانه معجوز عن تسليمه، وإن كان على ملئ باذل له ففيه قولان. (أحدهما) يصح لانه ابتاع بمال ثابت في الذمة فصح، كما لو اشترى في ذمته ويشترط أن يشتريه بعين أو يتقابضان في المجلس لئلا يكون بيع دين بدين. (والثانى) لا يصح. وفى نهاية المحتاج بحث حول ترك الدين المستقر الذى في الذمة المدين لغيره هل يعد هبة أم يعد إبراء فحسب بأنه لا يعد هبة في الاصح لانه غير مقدور على تسليمه، فإن قلنا: بصحة بيعه لغير من هو عليه قياسا على بيع الموصوف فإنه لا يوهب والدين مثله بلى أولى، وفرق ما بين صحة بيعه وعدم صحة هبته بأن بيع ما في الذمة التزام لتحصيل المبيع في مقابلة الثمن الذى استحقه والالتزام فيها صحيح بخلاف هبته فإنها لا تتضمن الالتزام إذ لا مقابل فيها، فكانت بالوعد أشبه فلم يصح. ووارد على ما لا يجوز بيعه من المجهول أنه إذا خلط متاعه بمتاع غيره فوهب أحدهما نصيبه لصاحبه فيصح مع جهل قدره وصفته للضرورة، وكذلك لو قال:

أنت في حل مما تأخذ أو تعطى أو تأكل من مالى فله الاكل فقط لانه إباحة وهى صحيحة بالمجهول بخلاف الاخذ والاعطاء قاله العبادي، قال: وفى خذ من عنب كرمى ما شئت لا يزيد على عنقود لانه أقل ما يقع عليه الاسم، وما استشكل به يرد بأن الاحتياط المبنى عليه حق أوجب ذلك التقدير، وأفتى القفال في: أبحت لك من ثمار بستاني ما شئت بأنه إباحة، وظاهرة أن له أخذ ما شاء، وما قاله العبادي أحوط. وفى الانوار: لو قال ابحت لك جميع مافى دارى أو مافى كرمى من العنب: فله اكله دون بيعه وحمله واطعامه لغيره. وتقتصر الاباحة على الموجود في الدار أو في الكرم. ولو قال ابحت لك جميع مافى دارى اكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح لم تحصل الاباحة اه. ومتى قلنا لا تصح الهبة في غير مقدور عليه أو فيما لا يمكن تسليمه كالعبد الابق والجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على اخذه بهذا قال ابو حنيفة والشافعي واحمد رضى الله عنهم لانه عقد يفتقر إلى القبض فلم يصح في ذلك كالبيع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا تصح الا بالايجاب والقبول لانه تمليك ادمى لادمي فافتقر إلى الايجاب والقبول كالبيع والنكاح ولا يصح القبول الا على الفور. وقال أبو العباس يصح على التراخي، والصحيح هو الاول، لانه تمليك مال في حال الحياة فكان القبول فيه على الفور كالبيع، (فصل) ولا يملك الموهوب منه الهبة من غير قبض، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ اباها نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة قال يا بنية ان أحب الناس غنى بعدى لانت وان أعز الناس على فقرا بعدى لانت، وأنى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالى ووددت انك جذذته وحزته وانما هو اليوم مال الوارث وانما هما اخواك واختاك. قالت هذان اخواى فمن أختاى، قال ذو بطن بنت خارجه، فانى اظنها جارية، فان مات قبل القبض قام وارثه مقامه،

ان شاء قبض وان شاء لم يقبض، ومن اصحابنا من قال. يبطل العقد بالموت، لانه غير لازم فبطل بالموت كالعقود الجائزة، والمنصوص انه لا يبطل لانه عقد يؤل إلى اللزوم فلم يبطل بالموت كالبيع بشرط الخيار، فإذا قبض ملك بالقبض ومن أصحابنا من قال يتبين انه ملك بالعقد، فان حدث منه نماء قبل القبض كان للموهوب له، لان الشافعي رضى الله عنه قال فيمن وهب له عبد قبل ان يهل عليه هلال شوال، وقبض بعدما أهل ان فطرة العبد على الموهوب له والمذهب الاول، وما قال في زكاة الفطر فرعه على قول مالك رحمه الله. (الشرح) خبر عائشة رضى الله عنها، رواه مالك في الموطأ من طريق ابن شهاب عن عروة عنها، وروى البيهقى من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب. وعن حنظلة بن ابى سفيا عن القاسم بن محمد نحوه قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بلغنا عن ابى بكر رضى الله عنه انه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة (انك لم تكوني قبضتيه، وانما هو مال الوارث) فصار بين الورثة لانها لم تكن قبضته. اما لغات الفصل: فان قوله نحل عائشة أي اعطاها والنحلة العطية، والوسق ستون صاعا، وحزته أي قبضته، ولو قال: حزتيه لكان جائزا ولكن الحذف افصح، واما قوله ذو بطن بنت خارجه. فان ذو تأتى بمعنى الاسم الموصول في لغة طئ قال شاعرهم: قالوا جننت فقلت كلا * وربى ما جننت ولا انتشيت ولكني ظلمت فكدت أبكى * من الظلم المبين أو بكيت فان الماء ماء أبى وجدى * وبئري ذو حفرت وذو طويت وقد تزوج أبو بكر رضى الله عنه ذو بطن بنت خارجة بن ابى زهير بالسنح في بنى الحارث من الخزوج قريب المدينة واسمها حبيبة وبنتها ام كلثوم بنت أبى بكر رضى الله عنه. أما الاحكام: فان الهبة لا تصح الا بإذن الواهب لانه بالخيار قبل القبض

ان شاء أقبضها وامضاها وان شاء رجع فيها ومنعها، فان قبضها الموهوب له قبل اذنه لم تتم الهبة ولم يصح القبض. وحكى عن ابى حنيفة انه إذا قبضها في المجلس صح، وان لم ياذن له، لان الهبة قامت مقام الاذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذى لا يتم الا بالقبض. ومذهب الشافعي واحمد رضى الله عنهما انه قبض الهبة بغير اذن الواهب فلم يصح كما بعد في المجلس، أو كما لو نهاه عن قبضها، ولان التسليم غير مستحق على الواهب فلا يصح التسليم الا باذنه، كما لو اخذ المشترى المبيع من البائع قبل تسليم ثمنه، ولا يصح جعل الهبة اذنا في القبض بدليل ما بعد المجلس، ولو اذن الواهب في القبض ثم رجع عن الاذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لان ذلك ليس بقبض. وان رجع بعد القبض لم ينفع رجوعه، لان الهبة قد تمت إذا عرف هذا عرف ان شرط الهبة الايجاب، كوهبتك وملكتك ومنحتك وأكرمتك وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام كما نص عليه، وقبول، كقبلت ورضيت واتهبت متلفظا باحدب هذه الكلمات أو بإشارة من اخرس مفهومه في حقه بالقبول، لان القبول ينعقد بالكناية. ومن أركانها ان يكون القبول مطابقا للايجاب، ومن أركانها اعتبار الفور في الصيغة، ولا يضر الفصل. نعم في الاكتفاء بالاذن قبل وجود القبول نظر، لاننا إذا تصورنا ان الواهب لا يفترق عن الراهن عند تقديمه المعين إلى المتهب الا في الصيغة، تبين لنا أهمية الصيغة وضرورتها عند العقد واعتبار القبول على الفور لفظا، ولا يكفى لفظ يحتمل القبول والرفض الا إذا اقترن اللفظ بالقبض وتسليط اليد، كقوله شكرا فانه لفظ يحتمل الاعتذار عن قبول الهبة ويحتمل القبول وأفتى بعض الاصحاب فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه ان قال هذا جهاز بنتى فهو ملك لها، والا فهو عارية ويصدق بيمينه ولا يشترط الايجاب والقبول في الصدقة بل يكفى الاعطاء والاخذ، ولا في الهدية بل يكفى البعث من هذا ويكون كالايجاب والقبض من ذلك، ويكون كالقبول لجريان عادة السلف بل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومع ذلك كانوا يتصرفون فيه

تصرف الملاك فسقط ما يتوهم منه انه كان اباحة. هذا هو الصحيح. والثانى يشترطان كالهبة. وفرق هنا بين التمليك وبين نقل الحق أو اليد إلى غيره، كلين شاة الاضحية أو صوفها أو تنازل إحدى الضرتين عن نوبتها للاخرى (فرع) لا يملك الموهوب الهبة الا بقبضها، فقد روى عروة عن عائشة رضى الله عنه ان ابا بكر رضى الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال: يا بنية ما أحد أحب إلى غنى بعدى منك، ولا أحد أعز على فقرا منك، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت انك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث اخواك واختاك، فاقتسموا على كتاب الله عزوجل. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ما أبال أقولام ينحلون أولادهم، فإذا مات أحدهم قال: مالى وفى يدى. وإذا مات هو قال: كنت نحلته ولدى، لا نحلة الا نحلة يحرز الولد دون الوالد فان مات ورثه) فإذا مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض، فان قلنا بانه عقد يؤول إلى اللزوم لم يبطل بموت احد المتعاقدين بل يقوم ورثته مقامه، وهذا قول أكثر اصحابنا، وهو قو أبى الخطاب من الحنابلة حيث يقول: إذا مات الواهب قام وارثه مقامه في الاذن في القبض والفسخ. وان قلنا بقول بعض الاصحاب بانه من العقود الجائزة يبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة والشركة، وهو قول الامام أحمد حيث قال في رواية أبى طالب وأبى الحارث في رجل اهدى هدية فلم تصل إلى المهدى حتى مات، فانها تعود إلى أصحابها ما لم يقبضها. وروى باسناده عن ام كلثوم بنت سلمة قالت (لما تزوج رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ سلمة قال لها (انى قد اهديت إلى النجاشي حلة وأواقى مسك، ولا أرى النجاشي الا قد مات، ولا أرى هديتي الا مردودة على، فان ردت فهى لك. قالت فكان مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وردت عليه هديته، فاعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة) ووجه ضعف القول بانفساخ العقد بموت أحدهما أن ليس المدار على القبول

بل على الايلولة للزوم كما قررنا، وهو جار في الهدية والصدقة أيضا، ويجرى الخلاف في الجنون والاغماء، ولولى المجنون قبضها قبل الافاقة وفرق الحنابلة بين المكيل والموزون وغيرهما، فالمكيل والموزون لا يصح التمليك بغير قبض أما في غيهما يصح بغير القبض لما روى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض، وهو قول مالك وابى ثور. وعن احمد رواية اخرى لا تلزم الهبة في الجميع لا بالقبض، وهو قول أكثر أهل العلم. قال المروزى: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، على ان الهبة لا تجوز الا مقبوضة، ويروى ذلك عن النخعي والثوري والحسن بن صالح والعنبري والشافعي وأصحاب الرأى لما ذكرنا ومن أصحابنا من قال: انما يستغنى عن القبض إذا تحقق الايجاب والقبول واستقر العقد بينهما، ولانه عقد تمليك فافتقر إلى الايجاب والقبول كالنكاح، وعلى هذا القول إذا حدث نماء في الهبة قبل القبض كانت للموهوب له، والمنصوص ان النماء بعد القبض كان للموهوب قال في الام: وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دار، فزادت الجارية في يديه، أو بنى الدار فليس للواهب الذى ذكر انه وهب للثواب ولم يشترط ذلك ان يرجع في الجارية، أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت، كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جاريه فزادت في يديها ثم طلقها ان يرجع بنصفها زائدة. اه قلت: وليست الفطرة التى لزمت الموهوب له منفعة تعود عليه، وانما هي قربة صادفت محلها فلا شبه بينها وبين النماء عائد، والفطرة بذل واخراج والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان وهب لغير الولد وولد شيئا وأقبضه لم يملك الرجوع فيه، لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يحل للرجل ان يعطى العطية فيرجع فيها الا الوالد فيما أعطى ولده)

وان وهب للولد أو ولد الولد وان سفل جاز له أن يرجع للخبر، ولان الاب لا يتهم في رجوعه، لانه لا يرجع الا لضرورة أو لاصلاح الولد، وان تصدق عليه فالمنصوص ان له أن يرجع كالهبة. ومن أصحابنا من قال لا يرجع، لان القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عزوجل، فلا يجوز ان يتغير رأيه في ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح في استرجاعه فجاز له الرجوع. وإن تداعى نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع لانه لم يثبت له بنوته، فإن لحق بأحدهما ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز لانه ثبت أنه ولده (والثانى) لا يجوز لانه لم يثبت له الرجوع في حال العقد، وإن وهب لولده ووهب الولد لولده ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه في ملك من يجوز له الرجوع في هبته (والثانى) لا يجوز لانه رجوع على غير من وهب له فلم يجز، وإن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان (أحدهما) يرجع لانه حقه سابق لحقوق الغرماء. (والثانى) لانه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه (فصل) وإن زاد الموهوب في ملك الولد أو زال الملك فيه ثم عاد إليه فالحكم فيه كالحكم في المبيع إذا زاد في يد المشترى أو زال الملك فيه ثم عاد إليه ثم أفلس في رجوع البائع، وقد بيناه في التفليس (الشرح) حديث ابن عمر وابن عباس رواه طاوس أن ابن عمر وابن عباس رفعاه إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطى ولده، ومثل الرجل يعطى العطية ثم ايرجع فيها الا الوالد فيما يعطى ولده. ومثل الرجل يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل المكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه، وكذلك ابن حبان والحاكم وصححاه وقد استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة، لان القئ حرام فالمشبه به مثله، ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره: كالكلب يرجع في قيئه، وهى

تدل على عدم التحريم، لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه، وهكذا قوله: كمثل الكلب الخ، وتعقب بأن ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى الله عليه وسلم فيمن لعب بالنردشير (فكأنما غمس يده في لحم خنزير) وأيضا الرواية الدالة على التحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط، لان الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة، وقد قدمنا في باب نهى المتصدق أن يشترى ما تصدق به من كتاب الزكاة عن القرطبى أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث. وقدمنا أيضا أن الاكثر حملوه على التنفير خاصة لكون القئ مما يستقذر. ويؤيد القول بالتحريم قوله صلى الله عليه وسلم (وليس لنا مثل السوء) في حديث ابن عباس عند أحمد والبخاري. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل. قال في الفتح: وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده، وذهب الحنفية والزيدية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة، إلا إذا حصل مانع من الرجوع، كالهبة لذى رحم ونحو ذلك من الموانع. وقال الطحاوي: ان قوله (لا يحل) لا يستلزم التحريم. قال وهو كقوله صلى الله عليه وسلم (لا تحل الصدقة لغنى) وانما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوى الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة وقال الطبري: يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض، والتى ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الاخبار باستثناء كل ذلك. وأما ما عدا ذلك كالغنى يثيب الفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع. قال: ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة. قال ابن حجر: اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض وقد أخرج مالك عن عمر أنه قال: من وهب هبة يرجو ثوابها فهى رد على صاحبها ما لم يثب منها. ورواه البيهقى عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم. قال ابن حجر: والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا، قيل وهو وهم وصححه الحاكم وابن حزم، ورواه ابن حزم أيضا عن

أبى هريرة مرفوعا بلفظ (الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها) وأخرجه أيضا ابن ماجة والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ (إذا كانت الهبة لذى رحم لم يرجع. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس. قال ابن حجر وسنده ضعيف. وقال ابن الجوزى: أحاديث ابن عمر وأبى هريرة وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح. وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا (من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها، فان رجع في هبته فهو كالذى يقئ ويأكل منه) فان صحت هذه الاحاديث كانت مخصصة لعموم حديث طاوس الا أنها لم تثبت، كما رأيت من كلام ابن الجوزى وابن حجر وغيرهما من فقهاء المحدثين. وقد استدل الجمهور بحديث الفصل على أن للاب أن يرجع فيما وهب لابنه، وقال أحمد (لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقا) ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور حديث عائشة عند أحمد والبخاري ومسلم وأبى داود والترمذي مرفوعا (ان أطيب ما أكلتم من كسبكم، وان أولادكم من كسبكم) وفى لفظ (ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا) رواه أحمد وحديث جابر أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لى مالا وولدا وان أبى يريد أن يجتاح مالى، فقال (أنت ومالك لابيك) رواه ابن ماجه وحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن أعرابيا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (أن أبى يريد أن يجتاح مالى، فقال أنت ومالك لوالدك، ان أطيب ما أكلتم من كسبكم، وان أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئا) رواه أحمد وأبو داود. وقال الشافعي رضى الله عنه وأبو حنيفة ومالك: ومالك: ليس للوالد أن يأخذ من مال ولده الا بقدر حاجته، لحديث (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام، الخ. الحديث متفق عليه وقال النووي في المنهاج وللاب الرجوع في هبة ولده وكذا لسائر الاصول على المشهور، قال الرملي، بالمعنى الاعم الشامل للهديه والصدقه على الراجح،

بل يوجد التصريح بذلك في بعض النسخ، ولا يتعين الفور، بل له ذلك متى شاء وإن لم يحكم به حاكم، أو كان الولد صغيرا فقيرا مخالفا دينا للخبر وساقه. واختص بذلك لانتفاء التهمة فيه، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه يقضى بأبه إنما رجع لحاجة أو مصلحة، ويكره الرجوع من غير عذر، فإن وجد ككون الولد عاقا، أو يصرفه في معصية أنذره به فإن أصر لم يكره. وبحث الاسنوى ندبه في العاصى وكراهته في العاق إن زاد عقوقه وندبه ان أزاله وإباحته إن لم يفد شيئا، والاذرعى ذهب إلى عدم كراهته إن احتاج الاب لنفقة أو دين، بل ندبه حيث كان الولد غير محتاج له، ووجوبه في العاصى إن غلب على الظن تعينه طريقا إلى كفه عن المعصية، ويمتنع الرجوع كما بحثه البلقينى في صدقة واجبة كنذر وزكاة وكفارة، وكذا في لحم اضحية تطوع، لانه انما يرجع ليستقل بالتصرف وهو ممتنع هنا. وكذا له الرجوع لسائر الاصول وان علوا أو سفلوا على المشهور، وأفهم كلامه اختصاص الرجوع بالواهب فلا يجوز ذلك لابيه لو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له لمانع قام به وورثه. جده، لان الحقوق لا تورث وحدها انما تورث بتبعية المال وهو لا يرثه. ولا يملك الوالد الرجوع الا إذا كانت باقيه في ملك الابن، فان فان خرجت عن ملكه لم يكن له الرجوع فيها لانه ابطال لغير ملك الابن فإن عادت إليه بسبب جديد كبيع أو ارث أو وصية لم يملك الرجوع أيضا لان ملكها لم يستفده من جهة ابيه، أما ان عادت بفسخ أو اقالة فله الرجوع على أحد الوجهين. (فرع) إذا تداعى رجلان نسب مولود ووهب له كل منهما مالا فليس لواحد منهما أن يرجع في هبته لان نسبه لم يثبت لواحد منهما، أما إذا لحق بأحدهما ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لثبوت البنوة (والثانى) لا يجوز لانه لم يكن ثبت له الرجوع في حال العقد والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان وهب شيئا لمن هو دونه لم يلزمه أن يثيبه بعوض، لان

القصد من هبته الصلة فلم تجب المكافأة فيه بعوض كالصدقه. وان وهب لمن هو مثله لم يلزمه أيضا أن يثيبه، لان القصد من اكتساب المحبة وتأكيد الصداقه، وان وهب لمن هو أعلى منه ففيه قولان، قال في القديم: لم يلزمه أن يثيبه عليه بعوض، لان العرف في هبة الادنى للاعلى أن يلتمس به العوض فيصير ذلك كالمشروط. وقال في الجديد: لا يجب لانه تمليك بغير عوض فلا يوجب المكافأة بعوض كهبة انظير للنظير فان قلنا: لا يجب فشرط فيه ثوابا معلوما ففيه قولان (أحدهما) يصح لانه تمليك مال بمال فجاز كالبيع، فعلى هذا يكون كبيع بلفظ الهبة في الربا والخيار وجميع أحكامه. (والثانى) أنه باطل، لانه عقد لا يقتضى العوض فبطل شرط العوض كالرهن، فعى هذا حكمه حكم البيع الفاسد في جميع أحكامه، وان شرط فيه ثوابا مجهولا بطل قولا واحدا لانه شرط العوض، ولانه شرط عوضا مجهولا وان قلنا انه يجب العوض ففى قدره ثلاثة أقوال (أحدها) انه يلزمه أنه يعطيه إلى أن يرضى، لما روى ابن عباس رضى الله عنه (أن أعرابيا وهب للنبى صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه عليها. قال أرضيت قال لا، فزاده وقال أرضيت؟ فقال نعم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد هممت أن لا أتهب الا من قرشي أو أنصارى أو ثقفي) (والثانى) يلزمه قدر قيمته لانه عقد يوجب العوض، فإذا لم يكن مسمى وجب عوض المثل كالنكاح. (والثالث) يلزمه ما جرت العادة في ثواب مثله، لان العوض وجب بالعرف فوجب مقداره في العرف، فان قلنا انه يجب العوض فلم يعطه ثبت له الرجوع، فان تلفت العين رجع بقيمتها، لان كل عين ثبت له الرجوع بها إذا تلفت وجب الرجوع إلى بدلها كالمبيع. ومن أصحابنا من قال لا يجب لان حق الواهب في العين، وان نقصت العين رجع فيها، وهل يرجع بأرش ما نقص؟ فيه وجهان كالوجهين في رد القيمه إذا تلفت. وان شرط عوضا مجهولا لم تبطل، لانه شرط ما يقتضيه العقد، لان العقد

على هذا القول يقتضى عوضا مجهولا، وإن لم يدفع إليه العوض وتلف الموهوب ضمن العوض بلا خلاف، وإن شرط عوضا معلوما ففيه قولان (أحدهما) أن العقد يبطل، لان العقد يقتضى عوضا غير مقدر فبطل بالتقدير (والثانى) يصح لانه إذا صح بعوض مجهول فلان يصح بعوض معلوم أولى (فصل) وإن اختلف الواهب والموهوب له، فقال الواهب وهبتك ببدل وقال الموهوب له: وهبتني على غير بدل. ففيه وجهان، أحدهما أن القول قول الواهب، لان لم يقر لخروج الشئ من ملكه إلا على بدل. والثانى أن القول قول الموهوت له، لان الواهب أقر له بالهبة وادعى بدلا الاصل عدمه. (الشرح) حديث ابن عباس رواه أحمد وابن حبان. وقال الهيثمى: رجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبى هريرة بنحوه، وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر، وبين أن الثواب كان ست بكرات، وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم. وقد روى أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي من حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ الله صلى لله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطى المهدى بدلها. والمراد بالثواب المجازات وأقله ما يساوى قيمة الهداية، ولفظ ابن أبى شيبة ويثيب ما هو خير منها. وقد أعل حديث عائشة بالارسال. قال البخاري: لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن جده عن عائشة، وقد استدل بعض المالكية به على وجوب المكافأة على الهدية إذا أطلق المهدى وكانت ممن مثله يطلب الثواب، كالفقير للغنى بخلاف ما يهبه الاعلى للادنى ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم، ومن حيث المعنى أن الذى أهدى قصد أن يعطى أكثر مما أهدى، فلا أقل من أن يعوض بنظير هديته، وبه قال الشافعي في القديم، ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، ولو وقعت المواهبه كما تقرر في الاصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد أن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لانها بيع

مجهول، ولان موضع الهبة التبرع. وفى رواية الفصل (إلا من قرشي الخ) وفى رواية أبى داود (وإيم الله لا أقبل هدية بعد يومى هذا من أحد إلا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا أو دوسيا أو ثقفيا) وسبب همه صلى الله عليه وسلم بذلك ما رواه الترمذي من حديث أبى هريرة قال (أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة من إبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه، فسمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ على المنبر (إن رجالا من العرب يهدى أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ما عندي فيظل يسخط على) الحديث. وقد كان ابن رسلان يحكى أن بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا لا من صديق ولا من قريب ولا غيرهما. وذلك لفساد النيات في هذا الزمان. أما أحكام الفصل فقد قال النووي في المنهاج: ولا رجوع لغير الاصول في هبة مقيدة بنفى الثواب. ومتى وهب مطلقا فلا ثواب إن وهب لدونه وكذا لا على منه في الاظهر. قال في النهاية: كما لو أعاره داره إلحاقا للاعيان بالمنافع. ولان العادة ليس لها قوة الشرط في المعارضات (والثانى) يجب الثواب لا طراد العادة بذلك، وكذلك لا ثواب له وإن نواه إن وهب لنظيره على المذهب، لان القصد من مثله الصلة وتأكد الصداقه والطريق الثاني: طرد القولين السابقين، والهدية في ذلك كالهبه كما قاله النووي تفقها ونقله في الكفايه عن تصريح البندنيجى ومثل ذلك الصدقة. وان اختار الاذرعى دليلا أن العادة متى اقتضت الثواب وجب هو أو رد الهديه والاوجه كما بحثه أيضا أن التردد ما إذا لم يظهر حالة الاهداء قرينة حاليه أو لفظيه دالة على طلب الثواب، والا وجب هو أو الرد لا محالة ولو قال. وهبتك ببدل. فقال بل بلا بدل، صدق المتهب بيمينه، لان الاصل عدم البدل. ولو أهدى له شيئا على أن يقضى له حاجة فلم يفعل لزمه رده ان بقى والا فبدله كما قاله الاصطخرى، فإن كان فعلها حل، أي وإن تعين عليه تخليصه بناء على الاصح أنه يجوز أخذ العوض على الواجب إذا كان فيه كلفة، خلافا لما يوهمه كلام الاذرعى وغيره هنا

فإن وجب الثواب على مقابل المذهب أو على البحث المار لتلف الهديه أو عدم إرادة المتهب ردها فهو قيمة الموهوب، أي قدرها يوم قبضه، ولو مثليا في الاصح، فلا يتعين للثواب جنس من الاموال بل الخيرة فيه للمتهب، والثانى يلزمه ما يعد ثوابا لمثله عادة، وقيل إلى أن يرضى ولو بإضعاف قيمته، فإن قلنا بوجوب إنابته ولم يثبه هو ولا غيره فله الرجوع في هبته ان بقيت وبدلها ان تلفت ولو وهب بشرط ثواب معلوم عليه، كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا فقبل فالاظهر صحة العقد نظرا للمعنى إذ هو معاوضة بمال معلوم نصح، كما لو قال بعتك، والثانى بطلانه نظرا إلى اللفظ لتناقضه، فإن لفظ الهبة يقتضى التبرع، ومن ثم يكون بيعا على الصحيح، فيجرى فيه عقب العقد أحكامه كالخيارين كما مر بما فيه، والشفعة وعدم توقف الملك على القبض، والثانى يكون هبه نظرا للفظ فلا تلزم قبل القبض أو بشرط ثواب مجهول فالمذهب بطلانه لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض، وهبه لذكر الثواب بناء على الاصح أنها لا تقتضيه، وقيل تصح هبة بناء على أنها تقتضيه ولو بعث هدية لم يعده بالباء لجواز الامرين كما قاله أبو على خلافا لتصويب الحريري تعين تعديته بها في ظرف، أو وهب شيئا في ظرف من غير بعث، فإن لم يجر العادة برده، كقوصرة تمر (وهى الوعاء الذى يكنز فيه من نحو خوص ولا يسمى بذلك الا وهو فيه، والا فزنبيل) وكعلبة حلوى فهو هدية أو هبه أيضا تحكيما للعرف المطرد وكتاب الرسالة يملكه الكتوب إليه ان لم تدل قرينة على عودة، قاله المتولي وهو أوجه من قول غيره أنه باق على ملك الكاتب ويملك المكتوب له الانتفاع به على وجه الاباحة، والا ان اعتيد رده أو اضطربت العادة كما اقتضاه ابن المقرى فلا يكون هديه، بل أمانه في يده كالوديعه، ويحرم استعماله لانه انتفاع بملك غيره بغير اذنه الا في أكل الهديه منه ان اقتضته العادة عملا بها، ويكون عاريه حينئذ ويسن رد الوعاء حالا، قال الاذرعى: وهذا في مأكول، أما غيره فيختلف رد ظرفه باختلاف عادة النواحى، فيتجه في كل ناحية بعرفهم وفى كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم، ولو ختن ولده وحملت له هدايا ملكها الاب.

وقضية ذلك أن ما جرت به عادة بعض أهل البلاد من وضع طاسة (صينية) بين يدى صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم: وفى الاسكندرية رأيت الناس يكتبون قائمة بأسماء الواهبين ومقدار ما دفعوه في الطاسة وهم حريصون على رد ما يأخذونه في أفراح من أعطوهم وربما زاد بعضهم على ما أخذ، وفى القاهرة تفشو هذه العادة إلا أن الحرص على الرد أقل من الاسكندرية. قال الرملي: ثم يقسم على المزين ونحوه يجرى في ذلك التفصيل، فإن قصد المزين وحده أو مع نظر انه المعاونين له عمل بالقصد، وان أطلق كان ملكا لصاحب الفرح يعطيه لمن يشاء، وبهذا يعلم عدم اعتبار العرف هنا، أما مع قصد خلافه فظاهر، وأما مع الاطلاق فلان حمله على من ذكر من الاب والخادم وصاحب الفرح نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع، فيقدم على العرف المخالف له بخلاف مالا عرف للشرع فيه فيحكم بالعادة فيه. قال الشافعي رضى الله عنه: إذا وهب الرجل شقا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوب له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب، فإن قال: وهبتها للثواب كان فيها شفعة، وإن قال: وهبتها لغير الثواب لم يكن فيها شفعة، وكانت المكافأة كابتداء الهبة، وهذا كله في قول من قال: للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال: لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شئ وهبه ولا الثواب منه، قال الربيع وفيه قول آخر، وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شئ وهبه، وهو معنى قول الشافعي: وإذا وهب الرجل للرجل هبه فلم يقبضها الموهبة له حتى مات، فإن أبا حنيفة كا يقول: الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ، ولا يكون له وصيه إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيه، وكان ابن ليلى يقول: هي جائزة من الثلث اه. (فرع) إذا اختلف الواهب ولموهوب فقال الواهب: ببدل، وقال الموهوب له على غير بدل فوجهان. أحدهما: القول قول الواهب لانه منكر لخروج الشئ من ملكه بغير بدل

والثانى: القول قول الموهوب، لان المقر بالهبة والاصل فيها عدم البدل. وقد ادعاه الواهب وأنكره الموهوب فالقول قول المنكر. ولو وهبه وأقبضه ومات ادعاه الوارث صدوره في المرض، وادعى المتهب كونه في الصحة صدق المتهب بيمينه، ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لان معها زيادة علم، ثم محل ما تقرر إن كان الولد حرا، ولو أبرأه من دين له عليه لم يملك الرجوع سواء أقلنا: إنه تمليك أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى باب العمرى والرقبى العمرى هو أن يقول: اعمرتك هذه الدار حياتك، أو جعلتها لك عمرك وفيها ثلاث مسائل (إحداها) أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك ولعقبك بعدك، فهذه عطية صحيحة، تصح بالايجاب والقبول، ويملك فيها بالقبض، والدليل عليه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذى أعطيها لا ترجع إلى الذى أعطاها لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، والثانية أن يقول: أعمرتك هذه الدار حياتك، ولم يشرط شيئا ففيه قولان. قال في القديم هو باطل لانه تمليك عين قدر بمدة فأشبه إذا قال أعمرتك سنة أو أعمرتك حياة زيد. وقال في الجديد: هو عطية صحيحة، ويكون للمعمر في حياته ولورثته بعده وهو الصحيح، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعمر عمرى حياته فهى له ولعقبه من بعده يرثها من يرثه من بعده) ولان الاملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك، وتنتقل إلى الورثة، فلم يكن ما جعله له في حياته منافيا لحكم الاملاك (والثالثة) أن يقول: أعمرتك حياتك، فإن مت عادت إلى إن كنت حيا وإلى ورثتي إن كنت ميتا فهى كالمسألة الثانية، فتكون على قولين.

أحدهما: تبطل. والثانى تصح لانه شرط أن تعود إليه بعد ما زال ملكه أو إلى وارثه، وشرطه بعد زوال الملك لا يؤثر في حق المعمر فيصير وجوده كعدمه. (فصل) وأما الرقبى فهو أن يقول: أرقبتك هذه الدار أو دارى لك رقبى ومعناه وهبت لك وكل واحد منا يرقب صاحب، فإن مت قبلى عادت إلى، وان مت قبلك فهى لك، فتكون كالمسألة الثالثة من العمرى، وقد بينا أن الثالثة كالثانية فتكون على قولين، وقال المزني: الرقبى أن يجعلها لآخرهما موتا وهذا خطأ، لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من (أعمر عمرى أو أرقب رقبى فهى للمعمر يرثها من يرثه) . (فصل) ومن وجب له على رجل دين جاز له أن يبرئه من غير رضاه، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز الا بقبول من عليه الدين لانه تبرع يفتقر إلى تعيين المتبرع عليه فافتقر إلى قبوله كالوصية والهبة، ولان فيه التزاما منه فلم يملك من غير قبوله كالهبه، والمذهب الاول، لانه اسقاط حق ليس فيه تمليك مال فلم يعتبر فيه القبول كالعتق والطلاق، والعفو عن الشفعة والقصاص، ولا يصح الابراء من دين مجهول لانه ازالة ملك لا يجوز تعليقه على الشرط فلم يجز مع الجهالة كالبيع والهبة. (الشرح) حديثا جابر أخرجهما أحمد والبخاري ومسلم بلفظ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرى لمن وهبت له) وفى لفظ عند أحمد ومسلم (قال: أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فمن أعمر عمرى فهى الذى أعمر حيا وميتا ولعقبه) وفى رواية عند أحمد والبخاري ومسلم وأبى داود والترمذي (العمرى جائزة لاهلها والرقبى جائز لاهلها) . وفى رواية لاحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها، وهى لمن أعمر وعقبه) وفى رواية لابي داود والنسائي والترمذي وصححه (ايما رجل اعمل عمرى له ولعقبه فإنها للذى يعطاها لا ترجع إلى من أعطاها لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) وفى رواية عند

أحمد ومسلم (إنما العمرى التى أجازها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يقول هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها) وفى رواية عند النسائي (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بالعمرى أن يهب الرجل للرجل ولعقبه الهبة ويستثنى إن حدث بك حدث ولعقبك فهى إلى وإلى عقبى إنها لمن أعطيها ولعقبه) ورواه الشافعي عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدرى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ العمرى للوارث، ورواه عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر مرفوعا (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث) . أما حديث عبد الله بن الزبير فقد رأيت نظيره عن أبى هريرة وزيد بن ثابت وفيه النهى عن الرقبى (لا ترقبوا. من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث) وفى لفظ (الرقبى جائزة) وهى عند أحمد وابى داود والنسائي، وفى لفظ عند احمد (جعل الرقبى للوارث) ورواه أحمد والنسائي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته) . قال الربيع: سألت الشافعي عمن أعمر عمرى له ولعقبه فقال: هي للذى يعطاها لا ترجع إلى الذى أعطاها فقلت: ما الحجة في ذلك، قال: السنة ثابتة من حديث الناس، وحديث مالك رضى الله عنه: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر مر فوعا (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذى يعطاها لا ترجع إلى الذى أعطاها لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) . قال الشافعي: وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الامصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة. وقد روى هذا مع جابر زيد بن ثابت عنه صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال تخالفونه وأنتم تروونه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت. إن حجتنا فيه أن مالكا قال. أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم ما أدركت إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا

إلى أن قا الشافعي بعد حوار وحجاج. وكذلك علمنا قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العمرى بخبر ابن شهاب عن أبى سلمة عن جابر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى أن يقال به مما قاله ناس بعده، قد يمكن فيهم ان لا يكونوا سمعوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بلغهم عنه شئ، وانهم أناس لا نعرفهم، فلان قال قائل لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجتمعون الا من جهة السنة. (قوله) العمرى بضم وسكون الميم مع القصر. قال في الفتح: وحكى ضم الميم مع ضم أوله. وحكى فتح أوله مع السكون وهى مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لانهم كانوا في الجاهلية يعطى الرجل الرجل الدار ويقول له أعمرتك إياها، أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك فقيل لها عمرى لذلك. والرقبى بوزنها مأخوذة من الرقبة، لان منهما يرقب الاخر متى بموت لترجع إليه، وكذا ورثته يقومون مقامه. هذا أصلها لغة قال ابن حجر: ذهب الجمهور إلى أن العمرى إذا وقعت كانت ملكا للآخر، ولا ترجع إلى الاول الا إذا صرح باشتراط ذلك، والى أنها صحيحة جائزة. وحكى الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر عن قوم من الفقهاء أنها غير مشروعة، ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك، فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقباء كسائر الهبات حتى لو كان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ، بخلاف الواهب أو يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة، وهو قول مالك والشافعي في القديم، وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف؟ روايتان عند المالكية، وعند الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة، وفى الرقبى إلى المنفعة، وعنهم أنها باطلة.

وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال (الاول) أن يقول أعمرتكها ويطلق. فهذا تصريح بأنها للموهوب له، وحكمها حكم المؤبدة لا ترجع إلى الواهب. وبذلك قالت الحنفية. لان المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والجمهور. وله قول آخر أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى الملك. وقد قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن المطلقة للمعمر والوثته من بعده كما تفيده الاحاديث التى مضى ذكرها الحال الثاني: أن يقول هي لك ما عشت، فإذا مت رجعت إلى فهذه عارية مؤقتة ترجح إلى المعير عند موت المعمر. وبه قال أكثر العلماء، ورجحة جماعة من أصحابنا، والاصح عند أكثرهم لا ترجح إلى الواهب. واحتجوا بأنه شرط فاسد فيلغى. واحتجوا بحديث جابر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الانصاري الذى أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه، بل تكون لورثتها ونصه: أن رجلا من الانصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت فجاء إخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء. قال فأبى، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقسمها بينهم ميراثا) رواه أحمد ويؤيده حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في العمرى مع الاستثناء بأنها لمن أعطيها، ويعارض ذلك ما في حديث جابر أيضا بلفظ (فأما إذا قلت: هي لك ما عشت فانها ترجع إلى صاحبها) ولكنه قال معمر كان الزهري يفتى به الحال الثالث: أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك، أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد، فهذا حكمها حكم الهبة عند الجمهور: وروى عن مالك أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب، والاحاديث القاضية بأنها ملك للموهوب ولسقبه ترد عليه وقد ورد عن على رضى الله عنه أن العمرى والرقبى سواء. وقال طاوس: من أرقب شيئا فهو على سبيل الميراث. وقال الزهري: الرقبى وصية يعنى إذا أنا فهذالك وقال الحسن

ومالك وأبو حنيفة: الرقبى باطلة، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى. وقال أحمد: هذا حديث لا نعرفه، ولا نسلم أن معناها ما ذكروه. والخلاصة: إذا شرط في العمرى أنها للمعمر وعقبه فهذا تأكيد لحكمها وتكون للمعمر وورثته، وهذا قول جميع القائلين بها، وإذا أطلقها فهى للمعمر وورثته أيضا لانها تمليك للرقبة فأشبهت الهبة، شرط أنك إذا مت فهى لى، فعن أحمد في احدى الروايتين عنه والشافعي في القديم والقاسم بن محمد وزيد بن قسط والزهرى ومالك وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبى ذئب وأبى ثور وداود: صحة العقد والشرط، ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر وعن أحمد في الرواية الاخرى عنه، وهو ظاهر مذهبه، والشافعي في الجديد وأبى حنيفة أنها تكون للمعمر إذا ثبت هذا فان العمرى يصح في العقار وغيره من الحيوان والثياب لانها نوع هبه فصحت في ذلك كسائر الهبات ومن ثم إذا قال: سكنى هذاه الدار لك عمرك أو اسكنها عمرك أو نحو ذاك فليس ذلك بعقد لازم لانه في التحقيق هبة المنافع، ولمنافع انما تستوفى بمضي الزمان شيئا فشيئا، فلا تلزم الا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى، وللمسكن الرجوع متى شاء، وأيهما مات بطلت الاباحه، وبهذا قال أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى، ومنهم الشعبى والثوري والنخعي والشافعي واسحاق وأحمد وأصحاب الرأى، وروى معنى ذلك عن حفصه رضى الله عنها، والله تعالى أعلم بالصواب

كتاب الوصايا

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الوصايا من ثبتت له الخلافة على الامة جاز له أن يوصى بها إلى من يصلح لها، لان أبا بكر رضى الله عنه وصى إلى عمر ووصى عمر رضى الله عنه إلى أهل الشورى رضى الله عنهم ورضيت الصحابة رضى الله عنهم بذلك (فصل) ومن ثبتت له الولاية في مال ولده ولم يكن له ولى بعده جاز له أن يوصى إلى من ينظر في ماله لما روى سفيان بن عيينة رضى الله عنه عن هشام بن عروة قال: أوصى إلى الزبير تسعة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عثمان أموالهم والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود رضى الله عنهم فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أبنائهم من ماله، وان كان له جد لم يجز أن يوصى إلى غيره لان ولاية الجد مستحقة بالشرع فلا يجوز نقلها عنه بالوصية (الشرح) الوصايا جمع وصية كعطايا وعطية مأخودة من قولهم: وصيت الشئ أصيبه من باب وعد وصلته، ووصيت إلى فلان توصية وأوصيت إليه ايصاء، وفى السبعة (فمن خاف من موص) بالتخفيف والتثقيل، والاسم الوصاية بالكسر والفتح لغة، وهو وصى فعيل بمعنى مفعول والجمع الاوصياء، وأوصيت إليه بمال جعلته له، وأوصيته عليه وهذا المعنى لا يقتضى الايجاب، وأوصيته بالصلاة أمرته بها. قال تعالى (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) وقوله (يوصيكم الله في أولادكم. وفى حديث خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصى بتقوى الله، أي أمر فيعم الامر بأى لفظ كان، وهى في الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت والوصية في الخلافة أن يعهد لمن يصلح لها من بعده بتوليها. والوصية بالمال التبرع به بعد الموت، والاصل فيها الكتاب والسنة والاجماع. وأما الزبير فإنه ابن عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين مات رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عنهم راض، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء فتحرك فقال اسكن حراء فما عليك الا نبى أو صديق أو شهيد، وكان عليه أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير.

وخبر ابن عيينة الذى ساقه المصنف رويناه في مسند أحمد عن سفيان بن عيينت عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم ومناقب الزبير أجل من أن تحصى، ساق الذهبي بعضها في سير أعلام النبلاء. قال تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) إلخ. الاية، قال مجاهد: الخير في القران كله المال (وانه لحب الخير لشديد) (إنى احببت حب الخير عن ذكر ربى) (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وقال شعيب (إنى أراكم بخير) أي بغنى وأوجه ما قيل في الخير في القرآن ما قاله الشافعي رضى الله عنه: الخير كلمة يراد ما أريد بها بالمخاطبة بها. قال تعالى (أولئك هم خير البرية) فقلنا: إنهم خير البرية بالايمان وعمل الصالحات لا بالمال، وقال تعالى (أولئك لهم خير) فقلنا: ان الخير المنفعة بالاجر لا ان لهم مالا، وقال (ان ترك خيرا الوصية) فقلنا: ان ترك مالا، لان المال هو المتروك. وفى الوصية للاقربين ثلاثة تأويلات. (أحدهما) انهم الاولاد الذين لا يسقطون في الميراث دون غيرهم من الاقارب الذين يسقطون (والثانى) انهم الورثة من الاقارب كلهم. (والثالث) انهم كل الاقارب من وارث وغير وارث، فدل ذلك على وجوب الوصية للوالدين والاقربين حقا واجبا وفرضا لازما، فلما نزلت آية المواريث فسخ فيها الوصية للوالدين وكل وارث وبقى فرض الوصية لغير الورثة من الاقربين على حاله، وهو قول طاوس وقتادة والحسن البصري وجابر بن زيد. واختلف في القدر الذى يجب عليه ان يوصى منه على أقاويل. (أحدها) انه الف درهم، وهو قول على بن ابى طالب (والثانى) خمسمائة وهذا قول النخعي (والثالث) تجب في قليل المال وكثيره، وهذا قول الزهري

فهدا قول من جعل حكم الآية ثابتا، وذهب الفقهاء وجمهور أهل التفسير إلى نسخها بالمواريث، واختلفوا بأى آية نسخت، فقال ابن عباس نسخت بآية الوصايا بقوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك) الخر وقال آخرون نسخت بقوله تعالى (وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض) الآية. والوصية على ثلاثة اقسام قسم لا يجوز وقسم يجوز ولا يجب وقسم مختلف في وجوبه فما التى لا يجوز فالوصية للوارث لحديث شر حبيل بن مسلم عن ابى امامه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (ان الله تعالى قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصيه لوارث) وأما التى تجوز ولا تجب فالوصية للاجانب وهذا مجمع عليه، وقد أوصى البراء بن معرور للنبى صلى الله عليه وسلم بثلث ماله فقبله ثم رده على ورثته. واما التى اختلف فيها فالوصية للاقارب، وذهب اهل الظاهر مع من قدمنا ذكره في تفسير الآيه إلى وجوبها للاقارب تعالقا بظاهر قوله تعالى (الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) وبما ورد عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ مات من غير وصية مات ميتة جاهليه، والدليل على انها غير واجبه للاقارب والاجانب، ماروى ابن عباس وعائشة وابن ابى اوفى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يوص، وحديث سعد بن ابى وقاص الذى فيه (انك ان تدع ورثتك اغنياء خيرا من ان تدعهم فقراء يتكففون الناس) فاقتصر صلى الله على وسلم في الوصيه على ما جعله خارجا مخرج الجواز لا مخرج الايجاب ثم بين ان غنى الورثة بعده أولى من فقرهم إلى الصدقة، ولان الوصيه لو وجبت لاجبر عليها ولاخذت من ماله عند موته ان امتنع منها كالديون والزكوات. ولان الوصايا عطايا فأشبهت الهبات، فاما الآية فمنع الوالدين من الوصيه مع تقديم ذكرهما فيه دليل على نسخها. وأما قوله صلى الله على وسلم من مات من غير وصيه مات ميتة جاهلية، فمحمول على أحد أمرين: أما وجوبها قبل النسخ، واما على من كانت عليه ديون وحقوق لا يوصل إلى أربابها الا بالوصية، فتصير بذكرها وادائها واجبه ويجوز الوصيه بتعيين الناظر في ماله بعد موته، فان كان له أب أو جد لم يجز أن يوصى إلى غره بالنظر، لان ولاية الجد مستحقه بالشرع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن ثبت له الولاية في تزويج ابنته لم يجز ان يوصى إلى من يزوجها، وقال أبو ثور: يجوز كما يجوز أن يوصى إلى من ينظر في ماله، وهذا خطأ لما روى ابن عمر قال (زوجنى قدامة بن مظمون ابنة اخيه عثمان بن مظعون فأتى قدامة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انا عمها ووصى ابيها، وقد زوجتها من عبد الله بن عمر، فقال صلى الله عليه وسلم: انها يتيمة لا تنكح الا بإذنها، ولان ولاية النكاح لها من يستحقها بالشرع فلا يجوز نقلها بالوصية كالوصية بالنظر في المال مع وجود الجد. (فصل) ومن عليه حق يدخله النيابة من دين آدمى أو حج أو زكاة أو رد وديعه جاز ان يوصى إلى من يؤدى عنه، لان إذا جاز أن يوصى في حق غيره فلان يجوز في خاصة نفسه أولى. (الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد والدارقطني واورده الحافظ ابن حجر في التلخيص وسكت عنه، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات ويؤخذ من الحديث الذى نسوقه كاملا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل وصية عثمان بن مظعون لاخيه قدامه في ابنته. قال ابن عمر: توفى عثمان بن مظعون وترك ابنه له من خولة بنت حكيم بن أميه بن حارثه بن الاوقصى وأوصى إلى اخيه قدامه بن مظعون. قال عبد الله: وهما خالاى، فخطبت إلى قدامه بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبه يعنى إلى امها فارغبها في المال، فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قدامة بن مظمون: يارسول الله ابنة أخى أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وانما حطت إلى هوى أمها قال: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي يتيمه ولا تنكح الا بإذنها، قال: فانتزعت والله منى بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة) والحديث

دليل على ان الولى لا يجوز له ان يوصى إلى أخ له أو غيره لتزويجها خلافا لابي ثور الذى جعل الوصيه إلى من ينظر في تزويجها كالوصية إلى من ينظر في مالها، والحديث صريح وقول أبى ثور خطأ، ولان استحقاق الولاية في النكاح لا يتأسس بوصيه، وسيأتى تفصيل ذلك في أبواب المناكحات ان شاء الله. (فرع) إذا كان عليه دين دنيوى من حقوق الادميين أو دين أخروى من حقوق الله تعالى فانه يجوز له أن يوصى إلى من يتولى الاداء عنه لانه إذا كان يجوز له ان يوصى في اداء حقوق غيره فلان يوصى لمن يؤدى ما يتعلق بخاصة نفسه أولى. وقال بعض الاصحاب: بوجوب الوصيه في مثل من عليه دين أو عنده وديعه أو عليه واجب يوصى بالخروج منه، فان الله تعالى فرض اداء الامانات، وطريقه في هذا الباب الوصيه فتكون فرضا عليه، وأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبه على أحد في قول الجمهور، وبذلك قال الشعبى والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأى وغيرهم. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الوصية غير واجبة الا على من عليه حقوق بغير بينة، وأمانه بغير اشهاد الا طائفة شذت فأوجبتها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ومن ملك التصرف في ماله بالبيع والهبة مالك الوصية بثلثا في وجوه البر، لما روى عامر بن سعد عن ابيه قال: مرضت مرضا أشرفت منه على الموت فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني فقلت: يارسول الله لى مال كثير وليس يرثنى الا ابنتى أفأتصدق بمالى كله قال: لا، قلت: اتصدق بثلثي مالى قال: لا، قلت أتصدق بالشطر قال: لا، قلت أتصدق بالثلث قال: الثلث، والثلث كثير انك أن تترك ورثتك اغنياء خير من ان تتركهم عالة يتكففون الناس ولا يجب ذلك لقوله تعالى (وأولوا الارحام بعضمهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين، الا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) وفسر بالوصية، فجعل ذلك

إليهم فد على انها لا تجب، ولانه عطيه لا تلزم في حياته فلم تلزم الوصية به قياسا على ما زاد على الثلث. (فصل) وان كانت ورثته فقراء فالمستحب ان لا يستوفى الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم (الثلث كثير انك إن تترك وثتك اغنياء خير من ان تتركهم عالة يتكففون الناس) فاستكثر الثلث وكره أن يترك ورثته فقراء فدل على أن المستحب أن لا يستوفى الثلث. وعن على رضى الله عنه أنه قال (لان أوصى بالخمس أحب إلى من أن أوصى بالثلث) وإن كان الورثة أغنياء فالمستحب أن يستوفى الثلث لانه لما كره الثلث إذا كانوا فقراء دل على أنه يستحب إذا كانوا أغنياء أن يستوفيه. (الشرح) حديث عامر بن سعد بن أبى وقاص رواه الستة وأحمد في مسنده بلفظ (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بى فقلت: يا رسول الله إنى قد بلغ بى من الوجع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثنى الا ابتة لى افاتصدق بثلثي مالى؟ قال: لا، قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير أو كبير، انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) . وفى رواية أكثرهم (جاءني يعودني في حجة الوداع) وفى لفظ (عَادَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مرضى فقال: أوصيت؟ قلت: نعم، قال: بكم قلت: بمالى كله في سبيل الله، قال: فما تركت لولدك؟ قلت: هم أغنياء، قال: أوصى بالعشر، فما زال يقول واقول حتى قال: أوصى بالثلث، والثلث كثير أو كبير) رواه النسائي وأحمد بمعناه الا أنه قال (قلت: نعم جعلت مالى كله في الفقراء والمساكين وابن السبيل) ورواه الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه بلفظ: مرضت عام الفتح، وساق الحديث. أما قوله تعالى (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض) الآية. قيل انه أراد بالمؤمنين الانصار والمهاجرين قريضا، وفيه قولان (أحدهما) انه ناسخ للتوارث بالهجرة. حكى سعيد عن قتادة قال: كان نزل

في سورة الانفال (والذين امنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) فتوارث المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث الاعرابي المسلم من قريبه المسلم شيئا حتى يهاجر، ثم نسخ ذلك. وفى هذه الآية (وأولوا الارحام الخ) (الثاني) ان ذلك ناسخ لتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين، روى هشام ابن عروة عن ابيه عن جده واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وذلك انا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الانصار نعم الاخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم، فآخى أبو بكر خارجه بن زيد. وآخيت انا كعب بن مالك، فجئت فوجدت السلاح قد أثقله، فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيرى حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا موارثنا وثبت عن عروة ان النبي صلى الله عليه وسلم اخى بين الزبير وبين كعب بن مالك فارثت كعب يوم أحد، فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته، فلو مات يومئذ كعب عن الضح والريح لورثه الزبير، فانزل الله تعالى الآية، فبين تعالى أن القرابة أولى من الحلف، فتركت الوراثة بالحلف وورثوا بالقرابة قال ابن العربي: وأولوا الارحام بالاجماع لان ذلك يوجب تخصيصا ببعض المؤمنين، ولا خلاف في عمومها، وهذا حل اشكالها وأما أثر على كرم الله وجهه فانه يفيد استحباب النقص عن الثلث وهو من فقهه الذى لا يخلو من أثر عن النبي صلى اله عليه وسلم، وبهذا الفقه أخذ الشافعي رضى الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم (الثلث والثلث كثير) ولحديث ابن عباس قال (لو ان الناس غضوا من الثلث إلى الربع فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الثلث والثلث كثير) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وقد اخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم للثلث بالكثرة، ويبدو ان (أو) التى جاءت بين كثير وكبير جاءت من الراوى بعد عهد الترقيم لان ورود (كبير) هكذا بغير اعجام تقرأ كبير وتقرأ كثير فخروجا من حرج أن اللفظ النبوى أحدهما وضع اللفظان مفصولين بأو. اما الاحكام: فان كل ما جاز الانتفاع به من مال ومنفعة جازت الوصية به

وسواء كان المال عينا أو دينا حاضرا أو غائبا معلوما أو مجهولا مشاعا أو محوزا وتقدر الوصية بالثلث، وليس للوصي الزيادة عليه لحديث سعد (الثلث والثلث كثير) وان نقص من الثلث جاز، وأولى الامرين به أن يعتبر حال الورثة، فان كانوا فقراء كان النقصان من الثلث أولى به من استيعاب الثلث لقول على كرم الله وجهه (لان أوصى بالخمس أحب إلى من أن أوصى بالثلث) وقد أورده الماوردى في الحاوى الكبير عن رواية أخرى (لان أوصى بالسدس أحب إلى من أن أوصى بالربع، وبالربع أحب إلى من الثلث) وان كان ورثته أغنياء وكان في ماله سعة فاستبقاء الثلث أولى به. وقد قال عمر رضى الله عنه: الثلث وسط، لا بخس ولا شطط. ولو استوعب الثلث من قليل المال وكثيره، ومع فقر الورثة وغناهم، وصغيرهم وكبيرهم، كانت وصيته ممضاة له. فأما الزيادة على الثلث فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره، لان النبي صلى الله عليه وسلم منع سعدا من الزيادة عليه، فان وصى بأكثر من الثلث أو بجميع ماله نظرت فان كان له وارث كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده. فان ردها رجعت الوصية إلى الثلث، وان اجازها صحت. ثم فها قولان (أحدهما) ان إجازة الورثة ابتداء عطية منه لا تتم الا بالقبض، وله فيها ما لم يقبض، وان كانت قبل القبض بطلت كالهبات قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وينبغى لمن رأى المريض يجنف في الوصية ان ينهاه لقوله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) قال أهل التفسير: إذا رأى المريض يجنف على ولده أن يقول اتق الله ولا توص بمالك كله، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى سعدا عن الزيادة على الثلث. (فصل) والافضل أن يقدم ما يوصى به من البر في حياته لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أفضل؟ قال

أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قلت لفلان كذا ولفلان كذا، ولانه لا يأمن إذا وصى به أن يفرط به بعد موته فإن اختار أن يوصى فالمستحب ان لا يؤخر الوصية لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (ما حق امرئ مسلم عنده شئ يوصى يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده) ولانه إذا اخر لم يأمن أن يموت فجاة فتفوته. (فصل) وأما من لا يجوز تصرفه في المال - فان كان ممن لا يميز كالمعتوه والمبرسم ومن عاين الموت - لم تصح وصيته لان الوصية تتعلق صحتها بالقول ولا قول لمن لا يميز، ولهذا لا يصح اسلامه ولا توبته فلم تصح وصيته، فان كان صبيا مميزا أو بالغا مبذرا ففيه قولان (أحدهما) لا تصح وصيته، لانه تصرف في المال فلم يصح من الصبى والمبذر كالهبة (والثانى) تصح، لانه انما منع من التصرف خوفا من اضاعة المال ليس في الوصيه اضاعة المال، لانه ان عاش فهو على ملكه، وان مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصل له ذلك بالوصية. (الشرح) قوله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم) الايه. في هذه الآية وجهان كل وجحه لا يطرد في كل الناس، لان الناس منهم من يصلح لهم ان يكون معنى الآيه ما روى عن سعيد بن جبير: إذا حضر الرجل الوصيه فلا ينبغى ان يقول أوصى بمالك، فان الله تعالى رزاق ولدك، ولكن يقول قدم لنفسك واترك لولدك، فذلك قوله تعالى (فليتقوا الله) ومنهم من يصلح له ما قال مقسم وحضرمي: نزلت في عكس هذا، وهو ان يقول للمحتضر من يحضره: امسك على ورثتك، وابق لولدك، فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصيه فيتضرر بذلك ذووا القربى وكل من يستحق ان يوصى له، فقيل لهم، كما تخشون على ذريتكم وتسرون بان يحسن إليهم فكذلك سددوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضررهم وهذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث

وأحسن ما قيل فيها ما حكاه الشيباني قال: كنا على قسطنطنية في عسكر مسلمة ابن عبد الملك فجلسنا يوما في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الديلمى فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان. فقلت له: يا أبا بشر، ودى الا يكون لى ولد. فقال لى: ما عليك، ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل الا خرجت أحب أو كره، ولكن ان أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم، ثم تلا الآية. وقوله (يجنف) من جنف يجنف كسمع يسمع إذا جاز والاسم منه جنف وجانف. قال الاعشى تجانف عن حجر اليمامة ناقتي * وما قصدت من أهلها لسوائكا ومنه قوله تعالى (فمن خاف من موص جنفا) قال الشاعر هم المولى وان جنفوا علينا * وإنا من لقائهم لزور وقال لبيد: إنى امرؤ منعت أرومة عامر * ضيمي وقد جنفت على خصومى وقال تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاثم) أي مائل إليه روى أبو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ الرجل أو المرأة ليعمل بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار) وترجم النسائي الصلاة على من جنف في وصيته اخبرنا على بن حجر أنبأنا هشيم عن منصور - وهو زاذان - عن الحسن ابن سمرة عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ان رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فلغ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغضب من ذلك وقال (لقد هممت ألا أصلى عليه) ثم دعا مملوكيه فجزاهم ثلاثة اجزاء ثم أقرع بينهم فاعتق اثنين وارق أربعة، واخرجه مسلم بمعناه الا انه قال في آخره وقال قولا شديدا بدل قوله (لقد هممت الا أصلى عليه) قال الماوردى في تأويل قوله تعالى، جنفا أو إثما ثلاثة أقاويل (أحدهما) ان الجنف الميل، والاثم أن يأثم في أثرة بعضهم على بعض. وهذا قول عطاء وابن زيد (والثانى) ان الجنف الخطأ والاثم العمد، وهذا قول السدى (والثالث) انه

الرجل يوصى لولد بنيه وهو يريد بنيه. وهذا قول طاوس. فالاضرار في الوصية ان يوص بأكثر من الثلث، والاضرار في الدين أن يبيع بأقل من ثمن المثل ويشترى بأكثر منه. وقد روى عكرمة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الاضرار في الوصية من الكبائر، وقال تعالى (ووصى بها ابراهيم بنيه) الآيه والافضل أن يقدم ما يوصى به حال حياته، لحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف قَالَ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الصدقة افضل؟ قال: ان تتصدق وانت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قلت لفلان كذا ولفلان كذا) وقد أخرج هذا الحديث الشيخان وأصحاب السنن الا الترمذي، ورواه أحمد في مسنده ولفظه في كثرها (جاء رجل فقال يارسول الله: أي الصدقة أفضل أو أعظم أجرا؟ قال: أما وأبيك لنفتأن أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان) وقوله (لتفتأن بالبناء لما لم يسم فاعله من الفتيا. وفى نسخة لتنبأن من النبأ وقوله (أن تصدق بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين، وأصله أن تتصدق والتشديد على الادغام. قوله (شحيح) قال صاحب المنتهى: الشح بخل مع حرص، قال الخطابى فيه ان المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل، فلذلك شرط صحه البدن في الشح بالمال لانه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيخذر معه الفقر قال ابن بطال وغيره، لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للاجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره وقوله (حتى إذا بلغت الروح الحلقوم) أي قاربت بلوغه، إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شئ من تصرفاته، والحلقوم مجرى النفس

قوله (قلت لفلان كذا) قال ابن حجر: الظاهر أن هذا المذكور على سبيل المثال، وقال الخطابين: فلان الاول والثانى الموصى له، وفلان الاخير الوارث لانه إن شاء أبطله وإن شاء أجازه، والمقصود أن الحديث يدل على أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في حال الصحة أفضل منه حال المرض لانه في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان ويزينه له من الامل في الحياة والحاجة إلى المال، قال تعالى (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) وفى معنى الحديث قوله تعالى (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت) الآية، وفى معنى الحديث أيضا ما أخرجه الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبى الدرداء مرفوعا (مثل الذى يعتق ويتصدق عنه موته، مثل الذى يهدى إذا شبع) . وأما حديث ابن عمر فقد أخرجه اصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده بلفظ (ما حق إمرئ مسلم ببيت ليلتين وله شئ يريد أن يوصى فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) ورواه الشافعي بلفظ (ما حق إمرئ يؤمن بالوصية) أي يؤمن بأنها حق كما حكاه ابن عبد البر عن ابن عيينة، ورواه ابن عبد البر والطحاوى بلفظ (لا يحل لامرئ مسلم له مال) وقال الشافعي: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، وكذا قال الخطابى، قوله: مسلم. قال ابن حجر في فتح الباري: هذا الوصف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى الامتثال لما يشعر به من نفى الاسلام عن تارك ذلك، وصية الكافر جائزة في الجملة. وحكى ابن المنذر فيه الاجماع. قوله يبيت صفة لمسلم. قوله ليلتين في رواية البيهقى وأبى عوانه. ليلة أو ليلتين، ولمسلم والنسائي ثلاث ليال، واختلاف الروايات في هذا يدل على أنه للتقريب لا للتحديد، والمعنى لا يمضى عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير، وكأن الثلاث غاية الاخير، ولذلك قال ابن عمر رضى الله عنه لم أبت ليلة منذ سمعت

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذلك إلا ووصيتي عندي، وفى تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة، أي لا ينبغى أن يبيت زمنا ما وقد سامحناه في الليلتين والثلاث، فلا ينبغى له أن يتجاوز ذلك. أما قوله المبرسم وهو الذى أصيب بعلة الورم في الدماغ يصاب صاحبه بصداع وكراهية للضوء وزوال للعقل، وقيل انه الموت لان بر بالسريانية الابن والسام الموت، ومنه حديث شفاء من كل داء الا السام. قيل وما السام، قال الموت. إذا ثبت هذا: فإن الوصايا تشتمل على أربعة شروط وهى موصى وموصى له وموصى به وموصى إليه، فأما الفصل الاول وهو الموصى فمن شرطه أن يكون مميزا حرا، فإذا اجتمع فيه هذان الشرطان صحت وصيته في ماله مسلما كان أو كافرا، فأما المجنون فلا تصح وصيته لانه غير مميز. وأما الصبى فإن كان طفلا غير مميز فوصيته باطلة، وان كان مراهقا ففى جواز وصيته قولان. (أحدهما) لا تجوز، وبه قال أبو حنيفة، واختاره المزني لارتفاع القلم عنه كالمجنون، لان الوصية عقد فأشبهت سائر العقود. (والقول الثاني) وبه قال مالك ان وصيته جائزة لرواية عمرو بن سليم الزرقى قال سئل عمر بن الخطاب ورضى الله عنه عن غلام يافع من غسان وصى لبنت عمه وله عشر سنين، وله وارث ببلد آخر، فأجاز عمر رضى الله عنه وصيته، ولان المعنى الذى لاجله منعت عقوده هو المعنى الذى أمضيت وصيته لان الحظ له في منع العقود لانه لا يتعجل بها نفعا، ولا يقدر على استدراكها إذا بلغ والحظ له في امضاء الوصية، لانه ان مات فله ثوابها وذلك أحط له من تركه عل ورثته، وان عاش وبلغ قدر على استدراكها والرجوع فيها، فعلى هذا لو أعتق في مرضه أو حابى أو وهب ففى صحة ذلك وجهان. (أحدهما) صحيح ممضى لان ذلك وصيه يعتبر من الثلث. (والوجه الثاني) أنه باطل مردود لان الوصيه بقدر على الوجوع فيها ان صح، والعتق والهبه لا يقدر على الرجوع فيها ان صح. فأما وصية المحجور عليه بالسفه. فإن قيل يجواز وصية الصبى فوصية

السفيه أجوز، وإن قيل ببطلان وصية الصبى بابطال عقوده بطلت وصية السفيه لبطلان عقوده وأما المحجور عليه بالفلس فإن ردها الغرماء بطلت، وإن أمضوها جازت، فإن قلنا: حجر الفلس كحجر المرض صحت، وإن قلنا: إنه كحجر السفه كان على وجهين، فأما العبد فوصيته باطلة، وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتب لان السيد أملك منهم لما في أيديهم. فأما الكافر فوصيته جائزة ذميا كان أو حربيا إذا أوصى بمثل ما يوصى به المسلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وأما إذا أوصى بما زاد على الثلث، فإن لم يكن له وارث بطلت الوصية فيما زاد على الثلث، لان ماله ميراث للمسلمين، ولا مجيز له منهم فبطلت فإن كان له وارث ففيه قولان. (أحدهما) أن الوصية تبطل بما زاد على الثلث لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى سعدا عن الوصية بما زاد على الثلث، والنهى يقتضى الفساد، وليست الزيادة مالا للوارث فلم تصح وصيته به كما لو أوصى بمال للوارث من غير الميراث. (والثانى) أنها تصح وتقف على اجازة الوارث، فإن أجاز نفذت، وان ردها بطلت، لان الوصية صادفت ملكه، وانما يتعلق بها حق الوارث في الثاني فصحت ووقفت الاحازة كما لو باع ما فيه شفعه، فإن قلنا: على أنها باطلة كانت الاجازه هبة مبتدأة يعتبر فيها الايجاب والقبول باللفظ الذى تنعقد به الهبة، ويعتبر في لزومها القبض، وان كان الوصية عتقا لم يصح الا بلفظ العتق، ويكون الولاء فيه للوارث، وان قلنا انها تصح كانت الاجازة امضاء لما وصى به الموصى وتصح بلفظ الاجازة كما يصح العفو عن الشفعة بلفظ العفو، فإن كانت الوصيه عتقا كان الولاء للموصى، ولا يصح الرد والاجازة الا بعد الموت لانه لا حق له قبل الموت فلم يصح اسقاطه كالعفو عن الشفعه قبل البيع. (فصل) فإن أجاز الوارث ما زاد على الثلث، ثم قال أجزت لانى ظننت أن المال قليل وأن ثلثه قليل، وقد بان أنه كثير لزمت الاجازة فيما علم والقول

قوله فيما لم يعلم مع يمينه فإذا حلف لم يلزمه الاجازة في أحد القولين هبة، وفى الثاني إسقاط والجميع لا يصح مع الجهل به وان وصى بعيد فأجازه الوارث ثم قال أجزت لانى ظننت أن المال كثير، وقد بان أنه قليل ففيه قولان. (أحدهما) أن القول قوله كالمسألة قبلها (والثانى) أنه يلزمه الوصية لانه عرف ما أجازه ويخالف المسألة قبلها فان هناك لم يعلم ما أجازه. (الشرح) الاحكام: الزيادة على الثلث ممنوع منها في قليل المال وكثيره لحديث سعد الذى مضى تخريجه وبيان طرقه الذى منع سعدا من الزيادة عليه، فإن وصى بأكثر من الثلث أو بجميع ماله نظر، فان كان له وارث كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده، فان ردها رجعت الوصيه إلى الثلث، وان أجازها صحت، ثم فيها قولان. (أحدهما) أن اجازة الورثة ابتداء عطية منه لا تتم الا بالقبض وله الرجوع فيها ما لم يقبض، وان كانت قبل القبض بطلت كالهبات. فان لم يكن للميت وارث فأوصى بجميع ماله ردت وصيته إلى الثلث في حق بيت المال. وقال أبو حنيفة: وصيته إذا لم يكن له وارث نافذة في جميع ماله استدلالا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع سعدا من الزيادة على الثلث قال: لان تدع ورثتك أغنياء خيرا من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فجعل المنع من الزيادة حقا للورثة، فإذا لم يكن له وارث سقط المنع، وبما روى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال لا وارث لمن وضع ماله حيث شاء، ولانه لما كانت الصدقة بجميع ماله جازت وصيته بجميع ماله. ودليلنا ما روى عن أبى الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم) رواه الدارقطني ورواه أحمد والبيهقي والبزار وابن ماجه من حديث أبى هريرة بلفظ (ان الله تصدق عليكم عند موتكم بثل أموالكم زيادة لكم في أعمالكم) وقد ضعف الحافظ ابن حجر اسناده وأخرجه أيضا

الدارقطني والبيهقي من حديث أبى أمامة بلفظ (أن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعل لكم زكاة في أموالكم) وفى اسناده اسماعيل ابن عياش وشيخه عتبه بن حميد. ولان الانصاري أعتق ستة مملوكين له لا مال له غيرهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء على ما مضى ذكره، ولان مال من لا وارث له يصير إلى بيت المال إرثا لامرين. أحدهما: أنه يخلف الورثة في الاستحقاق لماله. والثانى: أنه يعقل عنه كورثته، فلما ردت الوصية إلى الثلث مع الوارث ردت إلى الثلث مع بيت المال لانه وارث، وقد يتحرر منه قياسان (أحدهما) أن كل جهة استحقت التركة بالوفاة منعت من الوصية بالجميع كالورثه (والثانى) أن ما منع من الوصايا مع الورثة منع منها مع بيت المال كالديون. فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة فهو أنه لم يجعل ذلك تعليلا لرد الزيادة على الثلث، ولو كان ذلك تعليلا لجازت الزيادة على الثلث مع غناهم إذا لم يصيروا عالة يتكففون الناس، وإنما قاله صلة في الكلام وتنبيها على الخط. وأما قول ابن مسعود يضع ماله حيث يشاء، فماله الثلث وحده، وله وضعه حيث شاء، وأما الصدقة فهى كالوصية إن كانت في الصحة أمضيت مع وجود الوارث وعدمه، وإن كانت في المرض ردت إلى الثلث مع وجود الوارث وعدمه والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا في الوقت الذى يعتبر فيه قدر المال لاخراج الثلث، فمنهم من قال الاعتبار بقدر المال في حال الوصية لانه عقد يقتضى اعتبار قدر المال، فكان الاعتبار فيه بحال العقد، كما لو نذر أن يتصدق بثلث ماله، فعلى هذا لو أوصى وثلث ماله ألف فصار عند الوفاة ألفين لم تلزم الوصية في الزيادة، فان وصى بألف ولا مال له ثم استفاد مالا لم تتعلف به الوصية وان

وصى وله مال فهلك ماله بطلت الوصية، ومنهم من قال: الاعتبار بقدر المال عند الموت وهو المذهب، لانه وقت لزوم الوصية واستحقاقها، ولانه لو وصى بثلث ماله ثم باع جميعه تعلقت الوصية بالثمن، فلو كان الاعتبار بحال الوصية لم تتعلق بالثمن، لانه لم يكن حال الوصية فعلى هذا لو وصى بثلث ماله وماله ألف فصار ألفين لزمت الوصية في ثلث الالفين، فإن وصى بمال ولا مال له ثم استفاد مالا تعلقت به الوصية، فان وصى بثلثه وله مال ثم تلف ماله تبطل الوصية. (الشرح) الاحكام: تجوز الوصية بثلث ماله وإن لم يعلم قدره، واختلف أصحابنا هل يراعى بثلث ماله وقت الوصية أو عند الوفاة على وجهين (أحدهما) وهو قول مالك وأكثر البغداديين أنه يراعى ثلثه وقت الوصية، ولا يدخل فيها ما حدث بعده من زيادة لانها عقد، والعقود لا يعتبر فيها ما بعدها. (والوجه الثاني) وهو قول أبى حنيفة وأكثر البصيريين أنه يراعى ثلث ماله وقت الموت ويدخل فيه ما حدث قبله من زيادة، لان الوصايا تملك بالموت، فاعتبر بها وقت ملكها، فعلى هذين الوجهين إن وصى بثلث ماله ولا مال له ثم أفاد مالا فعلى الوجه الاول تكون الوصية باطلة اعتبارا بحال الوصية، وعلى الوجه الثاني تكون الوصية جائزة اعتبارا بحال الموت. وعلى هذا لو وصى بفرس من خيله وهو لا يملك فرسا ولا خيلا ثم ملك قبل الموت خيولا صحت الوصيه ان اعتبر بها حال الموت، وبطلت ان اعتبر بها حال القول، وعلى هذا القول لو وصى بثلث ماله وله مال فهلك ماله وافاد غيره صحت الوصيه في المال المستفاد إن اعتبر بها حال الموت، وبطلت ان اعتبر بها حال الوصيه. قال المصنف رحمه الله. (فصل) وأما الوصية بما لا قربة فيه كالوصيه للكنيسة والوصيه بالسلاح لاهل الحرب فهى باطله لان الوصيه إنما جعلت له ليدرك بها ما فات ويزيد بها الحسنات ولهذا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان الله تعالى أعطاكم ثلث

أموالكم في آخر آجالكم زيادة في حسناتكم) وما ذكرناه ليس من الحسنات فلم تصح فيه الوصية، فإن وصى ببيع ماله من رجل من غير محاباة ففيه وجهان (أحدهما) يصح لانه قصد تخصيصه بالتمليك (والثانى) لا يصح لان البيع من غير محاباة ليس بقربة، فلم تصح الوصية به، وإن وصى لذمى جاز، لما روى أن صفية وصت لاخيها بثلثها ثلاثين ألفا وكان يهوديا، ولان الذمي موضع للقربة، ولهذا يجوز التصدق عليه بصدقة التطوع فجازت له الوصية، فإن وصى لحربي ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا تصح الوصية، وهو قول أبى العباس بن القاصر، لان القصد بالوصية نفع الموصى له، وقد أمرنا بقتل الحربى وأخذ ماله فلا معنى للوصية له (والثانى) يصح وهو المذهب لانه تمليك يصح للذمي فصح للحربى كالبيع. (فصل) واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى فيمن وصى لقاتله فقال في أحد القولين: لا يجوز لانه مال يستحق بالموت فمنع القتل منه كالميراث، وقال في الثاني يجوز لانه تمليك يفتقر إلى القبول فلم يمنع القتل منه كالبيع، فإن قتلت أم الولد مولاها عتقت لان عتقها ليس بوصية، بدليل أنه لا يعتبر من الثلث فلم يمنع القتل منه. فإن قتل المدبر مولاه فإن قلنا ان التدبير عتق بالصفة عتق لانه ليس بوصية، وإنما هو عتق بصفة وقد وجدت الصفه فعتق، وان قلنا إنه وصية وقلنا ان الوصية للقاتل لا تجوز لم يعتق، وان قلنا انها تجوز عتق من الثلث فإن كان على رجل دين مؤجل فقتله صاحب الدين حل الدين، لان الاجل حق للمقتول لا حظ له في بقائه، بل الحظ في إسقاطه ليحل الدين ويقضى فيتخلص منه (الشرح) حديث إن الله تعالى أعطاكم الخ. فقد رواه الدارقطني عن أبى الدرداء وسكت ولم يتكلم عليه الحافظ بن حجر، ورواه وأخرجه أيضا أحمد وكذلك البيهقى وابن ماجه والبزار من حديث أبى هريرة. قال الحافظ بن حجر وإسناده ضعيف، ورواه الدارقطني والبيهقي عن أبى أمامة، وفى اسناده اسماعيل ابن عياش، وهو ثقة في الشاميين ضعيف في غيرهم، وهو رواه عن شيخه عتبه

ابن حميد الضبى صدوق له أوهام. ورواه العقيلى في الضعفاء عن أبى بكر الصديق وفى إسناده حفص بن عمرو بن ميمون وهو متروك. وعن حالد بن عبد الله السلمى عند ابن عاصم وابن السكن وابن قانع وأبى نعيم والطبراني وهو مختلف في صحبته، ورواه عنه ابنه الحارث وهو مجهول وأما وصية أم المؤمنين صفية رضى الله عنها فقد مضى تخريج الخبر في كتاب الوصي فلا ضرورة لاعادته. أما الاحكام فإن الوصية للبيع والكنائس باطلة لانها مجمع معاصيهم ومنتدى تأليههم للبشر، ومبادءة التثليث والتجسيد. وكذلك الوصية لكتب التوراة والاناجيل لتبديلها وتغييرها، وسواء كان الموصى مسلما أو كافرا. وأجازها أبو حنيفة من الكافر دون المسلم، وهكذا أجاز وصيته بالخمر والخنزيد يتصدقت بها على أهل الذمة. وهذا فاسد لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وخالف أبا حنيفة صاحباه في الكنيسه ووافقنا فيما عداها. فأما الوصيه للكافر فجائزة ذميا كان أو حربيا، وقال أبو حنيفة: الوصيه للحربى باطلة لان الله تعالى أباح للمسلمين أموال المشركين فلم يجز أن يبيح للمشركين أموال المسلمين وهذا فاسد من وجهين (أحدهما) أنه لما لم يمنع شرك الذمي لم يمنع شرك الحربى من الوصيه كالنكاح (والثانى) أنه لما جازت الهبة للحربى وهى أمضى عطية من الوصية كان أولى أن تجوز له الوصيه، وسواء كان الموصى مسلما أو كافرا. فأما الوصية للمرتد فعلى ثلاثة أقسام ذكرناها في كتاب الوقف (أحدهما) أن يوصى لمن يرغب عن الاسلام فالوصية باطله لعقدها على معصية (الثاني) أن يوصى بها لمسلم فيرتد عن الاسلام بعد الوصية له فالوصيه جائزة لانها وصيه صادفت حال الاسلام (والثالث) أن يوصى بها لمرتد معين ففى الوصية وجهان، أحدهما باطلة. والثانى: جائزة. أما المحاباة في المرض، وهى أن يعاوض بماله ويسمع لمن عاوضه ببعض عوضه وهى أقسام (أحدها) المحاباة في البيع والشراء، ولا يمنع ذلك صحة في

قول جمهور الفقهاء. وقال أصحاب داود بن على: العقد باطل. وعموم قوله تعالى: وأحل الله البيع دليل على صحة قول الجمهور، ولانه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض، فلو باع في مرضه فرسا قيمته خمسون بعشرين فقد جابى المشترى بثلاثة أخماسه، وليس له المحاباة بأكثر من الثلث، فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع ن وإن لم يجيزوا واختار المشترى فسخ البيع فله ذلك لان الصفقة تبعضت عليه ن وإن اختار إمضاء البيع فالصحيح عند أصحاب أحمد وهو اختيار ابن قدامه في المغنى أنه يأخذ النصف للبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي. وهذا أحد الوجهين عند أصحاب الشافعي. والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثى المبيع بالثمن كله، لانه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن. وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسمية أصحابه خلع الثلث ولاصحابنا كما ساق المصنف ذلك إذا وصى ببيع ماله من رجل من غير محاباة. فإذا قلنا إن مجرد التخصيص بالتمليك يقوم مقام المحاباة صحت الوصية على هذا الوجه. وإن قلنا إن البيع من غير محاباة ليس قربة والمراعى في الوصيه التقرب إلى الله تعالى لحديث أبى الدرداء لم تصح الوصيه (فرع) تصح الوصيه للذمي باتفاق أهل العلم لا نعلم في ذلك خلافا، ولان الصدقة عليه جائزة فجازت الوصيه. أما الحربى ففيه لاصحابنا وجهان (أحدهما) وهو المذهب وبه قال أحمد في المنصوص عنه وهو قول مالك أن الوصيه للحربى تصح وهو دار الحرب (والثانى) لا تصح وهو قول أبى حنيفه لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إلى قوله تعالى انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) الآيه: فيدل ذلك على أن من قاتلنا لا يحل بره، وهو قول أبى العباس بن القاص من أصحابنا، لان القصد من الوصيه القربة إلى الله بنفع يعود إلى الموصى له، وقد أمرنا بقتل الحربى وأخذ سلبه، فلا معنى للوصيه مع قيام هذا كله.

دليلنا: أنه تمليك يصح للذمي فصح للحربى، ولما كانت تصح هبته فقد صحت الوصية له كالذمي، وقد رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى عمر حلة من حرير فقال (يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال: إنى لم أعطيكها لتلبسها، فكساها عمر أخا مشركا له بمكه) . وعن أسماء بنت أبى بكر قالت (أتتنى أمي وهى راغبة تعنى عن الاسلام فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتتنى أمي وهى راغبه أفأصلها، قال: نعم وهذان الخبران فيهما صلة أهل الحرب وبرهم، والاية حجة لنا فيمن لم يقاتل، فأما المقاتل فقد نهى عن قوليه لا عن بره والوصية له، وقد رأينا كيف أن صلاح الدين الايوبي كان يبر المقاتلة من الصليبيين حتى كان مضرب المثل في المروءة وعلو الهمة فكان يداوى مرضاهم ويأسو جراحهم، بيد أنه لم يعف عمن طغى وتجبر وقطع طريق الحاج فأقسم لئن أظفره الله به ليضربن عنقه بيده، وعندما وقع في الاسر مع غيره من ملوك أوربة عفا عنهم جمعيا إلا ذلك فقتله بيده، برا بقسمه رغم ما عرضه الفرنجة عليه من فداء سخى بالمال بالغا ما بلغ قدره، فهذا هو طريق الشرع، وإن احتج بالمفهوم فإنه لا يراه حجة ثم قد حصل الاجماع على جواز الهبة. والوصية في معناها، فأما المرتد فعند أبى الخطاب من أصحاب الامام أحمد تصح الوصية له كما تصح قبته. وقال ابن أبى موسى: لا تصح لان ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت، ولان ملكه يزول عن ماله بردته في قول جماعه منهم فلا يثبت له الملك بالوصية، وقد مضى مذهبنا فيه في الوقف. (فرع) الوصيه للقاتل فيها قولان. أحدهما - وهو مذهب مالك رضى الله عنه تجوز الوصيه، وإن لم يرث كما تجوز الوصيه للكافر، وإن لم يرث، ولانه تمليك يراعى فيه القبول فلم يمنع منه القتل كالبيع، وهذا أحد الاوجه الثلاثه عند الحنابله حيث قال ابن حامد: تجوز الوصيه له. وهو قول أبى ثور وابن المنذر أيضا. والقول الثاني وهو قول أبى حنيفة رضى الله عنه وأحد الاوجه الثلاثة

عند الحنابله: لا تصح الوصية له. لان أحمد رضى الله عنه نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره، وعندنا أنه يبطل إذا اعتبر التدبير وصية، أما إذا اعتبر صفة فإن التدبير ماض ويعتق بموت سيده ولو قتلا وهذا أيضا قول الثوري وأصحاب الرأى لان القتل يمنع الميراث الذى هو آكد من الوصية فالوصية أولى، ولان الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه، لان الميراث أقوى التمليكات فلما منع منه القتل كان أولى أن يمنع من الوصية. فإذا تقرر هذان القولان فلا فرق بين أن يوصى له بعد جرحه إياه وجنايته عليه، وبين أن يوصى له قبل الجناية ثم يجنى عليه فيقتله في أن الوصية على قولين ولكن لو قال الموصى وليس بمجروح: قد وصيت بثلثي لمن يقتلين فقتله رجل لم تصح الوصية له قولا واحدا لامرين. (أحدهما) أنها وصية عقدت على معصية. (والثانى) أن فيها إغراء بقتله، فلو وصى بثلثه لقاتل زيد، فإن كان قبل القتل لم يجز لما ذكرنا، وإن كان بعد قتله جاز، وكان القتل تعريفا، وهكذا لو وهب في مرضه لقاتله هبة أو حاباه في بيع أو أبرأه من حق فكل ذلك على قولين لانها وصية له تعتبر في الثلث، وهكذا لو أعتق في مرضه عبدا فقتل العبد سيده كان في عتقه قولان لانها وصية له، ولكن لو وهب هبة في صحته أو أبرأ من حق أو حابى في بيع أو أعتق عبدا، ثم إن الموهوب له قتل الواهب أو المبرأ قتل المبرئ أو المحابى قتل المحابى والعبد قتل السيد كان ذلك كله نافذا ماضيا، لان فعله في الصحة جرى مجرى الوصايا، ولو جرح رجل رجلا ثم إن المجروح وصى للجارح بوصية ثم جنى على الموصى آخر فذبحه جازت الوصية للجارح الاول، لان الذابح صار قاتلا، ولو لم يكن الثاني قد ذبحه ولكن لو جرحه صار الثاني والاول قاتلين، فردت الوصية للاول في أحد القولين، وهذا هو قول مالك وأبى ثور وابن المنذر وأحد القولين عند أحمد، وأظهر القولين للشافعي لان الهبة تصح فصحت الوصيه له كالذمي، وقال القاضى أبو بكر من الحنابله: لا تصح الوصيه له وهذا هو قول الثوري وأصحاب الرأى وأحد قولى الشافعي.

قال الماوردى في حاويه: وإذا قتل المدبر سيده فإن قيل: إن الدبير عتق بصفة لم يبطل عتقه، وإن قيل: إن التدبير وصيه ففى بطلان عتقه قولان لانه يعتق في الثلث، ولو قتلت أم الولد سيدها بعد عتقها صح عتقها قولا واحدا لامرين. أحدهما: أن عتقها مستحق من رأس المال. والثانى: أن في استبقائها على حالها إضرارا بالورثه لانهم لا يقدرون على بيعها، وخالف استبقاء رق المدبر للقدرة على بيعه ثم ينظر في أم الولد إذا كان قتلها عمدا - فان لم يكن ولدها باقيا قتلت قودا، وإن كان باقيا سقط القود عنها لان ولدها شريك للورثه في القود فيها ن وهو لا يستحق القود من أمه فسقط حقه، وإذا سقط القود عنها في حق بعض الورثة سقط في حق الجميع اه. ولو أن رجلا وصى لابن قاتله أو لابيه أو لزوجته صحت الوصيه لان القاتل غير الموصى له، ولو أوصى لعبد القاتل لم تجز في أحد القولين لانها وصيه للقاتل، ولو أقر رجل لقاتله بدين كان إقراره نافذا قولا واحدا لان الدين لازم وهو من رأس المال فخالف الوصايا، ولو كان للقاتل على المقتول دين مؤجل حل بموت المقتول ولا يبقى إلى أجله، لان الاجل حق لمن عليه الدين لا يورث عنه، وليس كالمال الموروث إذا منع القاتل منه صار إلى الورثة، وسواء كان القتل في الوصيه عمدا أو خطأ كما أن الميراث يمنع منه قيل العمد والخطأ، فلو أجاز الورثة الوصيه للقاتل، وقد منع منها في أحد القولين كان في إمضائها بإجازته وجهان من اختلاف قولين في إمضائها للوصيه للوارث. فان قلنا: إن الوصية للوارث مردودة ولا تمضى باجازتهم ردت الوصية للقاتل ولم تمض باجازتهم، وإن قلنا إنه يمضى الوصية للوارث باجازتهم أمضيت الوصيه للقاتل باجازهم، والاصح إمضاء الوصيه للوارث بالاجازة، ورد الوصيه للقاتل مع الاجازة، لان حق الرد في الوصيه للقاتل انما هو للمقتول لما فيه من حسم الذرائع المفضيه إلى قتل نفسه فلم تصح الوصيه له. باجازتهم،

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف قوله في الوصية فقال في أحد القولين لا تصح لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا وصية لوارث) ولانها وصية لا تلزم لحق الوارث فلم تصح، كما لو أوصى بمال لهم من غير الميراث فعلى هذا الاجازة هبة مبتدأة يعتبر فيها ما يعتبر في الهبة. والثانى تصح لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: لا تجوز لوارث وصية إلا ان شاء الورثة، فدل على أنهم إذا شاءوا كانت وصية، وليست الوصية في ملكه وإنما يتعلق بها حق الورثة في الثاني فلم يمنع صحتها كبيع ما فيه شفعة، فعلى هذا إذا أجاز الورثة نفذت الوصية (فصل) ولا تصح الوصية لمن لا يملك فإن وصى لميت لم تصح الوصية لانه تمليك فلم يصح للميت كالهبة، وإن وصى لحمل تيقن وجوده حال الوصية بأن وضعته لدون ستة أشهور من حين الوصية أو لستة أشهور وليست بفراش صحت الوصية لانه يملك بالارث فملك بالوصية، وان وضعته لستة أشهر وهى فراش لم تصح الوصية لانه يجوز أن يكون حدث بعد الوصيه فلم تصح الوصيه بالشك فإن ألقتله ميتا لم تصح الوصيه لانه لا يتيقن حياته حال الوصيه، ولهذا لا يحكم له بالارث فلم يحكم له بالملك بالوصية، فإن وصى لما تحمل هذه المرأة لم تصح الوصية. وقال أبو إسحاق تصح والمذهب الاول لانه تمليك لمن لا يملك فلم يصح (فصل) فإن قال وصيت بهذا العبد لاحد هذين الرجلين لم يصح لانه تمليك لغير معين، فإن قال أعطوا هذا العبد أحد هذين الرجلين جاز لانه ليس بتمليك وانما هو وصية بالتمليك، ولهذا لو قال بعت هذا العبد من أحد هذين الرجلين لم يصح ولو قال لوكيله بع هذا العبد أحد هذين الرجلين جاز (فصل) فإن أوصى لعبده كانت الوصيه لوارثه، لان العبد لا يملك فكانت الوصيه للوارث، وقد بيناه، فإن وصى لمكاتبه صحت الوصيه، لان المكاتب يملك المال بالعقد فصحت له الوصيه، فإن وصى لام ولده صحت لانها حرة عند الاستحقاق، فإن وصى لمدبره وعتق من الثلث صحت له الوصيه

لانه حر عند الموت فهو كأم الولد، فإن لم يعتق كانت الوصيه للوارث وقد بيناه فان وصى لعبد غيره كانت الوصيه لمولاه، وهل يصح قبوله من غير اذن المولى فيه؟ وجهان (أحدهما) وهو الصحيح انه يصح ويملك به المولى يملك ما يصطاده بغير اذنه (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يصح لانه تمليك للسيد يعقد فلم يصح القبول فيه من غير اذنه، وهل يصح قبول السيد؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يصح لان الايجاب للعبد فلم يصح قبول السيد كالايجاب في البيع (والثانى) يصح لان القبول في الوصيه يصح لغير من أوجب له وهو الوارث بخلاف البيع. (الشرح) حديث جابر أخرجه الدارقطني وصوب إرساله، ويبدو أن المصنف ساقه لاحتجاج الشافعي به في أحد قوليه، وإلا فحديث عمرو بن خارجه رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والترمذي وصححه والدارقطني والبيهقي (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ على ناقته وأنا تحت جرانها وهى تقصع بجرتها، وإن لغامها يسيل بين كنفى فسمعته يقول: ان الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصيه لوارث) وعن أبى أمامه عند أحمد والبخاري ومسلم وأبى داود والترمذي قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: إن الله تعالى قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصيه لوارث) وأخرجه الدارقطني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تجوز وصيه لوارث الا أن يشاء الورثة) وعن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة) رواه الدارقطني. وهذا الحديث قال فيه الشافعي رضى الله عنه: إن هذا المتن متواتر. قال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون فِي إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عام الفتح: لا وصيه لوارث، ويأثرونه عمن يحفظونه عنه ممن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة عن كافه فهو أقوى من نقل واحد

قلت: وقد ضعف الحافظ بن حجر جميع طرقه وقال: لا يخلو واحد منها من مقال ولكنه يسلم بأنها في مجموعها تصل إلى درجة الاحتجاج بها وقد عده السيوطي في الاحاديث المتواترة في كتابه الموسوم بالازهار المتناثرة في الاحاديث المتواترة. وهو مروى عن أبى أمامة وعمرو بن خارجه وعلى وابن عباس وعمرو بن دينار وأبى جعفر وجابر بن الله وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وزيد بن أرقم والبراء بن عازب. وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا. قال وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة قال الحافظ بن حجر: لكن الحجة في هذا إجماع العلماء على مقتضاه، كما صرح به الشافعي وغيره. ثم قال والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم، لان الاكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة. وقال الصنعانى في سبل السلام: الاقرب وجوب العمل به لتعدد طرقه، وإن نازع الفخر في تواتره، ولا يضر ذلك بثبوته. وقبل إنها لا تصح الوصيه لوارث أصلا، وهو الظاهر لان النفى إما أن يتوجه إلى الذات، والمراد لا وصية شرعية. وإما إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة، ولا يصح أن يتوجه هاهنا إلى الكمال الذى هو أبعد المجازين. وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين، فقبل آية الفرائض، وقيل الاحاديث المذكورة في الباب. وقيل دل الاجماع على ذلك وإن لم يتعين دليله أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: أخبرنا ابن عيينه عن سليمان الاحول عن مجاهد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا وصية لوارث) وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآى المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف عن احد ممن لقيت خلافا.

وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآى المواريث وكانت السنه تدل على أنها لا تجوز لوارث، وتدل على أنها تجوز لغير قرابة دل ذلك على نسخ الوصية للورثة، وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم قال ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا، فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصيه. وإذا كان الموصى يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثه في معنى من لا يرث، ولهم حق القرابة وصلة الرحم. وقال الشافعي رضى الله عنه في باب الوصيه للوارث من الام: ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي (1) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في خطبته عام الفتح (لا وصية لوارث) فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن، فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصيه، فان مات الموصى والموصى له وارث، فلا وصية له، وإن حدث للموصى وارث يحجبه أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له، بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ثم طلقها ثلاثا ثم مات مكانه، فالوصية لها جائزة لانها غير وارثه، وإنما ترد الوصيه وتجوز إذا كان لها حكم، ولا يكون لها حكم الا بعد موت الموصى حتى تجب أو تبطل. ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصى فصار الموصى له وارثا، أو لامرأة ثم نكحها ومات وهى زوجته بطلت الوصيه لهما معا، لانها صارت وصية لوارث

_ (1) لما كان أظهر ما في التاريخ من المحولات الاجتماعية والسياسيه هو المغازى فقد كان المؤرخون يسمون (أهل العلم بالمغازي)

ولو أوصى لوارث وأجنبى بعيد أو دار أو ثوب أو مال مسمى بطل نصيب الواث وجاز للاجنبي ما يصيبه وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والاجنبى، ولكن لو قال: أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا ولاجنبي ثلثى ما أوصى به جاز للاجنبي ما سمى له، ورد عن الوارث ما سمى له، ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته، أو أرضعته أو أب أرضعه أو زوجه أو ولد لا يرثه أو خادم أو غير فأوصى لهؤلاء كلهم أو لبعضهم جازت الوصيه لهم لان كل هؤلاء غير وارث وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به لملكه لماله إن شاء منعه ابنه وإن شاء أعطاه إياه. وقال الصنعانى في سبل السلام: وذهب الهادى وجماعة إلى جوازها مستدلين بقوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية، قالوا: ونسخ الوجوب لا ينافى بقاء الجواز، قلنا: نعم لو لم يرد هذا الحديث، فإنه ناف لجوازها إذ وجوبها قد علم نسخه من آية المواريث كما قال ابن عباس: كان المال للولد والوصية للوالدين، فنسخ الله سبحانه من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الانثيين، وجعل للابوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع. وقوله في الحديث: إلا ان يشاء الورثة، دليل على صحة الوصية ونفاذها للوارث إن أجازها الورثة، لانهم قد أسقطوا حقهم. وهو قول جمهور الفقهاء ما عدا المزني من أصحاب الشافعي وداود بن على الظاهرى وأصحابه وبعض الحنابلة حيث قالوا: لا أثر لاجازتهم، والظاهر أن لهم أثرا في جوازها، لانه صلى الله عليه وسلم لما نهى عن الوصية للوارث قيدها بقوله إلا ان يشاء الورثة وأطلق لما منع الوصية عن الزائد عن الثلث، وليس لنا تقييد ما أطلقه ومن قيد هنالك قال: إنه يؤخذ القيد من التعليل بقوله (انك ان تذر..الخ) فإنه دل على أن المنع من الزيادة على الثلث كان مراعاة لحق الورثة، فان أجازوا سقط حقهم ولا يخلو عن قوة. هذا في الوصية للوارث، واختلفوا إذا أقر المريض للوارث بشئ من ماله فأجازه الاوزاعي وجماعة مطلقا.

وقال أحمد: لا يجوز اقرار المريض لوارثه مطلقا، واحتج بأنه لا يؤمن بعد المنع من الوصية لوارثه أن يجعلها اقرارا، واحتج الاول بما يتضمن الجواب عن هذه الحجة فقال ان التهمه في حق المحتضر بعيدة وبانه وقع الاتفاق أنه لو أقر بوارث آخر صح اقراره مع أنه يتضمن الاقرار بالمال وبأن مدار الاحكام على الظاهر فلا يترك اقراره للظن المحتمل فإن أمره إلى الله. (قلت) وهذا القول أقوى دليلا، واستثنى مالك ما إذا أقر لبنته ومعها من يشاركها من غير الولد، كابن العم قال: لانه يتهم في أنه يزيد لابنته، وينقص ابن العم، وكذلك استثنى ما إذا أقر لزوجته المعروف بمحبته لها وميله إليها، وكان بينه وبين ولده من غيرها تباعد لا سيما إذا كان له منها ولد في تلك الحال. قلت: والاحسن ما قيل عن بعض المالكين واختاره الرويانى في بحر المذهب من أصحابنا: ان مدار الامر على التهمه وعدمها، فإن فقدت جاز والا فلا، وهى تعرف بقرائن الاحوال وغيرها. وعن بعض الفقهاء: أنه لا يصح اقراره الا للزوجة بمهرها، وسياتى مزيد ايضاح ان شاء الله. وفائدة الخلاف أن الوصيه إذا كانت صحيحة فاجازة الورثة تنفيذ، فإذا اجازها الورثة لزمت الوصية، وان كانت باطله كانت هبة مبتدأه تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض، ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه. وأما بقية الفصول من الوصيه للعبد والمكاتب وأم الولد وعبد غيره فعلى وجهها. ولا تفتقر إلى مزيد والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وتجوز الوصيه بالمشاع والمقسوم لانه تمليك جزء من ماله فجاز في المشاع والمقسوم كالبيع، ويجوز بالمجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع وعبد من عبيد وبما لا يقدر على تسليمه كالطير الطائر والعبد الآبق لان الموصى له يخلف الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في ثلثه فلما جاز أن يخلف الوارث الميت

في هذه الاشياء جاز أن يخلفه الموصى له، فان وصى بمال الكتابة جاز ذكرناه فان وصى برقبته فهو على القولين في بيعه. (فصل) فان وصى بما تحمله الجارية أو الشجرة صحت الوصيه لان المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة، فجاز أن يملك بالوصية، ومن أصحابنا من قال: أذا قلنا: ان الاعتبار بحال الوصيه لم تصح لانه لا يملك في الحال ما وصى به. (فصل) وتجوز الوصية بالمنافع لانها كالاعيان في الملك بالعقد والارث فكانت كالاعيان في الوصية ويجوز بالعين دون المنفعة وبالعين لواحد وبالمنفعه لآخر لان المنفعة والعين كالعين فجاز فيهما ما جاز في العينين ويجوز بمنفعة مقدرة بالمدة وبمنفعه مؤبدة لان المقدرة كالعين المعلومة والمؤبدة كالعين المجهولة فصحت الوصيه بالجمع. (فصل) وتجوز الوصيه بما يجوز الانتفاع به من النجاسات كالسماد والزيت النجس والكلب وجلد الميته لانه يحل اقتناؤها للانتفاع بها فجاز نقل اليد فيها بالوصية، ولا يجوز بما لا يحل الانتفاع به كالخمر والخنزير والكلب العقور لانه لا يحل الانتفاع بها ولا تقر اليد عليها فلم تجز الوصيه بها. (الشرح) إذا أوصى لرجل بمعين من ماله، ولآخر بجزء مشاع منه كثلث المال وربعه فأجيز لهما، انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ثم يشارك صاحب المعين فيه فيقتسمانه بينهما على قدر حقيهما فيه، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية كمسائل العول وكما لو أوصى لرجل بماله ولاخر بجزء منه، فأما في حال الرد فان كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث مثل أن يوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال، فهى بحال الاجازة سواء إذ لا أثر للرد، وان جاوزت ثلثه رددنا وصيتهما إلى الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتهما الا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والاخر يأخذ حقه من جميع المال، وقد رجح ابن قدامه من الحنابله أنهما يقتسمان الثلث على حسب مالهما في الاجازة وهذا قول ابن أبى ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في الرد: يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الاخر

سهامه إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقى لان له السدس، وللورثة أربعة أسداس وهو مثل كلام الخرقى من الحنابلة إلا أن الخرقى يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر المعين. واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته، لان كل واحد منهما قد أوصى له بثلث المال وقد رجع إلى الوصيان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية. قال الشافعي: ولو أوصى له بالثلث من دار أو أرض فأذهب السيل ثلثيها وبقى ثلثها، فالثلث الباقي للموصى له إذا خرج من الثلث، فسوى الشافعي رضى الله عنه بين استحقاق الثلثين مشاعا وبين ذهاب ثلثيها بالسيل محوزا في أن الوصيه تكون بالثلث الباقي بعد الاستحقاق والتلف بالسيل، والذى أراه الفرق بين المسألتين من أن استحقاقه لا يمنع من إمضاء الوصية بالثلث الباقي كله وذهاب الثلثين منها للسيل يمنع ان تكون الوصية بجميع الثلث الباقي، ويوجب أن تكون الوصية بثلث الثلث الباقي، فإذا استحق ثلثيها لم يمنع أن يكون الثلث الباقي شائعا في جميعها فصحت الوصيه في جميعه، فوجبت الوصيه في ثلث ما بقى وثلث ما هلك يكون كحم الاشاعة في الجميع باقيا. ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل نصف دار جميعها بيده، ثم استحق بعد الشراء نصفها كان النصف الباقي هو المبيع منها. (فإن قيل) أفليس لو أوصى له برأس من غنمه فهلك جميعها إلا رأسا منها بقى، فإن الوصيه تتعين فيه ولا يكون الهالك وإن كان متميزا من الوصيه وغيرها فهلا كان ما هلك بالسيل كذلك. قيل الوصيه برأس من غنمه يوجب الاشاعة في كل رأس منها؟ وإنما جعل إلى الوارث أن يعينه فيما شاء من ميراثه، وليس كذلك الوصيه بثلث الدار لان الثلث شائع في جميعها فافترقا فإذا تقرر ما وصفته من مذهب الشافعي في التسوية بين الاستحقاق والتلف وما رأيته من فافترق بين الاستحقاق والتلف ففرع على ذلك ما صح به الجواب.

(فرع) إذا أوصى بشجرة مدة أو بما تثمر أبدا صحت لجواز ملك المعدوم ومن ثم لم يملك واحد من الموصى له أو الوارث إجبار الآخر على سقيها لانه لا يجبر على سقى ملكه ولا سقى ملك غيره، وإذا أراد أحدهما سقى الشجرة على وجه لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه، وإذا يبست الشجرة كان حطبها للوارث، لان الموصى له ليس له منها إلا الثمرة، وان وصى له بثمرتها سنة بعينها لم يتحمل تلك السنة فلا شئ للموصى له. وان قال: لك ثمرتها أول العام الذى تثمر فيه صح وله ثمرتها أول عام تثمر وكذلك إذا أوصى له بما تحمل شاته، وان أوصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وكان صاحب الرقبة قائما مقام الوارث وله ماله، وان وصى بلبن شاة وصوفها صح كما تصح الوصيه بثمرة الشجرة، وكذلك ان وصى بلبنها خاصة أو صوفها خاصة صح، ويقوم الموصى به دون العين. (فرع) تجوز الوصية بالمنافع فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أوصى بخدمة عبده أو بغلة داره وثمرة بستانه والثلث يحتمله جاز ذلك اه. قلت: ان الوصايا بمنافع الاعيان جائزة كالوصايا بالاعيان لانه لما صح عقد الاجارة عليها صح بالاولى الوصيه بها، وسواء قدرت بمدة أو جعلت مؤبدة، وقال ابن أبى ليلى: ان قدرت بمدة تصح فيها الاجارة صحت، وان لم تقدر بمدة تصح فيها الاجارة بطلت، حملا للوصية على الاجارة. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء إلى جواز الوصية بها على التأبيد بخلاف الاجارة لان الو صايا تجوز مع الجهالة فإذا صح جوازها مقدرة ومؤبدة فقد ذكر الشافعي رضى الله عنه الوصيه بخدمة العبد وغلة الدار وثمرة البستان، فأما الوصية بخدمة العبد فله أن يؤاجره وله أن يستخدمه كما يجوز له أن يوصى لفلان بفرسه ولآخر بركوبها فيكون لاحدهما عينها وللآخر منفعتها عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فرع) الوصيه بالميته جائزة لانه قد يدبغ جلدها ويطعم بزاته لحمها، وكذلك الوصيه بالروث والزبل، لانه قد ينتفع به في تسميد الارض واخصابها للغرس والزرع، ولاشك أن الشرع الحكيم بسماحته واحاطته بمصالح البشر لم يقف من

النجاسات موقف العداء المطلق، فإنه متى ثبت أن لها فائدة ما في حياة الناس فلا بد أن تقتنص هذه الفائدة، وإننا في عصر تقدمت فيه العلوم الكيمياوئية حتى صنعت المواد السمادية من الهواء، فإنه يكثف بأجهرة التكثيف وستخرج منه أثقل الاجسام صلابه وثقلا كسلفات النشادر، ومع التطور العظيم في علوم الكيمياء والاسمدة، فان الاجماع بين المتخصصين منعقد على أن أعلى أنواع السماد وأسلمها للارض وأعظمها إخصابا للتربه هو الاسمدة العضوية كالروث والبراز الحيوانى والآدمي لهذا أجاز الوصية بكل نافع ولو كان نجسا. أما الوصية بالخمر والخنيزير والكلب العقور فباطله، لان الانتفاع بها محرم فلو انه اوصى بجرة فيها خمر قال الشافعي رضى الله عنه: اريق الخمر ودفعت إليه الجرة، لان الجرة مباحة والخمر حرام. فاما الوصية بالحيات والعقارب وحشرات الارض والسباع والذئاب فباطله لانه لا منفعة فيهجميعا. فأما الوصية بالفيل فان كان منتفعا به فجائر لجواز ان يبيعه ويقوم في التركة ويعتبر من الثلث، وإن كان غير منتفع به فالوصيه باطلة. فأما الفهد والنمر والشاهين والصقر فالوصيه بذلك جائزة لانها جوارح ينتفع بها للصيد وتقوم في التركة لجواز بيعها وتعتبر في الثلث، وأما الوصية بما تصيده الكلاب فباطلة لان الصيد لمن صاده قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويجوز تعليق لوصية على شرط في الحياة لانها تجوز في المجهول فجاز تعليقها بالشرط كالطلاق والعتاق، ويجوز تعليقها على شرط بعد الموت لان ما بعد الموت في الوصية كحال الحياة، فإذا جاز تعليقها على شرط في الحياة جاز بعد الموت. (فصل) وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء لزمت بالموت لانه لا يمكن اعتبار القبول فلم يعتبر، وإن كانت لمعين لم تلزم إلا بالقبول لانه تمليك لمعين

فلم يلزم من غير قبول كالبيع، ولا يصح القبول إلا بعد الموت، لان الايجاب بعد الموت فكان القبول بعده. فان قبل حكم له بالملك. وفى وقت الملك قولان منصوصان. (أحدهما) تمليك بالموت والقبول، لانه تمليك يفتقر إلى القبول فلم يقع الملك قبله كالهبة. (والثانى) أنه موقوف، فان قبل حكمنا بأنه ملك من حين الموت، لانه لا يجوز أن يكون للموصى لان الميت لا يملك، ولا يجوز أن يكون للوارث لان الوارث لا يملك إلا بعد الدين والوصية، ولا يجوز أن يكون للموصى له لانه لو انتقل إليه لم يملك رده كالميراث، فثبت أنه موقوف. وروى ابن عبد الحكم قولا ثالثا أنه يملك بالموت ووجهه أنه مال مستحق بالموت فانتقل به كالميراث. (فصل) وإن رد نظرت، فان كان في حياة الموصى لم يصح الرد لانه لا حق له في حياته فلم يملك اسقاطه كالشفيع إذا عفا عن الشفعه قبل البيع، وان رد بعد الموت وقبل القبول صح الرد لانه يثبت له الحق فملك اسقاطه كالشفيع إذا عفا عن الشفعه بعد البيع وان رد بعد القبول وقبل القبض ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الرد لانه ملكه ملكا تاما فلم يصح رده، كما لو قبضه (والثانى) أنه يصح الرد، وهو المنصوص لانه تمليك من جهة الآدمى من غير بدل فصح رده قبل القبض كالوقف، وان لم يقبل ولم يرد كان للورثه المطالبة بالقبول أو الرد، فان امتنع من القبول والرد حكم عليه بالرد، لان الملك متردد بينه وبين الورثة، كما لو تحجر أرضا فامتنع من احيائها أو وقف في مشرعة ماء فلم يأخذ ولم ينصرف. (فصل) وان مات الموص له قبل الموصى بطلت الوصيه ولا يقوم وارثه مقامه لانه مات قبل استحقاق الوصية، وان مات بعد موته وقبل القبول قام وارثه مقامه في القبول والرد لانه خيار ثابت في تملك المال، فقام الوراث مقامه كخيار الشفعه.

(الشرح) تصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين أو لفلان، والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضى هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين، فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البدة ثم مات بعد ذلك فليس له وصية، وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأى. وقال مالك: إن قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك، وإن كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فوصيته بحالها ما لم ينقضها. ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت: كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله، ولانه قيد وصينه بقيد فلا يتعداه كما ذكرنا، وإن قال لاحد عبديه: أنت حر بعد موتى، وقال للآخر: أنت حر إن مت في مرضى هذا فمات في مرضه فالعبدان سواء في التدبير. وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقى تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال: ان مت قبلى فهو لعمرو وصحت وصيته على حسب ما شرطه له، وكذلك في سائر الشروط فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْمُسْلِمُونَ على شروطهم) . (فرع) ولا يملك الموصى له الوصيه الا بالقبول في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه لانه تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين، فاعتبر قبوله كالهبة والبيع، فأما ان كانت لغيره معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم كبنى هاشم وتميم أو على مصلحة كمسجد ومستشفى ومدرسة أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لان اعتبار القبول من جميعهم متعذر، فيسقط اعتباره كالوقف عليهم، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله، وذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصى به مثل ان يوصى بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه، ولان الملك لا يثبت الموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما ثبت لكل واحد منهم بالفيض فيقوم قبضه مقام قبوله. اما الادمى المعين فيثبت له الملك فيعتبر قبلوله لكن لا يعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه من الاخذ والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع

فإذا ثبت هذا: فان الوصية تشتمل على أمرين. أحدهما: العطية، والثانى الولاية، فاما العطية فهو ما يوصى به الرجل من أمواله لمن أحب، فالوقت الذى يصح فيه قبول ذلك ودره بعد موت الموصى، فان قبل أو رد بعد موته صح، وكان على ما مضى من حكم القبول والرد، فأما في حياة الموصى فلم يصح قبوله ولا رده. وقال أبو حنيفة: يصح الرد ولا يصح القبول، لان الرد أوسع حكما من القبول، وهذا فاسد لامور، منها ان الرد في مقابلة القبول لانهما معا يرجعان إلى الوصية، فلما امتنع أن يكون ما قبل الموت زمانا للقبول، امتنع أن يكون زمانا للرد وصار كزمان ما قبل الوصية الذى لا يصح فيه قبول ولا رد، وعكسه ما بعد الموت لما صح فيه القبول صح فيه الرد، ومنها ان الرد في حال الحياة عرف، وقيل: وقت الاستحقاق، فجرى مجرى العفو عن القصاص قبل وجوبه، وعن الشفعة قبل استحقاقها، ومنها انه قبل الموت مردود عن الوصية فلم يكن رده لها مخالفا لحكمها. وأما الوصية بالولاية على مال طفل أو تفريق ثلثه أو تنفيذ وصية فيصح قبولها وردها في حياة الموصى وبعد موته بخلاف وصايا العطايا، وكان قبوله في حياة العاقد أصح، وذلك عطية تقبل في زمان التمليك، ولو رد الوصية في حياة الموصى لم يكن له قبلوها بعد موته ولا في حياته، ولو قبلها في حياة الموصى صحت وكان له المقام عليها إن شاء والخروج منها إذا شاء في حياة الموصى وبعد موته. وقال أبو حنيفة. ليس له الخروج من الوصية بعد موت الموصى، ويجوز له الخروج منها في حياته إذا كان حاضرا، وان غاب لم يجز وهذا فاسد من وجهين (أحدهما) ان ما كان لازما من العقود استوى حكمه في الحياة وبعد الموت وما كان غير لازم بطل، فالموت والوصيه ان خرجت عن أحدهما صارت أصلا يفتقر إلى دليل (والثانى) لو كان حضور إلى شرطا في الخروج من الوصية لكان رضاه معتبرا، وفى اجماعهم على ان رضاه، وان كان حاضرا غير معتبر دليل على ان الحضور غير معتبر، ولا يخلو إذا رد الوصيه من خمسة أحوال،

أ - أن يردها قبل موت الموصى، فلا يصح الرد لعدم وقوع الوصية فأشبه رد المبيع قبل ايجاب البيع، ولانه ليس بمحل للقبول فلا يكون محلا للرد كما قبل الوصية ب - أن يردها بعد الموت وقبل القبول، فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لانه أسقط حقه في حال يملك قبوله واخذه فاشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع. ج - ان يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لان ملكه قد استقر فأشبه رده لسائر ملكه الا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة. د - ان يرد بعد القبول وقبل القبض وفيه وجهان (أحدهما) يصح الرد لانهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض، ولان ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض فصح رده كما قبل القبول (والثانى) لا يصح الرد لان الملك يحصل بالقبول من غير قبض. هـ - ان يمتنع عن القبول والرد وهذا يكون حكمه حكم الرد، لان الملك متردد بينه وبين الورثة، ومثاله من تحجر أرضا ثم امتنع من إحيائها. أو وقف على جدول ماء فلم ياخذ ولم ينصرف وعطل مرور الماء على من ينتفعون به لارواء إنسان أو حيوان أو نبات، وفرق الحنابلة في (ج) بين المكيل والموزون وغيرهما وقد اختلف اصحابنا فيما قبل القبول وبعد الموت متى يحصل ملك الوصية للموصى له، وهل تكون باقية على ملك الموصى أو داخلة في ملك الورثة على وجهين. أحدهما وهو قول ابن سريج وأكثر البصريين ان ملك الوصية منتقل عن الميت إلى ورثته ثم بالقبول تدخل في ملك الموصى له لزوال ملك الموصى بالموت. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وأكثر البغداديين أن الوصيه باقية على ملك الموصى بعد موته حتى يقبلها الموصى له فتدخل في ملكه بقبوله وتنتقل إليه عن الموصى لان الوصية تملك عنه كالميراث، ووجه هذا القول أن الوصية تملك بالقبول فلم يجز أن يتقدم الملك على قبولها كالهبات. قال الشافعي: وهذا قول ينكسر، والقول الثاني وهو أصحها أن القبول يدل على حصول الملك بالموت فيكون الملك موقوفا مراعى، فان قبل دل على تقدم ملكه، وان لم يقبل دل على عدم ملكه، ووجه هذا القول انه لما امتنع ان يبقى للميت ملك وان الوارصث لا يملك الارث اقتضى أن يكون الملك موقوفا على

قبول الموصى له ورده، وحقه في القبول باق ما لم يعلم، فإذا علم فان كان عند انفاذ الوصايا وقسمة التركة فقبوله على الفور، فان قبل والا بطل حقه في الوصية، فاما بعد علمه وقبل انفاذا الوصايا وقسمة التركة، فمذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه أن القول فيه على التراخي لاعلى الفور فيكون ممتدا ما لم يصرح بالرد حتى تنفذ الوصايا وتقسم التركة، وحكى أبو القاسم بن كج عن بعض أصحابنا ان القبول بعد علمه على الفور لانها عطيه كالهبات، وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي قولا ثالثا ان الوصية تدخل في ملك الموصى له بغير قبول ولا اختيار كالميراث، فاختلف أصحابنا في تخرجه قولا ثالثا للشافعي فخرجه أبو على بن أبى هريرة وأكثر متأخرى المتقدمين من أصحابنا قولا ثالثا تعليلا بالميراث، وامتنع أبو اسحاق المروزى واكثر قدامى المتقدمين من أصحابنا من تخريجه قولا ثالثا، وتأولوا رواية ابن عبد الحكم بأحد تأويلين، إما حكاية عن مذهب غيره، وإما على معنى أن بالقبول يعلم دخولها بالموت في ملكه، وفى طبيعة الوصية والفرق بينها وبين الميراث بأن الميراث عطية من الله تعالى فلم يراع فيه القبول، والوصية عطية من آدمى فروعي فيها القبول (فرع) قال الشافعي: ولو مات قبل أن يقبل أو بعد موته، فإن مات الموصى له في حياة الموصى فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الوصية له قد بطلت وليس لوارثه قبولها بعد موت الموصى. وحكى عن الحسن البصري أن الوصية لا تبطل بموته، ولورثته قبولها. قال الماوردى: وهذا فاسد من وجهين، أن الوصية في غير حياة الموصى غير لازمة، وما ليس بلازم من العقود يبطل بالموت، ولان الوصية له لا لورثته، وهو لا يملك الوصيه في حياة الموصى. وإن مات الموصى له بعد موت الموصى لم يخل حال الموصى له قبل موته من ثلاثة أحوال، أحدها: أن يكون قد قبلها قبل موته وبعد موت الموصى فقد بطلت برده وليس لوارثه قبولها بعد موته إجماعا. والحال الثانية: أن يكون قد قبلها قبل موته وبعد موت الموصى فقد ملكها أو انتقلت بموته إلى وارثه، وسواء

قبضها الموصى له في حياته أم لا، لان القبض ليس بشرط في تملك الوصيه، والحال الثالثة: أن يموت قبل قبوله ورده فعلى مذهب الشافعي يقوم وارثه مقامه في القبول والرد ولا تبطل الوصية بموته قبل القبول. وقال أبو حنيفة: إذا مات قبل القبول بطلت الوصية له كالهبة، وهذا فاسد، لان ما استحقه في التركة لم يسقط بالموت كالدين، ولان كل سبب استحق به تملك عين بغير اختيار مالكها لم تبطل بموته قبل تملكها كالرد بالعيب، وفارقت الوصية الهبة من حيث إن الهبة قبل القبض غير لازمة فجاز أن تبطل بموت الموصى له قبل القبول لازمة فلم تبطل بالموت، فإذا ثبت أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له قبل الرد والقبول فورثته يقومون مقامه في القبو والرد، ولهم ثلاثة أحوال، حال يقبل جميعهم الوصية، وحال يرد جميعهم الوصية، وحال يقبلها بعضهم ويردها بعضهم، فإن قبلوها جميعا فعلى القول الذى يجعل القبول دالا على عدم الملك بالموت، فالمالك للوصية بقبول الورثة هو الموصى له لا الورثة. فأما على القول الذى يجعل القبلو ملكا، فقد اختلف أصحابنا هل تدخل الوصيه في ملك الموصى له بقبول ورثته أَمْ لَا، عَلَى وَجْهَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبى المرووذى: أن الوصيه يملكها الورثة دون الموصى له لحدوث الملك بقبولهم. (والوجه الثاني) وهو الظاهر من المذهب، وبه قال أكثر البصريين وحكاه أبو القاسم بن كج عن شيوخه أن الوصيه يملكها الموصى له بقبول ورثته، وان كان القبول مملكا، لانها لو لم تدخل في ملكه لبطلت، لان الورثة غير موصى لهم، فلم يجز أن يملك الوصيه من لم يوصى له، ولو رد الورثة بأجمعهم الوصية بطلت بردهم لها، والله أعلم وهو الموفق للصواب.

باب ما يعتبر من الثلث

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ مَا يعتبر من الثلث ما وصى به من التبرعات كالعتق والهبة والصدقة والمحاباة في البيع يعتبر من الثلث، سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض، أو بعضها في لصحة وبعضها في المرض، لان الزوم الجميع عند الموت، فأما الواجبات من ديون الآدميين وحقوق الله تعالى كالحج والزكاة فإنه إن لم يوص بها وتجب قضاؤها من رأس المال دون الثلث، لانه إنما منع من الزيادة على الثلث لحق الورثة، ولا حق للورثة مع الديون، فلم تعتبر من الثلث وإن وصى أن يؤدى ذلك من الثلث اعتبر من الثلث، لانها في الاصل من رأس المال فلما جعلها من الثلث علم أنه قصد التوفير على الورثة فاعترت من الثلث، وإن وصى بها ولم يقل إنها من الثلث، ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه تعتبر من الثلث وهو ظاهر النص، لانها من رأس المال، فلما وصى بها علم أنه قصد أن يجعلها من جملة الوصايا فجعل سبيلها سبيل الوصايا. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه إن لم يقرن بها ما يعتبر من الثلث اعتبر من رأس المال، وان قرن بها ما يعتبر من الثلث اعتبر من الثلث، لانها في الاصل من رأس المال، فإذا عريت عن القرينة بقيت على أصلها، وان قرن بها ما يعتبر من الثلث علم أنه قصد أن يكون مصرفهما واحدا. (والثالث) أنه تعتبر من رأس المال وهو الصحيح. لانها في الاصل من رأس المال والوصية بها تقتضي التأكيد والتذكار بها، والقرينة تقتضي التسوية بينهما في الفعل، لا في السبيل، فبقيت على أصلها. (فصل) وأما ما تبرع به في حياته ينظر فيه فإن كان في حال الصحة لم يعتبر من الثلث لانه مطلق التصرف في ماله لا حق لاحد في ماله فاعتبر من رأس المال، وان كان ذلك في مرض غير مخوف لم يعتبر من الثلث، لان الانسان لا يخلو من عوارض فكان حكمه حكم الصحيح، وان كان ذكك في مرض مخوف

واتصل به الموت اعتبر من الثلث، لما روى عمران ابن الحصين (أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ للرجل قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم فأفرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، ولانه في هذا الحالة لا يأمن الموت فجعل كحال الموت، وإن برئ من المرض لم يعتبر من الثلث لانه قد بان أنه لم يكن في ماله حق أحد، وان وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث لانه لم يلزم الا بالقبض وقد وجد ذلك منه في المرض. (فصل) وان باع في المرض بثمن المثل أو تزوج امرأة بمهر المثل صح العقد ولم يعتبر العوض من الثلث لانه ليس بوصية، لان الوصية أن يخرج ولم يخرج ههنا شيئا من غير عوض وان كاتب عبدا اعتبر من الثلث، لان ما يأخذ من العوض من كسب عبده وهو مال له فيصير كالعتق بغير عوض. وان وهب له من يعتق عليه في المرض المخوف فقبله اعتبر عتقه من الثلث فإذا مات لم يرثه. وقال أبو العباس: يعتبر عتقه من رأس المال ويرثه، لانه ليس بوصية، لانه لم يخرج من ملكه شيئا بغير عوض، والمذهب الاول، لانه ملكه بالقبول وعتق عليه، والعتق في المرض وصية، والميراث والوصيه لا يجتمعان، فلو ورثناه بطل عتقه، وإذا بطل العتق بطل الارث فأثبتنا العتق وأبطلنا الارث (فصل) والمرض المخوف كالطاعون والقولنج وذات الجنب والرعاف الدائم والاسهال المتواتر، وقيام الدم والسل في انتهائه، والفالج الحادث في ابتدائه، والحمى المطبقه، لان هذه الامراض لا يؤمن معها معاجلة الموت فجعل كحال الموت. فأما غير المخوف فهو كالجرب ووجع الضرس والصداع اليسير وحمى يوم أو يومين، واسهال يوم أو يومين من غير دم، والسل قبل انتهائه، والفالج إذا طال، لان هذه الامراض يؤمن معها معالجة الموت فإذا اتصل بها الموت علم أنه لم يكن موته من هذه الامراض، وان أشكل شئ من هذه الامراض رجع فيه إلى نفسين من أطباء المسلمين، ولا يقبل فيه قول الكافر، وان ضرب الحامل الطلق

فهو مخوف لانه منه الموت، وفيه قول آخر انه مخوف لان السلامة منه أكثر (الشرح) حديث عمران بن حصين رواه أحمد ومسلم وأصحاب الاربعة بلفظ المصنف، وفى رواية لاحمد (أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة له فجاء ورثته من الاعراب، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع. قال أو فعل ذلك لو علمنا ان شاء الله ما صلينا، فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعه) ورواه أحمد وأبو داود عن أبى زيد الانصاري (أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأعتق اثنين وأرق أربعه) وفى رواية أبى داود (لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين) وهذا النص تفسير للقول الشديد الذى أبهم في رواية عمران، وفيه تغليض وذم بالغان، لان الله تعالى لم يأذن للمريض بالتصرف الا بالثلث، فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفا لحكمه تعالى ومشابها لمن وهب غير ماله: والحديثان يدلان على أن تصرفات المريض انما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال، ولم تضف إلى بعد الموت، وقد أسلفنا القول بالاجماع على عدم جواز الوصيه بأكثر من الثلث لمن كان له وارث، على أن التنجيز حال المرض المخوف حكمه حكم الوصيه. واختلف الفقهاء هل تعتبر الثلث من التركة حال الوصيه أو حال الموت، وهما وجهان لاصحابنا أصحهما الموت، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وهو قول على كرم الله وجهه وجماعة من التابعين، وقال بحال الوصية مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز، وتمسكوا بأن الوصيه عقد والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقا، وأجيب بأن الوصيه ليست عقدا من كل وجه، ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصيه بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصيه، واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال، أو يتقيد بما علمه الموصى دون ما خفى عليه أو تجدد له ولم يعلم به وبالاول قال الجمهور وبالثانى قال مالك، وحجه الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصيه اتفاقا، ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك.

والكلام على الاحكام أن ما وصى به من التبرعات والهبات والصدقات والمحاباة في البيع بأن يكون المبيع مقوما بعشرة فيوصى ببيعه بخمسة مثلا بعد موته، فإن الخمسة الباقية وهى قدر المحاباة تحسب من الثلث الذى أجاز الله له التصرف فيه بالوصية سواء وقعت الوصية في حال الصحة أم في حال المرض وكذلك إن أسقط عن وارثه دينا أو أوصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال فهو كالوصية. وإن عفا عن القصاص وقلنا: الواجب القصاص عينا سقط إلى غير بدل وإن قلنا: الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال، وإن عفا عن حد القذف سقط مطلقا، وان وصى الغريم وارثه صحت الوصية، وكذلك إن وهب له، وبهذا قال أحمد والشافعي وأبو حنيفة. وقال أبو يوسف: هو وصية للوارث، لان الوارث ينتفع بهذه الوصية وتستوفى ديونه منها. ولنا أنه وصى لاجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الاحسان إلى وارثه، وإن وصى لوالد وارثه صح، فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى. قال طاوس في قوله تعالى: فمن خاف من موص جنفا، قال أن يوصى لولد ابنته وهو يريد نفع ابنته (فرع) قال الشافعي: ويجوز نكاح المريض. قلت: إذا تزوج إمرأة صح نكاحها ولها الميراث والصداق إن لم يزد على صداق مثلها، فإن زاد ردت الزيادة إن كانت وارثة، وأمضيت ان كانت غير وارثة وهكذا المريضة إذا نكحت رجلا صح نكاحها وورثها الزوج، وعليه صداقتها إن كان مهر المثل فما زاد، فإن نكحته بأقل من صداق مثلها، فالمحاباة بالنقصان وصية له فترد إن كان الزوج وارثا وتمضى في الثلث ان كان غير وارث. وقال مالك: نكاح المريض فاسد لا يستحق به ميراثا. ولا يجب فيه صداق الا أن يكون راضيا به، فيلزمه مهر المثل من الثلث مقدم على الوصايا، وكذلك نكاح المريض فاسد ولا ميراث للزوجة. وقال ابن أبى ليلى: النكاح في المرض جائز والميراث من الثلث.

وقال ابن أبى هريرة: النكاح في المرض جائز ولا ميراث. وقال الحسن البصري: ان ظهر منه الاضرار في تزويجه لم يجز، وان لم يضهر منه الاضرار، وظهر منه الحاجة إليه في خدمة أو غيرها جاز. ودليلنا عموم قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولم يفرق بين صحيح ومريض، وقال معاذ بن جبل في مرضه: زوجوني حتى لا ألقى الله عزبا. وقال عبد الله بن مسعود: لو لم يبق من أجلى الا عشرة أيام ما أوجبت الا أن يكون لى زوجة، وروى هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير رضى الله عنه دخل على قدامة يعوده فبشر عنده بجارية فقال قدامة زوجوني بها فقال: ما تصنع بها وأنت على هذه الحال، فقال ان أنا عشت نسبت الزبير، وان مت فهم أحق من يرثنى، ولانه فراش لا يمنع منه الصحيح فوجب أن لا يمنع منه المريض، ولانه عقد فلم يمنع منه المرض كالبيع والشراء، ولانه لا يخلو عمله أن يكون لحاجة أو شهوة، فإن كان لحاجة لم يجز منعه، وان كان لشهوة فهى مباحة له كما أبيح له أن يلتذ بما شاء من أكل أو لبس. فإذا ثبت اباحة النكاح في المرض فله أن يتزوج ما أباحه الله تعالى من واحدة إلى أربع كهو في الصحة ولهن الميراث ان مات من ذلك المرض أو غيره. وأما الصداق فإن كان أمهرهن صداق أمثالهن فلهن الصداق مع الميراث، وان كانت عليه ديون شاركن الغرماء في التركة وضربن معهم بالحصص، وان تزوجهن أو واحدة منهن بأكثر من صداق مثلها كانت الزيادة على صداق المثل وصيه في الثلث فإن كانت الزوجة وارثة ردت الوصية لانه لا وصية لوارث، وان كانت غير وارثه لرق أو كفر دفعت الزيادة إليها ان احتملها الثلث، أو ما احتمله منها يتقدم على الوصايا كلها لانها عطية في الحياة، وهكذا لو كانت الزوجه حرة مسلمه فماتت قبله صحت لها الزيادة ان احتملها الثلث لانها بالموت قبله غير وارثه فلو كانت حين نكاحها في المرض أمة أو ذميه فأعتقت الامه أو أسلمت الذميه صارت وارثه ومنعت من الزيادة على صداق مثلها، ولو صح المريض من مرضه ثم مات من غيره أو لم يمت صحت الزيادة على صداق المثل من رأس المال لوارثه

وغير وارثه، فعلى هذا لو تزوج في مرضه على صداق ألف درهم وصداق مثلها خمسمائة ومات ولا مال له غير الالف التى هي صداقها أعيت من الالف ستمائة وستة وستين درهما وثلثا، لان لها خمسمائة من المال، وتبقى خمسمائة هي جميع التركة وهى وصية لها فأعطيت ثلثها وذلك مائة درهم وستة وستون درهما وثلث درهم تأخذها مع صداق مثلها، ولو خلف مع الصداق خمسمائة صارت التركة بعد صداق المثل ألف درهم فلها ثلثها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث، ولو خلف مع الصداق ألف درهم خرجت الزيادة على صداق المثل من الثلث وأخذت الالف كلها. إذا ثبت هذا: فإن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقه والوقف والابراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبه للمال إذا كانت هذه كلها في الصحه فهى من رأس المال لا نعلم في هذا خلافا، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهى من ثلث المال في قول جمهور العلماء. وحكى عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال، وليس بصحيح لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم) رواه ابن ماجه وغيره، وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث، وقد أسلفنا القول في بسط ما يكون من رأس المال وما يكون من الثلث فاسدد به يديك. وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم في خمسه أشياء. (أحدها) أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة. (الثاني) أنها لا تصح لوارث إلا بإجارة بقيه الورثة. (الثالث) أن فضيلتها ناقصه عن فضيلة الصدقة في الصحه. (الرابع) أن يزاحم بها الوصايا في الثلث. (الخامس) أن خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده، ويفارق الوصيه في ستة أشياء. أحدها: أنها لازمه في حق المعطى ليس له الرجوع فيها وان كثرت، ولان

المنع على الزيادة من الثلث إنما كان لحق الورثة لا لحقه فلم يملك إجازتها ولا ردها، وإنما كان له الرجوع في الوصية لان التبرع بها مشروط بالموت فلم يملك إجازتها ولا ردها، وإنما كان له الرجوع في الوصية، لان التبرع مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية بخلاف العطية في المرض، فانه قد وجدت العطية منه والقبول من المعطى والقبض فلزمت الوصية إذا قبلت بعد الموت وقبضت. (الثاني) أن قبولها على الفور في حال حياة المعطى وكذلك ردها. والوصايا لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بالموت. فتعتبر شروطه وقت وجوده والوصية تبرع بعد الموت فتعتبر شروطه بعد الموت (الثالث) أن العطية تفتقر إلى شروطها المشروطة لها في الصحة من العلم وكونها لا يصح تعليقها على شرط وغرر في غير العتق، والوصية بخلافه (الرابع) أنها تقدم على الوصية. وهذا قول أحمد والشافعي وجمهور العلماء، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر إلا في العتق فانه حكى عنهم تقديمه، لان العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسرى وقفه وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه (الخامس) العطايا إذا عجز العتق عن جميعها بدئ بالاول فالاول سواء كان الاول عتيقا أو غيره وبهذا قال أحمد والشافعي. وقال أبو حنيفة رضى الله عنه: الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد. وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت وان تأخرت سوى بينها وبين العتق. وإنما كان كذلك لان المحاباة حق آدمى على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين، وإذا تساوى جنسها سواى بينها لانها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد: يقدم العتق تقدم أو تأخر. (السادس) أن الواهب إذا مات قبل القبض للهبة المنجزة كانت الخيرة للورثة ان شاء واقبضوا وان شاء وامنعوا، والوصية تلزم بالقبول بعد الموت بغير رضاهم، وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه واسقاطه كأرش الجناية وما عاوض عليه بثمن المثل. وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافا، وهذا عند الشافعي وأصحاب الرأى وأحمد بن حنبل، وكذلك النكاح بمهر المثل جائز من رأس المال لانه صرف لماله حاجة في نفسه

فيقدم بذلك على وارثه. ويعتبر في المريض الذى هذه أحكامه شرطان أحدهما: أن يتصل بمرضه الموت ولو صح في مرضه الذى أعطى فيه ثم مات بعد ذلك فحكم عطيته حكم عطية الصحيح، لانه ليس بمرض الموت. (الثاني) أن يكون مخوفا، والامراض على ثلاثة أقسام غير مخوف كوجع الضرس والعين والاطراف والصداع وارتفاع الحرارة الطارئ فهذا حكمه حكم الصحيح لانه لا يخاف منه في العادة. (والثانى) الامراض المزمنة كالجذام والربو والفالج والذبحة الصدرية والسل فهذا الضرب ان أضنى صاحبه على فراشه فهو مخوف، وقال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأحمد: ان وصية المجذوم والمفلوج من الثلث لانه محمول على أنهما صاحبي فراش، ومذهب الشافعي. أنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وان كان لا يبرأ فهو كالهرم لا سيما الفالج إذا أزمن (الثالث) من تحقق تعجيل موته فينظر فيه فان كان عقله قد اختل مثل نزيف المخ أو الحمى الشوكية أما من اشتد مرضه وصح عقله صح تبرعه عند أصحاب أحمد، وجمله ما مضى أن العطايا في المرض مقدمة على الوصايا إذا ضاق الثلث عنها لان تلك ناجزة وهذه موقوفة، فلو ضاق الثلث عن العطايا للمريض قدم الاسبق فالاسبق، ولو ضاق الثلث عن الوصايا لم يقدم الاسبق لان عطايا المرض تملك بالقبض المترتب فثبت حكم المتقدم. والوصايا كلها تملك بالموت فاستوى حكم المتقدم والمتأخر إلا أن يرتبها المريض فتمضى على ترتيبه ما لم يتخلل الوصايا عتق، فان تخللها عتق فان كان واجبا في كفارة أو نذر قدم على وصايا التطوع، وان كان تطوفا ففيه قولان أحدهما أن العتق مقدم على جميع الوصايا لقوته بالبراءة في غير الملك وبه قال من الصحابة ابن عمر ومن التابعين شريح والحسن ومن الفقهاء مالك والشورى، والقول الثاني أن العتق والوصايا كلها سواء في مزاحمة الثلث لان جميعها تطوع، وبه قال من التابعين ابن سيرين والشعبى ومن الفقهاء أبو ثور، على أن المريض مرض الموت إذا أشكل أمره رجع في ذلك إلى طبيبين مسلمين، لان الامراض في زماننا هذا قد تشعبت أصنافها وتعددت اختصاصات العالمين من الاطباء بها، فقد يكون المرض في رأى أحدهم

مخالف لرأى الآخر، فإذا اجتمعا وتشاورا أمكن اتفاقهما على حكم يؤخذ في الوصية به. ويا حبذا لو تفقه أطباء المسلمين في أحكام الدين المتصلة بعلمهم ومهنتهم إذن لكانت منهم أمه هاديه ناصحه راشدة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان في الحرب وقد التحمت طائفتان متكافئتان، أو كان في البحر وتموج، أو في كفار يرون قتل الاسارى، أو قدم للقتل في المحاربة، أو الرجم في الزنا، ففيه قولان. (أحدهما) أنه كالمرض المخوف يعتبر تبرعاته فيه من الثلث، لانه لا يأمن الموت كما لا يأمن في المرض المخوف (والثانى) أنه كالصحيح لانه لم يحدث في جسمه ما يخاف منه الموت فإن قدم لقتل القصاص فالمنصوص إنه لا تعتبر عطيته من الثلث ما لم يجرح. واختلف أصحابنا فيه على طريقين، فقال أبو إسحاق: هي على قولين قياسا على الاسير في يد كفار يرون قتل الاسارى، ومن أصحابنا من قال: لا تعتبر عطيته من الثلث لانه غير مخوف لان الغالب من حال المسلم أنه إذا قدر رحم وعفا، فصار كالاسير في يد من لا يرى قتل الاسارى. (الشرح) الاحكام: يحصل التخويف يغير ما ذكرناه في مواضع خمسة تقوم مقام المرض. 1 - إذا التحم الجيشان واختلط الفريقان في القتال وكانت كل فرقة متكافئة للاخرى أو مقهورة أمامها، فأما الفئة الغالبة منهما فليست حائفة بعد ظهورها، وكذلك إذا لم يلتحما بل كانت كل منهما متميزة، سواء كان بينهما تبادل بالرماية أو لم يكن فليست هذه بحالة خوف، ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو مفترقتين فعن الشافعي رضى الله عنه قولان. أحدهما: هذا، وبه قال مالك والاوزاعي والثوري، وأحمد، ونحوه عن مكحول، والثانى: ليس بخوف. ليس بمريض.

2 - إذا قدم ليقتل قصاصا أو غيره أو كمن قدم ليرجم في حد الزنا فقولان أيضا. أحدهما: أنه مخوف. والثانى: إن حرج فهو مخوف، وإلا فلا، لانه صحيح البدن، والظاهر العفو عنه، وبالاول قال أحمد، لان التهديد بالقتل جعل إكراها يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع، ويبيح كثيرا من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الاحكام. 3 - إذا ركب البحر، فإن كان ساكنا فليس بمخوف، وإن تموج واضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف، فإن الله تعالى وصفهم بشدة الخوف بقوله تعالى (هو الذى يسيركم في البحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذة لنكونن من الشاكرين) . 4 - الاسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا. وهذا أحد قولى الشافعي، وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن أبى ليلى وأحمد بن حنبل. وقال الحسن: لما حبس الحجاج إياس ليس له من ماله إلا الثلث، وقال القاضى أبو بكر: عطية الاسير من الثلث، ولم يفرق، وبه قال الزهري والثوري وإسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد. وقال الشعبى ومال: الغازى عطيته من الثلث. وقال مسروق: إذا وضع رجله في الغرز. وقال الاوزاعي: المحصور في سبيل الله والمحبس ينتظر القتل أو تفقأ عيناه هو في ثلثه، والصحيح إن شاء الله ما ذكرنا من التفضيل، لان مجرد الحبس والاسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز إلحاقه به، وإذا كان المريض الذى لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى. هذا إذا كان مأسورا لطائفة من المسلمين فإن المذهب أنه ليس مخوفا، لان المسلمين لا يقتلون أسراهم من الكفار إلا بشروط فما بالك إذا كان الاسير مسلما 5 - وقوع الطاعون في بلد فعن أحمد أنه مخوف، والمذهب عندنا أنه ليس بمرض، وإنما يخالف المرض والله تعالى أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن عجز الثلث عن التبرعات لم يخل إما أن يكون في التبرعات المنجزة في المرض أو في الوصايا، فإن كان في التبرعات المنجزة في المرض، فإن كانت في وقت واحد نظرت، فان كانت هبات أو محاباة قسم الثلث بين الجميع لتساويهما في اللزوم، فان كانت متفاضلة المقدار قسم الثلث عليها على التفاضل، وإن كانت متساوية قسم بينها على التساوى كما يفعل في الديون ن وإن كان عتقا في عبيد أقرع بينهم لما ذكرناه من حديث عمران بن الحصين، ولان القصد من العتق تكميل الاحكام، ولا يحصل ذلك إلا بما ذكرناه، فان وقعت متفرقة قدم الاول فالاول عتقا كان أو غيره، لان الاول سبق فاستحق به الثلث فلم يجز إسقاطه بما بعده، فان كان له عبدان سالم وغانم فقال لسالم إن أعتقت غانما فأنت حر، ثم أعتق غانما قدم عتق غانم لان عتقه سابق. فان قال ان أعتقت غانما فأنت حر حال عتق غانم ثم أعتق غانما فقد قال بعض أصحابنا: يعتق غانم، لان عتقه غير متعلق بعتق غيره، وعتق سالم متعلق بعتق غيره، فإذا أعتقناهما في وقت واحد احتجنا أن نقرع بينهما فربما خرجت القرعة على سالم فيبطل عتق غانم، وإذا بطل عتقه بطل عتق سالم فيؤدى إثباته إلى نفيه فسقط ويبقى عتق غانم لانه أصل، ويحتمل عندي أن لا يعتق واحد منهما، لانه جعل عتقهما في وقت واحد، ولا يمكن أن يقرع بينهما لما ذكرناه، ولا يمكن تقديم عتق أحدهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر بالسبق فوجب أن يسقطا وإن كانت التبرعات وصايا وعجز الثلث عنها لم يقدم بعضها على بعض بالسبق لان ما تقدم وما تأخر يلزم في وقت واحد وهو بعد الموت، فان كانت كلها هبات أو كلها محاباة أو بعضها هبات وبعضها محاباة قسم الثلث بين الجميع على التفاضل إن تفاضلت وعلى التساوى إن تساوت. وإن كان الجميع عتقا أقرع بين العبيد لما ذكرناه في القسم قبله. وإن كان بعضها عتقا وبعضها محاباة أو هبات ففيه قولان (أحدهما) أن الثلث يقسم بين الجميع، لان الجميع يعتبر من الثلث، ويلزم

في وقت واحد (والثانى) يقدم العتق بماله من القوة، وان كان بعضها كتابة وبعضها هبات ففيه طريقان (أحدهما) أنه لا تقدم الكتابة أنه ليس له قوة وسراية فلم تقدم كالهبات (والثانى) أنها على قولين لانها تتضمن العتق فكانت كالعتق. (فصل) وإن وصى أن يحج عنه حجة الاسلام من الثلث أو يقضى دينه من الثلث ووصى معها بتبرعات، ففيه وجهان (أحدهما) يقسط الثلث على الجميع لان الجميع يعتبر من الثلث، فان كان ما يخص الحج أو الدين من الثلث لا يكفى تمم من رأس المال، لانه في الاصل من رأس المال، وانما اعتبر من الثلث بالوصية، فإذا عجز الثلث عنه وجب أن يتمم من أصل المال (والثانى) يقدم الحج والدين، لانه واجب ثم يصرف ما فضل في الوصايا (فصل) وان وصى لرجل بمال وله مال حاضر ومال غائب أو له عين ودين دفع إلى الموصى له ثلث الحاضر وثلث العين. وإلى الورثة الثلثان، وكل ما حضر من الغائب أو نض من الدين شئ قسم بين الورثة والموصى له، لان الموصى له شريك الورثة بالثلث فصار كالشريك في المال. وان وصى لرجل بمائة دينار وله مائة حاضرة وله ألف غائبة فللموصى له ثلث الحاضرة ويوقف الثلثان، لان الموصى له شريك الوارث في المال، فصار كالشريك في المال. وان أراد الموصى له التصرف في ثلث المائة الحاضرة ففيه وجهان (أحدهما) تجوز لان الوصية في ثلث الحاضرة ماضية، فمكن من التصرف فيه (والثانى) لا يجوز لانا منعنا الورثة من التصرف في الثلثين الموقوفين. فوجب أن نمنع الموصى له من التصرف في الثلث، وان دبر عبدا قيمته مائة وله مائتان غائبة، ففيه وجهان (أحدهما) يعتق ثلث العبد، لان عتق ثلثه مستحق بكل حال (والثانى) وهو ظاهر المذهب أنه لا يعتق، لانا لو أعتقنا الثلث حصل للموصى له الثلث، ولم يحصل للورثه مثلاه. وهذا لا يجوز

(الشرح) قال الشافعي: ولو أوصى بغلامه وهو يساوى خمسمائة وبداره لآخر وهى تساوى ألفا وبخمسمائة لآخر والثلث ألف درهم، دخل على كل واحد منهم عول نصف فصار للذى له الغلام نصفه، وللذى له الدار نصفها، وللذى له الخمسمائة نصفها. قلت: إذا ضاق الثلث عن الوصايا فللورثة حالتان: حالة يجيزون، وحالة يردون، فإن ردوا قسم الثلث بين أهل الوصايا بالحصص، وتسوى منه الوصية بالمعين والمقدر. وحكى عن أبى حنيفة أن الوصية بالمعين مقدمة على الوصية بالمقدر. استدلالا بأن المقدر يتعلق بالذمة. فإذا ضاق الثلث فيها زال تعلقها بالذمة. وهذا غير صحيح، لان محل الوصايا في التركة سواء ضاق الثلث أو اتسع لها فاقتضى ان يستوى المعين والمقدر مع ضيق الثلث كما يستويان مع اتساعه، ولان الوصية بالمقدر أثبت من الوصية بالمعين، لان المعين إن تلف بطلت الوصية به، والمقدر إن تلف بعض المال لم تبطل الوصية فإذا تقرر استواء المعين والمقدر مع ضيق الثلث عنها وجب أن يكون عجز الثلث داخلا على أهل الوصايا بالحصص، فإذا أوصى بسيارته لرجل وقيمتها خمسمائة، وبداره لآخر وقيمتها الف وبخمسمائة لآخر، فوصايا الثلاثة كلها تكون ألفين، فان كان الثلث ألفين فصاعدا فلا عجز. وهى ممضاة، وإن كان الثلث ألفا فقد غجز الثلث عن نصفها فوجب أن يدخل العجز على جميعها. ويأخذ كل موصى له بشئ نصفه فيعطى الموصى له بالسيارة نصفها، وذلك مائتان وخمسون ويعطى الموصى له بالدار نصفها وذلك خمسمائة. ويعطى الموصى له بالخمسمائة نصفها وذلك مائتان وخمسون وعلى قول أبى حنيفة تسقط الوصية بالخمسمائة المقدرة، ويجعل الثلث بين الموصى له بالسيارة والدار، فيأخذ كل واحد منهما ثلثى وصيته لدخول العجز بالثلث منها، فلو كان الثلث في هذه الوصايا خمسمائة فهو ربع الوصايا الثلاثه فيعطى كل واحد ربع ما جعل له، ولو كان الثلث ألفا وخمسمائة فيجعل لكل واحد منهم ثلاثة أرباع وصيته ثم على هذا القياس

وإن أجازوا الوصايا كلها مع ضيق الثلث عنها ودخول العجز بالنصف عليها ففى إجازتهم قولان. (أحدهما) أن إجازتهم ابتداء عطية منهم لامرين. أحدهما: أن ما زاد على الثلث منهى عنه، والنهى يقتضى فساد المنهى عنه. (والثانى) أنهم لما كانو بالمنع مالكين لما منعوه وجب أن يكون بالاجارة معطين لما أجازوه فعلى هذا قد ملك أهل الوصايا نصفا بالوصية لاحتمال الثلث لها ولا يفتقر بملكهم لها إلى قبض ونصفها بالعطية لعجز الثلث عنها، ولا يتم ملكهم إلا بقبضه. والثانى: وهو أصح، وبه قال أبو حنيفة: إن إجازة الورثة تنفيذ أو إمضاء لفعل الميت، وإن ذلك مملوك بالوصية دون العطية لامرين (أحدهما) أن ما استحقوه من الخيار في عقود الميت لا يكونون بالامضاء عاقدين لها كالمشترى سلعة إذا وجد وارثه به عيبا فأمضى الشراء ولم ينسخه كان تنفيذا ولم يكن عقدا فكذلك خياره في إجازة الوصية (والثانى) أن لهم رد ما زاد على الثلث في حقوق القسمة، فإذا أجازوه سقطت حقوقهم منه، فصار الثلث وما زاد عليه سواء في لزومه لهم، فإذا استوى الحكم في الجميع مع اللزوم اقتضى أن يكون جميعه وصية لا عطية فعلى هذا يلزمهم نصف الوصايا بالوصية من غير إجازة لاحتمال الثلث لها، ونصف بالاجازة بعد الوصيه من غير قبض تعيين، ولا رجوع يسوغ (فرع) قد أسلفنا القول في عطايا المرض وتقديمها على الوصايا إذا ضاق الثلث عنها، وقلنا عن ترتيب المريض لها ما لم يتخلل الوصايا عتق، وأقوال الفقهاء الوارد عليه، أما إذا أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام المكتوبة من الثلث أو يقضى دينه من الثلث فقال الشافعي رضى الله عنه: ولو أوصى أن يحج عنه ولم يحج حجة الاسلام فإن بلغ ثلثه حجته من بلده أحج عنه من بلده، وان لم يبلغ أحج عنه من حيث بلغ. قال المزني: والذى يشبه قوله أن يحج عنه من رأس ماله لانه في قوله دين عليه وجملة ذلك أن للمستدل في الحج عنه حالتان، حالة يوصى به وحاله لا يوصى به، فإن لم يوص به فلا يخلو حاله من أحد أمرين اما أن يكون عليه حج واجب

أولا حج عليه، فإن لم يكن عليه حج لم يجز أن يتطوع عنه بالحج، وان كان عليه حجة الاسلام فمات من غير أن يوصى بها فواجب أن يحج عنه من رأس ماله بأقل ما يوجد من ميقات بلده، وكذلك يخرج عنه من رأس ماله ما وجب عليه من زكوات وكفارات، وان لم يوص بها. وقال أبو حنيفة: لا يصح الحج عنه ولا الزكاة ولا الكفارة الا بوصية منه وهذا فاسد بما ذكره النووي في الحج بأقوى حجاج، ولان ما تعلق وجوبه بالمال ازم أداؤه وان لم يوص به كالديون. وإذا لزم أداؤه عنه فمن رأس المال كالديون وتخرج منه أجرة المثل من الميقات لا من بلده، وان كانت استطاعته من بلده شرطا وجوب حجه، لانه إذا كان حيا لزمه أداؤه بنفسه فصار نفقة معتبرة في استطاعته، وإذا مات لم يتعين الثلث عنه أن يكون في بلده، وانما لزم أن يؤتى بالحج من ميقات بلده فلذلك اعتبر أجرة المثل من ميقات بلده. (فرع) إذا أوصى أن يحج عنه، فإن كان عليه حج فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام. أحدها: أن يجعل الحج من رأس ماله، فهذا على ضربين. أحدهما: أن يذكر قدر ما يحج به عنه، والثانى: أن لا يذكر، فإن لم يذكر أخرج عنه من رأس ماله قدر أجرة المثل من ميقات بلده، ولا يستفاد بوصية الا التذكير والتأكيد، وسواء ذكر القدر أم لم يذكر، فإن أجرة المثل أتم إذا كانت من الميقات وخروجها من رأس المال. والقسم الثاني: أن يوصى بالحج من ثلثه فهذا على ضربين. (أحدهما) أن يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحجه الواجبة عليه فهذا الحج عنه بالثلث من بلده أن أمكن، ولا يجوز أن يدفع إلى وارثه ان زاد على أجرة المثل، ويجوز أن يدفع إليه ان لم يزد، فإن عجز الثلث عن الحج من بلده أحج به عنه من حيث أمكن من طريقه فان عجز الا من ميقات البلد أحج به عنه من ميقات البلد، فان عجز عنه وجب اتمام أجرة المثل من ميقات بلده من رأس المال وصار فيها دور، لان ما يتمم به أجرة المثل من رأس ماله يقتضى نقصان رأس المال. (والضرب الثاني) أن لا يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحج بل يقول: أحجوا

عنى من ثلثى، فهذا إما أن يذكر قدرا فلا يزاد عليه إن وجد ويستأجر من يؤديه من بلده أو من الميقات فان لم يوجد من يحج بها من ميقاته وجب إتمامها من رأس المال لا من ثلثه لان القدر الذى حدده من الثلث لا يزاد عليه منه وإنما تؤخذ الزيادة من رأس المال، وإما أن لا يذكر القدر فيخرج من ثلثه قدر أجرة المثل ثم فيها وجهان أحدهما وهو قول أبى اسحق المروزى: الظاهر من كلام الشافعي أجرة المثل من بلد الموصى لان الوصية في الثلث تقتضي الكمال. والوجه الثاني: أجرة مثل الميقات كما لو جعله من رأس المال وما زاد عليه تطوع لا يخرج إلا بالنص، فإن عجز الثلث عن جميع الاجرة تمم الجميع مثل أجرة الميقات من رأس المال. فلو كان في الثلث مع الحج وصايا وعطايا ففى تقديم الحج على الوصايا وجهان حكاهما أبو إسحق المروزى. أحدهما، يقدم الحج على جميع الوصايا في الثلث لانه مصروف في فرض ثم يصرف ما فضل بعد الحج في أهل الوصايا، والوجه الثاني أنه يسقط الثلث على الحج والوصايا بالحصص لان الحج وإن وجب فله محل غير الثلث تساوى في الثلث أهل الوصايا ثم تمم أجرة المثل من رأس المال، وعلى هذين الوجهين لو كانت عليه ديون واجبة أوصى بقضائها من ثلثه أحدهما يتقدمون بها على أهل الوصايا. والثانى: يحاصونهم ثم يستكملون ديونهم من رأس المال فهذا حكم القسم الثاني إذا جعله من ثلثه. القسم الثالث: أن يطلق الوصية فلا يجعله من الثلث ولا من رأس المال فالذي نص عليه الشافعي في الجديد في مناسك الحج أنه يحج عنه من رأس المال، وقال في الوصايا: يحج عنه من ثلثه، فاختلف أصحابنا فكان أبو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ يخرجان ذلك على قولين أحدهما: يكون من رأس المال كما لو لم يوص به لوجوبه كالديون، والقول الثاني: أن يكون من الثلث ليستفاد بالوصية ما لم يكن مستفادا بغيرها. وقال أبو على بن خيران: ليس هذا على اختلاف قولين وإنما هو تبعيض الحكم على حالين فالذين جعله في الثلث هو أجرة

مثل المسير من بلده إلى الميقات، والذى جعله من رأس المال هو أجرة المثل من الميقات. وقال أبو إسحق المروزى وأبو علي بن أبى هريرة: يكون ذلك من رأس المال قولا واحدا، والذى قاله ههنا أنه يكون في الثلث إذا خرج بأنه في الثلث توفيرا على ورثته، ألا تراه قال: فان لم يبلغ تمم من رأس المال. وإذا وصى بالحج تطوعا عنه بمال ففيه قولان أحدهما: أن الوصية باطلة والثانى: جائزة وقد بسط النووي توجيهها في كتاب الحج. (فرع) قال مالك بن أنس رضى الله عنه: إذا أوصى لرجل بمائة دينار له حاضرة وترك غيرها ألف دينار دينا غائبة فالورثة بالخيار بين امضاء الوصية بالمائة كلها عاجلا، سواء حل الدين وسلم الغائب أم لا، وبين أن يسلموا ثلث المائة الحاضرة وثلث الدين من المال الغائب ويصير الموصى له بالمائة شريكا بالثلث في كل التركة، وإن كثرت وسمى ذلك خلع الثلث، استدلالا بأن للموصى ثلث مائة، فإذا غير الوصية بالثلث في بعضه فقد أدخل الضرر عليهم بتعيينه، فصار لهم الخيار بين التزام الضرر بالتعيين وبين العدول إلى ما كان يستحقه الموصى، فهذا دليل مالك، وما عليه في هذا القول. واستدل اسماعيل بن اسحق بأن تعيين الموصى للمائة الحاضرة من جملة التركة الغائبة بمنزلة العبد الجاني إذا تعلقت الجناية في رقتبه فسيده بالخيار بين افتدائه بأرش جنايته أو تسليمه، فهذا مذهب مالك ودليلاه. ومذهب الشافعي رضى الله عنه أن الموصى له ثلث المائة الحاضرة، وثلثاها الباقي موقوف على قبض الدين أو من الغائب ما يخرج المائة كلها من ثلثه أمضيت الوصية بجميع المائة، وإن وكل ما يخرج بعضها أمضى قدر ما احتمله الثلث منها، فإن برئ الدين وتلف الغائب استقرت الوصية في ثلث المائة الحاضرة وتصرف الورثة في ثلثيها، لانها صارت جميع التركة.

واختلف أصحابنا إذا انتظر بالوصية قبض الدين ووصول الغئب هل يمكن الموصى له من ثلث المائة؟ على وجهين. (أحدهما) يمكن من التصرف فيها لانه ثلث ممضى. (والوجه الثاني) يمنع من التصرف فيها لانه لا يجوز أن يتصرف الموصى له فيما لا يتصرف الورثة في مثليه، وقد منع الورثة من التصرف في ثلثى المائة الموقوف، فوجب أن يمنع الموصى له من التصرف في الثلث الممضى، والدليل على فساد ما ذهب إليه مالك أنه يؤول إلى أحد أمرين يمنع الوصية منهما، لانه إذا أجبر الورثة بين التزام الوصيه في ثلث كل التركة أو إمضاء الوصية في كل المائة فكل واحد من الامرين خارج عن حكم الوصية لانهم اختاروا منعه من كل المائه فقد ألزمهم ثلث كل التركة، وذلك غير موصى به. وإن اختاروا أن لا يعطوا ثلث التركة فقط ألزمهم إمضاء الوصية بكل المائه فعلم فساد مذهبه بما يؤول إليه حال كل واحد من الخيارين، فإذا جعلتم تعيين الوصية بالمائة الحاضرية إدخال ضرر أو جنايه فالضرر قد رفعناه يوقف الثلثين على قبض الدين ووصول الغائب، فصار الضرر بذلك مرتفعا، وإذا زال الضرر ارتفت الجناية منه فبطل الخيار فيه. فإذا تقرر ما وصفنا تفرع على ذلك أن يوصى بمائة دينار حاضرة وباقى تركته التى تخرج كل المائه من ثلثها دين أو غائب، فيخرج ثلث المائة ويوقف ثلثاها على قبض الدين ووصول الغائب، فإذا قبض ووصل منهما أو أحدهما ما يخرج كل المائة من ثلثه خرج جميعها. وهل يمكن الورثة في حال وقف الثلثين على قبض الدين ووصول الغائب من استخدام فرس إن كان الموصى به فرسا أو سيارة إن كانت وصيه أو غير ذلك، فتركب ويتصرف في منفعتها أم لا، على وجهين. (أحدهما) يمكن ذلك لئلا يلزمهم إمضاء الوصيه بما لم ينتفعوا بثلثيه، وهذا على الوجه الذى يقول: إن الموصى له بالمائة إذا وقف ثلثها منع من التصرف في ثلثيها اعتبارا بالتسويه، فعلى هذا ان برئ الدين وتلف الغائب استقر ملكهم على ما وقف من ثلثيها وكان لهم التصرف في الثلثين أو بيع ثلثى الفرس أو السيارة

وان اقتضى من الدين أو قدم من الغائب ما يخرج جميعه من ثلثه رجع الموصى له بالفرس أو السيارة عليهم بما أخذوه من كسبهما أو أجرة، وليس للورثة أن يرجعوا على الموصى له بما اتفقوا على الفرس أو السيارة من نفقات السياسه أو الصياية، وقد كان لهم اجازة الوصية فصاروا متطوعين بالنفقه. (والوجه الثاني) أنهم يمنعون من ذلك كما يمنعون من التصرف بالبيع، لان الظاهر نفوذ الوصية بعتقه، وعلى هذا الوجه الذى يجوز للموصى له التصرف في ثلث المائة، وان منع الورثة من التصرف في ثلثيها، فعلى هذا ان برئ الدين وتلف الغائب ولم يتصرف الورثة في استغلال الموصى به أدى الموصى له ثلثى غلة كسب الموصى به أو أجره مثله للورثة لانه لا يستحق في الوصيه الا ثلثها والباقى للورثة، وقد فوت عليهم منافع ثلثى المال وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فصل) وان وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه وثلث ماله يحتمل الثلث الباقي من العبد نفذت الوصية فيه على المنصوص، وقال أبو ثور وأبو العباس: لا تنفذ الوصيه الا في ثلث الباقي كما لو وصى بثلث ماله ثم استحق من ماله الثلثان والمذهب الاول، لان ثلث العبد ملكه، وثلث ماله يحتمله، فنفذت الوصيه فيه كما لو أوصى له بعبد يحتمله الثلث، ويخالف هذا إذا أوصى بثلث ماله ثم استحق ثلثاه، لان الوصية هناك بثلث ماله، وماله هو الباقي بعد الاستحقاق، وليس كذلك ههنا لانه يملك الباقي وله مال غيره يخرج الباقي من ثلثه. (فصل) وان وصى له بمنفعة عبد سنه، ففى اعتبارها من الثلث وجهان. أحدهما: يقوم العبد كامل المنفعة، ويقوم مسلوب النفعه في مدة سنه، ويعتبر ما بينهما من الثلث. والثانى: تقوم المنفعة سنه، فيعتبر قدرها من الثلث. ولا تقوم الرقبة لان الموصى به هو المنفعة، فلا يقوم غيرها، وان وصى له بمنفعة عبد على التأبيد ففى اعتبار منفعته من الثلث ثلاثة أوجه. أحدهما: تقوم المنفعة في حق الموصى له والرقبة مسلوبة المنفعة في حق

الوارث، لان الموصى له ملك المنفعة، والوارث ملك الرقبة، وينظر كم قدر التركة مع قيمة الرقبه مسلوبة المنفعة، وينظر قيمة المنفعة فتعتبر من الثلث. والثانى: تقوم المنفعة في حق الموصى له لانه ملكها بالوصية، ولا تقوم الرقبة في حق الموصى له، لانه لم يملكها ولا في حق الوارث لانها مسلوبة المنفعة في حقه لا فائدة له فيها، فعلى هذا ينظركم قدر التركة وقيمة المنفعة، فتعتبر من الثلث، والثالث وهو المنصوص: تقوم الرقبه بمنافعها في حق الموصى له، لان المقصود من الرقبه منفعتها، فصار كما لو كانت الرقبه له فقومت في حقه، وينظر قدر التركة فتعتبر قيمه الرقبه من ثلثها، وإن وصى بالرقبة لواحد وبالمنفعه لواحد قومت الرقبه في حق من وصى له بها، والمنفعة في حق من اوصى له بها، لان كل واحد منهما يملك ما وصى له به فاعتبر قيمتها من الثلث. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أوصى له بشئ بعينه فاستحق ثلثه كان له الثلث الباقي إذا احتمله الثلث، وإذا أوصى له بتلت دار هو في الظاهر مالك لجميعها فاستحق تلتا الدار وبقى على ملك الموصى تلتها، فالتلت كله للموصى له إذا احتمله التلت، وهو قول الجمهور. وقال أبو ثور: يكون له تلت التلت استدلالا بأنه لما أوصى له بتلتها، وهو في الظاهر مالك لجميعها تناولت الوصيه ثلث ملكه منها، فإذا بان ان ملكه منها التلت وجب ان تكون الوصيه بتلت التلت، لانه كان ملكه منها كمن أوصى بتلت ماله وهو ثلاثه الاف درهم فاستحق منها الفان كانت الوصيه بتلت الالف الباقيه هكذا قال أبو ثور من الفهاء وابو العباس بن سريج من اصحابنا، وهو فاسد من وجهين، احدهما: ان ما طرأ من استحقاق التلتين ليس بأكثر من أن يكون عند الوصيه غير مالك للتلتين، وقد ثبت انه لو أوصى له بتلت دار هو قدر ملكه منها كان له جميع التلت إذا احتمله التلت، كذلك إذا اوصى له بتلتها فاستحق ما زاد على التلت منها. والثانى: هو ان رفع يده بالاستحقاق كزوال ملكه بالبيع، وقد ثبت انه لو

باع بعد الوصية بالثلت منها ما بقى من ثلثها صحت الوصيه بكل الثلث الباقي بعد البيع، فكذلك تصح بالثلث الباقي بعد المستحق، وليس بما ذكراه من استدلال بثلث المال وجه، لان الوصية لم تعتبر الا في ثلث ملكه، وملكه هو الباقي بعد الاستحقاق، ولو فعل مثل ذلك في الوصية بالدار فقال قد اوصيت لك بثلث ملكى من هذه الدار فاستحق ثلثا ها كان له ثلث ثلثها الباقي (مسالة) إذا ابتدأ الوصية بتلت ماله لرجل، اوصى ان يحج عنه رجل بمائة درهم، ثم اوصى بالباقي من تلت المال لاخر، فقد اختلف اصحابنا في الموصى له بالباقي في هذه المسالة إذا قدم الوصية بالتلت على وجهين (أحدهما) وهو قول أبى اسحاق المروزى: انها باطلة لان تقديم الوصية بالتلت يمنع من ان يبقى شئ من التلت، فجعل نصف اجار الورثة الوصية بالتلت وبالمائة امضيا وان لم يجيزوها ردا إلى التلت، فجعل نصف التلت لصاحب التلت، وكان النصف الاخر بين الموصى له بالمائة وبين الموصى له بالباقي على ما مضى من الوجهين (فرع) الوصية بالمنفعة كما اسلفنا القول كالوصيه بالعين، فلما كان لموصى له بالرقبة يجوز له المعاوضه عليها لانه قد ملكها بالوصية كان الموصى له بالخدمه ايضا يجوز له المعاوضه عليها لانه قد ملكها بالوصية، فإذا ثبت هذا قالوصيه بالمنفعه ضربان مقدرة بمقدرة بمدة ومؤبدة. فان قدرت بمدة كان قال: قد اوصيت لزيد بخدمة عبى سنه فالوصيه جائزة له بخدمة سنه، والمعتبر في التلت منفعة السنة دون الرقبه. وفى كيفيه اعتبارها وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس بن سريج انه يقوم العبد كامل المنفعة في زمانه كله. فإذا قيل مائة دينار قوم وهو مسلوب المنفعة سنه. فإذا قيل ثمانون دينارا فالوصيه بعشرين دينارا. وهى خارجه من التلت ان لم يكن على الموصى دين والوجه الثاني: وهو الذى اراه مذهبنا انه يقوم خدمة مثله سنه فتعتبر من التلت، ولا تقوم الرقبه لان المنافع المستهلكة في العقود والعصوب هي المقومه دون الاعيان، فلو اراد ان يستاجر دكانا فان ذلك يعد معاوضة على المنفعة فلا تقوم العين على حدة والمنفعة على حدة، وانما العقد لا يكون الا على المنفعة فكذلك في الوصايا، فإذا علم القدر الذى تقومت به خدمة السنة اما من العين

على الوجه الاول أو من المنافع على الوجه الثاني نظر، فان خرج جميعه من الثلث صحت الوصية له بخدمة جميع السنة. وان خرج ثلثه من الثلث رجعت الوصية إلى ثلثها واستخدمه ثلث السنة فإذا تقرر انه على هذه العبرة استحق استخدامه جميع السنة، فلا يخلو ان يكون في التركة مال غير العبد أم لا. فان كان في التركة مال غيره إذا امكن الموصى من استخدامه سنة امكن الورثة أن يتصرفوا من التركة في تلك السنة بما يقابل مثل العبد، فللموصى له ان يستخدم جميع العبد سنة متوالية حتى يستوفى جميع وصيته، والورثة لا يمنعون من التصرف في رقبة العبد حتى تمضى السنة فإن باعوا الموصى بمنافعه عبدا كان أو فرسا أو سيارة أو بينا قبل مضى السنة كان في بيبعه قولان كالعبد المؤاجر. وان لم يكن في التركة مال غير الموصى بمنافعه ولا خلف الموصى سواه ففى كيفية انتفاع الموصى له سنة ثلاثة اوجه حكاها ابن سريج. احدها انه ينتفع به سنة متواليه ويمنع الورثة من استخدامه والتصرف فيه حتى يستكمل الموصى له سنة وصيته، ثم حينئذ يخلص للورثة بعد انقضائها. والوجه الثاني: انه يستخدم ثلث الموصى به ثلاث سنين، ويستخدم الورثة ثلثيه حتى يستوفى الموصى له سنة وصيته في ثلاث سنين لئلا يختص الموصى له بما لم يحصل للورثه مثلاه. والوجه الثالث: ان يتهايأ عليه الموصى له والورثة، فيستخدمه الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستوفى سنة وصيته في ثلاث سنين. والوجه الاول أصح لانهم قد صاروا إلى ملك الرقبة فلم يلزم ان يقابلوا الموصى له بمثلى المنفعة لان حق الموصى له في استخدام الموصى به جميعه، فلم يجز ان يجعل في ثلثه، ولان حقه مفضل ومعجل فلم يجز ان يجعل مرجأ أو مفرقا وإذا كانت الوصية بالمنفعة على التأبيد، كان قال أوصيت لزيد باستخدام سيارتي أبدا فالوصيه جائزة إذا حملها التلت واختلف اصحابنا في الذى يعتبر قيمته في التلت على وجهين (أحدهما) قاله الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين، وهو اختيار ابى العباس بن سريج انه تقوم جميع الرقبه في التلت، وان اختصت الوصيه بالمنفعة كما تقوم رقبة الوقف في التلت.

وان ملك الموقوف عليه المنفعة فعلى هذا هل يصير الموصى له مالكا، وان منع من بيعها أم لا. على وجهين (أحدهما) لا يملكها لاختصاص الوصية بمنافعها (والثانى) يملكها كما يملك ام الولد. وان كان ممنوعا من بيعها لتقويمها عليه في الثلث، وهذا قول ابى حامد المروروذى. هذا إذا قيل ان الرقبة هي المقرمة والوجه الثاني: انه يقوم مناعفع الموصى به في الثلث دون الرقبة، لان التقويم انما يختص بما تضمنته الوصية، ولا يجوز ان يتجاوز بالتقويم إلى غيره ولانه لو اوصى بالمنفعة لرجل وبالرقبة لرجل لم يقوم في حق صاحب المنفعة الا المنفعة دون الرقبة. كذلك إذا استبقى الرقبة على ملك الورثة واعتبار ذلك ان يقوم: كم قيمة الموصى به بمنافعه. فإذا قيل مائة دينار، قيل: وكم قيمته مسلوب المنافع، فذا قيل عشرون دينارا علم ان قيمة منافعه ثمانون دينارا فتكون هي القدر المعتبر من الثلث. فعلى هذا هل يحتسب الباقي من قيمة الرقبة وهو عشرون دينارا على الورثة في ثلثيهم أم لا. على وجهين (أحدهما) يحتسب به عليهم، لانه قد دخل ملكهم وهذا قول أبى اسحاق المروزى (والوجه الثاني) لا يحتسب به عليهم لان ما زالت عنه المنفعة زال عنه التقويم. فإذا ثبت ما ذكرناه وخرج القدر الذى اعتبرناه من الثلث صحت الوصية بجميع المنفعة، وكان للموصى له استخدامه أبدا ما كان حيا وأخذ جميع أكسابه المألوفة، وهل يملك ما كان غير مألوف منها، على وجهين: أصحهما يملكه. وفى نفقته ثلاثة أوجه (أحدها) وهو قول ابى سعيد الاصطخرى انها على الموصى له بالمنفعة، لان النفقة تختص بالكسب (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ انها على الورثة لوجوبها بحق الملك (والثالث) وهو ما حكاه أبو حامد الاسفرايينى تجب في بيت المال لان كل واحد من مالكى المنفعة والرقبة لم يكمل فيه استحقاق وجوبها عليه فعدل بها إلى بيت المال، فان مات الموصى له فهل تنتقل المنفعة إلى وارثه املا، على وجهين حكاهما أبو على الطبري في الافصاح (أحدهما) ان المنفعة تنتقل إلى ورثته لتقويمها على الابد في حقه، فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة العين.

والوجه الثاني: قد انقطعت الوصيه بموت الموصى له لانه وصى له في عينه بالخدمة لا لغيره. فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة الموصى له ثم تعود بعد موته إلى ورثة الموصى فاما بيع الموصى بمنفعته، فان أراد الموصى له بالمنفعة ببيعه لم يجز سواء ملك جميع المنفعة أو بعضها، وسواء قيل انه مالك أو غير مالك. وان أراد ورثة الموصى بيعه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز لثبوت الملك (والثانى) لا يجوز لعدم المنفعة (والثالث) يجوز بيعه من الموصى له بالمنفعة ولا يجوز من غيره، لان الموصى له ينتفع به دون غيره. والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وصى له بثمرة بستانه، فان كانت موجودة اعتبرت قيمتها من الثلث، وان لم تخلق - فان كانت على التأبيد - ففى التقويم وجهان: (أحدهما) يقوم جميع البستان (والثانى) يقوم كامل المنفعة، ثم يقوم مسلوب المنفعة، ويعتبر ما بينهما من الثلث، فان احتلمه الثلث نفذت الوصيه فيما بقى من البستانى. وان احتمل بعضها كان للموصى له قدر ما احتمله الثلث يشاركه فيه الورثة، فان كان الذى يحتمله النصف كان للموصى له من ثمرة كل عام النصف وللورثه النصف والله أعلم. (الشرح) الاحكام: إذا أوصى له بثمرة فذلك ضربان: ان تكون الثمرة موجودة فالوصية جائزة وتعتبر قيمتها من الثلث عند موت الموصى لا حين الوصية فان خرجت من الثلث فهى للموصى له، وان خرج بعضها كان له منها قدر ما احتمله الثلث، وكان الورثة شركاءه فيها بما لم يحتمله الثلث منها والضرب الثاني ان يوصى بثمرة لم تخلق فهذا على ضربين (أحدهما) أن يوصى بثمرته على الابد فالوصية جائزة، وفيما يقوم في الثلث وجهان. احدهما: جميع البستان. والثانى يقوم كامل المنفعة، ثم يقوم مسلوب المنفعة ثم يعتبر مابين القيمتين من الثلث، فان احتمله نفذت الوصية بجميع الثمرة أبدا ما بقى البستان، وان احتمل بعضه كان للموصى له قدر ما احتمله الثلث يشارك فيه الورثة، مثل ان يحتمل

النصف فيكون للموصى له النصف من ثمره كل عام وللورثه النصف الباقي، وإذا احتمل الثلث جميع القيمه وصارت الثمرة كلها للموصى له فاحتاجت إلى سقى فلا يجب على الورثة السقى بخلاف بائع الثمرة حيث وجب عليه سقيها للمشترى إذا احتاجت إلى السقى، لان البائع عليه تسليم ما تضمنه العقد كاملا والسقى من كماله وليس كذلك الوصية لان الثمرة تحدث على ملك الموصى له ولا يجب على الموصى له سقيها، لانها بخلاف البهيمة الموصى بخدمتها في الحرث والسقى، لان نفقة البيهيمة مستحقة لحرمة نفسها ووجوب حفظها بخلاف الثمرة، وكذلك لو احتاجت النخل إلى سقي لم يلزم واحدا منهما، وأيهما تطوع به لم يرجع به على صاحبه، فان مات النخل استقطع جذاعه للورثه دون الموصى له، وليس للموصى له أن يغرس مكانه ولا ان غرس الورثة مكانه نخيلا كان له فيه حق، لان حقه كان في النخل الموصى له به دن غيره والضرب الثاني: ان يوصى بثمره مدة مقدرة، كان اوصى له بثمره عشر سنين، فمن أصحابنا من ذهب إلى بطلان الوصية مع التقدير بالمدة بخلاف المنفعة لان تقويم المنفعة المقدرة ممكن، وتقويم الثمار المقدرة المدة غير ممكن. وذهب سائر اصحابنا إلى جوازها كالمنفعة، وفيما تقدم في الثلث وجهان احدهما: انه يقوم البستان كامل المنفعة، ويقوم مسلوب المنفعة، ثم يعتبر ما بين القيمتين في الثلث. والوجه الثاني: ان ينظر اوسط ما تثمره النخل غالبا في كل عام ثم تعتبر قيمة الغالب من قيمة الثمرة في أول عام، ولا اعتبار بما حدث بعده من زيادة ونقص. فان خرج جميعه من الثلث فقد استحق جميع الثمرة في تلك المدة، وان خرج نصفه فله النصف من ثمرة كل عام إلى انقضاء تلك المدة، وليس له ان يستكمل هذه كل عام في نصف تلك المدة، لانه قد تختلف ثمرة كل عام في المقادير والاثمان. فخالف منافع العبد والبهيمة والدار. ومثل الوصية بثمرة البستان ان تكون الماشية فيوصى له بدرها ونسلها، وتجب نفقة الماشية كما أسلفنا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب جامع الوصايا

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب جامع الوصايا إذا وصى لجيرانه صرف إلى أربعين دارا من كل جانب، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، يمينا وشمالا وقداما وخلفا) . (فصل) وان وصى لقراء القرآن صرف إلى من يقرأ جميع القرآن، وهل يدخل فيه من لا يحفط جميعه، في وجهان. (أحدهما) يدخل فيه لعموم اللفظ. (والثانى) لا يدخل فيه، لانه لا يطلق هذا الاسم في العرف الا على من يحفظه، وان وصى للعلماء صرف إلى علماء الشرع، لانه لا يطلق هذا الاسم في العرف الا عليهم، ولا يدخل فيه من يسمع الحديث ولا يعرف طرقه، لان سماع الحديث من غير علم بطرقه ليس بعلم. (الشرح) حديث ابى هريرة مرفوعا (حق الجار اربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقدام وخلف) هكذا ورد بغير تنوين قدام وخلف وقد سافها المصنف منونا لهما والحديث اخرجه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع العطار، وهو ضعيف هكذا افاده الهيثمى في مجمع الزوائد على ان القول بهذا الحديد لم ينهض الحديث حجة له يجوز على قول من يقول بتقديم الحديث الضعيف على الاجتهاد، وبه قال احمد وغيره من الفقهاء، على ان المعروف من مذهب الشافعي وبناء على اصله (إذا صح الحديث فهو مذهبي) انه لا عبرة بحديث لم يصح سنده في الاصول ولا في الفروع، والعبرة في هذا بالعرف فهو يقوم مقام النص عند عدمه، الا ان الماوردى قال في حاويه في الغارمين. قال الشافعي: ويعطى من له الدين عليهم أحب للبر، ولو أعطوه في دينهم رجوت ان يتبع، فان ضمنه في اثنين ضمن حصة الثالث، وفيه وجهان.

(أحدهما) يضمن ثلث الثلث. (والثانى) انه يضمن اقل ما يجزئ ان يعطيه ثالثا ويخص به غارما في بلد المال، ومن كان منهم ذا رحم أولى لما في صلتها من زيادة الثواب، فان لم يكونوا فجيران المال لقوله تعالى (والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) ولقوله صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) قال الشافعي: واقصى الجوار منهم اربعون دارا من كل ناحية، وهكذا لو أوصى لجيران كان جيرانه منتهى اربعين دارا من كل ناحية، وقال قتادة. الجار الدار والداران، وقال سعيد بن جبير: هم الذين يسمعون الاقامة، وقال أبو يوسف هم اهل المسجد. ودليلنا ما روى ان رجال كان نازلا بين قوم فاتى للنبى صلى الله عليه وسلم يشكوهم، فبعث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وعمر وعليا رضى الله عنهم وقال: اخرجوا إلى باب المسجد وقولوا: الا أن الجوار أربعون دارا. قلت: فإذا صح ما استدل به الماوردى من بعث الصحابة الثلاثة ليبلغوا عنه صلى الله عليه وسلم هذا كان دليلا مسندا للمذهب والا كان تحديد الاربعون اجتهادا وعرفا يصار اليهما على انه قد استغل بعض السفهاء من واضعى الحديث حث القرآن والسنة على حسن الجوار فجعلوه مرتعا لاحاديث غير شريفة، من ذلك ماروى عن جابر رضى الله عنه مرفوعا (الجيران ثلاثه: جار له حق واحد وهو ادنى الجيران وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق، فاما الذى له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار، واما الذى له الحقان فجار مسلم له حق الاسلام وحق الجوار، واما الذى له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الاسلام وحق الجوار وحق الرحم، وهذا الحديث رواه البزار عن شيخه محمد الحارثى وهو وضاع، وفيما روى من الاحاديث الصحيحة غنى، الا ان الحديث الذى ساقه الماوردى قد رواه الطبراني عن كعب بن مالك ولفظه، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فقال: يا رسول الله انى نزلت في محلة بنى فلان، وان أشدهم لى اذى اقربهم لى جوارا فبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بكر وعمر وعليا

يأتون باب المسجد فيقولون على بابه فيصيحون: الا ان أربعين دارا جار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه. وفى إسناده يوسف بن السفر، أبو الفيض الدمشقي كاتب الاوزاعي وراويه كما روى عن مالك. قال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني متروك يكذب. وقال ابن عدى: روى بواطيل، وقال البيهقى: هو في عداد من يضع الحديث، وقال أبو زرعة وغيره متروك فإذا وصى لقراءة القرآن وكان المضاف إليه معروفا بال وهو يقتضى إما العهد أو الاستغراق، فان قلنا بالاول، فعلى الوجه الذى يجعل الوصية لمن يحفظ القرآن كله ويخرج بذلك من لا يحفظه جميعا، وان قلنا بالثاني فكل ما قرئ من القرآن فهو قرآن دخل من لا يحفظه كله لاشتماله لفظه عليه، فإذا وصى وقال لقراء القرآن، شمل من يحفظه كله ومن يحفظ آية واحدة قولا واحدا. فان وصى للعلماء صرف إلى علماء وفقهاء الاحكام، ودارسي الفروع، لانه لا يطلق عرفا عند من يوصون للقربة الا عليهم ولا يدخل فيهم صغار المتعلمين الحديث لانهم يسمعون الحديث، ولا يشتغلون باختلاف اسانيده، واسماء رواته، ومعرفة الثقة العدل الضابط منهم والمجروح بدلس أو سوء حفظ أو تصديق لكل ما يسمع، أو شذوذ أو نكارة أو وضع أو صاحب مقالة في الاسلام أو غلو في مذهب يخرج به عن حد العدالة إلى غير ذلك مما ينبغى العلم به وارتشاف مورده، وبذل الوسع في خدمته، لان الحديث أشرف علوم الدين واعظمها مرتقى، وأرجاها عاقبة، والله تعالى اعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) فإن وصى للايتام لم يدخل فيه من له اب، لان اليتم في بنى آدم فقد الاب، ولا يدخل فيه بالغ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُتْمَ بَعْدَ الحلم) وهل يدخل فيه الغنى، فيه وجهان. (أحدهما) يدخل فيه، لانه تيتم بفقد الاب. (الثاني) لا يدخل فيه، لانه لا يطلق هذا الاسم في العرف على غنى، فإن وصى للارامل دخل فيه من لا زوج لها من النساء، وهل يدخل فيه من

لا زوجة له من الرجال، فيه وجهان (احدهما) لا يدخل فيه، لانه لا يطلق هذا الاسم في العرف على الرجال (والثانى) يدخل فيه لانه قد يسمى الرجل أرملا كما قال الشاعر: كل الارامل قد قضيت حاجتهم * فمن لحاجة هذا الارمل الذكر وهل يدخل فيه من لها مال، على وجهين كما قلنا في الايتام. (فصل) وان وصى للشيوخ اعطى من جاوز الاربعين، وان وصى للفتيان والشباب أعطى من جاوز البلوغ إلى الثلاثين، وان وصى للغلمان والصبيان أعطى من لم يبلغ. لان هذه الاسماء لا تطلق في العرف الا على ما ذكرناه. (الشرح) حديث (لا يتم بعد الحلم) رواه أبو داود عن على كرم الله وجهه قال (حفظت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلى الليل) وفى إسناده يحيى بن محمد المدنى الجارى، نسبة إلى الجار بلدة على الساحل بالقرب من المدينة المنورة، قال البخاري: يتكلمون فيه، وقال ابن حبان: يجب التنكب عما انفرد به من الروايات. وقال العقيلى: لا يتابع يحيى المذكور على هذا الحديث، وفى الخلاصة ان العجلى وابن عدى وثقاه. قال المنذرى: وقد روى هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وانس بن مالك وليس فيها شئ يثبت، وقد أعل هذا الحديث ايضا عبد الحق وابن القطان وغيرهما، وحسنه النووي فيما سلف من أجزاء المجموع متمسكا بسكوت ابى داود عليه، ورواه الطبراني بسند آخر عن على، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده واخرج نحوه ايضا ابن عدى عن جابر، وهذه الروايات يقوى بعضها بعضا فترقى بالحديث إلى درجة الحسن. وقد استدل بالحديث على ان الاحتلام من علامات البلوغ، وتعقب بانه بيان لغاية مدة اليتم، وارتفاع اليتم لا يستلزم البلوغ الذى هو مناط التكليف، إنما يكون عند إدراكه لمصالح آخرته، ويؤيد مفهومه عند القائلين بان الاحتلام من علامات البلوغ روايه احمد وابى داود والحاكم من حديث على رضى الله عنه وفيه (وعن الصبى حتى يحتلم) وقد اسلفنا القول في ابواب الحجر في تعريف اليتيم

ما ينفع في هذا فليراجع. على انه إذا اوصى للايتام ووجد من الايتام الفقراء من يفيدون من وصيته بما لا يبقى منه فضل كانوا أولى من اليتيم الغنى وإن شمله التعريف. فإن وصى للارامل فهو للنساء اللاتى فارقهن ازواجهن يموت أو غيره، وهو من أرمل المكان إذا صار ذا رمل، وأرمل الرجل إذا صار بغير زاد لنفاده وافتقاره. وارملت المرأة فهى أرملة، وهى التى لا زوج لها لافتقارها إلى من ينفق عليها. قال الازهرى: لا يقال لها أرملة الا إذا كانت فقيرة، فإذا كانت موسرة فليست بأرمله، والجمع أرامل حتى قبل: رجل ارمل إذا لم يكن له زوج وهو قليل، لا يذهب زاده بفقد امرأته لانها ام تكن قيمة عليه. قال ابن السكيت والارامل المساكين رجالا كانوا أو نساء وقال احمد بن حنبل في رواية حرب، وقد سئل عن رجل اوصى لارامل بنى فلان فقال: قد اختلف الناس فيها، فقال قوم هو للرجال والنساء، والذى يعرف في كلام الناس ان الارامل النساء. وقال الشعبى واسحاق: هو للرجال والنساء. وانشد احدهما: هذى الارامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الارمل الذكر وقال الاخر: أحب أن أصطاد ظبيا سخيلا * رعى الربيع والشتاء أرملا فعلى الوجه بانه لا يدخل في الوصية أرامل الرجال ان المعروف في كلام الناس انه النساء فلا يحمل لفظ الموصى الا عليه، ولان الارامل جمع ارملة فلا يكون جمعا للذكر، لان ما يختلف لفظ الذكر والانثى في واحده يختلف في جمعه، وقد أنكر ابن الانباري على قائل القول الاخر وخطأه، والشعر الذى احتج به حجة عليه بالرواية التى سقناها، اما على الرواية التى ساقها المصنف: كل الارامل قد قضيت حاجتهم فانه يدل على شمول الارامل للذكر والانثى إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر والانثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره، وهذا يؤيد الوجه القائل بشمول الوصية

لارامل الرجال. فيكون ارامل جمع أرمل كأكابر وأعاظم وأصاغر وأسافل جمع أكبر وأعظم وأصغر وأسفل على ان هناك الفاظا مشتركة بين الرجال والنساء غلب استعمالها للنساء لكثرة شيوعها فيهن وقلتها بين الرجال، فالايامي من قوله تعالى (وانكحوا الايامى منكم) وفى الحديث: أعوذ بالله من بوار الايم. قالوا يطلق ذلك على الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم لما روى عن سعيد بن المسيب قال: آمت حفصة بنت عمر من زوجها. وآم عثمان من رقية. والعزاب للرجال والنساء، والثيب للرجال والنساء والبكر للرجال والنساء. فإذا أوصى للارامل فهل يدخل فيه من لها مال. على الخلاف الذى مضى في اليتيم اما إذا وصى الشيوخ أعطى من جاوز الاربعين لان ما دون الاربعين كهولة وما دون الكهولة فتوة أو شباب وما دون ذلك يفاعة، وما دونه صبى وما دونه طفل، فهو إلى السابعة طفل. ثم إلى العاشرة صبى. ثم إلى الخامسة عشرة يافع ثم إلى الثلاثين شاب أو فتى، ثم إلى الاربعين كهل، ثم بعد الاربعين شيخ، ثم بعد الستين هرم قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وصى لفقراء جاز ان يدفع إلى الفقراء والمساكين، وان وصى للمساكين جاز ان يدفع إلى المساكين والفقراء، لان كل واحد من الاسمين يطلق على الفريقين، وان وصى للفقراء والمساكين جمع بين الفريقين في العطية، لان الجمع بينهما يقتضى الجمع في العطيه كما قلنا في آية الصدقات، وان وصى لسبيل الله تعالى ذفع إلى الغزاة من اهل الصدقات، لانه قد ثبت لهم هذا الاسم في عرف الشرع. فان وصى للرقاب دفع إلى المكاتبين، لان الرقاب في عرف الشرع اسم للمكاتبين. وان وصى لاحد هذه الاصناف دفع إلى ثلاثة منهم، لانه قد ثبت لهذه الالفاظ عرف الشرع في ثلاثة، وهو في الزكاة، فحملت الوصية عليها، فان وصى لزيد والفقراء فقد قال الشافعي رحمه الله: هو كاحدهم. فمن اصحابنا من قال: هو بظاهره انه يكون كأحدهم يدفع إليه ما يدفع إلى أحدهم، لانه أضاف

إليه واليهم فوجب ان يكون كأحدهم. ومنهم من قال: يصرف إلى زيد نصف الثلث ويصرف النصف إلى الفقراء، لانه اضاف إليه واليهم، فوجب ان يساويهم. ومنهم من قال: يصرف إليه الربع ويصرف ثلاثة ارباعه إلى الفقراء لان اقل الفقراء ثلاثة، فكأنه وصى لاربعة، فكان حق كل واحد منهم الربع وان وصى لزيد بدينار وبثلثه للفقراء - وزيد فقير - لم يعط غير الدينار، لانه قطع الاجتهاد في الدفع بتقدير حقه في الدينار (فصل) وان وصى لقبيلة عظيمد كالعلويين والهاشميين وطى وتميم ففيه قولان (أحدهما) ان الوصية تصرح وتصرف إلى ثلاثة منهم، كما قلنا في الوصية للفقراء (والثانى) ان الوصية باطله، لانه لا يمكن ان يعطى الجميع ولا عرف لهذا اللفظ في بعضهم فبطل بخلاف الفقراء، فانه قد ثبت لهذا اللفظ عرف وهو في ثلاثة في الزكاة. (الشرح) قال الامام الشافعي: وإذا اوصى الرجل فقال: ثلث مالى في المساكين فكل من لا مال له ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى وهو للاحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه. قال وينظر اين كان ماله فيخرج ثلثه في مساكين أهل ذلك البلد الذى به ماله دون غيرهم، كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له، ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا. وهكذا لو قال: تلت مالى في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين، لان المسكين فقير، وللفقير مسكين إذا افر الموصى القول هكذا. ولو قال ثلث مالى في الفقراء والمساكين، علمنا انه أراد التمييز بين الفقراء والمسكنة، فالفقير الذى لا مال له ولا كسب يقع منه موقعا والمسكين من له مال أو كسب يقع منه موقعا ولا يغنيه، فيجعل الثلث بينهم نصفين، ونعنى به مساكين أهل البلد الذى بين اظهرهم ماله، وفقراءهم وان قل. ومن اعطى في فقراء أو مساكين فانما أعطى لمعنى فقر، فينظر في المساكين فان كان فيهم من يخرجه من المسكنه مائة واخر يخرجه من المسكنة خمسون، اعطى الذى يخرجه من المسكنه مائه سهمين، والذى يخرجه خمسون سهما وهكذا يصنع في الفقراء

على هذا الحساب، ولا يدخل فيهم، ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته أو فقره، لان العطيه له صدقة وصلة، وما جمع ثوابين كان أفضل من التفرد بأحدهما، فان صرف الثلث في أقل من ثلاثة من الفقراء والمساكين ضمن، فان صرفه في إثنين كان في قدر ما يضمنه وجهان (أحدهما) وهو الذى نص عليه الشافعي في الام انه يضمن ثلث الثلث، لان أهل الاجزاء ثلاثة. والظاهر تساويهم فيه والوجه الثاني: انه يضمن من الثلث قدر مالو دفعه إلى ثلاثة أجزأ، ولا ينحصر بالثلث لان له التسوية بينهم والتفضيل، ولو كان اقتصر على واحد فاحد الوجهين ان يضمن ثلثى الثلث. والوجه الثاني انه يضمن ما يجزئه من دفعه اليهما فلو أوصى بثلث ماله للفقراء أو المساكين صرف الثلث في الصنفين بالسوية ودفع السدس إلى الفقراء وأقلهم ثلاثة، ودفع السدس الاخر إلى المساكين وأقلهم ثلاثة. فان صرفه في أحد الصنفين ضمن السدس للصنف الاخر وجها واحدا، ثم عليه صرف الثلث في فقراء البلد الذى فيه المال دون المالك كالزكاة، فان تفرق ماله اخرج في كل بلد ثلث ما فيه، فان لم يوجدوا فيه نقل إلى أقرب البلاد به كما سلف القول في زكاة المال من المجموع فأما زكاة الفطر ففيها وجهان: (أحدهما) تخرج في بلد المال دون المالك كزكاة المال (والثانى) تخرج في بلد المالك دون المال لانها عن فطرد بدنه وطهرة لصومه فان نقل الزكاة من بلد المال إلى غيره كان في الاجزاء قولان فاما نقل الوصية فقد اختلف أصحابنا في اخراجه على قولين كالزكاة، ومنهم من قال يجزئ قولا واحدا وان أساء، لان الوصية عطية من آدمى قد كان له ان يضعها حيث شاء.

فان وصى في سبيل الله صرف في الغزاة لما قلناه في الزكاة ويصرف ذلك في ثلاثة فصعادا من غزاة البلد ومحاربيه أغنى بلد المال على حسب منازلهم في القرب والبعد ومن كان فيهم فدائيا أو نظاميا، طيارا أو آليا أو من المشاة أو الفرسان فان لم يوجدوا في البلد نقل إلى أقرب البلاد به. (فرع) إذا أوصى بثلثه في الرقاب صرف في المكاتبين، وبه قال أبو حنيفة وقال مالك: يشترى به رقاب يعتقون، وأصل هذا اختلافهم في سهم الرقاب في الزكاة، هل ينصرف في العتق أو في المكاتبين، والدليل على ذلك قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) فأثبت ذلك لهم بلام الملك والعبد لا يملك فيصرف إليه والمكاتب يملك فوجب صرفه إليه، ولانه مصروف في ذوى الحاجات، ولان مال الزكاة مصروف لغير نفع يعود إلى ربه، فلو صرف في العتق لعاد إليه الولاء فإذا تقرر ان سهم الرقاب في الزكاة مصروف في المكاتبين، وجب ان يكون سهم الرقاب في الوصايا مصوفا في المكاتبين، لان مطلق الاسماء المشتركة محمولة على عرف الشرع. (فرع) إذا اوصى بشئ لزيد وللمساكين فقال الشافعي رضى الله عنه: يكون كأحدهم ان عمهم أعطاه كواحد منهم، ومن أصحابنا من قال: يصرف إليه ربع الوصية وثلاثة ارباعها للفقراء، ومنهم من قال: يصرف لزيد نصف الوصية والباقى للفقراء، لانه جعل الوصية لجهتين فوجبت القسمة بينهما وبهذا قال أحمد وأصحابه وأبو حنيفة ومحمد. وعن محمد قول اخر: لزيد ثلثه وللمساكين ثلثاه، لان أقل الجمع اثنان، فان كان اوصى لزيد بدينار وبثلثيه للفقراء، وزيد فقير لم يدفع إليه من سهم الفقراء شئ، وليس له غير الدينار، وبه قال الحسن البصري واسحاق بن راهويه، لان عطفهم عليه يدل على المغايرة بنهما، إذ الظاهر المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ولان تجويز ذلك يفضى إلى تجويز دفع الجميع إليه، ولفظه يقتضى خلاف ذلك. (فرع) وقوله: فإن وصى لقبيلة عظيمة كالعلويين هم أبناء على كرم الله وجهه

وهم يطلقون هذا على من كان من ولد محمد بن الحنفيه، ولذلك أطلق بعض من يريد كمال الشرف منهم لقب الفاطميين على انفسهم حتى ينفوا انهم من ابناء ابن الحنفية فكل فاطمي علوى وليس العكس. أما الهاشميون فهم بنو هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو وسمى هاشما لهشمه الثريد أيام المجاعه. عمرو الذى هشم الثريد لقومه ورجال مكه مسنتون عجاف وولده عبد المطلب بن هاشم وكان لعبد المطلب اثنا عشر ولدا، عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، والعباس وشرار، وحمزة، وحجل، وأبو لهب، وقثم، والغيداق المقب بالمقوم، والحارث أعمام النبي صلى الله عليه وسلم. والعقب منهم لسته حمزه والعباس وأبو لهب والحارث وأبو طالب وعبد الله وقد ذكر ابن حزم وغيره أن حمزة انقرض عقبه. أما طئ بفتح الطاء وتشديد الياء بهمزة في الآخر أخذا من الطاءة على وزن الطاعه، وهى الايغال في المرعى وهم بنو طئ بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وإليهم ينسب حاتم الطائى المشهور بالكرم، وأبو تمام الطائى الشاعر المشهور وهم من العرب العاربه من حمير، كانت منازلهم باليمن ثم افترقوا بعد سيل العرم فنزلوا بنجد والحجاز، ثم غلبوا بنى أسد على جبلى أجأ وسلمى من بلاد نجد فنزلوهما فعرفا بجبلى طئ ثم افترقوا في أول الاسلام زمن الفتوحات في الاقطار، ومنهم بنو ثعل وزيد الخبل، وبنو تميم من العرب المستعربة وكانت منازلهم بأرض نجد ومن بطونهم طانجه ومن بطونها مزينه وهم بنو عثمان وأوس ابني عمر بن أد بن طانجه ومزينه أمهما عرفوا بها وهى بنت وبرة، ومنهم كعب ابن زهير المزني صاحب قصيدة بانت سعاد التى ألقاها أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم الامام إسماعيل بن ابراهيم المزني صاحب الامام الشافعي رضى الله عنه. أما االاحكام: فانه إن وصى لبنى فلان وهم قبيلة ويدخل فيهم الذكر والانثى والخنثى ففى جواز الوصيه قولان.

(أحدهما) تصح وتصرف إلى ثلاثة منهم فما فوق كما قلنا في الفقراء وبصحتها قال أحمد بن حنبل وقال: لا يدخل ولد البنات فيهم لانهم لا ينتسبون إلى القبيلة (والقول الثاني) لا تصح الوصية لعدم إمكان إعطاء الجميع ولا يطلق اللفظ في العرف على فخذ منهم بحيث لو أوصى لبنى طئ فلا يخص بنى مزينة، ولو أوصى لبنى هاشم فلا يخص بنى أبى طالب، فكان باطلا ويخالف الفقراء فانه ينطبق عرفا على ثلاثة منهم، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن أوصى أن يضع ثلثه حيث يرى لم يجز أن يضعه في نفسه لانه تمليك ملكه بالاذن فلم يملك من نفسه كما لو وكله في البيع، والمستحب أن يصرفه إلى من لا يرث الموصى من أقاربه، فان لم يكن له أقارب صرف إلى أقاربه من الرضاع، فان لم يكونوا صرف إلى جيرانه لانه قائم مقام الموصى، ولمستحب للموصى أن يضع فيما ذكرناه فكذلك الوصي. (فصل) وإن وصى بالثلث لزيد ولجبريل، كان لزيد نصف الثلث وتبطل في الباقي، فان وصى لزيد وللرياح ففيه وجهان. أحدهما: أن الجميع لزيد، لان ذكر الرباح لغو. والثانى: أن لزيد النصف وتبطل الوصية في الباقي كالمسألة قبلها، فان قال: ثلثى لله ولزيد ففيه وجهان (أحدهما) أن الجميع لزيد، وذكر الله تعالى للتبرك كقوله تعالى: فأن لله خمسه وللرسول (والثانى) أنه يدفع إلى زيد نصفه والباقى للفقراء لان عامة ما يجب لله تعالى يصرف إلى الفقراء. (فصل) وإن وصى لحمل إمرأة فولدت ذكرا وأنثى صرف اليهما وسوى بينهما، لان ذلك عطية فاستوى فيه الذكر والانثى، وإن وصى إن ولدت ذكرا فله ألف، إن ولدت أنثى فلها مائة فولدت ذكرا وأنثى استحق الذكر الالف والانثى المائة، فان ولدت خنثى دفع إليه المائة لانه يقين ويترك الباقي إلى أن يتبين فان ولدت ذكرين أو أنثيين ففيه ثلاثه أوجه. أحدها: أن الوارث يدفع الالف إلى من يشاء من الذكرين والمائة إلى من

يشاء من الانثيين لان الوصية لاحدهما فلا تدفع اليهما، والاجتهاد في ذلك إلى الوارث كما لو أوصى لرجل بأحد عبديه. والثانى: أنه يشترط الذكران في الالف والانثيان في المائة، لانه ليس أحدهما بأولى من الآخر فسوى بينهما، ويخالف العبد فانه جعله إلى الوارث، وههنا لم يجعله إلى الوارث. الثالث: أنه يوقف الالف بين الذكرين والمائه بين الانثيين إلى أن يبلغا ويصطلحا، لان الوصيه لاحدهما فلا يجوز أن تجعل لهما ولا خيار للوارث، فوجب التوقف، فان قال: ما في بطنك ذكرا فله ألف، وان كان أنثى فله مائة، فولدت ذكرا وأنثى لم يستحق واحد منهما شيئا لانه شرط أن يكون جميع ما في البطن ذكرا أو جميعه أنثى، ولم يوجد واحد منهما. (الشرح) الاحكام: إذا أوصى بثلث ماله إلى رجل يضعه حيث يشاء هو أن يضعه أو حيث أراه الله لم يكن له أن يأخذ منه لنفسه شيئا، وان كان محتاجا لانه أمره بصرفه لا بأخذه ولم يكن له أن يصرفه إلى وارث الموصى، وان كان محتاجا لان الوارث ممنوع من الوصية وليس له أن يودعه عند نفسه ولا أن يودعه غيره، قال الشافعي رضى الله عنه: واختار له أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يغنيهم دون غيرهم، وليس الرضاع قرابة، فان لم يكن له قرابة من قبل الاب والام وكان له رضعاء أحببت أن يعطيهم، فان لم يكن له رضيع أحببت أن يعطى جيرانه الاقرب منهم فالاقرب، وأقصى الجوار منتهى أربعين دارا من كل ناحية وأحب أن يعطيه أفقر من يجده وأشدهم تعففا واستثارا، ولا يبقى في يده شيئا يمكن به أن يخرجه من ساعته. (فرع) ان وصى بالثلث لله ولزيد فقد كان لاصحابنا فيه وجهان. أحدهما: أن الثلث لزيد واسم الله تعالى في الوصية ورد التبرك. والثانى أن يصرف لزيد نصفه ويصرف النصف الباقي للفقراء، فعلى هذا الوجه إذا صرف إلى زيد الثلث كله صمن نصفه.

ولو قال: اصرفوا ثلثى الخير أو في سبيل البر أو في سبيل الثواب قال الشافعي رضى الله عنه: جزئ أجزاء فأعطى ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء، الفقراء والمساكين، وفى الرقاب والغارمين وابن السبيل والحاج، ويدخل الضيف والسائل والمعتر منهم، فان لم يفعل الموصى ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: تجوز الوصية لما في البطن وبما في البطن إذا كان يخرج لاقل من ستة إشهر فان خرجوا عددا ذكورا وإناثا فالوصية بينهم سواء وهم لمن أوصى بهم له، وهذه المسألة مشتملة على فصلين. أحدهما: الوصية للمحمل. والثانى: الوصية بالحمل، فأما الوصية بالحمل فجائزة، لانه لما ملك بالارث وهو أضيق ملك بالوصية التى هي أوسع، فلو أقر للحمل إقرارا مطلقا بطل في أحد القولين، والفرق بينهما أن الوصية أحمل للجهالة له من الاقرار، ألا ترى لو أوصى لمن في هذه الدار صح، ولو أقر له يصح، فإذا قال: قد أوصيت لحمل هذه المرأة بألف نظر حالها إذا ولدت، فان وضعته لاقل من ستة أشهر من حين تكلم بالوصية لا من حين الموت صحت له الوصية لعلمنا أن الحمل كان موجودا وقت الوصية، وان وضعته لاكثر من أربع سنين من حين الوصية فالوصية باطلة لحدوثه بعدها وأنه لم يكن موجودا وقت التكلم بها، وان وضعته لاكثر من ستة أشهر وقت الوصيه ولاقل من أربع سنين، فان كانت ذات زوج يمكن أن يطأ فيحدث ذلك منه فالوصيه باطله لامكان حدوثه فلم يستحق بالشك وان غير ذات زوج يطأ فالوصيه جائزة لان الظاهر تقدمه، والحمل يجرى عليه حكم الظاهر في اللحوق فكذلك في الوصيه فإذا صحت الوصيه له فان وضعت ذكرا أو انثى فالوصية له وان وضعت ذكر أو أنثى كانت الوصيه بينهما نصفين لانها هبه لا ميراث الا إذا فضل الموصى الذكر على الانثى أو العكس فيحمل على تفضيله، فلو قال إذا ولدت غلاما فله ألف، وان ولدت جاريه فلها مائة فولدت غلاما استحق ألفا أو جاريه استحقت مائه، وان ولدت غلاما وجاريه استحق الغلام ألفا والجاريه مائه،

وإن ولدت خنثى دفع إليه مائة لانها يقين ووقف تمام الالف حتى يتبين، وهكذا لو قال: إن كان في بطنك غلام فله ألف، وإن كان في بطنك جارية فلها مائة، فإن ولدت غلامين أو جاريتين صحت الوصية. وفيها ثلاثة أوجه حكاها ابن سريج (أحدها) أن للورثه أن يدفع الالف إلى أي الغلامين شاءوا والمائة إلى أي الجاريتين شاءوا لانها فلم تدفع اليهما، ورجع فيها إلى بيان الوارث كالوصية بأحد عبديه (والوجه الثاني) أنه يشترك الغلامان في الالف والجاريتان في المائة، لانها وصية لغلام وجاريه، وليس أحد الغلامين أولى من الاخر، فشرك بينهما ولم يرجع فيه إلى خيار الوارث بخلاف الوصية باحد العبدين اللذين يملكهما الوارث فجاز أن يرجع إلى خياره فيهما. (والوجه الثالث) أن الالف موقوفه بين الغلامين، والمائة موقوفة بين الجاريتين حتى يصطلحا عليهما بعد البلوغ، لان الوصيه لواحد فلم يشرك فيها بين اثنين، وليس للوارث فيها خيار فلزم فيها الوقف فلو قال: إن كان الذى في بطنك جاريه فلها مائه، فولدت غلاما وجاريه فلا شئ لواحد منهما، بخلاف قوله ان كان في بطنك غلام فله الالف، لانه إذا قال ان كان الذى في بطنك غلام فقد جعل كون الحمل غلاما شرطا في الحمل والوصيه معا، فإذا كان الحمل غلاما وجاريه لم يوجد الشرط كاملا فلم تصح الوصيه. وإذا قال إن كان في بطنك غلام فلم يجعل ذلك شرطا في الحمل، وإنما جعله شرطا في الوصيه فصحت الوصيه. وهكذا لو قال: ان كان ما في بطنك غلاما، فهو كقوله: إن كان الذى في بطنك جاريه، فإذا وضعت غلاما وجاريه فلا وصيه. وكذلك لو قال: إن كان الذى في بطنك غلاما فله ألف فولدت غلامين ففى الوصيه وجهان (أحدهما) باطل كما لو ولدت غلاما وجاريه لانه لم يكن كل حملها غلاما. والوجه الثاني أنها جائزة لان كل واحد منهما غلام فاشتركا في الصفه ولم تضر الزيادة، فعلى هذا يكون على الوجوه الثلاثه التى حكاها ابن سريج من قبل أنها

ترجع إلى بيان الورثة في دفع الالف إلى أحدهما، والثانى يشتركان جميعا فيها. والثالث توقف الالف بينهما حتى يصطلحا عليها. (مسألة) لو قال قد أوصيت لحمل هذه المرأة من زوجها فجاءت بولد نفاه زوجها باللعان، ففى الوصية وجهان (أحدهما) وهو قول ابن سريج ان الوصية باطلة لان لعانه قد نفى أن يكون منه (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ان الوصية له جائزة، لان لعان الزوج إنما اختص بنفس النسب دون غيره من أحكام الاولاد. ألا ترى أنها تعتد به. ولو قذفها به قاذف حدث له. ولو عاد واعترف به لحق به. ولكن لو وضعت بعد أن طلقها ذلك الزوج ثلاثا ولاكثر من أربع سنين من وقت الطلاق ولاقل من ستة أشهر من حين الوصيه فلا وصيه لعلمنا أنه ليس منه. وبخلاف الملاعن الذى يجوز أن يكون الولد منه. (مسألة أخرى) إذا وضعت الموصى بحملها ولدا ميتا فلا وصية كما لا ميراث له، ولو وضعته حيا فمات صحت الوصية وكان لوارث الحمل كالميراث. ولو ضرب ضارب بطنها فألقت جنينا ميتا كان فيه على الضارب قود، ولا وصية له كما لا ميراث له. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) فإن أوصى لرجل بسهم أو بسقط أو بنصيب أو بجزء من ماله فالخيار إلى الوارث في القليل والكثير، لان هذه الالفاظ تستعمل في القليل والكثير. (فصل) فإن أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته أعطى مثل نصيب أقلهم نصيبا لانه نصيب أحدهم، فإن وصى له بمثل نصيب ابنه وله ابن كان ذلك وصية بنصف المال، لانه يحتمل أن يكون قد جعل له الكل، ويحتمل أنه جعله مع ابنه فلا يلزمه الا اليقين، ولانه قصد التسوية بينه وبين ابنه ولا توجد التسوية إلا فيما ذكرناه، فإن كان له ابنان فوصى له بمثل نصيب أحد ابنيه جعل له الثلث، وإن وصى له بنصيب ابنه بطلت الوصية، لان نصيب الابن للابن فلا تصح الوصية به كما لو أوصى له بمال إبنه من غير الميراث.

ومن أصحابنا من قال: يصح ويجعل المال بينهما، كما أوصى له بمثل نصيب إبنه، فإن وصى له بمثل نصيب ابنه وله ابن كافر أو قاتل فالوصية باطله، لانه وصى بمثل نصيب من لا نصيب له، فأشبه إذا وصى بمثل نصيب أخيه وله ابن. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال لفلان نصيب أو حظ أو قليل أو كثير من مالى، فما أعرف لكثير حدا الاحكام: إذا أوصى لرجل بنصيب من ماله أو حظ أو قليل أو كثير ولم يحد ذلك بشئ فالوصية جائزة ويرجع في بيانها إلى الورثة، فما بينوه من شئ كان قولهم فيه مقبولا، فإن ادعى الموصى له أكثر لان هذه الاسماء كلها لا تختص في اللغة ولا في الشرع ولا في العرف بمقدار معلوم لاستعمالها في القليل والكثير ولان القليل والكثير حد، لان الشئ قد يكون قليلا إذا أضيف إلى ما هو أكثر منه، ويكون كثيرا إذا أضيف إلى ما هو أقل منه وحكى عنه عطاء وعكرمة أن الوصية بما ليس بمعلوم من الحظ والنصيب باطلة للجهل بها. وهذا فاسد لان الجهل بالوصايا لا يمنع من جوازها، ألا ترى أنه لو أوصى بثلث ماله وهو لا يعلم قدره جازت الوصية مع الجهل بها، وقد أوصى أنس بن مالك لثابت البنانى بمثل نصيب أحد ولده أما إذا أوصى له بسهم من ماله فقد اختلف الناس فيه، فحكى عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه والحسن البصري وإياس بن معاويه وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل أن له سدس المال. وقال شريح بدفع له بينهم واحد من سهام الفريضتين. وقال أبو حنيفة يدفع إليه مثل نصيب أقل الورثة نصيبا ما لم يجاوز الثلث، فان جاوزه أعطى الثلث. وقال أبو ثور أعطيه سهما من أربعة وعشرين سهما وقال أبو يوسف ومحمد يعطى مثل نصيب أقلهم نصيبا ما لم يجاوز الثلث فإن جاوزه أعطى الثلث وقال الشافعي السهم اسم عام لا يختص بقدر محدود لانطلاقه على القليل والكثير كالحظ والنصيب فيرجع فيه إلى بيان الوارث، فان قيل روى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ لرجل أوصى له سهما سدسا. قيل هي قضية

في عين يحتمل أن تكون البينة قائمة، فأمر بالسدس أو اعترف به الورثة، فإذا ثبت أنه يرجع فيه إلى بيان الورثة قبل منهم ما بينوه من قليل وكثير، فان نوزعوا أحلفوا، فلو لم يبينوا لم تخل حالهم من أن يكون عندهم بيان أو لا يكون، فان لم يكن عندهم بيان رجع إلى بيان الموصى له، فان نوزع أحلف، وان لم يكن عند الموصى له بيان فأبوا أن يبينوا ففيه وجهان من اختلاف قولين فيمن أقر بمجمل وامتنع أن يبين أحدهما يحبس الوارث حتى يبين، والثانى يرجع إلى بيان الموصى له (فرع) إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه قال الشافعي رضى الله عنه (أعطيته مثل أقلهم نصيبا) (قلت) لان الوصايا لا يستحق فيها الا اليقين والاقل، فلا تعين الزيادة على شك، فان كان سهم الزوجة أقل أعطيته مثل سهمها، وان كان سهم غيرها من البنات أو بنات الابن أقل أعطيته مثله، واعتبار ذلك باعتبار سهام كل واحد من الورثة من أصل فريضتهم، فتجعل للموصى له مثل سهام أقلهم، وتضمه إلى أهل الفريضة، ثم يقسم المال بين الموصى له والورثة على ما اجتمع معك من العددين وقد بيناه. ولو وصى إليه بمثل أكثرهم نصيبا اعتبرته زودته على سهام الفريضة ثم قسمت ما اجتمع من العددين على ما وصفناه، فعلى هذا لو اختلف الورثة فقال بعضهم أراد مثل أقلنا نصيبا، وقال بعضهم بل أراد مثل أكثرنا نصيبا أعطيته من نصيب كل واحد من الفريقين حصة مما اعترف بها ومثاله أن يكون الورثة ابنين وبنتين فيكون لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم وللموصى له بمثل نصيب الذكر، ولو أراد أنثى لكان المال مقسوما على سبعة اسم فريضه ابنين وثلاثة بنات ولو ترك ابنا وبنتا وأوصى لرجل بمثل نصيب البنت فذلك ضربان (أحدهما) أن يريد بمثل نصيب البنت قبل دخول الوصية عليها. فعلى هذا يكون الموصى له بمثل نصيب الابن خمس المال وللموصى له بمثل نصيب البنت ربع المال، فيصير بالوصيتين بخمس المال وربعه فيوقف على اجازتهما.

والضرب الثاني: أن يريد بمثل نصيب البنت بعد دخول الوصية عليها فعلى هذا يكون الموصى له بمثل نصيب الابن خمس المال، وللموصى له بمثل نصيب البنت سدس المال فتصير الوصيتان بخمس المال وسدسه فتوقف على اجازتهما فلو ابتدأ فوصى لرجل بمثل نصيب البنت ولآخر بمثل نصيب الابن كان للموصى له بمثل نصيب البنت ربع المال، فأما الموصى له بمثل نصيب الابن، فان أراد قبل دخول الوصية عليه كان له ثلث المال ثم على هذا القياس. ولو ترك بنتا وأخا وأوصى لرجل بمثل نصيب البنت فقد اختلف أصحابنا في قدر ما يستحقه الموصى له على وجهين. (أحدهما) له الربع نصف حصة البنت، لانه لما استحق مع البنت الواحدة الربع لانه نصف نصيبها. (والوجه الثاني) وهو اصح، له الثلث لانه يصير مع البنت الواحدة كبنت ثانية كما يصير مع الابن الواحد كابن ثان، وللواحدة من البنتين الثلث فكذلك للموصى له مثل نصيب البنت الواحدة الثلث، وهكذا لو وصى بمثل نصيب أخت مع عم كان فيما يستحقه بالوصية وجهان. أحدهما: الربع، والثانى الثلث وهكذا لو لم يرث مع البنت والاخت غيرهما، لان لكل واحدة منهما إذا انفردت النصف، والباقى لبيت المال، فعلى هذا لو وصى بمثل نصيب أخ لام فله في أحد الوجهين نصف السدس، وفى الاخر السدس. وجملة ذلك أن الموصى جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليها نصيب الموصى له وجعله مثلا له، وهذا يقتضى أن لا يزاد عليه، فان كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين مثلا فله نصيب أحدهم إذا كانت الوصية بمثل نصيب أحد ورثته فان تفاضلوا فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على الفريضة، فان أوصى بنصيب وارث معين فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة، وبهذا قال الجمهور، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال مالك وابن أبى ليلى وزفر وداود: يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم إذا كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد، ويقسم الباقي بين الورثة

لان نصيب الوارث قبل الوصيه من أصل المال، فلو أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد فالوصية بجميع المال، وان كان له ابنان فالوصيه بالنصف، وان كانوا ثلاثه فالوصيه بالثلث. وقال مالك: إن كانوا يتفاضلون نظر إلى عددهم فأعطى سهما من عددهم لانه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم، وقد أوضحنا أن الموصى جعل وارثه أصلا وقاعدة، وهذا يدل على فساد ما خالفه، لان قاعدة الجمهور تقتضي أن لا يزاد أحدهما على صاحبه، ومتى أعطى من أصل المال فما أعطى نصيبه ولا حصلت له التسوية، والعبادة تقتضي التسوية، وإنما جعل مثل أقلهم نصيبا لانه اليقين، وما زاد فمشكوك فيه فلا يثبت مع الشك. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا اوصى بمثل نصب ابنه ولا ابن له غيره فله النصف، فإن لم يجز الابن فله الثلث. قلت وهذا قول أبى حنيفة وصاحبه: فإن أجازها الابن وإلا ردت على الثلث وقال الك وزفر بن الهذيل وداود بن على: هي وصية بجميع المال، استدلالا بأن نصيب ابنه إذا لم يكن له غيره الجميع فاقتضى أن تكون الوصية بمثل نصيبه وصية بجميع المال، ولانه لو كان وصى له بمثل ما كان نصيب ابنه كانت وصية بجميع المال إجماعا وجب إذا وصى له بمثل نصيب ابنه ان تكون وصيته بجميع المال حجاجا، وهذا فاسد من ثلاثة أوجه. أحدها: ان نصيب الابن اصل والوصية بمثله فرع فلم يجز أن يكون الفرع رافعا لحكم الاصل. والثانى: أنه لو جعلت الوصية بكل المال لخرج أن يكون للابن نصيب، وإذا لم يكن للابن نصيب بطلت الوصية التى هي مثله. والثالث: أن الوصية بمثل نصيب ابنه توجب التسوية بين الموصى له وبين ابنه، فإذا وجب ذلك كانا نصفين ن وفى إعطائه اجميع إبطال للتسوية بينهما كما قررنا، وأما قولهم. إن نصيب الابن كل المال، فالجواب: أن له الجميع مع عدم الوصية، فأما مع الوصية فلا يستحق الجميع.

وأما قوله: وصيت لك بمثل ما كان نصيب ابني فالفرق بينهما أنه لم يجعل له مع الوصية نصيبا فلذلك كانت بكل المال. فعلى هذا لو قال: وصيت لك بنصيب ابني فالذي عليه الجمهور من أصحابنا أن الوصية باطلة، وهو قول أبى حنيفة وأحمد لانها وصية بما لا يملك، لان نصيب الابن ملكه لا ملك أبيه. وقال بعض أصحابنا الوصية جائزة، وهو قول مالك ويجريها مجرى قوله: بمثل نصيب ابنه فيجعلها وصيه بالنصف وعند مالك بالكل ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ولا ابن له كانت الوصية باطلة، وكذلك لو كان له ابن كافر أو قاتل لانه لا نصيب له. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال: بمثل نصيب أحد ولدى فله مع الابنين الثلث ومع الثلاثة الربع حتى يكون كأحدهم. قلت: وإلى هذا ذهب أحمد وأصحابه. وقال مالك: يكون له مع الاثنين النصف ومع الثلاثة الثلث ومع الاربعة الربع، وقد ذكرنا وجه فساده لما فيه من تفضيل الموصى له على ابنه. (قلت) ولو قال: بمثل نصيب ابني وله ولدان فالوصية باطلة، لانه يوصى بنصيب ابنه الذى هو ملك للابن فلا يملك الاب الوصية به كما لو أوصى بما يملكه ولده من كسبه لا من ميراثه، ومن أصحابنا من صحح الوصية وجعلها كقوله: بمثل نصبي أحد ابني، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) فإن وصى بضعف نصيب أحد أولاده دفع إليه مثلا نصيب أحدهم لان الضعف عبارة عن الشئ ومثله، ولهذا يروى أن عمر رضى الله عنه أضعف الصدقة على نصارى بنى تغلب، أي أخذ مثلى ما يوخذ من المسلمين فان وصى له بضعفي نصيب أحدهم أعطى ثلاثة أمثال نصيب أحدهم. وقال أبو ثور يعطى أربعة أمثاله وهذا غلط، لان الضعف عبارة عن الشئ ومثله فوجب أن يكون الضعفان عبارة عن الشئ ومثليه. (فصل) فإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه وأجار الورثة قسم

المال بينهما على خمسة. للموصى له بالثلث سهمان، وللموصى له النصف ثلاثة أسهم فإن لم يجيز واقسم الثلث بينهما على خمسه على ما ذكرناه لان ما قسم على التفاضل عند اتساع المال قسم على التفاضل عند ضيق المال كالمواريث، والمال بين الغرماء فان أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه وأجاز الورثة. قسم المال بينهما على أربعة، للموصى له بالجميع ثلاثة أسهم، وللموصى له بالثلث سهم، لان السهام في الوصايا كالسهام في المواريث، ثم السهام في المواريث إذا زادت على قدر المال أعيلت الفريضة بالسهم الزائد، فكذلك في الوصية، فان لم يجيز واقسم الثلث بينهما على ما قسم الجميع. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال: ضعف ما يصيب أكثر ولدى نصيبا أعطيته مثله مرتين، ولو قال: ضعفين، فان كان نصيبه مائة أعطيته ثلاثمائة، فأكون قد أضعفت المائة التى تصيبه بميراثه مرة فلذاك ضعفان، وهكذا إن قال ثلاثة أضعاف وأربعة، ولم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به اه اللغات: إذا أوصى لرجل بمثل ضعف نصيب أحد أولاده كان الضعف مثلى النصيب، فان كان نصيب الابن مائة كان للموصى له بالضعف مائتين، وبه قال جمهور الفقهاء. وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام الضعف المثل، واستدل بقوله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي مثلين، وقوله تعالى (فآتت أكلها ضعفين) وإذا كان الضعفان مثلين فالواحد مثل. ولنا ان الضعف مثلان بديل قوله تعالى (إذن لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وقال (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) ويروى عن عمر انه اضعف الزكاة على نصارى بنى تغلب فكان يأخذ من المائتين عشرة، وقال لحذيفة وعثمان بن حنيفة لعلكما حملتما الارض مالا تطيق؟ فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت، قال الازهرى الضعف المثل فما فوقه. قال الماوردى في حاوية، والدليل عل ان الضعف مثلان هو ان اختلاف الاسماء يوجب اختلاف المسمى إلا ما خص بدليل. ولان الضعف اعم في اللغة

من المثل فلم يجز أن يسوى بينه وبين المثل، ولان انشقاق الضعف من المضاعفة والثنية من قولهم: أضعف الثوب إذا طويته بطاقين فأما الآية ففيها جوابان (أحدهما) ما حكاه أبو العباس عن الاثرم عن بعض المفسرين أنه جعل عذابهن إذا أتين بفاحشة ثلاثة أمثال عذاب غيرهن فلم يكن فيه دليل (والثانى) أن الضعف قد يستعمل في موضع المثل مجازا إذا صرفه الدليل عن حقيقته، وليست الاحكام تتعلق بالمجاز، وانما تتعلق بالحقائق فأما بيان الاحكام فإنه إذا أوصى له بضعفي نصيب ابنه فقد اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب (أحدها) وهو مذهب مالك أن له مثلى نصيبه لانه جعل الضعف مثلا فجعل الضعفين مثلين والمذهب الثاني وهو مذهب أبى ثور أن له أربعة أمثال نصيبه، لانه لما استحق بالضعف مثلين استحق بالضعفين أربعة أمثال والمذهب الثالث وهو مذهب الشافعي رضى الله عنه وجمهور الفقهاء أن له بالضعفين ثلاثة أمثال نصيبه، فإن كان الابن نصيبه مائة استحق بالضعفين ثلاثمائة، لانه لما أخذ بالضعف سهم الابن ومثله حتى استحق مثلين. وجب أن يأخذ بالضعفين لسهم الابن ومثليه يستحق به ثلاثة أمثاله. فعلى هذا لو أوصى له بثلاثة أضعاف نصيب ابنه استحق أربعة أمثاله، وبأربعة أضعاف خمسة أمثاله وكذلك فيما زاد (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه فقد عالت وصاياه كل ماله، فلا يخلو حال ورثته من ثلاثة أحوال: إما أن يجيزوا جميعا أو يردوا جميعا، أو يجيزوا بعضها ويردوا بعضها، فان أجازوا جميعها قسم المال بينهم على قدر وصاياهم وأصلها من إثنى عشر لاجتماع الثلث والربع ويعول بسهم، وتصح من ثلثه عشر، لصاحب النصف ستة اسهم، ولصاحب الثلث أربعة أسهم، ولصاحب الربع ثلاثة أسهم، وكان النقص ببسهم العول داخلا على جميعهم كالمواريث. وهذا متفق عليه ولم يخالف فيه أبو حنيفة ولا غيره

(فصل) فإن قال أعطوه رأسا من رقيقي ولا رقيق له، أو قال أعطوه عبدى الحبشى وله عبد سندى أو عبدى الحبشى وسماه باسمه ووصفه صفة من بياض أو سواد وعنده حبشي يسمى بذلك الاسم ومخالف له في الصفة فالوصية باطلة لانه وصى له بما لا يملكه، فإن كان له رقيق أعطى منه واحدا، سليما كان أو معيبا لانه لا عرف في هبة الرقيق فحمل على ما يقع عليه الاسلم، فإن مات ماله من الرقيق بطلت الوصية لانه فات ما تعلقت به الوصية من غير تفريط، فإن قتلوا فإن كان قبل موت الموصى بطلت الوصية لانه جاء وقت الوجوب ولا رقيق له ن فإن قتلوا بعد موته وجبت له قيمة واحد منهم لانه يدل ما وجب له. (فصل) فإن وصى بعتق عبد أعتق عنه ما يقع عليه الاسم لعموم اللفظ. ومن أصحابنا من قال: لا يجزى إلا ما يجزى في الكفارة لان العتق في الشرع له عرف وهو ما يجزى في الكفارة فحملت الوصية عليه، فإن وصى أن يعتق عنه رقبة فعجز الثلث عنها ولم تجز الورثة أعتق قدر الثلث من الرقبة لان الوصية تعلقت بجميعها، فإذا تعذر الجميع بقى في قدر الثلث، فان وصى أن يعتق عنه رقاب أعتق ثلاثة لان الرقاب جمع وأقله ثلاثة، فان عجز الثلث عن الثلاثة أعتق عنه ما أمكن، فان اتسع الثلث لرقبتين وتفضل شئ، فان لم يمكن أن يشترى بالفضل بعض الثالثة زيد في ثمن الرقبتين، وإن أمكن أن يشترى به بعض الثالثة ففيه وجهان. (أحدهما) يزاد في ثمن الرقبتين لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن أفضل الرقاب فقال (أكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها) (والثانى) أنه يشترى به بعض الثالثة لقوله صلى الله عليه وسلم (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار) ولان ذلك أقرب إلى العدد الموصى به. (فصل) فان قال أعتقوا عبدا من عبيدى وله خنثى حكم له بأنه رجل، ففيه وجهان. أحدهما أنه يجوز لانه محكوم بأنه عبد. الثاني لا يجوز لان اسم العبد لا ينصرف إليه، فإن قال أعتقوا أحد رقيقي وفيهم خنثى مشكل فقد روى الربيع فيمن وصى بكتابة أحد رقيقه أنه لا يجوز الخنثى المشكل. وروى المزني أنه يجوز

فمن أصحابنا من قال: يجوز كما نقله المزني، لانه من الرقيق، ومنهم من قال لا يجوز كما نقله الربيع لان إطلاق اسم الرقيق لا ينصرف إلى الخنثى المشكل (فصل) فان قال أعطوه شاة جاز أن يدفع إليه الصغير والكبير والضأن والمعز، لان اسم الشاة يقع عليه ولا يدفع إليه تيس ولا كبش على المنصوص ومن أصحابنا من قال يجوز الذكر والانثى، لان الشاة اسم للجنس يقع على الذكر والانثى كالانسان، يقع على الرجل والمرأة فان قال أعطوه شاة من غنمي والغنم إناث لم يدفع إليه ذكر، فان كانت ذكورا لم يدفع إليه أنثى لانه أضاف إلى المال وليس في المال غيره، فان كانت غنمه ذكورا وإناثا فعلى ما ذكرنا من الخلاف فيه إذا أوصى بشاة ولم يضف إلى المال. فان قال أعطوه ثورا لم يعط بقرة، فان قال أعطوه جملا لم يعط ناقة، فان قال أعطوه بعيرا فالمنصوص أنه لا يعطى ناقة. ومن أصحابنا من قال يعطى لان البعير كالانسان يقع على الذكر والانثى، فان قال أعطوه رأسا من الابل أو رأسا من البقر أو رأسا من الغنم جاز الذكر والانثى، لان ذلك اسم للجنس (فصل) فان قال أعطوه دابة فالمنصوص أنه يعطى فرسا أو بغلا أو حمارا واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس: هذا قاله على عادة أهل مصر، فان الدواب في عرفهم الاجناس الثالثة، فان كان الموصى بمصر أعطى واحدا من الثلاثة. وان كان في غيرها لم يعط إلا الفرس، لانه لا تطلق الدابة في سائر البلاد إلا على الفرس. وقال أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يعطى وحدا من الثلاثة في جميع البلاد، لان اسم الدواب يطلق على الجميع، فان قال: أعطوه دابة من دوابى، وليس عنده إلا واحد من الثلاثة أعطى منه، لانه أضاف إلى ماله وليس له غيره فان قال أعطوه دابة ليقاتل عليه العدو لم يعط إلا فرسا. فان قال ليحمل عليه لم يعط إلا بغلا أو حمارا، فان قال لينتفع بنسله لم يعط إلا فرسا أو حمارا لان القرينة دلت على ما ذكرناه. (الشرح) حديث (سئل عن أفضل الرقاب) رواه أحمد والبخاري ومسلم

من حديث أبى ذر رضى الله عنه، وحديث (من أعتق رقبة) رواه ثلاثتهم أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه. أما قوله: فإن قال (أعطوه شاة من غنمي الخ) فهو كما قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أوصى بشاة من ماله، كأن قيل للورثه أعطوه أو اشتروها له، صغيرة كانت أو كبيرة، ضأنا أو معزا. اه قلت: ومعنى هذا أن الوصية جائزة ترك غنما أو لم يترك، لانه جعلها في ماله ويعطيه الورثة ما شاءوا، ضأنا أو معزا كبيرا أو صغيرا سمينا أو هزيلا. وفى استحقاق الانثى وجهان (أحدهما) وهو الظاهر من نصر الشافعي أنه لا يعطى إلا أنثى لان الهاء موضوعة للتأنيث (والوجه الثاني) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن للورثة الخيار في إعطئه ذكرا أو أنثى، لان الهاء من أصل الكلمة في اسم الجنس فاستوى فيه الذكر والانثى، ولكن لو قال شاة من غنمي وكانت غنمه كلها إناثا لم يعطى إلا أنثى. وكذلك لو كانت كلها ذكورا لم يعط لا ذكرا منها. وهكذا لو دل كلامه على المراد منها حمل عليه. مثل قوله شاة ينتفع بدرها ونسلها لم يعط إلا كبيرة أنثى لتكون ذات در ونسل، وسواء كانت ضأنية أو معزية. فان قال شاة ينتفع بصوفها لم يعط إلا من الضأن. ولو قال ينتفع بشعرها لم يعط إلا من المعز، ولا يجوز إذا أوصى بشاة من ماله أن يعطى غزالا ولا ظبيا وان انطلق عليه اسم الشاة مجازا. ولكن لو قال شاة من شياهى ولم يكن في ماله إلا ظبى ففيه وجهان (أحدهما) أن الوصية باطلة، لان اسم الشاة يتناول الغنم، وليس بتركته فبطت (والوجه الثاني) أنها تصح لانه لما اضاف ذلك إلى شائه وليس في ماله إلا ما ينطلق عليه مجاز الاسم دون الحقيقة حمل عليه، وانصرفت وصيته إلى الظبى الموجود في تركته حتى لا تبطل وصيته (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال: بعيرا أو ثورا لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة ولو قال: عشر أنيق وعشر بقرات لم يكن لهم أن يعطوه ذكرا. ولو قال عشرة أجمال أو أثوار لم يكن لهم أن يعطوه أنثى، ولو قال: عشرة من إبلى أعطوه ما شاءوا

قلت: وبهذا نعلم أنه إذا أوصى بثور لم يعط إلا ذكرا. ولو قال بقرة لم يعط الا أنثى وكان بعض أصحابنا يخرج في البقرة وجها آخر أنه يجوز أن يعطى ذكرا أو أنثى كالشاة لان الهاء من أصل اسم الجنس ولا يجوز أن يعدل في الوصيه بالثور والبقرة إلى الجواميس بخلاف الشياء التى ينطلق عليها اسم الضأن والمعز إلا ان يكون في كلامه ما يدل عليه. أو يقول بقرة من بقرى وليس له إلا الجواميس فتنصرف إلى الجواميس، وان كان اسم البقر يتناولها مجازا. لان إضافة الوصية إلى التركة قد صرف الاسم عن حقيقته إلى مجازه. ولا يجوز ان يعدل به إلى بقر الوحش، فان اضاف الوصية إلى بقره ولم يكن له الا بقر الوحش فعلى ما ذكرنا من الوجهين فأما إذا أوصى ببعين فمذهب الشافعي يانه لا يعطى إلا ذكرا، لان الاسم بالذكور أخص. وقال بعض أصحابنا هو اسم للجنس فيعطى ما شاء الوارث من ذكر أو انثى. فأما إذا اوصى له بحمل لم يعط الا ذكرا لاختصاص هذا الاسم بالذكور. ولو أوصى بعشر من إبله اعطاه ما شاء الوارث من ذكور واناث، وسواء اثبت الهاء في العدد أو أسقطها. ومن اصحابنا من قال: إذا أثبت الهاء في العدد فقال عشرة من ابلى لم يعط الا من الذكور لان عددها باثبات الهاء كما هو معروف في قواعد النحو في العدد وان اسقط الهاء في العدد فقال: عشر من ابلى لم يعط الا من الاناث، لان عددها باسقاط الهاء لقوله تعالى (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) وقوله (سبع سموات طباقا) وقوله (سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف) وكما نقول عشر نسوة وعشرة رجال. وهذا لا وجه له لان اسم الابل إذا كان يتناول الذكور والاناث تناولا واحدا صار العدد فيها محمولا على القدر دون النوع واما إذا قال اعطوه مطية أو راحلة فذلك يتناول الذكور والاناث فيعطيه ما شاء الوارث منها.

فأما إذا قال أعطوه دابة فقال الشافعي رضى الله عنه: أعطى من الخيل والبغال والحمير ذكرا أو أنثى صحيحا صغيرا أو كبيرا، أعجف أو سمينا. (قلت) لان اسم الدواب يطلق على كل ما دب على الارض اشتقاقا من دبيبه غير أنه في العرف مختص ببعضها، فان قال: اعطهوه دابة من دوابى فقد اختلف أصحابنا في قول الشافع: أعطى من الخيل والبغال والحمير الخ، فقال أبو العباس ابن سريج يحمل ذلك على عرف الناس بمصر حيث قال ذلك فيهم، وذكره لهم اعتبارا بعرفهم. أما بالعراق والحجاز فلا ينطلق إلا على الخيل وحدها ولا يتناول غيرها إلا مجازا يعرف بقرينة، فإن كان الموصى بمصر خير ورثته بين الاصناف الثلاثة، وإن كان بالعراق لم يعطوه إلا من الخيل. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْن أَبِي هريرة: بل الجواب محمول على ظاهره في كل البلاد، بأن اسم الدواب ينطلق على هذه الاجناس الثلاثة، فإن شذ بعض البلاد بتخصيص بعضها بالاسم لم يعتبر به حكم العرف العام، فلو قرن ذلك بما يدل على التخصيص حمل على قرينته، كقوله: اعطوه دابة يقاتل عليها فلا يعطى إلا من الخيل عتيقا أو هجينا ذكرا أو أنثى ولا يعطى صغيرا ولا مما لا يطيق الركوب، ولو قال: دابة يحمل عليها أعطى من البغال والحمير دون الخيل، ولو قال ينتفع بنتاجها يعطى من الخيل والحمير ولا يعطى من البغال وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) فإن وصى بكلب ولا كلب له فالوصية باطلة، لانه ليس عنده كلب ولا يمكن أن يشترى، فبطلت الوصية، فإن قال: أعطوه كلبا من كلابي وعنده كلاب لا ينتفع بها بطلت الوصية، لان مالا منفعة فيه من الكلاب لا يحل اقتناؤه فان كان ينتفع بها اعطى واحدا منها إلا أن يقرن به قرينة من صيد أو حفظ زرع فيدفع إليه مادلت عليه القرينة، فان كان له ثلاثة كلاب ولا مال له فأوصى بجميعها ولم تجز الوثة ردت إلى الثلث وفى كيفية الرد وجهان. (أحدهما) يدفع إليه من كل كلب ثلثه كسائر الاعيان (والثانى) يدفع إليه

أحدها وتخالف سائر الاعيان لان الاعيان تقوم وتختلف أثمانها والكلاب لا تقوم فاستوى جميها وفيما يأخذ وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى إسحاق أنه يأخذ واحدا منها بالقرعة. (والثانى) يعطيه الوارث ما شاء منها فان كان له كلب واحد فوصى به ولم تجز الورثة ولم يكن له مال أعطى ثلثه، فإن كان له مال ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه يدفع الجميع إلى الموصى له لان أقل المال خير من من الكلب فأمضيت الوصية فيه كما لو أوصى له بشاة وله مال تخرج الشاة من ثلثه (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى انه يدفع إليه ثلث الكلب لانه لا يجوز ان يحصل للموصى له شئ إلا ويحصل للورثه مثلاه ولا يمكن اعتبار الكلب من ثلث المال لانه لا قيمة له فاعتبر بنفسه. (فصل) وان وصى له بطبل من طبوله وليس له الا طبول الحرب اعطى واحدا منها وان لم يكن له إلا طبول اللهو نظرت، فان لم يصلح وهو طبل لغير اللهو، وإن فصل لمباح لم يقع عليه اسم الطبل فالوصية باطله لانه وصية بمحرم وإن كان يصلح لمنفعة مباحه مع بقاء الاسم جازت الوصيه لانه يمكن الانتفاع به في مباح، وإن كان له طبل حرب وطبل لهو ولم يصلح طبل اللهو لغير اللهو اعطى طبل الحرب لان طبل اللهو لا تصح الوصيه به فيصير كالمعدوم، وإن كان يصلح لمنفعه مباحه اعطاه الوارث ما شاء منهما. (فصل) فان وصى بعود من عيدانه وعنده عود اللهو وعود القوس وعود البناء كانت الوصيه بعود اللهو، لان اطلاق الاسم ينصرف إليه، فان كان عود اللهو يصلح لمنفعه مباحه دفع إليه ولا يدفع معه الوتر والمضراب لان اسم العود يقع من غير وتر ولا مضراب، وان كان لا يصلح لغير اللهو فالوصيه باطله لانه وصيه بمحرم. ومن أصحابنا من قال: يعطى من عود القوس والبناء لان المحرم كالمعدوم كما قلنا فيمن وصى بطبل من طبوله، وعنده طبل حرب وطبل لهو انه تجعل الوصيه في طبل الحرب ويجعل طبل اللهو كالمعدوم. والمذهب انه لا يعطى شيئا

لان العود لا يطلع إلا على عود اللهو. والطبل يطلق على طبل اللهو وطبل الحرب فإذا بطل في طبل اللهو حمل على طبل الحرب، فان قال أعطوه عودا من عيداني وليس عنده إلا عود القوس أو عود البناء أعطى منها لانه أضاف إلى ما عنده وليس عندها سواه. (فصل) فان وصى له بقوس كانت الوصية بالقوس الذى يرمى عنه النبل والنشاب دون قوس الندف والجلاهق وهو قوس البندق، لان اطلاق الاسم ينصر إلى ما يرمى عنه ولا يعطى معه الوتر. ومن أصحابنا من قال: يعطى معه الوتر لانه لا ينتفع به إلا مع الوتر، والصحيح أنه لا يعطى لان الاسم يقع عليه من غير وتر، فان قال: أعطهوه قوسا من قسى وليس عنده الا قوس الندف أو قوس البندق أعطى مما عنده لانه أضاف إلى ما عنده وليس عنده سواه، وان كان عنده قوس البندق وقوس الندف أعطى قوس البندق لان الاسم إليه أسبق. (فصل) فان وصى بعتق مكاتبه أو بالابراء مما عليه من الثلث أقل الامرين من قيمته أو مال الكناية لان الابراء عتق، والعتق إبراء فاعتبر أقلهما وألغى الاخر فان احتملهما الثلث عتق وبرئ من المال، وان لم يحتمل شيئا منه لديون عليه بطلت الوصية وأخذ المكاتب بأداء جميع ما عليه فان أدى عتق وإن عجز رق وتعلق به حق الغرماء والورثة، فان احتمل الثلث بعض ذلك مثل أن يحتمل النصف من أقل الامرين عتق نصفه وبقى نصفه على الكناية فان أددى عتق وان عجز رق، وان احتمل الثلث أحدهما دون الآخر اعتبر الاقل فعتق به فان لم يكن له مال غير العبد نظر، فان كان قد حل عليه مال الكناية عتق ثلثه في الحال وبقى الباقي على الكناية ان أدى عتق وان عجز رق، وان لم يحل عليه مال الكناية ففيه وجهان. (أحدهما) لا يتعجل عتق شئ منه لانه يحصل للموصى له الثلث ولم يحصل للورثة مثلاه وهذا لا يجوز كما لو أوصى بالثلث وله مال حاضر ومال غائب فانه لا تمضى الوصية في شئ حتى يحصل للورثة مثلاه.

(والثانى) وهو ظاهر المذهب أنه يتعجل عتق ثلثه ويقف الثلثان على العتق بالاداء أو الرق بالعجز لان الورثة على يقين من الثلثين اما بالاداء واما بالعجز بخلاف ما لو كان له مال حاضر ومال غائب لانه ليس على يقين من سلامة الغائب (فصل) فان قال: ضعوا عن مكاني أكثر ما عليه وضع عنه النصف وشئ لانه هو الاكثر، فان قال: ضعوا عنه ما شاء من كتابته فشاء الجميع فقد روى الربيع رحمه الله أنه يوضع عنه الجميع الا شيئا، وروى المزني أنه إذا قال ضعوا عنه ما شاء فشاءها كلها وضع الجميع لا شيئا، فمن أصحابنا من قال الصحيح ما رواه الربيع، لان قوله من كتابته يقتضى التبعيض وما رواه المزني خطأ في النقف والذى يقتضيه أن يوضع عنه الكل إذا شاء لان قوله ما شاء علم في الكل والبعض، وقال أبو إسحاق ما نقله الربيع صحيح على ما ذكرناه وما نقله المزني أيضا صحيح فانه يقتضى أن يبقى من الكل شئ، لانه لو أراد وضع الجميع لقال ضعوا عنه مال الكتابة فلما علقه على ما شاء دل على أنه لم يرد الكل. فإن قال: ضعوا عنه ماقل وما كثر وضع الوارث عنه ما شاء من قليل وكثير لانه ما من قدر الا وهو قليل بالاضافة إلى ما هو أكثر وكثير بالاضافة إلى ما هو أقل منه. فإن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه وضع عنه أكثرها مالا لان اطلاق الاكثر ينصرف إلى كثرة المال دون طول المدة. فإن قال ضعوا عنه أوسط النجوم واجتمع في نجومه أوسط في القدر واوسط في المدة وأوسط في العدد كان للوارث أن يضع أي الثلاثة شاء لان الوسط يقع على الثلاثة فإن استوى الجميع في المدة والقدر وضع عنه الاوسط في العدد، فان كانت النجوم ثلاثه وضع عنه الثاني، فان كانت أربعه وضع عنه الثاني والثالث، فان كانت خمسه وضع عنه الثالث وعلى هذا القياس. (فصل) وان كاتب عبده كتابة فاسدة ثم أوصى لرجل بما في ذمته لم تصح الوصيه لانه لا شئ له في ذمته فصار كما لو وصى بماله في ذمة حر ولا شئ له في ذمته، وان وصى له بما يقبضه منه صحت الوصيه لانه أضاف إلى حال يملكه فصار كما لو وصى له برقبة مكاتب إذا عجزه وفى هذا عندي نظر لانه لا يملكه

بالقبض وانما يعتق بحكم الصفة كما يعتق بقبض الخمر إذا كاتبه عليه ثم لا يملكه، وان وصى برقبته والكتابة فاسدة نظرت فان لم يعلم بفساد الكتابة ففيه قولان، (أحدهما) أن الوصية جائزة لانها صادفت ملكه. (والثانى) أنها باطلة لانه وصى وهو يعتقد أنه يملك الوصيه وان وصى بها وهو يعلم أن الكتابة فاسدة صحت الوصية قولا واحدا كما لو باع من رجل شيئا بيعا فاسدا ثم باعه من غيره وهو يعلم فساد البيع الاول، ومن أصحابنا من قال: القولان في الجميع ويخالف البيع فان فاسده لا يجرى مجرى الصحيح في الملك وفى الكتابة الفاسدة كالصحيح في العتق والصحيح هو الطريقة الاولى. (فصل) وان وصى بحج فرض من رأس المال حج عنه من الميقات لان الحج من الميقات. وما قبله تسبب إليه فان وصى به من الثلث، فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه يحج عنه من بلده، فان عجز الثلث عنه تمم من رأس المال لانه يجب عليه الحج من بلده. (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا أنه من الميقات لان الحج يجب بالشرع من الميقات فحملت الوصيه عليه، وان أوصى أن يجعل جميع الثلث في حج الفرض حج عنه من بلده، وان عجز الثلث عن ذلك حج عنه من حيث أمكن من طريقه، وان عجز عن الحج من الميقات تمم من رأس المال ما يحج به من الميقات لان الحج من الميقات مستحق من رأس المال وانما جعله من الثلث توفيرا على الورثة فإذا لم يف الثلث بالجميع بقى فيما لم يف من رأس المال. (فصل) وان أوصى بحج التطوع، وقلنا انه تدخله النيابة نظرت، فان قال أحجوا بمائه من ثلثى حج عنه من حيث أمكن، وان لم يوجد من يحج بهذا القدر بطلت الوصيه وعاد المال إلى الورثة لانها تعذرت فبطلت كما لو أوصى لرجل بمال فرده، وان قال: أحجوا عنى بثلثي صرف الثلث فيما أمكن من عدد الحجج فان اتسع المال لحجة أو حجتين وفضل ما لا يكفى لحجة أخرى من بلده حج من حيث أمكن من دون بلده إلى الميقات، فان عجز الفضل عن حجة من الميقات رد الفضل إلى الورثة، وان أمكن أن يعتمر به لم يفعل لان الموصى له هو الحج

دون العمرة، فإن قال أحجوا عنى حج عنه بأجرة المثل من حيث أمكن من بلده إلى الميقات، فإن عجز الثلث عن حجة من الميقات بطلت الوصية لما ذكرناه. (فصل) وإن وصى أن يحج عنه رجل بمائة ويدفع ما يبقى من الثلث إلى آخر وأوصى بالثلث لثالث فقد وصى بثلثي ماله، فان كان الثلث مائة سقطت وصيته للموصى له بالباقي لان وصيته فيما يبقى بعد المائة ولم يبق شئ، فان أجاز الورثة دفع إلى الموصى له بالثلث ثلثه وهو مائه وإلى الموصى له بالمائة مائه وان لم يجيزوا قسم الثلث بين الموصى له بالثلث وبين الموصى له بالمائة نصفين لانهما اتفقا في قدر ما يستحقان وهو المائه، فان كان الثلث أكثر من مائه وأجاز الورثة دفع الثلث إلى الموصى له بالثلث ودفع مائه إلى الموصى له بالمائة ودفع ما بقى إلى الموصى له بالباقي، وإن لم يجيزوا ما زاد على الثلث ردت الوصية إلى نصفها وهو الثلث، فيدفع إلى الموصى له بالثلث نصف الثلث، وفى النصف الآخر وجهان: (أحدهما) يقدم فيه الموصى له بالمائة ولا يدفع إلى الموصى له بالباقي شئ حتى يأخذ الموصى له بالمائة حقه لانه وإن ككان قد اعتد به مع الموصى له بالمائة في إحراز الثلث إلا أن حقه فيما يبقى بعد المائة فلا يأخذ شيئا قبل أن يستوفى الموصى له بالمائة حقه كما اعتد بالاخ من الاب مع الاخ من الاب والام على الجد في إحراز ثلثى المال ثم لا يأخذ شيئا مع الاخ من الاب والام، فان كان النصف مائه أو أقل أخذه الموصى له بالمائة، وان كان أكثر أخذ الموصى له بالمائة مائه وأخذ الموصى له بالباقي ما يبقى. (والوجه الثاني) أن الموصى له بالمائة والموصى له بالباقي يقسمان النصف على قدر وصبتهما من الثلث، فان كان الثلث مائتين اقتسما المائة نصفين لكل واحد منهما خمسون وإن كان مائه وخمسين اقتسما الخمسة والسبعين اثلاثا، الموصى له بالمائة خمسون، وللموصى له بالباقي خمسة وعشرون، وعلى هذا القياس، لانه إنما أوصى له بالمائة من كل الثلث لا من بعضه فلم يجز أن يأخذ

من نصف الثلث ما كان يأخذ من جميعه، كأصحاب المواريث إذا زاحمهم من له فرض أو وصية. (فصل) وإن بدأ فوصى بثلث ماله لرجل ثم وصى لمن يحج عنه بمائة ووصى لآخر بما يبقى من الثلث فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أن الوصية بالباقي بعد المائة باطلة لان الوصية بالثلث تمنع من أن يبقى شئ من الثلث فعلى هذا إن أجاز الورثة نفذت الوصيتان، وإن لم يجيز واردت الوصية إلى الثلث، فإن كان الثلث مائه استوت وصيتهما فيقتسمان الثلث بينهما نصفين، وإن كان الثلث خمسمائة قسم الثلث بينهما على ستة أسهم للموصى له بالثلث خمسة أسهم وللموصى له بالمائة سهم، فإن كان الثلث ألفا قسم على أحد عشر سهما للموصى له بالثلث عشرة أسهم وللموصى له بالمائة سهم. والوجه الثاني: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إن الحكم في هذه المسألة كالحكم في المسألة قبلها لانه إذا أوصى بالمائة بعد الثلث علم أنه لم يرد ذلك الثلث لان الوصيه الاولى قد استوعبته وإنما أراد ثلثا ثانيا، فإذا أوصى بعد المائه بما يبقى من الثلث دل على أنه أراد ما يبقى من الثلث الثاني، فصار موصيا بثلثي ماله كالمسألة قبلها. (فصل) وان وصى لرجل بعبد ولآخر بما بقى من الثلث قوم العبد مع التركة بعد موت الموصى، فان خرج من الثلث دفع إلى الموصى له فان بقى من الثلث شئ دفع إلى الآخر وان لم يبق شئ بطلت الوصيه بالباقي لان وصيته فيما في، وإن أصاب العبد عيب بعد موت الموصى قوم سليما ودفع إلى الموصى له الباقي لانه وصى له بالباقي من قيمته وهو سليم. وإن مات العبد بعد موت الموصى بطلت الوصيه فيه وقوم وقت الموت مع التركة ودفع إلى الموصى له الباقي من الثلث لانهما وصيتان فلا تبطل إحداهما ببطلان الاخرى، كما لو وصى لرجلين فرد أحدهما. (فصل) فان وصى له بمنفعة عبد ملك الموصى له منافعه واكتسابه، فان كان

جارية ملك مهرها لانه بدل منفعتها، ولا يجوز للمالك وطؤها لانه تملك الرقبه من غير منفعه ولا الموصى له وطؤها لانه تملك المنفعة من غير الرقبه والوطئ لا يجوز إلا في ملك تام ويجوز تزويجها لاكتساب المهر وفيمن يملك العقد ثلاثة أوجه (أحدها) يملكه الموصى له بالمنفعه لان المهر له (والثانى) يملكه المالك لانه يملك رقبتها (والثالث) لا يصح العقد إلا باتفاقهما لان لكل واحد منهما حقا فلا ينفرد به أحدهما دون الاخر، فان أتت بولد مملوك ففيه وجهان (أحدهما) أنه للموصى له لانه من جملة فوائدها فصار كالكسب (والثانى) أنه كالام رقبته للمالك ومنفعته للموصى له لانه جزء من الام فكان حكمه حكم الام، فان قتل ففى قيمته وجهان (أحدهما) أنها للمالك لانها بدله فكانت له (والثانى) وهو الصحيح أنه يشترى به مثله للمالك رقبته وللموصى له منفعته لانه قائم مقام الاصل فكان حكمه حكم الاصل، فان جنى على طرفه ففى أرشه وجهان (أحدهما) أنه للمالك لانه يدل ملكه (والثانى) وهو الصحيح أن ما قابل منه ما نقص من قيمة الرقبه للمالك وما قابل منه ما نقص من المنفعة للموصى له لانه دخل النقص عليهما فقسط الارش عليهما، فان احتاج العبد إلى نفقة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أن النفقه على الموصى له بالمنفعه لان الكسب له. (والثانى) أنها على المالك، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لان النفقة على الرقبه فكانت على مالكها (والثالث) أنها في كسبه فان لم يف الكسب ففى بيت المال لانه لا يمكن ايجابها على المالك لانه لا يملك الانتفاع ولا على الموصى له لانه لا يملك الرقبه فلم يبق الا ما قلناه، فان احتاج البستان الموصى بثمرته إلى سقى أو الدار الموصى بمنفعتها إلى عمارة لم يجب على واحد منهما، لانه لو انفرد كل واحد منهما بملك الجميع لم يجبر على الانفاق فإذا اشتركا لم يجب (فصل) فان أراد المالك بيع الرقبه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجوز لانه يملكها ملكا تاما (والثانى) أنه لا يجوز لانها عين مسلوبة المنفعة فلم يجر

بيعها كالاعيان التى لا منفعه فيها (والثالث) يجوز بيعها من الموصى له لانه يمكنه الانتفاع بها ولا يجوز من غيره لانه لا يمكنه الانتفاع بها فان أراد أن يعتقه جاز لانه يملكه ملكا تاما وللموصى له أن يستوفى المنفعة بعد العتق لانه تصرف في الرقبه فلم يبطل به حق الموصى له من المنفعة ولا يرجع العبد على المالك بأجرته كما يرجع العبد المستأجر على مولاه بعد العتق في أحد القولين لان هناك ملك المولى بدل منفعته ولم يملك المولى ههنا بدل المنفعة (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال أعطوه كلبا من كلابي أعطاه الوارث أيها شاء وهذا كما قال، فإن الوصية بالكلب المنتفع به جائزة، لانه لما جاز إقراره في يد صاحبه، وحرم انتزاعه من يد صاحبه جاز أن يكون وصيه وميراثا فإذا أوصى له بكلب ولا كلاب له فالوصية باطلة، لانه لا يصح أن يشترى ولا يلزم أن يستوهب، وإن كان له كلاب فضربان: منتفع به وغير منتفع، فان كانت كلابه كلها غير منتفع بها فالوصية باطله لحظر اقتنائه وتحريم إمساكه، وإن كانت كلها منتفعا بها فكان له كلب حرث وكلب ماشية وكلب صيد نظرت، فان كان الموصى له صاحب حرث وماشية وصيد فالوارث بالخيار في إعطائه أي كلب شاء من حرث أو ماشية أو صيد. وإن كان الموصى له ليس بصاحب حرث ولا ماشية ولا صيد ففى الوصية وجهان. أحدهما الوصية باطلة اعتبارا بالموصى له وأنه غير منتفع به، وإن كان الموصى له ممن ينتفع بأخذها بأن كان صاحب حرث لا غير أو صاحب صيد لا غير فالوصية جائزة، وفيها وجهان. أحدهما: يلزم الوارث أن يعطيه الكلب الذى يختص بالانتفاع به دون غيره اعتبارا بالموصى له. والثانى أن للوارث الخيار في إعطائه أي الكلاب شاء اعتبارا بالموصى به. فأما الوصية بالجرو الصغير المعد للتعليم ففى جوازها وجهان من اختلاف الوجهين في اقتنائه. أحدهما: أن اقتناءه غير جائز والوصية به باطله لانه غير منتفع به في الحال. والثانى أن اقتناءه جائز والوصية به جائزة لانه سينتفع به في ثانى حال، ولان تعليمه منفعة في الحال.

ولو كان لرجل ثلاثة كلاب ولم يترك شيئا سواها فأوصى بجميعها لرجل، فإن أجازها الورثة له وإلا ردت الوصيه إلى الثلث، ثم في كيفية رجوعها إلى الثلث وجهان. أحدهما أن تستحق من كل كلب ثلثه فيحصل له ثلث الثلاثة، ولا يستحق واحدا بكماله إلا عن مراضاته، والوجه الثاني: أنه قد استحق بالوصية أحدها بخلاف الاموال، لان الاموال مقومه تختلف اثمانها، وليس كالكلاب التى لا تقوم، فاستوى فيه حكم جميعها، فعلى هذا فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المروزى أنه يأخذ أحدها بالقرعة. الثاني أن للورثة أن يعطوه أيها شاءوا فأما إن كان له كلب واحد ولا مال له غيره فأوصى به لرجل فهو كمن أوصى بجميع ماله، فإن أجازه الورثة وإلا كان للموصى له ثلثه وللورثه ثلثاه، ويكون بينهما على المهايأة. وإن ملك مالا فأوصى بهذا الكلب الذى ليس له كلب سواه ففى الوصية وجهان. أحدهما وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن الوصيه جائزة في الكلب كله للموصى به له، لان قليل المال خير من الكلب الذى ليس بمال. والوجه الثاني - وهو قول ابى سعيد الاصطخرى - ان للموصى له ثلث الكلب إذا منع الورثة من جميعه. وإن كثر مال التركة لانه ممالا يمكن أن يشترى فيساويه الورثة فيما صار إليهم من المال، فاختص الكلب بحكمه وصار كأنه جميع التركة، فلو ترك ثلاثة كلاب ومالا، وأوصى بجميع كلابه الثلاثة، فعلى قول أبى على بن أبى هريرة: الوصيه بجميع الكلاب الثلاثه ممضاة وإن قل مال التركة وعلى قول أبى سعيد الاصطخرى تصح الوصيه في أحدها إذا امنع الورثة من جميعها (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال أعطوه طبلا من طبولي وله طبلان للحرب واللهو أعطاه أيهما شاء، فإن لم يصلح الذى للهو الا للطرب لم يكن لهم أن يعطوا إلا الذى للحرب وأصل هذه المسائل أن الوصيه بما لا منفعة فيه باطله والوصيه بما فيه منفعة مباحه ومنفعة محظورة ومنفعة مشتركة بين الحظر والاباحه ن فإن كانت المنفعة مباحه جاز بيع ذلك والوصيه به، وان كانت المنفعة محظورة لم يجز بيعه ولا الوصيه به وان كانت مشتركة جاز بيعه والوصيه به لاجل الاباحه ونهى عن استعماله في الحظر

فإذا ثبت هذا: وأوصى له بطبل من طبوله، فان لم يكن له إلا طبول الحرب فالوصية به جائزة، لان طبل الحرب مباح، ثم ينظر، فإن كان اسم الطبل يطلق عليه بغير جلد دفع إليه الطبل بغير جلد، وإن كان لا يطلق عليه الاسم الا بالجلد دفع إليه مع جلده، وإن كانت طبوله كلها طبول اللهو فإن كانت لا تصلح إلا للهو فالوصية باطله لان طبول اللهو محظورة، وإن كانت تصلح لغير اللهو في غير المنافع المباحة جازت الوصية بها. وإن كانت طبوله نوعين طبول حرب وطبول لهو فإن كانت طبول اللهو لا تصلح لغير اللهو لم يعط إلا طبل الحرب، وان كانت طبول اللهو تصلح لغيره من المباحات كان الوارث بالخيار في اعطائه ما شاء من طبل لهو أو حرب لانطلاق الاسم عليه، إلا أن يدل كلامه على أحدهما فيحمل عليه، كقوله: أعطوه طبلا للجهاد أو الارهاب فلا يعطى إلا طبل الحرب، وإن قال: طبلا للفرح والسرور لم يعط إلا طبل اللهو. فأما الوصية بالدف العربي فجائزة لورود الشرع باباحة الضرب به في المناكح (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال: عودا من عيداني، وله عبدان يعزف بها وعيدان قسى وعصى وغيرها، فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذى يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود، فان كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ولم يكن عليه إلا اقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا وتر، وان كان لا يصلح لغير الضرب بطلت عندي الوصية. ومعنى كلام الشافعي أنه إذا قال: اعطوه عودا من عيداني فمطلق هذا الاسم يتناول عيدان الضرب والعزف واللهو دون عيدان القسى والعصى، فان كان عود الضرب لا يصلح لغير الضرب واللهو فالوصيه باطله، وان كان يصلح لغير اللهو فالوصية جائزة، ويعطاه بغير وتر لانطلاق الاسم عليه، وان لم يكن عليه وتر ينظر فان كان لا يصلح لغير اللهو الا بعد تفصيله وتخليعه فصل وخلع ثم دفع إليه، وان كان يصلح لغير اللهو لم يفصل ودفع إليه غير مفصل. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه (وكذلك المزمار) يعنى أنه ان كان

لا يصلح الا للهو فالوصية باطله، وان كان يصلح لغير اللهو فالوصية به جائزة، ثم الكلام في التفصيل على ما مضى. فأما الشبابه التى ينفخ فيها مع طبل الحرب وفى الاسفار، فالوصية بها جائزة. وقال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال: أعطوه قوسا من قسى وله قسى معمولة، وقسى غير معمولة أو ليس منها شئ فقال: اعطوه عودا من القسى كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا - صغيرة أو كبيرة. عربية أو أي عمل شاءوا - إذا وقع عليه اسم قوس ترمى بالنبل أو النشاب أو الحسبان ومعنى هذا الكلام أنه إذا أوصى بقوس من القسى فمطلق القوس يتناول قوس السهام والحربة دون قوس النداف والجلاهق الذى هي منها البندق، فلا يعطى الا قوس السهام الحربية سواء أعطاه قوس نشاب وهى الفارسية، أو قوس نبل وهى العربية أو قوس حسبان، والخيار فيها إلى الوارث لاشتراك الاسم في جميعها، ولا يلزم أن يدفع الوتر معه، لانه يسمى قوسا بغير وتر، وهكذا لو أوصى له بدابة لم يعط سرجها. فأما أن قال: أعطوه قوسا من قسى وله قوس نداف وقوس جلاهق أعطى قوس الجلاهق التى يرمى عنها لانها أخص بالاسم، فان لم يكن له الا قوس نداف دفع إليه، ولو اقترن بكلامه ما يدل على مراده عمل على ما دل عليه كلامه من القسى الثلاث. أما بقية الفصول فقد مضى الكلام على بعضها، ومنها ما هو على وجهه من كلام المصنف، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله تعالى باب الرجوع في الوصية يجوز الرجوع في الوصية لانها عطية لم تزل الملك فجاز الرجوع فيها كالهبة قبل القبض، ويجوز الرجوع بالقول والتصرف لانه فسخ عقدا قبل تمامه فجاز بالقول والتصرف كفسخ البيع في مدة الخيار، وفسخ الهبة قبل القبض، وإن قال هو حرام عليه فهو رجوع لانه لا يجوز أن يكون وصية له وهو محرم عليه، فان قال: لوارثي فهو رجوع لانه لا يجوز أن يكون للوارث وللموصى له، وإن قال هو تركتي ففيه وجهان. أحدهما: أنه رجوع لان التركة للورثة، والثانى: أنه ليس برجوع لان الوصية من جملة التركة. (فصل) وإن وصى لرجل بعبد ثم وصى به لاخر لم يكن ذلك رجوعا لامكان أن يكون نسى الاول أو قصد الجمع بينهما، فان قال ما وصيت به لفلان فقد وصيت به لاخر فهو رجوع، ومن أصحابنا من قال: ليس برجوع كالمسألة قبلها والمذهب الاول لانه صرح بالرجوع. (فصل) وإن باعه أو وهبه وأقبض أو أعتقه أو كاتبه أو أوصى أن يباع أو يوهب ويقبض أو يعتق أو يكاتب قهو رجوع، لانه صرفه عن الموصى له، وإن عرضه للبيع أو رهنه في دين أو وهبه ولم يقبضه فهو رجوع، لان تعريضه لزوال الملك صرف عن الموصى له. ومن أصحابنا من قال: إنه ليس برجوع لانه لم يزل الملك، وليس بشئ، وإن وصى بثلث ماله ثم باع ماله لم يكن ذلك رجوعا لان الوصية بثلث المال عند الموت لا بثلث ما باعه، فإن وصى بعبد ثم دبره - فإن قلنا: ان التدبير عتق بصفة - كان ذلك رجوعا، لانه عرضه لزوال الملك، وإن قلنا: إنه وصية وقلنا في أحد القولين: إن العتق يقدم على سائر الوصايا - كان ذلك رجوعا لانه أقوى من الوصية فأبطلها، وان قلنا: إن العتق كسائر الوصايا ففيه وجهان

(أحدهما) أنه ليس برجوع، فيكون نصفه مدبرا ونصفه موصى به، كما لو أوصى به لرجل ثم وصى به لآخر (والثانى) أنه رجوع، لان التدبير أقوى، لانه يتنجز من غير قبول، والوصية لا تتم إلا بالقبول، فقدم التدبير كما يقدم ما تنجز في حياته من التبرعات على الوصية. (فصل) وان وصى له بعبد ثم زوجه أو أجره أو علمه صنعة أو ختنه لم يكن ذلك رجوعا، لان هذه التصرفات لا تنافى الوصية، فإن كانت جاريه فوطئها لم يكن ذلك رجوعا لانه استيفاء منفعة فلم يكن رجوعا كالاستخدام. وقال أبو بكر بن الحداد المصرى: ان عزل عنها لم يكن رجوعا، وان لم يعزل عنها كان رجوعا لانه قصد التسرى بها. (فصل) وان وصى بطعام معين فخلطه بغيره كان ذلك رجوعا لانه جعله على صفة لا يمكن تسليمه، فإن وصى بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بمثلها لم يكن ذلك رجوعا، لان الوصية مختلطة بمثلها، والذى خلطه به مثله، فلم يكن رجوعا، فإن خلطه بأجود منه كان رجوعا، لانه أحدث فيه بالخلط زيادة لم يرض بتمليكها، فان خلطه بما دونه ففيه وجهان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: انه ليس برجوع، لانه نقص أحدثه فيه فلم يكن رجوعا كما لو أتلف بعضه. (والثانى) أنه رجوع لانه يتغير بما دونه كما يتغير بما هو أجود منه، فان نقله إلى بلد أبعد من بلد الموصى له ففيه وجهان (أحدهما) أنه رجوع لانه لو لم يرد الرجوع لما أبعده عنه (والثانى) أنه ليس برجوع لانه باق على صفته. (فصل) فان وصى بحنطة فقلاها أو بذرها كان ذلك رجوعا، لانه جعله كالمستهلك، وان وصى بحنطة فطحنها أو بدقيق فعجنه، أو بعجين فخبزه، كان ذلك رجوعا، لانه أزال عنه الاسم، ولانه جعله للاستهلاك، وان وصى له بخبز فجعله فتيتا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه رجوع لانه أزال عنه اطلاق اسم الخبز، فأشبه إذا ثرده. (والثانى) ليس برجوع، لان الاسم باق عليه، لانه يقال خبز مدقوق،

وان وصى برطب فجعله تمرا ففيه وجهان. أحدهما: أنه رجوع لانه أزال عنه اسم الرطب. والثانى: ليس برجوع لانه أبقى له وأحفظ على الموصى له. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها أن ينقضها كلها أو يبدل منها ما شاء التدبير أو غيره ما لم يمت، وإن كان في وصيته إقرار بدين أو غيره أو أعتق بثاث فذلك شئ واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته، فليس له أن يرجع من ذلك في شئ. ثم قال في باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ولا تغييرا: وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل فالعبد بينهما نصفان، ولو قال: العبد الذى أوصيت به لفلان لفلان، أو قد أوصيت بالذى أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الاولى، وكانت وصيته للآخر منهما، ولو أوصى لرجل بعبد ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا على إبطال وصيته به للاول، ولو أوصى لرجل بعبد ثم باعه أو كاتبه أو دبره أو وهبه كان هذا كله ابطالا للوصية فيه. ثم قال: ولو أوصى به لرجل ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد أو أجره أو علمه كتابا أو قرآنا أو علما أو صناعة أو كساه أو وهب له مالا أو زوجه لم يكن شئ من هذا رجوعا في الوصية، ولو كان الموصى به طعاما فباعه أو وهبه أو أكله أو كان حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه أو خبزه، أو حنطة فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية، ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا ابطالا للوصية، ولو أوصى له بما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا ابطالا للوصية وكانت له المكيلة التى أوصى بها له. اه قلت: ما أورد الشافعي في هذا الكلام صور لما يمكن أن يكون رجوعا بالصرف وابطالا، أو تصرفا لا يعد رجوعا ولا يؤثر في صحتها، وبيان هذا أنه إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لاخر أو وصى بثله له ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لاخر فهو بينهما، ولا يكون ذلك رجوعا

في الوصية الاولى، وبهذا قال ربيعة ومالك والشورى والشافعي وإسحاق وأحمد ابن حنبل وابن المنذر وأصحاب الرأى. وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وداود بن على وصيته للآخر منهما، لانه وصى للثاني بما وصى به للاول فكان رجوعا، كما لو قال: ما وصيت به لبشر فهو لبكر، ولان الثانية تنافى الاولى، فإذا أتى بها كان رجوعا، كما لو قال: هذا لورثتي ولنا أنه وصى لهما فاستويا فيها، كما لو قال لهما: وصيت لكما بسيارتى، وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته. وفى مسألتنا يحتمل أنه قصد التشريك فلم تبطل وصية أحدهما بالشك. وإن قال: ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كان ذلك رجوعا في الوصية لبشر. وهذا قول الشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى، وهو أيضا مذهب الحسن وعطاء وطاوس ولا نعلم فيه مخالفا، لانه صرح بالرجوع عن الاول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني، فأشبه ما لو قال رجعت عن وصيتى لبشر وأوصيت بها لبكر بخلاف ما إذا أوصى بشئ واحد لرجلين أحدهما بعد الاخر، فانه يحتمل أنه قصد التشريك بينهما، وقد ثبتت وصية الاول يقينا فلا تزول بالشك وإن قال ما أوصيت به لفلان فنصفه أو ثلثه كان رجوعا في القدر الذى وصى به للثاني خاصة وباقيه للاول. وأجمع أهل العلم على أن للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفى بعضه الا الوصية بالاعتاق،، وبعضهم على جواز الرجوع في الوصية به أيضا. وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يغير الرجل ما شاء من وصيته، وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهرى وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. وقال الشعبى وابن سيرين وشبرمة والنخعي: يغير منها ما شاء الا العتق، لانه اعتاق بعد الموت فلم يملك تغيير تغييره كالتدبير. ولنا أنها وصيه فملك الرجوع عنها كغير العتق، ولانها عطيه تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها، كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وفارق التدبير فانه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليقه على صفه الحياة

ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتى أو أبطلتها أو غيرتها أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان أو فهو لورثتي أو في ميراثي، وإن أكله أو أطعمه أو أتلفه أو وهبه أو تصدق به أو باعه، أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه، أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع ولا يعد من الرجوع جماع الجارية بخلاف ما لو أحبلها. قال ابن المنذر: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو تصدق به أو وهبه أو بجارية فأحبلها أو أولدها أنه يكون رجوعا. وحكى عن أصحاب الرأى أن بيعه ليس برجوع لانه أخذ بدله بخلاف الهبة، ولانه أزال ملكه عنه فكان رجوعا كما لو وهبه، وإن عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له أو كاتبه أو وصى بإعتاقه أو دبره كان رجوعا، لانه يدل على اختياره للرجوع بعرضه على البيع وإيجابه للهبة ووصيته ببيعه أو إعتاقه لكونه وصى بما ينافى الوصية الاولى، والكتابة، بيع والتدبير أقوى من الوصية لانه ينجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له وإن رهنه كان رجوعا لانه علق به حقا يجوز بيعه فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لاصحاب أحمد لانه لا يزيل الملك فأشبه إجارته، وكذلك الحكم في الكتابة. (فرع) وإن وصى بجب ثم طحنه أو بدقيق فعجبنه أو بعجين فخبزه أو بخبز ففته كان رجوعا، لانه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، فدل على رجوعه، وبهذا قال أحمد وأصحابه. أما تفتيته ودقه فقد قال أصحاب أحمد: يعد رجوعا ولا صحابنا فيه وجهان حكاهما المصنف. وإن وصى بشئ معين ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا لانه يتعذر بذلك تسليمه. وإن وصى بقفيز قمح من صبرة ثم خلطها بغيرها نظرت فإن كان بخير منها كان ذلك رجوعا لانه أحدث فيه زيادة ليست من الوصيه. أما إذا خلطه بما دونه ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ان ذلك ليس رجوعا قياسا على ما إذا تلف بعضه فصار الباقي على وصته.

(والثانى) انه رجوع، وقد ذهب احمد واصحابه إلى ان الخلط بما هو خير منه أو بما دونه أو بمثله لا يعد رجوعا لانه كان مشاعا وبقى مشاعا وعندهم وجه ضعيف فيما خلط بخير منه انه يكون رجوعا، لانه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه، ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه، والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وصى بقطن فغزله أو بغزل فنسجه كان ذلك رجوعا، لانه أزال عنه الاسم، وان أوصى له بقطن فحشى به فراشا ففيه وجهان (أحدهما) انه رجوع لانه جعله للاستهلاك (والثانى) ليس برجوع لان الاسم باق عليه. (فصل) وان أوصى له بثوب فقطعه أو بشاة فذبحها، كان رجوعا، لانه ازال عنه الاسم، ولانه جعله للاستهلاك، وان وصى له بحلم فطبخه أو شواه كان ذلك رجوعا، لانه جعله للاكل، وان قدده ففيه وجهان كما قلنا في الرطب إذا جعله تمرا. (فصل) وان وصى له بثوب فقطعه قميصا أو بساج فجعله بابا ففيه وجهان (أحدهما) انه رجوع، لانه ازال عنه اطلاق اسم الثوب والساج. ولانه جعله للاستعمال. (والثانى) انه ليس برجوع، لان اسم الثوب والساج باق عليه (فصل) وان وصى بدار فهدمها كان رجوعا لانه تصرف ازال به الاسم فكان رجوعا، كما لو وصى بحنطة فطحنها، وان تهدمت نظرت لان لم يزل عنها اسم الدار فالوصية باقية فيما بقى. وأما ما انفصل عنها فالمنصوص انه خارج من الوصية لانه انفصل عن الموصى به في حياة الموصى. وحكى القاضى أبو القاسم ابن كج رحمه الله وجهان آخر: انه للموصى له لانه تناولته الوصيه فلم يخرج منها بالانفصال، وإن زال عنها اسم الدار ففى الباقي من العرصة وجهان (احدهما) انه تبطل فيه الوصية لانه ازال عنها اسم الدار (والثانى) لا تبطل لانه لم يوجد من جهته ما يدل على الرجوع.

(فصل) وان وصى له بأرض فزرعها لم يكن ذلك رجوعا، لانه لا يراد للبقاء، وقد يحصل قبل الموت فلم يكن رجوعا، وإن غرسها أو بنى فيها ففيه وجهان (أحدهما) أنه رجوع لانه جعلها لمنفعة مؤبدة، فدل على الرجوع، (والثانى) ليس برجوع لانه استيفاء منفعة فهو كالزراعة، فعلى هذا في موضع الاساس وقرار الغراس وجهان. (أحدهما) أنه لا تبطل فيه الوصية كالبياض الذى بينهما فإذا مات الغراس أو زال البناء عاد إلى الموصى له. (والثانى) أنه تبطل الوصية فيه لانه جعله تابعا لما عليه. (فصل) وإن أوصى له بسكنى دار سنة فأجرها دون السنة لم يكن ذلك رجوعا، لانه قد تنقضي الاجارة قبل الموت، فان مات قبل انقضاء الاجارة ففيه وجهان (أحدهما) يسكن مدة الوصية بعد انقضاء الاجارة (والثانى) انه تبطل الوصية بقدر ما بقى من مدة الاجارة وتبقى في مدة الباقي. (الشرح) إذا وصى بكتان أو قطن فغزله أو وصى بغزل فنسجه أو بثوب فقطعه أو بسبيكة فصاغها أو شاة فذبحها كان ذلك رجوعا، وبهذا قال اصحاب الراى والشافعي في ظاهر المذهب وهو الراجع من أحمد، واختار أبو الخطاب من الحنابله انه ليس برجوع، وهو قول ابى ثور لانه لا يزيل الاسم. دلينا: انه عرضة للاستعمال فصار رجوعا كالمسائل قبله، ولا يصح قوله انه لا يزيل الاسم، فان الثوب لا يسمى غزلا، والغزل لا يسمى كتابا. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو اوصى له بدار وقبل كانت له وما ثبت فيها من ابوابها وغيرها دون ما فيها. قلت لان الوصيه إذا كانت بالدار دخل فيها كل ما كان من الدار ولها ولم يدخل في الوصيه كل ما كان في الدار إذا لم يكن منها، فالداخل في الوصيه حيطانها وسقوفها وابوابها المنصوبة عليها، وما كان متصلا بها من زخرفها ودرجها، ولم يخل فيها ما انفصل عنها من ابوابها ورفوفها وسلاليمها المنفصلة عنها. وجملة ذلك ان كل ما جعلناه داخلا في البيع معها دخل في الوصيه بها، وكل

ما لم نجعله داخلا في البيع لم يدخل في الوصية، فلو كان الموصى به أرضا دخل في الوصيه نخلها وشجرها، ولم يدخل فيه زرعها، ولو كان نخلها عند الوصية مثمرا لم يدخل ثمرها في الوصية إن كان مؤبرا، وفى دخوله فيها إن كان غير مؤبر وجهان (أحدهما) يدخل كالبيع (والثانى) لا يدخل لخروجه عن الاسم، وان كان متصلا، وهذان الوجهان مخرجان من اختلاف قوليه في دخوله في الرهن. إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو انهدمت في حياة الموصى كانت له إلا ما انهدم منها فصار غير ثابت فيها، وصورتها في رجل أوصى لرجل بدار فانهدمت فلا يخلو انهدامها من ثلاثة أحوال. (أحدهما) أن تنهدم في حياة الموصى. (والثانى) بعد موته وبعد قبول الموصى له. (والثالث) بعد موته وقبل قبول الموصى، فان انهدمت في حياة الموصى، فهذا على ضربين. أحدهما: أن يزول اسم الدار عنها بالانهدام. والثانى: أن لا يزول، فان لم يزل اسم الدار عنها لبقاء بنيان فيها تسمى دارا، فالوصية جائزة وله ما كان ثابتا فيها من بنيانها، فأما المنفصل عنها بالهدم فالذي نص عليه الشافعي ان يكون خارجا من الوصية، فذهب الجمهور من أصحابنا إلى حمل ذلك على ظاهره، وأنه خارج من الوصية، لان ما انفصل عنه لا يسمى دارا، فلم يكن للموصى له بالدار فيها حق. وحكى أبو القاسم بن كج وجها آخر عن بعض أصحابنا أن نص الشافعي على خروج ما نهدم من الوصية محمول على انه هدمه بنفسه فصار بذلك رجوعا فيه، ولو انهدمت بسبب من السماء لا ينسب لفعل الموصى كان للموصى له باقى الدار لانه منهما وانما بان عنها بعد أن تناولته الوصية، وان كانت الدار بعد انهدامها لا تسمى دارا لانها صارت عرصة لا بناء فيها ففى بطلان الوصية وجهان. (أحدهما) لا تبطل وهذا قول من جعل الالة بعد انفصالها ملكا للموصى له (والوجه الثاني) أن الوصية بها باطلة وهو الاصح، لانها إذا كانت عرصة لم تسم دارا، ألا ترى لو حلف لا يدخلها لم يحنث بدخول عرصتها بعد ذهاب

بنائها، وهذا قول من جعل ما انفصل عنها غير داخل في الوصية، فأما إن كان انهدامها بعد موت الموصى وبعد قبول الموصى له فالوصية بهما ممضاة، وجميع ما انفصل عنها من البناء كالمتصل يكون ملكا للموصى له لاستقرار ملكه عليها بالقبول. فاما إن كان انهدامها بعد موت الموصى وقبل قبول الموصى له، فان لم يزل اسم الدار عنها فالوصية بحالها، فإذا قبلها الموصى له، فان قيل: ان القبول يبنى عن تقدم الملك بموت الموصى وكل ذلك ملك للموصى له المنفصل منه والمتصل فان قيل: إن القبول هو المملك فله الدار وما اتصل بها من البناء. وفى المنفصل وجهان (احدهما) للموصى له (والثانى) للورثة، وإن لم تسم الدار بعد انهدامها دارا. (فان قلنا) إن القبول يبنى عن تقدم الملك، فالوصية جائزة وجهان واحدا وله العرصة وجميع ما فيها من منفصل أو متصل، إذا كان عند الموت متصلا، وان قيل: إن القبول هو المملك مع بطلان الوصية بانهدامها على مضى من الوجهين (أحدهما) باطلة (والثانى) جائزة وله ما اتصل بها. وفى المنفصل وجهان: وما بقى من كلام المصنف فعلى وجهه وليس فيه أقاويل تذكر، والله تعالى أعلم بالصواب.

باب الأوصياء

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الأوصياء لا تجوز الوصية الا إلى بالغ عاقل حر عدل، فأما الصبى والمجنون والعبد والفاسق فلا تجوز الوصيه إليهم، لانه لاحظ للميت ولا للطفل في نظر هؤلاء ولهذا لم تثبت لهم الولاية، واما الكافر فلا تجوز الوصية إليه في حق المسلم، لقوله عز وجل (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، ودوا ما عنتم) ولانه غير مأمون على المسلم، ولهذا قال الله تعالى (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمه) وفى جواز الوصية إليه في حق الكافر وجهان (احدهما) انه يجوز لانه يجوز أن يكون وليا له فجاز ان يكون وصيا له كالمسلم (والثانى) لا يجوز كما لا تقبل شهادته للكافر والمسلم. (فصل) وتجوز الوصية إلى المرأة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصى إلى ابنته حفصة في صدقته ما عاشت، فإذا ماتت فهو إلى ذوى الرأى من أهلها، ولانها من أهل الشهادة فجازت الوصية إليها كالرجل. واختلف أصحابنا في الاعمى فمنهم من قال: تجوز الوصية إليه لانه الشهادة فجازت الوصية إليه كالبصير، ومنهم من قال: لا تجوز الوصية لانه تفتقر الوصية إلى عقود لا تصح من الاعمى، وفضل نظر لا يدرك الا بالعين. (الشرح) تصح الوصيه إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل اجماعا، ولا تصح إلى مجنون ولا طفل ولا وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف نعلمه، لان المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما، فلا يليان على غيرهما، والكافر ليس من أهل الولاية عن مسلم، لقوله تعالى (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر) . قال ابن أبى حاتم حدثنا أبى حدثنا أبو أيوب محمد بن الوزان حدثنا عيسى ابن يونس عن أبى حيان التيمى عن أبى النباع عن ابن أبى الدهقانة قال: قيل

لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: إن ههنا غلاما من أهل الحيرة حافظ كاتب فلو اتخذته كاتبا؟ فقال: قد اتخدت إذن بطانة من دون المؤمنين. فعلى هذا الاثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التى فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم التى يخشى أن يفشوها إلى الاعداد من أهل الحرب، ولهذا قال تعالى (لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم) وما هنا مصدرية فيكون المصدر الصريح المفعول لودوا (عنتكم) . وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق بن إسرائيل حدثنا هشيم حدثنا العوام عن الازهر بن راشد قال: كانوا أنسا فإذا حدثهم بحديث لا يدرون ما هو أتوا الحسن البصري فيفسره لهم قال: فحدث ذات يوم عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تستضئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا) فأتوا الحسن ففسر لهم الاستضاءة: لا تستشيروا المشركين في شئونكم تصديق ذلك في كتاب الله وتلا الاية، ويقول الشافعي رضي الله عنه في الأم في باب الاوصياء ولا تجوز الوصيه الا إلى بالغ مسلم عدل. وروى ابن اسحاق وغيره عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فانزال الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم هذه الاية، وأخرج عبد بن حميد انها نزلت في المنافقين من أهل المدينة، هي المؤمنون ان يتولوهم ومن ثم فلا تصح وصيه مسلم إليه لانه لا يلى على مسلم، ولانه ليس من أهل الشهادة ولا العدالة فلم تصح الوصيه إليه كالمجنون والفاسق، وأما وصيه الكافر إليه، فان لم يكن عدلا في دينه لم تصح الوصيه إليه، لان عدم العدالة في المسلم يمنع صحة الوصية إليه فمع الكفر أولى، وان كان عدلا في دينه ففيه وجهان. أحدهما: تصح الوصيه إليه، وهو قول أصحاب الرأى لانه يلى بالنسب فيلى الوصية كالمسلم. والثانى: لا تصح، وهو قول أبى ثور لانه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين. ولاصحاب أحمد وجهان كهذين، وأما وصية الكافر إلى المسلم الا أن تكون تركته خمرا أو خنزيزا.

أما الوصية إلى المرأة فإنها تصح في قول أكثر أهل العلم، وروى ذلك عن شريح. وبه قال مالك الثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأى وأحمد بن حنبل، ولم يجزه عطاء، لانها لا تكون قاضية فلا تكون وصية. دليلنا أن عمر رضى الله عنه اوصى إلى حفصة، ولانها من أهل الشهادة فاشبهت الرجل، وتخالف القضاء، فان المعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية، وتصح الوصية للاعمى في أحد الوجهين لانه من أهل الشهادة وهو قول أحمد وأصحابه، ولم يسلم القائلون بالجواز لمخالفيهم حكمهم، لانه يمكنه التوكيل فيما يحتاج إلى نظر، ثم انه من أهل الشهادة والولاية في النكاح، والولاية على أولاده الصغار، فصحت الوصية إليه كالبصير. وعلى الوجه الاخر عند أصحابنا انه لا تصح الوصية إليه بناء على انه لا يصح بيعه ولا شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية، وقد مضى في البيوع وفى السلم وفى غيرهما مزيد بيان. أما الصبى العاقل فلا تصح الوصيه إليه لانه ليس من أهل الشهادة والاقرار، ولا يصح تصرفه الا بإذن، فلم يكن من أهل الولاية بطريق الاولى، ولانه مولى عليه، فلا يكون واليا كالطفل والمجنون وهو الصحيح من مذهب الحنابلة وليس عندهم نص عن أحمد فيه، وانما رجح أكثرهم مذهبنا في الصبى الا القاضى فقد قال: قياس المذهب صحة الوصية إليه، لان احمد قد نص على صحة وكالته وأما الفاسق فان الوصيه إليه لا تصح في قول مالك والشافعي واحمد. وفى رواية عن احمد صحة الوصية إليه في رواية ابن منصور عنه وعند الخرقى من الحنابلة إذا كان خائنا ضم إليه أمين وقال ابن قدامه: وهذا يدل على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه امينا. وقال أبو حنيفة تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لانه بالغ عاقل فصحت الوصيه إليه كالعدل، وبهذا يكون على قول أصحاب الحمد عدم جواز إفراده بالوصية. وعند ابى حنيفة لا يجوز إقراره على الوصيه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا في الوقت الذى تعتبر فيه الشروط التى تصح بها الوصية إليه، فمنهم من قال يعتبر ذلك عند الوفاة، فإن وصى إلى صبى فبلغ أو كافر فاسلم أو فاسق فصار عدلا قبل الوفاة صحت الوصية، لان التصرف بعد الموت فاعتبرت الشروط عنده كما تعتبر عدالة الشهود عند الاداء أو الحكم دون التحمل، ومنهم من قال: تعبتر عند العقد وعند الموت، ولا تعتبر فيما بينهما، لان حال العقد حال الايجاب، وحال الموت حال التصرف فاعتبر فيهما. ومنهم من قال: تعتبر في حال الوصية وفيما بعدها، لان كل وقت من ذلك يجوز ان يستحق فيه التصرف بان يموت، فاعتبرت الشروط في الجميع. (فصل) وإن وصى إلى رجل فتغير حاله بعد موت الموصى - فإن كان لضعف - ضم إليه معين امين، وإن تغير بفسق أو جنون بطلت الوصيه إليه ويقيم الحاكم من يقوم مقامه. (فصل) ويجوز ان يوصى إلى نفسين. لما روى أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلت النظر في وقفها إلى على كرم الله وجهه، فإن حدث به حدث رفعه إلى ابنيها فيليانها، ويجوز ان يجعل اليهما والى كل واحد منهما لانه تصرف مستفاد بالاذن، فكان على حسب الاذن، فإن جعل إلى كل واحد منهما جاز لكل واحد منهما ان ينفرد بالتصرف، فان ضعف احدهما أو فسق أو مات جاز للآخر ان ينصرف ولا يقام مقام الاخر غيره لان الموصى رضى بنضر كل واحد منهما وحده، فان وصى اليهما لم يجز لاحدهما ان ينفرد بالتصرف لانه لم يرض بأحدهما، فان ضعف احدهما ضم إليه من يعينه، فان فسق أحدهما أو مات أقام الحاكم من يقوم مقامه لان الموصى لم يرض بنظره وحده، فان اراد الحاكم ان يفوض الجميع إلى الثاني لم يجز لانه لم يرضى الموصى باجتهاده وحده فان ماتا أو فسقا فهل للحاكم ان يفوض إلى واحد. فيه وجهان (أحدهما) يجوز، لانه سقط حكم الوصية بموتهما وفسقهما فكان الامر فيه إلى الحاكم (والثانى) لا يجوز لانه لم يرضى بنظر واحد، وان اختلف

الوصيان في حفظ المال جعل بينهما نصفين، فإذا بلغا إلى التصرف - فان كان التصرف إلى كل واحد منهما - تصرف كل واحد منهما في الجميع، وان كان اليهما لم يجز لاحدهما ان ينفرد بالتصرف دون الاخر. (فصل) ومن وصى إليه في شئ لم يصر وصيا في غيره ومن وصى إليه إلى مدة لم يصر وصيا بعد المدة لانه تصرف بالاذن فكان على حسب الاذن. (الشرح) الشروط التى اسلفنا تقريرها هل تعتبر في الوصي حال العقد أو حال الموت أو حال العقد والموت؟ على اختلاف بين اصحابنا، والى اعتبارها حال العقد ذهب أحمد وأصحابه في أحد الوجهين عندهم، لانها شروط لعقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فلا ينفع وجودها بعده، وعلى الوجه الثاني لو كانت الشروط كلها منتفية أو بعضها حال العقد ثم وجدت حالة الموت لصحت الوصية إليه، وهو الوجه الثاني عند أصحاب أحمد. والوجه الثالث: ان تعتبر حال صدور العقد عند الوفاة، ولا تعتبر حالة فيما بينهما من الزمن كما سيأتي. (فرع) الوصية ولاية وامانة والفاسق ليس من اهلهما، فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقا فحكمه حكم من لا وصى له عند أصحاب أحمد، وينظر الحاكم في ماله، وعند أحمد أن الوصية باطلة ابتداء كالذى طرا عليه فسقه بعد الوصية تزول ولايته ويقيم الحاكم مقامه امينا، وهذا هو قول الثوري والشافعي واسحاق واحمد ابن حنبل. وعلى قول بعض الحنابلة كالخرقي تصح الوصية ويضم إليه امين ينظر معه، وروى ذلك عن الحسن وابن سيرين لانه امكن حفظ المال بالامين، تعين ازالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه، لان حفظ المال على اليتيم اولى من رعاية قول الموصى الفاسد. واما العدل الذى يعجز عن النظر لعلة أو ضعف طرا، فان الحاكم يضم إليه امينا، ولا تزول يده عن المال ولا نظره ويكون الاول هو الوصي دون الثاني، وهذا معاون له، لان ولاية الحاكم انما تكون عند عدم الوصي، وهذا قول الشافعي وابى يوسف واحمد بن حنبل ولا اعلم لهم مخالفا.

اما إذا تغير حال الوصي بجنون أو كفر أو سفه أو فسق زالت ولايته وصار كانه لم يوص إليه، ويرجع الامر إلى الحاكم فيقيم امينا ناظرا الميت في امره وامر اولاده من بعده كما لو لم يخلف وصيا اما إذا تغيرت حالته بعد الوصية وقبل الموت ثم عاد فكان عند الموت جامعا لشروط الوصية صحت الوصية إليه. لان الشروط موجودة حال العقد والموت فصحت الوصية كما لو لم تتغير حاله. هذا وجه ووجه آخر تبطل لان كل حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها. فاما ان زالت بعد الموت وانعزل ثم عاد فكمل الشروط لم تعد وصيته لانها زالت فلا تعود الا بعقد جديد. إذا ثبت هذا فانه يجوز للرجل الوصية إلى اثنين. فمتى اوصى اليهما مطلقا لم يجز لواحد منهما الانفراد بالتصرف، فان مات احدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله اقام الحاكم مقامه امينا، لان الموصى لم يرض بنظر هذا الباقي منهما وحده، فان اراد الحاكم رد الباقي منهما فوجهان: احدهما: لا يجوز. والثانى: يجوز. لان النظر لو كان له لموت الموصى عن غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا، فيكون ناظرا بالوصية من الموصى والامانة من جهة الحاكم. ولنا ان الموصى لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه، لان الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده. فان كانت الوصية بالاذن لكل واحد منهما ان يتصرف منفردا، فإذا مات احدهما أو جن أو ارتد أو فسق جاز للاخر ان يتصرف ولا يقام مقام الاخر غيره لان تصرف الباقي منهما على حسب الاذن مستفاد منه، ولانه رضى بنظر كل واحد منهما وحده، فلا سبيل إلى اقامه بديل لمن بطل عقده. وان تغيرت حالهما جميعا بموت أو غيره فهل للحاكم ان ينصب مكانهما واحدا؟ فيه وجهان احدهما له ذلك، لانه لما عدم الوصيان صار الامر إلى الحاكم بمنزلة ما لم يوص، ولو لم يوص لاكتفى بواحد، كذا ههنا، ويفارق ما إذا كان احدهما حيا لان الموصى بين انه لا يرضى بهذا وحده بخلاف ما إذا ماتا معا

والثانى: لا يجوز ان ينصب الا اثنين لان الموصى لم يرض بواحد فلم يقتنع به كما لو كان احدهما حيا فاما ان جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فمات احدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم ان يقيم مقامه امينا لان الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة إلى غيره، وان ماتا معا أو خرجا عن الوصية فللحاكم ان يقيم واحدا يتصرف، وان تغيرت حال احد الوصيين تغييرا لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة ونحو ذلك، وكان لكل واحد منهما التصرف منفردا، فليس للحاكم ان يضم اليهما امينا، لان الباقي منهما يكفى، الا ان يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه، فله ان يقيم امينا، وان كانا ممن ليس لاحدهما التصرف على الانفراد فعلى الحاكم ان يقيم مقام من ضعف منهما عنها امينا يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة: الوصيان والامين معهما. وليس لواحد منهم التصرف وحده (فرع) قوله: ومن وصى إليه في شئ لم يصر وصيا في غيره الخ. وهذا صحيح لانه يجوز ان يوصى إلى رجل بشئ دون شئ، مثل ان يوصى إلى انسان بتفريق وصيته دون غيرها أو بقبض معاشه أو بقضاء ديونه، أو بالنظر في امر أطفاله فحسب، فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز ان يوصى إلى انسان بقبض معاشه لصغره، وبآخر للانفاق عليهم من هذا المعاش، والى آخر بقضاء ديونه، والى آخر بالانفاق على أطفاله، فلا يكون لكل واحد منهم الا ما جعل له دون غيره، ومتى اوصى إليه بشئ لم يصر وصيا في غيره. وبهذا قال الشافعي واحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة: يصير وصيا في كل ما يملكه الوصي، لان هذه ولاية تنقل من الاب بموته، فلا تتبعض كولاية الجد ولنا انه استفاد التصرف بالاذن من جهة انسان، فكان مقصورا على ما اذن فيه كالوكيل. وولاية الجد ممنوعة ثم ولاية الجد استفادها بقرابته وهى لاتتبعض والاذن يتبعض فافترقا. وكذلك إذا اوصى له إلى زمن معين موصوف، كان إذا بلغ الصبى أو قدم

المسافر، أو معين كقوله إلى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بعد الاف، وهو العام الذى نخط فيه هذا الشرح، فانه لا يجوز ان يتجاوزه لان الاذن موقت بالعام المذكور. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وللوصي ان يوكل فيما لم تجربه العادة ان يتولاه بنفسه كما قلنا في الوكيل، ولايجوز ان يوصى إلى غيره، لانه يتصرف بالاذن فلم يملك الوصية كالوكيل، فان قال اوصيت اليك: فان مت فقد اوصيت إلى فلان صح، لان عمر رضى الله عنه وصى إلى حفصة، فإذا ماتت فالى ذوى الراى من اهلها، ووصت فاطمة رضى الله عنها إلى على كرم الله وجهه، فإذا مات فالى ابنيها، ولانه علق وصية التالى على شرط، فصار كما لو قال وصيت اليك شهرا ثم قال إلى فلان، فان اوصى إليه واذن له ان يوصى إلى من يرى فقد قال في الوصايا لا يجوز. وقال في اختلاف العراقيين يجوز. فمن اصحابنا من قال يجوز قولا واحدا لانه ملك الوصية والتصرف في المال، فإذا جاز ان ينقل التصرف في المال إلى الوصي جاز ان ينقل الوصية إليه، وما قال في الوصايا اراد إذا اطلق الوصية ومنهم من قال فيه قولان (احدهما) يجوز لما ذكرناه (والثانى) لا يجوز لانه يعقد الوصية عن الموصى في حال لا ولاية له فيه. وان وصى إليه واذن له ان يوصى بعد موته إلى رجل بعينه ففيه وجهان (احدها) يجوز لانه قطع اجتهاده فيه بالتعيين (والثانى) انه كالمسالة الاولى لان علة المسالتين واحدة (فصل) ولا تتم الوصية إليه االا بالقبون لانه وصية فلا تتم الا باقبول كالوصيه له. وفى وقت القبول وجهان (احدهما) يصح القبول في الحال لانه اذن له في التصرف فصح القلو في الحال كالوكالة (والثانى) لا يصح الا بعد الموت كالقبول في الوصية له. (فصل) وللموصى ان يعزل الوصي إذا شاء، وللوصي ان يعزل

نفسه متى شاء، لانه تصرف بالاذن فجاز لكل واحد منهم فسخه كالوكالة. (فصل) إذا بلغ الصبى واختلف هو والوصى في الفقه، فقال الوصي انفقت عليك، وقال الصبى لم تنفق على، فالقول قول الوصي لانه امين وتتعذر عليه إقامة البينة على النفقة، فإن اختلفا في قدر النفقة فقال: انفقت عليك في كل سنة مائة دينار. وقال الصبى بل انفقت على خمسين دينارا، فان كان ما يدعيه الوصي النفقة بالمعروف فالقول قوله لانه امين، وان كان اكثر من النفقة بالمعروف فعليه الضمان لانه فرط في الزيادة وان اختلفا في المدة فقال الوصي: انفقت عشر سنين، وقال الصبى خمس سنين، ففيه وجهان (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ القول قول الوصي، كما لو اختلفا في قد النفقة (والثانى) وهو قول اكثر اصحابنا ان القول قول الصبى، لانه اختلاف في مدة، الاصل عدمها (فصل) وان اختلفا في دفع المال إليه فادعى الوصي انه دفعه إليه وانكر الصبى، ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص ان القول قول الصبى لانه لم ياتمنه على حفظ المال فلم يقبل قوله عليه، كالمودع إذا ادعى دفع الوديعة إلى وارث المودوع، والملتقط إذا ادعى دفع اللقطة إلى مالكها (والثانى) ان القول قول الوصي كما قلنا في النفقة. (الشرح) الاحكام: إذا اوصى له في شئ لا يحسن القيام به بنفسه جاز له ان يوكل عنه من يتولاه، كان كان ما عهد إليه بالوصية فيه كثير الجوانب متعدد الجهات بحيث يحتاج الوصي إلى من يعينه على ادائه وكذلك لو كان العمل شاقا لا يقدر مثله على القيام به ويحتاج إلى شخص قوى يؤديه، أو كان اغلعمل يفتقر إلى مهارة أو فن خاص له دارسوه والمتخصصون فيه كالهندسة ونحوها جاز له

توكيل غيره ممن بمثل هذه الامور، وكذلك لو كان العمل سهلا ولكن من الاعمال التى يترفع الوصي في العادة عن مثلها لدناءتها جاز له أن يوكل من يقوم بها أما الوصية إلى غيره بغيره إذن من الموصى فانه لا يصح ذلك منه قولا واحدا. أما إذا قال: أوصيت اليك ومن بعدك إلى فلان، فان ذلك جائز ولا كلام لما روينا عن عمر أنه وصى إلى حفصة، فإذا ماتت فالى ذوى الرأى من قومها، ولذا جاز أن وصى إلى من يخلفه بالتعيين كأوصيت إلى فلان فإذا مات فالاى فلان كما أوصيت فاطمة إلى على ومن بعده إلى ولديها السبطين رضى الله عنهما، كما يجوز ان يوصى إلى من يخلفه بالوصف كقول عمر: فالى ذوى الرأى من قومها، وتجرى هذه الوصية مجرى المعلق على شرط كالوصية إلى أجل معين أو موصوف على ما مضى في الفصل قبله. أما إذا أوصى إليه ثم أذن له أن يوصى إلى من يرى أو إلى من يشاء، أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصى فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الوصايا من الام: ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصى الوصي وصيا للميت الاول، لان الميت الاول لم يرض الموصى الآخر. ولو قال: أوصيت إلى فلان فان حدث به حدث فقد أوصيت إلى من وصى إليه لم يجز ذلك لانه انما أوصى بمال غيره. وقال في اختلاف العراقيين في نسخة السراج البلقينى باب الوصي من اختلاف العراقيين، وهى بعد وصية الامام الشافعي رضى الله عنه التى كتبها قبل موته قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر، فان أبا حنيفة كان يقول: هذا الاخر وصى الرجلين جميعا وبهذا يأخذ، وكذلك بلغنا عن ابراهيم، وكان ابن أبى ليلى يقول: هذا الآخر وصى الذى أوصى إليه، ولا يكون وصيا للاول الا أن يقول الثاني: قد أوصيت اليك في كل شئ، أو يذكر وصية الاخر. فمن أصحابنا من قال بالجواز قولا واحدا لانه ملك الوصية والتصرف في المال

ورضى الموصى باجتهاده واجتهاد من يراه فصح كما لو وصى اليهما معا، وهذا قول أكثر أهل العلم، واليه ذهب أحمد وأصحابه. وقالوا لانه مأذون له في الاذن في التصرف فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل، وما قال الشافعي في الوصايا أراد إذا أطلق الوصية. ومن أصحابنا من قال: فيه فولان. أحدهما: يجوز لما أثبتناه، والثانى: لا يجوز لانه ليس له أن يوصى لانه بتوليه فلا يصح أن يولى فيما لا ولاية له فيه. أما إذا وصى له وأذن له في أن يوصى إلى فلان بعده بعينه ففيه وجهان (أحدهما) يجوز، لانه لم يترك له اعمال الوصع ولا بذل الجهد في تعيينه فقد أذن له أن يوصى إليه معينا باسمه فصح كما لو أوصى له ثم من بعده إلى فلان، والثانى: أنه كالمسأله قبلها لانه كان بوسعه أن يوصى إليه من بعده، ولكنه أذن له في الوصية فكأنه جعل الوصية من شأنه. وجملة ذلك أنه لا يجوز للوصي أن يوصى إلى غيره، وهو قول الشافعي واسحاق وأحد قولى أحمد. والظاهر من مذهب الخرقى من الحنابلة لقوله في ذلك في الوكيل لانه يتصرف بتوليه فلم يكن له التفويض كالوكيل. وقال مالك وابو حنيفة والثوري وابو يوسف وأحمد في أحد قوليه له أن يوصى إلى غيره. (فرع) يصح قبول الوصية وردها في حياة الموصى، لانها اذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد كالوكيل، وهى لا تتم الا بالقبول كالوصية له، والفرق بينهما أن الاولى اذن له في التصرف والثاينة تمليك في وقت فلم يصح القبول قبل الوقت، هذا وجه والوجه الاخر أنه يجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لانها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له، ومتى قبل صار وصيا وله عزل نفسه متى شاء مع القدرة والعجز في حياة الموصى، وبعد موته بمشهد منه وفى غيبته، وبهذا قال الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز له ذلك بعد الموت بحال ولا يجوز في حياته الا بحضرته: لانه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الايصاء إلى غيره، وذكر ابن ابى موسى رواية عن أحمد: ليس له عزل نفسه بعد الموت لذلك، وهذا فاسد لانه متصرف باذن فكان له عزل

نفسه كلوكيل، فأما اختلاف الوصي والوصى فقد مضى كلامنا فيه في الحجر وفى الوكالة، وبعض صوره في الوديعة، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يلحق الميت مما يفعل عنه بعد موته بغير إذانه إلا دين يقضى عنه أو صدقة يتصدق بها عنه أو دعاء يدعى له، آفأما الدين فالدليل عليه ما روى أن إمرأة من خثعم (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحج عن أبيها فأذن لها، فقالت: أينفعه ذلك؟ قال نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه) وأما الصدقة فالدليل عليها ما روى ابن عباس (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمة توفيت أفينفعها أن أتصدق عنها؟ فقال: فإن لى مخرفا فأشهدك أبى قد تصدقت به عنها) : وأما الدعاء فالدليل عليه قوله عز وجل (والذين جاؤا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان) فأثنى الله عز وجل عليهم بالدعاء لاخوانهم من الموتى، واما ما سوى ذلك من القرب كقراءة القرآن وغيرها فلا يلحق الميت ثوابها. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا مات الانسان انقطع عنه عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو له) واختلف أصحابنا فيمن مات وعليه كفارة يمين فأعتق عنه، فمنهم من قال: لا يقع العتق عن الميت بل يكون للعتق لان العتق غير متحتم على الميت لانه كان يجوز له تركه إلى غيره فلم يقع عنه، كما لو تطوع بالعتق عنه في غير الكفارة، ومنهم من قال: يقع عنه لانه لو أعتق في حياته سقط به الفرض، وبالله التوفيق. (الشرح) حديث المرأة الخثعمية رواه أصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده عن ابن عباس، وأخرجه أحمد والترمذي وصححه والبيهقي من حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وعن عبد الله بن الزبير قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ

لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دين فقضيته عنه أكان يجزى ذلك عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْجُجْ عَنْهُ) رَوَاهُ أحمد ولنسائي بمعناه ؤ وقال الحافظ ابن حجر سناده صالح. وعن ابن عباس أيضا أن امرأة من جهينة جاءت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال نعم حجى عنها. أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء. رواه البخاري والنسائي بمعناه. وعند أحمد ورواية أخرى للبخاري بنحو ذلك وفيها قال: جاء رجل فقال إن أختى نذرت أن تحج، وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هو أم لا، وشبهه بالدين وروى الدارقطني عن ابن عباس أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إن أبى مات وعليه حجة الاسلام أفأحج عنه؟ الحديث) أما حديث ابن عباس أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال نعم قال: فإن لى مخرقا فأنا أشهدك أنى قد تصدقت به عنها) فقد رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي وقد ورد اسم الرجل الذى سأل النبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري أنه سعد ابن عبادة، ويؤيد ذلك أن احمد والنسائي أخرجا حديثا عن الحسن عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال (يارسول الله إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ نَعَمْ قلت: فأى الصدقة أفضل؟ قال سقى الماء، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة) أما حديث (إذا مات ابن آدم) فقد رواه مسلم وأصحاب السنن مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. لفظ مسلم (إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له) أما قوله تعالى من سورة الحشر (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان) فقد روى عن سعد بن أبى وقاص قال: الناس على ثلاث منازل قد مضت منزلتان يعنى قوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذى أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون

الله ورسوله أولئك الصادقون، والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا إلى قوله تعالى المفلحون) ثم قال: وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم كاثنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التى بقيت، ثم قرأ: والذين جاءوا من بعدهم. الآيه أما اللغات فقوله: فإن لى مخرفا. في رواية مخراف، والمخرف والمخراف الحديقة من النخل أو العنب أما أحاديث الفصل فإنها تدل على ان الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل اليهما ثوابها فيخصص العام من قَوْله تَعَالَى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سعى) اخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال: يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء. فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت، وانما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة قياسا. وذلك الواجب دون التطوع ولا يحج احد عن احد تطوعا لانه عمل على البدن. فأما المال فإن الرجل يجب عليه فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه ان يؤدى عنه بأمره لانه إنما اريد بالفرض فيه تأديته إلى اهله لا عمل البدن، فإذا عمل امرؤ عنى ما فرض من مالى فقد ادى الفرض عنى. واما الدعاء فإن الله عز وجل ندب العباد إليه. وامر رسوله صلى الله عليه وسلم به فإذا جاز ان يدعى للاخ حيا جاز ان يدعى له ميتا، ولحقه ان شاء الله تعالى بركة ذلك، مع ان الله عز ذكره واسع لان يوفى الحى اجره ويدخل على الميت منفعته. وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع اه وقال شيخنا النووي في كتاب الاذكار في باب ما ينفع الميت من قول وغيره اجمع العلماء على ان الدعاء للاموات ينفعهم ويصلهم ثوابه: واحتجوا بقول الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم) الآيه وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها. وفى الاحاديث المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد، وكقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لحينا وميتنا وغير ذلك. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي

وجماعة أنه لا يصل. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، والمختار أن يقول بعد القراءة: اللهم أوصل ثواب ما قرأته، والله أعلم اه وقال ابن النحوي في شرح المنهاج: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور. والمختار الوصول إذا سأل الله أيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لانه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى، فلان يجوز بما هو له أولى، ويبقى الامر فيه موقوفا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يخص بالقراء بل يجرى في سائر الاعمال، والظاهر أن الدعاء متفق عليه انه ينفع الميت والحى القريب والبعيد بوصية وغيرها. وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء ان يدعو لاخيه بظهر الغيب وقد حكى النووي في شرح مسلم الاجماع على وصول الدعاء إلى الميت، وكذا حكى أيضا الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها ولم يقيد ذلك بالولد. وحكى الاجماع على لحوق قضاء الدين، والحق أنه يخصص عموم الاية بالصدقة من الولد كما في أحاديث الفصل وبالحج من الولد كما في حديث الخثعمية ومن غير الولد أيضا كما في حديث المحرم عن أخيه شبرمة. وقد نشرت مطبعة الامام رسالة في هذا الموضوع مستوفاة اسمها (تفسير سورة يس) للسيد صديق حسن خان وجعلت في آخرها ما يتعلق بهذا الموضوع وهو يغنى عن التطويل هنا. تم الجزء الخامس عشر ويليه الجزء السادس عشر وأوله كتاب العتق

الجزء السادس عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء السادس عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب العتق

كتاب العتق (الشارح) الرق ظاهرة اجتماعية سادت في الارض قبل الاسلام، وتوغلت في حياة المجتمعات البشرية حتى صارت لا يقوم المجتمع قائمة إلا بوجوده لان القوى العاملة في المجتمع التى تمثل عصب الانتاج وتحقيق المنجزات الاقتصادية من زراعية وعمرانية وصناعية كانت تقوم على أيدى الارقاء، وقد أدركت الدولة الرومانية أهمية هذه الفئة في حفظ كيان الدولة فحرمت على الافراد في القانون الرومانى أن يعتقوا عبيدهم، وكانت تحكم بالسجن أو التعذيب أو فرض الرق على من يضبط متلبسا بجريمة عتق عبد له، وكانت مصادر الرق متنوعة فشعوب الامم المغلوبة عسكريا تسترق للغالب من القواد والملوك الجبابرة، والجنود توزع عليهم الاسلاب ومنها رجال ونساء هذه الامم المقهورة، وكل إنسان يخطف من بلده ويفر به خاطفوه إلى أحيائهم ومضاربهم ونجوعهم يصير عبدا مسترقا لخاطفيه لهم بيعه وهبته وتوارثه ويملكون حياته وموته وليس له حرمة في تلك المجتمعات الجاهلية فارسية ورومانية وعربية وشرقية وغربية. فلما جاء الاسلام وهو في منهجه الرصين سماوي الهداية، وفي تغييره الجذري ثورى الوسيلة، في تدرجه الرزين تربوى التعليم، وفي نظرته لهذه الفئة رحيم السلوك، راقى الاحساس، رفيع الغاية، جفف منابع الرق، ويسر مصافيه، وضيق مصادره ووسع موارده، وقصره على الحروب وحدها وجعله بين المحاربين فقط لا يتجاوزه لى الآمنين ممن لم يرفعوا سلاحا، ثم نظم العلاقة بين السيد ومولاه حتى ليتمنى الحر منا أن يكون مولى لاحد هؤلاء النبلاء من حواريى النبوة وجنود الرساله، بل إن الاسلام حين جعل المرء لا يحط عنه وزر القسم الحانث إلا بعتق رقبة، ولا قنداح عنه معرة الظهار حين يجعل إمرأته كظهر أمه إلا بعتق رقبة من قبل أن يتماسا، وجعل في تعمد الطعام في الصوم إعتاق رقبة، وجعل المؤمن الحق الذى اقتحم العقبة، هو الذى يفك الرقاب العانية، ويطعم في المسغبة المساكين الكادحة.

بل لقد جعل اللطمة على وجه العبد فكاكا له من الرق وجعل جزاء اللطمه عتقه فمن لم يفعل مسته النار. ثم إن الاسلام جعل من عوامل تصفيه الرق المكاتبة لقوله تَعَالَى (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ من مال الله الذى آتاكم) فجعل للعبد الحق في أن يطلب من سيده شراء نفسه مكاتبه بنجوم وأقساط يؤديها من صنعته أو عمله، وعلى سيده أن يمنحه كل أسباب اليسر وإعطاؤه بعض المال ليكون بمثابه رأس مال له في الحياة يواجه به أعباء الاستقلال عن سيده، ومن عوامل تصفيته التدبير، وهو ان يجعل رقه في حياته ثم يكون حرا بعد موته، ومن أسباب تصفيته أيضا تحريم ميراث أم الولد، وهو تحرير لها ولا ريب، لذلك نزجى اليك فصول العتق والمكاتب والمدبر شاهدة على صدق هذه القضيه التى بسطناها لك في هذه لكليمه مجزأين بها عن الشرح والتعليق لنوفر مكانا على الورق نبذله فيها لم تتعطل أحكامه، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، قال المصنف رحمه الله تعالى: العتق قربة مندوب إليه، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه، ولا يصح إلا من مطلق التصرف في المال لانه تصرف في المال كالبيع والهبه، فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف لم يصح عتقه لانه لا يملكه في أحد القولين ويملكه في الثاني الا أنه يبطل به حق البطن الثاني فلم يصح، وان أعتق المريض عبدا وعليه دين يستغرقه لم يصح لان العتق في المرض وصيه فلم يصح مع الدين، وان أعتق العبد الجاني، فعلى ما ذكرناه في العبد المرهون. (فصل) ويصح بالصريح والكناية وصريح العتق والحريه لانه ثبت لهما عرف الشرع وعرف اللغة والكناية كقوله: سيبتك وخليتك وحبلك على غاربك ولا سبيل لى عليك ولا سلطان لى عليك وأنت لله وأنت طالق وما أشبهها لانها تحتمل العتق فوقع بها العتق مع النية.

وفي قوله فككت رقبتك وجهان (أحدهما) أنه صريح لانه ورد به القرآن قال الله سبحانه فك رقبة (والثانى) أنه كناية لانه يستعمل في العتق وغيره، وان قال لامته: أنت على كظهر أمي ونوى العتق ففيه وجهان. أحدهما: تعتق لانه لفظ يوجب تحريم الزوجه فكان كناية في العتق كسائر اطلاق. والثانى: لا تعتق لانه لا يزيل الملك فلم يكن كناية في العتق بخلاف الطلاق. (فصل) وان كان بين نفسين عبد فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وعتق، لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد، فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق، وان كان بين مسلم وكافر عبد مسلم فأعتق الكافر حصته وهو موسر فالمنصوص أنه يقوم عليه، فمن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الكافر لا يملك العبد المسلم لم يقوم عليه لان التقويم يوجب التمليك. ومنهم من قال: يقوم عليه قولا واحدا لانه تقوم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات، ويخالف البيع لان القصد منه التمليك وفى ذلك صغار على الاسلام والقصد من التقويم العتق ولا صغار فيه، فان كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق نصيبه لم يقوم عليه الوقف لان التقويم يقتضى التمليك والوقف لا يملك، ولان الوقف لا يعتق بالمباشرة فلان لا يعتق بالتقويم أولى. (فصل) وتجب قيمة النصيب عند العتق لانه وقت الاتلاف ومتى يعتق فيه ثلاثه أقوال. أحدها: يعتق في الحال، فإن كانت جارية فولدت كان الولد حرا، لما روى أبو المليح عن ابيه أن رجلا أعتق شقصا له من غلام فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك، وفي بعضها فأجاز عتقه. والثانى: أنه يقع بدفع القيمة، فان كان جارية فولدت كان نصف الولد حرا ونصفه مملوكا، لما روى سالم عن أبيه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ

العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فان كان موسرا يقوم عليه ولا وكس ولا شطط ثم يعتق، ولانه عتق بعوض فلا يتقدم على العوض، كعتق المكاتب، والثالث إنه مراعى فإن دفع العوض حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا بأنه لم يعتق لانا إذا أعتقناه في الحال أضررنا بالشريك في إتلاف ماله قبل أن يسلم له العوض، وإن لم نعتقه أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه، فإذا قلنا إنه مراعى لم يكن على كل واحد منهما ضرر، فان دفع القيمة كان حكمه حكم القول الاول، وإن لم يدفع كان حكمه حكم القول الثاني، فان بذل المعتق القيمة أجبرنا الشريك على قبضها، وإن طلب الشريك أجبرنا المعتق على دفعها، فان أمسك الشريك عن الطلب والمعتق عن الدفع وقلنا إن العتق يقف على الدفع فللعبد أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض ليصل إلى حقه، فان أمسك أعتق فللحاكم أن يطالب بالدفع والقبض لما في العتق من حق الله تعالى، فان أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ انه يعتق لانه صادف ملكه (والثانى) وهو المذهب انه لا يعتق لان العتق مستحق من جهة المعتق والولاء مستحق له فلا يجوز إبطاله عليه. (فصل) وإن كان بين اثنين جارية فأحبلها أحدهما ثبت حرمة الاستيلاد في نصيبه وفي نصيب الشريك الاقوال التى ذكرناها في العتق، لان الاستيلاد كالعتق في إيجاب الحرية فكان كالاعتاق في التقويم والسرايه (فصل) وان اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد والبينة متعذرة، فان قلنا انه يسرى في الحال فالقول قول المعتق لانه غارم لما استهلكه فكان القول قوله، كما لو اختلفا في قيمة ما أتلفه بالجناية. وإن قلنا لا يعتق إلا بدفع القيمة فالقول قول الشريك لان نصيبه باق على ملكه فلا ينزع منه إلا بما يقر به كالمشترى في الشفعة. وان ادعى الشريك انه كان يحسن صنعة تزيد بها القيمة فأنكر المعتق فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ

هو كالاختلاف في القيمه، وفيه قولان ومنهم من قال القول قول المعتق قولا واحدا لان الظاهر معه والشريك يدعى صنعة الاصل عدمها، وان ادعى المعتق عيبا في العبد ينقص به القيمه وأنكر الشريك ففيه طريقان أيضا، من أصحابنا من قال هو كالاختلاف في القيمه فيكون على قولين. ومنهم من قال القول قول الشريك قولا واحدا، لان الظاهر معه، والمعتق يدعى عيبا الاصل عدمه. (فصل) وان كان المعتق معسرا عتق نصيبه وبقى نصيب الشريك على الرق والدليل عليه حديث ابن عمر رضى الله عنه: وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق: ولان تنفيذ العتق لدفع الضرر عن العبد، فلو أعتقنا نصيب الشريك لاضررنا به لانا نتلف ماله ولا يحصل له عوض، والضرر لا يزال بالضرر، ولهذا لو حضر الشفيع وهو معسر لم يأخذ بالشفعه لانه يزيل الضرر بالضرر. وإن كان موسرا بقيمة البعض عتق منه بقدره، لان ما وجب بالاستهلاك إذا عجز عن بعضه وجب ما قدر عليه كبدل المتلف، وإن كان معه قيمة الحصة وعليه دين يستغرق ما معه، ففيه قولان، بناء على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة، فان قلنا لا يمنع وجب عليه العتق، وان قلنا يمنع لم يجب العتق. (فصل) وان ملك عبدا فأعتق بعضه سرى إلى الباقي لانه موسر بالقدر الذى يسرى إليه فسرى إليه، كما لو أعتق شركا له في عبد وهو موسر (فصل) وإن أوصى بعتق شرك له في عبد فأعتق عنه لم يقوم عليه نصيب شريكه، وان احتمله الثلث، لانه بالموت زال ملكه فلا ينفذ إلا فيما استثناه بالوصية، وان وصى بعتق نصيبه وبأن يعتق عنه نصيب شريكه والثلث يحتمله قوم عليه وأعتق عنه الجميع، لانه في الوصية بالثلث كالحى، فإذا قوم على الحى قوم على الميت بالوصية.

(فصل) وإن كان عبد بين ثلاثة لاحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس فأعتق صاحب الثلث والسدس نصيبهما في وقت واحد وكانا موسرين قوم نصيب الشريك عليهما بالسوية، لان التقويم استحق بالسراية فقسط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل فجرحه أحدهما جراحة والآخر جراحات. (فصل) وان كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فإن قال: أعتقت هذا قبل قوله لانه أعرف بما قال فان اتهمه الاخر حلف لجواز أن يكون كاذبا، فإن نكل حلف الاخر وعتق العبدان أحدهما باقراره والاخر بالنكول واليمين، وان قال هذا بل هذا عتقا جميعا لانه صار راجعا عن الاول مقرا بالثاني، فإن مات قبل أن يبين رجع إلى قول الوارث، لان له طريقا إلى معرفته، فإن قال الوارث لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لانه ليس أحدهما بأولى من الاخر فرجع إلى القرعة، ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف إلى أن ينكشف لان القرعة تفضى إلى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف إلى أن يتبين والاول هو الصحيح، لان البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث في رقيقه وبالحر في حق نفسه. (فصل) وان أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله أن يعين من شاء، فان قال: هو سالم بل غانم عتق سالم ولم يعتق غانم لانه تخير لتعيين عتق فإذا عينه في واحد سقط خياره في الثاني، ويخالف القسم قبله لان ذلك أخبار لا خيار له فيه فلم يسقط حكم خبره. فان مات قبل أن يعين ففيه وجهان. أحدهما: لا يقوم الوارث مقامه في التعيين كما لا يقوم مقامه في تعيين الطلاق في احدى المرأتين فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق، والثانى: يقوم مقامه وهو الصحيح لانه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعه والرد بالعيب. (فصل) ومن ملك أحد الوالدين وان علوا أو أحد المولودين وان سفلوا

باب القرعة

عتقوا عليه لقوله تعالى (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا) فنفى الولادة مع العبودية فدل على انهما لا يجتمعان، ولان الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه، وإن ملك بعضه، فان كان بسبب من جهته كالبيع والهبه وهو موسر قوم عليه الباقي لانه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد، وان كان بغير سبب من جهته كالارث لم يقوم عليه لانه عتق من غير سبب من جهته، ومن ملك من سوى الوالدين والمولودين من الاقارب ولم يعتق عليه لانه لا بعضيه بينهما فكانوا كالاجانب، وان وجد من يعتق عليه مملوكا فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فيشتريه فيعتقه) ولا يجب عليه ذلك لانه استجلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة، وإن وصى للمولى عليه بأبيه، فان كان لا تلزمه نفقته وجب على الولى قبوله لانه يعتق عليه فيحصل له جمال عاجل وثواب آجل من غير اضرار وان كان تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه يعتق عليه ويطالب بنفقته، وفي ذلك اضرار فلم يجز، وإن وصى له ببعضه، فان كان معسرا لزمه قبوله لانه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة، وإن كان موسرا والاب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لانه تلزمه نفقته وفي ذلك إضرار، وإن كان لا تلزمه نفقته ففيه قولان. (أحدهما) لا يجوز قبوله لان ملكه يقتضى التقويم، في ذلك اضرار. (والثانى) يلزم قبوله ولا يقوم عليه لانه يعتق عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالارث. باب القرعة والقرعة أن تقطع رقاع متساوية ويكتب في كل رقعة ما يراد اخراجه وتجعل في بنادق من طين متساوية الوزن والصفة وتجفف وتغطى بشئ ثم يقال لرجل لم يحضر الكنابة والبندقة أخرج بندقه ويعمل بما فيها فان كان القصد عتق الثلث

جزئوا ثلاثة أجزاء، وإن كان القصد عتق الربع جزئوا أربعة أجزاء، وإن كان القصد عتق النصف جزئوا جزأين وتعدل السهام، فإن كان القصد عتق الثلث فإن كان عددهم وقيمتهم متساوية، فإن كانوا ستة أعبد قيمة كل واحد منهم مائة جعل كل اثنين جزءا، ثم الحاكم بالخيار بين أن يكتب في الرقاع الاسماء ويخرج الاسماء على الحريه والرق، وبين أن يكتب الرق والحريه ويخرج على الاسماء، فإن اختار كتب الاسماء كتب كل اسمين في رقعة، فان شاء أخرج القرعة على الحرية، فإذا خرجت القرعة باسم اثنين عتقا ورق الباقون، وإن شاء أخرج على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ثم يخرج قرعة أخرى على الرق، فإذا خرجت رق من فيها ويعتق الباقيان، والاخراج على الحريه أولى لانه أقرب إلى فصل الحكم، فان اتفق العدد واختلفت القيم وأمكن تعديل العدد بالقيمه بأن يكونوا ستة قيمة اثنين أربعمائه وقيمة اثنين ستمائة وقيمة اثنين مائتان جعل اللذان قيمتهما أربعمائه جزءا وضم أحد العبدين المقومين بستمائة إلى أحد العبدين المقومين بمائتين ويجعل العبدان الاخران جزءا ويخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين. وإن اختلفت قيمتهم ولم يتفق عددهم بأن كانوا ثمانيه قيمة واحد مائه وقيمة ثلاثه مائه وقيمة أربعه مائه عدلوا بالقيمه، فيجعل العبد جزءا والثلاثه جزءا والاربعه جزءا، فان خرجت قرعة العتق على العبد عتق ورق السبعه. وان خرجت على الثلاثه عتقوا ورق الخمسه. وان خرجت على الاربعة عتقوا ورق الاربعة لانه لا يمكن تعديلهم بغير القيمه فعدلوا بالقيمه، وعلى هذا لو كانوا اثنين قيمة أحدهما مائه وقيمة الاخر مائتان جعلا جزأين وأقرع بينهما، فان خرجت قرعة العتق على المقوم بمائة عتق جميعه ورق الاخر، وان خرجت على المقوم بمائتين عتق نصفه ورق نصفه وجميع الاخر، فان اتفق العدد وأختلفت القيم فان عدل بالعدد اختلفت القيم، وان عدل بالقيمه اختلف العدد بأن كانوا ستة قيمة واحد مائه وقيمة اثنين مائه وقيمة ثلاثه مائه فالمنصوص أنهم يعدلون بالقيمه فيجعل العبد جزءا والعبدان جزءا والثلاثه جزءا وتخرج القرعه على ما ذكرناه من الوجهين.

ومن أصحابنا من قال يعدلون بالعدد فيجعل اللذان قيمتهما مائة جزءا ويضم أحد الثلاثة إلى المقوم بمائه فيجعلان جزءا وقيمتها مائة وثلث ويجعل الاخران جزءا وقيمتها ثلثمائة وأقرع بينهم فان خرجت القرعة على المقومين بالمائة وقد استكملا الثلث ورق الباقون، وان خرجت على العبدين المقوم أحدهما بمائه والاخر بثلث المائه عتقا ورق الاربعة الباقون ويقرع بين العبدين اللذين خرجت القرعة عليهما لانهما أكثر من الثلث فلم ينفذ العتق فيهما، فان أقرع فخرجت القرعة على المقوم بمائة عتق ورق الاخر، وإن خرجت على المقوم بثلث المائة عتق وعتق من الاخر الثلثان لاستكمال الثلث ورق الباقي والصحيح هو المنصوص عليه لان فيما قال هذا القائل يحتاج إلى إعادة القرعة وتبعيض الرق والحريه في شخص واحد، فان اختلف العدد والقيم ولم يمكن التعديل بالعدد ولا بالقيمة بأن كانوا خمسه وقيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلثمائة وقيمة الرابع أربعمائه وقيمة الخامس خمسمائه ففيه قولان. (أحدهما) أنه يكتب أسماؤهم في رقاع بعددهم ثم يخرج على العتق، فإن خرج المقوم بخمسمائه وهو الثلث عتق ورق الاربعة. وإن خرج المقوم بأربعمائه عتق وقد بقى من الثلث مائه فيخرج اسم آخر، فان خرج اسم المقوم بثلثمائه عتق منه ثلثه ورق باقيه والثلاثه الباقون، وعلى هذا القياس يعمل في كل ما يخرج. والقول الثاني انهم يجزأون ثلاثة أجزاء على القيمه دون العدد فيجعل المقوم بخمسمائه جزءا، ويجعل المقوم بثلثمائه والمقوم بالمائتين جزءا، ويجعل المقوم بأربعمائه والمقوم بمائه جزءا ثم يخرج القرعه ويعتق من فيها وهو الثلث ويرق الباقون لان النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء. (فصل) قال الشافعي: وان أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فمات واحد ثم مات السيد أقرع بين الحيين والميت، فان خرج سهم الحريه على الميت رق الاثنان وحكم من خرج عليه سهم الحريه حكم الاحرار منذ خوطب بالعتق إلى أن مات وكان له ما اكتسب واستفاد بارث وغيره. وان خرج سهم الحريه على أحد الحيين لم يعتق منه الا ثلثاء لان الميت قبل موت سيده مات عبدا فلم يكن له حكم ما خلف السيد، وان مات المعتق ولم يقرع بينهم حتى مات اثنان أقرع بين

الحى والميتين فان خرج بينهم العتق على الحى عتق كله وأعطى كل ما استفاد من يوم خوطب بالعتق ورق الميتان (فصل) إذا أعتق في مرضه ستة أعبد لا مال له غيرهم فأعتق اثنان بالقرعه ثم ظهر مال يحتمل أن يعتق آخران جعل الاربعة جزأين وأقرع بينهم وأعتق منهم اثنان (فصل) وان أعتق في مرضه أعبدا له ومات وعليه دين يستغرق التركة لم ينفذ العتق، لان العتق في المرض وصيه فلا ينفذ الا في ثلث ما يفضل بعد قضاء الدين. وان استغرق نصفها جعل التركة جزأين ويكتب في رقعة دين، وفي رقعة تركة، وان استغرق الثلث جعلوا ثلاثة أجزاء في رقعة دين وفي رقعتين تركة ويقرع بينهم فمن خرجت عليه قرعة الدين بيع في الدين وما سواه يجعل ثلاثة أجزاء ويعتق منه الثلث لانه اجتمع حق الدين وحق التركة وحق العتق، وليس بعضها بالبيع والارث والعتق بأولى من البعض وللقرعه مدخل في تمييز العتق من غيره فأقرع بينهم (فصل وان أعتقهم ومات وأقرع بينهم وأعتق الثلث ثم ظهر دين مستغرق لم ينفذ العتق لما ذكرناه، فان قال الورثة نحن نقضى الدين وننفذ العتق ففيه وجهان. (أحدهما) أن لهم ذلك لان المنع من نفوذ العتق لاجل الدين فإذ قضى الدين زال المنع (والثانى) انه ليس لهم ذلك لانهم تقاسموا العبيد بالقرعه وقد تعلق بهم حق الغرماء فلم يصح، كما لو تقاسم شريكان ثم ظهر شريك ثالث، فعلى هذا يقضى الدين ثم يستأنف العتق، وان كان الدين يستغرق نصف التركة فهل يبطل العتق بالجميع، فيه وجهان (أحدهما) يبطل كما قلنا في قسمة الشريكين (والثانى) يبطل بقدر الدين لان بطلانه بسببه فيقدر بقدره، فان كان الذى أعتق عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ورق النصف ثم يقرع بينهما لجمع الحريه فان خرجت القرعه لاحدهما وكانت قيمتها سواء عتق وبيع الاخر في الدين، وان كانت قيمة أحدهما أكثر فخرجت القرعه على أكثرهما قيمة عتق منه نصف قيمة العبدين ورق باقيه والعبد الاخر. وان خرجت على أقلهما قيمة عتق وعتق من الثاني تمام النصف وبيع الباقي في الدين

باب المدبر

(باب المدبر) التدبير قربة لانه يقصد به العتق ويعتبر من الثلث في الصحة والمرض، لما رُوِيَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المدبر من الثلث، ولانه تبرع يتنجز بالموت فاعتبر من الثلث كالوصيه، فإن دبر عبدا وأوصى بعتق آخر وعجز لثلث عنهما أقرع بينهما. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يقدم المدبر لانه يعتق بالموت والموصى بعتقه لا يعتق بالموت والصحيح هو الاول لان لزومهما بالموت فاستويا (فصل) ويصح من السفيه لانه إنما منع من التصرف حتى لا يضيع ماله فيفتقر وبالتدبير لا يضيع ماله لانه باق على ملكه، وإن مات استغنى عن المال وحصل له الثواب، وهل يصح من الصبى المميز، فيه قولان (أحدهما أنه يصح لما ذكرناه في السفيه (والثانى) لا يصح وهو الصحيح لانه ليس من أهل العقود فلم يصح تدبيره كالمجنون (فصل) والتدبير هو أن يقول إن مت فأنت حر، فإن قال دبرتك أو أنت مدبر ونوى العتق صح، وإن لم ينو فالمنصوص في المدبر أنه يصح. وقال في المكاتب إذا قال كاتبتك على كذا وكذا لم يصح حتى يقول فإذا أديت فأنت حر فمن أصحابنا من نقل جوابه في المدبر إلى المكاتب وجوابه في المكاتب إلى المدبر وجعلهما على قولين (أحدهما) أنهما صريحان لانهما موضوعان للعتق في عرف الشرع (والثانى) أنهما كنايتان فلا يقع العتق بهما إلا بقرينة أو نية لانهما يستعملان في العتق وغيره، ومنهم من قال في المدبر صريح وفي المكاتب كناية، ولم يذكر فرقا يعتمد عليه. (فصل) ويجوز مطلقا وهو أن يقول: إن مت فأنت حر، ويجوز مقيدا وهو أن يقول: إن مت من هذا المرض أو في هذا البلد فأنت حر، لانه عتق معلق على صفة فجاز مطلقا ومقيدا كالعتق المعلق على دخول الدار، ويجوز تعليقه على شرط، بأن يقول إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتى، كما يجوز أن يعلق العتق المعلق على دخول الدار بشرط قبله، فإن وجد الشرط صار مدبرا،

وان لم يوجد الشرط حتى مات السيد لم يصر مدبرا لانه علق التدبير على صفة، وقد بطلت الصفه بالموت فسقط ما علق عليه. (فصل) ويجوز تدبير المعتق بصفة كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة أخرى فإن وجدت الصفة قبل الموت عتق بالصفة وبطل التدبير به، وإن مات قبل وجود الصفه عتق بالتدبير وبطل العتق بالصفة، ويجوز تدبير المكاتب كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة، فإذا دبره صار مكاتبا مدبرا ويستحق العتق بالكتابة والتدبير، فإن أدى المال قبل الموت عتق بالكتابة وبطل التدبير، وإن مات قبل الاداء فإن كان يخرج من الثلث عتق بالتدبير وبطلت الكتابة، وإن لم يخرج جميعه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من مال الكتابة بقدره وبقى الباقي على الكتابة، ولا يجوز تدبير أم الولد، لان الذى يقتضيه التدبير هو العتق بالموت، وقد استحقت ذلك بالاستيلاد فلم يفد التدبير شيئا، فإذا برها ومات عتقت بالاستيلاد من رأس المال. (فصل) ويجوز تدبير الحمل كما يجوز في بعض عبد كما يجوز عتقه، ويجوز في العتق، فإن كان بين رجلين عبد فدبر أحدهما نصيبه وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه ليصير الجميع مدبرا، فيه قولان (أحدهما) يقوم عليه لانه أثبت له شيئا يفضى إلى العتق لا محالة فأوجب التقويم كما لو استولد جاريه بينه وبين غيره (والثانى) وهو المنصوص أنه لا يقوم عليه لان التقويم انما يجب بالاتلاف كالعتق أو بسبب يوجب الاتلاف كالاستيلاد والتدبير ليس باتلاف ولا سبب يوجب الاتلاف لانه يمكن نقضه بالتصرف فلم يوجب التقويم، فان كان له عبد فدبر بعضه فالمنصوص أنه لا يسرى إلى الباقي وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يسرى فيصير الجميع مدبرا، ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها، فان كان عبد بين اثنين فدبراه فأن قال كل واحد منهما إذا مت فأنت حر جاز، كما لو أعتقاه، فان أعتق أحدهما نصيبه بعد التدبير وهو موسر فهو يقوم عليه نصيب شريكه ليعتق، فيه قولان منصوصان:

(أحدهما) لا يقوم عليه لان لنصيب شريكه جهة يعتق بها فاستغنى عن التقويم ولانا إذا قومناه على المعتق أبطلنا على شريكه ما ثبت له من العتق والولاء بحكم التدبير. (والثانى) يقوم عليه ليصير الكل حرا لان المدبر كالقن في الملك والتصرف فكان كالقن في التقويم والسراية، فإن كان بين نفسين عبد فقالا إذا متنا فأنت حر لم يعتق حصة واحد منهما إلا بموته وموت شريكه، فان ماتا معا عتق عليهما بوجود الصفة فان مات أحدهما قبل الآخر انتقل نصيب الميت إلى وارثه ووقف عنقه على موت الاخر فإذا مات الاخر عتق، فان قالا: أنت حبيس على آخرنا موتا فالحكم فيها كالحكم في المسألة قبلها إلا في فصل واحد وهو أن في المسألة الاولى إذا مات أحدهما انتقل نصيب الميت إلى وارثه إلى أن يموت الاخر وفي هذه إذا مات أحدهما كان منفعة نصيبه موصى بها للآخر إلى أن يموت لقوله أنت حبيس على آخرنا موتا فإذا مات الاخر عتق. (فصل) ويملك المولى بيع المدبر، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أعتق غلاما له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة ويملك هبته ووقفه وكتابته قياسا على البيع ويملك أكسابه ومنافعه وأرش ما يجنى عليه لانه لما كان كالعبد القن في التصرف في الرقيه كان كالقن فيما ذكرناه، وان جنى خطا تعلق الارش برقبته وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع وبين أن يفديه كما يفدى العبد القن لانه كالقن في جواز بيعه فكان كالقن في جواز التسليم للبيع والفداء، وان مات السيد قبل أن يفديه. فإن قلنا: لا يجوز عتق الجاني لم يعتق وللوارث الخيار بين التسليم للبيع وبين الفداء كالسيد في حياته. وان قلنا: يجوز عتق الجاني عتق من الثلث ووجب أرش الجناية من التركة لانه عتق بسبب من جهته فتعلق الارش بتركته ولا يجب إلا أقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية لانه لا يمكن تسليمه للبيع بعد العتق (فصل) وإن كان المدبر جارية فأتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها في التدبير فيه قولان.

(أحدهما) يتبعها لانها تستحق الحرية فتبعها الولد كأم الولد، فعلى هذا ان ماتت الام في حياة المولى لم يبطل التدبير في الوالد. (والثانى) لا يتبعها لانه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن والوصية وان دبرها وهى حامل تبعها الولد قولا واحدا كما يتبعها في العتق، وان دبر عبدا ثم ملكه جارية فأتت منه بولد لحقه نسبه لانه يملكها في أحد القولين وله فيها شبهة في القول الثاني لاختلاف الناس في ملكه. (فإن قلنا) لا يملك الجارية فالولد مملوك للمولى لانه ولد أمته (وان قلنا) يملكها فالولد ابن المدبر ومملوكه لانه من أمته وهل يكون مدبرا فيه وجهان. أحدهما: أنه ليس بمدبر لان الولد انما يتبع الام دون الاب والام غير مدبرة، والثانى: أنه مدبر لانها علقت به في ملكه فكان كالاب كولد الحر من أمته. (فصل) ويجوز الرجوع في التدبير بما يزيل الملك كالبيع والهبة المقبوضة لما رويناه من حديث جابر رضى الله عنه وهل يجوز بلفظ الفسخ كقوله: فسخت ونقضت ورجعت. فيه قولان أحدهما: أنه يجرى مجرى الوصية فيجوز له فسخه بلفظ الفسخ وهو اختيار المزني لانه تصرف يتنجز بالموت يعتبره من الثلث فهو كالوصية. والثانى: أنه يجرى مجرى العتق بالصفة فلا يجوز فسخه بلفظ الفسخ هو الصحيح لانه عتق علقه على صفة فهو كالعتق بالصفات، وان وهبه ولم يقبضه فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ان قلنا: انه كالوصية فهو رجوع، وان قلنا: انه كالعتق بالصفة فليس برجوع لانه لم يزل الملك. ومنهم من قال: هو رجوع على القولين لانه تصرف يفضى إلى زوال الملك وان كاتبه، فان قلنا ان التدبير كالوصيه كان رجوعا كما لو أوصى بعبد ثم كاتبه، وان قلنا أنه كالعتق بالصفة لم يكن رجوعا بل يصير مدبرا مكاتبا وحكمه ما ذكرناه فيمن دبر مكاتبا، وان دبره ثم قال ان أديت إلى وارثي ألفا فأنت حر. (فان قلنا) انه كالوصيه كان ذلك رجوعا في التدبير لانه عدل عن العتق بالموت إلى العتق بأداء المال فبطل التدبير ويتعلق العتق بالاداء. وان قلنا: انه

كالعتق بالصفة وخرج من الثلث عتق بالتدبير وسقط حكم الاداء بعده لانه علق عنقه بصفة متقدمة ثم علقه بصفة متأخره فعتق بأسبقهما وأسبقهما الموت فعتق به وإن دبر جارية ثم أولدها بطل التدبير لان العتق بالتدبير والاستيلاد في وقت واحد والاستيلاد أقوى فاسقط التدبير. (فصل) ويجوز الرجوع في تدبير البعض كما يجوز التدبير في الابتداء في البعض، وان دبر جارية فأتت بولد من نكاح أو زنا وقلنا انه يتبعها في التدبير ورجع في تدبير الام لم يتبعها الولد في الرجوع وان يتبعها في التدبير كما أن ولد ام الولد يتبعها حق الحرية ثم لا يتبعها في بطلان حقها من الحرية بموتها، وان دبرها الصبى وقلنا انه يصح تدبيره، فان قلنا: يجوز الرجوع بلفظ الفسخ جاز رجوعه لانه لا حجر عليه في التدبير فجاز رجوعه فيه كالبالغ، وإن قلنا: لا يجوز الرجوع الا بتصرف يزيل الملك لم يصح الرجوع في تدبيره الا بتصرف يزيل الملك من جهة اولى. (فصل) وان دبر عبده ثم ارتد فقد قال أبو إسحاق لا يبطل التدبير، فان مات عنق العبد لانه تصرف نفذ قبل الرد فلم تؤثر الردة فيه كما لو باع ماله ثم ارتد، ومن أصحابنا من قال: يبطل التدبير لان المدبر انما يعتق إذا حصل للورثة شئ مثلاه وها هنا لم يحصل للورثة شئ فلم يعتق. ومنهم من قال: يبنى على الاقوال في ملكه، فان قلنا: يزول ملكه بالردة بطل لانه زال ملكه فيه فأشبه إذا باعه، وان قلنا لا يزول لم يبطل كما لو لم يدبر وإن فلنا: موقوف فالتدبير موقوف وما قال أبو إسحاق غير صحيح لانه ارتد والمدبر على ملكه فزال بالردة بخلاف ما لو باعه قبل الردة وما قال الآخر لا يصح لان ماله بالموت صار للمسلمين وقد حصل لهم مثلاه. (فصل) وان دبر الكافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد ولم يرجع السيد في التدبير ففيه قولان. أحدهما: يباع عليه وهو اختيار المزني لانه يجوز بيعه فبيع عليه كالعبد القن والثانى: لا يباع عليه وهو الصحيح لانه لا حظ للعبد في بيعه لانه يبطل به

حقه من الحرية فعلى هذا هو بالخيار بين أن يسلمه إلى مسلم وينفق عليه إلى أن يرجع في التدبير فيباع عليه أو يموت فيعتق عليه وبين أن يخارجه على شئ لانه لا سبيل إلى افراره في يده فلم يجز إلا ما ذكرناه، فإن مات السيد وخرج من الثلث عتق، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة لانه صار قنا. (فصل) وان اختلف السيد والعبد فادعى العبد أنه دبره وأنكر السيد، فان قلنا إن التدبير كالعتق بالصفة صح الاختلاف لانه لا يمكن الرجوع فيه، والقول قول السيد لان الاصل أنه لم يدبر. وان قلنا: انه كالوصية ففيه وجهان، أحدهما: أن القول قول السيد لان جحوده رجوع وهو يملك الرجوع، والثانى أنه ليس برجوع وهو المذهب لانه قال في الدعوى والبينات إذا أنكر السيد قلنا له قل رجعت ولا يحتاج إلى اليمين فدل على أن جحوده ليس برجوع، والدليل عليه أن جحود الشئ ليس برجوع كما أن جحود النكاح ليس بطلاق فعلى هذا يصح الاختلاف والحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا انه عتق بلصفة، وان مات السيد واختلف العبد والوارث صح الاختلاف على القولين والقول قول الوارث، وان كان في يده مال فقال كسبته بعد العتق، وقال الوارث بل كسبته قبل العتق قالقول قول المدبر لان الاصل عدم الكسب الا في الوقت الذى وجد فيه وقد وجد وهو في يد المدبر فكان له، وان كان أمة ومعها ولد فادعت أنها ولدته بعد التدبير. وقال الوارث بل ولدته قبل التدبير فالقول قول الوارث لان الاصل في الولد الرق. (فصل) ويجوز تعليق العتق على صفة مثل أن يقول ان دخلت الدار فأنت حر، وان أعطيتني ألفا فأنت حر لانه عتق على صفة فجاز كالتدبير، فان قال ذلك في المرض اعتبر من الثلث، لانه لو أعتقه اعتبر من الثلث، فإذا عقده اعتبر من الثلث، وان قال ذلك وهو صحيح اعتبر من رأس المال سواء وجدت الصفة وهو صحيح أو وجدت وهو مريض لان العتق انما يعتبر من الثلث في حال المرض لانه قصد إلى الاضرار بالورثة في حال يتعلق حقهم بالمال وههنا لم يقصد إلى ذلك، فان علق العتق على صفة مطلقة ثم مات بطل لان تصرف الانسان

مقصور على حال الحياة فحمل إطلاق الصفة عليه، وأن علق عتقه على صفة بعد الموت لم يبطل بالموت لانه يملك العتق بعد الموت في الثلث فملك عقده على صفة بعد الموت. (فصل) وإن علق عتق امة على صفة ثم أتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها الولد فيه قولان كما قلنا في المدبرة، فان بطلت الصفه في الام بموتها أو بموته بطلت في الولد لان الولد يتبعها في العتق لا في الصفة بخلاف ولد المدبرة فانه يتبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقى فيه، وإن قال لامته أنت حرة بعد موتى بسنة فمات السيد وهى تخرج من الثلث، فللوارث أن يتصرف في كسبها ومنفعتها ولا يتصرف في رقبتها لانها موقوفة على العتق، فان أتت بولد بعد موت السيد فقد قال الشافعي رحمه الله يتبعها الولد قولا واحدا، فمن أصحابنا من قال فيه قولان كالولد الذى تأنى به قبل الموت والذى قاله الشافعي رحمه الله احد القولين، ومنهم من قال يتبعها الولد قولا واحدا لانها أتت به، وقد استقر عتقها بالموت فيتبعها الولد كأم الولد بخلاف ما قبل الموت فان عتقها غير مستقر لانه يلحقه الفسخ. (فصل) وان علق عتق عبده على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول لانه كاليمين أو كالنذر والرجوع في الجميع لا يجوز، ويجوز الرجوع فيه بما يزيل الملك كالبيع وغيره، فان علق عتقه على صفة ثم باعه ثم رجع إليه فهل يعود حكم الصفة فيه قولان بناء على القولين فيمن علق طلاق إمراته على صفة وبانت منه ثم تزوجها، وإن دبر عبده ثم باعه ثم رجع إليه، فان قلنا: ان التدبير كالوصية لم يرجع لان الوصية إذا بطلت لم تعد، وان قلنا انه كالعتق بصفة فهل يعود أم لا على ما ذكرناه من القولين.

كتاب المكاتب

كتاب المكاتب الكتابة جائرة لقوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) ولا تجوز الكتابة إلا من جائز التصرف في المال لانه عقد على المال فلم يجز إلا من جائز التصرف في المال كالبيع، ولا يجوز أن يكاتب عبد اجيرا لان الكتابة تقتضي التمكين من التصرف والاجارة تمنع من ذلك، ولا يجوز أن يكاتب عبدا مرهونا لان الرهن يقتضى البيع والكتابة تمنع البيع، وتجوز كتابة المدبر وأم الولد لانه عتق بصفة يجوز ان تتقدم على الموت فجاز في المدبر وأم الولد كالعتق المعلق على دخول الدار، فإن كتب مدبرا صار مكاتبا ومدبرا، وقد بينا حكمه في المدبر، وان كاتب أم ولد صارت مكاتبة وأم ولد فان أرت المال قبل موت السيد عتقت بالكتابة، وان مات السيد قبل الاداء عتقت بالاستيلاد وبطلت الكتابة. (فصل) وتجوز كتابة بعض العبد إذا كان باقيه حرا لانه كتابة على جميع ما فيه من الرق فأشبه كتابة العبد في جميعه، وإن كان عبد بين اثنين فكاتبه احدهما في نصيبه بغير إذن شريكه لم يصح لانه لا يعطى من الصدقات ولا يمكنه الشريك من الاكتساب بالاسفار، وان كاتبه باذن شريكه ففيه قولان. (أحدهما) لا يصح لما ذكرناه من نقصان كسبه. (والثانى) يصح لان المنع لحق الشريك فزال بالاذن، وان كان لرجل عبد فكاتبه في بعضه فالمنصوص انه لا يصح، واختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه لا يصح قولا واحدا كما لا يصح أن يبعض العتق فيه، ومنهم من قال: إذا قلنا انه يصح أن يكاتب نصيبه في العبد المشترك باذن الشريك صح ههنا لان اتفاقهما على كتابة البعض كاتفاق الشريكين، فإن وصى رجل بكتابة عبد وعجز الثلث عن جميعه فالمنصوص أنه يكاتب القدر الذى يحتمله الثلث، فمن أصحابنا من جعل في الجميع قولين ومنهم من قال: يصح في الوصيه، وقد فرق بينه وبين العبد المشترك بأن

الكتابة في العبد المشترك غير مستحقة في جميعه والكتابة في الوصية استحقت في جميعه فإذا تعذرت في البعض لم تسقط في الباقي. (فصل) وان طلب العبد الكتابة نظرت فإن كان له كسب وأمانة استحب أن يكاتب لقوله عز وجل (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وقد فسر الخبر بالكسب والامانة، ولان المقصود بالكتابة العتق على مال، وبالكسب والامانة يتوصل إليه، ولا يجب ذلك لانه عتق فلا يجب بطلب العبد كالعتق في غير الكتابة. وإن لم يكن له كسب ولا أمانه أو له كسب بلا أمانه لم تستحب لانه لا يحصل المقصود بكتابته ولا تكره لانه سبب للعتق من غير اضرار فلم تكره. وان كان له امانة بلا كسب ففيه وجهان. (احدهما) انه لا تستحب لان مع عدم الكسب يتعذر الاداء فلا يحصل المقصود (والثانى) تستحب لان الامين يعان ويعطى من الصدقات، وان طلب السيد الكتابة فكره العبد لم يجبر عليه، لانه عتق على مال فلا يجبر العبد عليه كالعتق على مال في غير الكتابة. (فصل) ولا يجوز الا بعوض مؤجل لانه إذا كاتبه على عوض حال لم يقدر على أدائه فينفسخ العقد ويبطل المقصود، ولا يجوز على أقل من نجمين، لما روى عن أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه أنه غضب على عبد له وقال: لاعاقبنك ولاكتبنك على نجمين، فدل على أنه لا يجوز على أقل من ذلك. وعن على كرم الله وجهه أنه قال: الكتابة على نجمين والايتاء من الثاني، ولا يجوز الا على نجمين معلومين، وأن يكون ما يؤدى في كل نجم معلوما لانه عوض منجم في عقد، فوجب العلم بمقدار النجم ومقدار ما يؤديه فيه كالسلم إلى أجلين. (فصل) ولا يجوز الا على عوض معلوم الصفه، لانه عوض في الذمه فوجب العلم بصفته كالمسلم فيه. (فصل) وتجوز الكتابة على المنافع، لانه يجوز أن تثبت في الذمة بالعقد

فجاز الكتابة عليها كالمال فان كاتبه على عملين في الذمة في نجمين جاز كما يجوز على مالين في نجمين، وان كاتبه على خدمة شهرين لم يجز لان ذلك نجم واحد، وان كاتبه على خدمة شهر ثم على خدمة شهر بعده لم يجز لان العقد في الشهر الثاني على منفعة معينة في زمان مستقبل فلم يجز كما لو استأجره للخدمة في شهر مستقبل. وان كاتبه على دينار وخدمة شهر بعده لم يجز لانه لا يقدر على تسليم الدينار في الحال، وان كاتبه على خدمة شهر ودينار في نجم بعده جاز لانه يقدر على تسليم الخدمه فهو مع الدينار كالمالين في نجمين، وإن كاتبه على خدمة شهر ودينار بعد انقضاء الشهر فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق لا يجوز لانه إذا لم يفصل بينهما صارا نجما واحدا. ومنهم من قال يجوز لانه يستحق الدينار في غير الوقت الذى يستحق فيه الخدمه وانما يتصل استيفاؤهما. فعلى هذا لو كاتبه على خدمة شهر ودينار في نصف الشهر جاز لانه يستحق الدينار في غير الوقت الذى يستحق فيه الخدمه. (فصل) وان كاتب رجلان عبدا بينهما على مال بينهما على قدر الملكين وعلى نجوم واحدة جاز، وان تفاضلا في المال مع تساوى الملكين أو تساويا في المال مع تفاضل الملكين، أو على أن نجوم أحدهما أكثر من نجوم الآخر أو على أن نجم أحدهما اطول من نجم الآخر ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يبنى على القولين فيمن كاتب نصيبه من العبد بإذن شريكه، فإن قلنا يجوز جاز، وان قلنا لا يجوز لم يجز لان اتفاقهما على الكتابة، ككتابة أحدهما في نصيبه بإذن الآخر. وعلى هذا يدل قول الشافعي رحمه الله تعالى فانه قال في الام: ولو أجزت لاجزت أن ينفرد أحدهما بكتابة نصيبه، فدل على أنه إذا جاز ذلك هذا، وان لم يجز ذلك لم يجز هذا. ومنهم من قال لا يصح قولا واحدا لانه يؤدى إلى أن ينتفع أحدهما بحق شريكه من الكسب لانه يأخد أكثر مما يستحق وربما عجز المكاتب فيرجع على شريكه بالفاضل بعدما انتفع به. (فصل) ولا يصح على شرط فاسد لانه معاوضة يلحقها الفسخ فبطلت

باب ما يملكه المكاتب وما لا يمكله

بالشرط الفاسد كالبيع، ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل، لانه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع. (فصل) وإذا انعقد العقد لم يملك المولى فسخه قبل العجز لانه أسقط حقه منه بالعوض فلم يملك فسخه قبل العجز عن العوض كالبيع، ويجوز للعبد أن يمتنع من أداء المال لان ما لا يلزمه إذا لم يجعل شرطا في عتقه لم يلزمه إذا جعل شرطا في عتقه كالنوافل، وهل يملك أن يفسخ، فيه وجهان من أصحابنا من قال لا يملك لانه لا ضرر عليه في البقاء على العقد ولا فائدة له في الفسخ فلم يملكه، ومنهم من قال له أن يفسخ لانه عقد لحظه فملك أن ينفرد بالفسخ كالمرتهن، فان مات المولى لم يبطل العقد لانه لازم من جهته فلم يبطل بالموت كالبيع، وينتقل المكاتب إلى الوارث لانه مملوك لا يبطل رقه بموت الموالى فانتقل إلى وارثه كالعبد القن وان مات العبد بطل العقد لانه فات المعقود عليه قبل التسليم فبطل العقد كالمبيع إذا تلف قبل القبض ولا يجوز شرط الخيار فيه، لان الخيار لدفع الغبن عن المال والسيد يعلم أنه مغبون من جهة المملوك لانه يبيع ماله بماله والعبد مخير بين أن يدفع المال وبين أن لا يدفع فلا معنى لشرط الخيار، فان اتفقا على الفسخ جاز، لانه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال، فجاز فسخه بالتراضى كالبيع. (باب ما يملكه المكاتب وما لا يمكله) ويملك المكاتب بالعقد اكتساب المال بالبيع والاجارة والصدقه والهبه والاخذ بالشفعة والاحتشاش والاصطياد وأخذ المباحات، وهو مع المولى كالأجنبي مع الأجنبي في ضمان المال وبذل المنافع وأرش الاطراف لانه صار بما بذله له من العوض عن رقبته كالخارج عن ملكه ويملك التصرف في المال بما يعود إلى مصلحته ومصلحة ماله، فيجوز أن ينفق على نفسه لان ذلك من أهم المصالح وله أن يفدى في حياته نفسه أو رقيقه لان له فيه مصلحة، وله أن يختن غلامه يؤدبه لانه اصلاح للمال. وأما الحد فالمنصوص أنه لا يملك اقامته لان طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية

ومن أصحابنا من قال: له أن يقيم الحد كما يملك الحر في عبده وله أن يقتص في الجناية عليه وعلى رقيقه. وذكر الربيع قولا آخر أنه لا يقتص من غير اذن المولى ووجهه أنه ربما عجز فيصير ذلك السيد فيكون قد أتلف الارش الذى كان للسيد أن يأخذه لو لم يقتص منه. قال أصحابنا: هذا القول من تخريج الربيع، والمذهب أنه يجوز أن يقتص لان فيه مصلحة له. (فصل) وان كان المكاتب جارية فوطئها المولى وجب عليه المهر ولها أن تطالب به لتستعين به على الكتابة لانه يجرى مجرى الكسب وان أذهب بكارتها لزمه الارش لانه اتلاف جزء لا يستحقه فضمن بدله كقطع الطرف وإن أتت منه بولد صارت مكاتبة وأم ولد، وقد بينا حكمهما في أول الباب، وان كانت مكاتبة بين اثنين فأولدها أحدهما نظرت، فإن كان معسرا صار نصيبه أم ولد، وفي الولد وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أن الولد ينعقد جميعه حرا ويثبت للشريك في ذمة الوطئ نصف قيمته لانه يستحيل أن ينعقد نصف الولد حرا ونصفه عبدا. (والثانى) وهو قول أبى إسحاق: ان نصفه حر ونصفه مملوك، وهو الصحيح اعتبارا بقدر ما يملك منها ولا يمتنع أن ينعقد نصفه حرا ونصفه عبدا كالمرأة إذا كان نصفها حرا ونصفها مملوكا فأتت بولد فان نصفه حرا ونصفه عبد، وان كان موسرا فالولد حر وصار نصيبه من الجارية أم ولد، ويقوم على الواطئ نصيب شريكه وهل يقوم في الحال فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ: فِيهِ قولان. (أحدهما) يقوم في الحال، فإذا قوم انفسخت الكتابة وصار جميعها أم ولد للواطئ ونصفها مكاتبا له فإن أدت المال عتق نصفها وسرى إلى باقيها. (والقول الثاني) أنه يؤخر التقويم إلى العجز، فإن أدت ما عليها عتقت عليها بالكتابة، وإن عجزت قوم على الواطئ نصيب شريكه وصار الجميع أم ولد وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يقوم في الاستيلاد نصيب الشريك في الحال قولا واحدا، بل يؤخر إلى أن تعجز لان العتق فيه حظ للعبد لانه يتعجل له الحريه في الباقي ولا حظ لها في التقويم في الاستيلاد بل الحظ في التأخير لانه

إذا أخر ربما أدت المال فعتقت وإذا قوم في الحال صارت أم الولد ولا تعتق إلا بالموت، والصحيح هو الاول وأنه على قولين كالعتق لان الاستيلاد كالعتق بل هو أقوى لانه يصح من المجنون والعتق لا يصح منه فإذا كان في التقويم في العتق قولان وجب أن يكون في الاستيلاد مثلاه. (فصل) وان أتت المكاتبة بولد من نكاح أو زنا ففيه قولان (أحدهما) أنه موقوف، فان رقت الام رق، وإن عتقت عتق لان الكتابة سبب يستحق به العتق فيتبع الولد الام فيه كالاستيلاد (والثانى) أنه مملوك يتصرف فيه لانه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن. (فإن قلنا) انه للمولى كان حكمه حكم العبد القن في الجناية والكسب والنفقة والوطئ (وان قلنا) انه موقوف فقتل ففى قيمته قولان. أحدهما: أنها لامه تستعين بها في الكتابة لان القصد بالكتابة طلب حظها والثانى: أنها للمولى لانه تابع للام وقيمة الام للمولى فكذلك قيمة ولدها، فان كسب الولد مالا ففيه قولان. (أحدهما) أنه للام لانه تابع لها في حكمها فكسبها لها فكذلك كسب ولدها (والثانى) أنه موقوف لان الكسب نماء الذات وذاته موقوفة فكذلك كسبه فعلى هذا يجمع الكسب، فإن عتق ملك الكسب كما تملك الام كسبها إذا عتقت وان رق بعجز الام صار الكسب للمولى، فمن أصحابنا من خرج فيه قولا ثالثا أنه للمولى كما قلنا في قيمته في أحد القولين، وان أشرفت الام على العجز وكان في كسب الولد وفاء بمال الكتابة ففيه قولان. (أحدهما) أنه ليس للام أن تستعين به على الاداء لانه موقوف على السيد أو الولد فلم يكن للام فيه حق. (والثانى) أن لها أن تأخذه وتؤديه لانها إذا أدت عتقت وعتق الولد فكان ذلك أحظ للولد من أن ترق ويأخذه المولى، فإن احتاج الولد إلى النفقة ولم يكن في كسبه ما يفى. فإن قلنا: ان الكسب للمولى فالنفقة عليه، وان قلنا: انه للام فالنفقة عليها وإن قلنا: انه موقوف ففى النفقة وجهان (أحدهما) انها على المولى لانه مرصد

لملكه (والثانى) أنها في بيت المال لان المولى لا يملكه فلم يبق إلا بيت المال، وان كان الولد جارية فوطئها المولى، فإن قلنا: إن كسبه له لم يجب عليه المهر لانه لو وجب لكان له، وإن قلنا: انه للام فالمهر لها، وإن قلنا: انه موقوف وقف المهر، وإن أحبلها صارت أم ولد له بشبهة الملك ولا تلزمه قيمتها، لان القيمة تجب لمن يملكها والام لا تملك رقبتها وإنما هي موقوفة عليها. (فصل) وإن حبس السيد المكاتب مدة ففيه قولان (أحدهما) يلزمه تخليته في مثل تلك المدة لانه دخل في العقد على التمكين من التصرف في المدة فلزمه الوفاء به (والثانى) تلزمه أجرة المثل للمدة التى حبسه فيها وهو الصحيح لان المنافع لا تضمن بالمثل، وإنما تضمن بالاجرة، وإن قهر أهل الحرب المكاتب على نفسه مدة ثم أفلت من أيديهم ففيه قولان. (أحدهما) لا تجب تخليته في مثل المدة لانه لم يكن الحبس من جهته. (والثانى) تجب لانه فات ما استحقه بالعقد، ولا فرق بين أن يكون بتفريط أو غير تفريط كالبيع إذا هلك في يد البائع، ولا يجئ ههنا ايجاب الاجرة على المولى لانه لم يكن الحبس من جهته فلا تلزمه أجرته. (فصل) ولا يملك المكاتب التصرف الا على وجه النظر والاحتياط لان حق المولى يتعلق باكتسابه، فإن أراد أن يسافر فقد قال في الام: يجوز. وقال في الامالى: لا يجوز بغير اذن المولى، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يجوز لان فيه تغريرا (والثانى) يجوز لانه من أسباب الكسب، ومنهم من قال: ان كان السفر طويلا لم يجز، وان كان قصيرا جاز، وحمل القولين على هذين الحالين، والصحيح هو الطريق الاول. (فصل) ولا يجوز أن يبيع نسيئة، وان كان بأضعاف الثمن ولا على أن يأخذ بالثمن رهنا أو ضمينا لانه يخرج المال من يده من غير عوض والرهن قد يتلف والضمين قد يفلس وان باع ما يساوى مائه بمائة نقدا وعشرين نسيئة جاز لانه لا ضرر فيه، ولا يجوز أن يقرض ولا يضارب ولا يرهن لانه اخراج مال بغير عوض.

(فصل) ولا يجوز أن يشترى من يعتق عليه لانه يخرج ما لا يملك التصرف فيه بمال لا يملك التصرف فيه، وفي ذلك اضرار، وان وصى له بمن يعتق عليه، فان لم يكن له كسب لم يجز قبوله لانه يحتاج أن ينفق عليه وفي ذلك إضرار، وإن كان له كسب جاز قبوله لانه لا ضرر فيه، فان قبله ثم صار زمنا لا كسب له فله أن ينفق عليه لان فيه إصلاحا لماله. (فصل) ولا يعتق ولا يكاتب ولا يهب ولا يحابى ولا يبرئ من الدين ولا يكفر بالمال ولا ينفق على أقاربه الاحرار ولا يسرف في نفقة نفسه، وإن كان له أمة مزوجة لم تبذل العوض في الخلع لان ذلك كله استهلاك للمال، وإن كان عليه دين مؤجل لم يملك تعجيله لانه يقطع التصرف فيما يعجله من المال من غير حاجة، وإن كان مكاتبا بين نفسين لم يجز ان يقدم حق احدهما لان ما يقدمه من ذلك يتعلق به حقهما فلا يجوز أن يخص به أحدهما، وإن أقر بجناية خطا، ففيه قولان. أحدهما: يقبل لانه اقرار بالمال فقبل كما لو أقر بدين معاملة. والثانى: لا يقبل لانه يخرج به الكسب من غير عوض فبطل كالهبة، وان جنى هو أو عبد له يملك بيعه على أجنبي لم يجز أن يفديه بأكثر من قيمته لان الفداء كالابتياع فلا يجوز بأكثر من القيمة، وان كان عبدا لا يملك بيعه كالاب والابن لم يجز ان يفديه بشئ قل أو كثر لانه يخرج ما يملك التصرف فيه لاستبقاء ما لا يملك التصرف فيه. (فصل) وان فعل ذلك كله باذن المولى ففيه قولان، أحدهما: لا يصح لان المولى لا يملك ما في يده والمكاتب لا يملك ذلك بنفسه فلا يصح باجتماعهما كالاخ إذا زوج أخته الصغيرة باذنها، والثانى: أنه يصح وهو الصحيح لان المال موقوف عليهما، ولا يخرج منهما فصح باجتماعهما كالشريكين في المال المشترك والراهن والمرتهن في الرهن، وان وهب للمولى أو حاباه أو أقرضه أو ضاربه أو عجل له ما تأجل من ديونه أو فدى جنايته عليه بأكثر من قيمته، فإن قلنا يصح للاجنبي بإذن المولى صح، وان قلنا: لا يصح في حق الأجنبي بإذنه لم يصح لان قبوله كالاذن فان وهب أو أقرض وقلنا أنه لا يصح فله أن يسترجع فإن لم يسترجع

حتى عتق لم يسترجع على ظاهر النص، لانه إنما لم يصح لنقصانه وقد زال ذلك. ومن أصحابنا من قال له أن يسترجع لانه قد وقع فاسدا فثبت له الاسترجاع. (فصل) ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن المولى لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر، ولانه يلزمه المهر والنفقة في كسبه، وفي ذلك اضرار بالمولى فلم يجز بغير اذنه، فان أذن له المولى جاز قولا واحدا للخير، ولان الحاجة تدعو إليه بخلاف الهبة (فصل) ولا يتسرى بجارية من غير إذن المولى، لانه ربما أحبلها فتلفت بالولادة، فان أذن له المولى وقلنا إن العبد يملك ففيه طريقان، من أصحابنا من قال على قولين كالهبة، ومنهم من قال يجوز قولا واحدا، لانه ربما دعت الحاجة إليه فجاز كالنكاح، فان أولدها فالولد ابنه ومملوكه لانه ولد جاريته وتلزمه نفقته لانه مملوكه بخلاف ولد الحرة ولا يعتق عليه لنقصان ملكه، فان أدى المال عتق معه لانه كمل ملكه وان رق رق معه (فصل) ويجب على المولى الايتاء، وهو أن يضع عنه جزأ من المال أو يدفع إليه جزء من المال، لقوله عز وجل " آتوهم من مال الله الذى آتاكم " وعن عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في هذه الآية: يحط عنه ربع الكتابة، والوضع أولى من الدفع، لانه يتحقق الانتفاع به في الكتابة. واختلف أصحابنا في القدر الواجب، فمنهم من قال ما يقع عليه الاسم من قليل وكثير، وهو المذهب، لان اسم الايتاء يقع عليه وقال أبو إسحاق: يختلف باختلاف قلة المال وكثرته، فان اختلفا قدره الحاكم باجتهاده كما قلنا في المتعة، فان اختار الدفع جاز بعد العقد للآية، وفي وقت الوجوب وجهان، أحدهما يجب بعد العتق كما تجب المتعة بعد الطلاق، والثانى أنه يجب قبل العتق لانه ايتاء وجب للمكاتب فوجب قبل العتق كالايتاء في الزكاة، ولا يجوز الدفع من غير جنس مال الكتابة لقوله تعالى " وآتوهم من مال الله الذى آتاكم " فان دفع إليه من جنسه من غير ما أداه إليه فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الزكاة أن يدفع من غير المال الذى وجب فيه

باب الاداء والعجز

الزكاة (والثانى) لا يجوز وهو الصحيح للآية، وان سبق المكاتب وأدى المال لزم المولى أن يدفع إليه لانه مال وجب للآدمي فلم يسقط من غير أداء ولا ابراء كسائر الديون. وان مات المولى وعليه دين خاص المكاتب أصحاب الديون. ومن أصحابنا من قال يحاص أصحاب الوصايا لانه دين ضعيف غير مقدر فسوى بينه وبين الوصايا، والصحيح هو الاول لانه دين واجب فحاص به الغرماء كسائر الديون وبالله التوفيق. (باب الاداء والعجز) ولا يعتق المكاتب ولا شئ منه وقد بقى عليه شئ من المال، لما روى عمرو ابن شعيب رضى الله عنه عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم. ولانه علق عتقه على دفع مال فلا يعتق شئ منه مع بقاء جزء منه، كما لو قال لعبده: ان دفعت إلى ألفا فأنت حر، فان كاتب رجلان عبدا بينهما ثم أعتق أحدهما نصيبه أو أبرأه مما عليه من مال الكتابة عتق نصيبه لانه برئ من جميع ماله عليه فعتق، كما لو كاتب عبدا فأبرأه، فان كان المعتق موسرا فقد قال أصحابنا يقوم عليه نصيب شريكه كما لو أعتق شركا له في عبد، وعندي أنه يجب أن يكون على قولين (أحدهما) يقوم عليه (والثانى) لا يقوم، كما قلنا في شريكين دبرا عبدا ثم أعتق أحدهما نصيبه أنه على قولين (أحدهما) يقوم (والثانى) لا يقوم، فإذا قلنا انه يقوم عليه ففى وقت التقويم قولان (أحدهما) يقوم في الحال، كما نقول فيمن أعتق شركا له في عبده (والثانى) يؤخر التقويم إلى أن يعجز، لانه قد ثبت للشريك حق العتق والولاء في نصيبه فلا يجوز ابطاله عليه وان كاتب عنده ومات وخلف اثنين فأبرأه أحدهما عن حصته عتق نصيبه لانه أبرأه من جميع ماله عليه، فان كان الذى أبرأه موسرا فهل يقوم عليه نصيب شريكه، فيه قولان (أحدهما) لا يقوم لان سبب العتق وجد من الاب ولهذا يثبت الولاء له

(والثانى) يقوم عليه وهو الصحيح لان العتق تعجل بفعله، فعلى هذا هل يتعجل التقويم والسراية، فيه قولان (أحدهما) يتعجل لانه عتق يوجب السراية فتعجلت به، كما لو أعتق شركا له في عبد (والثانى) يؤخر إلى أن يعجز، لان حق الاب في عتقه وولائه أسبق فلم يجز إبطاله. وإن كاتب رجلان عبدا بما يجوز وأذن أحدهما للآخر في تعجيل حق شريكه من المال وقلنا إنه يصح الاذن عتق نصيبه، وهل يقوم عليه نصيب شريكه، فيه قولان (أحدهما) لا يقوم لتقدم سببه الذى اشركا فيه (والثانى) يقوم لانه عتق نصيبه بسبب منه ومتى يقوم؟ فيه قولان (أحدهما) يقوم في الحال لانه تعجل عتقه (والثانى) يؤخر إلى أن يعجز لانه قد ثبت لشريكه عقد يستحق به العتق والولاء فلم يجز أن يقوم عليه ذلك، فعلى هذا إن أدى عتق باقيه، وإن عجز قوم على المعتق. وإن مات قبل الاداء والعجز مات ونصفه حر ونصفه مكاتب (فصل) وإن حل عليه نجم وعجز عن أداء المال جاز للمولى أن يفسخ العقد لانه اسقط حقه بعوض، فإذا تعذر العوض ووجد عين ماله جاز له أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله، كما لو باع سلعة فأفلس المشترى بالثمن ووجد البائع عين ماله، وإن كان معه ما يؤديه فامتنع من أدائه جاز له الفسخ لان تعذر العوض بالامتناع كتعذره بالعجز لانه لا يمكن إجباره على أدائه، وإن عجز عن بعضه أو امتنع من أداء بعضه جاز له أن يفسخ لانا بينا أن العتق في الكتابة لا يتبعض فكان تعذر البعض كتعذر الجميع، ويجوز الفسخ من غير حاكم لانه مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ البيع بالعيب. (فصل) وإن حل عليه نجم ومعه متاع فاستنطر لبيع المتاع وجب إنظاره لا نه قادر على أخذ المال من غير إضرار ولا يلزمه أن ينظر أكثر من ثلاثة أيام لان الثلاثة قليل فلا ضرر عليه في الانتظار وما زاد كثير وفي الانتظار اضرار، وان طلب الانظار لمال غائب، فإن كان على مال غائب، فان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وجب انظاره لانه قريب لا ضرر في انظاره، وان كان على مسافة تقصر فيها الصلاة لم يجب لآنه طويل وفي الانتظار اضرار.

وان طلب الانظار لاقتضاء دين فان كان حالا على ملئ وجب انظاره لانه كالعين في يد المودع ولهذا تجب فيه الزكاة، وان كان مؤجلا أو على معسر لم يجب الانظار لان عليه أضرارا في الانظار، فان حل عليه المال وهو غائب ففيه وجهان: أحدهما له أن يفسخ لانه تعذر المال فجاز له الفسخ. والثانى ليس له أن يفسخ، بل يرجع إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم البلد الذى فيه المكاتب ليطالبه، فان عجز أو امتنع فسخ لانه لا يتعذر الاداء الا بذلك فلا يفسخ قبله. وان حل عليه النجم وهو مجنون، فان كان معه مال يسلم إلى المولى عتق لانه قبض ما يستحقه فبرئت به ذمته، وان لم يكن معه شئ فعجزه المولى وفسخ ثم ظهر له مال نقض الحكم بالفسخ لانا حكمنا بالعجز في الظاهر وقد بان خلافه فنقض، كما لو حكم الحاكم ثم وجد النص بخلافه وان كان قد أنفق عليه بعد الفسخ رجع بما أنفق لانه لم يتبرع بل أنفق على أنه عبده، فان أفاق بعد الفسخ وأقام البينة أنه كان قد أدى المال نقض الحكم بالفسخ ولا يرجع المولى بما أنفق عليه بعد الفسخ، لانه تبرع، لانه أنفق وهو يعلم أنه حر. وان حل النجم فأحضر المال وادعى السيد أنه حرام ولم تكن له بينة فالقول قول المكاتب مع يمينه لانه في يده والظاهر أنه له، فان حلف خير المولى بين أن يأخذه وبين أن يبرئه منه، فإن لم يفعل قبض عنه السلطان لانه حق يدخله النيابة فإذا امتنع منه قام السلطان مقامه (فصل) وان قبض المال وعتق ثم وجد به عيبا فله أن يرد ويطالب بالبدل، فان رضى به استقر العتق لانه برئت ذمة العبد. وان رده ارتفع العتق لانه يستقر باستقرار الاداء وقد ارتفع الاداء بالرد فارتفع العتق. وان وجد به العيب وقد حدث به عنده عيب ثبت له الارش، فان دفع الارش استقر العتق وان لم يدفع ارتفع العتق لانه لم يتم براءة الذمة من المال

وان كاتبه على خدمة شهر ودينار ثم مرض بطلت الكتابة في قدر الخدمة، وفي الباقي طريقان (أحدهما) أنه على قولين (والثانى) أنه يبطل قولا واحدا بناء على الطريقين فيمن ابتاع عينين ثم تلفت احداهما قبل القبض. (فصل) فإن أدى المال وعتق ثم خرج المال مستحقا بطل الحكم بعتقه لان العتق يقع بالاداء، وقد بان أنه لم يؤد، وإن كان الاستحقاق بعد موت المكاتب كان ما ترك للمولى دون الورثة لانا قد حكمنا بأنه مات رقيقا. (فصل) فان باع المولى ما في ذمة المكاتب، وقلنا انه لا يصح فقبضه المشترى فقد قال في موضع يعتق، وقال في موضع لا يعتق، واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس فيه قولان. (أحدهما) يعتق لانه قبضه بإذنه فأشبه إذا دفعه إلى وكيله. (والثانى) وهو الصحيح أنه لا يعتق لانه لم يقبضه للمولى وإنما قبضه لنفسه ولم يصح قبضه لنفسه لانه لم يستحقه فصار كما لو لم يؤخذ، وقال أبو إسحاق: هي على اختلاف حالين فالذي قال يعتق إذا أمره المكاتب بالدفع إليه لانه قبضه بإذنه والذى قال لا يعتق إذا لم يأمره بالدفع إليه لانه لم يأخذه بإذنه وإنما أخذه بما تضمنه البيع من الاذن والبيع باطل فبطل ما تضمنه. (فصل) إذا اجتماع على المكاتب دين الكتابة ودين المعاملة وأرش الجناية وضاق ما في يده عن الجميع قدم دين المعاملة لانه يختص بما في يده والسيد والمجني عليه يرجعان إلى الرقبة، فان فضل عن الدين شئ قدم حق المجني عليه لان حقه يقدم على حق المالك في العبد القن فكذلك في المكاتب، وان لم يكن له شئ فأراد صاحب الدين تعجيزه لم يكن له ذلك لان حقه في الذمة فلا فائدة في تعجيزه بل تركه على الكتابة أنفع له لانه ربما كسب ما يعطيه وإذا عجزه بقى حقه في الذمة إلى أن يعتق فان أراد المولى أو المجني عليه تعجيزه كان له ذلك لان المولى يرجع بالتعجيز إلى رقبته، والمجني عليه يبيعه في الجناية، فان عجزه المولى انفسخت الكتابة وسقط دينه وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع في الجناية وبين أن يفديه

باب الكتابة الفاسدة

فان عجزه المجني عليه نظرت، فإن كان الارش يحيط بالثمن بيع وقضى حقه، وان كان دون الثمن بيع منه ما يقضى منه الارش وبقى الباقي على الكتابة، وان أدى كتابة باقية عتق وهل يقوم الباقي عليه ان كان موسرا فيه وجهان. أحدهما لا يقوم لانه وجد سبب العتق قبل التبعيض. والثانى: يقوم عليه لان اختياره للانظار كابتداء العتق. (باب الكتابة الفاسدة) إذا كاتب على عوض محرم أو شرط باطل فللسيد أن يرجع فيها لانه دخل على أن يسلم له ما شرط ولم يسلم فثبت له الرجوع وله أن يفسخ بنفسه لانه مجمع عليه، وان مات المولى أو جن أو حجر عليه بطل العقد لانه غير لازم من جهته فبطل بهذه الاشياء كالعقود الجائزة، فإن مات العبد بطل لانه لا يلحقه العتق بعد الموت، وان جن لم تبطل لانه لازم من جهة العبد فلم تبطل بجنونه كالعتق المعلق على دخول الدار. (فصل) وان أدى ما كاتبه عليه قبل الفسخ عتق لان الكتابة تشتمل على معاوضه وهو قوله كاتبتك على كذا وعلى صفه، وهو قوله فإذا أديت فأنت حر فإذا بطلت المعاوضة بقيت الصفة فعتق بها، وان أداه إلى غير من كاتبه لم يعتق لانه لم توجد الصفه، فإذا عتق تبعه ما فضل في يده من الكسب، وان كانت جارية تبعها الولد لانه جعل كالكناية الصحيحة في العتق فكانت كالصحيحة في الكسب والولد. (فصل) ويرجع السيد عليه بقيمته لانه أزال ملكه عنه بشرط ولم يسلم له الشرط وتعذر الرجوع إليه فرجع ببدله كما لو باع سلعة بشرط فاسد فتلفت في يد المشترى ويرجع العبد على المولى بما أداه إليه لانه دفعه عما عليه فإذا لم يقع عما عليه ثبت له الرجوع، فان كان ما دفع من جنس القيمة وعلى صفتها كالاثمان وغيرها من ذوات الامثال ففيه أربعة أقوال. (أحدها) انها يتقاصان فسقط أحدهما بالآخر لانه لا فائدة في أخذه ورده

(والثانى) انه ان رضى أحدهما تقاصا، وإن لم يرض واحد منهما لم يتقاصا لانه إذا رضى أحدهما فقد اختار الراضي منهما قضاء ما عليه بالذى له على الآخر ومن عليه حق يجوز أن يقضيه من أي جهة شاء. (والثالث) انهما ان تراضيا تقاصا، وان لم يتراضيا لم يتقاصا لانه إسقاط حق بحق فلم يجز إلا بالتراضى كالحوالة. (والرابع) انهما لا يتقاصان بحال لانه بيع دين بدين، وان أخذ من سهم الرقاب في الزكاة، فان لم يكن فيه وفاء استرجع منه، وان كان فيه وفاء فقد قال في الام: يسترجع ولا يعتق لانه بالفساد خرج عن أن يكون من الرقاب، ومن أصحابنا من قال: لا يسترجع لانه كالكتابة الصحيحة في العتق والكسب. (فصل) فإن كاتب عبدا صغيرا أو مجنونا فأدى ما كاتبه عليه عتق بوجود الصفة وهل يكون حكمها حكم الكتابة الفاسدة مع البالغ في ملك ما فضل في يده من الكسب وفي التراجع، فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: انه لا يملك ما فضل ف ي يده من الكسب ولا يثبت التراجع وهو رواية المزني في المجنون لانه العقد مع الصبى ليس بعقد ولهذا لو ابتاع شيئا وقبضه وتلف في يده لم يلزمه الضمان بخلاف البالغ، فان عقده عقد يقتضى الضمان، ولهذا لو اشترى شيئا ببيع فاسد وتلف عنده لزمه الضمان (والثانى) وهو قول أبى العباس أنه يملك ما فضل من الكسب ويثبت بينهما التراجع، وهو رواية الربيع في المجنون لانه كتابة فاسدة فأشبهت كتابة البالغ بشرط فاسد. (فصل) وإن كاتب بعض عبده، وقلنا انه لا يصح فلم يفسخ حتى أدى المال عتق لوجود الصفة وتراجعا وسرى العتق إلى باقيه لانه عتق بسبب منه، فان كاتب شركا له في عبد من غير إذن شريكه نظرت، فإن جمع كسبه ودفع نصفه إلى الشريك ونصفه إلى الذى كاتبه عتق لوجود الصفة فان جمع الكسب كله وأداه ففيه وجهان. (أحدهما) لا يعتق لان الاداء يقتضى أداء ما يملك التصرف فيه وما أداه من مال الشريك لا يملك التصرف فيه.

باب اختلاف المولى والمكاتب

(والثانى) يعتق لان الصفة قد وجدت، فإن كاتبه بإذن شريكه، فان قلنا: انه باطل فالحكم فيه كالحكم فيه إذا كاتبه بغير اذنه، وان قلنا: انه صحيح ودفع نصف الكسب إلى الشريك ونصفه إلى الذى كاتبه عتق، فان جمع الكسب كله ودفعه إلى الذى كاتبه فقد قال بعض أصحابنا فيه وجهان كالقسم قبله، والمذهب انه لا يعتق لان الكتابة صحيحة والمغلب فيها حكم المعاوضة، فإذا دفع فيها ما لا يملكه صار كما لو لم يؤد بخلاف القسم قبله فانها كتابة فاسدة والمغلب فيها الصفه وإذا حكمنا بالعتق في هذه المسائل في نصيبه، فان كان المعتق موسرا سرى إلى نصيب الشريك وقوم عليه لانه عتق بسبب منه، ولا يلزم العبد ضمان السراية لانه لم يلتزم ضمان ما سرى إليه. (فصل) وان كاتب عبيدا على مال واحد، وقلنا ان الكتابة صحيحة فأدى بعضهم عتق لانه برئ مما عليه، وان قلنا: ان الكتابة فاسدة فأدى بعضهم، فالمنصوص انه يعتق لان الكتابة الفاسدة محمولة على الكتابة الصحيحة في الاحكام فكلذلك في العتق بالاداء. ومن أصحابنا من قال: لا يعتق، وهو الاظهر لان العتق في الكتابة الفاسدة بالصفة وذلك لم يوجد باداء بعضهم. (باب اختلاف المولى والمكاتب) إذا اختلفا فقال السيد: كاتبتك وأنا مغلوب على عقلي أو محجور على فأنكر العبد، فان كان قد عرف له جنون أو حجر فالقول قوله مع يمينه لان الاصل بقاؤه على الجنون أو الحجر، وان لم يعرف له ذلك فالقول قول العبد، لان الظاهر عدم الجنون والحجر. وان اختلفا في قدر المال أو في نجومه تحالفا قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو في الاجل، فان كان ذلك قبل العتق فهل تنفسخ بنفس التحالف أو يفتقر إلى الفسخ فيه وجهان كما ذكرناه في المتبايعين وان كان التحالف بعد العتق لم يرتفع العتق ويرجع المولى بقيمته ويرجع المكاتب بالفصل كما نقول في البيع الفاسد. (فصل) وان وضع شيئا عنه من مال الكتابة، ثم اختلفا فقال السيد:

وضعت النجم الاخير، وقال المكاتب بل الاول فالقول قول السيد، وان كاتبه على ألف درهم فوضع عنه خمسين دينارا لم يصح لانه أبرأه مما لا يملكه، فان قال أردت ألف درهم بقيمة خمسين دينارا صح، وان اختلفا فيما عنى فادعى المكاتب أنه عنى ألف درهم بقيمة خمسين دينارا وأنكر السيد ذلك فالقول قول السيد لان الظاهر معه ولانه أعرف بما عنى، وان أدى المكاتب ما عليه فقال له المولى أنت حر، وخرج المال مستحقا فادعى العبدان عتقه بقوله: أنت حر، وقال المولى: أردت أنك حر بما أديت، وقد بان أنه مستحق فالقول قول السيد لانه يحتمل الوجهين وهو أعرف بقصده، وان قال السيد استوفيت أو قال العبد أليس أوفيتك فقال بلى، فادعى المكاتب انه وفاه الجميع، وقال المولى: بل وفانى البعض فالقول قول السيد لان الاستيفاء لا يقتضى الجميع. (فصل) وان كان المكاتب جارية وأتت بولد فاختلفا في ولدها، وقلنا ان الولد يتبعها، فقالت الجارية ولدته بعد الكتابة فهو موقوف معى، وقال المولى بل ولدته قبل الكتابة فهو لى فالقول قول السيد لان هذا اختلاف في وقت العقد والسيد يقول العقد بعد الولادة والمكاتبة تقول قبل الولادة، والاصل عدم العقد، وان كاتب عبدا ثم زوجه أمة له ثم اشترى المكاتب زوجته وأتت بولد فقال السيد: أتت به قبل الشراء فهو لى، وقال العبد: بل أتت به بعد ما اشتريتها فهو لى فالقول قول العبد لان هذا الاختلاف في الملك، والظاهر مع العبد لانه في يده بخلاف المسألة قبلها، فان هناك لم يختلفا في الملك، وإنما اختلفا في وقت العقد. (فصل) وإن كاتب عبدين فأقر انه استوفى ما على أحدهما أو أبرأ أحدهما، واختلف العبدان فادعى كل واحد منهما انه هو الذى استوفى منه أو أبرأه رجع إلى المولى، فان أخبر أنه أحدهما قبل منه لانه أعرف بمن استوفى منه أو أبرأه، فان طلب الآخر يمينه حلف له، وان ادعى المولى أنه أشكل عليه لم يقرع بينهما لانه قد يتذكر، فان ادعيا أنه يعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة، ومن أصحابنا من قال: ترد الدعوى عليهما، فان حلفا أو نكلا بقيا

على الكتابة، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عتق الحالف وبقى الاخر على الكتابة. وإن مات المولى قبل أن يعين ففيه قولان. أحدهما يقرع بينهما لان الحرية تعينت لاحدهما ولا يمكن التعيين بغير القرعة فوجب تمييزها بالقرعة، كما لو قال لعبدين أحدكما حر، والثانى أنه لا يقرع لان الحرية تعينت في أحدهما فإذا أقرع لم يؤمن أن تخرج القرعة على غيره، فعلى هذا يرجع إلى الوارث، فان قال لا أعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة على ما ذكرناه في المولى. (فصل) وإن كاتب ثلاثة أعبد في عقود أو في عقد على مائه وقلنا إنه يصح وقيمة أحدهم مائة وقيمة كل واحد من الاخرين خمسون فأدوا مالا من أيديهم ثم اختلفوا، فقال من كثرت قيمته النصف لى ولكل واحد منكما الربع. وقال الآخران بل المال بيننا أثلاثا ويبقى عليك تمام النصف ويفضل لكل واحد منا ما زاد على الربع فقد قال في موضع القول قول من كثرت قيمته. وقال في موضع القول قول من قلت قيمته، فمن أصحابنا من قال هي على قولين. أحدهما أن القول قول من قلت قيمته وان المؤدى بينهم أثلاثا، لان يد كل واحد منهم على ثلث المال. والثانى أن القول قول من كثرت قيمته لان الظاهر معه، فان العادة أن الانسان لا يؤدى أكثر مما عليه. ومنهم من قال هي على اختلاف حالين، فالذي قال القول قول من كثرت قيمته إذا وقع العتق بالاداء لان الظاهر أنه لا يؤدي أكثر مما عليه. والذى قال ان القول قول من قلت قيمته إذا لم يقع العتق بالاداء فيؤدى من قلت قيمته أكثر مما عليه ليكون الفاضل له من النجم الثاني. والدليل عليه انه قال في الام: إذا كاتبهم على مائة فأدوا ستين، فإذا قلنا انه بينهم على العدد أثلاثا فأراد العبدان أن يرجعا بما فضل لهما لم يجز لان الظاهر أنهما تطوعا بالتعجيل فلا يرجعان به ويحتسب لهما من النجم الثاني. (فصل) وان كاتب رجلان عبدا بينهما فادعى المكاتب أنه أدعى اليهما مال الكتابة فأقر أحدهما وأنكر الاخر عتق حصة المقر والقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة فله أن يطالب المقر بنصف ما أقر بقبضه

وهو الربع لحصول حقه في يده ويطالب المكاتب بالباقي، وله أن يطالب المكاتب بالجميع وهو النصف، فإن قبض حقه منهما أو من أحدهما عتق المكاتب، وليس لاحد من المقر والمكاتب أن يرجع على صاحبه بما أخذه منه لان كل واحد منهما يدعى أن الذى ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره وإن وجد المكاتب عاجزا فعجزه أحدهما رق نصفه. قال الشافعي رحمه الله: ولا يقوم على المقر، لان التقويم لحق العبد وهو يقول أنا حر مسترق ظلما فلا يقوم ولا تقبل شهادة المصدق على المكذب لانه يدفع بها ضررا من استرجاع نصف ما في يده، فإن ادعى المكاتب انه دفع جميع المال إلى أحدهما ليأخذ منه النصف ويدفع إلى شريكه النصف نظرت فإن قال المدعى عليه دفعت إلى كل واحد منا النصف وأنكره الاخر عتق حصة المدعى عليه بإقراره وبقيت حصة المنكر على الكتابة من غير يمين، لانه لا يدعى عليه واحد منهما تسليم المال إليه، وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه، وله أن يطالب المقر بنصفه والمكاتب بنصفه ولا يرجع واحد منهما بما يؤخد منه على الاخر لان كل واحد منهما يدعى أن الذى ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره، فإن استوفى المنكر حقه منهما أو من المكاتب عتقت حصته وصار المكاتب حرا. وان عجز المكاتب فاسترقه فقد قال الشافعي رحمه الله إنه يقوم على المقر، ووجهه انه عتق نصيبه بسبب من جهته. وقال في المسألة قبلها لا يقوم، فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى فجعلهما على قولين، ومنهم من قال يقوم ههنا ولا يقوم في المسألة قبلها على ما نص عليه، لان في المسألة قبلها يقول المكاتب أنا حر فلا أستحق التقويم على أحد، وههنا يقول صفى مملوك فأستحق التقويم وإن قال المدعى عليه قبضت المال وسلمت نصفه إلى شريكي وأمسكت النصف لنفسي وأنكر الشريك القبض عتق حصة المدعى عليه والقول قول المنكر مع يمينه لان المقر يدعى التسليم إليه، فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه بالعقد، وله أن يطالب المقر بإقراره بالقبض فان رجع على المقر لم يرجع المقر على المكاتب لانه يقول إن شريكي ظلمنى. وان رجع على المكاتب رجع المكاتب على المقر صدقه على الدفع أو كذبه لانه فرط

في ترك الاشهاد فإن حصل للمنكر ماله من أحدهما عتق المكاتب، وإن عجز المكاتب عن أداء حصة المنكر كان للمنكر أن يستقرق نصيبه، فإذا رق قوم على المقر لانه عتق بسبب كانه منه وهو الكتابة ويرجع المنكر على المقر بنصف ما أقر بقبضه، لانه بالتعجيز استحق نصف كسبه، وإن حصل المال من جهة المكاتب عتق باقيه ورجع المكاتب على المقر ما أقر بقبضه لانه كسبه. (كتاب عتق أمهات الاولاد) إذا علقت الامة بولد حر في ملك الواطئ صارت أم ولد له فلا يملك بيعها ولا هبتها ولا الوصية بها لما ذكرناه في البيوع، فان مات السيد عتقت لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من ولدت منه أمته فهى حرة من بعد موته وتعتق من رأس المال، لانه إتلاف حصل بالاستمتاع فاعتبر من رأس المال كالاتلاف بأكل الطيب ولبس الناعم، وإن علقت بولد مملوك في غير ملك من زوج أو زنا لم تصر أم ولد له لان حرمة الاستيلاد إنما تثبت للام بحرية الولد. والدليل عليه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له مارية القبطية فقال أعتقها ولدها، والولد ههنا مملوك فلا يجوز أن تعتق الام بسببه، وإن علقت بولد حر بشبهة من غير ملك لم تصر أم ولد في الحال، فإذا ملكها ففيه قولان. (أحدهما) لا تصير أم ولد لانها علقت منه في غير ملكه فأشبه إذا علقت منه في نكاح فاسد أو زنا. (والثانى) إنها تصير أم ولد لانها علقت منه بحر، فأشبه إذا علقت منه في ملكه، وان علقت بولد مملوك في ملك ناقص وهى جارية المكاتب إذا علت من مولاها ففيه قولان (أحدهما) أنها لا تصير أم ولد لانها علقت منه بمملوك (والثانى) انها تصير أم ولد لانه قد ثبت لهذا الولد حق الحريه، ولهذا لا يجوز بيعه فثبت هذا الحق لامه (فصل) وإن وطئ أمته فأسقطت جنينا ميتا كان حكمه حكم الولد الحى في الاستيلاد لانه ولد. وإن أسقطت جزءا من الادمى كالعين والظفر أو مضغة

فشهد أربع نسوة من أهل المعرفة والعدالة انه تخطط وتصور ثبت له حكم الولد لانه قد علم انه ولد، وان ألقت مضغه لم تتصور ولم تتخطط وشهد أربع من أهل العدالة والمعرفة انه مبتدأ خلق الادمى، ولو بقى لكان آدميا، فقد قال ههنا ما يدل على أنها لا تصير أم ولد، وقال في العدد تنقضي به العدة، فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلها على قولين، أحدهما لا يثبت له حكم الولد في الاستيلاد ولا في انقضاء العدة لانه ليس بولد، والثانى يثبت له حكم الولد في الجميع لانه خلق بشر فأشبه إذا تخطط، ومنهم من قال: لا يثبت له حكم الولد في الاستيلاد وتنقضي به العدة، لان حرمة الاستيلاد تتعلق بوجود الولد، ولم يوجد الولد، والعدة تراد لبراءة الرحم، وبراءة الرحم تحصل بذلك. (فصل) ويملك استخدام أم الولد وإجارتها ويملك وطأها لانها باقية على ملكه، وانما ثبت لها حق الحرية بعد الموت، وهذه التصرفات لا تمنع العتق فبقيت على ملكه، وهل يملك تزويجها؟ فيه ثلاثة أقوال (أحدها) يملك لانه يملك رقبتها ومنفعتها فملك تزويجها كالامة القنة (والثانى) يملك تزويجها برضاها ولا يملك من غير رضاها لانها تستحق الحرية بسبب لا يملك المولى ابطاله فملك تزويجها برضاها ولا ملك بغير رضاها كالمكاتبة (والثالث) لا يملك تزويجها بحال لانها ناقصة في نفسها وولاية المولى عليها ناقصة فلم يملك تزويجها كالاخ في تزويج أخته الصغيرة، فعلى هذا هل يجوز للحاكم تزويجها باذنهما، فيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لا يملك لانه قائم مقامهما ويعقد باذنهما، فإذا لم يملك العقد باجتماعهما لم يملك مع من قوم مقامهما (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى انه يملك تزويجها لانه يملك بالحكم مالا يملك بالولاية وهو تزويج الكافرة. (فصل) وإن أتت أم الولد بولد من نكاح أو زنا تبعها في حقها من العتق بموت السيد لان الاستيلاد كالعتق المنجز ثم الولد يتبع الام في العتق فكذلك في

الاستيلاد، فإن ماتت الام قبل موت السيد لم يبطل الحكم في ولدها لانه حق استقر له في حياة الام فلم يسقط بموتها. (فصل) وإن جنت أم الولد لزم المولى أن يفيدها لانه منع من بيعها بالاحبال ولم يبلغ بها إلى حال يتعلق الارش بذمتها فلزمه ضمنا جنايتها كالعبد القن إذا جنى وامتنع المولى من بيعه ويفديها بأقل الامرين من قيمتها أو أرش الجناية قولا واحدا، لان في العبد القن إنما فداه بأرش الجناية بالغا ما بلغ في أحد القولين، لانه يمكن بيعه فربما رغب فيه من يشتريه بأكثر من قيمته وأم الولد لا يمكن بيعها فلا يلزمه أن يفديها بأكثر من قيمتها. وإن جنت ففداها بجميع القيمة ثم جنت ففيه قولان (أحدهما) يلزمه أن يفديها لانه إنما لزمه أن يفديها في الجناية الاولى لانه منع من بيعها ولم يبلغ بها حالة يتعلق الارش بذمتها. وهذا موجود في الجناية الثانية فوجب أن تفدى كالعبد القن إذا جنى وامتنع من بيعه ثم جنى وامتنع من بيعه والقول الثاني وهو الصحيح إنه لا يلزمه أن يفديها بل يقسم القيمة التى فدى بها الجناية الاولى بين الجنايتين على قدر أرشهما، لانه بالاحبال صار كالمتلف لرقبتها فلم يضمن أكثر من قيمتها، وتخالف العبد القن فإنه فاده لانه امتنع من بيعه والامتناع يتكرر فتكرر الفداء، وههنا لزمه الفداء للاتلاف بالاحبال. وذلك لا يتكرر فلم يتكرر الفداء وإن جنت ففداها ببعض قيمتها ثم جنت، فإن بقى من قدر قيمتها ما يفدى به الجناية الثانية لزمه أن يفديها، وإن بقى ما يفدى به بعض الجناية الثانية فعلى القولين، وإن قلنا يلزمه أن يفدى الجناية الثانية لزمه أن يفديها. وان قلنا يشارك الثاني الاول في القيمة ضمن ما بقى من قيمتها إلى ما فدى به الجناية الاولى ثم يقسم الجميع بين الجنايتين على قدر أرشهما. (فصل) وإن أسلمت أم ولد نصراني تركت على يد أمرأة ثقة وأخذ المولى بنفقتها إلى أن تموت فتعتق، لانه لا يمكن بيعها لما فيه من إبطال حقها من العتق المستحق

باب الولاء

بالاستيلاد ولا يمكن إعتاقها لما فيه من إبطال حق المولى، ولا يمكن إقرارها في يده لما فيه من الصغار على الاسلام فلم يبق إلا ما ذكرناه. وإن كاتب كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد بقى على الكتابة لانه أسلم في حال لا يمكن مطالبة المالك ببيعه أو اعتاقه وهو خارج عن يده وتصرفه فبقى على حالته، فإن عجز ورق أمر ببيعه. باب الولاء إذا عتق الحر مملوكا ثبت له عليه الولاء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشتريت بريرة واشترط أهلها ولاءها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتق فانما الولاء لمن أعتق وإن عتق عليه بتدبير أو كتابة أو استيلاد أو قرابة، أو أعتق عنه غيره ثبت له عليه الولاء لانه عتق عليه فثبت له الولاء، كما لو باشر عتقه. وإن باع الرجل عبده من نفسه ففيه وجهان: (أحدهما) إنه يثبت له عليه الولاء، لانه لم يثبت عليه رق غيره (والثانى) لا ولاء عليه لاحد، لانه لم يعتق عليه في ملكه ولا يملك العبد الولاء على نفسه فلم يكن عليه ولاء (فصل) وإن أعتق المكاتب عبدا بإذن المولى وصححنا عتقه ففى ولائه قولان: أحدهما أنه للسيد لان العتق لا ينفك من الولاء والمكاتب ليس من أهله فوجب أن يكون للسيد. (والثانى) انه موقوف فإن عتق فهو له فان عجز فهو للسيد لان المعتق هو المكاتب فوقف الولاء عليه، فان مات العبد المعتق قبل عجز المكاتب أو عتقه ففى ماله قولان: (أحدهما) أنه موقوف على ما يكون من أمر المكاتب كالولاء (والثانى) إنه للسيد لان الولاء يجوز أن ينتقل فجاز أن يقف والارث لا يجوز أن ينتقل فلم يجز أن يقف.

(فصل) وإن أعتق مسلم نصرانيا أو أعتق نصراني مسلما ثبت له الولاء، لان الولاء كالنسب، والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك الولاء، وان أعتق المسلم نصرانيا فلحق بدار الحرب فسبى لم يجز استرقاقه لان عليه ولاء المسلم فلا يجوز إبطاله وان أعتق ذمى عبده فلحق بدار الحرب وسبى ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز أن يسترق لانه لا يلزمنا حفظ ماله فلم يجز إبطال ولائه بالاسترقاق كالمسلم. (والثانى) يجوز لان معتقه لو لحق بدار الحرب جاز استرقاقه فكذلك عتيقه وإن أعتق حربى عبدا حربيا ثبت له عليه الولاء، فإن سبى العبد المعتق أو سبى مولاه واسترق بطل ولاؤه لانه لا حرمة له في نفسه ولا ماله، وان أعتق ذمى عبدا ثم لحق بدار الحرب فملكه عبده وأعتقه صار كل واحد منهما مولى للآخر لان كل واحد منهما أعتق الآخر. (فصل) وان اشترك اثنان في عتق عبد اشتركا في الولاء لاشتراكهما في العتق، وإن كاتب رجل عبدا ومات وخلف اثنين فأعتق أحدهما نصيبه أو أبراه مما له عليه، فإن قلنا: لا يقوم عليه فأدى ما عليه للآخر كان ولاؤه للاثنين لانه عتق بالكتابة على الاب، وقد ثبت له الولاء فانتقل اليهما، وان عجز عما عليه للآخر فرق نصيبه ففى ولاء النصف المعتق وجهان. (أحدهما) انه بينهما لانه عتق بحكم الكتابة فثبت الولاء للاب وانتقل اليهما (والثانى) أنه للمعتق خاصة لانه هو الذى أعتقه ووقف الاخر عن العتق، وان قلنا انه يقوم في الحال فقوم عليه ثبت الولاء للمقوم عليه في المقوم لان بالتقويم انفسخت الكتابة فيه وعتق عليه، وأما النصف الآخر فانه عتق بالكتابة وفى ولائه وجهان (أحدهما) أنه بينهما (والثانى) أنه للمعتق خاصة، وان قلنا يؤخر التقويم، فإن أدى عتق بالكتابة وكان الولاء لهما، وان عجز ورق قوم على المعتق وثبت له الولاء على النصف المقوم لانه عتق عليه، والنصف الاخر عتق بالكتابة وفى ولائه وجهان. (فصل) ولا يثبت الولاء لغير المعتق، فإن أسلم رجل على يد رجل

أو التقط لقيطا لم يثبت له عليه الولاء لحديث عائشة رضى الله عنها، فانما الولاء لمن أعتق، وإنما في اللغة موضوع لاثبات المذكور ونفى ما عداه فدل على اثبات الولاء للمعتق ونفيه عمن عداه ولان الولاء ثبت بالشرع ولم يرد الشرع في الولاء الا لمن أعتق وهذا المعنى لا يوجد في غيره فلا يلحق به. (فصل) ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الولاء وعن هبته ولان الولاء كالنسب وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يصح بيعه وهبته فكذلك الولاء، وان أعتق عبدا سائبة على ان لا ولاء عليه عتق وثبت له الولاء لقوله عز وجل (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ ولا وصيلة ولا حام) ولان هذا في معنى الهبة وقد بينا أنه لا يصح هبته. (فصل) وإن مات العبد المعتق وله مال ولا وارث له ورثه المولى لما روى يونس عن الحسن أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقال: اشتريته وأعتقته فقال هو مولاك ان شكرك فهو خير له، وان كفرك فهو شر له وخير لك فقال فما أمر ميراثه فقال: ان ترك عصبة فالعصبة أحق وإلا فالولاء، وان كان له عصبة لم يرث للخبر ولان الولاء فرع للنسب فلا يورث به مع وجوده، وإن كان له من يرث الفرض، فان كان ممن يستغرق المال بالفرض لم يرثه لانه إذا لم ترث العصبات مع من يستغرق المال بالفرض فلان لا يرث المولى أولى، وان كان ممن لا يستغرق المال ورث ما فضل عن أهل الفرض، لما روى عبد الله ابن شداد قال: أعتقت ابنة حمزة مولى لها فمات وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة النصف وابنته النصف. (فصل) وإن مات العبد والمولى ميت كان الولاء لعصبات المولى دون سائر الورثة، لان الولاء كالنسب لما ذكرناه من الخبر، والنسب إلى العصبات دون غيرهم ويقدم الاقرب فالاقرب، لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عَلَيْهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المولى أخ في الدين ونعمة يرثه أولى الناس بالمعتق ولان في عصبات الميت يقدم الاقرب فالاقرب وكذلك في عصبات المولى

فإن كان للمولى ابن وابنة كان الميراث للابن دون البنت لانا بينا أنه لا يرث الولاء غير العصبات والبنت ليست من العصبات ولان الولاء كالنسب ثم المرأة لا ترث بالقرابة من الميت إذا تباعد نسبها منه وهى بنت الاخ العمه فلان لا ترث بنت المولى وهو مؤخر عن النسب أولى، وإن كان له أب وابن أو أب وابن ابن فالميراث للابن لان تعصيب الابن أقوى لانه يسقط تعصيب الاب، فان لم يكن بنون فالولاء للاب دون الجد والاخ لانه أقرب منهما، وان ترك جدا وأخا، ففيه قولان. (أحدهما) انهما يشتركان كما يشتركان في ارث النسب. (والثانى) بقدم الاخ لان تعصيبه كتعصيب الابن وتعصيب الجد كتعصيب الاب، وإنما لم قدم في ارث النسب للاجمع وليس في الولاء إجماع فوجب ان يقدم فان ترك جدا وابن أخ فهو على القولين، ان قلنا ان الجد والاخ يشتركان قدم الجد، وإن قلنا: ان الاخ يقدم قدم ابنه، وان ترك أبا الجد والعم، فعلى القولين، ان قلنا ان الجد والاخ يشتركان قدم أبو الجد، وان قلنا ان الاخ يقدم قدم العم، وان اجتمع الاخ من الاب والام والاخ من الاب قدم الاخ من الاب والام كما يقدم في الارث بالنسب. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) يقدم لما قلناه. (والثانى) انهما سواء لان الام لا ترث بالولاء فلا يرجح بها من يدلى بها فان لم يكن للمولى عصبة وله مولى فالولاء لمولاه لان المولى كالعصبة، فان لم يكن له مولى فلعصبة مولاه، فان لم يكن له مولى ولا عصبة مولى، وهناك مولى لعصبة المولى نظرت، فإن كان مولى أخيه أو مولى ولده لم يرث، لان انعامه على أخيه لا يتعدى إليه، وإن كان مولى أبيه أو جده ورث، لان انعامه عليه انعامه على نسله. (فصل) فان أعتق عبدا ثم مات وخلف اثنين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات العبد وله مال ورثه الكبر من عصبة المولى وهو الابن دون ابن الابن

لما روى الشعبى قال: قضى عمر وعلي وزيد رضى الله عنهم ان الولاء للكبر ولان الولاء يورث به ولا يورث. والدليل عليه ما رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فإذا ثبت أنه لا يورث ثبت أنه انما يورث بما ثبت للمولى من الولاء فوجب أن يكون للكبر لانه أقرب إلى المولى، وان مات المولى وخلف ثلاثة بنين ثم مات أحدهم وخلف ابنا ومات الثاني وخلف أربعة ومات الثالث وخلف خمسة ثم مات العبد المعتق كان ماله بين العشرة بالسوية لتساويهم في القرب، ولو ظهر للمولى مال كان بينهم اثلاثا لابن الابن الثلث وللاربعة الثلث وللخمسة الثلث، لان المال انتقل إلى أولاده اثلاثا ثم انتقل ما ورث كل واحد منهم إلى أولاده والولاء لم ينتقل إلى أولاده، وإنما ورثوا مال العبد لقربهم من المولى الذى ثبت له الولاء وهم في القرب منه سواء فتساووا في الميراث. (فصل) إذا تزوج عبد لرجل بمعتقة لرجل فأتت منه بولد ثبت المولى الام الولاء على الولد لانه عتق باعتقا الام فكان ولاؤه لمولاها، فان أعتق بعد ذلك مولى العبد عبده انجر ولاء الولد من موالى الام إلى موالى العبد. والدليل عليه ما روى هشام بن عروة عن أبيه قال: مر الزبير بموال لرافع ابن خديج فأعجبوه فقال لمن هؤلاء، فقالوا هؤلاء موال لرافع بن خديج أمهم لرافع بن خديج وأبوهم عبد لفلان فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ثم قال أنتم موالى فاختصم الزبير ورافع إلى عثمان رضى الله عنه فقضى عثمان للزبير. قال هشام: فلما كان معاوية خاصمونا فيهم أيضا فقضى لنا معاوية، ولان الولاء فرع للنسب والنسب معتبر بالارث، وإنما ثبت لمولى الام لعدم الولاء من جهة الاب كولد الملاعنة نسب إلى الام لعدم النسب من جهة الاب، فإذا ثبت الولاء على الاب عاد الولاء إلى موضعه كولد الملاعنة إذا اعترف به الزوج وان أعتق جد الولد دون الاب ففى ولائه ثلاثة أوجه.

(أحدها) ينجر الولاء إلى معتقه لانه كالاب في الانتساب إليه والولاية، فكان كالاب في جز الولاء إلى معتقه. (والثانى) لا ينجر، لان بينه وبين الولد الاب فلا ينجر الولاء إلى معتقه كالاخ (والثالث) ان كان الاب حيا لم ينجر الولاء إلى معتقه، وان كان ميتا انجر لان مع موته ليس غيره أحق ومع حياته من هو أحق، فإن قلنا: انه ينجر الولاء إلى معتقه فانجر ثم أعتق الاب انجر من مولى الجد إلى مولى الاب لانه أقوى من الجد في النسب وأحكامه. (فصل) وان تزوج عبد رجل بأمة آخر فأتت منه بولد ثم أعتق السيد الامة وولدها ثبت له عليها الولاء، فان أعتق العبد بعد ذلك لم ينجر ولاء الولد إلى مولى العبد والفرضيون يعبرون عن علة ذلك أنه ولد مسه الرق ثم ناله العتق والعلة في ذلك ان المعتق أنعم على الولد بالعتق فكان أحق بولائه ممن أنعم على أبيه وتخالف ما قبلها، فان أحدهما أنعم على الام،، والاخر أنعم على الاب فقدم المنعم على الاب لان النسب إليه والولاء فرع للنسب، وههنا أحدهما أنعم على الولد نفسه والآخر أنعم على أبيه فقدم المنعم عليه على المنعم على أبيه، وان تزوج عبد لرجل بجارية آخر فحبلت منه ثم أعتقت الجارية وهى حامل ثبت الولاء على الجارية وحملها، فان أعتق العبد بعد ذلك لم ينجر الولاء إلى مولاه لما ذكرناه من العلة، وان تزوج حر لا ولاء عليه بمعتقة رجل فأتت منه بولد لم يثبت عليه الولاء لمولى الام لان الاستدامة في الاصول أقوى من الابتداء ثم ابتداء الحرية في الاب تسقط استدامه الولاء لمولى الام فلان تمنع استدامة الحرية في الاب ابتداء الولاء لمولى الام أولى، وان تزوج عبد لرجل بمعتقة لاخر وأولدها ولدا ثبت الولاء على الولد لموالى الام، فان اشترى الولد اباه عتق عليه وثبت له الولاء عليه وهل ينجر ولاء نفسه بعتق الاب فيه وجهان. أحدهما: لا ينجر، لانه لا يملك ولاء نفسه، فعلى هذا يكون ولاؤه باقيا لموالى الام. والثانى: أنه ينجر ولاء نفسه بعتق أبيه ولا يملكه على نفسه ولكن يزبل به الولاء عن نفسه ويصير حرا لا ولاء عليه لان عتق الاب يزيل الولاء عن معتق الام.

(فصل) إذا مات رجل وخلف اثنين وعبدا فادعى العبد أن المولى كاتبه فصدقه أحدهما وكذبه الآخر، فأدى إلى المصدق كتابته عتق نصفه، وفى ولائه وجهان: (أحدهما) أن الولاء بينهما لانه عتق بسبب كان من أبيهما فكان الولاء بينهما (والثانى) أن الولاء للمصدق لان المكذب أسقط حقه بالتكذيب فصار كما لو حلف أحد الاخوين على دين لابيهما فأخذ نصفه فإن الآخر لا يشارك في نصفه وإن تزوج المكاتب بحرة فأولدها، فإن كان على الحرة ولاء لمعتق كان له ولاء الولد، فإن عتق الاب بالاداء جر ولاء ولده من معتق الام إلى معتقه، فإن اختلف مولاه ومولى الام، فقال مولى المكاتب قد عتق المكاتب بالاداء وجر إلى ولاء الولد. وقال مولى الام لم يعتق وولاء الولد لى نظرت فإن كان المكاتب حيا عتق بإقرار سيده وانجر الولاء إلى معتقه ولا يمين عليه ولا على السيد، وإن كان قد مات واختلف السيد ومولى الام، فإن كان للسيد المكاتب بينة شاهدان، أو شاهد وامرأتان، أو شاهد ويمين قضى له لانها بينة على المال وإن لم تكن له بينة فالقول قول مولى الام مع يمينه لانا تيقنا رق المكاتب وثبوت الولاء لمعتق الام فلا ينتقل عنه من غير بينة وبالله التوفيق

كتاب الفرائض

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الفرائض الفرائض باب من أبواب العلم وتعلمها فرض من فروض الدين، والدليل عليه ما رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنى امرؤ مقبوض، وان العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدا من يفصل بينهما) (فصل) وإذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه، لما روى حباب بن الارت قال: قتل مصعب ابن عمير رضى الله عنه يوم أحد وليس له الا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله، وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الاذخر ولان الميراث انما انتقل إلى الورثة لانه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته، والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الارث، ويعتبر ذلك من رأس المال لانه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين (فصل) ثم يقضى دينه لقوله عز وجل من بعد وصية يوصى بها أو دين ولان الدين تستغرقه حاجته فقدم على الارث، وهل ينتقل ماله إلى الورثة قبل قضاء الدين، اختلف أصحابنا فيه: فذهب أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله إلى أنه لا ينتقل بل هو باق على ملكه إلى أن يقضى دينه، فإن حدثت منه فوائد ككسب العبد وولد الامة ونتاج البهيمة تعلق بها حق الغرماء، لانه لو بيع كانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على أنه باق على ملكه. وذهب سائر أصحابنا إلى أنه ينتقل إلى الورثة، فان حدثت منها فوائد لم يتعلق با حق الغرماء، وهو المذهب، لانه لو كان باقيا على ملك الميت لوجب أن يرثه من أسلم أو أعتق من أقاربه قبل قضاء الدين ولوجب أن لا يرثه من مات من الورثة قبل قضاء الدين. وان كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب

الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء القولين فيما يفدى به للولى جناية العبد، أحدهما لا يجب بيعها، لان الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من قيمتها، وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل. والثانى: يجب بيعها، لانه قد يرغب فيها من يزيد على القيمة فوجب بيعها. (فصل) ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل من بعد وصية بوصى بها أو دين ولان الثلث بقى على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على المراث كالدين. (الشرح) حديث عبد الله بن مسعود ذكره أحمد في رواية إبنه عبد الله بسنده إلى الاحوص عن عبد الله ولفظه (تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها، فإنى امرؤ مقبوض، والعلم مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما) وقد أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمى والدارقطني من رواية عوف عن سليمان بن جابر عنه، وفيه انقطاع بين عوف وسليمان. ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا. وأخرجه الطبراني في الاوسط وفى إسناده محمد بن عقبة السدوسى وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم، وفيه أيضا سعيد بن أبى بن كعب، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. وقد أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفى إسنادهما من لا يعرف، وقد أخرج نحوه الطبراني في الاوسط عن أبى بكر والترمذي عن أبى هريرة وحديث خباب رواه الشيخان وأحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه وله طرق عن جابر وأنس وعبد الرحمن بن عوف والفرائض جمع فريضة كحدائق جمع حديقه، وهى فعيله بمعنى مفعولة مأخوذة من الفرض وهو القطع، يقال فرضت لفلان كذا، أي قطعت له شيئا من المال. وقيل هي من فرض القوس، وهو الحز الذى في طرفه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قاله الخطابى وقبل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهى ما ألزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله من القوس.

وقد روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه (تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شئ ينزع من أمتى) رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم. وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا لهوتم فالهو بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، ورواه سعيد بن منصور عن جرير عن عاصم الاحول عن مورق العجلى عن عمر بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن. وروى أحمد في مسنده وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ إمرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فنزلت آية الميراث فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عمهما فقال: أعط إمرأة سعد الثمن وابنتي سعد الثلثين وما بقى فهو لك) . وقال علقمة: إذا أردت أن تعلم الفرائض فأمت جيرانك. إذ ثبت هذا: فإن التوارث في الجاهلية كان بالحلف والنصرة، فكان الرجل يقول للرجل: تنصرنى وأنصرك وترثني وأرثك وتعقل عنى وأعقل عنك، وربما تحالفوا على ذلك، فإذا كان لاحدهما ولد كان الحليف كأحد أولاد حليفه، إن لم يكن له ولد فإن جميع المال للحليف، فجاء الاسلام الناس على هذا، فأقرهم الله تعالى على صدر الاسلام بقوله: والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم. وروى أن أبا بكر رضى الله عنه حالف رجلا فمات فورثه أبو بكر ثم نسخ ذلك وجعل التوراث بالاسلام والهجرة، فكان الرجل إذا أسلم وهاجر معه من مناسبيه دون لم يهاجر معه من مناسبيه، مثل أن يكون له أخ وابن مسلمان فهاجر معه الاخ دون الابن فيرثه أخوه دون ابنه، والدليل عليه قوله تعالى (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين

آووا ونصروا، أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك ربنا عز وجل بالميراث بالرحم بقوله تبارك اسمه (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) وفسر المعروف بالوصية، وقال تعالى: للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون، فذكر أن لهم نصيبا في هذه الآية، ولم يبين قدره، ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتابه على ما نذكره في مواضعه ان شاء الله. وإذا تقرر هذا فان الميت إذا مات أخرج من ماله كفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزة من رأسماله مقدما على دينه ووصيته، موسرا كان أو معسرا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم. وقال الزهري: ان كان موسرا حسب ذلك من رأس المال، وان كان معسرا احتسب من ثلثه. وقال خلاس بن عمرو: يحتسب من ثلثه بكل حال. دليلنا ما روى خباب في الحديث الذى ساقه المصنف ولم يسل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثلث ماله، وروى أن الرجل الذى قضى وهو محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما، ولم يعتبر الثلث، ولان الميراث انما نقل إلى الورثة لاستغناء الميت عنه، وهذا غير ما استقر من كفنه ومؤنة تجهيزه، فقدم على الارث ثم يقضى دينه ان كان عليه دين ثم تخرج وصاياه لقوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأجمعت الامة على أن الدين مقدم على الوصية، وهل ينتقل ماله إلى ورثته قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه ينتقل إليهم قبل قضاء الدين. وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا ينتقل إليهم حتى يقضى الدين، هكذا ذكر الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى عن أبى سعيد من غير تفصيل، وأما بن الصباغ فحكى عنه: ان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الدين من انتقال المال إلى الورثة الا بقدره، واحتج بأنه لو بيع شئ من ماله بعد موته لكانت العهدة على الميت دون الورثة، فدل على بقاء ملكه.

فعلى هذا إذا حدث من المال فوائد أو نماء قبل الدين كان ذلك ملكا للميت فيقضى منه دينه، وينفذ منه وصاياه. وقال أبو حنيفة: ان كان الدين يحيط بالتركة منع انتقال الملك إلى الورثة وان كان الدين لا يحيط بالتركة لم يمنع الملك إلى الورثة بحال، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم الآية) ولم يفرق، ولانه لا خلاف أن رجلا مات وخلف ابنين وعليه دين فمات أحدهما قبل قضاء الدين، وخلف ابنا ثم أبرأ من له الدين الميت عن الدين، فإن تركة من عليه الدين تقسم بين الابن وابن الابن، فلو كان الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة لكانت التركة للابن وحده، فعلى هذا لو حل من التركة فوائد قبل قضاء الدين فإنها للورثة، لا يتعلق بها حق الغرماء ولا الوصية، وان كان الدين: أكثر من التركة: فقال الوارث أنا أدفع قيمة التركة من مالى ولا تباع التركة، وطلب الغرماء بيعها، فهل يجب بيعها؟ فيه وجهان بناء على العبد الجاني إذا بذل سيده قيمته وطلب المجني عليه بيعه: وكان الارش أكثر من قيمته، فهل يجب بيعه؟ فيه وجهان. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ثم تقسم التركة بين الورثة والاسباب التى يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة: رحم، ولاء، ونكاح، لان الشرع ورد بالارث بها، وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والارث فلا يورث بها، لان هذا كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ بقوله عز وجل (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . (فصل) والوارثون من الرجال عشرة الابن وابن الابن وان سفل، والاب والجد أبو الأب وان علا، والاخ وابن الاخ والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة، والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن والام والجدة والاخت والزوجة ومولاة النعمة: لان الشرع ورد بتوريثهم على ما نذكره ان شاء الله تعالى.

فأما ذوو الارحام وهم الذين لا فرض لهم ولا تعصيب فانهم لا يرثون، وهم عشرة: ولد البنات وولد الاخوات وبنات الاخوة وبنات الاعمام وولد الاخوة من الام والعم من الام والعمة والخال والخالة والجد أبو الأم ومن يدلى بهم. والدليل عليه ما رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ الله تعالى أعطى كل ذى حق حقه، ولا وصية لوارث) فأخبر أنه أعطى كل ذى حق حقه، فدل على أن كل من لم يعطه شيئا فلا حق له: ولان بنت الاخ لا ترث مع أخيها فلم ترث كبنت المولى، ولا يرث العبد المعتق من مولاه لما ذكرناه من حديث أبى أمامة، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعتق) (الشرح) حديث أبى امامة الاول مضى تخريجه والكلام عليه في كتاب الوصايا، وأما الحديث الثاني (الولاء لمن أعتق) فهو من حديث عائشة عند أحمد والبخاري ومسلم ولفظه (أن بريرة جاءت تستعينها في كتابها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فان أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت، فذكرت بريرة ذلك لاهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابتاعى فأعتقي، فانما الولاء لمن أعتق، ثم قام فقال: ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق) أما الاحكام فانه يصرف مال اليتيم بعد قضاء الدين وإخراج وصيته إلى ورثته. والارث ضربان: عام وخاص، فأما العام فهو أن يموت رجل من المسلمين ولا وارث له خاص، فان ماله ينتقل إلى المسلمين ارثا بالتعصيب، يستوى فيه الذكر والانثى، وهل يدخل فيه العامل؟ فيه وجهان وأما الارث الخاص فيكون بأحد أمرين بسبب أو نسب، فأما السبب فينقسم قسمين ولاء ونكاح، فأما الولاء فقد مضى بيانه، وأما النكاح فهو ارث أحد

الزوجين من الآخر على ما يأتي بيانه. وأما النسب فهم الوارثون من القرابة من الرجال والنساء، فالرجال المجمع على توريثهم خمسة عشر، منهم أحد عشر لا يرثون الا بالتعصيب. وهم الابن وابن الابن وان سفل والاخ للاب والام، والاخ للاب، وابن الاخ للاب والام، وابن الاخ للاب، والعم للاب والام والعم للاب، وابن العم للاب، والمولى المنعم. فكل هؤلاء لا يرث واحد منهم فرضا وانما يرث تعصيبا، الا الاخ للاب والام فانه يرث بالفرض في التركة على ما نذكره. واثنان من الرجال الوارثين تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهما الاب والجد أبو الأب وان علا. واثنان لا يرثان الا بالفرض لا غير، وهما الاخ للام والزوج. وأما النساء المجمع على توريثهن فعشر: وهى الابنة وابنة الابن وان سفلت والام والجدة أم الاب والاخت للاب والاخت للام والزوجة والموالاة المنعمة فأربع منهن يرثن تارة بالفرض وتارة بالتعصيب، وهن الابنة، وابنة الابن، والاخت للاب والام والاخت للاب، والاخت للام، والزوجة. واحدة منهن لا ترث الا بالتعصيب وهى المولاة المنعمة والورثة من الرجال والنساء ينقسمون ثلاثة أقسام: قسم يدلى بنفسه، وقسم يدلى بغيره، وقسم يدلى بنفسه وقد يدلى بغيره. فأما القسم الذى يدلى بنفسه فهم ستة. الاب والام والابن والابنة والزوج والزوجة وهؤلاء لا يحجبون بحال. وأما القسم الذى يدلى بغيره فهو من عدا من ذكر من القرابات وقد يحجبون. وأما القسم الذى يدلى بنفسه مرة وبغيره أخرى فهو من يرث بالولاء، وقد يحجب أيضا، وقد ورد الشرع بتوريث جميع ما ذكرنا على ما يأتي بيانه. وأما ذوو الارحام، وهم ولد البنات وولد الاخوات، وبنات الاخوة وولد الاخوة للام، والخال والخالة، والعمة والعم للام وبنات الاعمام وكل أحد بينه وبين الميت أم، ومن يدلى بها ولاء. فاختلف أهل العلم في توريثهم على ثلاثة مذاهب، فذهب الشافعي رضى الله عنه إلى أنهم لا يرثون بحال. وبه قال في الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وهى احدى الروايتين عن عمر، ومن الفقهاء الزهري ومالك الاوزاعي واهل الشام وأبو ثور

وذهبت طائفة إلى أنهم يرثون ويقدمون على الموالى والرد، ذهب إليه من الصحابة على بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وهو الصحيح عن عمر، وذهب النووي وأبو حنيفة إلى أن ذوى الارحام يرثون، ولكن يقدم عليهم المولى والرد، فإن كان له مولى منعم ورث، وإن لم يكن له منعم وهناك من له فرض كالابنة والاخت كان الباقي لصاحب الفرض بالرد، وإن لم يكن هناك أحد من أهل الفروض ورث ذوو الارحام، وبه قال بعض أصحابنا إن لم يكن هناك إمام عادل، وهى إحدى الروايتين عن علي كرم الله وجهه إلا أنها رواية شاذة، ولا سند لابي حنيفة في مذهبه غير هذه الرواية الشاذة. دليلنا ما روى أبو أمامة الباهلى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن الله تعالى قد أعطى لكل ذى حق حقه الحديث، فظاهر النص يقتضى انه لا حق في الميراث لمن لم يعطه الله شيئا، وجميع ذوى الارحام لم يعطهم الله في كتابه شيئا فثبت أنه لا ميراث. وروى أبو سلمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: لا أدري حتى يأتي جبريل، ثم قال: أين السائل عن ميراث العمه والخالة؟ أتاني جبريل فسارني أن لا ميراث لهما. وروى عطاء بن يسار عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يأتي قباء على حمار أو حمارة يستخير الله في ميراث العمة والخالة، فأنزل الله عز وجل (أن لا ميراث لهما، ولان كل من لم ترث مع من هو أبعد لم يرث إذا انفرد كابنة المولى، لان ابنة المولى لما لم ترث مع ابن المولى، وهو أبعد منها لم ترث أيضا إذا انفردت كذلك، ولهذا لم ترث مع ابن العم وهو أبعد منها، ولم ترث أيضا إذا انفردت، ولان ابنة الاخ لما لم ترث مع أختها لم ترث إذا انفردت كابنة المولى وعكسه الابنة والاخت فانهما لما ورثتا مع أخيهما ورثتا إذا انفردتا. (فرع) مولى الموالاة لا يرث عندنا وهو أن يقول رجل لآخر: واليتك على أن ترثى وأرثك وتنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك ولا يتعلق بهذه الموالاة عندنا حكم ارث ولا عقل وغيره، وبه قال زيد بن ثابت ومن التابعين

الحسن البصري والشعبي ومن الفقهاء الاوزاعي ومالك، وذهب النخعي إلى أن هذا العقد يلزم بكل حال ويتعلق به التوارث والعقل ولا يكون لاحدهما فسخه بحال، وقال أبو حنيفة مولى الموالاة يرث ولكنه يؤخر عن المناسبين والموالاة وهى عقد جائز لكل واحد منهما فسخه ما لم يعقل أحدهما عن الاخر، فإذا عقل لزمه ذلك ولم يكن له سبيل إلى فسخه. دليلنا حديث بريرة (الولاء لمن أعتق) فجعل حسن الولاء للعتق فلم يبق ولاء يثبت لغيره لان كل سبب لم يورث به مع وجود النسب لم يورث به مع فقده كما لو أسلم رجل على يد رجل، ولان عقد الموالاة لو كان سببا يورث به لم يجز فسخه وابطاله كالنسب والولاء. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصليا كان أو مرتدا لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ويرث الذمي من الذمي) وان اختلفت أديانهم كاليهودي من النصراني والنصراني من المجوسي، لانه حقن دمهم بسبب واحد فورث بعضهم من بعض كالمسلمين، ولا يرث الحربي من الذمي ولا الذمي من الحرب، لان الموالاة انقطعت بينهما فلم يرث أحدهما من الاخر كالمسلم والكافر. (فصل) ولا يرث الحر من العبد، لان ما معه من المال لا يملكه في أحد القولين، وفى الثاني: يملكه ملكا ضعيفا، ولهذا لو باعه رجع إلى مالكه فكذلك إذا مات ولا يرث العبد من الحر لانه لا يورث بحال فلم يرث كالمرتد، ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث، وقال المزني: يرث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الرق، والدليل على أنه لا يرث أنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية، فلم يرث كالعبد، وهل يورث منه ما جمعه بالحرية؟ فيه قولان: قال في الجديد: يرثه ورثته، لانه مال ملكه بالحرية فورث عنه كمال الحر. وقال في القديم: لا يورث لانه إذا لم يرث بحريته لم يورث بها، وما الذي

يصنع بماله. قال الشافعي رضى الله عنه: يكون لسيده وقال أبو سعيد الاصطخري: يكون لبيت المال، لانه لا يجوز أن يكون لسيده لانه جمعه بالحرية فلا يجوز أن يورث لرقه، فجعل لبيت المال ليصرف في المصالح كمال لا مالك له. (فصل) ومن أسلم أو أعتق على ميراث لم يقسم لم يرث لانه لم يكن وارثا عند الموت فلم يرث، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمة. وإن دبر رجل أخاه فعنق بموته لم يرثه، لانه صار حرا بعد الموت، وإن قال له أنت حر في آخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بالموت، ثم مات عتق من ثلثه، وهل يرثه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يرثه لان العتق في المرض وصية، والارث والوصية لا يجتمعان (والثاني) يرثه ولا يكون عتقه وصية، لان الوصية ملك بموت الموصي، وهذا لم يملك نفسه بموته. وإن قال في مرضه: إن مت بعد شهر فأنت اليوم حر، فمات بعد شهر عتق يوم تلفظ، وهل يرثه؟ على الوجهين (الشرح) حديث أسامة رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وفي رواية عند الشيخين قال (يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، ولم يرث جعفر ولا على شيئا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ) الاحكام: لا يرث الكافر من المسلم بلا خلاف، وأما المسلم فلا يرث الكافر عندنا، وبه قال علي وزيد بن ثابت وهو قول الفقهاء كافة. وقال معاذ ومعاوية: يرث المسلم من الكافر، دليلنا حديث أسامة بن زيد وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يتوارث أهل ملتين شيئا، والاسلام والكفر ملتان شتى فوجب أن لا يتوارثا ويرث الكافر من الكافر إذا اجتمعا في الذمة أو فالحرب، فيرث اليهودي من النصراني والعكس وكذا المجوسي إذا جمعتهم الذمة أو كانوا حربا لنا. فأما أهل الحرب وأهل الذمة فإنهم لا يتوارثون، وإن كانوا من اليهود أو

النصارى. وبه قال من الصحابة عمر وعلي وزيد بن ثابت. ومن الفقهاء مالك والثوري وأبو حنيفة. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: الذمي هل يرث الحربي؟ فيه قولان، أحدهما يرثه، لان ملتهما واحدة، والثاني: لا يرثه لان حكمنا لا يجري على الحربي. هذا مذهبنا. وذهب الزهري والاوزاعي وأبن أبى ليلى وأحمد وإسحاق إلى أن اليهودي لا يرث من النصراني وكذلك العكس وإن جمعتهم الملة، وإنما يرث النصراني من النصراني واليهودي من اليهودي، كما يرث أهل الحرب بعضهم بعضا إذا تحاكموا إلينا، وإن اختلفت دارهما وكان بعضهم يرى قتل بعض، وحكم من دخل الينا بأمان أو تجارة أو رسالة حكم أهل الذمة ويرث بعضهم من بعض ومتى كانت امرأة الكافر ذات رحم منه من نسب أو رضاع لم يتوارثا بالنكاح، وإن كانت غير ذات رحم محرم منه لو اسلما أقرا على نكاحهما وتوارثا بالنكاح، وإن عقدا بغير ولي ولا شهود (فرع) قال الشافعي: وميراث المرتد لبيت المال. قال العمراني: وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في الارث بعد موته على أربعة مذاهب، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أن ماله لا يورث بل يكون فيئا لبيت المال. سواء في ذلك ما اكتسبه في حال إسلامه أو في حال ردته، وسواء قلنا إن ملكه يزول أو لا يزول أو موقوف. وبهذا قال ابن عباس وهى إحدى الروايتين عن علي وبه قال الاوزاعي وأبو يوسف ومحمد، وذهب قتادة وعمر بن عبد العزيز إلى أن ماله يكون لاهل الذمة التي انتقل إليها، فإن انتقل إلى اليهود كان ماله لهم. وإن انتقل إلى النصارى كان ماله لهم. وقال أبو حنيفة والثوري: ما اكتسبه قبل الردة ورث عنه، وما اكتسبه بعد الردة يكون فيئا. ودليلنا حديث اسامة في الفصل، والمرتد كافر، ولانه لا يرث بحال فلم يورث كالكافر، والجواب على أبي حنيفة هو أن من لم يرث المسلم ما اكتسبه في حالة إباحة دمه لم يرث ما اكتسبه في حال حقن دمه كالذمي إذا لحق بدار الحرب. إذا ثبت هذا فهل يخمس مال المرتد؟ فيه قولان يأتيان. (فرع) إذا مات العبد وفي يده مال لم يرثه قرابته الاحرار، لان من الناس

من يقول: انه لا يملك المال، ومنهم من قال انه يملكه إذا ملكه السيد، وهذا ملك ضعيف يزول بزوال ملك سيده وأما من نصفه حر ومن نصفه عبد فهو على وجهه ما أورده المصنف أما إذا مات مسلم حر وخلف أولادا أحرارا مسلمين وأولادا مملوكين ورثه الاولاد المسلمون الاحرار، فإن أسلم الكفار أو أعتق العبيد بعد قسمة الميراث لم يشاركوا في الارث بلا خلاف، وإن أسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا، وبه قال أكثر أهل العلم. وقال أكثر أهل العلم: إذا اسلموا أو عتقوا بعد موت أبيهم وقبل قسمة تركته لم يشاركوا في الميراث عندنا وبه قال أكثر أهل العلم. وقال عمر وعثمان رضى الله عنهما: إذا أسلموا أو عتقوا قبل القمسة شاركوا في الارث. دليلنا أن كل من لم يرث حال الموت لم يرث بعد ذلك، كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه فمنهم من قال: ان كان القتل مضمونا لم يرثه لانه قتل بغير حق وان لم يكن مضمونا ورثه لانه قتل بحق فلا يحرم به الارث. ومنهم من قال: ان كان متهما كالمخطئ أو كان حاكما فقتله في الزنا بالبينه لم يرثه لانه متهم في قتله لاستعجال الميراث، وان كان غير متهم بأن قتله بإقراره بالزنا ورثه لانه غير متهم لاستعجال الميراث. ومنهم من قال لا يرث القاتل بحال، وهو الصحيح لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لا يرث القاتل شيئا) ولان القاتل حرم الارث حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب (الشرح) حديث ابن عباس رواه الدارقطني وفى اسناده كثير من مسلم وهو ضعيف، وعند البيهقى حديث آخر بلفظ: من قتل قتيلا فانه لا يرثه. وان لم يكن له وارث غيره. وفى اسناده عمرو بن برق وهو ضعيف، وعن أبى هريرة عند الترمذي وابن ماجه (القاتل لا يرث) وفى اسناده إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال: اسحاق متروك

ورواه أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (لا يرث القاتل شيئا) وأخرجه النسائي وأعله، الدارقطني وقواه ابن عبد البر. ورواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (ليس لقاتل ميراث) وفى سنده انقطاع. وقال البيهقي: ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا، قال الحافظ بن حجر: وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمر وقال: انه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه: والقاتلون عمدا أو خطأ لا يرثون، وجملة ذلك أن العلماء اختلفوا في ميراث القاتل من المقتول، فذهب الشافعي إلى أن القاتل لا يرث المقتول لا من ماله ولا من ديته، سواء قتله عمدا أو خطأ أو مباشرة أو بسبب مصلحه. كسقي الدواء أو ربط الجرح أو لغير مصلحه متهما كان أو غير متهم، وسواء كان القاتل صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعمر بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل. وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا: إذا كان القاتل غير متهم بأن كان حاكما فجاء مورثه فأقر عنده بقتل رجل عمدا وطلب وليه القود، فمكنه الحاكم من قتله، أو اعترف عندنا بالزنا وهو محصن فرجمه أو أعترف بقتل الحرابة فقتل فإنه يرثه لانه غير متهم في قتله. ومن أصحابنا من قال: إن كان القتل مضمونا لم يرث القاتل لانه قتل بغير حق، وإن كان غير مضمون بأن قتله قصاصا أو في الزنا أو كان باغيا فقتله العادل وما أشبه ذلك ورث، لانه قتل بحق فلا يمنع الارث. وقال عطاء وابن المسيب ومالك والاوزاعي ان كان القتل عمدا لم يرث القاتل لا من ماله ولا من ديته. وإن كان القتل خطأ ورث ماله ولم يرث من ديته. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قتله مباشرة فلا يرثه سواء قتله عمدا أو خطأ إلا ان كان القاتل صبيا أو مجنونا أو عادلا فقتل الباغي فإنهم يرثون، وإن قتله بسبب، مثل أن حفر بئرا أو نصب سكينا فوقع عليها مورثه أو كان يقود دابة أو يسرقها فرفسته فإنه يرثه وإن كان راكبا الدابة فرفست مورثه أو وطئته فمات فقال أبو حنيفة لا يرثه،

وقال أبو يوسف ومحمد يرثه. أما نحن فدليلنا ما رويناه من حديث ابن عباس (لا يرث القاتل شيئا) وحديث عمر وحديث أبي هريرة وحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وكلها نصوص في أن القاتل لا يرث. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) واختلف قول الشافعي رحمه الله فيمن بت طلاق امرأته في المرض المخوف واتصل به الموت، فقال في أحد القولين انها ترثه لانه متهم في قطع ارثها فورثت، كالقاتل لما كانت متهما في استعجال الميراث لم يرث. والثاني أنها لا ترث وهو الصحيح، لانها بينونة قبل الموت فقطعت الارث كالطلاق في الصحة، فإذا قلنا انها ترث فإلى أي وقت ترث؟ فيه ثلاثة أقوال، أحدها ان مات وهى في العدة ورثت لان حكم الزوجية باق، وان مات وقد انقضت العدة لم ترث لانه لم يبق حكم الزوجية، والثاني انها ترث ما لم تتزوح، لانها إذا تزوجت علمنا انها اختارت ذلك، والثالث أنها ترث أبدا، لان توريثها للفرار، وذلك لا يزول بالتزويج فلم يبطل حقها. وأما إذا طلقها في المرض ومات بسبب آخر لم ترث لانه بطل حكم المرض، وان سألته الطلاق لم ترث لانه غير متهم. وقال أبو علي بن ابي هريرة ترث لان عثمان بن عفان رضى الله عنه ورث تماضر بنت الاصبع من عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكانت سألته الطلاق، وهذا غير صحيح. فإن ابن الزبير خالف عثمان في ذلك، وان علق طلاقها في الصحة على صفة تجوز ان توجد قبل المرض فوجدت الصفة في حال المرض لم ترث، لانه غير متهم في عقد الصفة، وان علق طلاقها في المرض على فعل من جهتها، فإن كان فعلا يمكنها تركه ففعلت لم ترث لانه غير متهم في ميراثها، وان كان فعلا لا يمكنها تركه كالصلاة وغيرها فهو على القولين، وان قذفها في الصحة ثم لاعنها في المرض لم ترث، لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وان فسخ نكاحها في مرضه بأحد العيوب ففيه وجهان، أحدهما انه كالطلاق في المرض، والثاني انها لا ترث لانه يستند إلى معنى من جهتها ولانه محتاج إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب

(فصل) وإن طلقها في المرض ثم صح ثم مرض ومات، أو طلقها في مرض ثم ارتدت ثم عادت إلى الاسلام ثم مات لم ترثه قولا احدا لانه أتت عليها حالة أو مات سقط إرثها فلم يعد. (الشرح) إذا طلق الرجل إمرأته في مرض موته وقع الطلاق رجعيا فمات وهي في العدة أو ماتت قبله في العدة ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف أيضا، لان الرجعية حكمها حكم الزوجة إلا في إباحة وطئها، وهى كالحائض، وان كان الطلاق بائنا، فإن ماتت قبل الزوج لم يرثها الزوج وهو إجماع أيضا لا خلاف فيه، فإن مات الزوج قبلها فهل ترثه؟ فيه قولان، قال في القديم: ترثه، وبه قال عمر وعثمان وعلي، ومن الفقهاء شعبة ومالك والاوزاعي والليث وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد، ووجه هذا ما روى أن عمر قال: المبتوتة في حال المرض ترث من زوجها، وروى أن عبد الرحمن بن عوف طلق إمرأته تماضر بنت أصبع الكلبية في مرض موته فورثها منه عثمان بن عفان، وروى أن عثمان لما حصر طلق إمرأته فورثها منه علي بن أبي طالب وقال: قد كان أشرف على موت، ولانه متهم في قطع ميراثها فغلظ عليه وورثت منه كالقاتل لما كان متهما في القتل لاستعجال الميراث غلظ عليه فلم يرث. وقال في الجديد: لا ترثه، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الزبير وأبو ثور وهو الصحيح، لانها فرقة يقطع ميراثه منها فقطعت ميراثها عنه كما أبائها في حال الصحة عكسه الرجعية، ولانها فرقة لو وقعت في الصحة لقطعت ميراثها عنه فإذا وقعت في المرض قطعت ميراثها عنه كاللعان، ولانها ليست بزوجه له بدليل أنه لا يلحقها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا عدة وفاته فلم ترثه كالاجنبية. وأما ما روى عن عمر وعثمان وعلي، فإن ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف خالفاهم في ذلك فقال ابن الزبير: أما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة، وعبد الرحمن ابن عوف إنما طلق إمرأته في مرض موته ليقطع ميراثها عنه، فإذا قلنا في الجديد فلا نفرع عليه، وان قلنا بقوله القديم قال: متى ترثه؟ فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: ترثه ما دامت في عدتها منه، فإذا انقضت عدتها لم ترثه، وبه قال أبو حنيفة وسفيان والليث والاوزعي وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الميراث للزوجة إنما يكون لزوجة أو لمن هي في حكم الزوجات، فما دامت في عدتها منه فهي في حكم الزوجات. والثاني: أنها ترثه ما لم تتزوج بغيره، فإذا تزوجت بغيره لم ترثه، وبه قال ابن أبي ليلى، وهى الرواية الصحيحة عن أحمد، لان حقها قد ثبت في ماله، فإذا لم يسقط ببينونتها لم يسقط بانقضاء عدتها، وإنما يسقط برضاها، فإذا تزوجت فقد رضيت بفراقه وقطع حقها عنه. والثالث: أنها ترثه ابدا سواء تزوجت أو لم تتزوج، وبه قال مالك لانها قد ثبت لها حق في ماله فلم ينقص بانقضاء عدتها ولا بتزويجها كمهرها. (فرع) إذا أقر في مرض موته أنه قد كان طلق إمرأته في صحته ثلاثا بانت منه، قال الشيخ أبو حامد: ولا ترثه قولا واحدا، لان ما أقر به في مرض موته وإضافته إلى الصحة كالذي فعله في الصحة كما لو أقر في مرض موته أنه كان وهب ماله في صحته وأقبضه، فان ذلك يعتبر من التلت. وحكى القاضي أبو الطيب عن بعض أصحابنا في ذلك قولين كما لو طلقها ثلاثا في مرض موته لانه متهم في اسقاط حقها فلم يسقط بدليل أنه لا يسقط بهذا الاقرار نفقتها ولا سكناها في حال النكاح وان اضاف ذلك إلى وقت ماض. (فرع) إذا كان الرجل مريضا فسألته امرأته أن يطلقها ثلاثا ومات في مرضه ذلك، أو قال لها في مرض موته: أنت طالق ثلاثا ان شئت، فقالت: شئت، طلقت، وهل ترثه؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هِيَ عَلَى القولين، لان الاصل في هذا قصة عثمان في توريثه تماضر زوجها عبد الرحمن بن عوف في مرض موته، وقد كانت سألته الطلاق. وقال الشيخ أبو حامد: لا ترثه قولا واحدا، وهو المذهب لانها إذا سألته الطلاق فلا تهمة عليه في طلاقها، وأما قصة تماضر لا حجه فيها لان عبد الرحمن قال لنسائه: من اختارت منكن أن أطلقها طلقتها، فقالت تماضر: طلقني،

فقال لها: إذا حضت فأعلميني فأعلمته فطلقها. وليس طلاقه لها في هذ الوقت جوابا لكلامها لان قولها طلقني يقتضي الجواب في الحال، فإذا تأخر ثم طلقها كان ذلك إبتداء طلاق. وان سألته في مرض موته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ثم مات فهل ترثه فيه قولان، لانها سألته تطليقها فإذا طلقها ثلاثا صار متهما بذلك لانه قصد قطع ميراثها، فصار كما لو طلقها ثلاثا ابتداء من غير سؤالها. (فرع) إذا علق المريض طلاق امرأته ثلاثا بصفة ثم وجدت تلك الصفه في مرضه ومات، فهل ترثه؟ نظرت فان كان صفة لها منه بد مثل أن قال لها: ان دخلت الدار أو خرجت منها أو كلمت فلانا أو صليت النافلة أو صمت النافلة فأنت طالق ثلاثا، ففعلت ذلك في مرض موته لم ترثه قولا واحدا، لانها إذا فعلت ذلك مع علمها بالطلاق فقد اختارت وقوع الطلاق عليها بما لها منه بد فصارت كما لو سألته الطلاق، وان كانت صفة لا بد منها بأن قال: ان تنفست أو صليت الفرض أو كلمت أباك أو أمك فأنت طالق ثلاثا ففعلت ذلك في مرض موته ومات فهل ترثه؟ على القولين لانها لابد لها من فعل هذه الاشياء فصار كما لو طلقها ثلاثا طلاقا منجزا. وقال الشيخ أبو حامد: ان قال لها ان مرضت فأنت طالق ثلاثا فمات في مرضه فيه قولان، لانه لما جعل مرض موته شرطا في وقوع الطلاق عليها كان متهما في ذلك، فان قال لها وهو صحيح: ان جاء رأس الشهر أو جاء الحاج أو طلعت الشمس وما أشبه ذلك فأنت طالق ثلاثا، فوجدت هذه الصفات في مرضه موته فهل ترثه، قال البغداديون من أصحابنا: لا ترثه قولا واحدا لانه غير متهم في ذلك، لان انفاق ذلك في مرضه مع هذه الصفات لم يكن من قصده. أما إذ قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر، فان عاش هذا الزوج بعد هذا القول أقل من شهر ثم مات لم يحكم بوقوع الطلاق لانا لا نحكم بوقوعه قبل محله، وان عاش بعد ذلك شهرا ومات مع الشهر لم يقع الطلاق لان الطلاق انما يقع عقيب الايقاع مما معه، وان عاش شهرا واحدا طلقت قبل موته بشهر.

قال الشيخ أبو حامد: وهل ترثه، فيه قولان لانه متهم في ذلك، ثم إنه بذلك منعها من الميراث. (فرع) إذا طلقها ثلاثا في مرضه، ثم صح ثم مرض ثم مات فانها لا ترثه قولا واحدا، لانه قد تخلل بين المرض والموت حالة لو طلقها ثلاثا فيها لم ترث شيئا، فكذلك إذا طلقها قبل تلك الحالة فوجب أن لا ترث، وهكذا إذا طلقها في مرض موته ثلاثا ثم ارتد الزوج أو الزوجه، ثم رجعا ثم مات الزوج لم ترثه قولا واحدا. (فرع) إذا طلق إمرأته في الصحة ثم لاعنها في مرض موته لم ترثه قولا واحدا لانه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة، وإن قذفها في مرض موته ولاعنها قال ابن الصباغ: فإنها لا ترثه قولا واحدا لانه في حاجة إلى اللعان لاسقاط الحد عن نفسه. قال ابن اللبان. ويحتمل أن يقال: إن كان قد نفى الحمل فإنها لا ترث لانه مضطر إلى قذفها، وان لم ينف الولد ورثته في أحد القولين، لانه لم يضطر إلى قذفها، وان فسخ نكاحها في مرض موته بأحد العيوب ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو إسحاق، أحدهما: أنه كالطلاق في المرض فيكون في ميراثها منه قولان. والثاني لا ترثه قولا واحدا، لانه يستند إلى معنى من جهتها، ولان به حاجة إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب. (فرع) إذا كانت تحته أربع نسوة وطلقهن في مرض موته طلاقا بائنا ثم تزوج بعدهن أربعا سواهن ثم مات من مرضه ذلك فإن قلنا بالجديد: وأن المبتوتة في مرض الموت لا ترث كان ميراثه للاربع زوجات دون المطلقات، وان قلنا بالقديم: وأن المبتوتة في مرض الموت ترث فمتى ترث فيه ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد. (أحدها) أنه للزوجات الجديدات دون المطلقات لانه لا يجوز أن يرث الرجل أكثر من أربع زوجات ولا بد من تقديم بعضهن على بعض، فكان تقديم الزوجات أولى، لان ميراثهن ثابت بنص القرآن، وميراث المطلقات ثبت بالاجتهاد.

(والثاني) أنه للزوجات المطلقات دون الزوجات الجديدات، لانه لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع، فكان تقديم المطلقات أولى لان حقهن أسبق. (والثالث) أنه يكون بين المزوجات والمطلقات بالسوية لان ارث الزوجات ثابت بنص القرآن، وارث المطلقات ثابت بالاجتهاد فشرك بينهن، وقول من قال: لا يجوز أن يرثه أكثر من أربع زوجات ليس بصحيح لان الشرع انما منع من نكاح ما زاد على أربع، وأما توريث ما زاد على أربع فلم يمنع الشرع منه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان مات متوارثان بالغرق أو الهدم، فإن عرف موت أحدهما قبل الاخر ونسى، وقف الميراث إلى أن يتذكر، لانه يرجى أن يتذكر، وان علم أنهما ماتا معا أو لم يعلم موت أحدهما قبل الآخر، أو علم موت أحدهما قبل موت الآخر، ولم يعرف بعينه، جعل ميراث كل واحد منهما لمن بقى من ورثته ولم يورث أحدهما من الآخر، لانه لا تعلم حياته عند موت صاحبه، فلم يرثه، كالجنين إذا خرج ميتا. (فصل) وان أسر رجل أو فقد ولم يعلم موته لم يقسم ماله حتى يمضى زمان لا يجوز أن يعيش فيه مثله، وان مات له من يرثه دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي إلى أن يتبين أمره. (الشرح) إذا مات متوارثان كالرجل وابنه أو كالزوجين بالغرق أو الهدم فإن علم أن أحدهما مات أو لا وعرف عينه وورث الثاني من الاول، وان علم ان احدهما مات اولا وعرف عينه ثم نسى، وقف الامر إلى ان يتذكر من الاول منهما فيرث منه الثاني، لان الظاهر ممن علم ثم نسى انه يتذكر، وهذا لا خلاف فيه، وان علم انهما ماتا معا أو علم ان احدهما اولا ولم يعرف عينه. قال الشيخ أبو حامد: مثل ان غرقا في ماء فرأى أحدهما يصعد من الماء وينزل

ولم يعرف عينه، والآخر قد نزل ولا يصعد، فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولا يصعد قد مات، أو لم يعلم هل ماتا في حالة واحدة أو مات أحدهما قبل الآخر، فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه. وبه قال أبو بكر وعمر وابن عباس وزيد بن ثابت ومالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم. وذهب علي بن أبي طالب إلى أن يرث كل واحد منهما الآخر ثم يرثهما ورثتهما وبه قال داود. دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت أنه قال: ولانى أبو بكر موارث قتلى اليمامة فكنت أورث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى، ولا كل من لم تعلم حياته عند موت مورثه لم يرثه، أصله الحمل، وهو أن رجل إذا مات وخلف امرأة حاملا فإنه إن خرج حيا ورث، لانا تيقنا حياته عند موت مورثه، وإن خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم حياته عند موت مورثه، ولان توريث كل واحد منهما من الاخر خطا بيقين، لانهما إن ماتا معا في حالة واحدة لم يرث أحدهما الآخر وان مات أحدهما قبل الآخر فتوريث الساق منهما وتأمن الاخر خطا فإذا كان كذلك لم يرث أحدهما من الآخر لانه ليس أحدهما أن يكون مات أولا بأولى من الاخر (فرع) إذا مات رجل وخلف ولدا أسيرا في أيدى الكفار فإنه يرث ما دام يعلم حياته، وبه قال أهل العلم كافة، وقال النخعي لا يرث الاسير دليلنا قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) ولم يفرق بين الاسير وغيره، فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود، وإذا فقد رجل وانقطع خبره لم يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضى عليه من الزمان من حين ولد زمان لا يعيش فيه مثله فحينئذ يحكم الحاكم بموته ويقسم ماله بين ورثته الاحياء يومئذ دون من مات من ورثته قبل ذلك. وقال مالك (إذا مضى له من العمر ثمانون سنة قسم ماله) وقال عبد الملك بن الماجشون (إذا مضى له تسعون سنة حكم الحاكم بموته) وقال أبو حنيفة (إذا مضى له مائة وعشرون سنة) وحكى بعضهم أن ذلك مذهب الشافعي. وإن مات المفقود من يرثه قبل أن يحكم بموته أعطى كل وارث من ورثته

ما يتيقن أنه له ووقف المشكوك فيه إلى أن يتيقن أمر المفقود، مثل أن تموت امرأة وتخلف زوجا وأختين وأخا لاب وأم مفقودا، فإن الزوج لا يستحق النصف كاملا إلا إذا تيقنا حياة الاخ عند موت المرأة، ولا يستحق الاختان أربعة اسباع المال إلا إذا تيقنا موت الاخ عند موت المرأة، والعمل في هذه وما أشبهها أن يقال لو كان الاخ ميتا وقت موت أخته لكانت الفريضة من سبعة، للزوج ثلاثة وللاختين للاب والام أربعة، ولو كان الاخ حيا وقت موت أخته لكانت الفريضة من ثمانية، للزوج أربعة ولكل أخت سهم وللاخ سهمان، والثمانية لا توافق السبعة، فيضرب ثمانية في سبعة فذلك ستة وخمسون، فيعطى الزوج نصيبه وهو عند موت الاخ، فله حينئذ ثلاثة من سبعه مضروب في ثمانية فذلك أربعة وعشرون وتعطى كل أخت نصيبها وهو عند وجود الاخ حيا عند موت أخته، وذلك سهم من ثمانية مضروب في سبعة، فذلك سبعة ويبقى من المال ثمانية عشر سهما، فيوقف ذلك إلى أن يتبين أمر الاخ، فان بان أنه كان حيا وقت موت أخته كان له سهمان من ثمانية في سبعه فذلك أربعة عشر سهما يأخذها من الموقوف وللزوج اربعة من ثمانيه في سبعه فذلك ثمانية وعشرون فمعه اربعة وعشرون ويبقى له اربعه فيأخذها من الموقوف وقد استوفى الاختيان نصيبهما، وان بان أن الاخ كان ميتا وقت موت أخته كان للاختين اربعه من سبعه في ثمانيه فذلك اثنان وثلاثون فمعهما أربعة عشر ويبقى لهما ثمانية عشر وهو الموقوف فيأخذانه وقد استوفى الزوج نصيبه هذا هو المشهور من المذهب وخرج ابن اللبان في ذلك وما أشبهه وجهين آخرين (أحدهما) أن يجعل حكم الاخ المفقود حكم الحى، لان الاصل بقاء حياته، فلا ينتقص الزوج من النصف كاملا وان لكل اخت الثمن ويوقف ربع المال، فإن بان ان الاخ كان حيا وقت موت اخته دفع إليه الربع أو إلى ورثته ان كان قد مات. وان بان انه ميت وقت موت أخته أخذ من الزوج نصف السبع ودفع ذلك مع الربع الموقوف إلى الاختين وهل يؤخذ من الزوج ضامن في نصف السبع. فيه قولان (أحدهما) يؤخذ منه ضمان بجواز ان يكون الاخ ميتا (والثانى) لا يؤخذ منه ضمين كما يقسم مال الغرماء على الاحباء من ورثتهم ولا يؤخذ منهم ضمان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ميراث أهل الفرائض

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب ميراث أهل الفرائض وأهل الفرائض هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله عزوجل، وهى النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، وهم عشرة، الزوج والزوجه والام والجدة، والبنت وبنت الابن، والاخت وولد الام والاب مع الابن وابن الابن والجد مع الابن وابن الابن. فأما الزوج فله فرضان النصف، وهو إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن، والربع وهو إذا كان معه ولد أو ولد ابن. والدليل عليه قوله عز وجل (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين) فأما الزوجة فلها أيضا فرضان: الربع إذا لم يكن معها ولد ولا ولد ابن. والثمن إذا كان معها ولد أو ولد ابن. والدليل عليه قوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) فنص على فرضها مع وجود الولد وعدم الولد، وقسنا ولد الابن في ذلك على ولد الصلب، لاجماعهم على أنه كولد الصلب في الارث والتعصيب، فكذلك في حجب الزوجين، وللزوجتين والثلاث والاربع ما للواحدة من الربع والثمن لعموم الاية. (الشرح) الفروض المذكورة في كتاب الله تعالى سنة، النصف ونصفه ونصف نصفه الثلثان ونصفه ونصف نصفه وأهل الفروض عشرة 1 - الزوج 2 - الزوجة 3 - الام 4 - الجدة 5 - البنت 6 - بنت الابن 7 - الاخت 8 - ولد الام 9 - الاب مع الابن أو ابن الابن 10 - الجد مع الابن أو ابن الابن فأما الزوج فله فرضان، النصف مع عدم الولد، وولد الابن، والربع مع

وجود الولد أو ولد الابن وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) فأما الزوجة فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن وان سفل. ذكرا كان أو أنثى لقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وللزوجتين والثلاث والاربع ما للزوجة الواحدة لقوله تعالى (ولهن) وجعل سبحانه لهن نصف ميراث الذكر قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وأما الام فلها ثلاثة فروض (أحدها) الثلث. وهو إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات لقوله عز وجل (وورثه أبواه فلامه الثلث) (والفرض الثاني) السدس، وذلك في حالين (أحدهما) أن يكون للميت ولد أو ولد ابن. والدليل عليه قوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض لها السدس مع الولد، وقسنا عليه ولد الابن (والثانى) أن يكون له اثنان فصاعدا من الاخوة والاخوات. والدليل عليه قوله عز وجل (فان كان له اخوة فلامه السدس) ففرض لها السدس مع الاخوة، وأقلهم ثلاثه. وقسنا عليهم الاخوين لان كل فرض تغير بعدد كان الاثنان فيه كالثلاثه كفرض البنات (والفرض الثالث) ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، وذلك في مسألتين، في زوج وأبوين، أو زوجة وأبوين، للام ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين، والباقى للاب. والدليل عليه أن الاب والام إذا اجتمعا كان للاب الثلثان وللام الثلث، فإذا زاحمهما ذو فرض قسم الباقي بعد الفرض بينهما على الثلث والثلثين، كما لو اجتمعا مع بنت

(الشرح) الام لها ثلاثة فروض الثلث أو السدس أو ثلث ما يبقى، ولها سبعة أحوال. أحدها: أن يكون معها ولد ذكر أو أنثى أو ولد ابن ذكر أو أنثى وإن سفل، فلها السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) . ثانيها: أن لا يكون مع الام ولد ولا ولد ابن ولا أحد من الاخوة والاخوات فللام الثلث لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) . ثالثها: أن يكون مع الام ثلاثة إخوة أو ثلاث أخوات أو منهما فلها السدس لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس) وقوله تعالى: إخوة لفظ جمع وأقله ثلاثة. رابعها: أن يكون مع الام أخ أو أخت فلها الثلث أيضا لقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلامه السدس فحجبها عن الثلث إلى السدس بالاخوة، وذلك جمع ولا خلاف أن الواحد ليس بجمع. خامسها: أن يكون مع الام اثنان من الاخوة والاخوات أو منهما فللام السدس، وبه قال الصحابة والفقهاء عامة الا ابن عباس فانه قال: لها الثلث، وله خمس مسائل في الفرائض انفرد بها، هذه احداهن. دليلنا: أنه حجب لا يقع بواحد، وينحصر بعدد، فوجب أن يوقف على اثنين، أصله حجب بنات الابن بالبنات، فقولنا: حجب لا يقع بواحد احتراز من حجب الزوج والزوجة فانه يقع الواحد من الاول، وقولنا ينحصر بعد احتراز من حجب البنتين للبنات والاخوة والاخوات لان الابنة فرضها النصف والاخت فرضها النصف، وإذا حصل مع احداهما أخوها حجبها من النصف، ولا ينحصر هذا الحجب بعدد، بل كلما كثر الاخوة حجبوها أكثر، ولانا وجدنا الاثنين من الاخوات كالثلاث في استحقاق الثلثين، فوجب أن يكون حجب الاثنين من الاخوة للام حجب الثلاثة. وروى أن ابن عباس دخل على عثمان فقال له. قال الله تعالى (فإن كان له اخوة فلامه السدس) وليس الاخوات اخوة بلسان قومك، فقال عثمان:

لا استطيع أن أرد ما كان قبلى، وانتشر في الامصار، وثوارث به الناس، فدل بهذا أنهم أجمعوا على ذلك. سادسها: إذا كان هناك زوج وأبوان، قال أصحابنا: فللزوج النصف وللاب ثلث ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام ثلث ما بقى وهو سهم وللاب سهمان، وقال بعض أصحابنا كما أفاده صاحب البيان: للام ها هنا الثلت، ولا يقال لها ثلت ما بقى، قلت: ومعنى العبارتين واحد لان العبارة الواحدة هي المشهورة وبه قال عامة الصحابة والفقهاء. وقال ابن عباس: للزوج النصف، وللام ثلت جميع المال، وللاب ما بقى، وأصلها من ستة للزوج ثلاثة، وللام سهمان وللاب سهم وتابعه على هذا شريح سابعها إذا كان زوجة وأبوان فللزوجة الربع، وللام ثلت ما بقى وهو سهم وللاب ما بقى وهو سهمان، وبه قال عامة الصحابة وأكثر الفقهاء. وقال ابن عباس للزوجة الربع وللام قلت جميع المال، وللاب ما بقى وأصلها من اثنى عشر للزوج ثلاثة، وللام أربعة، وللاب خمسة، وهاتان المسألتان في المسائل التى انفرد بها ابن عباس عن الصحابة، وتابعه عليها شريح وابن سيرين ودليلنا أن في الاوله يؤدى إلى تفضيل الام على الاب، وهذا لا يجوز، ولانهما معهما أو سهم فوجب أن يكون للام تلت ما بقى بعد ذلك السهم، كما لو كان مع الابوين بنت، ولان كل ذكر وأنثى لو انفرد كان للذكر الثلثان والانثى التلت، وجب إذا كان معهما زوج أو زوجة ان يكون ما بقى بعد فرض الزوج والزوجة بينهما كما كان بينهما إذا انفرد كالابن والابنة والاخ والاخت. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واما الجدة فان كانت ام الام أو ام الاب فلها السدس، لما روى قبيصة بن ذؤيب قال (جاءت الجدة إلى أبى بكر رضى الله عنه فسألته عن ميراثها فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ليس لك في كتاب الله شئ وما علمت لك في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فسأل عنها فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس،

فقال أبو بكر رضى الله عنه هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الانصاري رضى الله عنه فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر رضى الله عنه ثم جاءت الجدة الاخرى إلى عمر رضى الله عنه فسألته ميراثها، فقال لها: مالك في كتاب الله عز وجل شئ، وما كان القضاء الذى قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا، ولكن هو ذلك السدس، فان اجتمعتما فيه فهو بينكما فأيكما خلت به فهو لها) وإن كات أم أبى الام لم ترث لانها تدلى بغير وارث، وان كانت أم أبى الاب ففيه قولان. (أحدهما) أنها ترث هو الصحيح، لانها جدة تدلى بوارث فورثت كأم الام وأم الاب. (والثانى) أنها لا ترث لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم أبى الام، فإن اجتمعت جدتان متحاذيتان كأم الام وأم الاب فالسدس بينهما لما ذكرناه، فان كانت إحداهما أقرب نظرت، فان كانتا من جهة واحدة ورثت القربى دون البعدى لان البعدى تدلى بالقربى فلم ترث معها كالجد مع الاب وأم الام مع الام، وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان. (أحدهما) أن القربى تحجب البعدى، لانهما جدتان ترث كل واحدة منهما إذا انفردت فحجبت القربى منهما البعدى، كما لو كانت القربى من جهة الام. (والثانى) لا تحجبها وهو الصحيح، لان الاب لا يحجب الجدة من جهة الام، فلان لا تحجبها الجدة التى تدلى به أولى، وتخالف القربى من جهة الام، فان الام تحجب الجدة من قبل الاب فحجبتها أمها والاب لا يحجب الجدة من قبل الام فلم تحجبها أمه، فان اجتمعت جدتان إحداهما تدلى بولادتين بأن كانت أم أم أب، أو أم أم أم، والاخرى تدلى بولادة واحدة كأم أبى أب ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى العباس: أن السدس يقسم بين الجدتين على ثلاثة فتأخذ التى تدلى بولادة سهما وتأخذ التى تدلى بولادتين سهمين. (والثانى) وهو الصحيح أنهما سواء لانه شخص واحد فلا يأخذ فرضين. (الشرح) حديث قبيصة بن ذؤيب رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود

والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم. قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل، فان قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة، أفاده ابن عبد البر، وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة، وقد أعله ابن عبد الحق تبعا لابن حزم بالانقطاع، وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الاختلاف فيه على الزهري: يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه. وقد وردت أحاديث متصلة صحيحة تؤيد قصة قبيصة عند الطبراني والبيهقي والدارقطني وابن ماجه وأبى القاسم ابن منده، وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة عليه. أما الاحكام: فان الجدة أم الام أو ام الاب وارثة بما روى خارجة بن زيد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اعطى الجدة ام الام السدس. واجمعت الامة على توريث الجدة. إذا ثبت هذا: فان فرضها السدس، سواء كانت ام ام أو ام اب، وبه قال الصحابة كافه كما قررنا والفقهاء اجمع، وروى عن ابن عباس رواية شاذة انه قال ام الام ترث التلت لانها تدلى بالام فورثت ميراثها كالجد يرث ميراث الاب. ودليلنا ما ذكرناه من الخبرين، وبما رواه قبيصة بن ذؤيب في قصة الجدة المذكورة في الفصل. قال الشيخ ابو حامد والجدة التى اتت ابا بكر هي ام الام، والجدة التى اتت عمر هي ام الاب، ومعنى قول ابى بكر رضى الله عنه. مالك في كتاب الله شئ لان الكتاب محصور، وليس فيه ذكر الجدة، ولهذا قلنا ان اسم الام لا ينطلق على الجدة لانه قال. ما لك في الكتاب شئ، وفى الكتاب ذكر الام، ثم قال وما علمت لك في السنة شيئا فلم يقطع به، لان السنة لا تنحصر، ولكن اراد على مبلغ علمه ومعنى قول عمر لست بزائد في الفرائض أي لا ازيد في الفريضة لاجلك، وإنما هو ذلك السدس الذى قضى به، واما الاحتجاج بقول ابن عباس لما كانت تدلى بالام اخذت ميراثها يبطل بالاخ من الام، فانه يدلى بها، ولا يأخذ ميراثها. إذا ثبت هذا فان أول منازل

الجدات يجتمع فيه جدتان أم الام وأم الاب، فان عدمت إحداهما ووجدت الاخرى كان السدس للموجودة منهما، وإن اجتمعا كان السدس بينهما. قال الشيخ أبو حامد لما روى الحكم عن علي بن أبي طالب رض اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعطى الجدتين السدس، وروى القاسم بن محمد قال (أتت الجدتان أم الام وأم الاب أبا بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتى من قبل الام، فقال له رجل من الانصار أما أنك تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث فجعل السدس بينهما) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد عن القاسم ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة. قال الشيخ أبو حامد: وأصحابنا يحكون أن هذه القضيه كانت لعمر، وإنما هي قضية أبى بكر، ومعنى قول الانصاري تترك التى لو ماتت وهو حى كان إياها يرث لانه ابن ابنها، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزله الثانيه، اجتمع أربع جدات اثنتان من جهة الام، وهما أم أم الام، وأم أب الام، واثنتان من جهة الاب فأما أم أم الام، وأم أم ألاب فهما وارثتان بلا خلاف، وأما أم أب الام فانها غير وارثة، وهو قول الفقهاء كافة، إلا ما روى عن ابن سيرين أنه ورثها وهذا خطأ لانها تدلى (1) بمن ليس بوارث فلم تكن وارثة كابنة الخال، وأما الجدة أم أب الاب فهل ترثه، ففيه قولان. (أحدهما) لا ترث، وبه قال اهل الحجاز الزهري وربيعة ومالك لانها جدة تدلى بجد فلم ترث كأم اب الام، فعلى هذا لا يرث قط إلا جدتان. (والثانى) انها ترث، وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس، وهى احدى الروايتين عن زيد بن ثابت، وبه قال الحسن البصري وابن سيرين واهل الكوفة والثوري وابو حنيفة واصحابه وهو الصحيح، لانها جده تدلى بوارث فورثت كأم الام، ولان تعليل الصحابة رضى الله عنهم موجود فيها حيث قال لابي بكر في ام الاب ورثتها عمن لو ماتت لم يرثها ولم تورثها عمن لو ماتت ورثها فورثها ابو بكر رضى الله عنه لهذه العلة، وهى ام الاب فعلى هذا ترث في الدرجة الثانيه

_ (1) تدلى أي تتوصل وتمت وهو من إدلاء الدلو، وأدلى بحجته أثبتها.

ثلاث جدات، فإذا ارتفع الجدات إلى المنزلة الثالثة اجتمعن ثمانى جدات فيرث منهن أربع ولا ترث أربع، وانما كان كذلك لان الميت واحد فله في المنزلة الاولى جدتان، فإذا ارتفعن إلى الدرجة الثانية كان للميت أبوان، ولكل واحد منهما جدتان فيجتمع له في الدرجة الثالثة ثمانى جدات ثم في الرابعة ستة عشر جدة، وكلما ارتفع الميت درجة ازداد عدد الجدات ضعفا. وأما الوارثات منهن فيورث في الدرجة الاولى جدتان، وفى الثانية ثلاث، وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة. في الدرجة الاولى جدتان وفى الثانية ثلاث وفى الثالثة أربع، وفى الرابعة خمس إلى أن ترثه مائة جدة في الدرجة التاسعة والتسعين يزيد على عدد الدرجات بواحدة. وإذا اجتمع الجدات الوارثات وهن متحاذيات كان السدس بينهن لما ذكرناه في الحد بين أم الام وأم الاب. وإن اجتمع جدتان إحداهما أبعد من الاخرى نظرت. فان كانتا من جهة واحدة بأن كان هناك أم أم وأم أم أم كان السدس لام الام، لان البعدى تدلى هذه القربى. وكل من أدلى بغيره فانه لا يشاركه في فرضه كالجد مع الاب وابن الابن مع الابن. وعلى هذا جميع الاصول فان قيل: أليس الاخ للام يدلى بالام ومع ذلك فانه يرث معها. فالجواب أنه لا يرث أخاه بالادلاء إليه بالام، ولكن لاجل أنه ركض معه في رحم واحد وأنه وإن أدلى بها فقد احترزنا عنه بقولنا لا يشاركه في إرثه، وهو أن السدس إرث للقربى لو انفردت الجدة البعدى لشاركتها في ذلك السدس، وليس كذلك الاخ للام. وإن اجتمع أم أب وأم أب الاب فان السدس يكون لام أب الاب ويسقط أم أب الاب، وبه قال علي وزيد والفقهاء أجمع. وقال ابن مسعود في إحدى الروايتين عنه يشتركان في السدس، وهذا ليس بصحيح لانهما من جهة واحدة إذ أنهما يدليان بالاب، وإحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى كأم الام إذا اجتمعت مع أم أم الام، وان كانتا من جهتين إحداهما من جهة الام والاخرى من جهة الاب نظرت، فان كانت القربى من جهة الام والبعدى من

جهة الاب، فإن القربى تسقط البعدى وقال ابن مسعود لا تسقطها، وإنما يشتركان في السدس، دليلنا أن إحداهما أقرب من الاخرى فسقطت البعدى بالقربى، كما لو كانا من جهة واحدة وإن كانت القربى من جهة الاب والبعدى من جهة الام ففيه قولان: أحدهما أن البعدى منهما تسقط القربى. وبه قال علي بن أبى طالب، وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت لانهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما لكان لها السدس، فإذا اجتمعا وجب أن تسقط البعدى بالقربى، كما لو كانت القربى من جهة الام، والثانى لا تسقط البعدى بالقربى بل يشتركان في السدس، وهى الرواية الثانية عن زيد، رواه المدنيون عنه، وهو الصحيح، لان الاب لو اجتمع مع الام لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلان لا يسقط الجدة التى يدلى به من هو أبعد منها لان جهة الام أولى (فرع) وإن اجتمع جدتان متحاذيتان وإحداهما تدلى بقرابة والاخرى تدلى بقرابتين بأن تزوج رجل بابنة عمته فولد منها ولدا فإن جدة هذا الولد أم أبى أبيه وهى جدته أم أم أمه، وان اجتمع معها أم أم إلى هذا الولد ففيه وجهان، أحدهما وهو قول أبى العباس بن سريح وبه قال الحسن بن صالح ومحمد بن الحسن وزفر أن السدس يقسم بين هاتين الجدتين على ثلاثة. فتأخذ التى تدلى بولادتين بسهمين وتأخذ التى تدلى بولادة سهما لانها تدلى بنسب واحد. والثانى يقسم السدس بينهما نصفين. وبه قال أبو يوسف هو الصحيح لانها شخص واحد فلا تأخذ فرضين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأما البنت فلها النصف إذا انفردت لقوله تعالى: وان كانت واحدة فلها النصف. وللاثنتين فصاعدا الثلثان. لما روى جابر بن عبد الله قال (جاءت امرأة سعد بن الربيع إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد ولم يدع عمهما لهما مالا الا أخذه. فما ترى يا رسول الله. والله لا تنكحان الا ولهما مال، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الله

في ذلك. فنزلت إليه سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا لى المرأة وصاحبها. فقال لعمهما: أعطهما الثلثين. وأعط أمهما الثمن وما بقى فلك) فدلت الآية. وهو قوله تعالى (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) على فرض ما زاد على الاثنتين. ودلت السنة على فرض الثنتين. (فصل) وأما بنت الابن فلها النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعدا الثلثان لاجماع الامة على ذلك. ولبنت الابن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين. لها روى الهزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة رضى الله عنهما فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت فقالا: للبنت النصف وللاخت النصف. وأت عبد الله فانه سيتابعنا. فأتى عبد الله فقال: انى قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. لاقضين بينهما بما قضى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (للبنت النصف. ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللاخت) ولان بنت الابن ترث فرض البنات ولم يبق من فرض البنات الا السدس وهكذا لو ترك بنتا وعشر بنات ابن كان للبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين لما ذكرناه من المعنى. وان ترك بنتا وبنت ابن ابن أو بنات ابن ابن أسفل من البنت بدرج كان لهن السدس لانه بقية فرض البنات ولبنت ابن الابن أو بنات ابن الابن مع بنت الابن من السدس تكملة الثلثين ما لبنت الابن وبنات الابن مع بنت الصلب وعلى هذا أبدا (الشرح) حديث جابر مضى تخريجه، وأما حديث هذيل بن شرحبيل فقد رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وفى رواية البخاري فأتينا أبا موسى وفى رواية غيره (جاء رجل إلى أبى موسى وسلمان بن ربيعة) وهذه الواقعة كانت في عهد عثمان لان أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفه وسلمان قاضيا بها. وقد اختلف في صحبته أما الاحكام فان البنت لها النصف لقوله تعالى (وان كانت واحدة فلها النصف) وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان وبه قال الصحابة والفقهاء كافة، وروى عن ابن عباس

رواية شاذة أنه قال للابنتين النصف لقوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) دليلنا حديث جابر الذى ساقه المصنف الذى دل على أن للبنتين الثلثين، ولان الاية وردت على سبب وهو ابنتا سعد بن الربيع، فلا يجوز إخراج السبب عن حكم الاية. وأيضا فان الله تعالى فرض للابنة الواحدة النصف وفرض للاخت الواحدة النصف في آية أخرى وجعل حكمهما واحدا، ثم جعل للاختين الثلثين، ووجدنا أن البنات أقوى من الاخوات بدليل أن البنات لا يسقطن مع الاب ولا مع البنين والاخوات يسقطن مع الاب والبنتين، فإذا كان للاختين الثلثان فالابنتان بذلك أولى. والجواب عن قوله: فإن كن نساء فوق اثنتين فان قوله (فوق) صلة في الكلام لقوله تعالى (فاضربوا فوق الاعناق) وإن كان البنات أكثر من اثنتين فلهما الثلثان للآية. أما مسألة إبنة الابن فان لها النصف إذا انفردت ولابنتي الابن فصاعدا الثلثان، لان الامة أجمعت على أن ولد البنبن يقومون مقام الاولاد، ذكورهم كذكور الاولاد وإناثهم كاناثهم، فإذا اجتمع ابنة وابنه ابن كان للابنه النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين لما رواه هزيل بن شرحبيل في قصه سؤال أبى موسى وسلمان بن ربيعه ثم فتوى ابن مسعود. وقولهما: وأت عبد الله فانه سيتابعنا، جعل ابن مسعود يقول قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، يعنى إذا تابعنهما أو أفتيت بقولهما. ثم قال لاقضين فيهما بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقى للاخت. فأخبر أن هذا قضاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ بنات الابن يرثن فرض البنات، ولم يبق من فروض البنات إلا السدس فكان لابنة الابن. وان ترك ابنة وبنات ابن كان للابنة النصف ولبنات الابن السدس لانه هو الباقي عن فرض البنات، وهكذا لو ترك بنتا وبنت ابن ابن ابن بدرج أو بنات ابن ابن بدرج كان للابنة النصف ولمن بعدها من بنات الابن وان بعدت السدس إذا تحاذين وان كان بعضهن أعلى من بعض كان السدس لمن أعلا منهن.

وقال ابن مسعود: لبنات الابن الاقل من المقاسمة وهو السدس، فإن كان السدس قل كان لهن السدس والباقى لابن الابن، وإن كانت المقاسمة أقل من السدس فلهن المقاسمة، ودليلنا عليه ما ذكرناه في الاولة. (فرع) فإن خلف بنتا وابن ابن وبنت ابن ابن فللابنة النصف والباقى لابن الابن وسقط بنت ابن الابن لانه أقرب منها، وإن خلف بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن كان للبنتين الثلثان، والباقى بين بنت الابن وابن ابن الابن للذكر مثل حظ الانثيين، وقال بعض الناس: لابن ابن الابن وسقط بنت الابن. ودليلنا: أنا وجدنا أن بنت الابن لو كانت في درجة ابن الابن لم تسقط معه بل يعصبها، فلما لم يسقطها إذا كانت في درجته فلان لا يسقطها إذا كانت أعلا منه أولى، وإن خلف بننا وبنات ابن وابن ابن ابن كان للبنت النصف، ولبنات الابن السدس، تكملة الثلثين والباقى لابن ابن الابن، لان من فوقه من بنات الابن قد أخذت شيئا من فرض البنات فلا يجوز أن يرث بالتعصيب فكان الباقي له دونهن، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وأما الاخت للاب والام فلها النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان لقوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن إمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) وللثلاث فصاعدا ما للاثنتين لان كل فرض يغير بالعدد كان الثلاث فيه كالاثنتين كالبنات، وللاخت من الاب عند عدم الاخت من الاب والام النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدا الثلثان، لان ولد الاب مع ولد الاب والام كولد الابن مع ولد الصلب فكان ميراثهم كميراثهم (فصل) والاخوات من الاب والام مع البنات عصبة ومع بنات الابن والدليل عليه ما ذكرناه من حديث الهزيل بن شرحبيل. وروى إبراهيم عن الاسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل رضى الله عنه على

عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إمرأة تركت بنتها وأختها للبنت النصف، وللاخت النصف. وعن الاسود قال: كان ابن الزبير لا يعطى الاخت مع البنت شيئا فقلت: إن معاذا قضى فينا باليمن فأعطى البنت النصف والاخت النصف، قال: فأنت رسولي بذلك، فان لم تكن أخوات من الاب والام فالاخوات من الاب لانهن يرثن ما يرث الاخوات من الاب والام عند عدمهن (فصل) وأما ولد الام فللواحد السدس وللاثنين فصاعدا الثلث، والدليل عليه قوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد به ولد الام، والدليل عليه ما روى أن عبد الله وسعدا كانا يقرآن (وله أخ أو أخت من أم) وسوى بين الذكور والاناث للآية، ولانه ارث بالرحم المحض فاستوى فيه الذكر والانثى كميراث الابوين مع الابن. (فصل) وأما الاب فله السدس مع الابن وابن الابن، لقوله عز وجل (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ففرض له السدس مع الابن، وقيس عليه إذا كان مع ابن الابن، لان ابن الابن كالابن في الحجب والتعصيب، وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن لاجماع الامة. (فصل) ولا ترث بنت الابن مع الابن، ولا الجدة أم الاب مع الاب. لانها تدلى به، ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الابن مع الابن، والجد مع الاب، ولا ترث لجدة من الام مع الام، لانها تدلى بها، ولا الجدة من الاب لان الام في درجة الاب والجدة في درجة الجد، فلم ترث معها، كما لا يرث الجد مع الاب. (الشرح) حديث إبراهيم عن الاسود رواه أبو داود وكذا البخاري بمعناه أما مسألة الاخوات للاب والام فترتيبهن كترتيب البنات. فان خلف أختا واحدة فلها النصف فأن خلف أختين فصاعدا فلهن الثلثان لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها

نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ليس في الآية ذكر ثلاث أخوات فما زاد، ولكن قد ذكر في البنات إذا كن فوق اثنتين أن لهن الثلثين، ولم يذكر الثلاث في الاخوات اكتفاء بما ذكره في البنات، كما أنه لم يذكر ما للابنتين اكتفاء بما ذكره للاختين، لان حكم البنات والاخوات واحد وأيضا قد روى جابر قال: اشتكيت وعندي ثلاث أخوات فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني، فقلت يا رسول الله كيف أصنع بمالى وليس يرثنى الا الكلالة، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رجع فقال: قد أنزل في أخواتك وبين، فجعل لهن الثلثين، قال جابر فنزلت قوله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) فذكر أن الاية نزلت في أخواته وهن تسع على مافى الصحيح وانما وردت بإبنتين، فدل على أن المراد بالايه الابنتان وما زاد عليهما (فرع) وأما الاخوات للاب والام كبنات الابن مع البنات لانهن قد تساوين في الاخوة، لان الاخوات للاب والام فضلن في الادلاء بالام فكن كالبنات فضلن على بنات الابن إذا ثبت هذا فان لم يكن هناك أحد من الاخوة للاب والام وهناك أخت واحدة لاب فلها النصف، وان كانتا أختين فصاعدا فلهما الثلثان. وان كان هناك أخت لاب وأم وأخت لاب كان للاخت للاب والام النصف والاخت للاب السدس قياسا على ابنة الابن مع ابنة الصلب. وان كان هناك أخت لاب وأم وأخ وأخت كان للاخت للاب والام النصف وللاخ والاخت للاب الباقي للذكر مثل حظ الانثيين، وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب كان للاختين للاب والام الثلثان ولا شئ للاخت للاب لانه لا يجوز أن يأخذ للاخوات الفرض أكثر من الثلثين. وأن خلف أختين لاب وأم وأخا وأخوات لاب فللاختين للاب والام الثلثان وما بقى للاخ والاخوات للاب، للذكر مثل حظ الانثيين، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن مسعود فإنه قال: لهن الاقل من المقاسمة أو سدس المال وقد مضى الدليل على ذلك في بنات الابن

وان خلف أختين لاب وأم وأختا لاب وابن أخ لاب، وأم أم لاب فللاختين للاب والام الثلثان والباقى لابن الاخ، ولا يعصب الاخت للاب. والفرق بينه وبين ابن الابن حيث عصب عمته أن ابن الابن يعصب أخته فعصب عمته وابن الاخ لا يعصب أخته فلم يعصب عمته (فرع) وان خلف ابنة وأختا لاب وأم أو لاب أو ابنة ابن وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة أو لابنة الابن النصف وما بقى للاخت. وهكذا ان خلف ابنتين وأختا لاب وأم أو لاب كان للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى. وكذلك ان كان في هذه المسائل مع الاخت ابن أخ أو عم، فإن ما بقى عن فرض البنات للاخت دون ابن الاخ والعم، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء الا ابن عباس فانه لم يجعل للاخت مع البنت مع ابنة الابن شيئا، بل جعل ذلك لابن الاخ أو للعم لقوله تعالى (قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فورث الاخ شرط أن لا يكون للميت ولد، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر دليلنا ما ذكرناه من حديث هذيل بن شرحبيل، قال ابن مسعود لاقضين فيها بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للابنة النصف ولابنة الابن السدس وللاخت ما بقى. وأما الجواب عن قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فان الاية تدل على أنه لا فرض لها إذا كان للميت ولد، ونحن نقول كذلك لان هذا النصف الذى يأخذه مع عدم الولد يأخذه بالفرض وهذا الذى يأخذه مع وجود الولد يأخذه بالتعصيب بدليل ما ذكرناه من الخبر. فأما قوله صلى الله عليه وسلم: ما أبقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر، فيحتمل إذا لم يكن هناك أخوات، بدليل ما ذكرناه من خبر ابن مسعود، ولان للاخت تعصيبا ولابن الاخ تعصيبا، وتعصيب الاخت أولى لانها أقرب من ابن الاخ والعم وابن العم.

وأما مسألة ولد الام فللواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى وللاثنين فما زاد منهم الثلث، ويستوى فيه بين الذكر والانثى لقوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، وهذه الاية نزلت في الاخوة والاخوات للام، بدليل ما روى أن سعد بن أبى وقاص وابن مسعود كانا يقرآنها (وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس) والقراءة الشاذة تحل محل الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أو التفسير، فيجب العمل به، ولان إرث الاخوة للام إرث بالرحم المحض ولا تعصيب لهم فاستوى ذكرهم وأنثاهم كالابوين مع الابن وأما مسألة الاب فله ثلاث حالات: حالة يرث بالفرض لا غير، وحاله يرث فيها بالتعصيب لا غير. وحاله يرث فيها بالفرض والتعصيب فأما الحاله التى يرث فيها بالفرض لا غير فهو إذا كان مع الابن أو ابن الابن فإن فرض الاب السدس لقوله تعالى (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) والمراد بالولد هنا الذكر. وأما الحالة التى يرث فيها بالتعصيب لا غير فتنقسم قسمين: أحدهما ينفرد بجميع المال وهو إذا لم يكن معه من له فرض غير الابنة، مثل ان كان معه أم أو أم أم أو زوج أو زوجة فإنه يأخذ ما بقى عن فرض هؤلاء بالتعصيب لقوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث) فأضاف المال إلى الابوين ثم قطع للام منه الثلث ولم يذكر حكم الباقي، فدل على أن جميعه للاب وأما الحالة الثالثة التى يرث فيها بالفرض والتعصيب فهو إذا كان أب وإبنة أو إبنة ابن فإن للاب السدس بالفرض وللابنة أو لابنه الابن النصف والباقى للاب بالتعصيب. وقيل ان رجل سأل الشعبى عن رجل مات وخلف بنتا وأبا فقال له: للابنة النصف والباقى للاب، فقال أصبت المعنى وأخطأت العبارة. قل للاب السدس وللابنة النصف والباقى للاب. وهكذا لو خلف ابنتين وأبا، أو إبنة ابن وأبا، فللاب السدس وللابنتين الثلثان والباقى للاب.

(فرع) وأما الجد ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن لاجماع الامة على ذلك. وإن مات رجل وخلف جدا أو ابنة ابن قال المسعودي فمن أصحابنا من قال للجد السدس بالفرض وللابنة أو ابنة الابن النصف والباقى للجد بالتعصيب كما قلنا في ابنة وأب. ومنهم من قال يجوز أن يقال للابنة النصف والباقى للجد. وأما مسألة الجدة فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يرث مع الاب أبواه ولا مع الام جده. وجملة ذلك أن الام تحجب الجدات من جهتها ومن جهة الاب، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم، فشرط في إرث الجدة إذا لم يكن هناك أم. فدل على أنه إذا كان هناك أم انه لا شئ للجدة. ولان أم لام تدلى بالام. ومن ادلى بشخص لم يشاركه في الميراث كابن الابن مع الابن. وأم أم الاب فإنه لا يرث معه أبواه، لان الجد يدلى بالاب، ومن أدلى بعصبة لم يشاركه في الميراث كابن الابن لا يشاركه الابن، وكذلك لا يرث مع الاب أحد من أجداده لما ذكرناه في الجد. ولا يحجب الاب ام الام لانها تدلى بالام، والاب لا يحجب الام فلم يحجب أمها كما لا يحجب الاب ابن الابن، وكذلك أم الام ترث مع الجد لان الاب إذا لم يحجبها فلان لا يحجبها الجد أولى. وكذلك الجد لا يحجب أم الاب لانها تساويه في الدرجة والادلاء إلى الميت قال أصحابنا وجميع هذه المسائل في الحجب لا خلاف فيها، وأما الاب فهل يحجب أم نفسه؟ اختلف اصحابنا فيه، فذهب الشافعي إلى انه لا يحجبها، وبه قال من الصحابة عثمان وعلي وزيد بن ثابت. ومن التابعين شريح. ومن الفقهاء الاوزاعي والليث ومالك وابو حنيفة وأصحابه. وذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابو موسى وعمران بن الحصين إلى أنه لا يحجبها بل ترث معه من ولده، وبه قال احمد وإسحاق وابن جرير الطبري لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث امرأة من ثقيف مع ابنها، دليلنا انها تدلى بولدها فلم يشاركه في الميراث كأم الام لا ترث مع الام

وأما الخبر في الجدة التى ورثت مع ابنها فيجوز أن يكون لها ابنان فمات أحدهما وخلف ابنا ثم مات ابن ابنها وخلف عمه وجدته أو يجوز أن يكون الابن كافرا أو قاتلا أو مملوكا، إذا ثبت هذا ومات رجل وخلف أباه وأم أمه وأم أبيه فإن البغداديين من أصحابنا قالوا: لام الام السدس والباقى للاب. قال المسعودي فيه وجهان. أحدهما هذا، والثانى أن الجدة أم الاب تحجب أم الام عن نصف السدس ويأخذه الاب مع باقى المال، ووجهه أنهما لو اجتمعتا لشاركتها في نصف السدس واستحقته، فإذا كان هناك الاب استحق ما كانت تستحقه لانها تدلى به، والاول هو المشهور، ولا ترث ابنة الابن مع الابن لما ذكرناه في أم الاب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا يرث ولد الام مع أربعة مع الولد وولد الابن والاب والجد لقوله عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فورثهم في الكلاله، والكلاله من سوى الوالد والولد، والدليل عليه ما روى جابر رضى الله عنه قال (جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب من وضوئه على فعقلت، فقلت يا رسول الله لمن الميراث وانما يرثنى كلالة، قال فنزلت آية الفرض) وروى أنه قال كيف أصنع في مالى ولى أخوات، فنزلت آية المواريث: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، والكلالة هو من ليس له ولد ولا والد، وله اخوة، ولان الكلاله مشتق من الاكليل وهو الذى يحتاط بالرأس من الجوانب، والذين يحيطون بالميت من الجوانب الاخوة، فأما الوالد والولد فليسا من الجوانب، بل أحدهما من أعلاه والاخر من أسفله، ولهذا قال الشاعر يمدح بنى أمية: ورثتم قناة الملك لا عن كلالة * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم (فصل) ولا يرث ولد الاب والام مع ثلاثة، مع الابن وابن الابن والاب، والدليل عليه قوله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة

إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فورثهم في الكلالة، وقد بينا ان الكلالة أن لا تكون والدا ولا ولدا. (فصل) وإذا استكمل البنات الثلثين ولم يكن مع من دونهن من بنات الابن ذكر لم يرثن. لما روى الاعمش عن إبراهيم قال: قال زيد رضى الله عنه إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شئ إلا أن يلحق بهن ذكر، فيرد عليهن بقية المال، إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الانثيين، وان كن أسفل منه فليس لهن شئ، وبقية المال له دونهن، ولانا لو ورثنا من دونهن من بنات الابن فرضا مستأنفا لم يجز لانه ليس للبنات بالبنوة أكثر من الثلثين، وان شركنا بينهن وبين بنات الابن لم يجز، لانهن أنزل منهن بدرجة فلا يجوز أن يشاركنهن، وان استكمل الاخوات للاب والام الثلثين ولم يكن مع الاخوات للاب ذكر يعصبهن لم يرثن لما ذكرناه من المعنى في البنات وبنات الابن. (فصل) ومن لا يرث ممن ذكرناه من ذوى الارحام أو كان عبدا أو قاتلا أو كافرا لم يحجب غيره من الميراث، لانه ليس بوارث فلم يحجب كالأجنبي. (الشرح) حديث جابر أخرجه أحمد قال ثنا سفيان أنبأنا ابن المنكدر أنه سمع جابرا يقول: مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر ماشيين، وقد أغمى على فلم أكلمه، فتوضأ فصبه على فأفقت وقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالى ولى أخوات؟ قال: فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، كان ليس له ولد وله أخوات) . وفى رواية الصحيحين عن جابر رضى الله عنه قَالَ (عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر في بنى سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل زاد في رواية الكشميهنى: شيئا) وقد ترجم البخاري له في صحيحه: باب عيادة المغمى عليه وفى باب الاعتصام من صحيح البخاري بأنه صب عليه نفس الماء الذى توضأ به، وفى باب عبادة المريض: فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صب وضوءه على وفى لفظ عند أبى داود: فنفخ في وجهى فأفقت، وفى الصحيحين من رواية رافع

ابن خديج: فنزلت: يوصيكم الله في أولادكم. فقد قيل: انه وهم وأن الصواب أن الآية التى نزلت في قصة جابر هي الآية الاخيرة من سورة النساء وهى: يستفتونك. قال شعبة: قلت لمحمد بن المنكدر: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة؟ قال: هكذا أنزلت. أما الاحكام: فإن الاخوة والاخوات للام فيسقطون عن الارث مع أحد أربعة، مع الاب أو الجد الوارث أو مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر أو مع ولد البنين، سواء كان ولد الابن ذكرا أو أنثى، واحدا كان أو أكثر، والدليل عليه قوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) فورثهم بالكلالة، والكلالة هو من لا ولد له ولا والد. والدليل عليه الكتاب والسنه والاجماع واللغة. فالكتاب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد، فنص على أن الكلالة من لا ولد له، والاستدلال من الآية أن الكلاله أيضا من لا والد له لقوله تعالى (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) فورث الاخت نصف مال الاخ وورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد ولا والد. وأما السنة: فرواية جابر كيف أصنع بمالى؟ انما ترثني كلاله، ولم يكن له ولد ولا والد، فأقره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ. وأما الاجماع فروى عن أبى بكر وعلى وابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم أنهم قالوا الكلاله من لا ولد له ولا والد، ولا مخالف لهم. وأما اللغه، فإن الكلاله مأخوذة من الاكليل، والاكليل انما يحيط بالرأس من الجوانب، ولا يتعلق عليه ولا ينزل عنه، والاب يعلو الميت، وولده ينزل عنه، كذلك الكلاله له يحيط بالميت من الجوانب ولا تعلو عليه ولا تنزل عنه، ولهذا قال الشاعر الاموى يمدحهم: ورثتم قناة الملك لا عن كلاله * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم أي لم ترثوا الملك عمن هو مثلكم، وانما ورثتموه عمن هو أعلى منكم،

عن عثمان بن عفان جدكم وعثمان ورثه عن جده عبد شمس وعبد شمس ورثه عن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن بطال: لان بنى أمية ورثوا الخلافة عن عثمان رضى الله عنه وأبوه من بنى عبد شمس وأم أمه من بنى هاشم، وهى البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم فجدته لامه عمة النبي صلى الله عليه وسلم أما مسألة الاخوة والاخوات للاب والام فإنهم لا يرثون مع أحد ثلاثة، مع الاب أو مع الابن أو ابن الابن لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك) الايه. فورث للاخت من أخيها بالكلالة، وقد دللنا على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ثم دل الدليل على أنهم يرثون مع البنات وبنات الابن ومع الجد، وبقى الاب والابن وابن الابن على ظاهر الآية، ولا ترث الاخوة والاخوات للاب مع مع أحد أربعة: الاب والابن وابن الابن لما ذكرناه، ولا مع الاخت للاب والام لانها أقرب منهم أما مسألة الحجب فإنه حجبان: حجب إسقاط وحجب نقصان. فأما حجب الاسقاط فمثل حجب الابن للاخوة والاخوات وبنيهم. والاعمام وبنيهم. ومثل حجب الاخوة لبنى الاخوة والاعمام وبنيهم، ومثل حجب الاب للاخوة. وأما حجب النقصان فمثل حجب الولد للزوج من النصف إلى الربع، وحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ومثل حجب الام من الثلث إلى السدس. إذا ثبت هذا فإن جميع من ذكرنا ممن لا يرث من ذوى الارحام والكفار والمملوكين والقاتلين ومن عمى موته فإنه لا يحجب غيره. وبه قال الصحابة والفقهاء كافة إلا ابن مسعود فإنه قال. يحجبون حجب النقصان. ووافق أنهم لا يحجبون حجب الاسقاط. ودليلنا أن كل من لا يحجب حجب الاسقاط لم يحجب حجب النقصان كابن البنت، ولانه ليس بوارث فلم يحجب غيره كالأجنبي، فإن قيل الاخوان لا يرثان مع الاب ويحجبان الام فالجواب أنهما وارثان، وإنما أسقطهما من هو أقرب منهما، وهؤلاء ليسوا بورثة في الجملة (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وبنو الاخوة لا يحجبون الام عن الثلث

ولا يرثون مع الجد، وهذا صحيح. بنو الاخوة لا يحجبون الام من الثلث إلى السدس، سواء كان بنى إخوة لاب وأم أو لاب لقوله تعالى (وورثه أبواه) أليس لما حجبها الاولاد حجبها أولاد الاولاد، هلا قلتم لما حجبها الاخوة حجبها اولادهم؟ قلنا: الفرق بينهما أن حجب الاولاد أقوى من حجب الاخوة، بدليل أن الواحد من الاولاد حجب الام، فمن حيث هو أقوى تعدى حجبه ذلك إلى ولده، وحجب الاخوة أضعف لانه لا يحجبها إلا إثنان منهم عندنا. وعند ابن عباس لا يحجبها إلا ثلاثة. فمن حيث ضعف حجبهم لم يتعد حجبهم إلى أولادهم، ولان كل من حجبه الولد حجبه ولد الابن، لان الولد يحجب الاخوة فحجبهم ولده، والولد يحجب الاب فحجبه ولده، وليس كذلك ولد الاخوة فانهم لا يحجبون من يحجب أبوهم، ألا ترى أن الاخ للاب والام يحجب الاخ للاب ومعلوم أن ابن الاخ للاب والام لا يحجب الاخ للاب، بل الاخ للاب يسقط ابن الاخ للاب والام ولا يرث بنو الاخوة من الجد لان الجد أقرب منهم فأسقطهم. والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اجتمع أصحاب فروض ولم يحجب بعضهم بعضا فرض لكل واحد منهم فرضه فإن زادت سهامهم على سهام المال أعيلت بالسهم الزائد ودخل النقص على كل واحد منهم بقدر فرضه، فإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختين من الام وأختين من الاب والام فللزوج النصف وللام السدس وللاختين من الام الثلث وللاختين من الاب والام الثلثان، وأصل الفريضة من ستة وتعول إلى عشرة، وهو أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها وتسمى أم الفروخ لكثرة السهام العائلة، وتسمى الشريحية لانها حدثت في أيام شريح وقضى فيها. وإن مات رجل وخلف ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات من الام وثماني أخوات من الاب والام، فللزوجات الربع وللجدتين السدس وللاخوات من الام الثلث وللاخوات من الاب والام الثلثان، وأصلها من إثنى عشر وتعول

إلى سبعة عشر وهو أكثر ما يعول إليه هذا الاصل وتسمى أم الارامل، وإن مات رجل وخلف زوجة وأبوين وابنتين فللزوجة الثمن وللابوين السدسان وللابنتين الثلثان وأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية، لانه روى أن عليا كرم الله وجهه سئل عن ذلك وهو على المنبر فقال صار ثمنها تسعا. وإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختا من أب وأم فللزوج النصف وللاخت النصف وللام الثلث، وأصلها من ستة وتعول إلى ثمانيه وهى أول مسألة أعيلت في خلافة عمر رضى الله عنه وتعرف بالمباهلة، فإن ابن عباس رضى الله عنه أنكر العول وقال هذان النصفان ذهبا بالمال فأبن موضع الثلث فقيل له والله لئن مت أو متنا فيقسم ميراثنا إلا على ما عليه القوم، قال فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) والدليل على إثبات العول أنها حقوق مقدرة متفقة في الوجوب، ضاقت التركة عن جميعها فقسمت التركة على قدرها كالديون (الشرح) إذا اجتمع أصحاب الفروض وضاقت سهام المال عن أنصبتهم، أعليت الفريضة التى زيد في حسابها ليدخل النقص على كل واحد منهم بقدر حقه. والعول هو الرفع. قال الفيومى في المصباح: عالت الفريضة عولا ارتفع حسابها وزادت سهامها فنقصت الانصباء، فالعول نقيص الرد، ويتعدى بالالف في الاكثر، وبنفسه في لغة، فيقال أعال زيد الفريضة وعالها، وعال الرجل عولا جار وظلم. وقوله تعالى: ذلك أدنى ألا تعولوا. قيل معناه ألا يكثر من تعولون. وقال مجاهد: لا تميلوا ولا؟ وروا. وقال العمرانى في البيان: وانما سمى عولا للرفع في الحساب إلى الزيادة فيه. إذا ثبت هذا فأصول حساب الفرائض سبعه: الاثنان، والثلاثة، والاربعه، والسته، والثمانية، والاثنا عشر، والاربعة وعشرون. فأربعة من هذه الاصول لا يعول قط، وهى الاثنان والثلاثة والاربعة والثمانيه، وثلاثه من

هذه الاصول يعول، وهى الستة والاثنا عشر والاربعة وعشرون فأما أصل الستة فإنه يعول إلى سبعه وثمانية وسبعه وعشرة. فأما التى تعول إلى سبعه فهى إذا ماتت امرأة وخلفت زوجا وأختين لاب وأم، فللزوج النصف ثلاثه وللاختين الثلثان أربعه فذلك سبعه. أو مات رجل وخلف أختين لاب وأم وأختين لام وأما أو جدة فللاختين للاب والام الثلثان أربعه وللاختين للام الثلث سهمان وللام أو الجدة سهم وهو السدس فذلك سبعه، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة. وأما التى تعول إلى ثمانيه، فمثل أن يكون هناك أختان لاب وأم وأخ لام وزوج فللاختين للاب والام الثلثان أربعه والاخ للام السدس سهم وللزوج النصف ثلاثه. وكذلك إذا خلفت زوجا وأختا لاب وأم أو لاب وأما فللزوج النصف ثلاثه وللاخت النصف ثلاثه وللام الثلث سهمان وتعرف هذه المسألة بالمباهلة، فإنها حدثت في أيام عمر رضى الله عنه، فقضى فيها عمر كذلك فأنكره ابن عباس وقال: من شاء باهلته فيها، والبهلة اللعنه. وأما التى تعول إلى تسعه فمثل ان تموت امرأة وتخلف اختين لاب وأم وزوجا فللاختين الثلثان اربعه وللاخوين للام الثلث وللزوج النصف. وأما التى تعول إلى عشرة، فمثل ان تموت امرأة وتخلف زوجا واختين لاب وام واخوين لام واما أو جدة فللزوج النصف ثلاثه وللاخوين للاب والام الثلثان اربعه. وللاخوين للام الثلث سهمان وللام أو للجدة سهم فذلك عشرة. وهى أكثر ما تعول إليه الفرائض لانها عالت بثلثيها. وتسمى ام الفروخ لكثرة ما فرخت وعالت به من السهام، وتسمى الشريحيه لانها حدثت في زمان شريح فقضى بها كذلك وكان الزوج يقول: جعل لى شريح النصف لما كان وقت القسمه لم يعط النصف ولا الثلث. وقال شريح: اراك رجلا جائرا تذكر الفتوى ولا تذكر القصه.

وإذا عالت الفريضة إلى ثمانية أو تسعة أو عشرة فلا يحتمل أن يكون ذكرا وأما اصل الاثنى عشر فإنها تعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر، فأما التى تعول إلى ثلاثة عشر فمثل أن يموت رجل ويخلف زوجة وأختين لاب وأم وأما أو جدة فللاختين الثلثان ثمانية وللزوجة الربع ثلاثة وللام أو الجدة السدس سهمان فيتصور في التى تعول إلى ثلاثة عشر أن يكون الميت رجلا أو إمرأة، وأما التى تعول إلى خمسة عشر فمثل أن يكون هناك زوجة وأختان لاب وأم وأخوان لام فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة. أو تموت امرأة فتخلف زوجا وابنتين وأبوين فللزوج الربع ثلاثة وللابنتين الثلثان ثمانية وللابوين السدسان أربعة، فنتصور أن يكون الميت فيها رجلا أو امرأة. وأما التى تعول إلى سبعة عشر كأن يكون هناك زوجة وأختان لاب وأم وأخوان لام وأم أو جدة، فللزوجة الربع ثلاثة وللاختين للاب والام الثلثان ثمانية وللاخوين للام الثلث أربعة، وللام أو الجدة السدس سهمان فذلك سبعة عشر، وهذا أكثر ما يعول إليه هذا الاصل، وتسمى أم الارامل لانه لا يتصور أن يكون الميت فيها الا رجلا. وأما أصل أربعة وعشرين فإنه يعول إلى سبعة وعشرين لا غير، وهو أن يكون هناك زوجة وابنتان وأبوان، فللزوجة الثمن ثلاثة وللابنتين الثلثان ستة عشر وللابوين السدسان ثمانية، ولا يتصور أن يكون الميت معها الا رجلا وتسمى المنبرية، لان عليا رضى الله عنه سئل عنها وهو على المنبر فقال: عاد ثمنها تسعا. إذا ثبت هذا: فقد قال بالعول الصحابة كافه وذلك أنه حدث في أيام عمر رضى الله عنه أن امرأة ماتت وخلفت زوجا وأختا لاب وأم وأما فاستشار الصحابة فيها فأشار العباس عليه بالعول فقالوا: صدقت، وكان ابن عباس يومئذ صبيا فلما بلغ أنكر العول وقال: من شاء باهلته، وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: التقيت أنا وزفر بن أوس الطائى فذهبنا إلى ابن عباس وتحدثنا معه فقال

ان الذى أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فالنصفان ذهبا بالمال، فأين الثلث، فقال له زفر من أول من أعال المسائل، فقال عمر فقال ابن عباس: وايم الله لو قدموا من قدم الله وأخروا من أخره الله، ما عالت فريضه قط، فقال له زفر: من المقدم ومن المؤخر، فقال: من أهبط من فرض إلى فرض فهو المقدم، ومن أهبط من فرض إلى ما بقى فهو المؤخر، فقال زفر: هلا اشرت عليه، فقال: هبته، وكان امرءا مهيبا، فكان ابن عباس يدخل النقص على البنات والاخوات ويقدم الزوج والزوجه والام، لانهم يستحقون الفرض بكل حال، والبنات والاخوات تارة يفرض لهن وتارة لا يفرض لهن، فيقول في زوجة، وابنتين وابوين: للزوجة الثمن وللابوين السدسان ثمانيه وللابنتين ما بقى هو ثلاثه عشر. ودليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اقسموا الفرائض على كتاب الله عزوجل، ووجدنا ان الله فرض لكل واحد ممن ذكرنا من البنات والاخوات فرضا فوجب ان يقسم ذلك لهن، ولان الاخوات اقوى حالا من الام، والبنات اقوى حالا من الزوج والزوجه بدليل ان البنات يحجبن الزوج والزوجة، من النصف والربع إلى الربع والثمن، والزوجان لا يحجبانهن، والاخوات يحجبن الام والام لا تحجبهن، فكيف يجوز تقديم الضعيف على من هو أقوى منه، ولانه لا خلاف ان رجلا لو اوصى لرجل بثلث ماله ولم يجز الورثة يقسم الثلث بينهما، وإذا ضاق مال المفلس عن ديونه قسم بينهم على قدر ديونهم، فوجب إذا ضاقت التركة عن سهام التركة ان يجعل لكل واحد منهم على قدر سهمه حسب قانون النسبه ويضرب به، ولانه إذا كان هناك زوج واختان لام وأم فلا بد ان ينتقض فيها بعض اصول ابن عباس، لانه قال للزوج النصف وللام السدس وللاختين الثلث نقض اصله في ان الاختين تحجبان الام من الثلث إلى السدس، وان قال: للزوج النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث نقض اصله لانه ادخل النقص على من له فرض مقدر لا ينقص عنه، وان قال: للزوج النصف وللام الثلث وللاختين للام الثلث اعال الفريضة فنقض اصله في العول، والله تعالى اعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اجتمع في شخص جهتا فرض، كالمجوسي إذا تزوج ابنته فأتت منه ببنت، فإن الزوجة صارت أم البنت وأختها من الاب، والبنت بنت الزوجة وأختها، فإن ماتت البنت ورثتها الزوجة بأقوى القرابتين وهى بكونها أما، ولا ترث بكونا أختا، لانها شخص واحد اجتمع فيه شيئآن يورث بكل واحد منهما الفرض فورث بأقواهما ولم ترث بهما، كالاخت من الاب والام وإن ماتت الزوجة ورثتها البنت النصف بكونها بنتا، وهل ترث الباقي بكونها أختا، فيه وجهان. (أحدهما) لا ترث، لما ذكرناه من العلة. (والثانى) ترث، لان إرثها بكونها بنتا بالفرض إرثها بكونها أختا بالتعصيب لان الاخت مع البنت عصبة، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم وهو ابن عم. (الشرح) كان في بعض الشعوب القديمة إباحة التزوج بالابنة والاخت كالمصريين فقد كان فراعيينهم يتزوجون بأخواتهم كزواج توت عنخ آمون من شقيقته نفرتيتى، وكذلك فعل رعمسيس وغيره من هؤلاء، وكذلك المجوس في فارس وخراسان والهند، وقد شبب المتنبي في شعره وتغزل في اخته فقال لا سامحه الله: يا أخت معتنق الفوارس في الوغى * لاخوك ثم ارق منك وارحم يرنو اليك مع العفاف وعنده * ان المجوس تصيب فيما تحكم اما الاحكام: فإنه إذا ادلى شخص بنسبين أو سببين إلى مورثه فإنه يورث بكل واحد منهما فرضا مقدرا مثل ان يتزوج المجوسى ابنته فأولدها بنتا فلا خلاف انهما لا يورثان بالزوجية، واما القرابة فإنهما قد صارتا اختين لاب واحداهما ام الاخرى، فإن مات الاب كان لابنته الثلثان وما بقى لعصبته، فإن ماتت السفلى ورثتها الاخرى بأقوى القرابتين، وهى كونها اما، وهكذا لو وطئ مسلم ابنته بشبهة فأتت ببنت فإنها بنتها واختها لاب، فان ماتت البنت السفلى ورثتها امها

باب ميراث العصبة

بكونها أما لا بكونها أختا، وبه قال زيد بن ثابت ومن الفقهاء مالك. وذهب علي وابن مسعود وابن ابى ليلى وابو حنيفة وأصحابه إلى أنها ترث بالقرابتين. دليلنا أنهما قرابتان يورث بكل واحدة منهما فرض مقدر فوجب ان لا يرث بهما معا، كالاخت للاب والام لا ترث بكونها أختا لاب وأختا لام، وإن ماتت الام ورثتها بكونها بنتا النصف. وهل ترث الباقي بكونها أختا؟ فيه وجهان (أحدهما) لا ترث للعلة الاولى (والثانى) وهو قول أبى حنيفة أنها ترث بكونها بنتا النصف بالفرض، وترث بكونها أختا الباقي بالتعصيب، فجاز أن ترث بهما كأخ من أم هو ابن عم. وإن اتت منه بإبن وابنة ثم مات الاب كان ماله لابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين. وإن ماتت بعد ذلك البنت التى هو زوجة كان مالها لابنتها وابنها ولا يرثان بالاخوة. وإن مات الابن وخلف أما وهى أخت لاب وأختا لاب وأم فعندنا للام الثلث ولا شئ لها بكونها أختا لاب وللاخت للاب والام النصف والباقى للعصبة وعند ابى حنيفة للاخت للاب والام النصف، وللام بكونها أما السدس، ولها بكونها أختا لاب السدس فوافقنا في الجواب وخالفنا في المعنى، والله اعلم قال المصنف رحمه الله: باب ميراث العصبة العصبة كل ذكر ليس بينه وبين الميت انثى وهم الاب والابن ومن يدلى بهما وأولى العصبات الابن والاب لانهما يدليان بأنفسهما، وغيرهما يدلى بهما، فإن اجتمعا قدم الابن لان الله عز وجل بدأ به فقال (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والعرب تبدأ بالاهم فالاهم، ولان الاب إذا اجتمع مع الابن فرض له السدس وجعل الباقي للابن ولان الابن يعصب اخته والاب لا يعصب اخته، ثم ابن الابن وان سفل لانه يقوم مقام الابن في الارث والتعصيب، ثم الاب لان سائر العصبات يدلون به، ثم الجد ان لم يكن اخ لانه أب الاب ثم ابو الجد وان علا، وان لم يكن جد فالاخ لانه ابن الاب ثم ابن الاخ وان سفل

ثم العم لانه ابن الجد ثم ابن العم وإن سفل ثم عم الاب لانه ابن ابى الجد ثم ابنه وإن سفل، وعلى هذا أبدا. (فصل) وإن انفرد الواحد منهم أخذ جيمع المال، والدليل عليه قوله عز وجل: ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) فورث الاخ جميع مال الاخت إذا لم يكن لها ولد، وإن اجتمع مع ذى فرض أخد ما بقى، لما رويناه من حَدِيثُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ورث أخا سعد بن الربيع ما بقى من فرض البنات والزوجة، فدل على أن هذا حكم العصبة. (فصل) وان اجتمع إثنان قدم أقربهما في الدرجة لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لاولى عصبة ذكر. وإن اجتمع إثنان في الدرجة وأحدهما يدلى بالاب والام والآخر يدلى بالاب قدم من يدلى بالاب والام، لانه أقرب، وإن استويا في الدرجة والادلاء استويا في الميراث لتساويهما (فصل) ولا يعصب أحد منهم أنثى إلا الابن وابن الابن والاخ فإنهم يعصبون أخواتهم. فأما الابن فإنه يعصب اخواته للذكر مثل حظ الانثيين، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وأما ابن الابن فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء كان لهن شئ من فرائض البنات أو لم يكن. وقال أبو ثور: إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن ولا شئ لبنات الابن، لان البنات لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فلو عصبنا بنت الابن بابن الابن بعد استكمال البنات الثلثين صار ما تأخذه بالتعصيب زيادة على الثلثين وهذا خطأ لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) والولد يطلق على الاولاد وأولاد الاولاد والدليل عليه قوله تعالى (يا بنى آدم) وقوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يا بنى اسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا ولانه يقال لمن ينتسب إلى تميم وطئ بنو تميم وبنو طئ.

وقوله: انهن لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين، فإنما يمتنع ذلك من جهة الفرض، فأما في التعصيب فلا يمتنع، كما لو ترك إبنا وعشر بنات فإن للابن السدس وللبنات خمسة أسداس وهو أكثر من الثلثين وأما. ابن ابن الابن وإن سفل فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه، سواء بقى لهن من فرض البنات شئ أو لم يبق كما يعصب ابن الابن من يحاذيه. وأما من فوقه من العمات فينظر فيه فان كان لهن من فرض البنات من الثلثين أو السدس شئ أخذ الباقي ولم يعصبهن لانهن يرثن بالفرض، ومن ورث بالفرض بقرابة لم يرث بالتعصيب بتلك القرابة، وان لم يكن لهن من فرض البنات شئ عصبهن، لما روى عن زيد ابن ثابت رضى الله عنه أنه قال: إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شئ إلا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المال إذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الانثيين، وإن كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن ولانه لا يجوز أن يرث بالبنوة مع البعد، ولا يرث عماته مع القرب، ولا يعصب من هو أنزل منه من بنات أخيه، بل يكون الباقي له لما ذكرناه من قول زيد بن ثابت، فان كن أسفل منه فليس لهن شئ وبقية المال له دونهن، ولانه عصبة فلا يرث معه من هو دونه كالابن مع بنت الابن. وأما الاخ فانه يعصب أخواته، لقوله تعالى (وان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين. (فصل) ولا يشارك أحد من العصبات أهل الفروض في فروضهم الا ولد الاب والام فانهم يشاركون ولد الام في ثلثهم في المشتركة، وهى زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الام وولد الاب والام، واحدا كان أو أكثر، فيفرض للزوج النصف وللام أو الجدة السدس ولولد الام الثلث يشاركهم ولد الاب والام في الثلث، لانهم يشاركونهم في الرحم الذى ورثوا بها الفرض، فلا يجوز أن يرث ولد الام ويسقط ولد الاب والام كالاب لما شارك الام في الرحم بالولادة لم يجز أن ترث الام ويسقط الاب، وتعرف هذه المسألة بالمشركة لما فيها من التشريك بين ولد الاب والام وولد الام في الفرض وتعرف بالحمارية، فانه يحكى فيها عن ولد الاب والام أنهم قالوا: احسب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة.

(الشرح) حديث سعد بن الربيع ومجئ إمرأته للنبى صلى الله عليه وسلم تشكوا أخاه مضى تخريجه، وحديث ابن عباس رواه الشيخان وأحمد في مسنده وحديث يا بنى إسماعيل ارموا مضى تخريجه في كتاب السبق والرمى، أما العصبة فهى القرابة الذكور الذين يدلون بالذكور، هذا معنى ما قاله علماء اللغة، وهو جمع عاصب مثل كفرة جمع كافر، وقد استعمل الفقهاء العصبة في الواحد إذا لم يكن غيره لانه قام مقام الجماعة في إحراز جميع المال، والشرع جعل الانثى عصبة في مسألة الاعتاق وفى مسألة من المواريث فقلنا بمقتضاه في مورد النص، وقلنا في غيره: لا تكون المرأة عصبة لا لغة ولا شرعا وعصب القوم بالرجل عصبا من باب ضرب احاطوا به لقتال أو حماية، فلهذا اختص الذكور بهذا الاسم لقوله عليه السلام (فلاولى عصبة ذكر) فذكر صفة الاولى وفيه معنى التوكيد كما في قوله تعالى (إلهين اثنين) . قال في البيان: العصبة كل ذكر لا يدلى إلى الميت بأنثى، وانما سميت عصبة لانه يجمع المال ويحوزه مشتق من العصابة لانها تحيط الرأس وتجمعه، والاصل في توريث العصبة قوله تعالى (ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم) قال مجاهد: الاقربون ههنا هم العصبة. إذا ثبت هذا: فأقرب العصبة الابن وان سفل ثم الاب قال المسعودي: ومنهم من لا يسمى الابن عصبة وليس بشئ، والدليل على أن الابن أقرب تعصيبا من الاب قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) فبدأ بذكر الولد قبل الوالد والعرب لا تبدأ الا بالاهم فالاهم، ولان الله تعالى فرض للاب مع الولد السدس فدل على ان الابن اسقط تعصيب الاب، لانه انما يأخذ السدس بالفرض، ولان الابن بعصب اخته بخلاف الاب فان عدم البنون وبنوهم وبنوهم وان سفلوا كان التعصيب للاب وكان احق من سائر العصبات لان سائر العصبات يدلون به، فان عدم الاب كان التعصيب للجد ان لم يكن اخ لانه يدلى بالاب ثم اب الجد وان علا يقدمون على الاعمام وان لم يكن جد وهناك اخ لاب وام أو لاب كان التعصيب له لانه بدلى بالاب، فان اجتمع الاب والاخ كان المال بينهما عندنا على ما يأتي

بيانه، وإن اجتمع أخ لاب وأم وأخ لاب فالاخ للاب والام أولى لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وقال: ان أعيان بنى الاخ يتوارثون دون بنى العلات يرث الرجل أخاه لابيه وأمه دون أبيه ولانه يدلى بقرابتين فكان أولى ممن يدلى بقرابة، فإن عدم الاخ للاب والام كان التعصيب للاخ للاب، ويقدم على ابن الاخ للاب والام لانه أقرب، فإن عدم الاعمام وبنوهم كان التعصيب لاعمام الجد الاقرب فالاقرب منهم، ثم بعدهم يكون لبنيهم وعلى هذا فإذا انفرد الواحد من العصبة أخذ جميع المال لقوله تعالى: إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فورث الاخ جميع مال الاخت، وان كان هناك اثنان من العصبة في درجة واحدة اقتسما المال بينهما لاستوائهما في النسب، وان كان مع العصبة من له فرض اعطى صاحب الفرض فرضه وكان الباقي للعصبة لما ذكرناه في حديث ابنتى سعد بن الربيع وزوجته وأخته، ويعصب الابن أخته وأخواته، لقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) وكذلك ابن الابن يعصب أخواته لقوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) إلى قوله (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) ومن عدا هؤلاء من العصبة لا يعصب أخواته لانه لافرض لهن عند انفرادهن فلم يعصبهن. (فرع) وان ماتت إمرأة وخلفت زوجا وأما واثنتين من ولد الام وأخا وأختا لاب وأم كان للام السدس وهو سهم من ستة، وللزوج النصف ثلاثة وللاخوين للام الثلث سهمان ويشاركهما في هذين السهمين الاخ والاخت للاب والام يقتسمونه بينهم الذكر والانثى فيه سواء، وتصح من اثنى عشر للام سهمان وللزوج ستة ولكل واحد من الاخوة والاخوات سهم، وبه قال عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت وشريح ومالك وإسحاق. وقال علي بن أبى طالب وابن عباس وأبو موسى الاشعري وأبى بن كعب والشعبى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد: يسقط الاخ والاخت للاب والام

دليلنا: أنها فريضة جمعت ولد أم وولد أب وأم يرث كل واحد منهما إذا انفرد، فإذا ورث ولد الام لم يسقط ولد الاب والام كما لو انفرد ولد الام وولد الاب والام، ولم يكن معهم ذو سهم غيرهم، وهذه المسألة تعرف بالحمارية لانه يحكى فيها أن ولد الاب قالوا: هب أن أبانا كان حمارا أليس أمنا وأمهم واحدة؟ وتعرف بالمشتركة أيضا لما فيها من التشريك بين الاخوة للام والاخوة للاب والام في الثلث، وقد مضى لنا في العول تفصيل يشرح مسائل هذه الفصول فلا داعى للتكرار، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وان اجتمع في شخص واحد جهة فرض وجهه تعصيب كابن عم هو زوج أو ابن عم هو أخ من أم ورث بالفرض والتعصيب لانهما ارثان مختلفان بسببين مختلفين، فان اجتمع ابنا عم أحدهما أخ من الام ورث الاخ من الام السدس والباقى بينه وبين الاخر. وقال أبو ثور: المال كله للذى هو أخ من الام لانهما عصبتان يدلى أحدهما بالابوين والآخر بأحدهما فقدم من يدلى بهما كالاخوين أحدهما من الاب والآخر من الاب والام، وهذا خطأ لانه استحق الفرض بقرابة الام فلا يقدم بها في التعصيب كابنى عم احدهما زوج. (فصل) وان لاعن الزوج ونفى نسب الولد انقطع التوارث بينهما لا نتفاء النسب بينهما، ويبقى التوارث بين الام والولد لبقاء النسب بينهما، وإن مات الولد ولا وارث له غير الام كان لها الثلث، وإن اتت بولدين توأمين فنفاهما الزوج باللعان ثم مات احدهما وخلف اخاه ففيه وجهان (أحدهما) انه يرثه ميراث الاخ من الام لانه لا نسب بينهما من جهة الاب فلم يرث بقرابته كالتوأمين من الزنا إذا مات احدهما وخلف اخاه (والثانى) إنه يرثه ميراث الاخ من الاب والام لان اللعان ثبت في حق الزوجين دون غيرهما، ولهذا لو قذفها الزوج لم يحد ولو قذفها غيره حد، والصحيح هو الاول، لان النسب قد انتفى بينهما في حق كل واحد كما انقطع الفراش بينهما في حق كل أحد كما يجوز لكل احد ان يتزوجها.

(فصل) وإن كان الوارث خنثى، وهو الذى له فرج الرجال وفرج النساء فإن عرف أنه ذكر ورث ميراث ذكر. وإن عرف أنه أنثى ورث ميراث أنثى. وإن لم يعرف فهو الخنثى المشكل وورث ميراث أنثى. فإن كان أنثى وحده ورث النصف، فإن كان معه ابن ورث الثلث وورث الابن النصف لانه يقين ووقف السدس لانه مشكوك فيه، وإن كانا خنثيين ورثا الثلثين لانه يقين ووقف الباقي لانه مشكوك فيه، ويعرف أنه ذكر أو أنثى بالبول، فإن كان يبول من الذكر فهو ذكر، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول، وروى عنه أنه قال: إن خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر. وإن خرج من مبال الانثى فهو أنثى، ولان الله تعالى جعل بول الذكر من الذكر، وبول الانثى من الفرج، فرجع في التمييز إليه. وإن كان يبول منهما نظرت فإن كان يبول من أحدهما أكثر فقد روى المزني في الجامع أن الحكم للاكثر. وهو قول بعض أصحابنا، لان الاكثر هو الاقوى في الدلالة. والثانى أنه لا تعتبر الكثرة لان اعتبار الكثرة يشق فسقط، وإن لم يعرف بالبول سئل عما يميل إليه طبعه، فإن قال أميل إلى النساء فهو ذكر، وإن قال أميل إلى الرجال فهو أنثى. وإن قال أميل اليهما فهو المشكل، وقد بيناه. ومن أصحابنا من قال: إن لم يكن في البول دلالة اعتبر عدد الاضلاع، فإن نقص من الجانب الايسر ضلع فهو ذكر، فإن أضلاع الرجل من الجانب الايسر أنقص، فإن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الايسر، فمن ذلك نقص من الجانب الايسر ضلع. ولهذا قال الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها * ألا ان تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى؟ * أليس عجيبا ضعفها واقتدارها (الشرح) قوله (توأمين) واحدهما توأم، ولا يقال للاثنين توأم، على ما اشتهر على ألسنة العامة خطأ، وإنما يقال للواحد توأم وللاثنين توأمين كالذكر والانثى يقال لهما زوجان وكل واحد منهما زوج، والانثى توأمة والجمع توائم

وتؤام كدخان قال الشاعر: قالت لنا ودمعها تؤام * على الذين ارتحلوا اسلام أما الاحكام فإذا ماتت امرأة وخلفت ابني عم أحدهما زوج ورث الزوج النصف بالفرض والباقى بينه وبين الاخر بالتعصيب. وان مات رجل وخلف ابني عم أحدهما أخ لام فإن للذى هو أخ لام السدس بالفرض والباقى بينه وبين الاخر نصفان بالتعصيب، وبه قال علي وزيد بن ثابت ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وذهب عمر وابن مسعود وشريح وأبو ثور أن المال كله لابن العم الذى هو أخ لام من الرجال الاقربين، فينبغي أن يكون له نصيب، ولانه يدلى بنسب يفرض له به فوجب أن لا يقوى به تعصيبه أحدهما زوج (فرع) إذا قذف رجل امرأته بالزنا وانتفى عنه نسب ولدها، ونفاه باللعان فإن النسب ينقطع بين الاب والولد فلا يثبت بينهما توارث، لان الارث بينهما بالنسب ولا نسب بينهما بعد اللعان، ولا ينقطع التوارث بين الولد والام لانه لا ينتفى عنها، فإن ماتت الام ورث ولدها جميع مالها إن كان ذكرا، وإن مات الولد ولم يخلف غير الام كان لها الثلث والباقى لمولاه إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، وان كان له أخ كان له السدس ولامه الثلث والباقى لمولاه أو لبيت المال، وان كان له أخوان لاب وأم كان لامه السدس ولاخويه لابيه وأمه الثلث والباقى لبيت المال، وبه قال ابن عباس وزيد بن ثابت، وهى إحدى الروايتين عن علي وقال أبو حنيفة: يكون للام فرضها ويأخذ الباقي بالارث بناء على أصله في ذلك وذهب ابن مسعود إلى أن الام عصبة له فتأخذ ثلثها بالفرض والباقى بالتعصيب. وذهب بعض الناس إلى أن عصبته عصبة الام. دليلنا ما روى البخاري ومسلم عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال فرق رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرجل والمرأة يعنى باللعان وكانت حاملا فانتفى حملها فكان الولد يدعى لامه، وجرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها. والذى

فرض الله للام من الولد الثلث أو السدس، فالظاهر يقتضى أنها لا تزاد على ذلك ولان من ورث سهما من فريضة لم يستحق زيادة منها إلا بتعصيبه قياسا على الزوجة، ولان الام لو كانت عصبة لم يسقطها المولى لان العصبة لا تسقط بالمولى فدل على أنها ليست بعصبة. وأما الدليل على أن عصبتها ليس عصبة لولدها أن الام ليست عصبة للولد فلم يكن من يدلى بها عصبة له كابن الاخ للام إذا ثبت هذا فإن حكم ولد الزنا حكم ولد الملاعنة لانه ثابت النسب من أمه وغير ثابت النسب من أبيه فكان حكمه حم ولد الملاعنة (فرع) وإن أتت المرأة بولدين توأمين من الزنا، أو أتت امرأة رجل بولدين توأمين فنفاهما الاب باللعان فكان التوارث بينهما وبين الاب ينقطع لما ذكرناه في الولد ولا ينقطع توارثهما بينهما وبين الام واما إرث أحدهما من الآخر فهل يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير؟ أو بكونهما أخوين لاب وأم؟ فيه وجهان: (أحدهما) يتوارثان بكونهما أخوين لاب وأم، ولان حكم اللعان إنما يتعلق بالزوجين دون غيرهما. ألا ترى أن الزوج إذا قذفها بعد اللعان لم يحد، وإذا قذفها غيره حد (والثانى) انهما يتوارثان بكونهما أخوين لام لا غير وهو الاصح، لان نسبهما قد انقطع عن الاب فكيف يتوارثان به؟ وقد روى أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها) (مسألة) إذا مات ميت وخلف وارثا خنثى وهو الذى له ذكر رجل وفرج امرأة فإن كان يبول من الذكر لا غير فهو رجل، وان كان يبول من الفرج لا غير فهو امرأة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: ان خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر. وان خرج من مبال الانثى فهو أنثى. ولان الله تعالى أجرى العادة في الرجل أنه يبول من ذكره وأن الانثى تبول من فرجها فنرجع في التمييز إليه.

وان كان يبول منهما سواء أو خلق الله له موضعا آخر يبول منه فهو مشكل وان كان يبول منهما الا أنه يبول من أحدهما أكثر ففيه وجهان: (أحدهما) يعتبر بالاكثر لانه أقوى في الدلالة. (والثانى) لا يعتبر به، ولان اعتبار ذلك يشق. وحكى أن أبا حنيفة سئل عن الخنثى المشكل فقال: يحكم بالمبال، وقال أبو يوسف: ان كان يبول بهما. قال: لا أدرى قال أبو يوسف: لكى أرى أن يحكم بأسبقهما بولا. قال أبو حنيفة أرأيت لو استويا في الخروج؟ فقال أبو يوسف بأكثرهما، فقال أبو حنيفة يكل أو يوزن؟ فسكت أبو يوسف. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول. وممن روى عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم. وقال ابن قدامة في المغنى: قال ابن اللبان: رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن مولود له قبل وذكر من أبن يورث؟ قال من حيث يبول) وروى أنه عليه السلام أتى بخنثى من الانصار فقال (ورثوه من أول ما يبول منه) قلت: وان لم يكن فيه دلالة من المبال فهل يعتبر فيه نبات اللحية ونهود الثديين وعدد الاضلاع؟ فيه وجهان (أحدهما) يعتبر بنبات اللحية للرجال ونهود الثديين للنساء، وان استوت أضلاعه من الجانبين فهو امرأة، وان نقص أحد جانبيه ضلعا فهو رجل، لان المرأة لها في كل جانب سبع عشرة ضلعا، والرجل من الجانب الايمن سبعة عشر ضلعا ومن الجانب الايسر ستة عشر ضلعا، لانه يقال ان حواء خلقت من ضلع من جانب آدم الايسر، فلذلك نقصت من الجانب الايسر من الرجال، وراثة عن أبيهم.

ومنهم من قال: لا يعتبر بذلك، وهو قول أكثر أصحابنا لان اللحية قد نبتت لبعض النساء ولا تنبت لبعض الرجال، وروى أن بعض الرجال كان له ثدى يرضع به في مجلس هرون الرشيد، وأما اعتبار الاضلاع فإنه يشق ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالتشريح الطبى وقد يخفى الضلع فلا يمكن اعتبار ذلك. إذا ثبت هذا: أو تعذر اعتباره من هذه الاشياء فإنه يرجع إلى قوله وإلى ماذا يميل طبعه، فإن قال: أميل إلى جماع النساء فهو رجل، وإن قال أميل إلى جماع الرجال فهو امرأة وليس ذلك مميزا له وانما هو سؤال له عن ميلان طبعه، فإن أخبر بأحدهما ثم رجع عنه لم يقبل رجوعه لانه إذا أخبر بأحدهما تعلقت به أحكام، وفى قبول قوله في الرجوع اسقاط لتلك الاحكام فلم يجز. والانسان وقد خلق الله فيه مركبات من الغدد التى منحها سبحانه خصائص الذكورة وأخرى منحها خصائص الانوثة، فبعض هذه الغدد له افرازات في الجسم ونشاط في تشكيل شكل الجسم، فغدد الانوثة يتضح عملها في كبر الارداف ونتوء الثديين وتجرد الوجه من الشعر كاللحية والشارب، ورخامة الصوت في لين ونعومة وارتخاء. أما غدد الذكورة فيتضح عملها في نبات اللحية والشارب وضمور الارداف وامتشاق الجسم وثخانة شعر الرجل وخشونته عن شعر المرأة، وخشونة صوت الرجل واستقامة نبراته وصحة نطقه، وهذه الغدد يكون مركزها في بيضتي المذاكير عند الرجال ومبائض المرأة القريبة من رحمها، وقد قرأنا كثيرا من أخبار اللائى يتحولن من الاناث إلى الذكران، والذين يتحولون من الذكران اناثا ويحدث اشكال في تغيير هوياتهم وشهادات ميلادهم وشهادات دراساتهم. وسبيل الطب إلى تحويل هؤلاء هو دراسة أعضائهم السفلى وتحديد النشاط الغالب على هذه الغدد فقد تكون مذاكير الرجل مطوية في عمق يظن أنه فرج ثم يقوم الطبيب بإجراء جراحة يخلص بها مذاكير الرجل الذى كان في نظر الناس امرأة لاختفاء مذاكيره وانعكاسها إلى أسفل، وقد تكون غدد الانوثة أقوى بمعنى أن تكون له مبايض امرأة مرتخيه في شكل الانثيين للرجل ولكن تصرفات

هذا الشخص، وميوله تنبئ عن أنوثة حبيسة حتى إذا أجريت له جراحة لوضع غدده في مكانها الطبيعي صار امرأة. أما بعد: فقد وصل الطب إلى تحديد حقيقة الخنثى المشكل بالاشعة والتشريح ودراسة الظواهر الخارجية التى تدل على اتجاه الغدد نحو الانوثة أو الذكورة، فإذا رؤى اختفاء الشارب واللحية وبروز الثديين واختفاء المذاكير وتغير الصوت وكبر الارداف عرفنا أنه امرأة وإذا عملت للشخص جراحة تخلص من الاشكال وكذلك إذا كان نشاط الغدد عكس ما قررنا كان للجراحة أيضا دورها في تحديد نوع الشخص كرجل. بقى بعد ذلك حكم الفقهاء في كثير من الصور الشاذة التى يحتمل وقوعها ولا يحيل العقل أو العلم حدوثها. قال المسعودي: ان قال: أنا رجل فزوج بإمرأة فحبلت امرأته وحبل هو تبينا أنه امرأة وان كان نكاحه باطلا وأن ولد المرأة غير لاحق به لان حمله يدل على الانوثة قطعا. وان قال الخنثى: أنا أشتهى جماع الرجال والنساء أو لا أشتهى واحدا منهما فهو مشكل، والحكم في توريث المشكل أنه يعطى ما يتبين أنه له، وان كان معه ورثه أعطى كل واحد منهم ما يتيقن أنه له وهو أقل حقيه ووقف الباقي حتى يتبين امر الخنثى بأى طريق من الطرق والتى أضبطها وادقها طرق الطب الحديث التى يمتزج فيها علم النفس مع علم وظائف الاعضاء والتشريح، وان مات ميت وخلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى نصيب ماله، وان كانا خنثيين اعطيا الثلثين ووقف الباقي إلى ان يتبين امرهما أو يصطلحوا عليه. وقال ابو حنيفة: يعطى الخنثى المشكل ما يتبين انه له، ويصرف الباقي إلى العصبة، وخرج ابن اللبان وجها آخر وليس بمشهور، وذهبت طائفه من البصريين إلى انه إذا خلف ابنا خنثى مشكلا لا غير اعطى ثلاثه ارباع المال. واختلفوا في تنزيل حاله، فمنهم من قال: يترك حاله لانه يحتمل ان يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل ان يكون انثى فيكون له نصف

المال، والباقى للعصبه، فالنصف متيقن له والنصف الاخر يتنازعه هو والعصبه فيكون بينهما. ومنهم من قال: ينزل لانه يحتمل أن يكون ذكرا فيكون له جميع المال، ويحتمل أنه أنثى فيكون له نصف المال فأعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى دليلنا أنه يحتمل أن يكون ذكرا ويحتمل أن يكون أنثى فأعطيناه اليقين وهو ميراث الانثى لانه متيقن له ولم نورثه ما زاد لانه توريث بالشك، وعلى أبى حنيفة أنا لا نتيقن استحقاق العصبة للموقوف له فلم يجز ذلك إليهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان مات رجل وترك حملا وله وارث غير الحمل نظرت، فإن كان له سهم مقدر لا ينقص كالزوجة دفع إليها الفرض، ووقف الباقي إلى أن ينكشف، وإن لم يكن له سهم مقدر كالابن وقف الجميع لانه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، والدليل عليه أن الشافعي رحمه الله قال: دخلت إلى شيخ باليمن لاسمع منه الحديث فجاءه خمسة كهول فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة شباب فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة فتيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، ثم جاءه خمسة صبيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: أولادي كل خمسة منهم في بطن، وفى المهد خمسة أطفال. وقال ابن المرزبان: أسقطت إمرأة بالانبار كبسا فيه اثنا عشر ولدا كل اثنين متقابلان، فإذا انفصل الحمل واستهل ورث لما روى سعيد بن المسيب رحمة الله عليه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إن من السنه أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخا، فإن تحرك حركة حى أو عطس ورث، لانه عرف حياته فورث كما لو استهل، وإن خرج ميتا لم يرث لانا لا نعلم أنه كان وارثا عند موت مورثه، وان تحرك حركة مذبوح لم يرث لانه لم يعرف حياته، وان خرج بعضه وفيه حياة ومات قبل خروج الباقي لم يرث لانه لا يثبت له حكم الدنيا قبل انفصال جميعه، ولهذا لا تنقضي به العدة ولا يسقط حق الزوج عن الرجعة قبل انفصال جميعه.

(الشرح) حديث أبى هريرة بلفظه هكذا مرفوع المعنى لقوله: من السنة، وقد ورد الحديث مرفوع اللفظ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا استهل المولود ورث. وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور بن مخرمة قالا (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يرث الصبي حتى يستهل) ذكره أحمد بن حنبل من رواية ابنه عبد الله وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ (إذا استهل السقط صلى عليه وورث) وفى إسناده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف. قال الترمذي: وروى مرفوعا والموقوف أصح، وبه جزم النسائي. وقال الدارقطني في العلل: لا يصح رفعه. وحديث أبى هريرة عند أبى داود في إسناده محمد بن اسحاق وفيه مقال معروف، وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث. وقد تقدم في كتاب الجنائز الكلام على السقط، وقد اختلف في الامر الذى تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة، وهو قول الكرخي. وروى عن على وزفر والشافعي. وروى عن ابن عباس وجابر وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث ما لم يستهل صارخا. قال العمراني في البيان: ان مات وخلف حملا وارثا نظرت فإن استهل صارخا فإنه يرث سواء كان فيه روح حال الموت مورثه أو كان يومئذ نطفة لما روى أبو الزبير عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا استهل الصبى ورث وصلى عليه. وقال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف في هذا، وان خرج ولم يستهل ولكن علمت حياته بحركة أو غير ذلك، ثم مات فإنه يرث عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لا يرث. دليلنا: أن كل من تحققت حياته بعد انفصاله وجب أن يرث كما لو خرج واستهل صارخا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم انما نص على الاستهلال لان ذلك يعلم به الحياة، فكل ما علمت به الحياة كالحركة والبكاء قام مقامه، وان خرج ميتا لم يرث، لانا لا نعلم أنه نفخ فيه الروح وصار من أهل الميراث أو لم ينفخ

وإن انفصل ميتا وتحرك بعد الانفصال حركة لا تدل على الحياة لم يرث. لان بهذه الحركة لم يعلم حياته لان المذبوح قد يتحرك، واللحم قد يختلج ولا روح فيه وإن خرج بعضه فصرخ ثم مات قبل أن ينفصل لم يرث لانه ما لم ينفصل جميعه لا تثبت له أحكام الدنيا. إذا ثبت هذا فما حكم مال الميت قبل انفصال الحمل؟ ينظر فيه، فإن كان مع الحمل وارث له فرض لا ينقص الحمل عنه كالزوج والزوجة والام والجدة أعطى صاحب الفرض فرضه ووقف الباقي من ماله، وإن كان الوارث معه ممن لا سهم له مقدر كالابن والابنة، فاختلف أصحابنا فيه، فذهب المسعودي وابن اللبان وغيرهما إلى أنه يدفع إلى الابن الموجود خمس المال ويوقف الباقي وحكى الشيخ ابو حامد أن هذا مذهب أبى حنيفة لان أكثر ما تلد المرأة في بطن أربعة. وقال الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى: لا يعطى الابن الموجود شيئا من المال بل يوقف جميعه. وحكى المسعودي أن هذا مذهب أبى حنيفة وقال محمد بن الحسن: يدفع إليه ثلث المال لان أكثر ما تلده المرأة إثنان. وقال أبو يوسف: يدفع إليه نصف لان الظاهر أنها لا تلد أكثر من واحد. فإذا قلنا إنه يوقف جميع المال فوجهه أنه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة، وحكى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قدمت اليمن عند شيخ بها أسمع عليه الحديث. قال ابن بطال: هذا الشيخ من بادية صنعاء من قرية تسمى خيرة. قال الشافعي: فبينما هو جالس على بابه إذ جاء خمسة كهول إلى آخر ما قال ووجه سوق القصة أن بعض النساء يمكن أن تلد خمسة توائم، وقد طالعتنا الانباء منذ حين قريب بامرأة ولدت ستة توائم. وحكى ابن المرزبان أنه قال: أسقطت امرأة عندنا بالانبار كيسا به اثنا عشر ولدا كل اثنين متحاذيان، فعلم أنه ليس لما تلده المرأة حد، واستطرادا على مناسبة الكيس فإن ولدينا الانور وعبد الناصر قد رزقني الله بهما توأمين، وكان الأنور في كيس رائق شفاف فتبارك الله أحسن الخالقين

(فرع) ميت مات فقالت امرأة حامل: إن ولدت أنثى لم ترث منه، وإن ولدت ذكرا ورث منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورث الذكر دون الانثى فهذه امرأة أخ الميت أو امرأة ابن أخيه أو امرأة عمه أو امرأة ابن عمه. وان قالت: ان ولدت أنثى ورثت وان ولدت ذكرا لم يرث وإن ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا، فهذه امرأة ماتت وخلفت زوجا وبنتا وأبوين وزوجة ابنها حاملا من ابنها، وان ولدت ذكرا وأنثى لم يرثا وان قالت امرأة حامل: ان ولدت ذكرا ورث وان ولدت أنثى لم ترث، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا، فهذا ميت مات وخلف ابنين وزوجة ابن حاملا منه، أو ميت مات وخلف أختين لاب وأم وزوجة أب حاملا منه ولو قالت الحامل: ان ولدت ذكرا ورث وورثت منه، وان ولدت ذكرا وأنثى ورثا وورثت معهما، وان ولدت ابنا لم يرث ولم أرث، فهذا رجل مات وخلف ابنتين وابنة ابن حاملا من ابن ابن آخر قد مات ولو قالت الحامل: ان ولدت أنثى ورثت وورثت معها، وان ولدت ذكرا أو ذكرا وأنثى لم يرث واحد منا، فهذه امرأة ماتت وخلفت ابنة وأبوبن وزوجا وهذه الحامل ابنة ابن ابن هذه الميتة من ابن ابن لها آخر، أفاده العمرانى (فرع) ان مات رجل وخلف أخا وامرأة حاملا فولدت ابنا وبنتا فاستهلا ثم مات احدهما ثم ماتت المرأة بعده ثم مات الولد الاخر ولم يعلم أيهما مات قبل الام، قال ابن اللبان: وقد قيل القياس لا يرث الولدان أمهما، ولا يرثهما لانه لا يعلم على الانفراد أيهما مات قبلها كالغرقى، فيكون ثمن المرأة لعصبتها والسبعة الاثمان التى للولدين للاخ بميراثه منهما وقيل بل ينزل فيقال: ان الذى مات قبل المرأة وهى البنت، والمال كله للاخ، وان كان الذى مات قبل المرأة هو الابن ورثت المرأة منه ثلث سهامه وهو أربعة أسهم وثلثا سهم من أربعة وعشرين. وورثت الاخت نصفها والعم سدسها، فلما ماتت المرأة كان ما بيدها وهو سبعة أسهم وثلثا سهم بين ابنتها وعصبتها نصفين، فيصح لعصبتها ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فلما ماتت البنت صار ما في يدها للعم، فاجتمع للعم بميراثه من الابن والبنت عشرون سهما وسدس

سهم، وهذا نصيب الاخ بيقين والباقى من المال وهو ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم لعصبة المرأة، فيوقف ذلك حتى يصطلحا عليه، فتضرب الفريضة وهى أربعة وعشرون في مخرج السدس وهو سنة، فذلك مائة وأربعة وأربعون. والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن مات رجل ولم تكن له عصبة ورثه المولى المعتق كما ترثه العصبة على ما ذكرناه في باب الولاء، فإن لم يكن له وارث نظرت، فإن كان كافرا صار ماله لمصالح المسلمين، وإن كان مسلما صار ماله ميراثا للمسلمين، لانهم يعقلونه إذا قتل، فانتقل ماله إليهم بالموت ميراثا كالعصبة، فإن كان للمسلمين إمام عادل سلم إليه ليضعه في بيت المال لمصالح المسلمين، وان لم يكن إمام عادل ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يرد على أهل الفرض على قدر فروضهم إلا على الزوجين فإن لم يكن أهل الفرض قسم على ذوى الارحام على مذهب أهل التنزيل، فيقام كل واحد منهم مقام من يدلى به، فيجعل ولد البنات والاخوات بمنزلة أمهاتهم، وبنات الاخوة والاعمام بمنزلة آبائهم، وأبوالام والخال بمنزلة الام، والعمة والعم من الام بمنزلة الاب، لان الامة أجمعت على الارث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت إحداهما تعينت الاخرى. (والثاني) وهو المذهب: أنه لا يرد على أهل السهام، ولا يقسم المال على ذوى الارحام، لانا دللنا أنه للمسلمين، والمسلمون لم يعدموا، وإنما عدم من يقبض لهم فلم يسقط حقهم، كما لو كان الميراث لصبى وليس له ولى، فعلى هذا يصرفه من في يده المال إلى المصالح (الشرح) الاحكام: إن مات ميت وخلف من الورثة من له فرض لا يستغرق جميع ماله كالام والابنة والاخت، فان صاحب الفرض يأخذ فرضه وما بقى عن فرضه يكون لعصبته إن كان له عصبة، وان لم يكن له عصبة كان

للمولى إن كان له مولى، وإن لم يكن له مولى كان الباقي لبيت المال، فيصرف إلى الامام ليصرفه في مصالح المسلمين. وبه قال زيد بن ثابت والزهرى والاوزاعي ومالك وذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أنه يرد ذلك إلى ذوى الفروض إلا على الزوجين فانه لا يرد عليهما، فان لم يكن له أحد من أهل الفروض صرف ذلك إلى ذوى الارحام، فيقام كل واحد من ذوى الارحام مقام من يدلى به، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، واختاره بعض أصحابنا إذا لم يكن هناك امام عادل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر أن تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وابنها الذى لاعنت به، فأخبر أنها تحوز ميراث ابنها الذى لاعنت عليه، وهذا نص. ودليلنا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) ولم يفرق بين أن يكون هناك وارث غيرها أو لم يكن. فمن قال ان لها جميع المال فقد خالف ظاهر القرآن. وكذلك جعل للابنتين الثلثين ولم يفرق، ولان كل من استحق من فريضة سهما مقدرا لم يرث شيئا آخر الا بتعصيب كالزوج والزوجة فعلى هذا ان كان هناك امام عادل يسلم المال إليه، وان لم يكن هناك امام عادل صرفه من هو بيده إلى مصالح المسلمين، والله أعلم

باب الجد والأخوة

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الجد والأخوة إذا اجتمع الجد أو أبو الجد وإن علا مع ولد الاب والام أو ولد الاب، ولم تنقصه المقاسمة من الثلث، قاسمهم وعصب إناثهم، وقال المزني: يسقطهم، ووجهه أن له ولادة وتعصيبا بالرحم، فأسقط ولد الاب والام كالاب، وهذا خطأ لان ولد الاب يدلى بالاب فلم يسقطه الجد كأم الاب، ويخالف الاب، فإن الاخ يدلى به، ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الاخ مع الاخ، وأم الاب مع الاب، والجد والاخ بدليان بالاب فلم يسقط أحدهما الاخر، كالاخوين من الاب وأم الاب مع الجد، ولان الاب يحجب الام من الثلث إلى ثلث الباقي مع الزوجين، والجد لا يحجبها. (فصل) وإن اجتمع مع الجد ولد الاب والام وولد الاب عاد ولد الاب والام الجد بولد الاب، لان من حجب بولد الاب والام وولد الاب إذا انفرد حجب بهما إذا اجتمعا كالام، فان كان له جد وأخ من أب وأم، وأخ من أب، قسم المال على ثلاثة أسهم، للجد سهم، ولكل واحد من الاخوين سهم، ثم يرد الاخ من الاب سهمه على الاخ من الاب والام، لانه لا يرث معه فلم يشاركه فيما حجبا عنه، كما لا يشارك الاخ من الاب، الاخ من الاب والام فيما حجبا عنه الام، وتعرف هذه المسألة بالمعاذة لان الاخ من الاب والام عاد الجد بالاخ من الاب، ثم أخذ منه ما حصل له، وان اجتمع مع الجد أخ من الاب وأخت من الاب والام قسم المال على خمسة أسهم، للجد سهمان وللاخ سهمان وللاخت سهم، ثم يرد الاخ على الاخت تمام النصف وهو سهم ونصف، ويأخذ ما بقى وهو نصف سهم، لان الاخ من الاب إنما يرث مع الاخت من الاب والام ما يبقى بعد استكمال الاخت النصف، وتصح من عشرة وتسمى عشرية زيد رضى الله عنه، وإن اجتمع مع أختين من الاب وأختين من الاب والام قسم المال بينهم على ستة أسهم للجد سهمان، ولكل أخت سهم، ثم ترد الاختان

من الاب جميع ما حصل لهما على الاختين من الاب والام، لانهما لا يرثان قبل أن تستكمل الاختان من الاب والام الثلثين. (الشرح) الجد أبو الأب وان علا وارث بلا خلاف بين أهل العلم، وروى عن عمر رضى الله عنه أنه سأل الصحابة هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار المزني: نعم شهدت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورثه السدس فقال له عمر: مع من؟ قال: لا أدرى فقال: لا دريت إذن، رواه أبو القاسم بن منده. فإن اجتمع الجد مع الاخوة أو الاخوات للام أسقطهم بالاجماع، وقد مضى بيان ذلك، وان اجتمع مع الاخوة والاخوات للاب والام أو للاب فقد كانت الصحابة رضوان الله عليهم يتحرجون من الكلام فيه لما روى سعيد بن المسيب إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار، وروى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والاخوة، وروى عن ابن مسعود أنه قال: سلونا عن كل شئ ودعونا من الجد لا حياه الله ولا بياه. إذا ثبت هذا: فقد اختلف الناس في الجد إذا اجتمع مع الاخوة والاخوات للاب والام أو للاب: فذهب الشافعي رضى الله عنه إلى أن الجد لا يسقطهم، وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وبه قال مالك والا وزاعى وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل، وذهبت طائفة إلى أن الجد يسقطهم، وروى ذلك عن أبى بكر وابن عباس وعائشة وأبى الدرداء، وبه قال أبو حنيفة وعثمان البتى وابن جرير الطبري وداود وإسحاق، واخباره المزني. قال المسعودي: واليه ذهب ابن سريج. دليلنا قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، فجعل للرجال والنساء الاقارب نصيبا، والاخوة والاخوات للاب إذا اجتمعوا مع الجد وهم من الاقارب، فمن قال: لا نصيب لهم فقد ترك ظاهر القرآن، وأن الاخ تعصيب أخيه فلم يسقطه الجد

كالابن، لان الاخت تأخذ النصف بالفرض فلم يسقطها الجد كالبنت، ولان الجد والاخ على منزلة واحدة من الميت لان الجد أبو أبيه والاخ ابن أبيه، والجد له تعصيب ورحم، والاخ له تعصيب من غير رحم فلم يسقطه الجد كالابن والبنت إذا اجتمعا. إذا ثبت هذا: فإن الجد كالاب في عامة أحكامه، فيرث بالتعصيب إذا انفرد كالاب ويرث بالفرض مع الابن وابن الابن ويرث بالفرض والتعصيب مع البنت وبنت الابن إلا أن الجد يخالف الاب في أربع مسائل: منها أن الاب يحجب الاخوة للاب والام، أو للاب، والجد لا يحجبهم، والثانية والثالثة: أن الاب يحجب الام عن كمال الثلث إلى ثلث ما يبقى في زوج وأبوين أو زوجه وأبوين فإن الجد لا يحجبها، بل يكون لها ثلث جميع المال مع الجد فيها. الرابعة: أن الاب يحجب أم نفسه، والجد لا يحجب أم الاب، لانها تساويه في الدرجة إلى الميت، وتدلى بالاب فلم ترث معه. (فرع) إذا اجتمع الجد والاخوة أو الاخوات للاب والام أو للاب وليس معهم من له فرض فللجد الاحظ من المقاسمة، أو ثلث جميع المال، فإن كان معه أخ واحد فالا حظ له ههنا المقاسمه، لانه يأخذ نصف المال، وان كان معه أخوان استوت له المقاسمة والثلث، وان كان معه ثلاثة اخوة فما زاد فالا حظ له ههنا أن يفرد بثلث جميع المال، هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت وابن مسعود. وروى عن علي رضى الله عنه روايتان. احداهما: وهى المشهورة أن له الا حظ من المقاسمة أو سدس جميع المال، فإذا كان معه اربعة اخوة فالمقاسمة احظ له، وان كانوا خمسة استوت المقاسمة والسدس، وان كانوا ستة فالسدس احظ له. والثانية: ان له الا حظ من المقاسمة أو سبع جميع المال، وروى عن عمران ابن الحصين وابى موسى الاشعري انهما قالا: له الا حظ من المقاسمة أو نصف سدس جميع المال، فإذا كان معه عشرة اخوة فالمقاسمة خير له، وان كانوا أحد عشر استوت المقاسمة ونصف السدس.

ودليلنا عليهم: أن البنين أقوى حالا من الاخوة، بدليل أن الاخوة يسقطون بالبنين ثم ثبت أن البنين لا يسقطون. وأما الدليل على ما قلناه فلان حجب الاخوة للجد لا يقع بواحد، وينحصر بعدد، فوجب أن يكون غاية ذلك اثنين قياسا على حجب الاخوة للام عن الثلث، وحجب البنات لبنات الابن، وحجب الاخوات للاب والام للاخوات للاب. وأما إذا اجتمع مع الجد الاخوات للاب والام أو للاب منفردا فمذهبنا أن حكمهن حكم الاخوة مع الجد فيقاسمهن ويكون المال بينه وبينهن للذكر مثل حظ الانثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا نقصته عن الثلث أفرد بثلث جميع المال، وبه قال زيد بن ثابت. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: يفرض للاخوات فرضهن، ويكون الباقي للجد، ودليلنا أنها فريضة جمعت أبا أب وولد أب فوجب أن لا يأخذ ولد الاب بالفرض كما لو كان مع الجد إخوة واخوات لاب وأم أو للاب، فإن الجد يقاسمهم للذكر مثل حظ الانثيين ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإذا انقصته عن ذلك فرض له الثلث كما ذكرنا والله اعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كانت المقاسمة تنقص الجد من الثلث بأن زاد الاخوة على اثنين والاخوات على اربع فرض للجد الثلث وقسم الباقي بين الاخوة والاخوات لانا قد دللنا على انه يقاسم الواحد، ولا خلاف انهم لا يقاسمونه ابدا فكان التقدير بالاثنين اشبه بالاصول، فإن الحجب إذا اختلف فيه الواحد والجماعة وجب التقدير فيه بالاثنين كحجب الام من الثلث، وحجب البنات لبنات الابن وحجب الاخوات للاب والام للاخوات للاب، ولا يعاد ولد الاب والام الجد بولد الاب في هذا الفصل، لان المعاذة تحجب الجد ولا سبيل إلى حجبه عن الثلث. (فصل) وان اجتمع مع الجد والاخوة من له فرض اخذ صاحب الفرض فرضه وجعل للجد أوفر الامرين من المقاسمة أو ثلث الباقي ما لم ينقص عن سدس

جميع المال لان الفرض كالمستحق من المال فيصير الباقي كأنه جميع المال، وقد بينا أن حكمه في جميع المال أن يجعل له أوفر الامرين من المقاسمة أو ثلث المال فكذلك فيما بقى بعد الفرض، فإن نقصته المقاسمة أو ثلث الباقي عن السدس فرض له السدس لان ولد الاب والام ليس بأكثر من ولد الصلب، ولو اجتمع الجد مع ولد الصلب لم ينقص حقه من السدس، فلان لا ينقص مع ولد الاب والام أولى. وإن مات رجل وخلف بنتا وجدا وأختا فللبنت النصف والباقى بين الجد والاخت، للذكر مثل حظ الانثيين، وهى من مربعات عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فإنه قال: للبنت النصف والباقى بين الجد والاخت نصفان، وتصح من أربعة، وإن ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وجدا فللزوج النصف وللام الثلث والباقى للجد وهو السدس، وهى من مربعات عبد الله رضى الله عنه لانه يروى عنه أنه قال: للزوج النصف والباقى بين الجد والام نصفان. وتصح من أربعة. هذا خطأ. لان الجد أبعد من الام فلم يجز أن يحجبها كجد الاب مع أم الاب. وإن مات رجل وخلف زوجة وأما وأخا وجدا فللزوجة الربع وللام الثلث والباقى بين الجد والاخ نصفان، وتصح من أربعة وعشرين، للزوجة ستة أسهم وللام ثمانية والباقى بين الجد والاخ لكل واحد منهما خمسه، وهى من مربعات عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فانه روى عنه أنه جعل للزوجة الربع وللام ثلث ما بقى والباقى بين الجد والاخ نصفان وتصح من أربعة، للزوجة سهم وللام سهم وللاخ سهم وللجد سهم وإن مات رجل وخلف امرأة وجدا وأختا، فللمرأة الربع والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين وتعرف بالمربعة، لان مذهب زيد ما ذكرناه ومذهب أبى بكر وابن عباس رضى الله عنهما: للمرأة الربع، والباقى للجد. ومذهب علي وعبد الله رضى الله عنهما: للمرأة الربع وللاخت النصف والباقى للجد واختلفوا فيها على ثلاثة مذاهب واتفقوا على القسمة من أربعة. وإن مات رجل وخلف أما وأختا وجدا، فللام الثلث، والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل

حظ الانثيين، وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها، فان زيدا ذهب إلى ما قلناه وذهب أبو بكر وابن عباس رضى الله عنهما إلى أن للام الثلث والباقى للجد. وذهب عمر إلى أن للاخت النصف وللام ثلث الباقي وهو السدس والباقى للجد وذهب عثمان رضى الله عنه إلى أن للام الثلث والباقى بين الجد والاخت نصفان وتصح من ثلاثة. وذهب علي عليه السلام إلى أن للاخت النصف وللام الثلث والباقى للجد، وعن ابن مسعود روايتان: إحداهما مثل قول عمر رضى الله عنه، والثانية للاخت النصف والباقى بين الام والجد نصفان، وتصح من أربعة وتعرف بمثلثة عثمان ومربعة عبد الله رضى الله عن الجميع (فصل) ولا يفرض للاخت مع الجد الا في مسألة واحدة وهى: إذا ماتت امرأة وخلفت زوجا وأما وأختا وجدا، فللزوج النصب وللام الثلث وللاخت النصف وللجد السدس. وأصلها من ستة وتعول إلى تسعه، ويجمع نصف الاخت وسدس الجد فيقسم بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، وتصح من سبعة وعشرين، للزوج تسعة وللام ستة وللجد ثمانية وللاخت أربعة، لانه لا بد من أن يعطى الزوج النصف لانه ليس ههنا من يحجبه، ولا بد من أن تعطى الام الثلث لانه ليس ههنا من يحجبها، ولا بد من أن يعطى الجد السدس لان أقل حقه السدس، ولا يمكن اسقاط الاخت لانه ليس ههنا من يسقطها ولا يمكن أن تعطى النصف كاملا، لانه لا يمكن تفضيلها عن الجد، فوجب أن يقسم مالهما بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، وتعرف هذه المسألة بالاكدرية لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الاكدر فنسبت إليه وقيل سميت أكدرية لانها كدرت على زيد أصله لانه لا يعيل مسائل الجد وقد أعال ولا يفرض للاخت مع الجد وقد فرض، فان كان مكان الاخت في الاكدرية أخ لم يرث لان للزوج النصف وللام الثلث وللجد السدس، ولا يجوز أن يشارك الجد في السدس لان الجد يأخذ السدس بالفرض، والاخ لا يرث بالفرض وانما يرث بالتعصيب ولم يبق ما يرثه بالتعصيب فسقط. وبالله التوفيق.

(الشرح) الاحكام: إذا اجتمع مع الجد والاخوة من له فرض وهم ستة: البنت وبنت الابن والزوج والزوجة والام والجدة فان صاحب الفرض يعطى فرضه ويكون للجد أوفى ثلاثة أشياء: المقاسمة. أو ثلث ما يبقى أو سدس جميع المال، وإن كان الفرض أقل من نصف جميع المال فثلث ما يبقى خير له من السدس فيكون له الاحظ من المقاسمة أو ثلث ما يبقى، وإن كان الفرض النصف فثلث ما يبقى والسدس واحد، وإن كان الفرض أكثر من النصف فالسدس أكثر من ثلث ما يبقى فيكون للجد الاحظ من المقاسمة أو السدس إذا ثب هذا فمات الرجل وخلف بنتا وأختا لاب وأم وجدا فللبنت النصف والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين. والمقاسمة ههنا خير للجد هذا مذهبنا، وبه قال زيد بن ثابت وقال علي بن أبي طالب: للبنت النصف وللجد السدس والباقى للاخت دليلنا: أنه فريضة جمعت أبا أب وولد أب فاشتركا في الفاضل من فرض ذوى السهام كما لو كان بدل الاخت أخا مع البنت والجد (فرع) زوج وجد وأم فالتركة من ستة: للزوج ثلاثة وللام الثلث سهمان وللجد سهم وبه قال زيد بن ثابت. فان كان بدل الزوج زوجة كان لها الربع وللام الثلث الباقي للجد وروى عن عمر روايتان (إحداهما) أن للزوج النصف وللام ثلث ما بقى والباقى للجد (والثانية) للزوج النصف وللام السدس والباقى للجد. ويفيد اختلاف الروايتين إذا كان مكان الزوج زوجة، فعلى إحدى الروايتين يكون للزوجة الربع وللام الثلث مما بقى للجد وروى عن ابن مسعود ثلاث روايات، روايتان كروايتي عمر، والثالثة للزوج النصف والباقى بين الجد والام، فيكون على هذه الرواية من مربعات ابن مسعود. وإن مات رجل وخلف زوجة وأما وأخا وجدا كان أصلها من إثنى عشر: للزوجة ثلاثة وللام أربعة وللاخ وللجد ما بقى وهى خمسة. وتصح من أربعة وعشرين وهى من مربعات ابن مسعود فانه قال: للزوجة الربع وللام ثلث ما بقى وللاخ سهمان. وإن خلف رجل زوجه وأختا وجدا كان للزوجة الربع سهم من أربعه

والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين، ويصح من أربعه، وبه قال زيد بن ثابت. وقال أبو بكر وابن عباس: للزوجه الربع والباقى للجد. وقال عمر وابن مسعود: للزوجه الربع سهم من أربعه، وللاخت النصف سهمان وللجد ما بقى وهو سهم وتعرف هذه المسألة بالمربعة، فانهم اختلفوا في قدر ما يرث كل واحد من الجد والاخت واتفقوا على أن أصلها من أربعه. (فرع) وإن مات رجل وخلف أما وأختا وجدا فهذه تسمى الخرقاء لتخرق أقاويل الصحابة فيها. قال ابن بطال (لعلها مأخوذة من الخرق، وهى الارض الواسعه) وأن فيها سبعة أقاويل فأبو بكر وابن عباس وعائشة وهم من قالوا إن الجد مسقط للاخوة، فللام الثلث والباقى للجد ويسقط الاخت. وعن عمر فيها روايتان (إحداهما) للاخت النصف وللام السدس والباقى للجد (والثانيه) أن للاخت النصف وللام ثلث ما يبقى والباقى بين الجد والاخت نصفا. وعن ابن مسعود فيها ثلاث روايات، روايتان مثل روايتي عمر والثالثه للاخت النصف والباقى بين الجد والام نصفان، فيكون على هذه الرواية من مربعته. وعن عثمان يقسم المال كله على ثلاثة للام سهم وللاخت سهم وللجد سهم. وقال على للام الثلث وللاخت النصف وللجد السدس، وقال زيد بن ثابت للام الثلث والباقى بين الجد والاخت للذكر مثل حظ الانثيين. وتصح من تسعه، وبه قال الشافعي وأصحابه. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه، وليس يقال لاحد من الاخوة والاخوات مع الجد الا في الاكدريه، وهو زوج وأم وأخت لاب وأم أو لاب وجد، وقد اختلف الصحابة رضى الله عنهم فيها، فذهب أبو بكر وابن عباس أن للزوج النصف وللام الثلث والباقى للجد، وتسقط الاخت. وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللاخت النصف وللجد السدس فيعول إلى تسعه، فتأخذ الاخت ثلاثه. وقال زيد بن ثابت تعول إلى تسعه كما قال على، ولكن يجمع الثلاثه التى للاخت والسهم الذى للجد فتصير أربعة، فيقسمان للذكر مثل حظ الانثيين. وتصح من سبعه وعشرين للزوج وللام سته وللجد

ثمانية وللاخت أربعة، وبهذا قال الشافعي وأصحابه، وإنما كان كذلك لانه ليس ههنا من يحجب الزوج عن النصف ولا من يحجب الام عن الثلث، ولا يمكن أن ينتقص الجد عن السدس لان الابن لا يسقط عنه فهؤلاء أولى، وقد استكملت الفريضة ولا سبيل إلى إسقاط الاخت لانه ليس ههنا من يسقطها ففرض لها النصف، ولا يمكن أن يأخذ جميعه لانه لا يجوز تفضيلها على الجد فوجب أن يجتمع نصيبها ويقسماه للذكر مثل حظ الانثيين، كما قلنا في غير هذا الموضع. وإختلف الناس لاى معنى سميت أكدرية، فروى عن الاعمش أنه قال إنما سميت أكدرية لان عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له أكدر فذكر له اختلاف الصحابة فيها فنسبت إليه. وقيل سميت أكدرية لانها كدرت على زيد أصله، لانه لا يفرض للاخوات مع الجد وقد فرض لها ههنا، ولا يعيل مسائل الجد وقد أعال ههنا. وقال ابن بطال يقال إنه اسم المرأة في المسألة فنسبت إليها، وإن كان بدل الاخت أخا فإن للزوج النصف وللام الثلث وللجد السدس، ويسقط الاخ لان الاخ له تعصيب محض ولا يمكن أن يفرض له. ولم يبق في الفريضة شئ فسقط وإن كان هناك زوج وأم وأختان وجد فليست بأكدرية، بل للزوج النصف وللام السدس والباقى بين الجد والاختين للذكر مثل حظ الانثيين، فيصح من إثنى عشر، فإن كان هناك زوج وأم وبنت وأخت وجد كان أصلها من إثنى عشر للزوج ثلاثة وللبنت سته، وللام سهمان وللجد سهمان ولا شئ للاخت لان المسألة قد عالت ولا يفرض لها لانها انما تأخذ مع البنت بالتعصيب ولا تعصيب ههنا (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه والاخوة للاب والام معادون الجد بالاخوة والاخوات للاب. وجملة ذلك أنه إذا اجتمع جد وأخ لاب وأم وأخ لاب فان الاخ للاب والام يعاد الجد بالاخ للاب فيقسم المال بينهم على ثلاثة لكل واحد سهم ثم يرجع الاخ للاب والام فيأخذ سهم الذى بيد الاخ للاب، وبه قال زيد بن ثابت ومالك بن أنس. وذهب على وابن مسعود إلى أن الاخ للاب يسقط ويكون المال بين الجد والاخ للاب والام نصفين

دليلنا أن الجد إذا حجب بأخوين وارثين جاز أن يحجب بأخوين أحدهما وارث والآخر غير وارث، كالام تحجب بالاخوين أحدهما لاب والآخر لاب وأم، فإن كان هناك أخ لاب وأم وأخت لاب وجد عاد الاخ للاب والام الجد بالاخت للاب فيقسم المال على خمسة، للجد سهمان وللاخ للاب والام سهمان وللاخت سهم، ثم يرجع الاخ فيأخذ سهم الاخت، وان كان هناك أخوات لاب وأم وأخ لاب وجد ولا حاجة ههنا إلى المعادة لان الجد لا يجوز أن ينقص عن الثلث. (فرع) وان اجتمع أخت لاب وأم وأخت لاب وجد كان المال بينهم على أربعة أسهم، للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم تأخذ الاخت للاب والام السهم الذى بيد الاخت للاب وقد حصل معها نصف المال، وان كان هناك أخت لام وأب وأخ لاب وجد كان المال بينهم على خمسة، للجد سهمان وللاخت سهم وللاخ سهمان ثم تأخذ الاخت من الاخ تمام النصف وهو سهم ونصف: لانه لا يجوز أن ترث أكثر من نصف المال. فبضرب الخمسة في اثنين فتصبح من عشرة للجد اثنان في اثنين فذلك أربعة وللاخت سهمان ونصف في اثنين فذلك خمسة وللاخ النصف في اثنين فذلك سهم، وتعرف هذه المسألة بعشرية زيد، لانه يبقى للاختين سهم من عشرة فتضرب في العشرة اثنين فذلك عشرون، وتعرف بالعشرينيه. وان اجتمع مع الجد والاخوة للاب والام والاخوة للاب من له فرض كان الحكم فيه حكم ما لو كان للجد والاخوة للاب والام من له فرض في أن يجعل للجد الاوفر من المقاسمه بعد الفرض أو ثلث ما يبقى أو سدس جميع المال ويعاد الاخوة للاب والام الجد بالاخوة للاب على ما ذكرنا. والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتاب النكاح

قال المصنف رحمه الله: كتاب النكاح النكاح جائز لقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولما روى علقمة عن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) . (الشرح) قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم مرتبط بأول الآية (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خقتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) . قال الشافعي رضى الله عنه: أن لا يكثر عيالكم، فدل على أن قلة العيال أدنى وقيل: قد قال الشافعي ذلك وخالف جمهور المفسرين وقالوا: معنى الآية: ذلك أدنى أن لا تجوروا ولا تميلوا، فانه يقال: عال الرجل يعول عولا إذا مال وجار ومنه عول الفرائض، لان سهامها زادت: ويقال عال يعيل عيلة إذا احتاج. قال تعالى ((وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) . وقال الشاعر: وما يدرى الفقير متى غناه * وما يدرى الغنى متى يعيل قال ابن القيم: وأما كثرة العيال فليس من هذا ولا من هذا أي لا من الفقر ولا من الجور قلت: إن ما ذكره الشافعي لغة حكاها الفراء عن الكسائي قال: ومن الصحابة من يقول: عال يعول إذا كثر عياله، قال الكسائي وهى لغة فصيحة سمعتها من العرب، على أن قصد المصنف من سوق الآية هو الاستشهاد بها على جواز النكاح، وسنعود إليه. أما حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود فقد رواه أصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده، وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن سعد بن أبى وقاص قال

((رد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس (أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال بعضهم: لا أتزوج، وقال بعضهم: أصلى ولا أنام، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بال اقوام قالوا كذا وكذا، لكنى اصوم وافطر، واصلي وانام، واتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) وفى مسند احمد وصحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لى ابن عباس: هل تزوجت، قلت: لا، قال: تزوج فان خير هذه الامة اكثرها نساء. وفى سنن الترمذي وابن ماجه عن قتادة عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عن التبتل) وقرأ قتادة (ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية) قال الترمذي: إنه حسن غريب قال: وروى الاشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: كلا الحديثين صحيح. (قلت) وفى سماع الحسن من سمرة خلاف مشهور مضى في غير موضع، وحديث عائشة الذى ذكره الترمذي رواه النسائي ايضا، وفى مسند الفردوس عن ابن عمر مرفوعا (حجوا تستغنوا، وسافروا تصحوا، وتناكحوا تكثروا فانى اباهى بكم الامم) وفى إسناده محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن البيلمانى وهما ضعيفان، ورواه البيهقى عن الشافعي انه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط، ورواه البيهقى عن ابى امامة بلفظ (تزوجوا فانى مكاثر بكم الامم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى) وفى اسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف، وعند الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة عن حرملة بن النعمان بلفظ (امرأة ولود احب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، انى مكاثر بكم الامم يوم القيامة) وقد ضعف اسناده ابن حجر، وعند ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (النكاح من سنتى، فمن لم يعمل بسنتى فليس منى، وتزوجوا فانى مكاثر بكم الامم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء) وفى اسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف.

وفى مسلم عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (الدنيا متاع وخير متاعها لمرأة الصالحة) وعند النسائي والطبراني بإسناد حسن عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (حبب إلى من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عينى في الصلاة) وعند الترمذي والدارقطني والحاكم عن أبى هريرة مرفوعا (ثلاثة حق على الله إعانتهم، المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الاداء) وعند الحاكم عن أنس بلفظ (من رزقة الله إمرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني) . قال ابن حجر: وإسناده ضعيف وروى بلفظ (من تزوج إمرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة) وفى إسناده زيد العمى وهو ضعيف. وعند أبى داود والحاكم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ (ألا أخبركم بخير ما يكن المرء؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها اطاعته) وعند الترمذي نحوه بإسناد منقطع، وعند البغوي في معجم الصحابة بلفظ (من كان موسرا فلم ينكح فليس منا) ورواه البيهقى وقال: هو مرسل، وكذا جزم به أبو داود والدولابى. وقد روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس (لم ير المتحابين مثل التزويج) وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه والطبراني من رواية عطاء عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا (لا صرورة في الاسلام) ولا رواية لعطاء عن عكرمة ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز، وهو مجهول أو عمرو بن أبى الجوار، والصرورة الذى لم يتزوج والذى لم يحج، وعند الحاكم من حديث عياض بن غنم مرفوعا (لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإنى مكاثر بكم الامم) وإسناده ضعيف وقد قال ابن حجر في الفتح: وفيه أيضا عن الصنابح بن الاعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان ومعاوية بن حيدة. أما لغات الفصل وغريبه، فإن الباءة بالد النكاح والتزوج وقد تطلق الباءة على الجماع نفسه، ويقال أيضا: الباهة والباه بالالف مع الهاء وابن قتيبة يجعل هذه الاخيرة تصحيفا وليس كذلك، بل حكاه الازهرى عن ابن الانباري،

وبعضهم يقول الهاء مبدلة من الهمزة يقال: فلان حريص على الباءة والباء والباه بالهاء والقصر أي على النكاح. قال ابن الانباري: الباه الواحدة والباء الجمع ثم حكاها الازهرى عن ابن الاعرابي أيضا ويقال إن الباءة هو الموضع الذى تبوء إليه الابل ثم جعل عبادة عن المنزل ثم كنى به عن الجماع إما لانه لا يكون إلا في الباءة غالبا أو لان الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن كما يتبوأ من داره، وقوله عليه الصلاة والسلام (من استطاع منكم الباءة) على حذف مضاف والتقدير من وجد مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع أي من لم يجد أهبة فعليه بالصوم، وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطئ. قال أبو العلاء المعرى. والباء مثل الباء يخ * - فض للدناءة أو يجر قال ابن حجر: ولا مانع من الحمل على المعنى الاعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطئ ومؤن التزويج، وقد وقع في رواية عند الاسماعيلي من طريق أبى عوانه بلفظ (من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج) وفى رواية للنسائي (من كان ذا طول فلينكح) وقوله (اغض للبصر وأحصن للفرج) أي أشد غضا للبصر وأشد إحصانا ومنعا من الفاحشه، وقوله (فعليه) قيل هذا من إغراء الغائب، ولا تكاد العرب تغرى إلا الشاهد، تقول عليك زيدا، ولا تقول عليه زيدا. قال الطيبى وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهى عبارة عن المخاطبين في قوله (يا معشر الشباب) والشباب جمع شاب. قال الازهرى لم يجمع فاعل على فعال غيره، وبيان لقوله (منكم) جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب، وأجاب القاضى عياض بأن الحديث ليس فيه اغراء الغائب، بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله (من استطاع منكم) وقد استحسنه القرطبى والحافظ ابن حجر، وقوله: وجاء بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه أذا غمزه، ووجأه بالسيف إذا طعنه به، ووجأ أنثييه غمزهما حتى رضهما وتسمية الصيام وجاء استعارة، والعلاقه المشابهة،

لان الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالصوم. وقد يقال: إن الصوم بما فيه من عبادة في ذاته وفيما يلابسه من ترك لشهواته الحسية والمعنوية فإنه صارف عن مقارفة الشهوات أو التجانف للمآثم، وهو بما يحيط بالمرء من فيض نور الطاعة وقاية من الفحشاء أي وقاية. (أما الاحكام) فان النكاح مشروع بالكتاب والسنة كما أوردنا من نصوصهما وقد اختلف الفقهاء في كونه واجبا أو جائزا فمذهبنا جوازه، وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل رضى الله عنه إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه. وحكى عن داود أنه واجب في العمر مرة واحدة للآية والخبر. دليلنا أن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابه بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة، وقال. مثنى وثلاث ورباع. ولا يجب ذلك بحال بالاتفاق. قالت عائشة رضى الله عنها كانت مناكح أهل الجاهلية على أربعة أقسام. (أحدها) مناكح الرايات وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية لتعرف أنها عاهرة، فيأتيها الناس. (والثانى) أن الرهط من القبيله أو الناحية كانوا يجتمعون على وطئ إمرأة لا يخالطهم غيرهم، فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم (الثالث) نكاح الاستخبار، وهو ان المرأة إذا ارادت ان يكون ولدها كريما بذلت نفسها لعدة من فحول القبائل ليكون ولدها كأحدهم (الرابع) النكاح الصحيح وهو الذى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولدت من نكاح لا سفاحا، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد قبل النبوة من عمها ورقة بن نوفل، وكان الذى خطبها له عمه ابو طالب وخطب فقال الحمد لله الذى جعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا وجعلنا سدنته، وهذا محمد قد علمتم مكانه من العقل والنبل، وان كان في المال قل، الا ان المال ظل زائل،

وعارية مسترجعة. وما أردتم من المال فعلى، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك، فزوجها منه عمها. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا يصح النكاح إلا من جائز التصرف. فأما الصبى والمجنون فلا يصح منهما عقد النكاح لانه عقد معاوضة فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع. وأما المحجور عليه لسفه فلا يصح نكاحه بغير إذن الولى لانه عقد يستحق به المال فلم يصح منه من غير اذن الولى ويصح منه بإذن الولى لانه لا يأذن له إلا فيما يرى الحظ فيه. وأما العبد فلا يصح نكاحه بغير إذن المولى لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل) ولانه بالنكاح تنقص قيمته ويستحق بالمهر والنفقة كسبه، وفى ذلك إضرار بالمولى فلم يجز من غير إذنه، ويصح منه باذن المولى لانه لما أبطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه بغير إذنه دل على أنه يصح باذنه، ولان المنع لحق المولى فزال باذنه. (فصل) ومن جاز له النكاح وتاقت نفسه إليه وقدر على المهر والنفقة فالمستحب له أن يتزوج لحديث عبد الله، ولانه أحصن لفرجه وأسلم لدينه، ولا يجب ذلك لما روى ابراهيم بن ميسرة رضى الله عنه عن عبيد بن سعد يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ أحب فطرتي فليستن بسنتى، ومن سنتى النكاح) ولانه ابتغاء لذة تصبر النفس عنها فلم يجب كلبس الناعم وأكل الطيب، ومن لم تق نفسه إليه، فالمستحب له أن لا يتزوج لانه تتوجه عليه حقوق هو غنى عن التزامها ويحتاج أن يشتغل عن العبادة بسببها، وإذا تركه تخلى للعبادة فكان تركه أسلم لدينه. (الشرح) حديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه. قال الترمذي (لا يصح انما هو عن جابر، ورواية جابر عند أحمد وأبى داود والترمذي وحسنه بلفظ. (أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) أما حديث عبيد بن سعد فأصح طرقه رواينا عائشة وأنس في الرهط الذين

جاءوا إلى البيت، وقد مضى تخريجه. أما الاحكام فإنه لا يصح النكاح إلا من حر بالغ عاقل مطلق التصرف. فأما العبد فلا يصح نكاحه بغير إذن السيد. وأما الصبى والمجنون فلا يصح نكاحهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه عقد معاوضة فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع. وأما السفيه فلا يصح نكاحه بغير إذن الولى، لانه لا يأذن له إلا فيما فيه مصلحة من ذلك (فرع) النكاح مستحب غير واجب عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ في المشهور من مذهبه وأكثر أهل العلم وقال داود بن على الظاهرى: هو واجب على الرجل والمرأة مرة في العمر دليلنا كما قلنا قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء فعلقه بالاستطابة وما كان واجبا لا يتعلق بالاستطابة. وروى أبو أيوب الانصاري إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أربع من سنن المرسلين: الختان والتعطر والسواك والنكاح) وقوله (من أحب فطرتي) فعلقه على المحبة وسماه سنة، فإذا أطلقت السنة اقتضت المندوب إليه. وروى أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فبين لها ذلك، فقالت لا والله لا تزوجت أبدا، فلو كان النكاح واجبا لانكر عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وروى أن جماعة من الصحابة ماتوا ولم يتزوجوا ولم ينكر عليهم إذا ثبت هذا فالناس في النكاح على أربعة أضرب: ضرب تتوق نفسه إليه، أي اشتاقت ويجد أهبته وهو المهر والنفقة وما يحتاج إليه، فيستحب له أن يتزوج لما رواه عبد الله بن مسعود حديث (يا معشر الشباب) والضرب الثاني: من تتوق نفسه إلى الجماع ولا يقدر على المهر والنفقة فالمستحب له أن لا يتزوج، بل يتعاهد نفسه بالصوم فإنه له وقاية. ولا يشغل ذمته بالمهر والنفقة. والضرب الثالث: من لا تتوق نفسه إلى الجماع ويريد التخلي إلى عبادة الله تعالى فيستحب له أن لا يتزوج، لانه يلزم ذمته حقوقا هو مستغن عن التزامها

والضرب الرابع، من لا تتوق نفسه وهو قادر على المهر والنفقة ولا يريد العبادة فهل يستحب له أن يتزوج؟ فيه قولان حكاهما العمرانى في الفروع، (أحدهما) لا يستحب له أن يتزوج لانه يشغل ذمته بما لا حاجة به إليه. (والثانى) يستحب له لقوله صلى الله عليه وسلم (من أحب فطرتي فليستن بسنتى، ومن سنتى النكاح. وقال أبو حنيفة النكاح مستحب بكل حال، وبه قال بعض أصحابنا، بل قال أبو عوانة الاسفرايينى من محدثي أصحاب الشافعي (انه يجب للثائق إليه القادر على مؤنته) وصرح به في صحيحه، ونقله المصعبى في شرح مختصر الجوبنى وجها وقال ابن حزم في المحلى وفرض على كل قادر على الوطئ إن وجد ما يتزوج به أو يتسرى أن يفعل أحدهما، فإن لم يجد فليكثر من الصوم، وهو قول جماعة من السلف. انتهى. وقال الماوردى من أصحابنا الذى نطق به مذهب مالك أنه مندوب، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به. وقال القاضى عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل، ولو لم يكن في الوطئ شهوة، وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطئ. فأما من لا نسل له ولا إرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت. وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم (لا رهبانيه في الاسلام) قال الحافظ بن حجر ولم أره بهذا اللفظ. لكن في حديث سعد بن أبى وقاص عند الطبراني (إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفيه السمحه) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والمستحب أن لا يتزوج إلا ذات دين لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تنكح المرأة لاربع، لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولا يتزوج إلا ذات عقل، لان القصد بالنكاح العشرة وطيب العيش، ولا يكون ذلك الا مع ذات عقل، ولا يتزوج إلا من يستحسنها لما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (إنما النساء لعب، فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها) (فصل) وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الانصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انظر إليها فإن أعين الانصار شيئا) ولا ينظر إلى ما سوى الوجه والكفين لانه عورة، ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه، لانه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها. ولهذا قال عمر رضى الله عنه (لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن) ويجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى وجه الآخر عند المعاملة، لانه يحتاج إليه للمطالبة بحقوق العقد والرجوع بالعهدة. ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها في التحمل والاداء. ويجوز لمن اشترى جارية أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها للحاجة إلى معرفتها ويجوز للطبيب أن ينظر إلى الفرج للمداواة لانه موضع ضرورة فجاز له النظر إلى الفرج كالنظر في حال الختان. وأما من غير حاجة فلا يجوز للاجنبي أن ينظر إلى الاجنبية، ولا للاجنبية أن تنظر إلى الأجنبي، لقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) وروت أم سملة رضى الله عنها قالت: كنت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده ميمونة، فأقبل ابن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجبن عنه، فقلت (يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال أفعمياوان أنتما أليس تبصرانه؟) وروى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الفضل فاستقبلته جارية من خثعم فلوى عنق الفضل، فقال أبوه العباس: لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ رَأَيْتُ شَابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما) ولا يجوز النظر إلى الامرد من غير حاجة لانه يخاف الافتتان به كما يخاف الافتتان بالمرأة

(فصل) ويجوز لذوى المحارم النظر إلى ما فوق السرة ودون الركبة من ذوات المحارم لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال) ويجوز للرجل أن ينظر إلى ذلك من الرجل وللمرأة أن تنظر إلى ذلك من المرأة لانهم كذوى المحارم في تحريم النكاح على التأييد فكذلك في جواز النظر. واختلف أصحابنا في مملوك المرأة، فمنهم من قال هو محرم لها في جواز النظر والخلوة، وهو المنصوص لقوله عز وجل (أو ما ملكت أيمانهن) فذكره مع ذوى المحارم في إباحة النظر. وروى أنس رضى الله عنه قال (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة غلاما فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الغلام فتقنعت بثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك) ومنهم من قال ليس بمحرم، لان المحرم من يحرم على التأييد، وهذا لا يحرم على التأييد فلم يكن محرما، واختلفوا في المراهق مع الاجنبية، فمنهم من قال هو كالبالغ في تحريم النظر لقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) فدل على أنه لا يجوز لمن ظهر على عورات النساء، ولانه كالبالغ في الشهوة فكان كالبالغ في تحريم النظر. ومن أصحابنا من قال يجوز له النظر إلى ما ينظر ذو محرم، وهو قول أبى عبد الله الزبيري لقوله عز وجل (وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا) فدل على أنهم إذا لم يبلغوا الحلم لم يستأذنوا، (فصل) ومن تزوج امرأة أو ملك جارية يملك وطأها فله أن ينظر منها إلى غير الفرج، وهل يجوز أن ينظر إلى الفرج؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (النظر إلى الفرج يورث الطمس) (والثانى) يجوز، وهو الصحيح، لانه يملك الاستمتاع به فجاز له النظر إليه كالفخذ وإن زوج أمته حرم عليه النظر إلى مابين السرة والركبة لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة والركبة)

(الشرح) حديث أبى هريرة رواه الشيخان وأحمد في مسنده وأصحاب السنن ما عدا الترمذي، وحديث أنس رواه أبو داود والبيهقي وابن مردويه وفى إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمى البصري، قال ابن معين ثقة، وقال أبو زرعة الرازي: بصرى لين الحديث. وقوله (إذا قنعت) بفتح النون المشددة سترت وغطت. وأما حديث النظر إلى الفرج يورث الطمس، فقد مضى في العبادات في ستر العورة وضعفه النووي وغيره، وكذلك حد العورة من الجارية مضى في ستر العورة فليراجع. أما غريبه فقوله (لاربع) أي لاجل أربع، وقوله (لحسبها) بفتح الحاء والسين أي شرفها، والحسب في الاصل الشرف بالآباء وبالاقارب مأخوذ من الحساب، لانهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم فان زاد عدده على غيره، وقيل المراد بالحسب هنا الافعال الحسنة، وقيل المال، وهو مردود بذكره قبله، ويؤخذ من الحديث أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا ان تعارض نسيبة غير ذات دين، وغير نسيبة ذات دين، فتقدم ذات الدين، وهكذا كل الصفات وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه (إن أحساب أهل الدنيا الذى يذهبون إليه المال) فقال ابن حجر: يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له، ومنه حديث سمرة يرفعه (الحسب المال والكرم التقوى) أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم. قوله (وجمالها) يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة، ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات، قوله (فاظفر بذات الدين) فيه دليل على أن اللائق بذى الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شئ لاسيما فيما تطول صحبته كالزوجه وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي يرفعه (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لاموالهن فعسى أموالهن أن تطغبهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولامة سوداء ذات دين أفضل)

والحديث يكشف البشر وما استقر في طباعهم من قصد هذه الخصال الاربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها الحصيف بذات الدين تربت يداك أي لصقت بالتراب وهى كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة. وحكى ابن العربي أن المعنى: استغنت يداك، ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى، وترب إذا افتقر، وقيل: معناه ضعف عقلك، وقيل: افتقرت من العلم وقيل: فيه شرط مقدر أي وقع ذلك لك إن لم تفعل ورجحه ابن العربي. وحديث إنما النساء لعب مضى تخريجه. أما حديث أبى هريرة فقد رواه أحمد والنسائي، وأخرجه مسلم من حديث أبى حازم عنه ولفظه (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج إمرأة من الانصار فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الانصار شيئا) أما حديث أم سلمة فقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان وفى إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق، وقد روى مالك في موطئه عن عائشة أنها احتجبت من أعمى فقيل لها: إنه لا ينظر اليك قالت: لكنى أنظر إليه. أما حديث على كرم الله وجهه فقد أخرجه الترمذي وصححه، ورواه البخاري من حديث عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه، وفيه قصة المرأة الخثعمية التى سألته صلى الله عليه وسلم عن أمها التى لم تحج، وقد مضى في كتاب الحج تفصيله وطرقه وفحواه. أما الاحكام: فإنه يستحب له أن يتزوج ذات العقل، لان القصد بالنكاح طيب العيش معها ولا يحصل ذلك مع من لا عقل لها، ويستحب له أن يتزوج بكرا لما روى جابر قال: تزوجت إمرأة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: بكرا أم ثيبا؟ فقلت له ثيبا، فقال هلا جارية بكرا تلاعبها وتلاعبك إلخ الحديث، ويستحب له أن لا يتزوج إلا من

يستحسنها لحديث (فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها) ويستحب له أن يتزوج ذات نسب لحديث تنكح المرأة الاربع ولقوله صلى الله عليه وسلم (تخيروا لطفكم) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم وخضراء الدمن، قيل وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) . والاولى أن يتزوج من غير عشيرته لان الشافعي رضى الله عنه قال إذا تزوج الرجل من عشيرته فالغالب على ولده الحمق، ومن المقرر في علم الاجناس أن من أسباب انقراض الجنس حصره في أسرة واحدة فان ذلك يفضى بتدهور السلالات وضعف النسل، ويستحب له أن يتزوج الولود، لقوله صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تكثروا) وقوله صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الولود الودود) وقوله صلى الله عليه وسلم (سوداء ولود خير من حسناء عقيم) ويستحب له أن يتزوج في شوال، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شوال، وبنى بى في شوال، فكانت عائشة رضى الله عنها تستحب أن يبتنى بنسائها في شوال. (فرع) ويجوز للحر أن يجمع بين أربع زوجات حرائر، ولا يجوز له أن يجمع بين أكثر من أربع لقوله: مثنى وثلاث ورباع، قال الصيمري من أصحابنا إلا أن المستحب أن لا يزيد على واحدة لاسيما في زماننا هذا أي في زمان الصيمري وقال القاسم وشيعته (القاسمية) يجوز أن يجمع بين تسع ولا يجوز له أكثر من ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات عن تسع زوجات، ولان قوله تعالى (مثنى وثلاث ورباع فيكون المجموع تسعا. وذهبت طائفة من الرافضة إلى أنه يتزوج أي عدد شاء. دليلنا أن غيلان بن سلمة الثقفى أسلم وتحته عشر نسوة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امسك منهن أربعا وفارق سائرهن. وروى عن نوفل بن معاوية قال: اسلمت وتحتي خمس نسوة فقال لى النبي صلى الله عليه وسلم (امسك اربعا منهن وفارق واحدة منهن. واما الآية فالمراد بها التخيير بين الاثنتين والثلاث والاربع، ولم يرد به الجمع، كقوله تعالى (اولى اجنحة مثنى وثلاث ورباع في صفة الملائكه

وتقول. جاء في القوم مثنى وثلاث ورباع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان مخصوصا بذلك، وما روى أن أحدا من الصحابة جمع بين أكثر من اربع زوجات. (فرع) وإذا أراد الرجل خطبة إمرأة جاز له النظر منها إلى ما ليس بعورة منها وهو وجهها وكفاها بإذنها وبغير اذنها ولا يجوز له أن ينظر إلى ما هو عورة منها وبه قال مالك وأبو حنيفة. وحكى عن مالك أنه لا يجوز له ذلك الا بإذنها. وقال المزني: لا يجوز أن ينظر إلى شئ منها. وقال داود بن على: يجوز له أن ينظر إلى جميع بدنها إلا إلى فرجها. دليلنا على المزني حديث أبى هريرة مرفوعا (أنظر إليها فإن في أعين الانصار شيئا) . وروى عن المغيرة بن شعبة قال: أردت أن أنكح إمرأة من الانصار فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (اذهب فانظر إليها فانه أحرى يؤدم بينكما قال فذهبت فأخبرت أباها بذلك، فذكر أبوها ذلك لها فرفعت الخدر فقالت: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن لك أن تنظر فانظر، وإلا فإنى أخرج عليك ان كنت تؤمن بالله ورسوله. وأما الدليل على داود فقوله تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قبل في التفسير: الوجه والكفان، وظاهر الاية يقتضى أنه لا يجوز للمرأة أن تبدى الا وجهها وكفيها. وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ تزويج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها، فدل على أنه لا يجوز له النظر إلى غير ذلك، ولان ذلك يدل على سائر بدنها. إذا ثبت هذا: فله أن يكرر النظر إلى وجهها وكفيها، لما روى أبو الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا قذف الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن يتأمل محاسن وجهها. ولا يمكنه تأمل ذلك الا بأن يكرر إليها النظر. قال الصيمري: فإذا نظر إليها ولم توافقه فالمستحب له أن يسكت ولا يقول

لا أريدها. قال: وقد جرت عادة الرجال في وقتنا هذا أن يبعث بامرأة ثقة لتنظر إلى المرأة التى يريدون خطبتها، وهو خلاف السنة، وذلك في كتاب الافصاح. (فرع) قال الشيخ أبو إسحاق: ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه لانه يعجبها منه ما يعجبه منها، ولهذا قال عمر رضى الله عنه: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم فانه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن وإذا أراد الرجل أن ينظر إلى امرأة اجنبية منه من غير سبب فلا يجوز له ذلك لا إلى العورة ولا إلى غير العورة لقوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم) ولحديث على في ارداف الرسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس خلفه في حجة الوداع في قصة الخثعمية. وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلى (يا على لا تتبع النظرة النظرة فانما لك الاولى وليست لك الآخرة) اخرجه احمد وابو داود والترمذي من حدث بريدة. ولا يجوز للمرأة ان تنظر إلى الرجل الأجنبي لا إلى العورة ولا إلى غيرها من غير سبب، لقوله تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ولحديث دخول ابن ام مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ام سلمة وميمونة، وقيل عائشة وحفصة فأمرهما صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب، قائلا افعمياوان انتما، أليس تبصرانه، ولان المعنى الذى منع الرجل لاجله هو صرف الافتتان، وهذا موجود في المرأة لانها اسرع إلى الافتتان لغلبة شهوتها فحرم عليها ذلك. (فرع) ويجوز للرجل ان ينظر إلى وجه المرأة الاجنبية عند الشهادة وعند البيع منها والشراء، ويجوز لها ان تنظر إلى وجهه لذلك، لان هذا يحتاج إليه فجاز النظر لاجله، ويجوز لكل واحد منهما ان ينظر إلى بدن الآخر إذا كان طبيبا واراد مداواته لانه موضع ضرورة فزال تحريم النظر لذلك. (فرع) واختلف اصحابنا في الصبى المراهق مع المرأة الاجنبية، فمنهم من قال: هو كالرجل البالغ الأجنبي معها فلا يحل لها ان تبرز له لقوله تعالى: أو الطفل الذين لم يتطهروا على عورات النساء. ومعناه لم يقووا على مواقعة النساء

والمراهق يقوى على المواقعة والجماع فهو كالبالغ، ومنهم من قال: هو معها كالبالغ من ذوى محارمها لقوله تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) فأمر بالاستئذان إذا بلغوا الحلم: فدل على أنه قبل أن يبلغ الحلم يجوز دخولهم من غير استئذان. ولا يجوز للرجل الخصئ أن ينظر إلى بدن المرأة الاجنبية. قال ابن الصباغ: إلى أن يكبر ويهرم وتذهب منه شهوته، قال: وكذلك المخنث لقوله تعالى (أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال) وروى أن مخنثا كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه هو ينعت امرأة لعبد الله بن أمية أخى أم سلمة يقول: يا عبد الله ان فتح الله عليكم الطائف فإنى أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يدخلن هؤلاء عليكم. رواه البخاري ومسلم وأخرجه أحمد في مسنده عن أم سلمة، ورواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث عائشة. وقوله (تقبل بأربع) يعنى أربع عكن في مقدم بطنها، وقوله (تدبر بثمان) لان الاربع محيطة ببطنها وجنبيها فتبدو العكن من خلفها ثمان أربع من اليمين وأربع من اليسار. وهذا هو تفسير مالك رضى الله عنه للحديث، وتابعه عليه جمهور العلماء في اللغة والحديث. (فرع) ويجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة من ذوات محارمه، وكذلك يجوز لها النظر إليه من غير سبب ولا ضرورة، لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن) الآية وفى الموضع الذى يجوز له النظر إليها منها وجهان حكاهما المسعودي (أحدهما) وهو قول البغداديين من أصحابنا أنه يجوز له النظر إلى جميع بدنها الا ما بين السرة والركبة، لانه لا يحل له نكاحها بحال، فجاز له النظر إلى ذلك كالرجل مع الرجل. (والثانى) وهو اختيار القفال أنه يجوز له النظر إلى ما يبدو منها عند المهنه (1)

_ (1) المهنه بفتح الميم بعدها هاء ساكنة ثم نون مفتوحه فهاء وهى الخدمة.

لانه لا ضرورة به إلى النظر إلى ما زاد على ذلك. قال المسعودي: وهكذا الوجهان في النظر إلى أمة غيره. ويجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن الرجل الا إلى ما بين السرة والركبة من غير سبب ولا ضرورة، لانه لا يخاف الافتتان بذلك (فرع) إذا امتلكت المرأة خادما فهل يكون كالمحرم لها في جواز النظر والخلوة به؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يصير محرما لها، وقد مال في المهذب إلى ذلك، وهو المنصوص لقوله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) فعده من ذوى المحارم وروت أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا كان مع احداكن مكاتب وفى فلتحتجب عنه) فلولا أن الاحتجاب لم يكن واجبا عليهن قبل ذلك لما أمرهن به. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى فاطمة رضى الله عنها غلاما فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليها ومعه على والغلام وليس عليها الا ثوب واحد، فأرادت أن تغطى رأسها به ورجليها فلم يبلغ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بأس عليك انما هو أبوك وزوجك وخادمك، ولان الملك سبب يحرم الزوجية بينهما فوجب أن يكون محرما له كالنسب والرضاع. والثانى لا يكون محرما لها. قال الشيخ ابو حامد وهو الصحيح عند أصحابنا لان الحرمة انما تثبت بين شخصين لم تخلق بينهما شهوه كالاخ والاخت. والخادم وسيدته شخصان خلقت بينهما الشهوة فهو كالأجنبي. وأما الآية فقال أهل التفسير، والمراد بها الا ما دون العبيد. وأما الخبر فيحتمل أن يكون الغلام الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة صغيرا. اه (فرع) وإذا تزوج الرجل امرأة يحل له الاستمتاع بها كان لكل واحد منهما النظر إلى جميع بدن الآخر، لانه يملك الاستمتاع به، وهل يجوز له النظر إلى الفرج؟، فيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه موضع يجوز الاستمتاع به فجاز له النظر إليه كالفخذ (والثانى) لا يجوز لما روى من ان النظر إلى الفرج يورث الطمس وهو العمى، قال تعالى (فطمسنا أعينهم) ولان فيه دناءة وسخفا. وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ، يعنى بالطمس العمى أي في النظر، وقال الطبري في العدة

أي أن الولد بينهما يولد أعمى. وإذا زوج الرجل أمته كانت كذوات محارمه فلا يجوز له أن ينظر منها إلى ما بين السرة والركبة للحديث: إذا زوج أحدكم أمته فلا ينظر منها إلى مابين السرة والركبه، ولانه إذا زوجها فحكم الملك ثابت بينهما وإنما حرم عليه الاستمتاع بها فصارت كذوات محارمه. (مسألة (1) قال الشافعي رضى الله عنه: ان الله عز وجل لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه وأنابه بينه وبين خلقه بما فرضه عليهم من طاعته افترض عليه أشياء خففها على خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته. وجملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خص بأحكام في النكاح وغيره ولم يشاركه غيره فيها فأما ما خص به في غير النكاح فأوجب الله تعالى عليه أشياء لم يوجبها على غيره ليكون ذلك أكثر لثوابه، فأوجب عليه السواك والوتر والاضحية. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث كتبهن الله على ولم تكتب عليكم: السواك والوتر والاضحية. وكان يجب عليه إذا لبس لامة حربه أن لا ينزعها حتى يلقى العدو. الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبى إذا لبس لامته أن ينزعها حتى حكم الله بينه وبين عدوه وأما قيام الليل فمن أصحابنا من قال كان واجبا عليه إلى أن مات لقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) الايه. والمنصوص أنه كان واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وبعض أهل العلم يرى أن الاية ليست ناسخه. وأن قوله نافلة لك تجرى مجرى معناها اللغوى، أي زيادة خاصة بك وليست نافلة بمعناها الاصطلاحي أمن كونها دون الواجب. وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى منكرا أنكره وأظهره، لان إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه، وقد ضمن الله تعالى له النصر. وحرم عليه أشياء لم يحرمها على

_ (1) هو فصل محذوف من النسخة المطبوعة أورده العمرانى في كشف ما في المهذب من الاشكال، وكم في النسخة المطبوعة من نقص استدركناه في فروعنا.

غيره تنزيها له وتطهيرا، فحرم على الكتابة وقول الشعر وتعليمه تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته: قال تبارك وتعالى (وما كنت تنلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون. وذكر النقاش من أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مات حتى كتب، والاول هو المشهور: وحرمت عليه الصدقة المفروضة قولا واحدا. وفى صدقة التطوع قولان وقد مضى بيانه مفصلا في الزكاة وحرم عليه خائنة الاعين وهو الرمز بالعين، لما روى أن رجلا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج قال: هلا قتلتموه، فقالوا هلا رمزت الينا، فقال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبى أن يكون له خائنة الاعين. وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرت به إبل عست بأبوالها وأبعارها فغطى عينيه، فقيل له في ذلك، فقال قال الله تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم) وأباح الله تعالى له أشياء لم يبحها لغيره تفضيلا له واختصاصا، منها انه أباح له الوصال في الصوم. والدليل عليه أنه نهى عن الوصال، فقيل له يا رسول الله انك تواصل، فقال (انى لست مثلكم، انى أطعم وأسقى) وفى رواية (انى أبيت عند ربى فيطعمني ويسقيني) وأبيح له أربعة أخماس الغنيمة، وخمس الخمس من الفئ والغنيمة، وأبيح له أن يختار منها ما شاء، وأكرمه الله تعالى بأشياء منها أحل له الغنائم ولامته وكانت لا تحل لمن قبله من الانبياء. ويزعم اليهود في توراتهم أن السبى والفئ والغنيمة حلال لهم بالحرب. وفى التلمود كل اموال ودماء ونساء وأطفال غير اليهود مستباحه لليهود، وقالوا ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) وجعلت له الارض مسجدا وطهورا ولامته وكان من قبله من الانبياء لا تصح صلاتهم إلا في المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم (فضلنا على الناس بثلاث، جعلت الارض لنا مسجدا وترابها طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكه وجعل له معجزات كمعجزات الانبياء قبله وزيادة، فكانت معجزة موسى العصا وانبجاس الماء من الصخرة.

وقد انشق القمر للنبى صلى الله عليه وسلم وخرج الماء من بين أصابعه وكانت معجزة عيسى إحياء الموتى وإبراء الاكمه والابرص، وقد سبحت الحصى بيد النبي صلى الله عليه وسلم وحن الجذع إليه، وفضله الله تعالى عليهم بأن جعل القرآن معجزته وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة، ولهذا كانت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وبعث إلى الخلق كافة، وقد كان كل نبى يبعث في نسب قومه خاصة، وقال صلى الله عليه وسلم: تنام عيناى ولا ينام قلبى، وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، وأما ما خص بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الاحكام في النكاح فاختلف أصحابنا في المنع من الكلام فيه فحكى الصيمري أبا على بن خيران منع من الكلام فيه وفى الامامة لان ذلك قد انقضى فلا معنى للكلام فيه. وقال سائر أصحابنا: لا بأس في الكلام بذلك وهو المشهور من المذهب لما فيه من زيادة العلم، وقد تكلم العلماء فيما لا يكون كما بسط الفرضيون مسائل الوصايا وقالوا: إذا ترك أربعمائة جدة وأكثر. وإذا ثبت هذا فانه أبيح للنبى صلى الله عليه وسلم أن ينكح من النساء أي عدد شاء. وحكى الطبري في العدة وجها آخر أنه لم يبح له أن يجمع بين أكثر من تسع والاول هو المشهور، قال تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) قيل في التفسير: أن لا تجوروا في حقوقهن فحرم الزيادة على الاربع وندب إلى الاقتصار على واحدة خوفا من الجور وترك العدل، وهذا مأمون من النبي صلى الله عليه وسلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ثمانى عشرة امرأة، وقيل: بل خمسة عشر وجمع بين أربعة عشر، وقيل بل بين أحد عشر، ومات عن تسع هن عائشة بنت أبى بكر الصديق، وحفصة بنت عمر، وأم سلمه بنت أبى أمية، وأم حبيبة بنت أبى سفيان وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حي، وزينب بنت جحش، فهؤلاء ثمان نسوه كان يقسم لهن إلى أن مات صلى الله عليه وسلم والتاسعة سودة بنت زمعة كانت وهبت ليلتها لعائشة حتى قال له ربه تعالى

(لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن) ثم نسخ هذا التحريم بقوله تعالى (يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك اللائى هاجرن معك) الاية. قال الشافعي رضى الله عنه فمن ذلك أن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها وأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يخير نساءه فاخترته، ومن ذلك أن الله تعالى خيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نبيا ملكا وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا وبين أن يكون نبيا مسكينا فاختار المسكنة وهى أعلى المنزلتين ومن ثم أمره الله تعالى أن يخير زوجاته فربما كان فيهن من تكره المقام على الشدة تنزيها له، ومما خص به النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل أزواجه أمهات المؤمنين. قال الشافعي. معنى قوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) في معنى دون معنى وأراد به أن أزواجه اللاتى مات عنهن لا يحل لاحد نكاحهن ومن استحل ذلك كان كافرا. أما إذا تزوجها ولم يدخل بها ثم فارقها كالكلبيه التى قالت أعوذ بالله منك. فقال لها لقد استعذت بمعاذ الحقى بأهلك، فقيل انه تزوجها عكرمة بن أبى جهل في خلافة الصديق أو خلافة عمر فهم برجمها، فقيل له انه لم يدخل بها فخلى عنها وقيل ان الذى تزوج منها الاشعث بن قيس الكندى. وقال القاضى أبو الطيب الذى تزوجها المهاجر ابن أبى أميه ولم ينكر أحد ذلك فدل على انه اجماع، ومما خص به النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ فضل زوجاته على نساء العالمين. يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن، وقوله (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينه يضاعف لها العذاب ضعفين) إلى قوله تعالى (وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين) فجعل حدهن مثل حد غيرهن لكمالهن وفضيلتهن كما جعل حد الحر مثلى حد العبد وكذلك حسناتهن مضاعفه لهن تفضيلا لهن وتشريفا، وقد قال الشافعي في كتاب احكام القرآن الذى رواه عنه البيهقى، وابان من فضله من المباينه بينه وبين خلقه فرض عليهم طاعته في غير آية من كتابه، وافترض عليه اشياء خففها عن خلقه، قال العمرانى وهذا أوضح معنى مما نقله المزني وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب ما يصح به النكاح

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ مَا يصح به النكاح لا يصح النكاح إلا بولي فان عقدت المرأة لم يصح، وقال أبو ثور: إن عقدت بإذن الولى صح، ووجهه أنها من أهل التصرف، وإنما منعت من النكاح لحق الولى، فإذا أذن زال المنع كالعبد إذا أذن له المولى في النكاح، وهذا خطأ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رفعه (لا تنكح المرأة المرأة، ولا تنكح المرأة نفسها) ولانها غير مأمونة على البضع لنقصان عقلها، وسرعة انخداعها، فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال، ويخالف العبد فانه منع لحق المولى، فانه ينقض قيمته بالنكاح، ويستحق كسبه في المهر والنفقة فزال المنع باذنه، فان عقد النكاح بغير ولى وحكم به الحاكم ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه ينقض حكمه، لان مخالف لنص الخبر: وهو ما رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل: فنكاحها باطل، فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له فان أصابها فلها مهرها بما استحل من فرجها) . (والثانى) لا ينقض، وهو الصحيح، لانه مختلف فيه فلم ينقض فيه حكم الحاكم كالشفعة للجار. وأما الخبر فليس بنص لانه محتمل للتأويل، فهو كالخبر في شفعة الجار، فان وطئها الزوج قبل الحكم بصحته لم يجب الحد. وقال أبو بكر الصيرفى: إن كان الزوج شافعيا يعتقد تحريمه وجب عليه الحد كما لو وطئ إمرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية، والمذهب الاول لانه وطئ مختلف في إباحته فلم يجب به الحد، كالوطئ في النكاح بغير شهود، ويخالف من وطئ امرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية لانه لا شبهة له في وطئها، وان طلقها لم يقع الطلاق. وقال أبو إسحاق: يقع لانه نكاح مختلف في صحته، فوقع

فيه الطلاق كنكاح المرأة في عدة أختها، والمذهب الاول، لانه طلاق في غير ملكه فلم يصح كما لو طلق أجنبية. (فصل) وان كانت المنكوحة أمة فوليها مولاها لانه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالاجارة، وان كانت الامه لامرأة زوجها من يزوج مولاتها، لانه نكاح في حقها فكان إلى وليها كنكاحها، ولا يزوجها الولى الا باذنها لانه تصرف في منفعتها فلم يجز من غير اذنها، فان كانت المولاة غير رشيدة نظرت، فان إن وليها غير الاب والجد، لم يملك تزويجها، لانه لا يملك التصرف في مالها وان كان الاب أو الجد ففيه وجهان: (أحدهما) لا يملك، لان فيه تغريرا بمالها لانها ربما حبلت وتلفت، (والثانى) وهو قول أبى اسحاق: انه يملك تزويجها لانها تستفيد به المهر والنفقه واسترقاق ولدها، وان كانت المنكوحة حرة فوليها عصباتها وأولاهم الاب ثم الجد ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثم ابن العم، لان الولاية في النكاح تثبت لدفع العار عن النسب، والنسب إلى العصبات، فان لم يكن لها عصبه زوجها المولى المعتق، ثم عصبة المولى، ثم مولى المولى، ثم عصبته، لان الولاء كالنسب في التعصيب فكان كالنسب في التزويج، فان لم يكن فوليها السلطان، لقوله صلى الله عليه وسلم (فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) ولا يزوج أحد من الاولياء وهناك من هو أقرب منه، لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم فيه الاقرب فالاقرب كالميراث، وان استوى اثنان في الدرجه وأحدهما يدلى بالابوين والآخر بأحدهما كأخوين أحدهما من الاب والام والآخر من الاب ففيه قولان. قال في القديم: هما سواء، لان الولاية بقرابة الاب وهما في قرابة الاب سواء، وقال في الجديد: يقدم من يدلى بالابوين لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم من يدلى بالابوين على من يدلى بأحدهما كالميراث، فان استويا في الدرجة، والادلاء فالمستحب ان يقدم اسنهما واعلمهما واورعهما، لان الاسن اخبر، والاعلم اعرف بشروط العقد، والاورع احرص على طلب الحظ، فان زوج الآخر صح لان ولايته ثابته، وان تشاحا اقرع بينهما لانهما تساويا في الحق

فقدم بالقرعة كما لو أراد أن يسافر بإحدى المرأتين، فإن خرجت القرعة لاحدهما فزوج الآخر ففيه وجهان. (أحدهما) يصح لان خروج القرعة لاحدهما لا يبطل ولاية الاخر (والثانى) لا يصح لانه يبطل فائدة القرعة. (الشرح) حديث أبى هريرة رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي لفظة (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها) قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبى هريرة، وقال ابن حجر: رجاله ثقات وفى لفظ للدارقطني: كنا نقول: التى تزوج نفسها هي الزانية. قال ابن حجر: فتبين أن هذه الزيادة من قول أبى هريرة: وكذلك رواها البيهقى موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى. أما حديث عائشة رضى الله عنها رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وأبو عوانة وابن حبان والحاكم عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، وقد أعل بالارسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال: ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره. وقد عد أبو القاسم بن مندة عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا، وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى، وأن قرة وموسى ابن عقبه ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعه تابعوا سليمان ابن موسى عن الزهري، قال: ورواه أبو مالك الجنبى ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعه عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة وقد أعل ابن حبان وابن عدى وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكايه عن ابن جريج بانكار الزهري، وعلى تقدير الصحه لا يلزم نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه، ويؤيد هذا الحديث ما رواه عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (لانكاح إلا بولي) وما رواه أبو داود الطيالسي بلفظ (لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فان لم يكن لها ولى فالسلطان ولى من لا ولى له) .

على أن حديث (لا نكاح إلا بولي، هل يعد النفى متوجها إلى الذات الشرعية لان الذات الموجودة، أعنى صورة العقد بدون ولى ليست شرعية؟ أم يتوجه إلى الصحة التى هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولى باطلا كما هو مصرح به في حديث عائشة، وكما يدل عليه حديث أبى هريرة المذكور في أول الفصل، لان النهى يدل على الفساد والمرادف للبطلان. وقد ذهب إلى هذا على وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبى ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم: فقالوا لا يصح العقد بدون ولى. وقال ابن المنذر: إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. وحكى في البحر عن أبى حنيفة أنه لا يعتبر الولى مطلقا لحديث (الثيب أحق بنفسها من وليها) وسيأتى. وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الاخبار وعن أبى يوسف ومحمد للولى الخيار في غير الكفء وتلزمه الاجازة في الكفء. وعن مالك يعتبر الولى في الرفيعة دون الوضيعة. وأجيب عن ذلك بأن الادلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط، وأجيب عنه بأن الادلة لم تفرق. وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها أخذا بمفهوم قوله (وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها) ويجاب عن ذلك بحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف في أول الفصل، والمراد بالولي هو الاقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته. وليس لذوى السهام ولا لذوى الارحام ولايه. وهذه مذهب الجمهور. وروى عن أبى حنيفة أن ذوى الارحام من الاولياء، فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الامر إلى السلطان لانه ولى من لا ولى له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ (لا نكاح إلا بولي) من الام، زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار كان زوج أختا له ابن عم له، فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضى عدتها فأبى معقل. وقال زوجتك

وآثرئك على غيرك فطلقتها، لا أزوجكها أبدا فنزل (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) يعنى فانقضى أجلهن يعنى عدتهن (فلا تعضلوهن) يعنى أولياءهن (أن ينكحن أزواجهن) إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن، وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا، ولا أعلم الآية تحتمل غيره لانه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الاولياء، والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها، وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه، وهذا أبين مافى القرآن من أن للولى مع المرأة في نفسها حقا، وأن على الولى أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف. قال الشافعي وجاءت السنه بمثل معنى كتاب الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها) وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم، فإن اختلفوا فالسلطان ولى من لا ولى له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج. قال أخبرني عكرمه بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها. قال الشافعي فأى امرأة نكحت بغير اذن وليها فلا نكاح لها، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فنكاحها باطل، وان أصابها فلها صداق مثلها بما اصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وقال العمرانى في البيان وهذا الخبر يعنى حديث عائشة دليل على من خالفنا الا ابا ثور فإنه يقول، لما ابطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها بغير اذن وليها دل على انه يصح بإذن وليها. ودليلنا عليه ان المراد ههنا بالاذن لغيرها من الرجال بدليل قوله صلى الله عليه لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها ولم يفرق بين ان يكون ذلك بإذن الولى أو بغير اذنه. إذا ثبت هذا فإن اصحابنا قد ذكروا في حديث عائشة فوائد (1) ان للولى

شركا في بعضها لانه أبطل نكاحها بغير إذنه (2) ان الولاية ثابته على جميع النساء لان لفظ أي مراد به العموم (3) ان الصلة جائزة في الكلام لقوله (أيما) ومعناه أي امرأة (4) ان للولى أن يوكل في عقد النكاح (5) ان مطلق النكاح في الشريعة ينصرف إلى العقد، لان المعين أيما امرأة عقدت (6) جواز إضافة النكاح إليها (7) ان اسم النكاح يقع على الصحيح والفاسد (8) ان النكاح الموقوف لا يصح لانه لو كان صحيحا لما ابطله (9) ان الشئ إذا كان بينا في نفسه جاز أن يؤكد بغيره لانه لو اقتصر على قوله فنكاحها باطل لكان بينا، فأكد بالتكرار، وهو كقوله تعالى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رجعتم تلك عشرة كاملة) وكقوله تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة (10) وطئ الشبهة يوجب المهر (11) ان اللمس كناية عن الوطئ (12) انه إذا مس سائر بدنها غير الفرج فلا مهر عليه (13) قال الصيمري: إن القبل والدبر سواء لان كله فرج (14) انه لا فرق بين الخصى والفحل (15) لا فرق بين قوى الجماع وضعيفه (16) انه لا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل (17) لا فرق بين أن يجامعها مرة أو مرارا (18) انه يجوز ان يثبت له وعليه حتى يجهل قدره (19) ان النكاح الفاسد إذا لم يكن فيه جماع فلا مهر فيه (20) أن مهر المثل يتوصل إلى العلم به (21) أن المهر يجب مع العلم بتحريم الوطئ ومع الجهل به لانه لم يفرق (22) المكره يجب عليه المهر، لان المكره مستحل لفرج المكرهة (23) أن المهر لا يجب إلا بخلوة، لانه شرط اللمس في الفرج (24) أنه لا حد في وطئ الشبهة (25) قال الشيخ أبو حامد: إن النسب يثبت بالوطئ في الشبهة (26) إن العدة تجب على الموطوءة بالشبهة لان النسب إذا لحق به أوجب العدة. (27) أن تحريم المصاهرة يثبت بوطئ الشبهة (28) أن المرأة يجوز أن يكون لها جماعة أولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن اشتجروا) فهذا إخبار عن جمع (29) أن السلطان ولى من لا ولى لها (30) ان الاولياء إذا عضلوا المرأة عن النكاح انتقلت إلى السلطان، لان الاختلاف المراد في الخبر أن يقول كل واحد منهم: لا أزوجها بل زوجها أنت

فأما إذا قال كل واحد منهم: أنا أزوجها دونك: فلا تنتقل إلى السلطان (فرع) إذا تزوج الرجل امرأة من نفسها ثم ترافعا إلى حاكم شافعي أو حنبلي لان الظاهر من مذهب أحمد بطلان النكاح بغير ولى وشاهدين كما في المغنى لابن قدامة فإن كانا لم يترافعا إلى حاكم حنفى قبله حكم الشافعي بفساده وفرق بينهما لانه يعتقد بطلانه، وان كانا قد ترافعا قبله إلى حاكم حنفى فحكم بصحته فهل ينقض الشافعي حكمه. فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى: ينقض حكمه ويحكم بفساده، لان حكمه مخالف لنص النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فنكاحها باطل، والثانى وهو الاصح أنه لا يصح حكمه بفساده، لان حكم الاول وقع بما يسوغ فيه الاجتهاد فهو كالحكم بالشفعة للجار (فرع) وإن تزوج رجل امرأة من نفسها ووطئها، فان لم يعلم بتحريم الوطئ بأن كان جاهلا لا يعلم تحريمه أو عاميا فقلد مجتهدا يرى تحليله، أو كان الوطئ حنفيا يرى تحليله فلا حد عليه لانه موضع شبهة. وان كان الواطئ شافعيا يعتقد تحريمه ففيه وجهان. قال أبو بكر الصيرفى: عليه الحد لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (البغى من انكحت نفهسا بغير ولى ولا بينة) قال في المغنى شرح مختصر الخرقى: ولا حد في وطئ النكاح الفاسد سواء اعتقد حله أو حرمته وعن أحمد ما يدل على أنه يجب الحد بالوطئ في النكاح بلا ولى إذا اعتقد حرمته، وهو اختيار السمرقندى من أصحاب الشافعي لما روى الدارقطني بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، ان الزانية هي التى تزوج نفسها) وبإسناده عن الشعبى قال: ماكان أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشد في النكاح بغير ولى من على رضى الله عنه كان يضرب فيه. اه ولخبر عمر الذى فيه انه جلد الناكح، ولا مخالف له، ولان أكثر ما فيه حصول الاختلاف في إباحته، وذلك لا يوجب اسقاط الحد فيه كشرب النبيذ

والثانى وهو قول أكثر أصحابنا، وهو المذهب أنه لا حد عليه لقوله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات. وحصول الاختلاف في إباحته من أعظم الشبهات ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الحد في حديث عائشة. وأما قوله في رواية الدارقطني (فإن الزانية هي التى تزوج نفسها) فقد أخرجه أيضا البيهقى. قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبى هريرة. وفى لفظ: للدارقطني كنا نقول التى تزوج نفسها هي الزانية. قال الحافظ ابن حجر: فنبين أن هذه الزيادة من قول ابى هريرة، وكذلك رواها البيهقى موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى. فتسميتها بالبغى أو الزانية إذا صحت روايات الرفع حمل على سبيل المجاز لتعلق بعض حكم البغى عليها وهو تحريم الوطئ. فأما جلد عمر لها فكان على جهة التعزير لا على جهة الحد، بدليل أنه جلد المنكح وهو بالاجماع لا حد عليه. وأما النبيذ فالفرق بينهما أن هذا الوطئ بين الزنا والوطئ في النكاح الصحيح وشبهه بالوطئ في النكاح الصحيح أكثر بدليل أنه يجب فيه المهر والعدة ويلحق به النسب، وانما يشبه الزنا بتحريم الوطئ لا غير، فكان إلحاقه بالوطئ في النكاح الصحيح في اسقاط الحد أولى والنبيذ ليس له الا أصل واحد يشبهه وهو الخمر لانه شراب فيه شدة مطربة وليس في الاشربة ما يشبه الخمر غيره فألحقناه به. (فرع) ولو تزوج رجل امرأة من نفسها ثم طلقها فهل يقع الطلاق عليها فيه وجهان: قال أبو إسحاق المروزى: يقع عليها طلاقه لانه نكاح مختلف في صحته فوقع فيه الطلاق، كما لو تزوج امرأة ودخل بها وطلقها طلاقا بائنا ثم يتزوج أختها أو عمتها قبل انقضاء عدة الاولى، فإن نكاح الثانية مختلف في صحته، لان مذهبنا أنه يصح، ومذهب ابى حنيفة واصحابه انه لا يصح، ولو طلق الثانية لوقع عليها الطلاق وان كان مختلفا في نكاحها فكذلك هذه مثلها.

والوجه الثاني وهو المنصوص: أنه لا يقع عليها طلاقه، لان الطلاق قطع الملك، فإذا لم يقع هناك ملك لم يقع الطلاق، كما لو اشترى عبدا شراء فاسدا ثم اعتقه، ويخالف إذا تزوج إمرأة ودخل بها في عدة أختها فإن النكاح عندنا صحيح فلذلك وقع عليها الطلاق وههنا النكاح عندنا غير صحيح فلم يقع عليها الطلاق. (فرع) النكاح الموقوف على الاجازة لا يصح عندنا سواء كان موقوفا على إجازة الولى أو الزوج أو الزوجة، فالموقوف على إجازة الولى أن يتزوج الرجل إمرأة من رجل ليس بولي لها ويكون موقوفا على إجازة وليها، أو تزوج الامة نفسها أو العبد نفسه بغير إذن السيد، ويكون موقوفا على إذن السيد. وأما الموقوف على إجازة الزوج بأن يزوج الرجل إمرأة بغير إذنه، ويكون ذلك موقوفا على إجازته. وأما الموقوف على اذن الزوجة بأن يزوج الولى امرأة يشترط اذنها في النكاح بغير اذنها ويكون موقوفا على اجازتها: فجميع هذه الانكحة لا تصح عندنا، وبه قال أحمد رضى الله عنه. وقال أبو حنيفة: تصح هذه الانكحة، فإن أجاز ذلك الموقوف على رضاه لزم، وان رده بطل. وقال مالك: يجوز أن يقف النكاح مدة قريبة، فان تطاول الزمان بطل. دليلنا ما قدمنا من أحاديث (فنكاحها باطل) وحديث (أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر) : (فرع) المرأة لا تتوكل في قبول النكاح ولا في ايجابه، وقال أبو حنيفة: إذا وكل الولى امرأة في ايجاب النكاح أو وكلها الزوج في القبول صح. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تنكح المرأة ولا تنكح المرأة نفسها) وهذا عام وروى عن ابن عمر وابن عباس وأبى موسى الاشعري وأبى هريرة رضى الله عنهم أنهم قالوا: المرأة لا تقبل عقد النكاح، ولا مخالف لهم، وروى عن عائشة رضى الله عنها انها حضرت نكاحا فخطبت ثم قالت: اعقدوا فإن النساء لا يعقدن فدل على انه اجماع. (فرع) إذا كانت المنكوحة حرة فأولى الولاة بتزويجها الاب لان سائر

الاولياء يدلون به، ولان القصد بالولي طلب الحظ لها والاب أشفق عليها، وأطلب للحظ لها من غيره، فإن لم يكن أب وهناك جد أو أب أوجد من أجداد الاب الوارثين وإن علا فهو أولى من الاخ. وحكى عن مالك أنه قال: الاخ أولى من الجد. دليلنا أن الجد له ولادة وتعصيب فكان مقدما على الاخ كالاب، فإن قيل هلا قلتم إن الجد يساوى الاخ في الولاية كما قلتم في الميراث؟ قلنا الفرق بينهما أن الميراث مستحق بالتعصيب المحض، ولهذا قدم الابن على الاب في الميراث والاخ يساوى الجد في التعصيب أو هو أقوى من الجد في التعصيب بدليل أنه يعصب أخواته وإنما لم يقدم عليه في الميراث للاجماع فلذلك سوينا بينهما في الارث، والولاية في النكاح تستحق بالشفقة وطلب الحظ، بدليل أن الابن لا ولاية له على أمه لذلك. والجد أكثر شفقه عليها من الاخ فكان أولى، فإن عدم الاجداد من قبل الاب انتقلت الولاية إلى الاخوة للاب والام أو الاب ثم إلى بنيهم ويقدمون على الاعمام وبنيهم لانهم يدلون بالاب، والاعمام يدلون بالجد، والاب أقرب من الجد، فإن عدم الاخ وبنوهم انتقلت الولاية للاعمام ثم إلى بنيهم، ويقدمون على أعمام الاب وبنيهم، لان الاعمام يدلون بالجد، وأعمام الاب يدلون بابن الجد وعلى هذا يقدم الاقرب فالاقرب كما قلنا في الميراث. (فرع) وإن اجتمع وليان أحدهما يدلى بالاب والام، والاخر يدلى بالاب كأخوين أو عمين، أو ابنا عم أحدهما لاب وأم والاخر لاب ففيه قولان، قال في القديم هما سواء، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، لان ولاية النكاح تستفاد بالانتساب إلى الاب بدليل أن الاخ للام لا ولاية له في النكاح، وهما في الانتساب إلى الاب سواء فاستويا في الولاية. وقال في الجديد ان المدلى بالاب والام أولى، وبه قال أبو حنيفة وهو الصحيح لقوله تعالى (فقد جعلنا لوليه سلطانا) ولو قتل رجل وله أخ لاب وأم أو أخ لاب كان القصاص للاخ للاب والام دون الاخ للاب فثبت انه لا ولاية له معه

ولانه حق يستحق بالتعصيب فقدم المدلى بالابوين على المدلى بأحدهما كالارث وهكذا القولان في التقدم في الصلاة على الميت وفى العقل، وأما الارث والولاء والوصية للاقرب، فان المدلى بالاب والام أولى قولا واحدا، وإن اجتمع ابنا عم أحدهما معتق أو أخ فهل يقدم في ولاية النكاح والصلاة على الميت والعقل فيه قولان كأخوين أحدهما لاب وأم والآخر لاب، وإن اجتمع ابنا عم أحدهما خال لم يقدم قولا واحدا: إلا انه لا مدخل الخئولة في الميراث. (فرع) وإن اجتمع للمرأة اولياء في درجة واحدة كالاخوة أو بنيهم والاعمام أو بنيهم فالمستحب ان يقدم اكبرهم سنا واعلمهم واورعهم لما روى أن حويصة ومحيصه دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ محيصه بالكلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كبر كبر: يعنى قدم اخاك في الكلام لانه أكبر سنا منك، ولان الاكبر اخبر بالناس فكان اولى، والاعلم اعرف بشروط العقد، والاورع احرص على طلب الحظ لها، فإن زوجها احدهم باذنها من غير إذن الباقين صح، وإن كان اصغرهم سنا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا انكح الوليان فالاول احق، ولان كل واحد منهم ولى، وان تشاجرا وقال كل واحد منهم انا ازوج ولم يقدموا الاكبر الاعلم الاورع اقرع بينهم لاستواء استحقاقهم في الولاية كما رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اراد ان يسافر باحدى نسائه اقرع بينهن، فان خرجت القرعة لاحدهم فزوج أو اذن لغيره من الاولياء الباقين أو غيرهم صح وان زوج واحد ممن لم تخرج عليه القرعة باذن المرأة ففيه وجهان. (أحدهما) يصح لان خروج القرعة لاحدهم لا تبطل ولاية الباقين كما لو زوجها أحدهم قبل القرعة. (والثانى) لا يصح لان الفائدة في خروج القرعة ان تتعين الولاية لمن خرجت له، فلو صححنا عقد غيره بغير اذنه لبطلت فائدة القرعة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا يجوز للابن ان يزوج أمه بالبنوة لان الولاية ثبتت للاولياء لدفع العار عن النسب ولا نسب بين الابن والام، وان كان للابن تعصيب بأن

كان ابن ابن عمها جاز له أن بزوج لانهما يشتركان في النسب. فان كان لها ابنا ابن عم أحدهما ابنها فعلى القولين في أخوين أحدهما من الاب والام والآخر من الاب (فصل) ولا يجوز أن يكون الولى صغيرا ولا مجنونا ولا عبدا لانه لا يملك العقد لنفسه فلا يملكه لغيره، واختلف أصحابنا في المحجور عليه لسفه، فمنهم من قال: يجوز أن يكون وليا لانه إنما حجر عليه في المال خوفا من اضاعته وقد أمن ذلك في تزويج ابنته فجاز له ان يعقد كالمحجور عليه للفلس، ومنهم من قال: لا يجوز لانه ممنوع من عقد النكاح لنفسه فلم يجز أن يكون وليا لغيره، ولا يجوز أن يكون فاسقا على المنصوص، لانها ولاية فلم تثبت مع الفسق كولاية المال. ومن أصحابنا من قال: إن كان أبا أو جدا لم يجز، وإن كان غيرهما من العصبات جاز، لانه يعقد بالاذن فجاز أن يكون فاسقا كالوكيل. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لا يجوز لما ذكرناه (والثانى) يجوز لانه حق يستحق بالتعصيب فلم يمنع منه الفسق كالميراث والتقدم في الصلاة على الميت، وهل يجوز أن يكون أعمى؟ فيه وجهان. (أحدهما) يجوز، لان شعيبا عليه السلام كان أعمى وزوج ابنته من موسى صلى الله على نبينا وعليهم وسلم. (والثانى) لا يجوز، لانه يحتاج إلى البصر في اختيار الزوج، ولا يجوز للمسلم أن يزوج ابنته الكافرة، ولا للكافر أن يزوج ابنته المسلمة لان الموالاة بينهما منقطعة، والدليل عليه قوله تعالى (والمؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقوله سبحانه (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولهذا لا يتوارثان ويجوز للسلطان أن يزوج نساء أهل الذمة، لان ولايته تعم المسلمين وأهل الذمة ولا يجوز للكافر أن يزوج أمته المسلمة، وهل يجوز للمسلم أن يزوج أمه الكافرة فيه وجهان (أحدهما) يجوز، وهو قول أبى إسحاق وأبى سعيد الاصطخرى وهو المنصوص، لانها ولاية مستفادة بالملك فلم يمنع منها اخلاف الدين كالولاية في البيع والاجارة (والثانى) لا يجوز، وهو قول أبى القاسم الداركى لانه إذا لم يملك تزويج الكافرة بالنسب فلان لا يملك بالملك أولى.

(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يزوج المرأة ابنها إلا أن يكون عصبه، وبيان ذلك أن الابن لا ولاية له على أمه في النكاح من جهة البنوة. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بن حنبل وإسحاق رحمهم الله تعالى: يثبت له عليها ولاية النكاح بالبنوة، واختلفوا في ترتيب ولايته فذهب مالك وابو يوسف وإسحاق إلى انه مقدم على الاب، وذهب محمد واحمد إلى ان الاب مقدم عليه، وذهب ابو حنيفة إلى انهما سواء. دليلنا على انه لا ولاية له ان بين الابن وأمه قرابة لا ينسب أحدهما إلى الآخر ولا ينتسبان إلى من هو اعلى منهما: فلم يكن له عليها ولاية كابن الاخت. قال الشافعي رضى الله عنه: ولان ولاية النكاح انما وضعت طلبا لحظ المرأة والاشفاق عليها والابن يعتقد ان تزويج أمه عار عليه فلا يطلب لها الحظ، ولا يشفق عليها فلم يستحق الولاية عليها، وان كان ابنها من عصبتها بأن كان ابن ابن عمها كان وليا لها في النكاح لانهما لا ينسبان إلى من هو اعلى منهما فجاز له تزويجها كتزويج الاخ لاخته للاب، وان كان لها ابنا ابن عم احدهما ابنها ففيه قولان. (احدهما) انهما سواء (والثانى) ان ابنها اولى كالقولين في الاخوين احدهما لاب وام والآخر لاب، وهكذا إذا كان ابنها مولاها أو كان حاكما فله عليها ولاية من جهة الولاء والحكم لا من جهة البنوة. (فرع) وان كانت له اخت لام لا قرابه بينهما غير ذلك لم يملك تزويجها، وقال ابو حنيفة في احدى الروايتين: له تزويجها دليلنا أنه لا تعصيب بينهما فلم يملك تزويجها كالأجنبي. (فرع) قال الشافعي في البويطى: لا يكون الولى الا مرشدا. وقال في موضع آخر وولى الكافرة كافر، وهو يقتضى ثبوت الولاية للفاسق، واختلف أصحابنا في الفاسق هل هو ولى في النكاح ام لا؟ على خمسة طرق فقال الشيخ ابو حامد: الفاسق ليس بولي في النكاح قولا واحدا. وقال القفال: الفاسق بولي في النكاح قولا واحدا. وقال ابو اسحاق المروزى

ان كان الولى ممن يجبر على النكاح كالاب والجد في تزويج البكر لم يصح أن يكون فاسقا لانه يزوج بالولاية، والولاية لا تثبت مع الفسق، كفسق الحاكم والوصى وان كان ممن لا يجبر على النكاح كمن عدا الاب والجد من الاولياء، وكتزويج الاب والجد للثيب صح تزويجه، وان كان فاسقا، لانه يزوج بإذنها فهو كالوكيل ومن أصحابنا من قال: ان كان الفاسق مبذرا في ماله لم يجز أن يكون وليا في النكاح، وان كان رشيدا في أمر دنياه كان وليا في النكاح، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أن الفاسق ولى في النكاح بكل حال. وهو قول مالك وأبى حنيفة لقوله تعالى (وأنكحوا الايامى منكم) وهذا خطاب للاولياء، ولم يفرق بين العدل والفاسق، ولان الكافر لما ملك تزويج ابنته الكافرة والمسلم الفاسق أعلا منه فلان يملك تزويج وليته أولى (والثانى) لا يصح أن يكون وليا بحال، وهو المشهور من المذهب لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا نكاح الا بولي. وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال (لا نكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل، ولا مخالف له، والمرشد من أسماء المدح، والفاسق ليس بممدوح، ولانه تزويج في حق غيره فنافاه الفسق في دينه كفسق الحاكم، فقولنا تزويج، احتراز من ولاية القصاص، وقولنا في حق غيره، احتراز من تزويج الفاسق لامته فإنه تزويج في حقه، بدليل أنه يجب له المهر. وقولنا في دينه، احتراز من تزويج الكافر لابنته الكافرة، لانه ليس بفسق في دينه، ولان الولى انما اشترط في العقد لئلا تحمل المرأة شهوتها على أن تلقى نفسها في أحضان غير كفء، وتزوج نفسها في العدة، فيلحق العار بأهلها. وهذا المعنى موجود في الفاسق لانه لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يضع المرأة في أحضان غير كفء، ويزوجها في العدة، فيلحق العار بأهلها، فلم يجز أن يكون وليا وأما الآية فلا نسلم له أنها تنصرف إلى الفاسق لانه ليس بولي عندنا، فإن سلمنا فإن عمومها مخصص بالخبر وأما الكافر فإنما يصح أن يزوج ابنته الكافرة إذا كان رشيدا في دينه لانه مقر عليه بخلاف الفاسق. إذا ثبت هذا وقلنا الفاسق ليس بولي فقد قال المسعودي: واختلف أصحابنا

في الفسق الذى يخرجه عن ولاية النكاح، فمنهم من قال: شرب الخمر فحسب، لانه إذا كان يشربها فإنه يميل إلى من هو في مثل حاله، ومنهم من قال: جميع الفسق بمثابته. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وإن كان الولى سفيها أو ضعيفا غير عالم بموضع الحظ، أو سفيها مؤلما أو به علة تخرجه عن الولاية فهو كمن مات، فإذا صلح صار وليا. قال أصحابنا: أما السفيه فله تأويلان (أحدهما) أنه أراد الصغير (والثانى) أنه أراد به الشيخ الذى قد ضعف نظره عن معرفة موضع الحظ. وأما السقيم فمن كان به سقم شديد قد نقص نظره وأخرجه عن طلب الحظ. وأما المؤلم وهو صفة السقيم، وهو السقيم الذى اشتد به الالم إلى أن أخرجه عن النظر. وروى أو سقيما موليا، فيكون معناه السقيم الذى صار مولى من قلة تمييزه. وأما الذى به علة فالمراد به إذا قطعت يده أو رجله أو أصابه جرح عظيم أخرجه عن حد التمييز فإن ولايته تزول، فإن زالت هذه الاسباب عادت ولايته، لان المانع وجود هذه الاسباب فزال المنع بزوالها (فرع) قال أبو على الطبري: إذا كان الولى يجن يوما ويفيق يوما، أو يغمى عليه يوما ويفيق يوما، فهل يخرجه ذلك من الولاية؟ فيه وجهان. وأما السكران فان قلنا إن الفاسق ليس بولي وهذا فاسق. وإن قلنا الفاسق ولى فهل يخرج السكران من الولاية؟ فيه وجهان كالجنون غير المطبق والاحرام في الحج هل يخرجه من الولاية؟ فيه وجهان، فان قلنا يخرجه زوجها من دونه من الاولياء، وإن قلنا لا يخرجه زوجها السلطان. وأما الاخرس إذا كان له إشارة مفهومة كان وليا في النكاح، وإن لم يكن له اشارة مفهومة فليس بولي في النكاح. (فرع) وهل يصح أن يكون الاعمى وليا في النكاح؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يصح لانه قد يحتاج إلى النظر في اختيار الزوج لها، لئلا يزوجها بمعيب أو دميم (والثانى) يصح، وهو الصحيح، لان شعيبا عليه السلام كان أعمى وزوج ابنته من موسى عليه السلام.

(فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وولى الكافرة كافر، ولا يكون المسلم ولى الكافرة إلا على أمته. وبيان ذلك أنه إذا كان للكافر ابنة مسلمة فإنه لا ولاية له عليها، فإن كان لها ولى مسلم زوجها وإلا زوجها الحاكم لقوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبى سفيان وكانت مسلمة وأبو سفيان لم يسلم، وكل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى فتزوجها من ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص، وكان مسلما، وإن كان للمسلم ابنة كافرة فلا ولاية له عليها لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) فدل على أنه لا ولاية للمسلم عليها، فإن كان لها ولى كافر زوجها للآيه، وإن لم يكن لها ولى كافر زوجها الحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم: فالسلطان ولى من لا ولى له. ولم يفرق بين المسلم وغيره، ولان ولايته عامة فدخل فيها المسلم والكافر. وإن كان للمسلم أمة كافرة فهل له عليها ولاية في النكاح، فيه وجهان: من أصحابنا من قال له عليها ولاية، وهو المنصوص في الام، لانها ولاية مستفادة بالملك فلم يمنع اختلاف الدين كالفسق لما لم يؤثر في منع تزويج أمته، فكذلك كفرها. ومنهم من قال ليس بولي لها، لانه إذا لم يملك تزويج ابنته الكافرة فلان لا يملك تزويج أمته الكافرة أولى. وحمل النص على الولاية في عقد البيع والاجارة، والاول أصح، وان كان للكافر أمة مسلمة فهل له أن يزوجها. قال ابن الصباغ فيه وجهان كما قلنا في تزويج المسلم لامته الكافرة، والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان خرج الولى عن أن يكون من أهل الولاية بفسق أو جنون انتقلت الولاية من بعده من الاولياء لانه بطلت ولايته فانتقلت الولاية إلى من بعده، كما لو مات، فان زال السبب الذى بطلت به الولاية عادت الولاية لزوال السبب الذى أبطل ولايته، فإن زوجها من انتقلت إليه قبل أن يعلم بعود ولاية الاول ففيه وجهان بناء على القولين في الوكيل إذا باع ما وكل في بيعه قبل

أن يعلم بالعزل، وان دعت المنكوحة إلى كفؤ فعضلها الولى زوجها السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم: فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له، ولانه حق توجه عليه تدخله النيابة، فادا امتنع قام السلطان مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع من أدائه، وان غاب الولى إلى مسافة تقصر فيها الصلاة زوجها السلطان ولم يكن لمن بعده من الاولياء أن يزوج لان ولاية الغائب باقية، ولهذا لو زوجها في مكانه صح العقد وإنما تعذر من جهته فقام السلطان مقامه، كما لو حضر وامتنع من تزويجها، فان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها الا باذنه لانه كالحاضر. (والثانى) يجوز للسلطان أن يزوجها لانه تعذر استئذانه فأشبه إذا كان في سفر بعيد، ويستحب للحاكم إذا غاب الولى وصار التزويج إليه أن يأذن لمن تنتقل الولاية إليه ليزوجها ليخرج من الخلاف، فان عند أبى حنيفة أن الذى يملك التزويج هو الذى تنتقل الولاية إليه. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا ولاية لاحد وثم أولى منه، وجملة ذلك أنه إذا كان للمرأة وليان أحدهما أقرب من الآخر، فان الولاية للاقرب فان زوجها من بعده لم يصح. وقال مالك يصح. دليلنا أنه حق مستحق بالتعصيب فلم يثبت للابعد مع الاقرب كالميراث، فان خرج الاقرب عن أن يكون وليا باختلاف الدين أو الفسق أو الجنون أو الصغر انتقلت الولاية إلى الولى الا بعد، لان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة من ابن عمها مع وجود أبيها لكون أبيها كافرا. وإذا ثبت ذلك في الكفر كان الفسق والجنون والصغر مثله، لان الجميع يمنع ثبوت ولاية النكاح. وان أعتق رجل أمة ومات وخلفت ابنا صغيرا وأخا لاب كبيرا وأرادت الجارية النكاح ولا مناسب لها فلا أعلم فيها نصا، والذى يقتضى المذهب أن ولاية نكاحها لاخ المعتق، لان الولاية في الولاء فرع عن ولاية النسب وولاية أبيه الميت لاخيه مادام الابن صغيرا. وكذلك ولاية المعتقة (فرع) وان زال السبب الذى أوجب قطع الولاية في الاقرب عادت ولايته

لان المانع قد زال فان كان الولى الابعد قد زوجها قبل زوال المانع صح النكاح وإن زوجها بعد زوال المانع وبعد علمه بزوال المانع لم يصح كما لو باع الوكيل ما وكل في بيعه بعد العزل وبعد علمه بالعزل، وإن زوج بعد زوال المانع وقبل علمه بزواله ففيه وجهان بناء على القولين في الوكيل إذا باع بعد العزل وقبل علمه بالعزل (فرع) وان دعت المرأة أن تزوج لكفؤ فامتنع الولى زوجها الحاكم، ولا تنتقل إلى من عدا العاضل من الاولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) ولان النكاح حق لها فإذا تعذر ذلك من جهة وليها كان على الحاكم استيفاؤه، كما لو كان على رجل دين فامتنع من بذله فان الحاكم ينوب عنه في الدفع من مال الممتنع. (فرع) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ أولاهم به مفقودا أو غائبا غيبة بعيدة كانت أو قريبة زوجها السلطان، وجملة ذلك أنه إذا كان للمرأة أب أو جد فغاب الاب وحضر الجد ودعت المرأة إلى تزويجها نظرت، فان كان الاب مفقودا بأن انقطع خبره ولا يعلم أنه حى أو ميت فان الولاية لا تنتقل إلى الجد، وانما يزوجها السلطان، لان ولاية الاب باقية عليها، بدليل أنه لو زوجها في مكانه لصح، وانما تعذر بغيبته فناب الحاكم عنه، كما لو غاب وعليه دين، فان الحاكم ينوب عنه في الدفع من ماله دون الاب وان غاب غيبه غير منقطعه بأن يعلم أنه حى نظرت فان كان على مسافة تقصر فيها الصلاة جاز للسلطان تزويجها، لان في استئذانه مشقة فصار كالمفقود. وان كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال يجوز للحاكم تزويجها، وهو المذهب، لان في استئذانه الحاق مشقه، فهو كما لو كان على مسافة القصر

ومنهم من قال لا يجوز تزويجها لانه في حكم الحاضر، بدليل أنه لا يجوز له القصر والفطر، فهو كما لو كان في البلد. هذا مذهبنا وبه قال زفر. وحكى ابن القاص قولا آخر أن الولاية تنتقل إلى من بعده من الاولياء، وليس بمشهور وقال أبو حنيفة ومحمد وأحمد بن حنبل (أن غاب الاب غيبة منقطعة جاز للجد تزويجها. وان كانت غيبة غير منقطعه لم يجز للجد تزويجها واختلف أصحاب أبى حنيفة في حد المنقطعة، فمنهم من قال من الرقة إلى البصرة، ومنهم من قال من بغداد إلى البصرة وقال محمد (إذا سافر من اقليم إلى اقليم، كمن سافر من الكوفة إلى بغداد فهى منقطعه، وان كان في اقليم واحد فهى غير منقطعه ومنهم من قال المنقطعة الذى لا تجئ منه القافلة في السنة الا مرة واحدة. ودليلنا أن كل ولايه لم تنقطع بالغيبة القريبه لم تنقطع بالغيبة البعيدة كولاية المال. إذا ثبت هذا فان الشافعي رضى الله عنه قال (وان غاب الولى وأراد الحاكم تزويجها استحب له أن يستدعى عصباتها، وان لم يكونوا أولياء، فان لم يكن لها عصبات فذوي الارحام والقرابات لها، فيسألهم عن حال الزوج ويستشيرهم في أمره ليستطيب بذلك نفوسهم، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر نعيما أن يشاور أم ابنته في تزويجها، وان لم يكن لها ولاية، فان قالوا انه كفء زوجها قال الشيخ أبو إسحاق ويستحب له أن يأذن لمن تنتقل الولاية إليه ليزوجها ليخرج من الخلاف، فإن زوجها الحاكم بنفسه أو أذن لاحد أو لم يشاورهم صح ذلك، لان الولاية له. قال الشافعي: ولا يزوجها ما لم يشهد شاهدان أنه ليس لها ولى وليست في نكاح أحد ولا عدة. قال المسعودي: من أصحابنا من قال: هذا واجب، ومنهم من قال: هذا مستحب والله أعلم بالصواب.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويجوز للاب والجد تزويج البكر من غير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة: لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها) فدل على أن الولى أحق بالبكر وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر وإذنها صماتها لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) ولانها تستحى أن تأذن لابيها بالنطق فجعل صماتها إذنا، ولا يجوز لغير الاب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن، لما روى نافع (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه تزوج بنت خاله عثمان ابن مظعون فذهبت أمها إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالت: إن ابنتى تكره ذلك فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفارقها. وقال: لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن، فإن سكتن فهو إذنهن فتزوجت بعد عبد الله، المغيرة ابن شعبة) ولانه ناقص الشفقة ولهذا لا يملك التصرف في مالها بنفسه، ولا يبيع مالها من نفسه، فلا يملك التصرف في بضعها بنفسه، فان زوجها بعد البلوغ ففى اذنها وجهان. (أحدهما) أن اذنها بالنطق لانه لما افتقر تزويجها إلى اذنها افتقر إلى نطقها بخلاف الاب والجد. (والثانى) وهو المنصوص في الاملاء وهو الصحيح: أن اذنها بالسكوت لحديث نافع، وأما الثيب فإنها ان ذهبت بكارتها بالوطئ فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لاحد تزويجها إلا بإذنها، لما روت خنساء بنت خدام الانصارية (أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها) وإذنها بالنطق لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) فدل على ان اذن الثيب بالنطق، وان كانت صغيرة لم يجز تزويجها حتى تبلغ وتأذن لان اذنها معتبر في حال الكبر

فلا يجوز الافتيات عليها في حال الصغر، وإن كانت مجنونة جاز للاب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة لانه لا يرجى لها حال تستأذن فيها ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لان تزويجها إجبار وليس لسائر العصبات غير الاب والجد ولاية الاجبار، فأما الحاكم فانها ان كانت صغيرة لم يملك تزويجها لانه لا حاجة بها إلى النكاح، وان كانت كبيرة جاز له تزويجها ان رأى ذلك لانه قد يكون في تزويجها شفاء لها، وان ذهبت بكارتها بغير الوطئ ففيه وجهان. (أحدهما) انها كالموطوءة لعموم الخبر. (والثانى) وهو المذهب انها تزوج تزويج الابكار لان الثيب انما اعتبر اذنها لذهاب الحياء بالوطئ والحياء لا يذهب بغير الوطئ. (فصل) وإن كانت المنكوحة أمة فللمولى أن يزوجها بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة كانت أو مجنونة، لانه عقد يملكه عليها بحكم الملك، فكان إلى المولى كالاجارة. وان دعت الامة المولى إلى النكاح، فان كان يملك وطأها لم يلزمه تزويجها لانه يبطل عليه حقه من الاستمتاع، وان لم يملك وطأها ففيه وجهان. (أحدهما) لا يلزمه تزويجها لانه تنقص قيمتها بالنكاح. (والثانى) يلزمه لانه لا حق له في وطئها، وإن كانت مكاتبة لم يملك السيد تزويجها بغير إذنها لانه لا حق له في منفعتها، فإن دعت السيد إلى تزويجها ففيه وجهان. (أحدهما) يجبر لانها تستعين بالمهر والنفقة على الكتابة (والثانى) لا يجبر لانها ربما عادت إليه وهى ناقصه بالنكاح. (الشرح) حديث ابن عباس رواه أحمد ومسلم وأبى داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبى شيبة بلفظ (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) وفى رواية لاحمد ومسلم وأبى داود والنسائي (والبكر يستأمرها أبوها) وفى رواية لاحمد والنسائي (واليتيمة تستأذن في نفسها) وفى

رواية لابي داود والنسائي (ليس للولى مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها) قال الحافظ: ورجاله ثقات وأعل بالارسال، وبتفرد جرير بن حازم عن أيوب وبتفرد حسين عن جرير، وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا، وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقى عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا، وإذا اختلف في وصل الحديث وارساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء، وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى. وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير، وانفصل البيهقى عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء. وقد أخرج أحمد والبخاري وأصحاب السنن عن خنساء بنت خدام الانصارية أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها، وروى أحمد والشيخان وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تنكح الايم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف اذنها، قال: أن تسكت) وأخرج أحمد والشيخان عن عائشة قالت (قلت: يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال: نعم، قلت: ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها اذنها) وهو من أحاديث الفصل. أما حديث نافع من قصة زواج عبد الله بن عمر من ابنة خاله فقد أخرجه أحمد والدارقطني عن ابن عمر بلفظ (توفى عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الاوقصى، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاى فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعنى إلى أمها فأرغبها في المال فحطت إليه، وحطت هوى الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخى أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، ولكنها إمرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها قال: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم: هي يتيمة ولا تنكح الا بإذنها، قال: فانتزعت والله منى بعد أن ملكتها فزوجوها لمغيرة بن شعبة، وقد أورده الحافظ ابن حجر في التلخيص وسكت عنه، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات. أما الاحكام: فإنه لا يخلو حال المراد زواجها من أن تكون حرة أو أمة، فإن كانت حرة نظرت، فإن كانت عافلة فلا تخلو إما أن تكون بكرأ أو ثيبا، فان كانت بكرا فلا يخلو إما أن تكون صغيرة أو كبيرة، فإن كانت صغيرة جاز للاب تزويجها بغير إذنها بغير خلاف، والدليل عليه قوله تعالى (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن) وتقديره وكذلك عدة اللائى لم يحضن، وإنما يجب على الزوجة الاعداد من الطلاق بعد الوطئ فدل على أن الصغيرة التى لم تحض يصح نكاحها، ولا جهة يصح نكاحها معها إلا أن يزوجها أبوها. وروت عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابنة سبع سنين ودخل بى وأنا ابنة تسع سنين، ومعلوم أنه لم يكن بإذنها حكم في تلك الحال، فعلم أن أباها زوجها بغير إذنها فيجوز للاب والجد إجبارها على النكاح ولا يجوز لغيرهما من الاولياء تزويجها قبل أن تبلغ. وقال مالك: لا يجوز للجد. وقال أبو حنيفة، يجوز للاب والجد وسائر العصبات، وللحاكم إجبارها على النكاح إلا أنه إذا زوجها غير الاب والجد ثبت لها الخيار في فسخ النكاح إذا بلغت. دليلنا على مالك ان للجد ولادة وتعصيبا فجاز له اجبار البكر كالاب، وعلى أبى حنيفة بما روى ان عمر من حديث زواجه بابنة خاله عثمان بن مظعون، وقول النبي صلى الله عليه وسلم. انها يتيمة وانها لا تنكح الا بإذنها. ولان غير الاب والجد لا بلى مالها بنفسه فلم يملك اجبارها على النكاح كالأجنبي. إذا ثبت هذا: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ. استحب للاب أن لا يزوجها حتى تبلغ لتكون من أهل الاذن. لانه يلزمها بالنكاح حقوق. قال الصيمري. إذا قاربت البلوغ وأراد تزويجها فالمستحب أن يرسل إليها نساء

ثقات ينظرن ما عندها، فإن كانت البكر بالغا فللاب والجد اجبارها على النكاح وان أظهرت الكراهية، وبه قال ابن أبى ليلى وأحمد واسحاق. وقال مالك. للاب اجبارها دون الجد، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي لا يجوز لاحد اجبارها. دليلنا على مالك أن الجد له تعصيب وولادة فملك اجبار البكر على النكاح كالاب، وعلى أبى حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم (الثيت أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها واذنها صماتها) فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها دل على أن الولى أحق بالبكر، والمراد بالولي هنا الاب والجد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (اليتيمة تستأمر في نفسها، فان صمتت فهو اذنها، وان أبت فلا جواز عليها) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه، وأراد باليتيمة التى لا أب لها وسماها يتيمة بعد البلوغ استصحابا لاسمها قبل البلوغ، فلما أوجب استئذان اليتيمة دل على أن غير اليتيمة لا تستأذن، ومن لها أب أو جد فليست بيتيمة إذا ثبت هذا فان زوج الاب أو الجد البكر البالغ فالمستحب لهما استئذانها واذنها صماتها للخبر، ولانها تستحى أن تأذن بالنطق، فان لم يستأذنها جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن فقصد بذلك التفرقة بينهما، فلو قلنا: أن استئذان البكر واجب لما كان بينهما فرق، وان زوج البكر البالغ غير الاب والجد من الاولياء لم يصح حتى يستأذن وهو اجماع لا خلاف فيه، وفى اذنها وجهان. (أحدهما) لا يحصل الا بنطقها، لان كل من يفتقر نكاحها إلى اذنها افتقر إلى نطقها مع قدرتها على النطق كالثيب وهو المذهب انها إذا استؤذنت فصمتت كان ذلك اذنا منها في النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم اليتيمة تستأمر في نفسها فان صمتت فهو اذنها لانها تستحى ان تأذن بالنطق بخلاف الثيب. قال العمرانى في البيان، قال أصحابنا المتأخرون فان استأذنها وليها أن يزوجها بأقل من مهر مثلها أو بغير نقد البلد وصمتت لم يكن ذلك اذنا منها في ذلك، لان ذلك مال فلا يكون صمتها اذنا فيه، كما لو استأذنها في بيع مالها فصمتت، بخلاف النكاح.

وإن كانت المراد تزويجها ثيبا نظرت فان ذهبت بكارتها بالوطئ في نكاح أو ملك أو شبهة. فإن كانت بالغا لم يجز لاحد من الاولياء إجبارها على النكاح سواء كان الولى أبا أو جدا أو غيرهما، لما روى أن خنساء بنت خدام الانصارية زوجها أبوها وهى ثيب، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد نكاحها. وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ليس للولى مع الثيب أمر. قال الشيخ أبو حامد: وهو إجماع لا خلاف فيه. ولا يصح نكاحها إلا باذنها، ولا يصح إذنها إلا بنطقها مع قدرتها على النطق لقوله صلى الله عليه وسلم: والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها. فلما جعل اذن البكر الصمت دل على أن اذن الثيب بالنطق، فان كانت خرساء وأشارت إلى الاذن بما يفهم منها صح تزويجها، وان كانت الثيب صغيرة لم يجز لاحد من الاولياء تزويجها قبل البلوغ، سواء كان الولى أبا أو جدا أو غيرهما. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز للاب والجد وغيرهما من الاولياء اجبارها على النكاح، والاجبار عندهم يختلف بصغر المنكوحة وكبرها، وعندنا يختلف ببكارتها وثيوبتها. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ للولى مع الثيب أمر، ولم يفرق، ولانها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع فلم تجبر على النكاح كالثيب الكبيرة. وقولنا (حرة) احتراز من الامة، وقولنا سليمة احتراز من المجنونة: وقولنا بجماع احتراز ممن ذهبت بكارتها بوثبة أو غيرها (فرع) وان ذهبت بكارتها بالزنا فهو كما لو ذهبت بالجماع في النكاح، فيكون حكمها حكم الثيب في الاذن. وقال أبو حنيفة: حكمها حكم البكر. دليلنا أنها حرة سليمة ذهبت بكارتها بجماع، فهو كما لو ذهبت بنكاح وان ذهبت بكارتها بوثبة أو تعنيس ففيه وجهان: (أحدهما) حكمها حكم الموطوءة بنكاح لانها ثيب (والثانى) حكمها حكم البكر في الاذن، وهو المذهب، لان الثيب انما اعتبر اذنها بالنطق لذهاب الحياء بالوطئ وهذا الحياء لا يذهب بغير الوطئ بخلاف الزانية فانها إذا لم تستح من مباضعة الرجال على الزنا والاقدام عليه لم تستح من النطق بالاذن

وقال الصيمري: وان خلقت المرأة لا بكارة لها فهى كالبكر، وان ادعت المرأة البكارة أو الثيوبه قال الصيمري: القول قولها. ولا يكشف عن الحال لانها أعلم بحالها. (فرع) قال ابن الحداد: إذا زوج الرجل ابنته البكر البالغ بغير اذنها فلما بلغها ذلك قالت (أنا أخته من الرضاع) يعنى الزوج، أو تزوجني أبوه قبله أو غير ذلك من الاسباب المحرمة فالقول قولها مع يمينها، ويبطل النكاح. وان كانت ثيبا فزوجها وليها باذنها أو زوجها أبوها وهى بكر بغير اذنها فمكن الزوج من وطئها ثم ذكرت سببا يوجب التحريم لم يقبل قولها كما قال الشافعي رضى الله عنه فيمن ضل له عبد فأخذه الحاكم ورأى المصلحة في بيعه فباعه أو باعه عليه الحاكم لدين عليه وهو غائب ثم قدم وادعى أنه أعتقه قبل ذلك قبل قوله فيه مع يمينه. ولو بلغه المالك بنفسه أو باعه الحاكم عليه وهو حاضر لدين عليه امتنع منه ثم ادعى بعد البيع أنه كان أعتقه أو أوقفه لم يقبل قوله في ذلك، فمن أصحابنا من صوب ابن الحداد ومنهم من خطأه وقال لا يقبل قولها بحال، لان لها غرضا في اجبار الازواج، وربما كرهت زوجها وطلبت غيره، ولا تصدق على ما يوجب بطلان نكاحها، كما إذا أقر العبد بجناية خطأ أو اتلاف مال فانه لا يقبل (فرع) قال ابن الحداد (وان قالت امرأة وهى بالغ عاقلة زوجنى أبى زيدا بشهادة شاهدين وصادقها زيد على ذلك فأنكر الاب أو الشاهدان ذلك لم يلتفت إلى انكار الاب أو الشاهدين لان الحق للزوجين، ولا حق للاب ولا للشاهدين في ذلك، فهو كما لو قال رجل باع وكيلى دارى من فلان وادعاه المشترى وأنكر الوكيل لم يلتفت إلى انكاره فكذلك هذا مثله قال القاضى أبو الطيب هذا على قول الشافعي رحمه الله الجديد أن النكاح ثبت بتصادق الزوجين، وهو المشهور وأما على القول القديم فانه لا يثبت بتصادقهما الا ان كانا عربيين (فرع) وان كانت المراد نكاحها مجنونة فان كان وليها أباها أو جدها فزوجها

على أي صفة كانت، صغيرة أو كبيرة، بكرا أو ثيبا لانهما يملكان إجبارها على النكاح، وإنما لم يجز لهما تزويج الثيب الصغيرة العاقلة لانه يرجى لها أن تبلغ وتأذن، ولم يجز لهما تزويج الثيب البالغة إلا بإذنها لانها من أهل الاذن والمجنونة ليست من أهل الاذن ولا يرجى لها حال تصير فيه من أهل الاذن، وإن كان وليها غير الاب والجد من العصبات لم يملك تزويجها، لان تزويجها إجبار وهم لا يملكون إجبارها على النكاح. وإن كان وليها الحاكم قال الشيخ أبو حامد، بأن لا يكون لها ولى مناسب، أو كان لها ولى مناسب غير الاب والجد فإنه لا ولاية لهم عليها في هذه الحالة، وتنتقل الولاية إلى الحاكم، فإن كانت صغيرة لم يجز للحاكم تزويجها لانها لا حاجة بها إلى التزوج في هذه الحال. وإن كانت كبيرة جاز له تزويجها لان لها في ذلك حظا لانها تحتاج إليه للعفه ويكسبها غنى، وربما كان لها فيه شفاء، والفرق بين الحاكم وبين غير الاب والجد من العصبات أنه يزوجها حكما، وبهذا يجوز له التصرف في مالها، والعصبات غير الاب والجد يزوجونها بالولاية ولا ولاية لهم عليها، هذا نقل أصحابنا البغداديين وقال الخراسانيون: المجنونة المطبقه إن كانت بكرا فللاب والجد تزويجها، صغيرة كانت أو كبيرة، وإن كانت ثيبا، فإن بلغت مجنونة فلهما ذلك، وإن بلغت عاقلة فهل لهما تزويجها؟ فيه وجهان بناء على أنه هل تعود ولاية المال لهما؟ وفيه وجهان. وإن كانت صغيرة ثيبا فوجهان، وان كان جنونها غير مطبق وهى ثيب فهل لهما تزويجها في يوم الجنون؟ على وجهين، وأما غير الاب والجد من العصبات فليس له تزويجها بحال، وللحاكم أن يزوجها إذا كانت بالغة، وهل يستأذن الحاكم غيره من العصبات؟ فيه وجهان وأما إذا كان المراد تزويجها أمة فعلى ما ذكر المصنف. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن كان ولى المرأة ممن يجوز له أن يتزوجها كابن عم، والمولى المعتق، لم يجز أن يزوجها من نفسه، فيكون موجبا قابلا لانه يملك الايجاب

بالاذن فلم يجز أن يملك شطرى العقد كالوكيل في البيع، فإن أراد أن يتزوجها، فإن كان هناك من يشاركه في الولاية زوجها منه، وإن لم يكن من يشاركه في الولاية زوجها الحاكم منه، وإن أراد الامام أن يتزوج امرأة لا ولى لها غيره ففيه وجهان. (أحدهما) أن له أن يزوجها من نفسه، لانه إذا فوض إلى غيره كان غيره وكيلا، والوكيل قائم مقامه فكان إيجابه كايجابه (والثانى) يرفعه إلى حاكم ليزوجها منه، لان الحاكم يزوج بولاية الحكم فيصير كما لو زوجها منه، ولى، ويخالف الوكيل لانه يزوجها بوكالته، ولهذا يملك عزله إذا شاء، ولا يملك عزل الحاكم من غير سبب وإذا مات انعزل الوكيل ولا ينعزل الحاكم. وان كان لرجل ابن ابن وبنت ابن وهما صغيران فزوج بنت الابن بابن الابن. ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز، وهو قول أبى العباس ابن القاص، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كل نكاح لم يحضره أربعه فهو سفاح خاطب وولى وشاهدان) (والثانى) وهو قول أبى بكر بن الحداد المصرى أنه يجوز كما يجوز أن بلى شطرى العقد في بيع ماله من ابنه، فعلى هذا يحتاج أن يقول زوجت بنت ابني بابن ابني، وهل يحتاج إلى القبول. فيه وجهان (أحدهما) يحتاج إلى القبول، وهو أن يقول بعد الايجاب وقبلت نكاحها له وهو قول أبى بكر بن الحداد، لانه يتولى ذلك بولايتين فقام فيه مقام الاثنين. (والثانى) لا يحتاج إلى لفظ القبول، وهو قول أبى بكر القفال، لانه قائم مقام اثنين فقام لفظه مقام لفظين. (فصل) وان وكل الولى رجلا في التزويج فهل يلزمه أن يعين الزوج فيه قولان أحدهما لا يلزمه لان من ملك التوكيل في عقد لم يلزمه تعيين من يعقد معه كالموكل في البيع. والثانى يلزمه لان الولى انما جعل إليه اختيار الزوج لكمال شفقته ولا يوجد كمال الشفقه في الوكيل فلم يجعل اختيار الزوج إليه

(الشرح) حديث عائشة أخرجه الدارقطني بلفظ (لا بد في النكاح من أربعة، الولى والزوج والشاهدين) وفى إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروى نحوه البيهقى في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه، وابن أبى شيبة بنحوه أيضا، وعن أنس أشار إليه الترمذي، وأخرج الدارقطني رواية أخرى عن عائشة بلفظ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) وقد أخرجه أيضا البيهقى من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقى عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقى عن عيسى، ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله ابن عمر وبن عثمان، ويزيد بن سنان ونوح بن دراج، وعبد الله بن حكيم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة كذلك، وقد ضعف ابن معين ذلك كله، وأقره البيهقى، وقد تقدم في فصل لا نكاح إلا بولي طرف منه، ويؤيد هذا الحديث ما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير بينة) . وذكر الترمذي أنه لم يرفعه غير عبد الاعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح، وهذا لا يقدح لان عبد الاعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته، وقد يرفع الراوى الحديث وقد يقفه، وقال الترمذي: هذا الحديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الاعلى عن سعيد عن قتادة مرفوعا. وروى عن عبد الاعلى عن سعيد هذا الحديث موقوفا، والصحيح ما روى ابن عباس (لا نكاح إلا ببينة) ويؤيده حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل) ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله وقد أشار إليه الترمذي، وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه، وفى إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك. ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا وقال: هذا، وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به. وقد روى الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ

ابن عباس موقوفا بلفظ (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) وقال البيهقى بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبى خيثم بسنده مرفوعا بلفظ (لا نكاح إلا بإذن ولى مرشد أو سلطان) قال: والمحفوظ الموقوف، ثم رواه من طريق الثوري عن أبى خيثم، ومن طريق عدى بن الفضل عن أبى خيثم بسنده مرفوعا بلفظ. (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فإن نكحها ولى مسخوط عليه فنكاحها باطل) وعدى بن الفضل ضعيف. وعن أبى هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقى بلفظ (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدين، وفى إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري: منكر الحديث. وهذه الاحاديث تفيد شرطية الاشهاد في النكاح، وهو قول على وعمر وابن عباس والعترة والشعبى وابن المسيب والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قالوا (لا نكاح الا بشهود) لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم، وانما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد، فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم، لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره. وقال بعض أهل العلم: يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح، وهو قول أحمد واسحاق. انتهى كلام الترمذي وحكى عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدى وداود بن على أنه لا يعتبر الاشهاد. وحكى أيضا عن مالك انه يكفى الاعلان بالنكاح، والحق ما ذهب إليه الاولون لان الاحاديث التى سقناها يؤيد بعضها بعضا. (اما احكام الفصل) فانه إذا اراد الرجل ان يتزوج امرأة بلى عليها امر النكاح من نفسه كابن العم والمعتقة أو وكل الولى رجلا يزوج وليته فيزوجها الوكيل من نفسه لم يصح.

وقال ربيعه ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يصح، دليلنا ما روت عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نِكَاحَ إلَّا بولي وشاهدي عدل فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) . وحديث أبى هريرة (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولى وشاهدان) وهذا لم يحضره الا ثلاثة، وشرط أن يكون ولى وخاطب ولم يوجد ذلك، ولانه لو وكل وكيلا ليبيع له سلعة لم يجز للوكيل أن يبتاعها من نفسه، فكذلك هذا مثله، وقد وفقنا أبو حنيفة على البيع، وخلفنا مالك فيه وقد مضى في البيع. إذا ثبت هذا: فأراد ابن العم أن يتزوجها فان كان هناك ولى لها في درجته تزوجها منه، وان لم يكن هناك ولى في درجته بل كان أبعد منه أو لا ولى لها تزوجها من السلطان لانها تصير في حقه بمنزلة من لا ولى لها فيتزوجها من السلطان. (فرع) إذا أراد الحاكم أن يتزوج امرأة لا ولى لها فانه يتزوجها من الامام قال ابن الصباغ: أو يرد ذلك إلى من يزوجه اياها ويتولى طرفي العقد لانه إذا تزوجها من الحاكم فهو قائم من جهته فصح أن يتولى ذلك. والثانى: لا يصح أن يتولى العقد بنفسه بل يتزوجها الحاكم لان الحاكم ليس بوكيل له، وانما هو نائب عن المسلمين، ولهذا لا يملك الامام عزله من غير سبب. (فرع) وان أراد الجد أن يزوج ابنه الصغير بابنة ابن له آخر ففيه وجهان أحدهما: لا يصح، وهو اختيار ابن القاص لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا نِكَاحَ إلَّا بولي وخاطب وشاهدي عدل) والثانى: يصح، وهو اختيار ابن الحداد والقاضى أبى الطيب لانه يملك طرفي العقد بغير تولية فجاز أن يتولاه ههنا كبيع مال الصغير من نفسه، وأما الخبر فمحمول إذا كان الولى غير الخاطب فعلى هذا لا تصح الولاية الا بشروط. (أحدها) إذا كان أبواهما ميتين أو فاسقين أو أحدهما ميتا والآخر فاسقا لانه لا ولاية للجد الرشيد عليهما مع ثبوت ولاية الابوين عليهما. (الشرط الثاني) أن يكون ابن الابن صغيرا أو مجنونا (الثالث) أن تكون الابنة بكرا فأما إذا كانت ثيبا فلا يملك تزويجها بحال

الا باذنها، وقد اشترط ابن الحداد أن تكون صغيره، وليس بصحيح لان الجد يملك اجبارها على النكاح إذا كانت بكرا بكل حال الا أن تكون الابنة مجنونة فيملك الجد اجبارها على النكاح بكل حال. إذا ثبت هذا: فان الجد يقول زوجت فلانة بفلان أو فلانا بفلانة، وهل يفتقر إلى لفظ القبول؟ وهو أن يقول: وقبلت نكاح فلانة لفلان؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال: لا يفتقر إلى ذلك لان الا يجاب يتضمن القبول، وهو قول ابن الحداد، وهو المشهور، لان كل عقد افتقر إلى الايجاب افتقر إلى القبول كما لو كان بين شخصين. (فرع) وان تزوج الولى وليته من ابنه الكبير صح لانه هو الذى يوجب النكاح على المرأة وبقبله لابنه، والشخص الواحد لا يجوز أن يكون قابلا موجبا في النكاح. (فرع قال الشافعي رضى الله عنه: وكيل الولى يقوم مقامه، وجملة ذلك أن الولى إذا كان ممن يملك اجبار المرأة على النكاح فله ان يوكل من يزوجها بغير اذنها كما يجوز ان يعقد عليها بنفسه بغير اذنها، فان وكل في تزويجها من رجل بعينه صح، وان قال الوكيل وكلتك في تزويجها واطلق فهل يصح؟ حكى الشيخان ابو حامد وابو إسحاق فيها قولين، وحكاهما ابن الصباغ والمسعودي وجهان. احدهما: يصح، لان من جاز ان يوكل وكالة معينه جاز ان يوكل وكالة مطلقه كالوكالة في البيع. والثانى: لا يصح هذا التوكيل لان الولى انما فوض إليه اختيار الزوج لكمال شفقته وهذا لا يوجد في الوكيل، وان كان الولى لا يملك التزويج الا باذنها، فان اذنت له في التزويج والتوكيل صح توكيله، وان اذنت في التزويج لا غير فهل يملك التوكيل؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الوكالة. (فرع) إذا كان الولى لا يملك ان يعقد على المرأة الا باذنها، فان أذنت له أن يزوجها من رجل معين صح، وان أذنت أن يزوجها مطلقا قال الشيخ أبو حامد: يصح ذلك قولا واحدا لكمال شفقته. وقال الطبري في العدة. هو كالوكيل إذا وكله الولى في التزويج وأطلق على

ما مضى، ويجوز للمرأة أن يأذن لوليها بلفظ الاذن، ويجوز بلفظ الوكالة نص عليه الشافعي رضى الله عنه لان المعنى فيهما واحد، وإن أذنت لوليها أن يزوجها ثم رجعت لم يصح تزويجها كالموكل إذا عزل وكيله، فان زوجها الولى بعد العزل وقبل أن يعلم به فهل يصح، فيه وجهان مأخوذان من القولين إذا باع بعد العزل وقبل العلم به، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز للولى أن يزوج المنكوحة من غير كفء إلا برضاها ورضى سائر الاولياء، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم، فانكحوا الاكفاء وانكحوا إليهم) ولان في ذلك إلحاق عار بها وبسائر الاولياء فلم يجز من غير رضاهم. (فصل) وإن دعت المنكوحة إلى غير كفء لم يلزم الولى تزويجها لانه يلحقه العار، فان رضيا جميعا جاز تزويجها لما روت فاطمة بنت قيس قَالَتْ (أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته أن أبا الجهم يخطبني ومعاوية، فقال: أما أبو الجهم فأخاف عليك عصاه وأما معاوية فشاب من شباب قريش لا شئ له ولكني أدلك على من هو خير لك منهما، قلت: من يا رسول الله، قال: أسامة قلت، أسامة، قال نعم أسامة فتزوجت أبا زيد فبورك لابي زيد في وبورك لى في أبى زيد) وقال عبد الرحمن بن مهدى، وأسامة من الموالى وفاطمة قرشية، ولان المنع من نكاح غير الكف، لحقهما، فإذا رضيا زال المنع، فان زوجت المرأة من غير كفء من غير رضاها أو من غير رضا سائر الاولياء، فقد قال في الام النكاح باطل. وقال في الاملاء كان للباقين الرد، وهذا يدل على أنه صحيح فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أنه باطل لانه عقد في حق غيره من غير إذن فبطل كما لو باع مال غيره بغير اذنه (والثانى) أنه صحيح ويثبت فيه الخيار، لان النقص يوجب الخيار دون البطلان، كما لو اشترى شيئا معيبا. ومنهم من قال: العقد باطل قولا واحدا لما ذكرناه، وتأول قوله في الاملاء

على أنه أراد بالرد المنع من العقد، ومنهم من قال إن عقد وهو يعلم أنه ليس بكفء بطل العقد، كما لو اشترى الوكيل سلعة وهو يعلم بعيبها، وإن لم يعلم صح العقد وثبت الخيار، كما لو اشترى الوكيل سلعة ولم يعلم بعيبها، وحمل القولين على هذين الحالين. (الشرح) حديث عائشة أورده السيوطي في الجامع الصغير مرموزا له بابن ماجه والبيهقي والحاكم، كما أورد ما أخرجه ابن عدى في الكامل وعبد الرزاق وابن عساكر عن عائشة بلفظ (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) وقد ضعفه السيوطي. وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن أنس (تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد فإنه لون مشوه) وقد رد الذهبي حديث عائشة بأن الحارث بن عمران الجعفري عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا (تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء) تابعه عكرمة بن ابراهيم بأن الحارث كان يضع الحديث، قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات. وكذلك عكرمة عن هشام ضعيف أيضا. وقال ابن حجر: مداره على أناس ضعفاء أمثلهم صالح بن موسى الطلحى والحارث الجعفري. وقال في الفتح رواه أبو نعيم وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عمر أيضا وفى إسناده مقال ويقوى أحد الاسنادين الآخر. وقال ابن الديبع الشيباني في تمييز الطيب من الخبيث: مداره على أناس ضعفاء وكل طرقه ضعيفه وحديث عائشة (تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن الخ) الذى سقناه. قال ابن الجوزى: حديث لا يصح فيه عيسى بن ميمون. قال ابن حبان منكر الحديث لا يحتج بروايته. وقال الخطيب: حديث غريب وكل طرقه واهيه. وقال السخاوى هو ضعيف، وبالجملة كل ما ورد من طرق هذا الحديث على مختلف صوره وطرقه وألفاظه ليس فيها صحيح. أما حديث فاطمة بنت قيس فقد أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الاربعة بلفظ (أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكنى ولا نفقة، قالت: وقال لى رسول الله إذا حللت فأذني، فأذنته فخطبها معاوية

وأبو جهم وأسامة بن زيد، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما معاوية فرجل ترب لا مال له. وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة، فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة؟ فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طاعة الله وطاعة رسوله قالت فتزوجته فاغتبطت) وقد اختلف في معاوية هذا فقيل هو ابن أبى سفيان بن حرب وقيل غيره. وفى صحيح مسلم التصريح بأنه هو، وقوله: فرجل ضراب. وفى روايه: لا يضع عصاه عن عاتقه، وهو كنايه عن كثرة ضربه للنساء. وقال أبو عبيد في قوله صلى الله عليه وسلم (أنفق على أهلك ولا ترفع عصاك عنهم) لم يرد العصا التى يضرب بها ولا أمر أحدا بذلك، وإنما أراد يمنعها من الفساد، يقال للرجل إذا كان رفيقا حسن السياسه لين العصا. وقيل السفر. كنى بالعصا عنه قال الشاعر: فألقت عصاها واستقر بها النوى وقيل كما أفاده ابن بطال كنى به عن كثرة الجماع وليس بشئ. قال الازهرى معناه أنه شديد على أهله خشن الجانب في معاشرتهن مستقص عليهن في باب الغيرة أما الاحكام فقد ذكرنا أن للزوج أن يوكل من يتزوج له، لان النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أميه الضمرى أن يتزوج له أم حبيبه رضى الله عنها بنت أبى سفيان من ابن عمها من أرض الحبشه، ووكل أبا رافع في تزويج ميمونه، فان وكله أن يزوج له امرأة بعينها صح، فان وكله أن يتزوج له ممن شاء، ففيه وجهان. مضى ذكرهما في الوكالة، قال أبو العباس بن سريج وأبو عبد الله الزبيري لا يجوز، لان الاغراض تخلف في ذلك. قال القاضى أبو حامد المروروذى يجوز، واليه ذهب الصيمري فانه قال، لو وكله أن يزوجه امرأة من العرب فزوجه امرأة من قريش جاز، ولو وكله أن يزوجه امرأة من قريش فزوجه امرأة من العرب لم يصح، ولو وكله أن يزوجه امرأة من الانصار فزوجه امرأة من الاوس أو الخزرج من بنات الانصار جاز، ولو وكله أن يزوجه امرأة من الاوس فزوجه امرأة من الخزرج لم يجز، ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فتزوجها الموكل لنفسه ثم طلقها قبل الدخول أو بعد الدخول وانقضت عدتها ثم تزوجها الوكيل للموكل

قال الصيمري لم يصح، لان وكالته قد بطلت لما تزوجها الموكل لنفسه فإن وكله أن يتزوج امرأة بمائة فتزوجها له بخمسين صح، فإن تزوجها له بأكثر من مائة قال الصيمري: فقد قال شيخ من أصحابنا: يبطل النكاح، والصحيح أنه يصح ولها مهر مثلها. (فرع) فإن جاء رجل وادعى أن فلانا وكله أن يتزوج له امرأه فتزوجها له وضمن عنه المهر ثم أنكر الموكل الوكالة ولا بينة فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف لم يلزمه النكاح، ولا يقع النكاح للوكيل بخلاف وكيل الشراء لان الغرض من النكاح أعيان الزوجين فلا يقع بغير من عقد له، وترجع الزوجة على الوكيل بنصف المهر. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، لانها تدعى وجوبه على الزوج والوكيل ضامن به وهو مقر به. وقال محمد بن الحسن يرجع على الوكيل بجميع الصداق، لان الفرقة لم تقع في الباطن بانكاره، وهذا ليس بشئ، لانه يملك الطلاق، فإذا أنكر النكاح فقد أقر بتحريمها عليه، فصار بمنزلة إيقاعه للطلاق، ولو مات الزوج قبل المصادقة على النكاح لم ترث هذه الزوجة إلا أن يصدقها سائر ورثته على التوكيل أو يقدم لها بينة على ذلك. ولو غاب رجل عن امرأته فجاءها رجل فذكر أن زوجها طلقها طلاقا بانت به منه بدون الثلاث وأنه وكله في استئناف عقد النكاح عليها؟ ؟ ؟ فعقد عليها النكاح بألف وضمن لها الوكيل الالف ثم قدم الزوج فأنكر ذلك فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فهل للزوجة أن ترجع على الوكيل بالالف فيه وجهان: قال الساجى والقاضى أبو الطيب: لا ترجع عليه بشئ، وبه قال أبو حنيفة لان الضامن فرع على المضمون عنه، فإذا لم يلزم المضمون عنه شئ لم يلزم الضامن (والثانى) يرجع عليه بالالف. قال الشيخ أبو حامد: وقد نصر عليه الشافعي رحمه الله في الاملاء وهو الاصح لان الوكيل مقر بوجوبها عليه كما قلنا في التى قبلها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والكفاءة في الدين والنسب والحرية والصنعة، فأما الدين فهو معتبر، فالفاسق ليس بكفء للعفيفة، لما روى أبو حاتم المزني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض، وأما النسب فهو معتبر فالأعجمي ليس بكفء للعربيه، لما روى عن سلمان رضى الله عنه أنه قال (لا نؤمكم في صلاتكم، ولا ننكح نساءكم) وغير القرشى ليس بكفء للقرشيه لقوله صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشا ولا تتقدموها) وهل تكون قريش كلها أكفاء؟ فيه وجهان. (أحدهما) أن الجميع أكفاء، كما أن الجميع في الخلافه أكفاء (والثانى) أنهم يتفاضلون، فعلى هذا غير الهاشمي والمطلبى ليس بكفء للهاشمية والمطلبيه، لما روى واثلة بن الاسقع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إن الله اصطفى كنانة من بنى اسماعيل واصطفى من كنانه قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم) وأما بنو هاشم وبنو المطلب فهم أكفاء، لان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم في الخمس، وقال (إن بنى هاشم وبنى عبد المطلب شئ واحد) وأما الحرية فهى معتبرة، فالعبد ليس بكفء للحرة، لقوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوون؟ ولان الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد. وأما الصنعه فهى معتبرة فالحائك ليس بكفء للبزاز، والحجام ليس بكفء للخراز، لان الحياكة والحجامه يستر ذل أصحابها. واختلف أصحابنا في اليسار فمنهم من قال يعتبر، فالفقير ليس بكفء للموسرة لما روى سمرة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الحسب المال والكرم التقوى) ولان نفقة الفقير دون نفقة الموسر، ومنهم من قال لا يعتبر لان المال يروح ويغدو ولا يفتخر به ذوو المروءات. ولهذا قال الشاعر غنينا زمانا بالتصعلك والغنى * وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر فما زادنا بغيا على ذى قرابة * غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر

(الشرح) حديث أبى حاتم المزني رواه الترمذي بلفظ (إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنه في الارض وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله وان كان فيه، قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ونقل المناوى عن البخاري أنه لم يعده محفوظا، وعده أبو داود في المراسيل، وأعله ابن القطان بالارسال، وضعف راويه، وأبو حاتم المزني له صحبة، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث، وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبى هريرة ولفظه قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض) ومن ثم ندرك أن المصنف أخطأ في عزو لفظ رواية أبى هريرة إلى عائشة. وقال المناوى: قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث، ورواه الليث بن سعد عن أبى عجلان عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ البخاري: وحديث الليث اشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا. وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: العرب أكفاء بعضهم لبعض، قبيلة لقبيلة، وحى لحى، ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام) وفى اسناده رجل مجهول وهو راويه عن ابن جريج، وقد سأل ابن أبى حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: هذا كذب لا أصل له، وقال في موضع آخر باطل. ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه. قال الدارقطني في العلل لا يصح اه. وله طريق آخر عن غير ابن عمر رواها البزار في مسنده من حديث معاذ رفعه (العرب بعضها لبعض أكفاء) وفيه سليمان بن أبى الجون. قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه، وفى المنفق عليه من حديث أبى هريرة (خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام إذا فقهوا) وأما قول سلمان فقد مضى الاشارة إليه في الامامة، ولعل أبا حنيفة حين قال قريش أكفاء بعضهم بعضا العرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش كما ليس

أحد من غير العرب كفؤا للعرب، كان متأثرا بقول سلمان هذا. وقال الثوري: إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح، وبه قال أحمد في رواية. وقال الشافعي: ليس نكاح غير الاكفاء حراما فأرد به النكاح، وانما هو تقصير بالمرأة والاولياء، فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه، فلو رضوا الا واحد فله فسخ. قال: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث، وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه (العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض) فإسناده ضعيف، واحتج البيهقى بحديث (ان الله اصطفى بنى كناية من بنى اسماعيل الخ الحديث) الذى ساقه المصنف في هذا الفصل وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر، وقد ضم إليه بعضهم حديث (قدموا قريشا ولا تقدموها) . ونقل ابن المنذر عن البويطى أن الشافعي قال: الكفاءة في الدين، وهو كذلك في مختصر البويطى، قال الرافعى: وهو خلاف مشهور. قال في الفتح: واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه، فلا تحل المسلمة لكافر. قال الخطابى: ان الكفاءة معتبرة فقول أكثر العلماء بأربعة أشياء. الدين والحرية، والنسب، والصناعة، ومنهم من اعتبر السلامة من العيوب، واعتبر بعضهم اليسار. ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه (أن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال) وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه (الحسب المال والكرم التقوى) وقد ساقه المصنف في الفصل. قال ابن حجر. يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام الاول لمن لا نسب له. (اللاحكام) ليس المولى أن يزوج المرأة من غير كفؤ الا برضاها ورضا سائر الاولياء لحديث عائشة، ولان في ذلك الحاق عار بها وسائر الاولياء فلم يجز من غير رضاهم قال الشيخ أبو حامد. والاولياء الذين يعتبر رضاهم في نكاح المرأة من غير كفؤ هو كل من كان وليا للعقد حال التزوج، فأما من يجوز أن تنتقل إليه

الولاية فلا يعتبر رضاه، فإن دعت المرأة أولياءها أن يزوجوها من غير كفؤ فامتنعوا لم يجبروا على ذلك، ولا ينوب الحاكم منابهم في تزويجها لحديث عائشة (فانكحوا الاكفاء وانكحوا إليهم) . قال العزيزي في شرح الجامع الصغير: يحتمل أن المراد تزوجوا الخيرات وانضموا اليهن فالهمزة همزة وصل في الفعلين وأطلق ضمير المذكر على المؤنث، وفيه رد على من لم يشترط الكفاءة. وقال الشيخ الحفنى في شرحه على الجامع الصغير: أي تزوجوا النساء المكافئات لكم من النساء، وانكحوا إليهم أي ميلوا إليهم من قولنا تناكحت الاشجار إذا مال بعضها على بعض، وقد استعير ضمير الذكور للاناث في قوله إليهم، ولو كان المراد من الثاني، وزوجوا بناتكم الاكفاء لقال: وأنكحوهن ولم يقل إليهم فهو بوصل الهمزة في الموضعين لا يقطعها في الثاني. (قلت) لم يجبروا على تزويجها ولا ينوب الحاكم منابهم في تزويجها ولما روى عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثلاثة لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والايم إذا وجدت كفؤا) رواه الترمذي، فدل على أنها إذا وجدت غير كفؤ جاز أن تؤخر، وإن دعت المرأة الولى أن يزوجها من كفؤ بأقل من مهر مثلها وجب عليه إجابتها، فإن زوجها وإلا زوجها الحاكم، فإن كان لها أولياء فزوجها أحدهم بأقل من مهر مثلها، أو زوجها واحد منهم بذلك ألزموا الزوج مهر مثلها ولم يكن لهم فسخ النكاح. دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من استحل بدرهمين فقد استحل، ولان كل من لا يملك الاعتراض عليها في جنس المهر لم يكن له الاعتراض عليها في قدره كأباعد الاولياء والاجانب، ولان المهر حق لها ولا عار عليهم بذلك فلم يكن لهم الاعتراض عليها. (فرع) فإن زوجت المرأة من غير كفؤ برضاها ورضى سائر الاولياء صح النكاح، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم. وقال سفيان وأحمد وعبد الملك بن الماجشون: لا يصح.

دليلنا: ما روى أن فاطمة بنت قيس أَتَتْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله إن معاوية وأبا الجهم خطباني على حد الرواية التى ساقها المصنف أو على حد الرواية التى أخرجها أكثر الجماعة باشراك أسامة في خطبتها ثم اختار النبي صلى الله عليه وسلم أسامة لها لخلوه من صعلكة معاوية وقسوة أبى الجهم مع أنه كان من الموالى، قالت فتزوجت أبا زيد، وفاطمة قرشية وأسامة مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى أبو هريرة رضى الله عنه قال: حجم أبو هند رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اليافوخ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بنى بياضة أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه) رواه أبو داود والحاكم وحسنه ابن حجر في التلخيص فندبهم إلى التزوج من حجام وليس بكفؤ لهم. وروى أن بلالا رضى الله عنه تزوج بهالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم، وقيل: بل هو حذيفة، روى الدارقطني عن حنظلة بن أبى سفيان الجمحى عن أمه قالت رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال. وروى أن سلمان الفارسى خطب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنهما ابنته فأنعم له عمر رضى الله عنه فكره ذلك عبد الله بن عمر، فلقى عمرو بن العاص فأخبره بذلك فقال أنا أكفيك هذا فلقى سلمان فقال له عمرو: هنيئا لك فقال بماذا؟ فقال: تواضع لك أمير المؤمنين، فقال سلمان: المثلى يتواضع؟ والله لا تزوجتها أبدا. وعن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد ابن عتبة بن ربيعة وهو مولى إمرأة من الانصار. (فرع) فإن زوج الاب أو الجد البكر من غير كفؤ بغير رضاها أو زوجها أحد الاولياء بغير كفؤ برضاها من غير رضا سائر الاولياء، فقد قال الشافعي النكاح باطل. وقال في موضع كان للباقين الرد، وهذا يدل على أنه وقع صحيحا واختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق، فمنهم من قال فيها قولان، وهو اختيار الشيخ أبو حامد. (أحدههما) أن النكاح صحيح ويثبت لها ولسائر الاولياء الخيار في فسخه، لان

النقص دخل عليها، وحصول النقص لا يمنع صحة العقد، وإنما يثبت الخيار كما لو اشترى لموكله شيئا معيبا. (والثانى) أن العقد لا يصح، لان العاقد تصرف في حق غيره، فإذا فرط بطل العقد، كما لو باع الوكيل بأقل من ثمن المثل. ومنهم من قال: العقد باطل قولا واحدا، وحيث قال: كان للباقين الرد، أي المنع من العقد، ومنهم من قال هي على حالين، فحيث قال: يبطل العقد أراد إذا عقد وهو يعلم أنه ليس بكفؤ، وحيث قال: لا يبطل العقد أراد إذا عقد ولم يعلم أنه غير كفؤ، كما قلنا في الوكيل إذا اشترى شيئا معيبا يعلم بعيبه لم يصح في حق الموكل، وإن اشتراه وهو لا يعلم بعيبه صح في حق موكله، هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: إذا زوجها أحد الاولياء بغير كفؤ برضاها لم يكن للباقين في ذلك اعتراض. دليلنا: أن رضا جميعهم معتبر فلم يسقط برضا بعضهم. (فرع) وإن دعت المرأة وليها إلى تزويجها برجل وزعمت أنه كفؤ لها فقال الولى: ليس بكفؤ لها رفع ذلك إلى الحاكم ونظر فيه. فإن كان كفؤا لها لزمه تزويجها به فإن امتنع زوجها منه، وإن كان ليس بكفؤ لها لم يلزم الولى إجابتها إليه (مسألة) الكفؤ معتبر في خمسة أشياء كما قررنا النسب، والدين، والحرية والصنعة، والسلامة من العيوب، فأما النسب فان الاعجمي ليس بكفؤ للعربية، وأما العجم فهم أكفاء لا فضل لبعضهم على بعض لما روى نافع عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ العرب أكفاء حى لحى الخ، فدل على أن العجم ليسوا بأكفاء للعرب. وأما العرب فان غير قريش ليس بكفؤ للقرشيه. وقال أبو حنيفة: بل هم أكفاء لهم، دليلنا ما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله عز وجل اختار العرب من سائر الامم، واختار من العرب قريش، واختار من قريش بنى هاشم وبنى المطلب) وأما قريش فان بنى هاشم وبنى المطلب أكفاء لقوله صلى الله عليه وسلم (أن بنى هاشم وبنى المطلب شئ واحد، وشبك بين أصابعه) وهل يكون سائر قبائل قريش أكفاء لبنى هاشم وبنى المطلب؟ فيه وجهان حكاهما المصنف.

(أحدهما) أنهم أكفاء كما أنهم في الخلافة أكفاء (والثانى) إنهم ليسوا بأكفاء لهم، ولم يذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ غيره لما روت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، قال لى جبريل: لم أجد في مشارق الارض ومغاربها أفضل من بنى هاشم اه. فأما سائر قبائل العرب فلا فضل لبعضهم على بعض لحديث (العرب بعضهم أكفاء بعض حى لحى وقبيلة لقبيله ورجل لرجل إلا الحائك والحجام) قال الصيمري: وموالى قريش أكفاء لقريش لقوله صلى الله عليه وسلم (موالى القوم من أنفسهم) قال العمرانى وهذا الذى ذكره الصيمري مخالف لظاهر قول سائر أصحابنا لانهم يحتجون على جواز نكاح المرأة بمن ليس بكفء لها بتزويج أسامة ابن زيد لفاطمة بنت قيس وأسامة مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة قرشية، ولو قيل فيها وجهان كالوجهين هل تحل الصدقة المفروضة لموالى بنى هاشم وبنى المطلب لكان محتملا. فأما إذا وطئ الرجل أمته فأولدها ولدا كان كفؤا لمن أمه عربية لان الولد يتبع الاب في النسب دون الام بدليل أن الهاشمي لو تزوج أعجمية كان ولده منها هاشميا، ولو تزوج الاعجمي هاشمية فإن ولده منها أعجمى، وأما الدين فهو معتبر فالفاسق الذى يشرب الخمر ويزنى أو لا يصلى ليس بكفء للحرة العفيفة، وقال محمد بن الحسن هو كفؤ لها إلا أن يكون مظاهرأ بسكره مولعا بالصبيان. دليلنا قوله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) فنفى المساواة بينهما في جميع الوجوه. ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) ولان الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجنى على المرأة، فثبت لها الخيار في فسخ نكاحه. وأما الحرية فهى معتبرة، فالحرة ليست بكفء للعبد، والحر لا يكافئ الامة لقوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) إلى قوله تعالى (هل يستوون) فنفى المساواة بينهما، ولان بريرة أعتقت تحت عبد فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا ثبت الخيار إذا طرأت عليها الحرية، فلان يثبت لها الخيار إذا كانت حرة

عند ابتداء النكاح أولى، ولان عليه النفقة لها ولعيالها منه فلا يستطيع أن ينفق نفقة الموسرين. وأما أهل الصنعة الدنيئة، كالحمامي والزبال وما أشبههم، وقد كانوا يعتبرون الحائك منهم لنص الحديث (إلا الحائك والحجام) فإن للصنعة تأثيرا في الكفاءة ولان الصنعة الدنيئة نقص في العادة فاعتبرت. فأما اليسار فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال إنه معتبر بالمعسر ليس بكفء للموسرة لقوله صلى الله عليه وسلم (الحسب المال) ولانه لما ثبت أن العبد لا يكافئ الحرة لعجزه عن الانفاق عليها نفقة الموسر فكذلك المعسر، فعلى هذا لا يعتبر أن يكون الرجل مثل المرأة في اليسار في جميع الوجوه، بل إذا كان كل واحد موسرا يسارا ما تكافأ، وان اختلفا في المال. ومنهم من قال اليسار غير معتبر في الكفاءة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يكن من أهل اليسار ومات ودرعه مرهونة عند يهودى في طعام أهله، ولان الفقر ليس بنقص في الكفاءة في العادة لان المال يغدو ويروح، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنى خالد لا تيأسا من رزق الله تعالى. وأما السلامه من العيوب فهى معتبرة في الكفاءة، والعيوب في الرجال الجنون والجذام والبرص والجب والعنة، والعيوب في النساء الجنون والجذاء والبرص والرتق (1) والقرن ولها أحكام تأتى في بابها. قال الصيمري واعتبر قوم البلدان، فقالوا ساكنوا مكة والمدينة والبصرة والكوفة ليسوا بأكفاء لمن يسكن الجبال. وهذا ليس بشئ، وليس للحسن والقبح والطول والقصر والسخاء والبخل ونحو ذلك مدخل في الكفاءة، لان ذلك ليس بنقص في العادة ولا عار فيه ولا ضرر، واليتان لرجل يدعى عروة الصعاليك كان يجمع الفقراء في حظيرة ويرزقهم مما يغنم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

_ (1) الرتقاء التى لا يستطاع جماعها أو لا خرق لها إلا المبال خاصة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان للمرأة وليان وأذنت لكل واحد منهما في تزويجها، فزوجها كل واحد منهما من رجل نظرت، فإن كان العقدان في وقت واحد، أو لم يعلم متى عقدا؟ أو علم أن أحدهما قبل الآخر، ولكن لم يعلم عين الساق منهما بطل العقدان، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر. وإن علم السابق ثم نسى وقف الامر لانه قد يتذكر. وإن علم السابق وتعين فالنكاح هو الاول والثانى باطل، لما روى سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ زوجها وليان فهى للاول منهما) فان ادعى كل واحد من الزوجين أنه هو الاول وادعيا علم المرأة به، فإن أنكرت العلم فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم العلم. وإن أقرت لاحدهما سلت إليه، وهل تحلف للآخر. فيه قولان. (أحدهما) لا تحلف، لان اليمين تعرض على المنكر حتى يقر. ولو أقرت للثاني بعدما أقرت للاول لم يقبل فلم يكن في تحليفها له فائدة. (والثانى) تحلف لانها ربما نكلت وأقرت للثاني فيلزمها المهر، فعلى هذا إن حلفت سقطت دعوى الثاني، وإن أقرت للثاني لم يقبل رجوعها ويجب علهيا المهر للثاني. وإن نكلت رددنا اليمين على الثاني، فان لم يحلف استقر النكاح للاول وإن حلف حصل مع الاول إقرار، ومع الثاني يمين، ونكول المدعى عليه، فان قلنا إنه كالبينة حكم بالنكاح للثاني، لان البينة تقدم على الاقرار، وإن قلنا انه بمنزلة الاقرار وهو الصحيح ففيه وجهان. (أحدهما) يحكم ببطلان النكاحين، لان مع الاول إقرارا ومع الثاني ما يقوم مقام الاقرار، فصار كما لو أقرت لهما في وقت واحد (والثانى) أن النكاح للاول لانه سبق الاقرار له فلم يبطل باقرار بعده ويجب عليها المهر للثاني كما لو أقرت للاول ثم أقرت للثاني. (الشرح) الاحكام: إذا كان للمرأة وليان في درجة واحدة فأذنت لكل

واحد منهما أن يزوجها برجل غير الذى أذنت به للآخر، أو أذنت لكل واحد منهما أن يزوجها برجل ولم يعين. وقلنا يجوز، فزوجها كل واحد منهما برجل. ففيه خمس مسائل: (1) أن يعلم أن العقدين وقعا معا في حالة واحدة فهما باطلان، لانه لا يمكن الجمع بينهما، إذ المرأة لا يجوز أن يكون لها زوجان لاختلاط النسب وفساده، وليس أحدهما أولى من الاخر في التقديم فبطلا كما لو تزوج أختين في عقد واحد (2) أن لا يعلم هل وقع العقدان في حالة واحدة أو سبق أحدهما الاخر، فقال أصحابنا البغداديون بطل العقدان، لانه لا يمكن الجمع بينهما، ولا مزية لاحدهما على الاخر في التقديم. وقال الخراسانيون: بطل العقدان في الظاهر، وهل يبطلان في الباطن. فيه وجهان. (3) أن يعلم أن أحدهما سبق الاخر إلا أنه أشكل عين السابق منهما، فقال أصحابنا البغداديون بطل العقدان لما ذكرنا في الذى قبلها. ومن أصحابنا من قال فيها قولان (أحدهما) أنهما باطلان (والثانى) يتوقف فيهما بناء على القولين في الجمعتين إذا وقعتا معا في بلدة وعلم بسبق إحداهما، ولم يتيقن السابقة، وهذا اختيار الجوبنى. (4) أن يعلم أحد العقدين سبق الاخر، ونسى السابق منهما، فيتوقفان إلى أن يتذكر السابق، لان الظاهر مما علم ثم نسى أن يتذكر (5) أن يعلم السابق منهما ويتعين ويذكر، فإن النكاح الصحيح هو الاول، والثانى باطل، سواء دخلا بها أو لم يدخلا بها. أو دخل بها أحدهما، وبه قال في الصحابة على رضى الله عنه، ومن التابعين شريح والحسن البصري. ومن الفقهاء الاوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وذهبت طائفة إلى أنه ان لم يطأها أحدهما أو وطئاها معا أو وطئها الاول دون الثاني فهى للاول كقولنا. وان وطئها الاول دون الثاني فالنكاح للثاني دون الاول وبه قال عمر (رض) وعطاء والزهرى ومالك دليلنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله (والمحصنات من النساء) والمراد به المزوجات ولم يفرق وروى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا نكح الوليان فهى للاول منهما ولانه نكاح لو عرى عن الوطئ لم يصح، فإذا كان فيه الوطئ لم يصح كنكاح المعتدة والمحرمة بالحج

(فرع) إذا زوج المرأة وليان من رجلين ولم يعلم السابق منهما، وادعى كل واحد من الزوجين أنه هو السابق منهما نظرت، فإن ادعى أحد الزوجين، قال المسعودي: لم تسمع دعواه، لانه لا شئ في يده، وإن ادعيا على الولى فإن كان غير مستبد بنفسه بأن لا يصح إنكاحه إلا بإذنها، لم تسمع دعواهما عليه وإن كان مستبدا بنفسه كالاب والجد في تزويج البكر، هل تسمع الدعوى عليه؟ فيه قولان، فان ادعيا على المرأة، وادعيا علمها بذلك، هل تسمع الدعوى عليها فيه قولان بناء على القولين في اقرارها لاحدهما بالسبق، هل يقبل؟ قال في القديم يقبل إقرارها، فعلى هذا تسمع الدعوى عليها. وقال في الجديد: لا يقبل إقرارها فعلى هذا لا تسمع الدعوى عليها. وأما الشيخ أبو حامد والبغداديون من أصحابنا فقالوا: تسمع الدعوى عليها من غير تفسير، فإذا قلنا: تسمع الدعوى عليها نظرت فان أنكرت أنها لا تعرف السابق منهما فالقول قولها مع يمينها أنها لا تعرف السابق، فإذا حلفت سقطت دعواهما وبطل النكاحان فإن نكلت عن اليمين ردت اليمين عليها فيحلف كل واحد منهما أنه هو السابق بالعقد، فإذا حلفا بطل النكاحان، لان كل واحد قد اثبت بيمينه أنه هو السابق، ولا مزية لاحدهما على الآخر فبطلا، وان حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت نكاح الحالف وبطل نكاح الناكل، فان نكلا جميعا بطل النكاحان أيضا، لانه لا مزية لاحدهما على الآخر، وإن أقرت أنها تعلم السابق منهما نظرت، فان أقرت لكل واحد منهما سابقا فيكون دعواهما عليها باقية فيطالب بالجواب، وإن أقرت لاحدهما أنه هو السابق حكم بالنكاح له لانه لم يثبت عليها نكاح غير المقر له حال الاقرار، فقبل اقرارها على نفهسا، فان أراد الثاني أن يحلفها بعد اقرارها للاول أنها لا تعلم، لانه هو السابق، فهل يلزمها أن تحلف له، فيه قولان بناء على أنها أقرت للثاني هل يلزمها غرم، فيه قولان كالقولين فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو، فهل يلزمه الغرم لعمرو، فيه قولان. (أحدهما) لا يلزمها أن تحلف للثاني لانها لو أقرت له لم يقبل اقرارها له، فلا معنى لعرض اليمين عليها.

(والثانى) يلزمها أن تحلف للثاني بجواز أن تخاف من اليمين فتقر له فيلزمها الغرم، فان قلنا: لا يلزمها أن تحلف للثاني ثبت النكاح للاول وانصرف الثاني وان قلنا: يلزمها أن تحلف للثاني نظرت، فان حلفت له انصرف، وان أقرت للثاني بأنه هو السابق لم يقبل قولها في النكاح لان في ذلك اسقاط حق للاول الذى قد ثبت، ولكنها قد أقرت أنها حالت بين الثاني وبين بضعها باقرارها الاول وهل يلزمها أن تغرم له. قال الشيخ أبو حامد: فيه قولان كما لو أقرت بدار لزيد ثم أقرت به لعمرو. قال المحاملى وابن الصباغ: يلزمها له الغرم قولا واحدا، لانا انما عرضنا عليها اليمين على القول الذى يقول يلزمها الغرم فإذا أقرت له لزمها أن تغرم له عوض ما حالت بينه وبينه، وكم يلزمها من الغرم. قال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا: يلزمها أن تغرم جميع مهر المثل. والثانى نصف مهر مثلها كالقولين في المرأة إذا أرضعت زوجة لرجل وانفسخ نكاحها بذلك، وان لم تقر للثاني ولا حلفت له، بل نكلت عن اليمين ردت اليمين عليه، فان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه يحل محل البينة ثبت النكاح للثاني وانفسخ نكاح الاول. قال الشيخ أبو حامد وهذا القول ضعيف جدا، وان قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه يحل محل اقرار المدعى عليه وهو الصحيح، ففيه وجهان. قال الشيخ أبو إسحاق ببطل النكاحان، لان مع الاول اقرارا ومع الثاني ما يقوم مقام الاقرار، وليس أحدهما أولى من الاخر فبطلا. ومن أصحابنا من قال يثبت نكاح الاول لان اقرارها له أسبق. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب وابن الصباغ والمحاملى يلزمها عل هذا أن تقوم مهر مثلها للثاني وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق هل يلزمها الغرم للثاني محل هذا، فيه قولان. قال ابن الصباغ فعلى قول أبى اسحاق لا تعرض عليها اليمين، لانه لا فائدة فيها هذا ترتيب البغداديين. وقال المسعودي: إذا نكحت وحلف الثاني فهل ينفسخ

نكاح الاول فيه وجهان: فإذا قلنا ينفسخ، قال القفال: فانه لا يثبت نكاح الثاني، والاول المشهور. (فرع) قال الشافعي رحمه الله في الاملاء: إذا زوج الرجل أخته من رجل ثم مات الزوج فادعى ورثته أن الاخ زوجها بغير إذنها، فالنكاح باطل ولا ترث وإذا ادعت المرأة أنه زوجها بإذنها فالقول قولها وترث: لان هذا اختلاف في إذنها وهى أعلم به، ولان الاصل في النكاح أنه يقع صحيحا، فإذا ادعى الورثة بفساده كان القول قولها لان الظاهر صحته. قال في الاملاء: إذا قال رجل: هذه المرأة زوجتى وصدقته على ذلك تمت الزوجية بينهما، وأيهما مات ورثه الآخر لان الزوجية قد ثبتت، وإن قال رجل هذه زوجتى فسكتت، فان ماتت لم يرثها، لان إقراره عليها لا يقبل، فإن مات ورثته لان إقراره على نفسه مقبول، وكذلك إذا أقرت المرأة بالزوجية من رجل ولم يسمع منه إقرار فإن مات لم ترثه، وإن ماتت ورثها كما ذكرناه في التى قبلها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ويجوز لولى الصبى أن يزوجه إذا رأى ذلك، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زوج ابنا له صغيرا، ولانه يحتاج إليه إذا بلغ، فإذا زوجه ألف حفظ الفرج، وهل له أن يزوجه بأكثر من إمرأة، فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان حفظ الفرج يحصل بامرأة. (والثانى) يجوز أن يزوجه بأربع، لانه قد يكون له فيه حفظ، وأما المجنون فانه ان كان له حال افاقة لم يجز تزويجه بغير اذنه، لانه يمكن اسثئذانه فلا يجوز الافتيات عليه، وان لم يكن له حال افاقة ورأى الولى تزويجه للعفة أو الخدمة زوجه، لان له فيه مصلحة. وأما المحجور عليه لسفه فانه ان رأى الولى تزويجه زوجه، لان ذلك من مصلحته فان كان كثير الطلاق سراه بجارية، لانه لا يقدر على اعتاقها، وان طلب التزويج وهو محتاج إليه فامتنع الولى فتزوج بغير اذنه ففيه وجهان.

(أحدهما) أنه لا يصح لانه تزوج بغير اذنه فلم يصح منه، كما لو تزوج قبل الطلب (والثانى) يصح لانه حق وجب له يجوز له أن يستوفيه باذن من هو عليه فإذا امتنع جاز له أن يستوفيه بنفسه، كما لو كان له على رجل دين وامتنع من أدائه وأما العبد فانه ان كان بالغا فهل يجوز لمولاه أن يزوجه بغير رضاه، فيه قولان. (أحدهما) له ذلك لانه مملوك يمك بيعه واجارته، فملك تزويجه من غير رضاه كالامة (والثانى) ليس له ذلك لان النكاح معنى يقصد به الاستمتاع فلم يملك اجباره عليه كالقسم، وان كان صغيرا ففيه طريقان. (أحدهما) أنه على القولين لانه تصرف بحق الملك فاستوى فيه الصغير والكبير كالبيع والاجارة. (والثانى) أنه يملك تزويجه قولا واحدا، لانه ليس من أهل التصرف فجاز تزويجه كالابن الصغير، وان دعا العبد البالغ مولاه إلى النكاح ففيه قولان. أحدهما: يلزمه تزويجه لانه مكلف مولى عليه، فإذا طلب التزويج وجب تزويجه كالسفيه. والثانى: لا يلزمه لانه يملك بيعه واجارته فلم يلزمه تزويجه كالامة، وأما المكاتب فلا يملك المولى اجباره على النكاح لانه سقط حقه من رقبته ومنفعته، فان دعا المكاتب المولى إلى التزويج، فان قلنا يجب عليه تزويج العبد فالمكاتب أولى. وان قلنا: لا يجب عليه تزويج العبد ففى المكاتب وجهان (أحدهما) لا يجب لانه مملوك، فلم يلزمه تزويجه كالعبد (والثانى) يجب لانه لا حق له في كسبه بخلاف العبد، فان كسبه للمولى فإذا زوجه بطل عليه كسبه للمهر والنفقة. (الشرح) الاحكام: يجوز للاب والجد أن يزوج ابنه الصغير إذا كان عاقلا لما روى أن ابن عمر زوج ابنا له صغير، ولانه يملك التصرف في مصلحته والنكاح مصلحة له، لانه ان بلغ وهو محتاج إلى النكاح وجد شريكة تحته يستمتع بها وينتفع بخدمتها وتقوم على حوائجه فيكون ذلك سكنا له، وان بلضع وهو غير محتاج إلى النكاح فان المرأة تكون سكنا له، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: هل يزوج الصغير، فيه وجهان، الاصح لا يزوجه لانه

لا حاجة به إليه، وكم يجوز للاب والجد أن يزوجا الصغير؟ حكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رضى الله عنه قال: له أن يزوجه بزوجة واحدة واثنتين وثلاثا وأربعا كالبالغ، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز له أن يزوجه بأكثر من واحدة، لانه لا حاجة به إلى ما زاد عليها، ويجوز للولى والحاكم أن يزوجا الصغير كما قلنا في الاب والجد. (فرع) ولا يجوز للاب والجد ولا للوصي ولا للحاكم تزويج الصغير المجنون لانه لا يحتاج إلى النكاح في الحال، ولا يدرى إذا بلضع هل يحتاج إلى النكاح أم لا، بخلاف الصغير العاقل، لان الظاهر أن يحتاج إلى النكاح عقد بلوغه، فان كان المجنون بالغا نظرت، فان كان يجن ويفيق، لم يجز للولى تزويجه لان له حالة يمكن استئذانه فيها وهى حال إفاقته، وإن لم يكن له حال الافاقة، فان كان خصيا أو مجبوبا أو علم أنه لا يشتهى النكاح لم يجز للولى تزويجه لانه لا حاجة به إلى النكاح، وان علم أنه يشتهى بأن يراه يتبع نظره النساء أو علم ذلك بانتشار ذكره أو غير ذلك جاز للاب والجد تزويجه لان فيه مصلحة له، وهو ما يحصل له به من العفاف، فان لم يكن له أب ولا جد زوجه الحاكم. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وليس له أن يزوج ابنته الصغيره عبدا ولا غير كفؤ ولا مجنونا ولا مخبولا ولا مجذوما ولا أبرص. وهذا كما قال: لا يجوز للرجل أن يزوجها لغير كفؤ، وقد مضى شروط الكفاءة. والمريض بمرض عقلي أن جسماني مزمن لا يجوز له أن يرضى به زوجا لابنته الصغيرة. لان القصد من النكاح الاستمتاع وهذا متعذر منه ولانه لا يؤمن ان يجنى عليها. والمخبول هو الذى تقادم جنونه وسكن. فلا يتأذى الناس به، أو يكون أبله لا يحصل منه أذية، وهذا يحدث من خلل في تلافيف المخ يترتب عليها أعراض ظاهرة كارتخاء الشفتين أو انفراج الفم وسيلان اللعاب والعى والفهاهة في النطق، لان مراكز المخ إذا اختلت بعض خلاياها وما أكثرها ظهرت أعراضها فان بعضها مختص بحواس البشرة واللمس وبعضها بحواس الشم وبعضها بحواس الذوق إلى آخر ما عند الانسان من آفاق حيويه مادية ومعنوية

كل خلجة منها لها خلية في المخ تعطى إشاراتها إلى بقية أجزاء الجسم فأى خلل في خلية منها يعطل وظيفتها فيظهر ذلك في وجهه أو تصرفاته أو صوته، فينبغي مراعاة جانب الصحة النفسية لمن أراد أن يزوج صغيرته حتى لا تشقى بسوء اختيار أبيها أو جدها أو وليها. وقال الشيخ أبو حامد في الابرص والمجذوم: ولانه يقال إن هذه العيوب تعدى. وربما اعدت إليها أو إلى ولدها منه، وكذلك لا يزوجها بخصى ولا مجبوب. لان المقصود من النكاح الاستمتاع. وذلك لا يوجد منه. فان خالف الاب وزوج ابنته الصغيرة ممن به أحد هذه العيوب فهل يصح النكاح على الطرق الثلاث إذا زوج المرأة من غير كفء بغير رضاها أو من غير رضى سائر الاولياء فإذا قلنا ان النكاح باطل فلا كلام. وان قلنا ان النكاح صحيح فهل يجب على الاب أن يختار فسخ النكاح أو يدعه حتى تبلغ فتختار. حكى القاضى أبو الطيب فيه قولان وحكاهما الشيخ أبو حامد وجهين. (أحدهما) يجب عليه ذلك لانه قد فرط فكان عليه أن يتلافى تفريطه كالوكيل إذا اشترى شيئا معيبا. (والثانى) لا يجب عليه وليس له ذلك. لان الشهوات والميول تختلف. وقد تختار المرأة التزوج ممن به هذه العيوب، فعلى هذا إذا بلغت كانت بالخيار إن شاءت فسخته وان شاءت أقرته قال ابن الصباغ (هذا إذا كان المزوج هو الولى وحده. فأما إذا كان معه غيره فلهم الاعتراض على العقد وفسخه قولا واحدا. لان العاقد أسقط حقه برضاه والباقون لم يرضوا. وان أراد أن يزوج أمته من عبد جاز لانه مكافئ لها أما إذا أرادت ان تتزوج بمجنون أو مجذوم أو ابرص أو مجبوب أو خصى لم يكن له ذلك، لان الضرر الذى يلحق الحرة في ذلك يلحق الامة (فرع) ولا يزوج ابنه الصغير بامرأة ليست بكفء له. ولا بمجنونة ولا مخبولة ولا مجذومة ولا برصاء ولا رتقاء لانه لا مصلحة له في تزويج احداهن. فان زوجه بأمة لم يصح قولا واحد. لان تزويج الامة انما يصح للحر إذا لم يجد طول حرة ويخاف العنت.

وإن زوج إبنه المجنون برتقاء، فإن قلنا يصح تزويج الصغير العاقل بها صح بالمجنون، وإن قلنا لا يصح تزويج الصغير العاقل بها ففى المجنون وجهان. (أحدهما) لا يصح كما لو زوجها من الصغير العاقل (والثانى) يصح لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لا يحتاج إلى الوطئ. (فرع) قال الصيمري: ولا يزوج ابنه الصغير بعجوز هرمة ولا بمقطوعة اليدين والرجلين ولا عمياء ولا زمنة ولا يهودية ولا نصرانية، ولا يزوج ابنته الصغيرة بشيخ هرم، ولا بمقطوع اليدين والرجلين، ولا بأعمى ولا زمن ولا بفقير وهى غنية، فإن فعل ذلك فسخ. وعندي أنها تحتمل وجها آخر أنه لا يكون له الفسخ لانه ليس بأعظم ممن زوج ابنته الصغيرة بمجذوم أو أبرص قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح النكاح إلا بشاهدين. وقال أبو ثور يصح من غير شهادة لانه عقد فصح من غير شهادة كالبيع. وهذا خطأ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح. خاطب وولى وشاهدان، ويخالف البيع فإن القصد منه المال والقصد من النكاح الاستمتاع وطلب الولد، ومبناهما على الاحتياط ولا يصح إلا بشاهدين ذكرين فإن عقد برجل وامرأتين لم يصح لحديث عائشة رضى الله عنها، ولا يصح إلا بعدلين لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) فان عقد بمجهولى الحال ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يصح، لان ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهولين كالاثبات عند الحاكم (والثانى) يصح وهو المذهب لانا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم تصح أنكحة العامة إلا بحضرة الحاكم لانهم لا يعرفون شروط العدالة، وفى ذلك مشقة فاكتفى بالعدالة الظاهرة كما اكتفى في الحوادث في حقهم بالتقليد حين شق عليهم ادراكها بالدليل، فإن عقد بمجهولين ثم بان انهما كانا فاسقين لم يصح لانا حكمنا بصحته في الظاهر، فإذا بان خلافه حكم بإبطاله، كما لو حكم الحاكم

باجتهاده ثم وجد النص بخلافه. ومن أصحابنا من قال: فيه قولان بناء على القولين في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بان أنهما كانا فاسقين، وإن عقد بشهادة أعميين ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يصح، لان الاعمى يجوز يكون شاهدا، (والثانى) لا يصح، لانه لا يعرف العاقد فهو كالاصم الذى لا يسمع لفظ العاقد ويصح بشهادة ابني أحد الزوجين، لانه يجوز أن يثبت النكاح بشهادتهما وهو إذا جحد الزوج الآخر وهل يصح بشهادة ابنيهما؟ أو بشهادة ابن الزوج وابن الزوجة، فيه وجهان (أحدهما) يصح لانهما من أهل الشهادة (والثانى) لا يصح لانه لا يثبت هذا النكاح بشهادتهما بحال. (فصل) وإذا اختلف الزوجان فقالت الزوجة: عقدنا بشاهدين فاسقين وقال الزوج: عقدنا بعدلين، ففيه وجهان (أحدهما) ان القول قول الزوج لان الاصل بقاء العداله (والثانى) أن القول قول الزوجة، لان الاصل عدم النكاح وإن تصادقا على أنهما تزوجا بولي وشاهدين، وأنكر الولى والشاهدان لم يلفت إلى انكارهم لان الحق لهما دون الولى والشاهدين. (الشرح) حديثا عائشة وابن مسعود رضى الله عنهما مضى تخريجهما في بحث النكاح بولي. أما الاحكام: فإنه لا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين ذكرين عدلين، وروى ذلك عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب والنخعي والشعبى والاوزاعي وأحمد بن حنبل. وقال ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدى وداود وأهل الظاهر. لا يفتقر النكاح إلى الشهادة، وبه قال مالك، إلا أنه قال من شرطه أن لا يتواصوا بكتمانه، وان تواصوا على كتمانه لم يصح النكاح وان حضره شهود، وبه قال الزهري. وقال أبو حنيفة: من شرطه الشهادة الا أنه ينعقد بشهادة رجلين فاسقين وعدوين ومحدودين، وشاهد وامرأتين. دليلنا ما روى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل) رواه أحمد في رواية ابنه عبد الله ورواه الدارقطني، وأشار إليه الترمذي، وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح: خاطب وولى وشاهدان) وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير بينة) رواه الترمذي، وهذه الاحاديث وغيرها مضى تخريجها في الولى، ولانه عقد فلم يكن من شرطه ترك التواصي بالكتمان كالبيع ولان كل ما لم يثبت بشهادة عدلين بم يثبت بشهادة فاسقين كالاثبات عند الحاكم. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح. وجملة ذلك أنه إذا عقد بحضرة شاهدين فإن علمت عدالتهما ظاهرا وباطنا انعقد النكاح بشهادتهما، وإن علمت عدالتهما في الظاهر وجهلت في الباطن ففيه وجهان حكاهما المصنف. قال أبو سعيد الاصطخرى: لا يصح لان ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهول الحال كالاثبات عند الحاكم، والثانى وهو المذهب ولم يحك الشيخ أبو حامد وابن الصباع غيره أن النكاح صحيح لان الظاهر العداله، ولانا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم ينعقد النكاح إلا بحضرة الحاكم، لان العامة لا يعرفون شروط العدالة، وقد أجمع المسلمون على جواز انعقاده بغير حضور الحاكم. فإذا قلنا بهذا فبان أنهما فاسقاق، فان حدث هذا الفسق بعد العقد لم يؤثر، لان الاعتبار وجود العداله حال العقد، وإن بان أنهما فاسقان حال العقد لم يصح النكاح، لان فسقهما ينافى قبول شهادتهما على النكاح. ومن أصحابنا من قال: فيه قولان كالقولين في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة، ثم بان فسقهما حال الشهادة وليس بشئ، فإن ترافع الزوجان إلى الحاكم وأقرا بالنكاح وأنه عقد بشهادة رجلين ظاهرهما العدالة واختصما في حق من حقوق الزوجية كالنفقة والكسوة وما أشبههما، فإن الحاكم يحكم بينهما فيما احتكما فيه، ولا ينظر في حال عدالة شاهدين في الباطن إلا أن يعلم أنهما فاسقان فلا يحكم بينهما، وإن جحد أحد الزوجين الآخر فأما المدعى منهما بشاهدين فإن علم الحاكم عدالتهما ظاهرا وباطنا حين عقد النكاح حكم

بصحة النكاح، وإن علم فسقهما حال الشهادة لم يحكم بصحة العقد بل يحكم بفساده على المذهب، فإن عرف أنهما كانا عدلين في الظاهر وجهل عدالتهما في الباطن فلا يجوز أن يحكم بصحة العقد ولا بفساده بل يتوقف إلى أن يعلم عدالتهما في الباطن، لانه لا يجوز أن يحكم بشهادة شاهد الا بعد معرفة حاله ظاهرا وباطنا، بخلاف ما لو أقر بالنكاح، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد في التعليق. وذكر ابن الصباغ أن الرجل إذا ادعى نكاح امرأة بولي وشاهدي عدل فأقام شاهدين عدلين عند الحاكم فإنه يبحث عن حالهما عند الحاكم ولا يبحث عن حالهما حين العقد، والاول أصح. وهل ينعقد النكاح بشهادة أعميين أو أعمى وبصير؟ فيه وجهان أحدهما ينعقد، لان الاعمى من اهل الشهادة، والثانى: لا يصح لانه لا يعرف العاقد فهو كالاصم الذى لا يسمع لفظ العاقد، وهل ينعقد بشهادة أخرسين أو أخرس وناطق؟ فيه وجهان (أحدهما) لا ينعقد، قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب، لان الشهادة تفتقر إلى صريح اللفظ، والاخرس لا يتأتى منه ذلك. (والثانى) ينعقد. قال القاضى أبو الطيب: وهو المذهب لان اشارته إذا كانت مفهومة تقوم مقام عبارة غيره، وهل تنعقد شهادة أصحاب الصنع الدنيئة مثل الحجام والقصاب والكناس وغيرهم؟ فيه وجهان بناء على جواز قبول شهادتهم في سائر الحقوق؟ ويأتى بيانهما في موضعهما، وان عقد النكاح بشهادة ابني أحد الزوجين أو بشهادة ابنه وحده أو بشهادة عدوى أحد الزوجين صح النكاح لانه يثبت بشهادتهما، وهو إذا شهد الابنان على والدهما أو شهد العدوان لعدوهما، وان عقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابن لهذا وابن لهذه أو جد هذا وجد هذه أو عدوين لهما ففيه وجهان، أحدهما ينعقد لانهما من أهل الشهادة في النكاح في الجملة، والثانى: لا ينعقد لانه لا يثبت بشهادتهما بحال من الاحوال، من أصحابنا الخراسانين من قال: ينعقد بشهادة العدوين وجها واحدا، لان العداوة قد تزول (فرع) وليس من شرط الشهادة احضار الشاهدين بل لو حضر الشاهدان لانفسهما وسمعا الايجاب والقبول صح ذلك ولو سمعا الايجاب والقبول ولم يسععا الصداق صح النكاح لان الصداق ليس بشرط في النكاح، وان سمع أحد الشاهدين الايجاب وسمع الآخر القبول لم يصح النكاح، لانهما شرط في الايجاب والقبول

(فرع) وإذا تزوج المسلم كتابية فانه يتزوجها من وليها الكافر إذا كان عدلا في دينه، ولا يصح إلا بحضرة شاهدين مسلمين عدلين. وقال أحمد: لا يصح أن يتزوجها إلا من المسلم. وقال أبو حنيفة: يتزوجها من وليها الكافر، ويصح أن يكون بشهادة كافرين. دليلنا على أحمد قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فدل ذلك على أنه لا ولاية لهم على الكافرين. وعلى أبى حنيفة لانهما شاهدان لا يثبت بهما نكاح المسلمه، فلم يثبت بهما نكاح الكافرة كالعبدين، وكالفرق بين الولى والشاهدين لان الولى اريد لدفع العار عن النسب، والكافر كالمسلم في دفع العار والشاهدان يرادان لاثبات الفراش عند جحد أحد الزوجين، وليس الكافر كالمسلم في إثبات الفراش، لانه لا يثبت بشهادته الفراش، ولان الولى بتعين في العقد فتأكد حاله فجاز أن يكون كافرا، والشاهد لا يتعين فلم يجز أن يكون كافرا قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يصح إلا على زوجين معينين لان المقصود بالنكاح أعيانهما فوجب تعيينهما: فإن كانت المنكوحة حاضرة فقال: زوجتك هذه صح. وان قال: زوجتك هذه فاطمة واسمها عائشة صح، لان مع التعيين بالاشارة لا حكم للاسم، فلم يؤثر الغلط فيه، وإن كانت المنكوحة غائبة فقال: زوجتك ابنتى وليس له غيرها صح، وإن قال: زوجتك ابنتى فاطمة وهى عائشة صح، لانه لا حكم للاسم مع التعيين بالنسب، فلم يؤثر الخطأ فيه، وإن كان له اثنتان فقال: زوجتك ابنتى لم يصح حتى يعينها بالاسم أو بالصفة، وإن قال: زوجتك عائشة وقبل الزوج ونويا ابنته، أو قال زوجتك ابنتى وقبل الزوج ونويا الكبيرة صح لانها تعينت بالنية، وان قال زوجتك ابنتى ونوى الكبيرة وقبل الزوج ونوى الصغيرة لم يصح، لان الايجاب في إمرأة والقبول في أخرى. وان قال زوجتك ابنتى عائشة، ونوى الصغيرة وقبل الزوج، ونوى الكبيرة، صح النكاح في عائشة في الظاهر، ولم يصح في الباطن، لان الزوج قبل في غير ما أوجب الولى.

(فصل) ويستحب أن يخطب قبل العقد، لما روى عن عبد الله قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خطبة الحاجة (الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يظل فلا هادى له، وأشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، قال عبد الله ثم تصل خطبتك بثلاث آيات: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون، اتقوا الله الذى تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا، اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) فإن عقد من غير خطبة جاز لما روى سهل بن سعد الساعدي (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للذى خطب الواهبة، زوجتكها بما معك من القرآن) ولم يذكر الخطبة، ويستحب أن يدعى لهما بعد العقد، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رفأ الانسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) . (الشرح) حديث عبد الله بن مسعود أخرجه الترمذي وحسنه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ ولم يسمع منه، وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبى عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات، ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص وأبى عبيدة أن عبد الله قال فذكر نحوه، ورواه البيهقى من حديث واصل الاحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه، وفى رواية للبيهقي (إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل: الحمد لله نحمده ونستعينه الخ) ، ورواية الترمذي أردفها بعد التحسين بقوله. رواه الاعمش عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص عن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكلا الحديثين صحيح لان اسرائيل جمعهما فقال. عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص وأبى عبيدة عن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ النووي في كتاب الاذكار: يستحب أن يخطب بين يدى العقد خطبة

تشتمل على ما ذكرنا في الباب الذى قبل هذا وتكون أطول من تلك، وسواء خطب العاقد أو غيره، وأفضلها ما روينا في سنن أبى داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها بالاسانيد الصحيحة عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدا عبده ورسوله، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام، إن الله كان عليكم رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم وبغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) ثم قال هذا لفظ إحدى روايات أبى داود. وفى رواية له أخرى بعد قوله (ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدى الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا) قال الترمذي حديث حسن. اه أما حديث سهل بن سعد الساعدي فقد رواه أحمد والبخاري ومسلم، وَلَفْظُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امرأة فقالت يا رسول الله إنى قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزارى هذا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا، فقال ما أجد شيئا، فقال التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل معك من القرآن شئ؟ قال نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زوجتكها بما معك من القرآن) وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبى النعمان الازدي قال (زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لاحد بعدك مهرا)

وهو مع إرساله فيه من لا يعرف. ومن ثم فلا يحتج به في تخصيص الحكم بهذه المرأة أما حديث أبى هريرة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وحسنه وابن ماجه وقال النووي في الاذكار (ويستحب أن يقال لكل واحد من الزوجين بارك الله لكل واحد منكما في صاحبه وجمع بينكما في خير) روينا في صحيحي البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه حين أخبره أنه تزوج (بارك الله لك) وروينا في الصحيح أيضا أنه صلى الله عليه لجابر رضى الله عنه حين أخبره أنه تزوج (بارك الله عليك) أما اللغات فقوله (رفأ) قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز، معناه دعا له. وفى القاموس رفأه ترفئة وترفيا، قال له بالرفاء والبنين. أي بالالتئام وجمع الشمل اه. والترفئة في الاصل الالتئام. يقال رفأ الفتق لام خرقه وضم بعضه إلى بعض، وكانت ترفئة الجاهلية أن يقال (بالرفاء والبنين) ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وأرشد إلى ما في الاحاديث الواردة على ما سيأتي في الاحكام. أما الاحكام فإنه إذا أراد عقد النكاح على امرأة فلا بد أن تتميز عن غيرها بالمشاهدة أو بالصفة أو بالتسمية، فإذا كان له ابنة واحدة وهى حاضرة، فإن قال زوجتك هذه صح ولم يحتج إلى ذكر اسمها ولا إلى صفتها وان قال زوجتك ابنتى وزوجتك هذه عائشة صح لانها تميزت بالاشارة، وكان ما زاد تأكيدا، وان كان اسمها عائشة فقال زوجتك هذه فاطمة، فقال البغداديون من أصحابنا يصح، لانه لا حكم لتغيير الاسم مع الاشارة وقال المسعودي هل يصح؟ فيه وجهان بناء على الوجهين فيما لو قال بعتك هذا البغل وكان حمارا أو فرسا. وإن كان له ابنة واحدة اسمها عائشة وهى غائبة عنهما، فان قال زوجتك ابنتى صح، لان قوله ابنتى صفة لازمة لها وليس له غيرها. وان قال زوجتك ابنتى عائشة صح، لان النكاح ينعقد بقوله ابنتى، فإذا سماها باسمها كان تأكيدا، وان قال زوجتك ابنتى فاطمة فغير اسمها، فقال البغداديون من أصحابنا يصح، لان قوله ابنتى صفة لازمة لها لا تختلف ولا تتغير، والاسم يتغير ويختلف، فاعتبر حكم

الصفة اللازمة وألغى الاسم، قال المسعودي لا يصح، ولم يذكر له وجها. وان قال زوجتك عائشة وقصد ابنته فذكر الشيخ أبو إسحاق والطبري في العدة وحكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبى حامد أنه يصح لانها تتميز بالنية، وإن لم يقصد ابنته لم يصح، قال ابن الصباغ، وهذا فيه نظر، لان هذا العقد تعتبر فيه الشهادة فلا بد أن يكون العقد مما يصح أداء الشهادة على وجه يثبت به العقد وهذا متعذر في النية ولم أجد فيما قرأت من تعليق الشيخ أبى حامد وغيره أنه لا يصح من غير تفصيل لان هذا الاسم يقع على ابنتيه وعلى من اسمها عائشة فلا تتميز بذلك عن غيرها، فإن كانت له ابنتان كبيرة اسمها عائشة وصغيرة اسمها فاطمة، فان قال زوجتك ابنتى أو إحدى إبنتى لم يصح لان المزوجة غير متميزة. وإن قال زوجتك ابنتى عائشة أو ابنتى الكبيرة صح لانه قد بينها بالصفة أو بالاسم وإن قال زوجتك ابنتى الكبيرة فاطمة فغير اسمها صح النكاح على الصغيرة ولا يضر تغييره للاسم، وعلى قول المسعودي في التى قبلها لا يصح هاهنا. وإن قال زوجتك ابنتى عائشة وهو ينوى الصغيرة واسم الصغيرة فاطمة فقبل الزوج وهو ينوى الصغيرة، قال الشيخ أبو حامد ينعقد النكاح على الصغيرة لاتفاق نيتهما ولا يضر تغيير الاسم. وإن قال زوجتك ابنتى عائشة وهو ينوى الصغيرة وقبل الزوج وهو ينوى الكبيرة انعقد النكاح في الظاهر على الكبيرة لانه أوجب نكاحها له فقبلها في الباطن، وهو مفسوخ لانه أوجب له النكاح في الصغيرة فقبل في الكبيرة: فإن قال زوجتك ابنتى فقبل الزوج ونويا الكبيرة فقال الشيخ أبو إسحاق يصح لانها تميزت بالنية. وقال ابن الصباغ لا يصح لانه لا يمكن اذن الشهادة في هذا. (فرع) وان كان لرجل ابنتان فزوج رجل احداهما بعينها ثم مات الاب وادعت كل واحدة من الابنتين على الزوج أنها هي التى زوجها أبوها منه. فان أنكرهما حلف لكل واحدة يمينا، وان أقر لاحداهما تثبت زوجيتهما. فان ادعت عليه الاخرى النكاح بعد ذلك قال ابن الحداد لم تسمع دعواها لانه قد أقر بتحريمها على نفسه، وان ادعت عليه نصف المهر فالقول قوله مع يمينه، فان حلف لها فلا كلام، وان نكل حلفت ووجب المسمى لها الذى ادعت.

وإن لم يدعيا عليه ولكنه أدعى على إحداهما أنها زوجته فإن أقرت له ثبت النكاح بينهما، وإن أنكرت حلفت له وسقطت دعواه قال ابن الحداد: ووجب عليه لها نصف مهرها. قلت: وينبغى أنه لا يثبت لها ذلك إلا إذا ادعته، فأما إذا لم تدعيه لم يثبت لها. قال ابن الحداد: ويكون ذلك إبطالا لنكاح التى أقر بنكاحها أولا، ويجب لها نصف مهرها إن لم يدخل بها، وجميع مهرها أن دخل بها. (فرع) إذا قال: زوجتك حمل هذه المرأة إن كان ابنة لم يصح النكاح لانه قد يكون ريحا أو حملا موهوما فلا يتحقق وجوده، وقد يكون ذكرا، وقد يكون ابنتين، فلا يعلم أيتهما المعقود عليها وهذا غرر من غير حاجة، فلا يصح كما إذا كتب رجل إلى الولى: زوجنى ابنتك فقرأه الولى أو غيره بحضرة شاهدين فقال الولى: زوجته لم ينعقد النكاح. وحكى ابن الصباغ أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: يصح، دليلنا أنه لم يوكل القارى فلم يصح كما لو استدعاه من غائب فبلغه فأوجب. (مسألة) وإذا أراد العقد خطب الولى أو الزوج أو أجنبي من الحاضرين فيحمد الله تعالى ويصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ووصى بتقوى الله ويرغب في النكاح لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بحمد الله فهو ابتر) فالنكاح من الامور التى لها بال، والخطبة مستحبة غير واجبة، وبه قال عامة أهل العلم الا داود فإنه قال: انها شرط في النكاح. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل) ولم يشترط الخطبة، ولان النبي صلى الله عليه وسلم زوج الواهبة ولم يخطب، وتزوج عائشة رضى الله عنها ولم يخطب. قال الشيخ أبو حامد: وقد روى في بعض الروايات أنه قال في الثلاث الايات يا أيها الناس، قال: وحكى عن بعض المتأخرين أنه كان يقول: المحمود الله والمصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير ما عمل به كتاب الله قال: وزاد بعضهم فكان يقول: المحمود الله ذو الجلال والاكرام، والمصطفى رسول الله

صلى الله عليه وسلم وخير ما عمل به كتاب الله المفرق بين الحلال والحرام، ثم يقول والنكاح مما أمر الله بن وندب إليه. وأما الخطبة التى تحلل العقد بأن يقول الولى: بسم الله والحمد لله وصلى الله على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله ويقول كما روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أنكحتك على ما أمر الله به من امساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ثم يقول الزوج، بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أوصيكم بتقوى، قبلت نكاحها فاختلف أصحابنا في صحة العقد مع ذلك، فذكر الشيخ أبو حامد والمحاملى وابن الصباغ أن ذلك يصح، لان الخطبة متعلقة بالنكاح فلم يؤثر فصلها بين الايجاب والقبول، كالتيمم بين صلاتي الجمع. وحكى الشيخ مصنف المهذب عن بعض أصحابنا ان الفصل بين الايجاب والقبول بالخطبة يبطل العقد كما لو فصل بينهما بغير الخطبة، ويخالف التيمم، فإنه مأمور به بين الصلاتين، والخطبة مأمور بها قبل العقد. قال النووي في الاذكار، فلو قال، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قبلت نكاحها صح، ولم يضر هذا الكلام بين الايجاب والقبول لانه فصل يسير له تعلق بالعقد، ويكره أن يقال للزوج بعد العقد بالرفاء والبنين، لما روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن عقيل بن أبى طالب أنه تزوج امرأة من بنى جشم فقالوا بالرفاء والبنين، فقال لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم بارك لهم وبارك عليهم) وفى رواية له، لا تقولوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهانا عن ذلك، قولوا بارك الله لها فيك وبارك لك فيها، وأخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل، قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال، وقد اختلف في علة النهى عن الترفئه التى كانت تفعلها الجاهلية فقيل لانه لا حمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله، وقيل لما فيه من الاشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، والا فهو دعاء للزوجين بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه. وقال ابن المنير: الذى يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من

موافقة الجاهلية لانهم كانوا يقولونه تفاؤلا لا دعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول: اللهم ألف بينهما وارزقهما بنين صالحين وقال العمرانى من أصحابنا: ويكره أن يقال للزوج بعد العقد بالرفاء والبنين والمستحب أن يقول ما ورد في حديث أبى هريرة وساقه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ولا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الانكاح، لان ما سواهما من الالفاظ كالتمليك والهبة لا يأتي على معنى النكاح، ولان الشهادة شرط في النكاح فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع الشهادة على النكاح، واختلف أصحابنا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة، فمنهم من قال: لا يصح لان كل لفظ لا ينعقد به نكاح غيره لم ينعقد به نكاحه كلفظ الاحلال. ومنهم من قال: يصح لانه لما خص بهبة البضع من غير بدل خص بلفظها، وإن قال: زوجنى فقال: زوجتك صح، لان الذى خطب الواهبة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ زوجنيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (زوجتكها بما معك من القرآن، وإن قال زوجتك، فقال قبلت، ففيه قولان. (أحدهما) يصح لان القبول يرجع إلى ما أوجبه الولى كما يرجع في البيع إلى ما أوجبه البائع. (والثانى) لا يصح لان قوله، قبلت ليس بصريح في النكاح فلم يصح به، كما لو قال، زوجك فقال نعم. وان عقد بالعجمية ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم (استحللتم فروجهن بكلمة الله) وكلمة الله بالعربية فلا تقوم العجمية مقامها كالقرآن (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه إن كان يحسن بالعربية لم يصح، وإن لم يحسن صح، لان ما اختص بلفظ غير معجز جاز بالعجمية عند العجز عن العربية، ولم يجز عند القدرة كتكبيرة الصلاة (والثالث) وهو الصحيح أنه يصح، سواء أحسن بالعربية أو لم يحسن، لان لفظ النكاح بالعجمية يأتي على ما يأتي عليه لفظه بالعربية، فقام مقامه، ويخالف القرآن فان القصد منه النظم المعجز، وذلك لا يوجد في غيره، والقصد بالتكبيرة

العبادة ففرق فيه بين العجز والقدرة كأفعال الصلاه، والقصد بالنكاح ثمليك ما يقصد بالنكاح، والعجمية كالعربيه في ذلك، فإن فصل بين القبول والايجاب بخطبة بأن قال الولى، زوجتك. وقال الزوج: بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها، ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرابنى رحمه الله: إنه يصح لان الخطبة مأمور بها للعقد فلم تمنع صحته كالتيمم بين صلاتي الجمع. (والثانى) لا يصح، لانه فصل بين الايجاب والقبول فلم يصح كما لو فصل بينهما بغير الخطبة، ويخالف التيمم فإنه مأمور به بين الصلاتين والخطبة مأمور بها قبل العقد. (فصل) وإذا انعقد العقد لزم ولم يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ لان العادة في النكاح أنه يسئل عما يحتاج إليه قبل العقد فلا حاجة فيه إلى الخيار بعده، والله تعالى أعلم. (الشرح) الاحكام: لا ينعقد النكاح عندنا إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن، وهو قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقوله تعالى (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) فأما لفظ البيع والتمليك والهبة والاجارة وغيرها من الالفاظ فلا ينعقد به النكاح، وبه قال عطاء وابن المسيب والزهرى وربيعة وأحمد بن حنبل. وقال أبو حنيفة: ينعقد النكاح بكل لفظ يقتضى التمليك كالبيع والتمليك والهبة والصدقه، وفى لفظ الاجارة عنه روايتان، ولا ينعقد بالاباحة والتحليل وقال مالك إن ذكر المهر مع الالفاظ التى تقتضي التمليك انعقد بها النكاح، وإن لم يذكر المهر لم ينعقد بها النكاح. دليلنا قوله تعالى (وإمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بالنكاح بلفظ الهبة، وأن غيره لا يساويه، ولانه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كالاجارة والاباحة

(فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: والفرج محرم قبل العقد فلا يحل أبدا إلا بأن يقول الولى: قد زوجتكها أو أنكحتكها، ويقول الزوج: قد قبلت التزويج أو النكاح. أو قال أنكحتك ابنتى، فقال الزوج: قبلت النكاح والتزويج صح ذلك، لانه قد وجد الايجاب والقبول في النكاح والتزويج، فإن قال الولى زوجتك ابنتى أن أنكحتك، فقال الزوج: قبلت، ولم يقل النكاح ولا التزويج فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: يصح. وقال في موضع لا يصح، واختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق، فمنهم من قال. لا يصح قولا واحدا وحيث قال يصح أراد إذا قبل الزوج قبولا تاما. ومنهم من قال يصح قولا واحدا، وحيث شرط الشافعي رضى الله عنه لفظ النكاح أو التزويج في القبول فأراد على سبيل التأكيد، وهذا لا يصح لانه قال لا ينعقد النكاح، فقال أكثر أصحابنا: هي على قولين، وهذا اختيار الشيخ ابى إسحاق وابن الصباغ. (أحدهما) يصح، وهو قول أبى حنفية وأحمد لان قوله قبلت إذا ورد على وجه الجواب عن إيجاب متقدم كان المراد به قبول ما تقدم، فصح كما لو قال بعتك دارى أو وهبتكها، فقال قبلت، فإنه يصح. (والثانى) لا يصح، قال الشيخ أبو حامد وهو الصحيح، لان الاعتبار في النكاح أن يحصل الايجاب والقبول فيه بلفظ النكاح أو التزويج، فإذا عرى القبول منه لم يصح كما لو قال رجل لآخر زوجت ابنتك من فلان؟ فقال الولى نعم، وقال الزوج. قبلت النكاح، فإن هذا لا يصح بلا خلاف. وان قال الولى زوجتك ابنتى، فقال الزوج نعم. قال الصيمري. هو كما لو قال الزوج. قبلت على الطرق الثلاث. وقال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا لا يصح قولا واحدا. وإن قال الزوج زوجنى ابنتك. فقال الولى. زوجتك صح ذلك، ولا يفتقر الزوج إلى أن يقول قبلت نكاحها، وقد وافقنا أبو حنيفة ههنا وخالفنا في البيع، لما روى أن الذى تزوج الواهبة قال للنبى صلى الله عليه وسلم زوجنيها يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

زوجتكها ولم يأمره بالقبول بعد هذا. وإن قال الزوج أتزوجني ابنتك، فقال الولى زوجتك لم يصح حتى يقول الزوج قبلت التزويج أو النكاح، لان قوله: أتزوجني استفهام ليس باستدعاء، ولو قال الولى أتستنكحها؟ فقال الزوج قد استنكحت أو قد تزوجت لم يكن بد من قول الولى بعد هذا زوجتك أو أنكحتك لان ما تقدم إنما كان استفهاما ولم يكن تقريرا. (فرع) وإن عقد النكاح بالعجمية فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو حامد: إن كانا يحسنان العربية لم يصح العقد بالعجمية وجها واحدا. وإن كانا لا يحسنان العربية فهل يصح العقد بالعجمية؟ فيه وجهان، المذهب أنه يصح. وقال القاضى أبو الطيب: إن كانا لا يحسنان العربية صح العقد بالعجمية وجها واحدا، وان كانا يحسنان بالعربية فهل يصح العقد بالعجمية؟ فيه وجهان وقال المصنف فيه ثلاثة أوجه. (أحدها) لا يصح العقد بالعجمية لقوله صلى الله عليه وسلم: استحللتم فروجهن بكلمة الله، وكلمة الله انما هي بالعربية (والثانى) ان كانا يحسنان العربية لم يصح العقد بالعجمية. وان كانا لا يحسنان العربية صح بالعجمية كما قلنا في تكبيرة الاحرام (والثالث) يصح العقد بالعجمية بكل حال. لان لفظ العجمية يأتي على ما يأتي عليه العربية في ذلك. وان كان أحدهما يحسن العربية ولا يحسن العجمية، والآخر يحسن العجمية ولا يحسن العربية، وقلنا يصح العقد بالعجمية صح العقد بينهما شرط أن يفهم القائل أن الولى أوجب له النكاح، لانه إذا لم يفهم لا يصح أن يقبل، وهكذا إذا حضر شاهدان أعجميان وعقد بالعربية، أو عربيان وعقد بالعجمية فلا يصح الا إذا فهما أن العاقدين عقد النكاح، لان الغرض بالشاهدين معرفتهما بالعقد وتحملهما الشهادة. (فرع) وإذا وكل الزوج من يقبل له النكاح، أو قبل الاب لابنه الصغير، فإن النكاح لا يصح حتى يسمى الزوج في الايجاب والقبول، فيقول الولى زوجت فلانة فلانا ويسمى الزوج، ويقول القائل من قبل الزوج قبلت النكاح لفلان ويسمى الزوج بخلاف الوكيل في الشراء فانه لا يجب ذكر الموكل، لان النكاح

باب ما يحرم من النكاح وما لا يحرم

لا يقبل نقل الملك فيه. أي أن الرجل لا يجوز أن يتزوج امرأة ثم ينتقل نكاحها منه إلى غيره. والملك في المال من قبل النقل. أي أنه يجوز أن يتملك الرجل عينا ثم ينتقل ملكها منه إلى غيره قال الطبري: ولهذا قال أصحابنا: لو قال رجل لآخر وكلتك أن تزوج ابنتى من زيد فزوجها من وكيل زيد صح لانه في الحقيقة زوجها من زيد. ولو قال وكلتك أن تبيع سيارتي هذه من زيد فباعها من وكيل زيد لم يصح لهذا المعنى. فإذا انعقد النكاح لزم ولم يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الثلاث. وقد مضى تفصيل ذلك في البيع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ مَا يحرم من النكاح وما لا يحرم من ارتد عن الدين لم يصح نكاحه. لان النكاح يراد للاستمتاع ولا يوجد ذلك في نكاح المرتد. ولا يصح نكاح الخنثى المشكل لانه ان تزوج امرأة لم يؤمن أن يكون امرأة. وان تزوج رجلا لم يؤمن أن يكون رجلا ولا يصح نكاح المحرم لما بيناه في الحج. (فصل) ويحرم على الرجل من جهة النسب الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت لقوله (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت) ومن حرم عليه مما ذكرناه بنسب حرم عليه بذلك النسب كل من يدلى به. وان بعد فتحرم عليه الام وكل من يدلى بالامومة من الجدات من الاب والام وان علون. تحرم عليه البنت وكل من ينتسب إليه بالبنوة من بنات الاولاد وأولاد الاولاد وان سفلن وتحرم عليه الاخت من الاب والاخت من الام والاخت من الاب والام. وتحرم عليه العمه وكل من يدلى إليه بالعمومه من أخوات الآباء والاجداد من الاب والام أو من الاب أو من الام وان علون. وتحرم عليه الخالة وكل من يدلى إليه بالخئولة من أخوات الجدات من الاب والام أو من الاب أو من الام وان علون

ويحرم عليه بنت الاخ وكل من ينتسب إليه ببنوة الاخ من بنات أولاده وأولاد أولاده وإن سفلن، وتحرم عليه بنت الاخت وكل من ينتسب إليه ببنوة الاخت من أولادها وأولاد أولادها وان سفلن، لان الاسم يطلق على ما قرب وبعد، والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى (يا بنى آدم) وقوله تعالى (ملة أبيكم ابراهيم) وقوله سبحانه وتعالى (ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب) فأطلق عليهم اسم الاباء مع البعد، وقال صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يرمون (ارموا فإن أباكم اسماعيل عليه السلام كان راميا) فسمى اسماعيل أباهم مع البعد، ولان من بعد منهم كمن قرب في الحكم، والدليل عليه أن ابن الابن كالابن، والجد كالاب في الميراث والولاية والعتق بالملك ورد الشهادة، فلان يكون كالابن والاب في التحريم ومبناه على التغليب أولى (الشرح) لا يصح نكاح المرتد والمرتدة لان القصد بالنكاح الاستمتاع ولما كان دمهما مهدرا ووجب قتلهما فلا يتحقق الاستمتاع، ولان الرحمة تقتضي إبطال النكاح قبل الدخول فلا ينعقد النكاح معها كالرضاع، ولا يصح نكاح الخنثى المشكل لانه لا يدرى هل هو رجل أم امرأة، فان حمل هذا الخنثى تبينا أنه امرأة، وأن نكاحه كان باطلا لان الحمل دليل على الانوثة من طريق القطع (مسألة) النساء اللائى نص القرآن على تحريمهن أربع عشرة امرأة، ثلاث عشرة بقوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الايه، وواحدة في قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) فسبع منهن حرمت بالنسب وثنتان بالرضاع وأربع بالمصاهرة وواحدة بالجمع، فالسبع المحرمات بالنسب: الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت للآية: حرمت عليكم أمهاتكم الخ فأما الام فيحرم عقد النكاح عليها ووطئها. قال الصيمري: ومن أصحابنا من قال تحريم وطئها علم بالعقل، وليس بشئ وسواء في التحريم الا حقيقة وهى التى ولدته، والام مجازا وهى جدته أم أمه وأم أبيه، وكذلك كل جد من قبل أبيه أو أمه وان علت، وأما البنت فتحرم عليه التى يقع عليها اسم البنت حقيقة وهى بنته لصلبه، والبنت التى يقع عليها اسم

البنت مجازا وهى بنت بنته وبنت ابنه وإن سفلت. وأما الاخت فتحرم عليه سواء أكانت لاب وأم أو لاب أو لام لعموم قوله تعالى (وأخواتكم) وأما العمة فيحرم عليه من يقع عليه اسم العمه حقيقة وهى أخت أبيه، سواء كانت أخته لابيه وأمه أو لابيه أو لامه، ويحرم عليه من يقع عليها اسم العمة مجازا وهى أخت لجد من أجداده من قبل أبيه أو من قبل أمه وأما الخاله فيحرم عليه نكاح من يقع عليه اسم الخاله حقيقة. وهى أخت أمه لابيها وأمها أو لابيها أو لامها، ويحرم عليه من يقع عليها اسم الخاله مجازا وهى أخت كل جدة له من قبل أمه وأبيه. وأما بنت الاخ فتحرم عليه نكاح بنت أخيه حقيقة وهى بنت أخيه لصلبه ويحرم عليه بنت أخيه مجازا وهى كل من تنسب إلى أخيه بالبنوة من قبل أبنائه وبناته وإن سفلت. وأما بنت الاخت فتحرم عليه بنت أخته حقيقة، وهى بنت أخته لصلبها، ويحرم عليه بنت أخته مجازا، وهى كل من ينسب إلى أخته بالبنوة من بنات أبنائها وبناتها وإن سفلن. وهل يحرم عليه كل من وقع عليها الاسم مجازا بالاسم أو بالقياس على من وقع عليها الاسم حقيقة؟ فيه وجهان. الصحيح أنه يحرم بوقوع الاسم عليها لقوله تعالى (يا بنى آدم) وقوله تعالى (ملة أبيكم ابراهيم) وقوله (ملة آبائى ابراهيم وإسحاق ويعقوب) فأطلق عليهم اسم البنوة والابوة مع البعد إذا ثبت هذا فقد عبر بعض أصحابنا عن المحرمات بالنسب فقال (يحرم على الرجل أصوله وفصوله، وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعده وهى عبارة عن حسبه، لان أصوله من ينسب الرجل إليه بالبنوة، ومن الامهات وفصوله من ينسب إلى الرجل بالبنوة، وفصول أول أصوله الاخوات وأولادهم وبنات الاخوة، وأول فصل من كل أصل بعده العمات والخالات فاحترز عن بنات العمات وبنات الخالات وأول فصل من كل أصل بعده.

(مسألة) وأما الاثنتان المنصوص على تحريمهما بالرضاع فالام والاخت لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فمتى كان للرجل زوجة وانبثق منها لبن من وطئه فأرضعت به طفلا، له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار كالولد لهما من النسب، وصارا كالوالدين له من النسب في تحريم النكاح وجواز الخلوة، ويحرم عليها نكاحه ونكاح أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا لانه ولدهما، ويحرم على الرضيع نكاح الام من الرضاع الحقيقة والمجاز والاخت من الرضاع والعمة من الرضاع الحقيقة والمجاز، وبنت الاخت من الرضاع الحقيقة والمجاز على ما ذكرناه في المحرمات من النسب، لان الله تعالى نص على السبع المحرمات بالنسب، ونص على الام والاخت من الرضاع لينبه بهما على من تقدم ذكرهن من المحرمات والنسب. وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وفى رواية ما يحرم من الولادة، ويقال: الرضاع بكسر الراء وفتحها، فأما الرضاعة بالهاء فبفتح الراء لا غير. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وتحرم عليه من جهة المصاهرة أم المرأة دخل بها أو لم يدخل، لقوله تعالى ((وأمهات نسائكم) ويحرم عليه كل من يدلى إلى إمرأته بالامومة من الجدات من الاب والام لما بيناه في الفصل قبله، ويحرم عليه ابنة المرأة بنفس العقد تحريم جمع، لانه إذا حرم عليه الجمع بين المرأة وأختها، فلان يحرم الجمع بين المرأة وابنتها أولى. فإن بانت الام قبل الدخول حلت له البنت، وإن دخل بالام حرمت عليه البنت على التأبيد، لقوله تعالى (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وتحرم عليه كل من ينتسب إلى إمرأته بالبنوة من بنات أولادها وأولاد أولادها وإن سفلن من وجد منهن ومن لم يوجد، كما تحرم البنت وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم) وتحرم عليه حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من

بنى الاولاد وأولاد الاولاد لما بيناه، وتحرم عليه حليلة الاب لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وتحرم عليه حليلة كل من يدلى إليه بالابوة من الاجداد لما ذكرناه. ومن حرم عليه بنكاحه أو بنكاح أبيه أو ابنه حرم عليه بوطئه أو وطئ أبيه أو إبنه في ملك أو شبهة لان الوطئ معنى تصير به المرأة فراشا فتعلق به تحريم المصاهرة كالنكاح ولان الوطئ في إيجاب التحريم آكد من العقد، بدليل أن الربيبة تحرم بالعقد تحريم جمع وتحرم بالوطئ على التأبيد، فإذا ثبت تحريم المصاهرة بالعقد فلان يثبت بالوطئ أولى، واختلف قوله في المباشرة فيما دون الفرج بشهوة في ملك أو شبهة فقال في أحد القولين هو كالوطئ في التحريم لانها مباشرة لا تستباح إلا بملك فتعلق بها تحريم المصاهرة كالوطئ، والثانى لا يحرم بها ما يحرم بالوطئ، لقوله تعالى (فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) ولانها مباشرة لا توجب العدة فلا يتعلق بها التحريم كالمباشرة بغير شهوة، وإن تزوج إمرأة ثم وطئ أمها أو بنتها أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة انفسخ النكاح لانه معنى يوجب تحريما مؤبدا فإذا طرأ على النكاح أبطله كالرضاع. (الشرح) الاربع المنصوص على تحريمهن بالمصاهرة، فأما الزوجة والربيبة وحليلة الابن وحليلة الاب لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقوله تعالى (وأمهات نسائكم وربائكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) فأما أم الزوجة فإن الرجل إذا عقد النكاح على إمرأة حرمت عليه كل أم لها حقيقة أو مجازا من جهة النسب أو من جهة الرضاع سواء دخل بها أو لم يدخل وبه قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه أنه قال: لا تحرم عليه الا بالدخول بالبنت كالربيبه، وبه قال مجاهد. وقال زيد: الموت يقوم مقام الدخول. دليلنا قوله تعالى (وأمهات نسائكم) وبالعقد عليها تدخل في اسم نساء العاقد عليها وروى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نكح امرأة طلقها قبل الدخول بها حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه بنتها.

وأما الربيبة فهى بنت زوجته فإذا عقد النكاح على إمرأة حرمت عليه ابنتها حقيقة ومجازا من النسب والرضاع ثم الجمع، فإن دخل بالام حرمت عليه ابنتها على التأبيد، وإن ماتت الزوجة أو طلقها قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج بابنتها، وسواء كانت الربيبة في حجره وكفالته أو لم تكن، وبه قال عامه أهل العلم وقال داود: إنما تحرم عليه الربيبة إذا كانت في حجره وكفالته، فإن لم تكن في حجره وكفالته لم تحرم عليه، وإن دخل بأمها. وروى ذلك عن على بن أبى طالب وقال زيد بن ثابت: تحرم عليه إذا دخل بأمها أو ماتت. دليلنا ما رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (من نكح إمرأة ثم طلقها قبل الدخول بها حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه ابنتها) . فأما التربية فلا تأثير لها في التحريم كتربية الاجنبية، وأما الآية فلم يخرج ذلك مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك تعريفا لها، كأن العادة أن الربية تكون في حجره، وأما حليلة الابن، فإن الرجل إذا عقد النكاح على إمرأة حرمت على أب الزوج سواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها لقوله تعالى (وحلائل ابنائكم الذين من أصلابكم) وبالعقد عليها يقع عليها اسم الحليلة، وسواء كان ابنه حقيقة أو مجازا، وسواء كان ابنه من الرضاع حقيقة أو مجازا لما ذكرناه في المحرمات من النسب. فإن قيل: فقد قال الله تعالى (وحلائل ابنائكم الآية) فدليل خطابه يدل على أنه لا تحرم حلائل الابناء من الرضاع. فالجواب أن دليل الخطاب إنما يكون حجه إذا لم يعارضه نص وههنا نص أقوى منه فقدم عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) رواه أبو داود وغيره من حديث عائشة رضى الله عنهما. وأما حليلة الاب فإن الرجل إذا تزوج إمرأة حرمت على ابن الزوج سواء دخل بها أو لم يدخل بها لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف) ولا فرق بين الاب حقيقة أو مجازا، وسواء كان الاب من الرضاع حقيقة أو مجازا لما ذكرناه في المحرمات من النسب والله أعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها، فقال لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح ولا تحرم بالزنا أمها ولا ابنتها ولا تحرم هي على ابنه ولا على أبيه للآية والخبر، ولانه معنى لا تصير به المرأة فراشا فلم يتعلق به تحريم المصاهرة كالمباشرة بغير شهوة، وإن لاط بغلام لم تحرم عليه أمه وابنته للآية والخبر، وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعي رحمه الله أكره أن يتزوجها، فان تزوجها لم أفسخ، فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا إن علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه لم تحل له. ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لان أبا حنيفه يحرمها، فعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لانها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا، واختلف أصحابنا في المنفية باللعان، فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لانها منفيه عنه فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها لانها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب. (الشرح) حديث عائشة أخرجه البيهقى في السنن وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن ابن عمر، قال العلقمي: قال الدميري: هذا يدل لمذهب الشافعي أن الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها، وقد ورد في هذا المعنى أحاديث لكل واحد منها مدلوله عند المخالفين فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (الزانى المجلود لا ينكح إلا مثله) رواه أحمد وأبو داود، وقال في الفتح رجاله ثقات. وعن عبد الله بن عمرو (أن رجلا من المسلمين اسْتَأْذَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إمرأة يقال لها: أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه فاستأذن

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذكر له أمرها فقرأ عليه نبى الله صلى الله عليه وسلم (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط، قال الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أن مرثد بن أبى مرثد الغنوى كان يحمل الاسارى بمكة، وكان بمكه بغى يقال لها عناق وكانت صديقته قال: فجئت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رسول الله أنكح عناقا؟ قال: فسكت عنى فنزلت (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعاني فقرأها على وقال: لا تنكحها) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. ويمكن الجمع بين الاحاديث بأن المنع لمن كانت مستمرة في مزاولة البغاء يدل على هذا ما روى عن ابن عباس عند أبى داود والنسائي قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال (إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: غربها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها) قال المنذرى: ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين. وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة بن أبى حفصة وأن الفضل بن موسى السينانى تفرد به عن الحسن بن واقد، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية وقال: هذا الحديث ليس بنابت، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب. وقال الامام أحمد: لا تمنع يد لامس تعطى من ماله. قلت: فإن أبا عبيدة يقول: من الفجور، قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بإمساكها وهى تفجر، وسئل عنه ابن الاعرابي فقال: من الفجور. وقال الخطابى معناه الزانية وأنها مطاوعه لمن أرادها لا ترد يده. وعن جابر عند البيهقى بنحو حديث ابن عباس هذا، وفى الادلة التى ساقوها ما يمنع أن تتزوج المرأة من ظهر منه الزنا، والرجل أن يتزوج من ظهر منها الزنا ويدل على ذلك قوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين فإنه صريح في التحريم. قال ابن رشد: اختلفوا في قوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين) هل خرج مخرج الذم

أو مخرج التحريم، وهل الاشارة في قوله ذلك إلى الزنا أو إلى النكاح، قال وانما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذى سقناه. وقد حكى الرويانى عن على وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهرى والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبى ثور أنها لا تحرم على من زنى بها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحرم الحلال الحرام) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر وحكى عن الحسن البصري انه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها على التأبيد واستدل بالاية. وحكى أيضا عن قتادة وأحمد إلا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم، وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزانى المشرك، واستدل بقوله تعالى (أو مشركة) قال وهى تحرم على الفاسق المسلم بالاجماع، ولا يخفى ما في هذا من تأويل يعطل فائدة الآية إذ منع النكاح مع الشرك والزنا حاصل بغير الاية، ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزانى والزانية. وقال في البيان: إذا زنى بامرأة لم ينتشئ بهذا الزنا تحريم المصاهرة. فلا يحرم على الزانى نكاح المرأة التى زنى بها ولا أمها ولا ابنتها ولا تحرم الزانية على أبى الزانى ولا على أبنائه، وكذلك إذا قبلها بشهوة حراما، أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة حراما. ثم قال وانفرد الاوزاعي وأحمد رحمه الله عليهما انه إذا لاط بغلام حرم عليه بنته وأمه. وقال أبو حنيفة: إذا قبل امرأة بشهوة حراما أو لمسها بشهوة حراما أو كشف عن فرجها ونظر إليه تعلق به تحريم المصاهرة، وان قبل أم امرأته انفسخ به نكاح امرأته. وإن قبل رجل امرأة ابنه انفسخ نكاح الاب. دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) وقوله تعالى (وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) فأثبت تعالى الصهر في الموضع الذى أثبت فيه النسب. فلما لم يثبت بالزنا النسب فلم يثبت به الصهر ولحديث عائشة وابن عمر مرفوعا عند البيهقى وابن ماجه (لا يحرم الحرام الحلال) والعقد قبل الزنا حلال. وروى أن عمر رضى الله عنه جلد رجلا وامرأة وحرص أن يجمع بينهما في النكاح.

وسئل ابن عباس رضى الله عنه عن رجل زنى بامرأة وأراد ان يتزوجها فقال يجوز، أرأيت لو سرق رجل من كرم رجل ثم ابتاعه أكان يجوز؟ (فرع) فإن زنى بامرأة فأتته بإبنة يمكن ان تكون منه بأن تأتى بها لستة أشهر من وقت الزنا فلا خلاف بين أهل العلم انه لا يثبت نسبها من الزانى ولا يتوارثان، وأما نكاحه لها فقد قال الشافعي رضى الله عنه أكره له ان يتزوجها فإن تزوجها لم أفسخ، واختلف اصحابنا في العلة التى لاجلها كره الزانى ان يتزوج بها، فمنهم من قال انما كره ذلك ليخرج من الخلاف، فإن من الناس من قال لا يجوز له نكاحها فهلى هذا لو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يحرم عليه نكاحها، لان علة الكراهة حصول الاختلاف لا غير. ومنهم من قال إنما كره له ذلك بإمكان ان يكون من مائه لانه لم يتحقق ذلك، فلو تحقق انها من مائه بأن اخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه انها من مائه لم يجز له تزويجها، هذا مذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لا يجوز له تزويجها، واختلف اصحاب ابى حنيفة في علة تحريمها، فقال المتقدمون من أصحابه إنما حرم نكاحها لكونها ابنة من زنى بها لا انها ابنته من الزنا، وانما الزنا عنده ثبت به تحريم المصاهرة على ما مضى. فعلى هذا لا تحرم على آبائه ولا ابنائه. وقال المتأخرون من اصحابه انما حرم نكاحها لكونها مخلوقة من مائه، فعلى هذا تحرم على آبائه وابنائه، وهذا اصح عندهم، دليلنا أنها منفية عنه قطعا بدليل انه لا يثبت بينهما التوارث ولا حكم في احكام الولادة، فلم يحرم عليه نكاحها كالاجنبية وان أكره رجل امرأة على الزنا فأتت منه بإبنة فحكمه حكم ما لو طاوعته على الزنا لانه زنا في حقه. (فرع) وان اتت امرأة بإبنة فنفاها باللعان فان كان قد دخل بالزوجة لم يجز له التزوج بإبنتها لانها بنت امرأة دخل بها، وان لم يدخل بالام فهل يجوز له نكاح الابنه؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز له تزويجها لانها منفية عنه فهى كالابنة من الزنا.

(والثانى) لا يجوز له تزويجها لانها غير منفية عنه قطعا، بدليل أنه لو أقر بها لحقته نسبتها، والابنة من الزنا لو عاد الزانى فأقر بنسبها لم يلحقه نسبها. (فرع) وإن زنى رجل بزوجة رجل لم ينفسخ نكاحها، وبه قال عامة العلماء وقال على بن أبى طالب: ينفسخ نكاحها وبه قال الحسن البصري. دليلنا حديث ابن عباس في الرجل الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن امرأتي لا ترد يد لامس، وقد مضى تخريجه في أول الفصل، فكنى الرجل عن الزنا بقوله (لا ترد يد لامس) ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بانفساخ نكاحها. (فرع) ولو قال رجل: أنا أحيط علما أن لى في هذه البلدة امرأة يحرم على نكاحها بنسب أو رضاع أو صهر ولا أعلم عينها، جاز له أن يتزوج من تلك البلدة لان في المنع من ذلك مشقة، كما لو كان في يد رجل صيد فانفلت واختلط بصيد ناحية ولم يتميز، فإنه لا يحرم على الناس أن يصطادوا من تلك الناحية، وان اختلطت هذه المرأة بعدد محصور من النساء قل ذلك العدد أو كثر حرم عليه أن يتزوج بواحدة منهن، لانه لا مشقة عليه في اجتناب التزويج من العدد المحصور هكذا أفاده ابن الحداد المصرى من أصحابنا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ويحرم عليه أن يجمع بين أختين في النكاح لقوله عز وجل (وأن تجمعوا بين الاختين) ولان الجمع بينهما يؤدى إلى العداوة وقطع الرحم، ويحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) ولانهما امرأتان لو كانت احدهما ذكرا لم يحل له نكاح الاخرى، فلم يجز الجمع بينهما في النكاح كالاختين، فإن جمع بين الاختين أو بين المرأة وعمتها أو بين المرأة وخالتها في عقد واحد بطل نكاحهما لانه ليست احداهما بأولى من الاخرى فبطل نكاحهما، وان تزوج احداهما بعد الاخرى بطل نكاح الثانية لانها اختصت بالتحريم، وان تزوج احداهما ثم طلقها فإن كان طلاقا بائنا حلت له الاخرى لانه لم يجمع بينهما في الفراش، وان كان رجعيا لم تحل لانها باقية على الفراش.

وان قال أخبرتني بانقضاء العدة وأنكرت المرأة لم يقبل قوله في اسقاط النفقة والسكنى لانه حق لها، ويقبل قوله في جواز نكاح أختها لانه الحق لله تعالى، وهو مقلد فيما بينه وبينه، فان نكح وثنى وثنية ودخل بها أسلم وتزوج بأختها في عدتها لم يصح. وقال المزني: النكاح موقوف على اسلامها، فان لم تسلم حتى انقضت العدة صح، كما يقف نكاحها على اسلامها. وهذا خطأ لانها جارية إلى بينونة فلم يصح نكاح أختها كالرجعية، ويخالف هذا نكاحها، فإن الموقوف هناك الحل، والنكاح يجوز ان يقف حله ولا يقف عقده، ولهذا يقف حل نكاح المرتدة على انقضاء العدة ولا يقف نكاحها على الاسلام، ويقف حل نكاح الرجعية على العدة ولا يقف نكاح أختها على العدة. (الشرح) حديث ابن هريرة رواه احمد والشيخان واصحاب السنن الاربعة والدارقطني. قال ابن عبد البر: أكثر طرقه متواترة عنه. وزعم قوم انه تفرد به وليس كذلك. قلت: رواه احمد والبخاري والترمذي من حديث جابر، وقال البيهقى عن الشافعي: ان هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث الا عن ابى هريرة، وما ذكرناه من رواية جابر يدفعه. قال البيهقى: هو كما قال الشافعي قد جاء من حديث عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وعبد الله بن عمرو وأنس وأبى سعيد وعائشة، وليس فيها شئ على شرط الصحيح، وإنما اتفقنا على اثبات حديث أبى هريرة. وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبى عن جابر وبين الاختلاف على الشعبى فيه، قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبى هند اه. قال الحافظ بن حجر: وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لان الشعبى أشهر بجابر منه بأبى هريرة، وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن ابى جريج عن ابى الزبير عن جابر وقول من نقل عنهم البيهقى تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة

قال ابن عبد البر: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبى هريرة، يعنى من وجه يصح، وكأنه لم يصح حديث الشعبى عن جابر وصححه عن ابى هريرة والحديثان جميعا صحيحان. قال ابن حجر. وأما من نقل البيهقى أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله، وفى الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة، قال وقع لى أيضا من حديث أبى الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبى وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود. قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبى شيبة وأحمد وأبى داود والنسائي وابن ماجه وابى يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم، ولولا خشية التطويل لاوردتها مفصله. قال ولكن في لفظ حديث ابن عباس عند ابى داود أنه كره أن يجمع بين المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن قطعتن أرحامكن. اه وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة) وأخرجه أيضا ابن ابى شيبة. وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن ابيه عن ابى بكر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ولكن الاحاديث التى مضى لنا ذكرها تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث ابى هريرة، لان ذلك هو معنى النهى حقيقة. وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم. وقال لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك، وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج. وهكذا حكى الاجماع القرطبى واستثنى الخوارج. قال ولا يعتد بخلافهم. وهكذا نقل الاجماع ابن عبد البر ولم يستثن، ونقل الاجماع ان حزم واستثنى عثمان البتى. ونقله النووي في الروضة والمنهاج واستثنى في الروضة طائفة من الخوارج والشيعه. ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف أما أحكام الفصل فإن المنصوص على تحريمها بالجمع فهى أخت الزوجة،

فلا يجوز للرجل أن يجمع بين الاختين في النكاح، سواء ان كانتا أختين لاب وأم أو لاب أو لام، وسواء كانتا أختين من النسب أو من الرضاع لقوله تعالى (وأن تجمعوا بين الاختين) الايه، ولان العادة جارية ان الرجل إذا جمع ضرتين تباغضا وتحاسدا وتتبعت كل واحدة عيوب الاخرى وعوراتها، فلو جوزنا الجمع بين الاختين لادى ذلك إلى تباغضهما وتحاسدهما فيكون في ذلك قطع الرحم بينهما ولا سبيل إليه، وهو إجماع لا خلاف فيه، فإن تزوجهما معا في عقد واحد لم يصح نكاح واحدة منهما، لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى، فبطل الجمع كما لو ابتاع درهمين بدرهمين، وان تزوج إحداهما ثم تزوج الثانية بطل نكاح الثانية دون الاولة، لان الجمع اختص بالثانية. (فرع) ويحرم عليه الجمع بين المرأة وعمتها الحقيقة والمجاز من الرضاع أو من النسب، ويحرم عليه الجمع بين المرأة وخالتها الحقيقة والمجاز من الرضاع أو من النسب. دليلنا ما سقناه من أحاديث بلغت حد التواتر من طرفها الاول إلى مخرجيها ومدونيها. قال العمرانى من أصحابنا. ولان كل امرأتين منهما لو قلبت إحداهما ذكرا لم يجز له ان يتزوج بالاخرى بالنسب، فوجب ان لا يجوز الجمع بينهما في النكاح كالاختين، ولا يجوز أن يجمع بين المرأة وخالة أمها أو عمة أمها اه. ويجوز الجمع بين امرأة كانت لرجل وبين ابنة زوجها الاول من غيرهما. وقال ابن ابى ليلى (لا يجوز لانه لو قلبت ابنة الرجل ذكرا لم يحل له نكاح امرأة ابنه فهما كالاختين. دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) لانه لو قلبت امرأة الرجل ذكرا لحل له نكاح الاخرى، ويخالف الاختين لانك لو قلبت كل واحدة منهما ذكرا لم يحل له الاخرى، ويجوز ان يجمع بين المرأة وبين زوجة ابيها لانه لا قرابه بينهما ولا رضاع، وكذلك إذا تزوج رجل له ابنة امرأة لها أبنه فيجوز لآخران يجمع بين ابنة الزوج وابنة الزوجه، لانه إذا جاز ان يجمع بين المرأة وبين ابنة ضرتها لانه لا قرابة بينهما ولا رضاع

وإن تزوج رجل له ابن بامرأة لها ابنة جاز لابن الزوج أن يتزوج بابنة الزوجة لما روى أن رجلا له ابن تزوج إمرأة لها ابنة ففجر الغلام بالصبية فسألهما عمر رضى الله عنه فاعترفا فجلدهما وعرض أن يجمع بينهما، فأبى الغلام، ولانه لا نسب بينهما ولا رضاع. فان قيل: أليس الرجل لو أولد من المرأة ولدا كان أخا أو أختا له فكيف يجوز له أن يتزوج بأخت أخيه؟ قلنا: إنه لا يجوز له التزوج بأخت نفسه، فأما بأخت أخيه فلا يمنع منه، فان رزق كل واحد منهما ولدا من امرأته كان ولد الاب ثم ولد الابن وخاله، فان تزوج بامرأة وتزوج ابنه بأمها جاز، لان أمها محرمة على أبيه دونه، فان رزق كل واحد منهما ولدا كان ولد الاب عم ولد الابن وولد الابن خال ولد الاب. (فرع) وإن تزوج بامرأة ثم طلقها وأراد أن يتزوج بأختها أو عمتها أو خالتها أو تزوج أربع نسوة وطلقهن واراد أن ينكح أربعا غيرهن أو طلق واحدة منهن وأراد أن يتزوج غيرها فان كان الطلاق قبل الدخول يصح تزويجه بلا خلاف، لانه لا عدة له على المطلقة، وان كان بعد الدخول فان كان الطلاق رجعيا لم يصح تزويجه قبل انقضاء العدة، لان المطلقة في حكم الزوجات، وإن كان الطلاق بائنا صح تزويجه عندنا قبل انقضاء العدة، وبه قال زيد بن ثابت رضى الله عنه والزهرى ومالك. وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يصح، وروى ذلك عن على وابن عباس. دليلنا أن المطلقة بائن منه فجاز له عقد النكاح على أختها كالبائن قبل الدخول. (فرع) قال الشافعي في الام: فان تزوج رجل إمرأة فطلقها طلاقا رجعيا ثم قال الزوج: قد أخبرتني بانقضاء عدتها فأنكرت لم يقبل قوله في إسقاط نفقتها وكسوتها وسائر حقوقها، لانه حق لها فلم يقبل قوله في إسقاطه، وإن أراد أن يتزوج بأختها أو عمتها وصادقته التى تزوجها على ذلك صح تزويجه، لان الحق لله تعالى وهو مقدر فيما بينه وبينه.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ومن حرم عليه نكاح امرأة بالنسب له أو بالمصاهرة أو بالجمع حرم عليه وطؤها بملك اليمين لانه إذا حرم النكاح فلان يحرم الوطئ وهو المقصود أولى وان ملك أختين فوطئ إحداهما حرمت عليه الاخرى حتى تحرم الموطوءة ببيع أو عتق أو كتابة أو نكاح. فان خالف ووطئها لم يعد إلى وطئها حتى تحرم الاولى، والمستحب أن لا يطأ الاولى حتى يستبرئ الثانية حتى لا يكون جامعا للماء في رحم أختين، وإن تزوج إمرأة ثم ملك أختها لم تحل له المملوكة، لان أختها على فراشه، وإن وطئ مملوكة ثم تزوج أختها حرمت المملوكة وحلت المنكوحة، لان فراش المنكوحة أقوى، لان يملك به حقوق لا تملك بفراش المملوكة من الطلاق والظهار والايلاء واللعان. فثبت الاقوى وسقط الاضعف كملك اليمين لما ملك به ما لا يملك بالنكاح من الرقبة والمنفعة إذا طرأ على النكاح ثبت وسقط النكاح. (فصل) وما حرم النكاح والوطئ بالقرابه حرم بالرضاع، لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعه) فنص على الام والاخت وقسنا عليهما من سواهما، وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) . (فصل) ومن حرم عليه نكاح امرأة على التأبيد برضاع أو نكاح أو وطئ مباح صار لها محرما في جواز النظر والخلوة، لانها محرمه عليه على التأبيد بسبب غير محرم فصار محرما لها كالام والبنت، ومن حرمت عليه بوطئ شبهة لم يصر محرما لها لانها حرمت عليه بسبب غير مباح، ولم تلحق بذوات المحارم والانساب (الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها مضى تخريجه. اما الاحكام: فان الشرع ساوى بين الامة والحرة في تحريم الجمع بين الاختين كما لا يحل له نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لم يحل له وطؤها واسم النكاح يقع على الوطئ، ولان المقصود بعقد النكاح هو الوطئ، فإذا حرم عقد النكاح

فلان يحرم الوطئ أولى، ويسرى على الاماء تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في الوطئ، وإن كان يحل في الملك، لان الاستمتاع ليس غاية للملك، وإنما المقصود بالملك المنفعة وما ذكره المصنف فعلى وجهه. (مسألة) إذا حرم عليه نكاح المرأة على التأبيد بنكاح أو رضاع أو وطئ مباح صار محرما لها في جواز النظر والخلوة، لانها محرمة عليه على التأبيد بسبب غير محرم فصار محرما لها كالام والابنة، وان حرم عليه نكاحها بوطئ شبهة فهل تصير محرما له؟ فيه قولان حكاهما الصيمري، المشهور أنها لا تصير محرما له لانها حرمت عليه بسبب غير مباح فلم يلحق بذوات الانساب. والثانى: أنها تصير محرما له لانها لما ساوت من وطئت وطئا مباحا في تحريم النكاح ولحوق النسب من هذا الوطئ ساوتها في الخلوة والنظر. (مسألة) إذا وطئ الرجل إمرأة بملك صحيح أو بشبه ملك أو بشبهة عقد نكاح أو وطئها زوجة أو أمة حرمت عليه أمهاتها وبناتها على التأبيد لانه وطئ يتعلق به لحوق النسب فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطئ في النكاح، ولانه معنى تصير به المرأة فراشا فتعلق به تحريم المصاهرة كعقد النكاح، وهذا هو المشهور من المذهب. وحكى المسعودي قولا آخر أنه لا يتعلق به تحريم المصاهرة بوطئ شبهة، وليس بشئ عن أصحابنا منهم صاحب البيان وغيره. وإن باشر امرأة دون الفرج بشهوة في ملك أو شبهة بأن قبلها أو لمس شيئا من بدنها فهل يتعلق بذلك تحريم المصاهرة وتحرم عليه الربيبة على التأبيد؟ فيه قولان (أحدهما) يتعلق به التحريم، وبه قال ابو حنيفة ومالك. وقالا: انه روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وليس له مخالف في الصحابة، ولانه تلذذ بمباشرة فتلعق به تحريم المصاهرة والربيبة كالوطئ فقولنا: تلذذ احتراز من المباشرة بغير شهوة، وقولنا: بمباشرة احتراز من النظر. (والثانى) لا يتعلق به تحريم المصاهرة ولا الربيبة، وبه قال احمد بن حنبل لقوله تعالى (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) وهذا

ليس بدخول، ولانه لمس لا يوجب الغسل فلم يتعلق بن تحريم كالمباشرة بغير شهوة وإن نظر إلى فرجها بشهوة لم يتعلق به تحريم المصاهرة ولا تحريم الربيبة. وقال الثوري وأبو حنيفة: يتعلق بها التحريم، وحكاه المسعودي قولا آخر للشافعي وليس بمشهور. دليلنا أنه نظر إلى بعض بدنها فلم يتعلق به التحريم كما لو نظر إلى وجهها. (فرع) وإن تزوج إمرأة ثم وطئ بنتها أو أمها بشبهة أو وطئ الاب زوجة الابن بشبهة أو وطئ الابن زوجة الاب بشبهة انفسخ النكاح، لانه معنى يوجب تحريما مؤبدا، فإذا طرأ على النكاح أبطله كالرضاع. إذا ثبت هذا: فإن تزوج رجل امرأة، وتزوج ابنه ابنتها، وزفت إلى كل منهما زوجة صاحبه ووطئها ولم يعلما، فان الاول لما وطئ غير زوجته منهما لزمه لها مهر مثلها وانفسخ نكاح الموطوءة من زوجها لانها صارت فراشا لابيه أو ابنه، ويجب عليه الغرم لزوجها، لانه حال بينه وبين بضع امرأة، وفيما يلزمه قولان (أحدهما) جميع مهر المثل (والثانى) نصفه، كالقولين فيما يلزم المرضعة لزوج الرضيعة إذا انفسخ النكاح بإرضاع، وينفسخ نكاح الواطئ الاول من زوجته لان أمها أو ابنتها صارت فراشا له، فيجب عليه لامرأته نصف المسمى لان الفرقة جاءت من جهته. وأما الواطئ الثاني فيلزمه مهر المثل للتى وطئها، ولا يجب عليه لزوجها شئ لانه لم يحل بينه وبين بضعها لان الحيلولة بينهما حصلت بوطئ الاول، ولا يجب على الثاني لزوجته أيضا شئ، لان الفرقة بينهما جاءت من قبلها بتمكينها الاول من نفسها، فإن عرف الاول منها أو الثاني، تعلق بوطئ كل واحدة منهما مهر المثل على الذى وطئها وينفسخ النكاحان، ويجب لكل واحدة منهما على زوجها نصف المسمى لها، لانا نتيقن وجوبه فلا يسقط بالشك ولا يرجع أحدهما على الآخر بشئ، لان ذلك انما وجب للثاني على الاول ولم يعلم الاول من الثاني، ويجب على كل واحدة منهما العدة، وان جاءت كل واحدة بولد لحق الولد بواطئها ولا حد على أحدهما، وهذا ان كان الواطئ والموطوءة جاهلين بالتحريم، وان

كانت جاهلة وهو عالم بالتحريم ثبت لها المهر ولا حد عليها ولا يجب عليها عدة، ولا يلحقه النسب، ولا يثبت بهذا الوطئ تحريم المصاهرة، ويجب على الواطئ الحد، وان كان الواطئ جاهلا بالتحريم والمرأة عالمة بالتحريم وجب عليها العده ولحق النسب به وثبت به تحريم المصاهرة ولا حد عليه ولا مهر لها وعليها الحد وجوبا. (فرع) وان تزوج رجل امرأة ثم تزوج أخرى فوطئ احداهما ثم بان أن احداهما أم الاخرى. فان نكاح الاولة صحيح لانه لم يتقدمه ما يمنع صحته، ونكاح الثانية باطل، لان نكاح الاولى يمنع نكاح الثانية. وأما الواطئ فان كان وطئ الاولى فقد صادف وطؤه زوجته واستقر به المسمى لها، ويفرق بينه وبين الثانية، وتحرم عليه على التأبيد، لانها ان كانت هي البنت فقد وطئ أمها، وان كانت هي الام فقد عقد على بنتها ووطئها، وان كانت الموطوءة هي الثانية وجب لها عليه مهر مثلها وانفسخ نكاح الاولى وحرمت عليه على التأبيد، لانها ثبت من وطئها بشبهة أو أمها، ووجب عليه للاولى نصف المسمى لها لان الفسخ من جهته، وهل يجوز أن يتزوج الثانية الانفراد؟ ينظر فيه، فان كانت البنت جاز له أن يتزوجها لانها ربيبة لم يدخل بأمها، وان كانت الام لم يجز له تزويجها، لانه قد عقد النكاح على ابنتها، وان وطئهما جميعا ثم بان أن احداهما أم الاخرى فان وطئ أولا المنكوحة أولا فقد صادف وطؤه زوجته فاستقر به عليه مهر مثلها المسمى، فلما وطئ الثانية لزم لها مهر مثلها وانفسخ نكاح الاولة بوطئ الثانية، ولا يسقط من مهر الاولة شئ، لان الفسخ وقع بعد الدخول. وان وطئ أولا المنكوحة ثانيا ثم وطئ بعدها المنكوحة أولا، فان لما وطئ المنكوحة ثانيا أولا لزمه لها مهر مثلها وانفسخ بهذا الوطئ نكاحه من زوجته وهى المنكوحة أولا ولزمه لها نصف المهر المسمى، فإذا وطئ المنكوحة اولا بعد ذلك لزمه بهذا الوطئ مهر مثلها، وان اشكل الامر فلم يعلم المنكوحة اولا من المنكوحة ثانيا، ووطئ احداهما، وقف عنهما لجواز ان تكونا محرمتين عليه على التأبيد، فان كانت الموطوءة تعلم عينها وجب لها اقل الامرين من مهر

المثل أو المسمى لها لانها تستحق ذلك بيقين، لانها إن كانت هي المنكوحة أولا فلها المسمى، وان كانت هي المنكوحة ثانيا فلها مهر المثل وتوقف الزيادة حتى تتبين، وان كانت الموطوءة أيضا مشكلة وقف أقل المهرين بينهما حتى يتبين أو يصطلحا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ويحرم على المسلم أن يتزوج ممن لا كتاب له من الكفار، كعبدة الاوثان ومن ارتد عن الاسلام، لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) ويحرم عليه أن يطأ إماءهم بملك اليمين، لان كل صنف حرم وطئ حرائرهم بعقد النكاح حرم وطئ إمائهم بملك اليمين كالاخوات والعمات، ويحل له نكاح حرائر أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل لقوله تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولان الصحابة رضى الله عنهم تزوجوا من أهل الذمة، فتزوج عثمان رضى الله عنه نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهى نصرانية وأسلمت عنده، وتزوج حذيفة رضى الله عنه بيهودية من أهل المدائن، وسئل جابر رضى الله عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال (تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبى وقاص) ويحل له وطئ امائهم بملك اليمين، لان كل جنس حل نكاح حرائرهم حل وطئ امائهم كالمسلمين، ويكره أن يتزوج حرائرهم وأن يطأ اماءهم بملك اليمين، لانا لا نأمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين أو يتولى أهل دينها، فإن كانت حربية فالكراهية أشد، لانه لا يؤمن ما ذكرناه، ولانه يكثر سواد أهل الحرب، ولانه لا يؤمن أن يسبى ولده منها فيسترق. (فصل) وأما غير اليهود والنصارى من أهل الكتاب، كمن يؤمن بزبور داود عليه السلام وصحف شيث، فلا يحل للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ اماءهم بملك اليمين لانه قيل أن ما معهم ليس من كلام الله عز وجل وانما هو شئ نزل به جبريل عليه السلام كالاحكام التى نزل بها على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

من غير القرآن، وقيل ان الذى معهم ليس بأحكام وانما هي مواعظ، والدليل عليه قوله تعالى (انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ اماءهم بملك اليمين لانهم دخلوا في دين باطل فهم، كمن ارتد من المسلمين، ومن دخل فيهم ولا يعلم أنهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطئ امائهم بملك اليمين، لان الاصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: وأهل الكتاب الذين يحل نكاحهم اليهود والنصارى دون المجوس، وجملة ذلك أن المشركين على ثلاثه أضرب: ضرب لهم كتاب وضرب لا كتاب لهم ولا شبهة، وضرب لهم شبهة كتاب، فأما الضرب الذين لهم كتاب فاليهود والنصارى، وليس بين أهل العلم اختلاف في حرائر أهل الكتاب. وممن روى عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم. قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الاوائل أنه حرم ذلك. وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبد تزوجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر اهل العلم، وحرمته الامامية تمسكا بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) دليلنا قوله تعالى (يسئلونك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ، قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ إلى قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال ابن عباس: هذه الآية نسخت قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) لان المائدة نزلت بعد البقرة، وقد نكح عثمان نصرانيه، ونكح حذيقه يهودية، وسئل جابر ابن عبد الله، عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجناهن بالكوفة عام الفتح، يعنى فتح العراق، إذ لم نجد مسلمه، فلما انصرفنا طلقناهن، نساؤهم حل لنا ونساؤنا يحرمن عليهم. وأما من لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب فهم عبدة الاوثان، وهم قوم يعبدون

ما يستحسنون من حجر وحيوان وشمس وقمر ونار وأنهار وأشجار ولا يجوز اقرارهم على دينهم ولا يجوز نكاح حرائرهم، وإن ملكت منهم أمة لم يحل وطؤها بملك اليمين لقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فيحرم نكاح المشركات ثم نسخ منه نكاح أهل الذمة على قول من يجعل الاستثناء من العام نسخا في قدره، وبقى الباقي منهم على عموم التحريم. وأما من لهم شبهة كتاب وهم المجوس ولا خلاف أنه ليس لهم كتاب موجود وهل كان لهم كتاب ثم رفع؟ فيه قولان يأتيان في موضعهما إن شاء الله إذا ثبت هذا فيجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية، ولا يحل نكاح حرائرهم. وحكى عن أبى إسحاق المروزى أنه قال: إذا قلنا إن لهم كتابا حل نكاح حرائرهم والاول هو المذهب. وقد ذهب ابن حزم إلى جواز نكاح حرائرهم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل بناء على وجوب الجزية عليهم، وهو أخذ بالقياس الذى يرفضه ويحمل عليه في جميع كتبه التى تدور كلها على ذم القياس وتزييفه ودحضه. ودليلنا قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وهذا عام في كل مشركة إلا ما قام عليه دليل وهو أهل الكتاب، وهؤلاء غير متمسكين بكتاب فلم تحل مناكحتهم، وقال ابراهيم الحربى روى عن بضعة عشر نفسا من الصحابة رضى الله عنهم أنهم قالوا: لا يحل لنا نكاح نسائهم. وقال أبو ثور: يحل لنا نكاح حرائرهم قياسا على الجزيه. وقد قلنا إن هؤلاء ليسوا أهل كتاب فلم تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم كعبدة الاوثان. وأما قول أبى إسحاق من أصحابنا وابى ثور من الفقهاء فغير صحيح، لانه لو جاز نكاحهم على القول بأن لهم كتابا لحل قتالهم على القول الذى يقول: لا كتاب لهم. هكذا أفاده العمرانى في البيان. (فرع) فأما المتمسكون بالكتب التى نزلت على الانبياء صلوات الله عليهم كمن تمسك بصحف ابراهيم وزبور داود وشيث عليهم السلام، فلا يحل نكاحهم ولا وطئ الاماء منهم بملك اليمين، ولا يحل أكل ذبائحهم، وعلل الشافعي رضى الله عنه ذلك بعلتين إحداهما أن تلك الكتب ليس فيها أحكام، وانما هي

مواعظ فلم تثبت لها حرمة. والثانيه: أنها ليست من كلام الله سبحانه وتعالى، وانما كانت وحيا منه وقد يوحى ما ليس بقرآن كما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أتانى جبريل يأمرنى أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكن ذلك قرآنا وكلاما من الله تعالى، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد وأفاده العمرانى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا في السامرة والصابئين، فقال أبو إسحاق: السامرة من اليهود والصابئون من النصارى، واستفتى القاهر أبا سعيد الاصطخرى في الصابئين فأفتى بقتلهم لانهم يعتقدون أن الكواكب السبعه مديرة، والمذهب أنهم ان وافقوا اليهود والنصارى في أصول الدين من تصديق الرسل والايمان بالكتب كانوا منهم، وان خالفوهم في أصول الدين لم يكونوا منهم وكان حكمهم حكم عبدة الاوثان. واختلفوا في المجوس، فقال أبو ثور يحل نكاحهم لانهم يقرون على دينهم بالجزيه كاليهود والنصارى. وقال أبو إسحاق: ان قلنا انهم كان لهم كتاب حل نكاح حرائرهم ووطئ امائهم والمذهب انه لا يحل لانهم غير متمسكين بكتاب فهم كعبدة الاوثان. وأما حقن الدم فلان لهم شبهة كتاب والشبهة في الدم تقتضي الحقن وفى البضع تقتضي الحظر. وأما ما قال أبو إسحاق فلا يصح لانه لو جاز نكاحهم على هذا القول لجاز قتلهم على القول الآخر. (فصل) ويحرم عليه نكاح من ولد بين وثنى وكتابيه لان الولد من قبيلة الاب ولهذا ينسب إليه ويشرف بشرفه، فكان حكمه في النكاح حكمه، ومن ولد بين كتابي ووثنيه ففيه قولان (أحدهما) أنها لا تحرم عليه، لانها من قبيلة الاب، والاب من أهل الكتاب (والثانى) أنها تحرم لانها لم تتمحض كتابية فأشبهت المجوسية. (الشرح) الاحكام: السامرة والصابئون. قال الشافعي رضى الله عنه في موضع: السامرة صنف من اليهود، والصابئون صنف من النصارى، وتوقف الشافعي رضى الله عنه في موضع آخر في حكمهم، فقال أبو إسحاق: انما توقف

في حكمهم قبل أن يتيقن أمرهم، فلما تيقن أمرهم ألحقهم بهم. وحكى أن القاهر العباسي استفتى في الصابئة فأفتاه أبو سعيد الاصطخرى أنهم ليسوا من أهل الكتاب. لانهم يقولون: إن الفلك حى ناطق، وإن الانجم السبعة آلهة، وهما الشمس والقمر والمشترى (جوبتير) وزحل والمريخ وزهرة وعطارد، فأفتى بضرب رقابهم فجمعهم القاهر ليقتلهم فبذلوا له مالا كثيرا فتركهم. وهؤلاء يتفقون مع قدماء اليونان في عبادة الزهرة والمريخ، وفينوس إله الجمال واكوس إله النبيذ وجوبتير، أما السامريون فيقال انهم أصحاب موسى السامري وقبيله. وهم يقطنون نابلس من أرض فلسطين كشف الله البلاء عنها وأزاح غمتها، وفرج الكروب الملمة، والنكبات المدلهمة التى حاقت بالقدس الشريف. وعلينا أن تنظر في أمر الفريقين فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصول دينهم فليسوا منهم، وإن كانوا يوافقونهم ولا أظن الصابئين يوافقونهم في أصول دينهم ويخالفونهم في الفروع فهم منهم، كما أن المسلمين ملة واحدة لاتفاقهم في أصول الدين، وإن اختلفوا في الفروع. وقال المقريزى: اعلم أن طائفة السمرة ليسوا من بنى اسرائيل البنة، وانما هم قوم قدموا من المشرق وسكنوا بلاد الشام وتهودوا، إلى أن قال: وعرفوا بين الامم بالسامرة لسكناهم بمدينة شمرون، وشمرون هذه هي مدينة نابلس. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: ولا أكره نساء أهل الحرب الا لئلا يفتن مسلما عن دينه، وجملة ذلك أن الحربية من أهل الكتاب يجوز نكاحها اعتبارا بالكتاب دون الدار. إذا ثبت هذا فإنه يكره للمسلمين نكاح الكتابية بكل حال، لانه لا يؤمن أن تفتنه عن دينه، أو تزعزع عقيدة أبنائه منها ولطالما رأينا ملحدين وخونة وعملاء يرجع سبب ذلك إلى تأثرهم بأمهاتهم غير المسلمات أو خلطائهم ممن يطوون على الاسلام كشحا، ولا يودون لامته عزا، فيزلزون المثل الرفيعه في ضمائر هؤلاء المتفرنجين، فينقلبون حربا على أمتهم وعلى عقائدها وشرائعها، وقد كثرت جرائم هذا الصنف من الزواج الغر الجهول حتى تفشت مضاره فسنت حكومة

مصر قانونا بحظر الزواج من هؤلاء الاجنبيات على ضباط القوات المسلحه، وعلى رجال السلك الدبلوماسي من السفراء والقناصل والمفوضين ومن إليهم حتى لا تتسرب أسرارنا إلى العدو، وهذا يدل على بعد نظر الامام الشافعي رضى الله عنه ودقة فهمه وقوة اجتهاده حين كره ذلك لجميع أفراد الامه ولم يفرق بين فئه وأخرى، لان كل مسلم على ثغرة من ثغور الاسلام. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يحل له نكاح الامة الكتابيه لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) ولانها ان كانت لكافر استرق ولده منها، وان كانت لمسلم لم يؤمن أن يبيعها من كافر فيسترق ولده منها. وأما الامة المسلمة فإنه ان كان الزوج حرا نظرت فإن لم يخش العنت وهو الزنا لم يحل له نكاحها لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله عز وجل (ذلك لمن خشى العنت منكم) فدل على انها لا تحل لمن لم يخش العنت، وان خشى العنت ولم تكن عنده حرة ولا يجد طولا، وهو ما يتزوج به حرة، ولا ما يشترى به أمة جاز له نكاحها للآية، وان وجد ما يتزوج به حرة مسلمة لم يحل له نكاح الامة لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم) فدل على أنه إذا استطاع ما ينكح به محصنة مؤمنه أنه لا بنكح الامة، وان وجد ما يتزوج به حرة كتابيه أو يشترى به أمة ففيه وجهان. (أحدهما) يجوز، لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم) وهذا غير مستطيع أن ينكح المحصنات المؤمنات (والثانى) لا يجوز، وهو الصحيح، لقوله تعالى (ذلك لمن خشى العنت منكم) وهذا لا يخشى العنت. وان كانت عنده حرة لا يقدر على وطئها لصغر أو لرتق أو لضنى من مرض ففيه وجهان

(أحدهما) يحل له نكاح الامة، لانه يخشى العنت. (والثانى) لا يحل، لان تحته حرة فلا يحل له نكاح الامة، والصحيح هو الاول، فان لم تكن عنده حرة ولم يقدر على طول حرة وخشى العنت فتزوج أمة ثم تزوج حرة أو وجد طول حرة أو أمن العنت لم يبطل نكاح الامة. وقال المزني إذا وجد صداق حرة بطل نكاح الامة، لان شرط الاباحة قد زال، وهذا خطأ، لان زوال الشرط بعد العقد لا حكم له كما لو أمن العنت بعد العقد، وإن كان الزوج عبدا حل له نكاح الامة، وإن وجد صداق حرة ولم يخف العنت لانها مساوية له فلم يقف نكاحها على خوف العنت وعدم صداق الحرة كالحرة في حق الحر (فصل) ويحرم على العبد نكاح مولاته، لان أحكام الملك والنكاح تتناقض فإن المرأة بحكم الملك تطالبه بالسفر إلى المشرق، والعبد بحكم النكاح يطالبها بالسفر إلى المغرب، والمرأة بحكم النكاح تطالبه بالنفقة، والعبد بحكم الملك يطالبها بالنفقة، وإن تزوج العبد حرة ثم اشترته انفسخ النكاح، لان ملك اليمين أقوى لانه يملك به الرقبة والمنفعة، فأسقط النكاح، ويحرم على المولى أن يتزوج أمته لان النكاح يوجب للمرأة حقوقا يمنع منها ملك اليمين فبطل، وإن تزوج جارية ثم ملكها انفسخ النكاح لما ذكرناه في العبد إذا تزوج حرة ثم اشترته. (فصل) ويحرم على الاب نكاح جارية ابنه لان له فيها شبهة تسقط الحد بوطئها فلم يحل له نكاحها كالجارية المشتركة بينه وبين غيره، فإن تزوج جارية أجنبي ثم ملكها ابنه ففيه وجهان (أحدهما) انه يبطل النكاح لان ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد فكان كملكه في إبطال النكاح (والثانى) لا يبطل لانه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل النكاح. (الشرح) لا يجوز للحر المسلم نكاح الامة المشركه سواء كانت وثنية أو كتابية وقال أبو حنيفة يجوز له نكاح الامة الكتابية، دليلنا قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، الآية، فدل على أنه لا يجوز نكاح الفتيات غير المؤمنات، ويجوز للحر المسلم أن ينكح الامة المسلمة بشرطين.

(أحدهما) أن يكون عادما للطول وهو مهر حرة المحصنه. والمحصنات هنا هن الحرائر ولو كن أبكارا، والمحصنات أيضا المزوجات والمحصنات العفائف، أحصنت المرأة عفت عن الزنا، وكل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة، وكل امرأة مزوجة محصنة بالفتح فقط، والحصان بفتح الحاء المرأة العفيفة، ولعل اللفظ مأخوذ في الاصل من الحصن وهو المكان الذى لا يقدر عليه لارتفاعه، وحصن بالضم حصانة فهو حصين، والحصان بالكسر الفرس العتيق، ولعله سمى بذلك لان ظهره كالحصن لصاحبه. وقيل إنه ضن بمائه فلم ينز إلا على كريمة. ومن هذه المادة كان إذا أصاب الحر البالغ امرأته أو أصيبت الحرة البالغة بنكاح فهو إحصان في الاسلام والشرك، والمراد في نكاح صحيح، واسم الفاعل من أحصن إذا تزوج محصن بالفتح على غير قياس والمرأة محصنة أيضا على غير قياس، ولذا قال تعالى (المحصنات) . (والثانى) أن يكون خائفا من العنت، والعنت الخطأ وأيضا المشقة، يقال أكمة عنوت أي شاقة. قال تعالى (عزيز عليه ما عنتم) وقال (ودوا ما عنتم) ومعناه هنا الفجور أو الوقوع في المشقة المفضية إلى الزنا، فإن خاف العنت أو لم يستطع الطول جاز له أن ينكح الامة المسلمة، وبه قال ابن عباس وجابر رضى الله عنهم. ومن التابعين الحسن وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والزهرى، ومن الفقهاء مالك والاوزاعي. وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن تحته حرة حل له نكاح الامة وإن لم يخف العنت سواء كان قادرا على صداق حرة أو غير قادر، وقال الثوري وأبو يوسف: إذا خاف العنت حل له نكاح الامة، وان لم يعدم الطول. وقال عثمان البتى: يجوز له أن يتزوج الامه بكل حال كالحرة. دليلنا قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله (ذلك لمن خشى العنت منكم) فلم يجز نكاحها إلا مع وجود الشرطين، فإن وجد مهر حرة مسلمه لم يجز له نكاح الامة للآيه. وإن كان مجنونا لم يحل له نكاح الامه لانه لا يخاف الزنا، وان كان

عادما لطول حرة مسلمه وخائفا للعنت فأقرضه رجل مهر حرة أو رضيت الحرة بتأخير الصداق عليه حل له نكاح الامه، لان عليه ضررا بتعلق الدين بذمته، وإن بذل له رجل هبة الصداق حل له نكاح الامه لان عليه منه في ذلك، وإن وجد طول حرة مسلمه إلا أنه لا يتزوج لقصور نسبه أو لم يزوجه أهل البلد إلا بأكثر من مهر المثل فله أن يتزوج أمة لانه غير قادر على حرة مسلمه، ووجود الشئ بأكثر من ثمن مثله بمنزلة عدمه، وان رضيت الحرة بدون مهر المثل وهو واجد له فهل له أن يتزوج أمة؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي، وان كان تحته حرة صغيرة لا يقدر على وطئها، أو تحته كبيرة مريضه أو غائبه لا يصل فهل له أن يتزوج أمة؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز له نكاح الامه، لان الله تعالى شرط في نكاحها أن لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات والشرط موجود (والثانى) لا يجوز له وهو الاصح لانه لا يخاف العنت. (مسألة) لا يصح نكاح العبد لمولاته لتناقض أحكام الملك والنكاح في النفقه والسفر، لان العبد مستحق النفقه عليها وهى مستحقة النفقة عليه، وللمرأة أن تسافر بعبدها إلى أي بلد تشاء، وللزوج أن يسافر بزوجته إلى أي بلد يشاء، فلو صححنا نكاحه لمولاته لتناقضت الاحكام في ذلك، فإن تزوج حرة ثم ملكته انفسخ نكاحها منه لان حكم ملك اليمين أقوى من النكاح. ولا يصح للرجل أن ينكح جارية ولده لصلبه، ولا ولد ولده وان سفل لان له شبهه في ماله بدليل أنه يجب عليه إعفافه فصارت كجارية نفسه، وفى أحكام هذه الفصول فروع كثيرة اجتزأنا بأحراها بنظرة الاسلام إلى ظاهرة الرق لندعم بها ما قررنا في أول أبواب العتق. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ولا يجوز نكاح المعتدة من غيره لقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولان العدة وجبت لحفظ النسب، فلو جوزنا فيها النكاح اختلط النسب وبطل المقصود، ويكره نكاح المرتابة بالحمل بعد انقضاء العدة، لانه لا يؤمن ان تكون حاملا من غيره، فإن تزوجها ففيه وجهان.

(أحدهما) وهو قول أبى العباس أن النكاح باطل لانها مرتابة بالحمل فلم يصح نكاحها، كما لو حدثت الريبة قبل النقضاء العدة. (والثانى) وهو قول أبى سعيد وأبى إسحاق أنه يصح، وهو الصحيح، لانها ريبه حدثت بعد انقضاء العدة فلم تمنع صحة العقد كما لو حدثت بعد النكاح، ويجوز نكاح الحامل من الزنا لان حملها لا يلحق بأحد فكان وجوده كعدمه. (الشرح) الاحكام: لا يصح نكاح المعتدة من غيره لقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فالعزم على الشئ وعزمه عزما من باب ضرب عقد ضميره على فعله، والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح في العدة، لان العزم عليه بعدها لا بأس به، ثم حذف على. قال سيبويه: والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه. قال النحاس: يجوز أن يكون المعنى ولا يعقدوا عقدة النكاح، لان معنى تعزموا وتعقدوا واحد قيل إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهى مبالغة، لانه إذا نهى عن المتقدم على الشئ كان النهى عن ذلك الشئ بالاولى وحتى هنا غاية للنهى، وبلوغ الكتاب أجله كناية عن انقضاء العدة، والكتاب هنا هو الحد والقدر الذى رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا. كقوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) والمراد بالاجل آخر مدة العدة، وإن ارتابت بالحمل بأن أمارات الحمل وشكت هل هو حمل أو لا؟ فإن حدثت لها هذه الريبة قبل انقضاء العدة: ثم انقضت عدتها بالاقراء أو بالشهور والريبة باقية لم يصح نكاحها لانها تشك في خروجها من العدة والاصل بقاؤها. وإن انقضت عدتها من غير ريبة فتزوجت ثم حدثت لها ريبة بالحمل لم تؤثر هذه الريبة، لان النكاح قد صح في الظاهر. وإن انقضت عدتها بالشهور أو بالاقراء ثم حدثت لها ريبة بالحمل فيكره نكاحها، فإن تزوجها رجل فهل يصح، فيه وجهان (أحدهما) لا يصح لانها مرتابه بالحمل فلم يصح نكاحها، كما لو حدثت بها ريبه قبل انقضاء العدة ثم انقضت عدتها وهى مرتابه بالحمل فلم يصح نكاحها

كذلك هذا مثله (والثانى) يصح نكاحها وهو المذهب لانها ريبة حدثت بعد انقضاء عدتها فلم تؤثر كما لو نكحت بعد انقضاء العدة ثم حدثت الريبه. (فرع) إذا زنت المرأة لم يجب عليها العدة، سواء كانت حائلا أو حاملا، فإن كانت حائلا جاز للزاني ولغيره عقد النكاح عليها وإن حملت من الزنا فيكره. نكاحها قبل وضع الحمل، وهو أحد الروايتين عن أبى حنيفه رضى الله عنه وذهب ربيعه ومالك والثوري وأحمد وإسحاق رضى الله عنهم إلى أن الزانيه يلزمها العدة كالموطوءة بشبهه، فإن كانت حائلا اعتدت ثلاثه أقراء، وإن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل، ولا يصح نكاحها قبل وضع الحمل. قال مالك رضى الله عنه: إذا تزوج امرأة ولم يعلم أنها زانيه ثم علم أنها حامل من زنا فإنه يفارقها، فإن كان قد وطئها لزمه مهر المثل. وقال ربيعه: يفارقها ولا مهر عليه. وذهب ابن سيرين وأبو يوسف رضى الله عنهما إلى أنها ان كانت حائلا فلا عدة عليها، وإن كانت حاملا لم يصح عقد النكاح عليها حتى تضع وهى الرواية الاخرى عن أبى حنيفه. دليلنا قَوْله تَعَالَى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحرم الحرام الحلال) والعقد على الزانيه كان حلالا قبل الزنا وقبل الحمل فلا يحرمه الزنا. وروى أن رجلا كان له ابن تزوج امرأة لها ابنة ففجر الغلام بالصبيه، فسألهما عمر رضى الله عنه فأقرا فجلدهما وحرص أن يجمع بينهما بالنكاح فأبى الغلام ولم ير عمر رضى الله عنه انقضاء العدة، ولم ينكر عليه أحد، فدل على أنه اجماع ولانه وطئ لا يلحق به النسب، أو حمل لا يلحق بأحد فلم يمنع صحة النكاح كما لو لم يوجد. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويحرم على الحر أن يتزوج بأكثر من أربع نسوة، لقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وروى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

رضى الله عنهما (أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذ منهن أربعا) ويحرم على العبد أن يجمع بين أكثر من امرأتين. وقال أبو ثور: يحل له أن يجمع بين أربع، وهذا خطأ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خطب وقال (من يعلم ماذا يحل للمملوك من النساء، فقال رجل أنا، فقال كم؟ قال اثنتان، فسكت عمر) وروى ذلك عن على وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما. (الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد وابن ماجه والترمذي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، وأخرجه الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور. وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه. وزاد أحمد في رواية: فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إنى لاظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث إلا قليلا، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لاورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبى رغال. قال البزار: جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن. وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: هذا الحديث غير محفوظ. قال البخاري: وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لارجمنك. وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح. وحكى الحاكم عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة. قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة وقد اخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ بن حجر: ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فحديثه الذى حدث به في غير بلده مضطرب، لانه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة. وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها، اتفق على ذلك أهل العلم كابن المدينى والبخاري

وابن أبى حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم، وحكى الاثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه، وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة، وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا، ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك، وقد وافق معمر على وصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف جدا، وأما الزيادة التى رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني، قال الحافظ ابن حجر وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذى حكم البخاري بصحته وقد توبع الحديث بما رواه أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحرث قال (أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فقال: اختر منهن أربعا) وفى رواية الحرث بن قيس، وفى إسناده مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وقد ضعفه غير واحد من الائمة، وقد توبع أيضا بما روى عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقى، وقد استدل جمهور أهل العلم بهذه الاخبار على تحريم الزيادة على أربع. وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا، ووجههم قوله تعالى (مثنى وثلاث ورباع) ومجموع ذلك لا باعتبار ما فيه من العدل تسع. وقد أخطأ الشوكاني في عزو ذلك إلى ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة، والصحيح أن ابن الصباغ والعمراني ردا على القائلين بهذا كالقاسم بن ابراهيم وبعض الشيعة وبعض الظاهرية، وحاشا لبعض أصحابنا من الفحول ان يذهبا إلى حل أكثر من أربع، ونحن نعتمد في شرح هذا السفر على أقوال ابن الصباغ والعمراني وغيرهما من أصحابنا، ولم نجد لاحد منهم الذهاب إلى هذا المذهب. وأما خبر عمر فقد أخرج الدارقطني بسنده إلى عمر رضى الله عنه قال (ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة حيضتين) وقد روى البيهقى وابن أبى شيبة من طريق الحكم بن عتيبة أنه أجمع الصحابة على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين. وقال الشافعي بعد أن روى ذلك عن على وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه

لا يعرف لهم من الصحابة مخالف. وأخرجه ابن أبى شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبى والحسن وغيرهم. ويؤخذ من هذا الفصل الرد على القائلين بإباحة التزويج بأكثر من أربع لان الاحاديث التى سقناها تنتهض إلى درجة الحسن الذى ينتهض حجة للعمل به، ويجاب على استدلالهم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا مخصوص به، ويجاب عن الآية بأنه من المستساغ لغة أن تقول عن الف جاءوك: جاءني هؤلاء مثنى مثنى أو ثلاث، أو رباع إذا كان مجيئهم اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثه أو أربعة أربعة، ويؤيد ذلك كون الاصل في الفروج الحرمة، كما صرح به الخطابى، فلا يجوز الاقدام على شئ منه إلا بدليل. وايضا هذا الخلاف مسبوق بالاجماع على عدم جواز الزيادة على الاربع كما صرح بذلك في البحر. وقال في الفتح: اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز نكاح الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته من رجل على أن يزوجه ذلك ابنته أو أخته، ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته من الرجل على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق) ولانه اشرك في البضع بينه وبين غيره فبطل العقد، كما لو زوج ابنته من رجلين. فأما إذا قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك صح النكاحان، لانه لم يحصل التشريك في البضع، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل الصداق أن يزوجه ابنته فبطل الصداق وصح النكاح. وإن قال زوجتك ابنتى بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة صح النكاحان ووجب مهر المثل، لان الفساد في الصداق وهو شرطه مع المائة تزويج ابنته، فأشبه المسألة قبلها. وإن قال زوجتك ابنتى

بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى ففيه وجهان (أحدهما) يصح لان الشغار هو الخالى من الصداق، وههنا لم يخل من الصداق (والثانى) لا يصح وهو المذهب، لان المبطل هو التشريك في البضع، وقد اشترك في البضع. (الشرح) حديث ابن عمر رواه عنه نافع وأخرجه الشيخان وأصحاب السنن الاربعة وأحمد في مسنده والدارقطني، ولم يذكر الترمذي ما ورد من تفسير الشغار. وأبو داود جعله من كلام نافع، وهو كذلك في رواية عند أحمد والشيخين وروى عن ابن عمر أيضا عند مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا شغار في الاسلام) وعند أحمد ومسلم أيضا عن أبى هريرة (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشغار، والشغار ان يقول الرجل للرجل زوجنى ابنتك وأزوجك ابنتى أو زوجنى أختك وأزوجك أختى) وأخرج أحمد وأبو داود عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج (أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته. وقد كانا جعلاه صداقا، فكتب معاوية بن ابى سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه) وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام، ومن انتهب فليس منا) وروى مثل ذلك عن جابر عند مسلم. وأخرج البيهقى عن جابر أيضا (نهى عن الشعار، والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه) وأخرج عبد الرزاق عن أنس مرفوعا (لا شغار في الاسلام، والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته) وأخرج أبو الشيخ من حديث ريحانه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن المشاغرة أن يقول: زوج هذا من هذه، وهذه من هذا بلا مهر) وأخرج الطبراني عن أبى بن كعب مرفوعا (لا شغار، قالوا يا رسول الله وما الشغار. قال إنكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما)

وقال الشافعي في حديث ابن عمر (لا أدرى التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك. هكذا حكى عن الشافعي البيهقى في المعرفة. قال الخطيب: تفسير الشغار لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما هو من قول مالك. وهكذا قال غير الخطيب، قال القرطبى: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان مرفوعا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لانه أعلم بالمقال وأقعد بالحال. أما لغات الفصل فالشغار مادته من شغر البلد من باب قعد إذا خلا عن حافظ يمنعه، وشغر الكلب شغرا من باب نفع رفع إحدى رجليه ليبول، وشغرت رفعت رجلها للنكاح، وشغرتها فعلت بها ذلك يتعدى ويلزم وقد يتعدى بالهمز فيقال أشغرتها. وقال في المصباح: وشاغر الرجل الرجل شغارا من باب قتل زوج كل واحد صاحبه حريمته على أن بضع كل واحدة صداق الاخرى ولا مهر سوى ذلك وكان سائغا في الجاهلية. قيل مأخوذ من شغر البلد، وقيل مأخوذ من شغر برجله إذا رفعها، والشغار وزان سلام: الفارغ اه. قال ابن بطال: قال في الفائق: هو من قولهم شغرت بنى فلان من الباب إذا أخرجتهم قال: ونحن شغرنا ابني نزار كليهما * وكلبا بطعن مرهب متقاتل ومنه قولهم: تفرقوا شغر بغر، لانهما إذا تبدلا بأختيهما فقد أخرج كل واحد منهما أخته إلى صاحبه وفارق بها إليه. وقيل سمى شغارا لخلوه عن المهر من قولهم: شغر البلد إذا خلا عن أهله. وقال في الشامل: وقيل سمى شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول. الاحكام: قال العمرانى في البيان: ولا يصح الشغار، وهو أن يقول رجل لآخر: زوجتك ابنتى أو أختى أو امرأة يلى عليها، على أن تزوجني ابنتك أو أمك فيكون بضع كل واحدة منهما صداقا للاخرى، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وقال الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يصح: ويجب مهر المثل اه دليلنا ما سقناه من الاحاديث والاخبار المستفيضة، ولانه حصل في البضع تشريك فلم يصح العقد مع ذلك، كما لو زوج ابنته من رجلين. وبيان التشريك

أنه جعل البضع ملكا للزوج وابنته، لانه إذا قال زوجتك ابنتى فقد ملك الزوج بضعها، فإذا قال: على أن تزوجني ابنتك، فيكون بضع كل واحدة منهما مهرا للاخرى فقد شرك ابنة الزوج في ملك بضع هذه الزوجة، لان الشئ إذا جعل صداقا اقتضى تمليكه لمن جعل صداقا لها، فصار التشريك حاصلا في البضعين فلم يصح. إذا ثبت هذا فإنه إن قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك واقتصر على هذا فالنكاح صحيح لانه لم يحصل في البضع تشريك، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل مهر ابنته أن يزوجه الآخر ابنته ففسد المهر المسمى ووجب مهر المثل. هذا نقل البغداديين من أصحابنا. وقال المسعودي: هل يصح النكاح؟ فيه وجهان (أحدهما) يصح لما ذكرناه (والثانى) لا يصح لانهما لم يسميا صداقا صحيحا، ولكن جعل عقد نكاح كل واحدة منهما صداقا للاخرى، لانه أخرج ذلك مخرج الصداق، والاول هو المشهور. وان قال: زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون مهر كل واحدة منهما كذا وكذا، فيصح النكاحان ويبطل المهران المسميان، ويجب لهما مهر المثل سواء اتفق المهران أو اختلفا، لانه لم يحصل في البضعين تشريك، وانما حصلل الفساد في المهر لانه شرط مع المهر تزويج ابنته فهو كما لو قال: زوجتك ابنتى بمائة على أن تبيعني دارك، فإن النكاح صحيح والمهر باطل. وان قال زوجتك ابنتى على أن تطلق زوجتك ويكون ذلك صداقا لابنتي صح النكاح ولا يلزمه أن يطلق زوجته ويجب للزوجة مهر المثل، لانه لم يسم لها صداقا صحيحا وان قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع ابنتك صداقا لابنتي صح النكاح الاول ولم يصح النكاح الثاني، لانه ملكه بضع ابنته في الابتداء من غير تشريك وشرط عليه شرطا فاسدا وهو التزويج فلم يؤثر في عقد الاولى. والثانية هي التى حصل التشريك في بضعها. وان قال زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع ابنتى مهرا لابنتك فالعقد على إبنة المخاطب باطل، لان التشريك حصل في بضعها، والعقد على إبنة القائل صحيح لانه لم يحصل في بضعها تشريك

وإن قال: زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع كل واحدة مائة درهم صداقا للاخرى ففيه وجهان (أحدهما) أن النكاحين صحيحان، ويجب لها مهر المثل، لان الشغار هو الخالى عن المهر، وههنا يخل عن المهر (والثانى) وهو الصحيح، أن النكاحين باطلان، لان التشريك في البضع موجود مع تسمية المهر والمفسد هو التشريك. وإن قال زوجتك ابنتى وهذا الحائط فهل يصح النكاح؟ فيه وجهان حكاهما صاحب العدة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز نكاح المتعة وهو أن يقول: زوجتك ابنتى يوما أو شهرا لما روى محمد بن على رضى الله عنهما (أنه سمع أباه على بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد لقى ابن عباس وبلغه أنه يرخص في متعة النساء، فقال له على كرم الله وجهه: إنك امرؤ تائه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الانسية) ولانه عقد يجوز مطلقا فلم يصح مؤقتا كالبيع ولانه نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والارث وعدة الوفاة فكان باطلا كسائر الانكحة الباطلة. (فصل) ولا يجوز نكاح المحلل وهو أن ينكحها على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما وأن يتزوجها على أن يحللها للزوج الاول لما روى هزيل عن عبد الله قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الواصلة والموصولة. والواشمة والموشومة والمحلل والمحلل له، وآكل الربا ومطعمه) ولانه نكاح شرط انقطاعه دون غايته، فشابه نكاح المتعة. وإن تزوجها على أنه إذا وطئها طلقها ففيه قولان (أحدهما) أنه باطل لما ذكرناه من العلة (والثانى) أنه يصح لان النكاح مطلق، وإنما شرط قطعه بالطلاق فبطل الشرط وصح العقد، فإن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها كره ذلك، لما روى أبو مرزوق التجينى (أن رجلا أتى عثمان رضى الله عنه فقال: إن جارى طلق امرأته في غضبه ولقى شدة فأردت أن أحتسب نفسي ومالى فأتزوجها ثم أبنى

بها ثم أطلقها فترجع إلى زوجها الاول، فقال له عثمان رضى الله عنه: لا تنكحها إلا بنكاح رغبة) فإن تزوج على هذه النية صح النكاح لان العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد، ولهذا لو اشترى عبدا بشرط أن لا يبيعه بطل، ولو اشتراه بنية أن لا يبيعه لم يبطل. (فصل) وإن تزوج بشرط الخيار بطل العقد لانه عقد يبطله التوقيت فبطل بالخيار الباطل كالبيع، وان شرط أن لا يتسرى عليها أو لا ينقلها من بلدها بطل الشرط لانه يخالف مقتضى العقد ولا يبطل العقد لانه لا يمنع مقصود العقد وهو الاستمتاع، فإن شرط أن لا يطأها ليلا بطل الشرط لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حلالا) فإن كان الشرط من جهة المرأة بطل العقد، وان كان من جهة الزوج لم يبطل، لان الزوج يملك الوطئ ليلا ونهارا وله أن يترك، فإذا شرط أن لا يطأها فقد شرط ترك ماله تركه والمرأة يستحق عليها الوطئ ليلا ونهارا، فإذا شرطت أن لا يطأها فقد شرطت منع الزوج من حقه، وذلك ينافى مقصود العقد فبطل. (الشرح) حديث على كرم الله وجهه رواه عنه ولده محمد بن الحنفية وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر) وفى رواية (ونهى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الحمر الانسيه) وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم عَنْ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ معنا نساء، فقلنا ألا نختصى؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) الآيه. وعن أبى جمرة سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولى له: انما ذلك في الحال الشديد وفى النساء قلة، فقال نعم) وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: انما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفه، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم

فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام) رواه الترمذي. وفى إسناده موسى بن عبيد الربذى، وهو ضعيف، وقد روى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم ابن خلف القاضى المعروف بوكيع في كتابه الغرر بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في المتعة، فقد أكثر فيها حتى قال فيها الشاعر. قال: وما قال: قال: قال: قلت للشيخ لما طال محبسه * يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس وهل ترى رخصة الاطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس قال: وقد قال فيه الشاعر، قلت نعم، قال فكرهما أو نهى عنها. ورواه الخطابى عن سعيد قال: قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيها الشعراء، وذكر البيتين فقال سبحان الله، والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا لمضطر وروى الرجوع أيضا البيهقى وأبو عوانة في صحيحه. وقال ابن حجر بعد أن ذكر رجوع ابن عباس. وذكر حديث سهل بن سعد عند الترمذي بلفظ (إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لغربة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك) أما حديث هذيل عن عبد الله فقد أخرجه النسائي، أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن أبى قبس عن هزيل عن عبد الله بلفظ المصنف، وعبد الله هو ابن مسعود وفى إسناده أبو قيس وهو عبد الرحمن ثروان الاودى روى عن هذيل بن شرحبيل وغيره. قال عبد الله بن أحمد سألت أبى عنه فقال هو كذا وكذا وحرك يده وهو يخالف في أحاديث قال الحافظ الذهبي: خرج له البخاري حديثه عن هذيل قال: أخبر بن مسعود بقول أبى موسى في ميراث ابنة وابنة ابن وأخت. وصحح الترمذي حديثه عن هذيل عن عبد الله في لعن المحلل. وخرج له البخاري بالاسناد: إن أهل الجاهلية كانوا يسيبون. الحديث. وأخرجه الترمذي بلفظ (لعن الله المحلل والمحلل له) ولم يذكر بقية الحديث من الواصلة إلى غير ما ذكرنا. وقال الترمذي بعد ذكر الحديث: هذا حديث حسن صحيح وأبو قيس الاودى

اسمه عبد الرحمن بن ثروان، وقد روى هذا الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحاق. قال وسمعت الجارود بن معاذ يذكر عن وكيع أنه قال بهذا. وقال ينبغى أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأى. قال جارود: قال وكيع: وقال سفيان: إذا تزوج الرجل المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد. اه وقد أخرج الحديث أحمد في مسنده وأخرجه ابن ماجه والدارقطني كلها من طريق ابن مسعود، وقد صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق. وروى عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ألا أخبركم بالتيس المستعار. قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له) أخرجه ابن ماجه والحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالارسال. وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره. وقال أبو حاتم: ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره انكارا شديدا، وسياق اسناده في سنن ابن ماجه هكذا، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصرى حدثنا أبى سمعت الليث بن سعد يقول. قال لى مشرح بن عاهان قال عقبه بن عامر فذكره، ويحيى بن عثمان ضعيف وشرح قد وثقه ابن معين. وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس مثله، وفى اسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف. وعن أبى هريرة عند أحمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن أبى حاتم في العلل والترمذي في العلل، وحسنه البخاري، والاحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل، لان اللعن انما يكون على ذنب عظيم. قال الحافظ بن حجر استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها وبانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك، ولا شك أن اطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها، لكن روى الحاكم

والطبراني في الاوسط عن عمر أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لاخيه، هل تحل للاول. قال لا إلا بنكاح رغبة. كنا نعد هذا سفاحا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وقال ابن حزم: ليس الحديث على عمومه في كل محلل إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج، فصح أنه أراد به بعض المحللين، وهو من أحل حراما لغيره بلا حجة، فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك، لانهم لم يختلفوا في أن للزوج إذا لم ينو تحليلها للاول ونوت هي أنه لا يدخل في اللعن فدل على أن المعتبر الشرط اه أما اللغات فقوله: المتعة ومادته من المتاع وهو كل ما ينتفع به، وأصل المتاع ما يتبلغ به من الزاد، وهو اسم من متعته إذا أعطيته ذلك، ومتعة المطلقة ستأتي ومتعة الحج مضت ونكاح المتعة هو النكاح المؤقت في العقد. قال في العياب كان الرجل يشارط المرأة شرطا على شئ إلى أجل معلوم ويعطيها ذلك فيستحل بذلك فرجها ثم يخلى سبيلها من غير تزويج ولا طلاق، وقيل في قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) المراد نكاح المتعة، والآية محكمة والجمهور على تحريم نكاح المتعة. وقالوا معنى قوله (فما استمتعتم) فما نكحتم على الشريطة التى في قوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) أي عاقدين النكاح، واستمتعت بكذا وتمتعت به انتفعت. وقوله (الحمر الانسية) كل حيوان إنسى ما كان أيسر، والوحشي من كل دابة الجانب الايمن. قال الشاعر. فمالت على شق وحشيها * وقد ريع جانبها الايسر قال الازهرى، قال أئمة اللغة، الوحشى من جميع الحيوان غير الانسان الجانب الايمن، وهو الذى لا يركب منه الراكب ولا يحلب منه الحالب، والانسى الجانب الايسر وقد مضى له مزيد. وقوله (انك امرؤ تائه) من التيه بكسر التاء المفازة، والتيهاء بالفتح والمد مثله. وهى التى لا علامة فيها يهتدى بها وتاه الانسان في المفازة يتيه تيها ضل عن الطريق، وتاه يتوه توها لغة، وقد تيهته وتوهته. ومنه يستعار لمن رام أمرا فلم يصادف الصواب، فيقال انه تائه.

وقوله (الواصلة) وصلت المرأة شعرها بشعر غيره وصلا فهى واصلة، (واستوصلت) سألت أن يفعل بها ذلك، واسم الفاعل هنا مقرونا باسم المفعول (الواصلة والموصولة) معناه التى تصل الشعر لغيرها، والموصولة اتى يفعل بها ذلك (والواشمة والموشومة) وشمت المرأة يدها من باب وعد غرزتها بإبرة ثم ذرت عليها النؤر، وهو النيلج وتسميه العامة بمصر النيلة، وهو دخان الشحم، حتى يخضر. أما الاحكام فلا يصح عندنا نكاح المتعة، وهو أن يتزوج لمدة معلومة أو مجهولة بأن يقول زوجنى ابنتك شهرا أو أيام الموسم، وبه قال جميع الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والفقهاء إلا ابن جريج فإنه قال يصح، وقد ورد ابن جريج خطأ في نيل الاوطار بابن جرير والصواب ما ذكرنا. وقال ابن المنذر جاء عن الاوائل الرخصة فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى يخالف كتاب الله وسنة رسوله. (قلت) ودليل المجيزين ما ثيت من اباحته صلى الله عليه وسلم لها في مواطن متعددة، منها في عمرة القضاء، كما أخرجه عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان عن سبرة، ومنها في خيبر كما في حديث ابن مسعود، ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة أيضا. ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث على. قال في الفتح ولعله تصحيف عن خيبر، وذكره الدارقطني بلفظ حنين، ووقع في حديث سلمة في عام أوطاس. قال السبيلى: وهو موافق لرواية من روى عام الفتح، فإنهما كانا في عام واحد، ومنها في تبوك رواه الحازمى والبيهقي عن جابر ولكنه لم يبحها لهم النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنيه مما يلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفنا برجالنا، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهن فأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ ولم نعد، ولا نعود فيها أبدا، فلهذا سميت ثنية الوداع، قال الذهبي وهذا اسناد ضعيف، لكن عند ابن حبان من حديث أبى هريرة ما يشهد له. قال ابن حجر. انه لا يصح من روايات الاذن بالمتعة شئ بغير علة الا في

غزوة الفتح لان الاذن في عمرة القضاء من مراسيل الحسن وكل مراسيله ضعيفة وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر، لان القضاء وخيبر كانا في سنة واحدة، كالفتح وأوطاس، ويبعد كل البعد أن يقع في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة (مسألة) وأما نكاح المحلل فإن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا فإنها لا تحل له إلا بعد زوج وإصابة، فإذا طلق امرأته وانقضت عدتها منه ثم تزوجت بآخر بعده ففيها ثلاث مسائل إحداهن أن يقول: زوجتك ابنتى إلى أن تطأها أو إلى أن تحللها للاول، فإذا أحللتها فلا نكاح بينكما، وهذا باطل بلا خلاف للاحاديث في لعن المحلل والمحلل له ووصفه بالتيس المستعار، ولان هذا أفسد من نكاح المتعة لانه يعقده إلى مدة مجهولة. الثانية أن يقول: زوجتك ابنتى على أنك ان وطئتها طلقتها. أو قال تزوجتك على أنى إذا أحللتك للاول طلقتك، وكان هذا الشرط بنفس العقد ففيه قولان. (أحدهما) أن النكاح باطل لقوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) ولم يفرق (والثانى) أن النكاح صحيح، والشرط باطل لان العقد وقع مطلقا من غير توقيت، وأنه شرط على نفسه الطلاق ولم يؤثر في النكاح، وانما بطل المهر، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها. (الثالثة) ان شرط عليه قبل النكاح أنه إذا أحللها للاول طلقها أو تزوجها أو نوى بنفسه ذلك فعقد النكاح عقدا مطلقا فيكره له ذلك، فإن عقد كان العقد صحيحا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال مالك والثوري والليث وأحمد والحسن والنخعي وقتادة رضى الله عنهم لا يصح. دليلنا ما روى الشافعي رضى الله عنه أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد، فجاءته امرأة فقالت: هل لك في امرأة تنكحها وتبيت معها ليلة فإذا أصبحت فارقتها؟ فقال نعم، قال فكان ذلك، فلما تزوجها قالت له المرأة انك إذا أصبحت فسيقولون لك طلقها فلا تفعل، فإنى لك كما ترى

واذهب إلى عمر رضى الله عنه، فلما أصبح أتوه وأتوها فقالت لهم: أنتم جئتم به فسألوه أن يطلقها فأبى، وذهب إلى عمر رضى الله عنه فأخبره، فقال له: الزم زوجتك، وإن رابوك بريب فأتني، وبعث إلى المرأة الواسطة فنكل بها. وكان يغدو بعد ذلك ويروح على عمر رضى الله عنه في حلة، فقال له عمر رضى الله عنه الحمد لله يا ذا الرقعتين الذى رزقك حلة تغدو بها وتروح ولم ينكر أحد على عمر، فدل على أنه إجماع. وقال أحمد: حديث ذى الرقعتين ليس له إسناد، يعنى أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر (قلت) ولعل ذا الرقعتين لم يقصد التحليل ولا نواه، وقد وافق ذلك ما انتوته زوجته. (فرع) عقد المصنف هذا الفصل وسيأتى في باب الخيار في النكاح والرد بالعيب مزيد، وجملة ما ههنا أنه ان تزوج امرأة بشرط الخيار بطل العقد لانه لا مدخل للخيار فيه فأبطله، فإن شرط في العقد أنه لا يطؤها ليلا بطل الشرط لقوله صلى الله عليه وسلم (والمؤمنون عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حرم حلالا) رواه أبو داود والحاكم عن أبى هريرة والحاكم عن أنس والطبراني عن عائشة ورافع بن خديج وقد مضى في البيوع، فإن كان هذا الشرط من قبل الزوج لم يبطل العقد، لان ذلك حق له، وإن كان الشرط من جهة المرأة بطل العقد لان ذلك حق عليها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ويجوز التعريض بخطبة المعتدة عن الوفاة والطلاق الثلاث لقوله تعالى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء) ولما روت فاطمة بنت قيس (أن أبا حفص بن عمرو طلقها ثلاثا، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقيني بنفسك فزوجها بأسامة رضى الله عنه) ويحرم التصريح بالخطبة، لانه لما أباح التعريض دل على أن التصريح محرم ولان التصريح لا يحتمل غير النكاح، فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح

فتخبر بانقضاء العدة والتعريض يحتمل غير النكاح فلا يدعوها إلى الاخبار بانقضاء العدة، وان خالعها زوجها فاعتدت لم يحرم على الزوج التصريح بخطبتها، لانه يجوز له نكاحها فهو معها كالأجنبي مع الاجنبية في غير العدة، ويحرم على غيره التصريح بخطبتها لانها محرمة عليه، وهل يحرم التعريض، فيه قولان (أحدهما) يحرم لان الزوج يملك أن يستبيحها في العدة، فلم يجز لغيره التعريض بخطبتها كالرجعية. (والثانى) لا يحرم لانها معتدة بائن، فلم يحرم التعريض بخطبتها كالمطلقة ثلاثا، والمتوفى عنها زوجها، والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة فيما يحل وفيما يحرم، لان الخطبة للعقد فلا يجوز أن يختلفا في تحليله وتحريمه، والتصريح أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك أو ما أشبهه، والتعريض أن يقول رب راغب فيك. وقال الازهرى أنت جميله وأنت مرغوب فيك، وقال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة، فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك، فقالت قد سبقك غيرك، ويكره التعريض بالجماع لقوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) وفسر الشافعي رحمه الله السر بالجماع، فسماه سرا لانه يفعل سرا، وأنشد فيه قول امرئ القيس. ألا زعمت بسباسة اليوم أننى * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى ولان ذكر الجماع دناءة وسخف (الشرح) حديث زواج فاطمة بنت قيس بأسامة مضى في الفصول الاولى من النكاح، وقد رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الخمسة وبيت امرؤ القيس من قصيدة مطلعها ألا عم صباحا أيها الطلل البالى * وهل يعمن من كان في العصر الخالى حتى قال: ألا زعمت بسباسة اليوم اننى * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالى كذبت لقد أصبى على المرء عرسه * وأمنع عرسي أن يزن به الخالى وفى بعض الروايات وأن لا يحسن اللهو أمثالى، وهى في الدواوين المطبوعة هكذا، إلا أن رواية الشافعي أضبط وهو الاديب الشاعر الذواقة القريب عهده

بامرئ القيس. وبسباسة اسم امرأة، وقد فضح امرؤ القيس نفسه بتسجيل اتهام بسباسة له بضعف الباه، وقد حدث أن طلق أم جندب لانها انحازت لعلقمة في مقارضة بينهما في وصف الصيد فاتهمها بأنها له وامض، وقد قالت له إنى أكرهك فقال ولم؟ قالت لانك ثقيل صدرك خفيف عجزك، سريع الاراقة بطئ الافاقة فلما طلقها تزوجت بعلقمة فدعى علقمة الفحل، لانه كان أقوى على جماعها منه، وكان امرؤ القيس ملكا على كندة ثم سلب ملكه وفر إلى الروم ومات قبل البعثة وإطلاق السر على الجماع كإطلاق الغيب على الفرج في قوله تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) أما أحكام الفصل فقد روى البخاري عن ابن عباس (فيما عرضتم به من خطبة النساء. يقول إنى أريد التزويج ولوددت أنه يسر لى امرأة صالحه) وعن سكينة بنت حنظله قالت (استأذن على محمد بن على (وهو مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ زِيَنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الحسين) ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي، فقال قد عرفت قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرابتي من على وموضعى من العرب، (قلت) غفر الله لك يا أبا جعفر، إنك رجل يؤخذ عنك، وتخطبني في عدتي؟ فقال إنما أخبرتك بقرابتي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن على. وقد دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أم سلمة وهى متأيمة من أبى سلمة، فقال لقد علمت أنى رسول الله وخيرته من خلقه وموضعى من قومي، كانت تلك خطبته) رواه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل وسكينه عمته، وهو منقطع في خبر أم سلمة، لان محمدا لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن التعريض إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لفاطمة بنت قيس لا تفوتينا بنفسك قال الزمخشري في الكشاف: التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شئ لم يذكره. واعترض على الزمخشري بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز، وأجيب بأنه لم يقصد التعريف، ثم حقق التعريض بأنه ذكر شئ مقصود بلفظ حقيقي أو مجازى أو كنائى ليدل به على شئ آخر لم يذكر في الكلام، مثل أن يذكر المجئ للتسليم، ومراده التقاضى. فالسلام مقصود والتقاضى عرض، أي أميل إليه الكلام عن عرض، أي جانب. وامتاز عن الكنايه فلم يشتمل على جميع

أقسامها، والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان، فمثل: جئت لاسلم عليك كناية وتعريض. ومثل طويل النجاد، كناية لا تعريض، ومثل آذيتنى فستعرف. خطابا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كنايه والتعريض كالتلويح والتلميح والتورية قال الشافعي رضى الله عنه في الاية (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء) الايه، قال وبلوغ الكتاب أجله والله أعلم انقضاء العدة قال: فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه وبين أسباب الامور وعقد الامور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما ان ليس لاحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الامر صحيحا ولا بالنية في الامر، ولا تفسد الامور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره. ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة، ولا أن بذكرها وينوى نكاحها بالخطبة لها والذكر لها والنية في نكاحها إلى أن قال قول الله تبارك وتعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) يعنى والله تعالى أعلم جماعا (إلا أن تقولوا قولا معروفا) قولا حسنا لا فحش فيه. إلى أن قال: والتعريض الذى أباح الله ما عدا التصريح من قول. وذلك أن يقول: رب متطلع اليك وراغب فيك وحريص عليك، وإنك لبحيث تحبين، وما عليك أيمة، وإنى عليك لحريص وفيك راغب، وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح، والتصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت، أو أنا أتزوجك إذا حللت، وما أشبه ذلك مما جاوز به التعريض، وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة، اه وقال المسعودي هل يجوز التعريض بخطبة البائن بالثلاث، فيه قولان. والمشهور هو الاول لحديث فاطمة بنت قيس، ويحرم التصريح بخطبتها لان الله تعالى لما أباح التعريض بالخطبة دل على أنه لا يجوز التصريح بها، ولان التعريض يحتمل النكاح وغيره، والتصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح أن تخبر بانقضاء عدتها قبل انقضائها. وأما البائن التى تحل لزوجها فهى التى طلقها زوجها طلقة أو طلقتين بعوض أو فسخ أحدهما النكاح بعيب فيجوز لزوجها التعريض بخطبتها والتصريح لانها تحل له بعقد النكاح. وأما غير زوجها فلا يحل له التصريح بخطبتها كالبائن بالثلاث. وهل يجوز التعريض بخطبتها، فيه قولان

(أحدهما) يجوز له التعريض بخطبتها لانها معتدة بائن عن زوجها، فهى كالبائن بالوفاة أو بالثلاث. (والثانى) لا يجوز له لانها تحل لزوجها في حال العدة فهى كالرجعية. قال الشافعي رضى الله عنه: وكل معتدة حل للزوج التعريض بخطبتها حل لها التعريض بإجابته، وكل من لا يحل له التعريض بخطبتها والتصريح لم يحل لها إجابته بتعريض ولا بتصريح، لانه لا يحل له ما يحرم عليها ولا يحل لها ما يحرم على فتساويا. إذا ثبت هذا فالتصريح ما لا يحتمل غير النكاح، مثل أن يقول: أنا أريد أن أتزوجك، أو إذا انقضت عدتك تزوجتك، والتعريض بكل كلام احتمل النكاح وغيره كأن يقول: إن الله ليسوق اليك خيرا أو رزقا كان ذلك تعريضا. هذا مذهبنا. وقال داود: لا تحل الخطبة سرا وإنما تحل علانية لقوله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) فهذا ليس بصحيح لان الله تعالى لم يرد بالسر ضد الجهر، وإنما أراد أن لا يعرض للمعتدة بالجماع ولا يصرح به مثل أن يقول: عندي جماع يصلح لمن جومعه، ولا يكره للرجل التعريض لزوجته بالجماع ولا التصريح به لانه لا يكره له جماعها فلان لا يكره له ذكره أولى، والاية وردت في المعتدات، فإن عرض بخطبة امرأة لا يحل له التعريض بخطبتها أو صرح بخطبتها ثم انقضت عدتها وتزوجها صح نكاحها. وقال مالك: يبينها بطلقة واحدة. دليلنا أن النكاح حادث بعد المعصية فلا تؤثر المعصية فيه، كما لو قال لا أتزوجها إلا بعد أن أراها متجردة، فتجردت له ثم نكحها. أو قالت لا أرضى نكاحه حتى يتجرد لى أو حتى يجامعنى، فتجرد لها أو جامعها ثم تزوجها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن خطب امرأة فصرح له بالاجابة حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن فيه الاول، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب الاول أو يأذن له فيخطب) وان لم يصرح له بالاجابة ولم يعرض له لم يحرم على غيره، لما روى

أن فاطمة بنت قيس قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ معاوية وأبا الجهم خطباني فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له فانكحى أسامة) وان عرض له بالاجابة ففيه قولان، قال في القديم تحرم خطبتها لحديث ابن عمر رضى الله عنه، ولان فيه إفسادا لما تقارب بينهما. وقال في الجديد لا تحرم لانه لم يصرح له بالاجابه فأشبه إذا سكت عنه، فإن خطب على خطبة أخيه في الموضع الذى لا يجوز فتزوجها صح النكاح، لان المحرم سبق العقد فلم يفسد به العقد. وبالله التوفيق. (الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد والبخاري والنسائي. وقد روى أحمد ومسلم عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يذر) وأخرج البخاري والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) وفى لفظ للبخاري من حديث ابن عمر (نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب) وفى لفظ لاحمد من حديث الحسن عن سمرة (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه) وقد استدل الجمهور على تحريم الخطبه على الخطبه بهذه الاحاديث الناهية وجزموا بالتحريم. وحكى النووي أن النهى فيه للتحريم بالاجماع. وقال الخطابى ان النهى ههنا للتاديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء، قال الحافظ ولا ملازمه بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور، بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد. ولكنهم اختلفوا في شروطه، فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالاجابه أو وليها الذى أذنت له. وأما ما احتج به من حديث فاطمة بنت قيس الذى مضى تخريجه في الكفاءة أن معاوية وأبا الجهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما، بل خطبها لاسامه فليس

فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الاول والنبى صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب، وعلى تقدير أن ذلك كان خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتهما عنها، وظاهر حديث فاطمة أن أسامة خطبها مع معاوية وأبى الجهم فهى عند أحمد ومسلم وأصحاب السنن الخمسة: أبى داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارقطني (قالت: وقال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حللت فآذنينى فأذنته فخطبها معاوية وأبوالجهم وأسامة بن زيد. الحديث) وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق. ولا دليل على ذلك. وقال داود: إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده. وللمالكية في ذلك قولان، فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده. قال في الفتح: وحجة الجمهور أن المنهى عنه الخطبة وهى ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة. قال في الام: وإن قالت امرأة لوليها زوجنى من شئت أو ممن ترى، حل لكل أحد خطبتها لحديث فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي أبو حفص بالشام ثلاثا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأمرني أن أعتد في بيت أم مكتوم وقال: إذا حللت فآذنينى، فلما انقضت عدتي أتيته فأخبرته وقلت له إن معاويه وأبا جهم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا معاوية فصعلوك لا مال له: وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، ولكن أدلك على من هو خير لك منهما، قلت ومن يا رسول الله؟ قال أسامة بن زيد، قلت أسامة. قال نعم أسامة. الخ الحديث. قال الشافعي رضى الله عنه، ولم تكن فاطمة رضى الله عنها أذنت في نكاحها من معاوية ولا من أبى الجهم، وإنما كانت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الرجلين إذا خطبا امرأة خطبها أحدهما بعد الاخر فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الآخير منهما ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لثالث بعدهما فدل على جوازه وإن خطب رجل امرأة إلى وليها وكان ممن يخيرها فعرض له بالاجابة، ولم يصرح مثل أن يقول أنا أستشير في ذلك، أو أنت مرغوب فيك، أو يشترط بشرائط العقد مثل تقديم المهر وغيره، فهل يحرم على غيره خطبتها، فيه قولان،

قال في القديم يحرم على غيره خطبتها، وبه قال مالك وأبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) ولم يفصل. ولان فيه إفسادا لما يقارب بينهما. وقال في الجديد لا يحرم على غيره خطبتها، وهو الصحيح، لان النبي صلى الله عليه وسلم خطب فاطمة بنت قيس لاسامه بعد أن أخبرته أن معاويه وأبا الجهم خطباها ولم يسألها هل ركنت إلى أحدهما أو رضيت به أم لا، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك، لان الظاهر من حالها أنها ما جاءت تستشيره إلا وقد رضيت بذلك وركنت إليه. قال الصيمري فإن خطب رجل خمس نسوة جملة واحدة فأذن في نكاحه لم يحل لاحد خطبة واحدة منهن حتى يترك أو يعقد على أربع، فيحل خطبة الخامسه، وان خطب كل واحده وحدها فأذنت كل واحدة في نكاحه لم يجز لغيره خطبة الاربع الاولات، ويحل خطبة الخامسه لغيره. إذا ثبت هذا، فإن خطب رجل امرأة في الحالة التى قلنا لا يحل له خطبتها فيه وتزوجها صح ذلك. وقال داود لا يصح، وحكاه ابن الصباغ عن مالك رضى الله عنه. دليلنا أن المحرم انما يفسد العقد إذا قارنه، فأما إذا تقدم عليه لم يفسده، كما لو قالت امرأة لا أتزوج فلانا حتى أراه مجردا فتجرد ثم تزوج بها. إذا تقرر هذا فذكر أصحابنا في حديث فاطمة بنت قيس رضى الله عنها فوائد (وقد مر نصه) وقد اختلفت الروايات فيه، فروى ان زوجها طلقها بالشام فجاءها وكيله بشعير فسخطت به، فقا لها (مالك علينا شئ) فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه فقال لها (لا نفقة لك الا أن تكوني حاملا) فإحدى فوائد الخبر انه دل على جواز الطلاق. (الثانيه) انه يدل على جواز الطلاق الثلاث (الثالثه) ان طلاق الغائب يقع (الرابعة) انه يجوز للمرأة ان تستفتى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عليها (الخامسه) أن كلامها ليس بعورة (السادسة) انه يجوز للمعتدة أن تخرج من منزلها لحاجة (السابعه) انه لا نفقة للمبتوته الحائل خلافا لابي حنيفه (الثامن) ان للحامل المبتوته النفقه (التاسعة) يدل على جواز نقل المعتدة

عن بيت زوجها، واختلف لاى معنى نقلها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن المسيب كانت بذيئة أو كانت تستطيل على أحمائها. وقالت عائشة أم المؤمنين عليها السلام: كان بيت زوجها وحشا فخيف عليها فيه، وأى الروايتين صح مع الخبر دليل على جواز النقل لاجله (العاشرة) يدل على جواز التعريض بالخطبة للمعتدة (الاحدى عشرة) أنه يجوز للرجل أن يعرض المعتدة بالخطبة لغيره لان النبي صلى الله عليه وسلم عرض لها في الخطبة لاسامة بن زيد رضى الله عنهما لا لنفسه (الاثنتا عشرة) انه يجوز للمرأة أن تستشير الرجال لانها جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم (الثالثة عشرة) يدل على جواز وصف الانسان بما فيه، وإن كان يكره ذلك للحاجة، لان النبي صلى الله عليه وسلم وصف معاويه رضى الله عنه وأبا جهم رضى الله عنه بما فيهما وإن كانا يكرها ذلك (الرابعة عشر) انه يجوز أن يعبر بالاغلب عن الشئ ويذكر العموم والمراد به الخصوص لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أما معاوية فصعلوك لا مال له، ومعلوم انه لا يخلو أن يملك شيئا من المال وإن قل كثيابه وما أشبهها وإنما أراد أنه لا يملك ما يتعارفه الناس مالا، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في أبى جهم لانه لا يضع عصاه عن عاتقه، وإن كان لا يخلو أن يضعها في بعض أوقاته، والصعلوك الفقير. قال الشاعر. غنينا زمانا بالتصعلك والغنى * وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يضع العصا عن عاتقه ففيه تأويلان. أحدهما إنه كثير الاسفار. قال الشاعر فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالاياب المسافر فعلى هذا يكون فيه دليل على جواز السفر بغير إذن زوجته (الثاني) أنه أراد أنه كان كثير الضرب لزوجته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: لا ترفع عصاك على أهلك، أي في التأديب في الكلام أو الضرب، فعلى هذا التأويل يدل على جواز ضرب الزوج لزوجته لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يخرجه مخرج النكير

باب الخيار في النكاح والرد بالعيب

وقال بعضهم: يدل على أنه كثير الجماع. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا ترفع عصاك عن أهلك. أراد به الكناية عن الجماع، فيكون في هذه الدلالة دلالة على جواز الكناية بالجماع، وهذا غلط في التأويل، لانه ليس من الكلام ما يدل على أنه أراد هذا. قال الصيمري: ولو قيل انه أراد بقوله صلى الله عليه وسلم هذا كثرة الجماع أي أنه كثير التزويج لكان أشبه (الثامنة عشرة) يدل على جواز خطبة الرجل، لان النبي صلى الله عليه وسلم خطبها لاسامة (التاسعة عشرة) أنه يجوز للرجل أن يخطب امرأة قد خطبها غيره إذا لم يتقدم اجابة للاول (العشرون) أنه يجوز للمستشار أن يشير على المستشير بما لم يسأله عنه لانها لم تستشر في أسامة رضى الله عنه (الاحدى والعشرون) انه لا يجب على المستشير المصير إلى ما أشار به المشير لان النبي صلى الله عليه لم يقل لها يجب عليك المصير إلى ما أشرت به، وانما أعاد ذلك عليها على سبيل المشورة. (الثالثة والعشرون) أن الخير لا يختص بالنسب، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أدلك على من هو خير منهما، ونسبهما خير من نسبه (الرابعة والعشرون) أن الكفاءة ليست بشرط في النكاح، لانها قرشية وأسامة مولى (الخامسه والعشرون) أنه يجوز أن يخطب المرأة إلى نفسها، وان كان لها ولى. والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الخيار في النكاح والرد بالعيب إذا وجد الرجل امرأته مجنونه أو مجذومه أو برصاء أو رتقاء وهى التى انسد فرجها أو قرناء وهى التى في فرجها لحم يمنع الجماع، ثبت له الخيار. وان وجدت المرأة زوجها مجنونا أو مجذوما أو ابرص أو مجبوبا أو عنينا، ثبت لها الخيار، لما روى زيد بن كعب بن عجرة قال (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فرأى بكشحها بياضا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البسى ثيابك والحقى بأهلك)

فثبت الرد بالبرص بالخبر. وثبت في سائر ما ذكرناه بالقياس على البرص، لانها في معناه في منع الاستمتاع. وإن وجد أحدهما الآخر وله فرج الرجال وفرج النساء ففيه قولان: (أحدهما) يثبت له الخيار، لان النفس تعاف عن مباشرته فهو كالابرص (والثانى) لا خيار له، لانه يمكنه الاستمتاع به. وإن وجدت المرأة زوجها خصيا ففيه قولان. (أحدهما) لها الخيار، لان النفس تعافه (والثانى) لا خيار لها لانها تقدر على الاستمتاع به، وإن وجد أحدهما بالآخر عيبا وبه مثله، بأن وجده أبرص وهو أبرص ففيه وجهان. (أحدهما) له الخيار، لان النفس تعاف من عيب غيرها وإن كان بها مثله (والثانى) لا خيار له لانهما متساويان في النقص فلم يثبت لهما الخيار، كما لو تزوج عبد بأمة. وإن حدث بعد العقد عيب يثبت به الخيار، فإن كان بالزوج، ثبت لها الخيار، لان ما ثبت به الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالمهر والنفقة. وإن كان بالزوجة ففيه قولان. (أحدهما) يثبت به الخيار، وهو قوله في الجديد، وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار في ابتداء العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعده كالعيب في الزوج (والثانى) وهو قوله في القديم أنه لا خيار له، لانه يملك أن يطلقها. (الشرح) خبر زيد بن كعب بن عجرة رواه أحمد هكذا: حدثنا القاسم المزني قال أخبرني جميل بن زيد قال: صحبت شيخا من الانصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب، فحدثني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج امرأة من غفار فلما دخل عليها وضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضا، فانحاز عن الفراش ثم قال: خذى عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا (وهذا يدور سنده على رجلين هما موضع نظر، أولهما جميل بن زيد وثانيهما زيد بن كعب أو كعب بن زيد، ونتكلم عن الثاني لشرف الصحبة فنقول:

رواية أحمد كما عرفت زيد بن كعب ولم تعرف من الصحابة سوى زيد بن كعب البهزى ثم السلمى صاحب الظبى الحاقف وكان صائده، وقد سقناه في اللقطة، ومن قبل ساقه النووي في الصيد، وليس هو الذى حدث جميلا، وإن كان كعب ابن زيد فليس عندنا مصدر يعرفنا به سوى جميل بن زيد. ولذلك جاء التعريف به في الاستيعاب هكذا: كعب بن زيد ويقال زيد بن كعب. روى قصة الغفارية التى وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البياض بكشحها. روى عنه جميل بن زيد وفى الخبر اضطراب. اه ويأتى الحاكم فيروى عن جميل هذا فيقول عن جميل بن زيد الطائى عن زيد ابن كعب بن عجرة عن أبيه، فيكون الصحابي هنا كعب بن عجرة الانصاري وهو من مشاهير الصحابة فلا يناسبه ما في رواية أحمد صحبت شيخا ذكر أنه كانت له صحبة يقال له الخ. ويأتى اسماعيل بن زكريا فيقول: حدثنا جميل بن زيد، حدثنا ابن عمر قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وخلى سبيلها. الحديث فهو تارة يرويه عن زيد بن كعب أو كعب بن زيد شيخ ذكر أن له صحبة، وتاوة يرويه عن زيد بن كعب بن عجرة الانصاري عن أبيه، وتارة يرويه عن ابن عمر مع أن ابن حبان يقول روى عن ابن عمر ولم ير ابن عمر. وقال ابن معين جميل بن زيد ليس بثقة. وقال البخاري لم يصح حديثه. وروى أبو بكر بن عياش عن جميل قال (هذه أحاديث ابن عمر، ما سمعت من ابن عمر شيئا، انما قالوا لى اكتب أحاديث بن عمر فقدمت المدينة فكتبتها. وقال أبو القاسم البغوي في معجمه الاضطراب في حديث الغفاريه منه، يعنى تارة عن ابن عمر وتارة عن هذا وتارة عن ذاك. قال وقدر روى أحاديث عن ابن عمر يقول فيها (سألت ابن عمر، مع أنه لم يسمع من ابن عمر شيئا) وقال أبو حاتم والبغوى (ضعيف الحديث) وقال النسائي (ليس بثقة) وقد قال العلامة السفاربنى في كتابه نفثات صدر المكمد وقوة عين الارمد لشرح ثلاثيات مسند الامام أحمد قال ابن حبان (جميل بن زيد دخل المدينة بعد موت ابن عمر رضى الله عنهما.

فجمع أحاديثه ثم رجع إلى البصرة فرواها، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك، وكذا قال الامام ابن القيم في الهدى: زيد بن كعب بن عجرة. اه والحاصل أن الحديث لم يثبت من طريق آخر فآفته في جميع الكتب جميل ابن زيد. ولذلك لا نستطيع أن نجزم بواقعة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من الغفارية. أما أحكام الرد بالعيب في النكاح فإنها ثبتت بالقواعد الكلية في العقود والمعاوضات وغير ذلك على ما سيأتي، ولكن ابن حجر بصحح رواية الشافعي من طريق مالك وابن أبى شيبة عن أبى إدريس عن يحيى قال: ورجاله ثقات أما اللغات فقوله (أبصر بكشحها) أي خصرها أو بطنها، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. وفى حديث سعد: إن أميركم هذا لاهضم الكشحين أي دقيق الخصرين. وقوله (بياضا) يحتمل أن يكون بهقا ويحتمل أن يكون برصا، وهو الاصح وإن كان كل منهما تكرهه النفس. قوله (امرأة من غفار) قيل اسمها الغالية، وقيل أسماء بنت النعمان، قاله الحاكم، يعنى الجونية. وقال الحافظ بن حجر. الحق أنها غيرها. أما الاحكام فإنه إذا وجد أحد الزوجين عيبا بالآخر ثبت له الخيار في فسخ النكاح، والعيوب التى يثبت لاجلها الخيار في النكاح خمسة، ثلاثة يشترك فيها الزوجان، وينفرد كل واحد منهما باثنين، فأما الثلاثة التى يشتركان فيها، فالجنون والجذام والبرص، وينفرد الرجل بالجب والعنة وتنفرد المرأة بالرتق والقرن، فالرتق أن يكون فرج المرأة مسدودا يمنع من دخول الذكر، والقرن قيل هو عظم يكون في فرج المرأة يمنع من الوطئ. والمحققون يقولون هو لحم ينبت في الفرج يمنع من دخول الذكر، مثل أن يتورم الرحم وتنشأ عليه أورام سرطانية تسد مدخل فرجها، وإنما يصيب المرأة ذلك في بعض حالات الولادة، هذه العيوب يثبت بها الخيار. هذا مذهبنا وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس رضى الله عنهما ومالك وأحمد وإسحاق. وقال على كرم الله وجهه وابن مسعود رضى الله عنه لا ينفسخ النكاح بالعيب

واليه صار النخعي والثوري وأبو حنيفة، إلا أنه قال إذا وجدت المرأة زوجها مجبوبا أو عنينا كان لها الخيار، فإن اختارت فرق بينهما الحاكم بتطليقها. دليلنا الخبر المذكور وما قاله عمر رضى الله عنه فيما روى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب عنه رضى الله عنه: أيما امرأة زوجت وبها جنون أو جذام أو برص فدخل بها، ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولى الصداق بما دلس كما غره. وكذا روى الشعبى عن على رضى الله عنه (أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك والا طلق. وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها. ولان المجنون منهما يخاف منه على الآخر وعلى الولد، والجب والعنة والرتق والقرن يتعذر معها مقصود الوطئ والجذام والبرص تعاف النفوس من مباشرته. قال الشافعي رضى الله عنه (ويخاف منهما العدوى للآخر والى النسل (فإن قيل فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عدوى ولا هامة ولا صفر. وقال صلى الله عليه وسلم (لا يعدى شئ شيئا) فقال أعرابي يا رسول الله ان الثفر قد تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الابل العظيمة فتجرب كلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أجرب الاول. قال أصحابنا وقد وردت أيضا أخبار بالعدوى، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم لا يوردن ذو عاهة على مصح. وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تديموا النظر إلى المجذومين، فمن كلمه منكم فليكن بينهم وبينه قدر رمح. وروى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبايعه فأخرج يده فإذا هي جذماء، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضم يدك قد بايعتك، وكان من عادته صلى الله عليه وسلم المصافحة فامتنع من مصافحته لاجل الجذام، وقال صلى الله عليه وسلم (فر من المجذوم فرارك من الاسد) قال العمرانى في البيان وانما نفى النبي صلى الله عليه وسلم العدوى الذى يعتقده الملاحدة، وهو أنهما يعتقدون أن الادواء تعدى بأنفسها وطباعها. وليس هذا بشئ وانما العدوى الذى نريده أن يقول إن الداء جرت العادة أن يخلق الداء عند ملاقاة الجسم الذى فيه الداء، كما أنه أجرى العادة أن يخلق الابيض بين

الابيضين والاسود بين الاسودين، وإن كان في قدرته أن يخلق الابيض من الاسودين لا أن هذه الادواء تعدى بنفسها. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا هامة ولا صفر) فإن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إذا قتل الانسان ولم يؤخذ بثأره خرج من رأسه طائر يصرخ ويقول اسقوني دم قاتلي. هكذا حكاه ابن الصباغ. وأما الصفر فان أهل الجاهلية كانوا يقولون في الجوف دابة تسمى الصفر إذا تحركت جاع الانسان وهى أعداء من الجرب عند العرب، وقيل هو تأخير حرمة المحرم إلى صفر، فأبطل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذَلِكَ. وقد بسط الشافعي رضى الله عنه في أحكام العيب فقال: ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الاربع التى سمينا فيها الخيار يعنى الجذماء والبرصاء والرتقاء والمجنونة فلا خيار له، وقد ظلم من شرط هذا نفسه. إلى أن قال: وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع. أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال، وهذا مانع للجماع الذى له عامة ما نكحها، فان كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له، أو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج، وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال. وإن سألها أن يشقه هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك، لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار. وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا، ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة، ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا، فأما الزعر في الحاجب أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما. وقال الجنون ضربان، فضرب خنق وله الخيار بقليله وكثيره، وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا. وهذا أكثر من الذى يخنق ويفيق. اه وذهب بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه أصحابنا، إلا أنهم جعلوا خيار العيوب

على التراخي، لا يسقط الا أن يوجد منه دلالة على الرضى من قول أو وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب أو يأتي بصريح الرضا، فان ادعى الجهل بالخيار ومثله يجهله فالاظهر ثبوت الفسخ، هكذا أفاده ابن تيمية. وقال في شرح الثلاثيات العلامة السفارينى الحنبلى: لابد لصحة فسخ النكاح بأحد العيوب لذكورة من حكم حاكم خلافا لشيخ الاسلام ابن تيميه. وقال داود الظاهرى وابن حزم ومن وافقهما: لا يفسخ النكاح بعيب البنة، قال السفارينى، وقال الامام ابن القيم من علمائنا بسوغ الفسخ بكل عيب ترد به الجارية في البيع من العمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو أحدهما أو كون الرجل كذلك، لان هذه الامور من أعظم المنفرات والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش وهو مناف للدين، والا طلاق ينصرف إلى السلامة فهو كالمشروط عرفا. قال والقياس أن كل عيب ينفر أحد الزوجين منه ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع اه (فرع) إن وجد كل واحد من الزوجين بصاحبه عيبا فان كان العيبان من جنسين بأن كان أحدهما أجذم والاخر أبرص ثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من داء غيره. وإن كانا من جنس واحد بأن كان كل واحد منهما أجذم أو أبرص ففيه وجهان. (أحدهما) لا يثبت لواحد منهما الخيار لانهما متساويان في النقص فهو كما لو تزوج عبد امرأة فكانت أمة (والثانى) يثبت لكل واحد منهما الخيار لان نفس الانسان تعاف من عيب غيره وان كان به مثله. وان أصاب الرجل امرأته قرناء أو رتقاء وأصابنه عنينا أو مجبوبا ففيه وجهان. أحدهما يثبت لكل واحد منهما الخيار لوجود النقص الذى يثبت لاجله الخيار. والثانى لا خيار لواحد منهما، لان الرتق والقرن يمنع الاستمتاع والمجبوب والعنين لا يمكنه الاستمتاع فلم يثبت الخيار. هذا الكلام في العيوب الموجودة حال العقد التى لم يعلم بها الاخر. فأما إذا حدث شئ من هذه العيوب بأحد الزوجين بعد العقد نظرت، فان كان ذلك

بالزوج ويتصور فيه حدوث العيوب كلها إلا العنة فانه لا يتصور أن يكون غير عنين قبله ثم يكون عنينا بعده، فإذا حدث فيه أحد العيوب الاربعة ثبت للزوجة الخيار، لان كل عيب ثبت لاجله الخيار إذا كان موجودا حال العقد ثبت لاجله الخيار إذا حدث بعد العقد كالاعسار بالفقة والمهر. وإن كان ذلك حادثا في الزوجة فإنه يتصور بها جميع العيوب الخمسة، فإذا حدث منها شئ فهل يثبت للزوج فسخ النكاح؟ فيه قولان. قال في القديم: لا يثبت له الفسخ. وبه قال مالك رضى الله عنه لانها لم تدلس عليه، ولانه يمكن التخلص من ذلك بالطلاق. وقال في الجديد: يثبت له الخيار في الفسخ، وهو الصحيح، وقد استدل أصحابنا لصحة هذا بخبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالغفاريه وردها لما وجد في كشحها بياضا. ولان كل عيب يثبت لاجله الفسخ إذا كان موجوا حال العقد يثبت لاجله الفسخ إذا حدث كالعيب بالزوج، والقول الاول يمكنه أن يطلق يبطل بالعيب الموجود حال العقد فإنه يمكنه أن يطلق ومع هذا فثبت له الفسخ. (فرع) قال في الاملاء: إذا علم بالعيب حال العقد فلا خيار له لانه عيب رضى به فلم يكن له الفسخ لاجله، كما لو اشترى شيئا معيبا مع العلم بعيبه. فإن أصاب أحد الزوجين بالآخر عيبا فرضى به سقط حقه من الفسخ لاجله، فإن وجد عيبا غيره بعد ذلك ثبت له الفسخ لاجله لانه لم يرض به، وإن زاد العيب الذى رآه ورضى به نظرت، فإن حدث في موضع آخر بأن رأى البرص والجذام في موضع من البدن فرضى به، ثم حدث البرص في موضع آخر من البدن كان له الخيار في الفسخ، لان هذا غير الذى رضى به، وإن اتسع ذلك الموضع الذى رضى به لم يثبت له الخيار لاجله، لان رضاه به رضاه بما تولد منه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والخيار في هذه العيوب على الفور، لانه خيار ثبت بالعيب فكان على الفور، كخيار العيب في البيع، ولا يجوز الفسخ إلا عند الحاكم لانه مختلف فيه.

(فصل) وإن فسخ قبل الدخول سقط المهر، لانه إن كانت المرأة فسخت كانت الفرقة من جهتها فسقط مهرها، وإن كان الرجل هو الذى فسخ إلا أنه فسخ لمعنى من جهة المرأة وهو التدنيس بالعيب فصار كأنها اختارت الفسخ، وإن كان الفسخ بعد الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل، لانه يستند الفسخ إلى سبب قبل العقد فيصير الوطئ كالحاصل في نكاح فاسد فوجب مهر المثل، وهل يرجع به على من غره؟ فيه قولان. قال في القديم: يرجع لانه غره حتى دخل في العقد. وقال في الجديد: لا يرجع لانه حصل له في مقابلته الوطئ، فإن قلنا يرجع فإن كان الرجوع على الولى رجع بجميعه، وان كان على المرأة ففيه وجهان. (أحدهما) يرجع بجميعه كالولي (والثانى) يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل. وإن طلقها قبل الدخول ثم علم أن كان بها عيب لم يرجع بالنصف، لانه رضى بإزالة الملك والتزام نصف المهر فلم يرجع به (فصل) ولا يجوز لولى المرأة الحرة ولا لسيد الامة ولا لولى الطفل تزويج المولى عليه ممن به هذه العيوب، لان في ذلك إضرارا بالمولى عليه، فإن خالف وزوج فعلى ما ذكرناه فيمن زوج المرأة من غير كفء، وإن دعت المرأة الولى أن يزوجها بمجنون لم يلزمه تزويجها لان عليه في ذلك عارا، وان دعت إلى نكاح مجبوب أو عنين، لم يكن له أن يمتنع، لانه لا ضرر عليه في ذلك، وان دعت إلى نكاح مجذوم أو أبرص ففيه وجهان. (أحدهما) له أن يمتنع لان عليه في ذلك عارا (والثانى) ليس له أن يمتنع لان الضرر عليها دونه. (فصل) وإن حدث العيب بالزوج ورضيت به المرأة لم يجبرها الولى على الفسخ، لان حق الولى في ابتداء العقد دون الاستدامة، ولهذا لو دعت المرأة إلى نكاح عبد كان للولى أن يمتنع، ولو أعتقت تحت عبد فاختارت المقام معه لم يكن للولى اجبارها على الفسخ.

(الشرح) كل موضع قلنا لاحد الزوجين أن يفسخ النكاح بالعيب فإن ذلك الخيار يثبت له على الفور لا على التراخي لانه خيار عيب لا يحتاج إلى نظر وتأمل فكان على الفور، كما لو اشترى عينا فوجد بها عيبا، فقولنا خيار عيب احتراز من خيار الاب في رجوعه بهبته لابنه ومن خيار الولى في القصاص والعفو. وقولنا (لا يحتاج إلى نظر وتأمل) احتراز من المعتقة تحت عبد إذا قلنا يثبت لها الخيار على التراخي ولسنا نريد الفسخ يكون على الفور بل نريد المطالبة وهو أن أحد الزوجين إذا علم بالآخر عيبا فإنه يرفع ذلك إلى الحاكم، فيستدعى الحاكم الاخر ويسأله، فإن اقر به أو كان ظاهرا انفسخ النكاح بينهما، وان أنكر وكان خفيا فعلى المدعى البينة، فإذا أقام البينة فسخ النكاح بينهما وقال أصحاب أحمد: إن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى به من القول والاستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة أفاده الخرقى في ظاهر كلامه، وذكر القاضى من الحنابلة أنه على الفور، كما أن ظاهر مذهب الحنابلة أن الفسخ يحتاج إلى الحاكم لانه مجتهد فيه، وذهب السفارينى من الحنابلة إلى أن الفسخ لا يحتاج إلى الحاكم كالرد بالعيب في البيع. ويرى ابن تيمية فسخه بالحاكم كما في الفتاوى له. وقد رأيت في البيان للعمراني من الشافعية (مخطوطة دار الكتب العربية) بهامش الجزء السابع ما يأتي: وفيه وجه أنه ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ من غير مرافعة الحاكم، كفسخ البيع بالعيب ينفرد به كل واحد من المتبايعين اه وقال قاضيخان من أصحاب أبى حنيفة: إذا كان الزوج عنينا والمرأة رتقاء لم يكن لها حق الفرقة لوجود المانع من جهتها. كذا في حاشية جلبى وفى ملتقى الابحر أنه لو أقر أنه عنين يؤجله الحاكم سنه قمريه ولا يحتسب منها مدة مرضه ومرضها، ويحتسب منها رمضان وأيام حيضها. اه قال الشيخ أبو حامد: ولا يجوز لاحد الزوجين أن يتولى الفسخ بنفسه بحال، وقال ابن الصباغ: إذا رفعت الامر إلى الحاكم فالحاكم أولى به، وهو بالخيار ان شاء فسخ بنفسه وان شاء أمرها بالفسخ. وقال القفال: إذا رفعت الامر إلى لحاكم وأثبتت العيب عنده خيرت بين أن تفسخ بنفسها وبين أن يفسخ الحاكم بمسألتها

(مسألة) وإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبا ففسخ النكاح نظرت، فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط جميع المهر لان المرأة ان كانت هي التى فسخت بالفرقة جاءت من جهتها، وان كان الزوج الذى فسخ فهو بمعنى من جهتها وهو تدنيسها بالعيب، فصار كما لو فسخت بنفسها، وان كان الفسخ بعد الدخول فإن كان الفسخ لعيب كان موجودا حال العقد فالمشهور من المذهب أنه يلزم الزوج مهر المثل سواء كان العيب بالزوج أو بالزوجة، لان الفسخ مستند إلى العيب الموجود حال العقد فصار كما لو كان النكاح فاسدا. وحكى المسعودي قولا آخر مخرجا أنه يجب المسمى، لان الفسخ رفع العقد في حالة لا من أصله وليس بشئ، وان كان الفسخ بعيب حدث بعد العقد بالزوج أو بالزوجة على القول الجديد فيه ثلاثة أوجه. (أحدها) يجب لها المسمى؟ لانه قد وجب المسمى بالعقد فلا يتغير بما يحدث بعده بالعيب (والثانى) لها مهر المثل، وان حدث بعد الوطئ وجب لها المسمى لانه إذا حدث قبل الوطئ فقد حدث قبل استقرار المسمى، فإذا فسخ العقد ارتفع من أصله فصار كما لو وطئها بشبهة، وإذا حدث العيب بعد الوطئ فقد حدث بعد استقرار المسمى بالدخول فلا يتغير بما طرأ بعده. (فرع) فإن تزوج رجل امرأة وبها عيب فلم تعلم به حتى وطئها ثم علم به فسخ النكاح، وقد قلنا: انه يجب لها مهر المثل، وهل للزوج أن يرجع به على الولى، فيه قولان، قال في القديم: يرجع عليه، وبه قال مالك رضى الله عنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أيما رجل تزوج بإمرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها الصداق ولزوجها غرم على وليها (ولان الولى هو الذى أتلف على الزوج المهر لانه أدخله في العقد حتى لزمه مهر المثل فوجب أن يلزمه الضمان كالشهود إذا شهدوا عليه بقتل أو غيره ثم رجعوا. وقال في الجديد " لا يرجع عليه، وبه قال على كرم الله وجهه، وهو قول أبى حنيفه وهو الاصح لانه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأتلفه، فإذا قلنا بهذا فلا تفريع عليه، وإذا قلنا بالاول فإن كان الولى ممن يجوز له

النظر إلى وليته كالاب والجد والعم رجع الزوج عليه سواء علم الولى بالعيب أو لم يعلم، لانه فرط بترك الاستعلام بالعيب، ولان الظاهر أنه يعلم ذلك، وإن كان الولى ممن لا يجوز له النظر إليها كان العم والحاكم فإن علم الولى بعيبها رجع عليه الزوج، وإن لم يعلم الولى بالعيب لم يرجع عليه الزوج، ويرجع الزوج على المرأة لانها هي التى عرفت، فإن ادعى الزوج على الولى أنه علم بالعيب فأنكر فإن أقام الزوج بينة على إقرار الولى بالعيب رجع عليه، وإن لم يقم عليه بينة حلف الولى أنه لم يعلم بالعيب، ورجع الزوج على الزوجة، وإن كان لها جماعة أولياء في درجة واحدة ممن لهم النظر إليها، رجع الزوج عليهم إذا علموا فإن كان بعضهم عالما بالعيب، وبعضهم جاهلا ففيه وجهان، حكاهما الطبري في العدة. أحدهما: يرجع على العالم لانه هو الذى غره. والثانى: يرجع على الجميع لان ضمان الاحوال لا يختلف بالخطأ والعمد، هكذا نقل البغداديون. وقال المسعودي: إذا كان الولى غير محرم لها فهل يرجع عليه الزوج؟ فيه قولان، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الولى، فانه يرجع عليه بجميع مهر المثل، وكل موضع قلنا: يرجع الزوج على الزوجة، فبكم يرجع عليها؟ فيه قولان، ومنهم من قال: هما وجهان. (أحدهما) لا يرجع عليها بجميع مهر المثل، وإنما يبقى قدرا إذ يمكن أن يكون صادقا لئلا يعرى الوطئ عن بدل. (والثانى) يرجع عليها بالجميع، لانه قد حصل لها بدل الوطئ وهو المهر، وإنما رجع إليه بسبب آخر فهو كما لو وهبته منه، والاول أصح. وحكى المسعودي أن القولين في الولى. والمشهور أنه يرجع عليه بالجميع قولا واحدا. (فرع) قال في الام: إذا تزوج إمراة ثم طلقها قبل الدخول، وعلم بعد ذلك أنه كان بها عيب يثبت به خيار الفسخ لزمه نصف المهر لانه رضى بازالة الملك والتزام نصف الصداق بالطلاق فلم يرجع إليه. (فرع) وإن دعت المرأة وليها لتزويجها إلى مجنون كان له الامتناع من ذلك لان عليه عار أن تكون وليته تحت مجنون، لانه لا يشهد ولا يحضر الجمعة

والجماعة، وان دعا الولى وليته إلى تزويجها بمجنون أو خصى فلها أن تمتنع لان عليها ضررا به وعارا يلحقها. وإن دعت المرأة وليها إلى أن يزوجها بمجذوم أو أبرص فهل له أن يمتنع؟ فيه وجهان، أحدهما: ليس له أن يمتنع لان الخيار إنما يثبت لها في النكاح لان النفس تعاف من مباشرتهم، وذلك نقص عليها دون الولى فهو كالمجبوب والخصى والثانى: له أن يمتنع لان على الولى عارا في ذلك، وربما أعداها أو أعدى ولدها فيلتحق العار بأهل نسبها وإن دعاها الولى إلى تزويجها بمجذوم أو أبرص كان لها أن تمتنع لان عليها في ذلك عارا ونقصا، وإن تزوجت إمرأة برجل سليم لا عيب فيه ثم حدث فيه عيب يثبت لاجله الخيار، فإن فسخت النكاح لم يعترض عليها وليها بذلك، فإن اختارت المقام معه على ذلك جاز ولا اعتراض للولى عليها بذلك لان حق الولى إنما هو في ابتداء العقد دون استدامته، ولهذا لو دعت الحرة وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه اجابتها، ولو اعتقت تحت عبد واختارت المقام معه لم يجبر على الفسخ والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا ادعت المرأة على الزوج أنه عنين وأنكر الزوج، فالقول قوله مع يمينه، فان نكل ردت اليمين على المرأة، وقال أبو سعيد الاصطخرى: يقضى عليه بنكوله. ولا تحلف المرأة، لانه أمر لا تعلمه، والمذهب الاول، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فردت على المدعى كسائر الحقوق، وقوله: انها لا تعلمه يبطل باليمين في كناية الطلاق وكناية القذف، فإذا حلفت الرأة أو اعترف الزوج أجله الحاكم سنة، لما روى سعيد بن المسيب (أن عمر رضى الله عنه قضى في العنين أن يؤجل سنه (وعن علي عليه السلام وعبد الله والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهم نحوه، ولان العجز عن الوطئ قد يكون بالتعنين، وقد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو رطوبة أويبوسة، فإذا مضت عليه الفصول الاربعة، واختلفت عليه

الاهوبة ولم يزل، دل على أنه خلقة، ولا تثبت المدة إلا بالحاكم، لانه يختلف فيها بخلاف مدة الايلاء، فان جامعها في الفرج سقطت المدة، وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج، لان أحكام الوطئ تتعلق به ولا تتعلق بما دونه، فان كان بعض الذكر مقطوعا لم يخرج من التعنين إلا بتغييب جميع ما بقى. ومن أصحابنا من قال: إذا غيب من الباقي بقدر الحشفة خرج من حكم التعنين لان الباقي قائم مقام الذكر، والمذهب الاول، لانه إذا كان الذكر سليما فهناك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، وإذا كان مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره فاعتبر الجميع، وان وطئها في الدبر لم يخرج من حمكم التعنين لانه ليس بمحل للوطئ ولهذا لا يحصل به الاحلال للزوج الاول، وان وطئ في الفرج وهى حائض سقطت المدة لانه محل للوطئ، وان ادعى أنه وطئها فان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينة، وان كانت بكرا فالقول قولها لان الظاهر أنه لم يطأها، فان قال الزوج: وطئت ولكن عادت البكارة حلفت لجواز أن يكون قد ذهبت البكارة ثم عادت. (فصل) وان اختارت المقام معه قبل انقضاء الاجل ففيه وجهان. أحدهما يسقط خيارها لانها رضيت بالعيب مع العلم. والثانى: لا يسقط خيارها، لانه اسقاط حق قبل ثبوته فلم يصح، كالعفو عن الشفعة قبل البيع، وان اختارت المقام بعد انقضاء الاجل سقط حقها لانه اسقاط حق بعد ثبوته، وان أرادت بعد ذلك أن ترجع وتطالب بالفسخ لم يكن لها، لانه خيار ثبت بعيب وقد أسقطنه فلم يجز أن ترجع فيه، فان لم يجامعها حتى انقضى الاجل وطالبت بالفرقة فرق الحاكم بينهما، لانه مختلف فيه، وتكون الفرقة فسخا لانه فرقة لا تقف على ايقاع الزوج ولا من ينوب عنه: فكانت فسخا كفرقة الرضاع، وان تزوج امرأة ووطئها ثم عن منها لم تضرب المدة، لان القدرة يقين فلا تترك بالاجتهاد (الشرح) خبر عمر رضى الله عنه رواه الدارقطني باسناده عن عمر ورواه عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم، ورواه أبو حفص عن علي كرم الله وجهه، أما العنين فهو الرجل العاجز عن الجماع، وربما يشتهى الجماع

ولا يناله، واشتقاقه من عن الشئ إذا اعترض من أحد الجانبين والعنه بفتح العين وضمها الاعتراض بالفضول، وعن عن الشئ من باب ضرب إذا أعرض عنه وانصرف، وعنان الفرس جمعه أعنة وقد مضى بعض هذه المادة في الشركة حيث شركة العنان، وهو هنا من عن ذكره إذا اعترض عن يمين الفرج وشماله فلا يقصده، وقيل مشتق من عنان الدابة أي أنه يشبهه في اللين. إذا ثبت هذا فالعنة في الرجل عيب يثبت الخيار لزوجته في فسخ النكاح لاجلها على ما نبينه وبه قال عامة أهل العلم. وقال الحكم بن عيينة وداود وأهل الظاهر ليست بعيب. دليلنا قوله تعالى (الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فخير الله الازواج بين أن يمسكوا النساء بمعروف أو يسرحوهن باحسان، والامساك بمعروف لا يكون بغير وطئ، لانه هو المقصود بالنكاح، فإذا تعذر عليه الامساك بمعروف من هذا الوجه تعين عليه التسريح باحسان، لان من خير بين شيئين إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وقد أجمع الصحابة رضى الله عنهم على تأجيل العنين سنة، فان جامعها والا فرق بينهما روينا ذلك عمن ذكرنا من الصحابة ولا مخالف لهم، ولان الله تعالى أوجب على المؤلى أن يقر أو يطلق لما يلحقها بامتناعه من الوطئ، والضرر الذى يلحق امرأة العنين أعظم من امرأة المؤلى لان المؤلى ربما وطئها، فإذا ثبت الفسخ لامرأة المؤلى، فلان يثبت لامرأة العنين أولى. إذا ثبت هذا: فان المرأة إذا جاءت إلى الحاكم وادعت على زوجها أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها استدعاه الحاكم وسأله، فان أقر أنه عنين أو أنه عاجز عن وطئها ثبت أنه عنين، وان أنكر وقال: لست بعنين فان كان مع المرأة بينة على اقراره تقول: انه عنين وأقامتها ثبت أنه عنين، وان لم يكن معها بينة فالقول قوله مع يمينه أنه ليس بعنين، فإذا حلف سقطت دعواها، وإذا ثبت أنه قادر على وطئها فهل يجبره الحاكم على وطئها ليتقرر مهرها؟ فيه وجهان حكاهما المسعوى. وان نكل عن اليمين حلفت أنه عنين، ولا يقضى عليه بنكوله من غير يمين.

وحكى الشيخ أبو إسحاق عن أبى سعيد الاصطخرى أنه يقضى عليه بنكوله من غير أن تحلف، لانه أمر لا تعلمه وليس بشئ، لانه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعى كسائر الحقوق. وقوله: أمر لا تعلمه يبطل بكنايات الطلاق والقذف، فإذا ثبت أنه عنين باقراره أو بيمينها بعد نكوله فإن الحاكم يؤجله سنة سواء كان الزوج حرا أو عبدا. وحكى عن مالك أنه قال: يؤجل العبد نصف سنة. دليلنا ما رويناه عن الصحابة عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وعلي، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبى سليمان، وعليه فتوى فقهاء الامصار منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد ولم يفرق هؤلاء بين العبد والحر. ولان العجز عن الوطئ قد يكون من أصل الخلقة، وقد يكون لعارض، فإذا مضت عليه سنة اختلفت الاهوية (جمع هواء) فان كان ذلك قد أصابه من الحرارة انحل في الشتاء، وان أصابه من الرطوبة انحل في الصيف وشدة الحر، وان كان طبعه يميل إلى هواء معتدل أمكنه ذلك في الفصلين الآخرين، فان مضت عليه سنة ولم يقدر على الوطئ علم أن عجزه من أصل الخلقة، ولان بعضهم قال: الداء لا يستكن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر ولا يضرب المدة له الا الحاكم، لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه ولان من الناس من قال يؤجل. ومنهم من قال: لا يؤجل، وكل حكم مختلف فيه فلا يثبت الا بالحاكم كالفسخ بالعيوب والاعسار بالنفقه، ولا يضرب الحاكم له المدة الا من حين ترافعا إليه بعد ثبوت العنه، فأما إذا أفر الزوج بالعنه وأقاما على ذلك زمانا فلا يحكم عليه بالتأجيل لان عمر رضى الله عنه أجل العنين سنه والظاهر أنه انما ضرب له المدة من حين ترافعا إليه. (فرع) فإذا ضرب للعنين المدة ثم جامع امرأته قبل انقضاء السنه أو بعدها وقبل الفسخ سقط حقها من الفسخ، لانه قد ثبتت قدرته على الوطئ، وان كان ذكره سليما خرج من العنه بتغييب الحشفه (والحشفة ما فوق الختان) في فرجها ولا يخرج بما دون ذلك، ولا يلزمه أكثر من ذلك لان احكام الوطئ من وجوب

الغسل والحد والعدة واستقرار المهر يتعلق بذلك: وإن كان بعض ذكره مقطوعا وبقى منه ما يمكنه به الجماع، فإن غيب جميعه في فرجها خرج من العنة، وإن غيب منه أقل من الحشفة لم يخرج من العنة بذلك لانه لو كان ذكره سليما فغيب منه هذا القدر خرج من العنة، وكذلك لم يخرج من العنة بذلك، وكذلك إذا كان بعضه مقطوعا، والثانى - وهو ظاهر النص - أنه لا يخرج من العنة إلا يتغييب جميع ما بقى من الذكر في الفرج، ولانه إذا كان سليما فهنالك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة، فإذا كان بعضه مقطوعا فليس هناك حد يمكن اعتباره، فاعتبر كله، وعندي أن الغسل وسائر أحكام الوطئ على هذين الوجهين. وإن وطئها في الموضع المكروه لم يخرج من العنة، لانه ليس محل الوطئ في الشرع ولهذا لا يجعل به الاحلال للزوج الاول، وإن أصابها بالفرج وهى حائض أو نفساء أو صائمة عن فرض أو محرمه خرج من العنة، لانه محل للوطئ في الشرع وإنما حرم الوطئ لعارض. (فرع) وان ادعى الزوج أنه وطئها أنكرت فان كانت ثيبا فالقول قول الزوج مع يمينه، لانه لا يمكن اثباته بالبينه، وان كانت بكرا عرضت على أربع من القوابل، فان قلن: ان بكارتها قد زالت فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الظاهر أن البكارة لا تزول الا بالوطئ، وان قلن: ان البكارة باقيه، فان قال الزوج: اننى قد أصبتها وهى ثيب لم يلتفت إلى قوله، لان ذلك طعن على البينه، فثبت عجزه، وان قال: صدقت كنت قد أصبتها وزالت بكارتها ثم عادت فالقول قول الزوجه، لان الظاهر أن البكارة لا تعود. قال الشافعي رضى الله عنه: وتحلف المرأة على ذلك، لان ما يدعيه الزوج ممكن لانه قد قال أهل الخبرة: ان الرجل إذا وطئ البكر ولم يبالغ، فان البكارة ربما زالت ثم عادت، فحلفت عليه، هذا مذهبنا. وقال الاوزاعي: يترك الزوج معها، ويكون هناك امرأتان جالستين خلف ستر قريب منهما، فإذا قام الرجل عن جماعها بادرتا فنظرتا إلى فرجها، فان رأتا فيه الماء علمتا أنه أصابها، وان لم تريا فيه الماء علمتا أنه لم يصبها.

وقال مالك: يفعل ذلك ولكن يقتصر على إمراة واحدة، وحكى أن إمرأة ادعت على زوجها العنة، فكتب سمرة بن جندب رضى الله عنه بذلك إلى معاوية رضى الله عنه فكتب إليه أن يزوج الرجل إمرأة ذات حسن وجمال يذكر عنها الصلاح ويساق إليها صداقها من بيت المال لتختبر حاله، فإن أصابها فقد كذبت يعنى زوجته المدعية وإن لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك ثم سألها عنه فقالت: ما عندي شئ، فقال سمرة رضى الله عنه ما دنا ولا انتشر عليه؟ فقالت بلى دنا وانتشر عليه، ولكن جاءه سره أي أنزل قبل أن يولج هذه رواية الشيخ أبى حامد وسائر أصحابنا. وأما أبو عبيد فذكر أن معاوية رضى الله عنه كتب إليه أن اشتر له جارية من بيت المال وأدخلها معه ليلة، ثم اسألها عنه، ففعل سمرة رضى الله عنه فلما أصبح قال. ما صنعت؟ فقال فعلت حتى حصحص فيه، فسأل الجارية فقالت لم يصنع شيئا فقال. خل سبيلها ما محصحص، والحصحصة الحركة في الشئ حتى يستقر، وما ذكره الاوزاعي ومالك غير صحيح، لان العنين قد ينزل من غير ايلاج وقد يولج من غير انزال، وما ذكره معاوية غير صحيح، لان الرجل قد يعن عن إمرأة ولا يعن عن غيرها. (مسألة) وإذا انقضت السنة ولم يقدر على وطئها كانت بالخيار بين الاقامة والفسخ، فإن اختارت الاقامة سقط حقها من الفسخ لانها أسقطت ما ثبت لها من الفسخ، فإن أرادت بعد ذلك أن ترجع فتطالب بالفسخ لم يكن لها ذلك لانه عيب رضيت به، فهو كما لو وجدته مجذوما أو أبرص فرضيت به ثم أرادت أن تفسخ بعد ذلك فإن اختارت الفسخ - لم يصح الا بالحاكم لانه مجتهد فيه. قال ابن الصباغ ويفسخ الحاكم النكاح، ويجعله إليها فتفسخ. قال الشيخ أبو حامد لا تفسخه المرأة بنفسها لان الصحابة رضى الله عنهم، قالوا فان جامعها والا فرق بينهما، فأخبر أنها لا تنولاه، ويكون ذلك فسخا لا طلاقا. وقال مالك والثوري وأبو حنيفة رضى الله عنهم تكون طلقة بائنة. دليلنا أنه فسخ بعيب كفسخ المشترى لاجل العيب في المبيع، وكالامة إذا أعتقت

تحت عبد فاختارت الفسخ، فان رضيت بالمقام معه قبل أن يضرب له المدة وفى اثباتها فيه وجهان وحكاهما ابن الصباغ قولين. (أحدهما) يسقط حقها من الفسخ لانها رضيت بعيبه فهو كما لو رضيت به بعد انقضاء المدة (والثانى) لا يسقط حقها من الفسخ وهو الاصح، لانها أسقطت حقها من الفسخ. قبل جوازه فلم يسقط كالشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل الشراء. (فرع) إذا تزوج رجل امرأة فوطئها ثم عجز عن وطئها لم يثبت لها الخيار ولا يحكم لها عليه بالعنة. وقال أبو ثور: يضرب لها المدة، ويثبت لها الخيار كما لو وطئها ثم جب ذكره. دليلنا أن العنة يتوصل إليها بالاستدلال والاجتهاد فإذا تحققنا قدرته على الوطئ في هذا النكاح لم يرجع فيه إلى الاستدلال، ومضى الزمان لانه رجوع من اليقين إلى الظن، ويخالف إذا وطئها ثم جب، لان الجب أمر مشاهد متحقق فجاز أن تدفع قدرته على الوطئ بالامر المتحقق، فان تزوج امرأة ثم وطئها ثم طلقها فبانت منه ثم تزوجها فادعت عليه بالعنة سمعت دعواها عليه، فان أقر بذلك ضربت له المدة لان كل نكاح له حكم نفسه، ويجوز أن يثبت في نكاح دون نكاح، كما يثبت من امرأة دون امرأة. (فرع) وان تزوج رجل امرأة مع علمها أنه عنين بأن أخبرها أنه عنين أو تزوجها فأصابته عنينا فسخت النكاح ثم تزوجها ثانيا. فيه قولان. قال في الام: لا يثبت لها الخيار لانها تزوجته مع العلم بحاله فلم يثبت لها الفسخ كما لو اشترى سلعه مع العلم بعيبها. وقال في الجديد: يثبت لها الفسخ لان كل نكاح له حكم نفسه، ولانها انما تحققت عنته في النكاح الاول، ويجوز أن يكون عنينا في نكاح دون نكاح. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: فان فارقها بعد ذلك ثم راجعها ثم سألت أن يؤجل لها لم يكن لها ذلك، وجملة ذلك أن امرأة إذا أصابت زوجها عنينا فضربت له المدة ورضيت بالمقام معه ثم طلقها وعادت إليه نظرت، فان طلقها طلاقا رجعيا ثم راجعها وأرادت أن تضرب له المدة ثانيا لم يكن لها ذلك لان الرجعيه استصلاح النكاح الاول وليس بتجديد عقد النكاح، وقد رضيت

بمقامها معه في هذا النكاح فلم يكن لها أن تطالب بضرب المدة، فاعترض المزني على الشافعي وقال: لا تجتمع الرجعية مع العنة، لانه إن كان قد وطئها في هذا النكاح، فإنه لا تضرب له مدة العنة لانه وإن لم يصبها فيه فلا عدة عليها له ولا رجعة، قال أصحابنا: يحتمل أن يكون الشافعي رضى الله عنه بنى هذا على القول القديم أن الخلوة تثبت العدة، فكأنه فرضها فيمن خلا بإمرأته ولم يطأها فأصابته عنينا فضربت له المدة ثم اختارت المقام معه ثم طلقها ولم يبنها، فإن له الرجعة عليها لان الخلوة كالدخول في استقرار المهر بوجوب العدة والرجعة على هذا ويحتمل أنه بناها على القول الجديد وهو إذا وطئها ولم يغيب الحشفة في الفرج وأنزل واستدخلت ماءه من غير جماع، فإنه يجب عليها العدة وله عليها الرجعة. قال الشيخ أبو حامد: وهذا أصح، لان الشافعي رحمه الله ذكرها في الام، وقوله في الام: إن الخلوة لا تقر المهر، ولا توجب العدة. وقال المسعودي: يحتمل أن يكون الشافعي رحمه الله أراد إذا وطئها في دبرها وإن كان الطلاق بائنا ثم تزوجها بعده فقد تزوجته مع العلم بعيبه، وهل لها الخيار؟ فيه قولان مضى بيانهما. (فرع) فرع إذا تزوج إمرأتين فعن عد إحداهما دون الاخرى ضربت له المدة التى عن عنها لان لكل واحدة حكم بعنتتها فاعتبر حكمها بانفرادها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وجدت المرأة زوجها مجبوبا ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، فإن كان بعضه مجبوبا وبقى ما يمكن الجماع به فقالت المرأة: لا يتمكن من الجماع به. وقال الزوج: أتمكن، ففيه وجهان. (أحدهما) أن القول قوله، لان له ما يمكن الجماع بمثله، فقبل قوله. كما لو اختلفا وله ذكر قصير. (والثانى) وهو قول أبى إسحاق: أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن الذكر إذا قطع بعضه ضعف، وإن اختلفا في القدر الباقي هل يمكن الجماع به فالقول قول المرأة، لان الاصل عدم الامكان،

(فصل) إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها، أو على نسب فخرج بخلافه، ففيه وجهان. (أحدهما) أن العقد باطل، لان الصفة مقصودة كالعين، ثم اختلاف العين يبطل العقد، فكذلك اختلاف الصفة، ولانها لم ترض بنكاح هذا الزوج فلم يصح، كما لو أذنت في نكاح رجل على صفة فزوجت ممن هو على غير تلك الصفة (والقول الثاني) أنه يصح العقد وهو الصحيح، لان ما لا يفتقر العقد إلى ذكره إذا ذكره وخرج بخلافه لم يبطل العقد كالمهر، فعلى هذا إن خرج أعلى من المشروط لم يثبت الخيار، لان الخيار يثبت للنقصان لا للزيادة، فإن خرج دونها فإن كان عليها في ذلك نقص بأن شرط أنه حر فخرج عبدا أو أنه جميل فخرج قبيحا أو أنه عربي فخرج عجميا، ثبت لها الخيار لانه نقص لم ترض به، وإن لم يكن عليها نقص بأن شرطت أنه عربي فخرج عجميا وهى عجميه، ففيه وجهان، أحدهما لها الخيار لانها ما رضيت أن يكون مثلها، والثانى: لا خيار لها لانها لا نقص عليها في حق ولا كفاءة: (الشرح) وإن أصابت المرأة زوجها مجبوبا، فإن جب ذكره من أصله ثبت لها الخيار في الحال، لان عجزه متحقق، وإن بقى بعضه فإن كان الباقي مما لا يمكن الجماع به فهو كما لو لم يبق منه شئ، لان وجود الباقي كعدمه، وإن كان الباقي مما يمكن الجماع به، فإن اتفق الزوجان على أن الزوج يقدر على الجماع به فلا خيار لها، وإن اختلفا فقالت الزوجه، لا يقدر على الجماع به، وقال الزوج بل أقدر على الجماع به، ففيه وجهان. أحدهما: أن القول قول الزوج مع يمينه كما لو كان الذكر سليما. والثانى: هو قول أبى إسحاق، أن القول قول الزوجه مع يمينها، لان الظاهر ممن قطع بعض ذكره أنه لا يقدر على الجماع به، فان ثبت عجزه عن الجماع باقراره أو يمينها ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) حكاه عن الشيخ أبى حامد أن الخيار يثبت لها في الحال، لان عجزه متحقق (والثانى) وهو قول القاضى ابى الطيب ولم أجد له الا ذلك انه يضرب له مدة العنين، لان

عجزه غير متحقق، لانه يقدر على الجماع به فهو كالعنين، فأما إذا اختلفا في القدر الباقي هل هو مما يمكن الجماع به أو مما لا يمكن الجماع به، فذكر الشيخ أبو حامد والشيخ أبو إسحاق المروزى والمحاملى أن القول قول الزوجة وجها واحدا، لان الاصل عدم الامكان. وقال ابن الصباغ: ينبغى أن لا يرجع في ذلك إليها، وإنما يرجع إلى من يعرف ذلك بصغره أو كبره كما لو ادعت أنه مجبوب وأنكر ذلك. وإن أصابت زوجها خصيا أو خنثى قد زال إشكاله فإن قلنا: لها الخيار كان لها الخيار في الحال، سواء كان قادرا على الوطئ أو عاجزا عنه، لان العلة فيه أن النفس تعاف من مباشرته، وإن قلنا: لا خيار لها وادعت عجزه عن الجماع فأقر بذلك ضربت له مدة العنين وهى سنه. (فرع) روى المزني عن الشافعي: فان لم يجامعها الصبى أجل. قال المزني معناه عندي صبى قد بلغ أن يجامع مثله قال أصحابنا: المزني أخطأ في النقل والتأويل، أما النقل فان الشافعي قال في القديم، وإن لم يجامعها الخصى أجل وثنى الشافعي هذا، إذا قلنا لا خيار في الخصى وادعت عجزه في الجماع فانه يؤجل فغلط المزني من الخصى إلى الصبى، وأما تأويله فغلط أيضا لان الصبى لا تثبت العنة في حقه، لان العنة لا تثبت إلا باعترافه أو بنكوله عن اليمين، ونكول ويمين الزوجة، وهذا متعذر في حقه قبل أن يبلغ، لان دعوى المرأة لا تسمع عليه بذلك قبل بلوغه، وإن ادعت إمرأة المجنون على زوجها العنة لم تسمع دعواها عليه، لانه لا يمكنه الجواب على دعواها، وان ثبتت عنته قبل الجنون فضربت له المدة وانقضت وهو مجنون فلا يجوز للحاكم أن يفسخ النكاح بينهما، لانه لو كان عاقلا لجاز أن يدعى الاصابة ويحلف عليها إن كانت ثيبا، وهذا متعذر منه في حال جنونه، وإن كانت بكرا فيجوز أن يكون وطئها وزالت بكارتها ثم عادت البكارة أو منعته عن نفسها فلم يحكم عليه قبل إفاقته. (مسألة) إذا تزوجت إمرأة رجلا على أنه على صفة فخرج بخلافها. أو على نسب فخرج بخلافه، سواء خرج أعلى مما شرط أو دون ما شرط فالحكم واحد

بأن تتزوج رجلا بشرط أنه طويل، فيخرج قصيرا: وبشرط أنه قصير فيخرج طويلا، أو أنه أسود فيأتى أبيض، أو أنه أبيض فيأتى أسود، أو أنه موسر فيخرج فقيرا، أو أنه فقير فيخرج موسرا أو على أنه قرشي فيخرج غير قرشي، أو على أنه ليس بقرشي فيخرج قرشيا، أو على أنه حر فكان عبدا وكان نكاحه باذن مولاه، أو على أنه عبد فخرج حرا وكان هذا الشرط في حال العقد، فهل يصح العقد؟ فيه قولان. (أحدهما) أن النكاح باطل، لان الاعتماد في النكاح على الصفات والاسماء كما أن الاعتماد في البيوع على المشاهدة، بدليل أنه لو قال: زوجتك أختى أو ابنتى صح وان لم يشاهدها الزوج، كما أنه إذا باعه سلعة شاهداها صح، ثم اختلاف الاعيان يوجب بطلان النكاح البيع بدليل أنه لو قال: زوجتك ابنتى يا زيد فقبل نكاحها وهو عمر، أو قال: بعتك عبدى هذا فقال المشترى: قبلت البيع في الجارية لم يصح النكاح والبيع، فوجب أن يكون اختلاف الصفة يوجب بطلان العقد، فعلى هذا يفرق بينهما، فان لم يدخل بها فلا شئ عليه، وإن دخل بها وجب لها مهر مثلها. (والقول الثاني) أن النكاح صحيح، وبه قال أبو حنيفة وهو الاصح، لانه معنى لا يفتقر العقد إلى ذكره، ولو ذكره وكان كما شرط صح العقد، فان ذكره وخرج بخلاف ما شرطه لم يبطل العقد كالمهر. فإذا قلنا بهذا نظرت، فان كان الشرط في الصفة، فان خرج الزوج أعلى منها شرط في الصفة بأن شرط كونه فقيرا فكان موسرا، أو أنه شيخ فكان شابا، لم يكن لها الخيار في فسخ النكاح لان الخيار يثبت للنقص، وهذا زيادة لا نقصان فيه، وإن خرج أدنى مما شرط ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه دون ما شرط وإن كان في النسب نظرت، فان شرط أنه حر فخرج عبدا وهى حرة ثيب لها الخيار في فسخ النكاح قولا واحدا، لان العبد لا يكافئ الحرة، وكذلك إذا شرط أنه عربي فخرج عجميا، وهو من كان من أبوين عجميين وهى عربية ثبت لها الخيار، لانه لا يكافئها، وإن خرج نسبه أعلى من نسبها بأن شرط أنه ليس

من قريش فكان قرشيا فلا خيار لها لانه أعلى مما شرط، وإن خرج نسبه دون نسبه الذى انتسب إليه ودون نسبها ثبت لها الخيار، وإن كان مثل نسبها أو أعلى منه ففيه وجهان (أحداهما) لها الخيار، لانها لم ترض بكفؤ لها (والثانى) وهو المنصوص في الام: أنه لا خيار لها لانه كفؤ لها ولا نقص عليها في ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان الغرر من جهة المرأة نظرت، فان تزوجها على أنها حرة فكانت أمة وهو ممن يحل له نكاح الامة ففى صحة النكاح قولان. فان قلنا: أنه باطل فوطئها لزمه مهر المثل، وهل يرجع به على الغار فيه قولان، أحدهما لا يرجع، لانه حصل له في مقابلته الوطئ، والثانى: يرجع، لان الغار ألجأه إليه فان كان الذى غره غير الزوجة رجع عليه، وان كانت هي الزوجة رجع عليها إذا عتقت، وان كان وكيل السيد رجع عليه في الحال، وان أحبلها فضمن قيمة الولد رجع بها على من غره. وان قلنا انه صحيح فهل يثبت له الخيار فيه قولان. أحدهما لا خيار له لانه يمكنه أن يطلق. والثانى له الخيار وهو الصحيح، لان ما ثبت به الخيار للمرأة ثبت به الخيار للرجل كالجنون. وقال أبو إسحاق: ان كان الزوج عبدا فلا خيار له قولا واحدا، لانه مثلها والصحيح أنه لا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا، لان عليه ضررا لم يرض به، وهو استرقاق ولده منها وعدم الاستمتاع بها في النهار. فان فسخ فالحكم فيها كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل. (وان قلنا) لا خيار له أو له الخيار ولم يفسخ فهو كالنكاح الصحيح، فان وطئها قبل العلم بالرق فالولد حر، لانه لم يرض برقه، وان وطئها بعد العلم بالرق فالولد مملوك، لانه رضى برقه، وان غرته بصفة غير الرق أو بنسب ففى صحة النكاح قولان. فان قلنا انه باطل ودخل بها وجب مهر المثل. وهل يرجع به على من غره؟ على القولين، فان قلنا يرجع فان كان الغرور من غيرها رجع بالجميع وان كان منها ففيه وجهان.

(أحداهما) يرجع بالجميع كما يرجع على غيرها (والثانى) يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بدل. وان قلنا: انه صحيح، فان كان الغرور بنسب فخرجت أعلى منه، لم يثبت الخيار، وان خرجت دونه ولكنه مثل نسبه أو أعلى منه لم يثبت الخيار، وان كان دون نسبه ففيه وجهان. أحدهما: له الخيار، لانه لم يرض أن تكون دونه. والثانى: لا خيار له، لانه لا نقص على الزوج بأن تكون المرأة دونه في الكفاءة، فإن قلنا أن له الخيار فاختار الفسخ، فالحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا: انه باطل، وان اختار المقام فهو كما قلنا انه صحيح وقد بيناه. (الشرح) وان تزوج رجل امرأة على أنها حرة فكانت أمة فهل يصح النكاح فيه وجهان وجههما ما ذكرناه في التى قبلها، وانما يتصور القولان مع وجود أربع شرائط (أحداها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة (والثانى) أن يكون القولان مع وجود أربع شرائط. (أحدها) أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح الامة (الثاني) أن يكون الشرط في حال العقد فاما قبله أو بعده فلا يؤثر. (الثالث) أن يكون الغرور من جهة الامة أو من وكيل السيد: فأما ان كان من السيد فإنها تعتق. (الرابع) أن يكون النكاح بإذن السيد: إذا ثبت هذا فإن قلنا ان النكاح باطل فإن لم يدخل بها فرق بينهما، ولا شئ عليه، وان دخل بها لزمه مهر المثل لسيدها، فإذا غرمه فهل يرجع به على من غرة؟ فيه قولان مضى توجيههما، وان حبلت منه وخرج الولد حيا كان حرا للشبهة سواء كان الزوج حرا أو عبدا ويلزمه قيمته لسيدها، وما قاله المصنف في استرقاق الولد والغرور بالرق فعلى وجهه (فرع) وان تزوجها على أنها على صفة فخرجت بخلافها، أو أنها من نسب فخرجت بخلافه، وكان هذا الشرط حال العقد، فهل يصح النكاح؟ فيه قولان سواء خرجت أعلى من الشرط أو دونه، فإن قلنا ان النكاح باطل، فان لم يدخل بها فرق بينهما ولا شئ عليه. وان دخل بها لزمه مهر مثلها. وهل يرجع به

على من غره؟ فيه قولان مضى يوجيههما، فإن قلنا: لا يرجع فلا كلام، وإن قلنا: يرجع على من غره فغرم، فان كان الذى غره وليها وهو واحد رجع عليه بالجميع، وإن كانوا جماعة فان غروه بالنسب رجع على جميعهم بالسوية بجميع المهر، لان نسبها لا يخفى عليهم، وإن غروه بصفة غير النسب فان كانوا كلهم عالمين بحالها أو كلهم جاهلين بحالها رجع على جميعهم بالسوية، لانه لا مزية لبعضهم على بعض، وان كانوا بعضهم عالمين بحالها وبعضهم جاهلين بحالها، ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد. (أحدهما) يرجع على الجميع لان الجميع منهم زوجوه، وحقوق الاموال لا يسقط بالخطأ، (والثانى) يرجع على العالم منهم بحالها دون الجاهل، لان العالم بحالها هو الذى غره، وان كان الذى غره هي الزوجة ففيه وجهان. أحدهما: يرجع عليها بجميع المهر كما قلنا في الاولياء. والثانى: لا يرجع عليها بالجميع بل يبقى منه شيئا حتى لا يعرى الوطئ عن بذل، فان قلنا: يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضته منه ردته إليه، وان لم تقبضه منه لم يقبضه، بل يسقط أحدهما بالآخر، وان قلنا لا يرجع عليها بالجميع فان كانت قد قبضت الجميع رجع عليها بما قبضت منه، وبقى منه بعضه، وان لم يقبضه منه أقبضها منه شيئا وسقط الباقي عنه، وان قلنا ان النكاح صحيح، لانه لا نقص عليه، فان غرته بصفة فخرجت أعلا مما شرطت فلا خيار للزوج لانه لا نقص عليه، وان خرج نسبها دون النسب الذى شرطت ودون نسب الزوج، أو كان الغرور بصفة فخرجت صفتها دون الصفة التى شرطت فهل له الخيار في فسخ النكاح، فيه قولان. (أحدهما) له الخيار لانه معنى لو شرط بنفسه وخرج بخلافه لثبت لها الخيار فيثبت للزوج الخيار كالعيوب. (والثانى) لا يثبت له الخيار، لانه يمكنه أن يطلقها، ولانه لا عار على الزوج بكون نسب الزوجه دون نسبه ودون صفته بخلاف الزوجة فان قلنا: له الخيار، فاختار الفسخ فهو كما لو قلنا: انه باطل، وان قلنا لا خيار له أو له الخيار، فاختار امساكها لزمه أحكام العقد الصحيح.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان تزوج امرأة من غير شرط يظنها حرة فوجدها أمة فالنكاح صحيح، والمنصوص أنه لا خيار له. وقال فيمن تزوج حرة يظنها مسلمة فخرجت كتابية أن له الخيار. فمن أصحابنا من نقل جوابه فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وجعلهما على قولين. (أحدهما) له الخيار، لان الحرة الكتابية أحسن حالا من الامة، لان الولد منها حر، والاستمتاع بها تام، فإذا جعل له الخيار فيها كان في الامة والولد منها رقيق، والاستمتاع بها ناقص أولى. (والقول الثاني) لا خيار له لان العقد وقع مطلقا فهو كما لو ابتاع شيئا يظنه على صفة فخرج بخلافها. فانه لا يثبت له الخيار. فكذلك ههنا، وإذا لم يجعل له الخيار في الامة ففى الكتابية أولى. ومنهم من حملهما على ظاهر النص فقال له الخيار في الكتابية. ولا خيار له في الامة. لان في الكتابية ليس من جهة الزوج تفريط. لان الظاهر ممن لا خيار عليه أنه ولى مسلمة، وانما التفريط من جهة الولى في ترك الخيار. وفى الامة التفريط من جهة الزوج في ترك السؤال. (فصل) إذا أعتقت الامة وزوجها حر لم يثبت لها الخيار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (أعتقت بريرة فخيرها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زوجها. وكان عبدا فاختارت نفسها. ولو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولانه لا ضرر عليها في كونها حرة تحت حر. ولهذا لا يثبت به الخيار في ابتداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته. وان أعتقت تحت عبد ثبت لها الخيار. لحديث عائشة رضى الله عنها ولان عليها عارا وضررا في كونها تحت عبد. ولهذا لو كان ذلك في ابتداء النكاح ثبت لها الخيار. فثبت به الخيار في استدامته. ولها أن تفسخ بنفسها لانه خيار ثابت بالنص. فلم يفتقر إلى الحاكم. وفى وقت الخيار قولان. (أحدهما) أنه على الفور، لانه خيار لنقص فكان على الفور كخيار العيب

في البيع (والثانى) أنة على التراخي، لانا لو جعلناه على الفور لم نأمن أن تختار المقام أو الفسخ ثم تندم، فعلى هذا في وقته قولان. (أحدهما) يتقدر بثلاثة أيام، لانه جعل حدا لمعرفة الحظ في الخيار في البيع (والثانى) أن لها الخيار إلى أن تمكنه من وطئها لانه روى ذلك عن ابن عمر وحفصة بنت عمر رضى الله عنهما، وهو قول الفقهاء السبعة سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بن محمد وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بن هشام وخارجة بن زيد بن ثابت وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن مسعود وسليمان بن يسار رضى الله عنهم، فإن أعتقت ولم تختر الفسخ حتى وطئها ثم ادعت الجهل بالعتق فإن كان في موضع يجوز أن يخفى عليها العتق فالقول قولها مع يمينها، لان الظاهر أنها لم تعلم، وإن كان في موضع لا يجوز أن يخفى عليها لم يقبل قولها لان ما تدعيه خلاف الظاهر، وإن علمت بالعتق ولكن ادعت أنها لم تعلم بأن لها الخيار، ففيه قولان. (أحدهما) لا خيار لها كما لو اشترى سلعة فيها عيب، وادعى أنه لم يعلم أن له الخيار. (والثانى) أن لها الخيار، لان الخيار بالعتق لا يعرفه غير أهل العلم، وإن أعتقت وهى صغيرة ثبت لها الخيار إذا بلغت، وإن كانت مجنونة ثبت لها الخيار إذا عقلت وليس للولى أن يختار، لان هذه طريقة الشهوة فلا ينوب عنها الولى كالطلاق، وإن أعتقت فلم تختر حتى عتق الزوج ففيه قولان. (أحدهما) لا يسقط خيارها لانه حق ثبت في حال الرق فلم يتغير بالعتق كما لو وجب عليه حد ثم أعتق. (والثانى) يسقط لان الخيار ثبت للنقص وقد زال، فإن أعتقت وهى في العدة من طلاق رجعى فلها أن تترك الفسخ، لانتظار البينونة بانقضاء العدة ولها أن تفسخ لانها إذا لم تفسخ ربما راجعها إذا قارب انقضاء العدة فإذا فسخت احتاجت أن تستأنف العدة وإن اختارت المقام في العدة لم يسقط خيارها لانها جارية إلى بينونه، فلا يصح منها اختيار المقام مع ما ينافيه، وإن أعتقت تحت عبد فطلقها قبل ان تختار الفسخ ففيه قولان.

أحدهما: أن الطلاق ينفذ، لانه صادف الملك. والثانى: لا ينفذ لانه يسقط حقها من الفسخ، فعلى هذا إن فسخت لم يقع الطلاق، وإن لم تفسخ حكمنا بوقوع الطلاق من حين طلق. (فصل) وان أعتقت وفسخت النكاح، فان كان قبل الدخول سقط المهر لان الفرقة من جهتها، وان كان بعد الدخول نظرت، فان كان العتق بعد الدخول استقر المسمى، وان كان قبله ودخل بها ولم تعلم بالعتق سقط المسمى ووجب مهر المثل لان العتق وجد قبل الدخول فصار كما لو وجد الفسخ قبل الدخول ويجب المهر للمولى لانه وجب بالعقد في ملكه، وان كانت مفوضة فأعتقت فاختارت الزوج وفرض لها المهر بعد العتق ففى المهر قولان ان قلنا يجب بالعقد كان للمولى لانه وجب قبل العتق. وان قلنا: يجب بالفرض كان لها لانه وجب بعد العتق. (فصل) وان تزوج عبد مشرك حرة مشركة ثم أسلما ففيه وجهان. أحدهما لا خيار لها لانها دخلت في العقد مع العلم برقه. والثانى: وهو ظاهر النص أن لها أن تفسخ النكاح لان الرق ليس بنقص في الكفر وانما هو نقص في الاسلام فيصير كنقص حدث بالزوج، فيثبت لها الخيار، وان تزوج العبد المشرك أمة فدخل بها ثم أسلمت وتخلف العبد فأعتقت الامة ثبت لها الخيار، لانها عتقت تحت عبد، وان أسلم العبد وتخلفت المرأة ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه لا يثبت لها الخيار، وهو ظاهر ما نقله المزني، والفرق بينها وبين ما قبلها أن هناك الامر موقوف على اسلام الزوج فإذا لم تفسخ لم تأمن أن لا يسلم حتى يقارب انقضاء العدة ثم يسلم فتفسخ النكاح فتطول العدة. وههنا الامر موقوف على اسلامها فأى وقت شائت أسلمت وثبت النكاح فلم يثبت له الفسخ (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه يثبت لها الخيار كالمسألة قبلها، وأنكر ما نقله المزني. (فصل) إذا ملك مائة دينار وأمة قيمتها مائة دينار وزوجها من عبد بمائة ووصى بعتقها فأعتقت قبل الدخول لم يثبت لها الخيار لانها إذا فسخت سقط

مهرها، وإذا سقط المهر عجز الثلث عن عتقها فسقط خيارها فيؤدى إثبات الخيار إلى اسقاطه فسقط. (فصل) وإن أعتق عبد وتحته أمة ففيه وجهان. أحدهما: يثبت له الخيار كما يثبت للامة إذا كان زوجها عبدا، والثانى: لا يثبت لان رقها لا يثبت به الخيار في ابداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته. (الشرح) خبر بريرة بلفظ المصنف أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه من طريق عروة عن عائشة، وقال ابن القيم في الهدى: حديث عائشة رواه ثلاثة الاسود وعروة والقاسم، وهو يرجح كون زوج بريرة حرا بيد أن الروايات الثابته عندنا تخالف ابن القيم فيما ذهب إليه. وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت الخيار للزوجة أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت، وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لان المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكن كفؤا لها، ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب، ولو كان حرا لم يخيرها، ولكنه تعقب بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه، وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك، ولو سلم انه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة، وذهبت العترة والشعبى والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التى فيها أنه كان زوج بريرة حرا، وقد عرفنا عدم صلاحية ذلك للتمسك به. وما بقى من فروع المسائل في هذه الفصول فعلى وجهه لمن أراد أن يحيط بها إجمالا إذ لا حاجة بنا إلى بسطها لانها تقوم على أساس الرق وقد تلاشى الرق اليوم وصار الناس يتساوون اليوم في حقوقهم وواجباتهم، وقد ضاقت فوارق التكافؤ بينهم الا قليلا، والله الموفق للصواب،

باب نكاح المشرك

قال المصنف رحمه الله: باب نكاح المشرك إذا أسلم الزوجان المشركان على صفة لو لم يكن بينهما نكاح جاز لهما عقد النكاح أقرا على النكاح، وان عقد بغير ولى ولا شهود، لانه أسلم خلق كثير فأقرهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنكحتهم، ولم يسألهم عن شروطه وان أسلما والمرأة ممن لا تحل له كالام والاخت لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز الاقرار على نكاحها، وان أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو أسلمت المرأة والزوج يهودى أو نصراني فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وان لم يسلم حتى انقضت العدة حكم بالفرقة. وقال أبو ثور: ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة وهذا خطأ، لما روى عبد الله بن شبرمة (أن الناس كانوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح بينما) والفرقة الواقعة باختلاف الدين فسخ لانها فرقه عريت عن لفظ الطلاق ونيته فكانت فسخا، كسائر الفسوخ. (الشرح) خبر عبد الله بن شبرمه مرسل لانه من الطبقة الخامسه في التابعين ومن ثم يؤخذ على المصنف استدلاله به مع استفاضة الروايات المرفوعة وكثرة طرقها، من ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس قال (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركى أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه. وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح. وان جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه) .

وأخرج أحمد وأبو داود وصححه الحاكم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها ابى العاص بن الربيع بالنكاح الاول لم يحدث شيئا) وفى لفظ (رد ابنته زينب على أبى العاص زوجها بنكاحها الاول بعد سنتين ولم يحدث صداقا) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وفى لفظ (رد ابنته زينب على أبى العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الاول، ولم يحدث شهادة لا صداقا) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال فيه (لم يحدث نكاحا) وقال ليس بإسناده بأس. وقد روى بإسناد ضعيف عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ابنته على أبى العاص بمهر جديد ونكاح جديد) قال الترمذي في إسناده مقال، وقال أحمد: هذا حديث ضعيف والحديث الصحيح أنه أقرهما على النكاح الاول. وقال الدارقطني: هذا حديث لا يثبت، والصواب حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ردها بالنكاح الاول) وقال الخطابى: حديث ابن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب. وقال ابن كثير في الارشاد: هو حديث جيد قوى، وهو من رواية ابن اسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس. إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ضعف أمرها على بن المدينى، وابن إسحاق فيه مقال معروف، وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ابن ماجه أيضا، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبو عبيد، وإنما حمله عن العزرمى وهو ضعيف، وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم. وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح وهرب صفوان من الاسلام، فبعث إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانا، وشهد حنينا والطائف وهو كافر وإمرأته مسلمة فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح. قال ابن شهاب: وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحوا من شهر)

وفى الموطأ عن ابن شهاب (أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبى جهل من الاسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الاسلام فأسلم، وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أن إمرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها، وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهى في عدتها) . وروى البيهقى عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازى وغيرهم عن عدد مثلهم (أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكه، ومكه يومئذ دار حرب، وكذلك حكيم بن حزام، ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وسلم النكاح) . وقد استشكل بعض علماء الحديث والفقه ما جاء في روايات ابن عباس من قوله (بعد سنتين) وفى الرواية الثانية (بست سنين) ووقع في رواية (بعد ثلاث سنين) وأشار ابن حجر في الفتح إلى الجمع فقال: المراد بالست ما بين هجر ة زينب واسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى (لا هن حل لهم) وقدومه مسلما، فإن بينهما سنتين وأشهرا. قال الترمذي في حديث ابن عباس انه لا يعرف وجهه. قال الحافظ: وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة، قال: ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها، وممن نقل الاجماع في ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع المذكور، وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما، فقد أخرجه ابن أبى شيبه عن على وابراهيم النخعي بطرق قوية، وأفتى به حماد شيخ أبى حنيفة، وأجاب الخطابى عن الاشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن. وان لم تجربه عادة في الغالب،

ولا سيم ان كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر، فان الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض، وبمثل هذا أجاب البيهقى. قال الحافظ: وهو أولى ما يعتمد في ذلك. وقال السهيلي في شرح السيرة: ان حديث عمرو بن شعيب هو الذى عليه العمل، وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء، لان الاسلام قد كان فرق بينهما، قال الله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ومن جمع بين الحديثين قال: معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الاول في الصداق والحباء، ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره اه. وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر، وقيل: إن زينب لما أسلمت وبقى زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه بينهما إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر، فلما نزل قوله تعالى (لا هن حل لهم) الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة، فقررها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاول فيندفع الاشكال، وحديث عمرو بن شعيب تعضده الاصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد، والاخذ بالصريح أولى من الاخذ بالمحتمل، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الائمة، وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم واسلام أبى العاص، ولا مانع من ذلك، وأغرب ابن حزم فقال: إن قوله: ردها إليه بعد كذا، مراده جمع بينهما، وإلا فاسلام أبى العاص گان قبل الحديبية، وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم. قال الحافظ ابن حجر: وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازى أن إسلامه كان بعد نزول آية التحريم. وقال ابن القيم في الهدى ما حاصله: إن اعتبار العدة لم يعرف في شئ من الاحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولو كان الاسلام بمجرده فرقة، لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها، فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم، وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف

فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهى زوجته، وان انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وان أحبت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح، قال: ولا نعلم أحدا جدد بعد الاسلام نكاحه ألبتة، بل كان الواقع أحد الامرين اما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤهما على النكاح الاول إذا أسلم الزوج، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده، وهذا كلام في غاية الحسن والمنانة. قال: وهذا اختيار الخلال وأبى بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم، وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم. قال ابن حزم: وهو قول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وابن عباس ثم عد آخرين، وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر واليه جنح البخاري، وشرط أهل الكوفه ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الاسلام في تلك المدة فيمتنع ان كانا معا في دار الاسلام وقد روى عن أحمد أن الفرقه تقع بمجرد الاسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقه من رضاع أو خلع أو طلاق. قال في البحر: إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح اجماعا ثم قال بعد ذلك: ومذهب الشافعي ومالك وأبى يوسف على أن الفرقه بإسلام أحدهما فسخ لا طلاق إذا العلة اختلاف الدين كالردة. وقال ابو العباس وابو حنيفة ومحمد: بل طلاق حيث اسلمت وابى الزوج، إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة اه. وجملة ما اوردنا في هذا البحث ان اهل الشرك انكحتهم صحيحه وطلاقهم واقع وينبنى على هذا انه إذا نكح مشرك مشركة وطلقها ثلاثا لم تحل له الا بعد زوج، ولو نكح مسلم ذميه ثم طلقها ثلاثا ثم نكحها ذمى ودخل بها وطلقها الذمي حلت للمسلم الذى طلقها بعد انقضاء عدتها، فيتعلق بأنكحتهم سائر الاحكام التى تتعلق بأنكحة المسلمين، وبه قال الزهري والاوزاعي وابو حنيفة واصحابه. وقال مالك: انكحة اهل الشرك باطله فلا يتعلق بها حكم من احكام النكاح الصحيح، وحكاه اصحابنا الخراسانيون قولا آخر للشافعي.

دليلنا قوله تعالى (وقالت إمرأة فرعون) وقوله تعالى (تبت يدا أبى لهب وتب إلى قوله وإمرأته حمالة الحطب) فأضاف إمرأتيهما اليهما وحقيقة الاضافة تقتضي الملك، وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ولدت من نكاح لا من سفاح) وكان مولودا في الشرك. إذا ثبت هذا فان أسلم الزوجان المشركان معا فإن كانا عند إسلامهما يجوز ابتداء النكاح بينهما أقرا على نكاحهما الاول، وإن كانا عقدا بغير ولى ولا شهود لانه أسلم خلق كبير وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنكحتهم، ولم يسأل عن شروطها، وإن كان لا يجوز لهما ابتداء النكاح بينهما، فإن كانت محرمة عليه بنسب أو رضاع أو صهارة أو معتدة عنه لانه لا يجوز لهما ابتداء النكاح فلا يجوز إقرارهما عليه. قال أصحابنا: فإن أسلم الزوج والزوجة كتابية أقرا على النكاح لانه يجوز للمسلم ابتداء النكاح على الكتابية فأقرا عليه، وإن أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو أسلم الزوج ولم تسلم الزوجة، فان كان قبل الدخول انفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول وقف النكاح، وإن أسلم الكافر منهما قبل انقضاء عدة الزوجة أقرا على النكاح، وأن لم يسلم الكافر منهما حتى انقضت عدة الزوجة بانت منه من وقت إسلام المسلم منهما، ولا فرق بين أن يكون ذلك في دار الاسلام أو في دار الحرب، وبه قال أحمد. وقال مالك: إن كانت هي المسلمة فكما قلنا، وإن كان هو المسلم عرض عليها الاسلام في الحال، فإن أسلمت والا انفسخ نكاحها، وقال أبو بكر رضى الله عنه ان أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة بكل حال. وقال أبو حنيفة: ان كان في دار الحرب وكان ذلك بعد الدخول فالنكاح موقوف على انقضاء العدة كقولنا، وان كان في دار الاسلام فسواء كان قبل الدخول أو بعده فإن النكاح لا ينفسخ بل يعرض على المتأخر منهما الاسلام، فإن اسلم فهما على الزوجية، وان لم يسلم فرق بينهما بتطليقة، وان لم يعرض الاسلام على المتأخر منهما وأقاما على الزوجية مدة طويلة فهما على النكاح. دليلنا ما رويناه من الاخبار التى تفيد بمنطوقها أن الناس كانوا يسلمون على

عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهى امرأته، وان أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح بينهما، والعدة لا تكون الا بعد الدخول، ولم يفرق بين أن أسلم الرجل أو لا أو المرأة، وبين أن يكون في دار الاسلام أو في دار الحرب، فإن اسلم الزوجان في حالة واحدة قبل الدخول لم ينفسخ نكاحهما لانه لم يسبق أحدهما الآخر. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، لزمه أن يختار أربعا منهن، لما روى ابن عمر رضى الله عنه (أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن أربعا) ولان ما زاد على أربع لا يجوز اقرار المسلم عليه، فإن امتنع أجبر عليه بالحبس والتعزير، لانه حق توجه عليه لا تدخله النيابة فأجبر عليه، فإن أغمى عليه في الحبس خلى إلى أن يفيق لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فخلى كما يخلى من عليه دين إذا أعسر به، فان أفاق أعيد إلى الحبس والتعزير إلى أن يختار، ويؤخذ بنفقة جميعهن إلى أن يختار لانهن محبوسات عليه بحكم النكاح، والاختيار أن يقول: اخترت نكاح هؤلاء الاربع، فينفسخ نكاح البواقى، أو يقول: اخترت فراق هؤلاء، فيثبت نكاح البواقى: وان طلق واحدة منهن كان ذلك اختيارا لنكاحها، لان الطلاق لا يكون الا في زوجة، وان ظاهر منها أو آلى لم يكن ذلك اختيارا لانه قد يخاطب به غير الزوج، وان وطئ واحدة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه اختيار لان الوطئ لا يجوز الا في ملك فدل على الاختيار كوطئ البائع الجارية المبيعة بشرط الخيار. (والثانى) وهو الصحيح أنه ليس باختيار لانه اختيار للنكاح فلم يجز بالوطئ كالرجعة، وان قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح لان الاختيار كالنكاح فلم يجز تعليقه على الصفة ولا في غير معين، وان قال: كلما اسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يصح، لان الفسخ لا يجوز

تعليقه على الصفة، ولان الفسخ انما يستحق فيما زاد على أربع، وقد يجوز أن لا يسلم أكثر من أربع فلا يستحق فيها الفسخ، وان قال: كلما أسلمت واحدة فهى طالق ففيه وجهان. (أحدهما) يصح، وهو ظاهر النص، لانه قال: وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكف شيئا الا أن يريد به الطلاق. فدل على أنه إذا أراد الطلاق صح، ووجهه أن الطلاق يصح تعليقه على الصفات (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه لا يصح، لان الطلاق ههنا يتضمن اختيار الزوجية، والاختيار لا يجوز تعليقه على الصفة، وحمل قول الشافعي رحمه الله على من أسلم وله أربع نسوة في الشرك، وأراد بهذا القول الطلاق فانه يصح، لانه طلاق لا يتضمن اختيارا فجاز تعليقه على الصفة، وان أسلم ثم ارتد لم يصح اختياره، لان الاختيار كالنكاح فلم يصح مع الردة، وان أسلم وأحرم، فالمنصوص أنه يصح اختياره، فمن أصحابنا من جعلها على قولين. أحدهما، لا يصح كما لا يصح نكاحه. والثانى: يصح كما تصح رجعته، ومنهم من قال: ان اسلم ثم احرم ثم اسلمن لم يجز ان يختار قولا واحدا، لانه لا يجوز ان يبتدئ النكاح وهو محرم، فلا يجوز ان يختاره، وحمل النص عليه، وإذا اسلم ثم اسلمن ثم احرم فان له الخيار، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الخيار. (الشرح) حديث ابن عمر اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وزاد احمد في رواية (فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: انى لاظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تمكث الا قليلا، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لاورثنك منك، ولآمرن بقبرك ان يرجم كما رجم قبر ابى رغال (وابو رغال ككتاب ففى سنن ابى داود ودلائل النبوة عن ابن عمر (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر ابى رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود، وكان بهذا

الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه) الحديث. أما قول الجوهرى بأنه كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكه فمات في الطريق غير معتد به، وكذا قول ابن سيدة في المخصص أنه كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا، وقد سبق لنا الكلام على إسناد الحديث وما في وهم معمر وتفرده والعلل في الخبر. أما الاحكام: فإذا أسلم الرجل وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه في العدة أو كن كتابيات، لزمه أن يختار أربعا منهن، ويفارق ما زاد سواء تزوجهن بعقد واحد أو بعقود، وسواء اختار من نكاحها أولا أو آخرا، وبه قال مالك وأحمد ومحمد بن الحسن. وقال الزهري وأبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح التخيير بحال، بل ان كان تزوجهن بعقد واحد بطل نكاح الجميع، ولا يحل له واحدة منهن إلا بعقد مستأنف، فإن تزوجهن بعقود لزمه نكاح الاربع الاوائل، وبطل نكاح من بعدهن. دليلنا ما روى عن غيلان بن سلمة في قصة إسلامه التى أتينا عليها قبل. (فرع) إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن فقد ذكرنا أنه يجب عليه أن يختار الاربع منهن لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان: اختر أربعا، وهذا أمر، والامر يدل على الوجوب، فان لم يختر أجبره الحاكم على الاختيار، لانه لا يجوز له أن يمسك أكثر من أربع ويحبسه ليختار، فان لم يفعل اخرجه وضربه جلدات دون اقل الجلد، فان لم يختر اعاده إلى الحبس، فان لم يفعل اخرجه وضربه ثانيا وعلى هذا يتكرر عليه الحبس والضرب إلى ان يختار، لان هذا حق يتعين عليه، فهو كما لو كان عليه دين وله مال ناض اخفاه فانه يحبس ويعزر إلى ان يظهره ليقضى به الدين، ويجب عليه ان ينفق على جميعهن إلى ان يختار لانهن محبوسات عليه، فان جن في حال الحبس اطلق سراحه لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاختيار، فإذا افاق اعيد إلى الحبس والتعزير، ولا ينوب الحاكم عنه في الاختيار، لانه اختيار شهوة فلم يثب عنه الحاكم. فان قال لاربع منهن: اخترتكن أو اخترت نكاحكن أو اخترت حبسكن

أو أمسكنكن أو أمسكت نكاحكن أو أثبت نكاحكن أو أثبت عقدكن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح ما زاد عليهن. وإن قال لواحده أو لما زاد على أربع: فسخت نكاحكن انفسخ نكاحهن ولزم نكاح الاربع الباقيات. وإن طلق واحدة أو أربعا وقع عليها وكان ذلك اختيار لها للزوجية، لان ذلك يتضمن الاختيار لان الطلاق لا يقع إلا في زوجة وإن قال لواحدة فارقتك أو اخترت فراقك فذكر الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق أن ذلك يكون اختيارا لفسخ نكاحها. وقال القاضى أبو الطيب: يكون ذلك اختيارا لها الزوجية فيقع عليها الفرقة ويعتد بها من الاربع الزوجات، لان الفراق صريح في الطلاق، فلما كان الطلاق في واحدة منهن اختيارا لزوجيتها فكذلك لفظ الطلاق صريح في الطلاق. قال ابن الصباغ: وهذا وإن كان مبنيا على هذا الاصل إلا أنه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لغيلان اختر منهن أربعا وفارق سائرهن. وكذلك حديث نوفل بن معاوية حيث قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمسك أربعا وفارق الاخرى رواه الشافعي وفى إسناده مجهول لان الشافعي يقول حدثنا بعض أصحابنا عن أبى الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية. وهل يكون لفظ الفراق صحيحا كما قلنا إنه صريح في الطلاق، فيكون صريحا في الطلاق وفى الفسخ لانه حقيقة فيهما ويتخصص بالموضع الذى يقع فيه، فإن كان ظاهر من واحدة منهن أو آلى منها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة. وإن وطئ واحدة ففيه وجهان: (أحدهما) يكون ذلك اختيارا للنكاح، لان الظاهر أنه لا يطأ إلا من يختارها للنكاح كما قلنا في البائع إذا وطئ الجارية المبيعة في حال الخيار فإنه فسخ للبيع، (والثانى) لا يكون ذلك اختيارا لها، لان ما يتعلق به اصطلاح النكاح لا يكون بالوطئ كالرجعية، فإذا قلنا إنه اختيار للموطوءة للنكاح فوطئ أربعا منهن لزم نكاحهن وانفسخ نكاح البواقى. وإذا قلنا لا يكون اختيارا للنكاح

قلنا له: اختر أربعا، فإن اختار الموطوءة فلا شئ عليه، وإن اختار أربعا غير الموطوءة لزمه للموطوءة مهر مثلها (فرع) وان قال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح، لان الاختيار كابتداء العقد، فلا يجوز تعليقه على صفة. قال الشافعي رضى الله عنه: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها. لم يكن شيئا إلا أنه يريده طلاقا، وجملة ذلك أن الرجل إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات فقال: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح تعليقه بالصفات، فهو كما لو أسلمن وقال لكل واحدة (إذا طلعت الشمس فقد فسخت نكاحك) وإن نوى به الطلاق، أو قال كلما أسلمت واحدة منكن فهى طالق، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال بظاهر كلام الشافعي، وقال يصح ذلك لان الطلاق يصح تعليقه على الصفات، فإذا أسلم أربع منهن وقع عليهن الطلاق، وكان ذلك اختيار الزوجتين، ومنهم من قال لا يصح ولا يتعلق بهذا حكم. قال الشيخ أبو حامد، وهو المذهب، لان هذا يتضمن اختيارا للزوجة. والاختيار لا يصح تعليقه بالصفة، ومن قال بهذا تأول كلام الشافعي ثلاثة تأويلات. (أحدهما) أنه إذا أسلم الرجل وليس عنده إلا أربع زوجات حرائر وتأخر إسلامهن فقال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها، فإن أراد به الفسخ لم يصح لان الفسخ لا يصح الا فيمن تفضل عن الاربع، وان أراد به الطلاق صح لانه يلزمه نكاح جميعهن والطلاق يصح تعليقه بالصفات (والتأويل الثاني) أنه أراد إذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات، فكلما أسلمت واحده منهن قال لها فسخت نكاحك ونوى به الطلاق فيصح ذلك ويكون طلاقا واختيارا لها، فيكون الشرط من كلام الشافعي لا من كلام الزوج،

والتأويل الثالث: أنه أراد إذا أسلم رجل وعنده ثمانى زوجات فأسلم أربغ منهن فاختار نكاحهن لزمه نكاحهن، ثم قال بعد ذلك الباقيات: كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاح واحدة من زوجاتي اللاتى اخترت نكاحهن فإن أراد به الفسخ لم يصح، وإن أراد به الطلاق صح، فكلما أسلمت واحدة من الباقيات طلقت واحدة من الزوجات. قال ابن الصباغ: والطريقة الاوله أظهر والتأويل يبعد، لان الطلاق يصح تعليقه بالصفات والاختيار تابع. (فرع) وان أسلم وأسلمن ثم ارتد لم يصح اختياره، وكذلك إذا رجعن إلى الردة لم يصح اختيارهن ولا واحدة منهن، لان الردة تنافى ابتداء النكاح فكذلك الاختيار، وان أسلم وأحرم فالمنصوص أنه يصح اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم فالمنصوص في الام أنه يصح اختياره، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يصح اختياره كما لا يصح نكاحه. والثانى: يصع اختياره كما تصح رجعته، ومنهم من قال: إن أسلم وأحرم ثم أسلمن لم يصح اختياره كما لا يصح نكاحه، وإن أسلم وأسلمن ثم أحرم صح اختياره، لان الاحرام طرأ بعد ثبوت الاختيار. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه، لان الاختيار يتعلق بالشهوة فلا يقوم فيه غيره مقامه، وتجب على جميعهن العدة، لان كل واحدة منهن يجوز أن تكون من الزوجات، فمن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل ومن كانت من ذوات الشهر اعتدت بأربعة أشهر وعشر، ومن كانت من ذوات الاقراء اعتدت بالاقصى من الاجلين من ثلاثة أقراء، أو أربعة أشهر وعشر، ليسقط الفرض بيقين وبوقف ميراث أربع نسوة إلى أن يصطلحن، لانا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وإن كان عددهن ثمانية فجاء أربع يطلبن الميراث لم يدفع اليهن شئ لجواز أن تكون الزوجات غيرهن، وإن جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لان فيهن زوجة بيقين، ولا يدفع اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق ليمكن

صرف الباقي إلى باقى الورثة، وإن جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف لان فيهن زوجتين بيقين، وعلى هذا القياس، وإن كان فيهن أربع كتابيات ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول ابى القاسم الداركى انه لا يوقف شئ، لانه لا يوقف إلا ما يتحقق استحقاقه ويجهل مستحقه، وههنا لا يتحقق الاستحقاق لجواز ان تكون الزوجات الكتابيات فلا يرثن. (والثانى) يوقف لانه لا يجوز ان يدفع إلى باقى الورثة إلا ما يتحقق انهم يستحقونه، ويجوز ان يكون المسلمات زوجاته فلا يكون الجميع لباقي الورثة. (الشرح) الاحكام: إذا اسلم رجل حر وعنده اكثر من اربع زوجات حرائر واسلمن معه، فمات قبل ان يختار اربعا، فإن الوارث لا يقوم مقامه في الاختيار لانه اختيار شهوة، والوارث لا ينوب منابه في الشهوة فلزمهن العدة فإن كن حوامل لم تنقض عدتهن إلا بوضع الحمل، لان من كانت منهن زوجة فهى متوفى عنها زوجها، وعدة المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، وإن كن حوائل فإن كن من ذوات الشهور لم تنقض عدتهن الا بأربعة اشهر وعشر لان من كانت منهن زوجة فهى موطوءة بشبهة فعدتها ثلاثة اشهر، ولا تنقص الزوجات من غيرهن فلزمهن اربعة اشهر وعشر ليسقط الفرض بيقين، وان كن من ذوات الافراء لزم كل واحدة منهن ان تعتد بأقصى الاجلين من اربعة اشهر وعشر أو ثلاثة اقراء، لان عدة المتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا وعدة الموطوءة بشبهة ثلاثة اقراء. فإن كانت قبل مضى اربعة اشهر وعشرا لزمها استكمال العدة اربعة اشهر وعشرا ليسقط الفرض بيقين كما قلنا فيمن نسى صلاة من خمس صلوات لا يعرفها بعينها،، وان كان بعضهن حوامل وبعضهن من ذوات الشهور، وبعضهن من ذوات الاقراء لزم كل واحدة حكم نفسها فيما ذكرنا من ذلك ويوقف لهن من ماله ميراث اربع زوجات وهو الربع مع عدم الولد والثمن مع الولد، لان فيهن أربع زوجات بيقين، وان لم يعرفهن بأعيانهن، فإن اصطلحن فيه، فإن كن ثمان نسوة فأخذت كل واحدة منهن ثمن الموقوف أو تفاضلن فيه برضاهن صح عن

الشافعي رضى الله عنه، فإن كان فيهن مولاة عليها إما لانها صغيرة أو مجنونة لم يصح لوليها أن يصالح عنها بأقل من ثمن الموقوف لانها تستحق هذا القدر في الظاهر، فلا يجوز أن يصالح عنها على أقل منه. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن جاءت منهن واحدة إلى الحاكم تطلب حقها من الميراث لم يدفع إليها شئ لانه يمكن أن لا تكون زوجة وكذلك إن جاء اثنتان أو ثلاث أو أربع فان جاء خمس دفع اليهن ربع الموقوف لانا نتيقن أن فيهن زوجة. قال أكثر أصحابنا: إلا أنه لا يدفع ذلك اليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق في الباقي من الموقوف ليمكن صرفه إلى الثلاث الباقيات إن طلبنه لانه إذا لم يشرط عليهن ذلك كان حقهن متعلقا به فيؤدى إلى أن يأخذن نصيب زوجة بيقين، وحقهن بالباقي، وكذلك ان جاء ست دفع اليهن نصف الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي إلى الاخيرتين ان طلبتاه وان جاء سبع منهن دفع اليهن ثلاثة أرباع الموقوف بهذا الشرط، ودفع الباقي منه إلى الثامنة ان طلبت ذلك. قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر، وذلك أن من يعطى من الميراث اليقين لا يسقط بذلك حقه مما يجوز أن يستحقه كما لو خلف زوجة وحملا فانا نعطى الزوجة اليقين، ونوقف الباقي، ولا يسقط حقها منه، وان أسلم وتحته أربع زوجات كتابيات وأربع وثنيات فأسلم الوثنيات معه ثم مات قبل أن يختار، ففيه وجهان (أحدهما) لا يوقف شئ من تركته بل يدفع الجميع إلى باقى ورثته لانه لا يوقف الا ما يتيقن استحقاقه على باقى الورثة، ويجهل من يستحقه، وههنا يجوز ان يكون الزوجات هن الكتابيات (والثانى) يجوز ان يكون المسلمات هن الزوجات. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان اسلم وتحته اختان، أو امرأة وعمتها، أو امرأة وخالتها، واسلمتا معه لزمه ان يختار احداهما، لما روى (ان ابن الديلمى اسلم وتحته اختان فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختر أيتهما شئت وفارق الاخرى) وان اسلم

وتحته أم وبنت وأسلمتا معه، لم يخل إما أن لا يكون قد دخل بواحدة منهما أو دخل بهما أو دخل بالام دون البنت أو بالبنت دون الام، فإن لم يكن دخل بواحدة منهما ففيه قولان. (أحدهما) يمسك البنت وتحرم الام، وهو اختيار المزني، لان النكاح في الشرك كالنكاح الصحيح، بدليل أنه يقر عليه والام تحرم بالعقد على البنت: وقد وجد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بالام، ولم يوجد الدخول. (والقول الثاني) وهو الصحيح أنه يختار من شاء منهما، لان عقد الشرك إنما تثبت له الصحة إذا انضم إليه الاختيار، فإذا لم ينضم إليه الاختيار فهو كالمعدوم، ولهذا لو أسلم وعنده أختان واختار إحداهما جعل كأنه عقد عليها ولم يعقد على الاخرى، فإذا اختار الام صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على البنت، وإذا اختار البنت صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على الام، فعلى هذا إذا اختار البنت حرمت الام على التأبيد، لانها أم إمرأته، وان اختار الام حرمت البنت تحريم جمع لانها بنت إمرأة لم يدخل بها، وإن دخل بها حرمت البنت بدخوله بالام وأما الام فان قلنا: إنها تحرم بالعقد على البنت حرمت لعلتين بالعقد على البنت وبالدخول بها. وإن قلنا: إنها لا تحرم بالعقد حرمت بعلة وهى الدخول، وإن دخل بالام دون البنت فان قلنا: إن الام تحرم بالعقد على البنت حرمت الام بالعقد على البنت وحرمت البنت بالدخول بالام، وان قلنا: ان الام لا تحرم بالعقد على البنت حرمت البنت بالدخول بالام وثبت نكاح الام، وان دخل بالبنت دون الام ثبت نكاح البنت وانفسخ نكاح الام وحرمت في أحد القولين بالعقد وبالدخول، وفى القول الاخر بالدخول. (الشرح) حديث ابن الديلمى لعله فيروز في رواية ابنه الضحاك عند الشافعي وأحمد والترمذي وحسنه والدارقطني وابن حبان وصححه، عن الضحاك عن أبيه قال (أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق احداهما) وفى لفظ الترمذي (اختر أيتهما شئت) .

فإذا أسلم وعنده أختان اختار احداهما وفارق الاخرى وكذلك إذا أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها وأسلمتا اختار احداهما لانه لا يجوز الجمع بينهما فهما كالاختين، وقد مضى كلامنا على الاحاديث الواردة في ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أسلم وتحته أربع اماء فأسلمن معه فان كان ممن يحل له نكاح الامة اختار واحدة منهن لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها فجاز له اختيارها كالحرة وان كان ممن لا يحل له نكاح الامة لم يجز أن يمسك واحدة منهن. وقال أبو ثور: يجوز لانه ليس بابتداء النكاح فلا يعتبر فيه عدم الطول وخوف العنت كالرجعة وهذا خطأ، لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلا يجوز له اختيارها كالام والاخت ويخالف الرجعة، لان الرجعة سد ثلمة في النكاح والاختيار اثبات النكاح في المرأة، فصار كابتداء العقد، وان أسلم وتحته اماء وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار واحدة منهن، لان وقت الاختيار عند اجتماع اسلامه واسلامهن، وهو في هذا الحال ممن يجوز له نكاح الامة، فكان له اختيارها، وان أسلم بعضهن وهو موسر وأسلم بعضهن وهو معسر، فله أن يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو معسر، ولا يختار من اجتمع اسلامه واسلامها وهو موسر اعتبارا بوقت الاختيار. (فصل) وان أسلم وعنده أربع اماء فأسلمت منهن واحدة، وهو ممن يجوز له نكاح الاماء فله أن يختار المسلمة وله أن ينتظر اسلام البواقى ليختار من شاء منهن، فان اختار فسخ نكاح المسلمة لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحها، وليس ههنا فضل، فان خالف وفسخ ولم يسلم البواقى لزم نكاح المسلمة، وبطل الفسخ، وان أسلمن فله أن يختار واحدة، فان اختار نكاح المسلمة التى اختار فسخ نكاحها، ففيه وجهان. (أحدهما) ليس له ذلك لانا منعنا الفسخ فيها لانها لم تكن فاضلة عمن يلزم فيها النكاح، وباسلام غيرها صارت فاضلة عمن يلزم نكاحها، فثبت فيها الفسخ

(والثانى) وهو المذهب أن له أن يختار نكاحها لان اختيار الفسخ كان قبل وقته، فكان وجوده كعدمه، كما لو اختار نكاح مشركة قبل إسلامها. (فصل) وإن أسلم وعنده حرة وأمة وأسلمتا معه ثبت نكاح الحرة وبطل نكاح الامة، لانه لا يجوز أن يبتدئ نكاح الامة مع وجود حرة، فلا يجوز أن يختارها، فإن أسلم وأسلمت الامة معه وتخلفت الحرة فان أسلمت قبل انقضاء العدة ثبت نكاحها وبطل نكاح الامة كما لو أسلمتا معا، وان انقضت العدة ولم تسلم بانت باختلاف الدين، فإن كان ممن يحل له نكاح الامة فله أن يمسكها. (فصل) وإن أسلم عبد وتحته أربع فأسلمن معه لزمه أن يختار اثنتين فان أعتق بعد إسلامه وإسلامهن لم تجز له الزيادة على اثنتين لانه ثبت له الاختيار وهو عبد وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن وأعتق ثم أسلم لزم نكاح الاربع لانه جاء وقت الاختيار وهو ممن يجوز له أن ينكح أربع نسوة. (الشرح) قوله: سد الثلمة يعنى جبر الخلل يقال ثلمته أثلمه وبابه ضرب وفى السيف ثلم وفى الاناء ثلم إذا كسر من شفته. أما الاحكام: فإنه إذا أسلم الحر وتحته أربع زوجات اماء وأسلمن معه بعد الدخول، فان كان عادما لطول حرة خائفا للعنت لزمه أن يختار واحدة منهن، وان كان واجدا لطول حرة أو آمنا من العنت لم يجز له ان يختار منهن واحدة. وقال ابو ثور: له أن يختار واحدة منهن بكل حال، لان الاختيار ليس بابتداء نكاح وانما هو كالرجعة، وهذا ليس بصحيح لانه لا يجوز له النكاح للامة، فلا يحل له اختيار نكاحها كالمعتدة. إذا ثبت هذا: فإن اسلم وهو موسر فلم يسلمن معه حتى اعسر فله ان يختار واحدة منهن اعتبارا بوقت اجتماع اسلامه واسلامهن، وان اسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى ايسر لم يكن له ان يختار واحدة منهن، وان اجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو موسر واجتمع اسلامه واسلام بعضهن وهو معسر فله ان يختار ممن اجتمع اسلامه واسلامهن في حال الاعسار دون يساره، وان اسلم واسلمت واحدة منهن وتخلف ثلاث في الشرك فله ان يختار المسلمة، وله ان ينتظر اسلام

الثلاث الباقيات، لانه قد يكون له غرض في ذلك، فإن اختار نكاح المسلمة لزمه نكاحها، فان لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن انفسخ نكاحهن من وقت اسلامهن وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن انفسخ نكاحهن وقت اختيار الاولة، وكان ابتداء عدتهن من ذلك الوقت، فان ماتت المسلمة بعد اختيار نكاحها فليس له أن يختار واحدة من الباقيات، وان لم يختر المسلمة الاولة نظرت، فإن لم يسلم الباقيات حتى انقضت عدتهن لزمه نكاح المسلمة وانفسخ نكاح الباقيات من وقت اسلامه وابتداء عدتهن من ذلك الوقت وهكذا لو أسلم وتحته ثمان نسوة دخل بهن وأسلم منهن أربع وتخلف أربع فله أن يختار نكاح الاربع المسلمات، وله أن ينتظر اسلام الباقيات، فإذا اختار كان الحكم في وقت الفسخ ووقت العدة ما ذكرناه في التى قبلها، فان طلق الامة المسلمة أولا أو الاربع الحرائر المسلمات قبل اسلام الباقيات صح طلاقه، وكان ذلك اختيارا لمن طلق، وان أراد أن يفسخ نكاح المسلمه أولا أو الاربع المسلمات قبل اسلام الباقيات لم يكن له ذلك، لان الفسخ انما يكون فيمن فضل عمن يلزمه نكاحه، ويجوز أن لا يسلم الباقيات، فيلزمه نكاح من قد أسلم، فان خالف وفسخ نكاح من أسلم نظرت، فان لم يسلم الباقيات لم يصح الفسخ ولزمه نكاح من فسخ نكاحه، وان أسلم الباقيات نظرت، فان اختار نكاح واحدة من الثلاث الاماء أو الاربع الحرائر المسلمات لزمه نكاح من اختار نكاحه وانفسخ نكاح الباقيات، وان اختار نكاح الامة المسلمة أو الاربع الحرائر أولا ففيه وجهان. (أحدهما) يصح اختياره، لان فسخه الاول لم يحكم بصحته (والثانى) لا يصح، لانا انما لم نحكم بصحة فسخه لانها لم تكن فاضله عمن يلزمه نكاحها، وباسلام الباقيات صار من فسخ نكاحها فاضلا والاول أصح. (مسألة) إذا نكح الحر ثمانى زوجات في الشرك، فأسلم وأسلم منهن أربع وتخلف أربع، ثم مات الاربع المسلمات أو بعضهن ثم أسلم الاربع الباقيات قبل انقضاء عدتهن، فله أن يختار الاربع الموتى للنكاح، لان الاختيار ليس هو

ابتداء عقد، وإنما يتعين به من كانت زوجة ولان الاعتبار بالاختيار حال ثبوته وقد كن أحياء ذلك الوقت. (فرع) إذا تزوج وثنية ثم أسلمت وتخلف الزوج في الشرك فتزوج أختها فان أسلم بعد انقضاء عدة الاولة انفسخ نكاح الاولة وثبت نكاح الثانية إن أسلمت معه قبل انقضاء عدتها، وإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدة الاولة وأسلمت معه الثانية، اختار أيتهما شاء. (فرع) إذا كان تحته ثمان زوجات فأسلم وأسلمن معه فقد قلنا: إذا طلق واحدة كان ذلك اختيارا لزوجيتها، وإن ظاهر من واحدة أو آلى منها أو قذفها لم يكن ذلك اختيارا لها، لانه قد يخاطب به غير الزوجة، فيكون ذلك موقوفا فإن لم يختر التى ظاهر منها أو آلى لم يصح ظهاره ولا إيلاؤه، وإن اختارها للنكاح تبينا أن ظهاره أو إيلاؤه صحيح. وأما المقذوفة: فإن لم يخترها للنكاح، وجب عليه الحد بقذفها، ولا يسقط إلا بالبينة، وان اختارها للنكاح تبينا أنها كانت زوجة، وله أن يسقط حد قذفها بالبينة أو باللعان، وان أسلم وتخلفن في الشرك فطلق واحدة منهن أو ظاهر منها أوآلى أو قذفها، فان لم يسلمن حتى انقضت عدتهن لم يكن لطلاقه وظهاره وايلائه حكم، ويجب عليه التعزير للمقذوفه، وان أسلمن قبل انقضاء عدتهن. قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: فان اختار التى طلق أو ظاهر منها أو آلى وقع عليها الطلاق والظهار والايلاء. ويلزمه التعزير بقذفها، وله أن يسقطه بالبينة أو باللعان، وان لم يخترها فانها أجنبية منه فلا يقع عليها طلاق ولا ظهار ولا ايلاء ويلزمه بقذفها التعزير، ولا يسقط الا بالبينة. قال ابن الصباغ في الشامل: وفى هذا عندي نظر، بل يجب إذا أسلمت المطلقة أن يقع عليها الطلاق، ويكون ذلك اختيارا لها لان هذا الطلاق إذا كان يقع عليها مع اختياره وقع عليها باسلامها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان تزوج امرأة معتدة من غيره وأسلما فان كان قبل انقضاء العدة لم يقرا على النكاح، لانه لا يجوز له أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز اقراره على نكاحها، وان كان بعد انقضاء العدة أقرا عليه، لانه يجوز أن يبتدئ نكاحها، وان أسلما وبينهما نكاح متعة لم يقرا عليه، لانه ان كان بعد انقضاء المدة لم يبق نكاح، وان كان قبله لم يعتقدا تأبيده، والنكاح عقد مؤبد، وان أسلما على نكاح شرط فيه الخيار لهما ألا حدهما متى شاء لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه والنكاح عقد لازم، وان أسلما على نكاح شرط فيه فيه خيار ثلاثة أيام فان كان قبل انقضاء المدة لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان كان بعد انقضاء المدة اقرار عليه لانهما يعتقدان لزومه، وان طلق المشرك امرأته ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما لم يقرا عليه، لانها لا تحل له قبل زوج، فلم يقرا عليه كما لو أسلم وعنده ذات رحم محرم، وان قهر حربى حربية ثم أسلما فان اعتقدا ذلك نكاحا أقرا عليه لانه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه، كالنكاح بلا ولى ولا شهود، وان لم يعتقدا ذلك نكاحا لم يقرا عليه لانه ليس بنكاح. (فصل) إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فان كان قبل الدخول وقعت الفرقة، وان كان بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة، فان اجتمعا على الاسلام قبل انقضاء العدة فهما على النكاح، وان لم يجتمعا وقعت الفرقة، لانه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح، فكان حكمه ما ذكرناه كما لو أسلم أحد الوثنيين. (فصل) وان انتقل الكتابى إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه، لانه لو كان على هذا الدين في الاصل لم يقر عليه، فكذلك إذا انتقل إليه، وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثة أقوال. (أحدها) يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، أو دين يقر عليه أهله، لان كل واحد من ذلك مما يجوز الاقرار عليه. (والثانى) لا يقبل منه الا الاسلام لانه دين حق، أو الدين الذى كان عليه

لانا أقررناه عليه (والثالث) لا يقبل منه إلا الاسلام وهو الصحيح، لانه اعترف ببطلان كل دين سوى دينه، ثم بالانتقال عنه اعترف ببطلانه، فلم يبق إلا الاسلام، وإن انتقل الكتابى إلى دين يقر أهله عليه ففيه قولان. (أحدهما) يقر عليه، لانه دين يقر أهله عليه فأقر عليه كالاسلام. (والثانى) لا يقر عليه لقوله عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه) فعلى هذا فيما يقبل منه قولان. أحدهما: يقبل منه الاسلام أو الدين الذى كان عليه، والثانى: لا يقبل منه إلا الاسلام لما ذكرناه. وكل من انتقل من الكفار إلى دين لا يقر عليه فحكمه في بطلان نكاحه حكم المسلم إذا ارتد. (فصل) وان تزوج كتابي وثنية ففيه وجهان. أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى: أنه لا يقر عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الذمي كنكاح المرتدة. والثانى: وهو المذهب أنه يقر عليه لان كل نكاح أقر عليه بعد الاسلام أقر عليه قبله كنكاح الكتابية. (الشرح) إذا تزوج مرتدة من غيره، فان أسلما قبل انقضاء عدتها من الاول لم يقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلم يجز إقراره عليه كذوات محارمه، وإن أسلما بعد انقضاء عدتها من الاول أقرا على النكاح لانه لا يجوز له ابتداء نكاحها فأقرا عليه. (فرع) إذا نكح مشرك مشركة نكاح متعة ثم أسلما لم يقرا عليه لانهما ان أسلما قبل انقضاء المدة التى شرطها فهما لا يعتقدان لزومه الآن بعد انقضائها وإن أسلما بعد انقضائها فهما لا يعتقدان لزومه. قال الشافعي رضى الله عنه: فان أبطلا بعد العقد المتعة وجعلا العقد مطلقا لم يؤثر ذلك، لانه حالما عقداه كانا يعتقدان أنه لا يدوم بينهما فلم يتغير ذلك الحكم بما طرأ من الشرط، وهكذا لو تزوجها على أن لهما أو لاحدهما الخيار في فسخ النكاح متى شاء ثم أسلم لم يجز إقرارهما عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، فان اتفقا على إسقاط الشرط لم يؤثر ذلك، ولم يقرا عليه لما ذكرناه، وان شرطا بينهما خيار ثلاثة أيام، فإن أسلما قبل الثلاث لم يقرا عليه، لانهما لا يعتقدان لزومه، وان أسلما بعد الثلاث أقرا عليه لانهما بعتقدان لزومه.

(فرع) قال في الام: وان قهر حربى حربية على نفسها فوطئها أو طاوعته فوطئها ثم أسلما لم يقر على ذلك إذا كانا لا يعتقدان ذلك نكاحا. قال أصحابنا: فإن اعتقدا ذلك نكاحا وأسلما أقرا عليه لانه لا يجوز لبعض أهل الذمة أن يقهر بعضا، لان على الامام الذب عنهم. (مسألة) إذا ارتد أحد الزوجين فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحهما وقال داود: لا ينفسخ. دليلنا قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان هذا اختلاف دين يمنع الاصابة فانفسخ به النكاح كما لو أسلمت الذمية تحت كافر وان ارتد أحدهما بعد الدخول وقف النكاح على انقضاء عدة الزوجه، فإن رجع المرتد منهما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح. وان انقضت عدتها قبل أن يسلم المرتد منهما بانت منه بردة المرتد منهما، وبه قال أحمد وإحدى الروايتين عن مالك وقال أبو حنيفة: ينفسخ النكاح في الحال، وهى الرواية الاخرى عن مالك دليلنا أن هذا اختلاف دين بعد الدخول فلا يوجب الفسخ في الحال كما لو أسلمت الحربية تحت الحربى، وإن ارتدا معا فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح بينهما، وان كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء عدة الزوجة، فإن رجعا إلى الاسلام قبل انقضائها فهما على النكاح، وان انقضت قبل إسلامهما بانت منه بالردة، وبه قال مالك وأحمد رضى الله عنهما. وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ العقد استحسانا، دليلنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما. (فرع) إذا ارتدت الزوجة بعد الدخول فطلقها الزوج ثلاثا فإن انقضت العدة قبل أن ترجع إلى الاسلام تبينا أنها بانت بالردة، ولم يقع عليها طلاق، وإن رجعت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا أنها كانت زوجة وقت الطلاق ووقع عليها، وإن تزوج أختها أو عمتها بعد الطلاق أو خالتها بعد الطلاق صح بكل حال، لانها إما بائن منه بالردة أو بالطلاق، وان تزوج أختها أو عمتها بعد الردة وقبل الطلاق في العدة لم يصح، لجواز أن ترجع إلى الاسلام فتكون زوجة. (فرع) وان ارتدت زوجة رجل بعد الدخول عليه، وله امرأة صغيرة فأرضعتها أم المرتدة قبل انقضاء عدة المرتدة خمس رضعات متفرقات، فإن رجعت

المرتدة إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها انفسخ نكاح الصغيرة وفى الكبيرة قولان وان لم ترجع إلى الاسلام بانت بالردة، ولم ينفسخ نكاح الصغيرة، وان أرضعتها الكبيرة أو بنتها انفسخ نكاح الصغيرة بكل حال. (مسألة) إذا انتقل اليهودي أو النصراني إلى دين لا يقر أهله عليه، لم يقر عليه، كما لا يقر أهله عليه وما الذى يقبل منه؟ فيه ثلاثه أقوال. (أحدها) الاسلام أو الدين الذى كان عليه أو دين يقرا أهله عليه، لان كل دين من ذلك يقر أهله عليه. (والثانى) لا يقبل منه الا الاسلام، لانه الدين الحق، أو الدين الذى كان عليه، لانا قد أقررناه عليه. (والثالث) وهو الاصح، أنه لا يقبل منه الا الاسلام، لانه قد اعترف ببطلان كل دين فلم بقبل الا الاسلام فإن انتقل إلى دين يقر أهله عليه فهل يقر عليه فيه قولان مضى توجيههما، فإن قلنا: لا يقر عليه فهل يقبل منه الدين الذى كان عليه أو لا يقبل منه الا دين الاسلام، فيه قولان مضى توجيههما، وكل موضع قلنا: لا يقبل منه ما انتقل إليه فحكمه في النكاح حكم المرتد وقد مضى بيانه. (مسألة) إذا تزوج الكتابى بكتابية أقرا عليه قبل اسلامهما وبعد اسلامهما وان تزوج الكتابى وثنية أو مجوسية فإن أسلما أقرا عليه بلا خلاف، لان غيلان بن سلمة اسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يختار منهن اربعا، ولم يسأله هل هن كتابيات أو غير كتابيات، فدل على ان الحكم لا يختلف، وان ترافعا الينا قبل الاسلام فَفِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يقران عليه لان كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الكتابى كالمرتد. والثانى وهو المذهب انهما يقران عليه، لان كل نكاح اقرا عليه إذا أسلما أقرا عليه إذا لم يسلما كنكاح الكتابية ويخالف المسلم فإن الكافر انقص من المسلم فجاز له استدامة نكاح المجوسية والوثنية وان لم يجز ذلك للمسلم كما قلنا في العبد: يجوز له تزويج الامة ولا يعتبر فيه خوف العنت، وعدم الطول، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا أسلم الوثنيان قبل الدخول ثم اختلفا فقالت المرأة: أسلم أحدنا قبل صاحبه فانفسخ النكاح، وقال الزوج: بل أسلمنا معا، فالنكاح على حاله، ففيه قولان. (أحدهما) أن القول قول الزوج، وهو اختيار المزني، لان الاصل بقاء النكاح (والثانى) أن القول قول المرأة، لان الظاهر معها، فإن اجتماع اسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر متعذر. قال في الام: إذا أقام الزوج بينة أنهما أسلما حين طلعت الشمس، أو حين غربت الشمس، لم ينفسخ النكاح لا تفاق إسلامهما في وقت واحد، وهو عند تكامل الطلوع أو الغروب، فإن أقام البينة أنهما أسلما حال طلوع الشمس أو حال غروبها انفسخ نكاحهما، لان حال الطلوع والغروب من حين يبتدئ بالطلوع والغروب إلى أن يتكامل وذلك مجهول. وإن أسلم الوثنيان بعد الدخول واختلفا، فقال الزوج: أسلمت قبل انقضاء عدتك فالنكاح باق. وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء عدتي، فلا نكاح بيننا، فقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن القول قول الزوج، ونص في مسألتين على أن القول قول الزوجة إحداهما إذا قال الزوج للرجعية: راجعتك قبل انقضاء العدة، فنحن على النكاح وقالت الزوجة: بل راجعتني بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة. والثانية إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم أسلم. فقال: أسلمت قبل انقضاء العدة فالنكاح باق. وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء العدة فالقول قول المرأة. فمن أصحابنا من نقل جواب بعضها إلى بعض، وجعل في المسائل كلها قولين. (أحدهما) أن القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح. (والثانى) أن القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة. ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين، فالذي قال: إن القول قول الزوج إذا سبق بالدعوى، والذى قال: القول قول الزوجة إذا سبقت بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما سبق إليه، فلا يجوز ابطاله بقول غيره.

ومنهم من قال: هي على اختلاف حالين على وجه آخر، فالذي قال: القول قول الزوج، أراد إذا اتفقا على صدقه في زمان ما ادعاه لنفسه، بأن قال أسلمت وراجعت في رمضان، فقالت المرأة صدقت، لكن انقضت عدتي في شعبان، فالقول قول الزوج باتفاقهما على الاسلام بالرجعة في رمضان، واختلافهما في انقضاء العدة، والذى قال: القول قول المرأة إذا اتفقا على صدقها في زمان ما ادعته لنفسها، بأن قالت: انقضت عدتي في شهر رمضان، فقال الزوج لكن راجعت أو أسلمت في شعبان، فالقول قول المرأة لاتفاقهما على انقضاء العدة في رمضان، واختلافهما في الرجعة والاسلام. (الشرح) إذا أسلم الزوج بعد الدخول وتخلفت الزوجة فلا نفقة لها، وإن أسلمت الزوجة ولم يسلم فعليه نفقتها، فإن اختلفا فقالت الزوجة: أسلمت أنا وأقمت أنت على الشرك فأنا استحق عليك النفقة، وقال الزوج: بل أسلمت أنا ولم تسلمي أنت فلا نفقة لك على، ففيه وجهان. (أحدهما) القول قول الزوجة، لانه قد ثبت استحقاقها للنفقة بالزوجية، والاصل بقاؤها. (والثانى) أن القول قول الزوج، لان نفقة كل يوم يجب بيومه، والاصل عدم الوجوب. (مسألة) إذا أسلم الزوج قبل الزوجة وقبل الدخول وجب عليه نصف المسمى ان سمى لها مهرا صحيحا، وإن سمى لها مهرا باطلا ولم تقبضه في لشرك وجب لها نصف مهر المثل، وان أسلمت الزوجة قبله قبل الدخول لم يجب لها شئ. إذا ثبت هذا: فان اتفقا أنهما أسلما قبل الدخول وقالا: لا نعلم السابق منا بالاسلام انفسخ النكاح بينهما، لان الحال لا يختلف في انفساخ النكاح. وأما الصداق: فإن كان في يد الزوج لم تقبض منه الزوجه شيئا، لانها إن كانت أسلمت أولا فإنها لا تستحق منه شيئا، وإن أسلم الزوج أولا فلها نصفه، فإذا لم تعلم على أي وجه كان لم يتيقن استحقاقها بشئ من المهر، وان كان الصداق في يد الزوجة لم يكن للزوج أن يقبض منه الا النصف، لانه لا يتيقن أنه يستحق

إلا ذلك، وإن اختلفا فقالت الزوجة أسلمت أنت أولا فأنا استحق عليك نصف الصداق، وقال الزوج: بل أسلمت أنت أولا فلا تستحقين على شيئا، فالقول قول الزوجه مع يمينها، لانا تيقنا استحقاقها لنصف المهر، والاصل بقاء ذلك الاستحقاق، وان اختلفا في انفساخ النكاح، فقالت الزوجة أسلم أحدنا قبل صاحبه قبل الدخول فانفسخ النكاح. وقال الزوج بل أسلمنا معا في حالة واحدة ففيه قولان. (أحدهما) القول قول الزوج مع يمينه وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى لان الاصل بقاء النكاح. (والثانى) القول قول الزوجة مع يمينها، لان الظاهر معها لان الظاهر أنه لا يتفق اسلامهما في حالة واحدة الا نادرا، وان قال الزوج: أسلم أحدنا قبل صاحبه. وقالت الزوجة بل أسلمنا معا في حالة واحدة فانه يحكم على الزوج بانفساخ النكاح لانه أقر بذلك. وأما المهر فيحتمل أن يكون على القولين كالاولة، وان أقام الزوج البينة أنهما أسلما قبل الدخول حين طلعت الشمس أو حين زالت أو حين غربت، لم ينفسخ النكاح، وان قال الزوجان أسلمنا معا مع طلوع الشمس أو مع زوالها أو مع غروبها أو حال طلوعها أو حال زوالها أو حال غروبها لم يثبت اسلامهما معا فينفسخ، والفرق بينهما ان حين طلوعها وحين زوالها وحين غروبها هو حين تكامل الطلوع والزوال والغروب إلى استكماله، فيجوز أن يكون اسلام احدهما قبل الآخر. (فرع) وان اسلمت الزوجة بعد الدخول ثم اسلم الزوج بعدها ثم اختلفا فقال الزوج: اسلمت قبل انقضاء العدة، وقالت الزوجة: بل اسلمت بعد انقضاء العدة. قال الشافعي رحمه الله: فالقول قول الزوج. وقال الشافعي رحمه الله: إذا طلق زوجته طلقة رجعية ثم راجعها فقال الزوج: راجعت قبل انقضاء العدة. وقالت الزوجة: بل راجعت بعد انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة. وقال: إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم اسلم فقالت الزوجة: اسلمت بعد انقضاء العدة. وقال الزوج اسلمت قبل انقضاء العدة، فالقول قول الزوجة، واختلف أصحابنا في هذه المسائل الثلاث على ثلاث طرق.

فمنهم من قال: فيها قولان. أحدهما: القول قول الزوج لان الاصل بقاء النكاح. والثانى: القول قول الزوجة، لان الاصل عدم الاسلام والرجعة. ومنهم من قال: هي على حالين، فحيث قال: القول قول الزوجة إذا كانت هي السابقة بالدعوى، لان قول كل واحد منهما مقبول فيما أظهره وسبق إليه. ومنهم من قال: هي على حالين آخرين، فحيث قال، القول قول الزوج إذا اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في وقت انقضاء عدتها بأن قال. أسلمت أو راجعت في شعبان، فقالت صدقت لكن انقضت عدتي في رجب، وحيث قال القول قول الزوجة، أراد إذا اتفقا على وقت انقضاء عدتها، واختلفا في وقت إسلامه ورجعته، فأن قالت انقضت عدتي في شعبان فقال صدقت لكن أسلمت أو راجعت في رجب، لان الاصل بقاء العدة إلى شعبان وعدم الاسلام أو الرجعة في رجب. (فرع) وان تزوج الكتابى بالكتابية صغيرة وأسلم أحد أبويها قبل الدخول انفسخ نكاحها، لانها صارت مسلمة تبعا لمن أسلم من أبويها قبل الدخول فهو كما لو قال أسلمت بعد بلوغها وقبل الدخول، وهل يجب لها من المهر شئ. قال ابن الحداد، سقط جميع المهر، لان الفرقه وقعت بينهما قبل الدخول، ولم يكن من الزوج صنع فيها فسقط المهر، كما لو اشترت المرأة زوجها قبل الدخول، فمن أصحابنا من صوبه، ومنهم من خطأه وقال. يجب لها المهر لانها لم يكن من جهتها صنع في الفرقه، فهو كما لو أرضعتها أم الزوج، فإذا قلنا بهذا فإن الزوج لا يرجع على من أسلم من أبويها بشئ، ويرجع على المرضعة، والفرق بينهما أن الاسلام واجب فلم يكن فعله جناية، وليس كذلك الارضاع فانه ليس بواجب، غير أنه إن وجدت هذه المرضعة الصغيرة عطشانة قد أشرفت على الموت، ولم تجد أحدا يرضعها أو يسقيها لبنا، ولم تتمكن من إحيائها إلا بالرضاع فانه يجب عليها إرضاعها وإذا أرضعتها انفسح النكاح ولم يجب عليها شئ للزوج، هكذا ذكر القاضى أبو الطيب والله تعالى أعلم وهو الموفق للصواب.

قال المصنف رحمه الله: كتاب الصداق المستحب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق لما روى سعد بن سهل رضى الله عنه (أن إمرأة قالت: قد وهبت نفسي لك يا رسول الله صلى الله عليك، فر في رأيك فقال رجل: زوجنيها، قال: اطلب ولو خاتما من حديد، فذهب فلم يجئ بشئ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ معك من القرآن شئ، فقال: نعم فزوجه بما معه من القرآن) ولان ذلك أقطع الخصومة، ويجوز من غير صداق، لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فأثبت الطلاق مع عدم الفرض. وروى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: إنى أزوجك فلانة، قال: نعم قال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا، قالت: نعم فزوج أحدهما من صاحبه، فدخل عليها ولم يفرض لها به صداق، فلما حضرته الوفاة قَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجنى فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإنى قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف) ولان القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير صداق. (فصل) ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقوله صلى الله عليه وسلم (اطلب ولو خاتما من حديد) ولانه بدل منفعتها فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها ويجوز أن يكون كبيرا لقوله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال معاذ رضى الله عنه القنطار ألف ومائتا أوقية. وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: ملء مسك ثور ذهبا. والمستحب أن يخفف لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) ولانه إذا كبر أجحف وأضر ودعى إلى المقت والمستحب أن لا يزيد على خمسمائة درهم، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ

(كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لازواجه إثنتى عشرة أوقية ونشا أتدرون ما النش، نصف أوقية، وذلك خمسمائة درهم) والمستحب الاقتداء به والتبرك بما بعته، فإن ذكر صداق في السر وصداق في العلانية فالواجب ما عقد به العقد، لان الصداق يجب بالعقد فوجب ما عقد به، وإن قال زوجتك ابنتى بألف، وقال الزوج قبلت نكاحها بخمسمائة، وجب مهر المثل لان الزوج لم يقبل بألف والولى لم يوجب بخسمائة فسقط الجميع ووجب مهر المثل. (الشرح) خبر سهل بن سعد في التى وهبت نفسها أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وقد مضى ذكره في غيره موضع، وحديث عقبة بن عامر أخرجه أبو داود والحاكم، وقد استشهد به المحدثون لصحة حديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن حبان (أن عبد الله ابن مسعود أتى في إمرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا، ولم يكن دخل بها، فاختلفوا إليه فقال. أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة، فشهد معقل بن سنان الاشجعى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى) . وقال الشافعي لا أحفظة من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقال ابن حزم، لا مغمز فيه لصحة إسناده، وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى انه قال. سمعت الشافعي يقول إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به. قال الحاكم، قال شيخنا أبو عبيد الله لو حضرت الشافعي لقمت على رؤس الناس وقلت قد صح الحديث فقل به. أما حديث عائشة رضى الله عنها باللفظ الذى ساقه المصنف رواه أحمد ورواه الطبراني في الاوسط بلفظ (أخف النساء صداقا أعظمهن بركة) وفى إسناده الحرث بن شبل، وأخرجه الطبراني في الكبير والاوسط بنحوه، وأخرج نحوه الحاكم وأبو داود عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير الصداق أيسره) .

وأما حديث عائشة الثاني فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني عن أبى سلمة قال (سألت عائشة رضى الله عنها كم كان صداق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كان صداقه لازواجه اثنتى عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدرى ما النش، قلت. لا. قالت نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم) قوله (فر) فعل أمر من رأى محذوف الوسط المهموز كحذف همزة الوسط في سأل فيقال: سل، ولانه معتل الآخر فهو مبنى على حذف حرف العلة وبذلك حذفت الالف المهموزة والالف المقصورة فكان فعل الامر (ر) راء مفتوحة فقط. والصداق فيه لغات أولها بفتح الصاد، والثانية كسرها، والجمع صدق بضمتين والثالثة لغة الحجاز، صدقة بفتح الصاد وضم الدال وجمعها صدقات على لفظها وفى التنزيل (وآتوا النساء صدقاتهن) والرابعة لغة تميم صدقه بضم الصاد وإسكان الدال والجمع صدقات مثل غرفه وغرفات في وجوهها، والخامسه صدقه وجمعها صدق مثل قرية وقرى، وأصدقتها أعطيتها صداقها وأصدقتها تزوجتها على صداق وشئ صدق وزان فلس أي صلب. (أما الاحكام) الصداق هو ما تستحقه المرأة بدلا في النكاح وله سبعة أسماء الصداق والنحلة والاجرة والفريضة والمهر والعليقة والعقد، لان الله تعالى سماه الصداق والنحلة والفريضة، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم المهر والعليقة، وسماه عمر بن الخطاب رضى الله عنه العقد، قال تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) وقال تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآيه، وقال صلى الله عليه وسلم (فان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها) وقال صلى الله عليه وسلم (أدوا العلائق، قيل وما العلائق قال ما تراضى عليه الاهلون) فان قيل لم سماه نحلة، والنحلة العطية بغير عوض، والمهر ليس بعطية وإنما هو عوض عن الاستمتاع، ففيه ثلاثة تأويلات. أحدها: أنه لم يرد بالنحله العطيه، وإنما أراد بالنحله من الانحال وهو التدين

لانه يقال: انتحل فلان مذهب كذا أي دان به، فكأنه تبارك وتعالى قال (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) أي تدينا. (والثانى) أن المهر يشبه العطية لانه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج وأكثر، لانها أجلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنها تأخذه بغير عوض. (والثالث) أنه عطية من الله تعالى في شرعنا للنساء، لان في شرع من قبلنا كان المهر للاولياء، ولهذا قال تعالى في قصة شعيب (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) الآية. إذا ثبت هذا: فالمستحب أن يسمى الصداق في العقد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتزوج أحدا من نسائه عليهن السلام ولا زوج أحدا من بناته عليهن السلام إلا بصداق سماه في العقد، وحديث المرأة التى جاءت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله قد وهبت نفسي منك فصعد النبي صلى الله عليه وسلم بصره ثم صوبه ثم قال ما لى إلى النساء من حاجة، فقام رجل فقال زوجنيها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها، قال: إزارى، قال: إن أصدقنها إزارك جلست ولا إزار لك، التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس ولم يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمعك شئ من القرآن، قال نعم سورة كذا وسورة كذا، فقال صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن. ولانه إذا زوجه بالمهر كان أقطع للخصومة، فإن عقد النكاح بغير صداق انعقد النكاح لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) والآية. فأثبت الطلاق من غير فرض، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح، وخير الرجل الذى تزوج إمرأة ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة أعطاها عن صداقها سهمه بخيبر، ولان المقصود في النكاح أعيان الزوجين دون المهر، ولهذا يجب ذكر الزوجين في العقد، وانما العوض فيه تبع بخلاف البيع، فإن المقصود فيه العوض، ولهذا لا يجب ذكر لبائع والمشترى في العقد إذا وقع من وكيليهما.

(مسألة) وليس لاقل الصداق حد عندنا، بل كل ما يتمول وجاز أن يكون ثمنا لشئ أو أجرة جاز أن يكون صداقا، وبه قال عمر رضى الله عنه وابن عباس وابن المسيب والحسن وربيعة والاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رضى الله عنهم قال القاضى أبو القاسم الصيمري: ولا يصح أن يكون الصداق نواة أو قشرة بصلة أو قمع باذنجان أو ليطة أو حصاة. هذا مذهبنا. وقال مالك وأبو حنيفة: أقل الصداق ما تقطع به يد السارق، إلا أن ما تقطع به يد السارق عند مالك ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وعند أبى حنيفة دينار أو عدة دراهم، فإن أصدقها دون العشرة دراهم. قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: كملت العشرة. وقال زفر يسقط المسمى ويجب مهر المثل، وقال ابن شبرمة أقله خمسة دراهم، وقال النخعي أقله أربعون درهما. وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما. دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الاية، وقوله صلى الله عليه وسلم: أدوا العلائق، ثم قال صلى الله عليه وسلم: والعلائق ما تراضوا عليه الاهلون. وقوله صلى الله عليه وسلم التمس شيئا، التمس ولو خاتما من حديد، وهذه عمومات تقع على القليل والكثير، وروى أن عبد الرحمن بن عوف أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه علامات التزويج وقال: تزوجت إمرأة من الانصار قال صلى الله عليه وسلم: ما سقت إليها، قال: نواة من ذهب فقال صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة. والنواة خمسة دراهم. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من استحل بدرهمين فقد استحل. ولان كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا كالمجمع عليه، وأما أكثر الصداق فليس له حد، وهو إجماع لقوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا) الاية فأخبر تعالى أن القنطار يجوز أن يكون صداقا. قال ابن عباس: القنطار سبعون ألف مثقال، وقال أبو صالح: مائة رطل وقال معاذ ألف ومائتا أوقية. وقال أبو سعيد الخدرى القنطار ملء مسك ثور ذهبا، ومسك الثور جلده. وروى عن عمر رضى الله عنه أنه خطب الناس وقال يا معاشر الناس لا تغالوا

في صدقات النساء، فوالله لا يبلغني أحد زاد على مهر أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا جعلت الفضل في بيت المال، فعرضت له إمرأة من قريش، فقالت كتاب الله أولى أن يتبع، إن الله يعطينا ويمنعنا ابن الخطاب، فقال: أبن، قالت: قال الله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الاية. فقال: فليضع الرجل ماله حيث شاء. وفى رواية كل الناس أفقه من عمر، فرجع عن ذلك، وروى أنه رضى الله عنه تزوج أم كلثوم بنت على كرم الله وجهه وأصدقها أربعين ألف درهم. وروى أن عبد الله بن عمر زوج بنات أخيه عبيد الله على صداق عشرة آلاف درهم، وتزوج أنس رضى الله عنه إمرأة وأصدقها عشرة آلاف درهم، وتزوج الحسن عليه السلام إمرأة وبعث إليها مائة جارية ومع كل جارية ألف درهم، ثم طلقها وتزوجها رجل من بنى تميم فأصدقها مائة ألف درهم، وتزوج مصعب ابن الزبير بعائشة بنت طلحة واصدقها مائة ألف درهم. قال الشافعي رضى الله عنه: والاقتصاد في المهر أحب إلى من المغالاة فيه لما روت عائشة ام المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعظم النكاح بركة اخفه مؤنة. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خيرهن ايسرهن مهرا. وروى سهل بن سنان إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ايما رجل اصدق صداقا ونوى انه لا يؤديه لقى الله وهو زان، وإيما رجل ادان دينارا ونوى ان لا يؤديه لقى الله وهو سارق. والمستحب ان لا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته عليهن سلام الله ورحمته لما روي عن عائشة قالت: كان صداق أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنا عشر اوقيه ونشأ قالت والنش نصف اوقيه، والاوقيه اربعون درهما. (فرع) ولو تواعدوا في السر على ان الصداق مائه، وعلى انهم يظهرون للناس انه ألف كما يشيع ذلك في زماننا هذا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع: المهر مهر السر. وقال في موضع: المهر مهر العلانية. قال اصحابنا البغداديون ليست على قولين وإنما هي على حالين، فالموضع الذى قال المهر مهر السر، اراد إذا عقدوا النكاح اولا في العلانيه بألف ثم عقدوا ثانيا في السر بمائه

ومن أصحابنا الخراسانيين من قال: في المهر قولان والاول هو المشهور، فان قال الولى: زوجتك ابنتى بألف فقال الزوج: قبلت نكاحها بخمسمائة وجب لها مهر مثلها لان الايجاب والقبول لم يتفقا على مهر واحد. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويجوز أن يكون الصداق دينا وعينا وحالا ومؤجلا لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة. (فصل) ويجوز أن يكون منفعه كالخدمه وتعليم القرآن وغيرهما من المنافع المباحة لقوله عز وجل (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فجعل الرعى صداقا وزوج النبي صلى الله عليه وسلم الواهبة من الذى خطبها بما معه من القرآن، ولا يجوز أن يكون محرما كالخمر وتعليم التوراة وتعليم القرآن للذميه، لا تتعلمه للرغبه في الاسلام، ولا ما فيه غرر كالمعدوم والمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض، ولا ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الابق والطير الطائر، لانه عوض في عقد فلا يجوز بما ذكرناه كالعوض في البيع والاجارة، فإن تزوج على شئ من ذلك لم يبطل النكاح، لان فساده ليس بأكثر من عدمه، فإذا صح النكاح مع عدمه صح مع فساده، ويجب مهر المثل لانها لم ترض من غير بدل، ولم يسلم لها البدل، وتعذر رد المعوض فوجب رد بدله كما لو باع سلعه بمحرم وتلفت في يد المشترى. (الشرح) يصح أن يكون الصداق دينا وعينا، فإذا كان دينا صح أن يكون حالا ومؤجلا، فإن أطلق كان حالا كما قلنا في الثمن، ويصح أن يكون الصداق منفعه يصح عقد الاجارة عليها كمنفعة العبيد والبهائم والارض والدور لانه عقد على المنفعة فجاز بما ذكرناه كالاجارة. (فرع) ويصح أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطه والبناء وتعليم القرآن وما أشبه ذلك مما يصح استئجاره عليه، وبه قال مالك رحمه الله إلا أنه قال: يكره ذلك. وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح.

دليلنا قوله تعالى (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثمانى حجج) فذكر أن الرعى صداق في شرع من قبلنا ولم يعقبه بنكير، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التى وهبت نفسها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذى خطبها بما معه من القرآن، تقديره على تعليم ما معه من القرآن، لان القرآن لا يجوز أن يكون صداقا، ولان كل منفعة جاز أن يستحق بعقد الاجارة جاز أن يستحق بعقد النكاح كمنفعة العبيد والارض. (فرع) وما لا يصح بيعه كالكلب والخنزير والسرجين والمجهول والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه والمنافع التى لا يصح الاستئجار عليها لا يصح أن يكون شئ من ذلك صداقا لانه عوض في عقد فلم يصح فيها ذكره، كالبيع والاجارة إذا ثبت هذا فان عقد النكاح لمهر باطل أو مجهول لم يبطل النكاح، وبه قال أبو حنيفة وأكثر أهل العلم. وقال مالك رحمه الله لا يصح النكاح. وحكى المسعودي أنه قول الشافعي رحمه الله في القديم، وليس بمشهور. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نِكَاحَ إلَّا بولي مرشد وشاهدي عدل. ولم يفصل بين أن يكون المهر صحيحا أو فاسدا ولانه عقد نكاح فلم يبطل بفساد المهر كما لو تزوجها على دراهم مغصوبة، فإن مالكا وافقنا على هذا، ولان النكاح إذا انعقد مع عدم ذكر المهر فلان ينعقد مع فساده أولى، فإذا عقد النكاح بمهر باطل وجب لها مهر المثل أو المسمى. دليلنا أنها دخلت في العقد على أن يكون لها المسمى، فإذا لم يسلم وتعذر رجوعها إلى بعضها رجعت إلى قيمته، كما لو اشترى عبدا شراء فاسدا وقبضه وتلف في يده. وإن تزوجها على شئ موصوف في ذمته لزمه تسليم ذلك على ما وصف. وقال أبو حنيفة وأحمد: إن شاء سلم الموصوف بصفته وان شاء دفع قيمته وعن أبى حنيفة في الثوب صداقا روايتان، إحداهما كقولنا أنه يسلم الثوب الموصوف الذى في ذمته، والثانية دفع قيمته، دليلنا أن هذه تسمية صحيحه فلم يخير بين دفع المسمى وبين دفع قيمته كالمكيل والموزون

(فرع) إذا قالت المرأة لوليها: زوجنى بلا مهر أو بأقل من مهر مثله فنقل أصحابنا البغداديون أن النكاح صحيح في جميع هذه المسائل ولها مهر مثلها. وقال المسعودي: هل ينعقد النكاح في جميع هذه المسائل؟ فيه قولان. قال ومن أصحابنا من قال لا ينعقد النكاح من الوكيل قولا واحدا، لانه يزوج بالنيابة عن الولى والاصح الطريق الاول، لان النكاح لا يفسد عندنا بفساد المهر، هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: إذا زوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها وكان ذلك المهر لا ينقص عن أقل المهر، وهى عشرة دراهم صح المهر. دليلنا أن البنت إذا أذنت لعمها في العقد فزوجها بأقل من مهر مثلها بغير إذنها استحقت مهر مثلها، فكذلك الاب والجد، ولان الاب والجد لا يجوز أن يبيعا مال الصغيرة بأقل من ثمن مثله، فكذلك لا يجوز لهما تزويجها بأقل من مهر مثلها. وإن زوج الرجل وليته بأرض أو عرض أو بغير نقد البلد فهل يصح المهر؟ لا أعلم فيه نصا، بمعنى أنها في مصر وأصدقها بالدولار أو بالاسترليني أو بالدينار العراقى أو بالليرة السورية أو بريال تريزة أو بالجنيه السعودي، فالذي يقتضى القياس إن كان الولى أبا أو جدا، أو كانت المنكوحة صغيرة أو مجنونة صح المهر إذا كان قيمة ذلك مثل مهر مثلها، كما يجوز أن ببتاع لها ذلك بمالها. وان كان الولى غيرهما من العصبات، أو كان الولى أبا أو جدا والمنكوحة بالغة عاقلة لم يصح ذلك المهر إلا ان كان بإذنها ونطقها لانه لا ولاية له على مالها، وانما ولايته على عقد نكاحها بنقد البلد. وإن كانت المنكوحة مجنونه وكان وليها الحاكم، ورأى أن يزوجها بشئ من العروض وقيمته قدر مهر مثلها صح ذلك لانه يجوز له التصرف بمالها. (مسأله) إذا تزوجها وأصدقها تعليم القرآن مدة معلومة صح ذلك إذا كانت المدة متصلة بالعقد، وتطالبه بالتعليم في تلك المدة على حسب عادة التعليم، ولها أن تطالبه بتعليم ما شاءت من القرآن وإن كان الصداق تعليم شئ القرآن فيشترط أن يذكر السورة التى يعلمها.

فان أصدقها تعليم عشرين من سورة كذا ولم تبين الاعشار ففيه وجهان (أحدهما) يصح لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للرجل الذى خطب الواهبة (ما معك من القرآن؟ قال سورة البقرة والتى تليها، فقال صلى الله عليه وسلم: زوجتك بما معك على أن تعلمها عشرين آية) ولم يفصل. (والثانى) لا يصح، لان الاعشار تختلف. وأما الخبر فانما نقل الراوى جواز تعليم القرآن في الصداق ولم ينقل غير الصداق، ولا يجوز في صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقد الصداق على مجهول. وهل من شرطه أن يبين الحرف الذى يعلمها كحرف نافع وابن كثير وغيرهما. فيه وجهان مضى بيانهما في الاجارة. فان أصدقها تعليم سورة وهو لا يحفظها فان كان على أن يحصل لها تعليمها صح ذلك ويستأجر محرما لها أو امرأة تعلمها أو يتعلمها هو بنفسه ثم يعلمها وان كان على أن يعلمها هو بنفسه ففيه وجهان. (أحدهما) يصح كما لو أصدقها ألف درهم في ذمته ولا يملك شيئا. (والثانى) لا يصح، كما لو أصدقها خدمة عبد لا يملكه، وإن أصدقها تعليم سورة فأتت بامرأة غيرها لتعلمها مكانها فهل يلزمه تعليمها. فيه وجهان (أحدهما) يلزمه كما لو أكترت منه دابة لتركبها إلى بلد فأرادت أن تركبها مثلها (والثانى) لا يلزمه، لان له غرضا في تعليمها لانه أطيب له لانه يلتذ بكلام غيرها، ولانه أصدقها ايفاع منفعه في عين فلا يلزمه ايقاعها في غيرها، كما لو أصدقها خياطة ثوب بعينه فأتت بثوب غيره ليخيطه فلا يلزمه ذلك، وان لقنها فحفظت ثم نسيت، قال الشيخ أبو حامد فينظر فيها، فان علمها دون آيه فنسينها لم يعتد له بذلك، وكم القدر الذى إذا علمها اياه خرج من عهدة التعليم، فيه وجهان (أحدهما) أقله آيه، لانه يطلق عليه اسم التعليم، فعلى هذا إذا علمها آيه فنسيتها لم يلزمه تعليمها اياها ثانيا (والثانى) أقله سورة، لان ما دونها ليس بتعليم في العادة. وذكر ابن الصباغ أنه إذا علمها ثلاث آيات سقط عنه عهدة التعليم وجهان واحدا، وهل يسقط عنه تعليم آيه أو آيتين. فيه وجهان

قال المصنف رحمه الله: (فصل) فان تزوج كافر بكافرة على محرم كالخمر والخنزير ثم أسلما أو تحاكما الينا قبل الاسلام نظرت فان كان قبل القبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لانه لا يمكن اجباره على تسليم المحرم، وإن كان بعد القبض برئت ذمته منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا، وإن قبض البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقدر ما بقى من مهر المثل، فإن كان الصداق عشرة أزقاق خمر فقبضت منها خمسة ففيه وجهان. (أحدهما) بعتبر بالعدد فيبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا فيها فسقط نصف الصداق، ويجب نصف مهر المثل (والثانى) يعتبر بالكيل لانه أحصر، وان أصدقها عشرة من الخنازير وقبضت منها خمسة ففيه وجهان. أحدهما: يعتبر بالعدد فتبرأ من النصف ويجب لها نصف مهر المثل، لانه لا قيمة لها فكان الجميع واحدا. والثانى: يعتبر بما له قيمة وهو الغنم فيقال: لو كانت غنما كم كانت قيمة ما قبض منها فيبرأ منه بقدره، ويجب بحصة ما بقى من مهر المثل، لانه لما لم تكن له قيمة اعتبر بماله قيمة، كما يعتبر الحر بالعبد فيما ليس له أرش مقدر من الجنايات. (فصل) وإن أعتق رجل أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها وقبلت لم يلزمها ان تتزوج به لانه سلف في عقد فلم يلزم كما لو قال لامرأة خذى هذا الالف على أن تتزوجى بى وتعتق الامة لانه اعتقها على شرط باطل فسقط الشرط وثبت العتق كما لو قال لعبده ان ضمنت لى خمرا فأنت حر فضمن ويرجع عليها بقيمتها لانه لم يرض في عتقها إلا بعوض ولم يسلم له وتعذر الرجوع إليها فوجبت قيمتها كما لو باع عبدا بعوض محرم وتلف العبد في يد المشترى، وان تزوجها بعد العتق على قيمتها وهما لا يعلمان قدرها فالمهر فاسد. وقال أبو على بن خيران: يصح كما لو تزوجها على عبد لا يعلمان قيمته وهذا خطأ لان المهر هناك هو العبد وهو معلوم والمهر ههنا هو القيمة وهى مجهولة

فلم يجز وان أراد حيلة يقع بها العتق وتتزوج به ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى على بن خيران أنه يمكنه ذلك بأن يقول ان كان في معلوم الله تعالى إنى إذا أعتقتك تزوجت بى فانت حرة فإذا تزوجت به علمنا أنه قد وجد شرط العتق وإن لم تتزوج به علمنا أنه لم يوجد شرط العتق (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يصح ذلك ولا يقع العتق ولا يصح النكاح لانه حال ما تتزوج به نشك أنها حرة أو أمة والنكاح مع الشك لا يصح فإذا لم يصح النكاح لم تعتق لانه لم يوجد شرط العتق، وان أعتقت إمرأة عبدا على أن يتزوج بها وقبل العبد عتق ولا يلزمه أن يتزوج بها لما ذكرناه في الامة ولا يلزمه قيمته لان النكاح حق للعبد فيصير كما لو أعتقته بشرط أن تعطيه مع العتق شيئا آخر ويخالف الامة فان نكاحها حق للمولى فإذا لم يسلم له رجع عليها بقيمتها. وإن قال رجل لآخر أعتق عبدك عن نفسك على أن أزوجك ابنتى فأعتقه لم يلزمه التزويج لما ذكرناه، وهل تلزمه قيمة العبد فيه وجهان بناء على القولين فيمن قال لغيره أعتق عبدك عن نفسك وعلى ألف فأعتقه، أحدهما يلزمه كما لو قال أعتق عبدك عنى على ألف، والثانى لا يلزمه لانه بذل العوض على ما لا منفعة له فيه. (الشرح) إذا ترافع ذميان إلى حاكم المسلمين ليحكم بينهما في ابتداء العقد لم يحكم به بين المسلمين، فإن كانت المنكوحة بكرا أجبرها الاب والجد، وإن كانت ثيبا لم يصح تزويجها إلا بإذنها، وإن عضلها الولى زوجها حاكم المسلمين لانه يلى عليها بالحكم، وإن تحاكما في استدامته فإنه لا اعتبار بانعقاده على أي وجه كان، ولكن ينظر فيها، فان كانت ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها في هذه الحال فرق بينهما، فان كانت ممن يجوز له ابتداء نكاحها أقرهما على نكاحها وان كان قد عقد لها بولي غير مرشد أو بغير شهود لانه عقد مضى في الشرك، فلا يجوز تتبعه ومراعاته، لان في ذلك إلحاق مشقة، وتنفيرا لهم عن الدخول في الطاعة، وفى هذا المعنى نزل قوله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا) فأمر بترك ما بقى في أيديهم من الربا وعفى عما قبض في الشرك،

وإن تحاكما في الصداق أو أسلما وتحاكما، فإن كان قد أصدقها صداقا صحيحا حكم بصحته، وإن أصدقها صداقا فاسدا كالخمر والخنزير، فإن كانت قد قبضت جميعه في الشرك فقد سقط عنه جميعه وبرئت ذمته من الصداق، لان ما قبض في الشرك لا يجوز نقضه لما ذكرناه من الآية، ولقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) الآية. وإن كانت لم تقبض شيئا حكم الحاكم بفساد المسمى، وأوجب لها مهر مثلها من نقد البلد. وقال أبو حنيفة: لا يحكم لها إلا بما سمى لها. دليلنا أنه لا يمكن أن يحكم عليها بتسليم المسمى لفساده فحكم لها بمهر صحيح. وإن قبضت بعضه في حال الشرك وبقى البعض سقط من المهر بقسط ما قبضته من المسمى، ووجب لها مهر المثل بقسط ما تقبضه من المسمى، لانها لو قبضت الجميع لم يحكم لها بشئ، ولو لم تقبض شيئا لحكم لها بمهر مثلها، فإذا قبضت البعض وبقى البعض فيقسط مهر المثل على المقبوض وعلى ما لم تقبض. إذا ثبت هذا فإن كان أصدقها عشرة أزقاق خمر فقبضت منها بعضها فان كانت متساوية لا يفضل بعضها على بعض قسم المهر على أعدادها، فان قبضت خمسة سقط عنه نصف المهر ووجب لها نصف مهر مثلها، وإن كانت مختلفة فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أن المهر يقسط على أعدادها، لانه لا قيمة للخمر، فاستوى الصغير والكبير. (والثانى) يقسط على كيلها. قال ابن الصباغ: وهو الاقيس، لانه لا يمكن اعتبار كيلها، وإن أصدقها عشرة خنازير أو عشرة كلاب وقبضت خمسة ففيه ثلاثة أوجه. قال أبو إسحاق يعتبر بالعدد، سواء في ذلك الصغير والكبير فيسقط نصف المهر ويجب لها نصف مهر مثلها، لان الجميع لا قيمة له، فكان الجميع واحدا (والثانى) يعتبر التفاوت فيها، فيضم صغيران ويجعلان بإزاء كبير أو صغير ويجعلان بإزاء وسطين، ويقسط المهر على ذلك (والثالث) وهو قول أبى العباس بن صريح أنه يقال: لو كانت هذه الخنازير أو الكلاب مما يجوز بيعها كم كانت قيمتها فيقسط المهر على ذلك، لانه لا يمكن اعتبارها بأنفسها، فاعتبرت بغيرها كما قلنا في الجناية على الحر التى لا أرش لهما

فقدر أنها تعتبر بالجناية على العبد، قال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: فعلى هذا تقدر لو كانت غنما، لانها أقرب إليها. قالل ابن الصباغ: وهذا ليس بصحيح لان الغنم ليست من جنس الخنازير والكلاب، فتعتبر بها بخلاف الحر والعبد، وينبغى على هذا أن تقوم بما يتبايعونها بينهم ليقدر ذلك، لان لها قيمة في الشرح كما يقدر أن لو جاز بيعها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب، لان إطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب، فثبت فيه خيار الرد كالعوض في البيع، ولا يثبت فيه خيار الشرط ولا خيار المجلس، لانه أحد عوضي النكاح فلم يثبت فيه خيار الشرط وخيار المجلس كالبضع، ولان خيار الشرط وخيار المجلس جعلا لدفع الغين، والصداق لم يبن على المغابنة، فإن شرط فيه خيار الشرط فقد قال الشافعي رحمه الله: يبطل النكاح، فمن أصحابنا من جعله قولا لانه أحد عوضي النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كالبضع. ومنهم من قال لا يبطل وهو الصحيح. كما لا يبطل إذا جعل المهر خمرا أو خنزيرا، وما قال الشافعي رحمه الله محمول على ما إذا شرط في المهر والنكاح، ويجب مهر المثل لان شرط الخيار لا يكون الا بزيادة. جزء أو نقصان جزء، فإذا سقط الشرط وجب اسقاط ما في مقابلته، فيصير الباقي مجهولا فوجب مهر المثل. وان تزوجها بألف على أن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها بطل الصداق لانه شرط باطل أضيف إلى الصداق فأبطله، ويجب مهر المثل لما ذكرناه في شرط الخيار. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (إذا كان النكاح بألف على أن لابيها ألفا فالمهر فاسد) وجملة ذلك أنه إذا تزوج امرأة بألف على أن لابيها أو لعمها ألفا أخرى فالنكاح صحيح والمهر فاسد ولها مهر مثلها. وانما صح النكاح لانه لا تفتقر صحته إلى صحة المهر، وانما فسد المهر لان قوله على ان لابيها ألفا ان أراد أن ذلك جميع الالفين صداقا فالصداق لا تستحقه غير الزوجة،

فإذا فسد الشرط سقط المهر وقد نقصت المرأة من صداقها جبرا لاجل الشرط وإذا سقط الشرط وجب أن يرد إلى المهر الجزء الذى نقصته لاجل الشَّرْطِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ إذَا أُضِيفَ إلَى معلوم صار الجميع مجهولا، ولو أصدقها صداقا مجهولا لم يصح ووجب لها مهر مثلها بالغا ما بلغ. وقال الشافعي في القديم: إذا تزوجها على ألف على أن لابيها ألفا ولامها ألفا صح النكاح واستحقت الثلاثة الاف، وبه قال مالك. قال أبو على بن أبى هريرة فيجئ على هذا أن الالفين في الاولة للزوجة وهذا مخالف لما نقله المزني، وذكره الشافعي في الام في التى قبلها، والاول أصح لانه إنما أصدقها ألفا لا غير، وما شرطه وأمها لا يستحقانه ولا تستحقه الزوجة لما قدمناه في التى قبلها. إذا ثبت هذا فذكر المزني بعد الاولة، ولو نكح امرأة على ألف وعلى أن يعطى أباها ألفا كان جائزا ولها منعه وأخذها منه لانها هبة لم تقبض أو وكالة. قال أصحابنا: أخطأ المزني في النقل، لا فرق بين هذه والاولة، ويكون المهر فاسدا، وانما نقل المزني جواب مسألة ثالثه، ذكرها الشافعي رضى الله عنه في الام، وهو إذا تزوجها بألفين على أن تعطى أباها منها ألفا فيكون المهر جائزا لانها قد ملكت الالفين بالعقد وما شرطه عليها من دفعها لابيها ألفا لا يلزمها لانه ان كان هبة منها فلا يلزم عليها قبل القبض أو على سبيل الوكالة منها لابيها بالقبض، وذلك لا يلزم عليها، وإذا لم يلزمها سقط ولا يؤثر ذلك في المهر. لان المرأة لم ينقص من مهرها شئ لاجل هذا الشرط ولا الزوج زاد في مهرها لكى تعطى أباها، لانه لا منفعة له في ذلك. قال الشيخ أبو حامد: وكذلك إذا أصدقها ألفين على أن يعطى الزوج منها ألفا لابيها لم يؤثر ذلك: لان ذلك هبة منها أو توكيل في قبضها والتصرف لها لا حق للزوج في ذلك. قال الشيخ أبو حامد: ومعنى هذا عندي أنه لم يرد به الشرط، وانما أراد به أنه تزوجها على ألفين على أن لها أن تعطى أباها ألفا ويعطى هو أباها ألفا فالحكم ما ذكرنا، فأما إذا أخرج ذلك مخرج الشرط فينبغي ان يفسد المهر، لانه لم يملكها المهر ملكا تاما فيبطل. وقد حكى الصيمري هذا عن بعض أصحابنا،

ثم قال الصيمري هو قياس التحقيق لو كان من عقود المعاوضات وما الغرض فيه العتق. فأما ما هو خلاف ذلك فلا. (فرع) إذا تزوج امرأة بألف على أن يطأها ليلا ونهارا، أو على أن ينفق عليها ويكسوها ويسافر بها على أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه صح ذلك ولم يؤثر في الصداق، لان ذلك من مقتضى العقد، وإن شرط على أن له أن يتزوج عليها أو يتسرى صح ولم يؤثر لانه لا ينافى مقتضاه وإن تزوجها بمائة على أن لا يتزوج أو لا يتسرى عليها، أو على أن لا يسافر بها أو على أن لا يكلم أباها وأمها أو على أن لا يكسوها ولا ينفق عليها أو على أن لها أن تخرج من بيتها متى شاءت فالنكاح صحيح والشرط والمهر فاسدان، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال أحمد: الشرط صحيح ومتى لم يف لها به ثبت لها الخيار في فسخ النكاح وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه ومعاوية وعمر بن عبد العزيز وشريح وأبى الشعثاء رضى الله عنهم. دليلنا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل، وهذا الشرط ليس في كتاب الله، ويجب لها مهر مثلها، لانها تركت لاجل الشرط جزءا من المهر، فإذا سقط الشرط وجب رد الجزء وهو مجهول، وإذا صار الصداق مجهولا وجب لها مهر مثلها. وقال أبو على بن خيران: يجب لها أقل الامرين من المسمى أو مهر المثل والمذهب الاول، لان المسمى قد سقط اعتباره، وإنما الاعتبار بمهر المثل، وإن تزوجها على ألف ان لم يخرجها من بلدها وعلى ألفين إن أخرجها فالمهر فاسد ويجب لها مهر مثلها. وقال أبو حنيفة: إن وفى لها بالشرط الاول كان لها الالف وان لم يف لها كان لها مهر مثلها. وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان. دليلنا انه دخل في العقد على التخيير بين عوضين فكان العوض فاسدا كما لو قال: بعتك بألف نقدا وبألفين نسيئة. (فرع) إذا اشترطت المرأة على الزوج حال العقد أن لا يطأها أو على أن يطأها في الليل دون النهار، أو على أن لا يدخل عليها سنة بطل النكاح لان ذلك

شرط ينافى مقتضى العقد وان شرط الزوج ذلك عليها في العقد لم يبطل النكاح لان ذلك حق له يجوز له تركه فلم يؤثر شرطه ولا يلزمه الوفاء بالشرط لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ باطل. وليس هذا في كتاب الله فكان باطلا. (فرع) إذا تزوج امرأة بمهر وشرط خيار المجلس أو خيار الثلاث في عقد النكاح فسد النكاح، لان النكاح لا يقع إلا لازما، فإذا شرط فيه الخيار نافى ذلك مقتضاه فأبطله. وإن شرط الخيار في الصداق فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ: كان المهر فاسدا. وظاهر هذا أن النكاح صحيح. وقال في الاملاء ان المهر والنكاح باطلان. واختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال هي على حالين، فحيث قال يبطلان أراد إذا شرط الخيار في النكاح والمهر أو في النكاح وحده، وحيث قال لا يبطل النكاح أراد إذا شرط الخيار في المهر وحده، فهل يصح النكاح. فيه قولان. (أحدهما) لا يصح لانه أحد عوض النكاح فبطل النكاح بشرط الخيار فيه كما لو شرطه في البضع (والثانى) يصح النكاح وهو الصحيح لانه لو جعل الصداق خمرا أو خنزيرا لم يبطل النكاح، فلان لا يفسد إذا شرط الخيار في المهر أولى، فإذا قلنا بهذا ففى المهر والخيار ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو حامد (أحدها) أن المهر والخيار صحيحان، لان المهر كالثمن في البيع، فلما ثبت جواز الخيار في الثمن ثبت جوازه في المهر (والثانى) أن المهر صحيح والخيار باطل، لان المقصود هو الصداق والخيار تابع، فثبت المقصود وبطل التابع (والثالث) أن المهر والخيار باطلان وهو المنصوص في الام لان الخيار لما لم يثبت في العوض وهو البضع لم يثبت في المعوض، وإذا سقط الخيار فقد ترك لاجله جزء من المهر فيجب رده وذلك مجهول. وإذا كان المهر مجهولا وجب مهر المثل. قال الشيخ أبو حامد: الوجهان الاولان لا يساويان استماعهما. (فرع) ويثبت في الصداق خيار الرد بالعيب الفاحش واليسير وما يعد عيبا في مثله. وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: يرد بالفاحش دون اليسير. دليلنا أن إطلاق العقد يقتضى سلامة المهر من العيب، فإذا رد بالفاحش رد باليسير كالمبيع

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وتملك المرأة المسمى بالعقد ان كان صحيحا، ومهر المثل إن كان فاسدا، لانه عقد يملك المعوض فيه بالعقد فملك العوض فيه بالعقد كالبيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو غير رشيدة سلم المهر إلى من ينظر في مالها، وان كانت بالغة رشيدة وجب تسليمه إليها، ومن أصحابنا من خرج في البكر البالغة قولا آخر أنه يجوز أن يدفع إليها أو إلى أبيها وجدها، لانه يجوز إجبارها على النكاح فجاز للولى قبض صداقها بغير إذنها كالصغيرة، فان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها، فقالت المرأة: لا أسلم نفسي حتى أقبض الصداق ففيه قولان. (أحدهما) لا يجبر واحد منهما بل يقال: من سلم منكما أجبرنا الاخر. (والثانى) يؤمر الزوج بتسليم الصداق إلى عدل وتؤمر المرأة بتسليم نفسها فإذا سلمت نفسها أمر العدل بدفع الصداق إليها كالقولين فيمن باع سلعه بثمن معين، وقد بينا وجه القولين في البيوع، فان قلنا: بالقول الاول لم تجب لها النفقة في حال امتناعها، لانها ممتنعه بغير حق، وان قلنا بالقول الثاني وجبت لها النفقة لانها ممتنعة بحق وان تبرعت وسلمت نفسها ووطئها الزوج أجبر على دفع الصداق وسقط حقها من الامتناع، لان بالوطئ استقر لها جميع البدل فسقط حق المنع كالبائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن. (الشرح) الاحكام: تملك المرأة جميع المهر المسمى لها بنفس العقد إن كان ما سماه صحيحا، وان كان باطلا ملكت مهر المثل، وبه قال أبو حنيفة وأحمد رضى الله عنه وقال مالك رضى الله عنه: تملك نصف المسمى بالعقد والنصف الباقي أمانة في يدها للزوج فإن دخل بها استقر ملكها على الجميع. دليلنا قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فلولا أنهن ملكنه لما أمر بتسليمه اليهن، ولانه عوض عن مقابلة معوض فملك في الوقت التى تملك به المعوض كالاثمان في البيع، وان كانت المنكوحة صغيرة أو كبيرة. مجنونة أو سفيهة فللاب والجد أن يقبض صداقها لان له ولاية على مالها، وإن كانت بالغة

عاقلة رشيدة سلم المهر إليها أو إلى وكيلها، وليس لوليها قبضه بغير إذنها. ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والجد جاز له أن يقبض المهر بغير إذنها لانه إذا جاز له العفو عنه فلان يجوز له قبضه أولى، والاول أصح، لانه إنما يجوز له العفو على هذا القول عن مهر الصغيرة أو المجنونة فأما الكبيرة العاقلة فليس له العفو عن مهرها بلا خلاف، هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة ان كانت المنكوحة ثيبا لم يكن له قبض صداقها بغير اذنها، وان كانت بكرا فله قبض صداقها بغير اذنها الا أن تنهاه عن قبضه. دليلنا أنها بالغة رشيدة فلم يكن له قبض صداقها بغير اذنها كالبنت. (فرع) إذا كان الصداق حالا فطالبته الزوجة بتسليمه فقال الزوج: لا، وطلب امهاله إلى أن يجمعه، وطالب بتسليم الزوجة إليه لم يجبر الزوجة على تسليم نفسها إليه إلى أن يجمع صداقها ويسلمه إليها لان المهر في مقابلة البضع وعوض عنه، فإذا امتنع الزوج من تسليم العوض لم تجبر المرأة على تسليم المعوض كما لا يجبر البائع على تسليم المبيع إذا امتنع المشترى من تسليم الثمن، وان قال الزوج لا أسلم الصداق حتى تسلم نفسها. وقالت الزوجة لا أسلم نفسي حتى يسلم إلى الصداق فقد ذكر المصنف فيمن اشترى سلعة بثمن في ذمته، فقال البائع لا أسلم السلعة حتى أقبض الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حَتَّى أقبض السلعة ثلاثة اقوال مشهورة أتى عليها الامام تقى الدين السبكى في شرح المهذب في شروعه في تكملة المجموع. (أحدها) لا يجبر واحد منهما على التسليم، بل أيهما تطوع بالتسليم. أجبر الآخر. (والثانى) أنهما يجبران معا، فيجبر البائع على تسليم السلعه إلى عدل، بجبر المشترى على تسليم الثمن إلى عدل، ثم يسلم السلعه إلى المشترى والثمن إلى البائع، وبأيهما بدأ جاز. (والثالث) أن البائع يجبر على تسليم السلعة إلى المشترى ثم يجبر المشترى على تسليم الثمن إلى البائع. وأما الصداق فلا يجئ فيه الا القولان الاولان. (أحدهما) لا يجبر واحد منهما على التسليم بل يقال لهما: أيكما تطوع بالتسليم

أجبر الآخر على التسليم (والثانى) يجبر الزوج على تسليم الصداق إلى عدل، فإذا حصل الصداق في يد عدل أجبرت الزوجة على تسليم نفسها إلى الزوج، ولا يجئ في هذا القول أن تسلم المرأة نفسها إلى عدل كما قلنا في البائع، لان معنى قولنا: تسلم نفسها نعنى به يطؤها الزوج، وهذا لا يحصل بتسليمها نفسها إلى العدل، ويسقط ههنا القول الثالث في البيع وهو قولنا: يجبر البائع على تسليم السلعه أولا إلى المشترى لانا إذا أجبرنا البائع على هذا التسليم تسلم السلعه وأخذ الثمن من المشترى ان كان حاضرا، وان كان غائبا حجرنا على المشترى في السلعه في جميع أمواله إلى أن يسلم الثمن، والزوجه ههنا بمعنى البائع، فلو أجبرناها على تسليم نفسها وهو تمكينها الزوج من وطئها ربما أتلف ماله بعد وطئها أو أفلس، وقد أتلف بضعها لانه لا يتأتى فيه ما ذكرناه في السلعه، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: بل في الصداق ثلاثة أقوال أيضا (أحدها) لا يجبران (والثانى) يجبران بأن يوضع الصداق على يد عدل، وتجبر المرأة على التمكين. (والثالث) يجبر الزوج، والاول هو المشهور. فإذا قلنا لا يجبران لم يجب لها نفقه في حال امتناعها، لان الزوج لا يختص بالامتناع. وان قلنا يجبر الزوج أولا فلها النفقه في حال امتناعها قبل تسليم الزوج بالمهر، لان المنع من جهته وان تبرعت المرأة وسلمت نفسها إليه ووطئها الزوج لم يكن لها أن تمتنع بعد ذلك حتى تقبض صداقها. دليلنا أن التسليم الاول تسليم استقر به المسمى برضاها فلم يكن لها الامتناع بعد ذلك، كما لو سلم البائع سلعه قبل قبض الثمن ثم أراد أخذها، وان أكرهها الزوج فوطئها فهل لها أن تمتنع بعد ذلك إلى ان تقبض المهر؟ فيه وجهان حكاهما في الابانه. (أحدهما) لها ان تمتنع كما لو قبض المشترى العين المبيعة واكره البائع على ذلك قبل قبض الثمن. (والثانى) ليس لها ان تمتنع لان المهر قد تقرر بذلك والبائع إذا استرد

المبيع ارتفع التقرير، وإن كان الصداق مؤجلا فطلب الزوج تسليمه إليه قبل حلول الاجل لم يكن لها أن تمتنع، فإن امتنعت أجبرت لانها رضيت بتأخير حقها إلى الاجل فلم يكن لها الامتناع من التسليم كما لو باع سلعة بثمن مؤجل فليس له الامتناع من تسليمها قبل حلول الاجل، فإن تأخر تسليمها لنفسها حتى حل الاجل فهل لها الامتناع من تسليمها إلى أن تقبض الصداق؟ فيه وجهان، قال الشيخ أبو حامد: ليس لها أن تمتنع لان التسليم مستحق عليها قبل المحل فلم يسقط ما وجب عليها بحلول دينها. وقال القاضى أبو الطيب: لها أن تمتنع، وقد ذكر المزني في المنثور أنه إذا باع سلعه بثمن مؤجل فلم يقبض السلعة حتى حل الاجل فإن للبائع الامتناع من تسليم السلعة حتى يقبض الثمن، ووجهه أن لها المطالبة بالمهر فكان لها الامتناع كما لو كانت حالا، وإن كان بعض الصداق مؤجلا وبعضه حالا فلها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض المؤجل كما لو كان جميعه مؤجلا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان كان الصداق عينا لم تملك التصرف فيه قبل القبض كالمبيع، وإن كان دينا فعلى القولين في الثمن، وإن كان عينا فهلكت قبل القبض هلك من ضمان الزوج كما يهلك المبيع قبل القبض من ضمان البائع، وهل ترجع إلى مهر المثل، أو إلى بدل العين، فيه قولان. قال في القديم: ترجع إلى بدل العين لانه عين يجب تسليمها لا يسقط الحق بتلفها، فوجب الرجوع إلى بدلها كالمغصوب، فعلى هذا ان كان مما له مثل وجب مثله وان لم يكن له مثل وجبت قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى أن تلف كالمغصوب، ومن أصحابنا من قال: تجب قيمته يوم التلف، لانه وقت الفوات والصحيح هو الاول، لان هذا يبطل بالمغصوب. وقال في الجديد: ترجع إلى مهر المثل لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض، فوجب الرجوع إلى بدل المعوض كما لو اشترى ثوبا بعبد فقبض الثوب ولم يسلم العبد وتلف عنده، فانه يجب قيمة الثوب،

وان قبضت الصداق ووجدت به عيبا فردته أو خرج مستحقا رجعت في قوله القديم إلى بدله، وفى قوله الجديد إلى مهر المثل، وان كان الصداق تعليم سورة من القرآن فتعلمت من غيره أو لم تتعلم لسوء حفظها فهو كالعين إذا تلفت فترجع في قوله القديم إلى أجرة المثل: وفى قوله الجديد إلى مهر المثل. (الشرح) الاحكام: إذا كان الصداق عينا فأرادت الزوجة أن تتصرف فيها بالبيع والهبة وما اشبههما قبل القبض لم يصح، وقال بعض الناس: يصح هكذا أفاده العمرانى. دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن بيع ما لم يقبض، وهذا لم يقبض وان كان الصداق دينا في الذمة فهل يصح لها بيعه قبل قبضه، فيه قولان كالثمن في الذمة. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: إذا أرادت بيع الصداق قبل أن تقبضه فهل يصح بيعها له فيه قولان ان قلنا: انه مضمون في يد الزوج ضمان العقد لم يصح، وان قلنا ضمان اليد صح وأراد بذلك إذا كان الصداق عينا. (مسألة) إذا أصدق الرجل امرأته عينا معينة اما حيوانا أو ثوبا أو سيارة فانها تكون مضمونة على الزوج ما لم تقبضها الزوجة، لانها مضمونة عليه بعقد معاوضة فكانت مضمونة كالمبيع، فان قبضتها الزوجة سقط الضمان عنه وصار ضمانها على الزوجة، فان هلكت العين في يد الزوج قبل أن تقبضها الزوجة سقط حقها من العين لانها قد تلفت ولا يبطل النكاح، لان النكاح ينعقد بغير مهر فلا يبطل بتلف الصداق، ويجب على الزوج ضمان الصداق للزوجة لانا قد تبينا أنه مضمون عليه إلى أن تقبضه الزوجة، وفيما يضمنه قولان. قال في الجديد: ترجع عليه بمهر مثلها وهو اختيار المزني وأبى اسحاق المروزى والقاضى أبى الطيب، لانه عوض معين تلف قبل القبض وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب الرجوع إلى بدل المعوض لا إلى بدل العوض كما لو اشترى فرسا بثوب وقبض الفرس وتلف الفرس والثوب عنده، فانه يجب عليه قيمة الفرس لا قيمة الثوب، فقولنا: عوض معين احتراز من العوض في الذمة، وقولنا:

تعذر الرجوع إلى المعوض لان الشرع قد منع الزوجة من الرجوع إلى بضعها بتلف الصداق فرجعت إلى بذله. وفيه احتراز من المبيع إذا تلف قبل القبض والثمن باق. وقال في القديم: ترجع عليه ببدل العين التالفة، وهو قول أبى حنيفة وأحمد رضى الله عنهما واختيار الشيخ أبى حامد وابن الصباغ لان كل عين يجب تسليمها فلا يسقط ضمانها بتلفها، فإذا تلف ضمنت ببدلها كالعين المغصوبة. فقولنا عين يجب تسليمها احتراز مما لا يجب تسليمه كالعين المبيعة والثمن قبل البيع. وقولنا لا يسقط ضمانها بتلفها احتراز من العين المبيعة والثمن إذا تلفا قبل القبض، فإذا قلنا بقوله الجديد إن تلفت العين بآفة سماوية أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها قمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها. وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى اتلف. وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج وجب لها مهر مثلها سواء سلمت نفسها إلى الزوج وطالبته بها فمنعها أو لم تطالبه بها ولم يمنعها، وان أتلفتها الزوجة كان قبضا لها، وان أتلفها أجنبي فظاهر قول الشافعي رضى الله عنه أنها بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر المثل ويرجع الزوج على الأجنبي ببدل الصداق الذى أتلف وبين أن ترجع الزوجة على الأجنبي ببدل ما أتلف. وإن نقص الصداق في يد الزوج بآفة سماوية أو بفعل الزوج فهى بالخيار بين أن تأخذ الصداق ناقصا ولا شئ لها وبين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها. وان نقص بفعل أجنبي فهى بالخيار بين أن ترجع على الزوج بمهر مثلها ويأخذ الزوج من الأجنبي الارش، وبين أن تأخذ الصداق والارش من الأجنبي وان نقص الصداق بفعل الزوجة أخذته ناقصا ولا شئ لها. وان قلنا بقوله القديم فحكمه في يد الزوج حكم المغصوب إلا أنه لا يأثم إذا لم يمنعها من أخذه فإذا تلف في يد الزوج بآفة سماويه أو بفعل الزوج رجعت عليه بمثله إن كان له مثل، وبقيمته ان لم يكن له مثل، ومتى تعتبر قيمته؟ من أصحابنا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ

ومنهم من قال: هما وجهان، المنصوص أنه تعتبر قيمته أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف لانه مضمون على الزوج في جميع هذه الاحوال فهو كالمغصوب. والثانى يرجع عليه بقيمته يوم التلف، والاول أصح وإن نقص في يد الزوج نظرت فان كان بآفة سماوية كانت بالخيار بين أن ترد الصداق لاجل النقص وترجع ببدله عليه، وبين أن تأخذه ناقصا وتأخذ منه أرش النقص لانه كالغاصب. وإن نقص بفعل الزوج فان اختارت رده وأخذ بدله كان لها، وان اختارت أخذه فان لم يكن للجناية أرش مقدر أخذت الصداق وما نقص من قيمته، وان كان لها أرش مقدر بأن كانت إبلا جبت أسنمتها أو عبدا قطعت يده رجعت عليه بأكثر الامرين من نصف قيمة العين أو ما نقص من قيمتها بذلك، لانه اجتمع فيه ضمان اليد والاسنمة والجناية، فان نقص بفعل أجنبي فاختارت رده على الزوج وأخذ بدله منه كان لها ذلك لاجل النقص ورجع الزوج على الأجنبي بالارش، فان اختارت أخذه أخذته، فان كان الارش غير مقدر فان كان مثل أرش النقص أو أكثر من أرش النقص رجعت به على من شاءت منهما. وان كان الارش المقدر أقل من أرش النقص كانت بالخيار بين ان ترجع بأرش النقص على الزوج وبين ان ترجع على الأجنبي بالارش المقدر وترجع على الزوج بتمام أرش النقص. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ويستقر الصداق بالوطئ في الفرج لقوله عزوجل: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) وفسر الانقضاء بالجماع، وهل يستقر بالوطئ في الدبر؟ فيه وجهان (أحدهما) يستقر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد، فأشبه الفرج (والثانى) لا يستقر لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد، والوطئ في الدبر غير مملوك فلم يستقر به المهر ويستقر بالموت قبل الدخول، وقال أبو سعيد الاصطخر: إن كانت أمة لم يستقر بموتها لانها كالسلعة تباع وتبتاع، والسلعة المبيعة إذا تلفت قبل التسليم سقط الثمن. فكذلك إذا ماتت

الامة وجب ان يسقط المهر، والمذهب انه يستقر، لان النكاح إلى الموت، فإذا ماتت انتهى النكاح فاستقر البدل كالاجارة إذا انقضت مدتها. واختلف قوله في الخلوة فقال في القديم: تقرر المهر، لانه عقد على المنفعة فكان التمكين فيه كالاستيفاء في تقرر البدل كالاجارة. وقال في الجديد: لا تقرر لانه خلوة فلا تقرر للمهر كالخلوة في غير النكاح. (الشرح) الاحكام: يستقر المهر المسمى للزوجة بالوطئ في الفرج لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآيه. فلما اثبت له الرجوع بنصف الصداق بالطلاق قبل المسيس دل على انه لا يرجع عليها بشئ منه بعد المسيس. وقال في آية اخرى (وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى بعض) ففسر الافضاء بالجماع. وان وطئها في دبرها فهل يستقر به المسمى، فيه وجهان. ومن أصحابنا من قال لا يستقر لها لان المهر في مقابلة ما يملك بالعقد والوطئ في الدبر غير مملوك في العقد فلم يستقر به المهر. والثانى وهو المذهب انه يستقر به المسمى، وبه قطع صاحب المهذب، ووجهه ان الوطئ في الدبر لا يختلف عن المجامعة فيما يتضمن تكميلا كالاحصان والتحليل، أو يوجب تخفيفا مثل الخروج عن موجب العنة والايلاء. ووجه انه ذلك يتضمن تغليظا في إلحاقه بالوطئ كما نقول في وجوب الغسل دون الانزال وافساد العبادات، والحكم بتقرير المهر اثبات تغلبظ على الرجل حتى لو انه جامع امرأة في دبرها بالشبهة وجب المهر لانه موضع يجب بالايلاج فيه الحد فاستقر به المهر كالفرج. قال اصحابنا: وجميع الاحكام التى تتعلق بالوطئ في الدبر اربعة احكام: الاحلال للزوج الاول، والاحصان، وايفاء المولى، والخروج من العنة. وان وطئ اجنبية في دبرها وجب لها مهر المثل، وان حلف ان لا يطأ امرأة فوطئها في دبرها حنث في يمينه، قال الصيمري: فان إلى امرأته اكثر من اربعة اشهر فوطئها في دبرها لم يسقط بذلك حقها، وينبغى ان يحنث في يمينه،

وإن أتت امرأته بولد يلحقه بالامكان ولم يقر بوطئها فهل يستقر عليه المهر المسمى. فيه قولان (أحدهما) يستقر، لان إلحاق النسب به يقتضى وجود الوطئ (والثانى) لا يستقر عليه لان الولد يلحق بالامكان، والمهر لا يستقر إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ. (فرع) وإن مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر لها المهر، وهو المذهب لان النكاح إلى الموت فاستقر به المهر كالاجارة إذا انقضت مدتها. (فرع) وان خلا الزوج بها ولم يجامعها فهل حكم الخلوة حكم الوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، اختلف العلماء فيها، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه لا تأثير للخلوة في تقرير المهر ولا في وجوب العدة. وبه قال ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم. ومن التابعين الشعبى وابن سيرين وطاوس، ومن الفقهاء أبو ثور. وذهبت طائفة إلى أن الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة، وذهب إليه ابن عمر وعلى بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قال الزهري والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك: ان خلا بها خلوة تامة بأن يخلو بها في بيته دون بيت أبيها أو أمها رجح بها قول من يدعى الاصابة منهما عند اختلافهما بها، ولا تكون الخلوة كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة. وقال الشافعي في القديم: للخلوة تأثير. وقال الخرقى من الحنابلة: إذا خلا بها بعد العقد فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما الا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا أو في الزنا فانهما يجلدان ولا يرجمان. اه وقال ابن قدامه: إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وان لم يطأ، روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر، وبه قال على ابن الحسين وعروة وعطاء والزهرى والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأى، وهو قديم قولى الشافعي، وقال شريح والشعبى وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد: لا يستقر الا بالوطئ، وحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وروى نحو ذلك عن أحمد، وروى عنه يعقوب بن بختان أنه قال: إذا صدقت المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة، وذلك

لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها، وقال تعالى (وكيف تأخذونه وند أفضى بعضكم إلى بعض) ثم قال: ولنا إجماع الصحابة رضى الله عنهم. روى الامام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أبى أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة. ورواه أيضا عن الاحنف عن عمر وعلى وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملا، وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا. وما رووه عن ابن عباس لا يصح. قال أحمد: يرويه ليث وليس بالقوى، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث، وحنظلة أقوى من ليث، وحديث ابن مسعود منقطع. قاله ابن المنذر اه قلت: لما كان الشافعي رضى الله عنه قولاه القديم والجديد، فإن من أصحابنا من قال: مذهب الشافعي في القديم في الخلوة كقول مالك في أنه يرجح بها قول من ادعى الاصابة لا غير، إلا أنه لا فرق عندنا على هذا بين أن يخلو بها في بيته أو في بيت أبيها أو أمها. ومنهم من قال: مذهب الشافعي في الجديد كقول أبى حنيفة وهو المنصوص في القديم فإذا قلنا بهذا فوجهه مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من كشف عن قناع امرأة فقد وجب عليه المهر) وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب المهر. ما ذنبهن ان جاء العجز من قبلكم، ولانه عقد على المنفعة فكان التمكين منها كالاستيفاء في تقرير البدل كالاجارة وإذا قلنا بقوله الجديد قال العمرانى وأكثر الاصحاب، وهو الاصح، فوجهه قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولم يفرق بين أن يخلو بها أو لا يخلو بها، ولان الخلوة لو كانت كالاصابة في تقرير المهر ووجوب العدة لكانت كالاصابة في وجوب مهر المثل في الشبهة.

وأما الخبر فمحمول على أنه كنى عن الجماع بكشف النقاب، وما روى عن أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقد روينا عن ابن عباس وابن مسعود خلاف ذلك، فإذا قلنا بقوله الجديد فوطئها فيما دون الفرج فسق الماء إلى فرجها وجبت عليها العدة وجها واحدا، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه، وإن أتت من ذلك بولد لحقه نسبه، وهل يستقر بذلك صداقها، فيه وجهان. (أحدهما) يستقر، لان رحمها قد صار مشغولا بمائه فهو كما لو وطئها. (والثانى) لا يستقر به المهر لانه لم يوجد الجماع التام فهو كما لو لم يسبق إلى فرجها ماؤه، ولو استدخلت المرأة ماء غير ماء زوجها وظنته ماء زوجها لم يثبت له حكم من الاحكام لان الشبهة تعتبر في الرجل. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن وقعت فرقة بعد الدخول لم يسقط من الصداق شئ لانه استقر فلم يسقط، فإن أصدقها سورة من القرآن وطلقها بعد الدخول وقبل أن يعلمها ففيه وجهان. (أحدهما) يعلمها من وراء حجاب كما يستمع منها حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَالثَّانِي) لا يجوز أن يعلمها لانه لا يؤمن الافتتان بها ويخالف الحديث، فإنه ليس له بدل، فلو منعناه من سماعه منها أدى إلى إضاعته، وفى الصداق لا يؤدى إلى ابطاله، لان في قوله الجديد ترجع إلى مهر المثل، وفى قوله القديم ترجع إلى أجرة التعليم، وإن وقعت الفرقة قبل الدخول نظرت فإن كانت بسبب من جهة المرأة، بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه سقط مهرها لانها أتلفت المعوض قبل التسليم، فسقط البدل كالبائع إذا أتلف المبيع قبل التسليم، وإن كانت بسبب من جهته نظرت فإن كان بطلاق سقط نصف المسمى لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وان كان باسلامه أو بردته سقط نصفه، لانه فرقة انفرد الزوج بسببها قبل الدخول، فتنصف بها المهر

كالطلاق، وان كان بسبب منهما نطرت فان كان بخلع سقط نصفه، لان المغلب في الخلع جهة الزوج، بدليل أنه يصح الخلع به دونها وهو إذا خالع مع أجنبي فصار كما لو انفرد به، وان كان بردة منهما ففيه وجهان. (أحدهما) يسقط نصفه، لان حال الزوج في النكاح أقوى فسقط نصفه كما لو ارتد وحده. (والثانى) يسقط الجميع لان المغلب في المهر جهة المرأة، لان المهر لها فسقط جميعه كما لو انفردت بالردة فان اشترت المرأة زوجها قبل الدخول ففيه وجهان: أحدهما: يسقط النصف، لان البيع تم بالزوجة والسيد وهو قائم مقام الزوج، فصار كالفرقة الواقعة بالخلع. والثانى: يسقط جميع المهر لان البيع تم بها دون الزوج فسقط جميع المهر كما لو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه (فصل) وان قتلت المرأة نفسها فالمنصوص أنه لا يسقط مهرها، وقال في الامة: إذا قتلت نفسها أو قتلها مولاها أنه يسقط مهرها، فنقل أبو العباس جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين. (أحدهما) يسقط المهر لانها فرقة حصلت من جهتها قبل الدخول فسقط بها المهر، كما لو أرتدت. (والثانى) لا يسقط وهو اختيار المزني وهو الصحيح، لانها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت. وقال أبو إسحاق لا يسقط في الحرة ويسقط في الامة على ما نص عليه، لان الحرة كالمسلمة نفسها بالعقد، ولهذا يملك منعها من السفر، والامة لا تصير كالمسلمة نفسها بالعقد ولهذا لا يملك منعها من السفر مع المولى: وان قتلها الزوج استقر مهرها لان اتلاف الزوج كالقبض كما أن اتلاف المشترى للمبيع في يد البائع كالقبض في تقرير الثمن. (الشرح) الاحكام: إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها ثم افترقا لم ترجع إلى الزوج بشئ من المهر سواء كانت الفرقة من جهة الزوج أو من جهة الزوجة أو من جهتهما أو من جهة أجنبي، لان المهر قد استقر بالدخول فلم تؤثر الفرقه

وهذا لا خلاف فيه، وان أصدقها تعليم سورة من القرآن ودخل بها ثم طلقها قبل أن يعلمها فإن كان الصداق تحصيل التعليم لم يتعذر ذلك بسبب الطلاق بل يستأجر لها إمرأة أو محرما لها ليعلمها، وإن كان الصداق على أن يعلمها بنفسه ففيه وجهان. (أحدهما) أن التعليم لا يتعذر بذلك، بل يعلمها من وراء حجاب كما يجوز أن يسمع أخبار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وراء حجاب، وقد ثبت أن كثيرا من راويات الحديث وحافظاته يسمعهن الاجانب عنهن من وراء حجاب وقد كان أبو الشعثاء جابر بن زيد يسأل عائشة من وراء حجاب وكان يسألها عن أخص أحوال النبي صلى الله عليه وسلم حتى في جماعه وكانت رضى الله عنها تخجل حتى ليحمر وجهها كما يقول عروة ابن أختها، وهى تقول: سل يا إبناه ومن هؤلاء الراويات أمة الواحد بنت يامين والدة يحيى بن بشير وأمية بنت عبد الله وبهسة الفزارية وحميدة راوية أم سلمة وخيرة أم الحسن البصري وزينب بنت معاوية زوج ابن مسعود وراويته والعالية بنت سويد وثقها العجلى وعمرة بنت قيس عن عائشة روى عنها جعفر بن كيسان في صحيح ابن خزيمه، وأم القلوص عن عائشة وعنها المتوكل بن الفضل في الدارقطني وهن لا يحصين. (والثانى) أن تعليمه لها قد تعذر لانه يخاف عليهما الافتتان، ويخالف سماع الاخبار لانا لو لم نجز ذلك لضاع ما عندها من الاخبار، فإذا قلنا بهذا كان كما لو تلف الصداق قبل القبض فيرجع في قوله الجديد إلى مهر مثلها، وفى قوله القديم إلى أجرة التعليم، وان وقعت الفرقه بينهما قبل الدخول نظرت، فان كانت بسبب من جهتها بأن أسلمت أو ارتدت أو أرضعته أو أرضعت زوجة له صغيرة أو وجد أحدهما بالآخر عيبا ففسخ النكاح سقط جميع المهر لان والبضع تلف قبل الدخول بسبب من جهتها، فسقط ما نقابله كالمبيع إذا تلف قبل القبض، وان كان بسبب من جهة الزوج بأن طلقها سقط عنه نصف المسمى أن كانت لم تقبضه، ووجب عليها رد نصفه ان كانت قبضته لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضه فنصف ما فرضتم)

وهكذا إن أسلم أو ارتد فحكمه حكم الطلاق، لان الفرقة من جهته فهو كالطلاق وإن كانت الفرقة بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع فحكمه حكم الطلاق لان المغلب فيه جهة الزوج بدليل أنه يصح خلعه مع الأجنبي، وإن كان بردة منهما بأن ارتدا معا في حالة واحدة ففيه وجهان. (أحدهما) حكمه حكم الطلاق لان حال الزوج في النكاح إذا خالع زوجته بعد الدخول بها ثم تزوجها ثانيا في العدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها يتنصف المسمى. وقال أبو حنيفة: لا يتنصف بل يبقى حقها في الجميع كما كان. دليلنا ظاهر الآية (فنصف ما فرضتم) ولان الوطئ الموجود في النكاح الاول يقابله المهر الاول، فلو قلنا: لا يتنصف المهر في النكاح الثاني لصار ذلك الوطئ مؤثرا أقوى في تقربر المهرين، والتسليم الواحد لا يقابل بدلين وعلى هذا الخلاف لو وطئ إمرأة بالشبهة أو أعتق أم ولده ونكحها ثم طلقها ينصف المهر عندنا، وعند أبى حنيفة لا ينصف ويجعل دوام شغل الرحم كالوطئ في تقرير المهر كله وتخالف هذه المسألة المخالعة حيث غلبنا جانب الزوج لان الزوج يتصور منه أن ينفرد بالمخالعة عنها بأن تخالع مع أجنبي والمرأة لا يتصور منها الانفراد بالمخالعة عن الزوج فيترجح جانب الزوج، وههنا في المبايعة سواء رجحنا أحد الجانبين بالاستدعاء كما في الحرة إذا قتلت نفسها أو قتلت وليها قبل الدخول أنه لا يسقط شئ من المهر. واختلف أصحابنا فيهما فذهب أبو العباس بن سريج وبعض أصحابنا إلى أن فيهما قولين (أحدهما) يسقط مهرها، لان النكاح انفسخ بسبب من جهتها، فهو كما لو ارتدت (والثانى) لا يسقط وهو الاصح لانها فرقة حصلت بانقضاء أجلها فهو كما لو ماتت، وذهب أبو إسحاق المروزى وبعض أصحابنا إلى أنها على قولين على ظاهرهما، ففى الامة يسقط، وفى الحرة لا يسقط، لان الحرة مسلمة لنفسها في العقد، ولهذا لا يجوز لها السفر بغير إذن الزوج، والامة غير مسلمة لنفسها ولهذا يجوز السفر بها بغير إذن زوجها، لان الزوج للحرة يغنم ميراثها فجاز أن يغرم مهرها، وزوج الامة لا يغنم ميراثها فلم يغرم مهرها، فإذا قلنا: يسقط

المهر بذلك فان الحرة لا يسقط مهرها إلا إذا قتلت نفسها قبل الدخول، وإن قتلها وليها أو زوجها أو أجنبي لم يسقط مهرها. وأما الامة فان قتلت نفسها قبل الدخول سقط مهرها، وإن قتلها سيدها سقط مهرها لان المهر له، وإن قتلها زوجها أو أجنبي قبل الدخول لم يسقط المهر، خلافا لابي سعيد الاصطخرى الذى قال: إذا قتلها أجنبي قبل الدخول يسقط مهرها لانها كالسلعة المبيعة إذا أتلفها أجنبي قبل القبض انفسخ البيع وسقط الثمن، والمذهب الاول، لانها انما تكون كالسلعة إذا بيعت أما في النكاح فهى كالحرة كما قررنا في غير موضع. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ومتى ثبت الرجوع في النصف لم يخل اما أن يكون الصداق تالفا أو باقيا، فان كان تالفا فان كان مما له مثل رجع بنصف مثله، وان لم يكن له مثل رجع بقيمة نصفه أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، لانه ان كانت قيمته يوم العقد أقل ثم زادت، كانت الزيادة في ملكها فلم يرجع بنصفها وان كانت قيمته يوم العقد أكثر ثم نقص، كان النقصان مضمونا عليه، فلم يرجع بما هو مضمون عليه، وان كان باقيا لم يخل اما أن يكون باقيا على حالته أَوْ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا مِنْ وجه ناقصا من وجه فان كان على حالته رجع في نصفه، ومتى يملك؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه لا يملك الا باختيار التملك، لان الانسان لا يملك شيئا بغير اختياره الا الميراث، فعلى هذا ان حدثت منه زيادة قبل الاختيار كانت لها. (والثانى) وهو المنصوص أنه يملك بنفس الفرقة لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فعلق استحقاق النصف بالطلاق، فعلى هذا أن حدثت منه زيادة كانت بينهما، وان طلقها والصداق زائد نظرت فان كانت زيادة متميزة كالثمرة والنتاج واللبن رجع بنصف الاصل، وكانت الزيادة لها لانها زيادة متميزة حدثت في ملكها،

فلم تتبع الاصل في الرد، كما قلنا في الرد بالعيب في البيع، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم الصنعة فالمرأة بالخيار بين أن تدفع النصف بزيادته وبين أن تدفع قيمة النصف، فإن دفعت النصف أجبر الزوج على أخذه لانه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز، وان دفعت قيمة النصف أجبر على أخدها لان حقه في نصف المفروض والزائد غير المفروض فوجب أخذ البدل، وان كانت المرأة مفلسه فَفِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: أنه يجوز للزوج أن يرجع بنصف العين مع الزيادة، لانه لا يصل إلى حقه من البدل، فرجع بالعين مع الزيادة كما يرجع البائع في المبيع مع الزيادة عند افلاس المشترى. (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يرجع لانه ليس من جهة المرأة تفريط فلا يؤخذ منها ما زاد في ملكها بغير رضاها، ويخالف إذا أفلس المشترى فإن المشترى فرط في حبس الثمن إلى أن أفلس فرجع البائع في العين مع الزيادة. فإن كان الصداق نخلا وعليها طلع غير مؤبر فبذلت المرأة نصفها مع الطلع، ففيه وجهان: (أحدهما) لا يجبر الزوج على أخذها لانها هبة فلا يجبر على قبولها. (والثانى) يجبر وهو المنصوص لانه نماء غير متميز فأجبر على أخذها كالسمن وإن بذلت نصف النخل دون الثمرة لم يجبر الزوج على أخذها. وقال المزني: يلزمه ان يرجع فيه وعليه ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ كما يلزم المشترى ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ، وهذا خطأ، لانه قد صار حقه في القيمة فلا يجبر على أخذ العين، ولان عليه ضررا في ترك الثمرة على نخله فلم يجبر، ويخالف المشترى فإنه دخل في العقد عن تراض فأقرا على ما تراضيا عليه، فان طلب الزوج الرجوع بنصف النخل وترك الثمرة إلى أوان الجذاذ ففيه وجهان. (أحدهما) لا تجبر المرأة لانه صار حقه في القيمه. (والثانى) تجبر عليه لان الضرر زال عنها ورضى الزوج بما يدخل عليه من الضرر. وان طلقها والصداق ناقص بأن كان عبدا فعمى أو مرض، فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصفه ناقصا وبين أن يأخذ قيمة النصف، فان رجع في

النصف أجبرت المرأة على دفعه لانه رضى بأخذ حقه ناقصا، وإن طلب القيمة أجبرت على الدفع، لان الناقص دون حقه. وإن طلقها والصداق زائد من وجه ناقص من وجه بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض، فان تراضيا على أخذ نصفه جاز لان الحق لهما، وإن امتنع الزوج من أخذه لم يجبر عليه لنقصانه، وإن امتنعت المرأة من دفعه لم تجبر عليه لزيادته، وان كان الصداق جارية فحبلت فهى كالعبد إذا تعلم صنعة ومرض، لان الحمل زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر لانه يخاف منه عليها فكان حكمه حكم العبد. وان كان بهيمة فحملت ففيه وجهان (أحدهما) أن المرأة بالخيار بين أن تسلم النصف مع الحمل، وبين أن تدفع القيمة لانه زيادة من غير نقص، لان الحمل لا يخاف منه على البهيمة (والثانى) وهو ظاهر النص أنه كالجارية لانه زيادة من وجه ونقصان من وجه، فانه ينقص به اللحم فيما يؤكل، ويمنع من الحمل عليه فيما يحمل فكان كالجاريه. وان باعته ثم رجع إليها ثم طلقها الزوج رجع بنصفه لانه يمكن الرجوع إلى عين ماله فلم يرجع إلى القيمة، وان وصت به أو وهبته ولم يقبض ثم طلقها رجع بنصفه، لانه باق على ملكها وتصرفها. وان كاتبته أو وهبته وأقبضته ثم طلقها رجع بقيمة النصف، لانه تعلق به حق لازم لغيرها، فان كان عبدا فدبرته ثم طلقها فقد روى المزني أنه يرجع، فمن أصحابنا من قال يرجع لانه باق على ملكها ومنهم من قال لا يرجع لانه لا يملك نقض تصرفها، ومنهم من قال فيه قولان، ان قلنا ان التدبير وصية فله الرجوع، وان قلنا انه عتق بصفة رجع بنصف قيمته (الشرح) الاحكام: إذا طلق الرجل امرأة قبل الدخول وقد قبضت الصداق فقد ذكرنا أن الزوج يرجع عليها بنصفه، فان كان قد تلف بيدها فان كان له مثل رجع عليها بنصف مثله لانه أقرب، وان كان لا مثل له رجع عليها بنصف قيمته، لان ما لا مثل له يضمن بالقيمة، فان اختلفت قيمته من حين العقد إلى حين قبضه رجع بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان قيمته ان كانت حين العقد أقل ثم ازدادت، فان الزيادة حدثت في ملكها

فلا يلزمها ضمانها، وإن كانت قيمته وقت العقد أكثر ثم نقصت فالنقص مضمون على الزوج لها فلا تضمنه الزوجة له، وإن كان الصداق باقيا في يدها فلا يخلو من أربعة أحوال: إما أن يكون باقيا على حاله من حين القبض إلى حين الطلاق، أو يكون ناقصا من جميع الوجوه عن حالته التى قبضته عليها أو يكون زائدا على حالته التى قبضته عليها من جميع الوجوه، أو يكون زائدا من وجه ناقصا من وجه فإن كان باقيا على حالته رجع بنصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت جارية سمينة فهزلت أو مرضت أو ما أشبه ذلك فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإن كان ناقصا من جميع الوجوه بأن كانت بهيمة سمينة فهزلت أو مرضت فالزوج بالخيار بين أن يرجع بنصف الصداق ناقصا ولا شئ له غير ذلك، وبين أن يرجع عليها بنصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، لان الله تعالى قال (فنصف ما فرضتم) وإذا كان ناقصا فليس هو المفروض. وان كان الصداق زائدا من جميع الوجوه فلا تخلو الزيادة إما أن تكون متميزة أو غير متميزة، فإن كانت متميزة بأن أصدقها بهيمة حائلا فحملت وولدت ثم طلقها. أو شجره لا ثمرة عليها فأثمرت وجدت، ثم طلقها رجع عليها بنصف الصداق دون النماء لانه نماء حدث في ملكها وتميز فلم يكن له فيه حق كما قلنا في المشترى إذا حدث في ملكه نماء مميز ثم وجد بالمبيع عيبا فرده. وإن كانت الزيادة غير متميزة كالسمن وتعليم القرآن والعلم والصنعة، فان اختارت الزوجة تسليم نصفه أجبر الزوج على أخذه لانه يرجع أكمل ما دفع إليها وان لم يختر تسليم نصفه لم يجبر عليه، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله. وقال محمد بن الحسن: يجبر على تسليم نصفه مع زيادته المتصلة. دليلنا أن هذه زيادة حدثت في ملكها فلم يلزمها تسليمها كما لو كانت الزيادة متميزة، ويلزمها نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، فان كان على الزوجة ديون فأفلست وحجر عليها فهل للزوج أن يرجع في نصف

الصداق مع زيادته المتصلة به؟ فيه وجهان. قال أبو إسحاق يرجع بنصف الصداق مع زيادته المتصلة به لانا إنما لا نوجب الرجوع إلى نصف الصداق مع زيادته إذا كانت غير مفلسة لان ذمتها عامرة فيتوصل الزوج إلى استيفاء حقه من القيمة، وإذا كانت مفلسة فذمتها خربة فلا يمكنه الوصول إلى استيفاء حقه بالقيمة فليس له الرجوع إلى نصفه. وقال أكثر أصحابنا: لا يرجع الزوج إلى نصف الصداق مع زيادته المتصلة، لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) والزائد غير مفروض. ولم يفرق بين المفلسة وغير المفلسة. وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه، بأن كان عبدا فتعلم صنعة ومرض فإن اتفقا على أن يأخذ الزوج نصفه جاز لان الحق لهما وإن طلب الزوج نصفه فامتنعت الزوجة من ذلك لم يجبر على ذلك لزيادته، وان بذلت المرأة نصفه وامتنع الزوج من أخذه لم يجبر على ذلك لنقصانه ويرجع إلى نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض، وان طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فان كان الصداق بحاله لم يزد ولم ينقص كان لها النصف، وان كان ناقصا من جميع الوجوه بأن مرض في يده أو عمى، فالزوجة بالخيار بين أن تأخذ نصفه ناقصا ولا شئ لها كالمبيع إذا نقص في يد البائع. وبين أن يفسخ الصداق لاجل نقصه، فإذا فسخت الصداق لم ينفسخ النكاح وإلام يرجع، فيه قولان كما لو تلف قبل القبض. قوله الجديد يرجع إلى نصف مهر المثل. وقوله القديم يرجع إلى بدل نصف الصداق. وإن كان الصداق زائدا نظرت فان كانت زيادة متميزة كالولد واللبن والثمرة كان لها نصف أصل الصداق وجميع الزيادة. وحكى المسعودي أن أبا حنيفة رحمه الله قال للزوج نصف الزيادة المنفصلة الحادثة في يده. دليلنا أنها زيادة حدثت في ملكها فلم يكن للزوج فيها حق كما لو حدثت في يدها، وان كانت الزيادة غير متميزة كالسمن والصبغة فالمرأة بالخيار بين أن تأخذ نصف الصداق وتدفع إلى الزوج نصفه مع زيادته فيجبر على قبوله، وبين أن تأخذ جميع الصداق وتدفع للزوج نصف قيمته أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض،

وإن كان الصداق زائدا من وجه ناقصا من وجه بأن كانت جارية تعلمت صنعة ونسيت أخرى فهى بالخيار بين أن تأخذ نصفه وتسلم إلى الزوج نصفه، فيجبر الزوج على ذلك، لان النقص في يده مضمون عليه، وبين أن تفسخ الصداق لاجل النقص، فإذا فسخت رجعت عليه في قوله الجديد بنصف مهر المثل وفى قوله القديم بنصف بدل الصداق. (فرع) كل موضع قلنا يرجع إلى الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول، فمتى يملك الزوج ذلك النصف، فيه وجهان: قال أبو إسحاق لا يملكه إلا بالطلاق واختيار التملك، وهو قول أبى حنيفة رحمه الله لان الملك من غير اختيار لا يقع إلا بالارث، وهذا ليس بإرث. (والثانى) وبه قال زفر، وهو المنصوص أنه يملك بنفس الطلاق، وإن لم يختر التملك لقوله (وإن طلقتموهن) ولم يفرق بين أن يختار التملك أو لا يختار وما ذكره الاول أن الانسان لا يملك شيئا غير الميراث إلا باختيار التملك غير مسلم، فان الانسان لو أخذ صيدا لينظر إليه لا ليتملكه لملكه بالاخذ من غير اختيار التملك، وان زاد الصداق بعد الطلاق وقبل اختيار التملك، فان قلنا بقول أبى إسحاق كانت الزيادة للزوجة وحدها، وان قلنا بالمنصوص كانت الزيادة بينهما، وان نقص في يدها بعد الطلاق وقبل الاختيار، فان قلنا بقول أبى إسحق لم يلزمها ضمان النقص. وان قلنا بالمنصوص لزمها ضمان النقص. إذا ثبت هذا فان الشافعي رضى الله عنه قال وهذا كله ما لم يقض القاضى بنصفه فتكون هي حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، فقال الصيمري هل يشترط قضاء القاضى في تملك الزوج نصف الصداق. فيه وجهان ظاهر كلام الشافعي أن ذلك شرط. والثانى وهو الاصح أن ذلك ليس بشرط، وسائر أصحابنا قالوا لا خلاف في أن قضاء القاضى ليس بشرط لان الرجوع بنصف الصداق ثبت له بنص الكتاب والاجماع، فلم يشترط قضاء القاضى فيه، فعلى هذا اختلف أصحابنا في تأويل كلام الشافعي، فمنهم من قال أراد إذا اختلفا في وقت ملك الزوج بأن قال الزوج ملكته من شهرين ثم نقص بعد ما ملكته فعليك ضمان النقص. وقالت بل ملكته من شهر ونقص قبل أن أملكه فلا يلزمنى ضمان النقص فانهما

يرافعان إلى القاضى، فإذا قضى له القاضى بملكه من وقت. كانت ضامنة لما حدث بعد من النقص،. وقال أبو إسحق وأكثر أصحابنا عطف الشافعي رحمه الله بهذا الكلام عليه إذا طلقها قبل الدخول وقبل النقص في يدها في جميع الوجوه فان الزوج بالخيار بين أن يرجع في نصفه ناقصا ولا أرش له وبين أن يرجع بقيمة نصفه، ومتى يملك نصفه، على قول أبى اسحق يملكه بالطلاق واختيار التملك، وعلى المنصوص يملكه بالطلاق ولا يفتقر إلى قضاء القاضى. وانما عبر الشافعي رحمه الله عن وقت الملك بقضاء القاضى لانه أوضح ما يعلم به عود نصف الصداق فمتى علم وقت عوده إليه ثم نقص بعد ذلك وجب عليها ضمان النقص لانها قبضت الصداق بعقد المعاوضة، وقد انفسخت المعاوضة فكان عليها ضمان ما نقص في يدها، كما لو اشترى سلعة فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فانه يجب عليه ضمان النقص. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا طلقها قبل الدخول والصداق في يدها فمنعته إياه كان عليها ضمان ما يحدث فيه من النقص، فمن أصحابنا من قال بظاهر هذا وأنها إذا لم تمنعه لا يلزمها ضمان ما نقص، بل هو أمانة في يدها، لانه حصل في يدها من غير تفريط ومنهم من قال يجب عليها ضمان ما نقص في يدها، سواء منعته أو لم تمنعه وهو الاصح كما قلنا فيمن اشترى عينا فوجد بها عيبا ففسخ البيع ثم نقصت في يده فان عليه ضمان النقص بكل حال وتأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه في الام على أنه أراد ضمان الغصب، لان ضمان الغصب يطرأ على ما هو مضمون بالقيمة كالعارية إذا منعها صاحبها. وقال أبو العباس بل عطف الشافعي رحمه الله بهذا إذا زاد الصداق في يد الزوجة من جميع الوجوه، فقد قلنا ان الزيادة كلها لها، فقال الشافعي رحمه الله ما لم يقض القاضى بنصفه، يعنى ما لم يقض له قاضى مالكى بنصفه مع زيادته، لان مالكا رحمه الله يقول نصف الصداق باق على ملك الزوج إلى أن يدخل بها، فإذا قضى له مالكى بنصفه مع زيادته كان بينها، ولا ينقص حكمه لانه موضع اجتهاد.

قال الشيخ أبو حامد: وهذا تأويل حسن الا أن الشافعي رحمه الله قال بعده فتكون حينئذ ضامنة لما أصابه في يدها، ولا يمكن حمله على مذهب مالك رحمه الله لانه يقول: هو أمانة في يدها لا يلزمها ضمان النصف ولا زيادته. (مسألة) إذا أصدقها نخلا لا ثمرة فيه فأثمرت في يدها ثم طلقها قبل الدخول ففيها ست مسائل: 1 إذا أراد الزوج أن يرجع في نصف النخل بنصف ثمرتها فامتنعت الزوجة من ذلك فإنها لا تجبر على ذلك لان الثمرة ان كانت غير مؤبرة فهى زيادة متصلة بالنخل، وان كانت مؤبرة فهى كالزيادة المنفصلة، وقد تبينا أن الجميع لها. 2 إذا بذلت نصف النخل مع نصف الثمرة فهل يجبر على قبوله؟ فيه وجهان أحدهما، لا يجبر على قبوله، لان هذه الزيادة ملك لها فلا يجبر على قبولها كما لو وهبت له شيئا فإنه لا يجبر على قبوله. والثانى وهو المذهب أنه يجبر لانها زيادة متصلة بالصداق فأجبر الزوج على قبولها. قال الشيخ أبو حامد: الوجهان انما هما في الثمرة المؤبرة، فأما غير المؤبرة فيجبر الزوج على قبولها وجها واحدا، وذكر المصنف أن الوجهين في غير المؤبرة، ولم يذكر المؤبرة، فإذا قلنا: يجبر على القبول فانه يجبر الا أن يطول النخل وتكون قحاما وهو الذى قل سعفه ودق أصله فلا يجبر الزوج على قبولها لما فيها من النقص بذلك. 3 إذا قال لها الزوج: اقطعي الثمرة لارجع في نصف النخل بلا ثمرة فلا تجبر المرأة على ذلك، لان في قطع الثمرة قبل أوان قطعها اضرارا بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم. ليس لعرق ظالم حق. وهذه ليست بظالمة. 4 أن تقول المرأة للزوج اصبر عن الرجوع حتى تدرك الثمرة فتجد ثم ترجع في نصف النخل فلا يجبر الزوج على ذلك، لان حقه متعجل، وقد تعجل بالقيمة فلا يجبر على التأخير، ولانه لا يأمن أن يتلف النخل فلا يمكنه الرجوع فيها، فان صبر باختياره إلى أن جدت الثمرة أو قطعت المرأة الثمرة قبل أوان جدادها لم يكن للزوج الا نصف النخل الا أن يحدث بها نقص فلا يجبر على نصفها.

5 أن يقول الزوج: أنا أصبر إلى أن تدرك الثمرة فتجد ثم أرجع في نصف النخل، فإن المرأة لا تجبر على ذلك بعد أن رجع إليه نصفها فيكون في ضمانها فيلزمها الضرر بدخوله في ضمانها، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها ونصف زيادتها المتصلة، ولان النخل تزيد فإذا رجع في نصفها بعد ذلك رجع في نصفها وفى نصف زيادتها المتصلة الحادثة في يدها، ولان حقه قد تعلق بالقيمة فلا ينتقل إلى النخل إلا برضا المرأة. 6 إذا قال الزوج: أنا أرجع في نصف النخل في الحال مشاعا وأترك الثمرة لها إلى أن تجد ففيه وجهان. قال أبو إسحاق: له ذلك وتجبر المرأة على ذلك لانه لا ضرر على المرأة بذلك، ومن أصحابنا من قال: لا تجبر المرأة على ذلك لان حقه قد صار بالقيمة فلا يجبر على تسليم نصف النخل. (فرع) إذا أصدقها أرضا فحرثتها ثم طلقها قبل الدخول، فإن بذلت له نصفها أجبر على قبولها، لان الحرث زيادة من نقصان، وان امتنعت من بذلها نصفها لم تجبر على ذلك وكان له نصف قيمتها لانها قد زادت في يدها وإن زرعت أو غرستها وطلقها قبل الدخول والزرع والغرس فيها، فإن بذلت له نصف الارض ونصف الزرع ونصف الغرس، وكانت قيمة الارض قبل الزرع والغرس كقيمتها بعد الزرع والغرس. قال الشيخ أبو حامد: أجبر على قبول ذلك على المذهب كما قلنا في النخل والثمرة وفى الارض المحروثة. وقال ابن الصباغ: لا يجبر لان الثمرة لا ينقص بها النخل، والزرع تنقص به الارض وتضعف، ولان الثمرة متولدة من النخل فهى تابعة لها والزرع والغرس ملك لها أودعته في الارض فلا يجبر على قبوله، وإن نقصت قيمة الارض بالزرع والغرس لم يجبر على قبول نصفها، فان طلقها وقد استحصد الزرع ولم يحصده بعد فقالت: أنا أحصده وأسلم نصف الارض فارغة أجبر على قبول ذلك إلا أن يحدث بالارض نقص، وإن حصدت الزرع ثم طلقها أو طلقها ثم حصدت

الزرع كان له الرجوع في نصف الارض إلا أن تكون قد نقصت بالزرع فلا يجبر على قبولها لان المانع من الرجوع الزرع وقد زال. (مسألة) إذا أصدقها خشبة فصنعتها أبوابا فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادة قيمتها بذلك، وإن بذلت له نصفها بزيادته لم يجبر الزوج على قبوله لانها كانت تصلح وهى خشب لما لا تصلح له الآن، وإن أصدقها فضة أو ذهبا فصاغتها آنية فزادت قيمتها بذلك ثم طلقها قبل الدخول لم تجبر المرأة على تسليم نصفها لزيادته، فان بذلت النصف بزيادته أجبر على القبول لانه يصلح وهو مصوغ لجميع ما كان يصلح له قبل ذلك، هكذا ذكر الطبري في العدة، وعندي إذا قلنا: لا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة أن المرأة تجبر على تسليم نصفها، وإن كانت قيمتها زائدة لان صنعتها لا قيمة لها. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن كان الصداق عينا فوهبته من الزوج ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان (أحدهما) لا يرجع عليها، وهو اختيار المزني، لان النصف تعجل له بالهبة (والثانى) يرجع وهو الصحيح، لانه عاد إليه بغير الطلاق فلم يسقط حقه من النصف بالطلاق، كما لو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه، وان كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: انه لا يرجع في الهبة لم يرجع في الابراء، وان قلنا يرجع في الهبة ففى الابراء وجهان. (أحدهما) يرجع كما يرجع في الهبة. (والثانى) لا يرجع لان الابراء اسقاط لا يفتقر إلى القبول، والهبة تمليك تفتقر إلى القبول، فان أصدقها عينا فوهبتها منه ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع بالجميع؟ فيه قولان، لان الرجوع بالجميع في الردة كالرجوع بالنصف في الطلاق، وان اشترى سلعة بثمن وسلم الثمن ووهب البائع الثمن منه ثم وجد بالسلعة عيبا ففى ردها والرجوع بالثمن وجهان، بناء على القولين، فان وجد به عيبا وحدث به عنده عيب آخر فهل يرجع بالارش؟ فيه وجهان بناء على القولين

وان اشترى سلعة ووهبها من البائع ثم أفلس المشترى، فللبائع أن يضرب مع الغرماء بالثمن قولا واحدا لان حقه في الثمن، ولم يرجع إليه الثمن. (الشرح) الاحكام: قال الشافعي رضى الله عنه: ولو وهبت له صداقها قبل أو بعده ثم طلقها قبل أن يمسها ففيه قولان. وجملة ذلك أنه إذا اصدقها عينا ثم وهبتها من الزوج وأقبضته إياها ثم طلقها قبل الدخول ففيه قولان. أحدهما: لا يرجع عليها بشئ لانه قد تعجل له ما كان يستحقه بالطلاق قبل محله فلا يستحقه عند محله كما لو تعجل دينه المؤجل قبل محله ثم جاء وقت محله والثانى: يرجع عليها بنصف مثله إن كان له مثل أو بنصف قيمته إن لم يكن له مثل وهو الاصح، لانه عاد إليه بعقد، فلا يمنع ذلك رجوعه ببدل نصفه كما لو اشتراه منها أو وهبته لاجنبي ثم وهبه الأجنبي منه. قال المحامل وابن الصباغ: وسواء قبضت الصداق أو لم تقبضه،، وان كان الصداق دينا فإن عينه الزوج في شئ وأقبضه اياها ثم وهبته منه فهى كالاولة، وان أبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: لا يرجع عليها إذا كان عينا فوهبتها منه فههنا أولى أن لا يرجع عليها، وان قلنا: يرجع عليها في العين فهل يرجع عليها في الدين؟ فيه قولان، ومنهم من يقول: هما وجهان. (أحدهما) يرجع عليها بنصفه لانها قد ملكت الصداق بالعقد فهو كالعين. (والثانى) لا يرجع عليها بشئء، وهو الصحيح، والفرق بينهما أن الصداق إذا كان عينا فقد ضمنته بالقبض، وفى الدين لم تضمنه بالقبض فلم يرجع عليها بشئ، ألا ترى أن الصداق لو نقص في يده ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا لا يرجع عليها في العين ففى الدين قولان، والفرق بينهما أن هناك عاد إليه بعقد جديد بخلاف هذا، وان قبضت نصف الصداق ثم وهبته النصف الباقي ثم طلقها قبل الدخول فان قلنا: يرجع عليها إذا وهبت جميع الصداق رجع عليها ههنا بالنصف أيضا، وان قلنا هناك: لا يرجع عليها بشئء فههنا قولان. قال في الام: لا يرجع عليها بشئ لانه انما يرجع عليها، وقد تعجل له ذلك

النصف فلم يرجع عليها بشئ. وقال في الاملاء: يرجع عليها لانها لو وهبته جميعه لم يرجع عليها بشئ فإذا وهبته نصفه كان ذلك في حقها وحقه، لان حقهما شائع في الجميع، فإذا قلنا بهذا ففى كيفية رجوعه ثلاثة أقوال. (أحدها) يرجع عليها بالنصف الباقي لانه يستحق عليها النصف وقد وجده (والثانى) يرجع عليها بنصف النصف الباقي وقيمته نصف الموهوب، لان حقهما شائع في الجميع فصار الموهوب كالتالف. (والثالث) أنه بالخيار بين أن يرجع بالنصف الباقي وبين أن يرجع بنصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب لانه تبعض عليه حقه. (فرع) وإن وهبته إمرأته الصداق أو أبرأته منه ثم ارتدت قبل الدخول فحكم الرجوع عليها بجميع الصداق كالحكم في رجوعه عليها بالنصف عند الطلاق لانه يستحق عليها الرجوع بالجميع عند ردتها كما يستحق عليها الرجوع بالنصف عند الطلاق. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا طلقت المرأة قبل الدخول ووجب لها نصف المهر جاز للذى بيده عقدة النكاح أن يعفو عن النصف، لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وفيمن بيده عقدة النكاح قولان. قال في القديم: هو الولى فيعفو عن النصف الذى لها، لان الله تعالى خاطب الازواج فقال سبحانه وتعالى (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) ولو كان هو الزوج لقال الا أن يعفون أو تعفوا لانه تقدم ذكر الازواج وخاطبهم بخطاب الحاضر، فلما عدل عن خطابهم دل على أن الذى بيده عقدة النكاح غير الزوج، فوجب أن يكون هو الولى، وقال في الجديد: هو الزوج فيعفو عن النصف الذى وجب له بالطلاق، فأما الولى فلا يملك العفو لانه حق لها فلا يملك الولى العفو عنه كسائر ديونها،

وأما الآية فتحتمل أن يكون المراد به الازواج، فخاطبهم بخطاب الحاضر، ثم خاطبهم بخطاب الغائب، كما قال الله عز وجل (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) فإذا قلنا ان الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح العفو منه إلا بخمسة شروط (أحدها) أن يكون أبا أو جدا لانهما لا يتهمان فيما يريان من حظ الولد ومن سواهما منهم (والثانى) أن تكون المنكوحة بكرا، فأما الثيب فلا يجوز العفو عن مالها لانه لا يملك الولى تزويجها (والثالث) أن يكون العفو بعد الطلاق وأما قبله فلا يجوز لانه لا حظ لها في العفو قبل الطلاق، لان البضع معرض للتلف، فإذا عفا ربما دخل بها فتلفت منفعة بضعها من غير بدل (والرابع) أن يكون قبل الدخول، فأما بعد الدخول فقد أتلف بضعها فلم يجز إسقاط بدله (والخامس) أن تكون صغيرة أو مجنونة، فأما البالغة الرشيدة فلا يملك العفو عن مهرها لانه لا ولاية عليها في المال. (الشرح) اللغات. قوله (وقد فرضتم لهن فريضة) جملة حالية من فاعل طلقتموهن أو من مفعوله، ونفس الفرض من المبنى للفاعل أو للمفعول وان لم يفارق حالة التطليق لكن اتصاف المطلق بالفارضية فيما سبق مما لا ريب في مقارنته لها، وكذا الحال في اتصاف المطلقة بكونها مفروضا فيما سبق. قوله (إلا أن يعفون) استثناء مفرغ من أعم الاحوال، أي فلهن نصف المفروض معينا في كل حال إلا حال عفوهن، أي المطلقات المذكورات فإنه يسقط ذلك حينئذ بعد وجوبه، والصيغة تحتمل التذكير والتأنيث والفرق بالاعتبار، فإن الواو في التذكير ضمير والنون علامة الرفع، وفى التأنيث الواو لام الفعل والنون ضمير النسوة والفعل مبنى، ولذلك لم تؤثر فيه (أن) هنا مع أنها ناصبة لا مخففة بدليل عطف المنصوب عليه من قوله تعالى (أو يعفو الذى. إلخ) أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو خالعته على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه. وجملة ذلك أنه إذا خالعها على شئ مما عليه من المهر فما بقى فعليه نصفه. وجملة ذلك أنه إذا خالعها على نصف مهر قبل الدخول نظرت

فان كان الصداق عينا فخالعها على نصفها فان قلنا ان الزوج يملك نصف الصداق بالطلاق لم يصح الخلع على نصف ما سماه في الخلع، لان الخلع بمنزلة الطلاق الذى يوقعه ابتداء فلم يصح خلعها على النصف الذى يملك الزوج، وهل يصح في نصف ما سماه في الخلع. فيه قولان بقاء على القولين في تفريق الصفقة، وما فسد من المسمى في الخلع فهل يرجع الزوج عليها ببدله أو بمهر المثل، فيه قولان كما قلنا فيه إذا تلف الصداق قبل القبض. وإن قلنا إن الزوج لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على النصف المسمى في الخلع ورجع عليها بالنصف. وهل يرجع عليها بجميع النصف الباقي في يدها أو بنصفه أو بنصف قيمته. على الاقوال الثلاثة التى مضت قبلها، وإن كان الصداق ألفا في الذمة فخالعها على خمسمائة منه قبل الدخول. قال ابن الصباغ فان قلنا انه يملك نصف الصداق بالطلاق فسدت التسميه في الخلع في نصف الخمسمائة، ولا ينصرف ذلك إلى نصيبها من الالف بعد الطلاق لان وقت التسميه هي مالكة لجميعه، فكان ما سميته من الجملة، وهل تفسد التسميه في نصف الباقي؟ على القولين. وهل يرجع عليها ببدلها أو بمهر مثلها. على القولين. وان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق واختيار التملك صح الخلع على ما سمى فيه، ويسقط الباقي من ذمته باختيار التملك. إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضى الله عنه وما بقى فعليه نصفه، وظاهر هذا أن الخلع يصح بخمسمائة ويسقط عن ذمته من الخمسمائة الباقيه ما ئتان وخمسون واختلف أصحابنا في تأويل هذا، فقال أبو على بن خيران أراد الشافعي رحمه الله إذا تخالعا على خمسمائه من الالف وهما يعلمان أن الخلع لا يصح الا على مائتين وخمسين منها لان نصفها يسقط عنه بالطلاق قبل الدخول، فإذا علما بذلك فقد رضيا أن يكون عوض الخلع مائتين وخمسين لا غير، فإذا بقى على الزوج خمسمائه سقط عنه نصفها بالطلاق قبل الدخول. ومن أصحابنا من قال من قال أراد الشافعي رحمه الله إذا قالت اخلعني بما يخصنى من خمسمائه فصرحا بذلك. وقال أبو إسحاق تأويلها أن العقد وقع على جميع الخمسمائه لانها كانت ملكا

للزوجة، وأما ما يعود نصفها إلى الزوج بعد الطلاق فإذا تم الخلع رجع إلى الزوج نصفها فيكون هذا النصف كالتالف قبل القبض فيرجع الزوج إلى بدل هذا النصف في القول القديم وبدل الدراهم دراهم فيستحق عليها في ذمتها بدل المائتين والخمسين التى كانت تستحقها بالطلاق، وبقى عليه خمسمائة فيسقط عنه نصفها بالطلاق، ويبقى لها عليه مائتان وخمسون فيتقاصان، فيكون معنى قوله فما بقى عليه نصفه، يعنى الخمسمائة التى لم يقع بها الخلع فذكر ما بقى لها عليه، ولم يذكر ماله عليها، ولا ذكر المقاصة أيضا. قال الشيخ أبو حامد: وهذه طريقة صالحة. وقال القاضى أبو الطيب: إن الذى قاله الشافعي رحمه الله إنما قاله على أن الزوج لا يملك بالطلاق، وإنما يملك بالطلاق والاختيار فقد صح الخلع بالخمسمائة، ويرجع عليها بنصف الباقي وبقيمة ما خالعها به. وإنما لم يذكر قيمة ما خالعها به. وقال الشيخ أبو حامد: لا يمكن حمل كلام الشافعي رحمه الله على هذا، لانه قال: فما بقى فعليه نصفه، ولو أراد أنه لا يملك الا بالاختيار لقال: فعليه كل ما بقى إلا أن يختار تملك نصفه قال أصحابنا: وإن أرادت الخلاص خالعته على خمسمائة في ذمتها ويسقط عنه خمسمائة من الالف ويبقى عليه لها خمسمائة فيتقاصان وتقول: اخلعني على ما يسلم لى من الالف أو على أن لا يبقى بيننا علقة ولا تبعة. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: قال الله تعالى (إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة) الآية. وجملة ذلك أنه إذا طلق امرأته قبل الدخول جاز لها أن تعفو عن نصف المهر الذى وجب لها لقوله تعالى (إلا أن يعفون) ولا خلاف أن المراد به النساء وجاز للزوج أن يعفو عن النصف الذى له الرجوع فيه لقوله تعالى (وان تعفو أقرب للتقوى) ولا خلاف أن المراد به الازواج وفى الذى بيده عقدة النكاح قولان. قال في القديم: المراد به ولى المرأة وبه قال ابن عباس والحسن البصري والزهرى وطاوس وربيعة ومالك وأحمد، فيكون تقدير الايه على هذا (إلا أن يعفون) يعنى الزوجات عن النصف الذى وجب لهن فيكون جميع الصداق للزوج أو يعفو الولى عن نصيب الزوجه، فيكون الجميع للزوج. وان تعفوا أقرب للتقوى، يعنى الازواج، فيكون الجميع للزوجه، لان الله تعالى

قال (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وهذا ورد فيما بعد الطلاق، والذى بيده عقدة النكاح عليها هو الولى دون الزوج، ولان الكناية ترجع إلى أقرب مذكور قبله، وأقرب مذكور قبل هذا هو نصف المرأة، ولان الله تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع، فإذا حمل هذا على الولى حصل لكل عفو فائدة، وإذا حمل على غير جعل أحدهما مكررا. وقال في الجديد الذى بيده عقدة النكاح هو الزَّوْجِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بن مطعم وابن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وشريح وأهل الكوفة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، فيكون تقدير الايه (الا أن يعفون) يعنى الزوجات أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح، يعنى الزوج وأن يعفوا أقرب للتقوى، يعنى أن عفو الازواج أفضل من عفو الزوجات، لقوله تعالى (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) وقال العلامه صديق خان في كتابه نيل المرام (ومعنى: أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) قيل هو الزوج. ثم ذكر جماعة من القائلين به إلى أن قال (وفى هذا القول قوة وضعف. اما قوته فلكون الذى بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج لانه الذى إليه رفعه بالطلاق. وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول، وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر، لان العفو لا يطلق على الزيادة. وقيل المراد بقوله (أو يعفو الخ) هو الولى، إلى أن قال وفيه أيضا قوة وضعف، أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا. وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد الزوج لا بيده. ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولى أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه وقد حكى القرطبى الاجماع على أن الولى لا يملك شيئا من مالها، والمهر مالها، فالراجح ما قاله الاولون لوجهين. الاول أن الزوج هو الذى بيده عقدة النكاح حقيقة، الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن مالك مطلق التصرف بخلاف الولى، وتسميته الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر، لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد، كان العفو معقولا، لانه تركه لها ولم يسترجع النصف منه، ولا يحتاج لهذا أن يقال انه من باب المشاكلة كما في الكشاف

لانه عفو حقيقي، أي ترك ما تستحق المطالبة به، إلا أن يقال إنه مشاكلة أو تغليب في توفيته المهر قبل أن يسوقه الزوج، فإذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى لم يصح إلا بالشروط الخمسة التى ساقها المصنف. (فرع) فإذا كان الصداق دينا في ذمة الزوج وطلقها قبل الدخول، وأرادت المرأة العفو عن النصف الذى لها صح عفوها بأحد ستة ألفاظ بأن تقول أبرأتك عن كذا أو وهبته لك أو ملكتك أو تركت لك أو أسقطت عنك أو عفوت عن مالى في ذمتك، وهل يفتقر إلى قبول الزوج؟ فيه وجهان مضى ذكرهما. المنصوص أنه لا يفتقر، فإن أراد الزوج أن يعفو عن النصف الذى رجع إليه بالطلاق، فإن قلنا انه لا يملك ذلك إلا بالطلاق واختيار التملك ولم يختر بعد، فله أن يسقط حقه، وان قلنا انه يملك النصف بالطلاق لم يصح عفوها عنه لانه قد هلك على ملكها، وفى يدها. وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فان قلنا انه لا يملك النصف الا بالطلاق والاختيار صح عفوه قبل الاختيار بكل لفظ يتضمن إسقاط حقه كالعفو والاسقاط والترك كما قلنا فيمن له شفعة فأسقطها. ولا يفتقر إلى قبولها وجها واحدا. وان قلنا بالمنصوص وأنه يملك نصفه بالطلاق صح عفوه عنها بأحد الالفاظ الستة: الهبة والعفو والابراء والتمليك والاسقاط والترك، وهل يفتقر إلى قبولها على الوجهين. وان كان الصداق عينا في يد الزوج وأرادت أن تعفو عن النصف الذى لها صح بلفظ الهبة أو التمليك ولا بد من قبول الزوج، ولا بد من مضى مدة القبض وهل يفتقر إلى اذنها بالقبض، فيه طريقان مضيا في الرهن، ولا يصح عفوها بلفظ الابراء والاسقاط لان ذلك انما صح عما في الذمم، وهل يصح بلفظ العفو فيه وجهان حكاهما في التعليق، الصحيح لا يصح، وان أراد الزوج ان يعفو عن النصف الذى له، فان قلنا بقول أبى اسحاق انه لا يملك الا بالطلاق والاختيار. ولم يختر بعد صح عفوه بكل لفظ يتضمن اسقاط الخيار، وان قلنا بالمذهب أنه يملك بنفس الطلاق احتاج إلى ثلاث شرائط: الهبة من الايجاب والقبول، والاذن بالقبض، والقبض

وإن كان الصداق عينا في يد الزوجة فأرادت أن تعفو عن نصفها افنقر إلى شروط الهبة، وإن أراد الزوج أن يعفو عنها، فإن قلنا: إنه يملك بنفس الطلاق فهو يهبها شيئا في يدها فلا بد فيه من الايجاب والقبول، ومضى مدة القبض. (فرع) إذا تزوج إمرأة بمهر حرام أو مجهول وجب لها مهر مثلها، فإن أبرأته عنه وكانت تعلم قدره صحت البراءة. وإن كانت لا تعلم قدره وأبرأته عنه لم تصح البراءة. وقال أبو حنيفة تصح، دليلنا أنه إزالة ملك بلفظ لا يسرى فلم يصح مع الجهل به كالبيع، وفيه احتراز من العتق، وإذا ثبت أن الابراء في الكل لا يصح فهل يصح في قدر ما يتحققه؟ قال الشيخ أبو حامد: المعروف أنه لا يصح، وقال أبو إسحاق: يصح، لانا إنما منعنا صحة البراءة في كله لاجل الغرر، وهذا لا يوجد فيما يتحقق أنه لها، وان كانت تعلم أن المهر يزيد على مائة ولا يبلغ ألفا فقالت: أبرأتك من مائة إلى ألف صح، لان الغرر قد زال والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان فوضت بضعها بأن تزوجت وسكت عن المهر أو تزوجت على أن لا مهر لها ففيه قولان (أحدهما) لا يجب لها المهر بالعقد وهو الصحيح لانه لو وجب لها المهر بالعقد لتنصف بالطلاق (والثانى) يجب لانه لو لم يجب لما استقر بالدخول ولها أن تطالب بالفرض لان اخلاء العقد عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان قلنا يجب بالعقد فرض لها مهر المثل لان البضع كالمستهلك فضمن بقيمته كالسلعة المستهلكة في يد المشترى ببيع فاسد، وان قلنا لا يجب لها المهر بالعقد فرض لها ما يتفقان عليه لانه ابتداء ايجاب فكان اليهما كالفرض في العقد ومتى فرض لها مهر المثل أو ما يتفقان عليه صار ذلك كالمسمى في الاستقرار بالدخول والموت والتنصف بالطلاق لانه مهر مفروض فصار كالمفروض في العقد، وان لم يفرض لها حتى طلقها لم يجب لها شئ من المهر لقوله عز وجل (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فدل على أنه إذا لم يفرض لم يجب النصف وان لم

يفرض لها حتى وطئها استقر لها مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان ماتا أو أحدهما قبل الفرض ففيه قولان. أحدهما: لا يجب لها المهر لانها مفوضة فارقت زوجها قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها المهر كما لو طلقت. (والثانى) يجب لها المهر لما روى علقمة قال أتى عبد الله في رجل تزوج إمرأة فمات عنها ولم يكن فرض لها شيئا ولم يدخل بها فقال أقول فيها برأيى لها صداق نسائها وعليها العدة ولها الميراث فقال معقل بن سنان الاشجعى قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تزويج بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بذلك ولان الموت معنى يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالوطئ، وان تزوجت على أن لا مهر لها في الحال ولا في الثاني ففيه وجهان. (أحدهما) أن النكاح باطل لان النكاح من غير مهر لم يكن إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصير كما لو نكح نكاحا ليس له. (والثانى) يصح لانه يلغى قولها لا مهر لى في الثاني لانه شرط باطل في الصداق فسقط وبقى العقد فعلى هذا يكون حكمه حكم القسم قبله. (الشرح) اللغات: قال في البيان: التفويض في اللغة أن يكل الرجل أمره إلى غيره. وقال ابن بطال: المفوضة المرأة تنكح بغير صداق من قولهم فوضت الامر إلى فلان أي رددته، إلى أن قال: والتفويض أن تفوض المرأة أمرها إلى الزوج فلا تقدر معه مهرا، وقيل: التفويض الاهمال. كأنها أهملت أمر المهر فلم قسمه ويقال المرأة مفوضة بالكسر لتفويضها لانها أذنت وبالفتح لان وليها فوضها بعقده. وأما التفويض في الشرع فهو تفويض البضع في النكاح، يقال: امرأة مفوضة بكسر الواو إذا أضفت التفويض إليها، ومفوضه بفتح الواو إذا أسند التفويض إلى غيرها، والتفويض على ضربين، تفويض مهر وتفويض بضع، فأما تفويض المهر فمثل أن يقول تزوجتك على أي مهر شئت أو شئت أو شئنا فالنكاح صحيح، ويجب لها مهر مثلها في العقد، وأما تفويض البضع فبأن يقول

زوجتكها وتسكت عن المهر أو زوجتكها بلا مهر في الحال وكان ذلك بإذن المرأة لوليها وهى من أهل الاذن، فإن النكاح ينعقد، وأما المهر فقد قال الشيخ أبو حامد لا يجب لها مهر في العقد قولا واحدا، ولكنها قد ملكت بالعقد أن تملك مهرا لان لها المطالبة بفرضه، فهى كالشفيع ملك أن يملك الشقص أو أي مهر ملكت تملكه فيه قولان. (أحدهما) مهر المثل والمفروض بدل عنه. (والثانى) ما يتفقان عليه. وقال أبو حنيفة يجب لها مهر المثل بالعقد، وحكى الشيخ أبو إسحاق أنه أحد قولينا لانه لو لم يجب بالعقد لما استحقت المطالبة به، ولما استقر بالدخول، ودليلنا على أنه لا يجب بالعقد أنه لو وجب لها المهر بالعقد ليتصف بالطلاق كالمسمى في العقد، فإذا قلنا: إنها ملكت أن تملك مهر المثل ويكون المفروض بدلا منه فلانه إذا عقد عليها النكاح فقد استهلك بضعها فوجب أن يكون لها بدله، وبدله هو مهر المثل، وإذا قلنا ملكت أن تملك مهرا ما، وانما يتقدر ذلك بالفرض. قال أبو إسحاق وهو أقواهما ولان المهر الذى تملكه المرأة بعقد النكاح مهران مهر تملكه بالتسمية، ومهر تملكه بالفرض، ثم ثبت أن المهر الذى تملكه بالتسمية لا يقدر الا بالتسمية، فكذلك المهر الذى تملكه بالفرض لا يتقدر الا بالفرض، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى أنهما إذا فرضا لها أكثر من مهر المثل لزم لها الجميع، ولو كانت الزيادة على مهر المثل هبة لم يلزم بالفرض، وانما يلزم بالقبض. (فرع) وللمفوضة أن تطالب بفرض المهر لان اخلاء العقد عن المهر خاص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر مثلها لان زيادته على ذلك ميل على الزوج، ونقصانه عنه ميلا عليها ولا يصح فرضه الا بعد معرفته بقدر مهر مثلها لانه لا يملك الفرض الا بذلك، وان تراضى الزوجان ففرضاه بينهما فإن كانا عالمين بقدر مهر مثلها صح فرضهما، فإن فرضا مهر مثلها صح، وان فرضا أكثر منه صح ولزم، وقد سمح الزوج، وان فرضا أقل منه صح ولم يلزم الزوج أكثر منه لانها سمحت، وان كانا جاهلين بقدر مهر مثلها

أو أحدهما فإن قلنا: إنها ملكت بالعقد أن تملك مهر المثل لم تصح فرضهما، لان المفروض بدل عن مهر المثل، فلا بد أن يكون المبدل معلوما عندهما، وإن قلنا: ملكت بالعقد أن تملك مهرا ما صح فرضهما، وإذا فرض لها الحاكم لم يفرض لها إلا من نقد البلد، لانه بدل بضعها التالف فهو كما لو أتلف عليها عينا من مالها، وان فرضه الزوجان بينهما جاز أن يفرضا نقدا أو عرضا مما يجوز تسميته في العقد، ولا يلزم إلا ما اتفقا عليه من ذلك، وإذا فرض لها مهر صحيح كان ذلك كالمسمى في العقد يستقر بالدخول أو بالموت وينتصف بالطلاق قبل الدخول. وقال أبو حنيفة: إذا طلقها قبل الدخول سقط المفروض ووجب لها المتعة، دليلنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) الآية. ولانه مهر واجب قبل الطلاق فينصف بالطلاق كالمسمى لها في العقد. (فرع) ويستحب أن لا يدخل بها حتى يفرض لها لئلا يشتبه بالموهوبة، فإن لم يفرض لها حتى وطئها استقر عليه مهر المثل، لان الوطئ في النكاح من غير مهر خالص للنبى صلى الله عليه وسلم، فإن طلقها قبل القبض والمسيس لم يجب لها المهر لقوله تعالى (نصف ما فرضتم إلا أن يعفون) الآية، وهذا لم يفرض شيئا، وإن مات أحدهما قبل القبض والمسيس توارثا ووجب عليها عدة الوفاة إن مات الزوج قبلها بلا خلاف، لان الزوجية ثابتة بينهما إلى الموت، وهل لها مهر المثل؟ فيه قولان. أحدهما: يجب لها مهر مثلها، وبه قال ابن مسعود رضى الله عنه وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق إلا أن أبا حنيفة يقول: يجب لها مهر مثلها بالعقد، ووجه هذا القول ما روى عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج إمرأة ولم يسم لها مهرا فمات عنها قبل الدخول فقال عبد الله: أقول فيها برأيى، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، لها الميراث وعليها العدة ولها مهر مثلها، لا وكس ولا شطط، فقام إليه معقل بن سنان الاشجعى وقال: أشهد لقضيت

مثل ما قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بروع بنت واشق، ففرح عبد الله بذلك، ولان الموت سبب يستقر به المسمى فاستقر به مهر المفوضة كالدخول. والثانى: لا يجب لها مهر، وبه قال على وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم وأهل المدينة والزهرى وربيعة ومالك والاوزاعي من أهل الشام ولانها فرقة وردت على المفوضة قبل الفرض والمسيس فلم يجب لها مهر كالطلاق فأما خبر ابن مسعود رضى الله عنه فهو مضطرب، وروى أنه قام إليه ناس من أشجع، وروى أنه قام إليه رجل من أشجع، وروى أنه قام إليه معقل بن سنان وروى أنه قام إليه معقل بن يسار، وروى أنه قام إليه أبو سنان، ويجوز أن تكون بروع مفوضة المهر لا مفوضة البضع. (فرع) وإن زوج الولى وليته بإذنها وهى من أهل الاذن على أن لا مهر لها في الحال ولا فيما بعد، فهل يصح النكاح؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يصح النكاح لانها في معنى الموهوبة، وذلك لا يصح إلا للنبى صلى الله عليه وسلم والثانى: يصح النكاح ويبطل الشرط، لان النكاح لا يخلو من مهر، فإذا شرط أن لا مهر لها بحال ألغى الشرط لبطلانه، ولا يبطل النكاح لانه لا يبطل لبطلان المهر، فعلى هذا تكون مفوضة البضع، وقد مضى حكمها، فإن زوج الاب أو الجد الصغيرة أو الكبيرة المجنونة أو البكر البالغة العاقلة وفوض بضعها أو أذنت المرأة لوليها في تزويجها ففوض بضعها بغير إذنها لم تكن مفوضة، بل يجب لها مهر مثلها، لان التفويض إنما يتصور باذنها إذا كانت من أهل الاذن، هذا هو المشهور من المذهب. وقال أبو على بن أبى هريرة: إذا قلنا: ان الذى بيده عقدة النكاح هو الاب والحد صح تفويضه لبضع الصغيرة والمجنونة، كما يصح عفوه، والاول أصح، لانه انما يصح على أحد القولين بعد الطلاق فأما مع بقاء النكاح فلا يصح. (فرع) قال ابن الصباغ: إذا وطئ الزوج المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها فانه يجب لها مهر المثل معتبرا بحال العقد، لان سبب وجوب ذلك انما هو بالعقد واعتبر به.

وقال القاضى أبو الطيب: يعتبر مهرها أكثر ماكان من حين العقد إلى حين الوطئ، لان لها أن تطالبه بفرض المهر في كل وقت من ذلك، وان نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها اعتبر مهرها حال وطئها، وان أبرأته من مهرها قبل الفرض لم تصح البراءة، لان المهر لم يجب والبراءة من الدين قبل وجوبه لا تصح، وان أسقطت حقها من المطالبة بالمهر قال ابن الصباغ: لم يصح اسقاطه عندي لان اثبات المهر ابتداء حق لها يتعلق به حق الله تعالى، لان الشرع منعها من هبة بضعها، وانما خص به النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يصح أن يطأها بغير عوض، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) ويعتبر مهر المثل بمهر نساء العصبات لحديث علقمة عن عبد الله وتعتبر بالاقرب فالاقرب منهن وأقربهن الاخوات وبنات الاخوة والعمات وبنات الاعمام) فان لم يكن لها نساء عصبات اعتبر بأقرب النساء إليها من الامهات والخالات لانهن أقرب إليها، فان لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها ويعتبر بمهر من هي على صفتها في الحسن والعقل والعفة واليسار، لانه قيمة متلف فاعتبر فيها الصفات التى يختلف بها العوض والمهر يختلف بهذه الصفات ويجب من نقد البلد كقيم المتلفات. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ومتى قلت لها مهر نسائها فانما أعنى نساء عصبتها وليس أمها من نسائها. وجملة ذلك أن أصحابنا قالوا يجب لها مهر مثلها في سبعة مواضع (1) مفوضة المهر (2) مفوضة البضع إذا دخل بها الزوج قبل الفرض أو مات عنها في أحد القولين. (3) إذا فوض الولى بضعها بغير اذنها (4) إذا نكحت المرأة بمهر فاسد أو مجهول (5) إذا نكحها نكاحا فاسدا ووطئها (6) إذا وطئ امرأة بشبهة (7) إذا أكره المرأة على الزنا، وكل موضع وجب للمرأة مهر

مثلها تعتبر بنساء عصبتها كالاخوات وبنات الاخوات والعمات وبنات الاعمام، ولا يعتبر بنساء ذوى أرحامها كأمهاتها وخالاتها، ولا بنساء بلدها. وقال ابن أبى ليلى وأبو حنيفة: يعتبر بنساء عصباتها وبنساء ذوى أرحامها. دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في بروع بنت واشق أن لها مهر نساء قومها وهذا يقتضى قومها الذين تنسب إليهم، ولانه إذا لم يكن بد من اعتبارها بغيرها من النساء فاعتبارها بنساء عصباتها أولى لانها تساويهن في النسب، ويعتبر بمن هي في مثل حالها في الجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والدين وصراحة النسب. وإنما اعتبر الجمال لان له تأثيرا في الاستمتاع وهو المقصود بالنكاح، والعقل والادب يعتبران، لان مهر العاقلة الاديبة أكثر من مهر من لا عقل لها ولا أدب. وكذلك مهر الشابة والبكر أكثر من مهر العجوز والثيب ومهر العفيفة أكثر من مهر الفاسقة. قال الشافعي وصراحتها، فمن أصحابنا من قال: أراد الفصاحة في اللسان. وقال أكثرهم أراد صراحة النسب، لان العرب أكمل من العجم فإن كانت بين عربيين لم يعتبر بمن هي بين عربي وعجمية، لان الولد بين عربي وعجمية هجين، والولد بين عربية وعجمي مقرف ومدرع، قال الشاعر في المقرف: وما هند إلا مهرة عربية * سليلة أفراس تجللها بغل فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى * وإن يك أقرافا فما أنجب الفحل وقال في المدرع: إن المدرع لا تغنى خؤولته * كالبغل يعجز عن شوط المحاضير ويعتبر بالاقرب فالاقرب، فإن لم يكن في أخواتها مثلها صعد إلى بنات أخيها ثم إلى عماتها ثم إلى بنات عمها، فإن لم يكن نساء عصباتها في بلدها متفرقة، ومهور ذلك البلد تختلف اعتبرت بنساء عصباتها من أهل بلدها لانها أقرب اليهن فإن لم يكن لها عصبات أو كان لها نساء عصبة ولم يوجد فيهن مثلها اعتبرت بأقرب النساء إليها من ذوى أرحامها كأمهاتها، وخالاتها، فان لم يكن لها من يشبهها منهن اعتبرت بنساء بلدها، ثم بنساء أقرب بلد إلى بلدها. (فرع) فان كان من عادتهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا المهر، وإذا

زوجوا من الاجانب نقلوا المهر حمل الامر على ذلك فإن كان زوجها من عشيرتها خفف المهر. وإن كان الاجانب نقل، لان المهر يختلف بذلك. قال ابن الصباغ: وينبغى على هذا إذا كان الزوج شريفا والعادة أن يخفف مهر الشريف لشرف الزوج أن يعتبر ذلك. (فرع) ويجب مهر المثل حالا من نقد البلد. وقال الصيمري: إن جرت عادتهم في ناحية بالثياب وغير ذلك قضى لها بذلك، والمنصوص هو الاول لانه بذل متلف فأشبه سائر المتلفات. قال أبو على الطبري: وإن كان عادة نساء عصباتها التأجيل في المهر فإنه لا يجب لها المهر المؤجل بل يجب حالا: وينقص منه لاجل التأجيل، لان القيم لا تكون مؤجلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا أعسر الرجل بالمهر ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لانه معاوضة يلحقه الفسخ، فجاز فسخه بالافلاس بالعوض كالبيع، وان كان بعد الدخول لم يجز الفسخ لان البضع صار كالمستهلك بالوطئ، فلم تفسخ بالافلاس كالبيع بعد هلاك السلعة. ومن أصحابنا من قال: إن كان قبل الدخول ثبت الفسخ، وإن كان بعد الدخول ففيه قولان (أحدهما) لا يثبت لها الفسخ لما ذكرناه (والثانى) يثبت لها الفسخ وهو الصحيح، لان البضع لا يتلف بوطئ واحد فجاز الفسخ والرجوع إليه، ولا يجوز الفسخ الا بالحاكم، لانه مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم، كفسخ النكاح بالعيب. (فصل) إذا زوج الرجل إبنه الصغير وهو معسر ففيه قولان، قال في القديم يجب المهر على الاب لانه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والاعسار كان ذلك رضا بالتزامه. وقال في الجديد يجب على الابن وهو الصحيح، لان البضع له فكان المهر عليه. (فصل) وان تزوج العبد بإذن المولى فإن كان مكتسبا وجب المهر والنفقة.

في كسبه لانه لا يمكن إيجاب ذلك على المولى لانه لم يضمن، ولا في رقبة العبد لانه وجب برضا من له الحق، ولا يمكن إيجابه في ذمته لانه في مقابلة الاستمتاع فلا يجوز تأخيره عنه، فلم يبق إلا الكسب فتعلق به ولا يتعلق إلا بالكسب الحادث بعد العقد، فان كان المهر مؤجلا تعلق بالكسب الحادث بعد حلوله، لان ما كسبه قبله للمولى، ويلزم المولى تمكينه من الكسب بالنهار ومن الاستمتاع بالليل، لان إذنه في النكاح يقتضى ذلك، فإن لم يكن مكتسبا وكان مأذونا له في التجارة فقد قال في الام: يتعق بما في يده، فمن أصحابنا من حمله على ظاهره، لانه دين لزمه بعقد أذن فيه المولى فقضى مما في يده كدين التجارة. ومن أصحابنا من قال: يتعلق بما يحصل من فضل المال، لان ما في يده للمولى فلا يتعلق به كما لا يتعلق بما في يده من الكسب، وإنما يتعلق بما يحدث وحمل كلام الشافعي رحمه الله على ذلك، وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له في التجارة ففيه قولان. (أحدهما) يتعلق المهر والنفقة بذمته يتبع به إذا أعتق، لانه دين لزمه برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض، فعلى هذا للمرأة أن تفسخ إذا أرادت (والثانى) يجب في ذمة السيد لانه لما أذن له في النكاح مع العلم بالحال صار ضامنا للمهر والنفقة، وإن تزوج بغير إذن المولى ووطئ فقد قال في الجديد يجب في ذمته يتبع به إذا أعتق، لانه حق وجب برضا من له الحق فتعلق بذمته كدين القرض. وقال في القديم: يتعلق برقبته لان الوطئ كالجناية، وان أذن له في النكاح فنكح نكاحا فاسدا ووطئ ففيه قولان. (أحدهما) أن الاذن يتضمن الصحيح والفاسد، لان الفاسد كالصحيح في المهر والعدة والنسب، فعلى هذا حكمه حكم الصحيح وقد بيناه (والثانى) وهو الصحيح أنه لا يتضمن الفاسد لان الاذن يقتضى عقدا يملك به، فعلى هذا حكمه حكم ما لو تزوج بغير إذنه وقد بيناه (الشرح) إذا أعسر الرجل بالصداق فهل يثبت لها الخيار في فسخ النكاح؟ فيه ثلاثة طرق حكاها ابن الصباغ، من أصحابنا من قال: إن كان بعد الدخول لم يثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان قبل الدخول ففيه قولان، أحدهما يثبت

لها الخيار لانه تعذر عليها تسليم العوض والمعوض باق بحاله فكان لها الرجوع إلى المعوض كما لو أفلس المشترى بالثمن والمبيع باق بحاله. والثانى: لا يثبت لها الخيار، لان تأخير المهر ليس فيه ضرر متحقق فهو بمنزلة نفقة الخادم إذا أعسر بها الزوج. ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا. وان كان بعد الدخول ففيه قولان (أحدهما) لا يثبت لها الخيار قولا واحدا. وإن كان بعد الدخول ففيه قولان (أحدهما) لا يثبت لها الخيار لان المعقود عليه قد تلف فهو كما لو أتلف المبيع في يد المشترى ثم أفلس (والثانى) لا يثبت لها الخيار وهو اختيار الشيخ أبى إسحاق، لان المرأة يجب عليها التمكين من الوطئ وجميعه في مقابلة الصداق، وإنما سلمت بعضه فكان لها الفسخ في الباقي فهو كما لو وجد البائع بعض المبيع في يد المفلس. ومنهم من قال: ان كان قبل الدخول ثبت لها الخيار قولا واحدا، وان كان بعده لم يثبت لها الخيار قولا واحدا. لان قبل الدخول لم يتلف البضع، وبعد الدخول قد تلف البضع، لان المسمى يستقر بالوطئ الاول كما يستقر الثمن بتسليم جميع المبيع، وباقى الوطئات تبع للاولة، فإذا تزوجت امرأة رجلا مع العلم بإعساره بالمهر، وقلنا لها الخيار إذا لم تعلم به فهل يثبت لها الخيار ههنا؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ. (أحدهما) لا يثبت لها الخيار لانها رضيت بتأخيره بخلاف النفقة فان النفقة لا تجب العقد ولانه قد يتمكن المعسر من النفقة بالكسب والاجتهاد بخلاف الصداق (والثانى) يثبت لها الخيار لانه يجوز أن يقدر عليه بعد العقد، فلا يكون باعساره رضا بتأخير الصداق كالنفقة، وإذا أعسر بالصداق فرضيت بالمقام معه لم يكن لها الخيار بعد ذلك، لان حق الصداق لم ينجدد بخلاف النفقة. هذا ترتيب البغداديين. وقال المسعودي إذا رضيت باعساره بالمهر ثم رجعت، فان كان قبل الدخول، كان لها الامتناع، وان كان بعد الدخول لم يكن لها الامتناع، وان رضيت بالمقام معه بعدما أعسر بالصداق سقط حقها من الفسخ ولا يلزمها أن تسلم نفسها بل لها أن تمتنع حتى يسلم صداقها، لان رضاها انما يؤثر في إسقاط الفسخ دون الامتناع، ولا يصح الفسخ للاعسار بالصداق إلا باذن الحاكم لانه مجتهد فيه كفسخ النكاح بالعيب.

باب اختلاف الزوجين في الصداق

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اختلاف الزوجين في الصداق إذا اختلف الزوجان في قدر المهر أو في أجله تحالفا، لانه عقد معاوضة فجاز أن يثبت التخالف في قدر عوضه وأجله كالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح، لان التحالف يوجب الجهل بالعوض، والنكاح لا يبطل بجهالة العوض، ويجب مهر المثل، لان المسمى سقط وتعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله، كما لو تحالفا في الثمن بعد هلاك المبيع في يد المشترى. وقال أبو على بن خيران: إن زاد مهر المثل على ما تدعيه المرأة لم تجب الزيادة لانها لا تدعيها، وقد بينا فساد قوله في البيع، وإن ماتا أو أحدهما قام الوارث مقام الميت لما ذكرناه في البيع، فإن اختلف الزوج وولى الصغيرة في قدر المهر ففيه وجهان. (أحدهما) يحلف الزوج ويوقف يمين المنكوحة إلى أن تبلغ ولا يحلف الولى، لان الانسان لا يحلف لاثبات الحق لغيره. (والثانى) أنه يحلف وهو الصحيح لانه باشر بالعقد فحلف كالوكيل في البيع، فإن بلغت المنكوحة قبل التحالف لم يحلف الولى، لانه لا يقبل إقراره عليها فلم يحلف، وهذا فيه نظر، لان الوكيل يحلف وإن لم يقبل إقراره وإن ادعت المرأة أنها تزوجت به يوم السبت بعشرين ويوم الاحد بثلاثين، وأنكر الزوج أحد العقدين، وأقامت المرأة البينة على العقدين وادعت المهرين قضى لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم السبت ثم خالعها، ثم تزوجها يوم الاحد، فلزمه المهران. (الشرح) إذا اختلف الزوجان في قدر المهر بأن قال تزوجتك بمائة فقالت بل بمائتين أو في جنسه بأن قال تزوجتك على دراهم فقالت بل على دنانير، أو في عينه بأن قال: تزوجتك بهذه السيارة فقالت بل بهذه العمارة، أو في أجله بأن قال تزوجتك بمهر مؤجل فقالت بل بمهر حال ولا بينة لاحدهما تحالفا، وسواء كان اختلافهما قبل الدخول أو بعده، وبه قال الثوري

وقال مالك: إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج. وقال النخعي وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو يوسف: القول قول الزوج بكل حال، إلا أن أبا يوسف قال الا أن يدعى الزوح مهرا مستنكرا لا يزوح بمثله في العادة، فلا يقبل. وقال أبو حنيفة ومحمد ان اختلفا بعد الطلاق فالقول قول الزوج، وان كان اختلافهما قبل الطلاق فالقول قول الزوجه الا أن تدعى أكثر من مهر مثلها. فيكون القول قولها في قدر مهر مثلها، وفى الزيادة القول قول الزوج مع يمينه. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وكل واحد من الزوجين مدعى عليه فكان عليه اليمين كالذى أجمع عليه كل مخالف فيها إذا ثبت هذا فالكلام في البادئ منهما وفى صورة التحالف بالبيع، وإذا تحالفا لم ينفسخ النكاح. وقال مالك: ينفسخ. دليلنا: أن أكثر ما فيه أن المهر يصير مجهولا، والجهل بالمهر لا يفسد النكاح عندنا، وقد مضى الدليل عليه، ويسقط المسمى لان كل واحد منهما قد حقق بيمينه ما حلف عليه، وليس أحدهما بأولى من الآخر فسقطا وهل يسقط ظاهرا وباطنا؟ أو يسقط في الظاهر دون الباطن، على الاوجه الثلاثة في البيع وهل ينفسخ بنفس التحالف أو بالفسخ، على ما مضى في البيع، وترجع المرأة إلى مهر مثلها سواء كان ذلك أكثر مما تدعيه أو أقل. وقال أبو على بن خيران: ان كان مهر المثل أكثر مما تدعيه لم تستحق الزيادة وقال ابن الصباغ: ينبغى أن يقال: إذا قلنا. ينفسخ في الظاهر دون الباطن لا تستحق الا أقل الامرين من مهر المثل أو ما تدعيه، والمشهور هو الاول، ولان بالتحالف سقط اعتبار المسمى فصار الاعتبار بمهر المثل، ويبطل ما قالاه بما لو كان مهر المثل أقل مما اعترف الزوح أنه تزوجها به، فانها لا تستحق أكثر من مهر مثلها، ولا يلزم الزوج ما اعترف به من الزيادة. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وهكذا الزوجة وأبو الصبية، وجملة ذلك أن الاب والجد إذا زوج الصغيرة أو المجنونة، واختلف الاب والجد في قدر

المهر والزوج، فهل يتحالفان؟ اختلف أصحابنا فمنهم من قال: يحلف الزوج وتوقف يمين الزوجه إلى أن تبلغ أو تفيق، ولا يحلف الولى لان النيات لا تدخل في اليمين، وحمل النص على أنه أراد به العطف على قوله، وبدأت بيمين الزوج مع الكبيرة ثم مع أبى الصغيرة، وذهب أبو العباس وأبو إسحاق وأكثر أصحابنا إلى أن الاب والجد يحلفان مع الزوج على ظاهر قول الشافعي رحمه الله وهو الصحيح، لانه عاقد فحلف كما لو وكل رجل ببيع سلعة فاختلف هو والمشترى فانه يحلف، إذا ثبت هذا فإن التحالف بينهما إنما يتصور بشرطين. (أحدهما) إذا ادعى الاب والجد أنه زوجها بأكثر من مهر المثل، وادعى الزوج أنه انما تزوجها بمهر المثل، فأما إذا اختلفا في مهر المثل أو أقل منه فلا تحالف بينهما لانها إذا زوجها بأقل من مهر المثل ثبت لها مهر المثل. (والثانى) إذا كانت المنكوحة عند الاختلاف صغيرة أو مجنونة، فأما إذا بلغت أو أفاقت قبل التحالف فان عامة أصحابنا قالوا: لا يحلف الولى لانه لو أقر عنها بما يدعى الزوج لم يقبل في هذه الحاله بخلاف ما قبل البلوغ والافاقة، فانه لو أقر بما يدعى الزوج من مهر المثل قبل اقراره، وقال القاضى أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق: يقبل حلف الولى، لان الوكيل يحلف وان لم يقبل اقراره فكذلك الولى ههنا. (فرع) إذا ادعت المرأة أنه عقد عليها النكاح يوم الخميس بعشرين ثم عقد عليها يوم الجمعه بثلاثين وأقامت على ذلك بينة وطلبت المهرين. قال الشافعي رضى الله عنه: فهما لها، لانه يجوز أن يكون تزوجها يوم الخميس بعشرين ثم خالعها بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول ثم تزوجها فيلزمه المهران، فان قال الزوج: انما عقدت يوم الجمعة تكرارا وتأكيدا فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر لزومها. قال المزني: للزوج أن يقول: كان الفراق قبل النكاح الثاني قبل الدخول، فلا يلزمه الا نصف الاول وجميع الثاني، لان القول قوله أنه لم يدخل في الاول قال أصحابنا: انما قصد الشافعي رحمه الله أن المهرين واجبان، فان ادعى سقوط نصف الاول بالطلاق قبل الدخول كان القول قوله، لان الاصل عدم الدخول

قال أصحابنا: وهكذا لو أقام بينة أنه باع من رجل هذا الثوب يوم الخميس بعشرة وأنه باعه يوم الجمعة بعشرين لزمه الثمنان لجواز أن يرحع إليه بعد البيع الاول أو هبته. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان اختلفا في قبض المهر فادعاه الزوج وأنكرت المرأة فالقول قولها، لان الاصل عدم القبض وبقاء المهر، وان كان الصداق تعليم سورة فادعى الزوج أنه علمها، وأنكرت المرأة فان كانت لا تحفظ السورة فالقول قولها لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان. (أحدهما) أن القول قولها، لان الاصل أنه لم يعلمها. (والثانى) أن القول قوله، لان الظاهر أنه يعلمها لم غيره وان دفع إليها شيئا وادعى أنه دفعه عن الصداق وادعت المرأة أنه هدية، فان اتفقا على أنه لم يتلفظ بشئ، فالقول قوله من غير يمين لان الهدية لا تصح بغير قول، وان اختلفا في اللفظ فادعى الزوج أنه قال هذا عن صداقك، وادعت المرأة أنه قال: هو هدية فالقول قول الزوج، لان الملك له، فإذا اختلفا في انتقاله كان القول في الانتقال قوله كما لو دفع إلى رجل ثوبا فادعى أنه باعه، وادعى القابض أنه وهبه له. (فصل) وان اختلفا في الوطئ فادعته المرأة وأنكر الزوج فالقول قوله، لان الاصل عدم الوطئ فان أتت بولد يلحقه نسبه ففى المهر قولان (أحدهما) يجب لان الحاق النسب يقتضى وجود الوطئ (والثانى) لا يجب لان الولد يلحق بالامكان والمهر لا يجب إلا بالوطئ والاصل عدم الوطئ. (فصل) وإن أسلم الزوجان قبل الدخول فادعت المرأة أنه سبقها بالاسلام فعليه نصف المهر وادعى الزوج أنها سبقته فلا مهر لها فالقول قول المرأة لان الاصل بقاء المهر، وإن اتفقا على أنه أحدهما سبق ولا يعلم عين السابق منهما، فإن كان المهر في يد الزوج لم يجز للمرأة أن تأخذ منه شيئا لانها تشك في الاستحقاق وإن كان في يد الزوجة رجع الزوج بنصفه لانه يتيقن استحقاقه ولا يأخذ من النصف الآخر شيئا، لانه شك في استحقاقه.

(الشرح) إذا ادعى الزوج أنه دفع الصداق إلى زوجته وأنكرت ولا بينة له فالقول قول الزوجة مع يمينها، وبه قال الشعبى وسعيد بن جبير وأهل الكوفة وابن شبرمة وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك والاوزاعي: ان كان الاختلاف قبل الدخول فالقول قول الزوجة، وان كان بعد الدخول فالقول قول الزوج، وقال الفقهاء السبعة من أهل المدينة ان كان الاختلاف قبل الزفاف فالقول قولها، وان كان بعد الزفاف فالقول قوله، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم البينه على المدعى واليمين على المدعى عليه، والمرأة مدعى عليها في جميع الحالات فكان القول قولها. (فرع) وان أصدقها تعليم سورة وادعى أنه قد علمها اياها وأنكرت، فإن كانت لا تحفظها فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم التعليم، وان كانت تحفظها ففيه وجهان، أحدهما: القول قولها لما ذكرناه، والثانى: القول قوله، لان الظاهر أنه قد علمها. (فرع) وان أصدقها ألف درهم فدفع إليها ألف درهم فقال دفعتها عن الصداق وقالت. بل دفعتها هدية أو هبة، فإن اتفقا أنه لم يتلفظ بشئ فالقول قوله من غير يمين، لان الهدية والهبة لا تصح بغير قول، وان اختلفا في قوله فقال قلت هذا عن الصداق، وقالت بل قلت، هذا هدية فالقول قوله لانه أعلم بقوله قال الشافعي ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال، ألف صداق، وألف وديعة، وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه، وله عندها ألف وديعة، وإذا أقرت أن قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه فالقول قوله في ماله. (مسألة) وان ادعت المرأة أنه خلا بها وأصابها أو أصابها من غير خلوة فأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الخلوة والاصابة وان صادقها على الخلوة والتمكن فيها من الاصابة وأنكر الاصابة فان قلنا انها ليست كالاصابة، فهل القول قوله أو قولها؟ فيه قولان، قال في القديم القول قولها لان الظاهر معها، وقال في الجديد القول قوله وهو الاصح، لان الاصل عدم الاصابة وما بقى من الفصول فهى ماضية على وجهها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أصدقها عينا ثم طلقها قبل الدخول، وقد حدث بالصداق عيب فقال الزوج: حدث بعد ما عاد إلى فعليك أرشه، وقالت المرأة: بل حدث قبل عوده اليك فلا يلزمنى أرشه فالقول قول المرأة، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل النقص والاصل عدم الطلاق والمرأة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم النقص فتقابل الامران فسقطا والاصل براءة ذمتها. (فصل) وإذا وطئ امرأة بشبهة أو في نكاح فاسد لزمه المهر لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) فان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها، فان أكرهما على الزنا وجب عليه المهر لانه وطئ سقط فيه الحد عن الموطوءة بشبهة، والواطئ من أهل الضمان في حقها، فوجب عليه المهر كما لو وطئها في نكاح فاسد فان طاوعته على الزنا نظرت فان كانت حرة لم يجب لها المهر، لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ البغى وحلوان الكاهن) وان كانت أمة لم يجب لها المهر على المنصوص للخبر، ومن أصحابنا من قال: يجب لان المهر حق للسيد فلم يسقط باذنها كأرش الجناية. (فصل) وان وطئ امرأة وادعت المرأة أنه استكرهها وادعى الواطئ أنها طاوعته ففيه قولان. أحدهما: القول قول الواطئ لان الاصل براءة ذمته. والثانى: القول قول الموطوءة، لان الواطئ متلف ويشبه أن يكون القولان مثبتين على القولين في اختلاف رب الدابة وراكبها ورب الارض وزارعها. (فصل) وان وطئ المرتهن الجارية المرهونة باذن الراهن وهو جاهل بالتحريم ففيه قولان. (أحدهما) لا يجب المهر لان البضع للسيد وقد أذن له في اتلافه فسقط بدله

كما لو أذن له في قطع عضو منها (والثانى) يجب لانه وطئ سقط عنه الحد للشبهة فوجب عليه المهر كما لو وطئ في نكاح فاسد، فإن أتت منه بولد ففيه طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالمهر لانه متولد من مأذون فيه، فإذا كان في بدل المأذون فيه قولان كذلك وجب أن يكون في بدل ما تولد منه قولان. وقال أبو إسحاق تجب قيمة الولد يوم سقط قولا واحدا لانها تجب بالاحبال ولم يوجد الاذن في الاحبال، والطريق الاول أظهر لانه وإن لم يأذن في الاحبال الا أنه اذن في سببه. (الشرح) حديث عائشة رواه أبو داود والسجستاني وأبو داود الطيالسي وابن ماجه والدارقطني والترمذي، وكذلك رواه الشافعي ومن طريق سليمان ابن موسى عن الزهري عن عروة عنها، وقد مضى الكلام على طرقه في ولاية النكاح. أما حديث أبى مسعود البدرى وهو عقبة بن عمرو رضى الله عنه فقد أخرجه أصحاب الكتب الستة وأحمد والدارقطني، وقد ذكره في البيوع وغيرها من المجموع. وأولى بالكلام من هذه الفصول أنه إذا أصدقها عينا وقبضتها ثم طلقها قبل الدخول ووجد في العين نقص فقد ذكرنا أن هذا النقص لا يلزمها أرشه، وان حدث بعد الطلاق فعليها أرشه، فاختلف الزوجان في وقت حدوثه، فقال الزوج حدث في يدك بعد عود النصف إلى إما بالطلاق على المنصوص أو بالطلاق واختيار التملك على قول ابى اسحاق، وقالت الزوجة بل حدث قبل ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها، لان الزوج يدعى وقوع الطلاق قبل حدوث القبض وهى تنكر ذلك، والاصل عدم الطلاق، والزوجة تدعى حدوث النقص قبل الطلاق والاصل عدم حدوث النقص، فتعارض هذان الاصلان وسقطا، وبقى أصل براءة ذمتها من الضمان، فكذلك كان القول قولها وبالله التوفيق.

باب المتعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب المتعة إذا طلقت المرأة لم يخل إما أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول نظرت، فإن لم يفرض لها مهر وجب لها المتعة لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) ولانه لحقها بالنكاح ابتذال، وقلت الرغبة فيها بالطلاق، فوجب لها المتعة، وإن فرض لها المهر لم تجب لها المتعة، لانه لما أوجب بالايه لمن لم يفرض لها دل على أنه لا يجب لمن فرض لها، ولانه حصل لها في مقابلة الابتذال نصف المسمى، فقام ذلك مقام المتعة. وإن كان بعد الدخول ففيه قولان، قال في القديم: لا تجب لها المتعة، لانها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض، فلم تجب لها المتعة كالمسمى لها قبل الدخول. وقال في الجديد: تجب لقوله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) وكان ذلك في نساء دخل بهن، ولان ما حصل من المهر لها بدل عن الوطئ، وبقى الابتذال بغير بدل، فوجب لها المتعة كالمفوضة قبل الدخول، وإن وقعت الفرقة بغير الطلاق نظرت فإن كانت بالموت لم تجب لها المتعة لان النكاح قد تم بالموت وبلغ منتهاه فلم تجب لها متعة. وإن كانت بسبب من جهة أجنبي كالرضاع فحكمه حكم الطلاق في الاقسام الثلاثة، لانها بمنزلة الطلاق في تنصيف المهر فكانت كالطلاق في المتعة. وإن كانت بسبب من جهة الزوج كالاسلام والردة واللعان فحكمه حكمم الطلاق في الاقسام الثلاثه، لانها فرقة حصلت من جهته فأشبهت الطلاق، وإن كانت بسبب من جهة الزوجة كالاسلام والردة والرضاع والفسخ بالاعسار والعيب بالزوجين جميعا لم تجب لها المتعة، لان المتعة وجبت لها لما يلحقها من الابتذال بالعقد وقلة الرغبة فيها بالطلاق، وقد حصل ذلك بسبب من جهتها فلم تجب. وإن كانت بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع أو جعل الطلاق إليها فطلقت

كان حكمها حكم المطلقة في الاقسام الثلاثة، لان المغلب فيها جهة الزوج، لانه يمكنه أن يخالعها مع غيرها ويجعل الطلاق إلى غيرها فجعل كالمنفرد به. وان كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج فقد قال في موضع لا متعة لها، وقال في موضع لها المتعة، فمن أصحابنا من قال هي على قولين. (أحدهما) لا متعة لها لان المغلب جهة السيد، لانه يمكنه أن يبيعها من غيره فكان حكمه في سقوط المتعة حكم الزوج في الخلع في وجوب المتعة، ولانه يملك بيعها من غير الزوج فصار اختياره للزوج اختيارا للفرقه. (والثانى) أن لها المتعة لانه لا مزية لاحدهما على الآخر في العقد، فسقط حكمها كما لو وقعت الفرقه من جهة أجنبي. وقال أبو إسحاق: ان كان مولاها طلب البيع لم تجب لانه هو الذى اختار الفرقه. وإن كان الزوج طلب وجبت، لانه هو الذى اختار الفرقه، وحمل القولين على هذين الحالين. (الشرح) المناع في اللغة كل ما ينتفع به كالطعام والثياب وأثاث البيت، وأصل المتاع ما يتبلغ به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقبل ادا أعطيته، والجمع أمتعة، ومتعة الطلاق من ذلك، ومتعت المطلقة بكذا إذا أعطيتها إياه لانها تنتفع به وتتمتع به. قال الشافعي رضى الله عنه: لا متعة للمطلقات الا لواحدة، وهى التى تزوجها وسمى لها مهرا. أو تزوجها مفوضة وفرض لها المهر ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها. وجملة ذلك أن المطلقات ثلاث. مطلقه لها المتعة قولا واحدا. ومطلقه لا متعة لها قولا واحدا. ومطلقه هل لها متعه. على قولين. فأما التى لها المتعة قولا واحدا فهى التى تزوجها مفوضه ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الفرض والمسيس لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) ولانه قد لحقها بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال فكان لها المتعة بدلا عن الابتذال. وأما التى لا متعة لها قولا واحدا فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد

أو تزوجها مفوضه وفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول، لان الله تعالى علق وجوب المتعة بشرطين. وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض والمسيس، وههنا أحد الشرطين غير موجود، وقد جعلنا لها المتعة لكيلا يعرى العقد من بدل. وههنا قد جعل لها نصف المهر. وأما المطلقة التى في المتعة لها قولان، فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد ودخل بها أو تزوجها مفوضة وفرض لها مهرا ودخل بها أو لم يفرض لها مهرا أو دخل بها، ففى هذه الثلاث قولان. قال في القديم: لا متعة لها. وبه قال أبو حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) فعلق المتعة بشرطين، وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض وقبل المسيس، ولم يوجد الشرطان ههنا. وقوله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن) فجعل لهن المتعة قبل المسيس وقد وجد المسيس ههنا، ولانها مطلقة لم يخل نكاحها عن بدل فلم يكن لها المتعة، كما لو سمى لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول. وقال في الجديد: لها المتعة، وبه قال عمر وعلى والحسن بن على وابن عمر ولا مخالف لهم في الصحابة. قال المحاملى وهو الاصح لقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، إلا ما خصه الدليل، ولقوله تعالى (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) وهذا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتى دخل بهن وقد كان سمى لهن المهر بدليل حديث عائشة رضى الله عنها: كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر أوقيه ونشا ولان المتعة إنما جعلت لما لحقها من الابتذال بالعقد والطلاق، والمهر في مقابلة الوطئ، والابتذال موجود فكان لها المتعة. إذا ثبت هذا فإن المتعة واجبة عندنا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وقال مالك رضى عنه: هي مستحبه غير واجبه. دليلنا قوله تعالى (ومتعوهن) وهذا أمر، والامر يقتضى الوجوب. وقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) و (حقا) يدل على الوجوب. (مسألة أخرى) كل موضع قلنا تجب المتعة لا فرق بين أن يكون الزوجان حرين أو مملوكين، أو أحدهما حرا والآخر مملوكا. وخالف الاوزاعي فجعلهما لحرين دليلنا قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) الآية. وهذا عام لا تفرقة فيه. (فرع) إذا وقعت الفرقه بغير طلاق في الموضع الذى تجب فيه المتعة نظرت فإن كان بالموت لم تجب المتعة، لان النكاح قد بلغ منتهاه ولم يلحقها بذلك ابتذال وان وقعت بغير الموت نظرت، فإن كان بسبب من جهة أجنبي فهى كالطلاق لانها كالطلاق في تنصيف المهر قبل الدخول فكذلك في المتعة، وان كان من جهة الزوج كالاسلام قبل الدخول والردة واللعان فحكمه حكم الطلاق. قال القاضى أبو الطيب وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه واختار أربعا منهن وجب للباقى المتعة. وإن كانت الفرقه من جهتها كالاسلام والردة وإرضاعه أو الفسخ للاعسار بالمهر والنفقه أو فسخ أحدهما النكاح لعيب فلا متعة لها، لان الفرقة جاءت من جهتها ولهذا إذا وقع ذلك قبل الدخول سقط جميع المهر. وان كان بسبب منهما، فان كان بالخلع، فهو كالطلاق، هذا نقل البغداديين. وقال المسعودي (لا متعة لها) وإن كان رده منهما في حالة واحدة ففيه وجهان مضى بيانهما في الصداق. (فرع) روى المزني أن الشافعي رحمه الله قال (وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ولها المتعة عندي) قال المزني هذا غلط عندي، وقياس قوله لا متعه لان الفرقة من قبلها. قال أصحابنا (اعتراض المزني صحيح، إلا أنه أخطأ في النقل) وقد ذكرها الشافعي في الام، وقال ليس لها المتعة، لانها لو شاءت أقامت معه، وإنما أسقط المزني (ليس)

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والمستحب أن تكون المتعة خادما أو مقنعة أو ثلاثين درهما، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (يستحب أن يمتعها بخادم) ، فإن لم يفعل فبثياب. وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال (يمتعها بثلاثين درهما) وروى عنه قال (يمتعها بجارية) وفى الوجوب وجهان (أحدهما) ما يقع عليه اسم المال (والثانى) وهو المذهب أنه يقدرها الحاكم لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المفتر قدره) وهل يعتبر بالزوج أو بالزوجة، فيه وجهان (أحدهما) يعتبر بحال الزوج للآيه (والثانى) يعتبر بحالها لانه بدل عن المهر فاعتبر بها. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (ولا وقت فيها وأستحسن تقدير ثلاثين درهما. وجملة ذلك أن الكلام في القدر المستحب في المتعة وفى القدر الواجب. فأما المستحب فقد قال في القديم (يمتعها بقدر ثلاثين درهما) وقال في المختصر استحسن قدر ثلاثين درهما، وقال في بعض كتبه أستحسن أن يمتعها خادما، فإن لم يكن فمقنعة فان لم يكن فثلاثين درهما. قال بعض أصحابنا أراد المقنعه التى قيمتها أكثر من ثلاثين درهما وأقل المستحب في المتعة ثلاثون درهما لما روى عن ابن عمر أنه قال يمتعها بثلاثين درهما، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال متعة الطلاق اعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة) وأما القدر الذى هو واجب ففيه وجهان: من أصحابنا من قال ما يقع عليه الاسم كما يجرى ذلك في الصداق، والثانى وهو المذهب أنه لا يجرى ما يقع عليه الاسم بل ذلك إلى الحاكم وتقديره باجتهاده لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فلو كان الواجب ما يقع عليه الاسم لما خالف بينهما ويخالف الصداق فان ذلك يثبت بتراضيهما، وهل الاعتبار بحال الزوج أو حال الزوجة؟ فيه وجهان (أحدهما) الاعتبار بحال الزوجه، لان المتعة بدل عن المهر بدليل أنه لو كان هناك مهر لم تجب لها متعة والمهر معتبر بحالها فكذلك المتعة (والثانى) الاعتبار بحال الزوج لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فاعتبر فيه حاله دون حالها. هذا مذهبنا والله أعلم بالصواب.

باب الوليمة والنثر

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الوليمة والنثر الطعام الذى يدعى إليه الناس ستة: الوليمة للعرس، والخرس للولادة، والاعذار للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر، والمأدبة لغير سبب ويستحب ما سوى الوليمة لما فيها من إظهار نعم الله والشكر عليها، واكتساب الاجر والمحبة، ولا تجب، لان الايجاب بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابه. وأما وليمة العرس فقد اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال: هي واجبة وهو المنصوص لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (تزوج عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أولم ولو بشاة) ومنهم من قال: هي مستحبة لانه طعام لحادث سرور، فلم تجب كسائر الولائم، ويكره النثر لان التقاطه دناءة وسخف، ولانه يأخذه قوم دون قوم ويأخده من غيره أحب. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الاربعة والدارقطني ونصه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ما هذا؟ قال: تزوجت إمرأة على وزن نواة من ذهب قال: بارك الله لك أولم ولو بشاة) ولم يقل أبو داود (بارك الله لك) وقد روى أحمد والشيخان من حديث أنس قال (ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب. أولم بشاة) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفية بتمر وسويق) اخرجه اصحاب السنن إلا النسائي، واخرجه ابن حبان، واخرج البخاري مرسلا عن صفية بنت شيبة (أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير) وعن أنس في قصة صفية أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ وليمتها التمر والاقط والسمن) أخرجه الشيخان، وفى رواية عندهما ومسند أحمد (أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى بصفيه فيدعون المسلمين إلى وليمته ما كان فيها خبز

ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهى إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب. أما اللغات: فإن الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع، لان الزوجين يجتمعان هكذا قال الازهرى، وقال ابن الاعرابي: اصلها تمام الشئ واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الاعراس بلا تقييد وفى غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى المصنف وابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب، وبه جزم الجوهرى وابن الاثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة، قال ابن رسلان: وقول أهل اللغة أقوى، لانهم أهل اللسان، وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعرف بلسان العرب والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة، والعذر والاعذار لغة فيه يقال عذرت الغلام والجارية من باب ضرب أي ختنته وقد يكون الاعذار خاص بالطعام في الختان وعذرة الجارية بكارتها، والوكيرة مأخوذة من وكر الطائر وهو عشه ووكر الطائر يكر من باب وعد اتخذ وكرا، ووكر صنع الوكيرة والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر، وقد أطلقت النقيعة على ما يصنع عند الاملاك وهو التزويج. وقال ابن بطال: النقيعة مأخوذة من النقع وهو النحر يقال نقع الجزور إذا نحرها، ونقع حبيبه شقه قال المرار: نقعن جيوبهن على حيا * وأعددن المراثى والعويلا وفى خبر تزويج خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم قال أبو خديجة وقد ذبحوا بقرة عند ذلك، ما هذه النقيعه، وقد جمع الشاعر هذه الاطعمه المذكورة حيث قال. كل الطعام تشتهى ربيعه * الخرس والاعذار والنقيعه وقال آخر: إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم * ضرب القدار نقيعة القدام والقدار الجزار والطعام الذى يتخذ يوم سابع الولادة يسمى العقيقة،

ويسمى الطعام الذى يتخذ لسبب ومن غير سبب مأدبة بضم الدال، وبفتحها التأديب، وفى الاثر الجوع مأدبة الله في أرضة، إذا ثبت هذا فقد أخذ بالوجوب المالكيه نقله القرطبى عن مذهبه ثم قال، ومشهور المذهب أنها مندوبه، وروى ابن التين الوجوب عن مذهب أحمد لكن الذى في المغنى أنها سنه، وكذلك حكى الوجوب الرويانى في البحر عن أحد قولى الشافعي وحكاه ابن حزم عن أهل الظاهر، وقال سليم الرازي إنه نص الام. وحكى المصنف الوجوب عن نص الام، وحكاه في فتح الباري عن بعض الشافعية، وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب، وقد قال ابن بطال لا أعلم أحدا أو جبها وليس هذا صحيحا، وكذا قال ابن قدامه، ومن جملة أدلة من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشى بن حرب مرفوعا (الوليمة حق وسنه فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى) وأخرج أحمد من حديث بريدة قال (لما خطب على فاطمة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه لا بد للعروس من وليمه) قال الحافظ وسنده لا بأس به، وفى صحيح مسلم (شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق) قال في الفتح، وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه، أو عند الدخول أو عقبه، وسيأتى بيان ذلك. وحكى الشيخ أبو حامد في التعليق في الوليمة قولين وأكثر أصحابنا حكاهما وجهين، أحدهما واجبه لحديث (أولم ولو بشاة) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفيه بسويق وتمر. ولانه لما كانت الاجابة إليه واجبه كان فعلها واجبا. والثانى أنها تستحب ولا تجب لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) ولانه طعام عند حادث سرور فلم يكن واجبا كسائر الاطعمه وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وأما ما ذكره من الاجابة فيبطل بالسلام فانه لا يجب، وإجابته واجبه، وقد حكى الصيمري وجها ثالثا أن الوليمة فرض على الكفايه، فإذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية والقبيلة وشاع في الناس وظهر سقط الفرض عن الباقين، وظاهر النص هو الاول، واقل المستحب في الوليمة للمتمكن شاة لحديث (أولم ولو بشاة) فان نقص عن ذلك جاز لوليمة صفيه والسويق والتمر أقل من شاه في العادة.

وأما كراهة النثر فقد عقد في منتقى الاخبار له بابا دعاه (باب حجة من كره النثار والانتهاب منه) وساق حديث زيد بن خالد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن النهبة والخلسة، رواه أحمد وأحاديث في معناه عن عبد الله بن يزيد الانصاري وأنس بن مالك وعمران بن الحصين وحاصل ذلك أن النهى عن النهبى يقتضى النهى عن انتهاب النثار، وقد أورد الجوينى والغزالي والقاضى حسين حديثا عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر في إملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال: ما لكم لا تأخذون، فقالوا: إنك نهيت عن النهبى فقال: إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه) ولو صح هذا الحديث لكان مخصصا لعموم النهى ولكنه لم يصح عند المحدثين حتى قال الحافظ ابن حجر: إنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضى حسين، وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء. قلت: قد روى هذا الحديث البيهقى من معاذ بإسناد ضعيف منقطع، ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح، قال ابن عدى هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلى من طريقه ثم قال: لا يثبت في الباب شئ وأورده ابن الجوزى في الموضوعات، ورواه أيضا من حديث أنس وفى إسناده خالد بن إسماعيل. قال ابن عدى: يضع الحديث، وقال غيره: كذاب، وقد روى ابن أبى شيبه في مصنفه عن الحسن والشعبى أنهما لا يريان به بأسا، وأخرج كراهيته عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمه، قال في البحر: والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره وهو مباح، إذ مانثره إلا إباحة له، وانما يكره لمنافاته المروءة والوقار. وقد قال الشافعي في نثر السكر واللوز والجوز لو ترك كان أحب إلى لانه يؤخذ بحبسه ونهبه، ولا يتبين لى أنه حرام. وجملة ذلك أن نثر السكر واللوز

والجوز والزبيب والدراهم والدنانير وغير ذلك يكره، وروى أن أبا مسعود الانصاري رضى الله عنه كان إذا نثر للصبيان يمنع صبيانه عن التقاطه، وبه قال عطاء وعكرمة وابن سيرين وابن أبى ليلى. وقال أبو حنيفة والحسن البصري وأبو عبيد وابن المنذر، لا يكره، وقال القاضى أبو القاسم الصيمري: يكره التقاطه، وأما النثر نفسه فمستحب، وقد جرت العادة للسلف به، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زوج عليا رضى الله عنه فاطمة عليها السلام نثر عليهما، والاول هو المشهور، والدليل عليه أن النثار يؤخذ نهبة ويزاحم عليه، وربما أخذه من يكرهه صاحبه، وفى ذلك دناءة وسقوط مروءة، وما ذكره الصيمري غير صحيح لانه لا فائدة في نثاره إذا كان يكره التقاطه، فإن خالف ونثر فالتقط رجل فهل للذى نثره أن يسترجعه، فيه وجهان حكاهما الداركى. (أحدهما) أن يسترجعه لانه لم يوجد منه لفظ يملك به. (والثانى) ليس له أن يسترجعه وهو اختيار المسعودي لانه نثر للتملك بحكم العادة. قال المسعودي لو وقع في حجر رجل كان أحق به، فلو التقطه آخر من حجره أو قام فسقط من حجره فهل يملكه الملتقط، الصحيح أنه لا يملكه، قال الشيخ أبو حامد، وحكى أن أعرابيا تزوج فنثر على رأسه زبيبا فأنشا يقول: ولما رأيت السكر العام قد غلا * وأيقنت أنى لا محالة ناكح نثرت على رأسي الزبيب لصحبتي * وقلت: كلوا كل الحلاوة صالح قال أبو العباس بن سريج: ولا يكره للمسافرين أن يخلطوا زادهم فيأكلوا، وإن أكل بعضهم أكثر من بعض بخلاف النثار يؤخذ بقتال وازدحام بخلاف الزاد، قال القاضى أبو الطيب الكتب التى يكتبها الناس بعضهم إلى بعض، قال أصحابنا لا يملكها المحمولة إليهم ولكن لهم الانتفاع بها بحكم العادة، لان العادة جرت بإباحة ذلك والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ومن دعى إلى وليمة وجب عليه الاجابة لما روى ابن عمر (رض)

إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها) ومن أصحابنا من قال هي فرض على الكفاية، لان القصد إظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض، وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان (أحدهما) تجب الاجابة للخبر (والثانى) لا تجب، لان الاجابة للتواصل، واختلاف الدين يمنع التواصل وإن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب في اليوم الاول والثانى وتكره الاجابة في اليوم الثالث، لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول. وعن الحسن رحمه الله أنه قال (الدعوة أول يوم حسن، والثانى حسن، والثالث رياء وسمعة) وإن دعاه إثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فإن استويا في الرحم أجاب أقربهما دارا لانه من أبواب البر فكان التقديم فيه على ما ذكرناه كصدقة التطوع فان استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر فقدم بالقرعة. (الشرح) حديث ابن عمر أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها، وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم) وفى رواية (إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها) ورواه أبو داود وزاد (فان كان مفطرا فليطعم، وان كان صائما فليدع) وفى رواية (من دعى فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا) رواه أبو داود. وفى رواية عند أحمد ومسلم وأبى داود (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب) وفى لفظ (من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب) وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) رواهما مسلم وأبو داود. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا دعى أحدكم فليجب، فان كان صائما فليصل وان كان مفطرا فليطعم) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل إنى صائم) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الا النسائي. وقد أخرج مسلم من حديث

أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ. قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) أما الاحكام فهل تجب الاجابة على من دعى إلى وليمة عرس؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه الاجابة وبه قال مالك وأحمد، لان الشافعي قال (ولو أن رجلا أتى رجلا وقال: إن فلانا اتخذ دعوة وأمرني أن أدعو من شئت، وقد شئت أن أدعوك لا يلزمه أن يجيب (والثانى) وهو المذهب أنه يلزمه أن يجيب لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من دعى إلى وليمة ولم يجب فقد عصى أبا القاسم) قال العمرانى وما احتج القائل به من كلام الشافعي رحمه الله فلا حجة فيه، لان صاحب الطعام لم يدعه. إذا ثبت أن الاجابة واجبة فهل تجب على كل من دعى أو هي فرض على الكفاية؟ فيه وجهان (أحدهما) أنها فرض على الكفاية، فإذا أجابه بعض الناس سقط الفرض عن الباقين، لان القصد أن يعلم ذلك ويظهر وذلك يحصل بإجابة البعض (والثانى) يجب على كل من دعى لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم. وكذلك عموم سائر الاخبار وأما إذا ادعى إلى وليمة غير العرص فذكر ابن الصباغ أن الاجابة لا تجب عليه قولا واحدا، لان وليمة العرس أكد. ولهذا اختلف في وجوبها فوجبت الاجابة إليها وغيرها لا تجب بالاجماع فلم تجب الاجابة إليها. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ أنها كوليمة العرس في الاجابة إليها وهو الاظهر لحديث (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم) وهذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي إذا دعى لقوى لم تجب الاجابة، وان دعى إلى حفل بأن فتح الباب لكل من يدخل فلا يلزمه، وان خصه بالدعوة مع أهل حرفته فيلزمه، ولو لم يجب فهل يعصى؟ فيه وجهان. (فرع) إذا دعى إلى وليمة كتابي وقلنا تجب عليه الاجابة إلى وليمة المسلم فهل تجب عليه الاجابة إلى وليمة الكتابى فيه وجهان (أحدهما) تجب عليه الاجابة لعموم الاخبار (والثانى) لا تجب عليه الاجابة لان النفس تعاف

من أكل طعامهم، ولانهم يستحلون الربا، ولان الاجابة إنما جعلت لتنأكد الاخوة والموالاة، وهذا لا يوجد في أهل الذمة (فرع) إذا جاءه الداعي فقال: أمرنى فلان أن أدعوك فأجب لزمه الاجابة وإن قال أمرنى فلان أن أدعو من شئت أو من لقيت فاحضر لم تلزمه الاجابة. قال الشافعي رحمه الله: بل أستحب له أن يحضر إلا من عذر، والاعذار التى يسقط معها فرض الاجابة أن يكون مريضا أو قيما بمريض أو بميت، وبإطفاء حريق أو يخاف ضياع ماله أو له في طريقه من يؤذيه، لان هذه الاسباب أعذار في حضور الجماعة وفى صلاة الجمعة، ففى هذا أولى. (فرع) وان كانت الوليمة ثلاثة أيام فدعى في اليوم الاول وجب عليه الاجابة، وإن كان دعا في اليوم الثاني لم تجب عليه الاجابة ولكن يستحب له أن يجيب، وان دعى في اليوم الثالث لم يستحب له أن يجيب بل يكره له لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الوليمة في اليوم الاول حق، وفى الثاني معروف، وفى اليوم الثالث رياء وسمعه، رواه أحمد وأبو داود عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفى عن رجل من ثقيف يقال: ان له معروفا وأثنى عليه، ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبى هريرة. وروى أن سعيد بن المسيب دعى مرتين فأجاب ودعى في اليوم الثالث فحصب الرسو ل. (فرع) إذا دعاه اثنان إلى وليمتين فان سبق أحدهما قدم إجابته، وان لم يسبق أحدهما أجاب أقربهما إليه دارا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما اليك بابا، فان أقربهما بابا أقربهما جوارا، فان سبق أحدهما فأجب الذى سبق) هكذا ذكر المحاملى وابن الصباغ. وذكر الشيخ أبو إسحاق أنهما إذا تساويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فان استويا في الرحم أجاب أقربهما دارا، وإذا ثبت الخبر فأقربهما دارا أولى، لانه لم يفرق بين أن يكون أقربهما رحما أو أبعد، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان دعى إلى موضع فيه دف أجاب، لان الدف يجوز في الوليمة

لما روى محمد حاطب قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الدف) فان دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة ولازالة المنكر، وان لم يقدر على إزالته لم يحضر لما رُوِيَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر) وروى نافع قال (كنت أسير مع عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول يا نافع أتسمع؟ حتى قلت لا فأخرج أصبعيه عن أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع) وان حضر في موضع فيه تماثيل فان كانت كالشجر جلس، وان كانت على صورة حيوان فان كانت على بساط يداس أو مخدة يتكأ عليها جلس. وان كانت على حائط أو ستر معلق لم يجلس، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتانى جبريل صلى الله عليه وسلم فقال أتيتك البارحة فلم يمنعنى أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمره برأس التماثيل، التى كانت في باب البيت يقطع فتصير كهيئة الشجرة، ومرة بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) ولان ما كان كالشجر فهو كالكتابة والنقوش، وما كان على صورة الحيوان على حائط أو ستر فهو كالصنم، وما يوطأ فليس كالصنم لانه غير معظم. (الشرح) حديث محمد بن حاطب رواه أصحاب السنن الا أبا داود وقد حسنه الترمذي. قال ومحمد قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صغير، وأخرجه الحاكم. وأما حديث النهى عن الجلوس على مائدة الخمر فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح) وأخرجه النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه، ومن ثم فقد أعله أبو داود والنسائي وأبو حاتم بذلك. ولكن أحمد والترمذي والحاكم رووا عن جابر مرفوعا (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ

بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر) وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبى سليم عن طاوس عن جابر. وقال الحافظ بن حجر إسناده جيد. وأخرج نحوه البزار من حديث أبى سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين. وأخرج أحمد في مسنده عن عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار. ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه عن جابر وقال: حسن غريب. أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمدو وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي بلفظ (أتانى جبريل فقال: إنى كنت أتيتك الليلة فلم يمنعنى أن أدخل البيت الذى أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذى في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، وأمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن، وأمر بالكلب يخرج ففعل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا الكلب جرو، وكان للحسن والحسين تحت نضد لهم) ويوافق هذا الحديث ما أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبى طلحة الانصاري قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل) وزاد أبو داود والنسائي عن على مرفوعا ((ولا جنب) . أما اللغات: فالدف لعله من دف الطائر يدف، وبابه ضرب حرك جناحيه الطيرانه، أي ضرب دفيه وهما جنباه، فالدف بضم الدال وفتحها الذى يلعب به والجمع دفوف والدف عند العرب على شكل غربال خلا أنه بغير ثقوب وقطره إلى أربعة أشبار. والزمارة هي آلة الزمر، وزمر زمرا من باب ضرب وزميرا أيضا، ويزمر بالضم لغة حكاها أبو زيد، ورجل زمار، قالوا ولا يقال زامر. وامرأة زامرة ولا يقال زمارة، والزمارة بالكسر هو صوت النعام، وقد زمر النعام يزمر، والقرام ككتاب، الستر الرقيق، وبعضهم يزيد: وفيه رقم ونقوش والتمثال تفعال من المماثلة وهى المشابهة كالصور المشبهة بالحيوان وغيرها.

أما الاحكام فإنه يجوز ضرب الدف في العرس لحديث: فصل ما بين الحلال والحرام الدف. وأقل ما يفيده هذا الحديث هو الندب، ويؤيد ذلك ما في حديث المازنى عمرو بن يحيى عن جده أبى الحسن (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ويقال: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم) رواه ابن ماجه. قال في الفتح: في رواية شريك: فقال: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى. قلت ماذا، قال تقول: أتيناكم أتيناكم * فحيانا وحياكم ولولا الذهب الاحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم فإذا دعى إلى وليمة فيها دف أجاب، وان دعى إلى وليمة فيها منكر من خمر أو مزامير فضلا عن الراقصات والمغنيات وما أشبه ذلك، فان علم بذلك قبل الحضور، فان كان قادرا على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة وإزالة المنكر، وان كان غير قادر على إزالته لم يلزمه الاجابة ولم يستحب له الحضور. بل ترك الحضور أولى، فان حضر ولم يشارك في المنكر لم يأثم، وان لم يعلم به حتى حضر فوجده، فان قدر على إزالته وجب عليه الازالة، لانه أمر بمعروف ونهى عن منكر. وإن لم يقدر على إزالته فالاولى له أن ينصرف لحديث النهى عن أن يجلس على مائدة تدار عليها الخمر. فان لم ينصرف فان قصد إلى سماع المنكر أثم بذلك وان لم يقصد إلى استماعه بل سمعه من غير قصد لم يأثم بذلك لخبر نافع وابن عمر حتى قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع: فموضع الدليل أن ابن عمر لم ينكر على نافع سماعه. ولان رجلا لو كان له جار في داره منكر ولا يقدر على ازالته فإنه لا يلزمه التحول من داره لاجل المنكر.

فإن دعى إلى موضع فيه تصاوير فإن كان صور ما لا روح فيها كالشمس والقمر والاشجار جلس سواء كانت معلقة أو مبسوطة، لان ذلك يجرى مجرى النقوش، وإن كان صور حيوان فإن كان على بساط أو مخاد توطأ أو يتكأ عليها فلا بأس أن يحضر، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى سترا معلقا في بيت عائشة أم المؤمنين عليه صور حيوان فقال صلى الله عليه وسلم: اقطعيه مخادا، ولانه يبتذل ويهان، وإن كان على ستور معلقة فقد قال عامة أصحابنا: لا يجوز له الدخول إليها لما روى على قال: أحدثت طعاما فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتى الباب رجع ولم يدخل، وقال: لا أدخل بيتا فيه صور، فإن الملائكه لا تدخل بيتا فيه صور، وقيل إن أصل عبادة الاوثان كانت الصور. قال في البيان: وذلك أن آدم صلوات الله عليه لما مات جعل في تابوت فكان بنوه يعظمونه: ثم افترقوا فحصل قوم منهم في ذروة جبل وقوم منهم في أسفله وحصل التابوت مع أهل الذروة فلم يقدر من في أسفله على الصعود إليهم فاشتد عليهم ذلك فصوروا مثاله من حجارة وعظموه، فلما طال الزمان ونشا من بعدهم رأوا آباءهم يعظمون تلك الصور فظنوا أنهم كانوا يعبدونها من دون الله فعبدوها وإذا كان هذا هو السبب وجب أن يكون محرما. وقال ابن الصباغ هذا عندي لا يكون أكثر من المنكر مثل الخمر والملاهي وقد جوزوا له الدخول إلى الموضع التى هي فيه، سواء قدر على إزالتها أو لم يقدر وما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يدل على التحريم، بل يدل على الكراهة، وما روى عن الملائكه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان، لان الاصنام كانت تعظم فيه والتماثيل، وأما الزمان الذى لا يعتقد فيه شئ من ذلك فلا يجرى مجراه. اه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن كانت المنازل مسترة فلا بأس أن يدخلها، ليس فيه شئ أكرهه سوى السرف، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال لا نستر الجدر، ولان في ذلك سرفا فكره لمن فعله دون من يدخل إليه.

قال المصنف رحمه الله: (فصل) ومن حضر الطعام فإن كان مفطرا ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أن يأكل، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل) (والثانى) لا يجب لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك) وان دعى وهو صائم لم تسقط عنه الاجابة للخبر، ولان القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليصل) وان كان تطوعا فالمستحب أن يفطر، لانه يدخل السرور على من دعاه، وان لم يفطر جاز لانه قربة فلم يلزمه تركها، والمستحب لمن فرغ من الطعام أن يدعو لصاحب الطعام. لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أفطر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سعد ابن معاذ رضى الله عنه، فقال: أفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكه وأكل طعامكم الابرار) . (الشرح) حديث أبى هريرة رواه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ (إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وان كان مفطرا فليطعم) وقد مضى وحديث جابر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه (وهو صائم) أما حديث افطار الرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقد رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وروينا في سنن أبى داود وغيره عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضى الله عنه بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الابرار، وصلت عليكم الملائكه. قال النووي في الاذكار: قلت: فهما قضيتان جرتا لسعد بن عباده وسعد ابن معاذ، وروينا في سنن أبى داود عن رجل عن جابر قال صنع أبو الهيثم بن

التيهان للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم، قالوا: يا رسول الله وما إثابته قال: إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته. أما اللغات فقوله: فليصل. قال ابن بطال: أي فليدع، والصلاة هنا الدعاء لارباب الطعام بالمغفرة والبركة، وقوله: وصلت عليه الملائكة أي استغفرت لكم والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكه الاستغفار ومن الناس الدعاء. أما الاحكام: فإذا حضر المدعو إلى طعام فلا يخلو إما أن يكون صائما أو مفطرا فإن كان صائما نظرت، فإن كان الصوم فرضنا فإنه يجب عليه الاجابة ولا يجب عليه الاكل، لقوله صلى الله عليه وسلم (فليجب فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليدع) أو (فليصل) والصلاة الدعاء وليقل: إنى صائم لما روى أن ابن عمر دعى إلى طعام وهو صائم فلما حضر مد يده فلما مد الناس أيديهم قال: بسم الله كلوا إنى صائم، وإن كان صوم تطوع استحب أن يفطر لانه مخير فهى بين الاكل والاتمام، وفى الافطار إدخال المسرة على صاحب الوليمة فإن لم يفطر جاز لقوله صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليدع) ولم يفرق، وان كان المدعو مفطرا فهل يلزمه الاكل؟ فيه وجهان. (أحدهما) يلزمه أن يأكل لما روى أبو هريرة مرفوعا (فإذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وان كان صائما فليصل)) ولان الاجابة المقصود منها الاكل فكان واجبا. (والثانى) لا يجب عليه الاكل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فان شاء فليأكل، وان شاء ترك) ولانه لو كان واجبا لوجب عليه ترك التطوع لانه ليس بواجب، ولان التكثر والتبرك يحصل بحضوره وقد حضر. (فرع في أداب الطعام) روى عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) يريد بذلك غسل اليد وروت عائشة أم المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا حضر الاكل

باب عشرة النساء والقسم

إلى أحدكم فليذكر اسم الله، فان نسى أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره، وروى أبو جحيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فلا يأكل من أعلا القصعة، وإنما يأكل من أسفلها، فان البركة تنزل في أعلاها، وروى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فان الشيطان يفعل ذلك وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وان كرهه تركه. وَرَوَى أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها. ويستحب أن يدعو لصاحب الطعام لما روى ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر عند سعد بن معاذ فقال: أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وأكل طعامكم الابرار. والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال المصنف رحمه الله: باب عشرة النساء والقسم إذا تزوج إمرأة فان كانت ممن يجامع مثلها وجب تسليمها بالعقد إذا طلب، ويجب عليه تسلمها إذا عرضت عليه، فان طالب بها الزوج فسألت الانظار أنظرت ثلاثة أيام، لانه قريب ولا تنظر أكثر منه لانه كثير، وان كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب التسليم إذا طلب الزوج ولا التسلم إذا عرضت عليه، لانها لا تصلح للاستمتاع، وان كانت لا يجامع مثلها لمعنى لا يرجى زواله بأن كانت نضوة الخلق أو بها مرض لا يرجى زواله، وجب التسليم إذا طلب، والتسلم إذا عرضت عليه، لان المقصود من مثلها الاستمتاع بها في غير الجماع. (فصل) وان كانت الزوجة حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا لانه لا حق لغيرها عليها، وللزوج أن يسافر بها لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسافر بنسائه

ولا يجوز لها أن تسافر بغير اذن الزوج لان الاستمتاع مستحق له، فلا يجوز تفويته عليه، وإن كانت أمة وجب تسليمها بالليل دون النهار، لانها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يجب التسليم في غير وقتها، كما لو أجرها لخدمة النهار، وقال أبو إسحاق إن كان بيدها صنعة كالغزل والنسج وجب تسليمها بالليل والنهار لانه يمكنها العمل في بيت الزوج، والمذهب الاول لانه قد يحتاج إليها في خدمة غير الصنعة، ويجوز للمولى بيعها لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضى الله عنها في شراء بريرة، وكان لها زوج، ويجوز له أن يسافر بها لانه يملك بيعها فملك السفر بها كغير المزوجة. (فصل) ويجوز للزوج أن يجبر إمرأته على الغسل من الحيض والنفاس لان الوطئ يقف عليه، وفى غسل الجنابة قولان. (أحدهما) له أن يجبرها عليه، لان كمال الاستمتاع يقف عليه لان النفس تعاف من وطئ الجنب. (والثانى) ليس له أن يجبرها لان الوطئ لا يقف عليه، وفى التنظيف والاستحداد، وجهان (أحدهما) يملك إجبارها عليه لان كمال الاستمتاع يقف عليه (والثانى) لا يملك إجبارها عليه لان الوطئ لا يقف عليه، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحة؟ فيه وجهان. أحدهما: له منعها لانه يمنع كمال الاستمتاع. والثانى: ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ، فإن كانت ذمية فله منعها من السكر، لانه يمنع الاستمتاع لانها تصير كالزق المنفوخ، ولانه لا يأمن أن تجنى عليه، وهل له أن يمنعها من أكل لحم الخنزير؟ وشرب القليل من الخمر؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يجوز له منعها، لانه يمنع كمال الاستمتاع (والثانى) ليس له منعها لانه لا يمنع الوطئ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه ليس له منعها من لحم الخنزير، لانه لا يمنع الوطئ وله منعها من قليل الخمر، لان السكر يمنع الاستمتاع، ولا يمكن التمييز بين ما يسكر وبين ما لا يسكر مع اختلاف الطباع، فمنع من الجميع. (الشرح) اللغات: القسم بفتح القاف مصدر قسمته وبابه ضرب فذرته

أجزاء فانقسم والموضع مقسم كمسجد والفاعل قاسم والمبالغة قسام والاسم القسم بكسر القاف والجمع أقسام مثل حمل وأحمال. قوله (الانظار) أي التأخير. قال: أنظرني إلى يوم يبعثون) قوله (نضوة الخلق) بكسر النون وسكون الضاد وسكون اللام. أي هزيلة البدن، والنضو الثوب الخلق. قوله (الاستحداد) هو حلق العانة استفعال من الحديد. أما الاحكام، فإذا تزوج الرجل امرأة كبيرة أو صغيرة يمكن جماع مثلها بأن تكون ابنة ثمان سنين أو تسع، وسلم مهرها وطلب تسليمها، وجب تسليمها إليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: تزوجني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بنت سبع سنين وبنى بى وأنا ابنة تسع سنين. وإن طلبت المرأة أو ولى الصغيرة من الزوج الامهال لاصلاح حال المرأة فقد قال الشافعي رحمه الله: يؤخر يوما ونحوه ولا يجاوز بها الثلاث. وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي رحمه الله في الاملاء قال: إذا دفع مهرها أو مثلها يجامع فله أن يدخل بها ساعة دفع إليها المهر أحبوا أو كرهوا، واختلف أصحابنا فيها، فقال الشيخ أبو حامد: يجب على الزوج الامهال يوما واحدا، وما قال في الاملاء أراد به بعد الثلاث. وقال القاضى أبو حامد: هل يجب عليه الامهال؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه الامهال لانه قد تسلم العوض فوجب تسليم المعوض كالبيع (والثانى) يجب عليه الامهال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تطرقوا النساء ليلا) رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث جابر. وعنه أيضا عندهم (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: امهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) وعن جابر أيضا (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم) رواه مسلم. وعن أنس قَالَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أو عشية)) وقال في المغنى للحنابلة إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك، وإن عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها ووجبت نفقتها. وإن طلبها فسألت الانظار أنظرت مدة جرت

العادة أن تصلح أمرها فيها كاليومين والثلاثة، لان ذلك يسير جرت العادة بمثله ثم ساق حديث النهى عن الطروق ليلا ثم قال: فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فههنا أولى. اه قلت: ولا يجب عليه الامهال أكثر من ثلاثة أيام، وإن كانت المنكوحة صغيرة لا يجامع مثلها أو مريضة مرضا يرجى زواله وطالب الزوج بها لم يجب تسليمها إليه، لان المعقود عليه هو المنفعة، وذلك لا يوجد في حقها، ولانه لا يؤمن أن يحمله فرط الشهوة على جماعها، فيوقع ذلك جناية بها، وان عرضت على الزوج لم يجب عليه تسليمها إذا طالب بها لما ذكرناه، ولانها تحتاج إلى حضانة والزوج لا يجب عليه حضانة زوجته. وان كانت المرأة نضوة من أصل الخلق بأن خلقت دقيقة العظام قليلة اللحم وطلب الزوج تسليمها وجب تسليمها إليه، فان كان يمكن جماعها من غير ضرر بها كان له ذلك، وان كان لا يمكن جماعها الا بالاضرار بها لم يجز له جماعها، بل يستمتع بما دون فرجها، ولا يثبت له الخيار في فسخ النكاح، والفرق بينها وبين القرناء والرتقاء أن تعذر الجماع في القرناء والرتقاء من جهتها، ولهذا لا يتمكن أحد من جماعها، وههنا العذر من جهته وهو كبر خلقته. ولهذا لو كان مثلها أمكنه جماعها، وهكذا ان كانت مريضة مرضا لا يرجى زواله فحكمه حكم نضوة الخلقة فان أقضها منع من وطئها حتى يلتئم الجرح، فان اختلفا فادعى الزوج انه قد التأم الجرح التئاما لا يخاف عليها منه، وادعت الزوجة انه لم يلتئم فالقول قولها مع يمينها لانها أعلم بذلك. (مسألة) للزوج أن يجبر زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية، لانه يمنع الاستمتاع الذى هو حق له فملك اجبارها على ازالة ما يمنع حقه، وان احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لان الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها الا بالغسل. فأما الذمية ففيها قولان في الجنابة (أحداهما) له اجبارها عليه لان قال الاستمتاع يتوقف عليه، فان النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة، وهو

إحدى الروايتين عن أحمد (والثانى) ليس له إجبارها، وهو قول مالك والثوري وأبى حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، لان الوطئ لا يتوقف عليه فإنه يباح بدونه، وفى الغسل من الحيض والنفاس قال أبو حنيفة: ليس له إجبار الذمية. (فرع) وهل له أن يجبرها على قص الاظفار وحلق العانة؟ ينظر فيه. فان كان ذلك قد طال وصار قبيحا في النظر فله أن يجبرها قولا واحدا، لان ذلك يمنع من الاستمتاع بها. وأما إذا صار بحيث يوجد في العادة فهل له إجبارها على إزالته وعلى إزالة الدرن والوسخ من البدن. قال الشيخ ابو إسحاق الشيرازي هنا: وفى التنظيف الاستحداد وجهان. قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى وغيره فيه قولان. (أحدهما) ليس له إجبارها عليه، لانه لا يمنع الاستمتاع (والثانى) له اجبارها لانه يمنع كمال الاستمتاع، وهل له أن يمنعها من أكل ما يتأذى برائحته كالبصل والثوم. قال الشيخ ابو حامد: فيه قولان، وحكاهما المصنف وجهين أيضا وتعليلهما ما مضى. وذهب أصحاب أحمد كمذهب الشيخ ابى اسحاق في اعتبارهما وجهين في التنظيف والاستحداد وأكل البصل والثوم. وقال القاضى أبو الطيب: له أن يمنعها قولا واحدا، لانه يتأذى برائحته، الا أن يميته طبخا لان رائحته تذهب. (فرع) فإن كانت ذمية وأرادت أن تشرب الخمر فله ان يمنعها من السكر لانه يمنعه من الاستمتاع، ولا يؤمن أن تجنى عليه، وهل له ان يمنعها من القدر الذى لا تسكر منه؟ حكى المصنف فيه وجهين وسائر اصحابنا حكاهما قولين (احدهما) ليس له ان يمنعها منه لانها مقرة عليه، ولا يمنعه من الاستمتاع. (والثانى) له ان يمنعها منه لانه لا يتميز القدر الذى تسكر منه من القدر الذى لا تسكر منه مع اختلاف الطباع فمنعت الجميع، ولانه يتأذى برائحته ويمنعه كمال الاستمتاع. وان كانت الزوجة مسلمة فله منعها من شرب الخمر لانه محرم عليها، وان أرادت ان تشرب ما يسكن من النبيذ فله منعها منه لانه محرم بالاجماع.

وإن أرادت أن تشرب منه ما لا يسكر، فإن كانا شافعيين فله منعها منه لانهما يعتقدان تحريمه، وإن كانا حنفيين أو هي حنفية فهل له منعها منه. فيه قولان. وهل له أن يمنع الذمية من أكل لحم الخنزير؟ قال الشيخ ابو حامد فيه قولان كشرب القليل من الخمر، وحكاهما المصنف وجهين وتعليلهما ما مضى. قال ابن الصباغ وظاهر كلام الشافعي رحمه الله إن كان يتقذره وتعافه نفسه فله منعها منه، وإن لم تعافه نفسه لم يكن له منعها منه إذا ثبت هذا فإن شربت الخمر أو أكلت لحم الخنزير أو شربت الحنفية النبيذ فله أن يجبرها على غسل فيها لانه نجس، وإذا قبلها نجس فوه. ومذهب أحمد على نحو ما ذهبنا في هذه المسألة وما تفرع منها وما فيها من أوجه كقول الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. (فرع) وليس له أن يمنع زوجته من لبس الحرير والديباج والحلى، لان ذلك مباح لها، وله أن يمنعها من لبس جلد الميتة الذى لم يدبغ، فإنه نجس وربما نجس إذا التصق به، وله أن يمنعها من لبس المنجس لانه يمنع القرب إليها والاستمتاع بها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وللزوج منع الزوجة من الخروج إلى المساجد وغيرها. لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال (رأيت امرأة أتت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته. قال حقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنها الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تتوب أو ترجع، قالت يا رسول وان كان لها ظالما، قال وان كان لها ظالما) ولان حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، ويكره منعها من عيادة أبيها إذا أثقل، وحضور مواراته إذا مات، لان منعها من ذلك يؤدى إلى النفور ويغريها بالعقوق. (فصل) ويجب على الزوج معاشرتها بالمعروف من كف الاذى لقوله

تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ويجب عليه بذل ما يجب من حقها من غير مطل لقوله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف بذل الحق من غير مطل، ولقوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغنى ظلم) ولا يجب عليه الاستمتاع لانه حق له فجاز له تركه كسكنى الدار المستأجرة، ولان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة فلا يمكن ايجابه. والمستحب أن لا يعطلها لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أتصوم النهار، قلت نعم، قال وتقوم الليل، قلت نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) ولانه إذا عطلها لم يأمن الفساد ووقوع الشقاق، ولا يجمع بين امرأتين في مسكن الا برضاهما، لان ذلك ليس من العشرة بالمعروف، ولانه يؤدى إلى الخصومة ولا يطأ احداهما بحضرة الاخرى، لانه دناءة وسوء عشرة، ولا يستمتع بها الا بالمعروف، فإن كانت نضو الخلق ولم تحتمل الوطئ لم يجز وطؤها لما فيه من الاضرار. (الشرح) حديث عبد الله بن عمر رواه أبو داود الطيالسي باللفظ الذى ساقه المصنف، ورواه البزار عن ابن عباس، وفيه حسين بن قيس المعروف بحنش وهو ضعيف. وقد وثقه حصين بن نمير وبقية رجاله ثقات (ان امرأة من خثعم أتت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فانى امرأة أيم، فان استطعت والا جلست أيما. قال فان حق الزوج على زوجته ان سألها نفسها وهى على ظهر قتب ان لا تمنعه، وان لا تصوم تطوعا الا بإذنه، فان فعلت جاعت وعطشت ولا تقبل منها، ولا تخرج من بيتها الا باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب قالت لا جرم، لا أتزوج أبدا)

وقد أورده العلامة صديق خان في كتابه حسن الاسوة معزوا للطبراني وصوابه ما ذكرنا. والذى في الطبراني فأحاديث أخرى ليست عن ابن عباس وليس فيها قصة المرأة الخثعمية. أما حديث (مطل الغنى ظلم) فقد أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي ورواه البيهقى كلهم عن عمرو بن الشريد عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظٍ (لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته) وقد مضى الكلام عليه في القرض والحجر والتفليس وغيرها من المجموع وتكملتيه. أما حديث عبد الله بن عمرو فقد أخرجه أحمد في مسنده بلفظ (زوجنى أبى إمرأة من قريش فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بى من القوة على العبادة من الصوم والصلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كمته حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك، قالت: كخير الرجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل على فعز منى وعضنى بلسانه فقال: أن تخطب إمرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت ثم انطلق إلى النبي فشكاني فأرسل إلى النبي فأتيته قال لى: أتصوم النهار، قلت نعم. قال وتقوم الليل قلت: نعم، قال لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى) . أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وله منعها من شهادة جنازة أبيها وأمها وولدها. وجملة ذلك أن للزوج أن يمنع زوجته من ذلك وقد أخذ أصحابنا من نصه هذا أن له ان يمنعها من عيادة ابيها وامها إذا مرضا ومن حضور مواراتهما إذا ماتا، وقد استدلوا على ذلك بحديث انس (ان إمرأة سافر زوجها ونهى امرأته عن الخروج وكان ابوها مقيم في اسفل البيت وهى في اعلاه فمرض ابوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عيادته فقال لها اتقى الله ولا تخالفي زوجك فمات ابوها فأوحى الله إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد غفر لابيها بطاعتها لزوجها) ولما كان هذا الحديث لم يصح عندنا حيث رواه الطبراني في الاوسط وآفته محمد عقيل الخزاعى هذا من جهة الاسناد ومتنه يعارض امورا مجمعا عليها فإن اباها له حقوق عليها لا تحصى، اقربها واظهرها.

1 - حق الابوة لقوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) قارنا ذلك بعبادته. 2 - حق الاسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (حق المسلم على المسلم خمس) ومنها (وإذا مرض فعده) . 3 - حق الرحم، يقول الله تعالى (اشتققت لك اسما من اسمى فمن وصلك وصلته ومن قطعك قطعته) . 4 - حق الآدمية أو حق الانسانية (من لا يرحم الناس لا يرحم) . 5 - حق المشاركة في اسباب الحياة (دخلت إمرأة النار في هرة، ودخلت إمرأة الجنة في هرة) . 6 - حق الجوار (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه) إذا ثبت هذا فإنه يكره للزوج أن ينهى زوجته عن عيادة ابيها أو بره أو إبداء حنوها ومودتها لابويها. (مسألة) يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف لقوله تعالى (قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم) ولقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) يعنى بالانفاق عليهن وكسوتهن، ولقوله تعالى (ولهن مثل الذى عليهن) والمقابلة ههنا بالتأدية لا في نفس الحق لان حق الزوجه النفقة والكسوة وما اشبه ذلك، وحق الزوج التمكين من الاستمتاع، وقال تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال الشافعي وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الواجد القادر على الاداء ظلم بتأخيره. قال اصحابنا: فكف المكروه هو ان لا يؤذى احدهما الاخر بقول أو فعل، ولا يأكل احدهما ولا يشرب ولا يلبس ما يؤذى الاخر. وقوله اعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، إذا وجب لها على الزوج نفقة أو كسوة بذله لها ولا يحوجها إلى ان ترفعه إلى الحاكم فيلزمها في ذلك مؤنة لقوله صلى الله عليه وسلم (لى الواجد ظلم) وكذلك إذا دعاها إلى الاستمتاع لم تمتنع ولم تحوجه إلى ان يرفع ذلك إلى الحاكم فيلزمه في ذلك مؤنة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعا احدكم امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو عليها ساخط

لعنتها الملائكه حتى تصبح، ورواه أحمد والبخاري ومسلم. وقوله: لا باظهاره الكراهية في تأديته، إذا طلبت الزوجه حقها منه أو طلب الزوج حقه منها بذل كل واحد منهما ما وجب لصاحبه وهو باش الوجه ضاحك السن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم، رواه أحمد والترمذي وصححه. وقال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وهو بعض حديث عند أحمد عن أنس، وبعض حديث طويل من قدوم معاوية من الشام وسجوده النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن أبى أوفى. (فرع) ولا يجب على الزوج الاستمتاع بها. وحكى الصيمري أن مالكا رضى الله عنه قال: إذا ترك جماع زوجته المدة الطويلة أمر بالوطئ، فإن أبى فلها فسخ النكاح، وقال آخرون: يجبر على أن يطأ في كل أربع ليال ليلة قال العمرانى في البيان: وهذا غير صحيح لانه حق له فجاز له تركه، ولان الداعي إليه الشهوة وذلك ليس إليه، والمستحب له أن لا يخليها من الجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: لكنى أصوم وأفطر، أصلى وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى، ولانه إذا لم يجامعها لم يأمن منها الفساد، وربما كان سببا للعداوة والشقاق بينهما، وإن كان له زوجات لم يجمع بينهن في مسكن إلا برضاها أو برضى كل واحدة منهن على حدة، لان ذلك يؤدى إلى خصومتهن، ولا يطأ واحدة بحضرة الاخرى لان ذلك قلة أدب وسوء عشرة. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ: وإذا تزوج رجل إمرأة فأحب له أول ما يراها أن يأخذ بناصيتها ويدعو باليمين والبركة فيقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه، لان هذا بدء الوصله بينهما، فأستحب له أن يدعو بالبركة، والامر كما قال الشافعي رضى الله عنه إذ روى أبو داود وابن ماجه وابن السنى وغيرهم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا تزوج أحدكم إمرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إنى أسألك

خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك) وفى رواية (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركه في المرأة والخادم) ويستحب إذا أراد أن يجامعها ان يقول بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقتنا لما روى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما من طرق كثيرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ. بسم اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رزقننا، فقضى بينهما ولد لم يضره) وفى روايه للبخاري (لم يضرة الشيطان ابدا) . قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز وطؤها في الدبر. لما روى خزيمه بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ملعون من اتى أمرأة في دبرها) ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الاليتين لقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم، فإنهم غير ملومين) ويجوز وطؤها في الفرج مدبرة، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قالت اليهود: إذا جامع الرجل امرأته من ورائها جاء ولدها احول) فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكلم فأتوا حرثكم انى شئتم) قال: يقول يأتيها من حيث شاء مقبلة أو مدبرة إذا كان ذلك في الفرج) . (الشرح) حديث خزيمة بن ثابت اخرجه احمد وابن ماجه واخرجه الشافعي بنحوه وفى اسناده عمر بن احيحة وهو مجهول واختلف في اسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق اخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف حاله، واخرجه من طريق هرمى أيضا احمد وابن حبان، وقد روى النهى عن اتيان المرأة في دبرها عن ابى هريرة عند احمد وابى داود وبقية اصحاب السنن والبزار وفى اسناده الحارث بن مخلد، قال البزار ليس بمشهور. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقد اختلف فيه على سهيل بن ابى صالح فرواه عنه اسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما اخرجه الدارقطني

ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن ابيه عن جابر كما اخرجه ابن عدى بإسناد ضعيف. قال الحافظ في بلوغ المرام: ان رجال حديث أبى هريرة هذا ثقات لكن أعل بالارسال. وفى لفظ رواه أحمد وابن ماجه (لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها) . وروى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ورواه أبو داود وقال (فقد برئ مما أنزل) وهو من رواية أبى تميمة عن أبى هريرة، قال الترمذي: لا نعرفه الا من حديث أبى تميمة عن أبى هريرة. وقال البخاري: لا يعرف لابي تميمة سماع عن أبى هريرة. وقال البزار: هذا حديث منكر، وفى الاسناد أيضا حكيم الاثرم، قال البزار لا يحتج به، وما تفرد به فليس بشئ، ولابي هريرة حديث ثالث عند النسائي من رواية الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وفى اسناده عبد الملك بن محمد الصنعانى وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما، ولابي هريرة أيضا حديث رابع اخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن ابى هريرة بلفظ (من أتى شيئا من الرجال والنساء في الادبار فقد كفر) وفى اسناده بكر وليث بن أبى سليم، ولابي هريرة حديث خامس وفى اسناده مسلم بن خالد الزنجي. واخرج احمد عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في ادبارهن) . قال الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات، واخرج احمد عن عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الذى يأتي امرأته في دبرها، هي اللوطية الصغرى) . وعن على بن طلق قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاهن فان الله لا يستحى من الحق) رواه احمد والترمذي وحسنه، ثم قال: سمعت محمدا يقول: لا اعرف لعلى بن طلق عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن على السحيمى، وكأنه رأى أن هذا الآخر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اه وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر) رواه الترمذي وقال: حديث غريب، والنسائي وابن حبان والبزار، وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدى ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح من المرفوع، ولابن عباس رواية موقوفة عند عبد الرزاق أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال سألتنى عن الكفر. وعن ابن مسعود عند ابن عدى. وعن عقبة بن عامر عند احمد وفيه ابن لهيعة. وعن ابن عمر عند النسائي والبزار وفيه زمعة بن صالح. أما حديث جابر رضى الله عنه فقد رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا النسائي. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى صماما واحدا، رواه احمد والترمذي وحسنه. وعنها أيضا قالت (لما قدم المهاجرون على الانصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الانصار لا تجبى، فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال فأته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة فنزلت (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) وقال لا (إلا في صمام واحد) رواه أحمد. ومن رواية ابن عباس عند ابى داود وفيه (إنما كان هذا الحى من الانصار وهم أهل وثن مع هذا الحى من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، فكان هذا الحى من الانصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحى من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الانصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما حتى بلغ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فأنزل الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) يعنى مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعنى بذلك موضع الولد. وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس قال (جاء عمر إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسول الله هلكت، قال وما الذى أهلكك؟ قال حولت رحلى البارحة، فلم يرد عليه بشئ، قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أقبل وأدبر، واتقوا الدبر والحيضة أما الاحكام فقد استدل الجمهور بهذه الاحاديث التى تقرب من درجه التواتر على تحريم إتيان المرأة في دبرها. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال لم يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريمه ولا تحليله شئ والقياس أنه حلال. وقد أخرجه عنه ابن أبى حاتم في مناقب الشافعي، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الاصم عنه، وكذلك الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي، وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وان تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة، قال على المناصفة، قلت فبأى شئ حرمته قال بقول الله تعالى (فاءتوهن من حيث أمركم الله) وقال (فاءتوا حرثكم أنى شئتم) والحرث لا يكون إلا في الفرج. قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه، قال نعم. قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث، قال لا. قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه، قال فإن الله قال (والذين هم لفروجهم حافظون) الايه. قال فقلت له هذا مما يحتجون به للجواز ان الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته أو ما ملكت يمينه، فقلت له انت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك. اه وقال الحاكم بعد ان حكى الشافعي ما سلف، لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم، فأما الجديد فالمشهور انه حرمه. وقد حمل الماوردى في الحاوى وأبو نصر بن الصباغ في الشامل على ابن عبد الحكم الذى روى هذا عن الشافعي، ورويا هما وغيرهما من اصحابنا عن الربيع.

ابن سليمان أنه قال: كذب والله يعنى ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب. وتعقب الحافظ بن حجر في التلخيص هذا فقال: لا معنى لهذا التكذيب، فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك، بل قد تابعه عليه عبد الرحمن ابن عبد الله أخوه عن الشافعي، ثم قال إنه لا خلاف في ثفة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك. قال القاضى أبو الطيب في تعليقه أنه روى عنه ذلك أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل، وأصحاب مالك العرافيون لم يثبتوا هذه الرواية، وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه. وقد نقل ابن قدامة رواية عن مالك. قوله ما أدركت أحدا أقتدى به في دينى يشك في أنه حلال، ثم أنكر ذلك أصحابه العراقيون. قلت: إذا كان الله تبارك وتعالى قد حرم الوطئ في الفرج عند المحيض لاجل الاذى فكيف بالحش الذى هو موضع أذى دائم ونجس لازم، مع زيادة المفسدة بانقطاع النسل الذى هو المقصد الاسمى من مشروعية الزواج فضلا عن خساسة هذا العمل ودناءته مما يفضى إلى التلذذ بما كان يتلذذ به قوم لوط، وما يعد شذوذا في الشهوة يتنزه عنها المؤمنون الاطهار وأبناء الملة الاخيار وكفى بهذا العمل انحطاط أن أحدا لا يرضى أن ينسب هذا القول إلى إمامه، كما يقول ابن القيم، وقد ذكر لذلك مفاسد دينية ودنيوية كثيرة في هديه. وقد روى التحريم عن على وابن مسعود وابن عباس وأبى الدرداء وعبد الله بن عمرو وأبى هريرة وابن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وقتادة وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأى وابن المنذر وأحمد بن حنبل وأصحابه كافة، وأبى ثور والحسن البصري. وقال العمرانى عن الربيع (كذب ابن عبد الحكم والذى لا إله إلا هو) قال المزني، قال الشافعي ذهب بعض أصحابنا إلى احلاله وآخرون إلى تحريمه ولا أرخص فيه بل أنهى عنه. وحكى أن مالكا سئل عن ذلك فقال (الآن اغتسلت منه) (فرع) يجوز التلذذ بما بين الالتين من غير إيلاج في الدبر لما فيه من الاذى

ويجوز الوطئ في الفرج مقبلة ومدبرة لما روى جابر أن اليهود قالت: إذا جامع الرجل امرأته من روائها جاء ولدها أحول، فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاءتوا حرثكم أنى شئتم) أفاده العمرانى في البيان وسائر الاصحاب. (فرع) يحرم الاستمناء، وهو إخراج الماء الدافق بيده، وبه قال أكثر أهل العلم، وقال ابن عباس: نكاح الامة خير منه وهو خير من الزنا، وروى أن عمرو ابن دينار رخص فيه عند الاضطرار وخوف الهلكة، وبه قال أحمد رضى الله عنه. دليلنا قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وقد قرر علماء وظائف الاعضاء والطب البشرى أن الاستمناء مفض إلى قتل الرغبة الجنسية، ويجعل المرء لا ينتشر عند الوقاع إلا إذا أستمنى بيده مما يعطل وظيفته كزوج، ويقتل صلاحية عضوه أو يقلل كفاءته الزوجية، وكل هذا من المفاسد المنهى عنها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويكره العزل. لما روت جذامة بنت وهب قالت (حضرت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عن العزل. فقال: ذلك الوأد الخفى (وإذا الموءودة سئلت) فإن كان ذلك في وطئ أمته لم يحرم، لان الاستمتاع بها حق له لا حق لها فيه، وإن كان في وطئ زوجته فإن كانت مملوكة لم يحرم لانه يلحقه العار باسترقاق ولده منها. وإن كانت حرة فإن كان بإذنها جاز لان الحق لهما، وإن لم تأذن ففيه وجهان. (أحدهما) لا يحرم لان حقها في الاستمتاع دون الانزال (والثانى) يحرم لانه يقطع النسل من غير ضرر يلحقه. (فصل) وتجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الاذى كما يجب عليه في معاشرتها، ويجب عليها بذل ما يجب له من غير مطل لما روى

أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا أحدكم امرأته إلى فراشه فأبت فبات وهو عليها ساخط لعنتها الملائكه حتى تصبح) (الشرح) حديث جذامة بنت وهب الاسدية أخرجه أحمد ومسلم بلفظ. (حضرت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا، ثم سألوه عن العزل فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الوأد الخفى وهى وإذا الموءودة سئلت) أما الاحكام فقد اختلف السلف في حكم العزل، فقال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لان الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل. قال الحافظ بن حجر ووافقه في نقل هذا الاجماع ابن هبيرة وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لا حق للمرأة في الجماع فيجوز على مقتضى أصلهم العزل بغير إذنها. قلت ولكنه وقع في كتب أكثر أصحابنا أنه لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها، ويدل على اعتبار الاذن والرضى من الحرة حديث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يعزل عن الحرة الا بإذنها) رواه أحمد وابن ماجه، وقال الغزالي يجوز العزل، وهو المصحح عند المتأخرين. وقد أخرج أحمد عن جابر رضى الله عنه (كنا نعزل عل عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن ينزل) . قال سفيان حين روى هذا الحديث (ولو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) كأنه يشرح عبارة جابر. وأوهم كلام الحافظ المقدسي في عمدته ومن تبعه أن الزيادة التى قالها سفيان من نفس الحديث فأدرجها.

وإذا قال الصحابي: كنا نفعل الشئ الفلاني كان له حكم الرفع عند أكثر المحدثين لان الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، وأما إذا لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف في رفعه، ويشبه ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عمر: كنا نتقى الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شئ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا. وأخرج مسلم من طريق أبى الزبير عن جابر قال (كنا نعزل فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغ ذلك نبى الله فلم ينهنا) ومن وجه آخر عن أبى الزبير عن جابر أن رجلا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (إن لى جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، قال: قد أخبرتك) ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد آخر إلى جابر وفى آخره فقال (أبا عبد الله ورسوله) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبى شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه. وفي الصحيحين وغيرهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة بنى المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا: نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله، فَسَأَلْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا عليكم أن لا تفعلوا، ما كتب الله عز وجل خلق بسمة هي كائنة إلى يوم القيامة، إلا ستكون) ومن ثم تكون جملة ما تقدم أن العزل برضى الحرة جائز عند أبى حنيفة ومالك وأحمد وعند ابن حزم يحرم العزل، وعند الشافعية وجهان، أحدهما المنع واليه ذهب الرويانى في بحر المذهب، وكرهه العمرانى في البيان. قال في الفتح: نعم جزم ابن حزم بوجوب الوطئ وبتحريم العزل، واستند إلى حديث جذامة بنت وهب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ العزل فقال: ذلك الوأد الخفى. أخرجه مسلم والترمذي وصححه من طريق معمر عَنْ يَحْيَى بْنِ

أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن ثوبان عن جابر قال: كانت لنا جواري وكنا نعزل فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى فسئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك فقال: كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم يستطع رده) وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلى بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبى مطيع بن رفاعة عن أبى سعيد نحوه، ويجمع بين هذه الاحاديث وحديث جذامه بأن حديث جذامة يحمل على التنزيه وهذه طريقة البيهقى، ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه، وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته؟ قال الحافظ وهذا دفع للاحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ورد بعدم معرفة التاريخ. وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الامر أولا من موافقة أهل الكتاب، لانه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه، وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشئ تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم، ومنهم من رجح حديث جذامة لثبوته في صحيح مسلم وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب، ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافق أصل الاباحه وحديثها يدل على المنع، فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان، وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع، إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما، وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذى كان يحذره الذى يعزل من حصول الحمل، وجمعوا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى، وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضى أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا، فلا يعارض قوله، ان العزل وأد خفى، فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا، فلا يترتب عليه حكمه، وانما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة، وقال بعضهم: الوأد الخفى ورد على طريق التشبيه لانه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئة.

وقال ابن القيم من الحنابلة الذى كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، إذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامه، لان الرجل إنما يعزل هربا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا، فهذه أجوبه عدة أشار إليها ابن حجر في الفتح ورجعنا إليها في مظانها وعنها نقلنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب عليها خدمته في الخبز والطحن والطبخ والغسل وغيرها من الخدم لان المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها ما سواه. (فصل) وإن كان له امرأتان أو أكثر فله أن يقسم لهن (لان النبي صلى الله عليه وسلم قسم لنسائه) ولا يجب عليه ذلك لان القسم لحقه فجاز له تركه، وإذا أراد أن يقسم لم يجز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا البواقى الا بقرعة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من: كانت له امرأتان يميل إلى احداهما على الاخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) ولان البداءة بإحداهما من غير قرعة تدعو إلى النفور، وإذا قسم لواحدة بالقرعة أو غير القرعة لزمه القضاء للبواقي، لانه إذا لم يقض مال، فدخل في الوعيد. (فصل) ويقسم المريض والمجبوب (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم في مرضه) ولان القسم يراد للانس وذلك يحصل مع المرض والجب، وان كان مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى على نسائه، لانه يحصل لها به الانس، ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمحرمة والمظاهر منها والمولى منها، لان القصد من القسم الايواء والانس، وذلك يحصل مع هؤلاء، وان كان مجنونة لا يخاف منها قسم لها، لانه يحصل لها الانس، وان كان يخاف منها لم يقسم لها، لانها لا تصلح للانس.

(الشرح) قسم النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه رواه مسلم عن أنس ورواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن عائشة، ولفظ أبى داود في رواية (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) . أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن الاربعة والدارمى وابن حبان والحاكم وقال: إسناده على شرط الشيخين، واستغربه الترمذي مع تصحيحه، وقال عبد الحق: هو حديث ثابت لكن علته أن هماما تفرد به، وأن هشاما رواه عن قتادة فقال: كان يقال. وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه، وقد ورد عن عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) رواه أصحاب السنن الاربعة والدارمى وصححه ابن حبان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال: رواية حماد بن زيد عن أيوب عن أبى قلابه مرسلا أصح، وكذا أعله النسائي والدارقطني. وقال أبو زرعة: لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله، وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يسأل في مرضه الذى مات فيه: أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) رواه أحمد والبخاري ومسلم. أما أحكام هذه الفصول فإنه لا يجب على المرأة خدمة الرجل أو البيت لان المعقود عليه هو الاستمتاع إلا أن خدمتها أمر مشروع يدل عليه حديث رواه أحمد والبخاري ومسلم عن جابر (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ نكحت؟ قلت نعم، قال: أبكرا أم ثيبا؟ قلت ثيب، قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ قلت يا رسول الله قتل ابى يوم أحد، وترك تسع بنات، فكرهت أن أجمع اليهن خرقاء مثلهن، ولكن إمرأة تمشطهن وتقيم عليهن، قال أصبت) فمن كان بسبيل من ولد وأخ وعائلة فإنه لا حرج على الرجل في قصده خدمة إمرأته

وان كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال أحمد: قال أصحابنا وغيرهم ليس على المرأة خدمة زوجها في عجن وخبز وطحن وطبخ ونحوه. وقال السفارينى في شرح ثلاثيات المسند: لكن الاولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به، وأوجب ابن تيمية المعروف من مثلها لمثله، وأما خدمة نفسها في ذلك فعليها إلا أن يكون مثلها لا تخدم نفسها، وقال أبو ثور: على الزوجة أن تخدم الزوج في كل شئ، وقال ابن حيب في (الواضحة) إن النبي حكم على فاطمة عليها السلام بخدمة البيت كلها، قال السفارينى وفى الفروع ليس عليها عجن وخبز وطبخ ونحوه نص عليه خلافا للجوزجاني من أئمة علمائنا اه. (مسألة) إذا كان له زوجتان أو أكثر لم يجب عليه القسم ابتداء، بل يجوز له أن ينفرد عنهن في بيت لان المقصود هو الاستمتاع وهو حق له فجاز له تركه وان أراد أن يقسم بيتهن جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه. ولا يجوز أن يبدأ بواحدة منهن من غير رضا الباقيات الا بالقرعة لقوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل) وحديث أبى هريرة الذى ساقه المصنف ومضى تخريجه فيه وعيد شديد لمن يؤثر واحدة دون الاخرى، وفى البداءة بإحداهن من غير قرعة ميل، فإن كان له زوجتان أقرع بينهما مرة واحدة، وان كن ثلاثا أقرع مرتين وان كن أربعا أقرع ثلاث مرات لانهن إذا كن ثلاثا فخرجت القرعة لواحدة قسم لها ثم أقرع بين الباقيتين، وهكذا في الاربع، وان أقام عند واحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للباقيتين، لانه إذا لم يقض كان مائلا. (مسألة) ويقسم المريضة والرتقاء والقرناء والحائض والنفساء والمحرمة والتى آلى منها أو ظاهر، لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن فأما المجنونة فإن كان خاف منها سقط حقها من القسم لان المقصود الايواء والسكن، وذلك موجود في حقهن، وان لم يخف منها وجب لها القسم لان الايواء يحصل معها، وان دعاها إلى منزل له فامتنعت سقط حقها من القسم كالعاقله.

(فرع) ويقسم المريض والمجنون والعنين والمحرم، لان الانس يحصل به، وإن كان يخاف منه لم يقسم له الولى لانه لا يحصل به الانس، وإن كان لا يخاف منه نظرت فإن كان قد قسم لواحدة في حال عقله ثم جن قبل أن يقضى لزم الولى أن يقضى للباقيات قسمهن منه، كما لو كان عليه دين، وإن جن قبل أن يقسم لواحدة منهن فان لم ير الولى أن له مصلحة في القسم لم يقسم لهن، وإن رأى المصلحة له في القسم قسم لهن لانه قائم مقامه، وهل يجب على الولى ذلك أم لا؟ على قولين، وحكاهما بعض الاصحاب وجهين (أحدهما) لا يجب عليه كما لا يجب على العاقل (والثانى) يجب عليه ذلك لان العاقل له اختيار في ترك حقه والمجنون لا اختيار له، فلزم الولى أن يستوفى له حقه بذلك، فإن حمله إلى واحدة حمله ليلة أخرى أو كان بالخيار بين أن يطوف على نسائه وبين أن يتركه في منزله ويستدعيهن واحدة واحدة إليه، وإن طاف به على البعض واستدعى البعض جاز، فان قسم الولى لبعضهن ولم يقسم للباقيات لم يلزم الولى. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: هل يقسم الولى للمجنون. فيه وجهان. قال فإن كان يجن يوما ويفيق يوما فأقام ليلة جنونه عند واحدة وليلة عقله عند أخرى لم تحتسب ليلة جنونه عندها حتى يقضى لها، فلو أقر الولى أنه ظلم إحداهن لم يسمع إقراره حتى تقر المظلومة لها للمظلومة، هكذا أفاده العمرانى في البيان. وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع إحداهما ليلة ومع الاخرى ثلاثا لان له أن ينكح أربعا، وله إيثار أيهما شاء بالليلتين، ولا شك أن هذا ومثله يعد من الميل الكلى، والله يقول (فلا تميلوا كل الميل) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن سافرت المرأة بغير إذن الزوج سقط حقها من القسم والنفقة لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد منعت ذلك بالسفر. وان سافرت باذنه ففيه قولان (أحدهما) لا يسقط لانها سافرت باذنه، فأشبه

إذا سافرت معه (الثاني) لا يسقط، لان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد عدم الجميع فسقط ما تعلق به كالثمن لما وجب في مقابلة المبيع سقط بعدمه. (فصل) وإن اجتمع عنده حرة وأمة قسم للحرة ليلتين وللامة ليلة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللامة ليلة، والحق في قسم الامة لها دون المولى، لانه يراد لحظها فلم يكن للمولى فيه حق، فإن قسم للحرة ليلتين ثم أعتقت الامة، فإن كان بعدما اوفاها حقها استأنف القسم لها لانهما تساويا بعد انقضاء القسم. وإن كان قبل أن يوفيها حقها أقام عندها ليلتين، لانه لم يوفها حقها حتى صارت مساوية للحرة فوجب التسوية بينهما، وإن قسم للامة ليلة ثم أعتقت، فإن كان بعدما أوفى الحرة حقها سوى بينهما، وإن كان قبل أن يوفى الحرة حقها لم يزد على ليلة لانهما تساويا فوجب التسوية بينهما (فصل) وعماد القسم الليل، لقوله عز وجل (وجعلنا الليل لباسا) قيل في التفسير الايواء إلى المساكن، ولان النهار للمعيشه والليل للسكون، ولهذا قال الله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه) فإن كانت معيشته بالليل فعماد قسمه النهار، لان نهاره كليل غيره، والاولى أن يقسم ليلة ليلة اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولان ذلك أقرب إلى التسويه في إيفاء الحقوق فإن قسم ليلتين أو ثلاثا جاز، لانه في حد القليل، وإن زاد على الثلاث لم يجز من غير رضاهن، لان فيه تغريرا بحقوقهن، فإن فعل ذلك لزمه الفضاء للبواقي لانه إذا قضى ما قسم بحق فلان يقضى ما قسم بغير حق أولى، وإذا قسم لها ليلة كان لها الليلة وما يليها من النهار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لكل امرأة يومها وليلتها، غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة تبتغى بذلك رضى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى عن عائشة رضى الله عنها قالت (تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيتى وفى يومى وبين سحري ونحرى، وجمع الله بين ريقي وريقه) (فصل) والاولى أن يطوف إلى نسائه في منازلهن اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ولان ذلك أحسن في العشرة وأصون لهن، وله أن يقيم في موضع ويستدعى واحدة واحدة، لان المرأة تابعة للزوج في المكان، ولهذا يجوز له أن ينقلها إلى حيث شاء، وإن كان محبوسا في موضع فان أمكن حضورها فيه لم يسقط حقها من القسم، لانه يصلح للقسم فصار كالمنزل، وإن لم يمكن حضورها فيه سقط القسم لانه تعذر الاجتماع لعذر، وان كانت له امرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان لم يقم معها في منزل لم يلزمه القضاء بالمقام في بلد الاخرى لان المقام في البلد معها ليس بقسم، وان أقام معها في منزلها لزمه القضاء للاخرى، لان القسم لا يسقط باختلاف البلاد كما لا يسقط باختلاف المحال. (فصل) ويستحب لمن قسم أن يسوى بينهن في الاستمتاع لانه أكمل في العدل، فان لم يفعل جاز، لان الداعي إلى الاستمتاع الشهوة والمحبة، ولا يمكن التسوية بينهن في ذلك. ولهذا قال الله عز وجل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) . قال ابن عباس رضى الله عنهما: يعنى في الحب والجماع. وقالت عائشة (رض) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم بين نسائه ويعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملكه ولا أملكه) . (الشرح) حديث عائشة الاول أخرجه أحمد والبخاري ومسلم، وبقية الاخبار مضى تخريجها. أما اللغات فقوله (وجعلنا الليل لباسا) الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وقياس جمعها ليلات مثل بيضة وبيضات، وعاملته ملايلة أي ليلة وليلة مثل مشاهرة ومياومة، أي شهرا وشهرا ويوما ويوما، واللباس هو الذى يغطى ويستر كما يغطى اللباس ويستر. وقوله (بين سحري ونحرى) السحر الرثة. قال ابن بطال: أرادت أنه مات وهو متكئ عليها صلى الله عليه وسلم، والنحر موضع القلادة من الصدر وتطلق النحور على الصدور أما الاحكام فإنه إذا كان طلب معاش الرجل بالنهار فعماد قسمته الليل لقوله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا)

وإن كان طلب معاشه بالليل فعماد قسمته النهار، والمستحب أن يقسم مناوبة وهو أن يقيم عند واحدة ليلة ثم عند الاخرى ليلة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هكذا، ولانه اقرب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقسم لكل واحدة ليلتين أو ثلاثا جاز لان ذلك قريب إلى إيفاء الحق، وإن أراد أن يقيم عند كل واحدة أكثر من الثلاث فقد قال الشافعي في الاملاء: إن أراد أن يقسم لهن مياومة أو مشاهرة أومساناة كرهت له وأجزأه. قال أصحابنا: يجوز له ما زاد على الثلاث برضاهن وأما بغير رضاهن فلا يجوز لانه كثير، ويدخل النهار في القسم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنسائه كل واحدة يوما وليلتها، غير أن سودة رضى الله عنها وهبت ليلتها لعائشة. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ إلى بيت حفصة فلم يصادفها، فقعد عند مارية فقالت: يا رسول الله في بيتى وفى يومى، فأضافت اليوم إليها، والاولى أن يجعل اليوم تابعا لليلة التى مضت قبله، لان الشهر هلالي، وإن جعل النهار تابعا لليلة التى بعده جاز. (مسألة) إذا سافرت المرأة مع زوجها فلها النفقة والقسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك موجود. وهكذا إذا اشخصها من بلد إلى بلد لتعلة أو لحاجة فلها النفقة والقسم وان لم يكن معها. وإن سافرت لحاجة لها وحدها بإذنه ففيه قولان (أحدهما) لا نفقة لها ولا قسم لانها في مقابلة الاستمتاع وذلك متعذر منها. (والثانى) لها النفقة والقسم لانها غير ناشزة، فهو كما لو أشخصها لحاجة له والاول أصح (مسألة) وان كان عنده مسلمة وذمية سوى بينهما في القسم لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ولم يفرق، ولعموم الوعيد في حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من كانت له امرأتان يميل لاحداهما على الاخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا) رواه أحمد وأصحاب السنن قال الشافعي في الام: وإذا كان له أربع زوجات فترك إحداهن من القسمة أربعين ليلة قضى لها عشر ليال. واختلف أصحابنا في تأويله فقال أكثرهم: أراد أنه أقام عند كل واحدة من الثلاث عشرا. ثم أقام عشرا وحده في بيت فيقضى للرابعة عشرا. فأما لو أقام عند الثلاث أربعين قضى للرابعة ثلاث عشرة ليلة وثلثا

وقال ابن الصباغ: ظاهر كلامه أنه أقام عندهن أربعين ليلة. وما قال له وجه جيد عندي لان الذى تستحقه بالقضاء عشر، وثلاث ليال وثلث تستحقها إذن لان زمان القضاء لها فيه قسم. (فرع) قال في الام: وان كان له أربع نسوة فسافرت واحده منهن بغير اذنه وأقام عند اثنتين ثلاثين يوما عند كل واحدة خمسة عشر يوما فلما أراد أن يقيم عند الثالثة رجعت الناشزة وصارت في طاعته، فلا حق لها فيما مضى من القسم لانها كانت عاصية، ولا يمكن أن يقسم للثالثة خمس عشرة ليلة، لان القادمة تستحق الربع فيجعل الليالى أربعا ويقيم عند القادمة ليلة وهو حقها، ويجعل للثالثة ثلاث ليال، ليلة هي حقها وليلتين من حق الاولتين، فإذا دار بين القادمة والثالثة خمسة أدوار كذلك، استوفت الثالثة خمس عشرة ليلة والقادمة خمسا واستأنف القسم بين الاربع، ولو كان بدل المسافرة زوجة جديدة تزوجها قبل أن يوفى الثالثة خص الجديدة ان كانت بكرا بسبع، وان كانت ثيبا ثلاثا ثم يقسم ثلاثا للثالثة الاولة وليلة للجديدة حتى يدور خمسة أدوار واستأنف القسم للاربع دليلنا ما أخرجه الشيخان عن أبى قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: ان أنس ارفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل وجهين. (أحدهما) ان يكون ظن انه سمعه عن انس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا (والثانى) أن يكون رأى أن قول أنس (من السنة) في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع، قال والاول اقرب، لان قوله (من السنة) يقتضى ان يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل قلت: وقد روى هذا الحديث مرفوعا الدارقطني والبيهقي وابو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والدارمى بلفظ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه) وسيأتى في فصل بعده.

(مسألة) والمستحب أن يطوف على نسائه في منازلهن، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذلك، ولان ذلك أصون لهن، وان قعد في منزل واستدعى كل واحدة إليه في منزلها، واستدعى البعض إلى منزله كان له ذلك، فإن لم تأته واحدة إلى حيث مكان يصلن إليه ويصلح للمسكن وأراد أن يقسم بينهن، ويستدعيهن إليه كان له ذلك لانه كالمنزل، وإن كان له إمرأتان في بلدين فأقام في بلد إحداهما فان أقام معها قضى للاخرى، وإن لم يقم معها لم يقض للاخرى، لان اقامته في البلد التى هي بها من غير أن يقيم معها ليس بقسم. (مسألة أخرى) ليس في شرط القسم الوطئ، غير أن المستحب أن يساوى بينهن في الوطئ لانه هو المقصود، فان وطئ بعضهن دون بعض لم يأثم بذلك لان الوطئ طريقه الشهوة، وقد تميل الشهوة إلى بعضهن دون بعض، ولهذا قال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قيل في التفسير: في الحب والجماع، وقد روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقسم بين نسائه، ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. رواه أصحاب السنن عن عائشة رضى الله عنها وصححه الحاكم وابن حبان، ورجح الترمذي ارساله. قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجوز أن يخرج في ليلتها من عندها، فان مرض غيرها من النساء وخاف أن تموت أن أكرهه السلطان جاز أن يخرج لانه موضع ضرورة وعليه القضاء، كما يترك الصلاة إذا أكره على تركها وعليه القضاء، والاولى أن يقضيها في الوقت الذى خرج، لانه أعدل، وان خرج في آخر الليل وقضاه في أوله جاز، لان الجميع مقصود في القسم، فان دخل على غيرها بالليل فوطئها ثم عاد ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: يلزمه القضاء بليلة لان الجماع معظم المقصود، والثانى: يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أقرب إلى التسوية، والثالث أنه لا يقضيها بشئ، لان الوطئ غير مستحق في القسم، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط. ويجوز أن يخرج في نهارها للمعيشة ويدخل إلى غيرها ليأخذ شيئا أو يترك شيئا ولا يطيل، فان أطال لزمه القضاء لانه ترك الايواء المقصود

وإن دخل إلى غيرها لحاجة فقبلها جَازَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (ما كان يوم أو أقل يوم إلا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف علينا جميعا، ويقبل ويلمس، فإذا جاء إلى التى هو يومها أقام عندها) ولا يجوز أن يطأها لانه معظم المقصود فلا يجوز في قسم غيرها، فإن وطئها وانصرف ففيه وجهان (أحدهما) أنه يلزمه أن يخرج في نهار الموطوءة ويطأها، لانه هو العدل (والثانى) لا يلزمه شئ لان الوطئ غير مستحق، وقدره من الزمان لا ينضبط فسقط، وان كان عنده إمرأتان فقسم لاحداهما مدة ثم طلاق الاخرى قبل أن يقضيها ثم تزوجها لزمه قضاء حقها، لانه تأخر القضاء لعذر وقد زال فوجب كما لو كان عليه دين فأعسر ثم أيسر. (الشرح) حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي والحاكم وصححه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا إمرأة إمرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وروى أبو داود بنحوه ولفظه في رواية له (كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل إمرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها) وفى لفظ عند أحمد والبخاري ومسلم (كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه، فيدنو من احداهن) . أما الاحكام: فقد قال الشافعي رضى الله عنه (ولا يدخل في الليل على التى لم يقسم لها) وجملة ذلك أنه إذا قسم بين نسائه فلا يجوز أن يخرج من المقسوم لها في ليلتها لغير ضرروة من غير اذنها لان عماد القسم الليل، فان دعت ضرورة إلى ذلك بأن مرض غيرها وأشرفت على الموت فاحتاج أن يخرج إليها لتوصى إليه أو تحتاج إلى قيم ولا قيم لها أو ماتت واحتاج إلى الخروج لتجهيزها جاز له الخروج لان هذا موضع عذر، فان برئت المريضة التى خرج إليها قضى للتى خرج من ليلتها من ليلة المريضة مثل الذى أقام عندها، وان ماتت لم يقض، بل يستأنف القسم للباقيات.

إذا ثبت هذا فقد نقل المزني: أنه يعودها في ليلة غيرها. قال أصحابنا هذا سهو في النقل أيضا، هو في يوم غيرها، فان خالف وخرج عنها في ليلتها لغير عذر إلى غيرها وأقام عندها قليلا فقد أساء، ولا يقضى ذلك، لان ذلك يسير لا يضبط، وان أقام عندها مدة طويله من الليل قضى للاخرى من ليلته التى أقام عندها مثل ذلك في وقته من الليل، وان قضى مثله في غير وقته من الليل جاز، لان المقصود الايواء، وجميع الليل وقت الايواء، وان دخل إلى غيرها في ليلتها وجامعها وخرج سريعا فما الذى يجب عليه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجب القضاء عليه لان القصد الايواء، ولم يفوت عليها يجماع غيرها الايواء، لان قدر مدته يسيرة. (والثانى) يجب عليه القضاء، بليلة من حق الموطوءة، لان المقصود بالايواء هو الجماع، فإذا وقع ذلك لغيرها في ليلتها وجب عليه أن يقضيها في ليلة الموطوءة (والثالث) أنه يدخل عليها في ليلة الموطوءة فيطؤها لانه أعدل. (فرع) فان أخرجه عنها في ليلتها وحبسه نصف ليلتها أو خرج عنها إلى بيت وقعد فيه نصف الليل، وجب عليه أن يقضى مثل الذى فوت عليها، فان فوت عليها النصف الاول من الليل فانه يأوى إليها النصف الاول من الليل: ثم يخرج منها إلى منزله أو لغيره، وينفرد عنها وعن سائر نسائه النصف الاخير وقال ابن الصباغ: قال بعض أصحابنا: الا أن يخاف العسس أو يخاف اللصوص فيقيم عندها في باقى الليل، ولا يخرج للعذر، ولا يقضى الباقيات، وان فوت عليها النصف الاخير من الليل فالمستحب أن يقضيها في النصف الاخير، وان أوى إليها النصف الاول وانفرد في النصف الاخير جاز. (فرع) ويجوز أن يخرج في نهار المقسم لها لطلب المعيشة إلى السوق ولقضاء الحاجات، وان دخل إلى غيرها في يومها، فان كان لحاجة مثل أن يحمل إليها نفقتها، أو كانت مريضة فدخل عليها يعودها، أو دخل لزيارتها لبعد عهده بها، أو يكلمها بشئ أو تكلمه، أو يدخل إلى بيتها شيئا، أو يأخذ منه شيئا ولم يطل الاقامة عندها، جاز ولا يلزمه القضاء لذلك، لان المقصود بالقسم

الايواء، وذلك يحصل بالليل دون النهار ولا يجامعها لما روى عن عائشة (ما من يوم الا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضى إلى التى هو يومها فيبيت عندها) وهل له أن يستمتع بالتى يدخل إليها في غير يومها بالجماع؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ. (أحدهما) لا يجوز لان ذلك ما يحصل به السكن فأشبه الجماع. (والثانى) وهو المشهور: يجوز لحديث عائشة أم المؤمنين، فان دخل إليها في يوم غيرها وأطال المقام عندها لزمه القضاء، كما قلنا في الليل، وان أراد الدخول إليها في يوم غيرها لغير حاجة لم يجز لان الحق لغيرها، وان دخل إليها في يوم غيرها ووطئها، وانصرف سريعا ففيه وجهان حكاهما المصنف. أحدهما لا يلزمه القضاء لانه غير مستحق ووقته لا ينضبط. والثانى: يلزمه أن يدخل إليها في يوم الموطوءة فيطؤها لانه أعدل. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان تزوج امرأة وعنده امرأتان أو ثلاث قطع الدور للجديدة فان كانت بكرا أقام عندها سبعا، لما روى أبو قلابة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (مِنْ السُّنَّةِ أن يقيم عند البكر مع الشيب سبعا، قال أنس: ولو شئت أن أرفعه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرفعت) وان كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا أو سبعا لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم سلمة رضى الله عنها وقال: ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت) فان أقام عند البكر سبعا لم يقض للباقيات شيئا، وان أقام عند الثيب ثلاثا لم يقض، فان أقام سبعا ففيه وجهان. (أحدهما) يقضى السبع لقوله صلى الله عليه وسلم (ان شئت سبعت عندك وسبعت عندهن) (والثانى) يقضى ما زاد على الثلاث، لان الثلاث مستحقه لها فلا يلزمه قضاؤها، وان تزوج العبد أمة وعنده امرأة قضى للجديدة حق العقد وفى قدره وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هي على النصف كما قلنا في القسم الدائم، وقال أبو إسحاق: هي كالحرة، لان قسم العقد حق الزوج فلم يختلف

برقها وحريتها بخلاف القسم الدائم فإنه حق لها، فاختلف برقها وحريتها، وإن تزوج رجل امرأتين وزفتا إليه في وقت واحد أقرع بينهما لتقديم حق العقد كما يقرع للتقديم في القسم الدائم. (الشرح) حديث أبى قلابة عن أنس في الصحيحين، إلا أنه ليس فيه، قال أنس وإنما الذى فيه: قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت. إن أنسا رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابن دقيق العيد: قول أبى قلابة يحتمل وجهين (أحدهما) أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا (والثانى) أن يكون رأى أن قول أنس: من السنة، في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح، لانه في حكم المرفوع. قال والاول أقرب، لان قوله من السنة يقتضى أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادى محتمل، وقوله: انه رفعه نص في رفعه، وليس للراوى أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا، وبين رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روى هذا الحديث جماعه عن أنس وقالوا فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في البيهقى ومستخرج الاسماعيلي، وصحيح أبى عوانة، وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان وسنن الدارمي والدارقطني. أما حديث أم سلمة فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ: عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال: إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ورواه الدارقطني وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لها حين دخل بها: ليس بك عن أهلك هو ان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وان شئت سبعت لك وسبعت لنسائي، قالت تقيم معى ثلاثا خالصة) وفى إسناد الدارقطني الواقدي: وعن أنس رضى الله عنه قال (لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفيه أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا) رواه أحمد وابو داود والنسائي.

أما الاحكام فإن الاحاديث تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث. قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة. وقال ابن عبد البر قول جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف، سواء كان عنده زوجة أم لا. وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب. قال الحافظ بن حجر في الفتح: وهذا يوافق كلام أكثر الاصحاب، واختار النووي أن لا فرق، واطلاق الشافعي يعضده. ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس أيضا: البكر سبع وللثيب ثلاث. قال الحافظ لكن القاعدة ان المطلق محمول على المقيد. قال وفيه يعنى حديث أنس حجة على الكوفيين في قولهم ان البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الاوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة عند الدارقطني بسند ضعيف جدا. اه وقال العمرانى في البيان (إذا كان تحته زوجة أو زوجات فتزوج بأخرى قطع الدور للجديدة، فإن كانت بكرا أقام عندها سبعا ولا يقضى، وان كانت ثيبا كان بالخيار بين أن يقيم عندها ثلاثا ولا يقضى، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضى ما زاد على الثلاث. ومن اصحابنا من قال تقضى السبعة كلها، والاول هو المشهور قلت هذا هو مذهبنا وبه قال أنس بن مالك (رض) والشعبى والنخعي ومالك واحمد واسحاق رحمهم الله. وقال ابن المسيب والحسن البصري (يقيم عندها إذا كانت بكرا ليلتين وعند الثيب ليلة) وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة وأصحابه (يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا ويقضى مثل ذلك للباقيات. دليلنا ما روى عن انس مرفوعا (للبكر سبع وللثيب ثلاث) وما روى عن أم سلمه (دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما بك على اهلك هوان، فإن شئت سبعت عندك وقضيت لهن، وان شئت ثلثت عندك ودرت، فقلت ثلث) فإذا قلنا يجب عليه قضاء السبع إذا اقامها عند الثيب فوجهه قوله صلى الله عليه وسلم (ثلثت عندك ودرت) فلو كان يجب قضاء الثلاث كما كان يجب قضاء ما زاد لما كان للتخيير معنى، ولان الثلاثه مستحقه لها بدليل

انها لو اختارت ان يقيم عندها الثلاث لا غير لم يجب عليه قضاؤها، فكذلك لا يجب قضاؤها إذا اقامها مع الاربع. (فرع) قال في الام ولا احب ان يتخلف عن صلاة الجماعة، ولا يمنعه من عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا اجابة وليمه. وجملة ذلك انه إذا اقام عند الجديدة بحق العقد فهو كالقسم الدائم فعماده الليل. واما بالنهار فله ان ينصرف إلى طلب معاشه ويصلى مع الجماعه ويشهد الجنازة ويعود المريض ويجيب الولائم لان الايواء بالنهار عندها مباح. وهذه الاشياء طاعات فلا يترك الطاعات للمباح قال ابن الصباغ فأما بالليل فقال أصحابنا لا يخرج فيه لشئ من ذلك لان حق الزوجه فيه واجب وما يخرج له فليس بواجب، بخلاف السكون عندها بالنهار فإنه ليس بواجب. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان اراد السفر بامرأة أو امرأتين أو ثلاث اقرع بينهن، فمن خرجت عليها القرعة سافر بها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج اقرع بين نسائه، فصارت القرعه على عائشة رضى الله عنها، وحفصه رضى الله عنها فخرجتا معه جميعا) ولا يجوز ان يسافر بواحدة من غير قرعه، لان ذلك ميل وترك للعدل. وان سافر بامرأتين بالقرعه سوى بينهما في القسم كما يسوى بينهما في الحضر فإن كان في سفر طويل لم يلزمه القضاء للمقيمات، لان عائشة رضى الله عنها لم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقه السفر فاختصت بالقسم، وان كان في سفر قصير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه القضاء كما لا يلزمه في السفر الطويل (والثانى) يلزمه لانه في حكم الحضر، وان سافر ببعضهن بغير قرعة لزمه القضاء للمقيمات لانه قسم بغير قرعه فلزمه القضاء كما لو قسم لها في الحضر وان سافر بامرأة بقرعة إلى بلد ثم عن له سفر ابعد منه لم يلزمه القضاء، لانه سفر واحد وقد اقرع له. وان سافر بامرأة بالقرعه وانقضى سفره ثم اقام معها مدة لزمه ان يقضى

المدة التى أقام معها بعد انقضاء السفر، لان القرعة إنما تسقط القضاء في قسم السفر، وإن كان عنده امرأتان ثم تزوج بامرأتين وزفتا إليه في وقت واحد لزمه أن يقسم لهما حق العقد، ولا يقدم إحداهما من غير قرعة، فإن أراد السفر قبل أن يقسم لهما أقرع بين الجميع فإن خرجت القرعة لاحدى القديمتين سافر بها فإذا قدم قضى حق العقد للجديدتين وان خرجت القرعة لاحدى الجديدتين؟ ويدخل حق العقد في قسم السفر لان القصد من قسم العقد الالفة والاستمتاع. وقد حصل ذلك وهل يلزمه أن يقضى للجديدة الاخرى حق العقد؟ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يلزمه في القسم الدائم (والثانى) يلزمه، وهو قول أبى إسحاق، لانه سافر بها بعدما استحقت الاخرى حق العقد فلزمه القضاء، كما لو كان عنده أربع نسوة فقسم للثلاث ثم سافر بغير الرابعة بالقرعة قبل قضاء حق الرابعة. (الشرح) حديث عائشة أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه بلفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه) وقد استدل بهذا الحديث على مشرعية القرعه في القسمه بين الشركاء وغير ذلك، والمشهور عن الحنفيه والمالكية عدم اعتبار القرعه. قال القاضى عياض: هو مشهور عن مذهب مالك وأصحابه، لانها من باب الحظر والقمار. وحكى عن الحنفيه إجازتها أما جملة الفصل فإنه إذا كان لرجل زوجتان أو أكثر وأراد السفر، كان بالخيار بين أن يسافر وحده ويتركهن في البلد، لان عليه الفقه والكسوة والسكنى دون المقام معهن، كما لو كان بالحضر وانفرد عنهن، وإن أراد أن يسافر بهن جميعا لزمهن ذلك، كما يجوز أن ينتقل من بلد إلى بلد، وإن أراد أن يسافر ببعض نسائه أقرع بينهن لما روت عائشة عليها السلام من إقراع النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى، وهو بالخيار بين أن يكتب الاسماء ويخرج على السفر، والاقامه وبين أن يكتب السفر والاقامه ويخرج على الاسماء. وإذا خرج السفر على واحدة لم يلزمه المسافرة بها، بل لو أراد أن يدعها ويسافر وحده كان له، وان أراد أن يسافر بغيرها لم يجز، لان ذلك يبطل فائدة

القرعه، وان اختار أن يسافر بإثنتين وعنده أكثر أقرع بينهن، فإن خرجت قرعة السفر على اثنتين سافر بهما ويسوى بينهما في القسم في السفر، كما لو كان في الحضر. وإذا سافر بها بالقرعه فإن كان السفر طويلا لم يلزمه القضاء للمقيمات. وان كان السفر قصيرا ففيه وجهان. (أحدهما) لا يلزمه القضاء للمقيمات كالسفر الطويل (والثانى) يلزمه لانه في حكم الحضر. هذا مذهبنا وقال داود: يلزمه القضاء المقيمات في الطويل والقصير. دليلنا حديث عائشة أنها ذكرت السفر ولم تذكر القضاء، ولان المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقسم. (فرع) وان سافر بواحدة منهن من غير قرعة لزمه القضاء للمقيمات، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لا يقضى. دليلنا أنه خص بعض نسائه بمدة على وجه تلحقه فيه التهمة فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا. وقال المسعودي: فلو قصد الرجوع اليهن فهل تحتسب عليه المدة من وقت القصد. فيه وجهان (فرع) وإن سافر بواحدة منهن بالقرعة ثم نوى الاقامة في بعض البلاد وأقام بها معه أو لم ينو الاقامة إلا أنه أقام بها أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ قضى ذلك للباقيات، لانه إنما لم يجب عليه أن يقضى مدة السفر. وهذا ليس بسفر، وإن سافر بها إلى بلد فلما بلغه عن له أن يسافر بها إلى بلد آخر فسافر بها لم يقض المقيمات لانه سفر واحد وقد أقرع له. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه (ولو أراد النقلة لم يكن له أن ينتقل بواحدة إلا أوفى البواقى مثل مقامه معها) واختلف أصحابنا في تأويلها فمنهم من قال: تأويلها إذا كان له نساء فأراد النقلة إلى بلد فينتقل بواحدة منهن ونقل الباقيات مع وكيله إلى ذلك البلد، فلما وصل إلى ذلك البلد أقام مع التى نقلها بعد السفر دون مدة السفر، لان مدة السفر لا تقضى. وقال أبو إسحاق: تقضى مدة السفر ومدة الاقامه بعده، لانه أراد نقل جميعهن، فقد تساوت حقوقهن، فمتى خص واحدة بالكون معه لزمه أن يقضى للباقيات مدة الاقامه معها، كما لو أقام في الحضر معها بخلاف السفر بإحداهن، فعلى قول الاول يحتاج إلى القرعة وعلى قول أبى إسحاق لا تحتاج إلى قرعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة رضى الله عنها تبتغى بذلك مرضاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَا يجوز ذلك إلا برضا الزوج، لان حقه ثابت في استمتاعها، فلا تملك نقله إلى غيرها من غير رضاه، ويجوز من غير رضا الموهوب لها لانه زيادة في حقها، ومتى تقسم لها الليلة الموهوبة؟ فيه وجهان (أحدهما) تضم إلى ليلتها، لانه اجتمع لها ليلتان فلم يفرق بينهما (والثانى) تقسم لها في الليله التى كانت للواهبة، لانها قائمة مقامها فقسم لها في ليلتها، ويجوز أن تهب ليلتها للزوج لان الحق بينهما، فإذا تركت حقها صار للزوج ثم يجعلها الزوج لمن شاء من نسائه، ويجوز أن تهب ليلتها لجميع ضرائرها، فإن كن ثلاثا صار القسم أثلاثا بين الثلاث، وإن وهبت ليلتها ثم رجعت لم يصح الرجوع فيما مضى، لانه هبة اتصل بها القبض، ويصح في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض. (فصل) وإن كان له إماء لم يكن لهن حق في القسم، فإن بات عند بعضهن لم يلزمه أن يقضى للباقيات، لانه لا حق لهن في استمتاع السيد، ولهذا لا يجوز لهن مطالبته بالفيئة إذا حلف أن لا يطأهن، ولا خيار لهن بجبه وتعنينه، والمستحب أن لا يعطلهن لانه إذا عطلهن لم يأمن أن يفجرن، وإن كان عنده زوجات وإماء فأقام عند الاماء لم يلزمه القضاء للزوجات، لان القضاء يجب بقسم مستحق، وقسم الاماء غير مستحق فلم يجب قضاؤه كما لو بات عند صديق له (الشرح) حديث سودة هذا أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق وسودة بنت زمعة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة بعد موت خديجة عليها السلام ودخل بها وهاجرت معه، ووقع في رواية لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث عائشة، قالت عائشة: وكانت إمرأة تزوجها بعدى ومعناه عقد عليها بعد أن

عقد على عائشة، وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالاتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزى قوله: وهبت يومها، في رواية البخاري في الهبة: يومها وليلتها وزاد في آخرها تبتغى بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظ أبى داود (ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رسول الله يومى لعائشة، فقبل ذلك منها، ففيها، وأشباهها نزلت: وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا) الآية. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق، فوهبت. قال: وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم ابن أبى برة مُرْسَلًا، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلقها فقعدت له على طريقه فقالت: والذى بعثك بالحق ما لى في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك الذى أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على، قال لا، قالت: فأنشدك لما راجعتني، فراجعها، قالت فإنى قد جعلت يومى وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) والرواية المتفق عليها (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لعائشة يومها ويوم سودة) وقوله (يومها ويوم سودة) لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالى الزوج بين اليومين للموهوب لها، وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات، فقال العلماء انه لا يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقى، وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبه فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتتاع وإن لم يكن قد قبل لم تكره على ذلك. حكى ذلك في الفتح عن العماء. وقال في البيان ويجوز للمرأة أن تهب ليلتها لبعض ضرائرها لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج سودة بعد موت خديجة فلما كبرت وأسنت هم النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ودعني حتى احشر في جملة أزواجك وقد وهبت ليلتى لاختى عائشة فتركها، فكان يقسم لكل واحدة ليله ليله ولعائشة ليلتين.

إذا ثبت هذا فان القبول فيه إلى الزوج لان الحق له ولا يصح ذلك إلا برضاه لان الاستمتاع حق له عليها، ولا يعتبر فيه رضا الموهوبة لان ذلك زيادة في حقها فان كانت ليلة الواهبة توالى ليلة الموهوبة والاهما لها، وان كانتا غير متواليتين فهل للزوج أن يواليهما من غير رضا الباقيات، فيه وجهان. (أحدهما) له ذلك لان لها ليلتين، فلا فائدة في تفرقتهما. (والثانى) ليس له ذلك، وهو المذهب ولم يذكر البغوي غيره لانها قائمة مقام الواهبة، وإن وهبتها لزوجها جاز له أن يجعلها لمن شاء من نسائه، لان الحق له، وإن جعلها لواحدة تلى ليلتها ليلة الواهبة، إما قبلها أو بعدها والاهما لها، وان جعلها لمن لا تلى ليلتها فهل له أن يواليهما لها؟ على الوجهين، هكذا نقل البغداديون. وقال المسعودي: هل للزوج أن يخص بها بعض نسائه، فيه وجهان. وان وهبتها لجميع ضرائرها صح ذلك وسقط قسمها وصارت كأن لم تكن، فان رجعت الواهبة في ليلتها لم تصح رجعتها فيما مضى، لانها هبة اتصل بها القبض ويصح رجعتها في المستقبل لانها هبة لم يتصل بها القبض، فان لم يعلم الزوج برجعتها حتى قصم ليلتها لغيرها. قال الشافعي رحمه الله: لم يكن لها بدلها، فان أخذت عن ليلتها عوضا من الزوج لم يصح لانه ليس بعين ولا منفعة، فترد العوض ويقبضها الزوج حقها لانها تركت حقها بعوض ولم يسلم لها العوض. (مسألة) المتسحب أن يساوى بين الاماء والحرائر، فان لم يفعل فلا شئ عليه، وله أن يطوف على نسائه أو إمائه بغسل واحد إذا حللته عن ذلك في القسم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه بغسل واحد، والله تعالى أعلم بالصواب.

باب النشوز

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب النشوز إذا ظهرت من المرأة أمارات النشوز وعظها لقوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) ولا يضربها لانه يجوز أن يكون ما ظهر منها لضيق صدر من غير جهة الزوج، وإن تكرر منها النشوز فله أن يضربها، لقوله عز وجل (واضربوهن) وان نشزت مرة ففيه قولان. (أحدهما) أنه يهجرها ولا يضربها، لان العقوبات تختلف باختلاف الجرائم ولهذا ما يستحق بالنشوز لا يستحق بخوف النشوز، فكذلك ما يستحق بتكرر النشوز لا يستحق بنشوز مرة. (والثانى) وهو الصحيح: أنه يهجرها ويضربها لانه يجوز أن يهجرها للنشوز فجاز أن يضربها كما لو تكرر منها. فأما الوعظ فهو أن يخوفها بالله عز وجل وبما يلحقها من الضرر بسقوط نفقتها، وأما الهجران فهو أن يهجرها في الفراش لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال في قوله عز وجل (واهجروهن في المضاجع قال: لا تضاجعها في فراشك) وأما الهجران بالكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) وأما الضرب فهو أن يضربها ضربا غير مبرح ويتجنب المواضع المخوفه والمواضع المستحسنة، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بكتاب الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وان لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح) ولان القصد التأديب دون الاتلاف والتشويه. النشوز مصدر نشز وبابه فعد وضرب، ونشزت المرأة من زوجها عصته وامتنعت عليه، ونشز الرجل من امرأته تركها وجفاها، قال تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) الآية، وأصله الارتفاع، يقال: نشز من

مكانه نشوزا بالوجهين إذا ارتفع عنه، وقال تعالى (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) يالضم والكسر، والنشز بفتحتين المرتفع من الارض، والسكون لغة، وقال ابن السكيت في بات فعمل وفعل: قعد على نشز من الارض ونشز وجمع الساكن نشوز مثل فلس وفلوس، ونشاز مثل سهم وسهام وجمع المفتوح أنشاز مثل سبب وأسباب، وأنشزت المكان بالالف رفعته، واستعير ذلك للزيادة والنمو، فقيل: أنشز الرضاع العظم وأنبت اللحم. أما حديث أبى هريرة رضى الله عنه فقد قال النووي: رواه أبو داود على شرط البخاري ومسلم بلفظ (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار) وفى رواية عند أبى داود له أيضا بلفظ (لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه وليسلم عليه، فان رد عليه السلام فقد اشتركا في الاجر، وان لم يرد عليه فقد باء بالاثم وخرج المسلم من الهجرة) . قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شئ، وفى الصحيحين عن أنس بلفظ (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله اخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وفيهما عن أبى أيوب بلفظ (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام) . أما حديث جابر رضى الله عنه فقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن، وهو من حديث طويل فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وجزء من خطبة الوداع، ورواه ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الاحوص (أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ ثم قال: استوصوا بالنساء خيرا فانما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك الا أن يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا اليهن

في كسوتهن وطعامهن) وقد أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ (ولا يأذن في بيته إلا بإذنه) وقد أخرج أحمد وابن جرير والنسائي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيرى أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا حق المرأة على الزوج؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت) . أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: قال الله عز وجل (واللاتي تخافون نشوزهن) يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها، فإن أبدت نشوزا هجرها. فان أقامت عليه ضربها، وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رؤيت أسبابه، وأن لا مؤنة فيها عليها كضربها، وأن العظة غير محرمة من المرء لاخيه فكيف لا مرأته والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة، لان الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث، والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل، فالاية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاقب فيه من العظة والهجرة والضرب مختلفه، فإذا اختلفت فلا يشبه معناها الا ما وصفت. وقال رحمه الله أيضا: وقد يحتمل قوله (تخافون نشوزهن) إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب (قال) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها، لانه انما أبيحا بالنشوز، فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذى أبيحا له به. قال الرييع: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله ابن عبد الله بن عمر عن اياس بن عبد الله بن أبى ذباب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تضربوا اماء الله، قال فأتاه عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن، فأذن في ضربهن، فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أطاف الليله بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين فلا تجدون أولئك خياركم) . قال الشافعي: فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو، وأخبر أن الخيار ترك

الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالى أخذه، وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذى تركت حظها وعصت ربها. اه إذا ثبت هذا فإنه إذا ظهر من المرأة النشوز بقول أو فعل وعظها. فأما النشوز بالقول فهو أن يكون من عادته إذا دعاها أجابته بالتلبية، وإذا خاطبها أجابت خطابه بكلام جميل حسن، ثم صارت بعد ذلك إذا دعاها لا تجيب بالتلبية وإذا خاطبها أو كلمها تخاشنه القول، فهذه أمارات النشوز بالقول وأما أمارات النشوز بالفعل فهو أن يكون من عادته إذا دعاها إلى الفراش أجابته ببشاشة وطلاقة وجه، ثم صارت بعد ذلك متجهمة متكرهة، أو كان من عاداتها إذا دخل إليها قامت له وخدمته، ثم صارت لا تقوم له ولا تخدمه، فإذا ظهر له ذلك منها فانه يعظها ولا يهجرها ولا يضربها، هذا قول عامة أصحابنا وقال الصيمري: إذا ظهرت منها أمارات النشوز فله أن يجمع بين العظه والهجران، والاول هو المشهور، لان يحتمل أن يكون هذا النشوز تفعله فيما بعد، ويحتمل أن يكون لضيق صدر من أولادها أو من جاراتها أو أقربائها أو نحو ذلك من شغل قلب أو قلق خاطر نشزت منه، بأن دعاها فامتنعت منه، فان تكرر ذلك الامتناع منها فله أن يهجرها، وله ان يضربها، والاصل فيه قول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) الآيه. وان نشزت منه مرة واحدة فله ان يهجرها. وهل له أن يضربها؟ فيه قولان (أحدهما) ليس له أن يضربها. وبه قال أحمد. لانها لا تستحق الا العقوبة المساوية لفعلها. بدليل انها لا تستحق الهجران لخوف النشوز فكذلك لا تستحق الضرب بالنشوز مرة واحدة. فعلى هذا يكون ترتيب الايه: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع إذا نشزن. واضربوهن إذا أصررن على النشوز. (والثانى) له ان يضربها. قال العمرانى وغيره: وهو الاصح. لقوله تعالى (واللاتي تخافون) الايه. فظاهر الآيه ان له فعل الثلاثة الاشياء لخوف النشوز. فدل الدليل على انه

يضربها ويهجرها عند خوف النشوز. وهذه الآية على ظاهرها إذا نشزت لانها معصية يحل بها هجرانها وضربها كما لو تكرر منها النشوز. إذا ثبت هذا فالموعظة أن يقول لها: ما الذى منعك عما كنت آلفه من برك وما الذى غيرك، اتقى الله وارجعي إلى طاعتي، فإن حقى واجب عليك، ونحو ذلك من عبارات الوعظ، وتذكيرها بما يعده الله للآثمين والآثمات من حساب يوم تتساوى الاقدام في القيام لله، ويعلم كل امرئ ما قدمت يداه. والهجران هو أن لا يضاجعها في فراش واحد لقوله تعالى (واهجروهن في المضاجع) ولا يهجر بالكلام، فإن فعل لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد عليها أثم، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يهجر الرجل أخاه فوق ثلاثة أيام. وأما الضرب فقال الشافعي: لا يضربها ضربا مبرحا لا مدميا ولا مدمنا ويتقى الوجه. فالمبرح الفادح الذى يخشى تلف النفس منه أو تلف عضو أو تشويهه، والمدمى الذى يجرح فيخرج الدم، والمدمن أن يوالى الضرب على موضع واحد. لان القصد منه التأديب. ويتوقى الوجه لانه موضع المحاسن ويتوقى المواضع المخوفة. قال الشافعي: ولا يبلغ به حدا. ومن أصحابنا من قال: لا يبلغ به الاربعين لانه حد الخمر، ومنهم من قال لا يبلغ به العشرين لانه حد العبد، لانه تعزير، وليس للرجل أن يضرب زوجته على غير النشوز بقذفها له أو لغيره، لان ذلك إلى الحاكم، والفرق بينهما أن النشوز لا يمكن إقامة البينة عليه، بخلاف سائر جناياتها. إذا ثبت هذا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تضربوا إماء الله) وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (كنا معشر قريش لا يغلب نساؤنا رجالنا، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم يغلبن رجالهم، فحاط نساؤنا نساءهم فزئرن على أزواجهن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت ذئر النساء على أزواجهن، فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضربهن. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد أطاف آل محمد سبعون امرأة كلهن تشتكين أزواجهن وما تجدون أولئك بخياركم)

فإذا قلنا يجوز نسخ السنة بالكتاب فيحتمل أَنْ يَكُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ضربهن ثم نسخ الكتاب السنة بقوله (واضربوهن) ثُمَّ أَذِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضربهن موافقة للكتاب، غير أنه يجعل تركه أولى بقوله وما يجدون أولئك بخياركم. وإن قلنا إن نسخ السنة لا يجوز بالكتاب احتمل أن يكون النهى عن ضربهن متقدما ثم نسخه النبي صلى الله عليه وسلم وأذن في ضربهن ثم ورد الكتاب للسنة في ضربهن. ومعنى قوله (ذئر النساء على أزواجهن) أي اجترأن عليهم. قال الصيمري: وقيل في قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة سبعة تأويلات. (أحدها) أن حل عقدة النكاح إليه (الثاني) أن له ضربها عند نشوزها (الثالث) أن عليها الاجابة إذا دعاها إلى فراشه، وليس عليه ذلك (الرابع) أن له منعها من الخروج، وليس لها ذلك (الخامس) أن ميراثه على الضعف من ميراثها (السادس) أن لو قذفها كان له إسقاط حقها باللعان. وليس لها ذلك (السابع) موضع الدرجة اشتراكهما في لذة الوطئ، واختص الزوج بتحمل مؤنة الصداق والنفقة والكسوة وغير ذلك اه وعن عبد الله بن زمعة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أيضرب أحدكم إمرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم) اخرجه الشيخان وقال العلامة صديق حسن خان (في هذا دليل على أن الاولى ترك الضرب للنساء فإن احتاج فلا يوالى بالضرب على موضع واحد من بدنها، وليتق الوجه لانه مجمع المحاسن، ولا يبلغ بالضرب عشره أسواط. وقيل ينبغى ان يكون الضرب بالمنديل واليد، ولا يضرب بالسوط والعصا وبالجملة فالتخفيف بأبلغ شئ أولى في هذا الباب. وبعد هذا لا يسأل الرجل الملتزم بالشرع عن ضرب امرأته لما أخرجه أبو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال (لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته) .

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن ظهرت من الرجل أمارات النشوز لمرض بها أو كبر سن ورأت أن تصالحه بترك بعض حقوقها من قسم وغيره جاز، لقوله عز وجل (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) قالت عائشة رضى الله عنها: أنزل الله عز وجل هذه الآية في المرأة إذا دخلت في السن فتجعل يومها لامرأة أخرى، فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فان بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للاصلاح أو التفريق، لقوله عز وجل (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) واختلف قوله في الحكمين فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق الا باذنهما، لان الطلاق إلى الزوج، وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز الا باذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق، بعوض وغير عوض: لقوله عز وجل (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فسماهما حكمين، ولم يعتبر رضا الزوجين. وروى عبيدة أن عليا رضى الله عنه بعث رجلين فقال لهما أتريان ما عليكما. عليكما، ان رأيتما أن تجمعا جمعتما، وان رأيتما ان تفرقا فرقتما، فقال الرجل: اما هذا فلا، فقال كذبت لا والله ولا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لى وعلى، ولانه وقع الشقاق واشتبه الظالم منهما فجاز التفريق بينهما من غير رضاهما، كما لو قذفها وتلاعنا، والمستحب ان يكون حكما من اهله وحكما من اهلها للآية، ولانه روى انه وقع بين عقيل بن ابى طالب وبين زوجته شقاق، وكانت من بنى امية، فبعث عثمان رضى الله عنه حكما من اهله وهو ابن عباس رضى الله عنه، وحكما من اهلها وهو معاوية رضى الله عنه، ولان الحكمين من اهلهما اعرف بالحال، وان كان من غير اهلهما جاز لانهما في احد القولين وكيلان وفى الآخر حاكمان، وفى الجميع يجوز ان يكونا

من غير أهلهما، ويجب أن يكونا ذكرين عدلين لانهما في أحد القولين حاكمان وفى الآخر وكيلان، إلا أن يحتاج فيه إلى الرأى والنظر في الجمع والتفريق، ولا يكمل لذلك إلا ذكران عدلان، فإن قلنا: إنهما حاكمان لم يجز أن يكونا إلا فقيهين، وإن قلنا: انهما وكيلان جاز أن يكونا من العامة، وان غاب الزوجان فان قلنا: انهما وكيلان نفذ تصرفهما كما ينفذ تصرف الوكيل مع غيبة الموكل، وان قلنا: انهما حاكمان لم ينفذ حكمهما، لان الحكم للغائب لا يجوز، وان جنا لم ينفذ حكم الحكمين، لانهما في أحد القولين وكيلان. والوكالة تبطل بجنون الموكل. وفى القول الآخر: حاكمان الا أنهما يحكمان للشقاق وبالجنون زال الشقاق. (الشرح) في قوله تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) الآية. أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عائشة عليها السلام قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له: أمسكنى ولا تطلقني ثم تزوج غيرى وأنت في حل من النفقة على والقسم لى. فذلك قوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وفى رواية قالت (هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول: أمسكنى واقسم لم ما شئت. قالت فلا بأس إذا تراضيا) . وأما قوله تعالى (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها) الآية. فان أصل الشقاق ان كل واحد منهما يأخذ غير شق صاحبه، أي ناحية غير ناحيته، وأضيف الشقاق إلى الظرف لاجرائه مجرى المفعول به. كقوله تعالى (بل مكر الليل والنهار) وقولهم (يا سارق الليلة أهل الدار) والخطاب للامراء والحاكم. والضمير في قوله بينهما للزوجين لانه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما، وهو ذكر الرجال والنساء. أما أحكام الفصل: فان ظهر من الزوج أمارات النشوز بأن يكلمها بخشونة بعد أن كان يلين لها في القول أو لا يستدعيها إلى الفراش كما كان يفعل إلى غير ذلك. فلا بأس أن تترك له بعض حقها من النفقة والكسوة والقسم، لتطيب

بذلك نفسه، فإذا ظهر من الزوج النشوز بأن منعها ما يجب لها من نفقة وكسوة وقسم وغير ذلك أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة عدل ليستوفى لها حقها، إن ادعى كل واحد منهما على صاحبه النشوز بمنع ما يجب عليها أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة ليشرف عليهما، فإذا عرف الظالم منهما منعه من الظلم هكذا أفاده العمرانى وغيره، فإذا تجاوز الامر حده إلى التشاتم أو الضرب أو تمزيق الثياب بعث الحاكم حكمين ليجمعا بينهما أو يفرقا لقوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها) قال العلامة صديق حسن خان في نيل المرام: فابعثوا الزوجين حكما يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا، وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونا من أهل الزوجين لانهما أقرب لمعرفة أحوالهما، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم، وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسئ منهما، فأما إذا عرف المسئ فانه يؤخذ لصاحبه الحق منه، وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما، فان قدرا على ذلك عملا عليه، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر الحاكم ولا توكيل بالفرقة من الزوجين، وبه قال مالك والاوزاعي وإسحاق، وهو مروى عن عثمان وعلى وابن عباس والشعبى والنخعي، وحكاه ابن كثر عن الجمهور، قالوا: لان الله تعالى قال: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وهذا نص من الله على أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان. وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولى الشافعي إن التفريق هو إلى الامام أو الحاكم في البلد، لا اليهما، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الامام والحاكم، لانهما رسولان شاهدان فليس اليهما التفريق، ويرشد إلى هذا قوله تعالى: إن يريدا أي الحكمان إصلاحا بين الزوجين يوفق الله بينهما، أي يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الالفة وحسن العشرة والوئام، ومعنى الارادة خلوص نيتهما وصدق عزمهما لاصلاح ما بين

الزوجين، وقيل: ان الضمير في قوله تعالى: يوفق الله بينهما، للحكمين، كما في قوله: ان يريدا اصلاحا: أي يوفق الله بين الحكمين في اتحاد مقصودهما، وقيل كلا الضميرين للزوجين، أي ان يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الالفة والوفاق، وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما، ولا يلزم قولهما بلا خلاف. قال في البيان: وهل هما وكيلان من قبل الزوجين أو حاكمان من قبل الحاكم فيه قولان (أحدهما) أنهما وكيلان من قبل الزوجين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عبيدة التلمانى قال: جاء إلى على بن أبى طالب رجل وامرأة ومع كل واحد منهما قيام من الناس بغير جماعة، فقال على كرم الله وجهه: ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ ان رأيتما أن تجمعا، وان رأيتما: أن تفرقا، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لى وعلى، وقال الرجل: أما الجمع فنعم، وأما التفريق فلا، فقال على: كذبت لا والله لا تتزوج حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك فاعتبر رضاه، ولان الطلاق بيد الزوج، وبذل العوض بيد المرأة، فافتقر إلى رضاهما، فعلى هذا لا بد أن يوكل كل واحد منهما الحاكم من قبله على الجمع أو التفريق (والثانى) أنهما حكمان من قبل الحاكم، وبه قال مالك والاوزاعي واسحاق، وهو الاشبه لقوله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) وهذا خطاب لغير الزوجين وسماهما الله تعالى حكمين، فعلى هذا لا يفتقر إلى رضى الزوجين اه. إذا ثبت هذا: فان الحكمين يخلو كل واحد منهما بأحد الزوجين وينظر ما عنده، ثم يجتمعا ويشتوران، فان رأيا الجمع بينهما لم يتم الا بالحكمين، وان رأيا التفريق بينهما فان رأيا أن يفرقا فرقة بلا عوض أوقعها الحاكم من قبل الزوج، وان رأيا أن يفرقا بينهما بعوض بذل الحاكم من قبلها العوض عليها، وأوقع الحاكم من قبل الزوج الفرقة. والمستحب أن يكونا من أهلهما للآية. ولانهما أعلم بباطن أمرهما. وان كان من غير أهلهما جاز، لان الحاكم والوكيل يصح أن يكون أجنبيا. ولا بد أن يكونا حرين مسلمين ذكرين عدلين، لانا ان قلنا انهما حاكمان فلا بد من هذه الشرائط. وان قلنا انهما وكيلان الا انه

وكيل من قبل الحاكم فلا بد من أن يكون كاملا. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فإن قلنا: إنهما حاكمان فلا بد أن يكونا فقيهين، وإن قلنا: إنهما وكيلان، جاز أن يكونا من العامة، وإن غاب الزوجان أو أحدهما فإن قلنا: إنهما وكيلان صح فعلهما. لان تصرف الوكيل يصح بغيبة الموكل، وإن قلنا إنهما حاكمان لم يصح فعلهما. لان الحكم لا يصح للغائب، وان صح الحكم عليه، لان كل واحد منهما محكوم له وعليه، وإن جنا أو أحدهما لم يصح فعلهما، لانه ان قلنا انهما وكيلان بطلت وكالة من جن موكله، وان قلنا انهما حاكمان، فإنهما يحكمان للشقاق، وبالجنون زال الشقاق، وان لم يرضيا أو أحدهما فإن قلنا: انهما حاكمان لم يعتبر رضاهما. وان قلنا: انهما وكيلان ولم يجبرا على الوكالة فينظر الحاكم فيما يدعيه كل منهما، فإذا ثبت عنده استوفاه من الآخر. وان كان لهما أو لاحدهما حق على الاخر من مهر أو دين لم يصح للحكمين المطالبة به الا بالوكالة قولا واحدا كالحاكم، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. تم الجزء السادس عشر ويليه الجزء السابع عشر

الجزء السابع عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب الجزء السابع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الخلع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى: كتاب الخلع إذا كرهت المرأة زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة وخافت أن لا تؤدى حقه، جاز أن تخالعه على عوض، لقوله عز وجل " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جناح عليهما فيما افتدت به " وروى أن جميلة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس وكان يضربها فأتت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ لا أنا ولا ثابت وما أعطاني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خذ منها، فأخذ منها فقعدت في بيتها " وإن لم تكره منه شيئا وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز، لقوله عز وجل " فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " ولانه رفع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر فجاز من غير ضرر كالاقالة في البيع، وإن ضربها أو منعها حقها طمعا في أن تخالعه على شئ من مالها لم يجز، لقوله عز وجل " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فإن طلقها في هذه الحال على عوض لم يستحق العوض لانه عقد معاوضة أكرهت عليه بغير حق فلم يستحق فيه العوض كالبيع، فإن كان ذلك بعد الدخول فله ان يراجعها، لان الرجعة إنما تسقط بالعوض وقد سقط العوض فتثبت الرجعة فيه، فإن زنت فمنعها حقها لتخالعه على شئ من مالها ففيه قولان (أحدهما) يجوز ويستحق فيه العوض: لقوله عز وجل " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فدل على أنها إذا أتت بفاحشة جاز عضلها ليأخذ شيئا من مالها (والثانى) أنه لا يجوز ولا يستحق فيه العوض، لانه خلع أكرهت عليه بمنع الحق فأشبه إذا منعها حقه لتخالعه من غير زنا، فأما الآية فقد، قبل انها منسوخة بآية الامساك في البيوت وهى قوله تعالى " فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت " ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم، ولانه روى عن قتادة انه فسر الفاحشة بالنشوز، فعلى هذا إذا كان ذلك بعد الدخول فله ان يراجعها لما ذكرناه

(الشرح) خبر جميلة بنت سهل يؤخذ على المصنف سوقه بقوله. وروى أن جميلة. هكذا بصيغة التمريض مع أن الخبر مروى في صحيح البخاري وسنن النسائي بلفظ عن ابن عباس قال " جاءت امرأة ثابت بن شماس إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله إنى ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتردين عليه حديقته، قالت نعم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقبل الحديقه وطلقها تطليقه " ورواه ابن ماجه من طريق ازهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية أسناده من رجال الصحيح، وكذلك النسائي والبيهقي أخرجاه بأسانيد رجالها الصحيح ولفظه " عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام لا أطيقه بغضا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتردين عليه حديقته، قالت نعم. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ حديقته ولا يزداد " وأخرجه النسائي عن الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهى جميلة بنت عبد الله بن أبى فأتى أخوها يشتكيه إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذى لها عليك وخل سبيلها، قال نعم فأمرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها " وفى الترمذي عن ابن عباس وقال حسن غريب ولفظه " ان امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تعتد بحيضة " واخرجه الترمذي عن الربيع بنت معوذ، وكذلك النسائي وابن ماجه، واخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابى الزبير وروى مالك في موطئه عن حبيبة بن سهل " انها كانت تحت ثابت بن قيس ابن شماس وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه، فقال من هذه، قالت انا حبيبة بنت سهل، قال ما شأنك، قالت لا انا ولا ثابت بن قيس إلى آخر ما ساقه المصنف من الرواية، اخرجه اصحاب السنن وصححه ابن خزيمه وابن حبان من هذا الوجه، واخرجه ابو داود من حديث عائشة ان حبيبه بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس. واخرج البزار من حديث

ابن عمر نحوه، قال ابن عبد البر: اختلف في امرأة ثابت بن قيس، فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبى، وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل، قال الحافظ ابن حجر: الذى يظهر لى أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، بخلاف ما وقع من الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها، فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق. اه ووهم ابن الجوزى فقال: إنها سهلة بنت حبيب، وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك. وروى الشافعي عن مالك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرحمن عن حبيبة بنت سهل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلى صلاة الصبح فوجدها على بابه إلى آخر الرواية التى ساقها مالك في موطئه أما اللغات فإن الخلع هو النزع، وخالعت المرأة زوجها إذا افتدت منه وطلقها على الفدية فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم وهو استعارة من خلع اللباس وقال ابن بطال: أصل الخلع من خلع القميص عن البدن وهو نزعه عنه وإزالته لانه يزيل النكاح بعد لزومه، وكذا المرأة لباس للرجل وهو لباس لها. قال تعالى " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " فإذا تخالعا فقد نزع كل واحد منهما لباسه. وقوله " فكلوه هنيئا مريئا " هنو. الشئ بالضم مع الهمز هناءة بالفتح و؟ ؟ ؟ ؟ ؟ تيسر من غير مشقة ولا عناء فهو هنئ، ويجوز الابدال والادغام. وهنانى الولد يهنؤني مهموز من بابى نفع وضرب، وتقول العرب في الدعاء ليهنئك الولد بهمزة ساكنة وبإبدالها باء وحذفها عامى ومعناه سرنى الطعام يهنؤني ساغ ولذ. وأكلته هنيئا مريئا، أي بلا مشقة، ويهنوه بضم المضارع في الكل لغة. قال بعضهم: وليس في الكلام يفعل بالضم مهموزا مما ماضيه بالفتح غير هذا الفعل. ومرؤ الطعام مراءة مثال ضخم ضخامة فهو مرئ، ومرئ بالكسر لغة ومرئته بالكسر أيضا يتعدى ولا يتعدى، واستمرأته وجدته مريئا، وامرأبى الطعام بالالف، ويقال هنأني الطعام. ومرأنى بغير ألف للازدواج، فإذا أفرد قيل: أمرأنى بالالف. ومنهم من يقول مر أنى وأمر أنى لغتان، فقوله هنيئا مريئا، أي بطيب نفس ونشاط قلب، وقيل هنيئا لا إثم فيه ومريئا لا داء فيه.

أما الاحكام فإن الخلع ينقسم إلى ثلاثة أقسام. مباحان ومحظور، فأحد المباحين إذا كرهت المرأة خلق الزوج أو خلقه أو دينه وخافت أن لا تؤدى حقه فبذلت له عوضا ليطلقها جاز ذلك وحل له أخذه بلا خلاف، لقوله تعالى " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جناح عليهما فيما افتدت به " ولما رواه الشافعي وغيره من خبر حبيبة بنت سهل وكانت تحت قيس بن ثابت بن شماس إلى آخر الحديث وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي هنا في المهذب جميلة بنت سهل. وروى أن الربيع بنت معوذ بن عفراء أن جميله بنت عبد الله بن أبى اختلعت على عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم. القسم الثاني، من المباح أن تكون الحال مستقيمة بين الزوجين ولا يكره أحدهما الآخر فتراضيا على الخلع فيصح الخلع، ويحل للزوج ما بذلت له، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم الضرب الثالث، هو أن يضربها أو يخوفها بالقتل أو يمنعها النفقة والكسوة لتخالعه، فهذا محظور لقوله تعالى " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " والعضل المنع، فإن خالعته في هذه الحال وقع الطلاق ولا يملك الزوج ما بذلته على ذلك - فإن كان بعد الدخول - كان رجعيا، لان الرجعة إنما سقطت لاجل ملكه المال، فإذا لم يملك المال كان له الرجعة، فإن ضربها للتأديب للنشوز فخالعته عقب الضرب صح الخلع، لان ثابت بن قيس كان قد ضرب زوجته فخالعته مع علم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عليها ولان كل عقد صح قبل الضرب صح بعده، كما لو حد الامام رجلا ثم اشترى منه شيئا عقيبه. قال الطبري، وهكذا لو ضربها لتفتدى منه فافتدت نفسها منه عقبيه طائعة صح ذلك لما ذكرناه. وإن زنت فمنعها حقها لتخالعه فخالعته فقيه قولان (أحدهما) أنه من الخلع المباح، لقوله تعالى " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " فدل على أنها إذا أتت بفاحشة جاز عضلها

(والثانى) انه من الخلع المحظور لانه خلع أكرهت عليه بمنع حقها، فهو كما لو أكرهها بذلك من غير زنا. وأما الايه فقيل انها منسوخة بالامساك بالبيوت. وهو قوله تعالى " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم " ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم.* * * وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه حسن الاسوة فيما ورد عن الله ورسوله في النسوة، باب ما نزل في إيراث المرأة والعضل وعدم أخذ المهر منهن وان زاد، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) أي مكرهين على ذلك ومعنى الاية يتضح بمعرفة سبب نزولها، وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كان إذا مات الرجل كان أولياؤة أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها - وأن شاءوا لم يزوجوها - فهم أحق بها من أهلها، فنزلت الآيه. وفى لفظ لابي داود عنه " كان الرجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها " وفى لفظ لابن جرير وابن أبى حاتم عنه " فإن كانت جميلة تزوجها، وان كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها " وقد روى هذا السبب بألفاظ فمعناها " لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الارث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسوهن لانفسكم، ولا يحل لكم أن تعضلوهن عن أن يتزوجكن غيركم ضرارا، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن. أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن أو ليدفعن اليكم صداقهن إذا أذنتم لهن في النكاح. وقيل الخطاب لازواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعا في إرثهن أو يفتدين ببعض مهورهن. واختاره ابن عطية. اه

(مسألة) قال في البيان: ويصح الخلع بالمهر المسمى وبأقل منه وبأكثر منه وبه قال الثوري ومالك وأبو حنيفة واصحابه وأكثر أهل العلم، وقال طاوس والزهرى والشعبى وأحمد وإسحاق: لا يصح الخلع بأكثر من المهر المسمى اه. قلت: وقد استدل القائلون بمنع الزيادة بحديث أبى الزبير بإسناد صحيح عند الدارقطني وقال: سمعه أبو الزبير من غير واحد " أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد الله بن أبى بن سلول، وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته، قالت نعم وزيادة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الزيادة فلا، ولكن حديقته، قالت نعم، فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال قد قبلت قضاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالُوا: ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفى رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب لا احفظ فيه ولا يزداد. وفى رواية الثوري وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى، ذكر ذلك كله البيهقى قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس. وقال أبو الشيخ هو غير محفوظ يعنى الصواب إرساله. وأخرج عبد الرزاق عن على أنه قال. لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، وعن طاوس وعطاء والزهرى مثله، وهو قول أبى حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية، وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان. وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال ما أحب أن يأخذ منها بأكثر مما اعطاها. قال مالك لم ار احدا ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الاخلاق، دليلنا على القائلين بالمنع قوله تعالى " فلا جناج عليهما فيما افتدت به " ولم يفرق، وهو عوض مستفاد بعقد فلم يتقدر كالمهر والثمن، ولان ابن سعد اخرج عن الربيع قال كان بينى وبين ابن عمى كلام، وكان زوجها، قالت، فقلت له لك كل شئ وفارقني، قال قد فعلت، فأخذ والله كل فراشي، فجئت عثمان وهو محصور فقال الشرط املك خذ كل شئ حتى عقاص رأسها. وفى البخاري عن عثمان انه اجاز الخلع دون عقاص رأسها. وروى البيهقى

عن أبى سعيد الخدرى قال: كانت أختى تحت رجل من الانصار فارتفعا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لها أتردين حديقته؟ قالت: وأزيده، فردت عليه حديقته وزادته، ومحصل هذا كله ان الزيادة جائزة مع عدم لياقتها بمكارم الاخلاق فتحمل أدلة المنع على التنزبه. ويصح بالدين والعين والمنفعة كما قلنا في المهر، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) ولا يجوز للاب أن يطلق إمرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج " ولان طريقه الشهوة فلم يدخل في الولاية، ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشئ من مالها، لانه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع فإن خالعها بشئ من مالها لم يستحق ذلك، وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه، ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا: إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالابراء من نصف مهرها، وهذا خطأ، لانه إنما يملك الابراء على هذا القول بعد الطلاق، وهذا الابراء قبل الطلاق. (فصل) ولا يجوز للسفيهة أن تخالع بشئ من مالها لانها ليست من أهل التصرف في مالها، فان طلقها على شئ من مالها لم يستحق ذلك. كما لا يستحق ثمن ما باع منها، فإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرناه، ويجوز للامة أن تخالع زوجها على عوض في ذمتها: ويجب دفع العوض من حيث يجب دفع المهر في نكاح العبد، لان العوض في الخلع كالمهر في النكاح، فوجب من حيث يجب المهر. (فصل) ويصح الخلع مع غير الزوجة، وهو أن يقول رجل: طلق إمرأتك بألف على. وقال أبو ثور: لا يصح لان بذل العوض في مقابلة ما يحصل لغيره سفه، ولذلك لا يجوز أن يقول لغيره: بع عبدك من فلان بألف على، وهذا خطأ لانه قد يكون له غرض، وهو أن يعلم أنهما على نكاح فاسد أو تخاصم دائم، فيبذل العوض ليخلصهما طلبا للثواب، كما يبذل العوض لاستنقاذ أسير

أو حر في يد من يسترقه بغير حق، ويخالف البيع فإنه تمليك يفتقر إلى رضا المشترى، فلم يصح بالأجنبي، والطلاق وإسقاط حق لا يفتقر إلى رضا المرأة فصح بالمالك والاجنبى. كالعتق بمال. فان قال: طلق إمرأتك على مهرها وأنا ضامن فطلقها بانت ورجع الزوج على الضامن بمهر المثل في قوله الجديد، وببدل مهرها في قوله القديم، لانه أزال الملك عن البضع بمال ولم يسلم له وتعذر الرجوع إلى البضع، فكان فيما يرجع إليه قولان كما قلنا فيمن أصدق إمرأته مالا فتلف قبل القبض، (الشرح) الاحكام: لا يجوز للاب أن يطلق إمرأة ابنه الصغير أو المجنون بعوض ولا بغير عوض. قال الحسن وعطاء وأحمد: له أن يطلقها بعوض وبغير عوض. وقال مالك: له أن يطلقها بعوض، ولا يصح أن يطلقها بغير عوض دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس وفى إسناد ابن ماجه ابن لهيعة، وأخرجه ابن عدى وفى إسناده كما في إسناد الدارقطني عصمة بن مالك، وأخرجه الطبراني وفى إسناده يحيى الحمانى. قال الشوكاني: وطرقه يؤيد بعضها بعضا. وقال ابن القيم: ان حديث ابن عباس وإن كان في اسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس. قلت ولان في ذلك اسقاط حقه من النكاح فلم يصح من الاب كالابراء عن دينه. (فرع) وان قال رجل لآخر: طلق ابنتى وأنت برئ من مهرها أو على أنك براء من مهرها، فطلقها الزوج وقع الطلاق ولا يبرأ من مهرها سواء كانت كبيرة أو صغيرة لانها إن كانت كبيرة فلانه لا يملك التصرف في مالها وان كانت صغيرة فلا يجوز له التصرف في مالها بمالا حظ لها فيه ولا يلزم الآن للزوج شئ لانه لم يضمن له وقال أبو على بن أبى هريرة: إذا قلنا ان الولى الذى بيده عقدة النكاح صح إذا كانت صغيرة أو مجنونة، وهذا ليس بشئ، لان هذا الابراء قبل الطلاق، وان قال طلقها وأنت برئ من مهرها وعلى ضمان الدرك، أو إذا طالبتك فأنا ضامن

فطلقها وقع الطلاق ثانيا، ولا يبرأ الزوج من المهر ويكون له الرجوع على الاب وبماذا يرجع عليه؟ فيه قولان (أحدهما) بمهر مثلها (والثانى) بمثل مهرها المسمى. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: إذا قال: طلقها على أنك برئ من مهرها فطلقها لم يقع الطلاق. وأما إذا قال: وأنت برئ من صداقها وأنا ضامن: أو إذا طالبتك فأنا ضامن ففيه وجهان بناء على القولين في من بيده عقدة النكاح. ولو خالعه الاب بعين من الاعيان من مالها وضمن الاب دركها وقع الطلاق بائنا ولا يملك الزوج العين، وبماذا يرجع على الاب؟ على قولين (أحدهما) بمهر مثلها (والثانى) بقدر العين، هذا نقل البغداديين. وقال المسعودي: إذا كان الزوج جاهلا بأنها من مالها فسد العوض، وفيما ترجع به على الاب القولان، وان علم أنها من مالها، فإن نسب الاب ذلك إلى مالها وقع الطلاق رجعيا، وان أطلق فوجهان. (أحدهما) يقع رجعيا لانه قد علم أنه من مالها (والثانى) يقع بائنا ولا يملك العين، وبماذا يرجع على الاب على القولين، لانه إذا لم يضف ذلك إلى مالها احتمل انتقال ملكها إلى الاب. وقال ابن قدامة من الحنابلة إذا قال الاب طلق ابنتى وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من شئ لم يرجع على الاب ولم يضمن له لانه أبرأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي. قال القاضى: وقال أحمد: انه يرجع على الاب، وقال وهذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن ابراء الاب لا يصح، فكان له الرجوع عليه لانه غره فرجع عليه كما لو غره فزوجه معيبة، وان علم أن ابراء الاب لا يصح لم يرجع بشئ ويقع الطلاق رجعيا لانه خلا عن العوض وفى الموضع الذى يرجع عليه الطلاق بائنا لانه بعوض، فإن قال الزوج هي طالق ان أبرأتني من صداقها، فقال الاب قد أبرأتك لم يقع الطلاق لانه لا يبرأ. وروى عن أحمد أن الطلاق واقع، فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق

الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة، وإن قال الزوج: هي طالق إن برئت من صداقها لم يقع لانه علقه على شرط ولم يوجد، وان قال الاب طلقها على ألف من مالها وعلى الدرك فطلقها طلقت بائنا لانه بعوض وهو ما لزم الاب من ضمان الدرك ولا يملك الالف لانه ليس له بذلها اه. قوله (فصل) ولا يجوز للسفيهة إلخ. فإنه كما قال، إذ لا يجوز للسفيهة أن تخالع بشئ من مالها ولا في ذمتها سواء أذن لها الولى أو لم يأذن، لانه لا حظ لها في ذلك، فإن فعلت ذلك وقع الطلاق رجعيا، لان الرجعية انما تسقط لان الزوج يملك العوض، ويصح خلف المحجور عليها لفلس، وبذلها للعوض صحيح، لان لها ذمة يصح تصرفها فيها، ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها، وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها. هذا مذهبنا ومذهب أحمد وأصحابه قوله (فصل) ويصح الخلع مع غير الزوجة الخ. وهو كما قال إذ لو قال الرجل لآخر: طلق امرأتك بألف على فطلقها وقع الطلاق بائنا، واستحق الزوج الالف على السائل، وبه قال عامة أهل العلم الا أبا ثور فإنه قال: يقع الطلاق رجعيا، ولا يستحق على السائل عوض، فيكون سفها من السائل لو بذل عوضا فيما لا منفعة له فيه، فان الملك لا يحصل له، فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد على دليلنا أنه بذل مال في مقابلة اسقاط حق عن غير فصح كما لو قال اعتق عبدك وعلى ثمنه، ولانه لو قال أسقط متاعك في البحر وعلى ثمنه صح ولزمه ذلك مع أنه لا يسقط حقا عن أحد، فههنا أولى، ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين، وفارق البيع فانه تمليك فلا يجوز بغير رضاء من يثبت له الملك، وان قالت له طلقني وضرتى بألف فطلقهما وقع الطلاق بهما بائنا واستحق الالف على بادلته لان الخلع مع الأجنبي جائز، وان طلق احداهما فانها تطلق طلاقا بائنا ولزم الباذلة بحصتها من الالف، وهذا مذهبنا ومذهب أحمد، الا أن بعض أصحابنا قال يلزمه مهر مثل المطلقة. وقياس قول بعض الاصحاب فيما إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ

ووقعت بها التطليقة أن لا يلزم الباذلة ههنا شئ لانه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت، ولانه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعا منه، فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها. وان قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل في قوله الجديد، وببذل مهرها في قوله القديم لان الشرط سلف في الطلاق، والعوض بعضه في مقابلة الشرط الباطل، فيكون الباقي مجهولا. وقال أحمد وأصحابه: الخلع صحيح والشرط والبذل لازم، لانها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح، كما لو قالت طلقني وضرتى بألف، فإن لم يف لها بشرطها فعليها الاقل من المسمى أو الالف الذى شرطته، قالوا ويحتمل أن لا يستحق شيئا من العوض لانها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلا يستحقه كما لو طلقها بغير عوض. وقال أبو حنيفة: الشرط باطل والعوض صحيح، لان العقد يستقل بذلك العوض قلت: قد يكون في دخول الأجنبي للتفرقة بين المرء وزوجه تطفل وفضول أو سفه كما يقول أبو ثور، إلا أن الذى بيده عقدة النكاح - إذا قلنا هو الزوج - فانه هو الموقع للطلاق. وقد يكون في فضول الأجنبي نوع من الغوث وإنقاذ مكروبة تقع في يد من يظلمها فهو يبتغى بتخلصها من الظلم ثواب الاخرة. فإذا صح احتمال هذا صحت القضية وتوجه تدخل الأجنبي بما التزم من البذل والشرط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) ويجوز الخلع في الحيض: لان المنع من الطلاق في الحيض للضرر الذى يلحقها بتطويل العدة، والخلع جعل للضرر الذى يلحقها بسوء العشرة والتقصير في حق الزوج، والضرر بذلك أعظم من الضرر بتطويل العدة، فجاز دفع أعظم الضررين بأخفهما. ويجوز الخلع من غير حاكم لانه قطع عقد بالتراضى جعل لدفع الضرر، فلم يفتقر إلى الحاكم كالاقالة في البيع.

(فصل) ويصح الخلع بلفظ الخلع والطلاق، فإن خالعها بصريح الطلاق أو بالكناية مع النية فهو طلاق، لانه لا يحتمل غير الطلاق، فإن خالعها بصريح الخلع نظرت، فان لم ينو به الطلاق ففيه ثلاثة أقوال (أحدهما) أنه لا يقع به فرقة، وهو قوله في الام، لانه كناية في الطلاق من غير نية فلم يقع بها فرقة، كما لو عريت عن العوض (والثانى) أنه فسخ، وهو قوله في القديم، لانه جعل للفرقة فلا يجوز أن يكون طلاقا، لان الطلاق لا يقع إلا بصريح أو كناية مع النية، والخلع ليس بصريح في الطلاق ولا معه نية الطلاق، فوجب أن يكون فسخا. (والثالث) أنه طلاق، وهو قوله في الاملاء، وهو اختيار المزني، لانها إنما بذلت العوض للفرقة، والفرقة التى يملك إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقا، فإن قلنا إنه فسخ صح بصريحه، وصريحه الخلع والمفاداة، لان المفاداة ورد بها القرآن، والخلع ثبت له العرف، فإذا خالعها بأحد هذين اللفظين انفسخ النكاح من غير نية، وهل يصح الفسخ بالكناية كالمباراة والتحريم وسائر كنايات الطلاق، فيه وجهان (أحدهما) لا يصح لان الفسخ لا يصح تعليقه على الصفات فلم يصح بالكناية كالنكاح (والثانى) يصح لانه أحد نوعي الفرقة فانقسم لفظها إلى الصريح والكناية كالطلاق، فعلى هذا إذا خالعها بشئ من الكنايات لم ينفسخ النكاح حتى ينويا. واختلف أصحابنا في لفظ الفسخ، فمنهم من قال هو كناية لانه لم يثبت له عرف في فرقة النكاح، ومنهم من قال هو صريح لانه أبلغ في معنى الفسخ من لفظ الخلع، وان خالع بصريح الخلع ونوى به الطلاق - فان قلنا بقوله في الاملاء - فهو طلاق، لانه إذا كان طلاقا من غير نية الطلاق فمع النية أولى، وان قلنا بقوله في الام فهو طلاق، لانه كناية في الطلاق اقترنت به نية الطلاق، وان قلنا بقوله في القديم ففيه وجهان (أحدهما) أنه طلاق لانه يحتمل الطلاق، وقد اقترنت به نية الطلاق (والثانى) أنه فسخ لانه على هذا القول صريح في فسخ النكاح فلا يجوز أن يكون كناية في حكم آخر من النكاح كالطلاق لما كان صريحا في فرقة النكاح لم يجز أن يكون كناية في الظهار

(الشرح) الاحكام: يصح الخلع في الحيض لقوله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولم يفرق، وخالعت حبيبة بنت قيس زوجها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسألها هل هي حائض أو طاهر، فدل على أن الحكم لا يختلف، ويصح الخلع من غير حاكم، وبه قال عامة أهل العلم. وقال الحسن البصري وابن سيرين لا يصح إلا بالحاكم، ودليلنا قوله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولم يفرق. قوله: فصل ويصح الخلع بلفظ الطلاق الخ. فهو كما قال، ذلك أنه إذا خالعها بصريح الطلاق أو بشئ من كنايات الطلاق ونوى به الطلاق فهو طلاق ينقص به العدد في الطلاق. وإن خالعها بلفظة الخلع ولم ينو به الطلاق ففيه قولان. (أحدهما) وهو قوله في القديم أنه فسخ، وبه قال ابن عباس وعكرمة وطاوس وأحمد وإسحاق وأبو ثور، واختاره ابن المنذر والمسعودي، لانه نوع فرقة لا تثبت فيه الرجعة بحال فكان فسخا، كما لو أعتقت الامة تحت عبد ففسخت النكاح، فعلى هذا لا ينقص به عدد الطلاق، بل لو خالعها ثلاث مرات وأكثر حلت له قبل زوج. (والثانى) أنه طلاق، وَبِهِ قَالَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابن مسعود ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، لانه فرقة لا يفتقر إلى تكرار اللفظ ولا تنفرد به المرأة فكان طلاقا كصريح الطلاق. فقولنا لا يفتقر إلى تكرار احتراز من اللعان. وقولنا لا تنفرد به المرأة احتراز من الردة، فإذا قلنا بهذا فهل هو صريح أو كناية؟ فيه قولان قال في الاملاء هو صريح في الطلاق، لان دخول العوض فيه كدخول النية في كنايات الطلاق، وقال في الام هو كناية في الطلاق، فلا يقع به الطلاق الا بالنية كسائر كنايات الطلاق، فإذا قلنا انه طلاق نقص به عدد الطلاق، وان قلنا ان الخلع فسخ كان صريحه الخلع والمفاداة، لان الخلع وردت به السنة وثبت له عرف الاستعمال، والمفاداة ورد بها القرآن وثبت لها عرف الاستعمال، فإن قالت افسخني على ألف، أو اسحبنى بألف، فقال أسحبك أو فسختك، فهل هو صريح في الفسخ أو كغاية فيه؟ على وجهين

(أحدهما) أنه كناية في الفسخ فلا يقع به الفسخ حتى ينويا الفسخ، لانه لم يثبت به عرف الاستعمال ولم يرد به الشرع. (والثانى) أنه صريح فيه، فينفسخ النكاح من غير نية - قال في البيان - وهو الاصح لانه حقيقة فيه، ومعروف في عرف أهل اللسان، فإن قالت خلنى على ألف أو بتنى أو غير ذلك من كنايات الطلاق، فقال خليتك أو بتتك ولم ينويا الطلاق - فان قلنا ان الخلع صريح بالطلاق وبدخوله العوض - صارت هذه الكنايات صريحة في الطلاق بدخول العوض فيها، وان قلنا ان الخلع كناية في الطلاق - فان نويا الطلاق في هذه الكنايات - كان طلاق بائنا واستحق العوض وان لم ينويا الطلاق لم يقع الطلاق ولم يستحق العوض، لان الكناية لا يقع بها الطلاق من غير نية. وان نوت الطلاق ولم ينو الزوج لم يقع الطلاق لانه هو الموقع، وإن نوى الزوج ولم تنو هي ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) يقع طلقة رجعية ولا يستحق العوض لانه نوى الطلاق ولم يوجد منها استدعاء الطلاق (والثانى) وهو المذهب أنه لا يقع طلاق لانه أوقعه بعوض، فإذا لم يثبت العوض لم يقع الطلاق، وان قلنا ان الخلع فسخ ونويا بهذه الكنايات الفسخ فهل ينفسخ النكاح. فيه وجهان (أحدهما) لا ينفسخ، لان الفسخ لا يصح تعليقه بالصفة فلم يصح بالكناية (والثانى) ينفسخ - وهو المذهب - لانه أحد نوعي الفرقة، فانقسم إلى الصريح والكناية كالطلاق، وان خالعها بصريح الخلع ونويا به الطلاق، فان قلنا ان الخلع صريح في الطلاق أو كناية فيه وقع الطلاق. وان قلنا انه فسخ ففيه وجهان حكاهما المصنف (أحدهما) لا يقع به الطلاق ويكون فسخا لانه صريح في الفسخ فلم يجز أن يكون كناية في حكم آخر من النكاح، كما لا يجوز أن يكون الطلاق كناية في الظهار (والثانى) ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره أنه يقع به الطلاق لانه يحتمل الطلاق، وقد اقترنت به نية الطلاق (فرع) إذا قالت خالعني على ألف ونوت الطلاق فقال طلقتك وقع الطلاق بائنا واستحق الالف، سواء قلنا الخلع صريح في الطلاق أو كناية - لانا ان قلنا

إنه صريح - فقد أجابها إلى ما سألت - وإن قلنا إنه كناية - فقد سألت كنايه وأجابها بالصريح فكان أكثر مما سألت. وإن قالت طلقني على ألف فقال خالعتك ونوى به الطلاق. أو قلنا إنه صريح في الطلاق استحق الالف. وقال ابن خيران إذا قلنا إنه كناية لم يقع عليها ولم يستحق الالف لانها بذلت الالف للصريح ولم يجبها إليه والاول أصح، لان الكناية مع النية كالصريح، وان لم ينو به الطلاق لم يقع به طلاق ولا فسخ، لانه لم يجبها إلى ما سألت. وان قالت اخلعني على ألف فقال خلعتك على ألف - وقلنا الخلع فسخ - فيه وجهان (أحدهما) لا يقع عليها طلاق، ولا يستحق عوضا لانه لم يجبها إلى ما سألت (والثانى) يقع عليها الطلاق ويستحق الالف، لانه أجابها إلى أكثر مما سألت منه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويصح الخلع منجزا بلفظ المعاوضة لما فيه من المعاوضة ويصح معلقا على شرط لما فيه من الطلاق. فأما المنجز بلفظ المعاوضة فهو أن يوقع الفرقة بعوض، وذلك مثل أن يقول: طلقتك أو أنت طالق بألف، وتقول المرأة قبلت، كما تقول في البيع: بعتك هذا بألف، يقول المشترى قبلت، أو تقول المرأة طلقني بألف، فيقول الزوج طلقتك، كما يقول المشترى بعنى هذا بألف، ويقول البائع بعتك ولا يحتاج أن يعيد في الجواب ذكر الالف، لان الاطلاق يرجع إليه كما يرجع في البيع، ولا يصح الجواب في هذا إلا على الفور كما نقول في البيع، ويجوز للزوج أن يرجع في الايجاب قبل القبول، وللمرأة أن ترجع في الاستدعاء قبل الطلاق كما يجوز في البيع وأما غير المنجز فهو أن يعلق الطلاق على ضمان مال أو دفع مال، فإن كان بحرف (ان) بأن قال: إن ضمنت لى ألفا فأنت طالق، لم يصح الضمان إلا على الفور، لانه لفظ شرط يحتمل الفور والتراخى، إلا أنه لما ذكر العوض صار تمليكا بعوض فاقتضى الجواب على الفور كالتمليك في المعاوضات

وان قال ان أعطيتني ألفا فأنت طالق لم تصح العطية الا على الفور، بحيث يصلح أن تكون جوابا لكلامه لان العطية ههنا هي القبول، ويكفى أن تحضر المال وتأذن في قبضه أخذ أو لم يأخذ، لان اسم العطية يقع عليه وان لم يأخذ، ولهذا يقال أعطيت فلانا مالا فلم يأخذه. وان قالت طلقني بألف، فقال أنت طالق بألف ان شئت لم يقع الطلاق حتى توجد المشيئة: لانه أضاف إلى ما التزمت المشيئة فلم يقع الا بها، ولا تصح المشيئة الا بالقول وهو أن تقول على الفور شئت لان المشيئة وان كانت بالقلب الا أنها لا تعرف الا بالقول، فصار تقديره أنت طالق ان قلت شئت، ويصح الرجوع قبل الضمان وقبل العطية وقبل المشيئة كما يجوز فيما عقد بلفظ المعاوضة. وان كان بحرف متى وأى وقت. بأن يقول متى ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى ألفا فأنت طالق جاز أن يوجد الضمان على الفور وعلى التراخي. والفرق بينه وبين قوله ان ضمنت لى ألفا أن اللفظ هناك عام في الزمانين. ولهذا لو قال ان ضمنت لى الساعة أو ان ضمنت لى غدا جاز، فلما اقترن به ذكر العوض جعلناه على الفور قياسا على المعاوضات. والعموم يجوز تخصيصه بالقياس. وليس كذلك قوله متى وأى وقت. لانه نص في كل واحد من الزمانين صريح في المنع من التعيين في أحد الزمانين. ولهذا لو قال أي وقت أعطيتني الساعة كان محالا. وما يقتضيه الصريح لا يترك بالقياس. وان رجع الزوج في هذا قبل القبول لم يصح. لان حكمه حكم الطلاق المعلق بالصفات دون المعاوضات وان كان بحرف (إذا) بأن قال إذا ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فقد ذكر جماعة من أصحابنا أن حكمه حكم قوله ان ضمنت لى في اقتضاء الجواب على الفور وفى جواز الرجوع فيه قبل القبول. وعندي أن حكمه حكم متى. وأى وقت. لانه يفيد ما يفيده متى: وأى وقت. ولهذا إذا قال: متى ألقاك جاز أن يقول إذا شئت كما يجوز أن يقول متى شئت وأى وقت شئت بخلاف ان. فإنه لو قال: متى ألقاك لم يجز أن يقول ان شئت

(الشرح) الاحكام: يصح الخلع منجزا لما فيه من المعاوضة، ويصح معلقا على شرط لما فيه من الطلاق، فالمنجز أن يوقع الفرقة بعضو مثل أن يقول الزوج طلقتك أو خالعتك أو فاديتك بألف، فتقول الزوجة عقيب ذلك قبلت كما يقول البائع بعتك هذا بألف ويقول المشترى: قبلت، وللزوج أن يرجع في الايجاب قبل القبول كما قلنا في البائع، فإن قالت الزوجة طلقني بألف، فقال الزوج عقيب استدعائها طلقتك. ولو قالت الزوجة اخلعني أو خالعني بألف، فقال عقيب استدعائها خلعتك أو خالعتك صح كما يقول المشترى بعنى هذا بألف فيقول البائع بعتك، فان تأخرت إجابته لها على الفور بطل الاستدعاء ولها أن ترجع قبل أن يجيبها. كما قلنا في المشترى، فان قالت الزوجة خالعتك بألف، فقال الزوج قبلت لم يصح ولم تقع بذلك فرقة لان الايقاع إليه دونها، وقوله قبلت ليست بايقاع، فهو كما لو قالت له طلقتك بألف فقال قبلت، وإن قالت له إن طلقتني، أو إذا طلقتني أو متى طلقتني أو متى ما طلقتني فلك على ألف، فقال طلقتك وقع الطلاق ثانيا واستحق الالف عليها، لان الطلاق لا يحتاج إلى استدعائها ورضاها به، ولهذا لو طلقها بنفسه صح، وانما الذى يحتاج إليه منها هو التزامها للمال وقد وجد الالتزام منها، ويعتبر أن يكون جوابه على الفور، لانه معاوضة محضة من جهتها فاقتضى الجواب على الفور. وان قال ان بعتني هذا فلك الف، ففيه وجهان حكاهما المسعودي. (أحدهما) يصح كما قلنا في الخلع. (والثانى) لا يصح - وهو المشهور - لان البيع تمليك يحتاج فيه إلى رضى الملك. وقوله ان بعتني، ليس بقبول ولا جار مجراه، ولهذا نذكر ما قال علماء اللغة في حرف (ان) ووظيفتها في الاستعمال، فقال العلامة الفيومى في المصباح، وأما ان بالسكون فتكون حرف شرط. وهو تعليق أمر على أمر نحو ان قمت قمت. ولا يعلق بها الا ما يحتمل وقوعه، ولا تقتضي الفور. بل تستعمل في الفور والتراخى مثبتا كان الشرط أو منفيا فقوله: ان دخلت الدار أو ان لم تدخلي الدار فأنت طالق يعم الزمانين.

قال الازهرى: وسئل ثعلب: لو قال لامرأته: إن دخلت الدار أو إن لم تدخلي الدار إن كلمت زيدا فأنت طالق متى تطلق؟ فقال: إن فعلتهما جميعا لانه أتى بشرطين، فقيل له: لو قال أنت طالق إن احمر البسر فقال: هذه المسألة محال، لان البسر لابد أن يحمر، فالشرط فاسد فقيل له: لو قال إذا احمر البسر فقال: تطلق إذا احمر، لانه شرط صحيح ففرق بين إن وبين إذا فجعل " ان " للممكن، و " إذا " للمحقق، فيقال: إذا جاء رأس الشهر، وان جاء رأس الشهر وان جاء زيد، وقد تتجرد عن معنى الشرط فتكون بمعنى " لو " نحو صل وان عجزت عن القيام، ومعنى الكلام حينئذ الحاق الملفوظ بالمسكوت عنه في الحكم أي صل، سواء قدرت على القيام أو عجزت عنه، ومنه يقال: أكرم زيدا. وان قعد، قالوا وللحال والتقدير، ولو في حال قعوده، وفيه نص على ادخال الملفوظ بعد الواو تحت ما يقتضيه اللفظ من الاطلاق والعموم إذ لو اقتصر على قوله: أكرم زيدا لكان مطلقا والمطلق جائز التقييد فيحتمل ما بعد الواو تحت العموم، ويحتمل خروجه على ارادة التخصيص، فيتعين الدخول بالنص عليه ويزول الاحتمال، ومعناه أكرمه سواء قعد أو لا، ويبقى الفعل على عمومه وتمتنع ارادة التخصيص حينئذ. قال المرزوقى في شرح الحماسه: وقد يكون في الشرط معنى الحال كما يكون في الحال معنى الشرط. قال الشاعر: عاود هراة وان معمورها خربا ففى الواو معنى الحال أي ولو في حال خرابها، ومثال الحال يتضمن معنى الشرط لافعلنه كائنا ما كان. والمعنى ان كان هذا وان كان غيره وتكون للتجاهل كقولك لمن سألك، هل ولدك في الدار؟ وأنت عالم به ان كان في الدار أعليك به وتكون لتنزيل العالم منزلة الجاهل تحريضا على الفعل أو دوامه كقولك ان كنت ابني فأطعني، وكأنك قلت: أنت تعلم أنك ابني ويجب على الابن طاعة الاب وأنت غير مطيع فافعل ما تؤمر به.

وقال بعض أصحابنا المتأخرين: وان قالت له أجزت لك ألفا لتطلقني أو على أن تطلقني فقال أنت طالق، طلقت واستحق عليها الالف. وقال ابن الصباغ: إذا استأجرته على أن يطلق ضرتها لم يصح. وأما المعلق فمثل أن يعلق الطلاق على ضمان مال أو عطاء مال فينظر فيه، فإن كان بحرف ان مثل أن قال ان ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فإن قالت ضمنت بحيث يصح أن يكون جوابا لكلامه وقع الطلاق، لانه وجد الشرط، وان تأخر الضمان عن قوله بزمان طويل أو بعد أن أخذت في كلام لم يقع الطلاق ولم يلزمها الالف لانه معاوضة، ومن شرط القبول فيه على الفور. وان ضمنت له في المجلس بعد زمان ليس بطويل ففيه وجهان حكاهما الصيمري قال ظاهر النص أنه يلزم ذلك وان قال: ان اعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامها وقع الطلاق ويكفى أن تحضر الالف وتأذن له في قبضها سواء أخذها أو لم يأخذها لانه يقع عليها اسم العطية. وان تأخرت العطية عن الفور بسبب منها بأن لم تعطه اياها وبسبب منه بأن غاب أو هرب لم يقع الطلاق لانه لم يوجد الشرط، وإذا أخذ الالف فهل يملكها. وقال عامة أصحابنا: يملكها لانه معافى منه فملكها، كما لو قال: طلقتك على هذه الالف فقالت قبلت. وحكى أبو على الشيخى فيها وجهين (أحدهما) يملكها لما ذكرناه (والثانى) لا يملكها وهو قول المزني وابن القاص، لانه معاوضة فلم يصح تعليقها على الصفة كالبيع، فعلى هذا يرد الالف إليها ويرجع عليها بمهر مثلها، والاول هو المشهور. فإن قال: ان قبضت منك ألفا فأنت طالق فجاءته بألف ووضعته بين يديه وأذنت له في قبضه فلم يقبضه لم يقع الطلاق، لان الصفة لم توجد، وان أكرهها على الاقباض فقبض. قال المسعودي: وقع الطلاق رجعيا ورد المال إليها. قال المصنف: ويصح رجوع الزوج عن الضمان والعطية كما قلنا فيما عقد بلفظ المعاوضة، فإن قالت طلقني بألف، فقال أنت طالق ان شئت، فان وجدت المشيئة منها فالقول جوابا

لكلامه على الفور وقع الطلاق بائنا ولزمها الالف لانه علق الطلاق بالمشيئة منها وقد وجدت وان تأخرت مشيئتها عن الفور لم يقع الطلاق، لان الشرط لم يوجد لانه لم يرض بطلاقها إلا بعوض، ولا يلزم العوض الا بالقبول على الفور: وان قالت: طلقني بألف فقال لها: طلقي نفسك ان شئت، فان قالت طلقت نفسي لزمها الالف ولا يشترط أن تقول: شئت لان طلاقها لنفسها يدل على مشيئتها كقوله: متى ضمنت لى ألفا فأنت طالق، أو متى ما ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى أو أي حين ضمنت لى أو أي زمان، فمتى ضمنت له على الفور وعلى التراقي وقع عليها الطلاق، لان هذه الالفاظ تستغرق الزمان كله وتعمه في الحقيقة بخلاف " ان " فإنه لا يعم الزمان ولا يستغرقه، وانما هو كلمة شرط تحتمل الفور والتراخى الا إذا قرن به العوض حمل على الفور، لان المعاوضة تقتضي الفور، فان رجع الزوج قبل الضمان لم تصح رجعته لانه تعليق طلاقه بصفة فلم يصح رجوعه كما لو قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق وان كان ذلك بحرف " إذا " بأن قال: إذا أعطيتني ألفا، وإذا ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فقد ذكر أكثر أصحابنا أن حكمه حكم قوله: أن ضمنت لى ألفا أو ان أعطيتني ألفا، لانها كلمة شرط لا تستغرق الزمان، فهى كقوله: ان ضمنت لى. وقال المصنف: حكمه حكم قوله متى ضمنت لى أو أي وقت ضمنت لى، لانها تفيد ما تفيده متى وأى وقت، ولهذا لو قال: متى ألقاك جاز أن يقول: إذا شئت، كما يجوز أن يقول متى شئت بخلاف " ان " فانها لا تفيد ما تفيده متى، ولهذا لو قال له متى ألقاك لم يجز أن يقول ان شئت، وهكذا ان قال: أنت طالق أن أعطيتني ألفا بفتح الهمزة وقع الطلاق عليها، وكان مقرا بأنها أعطته ألفا فترد إليها. (فرع) إذا قال لها ان ضمنت لى ألفا فطلقي نفسك، فانه يقتضى ضمانا وتطليقا على الفور بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامه، وسواء قالت ضمنت

الالف وطلقت نفسي أو قالت طلقت نفسي وضمنت الالف فانه يصح لانه تمليك بعوض فكان القبول فيه على الفور كالبيع. (فرع) قال الشافعي: ولو أخذ منها ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها فالطلاق ثابت ولها الالف وعليها مهر المثل. قال أصحابنا: وهذا يحتمل ثلاثة تأويلات. (أحدها) أنه أراد إذا مضى الشهر طلقها فلا يصح، لانه سلف في الطلاق. (والثانى) أنه أراد أن يطلقها الآن ثم يرفع الطلاق بعد شهر فلا يصح، لان الطلاق إذا وقع لم يرفع. (الثالث) أنه أراد أن يطلقها ان شاء الساعة، وان شاء إلى شهر، فلا يصح لانه سلف في الطلاق، ولان وقت ايقاع الطلاق مجهول، وان قالت له إذا جاء رأس الشهر وطلقتني فلك على ألف فطلقها عند رأس الشهر أو قال لها. إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق على الالف، فقالت قبلت ففيه وجهان. (أحدهما) يصح لان الطلاق يصح تعليقه على الصفات. (الثاني) لا يصح وهو الاصح لان المعاوضة لا يصح تعليقها على الصفات فإذا قلنا يصح - قال ابن الصباغ - وجب تسليم العوض في الحال لانها رضيت بتأجيل المعوض، وان قلنا: لا يصح، فأعطته ألفا وقع عليها الطلاق وردت الالف إليها، ورجع عليها بمهر مثلها، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) ويجوز الخلع بالقليل والكثير والدين والعين والمال والمنفعة، لانه عقد على منفعة البضع فجاز بما ذكرناه كالنكاح، فان خالعها على أن تكفل ولده عشر سنين وبين مدة الرضاع وقدر النفقة وصفتها فالمنصوص أنه يصح، فمن أصحابنا من قال فيه قولان لانها صفقة جمعت بيعا واجارة، ومنهم من قال يصح قولا واحدا لان الحاجة تدعو إلى الجمع بينهما لانه إذا أفرد أحدهما لم يمكنه أن يخالع على الآخر وفى غير الخلع يمكنه أن يفرد أحدهما ثم يعقد على الآخر، وان مات الولد بعد الرضاع ففى النفقة وجهان.

(أحدهما) أنها تحل لانها تأجلت لاجله وقد مات (والثانى) لا تحل لان الدين إنما يحل بموت من عليه دون من له (فصل) وإن خالعها خلعا منجزا على عوض ملك العوض بالعقد وضمن بالقبض كالصداق، فإن كان عينا فهلكت قبل القبض، أو خرج مستحقا أو على عبد فخرج حرا، أو على خل فخرج خمرا رجع إلى مهر المثل في قوله الجديد، وإلى بدل المسمى في قوله القديم، كما قلنا في الصداق. وإن خالعها على أن ترضع ولده فماتت فهو كالعين إذا هلكت قبل القبض، وإن مات الولد ففيه قولان (أحدهما) يسقط الرضاع ولا يقوم غير الولد مقامه لانه عقد على إيقاع منفعة في عين، فإذا تلفت العين لم يقم غيرها مقامها، كما لو أكراه ظهرا للركوب فهلك الظهر. فعلى هذا يرجع إلى مهر المثل في قوله الجديد. والى أجرة الرضاع في قوله القديم. (والقول الثاني) أنه لا يسقط الرضاع. بل يأتيها بولد آخر لترضعه لان المنفعة باقية، وإن مات المستوفى قام غيره مقامه، كما لو اكترى ظهرا ومات فان الوارث يقوم مقامه. فعلى هذا إن لم يأت بولد آخر حتى مضت المدة ففيه وجهان (أحدهما) لا يرجع عليها لانها مكنته من الاستيفاء فأشبه إذا أجرته دارا وسلمتها إليه فلم يسكنها (والثانى) يرجع عليها لان المعقود عليه تحت يدها فتلف من ضمانها كما لو باعت منه شيئا وتلف قبل أن يسلم. فعلى هذا يرجع بمهر المثل في قوله الجديد وبأجرة الرضاع في قوله القديم. وان خالعها على خياطة ثوب فتلف الثوب فهل تسقط الخياطة أو يأتيها بثوب آخر لتخيطه؟ فيه وجهان بناء على القولين في الرضاع (فصل) ويجوز رد العوض فيه بالعيب لان اطلاق العقد يقتضى السلامة من العيب فثبت فيه الرد بالعيب كالمبيع والصداق فإن كان العقد على عين بأن طلقها على ثوب أو قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته ووجد به عيبا فردته رجع إلى مهر المثل في قوله الجديد وإلى بدل العين سليما في قوله القديم كما ذكرناه في الصداق. وان كان الخلع منجزا على عوض موصوف في الذمة فأعطته ووجده معيبا فرده طالب بمثله سليما كما قلنا فيمن أسلم في ثوب وقبضه

ووجده معييا فرده. وإن قال إن دفعت إلى عبدا من صفته كذا وكذا فأنت طالق فدفعت إليه عبدا على تلك الصفة طلقت، فان وجده معيبا فرده رجع في قوله الجديد إلى مهر المثل وإلى بدل العبد في قوله القديم لانه تعين بالطلاق فصار كما لو خالعها على عين فردها بالعيب، ويخالف إذا كان موصوفا في الذمه في خلع منجز فقبضه ووجد به عيبا فرده لانه لم يتعين بالعقد ولا بالطلاق فرجع إلى ما في الذمة. وإن خالعها على عين على أنها على صفة فخرجت على دون تلك الصفة ثبت له الرد كما قلنا في البيع، فإذا رده رجع إلى مهر المثل في أحد القولين وإلى بدل المشروط في القول الآخر كما قلنا فيما رده بالعيب (فصل) ولا يجوز الخلع على محرم ولا على ما فيه غرر كالمجهول ولا ما لم يتم ملكه عليه ولا ما لا يقدر على تسليمه لانه عقد معاوضة فلم يجز على ما ذكرناه كالبيع والنكاح، فان طلقها على شئ من ذلك وقع الطلاق لان الطلاق يصح مع عدم العوض فصح مع فساده كالنكاح ويرجع عليها بمهر المثل لانه تعذر رد البضع فوجب رد بدله كما قلنا فمن تزوج على خمر أو خنزير، فان خالعها شرط فاسد بأن قالت طلقني بألف بشرط أن تطلق ضرتي فطلقها وقع الطلاق ويرجع عليها بمهر المثل. لان الشرط فاسد فإذا سقط وجب إسقاط ما زيد في البدل لاجله وهو مجهول فصار العوض فيه مجهولا فوجب مهر المثل فان قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق على ألف ففيه وجهان (أحدهما) يصح لانه تعليق طلاق بشرط (والثانى) لا يصح لانه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع فعلى هذا إذا وجد الشرط وقع الطلاق ورجع عليها بمهر المثل (الشرح) الاحكام: إذا خالع امرأته على أن ترضع ولده وتحضنه وتكفله بعد الرضاع وبين مدة الرضاع وقدر الطعام وصفته والادم وكم تجد منه في كل يوم وكان الطعام والادام مما يجوز السلم فيه وبين مدة الكفالة بعد الرضاع فالمنصوص أنه يصح. ومن أصحابنا من قال: هل يصح العوض؟ فيه قولان لان هذا جميعه في أصول الشافعي في كل واحد منها قولان. أحدهما البيع والاجارة لان في هذا اجارة الرضاع وابتياعا للنفقة. والثانى: السلم على شيئين مختلفين. والثالث: فيه السلم على شئ إلى آجال، والصحيح يصح قولا واحدا لان السلم والبيع انما لم يصح

على أحد القولين لان كل واحد منهما مقصود. والمقصود ههنا هو الرضاع والباقى بيع له. ويجوز في التابع مالا يجوز في غيره. ألا ترى أنه يجوز أن يشترى الثمرة على الشجرة مع الشجرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع. ولو اشترى الثمرة وحدها كذلك لم يصح. وأما السلم على شئ إلى آجال وعلى شيئين إلى أجل فانما لم يصح لانه لا حاجة به إليه. وههنا به إلى هذا حاجة لانه كان يمكنه أن يسلم على كل واحد وحده. وها هنا لا يمكنه الخلع على ذلك مرتين. إذا ثبت هذا فان عاش الولد حتى استكمل مدة الرضاع وحل وقت النفقة فللاب أن يأخذ كل يوم قدر ما يحل عليها من النفقة والادم فيه. فان شاء أخذه لنفسه وأنفق على ولده من ماله. وان شاء أنفقه على ولده. فان كان ذلك أكثر من كفاية الولد كانت للاب وان كان أقل من كفاية الولد كان على الاب تمام نفقته. وان أذن لها في انفاق ذلك على الولد. فقد قال أكثر أصحابنا يصح ذلك كما لو كان في ذمته لغيره دين فأمره بدفعه إلى انسان فانه برأ بدفعه إليه. وسواء كان المدفوع إليه ممن يصح قبضه أو ممن لا يصح قبضه كما لو كان له في يده طير فأمره بارساله وقال ابن الصباغ: يكون في ذلك وجهان كالملتقط إذا أذن له الحاكم في اسقاط ماله على اللقيط وان مات الصبى بعد استكماله الرضاع دون مدة النفقة لم يبطل العوض لانه قد استوفى الرضاع. ويمكن الاب أخذ النفقة. فيأخذ ما قدره من النفقة. وهل يحل عليها ذلك بموت الولد؟ ولا يستحق الاب أخذه الا على نجومه؟ فيه وجهان (أحدهما) يحمل عليها فيطالبها به الاب لان تأجيله انما كان لحق الولد (والثانى) لا يستحق أخذه الا على نجومه - وهو الاصح لانه وجب عليها هكذا. وانما مات المستوفى وان مات الصبى بعد أن رضع حولا وكانت مدة الرضاع حولين فهل تنفسخ الاجارة في الحول الثاني أو لا تنفسخ بل يأتيها بصبى آخر لترضعه؟ قال المسعودي ان لم يكن الصبى الميت منها لم تنفسخ الاجارة قولا واحدا. وان كان الولد الميت منها فهل تنفسخ الاجارة أو لا تنفسخ بل يأتيها بصبى آخر لترضعه فيه قولان. والفرق بينهما أنها تدر على ولدها مالا تدر على غيره وسائر أصحابنا حكو القولين من غير تفصيل

(أحدهما) لا ينفسخ فيأتيها بصبى آخر، لان الصبى الميت مستوفى به، فلم تبطل الاجارة بموته كما لو اكترى دابة ليركبها إلى بلد فمات قبل استيفاء الركوب (والثانى) ليس له أن يأتيها بغيره بل تنفسخ الاجارة، لان الرضاع يتقدر لحاجة الصبى إليه وحاجتهم تختلف فلم يقم غيره مقامه بخلاف الركوب، ولانه عقد على إيقاع منفعة في عين، فإذا تلفت تلك العين لم يقم غيرها مقامها كما لو اكترى دابة ليركبها إلى بلد فماتت، فإذا قلنا بهذا أو قلنا بالاول ولم يأت بمن يقيمه مقامه انفسخ العقد في الحول الثاني. وهل ينفسخ في الحول الاول وفيما بقى من العوض؟ فيه طريقان كما قلنا فيمن استأجر عينا حولين فتلفت في أثنائها، فإن قلنا: لا يبطل العقد في الحول الاول ولا في النفقة فقد استوفى الرضاع في الحول الاول وله أن يستوفى النفقة وهل يحل جميعها عليها؟ أو ليستوفيها على نجومها؟ على الوجهين. وأما الحول الثاني فقد انفسخ العقد فيه، وبماذا يرجع عليها، فيه قولان. (أحدهما) بأجرة الحول الثاني (والثانى) بقسطه من مهر المثل، فعلى هذا يقسم مهر المثل على أجرة الرضاع في الحولين وعلى قيمة النفقة والادم، فما قابل أجرة الحول الثاني أخذه، وما قابل غيره لم يستحقه عليها. وإن قلنا: إنه يأتيها بولد آخر، فإن أتاها به فحكمه حكم الاول، وان مكنه أن يأتي به فلم يفعل حتى مضى الحول ففيه وجهان (أحدهما) يسقط حقه من إرضاعها في الحول الثاني، لانه أمكنه استيفاء حقه وفوته باختياره: وهو كما لو اكترى دابة ليركبها شهرا فحبسها حتى مضى الشهر ولم يركبها (والثانى) لا يسقط حقه، لان المستحق بالعقد إذا تعذر تسليمه حتى تلف لم يسقط حق مستحقه سواء كان بتفريط أو بغير تفريط، كما لو اشترى بهيمة وقدر على قبضها فلم يقبضها حتى ماتت في يد البائع بخلاف الدابة، فان منفعتها تلفت تحت يده، وان ماتت المرأة نظرت - فان ماتت بعد الرضاع لم يبطل العقد، بل يستوفى النفقة من مالها، وان ماتت قبل الرضاع أو في أثنائه أو انقطع لبنها انفسخ العقد فيما بقى من مدة الرضاع، لان المعقود عليه إرضاعها، وقد تعذر ذلك فبطل العقد

كما لو استأجر دابة ليركبها فماتت قبل استيفاء الركوب، وهل يبطل العقد، أو لا يبطل العقد ويأتيها بثوب آخر لتخيطه، فيه وجهان بناء على القولين في الصبى إذا مات. (مسألة) وإن خالعها خلعا منجزا على عوض معلوم بينهما صح الخلع وملك العوض بالعقد، فان هلك العوض قبل القبض رجع عليها ببدله، وفى بدله قولان قال في الجديد: مهر المثل، وقال في القديم: مثل العوض إن كان له مثل أو قيمة ان لم يكن له مثل كما قلنا في الصداق إذا تلف في يد الزوج قبل القبض، وإن خالعها على خمر أو خنزير أو شاة ميتة أو ما أشبه ذلك مما لا يصح بيعه وقع الطلاق ثابتا ورجع عليها بمهر مثلها قولا واحدا. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يقع الطلاق ولا يرجع عليها بشئ، دليلنا أن هذا عقد على البضع، وإذا كان المسمى فيه فاسدا وجب مهر مثلها كما لو نكحها على ذلك، وإن خالعها على ما في هذا البيت من المتاع، ولا شئ فيه وقع الطلاق بائنا ورجع عليها بمهر مثلها قولا واحدا. وقال أبو حنيفة وأحمد: يرجع عليها بمثل المتاع المسمى. دليلنا أنه عقد على البضع بعوض فاسد فوجب مهر المثل كما لو سمى ذلك في النكاح، وإن قال خالعتك على ما في هذه الجرة من الخل فبان خمرا وقع الطلاق بائنا. قال الشافعي في الام: وله مهر مثلها، قال أصحابنا: ويحكى فيه القول القديم أنه يرجع عليها بمثل الخل. قال ابن الصباغ وهذا فيه نظر، لان الخل مجهول فلا يمكن الرجوع إليه، هذا مذهبنا، وقال أحمد يرجع عليها بقيمة الخل، دليلنا ما مضى في التى قبلها. (فرع) إن كان له إمرأتان فقالتا له طلقنا على ألف درهم، فقال أنتما طالقتان جوابا لكلامهما، وقع عليهما الطلاق، وهل يصح تسميتهما للالف، فيه قولان، فإذا قلنا: تصح التسمية قسمت الالف عليهما على قدر مهر مثلها، وان قلنا إن التسمية لا تصح، رجع عليهما بمثل الالف في القول القديم، لان لها مثلا، فيقسم عليهما على مهر مثلهما.

وعلى القول الجديد: يرجع على كل واحدة منهما بمهر مثلها، وإن أقر الطلاق على الفور ثم طلقها كان رجعيا إلا أن يقول: أنتما طالقان على ألف، فيقولان عقيب قوله: قبلنا، فتكون كالاولة، وإن قالتا: طلقنا على ألف بيننا نصفين فطلقهما عقيب قوليهما وقع الطلاق ثانيا واستحق على كل واحدة منهما خمسمائة قولا واحدا، لان كل واحدة منهما استدعت الطلاق بعوض معلوم، وان قالتا له طلقنا بألف فطلق احداهما على الفور ولم يطلق الاخرى، وقع طلاق التى طلقها، وهل تصح التسمية بقسطها من الالف، على القولين فإذا قلنا: تصح قسمت الالف على مهر مثلها ومهر مثل الاخرى، فما قابل مهر مثل المطلقة استحقه عليها عقيب استدعائهما الطلاق ثم طلقها في مجلس الخيار، فإن كانتا غير مدخول بهما بانتا بالردة فلا يقع الطلاق ولا يلزمهما العوض وإن كانتا مدخولا بهما فان طلاقهما موقوف على حكم نكاحهما، فان انقضت عدتهما قبل أن يرجعا إلى الاسلام تبينا أن الفرقة حصلت بردتهما فلا يقع عليهما الطلاق، ولا يلزمهما العوض وان رجعا إلى الاسلام قبل انقضاء عدتهما تبينا أن الطلاق وقع عليهما ولزمهما العوض في قدر ما لزم كل واحدة منهما ما ذكرناه في الاوله، وان رجعت إحداهما إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها وانقضت عدة الاخرى وهى باقية على الردة وقع الطلاق على التى رجعت إلى الاسلام، وفى قدر ما يلزمها من العوض ما ذكرناه إذا طلق احداهما ولم يقع الطلاق على الاخرى ولا يلزمها عوض. (فرع) وإن قالتا له: طلقنا بألف فقال لهما على الفور أنتما طالقان ان شئتما فان قالتا له على الفور شئنا، طلقتا وفى قدر ما يلزم كل واحدة منهما من العوض ما ذكرناه - وان أخرتا المشيئة على الفور لم يطلقها لانه لم يوجد الشرط، وإن شاءت احداهما على الفور ولم تشأ الاخرى لم تطلق واحدة منهما، لانه علق طلاقهما بمشيئتهما ولم توجد مشيئتهما، وان كانت المسألة بحالها وإحداهما بالغة رشيدة والاخرى كبيرة محجور عليها فقالتا شئنا على الفور، وقع عليهما الطلاق

إلا أن البالغة الرشيدة يقع عليها بائنا، وفيما يستحقه من العوض عليها ما ذكرناه من القولين. وأما المحجور عليها فيقع عليها الطلاق ولا عوض عليها لانها ليست من أهل المعاوضة، وإن كانت من أهل المشيئة، ولهذا يرجع إليها في النكاح وما تأكله، وإن كانت صغيرة غير مميزة فهل تصح مشيئتها فيه وجهان، أو كبيرة مجنونة فلا مشيئة لها وجها واحدا. (فرع) وإن قالت له: بعنى سيارتك هذه وطلقني بألف، فقال: بعتك وطلقتك، فقد جمعت بين خلع وبيع بعوض ففيه قولان، كما لو جمع بين البيع والنكاح بعوض، فإذا قلنا: يصحان، قسم الالف على قيمة السيارة وعلى مهر مثلها، فما قابل قيمة السيارة كان ثمنا، وما قابل مهر مثلها ان عوض خلعها، وان وجدت بالسيارة عيبا فان قلنا: تفرق الصفقة ردت السيارة ورجعت عليه بحصتها من الالف. وان قلنا: لا تفرق الصفقة ردت السيارة ورجعت بجميع الالف ورجع عليها بمهر مثلها. وان قلنا: لا يصحان لم يصح البيع ولم يصح العوض في الخلع، ولكن الخلع صحيح، وفى ماذا يرجع عليها، قولان. (أحدهما) تقوم السيارة المبيعة وينظر إلى مهر مثلها، ويقسم الالف عليهما (والثانى) يرجع عليها بمهر مثلها، هكذا ذكر ابن الصباغ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَحَامِلِيُّ: أنه يرجع عليها بمهر المثل، ولعلهما أرادا على الصحيح من القولين. قال الشيخ أبو حامد: وهكذا الحكم فيه إذا قالت: خذ منى ألف درهم وأعطني هذه العين المبيعة وطلقني، قال المحاملى: وهكذا إذا قالت: طلقني على ألف على أن تعطيني الشئ الفلاني فطلقها اه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) فإذا خالع إمرأته لم يلحقها ما بقى من عدد الطلاق، لانه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه كالاجنبية، ولا يملك رجعتها في العدة. وقال أبو ثور إن كان بلفظ الطلاق فله أن يراجعها، لان الرجعة من مقتضى الطلاق فلم يسقط

بالعوض كالولاء في العتق، وهذا خطأ لانه يبطل به إذا وهب بعوض، فإن الرجوع من مقتضى الهبة وقد سقط بالعوض، ويخالف الولاء، فان باثباته لا يملك ما اعتاض عليه من الرق، وباثبات الرجعة يملك ما اعتاض عليه من البضع. (فصل) وإن طلقها بدينار على أن له الرجعة سقط الدينار وثبتت له الرجعة، وقال المزني: يسقط الدينار والرجعة ويجب مهر المثل كما قال الشافعي فيمن خالع إمرأة على عوض، وشرطت المرأة أنها متى شاءت استرجعت العوض وثبتت الرجعة أن العوض يسقط، ولا تثبت الرجعة، وهذا خطأ، لان الدينار والرجعة شرطان متعارضان فسقطا وبقى طلاق مجرد فثبتت معه الرجعة، فأما المسألة لتى ذكرها الشافعي رحمه الله فقد اختلف أصحابنا فيها، فمنهم من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى، وجعلهما على قولين ومنهم من قال: لا تثبت الرجعة هناك، لانه قطع الرجعة في الحال، وإنما شرطت أن تعود فلم تعد وههنا لم يقطع الرجعة فثبتت. (الشرح) الاحكام: إذا خالع إمرأته لم يلحقها ما بقى من عدد الطلاق، سواء قلنا الخلع طلاق أو فسخ. وسواء طلقها في العدة أو في غيرها، وسواء طلقها بالصريح أو بالكناية مع البينة، وبه قال ابن عباس وعروة بن الزبير وأحمد واسحاق، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يلحقها الطلاق ما دامت في العدة ولا يلحقها بعد العدة ولا يلحقها الطلاق بالكناية بحال. وقال مالك والحسن البصري: يلحقها الطلاق عن قرب ولا يلحقها عن بعد فالقرب عند مالك أن يكون الطلاق متصلا بالخلع والحسن البصري يقول: إذا طلقها في مجلس الخلع لحقها. وإن طلقها بعده لم يلحقها. دليلنا أنه لا يملك رجعتها فلم يلحقها طلاقه كالاجنبية. أو نقول: لان من لا يصح طلاقها بالكناية مع البينه لم يصح طلاقها بالصريح. كما لو انقضت عدتها. أو من لا يلحقها الطلاق بعضو لم يلحقها بغير عوض كالاجنبيه، (فرع) ولا يثبت للزوج الرجعة على المختلعة سواء خالعها بلفظ الخلع

أو بلفظ الطلاق، وبه قال الحسن البصري والنخعي ومالك والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة، وذهب ابن المسيب والزهرى إلى أنه بالخيار إن شاء أخذ العوض ولا رجعة له، وإن شاء ترك العوض وله الرجعة. قال الشيخ أبو حامد: وأظنهما أرادا ما لم تنقض العدة. وقال أبو ثور إن كان بلفظ الطلاق فله الرجعة، لان الرجعة من موجب الطلاق، كما أن الولاء من موجب العتق، ثم لو أعتق عبده بعوض لم يسقط حقه من الولاء، فكذلك ان صرفها بعوض. ودليلنا قوله تعالى " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه: فلو أثبتنا له الرجعة لم يكن للفداء فائدة، ولانه ملك العوض بالخلع فلم تثبت له الرجعة، كما لو خالعها بلفظ الخلع، ويخالف الولاء فانه باثبات الولاء عليه لا يملك ما أخذ عليه العوض من الرق وباثبات الرجعة له يملك ما أخذ عليه العوض من البضع (فرع) قال الشافعي في المختصر: لو خالعها تطليقة بدينار على أن له الرجعة فالطلاق لازم وله الرجعة والدينار مردود. وقال المزني: يسقط الدينار والرجعة ويجب مهر مثلها، كما قال الشافعي فيمن خالع امرأته على عوض وشرطت المرأة أنها متى شاءت استرجعت الدينار. وتثبت الرجعة أو أن العوض يسقط ولا تثبت الرجعة، ونقل الربيع الاولة في الام كما نقلها المزني، قال الربيع وفيها قول آخر أن له مهر مثلها ولا رجعة. وقد نقل المزني جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وخرجهما على قولين وقال أكثر أصحابنا: لا يختلف المذهب في الاولة أن له الرجعة ويسقط الدينار، وما حكاه الربيع فهو من تخريجه. وما ذكره المزني فهو مذهبه بنفسه لان الخلع اشتمل على العوض وشرط الرجعة، وهذان الشرطان متضادان، فكان إثبات الرجعة أولا لانها ثبتت بالطلاق والعوض لا يثبت الا بالشرط. وأما الفرق بين الاولة والثانية فانه قد قطع الرجعة في الثانية، وانما شرط عودها فيما بعد فلم تعد، وفى الاولة لم يقطع الرجعة في الحال، فكانت باقية على الاصل.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن وكلت المرأة في الخلع ولم تقدر العوض فخالع الوكيل بأكثر من مهر المثل لم يلزمها إلا مهر المثل، لان المسمى عوض فاسد بمقتضى الوكالة فسقط ولزم مهر المثل كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد، فإن قدرت العوض بمائة فخالع عنها على أكثر منها فيه قولان (أحدهما) يلزمها مهر المثل لما ذكرناه (والثانى) يلزمها أكثر الامرين من مهر المثل أو المائة، فان كان مهر المثل أكثر وجب، لان المسمى سقط لفساده ووجب مهر المثل، وإن كانت المائة أكثر وجبت لانها رضيت بها، وأما الوكيل فإنه إن ضمن العوض في ذمته رجع الزوج عليه بالزيادة لانه ضمنها بالعقد، وإن لم يضمن بأن أضاف إلى مال الزوجة لم يرجع عليه بشئ، فان خالع على خمر أو خنزير وجب مهر المثل، لان المسمى سقط فوجب مهر المثل، فان وكل الزوج في الخلع ولم يقدر العوض فخالع الوكيل بأقل من مهر المثل - فقد نص فيه على قولين - قال في الاملاء: يقع ويرجع عليه بمهر المثل. وقال في الام الزوج بالخيار بين ان يرضى بهذا العوض ويكون الطلاق بائنا وبين أن يرده ويكون الطلاق رجعيا. وقال فيمن وكل وقدر العوض فخالع على أقل منه إن الطلاق لا يقع، فمن أصحابنا من نقل القولين في الوكالة المطلقة إلى الوكالة التى قدر فيها العوض، والقول في الوكالة التى قدر فيها العوض إلى الوكالة المطلقة وهو الصحيح عندي، لان الوكالة المطلقة تقتضي المنع من النقصان عن مهر المثل كما تقتضي الوكالة التى قدر فيها العوض المنع من النقصان عن المقدر، فيكون في المسئلتين ثلاثة أقوال (أحدها) أنه لا يقع الطلاق لانه طلاق أوقعه على غير الوجه المأذون فيه فلم يقع، كما لو وكله في الطلاق في يوم فأوقعه في يوم آخر (والثانى) أنه يقع الطلاق بائنا ويجب مهر المثل، لان الطلاق مأذون فيه فإذا وقع لم يرد المسمى فاسد فوجب مهر المثل كما لو خالعها الزوج على عوض فاسد (والثالث) أن الطلاق يقع لانه مأذون فيه وانما قصر في البدل فثبت له الخيار بين أن يرضى بهذا العوض ويكون الطلاق بائنا وبين أن يرد ويكون الطلاق رجعيا لانه لا يمكن اجبار الزوج على المسمى لانه دون المأذون فيه، ولا يمكن

إجبارها على مهر المثل فيما أطلق، ولا على الذى نص عليه من المقدر لانها لم ترض به فخير بين الامرين ليزول الضرر عنهما. ومن أصحابنا من قال فيما قدر العوض فيه لا يقع الطلاق لانه خالف نصه، وفيما أطلق يقع الطلاق لانه لم يخالف نصه، وإنما خالفه من جهة الاجتهاد، وهذا يبطل بالوكيل في البيع فانه لا فرق بين أن يقدر له الثمن فباع بأقل منه وبين أن يطلق فباع بما دون ثمن المثل وإن خالعها على خمر أو خنزير لم يقع الطلاق، لانه طلاق غير مأذون فيه، ويخالف وكيل المرأة فانه لا يوقع الطلاق وإنما يقبله، فإذا كان العوض فاسدا سقط ورجع إلى مهر المثل (الشرح) الاحكام: يجوز التوكيل في الخلع من جهة الزوجة والزوج لانه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع، ويجوز أن يكون الوكيل منهما مسلما وكافرا حرا وعبدا، رشيدا ومحجورا عليه، ويجوز أن يكون الوكيل من جهة الزوجة امرأة، وهل يجوز أن يكون وكيل الزوج امرأة؟ فيه وجهان المنصوص أنه يصح، لان من صح منه عقد المعاوضة صح أن يكون وكيلا فيه كالبيع. والثانى لا يصح لانها لا تملك إيقاع الطلاق بنفسها فلم تملك في حقه غيرها. قال الشافعي: ويجوز أن يكون وكيل واحد عنه وعنها. فمن أصحابنا من حمله على ظاهره وقال يجوز أن يلى الواحد طرفي العقد في الخلع كما يجوز أن يوكل الرجل امرأة في طلاقها، ومنهم من قال لا يصح كما لا يصح في النكاح أن يكون الواحد موجبا قابلا، وحمل النص على أنه يجوز لكل واحد منهما أن يوكل وحده. إذا ثبت هذا فان الوكالة تصح منهما مطلقا ومقيدا كما قلنا في البيع، فإذا طلقت الوكيلة اقتضت مهر المثل كالوكيل في البيع والشراء. والمستحب أن يقدر الموكل منهما العوض لوكيله لانه أبعد من الغرر، فان وكلت المرأة في الخلع نظرت فان أطلقت الوكالة فان الاطلاق يقتضى مهر المثل حالا من نقد البلد، فان خالع عنها بذلك صح ولزمها أداء ذلك، وان خالعها بدون مهر مثلها أو مهر مثلها مؤجلا صح لانه زادها بذلك حيرا. قال ابن الصباغ: وهكذا ان خالع عنها بدون نقد البلد صح لانه زادها خيرا، وإن خالع بأكثر من مهر مثلها وقع الطلاق. قال الشافعي في الاملاء: ويكون المسمى فاسدا فيلزمها مهر مثلها، لانه خالع على

عوض لم يأذن فيه فكان فاسدا فسقط ووجب مهر مثلها، كما لو اختلعت بنفسها على مال مغصوب. وقال في الام: عليها مهر مثلها إلى أن تبذل الزيادة على ذلك فيجوز. قال الشيخ أبو حامد: فكأن الشافعي لم يبطل هذه الزيادة على مهر المثل بكل حال ولكن لا يلزمها. وقال المسعودي هي على قولين (أحدهما) يجب عليها مهر مثلها (والثانى) لها الخيار ان شاءت فسخت المسمى وكان عليها مهر مثلها. وان شاءت أجازت ما سمى. وان قدرت له العوض بأن قالت اخلعني بمائة فان خلعها بمائة صح لانه فعل ما أمرته. وان خلعها بمائة مؤجلة أو بما دونها صح لانه زادها خيرا. وان خالعها بأكثر. فيه قولان (أحدهما) يقع الطلاق ويلزمها منه مهر مثلها لا غير لانه خالع بأكبر مما أمرته فكان فاسدا ووجب مهر المثل، وكما لو اختلعت هي بخمر أو خنزير (والثانى) يلزمها أكثر الامرين من المائة أو مهر مثلها، لان المائة إن كانت أكثر لزمتها لانها قد أذنت فيها. وان كان مهر المثل أكثر لزمها لان المسمى فاسد فسقط ولزمها مهر مثلها. إذا ثبت هذا فهل يلزم الوكيل ما زاد على مهر المثل في هذه والتى قبلها ينظر فيه فان قال طلقها على كذا وكذا وعلى ضمانه لزمه للزوج الجميع ولانه ضمنه، وان قال طلقها ولم يقل من مالها بل أطلق لزمه ذلك لان الظاهر أنه يخالع من مال نفسه. وللوكيل أن يرجع عليها بمهر مثلها لانه وجب عليه باذنها وما زاد عليه يدفعه من ماله ولا يرجع عليها به لانه وجب عليه بغير اذنها. وان قال طلقها على كذا وكذا من مالها لزمها مهر مثلها ولم يلزم الوكيل ما زاد على مهر مثلها لانه أضاف ذلك إلى مالها ولم يأذن له فيه فسقط عنها. وان قيدت له أو طلقها فخالع عنها بخمر أو خنزير وقع الطلاق بائنا ورجع عليها بمهر مثلها لان المسمى فاسد فأسقط ووجب مهر مثها كما لو خالعت هي بنفسها على ذلك وقال المزني: لا يقع الطلاق لان الوكيل لم يعقد على ما هو مال فارتفع العقد من أصله. كما لو وكله أن يبيع له عينا فباعها بخمر أو خنزير، وهذا خطأ لان وكيل المرأة لا يوقع الطلاق وانما يقبله فإذا قبله بعوض فاسد لم يمنع ذلك وقوع الطلاق كما لو قبلت هي الطلاق بخمر أو خنزير. وانما يصح هذا الذى قاله لوكيل الزوج ان وكله الزوج في الخلع ولم يقدر العوض فان خالع عنه الوكيل بمهر المثل من نقد البلد

خالا صح. وإن قيد له العوض بأن قال: خالع عنى بمائة فإن خالعها جاز لانه فعل ما أذن له فيه، وإن خالع بأكبر منها صح، لانه زاد خيرا، وإن خالع بما دون المائة فنص الشافعي أن الطلاق لا يقع لانه أذن له في ايقاع الطلاق على شئ مقدر، فإذا أوقعه على صفة دونها لم يصح كما لو خالع بخمر أو خنزير. واختلف أصحابنا فيها، فمنهم من قال: القولين إذا لم يقدر له العوض فخالع على أقل من مهر المثل إلى هذه، وجوابه في هذه إلى تلك، وقال فيها ثلاثة أقوال، وهو اختيار الشيخ أبى اسحاق. (أحدها) يقع الطلاق فيهما بائنا ويلزمه مهر المثل. (والثانى) يثبت للزوج فيها الخيار بين أن يرضى بالعوض المسمى في العقد فيهما ويكون الطلاق بائنا، وبين أن لا يرضى به ويكون الطلاق رجعيا. (والثالث) لا يقع فيهما طلاق ووجهها ما ذكرناه، لان الوكالة المطلقة تقتضي المنع من النقصان عن مهر المثل كما أن الوكالة المقيدة تقتضي المنع من النقصان عن العوض المقيد، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فجعل الاوله على قولين، والثانية على قول واحد ولم يذكر الشيخ أبو حامد في التعليق غيره، لانه إذا قيد له العوض في الف فخالع بأقل منه فقد خالف نص قوله، فنقض فعله كالمجتهد إذا خالف النص، وإذا أطلق الوكالة فإنما علمنا أن الاطلاق يقتضى مهر المثل من طريق الاجتهاد فإذا أدى الوكيل اجتهاده إلى المخالعة بأقل منه لم ينقض كما لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. قال ابن الصباغ وهذه الطريقة ظاهر كلام الشافعي والاولة أقيس والاقيس من الاقوال: أن لا يقع الطلاق. (فرع) إذا وكله أن يطلق أو يخالع يوم الجمعة، فطلق أو خالع يوم الخميس لم يصح لانه إذا طلقها يوم الجمعة كانت مطلقة يوم السبت، وإذا طلقها يوم الجمعة لم تكن مطلقة يوم الخميس فكان الموكل قد رضى بطلاقها يوم السبت، وإذا طلقها يوم الجمعة لم تكن مطلقه يوم الخميس فكأن الموكل قد رضى بطلاقها يوم السبت ولم يرض بطلاقها يوم الخميس.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإذا خالع امرأة في مرضه ومات لم يعتبر البدل من الثلث سواء حابى أو لم يحاب لانه لا حق للورثه في بضع المرأة ولهذا لو طلق من غير عوض لم تعتبر قيمة البضع من الثلث، فان خالعت المرأة زوجها في مرضها وماتت فان لم يزد العوض على مهر المثل اعتبر من رأس المال لان الذى بذلت بقيمة ما ملكته فأشبه إذا اشترت متاعا بثمن المثل وان زاد على مهر المثل اعتبرت الزيادة من الثلث، لانه لا يقابلها بدل فاعتبرت من الثلث كالهبة، فان خالعت على عبد قيمته مائة، ومهر مثلها خمسون، فقد حابت بنصفه، فان لم يخرج النصف من الثلث، بأن كان عليها ديون تستغرق قيمة العبد، فالزوج بالخيار بين أن يقر العقد في العبد فيستحق نصفه وبين أن يفسخ العقد فيه، ويستحق مهر المثل ويضرب به مع الغرماء، لان الصفقه تبعضت عليه، وان خرج النصف من الثلث أخذ جميع العبد نصفه بمهر المثل ونصفه بالمحاباة. ومن أصحابنا من قال: هو بالخيار بين أن يقر العقد في العبد، وبين أن يفسخ العقد فيه ويستحق مهر المثل، لانه تبعضت عليه الصفقه من طريق الحكم، لانه دخل على أن يكون جميع العبد له عوضا، وقد صار نصفه عوضا ونصفه وصيه والمذهب الاول، لان الخيار انما يثبت بتبعيض الصفقه لما يلحقه من الضرر لسوء المشاركة، ولا ضرر عليه ههنا لانه صار جميع العبد له فلم يثبت له الخيار. (الشرح) الاحكام: يصح الخلع في مرض الموت من الزوجين كما يصح منهما النكاح والبيع، فان خالع الزوج في مرض موته بمهر المثل أو أكثر صح كما لو اتهبت في مرض موته، وان خالع بأقل من مهر المثل صح ولا اعتراض للورثة عليه لانه لا حق لهم في بضع امرأته، ولهذا طلقها بغير عوض لم يكن لهم الاعتراض عليه، وان خالعت الزوجه في مرض موتها بمهر المثل أو دونه كان ذلك من رأس المال. وقال أبو حنيفة: يكون ذلك من الثلث. دليلنا أن الذى بذلته بقيمة ما تملكه

فهو كما لو اشترت به متاعا بقيمته، وإن خالعت بأكثر من مهر مثلها اعتبرت الزيادة من الثلث لانها محاباة فاعتبرت من الثلث كما لو اشترت متاعا بأكثر من قيمته، وان خالعت في مرض موتها على سيارة قيمتها ألف ومهر مثلها خمسمائة فقد حابته بنصف السيارة، فإن لم يخرج النصف من الثلث - فإن كان عليها دين يستغرق مالها - فالزوج بالخيار بين أن يأخذ نصف السيارة لا غير وبين أن يفسخ ويضرب مع الغرماء بمهر مثلها ونصفه وصية. ومن أصحابنا من قال: هو بالخيار بين أن يرضى بهذا وبين أن يفسخ ويرجع بمهر مثلها، لان الصفقة تبعضت عليه لانه دخل على أن يأخذ جميع السيارة عوضا ولم يصح له بالعوض إلا نصفها ونصفها وصية. والصحيح أنه لا خيار له لان السيارة قد سلمت له على كل حال، وإن لم يكن لها مال غير السيارة ولم يجز الورثة كان للزوج نصف السيارة بمهر المثل وسدسها بالمحاباة فذلك ثلثا السيارة، فيكون الزوج بالخيار بين أن يأخذ ثلثى السيارة وبين أن يفسخ ويرجع بمهر المثل فإن قال الزوج: أنا آخذ مهر المثل نقدا وسدس السيارة بالوصية لم يكن له ذلك لان سدس السيارة إنما يكون له وصية تبعا للنصف. إذا ثبت هذا: فإن المزني نقل عن الشافعي أن له نصف السيارة ونصف مهر المثل، ثم اعترض عليه وقال: هذا ليس بشئ، بل له نصف السيارة وثلث ما بقى، قال أصحابنا: أخطأ المزني في النقل، وقد ذكرها الشافعي في الام فقال له النصف بمهر مثلها. (فرع) وإن خالعته في المرض الذى ماتت فيه على مائة ومهر مثلها أربعون - ثم عاد الزوج فتزوجها على ملك المائة في مرض موته وماتا، وخلفت الزوجة عشرة غير المائة ولم يخلف الزوج شيئا - فإن مات الزوج أولا بطلت محاباته لها، لانها ورثته وصحت محاباتها له، لانه لم يرثها فيكون للزوج منها أربعون مهر مثلها، وله شئ بالمحاباة، وإن ماتت الزوجة أولا ولم يترك غير المائة بطلت محاباتها له، لانه ورثها. وأما محاباة الزوج لها - فان أصدقها المائة التى خالعته عليها بعينها لم يصح،

لانه لما أصدقها المائة وهو لا يملك منها غير أربعين فكأنه أصدقها ما يملك وما لا يملك، فبطل المسمى ورجعت إلى مهر المثل فيجب لكل واحد منهما على الآخر مهر مثلها فيقاصان، ثم يرث الزوج نصف المائة عنها إن لم يكن لها ولد ولا ولد ولد، فيكون ذلك لورثته، وإن أصدقها مائة في ذمتها صحت لها المحاباة وحسابه: له أربعون مهر المثل ولا محاباة له ويرجع إليها صداقها، ولها شئ محاباة في ذمته، فتكون تركتها مائة وشيئا، ويرث الزوج نصف ذلك وهو خمسون، ونصف شئ، يخرج من ذلك لها شئ بالمحاباة، فيبقى في يد ورثته خمسون إلا نصف شئ تعول شيئين فإذا خيرت عدلت الخمسون ستين، ونصفا الشئ الكامل عشرون وهو ما كان بالمحاباة، ويجب للزوج عليها مهر مثلها، وله عليها مهر مثلها فينقصان ويفضل لها عليه عشرون فيكون ذلك تركة لها مع المائة فذلك مائة وعشرون، يرث الزوج نصف ذلك وهو ستون، فتأخذ المرأة منها بالمحاباة عشرين، ويبقى لورثته أربعون، وهو مثلا محاباته لها، فيكون لورثته ستون. (فرع) ولو تزوجها مرض موته على مائة درهم، ومهر مثلها خمسون، ودخل بها، ثم خالفته في مرض موتها على مائة في ذمتها ثم ماتا ولا يملكان غير هذه المائة ولم يجز ورثتها فحسابه للزوجة خمسون مهر مثلها من رأس المال ولها شئ محاباة، فجميع تركتها خمسون وشئ للزوج منها خمسون مهر المثل، وله ثلث شئ محاباة فيكون تركته مائة إلا ثلثى شئ تعدل شيئين، فإذا أخذت عدلت المائة بشيئين وثلثي الشئ الكامل ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة، فيأخذه من الزوج مع مهر المثل فذلك سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة يأخذه من الزوج مع مهر المثل فذلك سبعة وثلاثون ونصف، وهذا الذى صح لها بالمحاباة تأخذه من الزوج مع مهر مثلها، وذلك سبعة وثمانون ونصف، فيرجع إليها مهر مثلها بالخلع، ويبقى معها سبعة وثلاثون ونصف يستحق الزوج ثلث ذلك بالمحاباة

باب جامع في الخلع

فيبقى لورثتها ثلثا ذلك، فيجتمع لورثة الزوج خمسة وسبعون وذلك مثلا محاباته لها، فالدور وقع في فريضة الزوج لا في فريضة الزوجة، فإن تركت الزوجه شيئا غير الصداق فانك تضمن ثلث تركتها إلى المائه التى تركها الزوج ثم تأخذ ثلاثة أثمان ذلك وهو الجائز بالمحاباة، وسواء مات الزوج أولا أو الزوجه فالحكم واحد لانهما لا يتوارثان. قال ابن اللبان: ولو خالعته على المائه بعينها بطلت محاباتها لانها خالعته على ما تملك وعلى مالا تملك فبطل المسمى ووجب مهر المثل ولها بالمحاباة شئ فجميع تركتها خمسون وشئ للزوج منها خمسون ولا محاباة لها فتركته مائه إلا شيئا يعول شيئين للزوج منها خمسون ولا محاباة لها فتركته مائه إلا شيئا، فإذا خيرت عولت المائه ثلاثة أشياء، الشئ ثلاثة وثلاثون وثلث يكون لها ذلك مع مهر مثلها، فيأخذ الزوج من ذلك مهر مثلها مع ما بقى معه من المائه فذلك سنة وستون وثلثان وذلك مثلا محاباته لها، والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال المصنف رحمه الله: باب جامع في الخلع إذا قالت المرأة للزوج: طلقني على ألف، فقال: خالعتك، أو حرمتك، أو أبنتك على ألف، ونوى الطلاق صح الخلع، وقال أبو على بن خيران: لا يصح لانها سألت الطلاق بالصريح، فأجاب بالكنايه، والمذهب الاول، لانها استدعت الطلاق، والكناية مع النية طلاق. فان قالت: طلقني بألف فقال: خالعتك بألف ولم ينو الطلاق - وقلنا: إن الخلع فسخ لم يستحق العوض - لانها استدعت فرقة ينقص بها العدد ولم يجبها إلى ذلك، فان قالت: اخلعني فقال: طلقتك - وقلنا: ان الخلع فسخ - ففيه وجهان.

(أحدهما) لا يصح لانه لم يجب إلى ما سألت، فهو كالقسم قبله (والثانى) يصح وهو المذهب لانها استدعت فرقة لا ينقص بها العدد، فأجاب إلى فرقة ينقص بها العدد فحصل لها ما طلبت وزيادة. (الشرح) الاحكام: إذا قالت المرأة طلقني ثلاثا ولك ألف، فطلقها ثلاثا استحق الاف عليها. وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا يستحق شيئا. دليلنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فكان كما لو قالت: طلقني وعندي ألف وإن قالت طلقني ثلاثا ولك ألف أو بألف أو على ألف فطلقها واحدة استحق عليها ثلث الالف، وبه قال مالك. وقال أحمد لا يستحق عليها شيئا. وقال أبو حنيفة: إن قالت بألف استحق عليها ثلث الالف. وان قالت على ألف لم تستحق شيئا. دليلنا أنها استدعت منه فعلا بعوض، فإذا فعل بعضه استحق بقسطه، كما لو قالت: من رد على عبيدى الثلاثة من الاباق فله ألف فرد واحدا منهم. وان قالت طلقني ثلاثا فطلقها واحدة ونصفا وقع عليها طلقتان. هكذا أفاده العمرانى في البيان وابن الصباغ في الشامل، وكم يستحق عليها؟ فيه وجهان (أحدهما) يستحق ثلثى الالف، لانه وقع عليها طلقتان (والثانى) لا يستحق عليها إلا نصف الالف لانه لم يوقع عليها الا نصف الثلاث، وانما سرت الطلقة بالشرع. وان قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ثلاثا فأعطته ثلث الالف أو نصفها لم يقع الطلاق عليها، لان الصفة لم توجد بخلاف ما لو استدعت منه الطلاق، فإن طريقه المعاوضة وهذا طريقه الصفه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قالت طلقني ثلاثا ولك على ألف فطلقها طلقة استحق ثلث الالف لانها جعلت الالف في مقابلة الثلاث، فكان في مقابلة كل طلقة ثلث الالف. وان طلقها طلقة ونصفا ففيه وجهان (أحدهما) يستحق ثلثى الالف لانها طلقت طلقتين (والثانى) يستحق نصف الالف لانه أوقع نصف الثلاث. وإنما كملت بالشرع لا بفعله

فإن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ثلاثا، فأعطته بعض الالف لم يقع شئ، لان ما كان من جهته طريقه الصفات، ولم توجد الصفة فلم يقع، وما كان من جهتها طريقه الاعواض، فقسم على عدد الطلاق، وإن بقيت له على امرأته طلقة فقالت له طلقني ثلاثا ولك على ألف، فطلقها واحدة، فالمنصوص أنه يستحق الالف. واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس وأبو إسحاق: المسألة مفروضة في امرأة علمت أنه لم يبقى لها إلا طلقة، فيكون معنى قولها طلقني ثلاثا أي كمل لى الثلاث، كرجل أعطى رجلا نصف درهم، فقال له اعطني درهما أي كمل لى درهما، وأما إذا ظنت أن لها الثلاث لم يجب أكثر من ثلث الالف لانها بذلت الالف في مقابلة الثلاث فوجب أن يكون لكل طلقة ثلث الالف. ومن أصحابنا من قال يستحق الالف بكل حال لان القصد من الثلاث تحريمها إلى أن تنكح زوجا عيره، وذلك يحصل بهذه الطلقة فاستحق بها الجميع، وقال المزني رحمه الله: لا يستحق إلا ثلث الالف علمت أو لم تعلم، لان التحريم يتعلق بها وبطلقتين قبلها، كما إذا شرب ثلاثة أقداح فسكر كان السكر بالثلاث، وإذا فقا عين الاعور كان العمى بفقء الباقية وبالمفقوءة قبلها، وهذا خطأ لان لكل قدح تأثيرا في السكر، ولذهاب العين الاولى تأثيرا في العمى، ولا تأثير للاولى والثانية في التحريم، لانه لو كان لهما تأثير في التحريم لكمل، لانه لا يتبعض وان ملك عليه ثلاث تطليقات فقالت له طلقني طلقة بألف فطلقها ثلاثا استحق الالف لانه فعل ما طلبته وزيادة، فصار كما لو قال من رد عبدى فلانا فله دينار فرده مع عبدين آخرين فإن قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة ففيه وجهان (أحدهما) يجب له عشر الالف لانها جعلت لكل طلقة عشر الالف (والثانى) يجب له ثلث الالف لان ما زاد على الثلاث لا يتعلق به حكم، وان طلقها ثلاثا فله على الوجه الاول ثلاثة أعشار الالف، وعلى الوجه الثاني له جميع الالف، وان بقت له طلقة فقالت له: طلقني ثلاثا على ألف، طلقة أحرم بها عليك وطلقتين في نكاح آخر إذا نكحتنى، فطلقها ثلاثا، وقعت طلقة ولا يصح ما زاد لانه سلف في

الطلاق، ولانه طلاق قبل النكاح، فإن قلنا إن الصفقة لا تفرق سقط المسمى ووجب مهر المثل، وإن قلنا تفرق الصفقة ففيما يستحق قولان (أحدهما) ثلث الالف (والثانى) جميع الالف كما قلنا في البيع (الشرح) الاحكام: إن قال أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الالف. قال ابن الحداد: لم يقع الطلاق ولم يلزمها شئ لانه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف فلا ينقطع بما دونه. وإن قالت: قبلت واحدة بألف قال ابن الحداد وقعت عليها طلقة واحدة واستحق عليها الالف لانها زادته خيرا. وقال بعض أصحابنا بل يقع عليه ثلاث طلقات بالالف لان انقطاع الطلاقى إليه دونها وإنما إليها قبول العوض وقد وجد منه إيقاع الثلاث فوقعن وإن قال أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلتها بخمسمائة لم يصح الطلاق، ولم يلزمها عوض لانه لم يرض وقوع الطلاق عليها بأقل من ألف ولم تلتزم له بالالف وان قالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق ثلاثا بألف ودينار أو بألفين لم يقع عليها الا أن تقول عقب قوله قبلت لانها لم ترض بالتزام أكثر من الالف، ولم يرض بإيقاع الطلاق الا بأكثر من الف وان قالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق ثلاثا بخمسمائة أو قالت طلقني بألف ولم تقل ثلاثا، فقال أنت طالق بخمسمائة وقع عليها الثلاث في الاولة، وفى الثانية ما نوى ولم يلزمها الا خمسمائة فيهما، لانه زادها بذلك خيرا، لان رضاها بألف رضى بما دونه، هكذا ذكر القاضى ابو الطيب وقال إذا قال طلقتك على ألف فقالت قبلت بألفين وقع عليها الطلاق ولم يلزمها إلا ألف. وقال المسعودي إذا قال خالعتك بألف فقالت اختلعت بألفين لم تقع الفرقة، لان من شرط القبول أن يكون على وفق الايجاب (فرع) إذا بقى له على امرأته طلقة فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة قال الشافعي استحق عليها الالف، واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس وأبو إسحاق هذه مفروضة في امرأة تعلم انه ما بقى عليها إلا واحدة، فيكون معنى قولها طلقني ثلاثا أي أكمل لى الثلاث فيلزمها، فأما إذا كانت لا تعلم ذلك فلا

يستحق عليها إلا ثلث الالف لانها بذلت الالف على الثلاث، فإذا طلقها واحدة لم يستحق إلا ثلث الالف، كما لو كان يملك عليها ثلاثا فطلقها واحدة. ومن أصحابنا من قال يستحق عليها الالف بكل حال، وهو ظاهر النص واختيار القاضى أبى الطيب، لان المقصود بالثلاث قد حصل لها بهذه الطلقة. وقال المزني لا يستحق عليها إلا ثلث الالف بكل حال، لان التحريم إنما يحصل بهذه الطلقة وبالاولتين قبلها، كما إذا شرب ثلاثة أقداح فسكر، فإن السكر حصل بالثلاثة أقداح، وان بقى عليها طلقتان، فقالت طلقني ثلاثا بألف، فإن قلنا بالطريقة الاولى وكانت عالمة بأنه لم يبق عليها الا طلقتان، فإن طلقها طلقتين استحق عليها الالف وان طلقها واحدة استحق عليها نصف الالف، وان لم تعلم أنه بقى لها طلقتان فان طلقها طلقتين استحق عليها ثلثى الالف. وان طلقها واحدة استحق عليها ثلث الالف، وعلى الطريقة الثانية ان طلقها طلقتين استحق عليها الالف. وان طلقها واحدة قال ابن الصباغ فعندي أنه لا يستحق عليها الا ثلث الالف لان هذه الطلقة لم يتعلق بها تحريم العقد فصار كما لو كان له ثلاث طلقات فطلقها واحدة (مسألة) قوله وان ملك عليها ثلاث تطليقات الخ. وهو كما قال. فإن كان يملك ثلاث طلقات فقالت له طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا وقع عليها الثلاث واستحق عليها الالف لانه حصل لها ما سألت وزيادة. قال أبو إسحاق الالف في مقابلة الثلاث. وقال غيره من أصحابنا بل الالف في مقابلة الواحدة والاثنتان بغير عوض وليس تحت هذا الاختلاف فائدة وقال القفال يقع الثلاث ويستحق عليها ثلث الالف لانها رضيت بواحدة عن العوض وهو جعل كل واحدة بإزاء ثلث الالف. وحكى المسعودي أن من أصحابنا من قال يقع عليها واحدة بثلث الالف لا غير لانه أوقع الاخر بين على العوض ولم تقبلها فلم يقعا. والاول هو المشهور (فرع) وان قال لها انت طالق طلقتين احداهما بالالف قال ابن الحداد ان قبلت وقع عليها طلقتان ولزمها الالف. وان لم تقبل لم يقع عليها طلاق لانه لم يرض بإيقاع طلقتين الا بأن يحصل له الالف. فإذا لم يعتق لم يقع عليها

الطلاق كما لو أصى أن يحج عنه رجل بمائة وأجرة مثله خمسون فلا يحصل له المائة إلا أن يحج عنه. قال القاضى أبو الطيب: ويحتمل إذا لم يقبل أنه يقع عليها طلقة ولا شئ عليها لانه يملك إيقاعها بغير قبول وقد أوقفها. وإن قالت قبلت الطلقتين ولم أقبل العوض كان بمنزلة ما لو لم يقبل لان الطلاق لا يفتقر إلى القبول، وإنما الذى يحتاج إلى القبول هو العوض، فلا يقع عليها الطلاق على قول ابن الحداد وعلى قول أبى الطيب يقع عليها الطلقه التى لا عوض فيها (فرع) وإن قال لامرأتيه أنتما طالقتان إحداكما بألف - فإن قبلتا جميعا - وقع عليهما الطلاق. ويقال له عين المطلقة بالالف، فإذا عين إحداهما كان له عليها مهر مثلها، لان المسمى لا يثبت مع الجهالة بالتسمية. وإن قبلت إحداهما ولم تقبل الاخرى قيل له عين المطلقة بالالف، فإن قال هي القابلة، وقع عليها الطلاق ثانيا ولزمها مهر مثلها ووقع الطلاق على الاخرى بغير عوض، وإن قال المطلقة بالالف هي التى لم تقبل وقع الطلاق على القابلة بغير عوض ولم يقع الطلاق على التى لم تقبل، وإن لم تقبل واحدة منهما سقط الطلاق بالالف، ويقال له عين المطلقة بغير ألف، فإذا عين إحداهما وقع الطلاق عليها بغير عوض، وان ردتا جميعا ولم يقبلا - قال القاضى أبو الطيب: - فعلى قول ابن الحداد في التى قبلها يجب أن لا يقع على واحدة منهما طلاقا، لانه لم يسلم له الشرط من الالف، قال وعلى ما ذكرته في التى قبلها يسقط الطلاق الذى شرط فيه الالف ويقع الطلاق الذى أوقعه بغير شئ ويطالب بالتعيين (مسألة) قوله: فان قالت طلقني عشرا بألف الخ. وهذا كما قال، فانه إن قالت له طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة ففيه وجهان حكاهما الشيخ هنا (أحدهما) يستحق عليها عشر الالف لانها جعلت لكل طلقة عشر الالف. (والثانى) يستحق عليها ثلث الالف لان ما زاد على الثلاث لا يتعلق به حكم. قال فان طلقها ثلاثا استحق عليها على الوجه الاول ثلاثة أعشار الالف، وعلى الثاني جميع الالف. وأما القاضى أبو الطيب فحكى عن ابن الحداد إذا قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة استحق عليها عشر الالف. قال القاضى قلت أنا، وان طلقها اثنتين استحق عليها خمس الالف وان طلقها ثلاثا استحق عليها جميع الالف.

وهكذا ذكر ابن الصباغ. ولم يذكر الوجه الثاني (فرع) إذا بقيت له على إمرأته طلقه فقالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال لها أنت طالق طلقتين، الاولى بألف، والثانية بغير شئ، فقال أبو العباس بن القاص: وقعت الطلقة التى بقيت له بألف عليها، ولا تقع عليها الثانية، وإن وإن قالت: الاولة بغير شئ، والثانية بألف، وقعت عليها الطلقة التى بقيت له بغير شئ ولم تقع الثانية، فاعترض عليه بعض أصحابنا وقال: إذا قال أنت طالق طلقتين فليس فيهما أولة ولا ثانية. قال القاضى أبو الطيب: أخطأ هذا المعترض لان كلامه إذا لم يقطعه قبل منه ما شرط فيه وقيده، ولهذا يقبل استثناؤه، وإن بقيت له واحدة قالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال أنت طالق طلقتين إحداهما بألف. قال أبو العباس بن القاص: وقعت عليها واحدة ولزمها الالف. وقال في شرح التلخيص يجب أن يرجع إلى بيانه، فان قال أردت بقولى إحداهما بألف للاولى دون الاخرى فله الالف، وإن قال أردت بقولى إحداهما بألف الثانية لم يكن له شئ. قال القاضى أبو الطيب: الصحيح ما قاله ابن القاص، لانه إذا لم يقل المطلق الاولى والثانية بلفظ، لم يكن فيهما أولة ولا ثانية، فترجع الالف إلى المطلقة التى بقيت له. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان قالت أنت طالق على ألف وطالق وطالق لم تقع الثانية والثالثة لانها بانت بالاولى، وان قال أنت طالق وطالق وطالق على ألف، وقال أردت الاولى بالالف لم يقع ما بعدها لانها بانت بالاولى. وان قال أردت الثانية بالالف فان قلنا يصح خلع الرجعية وقعت الاولى رجعية وبانت الثانية ولم تقع الثالثة. وإن قلنا لا يصح خلع الرجعية وقعت الاولى رجعيه والثانيه رجعيه وبانت بالثالثه وان قال أردت الثالثه بالالف فقد ذكر بعض أصحابنا أنه يصح ويستحق الالف قولا واحدا لانه يحصل بالثالثه من التحريم ما لا يحصل بغيرها وعندي أنه لا يستحق الالف على القول الذى يقول أنه لا يصح خلع الرجعيه، لان الخلع

يصادف رجعيه. وإن قال أردت الثلاث بالالف لم تقع الثانيه والثالثه لان الاولى وقعت بثلث الالف وبانت بها فلم يقع ما بعدها. (فصل) وان قال أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا يستحق عليها شيئا لانه أوقع الطلاق من غير عوض ثم استأنف إيجاب العوض من غير طلاق، فان كان ذلك بعد الدخول فله أن يراجع لانه طلق من غير عوض، وإن قال أنت طالق على أن عليك ألفا فقبلت صح الخلع ووجب المال لان تقديره أنت طالق على ألف فإذا قبلت وقع الطلاق ووجب المال. (الشرح) الاحكام: إذا قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق على ألف وطالق وطالق، وقعت عليها الاولة بألف، ولم يقع ما بعدها، وان قال أنت طالق وطالق وطالق على ألف قيل له أي الثلاث أردت بالالف، فإن قال أردت الاولة بانت بالاولة ولم يقع عليها ما بعدها، وان قال أردت الثانيه بالالف وقعت الاولة رجعيه. فإن قلنا يصح خلع الرجعية وقعت الثانية أيضا بالالف ولم تقع الثالثة. وإن قلنا لا يصح خلع الرجعية وقعت الاولة رجعية، والثانيه رجعيه وبانت بالثالثه، ولا يستحق عليها عوضا، وإن قال أردت الثالثه بالالف. قال المحاملى: صح ذلك واستحق عليها الالف قولا واحدا، لان الثالثه تقع بها بينونة لا تحل إلا بعد زوج، فيؤخذ فيها معنى يختص بها لا يوجد في الاولة ولا في الثانيه فصح. وقال الشيخ أبو إسحاق لا يستحق عليها الالف على القول الذى قاله لا يصح خلع الرجعيه كما قلنا في التى قبلها - إن قال أردت الثلاث بالالف - وقعت الاوله بثلث الالف وبانت، ولم يقع ما بعدها. (مسأله) قوله (فصل) وان قال أنت طالق وعليك ألف طلقت، وهو كما قال، فان الشافعي رضى الله عنه قال، وان قال لها أنت طالق وعليك ألف درهم، فهى طالق ولا شئ عليها، وانما كان كذلك لان قوله أنت طالق ابتداء ايقاع، وقوله وعليك ألف استئناف كلام فلم يتعلق بما قد تقدم فيكون الطلاق

رجعيا، فإن ضمنت له الالف لم يلزمها بهذا الضمان حق، لانه ضمان ما لم يجب، وإن أعطته الالف كان ابتداء هبة ولم يقطع به رجعة، وإن قال: أنت طالق على أن عليك ألفا. قال الشافعي في الام: فإن ضمنت في الحال وقع الطلاق، وان لم تضمن لم يقع، لان (على) كلمة شرط، فقد علق وقوع الطلاق بشرط، فمتى وجد الشرط وقع الطلاق، وان لم تضمن لم يقع، لان (على) كلمة شرط فقد علق وقوع الطلاق بشرط، فمتى وجد الشرط وقع الطلاق بخلاف الاولة، فإن قوله وعليك ألف، استئناف كلام وليس شرطا. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا قال إن دفعت إلى ألف درهم فأنت طالق فان نويا صنفا من من الدراهم صح الخلع وحمل الالف على ما نويا لانه عوض معلوم وإن لم ينوبا صنفا نظرت، فان كان في موضع فيه نقد غالب حمل العقد عليه لان اطلاق العوض يقتضى نقد البلد كما نقول في البيع، وإن لم يكن فيه نقد غالب فدفعت إليه ألف درهم بالعدد دون الوزن لم تطلق، لان الدراهم في عرف الشرط بالوزن، وان دفعت إليه ألف درهم نقرة لم تطلق لانه لا يطلق اسم الدراهم على النقرة، وإن دفعت إليه ألف درهم فضة طلقت لوجود الصفة ويجب ردها لان العقد وقع على عوض مجهول ويرجع بمهر المثل لانه تعذر الرجوع إلى المعوض فوجب بدله، وان دفعت إليه دراهم مغشوشة، فان كانت الفضة فيها تبلغ ألف درهم طلقت لوجود الصفة، وإن كانت الفضه فيها ألف درهم لم تطلق، لان الدراهم لا تطلق إلا على الفضه. (فصل) وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا تملكه طلقت سليما كان أو معيبا قنا كان أو مدبرا لان اسم العبد يقع عليه ويجب رده والرجوع بمهر المثل لانه عقد وقع على مجهول، وإن دفعت إليه مكاتبا أو مغصوبا لم تطلق لانها لا تملك العقد عليه.

وإن قال: إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته وهو مغصوب، ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: انها تطلق كما لو خالعها على عبد غير معين فأعطته عبدا مغصوبا (والثانى) وهو المذهب أنها تطلق لانها أعطته ما عينه ويخالف إذا خالعها على عبد غير معين لان هناك أطلق العقد فحمل على ما يقتضيه العقد والعقد يقتضى رفع عبد تملكه. (الشرح) الاحكام: إذا قال ان أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، فأعطته ألف درهم في الحال بحيث يكون جوابا لكلامه نظرت - فان أعطته الف درهم مضروبه لا زائدة ولا ناقصه، وقع عليها الطلاق لوجود الشرط، وإن أعطته ألف درهم مضروبه وزيادة وقع الطلاق لوجود الصفه، والزيادة لا تمنعها، كما قال إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق، فأعطته ثوبين. فان قيل: أليس الاعطاء عندكم بمنزله القبول، والقبول إذا خالف الايجاب - وان كان بالزيادة لم يصح، ألا ترى أنه لو قال: بعتك هذا بألف فقال: قبلت بألفين، لم يصح؟ قلنا: الفرق بينهما أن القبول يقع بحكم الايجاب في العقد، فمتى خالفه لم يصح وههنا المغلب فيه حكم الصفه، فوقع الطلاق، والذى يقتضى المذهب أن لها أن تسترد الزيادة على الالف ويملك الزوج الالف، إذا كانت الدراهم معلومه، وان كانت مجهوله ردها ورجع عليها مهر المثل، وإن أعطته دارهم ناقصه، فان كانت ناقصة العدد والوزن بأن أعطته دراهم عددها دون الالف، ووزنها دون وزن ألف درهم من دراهم الاسلام، لم يقع الطلاق، لان اطلاق الدراهم يقتضى وزن الاسلام، وان كانت ناقصة العدد وافية الوزن بأن أعطته تسعمائة درهم مضروبه - الا أن وزنها وزن ألف درهم من دراهم الاسلام - وقع عليها الطلاق لوجود الصفه، لان الاعتبار بالوزن دون العدد، إذا لم يكن مشروطا وان اعطته قطعة فضة نقرة وزنها ألف درهم لم يقع الطلاق، لان اطلاق الدراهم انما ينصرف إلى المضروبة - والنقرة قطع كالسبائك - وان أعطته

ألف درهم مضروبة رديئة - فان كانت رداءتها من جهة الجنس أو السكة، بأن كانت فضتها خشنة أو سكنها مضطربة، وقع الطلاق لوجود الصفه. قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ: وله ردها والمطالبة ببدلها سليمة من غير نقد البلد، لان إطلاق المعاوضه يقتضى السلامه من العيوب، وإن أعطته ألف درهم مغشوشه بغير جنسها بأن كانت مغشوشة برصاص أو نحاس - فان كانت الفضة لا تبلغ ألف درهم من دراهم الاسلام - لم يقع الطلاق، لان الشرط لم يوجد وإن كانت الفضه فيها تبلغ ألف درهم من دراهم الاسلام وقع عليها الطلاق، لوجود الصفه.* * * (فرع) إذا قالت: طلقني بألف فقال: أنت طالق ثلاثا، استحق الالف، وإن طلقها واحدة أو اثنتين - قال الصيمري: - سألناها، فان قالت: أردت ما أجابنى به أو أقل لزمها الالف، وإن قالت: أردت أكثر فالقول قولها مع يمينها وله العوض بحساب ما طلق، وإن سألت الطلاق مطلقا بعوض فقال: أنت طالق، فان قال: أردت ثلاثا وقع عليها الثلاث، واستحق الالف، وإن قال أردت ما دون الثلاث رجع إليها فيما سألت، وكان الحكم كالاولة. (فرع) إذا قالت: خالعني على ألف درهم، فقال: خالعتك نظرت - فان قيداه بدراهم من نقد البلد معلوم صح ولزم الزوجه منها، وان لم يقيدا ذلك بنقد بلد معروف - وكانا في بلد فيه دراهم غالبه - انصرف إليها ذلك. كما قلنا في البيع، وان كانا في بلد لا دراهم فيها غالبه ونويا صنفا من الدراهم، أو قال: خالعتك على ألف - ولم يقل من الدراهم ولا من الدنانير، فقالت: قبلت ونويا صنفا من الدراهم والدنانير، واتفقا عليه، انصرف إطلاقهما إلى ما نوياه، لانهما إذا ذكرا ذلك واعترفا أنهما أرادا صنفا صار كما لو ذكراه، وان لم ينويا صنفا صح الخلع، وكان العوض فاسدا فيلزمها مهر المثل. إذا ثبت هذا: فان المصنف قال في مطلع الفصل: إذا قال: ان دفعت إلى ألف درهم فأنت طالق - ونويا صنفا من الدراهم - صح الخلع، وحمل على ما نويا

والذى يقتضى المذهب أن نيتهما إنما تؤثر في الخلع المنجز على ما مضى. وأما هذا فهو طلاق معلق على صفة. هكذا أفاده الماوردى والعمراني وابن الصباغ وغيرهم من أصحابنا، وأى صنف من الدراهم أعطته وقع به الطلاق ولا تأثير للنية (فرع) إذا كان له زوجتان صغيرة وكبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة رضاعا يحرم، وخالع الزوج الكبيرة - فإن علم أن الخلع سبق الرضاع - صح الخلع، وإن علم أن الرضاع سبق الخلع لم يصح الخلع لان النكاح انفسخ قبل الخلع، وإن أشكل السابق منهما صح الخلع، لان الاصل بقاء الزوجية (مسألة) إذا تخالع الزوجان الوثنيان والذميان صح الخلع لانه معاوضة فصح منهما كالبيع، ولان من صح طلاقه بغير عوض صح بعوض كالمسلمين، فان عقد للخلع بعوض صحيح ثم ترافعا الينا أمضاه الحاكم قبل التقابض وبعده لانه يصح، وإن تخالعا بعوض فاسد كالخمر والخنزير - فإن ترافعا الينا قبل القبض لم نؤمن على إقباضه بل نوجب له مهر المثل، وان ترافعا الينا بعد التقابض للجميع حكمنا ببراءة ذمتها، فإن ترافعا بعد أن قبض البعض فإن الحكم يمضى من ذلك ما تقابضاه ويحكم له بمهر المثل بقسط ما بقى كما قلنا في الصداق، وإن تخالعا المشركان على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما قبل التقابض فان الحاكم يحكم بفساد العوض ويوجب مهر المثل اعتبارا بحال المسلم منهما (فرع) وان ارتد الزوجان المسلمان أو أحدهما ثم تخالعا في حال الردة كان الخلع موقوفا، فان اجتمعا على الاسلام قبل العدة تبينا أن الخلع صحيح، لانه بان ان النكاح باق، وان انقضت عدتها قبل أن يجتمعا على الاسلام لم يصح الخلع لانه بان أن النكاح انفسخ بالردة والله أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اختلف الزوجان فقال الزوج طلقتك على مال وأنكرت المرأة بانت باقراره ولم يلزمها المال، لان الاصل عدمه. وان قال طلقتك بعوض فقالت طلقتني بعوض بعد مضى الخيار بانت باقراره، والقول في العوض قولها لان الاصل براءة ذمتها، وان اختلفا في قدر العوض، أو في عينه، أو في

صفته، أو في تعجيله أو في تأجيله، تحالفا لانه عوض في عقد معاوضة فتحالفا فيه على ما ذكرناه كالبيع، فإذا تحالفا لم يرتفع الطلاق وسقط المسمى ووجب مهر المثل، كما لو اختلفا في ثمن السلعة بعدما تلفت في يد المشترى وان خالعها على ألف درهم وأختلفا فيما نويا، فادعى أحدهما صنفا وادعى الآخر صنفا آخر تحالفا. ومن أصحابنا من قال لا يصح للاختلاف في النية لان ضمائر القلوب لا تعلم، والاول هو المذهب، لانه لما جاز أن تكون النية كاللفظ في صحة العقد عند الاتفاق وجب أن تكون كاللفظ عند الاختلاف، ولانه قد يكون بينهما أمارات يعرف بها ما في القلوب، ولهذا يصح الاختلاف في كنايات القذف والطلاق. وان قال أحدهما خالعت على ألف درهم، وقال الآخر خالعت على ألف مطلق تخالعا، لان أحدهما يدعى الدراهم والآخر يدعى مهر المثل، وان بقيت له طلقة فقالت له طلقني ثلاثا على ألف فطلقها، قلنا انها ان علمت ما بقى استحق الالف وان لم تعلم لم يستحق الا ثلث الالف. وان اختلفا فقالت المرأة لم أعلم، وقال الزوج بل علمت تحالفا ورجع الزوج إلى مهر المثل لانه اختلاف في عوض الطلقة، وهى تقول بذلت ثلث الالف في مقابلتها، وهو يقول بذلت الالف (فصل) وان قال خالعتك على ألف وقالت بل خالعت غيرى بانت المرأة لاتفاقهما على الخلع، والقول في العوض قولها، لانه يدعى عليها حقا والاصل عدمه. وان قال خالعتك على ألف، وقالت خالعتني على ألف ضمنها عنى زيد، لزمها الالف لانها أقرت به ولا شئ على زيد الا أن يقربه، وان قال خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت بل خالعتني على ألف لى في ذمة زيد، تحالفا، لان الزوج يدعى عوضا في ذمتها وهى تدعى عوضا في ذمة غيرها، وصار كما لو ادعى أحدهما أن العوض عنده وادعى آخر أنه عند آخر (الشرح) الاحكام: إذا ادعت الزوجة على زوجها أنه طلقها بألف وأنكر فان لم يكن معها بينة فالقول قوله مع يمينه. لان الاصل عدم الطلاق. وان كان

معها بينة شاهدان ذكران، واتفقت شهادتهما حكم عليه بالطلاق وانقطاع الرجعة، قال الشيخ أبو حامد: ويستحق عليها الالف، فان شاء أخذها وان شاء تركها، وان شهد أحدهما أنه خالعها بألف وشهد الآخر أنه خالعها بألفين لم يحكم بالخلع لانهما شهدا على عقدين. وان أقامت شاهدا واحدا وأرادت أن تحلف معه أو شاهدا وامرأتين لم يحكم بصحة الخلع، لان الطلاق لا يثبت الا بشاهدين (مسألة) وان ادعى الزوج على زوجته أنه طلقها بألف وأنكرت، فإن كان ليس له بينة حلفت لانه يدعى عليها دينا في ذمتها، والاصل براءة ذمتها ويحكم عليه بالبينونة لانه أقر على نفسه بذلك، وان كان معه بينة، فان أقام شاهدين ذكرين حكم له عليها بالمال، وان أقام شاهدا وحلف معه أو شاهدا وامرأتين ثبت له المال لا دعواه بالمال. وذلك يثبت بالشاهد واليمين، والشاهد والمرأتين. قال المسعودي: وان قالت طلقني بألف الا أنى كنت مكرهة على التزامه فالقول قولها مع يمينها لان الاصل براءة ذمتها (فرع) وان ادعى الزوج عليها أنها استدعت منه الطلاق بألف فطلقها عليه فقالت قد كنت استدعيت منك الطلاق بألف ولكنك لم تطلقني على الفور بل بعد مضى مدة الخيار، وقال بل طلقتك على الفور بانت منه باقراره، والقول قولها مع يمينها، لان الاصل براءة ذمتها، وان قال الزوج طلقتك بعد مضى وقت الخيار فلى الرجعة. وقالت بل طلقتني على الفور فلا رجعة لك، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم الطلاق (فرع) وان اختلفا في قدر العوض بأن قال خالعتك على ألفى درهم فقالت بل على ألف، أو اختلفا في صفة العوض بأن قال خالعتك على ألف ريال سعودى فقالت بل على ألف ريال يمنى، أو اختلفا في عين العوض فقال خالعتك على السيارة التاكسى فقالت بل على هذه السيارة النقل، أو في تعجيله وتأجيله بأن قال خالعتك على ألف درهم معجلة، فقالت بل على ألف درهم مؤجلة أو في عدد الطلاق بأن قالت بذلت لك ألفا لتطلقني ثلاثا فقال بل بذلت لى ألفا لاطلقك واحدة ولم أطلق غيرها فانهما يتحالفان في جميع ذلك على النفى والاثبات، كما قلنا في المتبايعين.

وقال أبو حنيفة القول قول المرأة. دليلنا أن الخلع معاوضة، فإذا اختلفا في قدر عوضه أو صفته أو تعجيله أو معوضه تحالفا كالمتبايعين إذا ثبت هذا فانهما إذا تحالفا فان التحالف يقتضى فسخ العقد، إلا أنه لا يمكن ههنا أن يفسخ الخلع، لانه لا يلحقه الفسخ فيسقط العوض المسمى في العقد ويرجع عليها بمهر مثلها كالمتبايعين إذا اختلفا بعد هلاك السلعة. وعلى قول من قال من أصحابنا أن البائع يرجع بأقل الامرين من الثمن الذى يدعيه البائع أو قيمة السلعة يرجع الزوج ههنا بأقل الامرين من العوض الذى يدعيه الزوج أو مهر المثل. وإذا اختلفا في قدر الطلاق فلا يقع إلا ما أقر به الزوج (فرع) وإن خالعها على دراهم في موضع لا نقد فيه، فقال أحدهما نوينا من دراهم كذا، وقال الآخر: بل نوينا من نقد بلد كذا، أو خالعها على ألف مطلق، وقال أحدهما: نوينا من الدراهم، وقال الآخر: بل نوينا من الدنانير ففيه وجهان. (أحدهما) لا يتحالفان، بل يجب مهر المثل، لان ضمائر القلوب لا تعلم، (والثانى) وهو المذهب أنهما يتحالفان، لان النية لما كانت كاللفظ في صحة العقد كانت كاللفظ في الاختلاف، ولانه يجوز أن يعرف كل واحد منهما ما نواه الآخر في ذلك بإعلامه إياه أو بأمارات بينهما، فإذا اختلفا في ذلك تحالفا.* * * وإن قال أحدهما: خالعت على ألف درهم من نقد بلد كذا. أو كانا في بلد فيه دراهم غالبة، وقال الآخر: بل خالعت على ألف مطلقة غير مقيدة بدراهم ولا دنانير تحالفا، لان أحدهما يدعى أن العوض الدراهم المسماة، والآخر يدعى أن العوض مهر المثل فتحالفا كما قلنا لو اختلفا في قدر العوض.

وإن بقيت له على إمرأته طلقة فقالت طلقني ثلاثا فطلقها واحدة - وقلنا بقول أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - أنها إذا علمت أنه لم يبق إلا طلقة، وقالت: ما كنت عالمة بذلك تحالفا، لانهما اختلفا في عدد الطلاق المبذول به الالف فهى تقول: ما بذلت الالف إلا في مقابلة الثلاث، والزوج يقول: بذلت الالف في مقابلة الواحدة لعلك بها، فتحالفا كما لو كان يملك عليها ثلاث طلقات، واختلفا في عدد الطلاق، وجب عليه مهر مثلها لما ذكرناه. (مسألة) قوله: وإن قال: خالعتك إلخ، وهذا كما قال، فإنه إذا قال: خالعتك على ألف درهم فقالت: ما بذلت لك العوض على طلاقي، وإنما بذل لك زيد العوض من ماله على طلاقي، فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل براءة ذمتها، تبين منه لاتفاقهما على طلاقها بعوض. وان قال: خالعتك بألف في ذمتك، فقالت: خالعتني في ذمتي الا أن زيدا ضمنها عنى، لزمها الالف، لانها أقرت بوجوبها عليها الا أنها ادعت أن زيدا ضمنها، وذلك لا يسقط من ذمتها. وان قالت: خالعتني بألف يعدها عنى زيد لزمها الالف لانها أقرت بوجوبها عليها، لان زيدا لا يعد عنها الا ما وجب عليها، وان قال: خالعتك على ألف درهم في ذمتك، أو في يديك، وقالت: بل خالعتني على ألف درهم في ذمة زيد لى، ففيه وجهان. (أحدهما) أنهما يتحالفان لانهما اختلفا في عين العوض فتحالفا كما لو قال خالعتك على هذه الدراهم في هذا الكيس، فقالت: بل على هذه التى في الكيس الآخر، والثانى: أنهما لا يتحالفان، لان الخلع على ما في ذمة الغير لا يصح، لانه غير مقدور عليه، فهو كما لو خالعها على بهيمتها الضاله، أو عبدها الابق فعلى هذا يلزمها مهر مثلها، والمذهب الاول، لان بيع الدين في الذمة من غير السلم والكتابة يصح في أحد الوجهين، وان قلنا: لا يصح؟ فلم يتفقا على أنه خالعها عليه وانما هي تدعى ذلك، والزوج ينكره فهو كما لو قالت: خالعننى على خمر أو خنزير فقال: بل على الدراهم أو الدنانير فإنهما يتحالفان فهذا مثله، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.

كتاب الطلاق

قال المصنف رحمه الله: كتاب الطلاق يصح الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار، فأما غير الزوج فلا يصح طلاقه وإن قال: إذا تزوجت إمرأة فهى طالق لم يصح لما روى المسور بن مخرمة " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك " وأما الصبى فلا يصح طلاقه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ عن يفيق " فأما من لا يعقل فإنه ان لم يعقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمجنون والمريض ومن شرب دواء؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ فزال عقله أو أكره على شرب الخمر حتى سكر، لم يقع طلاقه، لانه نص في الخبر على النائم والمجنون وقسنا عليهما الباقين، وان لم يعقل بسبب لا يعذر فيه كمن شرب الخمر لغير عذر فسكر أو شرب دواء لغير حاجة فزال عقله، فالمنصوص في السكران أنه يصح طلاقه. وروى المزني أنه قال في القديم: لا يصح ظهاره، والطلاق والظهار واحد فمن أصحابنا من قال: فيه قولان. (أحداهما) لا يصح وهو اختيار المزني وأبى ثور، لانه زائل العقل فأشبه النائم، أو مفقود الارادة فأشبه المكره. (والثانى) أنه يصح، وهو الصحيح، لما روى أبو وبرة الكلبى قال " أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضى الله عنه فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلى وعبد الرحمن وطلحة والزبير رضى الله عنهم، فقلت ان خالدا يقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة، فقال عمر: هم هؤلاء عندك فاسألهم، فقال على عليه السلام: تراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفترى ثمانون جلدة، فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، فجعلوه كالصاحي " ومنهم من قال: يصح طلاقه قولا واحدا، ولعل ما رواه المزني حكاه الشافعي رحمه الله عن غيره، وفى علته ثلاثة أوجه.

أحدها - وهو قول أبى العباس - أن سكره لا يعلم إلا منه، وهو متهم في دعوى السكر لفسقه، فعلى هذا يقع الطلاق في الظاهر. ويدين فيما بينه وبين الله عزوجل. (والثانى) أنه يقع طلاقه تغليظا عليه لمعصيته، فعلى هذا يصح ما فيه تغليظ عليه كالطلاق والعتق والردة، وما يوجب الحد ولا يصح ما فيه تخفيف كالنكاح والرجعة وقبول الهبات. (والثالث) أنه لما كان سكره بمعصية أسقط حكمه فجعل كالصاحي، فعلى هذا يصح منه الجميع، وهذا هو الصحيح، لان الشافعي رحمه الله نص على صحة رجعته (الشرح) حديث المسور بن مخرمة في الزوائد إسناده حسن لان اسناده عند ابن ماجه حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا على بن الحسين بن واقد ثنا هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك " ففيه على بن الحسين بن واقد مختلف فيه فقد قال الذهبي: صدوق. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس به بأس، وذكره العقيلى وقال: مرجئ، قال البخاري مات سنة احدى عشرة ومائتين. وكذلك هشام بن سعد هكذا في متن ابن ماجه طبعة المطبعة العلمية وعليه شرح أبى الحسن بن عبد الهادى الحنفي يقول: وهشام بن سعيد ضعيف وكلام الاسمين يطلقان على رجلين في كل منهما قيل كلام فهشام بن سعيد الطالقاني لقى ابن لهيعة وأبا شهاب الحناط. وعنه أحمد بن حنبل وأحمد بن أبى خثيمة وجماعه. وثقه أحمد وكان ابن معين لا يروى عنه. قال الذهبي ما أدرى لاى شئ. وقال النسائي ليس به بأس. ووثقه ابن سعد وهشام بن سعد أبو عباد المدنى مولى بن مخزوم يقال له يتيم زيد بن أسلم صحبه وأكثر عنه. وروى عن عمرو بن شعيب والمقبرى ونافع. وعنه ابن وهب والقعنبى وجماعة كثيرة. قال أحمد لم يكن بالحافظ. وكان يحيى القطان لا يحدث عنه. وقال أحمد أيضا لم يكن من محكم الحديث. وقال ابن معين ليس بذلك القوى

وقال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بالقوى. وقال ابن عدى: مع ضعفه يكتب حديثه إلى آخر ما قيل في أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم وله مناكير كثيرة. وأنا أخلص من هذا بأن كلا الرجلين قيل فيه كلام فأى الرجلين هو المعنى في الرواية هل متن السنن أم حاشية ابن عبد الهادى؟ إذا نظرنا في زمن كل من الرجلين فنجد ابن سعيد وهو من شيوخ أحمد والذين تكلموا في ضعفه قلة فهو مختلف فيه وزمنه يمكن أن يكون من طبقة تروى عن الزهري، فإذا عرفت أن الحفاظ قرروا أن هذا الحديث حسن عرفت أن الاسناد كان لا يكون حسنا لو أنه هشام بن سعد لكثرة ما أخذ عليه الحفاظ من مناكير فرجل مثله لا يكون حديثه حسنا من جهة إسناده، ومن ثم تكون حاشية ابن عبد الهادى أضبط من متن السنن وأنه هشام بن سعيد، وقد أخرج له مسلم في الشواهد، والحديث أخرجه أحمد وأهل السنن والبزار والبيهقي، وقال هو أصح شئ في هذا الباب وأشهر. عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك " وقال الترمذي: حديث حسن وهو أحسن شئ روى في هذا الباب. وفى أبى داود: وقال فيه " ولا وفاء نذر إلا فيما يملك " ولابن ماجه فيه " لا طلاق فيما لا يملك " واختلف في حديث المسور على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور، وروى عنه عن عروة عن عائشة، وروى بمعنى هذا الحديث عن أبى بكر الصديق وأبى هريرة وأبى موسى الاشعري وأبى سعيد الخدرى وعمران بن الحصين وغيرهم، وفى مستدرك الحاكم عن جابر مرفوعا بلفظ " لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك " قال الحاكم: صحيح، وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه، وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وابن عباس ومعاذ بن جبل وجابر اه.

وأما حديث " رفع القلم عن ثلاثة إلخ " فقد رواه على وعائشة رضى الله عنهما وأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَيَاهُ هُمَا وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَقَدْ كَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ المهذب وقل أن يذكر راويه، وقد أورده في كتاب السير من رواية على كرم الله وجهه. أما أثر أبى وبرة الكلبى فقد أخرجه الطبري والطحاوى والبيهقي وفيه " أن رجلا من بنى كلب يقال له: ابن وبرة أخبره أن خالد بن الوليد بعثه إلى عمر، وقال له: إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة، فقال عمر لمن حوله ما ترون فقال على " وذكر ما تقدم في الفصل، وأخرج نحوه عبد الرزاق عن عكرمة وسيأتى في كتاب الحدود مزيد من الاستقصاء لرواته وطرقه والكلام على أحكامه هناك ان شاء الله. أما اللغات: فإن طلق الرجل امرأته تطليقا فهو مطلق، فإن كثر تطليقه للنساء قيل: مطليق ومطلاق، والاسم الطلاق وطلقت هي من باب قتل وفى لغة من باب قرب فهى طالق بغير هاء. قال الازهرى: وكلهم يقول بغير هاء. قال: وأما قول الاعشى: أيا جارتنا بينى فإنك طالقه * كذاك أمور الناس غاد وطارقه فقال الليث أراد طالقة غدا، وانما اجترأ عليه لانه يقال: طلقت فحمل النعت على الفعل. وقال ابن فارس أيضا: امرأة طالق طلقها زوجها، وطالقة غدا، فصرح بالفرق، لان الصفه غير واقعه، وقال ابن الانباري إذا كان النعت منفردا به الانثى دون الذكر لم تدخله الهاء نحو طالق وطامث وحائض، لانه لا يحتاج إلى فارق لاختصاص الانثى به. وقال الجوهرى يقال طالق وطالقه، وأنشد بيت الاعشى، وأجيب عنه بجوابين (أحدهما) ما تقدم (والثانى) أن الهاء لضرورة التصريع على أنه معارض بما رواه ابن الانباري عن الاصمعي قال أنشدني أعرابي من شقى اليمامة البيت فإنك طالق من غير تصريع، فتسقط الحجه به.

قال البصريون: إنما حذفت العلامة لانه أريد النسب. والمعنى امرأة ذات طلاق وذات حيض، أي هي موصوفة بذلك حقيقة ولم يجروه على الفعل. ويحكى عن سيبويه أن هذه نعوت مذكرة وصف بهن الاناث كما يوصف المذكر بالصفة المؤنثة نحو علامة ونسابة، وهى سماعي. وقال الفارابى: نعجة طالق بغير هاء إذا كانت مخلاة ترعى وحدها، فالتركيب يدل على الحل والانحلال. يقال: أطلقت الاسير إذا حللت اساره وخليت عنه فانطلق، أي ذهب في سبيله، وأطلقت البينة إذا شهدت من غير تقييد بتاريخ، وأطلقت الناقة من عفالها، وناقة طلق بضمتين بلا قيد، وناقة طالق أيضا مرسلة ترعى حيث شاءت، وقد طلقت طلوقا من باب قعد إذا انحل وثاقها وأطلقتها إلى الماء فطلقت، والطلق بفتحتين جرى الفرس، لا تحتبس إلى الغاية فيقال عدا الفرس طلقا أو طلقتين، كما يقال شوطا أو شوطين، وتطلق الظبى مر لا يلوى على شئ. وطلق الوجه بالضم طلاقة، ورجل طلق وطلق الوجه أي فرح ظاهر البشر، وهو طلبق الوجه قال أبو زيد " متهلل بسام " وهو طلق اليدين بمعنى سخى، وليلة طلقة، إذا لم يكن فيها قر ولا حر، وكله وزان فلس وشئ طلق، وزان حمل أي حلال، وافعل هذا طلقا لك أي حلالا ويقال الطلق المطلق الذى يتمكن صاحبه فيه من جميع التصرفات فيكون فعل بمعنى مفعول مثل الذبح بمعنى المذبوح، وأعطيته من طلق مالى أي من حله أو من مطلقه وطلقت المرأة بالبناء للمفعول طلقا فهى مطلوقة إذا أخذها المخاض وهو وجع الولادة، وطلق لسانه بالضم وطلوقة فهو طلق اللسان، وطليقه أيضا، أي فصيح عذب المنطق، واستطلقت من صاحب الدين كذا فأطلقه، واستطاق بطنه لازما، وأطلق الدواء، وفرس مطلق اليدين إذا خلا من النحجبل أما قوله " أنهمكوا في الخمر " فانه يقال انهمك فلان في الامر أي جد ولج. وكذلك تهمك في الامر. تحاقروا العقوبة استصغروها. والحقير الصغير. ومحقرات الذنوب صغارها. قوله " إذا سكر هذى " يقال هذى في منطقه يهذى ويهذو. وهذا هذيانا إذا كثر كلامه وقلت فائدته. وإذا هذى افترى أي كذب والافتراء والفرية الكذب

وأصله الخلق، من فريت المزادة إذا خلقتها وصنعتها، كأنه اختلق الكذب أي صنعه وابتدأه، هكذا أفاده ابن بطال في شرح غريب المهذب والفيومى في غريب الشرح الكبير للرافعي المسمى بالمصباح المنير أما الاحكام فإن الطلاق ملك للازواج على زوجاتهم، والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " وقوله تعالى " الطلاق مرتان " الاية. وأما السنة فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصه بنت عمر ثم راجعها. وروى عن ابن عمر أنه قال كان تحتي امرأة أحبها وكان أبى يكرهها فأمرني أن أطلقها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني أن أطلقها. وأجمعت الامة على جواز الطلاق، إذا ثبت هذا فإن الطلاق لا يصح الا بعد النكاح. فأما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق، أو إذا تزوجت امرأة من القبيله الفلانية فهى طالق، أو إذا تزوجت فلانة فهى طالق، أو قال لاجنبية إذا دخلت الدار وأنت زوجتى فأنت طالق، فلا يتعلق بذلك حكم، وإذا تزوج لم يقع عليها الطلاق. وكذلك إذا عقد العتق قبل الملك فلا يصح. هذا مذهبنا وبه قال من الصحابة على بن أبى طالب وابن عباس وعائشة. ومن التابعين شريح وابن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس والحسن وعروة، ومن الفقهاء أحمد واسحاق، الا أن أحمد له في العتق روايتان. وقال أبو حنيفة وأصحابه تنعقد الصفة في عموم النساء وخصوصهن، وكذلك إذا قال لامرأة أجنبية إذا دخلت الدار وأنت زوجتى فأنت طالق فتزوجها ودخلت الدار طلقت. وكذلك يقول في عقد العتق قبل الملك مثله، وحكى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الزهري. وقال مالك: ان عين ذلك في قبيلة بعينها أو امرأة بعينها انعقدت الصفة. وان عمم لم ينعقد. وبه قال النخعي وربيعة والاوزاعي وابن أبى ليلى دليلنا ما رواه المسور بن مخرمة مرفوعا " لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك " ولان من لم ينعقد طلاقه بالمعاشرة لم ينعقد طلاقه بصفة كالمجنون والصغير.

(مسأله) ولا يصح طلاق الصبى والنائم والمجنون. وقال أحمد في إحدى الروايتين: إذا عقل الصبى الطلاق وقع. دليلنا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، ولا يصح طلاق المعتوه ومن زال عقله بمرض أو بسبب مباح لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه والصبى ولانه يلفظ بالطلاق ومعه علم ظاهر يدل على قدر قصده بوجه هو معذور فيه فلم يقع طلاقه كالطفل. (فرع) وان شرب خمرا أو نبيذا فسكر فطلق في حال سكره فالمنصوص أن طلاقه يقع. وحكى المزني أنه قال في القديم " في ظهار السكران قولان " فمن أصحابنا من قال. إذا ثبت هذا كان في طلاقه أيضا قولان. (أحدهما) لا يقع واليه ذهب ربيعة والليث وداود وأبو ثور والمزنى، لانه زال عقله فأشبه المجنون. (والثانى) يقع طلاقه لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " فخاطبهم في حال السكر فدل على أن السكران مكلف. وروى أن عمر رضى الله عنه استشار الصحابة رضى الله عنهم وقال ان الناس قد تباغوا في شرب الخمر واستحقروا حد العقوبة فيه، فما ترون؟ فقال على انه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحده حد المفترى، فلولا أن لكلامه حكما لما زيد في حده لاجل هذيانه. وقال أكثر أصحابنا: يقع طلاقه قولا واحدا لما ذكرناه من الآية والاجماع. واختلف أصحابنا في نيته فمنهم من قال: لان سكره لا يعلم الا من جهته وهو متهم في دعوى السكر لفسقه، فعلى هذا يقع الطلاق في الظاهر وليس فيما بينه وبين الله تعالى. ومنهم من قال يقع الطلاق تغليظا عليه، فعلى هذا يقع منه كل ما فيه تغليظ عليه كالطلاق والردة والعتق، وما يوجب الحد، ولا يقع ما فيه تخفيف كالكناح والرجعة وقبول الهبة، ومنهم من قال لما كان سكره معصية سقط حكمه، فجعل كالصاحي، فصح منه الجميع.

قال العمرانى من أصحابنا: وهذا هو الصحيح، فان شرب دواء أو شرابا غير الخمر والنبيذ فسكر - فان شربه لحاجة - فحكمه حكم المجنون، وإن شربه ليغيب عقله، فهو كالسكران بشرب الخمر، لانه زال عقله بمعصية فهو كمن شرب الخمر والنبيذ. وقد استدل بعدم صحة إقرار السكران بقصة ماعز حين قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أشرب خمرا، فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر إلخ الحديث، وقد قاس صاحب المنتقى إقرار السكران على طلاقه حين ساق حديث ماعز في كتاب الطلاق مع أن الحديث لا صلة له بالطلاق البتة، وهو اجتهاد سليم وقد قال الشوكاني: وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبى شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبى الشثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز. قال في الفتح: وبه قال ربيعة والليث وإسحق والمزنى، واختاره الطحاوي، واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع، قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهرى والشعبى، وبه قال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة. قال: وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه، والخلاف عند الحنابلة، وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن على وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن على والهادي والمؤيد بالله، وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد، ورواية عن ابن عباس والناصر وأبى طالب والبتى وداود بن على اه. وقد ذكرنا احتجاج القائلين بالوقوع بمفهوم التكليف في قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) وقد أجيب بأن النهى في الآية إنما هو عن أصل السكر الذى يلزم منه قربان الصلاة كذلك، وقيل إنه نهى للثمل الذى يعقل الخطاب وأيضا قوله في آخر الاية (حتى تعلموا ما تقولون) دليل على أن السكران يقول مالا يعلم، ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفا وهو غير فاهم، والفهم شرط التكليف كما تقرر في الاصول.

واحتجوا ثانيا بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الاثم لانه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر، وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره. إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من الله أو من قبل نفسه، كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام. وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء بالصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لانه غير مكلف حال النوم بلا نزاع واحتجوا ثالثا بأن ربط الاحكام بأسبابها أصل من الاصول المأنوسة في الشريعة، والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات. وأجيب بأن الاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقا؟ ان قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذى لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق. وإن قلتم إنه ايقاع اللفظ من العاقل الذى يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم، فلا يكون ايقاع لفظ الطلاق منه سببا. واحتجوا رابعا بأن الصحابة رضى الله عنهم جعلوه كالصاحي، ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا واحتجوا خامسا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لانه إذا فعل حراما واحدا لزمه حكمه، فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الاخر سقط عنه الحكم، مثلا لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لاجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الاخر وهو السكر، فإن ذلك مما لا يقول به عاقل، وانما أسقطنا عنه حكم الصاحى فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط. ومن الادلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبى صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه هو وعلى " وهل أنتم الا عبيد لابي "

في قصة الشارفين المشهورة، فتركه صلى الله عليه وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة، مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفرا. وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة، والخلاف انما هو بعد تحريمها. وحكى الحافظ في فتح الباري عن ابن بطال أنه قال " الاصل في السكران العقل " والسكر شئ طرأ على عقله. فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الاصل حتى يثبت فقدان عقله اه. وقال القائلون يعد الوقوع " لا يقال ان ألفاظ الطلاق ليست من الاحكام التكليفية، بل من الاحكام الوضعية، وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لانا نقول الاحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الاحكام التكليفية. وأيضا السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق وبالاتفاق. والا لزم وقوع طلاق المجنون. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وأما المكره فإنه ينظر فإن كان اكراهه بحق كالمولى إذا أكرهه الحاكم على الطلاق وقع طلاقه. لانه قول حمل عليه بحق فصح كالحربي إذا أكره على الاسلام. وان كان بغير حق لم يصح لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّهُ قول حمل عليه بغير حق فلم يصح كالمسلم إذا أكره على كلمة الكفر. ولا يصير مكرها الا بثلاثة شروط (أحدها) أن يكون المكره قاهرا له لا يقدر على دفعه (والثانى) أن يغلب على ظنه أن الذى يخافه من جهته يقع به (والثالث) أن يكون ما يهدده به مما يلحقه ضرر به كالقتل والقطع والضرب المبرح والحبس الطويل والاستخفاف بمن يغض منه ذلك من ذوى الاقدار لانه يصير مكرها بذلك. وأما الضرب القليل في حق من لا يبالى به والاستخفاف بمن لا يغض منه أو أخذ القليل من المال ممن لا يتبين عليه. أو الحبس القليل. فليس بإكراه.

وأما النفى فإن كان فيه تفريق بينه وبين الاهل فهو إكراه، وإن لم يكن فيه تفريق بينه وبين الاهل ففيه وجهان (أحدهما) أنه إكره لانه جعل النفى عقوبة كالحد، ولانه تلحقه الوحشة بمفارقة الوطن (والثانى) ليس بإكراه لتساوي البلاد في حقه. وإذا أكره على الطلاق فنوى الايقاع ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع لان اللفظ يسقط حكمه بالاكراه، وبقيت النية من غير لفظ، فلم يقع بها الطلاق. (والثانى) انه يقع لانه صار بالنية مختارا (فصل) وان قال الاعجمي لامرأته أنت طالق وهو لا يعرف معناه ولا نوى موجبه لم يقع الطلاق، كما لو تكلم بكلمة الكفر وهو لا يعرف معناه ولم يرد موجبه، وان أراد موجبه بالعربية ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول الماوردى البصري أنه يقع لانه قصد موجبه فلزمه حكمه (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرايينى رحمه الله أنه لا يصح كما لا يصير كافرا إذا تكلم بكلمة الكفر وأراد موجبه بالعربية. (الشرح) الحديث أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس بهذا اللفظ الذى ساقه المصنف " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وحسنه النووي، وقد أطال الحافظ ابن حجر في باب شروط الصلاة من التلخيص الحبير أما الاحكام فإن أكره على الطلاق فطلق - فإن كان مكرها بحكم قضائي وقع الطلاق، كما نقول في الحربى إذا أكره على كلمة التوحد، وان كان مكرها بغير حق ولم ينو إيقاع الطلاق فالمنصوص أنه لا يقع طلاقه. وحكى المسعودي وابن الصباغ وجها آخر أنه لا يقع إذا ورى بغير الطلاق، مثل أن يريد به طلاقها من وثاق أو يريد امرأة اسمها كاسم امرأته والمذهب الاول وبه قال عمر وعلى وابن الزبير وابن عمر وشريح والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء ومجاهد وطاوس ومالك والاوزاعي.

وقال أبو حنيفة والثوري والنخعي والشعبى: يقع طلاقه. دليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وروى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا طلاق ولا عتاق في اغلاق " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وأبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم، والاغلاق بكسر الهمزة وسكون الغين فسره علماء الغريب بالاكراه، روى ذلك في التلخيص الحبير عن ابن قتيبة والخطابى وابن السيد وغيرهم، وقيل: الجنون، واستبعده المطرزى. وقال أبو عبيدة: الاغلاق التضييق. وقد استدل بهذا الحديث من قال بعدم صحة طلاق المكره، وبه قال جماعة ما أهل العلم، وحكى ذلك عمن ذكرناهم، ولانه قول حمل عليه بغير حق، فلم يصح كما لو أكره على الاقرار بالطلاق، وقولنا: بغير حق احتراز ممن أكرهه الحاكم على الطلاق. إذا ثبت هذا: فلا يكون مكرها حتى يكون المكره له قاهرا له لا يقدر على الامتناع منه، وإن غاب على ظنه أنه إذا لم يطلق فعل به ما أوعده به، فإن أوعده بالقتل أو قطع طرف، كان ذلك مكرها، وان أوعده بالضرب أو الحبس أو الشتم أو أخذ المال، فاختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق: إن ذلك لا يقع به الاكراه. وقال عامة أصحابنا - وهو المذهب - ان أوعده بالضرب والحبس والشتم - فان كان المكره من ذوى الاقدار والمرءوة ممن يؤثر ذلك تأثيرا بالغا في حاله كان اكراها له، لان ذلك يسيئه. وان كان من العوام، أو سخفاء الرعاع، لم يكن ذلك اكراها في حقه، لانه لا يبالى به، وان أوعده بأخذه القليل من ماله مما لا يبين عليه، لم يكن اكراها، وان أوعده بأخذ ماله أو أكثره كان مكرها، وان أوعده باتلاف الولد، ففيه وجهان حكاهما المسعودي، وان أوعده بالنفى عن البلد، فان كان له أهل في البلد كان ذلك اكراها، وان لم يكن له أهل ففيه وجهان.

(أحدهما) أنه اكراه لانه يستوحش بمفارقة الوطن (والثانى) ليس باكراه لتساوي البلاد في حقه هذا مذهبنا. وقال أحمد في احدى الروايتين ما أوعده به فليس باكراه، لانه لم يصبه ما يستضر به، وهذا ليس بصحيح، لان الاكراه لا يكون الا بالتوعد، فأما ما فعله به فلا يمكن ازالته. (فرع) إذا أكره على الطلاق ونوى بقلبه من وثاق أو نوى غيرها ممن يشاركها في الاسم وأخبر بذلك قبل منه لموضع الاكراه من القضيه، فان نوى ايقاع الطلاق، ففيه وجهان. (أحدهما) يقع لانه صار مختارا لايقاعه (والثانى) لا يقع لان حكم اللفظ سقط بالاكراه وتبقى النية، والنية لا يقع بها الطلاق. (فرع) ويقع الطلاق في حال الرضى والغضب والجد والهزل، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة " رواه أصحاب السنن. وقال الترمذي حسن غريب ورواه الحاكم وصححه. وفى اسناد الدارقطني عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه. قال الحافظ: فهو على هذا حسن. وقد أخرج الطبراني وعبد الرزاق أحاديث أخرى بمعناه. إذا ثبت هذا: فان الطلاق يقع من المسلم والكافر، والحر والعبد والمكاتب لاجماع الامة على ذلك، فان تزوج امرأة فنسى أنه تزوجها فقال: أنت طالق، وقع عليها الطلاق لانه صادف ملكه. (مسألة) قوله: فصل. وان قال الاعجمي لامرأته: أنت طالق الخ. وهو كما قال، فان العجمي إذا قال لامرأته: أنت طالق ولم يعرف معناه ولا نوى موجبه لم يقع الطلاق. كما لو تكلم بالكفر ولا يعرف معناه. وان نوى موجبه بالعربية ففيه وجهان. (أحدهما) يقع عليها الطلاق لانه نوى موجبه (والثانى) لا يقع كما لو تكلم بالكفر ولا يعلم معناه ونوى موجبه. أفاده العمرانى في البيان اه قلت: لاننا إذا جعلنا الحكم على النية وحدها كان الحكم باطلا وإذا جعلناه على اللفظ وحده كان مثله، واقترانهما لا يفيد التلازم بينهما لفقدان الفهم،

واقترانهما لا يسوغ معه اعطاء حكمهما الا إذا اقترن اللفظ بالفهم. ومن ثم يتوجه الوجه الثاني عندي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) ويملك الحر ثلاث تطليقات. لما روى أبو رزين الاسدي قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال: أرأيت قول الله عزوجل: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فأين الثلاثة؟ قال: تسريح بإحسان الثالثة، ويملك العبد طلقتين لما روى الشافعي رحمه الله: أن مكاتبا لام سلمة طلق إمرأته وهى حرة تطليقتين، وأراد أن يراجعها فأمره أَزْوَاجِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يأتي عثمان رضى الله عنه فيسأله، فذهب إليه فوجده آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما عن ذلك، فابتدراه وقالا: حرمت عليك حرمت عليك ". (فصل) ويقع الطلاق على أربعة أوجه واجب ومستحب ومحرم ومكروه فأما الواجب فهو في حالتين (أحدهما) إذا وقع الشقاق ورأى الحكمان الطلاق، وقد بيناه في النشوز (والثانى) إذا آلى منها ولم يفئ إليها ونذكره في الايلاء إن شاء الله تعالى. وأما المستحب فهو في حالتين: إحداهما: إذا كان يقصر في حقها في العشرة أو في غيرها، فالمستحب أن يطلقها لقوله عز وجل " فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف " ولانه إذا لم يطلقها في هذه الحال لم يؤمن أو يفضى إلى الشقاق أو إلى الفساد. والثانى أن لا تكون المرأة عفيفة فالمستحب أن يطلقها، لما روى أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ان امرأتي لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلقها، ولانه لا يأمن أن تفسد عليه الفراش وتلحق به نسبا ليس منه. (الشرح) حديث أبى رزين الاسدي. قال ابن أبى حاتم أخبرنا يونس بن عبد الاعلى قراءة أخبرنا ابن وهب، أخبرني سفيان الثوري حدثنى اسماعيل بن سميع قال: سمعت أبا رزين يقول " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

يا رسول الله أرأيت قول الله عزوجل: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أين الثالثة قال التسريح باحسان. ورواه عبد بن حميد في تفسيره ولفظه: أخبرنا يزيد بن أبى حكيم عن سفيان عن اسماعيل بن سميع أن أبا رزين الاسدي يقول، قال رجل يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى " الطلاق مرتان، فأين الثالثة؟ قال التسريح باحسان الثالثة " ورواه الامام أحمد أيضا، وهكذا رواه سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله عن اسماعيل بن زكريا وأبى معاوية عن اسماعيل بن سميع عن أبى رزين به، وكذا رواه ابن مردويه أيضا من طريق قيس بن الربيع عن اسماعيل بن سميع عن أبى رزين به مرسلا، ورواه ابن مردويه أيضا من طريق عبد الواحد بن زياد عن اسماعيل بن سميع عن أنس بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فذكره، ثم قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عبد الله بن جرير بن جبلة حدثنا ابن عائشة حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أَنَسٍ قَالَ، جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذكر الله الطلاق مرتين فأين الثالثة؟ قال امساك بمعروف أو تسريح باحسان، قال في الدر المنثور وأخرجه البيهقى وابن المنذر والنحاس وأبو داود في ناسخه ومنسوخه وابن جرير ووكيع وعبد الرزاق قلت وأبو رزين هذا هو مسعود بن مالك الاسدي الكوفى ثقة فاضل من الطبقة الثانية مات سنة خمس وثمانين وهو غير أبى رزين عبيد الذى قتله ابن زياد بالبصرة ووهم من خلط بينهما، وهو أيضا غير أبى رزين الذى ترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب بقوله والد عبد الله بن أبى رزين الذى لم يرو عنه غير ابنه حديثه في الصيد يتوارى، وهما مجهولان أما حديث مكاتب أم سلمة فقد رواه الشافعي في الام، أخبر مالك قال وحدثني ابن شهاب عن ابن المسيب أن نفيعا مكاتبا لام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم طلق امرأته حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال له عثمان حرمت عليك وأخرجه الشافعي أيضا عن مالك، حدثنى عبد ربه بن سعيد عن محمد بن ابراهيم ابن الحرث أن نفيعا مكاتبا لام سلمة استفتى زيد بن ثابت فقال انى طلقت امرأة لى

حرة تطليقتين، فقال زيد حرمت عليك. وأخرجه أيضا عن مالك، حدثنى أبو الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا لام سلمة أو عبد كان تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها، فأمره أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك فذهب إليه فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا: حرمت عليك اه قلت: ويعارضه ما روى عن عمر بن معتب " أن أبا حسن بنى نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته أمة فطلقها تطليقتين ثم عتقا، هل يصلح أن يخطبها. قال نعم. قضى بذلك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ النسائي وابن ماجه وأبو داود، إلا أن عمر بن معتب قال فيه على بن المدينى أنه منكر الحديث وسئل عنه أيضا فقال انه مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبى كثير. وقال النسائي ليس بالقوى. وقال الامير أبو نصر: منكر الحديث. وقال الذهبي لا يعرف. ومعتب بضم الميم وفتح العين وتشديد المثناة، وقد استدل بهذا الحديث من قال ان العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحر من ثلاث تطليقات وقال أبو حنيفة " انه لا يملك في الامة الا اثنتين أما في الحرة فكالحر " واستدلوا بحديث ابن مسعود " الطلاق بالرجال والعدة بالنساء " عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف قالوا. أخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن ابن عباس نحوه، وأجيب بأنه موقوف أيضا. وكذلك روى نحوه أحمد من حديث على، وهو أيضا موقوف. وقد أخرج ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعا " طلاق الامة اثنتان وعدتها حيضتان " وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطيه العوفى وهما ضعيفان. وقال الدارقطني والبيهقي الصحيح أنه موقوف، ولكن في السنن نحو من حديث عائشة واعترض بأن في إسناده مظاهر بن أسلم. قال الترمذي حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا الا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث.

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو قول سقيان والشافعي وإسحاق اه وقال العمرانى: عدد الطلاق معتبر بالرجال دون النساء فيملك الحر ثلاث تطليقات، سواء كانت زوجته حرة أو أمة، ولا يملك العبد إلا طلقتين سواء كانت زوجته حرة أو أمة. وبه قال ابن عمر وابن عباس، ومن الفقهاء مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة والثوري: عدد الطلاق معتبر بالنساء، فإن كانت الزوجة حرة ملك زوجها عليها ثلاث تطليقات، سواء كان حرا أو عبدا. وإن كانت أمة لم يملك عليها إلا طلقتين، سواء كان حرا أو عبدا، وبه قال على ابن ابى طالب. اه دليلنا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ " كان الرجل يطلق امرأته في صدر الاسلام ما شاء أن يطلقها وهى امرأته إذا ارتجعها وهى في العدة. وإن طلقها مائة وأكثر حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبينى منى ولا آويك أبدا، قالت وكيف ذلك؟ قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: الطلاق مرتان، فامساك بمعروف أو تسريح باحسان. قالت عائشة فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق ومن لم يكن طلق " رواه الترمذي ورواه أيضا عن عروة مرسلا، وذكر أنه أصح، والمرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، والمرسل من طريق أبى كريب عن عبد الله بن ادريس عن هشام عن عروة ولم يذكر عائشة. وحديث الرجل الذى سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين الثالثه؟ فقال تسريح باحسان. وقد مضى كلامنا عليه وهذه الايه إنما وردت في الحر لقوله تعالى " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جناح عليهما فيما افتدت به " فأحل الله تعالى الاخذ له، والذى أحل له الاخذ هو الحر دون المولى، ولم يفرق بين أن تكون الزوجه حرة أو أمة

فان قيل: الامة تفتدي، قلنا الامة لا تفتدي فان افتدت باذن سيدها كان ذلك مما في يدها أو كسبها، والا كان ذلك في ذمتها. (فرع) إذا طلق الذمي الحر امرأته طلقه فنقض الامان ولحق بدار الحرب فسبى واسترق ثم تزوج زوجته التى طلقها باذن سيدها قال ابن الحداد: لم يملك عليها أكثر من طلقه واحدة، لان النكاح الثاني يبنى على الاول في عدد الطلقات، وان طلقها طلقتين ونقض الامان ولحق بدار الحرب فسبى واسترق ثم تزوجها باذن سيده كانت عنده على واحدة، لان الطلقتين الاولتين لم يحرماها عليه، فلم يتعين الحكم بالرق عليه الصارئ بعده، كذلك إذا طلق العبد امرأته طلقة فأعتق ثم تزوجها ملك عليها تمام الثلاث وهو طلقتان، لان الطلقه الاولى لم تحرمها عليه ولو طلق العبد امرأته طلقتين ثم أعتق العبد لم يجز له أن يتزوجها قبل زوج آخر لانها حرمت عليه بالطلقتين الاولتين فلا يتعين الحكم بالعتق الطارئ. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وأما المحرم فهو طلاق البدعه وهو اثنان (أحدهما) طلاق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل (والثانى) طلاق من يجوز أن تحبل في الطهر الذى جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل. والدليل عليه ما روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه طلق امرأته وهى حائض، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض عنده مرة أخرى، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض عنده أخرى، ثم يمسكها حتى تطهر من حيضها، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر قبل ان يجامعها، فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء " ولانه إذا طلقها في الحيض أضر بها في تطويل العدة، وإذا طلقها في الطهر الذى جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل لم يأمن أن تكون حاملا فيندم على مفارقتها مع الولد،

ولانه لا يعلم هل علقت بالوطئ فتكون عدتها بالحمل، أو لم تعلق فتكون عدتها بالاقراء. وأما طلاق غير المدخول بها في الحيض فليس بطلاق بدعة، لانه لا يوجد تطويل العدة. فأما طلاقها في الحيض وهى حامل على القول الذى يقول ان الحامل تحيض فليس ببدعة. وقال أبو إسحاق هو بدعة لانه طلاق في الحيض. والمذهب الاول، لما روى سالم أن ابن عمر رضى الله عنه " طلق امرأته وهى حائض، فذكر عمر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها وهى طاهر أو حامل " ولان الحامل تعتد بالحمل فلا يؤثر الحيض في تطويل عدتها وأما طلاق من لا تحمل في الطهر المجامع فيه وهى الصغيرة والايسة من الحيض فليس ببدعة لان تحريم الطلاق للندم على الولد أو للريبة بما تعتد به من الحمل. والاقراء. وهذا لا يوجد في حق الصغيرة والايسة وأما طلاقها بعدما استبان حملها فليس ببدعة، لان المنع للندم على الولد وقد علم بالولد أو للارتياب بما تعتد به وقد زال ذلك بالحمل وإن طلقها في الحيض أو الطهر الذى جامع فيه وقع الطلاق، لان ابن عمر رضى الله عنه طلق امرأته وهى حائض، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يراجعها فدل على أن الطلاق وقع. والمستحب أن يراجعها لحديث ابن عمر رضى الله عنه ولانه بالرجعة يزول المعنى الذى لاجله حرم الطلاق، وان لم يراجعها جاز لان الرجعة إما أن تكون كابتداء النكاح أو كالبقاء على النكاح، ولا يجب واحد منهما * * * (فصل) وأما المكروه فهو الطلاق من غير سنة ولا بدعة، والدليل عليه ما روى محارب بن دثار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّمَا المرأة خلفت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فان استمتعت بها استمتعت وبها عوج، وان ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها "

(الشرح) حديث ابن عمر رواه أحمد في مسنده ومسلم وأصحاب السنن الاربعة بلفظ " أنه طلق إمرأته وهى حائض فذكر ذلك عمر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " وفى رواية " أنه طلق إمرأة له وهى حائض فذكر ذلك عمر للنبى صلى الله عليه وسلم فتغيظ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله تعالى " وفى لفظ " فتلك العدة التى أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي ولمسلم والنسائي نحوه وفى آخره " قال ابن عمر: وقرأ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن " وفى رواية لاحمد والشيخين " وكان عبد الله طلق تطليقه فحسبت من طلاقها " وفى رواية عند أحمد ومسلم والنسائي " كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لاحدهم: أما إن طلقت إمرأتك مرة أو مرتين فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بهذا، وان كنت طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت الله عز وجل فيما أمرك به من طلاق إمرأتك ". وفى رواية عند الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطئ والطلاق قبل الغسل " أنه طلق إمرأته وهى حائض تطليقة، فانطلق عمر فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض، فإذا اغتسلت من حيضتها الاخرى فلا يمسها حتى يطلقها، وإن شاء أن يمسكها فليمسكها، فانها العدة التى أمر الله أن يطلق لها النساء ". أما بعد - فان قوله (البدعة) فهى الحدث بعد الاكمال، وابتدع الشئ أحدثه وابتدأه فهو مبتدع. وقوله " طلق إمرأته " اسمها آمنة بنت غفار هكذا حكاه النووي وابن باطش، وفى مسند أحمد أن اسمها النوار. وقوله (فذكر ذلك عمر) قال ابن العربي: سؤال عمر محتمل لان يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم.

ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن (فطلقوهن لعدتهن) ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهى فجاء ليسأل عن الحكم عبد ذلك. وقوله: (مره فليراجعها) . قال ابن دقيق العبد: يتعلق بذلك مسألة أصولية وهى أن الامر بالامر بالشئ هل هو أمر بذلك الشئ أو لا؟ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: مره، والمسألة معروفة في كتب الاصول والخلاف فيها مشهور. وفى لفظ لابي داود وأحمد والنسائي عن ابن عمر أيضا " أنه طلق إمرأته وهى حائض، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لم يرها شيئا، وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ". وقد تضمن الحكم بموجب هذه الاخبار أن الطلاق على أربعة أوجه، حلالان وحرامان، فالحلالان أن يطلق إمرأته طاهرا من غير جماع أو يطلقها حاملا مستبينا حملها. والحرامان أن يطلقها وهى حائض أو يطلقها في طهر جامعها فيه هذا في طلاق المدخول بها، أما من لم يدخل بها فيجوز طلاقها حايضا وطاهرا كما قال تَعَالَى " لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ". وقال ابن القيم في زاد المعاد تضمنت النصوص أن المطلقة نوعان، مدخول بها وغير مدخول بها، وكلاهما لا يجوز تطليقها ثلاثا مجموعة، ويجوز تطليق غير المدخول بها طاهرا وحائضا، وأما المدخول بها فان كانت حائضا أو نفساء حرم طلاقها، وإن كانت طاهرا، فان كانت مستبينة الحمل جاز طلاقها بعد الوطئ وقبله، وان كانت حائلا لم يجز طلاقها بعد الوطئ في طهر الاصابة، ويجوز قبله هذا الذى سرعه الله على لسان رسوله من الطلاق. وأجمع المسلمون على وقوع الطلاق الذى أذن الله فيه وأباحه إذا كان من مكلف مختار عالم بمدلول اللفظ قصد له، واختلفوا في وقوع المحرم من ذلك وفيه مسالتان. (الاولى) الطلاق في الحيض أو في الطهر الذى واقعها فيه. (المسألة الثانية) في جمع الثلاث، ثم ذكر المسألتين تفصيلا ورأى كل جماعة

من العلماء ودليل كل فريق منهم مما أثبتناه في مظانه ومواطنه من شرح المهذب، فإذا ثبت هذا: فإن الطلاق يقع على كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة عاقلة كانت أو مجنونة، مدخول بها كانت أو غير مدخول بها لعموم الاية والاجماع وينقسم الطلاق على أربعة أضرب، واجب ومستحب ومكروه ومحرم، فأما الواجب فهو طلاق الحكمين عند شقاق الزوجين - إذا قلنا: إنهما حكمان - وكذلك طلاق المؤلى إذا انقضت مدة الايلاء وامتنع من الفئ على ما سيأتي في الايلاء وأما المستحب فأن تقع الخصومة بين الزوجين وخافا أن لا يقيما حدود الله، فيستحب له أن يطلقها، لما روى أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إمرأتى لا ترد يد لامس فقال: طلقها، فقال: إنى أحبها، قال: أمسكها. وأما المكروه فأن تكون الحال بينهما مستقيمة ولا يكره شيئا من خلقها ولا دينها، فيكره أن يطلقها، لقوله صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال إلى الله الطلاق. وأما المحرم فهو طلاق المرأة المدخول بها في الحيض أو في الطهر الذى جامعها فيه قبل أن يتبين حملها، ويسمى طلاق البدعة، لقوله تعالى " فطلقوهن لعدتهن " أي لوقت عدتهن، ووقت العدة هو الطهر، كما روينا أن ابن عمر طلق إمرأته وهى حائض فسأل عمر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر قبل أن يجامعها، فتلك العدة التى أمر الله أن تطلق لها النساء. وفى رواية " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " ولانه إذا طلقها في حال الحيض أضر بها في تطويل العدة، وإذا طلقها في حال الطهر الذى جامعها فيه قبل أن يتبين حملها ربما كانت حاملا فيندم على مفارقتها - فان كانت غير مدخول بها وطلقها في الحيض - لم يكن طلاق بدعة لانه لا عدة عليها، وإن طلق الصغيرة أو الآيسة في الطهر الذى جامعها فيه لم يكن طلاق بدعة: لانها لا تحبل فيندم على مفارقتها، وإن طلقها وهى حامل في الطهر الذى جامعها فيه لم يكن طلاق بدعة لقوله صلى الله عليه فليطلقها طاهرا أو حاملا. فان رأت الدم على الحمل - فان قلنا: إنه ليس بحيض - فليس بطلاق بدعه، وإن قلنا: إنه

حيض، فيه وجهان. قال أبو إسحاق: هو طلاق بدعة، لانه طلقها على الحيض والثانى - وهو المذهب - أنه ليس بطلاق بدعى لقوله صلى الله عليه وسلم: فليطلقها طاهرا أو حاملا، ولم يفرق. إذا ثبت هذا: فان خالف وطلقها في الحيض أو الطهر الذى جامعها فيه وقع عليها الطلاق، وبه قال أهل العلم كافة. وذهب ابن علية وهشام بن الحكم وبعض أهل الظاهر والشيعة والقاضى أحمد شاكر من المشتغلين بمراجعة الكتب في عصرنا رحمه الله إلى أن الطلاق لا يقع. ويرد عليهم برواية متفق عليها في الصحيحين في حديث طلاق ابن عمر " فحسبت من طلاقها " وفى رواية عند أحمد ومسلم والشافعي " كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لاحدهم ان طلقت إمرأتك مرة أو مرتين فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بهذا، وإن كنت طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت الله عز وجل فيما أمرك به من طلاق امرأتك ". وفى رواية للبخاري " فحسبت على بتطليقة " وأخرجه أبو نعيم كذلك " وزاد - يعنى حين طلق امرأته - فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب الجمهور إلى وقوع الطلاق البدعى، وأما القائلون بعدم الوقوع كالباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابى عن الروافض والخوارج، وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن علية وهو من فقهاء المعتزلة. قال ابن عبد البر: لا يخالف في ذلك الا أهل البدع والضلال، قال: وروى مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ. وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا فانه في حكم المرفوع إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الحافظ ابن حجر: وعندي أنه لا ينبغى أن يجئ فيه الخلاف الذى فيه قول الصحابي أمرنا بكذا، فان ذلك محله حيث يكون اطلاع النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ليس صريحا، وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فان النبي صلى الله عليه وسلم

هو الامر بالمراجعة، وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر ابن عمر أن الذى وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذى حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل شيئا في القصة برأيه - وهو يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغيظ من صنعه، حيث لم يشاور فيما يفعل في القصة المذكورة. واستدل الجمهور بما أخرجه الدارقطني عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " هي واحدة " قال في الفتح: وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على ابن حزم فأجابه بأن قوله " هي واحدة " لعله لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألزمه بأنه نقض أصله، لان الاصل لا يدفع بالاحتمال. وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدرى أقاله - يعنى قوله هي واحدة - ابن وهب من عنده أم ابن أبى دئب أم نافع، فلا يجوز أن يضاف إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا يتيقن أنه من كلامه. قال الشوكاني: ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع، ولو فتحنا باب دفع الادلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث، فالاولى في الجواب المعارضة، ومن حجج الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضا " أن عمر قال يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم " ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ ابن حجر وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر. واحتج الجمهور أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق. وقد أجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثلاثة معان. (أحدها) بمعنى النكاح، قال الله تعالى " فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا " ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني، وأن التراجع بينها وبين الزوج الاول، وذلك كابتداء النكاح. (وثانيها) الرد الحسن إلى الحالة الاولى التى كانت عليها أولا، كقوله

صلى الله عليه وسلم لابي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاما خصه به دون ولده " ارجعه " أي رده، فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة والثالث: الرجعة التى تكن بعد الطلاق، ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال، ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر " أن رجلا قال: انى طلقت امرأتي البتة وهى حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك. قال فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ ابن عمر أن يراجع امرأته؟ قال انه أمر ابن عمر ان يراجعها بطلاق بقى له. وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك " قال ابن حجر: وفى هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوى. ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم الوقوع أثر ابن عباس " الطلاق على أربعة أوجه، وجهان حلال ووجهان حرام. فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع، أو يطلقها حاملا مستبينا حملها، وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضا أو يطلقها عند الجماع لا يدرى اشتمل الرحم على ولد أم لا " رواه الدارقطني ولا دليل فيه على عدم الوقوع، بل ان اقتران الوقوع بالحرمة أدعى للتغليظ عليه، ثم إنه قول غير مرفوع، ومع عدم الرفع فنحن لا نرى فيه حجة لهم. ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعى ما اخرجه احمد وابو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ " طلق عبد الله بن عمر امرأته وهى حائض قال عبد الله: فردها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يرها شيئا " قال الحافظ ابن حجر: وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح، وهذا الحديث رواه ابو داود عن احمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: اخبرني ابو الزبير " انه سمع عبد الرحمن بن ايمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقال ابن عمر، طلق ابن عمر امرأته حائضا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فسأل عمر عن ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ان عبد الله - إلى أن قال - فردها على ولم يرها شيئا " وقد أخرجه أحمد

عن روح ابن عبادة عن ابن جريج فلم يتفرد به عبد الرزاق عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبى الزبير لسائر الحفاظ. وقال ابن عبد البر: قوله " ولم برها شيئا - منكر " ولم يقله غير أبى الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه، ولو صح فمعناه عندي - والله أعلم - ولم يرها شيئا مستقيما، لكونها لم تكن عن السنة، وقال الخطابى: قال أهل الحديث لم يقل أبو الزبير حديثا أنكر من هذا، وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار. وقد حكى البيهقى عن الشافعي نحو ذلك ويمكن أن يجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال سمعت أو حدثنى زال ذلك، وقد صرح هنا بالسماع، وليس في الاحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبى الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد خالفه الاكثر، بل غاية ما هناك الامر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق. قالوا ويؤيد رواية أبى الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد الله ابن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذلك بشئ. وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهى حائض: لا يعتد بذلك. وهذا إسناد صحيح. وروى ابن عبد البر عن الشعبى أنه قال: إذا طلق امرأته وهى حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر. وقد روى زيادة أبى الزبير الحميدى في الجمع بين الصحيحين، وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحا على شرطهما. وقال ابن عبد البر في التمهيد: إنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة. عبد الله ابن عمر، ومحمد بن عبد العزيز بن أبى رواد، ويحيى بن سليم، وابراهيم بن أبى حسنه، ولا شك أن الصيرورة إلى الجمع، وهو ممكن بما ذكره ابن عبد البر

من تأويله لمعنى " ولم يرها شيئا " وكذلك الخطابى وغيره ممن ذكرنا أفضل وأخرى من الترجيح المتعذر. قال ابن حجر وهو متعين - يعنى الجمع - وهو أولى من تغليط بعض الثقات. وذهب القائلون بعدم الوقوع إلى الاستدلال بقوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذى وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التى أمر الله بتطليق النساء لها كما صرح بذلك في الحديث المذكور. وقد تقرر في الاصول أن الامر بالشئ نهى عن ضده، والمنهى عنه نهيا لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضى الفساد، والفساد لا يثبت حكمه. ومنها قوله تعالى " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وليس أقبح من التسريح الذى حرمه الله ومنها قوله تعالى " الطلاق مرتان " ولم يرد إلا المأذون فيه " فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الحصر، أعنى تعريف المسند إليه باللام الجنسية. قلت. وهذه كلها أدلة احتمالية وليست قاطعة حاسمة في موطن النزاع، وكما قلنا الجمع أحرى بأهل الاحتياط. وحديث محارب بن دثار يؤخذ على المصنف روايته هكذا بالارسال، لان محارب بن دثار من الطبقة الرابعة من التابعين وهو من علماء الكوفة وشهد بيعة معاوية وكان معه، ولعل المصنف عول على ترجيح أبى حاتم والدارقطني والبيهقي الارسال. وقد رويناه في سنن أبى داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن ابن عمر، وفى الرواية المتصلة يحيى بن سليم وفيه مقال، والرواية المرسلة في إسنادها عبد الله بن الوليد الوصافى، وهو ضعيف، ولكنه قد تابعه معرف بن الواصل. ولفظ هذه الروايات كلها " أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق " ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ " ما خلق الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " قال الحافظ بن حجر واسناده ضعيف ومنقطع، وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبى موسى مرفوعا " ما بال أحدكم يلعب بحدود الله يقول قد طلقت قد راجعت " وحديث أبى هريرة متفق عليه عند البخاري وأحمد ومسلم والحديث الاول فيه دليل على ان ليس كل حلال محبوبا، بل ينقسم إلى ما هو

محبوب وإلى ما هو مبغوض، وقد مضى كلامنا على المكروه. وقوله " من ضلع " بكسر الضاد وفتح اللام وتسكن قليلا، والاكثر الفتح وهو واحد الاضلاع، والفائدة في تشبيه المرأة بالضلع التنبيه إلى أنها معوجة فمن حاول أن يحملها على الاعتدال كسرها، وإن تسامح معها على ما هي عليه انتفع بها، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، المبالغة في الاعوجاج والتأكيد لمعنى الاعوجاج هو المراد من هذا اللفظ والتأكيد لمعنى الكسر وقيل يحتمل أن يكون ذلك مثلا لاعلى المرأة لان أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذى ينشأ منه الاعوجاج، قيل وأعوج هنا من باب الصفة لا من باب التفضيل، لان أفعل التفضيل لا يصاغ من الالوان والعيوب. وأجيب بأن الظاهر ههنا أنه للتفضيل، وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصفة. والضمير في قوله: فإن ذهبت تقيمه كسرته يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه، وهو يذكر ويؤنث. ولهذا جاء في رواية " إن ذهبت تقيمها كسرتها " وفى رواية " فإن ذهبت تقيمه كسرته " وقوله " خلقت من ضلع " أي من ضلع آدم الذى خلقت منه حواء. قال الفقهاء: انها خلقت من ضلع آدم، ويدل على ذلك قوله " خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها " وقد روى ذلك من حديث ابن عباس عند ابن اسحق وروى من حديث مجاهد مرسلا عند ابن أبى حاتم. والحديث يرشد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن، والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة لى لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة. وقال النووي: ضبط بعضهم قوله: استمتعت بها على عوج بفتح العين، وضبطه بعضهم بكسرها، ولعل الفتح أكثر، وضبطه ابن عساكر وآخرون بالكسر، قال وهو الارجح، ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح، وهو معروف، وقد صرح صاحب المطالع بأن أهل اللغه يقولون في الشخص المرئى عوج، وفيما ليس بمرأى كالرأى والكلام عوج بالكسر. قال وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال: كلامهما بالكسر ومصدرهما بالفتح، وكسرها

طلاقها. وهذه العبارة ليست في الروايتين المتفق عليهما. وقد حقق الزمخشري الكلام في تفسير قوله " لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وإذا أراد الطلاق فالمستحب أن يطلقها طلقة واحدة لانه يمكنه تلافيها. وإن أراد الثلاث فرقها في كل طهر طلقة ليخرج من الخلاف، فإن عند ابى حنيفة لا يجوز جمعها، ولانه يسلم من الندم، وإن جمعها في طهر واحد جاز لما روى " أن عويمرا العجلاني قال عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين لاعن امرأته: كذبت عليها ان أمسكتها فهى طالق ثلاثا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سبيل لك عليها " ولو كان جمع الثلاث محرما لانكر عليه، فإن جمع الثلاث أو أكثر بكلمة واحدة وقع الثلاث، لما روى الشافعي رحمه الله أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه فقال: يا رسول الله إنى طلقت امرأتي سهيمة البتة، والله ما أردت إلا واحدة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله ما أردت الا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَلَوْ لم يقع الثلاث إذا أرادها بهذا اللفظ لم يكن لاستحلافه معنى. وروى أن رجلا قال لعثمان رضى الله عنه: إنى طلقت امرأتي مائة، فقال ثلاث يحرمنها وسبعة وتسعون عدوان " وسئل ابن عباس رضى الله عنه عن رجل طلق امرأته ألفا فقال " ثلاث منهن يحرمن عليه، وما بقى فعليه وزره " (الشرح) حديث عويمر العجلاني أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي عن سهل بن سعد " أن عويمرا العجلاني أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا رأى مع امرأته رجلا أيقتله؟ فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نزل فيك وفى صاحبتك. فاذهب فأت بها. قال سهل فتلاعنا - وأنا مع الناس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فلما فرغ قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين " وهذا الحديث سيأتي في كتاب اللعان. والمقصود من إيراده هنا ان الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم انما سكت عن ذلك لان الملاعنة تبين بنفس اللعان، فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له، فكأنه. طلق أجنبيه، ولا يجب إنكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريرا وأما حديث ركانة بن عبد الله فقد أخرجه الشافعي وابو داود والدارقطني، وقال أبو داود: هذا حديث حسن صحيح. وكذلك اخرجه الترمذي وصححه أيضا ابن حبان والحاكم. وقال الترمذي: لا يعرف الا من هذا الوجه، وسألت محمدا عنه، يعنى البخاري فقال: فيه اضطراب. اه قلت: وقد جاء اسناده ضعيفا ولذلك لم يخرجه البخاري ولا مسلم لان في اسناده الزبير بن سعيد الهاشمي. وقد ضعفه غير واحد. قال ابن كثير: لكن قد رواه ابو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن ان شاء الله. وقال ابن عبد البر في التمهيد: تكلموا في هذا الحديث اه وقال الشوكاني: وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض. واما الاضطراب (فكما تقدم) وقد أخرج احمد انه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا. قال قد علمت ارجعها، ثم تلا " إذا طلقتم النساء " الآية. اخرجه ابو داود. وأما معارضته فيما روى ابن عباس ان طلاق الثلاث كان واحدة، وسيأتى، وهو اصح اسنادا وأوضح متنا وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال " أخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وانا بين اظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ " قال ابن كثير اسناده جيد. وقال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام: رواته موثقون

وقد روى حديث ركانة عن ابن عباس بلفظ " طلق أبو ركانة أم ركانة فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: راجع إمرأتك فقال: إنى طلقتها ثلاثا قال: قد علمت راجعها " أخرجه أبو داود رواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده. أما خبر عثمان فقد أخرجه وكيع وتابعه برواية مثلها عز على، وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه أن رجلا طلق إمرأته ألفا فقال له عمر: أطلقت إمرأتك؟ قال: لا، وإنما كنت ألعب، فعلاه بالدرة وقال: إنما يكفيك من ذلك ثلاث. وأخرج عبد الرزاق البيهقى عن ابن مسعود أنه قيل له: إن رجلا طلق إمرأته البارحة مائة، قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم، قال: تريد أن تبين منك إمرأتك؟ قال: نعم، قال: هو كما قلت، وأتاه آخر فقال: رجل طلق إمرأته عدد النجوم قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم، قال: هو كما قلت: والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم إذا ثبت هذا: فإن أصحابنا قرروا أنه يستحب لمن أراد أن يطلق إمرأته أن يطلقها واحدة، لانه إن ندم على طلاقها أمكنه تلافى ذلك بالرجعة، وإن أراد أن يطلقها ثلاثا فالمستحب أن يفرقها في كل طهر طلقة. وحكى أبو على الشيخى عن بعض أصحابنا أنه قال: لا سنة في عدد الطلاق ولا بدعة، وانما السنة والبدعة في الوقت، والمنصوص هو الاقل، لانه يسلم بذلك من الندم ويجوز أن يكون فعل الشئ سنة ولا يكون تركه بدعة كتحية المسجد والاضحية، وما أشبه، وان كانت صغيرة أو آيسة وأراد أن يطلقها فالمستحب أن يطلقها في كل شهر طلقة، لان كل شهر بدل عن قرء في حقها، وان كانت حاملا - فقد قال بعض أصحابنا: يطلقها كل شهر طلقة. وقال أبو على الشيخى: يطلقها على الحمل واحدة، فإذا طهرت من النفاس طلقها ثانية، فإذا طهرت من الحيض بعد النفاس طلقها الثالثة، وأراد أبو على إذا استرجعها قبل وضع الحمل، فإن خالف وطلقها ثلاثا في طهر واحد أو في كلمة واحدة وقع عليها الثلاث وكان مباحا ولم يأتي محرما، وبه قال عبد الرحمن بن

عوف والحسن بن على بن أبى طالب ومن التابعين ابن سيرين. ومن الفقهاء أحمد بن حنبل. وقال مالك وأبو حنيفة: جمع الثلاث في وقت واحد محرم، الا أنه يقع كالطلاق في الحيض، وبه قال عمر وعلى وابن عباس وابن مسعود، وذهب أهل الظاهر وكذا ابن القيم وشيخه ابن تيمية إلى أن الثلاث إذا أوقعها في وقت واحد لا يقع وهو مذهب العترة، وقال بعضهم: يقع. قال العمرانى من أصحابنا: دليل الوقوع قوله تعالى " فطلقوهن لعدتهن " وقوله صلى الله عليه وسلم: ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا، ولم يفرق بين أن يطلقها واحدة أو ثلاثا، فلو كان الحكم يختلف لبينه، ورواية عويمر العجلاني عند ما لاعن امرأته عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال: ان أمسكتها فقد كذبت عليها هي طالق ثلاثا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا سبيل لك عليها، فموضع الدليل أن العجلاني لم يعلم أنها قد بانت منه باللعان فطلقها ثلاثا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان محرما أو كان لا يقع لا نكره، ومعنى قوله: لا سبيل لك عليها، أي لا سبيل لك عليها بالطلاق، لانها قد بانت باللعان، وروى أن ركانة ابن عبد يزيد طلق امرأته البتة فسأل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فقال: ما أردت بقولك البتة؟ قال: واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت الا واحدة؟ فقال: والله ما أردت الا واحدة، فردها النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه لو أراد الثلاث وقعن، إذ لو لم يقعن لم يكن لاستحلافه معنى. وروى أن ابن عمر قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو طلقتها ثلاثا فقال صلى الله عليه وسلم: أبنت امرأتك وعصيت ربك. قال في البيان: وهذا يبطل قول أهل الظاهر والشيعة. اه أما بعد: فإن أصحاب الفكر من المنادين بالاصلاح الاجتماعي واحكام بناء الاسرة المسلمة، وتوطيد العلائق بين الازواج يذهبون كل مذهب في سن القوانين لتقييد حرية الازواج في تطليق نسائهم فمن قائل بحظر الطلاق الا بين يدى القاضى، ومن قائل ببذل تعويض للزوجة غير المتأخر من الصداق ونفقة العدة تشبه مكافأة العامل عن مدة عمله في خدمة رب العمل إلى غير ذلك من

صيحات يدفعهم إليها ما فشا من استهتار بميثاق الزوجية الغليظ وانتشار الاطفال المشردين نتيجة الشقاق بين آبائهم وأمهاتهم، ولو أنهم فطنوا إلى ما شرعه الله تبارك وتعالى من قيود للطلاق وملابسات له لالقم هؤلاء أفواههم حجارة. ولسكتوا إزاء ما أحاط الله به عقد النكاح من صيانة وحصانه وحفظ، فقد عرفنا مما مضى أن الله تعالى حرم طلاق المرأة حال حيضها، وفى زمن طهرها إذا جامعها فلو عرف الناس ما يرتكبونه من الاثم حين يفعلون ذلك لخفت وطأة هذه الظاهرة، وما على الموثق (المأذون) إلا أن يعظ الزوج إذا جاءه بشرع الله ويذكره بأحكام السنة، ويبغضه في هذه البدعة، وعلى خطباء الجمعة ووعاظ الازهر أن ينشروا بين الناس حكم الله في تحريم الطلاق في هذه الاوقات المذكورة حتى يقلع الناس عن هذه البدعة، وليطلقوا - إذا عزموا الطلاق - وفقا للسنة المطهرة، وهم إذا تربصوا بزوجاتهم حتى يحل الطهر ولم يمسوهن، فإن الرغبة في التسريح قد تتحول إلى رغبة في السكن والاستقرار، وتكون النفوس حينئذ قد هدأت والخواطر قد صفت. وكفى الله المؤمنين مآثم الطلاق. والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز أن يفوض الطلاق إلى امرأته لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " لما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بدأ بى فقال: إنى مخبرك خبرا وما أحب أن تصنعي شيئا حتى تستأمرى أبويك، ثم قال إن الله قال: قل لازواجك (ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) إلى قوله (منكن أجرا عظيما) فقلت: أو في هذا أستأمر أبوى؟ فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلته " وإذا فوض الطلاق إليها فالمنصوص أن لها أن تطلق ما لم يتفرقا عن المجلس أو يحدث ما يقطع ذلك، وهو قول أبى العباس بن القاص. وقال أبو إسحاق: لا تطلق الا على الفور، لانه تمليك يفتقر إلى القبول

فكان القبول فيه على الفور كالبيع. وحمل قول الشافعي رحمه الله على أنه أراد مجلس الخيار لا مجلس القعود، وله أن يرجع فيه قبل ان تطلق وقال أبو على ابن خيران: ليس له أن يرجع لانه طلاق معلق بصفة فلم يجز الرجوع فيه، كما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، وهذا خطأ لانه ليس بطلاق معلق بصفة، وإنما هو تمليك يفتقر إلى القبول يصح الرجوع فيه قبل القبول كالبيع. وان قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة وقعت، لان من ملك ايقاع ثلاث طلقات ملك ايقاع طلقة كالزوج وان قال لها طلقي نفسك طلقة فطلقت ثلاثا وقعت الطلقة، لان من ملك ايقاع طلقة إذا أوقع الثلاث وقعت الطلقة كالزوج إذا بقيت له طلقة فطلق ثلاثا. وان قال لوكيله: طلق امرأتي جاز أن يطلق متى شاء، لانه توكيل مطلق فلم يقتض التصرف على الفور كما لو وكله في بيع. وان قال له: طلق امرأتي ثلاثا فطلقها طلقة، أو قال: طلق امرأتي واحدة فطلقها ثلاثا ففيه وجهان (أحدهما) أنه كالزوجة في المسئلتين (والثانى) لا يقع لانه فعل غير ما وكل فيه (فصل) وتصح اضافة الطلاق إلى جزء من المرأة كالثلث والربع واليد والشعر لانه لا يتبعض وكان اضافته إلى الجزء كالاضافة إلى الجميع كالعفو عن القصاص، وفى كيفية وقوعه وجهان (أحدهما) يقع على الجميع باللفظ، لانه لما لم يتبعض كان تسمية البعض كتسمية الجميع. (والثانى) انه يقع على الجزء المسمى ثم يسرى، لان الذى سماه هو البعض ولا يجوز اضافته إلى الربق والحمل لانه ليس بجزء منها وانما هو مجاور لها، وان قال بياضك طالق أو سوادك طالق أو لونك طالق ففيه وجهان (أحدهما) يقع لانه من جملة الذات التى لا ينفصل عنها فهو كالاعضاء (والثانى) لا يقع لانها أعراض تحل في الذات (فصل) ويجوز اضافة الطلاق إلى الزوج بأن يقول لها: أنا منك طالق.

أو يجعل الطلاق إليها فتقول: أنت طالق، لانه أحد الزوجين فجاز إضافة الطلاق إليه كالزوجة. واختلف أصحابنا في إضافة العتق إلى المولى، فمنهم من قال يصح. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لانه إزالة ملك يجوز بالصريح والكناية، فجاز إضافته إلى المالك كالطلاق وقال أكثر أصحابنا: لا يصح، والفرق بينه وبين الطلاق أن الطلاق يحل النكاح وهما مشتركان في النكاح، والعتق يحل الرق، والرق يختصر به العبد. والله تعالى أَعْلَمُ. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ أصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده بلفظ " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئا " وفى رواية عندهم الا أبا داود بلفظ " قالت: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتخيير أزواجه بدأ بى، فقال انى ذاكر لك أمرا فلا عليك ان لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك، قالت: وقد علم ان أبوى لم يكونا ليأمراني بفراقه. قالت: ثم قال: ان الله عز وجل قال لى: يا أيها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا - الآية - وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة - الايه - قالت فقلت: في هذا استأمر ابوى؟ فإنى أريد الله ورسوله والدار الاخرة. قالت: ثم فعل أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما فعلت " قوله " خيرنا " في لفظ لمسلم " خير نساءه " وقوله " فلم يعدها شيئا " بتشديد الدال من العدد. وفى رواية " فلم يعدد " بفك الادغام. وفى اخرى " فلم يعتد بسكون العين فتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد، وفى رواية لمسلم " فلم يعده طلاقا " وفى رواية للبخاري " افكان طلاقا؟ " على طريقة الاستفهام الانكارى. وفى رواية لاحمد " فهل كان طلاقا " وكذا للنسائي وقد استدل بهذا من قال: انه لا يقع بالتخيير شئ إذا اختارت الزوج. وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار، لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة، أو يقع ثلاثا؟ فحكى

الترمذي عن على عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شئ. ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين: فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لا تحدا، قدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق. واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة. وقد أخرج ابن أبى شيبة من طريق زادان قال " كنا جلوسا عند على عليه السلام فسئل عن الخيار فقال: سألني عنه عمر فقلت: إن اختارت نفسها فواحدة رجعية. قال ليس كما قلت، إن اختارت زوجها فلا شئ. قال فلم أجد بدأ من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف. قال على: وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال، فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن ابى شيبة من طريق على نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره. وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت. واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا، بأن معين الخيار بت أحد الامرين أما الاخذ أو الترك يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ، لانها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما. وأخذ ابو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين ان تستمر في عصمته، فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت، فلو قالت لم أرد باختار نفسي الطلاق صدقت وقال الخطابى يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا، أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا، ووافقه القرطبى في المفهم فقال في الحديث أن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفسه ذلك الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يد على الطلاق. قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور قال الحافظ بن حجر لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا. بل لابد من إنشاء الزوج الطلاق لان فيها (فتعالين أمتعكن وأسرحكن) أي بعد الاختيار، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. قال واختلفوا في التخيير

هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل. وللشافعي فيه قولان، المصحح عند أصحابه أنه تمليك، وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الايجاب ثم طلقت لم يقع. وفى وجه لا يضر التأخير مادام المجلس، وبه جزم ابن القاص من أصحابنا وهو الراجح من مذهب مالك ومذهب أبى حنيفة. وهو قول الثوري والليث والاوزاعي وقال ابن المنذر الراجح أنه لا يشترط فيه الفور، بل متى طلقت نفذ، وهو قول الحسن والزهرى، وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من أصحابنا والطحاوى من أصحاب ابى حنيفة. واحتجوا بحديث عائشة وفيه " إنى ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك، وذلك يقتضى عدم اشتراط الفور في جواب التخيير، قال الحافظ بن حجر ويمكن أن يقال يشترط الفور في جواب التخيير إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لامر يقتضى ذلك فيتراخى، كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم ذلك أن يكون كل خيار كذلك وقد قال الشافعي رضى الله عنه لا أعلم خلافا أنها ان طلقت نفسها قبل أن يفترقا من المجلس ويحدثا قطعا أن الطلاق يقع عليها، فاختلف أصحابنا فيه فقال ابن القاص إذا فوض إليها طلاق نفسها فلها أن تطلق نفسها مادام في المجلس، ولم تخض في حديث آخر فإن خاضت في حديث آخر وقامت من ذلك المجلس لم يكن لها أن تطلق نفسها وبه قال أبو حنيفة. وقال أبو إسحاق لا يتقدر بالمجلس، بل ان طلقت نفسها عقيب قوله بحيث يكون جوابا لكلامه وقع الطلاق، لانه نوع تمليك، وان أخرته عن ذلك ثم طلقت لم يقع الطلاق لانه نوع تمليك فكان قبوله على الفور كسائر التمليكات، وحمل النص على أنه أراد مجلس خيار القبول لا مجلس العقود - هذا ترتيب الشيخ أبى حامد.

وقال المسعودي: فيه قولان بناء على أن تفويض الطلاق إليها تمليك أو توكيل، وفيه قولان، إن قلنا: تمليك اشترط القبول فيه على الفور، وان قلنا: توكيل بقدر بالمجلس، هذا مذهبنا، وقال الحسن البصري وقتادة: لها الخيار أبدا، واختاره ابن المنذر. دليلنا ما روى عن عمر وعثمان أنهما قالا: إذا خير الرجل إمرأته وملكها أمرها فافترقا من ذلك المجلس ولم تحدث شيئا فأمرها إلى زوجها، وكذلك روى عن ابن مسعود وجابر ولا يعرف لهم مخالف، وإن قال: طلقي نفسك متى شئت كان لها ذلك لانه قد صرح لها بذلك. (فرع) إذا فوض إليها الطلاق أو خيرها ثم رجع قبل أن يطلق أو يختار بطل التفويض والتخيير. وقال ابن خيران: لا يبطل، وبه قال مالك وأبو حنيفة كما لو قال لها: إذا اخترت فأنت طالق، ثم رجع قبل أن تختار، والمذهب الاول لان النص انما هو تمليك أو توكيل، وله الرجوع فيهما قبل القبول، وان قال لها: طلقي نفسك فإن طلق بالكناية مع النية وقع الطلاق، والثانى وهو قول ابن خيران وابن عبيد: أن من خير ونوى لم يقع، والاصح الاول لان الكناية مع النية كالصريح، وان قال لها: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة أو طلقتين وقع عليها ما أوقعت، وقال أبو حنيفة: لا يقع عليها شئ. دليلنا أن من ملك ايقاع الثلاث ملك ايقاع الواحدة والاثنتين كالزوج، وان قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا وقع عليها واحدة، وقال مالك لا يقع عليها شئ، دليلنا أن الواحدة المأذون فيها داخلة في الثلاث فوقعت دون غيرها. وقال ابن القاص: ولو قال لها: طلقي نفسك ان شئت واحدة فطلقت ثلاثا أو قال: طلقي نفسك ان شئت ثلاثا فطلقت واحدة لم يقع الطلاق عليها لانه فوض إليها الطلاق في الاولة بشرط ان شاء واحدة، وفى الثانية بشرط ان شاء ثلاثا ولم توجد الصفة فلم يقع. قال الطبري: فإن أخر المشيئة بأن قال: طلقي نفسك ثلاثا ان شئت فطلقت

واحدة، أو قال: طلقي نفسك واحدة ان شئت فطلقت ثلاثا وقع عليها واحدة فيهما، والفرق أنه إذا قدم المشيئة كان التمليك معلقا بشرط أن يشاء العدد المأذون فيه، فإذا أوقعت غيره فما شاءته فلم يقع عليها طلاق، وإذا أخر المشيئة كانت المشيئة راجعة إلى الطلاق لا إلى العدد. (فرع) وان وكل رجلا ليطلق له امرأته كان له أن يطلق متى شاء كما قلنا في الوكيل في البيع والشراء. بخلاف إذا فوض الطلاق إليها فإنه تمليك لمنفعتها، والتمليك يقتضى القبول في الحال، وان وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة، أو وكله بطلاقها واحدة فطلقها ثلاثا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه كالزوجة فيما ذكرناه (والثانى) لا يقع عليها طلاق فيهما لانه فعل غير ما أذن له فيه فلم يصح. (مسألة) قوله: ويصح اضافة الطلاق الخ، وهذا صحيح فإنه إذا أضاف الطلاق إلى جزء منها معلوم أو مجهول أو إلى عوض من أعضائها بأن قال: نصفك أو بعضك أو يدك أو رجلك أو شعرك أو ظفرك طالق، فإنها تطلق، وقال أبو حنيفة: إذا أضاف الطلاق إلى جزء منها معلوم أو مجهول أو إلى خمسة اعضاء وهى الرأس والوجه والرقبه والظهر والفرج وقع عليها الطلاق، وان أضاف الطلاق إلى سائر أعضائها وقع عليها الطلاق. دليلنا ان الطلاق لا يتبعض، فكانت اضافته إلى جزء منها أو إلى عضو منها كإضافته إلى جميعها كالعفو عن القصاص، ولانه أشار بالطلاق إلى ما يتصل ببدنها اتصال حلقه، فكان كالاشارة إلى جملتها كالاشارة إلى الاعضاء الخمسه، وان أضاف الطلاق إلى ذمتها، فقد قال أصحابنا البغداديون: لا يقع عليها الطلاق لانه غير متصل بالبدن. وانما هو يجرى في البدن. وقال المسعودي: إذا أضافه إلى دمها وقع عليها الطلاق لانه كلحمها، وان قال: ريقك أو بولك أو عرقك طالق، فقال أصحابنا البغداديون: لا تطلق، لانه ليس بجزء منا، وانما هو من فضول بدنها. وقال المسعودي: فيه وجهان (أحدهما) هذا (والثانى) يقع عليها الطلاق،

وإن قال: حملك طالق - فقال البغداديون من أصحابنا: لا يقع عليها الطلاق، لانه غير متصل بالبدن وإنما يدور في الرحم، وقال المسعودي: فيه وجهان، وإن قطعت أذنها وانبتت منها ثم ألصقت بالدم فلصقت أو أجريت لها خياطة طبية لاعادتها إلى مكانها فطلق أذنها قبل أن تبرأ من جراحتها. قال أصحابنا البغداديون: لا يقع عليها الطلاق، وقال المسعودي فيه وجهان وإن قال: منيك ولبنك طالق، قال المسعودي: فمن أصحابنا من قال فيه وجهان كالدمع والعرق، ومنهم من قال: يقع عليها الطلاق وجها واحدا كالدم، وهذا على أصله، وان قال: سوادك أو بياضك طالق، فيه وجهان (أحدهما) يقع عليها الطلاق لانها أعراض تحل بالذات. إذا ثبت هذا: وأضاف الطلاق إلى عضو منها أو إلى جزء منها فكيف يقع عليها الطلاق؟ فيه وجهان (أحدهما) يقع على جملتها لان الطلاق لا يتبعض (والثانى) يقع الطلاق على الذى أوقعه منها ثم يسرى اعتبارا بما سمى. (مسألة) قوله: ويجوز إضافة الطلاق إلى الزوج إلخ، وهذا صحيح فإنه إذا قال لامرأته: أنا منك طالق، أو قال لها: طلقي نفسك فقالت: أنت طالق، فهو كناية في الطلاق، فإن نوى الطلاق في الاولة ونوته في الثانية وقع عليها الطلاق، وقال أبو حنيفة: لا يقع عليها، فلو قال: على الطلاق، فإنه لا يقع عند أبى حنيفة وأصحابه، لان الطلاق عندهم إذا لم يضف إلى المرأة فليس بواقع لانه من صفات المرأة، قالوا: لان الطلاق انما يقع من الرجل على المرأة ولا يقع على الرجل. دليلنا: أن كل لفظ صح أن يكون طلاقا بإضافته إلى الزوجة صح أن يكون طلاقا بإضافته إلى الزوج كالبينونة. فإن أبا حنيفة وافقنا عليها، ولانه أحد الزوجين فصح إضافة الطلاق إليه كالزوجة، وإن قال لعبده أو أمته أنا منك حر ففيه وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هو كناية في العتق فيعتق به إذا نواه لانه إزالة ملك يصح الصريح والكناية فجاز إضافته إلى المالك كإضافة الطلاق إلى الزوج

باب ما يقع به الطلاق ومالا يقع

وقال أكثر أصحابنا: لا يقع به العتق لان كل واحد من الزوجين يقال له: زوج فهما مشتركان في الاسم، فإذا جاز اضافة الطلاق إلى الزوجة جاز اضافته إلى الزوج، وليس كذلك الحرية، لانها تقع بملك، والذى ينفرد بملك هو السيد فلم يجز اضافة الحرية إليه والله تعالى الموفق للصواب. قال المصنف رحمه الله: باب ما يقع به الطلاق ومالا يقع لا يقع الطلاق الا بصريح أو كنايه مع النية، فان نوى الطلاق من غير صريح ولا كنايه لم يقع الطلاق، لان التحريم في الشرع علق على الطلاق ونية الطلاق ليست بطلاق، ولان ايقاع الطلاق بالنيه لا يثبت الا بأصل أو بالقياس على ما ثبت بأصل، وليس ههنا أصل ولا قياس على ما ثبت بأصل فلم يثبت. (فصل) والصريح ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح، لان الطلاق ثبت له عرف الشرع واللغة، والسراح والفراق ثبت لهما عرف الشرع، فانه ورد بهما القرآن، فإذا قال لامرأته: أنت طالق، أو طلقتك، أو أنت مطلقه أو سرحتك، أو أنت مسرحه، أو فارقتك، أو أنت مفارقه، وقع الطلاق من غير نيه، فان خاطبها بأحد هذه الالفاظ، ثم قال: أردت غيرها فسبق لساني إليها لم يقبل، لانه يدعى خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه، وان قال: أنت طالق وقال أردت طلاقا من وثاق، أو قال سرحتك وقال أردت تسريحا من اليد، أو قال فارقتك، وقال أردت فراقا بالجسم، لم يقبل في الحكم، لانه يدعى خلاف ما يقتضيه اللفظ في العرف، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه، فان علمت المرأة صدقه فيما دين فيه الزوج جاز لها أن تقيم معه، وان رآهما الحاكم على الاجتماع ففيه وجهان. (أحدهما) يفرق بينهما بحكم الظاهر، لقوله صلى الله عليه وسلم " أحكم بالظاهر والله عز وجل يتولى السرائر ". (والثانى) لا يفرق بينهما لانهما على اجتماع يجوز اباحته في الشرع، وان قال

أنت طالق من وثاق، أو سرحتك من اليد، أو فارقتك بجسمى لم تطلق، لانه اتصل بالكلام ما يصرف اللفظ عن حقيقته. ولهذا إذا قال لفلان على عشرة إلا خمسة لم يلزمه عشرة. وإذا قال لا إله إلا الله لم يجعل كافرا بابتداء كلامه. وإن قال أنت طالق ثم قال قلته هازلا وقع الطلاق ولم يدين، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة " (فصل) قال في الاملاء، لو قال له رجل طلقت امرأتك؟ فقال نعم. طلقت عليه في الحال، لان الجواب يرجع إلى السؤال، فيصير كما لو قال طلقت ولهذا لو كان هذا جوابا عن دعوى لكان صريحا في الاقرار. وإن قال أردت به في نكاح قبله - فإن كان لما قاله أصل - قبل منه، لان اللفظ يحتمله، وإن لم يكن له أصل لم يقبل لانه يسقط حكم اللفظ. وإن قال له أطلقت امرأتك فقال له قد كان بعض ذلك وقال أردت أنى كنت علقت طلاقها بصفة، قبل منه لانه يحتمله اللفظ. وإن قال لامرأته أنت طالق لولا أبوك لطلقتك، لم تطلق، لان قوله أنت طالق لولا أبوك، ليس بإيقاع طلاق، وإنما هو يمين بالطلاق، وأنه لولا أبوها لطلقها، فتصير كما لو قال والله لولا أبوك لطلقتك. (الشرح) الحديث الاول جزء من حديث مضى في كتاب الصلح تخريجه وطرقه. والحديث الثاني عن أبى هريرة أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، وقال الترمذي حسن غريب. وأخرجه الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفى إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وقد روى الطبراني عن فضالة بن عبيد بلفظ " ثلاث لا يجوز فيهن اللعب. الطلاق والنكاح والعتق " وفى إسناده ابن لهيعه وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أسامة في مسنده رفعه بلفظ " ثلاث لا يجوز اللعب فيهن. الطلاق والنكاح والعتاق، فمن قالهن فقد وجبن " وإسناده منقطع. وعن أبى ذر عند عبد الرزاق رفعه " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز، ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز " وفى

إسناده انقطاع أيضا، وعن على موقوفا عند عبد الرزاق أيضا. وعن عمر عنده أيضا. أما غريب الفصل فقوله " يدين فيما بينه وبين الله تعالى " قال في شرح غريب الشرح الكبير للرافعي " ودان بالاسلام دينا " بالكسر تعبد به، وتدين به كذلك فهو دين مثل ساد فهو سيد، ودينته بالتثقيل وكلته إلى دينه وتركته وما يدين لم أعترض عليه فيما يراه سائغا في اعتقاده، ودنته أدينه جازيته اه وقوله " طلاقا من وثاق " يقال أوثقه بالوثاق إذا شده، ومنه قوله تعالى (فشدوا الوثاق) والوثاق بالكسر لغة فيه، وقوله " قلته هازلا " أي مازحا غير مجد، والهزل ضد الجد، قال الكميت أرانا على حب الحياة وطولها * يجد بنا في كل يوم ونهزل هكذا أفاده ابن بطال اما الاحكام فإن الرجل إذا نوى طلاق امرأته ولم ينطق به لم يقع عليها الطلاق، وقال مالك في احدى الروايتين يقع، دليلنا ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تجاوز الله لامتي ما حدثت به نفسها ما لم يكلم أو يعمد به " وأما الكلام الذى يقع به الطلاق فينقسم قسمين، صريح وكفاية، فالصريح ما يقع به الطلاق، فينقسم قسمين من غير نية، وهو ثلاثة ألفاظ " الطلاق والفراق والسراح " وقال أبو حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق لا غير، وأما الفراق والسراح فهما كناية في الطلاق، وقال الطبري في العدة والمحاملى وهذا قول الشافعي وشأنه في القديم، لان العرف غير جار بها بين الطلقتين، والمشهور من المذهب هو الاول، لان الفراق ورد بهذه الالفاظ الثلاثة على وجه الامر فقال تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال في موضوع آخر (أو سرحوهن) إذا ثبت هذا فالصريح من لفظة الطلاق ثلاثة وهى قوله " طلقتك، أو أنت طالق، أو أنت مطلقة " وقال ابو حنيفة، قوله " انت مطلقة " ليس بصريح، وانما هو كناية. دليلنا قوله " انت طالق " ليس بإيقاع الطلاق، وانما هو

وصف لها بالطلاق كقوله: أنت نائم، فإن كان صريحا فكذلك قوله أنت مطلقة مثله، وأما السراح والفراق فالصريح منهما لفظتان لا غير وهو قوله. فارقتك أو أنت مفارقة أو سرحتك أو أنت مسرحة، هذا ترتيب الشيخ أبى حامد والبغداديين من أصحابنا. وقال المسعودي: في قوله: أنت مفارقة أو أنت مسرحة وجهان، أحدهما: أنه صريح كقوله: أنت مطلقة، والثانى: أنه كناية، لانه لم يرد به الصريح ولا الاستعمال، والاول هو المشهور، فان خاطبها بلفظة من الالفاظ الصريحة في الطلاق، ثم قال: لم أقصد الطلاق، وإنما سبق لساني إليها. قال الصيمري: فقد قيل: إن كان هناك حال يدل على ما قال بأن كان في حال جرت العادة فيها بالدهش جاز أن يقبل منه، وقيل: لا يلتفت إليه، بل يقع عليها وهو المشهور، لانه يدعى خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه. (فرع) وإن قال: أنت طالق، وقال أردت طلاقها من وثاق، أو قال: فارقتك، وقال أردت به إلى المسجد، أو قال سرحتك وأردت به إلى البيت أو إلى أهلك لم يقبل منه في الحكم، لانه يعدل بالكلام عن الظاهر، ويدين فيما يدعيه بينه وبين الله تعالى. وقال مالك إن قال هذا في حال الرضى لم يقبل منه في الحكم، وقبل فيما بينه وبين الله تعالى، وان قاله في حال الغضب لم تقبل منه في الحكم، ولا فيما بينه وبين الله تعالى. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تحاسبوا العبد حساب الرب واعملوا على الظاهر ودعوا الباطن " ولان اللفظ يصلح في الحالين لما ذكره فيقبل منه فيما بينه وبين الله تعالى، وكل ما قلنا لا يقبل فيه قول الزوج من هذا وما أشبهه، ويقبل فيما بينه وبين الله تعالى، فان الزوجة إذا صدقته على ما يقول جاز لها أن تقيم معه، فان رآهما الحاكم على اجتماع ظاهر ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يفرق بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم " أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ". (والثانى) لا يفرق بينهما لانهما على اجتماع يجوز إباحته في الشرع، وإن لم

تصدقه الزوجة على قوله واستفتت فإنا نقول لها: امتنعي عنه ما قدرت عليه. وإذا استفتى قلنا له: إن قدرت على وصلها في الباطن حل لك فيما بينك وبين الله تعالى. وإن قال لها: أنت طالق من وثاق، أو فارقتك مسافرا إلى المسجد أو سرحتك إلى أهلك لم يحكم عليه بالطلاق لانه وصله بكلام أخرجه عن كونه صريحا، فهو كما لو قال: لا إله وسكت كان كافرا، أو إذا قال: لا إله إلا الله كان توحيدا، وكما لو قال: له عشرة إلا خمسة. الخلاصة لما تقدم: يدل حديث أبى هريرة على أن من تلفظ هازلا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الاحاديث التى سقناها وقع منه ذلك. أما في الطلاق فقد قال بذلك أصحابنا من الشافعية والحنفية وغيرهم، وخالف في ذلك أحمد ومالك فقالا: إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية، وبه قال جماعة من الائمة منهم جعفر الصادق ومحمد الباقر. واستدلوا بقوله تعالى " وان عزموا الطلاق " فدلت على اعتبار العزم. والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال: يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر، والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع، فإنها نزلت في حق المولى (مسألة) قوله: لو قال رجل طلقت امرأتك؟ فقال نعم إلى الخ وهو كما قال فإنه إذا قال له رجل: طلقت امرأتك؟ أو امرأتك طالق؟ أو فارقتها أو سرحتها فقال نعم، فيه قولان حكاهما ابن الصباغ والطبري (إحداهما) أن هذا كناية فلا يقع به الطلاق إلا بالنية، ولان قوله نعم ليس بلفظ صريح. (والثانى) أنه صريح في الطلاق، وهو اختيار المزني، ولم يذكر الشيخان غيره - أعنى أبا إسحاق الاسفرايينى وأبا حامد المروزى - وهو الاصح، لانه صريح في الجواب وتقديره نعم طلقت، كما لو قيل: لفلان عليك كذا؟ فقال نعم، كان إقرارا. قال الطبري، قال أصحابنا: وهذا يخرج على ما لو قال: زوجتك ابنتى بكرا؟ فقال الولى نعم، فهل يصح النكاح؟ على قولين

إذا ثتب هذا - وقلنا يقع الطلاق - نظرت، فإن كان صادقا فيما خبر به من الطلاق وقع عليها الطلاق في الظاهر والباطن، وإن لم يكن طلاق قبل ذلك وإنما كذب بقوله نعم، وقع الطلاق في الظاهر دون الباطن، فإن قال أردت أنى كنت علقت طلاقها بصفة، قبل منه لانه يحتمل ما يدعيه (فرع) إذا قال لامرأته أنت طالق لولا أبوك لطلقتك، فذكر المزني في فروعه أنها لا تطلق لانه ليس بإيقاع للطلاق، وانما حلف بطلاقها انما يمسكها لاجل أبيها وأنه لولا أبوها لطلقها، كما لو قال والله لولا أدبك لطلقتك. قال صاحب الفروع ويحتمل أن يقع عليها الطلاق لان قوله لولا أبوك لطلقتك كلام مبتدأ منفصل عن الاولة، ولهذا ينفرد بجواب، والاول هو المشهور. فإن كان صادقا بأن امتنع من طلاقها لاجل أبيها لم يقع الطلاق لا ظاهرا ولا باطنا، وان كان كاذبا وقع الطلاق في الباطن دون الظاهر، الا أن يقر بكذبه فيقع في الظاهر أيضا، فإن قال أنت طالق لولا أبوك أو لولا الله لم يقع عليها الطلاق. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى (فصل) وأما الكناية فهى كثيرة، وهى الالفاظ التى تشبه الطلاق وتدل على الفراق، وذلك مثل قوله أنت بائن، وخلية وبرية وبتة وبتلة وحرة وواحدة وبيني وابعدى واغربى واذهبي واستفلحي والحقى بأهلك وحبلك على غاربك، واستتري وتقنعى واعتدى وتزوجي وذوقي وتجرعي وما أشبه ذلك، فإن خاطبها بشئ من ذلك ونوى به الطلاق وقع، وان لم ينو لم يقع، لانه يحتمل الطلاق وغيره، فإذا نوى به الطلاق صار طلاقا، وإذا لم ينو به الطلاق لم يصر طلاقا، كالامساك عن الطعام والشراب لما احتمل الصوم وغيره، إذا نوى به الصوم صار صوما، وإذا لم ينو به الصوم لم يصر صوما وان قال أنا منك طالق، أو جعل الطلاق إليها فقالت طلقتك أو أنت طالق فهو كناية يقع به الطلاق مع النية، ولا يقع من غير نية، لان استعمال هذا اللفظ في الزوج غير متعارف، وانما يقع به الطلاق مع النية من جهة المعنى، فلم يقع به

من غير نية كسائر الكنايات، وان قال له رجل: ألك زوجة؟ فقال لا، فإن لم ينو به الطلاق لم تطلق، لانه ليس بصريح، وان نوى به الطلاق وقع لانه يحتمل الطلاق (فصل) واختلف أصحابنا في الوقت الذى تعتبر فيه النية في الكنايات، فمنهم من قال إذا قارنت النية بعض اللفظ من أوله أو من آخره وقع الطلاق كما أن في الصلاة إذا قارنت النية جزءا منها صحت الصلاة، ومنه من قال لا تصح حتى تقارن النية جميعها، وهو أن ينوى ويطلق عقيبها، وهو ظاهر النص لان بعض اللفظ لا يصلح للطلاق فلم تعمل النية معه، فأما الصلاة فلا تصح حتى تقارن النية جميعها بأن ينوى الصلاة ويكبر عقيبها، ومتى خلا جزء من التكبير عن النية لم تصح صلاته. (فصل) وأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق من الالفاظ، كقوله اقعدي واقربي واطعمي واسقيني، وما أحسنك وبارك الله فيك وما أشبه ذلك فإنه لا يقع به الطلاق وان نوى، لان اللفظ لا يحتمل الطلاق، فلو أوقعنا الطلاق لاوقعناه بمجرد النية، وقد بينا أن الطلاق لا يقع بمجرد النية (فصل) واختلف أصحابنا في قوله: أنت الطلاق. فمنهم من قال: هو كناية، فإن نوى به الطلاق فهو طلاق لانه يحتمل أن يكون معناه أنت طالق، وأقام المصدر مقام الفاعل كقوله تعالى " أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا " أراد غائرا وان لم ينو لم يقع، لان قوله أنت الطلاق لا يقتضى وقوع الطلاق. ومنهم من قال هو صريح ويقع به الطلاق من غير نيه، لان لفظ الطلاق يستعمل في معنى طالق، والدليل عليه قول الشاعر: أنوهت باسمى في العالمين * وأفنيت عمرى عاما فعاما فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثا تماما وقال آخر: فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وان تخرقى يا هند فالخرق آلم فأنت الطلاق والطلاق عزيمة * ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها ان كنت غير رفيقة * فما لامرئ بعد الثلاثه مقدم

(فصل) واختلفوا فيمن قال لامرأته كلى واشربي ونوى الطلاق، فمنهم من قال لا يقع وهو قول أبى إسحاق، لانه لا يدل على الطلاق فلم يقع به الطلاق كما لو قال أطعمينى واسقيني، ومنهم من قال يقع وهو الصحيح، لانه يحتمل معنى الطلاق وهو أن يريد كلى ألم الفراق واشربي كأس الفراق، فوقع به الطلاق مع النية، كقوله ذوقي وتجرعي * * * (الشرح) الكناية صورة تذكر يراد بها اما تكنى عنه وترمز إليه، ومع هذا يجوز أن يراد بها معناها الاصلى، وأنواعها ثلاثة: كناية عن صفة وكناية عن موصوف وكناية عن نسبة. وقوله " بائن الخ " أي مفارقة من البين وهو الفراق، وخلية، أي خالية عن الزوج فارغة منه، وبرية أي بريئة عما يجب من حقوقي وطاعتي، وبتة القطع وبتلة مثلها، ومنه التبتل أي الانقطاع عن النكاح، وسميت البتول لانقطاعها عن الازواج. وقوله تعالى (وتبتل إليه تبتيلا) أي انقطع إليه انقطاعا. وأما تسمية فاطمة عليها السلام بالبتول فقد قال ثعلب لانقطاعها عن نساء زمانها دينا وفضلا وحسبا: وحرة أي لا سلطان لى على بضعك كما لا ملك في رقبة الحرة، وواحدة أي أنت فردة عن الزوج، ويحتمل طلقة واحدة وبيني وهو من البعد والفراق واغربى مثله. واستفلحي من الفلاح والفوز، أي فوزى بأمرك واستبدى برأيك ويحتمل أن يكون من الفلح وهو القطع، أي اقطعي حبل الزواج من غير نزاع وحبلك على غاربك، أي امضى حيث شئت: والتعبير هنا عن الدابة يكون مقودها على غاربها، وهو ما بين السنام والعنق ولا قائد لها فتذهب حيث شاءت بغير ممسك لها، وتقنعى، أي غطى رأسك وقال ابن بطال: أظن معناه استترى منى ولا يحل لى نظرك. وتجرعي. يقال: جرعه غصص الغيظ إذا أذاقه الشدة مما يكره

أما الاحكام: فإن الكنايات كل كلمه تدل على الطلاق وغيره كهذه الالفاظ إلى ساقها المصنف وما أشبهها من الكلام فإن نوى بذلك الطلاق وقع عليها الطلاق وإن لم ينو به الطلاق لم يقع عليها الطلاق سواء قال ذلك في حالة الرضا أو في حالة الغضب، وسواء سألته الطلاق أو لم تسأله. وقال أبو حنيفة: إذا كان ذلك في حال مذاكرة الطلاق وقال لها: أنت بائن وبتة وبتلة وحرام وخلية وبرية والحقى بأهلك واذهبي، فلا يحتاج إلى النية، وان قال لها: حبلك على غاربك، واعتدى، واستبرئى رحمك، وتقنعى، فإنه يحتاج إلى النية. وقال مالك: الكنايات الظاهرة لا تحتاج إلى النية كقوله بائن وبنة وبتلة وحرام وخلية وبرية والفراغ والسراح في الكنايات الظاهرة، وأما الكنايات الباطنة، فتفتقر إلى النية، وهى مثل قوله: اعتدى واستبرئى رحمك وتقنعى واذهبي وحبلك على غاربك وما أشبه ذلك. وقال أحمد: دلالة الحال في جميع الكنايات تقوم مقام النية. دليلنا أن هذه الالفاظ تحتمل الطلاق وغيره ولا تتميز إلا بالنية كالامساك عن الطعام والشراب يحتمل الصوم وغيره ولا يتميز إلا بالنية، ولان هذه كنايات في الطلاق، فإذا لم تقترن بها النية لم يقع بها الطلاق كالالفاظ التى سقناها. (فرع) قال ابن القاص: إذا قال لزوجته: أغناك الله ونوى به الطلاق كان طلاقا، فمن أصحابنا من قال: لا يقع عليها الطلاق لان هذا دعاء لها، فهو كقوله بارك الله فيك، ومنهم من وافقه لانه يحمل أن يريد به الغنى الذى قال الله فيه: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته، وإن قال لها: كلى واشربي ونوى به الطلاق ففيه وجهان. وقال أبو إسحاق لا يقع عليها الطلاق، وبه قال أبو حنيفة، كقوله أطعمينى واسقيني والثانى: يقع به الطلاق، وهو اختيار الشيخين أبى حامد وأبى إسحاق لانه يحتمل كلى ألم الفراق واشربي كأسه، وان قال لامرأته: لست بإمرأتى ونوى به الطلاق كان طلاقا، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقال أبو يوسف: لا يقع، دليلنا أنه محتمل للطلاق لانه إذا طلقها لا تكون

امرأته، فهو كقوله: أنت بائن. وان قال له رجل: ألك زوجه؟ فقال: لا: ونوى به الطلاق كان طلاقا. قال في الفروع: ويحتمل أن لا يكون كنايه ولا صريحا، والاول هو المشهور لانه يحتمل الطلاق. (فرع) وان قال لامرأته: أنت حرة ونوى به الطلاق كان طلاقا، وان قال لامته أنت طالق ونوى به العتق كان عتقا، لانه لفظ يتضمن ازالة ملك الزوجية فكان كنايه في العتق، كقوله لا سبيل لى عليك، وان قال لامرأته أنت الطلاق أو أنت طلاق ففيه وجهان (أحدهما) كنايه فلا يقع به الطلاق الا مع النية، لان الطلاق مصدر، والاعيان لا توصف بالمصادر، فكان مجازا (والثانى) أنه صريح، وبه قال مالك وأبو حنيفة، لان الطلاق قد يستعمل في معنى طالق كما في قول الشاعر: فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثا ثلاثا (مسألة) قال صاحب الهدى: ثبت في صحيح البخاري أن ابنة الجون لما دخلت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها عذت بعظيم الحقى بأهلك، وثبت في الصحيحين أن كعب بن مالك رضى الله عنه لما أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يعتزل امرأته قال لها الحقى بأهلك، فاختلف الناس في هذا، فقالت طائفة ليس هذا بطلاق ولا يقع به الطلاق نواه أو لم ينوه، وهذا قول أهل الظاهر، قالوا والنبى صلى الله عليه وسلم لم يكن عقد على ابنة الجون وانما أرسل إليها ليخطبها. ويدخل على ذلك ما في صحيح البخاري من حديث حمزة بن أبى أسيد عن أبيه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أتى بالجونية فأنزلت في بيت اميمة بنت النعمان بن شراحيل في نخل ومعها دابتها فدخل عَلَيْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لها هبى لى نفسك فقالت وهل تهب الملكه نفسها للسوقة، فأهوى ليضع يده عليها فقالت أعوذ بالله منك فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج فقال: يا اسيد اكسها رازقتين وألحقها بأهلها، وفى صحيح مسلم عن سهل بن سعد: ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة

من العرب فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها فأرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم بنى ساعدة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فلما كلها قالت: أعوذ بالله منك قال قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت لا، قالوا هذا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ليخطبك والظاهر أنها الجونية، لان سهلا قال في حديثه: فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها، فالقصة واحدة دارت على عائشة رضى الله عنها وأبى أسيد وسهل بن سعد وكل منهم رواها وألفاظهم فيها متقاربة ويبقى التعارض بين قوله: جاء ليخطبك وبين قوله: فلما دخل عليها ودنا منها، فإما أن يكون أحد اللفظين وهما، أو الدخول ليس دخول الرجل على امرأته، بل الدخول العام. وهذا محتمل وحديث ابن عباس في قصة اسماعيل وابراهيم صريح، ولم يزل هذا اللفظ من الالفاظ التى يطلق بها في الجاهلية والاسلام، ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم بل أقرهم عليه. وقد أوقع أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطلاق وهم القدوة بأنت حرام وأمرك بيدك واختارى ووهبتك لاهلك وأنت خلية، وقد خلوت منى وأنت بريئة وقد أبرأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك وأنت الخروج، فقال على وابن عمر رضى الله عنهما. الخلية ثلاث. وقال عمر رضى الله عنه: واحدة وهو أحق بها. وفرق معاوية رضى الله عنه بين رجل وامرأته قال لها: ان خرجت فأنت خلية، وقال على وابن عمر وزيد في البرية أنها ثلاث. وقال عمر هي واحدة وهو أحق بها. وقال على في الخروج هي ثلاث. وقال عمر واحدة قال: والله تعالى ذكر الطلاق ولم يعين له لفظا، فعلم أنه رد الناس إلى ما يتعارفونه طلاقا، فأى لفظ جرى عرفهم به وقع به الطلاق مع النية، والالفاظ التى لا تراد لعينها بل للدلالة على مقاصد لافظها، فإذا تكلم بلفظ دال على معنى وقصد به ذلك المعنى ترتب عليه حكمه، ولهذا يقع الطلاق من العجمي والتركى والهندي بألسنتهم، بل لو طلق أحدهم بصريح الطلاق بالعربية ولم يفهم معناه لم يقع به شئ قطعا. فإنه تكلم بما لا يفهم معناه ولا قصده، وقد دل حديث كعب بن مالك على أن الطلاق لا يقع بهذا اللفظ وأمثاله إلا بالنية.

والصواب أن ذلك جار في سائر الالفاظ صريحها وكنايتها. ولا فرق بين ألفاظ العتق والطلاق، فلو قال غلامي غلام حر لا يأتي الفواحش، أو أمتى حرة لا تبغى الفجور ولم يخطر بباله العتق ولا نواه لم يعتق بذلك قطعا، وكذلك لو كان معه امرأته في طريق فقيل له أين امرأتك؟ فقال فارقتها أو سرح شعرها وقال سرحتها ولم يردها طلاقها لم تطلق. وكذا إذا ضربها الطلق وقال لغيره اخبارا عنها بذلك انها طالق لم تطلق بذلك. وكذلك إذا كانت المرأة في وثاق فأطلقت منه فقال لها: أنت طالق وأراد من الوثاق. هذا كله مذهب مالك وأحمد في بعض هذه الصور وبعضها نظير ما نص عليه ولا يقع به الطلاق حتى ينويه ويأتى بلفظ دال عليه، فلو تفرد احد الامرين عن الآخر لم يقع الطلاق ولا العتاق، وتقسيم الالفاظ إلى صريح وكناية، وان كان تقسيما صحيحا في أصل الوضع، لكن يختلف باختلاف الاشخاص والازمنة والامكنة فليس حكما ثابتا للفظ لذاته، قرب لفظ صريح عند قوم كنايه عند آخرين أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك، فهذا لفظ السراح لا يكاد أحد يستعمله في الطلاق لا صريحا ولا كناية فلا يسوغ أن يقال: إن من تكلم به لزمه طلاق امرأته نواه أو لم ينوه ويدعى أنه ثبت له عرف الشرع والاستعمال، فإن هذه دعوة باطلة شرعا واستعمالا. أما الاستعمال فلا يكاد أحد يطلق به البتة. وأما الشرع فقد استعمله في غير الطلاق كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) فهذا السراح غير الطلاق قطعا. وكذلك الفراق استعمله الشرع في غير الطلاق كقوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن - إلى قوله - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف " فالامساك هنا الرجعة والمفارقة ترك الرجعة لا انشاء طلقه ثانيه. هذا مما لا خلاف فيه البتة: فلا يجوز أن يقال: ان من تكلم به طلقت زوجته، فهم معناه أو لم يفهم، وكلاهما في البطلان سواء وقال في البيان: ان قال له رجل: أخليت امرأتك أو أبنتها؟ وما أشبه ذلك

من الكنايات فقال الزوج نعم، فإن اعترف الزوج أنه نوى الطلاق بذلك كان إقرارا منه بالطلاق، وإن لم يعترف أنه نوى بذلك الطلاق لم يلزمه شئ اه (فرع) وإذا خاطبها بشئ من الكنايات التى يقع بها الطلاق بأن قال: أنت خلية، فإن لم ينو الطلاق في اللفظ وإنما نواه قبله أو بعده لم يكن لهذه النية حكم لانها لم تقارن اللفظ ولا بعضه، فهو كما لو نوى الطلاق من غير لفظ، وإن نوى الطلاق في بعض اللفظ بأن نوى الطلاق في قوله: أنت - وعريت نيته في قوله خلية، أو نوى الطلاق في قوله خلية دون قوله أنت، أو نوى في سائر حروف ذلك، ففيه وجهان (أحدهما) يقع الطلاق - قال الشيخ أبو حامد وهو المذهب، لان النية إذا قارنت بعض الشئ عمته أو استصحب حكمها إلى آخره وإن عريت في أثنائه صح كالعبادات من الطهارة والصلاة إذا قارنها النية في أولها، ذكرا واستصحب حكمها في باقيها. (والثانى) لا يطلق. قال الشيخ ابو اسحاق: وهو ظاهر النص، لان النية قارنت لفظا لا يصلح للطلاق. وأما الالفاظ التى لا تدل على الفراق إذا خاطبها به، كقوله بارك الله منك وما أحسن وجهك وأطعميني واسقيني. قومي واقعدى وما أشبه ذلك فلا يقع به الطلاق وإن نواه، لانها لا تصلح للفرقه، فلو أوقعنا الطلاق بذلك لاوقعنا الطلاق بمجرد النية، والطلاق لا يقع بالنية من غير لفظ، واختلف أصحابنا هل للفارسية صريح في الطلاق؟ فذهب أكثرهم إلى أن له صريحا في لغتهم كما نقول في لغة العرب. وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا صريح له في لغتهم ومثل هذا يقال في اللغة الانجليزية كقوله " توبى دايفور سد " فإنها تحتمل الطلاق فإذا نواه من لا يتكلم إلا بالانجليزية أو يتكلم بغيرها مخاطبا زوجته التى لا تفهم إلا الانجليزية وقع الطلاق ومثل هذا يقال في اللغة الفرنسية إذا قال من لا يتكلم الا بها " رنفوييه " أو يتكلم بغيرها لمن لا تحسن التخاطب الا بها فإنه يقع طلاقه إذا نواه. والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قال لامرأته اختاري أو أمرك بيدك، فقالت اخترت لم يقع الطلاق حتى ينويا لانه كناية لانها تحتمل الطلاق وغيره فلم يقع به الطلاق حتى يتفقا على نية الطلاق. وان قال اختاري ونوى اختيار الطلاق، أو قال أمرك بيدك ونوى تمليك أمر الطلاق فقالت اخترت الزوج لم يقع الطلاق، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه " فلم تجعل ذلك طلاقا، ولان اختيار الزوج اختيار النكاح لا يحتمل غيره فلم يقع به الطلاق، فإن قالت اخترت نفسي لم يقع الطلاق حتى تنوى الطلاق لانه يحتمل أن يكون معناه اخترت نفسي للنكاح ويحتمل اخترت نفسي للطلاق، ولهذا لو صرحت به جاز فلم يقع به الطلاق من غير نية. وان قالت: اخترت الازواج ونوت الطلاق فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه لا يقع لان الزوج من الازواج. (والثانى) يقع وهو الاظهر عندي لانها لا تحل للازواج الا بمفارقته، كما لو قال لها الزوج تزوجي ونوى به الطلاق وان قالت اخترت أبوى ونوت الطلاق ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع الطلاق، لان اختيار الابوين لا يقتضى فراغ الزوج (والثانى) أنه يقع لانه يتضمن العود اليهما بالطلاق، فصار كقوله الحقى بأهلك. وان قال لها امرك بيدك ونوى به ايقاع الطلاق ففيه وجهان (احدهما) لا يقع الطلاق لانه صريح في تمليك الطلاق وتعليقه على قبولها فلم يجز صرفه إلى الايقاع (والثانى) أنه يقع لان اللفظ يحتمل الايقاع فهو كقوله حبلك على غاربك. (الشرح) حديث عائشة رواه الستة وأحمد. وقد مضى تخريجه وألفاظه. أما الاحكام فإنه يجوز للزوج أن يخير زوجته فيقول لها اختاري أو أمرك بيدك لقوله تعالى " يا أيها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " الآية فخير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه

إذا ثبت هذا فقال لزوجته اختاري، واختارت زوجها لم يقع عليها الطلاق. وبه قال ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعائشة. وبه قال أكثر الفقهاء. وروى عن على بن أبى طالب وزيد بن ثابت روايتان إحداهما كقولنا، والثانية أنها إذا اختارت زوجها وقع عليها طلقة واحدة رجعية، وبه قال الحسن البصري وربيعة، دليلنا ما روى أن رجلا سأل عائشة عن رجل خير زوجته فاختارته أكان ذلك طلاقا؟ فقالت " خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه، ولم يجعل ذلك طلاقا " وهى أعلم الناس بهذه القصة، لان النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها. وإن اختارت نفسها فهو كناية في الطلاق، فإن نويا الطلاق وقع الطلاق وإن نوى أحدهما دون الاخر لم يقع الطلاق، لان الزوج إذا لم ينو لم يقع الطلاق لانه لم يجعل إليها الطلاق. وإن نوى الزوج ولم تنو الزوجة لم يقع، لانها لم توقع الطلاق. هذا مذهبنا وقال مالك هو صريح، فإذا اختارت الطلاق وقع سواء نويا أو لم ينويا. وقال أبو حنيفة لا يفتقر إلى نية الزوجة. دليلنا أن قوله اختاري يحتمل الطلاق وغيره. وكذلك قولها اخترت نفسي يحتمل الطلاق وغيره. وما كان هذا سبيله فلابد فيه من النية كسائر الكنايات، وهل من شرط اختيارها لنفسها أن يكون على الفور بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامه؟ أو يجوز إذا وقع منها في المجلس قبل ان تخوض المرأة في حديث غيره، على وجهين مضى ذكرهما وإن قالت المرأة اخترت الازواج ونوت الطلاق ففيه وجهان: أحدهما لا يقع الطلاق، لان زوجها من الازواج. والثانى يقع عليها الطلاق. قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي: وهو الاظهر عندي، لانها لا تحل للازواج الا بعد مفارقتها لهذا. وإن قالت اخترت أبوى ونوت الطلاق ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع الطلاق، لان ذلك لا يتضمن فراق الزوج (والثانى) يقع لانه يتضمن العود اليهما بالطلاق. وإن قال لها أمرك بيدك ونوى به إيقاع الطلاق قال أصحابنا فيه وجهان (أحدهما) يقع الطلاق قبل أن تختار، لانه يحتمل الطلاق فكان كقوله: حبلك على غاربك.

(والثانى) لا يقع عليها الطلاق لانه صريح في تملكها الطلاق. ووقوعه لقبولها، فلا يجوز صرفه إلى الايقاع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قال لامرأته: أنت على حرام ونوى به الطلاق فهو طلاق. لانه يحتمل التحريم بالطلاق، وإن نوى به الظهار فهو ظاهر، لانه يحتمل التحريم بالظهار ولا يكون ظهارا ولا طلاقا من غير نية لانه ليس بصريح في واحد منهما. وإن نوى تحريم عينها لم تحرم: لما روى سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضى الله عنه فقال: إنى جعلت امرأتي على حراما. قال كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، قد فرض الله لكن تحلة أيمانكم " إلى آخر الاية. ويجب عليه بذلك كفارة يمين، لان النبي صلى الله عليه وسلم حرم مارية القبطية أم إبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ الله عزوجل: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم " فوجبت الكفارة في الامة بالاية. وقسنا الحرة عليها لانها في معناها في تحليل البضع وتحريمه. وإن قال أنت على حرام ولم ينو شيئا ففيه قولان. (أحدهما) يجب عليه الكفارة، فعلى هذا يكون هذا اللفظ صريحا في إيجاب الكفارة، لان كل كفارة وجبت بالكنايه مع النية كان لوجوبها صريح ككفارة الظهار (والثانى) لا يجب، فعلى هذا لا يكون هذا اللفظ صريحا في شئ، لان ما كان كنايه في جنس لا يكون صريحا في ذلك الجنس، ككنايات الطلاق. وان قال لامته: أنت على حرام، فإن نوى به العتق كان عتقا، لانه يحتمل أنه أراد تحريمها بالعتق، وإن نوى الظهار لم يكن ظهارا لان الظهار لا يصح من الامة، وان نوى تحريم عينها لم تحرم ووجب عليه كفارة يمين لما ذكرناه، وان لم يكن له نية ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يجب عليه الكفارة قولا واحدا لعموم الاية. ومنهم من قال: فيه قولان كالقولين في الزوجة لما ذكرناه،

وإن كان له نسوة أو إماء فقال: أنتن على حرام ففى الكفارة قولان (أحدهما) يجب لكل واحدة كفارة (والثانى) يجب كفارة واحدة كالقولين فيمن ظاهر من نسوة وإن قال لامرأته أنت على كالميتة والدم، فإن نوى به الطلاق فهو طلاق، وإن نوى به الظهار فهو ظهار، وإن نوى به تحريمها لم تحرم، وعليه كفارة يمين لما ذكرناه في لفظ التحريم. وإن لم ينو شيئا فإن قلنا إن لفظ التحريم صريح في إيجاب الكفارة لزمته الكفارة، لان ذلك كناية عنه. وإن قلنا إنه كناية لم يلزمه شئ، لان الكناية لا يكون لها كنايه. (الشرح) خبر سعيد بن جبير ثبت في صحيح البخاري أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته فليس بشئ، لكم في رسول الله أسوة حسنة. قد روى هذا عن عمر رضى الله عنه قال عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبى كثير وأيوب السختيانى كلاهما عن عكرمة عن عمر قال: هي يمين، يعنى التحريم. وروى اسماعيل بن اسحاق حدثنا المقدمى حدثنا حماد بن زيد عن صخر بن جويريه عن نافع عن ابن عمر قال: الحرام يمين. أما قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم " الاية، فقد ثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب عسلا في بيت ميمونة، فاحتالت عليه عائشة وحفصة حتى قال: لن أعود له - وفى لفظ - وقد حلفت " وفى سنن النسائي عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة رضى الله عنها وحفصة حتى حرمها، فأنزل الله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " وفى جامع الترمذي عن عائشة رضى الله عنها قالت " إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة. قال الترمذي: هكذا رواه مسلم بن علقمة عن داود عن الشعبى عن مسروق عن عائشة، ورواه على بن مسهر وغيره عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وهو أصح. اه وقولها " جعل الحرام حلالا " أي على الذى حرمه وهو العسل أو الجارية

حلالا بعد تحريمه إياه. قال الواحدى: قال المفسرون: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيت حفصه فزارت أباها فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت. فلما رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: لا تخبرى عائشة ولك على أن لا أقربها أبدا، فأخبرت حفصة عائشة - وكانتا متصافيتين - فغضبت عائشة، ولم تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية، فأنزل الله هذه السورة (التحريم) وقال القرطبى: أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة (وذكر القصة) وقال العلامة صديق خان في نيل المرام: والجمع ممكن بوقوع القصتين. قصة العسل وقصة مارية وأن القرآن نزل فيهما جميعا وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة ابن ذؤيب قال: سألت زيد بن ثابت وابن عمر رضى الله عنهم عمن قال لامرأته أنت على حرام فقال جميعا كفارة يمين. وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ان أبى نجيح عن مجاهد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ في التحريم. هي يمين يكفرها. قال أبو محمد بن حزم: وروى ذلك عن أبى بكر الصديق وعائشة أم المؤمنين رضى الله عنهما. أما اللغات فقوله " مرضاة " اسم مصدر وهو الرضا. قوله " تحلة " هي تحللة تفعلة من الحلال فأدغمت أي يحل بها ما كان حراما. أما الاحكام: فإذا قال لزوجته أنت حرام على - فإن نوى به الطلاق كان طلاقا، وان نوى به الظهار - وهو أن ينوى أنها محرمة كحرمة ظهر أمه كان مظاهرا، وإن نوى تحريم عينها أو تحريم وطئها أو فرجها بلا طلاق وجب كفارة يمين وإن لم يكن يمينا وإن لم ينو شيئا ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه كفارة يمين فيكون هذا صريحا في إيجاب الكفارة (والثانى) لا يجب عليه شئ فيكون هذا كناية في إيجاب الكفارة ويأتى توجيههما

وأما إذا قال لامته: أنت حرام على - فإن نوى عتقها عتقت، وان نوى الظهار أو أراد به الطلاق أو كليهما فقد قال عامة أصحابنا: لا يلزمه شئ، لان الطلاق والظهار لا يصحان من السيد في أمته. وقال ابن الصباغ: عندي أنه إذا نوى الظهار لا يكون ظهارا أو يكون بمنزلة ما لو نوى تحريمها، لان معنى الظهار أن ينوى أنها عليه كظهر أمه في التحريم، وهذه نية التحريم المتأكد، وان نوى تحريم عينها وجب عليه كفارة اليمين. وان طلق ولم ينو شيئا فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال فيه قولان كالزوجه، ومنهم من قال تجب الكفارة قولا واحدا، لان النص ورود فيها والزوجه مقيسه عليها، فهذا جملة المذهب وقد اختلف الصحابة فيمن قال لزوجته: أنت على حرام، واختلف فقهاء الامصار في هذ المسألة حتى ذهبوا فيها عشرين مذهبا. فذهب أبو بكر الصديق رضى الله عنه وعائشة إلى أن ذلك يمين تكفر. وبه قال الاوزاعي. وقال عمر ابن الخطاب طلقه رجعيه وبه قال الزهري. وقال عثمان هو ظهار، وبه قال أحمد وقال هو ظهار بإطلاقه نواه أو لم ينوه إن لم يصرفه بالنية إلى الطلاق أو اليمين فينصرف إلى ما نواه. هذا ظاهر مذهب أحمد وعنه روايه ثانيه أنه بإطلاقه يمين الا أن يصرفه بالنيه إلى الظهار أو الطلاق فينصرف إلى ما نواه. وعنه رواية ثالثه أنه ظهار بكل حال. ولو نوى غيره، وفيه رواية رابعه حكاها أبو الحسين في فروعه أنه طلاق بائن، ولو وصله بقوله أعنى به فعنه فيه روايتان: أحداهما أنه طلاق فعلى هذا هل تلزمه الثلاث أو واحدة على روايتين، والثانيه أنه ظهار أيضا، كما لو قال أنت على كظهر أمي، أعنى به الطلاق. هذا ملخص مذهبه كما أفاده ابن القيم في الهدى. وقال على بن أبى طالب وزيد بن ثابت وابو هريرة: يقع به الطلاق الثلاث. ذكر هذا العمرانى في البيان، ونعى ابن القيم على ابن حزم عزوه هذا القول إلى على وزيد بن ثابت وابن عمر فقال: الثابت ما رواه هو من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن ابى هبيرة عن قبيصه انه سأل زيد بن ثابت وابن عمر عمن قال لامرأته: أنت على حرام، فقالا جميعا كفارة يمين،

ولم يصح عنهما خلاف ذلك. وأما على كرم الله وجهه فقد روى أبو محمد من طريق يحيى القطان حدثنا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: يقول رجال في الحرام: هي حرام حتى تنكح زوجا غيره ولا والله ما قال ذلك على كرم الله وجهه وإنما قال على: ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك، إن شئت فتقدم وإن شئت فأخر. وأما الحسن رضى الله عنه فقد روى أبو محمد بن حزم من طريق قتادة عنه أنه قال: كل حلال على حرام فهو يمين، ولعل أبا محمد غلط على على وزيد وابن عمر من مسألة الخلية والبرية والبتة: فإن أحمد حكى عنهم أنها ثلاث وقال هو عن على وابن عمر صحيح، فوهم أبو محمد وحكاه في أنت على حرام وهو وهم ظاهر، فإنهم فرقوا بين التحريم فأفتوا فيه بأنه يمين، وبين الخلية فأفتوا فيها بثلاث، ولا أعلم أحدا قال: إنه ثلاث بكل حال اه قلت: والحرام طلاق ثلاث هو المعروف من مذهب مالك وابن أبى ليلى في المدخول بها. أما غير المدخول بها فإنه يقع ما نواه من واحدة واثنين وثلاث فإن أطلق فواحدة. وإن قال لم أرد طلاقا، فإن كان تقدم كلام يجوز صرفه إليه قبل منه وإن كان ابتداء لم يقبل. وعند ابن عباس في إحدى الروايتين هو كفارة يمين. وهو قولنا. واختلف الناس بعد الصحابة في هذه الكلمة، فقال أبو سلمة بن عبد الرحمن ومسروق: لا يجب فيها شئ. وقال حماد بن أبى سليمان: هو طلقة بائنة. وقال أبو حنيفة: إن نوى الطلاق كان طلاقا، وإن نوى الظهار كان ظهارا. وان نوى طلقة كانت بائنة وإن نوى اثنتين كانت واحدة. وان نوى الثلاث وقع الثلاث، وإن لم ينو شيئا كان مؤليا فإن فاء في المدة كفر، وان لم يفئ حتى انقضت المدة بانت منه. وقال سفيان الثوري: ان نوى به واحدة فهى واحدة وان نوى ثلاث فهى ثلاث وان نوى يمينا فهى يمين، وان لم ينو شيئا فهى كذبة دليلنا ما روى ابن عباس في صحيح مسلم: إذا حرم الرجل إمرأته فهى يمين يكفرها وتلا قوله " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة " ولان اللفظ يحتمل

الانشاء والاخبار، فإن أراد الاخبار فقد استعمله فيما هو صالح له فيقبل منه، وان أراد الانشاء سئل عن السبب الذى حرمها به. فإن قال: أردت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قبل منه لصلاحية اللفظ له واقترانه بنيته، وان نوى الظهار كان كذلك لانه صرح بموجب الظهار لان قوله أنت على كظهر أمي موجبه التحريم، فإذا نوى ذلك بلفظ التحريم كان ظهارا واحتماله للطلاق بالنية لا يزيد على احتماله للظهار بها، وإن أراد تحريمها مطلقا فهو يمين مكفرة لانه امتناع منها بالتحريم فهو كامتناعه منها باليمين. وروينا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أتى منزل حفصة فلم يجدها وكانت عند أبيها، فاستدعى جاريته مارية القبطية، فأتت حفصة فقالت: يا رسول الله في بيتى وفى نومى وعلى فراشي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضيك وأسر اليك سرا فاكميه، هي على حرام، فأنزل الله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ تبتغى مرضاة أزواجك؟ الآية " فقال: لم تحرم؟ ولم يقل: لم تحلف؟ أو لم تطلق، أو لم تظاهر، ولم تولى، فإذا ثبت هذا في الامة قسنا الزوجة عليها لانها في معناها في تحليل البضع وتحريمه. وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حرم على نفسه جاريته مارية، فأنزل الله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " الآية، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حرم على نفسه حلالا له أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم. فإذا قلنا: ان لفظة الحرام صريح في ايجاب الكفارة فوجهه حديث ابن عباس ولان كل كفارة وجبت بالكناية مع النية وجب أن يكون لوجوب تلك الكفارة صريح كالظهار، وبيان هذا أنه إذا قال لامرأته: أنت على حرام ونوى به الظهار وجب عليه كفارة الظهار وكان كناية عن الظهار، ثم كان للظهار صريح وهو قوله أنت على كظهر أمي، كذلك كفارة التحريم لما وجب بالكفارة مع النية، وهو قوله: أنت على حرام كالميتة والدم ونوى به تحريم عينها وجب أن يكون لهذه الكفارة صريح، وهو قوله: أنت على حرام كالميتة وإذا قلنا إن التحريم كناية لا يجب به شئ من غير نية فوجهه أن كل ما كان

كناية في جنس لم يكن صريحا في ذلك الجنس، كقوله: أنت خلية (فرع) إذا قال لامرأته: أنت كالميته والدم - فإن نوى به الطلاق - كان طلاقا، وان نوى به الظهار كان ظهارا لانه يصلح لها، وان لم ينو شيئا لم يكن عليه شئ لانها كناية تعرت عن النية فلم تعمل في التحريم وإن قال نويت بها أنت على حرام - فإن قلنا إن قوله أنت على حرام صريح في إيجاب الكفارة وجب عليه الكفارة، لان الصريح له كناية، وان قلنا ان التحريم كناية في إيجاب الكفارة لم يجب عليه ههنا كفارة، لان الكناية لا تكون لها كناية. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد وذكر الشيخ أبو إسحاق والمحاملى أنه إذا نوى بذلك تحريم عينها لزمته الكفارة (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وإن نوى إصابته قلنا له: أصبت وكفر وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته: إصابتك على حرام أو فرجك على حرام، أو قال أنت على حرام ثم قال نويت به إصابتك فيجب عليه الكفارة لان موضع الاصابة هو الفرج إلا أن ينوى به الطلاق أو الظهار فيقع ما نواه وقول الشافعي: أصبت وكفر، أراد أن يبين أن له أن يطأها قبل أن يكفر بخلاف المظاهرة. وإن قال لها أنت على حرام ثم قال نويت ان أصبتها فهى حرام، لم يقبل قوله في الحكم لانه يدعى خلاف الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه، (فرع) إذا قال الرجل كل ما أملك على حرام - فإن كان له مال ولا زوجات له ولا إماء لم ينعقد بهذا اللفظ يمين ولا يجب عليه شئ. وقال أبو حنيفة يكون معناه والله لا انتفعت بمالى، فإن انتفع به حنث ووجب عليه كفارة يمين دليلنا أن التحريم ليس بيمين فلم يجب به كفارة في الاموال كغيره من الالفاظ، ويخالف الابضاع، فإن للتحريم تأثيرا في الابضاع بالرضاع والظهار والعتق والطلاق فأثره التحريم وأما إذ كان له زوجات وإماء، فإن نوى طلاق نسائه وعتق إمائه أو

الظهار في النساء والعتق في الاماء حمل على ما نوى، وإن نوى تحريم أعيانهن وجب عليه الكفارة وإن أطلق. فإن قلنا إنه صريح في إيجاب الكفارة وجب عليه الكفارة، وإن قلنا إنه كناية في إيجاب الكفارة لم تجب عليه الكفارة إذا ثبت هذا فإن كان له زوجة واحدة أو أمة واحدة ونوى تحريم عينها، أو قلنا إنه صريح في إيجاب الكفارة وجب عليه كفارة واحدة، وإن كان له زوجات وإماء ونوى الظهار عن زوجاته، فهل يجب عليه كفارة أو كفارتان؟ فيه قولان يأتي توجيهما في الظهار. وإن نوى تحريم أعيانهن فمن أصحابنا من قال فيه قولان كالظهار. ومنهم من قال: يجب عليه كفارة واحدة قولا واحدا، كما لو قال لاربع نسوة والله لا أصبتكن فأصابهن، فإنه لا يجب عليه إلا كفارة واحدة. هذا نقل البغداديين وقال المسعودي: إذا قال الرجل: حلال الله على حرام فقد قال المتقدمون من أصحابنا: ذلك كناية. وقال المتأخرون منهم: انه صريح لانه اكثر استعمالهم لذلك، وكان القفال إذا استفتاه واحد عن هذا قال له: ان سمعت هذا من غيرك قاله لامرأته ماذا كنت تفهم منه؟ فإن قال: فهمت منه الصريح، قال هو صريح لك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينو لم يقع الطلاق، لان الكتابة تحتمل ايقاع الطلاق وتحتمل امتحان الخط، فلم يقع الطلاق بمجردها، وان نوى بها الطلاق ففيه قولان، قال في الاملاء: لا يقع به الطلاق لانه فعل ممن يقدر على القول فلم يقع به الطلاق كالاشارة وقال في الام هو طلاق وهو الصحيح، لانها حروف يفهم منها الطلاق فجاز أن يقع بها الطلاق كالنطق. فإذا قلنا بهذا فهل يقع بها الطلاق من الحاضر والغائب فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقع بها الا في حق الغائب لانه جعل في العرف لافهام الغائب كما جعلت الاشارة لافهام الاخرس، ثم لا يقع الطلاق بالاشارة الا في

حق الاخرس، وكذلك لا يقع الطلاق بالكتابة الا في حق الغائب (والثانى) أنه يقع بها من الجميع، لانها كناية فاستوى فيها الحاضر والغائب كسائر الكنايات. (فصل) فإن أشار إلى الطلاق - فان كان لا يقدر على الكلام كالاخرس صح طلاقه بالاشارة، وتكون اشارته صريحا لانه لا طريق له إلى الطلاق الا بالاشارة، وحاجته إلى الطلاق كحاجة غيره، فقامت الاشارة مقام العبارة، وان كان قادرا على الكلام لم يصح طلاقه بالاشارة، لان الاشارة إلى الطلاق ليست بطلاق، وإنما قامت مقام العبارة في حق الاخرس لموضع الضرورة، ولا ضرورة ههنا فلم تقم مقام العبارة (الشرح) الاحكام: إذا كتب طلاق امرأته وتلفظ به وقع الطلاق، لانه لو تلفظ به ولم يكتبه وقع الطلاق، فكذلك إذا كتبه ولفظ به، وان كتب طلاقها ولم يلفظ به ولا نواه لم يقع الطلاق، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال أحمد: يقع به الطلاق، وحكاه أبو على الشيخى وجها لبعض أصحابنا وليس بمشهور، لان الكتابة قد يقصد بها الحكاية، وقد يقصد بها تجويد الخط فلم يقع به الطلاق وبه قال أبو حنيفة وأحمد وهو الصحيح، فوجهه أن الانسان يعبر عما في نفسه بكتابته كما يعبر عنه بلسانه، ولهذا قيل: القلم أحد اللسانين، وقد ثبت أنه لو عبر عن الطلاق باللسان لوقع فكذلك إذا عبر عنه بالكتابة وإذا قلنا: لا يقع به الطلاق فوجهه أنه فعل من يقدر على القول فلم يقع به الطلاق كالاشارة، وفيه احتراز من اشارة الاخرس إذا ثبت هذا - فان قلنا لا يقع به الطلاق - فلا تفريع عليه، وان قلنا يقع به الطلاق - فان كانت غائبة عنه وكتب بطلاقها - وقع، وان كانت حاضرة معه فهل يقع طلاقها بكتابته؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقع لان الكتابة انما جعلت كالعبارة في حق الغائب دون الحاضر، كالاشارة في حق الاخرس دون الناطق (والثانى) يقع لانه كناية في الطلاق فصحت من الغائب والحاضر كسائر الكنايات (فرع) إذا كتب امرأته طالق ونواه وقع عليها سواء وصلها أو لم يصلها

إياه، وإن كتب: إذا وصلك كتابي هذا سليما فأنت طالق. ونواه - فإن وصلها سليما لوجود الصفة، وإن ضاع الكتاب ولم يصلها لم يقع الطلاق، لان الصفة لم توجد، وإن أتاها الكتاب - وقد تحرقت الحواشى - وقع عليها الطلاق لان الحرق لم يتناول الكتابة. وإن وصلها الكتاب وقد انمحى جميع الكتاب حتى صار القرطاس أبيض أو انطمس حتى لا يفهم منه شئ لم يقع الطلاق، لان الكتاب هو المكتوب: وإن انمحى موضع الطلاق لم تطلق لان المقصود لم يأتها، وإن انمحى جميعه إلا موضع الطلاق - اختلف أصحابنا - فقال أبو إسحاق المروزى: يقع الطلاق لان المقصود من الكتاب موضع الطلاق. وقد أتاها. ومنهم من قال لا يقع لان قوله كتابي هذا. يقتضى جميعه ولم يوجد ذلك، وإن قال إذا أتاك كتابي فأنت طالق، وأتاها الكتاب، وقع عليها الطلاق لوجود الصفتين (فرع) قال المسعودي: إذا قال: إذا قرأت كتابي فأنت طالق، فلا تطلق ما لم تقرأه بنفسها ان كانت تحسن القراءة أو يقرأ عليها ان كانت أمية. وحكى الصيمري وجها آخر: إذا قرئ عليها لم تطلق، لان حقيقة الوصف لم توجد (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه " وإذا شهد عليه أنه خطه لم يلزمه حتى يقربه " وهذا كما قال، فإنه إذا شهد رجلان على رجل بأن هذا الكتاب خطه بطلاق امرأته فلا يجوز لهما أن يشهدا الا إذا رأياه يكتبه ولم يغب الكتاب عن أعينهما فأما إذا رأياه يكتبه ثم غاب الكتاب عن أعينهما لم يجز لهما أن يشهدا به، لان الخط قد يزور على الخط. وإذا ثبت أنه خطه بالشهادة أو بالاقرار لم يحكم عليه الطلاق الا إذا أقر أنه نوى الطلاق، لان ذلك لا يعلم الا من جهته، وهذا بامراد الشافعي بقوله: حتى يقر به (مسألة) قوله: فان أشار إلى الطلاق الخ، وهذا كما قال، فإن أشار الناطق إلى الطلاق ونواه لم يقع الطلاق به، لان ذلك ليس بصريح ولا كناية. هذا هو المشهور. وقال أبو على في الافصاح: إذا قلنا ان الكتابة كناية ففى الاشارة وجهان (أحدهما) أنه كناية لانه علم يعلم به المراد فهو كالكناية (والثانى) أنه ليس بكناية لانه ليس من الاعلام الجارية فيما بينهم في فهم المراد.

باب عدد الطلاق والاستثناء فيه

وان أشار الاخرس إلى الطلاق وكانت اشارته مفهومة حكم عليه بالطلاق لان اشارته كعبارة غيره، وان كتب الاخرس بطلاق امرأته وأشار إلى أنه نواه، فإن قلنا لا يقع الطلاق بالكتابة في الناطق لم يقع به من الاخرس، وان قلنا ان الطلاق يقع من الناطق بالكتابة وقع أيضا من الاخرس. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب عدد الطلاق والاستثناء فيه) إذا خاطب امرأته بلفظ من ألفاظ الطلاق كقوله: أنت طالق أو بائن أو بنة أو ما أشبهها، ونوى طلقتين أو ثلاثا، وقع لما روى " أن ركانة بن عبد يزيد قال يا رسول الله انى طلقت امرأتي سهيمة البتة، والله ما أردت الا واحدة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله ما أردت الا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت الا واحدة، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه " فدل على أنه لو أراد ما زاد على واحدة لوقع، ولان اللفظ يحتمل العدد بدليل أنه يجوز أن يفسره به، وهو أن يقول أنت طالق طلقتين أو ثلاثا أو بائن بطلقتين وثلاث وما احتمله اللفظ إذا نواه وقع به الطلاق، كالكناية وان قال أنت واحدة ونوى طلقتين أو ثلاثا ففيه وجهان (أحدهما) يقع لانه يحتمل أن يكون معناه أنت طالق واحدة مع واحدة أو مع اثنتين. (والثانى) لا يقع ما زاد على واحدة لانه صريح في واحدة، ولا يحتمل ما زاد، فلو أوقعنا ما زاد لكان ايقاع طلاق بالنية من غير لفظ، وذلك لا يجوز وان قال لها اختاري وقالت المرأة اخترت - فان اتفقا على عدد ونوياه - وقع ما نوياه. وان اختلفا فنوى أحدهما طلقة ونوى الآخر ما زاد لم يقع ما زاد على طلقة، لان الطلاق يفتقر إلى تمليك الزوج وايقاع المرأة وإذا نوى أحدهما طلقة ونوى الآخر ما زاد لم يقع لانه لم يوجد الاذن والايقاع الا في طلقة فلم يقع ما زاد.

(الشرح) حديث ركانة بن عبد الله رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني وفيه " فردها إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمان عثمان " وقد أخرجه أيضا بن حبان والحاكم والترمذي وقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه. وسألت محمدا - يعنى البخاري عنه - فقال فيه اضطراب. اه وفى إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد. وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري أنه يضطرب فيه، تارة يقال فيه ثلاثا، وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقة البتة، وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى قال ابن كثير: لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر، وله طرق أخر فهو حسن إن شاء الله. وقال ابن عبد البر تكلموا في هذا الحديث. وقال الشوكاني: وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض، أما الاضطراب فكما تقدم. وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا فحزن عليها. وروى ابن اسحق عن ركانة أنه قال: يا رسول الله انى طلقتها ثلاثا. قال قد علمت ارجعها. ثم تلا إذا طلقتم النساء " الآيه. أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس " أن طلاق الثلاث كان واحدة عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم " رواه أحمد ومسلم، ورواه أبو داود بهذا المعنى، وهو أصح إسنادا وأوضح متنا من حديث ركانة. وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم - حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ " قال ابن كثير إسناده جيد. وقال الحافظ في بلوغ المرام: رواته موثقون. وفى الباب عن ابن عباس قال " طلق أبو ركانة أم ركانة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: راجع

امرأتك، فقال: إنى طلقتها ثلاثا، قال قد علمت، راجعها " أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده قلت: وقد أعل قوم حديث محمود بن لبيد بأن ابن وهب قد رواه عن مخرمة ابن بكير عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد فذكره فقالوا إن مخرمة لم يسمع من أبيه بكير بن الاشج وإنما هو كتاب. ولما كان مخرمة ثقة باتفاق المحدثين، قال فيه أحمد بن حنبل ثقة ولم يسمع من أبيه وإنما هو كتاب مخرمة فنظر فيه كل شئ يقول: بلغني عن سليمان بن يسار فهو من كتاب مخرمة، ولا ضير في هذا فإن كتاب أبيه كان محفوظا عنده مضبوطا فلا فرق في قيام الحجة بالحديث بين ما حدثه به أو رآه في كتابه، بل الاخذ عن المكتوب أحوط إذا تيقن الراوى أن هذه نسخة الشيخ بعينها، وهذه طريقة الصحابة والسلف، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث بكتبه إلى الملوك وتقوم عليهم بها الحجة. وكتب كتبه إلى عماله في بلاد الاسلام فعملوا بها واحتجوا بها، وهو أمر مستفيض أما الاحكام فإنه إذا قال لامرأته أنت طالق أو طلقتك - فان لم ينو عددا - انصرف ذلك إلى طلقه، وان نوى أكثر منها إلا أن يقول: أنت طالق أو طلقي نفسك ثلاثا، إذا نوى بذلك ثلاثا وقعن، لان كل لفظ اقترن به لفظ الثلاث وقعن به، فإذا اقترن به نية الثلاث وقعن كقوله: أنت الطلاق، وان خاطبها بشئ من الكنايات ونوى به الطلاق - فان لم ينو به العدد انصرف ذلك إلى طلقة رجعيه، وان نوى اثنتين أو ثلاثا انصرف ذلك إلى ما نواه، سواء في ذلك الكنايات الظاهرة أو الباطنه وقال مالك: الكنايات الظاهرة وهى قوله: أنت خلية وبريه وبته وبتلة وبائن وحرام، وفارقتك وسرحتك يقع بها الثلاث إذا خاطب بها مدخولا بها سواء نوى بها الطلاق أو لم ينو، وان خاطب بها غير مدخول بها فان لم ينو الطلاق وقع بها الثلاث. وان نوى الطلاق وقع ما نواه. وأما الكنايات الباطنه وهو قوله: اعتدى واستبرئى رحمك وتقنعى واذهبي وحبلك على غاربك وما أشبهها. فان لم ينو بها العدد كانت طلقه رجعيه وان نوى بها أكثر وقع ما نواه كقولنا

وقال أبو حنيفة: الكنايات الظاهرة إذا نوى بها طلقة وقعت طلقة بائنة، وان نوى بها طلقتين لم تقع الا واحدة. وان نوى بها ثلاثا وقعت الثلاث. وأما الكنايات الباطنة فلا يقع بها الا طلقة واحدة رجعية، وان نوى بها اكثر منها دليلنا حديث ركانة بن عبد يزيد أنه طلق امرأته البتة فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أردت بالبتة؟ قال: والله ما أردت الا واحدة فردها عليه. فدل على أنه لو أراد ما زاد على واحدة لوقع، وعلى انه لو وقع به الثلاث لما سأله عنه ولما استحلفه ولا ردها عليه. وان قال لها أنت طالق واحدة وأنت واحدة ونوى طلقتين أو ثلاث ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقع عليها ما نواه لانه يحتل أنت طالق واحدة مع واحدة أو مع اثنتين (والثانى) لا يقع عليها الا واحدة لانه صريح فيها، فلو أوقعنا ما زاد عليها لكان ايقاع طلاق بالنية من غير لفظ (والثالث) وهو اختيار القفال: ان نوى ما زاد على واحدة عند قوله أنت وقع ما نواه. وان نوى ذلك بمجموع الكلام لم تقع الا واحدة (مسألة) قال الشافعي: إذا قال للمدخول بها أنت طالق واحدة بائنا وقعت عليه طلقة رجعية. قال الصيمري: وهكذا إذا قال أنت طالق واحدة لا رجعة لى بها، كان له الرجعة، لان الواحدة لا تبين بها المدخول بها، وله الرجعة بها فلا يسقط ذلك بشرطه (فرع) وان قال لامرأته: أنت طالق طلاقا، أو أنت طالق الطلاق. فإنه لا يقع عليها الا طلقة، لان المصدر لا يزيد به الكلام، وانما يدخل للتأكيد كقوله ضربت زيدا ضربا، الا أن ينوى به ما زاد على واحدة فيقع ما نواه، كما لو لم يأت المصدر. (فرع) وان قال لامرأته أنت طالق فماتت، ثم قال ثلاثا متصلا بقوله ففيه ثلاثة أوجه حكاها الطبري في العدة، وهو قول ابن سريج أنه يقع عليها الثلاث لانه قصده بقوله أنت طالق (والثانى) لا يقع عليها الا واحدة، لان الثلاث لا تعلم الا بقوله، ولم يقل ذلك الا بعد موتها، والميتة لا يلحقها الطلاق. (والثالث) أنه لا يقع عليها شئ لان الجملة كلها انما تقع بجميع اللفظ ولا يتقدم

وقوع واحدة على الاثنتين. ألا ترى أنه لو قال العين المدخول بها: أنت طالق ثلاثا لوقع الثلاث، وقع باللفظ أولا واحدة لبانت بها ولم يقع ما بعدها ولم يتم الكلام إلا وهى ميتة، والميتة لا يلحقها الطلاق وقال الطبري " والصحيح أنه لا يقع إلا واحدة، كما لو قال أنت طالق وجن ثم قال ثلاثا. (فرع) إذا قال لزوجته اختاري فقالت اخترت نفسي - فان نويا عددا من الطلاق واتفقا في عدد ما نوياه وقع ما نوياه، وإن اختلفا فنوى أحدهما أكثر مما نوى الاخر وقع العدد الاقل ويقع رجعيا وقال أبو حنيفة لا يفتقر إلى نية الزوجة، فان نوى الزوج وقعت بائنه. وان نوى ما زاد عليها لم يقع إلا واحدة بائنة وقال مالك إذا نوى الطلاق وقع الثلاث ان كانت مدخولا بها، وإن لم تكن مدخولا بها قبل منها أنها أرادت واحدة أو اثنتين. وروى أن مروان بن الحكم أجلس زيد بن ثابت فسأله، وأجلس كاتبا يكتب ما قال، فكان فيما سأله " إذا خير الرجل زوجته " فقال زيد " ان اختارت نفسها فهى ثلاث، وان اختارت زوجها فهى واحدة رجعية دليلنا أنه لم يقرن به لفظ الثلاث ولا بينها فلم يقع به الثلاث، ولا يقع بقطع الرجعية، كقوله أنت طالق وان ذكر الزوج لفظ الاختيار ثلاثا ونوى به واحدة كانت واحدة. وقال أبو حنيفة " إذا قبلت وقع الثلاث " دليلنا أنه يحتمل أنه يريد به التأكيد، فإذا قيد فيه قبل منه. كقوله أنت طالق الطلاق. وان قال لها اختاري من الثلاث طلقات ما شئت فليس لها أن تختار الثلاث ولها أن تختار ما دونها، وبه قال ابو حنيفة وأحمد. وقال أبو يوسف ومحمد لها ان تختار الثلاث. دليلنا أن (من) للتبعيض، وقد جعل إليها بعض الثلاث فلا يكون لها ايقاع الثلاث

(فرع) إذا قال لها: يا مائة طالق أو أنت مائة طالق وقع عليها ثلاث طلقات وإن قال: أنت طالق كمائة أو أنت طالق كألف. قال ابن الصباغ: وقع عليها الثلاث، وبه قال محمد بن الحسن وأحمد، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن لم يكن له نية لم يقع عليها إلا واحدة، دليلنا: أنه تشبيه بالعدد خاصة فوقع العدد كقوله: أنت طالق كعدد مائة أو ألف. اه وفى هذا الفرع بحث من السنة يقتضينا المقام اثباته فقد أخرج الدارقطني عن مجاهد عن ابن عباس " أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال: عصيت ربك وفارقت امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا ". وأخرج الدارقطني عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضا " أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال: أخطا السنة وحرمت عليه أمرأته " وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفا فقال له عمر: أطلقت امرأتك؟ قال لا، انما كنت العب، فعلاه بالدرة وقال: انما يكفيك من ثلاث. وروى وكيع عن على كرم الله وجهه وعثمان رضى الله عنه نحو ذلك واخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود " انه قيل له: ان رجلا طلق امرأته البارحه مائة، قال: قلتها مرة واحدة؟ قال: نعم، قال: تريد ان تبين منك امراتك؟ قال: نعم، قال: هو كما قلت، واتاه آخر فقال: رجل طلق امرأته عدد النجوم قال: قلتها مرة واحدة؟ قال نعم، قال: تريد ان تبين منك امرأتك قال: نعم، قال هو كما قلت، والله لا تلبسون على انفسكم ونتحمله ". واخرج عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد الله بن الوليد الوصافى عن ابراهيم بن عبد الله بن عبادة بن الصامت قال " طلق جدى امرأة له ألف تطليقه فانطلق إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر له ذلك فقال: ما اتقى الله جدك اما ثلاث فله، واما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم ان شاء الله عذبه وان شاء غفر له ". وفى رواية " ان اباك لم يتق الله فيجعل له مخرجا، بانت منه بثلاث على غير السنه، وتسعمائه وسبع وتسعون اثم في عنقه " وهذا الخبر اعترض عليه علماء

الحديث بأن يحيى بن العلاء ضعيف، وعبيد الله بن الوليد هالك، وابراهيم بن عبيد الله مجهول، فأى حجه في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الاسلام فكيف بجده؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وإن قال: أنت - وأشار بثلاث أصابع ونوى الطلاق الثلاث - لم يقع شئ، لان قوله: أنت ليس من ألفاظ الطلاق، فلو أوقعنا الطلاق لكان بالنية من غير لفظ، وإن قال: أنت طالق هكذا، وأشار بثلاث أصابع وقع الثلاث، لان الاشارة بالاصابع مع قوله هكذا بمنزلة النية في بيان العدد، وان قال: أردت بعد الاصبعين المقبوضتين قبل، لانه يحتمل ما يدعيه، وان قال: أنت طالق، وأشار بالاصابع ولم يقل هكذا، وقال أردت واحدة ولم أرد العدد قبل، لانه يحتمل ما يدعيه. (فصل) وان قال أنت طالق واحدة في اثنتين نظرت - فإن نوى طلقة واحدة مع اثنتين - وقعت ثلاث لان " في " تستعمل بمعنى " مع " والدليل عليه قوله عز وجل " فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " والمراد مع عبادي فإن لم يكن له نية نظرت - فإن لم يعرف الحساب ولا نوى مقتضاه في الحساب - طلقت طلقة واحدة بقوله أنت طالق، ولا يقع بقوله في اثنتين شئ، لانه لا يعرف مقتضاه فلم يلزمه حكمه، كالأعجمي إذا طلق بالعربية وهو لا يعرف معناه، وان نوى مقتضاه في الحساب ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى بكر الصيرفى انه يقع طلقتان، لانه أراد موجبه في الحساب، وموجبه في الحساب طلقتان. (والثانى) وهو المذهب انه لا يقع الا طلقة واحدة لانه إذا لم يعلم مقتضاه لم يلزمه حكمه، كالأعجمي إذا طلق بالعربية وهو لا يعلم، وقال اردت مقتضاه في العربية، فإن كان عالما بالحساب نظرت - فإن نوى موجبه في الحساب - طلقت طلقتين لان موجبه في الحساب طلقتان. وان قال اردت واحدة في اثنتين باقيتين طلقت واحدة، لانه يحتمل ما يدعيه كقوله: له عندي ثوب في منديل،

وأراد في منديل لى، وان لم يكن له نية فالمنصوص انه تطلق طلقة، لان هذا اللفظ غير متعارف عند الناس، ويحتمل طلقة في طلقتين واقعتين، ويحتمل طلقة في طلقتين باقيتين، فلا يجوز أن يوقع بالشك وقال أبو إسحاق يحتمل أن تطلق طلقتين لانه عالم بالحساب ويعلم أن الواحدة في اثنتين طلقتان في الحساب (فصل) وان قال أنت طالق طلقه بل طلقتان، ففيه وجهان (أحدهما) يقع طلقتان، كما إذا قال له على درهم بل درهمان، لزمه درهمان (والثانى) يقع الثلاث، والفرق بينه وبين الاقرار أن الاقرار اخبار يحتمل التكرار، فجاز أن يدخل الدرهم في الخبرين، والطلاق ايقاع فلا يجوز أن يوقع الطلاق الواحد مرتين، فحمل على طلاق مستأنف، ولهذا لو أقر بدرهم في يوم ثم أقر بدرهم في يوم آخر لم يلزمه الا درهم، ولو طلقها في يوم ثم طلقها في يوم آخر كانتا طلقتين. (فصل) وان قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث، لان الجميع صادف الزوجية فوقع الجميع، كما لو قال ذلك للمدخول بها. وان قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم يكن له نية وقعت الاولى دون الثانيه والثالثه وحكى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ قال يقع الثلاث، فمن أصحابنا من جعل ذلك قولا واحدا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لان الكلام إذا لم ينقطع ارتبط بعضه ببعض فصار كما لو قال أنت طالق ثلاثا. وقال أكثر أصحابنا: لا يقع أكثر من طلقة، وما حكى عن القديم إنما هو حكاية عن مالك رحمه الله ليس بمذهب له، لانه تقدمت الاولى فبانت بها فلم يقع ما بعدها. (الشرح) وإن قال لامرأته أنت، وأشار بثلاث أصابع ونوى الطلاق لم يقع الطلاق، لان قوله أنت ليس بإيقاع، وإن قال لها انت طالق هكذا، وأشار بأصبع وقعت عليها طلقة، وان اشار بأصبعين وقع عليها طلقتان، وان اشار بثلاث اصابع وقع عليها ثلاث طلقات، لانه شبه الطلاق بأصابعه، وهى عدد،

وإن قال أردت بعدد الاصبعين المقبوضتين فقد ذكر الشيخ ابو إسحاق هنا في المهذب والمحاملى في المجموع (1) وابن الصباغ في الشامل أنه يقبل في الحكم لانه يحتمل الاشارة بهما. وذكر الشيخ ابو حامد الاسفرايينى في التعليق: انه لا يقبل قوله في الحكم، لان الظاهر خلاف ما يدعيه، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وإن قال أنت طالق، وأشار بأصبعه ولم يقل هكذا، ثم قال أردت واحدة أو لم أرد بعدد الاصابع قبل منه في الحكم، لانه قد يشير بالاصابع ولا يريد العدد (مسألة) قوله: وإن قال أنت طالق واحد في اثنتين الخ نعم إذا قال لها أنت طالق واحدة في اثنتين - فإن كان غير عالم بالحساب - أعنى لا يحفظ جدول الضرب - قلنا له ما أردت، فان قال أردت واحدة مقرونة مع اثنتين وقع عليها الثلاث لانه قد يعبر عن (مع) ب (في) قال تعالى " فادخلي في عبادي " أي مع عبادي وإن قال لم أنو شيئا وقع عليها طلقة واحدة بقوله أنت طالق واحدة، ولا يلزمه حكم الحساب لانه لا يعرفه ولا نواه، فهو كما لو تكلم العجمي بقوله: أنت طالق ولا يعرف معناه وإن قال نويت موجبه في الحساب ففيه وجهان. قال ابو بكر الصيرفى يلزمه طلقتان لان هذا موجبه عندهم. وقال أكثر أصحابنا لا يلزمه إلا طلقة واحدة، لانه لا يعرف معناه فلا يلزمه بنية موجبه، كما لو تكلم العجمي بكلمة الكفر بالعربية وهو لا يعرف معناها ونوى موجبها في لسان العرب وأما إذا كان ممن يعرف الحساب - فان نوى واحدة مقرونة مع اثنتين وقع عليها الثلاث. وان نوى موجبا في الحساب لزمه طلقتان، لان هذا موجبه في الحساب، وان لم ينو شيئا فالمنصوص انه لا يلزمه الا طلقة لانه غير متعارف عند الناس. وقال أبو إسحاق الاسفرايينى: يلزمه طلقتان لانه يعرف الحساب ويعلم أن

_ (1) المجموع للمحاملى وهو غير مجموعنا هذا، وللمحاملي غير المجموع الاوسط والمقنع واللباب والتجريد

هذا موجبه فيلزمه وان لم ينوه. وقال ابو حنيفة لا يلزمه الا طلقة سواء نوى موجبه في الحساب أو لم ينو. دليلنا أن هذا موضوع في الحساب لا يتبين، فإذا نواه وهو ممن يعرفه لزمه كما لو قال أنت طالق اثنتين. وان قال أنت طالق اثنتين في اثنتين - وليس هو من أهل الحساب - فان نوى اثنتين مع اثنتين لزمه ثلاث، وان لم ينو ذلك ولا غيره لزمه اثنتان، وان نوى موجبه عند أهل الحساب لزمه على قول الصيرفى ثلاث، وعلى قول سائر أصحابنا يلزمه طلقتان، وان كان من أهل الحساب وأراد موجبه في الحساب ونوى مع اثنتين لزمه ثلاث، وان لم ينو شيئا فعلى المنصوص لا يلزمه الا طلقتان، وعلى قول ابى اسحاق يلزمه ثلاث، وعلى قول ابى حنيفة يلزمه طلقتان بكل حال، وقد مضى دليل ذلك. (فرع) إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين ففيه وجهان (احدهما) يقع عليها طلقتان، كما إذا قال له على درهم بل درهمان (والثانى) يلزمه الثلاث لان الطلاق ايقاع فحملت كل لفظة على ايقاع، والاقرار اخبار فجاز ان يدخل الدرهم في الخبر مرتين. وان قال أنت طالق ثلاثا وقع عليها الثلاث، وبه قال جميع الفقهاء الا رواية عطاء فانه قال يقع عليها طلقة. دليلنا ان قوله أنت طالق اسم لجنس من الفعل يصح للواحدة ولما زاد عليها. وقوله ثلاث مفسر له فكان وقوع الثلاث عليها دفعة واحدة، وان قال لها أنت طالق انت طالق انت طالق، أو قال انت طالق وطالق وطالق ولم ينو بالاولة الثلاث وقع عليها بقوله الاول أنت طالق وبانت بها ولا يلحقها ما بعدها، وبه قال الثوري وابو حنيفة وقال مالك والليث بن سعد والاوزاعي يقع عليها الثلاث فقال أبو على بن أبى هريرة للشافعي في القديم ما يدل على ذلك، فجعلها على قولين. وقال ابو على الطبري فيها وجهان (احدهما) يقع عليها الثلاث، لانه ربط الكلام بعضه ببعض فحل محل الكلمة الواحدة (والثانى) انه يقع عليها طلقه واحدة تبين بها ولا يقع ما بعدها، لانه قد فرق فوقع بالاولة طلقه فبانت بها ولم يقع ما بعدها وقال أكثر اصحابنا هي على قول واحد ولا يقع عليها الا طلقه واحدة. وما ذكره

في القديم فإنما حكى مذهب مالك. ووجهه ما روى عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت أنهم قالوا يقع عليها طلقة واحدة ولا يقع ما بعدها، ولا مخالف لهم، وقد استدل القائلون بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة " أنه طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ فقال ثلاثا في مجلس واحد فقال له صلى الله عليه وسلم: إنما تلك واحدة فارتجعها " أخرجه احمد وأبو يعلى وصححه. وقد أجيب عن ذلك بأجوبة، منها أن في إسناده محمد بن إسحاق. ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الاحكام بمثل هذا الاسناد. ومنها معارضته لفتوى ابن عباس، ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه. ومنها أن أبا داود رجع أن ركانة إنما طلق امرأته البتة ويمكن أن يكون من روى ثلاثا حمل البتة على معنى الثلاث، وفيه مخالفة للظاهر واستدلوا بحديث ابن عباس " أن الطلاق كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخر الحديث الذى سبق إيراده. وقد اختلف الناس في تأويله فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية ابى داود، وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق، بأن يقول: انت طالق انت طالق انت طالق، فإنه يلزمه واحدة إذا قصدت التوكيد، وثلاث إذا قصد تكرير الايقاع فكان الناس فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغالب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع فكانوا يصدقون في إرادة التوكيد. والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس الذى لفظه عند أبى داود " أما علمت أن الرجل كان إذا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جعلوها واحدة " الحديث. ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق، فإذا قال ثلاثا لغا العدد لوقوعه بعد البينونة. ويجاب بأن التقييد بقبل الدخول لا ينافى صدق الرواية الاخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول، وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب، وذلك لا يوجب الاختصاص

بالبعض الذى وقع التنصيص عليه، وأجاب القرطبى عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين، وتعطى كل كلمة حكما. هذا حاصل ما في هذه المسألة، وهكذا أفاده الشوكاني في شرح المنتقى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال للمدخول بها أنت طالق انت طالق انت طالق، نظرت فإن كان أراد به التأكيد لم يقع أكثر من طلقة، لان التكرار يحتمل التأكيد، وإن أراد الاستئناف وقع بكل لفظة طلقه لانه يحتمل الاستئناف، وان أراد بالثاني التأكيد وبالثالث الاستئناف وقع طلقتان، وإن لم يكن له نية ففيه قولان قال في الاملاء: يقع طلقه، لانه يحتمل التكرار والاستئناف، فلا يقع ما زاد على طلقة بالشك. وقال في الام يقع الثلاث لان اللفظ الثاني والثالث كاللفظ كالاول، فإذا وقع بالاول طلاق وجب أن يقع بالثاني والثالث مثله، وأما إذا غاير بينها في الحروف بأن قال أنت طالق وطالق ثم طالق ولم يكن له نية وقع بكل لفظه طلقه، لان المغايرة بينها باللفظ تسقط حكم التأكيد، فان ادعى أنه أراد التأكيد لم يقبل في الحكم لانه يخالف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لانه يحتمل ما يدعيه وان قال انت طالق وطالق وطالق وقع بالاول طلقه وبالثانى طلقه لتغاير اللفظين ويرجع في الثالث إليه، لانه لم يغاير بينه وبين الثاني. فهو كقوله أنت طالق انت طالق. وان غاير بين الالفاظ ولم يغاير بالحروف بأن قال: انت طالق انت مسرحه أنت مفارقه ففيه وجهان: (أحدهما) أن حكمه حكم المغايرة في الحروف، لانه إذا تغير الحكم بالمغايرة بالحروف فلان يتغير بالمغايرة في لفظ الطلاق أولى (والثانى) أن حكمه حكم اللفظ الواحد لان الحروف هي العاملة في اللفظ، وبها يعرف الاستئناف، ولم توجد المغايرة في الحروف (فصل) وان قال أنت طالق بعض طلقه وقعت طلقه، لان ما لا يتبعض من الطلاق كان تسمية بعضه كتسمية جميعه، كما لو قال بعضك طالق، وان قال

أنت طالق نصفى طلقة وقعت طلقة، لان نصفى طلقة هي طلقة، وإن قال أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقع طلقتان، لان ثلاثة أنصاف طلقة طلقة ونصف فكمل النصف فصار طلقتين. (والثانى) تطلق طلقة لانه أضاف الانصاف الثلاثة إلى طلقة وليس للطلقة إلا نصفان فألغى النصف الثالث. وإن قال أنت طالق نصفى طلقتين وقعت طلقتان لانه يقع من كل طلقة نصفها ثم يسرى فيصير طلقتين. وإن قال انت طالق نصف طلقتين ففيه وجهان (أحدهما) تقع طلقة واحدة، لان نصف الطلقتين طلقة (والثانى) أنه تقع طلقتان لانه يقتضى النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل النصف فيصير الجميع طلقتين. وان قال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت واحدة لانها أجزاء الطلقة. وإن قال أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة وقع ثلاث طلقات، لان بدخول حروف العطف وقع بكل جزء طلقة وسرى إلى الباقي. وإن قال أنت نصف طالق طلقت، كما لو قال نصفك طالق. وان قال أنت نصف طلقة ففيه وجهان (أحدهما) أنه كناية فلا يقع به طلاق من غير نيه (والثانى) أنه صريح فتقع به طلقة بناء على الوجهين فيمن قال لامرأته: أنت الطلاق. (الشرح) الاحكام: إذا قال للمدخول بها أنت طالق انت طالق انت طالق فإن نوى بالاولة الثلاث لم يسأل عما بعدها، وان لم ينو الثلاث وقع عليها بها طلقة. وسئل عن الكلمتين بعدها، فإن قال أردت بهما تأكيد الاولة قبل منه ولم يلزمه الا طلقة لان التأكيد يقع بالتكرار، وان قال أردت بهما الاستئناف لزمه ثلاث طلقات، وان قال أردت بالثانية الاستئناف وبالثالثة تأكيد الثانية لزمه طلقتان. وان قال أردت بالثانية الاستئناف وبالثالثة التأكيد للاوله ففيه وجهان (أحدهما) يقبل كما لو قال: أردت بهما تأكيد الاولة (والثانى) لا يقبل لانه قد يخلل بين الاولة والثالثة الثانية

وإن قال لم أنو شيئا ففيه قولان: قال في الاملاء: لا يلزمه الا طلقة لانه لما لم يدخل واو العطف كان الظاهر أنه أراد التأكيد كما لو قال له: على درهم درهم درهم فلا يلزمه الا درهم، ولانه يحتمل أنه أراد التأكيد والاستئناف فلا يلزمه الطلاق بالشك. وقال في الام: يلزمه ثلاث طلقات - وهو الاصح - لان الثاني والثالث كالاول في الصيغة فكان مثله في الايقاع. وان قال أنت طالق ثم سكت طويلا وقال أنت طالق، ثم قال أردت بالثاني تأكيد الاول لم يقبل، لان الظاهر أنه أراد الايقاع وان قال أنت طالق وطالق وطالق ولم ينو بالاولة ما زاد على واحدة وقع بالاولة طلقة وبالثانية طلقه لان الثاني عطف لا يحتمل التأكيد ورجع في الثالثة إليه، فإن قال أردت تأكيد الثانيه قبل منه، وان قال، أردت به الاستئناف لزمه ثلاث طلقات، وان قال: أردت به تأكيد الاولة لم يقبل منه وجها واحد، كما لا يقبل إذا قال أردت بالثانية تأكيد الاولة وان قال لم أنو شيئا ففيه قولان كالاولة، والصحيح أنه يقع بها طلقة ثالثة، وهكذا الحكم فيه إذا قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو قال أنت طالق فطالق فطالق، أو طالق بل طالق بل طالق، وان قال طالق وطالق ثم طالق، أو طالق فطالق بل طالق لزمه بكل لفظة طلقة، فإن قال أردت التأكيد لم يقبل منه في الحكم، لان المغايرة بينهما بحروف العطف يقتضى الاستئناف، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وان قال أنت مطلقة أنت مفارقة وأنت مسرحة ففيه وجهان (أحدهما) حكمه حكم ما لو قال: أنت طالق طالق طالق، لانه لم يأت بحرف عطف، والفراق والسراح كالطلاق (والثانى) حكمه حكم ما لو قال: أنت طالق وطالق ثم طالق، لان الحكم إذا تغير لمغايرة حروف العطف فلان يتغير لمغايرة اللفظ أولى (فرع) قال الشافعي في الاملاء: إذا قال لامرأته أنت طالق وطالق لا بل طالق، ثم قال: شككت في الثانية فقلت لا بل طالق استدراكا لايقاعها قبل منه لان " بل " للاستدراك فاحتمل ما قاله

وإن قال أنت طالق يا مطلقة بالاولة طلقة، وان لم ينو بها ما زاد عليها أو سأل عن قوله يا مطلقة - فإن قال أردت به الايقاع لزمه ما نوى. وان قال: أردت به يا مطلقة بالاولة قبل منه في الحكم. وان قال: أنت طالق البتة ولم ينو ما زاد على واحدة وقع عليها طلقة، كقوله أنت طالق وسئل عن البتة فإن قال: أردت به ايقاع طلاع آخر لزمه. وان قال: لم أرد به شيئا قبل منه في الحكم لحديث ركانة بن عبد يزيد (مسألة) قوله: وان قال أنت طالق بعض طلقة وقعت طلقة الخ. وهذا صحيح وبه قال جميع الفقهاء الا داود فإنه قال لا يقع عليها شئ. دليلنا قوله تعالى " فإن طلقها فلا تحل له من بعد " الآية. ولم يفرق بين أن يطلقها طلقة أو بعض طلقة. ولان التحليل والتحريم إذا اجتمعا غلب التحريم، كما لو تزوج نصف امرأة أو اعتق نصف أمة، ولانه لو طلق بعض امرأته لكان كما لو طلق جميعها كذلك إذا طلق بعض طلقة كان كما لو طلقها طلقة وان قال أنت طالق نصفى طلقة وقعت عليها طلقة، ولان نصفى الطلقة طلقة وان قال ثلاثة أنصاف طلقة ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع عليها الا طلقة، لانه لم يوقع عليها الا طلقة، وانما وصفها بأن لها ثلاثة أنصاف وليس لها الا نصفان (والثانى) يقع عليها طلقتان، لان ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فيسرى النصف، فعلى قول الاول يتعلق الحكم بقوله طلقة ويلغى قوله ثلاثة أنصاف طلقة. وعلى قول الثاني يلغى قوله طلقة ويتعلق الحكم بقوله ثلاثة أنصاف طلقة قال صاحب الفروع ويحصل وقوع الثلاث، ووجهه أنه إذا ألغى قوله طلقة وتعلق الحكم بثلاثة أنصاف سرى كل نصف فوقع عليها ثلاث وان قال: انت طالق نصفى طلقتين وقع عليها طلقتان، لان نصفى طلقتين طلقتان. وان قال ثلاثة أنصاف طلقتين فعلى وجهين (أحدهما) يقع عليها طلقتان (والثانى) يقع عليها ثلاث وان قال أنت طالق نصف طلقتين ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه طلقه لانها نصف طلقتين (والثانى) يلزمه طلقتان لانه يلزمه نصف من كل طلقه، ثم يكمل النصفان.

(فرع) وان قال: أنت طالق نصف طلقه ثلث طلقه سدس طلقه لم يقع عليها الا طلقه أجزاء الطلقه، وان قال أنت طالق نصف طلقه وثلث طلقه وسدس طلقه وقعت ثلاثا لانه عطف جزءا من طلقه على جزء من طلقه فظاهره يقتضى طلقات متغايرة. قال ابن الصباغ في الشامل: وان قال أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقه طلقت طلقه، لان هذه أجزاء طلقه. وان قال أنت نصف وثلث وسدس طلقت طلقه ويرجع إليه في النصف والثلث والسدس، فإن نوى نصفا من طلقه وثلثا من طلقه وسدسا من طلقه وقع عليها الثلاث، وان لم ينو شيئا فلا شئ عليه وان قال أنت نصف طلقه ففيه وجهان كما لو قال أنت طالق (أحدهما) انه صريح فيقع عليها طلقه (والثانى) أنه كنايه فلا يقع عليها شئ الا بالنيه. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان كان له أربع نسوة فقال: أوقعت عليكن أو بينكن طلقه طلقت كل واحدة منهن طلقه، لانه يخص كل واحدة منهن ربع طلقه وتكمل بالسرايه. وان قال أوقعت عليكن أو بينكن طلقتين أو ثلاثا أو أربعا وقع على كل واحدة طلقه، لانه إذا قسم بينهن لم يزد نصيب كل واحدة منهن على طلقه، وان قال أردت أن يقع على كل واحدة من الطلقتين وقع على كل واحدة طلقتان وان قال أردت أن يقع على كل واحدة من الثلاث الطلقات، وقع على كل واحدة ثلاث طلقات، لانه مقر على نفسه بما فيه تغليظ، واللفظ محتمل له. وان قال أوقعت عليكن خمسا وقع على كل واحدة طلقتان. لانه يصيب كل واحدة طلقه وربع، وكذلك ان قال أوقعت عليكن سنا أو سبعا أو ثمانيا. وان قال أوقعت عليكن تسعا طلقت كل واحدة ثلاثا. وان قال أوقعت بينكن نصف طلقه وثلث طلقه وسدس طلقه، طلقت كل واحدة ثلاثا، لانه لما عطف وجب أن يقسم كل جزء من ذلك بينهن، ثم يكمل (فصل) وان قال أنت طالق ملء الدنيا، أو أنت طالق أطول الطلاق،

أو أعرضه. وقعت طلقه لان شيئا من ذلك لا يقتضى العدد، وقد تتصف الطلقة الواحدة بذلك كله. (فصل) وإن قال أنت طالق أشد الطلاق وأغلظه وقعت طلقه لانه قد تكون الطلقة أشد وأغلظ عليه لنعجلها أو لحبه لها أو لحبها له، فلم يقع ما زاد بالشك. وان قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره وقع الثلاث لانه كل الطلاق وأكثره. (فصل) وإن قال للمدخول بها أنت طالق طلقه بعدها طلقه طلقت طلقتين لان الجميع يصادف الزوجية، وإن قال أردت بعدها طلقة أوقعها لم يقبل في الحكم لان الظاهر انه طلاق ناجز ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لانه يحتمل ما يدعيه. وإن قال انت طالق طلقة قبلها طلقة وقعت طلقتان، وفى كيفية وقوع ما قبلها وَجْهَانِ: قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يقع مع التى أوقعها لان أيقاعها فيما قبلها أيقاع طلاق في زمان ماض فلم يعتبر كما لو قال أنت طالق أمس. وقال ابو إسحاق يقع قبلها اعتبارا بموجب لفظه، كما لو قال أنت طالق قبل موتى بشهر ثم مات بعد شهر، ويخالف قوله انت طالق أمس لانا لو أوقعناه في أمس تقدم الوقوع على الايقاع وههنا يقع الطلاقان بعد الايقاع. وان قال أردت بقولى قبلها طلقة في نكاح قبله، فإن كان لما قاله أصل قبل منه لانه يحتمل ما يدعيه وإن لم يكن له أصل لم يقبل منه لانه يحتمل ما يدعيه (فصل) وإن قال لها: أنت طالق طلقه قبلها طلقه وبعدها طلقه طلقت ثلاثا على ما ذكرناه. وإن قال لها: أنت طالق طلقه وبعدها طلقه طلقت ثلاثا لانه يقع بقوله أنت طالق طلقه ويقع قبلها نصف طلقه وبعدها نصف طلقه ثم يكمل النصفان فيصير الجميع ثلاثا. (الشرح) الاحكام: إن قال لاربع نسوة له: أوقعت بينكن طلقه، طلقت كل واحد منهن طلقة، لانه يخص كل واحدة ربع طلقه ويكمل بالسراية وإن قال لهن أوقعت بينكن طلقتين وقع على كل واحدة طلقه. لان ما يخص كل واحدة لا يزيد على طلقه إلا أن يقول: أردت ان تقسم كل طلقه منهما عليهن

فيقع على كل واحدة طلقتان وإن قال أوقعت بينكن ثلاث طلقات أو أربع طلقات وقع على كل واحدة طلقة إلا أن يريد قسمة كل طلقه منهن فيقع على كل واحدة منهن ثلاث هذا هو المشهور الذى أفاده العمرانى في البيان وابن الصباغ في الشامل والماردي في الحاوى وابن القاص في التلخيص. وقال صاحب الفروع: ويحتمل أن يقع على كل واحدة ثلاث، لان بعض كل طلقه يكمل في حق كل واحدة منهن وإن قال أوقعت بينكن خمس طلقات ولم يرد قسمة كل واحدة منهن وقع على كل واحدة طلقتان، لانه يخص كل واحدة طلقه وربع، فيكمل الربع. وكذلك إذا قال أوقعت بينكن ستا أو سبعا أو ثمانيا. وإن قال: أوقعت بينكن بتسع طلقات طلقت كل واحدة منهن ثلاثا، لانه يخص كل واحدة طلقتان وربع ويكمل الربع. وإن قال أوقعت بينكن نصف طلقه وسدس طلقه وقع على كل واحدة ثلاث طلقات. لانه لما عطف قسم كل جزء بينهن وكمل (مسألة) قوله: وإن قال أنت طالق ملء الدنيا إلخ فهو كما قال، فإنه إذا قال أنت طالق ملء الدنيا أو ملء مكة والمدينة وقعت عليها طلقه، لان الطلاق حكم والاحكام لا تشغل الامكنه، فعلم أنه أراد الدنيا أو مكة ذكرا وانتشارا وشوعا وتكون رجعيه. وقال أبو حنيفة يقع بائنه دليلنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كقوله أنت طالق وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أكثر الطلاق بالثاء المعجمه بثلاث نقط وقعت عليها ثلاث طلقات، لان ذلك كل الطلاق وأكثره. وان قال أنت طالق أكمل الطلاق أو أتم الطلاق أو أكبر الطلاق بالباء المعجمه الموحدة التحتيه وقعت عليها طلقه سنيه، لان أكمل الطلاق وأتمه طلاق السنه. وقال صاحب الفروع: ويحتمل أن يقع عليها ثلاث طلقات في قوله: أكمل الطلاق وأتمه، لانه هو الاكمل والاتم، والمشهور هو الاول وتكون رجعيه

وقال ابو حنيفة: تقع في قوله أكثر الطلاق واحدة بائنه، دليلنا عليه ما ذكرناه في قوله: ملء مكة (مسألة) قوله: وإن قال للمدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقه الخ. وهذا كما قال. وكذلك إذا قال للمدخول بها أنت طالق طلقه معها طلقه وقع عليها طلقتان في الحال. وان قال أنت طالق طلقه بعدها طلقه وقع عليها طلقتان لان الجميع صادف الزوجية. وإن قال أردت بقولى بعدها طلقه اوقعها فيما بعد لم يقبل في الحكم لانه يريد تأخير طلاق واقع في الظاهر. ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال ما يدعيه وإن قال أنت طالق طلقه قبلها طلقه. قال الشافعي وقع عليها طلقتان. واختلف أصحابنا في كيفية وقوعها، فحكى الشيخ أبو إسحاق هنا في المهذب والمحاملى أن أبا إسحاق المروزى قال. يقع عليها طلقتان (إحداهما) بقوله أنت طالق والاخرى قبلها بالمباشرة، لان الانسان يملك أن يعلق بالصفة طلاقا فيقع قبل الصفه. كقوله أنت طالق قبل موتى بشهر ثم يموت بعد شهر. وحكى الشيخ أبو حامد في التعليق أن أبا إسحاق قال يقع عليها طلقه بالمباشرة بقوله أنت طالق، وطلقه بالاخبار أنه طلقها. وقال أبو على بن ابى هريرة: يقع عليها طلقتان معا، لانه لا يتقدم الوقوع على الايقاع. هكذا حكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عنه وسائر أصحابنا حكوا عنه انه قال: يقع عليها طلقه بقوله أنت طالق طلقه بعدها. وقوله قبلها طلقه فعلى ما حكاه الشيخ أبو حامد عن أبى اسحاق المروزى يحكم عليه بوقوع الطلقه التى باشرها ظاهرا وباطنا وان قال: أردت بقولى قبلها طلقه في نكاح كنت نكحتها قبل هذا النكاح وطلقتها فيه، فإن كان لما قاله أصل قبل منه، وان لم يكن له أصل لم يقبل منه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وان قال أنت طالق طلقه قبلها وبعدها طلقه وقع عليها ثلاث طلقات، لان كل واحدة من النصفين يسرى، وحكى المحاملى من اصحابنا من قال: لا يقع عليها الا طلقتان. وليس بشئ

قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقة لم تقع الثانية لانها بائن بالاولى فلم تقع الثانية. وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة ففيه وجهان (أحدهما) لا تطلق لان وقوع طلقه قبلها ووقوع طلقه عليها يوجب وقوع ما قبلها يمنع وقوعها فتمانعا بالدور وسقطا (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنها تطلق طلقه ليس قبلها شئ، لان وقوع ما قبلها يوجب إسقاطها وإسقاط ما قبلها فوجب إثباتها وإسقاط ما قبلها. وان قال أنت طالق طلقه معها طلقه، ففيه وجهان (أحدهما) انها تطلق واحدة، وهو قول المزني لانه أفردها فجاز، كما لو قال أنت طالق واحدة بعدها واحدة. والوجه الثاني: أنها تطلق طلقتين لانهما يجتمعان في الوقوع فلا تتقدم إحداهما على الاخرى، فهو كما لو قال: أنت طالق طلقتين. وان قال أنت طالق طلقتين ونصفا طلقت طلقتين، لانه جمع بين الطلقتين في الايقاع فبانت بهما ثم أوقع النصف بعدما بانت فلم يقع (فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق طلقه لا تقع عليك طلقت لانه أوقع الطلاق ثم أراد رفعه، والطلاق إذا وقع لم يرتفع. وان قال أنت طالق أولا لم تطلق لانه ليس بإيقاع (الشرح) الاحكام: إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقه وقعت الاولة وبانت بها ولم تقع الثانية. وان قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو إسحاق (أحدهما) لا يقع عليها الطلاق لان وقوع طلقة قبلها يقع وقوعها. وما أدى ثبوته لسقوطه سقط (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يقع عليها طلقه ليس قبلها شئ، لان وقوع ما قبلها يوجب اسقاطها، ووقوعها يوجب اسقاط ما قبلها فوجب اثباتها واسقاط ما قبلها وسببه أن يكون الاول انما هو على ما حكاه المصنف عن أبى اسحاق المروزى في المدخول بها.

فأما على ما حكاه في التعليق عنه أنه إخبار، فإنه يقع عليها الطلقة التى أخبر بوقوعها أولا لا غير. وان قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة معها طلقه ففيه وجهان: (أحدهما) يقع عليها طلقة لا غير، لانه أفردها فبانت بها ولم يقع ما بعدها كما لو قال طلقة بعدها طلقة (والثانى) يقع عليها طلقتان لانهما يجتمعان في الوقوع، وإن قال لها أنت طالق طلقتين ونصفا وقع عليها طلقتان لا غير، لانه جمع بينهما فوقعتا وبانت بهما فلم يقع ما بعدهما. (مسألة) قوله: وإذا قال لامرأته أنت طالق طلقه لا تقع عليك طلقت الخ فهذا صحيح إذا قال لامرأته أنت طالق طلقه لا تقع عليك وقع عليها طلقه لانه رفع لجميع ما أوقعه وذلك لا يصح. وإن قال لها أنت طالق طلقه لا طلقتين عليك إحداهما، وقعت عليها واحدة لان ذلك استثناء. وان قال لها أنت طالق طلقه لا قال ابو العباس بن سريج وقعت عليها طلقه، لان ذلك رفع لها فلم ترتفع. وان قال لها أنت طالق طلقتين لا طلقه، فعلى قياس الاولة لا يقع عليها إلا طلقه، وان قال لها أنت طالق أو لا لم يقع عليها طلاق، لان ذلك استفهام لا طلاق. وان قال لها أنت طالق واحدة أو لا شئ - قال ابن الصباغ فالذي يقتضيه قياس قوله أن لا يقع شئ. وبذلك قال أبو حنيفة وابو يوسف واحمد. وقال محمد: تقع واحدة، والاول أصح، لان الواحدة صفة للفظة الموقعة فما اتصل بها يرجع إليها، فصار كقوله أنت طالق أو لا شئ. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويصح الاستثناء في الطلاق لانه لغة العرب، ونزل به القرآن وحروفه: الا. وغير. وسوى. وخلا. وعدا، وحاشا. فإذا قال أنت طالق ثلاثا الا طلقه، وقعت طلقتان. وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقتين وقعت طلقه، وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا طلقت ثلاثا، لان الاستثناء يرفع المستثنى منه فيسقط وبقى الثلاث

وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقتين وطلقه ففيه وجهان أحدهما يقع الثلاث لانه استثنى ثلاثا من ثلاث (والثانى) تقع طلقه لان الاستثناء الثاني هو الباطل فسقط وبقى الاستثناء الاول. وان قال أنت طالق ثلاثا الا نصف طلقه، طلقت ثلاثا لانه يبقى طلقتان ونصف ثم يسرى النصف إلى الباقي فيصير ثلاثا. وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة وطلقه وقعت طلقه. لان المعطوف على الاستثناء مضموم إلى الاستثناء، ولهذا إذا قال: له على مائه الا خمسة وعشرين ضمت الخمسة إلى العشرين في الاستثناء ولزمه ما بقى. وان قال أنت طالق طلقه وطلقه الا طلقه ففيه وجهان (أحدهما) تطلق طلقه لان الواو في الاسمين المنفردين كالثنيه فيصير كما لو قال أنت طالق طلقتين الا طلقه (والثانى) وهو المنصوص انها تطلق طلقتين لان الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو طلقه، واستثناء طلقه من طلقه باطل فسقط وبقى طلقتان، وان قدم الاستثناء على المستثنى منه بأن قال أنت الا واحدة طالق ثلاثا، فقد قال بعض أصحابنا انه لا يصح الاستثناء فيقع الثلاث، لان الاستثناء جعل لاستدراك ما تقدم من كلامه، ويحتمل عندي انه يصح الاستثناء فيقع طلقتان، لان التقديم والتأخير في ذلك لغة العرب قال الفرزدق يمدح هشام بن ابراهيم بن المغيرة خال هشام بن عبد الملك: وما مثله في الناس الا مملكا * أبو أمه حى أبوه يقاربه تقديره وما مثله في الناس حى يقاربه الا مملكا أبو أمه أبو الممدوح (الشرح) بيت الفرزدق الذى ساقه المصنف من قصيدة من الطويل يمدح بها ابراهيم بن هشام بن اسماعيل المخزومى خال هشام بن عبد الملك بن مروان، ويستعمل هذا البيت عند البلاغيين شاهدا في أساليب التعقيد، وهو أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد، اما لخلل في نظم الكلام فلا يتوصل منه إلى معناه، أو لانتقال الذهن من المعنى الاول إلى المعنى الثاني الذى هو لازمه، والمراد به ظاهرا، والاول هو الشاهد في البيت. والمعنى فيه: وما مثله يعنى

الممدوح في الناس حى يقاربه أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا، أي ملكا. يعنى هشاما، أبو أمه أي أبو أم هشام أبوه، أي ابو الممدوح، فالضمير في أمه للملك وفى أبوه للممدوح، ففصل بين ابو أمه وهو مبتدأ وأبوه وهو خبره بأجنبى وهو حى، وكذا فصل بين حى ويقاربه وهو نعته، بأجنبى وهو ابوه، وقدم المستثنى على المستثنى منه. فهو كما تراه في غاية التعقيد، وكان من حق الناظم أن يقول وما مثله في الناس أحد يقاربه إلا مملك ابو أمه أبوه أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو قال انت طالق ثلاثا الا اثنتين فهى واحدة، وجملة ذلك أن الاستثناء جائز في الجملة لان القرآن ورد به قال الله تعالى " فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما " والاستثناء ضد المستثنى منه، فان استثنى من اثبات كان المستثنى نفيا. وان استثنى من نفى كان المستثنى اثباتا، وسواء استثنى أقل العدد أو أكثر فإنه يصح وقال بعض اهل اللغة: لا يصح استثناء أكثر العدد، وبه قال احمد. دليلنا قوله تعالى حاكيا عن إبليس " لاغوينهم أجمعين، الا عبادك منهم المخلصين " ثم قال " ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين " فاستثنى العباد من الغاوين، واستثنى الغاوين من العباد، وأيهما كان أكثر فقد استثنى من الآخر، ولا يصح أن يستثنى جميع العدد، لانه غير مستعمل في الشرع، ولا في اللغة. إذا ثبت هذا فقال لامرأته أنت طالق ثلاثا الا اثنتين طلقت واحدة، لانه أثبت ثلاثا ثم نفى منها اثنتين فبقيت واحدة. وان قال: أنت طالق ثلاثا الا واحدة طلقت اثنتين وان قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين وواحدة، أو انت طالق ثلاثا الا واحدة وواحدة وواحدة. ففيه وجهان (احدهما) يقع عليها الثلاث. وبه قال ابو حنيفة لانه استثناء من ثلاث (والثانى) يقع عليها واحدة. وبه قال ابو يوسف ومحمد، لانه لو لم يعطف بالواحدة لصح فكان العطف بها هو الباطل فسقط

وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة طلقت ثلاثا، ومن أصحابنا من قال: يقع عليها طلقتان لانه لا يؤدى إلى استثناء صحيح، وليس بشئ، لانه لا يبطل الاستثناء: وإنما بقى طلقتان ونصف فسرى النصف وإن قال لها: أنت طالق طلقتين ونصفا إلا واحدة وقع عليها ثلاث طلقات، واختلف أصحابنا فيه، فقال ابن الحداد: لان النصف يسرى واحدة، واستثناء واحدة من واحدة لا يصح. وقال القاضى أبو الطيب: لانه استثناء واحدة من نصف، لان الاعتبار بالمنطوق به في العدد لا ينافى الشرع، وان قال: أنت طالق طلقه وطلقة الا طلقة ففيه وجهان، حكاهما المصنف. (أحدهما) تطلق طلقة، لان الواو في الاسمين المنفردين كالتثنية، فصار كما لو قال: أنت طالق طلقتين الا طلقة. (والثانى) وهو المنصوص في الام: أنها تطلق طلقتين لان الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو طلقة: واستثناء طلقة من طلقة لا يصح. قال الشيخ أبو حامد وان قال: أنت طالق ثم طالق بل طالق الا طلقة، أو أنت طالق فطالق ثم طالق الا طلقة، أو أنت طالق وطالق وطالق الا طلقة وقع عليها في هذه المسائل ثلاث طلقات، لانه إذا غاير بين الالفاظ وقع بكل لفظ طلقة واستثناء طلقة من طلقة لا يصح. وان قال: أنت طالق خمسا الا ثلاثا ففيه وجهان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبى على الطبري: أنه يقع عليها ثلاث، لان الاستثناء يرجع إلى ما يملك من الطلقات، والذى يملك هو الثلاث فلم يقع من الخمس الا ثلاث، واستثناء ثلاث من ثلاث لا يصح. وقال أكثر أصحابنا: انه يقع عليها طلقتان، لان الاستثناء يرجع في العدد المنوطوق به، ويكون بالمستثنى منه مع الاستثناء مما بقى، فإذا استثنى ثلاثا من خمس بقى طلقتان. وقد نص الشافعي في البويطى على أنه إذا قال: أنت طالق ستا الا أربعا وقع عليها طلقتان، وهذا يرد قول أبى على، وان قال لها: أنت طالق خمسا الا اثنتين وقع عليها طلقة الا على قول أبى على وعلى قول سائر أصحابنا

يقع عليها الثلاث، لان الاستثناء جعل لاستدراك ما تقدم، فلا يتقدم على المستثنى منه. وقال الشيخ أبو إسحاق: تقع عليها طلقتان، لان الاستثناء يجوز أن يتقدم على المستثنى منه. قال الشاعر: وما لى إلا آل أحمد شيعة * ومالى إلا مشعب الحق مشعب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويصح الاستثناء من الاستثناء لقوله عز وجل " إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط لمنجوهم أجمعين إلا امرأته " فاستثنى آل لوط من المجرمين واستثنى من آل لوط امرأته. وإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين إلا طلقة طلقت طلقتين لان تقديره أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين فلا يقعان إلا طلقة فتقع. وإن قال أنت طالق خمسا إلا ثلاثا ففيه وجهان (أحدهما) أنها تطلق ثلاثا لانه لا يقع من الخمس إلا ثلاث، فصار كما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا (والثانى) أنها تطلق طلقتين، لانه لما وصل بالاستثناء علم أنه قصد الحساب. وإن قال أنت طالق خمسا إلا اثنتين، طلقت على الوجه الاول طلقه، وعلى الوجه الثاني تطلق ثلاثا. وإن قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا اثنتين، ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقع الثلاث لان الاستثناء الاول يرفع المستثنى منه فيبطل، والاستثناء الثاني فرع عليه فسقط وبقى الثلاث (والثانى) تطلق طلقتين لانه لما وصله بالاستثناء صار كأنه أثبت ثلاثا ونفى ثلاثا أثبت اثنتين (والثالث) تقع طلقه لان الاستثناء الاول لا يصح فسقط وبقى الاستثناء الثاني فيصير كما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين (الشرح) هذا الفصل يمكن أن تشد يدك في مسائله بما ذكرناه في شرح الفصل قبله، ونزيدك من مسائله أحكاما فنقول وبالله التوفيق: يصح الاستثناء من الاستثناء لقوله تعالى " انا أرسلنا إلى قوم مجرمين، الا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين الا امرأته " فإذا قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين الا واحدة طلقت

طلقتين لانه أثبت ثلاثا ثم نفى اثنتين فبقيت واحدة، ثم أثبت من الطلقات الثلاث نفى واحدة فصار مثبتا لاثنتين فوقعتا وإن قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا اثنتين ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) يقع عليه ثلاث طلقات لان الاستثناء الاول باطل فسقط والثانى عائد إليه وتابع له فسقطا (والثانى) من الاوجه الثلاثة يقع عليها طلقه، لان الاستثناء الاول باطل فسقط وبقى الثاني، فكان عائدا إلى الاثبات، فكأنه قال: ثلاثا الا طلقين (والثالث) يقع عليها طلقتان، لان استثناء الثلاث من الثلاث إنما لا يصح إذا اقتصر عليه، فأما إذا أثبته استثناء آخر بنى عليه فكأنه أثبت ثلاثا ونفى ثلاثا، ثم أثبت اثنتين فوقعتا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال أنت طالق ثلاثا الا أن يشاء أبوك واحدة. وقال أبوها شئت واحدة، لم تطلق، لان الاستثناء من الاثبات نفى، فيصير تقديره أنت طالق ثلاثا الا أن يشاء أبوك واحدة، فلا يقع طلاق (فصل) وإن قال امرأتي طالق أو عبدى حر، أو لله على كذا، أو والله لافعلن كذا إن شاء الله، أو بمشيئة الله، أو ما لم يشأ الله، لم يصح شئ من ذلك لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حلف على يمين ثم قال ان شاء الله كان له ثنيا " وروى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال ان شاء الله لم يحنث " ولانه علق هذه الاشياء على مشيئة الله تعالى، ومشيئته لا تعلم، فلم يلزم بالشك شئ. وان قال أنت طالق الا أن يشاء الله ففيه وجهان (أحدهما) لا تطلق لانه مقيد بمشيئة الله تعالى، فأشبه إذا قال أنت طالق ان شاء الله (والثانى) وهو المذهب انها تطلق لانه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة الله تعالى، ومشيئة الله لا تعلم فسقط حكم رفعه وبقى حكم ثبوته، ويخالف إذا قال: أنت طالق ان شاء الله، فإنه علق الوقوع على مشيئة الله تعالى

(فصل) ولا يصح الاستثناء في جميع ما ذكرناه الا أن يكون متصلا بالكلام، فإن انفصل عن الكلام من غير عذر لم يصح لان العرف في الاستثناء أن يتصل بالكلام، فإن انفصل لضيق النفس صح الاستثناء لانه كالمتصل في العرف ولا يصح الا أن يقصد إليه، فأما إذا كانت عادته في كلامه أن يقول: ان شاء الله، فقال ان شاء الله على عادته لم يكن استثناء، لانه لم يقصده، واختلف أصحابنا في وقت نية الاستثناء فمنهم من قال: لا يصح الا أن يكون ينوى ذلك من ابتداء الكلام، ومنهم من قال إذا نوى قبل الفراغ من الكلام جاز. (فصل) إذا قال: يا زانية أنت طالق ان شاء الله، أو أنت طالق يا زانية ان شاء الله رجع الاستثناء إلى الطلاق، ولا يرجع إلى قوله يا زانية لان الطلاق ايقاع فجاز تعليقه بالمشيئة، وقوله يا زانية صفة فلا يصح تعليقها بالمشيئة، ولهذا يصح أن يقول أنت طالق ان شاء الله ولا يصح أن يقول أنت زانية ان شاء الله وان كانت له امرأتان حفصة وعمرة، فقال حفصة وعمرة طالقان انشاء الله لم تطلق واحدة منهما، وان قال حفصة طالق وعمرة طالق ان شاء الله فقد قال بعض أصحابنا تطلق حفصة ولا تطلق عمرة، لان الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو طلاق عمرة، ويحتمل عندي أن لا تطلق واحدة منهما، لان المجموع بالواو كالجملة الواحدة. (فصل) وان طلق بلسانه واستثنى بقلبه نظرت فإن قال أنت طالق ونوى بقلبه ان شاء الله لم يصح الاستثناء ولم يقبل في الحكم ولا يدين فيه، لان اللفظ أقوى من النية لان اللفظ يقع به الطلاق من غير نية، والنية لا يقع بها الطلاق من غير لفظ، فلو أعملنا النية لرفعنا القوى بالضعيف، وذلك لا يجوز، كنسخ الكتاب بالسنة وترك النص بالقياس. وان قال نسائى طوالق واسستثنى بالنية بعضهن دين فيه لانه لا يسقط اللفظ بل يستعمله في بعض ما يقتضيه بعمومه، وذلك يحتمل فدين فيه، ولا يقبل في الحكم. وقال أبو حفص الباب بشامي: يقبل في الحكم لان اللفظ يحتمل العموم والخصوص، وهذا غير صحيح لانه وان احتمل الخصوص الا أن الظاهر العموم فلا يقبل في الحكم دعوى الخصوص، فإن قال امرأتي طالق ثلاثا واستثنى بقلبه

الا طلقه أو طلقتين لم يقبل في الحكم لانه يدعى خلاف ما يقتضيه اللفظ. وهل يدين؟ فيه وجهان (أحدهما) يدين لانه لا يسقط حكم اللفظ، وانما يخرج بعض ما يقتضيه فدين فيه، كما لو قال نسائى طوالق واستثنى بالنيه بعضهن (والثانى) لا يدين وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله، لانه يسقط ما يقتضيه اللفظ بصريحه بما دونه من النية، وان قال لاربع نسوة: أربعكن طالق واستثنى بعضهن بالنيه لم يقبل في الحكم، وهل يدين؟ فيه وجهان (أحدهما) يدين (والثانى) لا يدين ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها (الشرح) حديث ابن عمر أخرجه مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ. ورجاله عندهم رجال الصحيح، ولفظه عند أكثرهم " من حلف على يمين فقال ان شاء الله فلا حنث عليه " ولفظ " كان له ثنيا " سيأتي في رواية أبى هريرة. أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال " فله ثنياه " والنسائي وقال " فقد استثنى " وأخرجه أيضا ابن حبان وهو من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة. قال البخاري: أخطأ فيه عبد الرزاق واختصره عن معمر من حديث " أن سليمان بن داود عليه السلام قال لاطوفن الليله على سبعين امرأة الخ الحديث وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قال ان شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي عن البخاري. وللحديث طرق رواها الشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر. قال الترمذي لا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختيانى. وقال ابن عليه كان أيوب تارة يرفعه وتارة لا يرفعه. قال ورواه مالك وعبيد الله بن عمر وغير واحد موقوفا. قال الحافظ بن حجر: هو في الموطأ كما قال البيهقى. وقال لا يصح رفعه الا عن أيوب مع أنه شك فيه وتابعه على لفظه العمرى عبد الله وموسى بن عقبه وكثير ابن فرقد وأيوب بن موسى، وقد صححه ابن حببان وقد وردت معنى هذين الحديثين عن عكرمه عن ابن عباس عند أبى داود من فعله صلى الله عليه وسلم " أنه صلى الله عليه وسلم قال: والله لاغزون قريشا، ثم قال ان شاء الله، ثم قال والله لاغزون قريشا، ثم قال ان شاء الله، ثم قال والله لاغزون قريشا ثم سكت ثم قال

ان شاء الله، ثم لم يغزهم. قال أبو داود: وقد أسنده غير واحد عن عكرمة عن ابن عباس، وقد رواه البيهقى موصولا ومرسلا. قال ابن أبى حاتم في العلل: الاشبه الارسال، وقال ابن حبان في الضعفاء: رواه مسعر، وشريك أرسله مرة ووصله أخرى. أما الاحكام: فإنه إذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك واحدة فقال أبوها: شئت واحدة لم يقع عليها طلاق، لانه أوقع الطلاق بشرط أن يشاء أبوها واحدة، فإذا شاء أبوها واحدة لم يوجد الشرط فلم يقع الطلاق، كما لو قال: أنت طالق إلا أن تدخلي الدار أو إن لم تدخلي الدار، فدخلت الدار فإنها لا تطلق. قال العمرانى: ولا أعلم نصا في اعتبار وقت المشيئة، والذى يقتضى القياس أن المشيئة تعتبر أن تكون عقيب إيقاع الزوج، كما لو علق إيقاع الطلاق على مشيئة الاب. (مسأله) قوله: وان قال إمرأتى طالق الخ، فهذا كما قال، إذ لو قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله. أو قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أو على كذا وكذا أو والله لافعلن كذا أو على لفلان كذا ان شاء الله، لم يلزمه شئ من ذلك، وبه قال طاوس والحكم وأبو حنيفة وأصحابه. وقال مالك والليث: يدخل الاستثناء في الايمان دون الطلاق والعتق والنذر والاقرار، وقال الاوزاعي وابن أبى ليلى: يدخل الاستثناء في اليمين والطلاق دون غيره، وقال أحمد: يدخل الاستثناء في الطلاق دون العتق. دليلنا حديث ابن عمر حيث لم يفرق بين أن يحلف بالله أو يحلف بالطلاق، ولانه علق الطلاق بمشيئة من له مشيئه فلم تقع قبل العلم بمشيئته كما لو علق بمشيئة زيد، وفى كتاب الايمان مزيد ان شاء الله. فإذا ثبت هذا: فقال لامرأته: أنت طالق ان شاء الله أو إذا شاء الله أو متى شاء الله أو بمشيئة الله لم يقع الطلاق لانه علق وقوع الطلاق بمشيئة الله، ومشيئته بذلك لا تعلم، فإن قال: أنت طالق ان لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله لم يقع الطلاق، لانه لا نعلم أنه لم يشأ، كما لا يعلم أنه شاء. وحكى صاحب الفروع وجها آخر أنه يقع عليها الطلاق، وانما علق دفعه

بمشيئة الله ونحن لا نعلمها، والمشهور هو الاول وان قال: أنت طالق الا أن يشاء الله ففيه وجهان. (أحدهما) لا يقع عليها الطلاق، لانه علق الطلاق بمشئية الله فلم يقع، كما لو قال: ان شاء الله. (والثانى) وهو المذهب: أنه يقع الطلاق، لانه أوقع الطلاق، وانما علق رفعه بمشيئة الله، ومشيئة الله لا تعلم فثبت الايقاع وبطل الرفع. (فرع) ولا يصح الاستثناء الا ان كان متصلا بالكلام لان هذا هو العرف في الاستثناء، فان انفصل لضيق نفس كان كالمتصل لان انفصاله لعذر، ولا يصح الا ان قصد بالنيه، والتقييد بمشيئة الله مانع من الوقوع، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور، وادعى عليه ابن العربي الاجماع قال: أجمع المسلمون على أن قوله: ان شاء الله يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلا، قال: ولو جاز منفصلا كما روى بعض السلف لم يحنث أحد قط في يمين ولم يحتج إلى كفارة، قال: واختلفوا في الاتصال، فقال مالك والاوزاعي والشافعي والجمهور: هو أن يكون قوله: ان شاء الله متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ولا يضر سكتة النفس. وعن طاوس والحسن وجماعة من التابعين أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه وقال قتادة: ما لم يقم أو يتكلم. وقال عطاء: قدر حلبة ناقه. وقال سعيد بن جبير: يصح بعد أربعة أشهر، وعن ابن عباس: له الاستثناء أبدا، ولا فرق بين الحلف بالطلاق والحلف بالله أو الحلف بالعتاق، واستثنى أحمد رضى الله عنه العتاق قال: لحديث " إذا قال: أنت طالق ان شاء الله لم تطلق، وان قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فإنه حر " وقد تفرد به حميد بن مالك وهو مجهول كما قال البيهقى، وذهب الهادويه إلى أن التقييد بالمشيئة يعتبر فيه مشيئة الله في تلك الحال باعتبار ما يظهر من الشريعة، فإن كان ذلك الامر الذى حلف على تركه وقيد الحلف بالمشيئة محبوبا لله فعله لم يحنث بالفعل، وان كان محبوبا لله تركه لم يحنث بالترك، فإذا قال: والله ليتصدقن ان شاء الله حنث بترك الصدقة، لان الله يشاء التصدق في الحال، وان حلف ليقطعن رحمه ان شاء الله لم يحنث بترك القطع لان الله تعالى يشاء ذلك الترك.

قوله: وإن طلق بلسانه واستثنى بقلبه الخ. وهذا يدل بمفهومه على أنه إذا استثنى بلسانه صح ولم يقع ما استثناه بقلبه، وهو قول جماعة أهل العلم. وقال الخرقى من الحنابله " إذا طلقها بلسانه واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء. وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء منه مالا يصح نطقا ولا نية، مثل أن يرفع حكم اللفظ كله، وهذا قد مضى بيانه. ومنها ما يقبل لفظا ولا يقبل نية في الحكم، وهل يقبل فيما بينه وبين الله تعالى؟ وجهان (أحدهما) لا يقبل فيما بينه وبين الله تعالى، وبه قال أحمد وأكثر أصحاب الشافعي. وهذا استثناء الاقل، فإنه لا يصح إلا لفظا لانه من لسان العرب، ولا يصح بالنية لان العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره، فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ، فإن اللفظ أقوى من النية، فلو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته وقال بعض أصحابنا: انه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى، كما لو قال: نسائى طوالق واستثنى بقلبه الا فلانة، والفرق بينهما أن نسائى اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له، وقد استعمل العموم بإزاء الخصوص كثيرا. فإذا أراد به البعض صح. وقوله " ثلاثا " اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير به عن عدد غيرها، ولا يحتمل سواها بوجه من الوجوه، فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله. وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته. فأما ما لا يحتمل فلا، فإنا لو عملنا به فيما لا يحتمل كان عملا بمجرد النية، ومجرد النية لا يعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع. ولو قال: نسائى الاربع طوالق، أو قال لهن: أربعتكن طوالق، واستثنى بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه، ولا يدين فيه، لانه عنى باللفظ مالا يحتمل. ومنها ما يصح نطقا إذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى، مثل تخصيص اللفظ العام أو استعمال اللفظ في مجازه مثل قوله: نسائى طوالق، يريد بعضهن

باب الشرط في الطلاق

أو ينوى بقوله طالق، أي من وثاق، فهذا يقبل كما قررنا من قبل إذا كان لفظا وجها واحد لانه وصل كلامه بما بين مراده وإن كان بنيته قبل فيما بينه وبين الله تعالى لانه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص. وهذا سائغ في الكلام فلا يمنع من استعماله والتكلم به، ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده دون ما لم يرده، وهل يقبل ذلك في الحكم. مذهبنا أنه لا يقبل في الحكم لانه خلاف الظاهر. ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ. وهو أن يقول: نسائى طوالق، يقصد بهذا اللفظ بعضهن، فأما ان كانت النية متأخرة عن اللفظ فقال نسائى طوالق ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن، وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثاق لزمه الطلاق لانه مقتضى اللفظ. والقاعدة في ذلك كله (أولا) ارادة الخاص بالعام شائع في اللغة ومستساغ (ثانيا) ارادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو كالاستثناء. واللفظ العام الذى لم يرد به غير مقتضاه وجب العمل بعمومه، والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب، لان دليل الحكم هو اللفظ، فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه، ولذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب. والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله: باب الشرط في الطلاق إذا علق الطلاق بشرط لا يستحيل كدخول الدار ومجئ الشهر تعلق به. فإذا وجد الشرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " المؤمنون عند شروطهم " ولان الطلاق كالعتق لان لكل واحدة منهما قوة وسراية. ثم العتق إذا علق على شرط وقع بوجوده ولم يقع قبل وجوده فكذلك الطلاق. فإن علق الطلاق على شرط ثم قال: عجلت ما كنت علقت على الشرط لم تطلق في الحال لانه تعلق بالشرط ولا يتغير. وإذا وجد الشرط طلقت.

وإن قال أنت طالق ثم قال: أردت إذا دخلت الدار، أو إذا جاء رأس الشهر لم يقبل في الحكم، لانه يدعى خلاف ما يقتضيه اللفظ بظاهره. ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يدعى صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله فدين فيه كما لو قال أنت طاق وادعى انه أراد طلاقا من وثاق فإن قال أنت طالق ان دخلت الدار وقال أردت الطلاق في الحال. ولكن سبق لساني إلى الشرط لزمه الطلاق في الحال، لانه أقر على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تهمة. (فصل) والالفاظ التى تستعمل في الشرط في الطلاق: من. وان. وإذا ومتى. واى وقت. وكلما. وليس في هذه الالفاظ ما يقتضى التكرار الا قوله كلما فإنه يقتضى التكرار. فإذا قال من دخلت الدار فهى طالق، أو قال لامرأته ان دخلت الدار أو إذا دخلت الدار، أو متى دخلت الدار أو أي وقت دخلت الدار فأنت طالق، فوجد الدخول وقع الطلاق. وإن تكرر الدخول لم يتكرر الطلاق لان اللفظ لا يقتضى التكرار. وإن قال كلما دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت طلقت. وان تكرر الدخول تكرر الطلاق لان اللفظ يقتضى التكرار (الشرح) حديث " المؤمنون عند شروطهم " مضى تخريجه في غير موضع من المجموع وتكملتيه أما الاحكام فإنه إذا علق طلاق امرأته بشرط غير مستحيل لم يقع الطلاق قبل وجود الشرط. سواء كان الشرط يوجد لا محالة، كقوله إذا طلعت الشمس فأنت طالق، أو كان الشرط قد يوجد وقد لا يوجد. كقوله إذا قدم القطار من الاسكندرية فأنت طالق، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وقال الزهري وابن المسيب والحسن البصري ومالك: إذا علق الطلاق بشرط يوجد لا محالة كمجئ الليل والنهار والشمس والقمر وما أشبههما وقع عليها الطلاق في الحال قبل وجود الشرط. دليلنا قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " ولانه علق على شرط غير مستحيل فلم يقع الطلاق قبل وقوع الشرط، كما لو علقه على قدوم

القطار. وقولنا " على شرط غير مستحيل " احتراز مما إذا علقه على صعود السماء بدون طائرة أو أجهزة للصعود كالصواريخ والاقمار الصناعية وما إليها من وسائل معروفة في عصرنا هذا، وكذلك احتراز مما إذا علقه على شرب جميع البحر وإن علق طلاقها على شرط ثم قال قبل وجود الشرط: عجلت ما كنت علقت على الشرط، لم تطلق في الحال، لانه تعلق بالشرط فلا يتعجل بلفظ التعجيل كالدين المؤجل. وإن قال أنت طالق ثم قال: أردت إذا دخلت الدار لم يقبل في الحكم لانه يدعى خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال أنت طالق ان دخلت الدار، ثم قال: أردت به الطلاق في الحال وانما سبق لسان إلى الشرط قبل قوله لان في ذلك تغليظا عليه قوله " من وان وإذا ومتى وأى وقت وكلما " ومن هذه تستعمل للشرط وللصلة وان للشرط وللنفي وتأتى زائدة ومخففة من ان " وان نظنك لمن الكاذبين " و " إذا " تأتى للشرط وللمفاجأة، ولربط الجواب بالشرط نحو " وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " والاشهر أنها ظروف و " متى " للزمان، ومثلهان أيان نحوا لا فقها و " كلما " تقتضي التكرار لجواب شرطها ولا ينبغى جواب الشرط كما يفعل أكثر أهل هذا الزمان من المتعالمين فإنه يكثر في استعمالهم تكرار كلما في الجملة، فيقولون مثلا: كلما استقمت، كلما رضى الله عنك " وهو خطأ فادح، أو كلما أسأت إلى كلما ازددت حلما. فكلما الثانية في الجملة مقحمة بغير مسوغ. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كانت له امرأة لا سنة في طلاقها ولا بدعة، وهى الصغيرة التى لم تحض أو الكبيرة التى يئست من الحيض أو الحامل أو التى لم يدخل بها، فقال لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة، طلقت لوجود الصفة. وان قال أنت طالق للسنة أو للبدعة، أو أنت طالق للسنة والبدعة، طلقت لانه وصفها صفة لا تتصف بها، فلغت الصفة وبقى الطلاق فوقع، فإن قال للصغيرة أو الحامل

أو التى لم يدخل بها أنت طالق للسنة أو أنت طالق للبدعه، وقال أردت به إذا صارت من أهل سنة الطلاق أو بدعته طلقت في الحال، ولم يقبل ما يدعيه في الحكم، لان اللفظ يقتضى طلاقا ناجزا ويدين فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه يحتمل ما يدعيه. وان كانت له امرأة لها سنة وبدعة في الطلاق وهى المدخول بها إذا كانت من ذوات الاقراء، فقال لها أنت طالق للسنة - فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه - طلقت في الحال لوجود الصفة. وان كانت في حيض أو في طهر جامعها فيه لم تطلق في الحال لعدم الصفة، وإذا طهرت من غير جماع طلقت لوجود الصفة وإن قال أنت طالق للبدعة - فان كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه - طلقت في الحال لوجود الصفة، وإن كانت في طهر لم يجامعها فيه لم تطلق في الحال لفقد الصفة، فإذا جامعها أو حاضت طلقت لوجود الصفة وإن قال أنت طالق للسنة إن كنت في هذه الحالة ممن يقع عليها طلاق السنة - فان كانت في طهر لم يجامعها فيه - طلقت لوجود الصفة، وإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه لم تطلق في الحال لعدم الصفة وان صارت في طهر لم تجامع فيه لم تطلق أيضا لانه شرط أن تكون للسنة وأن تكون في تلك الحال. وذلك لا يوجد بعد انقضاء الحال وإن قال لها أنت طالق للسنة وللبدعة، أو أنت طالق طلقة حسنة قبيحة، طلقت في الحال طلقة، لانه لا يمكن إيقاع طلقة على هاتين الصفتين، فسقطت الصفتان وبقى الطلاق فوقع وإن قال أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت في الحال طلقة فإذا صارت في الحالة الثانية طلقت طلقة. وان قال أنت طالق طلقتين للسنة وللبدعة ففيه وجهان. (أحدهما) يقع طلقة في حال السنه وطلقه في حال البدعه، لانه يمكن إيقاعها على الصفتين فلم يجز إسقاطهما (والثانى) يقع في الحال طلقتان، لان الظاهر عود الصفتين إلى كل واحدة من الطلقتين وإيقاع كل واحدة منهما على الصفتين لا يمكن فلغت الصفتان

ووقعت الطلقتان. وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة وقع الثلاث في طهر لم يجامعها فيه، لان ذلك طلاق للسنة: وإن قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقع في الحال طلقتان لان إضافة الطلاق اليهما يقتضى التسوية. فيقع في الحال طلقة ونصف ثم يكمل فيصير طلقتين، ويقع الباقي في الحالة الاخرى. وإن قال أردت بالبعض طلقة في هذه الحال وطلقتين في الحالة الاخرى ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، إنه لا يقبل قوله في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل، لانه يدعى ما يتأخر به الطلاق فصار كما لو قال أنت طالق وادعى أنه أراد إذا دخلت الدار (والثانى) وهو المذهب أنه يقبل في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لان البعض يقع على القليل والكثير حقيقة، ويخالف دعوى دخول الدار، فإن الظاهر إنجاز الطلاق فلم تقبل في الحكم دعوى التأخير. (الشرح) النساء على ضربين: ضرب لا سنة في طلاقهن ولا بدعة وهن أربع (1) التى لم يدخل بها (2) والصغيرة (3) والآيسة من الحيض (4) والتى استبان حملها. وضرب في طلاقهن سنة وبدعة وهى المدخول بها إذا كانت من ذوات الاقراء. إذا ثبت هذا فقال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة: أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال لانه علق الطلاق بصفة لا تتصف بها المرأة، فألغيت الصفه وصار كما لو قال أنت طالق. وان قال أنت طالق لا للسنه ولا للبدعه طلقت في الحال لوجود الصفه. وان قال للصغيرة المدخول بها أو الحامل أنت طالق للسنه أو للبدعه ثم قال: أردت بها إذا صارت من أهل سنة الطلاق وبدعته لم يقبل في الحكم، لانه يريد تأخير الطلاق من أول وقت يقتضيه فلم يقبل، كما لو قال أنت طالق ثم قال أردت إذا دخلت الدار، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، فيقال أمسك امرأتك فيما بينك وبين الله تعالى إلى أن تحيض الصغيرة وتلد الحامل ان علقه على البدعه،

والى أن تطهر إن علقه على السنه، ولا يجئ هذا في الآيسه، وهل يجئ هذا في التى لم يدخل بها؟ اختلف الشيخان فيهما، فذكر أبو حامد أنه لا يجئ فيها. وذكر أبو إسحاق المروزى أنه يجئ فيها هذا. (فرع) وان قال لمن لا سنه في طلاقها ولا بدعه: أنت طالق للسنه ان كنت في هذا الحال ممن يقع عليها طلاق السنه، أو أنت طالق للبدعه ان كنت الان ممن يقع عليها طلاق البدعه. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وقع عليها الطلاق في الحال فحكى ابن الصباغ أن القاضى أبا الطيب قال: فيه نظر، وأن الشيخ أبا حامد قال: لا يقع الطلاق لان الشرط لم يوجد، كقوله ان كنت علويه فأنت طالق وليست بعلويه، ويخالف الصفه لانها تلغى إذا لم تتصف بها قال ابن الصباغ: وكما قال الشافعي عندي وجه آخر، وهو أن قوله: أنت طالق للسنه ان كان عليك طلاق السنه، يقتضى طلاقا مضافا إلى السنه وهو يقع عليها. وقوله: وصفها بصفة محال يريد إذا قال أنت طالق للسنه فإنه تلغو الصفه هكذا أفاده العمرانى في البيان (مسأله) قوله وان كانت له امرأة لها سنة وبدعه في الطلاق الخ فهو كما قال، إذ لو قال لها أنت طالق للسنه - فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه طلقت لوجود السنه، وان كانت في طهر جامعها أو في حيض لم تطلق لعدم الصفه، فإذا طهرت من الحيض طلقت لوجود الصفه - وان كانت في طهر جامعها فيه أو في حيض لم تطلق لعدم الصفه، فإذا طهرت من الحيض طلقت بأول جزء من الطهر وقال أبو حنيفة: ان طهرت لاكثر الحيض طلقت بأول جزء من الطهر، وان طهرت لدون أكثر الحيض لم تطلق حتى تغتسل. دليلنا أن كل طهر لو صادف غسلا وقع فيه الطلاق وجب أن يقع فيه الطلاق وان لم يصادف الغسل، كما لو طهرت لاكثر الحيض وان جامعها في آخر الحيض وانقطع الدم في حال الجماع لم يقع عليها طلاق، لانه طهر صادفه الجماع، وان وطئها في أثناء الحيض وطهرت بعده فإن القفال قال: لا يطلق بالطهر إذا علقه بالسنه لاحتمال أن تكون قد علقت منه، ووجود بقية الحيض لا يدل على براءة رحمها، كما لا يكون بعض الحيض استبراء في الامة

وإن قال أنت طالق للبدعة، فإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه وقع عليها الطلاق لوجود الصفة. وهكذا إن كانت في طهر لم يجامعها فيه، ولكنها اسند خلت ماء الزوج، وقع عليها الطلاق لاحتمال أن تكون علقت منه، وان وطئها في الدبر أو فيما دون الفرج ولم يتحقق وصول الماء إلى رحمها فليس بطلاق توقعه. وإن كانت العدة واجبة عليها لان العدة تجب مرة لبراءة الرحم ومرة للتعبد. وان كانت في طهر لم يجامعها فيه لم يقع عليها الطلاق، فإذا طعنت في الحيض أو غيب الحشفة في الفرج بعد ذلك وقع عليها الطلاق لوجود الصفة (فرع) إذا تزوج امرأة حاملا من الزنا فهل يجوز له وطؤها قبل وضعها؟ فيه وجهان المشهور أنه يجوز. إذا ثبت هذا ودخل بها ثم قال لها: أنت طالق للسنة لم تطلق حتى تلد وتطهر من النفاس، لان هذا الحمل لا حكم له فكان وجوده كعدمه ونخلص إلى فرع آخر ذكره الشافعي في الام: إذا قال لمن لها سنة وبدعة في طلاق: أنت طالق للسنة ان كنت ممن يقع عليها طلاق السنة، فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليها الطلاق لوجود الصفه وان كانت في طهر جامعها فيه أو حائضا لم يقع عليها الطلاق لعدم الصفه، فان طلقت بعد ذلك في الطهر لم يقع عليها الطلاق لانه شرط أن يكون حال عقد الطلاق ممن يقع عليها طلاق السنه ولم توجد الصفه. وان قال لها: أنت طالق للبدعه ان كنت الا ممن يقع عليها طلاق البدعه، فان كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه، وقع عليها الطلاق لوجود الصفة، وان كانت في طهر لم يجامعها فيه لم يقع عليها الطلاق، فإن جامعها أو حاضت لم يقع عليها الطلاق، لانه شرط أن يكون حال عقد الطلاق ولم يوجد الشرط، وان كانت في طهر لم يجامعها فيه فقال: أنت طالق للبدعه فقد قلنا: لا يقع عليها الطلاق في الحال، فان قال أن أردت طلاق السنه، وإنما سبق لساني في البدعه، وقع عليها الطلاق، لان فيه تغليظا عليه ونستطرد إلى فرع آخر في المسأله هذه: إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنه وكانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليها الثلاث، لان السنه والبدعه للوصف

عندنا دون العدد، فإن قال أردت السنة على مذهب مالك وأبى حنيفة أنه يقع في كل هذه طلقه لم يقبل في الحكم، لانه تأخير الطلاق عن أول وقت يقتضيه، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه، بدليل أنه لو صرح به في الطلاق حمل عليه، فيقع عليها في الحال طلقه، فان لم يراجعها فإنها إذا حاضت ثم طهرت طلقت أخرى. ثم إذا حاضت وطهرت طلقت الثالثة وبانت وان راجعها بعد الاولة ووطئها فانها إذا حاضت وطهرت طلقت الثانية وبأول الطهر فإذا راجعها ثانيا ووطئها ثم حاضت وطهرت طلقت الثالثة وبانت واستأنفت العدة. وان راجعها ولم يطأها حتى حاضت ثم طهرت طلقت الثانية بأول الطهر الثاني، فإن راجعها ثانيا ولم يطأها حتى حاضت وطهرت وقعت الثالثة وبانت. وهل تبنى على عدتها أو تستأنف؟ على القولين اللذين يأتي ذكرهما. قال الشافعي رضى الله عنه: ويسعه أن يطأها وعليها الهرب وله الطلب، لانه يعتقدها زوجته وهى تعتقد أنها غير زوجته. وثم فرع آخر وهو: إن قال لمن لها سنة وبدعة في الطلاق: أنت طالق للسنة وأنت طالق للبدعه، وقع عليها في الحال طلقه وفى الحالة الثانية طلقة اخرى. وإن قال أنت طالق طللقتين للسنة والبدعه ففيه وجهان (أحدهما) يقع عليها في الحال طلقتان لان الظاهر عود الصفتين إلى كل واحدة من الطلقتين، وإيقاع كل واحدة من الطلقتين على الصفتين لا يمكن، فسقطت الصفتان وبقيت الطلقتان فوقعتا. (والثانى) يقع عليها في الحال طلقه، فإذا صارت في الحالة الثانيه وقعت عليها الثانيه: لان الظاهر أنها تعود إلى غير الانقاص وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنه وثلاثا للبدعه وقع عليها في الحال ثلاث لانها في إحدى الحالتين وبانت بها. وإن قال لها أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنه وبعضهن للبدعه وأطلق ذلك ولم يقيده بلفظ ولا نيه وقع عليها في الحال طلقتان. وإذا صارت إلى الحالة الاخرى وقع عليها الطلقه الثالثه وقال المزني: يقع عليها في الحال الطلقه وفى الحال الثانيه طلقتان، لان

البعض يقع على الاقل والاكثر فأوقعنا الواحدة لانها بيقين، وما زاد مشكوك فيه، فالمذهب الاول لانه أضاف الثلاث إلى الحالتين وساوى بينهما في الاضافة فالظاهر أنه أراد التسويه بينهما في الثلاث، كما لو قال بعض هذه الدار لزيد وبعضها لعمرو فإنها تكون بينهما نصفين، وإذا كان كذلك كان للحالة الاولة طلقه ونصف فسرى هذا النصف فوقع طلقتان فإن قيل هلا قلتم يقع في الحال ثلاث طلقات لانه يقتضى أن تكون بعض كل طلقه من الثلاث للسنه وبعضها للبدعه، فيخص كل طلقه ثلاثة أبعاض من الثلاث طلقات فنكمل الابعاض فالجواب أنا لا نقول هذا، لان كل عدد أمكن قسمته قسمه صحيحه من غير كسر لم يجز قسمته على الكسر. وفى مسألتنا يمكن قسم طلقتين من الثلاث جبرا على الحالين فلم يتبعضا. وإن قيد ذلك باللفظ بأن قال أنت طالق ثلاثا نصفها للسنه ونصفها للبدعه وقع طلقتان وفى الحال الثانيه طلقه لما ذكرناه. وان قال واحدة للسنه واثنتين للبدعه، أو قال اثنتين للسنه وواحدة للبدعه حمل على ما قيده بقوله وان لم يقيده باللفظ بل قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنه وبعضهن للبدعه، ثم قال أنا أردت نصفهن للسنه ونصفهن للبدعه. أو أردت في الحاله الاولى طلقتين وفى الثانيه طلقه حمله على ذلك، لانه لو لم ينو ذلك لحمل اطلاقه عليه فكذلك إذا نواه. وان قال أردت في الحالة الاولى طلقه وفى الحاله الثانيه طلقتين، فاختلف أصحابنا فيه: فقال أبو على بن أبى هريرة: لا يقبل في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لان الظاهر أنه أراد التسويه فلا يقبل قوله فيما يخالف الظاهر ومنهم من قال في الحكم وهو الصحيح، لان البعض يقع على الاقل والاكثر. فإذا أخبر أنه نوى ذلك قبل منه كما لو قيده باللفظ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن قال ان قدم فلان فأنت طالق، فقدم وهى في طهر لم يجامع فيه وقع طلاق سنه، وان قدم وهى حائض أو في طهر جامعها فيه وقع طلاق بدعه

إلا أنه لا يأثم لانه لم يقصد، كما إذا رمى صيدا فأصاب آدميا فقتله، فإن القتل صادف محرما لكنه لم يأثم لعدم القصد. وان قال ان قدم فلان فأنت طالق للسنة فقدم وهى في حال السنة طلقت. وان قدم وهى في حال البدعة لم تطلق حتى تصير إلى السنة، لانه علقه بعد القدوم بالسنة (فصل) وان قال أنت طالق أحسن الطلاق وأكمله وأعدله، وما أشبهها من الصفات الحميدة، طلقت للسنة لانه أحسن الطلاق وأكمله وأعدله، وإن قال أردت به طلاق البدعة، واعتقدت أن الاعدل والاكمل في حقها لسوء عشرتها أن تطلق للبدعة نظرت، فإن كان ما يدعيه من ذلك أغلظ عليه، بأن تكون في الحال حائضا أو في طهر جامعها فيه، وقع طلاق بدعة، لان ما ادعاه أغلظ عليه واللفظ يحتمله فقبل منه. وان كان أخف عليه بأن كانت في طهر لم يجامع فيه دين فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم، لانه مخالف للظاهر. فإن قال أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه وما أشبههما من صفات الذم طلقت في حال البدعة لانه أقبح الطلاق وأسمجه. وان قال أردت طلاق السنة واعتقدت أن طلاقها أقبح الطلاق وأسمجه لحسن دينها وعشرتها، فان كان ذلك أغلظ عليه لما فيه من تعجيل الطلاق، قبل منه لانه أغلظ عليه واللفظ يحتمله، وان كان أخف عليه لما فيه من تأخير الطلاق دين فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه يحتمل ولا يقبل في الحكم لانه مخالف للظاهر. وان قال أنت طالق طلاق الحرج طلقت للبدعة، لان الحرج فيما خالف السنة وأثم به. (الشرح) إذا قال: قدم فلان فأنت طالق، فقدم وهى في حال السنة، طلقت طلاق السنة، وان قدم وهى في حال البدعة طلقت طلاق البدعة الا أنه لا يأثم لانه لم يقصد إليه وان قال أنت طالق إذا قدم فلان للسنه - فان قدم وهى في حال السنه - طلقت لوجود الصفه وان كانت في حال البدعه لم تطلق لعدم الصفه، فإذا صارت

بعد ذلك إلى حال السنة وقع عليها الطلاق، لان الشرطين قد وجدا. قال صاحب الفروع: ويحتمل أن لا يقع عليها الطلاق حينئذ أيضا، لان ظاهر الشرطين أن يكونا معتبرين حالة القدوم، والمنصوص هو الاول. وإن قال أنت طالق رأس الشهر للسنة. قال في الام: فان كانت رأس الشهر في طهر لم يجامعها فيه طلقت. وإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه رأس الشهر لم تطلق، فإذا طهرت بعد ذلك من غير جماع وقع عليها الطلاق. وعلى الوجه الذى خرجه صاحب الفروع في التى قبلها يحتمل ان لا يقع عليها الطلاق ههنا بالطهر بعد رأس الشهر، إلا أن المنصوص الاول. (فرع) قال في الام: إذا قال لامرأته وهى ممن تحيض قبل الدخول: أنت طالق إذا قدم فلان للسنة، فدخل بها قبل أن يقدم فلان ثم قدم وهى طاهر غير مجامعة وقع عليها الطلاق، وإن قدم وهى حائض أو في طهر جامعها فيه - قال أصحابنا: فالذي يجئ على قول الشافعي أنها لا تطلق حتى تصير إلى زمان السنه، لانه يعتبر صفتها حين قدومه لا حين عقد الصفه، فلو لم يدخل بها وقدم فلان طلقت لانه ليس في طلاقها سنه ولا بدعه - فان دخل بها الزوج وقال ما أردت بقولى طلاق سنة الزمان، وإنما أردت سنة طلاقها قبل الدخول، وقع عليها الطلاق بقدوم فلان، سواء كانت في زمان السنه أو في زمان البدعه (مسألة) قوله " وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق الخ " وهذا صحيح. فانه إذا قال أنت طالق أعدل الطلاق أو أحسنه أو أكمله أو افضله أو أتمه - ولم يكن له نيه - طلقت للسنه لانه أعدل الطلاق وأحسنه، فان كانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليها الطلاق. وإن كانت له نيه - فان كانت نيته موافقة لظاهر قوله - كانت تأكيدا، وان خالفت ظاهر قوله بأن قال: أردت به طلاق البدعه واعتقدت أنه الاعدل والاحسن في طلاقها لسوء عشرتها. وهذا مثل تأويله لقوله تعالى " ادفع بالتى هي أحسن " حين يقول: رأيت أن التى هي أحسن أن أضرب أو أصفع من يرتكب المخالفة أو ما إلى ذلك، لانني لو عاملته باللين لسدر في غوايته وأمعن في ضلالته، ففى الشدة الحسنى وفى اللين السوءى

في بعض الاحوال، فان كانت حال العقد في حال البدعه وقع عليها الطلاق، لان في ذلك تغليظا عليه فقبل، وإن كانت في حال عقد الطلاق في حال السنه لم يقبل قوله في الحكم لانه يريد تأخير الطلاق عن أول وقت يقتضيه فلم يقبل ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه، ولهذا لو صرح به حال عقد الطلاق قبل. وإن قال أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه، والسماجه ضد الملاحة. ولبن سمج لا طعم له. أو قال أفحشه أو ما أشبه ذلك كان من صفات الذم. فان لم يكن له نية طلقت للبدعه، فان كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه طلقت لان ذلك أقبح الطلاق وأفحشه. وان كانت في طهر لم يجامعها فيه لم تطلق. فإذا طلقت في الحيض أو جامعها طلقت. وان كانت له نيه. فان وافقت نيته ظاهر قوله. وهو أن ينوى طلاق البدعه قبل منه وكانت نيته تأكيدا، وان خالفت ظاهر قوله بأن قال: نويت طلاق السنه واعتقدت أن الافبح في حقها طلاق السنة لحسن عشرتها. فان كانت حال عقد الطلاق في طهر لم يجامعها فيه وقع عليها الطلاق لان فيه تغليظا عليه. وان كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه لم يقبل في الحكم لانه يدعى خلاف الطهر. ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال ما يدعيه وان قالت أنت طالق أكمل الطلاق اجتنابا. قال الصيمري طلقت ثلاثا لانه أكمل الطلاق اجتنابا. وان قال أنت طالق طلقه حسنه قبيحه وقع عليها في الحال طلقه، واختلف أصحابنا في علته، فمنهم من قال لانه وصفها بصفتين لا يمكن وجودهما معا وقد وجدت إحداهما فوقع بها الطلاق، ومنهم من قال لانه وصفها بصفتين متضادتين فسقطتا وبقى مجرد الطلاق فوقع قال ابن الصباغ: وهذا أقيس. لان وقوع الطلقه باحدى الصفتين ليس بأولى من الاخرى (فرع) وإن قال لامرأته، أنت طالق طلاق الحرج وقع عليها طلقه رجعيه وقال على بن أبى طالب: يقع عليها الثلاث في الحال، دليلنا أن الحرج الضيق والاثم، ولا يأثم إلا بطلاق البدعه

وان قال: أنت طالق طلاق الحرج والسنه وقع عليها في الحال طلقه، لانه وصفها بصفتين متضادتين فسقطتا وبقى الطلاق مجردا فوقع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن قال لها وهى حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت بانقطاع الدم لوجود الصفة، وإن قال لها ذلك وهى طاهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، لان " إذا " اسم للزمان المستقبل فاقتضى فعلا مستأنفا، ولهذا لو قال لرجل حاضر: إذا جئتني فلك دينار لم يستحق بهذا الحضور حتى يغيب ثم يجيئه وإن قال لها وهى طاهر: إن حضت فأنت طالق، طلقت برؤية الدم، وإن قال لها ذلك وهى حائض لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض لما ذكرناه في الطهر. فإن قال لها وهى حائض: إن طهرت طهرا فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض، لانه لا يوجد طهر كامل إلا أن تطعن في الحيض الثاني وإن قال لها ذلك وهى طاهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض، لان الطهر الكامل لا يوجد إلا بما ذكرناه. وإن قال: إن حضت حيضة فأنت طالق، فإن كانت طاهرا لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وان كانت حائضا لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، لما ذكرناه في الطهر. (فصل) وإن قال أنت طالق ثلاثا في كل قرء طلقه نظرت، فإن كانت لها سنة وبدعة في طلاقها نظرت، فان كانت طاهرا طلقت طلقة لان ما بقى من الطهر قرء، وان كانت حائضا لم تطلق حتى تطهر ثم يقع في كل طهر طلقة، وان لم يكن لها سنة ولا بدعة - نظرت فان كانت حاملا - طلقت في الحال طلقة، لان الحمل قرء يعتد به، وإن كانت تحيض على الحمل لم تطلق في أطهارها لانها ليست بأقراء، ولهذا لا يعتد بها، فإن راجعها قبل الوضع وطهرت في النفاس وقعت طلقة أخرى، فإذا حاضت وطهرت وقعت الثالثه، وإن كانت غير مدخول بها وقعت عليها طلقه وبانت، فإن كان صغيرة مدخولا بها طلقت في

الحال طلقه، فان لم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر بانت، وان راجعها لم تطلق في الطهر بعد الرجعة لانه هو الطهر الذى وقع فيه الطلاق. (الشرح) إذا قال لامرأته وهى طاهر: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في زمان امكانه وقع الطلاق عليها ويكون بدعيا، فإن استمر بها الدم يوما وليلة استقر الطلاق. وان انقطع لدون اليوم والليلة واتصل بعده طهر صحيح حكمنا بان الطلاق لم يقع. وان قال لها وهى حائض: إذا حضت فأنت طالق - فاختلف أصحابنا فيه - فقال الشيخ أبو إسحاق الاسفرايينى والقاضى أبو القاسم الصيمري: لا يقع الطلاق حتى تطهر من هذا الحيض ثم تطعن في الحيضة الثانية، وبه قال أبو يوسف، لان قوله، إذا حضت أو ان حضت، يقتضى الاستقبال. وقال ابن الصباغ يقع عليها الطلاق بما يتجدد من حيضها، لانه قد وجد منها الحيض فوقع الطلاق لوجود صفته كما لو قال للصحيحه: إذا صححت فأنت طالق، فإنه يقع عليها الطلاق في الحال. وان قال لامرأته كلما حضت فانت طالق، فإذا رأت الدم طلقت برؤيته فإذا انقطع الدم وطهرت طهرا كاملا ثم رأت الدم طلقت طلقه ثانيه، فإذا طهرت ثم رأت الدم طلقت ثالثه، لان " كلما " تقتضي التكرار وتكون الطلقات كلها بدعيه. (فرع) وان قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق - فإن كان طاهرا - لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر لانه قال حيضه. وذلك لا يوجد الا بطهرها من الحيض، وان كانت حائضا لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ويكون الطلاق سببا لانه يقع بأول الطهر وان قال: كلما حضت حيضة فأنت طالق، فإذا حاضت حيضة كاملة بعد عقد الصفه، وقع عليها طلقه بأول جزء من الظهر بعد الحيض، ثم إذا حاضت الثانية وطهرت منه طلقت ثانية بأول جزء من الطهر، ثم إذا حاضت الثالثه وطهرت منه طلقت الثالثة بأول جزء من الطهر، لان " كلما " تقتضي التكرار، وتكون الطلقات للسنة،

وإن قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق، وإذا حضت حيضتين فأنت طالق، فإنها إذا حاضت حيضة وقع عليها طلقة بانقطاع الدم لوجود الحيضة، فإذا حاضت حيضة ثانية وقع عليها حيضة ثانية بإنقطاع دمها من الحيضة الثانية لانها مع الاولة حيضتان. وإن قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق، ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق، فإذا انقطع دمها من الحيضة الاولة وقع عليها طلقة لوجود الصفة، وان حاضت بعدها حيضة ثانية لم تطلق حتى تطهر من الحيضة الثالثه لان ثم للترتيب والواو للجمع. (فرع) وإن قال لامرأته وهى حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت بانقطاع الدم لوجود الشرط ويكون الطلاق سببا، لانه يقع في الطهر، وان قال لها كذلك وهى طاهر، قال الشيخ أبو إسحاق هنا: لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر لان " إذا " اسم لزمان مستقبل، وعلى قياس قول ابن الصباغ في الحيض تطلق عقيب قوله. وان قال لها: إذا طهرت طهرا فأنت طالق - فان كانت حال عقد الصفة حائضا لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض، وان كانت طاهرا لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض، لانه لا يوجد الطهر الكامل الا بذلك، ويكون الطلاق بدعيا، لانه يقع بأول جزء من الحيض ويأثم به. وان قال لها: أنت طالق في كل طهر طلقة - فإن كانت طاهرا - طلقت طلقه وان رأت الدم وانقطع طلقت الثانية، وإذا رأت الدم ثانيا وانقطع طلقت الثالثة وان كانت حال العقد حائضا لم تطلق حتى ينقطع الدم فتطلق، ثم بانقطاع الحيض الثاني تطلق ثانية، ثم بانقطاع الحيض الثالث تطلق الثالثة، وان رأت الدم على الحمل - فإن قلنا: انه حيض - طلقت بانقطاعه، ويتكرر عليها الطلاق في الحمل بانقطاع كل دم على هذا القول. قوله " في كل قرء " قال ابن بطال: القرء الحيض والقرء أيضا الطهر وهو من الاضداد. وفيه لغتان قرء بالفتح وقرء بالضم وجميعه قروء وأقراء. قال الشاعر: مورثة مالا وفى الحى رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا

وهو الوقت فقيل للحيض والطهر قرء، لانهما يرجعان لوقت معلوم. وأصله الجمع، وكل شئ قرأته قد جمعته اه. وقال في المصباح في غريب الشرح الكبير للرافعي: والقرء فيه لغتان الفتح وجمعه قروء وأقروء مثل فلس وفلوس وأفلس والضم ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال. قال أئمة اللغة: ويطلق على الطهر والحيض، وحكاه ابن فارس أيضا ثم قال: ويقال: انه للطهر، وذلك أن المرأة الطاهر كأن الدم اجتمع في بدنها وامتسك. ويقال: انه للحيض، ويقال: أقرأت إذا حاضت، وأقرأت إذا طهرت فهى مقرئ، وأما ثلاثة قروءه، فقال الاصمعي: هذه الاضافة على غير قياس، والقياس ثلاثة أقراء، لانه جمع قلة مثل ثلاثة أفلس، وثلاثة رجلة، ولا يقال: ثلاثة فلوس ولا ثلاثة رجال. وقال النحويون: هو على التأويل والتقدير ثلاثة من قروء، لان العدد يضاف إلى مميزه وهن من ثلاثة إلى عشرة قليل، والمميز هو المميز، فلا يميز القليل بالكثير. قال: ويحتمل عندي أنه قد وضع أحد الجمعين في موضع الاخر اتساعا لفهم المعنى، هذا ما نقل عنه، وذهب بعضهم إلى أن مميز الثلاثه إلى العشرة يجوز أن يكون جمع كثرة من غير تأويل، فيقال: خمسه كلاب وستة عبيد، ولا يجب عند هذا القائل أن يقال: خمسة أكلب ولا ستة أعبد، وقرأت أم الكتاب في كل قومة وبأم الكتاب يتعدى بنفسه وبالباء قراءة وقرءآنا ثم استعمل القرآن اسما مثل الشكران والكفران. وإذا أطلق انصرف شرعا إلى المعنى القائم بالنفس ولغة إلى الحروف المقطعة لانها هي التى تقرأ نحو كتبت القرآن ومسسته، والفاعل قارئ، وقرأة وقراء. وقارئون مثل كافر وكفرة وكفار وكافرون. وقرأت على زيد السلام أقرؤه عليه قراءة أما الاحكام: فإنه ان قال لها: أنت طالق ثلاثا في كل قرء طلقه. فان كانت حاملا طاهرا وقع عليها في الحال طلقه. وان كانت حاملا حائضا - فإن قلنا: ان الدم على الحمل ليس بحيض - وقع عليها طلقه. وان قلنا: انه حيض فاختلف أصحابنا فيه. فقال الشيخان أبو إسحاق المروزى وأبو حامد الاسفرايينى

يقع عليها الطلاق: لان زمان الحمل كله قرء واحد بدليل أن العدة لا تنقضي إلا بالوضع. وقال المسعودي والقاضى أبو الطيب: لا يقع عليها الطلاق حتى تطهر لان الاقراء عندنا الاطهار، وهذا حيض فلم يقع عليها الطلاق، وبه قال المسعودي، وهل يتكرر الطلاق في كل طهر على الحمل؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يتكرر، لان العدة لا تنقضي بثلاثة منها. (والثانى) يتكرر وهو الاقيس، لانه طهر من حيض، وإذا وقع على الحامل طلقة نظرت - فان لم يراجعها حتى وضعت - انقضت عدتها وبانت منه ولا يلحقها بعد ذلك طلاق، وإن استرجعها قبل أن تضع لم تطلق حتى تطهر من النفاس، ثم إذا طهرت من الحيض بعد النفاس وقعت عليها الثالثة، وان كانت حاملا مدخولا بها نظرت - فإن كانت حائضا - لم يقع عليها الطلاق في الحال، لان الحيض ليس بقرء، فإذا انقطع دمها وقعت عليها طلقة، فإذا حاضت وانقطع دمها وقعت عليها الثانية بأول جزء من الطهر، فإذا حاضت الثالثة وانقطع دمها بأول جزء من الطهر - ولا فرق في هذا بين أن يراجعها أو لا يراجعها - فإن كانت طاهرا حين عقد الطلاق وقع عليها طلقة، لان بقية الطهر قرء إن كان قد جامعها في هذا الطهر - وقعت الطلقة بدعية، وإن لم يجامعها فيه وقعت سنية فإذا حاضت ثم طهرت طلقت الثانية بأول جزء من الطهر ثم إذا حاضت وطهرت طلقت الثانية بأول جزء من الطهر، ولا فرق في هذا أيضا بين أن يراجعها أو لا يراجعها، وان كانت غير مدخول بها، فان كانت طاهرا وقعت عليها طلقة ولا تقع عليها الثالثة والثانية بالطهر الثاني والثالث، لانها تبين بالاولة فلم يلحقها ما بعدها، وان كانت حال العقد حائضا ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ. (أحدهما) تقع عليها طلقة وتبين بها لانها ليست من أهل سنة الطلاق وبدعته (والثانى) وهو قول القاضى أبى الطيب: أنه لا يقع عليها طلاق حتى تطهر من حيضها، لان الاقراء هي الاطهار، فإذا طهرت وقعت عليها طلقة بانت بها، وان كانت صغيرة مدخولا بها وقع عليها في الحال طلقة، فإذا مضت ثلاثة أشهر ولم يراجعها بانت ولم تلحقها الثانية ولا الثالثة، وإن راجعها قبل

انقضاء عدتها لم تطلق حتى ترى الحيض ثم تطهر فتقع عليها في الحال طلقة وبانت بها ولا تلحقها الثانية والثالثة، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: هل يقع على الصغيرة طلقة في الحال؟ على وجهين بناء على أنها إذا حاضت فهل يحتسب على فيها؟ على قولين، وإن كانت آيسة غير مدخول بها وقعت عليها طلقة وبانت ولا تلحقها الثانية والثالثة، وإن كانت مدخولا بها وقعت عليها طلقة، فان لم يراجعها حتى انقضت ثلاثة أشهر بانت ولم تلحقها الثانية والثالثة، وان راجعها قبل انقضاء الثلاثة لم تلحقها الثانية والثالثة إلا إن عاودها الدم، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: هل يلحقها في الحال طلقة؟ على وجهين، فان عاودها الدم علمنا أنه وقع عليها طلقة حال عقد الطلاق وجها واحدا والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبى ونعم الوكيل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال: ان حضت فأنت طالق فقالت: حضت فصدقها طلقت وان كذبها فالقول قولها مع يمينها لانه لا يعرف الحيض الا من جهتها، وان قال لها قد حضت فأنكرت طلقت باقراره، وان قال: ان حضت فضرتك طالق فقالت: حضت، فان صدقها طلقت ضرتها، وان كذبها لم تطلق، لان قولها يقبل على الزوج في حقها ولا يقبل على غيرها الا بتصديق الزوج كالمودع يقبل قوله في رد الوديعة على المودع، ولا يقبل في الرد على غيره. وان قال: إذا حضت فأنت وضرتك طالقان، فقالت: حضت، فان صدقها طلقتا، وان كذبها وحلفت طلقت هي ولم تطلق ضرتها. وان صدقتها الضرة على حيضها لم يؤثر تصديقها، ولكن لها أن تحلف الزوج على تكذيبها، وان قال إذا حضتما فانتما طالقان، فان قالتا: حضنا فصدقهما طلقتا، وان كذبهما لم تطلق واحدة منهما، لان طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين. حيضها وحيض صاحبتها، ولا يقبل قول كل واحدة منهما الا في حيضها في حقها نفسها دون صاحبتها، ولم يوجد الشرطان. وان صدق احداهما وكذب الاخرى طلقت

المكذبة لانها غير مقبولة القول على صاحبتها ومقبولة القول في حق نفسها، وقد صدق الزوج صاحبتها فوجد الشرطان في طلاقها، فطلقت، والمصدقة مقبولة القول في حيضها في حق نفسها، وقد صدقها الزوج، وقول صاحبتها غير مقبول في حيضها في طلاقها ولم يوجد الشرطان في حقها فلم تطلق (الشرح) الاحكام: إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق، فقالت حضت فان صدقها الزوج وقع عليها الطلاق لانه اعترف بوجود شرط الطلاق، وان كذبها فالقول قولها مع يمينها، لان الحيض تستر به المرأة ولا يمكنها اقامه البينة عليه فكان القول قولها. وان قال لها ان حضت فضرتك طالق، فقالت حضت، فان صدقها وقع على ضرتها الطلاق، وان كذبها لم يقع الطلاق على ضرتها، والفرق بينهما ان في الاولة الحق لها فحلفت على اثبات حق نفسها. وههنا الحق لضرتها، والانسان لا يحلف لاثبات الحق لغيره فتبقى الخصومه بين الزوج والضرة، فان قالت الضرة قد حاضت، وقال الزوج لم تحض فالقول قول الزوج مع يمينه، لانه يساوى الضرة في الجهل بحيض الاخرى وللزوج ميزته عليها، لان الاصل بقاء الزوجية فكان القول قوله، والذى يقتضى المذهب أنه يحلف: ما يعلم أنها حاضت، لانه يحلف على نفى فعل غيره. وان قال لها: ان حضت فأنت وضرتك طالقان، فقالت حضت، فان صدقها طلقتا، وان كذبها حلفت ولم تطلق ضرتها لانها تحلف على اثبات حق نفسها ولا تحلف لاثبات حق ضرتها. وان ادعت عليه الضرة حلف لها على ما مضى، وان قال لهما: ان حضتما فأنتما طالقان، فان قالتا حضنا فصدقهما طاقتا، وان كذبهما لم تطلق واحدة منهما، لان طلاق كل واحدة معلق بحيضها وحيض صاحبتها، وقول كل واحدة منهما لا تقبل في حق غيرها فحلف لهما. وان صدق احداهما وكذب الاخرى طلقت المكذبه إذا حلفت دون المصدقة لانه قد اعترف بحيض المصدقه، والقول قول المكذبة مع يمينها في حيضتها في حق نفسها، فوجد الشرط في طلاقها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال لامرأتين إن حضتما حيضة فأنتما طالقان، ففيه وجهان (أحدهما) ان هذا الصفة لا تنعقد لانه يستحيل اجتماعهما في حيضة فبطل (والثانى) أنهما إذا حاضتا وقع الطلاق، لان الذى يستحيل هو قوله حيضه فيلغى لاستحالتها، ويبقى قوله إن حضتما، فيصير كما لو قال: إن حضتما فأنتما طالقتان، وقد بينا حكمه (فصل) وان قال لاربع نسوة: إن حضتن فأنتن طوالق، فقد علق طلاق كل واحدة منهن بأربع شرائط، وهى حيض الاربع. فإن قلن حضنا وصدقهن طلقن، لانه قد وجد حيض الاربع، وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن، لانه لم يثبت حيض الاربع، لان قول كل واحدة منهن لا يقبل إلا في حقها، وان صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لانه لم يوجد الشرط، وإن صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبة. لان قولها مقبول في حيضها في حق نفسها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الاربع في حقها فطلقت. ولا تطلق المصدقات لان قول كل واحدة منهن مقبول في حيضها في حقها، غير مقبول في حق صواحبها وقد بقيت واحدة منهن مكذبة فلم تطلق لاجلها. (فصل) وإن قال لهن: كلما حاضت واحدة منكن فصواحبها طوالق فقد جعل حيض كل واحدة منهن صفة اطلاق البواقى، فإن قلن حضنا فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا، لان لكل واحدة منهن ثلاث صواحب تطلق بحيض كل صاحبة طلقة، فطلقت كل واحدة منهن ثلاثا. وإن كذبن لم تطلق واحدة منهن، لان كل واحدة منهن - وإن قبل قولها في حقها - إلا أنه لا يقبل في حق غيرها. وان صدق واحدة منهن وقع على كل واحدة منهن طلقه، لان لكل واحدة منهن صاحبه ثبت حيضها، ولا يقع على المصدقه طلاق لانه ليس لها صاحبه ثبت حيضها. وان صدق اثنتين وقع على كل واحدة منهما طلقه، لان لكل واحدة منهما صاحبه ثبت حيضها، ويقع على كل واحدة من المكذبتين طلقتان، لان لكل

واحدة منهما صاحبتين ثبت حيضهما، فإن صدق ثلاثا وقع على كل واحدة منهن طلقتان، لان لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما ووقع على المكذبة ثلاث تطليقات لان لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن. (الشرح) إن قال لامرأتين: إن حضتما حيضه فأنتما طالقتان ففيه وجهان (أحدهما) لا تنعقد هذه الصفه، لانه يستحيل اشتراكهما في حيضه (والثانى) ينعقد وهو الاصح، وإذا حاضتا طلقتا، لان الذى يستحيل هو قوله حيضه فسقط وصار كما لو قال: ان حضتما فأنتما طالقتان، هكذا ذكر أصحابنا وذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايينى في التعليق أنه يقع عليهما الطلاق في الحال لانه علق الطلاق بشرط يستحيل وجوده، فألغى وقوع الطلاق في الحال كما لو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعه: أنت طالق للسنه أو للبدعه، فإنها تطلق في الحال. (فرع) وإن كان له أربع زوجات فقال لهن، ان حضتن فانتن طوالق، فقلن حضنا وصدقهن طلقن لوجود الصفة في حقهن. وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لانه علق طلاق كل واحدة بحيضهن، ولم توجد الصفه. وان صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحد منهن، وان صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبة إذا حلفت دون المصدقات لانه قد وجد حيض الاربعة في حقها، لانه قد صدق الثلاث، وقولها مقبول مع يمينها في حيضها في حق نفسها، ولا يطلقن لان حيض المكذبه لم يوجد في حقهن بل يحلف الزوج لهن. (فرع) وان كان له أربع زوجات فقال لهن: أيتكن حاضت فصواحبها طوالق، فقد علق طلاق كل واحدة بحيض صاحبتها: فإن قلن حضنا، فإن كذبهن حلف لهن ولم تطلق واحدة منهن، لان كل واحدة منهن لا تحلف لاثبات حق صاحبتها، إن صدقهن وقع على كل واحدة من المصدقات طلقه لانه ما ثبت لكل واحدة منهما الا صاحبة حاضت، ووقع على كل واحدة من المكذبات طلقتان، لان لها صاحبتين ثبت حيضهما. وان صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبه لان لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن وطلق كل واحدة من المصدقات كل واحدة

طلقتين، لان لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما، وإن كان له ثلاث نسوة فقال: أيتكن حاضت فصاحبتاها طالقتان، فإن قلنا حضنا فصدقهن طلقت كل واحدة طلقتين، وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن. وإن صدق واحدة وكذب اثنتين لم تطلق المصدقة وطلقت المكذبتان طلقه طلقه، وإن صدق اثنتين وكذب واحدة طلقت المكذبة طلقتين وطلقت المصدقتان طلقه طلقه لما ذكرناه في الاولة (فرع) قال أبو القاسم الصيمري: إذا قال لها إذا حضت يوم الجمعة فأنت طالق فابتدأها الحيض قبل الفجر، ثم أصبحت يوم الجمعة حائضا لم يقع عليها الطلاق. ولو بدأها الحيض بعد الفجر أو عند طلوع الشمس طلقت. ولو قالت لا أعلم أبدأ قبل الفجر أم بعده وقع الطلاق في الظاهر لانا على يقين من حصوله فإن قال لها: إذا حضت في نهار يوم الجمعة فأنت طالق، فحاضت بعد طلوع الشمس يوم الجمعة وقع عليها الطلاق. وإن حاضت بعد الفجر وقبل طلوع الشمس ففيه وجهان حكاهما الصيمري وإن قال: إذا رأيت دما فأنت طالق فحاضت أو استحيضت أو نفست وقع الطلاق. فإن قال: أنا أردت دما غير هذا الذى رأيته لا يقبل منه في الحكم لانه يدعى خلاف الظاهر ودين فيما بينه وبين الله تعالى. لانه يحتمل ما يدعيه، فلو رعفت أو حكت جرحا فخرج منه دم: قال الصيمري: الظاهر أن لا يقع عليها الطلاق، لان إطلاق الدم لا ينصرف الا إلى الحيض أو الاستحاضة والنفاس، قال وفيه احتمال. وإن قال لصغيرة: إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض. وان قال لها ان طهرت فأنت طالق لم تطلق حتى ترى النقاء بعد الحيض. لان حقيقة الطهر في الاطلاق، هذا وإن قال للآيسة إذا حضت فأنت طالق لم تطلق لان الصفة لا توجد. وأن قال لها: إن طهرت فأنت طالق. قال الصيمري لم تطلق، لان حقيقة ذلك أن تدخل في طهر بعد حيض، وهذا لا يوجد في حقها (مسألة) كل ما قررنا في الفروع من هذه متفق عليها بين الفقهاء إلا ما كان من تعليق طلاقه على حيضها، إذ لو بان أن الدم ليس بحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض بان أن الطلاق لم يقع، وبهذا قال الثوري وأحمد وأصحاب الرأى

قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روى عنه أنه يحنث حين تكلم به، وكذلك ما كان من قوله للحائض: إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأول الطهر، أعنى بانقطاع دم الحيض قبل الغسل، ونص على ذلك أحمد في رواية ابراهيم الحربى، إلا أن أبا بكر من أصحاب أحمد في كتابه التنبيه قال: انها لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان قال لامرأته: ان لم تكوني حاملا فأنت طالق، لم يجز وطؤها قبل الاستبراء، لان الاصل عدم الحمل ووقوع الطلاق، فإن لم يكن بها حمل طلقت. وان وضعت حملا لاقل من ستة أشهر من وقت عقد الطلاق لم تطلق لانا تيقنا أنها كانت حاملا عند العقد. وان وضعته لاكثر من أربع سنين طلقت طلقه لانا تيقنا أنها لم تكن حاملا عند العقد وان وضعته لما بين ستة أشهر وأربع سنين نظرت فإن لم يطأها الزوج في هذه المدة لم يقع الطلاق لانا حكمنا بأنها كانت حاملا عند العقد. وان كان وطئها نظرت. فإن وضعته لاقل من ستة أشهر من وقت والوطئ ولاكثر من ستة أشهر من وقت العقد لم يقع الطلاق لانا حكمنا أنها كانت حاملا وقت العقد وان وضعته لاكثر من ستة أشهر من وقت العقد والوطئ جميعا، فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنها تطلق لانه يجوز أن يكون قبل الوطئ. ويجوز أن يكون حدث من الوطئ. والظاهر أنه حدث من الوطئ. لان الاصل فيما قبل الوطئ لعدم. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنها لم تطلق لانه يحتمل أن يكون موجودا عند العقد، ويحتمل أن يكون حادثا من الوطئ بعده والاصل بقاء النكاح. وإن قال لها ان كنت حاملا فأنت طالق يحرم وطؤها قبل الاستبراء فيه وجهان (أحدهما) لا يحرم لان الاصل عدم الحمل وثبوت الاباحة (والثانى) يحرم لانه يجوز أن تكون حاملا فيحرم وطؤها، ويجوز أن

لا تكون حاملا فيحل وطؤها فغلب التحريم، فإن استبرأها ولم يظهر الحمل فهى على الزوجية، وان ظهر الحمل نظر، فإن وضعت لاقل من ستة أشهر من وقت عقد الطلاق حكم بوقوع الطلاق، لانا تيقنا أنها كانت حاملا وقت العقد. وان وضعته لاكثر من أربع سنين من وقت العقد لم تطلق، لانا علمنا أنها لم تكن حاملا، وان وضعته لاكثر من ستة أشهر ودون أربع سنين نظرت فان كان الزوج لم يطأها طلقت لانا حكمنا أنها كانت حاملا وقت العقد. وان وطئها نظرت فإن وضعته لدون ستة أشهر من وقت الوطئ وفع الطلاق. لانا حكمنا انها كانت حاملا وقت العقد. وان وضعته بعد ستة أشهر من بعد وطئه لم يقع الطلاق وجها واحدا لانه يجوز أن يكون موجودا وقت العقد ويجوز أن يكون حدث بعده فلا يجوز أن يوقع الطلاق بالشك واختلف أصحابنا في صفة الاستبراء ووقته وقدره، فذكر الشيخ أبو حامد الاسفراينى رحمه الله في الاستبراء في المسئلتين ثلاثة أوجه: أحدهما ثلاثة أقراء وهى أطهار، لانه استبراء حرة فكان بثلاثة أطهار. والثانى بطهر لان القصد براءة الرحم فلا يزاد على قرء. واستبراء الحرة لا يجوز الا بالطهر، فوجب أن يكون طهرا. والثالث أنه بحيضه لان القصد من هذا الاستبراء معرفة براءة الرحم. والذى يعرف به براءة الرحم الحيض. وهل يعتد بالاستبراء قبل عقد الطلاق؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يعتد لان الاستبراء لا يجوز أن يتقدم على سببه (والثانى) يعتد به لان القصد معرفة براءة الرحم. وذلك يحصل وان تقدم ومن أصحابنا من قال في المسألة الثانيه الاستبراء على ما ذكرناه. لان الاستبراء لاستباحة الوطئ. فأما في المسألة الاولى فلا يجوز الاستبراء بدون ثلاثة أطهار ولا يعتد بما وجد منه قبل الطلاق لانه استبراء حرة للطلاق فلا يجوز بما دون ثلاثة أطهار. ولا بما تقدم على الطلاق كالاستبراء في سائر المطلقات (الشرح) إذا قال لامرأته: ان لم تكوني حاملا فأنت طالق. وان كنت حاملا فأنت طالق حرم عليه وطؤها قبل أن يستبرئها. لان الاصل عدم الحمل

وبهذا قال أحمد وأصحابه. وبماذا يجب استبراؤها؟ فيه وجهان: أحدهما بثلاثة أقراء، لان الحرة تعتد بثلاثة أقراء كذا هذه. والثانى بقرؤ واحد لان براءة الرحم تعلم بذلك، فإذا قلنا يستبرئ بثلاثة أقراء كانت أطهارا. وإذا قلنا تستبرئ بقرؤ ففيه وجهان (أحدهما) أنه الطهر لان القرء عندنا الطهر (والثانى) أنه الحيض لان معرفة براءة الرحم لا تحصل إلا بالحيض، فإذا قلنا إنه الطهر. فإن كانت حائضا وطهرت وطعنت في الحيض الثاني حصل براءة الرحم. وان كانت طاهرا لم يكن بقية الطهر قرءا حتى يكمل الحيض بعده، لان بعض الطهر لا تحصل به معرفة البراءة فكمل بالحيضة بعده. وإذا قلنا إنه الحيض، فإن كانت حائضا لم يعتد ببقية الحيض، فإذا طهرت وأكملت الحيضة بعده حصل براءة رحمها. وان كانت طاهرا فمتى تكمل الحيضه؟ بعده؟ وهل يكفى استبراؤها قبل أن يطلقها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يكفى لان الاستبراء لا يعتد به قبل وجود سببه كالمشتراة (والثانى) يعتد به لان الغرض معرفة براءة رحمها. ولهذا لو كانت صغيرة وقع عليها الطلاق من غير استبراء. وذلك يحصل باستبرائها قبل الطلاق وإذا استبرأت بثلاثة أقراء أو بقرء - فان لم تظهر بها أمارات الحمل - حكم بوقوع الطلاق حين حلف، فان كانت استبرأت بثلاثة أقراء بعد اليمين فقد انقضت عدتها. وان استبرأت بقرء فقد بقى عليها من العدة قرءان، وان ظهر بها الحمل نظرت، فان وضعت لدون ستة أشهر من حين حلف لم يقع الطلاق، فان وضعته لاكثر من اربع سنين من حين حلف حكمنا بأنها كانت حائلا وأن الطلاق وقع عليها، وإن وضعته لستة أشهر فما زاد إلى تمام أربع سنين بأن لم يطأها الزوج بعد الطلاق حكمنا بأن الحمل كان موجودا حين اليمين وان الطلاق لم يقع، وإن كان الزوج قد راجعها بعد الطلاق ووطئها نظرت، فان وضعته لدون ستة أشهر من حين الوطئ علمنا أن الحمل كان موجودا حين حلف وأن الطلاق لم يقع. وان وضعته لستة أشهر فما زاد من وقت الوطئ، ففيه وجهان: قال أبو إسحق: يقع عليها الطلاق، لان الاصل عدم الحمل وقت اليمين. وقال أبو على ابن أبى هريرة: لا يقع عليها الطلاق لانه يحتمل أنه كان موجودا وقت اليمين.

ويحتمل أنه حدث من الوطئ، والاصل بقاء النكاح وعدم الطلاق فلا تبطل دلالة اليقين بالشك، وقد رد العمرانى قول أبى هريرة بأن هذا ليس بصحيح لانه ظهر لنا عدمه قبل الوطئ بدلالة وقد نص الامام أحمد أنه ان قال: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت، وإن أتت بولد لاقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لاقل من أربع سنين ولم يكن يطؤها لم تطلق، لانا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد. وان قال: ان كنت حاملا فأنت طالق، فهى عكس المسألة قبلها ففى الموضع الذى يقع الطلاق هناك لا يقع ههنا، وفى الموضع الذى لا يقع هناك يقع ههنا، إلا أنها إذا أتت بولد لاكثر من ستة أشهر من حين وطئ الزوج بعد اليمين ولاقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق وأن النكاح باق، والظاهر حدوث الولد بعد الوطئ لان الاصل عدمه قبله، ولا يحل له الوطئ حتى يستبرئها. هكذا نص أحمد كما أفاده ابن قدامة في مغنيه (فرع) فأما إذا قال لها: ان كنت حاملا فأنت طالق، فعليه أن يستبرئها لانا لا نعلم الحمل وعدمه الا بالاستبراء، وفى كيفية الاستبراء ووقته ما ذكرناه في الاولة. وهل يحرم عليه وطؤها قبل أن يعلم براءة رحمها بالاستبراء؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يحرم لان الاصل عدم الحمل وثبوت الاباحة (والثانى) يحرم لانه يجوز أن تكون حاملا فيحرم وطؤها. ويجوز أن تكون حاملا فيحل وطؤها فغلب التحريم - فإن استبرأت ولم يظهر بها الحمل - علمنا أنها كانت حائلا وقت الحلف ولم يقع عليها الطلاق. وإن ظهر بها الحمل فظرت. فإن وضعته لاقل من ستة أشهر من حين حلف الطلاق - علمنا أنها كانت حاملا وقت اليمين وأن الطلاق وقع عليها. وإن وضعته لاكثر من أربع سنين من وقت اليمين علمنا أنها كانت حاملا حين اليمين وأن الطلاق لم يقع عليها، وإن وضعته لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين أو ما دونها من حين اليمين، فإن لم يطأها الزوج بعد اليمين، فإن وضعته لدون ستة أشهر من وقت الوطئ حكمنا بوقوع الطلاق لانا لا نعلم أنه كان موجودا حين

اليمين، وان وضعته لستة أشهر فما زاد من وقت الوطئ لم يقع الطلاق وجها واحدا، لانه يجوز أن يكون موجودا حال اليمين، ويجوز أن يكون حدث من الوطئ فلا يقع الطلاق بالشك. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) إذا قال لامرأته: ان ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا طلقت حيا كان أو ميتا، لان اسم الولد يقع على الجميع، فان ولدت آخر لم تطلق لان اللفط لا يقتضى التكرار. وإن قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين من حمل، واحدا بعد واحد، طلقت بالاول ولم تطلق بالثاني. وان ولدت ثلاثة أولاد واحدا بعد واحد طلقت بالاول طلقة وبالثانى طلقه ولا يقع بالثالث شئ. وحكى أبو على بن خيران عن الاملاء قولا آخر أنه يقع بالثالث طلقه أخرى، والصحيح هو الاول، لان العدة انقضت بالولد الاخير فوجدت الصفة وهى بائن فلم يقع بها طلاق، كما لو قال: إذا مت فأنت طالق، وان ولدت ثلاثة دفعه واحدة طلقت ثلاثا: لان صفة الثلاث قد وجدت وهو زوجة فوقع، كما لو قال: ان كلمت زيدا فأنت طالق، وان كلمت عمرا فأنت طالق، وان كلمت بكرا فأنت طالق، فكلمتهم دفعة واحدة طلقت ثلاثا وان قال: ولدت ذكرا فأنت طالق طلقه واحدة. وان ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فوضعت ذكرا وأنثى دفعة واحدة طلقت ثلاثا. وان وضعت أحدهما بعد الآخر وقع بالاول ما علق عليه ولم يقع بالثاني شئ لبينونتها بانقضاء العدة وهذا ظاهر. وان لم تعلم كيف وضعتهما طلقت طلقة لانها يقين، والورع أن يلتزم الثلاث. وإن قال: يا حفصة ان كان أول ما تلدين ذكرا فعمرة طالق، وان كان أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرا وأنثى دفعة واحدة لم تطلق واحدة منهما لانه ليس فيهما أول: وان قال ان كان في بطنك ذكر فأنت طالق طلقه، وان كان في بطنك أنثى فأنت طالق طلقتين فوضعت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا لاجتماع الصفتين

وإن قال: إن كان حملك أو ما في بطنك ذكرا فأنت طالق، فوضعت ذكرا وأنثى لم تطلق، لان الصفة أن يكون جميع ما في البطن ذكرا ولم يوجد ذلك. (الشرح) الاحكام. قوله: إذا قال لامرأته: إن ولدت ولدا فأنت طالق الخ فجملة ذلك أنه إذا قال لها ذلك فولدت ولدا حيا كان أو ميتا وقع عليها الطلاق لوقوع اسم الولد عليه، فإن قالت ولدت فصدقها الزوج أو كذبها فأقامت عليه بينة حكم عليه بوقوع الطلاق. والذى يقتضى المذهب انها إذا أقامت أربع نسوة على الولادة وقع عليها الطلاق ويثبت النسب بذلك. وان ولدت آخر لم تطلق به لان قوله لا يقتضى التكرار وإن قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد واحدا بعد واحد، بين كل ولدين دون ستة أشهر، طلقت بالاول طلقة، وطلقت بالثاني طلقة لانها رجعية عند وضع الثاني، والرجعية يلحقها الطلاق، وكل ما يقتضى التكرار، فإذا ولدت الثالث لم يقع به طلاق وحكى أبو على بن خيران أن الشافعي قال في بعض أماليه القديمة: إنها تطلق به طلقه ثالثة، وأنكر أصحابنا هذا وقالوا: لا نعرف هذا للشافعي في قديم ولا جديد، لان عدتها تنقضي بوضع الثالث، فتوجد الصفة وهى ليست بزوجته. فلم يقع عليها طلاق، كما لو قال لها: إذا مت فأنت طالق فمات فإنها لا تطلق، وتأولوا هذه الحكاية على أنه راجعها بعد ولادة الثاني فولدت الثالث وهى زوجة وان ولدت أربعة واحدا بعد واحد من حمل طلقت بالاول طلقة، وبالثانى طلقة وبالثالث طلقه، وبانت وانقضت عدتها بوضع الرابع وان وضعت الثلاثة دفعة واحدة طلقت الثلاث، لان الصفات وجدت وهى زوجة، وان وضعت الثاني لستة أشهر فما زاد من وضع الاول طلقت بالاول طلقه ولم تطلق بالثاني ولا بالثالث، لانها من حمل آخر، وان ولدت ولدين واحدا بعد الآخر من حمل واحد طلقت بالاول طلقه وانقضت عدتها بوضع الثاني، ولم تطلق به إلا على الحكاية التى حكاها ابن خيران، وان وضعتها دفعة واحدة طلقت بوصفها طلقتين

(فرع) وان قال لها: ان ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، وان ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت ذكرا طلقت واحدة واعتدت بالاقراء، وان ولدت أنثى طلقت طلقتين واعتدت بالاقراء، وان ولدت ذكرا وأنثى دفعه واحدة طلقت ثلاثا لوجود الصفتين واعتدت بالاقراء، وان ولدت الذكر أولا ثم ولدت الانثى بعده وبينهما أقل من ستة أشهر طلقت لولادة الذكر طلقة وانقضت عدتها بوضع الانثى ولم تطلق بولادتها إلا على الحكايه التى حكاها ابن خيران، وان ولدت الانثى أولا ثم ولدت الذكر بعده من حمل واحد طلقت بولادة الانثى طلقتين وانقضت عدتها بولادة الذكر ولا تطلق به الا على ما حكاه ابن خيران. وان ولدتهما واحدا بعد واحد ولم يعلم السابق منهما طلقت واحدة لانه هو اليقين وما زاد مشكوك فيه، والورع يقتضيه أن يلتزم اثنتين، وان لم يعلم هل وضعتهما معا أو واحدا بعد واحد؟ لم تطلق الا واحدة لانه يقين، والورع أن يلتزم الثلاث لجواز أن تكون ولدتهما معا وإن ولدت ذكرا وأنثيين من حمل واحد نظرت فإن ولدت الذكر أولا ثم أنثى ثم أنثى طلقت بولادة الذكر طلقة وبالانثى طلقتين وبانت وانقضت عدتها بوضع الثانية وان ولدت أولا أنثى ثم الذكر ثم الانثى، طلقت بالانثى الاولة طلقتين وبالذكر طلقه وبانت وانقضت عدتها بوضع الثالثة وان ولدت الانثيين أولا واحدة بعد واحدة ثم الذكر بعدهما طلقت بالاولة طلقتين ولم تطلق بالانثى الثانية لئلا يقتضى التكرار، وانقضت عدتها بوضع الذكر، ولا تطلق به على المذهب الا على ما حكاه ابن خيران وإن ولدت الذكر أولا ثم ولدت الانثيين بعده دفعة واحدة طلقت بالذكر طلقة وانقضت عدتها بوضع الانثيين ولا تطلق بهما على المذهب، وان ولدت الذكر وأنثى بعده دفعة واحدة ثم ولدت الانثى بعدهما طلقت بوضع الانثى والذكر ثلاثا وانقضت عدتها بوضع الثانيه، بهذا كله قال أحمد وأصحابه وأبو ثور وأصحاب الرأى. (فرع) وإن قال لامرأته: ان كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق، وان كان أنثى فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت ذكرا وأنثى نظرت فإن ولدت الذكر

أولا طلقت طلقه. فإذا ولدت الانثى بعده انقضت عدتها بولادتها ولا تطلق بولادتها، وإن ولدت الانثى أولا طلقت بها طلقتين وانقضت عدتها بولادة الذكر ولا تطلق به، وإن أشكل الاول منهما طلقت واحدة لانها يقين وما زاد مشكوك فيه. وإن ولدتهما معا لم تطلق لانه ليس فيهما أول وإن قال: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق طلقه، وإن كان آخر ولد تلدينه جارية فأنت طالق ثلاثا فولدت غلاما وجاريه من حمل واحد. واحدا بعد الآخر - فإن ولدت الغلام أولا - طلقت طلقة، لان الاسم الاول يقع عليه وانقضت عدتها بولادة الجارية، ولا يقع عليها طلاق بولادتها وإن ولدت الجارية أولا ثم الغلام بعدها لم تطلق، لانه لا يقال لها آخر الا إذا كان قبلها أول. وإذا ولدت الغلام بعدها لم تطلق لانه ليس بأول. وان ولدت ولدا واحدا لا يمين. قال ابن الحداد: فإن كان غلاما وقع عليها طلقه، لان اسم الاول واقع عليه، وإن كان جارية لم يقع عليها شئ لان اسم الآخر لا يقع عليها، لان الآخر يقتضى أن يكون قبله أول. ولا يقتضى الاول أن يكون بعده آخر. قال القاضى أبو الطيب: ينبغى أن يقال في الغلام مثله، لانه لما لم يقع اسم الآخر إلا لما قبله أولا، فكذلك لا يقع اسم الاول إلا لما بعده آخر. (فرع) وإن قال لها: إن ولدت ولدا فأنت طالق، وإن ولدت غلاما فأنت طالق، فإن ولدت أنثى طلقت طلقة لانه يقع عليها اسم الولد. وإن ولدت غلاما طلقت طلقتين لانه توجد فيه الصفتان وهما ولد والغلام، كما لو قال لها: إن كلمت رجلا فأنت طالق، وإن كلمت شيوعيا فأنت طالق، فكلمت رحلا شيوعيا طلقت طلقتين. (فرع) وان قال لها: ان كان في جوفك ذكر فأنت طالق طلقه، وان كان في جوفك أنثى فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت ذكرا طلقت طلقه من حين حلف وانقضت عدتها بوضع الغلام، وان ولدت أنثى طلقت طلقتين حين حلف وانقضت عدتها بالولادة، وان ولدت ذكرا وأنثى من حمل واحد طلقت ثلاثا لوجود الصفتين، سواء ولدتهما واحدا بعد واحد أو ولدتهما معا لان الصفة أن

ما في جوفها وينبغى أن يقال انها تطلق إذا ولدت لدون ستة أشهر من حين عقد الصفة، سواء وطئها أو لم يطأها. وان ولدت لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين من حين اليمين نظرت - فإن لم يطأها بعد اليمين - طلقت، وان وطئها بعد اليمين - فان ولدت لستة أشهر فما زاد من وقت الوطئ - لم تطلق لجواز أن يكون الولد حدث من الوطئ بعد اليمين، فلم يكن في جوفها وقت اليمين. وان ولدت لدون ستة أشهر من وقت الوطئ طلقت لانا تيقنا أنه لم يحدث من الوطئ بعد اليمين. وان قال لها: ان كان ما في جوفك أو حملك ذكرا فأنت طالق طلقة، وان كان أنثى فأنت طالق طلقتين فولدت لاقل من ستة أشهر من وقت اليمين أو لستة أشهر فما زاد ولم يطئها أو وطئها بعد اليمين وولدته لاقل من ستة أشهر من حين الوطئ نظرت فإن ولدت ذكرا طلقت طلقه حين العقد وانقضت عدتها بولادته وان ولدت أنثى من حمل واحد لم تطلق سواء ولدت أحدهما بعد الاخر أو ولدتهما معا، لانه شرط أن يكون ما في جوفها أو جميع حملها ذكرا أو جميع حملها أنثى ولم يوجد ذلك فلم تطلق (فرع) وان قال لها: ان كنت حاملا بغلام فأنت طالق طلقه، وان ولدت جاريه فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت غلاما طلقت طلقه حين عقد الصفه وانقضت عدتها بوضع الغلام. وان ودلت جاريه لا غير طلقت طلقتان بولادتها واعتدت بثلاثة أقراء، وان ولدت غلاما وجاريه من حمل واحد نظرت، فإن ولدت الغلام أولا ثم الجارية بعده، تبينا أنه وقع عليها طلقه حين عقد الصفه. وانقضت عدتها بولادة الجارية ولا يقع عليها طلاق بولادة الجارية لان الصفه وجدت وهى غير زوجه، الا على حكاية ابن خيران وان ولدت الجارية ثم الغلام بعدها تبينا أنه وقع عليها طلقه حين عقد الصفه لكونها حاملا بغلام ووقع عليها طلقتان بولادة الجارية وانقضت عدتها بولادة الغلام. وهكذا الحكم إذا ولدتهما معا. وان ولدت أحدهما بعد الاخر ونسى الاول منهما طلقت طلقه لانها يقين. وما زاد مشكوك فيه فلم يقع

(فرع) قال ابن الحداد: إذا قال لها: كلما ولدت فأنت طالق للسنة فولدت ولدا وبقى في بطنها آخر طلقت بالاول طلقة لانها حامل بعد ولادة الاول ولا سنة في طلاقها ولا بدعة، لان عدتها تنقضي بوضع الولد الثاني، فإن لم يراجعها قبل وضع الولد الثاني لم تطلق بولادة الثاني، لان عدتها تنقضي بولادته، فإن راجعها قبل ولادة الثاني لم تطلق حتى تطهر من نفاسها. وإن قال لها: إن ولدت فأنت طالق فخرج بعض الولد ومات أحد الزوجين قبل استكمال خروج الولد لم تطلق، لانه بخروج بعض الولد لا يقال ولدت، بخلاف ما لو علق الطلاق على الحيض، فإنها تطلق برؤية الدم، لانه يقال لها: حاضت. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا قال للمدخول بها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وقعت طلقتان، إحداهما بقوله أنت طالق والاخرى بوجود الصفة، وإن قال لم أرد بقولى إذا طلقتك فأنت طالق عقد الطلاق بالصفة، وإنما أردت أنى إذا طلقتك تطلقين بما أوقع عليك من الطلاق لم يقبل قوله في الحكم لان الظاهر انه عقد طلاقا على صفة ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لانه يحتمل ما يدعيه وإن قال: ان طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت الدار وقعت طلقتان إحداهما بدخول الدار والاخرى بوجود الصفة، لان الصفة أن يطلقها، وان علق طلاقها بدخول الدار فدخلت فقد طلقها. وان قال لها مبتدئا: ان دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فدخلت الدار وقعت طلقه بدخول الدار ولا تطلق بقوله إذا طلقتك فأنت طالق لان هذا يقتضى ابتداء إيقاع بعد عقد الصفه، وما وقع بدخول الدار ليس بابتداء ايقاع بعد عقد الصفه، وانما هو وقوع بالصفة السابقة لعقد الطلاق، فإن قال ان طلقتك فأنت طالق، ثم وكل من يطلقها فطلقها وقعت الطلقه التى أوقعها الوكيل ولا يقع ما عقده على الصفه، لان الصفه أن يطلقها بنفسه. وان قال إذا أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق ثم قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق

فدخلت فقد قال بعض أصحابنا انها تطلق طلقه بدخول الدار ولا تطلق بقوله إذا أوقعت عليك، لان قوله إذا أوقعت عليك يقتضى طلاقا يباشر ايقاعه، وما يقع بدخول الدار يقع حكما قال الشيخ الامام: وعندي أنه يقع طلقتان. احداهما بدخول الدار والاخرى بالصفة. كما قلنا فيمن قال: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار. وان قال كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق طلقت طلقتين. احداهما بقوله أنت طالق والاخرى بوجود الصفه ولا تقع الثالثه بوقوع الثانيه لان الصفه ايقاع الطلاق والصفه لم تتكرر فلم يتكرر الطلاق (فصل) وان قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق وقعت طلقتان، طلقه بقوله أنت طالق وطلقه بوجود الصفه. وان قال لها بعد هذا العقد أو قبله: ان دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار طلقت طلقتين طلقه بدخول الدار وطلقه بوجود الصفه، وان وكل وكيلا بعد هذا العقد في طلاقها فطلقها ففيه وجهان: (أحدهما) يقع ما أوقعه الوكيل ولا يقع ما علقه بالصفة كما قلنا فيمن قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم وكل من يطلق (والثانى) أنه يقع طلقتان، طلقه بإيقاع الوكيل وطلقه بالصفة، لان الصفه وقوع طلاق الزوج، وما وقع بإيقاع الوكيل هو طلاق الزوج. وان قال إذا طلقتك فأنت طالق وإذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق وقع الثلاث طلقه بقوله أنت طالق وطلقتان بالصفتين، وان قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم أوقع عليها طلقه بالمباشرة أو نصفه عقدها قبل هذا العقد أو بعده طلقت ثلاثا واحدة بعد واحدة، لان بالطلقه الاولى توجد صفة الطلقه الثانيه وبالثانية توجد صفة الطلقه الثالثه (الشرح) الاحكام: إذا قال لها: إذا وقع عليك الطلاق فأنت طالق ثم قال: أنت طالق وقع عليها طلقتان، طلقه بالمباشرة وطلقه بالصفة. وهكذا

لو قال لها بعد عقد الصفة أو قبلها: إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وقع عليها طلقتان بخلاف ما لو قال ان دخلت الدار فأنت طالق ثم قال لها بعد ذلك إذا طلقتك فأنت طالق، ثم دخلت الدار، فإنها لا تطلق إلا طلقة، لان الصفه ههنا وقوع طلاقه، وقد وجد، وفى تلك الصفة إحداثه الطلاق ولم يوجد. وإن قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم دخلت الدار وقع عليها طلقة بدخول الدار ولا تطلق بقوله: إذا طلقتك فأنت طالق، لان معنى قوله: طلقتك أي إذا أحدثت طلاقك، وعقد الطلاق بدخول الدار كان سابقا لهذا. وان قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم وكل من يطلقها وقع عليها ما أوقعه الوكيل لا غير، ولا تطلق بالصفة لانه لم يطلقها، وان قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق ثم أعاد هذا القول لم تطلق، لان تعليق الطلاق ليس بشرط. وان قال لها: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم وكل من يطلقها، ففيه وجهان (أحدهما) يقع عليها ما أوقعه الوكيل لا غير، كما قلنا في قوله: إذا طلقتك فأنت طالق (والثانى) يقع عليها طلقتان، طلقة بايقاع الوكيل، وطلقه بالصفة، لان الصفة وقوع طلاق الزوج، وما أوقعه الوكيل هو طلاق الزوج. وان قال لها: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، وإذا طلقتك فأنت طالق، فانه لا يقع بهذا طلاق لانهما تعليقان للطلاق، فان أوقع عليها بعد ذلك طلقة بالمباشرة أو بالصفة وقع عليها ثلاث طلقات، طلقه بايقاعه وطلقتان بالصفتين وان قال لها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم أوقع عليها طلقة بالمباشرة أو بصفة عقدها بعد هذا القول أو قبله وقع عليها ثلاث طلقات لان " كلما " تقتضي التكرار فإذا أوقع عليها طلقه اقتضى وقوعها وقوع طلقه ثانيه واقتضى وقوع الثانيه وقوع الثالثه. وان قال لها كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وقع عليها طلقه بالمباشرة وطلقه بالصفة ولا تقع عليها الثالثه بوقوع الثانيه. لان الصفه ايقاع الطلاق، والصفه لم تكرر فلم يتكرر الطلاق. قال ابن الصباغ: وهكذا إذا قال: كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق

ثم قال لها أنت طالق وقع عليها طلقتان ولا تقع الثالثة لما ذكرناه. وإن قال: كلما أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق ثم قال لها: أنت طالق وقع عليها طلقتان طلقة بالمباشرة وطلقة بالصفة ولا تقع الثالثة بوقوع الثانية لانه لم يوقع الثانية، وإنما وقعت حكما. وإن قال: إذا أوقعت عليك أو كلما أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق، ثم قال لها بعد ذلك: ان دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار وقع عليها طلقه بدخول الدار، وهل تقع عليها طلقة بالصفة الاولة؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو حامد والمحاملى: لا يقع عليها لان الصفة إن وقع عليها الطلاق ولم يوقع هذه الطلقه وإنما وقعت بالصفة فلم يوجد شرط الثانية. وقال الشيخ أبو إسحاق وابن الصباغ: تقع الثانية لان الصفة توقع الطلاق عليها، وإذا علق الطلاق بصفة فوجدت الصفة فهو الموقع للطلاق كما قلنا فيه: إذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق (فرع) ان كان له زوجتان حفصة وزينب، فقال لزينب كلما طلقت حفصة فأنت طالق وقال لحفصة كلما طلقت زينب فأنت طالق فقد جعل طلاق كل واحدة منهما صفة للاخرى وعقد صفة طلاق زينب أولا فينظر فيه، فإن بدأ وقال لزينب أنت طالق وقع عليها طلقه بالمباشرة ويقع على حفصة بهذه الطلقه طلقه بالصفة وبوقوع هذه الطلقه على حفصه تقع طلقه ثانيه على زينب بالصفة لان حفصه بهذه الطلقه طلقت بصفة تأخرت عن عقد صفة طلاق زينب فهو محدث لطلاقها فصار كما قلنا فيه: إذا قال لها كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها بعد ذلك: ان دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت الدار وقع عليها طلقه بدخول الدار وأخرى بوجود الصفه، لانه قد أحدث طلاقها بعد أن عقدت لها الصفه. وان كان أحدثه بصفة لا بمباشرة وإن بدأ فقال لحفصه: أنت طالق وقع عليها طلقه بالمباشرة، وبوقوع هذه الطلقه على حفصه تقع طلقه على زينب بالصفة ولا يعود الطلاق إلى حفصه لانه ما أحدث طلاق زينب بعد عقد صفة طلاق حفصه، وإنما هذه الصفه سابقه لصفة طلاق حفصه فهو كما قلنا فيه: إذا قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق،

ثم قال بعد ذلك: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم دخلت الدار لم تطلق الا واحدة بدخول الدار. وإن قال لزينب: إذا طلقتك فحفصه طالق، ثم قال لحفصه: إذا طلقتك فزينب طالق، فان بدأ وقال لزينب أنت طالق وقع عليها طلقه بالمباشرة وبوقوع هذه الطلقه على زينب تطلق حفصه طلقه بالصفة، وبوقوع هذه الطلقه على حفصه لا يعود الطلاق على زينب، لانه ما وجد شرط وقوعها، لان قوله لحفصه: إذا طلقتك فزينب طالق، معناه إذا أحدثت طلاقك ولم يحدث طلاقها بعد هذا العقد، وانما طلقتك بالصفة السابقة، فهو كما قلنا فيه: إذا قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال لها: إذا طلقت فأنت طالق ثم دخلت الدار فانها تطلق طلقه بدخول الدار لا غير. وان بدأ فقال لحفصه: إذا طلقت زينب أنت طالق طلقت حفصه بالمباشرة وبوقوع هذه الطلقه بقع على زينب طلقه بالصفة، وبوقوع هذه الطلقه على زينب تقع على حفصه طلقه بائنه بالصفة، لانه قال لزينب إذا طلقتك فحفصه طالق، قيل ان قال لحفصه: إذا طلقتك فزينب طالق فهو كما قلنا فيه: إذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق ثم دخلت الدار وقع عليها طلقتان، طلقه بدخول الدار وطلقه بوجود الصفه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال لغير المدخول بها إذا طلقتك فأنت طالق أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فوقعت عليها طلقه بالمباشرة أو بالصفة لم يقع غيرها لانها تبين بها فلم يلحقها ما بعدها (فصل) وان قال متى لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فهو على الفور، فإذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فيه فلم يطلق وقع الطلاق. وان قال: ان لم أطلقك فأنت طالق فالمنصوص أنه على التراخي ولا يقع به الطلاق الا عند فوات الطلاق وهو عند موت أحدهما وإن قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق فالمنصوص أنه على الفور، فإذا مضى

زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق وقع الطلاق، فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى فجعلهما على قولين، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فجعل قوله إن لم أطلقك على التراخي، وجعل قوله إذا لم أطلقك على الفور، وهو الصحيح، لان قوله إذا اسم لزمان مستقبل، ومعناه أي وقت ولهذا يجاب به عن السؤال عن الوقت فيقال متى ألقاك؟ فتقول إذا شئت كما تقول أي وقت شئت فكان على الفور، كما لو قال أي وقت لم أطلقك فأنت طالق وليس كذلك (إن) فإنه لا يستعمل في الزمان، ولهذا لا يجوز أن يقال متى ألقاك، فتقول إن شئت وإنما يستعمل في الفعل ويجاب بها عن السؤال عن الفعل فيقال هل ألقاك فنقول ان شئت فيصير معناه ان فاتني أن أطلقك فأنت طالق، والفوات يكون في آخر العمر. وإن قال لها كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى ثلاثة أوقات لم تطلق فيها وقع عليها ثلاث طلقات واحدة بعد واحدة، لان معناه كلما سكت عن طلاقك فأنت طالق، وقد سكت ثلاث سكنات (الشرح) الاحكام: إذا كان له امرأة غير مدخول بها. فقال لها: إذا طلقتك فأنت طالق، أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، أو كلما أوقعت عليك الطلاق أو كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها بعد ذلك أنت طالق لم يقع عليها الا الطلقة التى أوقعها لانها بائنة بها، والبائن لا يلحقها طلاق. وان قال لها: ان دخلت الدار فأنت طالق وطالق، فدخلت الدار فقيه وجهان حكماهما العمرانى عن القاضى أبى الطيب (أحدهما) يقع طلقتان لانهما يقعان بالدخول من غير ترتيب (والثانى) لا يقع الا واحدة، كما إذا قال لها أنت طالق وطالق. قال القاضى أبو الطيب: ويحتمل أن يكون هذا الوجه على قول من قال من أصحابنا ان الواو للترتيب: والاول أصح (مسألة) قوله: وان قال متى لم أطلقك الخ، فقد قال الشافعي رضى الله عنه ولو قال أنت طالق إذا لم أطلقك أو متى لم أطلقك فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق طلقت. قال في البيان: وجملة ذلك أن الحروف التى تستعمل في الطلاق المعلق

بالصفات سبعة: ان، وإذا، ومتى، ومتى ما، وأى وقت، وأى حين، وأى زمان. وإذا استعملت في الطلاق فله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يستعمل في الطلاق متجردا عن العوض وعن كلمة لم (والثانى) أن تستعمل فيه مع العوض (الثالث) أن يستعمل فيه كلمة لم، فإن استعملت في الطلاق متجردا عن العوض وعن كلمة لم مثل ان قال: ان دخلت الدار فأنت طالق، أو إذا دخلت الدار أو متى أو متى ما دخلت أو أي وقت دخلت أو أي حين دخلت أو أي زمان دخلت فجميع هذا لا يقتضى الفور، بل أي وقت دخلت الدار طلقت، لان ذلك يقتضى دخولها الدار، فأى وقت دخلت الدار فقد وجد الشرط اه. وان استعملت في الطلاق مع العوض بأن قال: ان أعطيتني أو ان ضمنت لى ألفا فأنت طالق، فإن خمسة أحرف منها لا تقتضي الفور، بل هي على التراخي بلا خلاف على المذهب، وهى متى ومتى ما وأى حين وأى وقت وأى زمان ويمكن أن يدخل فيها أيما وحرف منها يقتضى الفور على المذهب بلا خلاف وهو ان، وحرف منها اختلف أصحابنا فيه وهو إذا، فعند أكثر أصحابنا هو على الفور. وعند الشيخ أبى اسحاق لا يقتضى الفور، وقد أو فينا ذلك في الخلع وان استعملت في الطلاق مع كلمة لم فلا خلاف على المذهب أن خمسة أحرف منها على الفور، وهى متى ومتى ما وأى حين وأى وقت وأى زمان. فإذا قال متى لم تعطنى ألفا فأنت طالق. أو متى لم أطلقك أو متى لم تدخلي الدار فأنت طالق. وما أشبهه من الصفات. فان أعطته ألفا على الفور بحيث يصلح أن يكون جوابا لكلامه أو دخلت الدار فقد بر في يمينه ولا تطلق، وهكذا إذا قال: متى لم أطلقك فطلقها على الفور فقد بر في يمينه ولا يقع عليها الا ما أوقعه وان تأخرت العطية أو دخول الدار أو الطلاق عن ذلك وقع عليها الطلاق لان تقديره أي زمان عقدت فيه العطيه أو الدخول أو الطلاق فأنت طالق. فإذا مضى زمان يمكن ايجاد هذه الصفة ولم توجد فقد وجد شرط وقوع الطلاق المعلق بذلك فوقع.

وأما حروف إن وإذا فقد نص الشافعي أن إذا على الفور كالحروف الخمسة وأن حرف إن لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، فمن أصحابنا من عسر عليه الفرق بينهما، فقال: لا فرق بينهما، ولهذا إذا كان معهما العوض كانا على الفور فنقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين، ومنهم من حملهما على ظاهرهما، وجعل إذا على الفور، وإن على التراخي، وفرق بينهما بأن حرف إذا يستعمل فيما يتحقق وجوده، وحرف إن يستعمل فيما يشك بوجوده، بدليل أنه يقال: إذا طلعت الشمس، ولهذا قال تعالى " إذا السماء انشقت " ولا يقال: إن طلعت الشمس، ويقال: إن قدم زيد، فجاز أن يكون إذا على الفور، وإن على التراخي، فإذا قلنا بهذا وقال لها: إذا لم أطلقك فأنت طالق، أو إذا لم تدخلي الدار فأنت طالق، فإذا مضى بعد قوله زمان يمكنه أن يقول فيه: أنت طالق، ولم يطلق أو مضى زمان يمكنها فيه دخول الدار ولم تدخل الدار، وقع عليها الطلاق. وإن قال لها: إن لم أطلقك أو لم تدخلي الدار فأنت طالق، فانها لا تطلق إلا إذا فات الطلاق أو الدخول، وذلك بآخر جزء من أجزاء حياة الميت الاول منهما، وان قال لها: كلما لا أطلقك فأنت طالق فمضى بعد هذا ثلاثة أوقات يمكنه أن يطلق فيها فلم يطلق طلقت ثلاثا، لان كلما تقتضي التكرار، لان تقديره كلما سكت عن طلاقك فأنت طالق، وقد سكت ثلاثه أوقات فطلقت ثلاثا. (فرع) وان كان له أربع زوجات فقال لهن: أيتكن لم أطاها اليوم فصواحبها طوالق، فان ذهب اليوم ولم يطأ واحدة منهن طلقن ثلاثا ثلاثا، لان لكل واحدة منهن ثلاث صواحب لم يطأهن، وتطلق كل واحدة من الثلاث اللاتى لم يطاهن طلقة، لان لها صاحبتين لم يطأهما، وان وطئ اثنتين في اليوم طلقت كل واحدة من الموطوءتين طلقتين لان لهما صاحبتين لم يطأهما، وتطلق كل واحدة من التى لم يطاها طلقة لانه ليس لها الا صاحبة لم يطأها، وان وطئ ثلاثا منهن في اليوم طلقت كل واحدة من الثلاث اللاتى وطئهن طلقة، لانه ليس لهن الا صاحبة لم يطأها ولا تطلق الرابعة لانه ليس لها صاحبة غير موطوءة

وان وطئهن كلهن في اليوم انحلت الصفة ولم تطلق واحدة منهن. وان قال لهن أيتكن لم أطأها فصواحبها طوالق، ولم يقل اليوم كان ذلك للتراخي، فان مات قبل أن يطأ واحدة منهن طلقن ثلاثا ثلاثا، وان ماتت واحدة منهن قبل أن يطأها طلقن الباقيات طلقة طلقة، ولم تطلق هي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فصل) وان قال: ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها ان خرجت أو ان لم تخرجي أو ان لم يكن هذا كما قلت فأنت طالق طلقت لانه حلف بطلاقها، وان قال ان طلعت الشمس أو ان جاء الحاج فأنت طالق لم يقع الطلاق حتى تطلع الشمس أو يجئ الحاج لان اليمين ما قصد بها المنع من فعل أو الحث على فعل أو التصديق على فعل وليس في طلوع الشمس ومجئ الحاج منع ولا حث ولا تصديق، وانما هو صفة للطلاق، فإذا وجدوت وقع الطلاق بوجود الصفة وان قال لها: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاد هذا القول وقعت طلقة لانه حلف بطلاقها، فان أعاد ثالثا وقعت طلقة ثانية، وان أعاد رابعا وقعت طلقة ثالثة، لان كل مرة توجد صفة طلاق وتنعقد صفة أخرى، وان أعادها خامسا لم يقع طلاق، لانه لم يبق له طلاق، ولا ينعقد به يمين في طلاق غيرها، لان اليمين بطلاق من لا يملكها لا ينعقد، وان كانت له امرأتان احداهما مدخول بها والاخرى غير مدخول بها فقال: ان حلفت بطلاقكما فأنتما طالقان، ثم أعاد هذا القول طلقت المدخول بها طلقة رجعية، وتطلق غير المدخول بها طلقه بائنه، فان أعاد ثم تطلق واحدة منهما لان غير المدخول بها بائن، والمدخول بها لا يوجد شرط طلاقها، لان شرط طلاقها أن يحلف بطلاقهما ولم يحلف بطلاقهما، لان غير المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها. (الشرح) قوله: وان قال: ان حلفت بطلاقك فأنت طالق الخ فجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها: ان دخلت الدار أو ان لم تدخلي الدار أو أخبرها بشئ أو أخبرته بشئ فقال لها:

ان لم يكن الامر كما أخبرتك أو كما أخبرتني فأنت طالق، طلقت لانه قد حلف بطلاقها. وان قال لها: إذا طلعت الشمس أو إذا قدم الحاج فأنت طالق، فإن لم يحلف بطلاقها فلا تطلق قبل طلوع الشمس وقبل قدوم الحاج. وقال أبو حنيفة وأحمد: كل ذلك حلف. فتطلق به، الا قوله: أنت طالق ان طهرت أو حضت أو شئت. دليلنا أن اليمين هو ما يقصد به المنع من شئ. كقوله ان دخلت الدار أو التزام فعل شئ، كقوله ان لم أدخل أو ان لم تدخلي، أو التصديق كقوله: ان لم يكن هذا الامر كما أخبرتك أو كما أخبرتني. وقوله: إذا طلعت الشمس أو إذا قدم الحاج ليس فيه يمين، وانما هو تعلق طلاق على صفة. فهو كقوله ان طهرت أو حضت أو شئت وان قال لها: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاد هذا الكلام ثانيا طلقت طلقة. لانه حلف بطلاقها، لانه باليمين الاولة منع نفسه من الحلف وقد حلف. فإن أعاد ذلك ثلاثا طلقت الثانيه. فان عاد ذلك رابعا طلقت الثالثة وبانت. (فرع) قال ابن الصباع الشامل (1) : إذا قال لامرأته إذا لم أحلف بطلاقك فأنت طالق وكرر ذلك ثلاث مرات. فان فرق وسكت بعد كل يمين سكتة يمكنه أن يحلف فلم يحلف وقع عليها ثلاث طلقات. لان إذا في النفى يقتضى الفور، وان لم يفرق بينهن لم يحنث في الاولة والثانية. لانه حلف عقيبهما ويحنث في الثالثة فتطلق. لانه لم يحلف عقيبهما فأما إذا قال: كلما لم أحلف بطلاقك فأنت طالق فمضى ثلاثة أوقات يمكنه أنه يحلف فيها ولم يحلف طلقت ثلاثا لان كلما تقتضي التكرار. وان قال لها كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق. ثم قال: إذا جاء المطر ولم أكن بنيت هذا الحائط، أو يخاط الثوب قبل مجئ المطر اه

_ (1) نسخه خطية بمكتبة المعهد الدينى بثغر دمياط موقوفه من بعض الصالحين نقل الينا بعض الثقات من أصحابنا ما انتفعنا به في شروحنا أثابهم الله وايانا

(فرع) وان كان له امرأتان فقال: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها فغيرها طالق قال ابن الصباغ: فمتى سكت عقب هذا القول قدرا يمكنه أن يحلف بطلاقها فلم يحلف طلقتا لانه جعل ترك اليمين بطلاق كل واحدة منهما شرطا لطلاق صاحبتها فلو كرر هذا القول مرارا متصلا بعضها ببعض لم تطلق واحدة منهما ما دام مكررا، إلا ان هذا القول منه يمين بطلاقها، فتبين الاولة بالثانية، وتبين الثانية بالثالثة، فإذا سكت طلقتا باليمين الاخرى، فلو كرر هذا القول ثلاثا وسكت عقب كل يمين طلقت كل واحدة ثلاثا وقال أبو على الشيخى: وعندي أن هذا خطأ، لان لقوله: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها فغيرها طالق ليس في لفظه متى يحلف بطلاقها، فيكون على التراخي. ومعناه: إن فاتني الحلف بطلاقها فغيرها طالق، ولا يعلم الفوات إلا بموت أحدهما، إلا أن يقول: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها الساعه فغيرها طالق فالجواب صحيح حنيئذ. ولو قال: متى لم أحلف أو أي وقت لم أحلف أو أي زمان، أو كلما لم أحلف بطلاقها فغيرها طالق كان الجواب كما ذكرناه (فرع) وإن كان له امرأتان زينب وعمرة فقال لهما: ان حلفت بطلاقكما فعمرة طالق، فهذا تعليق طلاق عمرة بالحلف بطلاقهما جميعا، فإن أعاد هذه الكلمة مرارا لم تطلق واحدة منهما لانه لم يحلف بطلاقهما، وإنما كرر تعليق طلاق عمرة. ولو قال بعد ذلك: ان دخلتما الدار فأنتما طالقان، طلقت عمرة لانه حلف بطلاقها. وإن قال: ان حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق، وكرر هذا القول لم تطلق واحدة منهما لانه لم يحلف بطلاقهما وإنما حلف بطلاق واحدة منهما. ولو قال بعد ذلك: إذا حلفت بطلاقكما فأنتما طالقان، طلقت إحداهما لا بعينها لانه حلف بطلاقهما. ولو قال: إذا حلفت بطلاق إحداكما فأنتما طالقان، ثم أعاد هذا مرة طلقت كل واحدة منهما طلقة، لانه علق طلاقهما بالحلف بطلاق إحداهما لا محالة ولو قال: إذا حلفت بطلاق إحداكما فأنتما طالقان، ثم قال: إذا حلفت بطلاقكما

فإحداكما طالق طلقتا جميعا، لانه قد حلف بطلاق إحداهما فيحنث في اليمين الاولة. وان قال: إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق، وان حلفت بطلاقكما فزينب طالق. قال ابن القاص: فإن أعاد ما قاله في زينب مرة لم تطلق، وان أعاد ما قال في عمرة أخرى طلقت لانه علق طلاق عمرة بصفتين، إحداهما اليمين بطلاقهما والاخرى اليمين بطلاق زينب، فما لم يحلف بعد القول الاول بطلاقهما معا أو مجتمعا أو متفرقا لم يحنث في طلاق عمرة. وكذا إذا قال في المرة الثانيه في طلاق زينب. فإذا كرر ما قال في زينب - وهو قوله الثاني ان حلفت بطلاقكما فزينب طالق - فلا تطلق واحدة منهما لا زينب ولا عمرة، لانه وجد إحدى الصفتين دون الاخرى، فإذا أعاد في عمرة طلقت عمرة لانه علق ابتداء الطلاق بالحلف بطلاقهما، وقد حلف ذلك بطلاق زينب وحدها، فإن حلف بطلاق عمرة بعد ذلك فقد اجتمع الصفتان في طلاق عمرة بعد تعليقه بهما فوقع بها، فإذا أعاد في زينب مرة أخرى ما قال فيها بعدما أعاد في عمرة طلقت زينب أيضا لانه قد حلف بعد ذلك بطلاقهما جميعا، فإذا حلف بعد ذلك بطلاقهما إما مجتمعا أو متفرقا فانه يقع. (فرع) وان كانت له امرأتان مدخول بها وغير مدخول بها، فقال لهما: إذا حلفت بطلاقكما فأنتما طالقان ثم أعاد هذا القول طلقت المدخول بها طلقة رجعيه وطلقت غير المدخول بها طلقة ثانيه، فان أعاد هذا القول ثالثا لم تطلق واحدة منهما، لان الصفه لم توجد، إذ البائن لا يصح الحلف بطلاقها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا كان له أربع نسوة وعبيد فقال: كما طلقت امرأة من نسائى فعبد من عبيدى حر، وكلما طلقت امرأتين فعبدان حران، وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أعبد أحرار، وكلما طلقت أربعا فأربعة أعبد أحرار، ثم طلقهن فالمذهب أنه يعتق خمسة عشر عبدا لان بطلاق الاولى يعتق عبد بوجود صفة الواحدة وبطلاق الثانيه يعتق ثلاثة أعبد، لانه اجتمع صفتان طلاق الواحدة وطلاق اثنتين، وبطلاق الثالثه يعتق أربعه أعبد، لانه اجتمع صفتان طلاق الواحدة

وطلاق الثلاث، وبطلاق الرابعة يعتق سبعة أعبد، لانه اجتمع ثلاث صفات طلاق الواحدة وطلاق اثنتين وطلاق أربع ومن أصحابنا من قال: يعتق سبعة عشر عبدا، لان في طلاق الثالثة ثلاث صفات، طلاق واحدة وطلاق اثنتين بعد الواحدة وطلاق الثلاث. ومنهم من قال: يعتق عشرون عبدا، فجعل في الثلاث ثلاث صفات، وجعل في الاربع أربع صفات، طلاق واحدة وطلاق اثنتين وطلاق ثلاث بعد الواحدة وطلاق أربع، والجميع خطأ لانهم عدوا الثانية مع ما قبلها من الاثنتين، وعدوا الثالثة مع ما قبلها من الثلاث، ثم عدوهما مع ما بعدهما من الاثنتين والثلاث. وهذا لا يجوز، لان ما عد مرة في عدد لا يعد في ذلك العدد مرة أخرى. والدليل عليه أنه لو قال: كما أكلت نصف رمانة فعبد من عبيدى حر. ثم أكل رمانة عتق عبدان، لان الرمانة نصفان، ثم لا يقال إنه يعتق ثلاثة لانه إذا أكل نصف رمانة عتق عبد، فإذا أكل الربع الثالث عتق عبد، لانه مع الربع الثاني نصف. وإذا أكل الربع الرابع عتق عبد لانه مع الربع الثالث نصف فكذلك ههنا. وقال أبو الحسن بن القطان: يعتق عشرة لان الواحدة والاثنتين والثلاث والاربع عشر. وهذا خطأ أيضا لان قوله: كلما طلقت يقتضى التكرار، وقد وجد طلاق الواحدة أربع مرات، وطلاق المرأتين مرتين، وطلاق الثلاث مرة، وطلاق الاربع مرة، فأسقط ابن القطان اعتبار ما يقتضيه اللفظ من التكرار في المرأة والمرأتين وهذا لا يجوز (فصل) إذا كان له أربع نسوة فقال: أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق، ثم طلق واحدة منهن طلقن ثلاثا ثلاثا، لان طلاق الواحدة يوقع على كل واحدة منهن طلقة واحدة، ووقوع هذه الطلقه على كل واحدة منهن يوقع الطلاق على صواحبها، وهن ثلاث فطلقت كل واحدة منهن ثلاثا (الشرح) وان قال لامرأته: إذا أكلت نصف رمانة فأنت طالق، وإذا أكلت رمانة فأنت طالق، فأكلت رمانة طلقت طلقتين لانه وجدت الصفتان فإنها أكلت نصفها وأكلت جميعها.

وان قال: كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق، وكلما أكلت رمانة فأنت طالق، فأكلت رمانة طلقت ثلاثا لان كلما تقتضي التكرار وقد أكلت نصفين فوقع بها طلقتان وأكلت رمانة فوقع بها طلقة. وهذا كما لو قال: ان كلمت رجلا فأنت طالق، وان كلمت طويلا فأنت طالق، وان كلمت شيوعيا فأنت طالق، فكلمت رجلا طويلا شيوعيا لوجود الصفات الثلاث * * * (فرع) إذا قال لامرأته: أنت طالق مريضة (بالنصب أو بالرفع) لم يقع الطلاق الا إذا مرضت، لان معنى قوله مريضة بالنصب أي في حال مرضك. ومعنى قوله مريضة بالرفع (أي وأنت مريضة) هذا هو المشهور كما حكاه العمرانى وحكى ابن الصباغ في أهل البيد قال: إذا قال مريضة بالرفع وهو من أهل الاعراب وقع عليها الطلاق في الحال لانه صفة لها وليس بحال. وهذا خطأ لانه نكرة فلا توصف به المعرفة، وقد عرفها بالاشارة إليها فلا تكون صفة لها، وانما تكون حالا، وإنما لحن في اعرابه، أو على اضمار مبتدأ فيكون شرطا قوله " إذا كان له أربع نسوة الخ " فجملة ذلك أنه إذا كان له أربع زوجات فقال لهن: كما طلقت واحدة منكن فأنتن طوالق فطلق واحدة منهن وقع عليها طلقتان، طلقه بالمباشرة وطلقه بالصفة، ويقع على الثلاث الباقيات طلقه طلقه وان قال: كلما وقع على واحدة منكن طلاقي فأنتن طوالق أو أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طالق، فطلق واحدة منهن طلقن ثلاثا ثلاثا، لانه إذا طلق واحدة منهن طلقة وقع على كل واحدة من الباقيات طلقه، ووقوع هذه الطلقه على كل واحدة من الباقيات يوقع الثانيه على صواحبها: ووقوع الثانية يوقع الثالثة. (فرع) وان قال لامرأته أنت طالق وطالق إن دخلت الدار طالقا، فقد علق وقوع طلقتين بدخول الدار وهى طالق. فإن دخلت الدار وهى مطلقه طلاقا رجعيا وقع عليها طلقتان بالصفة. وان دخلت الدار وهى زوجه غير مطلقه أو بائن لم تطلق لان الصفه لم توجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان له امرأتان فقال لاحداهما أنت طالق طلقه، بل هذه ثلاثا وقع على الاولى طلقه وعلى الثانيه ثلاث، لانه إذا أوقع على الاولى طلقه ثم أراد رفعها فلم يرتفع، وأوقع على الثانيه ثلاثا فوقعت وإن قال للمدخول بها أنت طالق واحدة لا بل ثلاثا إن دخلت الدار، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو بكر بن الحداد المصرى: تطلق واحدة في الحال ويقع بدخول الدار تمام الثلاث، لانه نجز واحدة فوقعت، وعلق ثلاثا على الشرط فوقع ما بقى منها عند وجود الشرط. ومن أصحابنا من قال: يرجع الشرط إلى الجميع ولا تطلق حتى تدخل الدار، لان الشرط يعقب الايقاعين فرجع اليهما (الشرح) قوله " نجز واحدة " التضعيف زيادة تجعل اللازم متعديا كالمزيد بالهمز، فيكون قوله نجز كقوله أنجز. وهو بمعنى عجل أما الاحكام فإنه ان كان له امرأتان فقال لاحداهما: أنت طالق واحدة لا بل هذه ثلاثا، وقع على الاولة طلقه، وعلى الثانيه ثلاثا، لانه أوقع عل الاولة طلقه فوقعت ثم رجع عنها، وأوقع على الثانية ثلاثا فلم يصح رجوعه عما أوقعه على الاولة وصح ما أوقعه على الثانيه وإن قال لامرأته المدخول بها أنت طالق واحدة لا بل ثلاثا إن دخلت الدار فاختلف أصحابنا فيه، فقال ابن الحداد: يقع عليها طلقه في الحال، ويقع باقى الثلاث بدخول الدار. لانه أوقع واحدة فوقعت ثم رجع وأوقع الثلاث بدخول الدار فلم يصح رجوعه عن الاولة، ويعلق بدخول الدار باقى الثلاث. ومنهم من قال يرجع الشرط إلى الجميع فلا يطلق حتى تدخل الدار، لان الشرط يعقب الايقاعين فرجع اليهما. وان كانت مدخول بها فالذي يقتضى القياس أن على قول ابن الحداد في مولداته يقع عليها الطلقه المنجزة وتبين بها، ولا يقع ما بعدها بدخول الدار، وعلى القول الآخر لبعض أصحابنا لا يقع عليها طلاق حتى تدخل الدار، فإذا دخلت وقع عليها الثلاث (فرع) وإن قال لاحدى امرأتيه أنت طالق ان دخلت الدار لا بل هذه.

قال ابن الحداد فإن دخلت الاولة طلقتا جميعا وان دخلت الثانية لم تطلق واحدة منهما لانه علق طلاق الاولة بدخولها الدار، ثم رجع عن ذلك وعلق بدخولها طلاق الثانية فعلق به، ولم يصح رجوعه عن طلاق الاولة. ومن أصحابنا من قال: إذا دخلت الاولة الدار طلقت وحدها، وإذا دخلت الثانيه طلقت وحدها، لانه علق على طلاق الاولة بدخولها الدار ثم رجع عن هذه الصفة جملة، وعلق طلاق الثانيه بدخولها الدار، فلم يصح رجوعه، وتعلق الثانية بدخولها. (فرع) قال في البويطى: إذا قال أنت طالق في مكه أو بمكه أو في الدار أو بالدار فهى طالق ساعة تكلم به، الا أن ينوى: إذا كنت بمكه. فإذا قال نويت ذلك قبل منه لان لفظه يحتمله. قال المسعودي: ولو قال ان قذفت فلانا في المسجد فأنت طالق، فيشترط أن يكون القاذف في المسجد. وان قال: ان قتلت فلانا في الحظيرة فأنت طالق يشترط أن يكون المقتول في الحظيرة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال لها أنت طالق إلى شهر ولم يكن له نية وقع الطلاق بعد الشهر، لان إلى تستعمل في انتهاء الفعل، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وتستعمل أيضا في ابتداء الفعل: كقولهم فلان خارج إلى شهر فلا يقع الطلاق في الحال مع الاحتمال، كما لا يقع بالكنايات من غير نية (فصل) وان قال أنت طالق في شهر رمضان، طلقت برؤية الهلال في أول الشهر. وقال أبو ثور: لا تطلق الا في آخر الشهر لتستوعب الصفة التى علق الطلاق عليها، وهذا خطأ لان الطلاق إذا علق على شئ وقع بأول جزء منه، كما لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فإنها تطلق بالدخول إلى أول جزء من الدار. فإن قال أردت في آخر الشهر دين فيه، لانه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم لانه يؤخر الطلاق عن الوقت الذى يقتضيه وان قال أنت طالق في أول الشهر وقع الطلاق في أول ليلة يرى فيها الهلال

وإن قال أنت طالق في غرة الشهر طلقت في أوله. فإن قال أردت اليوم الثاني أو الثالث دين، لان الثلاث من أول الشهر تسمى غررا، ولا يقبل في الحكم لانه يؤخر الطلاق عن أول وقت يقتضيه وان قال أنت طالق في آخر الشهر طلقت في آخر يوم منه تاما كان الشهر أو ناقصا. وإن قال أنت طالق في اول اخر رمضان، ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس أنها تطلق في أول ليلة السادس عشر لان اخر الشهر هو النصف الثاني وأوله أول ليلة السادس عشر، والثانى أنها تطلق في أول اليوم الاخير من آخر الشهر لان آخر الشهر هو اليوم الاخير فوجب أن تطلق في اوله وإن قال أنت طالق في اخر أول الشهر طلقت على الوجه الاول في اخر اليوم الخامس عشر، وعلى الوجه الثاني تطلق في اخر اليوم الاول. وإن قال أنت طالق في اخر اول اخر رمضان، طلقت على الوجه الاول عند طلوع الفجر من اليوم السادس عشر، لان أول اخر الشهر ليلة السادس عشر، واخرها عند طلوع الفجر من يومها. وعلى الوجه الثاني تطلق بغروب الشمس من اخر يوم منه، لان أول اخره إذا طلع الفجر من اخر يوم منه، فكان اخره عند غروب الشمس. وإن قال أنت طالق في اول اخر أول الشهر، طلقت على الوجه الاول بطلوع الفجر من اليوم الخامس عشر، لان اخر أوله عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر، فكان أوله طلوع فجره. وعلى الوجه الآخر تطلق بطلوع الفجر من أول يوم من الشهر، لان اخر أول الشهر غروب الشمس من أول يوم منه، فكان أوله طلوع الفجر (الشرح) إذا قال أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا، فهو كما لو قال في شهر كذا أو سنة كذا، فلا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت، وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة يقع في الحال، لان قوله أنت طالق إيقاع في الحال. وقوله إلى شهر كذا تأقيت له وغاية، وهو لا يقبل التأقيت فبطل التأقيت ووقع الطلاق. دليلنا أن ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد والنخعي وأبى هاشم والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبى عبيد وبعض أصحاب الرأى قالوا: إذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة تعلق بها ولم يقع حتى تأتى الصفة والزمن.

وقال ابن عباس في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إلى رأس السنه، قال يطأ فيما بينه وبين رأس السنه، وقد احتج أحمد بقول أبى ذر " إن لى إبلا يرعاها عبد لى وهو عتيق إلى الحول " ولان هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه، كقول الرجل أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة. ومن ثم نخلص إلى قول المصنف " ان قال لها أنت طالق إلى شهر ولم يكن له نية الخ، فجملة ذلك أنه إذا لم يكن له نية لم يقع عليها الطلاق الا بعد مضى الشهر من حين عقد الصفه، خلافا لابي حنيفة ومالك، ولان إلى تستعمل في انتهاء الفعل، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ويستعمل في ابتداء الفعل، فإذا احتمل الامرين فلا يقع به الطلاق في الحال بالشك. وان قال اردت أن الطلاق يقع محاكاة ويرتفع بعد شهر وقع عليها في الحال، لانه قيس قوله بما يحتمله، وفيه تغليظ عليه فقيل، ولا يرتفع الطلاق بعد شهر، لان الطلاق إذا وقع لم يرتفع (مسألة) قوله: وان قال أنت طالق في شهر رمضان طلقت برؤية الهلال في أول الشهر، وهذا صحيح، إذ أنه يقع الطلاق في أول جزء من الليلة الاولة من شهر رمضان. وقال أبو ثور. لا تطلق الا في آخر جزء من شهر رمضان، وهذا خطأ لان الطلاق إذا علق على شئ وقع بأول جزء منه، كما إذا قال لها: إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار في أول جزء منها طلقت. فإن قال أردت به الطلاق في النصف أو في اخره لم يقبل في الحكم، لان ذلك يخالف الظاهر ويدبن فيها بينه وبين الله تعالى لان قوله يحتمل ذلك وإن قال أنت طالق في غرة شهر رمضان أو في غرة هلال رمضان أو في غرة رمضان أو في رأس رمضان أو في أول رمضان طلقت في أول جزء من الليله الاولة من رمضان، فإن قال أردت به نصف الشهر أو اخره لم يقبل في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان لفظه لا يحتمل ذلك وان قال: أردت بالغرة بعض الاولة من الشهر لم يقبل في الحكم لانه يؤخر الطلاق عن أول وقت يقضيه، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يسمى غررا

وإن قال أنت طالق في نهار رمضان لم تطلق إلا بأول جزء من اليوم الاول من الشهر لانه علقه بالنهار (فرع) وإن قال: أنت طالق في آخر رمضان أو سلخ رمضان أو في انفصامه أو في خروجه طلقت لغيبوبة الشمس في آخر يوم منه. وان قال أنت طالق في أول آخر رمضان ففيه وجهان قال أبو العباس سريج: تطلق في أول جزء من ليلة السادس عشر، لان أول الشهر هو النصف الاول وآخره النصف الثاني، فكان أول آخره أول ليلة السادس عشر، والثانى - وهو قول أكثر أصحابنا - وهو الاصح أنها تطلق بطلوع الفجر من اليوم الاخير من الشهر لان اخر الشهر هو اخر يوم فيه، فأوله طلوع فجره وإن قال أنت طالق في اخر أول رمضان، فعلى قول أبى العباس - تطلق بغروب الشمس من اليوم الخامس عشر، لان أول الشهر عنده النصف الاول واخر أوله غروب الشمس من اليوم الخامس عشر. وعلى قول أكثر أصحابنا يقع الطلاق في اخر الليله الاولة من الشهر لانها أول الشهر. هكذا ذكر ابن الصباغ. وأما الشيخان ابو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى فقالا. تطلق على هذا اخر اليوم من الشهر، وقول ابن الصباغ أقيس. وإن قال أنت طالق في اخر أول اخر رمضان. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فعلى قول أبى العباس تطلق عند طلوع الفجر من اليوم السادس عشر، لان اول اخر الشهر ليلة السادس عشر واخرها عند طلوع الفجر من اخر يوم منه فكان اخره عند غروب الشمس. وان قال أنت طالق في أول اخر أول رمضان - قال المصنف: طلقت على قول أبى العباس بطلوع الفجر من اليوم الخامس عشر، لان اخر أوله غروب الشمس من هذا اليوم فكان أوله طلوع الفجر منه وعلى الوجه الثاني: تطلق بطلوع الفجر من أول يوم من الشهر، لان اخر أول الشهر غروب الشمس من أول يومه، فكان أوله أول يوم من طلوع الفجر قال العمرانى رحمه الله: وعندي أنها تطلق على هذا في أول جزء من الليله الاولة من الشهر. لان أول الشهر هو أول جزء من الليلة الاولة منه، واخر أوله اخر

جزء من هذ الليلة، فكان أول آخر أوله هو أول جزء من تلك الليلة. (فرع) وإن قال أنت طالق في شهر قبل ما بعد قبله رمضان فاختلف أصحابنا متى تطلق؟ فمنهم من قال تطلق في أول رجب، ومنهم من قال تطلق في أول شعبان - ولم يذكر في الفروع غيره - لان الشهر الذى بعد قبل رمضان هو رمضان نفسه، فالشهر الذى قبله شعبان. ومنهم من قال: تطلق في أول شوال وهو اختيار القاضى أبو الطيب وابن الصباغ، لانه أول وقت الطلاق في شهر وصفه، لان قبل ما بعد قبله رمضان، ذلك لانه يقتضى أنه قبله رمضان، لان ما بعد قبل الشهر هو الشهر نفسه، وقبله رمضان وقال ابن قدامة من الحنابلة في المغنى على متن الخرقى: وإذا قال أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت في آخر أول يوم منه لانه أوله. وإن قال في أول آخره طلقت في آخر يوم منه لانه آخره. وقال أبو بكر في الاولى: تطلق بغروب الشمس من اليوم الخامس عشر منه. وفى الثانية تطلق بدخول أول الليلة السادسة عشرة منه، لان الشهر نصفان أول وآخر، فآخر أوله يلى أول آخره، وهذا قول أبى العباس بن سريج - يعنى من الشافعية - وقال أكثرهم كقولنا وهو أصح. فإن ما عدا اليوم الاول لا يسمى أول الشهر، ويصح نفيه عنه، وكذلك لا يسمى أوسط الشهر آخره، ولا يفهم ذلك من إطلاق لفظه فوجب أن لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل كلامه عليه اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال أنت طالق اليوم طلقت في الحال لانه من اليوم. وإن قال أنت طالق في غد طلقت بطلوع فجره. وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لم تطلق، لانه لا يجوز أن تطلق اليوم لانه لم يوجد شرطه، وهو مجئ الغد، ولا يجوز أن تطلق إذا جاء غد لانه إيقاع طلاق في يوم قبله. وان قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم طلقه ولا تطلق غدا طلقة أخرى، لان طلاق اليوم تعين. وقوله غدا يحتمل أن تكون طالقة بطلاقها اليوم. فلا توقع طلاقا بالشك، وان قال أردت طلقة في اليوم وطلقة في غد طلقت طلقتين، لان اللفظ

يحتمل ما يدعيه وهو غير متهم فيه، لما فيه عليه من التغليظ، وان قال أردت نصف طلقه اليوم ونصف طلقه غدا طلقت طلقتين، طلقه بالايقاع وطلقه بالسراية، وان قال أردت نصف طلقه اليوم والنصف الباقي في غد ففيه وجهان (أحدهما) تطلق اليوم طلقه ولا تطلق غدا، لان النصف الباقي قد وقع في اليوم فلم يبق ما يقع غدا. (والثانى) أنه يقع في اليوم الثاني طلقه أخرى، لان الذى وقع في اليوم بالسراية وبقى النصف الثاني فوقع في الغد فسرى. وان قال أنت طالق اليوم أو غدا ففيه وجهان (أحدهما) تطلق غدا لانه يقين (والثانى) أنها تطلق اليوم لانه جعل كل واحد منهما محلا للطلاق فتعلق بأولهما. (الشرح) الاحكام: إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم طلقت في الحال لانه من اليوم. وان قال لها إذا مضى يوم فأنت طالق، فإن قال ذلك بالليل لم تطلق حتى تغيب الشمس من يوم تلك الليله. وان قال ذلك بالنهار لم تطلق حتى يمضى باقى يومه ثم تنقضي الليله التى يستقبلها ويبلغ من اليوم الثاني إلى الوقت الذى عقد فيه الطلاق. وان قال أنت طالق إذا مضى اليوم، فالذي يقتضى المذهب أنه إذا قال ذلك في النهار طلقت بغروب الشمس من ذلك اليوم، لان اليوم للتقريب (فرع) وان قال لها أنت طالق في غد طلقت بطلوع الفجر من الغد، سواء قال ذلك ليلا أو نهارا، أو ان قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد، قال أبو العباس ابن سريج لم تطلق، لانه لا يجوز أن تطلق غدا، لانه إيقاع طلاق في يوم قبله، وان قال: أنت طالق اليوم غدا، رجع إليه ما أراد بذلك؟ فإن قال أردت أنها تطلق اليوم طلقه وتكون طالقا غدا بتلك الطلقة لم يقع عليها الا طلقه، لان قوله يحصل ذلك. وان قال أردت انها تطلق اليوم طلقه وغدا طلقه طلقت طلقتين، لان قوله يحتمل ذلك، وقد أقر على نفسه بما فيه تغليظ عليه، وإن قال أردت اليوم نصف طلقه وغدا نصف طلقه أخرى طلقت طلقتين، لان كل نصف يسرى

طلقه. وإن قال: أردت نصف طلقه اليوم ونصفها الباقي في غد، وقع عليها في اليوم طلقه لانه لا يمكن إيقاع نصف طلقة فسرى إلى طلقه، وهل يقع عليها طلقة أخرى إذا جاء غد؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقع عليها لان النصف الذى أوقعه قد سرى في اليوم الاول فلم يبق ما يقع في غد. (والثانى) تطلق في غد طلقة بائنة لانه لم يقع عليها في اليوم الاول بإيقاعه إلا نصف طلقه، وإنما الشرع أوجب سرايتها، وقد أوقع عليها في الغد نصف طلقه فيجب أن تقع وتسرى، وإن قان لا نية لى وقع عليها في اليوم طلقه لانها يقين ولا يقع عليها في الغد طلقة أخرى لانه مشكوك فيها. وإن قال أنت طالق اليوم أو غدا ففيه وجهان حكاهما المصنف هنا. أحدهما لا تطلق إلا غدا لانه يقين، والثانى أنها تطلق اليوم لانه جعل كل واحد منهما محلا للطلاق فتعلق بأولهما (فرع) وإن قال لها: إذا جاء غد فأنت طالق، أو عبدى حر بعد غد لم تطلق امرأته إذا جاء غد لانه أوقع الطلاق غدا أو العتق بعد غد، فإذا جاء بعد غد كان بالخيار بين أن يعين الطلاق في امرأته أو العتق في عبده، كما لو قال لامرأتيه هذه طالق أو هذه. (فرع) إذا قال لامرأته في يوم أنت طالق ثلاثا في كل يوم طلقه، وقع عليها في الحال طلقه، ووقعت عليها الثانية بطلوع الفجر من اليوم الثاني، ووقعت الثالثة بطلوع الفجر من اليوم الثالث، لان ذلك أول وقت يقتضى وقوع الطلاق وإن قال لها أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام فإنها تطلق إذا مضت ثلاثة ايام وقع عليها الطلاق إذا طلع الفجر من اليوم الثالث لان ذلك أول وقت يقتضى وقوع الطلاق. وان قال أنت طالق في مضى ثلاثة أيام فإنها تطلق إذا مضت ثلاثة أيام قال ابن الصباغ: فإن قال ذلك بالليل طلقت إذا غربت الشمس من اليوم الثالث فإن قال ذلك بالنهار طلقت إذا جاء إلى مثل ذلك الوقت من اليوم الرابع. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قال: إذا رأيت هلال رمضان فأنت طالق فرآه غيره طلقت لان رؤية الهلال في عرف الشرع رؤية الناس، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وافطروا لرؤيته. ويجب الصوم والفطر برؤية غيره، وان قال أردت رؤيتي لم يقبل في الحكم لانه يدعى خلاف الظاهر ويدين فيه، لانه يحتمل ما يدعيه، فإن رآه بالنهار لم تطلق، لان رؤية هلال الشهر ما يراه في الشهر، وهو بعد الغروب، ولهذا لا يتعلق الصوم والفطر الا بما نراه بعد الغروب، وان غم عليهم الهلال فعدوا شعبان ثلاثين يوما طلقت، لانه قد ثبتت الرؤية بالشرع فصار كما لو ثبتت بالشهادة. وان أراد رؤيته بعينه فلم يره حتى صار قمرا لم تطلق، لانه ليس بهلال حقيقة، واختلف الناس فيما يصير به قمرا فقال بعضهم: يصير قمرا إذا استدار. وقال بعضهم: إذا بهر ضوؤه (الشرح) الحديث أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس. ورواه مسلم عنه بلفظ " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَابَةٌ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " قال الترمذي: حديث حسن صحيح وللحديث طرق عند الشيخين بألفاظ أخرى مكانها كتاب الصوم وقد مضى. أما اللغات فقوله " واختلف الناس فيما يصير به قمرا " ففى القاموس: والقمر يكون في الليلة الثالثة، والقمراء ضوؤه. وقال في غريب الشرح الكبير الموسوم بالمصباح المنير: قمر السماء سمى بذلك لبياضه. وقال الازهرى: ويسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالا، وفى ليلة ست وعشرين وسبع وعشرين هلالا، وما بين ذلك يسمى قمرا. وقال الفارابى وتبعه في الصحاح: الهلال لثلاث ليال من أول الشهر ثم هو قمر بعد ذلك، وقيل الهلال هو الشهر بعينه، وسيأتى مزيد أما الاحكام، فإن قال لامرأته: إذا رأيت هلال رمضان فأنت طالق، فإذا رآه آخر يوم من شعبان قبل الزوال أو بعده لم تطلق حتى تغيب الشمس من ذلك

اليوم، لان هلال الشهر ما كان في أوله لا قبله، وان لم يره بنفسه، وإنما رآه غيره طلقت امرأته. وحكى ابن الصباغ أن أبا حنيفة قال: لا تطلق إلا أن يراه بنفسه وكذا حكى ابن قدامة ذلك عن أبى حنيفة أنه قال: لا تطلق إلا أن يراه بنفسه لانه علق الطلاق برؤية نفسه فأشبه ما لو علقه على رؤية زيد دليلنا أن الرؤية للهلال في عرف الشرع العلم به برؤية نفسه أو برؤية غيره بدليل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا " والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع. فحمل المطلق على ذلك العرف الشرعي، كما لو قال: إذا صليت فأنت طالق، فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء، وفارق رؤية زيد، فإنه لم يثبت له عرف شرعى يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد طلقت، لانه قد علم طلوعه بتمام العدد وإن قال: أردت إذا رأيته بعينى لم يقبل في الحكم عندنا لان دعواه تخالف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: هل يقبل في الحكم؟ فيه وحهان. وقال أصحاب أحمد يقبل في الحكم لانها رؤية حقيقية، فإذا غم عليهم الهلال فقد قال أبو إسحاق المروزى: إذا عدوا شعبان ثلاثين يوما طلقت بمغيب الشمس من آخر يوم منه لانه بالضرورة يعلم أن بعد ذلك هلال رمضان، لان الشهر لا يكون واحدا وثلاثين يوما. قال الشيخ أبو حامد وان صح عند الحاكم رؤية الهلال ولم يعلم المطلق، فإن كان شهر شعبان ناقصا لم يلزمه حكم الطلاق حتى يعلم بالرؤية، وإن كان شعبان تاما لزمه الطلاق بغروب الشمس من آخر يوم من شعبان، لان الشهر لا يكون أحدا وثلاثين، ولعل الشيخ أبا حامد كما يقول العمرانى أراد به لا يلزمه حكم إذا كان شعبان ناقصا قبل علمه، أي إذا وطئها قبل علمه لانه لم يأثم. وأما الطلاق فيحكم به عليه بأول جزء من الليلة التى رأى فيها الهلال، ويلزمه المهر ان وطئ

بعد ذلك، سواء علم أو لم يعلم، كما لو علقه بقدوم زيد ولم يعلم بقدومه. (فرع) وان قال إذا رأيت الهلال بنفسى فأنت طالق، أو أطلق ذلك وقال أردت رؤيته بنفسى فلم يره حتى صار قمرا لم تطلق عليه إذا قيد ذلك ظاهرا وباطنا ولا يدين فيما بينه وبين الله تعالى إذا رآه لانه ليس بهلال واختلف الناس فيما يصير به قمرا، فمنهم من قال يصير قمرا إذا استدار. وقال بعضهم إذا بهر ضوؤه، وقال بعضهم بعد ثالثة. وقال ابن السكيت في متن كتاب الالفاظ: أول ما يرى القمر فهو الهلال ليلة يهل لليله وليلتين ولثلاث ليال. ويقال كأنه هلال ليلتين أو قمر بين سحابتين، وقد أهللنا الهلال أي رأيناه، وأهللنا الشهر واستهللناه أي رأينا هلاله، إلى أن قال: ويقال هلال ليلة وهلال ليلتين وهلال ثلات ليال. ثم يقال قمر بعد ثلاث ليال وذلك حين يقمر، وليلة مقمرة ثم هو قمر حتى يهل مرة أخرى، وهو الشهر ليلة ينظر الناس إليه فيشهرونه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قال: إذا مضت سنة فأنت طالق اعتبر مضى السنة بالاهلة لانها هي السنة المعهودة في الشرع، فإن كان العقد في أول الشهر فمضى إثنا عشر شهرا بالاهلة طلقت، فإن كان في اثناء الشهر حسب ما بقى من الشهر الهلالي، فان بقى خمسة أيام عد بعدها أحد عشر شهرا بالاهلة ثم عد خمسة وعشرين يوما من الشهر الثاني عشر، لانه تعذر اعتبار الهلال في شهر فعد شهرا بالعدد، كما نقول في الشهر الذى غم عليهم الهلال في الصوم فإن قال أردت سنة بالعدد، وهى ثلثمائة وستون يوما، أو سنة شمسيه وهى ثلثمائة وخمسة وستون يوما لم يقبل في الحكم، لانه يدعى ما يتأخر به الطلاق عن الوقت الذى يقتضيه، لان السنه الهلاليه ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم، وسدس يوم، ويدين فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال: إذا مضت السنه فأنت طالق، طلقت إذا مضت بقية سنة التاريخ وهو انسلاخ ذى الحجه. قلت البقيه أو كثرت، لان التعريف بالالف واللام يقتضى ذلك.

فان قال أردت سنة كاملة دين لانه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم لانه يدعى ما يتأخر به الطلاق عن الوقت الذى يقتضيه، فان قال أنت طالق في كل سنه طلقة حسبت السنه من حين العقد، كما إذا حلف لا يكلم فلانا سنه جعل ابتداء السنه من حين اليمين، وكما إذا باع بثمن مؤجل اعتبر ابتداء الاجل من حين العقد فإذا مضى من السنه بعد العقد أدنى جزء طلقت طلقه، لانه جعل السنه محلا للطلاق وقد دخل فيها فوقع، كما لو قال أنت طالق في شهر رمضان فدخل الشهر (الشرح) قوله التاريخ هو لفظ معرب وقيل عربي، وهو بيان انتهاء وقته، وسبب وضع التاريخ أول الاسلام أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتى بصك مكتوب إلى شعبان فقال: أهو شعبان الماضي أو شعبان القابل، ثم امر بوضع التاريخ، واتفقت الصحابة على ابتداء التاريخ من هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى المدينة، وجعلوا أول السنه المحرم، ويعتبر التاريخ بالليالى، لان الليل عند العرب سابق على النهار لانهم كانوا أميين لا يحسنون الكتابة، ولم يعرفوا حساب غيرهم من الامم فتمسكوا بظهور الهلال، وإنما يظهر بالليل فجعلوه ابتداء التاريخ، ثم صدق الله العظيم " يسئلونك عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ " أما الاحكام فإذا قال لامرأته: إذا مضت سنة فأنت طالق، اعتبر ذلك من حين حلف، فان كان في أول الشهر اعتبر جميع السنه بالاهلة، فإذا مضى اثنا عشر شهرا تامة أو ناقصه طلقت، لان الاعتبار بالسنه الهلاليه لقوله تعالى " يسئلونك عن الاهلة " الآيه وان كانت اليمين - وقد مضى بعض الشهر بأن مضى منه خمسة أيام - اعتد بما بقى من أيام هذا الشهر، وعد بعده أحد عشر شهرا بالاهلة: فان كان الشهر الذى حلف فيه تاما لم تطلق حتى يمضى بعد الاحد عشر شهرا خمسة أيام لان الطلاق إذا كان في الشهر لم يمكن اعتباره بالهلال، فاعتبر جميعه بالعدد بخلاف غيره من الشهور. وان قال: أنا أردت سنة بالعدد وهى ثلاثمائة وستون يوما وسنه شمسيه

وهى ثلاثمائة وخمسة وستون يوما لم يقبل في الحكم لانه يدعى تأخير الطلاق عن أول وقت يقتضيه، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه يحتمل ما يدعيه. وإن قال: إذا مضت السنة فأنت طالق، طلقت إذا انقضت سنة التاريخ، وهو أن ينسلخ شهر ذى الحجة لان التعريف يقتضى ذلك. وان قال أنا أردت سنة كاملة لم يقبل في الحكم لانه يدعى تأخير الطلاق عن أول وقت يقتضيه، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لانه يحتمل ما يدعيه (فرع) وان قال لها أنت طالق ثلاثا في كل سنة طلقه، وقع عليها طلقه عقب إيقاعه، لانه جعل السنه ظرفا لوقوع الطلاق، فإذا وجد اول جزء منها وقع الطلاق، كما لو جعل الشهر أو اليوم ظرفا للطلاق، فإن الطلاق يقع في أوله، وهل تطلق في أول السنه الثانيه والثالثه؟ ينظر فيه، فإن كانت في عدة من هذا الطلاق بأن طالت عدتها طلقت في أول كل سنة منهما طلقه، لان الرجعية تلحقها الطلاق، وإن كانت زوجه له في هذا النكاح بأن راجعها بعد الاولة قبل انقضاء عدتها فمضى عليه سنه من حين اليمين الاولة طلقت طلقه ثانيه وكذلك إذا راجعها بعد الطلقه الثانيه، فجاء أول الثانيه وهى زوجه له من هذا النكاح وقعت عليها طلقه ثالثه. وان جاء أول الثانيه أو الثالثه وقد بانت منه ولم يتزوجها لم يقع عليها الطلاق، لان البائن لا يلحقها الطلاق، وان تزوجها بعد أن بانت منه فجاء أول الثانيه أو الثالثه وهى زوجه له من نكاح جديد فهل يعود عليها حكم الصفة الاولة؟ فيه قولان يأتي بيانهما إن شاء الله فإن قال أردت بقولى: في أول كل سنه، أي أول سنة التاريخ وهو دخول المحرم لم يقبل في الحكم، لانه يدعى تأخير الطلاق عن أول وقت يقتضيه ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه يحتمل ما يدعيه وجملة ما مضى أنه إذا قال: أنت طالق في كل سنه طلقه فهذه صفة صحيحه لانه يملك إيقاعه في كل سنه. فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه. لان كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه. كقوله: والله لا كلمتك سنه فيقع في الحال طلقه، لانه جعل السنه ظرفا للطلاق فتقع في أول

جزء منها وتقع لثانية في أول الثانية والثالثة في أول الثالثة إن دخلتا عليها وهى في نكاحه لكونها لم تنقض عدتها أو ارتجاعها في عدة الطلقة الاولى وعدة الثانيه أو جدد نكاحها بعد أن بانت، فإن انقضت عدتها فبانت منه ودخلت السنة الثانيه وهى بائن لم تطلق لكونها غير زوجة، فان تزوجها في أثنائها اقتضى قول اكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزويجه لها لانها جزء من السنة الثانية التى جعلها ظرفا للطلاق ومحلا له، وكان سبيله أن تقع في أولها. هذا مذهبنا ومذهب الفقهاء كافة إلا ما رواه ابن قدامة عن بعض الحنابلة حيث قال: وقال القاضى تطلق بدخول السنة الثالثه. وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها في حال البينونة فلا تعود بحال. وان لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب تزوجيها ثم طلقت الثالثه بدخول السنه الرابعة. وعلى قول القاضى لا تطلق إلا بدخول الرابعة ثم تطلق الثالثه بدخول الخامسة، وعلى قول التميمي قد انحلت الصفه. وقال: واختلف في مبدإ السنه الثانيه، فظاهر ما ذكره القاضى أن أولها بعد انقضاء إثنى عشر شهرا من حين يمينه لانه جعل ابتداء المدة حين يمينه. وكذلك قال أصحاب الشافعي. وقال أبو الخطاب - من أصحاب أحمد - ابتداء السنه الثانيه من أول المحرم لانها السنه المعروفة: فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة، كقول الله تعالى " أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام. الآيه " وإن قال: أردت بالسنه اثنى عشر شهرا قبل لانها سنه حقيقيه. وان قال نويت أن ابتداء السنين أول السنه الجديدة من المحرم دين قال القاضى ولا يقبل في الحكم لانه خلاف الظاهر. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان قال أنت طالق في الشهر الماضي فالمنصوص أنها تطلق في الحال، وقال الربيع فيه قول آخر أنها لا تطلق. وقال فيمن قال لامرأته: إن طرت أو صعدت السماء فأنت طالق أنها لا تطلق، واختلف أصحابنا فيه فنقل أبو على بن خيران جوابه فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وجعلهما

على قولين (أحدهما) تطلق لانه علق الطلاق على صفة مستحيلة فالغيت الصفه ووقع الطلاق، كما لو قال لمن لا سنة ولا بدعة في طلاقها: أنت طالق للسنه أو للبدعه (والثانى) لا تطلق لانه علق الطلاق على شرط ولم يوجد فلم يقع، وقال أكثر أصحابنا: إذا قال أنت طالق في الشهر الماضي طلقت. وإن قال: ان طرت أو صعدت السماء فأنت طالق لم تطلق قولا واحدا، وما قاله الربيع من تخريجه، والفرق بينهما أن الطيران وصعود السماء لا يستحيل في قدرة الله عزوجل، وقد جعل لجعفر بن أبى طالب رضى الله عنه جناحان يطير بهما، وقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيقاع الطلاق في زمان ماض مستحيل (الشرح) إن قال أنت طالق في الشهر الماضي فإنه يسأل عن ذلك فان قال أردت أنى أوقع الطلاق الآن في الشهر الماضي، فالمنصوص أنها تطلق في الحال قال الربيع وفيها قول آخر أنها لا تطلق. واختلف أصحابنا فيه فقال أبو على بن خيران: قد نص الشافعي على أنه إذا قال لها: ان طرت أو صعدت السماء فأنت طالق فانها لا تطلق. وهذا تعليق طلاق بصفة محال، كإيقاع الطلاق الآن في زمان ماض، فجعل الاولة على قولين، وهذه على وجهين (أحدهما) لا تطلق لانه علق الطلاق على شرط فلا يقع قبل وجوده، كما لو علقه على دخولها الدار (والثانى) تطلق في الحال لانه علقه على شرط مستحيل فألغى الشرط ووقع الطلاق. كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعه أنت طالق للسنه أو للبدعه وقال أكثر أصحابنا: إذا قال أنت طالق للشهر الماضي، وقال أردت به ايقاع الطلاق الآن في الشهر الماضي، تطلق قولا واحدا لما ذكرناه، وما حكاه الربيع فإنه من تخريجه. وأما أحمد بن حنبل فظاهر كلامه فيمن قال أنت طالق أمس ولا نية له أن الطلاق لا يقع إذا كان قد تزوجها اليوم. وقال بعض أصحابه يقع الطلاق. أما إذا قال لها أنت طالق إن طرت أو صعدت إلى السماء فعلى وجهين: (أحدهما) تطلق لان الصعود إلى السماء أو الطيران ليس من الامور المستحيلة عقلا ولا شرعا في الماضي. وأما الحاضر فقد انتفت الاستحالة العرفية والعاديه

بالطائرات والاقمار الصناعيه والمحطات الفضائية. والوجه الثاني وهو المنصوص في الام أنها لا تطلق حتى توجد الصفه، والفرق بينهما أن إيقاع الطلاق الآن في زمان ماض مستحيل وجوده في العقل، لان الله تعالى ما أجرى العادة بمثل ذلك، وإن كان غير مستحيل في قدرة الله تعالى. قال العمرانى في البيان: والطيران والصعود إلى السماء غير مستحيل وجوده في العقل، لان الله تعالى قد أجرى العادة بذلك إذ جعل ذلك للملائكة، وقد أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد يجعل الله لها إلى ذلك سبيلا اه قلت: وقد جعل الله إلى ذلك لكل الناس سبلا لا سبيلا، والناس في عصرنا هذا يؤدون فريضة الحج، فتقفز بهم الطائرات من القاهرة لتهبط في جدة في ساعات قليله، فقد يصلى الظهر في القاهرة ثم يدرك العصر في جدة. ومن عجب أن المسلمين الذين يبحث فقههم في الممكنات والمستحيلات تنحط هممهم وتخور عزائمهم عن أن يكونوا هم أصحاب القدح المعلى في ارتياد الفضاء وجوب الآفاق وقد استفزهم كتاب الله ليبحثوا وينظروا، واستنفرهم للغوص في مظاهر الكون واستكناه خفاياه، فتقاعسوا عن أمره، وتخلفوا عن توجبهه وهديه، فكان ما كان، وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون هذا ولان إيقاع الطلاق في الزمن الماضي يتضمن وقوع الآن فحكم عليه بالطلاق الآن. وإن قال: أردت بقولى أنت طالق في الشهر الماضي، أي كنت طلقتها في الشهر الماضي في نكاح آخر. أو طلقها زوج غيرى في الشهر الماضي، وأردت الاخبار عنه، فإن صدقته الزوجه على أنه طلقها في الشهر الماضي أو طلقها زوج غيره في الشهر الماضي، وأنه أراد بقوله هذا الاخبار عن ذلك، فلا يمين على الزوج ولا طلاق. وإن صدقته على طلاقه وطلاق زوجها الاول في الشهر الماضي وكذبته أنه أراد ذلك فالقول قوله مع يمينه أنه أراد ذلك، لان دعواه لا تخالف الظاهر، وان كذبته أن يكون طلقها هو أو غيره في الشهر الماضي لم يقبل حتى يقيم البينة على ذلك لانه يمكنه إقامة البينة على ذلك، فإذا أقام البينة عليه حلف أن أراده وان لم يقم البينة لم يقبل في الحكم لان دعواه تخالف الظاهر ويدين فيما بينه وبين

الله تعالى لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال: كنت طلقتها في هذا النكاح في الشهر الماضي، فإن صدقته الزوجة على ذلك حكمنا بوقوع الطلاق من ذلك من الوقت، وكانت عدتها من ذلك الوقت. وان كذبته فالقول قوله مع يمينه والفرق بينهما أن في التى قبلها يريد أن يوقع الطلاق من هذا النكاح فلم يقبل، وههنا لا يريد أن يرفعه وإنما يريد نقله إلى ما قبل هذا فقبل ويجب عليها العدة من الان لانها تقر أن هذا ابتداء عدتها وليس للزوج أن يسترجعها بعد انقضاء عدتها من الشهر الماضي، لانه يقر أن ابتداء عدتها من الشهر الماضي وإن قال: لم يكن لى نية حكم عليه بوقوع الطلاق في الحال، لان الظاهر انه أراد تعليق ايقاعه الان في الشهر الماضي. وان مات أو جن أو أخرس فلم يعقل اشارته قبل البيان، قال الشافعي في الام: حكم عليه بوقوع الطلاق في الحال، وهذا يدل على ان الطلاق ينصرف إلى ذلك. (فرع) وان قال لها أنت طالق ان شربت ماء دجله أو النيل أو حملت جبل المقطم على رأسك ففيه قولان (أحدهما) لا يقع عليها الطلاق لانه علق الطلاق على صفة فلم يقع قبلها (والثانى) يقع في الحال لانه علقه على صفة مستحيله في العادة فألغيت الصفه ويبقى الطلاق مجردا. وهذا اختيار الشيخ ابى حامد الاسفرايينى والاول اختيار ابن الصباغ قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال ان قدم زيد فأنت طالق قبله بشهر، فقدم زيد بعد شهر طلقت قبل قدومه بشهر، لانه ايقاع طلاق بعد عقده وان قدم قبل شهر ففيه وجهان (أحدهما) أنه كالمسألة قبلها، وهو إذا قال أنت طالق في الشهر الماضي لانه ايقاع طلاق قبل عقده (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا انه لا يقع الطلاق ههنا قولا واحدا، لانه علق الطلاق على صفة، وقد كان وجودها ممكنا فوجب اعتباره، وايقاع الطلاق في زمان ماض غير ممكن فسقط اعتباره (فصل) وان قال انت طالق قبل موتى بشهر فمات قبل مضى شهر لم تطلق لتقدم الشرط على العقد، وان مضى شهر ثم مات عقيبه لم تطلق، لان وقوع

الطلاق مع اللفظ، وإن مضى شهر وجزء ثم مات طلقت في ذلك الجزء. وإن قال أنت طالق ثلاثا قبل قدوم زيد بشهر، ثم خالعها بعد يومين أو ثلاثة وقدم زيد بعد هذا القول بأكثر من شهر لم يصح الخلع لانها بانت بالطلاق فلم يصح الخلع بعده، وإن قدم بعد الخلع بأكثر من شهر صح الخلع، لانه صادف الملك فلم يقع الطلاق بالصفة (الشرح) الاحكام: إذا قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فقدم زيد بعد هذا بشهر وزيادة تبينا أن الطلاق وقع في لحظة قبل شهر من قدومه، وبه قال زفر وأحمد بن حنبل وأصحابه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يقع الطلاق بقدوم زيد. دليلنا أنه أوقع الطلاق في زمان على صفة، فإذا حصلت الصفة وقع فيه، كما لو قال: أنت طالق قبل رمضان بشهر، فإن أبا حنيفة وافقنا على ذلك، وإن قدم زيد قبل شهر من وقت اليمين ففيه وجهان حكاهما المصنف (أحدهما) أنها كما لو قال أنت طالق في الشهر الماضي، فيكون على قولين عند ابن خيران أنها لا تطلق وعند سائر أصحابنا تطلق في الحال قولا واحدا لانه إيقاع طلاق قبل عقده. (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا وهو المشهور أنها لا تطلق ههنا قولا واحدا لانه علق الطلاق بصفة قد كان وجودها ممكنا، فوجب اعتبارها وإيقاع الطلاق في زمن ماض غير ممكن فسقط اعتباره، فعلى هذا إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ثم خالعها الزوج ثم قدم زيد نظرت - فإن قدم زيد لاكثر من شهر من حين عقد الطلاق - فإن كان بين ابتداء الخلع والقدوم شهر فما دونه تبينا أن الخلع لم يصح، لانه إذا كان بينهما أقل من شهر بان أن الطلاق بالصفة كان سابقا للخلع. وإذا كان بينهما شهر لا غير بان أنها طلقت ثلاث قبل تمام الخلع فلم يصح. وإن كان بين ابتداء الخلع والقدوم أكثر من شهر تبينا أن الخلع صحيح لانه بان أن الخلع وقع قبل الطلاق بالصفة (مسألة) قوله: وإن قال أنت طالق قبل موتى بشهر الخ، فجملة ذلك أنه إذا

قال لامرأته أنت طالق قبل موتى طلقت في الحال، لان ذلك قبل موته وهو أول وقت يقتضيه الطلاق، فوقع فيه الطلاق وان قال أنت طالق قبيل موتى. قال ابن الحداد لا يقع في الحال، وانما يقع قبل موته بجزء يسير، لان ذلك تصغير يقتضى الجزء اليسير، وكذلك إذا قال أنت طالق قبيل رمضان طلقت إذا بقى من شعبان جزء يسير. وإن قال لها: أنت طالق مع موتى لم تطلق، لان تلك حال البينونة فلا يقع فيها طلاق، كما لو قال لها أنت طالق مع انقضاء عدتك، وكانت رجعية، وكما لو قال لها أنت طالق بعد موتى. وان قال لعبده: أنت حر مع موتى عتق من الثلث، كما يصح أن يقول: أنت حر بعد موتى. وان قال لامرأته: أنت طالق قبل موتى بشهر، فإن مات لاقل من شهر لم تطلق لتقدم الشرط على العقد. وان مضى شهر بعد هذا ومات مع رأس الشهر لم تطلق، لان الطلاق انما يقع بعد إيقاع لا مع الايقاع، فلو حكمنا بالطلاق ههنا لوقع معه.* * * وجملة ما في الفصلين أن المسألة إذا كانت بحالها فمات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم ثم قدم زيد بعد شهر وساعه من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر، لانا تبينا أن الطلاق كان قد وقع قبل موت الميت منهما فلم يرثه صاحبه، الا أن يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة، فإن قدم بعد الموت بشهر وساعه تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم يقع الطلاق، فإن قال أنت طالق قبل موتى بشهر فمات أحدهما قبل مضى شهر لم يقع طلاق، لان الطلاق لا يقع في الماضي. وان مات بعد عقد اليمين بشهر وساعه تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعه، ولم يتوارثا إلا أن يكون الطلاق رجعيا ويموت في عدتها وإن قال أنت طالق قبل ولم يزد شيئا طلقت في الحال، لان ما قبل موته من حين انعقدت الصفه محل للطلاق فوقع في أوله. وان قال قبل موتك أو موت زيد فكذلك. وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل دخولك الدار فقال بعض الفقهاء تطلق في الحال، سواء قدم زيد أو لم يقدم، بدليل قوله تعالى (يا أيها الذين

أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه: اسقنى قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا وان لم يضربه، ولو قال أنت طالق قبيل موتى أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال، وانما يقع ذلك في الجزء الذى يلى الموت، لان ذلك تصغير يقتضى الجزء اليسير الذى يبقى. وإن قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر. قالوا تتعلق الصفة بأولهما موتا لان اعتباره بالثاني يفضى إلى وقوعه بعد موت الاول، واعتباره بالاول لا يفضى إلى ذلك فكان أولى. والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله: (فصل) وان قال أنت طالق في اليوم الذى يقدم فيه زيد، فقدم ليلا لم تطلق لانه لم يوجد الشرط. وإن قال أردت باليوم الوقت قبل منه لانه قد يستعمل اليوم في الوقت كما قال الله عز وجل " ومن يولهم يومئذ دبره " وهو غير متهم فيه فقبل منه. وان ماتت المرأة في أولى اليوم الذى قدم زيد في آخره فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال ابو بكر بن الحداد المصرى: يقع الطلاق لانه إذا قال أنت طالق في يوم السبت طلقت بطلوع الفجر، فإذا قال أنت طالق في اليوم الذى يقدم فيه زيد، فقدم وجب أن يقع بعد طلوع الفجر في اليوم الذى يقدم فيه زيد، وقد قدم وكانت باقية بعد طلوع الفجر فوجب ان يقع الطلاق. ومن أصحابنا من قال لا يقع لانه جعل الشرط في وقوع الطلاق قدوم زيد وقدوم زيد وجد بعد موت المرأة فلا يجوز أن يقع الطلاق، ويخالف قوله أنت طالق يوم السبت فإنه علق الطلاق على شرط واحد وهو اليوم، وههنا علق على شرطين اليوم وقدوم زيد، وقدوم زيد وجد وقد ماتت المرأة فلم يلحقها الطلاق (الشرح) إذا قال لامرأته أنت طالق في اليوم الذى يقدم فيه زيد - قال المصنف ههنا - فإن قدم زيد ليلا لم تطلق لانه لم يوجد الشرط وان قال أردت باليوم الوقت طلقت، لان اليوم قد يستعمل في الوقت. قال الله تعالى " ومن

يولهم يومئذ دبره " وان ماتت المرأة في يوم ثم قدم زيد بعد موتها في ذلك اليوم ففيه وجهان. قال ابن الحداد: ماتت مطلقة فلا يرثها إن كان الطلاق بائنا - وقد مضى إيضاحنا لذلك في الفصل قبله - وكذلك إذا علق عنق عبده بذلك ثم باعه بعد ذلك بيوم وقدم زيد بعد البيع في ذلك اليوم تبينا أن العتق وقع قبل البيع وأن البيع باطل، وهو اختيار القاضى أبى الطيب، لان أول اليوم طلوع الفجر وإنما عرفه بقدوم زيد فإذا قدم تبينا أن الصفة وجدت بطلوع الفجر، كما إذا قال أنت طالق يوم الخميس. ومن أصحابنا من قال لا يقع عليها الطلاق ولا يصح العتق. وبه قال ابن سريج لان معنى قوله يوم قدوم زيد، أي في وقت قدوم زيد فلا تطلق قبله، كما لو علقه على القدوم من غير ذكر اليوم. (مسألة) إذا قال لامرأته: ان لم أتزوج عليك فأنت طالق، فإن قيد ذلك بمدة - فإن لم يتزوج حتى بقى من المدة قدر لا يتسع لعقد النكاح طلقت، وإن أطلق اقتضى التأبيد، فإن مات أحدهما قبل أن يتزوج طلقت إذا بقى من حياة الميت أو ما لا يتسع لعقد النكاح - فإن كان الطلاق رجعيا ورث الباقي منهما، وان كان بائنا - فان ماتت الزوجه - لم يرثها الزوج، وان مات الزوج فهل ترثه؟ فيه قولان. وان قال: إذا لم أتزوج عليك فأنت طالق: فمضى بعد يمينه زمان يمكنه أن يعقد فيه النكاح فلم يعقد طلقت عند من قال من أصحابنا أن " إذا " على الفور وان تزوج عليها بر في يمينه وقال مالك وأحمد: لا يبر حتى يتزوج عليها من يشبهها في الجمال ويدخل بها دليلنا أن اليمين معقودة على التزويج بها وقد وجد ذلك بالعقد، وان كانت مما لا يشبهها. هذا نقل البغداديين وقال المسعودي: إذا قال لامرأته ان لم أتزوج فأنت طالق لم تطلق ما لو لم يوأس من تزويجه، فلو مات قبل أن يتزوج - فان قال: ان لم أتزوج عليك - طلقت قبل موته، وان أطلق لم تطلق، فان ماتت في الاولة وكان الطلاق بائنا لم يرثها، وان مات فهل ترثه؟ فيه قولان

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال: إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم، فمضى اليوم ولم يطلقها، ففيه وجهان (أحدهما) لا تطلق، لان مضى اليوم شرط في وقوع الطلاق في اليوم، ولا يوجد شرط الطلاق الا بعد مضى محل الطلاق فلم يقع. والثانى يقع وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرايينى رحمه الله، لان قوله: ان لم أطلقك اليوم معناه إن فاتني طلاقك اليوم فإذا بقى من اليوم مالا يمكنه أن يقول فيه أنت طالق فقد فاته فوقع الطلاق في بقيته. وان قال لعبده: إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق، فأعتقه طلقت المرأة، لان معناه: ان فاتني بيعك، وقد فاته بيعه بالعتق. (فصل) إذا تزوج بجارية أبيه ثم قال: إذا مات أبى فأنت طالق فمات أبوه ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس بن سريج انها لا تطلق لانه إذا مات الاب ملكها فانفسخ النكاح، ويكون الفسخ في زمان الطلاق فوقع الفسخ وانفسخ الطلاق، كما لو قال رجل لزوجته: ان مت فأنت طالق ثم مات، والثانى وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله أنها تطلق ولا يقع الفسخ. لان صفة الطلاق توجد عقيب الموت وهو زمان الملك، والفسخ يقع بعد الملك فيكون زمان الطلاق سابقا لزمان الفسخ فوقع الطلاق ولم يقع الفسخ. وان قال الاب لجاريته أنت حرة بعد موتى، وقال الابن أنت طالق بعد موت أبى، فمات الاب وقع العتق والطلاق، لان العتق يمنع من الدخول في ملك الابن، فوقع العتق والطلاق معا. (الشرح) وإن قال لامرأته ان لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم فخرج اليوم ولم يطلقها ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس انها لا تطلق، لان الصفة توجد بخروج اليوم، فإذا خرج اليوم لم يقع الطلاق لانه قد فات. (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد أنها تطلق في آخر جزء من اليوم لان معناه ان فاتى طلاقك اليوم فأنت طالق، فإذا بقى من اليوم مالا يمكنا من الطلاق فيه فقد فاتة الطلاق فوقع الطلاق في ذلك

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا كتب: إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ونوى الطلاق فضاع الكتاب لم يقع الطلاق لانه لم يأتها الكتاب. وان وصل وقد ذهبت الحواشى وبقى موضع الكتابة وقع الطلاق، لان الكتاب هو المكتوب. وإن أتاها وقد امحى الكتاب لم تطلق أيضا. لانه لم يأتها الكتاب. وان انطمس حتى لا يفهم منه شئ لم تطلق لانه ليس بكتاب، فهو كما لو جاءها كتاب فيه صورة. وإن جاء وقد امحى بعضه. فإن كان الذى امحى موضع الطلاق - لم يقع، لان المقصود لم يأتها، وان بقى موضع الطلاق وذهب الباقي فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق يقع لان المقصود من الكتاب قد أتاها. ومن أصحابنا من قال: لا يقع لانه قال: إذا جاءك كتابي هذا. وذلك يقتضى جميعه وإذا قال: إذا أتاك كتابي فأنت طالق، فأتاها الكتاب وقد امحى الجميع الا موضع الطلاق وقع الطلاق، لانه أتاها كتابه. وإن قال: إن أتاك طلاقي فأنت طالق. وكتب إذا أتاك كتابي فأنت طالق ونوى الطلاق وأتاها الكتاب طلقت طلقتين، طلقة بمجئ الكتاب، وطلقة بمجئ الطلاق. (الشرح) إذا كتب لزوجته " أنت طالق ثم استمر فكتب: إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط أو استثناء، وكان في حال كتابته للطلاق مريدا للشرط لم يقع طلاقه في الحال لانه لم ينو الطلاق في الحال بل نواه في وقت آخر، وان كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال. وإن لم ينو شيئا وقلنا ان المطلق يقع به الطلاق نظرنا - فإن كان استمدادا لحاجة أو عادة لم يقع طلاق قبل وجود الشرط، لانه لو قال: أنت طالق ثم أدركه النفس أو شئ يسكته فسكت لذلك ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى. وإن استمد لغير حاجة ولا عادة وقع الطلاق، كما لو سكت بعد قوله: أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر شرطا وإن قال: إننى كتبته مريدا للشرط فقياس قولنا وقول أصحاب أحمد أنها لا تطلق قبل الشرط إلا أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى، وقبوله في الحكم على

وجهين. وان كتب إلى امرأته: أما بعد فأنت طالق، طلقت في الحال، سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل وعدتها من حين كتبه. وان قال: كنت أمتحن القلم أو أجود الخط قبل في الحكم، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وان كتب إليها إذا وصلك كتابي هذا فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله إليها، وان ضاع ولم يصلها لم تطلق، لان الشرط وصوله، وان ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الصحيفة لم تطلق لان الشرط وصوله. وان انطمس ما فيه لعرق أو غيره فكما قلنا في ذهاب كتابته: وان ذهبت حواشيه أو تخرق منه شئ لا يخرجه عن كونه كتابا ووصل باقيه طلقت، لان الاسم باق، فينصرف الاسم إليه، وان تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه لم تطلق لان المقصود ذاهب فإن قال لها إذا أتاك طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق. فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود الصفتين في مجئ الكتاب. فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذى علقته دين. وهل يقبل في الحكم؟ وجهان ويخرج على روايتين عند أصحاب أحمد ولا يثبت الكتاب بالطلاق الا بشاهدين عدلين أن هذا كتابه. ولا تصح شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه، ثم لا يغيب عنهما حتى يؤديا الشهادة، وبهذا قال بعض أصحاب أحمد، والاظهر عندهم أن هذا ليس بشرط، فإن كتاب القاضى لا يشترط فيه ذلك، ولا يكفى أن يشهد شاهدان بالخيرة أن هذا خطه. لان الخط يشبه ويزور. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال ان قدم فلان فأنت طالق فقدم به ميتا أو حمل مكرها لم تطلق لانه ما قدم وانما قدم به، وان أكره حتى قدم بنفسه ففيه قولان كالقولين فيمن أكره حتى أكل في الصوم، وان قدم مختارا وهو غير عالم باليمين، فإن كان ممن لا يقصد الزوج منعه من القدوم بيمينه كالسلطان طلقت لانه طلاق معلق

على صفة وقد وجدت الصفة وان كان ممن يقصد الزوج منعه من القدوم بيمينه فعلى القولين فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا (فصل) وإن قال: إن خرجت إلا بإذنى فأنت طالق، فخرجت بالاذن انحلت اليمين، فإن خرجت بعد ذلك بغير الاذن لم تطلق، لان قوله إن خرجت لا يقتضى التكرار، والدليل عليه انه لو قال لها: إن خرجت فأنت طالق فخرجت مرة طلقت، ولو خرجت مرة أخرى لم تطلق فصار كما لو قال: ان خرجت مرة إلا بإذنى فأنت طالق وان قال: كلما خرجت إلا بإذنى فأنت طالق ثم خرجت بغير الاذن طلقت طلقة. وان خرجت مرة ثانيه بغير الاذن وقعت طلقه أخرى. وإن خرجت مرة ثالثة وقعت طلقة أخرى لان اللفظ يقتضى التكرار. وان قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذن فأنت طالق، فخرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غير الحمام لم يحنث لان الخروج كان إلى الحمام. وان خرجت إلى غير الحمام ثم عدلت إلى الحمام حنث بخروجها إلى غير الحمام بغير الاذن. وان خرجت إلى الحمام والى غيره وجمعت بينهما في القصد عند الخروج ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لان الحنث علقه على الخروج إلى غير الحمام، وهذا الخروج مشترك بين الحمام وغيره (والثانى) يحنث لانه وجد الخروج إلى غير الحمام بغير الاذن والضم إليه غيره فوجب أن يحنث، كما لو قال: ان كلمت زيدا فأنت طالق ثم كلمت زيدا وعمرا. وإن قال ان خرجت الا بإذنى فأنت طالق، فأذن لها ولم تعلم بالاذن ثم خرجت لم تطلق لانه علق الخلاص من الحنث بمعنى من جهته يختص به وهو الاذن وقد وجد الاذن. والدليل عليه انه يجوز لمن عرفه أن يخير به المرأة فلم يعتبر علمها فيه كما لو قال: ان خرجت قبل أن أقوم فأنت طالق ثم قام ولم تعلم به (فصل) وان قال لها: إن خالفت أمرى فأنت طالق، ثم قال لها لا تكلمي أباك فكلمته لم تطلق لانها لم تخالف أمره، وانما خالفت نهيه وان قال ان بدأتك بالكلام فأنت طالق، وقالت المرأة: وان بدأتك بالكلام فعبدي حر، فكلمها لم تطلق المرأة ولم يعتق العبد، لان يمينه انحلت بيمينها بالعتق ويمينها انحلت بكلامه. وان قال أنت طالق ان كلمتك وأنت طالق ان دخلت الدار طلقت لانه

كلمها باليمين الثانية وان قال أنت طالق ان كلمتك ثم أعاد ذلك طلقت لانه كلمها بالاعادة. وان قال ان كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك طلقت لانه كلمها بقوله: فاعلمي ذلك. ومن أصحابنا من قال: ان وصل الكلام باليمين لم تطلق، لانه من صلة الاول (فصل) إذا قال لامرأته: ان كلمت رجلا فأنت طالق، وان كلمت فقيها، فأنت طالق، وان كلمت طويلا فأنت طالق، فكلمت رجلا طويلا فقيها طلقت ثلاثا، لانه اجتمع صفات الثلاثة فوقع بكل صفة طلقة (فصل) وان قال ان رأيت فلانا فأنت طالق فرآه ميتا أو نائما طلقت لانه رآه، وان رآه في مرآة أو رأى ظله في الماء لم تطلق لانه ما رآه وانما رأى مثاله وان رآه من وراء زجاج شفاف طلقت لانه رآه حقيقة (الشرح) ان قال لها: إذا قدم فلان فأنت طالق، فمات قبل أن يقدم ثم قدم به لم تطلق لانه لم يقدم وانما قدم به. وهكذا إذا أكره فقدم به محمولا لم تطلق لانه لا يقال له قدم، وان أكره حتى قدم بنفسه فهل تطلق، فيه قولان كما لو أكل في الصوم مكرها على الاكل. وان قدم غير مكره والمحلوف عليه غير عالم باليمين حنث الحالف، وان كان غير عالم باليمين أو كان عالما ثم نسيها عند القدوم نظرت، فإن كان القادم ممن لا يقصد الحالف منعه من القدوم كالسلطان الحجيج، أو أجنبي لا يمتنع من القدوم لاجل يمين الحالف طلقت. لان ذلك ليس بيمين، وانما هو تعليق طلاق بصفة وقد وجدت فوقع الطلاق، كقوله: ان دخل الحمار الدار وطلعت الشمس فأنت طالق، وان كان القادم ممن يقصد الحالف منعه من القدوم كقرابة الرجل أو قرابة المرأة أو بعض من يسوءه طلاقها ففيه قولان كالقولين فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا وحكى ابن الصباغ أن الشيخ أبا حامد قال: ينبغى أن يقال إذا كان المحلوف على قدومه ممن يمنعه الحالف من القدوم باليمين أن يرجع إلى قصد الحالف، فإن قصد منعه من القدوم فهو كما مضى، وان أراد أن يجعل ذلك صفة كان ذلك صفة قال الطبري فلو قدم المحلوف عليه وهو مجنون، فإن كان يوم عقد اليمين عاقلا

ثم جن بعد ذلك لم يقع الطلاق لانه لا حكم لفعله في ذلك، وإن كان في ذلك اليوم مجنونا وقع الطلاق لانه يجرى مجرى الصفات. (فرع) وإن قال لها: إذا ضربت فلانا فأنت طالق، فضربه بعد موته فقال أكثر أصحابنا: لم تطلق لان القصد بالضرب أن يتألم به المضروب وهذا لا يوجد في ضرب الميت. هذا هو المشهور. وقال ابن الصباغ: وهذا يخالف أصلنا لانا لا نراعى إلا ظاهرا من اللفظ في اليمين دون ما يقصد به في العادة. ألا ترى أنه لو حلف: لا ابتعت هذا فابتاعه له وكيله لم يحنث. وإن كان القصد من الابتياع هو التملك له. وحقيقة الضرب موجود في ضرب الميت وان لم يألم به. ألا ترى أنه لو ضربه وهو نائم أو سكران لم يألم به. وان ضربه ضربا لا يؤلمه بر في يمينه اه (مسألة) قوله: وان قال: ان خرجت الخ، فجملة ذلك أنه إذا قال لها: ان خرجت بغير إذنى فأنت طالق، فإن خرجت بغير إذنه طلقت، فإن أذن لها فخرجت انحلت اليمين، فإن خرجت بعد ذلك لم تطلق. وكذلك إذا قال: ان خرجت إلا بإذنى، أو قال إن خرجت إلا أن آذن لك، أو حتى آذن لك أو إلى أن آذن لك فالحكم واحد. وقال أبو حنيفة: إذا قال إلا بإذنى، أو قال إن خرجت بغير إذنى فإذا خرجت بإذنه لم تنحل اليمين. ومتى خرجت بعد ذلك بغير اذنه حنث، ووافقنا في اللفظ الثلاثة، وخالف أحمد في كلها، دليلنا أن اليمين تقدمت بخروج واحد لان هذه الحروف لا تقتضي التكرار فلم يحنث بما بعد الاول وإن قال كلما خرجت الا بإذنى فأنت طالق فخرجت بغير اذنه طلقت، وان خرجت بغير اذنه ثانيا طلقت الثانية، وان خرجت بغير اذنه ثالثا طلقت ثلاثا، لان كلما يقتضى التكرار. وان قال ان خرجت إلى غير الحمام بغير اذنى فأنت طالق، فخرجت إلى غير الحمام بغير اذنه طلقت. وان خرجت قاصدة إلى الحمام ثم عدلت إلى غير الحمام بغير الاذن وانضم إليه غيره فطلقت. كما لو قال: ان كلمت زيدا فأنت طالق فكلمت زيدا وعمرا معا. وان أذن لها بالخروج فخرجت ولم تعلم بالاذن لم تطلق

لان الصفة لم توجد لانه شرط إذا خرجت بغير اذنه وقد وجد الاذن منه. وان لم تعلم به. هذا هو المشهور وحكى الطبري إذا خرجت على ظن أنها تطلق فهل تطلق؟ فيه وجهان الظاهر أنها لا تطلق بناء على القولين في الوكيل إذا تصرف بعد العزل وقبل العلم بالعزل. (مسألة) إذا قال لها: ان خالفت أمرى فأنت طالق، ثم قال لا تكلمي أباك فكلمته لم تطلق لانها لم تخالف أمره وانما خالفت نهيه، وان قال لها: متى نهيتني عن منفعة أمي فأنت طالق، فقالت له: لا تعط أمك مالى، لم تطلق لانه لا يجوز له أن يعطى أمه مال زوجته، ولا يجوز للام أن تنتفع به (فرع) وان قال لها: ان كلمت زيدا فأنت طالق، فكلمته بحيث يسمع كلامها طلقت، سواء سمعها أو لم يسمعها لوجود الصفه، ولهذا يقال: كلمته فلم يسمع وان كلمته وهو منها فعلى مسافة بعيدة لا يسمع كلامها في العادة لم تطلق، لانه لا يقال كلمته، وان كان أصم فكلمته بحيث يسمع لو كان سميعا ففيه وجهان. (أحدهما) تطلق لانها قد كلمته، وانما لم يسمع لعارض، فهو كما لو لم يسمع لشغل (والثانى) لا تطلق لان الاعتبار بما يكون كلاما له. وذلك ليس بكلام له كما يختلف الكلام في القرب والبعد. وان كلمته وهو ميت لم تطلق، لان الميت لا يكلم. فإن قيل فقد كلم النبي صلى الله عليه وسلم قتلى بدر وهم القليب حيث قال صلى الله عليه وسلم " يا عتبة يا شيبة يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقيل يا رسول الله أتكلم الموتى وقد ارموا؟ فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لم يؤذن لهم في الجواب " قلنا تلك معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم، لان الله رد إليهم أرواحهم حتى يسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لان الاصل أن الميت لا يسمع. قال الله تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور " أنزل الكفار منزلة من في القبور، وان كلمته وهو نائم أو مغمى عليه لم تطلق كالميت، وان كلمته وهى مجنونة، قال ابن الصباغ لم يحنث وان كانت سكرانة حنث، لان السكران بمنزلة الصاحى في الحكم، وان كلمته وهو سكران، فإن كان بحيث يسمع حنث، وان كان بحيث

لا يسمع لم يحنث، وإن قال لها: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق، ثم قالت له: إن بدأته بالكلام فعبدي حر فكلمها لم تطلق ولم يعتق العبد، لان يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه. وإن قال لها: إن كلمتك فأنت طالق، وإن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت لانه كلمها باليمين الثانية، وإن أعاد اليمين الاولة طلقت لانه كلمها، وإن قال: إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك طلقت لانه كلمها بقوله: فاعلمي ذلك. ومن أصحابنا من قال: إن وصله باليمين لم تطلق، لانه من صلة الاول والاول أصح. (فرع) وإن قال لها: أنت طالق إن كلمت زيدا وعمرا وبكر مع خالد - برفع بكر - فكلمت زيدا وعمرا طلقت، لان اليمين على كلامهما وقد وجد وقوله: وبكر مع خالد لا يتعلق باليمين. لانه ليس بمعطوف على الاولين، قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر، لان ذلك يقتضى أن يكون لزيد وعمر وفى حال كون بكر مع خالد مثل قوله تعالى " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم، وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " فكانت هذه الجملة حالا من الاولة. كذلك ههنا. فإن كلمت زيدا أو عمرا لم تطلق لان صفة الطلاق كلامهما، وإن قال لها: أنت طالق ان كلمت زيدا وعمرا وخالدا فكلمت بعضهم لم تطلق. وإن قال أنت طالق ان كلمت زيدا ولا عمرا ولا خالدا، فكلمت واحدا منهم طلقت وإن قال لها: إن كلمت زيدا إلى أن يقدم عمرو أو حتى يقدم عمرو فأنت طالق فإن كلمت زيدا قبل قدوم عمرو طلقت، وان كلمته بعد قدوم عمرو لم تطلق لان حتى وإلى للغاية، والغاية ترجع إلى الكلام لا إلى الطلاق فتصير كقوله أنت طالق ان كلمت زيدا إلى أن يشاء عمرو وحتى يشاء عمرو (فرع) وان قال: إن رأيت فلانا فأنت طالق فرأته حيا أو ميتا طلقت، لان رؤيته حاصلة وان كان ميتا. قال ابن الصباغ: وان رأته مكرهة فهل تطلق؟ فيه قولان على ما ذكرناه في القدوم، وإن رأته في مرآة أو رأت ظله في الماء لم تطلق لانها ما رأته، وإنما رأت خياله، وان رأته من وراء زجاج شفاف طلقت لانها رأته حقيقة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كانت في ماء جار فقال لها ان خرجت منه فأنت طالق، وان وقفت فيه فأنت طالق لم تطلق خرجت أو وقفت لان الذى كانت فيه من الماء مضى بجريانه فلم تخرج منه ولم تقف فيه، وان كان في فيها تمرة فقال: ان أكلتها فأنت طالق، وان رميتها فأنت طالق، وان أمسكتها فأنت طالق، فأكلت نصفها لم تطلق، لانها ما أكلتها ولا رمتها ولا أمسكتها. وإن كانت معه تمرة فقال: ان أكلتها فأنت طالق، فرماها إلى تمر كثير فأكل جميعه وبقى تمرة لا يعلم أنها المحلوف عليها أو غيرها، لم تطلق لجواز أن تكون هي المحلوف عليها فلم تطلق بالشك. وإن أكل تمرا كثيرا فقال لها: ان لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق، فعدت من واحد إلى عدد يعلم أن المأكول دخل فيه لم تطلق لانها أخبرته بعدد ما أكل، وان أكلا تمرا واختلط النوى فقال: ان لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق، فأفردت كل نواة لم تطلق لانها ميزت. وان اتهمها بسرقه شئ فقال أنت طالق ان لم تصدقيني أنك سرفت أم لا؟ فقالت سرقت وما سرقت لم تطلق، لانها صدقته في أحد الخبرين، وان قال: ان سرقت منى شيئا فأنت طالق وسلم إليها كيسا فأخذت منه شيئا لم تطلق لان ذلك ليس بسرقة وانما هو خيانة (فصل) وان قال: من بشرتني بقدوم زيد فهى طالق، فأخبرته امرأته بقدوم زيد وهى صادقة، طلقت لانها بشرته. وان كانت كاذبة لم تطلق، لان البشارة ما بشر به الانسان ولا سرور في الكذب، وان أخبرتاه بقدومه واحدة بعد واحدة وهما صادقتان طلقت الاولى دون الثانية، لان المبشرة هي الاولى وان أخبرتاه معا طلقتا لاشتراكهما في البشارة وان قال: من أخبرتى بقدوم زيد فهى طالق، فأخبرته امرأته بقدوم زيد طلقت، صادقة كانت أو كاذبة، لان الخبر يوجد مع الصدق والكذب، فإن أخبرته احداهما بعد الاخرى أو أخبرتاه معا طلقتا لان الخبر وجد منهما

(الشرح) إذا كانت في ماء جار فقال لها: إن أقمت في هذا الماء فأنت طالق وان خرجت منه فأنت طالق، فأكثر أصحابنا قالوا لا تطلق، سواء أقامت فيه أو خرجت منه، لان الاشارة وقعت إلى الماء الذى هي فيه، فإذا ذهب وجاء غيره فلم تقم في الماء الذى تناولته اليمين ولم تخرج منه. وقال القفال: عندي أنها على قولين كما لو قال لها: ان لم تشربي من هذا الكوب اليوم فأنت طالق، فانصب ذلك أو كسر الكوب فهل تطلق؟ على قولين فقال أبو على الشيخى: وهذا يشبه هذا، إلا أن الشرب قد فات من كل جهة. والمقام في ذلك الماء لم يفت بالجريان، لانها لو جرت في ذلك الماء بجريان الماء لكان يحنث بمكثها حتى جاوزها ذلك الماء. ألا ترى أنه لو حول ذلك الماء في الكوب إلى دار بحيث يمكنها الذهاب إليه للشرب في هذا اليوم فلم يفعل تعلقت به اليمين، لان الماء قائم يمكنها شربه ولو قال لها: إن لم تخرجي من هذا النهر الآن فأنت طالق فلم تخرج طلقت. لان النهر اسم للمكان الذى فيه الماء والخروج منه ممكن، وان كانت في راكد فقال لها إن قمت في هذا الماء فأنت طالق وان خرجت منه فأنت طالق، فالخلاص من الحنث أن تحمل منه مكرهة عقيب يمينه، وان كانت على سلم فقال لها إن صعدته فأنت طالق، وان نزلت منه فأنت طالق، وان أقمت عليه فأنت طالق. فالخلاص منه أن تتحول إلى سلم آخر أو تنزل منه مكرهة (فرع) وان كان في فيها تمرة وقال لها ان أكلتها فأنت طالق، وان رميتها فأنت طالق، وان أمسكتها فأنت طالق، فالخلاص من الحنث أن تأكل بعضها. لانها إذا فعلت ذلك فما أكلتها ولا رمتها ولا أمسكتها. وان قال لها: ان أكلتها فأنت طالق، وان لم تأكليها فأنت طالق - فحكى ابن الصباغ أن الشيخ أبا حامد قال: إذا أكلت بعضها لم تطلق: قال ابن الصباغ وهذا ليس بصحيح، لانها إذا أكلت بعضها فما أكلتها فيجب أن يحنث، والذى قاله ابن الصباغ انما يتصور الحنث في عدم أكلها وان ماتت المرأة أو تلف باقى التمرة قبل موتها، فأما قبل ذلك فلا يتصور الحنث في عدم أكلها

قال العمرانى: والذى رأيته في التعليق عن الشيخ أبى حامد: إذا قال إذا أكلتها فأنت طالق وان أخرجتها فأنت طالق، إذا أكلت بعضها لم يحنث، لانها لم تأكلها ولم تخرجها. وان قال: إن أكلت هذه التمرة فأنت طالق فرماها في تمر كثير واختلطت ولم تتميز وأكل الجميع الا تمرة واحدة، ولم يعلم أنها المحلوف عليها أو غيرها لم تطلق لجواز أن يكون هي المحلوف عليها، والاصل بقاء النكاح وعدم وقوع الطلاق. (فرع) وان أكلت تمرا كثيرا وقال: ان لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق، أو قال ان لم تخبريني بعدد هذه الرمانة قبل كسرها فأنت طالق، فالخلاص من الحنث أن تقول في الاولة أكلت واحدة أكلت اثنتين أكلت ثلاثا، فلا تزال تعدد واحدة بعد واحدة حتى يتيقن أن عدد الذى أكلته قد دخل فيما أخبرت به. وكذلك تقول عدد حب هذه الرمانة واحدة اثنتين فتعد واحدة واحدة حتى يعلم ان عدد حبها قد دخل فيما أخبرت به وان أكلا تمرا واختلط النوى فقال: ان لم تميزي نوى ما أكلت أو ما أكل كل واحد منا فأنت طالق، فميزت كل نواة لم تطلق لانها ميزت - وان اتهمها بسرقة شئ فقال لها أنت طالق ان لم تصدقيني أنك سرقت، فقالت سرقت وما سرقت لم تطلق لانها صدقته في أحد الخبرين وان قال لها: ان سرقت منى شيئا فأنت طالق، فسلم إليها دراهم أو غيرها فأخذت من ذلك شيئا لم تطلق، لان ذلك ليس بسرقة بدليل أن ليس في مثل ذلك قطع على ما سنوضحه في الجنايات ان شاء الله (مسألة) قوله: وان قال من بشرتني بقدوم زيد الخ، فجملة ذلك أنه إذا كان له زوجات فقال لهن: من بشرتني بقدوم زيد فهى طالق، فقالت له واحدة قد قدم وكانت صادقة، طلقت لوجود الصفة، فإن أخبرته الثانية بقدومه لم تطلق لان البشارة ما دخل بها السرور - وقد حصل ذلك بقول الاولة - وان كانت الاولة كاذبة لم تطلق لانه لا بشارة في الكذب وان قال لهن: من أخبرتني بقدوم زيد فهى طالق، فقالت له واحدة منهن قد قدم، طلقت، صادقة كانت أم كاذبة، لان الخبر دخله الصدق أو الكذب.

فإن أخبرته بقدومه بعدها ثانية وثالثة ورابعة طلقن، لانه علق الطلاق بإخبارهن إياه بقدوم زيد، والخبر قد يتكرر منهن فوقع الطلاق به. هذا نقل البغداديين والشيخ أبى حامد وقال المسعودي: إذا قال أيتكن أخبرتني بأن زيدا قد قدم فهى طالق، فأخبرته واحدة منهن ولم يكن قادما لم تطلق. وان قال أيتكن أخبرتني بقدوم زيد فهى طالق، فأخبرته واحدة منهن بقدومه طلقت وإن لم يك قادما. لانه علق الطلاق بالاخبار وقد وجد. وإن قال أيتكن بشرتني بقدوم زيد فهى طالق، ففيه وجهان (أحدهما) انه كالاخبار على ما ذكره المسعودي (والثانى) أنه كما ذكره البغداديون. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال أنت طالق إن شئت، فقالت في الحال شئت طلقت. وان قالت شئت ان شئت، فقال شئت لم تطلق، لانه علق الطلاق على مشيئتها ولم توجد منها مشيئة الطلاق، وانما وجد منها تعليق مشيئتها بمشيئته فلم يقع الطلاق، كما لو قالت شئت إذا طلعت الشمس. وإن قال أنت طالق ان شاء زيد فقال زيد شئت طلقت، وان لم يشأ زيد لم تطلق، وان شاء وهو مجنون لم تطلق لانه لا مشيئة له، وان شاء وهو سكران فعلى ما ذكرناه من طلاقه، وإن شاء وهو صبى، ففيه وجهان (أحدهما) تطلق لان له مشيئة، ولهذا يرجع إلى مشيئته في اختيار أحد الابوين في الحضانه. (والثانى) لا تطلق معه لانه لا حكم لمشيئته في التصرفات، وان كان أخرس فأشار إلى المشيئة وقع الطلاق كما يقع طلاقه إذا أشار إلى الطلاق، وإن كان ناطقا فخرس فأشار ففيه وجهان: (أحدهما) لا يقع، وهو اختيار الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله، لان مشيئته عند الطلاق كانت بالنطق (والثانى) أنه يقع وهو الصحيح لانه في حال بيان المشيئة من أهل الاشارة والاعتبار بحال البيان لا بما تقدم ولهذا لو كان عند الطلاق أخرس ثم صار

ناطقا كانت مشيئته بالنطق. وان قال أنت طالق إن شاء الحمار فهو كما لو قال أنت طالق ان طرت أو صعدت إلى السماء وقد بيناه. وإن قال أنت طالق لفلان أو لرضى فلان طلقت في الحال، لان معناه أنت طالق ليرضى فلان، كما يقول لعبده: أنت حر لوجه الله أو لمرضاة الله. وان قال أنت طالق لرضى فلان، ثم قال أردت ان رضى فلان على سبيل الشرط دين فيما بينه وبين الله عز وجل لانه يحتمل ما يدعيه، وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقبل، لان ظاهر اللفظ يقتضى انجاز الطلاق فلم يقبل قوله في تأخيره كما لو قال أنت طالق وادعى أنه أراد ان دخلت الدار (والثانى) أنه يقبل لان اللفظ يصلح للتعليل والشرط، فقيل قوله في الجميع (الشرح) وان قال لها أنت طالق إن شئت - فإن قالت في الحال شئت وكانت صادقة وقع الطلاق ظاهرا وباطنا لوجود الصفة، وان كانت كاذبة وقع الطلاق في الظاهر، وهل يقع في الباطن؟ فيه وجهان، أحدهما لا يقع لان قولها شئت إخبار عن مشيئتها بقلبها واختيارها للطلاق، فإذا لم تشأ ذلك بقلبها لم يقع في الباطن. (والثانى) يقع في الباطن لان الصفة قولها شئت وقد وجدت فوقع الطلاق ظاهرا وباطنا كما لو علق الطلاق على دخولها الدار فدخلت وإن قالت شئت ان شئت لم يقع الطلاق سواء شاء الزوج أو لم يشأ لانه علق الطلاق على مشيئتها ولم توجد منها المشيئة، وانما وجد منها تعليق المشيئة بمشيئته، فهو كما لو قالت شئت إذا طلعت الشمس (فرع) وان قال أنت طالق ان شاء زيد، فإن قال زيد على الفور شئت وقع الطلاق، وان لم يشأ على الفور لم يقع الطلاق. وان قال: أنت طالق ان شئت وزيد، فإن قالا في الحال شئنا وقع الطلاق. وان شاء أحدهما دون الآخر لم تطلق لانه علق الطلاق بمشيئتهما. وذلك لا يوجد بمشيئة أحدهما. وان قالت شئت ان شاء زيد، فقال زيد شئت لم تطلق لانها لم يوجد منها المشيئة، وانما وجد منها تعليق المشيئة.

(فرع) وإن علق الطلاق على مشيئتها فشاءت وهى مجنونة لم تطلق لان المجنونة لا مشيئة لها، وان شاءت وهى سكرى فهى كما لو طلق السكران، وإن شاءت وهى صغيرة ففيه وجهان. قال ابن الحداد لا تطلق، لان ذلك خبر عن مشيئتها واختيارها للطلاق والصغيرة لا يقبل خبرها (والثانى) تطلق، لان الصفة قولها شئت وقد وجد ذلك منها، فهو كما لو علق الطلاق على دخولها الدار فدخلت ولان لها مشيئة، ولهذا يرجع إلى اختيارها لاحد الابوين وان كانت خرساء فأشارت إلى المشيئة وقع الطلاق، كما إذا أشار الاخرس إلى الطلاق. وان كانت ناطقة فخرست فأشارت ففيه وجهان (أحدهما) لا يقع الطلاق، لان مشيئتها كانت بالنطق (والثانى) يقع اعتبارا بحالها وقت المشيئة. وان قال أنت طالق ان شاء الحمار فهو كما لو قال أنت طالق ان طرت أو صعدت وقد مضى تخريجنا لقولي الامام الشافعي والربيع * * * (فرع) وان قال أنت طالق ان كنت تحبيننى، أو ان كنت تبغضيننى، أو ان كنت معتقدة لكذا أو محبة لكذا، رجع في ذلك إليها لانه لا يعلم الا من جهتها قال الصيمري: وان قال لغريمه امرأتي طالق ان لم أجرك على الشوك، ولا نية له فقد قيل: إذا ماطله مطالا بعد مطال بر في يمينه وان قال أنت طالق لفلان أو لرضى فلان ولا نية له طلقت في الحال، لان معناه لاجل فلان، ولكى يرضى فلان، فصار كقوله لعبده: أنت حر لله، أو لرضى الله، هكذا أفاده العمرانى وان قال أردت أن رضى فلان شرط في وقوع الطلاق، فهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقبل لانه يعدل بالكلام عن ظاهره فلم يقبل، كما لو قال أنت طالق ثم قال أردت إذا دخلت الدار، فعلى هذا يدين فيما بينه وبين الله تعالى لانه يحتمل ما يدعيه. (والثانى) يقبل في الحكم، لان قوله أو لرضى فلان يحتمل التعليل والشرط فإذا أخبر انه أراد أحدهما قبل منه ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال: ان كلمتك أو دخلت دارك فأنت طالق، طلقت بكل واحدة من الصفتين، وان قال ان كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق لم تطلق الا بوجودهما، سواء قدم الكلام أو الدخول، لان الواو تقتضي الجمع دون الترتيب. وان قال: ان كلمتك فدخلت دارك فأنت طالق، لم تطلق الا بوجود الكلام والدخول. والتقديم للكلام على الدخول، لان الفاء في العطف للترتيب فيصير كما لو قال: ان كلمتك ثم دخلت دارك فأنت طالق: وان قال: ان كلمتك وان دخلت دارك فأنت طالق طلقت بوجود كل واحدة منهما طلقة، لانه كرر حرف الشرط فوجب لكل واحدة منهما جزاء وان قال لزوجتين ان دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان، فدخلت احداهما احدى الدارين دخلت الثانية الدار الاخرى ففيه وجهان (أحدهما) تطلقان لان دخول الدارين وجد منهما (والثانى) لا تطلقان وهو الصحيح: لانه علق طلاقه بدخول الدارين فلا تطلق واحدة منهما بدخول احدى الدارين، كما لو علق طلاق كل واحدة منهما بدخول الدارين بلفظ مفرد. وان قال: ان أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقان، فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فعلى الوجهين (فصل) وان قال أنت طالق ان ركبت ان لبست لم تطلق الا باللبس والركوب، ويسميه أهل النحو اعتراض الشرط على الشرط، فإن لبست ثم ركبت طلقت، وان ركبت ثم لبست لم تطلق لانه جعل اللبس شرطا في الركوب فوجب تقديمه. وان قال أنت طالق إذا قمت إذا قعدت لم تطلق حتى يوجد القيام والقعود، ويتقدم القعود على القيام لانه جعل القعود شرطا في القيام. وان قال ان أعطيتك ان وعدتك ان سألتنى فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطيه لانه شرط في العطيه الوعد، وشرط في الوعد السؤال، وكأن معناه ان سألتنى شيئا فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق. وان قال ان سألتنى ان أعطيتك ان وعدتك

فأنت طالق لم تطلق حتى تسأل ثم يعدها ثم يعطيها، لان معناه إن سألتنى فأعطيتك إن وعدتك فأنت طالق (فصل) وإن قال أنت طالق أن دخلت الدار، بفتح الالف أو أنت طالق أن شاء الله بفتح الالف، وممن يعرف النحو طلقت في الحال، لان معناه أنت طالق لدخولك الدار أو لمشيئة الله عز وجل طلاقك. وان قال أنت طالق إذ دخلت الدار، وهو ممن يعرف النحو طلقت في الحال لان إذ لما مضى (الشرح) إن قال لها: إن كلمتك أو دخلت دارك فأنت طالق، فإن كلمها أو دخل دارها طلقت، وان قال ان كلمتك ودخلت دارك فأنت طالق لم تطلق إلا بالدخول والكلام، سواء تقدم الدخول أو الكلام، لان الواو تقتصى الجمع دون الترتيب. وان قال: ان كلمتك فدخلت دارك فأنت طالق لم تطلق حتى يكلمها ويدخل دارها، ويكون دخوله الدار عقيب كلامها. لان حكم الفاء في العطف الترتيب والتعقيب. وإن قال لها أنت طالق أن كلمتك ثم دخلت دارك لم تطلق حتى يكلمها ويدخل دارها بعد كلامها بمدة، سواء طالت المدة أو لم تطل، لان ثم تقتضي الترتيب والمهلة. وان قال: ان كلمتك وان دخلت دارك فأنت طالق طلقت بكل واحد منهما طلقة، لانه كرر حرف الشرط فكان لكل واحد منهما جزاؤه (فرع) وان قال لامرأتين له ان دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان، فإن دخلت كل واحدة منهما الدار طلقتا، وان دخلت احداهما احدى الدارين والاخرى الدار الاخرى ففيه وجهان (أحدهما) يطلقان لانهما دخلتا الدارين (والثانى) لا تطلق واحدة منهما لانه يقتضى دخول كل واحدة منهما الدارين. وان قال لهما: أنتما طالقتان ان ركبتما هاتين السيارتين فركبت كل واحدة منهما سيارة، فعلى الوجهين في الاولة. وان قال: ان أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقان، فأكلت كل واحدة منهما رغيفا. قال الشيخ أبو إسحاق: فيه وجهان كالدارين قال ابن الصباغ: وينبغى أن يقع الطلاق ههنا وجها واحدا، لان اليمين لا تنعقد على أن تأكل كل واحدة

منهما الرغيفين بخلاف دخول الدارين. وان قال لها أنت طالق ان أكلت هذا الرغيف وأنت طالق ان أكلت نصفه، وأنت طالق ان أكلت ربعه. فإن أكلت جميع الرغيف طلقت ثلاثا. قال الصيمري وان أكلت نصفه طلقت ثلاثا، ولم يذكر وجهه، فيحتمل أنه أراد لانه وجد بأكل نصفه ثلاث صفات: أكل نصفه وأكل ربعه وأكل ثلثه، الا أن حرف " ان " لا يقتضى التكرار، ألا ترى أنه لو قال: أنت طالق ان أكلت ربعه فأكلت نصفه لم تطلق الا واحدة، فينبغي أن لا تطلق الا طلقتين لانه وجد صفتان، وهو أكل ربعه وأكل نصفه (فرع) قال ابن الصباغ: إذا قال ان دخلت الدار وان دخلت هذه الاخرى فأنت طالق لم تطلق الا بدخولهما، لانه علق الطلاق بدخولهما. وان قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار وان دخلت الاخرى طلقت بدخول كل واحدة منهما ويفارق الاولى. لانه جعل جوابا لدخولهما. (مسألة) قوله: وان قال أنت طالق ان ركبت ان لبست لم تطلق الا باللبس والركوب الخ، فمثاله إذا قال: أنت طالق ان كلمت زيدا ان كلمت عمرا ان ضربت بكرا، لم تطلق حتى تضرب بكرا أولا. ثم تكلم عمرا ثم تكلم زيدا، لان الشرط دخل على الشرط فتعلق الاول بالثاني، كقوله تعالى " ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم " وتقديره ان كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي ان أردت أن انصح لكم. وان قال: ان أكلت ان دخلت الدرا فأنت طالق، أو أنت طالق ان أكلت متى دخلت الدار أو متى أكلت متى دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار أولا ثم تأكل لما ذكرناه، فكذلك إذا قال لها أنت طالق ان ركبت ان ليست لم تطلق حتى تلبس ثم تركب. وان قال أنت طالق إذا قمت إذا قعدت لم تطلق حتى تقعد أولا ثم تقوم. وان قال: أنت طالق ان أعطيتك ان وعدتك ان سألتنى لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها، ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط فيقتضى تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لانه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذى قبله.

(مسألة) قوله: وان قال أنت طالق أن دخلت الدار الخ فجملة ذلك أن الذى ذكره الشيخ أبو حامد أنه إن لم يكن الحالف من أهل الاعراب كان ذلك بمنزلة قوله: إن بكسر الهمزة، وان كان من أهل الاعراب وقع الطلاق في الحال لان أن المفتوحة ليست للشرط، وإنما هي للتعليل، كأنه قال: أنت طالق لانك دخلت الدار أو لانك كلمتني إذا قال أنت طالق أن كلمتني. وقد جاءت أن للتعليل في القرآن في مواضع كثيرة منها على سبيل المثال قوله تعالى " يمنون عليك أن أسلموا " " وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا " " وتخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " وقال القاضى أبو الطيب: يقع الطلاق في الحال إلا إن كان الحالف من غير أهل الاعراب وقال: أردت به الشرط فيقبل، لان الظاهر أنه إذا لم يكن من أهل الاعراب أنه لا يفرق بين المفتوحة والمكسورة. قال ابن الصباغ: وهذا أولى، لانه قبل أن يتبين لنا مراده يجب حمل اللفظة على مقتضاه في اللغة، فلا يكون عدم معرفته بالكلام بصارف عما يقتضيه بغير قصده. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وإن قال إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء لم تطلق حتى تدخل الدار لان الشرط ثبت بقوله: إن دخلت الدار، ولهذا لو قال أنت طالق إن دخلت الدار ثبت الشرط، وان لم يأت بالفاء. وان قال: ان دخلت الدار فأنت طالق. وقال أردت ايقاع الطلاق في الحال قبل من غير يمين لانه اقرار على نفسه. وان قال أردت أن أجعل دخولها الدار وطلاقها شرطين لعتق أو طلاق آخر ثم سكت عن الجزاء قبل قوله مع اليمين، لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال أردت الشرط والجزاء وأقمت الواو مقام الفاء قبل قوله مع اليمين لانه يحتمل ما يدعيه وان قال: وان دخلت الدار فأنت طالق. وقال أردت به الطلاق في الحال قبل قوله من غير يمين لانه اقرار بالطلاق. وان قال أردت تعليق الطلاق بدخول الدار قبل قوله مع يمينه، لانه يحتمل ما يدعيه.

(فصل) إذا قال لزوجته وأجنبية احداكما طالق، ثم قال أردت به الاجنبية قبل قوله مع اليمين، وان كانت له زوجة اسمها زينب وجارة اسمها زينب، فقال زينب طالق، وقال أردت بها الجارة لم يقبل، والفرق بينهما أن قوله احداكما طالق صريح فيهما، وانما يحمل على زوجته بدليل، وهو أنه لا يطلق غير زوجته فإذا صرفه إلى الاجنبية فقد صرفه إلى مالا يقتضيه تصريحه فقبل منه، وليس كذلك قوله زينب طالق، لانه ليس بصريح في واحدة منهما، وانما يتناولهما من جهة الدليل وهو الاشتراك في الاسم، ثم يقابل هذا الدليل دليل آخر وهو أنه لا يطلق غير زوجته، فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه. (فصل) وان كانت له زوجتان اسم احداهما حفصه واسم الاخرى عمرة فقال يا حفصة فأجابته عمرة، فقال لها أنت طالق، ثم قال أردت طلاق حفصة وقع الطلاق على عمرة بالمخاطبة وعلى حفصة باعترافه بأنه أراد طلاقها. وان قال ظننتها حفصة فقلت أنت طالق طلقت عمرة ولم تطلق حفصه لانه لم يخاطبها ولم يعترف بطلاقها، وان رأى امرأة اسمها حفصة فقال: حفصة طالق ولم يشر إلى التى رآها وقع الطلاق على زوجته حفصة ولم يقبل قوله لم أردها، لان الظاهر أنه أراد طلاق زوجته، ولم يعارض هذا الظاهر غيره (الشرح) قال أبو العباس بن سريج: وان قال ان دخلت الدار أنت طالق (بحذف الفاء) لم تطلق حتى تدخل الدار. وقال محمد بن الحسن يقع الطلاق في الحال. دليلنا أن الشرط يثبت بقوله ان دخلت الدار. ولهذا لو قال: أنت طالق ان دخلت الدار ثبت الشرط وان لم يأت بالفاء..وان قال. ان دخلت الدار وأنت طالق، سئل فإن قال: أردت الطلاق في الحال قبل قوله من غير يمين لانه أقر بما هو أغلظ عليه. وان قال: أردت دخولها الدار وطلاقها شرطين لعتق أو طلاق غيرها. وهو أنى أردت ان أقول ان دخلت الدار وانت طالق فامرأتي الاخرى طالق أو عبدى حر، ثم سكت عن طلاق الاخرى عن عتق العبد قبل قوله مع يمينه، لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال: اردت ان اقول: ان دخلت الدار فأنت طالق وأقمت الواو مقام

القاف قبل قوله مع يمينه، لانه يحتمل ما يدعيه. (مسألة) ان قال لامرأته وأجنبيه إحداكما طالق سئل عن ذلك، فإن قال أردت به الزوجة قبل. وان قال: أردت به الأجنبية وقالت الزوجة بل أردتني فالقول قوله مع يمينه أنه ما أرادها وإنما أراد الاجنبية لان الطلاق إنما يقع على امرأته بأن يشير إليها أو يصفها. وقوله: إحداكما، ليس بإشارة إليها ولا بصفة لها فلم يقع عليها الطلاق، وان كانت له زوجه اسمها زينب وجارة اسمها زينب فقال زينب طالق، وقال أردت الجارة. وقالت زوجته بل أردتني، فهل يقبل قوله في الحكم مع يمينه؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال القاضى ابو الطيب: يقبل قوله مع يمينه، كما لو قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق. وقال أكثر أصحابنا: لا يقبل لان هذا الاسم يتناول زوجته وجارته تناولا واحدا، فإذا أوقع الطلاق على من هذا اسمها كان منصرفا في الظاهر إلى زوجته ويخالف قوله إحداكما لانه لا يتناول زوجته والاجنبية تناولا واحدا، وانما يتناول إحداهما دون الاخرى، فإذا أخبر انه أراد به الاجنبية دون زوجته قبل منه لان دعواه لا تخالف الظاهر. (مسألة) وان كان له زوجتان زينب وعمرة، فقال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق سئل عن ذلك فإن قال: علمت أن التى أجابتني عمرة، ولكني لم أرد طلاقها وانما أردت طلاق زينب، طلقت زينب ظاهرا وباطنا، لانه اعترف انه طلقها. وطلقت عمرة في الظاهر لانه خاطبها بالطلاق، فالظاهر انه أراد طلاقها ويدبن فيما بينه وبين الله تعالى، لان ما قاله يحتمل ذلك. وان قال: ان التى أجابتني عمرة بل ظننتها زينب وأنا طلقت، قال الشيخ ابو حامد فالحكم فيها كالاولة وهو أن زينب تطلق ظاهرا وباطنا لاعترافه بذلك، وتطلق عمرة في الظاهر دون الباطن لانه واجهها بالخطاب بالطلاق وان قال: طلقت التى أجابتني ولكن ظننتها زينب طلقت عمرة ولم تطلق زينب لانه أشار إلى عمرة، وان ظنها زينب فهو كما لو قال لاجنبية أنت طالق وقال ظننتها زوجتى لم تطلق زوجته لان الطلاق انصرف بالاشارة إلى التى أشار

إليها دون التى ظنها. وإن قال أردت عمرة وإنما ناديت زينب لآمرها بحاجة طلقت عمرة لانه خاطبها ولا تطلق زينب لان النداء لا يدل على الطلاق. وان قال يا زينب أنت طالق وأشار إلى عمرة سئل عن ذلك، فإن قال قد علمت أن التى أشرت إليها عمرة، ولكني لم أردها بالطلاق وانما أردت طلاق زينب طلقت زينب ظاهرا وباطنا لاعترافه بذلك. وطلقت عمرة في الظاهر لاشارته بالطلاق إليها، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، لان الحال يحتمل ما يدعيه. وإن قال لم أعلم أن هذه التى أشرت إليها عمرة بل ظننتها زينب، ولم أرد بالطلاق إلا هذه التى أشرت إليها طلقت عمرة ولا تطلق زينب لانه قد أشار بالطلاق إليها ولم يرد به غيرها، واعتقاده أن هذه المشار إليها زينب لا يضر، كما لو قال لاجنبية أنت طالق وقال ظننتها زوجتى، فان زوجته لا تطلق (فرع) وإن كان له زوجتان زينب وعمرة، فقال كلما ولدت إحداكما ولدا فأنتما طالقان، فولدت زينب يوم الخميس ولدا ثم ولدت عمرة يوم الجمعة وقع على كل واحدة منهما طلقة ثانية، فلما ولدت زينب يوم السبت وقع على عمرة طلقة ثالثة، ولم يقع على زينب بذلك طلاق لان عدتها انقضت بوضعه إلا على الحكاية التى حكاها ابن خيران، فلما ولدت عمرة يوم الاحد انقضت عدتها به. قال المصنف رحمه الله: (فصل) إذا قال لامرأته: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم قال لها أنت طالق، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يقع عليها طلقة بقوله أنت طالق ولا يقع من الثلاث قبلها شئ، كما إذا قال لها: إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم ارتدت انفسخ نكاحها ولم يقع من الثلاث شئ ومنهم من قال يقع بقوله: أنت طالق طلقة وطلقتان من الثلاث وهو قول أبى عبد الله الخن لانه يقع بقوله أنت طالق طلقه ويقع ما بقى بالشرط وهو طلقتان ومنهم من قال لا يقع عليها بعد هذا القول طلاق، وهو قول أبى العباس بن سريج وابى بكر بن الحداد المصرى والشيخ أبى حامد الاسفراينى والقاضى أبى الطيب الطبري. وهو الصحيح عندي

والدليل عليه أن إيقاع الطلاق يؤدى إلى إسقاطه، لانا إذا أوقعنا عليها طلقة لزمنا أن نوقع عليها قبلها ثلاثا بحكم الشرط. وإذا وقع قبلها الثلاث لم تقع الطلقه وما أدى ثبوته إلى نفيه سقط. ولهذا قال الشافعي رحمه الله فيمن زوج عبده بحرة بألف درهم وضمن صداقها، ثم باع العبد منها بتلك الالف قبل الدخول أن البيع لا يصح لان صحته تؤدى إلى إبطاله، فإنه إذا صح البيع انفسخ النكاح بملك الزوج، وإذا انفسخ النكاح سقط المهر، لان الفسخ من جهتها، وإذا سقط المهر سقط الثمن، لان الثمن هو المهر، وإذا سقط الثمن بطل البيع. فأبطل البيع حين أدى تصحيحه إلى إبطاله فكذلك ههنا. ويخالف الفسخ بالردة فإن الفسخ لا يقع بإيقاعه وإنما تقع الردة والفسخ من موجباتها. والطلاق الثلاث لا ينافى الردة، فصحت الردة وثبت موجبها وهو الفسخ، والطلاق يقع بإيقاعه، والثلاث قبله تنافيه فمنع صحته فعلى هذا إن حلف على امرأته بالطلاق الثلاث أنه لا يفعل شيئا وأراد أن يفعله ولا يحنث فقال: إذا وقع على امرأتي طلاقي فهى طالق قبله ثلاثا ففيه وجهان (أحدهما) يحنث إذا فعل المحلوف عليه لان عقد اليمين صح فلا يملك رفعه (والثانى) لا يحنث، لانه يجوز أن يعلق الطلاق على صفة ثم يسقط حكمه بصفة أخرى. والدليل عليه أنه إذا قال: إذا دخل رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا صحت هذه الصفة ثم يملك إسقاطها بأن يقول أنت طالق قبل انقضاء الشهر بيوم (الشرح) إذا قال لامرأته: متى وقع عليك طلاقي أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم قال لها: أنت طالق، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يقع عليها الطلاق الذى باشر ايقاعه، وحكاه القاضى أبو الطيب عن أبى العباس بن سريج، وحكاه العمرانى عن ابن القاص (1) وقال: هو اختيار

_ (1) غلط ابن قدامة في المغنى من أمهات كتب الحنابلة في ذكره خلافا بين ابن القاص وابن سريج من أصحابنا حيث قال الاول بوقوع الطلقه المباشرة وعدم وقوع الطلاق المعلق في زمن قبله. وقال الثاني لا يقع طلاق مطلقا، لان وقوع الواحدة تقتضي وقوع الثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فإثباتها يؤدى إلى نفيها فلا تثبت. اه الجزء السابع ص 268 مطبعة الامام، والصواب ما ذكره ممحصا عن أصحابنا هنا والله تعالى اعلم.

ابن الصباغ، لانه زوج مكلف أوقع الطلاق مختارا فوجب أن يقع، ولا يقع الثلاث قبله، لان وقوعها يوجب ارتفاع الطلاق المباشر، ولا يصح رفع طلاق واقع، ولانه لو قال لها: إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم ارتد أو أحدهما أو اشتراها لوقع الفسخ ولم تطلق الثالث قبله كذلك هذا مثله. وقال أبو عبد الله الخنن الاسماعيلي: يقع الطلقه التى باشر إيقاعها، ويقع تمام الثلاث من الثلاث المعلقة بالصفة، وبه قال أصحاب أبى حنيفة وقال أكثر أصحابنا: لا يقع عليها الطلاق المباشر ولا الطلاق بالصفة، بل هذا حيلة لمن أراد أن لا يقع على امرأته بعد ذلك الطلاق. وبه قال المزني والشيخان أبو حامد وأبو إسحاق والقفال وابن الحداد، والقاضى أبو الطيب والمحاملى والصيدلانى وهو ما صححه وأخذ به المصنف وتابعه العمرانى في البيان قالوا لانه لو وقع الطلاق الذى باشر إيقاعه لوقع قبله الثلاث بالصفة، ولو وقع الثلاث قبله لم يقع الطلاق المباشر. وما أدى إثباته إلى إسقاطه سقط قياسا على ما قال الشافعي رضى الله عنه فيمن زوج عبده بحرة بألف في الذمة وضمنها السيد عنه، ثم باع السيد منها زوجها بالالف قبل الدخول أن البيع لا يصح: لان إثبات البيع يؤدى إلى إسقاطه فسقط اثباته، لانها إذا ملكت بفسخ النكاح وإذا انفسخ النكاح سقط المهر، لان الفسخ من جهتها. وإذا سقط المهر سقط الثمن. وإذا سقط الثمن بطل البيع. وأما الجواب عما ذكره الاول فمنتقض بالثلاث المعلقة بالصفة، فإنه قد أوقعها وهو زوج مكلف مختار وأما الفسخ فإنما وقع لان اثباته لا يؤدى إلى اسقاطه بخلاف الطلاق. إذا ثبت هذا فقد ذكر أصحابنا في طلاقي التنافى مسائل إحداهن المسألة التى مضت والثانية ذكرها المزني في المنثور، إذا قال لها: إذا طلقتك طلاقا أملك به عليك الرجعة فأنت طالق قبله ثلاثا، فإن طلق المدخول بها طلقه أو طلقتين بغير عوض لم يقع عليها طلاق، لانه لو وقع عليها ذلك لملك عليها الرجعة، ولو ملك عليها الرجعة لوقع الثلاث قبله، ولو وقع الثلاث قبله لم يقع ما بعده وان أوقع عليها الثلاث أو ما دون الثلاث بعوض، أو كانت غير مدخول بها وقع عليها الطلاق

المباشر لانه لا يملك به الرجعة عليها فلا توجد صفة الثلاث قبله الثالثة: إذا قال لها: إذا طلقتك ثلاثا فأنت طالق قبله ثلاثا، فإن طلقها ثلاثا ان طلقتك غدا، فإن طلقها غدا لم يقع عليها طلاق، وإن طلقها بعد غد وقع عليها ما أوقعه الرابعة: إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة قبلها طلقه فهل يقع عليها طلقه فيه وجهان لما ذكرناه. الخامسة: رجل قال لامرأته: ان لم أحج في هذه السنة فأنت طالق ثلاثا. ثم قال لها قبل أن يحنث: إن حنثت في هذه اليمين فأنت طالق ثلاثا قبل حنثى. قال القاضى أبو الطيب: وهذه تعرف بالعمانية ثم أثيرت في بغداد، واختلف فيها القائلون بأن طلاق التنافى لا يقع، فمنهم من قال: لا تنحل اليمين الاولة. فإن لم يحج في سنته طلقت، لان عقد اليمين قد صح فلم يرتفع. ومنهم من قال تنحل اليمين الاولة قال القاضى أبو الطيب: وأجبت بذلك وبه عمل، لانه يعد هذا القول كقوله قبله، فلو وقع الطلاق بالحنث لوقع الثلاث قبلها، ولو وقع الثلاث قبلها لم يقع الطلاق بالحنث، والقول الاول أن عقد اليمين لم يرتفع لا يصح لانه يجوز أن يعلق الطلاق بصفة ثم يسقط حكمه بصفة أخرى بأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا، ثم يقول أنت طالق طلقه. السادسة: إذا قال لزوجته متى دخلت جاريتي الدار وأنت زوجتى فهى حرة ومتى عتقت فأنت طالق ثلاثا قبل عتقها بثلاثة أيام. ثم دخلت الامة الدار لم تعتق الامة ولم تطلق المرأة، لانا لو أعتقناها لوجدت الصفة بالطلاق والثلاث لانها عتقت، وقد قال لها: إذا عتقت فأنت طالق قبله بثلاثة أيام، وإذا وقع الطلاق الثلاث قبله لم تكن له زوجة في حال دخولها الدار، وإذا لم توجد صفة الحرية لم تعتق، وان لم تعتق لم يقع الطلاق. السابعة: قال ابن الحداد: إذا كان عبد بين شريكين فقال أحدهما للآخر: متى أعتقت نصيبك منه فنصيبي منه حر قبل عتقك إياه بثلاثة أيام وهما موسران فأمهل المقول له ثلاثا فأكثر ثم أعتق نصيبه لم يعمل عتقه، لانه لو عمل لدل

على وقوع عتق صاحبه قبله. ولو وقع عتق صاحبه قبل عتقه لما وقع عتقه. وإذا لم يقع عتقه لم توجد الصفة في وقوع عتق الذى خاطبه. قال القاضى أبو الطيب: لا يحتاج إلى قوله بثلاث، بل يكفى قوله قبل عتقك ولا يحتاج إلى يسار المقول له، وانما يحتاج إلى يسار القائل وحده. فإذا أعتق المقول له نصيبه لم يعتق لانه لو عتق نصيبه لعتق نصيب القائل قبله، ولو عتق نصيب القائل لسرى إلى نصيب المقول له، لانه موسر، وإذا سرى إلى نصيبه لم يصح اعتاقه لنصيبه فكأن إثبات عتق نصيبه يؤدى إلى اسقاطه فسقط حكم إثباته وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) إذا علق طلاق امرأته على صفة من يمين أو غيرها ثم بانت منه ثم تزوجها قبل وجود الصفة ففيه ثلاثة أقوال: (أحدها) لا يعود حكم الصفه في النكاح الثاني، وهو اختيار المزني لانها صفة علق عليها الطلاق قبل النكاح فلم يقع بها الطلاق، كما لو قال لاجنبيه: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها ودخلت الدار (والثانى) أنها تعود ويقع بها الطلاق وهو الصحيح، لان العقد والصفه وجدا في عقد النكاح فأشبه إذا لم يتخللهما بينونه. (والثالث) أنها ان بانت بما دون الثلاث عاد حكم الصفه، وان بانت بالثلاث لم تعد، لان بالثلاث انقطعت علائق الملك، وبما دون الثلاث لم تنقطع علائق الملك ولهذا بنى أحد العقدين على الآخر في عدد الطلاق فيما دون الثلاث ولا يبنى بعد الثلاث. وان علق عتق عبده على صفة ثم باعه ثم اشتراه قبل وجود الصفه ففيه وجهان (أحدهما) أن حكمه حكم الزوجه إذا بانت بما دون الثلاث، لانه يمكنه أن يشتريه بعد البيع كما يمكنه أن يتزوج البائن بما دون الثلاث (والثانى) أنه كالبائن بالثلاث، لان علائق الملك قد زالت بالبيع كما زالت في البائن بالثلاث (فصل) وان علق الطلاق على صفه ثم أبانها ووجدت الصفه في حال البينونه انحلت الصفه، فإن تزوجها لم يعد حكم الصفه. وكذلك إذا علق عتق

عبده على صفة ثم باعه ووجدت الصفة قبل أن يشتريه انحلت الصفة، فإن اشتراه لم يعد حكم الصفة. وقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله: لا تنحل الصفه لان قوله إن دخلت الدار فأنت طالق مقدر بالزوجة. وقوله إن دخلت الدار فأنت حر مقدر بالملك لان الطلاق لا يصح في غير الزوجية والعتق لا يصح في غير ملك فيصير كما لو قال: إن دخلت الدار وأنت زوجتى فأنت طالق، وان دخلت الدار وأنت مملوكي فأنت حر، والمذهب الاول. لان اليمين إذا علقت على عين تعلقت بها، ولا نقدر فيها الملك، والدليل عليه أنه لو قال: ان دخلت هذه الدار فأنت طالق، والدار في ملكه فباعها ثم دخلها وقع الطلاق، ولا يجعل كما لو قال: ان دخلت هذه الدار وهى في ملكى فأنت طالق، فكذلك ههنا. والله أعلم (الشرح) قوله: إذا علق طلاق امرأته على صفة الخ، فجملة ذلك أنه إذا علق طلاقها على صفة فبانت منه قبل وجود الصفة ثم تزوجها ثم وجدت الصفة في النكاح الثاني فهل يعود حكم الصفة وتطلق؟ فيه قولان: قال في القديم: إن أبانها بدون الثلاث عاد حكم الصفه قولا واحدا. وإن أبانها بالثلاث فهل يعود حكم الصفه؟ فيه قولان وقال في الجديد: إن أبانها بالثلاث ثم تزوجها فإن حكم الصفة لا يعود قولا واحدا، وان أبانها بدون الثلاث فهل يعود حكم الصفه؟ فيه قولان، فالقديم أقرب إلى عود الصفه، فحصل في المسألتين ثلاثة أقوال (أحدها) لا يعود حكم الصفه سواء بانت بالثلاث أو بما دونها، وهو اختيار المزني وأبى إسحاق المروزى لقوله صلى الله عليه وسلم " لا طلاق قبل نكاح " فلو قلنا يعود حكم الصفة لكان هذا طلاقا قبل نكاح، لانه عقد قبل هذا النكاح فلم يحكم بوقوعه، كما لو قال لاجنبية: ان دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها ثم دخلت الدار (والثانى) يعود حكم الصفة سواء بانت بالثلاث أو بما دونها، وبه قال أحمد قال الشيخ أبو إسحاق هنا والمحاملى: وهو الصحيح، لان عقد الطلاق والصفه وجدا في ملك فهو كما لو لم يتحللها بثبوته

(والثالث) ان بانت بما دون الثلاث ثم تزوجها عاد حكم الصفة. وإن بانت بالثلاث لم يعد حكم الصفه، وبه قال مالك وابو حنيفة، لانها إذا بانت بما دون الثلاث، فإن أحد النكاحين بائنا على الآخر في عدد الطلاق، فكذلك في حكم الصفة، وإذا بانت بالثلاث فإن أحدهما لا يبين على الآخر في عدد الطلاق فكذلك في حكم الصفة، وإذا بانت بالثلاث فإن أحدهما لا يبين على الآخر في عدد الطلاق فكذلك في حكم الصفه. (فرع) وان قال لعبده: ان دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ثم دخل الدار ففيه وجهان، من أصحابنا من قال: حكمه حكم الزوجة إذا بانت بما دون الثلاث، لانه يمكنه أن يسترده بعد أن باعه كما يمكنه أن يتزوج البائن بما دون الثلاث قبل زوج، فعلى حكم الصفه على قولين. ومنهم من قال حكمه حكم الزوجه إذا بانت بالثلاث، لان علائق الملك قد زالت بالبيع كما زالت بالبينونة بالثلاث فعلى هذا لا يعود حكم الصفة على القول الجديد قولا واحدا، وعلى القول القديم على قولين. (فرع) وان علق طلاق امرأته على صفة بحرف لا يقتضى التكرار، مثل ان قال: ان كلمت زيدا فأنت طالق ثلاثا فأبانها قبل كلامها لزيد فكلمت زيدا في حال البينونة ثم تزوجها، فإن حكم الصفه لا يعود، فإن كلمته بعد النكاح لم تطلق، وهذه حيلة في ابطال تعليق الطلاق الثلاث بصفة بأن يخالعها بما دون الثلاث - أو بلفظ الخلع - إذا قلنا انه فسخ - ثم تؤخذ الصفه في حال البينونة فإن خالف ووطئها تعلق به حكم الوطئ المحرم وانحلت الصفه، وكذلك إذا قال لعبده: ان دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم دخل الدار ثم اشتراه فإن حكم الصفه لا يعود. وقال أبو سعيد الاصطخرى يعود حكم الصفه، وبه قال أحمد ومالك لان عقد الصفه مقدر بالملك فصار كما لو قال: ان دخلت الدار وأنت زوجتى فأنت طالق أو قال لعبده: ان دخلت الدار وأنت عبدى فأنت حر. قال في البيان: وهذا غلط، لان اليمين إذا علقت بصفة فإنها تتعلق بالصفة التى علق بها اللفظ، لا تعتبر صفه أخرى لم يتلفظ بها، كما لو قال لها: ان دخلت هذه

باب الشك في الطلاق واختلاف الزوجين فيه

الدار فأنت طالق، فباع الدار ودخلتها، وإن كان بحرف يقتضى التكرار بأن قال لها: كلما دخلت الدار فأنت طالق فأبانها ودخلت الدار في حال البينونة ثم تزوجها ودخلت الدار في النكاح الثاني لم تطلق بدخولها الدار في حال البينونة، وهل تطلق بدخولها الدار بعد النكاح الثاني؟ على الاقوال الثلاثة في التى قبلها، والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال المصنف رحمه الله: باب الشك في الطلاق واختلاف الزوجين فيه إذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا لم تطلق؟ لان النكاح يقين واليقين لا يزال بالشك. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن الرجل يخيل إليه أنه يحد الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صوتا أو يجد ريحا. والورع أن يلتزم الطلاق لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ " فإن كان بعد الدخول راجعها وان كان قبل الدخول جدد نكاحها، وإن لم يكن له فيها رغبة طلقها لتحل لغيره بيقين، وإن شك في عدده بنى الامر على الاقل، لما روى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أواحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، وان لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبنى على اثنتين، وإن لَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ على ثلاث، ويسجد سجدتين قبل أن يسلم " فرد إلى الاقل. ولان الاقل يقين والزيادة مشكوك فيها فلا يزال اليقين بالشك، والورع أن يلتزم الاكثر، فإن كان الشك الثلاث وما دونها طلقها ثلاثا حتى تحل لغيره بيقين. (فصل) وإن كانت له امرأتان فطلق احداهما بعينها ثم نسيها أو خفيت عليه عينها، بأن طلقها في ظلمة أو من وراء حجاب، رجع إليه في تعيينها لانه هو المطلق، ولا تحل له واحدة منهما قبل أن يعين ويؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين لانهما محبوستان عليه، فإن عين الطلاق في إحداهما فكذبتاه حلف للاخرى:

لان المعينة لو رجع في طلاقها لم يقبل. وإن قال طلقت هذه لا بل هذه طلقتا في الحكم، لانه أقر بطلاق الاولى ثم رجع إلى الثانية، فقبلنا إقراره بالثانية ولم يقبل رجوعه في الاولى، وإن كان ثلاثا فقال: طلقت هذه لا بل هذه لا بل هذه طلقن جميعا. وإن قال طلقت هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الثالثة وواحدة من الاوليين وأخذ بتعيينها لانه أقر أنه طلق إحدى الاوليين، ثم رجع إلى أن المطلقة هي الثالثة فلزمه ما رجع إليه ولم يقبل رجوعه عما أقر به. وإن قال طلقت هذه لا بل هذه أو هذه طلقت الاولى وواحدة من الاخريين. وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ ببيان الطلاق في الاولى والاخريين، فإن عين في الاولى بقيت الاخريان على النكاح. وإن قال لم أطلق الاولى طلقت الاخريان، لان الشك في الاولى والاخريين فهو كما لو قال: طلقت هذه أو هاتين، ولا يجوز له أن يعين بالوطئ، فإن وطئ إحداهما لم يكن ذلك تعيينا للطلاق في الاخرى، فيطالب بالتعيين بالقول، فإن عين الطلاق في الموطوءة لزمه مهر المثل، وإذا عين وجبت العدة من حين الطلاق (فصل) وان طلق احدى المرأتين بغير عينها أخذ بتعيينها ويؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين، وله أن يعين الطلاق فيمن شاء منهما. فإن قال هذه لا بل هذه طلقت الاولى ولم تطلق الاخرى لان تعيين الطلاق إلى اختياره وليس له أن يختار: لا واحدة، فإذا اختار إحداهما لم يبق له اختيار، وهل له أن يعين الطلاق بالوطئ فيه وجهان (أحدهما) لا يعين بالوطئ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لان إحداهما محرمة بالطلاق فلم يتعين بالوطئ كما لو طلق احداهما بعينها ثم أشكلت فعلى هذا يؤخذ بعد الوطئ بالتعيين بالقول، فإن عين الطلاق في الموطوءة لزمه المهر (والثانى) يتعين. وهو قول أبى اسحاق واختيار المزني وهو الصحيح لانه اختيار شهوة، والوطئ قد دل على الشهوة. وفى وقت العدة وجهان (أحدهما) من حين يلفظ بالطلاق، لانه وقت وقوع الطلاق (والثانى) من حين التعيين، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رحمه الله تعالى، لانه وقت تعيين الطلاق.

(فصل) وإن ماتت الزوجتان قبل التعيين وبقى الزوج وقف من مال كل واحدة منهما نصف الزوج، فإن كان قد طلق إحداهما بعينها فعين الطلاق في إحداهما أخذ من تركة الاخرى ما يخصه، وإن كذبه ورثتها فالقول قوله مع يمينه وان كان قد طلق إحداهما بغير عينها فعين الطلاق في إحداهما دفع إليه من مال الاخرى ما يخصه، وإن كذبه ورثها فالقول قوله من غير يمين، لان هذا اختيار شهوة. وقد اختار ما اشتهى. وإن مات الزوج وبقيت الزوجتان وقف لهما من ماله نصيب زوجة إلى أن يصطلحا لانه قد ثبت إرث إحداهما بيقين، وليست إحداهما بأولى من الاخرى فوجب أن يوقف إلى أن يصطلحا، لانه قد ثبت إرث إحداهما بيقين، فإن قال وارث الزوج أنا أعرف الزوجة منهما ففيه قولان (أحدهما) يرجع إليه لانه لما قام مقامه في استلحاق النسب قام مقامه في تعيين الزوجة (والثانى) لا يرجع إليه، لان كل واحدة منهما زوجة في الظاهر، وفى الرجوع إلى بيانه اسقاط وارث مشارك، والوارث لا يملك اسقاط من يشاركه في الميراث. واختلف أصحابنا في موضع القولين فقال أبو إسحاق: القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت، وفيمن طلق احداهما من غير تعيين. ومنهم من قال: القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت لانه اخبار فجاز أن يخبر الوارث عن الموروث. وأما إذا طلق احداهما من غير تعيين فإنه لا يرجع إلى الوارث قولا واحدا لانه اختيار شهوة، فلم يقم الوارث فيه مقام الموروث كما لو أسلم تحته أكثر من أربع نسوة ومات قبل أن يختار أربعا منهن. (الشرح) حديث عبد الله بن زيد، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أبو محمد الانصاري النجارى المازنى عم عباد بن تميم وحديثه هذا أخرجه البخاري في الطهارة عن على بن عبد الله وعن أبى الوليد وفى البيوع عن أبى نعيم، وأخرجه مسلم في الطهارة عن زهير بن حرب وعمر والناقد وأبو داود فيه عن قتيبة ومحمد ابن أحمد بن أبى خلف، وعند النسائي فيه عن قتيبة وعند ابن ماجه فيه عن محمد ابن الصباح. وأما حديث " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " فقد أخرجه أحمد في مسنده عن أنس، والنسائي عن الحسن بن على الطبراني عن وابصة بن معبد

والخطيب البغدادي عن ابن عمر وأخرج بن قانع في معجمه عن الحسن بن على مرفوعا " دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق ينجى " وأخرج أحمد في مسنده والترمذي وابن حبان عن الحسن بن على مرفوعا " دع ما يريبك إلى مالا يريبك فان الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة " وقال في النهاية " يريبك " يروى بالفتح وضمها قال المناوى: وفتحها أكثر. وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فقد رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد أخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدرى، ورواه البخاري عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مسعود بنحوه، أما الشك فإنه التجويز المرجوح والظن هو التجويز الراجح، والوهم هو تردد الخاطر بين الظن والشك، وأما اليقين فهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع فهذه هي مراتب العلم وما يعتورها من حديث النفس أما الاحكام: فإذا شك الرجل هل طلق إمرأته أم لا لم يلزمه الطلاق وهو إجماع، لان الاصل بقاء النكاح وعدم الطلاق. قال الشافعي رضى الله عنه: والورع والاحتياط أن يحدث نفسه. فان كان يعرف من عادته أنه إذا طلق إمرأته طلق واحدة أو اثنتين راجعها. وإن كان يعرف من عادته أنه يطلق الثلاث طلقها ثلاثا لتحل لغيره بيقين، وان تيقن أنه طلق إمرأته وشك هل طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ لم يلزمه إلا الاقل، والورع أن يلتزم الاكثر وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وأحمد بن حنبل وقال مالك وأبو يوسف: يلزمه الاكثر. دليلنا: أن ما زاد على القدر الذى يتيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه، كما لو شك في أصل الطلاق، (مسألة) إذا كان تحته زوجتان فطلق إحداهما وجهلها نظرت، فان طلق إحداهما بعينها ثم نسيها، أو رأى شخصها في كلة (1) أو سمع كلامها فقال لها: أنت طالق ولم يدر أيتهما هي فانه يتوقف عن وطئهما حتى يتبين عين المطلقة منهما لانه قد تحقق التحريم في إحداهما فلم يحل له وطؤ واحدة منهما قبل البيان كما لو اختلطت إمرأته بأجنبية فلم يعرفها، ويرجع في البيان إليه لانه هو المطلق،

_ (1) الكلة هي ما يسمى بالناموسية، وهى غلالة رقيقة تضرب فوق السرير كالقبة ولا تحجب ما وراءه لشفافيتها.

فكان أعرف بعين من طلقها، وليس البيان إلى شهوته وهو أن يعين الطلاق فيمن يشتهى منها، وإنما يرجع إلى نفسه ويتذكر من التى طلقها منهما، ويستدل على ذلك من نفسه، فيخبر عنها، ويؤخذ بنفقتهما لانهما محبوستان عليه. فان قال: طلقت هذه حكم عليها بالطلاق من حين طلق، ويكون ابتداء عدتها من ذلك الوقت، لا من حين عين، لانه أخبر عن عين المطلقة منهما وقت طلاقه فان كذبته المعينة لم يفد تكذيبها له، وإن كذبته الاخرى وادعت أنها هي المطلقة حلف لها، لان الاصل عدم طلاقها، وان أقر أن التى طلقها هي الثانية بعد الاولة حكم بطلاقهما بإقراره، فإن قال: طلقت هذه، لا: بل هذه طلقتا جميعا في الحكم لانه أقر بطلاق الاوله فقبل ثم رجع عن ذلك وأخبر بطلاق الثانية فلزمه حكم اقراره الثاني ولم يقبل رجوعه عن طلاق الاوله. وان قال: لم أطلق هذه - قال الشيخ أبو حامد: - حكم عليه بطلاق الاخرى لانا قد تيقنا أنه طلق احداهما، فإذا قال: لم أطلق هذه، كان اعترافا منه بأن التى طلقها هي الاخرى. (فرع) وان كن ثلاث زوجات فطلق واحدة بعينها وأشكلت فقال: طلقت هذه، لا: بل هذه، أو طلقت هذه، بل هذه هذه، طلقن جميعا، لانه أقر بطلاق الاوله ثم رجع عن طلاقها وأقر بطلاق الثانية ثم رجع عن طلاقها وأقر بطلاق الثالثة فلزمه حكم اقراره، ولم يقبل رجوعه كما لو قال: على درهم بل دينار بل ثوب. وان قال: طلقت هذه بل هذه أو هذه، طلقت الاوله وواحدة من الاخريين ولزمه أن يعين الطلاق في احدى الاخريين، وان قال: طلقت هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الثالثة واحدى الاولتين، ويلزمه التعيين في احدى الاولتين. وان قال طلقت هذه وهذه أو هذه طلقت الاولتان أو الثالثة، ولزمه البيان. وان قال: هذه أو هذه وهذه، طلقت الاوله أو الاخريان ويلزمه البيان. وقال أبو العباس بن سريج: تطلق الثالثه. واحدى الاولتين لانه عدل عن لفظ الشك إلى واو العطف، فينبغي أن لا تشاركها في الشك فتكون معطوفة

على الجملة، وإن كن أربعا فقال طلقت هذه أو هذه بل هذه أو هذه طلقت إحدى الاولتين وإحدى الاخرتين وأخذ ببيانهما. وان قال: هذه ثم قال بعد ذلك: لا أدرى أن التى عينتها هي المطلقة أو غيرها لزمه الطلاق في التى عينها ووقف عن وطئ الباقيات إلى أن يبين أن التى طلقها هي التى عين أو غيرها وان قال: التى عينتها ليست المطلقة لم يقبل رجوعه عن طلاقه ولزمه أن يعين واحدة من الباقيات للطلاق، لان هذا يضمن الاقرار بأن واحدة من الباقيات مطلقة فلزمه بيانها، وان وطئ احداهن لم يكن ذلك تعيينا للطلاق في عين الموطوءة، لان الطلاق لا يقع بالفعل فكذلك لا يقع بالفعل ويؤخذ بالبيان، فان عين الطلاق في عين الموطوءة علمنا أنه انما وطئ زوجته، وان عين الطلاق في الموطوءة، وجب عليه لها مهر المثل للوطئ بعد الطلاق لانه وطئ شبهة، وأما إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها بأن قال: احداكن طالق ولم يعين بقلبه واحدة بعينها منهن وقع الطلاق على واحدة منهن لا بعينها، لان الطلاق يقع مع الجهاله. وقال مالك: يقع على جميعهن: دليلنا أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يقع على الجماعة كما لو عينها. إذا ثبت هذا: فإنه يوقف عن وطئهن حتى يعين المطلقة منهن لانا نتحفق التحريم في واحدة منهن لا بعينها، فوقف عن وطئهن كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها ويوجد تعيين المطلقة منهن لتتميز المطلقة من غير المطلقة وله أن يعين الطلاق فيمن اشتهى منهن لانه أوقع الطلاق على واحدة لا بعينها فكان له التعيين فيمن اختار بخلاف الاولة، فإنه أوقع الطلاق على واحدة بعينها، وانما أشكلت فكذلك قلنا: لا بعينها فيمن اشتهى منهن. إذا ثبت هذا: فإن قال: طلقت هذه تعين فيها الطلاق، وان قال: هذه التى لم أطلقها وكانتا اثنتين طلقت الاولة، فإن ذلك اخبار منه عمن طلقها بعينها، فإذا أخبر بطلاق واحدة ثم رجع عنها إلى الثانيه لزمه حكم اقراره في الثانيه، ولم يقبل رجوعه عن الاوله، وان وطئ احداهما، فهل يكون وطوءه لها بيانا لامساكها واختيار الطلاق في الاخرى إذا كانتا اثنتين؟ فيه وجهان.

(أحدهما) لا يكون تعيينا لانه وطئ فلم تتعين به المطلقة، كما لو طلق واحدة بعينها وجهلهما أو أنسيها. (والثانى) يكون تعيينا وهو الاصح، لان هذا اختيار شهرة فوقع بالوطئ كما لو وطئ البائع الجارية المبيعة في حال الخيار. وقال أحمد بن حنبل: لا تتعين المطلقة بالقول ولا بالوطئ، وإنما تتعين بالقرعة. دليلنا أن القرعة لا مدخل لها في الزوجات في أصل الشرع. إذا ثبت هذا: وعين الطلاق في واحدة فمتى وقع عليها الطلاق؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يقع عليها من حين ايقاعه لان الطلاق لا يجوز أن يكون في الذمة وانما لم يتعين، فإذا عينها تبينا أن الطلاق وقع من حين الايقاع، فعلى هذا يكون ابتداء عدتها من ذلك الوقت (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه وقع عليها من حين التعيين، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. لان الطلاق لم يوقعه على واحدة منهن، بدليل أن له أن يختار التعيين. فعلى هذا يكون ابتداء عدتها من وقت التعيين. وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: وقع الطلاق من حين الايقاع، الا أن العدة من وقت التعيين، كما نقول فيمن نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها (فرع) إذا كان له زوجات فقال: زوجتى طالق ولم يعين واحدة بقلبه وقع الطلاق على واحدة منهن لا بعينها وبه قال عامة العلماء، وقال أحمد: يقع الطلاق على جميعهن، وحكى ذلك عن ابن عباس. دليلنا أنه أوقع الطلاق على واحدة فلا يقع على جميعهن، كما لو قال: احدى نسائى طالق. إذا ثبت هذا: فانه يرجع في البيان إليه على ما سبق أن قررنا أما معرفة وارت الزوج لاحدى الزوجتين، واخبار الوارت عن الموروت فسنتناول ذلك في الفصل بعده ان شاء الله خشية التكرار. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان طالق احدى زوجتيه ثم مات احداهما ثم مات الزوج قبل البيان عزل من تركة الميتة قبله ميرات زوج لجواز أن تكون هي الزوجة،

ويعزل من تركة الزوج ميراث زوجة لجواز أن تكون الباقية زوجة، فإن قال وارت الزوج: الميتة قبله مطلقه فلا ميراث لى منها والباقيه زوجه فلها الميراث معى، قبل لانه اقرار على نفسه بما يضره. فإن قال الميتة هي الزوجه فلى الميرات من تركتها، والباقيه هي المطلقة فلا ميرات لها معى - فان صدق على ذلك - حمل الامر على ما قال، فان كذب بأن قال وارت الميته انها هي المطلقة فلا ميرات لك منها، وقالت الباقيه: أنا الزوجه فلى معك الميرات، ففيه قولان (أحدهما) يرجع إلى بيان الوارت فيحلف لورثة الميته أنه لا يعلم أنه طلقها ويستحق من تركتها ميرات الزوج، ويحلف للباقيه أنه طلقها ويسقط ميراثها من الزوج (والثانى) لا يرجع إلى بيان الوارت، فيجعل ما عزل من ميرات الميته موقافا حتى يصطلح عليه وارث الزوج ووارت الزوجه، وما عزل من ميرات الزوج موقوفا حتى تصطلح عليه الباقيه ووارت الزوج. (فصل) وان كانت له زوجتان حفصة وعمرة فقال: يا حفصه ان كان أول ولد تلدينه ذكرا فعمرة طالق، وان كان أنثى فأنت طالق، فولدت ذكرا وأنثى واحدا بعد واحد وأشكل المتقدم منهما، طلقت احداهما بعينها، وحكمها حكم من طلق احدى المرأتين بعينها ثم أشكلت عليه، وقد بيناه (الشرح) الاحكام: إذا طلق احدى امرأتيه ثلاثا وجهلها أو نسيها أو طلق احداهما لا بعينها وماتت احداهما قبل التعيين لم يتعين الطلاق في الاخرى، بل له أن يعين الطلاق في احداهما بعد الموت. وقال أبو حنيفة يتعين الطلاق في الباقيه. دليلنا أنه يملك تعيين الطلاق قبل موتها فملك بعده كما لو كانتا باقيتين. إذا ثبت هذا فإنه يوقف له من مال الميتة منهما ميرات، وهو النصف مع عدم الولد وولد الولد. أو الربع مع وجود الولد أو ولد الولد، لانا نعلم أن احداهما زوجته يرث منها، والاخرى أجنبيه لا يرت منها فلم يجز أن يدفع إلى ورثة كل واحدة منهما الا ما يتيقن أنهم يستحقونه، ونحن لا نعلم أنهم يستحقون

قدر ميرات الزوج منها فوقف، فيقال له. بين المطلقة منهما، فإن كان قد طلق واحدة منهما بعينها ثم جهلها أو نسيها ثم قال: التى كنت طلقتها فلانة وهى الميتة دفع ما عزل من تركة الميتة إلى باقى ورثتها. وإن قال التى طلقتها هي الثانية دفع إليه ما عزل له من تركة الميتة، وإن ماتتا قبل التعيين عزل من تركة كل واحدة منهما ميرات زوج. ثم يقال له: عين المطلقة منهما، فإن قال: التى طلقتها فلانة دفع ما عزل له من تركتها إلى باقى ورثتها لانه أقر أنه لا يرثها ودفع إليه ما عزل إليه من تركة الاخرى، لانه أخبر أنها زوجته فإن كذبه ورثتها وقالوا بل هي التى كنت طلقت فالقول قوله مع يمينه لان الاصل بقاء نكاحها وعدم طلاقه لها إلى الموت. فإن حلف فلا كلام، وان نكل عن اليمين فحلف ورثتها أنها هي التى طلقها سقط ميراثه عن الاولة بإقراره، وعن الثانية بنكوله وأيمان ورثتها. وإن كان قد طلق إحداهما لا بعينها فعين الطلاق في إحداهما دفع ما عزل له من تركة المعينة للطلاق إلى باقى ورثتها ودفع ما عزل له من تركة الاخرى إلى الزوج، فان كذبه ورثتها فلا يمين على الزوج، لان هذا اختيار شهوة هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: إذا طلق إحداهما لا بعينها فهل له أن يعينها بعد الموت؟ فيه وجهان، بناء على أن الطلاق يقع من وقت التعيين أو من وقت الايقاع. فان قلنا وقت الايقاع كان له، وان قلنا يقع وقت التعيين لم يكن له. فان مات الزوج وهما باقيتان قبل أن يعين الطلاق في إحداهما - فان قال وارت الزوج: لا أعلم المطلقة منهما - وقف من مال الزوج ميرات زوجه وهو الربع مع عدم الولد وولد الولد، والثمن مع وجود أحدهما لا يتيقن أن إحداهما وارثته بيقين، فلا يدفع إلى باقى ورثته الا ما يتيقن استحقاقهم له، ويوقف ذلك بين الزوجين إلى أن يصطلحا عليه. وإن قال وارت الزوج. أنا أعرف المطلقة منهما، فهل يرجع إلى بيانه؟ فيه قولان. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هما وجهان (أحدهما) يرجع إلى بيان الوارت لانه يقوم مقام الزوج في الملك والرد بالعيب. وفى استحقاق

النسب بالاقرار، فقام مقامه في تعيين المطلقة. فعلى هذا إذا قال: المطلقة فلانة دفع ما عزل من تركة الزوج إلى الآخر، وان كذبته المطلقة حلف لها. (والثانى) لا يقوم مقامه، لان في ذلك إسقاط حق وارث معه في الظاهر بقوله. واختلف أصحابنا في موضع القولين، فقال أبو إسحاق: القولان فيمن طلق إحداهما بعينها وفيمن طلق إحداهما لا بعينها. ومنهم من قال القولان فيمن طلق احداهما بعينها ثم جهلها أو نسيها. فأما إذا طلق احداهما لا بعينها لا يقوم مقام المورث قولا واحدا، لانه يمكنه التوصل إلى العلم بالمطلقة منهما إذا وقع الطلاق بواحدة بعينها بسماع من الزوج، فإذا طلق واحدة منهما لا بعينها، فتعيين المطلقة إلى شهوة الزوج فلا يقوم وارثه مقامه كما لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، فمات قبل أن يختار - فان كانت بحالها وماتت واحدة منهما ثم مات الزوج قبل البيان وبقيت الاخرى عزل من تركة الزوج ميرات زوجة لجواز أن تكون الباقية زوجته، وعزل من تركة الميتة قبله ميراث زوج لجواز أن تكون الميتة هي زوجته فان قال وارث الزوج الميتة قبل الزوج هي المطلقة، قبل قوله، لان في ذلك إضرارا عليه من جهة أنه لا يرت من الميته وترت معه الباقيه وان قال بل الميتة قبل الزوج هي الزوجه والباقيه هي المطلقة، فان صدقته الباقية وورث الاولة ورت ميرات الزوج من الاولة ولم ترت معه الباقيه، وان كذبته فهل يقبل قول الوارت؟ فيه قولان وقد مضى توجيههما، والذى يقتضى المذهب أن يكون في موضع وجهان فإذا قلنا لا يقبل قول وارت الزوج كان ما عزل من تركة الميت قبل الزوج موقوفا حتى يصطلح عليه وارت الزوج والزوجه الباقيه. فإذا قلنا يقوم مقام الزوج، فان كان الزوج قد أوقع الطلاق في إحداهما بعينها ثم نسيها أو جهلها، فان وارت الزوج يحلف لورثة الميته ما يعلم أنه طلقها لانه يحلف على نفى فعل غيره على القطع. وان كان الزوج طلق احداهما لا بعينها، وقلنا يقبل قول وارت الزوج فيها، فلا يمين على وارث الزوج، كما لا يمين على الزوج في ذلك

وجملة ما تقدم أنه قد نص أحمد بن حنبل أنه إذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة فإن مات قبل ذلك أقرع الورثة وكان الميراث للبواقي وقال أبو حنيفة: يقسم الميراث بينهن كلهن لانهن تساوين في احتمال استحقاقه ولا يخرج الحق عنهن. وقال الشافعي: يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلحن عليه لانه لا يعلم المستحق منهن، وذلك نص أحمد على أنه إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق فللتى تزوجها ربع ميراث النسوة. وقال ابن قدامة: ثم يقرع بين الاربع فأيتهن خرجت قرعتها خرجت وورث الباقيات. نص عليه أحمد. وذهب الشعبى والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الاربع. وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعا، وقال الشافعي: يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن ووجه الاقوال ما تقدم. وقال أحمد في رواية بن منصور في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن ثلاثا وواحدة اثنتين وواحدة واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدرى أيتهن طلق ثلاثا وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن، فالتى أبانها تحرج ولا ميراث لها. هذا فيما إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم الميراث الا المطلقة ثلاثا، فالباقيتان رجعيتان يرثنه في العدة ويرثهن من انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها، ولو كان طلاقه في مرضه الذى مات فيه لورثه الجميع في العدة.* * * (مسألة) ان كانت له زوجتان فقال: يا حفصة ان كان أول ولد تلدينه ذكرا فعمرة طالق، وان كان أنثى فأنت طالق، فان ولدت ذكرا وأنثى أحدهما بعد الآخر وأشكل المقدم منهما علمنا أن إحداهما قد طلقت بعينها وهى مجهولة، فيرجع إلى بيانه، كما لو أشرعت إحداهما من موضع فقال: هذه طالق ولم يعرفها فإنه يرجع إلى بيانه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق، وإن لم يكن غرابا فإمائى حرائر، ثم قال: كان هذا الطائر غرابا طلقت النساء، فان كذبه الاماء حلف لهن، فان حلف ثبت رقهن، وإن نكل ردت اليمين عليهن، فان حلفن ثبت طلاق النساء بإقراره وعتق الاماء بنكوله ويمينهن، فإن صدقنه ولم يطلبن إحلافه ففيه وجهان (أحدهما) يحلف لما في العتق من حق الله عز وجل (والثانى) لا يحلف لانه لما أسقط العتق بتصديقهن سقط اليمين بترك مطالبتهن. وإن قال كان هذا الطائر غير غراب عتق الاماء، فإن كذبته النساء حلف لهن وإن نكل عن اليمين ردت عليهن، فإن حلفن ثبت عتق الاماء بإقراره وطلاق النساء بيمينهن ونكوله. (فصل) وان رأى طائرا فقال: ان كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق وإن كان حماما فإمائى حرائر ولم يعرف لم تطلق النساء ولم تعتق الاماء، لجواز أن يكون الطائر غيرهما، والاصل بقاء الملك والزوجية فلا يزال بالشك وإن قال: ان كان هذا غرابا فنسائي طوالق، وان كان غير غراب فإمائى حرائر: ولم يعرف منع من التصرف في الاماء والنساء، لانه تحقق زوال الملك في أحدهما، فصار كما لو طلق إحدى المرأتين ثم أشكلت ويؤخذ بنفقة الجميع إلى أن يعين، لان الجميع في حبسه ويرجع في البيان إليه لانه يرجع إليه في أصل الطلاق والعنق فكذلك في تعيينه، فإن امتنع من التعيين مع العلم به حبس حتى يعين وان لم يعلم لم يحبس ووقف الامر إلى أن يتبين، وان مات قبل البيان فهل يرجع إلى الورثة فيه وجهان (أحدهما) يرجع إليهم لانهم قائمون مقامه (والثانى) لا يرجع لانهم لا يملكون الطلاق فلم يرجع إليهم في البيان، ومتى تعذر البيان أقرع بين النساء والاماء، فان خرجت القرعة على الاماء عتقن وبقى النساء على الزوجية، وان خرجت القرعه على النساء رق الاماء ولم تطلق النساء. وقال أبو ثور: تطلق النساء بالقرعة كما تعتق الاماء. وهذا خطأ لان القرعة

لها مدخل في العتق دون الطلاق، ولهذا لو طلق إحدى نسائه لم تطلق بالقرعة. ولو أعتق أحد عبيده عتق بالقرعة، فدخلت القرعة في العتق دون الطلاق كما يدخل الشاهد والمرأتان في السرقة لاثبات المال دون القطع، ويثبت للنساء الميراث لانه لم يثبت بالقرعة ما يسقط الارث. (فصل) وإن طار طائر فقال رجل: إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعرف الطائر لم يعتق واحد من العبدين، لانا نشك في عتق كل واحد منهما، ولا يزال يقين الملك بالشك، وإن اشترى أحد الرجلين عبد الآخر عتق عليه، لان إمساكه للعبد إقرار بحرية عبد الآخر، فإذا ملكه عتق عليه، كما لو شهد بعتق عبد ثم اشتراه. (الشرح) إن رأى رجلا طائرا فقال: إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق، وان كان غير غراب فإمائى حرائر، فطار الطائر ولم يعرف هل هو غراب أو غير غراب، فقد علم أنه حنث في الطلاق أو العتق، لانه لا يخلو إما أن يكون غرابا أو غير غراب، فيوقف عن وطئ الجميع وعن التصرف في الاماء لانا نتحقق التحريم إما في الزوجات وإما في الاماء. وإن جهلنا عين المحرم منهما فوقف عن الجميع تغليبا للتحريم، ويؤخذ بالبيان لانه هو الحالف، ويجوز ان يكون عنده علم، فإن أقر أن عنده علما وامتنع عن البيان حبس وعزر إلى أن يتبين، وعليه نفقة الجميع إلى ان يتبين لانهن في حبسه فإن قال كان الطائر غرابا طلقت النساء، سواء صدقته أو كذبنه، فإن صدقته الاماء على أنه كان غرابا فلا يمين عليه، وان قلن ما كان غرابا فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل بقاء الملك عليهن، فإن طلبن يمينه فحلف لهن لم يعتقن، وإن كذبنه ولم يطلبن إحلافه ففيه وحهان (أحدهما) يحلفه الحاكم كما في العتق لانه حق الله تعالى (والثانى) لا يحلفه لان العتق سقط بتصديقهن أن الطائر كان غرابا فسقطت يمينه بتركه مطالبتهن، وإن نكل فحلفن عتقن بأيمانهن ونكوله وطلقت النساء

بإقراره السابق. وان قال ابتداء كان الطائر غير غراب، عتقت الاماء صدقنه أو كذبنه، فان صدقته النساء أنه لم يكن غرابا فلا كلام. وان قالت النساء كان غرابا فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل بقاء النكاح، فان حلف بقين على الزوجية. وان نكل فحلفن طلقن بنكوله وأيمانهن. وعتقت الاماء بإقراره. وان قال لا أعلم هل كان غرابا أو غير غراب، فان صدقته النساء والاماء أنه لا يعلم بقين على الوقف. وان كذبنه وقلن بل هو يعلم حلف لهن أنه لا يعلم وبقين على الوقف. وان نكل عن اليمين حلف من ادعى منهن أنه يعلم أنه حنث في يمينه فيه، وكان كما لو أقر فإن مات قبل البيان فهل يرجع إلى الورثة؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ المصنف وابن الصباغ في الشامل، ونبه أن يكونا مأخوذين من القولين في التى قبلها (أحدهما) يرجع إليهم في البيان، لان الورثة يقومون مقامه في الملك والرد بالعيب، فكذلك في بيان المطلقات والمعتقات (والثانى) لا يرجع إليهم في البيان لان ذلك يؤدى إلى اسقاط بعض الورثة لقول البعض. وعندي أن الوجهين انما هما إذا قال الورثة كان الطائر غرابا ليطلق النساء ولا يعتق الاماء. فأما إذا كان الطائر غير غراب فانه يقبل قوله وجها واحدا، لانه أقر بما فيه تغليظ عليه من جهتين (أحدهما) أن الاماء تعتق عليه (والثانيه) أن الزوجات يرثن معه. إذا ثبت هذا فان قال الوارث: لا أعلم هل كان غرابا أو غير غراب، أو قال الوارث: كان الطائر غرابا ولم تصدقه النساء والاماء، وقلنا لا يقبل قوله فانه يقرع بين النساء والاماء لتمييز العتق لا لتمييز الطلاق، فيجعل الزوجات جزءا والاماء جزءا ويضرب عليهن بسهم حنث وسهم بر، فان خرج سهم الحنث على الاماء عتقن ولم تطلق النساء، وان خرج سهم الحنث على النساء لم يطلقن ولا تعتق الاماء. وقال أبو ثور: تطلق النساء كما تعتق الاماء. وهذا خطأ عندنا، كما هو منصوص في الام. وعلى ذلك الاصحاب كافة، لان الاصل عندنا أن القرعة

لا مدخل لها في الطلاق، ولهذا لو طلق إحدى امرأتيه ولم يقبل أن يعين المطلقة منهما لم يقرع بينهما. ولو أعتق عبديه في مرض موته ولم يحتملهما الثلث أقرع بينهما، فإن خرجت قرعة الحنث على الاماء حكم بعتقهن من رأس المال إن كان قال ذلك في الصحة. ومن الثلث إن قاله في المرض الذى مات فيه، ولا يحكم بطلاق النساء، بل تكون عدتهن بعدة الوفاة. وتكون للزوجات الميراث إلا أن يكن قد ادعين الطلاق، وكان الطلاق مما لا يرثن معه، ولو ثبت لا يرثن، لانهن أقررن أنهن لسن بوارثات وإن خرجت القرعة حنثا على الزوجات فقد ذكرن أنهن لا يطلق. قال الشافعي رضى الله في الام في باب الشك واليقين في الطلاق: وإن مات قبل أن يحلف أقرع بينهم، فإن وقعت القرعه على الرقيق عتقوا من رأس المال وإن وقعت على النساء لم نطلقهن بالقرعة ولم نعتق الرقيق وورثه النساء، لان الاصل أنهن أزواج حتى يستيقن بأنه طلقهن، ولم يستيقن، والورع أن يدعن ميراثه، وان كان ذلك وهو مريض وقال في موضع آخر: والورع لهن أن يدعن الميراث، لان الظاهر بخروج الحنث عليهن أنه طلقهن إلا ان القرعة ليس لها مدخل في الطلاق على ما مضى اه وهل تزول الشبهة في ملك الاماء؟ ويكون الملك ثابتا عليهن ظاهرا وباطنا، فخروج قرعة الحنث على النساء فيه وجهان (أحدهما) لا تزول الشبهة لان القرعة إنما لم تؤثر في حنث النساء، لانه لا مدخل لها فيهن في أصل الشرع، ولها مدخل في أصل الشرع في العتق، فعلى هذا يكون ملك الورثة ثابتا على الاماء بلا شبهة وعلى الوجهين بصدد تصرف الورثة فيهن بالبيع والاستمتاع وغيره، إلا أن في الاول يصح تصرفه مع الشك وعلى الثاني من غير شك. (فرع) وان قال: ان كان هذا الطائر غرابا فنساؤه طوالق، وان كان حماما فإماؤه حرائر فطار ولم يعلم لم يحكم عليه بطلاق ولا عتق لجواز أن لا يكون غرابا ولا حماما. وان ادعى النساء أنه كان غرابا وادعى الاماء أنه كان حماما ولا بينة حلف أنه ليس بغراب يمينا وأنه ليس بحمام يمينا، لان الاصل بقاء النكاح والملك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا اختلف الزوجان فادعت المرأة على الزوج أنه طلقها وأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لان الاصل بقاء النكاح وعدم الطلاق، وان اختلفا في عدده فادعت المرأة أنه طلقها ثلاثا. وقال الزوج طلقتها طلقه، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم ما زاد على طلقه (فصل) وإن خيرها ثم اختلفا فقالت المرأة اخترت، وقال الزوج ما اخترت، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم الاختيار وبقاء النكاح، وان اختلفا في النية، فقال الزوج ما نويت وقالت المرأة نويت، ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله: ان القول قول الزوج، لان الاصل عدم النية وبقاء النكاح، فصار كما لو اختلفا في الاختيار. (والثانى) وهو الصحيح أن القول قول المرأة، والفرق بينه وبين الاختلاف في الاختيار أن الاختيار يمكن إقامة البينه عليه، فكان القول فيه قوله. كما لو علق طلاقها بدخول الدار فادعت أنها دخلت وأنكر الزوج، والنيه لا يمكن اقامة البينة عليها، فكان القول قولها، كما لو علق الطلاق على حيضها فادعت أنها حاضت وأنكر. (فصل) وان قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق. وادعى أنه أراد التأكيد وادعت المرأة أنه أراد الاستئناف، فالقول قوله مع يمينه، لانه أعرف بنيته وان قال الزوج أردت الاستئناف، وقالت المرأة أردت التأكيد فالقول قول الزوج لما ذكرناه ولا يمين عليه، لان اليمين تعرض ليخاف فيرجع، ولو رجع لم يقبل رجوعه، فلم يكن لعرض اليمين معنى (فصل) وان قال أنت طالق في الشهر الماضي، وادعى أنه أراد من زوج غيره في نكاح قبله، وأنكرت المرأة أن يكون قبله نكاح أو طلاق، لم يقبل قول الزوج في الحكم حتى يقيم البينه على النكاح والطلاق، فإن صدقته المرأة على ذلك لكنها أنكرت أنه أراد ذلك فالقول قوله مع يمينه، فإن قال: أردت أنها طالق في الشهر الماضي بطلاق كنت طلقتها في هذا النكاح وكذبته المرأة فالقول قوله

مع يمينه، والفرق بينه وبين المسألة قبلها أن هناك يريد أن يرفع الطلاق، وههنا لا يرفع الطلاق، وإنما ينقله من حال إلى حال. (الشرح) وإن ادعت المرأة على زوجها أنه طلقها فأنكر. أو ادعت أنه طلقها ثلاثا فقال بل طلقتها واحدة أو اثنتين ولا بينة فالقول قول الزوج مع يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم: البينة على المدعى واليمين على من أنكر " ولان الاصل عدم الطلاق وعدم ما زاد على ما أقر به الزوج، وبه قال أحمد وأصحابه قال في المغنى: وان اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرناه، فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها، وعليها أن تفر منه ما استطاعت، وتمتنع منه إذا أرادها، وتفتدى منه إن قدرت. قال أحمد. لا يسعها أن تقيم معه وتفتدى منه بكل ما يمكن. وقال جابر بن زيد وحماد بن ابى سليمان وابن سيرين بهذا، وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وابو عبيد: تفر منه. وقال مالك لا تتزين له ولا تبدى له شيئا من شعرها ولا زينتها ولا يصيبها إلا وهى مكرهة. وقال الحسن والزهرى والنخعي: يستحلف ثم يكون الاثم عليه. (فرع) وإن خيرها الزوج فقالت قد اخترت وقال ما اخترت. فالقول قول الزوج، لان الاصل عدم الاختيار، والذى يقتضى المذهب أنه يحلف ما يعلم أنها اختارت، لانه يحلف على نفى فعل غيره، وان ادعت أنها نوت الطلاق، وقال الزوج ما نويت ففيه وجهان (أحدهما) القول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم النية (والثانى) القول قولها مع يمينها لانهما اختلفا في نيتها ولا يعلم ذلك إلا من جهتها، فقيل قولها مع يمينها: كما لو علق الطلاق على حيضها وإن قال: أنت طالق، أنت طالق، وادعى انه أراد التأكيد، وادعت انه أراد الاستئناف، فالقول قوله مع يمينه، لانه أعلم بإرادته. وإن قال أردت الاستئناف وقالت بل أردت التأكيد لزمه حكم الاستئناف. لانه أقر بالطلاق فلزمه ولا يمين عليه، لانه لو رجع لم يقبل رجوعه فلا يعرض اليمين

باب الرجعة

قال المصنف رحمه الله: باب الرجعة إذا طلق الحر امرأته بعد الدخول طلقة أو طلقتين، أو طلق العبد امرأته بعد الدخول طلقه، فله أن يراجعها قبل انتهاء العدة، لقوله عز وجل " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف " والمراد به إذا قاربن أجلهن. وروى ابن عباس رضى الله عنه عن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم طلق حفصة وراجعها " وروى ان ابن عمر رضى الله عنه طلق امرأته وهى حائض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: من ابنك فليراجعها فإن انقضت العدة لم يملك رجعتها، لقوله عز وجل " وإذا طلقتم النساء فبلغ أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " فلو ملك رجعتها لما نهى الاولياء عن عضلهن عن النكاح، فإن طلقها قبل الدخول لم يملك الرجعة لقوله عزوجل: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، فعلت الرجعة على الاجل، فدل على أنها لا تجوز من غير أجل، والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن عدة تعتدونها " (فصل) ويجوز أن يطلق الرجعية ويلاعنها ويولى منها ويظاهر منها. لان الزوجية باقية، وهل له أن يخالعها؟ فيه قولان: قال في الام: يجوز لبقاء النكاح. وقال في الاملاء: لا يجوز لان الخلع للتحريم وهى محرمة، فإن مات أحدهما ورثه الآخر لبقاء الزوجية إلى الموت، ولا يجوز ان يستمتع بها لانها معتدة فلا يجوز وطؤها كالمختلعة، فإن وطئها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها لزمه المهر، لانه وطئ في ملك قد تشعث فصار كوطئ الشبهة. وان راجعها بعد الوطئ فقد قال في الرجعة: عليه المهر. وقال في المرقد إذا وطئ امرأته في العدة ثم أسلم أنه لا مهر عليه. واختلف أصحابنا فيه فنقل ابو سعيد الاصطخرى الجواب في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما

على قولين (أحدهما) يجب المهر لانه وطئ في نكاح قد تشعث (والثانى) لا يجب لان بالرجعة والاسلام قد زال التشعث، فصار كما لو لم تطلق ولم يرتد. وحمل ابو العباس وابو إسحاق المسألتين على ظاهرهما فقالا في الرجعة: يجب المهر، وفى المرتد لا يجب، لان بالاسلام صار كأن لم يرتد، وبالرجعة لا يصين كأن لم تطلق لان ما وقع من الطلاق لم يرتفع، ولان أمر المرتد مراعى، فإذا رجع إلى الاسلام تبينا أن النكاح بحاله، ولهذا لو طلق وقف طلاقه، فإن أسلم حكم بوقوعه، وإن لم يسلم لم يحكم بوقوعه، فاختلف أمرها في المهر بين أن يرجع إلى الاسلام وبين أن لا يرجع، وأمر الرجعية غير مراعى، ولهذا لو طلق لم يقف طلاقه على الرجعة، فلم يختلف أمرها في المهر بين أن يراجع وبين أن لا يراجع فإذا وطئها وجب عليها العدة لانه كوطئ الشبهة. ويدخل فيه بقية العدة الاولى لانهما من واحد. (الشرح) أخرج ابو داود والنسائي عن ابن عباس في قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " الآيه. وذلك ان الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وان طلقها ثلاثا فنسخ ذلك: الطلاق مرتان وفى إسناده على بن الحسين بن واقد وفيه مقال وقال الشافعي رضى الله عنه في قوله تعالى " إن أرادوا إصلاحا " فقال: إصلاح الطلاق الرجعة والله أعلم، فمن أراد الرجعة فهى له لان الله تبارك وتعالى جعلها له قال الشافعي: فأيما زوج حر طلق امرأته بعدما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنْ ركانة طلق امرأته البتة ولم يرد الا واحدة، فردها إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك عندنا في العدة اه وقوله " قد تشعث " مأخوذ من شعث الشعر وبابه تعب أي تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن. والشعث أيضا الوسخ. وهو أشعث أغبر، أي من غير استحداد ولا تنظف. والشعث أيضا الانتشار والتفرق، وفى الدعاء " لم الله شعثكم " أي جمع أمركم.

إذا ثبت هذا فإذا طلق الرجل المدخول بها ولم يستوف ما يملكه عليها من عدد الطلاق، وكان الطلاق بغير عوض، فله أن يراجعها قبل انقضاء عدتها. والاصل فيه قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا. فقوله: بردهن، يعنى برجعتهن. وقوله " ان أرادوا اصلاحا " أي اصلاح ما تشعب من النكاح بالرجعة وقوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فأخبر أن من طلق طلقتين فله الامساك وهو الرجعة وله التسريح وهى الثالثة. وقوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف - إلى - لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " والامساك هو الرجعة وقوله " لعله الله يحدث بعد ذلك أمرا " يعنى الرجعة، وقد طلق النبي صلى الله عليه حفصة ثم راجعها، وطلق ابن عمر امرأته وهى حائض فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يراجعها. وروينا أن ركانة بن عبد يزيد قال: يا رسول الله إنى طلقت امرأتي سهيمة البتة. والله ما أردت الا واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما أردت الا واحدة؟ فقال ركانه ما أردت الا واحدة، فردها النبي صلى الله عليه وسلم عليه. والرد هو الرجعة. وقد أجمعت الامه على جواز الرجعة في العدة. إذا ثبت هذا فقد قال الله تعالى في آية " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن " وقال في آية اخرى " فإذا بلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن " وحقيقة البلوغ هو الوصول إلى الشئ، إلا ان سياق الكلام يدل على اختلاف البلوغين في الاثنتين، فالمراد بالبلوغ بقوله تعالى " فإذا بلغن اجلهن فأمسكوهن بمعروف " أي إذا قاربن البلوغ، فسمى المقاربة بلوغ مجازا، لانه يقل: إذا قارب الرجل بلوغ بلد بلغ فلان بلد كذا مجازا أو بلغها إذا وصلها حقيقة والمراد بالآية الاخرى " إذا بلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن " إذا انقضى اجلهن. وان انقضت عدتها لم تصح الرجعة لقوله تعالى: وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا. أي في وقت عدتهن، وهذا ليس بوقت عدتهن. وقوله تعالى " فإذا بلغن اجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن " فنهى

الاولياء عن عضلهن عن النكاح، فلو صحت رجعتهن لما نهى الاولياء عن عضلهن عن النكاح. وإن طلق امرأته قبل الدخول لم يملك الرجعة عليها لقوله تعالى " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " فخص الرجعة بوقت العدة. ومن لم يدخل بها فلا عدة عليها فلم يملك عليها الرجعة. (مسألة) وللزوج أن يطلق الرجعية في عدتها ويولى منها ويظاهر. هذا نقل البغداديين. وقال المسعودي: هل يصح إيلاؤه من الرجعية؟ فيه وجهان. وهل له أن يخالعها؟ فيه قولان (أحدهما) يصح لبقاء أحكام الزوجية بينهما (والثانى) لا يصح لان الخلع للتحريم وهى محرمة عليه. وإن مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لبقاء أحكام الزوجية بينهما وهذا من أحكامها، ويحرم عليه وطؤها والاستمتاع بها والنظر إليها بشهوة وغير شهوة. وبه قال عطاء ومالك وأكثر الفقهاء. وقال ابو حنيفة وأصحابه يجوز له وطؤها. وعن احمد روايتان إحداهما كقولنا والاخرى كقول ابى حنيفه، دليلنا ما رواه مسلم وغيره أن ابن عمر طلق امرأته وكان طريقه إلى المسجد على مسكنها، فكان يسلك طريقا آخر حتى راجعها، ولانه سبب وقعت به الفرقة فوقع به التحريم كالفسخ والخلع والطلاق قبل الدخول. فإن خالف ووطئها لم يجب عليهما الحد، سواء علما تحريمه أو لم يعلما، لانه وطئ مختلف في إباحته فلم يجب به الحد، كما لو تزوج امرأة بغير ولى ولا شهود ووطئها. وأما التعزير - فإن كانا عالمين بتحريمه بأن كانا شافعيين يعتقدان تحريمه عزرا لانهما أتيا محرما مع العلم بتحريمه. وإن كانا غير عالمين بتحريمه بأن كانا حتفيين أو كانا جاهلين لا يعتقدان تحريمه أو لا يريان تحريمه لم يعزرا. وإن كان أحدهما عالما بتحريمه والآخر جاهلا بتحريمه عزر العالم بتحريمه دون الجاهل به. وإن اتت منه بولد لحقه نسبه بكل حال للشبهة. وأما مهر المثل فهل يلزمه؟ ينظر فيه فإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها فلها عليه مهر المثل بكل حال. وكذلك إذا اسلم أحد الحربيين بعد الدخول فوطئها الزوج في عدتها فانقضت عدتها قبل اجتماعهما على الاسلام فلها عليه مهر مثلها

لهذا الوطئ، لان العدة لما انقضت قبل اجتماعهما على النكاح تبينا أنه وطئ أجنبية منه، فهو كما لو وطئ أجنبية بشبهة، وإن راجعها قبل انقضاء العدة أو اجتمعا على الاسلام قبل انقضاء العدة فقد قال الشافعي: إن للرجعية مهر مثلها وقال في الزوجية: إذا أسلم أحدهما ووطئها قبل انقضاء عدتها وقبل الاسلام ثم أسلم الآخر قبل انقضاء العدة أنه لا مهر لها، وكذا قال في المرتد: إذا وطئ امرأته في العدة ثم أسلم قبل انقضاء العدة لا مهر عليه، واختلف أصحابنا فيه. فمنهم من قال في الجميع قولان (أحدهما) يجب عليه مهر مثله لانه وطئ في نكاح قد تشعث، فهو كما لو لم يراجعها ولم يجتمعا على الاسلام. (والثانى) لا يجب عليه، لان الشعث زال بالرجعة والاسلام، ومنهم من حملها على ظاهرها، فإن راجعها في الردة من أحدهما فالصحيح من مذهبنا أنه لا يصح، وبه قال أحمد وأصحابه، لانه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح، ولان الرجعة تقرير للنكاح والردة تنافى ذلك فلم يصح اجتماعهما، وقال المازنى ما حاصله: إن قلنا تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لانها قد بانت بها، وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة إن أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة: لاننا تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة. وهذا قول أصحاب احمد واختيار أبى حامد الاسفرايينى من أصحابنا. وهكذا ينبغى ان يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتصح الرجعة من غير رضاها لقوله عز وجل " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " ولا تصح الرجعة إلا بالقول، فإن وطئها لم يكن ذلك رجعه لاستباحة بضع مقصود يصح بالقول، فلم يصح بالفعل مع القدرة على القول كالنكاح وإن قال: راجعتك أو ارتجعتك صح، لانه وردت به السنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " مر ابنك فليراجعها " فان قال رددتك صح. لانه ورد به القرآن وهو قوله عز وجل " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك "

وإن قال أمسكتك ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول ابى سعيد الاصطخرى انه يصح لانه ورد به القرآن، وهو قوله عز وجل " فأمسكوهن بمعروف " (والثانى) انه لا يصح، لان الرجعة رد، والامساك يستعمل في البقاء والاستدامة دون الرد. وإن قال تزوجتك أو نكحتك ففيه وجهان (أحدهما) يصح لانه إذا صح به النكاح وهو ابتداء الاباحة فلان تصح به الرجعة وهو إصلاح ما تشعث منه أولى (والثانى) لا يصح لانه صريح في النكاح، ولا يجوز أن يكون صريحا في حكم آخر من النكاح، كالطلاق لما كان صريحا في الطلاق لم يجز أن يكون صريحا في الظهار. وإن قال راجعتك للمحبه وقال أردت به مراجعتك لمحبتي لك صح. وان قال راجعتك لهوانك وقال أردت به أنى راجعتك لاهينك بالرجعة صح، لانه أتى بلفظ الرجعة وبين سبب الرجعة وإن قال لم أرد الرجعة وانما أردت أنى كنت احبك قبل النكاح، أو كنت أهينك قبل النكاح فرددتك بالرجعة إلى المحبه التى كانت قبل النكاح: أو الاهانة التى كانت قبل النكاح، قبل قوله لانه يحتمل ما يدعيه. (الشرح) تصح الرجعة من غير ولى وبغير رضاها وبغير عوض لقوله تعالى " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " فجعل الزوج احق بردها، فلو افتقر إلى رضاها لكان الحق لهما، ولا تصح الرجعة الا بالقول من القادر عليه. أو بالاشارة من الاخرس. فأما إذا وطئها أو قبلها أو لمسها فلا يكون ذلك رجعه، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو. وبه قال ابو قلابة وابو ثور، وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين والاوزاعي وابن ابى ليلى وابو حنيفة واصحابه وبعض اصحاب احمد: تصح الرجعة بالوطئ، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو وقال ابو حنيفة: إذا قبلها بشهوة أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة وقعت به الرجعة، وقال مالك وإسحاق: إذا وطئها ونوى به الرجعة كان رجعه. وان لم ينو به الرجعة لم يكن رجعه، دليلنا انها جاريه إلى بينونه فلم يصح امساكها بالوطئ كما لو أسلم احد الحربيين وجرت إلى بينونه فلم يصح امساكها بالوطئ، ولان

استباحة بضع مقصود يصح بالقول فلم يصح بالفعل مع القدرة على القول كالنكاح فقولنا بضع مقصود، احتراز ممن باع جارية ووطئها في مدة الخيار. وقولنا يصح بالقول احتراز من السبى، فإنه لا يصح بالقول وإنما يصح بالفعل وقولنا ممن يقدر عليه احتراز ممن يكون أخرس إذا ثبت هذا وقال رددتك صح، لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر " مر ابنك فليراجعها " وهل من شرطه أن يقول إلى النكاح؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي المشهور أن ذلك ليس بشرط، وانما هو تأكيد وإن قال أمسكتك - قال الشيخ ابو حامد: - فهل ذلك صريح في الرجعة أو كناية؟ فيه وجهان، وحكاهما القاضى ابو الطيب قولين (أحدهما) انه صريح في الرجعة، لان القرآن ورد به، وهو قوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف " وأراد به الرجعة (والثانى) انه ليس بصريح إنما هو كناية لانه استباحة بضع مقصود في عينه فلم يصح الا بلفظتين كالنكاح. وأما المصنف فقد جعل صحة الرجعة به على وجهين ولم يذكر الصريح ولا الكناية وإن قال تزوجتك أو نكحتك أو عقد عليها النكاح فهل يصح؟ فيه وجهان: (أحدهما) لا يصح لان عقد الرجعة لا يصح بالكنايه والنكاح كنايه. ولان النكاح لا يعرى عن عوض والرجعة لا تتضمن عوضا فلم ينعقد أحدهما بلفظ الآخر كالهبة لا تنعقد بلفظ البيع. (والثانى) يصح، لان لفظ النكاح والتزويج آكد من الرجعة لانه تستباح به الأجنبية، فإذا استباح بضعها بلفظ الرجعة ففى لفظ النكاح والتزويج أولى. بيد اننى رأيت ان الرجعة اسم اشتهر بين اهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه، فانهم يسمونها رجعة والمرأة رجعيه، ويتخرج ان يكون لفظها هو الصريح وحده والله أعلم (فرع) فان قال راجعتك أمس كان إقرارا برجعتها وهو يملك الرجعة قبل إقراره فيها. وان قال راجعتك للمحبه أو للاهانة سئل عن ذلك. فإن قال أردت بقولى للمحبة لانى كنت أحبها في النكاح فراجعتها إلى النكاح لاردها إلى تلك المحبة، أو كنت أهينها في النكاح فراجعتها إلى النكاح والى تلك الاهانة أو ألحقتها

بالطلاق إهانه فراجعتها إلى النكاح لارفع عنها تلك الاهانة، صحت الرجعة لانه قد راجعها وبين العلة التى راجعها لاجلها. وإن قال لم أرد الرجعة إلى النكاح وانما أردت أنى كنت أحبها قبل النكاح فلما نكحتها بغضتها فرددتها بالطلاق إلى تلك المحبه قبل النكاح، أو كنت أهينها قبل النكاح فلما نكحتها زالت تلك الاهانة، فرددتها بالطلاق إلى تلك الاهانة، لم تصح الرجعة، لانه اخبر انه لم يردها إلى النكاح، وانما المعنى الذى لاجله طلقها، وان ماتت قبل ان يبين حكم بصحة الرجعة لانه يحتمل الامرين، والظاهر أنه اراد الرجعة إلى النكاح لاجل المحبه أو لاجل الاهانة، وهذا هو مذهب احمد بن حنبل رضى الله عنه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وهل يجب الاشهاد عليها؟ فيه قولان (أحدهما) يجب لقوله عز وجل " فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوى عدل منكم " ولانه استباحة بضع مقصود فلم يصح من غير اشهاد كالنكاح (والثانى) انه مستحب لانه لا يفتقر إلى الولى فلم يفتقر إلى الاشهاد كالبيع (فصل) ولا يجوز تعليقها على شرط، فإن قال راجعتك ان شئت فقالت شئت لم يصح، لانه استباحة بضع فلم يصح تعليقه على شرط كالنكاح، ولا يصح في حال الردة. وقال المزني: انه موقوف فإن أسلمت صح، كما يقف الطلاق والنكاح على الاسلام. وهذا خطأ لانه استباحة بضع فلم يصح الردة كالنكاح، ويخالف الطلاق، فإنه يجوز تعليقه على الشرط، والرجعه لا يصح تعليقها على الشرط وأما النكاح فانه يقف فسخه على الاسلام وأما عقده فلا يقف والرجعه كالعقد فيجب أن لا تقف على الاسلام (فصل) وان اختلف الزوجان فقال الزوج: راجعتك وأنكرت المرأة فان كان ذلك قبل انقضاء العدة فالقول قول الزوج، لانه يملك الرجعة فقبل اقراره فيها كما يقبل قوله في طلاقها حين ملك الطلاق، وان كان بعد انقضاء العدة

فالقول قولها لان الاصل عدم الرجعة ووقوع البينونة، وإن اختلفا في الاصابة فقال الزوج أصبتك فلى الرجعة وأنكرت المرأة فالقول قولها لان الاصل عدم الاصابة ووقوع الفرقة. (الشرح) قوله: وهل تصح الرجعة من غير شهادة الخ، فجملة ذلك أنه فيه قولان (أحدهما) لا تصح الرجعة إلا بحضور شاهدين لقوله تعالى " فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوى عدل منكم " فأمر بالاشهاد على الرجعة والامر يقتضى الوجوب، ولانه استباحة بضع مقصود فكانت الشهادة شرطا فيه كالنكاح، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد (والقول الثاني) تصح من غير شهادة، وهو اختيار أبى بكر من الحنابلة وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول مالك وأبى حنيفة، لانها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يأمر ابنه بمراجعتها ولم يأمره بالاشهاد، فلو كان شرطا لامر به، ولانه لا يفتقر إلى الولى فلم يفتقر إلى الاشهاد كالبيع والهبة وعكسه النكاح. والآية محمولة على الاستحباب قال ابن قدامة من الحنابله: ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الاشهاد. فإن قلنا هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة، فإن ارتجع بغير شهادة لم يصح لان المعتبر وجودها في الرجعة دون الاقرار بها، إلا أن يقصد بذلك الاقرار الارتجاع فيصح. (مسألة) قوله: ولا يجوز تعليقها على شرط الخ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وإن قال: راجعتك إن شئت فقالت في الحال شئت، لم تصح الرجعة، لانه عقد يستبيح به البضع فلم يصح تعليقه على صفة كالنكاح. وقال أيضا: وإن قال لها كلما طلقتك فقد راجعتك لم تصح الرجعة، لانه علق الرجعة على صفة فلم تصح، كما لو قال راجعتك إذا قدم زيد، ولانه راجعها قبل أن يملك الرجعة عليها فلم يصح، كما لو قال لاجنبية طلقتك إذا نكحتك. وإن طلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا فارتدت المرأة ثم راجعها الزوج في

حال ردتها لم تصح الرجعة، فإن انقضت عدتها قبل أن ترجع إلى الاسلام بانت باختلاف الدين. وإن رجعت إلى الاسلام قبل انقضاء عدتها افتقر إلى استئناف الرجعة. وقال المزني: تكون الرجعة موقوفة كما لو طلقها في الردة. وهذا خطأ لانه عقد استباحة بضع مقصود فلم يصح في حال الردة كالنكاح. ويخالف الطلاق فإنه يصح تعليقه على الحظر والغرر، وكما أنه لا تصح الرجعة في ردتها فكذلك لا تصح في ردته كالنكاح، لان الرجعة تقرير للنكاح، والردة تنافى ذلك، فلم يصح اجتماعهما. (مسألة) إذا قال الزوج راجعتك وأنكرت المرأة، فان كان قبل انقضاء عدتها فالقول قول الزوج، لانه يملك الرجعة فملك الاقرار بها كالزوج إذا أقر بطلاق زوجته. وان انقضت عدتها فقال الزوج: كنت راجعتك قبل انقضاء عدتك. وقالت الزوجة بل انقضت عدتي قبل ان يراجعني - ولا بينة للزوج - فقد نص الشافعي على أن القول قول الزوجة مع يمينها. وكذا قال في الزوج إذا ارتد بعد الدخول ثم رجع إلى الاسلام، وقال رجعت إلى الاسلام قبل انقضاء عدتك، وقالت: بل انقضت عدتي قبل أن يرجع إلى الاسلام، فالقول قول الزوجة، وقال في نكاح المشركات: إذا أسلمت الزوجة بعد الدخول وتخلف الزوج ثم أسلم، فقال الزوج: أسلمت قبل انقضاء عدتك، وقالت الزوجه: بل أسلمت بعد انقضاء عدتي فالقول قول الزوج واختلف أصحابنا في هذه المسائل على ثلاث طرق، فمنهم من قال: في الجميع قولان. وهو اختيار القاضيين أبى حامد وأبى الطيب، أحدهما القول قول الزوج لان الزوجة تدعى أمرا يرفع النكاح، والزوج ينكره فكان القول قوله، لان الاصل بقاء النكاح. والثانى أن القول قول الزوجه، لان الظاهر حصول البينونه وعدم الرجعة والاسلام. والطريق الثاني: ان أظهر الزوج أولا الرجعة أو الاسلام ثم قالت الزوجه بعد ذلك: قد كانت عدتي انقضت قبل ذلك، فالقول قول الزوج، لانها ما دامت لم تظهر انقضاء العدة فالظاهر أن عدتها لم تنقض.

وإن أظهرت الزوجة انقضاء العدة أولا ثم قال الزوج كنت راجعتك وأسلمت قبل انقضاء العدة فالقول قولها، لانها إذا أظهرت انقضاء عدتها في وقت يمكن انقضاؤها فيه فالظاهر أنها بانت، فإذا ادعى الزوج الرجعة والاسلام قبله كان القول قولها لان الاصل عدم ذلك. وإن أظهر الزوج الرجعة أو الاسلام في الوقت الذى أظهرت فيه انقضاء العدة ولم يستو أحدهما مع الآخر ففيه وجهان من أصحابنا من قال يقرع بينهما لاستوائهما في الدعوى. ومنهم من قال لا يقرع بينهما بل لا تصح الرجعة ولا يجمع بينهما في النكاح، لانه يمكن تصديق كل واحد منهما بأن يكون قد راجعها أو أسلم في الوقت الذى انقضت فيه عدتها، فلم يصح اجتماعهما على النكاح، كما لو قال لامرأته: إن مت فأنت طالق فانها لا تطلق بموته، والطريق الثالث وهو اختيار أبى على الطبري أن قول كل واحد منهم مقبول فيما اتفقا عليه. فان اتفقا أنه راجع أو أسلم في رمضان فقالت الزوجة إلا أن عدتي انقضت في شعبان وأنكرها الزوج فالقول قول الزوج، لان الاصل بقاء العدة وإن اتفقا أن عدتها انقضت في رمضان إلا أن الزوج ادعى أنه كان راجعها أو أسلم في شعبان وأنكرت الزوجة ذلك فالقول قولها، لان الاصل عدم الرجعة والاسلام، وإذا ادعت انقضاء عدتها في أقل من شهر لم يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين. ولا يقبل في أقل من ذلك بحال، لانه لا يتصور عندنا أقل من ذلك. وعند أحمد وأصحابه لا يقبل قولها في أقل من شهر إلا ببينة. لان شريحا قال: إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد وجاءت ببينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلى فقد انقضت عدتها والا فهى كاذبة. وقال له على بن أبى طالب " قالون " ومعناه بالرومية أصبت أو أحسنت، فأخذ أحمد بشهر على في الشهر فان ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها على حديث " ان المرأة أؤتمنت على فرجها " ولان حيضها في الشهر ثلاث حيض يندر جدا فرجح ببينة، ولا يندر

فيما زاد على الشهر كندرته فيه فقبل قولها من غير بينة، وقال أبو حنيفة: لا نصدق في أقل من ستين يوما. وقال صاحباه: لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين يوما، لان أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام، فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون يوما، والخلاف في هذا ينبنى على الخلاف في أقل الحيض وأقل الطهر. وان ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل فلا يخلو إما أن تدعى وضع الحمل التام أو أنها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما من حين إمكان الوطئ بعد عقد النكاح، لان أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوما، لانه يكون نطفة أربعين يوما ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن يصير مضغة بحال، وهذا قول أحمد بن حنبل وأصحابه (فرع) إذا طلق امرأته طلقة أو طلقتين فقال: طلقتك بعد أن أصبتك فعليك العدة ولى عليك الرجعة ولك السكنى والنفقة وجميع المهر. وقالت الزوجة بل طلقني قبل الاصابة، فالقول قول الزوجة مع يمينها، لان الظاهر وقوع الفرقة بالطلاق والاصل عدم الاصابة. إذا ثبت هذا فإنها إذا حلفت فلا عدة عليها ولا رجعة، ولا يجب لها نفقة ولا سكنى، لانها لا تدعى ذلك، وان كان مقرا لها به. وأما المهر فإن كان في يد الزوج لم تأخذ الزوجة منه الا النصف لانها لا تدعى أكثر منه، وان كان الزوج مقرا بالجميع. وان كان الصداق في يد الزوجة لم يرجع الزوج عليها بشئ لانه لا يدعيه وان نكلت عن اليمين فحلف ثبت له الرجعة عليها. فأما النفقة والسكنى فالذي يقتضى المذهب أنها لا تستحقه لانها لا تدعيه. وإن قال الزوج طلقتك قبل الاصابة فلا رجعة لى عليك ولا نفقة ولا سكنى لك ولك نصف المهر. وقالت المرأة بل طلقتني بعد الاصابة فلك الرجعة ولى عليك النفقة والسكنى وجميع المهر، فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الاصل عدم الاصابة. إذا ثبت هذا فانه لا رجعة له عليها، سواء حلف أو لم يحلف، لانه

أقر بأنه لا يستحق ذلك، ويجب عليها العدة لانها مقرة بوجوبها عليها، وأما النفقة والسكنى - فان حلف أنه طلقها قبل الاصابة - لم تستحق عليه النفقة والسكنى، وإن نكل عن اليمين فحلفت استحقت ذلك عليه، وأما المهر فإن حلف لم يستحق عليه إلا نصفه سواء كان بيده أو بيدها، وإن نكل عن اليمين وحلفت استحقت جميع المهر، وهذا إذا لم يثبت بالبينة أو بإقرار الزوج انه قد خلا بها. وأما إذا ثبتت بالبينة أو بإقرار انه قد كان خلا بها فعلى القول الجديد لا تأثير للخلوة. وقال في القديم: للخلوة تأثير، فمن أصحابنا من قال: أراد انه يرجح بها قول من ادعى الاصابة منهما. ومنهم من قال: بل الخلوة كالاصابة، وقد مضى بيان ذلك. (فرع) قال في الام: إذا قال قد أخبرتني بانقضاء عدتها ثم قالت بعد هذا ما كانت عدتي منقضية فالرجعة صحيحة لانه لم يقر بانقضاء العدة، وإنما أخبر عنها، فإذا أنكرت ذلك فقد كذبت نفسها وكانت الرجعة صحيحة، قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن طلقها طلقة رجعية وغاب الزوج وانقضت العدة وتزوجت ثم قدم الزوج وادعى أنه راجعها قبل انقضاء العدة، فله أن يخاصم الزوج الثاني وله أن يخاصم الزوجة، فإن بدأ بالزوج نظرت فإن صدقه سقط حقه من النكاح ولا تسلم المرأة إليه، لان إقراره يقبل على نفسه دونها، وان كذبه فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الرجعة، فان حلف سقط دعوى الاول، وان نكل ردت اليمين عليه، فان حلف وقلنا إن يمينه مع نكول المدعى عليه كالبينة حكمنا بأنه لم يكن بينهما نكاح، فان كان قبل الدخول لم يلزمه شئ، وإن كان بعد الدخول لزمه مهر المثل وان قلنا انه كالاقرار لم يقبل إقراره في اسقاط حقها، فان دخل بها لزمه المسمى، وان لم يدخل بها لزمه نصف المسمى. ولا تسلم المرأة إلى الزوج الاول على القولين، لانا جعلناه كالبينة أو كالاقرار في حقه دون حقها. وإن بدا بخصوصة الزوجة فصدقته لم تسلم إليه، لانه لا يقبل

إقرارها على الثاني كما لا يقبل إقراره عليها، ويلزمها المهر لانها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها، فان زال حق الثاني بطلاق أو فسخ أو وفاة ردت إلى إلى الاول لان المنع لحق الثاني وقد زال. وان كذبته فالقول قولها، وهل تحلف على ذلك؟ فيه قولان: (أحدهما) لا تحلف لان اليمين تعرض عليها لتخاف فتقر. ولو أقرت لم يقبل إقرارها فلم يكن في تحليفها فائدة (والثانى) تحلف لان في تحليفها فائدة، وهو أنها ربما أقرت فيلزمها المهر وإن حلفت سقطت دعواه، وإن نكلت ردت اليمين عليه، فإذا حلف حكم له بالمهر. (فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحبلت من الزوج ووضعت وشرعت في إتمام العدة من الاول وراجعها صحت الرجعة لانه راجعها في عدته فان راجعها قبل الوضع ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لانها في عدة من غيره فلم يملك رجعتها، والثانى يصح بما بقى عليها من عدته لانه حكم الزوجية باق وانما حرمت لعارض فصار كما لو أحرمت (الشرح) تصح الرجعة من غير علم الزوجة، لان ما لا يفتقر إلى رضاها لم تفتقر صحته إلى علمها كالطلاق. إذا ثبت هذا فان انقضت عدتها فتزوجت بآخر وادعى الزوج الاول أنه كان راجعها قبل انقضاء العدة منه، وقال الزوج الثاني بل انقضت عدتها قبل ان يراجعها نظرت فان أقام الزوج الاول بينة أنه راجعها قبل انقضاء عدتها منه حكم بتزويجها للاول وبطل نكاح الثاني، سواء دخل بها أو لم يدخل وبه قال على بن ابى طالب وأكثر الفقهاء. وقال مالك: ان دخل بها الثاني فهو أحق بها، وان لم يدخل بها الثاني ففيه روايتان، احداهما أنه أحق بها، والثانى أن الاول أحق بها. وروى ذلك عن عمر رضى الله عنه، دليلنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم - إلى قوله تعالى - والمحصنات من النساء " والمحصنة من لها زوج، وهذه لها زوج وهو الاول،

فلم يصح نكاح الثاني. إذا ثبت هذا - فإن كان الثاني لم يدخل بها - فرق بينهما ولا شئ عليه، وإن دخل بها فرق بينهما وعليه مهر مثلها وعليها العدة، لانه وطئ شبهة، ولا تحل للاول حتى تنقضي عدتها من الثاني، وإن لم يكن مع الاول بينة فله أن يخاصم لزوج الثاني، وله أن يخاصم الزوجة الاولى أو يبتدئ بخصومة الثاني لانه أقرب، فإن بدأ بخصومة الثاني نظرت في الثاني فإن أنكر وقال لم يراجعها إلا بعد انقضاء عدتها فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عدم رجعة الاول، وكيف يحلف؟ قال الشيخ أبو حامد في التعليق: يحلف أنه لم يراجعها في عدتها. وقال ابن الصباغ في الشامل: يحلف أنه لم يعلم أنه راجعها في عدتها، لانه يحلف على نفى فعل غيره، وهذا أقيس، فان حلف الثاني سقطت دعوى الاول عنه، وإن نكل الثاني عن اليمين ردت اليمين على الاول، فان حلف أنه راجعها قبل انقضاء عدتها منه سقط حق الثاني من نكاحها، لان يمين الاول كبينة أقامها في أحد القولين. أو كإقرار الثاني بصحة رجعة الاول، وذلك يتضمن إسقاط حق الثاني منهما فان صدقت الزوجة الاول على صحة رجعته سلمت إليه، فان كان الثاني لم يدخل بها فلا شئ عليه وتسلم الزوجة في الحال. وإن كان الثاني دخل بها استحقت عليه مهر مثلها ولا تسلم إلى الاول الا بعد انقضاء عدتها من الثاني. وإن أنكرت الزوجة صحة الرجعة من الاول - فان قلنا إن يمين الاول كبينة أقامها الاول - كان كأن لم يكن بين الثاني وبينها نكاح، فان كان قبل الدخول فلا شئ لها عليه، وان كان بعد الدخول فلها عليه مهر مثلها وان قلنا إن يمين الاول يكذبه إقرار الثاني فلا يقبل إقراره في إسقاط حقها بل إن كان قبل الدخول لزمه نصف مهرها المسمى، وإن كان بعد الدخول لزمه جميع المسمى، ولا تسلم المرأة إلى الاول على القولين، لان يمين الاول كبينة أقامها أو كإقرار الثاني في حق الثاني لا في حقها. وإن صدق الثاني الاول أنه راجعها قبل انقضاء عدته - فإن صدقته المرأة أيضا كان كما لو أقام الاول البينة، فان كان قبل الدخول فلا شئ لها على الثاني، وتسلم الزوجة إلى الاول في الحال، وان كان بعد الدخول فلها على الثاني مهر مثلها

وله عليها العدة ولا تسلم إلى الاول إلا بعد انقضاء عدتها من الثاني، وإن أنكرت الزوجة صحة رجعة الاول بعد أن صدقه الثاني فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل عدم الرجعة، ويحكم بانفساخ نكاح الثاني، لانه أقر بتحريمها، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المسمى، وان كان بعد الدخول لزمه جميع المسمى، وان بدأ الزوج الاول بالخصومه مع الزوجه نظرت فإن صدقته لم يقبل إقرارها لتعلق حق الثاني بها - وهل يلزمها المهر للاول؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ. (أحدهما) لا يلزمها له شئ، للان إقرارها لم يقبل بحق الثاني، فلم يلزمها غرم كما لو ارتدت أو قتلت نفسها (والثانى) ولم يذكر المحاملى والشيخ أبو إسحاق هنا غيره أنه يلزمها للاول المهر لانها فوتت بضعها عليه بالنكاح الثاني، فهو كما لو شهد عليه شاهدان أنه طلقها ثم رجعا عن شهادتهما فإنه يجب عليهما، فكذلك هذا مثله، وان أنكرت فالقول قولها لان الاصل عدم الرجعة، وهل يلزمها أن تحلف؟ قال الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق: فيه قولان (أحدهما) لا يلزمها أن تحلف، لان اليمين انما تعرض لتخاف فتقر، ولو أقرت لم يقبل إقرارها للاول بحق الثاني فلا فائدة في ذلك (والثانى) يلزمها أن تحلف، لانه ربما خافت من اليمين فأقرت بصحة رجعة الاول فلزمها له المهر. قال ابن الصباغ. يبنى على الوجهين، إذا أقرت للاول، فان قلنا هناك يلزمها له المهر لزمها أن تحلف له لجواز أن تخاف فتقر فيلزمها المره. وان قلنا لا يلزمها المهر لم يلزمها أن تحلف لانه لا فائدة في ذلك، فان قلنا لا يمين عليها فلا كلام. وان قلنا عليها اليمين، فان حلفت سقطت دعوى الزوج عنها، وان نكلت ردت اليمين على الاول، فإذا حلف احتمل أن يبنى على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه. فان قلنا انها كالبينه لزمها المهر للاول، وان قلنا انها كالاقرار فهل يلزمها المهر للاول؟ على الوجهين اللذين حكاهما ابن الصباغ، ولا تسلم الزوجه إلى الاول مع انكار الثاني على القولين، لانها كالبينه أو كالاقرار في حق المدعيين وهما الزوج الاول والزوجة لا في حق الثاني وكل موضع قلنا لا تسلم المرأة إلى

الاول إذا أقرت له بحق الثاني فزالت زوجية الثاني بموته أو طلاقه، وسلمت إلى الاول بعد انقضاء عدة الثاني منها، لان المنع من تسليمها إلى الاول لحق الثاني وَقَدْ زَالَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) إذا طلق الحر امرأته ثلاثا أو طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه ولا يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها. والدليل عليه قوله عز وجل (فإن طلقها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره) وروت عائشة رضى الله عنها أن رفاعة القرظى طلق امرأته بت طلاقها فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فجاءت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله انى كنت عند رفاعة وطلقني ثلاث تطليقات فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة، فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لعلك تريدين ان ترجعي إلى رفاعة، لا والله تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك: ولا تحل إلا بالو طء في الفرج، فإن وطئها فيما دون الفرج، أو وطئها في الموضع المكروه لم تحل، لان النبي صلى الله عليه وسلم علق على ذوق العسيلة، وذلك لا يحصل الا بالوطئ في الفرج، وأدنى الوطئ أن يغيب الحشفة في الفرج لان أحكام الوطئ تتعلق به ولا تتعلق بما دونه، فإن أولج الحشفة في الفرج من غير انتشار لم تحل لان النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بذوق العسيلة، وذلك لا يحصل من غير انتشار. وإن كان بعض الذكر مقطوعا فعلى ما ذكرناه في الرد بالعيب في النكاح. وإن كان مسلولا أحل بوطئه، لانه في الوطئ كالفحل وأقوى منه ولم يفقد الا الانزال، وذلك غير معتبر في الاحلال. وان كان مراهقا أحل لانه كالبالغ في الوطئ، وإن وطئت وهى نائمة أو مجنونة، أو استدخلت هي ذكر الزوج وهو نائم أو مجنون، أو وجدها على فراشه فظنها غيرها فوطئها حلت لانه وطئ صادف النكاح.

(فصل) فإن رآها رجل أجنبي فظنها زوجته فوطئها أو كانت أمة فوطئها مولاها لم تحل لقوله عز وجل حتى تنكح زوجا غيره، وإن وطئها الزوج في نكاح فاسد كالنكاح بلا ولى ولا شهود أو في نكاح شرط فيه أنه إذا أحلها للزوج الاول فلا نكاح بينهما ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يحلها لانه وطئ في نكاح غير صحيح فلم تحل كوطئ الشبهة (والثانى) أنه يحلها لما روى عبد الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لعن الله المحلل والمحلل له. فسماه محللا، ولانه وطئ في نكاح فأشبه الوطئ في النكاح الصحيح. (فصل) وإن كانت المطلقة أمة فملكها الزوج قبل أن ينكحها زوجا غيره فالمذهب أنها لا تحل لقوله عزوجل: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره ولان الفرج لا يجوز أن يكون محرما عليه من وجه مباحا من وجه. ومن أصحابنا من قال يحل وطؤها لان الطلاق يختص بالزوجية فآثر التحريم في الزوحية (فصل) وإن طلق امرأته ثلاثا وتفرقا ثم ادعت المرأة أنها تزوجت بزوج أحلها جاز له أن يتزوجها لانها مؤتمنة فيما تدعيه من الاباحة، فإن وقع في نفسه أنها كاذبة فالاولى أن لا يتزوجها احتياطا (الشرح) حديث عائشة أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وأحمد في مسنده بلفظ " جاءت امرأة رفاعة القرظى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وانما معه مثل هدبة الثوب، فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وعند أبى داود من غير تسمية الزوجين واللفظ بمعناه وقد أخرج نحوه أيضا ابو نعيم في الحليه. قال الهيثمى في مجمع الزوائد: فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح، ولهذا الحديث متابعات، منها ما رواه أحمد والنسائي عن ابن عمر قال " سئل نبى الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ويتزوجها آخر، فيغلق الباب ويرخى الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، هل تحل للاول؟ قال لا حتى يذوق العسيلة " وهذا

الحديث من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن رزين بن سليمان الاحمري عن ابن عمر. وروى أيضا من طريق شعبة عن علقمة بن مرثد عن سالم بن رزين عن سالم ابن عبد الله عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قال النسائي: والطريق الاول أولى بالصواب. قال الحافظ بن حجر: وإنما قال ذلك لان الثوري أتقن وأحفظ من شعبه، وروايته أولى بالصواب من وجهين (أحدهما) أن شيخ علقمه هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبه، فقد رواه جماعه عن شعبه كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات (ثانيهما) أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا لم يخالفه سعيد ويقول بغيره اه وعن عائشة عند أبى داود بنحو حديث ابن عمر، وعند النسائي عن ابن عباس بنحوه أيضا، وعن أبى هريرة عند الطبراني وابن أبى شيبة بنحوه. وكذلك أخرجه الطبراني عن أنس والبيهقي عنه. وأخرج الطبراني حديثا آخر عن عائشة بإسناد رجاله ثقات " أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها، فسألت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا، حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته ". أما أمرأة رفاعة فقد قيل في اسمها: تميمة. وقيل سهيمة. وقيل أميمة. والقرظى بضم القاف وفتح الراء نسبة إلى بنى قريظه. وعبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاى وليس بالتصغير كما في الزبير بن العوام. بل هو كأمير وهو ابن باطا. وقوله " هدبة الثوب " بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذى لم ينسج، مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن، هكذا أفاده ابن حجر. وفى المصباح هدب العين ما نبت من الشعر على أشفارها والجمع أهداب مثل قفل وأقفال: ورجل أهدب طويل الاهداب. وهدبة الثوب طرءته مثال غرفة وضم الدال للاتباع لغة والجمع هدب مثل غرفة وغرف. وفى القاموس الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدهما بهاء. وكذا في مجمع

البحار نقلا عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال: ومرادها أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار وقوله " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيه فقيل هون تصغير العسل، لان العسل مؤنث. جزم بذلك القزاز. قال وأحسب التذكير لغة وقال الازهرى يذكر ويؤنث وقبل لان العرب إذا حقرت الشئ أدخلت فيه هاء التأنيث. وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل أشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل: معنى العسيلة النطفة، وهذا يوافق قول الحسن البصري. وقال جمهور العلماء: ذوق العسيلة كناية عن الجماع. وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة. أما حديث " لعن الله المحلل والمحلل له " ففى الترمذي ومسند أحمد من حديث عبد الله بن مسعود. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفى المسند مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعا وإسناده حسن، وفيه عن على عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وفى سنن ابن ماجه من حديث عقبه ابن عامر قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له. فهؤلاء الاربعة من سادات الصحابة رضى الله عنهم وقد شهدوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلعنه أصحاب التحليل وهم المحلل والمحلل له. قال ابن القيم: وهذا إما خبر عن الله فهو خبر صدق وإما دعاء فهو مستجاب قطعا. وهذا يفيد انه من الكبائر الملعون فاعلها أما أحكام هذين الفصلين، فإنه إذا طلق الحر امرأته ثلاثا، أو طلق العبد امرأته طلقتين بانت منه وحرم عليه استمتاعها والعقد عليها حتى تنقضي عدتها عنه بتزوج غيره ويصيبها ويطلقها، أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، وبا قال الفقهاء كافة إلا سعيد بن المسيب فإنه قال: إذا تزوجها وفارقها حلت للاول وان لم يصيبها الثاني فقد قال ابن المنذر: اجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للاول إلا

سعيد بن المسيب. ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدل على ذلك. قال ولا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج. ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن. وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب الملكى في شرح الرسالة عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب وحكى ابن الجوزى عن داود أنه وافق في ذلك سعيدا. قال القرطبى: ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه. واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو. ونقل ذلك ابن المنذر عن جميع الفقهاء ويستدل من حديث عائشة وابن عمر وغيرهما على جواز رجوعها إلى زوجها الاول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه، لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني، ولا إرادة تحليلها للاول. وقال الاكثر من الفقهاء: ان شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا. قال في البيان في حديث عائشة: وانما أراد صلى الله عليه وسلم بذلك - يعنى بالعسيلة - لذة الجماع، وسماه العسيلة. فثبت نكاح الثاني بالآية " فإن طلقها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره " وثبتت الاصابة بالسنة، وهو إجماع الصحابة، لانه روى عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة، ولا يعرف لهم مخالف اه إذا ثبت هذا فإن أقل الوطئ الذى يتعلق به الاحلال للاول أن تغيب الحشفة في الفرج، لان أحكام الوطئ من الغسل والحدود وغيرهما تتعلق بذلك. ولا يتعلق بما دونه، فأن أولج الحشفة في الفرج وواقعها وتجاوت معه باللذة وأنزل فقد حصل الاحلال وزيادة، وإن غيب الحشفه في الفرج من غير انتشار أو غيبه في الموضع المكروه أو وطئها فيما دون الفرج لم يتعلق به الاحلال. لان النبي صلى الله عليه وسلم علقه على ذوق العسيلة، وذلك لا يحصل بما ذكرناه. (فرع) وإن تزوجها صبى فجامعها - فإن كان صبيا غير مراهق كابن سبع

سنين فما دون - لا يحكم بمجامعته ولم يحللها للاول، لان هذا الجماع لا يلتذ به فهو كما لو أدخل أصبعه في فرجها، وإن كان مراهقا ينتشر عليها أحلها للاول، وقال مالك لا يحللها دليلنا أنه جماع ممن يجامع مثله فأحلها للاول كالبالغ، وإن كان مشكول الانثيين فغيب الحشفة في الفرج أحلها للاول، لانه جماع يلتذ به فهو كغيره وإن كان مقطوع الذكر من أصله لم تحل للاول بجماع لانه لا يوجد منه الجماع، وإن قطع بعضه - فإن بقى من ذكره قدر الحشفة واولجه - أحلها للاول، وإن كان الذى بقى منه أو الذى أولج فيها دون الحشفة لم يحلها للاول لانه لا يلتذ به. وينسحب هذا الحكم على العبد والامة لان الحديث لم يفرق بين الحر والعبد ولا بين الحرة والامة. (فرع) وإن أصابها الزوج الثاني وهى محرمة لحج أو عمرة أو صائمة أو حائض أحلها للاول، وقال مالك: لا يحلها. دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا حتى تذوق العسيلة " ولم يفرق، ولانها إصابة يستقر بها المهر المسمى، فوقعت بها الاباحة للاول كما إذا وطئها محلة مفطرة طاهرة واشترط أصحاب أحمد أن يكون الوطئ حلالا، فإن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من أحدهما أو منهما، أو وأحدهما صائم فرضا لم تحل، لانه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الاحلال كوطئ المرتدة، وقد خالفهم ابن قدامة منهم فقال: وظاهر النص حلها، وهو قوله تعالى " حتى تنكح زوجا غيره " وهذه قد نكحت زوجا غيره، وأيضا قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَتَّى تَذُوقِي عسيلته ويذوق عسيلتك " وهذا قد وجد ولانه وطئ في نكاح صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ الحلال. وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو وطئها وهى مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح إن شاء الله. وهو مذهب أبى حنيفة والشافعي. وأما وطئ المرتدة فلا يحلها، سواء وطئها في حال ردتهما أو ردتهما، أو وطئ المرتد المسلمة، لانه ان لم يعد المرتد منهما إلى الاسلام تبين أن الوطئ في غير

نكاح. وإن عاد إلى الاسلام في العدة فقد كان الوطئ في نكاح غير تام، لان سبب البينونة حاصل فيه. وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل اسلام الآخر لم يحلها لذلك. (فرع) وان طلق مسلم ذمية ثلاثا فتزوجت بذمي وأصابها ثم فارقها حلت للمسلم. وقال مالك: لا تحل. دليلنا أنه اصابة من زوج في نكاح صحيح فحلت للاول كما لو تزوجها مسلم. وان تزوجها الثاني فجن فأصابها في حال جنونه، أو جنت فأصابها في حال جنونها أو وجدها الزوج على فراشه فظنها أجنبية فوطئها فبان أنها زوجته حلت للاول بعد مفارقة الثاني، لانه ايلاج تام صادف زوجية ولم يفقد الا القصد، وذلك غير معبتر في الاصابة كما قلنا في استقرار المسمى (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وان كانت الاصابة بعد ردة أحدهما ثم رجع المرتد منهما لم تحلها الاصابة لانها محرمة في تلك الحال. وجملة ذلك أن المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بآخر ثم ارتد أحدهما أو ارتدا ووطئها في حال الردة لم يحلها للاول، لان الوطئ انما ينتج إذا حصل في نكاح صحيح تام، والزوجية ههنا متشعثة بالردة. وقال المزني: هذه المسألة محال لانهما ان ارتدا أو ارتد أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح بنفس الردة، وإن ارتد أو ارتد أحدهما بعد الدخول فقد حصل الاحلال بالوطئ قبل الردة فلا تؤثر الردة. قال أصحابنا: ليس بمحال، بل تتصور على قوله القديم الذى يقول: إن الخلوة كالاصابة، فإذا خلا بها ثم ارتدا أو أحدهما فعليها العدة، فما دامت في العدة فالزوجية قائمة وتتصور على قوله الجديد بأن يطأها فيما دون الفرج فسبق الماء إلى الفرج أو تستدخل ماءه ثم يرتد أحدهما فيجب عليها العدة أو؟ طأها في الموضع المكروه فيرتدان أو أحدهما فيجب عليها العدة، فيتصور هذا في هذه المواضع الثلاثة. (مسألة) إذا طلقها ثلاثا فانقضت عدتها منه فوجدها رجل على فراشه فظنها

زوجته أو أمته فوطئها، أو كانت أمة الآخر فوطئها سيدها لم تحل للاول لقوله تعالى " حتى تنكح زوجا غيره " هذا ليس بزوج. وإن اشتراها زوجها قبل أن تنكح زوجا غيره فهل يحل له وطؤها بالملك؟ فيه وجهان: أحدهما يحل له وطؤها لان الطلاق من خصائص الزوجية فأثر في تحريم الوطئ بالزوجية دون ملك اليمين. والثانى لا تحل له وهو المذهب لقوله تعالى " حتى تنكح زوجا غيره " ولم يفرق، ولان كل امرأة يحرم عليه نكاحها لم يجز له وطؤها بملك اليمين كالملاعنة وإن نكحها رجل نكاحا فاسدا ووطئها فهل تحل للاول؟ فيه قولان (أحدهما) لا يحلها لانه وطئ في نكاح فاسد فهو كوطئ الشبهة (والثانى) يحلها لقوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله المحلل والمحلل له " فسماه محللا، ولانه وطئ في نكاح فأشبه النكاح الصحيح. قال في الاملاء: وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا فانقضت عدتها فجاءها رجل فقال: توقفي فلعل زوج قد راجعك لم يلزمها التوقف لان انقضاء العدة قد وجد في الظاهر، والرجعة أمر محتمل فلا يترك الظاهر للمحتمل. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (فصل) وان تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج وادعت عليه أنه أصابها وأنكر الزوج لم يقبل قولها على الزوج الثاني في الاصابة ويقبل قولها في الاباحة للزوج الاول لانها تدعى على الزوج الثاني حقها وهو استقرار المهر ولا تدعى على الاول شيئا وانما تخبره عن أمر هي فيه مؤتمنه فقبل، وان كذبها الزوج الاول فيما تدعيه على الثاني من الاصابة ثم رجع فصدقها جاز له أن يتزوجها لانه قد لا يعلم أنه أصابها ثم يعلم بعد ذلك. وان ادعت على الثاني أنه طلقها وأنكر الثاني للاول نكاحها لانه ادا لم يثبت الطلاق فهى باقية على نكاح الثاني فلا يحل للاول نكاحها، ويخالف إذا اختلفا في الاصابة بعد الطلاق لانه ليس لاحد حق في بضعها فقبل قولها (فصل) إذا عادت المطلقة ثلاثا إلى الاول بشروط الاباحة ملك عليها

ثلاث تطليقات، لانه قد استوفى ما كان يملك من الطلاق الثلاث، فوجب أن يستأنف الثلاث، فإن طلقها طلقة أو طلقتين فتزوجت بزوج آخر فوطئها ثم أبانها رجعت إلى الاول بما بقى من عدد الطلاق. لانها عادت قبل استيفاء العدد فرجعت بما بقى، كما لو رجعت قبل أن تنكح زوجا غيره. (الشرح) إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فجاءت إلى الذى طلقها وادعت أن عدتها منه قد انقضت وأنها قد تزوجت بآخر وأصابها وطلقها الثاني وانقضت عدتها، وكان قد مضى من يوم الطلاق زمان يمكن صدقها فيه. جاز للاول أن يتزوجها لانها مؤتمنه فيما تدعيه من ذلك، فإن وقع في نفس الزوج كذبها فالورع له أن لا يتزوجها، فإن نكحها جاز لان ذلك مما لا يتوصل إلى معرفته إلا من جهتها، وان كانت عنده صادقة لم يكره له تزويجها، ويستحب له أن يبحث عن ذلك ليعرف به صدقها، فإن لم يبحث عن ذلك جاز، فإن رجعت المرأة عما أخبرت به نظرت - فإن كان قبل أن يعقد عليها الاول - لم يجز له العقدة عليها وان كان بعد ما عقد عليها لم يقبل رجوعها، لان في ذلك ابطالا للعقد الذى لزمها في الظاهر. (فرع) وان طلق امرأته ثلاثا فتزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها وطلقها الثاني فادعت الزوجة على الثاني أنه طلقها بعد أن أصابها وأنكر الثاني الاصابة، فالقول قوله مع يمينه أنه ما أصابها، لان الاصل عدم الاصابة ولا يلزمه الا نصف المسمى ويلزمها العقد للثاني لانها مقرة بوجوبها، فإن صدقها الاول أن الثاني قد أصابها في النكاح، هل له أن يتزوجها؟ لان قولها مقبول في اباحتها للاول، وان لم يقبل على الثاني. فإن قال الاول: أنا أعلم أن الثاني لم يصبها لم يجز له أن يتزوجها، فإن عاد وقال علمت أن الثاني أصابها، حل له أن يتزوجها لانه قد يظن أنه لم يصبها ثم يعلم أنه أصابها فحلت له. (مسألة) الفرقة التى يقع بها التحريم بين الزوجين على أربعة أضرب: (الاول) فرقة يقع بها التحريم، ويرتفع ذلك التحريم بالرجعة وهو الطلاق

الرجعى على ما مضى وهذا أخفها (والضرب الثاني) فرقة يرتفع بها التحريم بعقد نكاح مستأنف قبل زوج، وهو أن تطلق غير المدخول بها طلقة أو طلقتين أو تطلق المدخول بها طلقة أو طلقتين بغير عوض ولا يسترجعها حتى تنقضي عدتها أو يطلقها طلقة أو طلقتين بعوض أو يجد أحدهما بالآخر عيبا فيفسخ النكاح، أو بعسر الزوج بالمهر والنفقة فتفسخ الزوجة النكاح فلا رجعة للزوج في هذا كله وانما يرتفع التحريم بعقد نكاح مستأنف ولا يشترط أن يكون ذلك بعد زوج واصابة، وهذا الضرب أغلظ من الاول. (الضرب الثالث) فرقة يقع بها التحريم ولا يرتفع ذلك التحريم الا بعقد مستأنف بعد زوج واصابه. وهو أن يطلق الرجل أمرأته ثلاثا، سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، فيحرم عليه العقد عليها الا بعد زوج واصابه على ما سبق. وهذا أغلظ من الاوليين (والضرب الرابع) فرقة يقع بها التحريم على التأبيد لا يرتفع بحال، فهى الفرقة باللعان على ما يأتي في اللعان. وهذا أغلظ الفرق إذا ثبت هذا فإن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا في عدتها، فانها تكون عنده على ما بقى له من عدد الطلاق، وان طلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج فانه يملك عليها ثلاث طلقات. وهذا اجماع لا خلاف فيه، وان أبان امرأته بدون الثلاث حتى انقضت عدتها ثم تزوجها قبل أن تتزوج زوجا غيره فانها تكون عنده ما بقى من عدد الثلاث. وهذا أيضا لا خلاف فيه. وان تزوجها بعد أن تزوجت غيره فانها تعود إليه عندنا على ما بقى من عدد الثلاث لا غير. وبه قال في الصحابة عمر وعلى وأبو هريرة. ومن الفقهاء مالك والاوزاعي والثوري وابن أبى ليلى ومحمد بن الحسن وزفر. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تعود إليه بالثلاث. وقال ابن عباس بمثل ذلك. دليلنا أن اصابة الزوج ليست شرطا في الاباحه للاول فلم تؤثر في الطلاق كإصابة الشبهه. والله تعالى أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتاب الايلاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الايلاء يصح الايلاء من كل زوج بالغ عاقل قادر على الوطئ، لقوله عز وجل " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وأما الصبى والمجنون فلا يصح الايلاء منهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ولانه قول يختص بالزوجية فلم يصح من الصبى والمجنون كالطلاق. وأما من لا يقدر على الوطئ، فإن كان بسبب يزول كالمريض والمحبوس صح إيلاوه. وان كان بسبب لا يزول كالمجبون والاشل ففيه قولان (أحدهما) يصح ايلاؤه لان من صح ايلاؤه إذا كان قادرا على الوطئ صح ايلاؤه إذا لم يقدر كالمريض والمحبوس (والثانى) قاله في الام لا يصح ايلاؤه لانه يمين على ترك ما لا يقدر عليه بحال فلم يصح، كما لو حلف لا يصعد السماء. ولان القصد بالايلاء أن يمنع نفسه من الجماع باليمين. وذلك لا يصح ممن لا يقدر عليه، لانه ممنوع من غير يمين، ويخالف المريض والمحبوس لانهما يقدران عليه إذا زال المرض والحبس، فصح منهما المنع باليمين، والمجبوب والاشل لا يقدران بحال. (الشرح) قوله تعالى " للذين يؤلون من نسائهم " الآ يه، معناه يحلفون، والمصدر ايلاء وألية وألوة وألوة وإلوة، وقرأ أبى وابن عباس: للذين يقسمون ومعلوم أن يقسمون تفسير يؤلون، وقرئ " للذين آلوا " يقال: آلى يؤلى ايلاء وتألى تأليا وائتلى ائتلاء أي حلف. ومنه " ولا يأتل أولو الفضل منكم " كذا أفاده القرطبى وقال طرفة ابن العبد: فآليت لا ينفك كشحى بطانة * لعضب رقيق الشفرتين مهند وقال في الجمع: قليل الالايا حافظ ليمينه * وان سبقت منه الالية برءت

وقال آخر: فأليت لا أنفك أحدو قصيدة * تكون واياها بها مثلا بعدى وفى الحديث " ومن يتأل على الله يكذبه " وقال ابن عباس: كان ايلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ايذاء المرأة عند المساءة، فوقت لهم أربعة أشهر. وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله نساؤه النفقه مما ليس عنده. كذا في الصحيحين وفى سنن الترمذي وابن ماجه " أن زينب ردت عليه هديته فغضب صلى الله عليه وسلم فآلى منهن " ويلزم الايلاء كل من يلزمه الطلاق، فالحر والعبد والسكران يلزمه الايلاء وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغا عاقلا. وكذلك الخصى إذا لم يكن مجبوبا والشيخ إذا كان فيه بقية رمق ونشاط وجملة ذلك انه يصح الايلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطئ. وأما الصبى والمجنون فلا يصح ايلاؤهما، لان القلم مرفوع عنهما، ولانه قول تجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر وأما العاجز عن الوطئ فإن كان لعارض مرجو زواله كالمرض والحبس صح ايلاؤه لانه يقدر على الوطئ فصح منه الامتناع منه، وان كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح ايلاؤه لانها يمين على ترك مستحيل فلم تنعقد، كما لو حلف أن لا يقلب الحجارة ذهبا، ولان الايلاء اليمين المانعة من الوطئ وهذا لا يمنعه يمينه فانه متعذر منه ولا تضر المرأة يمينه. واختلف قول الشافعي في المجبوب فقال: ولا يلزم الايلاء الا زوجا صحيح النكاح. فأما فاسد النكاح فلا يلزمه ايلاء. وقال: وإذا آلى الخصى غير المجبوب من امرأته فهو كغير الخصى. وهكذا لو كان مجبوبا قد بقى له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصى في جميع أحكامه. وأما إذا آلى الخصى المجبوب من أمرأته قيل له: فئ بلسانك لا شئ عليه غيره لانه ممن لا يجامع مثله، وانما الفئ الجماع، وهو ممن لا جماع عليه. قال: ولو تزوج رجل

امرأة ثم آلى منها ثم خصى ولم يجب كان كالفحل، ولو جب كان له الخيار مكانها في المقام معه أو فراقة، فإن اختارت المقام معه قيل له: إذا طلبت الوقف ففئ بلسانك لانه ممن لا يجامع اه. قال الربيع: إن اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما، وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الاجل أنه لا يكون لها خيار ثانية. والمجبوب عندي مثله اه قال القرطبى من المالكية وهو صاحب الجامع لاحكام القرآن: والاصح والاقرب إلى الكتاب والسنة القول بأنه لا يصح ايلاؤه، فإن الفئ، هو الذى يسقط اليمين: الفئ بالقول لا يسقطها والى عدم إيلائه ذهب المالكية والحنابله إلا أبا الخطاب فإنه قال: يحتمل أن يصح الايلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس. وقال ابن قدامة: فأما الخصى الذى سلت بيضتاه أو رضت فيمكن منه الوطئ وينزل ماء رقيقا فيصح ايلاؤه. وكذلك المجبوب الذى بقى من ذكره ما يمكن الجماع به وقالت الحنفية: إن عجز عن وطئها لجبة صح ايلاؤه، وفيؤه ان يقول: فئت إليها. قال المصنف رحمه تعالى: (فصل) ولا يصح الايلاء بالله عزوجل، وهل يصح بالطلاق والعتاق والصوم والصلاة وصدقة المال، فيه قولان: قال في القديم: لا يصح لانه يمين بغير الله عزوجل، فلم يصح به الايلاء كاليمين بالنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة وقال في الجديد يصح وهو الصحيح لانه يمين يلزمه بالحنث فيها حق، فصح به الايلاء كاليمين بالله عزوجل، فإذا قلنا بهذا فقال: ان وطئك فعبدي حر فهو مول. وان قال: ان وطئتك فلله على أن أعتق رقبة فهو مول، وان قال: ان وطئتك فأنت طالق، أو امرأتي الاخرى طالق فهو مول وان قال ان وطئتك فعلى أن أطلقك أو أطلق امرأتي الاخرى لم يكن موليا، لانه لا يلزمه بالوطئ شئ وان قال: ان وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لانه لا يلزمه بالوطئ حق

لانه لا يصير بوطئها قاذذفا، لان القذف لا يتعلق بالشرط، لانه لا يجوز أن تصير زانية بوطئ الزوج كما لا تصير زانيه بطلوع الشمس، وإذا لم يصر قاذفا لم يلزمه بالوطئ حق فلم يجز أن يكون موليا. وان قال ان وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا، لان المولى هو الذى يلزمه بالوطئ بعد أربعة أشهر حق أو يلحقه ضرر، وهذا يقدر على وطئها بعد أربعة أشهر من غير ضرر يلحقه ولا حق يلزمه، لان صوم شهر مصى لا يلزمه، كما لو قال: ان وطئتك فعلى صوم أمس وان قال: ان وطئتك فسالم حر عن ظهارى وهو مظاهر فهو مول. وقال المزني لا يصير موليا لان ما وجب عليه لا يتعين بالنذر، كما لو قال: ان وطئتك فعلى أن أصوم اليوم الذى على من قضاء رمضان في يوم الاثنين ا، وهذا خطأ لانه يلزمه بالوطئ حق وهو اعتاق هذا العبد وأما الصوم فقد حكى أبو على بن أبى هريرة فيه وجها آخر أنه يتعين بالنذر كالعتق. والذى عليه أكثر اصحابنا وهو المنصوص في الام أنه لا يتعين. والفرق بينهما أن الصوم الواجب لا تتفاضل فيه الايام، والرقاب تتفاضل أثمانها. وان قال ان وطئتك فعبدي حر عن ظهارى ان ظاهرت، لم يكن موليا في الحال لانه يمكنه أن يطأها في الحال ولا يلزمه شئ، لانه يقف العتق بعد الوطئ على شرط آخر، فهو كما لو قال: ان وطئتك ودخلت الدار فعبدي حر، وان ظاهر منها قبل الوطئ صار موليا، لانه لا يمكه أن يطأها في مدة الايلاء الا بحق يلزمه فصار كما لو قال: ان وطئتك فعبدي حر * * * (الشرح) من شروط الايلاء التى لا يصح الا بها أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته: ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك ايلاء، لقوله صلى الله عليه وسلم " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " فأما ان حلف على ترك الرطء بغير هذا، مثل ان حلف بطلاق أو عتاق

أو صدقة المال أو الحج أو الظهار، فعلى قوله في القديم (1) لا يكون موليا للحديث، وفى إحدى الروايتين عن أحمد كذلك، وقال ابن عباس: كل يمين منعت جماعا فهى إيلاء. وهو قولها الشافعي في الجديد والرواية الاخرى عن أحمد، وذلك قال الشعبى والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق وأبو ثور وابو عبيد وابن المنذر والقاضى ابو بكر بن العربي، لانها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله ولان تعليق الطلاق والعتاق على وطئها حلف بدليل انه لو قال: متى حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن وطئتك فأنت طالق، طلقت في الحال. وقال أبو بكر: كل يمين من حرام أو غيرها يجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا. وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لانه يتعلق به حق آدمى وما أوجب كفارة تعلق بها حق الله تعالى، والرواية الاولى هي المشهورة، لان إيلاء المطلق إنما هو القسم، ولهذا قرأ أبى وابن عباس، يقسمون " مكان يولون. وروى عن ابن عباس في تفسير يولون قال " يحلفون بالله " قال ابن قدامة: والتعليق بشرط ليس بقسم، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا يذكره أهل العربية في باب القسم فلا يكون إيلاء، وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر، والكلام عند إطلاقه لحقيقته، ويدل على هذا قول الله تعالى " فإن فاءوا فان الله غفور رحيم " وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله. قلت: فإذا قلنا بقوله في الجديد أو بالرواية الاخرى لاحمد بن حنبل أو بما ثبت عن مالك قولا واحدا فلانه لا يكون موليا إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث

_ (1) أخطأ القرطبى في تفسيره الجامع لاحكام القرآن إذ اختلط عليه قولا الشافعي فجعل قوله في الجديد مكان قوله في القديم والعكس فليحرر وذلك في الجزء الثالث بالصفحة 103 مطبوعة دار الكتب.

فيه حق. كقوله: إن وطئتك فأن طالق أو فأنت على كظهر أمي أو فأنت على حرام أو فلله على صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون ايلاء، لانه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه وان قال: إن وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لانه لا يلزمه بالوطئ حق، ولا يصير قاذقا بالوطئ، لان القذف لا يتعلق بالشرط، ولا يجوز بالشرط أن تصير زانية بوطئها لها كما لا زانية بطلوع الشمس. وان قال: ان وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا لانه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق، فان صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضية فلا يلزم بالنذر كما لو قال: ان وطئتك فلله على صوم أمس. وان قال: ان وطئتك فلله على أن أصلى عشرين ركعة كان موليا. وقال أبو حنيفة: لا يكون موليا لان الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها موليا، كما لو قال: ان وطئتك فلله على أن أمشى في السوق. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: وإذا قال لامرأته مالى في سبيل الله تعالى أو على مشى إلى بيت الله أو على صوم كذا أو نحر كذا أو من الابل ان قربتك فهو مول لان هذا اما لزمه واما لزمته به كفارة يمين ثم قال: وان قال والكعبة أو عرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو والمواقف أو الخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشئ مما يشبه هذا لا أقر بك، لم يكن موليا، لان كل هذا خارج من اليمين، ولا يتبرر ولا حق لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال: ان قربتك فأنت زانيه فليس بمول إذا قربها، وإذا قربها فليس بقاذف يحد حتى يحدث لها قذفا صريحا يحد به أو يلاعن، وهكذا ان قال: ان قربتك ففلانة - لامرأة له أخرى - زانية وقال رضى الله عنه: وان قال لامرأته: ان قربتك فعبدي فلان حر عن ظهارى - فان كان متظهرا - فهو مول ما لم يمت العبد أو يبعه أو يخرجه ملكه وان كان غير متظهر فهو مول في الحكم، لان ذلك اقرار منه بأنه متظهر.

وإن وصل الكلام فقال: إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهارى ان تظهرت لم يكن موليا (1) حتى يتظهر، فإذا تظهر والعبد في ملكه كان موليا لانه حلف حينئذ بعتقه. اه (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو كان عليه صوم يوم فقال: لله على أن أصوم يوم الخميس عن اليوم الذى على لم يكن عليه صومه، لانه لم ينذر فيه بشئ يلزمه، وأن صوم يوم لازم له فأى يوم صامه أجزأ عنه، ولو صامه بعينه أجزأ عنه من الصوم الواجب لا من النذر. هذا هو قول الشافعي الذى أشار إليه المصنف وعليه أكثر أصحابنا خلافا لها حكاه أبو على بن أبى هريرة وجها آخر انه يتعين بالنذر كالعتق. وإن قال: إن وطئتك فأنت على كظهر أمي فإنه لا يقربها حتى يكفر. وهكذا نص أحمد بن حنبل في تحريمها قبل التكفير. وعليه أن يتربص مدة الايلاء، لانه لا يمكنه أن يطأها قبل مضى المدة ولو أدى كفارة الظهار وقال أحمد إذا واطأ في الايلاء زال حكم الايلاء وثبت الظهار وقد نوزع في هذا إذ كيف يكون مظاهر من واطأ قبل الكفارة وأجيب بأنه إذا وطئ ههنا صار مظاهرا من زوجته وزال حكم الايلاء، ويحتمل انه أراد إذا وطئها مرة فقد ثبت الظهار فلا يطؤها مرة أخرى حتى يكفر لكونه صار بالوطئ مظاهر، إذ لا يصح تقدم الكفارة على الظهار لانه سببها، ولا يجوز تقديم الحكم على سببه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الايلاء إلا على ترك الوطئ في الفرج، فإن قال والله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا، لان الايلاء هو اليمين التى يمنع بها نفسه من الجماع، والوطئ في الدبر ممنوع منه غير يمين، ولان الايلاء هو اليمين التى يقصد بها الاضرار بترك الوطئ، الذى يلحق الضرر بتركه هو الوطئ في الفرج.

_ (1) وكذلك لا يكون موليا ان حلف بالنبي أو الملائكة أو الكعبة ألا يطأها أو قال هو يهودى أو زان ان وطئها.

وإن قال: والله لا وطئتك فيما دون الفرج لم يكن موليا، لانه لا ضرر في ترك الوطئ فيما دون الفرج، (فصل) وإن قال والله لا أنيكك في الفرج، أو والله لا أغيب ذكرى في فرجك، أو والله لا أفتضك بذكرى، وهى بكر، فهو مول في الظاهر والباطن لانه صريح في الوطئ في الفرج وان قال: والله لا جامعتك أو لا وطئتك فهو مول في الحكم لان اطلاقه في العرف يقتضى الوطئ في الفرج. وان قال أردت بالوطئ وطئ القدم وبالجماع الاجتماع بالجسم دين فيه لانه يحتمل ما يدعيه. وان قال والله لا أفتضك ولم يقل بذكرى ففيه وجهان: (أحدهما) أنه صريح كالقسم الاول (والثانى) انه صريح في الحكم كالقسم الثاني، لانه يحتمل الافتضاض بغير ذكره وإن قال والله لا دخلت عليك، أو لا تجتمع رأسي ورأسك، أو لا جمعنى وإياك بيت فهو كناية، فإن نوى به الوطئ في الفرج فهو مول، وان لم تكن له نية فليس بمول، لانه يحتمل الجماع وغيره، فلم يحمل على الجماع من غير نية كالكنايات في الطلاق. وان قال والله لا باشرتك ولا مسستك أو لا أفضى اليك ففيه قولان، قال في القديم هو مول لانه ورد به القرآن بهذه الالفاظ والمراد بها الوطئ، فان نوى به غير الوطئ دين لانه يحتمل ما يدعيه. وقال في الجديد: لا يكون موليا الا بالنية لانه مشترك بين الوطئ وغيره فلم يحمل على الوطئ من غير نية، كقوله لا اجتمع رأسي ورأسك. واختلف أصحابنا في قوله لا أصيبك أو لا لمستك أو لا غشيتك أو لا باضعتك فمنهم من قال هو كقوله لا باشرتك أو لا مسستك فيكون على قولين. ومنهم من قال: هو كقوله: لا اجتمع رأسي ورأسك، فإن نوى به الوطئ في الفرج فهو مول، وان لم يكن له نيه فليس بمول. وان قال: والله لا غيبت الحشفة في الفرج فهو مول، لان تغييب ما دون الحشفة ليس بجماع ولا يتعلق به أحكام الجماع، فصار كما لو قال والله لا وطئتك وان قال: والله لا جامعتك الا جماع سوء، فان أراد به لا جامعتك الا في الدبر

أو فيما دون الفرج فهو مول، لانه منع نفسه من الجماع في الفرج في مدة الايلاء وإن أراد به لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا لم يكن موليا، لان الجماع الضعيف كالقوى في الحكم فكذلك في الايلاء (الشرح) قوله: لا اقتضك بالقاف هو جماع البكر والقضة بالكسر جماع الجارية، أفاده ابن بطال. وقال في المصباح شرح غريب الجامع الكبير للرافعي: قضضت الخشبة قضا من باب قتل ثقبتها. ومنه القضة بالكسر وهى البكارة. يقال اقتضضتها إذا أزلت قضتها، ويكون الاقتضاض قبل البلوغ وبعده. وأما ابتكرها واختصرها وابتسرها بمعنى الاقتضاض، فالثلاثة مختصة بما قبل البلوغ، وكما هو معروف من اللغة من حيث تقارب المعنى حين تتقارب مخارج الحروف وتتجاور في نطقها رأينا أن الافتضاض بالفاء كالاقتضاض بالقاف من فصضت الحتم فضا من باب قتل كسرته، وفضضت البكارة أزلتها على التشبيه بالختم. قال الفرزدق: فبتن بجانبى مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام مأخوذ فضضت اللؤلوة إذا خرقتها، وفض الله فاه نثر أسنانه، وفضضت الشئ فضا فرقته فانقض، وفى التنزيل " لا نفضوا من حولك " وقوله " لا باضعتك " قال ابن الصابغ: قال أبو حنيفة: هو مشتق من البضع وهو الفرح فيكون صريحا، ويحتمل أن يكون من النقاء البضعة من البدن بالبضعة منه، والبضعة القطعة من اللحم. ومنه الحديث: فاطمة بضعة منى، وقيل البضع هو الاسم من باضع إذا جامع أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يلزمه الايلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التى هي صريحة. وذلك: والله لا أطؤك، أو والله لا أغيب ذكرى في فرجك، أو لا أدخله في فرجك، أو لا أجامعك. أو يقول إن كانت عذراء: والله لا أقتضك (بالقاف) أو لافتضك (بالفاء) أو ما في هذا المعنى. فإن قال هذا فهو مول في الحكم، وإن قال لم أرد به الجماع نفسه كان مدينا بينه وبين الله تعالى ولم يدين في الحكم.

قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال والله لا أباشرك أو والله لا أباضعك أو والله لا ألامسك أو لا أرشفك أو ما أشبه هذا، فإن أراد الجماع نفسه فهو مول، وان لم يرده فهو مدين في الحكم والقول فيه قوله، ومتى قلت: القول قوله فطلبت يمينه أحلفته لها فيه اه قلت: مقتضى هذا أنه إذا قال: والله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا لانه لم يترك الوطئ الواحب عليه، ولا تتضرر المرأة بتركه، وانما هو وطئ محرم، وقد أكد منع نفسه منه بيمينه. وان قال: والله لا وطئتك دون الفرج لم يكن موليا لانه لم يحلف على الوطئ الذى يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه. وان قال والله لا جامعتك الا جماع سوء، فقد قال الشافعي رضى الله عنه ولو قال والله لا أجامعك إلا جماع سوء، فإن قال عنيت لا أجامعك الا في دبرك فهو مول والجماع نفسه في الفرج لا في الدبر. ولو قال عنيت لا أجامعك الا بأن لا أغيب فيك الحشفة فهو مول، لان الجماع الذى له الحكم انما يكون بتغييب الحشفة. وان قال عنيت لا أجامعك الا جماعا قليلا أو ضعيفا أو متقطعا أو ما أشبه هذا فليس بمول اه إذا ثبت هذا فانه إذا قال: والله لا جامعتك الا جماع سوء سئل عما أراد، فان قال أردت الجماع في الدبر فهو مول، لانه حلف على ترك الوطئ في الفرج، وكذلك إذا قال أردت أن لا أطأها الا دون الفرج. وان قال أردت جماعا ضعيفا لا يزيد على النقاء الختانين لم يكن موليا، لانه يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث. وان قال: أردت وطئا لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول، لانه يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث، وان لم تكن له نية فليس بمول، لانه محتمل فلا يتعين ما يكون به موليا وان قال والله لا جامعتك جماع سوء فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وان قال والله لا أجامعك في دبرك فهو محسن غير مول لان الجماع في الدبر لا يجوز، وكذلك ان قال والله لا أجامعك في كذا من جسدك غير

الفرج لا يكون موليا إلا بالحلف على الفرج، أو الحلف مبهما فيكون ظاهره الجماع على الفرج اه وجملة ذلك انه إذا قال: والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن موليا بحال لانه لم يحلف على ترك الوطئ وإنما حلف على ترك صفته المكروهة، إذا ثبت هذا فإن الالفاظ التى يكون بها موليا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الاول ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا، وهو ألفاظ ثلاث وهى: والله لا أنيك، ولا أدخل أو لا أغيب أو لا أولج ذكرى في فرجك، ولا اقتضضتك للبكر خاصة، فهذه صريحة، ولا يدين فيها لانها لا تحتمل غير الايلاء. أما إذا قال للثيب: والله لا أقتضك بالقاف ولم يقل بذكرى ففيه وجهان: (أحدهما) أنه صريح كالقسم الاول هذا، والثانى أنه صريح في الحكم كالقسم الثاني، وسيأتى. القسم الثاني: صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، وهو عشرة ألفاظ: لا وطئتك، ولا جامعتك، ولا أصبتك، ولا باشرتك، ولا مسستك ولا قربتك، ولا أتيتك، ولا باضعتك، ولا باعلنك، ولا اغتسلت منك، فهذه صريحة في الحكم لانها تستعمل في العرف في والوطئ، وقد ورد القرآن ببعضها فقال تعالى " ولا تقربوهن حتى يطهرهن، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ " وقال " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " وقال " من قبل أن تمسوهن " وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الالفاظ في الاستعمال، فلو قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم، وبالجماع أجتماع الاجسام، وبالاصابة الاصابة باليد، دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم، لانه خلاف الظاهر والعرف، وقد أختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه الالفاظ، يقال في الجديد ليس بصريح في الحكم لانه حقيقة في غير الجماع وقال في قوله: لا باضعتك ليس بصريح لانه يحتمل أن يكون من التقاء البضعتين، البضعة من البدن بالبضعة منه، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فاطمة بضعة منى " وقال في القديم: هو مول لانها الفاظ وردت في القرآن مرادا بها الجماع.

قال أصحاب أحمد: انه مستعمل في الوطئ عرفا، وقد ورد به القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطئ والجماع. وكونه حقيقة في غير الجماع يبطل بلفظ الوطئ والجماع، وكذلك قوله باضعتك فإنه مشتق من البضع في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الالفاظ لانها تستعمل في غيره، وبهذا قال أبو حنيفة. القسم الثالث: ما لا يكون أيلاء الا بالنية وهو ما عدا هذه الالفاظ مما يحتمل الجماع كقوله: والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ، لا ساقف رأسي رأسك، لاسوءنك، لاغيظنك، لطولن غيبني عنك، لا مس جلد جلدك، لا قربت فراشك، لا أويت معك، لا نمت عندك، فهذه ان أراد بها الجماع واعترف بذلك كان مؤليا وإلا فلا، لان هذه الالفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التى قبلها ولم يرد النص باستعمالها فيه، إلا أن هذه الالفاظ منقسمة إلى ما يفتقر فيه إلى نية الجماع والمدة معا. وهى قوله لاسوأنك أو لاغيظنك أو لتطولن غيبتى عنك فلا يكون موليا حتى ينوى ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر، لان غيظها يكون بترك الجماع فيما دون ذلك، وفى سائر هذه الالفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط. وإن قال: والله ليطولن تركي لجماعك أو لوطئك أو لاصابتك فهذا صريح في ترك الجماع وتعتبر نية المدة دون نية الوطئ على ما سيأتي. وأن قال: والله لا أدخلت جميع ذكرى في فرجك لم يكن موليا، لان الوطئ الذى بحصل به الفئ يحصل بدون إيلاج جميع الذكر. وإن قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان موليا، لان الفيئة لا تحصل بدون ذلك. قال الشافعي رضى الله عنه: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح عن عطاء قال: الايلاء أن يحلف بالله على الجماع نفسه، وذلك أن يحلف لا يمسها فأما أن يقول: لا أمسك ولا يحلف، أو يقول قولا غليظا ثم يهجرها فليس ذلك بإيلاء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الايلاء إلا في مدة تزيد على أربعة أشهر حرا كان الزوج أو عبدا، حرة كانت الزوجة أو أمة، فإن آلى على ما دون أربعة أشهر لم يكن موليا لقوله عزوجل: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فدل على أنه لا يصير بما دونه موليا، ولان الضرر لا يتحقق بترك الوطئ فيما دون أربعه أشهر، والدليل عليه ما روى أن عمر رضى الله عنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول: ألا طال هذا الليل وازور جانبه * وليس إلى جنبى حليل ألاعبه فو الله لولا الله لا شئ غيره * لزعزع من هذا السرير جوانبه مخافة ربى والحياء يكفنى * وأكرم بعلى أن تغال مراكبه فسأل عمر رضى الله عنه النساء كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفى الثالث يقل الصبر وفى الرابع يفقد الصبر، فكتب عمر إلى أمراء الاجناد أن لا تحبسوا الرجل عن امرأته أكثر من أربعة أشهر. وإن آلى على أربعة أشهر لم يكن موليا، لان المطالبة بالفيئة أو الطلاق بعد أربعة أشهر، فإذا آلى على أربعة أشهر لم يبق بعدها إيلاء فلا تصح المطالبة من غير إيلاء (فصل) وإن قال: والله لا وطئتك فهو مول، لانه يقتضى التأبيد. وإن قال والله لا وطئتك مدة، أو والله ليطولن عهدك بجماعي، فإن أراد مدة تزيد على أربعة أشهر فهو مول، وإن لم يكن له نية لم يكن موليا، لانه يقع على القليل والكثير فلا يجعل موليا من غير نية. وان قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك سنة: فهما ايلاءان في زمانين لا يدخل أحدهما في الآخر فيكون موليا في كل واحد منهما لا يتعلق أ؟ ؟ هما بالاخر في حكم من أحكام الايلاء، وإذا تقضى حكم أحدهما بقى حكم الاخر لانه أفردت كل واحد منهما في زمان فانفرد كل واحدة منهما عن الاخر؟ ؟ ؟ ؟ وان قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر، ثم قال والله لا وطئتك سنة دخلت المدة الاولى في الثانية، كما إذا قال: له على مائه ثم قال: له على ألف دخلت

المائه في الالف فيكون ايلاء واحدا إلى سنة بيمين، فيضرب لهما مدة واحدة، ويوقف لهما وقفا واحدا، فإن وطئ بعد الخمسة الاشهر حنث في يمين واحدة فيجب عليه كفارة واحدة، وان وطئ في الخمسة الاشهر حنث في يمينين فيجب عليه في أحد القولين كفارة، وفى الثاني كفارتان وان قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر. ففيه وجهان (أحدهما) وهو الصحيح انه ليس بمول، لان كل واحد من الزمانين أقل من مدة الايلاء (والثانى) انه مول لانه منع نفسه من وطئها ثمانية أشهر فصار كما لو جمعها في يمين واحدة (الشرح) قوله تعالى " تربص أربعة أشهر " التربص التأني والتأخر مقلوب التصبر. قال الشاعر: تربص بها ريب المنون لعلها * تطلق يوما أو يموت حليلها قال القرطبى: وأما فائدة توقيت الاربعة الاشهر فيما ذكر ابن عباس عن أهل الجاهلية (وقد تقدم قوله في أول هذه الفصول) فمنع الله من ذلك وجعل للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر، لقوله تعالى " واهجروهن في المضاجع " وقد إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أزواجه شهرا تأديبا لهن، وقد قيل الاربعة الاشهر هي التى لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها، وقد رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد - ثم ساق القصة التى أوردها المصنف. ولا أرى لهذه القصة سندا قويا، ولان هذا من الامور التى تعم بها البلوى وتوقيت مدة الغزو بأربعة أشهر قد يقتضى عودة جيش برمته من جبهة العدو، وقد يكون الجيش متقدما أو في حالة التحام واشتباك، الامر الذى لا يمكن معه نفاذ هذا العمل واجراؤه، ثم انه لو أجرى عمر هذا لصار من سنن الجهاد وآدبه لان اقرار الصحابة له اجماع متبع، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين من العمال والولاة والخلفاء من صنع هذا، الا أن هذا الاثر قد اشتهر عند الفقهاء فقد أورده ابن قدامه من الحنابله، وأورده القرطبى من المالكية في تفسيره،

كما أورده المصنف هنا، إلا أنه لم يورده أصحاب الصحاح ولا السنن، ويبدو أن مصدره أصحاب المغازى وليسوا بثقات أما الاحكام فإن هذا شرط من شروط الايلاء وهو أن يحلف على ترك الوطئ أكثر من أربعة أشهر، وهذا قول ابن عباس وطاوس وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي وأحمد بن حنبل وأبى ثور وأبى عبيد وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأى: إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا. وحكى ذلك القاضى أبو الحسين رواية عن احمد، لانه ممتنع من الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان مؤليا، كما لو حلف على ما زاد. وقال النخعي وقتادة وحماد وابن ابى ليلى وأسحاق: من حلف على ترك الوطئ في قليل من الاوقات أو كثير وتركها أربعة أشهر فهو مول، لقوله تعالى " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وهذا مؤل، فإن الايلاء الحلف وهذا حالف دليلنا أنه لم يمنع نفسه الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر فلم يكن مؤليا، كما لو حلف على ترك قبلتها والآية حجة عليهم لانه جعل له لتربص أربعة أشهر فإذا حلف على اربعة أشهر أو ما دونها فلا معنى للتربص لان مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك ومع انقضائه تقدير التربص بأربعة أشهر يقتضى كونه في مدة تناولها الايلاء، ولان المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر، فإذا انقضت المدة بأربعة فما دون لم تصح المطالبة من غير إيلاء، وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في الفيئة إنها تكون في مدة الاربعة اشهر، وظاهر الايه خلافه، لقوله تعالى " تربص أربعة أشهر فإن فاءوا " فعقب الفئ عقيب التربص بفاء التعقيب فيدل على تأخرها عنه. إذا ثبت هذا فقد حكى عن ابن عباس أن المؤلى من يحلف على ترك الوطئ أبدا أو مطلقا، لانه إذا حلف على ما دون ذلك أمكنه التخلص بغير حنث فلم يكن مؤليا، كما لو حلف لا وطئها في مدينة بعينها. ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنث فأشبه المطلقة، بخلاف اليمين على مدينه معينة فإنه يمكن التخلص بغير حنث قال الشافعي رضى الله عنه: وكذلك لو قال لها: والله لا أقربك خمسة أشهر

ثم قال في يمين اخرى: لا اقربك ستة أشهر وقف وقفا واحدا وحنث إذا بجميع الايمان. وإن قال والله لا أقربك اربعة اشهر أو اقل ثم قال: والله لا اقربك خمسة اشهر كان موليا بيمينه لا يقربها خمسة اشهر وغير مول باليمين التى دون اربعة اشهر، واربعة اشهر وقال الشافعي: ولو كانت يمينه على اكثر من اربعة اشهر واربعة اشهر وتركت وقفه عند الاولى والثانية، كان لها وقفه ما بقى عليه من الايلاء شئ. لانه ممنوع من الجماع بعد اربعة اشهر بيمين. قال: ولو قال لها: لا اقربك خمسة اشهر ثم قال: غلامي حر إن قربتك إذا مضت الخمسة الاشهر، فتركته حتى مضت خمسة اشهر أو اصابها فيها، خرج من حكم الايلاء، فيها، فإن طلبت الوقف لم يوقف لها حتى تمضى الخمسة الاشهر من الايلاء الذى اوقع آخرا ثم اربعة اشهر بعده ثم يوقف. اه (مسأله) فإن قال: والله لا وطئتك فهو ايلاء، لانه قول يقتضى التأبيد. وان قال: والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك - ونوى مدة تزيد على اكثر من اربعة اشهر فهو ايلاء، لان اللفظ يحتمله فانصرف إليه بنيته، وان نوى مدة قصيرة لم يكن ايلاء لذلك، وان لم ينو شيئا لم يكن إيلاء لانه يقع على القليل والكثير فلا يتعين للكثير. فإن قال: والله لا وطئتك اربعة اشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك اربعة اشهر، أو فإذا مضت فو الله لا وطئتك شهرين أو لا وطئتك شهرين فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر فقيه وجهان (أحدهما) ليس بمول لانه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا، كما لو لم ينو إلا مدتهما ولانه يمكنه الوطئ بالنسبه إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه ما لو اقتصر عليها قال المصنف: وهذا الوجه هو الصحيح (والثانى) يصير موليا لانه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متواليه فكان موليا، كما لو منعها بيمين واحدة، ولانه لا يمكنه الوطئ بعد المدة الا بحنث في يمينه فأشبه ما لو حلف على ذلك بيمين واحدة، ولم يكن

هذا إيلاء أفضى إلى أن يمنع من الوطئ طول دهره باليمنى، فلا يكون موليا، وهذا الحكم في كل مدتين متوليتين يزيد في مجموعها على أربعة كثلاثة أشهر وثلاثة أو ثلاثة وشهرين لما ذكرنا من التعليلين، وبكل ما قلنا قال أحمد وأصحابنا. (فرع) فإن قال: والله لا وطئتك عاما ثم قال: والله لا وطئك عاما. فهو إيلاء واحد حلف عليه يمينين، إلا أن ينوى عاما آخر سواه وإن قال: والله لا وطئتك عام ثم قال: والله لا وطئتك نصف عام، أو قال: والله لا وطئتك نصف عام ثم قال: والله لا وطئتك عام دخلت المدة القصيرة في الطويلة لانها بعضها، ولم يجعل إحداهما بعد الاخرى، فأشبه ما لو أقر بدينار ثم أقر بنصف دينار، أو أقر بنصف دينار ثم أقر بدينار فيكون إيلاء واحدا لهما وقت واحد وكفارة واحدة. وإن نوى بإحدى المدتين غير الاخرى في هذه أو في التى قبلها، أو قال والله لا وطئتك عام ثم قال: والله لا وطئتك عاما آخر أو نصف عام آخر، فهما أيلاءان في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الاخر، أحدهما منجز والاخر متأخر، فإذا مضى حكم أحدهما بقى حكم الاخر لانه أفرد كل واحد منهما بزمن غير زمن صاحبه، فيكون له حكم ينفرد به (فرع) فإن قال في المحرم: لا وطئتك هذا العام، ثم قال: والله لا وطئتك عاما من رجب إلى تمام اثنى عشر شهر أو قال في المحرم: والله لا وطئتك عاما، ثم قال في رجب: والله لا وطئتك عاما فهما ايلاءان في مدتين بعض احداهما داخل في الاخرى، فإن فاء فاء في رجب أو فيما بعده من بقية العام الاول حنث في اليمينين وتجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم الايلاءين وان فاء قبل رجب أو بعد العام الآول حنث في احدى اليمينين دون الاخرى، وان فاء في الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال ان وطئتك فو الله لا وطئتك، ففيه قولان: قال في القديم: يكون موليا في الحال، لان المولى هو الذى يمتنع من الوطئ خوف

الضرر، وهذا يمتنع من الوطئ خوفا من أن يطأها فيصير موليا، فعلى هذا إذا وطئها صار موليا وذلك ضرر. وقال في الجديد: لا يكون موليا في الحال، لانه يمكنه أن يطأها من غير ضرر يلحقه في الحال فلم يكن موليا، فعلى هذا إذا وطئها صار موليا لانه يبقى يمين يمنع الوطئ على التأبيد. وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا مرة صار موليا في قوله القديم، ولا يكون موليا في الحال في قوله الجديد، فإن وطئها نظرت - فإن لم يبق من السنة أكثر من أربعة أشهر - لم يكن موليا، وإن بقى أكثر من أربعة أشهر صار موليا، (الشرح) فإن قال: والله لا وطئتك، لم يكن موليا في الحال على قوله في الجديد لانه لا يلزمه بالوطئ حق، لكن إن وطئها صار مولى لانها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأبيد، وبهذا قال أحمد وأصحابه، لان يمينه معلقة بشرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا، ولانه يمكنه الوطئ من غير حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئا وكونه يصير موليا لا يلزمه به شئ، وإنما يلزمه بالحنث ولو قال: والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر موليا في الحال، لانه يمكنه الوطئ متى شاء بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه، فإذا وطئها وقد بقى من السنة أكثر من أربعة اشهر صار موليا. وهذا قول أبى ثور وأصحاب الرأى، وظاهر مذهبه في القديم يكون موليا في الابتداء، وكذلك في التى قبلها يكون موليا من الاول، لانه لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر. وكذلك على هذا القول ان قال: إن وطئتك فو الله لا دخلت الدار كان موليا من الاول، فان وطئها انحل الايلاء، لانه لم يبق ممتنعا من وطئها بيمين ولا غيرها، وإنما بقى ممتنعا باليمين من دخول الدار، وقد سبق أن أجبنا على ذلك بقوله في الجديد. وإن قال: والله لا وطئتك سنة إلا يوما فهو مثله، وبهذا قال أبو حنيفة، لان اليوم منكسر فلم يختص يوما دون يوم. ولذلك لو قال: صمت رمضان إلا يوما، لم يختص اليوم الآخر.

ولو قال لا أكلمك في السنة الا يوما لم يختص يوما منها، وعلى القول الاخر عندنا - وهو وجه عند الحنابلة - أنه يصير موليا في الحال، وهو قول زفر، لان اليوم المستثنى يكون من آخر المدة كالتأجيل ومدة الخيار، بخلاف قوله: لا وطئتك في السنة إلا مرة، فان المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن نصر القول الاول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث ان التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة فيهما، ولا يجوز أن يتخللهما يوم لا أجل فيه ولا خيار، لانه لو جازت له المطالبة في أثناء الاجل لزم قضاء الدين فيسقط التأجل بالكلية، ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم المستثنى من آخر المدة بخلاف ما نحن فيه، فان جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع ثبوت حكم اليمين فيما بقى من المدة، فصار كقوله: لا وطئتك في السنة إلا مرة، وقد حدد الشافعي في قوله الجديد المدة الباقية إذا وطئها ولم يبق من السنة أكثر من أربعة أشهر لم يكن موليا والا صار موليا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان علق الايلاء على شرط يستحيل وجوده - بأن يقول: والله لا وطئتك حتى تصعدى إلى السماء أو تصافحي الثريا - فهو مول، لان معناه لا وطئتك أبدأ. وان على ما لا يتيقن أنه لا يوجد إلا بعد أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك إلى يوم القيامة، أو إلى أن أخرج من بغداد إلى الصين وأعود، فهو مول، لان القيامة لا تقوم الا في مدة تزيد على أربعة أشهر، لان لها شرائط تتقدمها، ونتيقن أنه لا يقدر أن يخرج من بغداد إلى الصين ويعود الا في مدة تزيد على أربعة أشهر وان علق على شرط الغالب على الظن أنه لا يوجد الا في الزيادة على أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك حتى يخرج الدجال، أو حتى يجئ زيد من خراسان. ومن عادة زيد ان لا يجئ الا مع الحاج، وقد بقى على وقت عادته زيادة عن أربعة أشهر، فهو مول لان الظاهر أنه لا يوجد شئ من ذلك الا في مدة تزيد على أربعة أشهر.

وإن علق على أمر يتيقن وجوده أربعة أشهر، مثل أن يقول: والله لا وطئتك حتى يذبل هذا البقل أو يجف هذا الثوب، فليس بمول، لانا نتيقن أن ذلك يوجد قبل أربعة أشهر، واعلقه على الامر الغالب على الظن انه يوجد قبل أربعة أشهر، مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى يجئ زيد من القرية، وعادته أنه يجئ في كل جمعة لصلاة الجمعة، أو لحمل الحطب لم يكن موليا لان الظاهر انه يوجد قبل مدة الايلاء وان جاز ان يتأخر لعارض. وان قال والله لا وطئتك حتى أموت أو تموتي فهو مول، لان الظاهر بقاؤهما، وان قال والله لا وطئتك حتى يموت فلان فهو مول، ومن أصحابنا من قال ليس بمول والصحيح هو الاول لان الظاهر بقاؤه، ولانه لو قال: إن وطئك فعبدي حر كان موليا على قوله الجديد، وان جاز أن يموت العبد قبل أربعة اشهر. (فصل) وان قال والله لا وطئتك في هذا البيت لم يكن موليا لانه يمكنه ان يطأها من غير حنث، ولانه لا ضرر عليها في ترك الوطئ في بيت بعينه، وان قال والله لا وطئتك الا برضاك لم يكن موليا لما ذكرناه من التعليلين، وان قال والله لا وطئتك ان شئت فقالت في الحال شئت، كان موليا، وان أخرت الجواب لم يكن موليا على ما ذكرناه في الطلاق. (الشرح) إذا علق الايلاء بشرط يستحيل وقوعه - وضرب المصنف امثلة لما يستحيل من ذلك - كقوله حتى تصعدى السماء، والصعود إلى السماء اليوم ليس مستحيلا بوسائل الطيران الذى بلغت سرعة ارتفاعه إلى اعلا مئات الالوف من الاقدام، وسرعة مسيرته اسبق من الصوت، فانك ترى الطائرة كالبرق الخاطف ثم تسمع صوتها بعد ان تختقى عن نظرك، ومن ثم لا يكون الايلاء بالصعود إلى السماء داخلا في ضروب المستحيلات واما مجموعة كواكب الثريا فمصافحتها إذا كان على حقيقة اللفظ وظاهره فهو من المستحيل، لانها كواكب سماوية وأجرام في الافلاك لا تصافح بالتقاء الاكف ولا بتعانق التحية والتسليم وقوله " أو إلى ان اخرج من بغداد إلى الصين واعود " فان ذلك يخرج ايضا

من نطاق المستحيل لما قدمنا في شأن الصعود إلى السماء قبله، وقد جاء في القرآن الكريم صور من المستحيلات، كقوله تعالى في الكفارة، لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " ومعناه لن يدخلوها أبدا ومثل المستحيل قوله: والله لا وطئتك حتى يشيب الغراب، لان معنى ذلك ترك وطئها، فإن ما يراد إحالة وجوده يعلق على المستحيلات. قال الشاعر: إذا شاب الغراب أتيت أهلى * وصار القار كاللبن الحليب وإن قال والله لا وطئت حتى تحبلي، فهو غير مول، إلا أن تكون صغيرة يغلب على الظن أنها لا تحمل في أربعة أشهر أو آيسة. فأما إن كانت من ذوات الآقراء فلا يكون موليا لانه يمكن حملها. وقال القاضى من الحنابلة: وأذا كانت الصغيرة بنت تسع سنين لم يكن موليا لان حملها ممكن، وقال أصحاب أحمد كافة خلا القاضى وأبو الخطاب كما أفاده ابن قدامة: ان قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مول لان حبلها بغير وطئ مستحيل عادة وهذا ما اختاره ابن قدامة واستدل عليه بقوله تعالى عن مريم " أنى يكون لى غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " وقولهم " يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " ولولا استحالة ذلك لما نسبوها إلى البغاء لوجود الولد. وقول عمر رضى الله عنه " الرجم حق على من زنا وقد أحصن، إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، الا أنه يرد على كلامهم هذا امكان حدوث الحمل باستدخال المنى، ومن ثم لا يكون موليا. وان علقه على غير مستحيل فذلك على خمسة أضرب (أحدها) ما يعلم أنه لا يوجد قبل أربعة أشهر كقيام الساعة فإن لها علامات تسبقها فلا يوجد ذلك في أربعة أشهر. (الثاني) ما الغالب أنه لا يوجد في أربعة أشهر، كخروج الدجال والدابة وغيرهما من أشراط الساعة. أو يقول حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك، أو حتى يقدم زيد من مكة، ويكون زيد من عادتة أن يقضى العمرة في شهر رجب ثم ينتظر حتى يشهد وقفة عرفات ثم يتمم الحج نافلة أو فريضة بالنيابة عن غيره

فلا يقدم في أربعة أشهر فيكون موليا، وكذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض أنسان بعينه (الثالث) أن يعلقه على أمر يحتمل وجوده في أربعة أشهر. ويحتمل أن لا يوجد احتمالا متساويا، كقدوم زيد من سفر قريب أو من سفر لا يعلم قدره فهذا ليس بإيلاء، لانه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولا يظن ذلك (الرابع) أن يعلق على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول بقل (الفجل) وجفاف ثوب ومجئ المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمان قدومه، وابتداء الدراسة في المدراس، وابتداء دورة المجلس، وموعد الميزانية، إذا كان قد بقى على حدوث ذلك أقل من أربعة أشهر فلا يكون موليا ولانه لم يقصد الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر، فأشبه ما لو قال: والله لا وطئتك شهرا (الخامس) أن يعلقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها، وذلك ينقسم إلى: (1) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه. كقوله: والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار، أو تلبسي هذا الثوب، أو حتى أتنقل بصوم يوم، أو حتى أكسوك، فهذا ليس بإيلاء لانه ممكن الوجود بغير ضرر عليها فيه، فأشبه الذى قبله (ب) أن يعلقه على فعل محرم، كقوله: والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطى ولدك أو تتركي صلاة الفرض، أو حتى أقتل فلانا أو أزنى بفلانة أو نحو ذلك، فهذا كله ايلاء لانه علقه بممتنع شرعا فأشبه الممتنع حسا (ج) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة، مثل أن يقول: والله لا أطؤك حتى تسقطى صداقك عنى أو دينك. أو حتى تكفلي ولدى أو تهبيني دارك: أو حتى يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك فهذا إيلاء، لان أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم فجرى شرب الخمر، فلو حلف عليها أن لا يطأها حتى تخرج من بيتها (بالمينى جيب أو المكر وجيب) وهى ثياب قصيرة، الاول فوق الركبه بخمسة عشر سنتيمترا، والثانى فوق آخر الفخذ، قريبا من اليتها أو قال لها. والله لا أطؤك حتى تخرجي على الشاطئ (بالبكينى) وهو قطعتان صغيرتان في قدر منديل اليد، إحداهما تكون كالشريط على الفرج، والاخرى

على مقدمة الثديين، كل ذلك يعد موليا، لانه يحرم عليها الظهور بكل ما ذكر لانها ثياب أقبح في الرجعية من ثياب الجاهلية، وانتكاسة بالمجتمع الانساني إلى مستوى بهيمى، ليس له في العفة أو الشرف حظ أو نصيب فإن قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا أو أصنع معك صنيعا حسنا أو أقدم لك جميلا، لم يكن إيلاء، لان فعله لذلك ليس بمحرم ولا ممتنع فجرى قوله: حتى أصوم يوما. (مسألة) وإن قال: والله لا وطئتك في هذا البيت أو في هذه البلدة أو نحو ذلك من الامكنة المعينة لم يكن موليا. وهذا قول الشافعي وأحمد والثوري والاوزاعي والنعمان وصاحبيه وقال ابن أبى ليلى وإسحاق: هو مول، لانه حلف على ترك وطئها. وإن قال: والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن موليا لانه يمكنه وطؤها بغير حنث، ولانه محسن في كونه ألزم نفسه اجتناب سخطها. وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث، كقوله: والله لا وطئتك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك، فإنه لا يكون موليا. وإن قال: والله لا وطؤتك مريضة لم يكن موليا لذلك إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر، فينبغي أن يكون موليا لانه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر، فإن قال لك لها وهى صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر موليا. وإن لم يرج برؤه فيها صار موليا، وكذلك إن كان الغالب ان لا يزول في أربعة أشهر صار موليا، لان ذلك بمنزله ما لا يرجى زواله: وإن قال: والله لا وطئتك حائضا ولا نفساء ولا محرمة ولا صائمة ونحو هذا لم يكن موليا، لان ذلك ممنوع شرعا، فقد أكد منع نفسه منه بيمينه وإن قال والله لا وطئتك طاهرا أو لا وطئتك وطئا مباحا صار موليا، لانه حالف على ترك الوطئ الذى يطلب به في الفيئة فكان موليا. كما لو قال: والله لا وطئتك في قبلك، وان قال والله لا وطئتك ليلا، أو والله لا وطئتك نهارا لم يكن موليا لان الوطئ يمكن بدون الحنث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال لاربع نسوة والله لا وطئتكن لم يصر موليا حتى يطأ ثلاثا منهن، لانه لا يمكنه أن يطأ ثلاثا منهن من غير حنث فلم يكن موليا، وان وطئ ثلاثا منهن صار موليا من الرابعة، لانه لا يمكنه وطؤها الا بحنث، ويكون ابتداء المدة من الوقت الذى تعين فيه الايلاء، وان طلق ثلاثا منهن كان الايلاء موقوفا في الرابعة لا يتعين فيها، لانه يقدر على وطئها من غير حنث ولا يسقط منها لانه قد يطأ الثلاث المطلقات بنكاح أو سفاح، فيتعين الايلاء في الرابعة، لانه يحنث بوطئها والوطئ المحظور كالمباح في الحنث، ولهذا قال في الام: ولو قال والله لا وطئتك وفلانة الاجنبية لم يكن موليا من امرأته حتى يطأ الاجنبية، وان ماتت من الاربع واحدة سقط الايلاء في الباقيات لانه قد فات الحنث في الباقيات لان الوطئ في الميتة قد فات، ولان الايلاء على الوطئ واطلاق الوطئ لا يدخل فيه وطئ الميتة، ويدخل فيه الوطئ المحرم وان قال لاربع نسوة: والله لا وطئت واحدة منكن وهو يريد كلهن صار موليا في الحال، لانه يحنث بوطئ كل واحدة منهن، ويكون ابتداء المدة من حين اليمين، فأيتهن طالبت وقف لها، فإن طلقها وجاءت الثانية وقف لها، فإن طلقها وجاءت الثالثة وقف لها، فإن طلقها وجاءت الرابعة وقف لها، فإن طلبت الاولى فوطئها حنث وسقط الايلاء فيمن بقى، لانه لا يحنث بوطئهن بعد حنثه بوطئ الاولى وان طلق الاولى ووطئ الثانية سقط الايلاء في الثالثة والرابعة، وان طلق الاولى والثانية ووطئ الثانية سقط الايلاء في الرابعة وحدها وان قال والله لا وطئت واحدة منكن وأراد واحدة بعينها تعين الايلاء فيها دون من سواها، ويرجع في التعيين إلى بيانه لانه لا يعرف الا من جهته، فإن عين واحدة وصدقته الباقيات تعين فيهما، وان كذبه الباقيات حلف لهن، فإن نكل حلفن وثبت فيهن حكم الايلاء بنكوله وأيمانهن

وإن قال والله لا وطئت واحدة منكن، وهو يريد واحدة لا بعينها، فله أن يعين فيمن شاء ويؤخذ بالتعيين إذا طلبن ذلك. فإذا عين في واحدة منهن لم يكن للباقيات مطالبة، وفى ابتداء المدة وجهان (أحدهما) من وقت اليمين والآخر من وقت التعيين كما قلنا في العدة في الطلاق إذا أوقعه في إحداهن لا بعينها ثم عينه في واحدة منهن. وإن قال والله لا أصبت كل واحدة منكن فهو مول من كل واحدة منهن وابتداء لندة؟ ؟ من حين اليمين، فإن وطئ واحدة منهن حنث ولم يسقط الايلاء في الباقيات لانه يحنث بوطئ كل واحدة منهن. (فصل) وإن كانت له امرأتان فقال لاحداهما: والله لا أصبنك ثم قال للاخرى أشركتك معها، لم يكن موليا من الثانية. لان اليمين بالله عز وجل لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشر؟ ك بينهما كناية فلم يصح بها اليمن بالله عزوجل. وإن قال لاحداهما: إن أصبتك فأنت طالق، ثم قال للاخرى أشركتك معها ونوى صار موليا لان الطلاق يصح بالكناية (الشرح) الشافعي رضى الله عنه: وإذا قال الرجل لاربع نسوة له: والله لا أقربكن فهو مول منهن كلهن، يوقف لكل واحدة منهن، فإذا أصاب واحدة أو اثنتين أو ثلاثا خرج من حكم الايلاء فيهن، وعليه للباقية أن يوقف حتى يفئ أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الاربع اللاتى حلف عليهن كلهن فإذا فعل فعليه كفارة يمين ويطأ منهن ثلاثا ولا يحنث ولا إيلاء عليه فيهن، ويكون حينئذ في الرابعة مولى لانه يحنث بوطئها، ولو ماتت إحداهن سقط عنه الايلاء لانه يجامع البواقى ولا يحنث. ولو طلق واحدة منهم أو اثنتين أو ثلاثا كان موليا بحاله في البواقى لانه لو جامعهن والتى طلق حنث. ثم قال: ولو قال لاربع نسوة له: والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فأصاب واحدة حنث، وسقط عنه حكم الايلاء في البواقى، ولو لم يقرب واحدة منهن كان موليا منهن يوقف لهن، فأى واحدة أصلب منهن خرج من

حكم الايلاء في البواقى لانه قد حنث بإصابة واحدة، فإذا حنث مرة لم يعد الحنث عليه ولو قال والله لا أقرب واحدة منكن - يعنى واحدة دون غيرها فهو مول من التى حلف لا يقربها وغير مول من غيرها اه وجملة ذلك أنه إذا قال لاربع نسوة: والله لا أقربكن انبنى ذلك على أصل وهو الحنث بفعل بعض المحلوف عليه أو لا؟ فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فإن قلنا بقول من قال يحنث فهو مول منهن كلهن في الحال لانه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن من غير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال، فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وزال الايلاء من البواقى. وإن طلق بعضهن أو مات لم ينحل الايلاء في البواقى. وإن قلنا بقول من قال لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لانه يمكنه وطئ كل واحدة منهن من غير حنث، فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها، فإن وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة لانه لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه. وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لانه لا يحنث بوطئهن، وإنما يحنث بوطئ الاربع، فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه. وهذان القولان وجهان عند أصحاب أحمد ابن حنبل رضى الله عنهم، واختار ابن قدامة منهم أنها يمين حنث فيها فوجب ان تنحل كسائر الايمان، ولانه إذا وطئ واحدة حنث ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما لو كفرها. أما أصحابنا فقد ذهب أكثرهم إلى أنه لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة. وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن، فإذا أصاب بعضهن خرجت من حكم الايلاء، ويوقف لمن بقى حتى يفئ أو يطلق، ولا يحنث حيت يطأ الاربع. وقال أصحاب الرأى: يكون موليا منهن كلهن، فان تركهن أربعة أشهر بن

منه جميعا بالايلاء، وإن وطئ بعضهم سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا. (فرع) فإن قال: والله لا وطئت واحدة منكن ونوى واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار موليا منها دون غيرها، وإن نوى واحدة مبهمة منهن لم يصير موليا منهن في الحال، فإذا وطئ ثلاثا كان موليا من الرابعة ويحتمل أن تخرج المولى منها بالقرعة كالطلاق إذا أوقعه في مبهمة من نسائه، وإن أطلق صار موليا منهم كلهن في الحال، لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهم إلا بالحنث، فإن طلق واحدة منهم أو ماتت كان موليا من البواقى، وإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات لانها يمين واحدة، فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيها، بخلاف ما إذا طلق واحدة أو ماتت فإنه لم يحنث ثم يبقى حكم يمينه فيمن بقى منهن، وهذا مذهب أحمد. وذكر بعض أصحاب أحمد أنه إذا أطلق كان الايلاء في واحدة غير معينة، وهو اختيار بعض أصحابنا، لان لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضى العموم. ولنا أن النكرة في سياق النفى تفيد العموم، كقوله تعالى " ولم يتخذ صاحبة " وقوله " ولم يكن له كفوا أحد " وقوله " وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا له من نور " ولو قال إنسان: والله لا شربت ماء من إداوة حنث بالشرب من أي اداوة كانت فيجب حمل اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم وإن قال نويت واحدة معينة أو واحدة مبهمة قبل منه، لان اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد في رأى الحنابلة، وعندنا أنه إذا أنه إذا أبهم المحلوف عليها فله أن يعينها بقوله، كما ورد ذلك في الطلاق (فرع) فان قال والله لا وطئت كل واحدة منكن صار موليا منهن كلهن في الحال ولا يقبل قوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة، لان لفظ " كل " أزالت احتمال الخصوص، ومتى حنث في البعض انحل الايلاء في الجميع كالتى قبلها. وقال بعض أصحابنا: لا تنحل في الباقيات وقال أصحاب أحمد: انها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة، ولان اليمين الواحدة إذا حنث

فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كسائر الايمان التى حنث فيها قلت: وفى هذه المواضع التى قلنا بكونه موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها. فإذا وقف للاولى وطلقها وقف للثانية، فان طلقها وقف للثالثة فان طلقها وقف للرابعة، وكذلك من مات منهن لم يمنع من وقفه للاخرى، لان يمينه لم تنحل، وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن. وان وطئ احداهن حين وقف لها أو قبله انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلنا. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو آلى رجل من امرأته ثم طلقها ثم جامعها بعد الطلاق حنث. كذلك لو آلى من أجنبية ثم جامعها حنث باليمين مع المأثم بالزنا، وان نكحها بعد خرج من حكم الايلاء اه (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: لو آلى من امرأته ثم طلق احدى نسائه في الاربعة الاشهر، ولم يدر أيتهن طلق، فمضت أربعة أشهر فطلبت أن يوقف فقال: هي التى طلقت حلف للبواقي، وكانت التى طلق، ومتى راجعها فمضت أربعة أشهر وقفته أبدا حتى يمضى طلاق الملك كما وصفت. ولو مضت الاربعة الاشهر ثم طلبت أن يوقف فقال: لا أدرى أهى التى طلقت أم غيرها قيل له: ان قلت هي التى طلقت فهى طالق، وان قلت ليست هي حلفت لها ان ادعت الطلاق ثم فئت أو طلقت وان قلت لا أدرى فأنت أدخلت منع الجماع على نفسك، فان طلقتها فهى طالق، وان لم تطلقها وحلفت أنها ليست التى طلقت أو صدقتك هي، ففئ أو طلق، وان أبيت ذلك كله طلق عليك بالايلاء لانها زوجة مولى منها، عليك أن تفئ إليها أو تطلقها فان قلت لا أدرى لعلها حرمت عليك، فلم تحرم بذلك تحريما يبينها عليك وأنت مانع الفيئة والطلاق فتطلق عليك، فان قامت بينة أنها التى طلقت عليك قبل طلاق الايلاء سقط طلاق الايلاء، وان لم تقم بينه لزمك طلاق الايلاء وطلاق الاقرار معا ثم هكذا البواقى

(فرع) فإن قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق، فإن قلنا ليس هذا بإيلاء فلا كلام، وإن قلنا هو إيلاء فهو مول منهن جميعا، لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف لهن، فان فاء إلى واحدة طلق ضرائرها، فان كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لانه لم يبق ممنوعا من وطئها بحكم يمينه، وإن كان رجعيا فراجعهن بقى حكم الايلاء في حقهن لانه لا يمكنه وطئ واحدة الا بطلاق ضرائرها، وكذلك ان راجع بعضهن لذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة. ولو كان الطلاق بائنا فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح، وسواء تزوجهن في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر وإصابة. وان قال: نويت واحدة بعينها قبل منه وتعلقت يمينه بها، فإذا وطئها طلق ضرائرها، وان وطئ غيرها لم يطلق منهن أحدا ويكون موليا من المعينة دون غيرها لانها التى يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها (فرع) وان قال لاحدى زوجتيه: والله لا وطئتك، ثم قال للاخرى: أشركتك معها لم يصر موليا من الثانية، لان اليمين بالله لا يصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين. وإن قال: ان وطئتك فأنت طالق ثم قال للاخرى أشركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا، لان الطلاق يصح بالكناية. فان قلنا إن ذلك ايلاء في الاولى صار ايلاء في الثانية لانها صارت في معناها والا فليس بإيلاء في واحدة منهما، وكذلك لو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانه لم يكن موليا. وقال أصحاب الرأى: هو مول. وقال أحمد: انه ليس؟ صريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا صح الايلاء لم يطالب بشئ قبل أربعة أشهر. لقوله عز وجل " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " وابتداء المدة من حين

اليمين لانها ثبتت بالنص والاجماع فلم تفقر إلى الحاكم كمدة العدة، فإن آلى منها وهناك عذب يمنع من الوطئ نظرت، فان كان لمعنى في الزوجة بأن كانت صغيرة أو مريضة أو ناشزة أو مجنونة أو محرمة أو صائمة عن فرض أو معتكفة عن فرض لم تحسب المدة. وإن طرأ شئ من هذه الاعذار في أثناء المدة انقطعت المدة لان المدة إنما نظرت لامتناع الزوج من الوطئ، وليس في هذه الاحوال من جهته امتناع، فان زالت هذه الاعذار استؤنفت المدة لان من شأن هذه المدة أن تكون متوالية، فإذا انقطعت استؤنفت كصوم الشهرين المتتابعين، فان كانت حائضا حسبت المدة، فان طرأ الحيض في أثنائها لم تنقطع لان الحيض عذر معتاد لا ينفك منه. فلو قلنا انه يمنع الاحتساب اتصل الضرر وسقط حكم الايلاء، ولهذا لا يقطع التتابع في صوم الشهرين المتتابعين. وإن كانت نفساء ففيه وجهان (أحدهما) أنه يحتسب المدة لانه كالحيض في الاحكام فكذلك في الايلاء (والثانى) لا يحتسب. وإذا طرأ قطع لانه عذر نارد فهو كسائر الاعذار. وان كان العذر لمعنى في الزوج بأن كان مريضا أو مجنونا أو غائبا أو محبوبا أو محرما أو صائما عن فرض، أو معتكفا عن فرض، حسبت المدة، فان طرأ شئ من هذه الاعذار في أثناء المدة لم تنقطع، لان الامتناع من جهته، والزوجية باقية فحسبت المدة عليه، وإن آلى في حال الردة أو في عدة الرجعية لم تحتسب المدة، وان طرأت الردة أو الطلاق الرجعى في أثناء المدة انقطعت، لان النكاح قد تشعث بالطلاق والردة، فلم يكن للامتناع حكم، وان أسلم بعد الردة أو راجع بعد الطلاق وبقيت مدة التربص استؤنفت المدة لما ذكرناه. (الشرح) قوله: لم يطالب بشئ قبل أربعة أشهر الخ. هذا هو قول جمهور الفقهاء أن الزوج لا يطالب بالفئ قبل أربعة أشهر. وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن ابى ليلى والثوري وابو حنيفة: انه يطالب بالفئ فيها لقراءة ابن مسعود (فان فاءوا فيهن) قالوا: وإذا جاز الفئ جاز الطلب، إذ هو تابع،

ويجاب بمنع الملازمة وبقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) فان الله تعالى شرع التربص هذه المدة فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها، واختياره للفئ قبلها ابطال لحقه من جهة نفسه، فلا يبطل بإبطال غيره قال القاضى ابن العربي: وتحقيق الامر أن تقدير الاية عندنا: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فان فاءوا بعد انقضائها فان الله غفور رحيم، وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم. وتقديرها عندهم: فان فاءوا فيها فان الله غفور رحيم، وان عزموا الطلاق بترك الفيئة فيها، وهذا احتمال متساو ولاجل تساويه توقفت فيه. قال الشافعي رضى الله عنه: وهكذا لو ارتدت عن الاسلام لم يكن عليه طلاق حتى ترجع إلى الاسلام في العدة، فإذا رجعت قيل له: فئ أو طلق، وان لم ترجع حتى تنقضي العدة بانت منه بالردة ومضى العدة. قال: وإذا كان منع الجماع من قبلها بعد مضى الاربعة الاشهر قبل الوقف أو معه لم يكن لها على الزوج سبيل حتى يذهب منع الجماع من قبلها ثم يوقف مكانه، لان الاربعة الاشهر قد مضت وإذا كان منع الجماع من قبلها في الاربعة الاشهر بشئ تحدثه غير الحيض الذى خلقه الله عز وجل فيها ثم أبيح الجماع من قبلها أجل من يوم أبيح أربعة أشهر. كما جعل الله تبارك وتعالى له اربعة أشهر متتابعة، فإذا لم تكمل له حتى يمضى حكمها استؤنفت له متتابعه كما جعلت له أولا. ولو كان آلى منها ثم ارتد عن الاسلام في الاربعة الاشهر أو ارتدت أو طلقها أو خالعها ثم راجعها أو رجع المرتد منهما إلى الاسلام في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل له الفرج بالمراجعة أو النكاح أو رجوع المرتد منهما إلى الاسلام، ولا يشبه هذا الباب الاول، لانها في هذا الباب صارت محرمة الشعر والنظر والحبس والجماع، وفى تلك الاحوال لم تكن محرمة بشئ غير الجماع وحده، فأما الشعر والنظر والحبس فلم يحرم منها، وهكذا لو ارتدا. اه قلت: وجملة ذلك أنه إذا آلى منها وثم عذر يمنع الوطئ من جهة الزوج كمرضه أو حبسه أو احرامه أو صيامه حسبت عليه المدة من حين ايلائه،

لان المانع من جهته، وقد وجد التمكين الذى عليها، ولذلك لو أمكنته من نفسها - وكان ممتنعا لعذر - وجبت لها النفقة، وإن طرأ شئ من هذه الاعذار بعد الايلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذى ذكرناه، وإن كان المانع من جهتها نظرنا - فان كان حيضا - لم يمنع ضرب المدة لانه لو منع لما أمكن تحقيق ضرب المدة، لان الحيض لا يخلو منه شهر غالبا فيؤدى ذلك إلى إسقاط حكم الايلاء، وإن طرأ الحيض لم يقطع المدة لما ذكرنا. والنفاس كالحيض لانه مثله في أحكامه وقال أصحاب أحمد فيه وجهان: أحدهما كالحيض والثانى كسائر الاعذار التى من جهتها لانه نادر غير معتاد فأشبه سائر الاعذار. وأما سائر الاعذار التى من جهتها، كصغرها ومرضها وحبسها وإحرامها وصيامها المفروضين واعتكافها المنذور، ونشوزها وغيبتها، فمتى وجد منها شئ حال الايلاء لم تضرب له المدة حتى يزول، لان المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها. وإن جد شئ من هذه الاسباب استؤنفت المدة ولم يبن على ما مضى، لان قوله تعالى " تربص أربعة أشهر " يقتضى متوالية، فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة. وان حنث وهربت من يده انقطعت المدة، وان بقيت في يده وأمكنه وطؤها احتسب عليها بها فإن قيل فهذه الاسباب مما لا صنع لها فيه، فلا ينبغى أن تقطع المدة كالحيض قلنا إذا كان المنع فيها فلا فرق بين كونه بفعلها أو بغير فعلها، كما أن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود عليه لم يتوجه له المطالبة بعوضه، سواء كان لعذر أو غير عذر. وإن آلى في الردة لم تضرب له المدة إلا من حين رجوع المرتد منهما إلى الاسلام. وان طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لان النكاح قد تشعث وحرم الوطئ، فإذا عاد إلى الاسلام استؤنفت المدة، وسواء كانت الردة منهما أو من أحدهما. وكذلك ان أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم تزوجها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا طلقها في مدة التربص انقطعت المدة ولم يسقط الايلاء، فان راجعها وقد بقيت مدد التربص استؤنفت المدة، فان وطئها حنث في اليمين

وسقط الايلاء، لانه أزال الضرر. وإن وطئها وهلا نائمة أو مجنونة حنث في يمينه وسقط الايلاء، وإن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث في يمينه لارتفاع القلم عنه، وهل يسقط حقها؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقط لانها وصلت إلى حقها (والثانى) لا يسقط لان حقها في فعله لا في فعلها، وان وطئها وهو مجنون لم يحنث لارتفاع القلم عنه، وهل يسقط حقها؟ فيه وجهان: (أحدهما) يسقط وهو الظاهر من المذهب لانها قد وصلت منه إلى حقها، وإن لم يقصد فسقط حقها، كما لو وطئها وهو يظن انها امرأة أخرى (والثانى) وهو قول المازنى أنه لا يسقط حقها، لانه لا يحنث به فلم يسقط به الايلاء. (فصل) وان وطئها وهناك مانع من إحرام أو صوم أو حيض سقط به حقها من الايلاء لانها وصلت منه إلى حقها، وان كان بمحرم. (الشرح) جملة هذا الفصل أنه إذا وطئها بعد المدة، قبل المطالبة أو بعدها، خرج من الايلاء، وسواء وطئها وهى عاقلة أو مجنونة أو يقظانة أو نائمة، لانه فعل ما حلف عليه، فان وطئها وهو مجنون لم يحنث وهذا هو قول أحمد والشعبى. وقال أبو بكر من الحنابلة: يحنث وعليه الكفارة. ولانه فعل ما حلف عليه. وهذا غير صحيح، لانه غير مكلف، والقلم عنه مرفوع. ويخرج بوطئه عن الايلاء لانه قد وفاها حقها، وحصل منه في حقها ما يحصل من العاقل، وإنما تسقط الكفارة عنه لرفع القلم، وهو أحد الوجهين عند أصحابنا، وهو الظاهر من المذهب، والآخر انه يبقى موليا، فانه إذا وطئ بعد إفاقته؟ تجب عليه الكفارة، لان وطأه الاول ما حنث به، وإذا بقيت يمينه بقى الايلاء، كما لو لم يطأ. وهذا هو قول المزني. وينبغى أن يستأنف له مدة الايلاء من حين وطأ لانه لا ينبغى أن يطالب بالفيئة مع وجودها منه، ولا تطلق عليه لانتفائها وهى موجودة، ولكن تضرب له مدة لبقاء حكم يمينه، وقيل تضرب له المدة إذا عقل لانه حينئذ يمنع

من الوطئ بحكم يمينه، ومن قال بالاول قال قد وفاها حقها فلم يبق الايلاء، كما لو حنث، ولا يمنتع انتفاء الايلاء مع اليمين كما لو حلف لا يطأ أجنبية ثم تزوجها. (فرع) إذا وطئ العاقل ناسيا ليمينه فهل يحنث؟ على روايتين، فإن قلنا يحنث انحل إيلاؤه وذهبت يمينه. وإن قلنا لا يحنث فهل ينحل إيلاؤه؟ على وجهين قياسا على المجنون. وكذلك يخرج فيما إذا آلى من إحدى زوجتيه ثم وجدها على فراشه فظنها الاخرى فوطئها، لانه جاهل بها، والجاهل كالناسي في الحنث. وكذلك إن ظنها أجنبية فبانت زوجته (فرع) إن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لانه لم يفعل ما حلف عليه ولان القلم مرفوع عنه، وهل يخرج من حكم الايلاء؟ فيه وجهان أحدهما. يخرج لان المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ. والثانى: لا يخرج من حكم الايلاء لانه ما وفاها حقها، وهو باق على الامتناع من الوطئ بحكم اليمين فكان موليا كما لو لم يفعل له ذلك، والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لانه لا يحدث به (مسألة) قوله: وإن وطئها وهناك مانع من إحرام الخ، فجملة ذلك أنه إذا وطئها وطئا محرما مثل أن وطئها حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوم فرض أو كان محرما أو صائما أو مظاهرا حنث وخرج من الايلاء، وعند أحمد وأصحابه قولان: أحدهما هذا، والثانى وهو قول القاضى ابو بكر أن قياس المذهب أن لا يخرج من الايلاء لانه وطئ لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الايلاء كالوطئ في الدبر، ولا يصح هذا لان يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطئ بحكم اليمين فلم يبق الايلاء، كما لو كفر يمينه أو كما لو وطئها مريضة، وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه أنه لا يبقى موليا لعدم حكم اليمين مع أنه ما وفاها حقها فلان يزول بزوال اليمين بحنثه أولى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان لم يطلقها ولم يطأها حتى انقضت المدة نظرت - فإن لم يكن عذر يمنع الوطئ - ثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق، لقوله عزوجل

" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فان الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فان الله سميع عليم " وإن كانت الزوجة أمة لم يجز للمولى المطالبة، وإن كانت مجنونة لم يكن لوليها المطالبة، لان المطالبة بالطلاق أو الفيئة طريقها الشهوة، فلا يقوم الولى فيه مقامها، والمستحب أن يقول له في المجنونة: اتق الله في حقها فاما أن تفى إليها أو تطلقها. وأن ثبتت لها المطالبة فعفت عنها الزوجة جاز لها أن ترجع وتطالب، لانها انما ثبت لها المطالبة لدفع الضرر بترك الوطئ، وذلك يتجدد مع الاحوال فجاز لها الرجوع، كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ. وإن طولب بالفيئة فقال أمهلوني ففيه قولان: (أحدهما) يمهل ثلاثة أيام لانه قريب. والدليل عليه قوله عز وجل " ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب، فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " ولهذا قدر به الخيار في البيع (والثانى) يمهل قدر ما يحتاج إليه للتأهب للوطئ، فان كان ناعسا أمهل إلى أن ينام. وإن كان جائعا أمهل إلى أن يأكل، وإن كان شبعانا أمهل إلى يخف. وإن كان صائما أمهل إلى أن يفطر، لانه حق حمل عليه وهو قادر على أدائه فلم يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال (الشرح) إذا انقضت المدة فلها المطالبة بالفيئة ان لم يكن عذر، فان طالبته فطلب الامهال فان لم يكن له عذر لم يمهل، لانه حق توجه عليه لا عذر له فيه فلم يمهل به كالدين الحال، ولان الله تعالى جعل المدة أربعة. أشهر فلا تجوز الزيادة عليها بغير عذر، وانما يؤخر قدر ما يتمكن من الجماع في حكم العادة، فانه لا يلزمه الوطئ في مجلسه ولى ذلك بإمهال فان قال: أمهلوني حتى أكل فانى جائع، أو ينهضم الطعام فانى كظيظ، أو أصلى الفرض، أو أفطر من صوم ففيه وجهان: (أحدهما) أمهل ثلاثة أيام، لقوله تعالى " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام "

ولهذا قدر به الخيار في البيع (والثانى) أمهل بقدر ذلك، فإنه يعتبر أن يصير إلى حال يجامع في مثلها في العادة، وكذلك يمهل حتى يرجع إلى بيته، لان العادة فعل ذلك في بيته. وإن كان لها عذر يمتنع من وطئها لم يكن لها المطالبة بالفيئة لان الوطئ ممتنع من جهتها، فلم يكن لها مطالبته بما يمنعه منه، ولان المطالبة مع الاستحقاق وهى لا تستحق الوطئ في هذه الاحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لانه إنما يستحق عند امتناعه من الفيئة الواجبة، ولم يجب عليه شئ، ولكن تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر، إن لم يكن العذر قاطعا المدة كالحيض، أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة فان عفت عن المطالبة بعد جوبها فانه لا يسقط حقها في المطالبة متى شاءت وعند أحمد وأصحابه وجهان: أحدهما يسقط حقها وليس له المطالبة بعده. وقال القاضى: هذا قياس المذهب لانها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ لعدم الوطئ فسقط حقها كامرأة العنين إذا رضيت بعنته، والثانى لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت. دليلنا أو المطالبة إنما ثبتت لرفع الضرر بترك ما يتجدد من الاحوال فكان لها الرجوع، كما لو أعسر في النفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت، وفارق الفسخ للعنة، فانه فسخ لعيبه، فمتى رضيت بالعيب سقط حقها، كما لو عفا المشترى عن عيب المبيع، وان سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك، لان حقها يثبت على التراخي فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة (فرع) الامة كالحرة في استحقاق المطالبة، سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف، لان هذا حقها من الاستمتاع، فان تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب لانه لا حق له. فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونه فليس لهما المطالبة لان قولهما غير معتبر وليس لوليهما المطالبة لهما، لان هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه فان كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة. لان المنع من جهتهما، وإن كان وطؤهما ممكنا - فإن أفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة تممت المدة ثم لها المطالبة، وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فانها المطالبة يومئذ،

لان الحق لها ثابت. وإنما تأخر لعدم امكان المطالبة. وقال الشافعي: لا تضرب المدة في لصغيرة حق تبلغ وقال أبو حنيفة تضرب المدة سوا أمكن الوطئ أو لم يمكن فإن لم يمكن فاء بلسانه، والا بانت بانقضاء المدة، وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتى غابت في المدة، لان هذا ايلاء صحيح فوجب ان تتعقبه المدة كالتى يمكنه جماعها. دليلنا أن حقها من الوطئ يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل الدين بسقوطه. وأما التى أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لانه ايلاء صحيح ممن يمكنه جماعها فتضرب له المدة كالبالغة، ومتى قصد الاضرار بها بترك الوطئ أثم، ويستحب أن يقال له: اتق الله. فإما أن تفئ واما أن تطلق، فإن الله تعالى قال " وعاشروهن بالمعروف " وقال تعالى " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وليس الاضرار من المعاشرة بالمعروف. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وطئها في الفرج فقد أوفاها حقها ويسقط الايلاء، وأدناه أن تغيب الحشفه في الفرج لان أحكام الوطئ تتعلق به، وان وطئها في الموضع المكروه أو وطئها فيما دون الفرج لم يعتد به، لان الضرر لا يزول الا بالوطئ في الفرج، فإن وطئها في الفرج، فان كانت اليمين بالله تعالى فهل تلزمه الكفارة؟ فيه قولان: قال في القديم. لا تلزمه لقوله عز وجل " فان فاءوا فان الله غفور رحيم " فعلق المغفرة بالفيئه، فدل على أنه قد استغنى عن الكفارة. وقال في الجديد تلزمه الكفارة. وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير، وليكفر عن يمينه " ولانه حلف بالله تعالى وحنث فلزمه الكفارة، كما لو حلف على ترك صلاة فصلاها. واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال: القولان فيمن جامع

وقت المطالبة، فأما إذا وطئ في مدة التربص فإنه يجب عليه الكفارة قولا واحدا لان بعد المطالبة الفيئة واجبة، فلا يجب بها كفارة كالحلق عند التحلل، ومنهم من قال القولان في الحالين، ويخالف كفارة الحج فانها تجب بالمحظور، والحلق المحظور هو الحلق في حال الاحرام وأما الحلق عند التحلل فهو نسك، وليس كذلك كفارة اليمين فانها تجب بالحنث، والحنث الواجب كالحنث بالمحظور في إيجاب الكفارة، وان كان الايلاء على عنق وقع بنفس الوطئ لانه عتق معلق على شرط فوقع بوجوده وان كان على نذر عتق أو نذر صوم أو صلاة أو التصدق بمال فهو بالخيار بين أن بقى بما نذر وبين أن يكفر كفارة يمين، لانه نذر نذرا على وجه اللجاج والغضب، فيخير فيه بين الكفارة وبين الوفاء بما نذر، وإن كان الايلاء على الطلاق الثلاث طلقت ثلاثا لانه طلاق معلق على شرط فوقع بوجوده. وهل يمنع من الوطئ أم لا؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى على بن خيران: انه يمنع من وطئها لانها تطلق قبل أن ينزع فمنع منه، كما يمنع في شهر رمضان أن يجامع وهو يخشى أن يطلع الفجر قبل أن ينزع. (والثانى) وهو المذهب أنه لا يمنع لان الايلاء ج صادف النكاح، والذى يصادف غير النكاح هو النزع، وذلك ترك الوطئ، وما تعلق التحريم بفعله لا يتعلق بتركه. ولهذا لو قال لرجل: ادخل دارى ولا تقم فيها جاز أن يدخل ثم يخرج، وان كان الخروج في حال الحظر. وأما مسألة الصوم فقد ذكر بعض أصحابنا أنها على وجهين: (أحدهما) أنه لا يمنع فلا فرق بينها وبين مسألتنا، فعلى هذا لا يزيد على تغييب الحشفة في الفرج ثم ينزع، فان زاد على ذلك أو استدام لم يجب عليه الحد لانه وطئ اجتمع فيه التحليل والتحر؟ ؟ فلم يجب به الحد، وهل يجب به المهر؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب كما تجب الكفارة على الصائم إذا أولج قبل الفجر واستدام بعد طلوعه (والثانى) لا يجب لان ابتداء الوطئ يتعلق به المهر الواجب بالنكاح، لان المهر في مقابلة كل وطئ يوحد في النكاح، وقد تكون مفوضة فيجب عليه المهر

بتغييب الحشفة، فلو أوجبنا بالاستدامة مهرا أدى إلى إيجاب مهرين؟ إ؟ لاج واحد، وليس كذلك الكفارة، فانها لا تتعلق بابتداء الجماع فلا يؤدى ايجابها في الاستدامة إلى إيجاب كفارتين بإيلاج واحد، وإن نزع ثم أولج نظرت، فان كانا جاهلين بالتحريم، بأن اعتقدا أن الطلاق لا يقع إلا باستكمال الوطئ، لم يجب عليهما الحد للشبهة، فعلى هذا يجب المهر، وإن كانا عالمين بالتحريم ففى الحد وجهان: (أحدهما) أنه يجب لانه إيلاج مستأنف محرم من غير شبهة فوجب به الحد كالايلاج في الاجنبية، فعلى هذا لا يجب المهر، لانها زانية (والثانى) لا يجب الحد، لان الايلاجات وطئ واحد، فإذا لم يجب في أوله لم يجب في إتمامه، فعلى هذا يجب لها المهر. وان علم الزوج بالتحريم وجهات الزوجة، أو علمت ولم تقدر على دفعة، لم يجب عليها الحد، ويجب لها المهر. وفى وجوب الحد على الزوج وجهان، وان كان الزوج جاهلا بالتحريم وهى عالمة ففى وجوب الحد عليها وجهان (أحدهما) يجب، فعلى هذا لا يجب لها المهر، (والثانى) لا يجب فعلى هذا يجب لها المهر. (الشرح) قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفئ الجماع لمن لا عذر له، فان كان له عذر مرض أو سجن أو شبه ذلك فان ارتجاعه صحيح وهى امرأته. أما الحديث فقد رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عدى بن حاتم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه " وسيأتى في الايمان جميع طرفه وألفاظه ومذاهب العلماء فيه. أما المطلوب هنا فهو أن الفيئة الجماع ليس في هذا اختلاف. كذلك قال ابن عباس وعلى وابن مسعود. وبه قال مسروق وعطاء والشعبى والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد وأبو عبيدة وأصحاب الرأى ومالك في المدونة والمبسوط وعبد الملك بن الماجشون كل ذلك إذا لم يكن عذر. وأصل الفئ الرجوع، ولذلك يسمى الظل بعد الزوال

فيئا لانه رجع من المغرب إلى المشرق، فسمى الجماع من المولى فيئة، لانه رجع إلى فعل ما تركه، وأدنى الوطئ الذى تحصل به الفيئة أن تغيب الحشفة في الفرج فان أحكام الوطئ تتعلق به، ولو وطئ دون الفرج أو في الدبر لم يكن فيئة لانه ليس بمحلوف على تركه ولا يزول الضرر بفعله. (فرع) إذا فاء لزمته الكفارة في قول أكثر أهل العلم أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وأحمد وأصحابهم حيث أوجبوا الكفارة على المولى إذا فاء بجماع امرأته. وقال الشافعي في القديم والحسن البصري: لا كفارة عليه لقوله تعالى " فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم " قال النخعي: كانوا يقولون إذا فاء لا كفارة عليه. وقال اسحاق: قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى " فإن فاءوا " يعنى لليمين التى حنثوا فيها، وهو مذهب في الايمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير ألا يفعله، فانه يفعله ولا كفارة عليه، والحجة له " فان فاءوا فان الله غفور رحيم " ولم يذكر كفارة. وأيضا فان هذا يتركب على أن لغو اليمين ما حلف على معصية وترك وطئ الزوجة معصية. وقال قتادة: هذا خالف الناس - يعنى الحسن البصري - وقد يستدل لهذا القول بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا " لا نذر ولا يمين فيما لا تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فان تركها كفارتها " رواه النسائي وأبو داود، وقد ذكر البيهقى في شعب الايمان أنه لم يثبت. وقال أبو داود: الاحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم " وليكفر عن يمينه الا ما لا يعبأ به " وقد اختلف أصحابنا في موضع القولين: فمنهم من قال وجه الخلاف فيمن جامع وقت المطالبة. أما في وقت التربص فان الكفارة واجبة عليه قولا واحدا، لان الفيئة واجبة بعد المطالبة فلا يجب بها كفارة كالحلق عند التحلل من الاحرام، ومنهم من جعل القولين في الحالين بخلاف كفارة الحج، فانها تجب بالمحظور - يعنى الحلق في حال الاحرام - لان الحلق عند التحلل نسك. وليس

كذلك كفارة اليمين فانها تجب بالحنث، والحنث الواجب كالحنث المحظور في إيجاب الكفارة. دليلنا في ظاهر المذهب قوله تعالى " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين - الآية إلى قوله - ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " وقال تَعَالَى " قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ " والحديث اتفق عليه عن عبد الرحمن ابن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذى هو خير وكفر عن يمينك " ولانه حالف حانث في يمينه فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها، والمغفرة لا تنافى الكفارة: فان الله تعالى قد غفر لرسوله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد كان يقول " انى والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها الا أتيت الذى هو خير وتحللتها " متفق عليه من حديث أبى موسى الاشعري رضى الله عنه (فرع) إذا كان الايلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع بنفس الوطئ لانه معلق بصفة وقد وجدت، وان كان على نذر أو عتق أو صوم أو صلاة أو صدفة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين الوفاء وبين كفارة يمين لانه نذر لجاج وغضب فهذا حكمه. إذا ثبت هذا فقد اختلف العلماء في الايلاء في حال الغضب، فقال ابن عباس لا ايلاء الا بغضب. وروى ذلك عن على في المشهور عنه. وقاله الليث والشعبى والحسن وعطاء، كلهم يقولون: الايلاء لا يكون الا على وجه مغاضبة ومشارة وحرجة ومناكدة ألا يجامعها في فرجها اضرارا بها: وسواء كان في ضمن ذلك اصلاح ولد أم لا، فان لم يكن عن غضب فليس بإيلاء. وقال ابن سيرين: سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو ايلاء، وقاله ابن مسعود والثوري ومالك وأهل العراق والشافعي وأحمد وأصحابهما، الا أن مالكا قال: ما لم يرد اصلاح ولد قال ابن المنذر: وهذا أصح، لانهم لما أجمعوا أن الظهار والطلاق وسائر الايمان سواء في حال الغضب والرضا كان الايلاء كذلك. ويدل على كلام

ابن المنذر عموم القرآن، وتخصيص حالة الغضب يحتاج إلى دليل ولا يؤخذ من وجه يلزم. أفاده القرطبى وإن علق الطلاق الثلاث بوطئها لم يؤمر بالفيئة وأمر بالطلاق في قول بعض أصحابنا، لان الوطئ غير ممكن لكونها تبين منه بإيلاج الحشفة، فيصير مستمتعا بأجنبية. وأكثر أصحابنا قالوا تجوز الفيئة، لان النزع ترك للوطئ، وترك الوطئ ليس بوطئ. وقال بعض أصحاب أحمد: إن كلام أحمد يقتضى روايتين (كهذين الوجهين) وقال ابن قدامة " واللائق بمذهب أحمد تحريمه لوجوه: أحدها أن آخر الوطئ حصل في أجنبية، فإن النزع يلتذ به كما يلتذ بالايلاج، وقد شبه أصحابنا ذلك بمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع أنه يفطر، والتحريم ههنا أولى لان الفطر بالوطئ ويمكن منع كون النزع وطئا، والمحرم ههنا الاستمتاع، والنزع استمتاع فكان محرما ولان لمسها على وجه التلذذ بها محرم فليس الفرج بالفرج أولى بالتحريم فإن قيل فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الحرام كما لو اختلط لحم خنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير حرم، ولو اشتبهت ميتة بمذكاة أو امرأته بأجنبية حرم الكل، وهذا وجه اختاره أبو على بن خيران. وهو الصحيح من مذهب أحمد، والصحيح عندنا قال المصنف هو المذهب: تجوز الفيئة لان النزع ترك للوطئ، وترك الوطئ ليس بوطئ، فإن وطئ فعليه أن ينزع حين يولج الحشفة ولا يزيد على ذلك، ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع لانها اجنبية فإذا فعل ذلك فلا حد ولا مهر لانه تارك للوطئ، وإن لبث أو تمم الايلاج فلا حد عليه لتمكن الشبهة منه لكونه وطئا بعضه في زوجته، وفى المهر وجهان (أحدهما) يلزمه، لانه حصل منه وطئ محرم في محل غير مملوك فأوجب المهر كما لو أولج بعد النزع. (والثانى) لا يجب، لانه تابع الايلاج في محل مملوك فكان تابعا له في المهر الاول، وفى إيجابه بالاستدامة يؤدى إلى إيجاب مهرين بإيلاج واحد. وان نزع ثم أولج - وكانا جاهلين بالتحريم - فلا حد عليهما وعليه المهر لها ويلحقه النسب. وإن كانا عالمين بالتحريم ففيه وجهان (أحدهما) عليهما الحد

لانه إيلاج في أجنبية بغير شبهة فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها ولا مهر لها، لانها مطاوعة على الزنا. (والثانى) لا يجب الحد عليهما، لان هذا مما يخفى على كثير من الناس لان الوطئ الواحد يشتمل على ايلاجات فما لم يجب في أوله لم يجب في اتمامه، ومن ثم وجب لها المهر، والصحيح الاول لان الكلام في العالمين وليس هو في مظنة الخفاء، فإن أكثر المسلمين يعلمون أن الطلاق الثلاث محرم للمرأة، ويحتمل أن لا يقام الحد عليهما إذا تأولا ذلك باعتبار أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد كان طلقة واحدة في عهده صلى الله عليه وسلم وخلافة الصديق وصدرا من خلافة عمر، لقوله صلى الله عليه وسلم " ادرءوا الحدود بالشبهات " وان كان أحدهما عالما والآخر جاهلا نظرت - فإن كان هو العالم - فعليه الحد ولها المهر ولا يلحقه النسب لانه زان محدود، وان كانت هي العالمة دونه فعليها الحد وحدها ولا مهر لها والنسب لاحق بالزوج لان وطأه وطؤ شبهة، هذا هو أظهر الوجهين اللذين ساقهما المصنف، وبه قال أحمد وأصحابه قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان طلق فقد سقط حكم الايلاء وبقيت اليمين، فإن امتنع ولم يف ولم يطلق ففيه قولان. قال في القديم لا يطلق عليه الحاكم، لقوله صلى الله عليه وسلم " الطلاق لمن أخذ بالساق "، ولان ما خير فيه الزوج بين أمرين لم يقم الحاكم فيه مقامه في الاختيار، كما لو أسلم وتحته أختان، فعلى هذا يحبس حتى يطلق أو يفئ، كما يحبس إذا امتنع من اختيار احدى الاختين وقال في الجديد يطلق الحاكم عليه، لان ما دخلت النيابة فيه وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم فيه مقامه كقضاء الدين، فعلى هذا يطلق عليه طلقة وتكون رجعية وقال أبو ثور: تقع طلقة بائنة، لانها فرقة لدفع الضرر لفقد الوطئ فكانت بائنة كفرقة العنين، وهذا خطأ لانه طلاق صادف مدخولا بها من غير

عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق من غير إيلاء، ويخالف فرقة العنين فإن تلك الفرقة فسخ وهذا طلاق، فإذا وقع الطلاق ولم يراجع حتى بانت ثم تزوجها والمدة باقية فهل يعود الايلاء؟ على ما ذكرناه في عود اليمين في النكاح الثاني، فان قلنا يعود فان كانت المدة باقية استؤنفت مدة الايلاء ثم طولب بعد انقضائها بالفيئة أو الطلاق، فان راجعها والمدة باقية استؤنفت المدة وطولب بالفيئة أو الطلاق. وعلى هذا إلى أن يستوفى الثلاث، فإن عادت إليه بعد استيفاء الثلاث والمدة باقية، فهل يعود الايلاء؟ على قولين (فصل) وإن انقضت المدة وهناك عذر يمنع الوطئ نظرت فان كان لمعنى فيها كالمرض والجنون الذى لا يخاف منه أو الاغماء الذى لا تمييز معه أو الحبس في موضع لا يصل إليه، أو الاحرام أو الصوم الواجب أو الحيض أو النفاس لم يطالب لان المطالبة تكون مع الاستحقاق. وهى لا تستحق الوطئ في هذه الاحوال فلم تجز المطالبة به. وان كان العذر من جهته نظرت - فان كان مغلوبا على عقله - لم يطالب لانه لا يصلح للخطاب ولا يصلح منه جواب، فإن كان مريضا مرضا يمنع الوطئ أو حبس بغير حق حبسا يمنع الوصول إليه طولب أن يفئ فيئة المعذور بلسانه. وهو أن يقول لست أقدر على الوطئ ولو قدرت لفعلت، فإذا قدرت فعلت وقال أبو ثور: لا يلزمه الفيئة باللسان، لان الضرر بترك الوطئ لا يزول بالفيئة باللسان، وهذا خطأ، لان القصد بالفيئة ترك ما قصد إليه من الاضرار، وقد ترك القصد إلى الاضرار بما أتى به من الاعتذار، ولان القول مع العذر يقوم مقام الفعل عند القدرة، ولهذا نقول: ان اشهاد الشفيع على طلب الشفعة في حال الغيبة يقوم مقام الطلب في حال الحضور في اثبات الشفعة، وإذا فاء باللسان ثم قدر طولب بالوطئ، لانه تأخر بعذر، فإذا زال العذر طولب به. (الشرح) الحديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطبراني وابن عدى، وفى اسناد ابن ماجه ابن لهيعه، وكلام المحدثين فيه معروف، وفى اسناد الطبراني يحيى الحمانى ضعيف، وفى اسناد ابن عدى والدارقطني عصمة بن مالك،

وفى التقريب أنه صحابي، وطرقه يقوى بعضها بعضا قال ابن القيم: ان حديث ابن عباس وان كان في اسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعمل الصحابة، وأراد بالقرآن قوله تعالى " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن " وقوله تعالى " إذا طلقتم النساء " الآية أما الاحكام، فانه إذا امتنع من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه، أو امتنع من الوطئ بعد زوال عذره أمر بالطلاق، فان طلق وقع طلاقه الذى أوقعه واحدة كانت أو أكثر، وليس للحاكم اجباره على أكثر من طلقه لانه يحصل الوفاء بحقها بها فانه يفضى إلى البينونة والتخلص؟ من ضرره وان امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه في أحد القولين. وبهذا قال مالك. وعن أحمد رواية: ليس للحاكم الطلاق عليه لان ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان، فعلى هذا يحبسه ويضيق عليه حتى يفئ أو يطلق، وهذا قول آخر عندنا دليل القول الاول أن ما دخلته النيابة ويعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين، وفارق الاختيار فانه ما تعين مستحقه. وهذا أصح في المذهب عند أحمد، وليس للحاكم أن يأمر بالطلاق ويطلق الا أن تطلب المرأة ذلك، لانه حق لها، وانما الحاكم يستوفى لها الحق فلا يكون الا عند طلبها. (فرع) إذا انقضت المدة فادعى أنه عاجز عن الوطئ - فإذا كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه العنة، كما لا تسمع دعواها عليه، ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره، وان لم يكن وطئها - ولم تكن حاله معروفة - فقال القاضى تسمع دعواه ويقبل قوله، لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره، هذا هو ظاهر المذهب وبه قال أحمد وأصحابه، ولها أن تسأل الحاكم فيضرب لها مدة العنة بعد أن يفئ فيئة أهل الاعذار. وفيه وجه آخر: أنه لا يقبل قوله لانه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والاصل سلامته

وإن ادعت أنه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته، والقول قوله في عدم الاصابة (فرع) الطلاق الواجب على المولى رجعتي، سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وعند أحمد روايتان. قال الاثرم: قلت لابي عبد الله - يعنى أحمد ابن حنبل - في المولى فإن طلقها؟ قال تكون واحدة وهو أحق بها، وذكر أبو بكر رواية أخرى: أن فرقة الحاكم تكون بائنا. وقال ابن قدامة: قال القاضى: المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا، فإن في رواية الاثرم وقد سئل: إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال: إذا طلق فهى واحدة وهو أحق بها، فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة. وقال أبو ثور: طلاق المولى بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لانها فرقة لرفع الضرر فكان بائنا كفرقة العنة، ولانها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر لانه يرتجعها فيبقى الضرر. وقال أبو حنيفة: يقع الطلاق بانقضاء العدة بائنا، ووجه الاول أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق في غير الايلاء، ويفارق فرقة العنة لانها فسخ لعيب. وهذه طلقة. ولانه لو أبيح له ارتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر، فإنه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى، ولان العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته، وهذه غير عاجز ورجعته دليل على رغبته فيها وإقلاعه عن الاضرار بها فافترقا. ثم ان المولى إذا امتنع من الفيئة والطلاق معا وقام الحاكم مقامه فانه لا يملك من الطلاق الا واحدة، لان إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع وقال احمد وأصحابه: ان الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه فإذا رأى طلقها واحدة وإذا رأى طلقها ثلاثا (مسألة) وان انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكن اداؤه طولب بالفيئة

لانه قادر على أداء ما عليه نحوها، فان لم يفعل أخذ بالطلاق، وان كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور فان كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لانه لا يصلح للخطاب ولا يصح منه الجواب. وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ، وان كان مجبوبا وقلنا يصح إيلاؤه فاء فيئة المعذور، فيقول: لو قدرت جامعتها، فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق، لانه إذا وقف وطولب بالفيئة وهو قادر عليها فلم يفعل أمر بالطلاق، وهذا قول من يقول: يوقف المولى، لان الله تعالى قال " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فإذا امتنع من أداء الواجب لها عليه فقد امتنع من الامساك بالمعروف، فيؤمر بالتسريح بالاحسان، وان كان معذورا ففاء بلسانه ثم قدر على الوطئ أمر به، فإن فعل والا أمر بالطلاق وبهذا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال القاضى أبو بكر من أصحابه: إذا فاء بلسانه لم يطالب بالفيئة مرة أخرى وخرج من الايلاء، وهو قول الحسن وعكرمة والاوزاعي لانه فاء مرة فخرج من الايلاء ولم تلزمه فيئة ثانيه، كما لو فاء بالوطئ وقال أبو حنيفة: تستأنف له مدة الايلاء. لانه وفاها حقها بما أمكنه من الفيئة فلا يطالب الا بعد استئناف مدة الايلاء كما لو طلقها. دليلنا أنه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها اياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه. وما ذكروه فليس بحقها ولا يزول الضرر عنها به وانما وعدها بالوفاء ولزمها الصبر عليه، وانكاره كالغريم المعسر (فرع) وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لانه لم يفعل المحلوف عليه، وانما وعد بفعله فهو كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال: متى قدرت وفيته. إذا ثبت هذا فانه إذا مضت المدة وبالمولى عذر يمنع الوطئ، من مرض أو حبس بغير حق أو غيره لزمه أن يفئ بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتها ونحو هذا. وممن قال يفئ بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن زيد والنخعي والحسن والزهرى والثوري والاوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب الرأى

وقال سعيد بن جبير: لا يكون الفئ إلا بالجماع في حال العذر وغيره. وقال أبو ثور: إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل ان كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لان الضرر بترك الوطئ لا؟ ؟ ول بالقول، وقال بعض أصحابنا يحتاج أن يقول: قد ندمت على ما فعلت وان قدرت وطئت ولنا أن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتى به من الاعتذار، والاعتذار بالقول يقوم مقام فعل القادر، بدليل أن اشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها يقوم مقام طلبها في الحضور في إثباتها، ولا يحتاج أن يقول ندمت، لان الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وقال ابن قدامة وأبو الخطاب والقاضى أبو بكر من الحنابلة: ان فيئة المعذور أن يقول فئت اليك، وهو قول الثوري وأبى عبيد وأصحاب الرأى. وقال أبو ثور لا يلزمه الفيئة باللسان لان ذلك لا يغير من الامر شيئا ولا يفيدها في شئ أن يعدها بالفعل عند القدرة، وهذا خطأ لان الابانة عن القصد بترك الاضرار مع ما فيه من نوع اعتذار والاخبار بإزالته للضرر عند إمكانه، كل ذلك يقوم مقام الفعل عند القادر عليه، كما قلنا في إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها. ونخلص من هذا أن كل عذر من فعله يمنعه الوطئ لا يمهل ويؤمر بالطلاق، لان الامتناع بسبب منه، فلا يسقط حكما واجبا عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن انقضت المدة وهو غائب، فإن كان الطريق أمنا فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو بحملها إليه أو بالطلاق، وان كان الطريق غير أمن فاء فبئة معذور إلى أن يقدر، فإن لم يفعل أخذ بالطلاق (فصل) وإن انقضت المدة وهو محرم قيل له: ان وطئت فسد إحرامك وان لم تطأ أخذت بالطلاق، فإن طلقها سقط حكم الايلاء، وإن وطئها فقد أوفاها حقها وفسد نسكه، وان لم يطأ ولم يطلق ففيه وجهان: أحدهما: يقتنع

منه بفيئة معذور إلى أن يتحلل، لانه غير قادر على الوطئ، فأشبه المريض المحبوس (والثانى) لا يقتنع منه، وهو ظاهر النص لانه امتنع من الوطئ بسبب من جهته. (فصل) وان انقضت المدة وهو مظاهر قيل له: ان وطئت قبل التكفير أثمت للظهار: وان لم تطأ أخذت بالطلاق، فإن قال أمهلوني حتى أشترى رقبة أكفر بها أمهل ثلاثة أيام. وان قال أملهوني حتى أكفر بالصيام لم يمهل، لان مدة الصيام تطول، وان أراد أن يطأها قبل أن يكفر وقالت المرأة: لا أمكنك من الوطئ لانى محرمة عليك فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ رَحِمَهُ الله: انه ليس لها أن تمتنع، فإن امتنع سقط حقها من المطالبة، كما نقول فيمن له دين على رجل فأحضر مالا فامتنع صاحب الحق من أخذه وقال: لا آخذه لانه مغصوب أنه يلزمه أن يأخذه أو يبرئه من الدين، وعندي أن لها أن تمتنع لانه وطئ محرم فجاز لها أن تمتنع منه كوطئ الرجعية، ويخالف صاحب الدين فإنه يدعى أنه مغصوب والذى عليه الدين يدعى أنه ماله، والظاهر معه. فان اليد تدل على الملك، وليس كذلك وطئ المظاهر منها، فانهما متفقان على تحريمه، فنظيره من المال أن ينفقا على أنه مغصوب فلا يجبر صاحب الدين على أخذه (فصل) وإن انقضت المدة فادعى أنه عاجز ولم يكن قد عرف حاله أنه عنين أو قادر ففيه وجهان: (أحدهما) وهو ظاهر النص أنه يقبل قوله لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره فقبل قوله فيه مع اليمين، فان حلف طولب بفيئة معذور أو يطلق، والوجه الثاني أنه لا يقبل قوله لانه متهم فعلى هذا يؤخذ بالطلاق. (فصل) وإن آلى المجبوب وقلنا انه يصح ايلاؤه أو آلى وهو صحيح الذكر وانقضت المدة وهو مجبوب فاء فيئة معذور، وهو أن يقول: لو قدرت فعلت فإن لم يفئ أخذ بالطلاق (فصل) وان اختلف الزوجان في انقضاء المدة فادعت المرأة انقضاءها وأنكر الزوج فالقول قول الزوج، لان الاصل أنها لم تنقض، ولان هذا

اختلاف في وقت الايلاء فكان القول فيه قوله، وان اختلفا في الاصابة فادعى الزوج أنه أصابها وأنكرت المرأة فعلى ما ذكرناه في العنين (الشرح) إذا انقضت المدة وهو محرم أو محبوس في حق عليه نظرت فإن كان الطريق امنا والحق الذى عليه يمكنه اداؤه، فإن انقضت المدة وهو غائب فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو يحملها هي إليه أو يأمره بأداء ما عليه، فإن لم يفعل أمر بالطلاق، فإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما امر بفيئة المعذور، وإن كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور. وقد مضى مزيد إيضاح في الفصول قبله. (فرع) سبق أن قلنا إن الامتناع بسبب منه لا يسقط حكما واجبا عليه، وجملة ذلك أن الاحرام والاعتكاف المنذور وكفارة الظهار كل أولئك لا يؤمر بالوطئ فيه لانه محرم عليه، ولكن يؤمر الطلاق. ووجه هذا أنه عاجز عن الوطئ بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض، فإن لم يطأها حين انقضاء المدة - لخوفه من فساد نسكه - لانه إذا وطئها فقد أوفاها حقها وارتكب إثم إفساد نسكه، أخذ بطلاقها، فان لم يطلقها ولم يطأها ففيه وجهان (أحدهما) يكتفى منه بفيئة المعذور إلى أن يتحلل فيكون كالمريض (والثانى) لا يكتفى منه، وهو ظاهر قوله في الام حيث يقول: وإذا آلى الرجل من امرأته ثم أحرم قيل له إذا مضت أربعة أشهر فإن شئت فسد إحرامك وخرجت من حكم الايلاء، وإن لم تفئ طلق عليك لانك أحدثت منع الجماع على نفسك، فان فئت فأنت عاص بالاصابة وأنت متظاهر، وليس لك أن تطأ قبل الكفارة، وان لم تفئ فطلق أو يطلق عليك، وهكذا لو تظاهر ثم آلى لان ذلك كله جاء منه لا منها ولم تحرم عليه بالظهار حرمة الاجنبية (فرع) المظاهر إذا انقضت مدته يقال له: إما أن تكفر وتفئ واما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم، فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وانما يقصد المماطلة والمدافعة والتأخير لم يمهل، لان الحق حال عليه،

وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة، وان لم يعلم ذلك أمهل ثلاثة أيام لانه قريبة، ولا يزاد على ذلك، وإن كان فرضه الصيام فطلب الامهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لانه كثير، فإن أراد أن يجامعها كان لها أن لا تمكنه من نفسها لان هذا الوطئ محرم عليهما، وهذا هو اختيار الشيخ أبى اسحاق الشيرازي هنا واختيار ابن قدامة من الحنابلة. وذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايينى وبعض أصحاب الامام أحمد أنه يلزمها التمكين، وإن امتنعت سقط حقها، لان حقها في الوطئ وقد بذله. ومتى وطئها فقد وفاها حقها والتحريم عليه دونها كمن له على آخر دين فأحضره له فأبى اخذه لانه مغصوب، فهو بين أمرين إما أن يأخذه وفاء لدينه واما أن يقيله من الدين ولنا أنه وطئ حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطئ في الحيض والنفاس. وهذا بخلاف الدين، فإن المال ملك من في حوزته ومن يده عليه، فكان الحكم الظاهر أن المال ماله، وفارق الظهار فإنهما مشتركان في الاثم، ولا نسلم كون التحريم عليه دونها، فإن الوطئ متى حرم على أحدهما حرم على الاخر لكونه فعلا واحدا ولو جاز اختصاص أحدهما بالحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطئ في الحيض والنفاس، واحرامها وصيامها، لاختصاصها بسببه ويتخرج على ذلك أنه يمكنه أن يفئ بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى يصوم، كقولنا في المحرم على أحد الوجهين. وهذا ما اخترته على أصل المذهب، وهذا أولى من ايقاع الطلاق عليه فقد تكون الثالثة فتبين منه، وان كان المنصوص أنها تطلق عليه ان لم يطلقها. (فرع) مضى في الفصل قبله قولنا إذا انقضت المدة فادعى عجزه عن الوطئ وقلنا لا تسمع دعواه كما لا تسمع دعواها، ونقول هنا انه إذا لم تكن حاله معروفة لنا من عنة أو قدرة ففيه وجهان: (أحدهما) تسمع دعواه ويقبل قوله، لان التعنين من العيوب التى لا يقف عليها غيره، وهذا هو ظاهر قوله في الام، وقد نص الشافعي أن لها أن تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة وقدرها سنة، الا أن يطلقها بعد الاشهر الاربعة.

والوجه الثاني: لا يقبل قوله لانه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والاصل سلامته منه فيؤخذ بالطلاق (فرع) إن ادعت أنه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته، والقول قوله في عدم الاصابة (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا آلى الخصى غير المجبوب من امرأته فهو كغير الخصى، وهكذا لو كان مجبوبا قد بقى له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصى في جميع أحكامه. وإذا آلى الخصى المجبوب من امرأته قيل له: فئ بلسانك لا شئ عليه غيره لانه ممن لا يجامع مثله، وإنما الفئ الجماع وهو ممن لا جماع عليه. قال: ولو تزوج رجل امرأته ثم آلى منها ثم خصى ولم يجب كان كالفحل، ولو جب كان لها الخيار مكانها في المقام المقام معه أو فراقه، فإن اختارت المقام معه قيل له: إذا طلبت الوقف ففئ بلسانك لانه ممن لا يجامع قال الربيع: ان اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما، وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الاجل أنه لا يكون لها خيار ثانية والمجبوب عندي مثله (مسألة) إذا اختلف الزوجان في انقضاء المدة فالقول قوله مع يمينه، وإنما كان كذلك لان الاختلاف في مضى المدة ينبنى على الخلاف في وقت يمينه، فانهما لو اتفقا على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت، فعلم هل انقضت المدة أم لا؟ وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في وقت اليمين فقال حلفت في غرة رمضان، وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لانه صدر من جهته، وهو أعلم به فكان القول قوله فيه، كما لو اختلفا في أصل الايلاء. ولان الاصل عدم الحلف في غرة شعبان فكان قوله في نفيه موافقا للاصل مع يمينه، وبهذا قال الخرقى من الحنابلة. وقال القاضى أبو بكر منهم: لا يمين عليه. دليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى " ولانه حق لآدمي يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون

ولو وقفناه بعد الاربعة الاشهر فقال قد أصبتها، فإن كانت ثيبا كان القول قوله مع يمينه، لان الاصل بقاء النكاح والمرأة تدعى ما يلزمه به رفعه، وهو يدعى ما يوافق الاصل ويبقيه، فكان القول قوله، كما لو ادعى الوطئ في العنة، ولان هذا أمر خفى ولا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين، لان ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص أحمد في رواية الاثرم أنه لا يلزمه يمين لانه لا يقضى فيه بالنكول، وهذا اختيار أبى بكر من أصحاب أحمد وأما إن كانت بكرا واختلفا في الاصابة أريت النساء الثقات، فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله، وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها، لانه لو وطئها زالت بكارتها، فإن قلنا إن النساء الثقات بمثابة البينة فلا يمين، لان من شهدت له البينة فلا يمين عليه فلو كانت هذ المرأة غير مدخول بها فادعى أنه أصابها وكذبته ثم طلقها وأراد رجعتها كان القول قولها، فنقبل قوله في الاصابة في الايلاء ولا نقبله في اثبات الرجعة له، كما مضى في الرجعة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتاب الظهار

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الظهار الظهار محرم لقوله عز وجل " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " ويصح ذلك من كل زوج مكلف لقوله عز وجل " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " ولانه قول يختص به النكاح فصح من كل زوج مكلف كالطلاق، ولا يصح من السيد في أمته لقوله عز وجل " والذين يظاهرون من نسائهم " فخص به الازواج، لان الظهار كان طلاقا في النساء في الجاهلية فنسخ حكمه وبقى محله (الشرح) الظهار مشتق من الظهر، وكل مركوب يقال له ظهر. قال ابن قتيبة: وانما خصوا الظهر بالتحريم دون سائر الاعضاء لانه موضع الركوب والمرأة مركوبة إذا غشيت، فكأنه أراد بقوله. أنت على كظهر أمي، ركوبك للنكاح على حرام كركوب أمي للنكاح، وهو استعارة وكناية عن الجماع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف " يظاهرون " بفتح الياء وتشديد الظاء وألف وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب " يظهرون " بحذف الالف وتشديد الهاء والظاء وفتح الياء، وقرأ أبو العالية وعاصم وزيد بن حبيش " يظاهرون " بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وهاء مكسورة. وفى قراءة أبى " يتظاهرون " وهى معنى قراءة ابن عامر وحمزة قال القرطبى: وذكر الظهر كناية عن معنى الركوب. والآدمية إنما يركب بطنها، ولكن كنى عنه بالظهر عن الركوب اه قلت: وقد علم الله من أمر الناس وأجناسهم وألوانهم وعاداتهم وتقاليدهم ما هو أعم في مفهومه، وأشمل في مضمونه، فلا يخلو أن تكون عادة بعض القبائل العربية أو كانت العرب كلها في زمن سابق يأتون النساء بهذه الطريقة. يدل على ذلك قوله تعالى " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " فهذا الحوار

حول هذه الطريقة يدل على شيوعها وانتشارها، وفى عصرنا هذا عرفنا أن أمم الارض في أوربا وأمريكا وأكثر شعوب أسيا وأفريقيا يركبون ظهور النساء عند إتيانهن. ومعنى أنت محرمة لا يحل لى ركوبك، وحقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر، والموجب للحكم منه هو تشبيه ظهر محلل بظهر محرم قال الشافعي رضى الله عنه: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: الظهار والايلاء والطلاق، فأقر الله تعالى الطلاق طلاقا، وحكم في الايلاء بأن أمهل المولى أربعة أشهر ثم جعل عليه أن يفئ أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار. ثم قال: وإذا تظاهر من أمته أم ولد كانت أو غير أم ولد لم يلزمه الظهار، لان الله عز وجل يقول " والذين يظاهرون من نسائهم " وليست من نسائه، فلو آلى من أمته لم يلزمه الايلاء. وكذلك قال " والذين يرمون أزواجهم " وليست من الازواج فلو رماها لم يلتعن، لانا عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا، وإنما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الاحكام لزمها كلها لان ذكر الله عز وجل لها واحد. اه فكل زوج يجوز طلاقه يجوز ظهاره. ومنه الذمي خلافا لابي حنيفة ومالك وهذا مبنى على أصل عندهم أن أنكحة الكفار فاسدة الاصل فلا يتعلق بها حكم طلاق ولا ظهار، وقد استدلوا بقوله تعالى " منكم " يعنى من المسلمين، وهذا يقتضى خروج الذمي من الخطاب، وقد اعترضنا عليهم بأن هذا استدلال بدليل الخطاب، وليس حجة في إخراج الذمي قال أبو حنيفة ومالك: لا تصح منه الكفارة التى هي رافعة للحرمة فلا يصح منه التحريم. ودليل أن الكفارة لا تصح منه أنها عبادة تفتقر إلى النية فلا تصح منه كسائر العبادات. وهذا غير صحيح، لان من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم وبهذا قال أحمد وأصحابه كافة. فأما ما ذكره المالكية والحنفية فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم، وكذلك الحد يقام عليه، ولا نسلم أن التكفير لا يصح

منه، فإنه يصح منه العتق والاطعام، وإنما لا يصح منه الصوم، فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد. والنية معتبرة في تعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الذمي، كالنية في كنايات الطلاق. والظهار يلزم في كل زوجة مدخول بها أو غير مدخول بها من زوج يجوز طلاقه، وعند مالك: ومن يجوز له وطؤها من إمائه إذا ظاهر منهن لزمه الظهار فيهن. وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد " لا يلزمه قال القاضى أبو بكر بن العربي. وهى مسألة عسيرة جدا علينا، لان مالكا يقول إذا قال لامته: أنت على حرام لا يلزم، فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته. ثم قال: ولكن تدخل الامة في عموم قوله: من نسائهم. وقال عطاء: عليه نصف كفارة حرة، لان الامة على النصف من الحرة، وليس عليه دليل، والصحيح أنه ليس بظهار. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال أنت على كظهر أمي فهو ظهار، وإن قال أنت على كظهر جدتى فهو ظهار، لان الجدة من الامهات، ولانها كالام في التحريم، وان قال أنت على كظهر أبى لم يكن ظهارا، لانه ليس بمحل الاستمتاع فلم يصر بالتشبيه به مظاهرا كالبهيمة. وان قال أنت على كظهر أختى أو عمتى ففيه قولان: قال في القديم ليس بظهار، لان الله تعالى نص على الامهات وهن الاصل في التحريم وغيرهن فرع لهن ودونهن، فلم يلحقن بهن في الظهار وقال في الجديد: هو ظهار، وهو الصحيح، لانها محرمة بالقرابة على التأبيد فأشبهت الام، وان شبهها بمحرمة من غير ذوات المحارم نظرت، فإن كانت امرأة حلت له ثم حرمت عليه كالملاعنة والام من الرضاع وحليلة الاب عبد ولادته، أو محرمة تحل له في الثاني، كأخت زوجته وخالتها وعمتها. لم يكن ظهارا لانهن دون الام في التحريم، وان لم تحل له قط، ولا تحل له في الثاني كحليلة الاب قبل ولادته، فعلى القولين في ذوات المحارم

(الشرح) في هذا الفصل أمور (أحدها) أنه إذا قال لزوجته: أنت على كظهر أمي فهو ظهار، لانه شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد، وهذا التشبيه بظهر أمه يعد ظهارا بالاجماع. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أن تصريح الظهار أن يقول: أنت على كظهر أمي (ثانيها) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوى رحمه، فإن شبهها بجدته فهو ظهار صريح عند الشافعي قولا واحدا، وبه قال أحمد ومالك وأصحاب الرأى وغيرهم، وان شبهها بظهر أخته أو عمته أو خالته كان ظهارا في قوله الجديد، وفى قول أكثر اهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر وزيد الشعبى والنخعي والزهرى والثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وابو عبيد وابو ثور واحمد، وقال الشافعي في القديم لا يكون الظهار الا بأم أو جدة لانها أم أيضا لان اللفظ الذى ورد به القرآن مختص بالام، فإذا عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه. ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الام، وحصول الزور المنكر واقع وموجود في مسألتنا فجرى مجراه، وتعليق الحكم بالام لا يمنع ثبوت الحكم في غيرها إذا كانت مثلها. (ثالثها) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الاقارب، كالامهات المرضعات والاخوات من الرضاعة وحلائل الآباء والابناء وأمهات النساء، فقد قال الربيع بن سليمان في الام: فإن قال أنت على كظهر أجنبية لم يكن مظاهرا من قبل أن الاجنبية - وان كانت في هذا الوقت محرمة - فهى تحل له لو تزوجها والام لم تكن حلالا له قط ولا تكون حلالا أبدا فأن قال أنت على كظهر أختى من الرضاعة - فإن كانت قد ولدت قبل أن ترضعه أمها فقد كانت قبل أن يكون الرضاع حلالا له ولا يكون مظاهرا بها، وليست مثل الاخت من النسب التى لم تكن حلالا قط له، وهذه قد كانت حلالا له قبل أن ترضعه أمها، فإن كانت أمها قد أرضعته قبل ان تلدها فهذه لم تكن قط حلالا له في حين، لانها ولدتها بعد أن صار ابنها من الرضاعة، وكذلك امرأة أبيه، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت على كظهر امرأة ابى - فإن كان ابوه قد

قد تزوجها قبل ان يولد فهو مظاهر من قبل اتها لم تكن له حلالا قط، ولم يولد إلا وهى حرام عليه، وان كان قد ولد قبل ان يتزوجها ابوه فقد كانت في حين حلالا له فلا يكون بهذا متظاهرا قال الشافعي رحمه الله: وإن قال انت على كظهر امرأة ابى أو امرأة ابني أو امرأة رجل سماه أو امرأة لاعنها أو امرأة طلقها ثلاثا لم يكن ظهارا من قبل ان هؤلاء قد كن وهن يحللن له اه وقال احمد واصحابه في الامهات المرضعات والاخوات من الرضاعة وحلائل الآباء والابناء وامهات النساء انه ظهار في كل اولئك ولم يفرق، اما إذا شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما موقتا كأخت امرأته وعمتها أو الاجنبية فإنه ليس بظهار قولا واحدا، وعند احمد روايتان - إحداهما انه ظهار - وهو اختيار الخرقى وقول اصحاب مالك، ووجه كونه ليس ظهارا إنها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحائض والمحرمة من نسائه، ووجه كونه ظهارا عند القائلين به انه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالام، ولان مجرد قوله انت على حرام ظهار إذا نوى به الظهار، والتشبيه بالمحرمة تحريم فصار ظهارا (فرع) وإن شبهها بظهر ابيه أو بظهر غيره من الرجال أو قال: انت على كظهر البهيمة، أو انت على كالميتة، فليس بظهار قولا واحدا، وفى ذلك كله عند احمد بن حنبل روايتان، إحداهما ظهار قال الميمونى: قلت لاحمد: ان ظاهر من ظهر الرجل؟ قال فظهر الرجل حرام يكون ظهارا، وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك فيما إذا قال: انت على كظهر ابى وروى ذلك عن جابر بن زيد، والثانية ليس بظهار، وهو قول اكثر العلماء لانه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع، اشبه ما لو قال: انت على كمال زيد وهل فيه كفارة؟ ليس فيه كفارة عندنا وجها واحدا، لان الكفارة لا تكون إلا من ظهار وهو لم يظاهر، وعلى روايتين عند احمد، إحداهما فيه كفارة لانه نوع تحريم، فأشبه ما لو حرم ماله، والثانية ليس فيه شئ نقل ابن القاسم عن احمد فيمن شبه امرأته بظهر الرجل لا يكون ظهارا ولم أره يلزمه فيه شئ وذلك لانه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع اشبه

أشبه التشبيه بمال غيره، وقد مر في كتاب الطلاق حكم من قال لامرأته أنت على كالميتة والدم إن نوى به الطلاق أو نوى به الظهار، وفيه وجهان، أحدهما ظهار وهو إحدى الروايتين عن احمد. والثانى هو يمين، وهو الرواية الاخرى لاحمد قال ابن قدامة: ولم يتحقق عندي معين الظهار واليمين قال القرطبى من المالكية: إن شبه امرأته بأجنبية فإن ذكر الظهر كان ظهارا حملا على الاول، وإن لم يذكر الظهر - فاختلف فيه علماؤنا - فمنهم من قال يكون ظهارا، ومنهم من قال يكون طلاقا. وقال ابو حنيفة والشافعي لا يكون شيئا. انتهى. ثم نقل قول ابن العربي في انه تشبيه محلل بمحرم فكان مقيدا بحكمه بالظهر، لان الاسماء بمعانيها عندهم، وعند الشافعية والحنفية بألفاظها، على ان الخلاف في الظهار بالاجنبية قوى عند المالكية، فمنهم من لا يرى الظهار إلا بذوات المحارم خاصة ولا يرى الظهار بغيرهن، ومنهم من لا يجعله شيئا، ومنهم من يجعله في الاجنبية طلاقا، وهو عند مالك إذا قال كظهر ابني أو غلامي أو كظهر زيد أو كظهر اجنبية ظهار، ولا يحل له وطؤها في حين يمينه، وقد روى عنه أيضا ان الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشئ كما قال ابو حنيفة والشافعي، وقال الاوزاعي لو قال انت على كظهر فلان فهو يمين يكفرها قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن قال انت عندي أو انت منى أو انت معى كظهر أمي فهو ظهار لانه يفيد ما يفيد قوله انت على كظهر امى، وان شببهها بعضو من اعضاء الام غير الظهر بأن قال انت على كفرج امى أو كيدها أو كرأسها فالمنصوص انه ظهار ومن اصحابنا من جعلها على قولين قياسا على من شبهها بذات رحم محرم منه غير الام، والصحيح انه ظهار قولا واحدا لان غير الظهر كالظهر في التحريم وغير الام دون الام في التحريم وان قال انت على كبدن امى فهو ظهار لانه يدخل الظهر فيه، وان قال انت على كروح أمي ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه ظهار لانه يعبر به عن الجملة

(والثانى) أنه كناية لانه يحتمل أنها كالروح في الكرامة فلم يكن ظهارا من غير نية (والثالث) وهو قول على بن ابى هريرة أنه ليس بصريح ولا كناية، لان الروح ليس من الاعيان التى يقع بها التشبيه. وإن شبه عضوا من زوجته بظهر أمه بأن قال رأسك أو يدك على كظهر أمي فهو ظهار، لانه قول يوجب تحريم الزوجة، فجاز تعليقه على يدها ورأسها كالطلاق، وعلى قول ذلك القائل يجب أن يكون ههنا قول آخر انه ليس بظهار. (فصل) وإن قال أنت على كأمى أو مثل امى لم يكن ظهارا إلا بالنية، لانه يحتمل أنها كالام في التحريم أو في الكرامة فلم يجعل ظهارا من غير نية كالكنايات في الطلاق. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه والظهار أن يقول الرجل لامرأته: انت على كظهر أمي، فإذا قال لها: أنت منى كظهر أمي أو انت معى أو ما أشبه هذا كظهر أمي فهو ظهار، وكذلك لو قال لها فرجك أو رأسك أو بدنك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك على كظهر امى كان ظهارا، وكذلك لو قال انت أو بدنك على كظهر امى أو كبدن امى أو كرأس امى أو كيدها أو كرجلها كان هذا ظهارا، لان التلذذ بكل أمه محرم عليه كتحريم التلذذ بظهرها اه وجملة ذلك انه إذا قال انت عندي أو منى أو معى كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة على، لان هذه الالفاظ في معناه. وإن قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو كلك على كظهر أمي لانه أشار إليها فهو كقوله انت. وإن قال انت كظهر امى كان ظهارا لانه أتى بما يقتضى تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه، كما لو قال انت طالق وذهب بعض أصحابنا إلى جعلها على قولين، احدهما هذا، والثانى ليس بظهار لانه فيه ما يدل على ان ذلك في حقه قياسا على على من شبهها بذات رحم محرم منه غير الام، وليس بصحيح وإن قال انت على كروح أمي ففيه ثلاثة أوجه ذكرها المصنف، ويمكن ان نلحق بالروح قوله أنت على كأمى أو مثل أمي، فإنه إذا نوى به الظهار فهو ظهار

في قول عامة العلماء منهم ابو حنيفة وصاحباه والشافعي وإسحاق وأحمد بن حنبل وإن نوى به الكرامة والمعزة والتوقير، أو انها مثلها في الكبر أو الصفة فليس بظهار والقول قوله في نيته وقال ابو بكر من الحنابلة إن أطلق فهو صريح في الظهار، وهذا أحد الوجوه الثلاثة في الروح عندنا، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن. وقال ابن ابى موسى فيه روايتان عن احمد اظهرهما انه ليس بظهار حتى ينويه، وهذا قول ابى حنيفة والشافعي، لان هذا اللفظ يستعمل في الكرامة فلم ينصرف إليه بغير نية ككنايات الطلاق. ووجه الاول انه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبها لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفردا. والذى يصح عندي انه إن وجدت قرينة تلد على الظهار مثل ان يخرجه مخرج الحلف، كقوله إن فعلت كذا فأنت على كروح أمي، أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار، لانه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شئ أو الحث عليه، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه، ولان كونها مثل أمه في صلتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط فيدل على انه إنما أراد الظهار، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على انه أراد به ما يتعلق بأذاها ويوجب اجتنابها وهو الظهار. وإن عدم هذا فليس بظهار لانه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا. فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل وأما قوله: أنت على كأمى فلنرجع إلى نيته، فإن قال نويت ظهارا كان ظهارا وإن قال نويت شيئا آخر فالقول قوله، وقال ابو ثور: لو قال انت على كأمى أو قال انت امى أو امرأتي امى مع الدليل الصارف له إلى الظهار كان ظهارا، إما بنية أو ما يقوم مقامها وإن قال امى امرأتي أو مثل امرأتي لم يكن ظهارا لانه تشبيه لامه ووصف لها وليس بوصف لامرأته، قال الشافعي وإذا قال الرجل لامرأته انت على أو عندي كأمى أو انت مثل امى أو انت عدل امى واراد في الكرامة فلا ظهار، وإن اراد ظهارا فهو ظهار

قال المصنف رحمه الله تعالى وإن قال انت طالق ونوى به الظهار لم يكن ظهارا، وان قال انت على كظهر امى ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا، لان كل واحد منهما صريح في موجبه في الزوجية فلا ينصرف عن موجبه بالنية، وإن قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو شيئا وقع الطلاق بقوله انت طالق ويلغى قوله كظهر امى، لانه ليس معه ما يصير به ظهارا وهو قوله انت على أو من أو معى أو عندي، فيصير كما لو قال ابتداء كظهر أمي. وان قال اردت انت طالق طلاقا يحرم كما يحرم الظهار وقع الطلاق وكان قوله كظهر امى تأكيدا وإن قال اردت انت طالق وانت على كظهر امى، فإن كان الطلاق رجعيا صار مطلقا ومظاهرا، وإن كانت بائنا وقع الطلاق ولم يصح الظهار، لان الظهار يلحق الرجعية ولا يلحق البائن وإن قال انت على حرام كظهر امى ولم ينوى شيئا فهو ظهار، لانه اتى بصريحه وأكده بلفظ التحريم، وإن نوى به الطلاق فقد روى الربيع انه طلاق، وروى في بعض فسخ المزني انه ظهار، وبه قال بعض اصحابنا، لان ذكر الظهار قرينة ظاهرة ونية الطلاق قرينة خفية، فقدمت القرينة الظاهرة على القرينة الخفية والصحيح أنه طلاق وأما الظهار فهو غلط وقع في بعض النسخ، لان التحريم كناية في الطلاق، والكناية مع النية الصريح، فصار كما لو قال انت طالق كظهر امى، وإن قال أردت الطلاق - والظهار فإن كان الطلاق رجعيا - صار مطلقا ومظاهرا، وإن كان الطلاق بائنا صح الطلاق ولم يصح الظهار لما ذكرناه فيما تقدم، وعلى مذهب ذلك القائل هو مظاهر، لان القرينة الظاهرة مقدمة، وان قال اردت تحريم عنيها وجبت كفارة يمين وعلى قول ذلك القائل هو مظاهر (الشرح) الاحكام: إذا طلق يريد ظهارا كان طلاقا، وإن ظاهر يريد طلاقا كان ظهارا لان كل لفظ منهما صريح في موجبه، أما إذا خلط في عبارته بينهما فقال انت طالق كظهر امى، ولم ينو شيئا منهما وقع الطلاق وسقط الظهار

لانه أتى بصريح الطلاق أولا وجعل قوله كظهر امى صفة له، ولانه لم يصنف الظهار إلى نفسه بحرف من حروف الظهار، كقوله على أو منى أو معى أو عندي لانه لو قال ابتداء كظهر امى فإنه ليس ظهارا لافتقاره إلى ضميره المجرور المتعلق به صريح الظهار لكونه اطلق اللفظ بغير متعلقه، فإن نوى بقوله كظهر امى تأكيد الطلاق لم يكن ظهارا كما لو اطلق، وان نوى به الظهار وكان الطلاق بائنا فهو كالظهار من الاجنبية لانه اتى به بعد بينونتها بالطلاق، وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا، لان الظهار يلحق الرجعية ولا يلحق البينونة، هذا مذهبنا وبه قال احمد وأصحابه. قال ابن قدامة لانه اتى بلفظ الظهار فيمن هي زوجة اه وإن قال أنت على كظهر امى طالق وقع الظهار والطلاق معا، سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لان الظهار سبق الطلاق قال الشافعي في الام: وإذا قال انت على كظهر امى يريد طلاقا واحدا أو ثلاثا أو طلاقا بلا نية عدد لم يكن طلاقا لما وصفت من حكم الله عز وجل في الظهار وان بينا في حكم الله تعالى ان ليس الظهار اسم الطلاق ولا ما يشبه الطلاق مما ليس لله تبارك وتعالى فيه نص ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان خارجا من هذا ما يشبه الطلاق فإنما يكون قياسا على الطلاق وإذا قال الرجل لامرأته انت طالق كظهر امى يريد الظهار فهى طالق ولا ظهار عليه لانه صرح بالطلاق ولم يكن لكظهر امى معنى إلا انك حرام بالطلاق وكظهر امى محال لا معنى له فلزمه الطلاق وسقط الظهار اهـ (فرع) وإن قال: انت على حرام ونوى الطلاق والظهار معا، فإن كان الطلاق رجعيا كان طلاقا وظهارا، وإن كان بائنا وقع الطلاق وسقط الظهار، وقال اصحاب احمد: إن قال انت على حرام ونوى الطلاق والظهار معا كان ظهارا ولم يكن طلاقا، لان اللفظ الواحد لا يكون ظهارا وطلاقا. والظهار اولى بهذا اللفظ فينصرف إليه ولاصحابنا وجهان أولهما يقال له: اختر أيهما شئت، والثانى ان قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقا لانه بدأ به. وإن قال اردت الظهار والطلاق كان ظهارا لانه بدأ به فيكون ذلك اختيارا له ويلزمه ما بدأ به

ولنا أن الحرام كناية في الطلاق، فإذا لم ينو الطلاق وأراد تحريم عينها كان عليه كفارة يمين، وقد مضى حكم ذلك في كنايات الطلاق. وقال الحنابلة: أذا أتى بلفظ الحرام ينوى الظهار كان ظهارا وليس بطلاق لانه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجمع، والظهار أولى بهذه اللفظة لان معناهما واحد وهو التحريم فيجب أن يغلب ما هو الاولى أما الطلاق فهو من الاطلاق وهو حل قيد النكاح، وإنما التحريم حكم له في بعض أحواله وقد ينفك عنه، فإن الرجعية مطلقة مباحة، وأما التخيير فلا يصح لان هذه اللفظة قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلا والمحل قابلا، وهذا القول يوافق ما رواه المزني في بعض نسخه من المختصر وقال الشافعي رضى الله عنه: وإن قال لامرأته أنت على حرام كظهر أمي يريد الطلاق فهو طلاق، وإن لم يرد الطلاق فهو متظاهر. وهذه هي رواية الربيع وقد روى المزني في بعض النسخ " فهو ظهار " والقول الفصل في هذا انه إذا قال أنت على حرام كظهر أمي ولم ينو شيئا فهو ظهار، لانه أتى بصريحه، وكأن لفظ التحريم تأكيدا له، وإن نوى به الطلاق كان طلاقا في أصح القولين، ووجه القائلين بأنه ظهار أن النية هنا قرينة خفية وأن لفظ الظهار قرينة جلية، ومن ثم تقدم القرينة الجلية على الخفية، وقد غلط أصحابنا بعض نسخ المزني المذكور فيها الظهار، لان الاصل عندنا أن التحريم كناية في الطلاق خلافا للحنابلة فإنهم يجعلونه كناية في الظهار كما قدمنا، والكناية مع النية تجرى مجرى الصريح بلا مراء، فصار كما لو قال: أنت طالق كظهر امى سواء بسواء. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويصح الظهار مؤقتا، وهو أن يقول أنت على كظهر امى يوما أو شهرا، نص عليه في الام. وقال في اختلاف العراقيين لا يصير مظاهرا لانه لو شبهها بمن تحرم إلى وقت لم يصر مظاهر، فكذلك إذا شبهها بأمه إلى وقت، والصحيح هو الاول لما روى سلمة بن صخر قال " كنت امرأ أصيب من النساء

ما لا يصيب غيرى. فلما دخل شهر رمضان خفت ان أصيب من امرأتي شيئا يتتابع بى حتى اصبح فظاهرت منه حتى ينسلخ رمضان، فبينما هي تحدثتى ذات ليلة وتكشف لى منها شئ فلم ألبث ان نزوت عليها فانطلقت إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال " حرر رقبة " ولان الحكم إنما تعلق بالظهار لقوله المنكر والزور وذلك موجود في المؤقت. (فصل) ويجوز تعليقه بشرط كدخول الدار ومشيئة زيد لانه قول يوجب تحريم الزوجة فجاز تعليقه بالشرط كالطلاق، وإن قال إن تظاهرت من فلانه فأنت على كظهر امى، فتزوج فلانة وتظاهر منها صار مظاهرا من الزوجة لانه قد وجد شرط ظهارها وإن قال: إن تظاهرت من فلانة الاجنبية فأنت على كظهر امى، ثم تزوج فلانة وظاهر منها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصير مظاهرا من الزوجة لانه شرط ان ظهار من الاجنبية، والشرط لم يوجد فصار كما لو قال إن تظاهرت من فلانة وهى أجنبية فأنت على كظهر أمي ثم تزوجها وظاهر منها (والثانى) يصير مظاهرا منها لانه علق ظهارها بعينها ووصفها بصفة، والحكم إذا تلعق بعين على صفة كانت الصفة تعريفا لا شرطا. كما لو قال والله لا دخلت دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فإنه يحنث وإن لم تكن ملك زيد (فصل) وإن قالت الزوجة لزوجها أنت على كظهر أبى أو أنا عليك كظهر أمك لم يلزمها شئ لانه قول يوجب تحريما في الزوجية يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق. (الشرح) حديث سلمة بن صخر أورده المصنف مختصرا، وقد أخرجه أحمد وأبو داود الترمذي وقال حديث حسن وأخرجه الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقد أعله عبد الحق بالانقطاع. وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري. ثم إن في إسناده أيضا محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف. ولفظ الحديث

عن سملة بن صخر رضى الله عنه قال " كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيرى، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتى شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركنى النهار، وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف لى منها شئ فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومتى فأخبرتهم خبرى وقلت لهم انطلقوا معى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بأمرى، فقالوا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن. أو يقول فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالة يبقى عارها علينا. ولكن اذهب أنت واصنع ما بدالك. فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبرى فقال لى أنت بذاك. قلت أنا بذاك؟ فقال أنت بذاك؟ قلت أنا بذاك. فقال أنت بذاك؟ قلت نعم ها أنذا فأمض في حكم الله عز وجل فأنا صابر له. قال اعتق رقبة، فضربت صفحة رقبتي بيدى وقلت لا والذى بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها. فقال صم شهرين متتابعين. قال قلت يا رسول الله الله وهل أصابني ما أصابني الا في الصوم. قال فتصدق. قال قلت والذى بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشا ما لنا عشاء. قال اذهب إلى صاحب صدقة بنى زريق فقل له فليدعها اليك فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك. قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأى. ووجدت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السعة والبركة وقد أمر لى بصدقتكم فادفعوها إلى فدفعوها إلى " على أن الحديث إذا كان قد رجح النسائي إرساله فإنه لا يضر ارسال ورود الحديث من طرق بعضها متصل وبعضها مرسل لا يكون هذا ضعفا، وانما يزيد الحديث قوة. وقد رواه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وزاد فيه " كفر ولا تعد " أورده الحافظ في بلوغ المرام. وسلمة بن صخر هو البياضى بفتح الموحدة وتخفيف المثناة التحتية وضاد معجمة. أنصارى خزرجي. كان أحد البكائين. روى عنه سليمان بن يسار وابن المسيب. قد أوردنا كلام الحدثين فيه. للحديث متابعات من طرق غير سلمة. ففى رواية ابن عباس أن الرجل قال للنبى صلى الله وسلم

" رأيت خلخالها في ضوء القمر " وقوله شيئا يتتابع بى. يدفعني إلى اللجاج والتهافت في الشر. وقوله " نزوت عليها " أي قفزت وطفرت أما الاحكام فإنه يصح الظهار موقتا مثل أن يقول أنت على كظهر أمي شهرا أو حتى ينسلخ رمضان. فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت المرأة بلا كفارة. ولا يكون عائدا بالوطئ في المدة في أحد القولين للشافعي رضى الله عنه. وهو قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري واسحاق وأبى ثور وأحمد بن حنبل. وقال الشافعي في اختلاف العراقيين وهما أبو حنيفة وابن أبى ليلى لا يكون ظهارا وبه قال ابن أبى ليلى والليث. لان الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقا. وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون آخر وقال طاوس إذا ظاهر في وقت فعليه الكفارة وان بر. وقال مالك في المدونة. يسقط التأقيت ويكون ظهارا مطلقا. لان هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة فإذا وقته لم يتوقف كالطلاق دليلنا حديث سلمة بن صخر وقوله " تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة. ولم يعبتر عليه تقييده. لانه منع نفسه بيمين لها كفارة فصح مؤقتا كالايلاء وفارق الطلاق فإنه يزيل الملك وهو يوقع تحريما يرفعه التكفير فجاز تأقيته. ولا يصح قول من أوجب الكفارة وان بر. لان الله تعالى انما. أوجب الكفارة على الذين يعودون لما قالوا. ومن بر وترك العود في الوقت الذى ظاهر فلم يعد لما قال فلا تجب عليه كفارة. وفارق التشبيه بمن لا تحرم عليه على التأبيد لان تحريمها غير كامل. وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبها بتحريم ظهر أمه. على أننا نمنع الحكم فيها. وإذا ثبت هذا فأنه لا يكون عائدا الا بالوطئ في المدة. وهذا هو المنصوص عن الشافعي. وقال بعض أصحابه ان لم يطلقها عقيب الظهار فهو عائد عليه الكفارة وقال أبو عبيد " إذا أجمع على غشيانها في الوقت لزمته الكفارة والا فلا. لان العود العزم على الوطئ ولكن حديث سلمة بن صخر دليل على أنه لم يوجب عليه الكفارة الا بالوطئ. ولانها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه كفارتها كاليمين بالله تعالى

ولان المظاهر في وقت عازم على امساك زوجته في ذك الوقت. فمن أوجب الكفارة عليه بذلك كان قوله كقول طاوس. فلا معنى لقوله يصح الظهار مؤقتا لعدم تأثير الوقت. (مسألة) قوله ويجوز تعليقه بشرط كدخول الدار ومشيئة زيد. وهذا صحيح فقد قال الشافعي في الام. فإذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت على كظهر أمي فدخلت الدار كان متظاهر حين دخلت. وكذلك ان قال ان قدم فلان أو نكحت فلانة. اه وجملة ذلك أنه يصح تعليق الظهار بالشروط. ونحو أن يقول ان دخلت الدار فأنت على كظهر أمي. وان شاء زيد فأنت على كظهر أمي. فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهرا والا فلا. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأى وأحمد ابن حنبل لانه يمين فجاز تعليقه على شرط كالايلاء. ولان الظهار أصله كان طلاقا والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار (فرع) قال في الام " ولو قال لامرأة لم ينكحها إذا نكحتك فأنت على كظهرا أمي فنكحها لم يكن متظاهرا. لانه لو قال في تلك الحال أنت على كظهر أمي لم يكن متظاهرا لانه انما يقع التحريم من النساء على من حل ثم حرم. فأما من لم يحل فلا يقع عليه تحريم ولا حكم تحريم لانه محرم فلا معنى للتحريم في التحريم. لانه في الحالين قبل التحريم وبعد محرم بتحريم. اه وجملة ذلك أنه إذا قال لاجنبية أنت على كظهر أمي جاز له أن يطأها ولا كفارة عليه. وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة. ويروى ذلك عن ابن عباس لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) والاجنبية ليست من نسائه. ولان الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيدا بنسائه فلم يثبت حكمها في الاجنبية كالايلاء. فإن الله تعالى يقول " والذين يظاهرون من نسائهم " كما يقول للذين يؤلون من نسائهم " ولانها ليست بزوجة فلم يصح الظهار منها كأمته. ولانه حرم محرمة فلم يلزمه شئ كما لو قال أنت حرام. ولانه نوع تحريم فلم يتقدم النكاح كالطلاق وقال أحمد وأصحابه إذا قال لامرأة أجنبية أنت على كظهر أمي لم يطأها ان تزوجها حتى يأتي بالكفارة

قال ابن قدامة يصح الظهار من الاجنبية. سواء قال ذلك لامرأة بعينها أو قال كل النساء على كظهر أمي. وسواء أوقعه مطلقا أو علقه على التزويج فقال كل امرأة أتزوجها فهى على كظهر أمي. ومتى تزوج التى ظهار منها لم يطأها حتى يكفر. ويروى نحو هذا عن عمر. وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وعطاء والحسن ومالك واسحاق وأبو حنيفة اه وحجة هذا الفريق ما رواه أحمد في مسنده عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال في رجل قال ان تزوجت فلانة فهى على كظهر أمي فتزوجها. قال عليه كفارة الظهار. ولانها يمين مقفرة فصح انعقادها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى. (فرع) إذا قال لامرأته ان تظاهرت من امرأتي الاخرى فأنت على كظهر أمي ثم تظاهر من الاخرى صار مظاهرا منهما جميعا. وان قال ان تظاهرت من فلانة الاجنبية فأنت على كظهر أمي. ثم قال للاجنبية أنت على كظهر أمي فقد قال الشافعي إذا قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانه - امرأة له أخرى - فأنت على كظهر أمي. فتظاهر منها كان من امرأته التى قال لها ذلك مظاهرا. ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة - امرأة أجنبية - فأنت على كظهر أمي فتظاهر من الاجنبية لم يكن عليه ظهار. لان ذلك ليس بظهار. وكذلك لو قال لها إذا طلقتها فأنت طالق فطلقها لم تكن امرأته طالقا لانه طلق غير زوجته اه (مسألة) ليس على النساء تظاهر. وانما قال تعالى " والذين يظاهرون منكم من نسائهم " ولم يقل اللائى يظهرن منكن من أزواجهن. انما الظهار على الرجال. قال ابن العربي. هكذا روى عن ابن القاسم وسالم ويحيى بن سعيد وربيعة وأبى الزناد وقد أفاده مالك في المدونة وهو صحيح المعنى لان الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال. ليس بيد المرأة منه شئ. وهذا اجماع قال أبو عمر بن عبد البر ليس على النساء ظهار في قول جمهور العلماء. وقال الحسن بن زياد هي مظاهر. وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد ليس ظهار المرأة من الرجل بشئ قبل النكاح كان أو بعده وقال الشافعي لا ظهار للمرأة من الرجل. وقال الاوزاعي إذا قالت المرأة

لزوجها أنت على كظهر أمي فلانة فهى يمين تكفرها، وكذلك قال إسحاق. قال لا تكون امرأة متظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها. وقال الزهري أرى أن تكفر كفارة الظهار، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها رواه معمر عنه وابن جريج عن عطاء قال حرمت ما أحل الله. عليها كفارة يمين وهو قول أبى يوسف. وقال محمد بن الحسن لا شئ عليها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا صح الظهار ووجد العود وجبت الكفارة لقوله عز وجل " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " والعود هو أن يمسكها بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فلم يفعل. وإن ماتت المرأة عقيب الظهار أو طلقها عقيب الظهار لم تجب الكفارة. والدليل على أن العود ما ذكرناه هو أن تشببهها بالام يقتضى أن لا يمسكها. فإذا أمسكها فقد عاد فيما قال، فإذا ماتت أو طلقها عقيب الظهار لم يوجد العود فيما قال (فصل) وان تظاهر من رجعية لم يصر عائدا قبل الرجعة، لانه لا يوجد الامساك وهى تجرى إلى البينونة، فإن راجعها فهل تكون الرجعة عودا أم لا؟ فيه قولان: قال في الاملاء لا تكون عودا حتى يمسكها بعد الرجعة، لان العود استدامة الامساك، والرجعة ابتداء استباحة فلم تكن عودا. وقال في الام: هو عود لان العود هو الامساك، وقد سمى الله عز وجل الرجعة إمساكا فقال " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " ولانه إذا حصل العود باستدامة الامساك فلان يحصل بابتداء الاستباحة أولى، وان بانت منه ثم تزوجها فهل يعود الظاهر أم لا؟ على الاقوال التى مضت في الطلاق. فإذا قلنا إنه يعود فهل يكون النكاح عودا؟ فيه وجهان، الصحيح لا، بناء على القولين في الرجعة. وان ظاهر الكافر من امرأته وأسلمت المرأة عقيب الظهار - فإن كان قبل الدخول - لم تجب الكفارة لانه لم يوجد العود، وان كان بعد الدخول لم يصر عائدا ما دامت في العدة لانها تجرى إلى البينونة. وان أسلم الزوج قبل انقضاء العدة ففيه وجهان:

(أحدهما) لا يصير عائدا لان العود هو الامساك على النكاح، وذلك لا يوجد إلا بعد الاسلام. (والثانى) يصير عائدا لان قطع البينونة بالاسلام أبلغ من الامساك فكان العود به أولى. (فصل) وإن كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج عقيب الظهار ففيه وجهان (أحدهما) إن الملك عود لان العود أن يمسكها على الاستباحة وذلك قد وجد (والثانى) وهو قول أبى إسحاق ان ذلك ليس بعود لان العود هو الامساك على الزوجية والشروع في الشراء تسبب لفسخ النكاح فلم يجز أن يكون عودا، وان قذفها وأتى من اللعان بلفظ الشهادة وبقى لفظ اللعن فظاهر منها ثم أتى بلفظ اللعن عقيب الظهار لم يكن ذلك عودا لانه يقع به الفرقة فلم يكن عودا كما لو طلقها. وان قذفها ثم ظاهر منها ثم أتى بلفظ اللعان ففيه وجهان (أحدهما) أنه صار عائدا لانه أمسكها زمانا أمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلق. (والثانى) وهو قول ابى اسحاق أنه لا يكون عائدا لانه اشتغل بما يوجب الفرقة فصار كما لو ظاهر منها ثم طلق وأطال لفظ الطلاق (فصل) وان كان الظهار موقتا ففى عوده وجهان (أحدهما) وهو قول المزني أن العود فيه أن يمسكها بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فيه كما قلنا في الظهار المطلق (والثانى) وهو المنصوص أنه لا يحصل العود فيه الا بالوطئ لان امساكه يجوز أن يكون لوقت الظهار. ويجوز أن يكون لما بعد مدة الظهار، فلا يتحقق العود الا بالوطئ، فإن لم يطأها حتى مضت المدة سقط الظهار ولم تجب الكفارة لانه لم يوجد العود (الشرح) قوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " في هذه الآية " والذين يظاهرون " ان هذا ابتداء والخبر " فتحرير رقبة " فحذف " عليهم " لدلالة الكلام عليه، أي فعليهم تحرير رقبة، والمجمع عليه عند العلماء أن قوله أنت على كظهر أمي منكر من القول وزور، فمن قال هذا القول حرم عليه وطئ امرأته فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار لقوله تعالى " ثم يعودون لما قالوا "

فمن عاد لزمته الكفارة. قال القرطبى وهذا يدل على أن الكفارة لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليه العود، وهذا حرف مشكل اختلف فيه الناس على سبعة أقوال (الاول) انه العزم على الوطئ. وهو مشهور قول أبى حنيفة وأصحابه. وروى عن مالك فإن عزم على وطئها كان عودا وان لم يعزم لم يكن عودا. (الثاني) العزم على الامساك بعد التظاهر منها. قاله مالك (الثالث) العزم عليهما - وهو قول مالك في موطئه، قال بعد ذكر الآية سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على اصابتها وامساكها فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وان طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على امساكها واصابتها فلا كفارة عليه. قال مالك وان تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة التظاهر. (الرابع) أنه اوطئ نفسه، فإن لم يطأ لم يكن عودا، قاله الحسن ومالك أيضا. (الخامس) وهو قول الامام الشافعي رضى الله عنه هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق، لانه لما ظاهر قصد التحريم، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من ايقاع التحريم ولا كفارة عليه. وان أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة (السادس) أن الظهار يوجب تحريما لا يرفعه الا الكفارة، ومعنى العود عند القائلين بهذا انه لا يستبيح وطؤها الا بكفارة يقدمها. قاله أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد. (السابع) هو تكرير الظهار بلفظه، وهذا قول اهل الظاهر النافين للقياس قال إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العود، وان لم يكرر فليس بعود، ويسند ذلك إلى بكير الاشج وابى العالية وابى حنيفة أيضا. وهو قول الفراء وقال ابو العالية وظاهر الآية يشهد له لانه قال ثم يعودون لما قالوا، أي إلى قول ما قال. وروى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى " والذين يظاهرون. الخ " هو ان يقول لها انت على كظهر امى. فإذا قال لها ذلك فليست تحل له حتى يكفر كفارة الظهار قال ابن العربي فأما بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا لا يصح

عن بكير. وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه. وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم. وايضا فإن المعنى ينقضه، لان الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور فكيف يقال له إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة. وهذا لا يعقل ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الاعادة من قتل ووطئ في صوم أو غيره. وقد رد القرطبى على ابن العربي فقال: قوله يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه. حمل منه عليه. وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم. وقال بعض أهل التأويل الآية فيهما تقديم وتأخير، ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع فتحرير رقبة لما قالوا، أي فعليهم تحرير من أجل ما قالو ا، فالجار والمجرور متعلق بالمحذوف الذى هو خبر الابتداء وهو عليهم. قاله الاخفش. وقال الزجاج المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا. وقيل المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الاسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة وقال الفراء اللام بمعنى عن. والمعنى ثم يعودون عما قالوا ويريدون الوطئ، وقال الاخفش لما قالوا والى ما قالوا واحد، واللام. وإلى يتعاقبان قال " الحمد الله الذى هدانا لهذا " وقال فاهدوهم إلى صراط الجحيم " وقال " بأن ربك أوحى لها " وقال " وأوحى إلى نوح " قال ابن قدامة في المغنى: أوجب الله تعالى الكفارة بأمرين ظهار وعود فلا تثبت بأحدهما، ولان الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا يحنث بغير الحنث كسائر الايمان، والحنث فيها هو العود. وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع، وترك طلاقها ليس بحنث فيها، ولا فعل لما حلف على تركه فلا تجب به الكفارة ولانه لو كان الامساك عودا لوجبت الكفارة على المظاهر المؤقت وإن بر. وقد نص الشافعي على أنها لا تحب عليه قلت: وليس في كلام القرطبى ولا ابن قدامة في الرد على الشافعي ما يدفع قوة حكمه إذ يقول متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه الكفارة، لان ذلك هو العود

وقال الشافعي رضى الله عنه الذى عقلت مما سمعت في يعودون لما قالوا " أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أنت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذى يحرم به ولا شئ يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب على كفارة الظهار، كأنهم يذهبون إلى انه إذا أمسك ما حرم على نفسه انه حلال فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم. ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر فلم يجز أن يقال لما لم أعلم مخالفا في أنه ليس بمعنى الآية. وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه ان يطلقها ولم يطلقها فكفارة الظهار له لازمة. ولو طلقها بعد ذلك أو لاعنها فحرمت عليه على الابد لزمته كفارة الظهار. وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على لردة. ومعنى قول الله تعالى " من قبل ان يتماسا " وقت لان يؤدى ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل المماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب ا؟ قت لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها لانها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه " ولو تظاهر منها فأتبع التظاهر طلاقا تحل له بعده قبل زوج له عليها فيه الرجعة أو لا رجعة له لم يكن عليه بعد الطلاق كفارة، لانه أتبعها الطلاق مكانه، فإن راجعها في العدة فعليه الكفارة في التى يملك رجعتها. ولو طلقها ساعة نكحها لان مراجعتها بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار وهو يمكنه أن يطلقها ولو تظاهر منه ثم أتبعها طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم نكحها لم تكن عليه كفا؟ ؟، لان هذا ملك غير الملك الاول الذى كان في الظهار. ألا ترى انه لو تظاهر منها بعد طلاق لا يملك فيه الرجعة لم يكن فيه متظاهرا. ولو طلقها ثلاثا أو طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره سقط عنه الظهار اه قلت انه إذا طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يكن عليه كفارة إلا إذا راجعها

في العدة. وقال أحمد وأصحابه لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان الطلاق ثلاثا أو أقل منه، وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله. نص عليه أحمد، وهو قول عطاء والحسن والزهرى والنخعي ومالك وابى عبيد وقال قتادة إذا بانت سقط الظهار، فإذا عاد فنكحها فلا كفارة عليه. وللشافعي قولان كالمذهبين. وقول ثالث ان كانت البينونة بالثلاث لم يعد الظهار، وإلا عاد وبناه على الاقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني وقد مضى (فرع) إذا تظاهر المسلم من امرأته ثم ارتد أو ارتدت مع الظهار - فإن عاد المرتد منهما إلى الاسلام في العدة فحبسها قدر ما يمكنه الطلاق - لزمه الظهار وان طلقها مع عودة المرتد منهما إلى الاسلام أو لم يعد المرتد منهما إلى الاسلام فلا ظهار عليه الا ان يتناكحا قبل ان تبين منه بثلاث فيعود عليه الظهار (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه " وإذا تظاهر الرجل من امرأته وهى أمة ثم عتقت فاختارت فراقه فالظهار لازم له لانه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق. ولو تظاهر منها وهى أمة فلم يكفر حتى اشتراها لم يكن له ان يقربها حتى يكفر، لان كفارة الظهار لزمته وهى أمة زوجة - إلى ان قال - وإذا قال الرجل لامرأته انت على كظهر امى والله لا اقربك، أو قال والله لا اقربك وانت على كظهر امى فهو مول متظاهر يؤمر بأن يكفر للظهار من ساعته، ويقال له ان قدمت الفيئة قبل الاربعة الاشهر فهو خير لك. وان فئت كنت خارجا بها من حكم الايلاء، وعاصيا ان قدمتها قبل كفارة الظهار، فإن اخرتها إلى اربعة اشهر فسألت امرأتك ان توقف للايلاء وقفت، وإن فئت خرجت من الايلاء، وان لم تفئ قيل طلق والا طلق عليك اه هذا وما في الفصول من اللعان سيأتي في بابه خشية الاطالة (مسألة) للعود في الظهار المؤقت وجهل (أحدهما) ان العود هو الامساك بعد الظهار بقدر ما يمكنه من طلاقها كالمنصوص في الظهار المطلق. وهذا هو اختيار المزني (والثانى) وهو المنصوص في المؤقت ان العود لا يتحقق الا بالوطئ فإذا مضت المدة بغير وطئ سقط الظهار وسقط وجوب الكفارة لان العود لم يوجد وهو الذى يتعلق به الكفارة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن تظاهر من أربع نسوة بأربع كلمات وأمسكهن، لزمه لكل واحد كفارة، وإن تظاهر منهن بكلمة واحدة بأن قال: أنتن على كظهر أمي وأمسكهن ففيه قولان، قال في القديم: تلزمه كفارة واحدة لما روى ابن عباس وسعيد بن المسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه سئل عن رجل تظاهر من أربع نسوة فقال يجزيه كفارة واحدة. وقال في الجديد: يلزمه أربع كفارات لانه وجد الظهار والعود في حق كل واحدة منهم، فلزمه أربع كفارات، كما لو أفردهن بكلمات. وإن تظاهر من امرأة ثم ظاهر منها قبل أن يكفر عن الاول نظرت - فإن قصد التأكيد - لزمه كفارة واحدة، وإن قصد الاستئناف ففيه قولان، قال في القديم تلزمه كفارة واحدة، لان الثاني لم يؤثر في التحريم، وقال في الجديد يلزمه كفارتان لانه قول يؤثر في تحريم الزوجة كرره على وجه الاستئناف، فتعلق بكل مرة حكم الطلاق، وإن أطلق ولم ينو شيئا فقد قال بعض أصحابنا حكمه حكم ما لو قصد التأكيد. ومنهم من قال: حكمه حكم ما لو قصد الاستئناف، كما قلنا فيمن كرر الطلاق. وإن كانت له امرأتان وقال لاحداهما: إن تظاهرت منك فالاخرى على كظهر أمي، ثم تظاهر من الاولى وأمسكها لزمه كفارتان قولان واحدا لانه أفرد كل واحدة منهما بظهار. (الشرح) إذا تظاهر من أربع نسوة بأربع كلمات فقال: لكل واحدة أنت على كظهر أمي، فإن لكل يمين كفارة. وهذا قول عروة وعطاء وأحمد بن حنبل في رواية ابى عبد الله بن حامد. وقال في رواية ابى بكر: يجزئه كفارة واحدة. ولانها أيمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة، كما لو كفر ثم ظاهر، ولانها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الاخرى فلا تكفرها كفارة واحدة كالاصل، ولان الظهار معنى يوجب الكفارة، فتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات،

فأما ان ظاهر من امرأته مرارا ولم يكفر فإن قصد توكيده فعليه كفارة واحدة، وإن قصد الاستئناف ففيه قولان. القديم تلزمه كفارة واحدة لعدم تأثير الثاني في التحريم. والجديد يلزمه لكل يمين كفارة، لتعلق الطلاق بكل مرة ينطق به على سبيل الاستئناف، فإذا لم ينو شيئا فقد ذهب بعض أصحابنا إلى إلحاقه بالتوكيد وذهب الآخر إلى إلحاقه بالاستئناف وقال أحمد وأصحابه ليس عليه إلا كفارة واحدة ولم يفرق لان الحنث واحد فوجبت كفارة واحدة كما لو كانت اليمين واحدة أما إذا تظاهر من نسائه الاربع بكلمة واحدة فقد قال في القديم تلزمه كفارة واحدة، وهو قول على وعمر وعروة وطاوس وعطاء وربيعة ومالك والاوزاعي واسحاق وأبى ثور وأحمد بن حنبل. وقال الشافعي في الجديد وإذا تظاهر الرجل من أربع نسوة له بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة، لان التظاهر تحريم لكل واحدة منهم لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو كلام متفرق، فتكون كل واحدة منهن طالقا. قال وإذا تظاهر الرجل من امرأته مرتين أو ثلاثا أو أكثر يريد بكل واحدة منهن ظهارا غير صاحبه فهل يكفر؟ فعليه في كل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة لان التظاهر طلاق جعل المخرج منه كفارة، ولو قالها متتابعة فقال أردت ظهارا واحدا كان واحدا، كما يكون لو أراد طلاقا واحدا وابانة بكلمة واحدة. وانتهى من الام. وجملة ذلك أنه إذا تظاهر من أربع من نسائه بكلمة واحدة كان عليه لكل واحدة كفارة. وهو قول الحسن والنخعي والزهرى ويحيى الانصاري والحكم والثوري واصحاب الرأى، ومفهوم كلام الخرقى من الحنابلة أنه إذا ظاهر منهن بكلمات فقال لكل واحدة أنت على كظهر أمي فإن لكل يمين كفارة، وهذا قول عروة وعطاء. قال أبو عبد الله بن حامد من أصحاب أحمد المذهب رواية واحدة في هذا، وتابعه القاضى وخالفه أبو بكر فقال فيه رواية أخرى أنه يجزئه كفارة واحدة. قال ابن قدامة واختار هذا الذى قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن

وعطاء وابراهيم وربيعة وقبيصة واسحاق، لان كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد وعليه يخرج الطلاق (مسألة) إذا ظاهر من امرأة ثم قال لاخرى أشركتك معها أو أنت شريكتها أو كهى ونوى المظاهرة من الثانية صار مظاهرا منها بغير خلاف علمناه، وبه قال مالك وأحمد. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإذا وجبت الكفارة حرم وطؤها إلى أن يكفر لقوله عز وجل " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابيعن من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " فشرط في العتق والصوم أن يكونا قبل المسيس، وقسنا عليهما الاطعام وروى عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فقال " ما حملك على ما صنعت؟ قال رأيت بياض ساقها في القمر، قال فاعتزلها حتى تكفر عن يمينك " واختلف قوله في المباشرة فيما دون الفرج، فقال في القديم تحرم لانه قول يؤثر في تحريم الوطئ فحرم به ما دونه من المباشرة كالطلاق. وقال في الجديد لا تحرم لانه وطئ لا يتعلق بتحريمه مال فلم يجاوزه التحريم كوطئ الحائض. والله تعالى أعلم. (الشرح) حديث عكرمة هكذا ساقه المصنف مرسلا، وهى رواية النسائي ولفظه " فلا تقربها حتى تقضى ما عليك " وقد أخرجه موصولا عن ابن عباس أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه، قال الحافظ بن حجر ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالارسال وقال ابن حزم رجاله ثقات ولا يضره ارسال من أرسله. وأخرج البزار شاهدا له من طريق خصيف عن فطاء عن ابن عباس " أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر، فقال كفر ولا تعد " وقد بالغ أبو بكر بن العربي فقال ليس في الظهار حديث صحيح

أما الاحكام فإنه يحرم على المظاهر وطئ امرأته قبل أن يكفر وليس في ذلك اختلاف إذا كانت الكفارة عتقا أو صوما لقوله تَعَالَى " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا " وقوله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا " وأكثر أهل العلم على أن التكفير بالاطعام مثلهما قياسا عليهما، وأنه يحرم وطؤها قبل التكفير منهم عطاء والزهرى وأصحاب الرأى ومالك. وذهب أبو ثور إلى إباحة الجماع قبل التكفير بالاطعام، وعن أحمد ما يقضى ذلك، لان الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في العتق والصوم دليلنا حديث عكرمة، ولانه مظاهر لم يكفر فحرم عليه جماعها، كما لو كانت كفارته العتق أو الصيام. (فرع) التلذذ بما دون الفرج من القبلة واللمس والمباشرة، فقد ذهب في القديم إلى تحريمه، لان الظهار قول يحرم به الوطئ فحرم به ما دونه من المباشرة كالطلاق وهو احدى الروايتين عن أحمد واختيار أبى بكر من أصحابه، وهو قول الزهري ومالك والاوزاعي وأبى عبيد وأصحاب الرأى. وروى ذلك عن النخعي لان ما يحرم به الوطئ يحرم به دواعيه كالطلاق والاحرام وقال في الجديد: لا يحرم عليه سوى الجماع، والرواية الثانية عن أحمد حيث يقول: أرجو أن لا يكون به بأس. وهو قول الثوري واسحاق وأبى حنيفة. وحكى عن مالك، وذلك لانه وطئ يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطئ الحائض. والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

باب كفارة الظهار

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب كفارة الظهار وكفارته عتق رقبة لمن وجد وصيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة وإطعام ستين مسكينا لمن لا يجد الرقبة ولا يطيق الصوم، والدليل عليه قوله عز وجل " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " وروت خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت " ظاهر منى زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: اتق الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن " قد سمع الله قول التى تجادلك في زوجها وتشتكى إلى الله. الآية " فقال يعتق رقبة، فقلت لا يجد، قال فليصم شهرين متتابعين، قلت يا رسول الله شيخ كبير ما به صيام، قال فليطعم ستين مسكينا، قلت يا رسول الله ما عنده شئ يتصدق به، قال فأتى بعرق من تمر، قلت يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر، قال قد أحسنت فاذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكنيا وارجعي إلى ابن عمك " فإن كان له مال يشترى به رقبة فاضلا عما يحتاج إليه لقوته ولكسوته ومسكنه وبضاعة لا بد له منها وجب عليه العتق. وان كان له رقبة لا يستغنى عن خدمتها، بأن كان كبيرا أو مريضا أو ممن لا يخدم نفسه لم يلزمه صرفها في الكفارة، لان ما يستغرقه حاجته كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل، كما نقول فيمن معه ماء يحتاج إليه للعطش، وان كان ممن يخدم نفسه ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه العتق لانه مستغن عنه (والثانى) لا يلزمه لانه ما من أحد الا ويحتاج إلى الترفه والخدمة، وان وجبت عليه كفارة وله مال غائب - فإن كان لا ضرر عليه في تأخير الكفارة، ككفارة القتل وكفارة الوطئ في رمضان - لم يجز أن ينتقل إلى الصوم لانه

قادر على العتق من غير ضرر، فلا يكفر الصوم كما لو حضر المال، وإن كان عليه ضرر في تأخير الكفارة ككفارة الظهار ففيه وجهان (أحدهما) لا يكفر بالصوم لان له مالا فاضلا عن كفايته يمكنه أن يشترى به رقبة فلا يكفر بالصوم، كما نقول في كفارة القتل (والثانى) له أن يكفر الصوم لان عليه ضررا في تحريم الوطئ إلى أن يحضر المال فجاز له أن يكفر بالصوم (فصل) وإن اختلف حاله من حين وجبت الكفارة إلى حين الاداء ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أن يعتبر حال الاداء لانها عبادة لها بدل من غير جنسها فاعتبر فيها حال الاداء كالوضوء (والثانى) يعتبر حال الوجوب لانه حق يجب على وجه التطهير فاعتبر فيه حال الوجوب كالحد (والثالث) يعتبر أغلظ الاحوال من حين الوجوب إلى حين الاداء، فأى وقت قدر على العتق لزمه لانه حق يجب في الذمة بوجود المال فاعتبر فيه أغلظ الاحوال كالحج (فصل) ولا يجزئ في شئ من الكفارات إلا رقبة مؤمنة لقوله عز وجل " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة " فنص في كفارة القتل على رقبة مؤمنة وقسنا عليها سائر الكفارات. (فصل) ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب التى تضر العمل ضررا بينا لان المقصود تمليك العبد منفعته وتمكينه من التصرف، وذلك لا يحصل مع العيب الذى يضر بالعمل ضررا بينا، فإن أعتق أعمى لم يجز لان العمى يضر بالعمل الضرر البين، وإن أعتق أعور أجزأه لان العور لا يضر بالعلم ضررا بينا لانه يدرك ما يدرك البصير بالعينين ولا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل لان ذلك يضر العلم ضررا بينا، ولا يجزئ مقطوع الابهام أو السبابة أو الوسطى لان منفعة اليد تبطل بقطع كل واحد منهما، ويجزئ مقطوع الخنصر أو البنصر لانه لا تبطل منفعة اليد بقطع إحداهما، فإن قطعتا جميعا - فإن كانتا من كف واحدة - لم تجزه لانه تبطل منفعة اليد بقطعهما، وان كانتا من كفين أجزأه لانه لا تبطل منفعة كل واحد من الكفين، وان قطع منه أنملتان - فإن كانتا من الخنصر أو البنصر - أجزاه، لان ذهاب كل واحدة منهما لا يمنع الاجزاء فلان لا يمنع ذهاب أنملتين أولى، وان كانا من الوسط أو السبابة لم يجزه لانه

تبطل به منفعة الاصبع، وإن قطعت منه أنملة - فإن كانت من غير الابهام - أجزأه لانه لا تبطل به منفعة الاصبع، وإن كانت من الابهام لم يجزه لانه تبطل به منفعة الابهام. (فصل) وإن كان أعرج نظرت - فإن كان عرجا قليلا - أجزأه لانه لا يضر بالعمل ضررا بينا، وإن كان كثيرا لم يجزه لانه يضر بالعمل ضررا بينا ويجزئ الاصم لان الصمم لا يضر بالعمل بل يزيد في العمل لانه لا يسمع ما يشغله وأما الاخرس فقد قال في موضع يجزئه، وقال في موضع لا يجزئه. فمن أصحابنا من قال: إن كان مع الخرس صمم لم يجزه، لانه يضر بالعمل ضررا بينا، وإن لم يكن معه صمم أجزأه لانه لا يضر بالعمل ضررا بينا، وحمل القولين على هذين الحالين، ومنهم من قال: إن كان يعقل الاشارة أجزاه لانه يبلغ بالاشارة ما يبلغ بالنطق، وان كان لا يعقل لم يجزه، لانه يضر بالعمل ضررا بينا، وحمل القولين على هذين الحالين. وإن كان مجنونا جنونا مطبقا يمنع العمل لم يجزه، لانه لا يصلح للعمل، وإن كان يجن ويفيق نظرت - فإن كان زمان الجنون أكثر - لم يجزه لانه يضر به ضررا بينا، وإن كان زمان الافاقة أكثر أجزأه لانه لا يضر به ضررا بينا، ويجزئ الاحمق، وهو الذى يفعل الشئ في غير موضعه مع العمل بقبحه. (فصل) ويجزئ الاجدع لانه كغيره في العمل، ويجزئ مقطوع الاذن لان قطع الاذن لا يؤثر في العمل، وغيره أولى منه ليخرج من الخلاف، فإن عند مالك لا يجزئه. ويجزئ ولد الزنا لانه كغيره في العمل، وغيره أولى منه لان الزهري والاوزاعي لا يجيزان ذلك، ويجزئ المجبوب والخصى لان الجب والخصى لا يضران بالعمل ضررا بينا، ويجزئ الصغير لانه يرجى من منافعه وتصرفه أكثر مما يرجى من الكبير، ولا يجزئ عتق الحمل لانه لم يثبت له حكم الاحياء، ولهذا لا يجب عنه زكاة الفطر، ويجزئ المريض الذى يرجى برؤه، ولا يجزئ من لا يرجى برؤه، لانه لا عمل فيه، ويجزئ نضو الخلق إذا لم

يعجز عن العمل، ولا يجزئ إذا عجز عن العمل، وان أعتق مرهونا أو جانيا وجوزنا عتقه أجزأه لانه كغيره في العمل (فصل) ولا يجزئ عبد مغصوب لانه ممنوع من التصرف في نفسه فهو كالزمن، وإن اعتق غائبا لا يعرف خبره فظاهر ما قاله ههنا أنه لا يجزئه. وقال في زكاة الفطر إن عليه فطرته، فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين، أحدهما يجزئه عن الكفارة وتجب زكاة الفطر عنه لانه على يقين من حياته وعلى شك من موته، واليقين لا يزال بالشك، والثانى لا يجزئه في الكفارة ولا تجب زكاة فطرته، لان الاصل في الكفارة وجوبها فلا تسقط بالشك، والاصل في زكاة الفطر براءة ذمته منها، فلا تجب بالشك، ومنهم من قال لا يجزئه في الكفارة وتجب زكاة الفطر، لان الاصل ارتهان ذمته بالكفارة بالظهار المتحقق، وارتهانها بالزكاة بالملك المتحقق فلم تسقط الكفارة بالحياة المشكوك فيها، ولا الزكاة بالموت المشكوك فيه (فصل) ولا يجزئ عتق أم الولد ولا المكاتب، لانهما يستحقان العتق بغير الكفارة، بدليل أنه لا يجوز إبطاله بالبيع فلا يسقط بعتقهما فرض الكفارة كما لو باع من فقير طعاما ثم دفعه إليه عن الكفارة، ويجزئ المدبر والمعتق بصفة لان عتقهما غير مسحق بدليل انه يجوز إبطاله بالبيع (فصل) وإن اشترى من يعتق عليه من الاقارب ونوى عتقه عن الكفارة لم يجزه لان عتقه مستحق بالقرابة فلا يجوز أن يصرفه إلى الكفارة، كما لو استحق عليه الطعام في النفقة في القرابة فدفعه إليه عن الكفارة. وإن اشترى عبدا بشرط أن يعتقه فأعتقه عن الكفارة لم يجزه لانه مستحق العتق بغير الكفارة فلا يجوز صرفه إلى الكفارة وإن كان مظاهرا وله عبدا فقال لامرأته: إن وطئتك فعلى أن أعتق عبدى عن كفارة الظهار فوطئها ثم اعتق العبد عن الظهار ففيه وجهان، أحدهما: وهو قول أبى على الطبري أنه لا يجزئه لان عتقه مستحق بالحنث في الايلاء والثانى وهو قول أبى إسحاق أنه يجزئه، وهو المذهب لانه لا يتعين عليه عتقه لانه مخير بين أن يعتقه وبين أن يكفر كفارة يمين

(فصل) وإن كان بينه وبين آخر عبد وهو موسر فأعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة أجزأه، لانه عتق العبد بالمباشرة والسراية، وحكم السراية حكم المباشرة، ولهذا إذا جرحه وسرى إلى نفسه جعل كما لو باشر قتله، وإن كان معسرا عتق نصيبه، وإن ملك نصيب الآخر وأعتقه عن الكفارة أجزأه، لانه أعتق جميعه عن الكفارة. وإن كان في وقتين فأجزأه كما لو أطعم المساكين في وقتين، وإن أعتق نصف عبدين عن كفارة ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) لا يجزئه لان المأمور به عتق رقبة ولم يعتق رقبة (والثانى) يجزئه لان أبعاض الجملة كالجملة في زكاة الفطر، وزكاة المال، فكذلك في الكفارة. (والثالث) أنه إن كان باقيهما حرا أجزاه، لانه يحصل تكميل الاحكام والتمكين من التصرف في منافعه على التمام، وإن كان مملوكا لم يجزه، لانه لا يحصل له تكميل الاحكام والتمكين التام. (فصل) إذا قال لغيره أعتق عبدك عنى فأعتقه عنه دخل العبد في ملكه وعتق عليه، سواء كان بعوض أو بغير عوض، واختلف أصحابنا في الوقت الذى يعتق عليه، فقال أبو إسحاق يقع الملك والعتق في حالة واحدة، ومن أصحابنا من قال: يدخل في ملكه ثم يعتق عليه، وهو الصحيح، لان العتق لا يقع عنه في ملك غيره فوجب أن يتقدم الملك ثم يقع العتق. وإن قال أعتق عبدك عن كفارتي، فأعتقه عن كفارتة أجزأه لانه وقع العتق عنه فصار كما لو اشتره ثم أعتقه (الشرح) حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة رواه أبو داود وابن أسحاق وأحمد بمعناه وفى إسناده محمد بن اسحاق، وأخرج بن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة قالت: تبارك الذى وسع سمعه كل شئ، انى لاسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى على بعضه وهى تشتكى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها وأخرج أبو داود والحاكم أيضا من حديث عائشة من وجه آخر قالت: كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت (أخى عبادة بن الصامت) وكان امرءا به لمم.

فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته، وقد أعله أبو داود بالارسال. أما خولة بنت مالك فقد وقع في تفسير أبى حاتم خولة بنت الصامت. قال الحافظ بن حجر وهو وهم، والصواب زوج ابن الصامت. ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت ابن ثعلبة، وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد، وفى إسناده ابو حمزة اليماني، وهو ضعيف. وقال يوسف بن عبد الله بن سلام: انها خويلة، وروى أنها بنت دليح، كذا في الكاشف، وفى رواية لعائشة " والعرق ستون صاعا " تفرد بها معمر عن عبد الله بن حنظلة، قال الذهبي: لا يعرف، ووثقه ابن حبان، وفيها أيضا محمد بن إسحاق وقد عنعن. والمشهور عرفا أن العرق خمسة عشر صاعا، كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة، وأحكام هذه الفصول على وجهها على أن تراجع مقدمتنا على كتاب العتق في الجزء الخامس عشر قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن لم يجد رقبة وقد رعى الصوم لزمه أن يصوم شهرين متتابعين لقوله عز وجل " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " فإن دخل فيه في أول الشهر صام شهرين بالاهلة، لان الاشهر في الشرع بالاهلة والدليل عليه قوله عز وجل " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج " فإن دخل فيه وقد مضى من الشهر خمسة أيام صام ما بقى وصام الشهر الذى بعده، ثم يصوم من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما، لانه تعذر اعتبار الهلال في شهر فاعتبر بالعدد كما يعتبر العدد في الشهر الذى غم عليهم الهلال في صوم رمضان وإن أفطر في يوم منه من غير عذر لزمه أن يستأنف، وإن جامع بالليل قبل أن يكفر أثم لانه جامع قبل التكفير، ولا يبطل التتابع لان جماعه لم يؤثر في الصوم فلم يقطع التتابع كالاكل بالليل. وأن كان الفطر لعذر نظرت فإن كانت امرأة فحاضت في صوم كفارة للقتل أو الوطئ في كفارة رمضان لم ينقطع التتابع لانه لا صنع لها في الفطر: ولانه لا يمكن حفظ الشهرين من الحيض إلا بالتأخير إلى أن تيأس من الحيض،

وفى ذلك تغرير بالكفارة لانها ربما ماتت قبل الاياس فتفوت. وإن كان الفطر بمرض ففيه قولان: أحدهما يبطل التتابع لانه أفطر باختياره فبطل التتابع، كما لو أجهده الصوم فأفطر. والثانى لا يبطل لان الفطر بسبب من غير جهته فلم يقطع التتابع كالفطر بالحيض. وإن كان بالسفر ففيه طَرِيقَانِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالفطر بالمرض، لان السفر كالمرض في إباحة الفطر، فكان كالمرض في قطع التتابع. والثانى: أنه يقطع التتابع قولا واحدا لان سببه من جهته. وإن انقطع الصوم بالاغماء فهو كما لو أفطر بالمرض. وإن أفطرت الحامل أو المرضع في كفارة القتل أو الجماع في رمضان خوفا على ولديهما ففيه طريقان، أحدهما انه على قولين، لانه فطر لعذر فهو كالفطر بالمرض، والثانى انه ينقطع التتابع قولا واحدا لان فطرهما لعذر في غيرهما فلم يلحقا بالمريض، ولهذا يجب عليهما الفدية مع القضاء في صوم رمضان، ولا يجب على المريض. وإن دخل في الصوم فقطعه بصوم رمضان أو يوم النحر لزمه أن يستأنف، لانه ترك التتابع بسبب لا عذر فيه (الشرح) إن لم يجد المظاهر رقبة تفضل عن كفايته، أو كان العرف القائم يمنع الاسترقاق كهو في عصرنا، وكان قادرا على الصيام لزمه ان يصوم شهرين متتابعين لقوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم. الآية " ولما ذكرناه من حديثى أوس بن الصامت وسلمة بن صخر إذا ثبت هذا فإن إجماع أهل العلم على أن المظاهرة فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقوله تعالى " فمن لم يحد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا " فإن صام من الكفارة أول ليلة من الشهر كان عليه ان يتابع الصوم شهرين هلاليين متتابعين سواء كانا تامين أو ناقصين، لان الله أوجب عليه صوم شهرين، واطلاق الشهر ينصرف إلى الشهر الهلالي لقوله تعالى " يسئلونك عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ "

وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الشهر هكذا وهكذا، وأوما بأصابع يديه وحبس إبهام يده في الثالثة كأنه يعد خمسين " وروى أنه قال " قد يكون الشهر هكذا وهكذا وحبس إبهامه في الثالثة " وإن ابتدأ بالصوم وقد مضى من الشهر يوم أو أكثر صام ما بقى من هذا الشهر بالعدد وصام الشهر الذى بعده بالهلال تاما أو ناقصا وتم عدد الاول من الثالث ثلاثين يوما تاما كان الاول أو ناقصا، لانه لما فاته شئ من الشهر الاول لم يصمه لم يمكن اعتباره بالهلال فاعتبر بالعدد، واعتبر الثاني بالهلال لانه أمكنه ذلك (فرع) وإن أفطر في يوم أثناء الشهرين - فإن كان أفطر لغير عذر - انقطع تتابعه ولزمه أن يستأنف صوم شهرين متتابعين لقوله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " ومعنى التتابع أن يوالى بالصوم أيامهما ولا يفطر فيهما لغير عذر ولم يفعل ذلك فصار كما لو لم يصم وأن جامع في ليلة في أثناء الشهرين عامدا عالما بالتحريم أثم بذلك ولا ينقطع تتابعه، وإن وطئها بالنهار ناسيا لم يفسد صومه ولم ينقطع تتابعه، وبه قال أبو يوسف، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة: ينقطع تتابعه بذلك، إلا أن مالكا يقول: إذا وطئها بالنهار ناسيا فسد صومه، وأبو حنيفة يقول: لا يفسد إلا أن ينقطع التتابع. دليلنا على انه لا ينقطع التتابع أنه وطئ لم يفسد به الصوم، فلم ينقطع التتابع كما لو وطئ امرأة أخرى، وإن كان الفطر بعذر نظرت، فإن كان العذر حيضا، ولا يتصور ذلك في كفارة الظهار، وإنما يتصور ذلك في كفارة القتل والجماع في رمضان، إذا قلنا تجب عليه الكفارة، فإن التتابع لا ينقطع، لان زمن الحيض مستحق للفطر فهو كليالى الصوم، ولان الحيض حصل بغير اختيارها ولا يمكنها الاحتراز منه. فلو قلنا إنه ينقطع التتابع لادى إلى أن المرأة لا يمكنها أن تكفر بالصوم إلا بعد الاياس من الحيض، وفى ذلك تأخيرها عن وقت وجوبها، وربما بانت قبل الاياس، فلذلك قلنا لا يقطع التتابع. وإن أفطرت للنفاس احتمل أن يكون فيه وجهان كما قلنا في الايلاء.

وإن كان الفطر للمرض ففيه قولان. قال في القديم لا ينقطع التتابع وبه قال مالك وأحمد، لان سبب الفطر حدث بغير اختياره فهو كالحيض، ولانا لو قلنا انه ينقطع بالفطر في المرض لادى ذلك إلى أن يتسلسل، لانه لا يأمن وقوع المرض إذا استأنف بعد البرء. وقال في الجديد ينقطع تتابعه، وبه قال ابو حنيفة، لانه أفطر باختياره، فهو كما لو أفطر بغير المرض. وان أفطر بالسفر - فإن قلنا ان المرض إذا أفطر قطع التتابع فالسفر أولى، وان قلنا ان أفطر بالمرض لا ينقطع ففى السفر قولان. أحدهما لا ينقطع التتابع لان السفر عذر يبيح الفطر فهو كالمرض، والثانى أنه ينقطع التتابع لانه حدث بسبب الفطر وهو السفر. وإن نوى الصوم من الليل ثم أغمى عليه في أثناء النهار فهل يبطل صومه؟ فيه طريقان مضى ذكرهما في الصوم وأبانهما الامام النووي رضى الله عنه، فإن قلنا لا يبطل لم ينقطع التتابع بذلك، وان قلنا يبطل صومه قال الشيخ ابو اسحاق والمحاملى: هو كالفطر بالمرض على قولين، قال العمرانى وفيه نظر، لانه لم يفطر باختياره بخلاف الفطر بالمرض فإنه أفطر باختياره آه وان أفطرت المرضع والحامل في أثناء الشهرين، فإن كان خوفا على انفسهما فهو كالفطر للمرض، وان كان خوفا على ولديهما فهل ينقطع التتابع؟ فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالفطر للمرض. ومنهم من قال يقطع التتابع قولا واحدا لانهما أفطرتا لحق غيرهما بخلاف المرض (فرع) وان صام في أثناء الشهرين تطوعا أو عن نذر أو قضاء انقطع تتابعه بذلك. لان ذلك لا يقع عن الشهرين فانقطع تتابعه به كما لو أفطر، فإن صام بعض الشهرين ثم تخللها زمان لا يجرى صومه عن كفارته مثل رمضان أو عيد الاضحى انقطع تتابعه، لان رمضان مستحق لصومه، وعيد الاضحى مستحق للفطر، وقد يمكنه أن يبتدئ صوما لا يقطعه ذلك، فإن لم يفعل ذلك فقد فرط كما لو أفطر في أثناء الشهرين بغير عذر، ولا يجئ أن يقال تخللهما عيد الفطر ولا أيام التشريق، لان عيد الفطر يتقدمه رمضان، وأيام التشريق يتقدمها عيد

الاضحى. فأما إذا ابتدأ الصوم عن الشهرين في رمضان لم يصح صومه عن رمضان لانه لم ينو الصيام عنه ولا عن الشهرين، لان الزمان مستحق لصوم رمضان فلا يقع عن غيره. وإن ابتدأ صوم الشهرين يوم عيد الفطر لم يصح لانه مستحق للفطر ويصح صومه باقى الشهرين، وإن ابتدأ الصوم أيام التشريق، فإن قلنا بقوله الجديد وأن صومها لا يصح عن صوم التمتع، أو قلنا بقوله القديم أنه يصح صومها عن صوم التمتع، وقلنا بأحد الوجهين على القديم لا يصح صومها عن التمتع لم يصح صومه عن الشهرين، وإن قلنا يصح صومها عن التطوع صح صومها عن الشهرين قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن دخل في الصوم ثم وجد الرقبة لم يبطل صومه، وقال المزني يبطل كما قال في المتيمم إذا رأى الماء في الصلاة، وقد دللنا عليه في الطهارة، والمستحب أن يخرج من الصوم ويعتق، لان العتق أفضل من الصوم لما فيه من نفع الآدمى، ولانه يخرج من الخلاف. (فصل) وإن لم يقدر على الصوم لكبر لا يطيق معه الصوم أو لمرض لا يرجى برؤه منه لزمه أن يطعم ستين مسكينا للآية، والواجب أن يدفع إلى كل مسكين مدا من الطعام، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في حديث الجماع في شهر رمضان " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: أطعم ستين مسكينا. قال لا أجد، قال فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقٍ من تمر فيه خمسة عشر صاعا فقال خذه وتصدق به " وإذا ثبت هذا بالجماع بالخبر ثبت في المظاهر بالقياس عليه (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أصله في الصحيحين بلفظين عن أبى هريرة، ورواه أبو داود وفى إسناده رجل فيه مقال، ورواه البيهقى وغيره مختصرا مرسلا ومتصلا، وقد مضى الكلام عليه في الصوم أما الاحكام فإنه مما يتسق مع ما قلناه في مقدمة كتاب العتق أن الشرع الحكيم جعل العتق هو الكفارة الاصلية، وأن الصوم بدل من الكفارة إذا لم يجد الرقبة حتى لقد جعل الصوم يبطل في قول المزني وأبى حنيفة إذا وجد الرقبة التى يعتقها

كفارة. وجملة ما في الفصل أنه إذا دخل في الشهرين بالصوم ثم أيسر وقدر على الرقبة لم يجب عليه الانتقال إلى الرقبة، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ والمزنى يلزمه الانتقال، ودليل المذهب أنه وجد المبدل بعد شروعه في البدل فلم يلزمه الانتقال إليه، كما لو وجد الهدى بعد شروعه في صوم السبع، وقال الامام الشافعي رضى الله عنه: ولو أعتق كان أفضل لانه الاصل وليخرج بذلك من الخلاف (قلت) ولان في ذلك نفعا للآدمي بفك اساره من الرق كما أفاده المصنف. (فرع) ولا يجزيه الصوم عن الكفارة حتى ينوى الصوم كل ليلة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ الليل " فهذا عام في كل صوم، وقد وافقنا أبو حنيفة على ذلك. وهل يلزمه نية التتابع؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه نية التتابع كل ليلة، لان التتابع واجب كالصوم، فلما وجب عليه نية الصوم كل ليلة فكذلك نية التتابع (والثانى) يلزمه التتابع أول ليلة من الشهر لان الفرص تبيين هذا الصوم عن غيره بالتتابع، وذلك يحصل بالنية أولى ليلة منه (والثالث) لا يجب عليه نية التتابع وهو الاصح، لان التتابع شرط في العبادة وعلى الانسان أن ينوى فعل العبادة دون نية شروطها، كما قال العمرانى في الصلاة أن ينوى فعل الصلاة دون نية شرطها. (مسألة) قوله: وان لم يقدر على الصوم لكبر الخ، فجملة ذلك أنه إذا عجز لعلة تلحقه من الجوع والظمأ وكان قادرا على الاطعام لزمه الانتقال إلى الاطعام لقوله تعالى " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " ولما ذكرناه من حديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر. إذا ثبت هذا فعليه أن يطعم ستين مسكينا، كل مسكين مدا من طعام، ولا يجرز أن ينقص من عدد المساكين ولا من ستين مدا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في ستين يوما جاز. دليلنا قوله تعالى " فإطعام ستين مسكينا، وقوله " اطعام " مصدر يتعدى بأن والفعل، وهذا

وهذا لا يجيز الاقتصار على دون الستين، ولانه مسكين استوفى قوت يوم من كفارة، فإذا دفع إليه غيره منها لم يجزه، كما لو دفع إليه في يوم واحد (فرع) ويجب أن يدفع إلى كل مسكين مدا في جميع الكفارات إلا كفارة الاذى فأنه يدفع إليه مدين سواء كفر بالتمر أو الزبيب أو البر أو الشعير أو الذرة وبه قال ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة والاوزاعي. وقال أبو حنيفة: إن كفر بالتمر أو الشعير لزمه لكل مسكين صاع، والصاع أربعة أمداد والمد عنده رطلان. وإن كفر بالبر لزمه لكل مسكين نصف صاع، وفى الزبيب عنه روايتان (إحداهما) أنه كالتمر والشعير (والثانى) أنه كالبر وقال مالك في كفارة اليمين والجماع في رمضان كقولنا في كفارة الظهار يطعم كل مسكين مدا بمد هشام، وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل بل هو مدان. وقال أحمد من البر مد ومن التمر والشعير مدان دليلنا ما روى أبو هريرة أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يضرب خده وينتف شعره، فقال يا رسول الله هلكت، قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في نهار رمضان. قال اعتق رقبة، قال لا أجد، قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع، قال أطعم ستين مسكينا، قال لا أستطيع، ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا، فَقَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: اذهب أطعمه أهلك " فإذا ثبت هذا في المجامع في رمضان قسنا سائر الكفارات عليها. فأما خبر سلمة بن صخر حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بوسق من تمر من صدقة بنى زريق فمحمول على الجواز، وأن ما زاد على خمسة عشر صاعا تطوع بدليل هذا الخبر. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب ذلك من الحبوب والثمار التى تجب فيها الزكاة لان الابدان بها تقوم، ويجب من غالب قوت بلده. قال القاضى أبو عبيد بن حربويه: يجب

من غالب قوته، لان في الزكاة الاعتبار بمال فكذلك ههنا، والمذهب الاول لقوله تعالى " فإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " والاوسط الاعدل، وأعدل ما يطعم أهله قوت البلد، ويخالف الزكاة فإنها تجب من المال والكفارة تجب في الذمة، فإن عدل إلى قوت بلد آخر، فإنك كان أجود من غالب قوت بلده الذى هو فيه جاز لانه زاد خيرا، فإن لم يكن أجود، فإن كان مما يجب فيه زكاة ففيه وجهان. (أحدهما) يجزئه لانه قوت تجب فيه الزكاة فأشبه قوت البلد (والثانى) لا يجزئه وهو الصحيح لانه دون قوت البلد، فإن كان في موضع قوتهم الاقط ففيه قولان (أحدهما) تجزئه لانه مكيل مقتات فأشبه قوت البلد (والثانى) لا يجزئه لانه يجب فيه الزكاة فلم يجزئه كاللحم، وان كان لحما أو سمكا أو جرادا ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالاقط. ومنهم من قال لا يجزئه قولا واحدا، ويخالف الاقط لانه يدخله الصاع، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا قُوتَ فِيهِ وجب من غالب قوت أقرب البلاد إليه (فصل) ولا يجوز الدقيق السويق والخبز، ومن أصحابنا من قال يجزئه لانه مهيا للاقتيات مستغنى عن مؤنته، وهذا فاسد، لانه ان كان قد هيأه لمنفعة فقد فوت فيه وجوها من المنافع، ولا يجوز إخراج القيمة لانه أخذ ما يكفر به فلم يجز فيه القيمة كالعتق (فصل) ولا يجوز أن يدفع الواجب إلى أقل من ستين مسكينا للآية والخبر فإن جمع ستين مسكينا وغداهم وعشاهم لما عليه من الطعام لم يجزه، لان ما وجب للفقراء بالشرع وجب فيه التمليك كالزكاة، ولانهم يختلفون في الاكل ولا يتحقق أن كل واحد منهم يتناول قدر حقه وإن قال لهم ملكتكم هذا بينكم بالسوية ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه. وهو قول أبى سعيد الاصطخرى لانه يلزمهم مؤنة في قسمته فلم يجزه، كما لو سلم إليهم الطعام في السنابل (والثانى) أنه يجزئه وهو الاظهر لانه سلم إلى كل واحد منهم قدر حقه والمؤنة في قسمته قليلة، فلا يمنع الاجزاء

(الشرح) الاحكام: اختلف أصحابنا في هل يلزمه أن يخرج من غالب قوته أو من غالب قوت البلد؟ على وجهين. قال أبو عبيد بن حربويه يلزمه من غالب قوته وهو اختيار الشيخ أبى حامد، لان الزكاة زكاتان، زكاة المال وزكاة النفس، فلما كانت زكاة النفس يجب إخراجها من غالب قوت البلد لقوله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم " والاوسط الاعدل، وأعدل ما يطعم أهله قوت البلد، فإن عدل عن قوته وقت بلده إلى قوت بلد آخر، فإن كان أعلى منها وجب عليه إخراجه، بأن عدل عن الذرة والشعير إلى البر، أو كان في مصر وأخرج زبيبا أجزأه لانه أعلى مما وجب عليه، وإن كان دون ذلك بأن عدل عن البر إلى الذرة والشعير فهل يجزئه؟ فيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد، وحكاهما المصنف في المهذب هنا وجهين. (أحدهما) يجزئه لانه قوت تجب فيه الزكاة (والثانى) لا تجزئه وهو الاصح لانه دون ما وجب عليه، وإن أخرج من قوت لا تجب فيه الزكاة - فإن كان غير الاقط - لم يجزه، وإن كان من الاقط ففيه وجهان كما قلنا في زكاة الفطر، وان كان في بلد لا قوت لهم تجب فيه الزكاة وجب من قوت أقرب بلد إليه، وله يجزئه اخراج الخبز والدقيق والسويق؟ فيه وجهان (أحدهما) يجزئه لانه مهيأ للاقتيات (والثانى) لا يجزئه وهو الاصح لانه قد فوت فيه وجوها من المنفعة. وان أخرج القيمة لم يجزه كما قلنا في الزكاة وأكثر أهل المدن يقلدون من يجيز اخراج القيمة بيد أن الاولى عندنا والاقرب إلى المذهب أن يشترى دقيقا يخرجه منه، وهو وجه صحيح عندنا، وان كان الاصح غيره كما تقدم. (مسألة) قوله " ولا يجوز أن يدفع الواجب إلى أقل من ستين مسكينا الخ " فجملة ذلك أنه إذا دفع إلى مائة وعشرين مسكينا ستين مدا لكل مسكين نصف مد لم يجزه ذلك. وقيل له اختر له منهم ستين مسكينا وادفع إلى كل واحد منهم نصف مد، لانه لا يجوز أن يدفع إلى كل واحد منهم أقل من مد، فإن دفع إلى ستين مسكينا ستين مدا إلى كل واحد منهم مدا دفعة واحدة أو في أوقات متفرقة أجزأه لقوله تعالى " فإطعام ستين مسكينا " فعم ولم يخصص.

وان دفع إلى ثلاثين مسكينا ستين مدا إلى كل واحد مدين لم يجزه الا ثلاثون لانه لم يطعم ستين مسكينا، وعليه أن يطعم ثلاثين مسكينا ثلاثين مدا أخرى لكل واحد مد، وهل له أن يرجع على كل واحد من الثلاثين بما زاد على المد؟ ينظر فيه فإن بين أن ذلك عن كفارة واحدة كان له أن يرجع به، لان ما زاد على المدعى الكفارة لا يجزئ دفعه إلى واحد، وان أطلق لم يرجع لان الظاهر أن ذلك تطوع وقد لزم بالقبض. وان وجب عليه كفارتان من جنس أو جنسين، فدفع إلى كل مسكين مدين أجزأه لانه لم يدفع إليه عن كل كفارة أكثر من مد، ويجوز الدفع إلى الكبار من المساكين والى الصغار منهم لقوله تعالى " فإطعام ستين مسكينا " ولم يفرق ولكن يدفع مال الصغير إلى وليه، فإن دفع إلى الصغير لم يجزه لانه ليس من أهل القبض، ولهذا لو كان له عليه دين فأقبضه اياه لم يبرأ بذلك (فرع) والدفع المبرئ له هو أن يدفع إلى كل مسكين مدا يقول خذه أو كله أو ألحقه لك وان قدم ستين مدا إلى ستين مسكينا وقال خذوا أو كلوا أو أبحته لكم لم يجزه ذلك، لان عليه أن يوصل إلى كل واحد منهم مدا، وهذا لم يفعل ذلك. وان قال ملكتكم هذا بينكم بالسوية أو قبضتكم اياه فقبضوه فَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يجزيه لان عليهم مشقة في القسمة فلم يجزه، كما لو دفع إليهم الطعام في سنابله. وقال أبو إسحاق يجزيه. وهو الاصح. لانه قد ملكهم اياه، ولا يلحقهم في قسمته كبير مشقة، ويمكن كل واحد منهم بيع نصيبه مشاعا، فإن جمع ستين مسكينا وغداهم وعشاهم لم يجزه لاختلاف كل منهم عن الآخر في القدر الذى تناوله من الطعام وتعاطاه. وقال أبو حنيفة يجزيه. دليلنا أن الواجب عليه دفع الحب وهذا لم يدفع الحب، ولانه لا يتحقق أن كل واحد منهم أكل قدر حقه وهو يشك في اسقاط الفرض عن ذمته والاصل بقاؤه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز أن يدفع إلى مكاتب لانها تجب لاهل الحاجة والمكاتب

مستغن بكسبه إن كان له كسب، أو بأن يفسخ الكتابة ويرجع إلى مولاه إن لم يكن له كسب، ولا يجوز أن يدفع إلى كافر لانها كفارة فلا يجوز صرفها إلى كافر كالعتق، ولا يجوز دفعها إلى من تلزمه نفقته من زوجة أو والد أو ولد، لانه مستغن بالنفقة، فإن دفع بعض ما عليه من الطعام ثم قدر على الصيام لم يلزمه الانتقال إلى الصوم، كما لا يلزمه الانتقال إلى العتق إذا وجد الرقبة في أثناء الصوم والافضل أن ينتقل إليه لانه أصل (فصل) ولا يجوز أن يكفر عن الظهار قبل أن يظاهر، لانه حق يتعلق بسببين فلا يجوز تقديمه عليهم كالزكاة قبل أن يملك النصاب، ويجوز أن يكفر بالمال بعد الظهار وقبل العود لانه حق مال يتعلق بسببين، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر كالزكاة قبل الحول، وكفارة اليمين قبل الحنث (فصل) ولا يجوز شئ من الكفارات إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " ولانه حتى يجب على سبيل الطهرة فافتقر إلى النية كالزكاة، ولا يلزمه في النية تعيين سبب الكفارة، كما لا يلزمه في الزكاة تعيين المال الذى يزكيه. فإن كفر بالصوم لزمه أن ينوى كل ليلة أنه صائم غدا عن الكفارة. وهل يلزمه نية التتابع؟ فيه ثلاث أوجه (أحدها) يلزمه أن ينوى كل ليلة، لان التتابع واجب فلزمه نيته كالصوم. (والثانى) يلزمه أن ينوى ذلك في أوله لانه يتميز بذلك عن غيره (والثالث) وهو الصحيح أنه لا تلزمه نية التتابع، لان العبادة هي الصوم، والتتابع شرط في العبادة فلم تجب نيته في أداء العبادة، كالطهارة وستر العورة لا يلزمه نيتهما في الصلاة. (فصل) وان كان المظاهر كافرا كفر بالعتق أو الطعام لانه يصح منه العتق والاطعام في غير الكفارة فصح منه في الكفارة، ولا يكفر بالصوم لانه لا يصح منه الصوم في غير الكفارة فلا يصح منه في الكفارة، فإن كان المظاهر عبدا فقد ذكرناه في باب المأذون فأغنى عن الاعادة، وبالله التوفيق (الشرح) حديث انما الاعمال بالنيات قال فيه الحافظ بن حجر حديث عزيز وقال فيه الشافعي انه نصف الدين. قلت: ولهذا زعم بعض المشتغلين بالفتيا

والدعوة والارشاد من الازهريين انه متواتر وصححنا لهم هذا الفهم بما كتبناه في مجلة الازهر في حينه. لان الحديث آحادى من طرفه الاول، إذ لم يروه من الصحابة الا عمر، ومع أن عمر خطب به على المنبر فإنه لم يروه عنه سوى علقمة ابن وقاص الليثى، ولم يروه عن علقمة سوى محمد بن ابراهيم التيمى، ولم يروه عن التيمى سوى يحيى بن سعيد الانصاري. وفى هذا الاسناد نكتة قلما تتوفر لغيره من الاحاديث، وهى أن كلا من علقمة الليثى والتيمي والانصاري تابعيون متعاصرون أقران، ولم يشترك اثنان منهما في سماع الحديث من الثالث أو من عمر أما الاحكام فإنه لا يجوز دفع الكفارة إلى عبد ولا كافر ولا إلى من يلزمه نفقته لما ذكره النووي في كتاب الزكاة، ولا يجوز دفعها إلى مكاتب. وان جاز دفع الزكاة إليه، لان القصد بالكفارة المواساة المحضة، والمكاتب مستغن عن ذلك، لانه ان كان له كسب فنفقته في كسبه. وان لم يكن له كسب فيمكنه أن يعجز نفسه وتكون نفقته على السيد (فرع) وان أطعم بعض المساكين ثم قدر على الصيام لم يلزمه الصيام كما قلنا فيمن قدر على العتق بعد الشروع في الصيام. وان وطئها في خلال الاطعام أثم بذلك ولا يلزمه الاستئناف وقال مالك يلزمه. دليلنا أن الوطئ لا يبطل ما فعله من الاطعام فلم يلزمه الاستئناف كما لو وطئ غيرها (فرع) ولا يجزيه الاطعام إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نوى " متفق عليه. وهل يجب أن تكون النية مقارنة للدفع؟ أم يجوز تقديمها على الدفع؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الزكاة وأما التتابع فقد مضى كلامنا في نيته في هذا الباب قبل هذه الفصول بقليل (فوائد) لو أن المظاهر أدى الكفارة بإطعام المساكين فأحضرهم وأطعم كل واحد مدا لم يجزئه ذلك الا أن يملكه اياه. هذا هو مذهبنا به قال أحمد في احدى روايتيه. والاخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم. وهو قول النخعي وأبى حنيفة. وأطعم أنس في فدية الصيام. قال أحمد أطعم شيئا كثيرا وصنع الجفان. وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. وذلك لقول

الله تعالى " فإطعام ستين مسكينا " وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئة، ولانه أطعم المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ولنا أن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم، ولانه مال وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة قلنا: إنه لا يجب التتابع في الاطعام وبه قال أحمد، فلو أطعم واحد اليوم والثانى بعد يومين والثالث بعد كذا حتى يستكمل الستين صح. وذلك لان الله تعالى لم يشترط التتابع فيه كما قاله في الصوم. ولو وطئ في أثناء الاطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد. وقال مالك: يستأنف لانه وطئ في أثناء كفارة الظهار فوجب الاستئناف كالصيام. دليلنا انه وطئ في أثناء ما لا يشترط التتابع فيه فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو كالوطئ في كفارة اليمين، وبهذا فارق الظهار إذا أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأه وهو إحدى الروايتين عن أحمد والاخرى لا يجزئه، وهو قول أبى حنيفة لانه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجزئه الدفع إليه ثانيا في يومه كما لو دفعهما إليه من كفارة واحدة والقيمة في الكفارة لا تجزئ عندنا ولا عند أحمد ونظرا لان الشارع الحكيم شرع الدين للسواد من الناس وأكثر الناس أهل قرى وبادية وأقلهم يسكنون المدائن لذلك كان الحب هو المشروع، ويجوز إخراج الدقيق على قول صحيح والاصح الحب، وإذا كان أهل المدائن أنفع لهم أن يعطوا الدقيق كان الدقيق أولى لانه بالنسبة لهم هو حال الكمال وتيسير المنفعة. أما أهل القرى فحال الكمال وتيسير المنفعة لهم هو الحب فلا يعطوا الدقيق. والله أعلم

كتاب اللعان

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب اللعان إذا علم الزوج أن امرأته زنت - فإن رآها بعينه وهى تزني ولم يكن نسب يلحقه - فله أن يقذفها، وله أن يسكت لما روى علقمة عن عبد الله " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله إن رجل وجد مع امرأته رجلا ان تكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم افتح، وجعل يدعو فنزلت آية اللعان " والذى يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم. الآية " فذكر أنه يتكلم أو يسكت ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم كلامه ولا سكوته. وان أقرت عنده بالزنا فوقع في نفسه صدقها أو أخبره بذلك ثقة أو استفاض أن رجلا يزنى بها ثم رأى الرجل يخرج من عندها في أوقات الريب فله أن يقذفها وله أن يسكت، لان الظاهر أنها زنت فجاز له القذف والسكوت. وأما إذا رأى رجلا يخرج من عندها ولم يستفض أنه يزنى بها لم يجز أن يقذفها، لانه يجوز أن يكون قد دخل إليها هاربا أو سارقا، أو دخل ليراودها عن نفسها ولم تمكنه، فلا يجوز قذفها بالشك. وان استفاض أن رجلا يزنى بها ولم يجده عندها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز قذفها لانه يحتمل أن يكون عدو قد أشاع ذلك عليهما (والثانى) يجوز. لان الاستفاضة أقوى من خبر الثقة. ولان الاستفاضة تثبت القسامة في القتل فثبت بها جواز القذف (الشرح) قصة الملاعن التى ساقها المصنف هنا رويت من طرق وبأسانيد مختلفة. منها ما رواه الشيخان وأحمد في مسنده عن سعيد بن جبير أنه قال لعبد الله ابن عمر " يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال سبحان الله. نعم. ان أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال يا رسول الله أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ ان تكلم تكلم بأمر عظيم وان سكت سكت

على مثل ذلك. قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذى سألتك عنه ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء " فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال لا والذى بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت: لا والذى بعثك بعثك بالحق انه لكاذب فبدأ الرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما " وعند الشيخين وأحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عن سهل بن سعد " أن عويمر العجلاني أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه، أم كيف يفعل؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ نزل فيك وفى صاحبتك فاذهب فائت بها، قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما فرغ قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين " وفى رواية الشيخين وأحمد " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين " وفى لفظ لاحمد ومسلم " وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين " أما اللغات فاللعان مصدر لاعن يلاعن لعانا وملاعنة، كقاتل يقاتل قتالا ومقاتلة، أي لعن كل واحد الآخر، ولاعن الرجل زوجته قذفها بالفجور. وقال ابن دريد كلمة إسلامية في لغة فصيحة. وقال في الفتح: اللعان مأخوذ من اللعن، لان الملاعن يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لانه قول الرجل، وهو الذى بدئ به في الآية، وهو أيضا يبدأ به وقيل سمى لعانا لان اللعن الطرد والابعاد وهو مشترك بينهما، وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها

قوله " واستفاض " أي شاع. قوله " في أوقات الريب " أي الشك في سبب دخوله لماذا دخل إليها. وقد اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا وتحقق وجود الفاحشة منهما فقتله، هل يقتل به أم لا؟ فمنع الجمهور الاقدام، وقالوا يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنا، أو يعترف المقتول بذلك بشرط أن يكون محصنا. وقيل بل يقتل به لانه ليس له أن يقيم الحد بغير اذن الامام. وقال بعض السلف: لا يقتل أصلا، ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه. وشرط أحمد واسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية، لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن. وعند الامام الهادى من العترة أنه يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال الفعل، وأما بعده فيقاد به ان كان بكرا. ولنعد إلى ما في الفصل. قال في البيان. اللعان مشتق من اللعن وهو الطرد والابعاد فسمى المتلاعنان بذلك لان في الخامسة اللعنة. ولما يتعقب من المأثم والطرد، لانه لابد أن يكون أحدهما كاذبا فيكون ملعونا اه إذا ثبت هذا فإن رأى الرجل امرأته تزني أو أقرت عنده بالزنا أو أخبره بذلك ثقة واستفاض في الناس أن رجلا زنا بها ثم وجده عندها ولم يكن هناك نسب يلحقه من هذا الزنا فله أن يقذفها بالزنا، لانه إذا رآها فقد تحقق زناها. وإذا أقرت عنده أو أخبره ثقة أو استفاض في الناس ووجد الرجل عندها غلب على ظنه زناها فجاز له قذفها. ولا يجب عليه قذفها لما روى أَنَّ رَجُلًا قَالَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امرأتي لا ترد يد لامس " تعريضا منه بزناها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم طلقها. فقال إنى أحبها. فقال أمسكها. وللاحاديث التى سقناها في صدر هذا البحث إذ أذن النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن أن يتكلم أو يسكت حيث لم ينكر عليه أيهما. فأما إذا لم يظهر على المرأة الزنا ببينة ولا سبب حرم عليه قذفها لقوله تعالى " إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم - إلى قوله تعالى - سبحانك هذا بهتان عظيم " ولقوله صلى الله عليه وسلم

" من قذف محصنة أحبط الله عمله ثمانين عاما " وإن أخبر بزناها من لا يثق بقوله حرم عليه قذفها، لانه لا يغلب على الظن إلا قول الثقة، وإن وجد عندها رجلا ولم يستفض في الناس أنه زنا بها حرم عليه قذفها لجواز أن يكون دخل إليها هاربا أو لحاجة أو لطلب الزنا ولم تجبه، فلا يجوز قذفها بأمر محتمل وإن استفاض في الناس أن فلانا زنى بها ولم يجده عندها فهل يجوز له أن يقذفها؟ فيه وجهان حكاهما المصنف (أحدهما) يجوز له قذفها لان الاستفاضة أقوى من خبر الثقة، والقسامة تثبت بالاستفاضة فيثبت بها جواز القذف. (والثانى) لا يجوز له قذفها، ولم يذكر في التعليق والشامل غيره لجواز أن يكون أشاع ذلك عدو لها. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ومن قذف امرأته بزنا يوجب الحد أو تعزير القذف، فطولب بالحد أو بالتعزير فله أن يسقط ذلك بالبينة، لقوله عز وجل " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " فدل على أنه إذا أتى بأربعة شهداء لم يجلد. ويجوز أن يسقط باللعان، لما روى ابن عباس رضى الله عنه " أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو الحد في ظهرك، فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك. فقال هلال: والذى بعثك بالحق إنى لصادق، ولينزلن الله عز وجل في أمرى ما يبرئ ظهرى من الحد، فنزلت: والذين يرمون أزواجهم " ولان الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفى العار والنسب الفاسد، ويتعذر. عليه إقامة البينة فجعل اللعان بينة له، ولهذا لما نزلت آية اللعان قال النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر يا هلال، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا. قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربى عز وجل " فإن قدر على البينة ولاعن جاز لانهما بينتان في اثبات حق، فجاز إقامة كل واحدة منهما مع القدرة على الاخرى، كالرجلين، والرجل والمرأتين في المال.

وان كان هناك نسب يحتاج إلى نفيه لم ينتف بالبينة، ولا ينتفى الا باللعان، لان الشهود لا سبيل لهم إلى العلم بنفى النسب. وان أراد أن يثبت الزنا بالبينة ثم يلاعن لنفى النسب جاز، وان أراد أن يلاعن ويثبت الزنا وينفى النسب باللعان جاز. (الشرح) حديث ابن عباس أخرجه احمد والبخاري وابو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني ولفظه " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك. فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة والا حد في ظهرك، فقال هلال والذى بعثك بالحق انى لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهرى من الحد، فنزل جبريل وأنزل الله عليه (والذين يرمون أزواجهم) فقرأ حتى بلغ (ان كان من الصادقين) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل اليهما فجاء هلال فشهدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت، فلما كان عند الخامسة وقفوها فقالوا انها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابع الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن " قوله " البينة أو حد في ظهرك " فيه دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن اقامة البينة وجب عليه حد القاذف. وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن اللازم بقذف الزوج انما هو اللعان فقط، ولا يلزمه الحد، والحديث وما في معناه حجة عليه قوله فنزلت " والذين يرمون أزواجهم " فيه التصريح بأن الآية نزلت في شأن هلال. وقد تقدم الخلاف في ذلك. وفى الحديث مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان وقد أخرج هذا الحديث احمد ومسلم والنسائي عن أنس بلفظ " ان هلال بن

أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا لبراء بن مالك لامه، وكان أول رجل لاعن في الاسلام. قال فتلاعنا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضئ العينين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء. قال فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين " وفى رواية أن أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن السحماء بامرأته، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك، يردد ذلك عليه مرارا، فقال له هلال: والله يا رسول الله إن الله ليعلم انى لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهرى من الحد فبينما هم كذلك إذ نزلت عليه آية اللعان (والذين يرمون أزواجهم) إلى آخر الآية وذكر الحديث. رواه النسائي ورجاله رجال الصحيح وقوله " قضئ العينين " بفتح فكسر بعدها همزة على وزن حذر، وهو فاسد العينين، والجعد خلاف السبط ويسميه عوام المصريين (أكرت) قوله " حمش الساقين " أي دقيق الساقين. ورواه أحمد وابو داود مطولا وفى إسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد. وقيل فيه إنه كان قدريا داعية أما الاحكام فإنه إذا قدف الرجل رجلا محصنا أو امرأة أجنبية منه محصنة وجب عليه حد القذف وحكم بفسقه وردت شهادته. فإن أقام القاذف بينة على زنا المقذوف سقط عنه الحد وزال التفسيق وقبلت شهادته ووجب على المقذوف حد الزنا لقوله تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " الآية وإن قذف الرجل امرأته وجب عليه حد القذف إن كانت محصنة، والتعزير إن كانت غير محصنة وحكم بفسقه، فإن طولب بالحد أو التعزير فله أن يسقط ذلك عن نفسه بإقامة البينة على الزنا، وله ان يسقط ذلك باللعان، فإن لاعن والا أقيم عليه الحد أو التعزير. هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذا قذف الرجل امرأته لم يجب عليه الحد بقذفها وإنما يجب عليه اللعان فإن لاعن وإلا حبس حتى يلاعن.

دليلنا قوله تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " الآية. وهذا عام في الازواج وغير الازواج، فأخبر الازواج بأن لعانهم يقوم مقام شهادة أربعة غيرهم بقوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم " الآية. وحديث ابن عباس الذى ساقه المصنف في الفصل في قصة هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن السحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " البينة أو حد في ظهرك " فقال والذى بعثك بالحق انى لصادق ولينزلن الله في امرى ما يبرئ ظهرى من الحد، فأنزل الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) الآية، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال " أبشر يا هلال قد جعل الله لك فرجا مخرجا " فقال قد كنت أرجو ذلك من ربى وحديث عويمر العجلاني الذى مضى في اول هذا البحث وفيه: قد انزل الله فيك وفى صاحبتك اذهب فأت بها، فأتى بها فتلاعنا. فيكون المعنى قد انزل الله فيك وفى صاحبتك، أي ما انزل في هلال بن امية وامرأته لانها عامة، ويجوز ان تكون الآية نزلت في الجميع، والمشهور هو الاول، وإنما خص الازواج باللعان بقذف الزوجات، لان الأجنبي لا حاجة به إلى القذف فغلظ عليه ولم يقبل منه في اسقاط الحد عنه الا بالبينة. وإذا زنت الزوجة فقد أفسدت على الزوج فراشه وخانته فيما ائتمنها عليه، وألحقته من الغيظ مالا يلحق الأجنبي، وربما ألحقت به نسبا ليس منه، فاحتاج إلى قذفها لنفى ذلك النسب عنه، فخفف عنه بأن جعل لعانه يقوم مقام شهادة أربعة. وان قدر الزوج على البينة واللعان فله أن يسقط الحد عن نفسه بأيهما شاء. وقال بعض الناس ليس له ان يلاعن. دليلنا انهما بينتان في اثبات حق فجاز له اقامة كل واحدة منهما مع القدرة على الاخرى، كالرجلين في الشهادة في المال والرجل والمرأتين (فرع) وسواء قال الزوج رأيتها تزني أو قذفتها بزنى ولم يضف ذلك إلى رؤيته فله ان يلاعن لاسقاط الحد عنه. وبه قال ابو حنيفة. وقال مالك ليس له أن يلاعن الا إذا قال رأيتها تزني، لان آية اللعان نزلت في هلال بن امية وكان

قال رأيت بعينى وسمعت بأذنى. دليلنا قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " الآية. ولم يفرق بين أن يقول رأيت بعين أو أطلق ولانه معنى يخرج به من القذف المضاف إلى المشاهدة، فصح الخروج به من القذف المطلق كالبينة (فرع) وإن كان هناك ولد يريد نفيه لم ينتف بالبينة وإنما ينتفى باللعان، لان الشهود لا سبيل لهم إلى ذلك. وإن أراد أن يثبت الزنا بالبينة ويلاعن لنفى النسب أو يلاعن لهما جاز له ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن عفت الزوجة عن الحد أو التعزير - ولم يكن نسب - لم يلاعن، ومن أصحابنا من قال له أن يلاعن لقطع الفراش، والمذهب الاول، لان المقصود باللعان درء العقوبة الواجبة بالقذف ونفى النسب لما يلحقه من الضرر بكل واحد منهما، وليس ههنا واحد منهما، وأما قطع الفراش فإنه غير مقصود ويحصل له ذلك بالطلاق فلا يلاعن لاجله وإن لم تعف الزوجة عن الحد أو التعزير ولم تطالب به فقد روى المزني أنه ليس عليه أن يلاعن حتى تطلب المقذوفة حدها. وروى فيمن قذف امرأته ثم جنت أنه إذا التعن سقط الحد، فمن أصحابنا من قال لا يلاعن لانه لا حاجة به إلى اللعان قبل الطلب. وقال ابو إسحاق: له أن يلاعن لان الحد قد وجب عليه فجاز أن يسقطه من غير طلب، كما يجوز أن يقضى الدين المؤجل قبل الطلب. وقوله: ليس عليه أن يلتعن، لا يمنع الجواز وإنما يمنع الوجوب (فصل) وإن كانت الزوجة أمة أو ذمية أو صغيرة يوطأ مثلها فقذفها عزر وله أن يلاعن لدرء التعزير لانه تعزير قذف، وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها فقذفها عزر ولا يلاعن لدرء التعزير، لانه ليس بتعزير قذف، وإنما هو تعزير على الكذب لحق الله تعالى. وإن قذف زوجته ولم يلاعن فحد في قذفها ثم قذفها بالزنا الذى رماها به عزر

ولا يلاعن لدرء التعزير لانه تعزير لدفع الاذى، لانا قد حددناه للقذف، فإن ثبت بالبينة أو بالاقرار أنها زانية ثم قذفها فقد روى المزني انه لا يلاعن لدرء التعزير. وروى الربيع انه يلاعن لدرء التعزير. واختلف أصحابنا فيه على طريقين، فقال ابو اسحاق: المذهب ما رواه المزني وما رواه الربيع من تخريجه لان اللعان جعل لتحقيق الزنا وقد تحقق زناها بالاقرار أو البينة، ولان القصد باللعان إسقاط ما يجب بالقذف، والتعزير ههنا على الشتم لحق الله تعالى لا على القذف، لانه بالقذف لم يلحقها معرة. وقال ابو الحسن بن القطان وأبو القاسم الداركى: وهى على قولين (أحدهما) لا يلاعن لما ذكرناه (والثانى) يلاعن لانه إذا جاز أن يلاعن لدرء التعزير فيمن لم يثبت زناها، فلان يلاعن فيمن ثبت زناها أولى. (الشرح) درء العقوبة دفعها وإزالتها، وبابه نفع، ودارأته دافعته، وفى الحديث " ادرءوا الحدود بالشبهات " وفى الكتاب " ويدرءون بالحسنة السيئة " وقال تعالى (فادارأتم فيها) أي تماريتم وتدافعتم، والمدارأة بالهمز المدافعة. قال الشاعر بلسان ناقته: تقول وقد درأت لها وضينى * أهذا دينه أبدا وديني؟ أكل الدهر حل وارتحال؟ * فما تبقى على ولا تقيني والمداراة بغير همز الاخذ بالرفق أو المخاتلة. يقال داريته إذا لاينته، ودريته إذا ختلته. ومنه: فإن كنت لا أدرى الظباء فانني * أدس لها تحت التراب الدواهيا أما الاحكام فإن حد القذف حق للمقذوف، فإن عفا عنه سقط وان مات قبل أن يستوفيه ورث عنه، وقال أبو حنيفة: وهو حق لله لا حق للمقذوف فيه، فإن عفا عنه لم يسقط، وان مات لم يورث عنه. ووافقنا أنه لا يستوفى الا بمطالبته. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " فأضاف العرض الينا كإضافة الدم والمال، فوجب أن يكون ما في مقابلته

للمقذوف كالدم والمال، ولانه حق على البدن إذا ثبت بالاعتراف لم يسقط بالرجوع فكان للآدمي كالقصاص، ففى قولنا إذا ثبت بالاعتراف لم يسقط بالرجوع، احتراز من حد الزنا والخمر والقطع في السرقة. إذا ثبت هذا فقذف زوجته ثم عفت عما وجب لها من الحد أو التعزير ولم يكن هناك ولد لم يكن له أن يلاعن، لانه يلاعن لاسقاط الحد عنه، وقد سقط بالعفو. ومن أصحابنا من قال: له أن يلاعن لانه يستفيد به قطع الفراش والفرقة المؤبدة. والمذهب الاول لان الفرقة يمكنه إحداثها بالطلاق الثلاث. وان كان هناك ولد فله أن يلاعن لنفيه، وان لم تطالبه بالحد ولم تعف عنه، فإن كان هناك نسب فله يلاعن لنفيه عنه، وان لم يكن هناك نسب فليس له أن يلاعن. ومن أصحابنا من قال: له أن يلاعن لقطع الفراش، والمذهب الاول، لانه انما يلاعن لنفى النسب أو لاسقاط الحد عنه، وليس هناك أحدهما، وقطع الفراش يمكنه بالطلاق الثلاث. وجملة ما تقدم انه لا يتعرض له بإقامة الحد عليه ولا طلب اللعان منه حتى تطالبه زوجته بذلك، فإن ذلك حق لها فلا يقام من غير طلبها كسائر حقوقها، وليس لوليها المطالبة عنها ان كانت مجنونة أو محجورا عليها، ولا لولى الصغيرة وسيد الامة المطالبة بالتعزير من أجلهما، لان هذا حق ثبت للتشفي فلا يقوم غير المستحق فيه مقام المستحق كالقصاص فإن أراد الزوج اللعان من غير مطالبة نظرنا فإن لم يكن هناك نسب يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن، وكذلك كل موضع سقط فيه الحد، مثل أن أقام البينة بزناها أو أبرأته من قذفها أو حد لها ثم أراد لعانها ولا نسب هناك ينفى فإنه لا يشرع اللعان، وهذا قول أكثر اهل العلم، ولا نعلم فيه مخالفا الا بعض أصحابنا الذين قالوا: له الملاعنة لازالة الفراش، ولكن الصحيح عندنا مثل قول سائر الفقهاء لان ازالة الفراش تمكنه بالطلاق، والتحريم المؤبد ليس بمقصود يشرع اللعان لاجله، وانما حصل ذلك ضمنا. أفاده ابن قدامة في المغنى فإذا قذف امرأته ثم جنت، أو قذفها في حال جنونها بزنا أضافه إلى حال الصحة، فإنه لا يجب عليه الحد بذلك، وانما يجب عليه التعزير، وان أراد الولى

أن يطالب بما وجب لها من الحد أو التعزير لم يكن له ذلك، لان طريقة التشفي من القاذف بإقامة الحد عليه فلم يكن له ذلك كالقصاص، فإن التعن الزوج منها فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وقعت الفرقة واختلف أصحابنا فيه على وجهين، فمنهم من قال إن كانت حاملا فللزوج أن يلاعن لان اللعان يحتاج إليه لنفى الولد عنه. وإن كانت حائلا لم يكن له أن يلاعن لان اللعان يراد لاسقاط الحد أو لنفى الولد ولا ولد ههنا فتحتاج إلى نفيه، ولا يجب عليه الحد إلا بمطالبتها ولا مطالبة لها قبل الافاقة، فلم يكن له أن يلاعن. وقال أبو إسحاق المروزى: له أن يلاعن سواء كانت حاملا أو حائلا، لانها إن كانت حاملا احتاج إلى اللعان لنفى الولد، وإن كانت حائلا احتاج إلى اللعان لاسقاط الحد الواجب عليه في الظاهر كمن وجب عليه دين إلى أجل فله أن يدفعه قبل حلول الاجل، والاول أصح لان الشافعي قال " ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطالب المقذوفة بحدها. (مسألة) وإن قذف زوجته الصغيرة - فإن كانت لا يوطأ مثلها - كإبنة سبع سنين يعلم يقينا أنها لا توطأ وأنه كاذب ويجب عليه التعزير للكذب، وليس له أن يلاعن لاسقاط هذا التعزير لانا نتحقق كذبه فلا معنى للعان. قال الشيخ أبو حامد ولا يقام عليه التعزير إلا بعد بلوغها، لانه لا يصح مطالبتها ولا ينوب عنها الولى في المطالبة. وإن كانت صغيرة يوطأ مثلها كإبنة تسع سنين فما زاد صح قذفه، لان ما قاله يحتمل الصدق والكذب، ولا يجب عليه الحد بقذفها لانها ليس بمحصنة، وإنما يجب عليها التعزير، وهل للزوج أن يلاعن لاسقاط التعزير؟ فيه وجهان. من أصحابنا من قال ليس له أن يلاعن، لان اللعان يراد لنفى النسب أو لاسقاط ما وجب عليه من الحد أو التعزير بقذفها، وذلك لا يجب قبل مطالبتها. وقال أبو إسحاق، له أن يلاعن لاسقاط ما وجب عليه من التعزير في الظاهر وإن لم تطالب به كما يجوز أن يقدم ما وجب عليه من الدين المؤجل قبل حلوله. وإن كانت له زوجة كتابية فقذفها لم يجب عليه الحد لانها ليست بمحصنة، ويجب عليه التعزير، وحكمه حكم الحد الذى يجب عليه بقذف المحصنة يسقط عنه

بإقامة البينة على زناها أو باللعان، لانه إذا سقط عنه الحد الكامل بذلك فلان يسقط ما هو دونه بذلك أولى. وإن كانت الزوجة أمة فقذفها لم يجب عليه الحد لانها ليست بمحصنة، ويجب عليه التعزير، وليس للسيد أن يطالب به لانه ليس بمال ولا له بدل هو مال، وحق السيد إنما يتعلق بالمال أو بما بدله المال، فإن طالبته الامة به كان له أن يسقط ذلك بالبينة أو باللعان كما قلنا في الحد الذى يجب عليه بقذف المحصنة. وإن عفت الامة عما وجب لها من التعزير سقط لانه لا حق للسيد فيه (مسألة) إذا قامت البينة على امرأة بالزنا أو أقرت بذلك ثم قذفها الزوج أو أجنبي بذلك الزنا أو بغيره لم يجب عليه حد القذف لقوله تعالى " والذين يرمون المحصنات " الآية. وهذه ليست بمحصنة، ولان القذف هو ما احتمل الصدق والكذب. فأما ما احتمل أحدهما فإنه لا يكون قذفا، ألا ترى أنه لو قذف الصغيرة التى لا يوطأ مثلها في العادة. أو قال الناس كلهم زناة لم يكن قذفا ولان الحد إنما جعل دفعا للعار عن نسب المقذوفة، وهذه لا عار عليها بذلك القذف، لان زناها قد ثبت ويجب عليه التعزير لانه أذاها وسبها وذلك محرم فعزر لاجله، فإن كان المؤذى لها بذلك أجنبيا لم يسقط عنه ببينة ولا بغيرها، لان هذا تعزير أذى وليس بتعذير قذف. وإن كان المؤذى لها بذلك زوجها فهل له إسقاطه باللعان. نقل المزني ليس له إسقاطه باللعان. ونقل الربيع أن له إسقاطه باللعان، فاختلف أصحابنا في ذلك، فقال ابو اسحاق الصحيح ما نقله المزني، وما نقله الربيع غلط، لان اللعان إنما يراد لتحقيق الزنا والزنا هنا متحقق فلا فائدة في اللعان. ولان اللعان إنما أسقط حق المقذوفة، وأما حق الله فلا يسقط، وهذا التعزير لحق الله تعالى فلم يجز إسقاطه باللعان، كما قلنا فيمن قذف صغيرة لا يوظأ مثلها فإن قيل لو كان هذا التعزير لحق الله تعالى لما كان يفتقر إلى مطالبتها، كما لو قال، الناس كلهم زناة، فإن الامام يعزره من غير مطالبة. قلنا انما افتقر إلى مطالبتها لانه يتعلق بحق امرأة بعينها. وقال أبو الحسين ابن القطان وابو القاسم الداركى هي على قولين

(أحدهما) لا يلاعن لما ذكرناه (والثانى) يلاعن، لانه إذا جاز أن يلاعن لدرء التعزير فيمن لم يثبت زناها فلان يلاعن فيمن ثبت زناها أولى. ومنهم من قال ليست على قولين. وإنما هي على اختلاف حالين، فالموضع الذى قال لا يلاعن إذا كان قد رماها بالزنا مضافا إلى ما قبل الزوجية، مثل ان رماها بالزنا وهما أجنبيان فأقام عليها البينة بذلك ثم تزوجها ورماها بذلك الزنا لانه كان في الاصل لا يجوز له اللعان لاجله فكذلك في الثاني، والموضع الذى قال: له أن يلاعن إذا رماها بالزنا في حال الزوجية، فحققه عليها بالبينة ثم رماها به ثانيا فله أن يلاعن لانه كان في الاصل له إسقاط حده باللعان قبل البينة فكذلك بعد البينة (فرع) وإن قذف امرأته بالزنا ولم يقم عليها البينة ولم يلاعن فحد ثم رماها بذلك الزنا فإنه لا يجب عليه الحد، لان القذف هو ما احتمل الصدق والكذب وهذا لا يحتمل إلا الكذب، ولان الحد إنما يراد لدفع العار عن نسب المقذوفة وقد دفع عنه العار بالحد الاول فلا معنى لاقامة الحد ثاينا، ويجب عليه التعزير لانه آذاها بذلك، والاذى بذلك محرم ولا يلاعن لاسقاط هذا التعزير، لانه تعزير أذى فهو كالتعزير لاذى الصغيرة التى لا يوطأ مثلها وإن قذف أجنبي أجنبية بالزنا ولم يقم البينة على الزنا فحد القاذف ثم رماها القاذف بذلك ثانيا فإنه لا يجب عليه الحد وإنما يجب عليه التعزير للاذى. وقال بعض الناس يجب عليه حد القذف دليلنا ما روى أن أبا بكرة شهد هو ورجلان معه على المغيرة بن شبعة بالزنا فحدهم عمر رضى الله عنه. ثم قال أبو بكرة للمغيرة: قد كنت زنيت، فهم عمر بجلده فقال له على رضى الله عنه: إن كنت تريد أن تحده فارجم صاحبك، فأدرك عمر معنى قول على عليه السلام: إن كنت تجعل هذا قذفا ثانيا فقد تمت الشهادة على المغيرة. وإن كان هو القذف الاول فقد حددته. (فرع) قال ابن الصباغ في الشامل: إذا قذف الرجل امرأته وثبت عليها الحد بلعانه نظرت - فإن لاعنته - فقد عارض لعانه لعانها فلا يثبت عليها الزنا ولا يجب عليها الحد ولا تزول حصانتها. ومتى قذفها هو أو غيره وجب عليه حد القذف. وإن قذفها ولاعنها ولم تلاعن هي فقد وجب عليها الحد ويسقط احصانها

في حق الزوج. وهل تسقط حصانتها في حق الأجنبي؟ فيه وجهان (أحدهما) تسقط حصانتها لانه قد ثبت زناها بلعان الزوج فلا يسقط احصانها لان اللعان حجة تختص بالزوج، ولهذا لا يسقط عن الأجنبي حد القذف به فلا يسقط احصانها به في حقه. وذكر الشيخ أبو إسحاق أن الزوج إذا قذفها وتلاعنا، ثم قذفها بذلك الزنا الذى تلاعنا عليه لم يجب عليه الحد. وان قذفها بزنا آخر ففيه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه الحد، لان اللعان لا يسقط الا ما يجب بالقذف في الزوجية لحاجته إلى القذف. وقد زالت الزوجية فزالت الحاجة إلى القذف. وان تلاعنا ثم قذفها أجنبي حد، فكل موضع قلنا لا يجب على الزوج الحد بقذفها بعد الزوجية فإنه يجب عليه التعزير لانه أذاها والاذى محرم، ولا خلاف أنه لا يسقط هذا التعزير ولا الحد الذى يجب عليه إذا قذفها برنا آخر باللعان، لان اللعان انما يكون بين الزوجين وهما أجنبيان. هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة إذا قذفها أجنبي فإن كان الزوج لاعنها ونفى حملها وكان الولد حيا فعلى الأجنبي الحد، وان كان لم ينف حملها، أو نفاه وكان الولد ميتا فإنه لا حد على الأجنبي. دليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته ففرق بينهما وقضى بأن لا يدعى الولد لاب، وأنها لا ترمى ولا ولدها فمن رماها أو ولدها فعليه الحد ولم يفرق وهذا حجة لما قال ابن الصباغ فإنها أجابته باللعان وقال صلى الله عليه وسلم " فمن رماها أو ولدها فعليه الحد " ولم يفرق بين الزوج وغيره. والله تعالى أعلم بالصواب

باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق وما يجوز نفيه باللعان وما لا يجوز

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ مَا يلحق من النسب وما لا يلحق وما يجوز نفيه باللعان وما لا يجوز إذا تزوج امرأة وهو ممن يولد لمثله، وأمكن اجتماعهما على الوطئ، وأتت بولد لمدة يمكن أن يكون الحمل فيها لحقه في الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " ولان مع وجود هذه الشروط يمكن أن يكون الولد منه، وليس ههنا ما يعارضه ولا ما يسقطه، فوجب أن يلحق به (فصل) وإن كان الزوج صغيرا لا يولد لمثله لم يلحقه، لانه لا يمكن أن يكون منه وينتفى عنه من غير لعان، لان اللعان يمين واليمين جعلت لتحقيق ما يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون فيتحقق باليمين أحد الجائزين، وههنا لا يجوز أن يكون الولد له فلا يحتاج في نفيه إلى اللعان. واختلف أصحابنا في السن التى يجوز أن يولد له، فمنهم من قال يجوز أن يولد له بعد عشر سنين، ولا يجوز أن يولد له قبل ذلك، وهو ظاهر النص. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضاجع " ومنهم من قال يجوز أن يولد له بعد تسع سنين ولا يجوز أن يولد له قبله، لان المرأة تحيض لتسع سنين فجاز أن يحتلم الغلام لتسع، وما قاله الشافعي رحمه الله أراد على سبيل التقريب لانه لابد أن يمضى بعد التسع إمكان الوطئ وأقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، وذلك قريب من العشرة وإن كان الزوج مجبوبا فقد روى المزني أن له أن يلاعن، وروى الربيع أنه ينتفى من غير لعان. واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق إن كان مقطوع الذكر والانثيين انتفى من غير لعان لانه يستحيل أن ينزل مع قطعهما، وإن قطع أحدهما لحقه، ولا ينتفى إلا بلعان، لانه إذا بقى الذكر أولج وأنزل، وإن بقى الانثيان ساحق وأنزل، وحمل الروايتين على هذين الحالين

قال القاضى أبو حامد: في أصل الذكر ثقبان إحداهما للبول والاخرى للمنى فإذا انسدت ثقبة المنى انتفى الولد من غير لعان لانه يستحيل الانزال، وإن لم تنسد لم ينتف إلا باللعان، لانه يمكن الانزال. وحمل الروايتين على هذين الحالين (الشرح) حديث " الولد للفراش " رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن إلا أبا داود، وقد عده السيوطي في الاحاديث المتواترة. وقال الحافظ بن حجر: هذا الحديث رواه بضعة وعشرون نفسا (قلت) ورد هذا الحديث عن أبى هريرة وعائشة وعثمان وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وأبى أمامة وعمرو بن خارجة وابن الزبير وابن مسعود وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص والبراء بْنِ عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عباس والحسن بن على عليهما السلام وعبادة بن الصامت وواثلة بن الاسقع ومعاوية بن عمرو وأنس وعبد الله بن حذافة السهمى وسودة بنت زمعة وأبى مسعود البدرى وزينب بنت جحش. وعن التابعين مرسلا سعيد بن المسيب وعبيد بن عمر والحسن البصري. وفى لفظ للبخاري " الولد لصاحب الفراش ". أما حديث " مروهم بالصلاة " أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ومن حديث سبرة بن معبد الجهنى. قال الترمذي هو حديث حسن ولفظ رواية عمرو بن شعيب " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضاجع " أما اللغات، فقوله " ما يلحق من النسب " فهو من باب تعب ومصدره لحاق بالفتح أي أدرك وألحق مثله: وألحقت زيد بعمرو أتبعته إياه فلحق به وألحق أيضا. وفى الدعاء " ان عذابك بالكفار ملحق " يجوز اسم فاعل بالكسر أي لاحق وبالفتح اسم مفعول لان الله ألحقه وألحق القائف الولد بأبيه واستلحقت الشئ ادعيته. ولحقه الثمن لحوقا لزمه، فاللحوق اللزوم واختلف في معنى الفراش فذهب الاكثر إلى أنه اسم للمرأة، وقد يعبر به عن حالة الافتراش. وقيل انه اسم للزوج. روى ذلك عن أبى حنيفة. وأنشد بن الاعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير. باتت تعانقه وبات فراشها

وفى القاموس: إن الفراش زوجة الرجل. قيل ومنه " وفرش مرفوعة " والجارية يفترشها الرجل. اه والعاهر الزانى، يقال " عهر " أي زنى. قيل ويختص ذلك بالليل. قال في القاموس: عهر المرأة كمنع عهرا ويكسر ويحرك، وعهارة بالفتح وعهورة، وعاهرها عهارا أتاها ليلا للفجور أو نهارا. اه ومعنى له الحجر أي الخيبة أو لا شئ له في الولد، والعرب تقول: له الحجر وبفيه الترب، يريدون ليس له إلا الخيبة، وقيل المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى، ولكنه يرد على هذا أنه لا يرجم كل من زنى بل المحصن فقط أما الاحكام فإنه يمهد لذلك بأنه لا فرق أولا بين كون الزوجة مدخولا بها أو غير مدخول بها في أنه يلاعنها. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من علماء الامصار، منهم عطاء والحسن والشعبى والنخعي وعمرو بن دينار وقتادة وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْل الْعِرَاقُ وَالشَّافِعِيُّ، فإن كانت غير مدخول بها فقد قال أحمد وسعيد بن جبير وقتادة ومالك: لها نصف الصداق، فإن كان أحد الزوجين غير مكلف فلا لعان بينهما على ما سيأتي بيانه، فإن كان غير المكلف الزوج فله حالان (أحدهما) أن يكون طفلا (والثانى) أن يكون بالغا زائل العقل، فإن كان طفلا - فإن أتت امرأته بولد نظرنا - فإن كان لدون عشر سنين، وهى السن التى يؤيدها ظاهر النص والحديث " اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " وإن ذهب بعض الاصحاب إلى ما دون ذلك، فإن كان لدون عشر سنين لم يلحقه الولد ويكون منفيا عنه، لان العلم يحيط به بأنه ليس منه، فإن الله عز وجل لم يجر العادة بأن يولد له لدون ذلك فينتفى عنه، كما لو أتت به المرأة لدون ستة أشهر منذ تزوجها كما سيأتي، ولان الولد لا يخلق الا من ماء الرجل والمرأة ولو أنزل لبلغ. والصحيح أنه إذا تحقق إمكان الانزال فقد ثبت البلوغ وألحق به الولد. وهذا ظاهر مذهب أحمد، لان الولد يلحق بالامكان، وإن خالف الظاهر. فإذا ولدت ولدا يمكن كونه منه فهو ولده في الحكم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم

" الولد للفراش " ولا ينتفى عنه إلا بنفيه باللعان من الزوج وحده. وقال أحمد أن يوجد اللعان منهما جميعا. ولنا أن نفى الولد إنما كان بيمينه والتعانه هو لا بيمين المرأة على تكذيبه، ولا معنى ليمين المرأة في نفى النسب وهى تثبته وتكذب قول من ينفيه، وإنما لعانها لدرء الحد عنها، كما قال تعالى " ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين " وقال أحمد وأصحابه: لا يكون اللعان تاما إلا إذا التعنا جميعا، وأن تكمل ألفاظ اللعان منهما جميعا، وأن يبدأ بلعان الزوج قبل المرأة، فإن بدأ بلعان المرأة لم يعتد به، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مالك وأصحاب الرأى ان فعل أخطأ السنة والفرقة جائزة وينتفى الولد عنه، لان الله تعالى عطف لعانها على لعانه بالواو وهى لا تقتضي ترتيبها، ولان اللعان قد وجد منهما جميعا فأشبه ما لو رتبت، وعندنا لا يتم اللعان إلا بالترتيب إلا أنه يكفى عندنا لعان الرجل وحده لنفى الولد، وذلك حاصل مع إخلاله بالترتيب وعدم كمال ألفاظ اللعان من المرأة. ومن شروطه أن يذكر نفى الولد في اللعان. وهذا هو ظاهر مذهب الحنابلة. وقد خالف القاضى ابو بكر منهم فقال انه لا يحتاج إلى ذكر الولد ونفيه، وينتفى بزوال الفراش، ولان حديث سهل الذى وصف فيه اللعان لم يذكر فيه الولد وقال فيه ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لاب ولا يرمى ولدها. رواه أبو داود وغيره. وفى حديث مسلم عن عبد الله أن رجلا لاعن امرأته عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه. دليلنا أن من سقط حقه باللعان كان ذكره شرطا، ولان غاية ما في اللعان أن يثبت زناها وذلك لا يوجب نفى الولد، كما لو أقرت به أو قامت به بينة فأما حديث سهل بن سعد فقد روى فيه - وكانت حاملا فأنكر حملها - من رواية البخاري وروى ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة، والزيادة من الثقة مقبولة

فعلى هذا لابد من ذكر الولد في كل لفظة ومع اللعن في الخامسة لانها من لفظات اللعان. (مسألة) قال بعض أصحابنا يجوز أن يولد لهما لتسع سنين، ونصف السنة وهى مدة الحمل، لان الجارية قد تحيض لتسع فكذلك الغلام. وقد عرفنا أن عمرو بن العاص كان بينه وبين إبنه عبد الله إثنا عشر عاما ولنا أن الزمن الذى يمكن البلوغ فيه والاحتلام منه يلحقه الولد فيه. وأما قياس الغلام على الجارية فغير صحيح، لاننا نعلم أنه لا يمكنه الاستمتاع لتسع (فرع) قال أصحابنا: إن ولدت امرأة مقطوع الذكر والانثيين لم يلحق نسبه به في قول عامة أهل العلم، لانه يستحيل منه الايلاج والانزال. وإن قطعت أنثياه دون ذكره فكذلك لانه لا ينزل ما يخلق منه الولد. وقال بعضهم يلحقه النسب لانه يتصور منه الايلاج وينزل ماء رقيقا أو منيا من ثقبة المنى. وبهذا قال القاضى أبو حامد المروروذى من أصحابنا وقال أبو إسحاق إن هذا لا يخلق منه ولد عادة ولا وجد ذلك. وبه قال أكثر أصحاب أحمد رضى الله عنه. فأما ان قطع ذكره وحده فإنه يلحقه الولد لانه يمكن أن يساحق فينزل ماء يخلق منه الولد. وقال ابن اللبان لا يلحقه الولد في هاتين الصورتين في قول الجمهور ولاصحاب أحمد اختلاف في ذلك على نحو ما ذكرنا من الخلاف عندنا، وهو الخلاف الناشئ من روايتي الربيع والمزنى، وقد حمل أصحابنا الروايتين على الحالين اللذين أتينا عليهما. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن لم يمكن اجتماعهما على الوطئ بأن تزوجها وطلقها عقيب العقد أو كانت بينهما مسافة لا يمكن معها الاجتماع انتفى الولد من غير لعان، لانه لا يمكن أن يكون منه. (فصل) وإن أتت بولد لدون ستة أشهر بولد من وقت العقد انتفى عنه من غير لعان، لانا نعلم أنها علقت به قبل حدوث الفراش، وإن دخل بها ثم طلقها وهى

حامل فوضعت الحمل ثم أتت بولد آخر لستة أشهر لم يلحقه، وانتفى عنه من غير لعان، لانا قطعنا ببراءة رحمها بوضع الحمل، وأن هذا الولد الآخر علقت به بعد زوال الفراش. وإن طلقها وهى غير حامل واعتدت بالاقراء ثم وضعت ولدا قبل أن تتزوج بغيره لدون ستة أشهر لحقه، لانا تيقنا أن عدتها لم تنقض، وإن أتت به لستة أشهر أو أربع سنين أو ما بينهما لحقه. وقال أبو العباس بن سريج لا يلحقه لانا حكمنا بانقضاء العدة وإباحتها للازواج وما حكم به يجوز نقضه لامر محتمل، وهذا خطأ لانه يمكن أن يكون منه، والنسب إذا أمكن إثباته لم يجز نفيه، ولهذا إذا أتت بولد بعد العقد لستة أشهر لحقه. وإن كان الاصل عدم الوطئ وبراءة الرحم فإن وضعته لاكثر من أربع سنين نظرت - فإن كان الطلاق بائنا - انتفى عنه بغير لعان، لان العلوق حادث بعد زوال الفراش، وإن كان رجعيا ففيه قولان (أحدهما) ينتفى عنه بغير لعان لانها حرمت عليه بالطلاق تحريم المبتوتة، فصار كما لو طلقها طلاقا بائنا (والقول الثاني) يلحقه لانها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والايلاء، فإذا قلنا بهذا فإلى متى يلحقة ولدها؟ فيه وجهان، قال أبو إسحاق يلحقه أبدا، لان العدة يجوز أن تمتد لان أكثر الطهر لا حد له، ومن أصحابنا من قال يلحقه إلى أربع سنين من وقت انقضاء العدة، وهو الصحيح لان العدة إذا انقضت بانت وصار كالمبتوتة (الشرح) إذا تزوج رجل امرأة في مجلس ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم، ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد، أو تزوج مشرقي بمغربية ثم مضت ستة أشهر وأتت بولد لم يلحقه، وبذلك قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة يلحقه نسبه لان الولد انما يلحقه بالعقد ومدة الحمل، ألا ترى أنكم قلتم إذا مضى زمان الامكان لحق الولد، وان علم انه لم يحصل منه الوطئ دليلنا انه لم يحصل امكان الوطئ بهذا العقد فلم يلحق به الولد، كزوجة ابن سنة أو كما لو ولدته لدون ستة أشهر، وفارق ما قاسوا عليه، لان الامكان إذا

وجد لم يعلم أنه ليس منه قطعا لجواز أن يكون وطئها من حيث لا يعلم، ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقة الوطئ، فعلقنا الحكم على إمكانه في النكاح، ولم يجز حذف الامكان عن الاعتبار، لانه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه، فلم يجز إلحاقة به مع يقين كونه ليس منه. ومن ولدت امرأته ولدا لا يمكن كونه منه في النكاح لم يلحقه نسبه ولم يحتج إلى نفيه لانه يعلم أنه ليس منه فلم يلحقه، كما لو أتت به عقيب نكاحه لها، وذلك مثل أن تأتى به لدون ستة أشهر من حين تزوجها فلا يلحق به في قول كل من علمنا قوله من أهل العلم لاننا نعلم أنها علقت به قبل أن يتزوجها (فرع) إذا طلق امرأته وهى حامل فوضعت ولدا ثم ولدت آخر قبل مضى ستة أشهر فهما من الزوج لاننا نعلم أنهما حمل واحد، فإذا كان أحدهما منه فالآخر منه، وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يلحق الزوج وانتفى عنه من غير لعان لانه لا يمكن أن يكون الولدان حملا واحدا وبينهما مدة الحمل، فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة: وكونها أجنبية فهى كسائر الاجنبيات، وإن طلقها فاعتدت بالاقراء ثم ولدت ولدا قبل مضى ستة أشهر من آخر أقرائها لحقه لاننا تيقنا أنها لم تحمله بعد انقضاء عدتها ونعلم أنها كانت حاملا به في زمن رؤية الدم فيلزم أن لا يكون الدم حيضا فلم تنقض عدتها به، وإن أتت به لاكثر من ذلك إلى أربع سنين لحقه. وقال أبو العباس بن سريج لا يلحقه لانها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها في وقت يمكن أن لا يكون منه فلم يلحقه، كما لو انقضت عدتها بوضع الحمل، وإنما يعتبر الامكان مع بقاء الزوجية أو العدة، وأما بعدهما فلا يكتفى بالامكان للحاقه، وإنما يكتفى بالامكان لنفيه، لان الفراش سبب، ومع وجود السبب يكتفى بإمكان الحكمة واحتمالها، فإذا انتفى السبب وآثاره فينتفى الحكم لانتفائه ولا يلتفت إلى مجرد الامكان، وبهذا قال أحمد وأصحابه. وهذا خطأ لانه يمكن أن يكون منه لان الاصل أن الولد يلحق بالامكان فلحق به (فرع) إذا وضعته قبل انقضاء العدة لاقل من أربع سنين لحق بالزوج ولم ينف عنه إلا باللعان، وإن وضعته لاكثر من أربع سنين من حين الطلاق وكان

بائنا انتفى عنه بغير لعان لاننا علمنا أنها علقت به بعد زوال الفراش، وان كان رجعيا فوضعته لاكثر من أربع سنين منذ انقضت العدة فكذلك لانها علقت به بعد البينونة، وان وضعته لاكثر من أربع سنين منذ الطلاق ولاقل منها منذ انقضت العدة ففيه قولان (أحدهما) لا يلحقه لانها لم تعلق به قبل طلاق فأشبهت البائن (والثانى) يلحقه لانها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والايلاء، وبهذا الذى قلناه عندنا فمثله عند أحمد رضى الله عنه، فالقولان عندنا روايتان له أفادهما ابن قدامة. قال المصنف رحمة الله تعالى (فصل) وان كانت له زوجة يلحقه ولدها ووطئها رجل بالشبهة وادعى الزوج أن الولد من الواطئ عرض معهما على الفافة ولا يلاعن لنفيه لانه يمكن نفيه بغير لعان وهو القافة فلا يجوز نفيه باللعان، فإن لم تكن قافة أو كانت وأشكل عليها ترك حتى يبلغ السن الذى ينتسب فيه إلى أحدهما، فإن بلغ وانتسب إلى الواطئ بشبهة انتفى عن الزوج بغير لعان، وان انتسب إلى الزوج لم ينتف عنه الا باللعان لانه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان وان قال زنى بك فلان وأنت مكرهة والولد منه ففيه قولان (أحدهما) لا يلاعن لنفيه لان أحدهما ليس بزان فلم يلاعن لنفى الولد كما لو وطئها رجل بشبهة وهى زانية (والثانى) أن له أن يلاعن وهو الصحيح، لانه نسب يلحقه من غير رضاه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان كما لو كانا زانيين (فصل) وان أتت امرأته بولد فادعى الزوج انه من زوج قبله، وكان لها زوج قبله، نظرت فإن وضعته لاربع سنين فما دونها من طلاق الاول، ولدون ستة أشهر من عقد الزوج الثاني فهو للاول، لانه يمكن ان يكون منه، وينتفى عن الزوج بغير لعان لانه لا يمكن أن يكون منه وان وضعته لاكثر من أربع سنين من طلاق الاول ولاقل من ستة أشهر

من عقد الزوج الثاني انتفى عنهما، لانه لا يمكن أن يكون من واحد منهما، وإن وضعته لاربع سنين فما دونها من طلاق الاول، ولستة أشهر فصاعدا من عقد الزوج الثاني عرض على القافة، لانه يمكن أن يكون من كل واحد منهما، فإن ألحقته بالاول لحق به وانتفى عن الزوج بغير لعان، وإن ألحقته بالزوج لحق به ولا ينتفى عنه إلا باللعان، وان لم تكن قافة أو كانت وأشكل عليها ترك إلى أن يبلغ وقت الانتساب، فإن انتسب إلى الاول انتفى عن الزوج بغير لعان، وإن انتسب إلى الزوج لم ينتف عنه إلا باللعان: وإن لم يعرف وقت طلاق الاول ووقت نكاح الزوج فالقول قول الزوج مع يمينه أنه لا يعلم أنها ولدته على فراشه، لان الاصل عدم الولادة وانتفاء النسب، فإن حلف سقطت دعواها وانتفى النسب بغير لعان، لانه لم يثبت ولادته على فراشه، وإن نكل رددنا اليمين عليها، وإن حلفت لحق النسب بالزوج ولا ينتفى إلا باللعان، لانه ثبتت ولادته على فراشه وإن نكلت فهل توقف اليمين إلى أن يبلغ الصبى فيحلب ويثبت نسبه، فيه وجهان بناء على القولين في رد اليمين على الجارية المرهونة إذا أحبلها الراهن وادعى أن المرتهن أذن له في وطئها وأنكر المرتهن ونكلا جميعا عن اليمين (أحدهما) لا ترد اليمين، لان اليمين حق للزوجة، وقد أسقطته بالنكول، فلم يثبت لغيرها. (والثانى) ترد لانه يتعلق بيمينها حقها وحق الولد، فإذا أسقطت حقها لم يسقط حق الولد. (فصل) وإن جاءت امرأة ومعها ولد وادعت أنه ولدها منه وقال الزوج ليس هذا منى ولا هو منك بل هو لقيط أو مستعار لم يقبل قولها أنه منها من غير بينة لان اولادة يمكن إقامة البينة عليها والاصل عدمها فلم يقبل قولها من غير بينة، فإن قلنا ان الولد يعرض مع الام على القافة في أحد الوجهين عرض على القافة، فإن لحقته بالام لحق بها وثبت نسبه من الزوج لانها أتت به على فراشه ولا ينتفى عنه الا باللعان وان قلنا ان الولد لا يعرض مع الام على القافة. أو لم تكن قافة. أو كانت وأشكل عليها فالقول قول الزوج مع يمينه انه لا يعلم أنها ولدته على فراشه. فإذا

حلف انتفى النسب من غير لعان، لانه لم تثبت ولادته على فراشه. وان نكل رددنا اليمين عليها فإن حلفت لحقه نسبه ولا ينتفى عنه الا باللعان. وان نكلت فهل توقب اليمين على بلوغ الولد ليحلب؟ على ما ذكرناه من الوجهين في الفصل قبله. (الشرح) ان غاب عن زوجته سنين فبلغتها وفاته فاعتدت ونكحت نكاحا صحيحا في الظاهر ودخل بها الثاني وأولدها أولادا ثم قدم الاول فسخ نكاح الثاني وردت إلى الاول وتعتد من الثاني ولها عليه صداق مثلها والاولاد له لانهم ولدوا على فراشه. روى ذلك عن على عليه السلام. وبه قال الثوري وأهل العراق وابن أبى ليلى ومالك وأهل الحجاز وأحمد واسحاق وأبو يوسف وغيرهم من أهل العلم الا أبا حنيفة فإنه قال الولد للاول لانه صاحب الفراش لان نكاحه صحيح ثابت ونكاح الثاني غير ثابت فأشبه الأجنبي دليلنا أن الثاني انفرد بوطئها في نكاح يلحق النسب في مثله فكان الولد له دون غيره. كولد الامة من زوجها يلحقه دون سيدها. وفارق الأجنبي فإنه ليس له نكاح. (فرع) إذا ولدت المرأة فأنكر زوجها الولد فلا حد عليه لان هذا ليس بقذف لاحتمال أن يكون مراده انه لا يشبهه في خلقه أو خلقه. وان قال وطئت بشبهة والولد من الواطئ فلا حد عليه لانه لم يقذفها ولم يقذف واطئها. وان قال أكرهت على الزنا فهل عليه اللعان؟ فمذهب أحمد وأبى حنيفة أنه لا حد عليه ولا لعان لانه لم يقذفها ومن شرط اللعان القذف ويلحقه نسب الولد. ومذهبنا أن له اللعان لانه محتاج إلى نفى الولد بخلاف ما إذا قال وطئت بشبهة فإنه يمكن نفى النسب بعرض الولد على القافة فيستغنى بذلك عن اللعان فلا يشرع كما لا يشرع لعان أمته لما أمكن نفى نسب ولدها بدعوى الاستبراء فإن قال وطئك فلان بشبهة وأنت تعلمين الحال فليس هذا بلعان وليس له نفيه باللعان لانه يمكنه نسبه بالقافة فأشبه ما لو قال واشتبه عليك أيضا. وقدا اختار هذا بعض أصحاب أحمد

وقال ابن قدامة: إنه يدخل في قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم " فملك اللعان ونفى الولد، لانه قد لا يوجد قافة، وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه، أو يغيب أو يموت فلا ينتفى الولد. (فرع) وإن أتت بولد فادعى أنه من زوج قبله نظرت - فإن كانت تزوجت بعد انقضاء العدة - لم يلحق بالاول بحال، وان كان بعد أربع سنين منذ بانت من الاول لم يلحق به أيضا. وإن وضعته لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يلحق به وينتفى عنهما. وإن كان لاكثر من ستة أشهر فهو ولده، وان كان لاكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ولاقل من أربع سنين من طلاق الاول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة وألحق بمن ألحقته به منهما، فإن ألحقته بالاول انتفى عن الزوج بغير لعان، وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الاول ولحق الزوج، ولا ينتفى عنه الا باللعان، وهذا احدى الروايتين عن أحمد (رض) (مسألة) إذا تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الاخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ لانه وطئ يعتقد حله فلحق به النسب كالوطئ في نكاح فاسد وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب أحمد: لا يكون الولد للواطئ وانما يكون للزوج. وهذا الذى يقتضيه أصل أبى حنيفة لان الولد للفراش. دليلنا أن الواطئ انفرد بوطئها فيما يلحق به النسب فلحق به، كما لو لم تكن ذات زوج، وكما لو تزوجت امرأة المفقود عند الحكم بوفاته ثم بان حيا، والخبر مخصوص بهذا فنقيس عليه ما كان في معناه وان وطئت امرأة بشبهة في طهر لم يصبها فيه، فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطئ لحق الواطئ وانتفى عن الزوج من غير لعان. وعلى قول أبى حنيفة وبعض أصحاب أحمد: يلحق الولد الزوج، لان الولد للفراش. وان أنكر الواطئ الوطئ فالقول قوله بغير يمين ويحلق نسب الولد بالزوج، لانه لا يمكن إلحاقه بالمنكر، ولا تقبل دعوى الزوج في قلع نسب الولد. وان أتت بالولد لدون ستة أشهر من حين الوطئ لحق الزوج بكل حال لاننا نعلم أنه ليس

من الواطئ. وان اشتركا في وطئها في طهر فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الزوج لان الولد للفراش وقد أمكن كونه منه وان ادعى الزوج أنه من الواطئ فقال بعض أهل العلم: يعرض على القافة معهما فيلحق بمن ألحقته منهما، فإن ألحقته بالزوج لحق ولم يملك نفيه باللعان، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولنا أنه يمكن الاستعانة بالطب الشرعي في تحليل فصائل دم كل من الرجلين والام فإن تشابهت فصائل الدم عندهما أخذ بالقافة وان اختلفت فإن كان أحدهما (ا) والآخر (ب) والام (و) فإن جاء الولد (و) رجعنا إلى القافة. وان جاء (ا) كان لمن فصيلته (ا) وان جاء (ب) كان كذلك، وان جاء (اب) رجعنا إلى القافة، ويحتمل أن يلحق الزوج لان الفراش دلالته أقوى فهو مرجح لاحد الاحتمالين فيلحق بالزوج، ويمكن أن يلحق بهما ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه، وللزوج أن ينفيه باللعان. وهذا احدى الروايتين عن أحمد (رض) وان لم توجد القافة أو أنكر الواطئ الوطئ أو اشتبه على الطب الشرعي أو القافة ترك إلى أن يكبر إلى وقت الانتساب فإن انتسب إلى الزوج والا نفاه باللعان (مسألة) إذا قال: ما ولدته وانما التقطته أو استعرته، فقالت بل هو ولدى منك لم يقبل قول المرأة الا ببينة، وهذا هو قول احمد وابى ثور واصحاب الرأى لان الولادة يمكن اقامة البينة عليها، والاصل عدمها فلم تقبل دعواها من غير بينة كالدين، فإن قلنا بأحد الوجهين ان الولد يعرض مع الام على القافة أو على الطب الشرعي، فإن ألحقاه بالام لحق بها وثبت نسبه من الزوج لانه لم يأت الا على فراشه، وليس له ان ينفيه باللعان، لانه لم يقذفها بالزنا، وانما ادعى نفى الولادة. وان قلنا بالوجه الآخر بعدم العرض على القافة كان القول قوله مع يمينه انه لا يعلم انها ولدته على فراشه، وكذلك إذا أشكلت القافة حين عرض عليها أو تشابهت فصائل الدم، واحتمل ان يكون من غيرها، أو كانت فصيلته مشابهة للزوج ويحتمل ان يكون من غيره فإن القول قول الزوج مع يمينه، فإن حلف فلا لعان وانتفى نسبه منه، وان نكل رددناه عليها وبحلفها يلحقه الولد،

وليس له أن يلاعنها، فإن نكلت هي أيضا فعلى ما ذكره المصنف في الفصل قبله من الوجهين من وقوف اليمين حتى يبلغ الولد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا تزوج امرأة وهى وهو ممن يولد له ووطئها، ولم يشاركه أحد في وطئها بشبهة ولا غيرها، وأتت بولد لستة أشهر فصاعدا لحقه نسبه، ولا يحل له نفيه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال حين نزلت آية الملاعنة: أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه الله على رءوس الاولين والآخرين " وإن أتت امرأته بولد يلحقه في الظاهر بحكم الامكان وهو يعلم أنه لم يصبها، وجب عليه نفيه باللعان، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ، ولن يدخلها الله تعالى جنته " فلما حرم النبي صلى الله عليه سلم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم، دل على أن الرجل مثلها، ولانه إذا لم ينفه جعل الأجنبي مناسبا له ومحرما له ولاولاده ومزاحما لهم في حقوقهم. وهذا لا يجوز، ولا يحوز أن يقذفها لجواز أن يكون من وطئ شبهة أو من زوج قبله. (فصل) وإن وطئ زوجته ثم استبرأها لحيضة وطهرت ولم يطأها وزنت وأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت الزنا لزمه قذفها ونفى النسب لما ذكرناه وان وطئها في الطهر الذى زنت فيه فأتت بولد وغلب على ظنه أنه ليس منه، بأن علم أنه كان يعزل منها أو رأى فيه شبها بالزانى لزمه نفيه باللعان، وان لم يغلب على ظنه أنه ليس منه لم ينفه لقوله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " (الشرح) عمد المصنف إلى حديث أبى هريرة فجزأه جزأين مما أوهم أنهما حديثان، وكان يمكنه سوق الحديث برمته والاستدلال به في الموضعين بغير تجزئه ولا تكرار، فالحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في المستدرك وابن أبى شيبة عن ابى هريرة رضى الله عنه مرفوعا " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ، وأيما رجل جحد

ولده وهو ينظر إليه احتجب الله تعالى منه، وفضحه على رءوس الاولين والآخرين يوم القيامة " وفى رواية ابن ماجه " ألحقت بقوم " أما أحكام الفصلين فإنه يحرم على الرجل قذف زوجته، وقد جعله القرآن الكريم من الكبائر قال تعالى " ان الذين يرمون المحصنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " ولقوله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الاولين والآخرين " قوله " ينظر إليه " يعنى يراه منه، فكما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم حرم على الرجل جحد ولده، ولا يجوز قذفها بخبر من لا يوثق بخبره لانه غير مأمون على الكذب عليها، ولا برؤيته رجلا خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها لانه يجوز أن يكون دخل سارقا أو هاربا أو لحاجة. كما قررنا ذلك في صدر هذا البحث (فرع) اللعان واجب إذا رأى امرأته تزني في طهر لم يطأها فيه فإنه يلزمه اعتزالها حتى تنتهى عدتها، فإذا أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا فأكثر لزمه قذفها ونفى ولدها لان ذلك يجرى مجرى اليقين في ان الولد من الزانى، فإذا لم ينفه لحقه الولد. وورثه وورث أقاربه وورثوا منه. ونظر إلى بنانه واخواته. وليس ذلك بجائز وسيحمل هو وزره فيجب نفيه لازالة ذلك وإذا أقرت له بالزنا وقع في قلبه صدقها فهو كما لو رآها. وكذلك إذا غلب على ظنه زناها في طهر وطئها فيه ثم اتت بولد فرأى ملامح الزانى ومخايله واضحة في الوليد. أو كان يطؤها ويعزل عنها ثم ولدت لستة اشهر من حين العزل فصاعدا لزمه نفيه ايضا باللعان. فإن لم يوقن أو يظن ظنا قويا انه ليس منه لم ينفه لحديث ابى هريرة رضى الله عنه الذى اخرجاه الشيخان واصحاب السنن الا ابا داود عن النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وما رواه الشافعي بسنده عن ابن عمر " ان عمر قال: ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يعتزلونهن. لا تأتيني وليدة يعترف سيدها ان قد ألم بها الا ألحقت به ولدها. فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا "

ومقتضى هذا أن الولد يلحق الاب بعد ثبوت الفراش، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطئ في النكاح الصحيح أو الفاسد، وإلى ذلك ذهب جمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: إنه يثبت بمجرد ال؟ قد، واستدل له بأن مجرد المظنة كافية، ورد بمنع حصولها بمجرد العقد، بل لابد من إمكان الوطئ، ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش جمود ظاهر وحكى ابن القيم عن ابى حنيفة أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير الزوجة به فراشا، وكذلك قوله بأن العقد يثبت به الفراش ولحوق النسب، ولو كانت بينهما م؟ افة طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل، وهذا كله لا دليل عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أتت امرأته بولد أسود وهما أبيضان، أو بولد أبيض وهما أسودان ففيه وجهان: (أحدهما) أن له أن ينفيه لما روى ابن عباس رضى الله عنه في حديث هلال ابن أمية إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذى رميت به، فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لولا الايمان لكان لى ولها شأن " فجعل الشبه دليلا على أنه ليس منه (والثانى) أنه لا يجوز نفيه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بنى فزارة فقال " إن امرأتي جاءت بولد أسود ونحن أبيضان، فقال هل لك من إبل؟ قال نعم، قال ما ألوانها؟ قال حمر. قال هل فيها من أورق؟ قال إن فيها لورقا. قال فأنى ترى ذلك؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق، قال وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " (الشرح) حديث ابن عباس رواه أحمد وأبو داود وهو مطول عنده، وفى إسناده عباد بن منصور فيه مقال معروف. وحديث أبى هريرة أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الاربعة والدارقطني ولفظه " جاء رجل من بنى فزارة

إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ولدت امرأتي غلاما أسود، وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لك من ابل؟ قال نعم، قال فما ألوانها؟ قال حمر، قال هل فيها من اورق؟ قال ان فيها لورقا، قال فأنى أتاها ذلك؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق، قال فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له في الانتفاء منه " ولابي داود في رواية " إن امرأتي ولدت غلاما أسود وانى أنكره " قوله " هلال بن أمية " هو أحد الثلاثة الذين خلفوا. قوله " جاء رجل " اسمه ضمضم بن قتادة أما اللغات فالاورق الاسمر، وفى المصباح ما كان لونه كلون الرماد، والاسم الورقة كالحمرة والخضرة والصفرة. والجعد ضد السبط وقد مضى. وقال الهروي يكون مدحا وذما، فالمدح؟ بعنيين، أحدهما أن يكون معضوب الخلق شديد الاسر، والثانى أن يكون شعرا جعدا، والذم بمعنيين. أحدهما أن يكون قصيرا مترددا، والثانى أن يكون نحيلا، يقال رجل جعد اليدين وجعد الاصابع أي مقبضها، والجمالى بضم الجيم، الضخم الاعضاء التام الاوصال، هكذا قال ابن بطال، وقال في المصباح: عظيم الخلق، وقيل طويل الجسم اه. قالوا ناقة جمالية من بدانتها، قال الشاعر: جمالية لم يبق سيرى ورحلتي * على ظهرها من نيها غير محفدى وخدلج الساقين أي عريض صدر القدمين خفاق القدم، وسابغا الاليتين أي كامل واف، ومنه الدرع السابغة أما الاحكام فإن حديث ابن عباس دليل على أنه يجوز للاب. أن ينفى ولده بمجرد كونه مخالفا لهما في اللون، وبهذا قال القاضى وأبو الخطاب من الحنابلة، وهو أحد الوجهين عند أصحابنا، وحديث أبى هريرة دليل على أنه لا يجوز له أن ينفى ولده بمجرد كونه مخالفا لهما في اللون وقد حكى القرطبى وابن رشد الاجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بن حجر بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا: ان لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفى، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذى اتهمها به جاز

النفى على الصحيح عندهم. وعند الحنابلة يجوز النفى مع القرينة مطلقا. وقال ابن قدامة: لا يجوز النفى بمخالفة الولد لون والديه أو شبههما، ولا لشبهه بغير والديه لما روى أبو هريرة (وساق حديث الفزارى) (قلت) ولان الناس كلهم لآدم وحواء وألوانهم وخلقهم مختلفة، فلولا مخالفتهم شبه والديهم لكانوا على خلفة واحدة، ولان دلالة الشبه ضعيفة، ودلالة ولادته على الفراش قوية فلا يجوز ترك القوى لمعارضة الضعيف، ولذلك لما تنازع سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة ورأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه شبها بينا بعتبة ألحق الولد بالفراش وترك الشبه، وهذا اختيار أبى عبد الله ابن حامد من أصحاب أحمد. وهو الوجه الآخر لاصحاب الشافعي قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أتت امرأته بولد وكان يعزل عنها إذا وطئها لم يجز له نفيه، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله إنا نصيب السبايا ونحب الاثمان أفنعزل عنهن؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل إذا قضى خلق نسمة خلقها " ولانه قد يسبق من الماء مالا يحس به فتعلق به، وإن أتت بولد وكان يجامعها فيما دون الفرج ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له النفى لانه قد يسبق الماء إلى الفرج فتعلق به (والثانى) أن له نفيه لان الولد من أحكام الوطئ، فلا يتعلق بما دونه كسائر الاحكام. وإن أتت بولد وكان يطؤها في الدبر ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له نفيه، لانه قد يسبق من الماء إلى الفرج ما تعلق به. (والثانى) له نفيه لانه موضع لا يبتغى منه الولد. (فصل) إذا قذف زوجته وانتفى عن الولد - فإن كان حملا - فله أن يلاعن وينفى الولد، لان هلال بن أمية لاعن على نفى الحمل، وله أن يؤخره إلى أن تضع، لانه يجوز أن يكون ريحا أو غلظا فيؤخر ليلاعن على يقين، وإن كان الولد منفصلا ففى وقت نفيه قولان (أحدهما) له الخيار في نفيه ثلاثة

أيام، لانه قد يحتاج إلى الفكر والنظر فيما يقدم عليه من النفى، فجعل الثلاث حدا لانه قريب، ولهذا قال الله عز وجل " يا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب " ثم فسر القريب بالثلاث، فقال " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " (والثانى) وهو المنصوص في عامة الكتب أنه على الفور، لانه خيار غير مؤد لدفع الضرر، فكان على الفور كخيار الرد بالعيب، فإن حضرت الصلاة فبدأ بها أو كان جائعا فبدأ بالاكل، أو له مال غير محرز واشتغل بإحرازه، أو كان عادته الركوب واشتغل بإسراج المركوب، فهو على حقه من النفى، لانه تأخير لعذر. وان كان محبوسا أو مريضا أو قيما على مريض أو غائبا لا يقدر على المسير وأشهد على النفى فهو على حقه وان لم يشهد مع القدرة على الاشهاد سقط حقه، لانه لما تعذر عليه الحضور للنفي أقيم الاشهاد مقامه إلى أن يقدر كما أقيمت الفيئة باللسان مقام الوطئ في حق المولى إذا عجز عن الوطئ إلى أن يقدر (الشرح) حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختلفة كلها تؤدى معنى ما ساقه المصنف هنا، وقد مضى الكلام على طرقه وأقوال العلماء فيه في أحكام العزل من كتاب النكاح فليراجع. وروى معناه عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وأسامة بن زيد وغيرهم رضى الله عنهم أجمعين. فإذا أتت بولد وكان يعزل عنها لم يجز له نفيه لحديث ابى سعيد، ولانه قد يسبق من الماء مالا يحس به فتعلق. وأما ان كان لا يطؤها الا دون الفرج أو في الدبر فأتت بولد، فذكر أصحابنا فيه وجهين (أحدهما) انه ليس له نفيه لانه لا يأمن ان يسبق الماء إلى الفرج فيعلق به، وبه قال احمد. وقال ابن قدامة: هو بعيد لانه من أحكام الوطئ في الفرج فلا يتعلق بما دونه كسائر الاحكام، ودلالة عدم الوطئ في الفرج على انتفاء الولد أشد من دلالة مخالفة الولد لون أبيه اه. وهذا هو الوجه الثاني عندنا وبشجب ابن قدامة لما قاله أصحابه يكون في مذهب احمد في المسألة قولان

وقال أبو حنيفة لا يلاعن وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد. وهذا فاسد لان الرمى به معرة، وقد دخل تحت عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) وقد حقق القرطبى في تفسير سورتي الاعراف والمؤمنون انه يجب الحد. وقالت المالكية: يلاعن إذا انتفى من الحمل بشرطه (مسألة) إذا ظهر بامرأته حمل فله أن ينفيه وله أن يؤجل نفيه إلى أن تضع واختلف أصحاب أحمد فيما إذا لاعن امرأته حاملا ونفى حملها في لعان. فقال الخرقى وجماعة: لا ينتفى الحمل بنفيه قبل الوضع، ولا ينتفى حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفى الولد فيه. وهذا قول ابى حنيفة وجماعة من أهل الكوفة، لان الحمل غير مستيقن يجوز أن يكون ريحا أو غيرها فيصير نفيه مشروطا بوجوده ولا يجوز تعليق اللعان بشرط ولنا أنه يصح نفى الحمل وينتفى عنه. دليلنا حديث هلال بن أمية وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بالاول، ولا خفاء بأنه كان حملا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انظروها فإن جاءت به " كذا وكذا قال ابن عبد البر: الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة - إلى أن قال - ولان الحمل مظنون بأمارات تدل عليه، ولهذا ثبتت للحامل أحكام تخالف بها الحائل من النفقة والفطر في الصيام وترك إقامة الحد عليها وتأخير القصاص عنها مما يطول ذكره. اه وقالت المالكية: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته، لان سكوته بعد العلم به رضا به، كما لو أقر به ثم ينفيه فانه لا يقبل منه فان قال رجوت أن يكون ريحا ينفش أو تسقطه فأستريح من السقط، أو يكون من أمراض النساء كالاورام الليفية التى تبدو معها المرأة كأنها حامل في الشهر التاسع، وهى في حاجة إلى استئصال هذا الورم، فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما؟ فإذا جاوزها لم يكن له ذلك، فقد اختلف في ذلك على قولين (أحدهما) إذا لم يكن له عذر في سكوته ح؟ ؟ مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه. وبهذا قال المالكية وقالت الحنابلة: إذا ولدت ولدا فسكت عن نفيه مع امكانه لزمه نسبه

ولم يكن له نفيه بعد ذلك، ومدة الثلاث فرصة كافيه لانعام النظر واعمال الفكر والتدبر في الامر، فقد يكون في التريث أمن من الندم، ومدة الثلاث حكمها شائع في خيار البيع وفى اختبار المصراة، وقد جاء في تأويل قوله تعالى " قال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " أنها توضيح لمبهم " قريب " في آية الناقة من وعيدهم بالعذاب. (والثانى) وهو المنصوص، وهو قول ابى بكر من اصحاب احمد رضى الله عنه: لا يتقدر ذلك بثلاث، بل هو على ما جرت به العادة ان كان ليلا، فحتى يصبح وينتشر في الناس، وان كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب، أو ينام ان كان ناعسا، أو يلبس ثيابه ويسرج دابته ويركب ويصلى ان حضرت الصلاة، ويحرز ماله ان كان غير محرز، وأشباه ذلك من أشغاله، فان أخره بعد هذا كله لم يمكن له نفيه. وقال ابو حنيفة: له تأخير نفيه يوما ويومين استحسانا، لان النفى عقيب الولادة يشق فقدر باليومين لقلته. وقال ابو يوسف ومحمد يتقدر بمدة النفاس لانها جارية مجرى الولادة في الحكم. وحكى عن عطاء ومجاهد أن له نفيه ما لم يعترف به فكان له نفيه كحالة الولادة. ووجه القول الاول انه خيار لدفع الضرر المتحقق فكان على الفور كخيار الشفعة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " عام خرج منه ما اتفقنا عليه مع السنة الثابتة، فما عداه يبقى على عموم الحديث. وما ذكره ابو حنيفة يبطل بخيار الرد بالعيب والاخذ بالشفعة، وتقديره بمدة النفاس تحكم لا دليل عليه، وكذلك يرد هذا على ما قال عطاء، ولا يلزم القصاص لانه لاستيفاء حق لا لدفع ضرر ولا الحمل لانه لم يتحقق ضرره. وقالت المالكية: ان الايام الثلاثة آخر حد القلة وأول حد الكثرة (فرع) ان كان له عذر يمنعه من الحضور لنفيه كالمرض والحبس، أو الاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعته أو بملازمة غريم يخالف فوته أو غيبته نظرت - فان كانت مدة ذلك قصيرة فأخره إلى الحضور ليزول عذره - لم يبطل نفيه لانه بمنزلة من علم ذلك ليلا فأخره إلى الصبح وان كانت تطاول فأمكنه التنفيذ إلى الحاكم ليبعث إليه من يستوفى عليه اللعان

والنفى فلم يفعل سقط نفيه، فإن لم يمكنه أشهد على نفسه أنه ناف لولد امرأنه، فإن لم يفعل بطل خياره، لانه إذا لم يقدر على نفيه كان الاشهاد قائما مقامه كما يقيم المريض الفيئة بقوله في الايلاء بدلا عن الفيئة بالجماع قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن ادعى أنه لم يعلم بالولادة فإن كان في موضع لا يجوز أن يخفى عليه ذلك من طريق العادة، بأن كان معها في دار أو محلة صغيرة لم يقبل، لانه يدعى خلاف الظاهر، وإن كان في موضع يجوز أن يخفى عليه كالبلد الكبير، فالقول قوله مع يمينه، لان ما يدعيه ظاهر وإن قال علمت بالولادة إلا أنى لم أعلم أن لى النفى - فإن كان ممن يخالط أهل العلم - لم يقبل قوله، لانه يدعى خلاف الظاهر، وإن كان قريب عهد بالاسلام أو نشأ في موضع بعيد من أهل العلم قبل قوله، لان الظاهر أنه صادق فيما يدعيه وإن كان في بلد فيه أهل علم إلا أنه من العامة ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل كما لا يقبل قوله إذا ادعى الجهل برد المبيع بالعيب. (والثانى) يقبل لان هذا لا يعرفه إلا الخواص من الناس بخلاف رد المبيع بالعيب، فإن ذلك يعرفه الخاص والعام. (فصل) وإن هنأه رجل بالولد فقال: بارك الله لك في مولودك وجعله الله لك خلفا مباركا وأمن على دعائه، أو قال استجاب الله دعاءك سقط حقه من النفى لان ذلك يتضمن الاقرار به، وإن قال أحسن الله جزاءك، أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله، لم يسقط حقه من النفى، لانه يحتمل أنه قال له ذلك ليقابل التحية بالتحية. (فصل) وإن كان الولد حملا فقال أخرت النفى حتى ينفصل ثم ألاعن على يقين فالقول قوله مع يمينه لانه تأخير لعذر يحتمله الحال. وان قال أخرت لانى قلت لعله يموت فلا أحتاج إلى اللعان، سقط حقه من النفى، لانه ترك النفى من غير عذر.

(الشرح) إذا ثبت ما قدمنا من شرح الفصول فهل يتقدر الخيار في النفى بمجلس العلم؟ أو بإمكان النفى؟ على وجهين بناء على المطالبة بالشفعة، فإن أخر نفيه عن ذلك ثم ادعى أنه لا يعلم بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في موضع يخفى عليه ذلك، مثل أن يكون في محلة أخرى فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم العلم، وان لم يمكن - مثل أن يكون معها في الدار - لم يقبل لان ذلك لا يكاد يخفى عليه. وإن قال علمت ولادته ولم أعلم أن لى نفيه، أو علمت ذلك ولم أعلم انه على الفور وكان ممن يخفى عليه ذلك كعامة الناس قبل منه، لان هذا مما يخفى عليهم فأشبه ما لو كان حديث عهد بإسلام. وان كان فقيها لم يقبل منه وقال بعض الحنابلة يحتمل أن يقبل منه لان الفقيه يخفى عليه كثير من الاحكام أفاده ابن قدامة. وقال أكثرهم كقولنا لا يقبل ذلك من الفقيه ويقبل من الناشئ وحديث العهد بالاسلام. وهل يقبل من سائر العامة؟ على وجهين ذكرهما المصنف (فرع) إذا قال لم أصدق الخبر عنه نظرت - فإن كان مستفيضا وكان المخبر مشهور العدالة - لم يقبل والا قبل. وان قال لم أعلم أن على ذلك قبل قوله لانه مما يخفى، وان علم وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل خياره. وان كانت له حاجة تمنعه من السير فهو على ما ذكرنا من قبل، وان أخر نفيه لغير عذر وقال: أخرت نفيه رجاء أن يموت فأستر عليه وعلى بطل خياره، لانه أخر نفيه مع الامكان لغير عذر (مسألة) قوله " وان هنأه رجل بالولد الخ " فجملة ذلك انه إذا هنئ به فأمن على الدعاء لزمه في قولهم جميعا. وان قال أحسن الله جزاءك أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله فانه لا يلزمه لانه جازاه على قصده وليس ذلك اقرارا ولا متضمنا له. وقال أحمد وأصحابه وأبو حنيفة: يلزمه الولد، لان ذلك جواب الراضي في العادة فكان اقرارا كالتأمين على الدعاء، وان سكت كان اقرارا. هكذا أفاده ابن قدامة، قال لان السكوت صلح دال على الرضى في حق البكر وفى مواضع أخرى، فههنا أولى وهذا وما بقى من فروع في الفصول فقد مضى لنا بحثها في الفصول قبله

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا أتت امرأته بولدين توأمين وانتفى عن أحدهما وأقر بالآخر أو ترك نفيه من غير عذر، لحقه الولدان لانهما حمل واحد فلا يجوز أن يلحقه أحدهما دون الآخر، وجعلنا ما انتفى منه تابعا لما أقر به، ولم نجعل ما أقر به تابعا لما انتفى منه، لان النسب يحتاط لاثباته ولا يحتاط لنفيه، ولهذا إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه ويمكن أن لا يكون منه ألحقناه به احتياطا لاثباته، ولم ننفه احتياطا لنفيه. وإن أتت بولد فنفاه باللعان ثم أتت بولد آخر لاقل من ستة أشهر من ولادة الاول لم ينتف الثاني من غير اللعان، لان اللعان يتناول الاول، فإن نفاه باللعان انتفى، وإن أقر به أو ترك نفيه من غير عذر لحقه الولدان لانهما حمل واحد وجعلنا ما نفاه تابعا لما لحقه، ولم نجعل ما لحقه تابعا لما نفاه، لما ذكرناه في التوأمين. وإن أتت بالولد الثاني لستة أشهر من ولادة الاول انتفى بغير لعان لانها علقت به بعد زوال الفراش. (فصل) وان لاعنها على حمل فولدت ولدين بينهما دون ستة أشهر، لم يلحقه واحد منهما لانهما كانا موجودين عند اللعان فانتفيا به، وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر انتفى الاول باللعان، وانتفى الثاني بغير لعان، لانا تيقنا بوضع الاول براءة رحمها منه وأنها علقت بالثاني بعد زوال الفراش (فصل) وإن قذف امرأته بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح - فإن لم يكن نسب - لم يلاعن لاسقاط الحد لانه قذف غير محتاج إليه فلم يجز تحقيقه باللعان كقذف الاجنبية، وإن كان هناك نسب يلحقه فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه لا يلاعن لانه قذف غير محتاج إليه، لانه كان يمكنه أن يطلق ولا يضيفه إلى ما قبل العقد (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن له أن يلاعن لانه نسب يلحقه من غير رضاه لا ينتفى بغير لعان فجاز له نفيه باللعان.

(الشرح) إذا ولدت امرأته توأمين - وهو أن يكون بينهما دون ستة أشهر - فاستلحق أحدهما ونفى الآخر لحقا به، ولا عبرة بنفيه، لان الحمل الواحد لا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره، فإذا ثبت نسب أحدهما منه ثبت نسب الآخر ضرورة فجعلنا ما نفاه تابعا لما استلحقه، ولم نجعل ما أقر به واستلحقه تابعا لما نفاه، لان النسب يحتاط لاثباته لا لنفيه، ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن أن يكون من غيره ألحقناه به احتياطا، ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه، ولان الشارع الحكيم يتشوف إلى ثبوت النسب مهما أمكن ولا يحكم بانقطاع النسب الا حيث يتعذر اثباته، ولهذا ثبت بالفراش، وبالدعوى وبالانساب التى بمثلها لا يثبت نتاج الحيوان، ولان اثبات النسب فيه حق لله تعالى وحق للولد وحق للاب، ويترتب عليه من الاحكام في الوصل بين العباد ما به قوام مصالحهم، فأثبته الشرع بأنواع الطرق التى لا يثبت بمثلها نتاج الحيوان، ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن كونه من غيره ألحقناه به احتياطا ولم نقطعه عنه احتياطا لنفيه. فلو قذف أمهما فطالبته بالحد فليس له اسقاطه باللعان، لانه باستلحاقه اعترف بكذبه في قذفه فلم يسمع منه انكاره بعد ذلك. وقالت الحنابلة: له اسقاطه باللعان. وحكى ابن قدامة قولا آخر للقاضى منهم انه يحد ولا يملك اسقاطه باللعان. ووجه المذهب عندنا ظاهر. أما وجه المسألة عندهم فإنه لا يلزم من كون الولد منه انتفاء الزنا عنها كما لا يلزم من الولد وجود الزنا منها كون الولد منه. ولذلك لو أقرت بالزنا أو قامت به بينة لم ينتف الولد عنه، فلا تنافى بين لعانه وبين استلحاقه للولد. (فرع) إذا استلحق أحد الولدين وسكت عن الآخر لحقه، لانه لو نفياه للحقه، فإذا سكت عنه كان أولى، ولان امرأته متى أتت بولد لحقه ما لم ينفه عنه باللعان. وان نفى أحدهما وسكت عن الاخر نفيناه. وقال أصحاب أحمد لحقاه جميعا، لان لحوق النسب مبنى على التغليب وهو يثبت بمجرد الامكان. وان كان لم يثبت الوطئ، ولا ينتفى الامكان للنفي فافترقا

ولنا أنهما كانا موجودين عند اللعان فانتفيا به. وإن أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لاقل من ستة أشهر انتفى الثاني باللعان الاول وقال الحنابلة لم ينتف لان اللعان تناول الاول وحده، ويحتاج في نفى الثاني إلى لعان ثان. ولنا أنهما حمل واحد وقد لاعن لنفيه مرة فلا يحتاج إلى لعان ثان فأما إن نفى الولد باللعان ثم أتت بولد آخر بعد ستة أشهر فهذا من حمل آخر، فإنه لا يجوز أن يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل وينتفى الثاني بغير لعان، لانها بولادتها للاول تبينا براءة رحمها، فيكون حملا آخر. وقال الحنابلة لا ينتفى بغير اللعان لانه حمل منفرد، فإن استلحقه أو ترك نفيه لحقه وإن كانت قد بانت باللعان لانه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الاول دليلنا أنها بانت باللعان فحرم عليه وطؤها فلا يكون ولده وإنما يكون من سفاح لاسيما وأنه جاء بعد براءة الرحم وانقضاء العدة بوضع الاول فكان حملها الثاني في غير نكاح فلم يحتج إلى نفيه لكونها أجنبية كسائر الاجنبيات. وقال في الام: إذا لاعن امرأته بولد فنفيناه عنه ثم جاءت بولد آخر فنفيناه عنه ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر، وما يلزم به نسب ولد المبتوتة فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان فإن نفاه فذلك له. (فرع) إذا مات أحد التوأمين أو ماتا معا فله أن يلاعن لنفى نسبهما. وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة يلزمه نفى الحى ولا يلاعن إلا لنفى الحى، لان الميت لا يصح نفيه باللعان، فإن نسبه قد انقطع بموته فلا حاجة إلى نفيه باللعان، كما لو ماتت امرأته فإنه لا يلاعنها بعد موتها لقطع النكاح، لكونه قد انقطع، وإذا لم ينتف الميت لم ينتف الحى لانهما حمل واحد. دليلنا أن الميت ينسب إليه فيقال ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه فكان له نفى نسبه وإسقاط مؤنته كالحى، وكما لو كان للميت ولد. (فرع) إذا قذف امرأته بالزنا قبل زواجه منها لم يكن له أن يلاعن، لانه يأتي باللعان على غير ما ورد به القرآن والسنة، لانه كمن يلاعن أجنبية عنه فلم يصح ويقام عليه الحد. وهل له أن يلاعن إذا جاءت بولد ينتسب إليه؟ وجهان قال أبو إسحاق المروزى: لا يلاعن لامكان أن يطلقها من غير حاجة إلى إضافة

ولدها لما قبل العقد إذ هو المفرط بنكاح حامل بالزنا فلا يشرع له نفيه. وبهذا قال أحمد وأصحابه. (والثانى) قول أبى على بن أبى هريرة، لنفى ما عساه يلحقه من نسب لا يرضاه وليس من فراشه ولا ينتفى إلا باللعان فجاز له وقال مالك وأبو ثور وأحمد: إن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح حد ولم يلاعن سواء كان ثم ولد أو لم يكن، وروى ذلك عن سعيد بن المسيب والشعبى وقال الحسن وزرارة بن أبى أوفى وأصحاب الرأى: له أن يلاعن لانه قذف امرأته فيدخل في عموم قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم " ولانه قذف امرأته فأشبه ما لو قذفها ولم يضفه إلى ما قبل النكاح. وحكى الشريف أبو جعفر عن أحمد رواية أخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن أبانها ثم قذفها بزنا أضافه إلى حال النكاح - فان لم يكن نسب - لم يلاعن لدرء الحد لانه قذف غير محتاج إليه، وإن كان هناك نسب - فإن كان ولدا منفصلا - فله أن يلاعن لنفيه لانه يحتاج إلى نفيه باللعان، وأن كان حملا فقد روى المزني في المختصر أن له أن ينفيه. وروى في الجامع أنه لا يلاعن حتى ينفصل الحمل واختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق لا يلاعن قولا واحدا، وما رواه المزني في المختصر أراد إذا انفصل، وقد بين في الام، فإنه قال لا يلاعن حتى ينفصل، ووجهه أن الحمل غير متحقق لجواز أن يكون ريحا فينفش، ويخالف إذا قذفها في حال الزوجية، لان هناك يلاعن لدرء الحد فتبعه نفى الحمل، وههنا ينفرد الحمل باللعان فلم يجز قبل أن يتحقق ومن أصحابنا من قال في قولان: أحدهما لا يلاعن حتى ينفصل، لما ذكرناه والثانى يلاعن، وهو الصحيح، لان الحمل موجود في الظهار ومحكوم بوجوده، ولهذا أمر بأخذ الحامل في الديات ومنع من أخذها في الزكاة، ومنعت الحامل إذا طلقت أن تتزوج حتى تضع، وهذه الطريقة هي الصحيحة، لان الشافعي

رحمه الله نص في مثلها على قولين وهى في نفقة المطلقة الحامل فقال فيها قولان (أحدهما) تجب لها النفقة يوما بيوم (والثانى) لا تجب حتى ينفصل (فصل) وإن قذف امرأته وانتفى عن حملها وأقام على الزنا بينة سقط عنه الحد بالبينة، وهل له أن يلاعن لنفى الحمل قبل أن ينفصل؟ على ما ذكرناه من الطريقين في الفصل قبله. (الشرح) إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا يا زانية في فراشي نظرت - فإن كان هناك نسب يريد أن ينفيه، ولا يتحقق هذا إلا إذا انفصل الولد عنها - لاعن، لانه محتاج إلى نفيه، وبه قال مالك وأحمد، حيث نقل منها قال: سألت أحمد عن رجل قال لامرأته أنت طالق يا زانية ثلاثا، فقال يلاعن. قلت إنهم يقولون يحد ولا يلزمها إلا واحدة. قال بئس ما يقولون، فهذا يلاعن لانه قذفها قبل الحكم ببينونتها فأشبه القذف، فإن كان بينهما ولد فإنه يلاعن لنفيه وإلا حد ولم يلاعن، لانه يتعين إضافة القذف إلى حال الزوجية لاستحالة الزنا منها بعد طلاقه لها فصار كأنه قال لها بعد ابانتها: زنيت ان كنت زوجتى، على ما قررناه، وبه قال مالك. وقال عثمان البتى: لا يلاعن بأى حال لانها ليست بزوجة. وقال أبو حنيفة في الوجهين لا يلاعن - يعنى في حال نفى النسب والحمل - لانها ليست زوجة، وينتقض عليها هذا القذف قبل الزوجية، كما ذكرنا آنفا، بل هذا أولى، لان النكاح قد تقدم وهو يريد الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلابد من اللعان، فإن كان هناك حمل يرجى فقد روى المزني في المختصر أن له أن ينفيه وروى رواية أخرى أنه لا يلاعن حتى ينفصل الحمل. فاختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق المروزى: لا يلاعن قولا واحدا، وأول ما رواه المزني في المختصر أن الامام الشافعي أراد إذا انفصل قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: ولو قال رجل لامرأته أنت طالق ثلاثا

أو طالق واحدة لم يبق له عليها من الطلاق الا هي أو طالق ولم يدخل، أو أي طلاق ما، كان لا رجعة عليها بعده وأتبع الطلاق مكانه يا زانية، حد ولا لعان الا أن يكون ينفى به ولدا أو حملا فيلاعن للولد يوقف للحمل فإذا ولدت التعن، فإن لم تلد حد ولو بدأ فقال يا زانية أنت طالق ثلاثا التعن، لان القذف وقع وهى أمرأته، ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية حد ولا لعان، الا أن ينفى ولد افيلاعن به ويسقط الحد. ثم قال رضى الله عنه " ولو قذف رجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا لعان الا أن ينفى ولدا فيلاعن به ويسقط الحد، ولو قذف رجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا لعان الا أن ينفى ولدا فلا ينفى الا بلعان، ولو قذف رجل امرأته ثم زنت بعد القذف أو وطئت وطئا حراما فلا حد ولا لعان الا أن ينفى ولدا أو يريد أن يلتعن فيثبت عليها الحد ان لم يلتعن، وإذا قذف رجل امرأته فارتدت عن الاسلام وطلبت حدها لاعن أو حد، لان القذف كان وهى زوجة مسلمة. اه فهذا القول من الشافعي قاطع في أنه يلاعن لنفى الحمل بعد أن يوقف إلى أن تلد. قال المصنف الصحيح أن يلاعن وهى حامل لان الحمل موجود في الظاهر ومحكوم بوجوده، ويترتب على هذا الحمل أحكام في مواطن كثيرة فمثلا لا تعطى الحامل من الارقاء في الدية ولا تؤخذ البهيمة الحامل في الزكاة، ولا يحل زواج الحامل حيت تضع، فكيف ينتظر من وجد امرأته حاملا من غيره حتى تضع فيلاعنها وقد غاظته بهذا الزنا في فراشه، ويمكن حمل قول الشافعي على ما إذا اشتبه عليه الحمل ولم يتحقق وتردد فيه، أو كان محتملا أن يكون انتفاخا أو مرضا من أمراض النساء فلا يلاعن حتى تلد. ويمكن حمل قوليه في النفقة على ما إذا كان حملها غير مقطوع به فتجب نفقتها حتى تلد. أما إذا كان حملها مقطوعا به فقد وجب لها يوما بيوم، وسنأتي على هذا في كتاب النفقات ان شاء الله. على أن قول الشافعي يوقف حتى تلد إذا قصد به الحمل المقطوع به كان مخالفا لحديث " ان جاءت به كذا فهو لابيه، وان جاءت به كذا فهو لفلان " فجاءت به على النعت المكروه، فإذا اعتمدنا أصله " إذا صح الحديث

فهو مذهبي، حملنا قوله على ما إذا كان الحمل غير متيقن، بدليل قوله فإن لم تلد حد. ومن ثم يكون الحمل محتملا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قذف امرأته في نكاح فاسد - فإن لم يكن نسب - لم يلاعن لدرء الحد، لانه قذف غير محتاج إليه، وإن كان هناك نسب - فإن كان ولدا منفصلا - فله أن يلاعن لنفيه، لانه ولد يلحقه بغير رضاه لا ينتفى عنه بغير اللعان، فجاز نفيه باللعان كالولد في النكاح الصحيح، وإن كان حملا فعلى ما ذكرناه من الطريقين. (فصل) وإن ملك أمة لم تصر فراشا بنفس الملك، لانه قد يقصد بملكها الوطئ، وقد يقصد به التمول والخدمة والتجمل، فلم تصر فراشا، فإن وطئها صارت فراشا له، فإن أتت بولد لمدة الحمل من يوم الوطئ لحقه، لان سعدا نازع عبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة فقال عبد: هو أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك، الولد للفراش وللعاهر الحجر " وروى ابن عمر رضى الله عنه أن عمر رضى الله عنه قال " ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يعزلونهن، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا " وإن قذفها وانتفى عن ولدها فقد قال أحمد: أما تعجبون من أبى عبد الله يقول بنفى ولد الامة باللعان، فجعل أبو العباس هذا قولا، ووجهه أنه كالنكاح في لحوق النسب، فكان كالنكاح في النفى باللعان ومن أصحابنا من قال لا يلاعن لنفيه قولا واحدا لانه يمكنه نفيه بغير اللعان وهو بأن يدعى الاستبراء ويحلف عليه، فلم يجز نفيه باللعان بخلاف النكاح، فإنه لا يمكنه نفى الولد فيه بغير لعان، ولعل أحمد أراد بأبى عبد الله غير الشافعي رحمة الله عليهما. (فصل) إذا قذف امرأته بزناءين وأراد اللعان كفاه لهما لعان واحد، لانه في أحد القولين يجب حد واحد، فكناه في إسقاطه لعان واحد، وفى القول

القول الثاني يجب حدان، إلا أنهما حقان لواحد فاكتفى فيهما بلعان واحد، كما يكتفى في حقين لواحد بيمين واحد. وإن قف أربع نسوة أفرد كل واحدة منهم بلعان، لانها أيمان فلم تتداخل فيها حقوق الجماعة، كالايمان في المال. وإن قذفهن بكلمات بدأ بلعان من بدأ بقذفها لان حقها أسبق. وإن قذفهن بكلمة واحدة وتشاححن في البداية أقرع بينهن، فمن خرجت لها القرعة بدأ بلعانها. وإن بدأ بلعان إحداهن من غير قرعة جاز، لان الباقيات يصلن إلى حقوقهن من اللعان من غير نقصان (الشرح) خبر تنازع سعد وعبد بن زمعة أخرجه أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن خلا الترمذي. عن عائشة قالت " اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سعد: يا رسول الله ابن أخى عتبة ابن أبى وقاص عهد إلى أنه ابنه أنظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا أخى يا رسول الله ولد على فراش ابى، فنظر رسول الله إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال: هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة، قال فلم ير سودة قط " وفى رواية أبى داود وأخرى للبخاري " هو أخوك يا عبد " عبد بن زمعة أخو سودة أم المؤمنين. وقوله " الولد للفراش وللعاهر الحجر " سبق القول بتواتره أما خبر ابن عمر فقد رواه الشافعي في الام ولم أره في مسنده في اللعان " ولم يعزه في المنتقى إلى غيره. ومن هذا الحديث يتضح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ألحق الولد بزمعة لانه صاحب الفراش، ودليله أقوى من دليل الشبه، وقد ذهب بعضهم إلى أن قوله هو لك يا عبد بن زمعة، أن " لك " للتمليك، فكأنه لم يلحقه به أخا وإنما ملكه له، بدليل أنه أمر سودة بالاحتجاب منه، فلو كان أخا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه. وفى رواية: احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك. ويجاب على ذلك بأن اللام للاختصاص لا للتمليك.

ويؤيد ذلك ما في رواية " هو أخوك يا عبد " أما أمره لسودة بالاحتجاب فذلك على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لامهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبى وقاص كما في حديث " كيف وقد قيل؟ " أو يكون ذلك مراعاة للشيئين وإعمالا للدليلين، فإن الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعى، وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة. قال ابن القيم: وهذا من أحسن الاحكام وأبينها وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه. وأما الرواية التى فيها " احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك " فقد طعن البيهقى في إسنادها. وقال فيها جرير وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف. أما الاحكام فإنه إذا نكح امرأة نكاح فاسدا ثم قذفها، وبينهما ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه ولا حد عليه، وإن لم يكن يينهما ولد حد ولا لعان بينهما. وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة: يلحقه الولد وليس له نفيه ولا اللعان لانها أجنبية فأشبهت سائر الاجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد. وهذا فاسد لان الولد يلحقه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كما لو كان النكاح صحيحا، ويفارق إذا لم يكن ولد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية. ويفارق سائر الاجنبيات لانه لا يلحقه ولدهن فلا حاجة به إلى قذفهن. ويفارق الزوجة فإنه يحتاج إلى قذفها مع عدم الولد لكونها خانته وغاظته وأفسدت فراشه، فإذا كان له منها ولد فالحاجة موجودة فيهما، وإذا لاعن سقط الحد، لانه لعان مشروع لنفى الحد، فأسقط الحد كاللعان في النكاح الصحيح، وهل يثبت التحريم المؤبد؟ وجهان سيأتي بيانهما وقالت المالكية يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لانها صارت فراشا له. أما إذا كانت حاملا فعلى ما مضى من النكاح الصحيح أما حكم قوله " يعترف سيدها أن قد ألم بها " فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الامة الدعوة، بل يكفى مجرد ثبوت الفراش

وقول الامام أحمد رضى الله عنه: أما تعجبون من قول أبى عبد الله فإن كان يقصد بنسبة مقول القول إلى الامام الشافعي كانت تلك رواية أخرى لم تعرف عن الشافعي إلا عن أحمد متفردا بها، والقاعدة ان في رواية الشيخ عن شيخه مخالفا للاقران غرابة، وقد أخذ بعض أصحابنا بصحة نسبة القول إلى الشافعي كأبى العباس ابن سريج فاعتبره قولا ووجهه أنه كالنكاح وقال المصنف: ولعل أحمد أراد بأى عبد الله غير الشافعي - وهذا أحسن ما أجيب به. (مسألة) إذا قذف امرأته قذفين بزناءين فليس عليه إلا حد واحد، ويكفيه لعان واحد لانه يمين، فإذا كان الحقان لواحد كفته يمين واحدة في أحد القولين، والثانى يجب حدان لانهما حقان، وإن لم يلزمه إلا لعان واحد، ومقتضى القول الاول أنه يكفيه أن يقول: أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزناءين وفارق ما إذا قذف زوجتين حيث لا يكفيه لعان واحد، لان اليمين وجبت لكل واحد منهما فلا تتداخل كسائر الايمان. وإن أقام البينة بالاول سقط عنه موجب الثاني لانه زال إحصانها ولا لعان إلا أن يكون فيه نسب يريد نفيه، وإن أقامها بالثاني لم يسقط الحد الاول وله إسقاطه باللعان الا على قول القاضى، فإنه يسقط بإقامة البينة على الثاني وان قذفها في الزوجية ولاعنها ثم قذفها بالزنا الاول فلا حد عليه لانه قد حققه بلعانه، ومقتضى القول الثاني أن يحد، كما لو قذفها به أجنبي، ولو قذفها به أجنبي أو بزنا غيره فعليه الحد في قول عامة أهل العلم. منهم ابن عباس والزهرى والشعبى والنخعي وقتادة وأحمد وأبو عبيد. وذكر أبو عبيد عن أصحاب الرأى أنهم قالوا: ان لم ينف بلعانها ولدا حد قاذفها، وان نفاه فلا حد على قاذفها لانه منتف عن زوجها بالشرع (فرع) إذا قذف امرأته وأجنبية أو أجنبيا بكلمتين فعليه حدان لهما، فيخرج من حد الاجنبية بالبينة خاصة، ومن حد الزوجة بالبينة أو اللعان، وان قذفهما بكلمة واحدة الا أنه إذا لم يلاعن ولم تقم بينة فهل يحد لهما حدا واحدا أو حدين؟ على قولين. قال في القديم: يحد حدا واحدا، وبه قال أبو حنيفة وزاد، سواء

كان بكلمة أو كلمات، لانهما حدود من جنس فوجب أن تتداخل كحدود الزنا وقال أحمد في احدى روايتيه بقول الشافعي في القديم، والثانى يقام لكل واحد حد بكل حال لانها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون. وقال أحمد في الرواية الاخرى: إذا طالبوا مجتمعين فحد واحد، وان طالبوا متفرقين فلكل واحد حد لانهم إذا اجتمعوا في الطلب أمكن ايفاؤهم بالحد الواحد، وإذا تفرقوا لم يمكن جعل الحد الواحد ايفاء لمن لم يطالب، لانه لا يجوز اقامة الحد له قبل المطالبة منه ولنا أنه إذا قذفهما بكلمة واحدة لا يجزئ حد واحد، لان لكل واحد حقا فوجب لكل واحد حد، كما لو قذف الثاني بعد حد الاول، وهكذا الحكم فيما إذا قذف أجنبيين أو أجنبيات فالتفصيل فيه على ما ذكرناه. وان قذف أربع نسائه فالحكم في الحد كذلك، وان أراد اللعان فعليه أن يلاعن لكل واحدة لعانا مفردا، ويبدأ بلعان التى تبدأ بالمطالبة، فان طالبن جميعا وتشاححن بدأ باحداهن بالقرعة، وان لم يتشاححن بدأ بلعان من شاء منهن. ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة من المشاحة صح، ويحتمل أن يجزئه لعان واحد فيقول: أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميت به كل واحدة من زوجائى هؤلاء الاربع من الزنا، وتقول كل واحدة أشهد بالله انه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، لانه يحصل المقصود بذلك، والاول أصح لان اللعان أيمان فلا تتداخل لجماعة كالايمان في الديون (فرع) إذا أقام البينة على زناها فقذفها آخر فلا حد عليه لانه قد زال احصانها، ولان هذا القذف لم يدخل المعرة عليها، وانما دخلت المعرة بقيام البينة ولكنه يعزر تعزير السب والاذى، وهكذا كل من قامت البينة بزناه لا حد على قاذفه، وبه قال أحمد وأصحاب الرأى، ولكنه يعزر تعزير السب والاذى، ولا يملك الزوج اسقاطه عن نفسه باللعان لما قدمناه وان قذف زوجته ولاعنها ثم قذفها بزنا آخر فعليه الحد لانها بانت منه باللعان وصارت أجنبية الا أن يضيف الزنا إلى حال الزوجية، فعند ذلك ان كان ثم نسب يريد نفيه فله الملاعنة لنفيه والا لزمه الحد ولا لعان بينهما، والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

باب من يصح لعانه وكيف اللعان وما يوجبه من الاحكام

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب من يصح لعانه وكيف اللعان وما يوجبه من الاحكام) يصح اللعان من كل زوج بالغ عاقل مختار، مسلما كان أو كافرا، حرا كان أو عبدا، لقوله عز وجل " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين " ولان اللعان لدرء العقوبة الواجبة بالقذف ونفى النسب، والكافر كالمسلم، والعبد كالحر في ذلك، فأما الصبى والمجنون فلا يصح لعانهما لانه قول يوجب الفرقة فلم يصح من الصبى والمجنون كالطلاق. وأما الاخرس فإنه ان لم يكن له اشارة معقولة ولا كتابة مفهومة لم يصح لعانه لانه في معنى المجنون، وان كانت له اشارة معقولة أو كتابة مفهومة صح لعانه لانه كالناطق في نكاحه وطلاقه، فكان كالناطق في لعانه. وأما من اعتقل لسانه فإنه ان كان مأيوسا منه صح لعانه بالاشارة كالاخرس، وان لم يكن مأيوسا منه ففيه وجهان: (أحدهما) لا يصح لعانه لانه غير مأيوس من نطقه فلم يصح لعانه بالاشارة كالساكت (والثانى) يصح، لان أمامة بنت أبى العاص رضى الله عنها أصمتت فقيل لها الفلان كذا ولفلان كذا؟ فأشارت أي نغم، فرفع ذلك فرؤيت أنها وصية، ولانه عاجز عن النطق يصح لعانه بالاشارة كالاخرس (فصل) وان كان أعجميا، فإن كان يحسن بالعربية فيه وجهان (أحدهما) يصح لعانه بلسانه لانه يمين فصح بالعجمية مع القدرة على العربية كسائر الايمان (والثانى) لا يصح لان الشرع ورد فيه بالعربية فلم يصح بغيرها مع القدرة كأذكار الصلاة، فإن لم يحسن بالعربية لاعن بلسانه لانه ليس بأكثر من اذكار الصلاة واذكار الصلاه تجوز بلسانه إذا لم يحصن بالعربية فكذلك اللعان. وان كان الحاكم لا يعرف لسانه أحضر من يترجم عنه. وفى عدده وجهان بناء على القولين في الشهادة على الاقرار بالزنا (أحدهما) يحتاج إلى أربعة (والثانى) يكفيه اثنان

(الشرح) يستفاد من هذين الفصلين أحكام مسائل وفروع، منها أن اللعان يصح من كل زوجين، سواء كانا مسلمين أو كافرين، عاقلين بالغين، حرين أو عبدين. وقال أحمد في احدى الروايتين رواها ابن منصور: جميع الازواج يلتعنون، الحر من الحرة والامة إذا كانت زوجة. وكذلك المسلم من اليهودية والنصرانية. وقال سعيد ابن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وربيعة ومالك واسحاق: يصح من كل زوجين مكلفين. مسلمين أو كافرين. عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك. وقال أحمد في روايته الاخرى: لا يصح اللعان الا من زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف وروى هذا عن الزهري والثوري والاوزاعي وحماد وأصحاب الرأى، ومأخذ القولين أن اللعان يجمع وصفين اليمين والشهادة، وقد سماه القرآن شهادة وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم يمينا في حديث " لولا الايمان لكان لى ولها شأن " فمن غلب حكم الايمان قال: يصح من كل من يصح يمينه. وهذا مذهبنا ومذهب فقهاء الامصار كافة الا أبا حنيفة، واحدى روايتي أحمد والزهرى والثوري والاوزاعي وحماد فإنهم اعتبروه شهادة دليلنا قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم " وأنه قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم يمينا. ولانه يفتقر إلى اسم الله والى ذكر القسم المؤكد وجوابه، ولانه يستوى فيه الذكر والانثى - بخلاف الشهادة - ولو كان شهادة لما تكرر لفظه بخلاف اليمين فإنه قد يشرع فيها التكرار كأيمان القسامة، ولان حاجة الزوج التى لا تصح منه الشهادة إلى اللعان ونفى الولد كحاجة من تصح شهادته سواء، والامر الذى نزل به مما يدعو إلى اللعان، كالذى ينزل بالعدل الحر، والشريعة الغراء لا ترفع ضرر أحد النوعين وتجعل له مخرجا مما نزل به، وتدع النوع الآخر في الآصار والاغلال، فلعله يكون صادقا فنقضي عليه بأن يكون تيسا أو ديوثا، ولا فرج له ما نزل به ولا مخرج ولا مهرب وأما احتجاج أبى حنيفة وأصحابه ومن قال بقوله من الفقهاء ممن ذكرنا آنفا

فاستدلوا بقوله تعالى " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " - " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " فاستثنى أنفسهم من الشهداء، فلا يقبل إلا من ليس من أهل الشهادة، فردنا عليهم أن الله تعالى سماه شهادة لقوله في يمينه " أشهد بالله " فسمى ذلك شهادة وإن كان يمينا. كما قال تعالى " إذا جاء المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله " اعتبارا بلفظها، وكيف وهو مصرح فيه بالقسم وجوابه. وكذلك لو قال أشهد بالله انعقدت يمينه بذلك، سواء نوى اليمين أو أطلق، والعرب تعد ذلك يمينا في لغتها واستعمالها. قال قيس بن الملوح الشهير بالمجنون: فأشهد عند الله أنى أحبها * فهذا لها عندي فما عندها ليا؟ قال ابن القيم في الهدى: وفى هذا البيت حجة لمن قال: ان قوله أشهد تنعقد به اليمين، ولو لم يقل بالله، كما هو احدى الروايتين عن أحمد. والثانية لا يكون يمينا الا بالنية، وهو قول الاكثرين. كما أن قوله أشهد بالله يمين عند الاكثرين بمطلقه. وأما استثناؤه سبحانه أنفسهم من الشهداء فيقال أولا الا ههنا صفة بمعنى غير، والمعنى ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم، فإن غير وإلا يتعاوضان الوصفية والاستثناء، فيستثنى بغر حملا على الا، ويوصف بإلا، حملا على غير، ويقال ان أنفسهم مستثنين من الشهداء ولكن يجوز أن يكون منقطعا على لغة تميم فإنهم يبدلون في المنقطع كما يبدل الحجازيون في المتصل. وكذلك استثنى أنفسهم من الشهداء لانه نزلهم منزلتهم في قبول قولهم. وهذا قوى جدا على قول من يرجم المرأة بالتعان الزوج إذا نكلت وهو الصحيح كما سيأتي وكما مضى بعضه. والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين اليمين والشهادة، فهو شهادة مؤكدة بالقسم والتكرار، ويمين مغلظة بلفظ الشهادة والتكرار لاقتضاء الحال تأكيد الامر. (فرع) إذا كان زائل العقل لجنون فلا حكم لقذفه لان القلم عنه مرفوع، فإذا أتت امرأته بولد فنسبه لاحق لامكانه، ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله، فإذا عقل فله نفيه حينئذ واستلحاقه، وان ادعى انه كان ذاهب العقل حين قذفه - وأنكرت ذلك - فالحكم لصاحب البينة منهما، والا فالقول قوله (مسألة) الاخرس والخرساء ان كانا معلومى الاشارة والكتابة فهما كالناطقين في القذف واللعان.

وحكى ابن المنذر عن أحمد وأبى عبيد وأصحاب الرأى: إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لانه لا تعلم مطالبتها قال ابن قدامة: وينبغى أن يكون ذلك في الاخرس، وذلك لان اللعان يفتقر إلى الشهادة فلم يصح من الاخرس كالشهادة الحقيقية، ولان الحد يدرأ بالشبهات، والشهادة صريحة كالنطق، فلا يخلو من احتمال وتردد فلا يجب الحد بها كما لا يجب على أجنبي بشهادته. وقال القاضى وأبو الخطاب كقولنا: هو كالناطق في قذفه ولعانه، ويفارق الشهادة لانه يمكن حصولها من غيره فلم تدع الحاجة إلى الاخرس. وفى اللعان لا يحصل الا منه فدعت الحاجة إلى قبوله منه كالطلاق (فرع) إذا قذف الاخرس أو لاعن ثم تكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل انكاره للقذف لانه قد تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر فلا يقبل انكاره، ويقبل انكاره اللعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه النسب ولا تعود الزوجية. فإن قال أنا ألاعن للحد ونفى النسب كان له ذلك لانه انما لزمه باقراره أنه لم يلاعن، فإذا أراد أن يلاعن كان له ذلك فإذا قذفها وهو ناطق ثم خرس وأيسنا من نطقه فحكمه حكم الاصلى، وان رجى عود نطقه وزوال خرسه انتظر به، ويرجع في معرفة ذلك إلى قول طبيبين عدلين من المختصين بالصحة النفسية والعصبية. وقال بعض الاصحاب: انه لا يلاعن في الحالين بالاشارة، لان أمامة بنت أبى العاص أصمتت، فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا؟ فأشارت أن نعم، فرأوا أنها وصية والصحيح الاول. وعند أصحاب أحمد على وجهين. ذكره أبو الخطاب (مسألة) إذا كان أحد الزوجين غير مكلف فلا لعان بينهما لانه قول تحصل به الفرقة ولا يصح من غير المكلف كسائر الايمان، ولا يخلو غير المكلف من أن يكون الزوج أو الزوجة أو هما، وقد مضى لنا في الفصول قبله بحث السن والبلوغ والامكان. فليراجع والخلاصة أن كل موضع لا لعان فيه فالنسب لا حق فيه، ويجب بالقذف موجبه من الحد والتعزير الا أن يكون القاذف صبيا أو مجنونا فلا ضرب فيه

ولا لعان، كذلك قال الثوري ومالك وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأى وابن المنذر وقال: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم (مسألة) إذا كان الزوجان يعرفان العربية لم يجز أن يلتعنا بغيرها، لان اللعان ورد في القرآن بلفظ العربية، وإن كانا لا يحسنان ذلك جاز لهما الالتعان بلسانهما لموضع الحاجة، فان كان الحاكم يحسن لسانهما أجزأ ذلك، وإن لم يكن يعرف لسانهما فلابد من ترجمان، وفى العدد المجزى للترجمة قولان (أحدهما) يجزئ إثنان عدلان، وهو ظاهر قول الخرقى من الحنابلة لانه قال ولا يقبل في الترجمة عن أعجمى حاكم إليه إذا لم يعرف لسانه أقل من عدلين يعرفان لسانه. وذكر أبو الخطاب رواية أخرى عند الحنابلة أنه يجزئ ترجمان واحد، وهو قول أبى حنيفة (الثاني) لا يجزئ أقل من أربعة، بناء على الشهادة في الاقرار بالزنا ففيها هذان القولان (فرع) لو شهد شاهد أنه أقر بالعربية أنه قذفها، وشهد آخر أنه أقر ذلك بالعجمية، فإذا قلنا ان الشاهدين يجزئان تمت الشهادة، وان شهد شاهدان أحدهما أنه قذفها يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذفها يوم الجمعة لم تتم الشهادة، وان شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية وشهد الآخر أنه قذفها بالعجمية لم تتم الشهادة. وان شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية والعجمية وشهد الآخر أنه قذفها بالعربية فقط فقد اكتملت الشهادة إذا قلنا باجزاء الشاهدين لاتفاقهما في لغة واحدة. وعند أصحاب أحمد فيمن شهد أحدهما بالقذف يوم الخميس والآخر بالقذف يوم الجمعة أو شهد أحدهما بالقذف بالعربية والآخر أنه بالعجمية وجهان (أحدهما) تكمل الشهادة، وهو قول أبى بكر ومذهب أبى حنيفة، لان الوقت ليس ذكره شرطا في الشهادة بالقذف وكذلك اللسان، فلم يؤثر الاختلاف كما لو شهدا أحدهما أنه قذفها يوم الخميس بالعربية، وشهد الآخر أنه قذفها يوم الجمعة بالعجمية (الثاني) لا تكمل الشهادة ولنا أنهما قذفان لم تتم الشهادة على واحد منهما فلم تثبت، كما لو شهد أحدهما

أنه تزوجها يوم الخميس وشهد الآخر أنه تزوجها يوم الجمعة، وفارق الاقرار بالقذف فإنه يجوز أن يكون المقر به واحدا أقر به في وقتين بلسانين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح اللعان إلا بأمر الحاكم لانه يمين في دعوى فلم يصح إلا بأمر الحاكم كاليمين في سائر الدعاوى، فإن كان الزوجان مملوكين جاز للسيد أن يلاعن بينهما، لانه يجوز أن يقيم عليهما الحد فجاز أن يلاعن بينهما كالحاكم. (فصل) واللعان هو أن يقول الزوج أربع مرات " أشهد بالله إنى لمن الصادقين " ثم يقول " وعلى لعنة الله إن كنت من الكاذبين " وتقول المرأة أربع مرات " أشهد بالله إنه لمن الكاذبين " ثم تقول " وعلى غضب الله إن كان من الصادقين " والدليل عليه قوله عز وجل " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها ان كان من الصادقين " فإن أخل أحدهما بأحد هذه الالفاظ الخمسة لم يعتد به، لان الله عز وجل علق الحكم على هذه الالفاظ، فدل على أنه لا يتعلق بما دونها، ولانه بينة يتحقق بها الزنا فلم يجز النقصان عن عددها كالشهادة. وإن أبدل لفظ الشهادة بلفظ من ألفاظ اليمين بأن قال: أحلف أو أقسم أو أولى فيه وجهان. (أحدهما) يجوز لان اللعان يمين فجاز بألفاظ اليمين (والثانى) أنه لا يجوز لانه أخل باللفظ المنصوص عليه. وإن أبدل لفظ اللعنة بالابعاد أو لفظ الغضب بالسخط، ففيه وجهان. أحدهما يجوز لان معنى الجميع واحد، والثانى لا يجوز لانه ترك المنصوص عليه، وان أبدلت المرأة لفظ الغضب بلفظ اللعنة لم يجز، لان الغضب أغلظ، ولهذا خصت المرأة به، لان المعرة بزناها أقبح، وإثمها بفعل الزنا أعظم من إثمه بالقذف وإن أبدل الرجل لفظ اللعنة بلفظ الغضب فيه وجهان (أحدهما) يجوز،

لان الغضب أغلظ (والثانى) لا يجوز لانه ترك المنصوص عليه. وان قدم الرجل لفظ اللعنة على لفظ الشهادة أو قدمت المرأة لفظ الغضب على لفظ الشهادة ففيه وجهان (أحدهما) يجوز، لان القصد منه التغليظ وذلك يحصل مع التقديم. (والثانى) لا يجوز لانه ترك المنصوص عليه (الشرح) الاحكام. لا يصح اللعان إلا بأمر الحاكم أو من يقوم مقامه، وهذا مذهب أحمد رضى الله عنه، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ هلال بن أمية أن يستدعى زوجته إليه ولاعن بينهما، ولانه إما يمين واما شهادة، فأيهما كان فمن شرطه الحاكم. وان تراضى الزوجان بغير الحاكم يلاعن بينهما لم يصح ذلك لان اللعان مبنى على التغليظ والتأكيد فلم يجز بغير الحاكم كالحد، هذا إذا كانا حرين، وساوى أحمد بين الحرين والعبدين في وجوب اللعان بمحضر من الحاكم أو من ينوب عنه. أما ألفاظه فقد مضى بيانها وهى هنا على وجهها قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) والمستحب أن يكون اللعان بحضرة جماعة، لان ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد رضى الله عنهم حضروا اللعان بحضرة النبي صلى الله عليه على حداثة سنهم والصبيان لا يحضرون المجالس الا تابعين للرجال، فدل على أنه قد حضر جماعة من الرجال فتبعهم الصبيان، ولان اللعان بنى على التغليظ للردع والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في الردع. والمستحب أن يكونوا أربعة لان اللعان سبب للحد ولا يثبت الحد الا بأربعة، فيستحب أن يحضر ذلك العدد، ويستحب ان يكون بعد العصر لا اليمين فيه أغلظ. والدليل عليه قوله عز وجل " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " قيل هو بعد العصر. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يكلمم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب اليم، رجل حلف يمينا على مال مسلم فاقتطعه، ورجل حلف يمينا بعد صلاة العصر لقد اعطى بسلعته اكثر

مما أعطى وهو كاذب، ورجل منع فضل الماء، فإن الله عز وجل يقول: اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ماء لم تعمله يداك " ويستحب أن يتلاعنا من قيام، لما روى ابن عباس رضى الله عنه في حديث هلال بن أمية " فأرسل اليهما فجاءا فقام هلال فشهد، ثم قامت فشهدت، لان فعله من قيام أبلغ في الردع. واختلف قوله في التغليظ بالمكان فقال في أحد القولين إنه يجب لانه تغليظ ورد به الشرع فأشبه التغليظ بتكرار اللفظ، وقال في الآخر يستحب كالتغليظ في الجماعة والزمان، والتغليظ بالمكان أن يلاعن بينهما في أشرف موضع من البلد الذى فيه اللعان، فإن كان بمكة لاعن بين الركن والمقام، لان اليمين فيه أغلظ. والدليل عليه ما روى أن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رأى قوما يحلفون بين الركن والمقام، فقال أعلى دم؟ قالوا لا، قال أفعلى عظيم من المال؟ فقالوا لا، فقال لقد خشيت أن يبهأ الناس بهذا المقام. وإن كان في المدينة لاعن في المسجد لانه أشرف البقاع بها، وهل يكون على المنبر أو عند المنبر؟ اختلفت الرواية فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حلف عند منبرى على يمين آثمة ولو على سواك من رطب وجبت له النار وروى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من حلف على منبرى هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار، فقال ابو إسحاق ان كان الخلق كثيرا لاعن على المنبر ليسمع الناس، وان كان الخلق قليلا لاعن عند المنبر مما يلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يلاعن على المنبر، لان ذلك علو وشرف والملاعن ليس في موضع العلو والشرف، وحمل قوله على منبرى أي عند منبرى لان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وان كان ببيت المقدس لاعن عند الصخرة لانها أشرف البقاع به وإن كان في غيرها من البلاد لاعن في الجامع، إن كانت المرأة حائضا لاعنت على باب المسجد، لانه أقرب إلى الموضع الشريف.

وإن كان يهوديا لاعن في الكنيسة، وإن كان نصرانيا لاعن في البيعة، وان كان مجوسيا لاعن في بيت النار، لان هذه المواضع عندهم كالمساجد عندنا (الشرح) حديث أبى هريرة الاول أخرجه الشيخان في صحيحيهما. قال العزيزي في السراج المنير " والذين لا يكلمهم الله يوم القيامة لا ينحصرون في الثلاثة، والعدد لا ينفى الزائد " اه وقوله " بعد العصر " خصه لشرفه لانه آخر النهار وقرب أفول الشمس، فينبغي أن لا يكون آخر أعمال المرء سوءا وأشرا. لاسيما وهو وقت اجتماع ملائكة الليل والنهار ورفع الاعمال فيه فغلظت العقوبة وقوله " منع فضل مائه " الحاصل أنه إذا حفرها في موات بقصد الاحياء لنفسه، أي لينتفع بمائها لم يلزمه إلا بذل ما زاد على حاجته، وان حفرها بقصد نفع المسلمين فليس له المنع إلا إذا كان يملكه أما حديث أبى هريرة الثاني فقد أخرجه أبو داود والامام أحمد وابن ماجة بلفظ " لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار " ورجاله ثقات وإسناده صحيح. هكذا في زوائد ابن ماجه لابن حجر. وحديث جابر أخرجه مالك في موطئه في باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الاقضية، وفيه أن زيد بن ثابت وابن مطيع اختصما في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم - وهو أمير على المدينة - فقضى مروان على زيد باليمين على المنبر، فقال زيد أحلف له مكاني، فقال مروان " لا والله إلا عند مقاطع الحقوق " قال فجعل زيد يحلف ان حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب من ذلك قال مالك لا أرى أحدا يحلف على المنبر على أقل من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم. اه - وروى حديث جابر أبو داود في الايمان والنذور " باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم " وأحمد بن حنبل في مسنده، وأخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وله شاهد عن أبى أمامة ابن ثعلبة مرفوعا عند النسائي أيضا

أما الاحكام فإنه يستحب أن يكون اللعان بمحضر جماعة من المسلمين صغارا كانوا أو كبارا، فقد رويت أخبار المتلاعنين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد رواية من حضروها وسمعوا تفصيلاتها وكانوا حدثاء السن، فإن عبد الله بن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا قول الواقدي والزبير بن بكار. قال أهل السير: ولد عبد الله بن عباس في الشعب قبل خروج بنى هاشم منه وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وروينا من وجوه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم - يعنى المفصل - هذه رواية أبى بشر عن سعيد بن جبير، وقد روى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال قبض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ختين، أو قال مختون. قال ابن عبد البر ولا يصح وقال عبد الله بن أحمد، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا شعبة عن ابن اسحاق قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال، تُوُفِّيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابن خمس عشرة سنة. قال عبد الله بن أحمد قال أبى وهذا هو الصواب. قال أبو عمر بن عبد البر وما قاله أهل السير والعلم بأيام الناس عندي أصح والله أعلم - وهو قولهم ان ابن عباس كان ابن ثلاث عشرة سنة يوم تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومات ابن عباس سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير وكان قد أخرجه من مكة إلى الطائف فمات بها وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه محمد ابن الحنفية وكبر عليه أربعا وقال اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب على قبره فسطاطا. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وجوه كثيرة قوله له اللهم علمه الحكمة. اللهم علمه التأويل. اللهم فقهه في الدين أما عبد الله بن عمر فقد أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم. وقيل انه

أسلم قبل أبيه ولا يصح. وأصح من ذلك أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه، واجتمعوا أنه لم يشهد بدرا. واختلف في شهوده أحدا، والصحيح أن أول مشاهده الخندق. وقال الواقدي كان ابن عمر يوم بدر ممن لم يحتلم فاستصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم ورده، وأجازه يوم أحد. وعن نافع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رده يوم أحد لانه كان ابن أربع عشرة سنة، وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة وقد عرف عنه رضى الله عنه الاتباع وشدة التحرى والاحتياط والتوقى في فتواه ويقولون انه من أعلم الصحابة بمناسك الحج، وقد كان مولعا به حتى في أيام الفتنة حيث كان يحج كل عام. أما سهل فهو ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الساعدي الخزرجي الانصاري يكنى أبا العباس. روى ابن عبد البر بإسناده إلى محمد بن اسحاق عن الزهري قال قلت لسهل بن سعد " ابن كم كنت يومئذ - يعنى يوم المتلاعنين؟ - قال ابن خمس عشرة. وروى بإسناده عن الزهري عن سهل أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفى وهو ابن خمس عشرة سنة، وعمر سهل حتى أدرك الحجاج وامتحن به، وتوفى سنة ثمان وثمانين وهو ابن ست وتسعين، وقد بلغ المائة، ويقال انه آخر من بقى بالمدينة مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حكى ابن عيينة عن ابى حازم، سمعت سهل بن سعد يقول " لو مت لم تسمعوا أحدا يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرر هذا فإن هؤلاء الصبيان انما كانوا يحضرون تبعا للرجال، ولان اللعان مبنى على التغليظ والمبالغة في الردع به والزجر، فإن فعله في الجماعة أبلغ في ذلك، ويستحب أن يكون ذلك بعد العصر لتعرض من يحلف كاذبا منهما لغضب الله لحديث " ثلاثة لا يكلمهم الله " الذى ساقه المصنف، كما يستحب أن لا ينقصوا عن أر؟ ؟ ة، لان بينة الزنا الذى شرع اللعان من أجل الرمى به أربعة، وليس شئ من هذا واجبا، كما يستحب أن يتلاعنا قياما، فيبدأ بالزوج حيث يلتعن وهو قائم، فإذا فرغ قامت المرأة فالتمنت وهى قائمة، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال لهلال بن أمية " قم فاشهد اربع شهادات " ولانه إذا قام شاهده الناس

فكان أبلغ في شهرته فاستحب كثرة الجمع وليس ذلك واجبا. وبهذا كله قال أحمد وأبو حنيفة. قال ابن قدامة ولا أعلم فيه مخالفا. قلت إلا فيما يتعلق بالزمان فقد خالفنا فيه أصحاب أحمد وأبو حنيفة. قالوا لان الله تعالى أطلق الامر بذلك ولم يقيده بزمن ولا مكان فلا يجوز تقييده إلا بدليل، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بإحضار امرأته ولم يخصه بزمن، ولو خصه بذلك لنقل ولم يهمل، وخالفهم في ذلك أبو الخطاب من الحنابلة فقال بقولنا ولنا أنه يستحب أن يتلاعا في الازمان والاماكن التى تعظم، ولان حديث " ثلاثة لا يكلمهم الله " وقت في الوعيد على من حلف بعد العصر، فاسب أن يراعى هذا استكمالا لكل معاني الردع والزجر. أما المكان ففيه قولان (أحدهما) أن التغليظ به مستحب كالزمان (والثانى) أنه واجب، لان النبي صلى الله عليه وسلم لاعن عند المنبر فكان فعله بيانا للعان، ومعنى التغليظ بالمكان أنهما إذا كانا بمكة لاعن بينهما بين الركن والمقام فإنه أشرف البقاع، وإن كانا في المدينة فعند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وان كان في سائر البلدان ففى مساجدها، وان كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذى يعتقدان تعظيمه، وان كانا يهوديين أو نصرانيين فالكنيسة، وان كانا غير ذلك - قال القرطبى ان كانا مجوسيين ففى بيت النار، وان كانا وثنيين أو لا دين لهما ففى مجلس حكمه. وان كانت المسلمة حائضا وقلنا ان اللعان بينهما يكون في المسجد وقفت على بابه ولم تدخله، لان ذلك أقرب المواضع إليه. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يصعد الملاعن على المنبر إذ لا يليق بالمنبر أن يصعد عليه ملاعن لشرف المنبر وعلو مكانته، وبكل ما قررنا قال الائمة كافة ولم أعلم لهم مخالفا. قال الشافعي في الام في باب " أين يكون اللعان " فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين بمكة لاعن بينهما بين المقام والبيت - إلى أن قال - وكذلك يلاعن بين كل زوجين في مسجد كل بلد، ويبدأ فيقيم الرجل قائما وامرأة جالسة، فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن، إلا أن يكون بأحدهما علة لا يقدر على القيام معها

فيلتعن جالسا أو مضطجعا إذا لم يقدر على الجلوس. وان كانت المرأة حائضا التعن الزوج في المسجد والمرأة على باب المسجد. وان كان الزوج مسلما والزوجة مشركة التعن الزوج في المسجد والزوجة في الكنيسة وحيث تعظم، وان شاءت الزوجة المشركة أن يحضر الزوج المسلم في المساجد كلها حضرته الا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقوله تَعَالَى " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام بعد عامهم هذا " ثم قال رضى الله عنه " وان أخطأ الامام بمكة أو المدينة أو غيرهما فلاعن بين الزوجين في غير المسجد لم يعد اللعان عليهما لانه قد مضى اللعان عليهما ولانه حكم قد مضى بينهما وكذلك ان لاعن ولم يحضر أحدهما الآخر، قال وإذا كان الزوجان مشركين لاعن بينهما معا في الكنيسه وحيث يعظمان. وإذا كانا مشركين لا دين لهما تحاكما الينا لاعن بينهما في مجلس الحكم. اه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإذا أرادا اللعان فالمستحب للحاكم أن يعظهما لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال والله لقد صدقت عليها، فقالت كذب، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعنوا بينهما " وان كانت المرأة غير برزة بعث إليها الحاكم من يستوفى عليها اللعان، ويستحب أن يبعث معه أربعة (فصل) ويبدأ الزوج ويأمره أن يشهد، لان الله تعالى بدأ به وبدأ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لعان هلال بن أمية، ولان لعانه بينة لاثبات الحق، ولعان المرأة بينة الانكار، فقدمت بينة الاثبات فإن بدأ بلعان المرأة لم يعتد به لان لعانها اسقاط الحد، والحد لا يجب الا بلعان الزوج فلم يصح لعانها قبله، والمستحب إذا بلغ الزوج إلى كلمة اللعنة والمرأة إلى كلمة الغضب أن يعظهما. لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال " لما كان في الخامسة قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وان هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذبنى الله عليها كما لم

يحلدنى عليها فشهد الخامسة، فلما كانت الخامسة قيل لها اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " ويستحب أن يأمر من يضع يده على فيه في الخامسة، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أمر رجلا أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول إنها موجبة " (فصل) وإن لاعن وهى غائبة لحيض أو موت قال أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميت به زوجتى فلانة، ويرفع في نسبها حتى تتميز. وإن كانت حاضرة ففيه وجهان أحدهما يجمع بين الاشارة والاسم، لان مبنى اللعان على التأكيد، ولهذا تكرر فيه لفظ الشهادة، وإن حصل المقصود بمرة والثانى أنه تكفيه الاشارة لانها تتميز بالاشارة كما تتميز في النكاح والطلاق (فصل) وإن كان القذف بالزنا كرره في الالفاظ الخمسة، فإن قذفها بزناءين ذكرهما في الالفاظ الخمسة، لانه قد يكون صادقا في أحدهما دون الآخر فإن سمى الزانى بها ذكره في اللعان في كل مرة، لانه ألحق به المعرة في إفساد الفراش فكرره في اللعان كالمرأة. فإن قذفها بالزنا وانتفى من الولد قال في كل مرة وأن هذا الولد من زنا وليس منى، فإن قال هذا الولد ليس منى ولم يقل من زنا لم ينتف لانه يحتمل أن يريد أنه ليس منى في الخلق أو الخلق. وان قال هذا الولد من زنا ولم يقل وليس منى ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول القاضى أبى حامد المروروذى أنه ينتفى منه لان ولد الزنا لا يلحق به (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى أنه لا ينتفى لانه قد يعتقد أن الوطئ في النكاح بلا ولى زنا على قول أبى بكر الصيرفى فوجب أن يذكر أنه ليس منى لينتفي الاحتمال (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ويبدأ الرجل باللعان حتى يكمله، فإذا أكمله خمسا التعنت المرأة، وإن أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة فالتعنت ولو لم يبق من

لعان الرجل إلا حرف واحد من قبل أن الله عز وجل بدأ بالرجل في اللعان فلا يجب على المرأة لعان حتى يكمل الرجل اللعان، لانه لا معنى لها في اللعان الا إذا رفع الحد عن نفسها، والحد لا يجب حتى يلتعن الرجل ثم يجب لانها تدفع الحد عن نفسها وإلا حدت. وإذا بدأ الرجل فالتعن قبل أن يأتي الحاكم أو بعدما أتاه قبل أن يأمره بالالتعان أو المرأة أو هما أعاد أيهما بدأ قبل امر الحاكم إياه بالالتعان، لان ركانة أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بطلاق امرأته البتة وحلف له فأعاد النبي صلى الله عليه اليمين على ركانة ثم رد إليه امرأته بعد حلفه بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يرد امرأته إليه قبل حلفه بأمره. اه إذا تقرر هذا فإن ألفاظه خمسة في حق كل واحد منهما، وصفته أن الامام يبدأ بالزوج فيقيمه ويقول له: قل أربع مرات ويلقنه الصيغة التى مضى ذكرها ثم يشير إليها ويشير إلى نسبها وتسميتها، وان كانت غائبة أسماها ونسبها فقال، امرأتي فلانة بنت فلان ويرفع في نسبها حتى ينفى المشاركة بينها وبين غيرها، فإذا شهد أربع مرات وقفه الحاكم وقال له: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وكل شئ أهون من لعنة الله، ويأمر رجلا فيضع يده على فيه حتى لا يبادر بالخامسة قبل الموعظة، ثم يأمر الرجل فيرسل يده عن فيه فإن رآه يمضى في ذلك قال له: قل وأن لعنة الله على ان كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتى هذه من الزنا، ثم يأمر المرأة بالقيام ويقول لها: قولى أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه، وان كان غائبا أسمته ونسبته، فإذا كررت ذلك أربع مرات وقفها ووعظها كما ذكرنا في حق الزوج، ويأمر امرأة فتضع يدها على فيها، فإن رآها تمضى على ذلك قال لها قولى وأن غضب الله عليها إن كان زوجي هذا من الصادقين فيما رماني به من الزنا. وسئل أحمد بن حنبل رضى الله عنه: كيف يلاعن؟ قال على ما في كتاب الله ثم ذكر ما قررناه من صفة اللعان، فإن أبدل لفظا منها فظاهر كلام الاصحاب أن فيه وجهين (أحدهما) أنه يعتد به، وهو ما ذهب إليه الخرقى من الحنابلة

أنه يجوز أن يبدل قوله: إنى لمن الصادقين بقوله لقد زنت لان معناهما واحد، ويجوز لها إبدال انه لمن الكاذبين بقولها لقد كذب. لانه ذكر صفة اللعان كذلك واتباع لفظ النص أول وأحسن. وإن أبدل لفظة أشهد بلفظ من ألفاظ اليمين فقال. أحلف أو أقسم أو أولى فكذلك مثله، وان كان الصحيح في هذا الاخير لا يصح، لان ما اعتبر فيه لفظ الشهادة لم يقم غيره مقامه كالشهادات في الحقوق، ولان اللعان يقصد فيه التغليظ واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ فلم يجز تركه، ولهذا لم يجز أن يقسم بالله من غير كلمة تقوم مقام أشهد. وأما موعظة الامام لهما بعد الرابعة وقبل الخامسة فهى مستحبة في قول أكبر أهل العلم. وكذلك وضع يد على في الملاعن لما رواه أبو إسحاق الجوزجانى بإسناده في حديث المتلاعنين قال " فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين، ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه وقال: ويحك كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم دعاها فقرأ عليها فشهدت أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين، ثم أمر بها فأمسك على فيها وقال: ويحك كل شئ أهون عليك من عذاب الله. وذكر الحديث " قال الشافعي في الام: ثم تقام المرأة فتقول أشهد بالله ان زوجي فلانا وتشير إليه ان كان حاضرا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات، فإذا فرغت من الرابعة وقفها الامام وذكرها الله تبارك وتعالى وقال لها: احذري أن تبوئى بغضب من الله عز وجل إن لم تكوني صادقة في أيمانك، فإن رآها تمضى وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها، وان لم تحضرها فرآها تمضى قال لها: قولى وعلى غضب الله ان كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا، فإذا قالت ذلك فقد فرغت من اللعان، وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما أن سفيان أخبرنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال إنها موجبة

(مسألة) إذا كان بينهما ولد فإنه يشترط أن يقول: هذا الولد من زنا وليس هو منى، لانه إذا اقتصر على قوله: ليس هو منى - يعنى في الخلق أو أو في الخلق، ولم نقتصر على قوله من زنا لانه قد يعتقد أن الوطئ في نكاح فاسد زنا فأكدنا بذكرهما جميعا. وقال ابن قدامة من الحنابلة: إن نفى الولد في اللعان فاكتفى به كان كمن ذكر اللفظين، وما ذكروه من التأكيد تحكم بغير دليل، ولا ينتفى الاحتمال بضم احدى اللفظتين إلى الاخرى فإنه إذا اعتقد أنه من وطئ فاسد واعتقد أن ذلك زنا صح منه أن يقول اللفظين جميعا، وقد يرد أنه لا يشبهني خلقا وخلقا أو أنه من وطئ فاسد، فإن لم يذكر الولد في اللعان لم ينتف عنه، وان أراد نفيه أعاد اللعان ويذكر نفى الولد. اه هذه المسألة لاصحابنا فيها وجهان (أحدهما) قول القاضى أبى حامد المروروذى أنه إذا نسبه إلى الزنا ولم ينفه عن نفسه فقد انتفى منه، لان ولد الزنا لا يلحق به فكان نفيه بالزنا كافيا في أن لا يلحق به (والثانى) قول الشيخ أبى حامد الاسفرايينى أن نسبته إلى الزنا لا يكفى في نفيه لانه قد يعتقد أن الوطئ في النكاح بلا ولى زنا، لان أبا بكر الصيرفى من أصحابنا يقول " ان النكاح بلا ولى زنا " وبقوله هذا قال كثير من الفقهاء والمحدثين لحديث " أيما امرأة نكحت بغير وليها فهى زانية، فهى زانية، فهى زانية " وقد مضى تخريجه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا لاعن الزوج سقط عنه ما وجب بقذفه من الحد أو التعزير وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباس رضى الله عنه " أن هلال بن أمية قذف امرأته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البينة أو حد في ظهرك، فقال هلال والذى بعثك بالحق انى لصادق، ولينزلن الله في امرى ما يبرئ ظهرى من الحد فنزلت " والذين يرمون ازواجهم " فسرى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا، فقال هلال قد كنت أرجو

ذلك من ربى عز وجل " وإن قذفها برجل فسماه في اللعان سقط عنه حده، لانه سماه في اللعان فسقط حده كالمرأة، فإن لم يسمه في اللعان فيه قولان (أحدهما) يسقط حده لانه أحد الزانيين فسقط حده باللعان كالزوجة (والثانى) لا يسقط حده لانه لم يسمه في اللعان فلم يسقط حده كالزوجة إذا لم يسمها، فعلى هذا إذا أراد إسقاط حده استأنف اللعان وذكره وأعاد ذكر الزوجة. (فصل) وإن نفى باللعان نسب ولد انتفى عنه لما روى ابن عمر رضى الله عنه " أن رجلا لاعن امرأته فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وانتفى عن ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة " فان لم يذكر النسب في اللعان أعاد اللعان لانه لم ينتف باللعان الاول (الشرح) حديث عبد الله بن عباس سبق تخريجه حيث قلنا رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني. وحديث ابن عمر أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني أما غريبه فقوله " فسرى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أي كشف، كأنه هم كشفه الله عنه صدره. قال ابن بطال: ومثله الحديث الآخر " فإذا مطرت السحابة سرى عنه " أي كشف عنه الخوف. قال ابن الصباغ في الشامل: قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآية. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قصة عويمر العجلاني " إن الله قد أنزل فيك وفى صاحبتك " فمعناه ما نزل في قصة هلال بن أمية. أما الاحكام فانه إذا قذف امرأته بالزنا برجل بعينه فقد قذفهما، فان سماه سقط عنه حده لانه سماه وإن لم يسمه ففيه قولان. أحدهما يسقط حده، وبهذا قال أصحاب أحمد وأبو حنيفة ومالك. والثانى لا يسقط حده لانه لم يسمه في اللعان فلم يسقط. فان لم يلاعن فلكل واحد منهما المطالبة، وأيهما طالب حد له. ومن لم يطالب قال بعض أصحابنا يجب الحد مطلقا. وقال بعض أصحاب أحمد: القذف

للزوجة وحدها ولا يتعلق بغيرها حق في المطالبة ولا في الحد، لان هلال بن أمية قذف زوجته في شريك بن سحماء فلم يحده النبي صلى الله عليه وسلم ولا عزره، ولان اللعان بينة في أحد الطرفين، ولا خلاف عندنا انه إذا لاعن وذكر الأجنبي إنه يسقط عنه حده. وإن لم يذكره فعلى قولين مضيا (فرع) استدل بحديث ابن عمر على أن الولد ينتفى باللعان، وأن يذكر في صيغة اللعان، وعن أحمد أنه ينتفى بمجرد اللعان وإن لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان. قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر، لانه لو استلحقه لحقه، وإنما يؤثر اللعان دفع حد القاذف عنه وثبوت زنا المرأة قال الشافعي رضى الله عنه إن نفى الولد في الملاعنة انتفى، وان لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة. وان أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة، واستدل بالحديث أيضا على أنه لا يشترط في نفى الولد التصريح بأنها ولدته من زنا ولا بأنه استبرأها بحيضة. وقد مضى إيضاحه. وعن المالكية أنه يشترط ذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب على المرأة حد الزنا، لانه بينة حقق بها الزنا عليها فلزمها الحد كالشهادة، ولا يجب على الرجل الذى رماها به حد الزنا، لانه لا يصح منه درء الحد باللعان فلم يجب عليه الحد باللعان (فصل) وان كان اللعان في نكاح صحيح وقعت الفرقة لحديث ابن عمر رضى الله عنه وحرمت عليه على التأبيد لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال " مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا " فان كان اللعان في نكاح فاسد، أو كان اللعان بعد البينونة في زنا أضافه إلى حال الزوجية فهل تحرم المرأة على التأبيد؟ فيه وجهان. أحدهما تحرم، وهو الصحيح، لان ما أوجب تحريما مؤبدا إذا كان في نكاح أوجبه، وان لم يكن في نكاح كالرضاع (والثانى) لا يحرم، لان التحريم تابع للفرقة ولم يقع بهذا اللعان فرقة فلم يثبت به تحريم.

(فصل) وللمرأة أن تدرأ حد الزنا عنها باللعان لقوله عز وجل " ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين " ولا تذكر المرأة النسب في اللعان، لانه لا مدخل لها في إثبات النسب ولا في نفيه. (فصل) إذا لاعن الزوج ثم أكذب نفسه وجب عليه حد القذف إن كانت المرأة محصنة، أو التعزير إن لم تكن محصنة ولحقه النسب لان ذلك حق عليه فعاد بتكذيبه، ولا يعود الفراش ولا يرتفع التحريم، لانه حق له فلا يعود بتكذيبه نفسه، وإن لاعنت المرأة ثم أكذبت نفسها وجب عليها حد الزنا لانه لا يتعلق بلعانها أكثر من سقوط حق الزنا وهو حق عليها فعاد بإكذابها (الشرح) حديث ابن عمر الذى ذكرناه آنفا، وحديث سهل بن سعد الذى أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني، وقد مضى بلفظه، وفيه قصة عويمر العجلاني، وسياق المصنف يفيد أن عبارة " مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان " من قول سهل بن سعد، بيد أن الروايات التى في الكتب المذكورة قال ابن عمر " فكانت سنة المتلاعنين " وفى رواية متفق عليها، أي في مسند أحمد والصحيحين " ذاكم التفريق بين كل متلاعنين، وفى لفظ لاحمد ومسلم " وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين " وزاد أبو داود عن القعنبى عن مالك فكانت تلك - وهى إشارة إلى الفرقة. وقال مسلم إن قوله وكان فراقه اياها سنة بين المتلاعنين مدرج (1) وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك اختلاف الرواة على ابن شهاب. وذكر ذلك الشافعي في الام إلى أن نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل، ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لابي داود عن سهل قال " فطلقها ثلاث تطليقات عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنقذه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ما صنع عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ (1) المدرج هو أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوى فيحسبها من يسمعها مرفوعة في الحديث فيرويها، وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب في ذلك كتابا حافلا سماه: فصل الواصل لما أدرج في النقل، وقد يكون الادراج في الاسناد على تفصيل نذكره في مناسبته

سنة. وفى نسخة الصغانى قال أبو عبد الله - يعنى البخاري - قوله " ذلك تفريق بين المتلاعنين " من قول الزهري وليس من الحديث أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ومتى التعن الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت - إلى أن قال - وان امتنعت من اليمين وهى مريضة فكانت ثيبا رجمت. اه (قلت) ولا يجب اقامة الحد على الرجل الذى زنى بها، لاننا إذا قلنا يجب أن يقام الحد عليها ببينة الزنا بلعان الزوج فإنه يدرأ عنها الحد أن تلاعنه. وإذا كان على الزوج حد القذف فإنه يدرأ عنه ذلك بلعانه. أما الذى رميت به فليس له أن يشترك في الملاعنة ليدرأ عن نفسه فعلا يجب عليه الحد لاجله، فلم يكن عليه حد، وبصورة أخرى نقول لما كان اللعان لدرء الحد، ولما كان لا لعان عليه كان لا حد عَلَيْهِ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا بحال، وان أكذب نفسه لم تعد إليه التعنت أو لم تلتعن، حدت أو لم تحد، قال وانما قلت هذا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الولد للفراش " وكانت فراشا فلم يجز أن ينفى الولد عن الفراش الا بأن يزول الفراش فلا يكون فراش أبدا. ثم ساق حديث ابن عمر ثم قال " وكان معقولا في حكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه عن أبيه بيمينه والتعانه لا بيمين أمه على كذبه بنفيه، ومعقول في اجماع الناس أن الزوج إذا أكذب نفسه ألحق به الولد وجلد الحد، لان لا معنى للمرأة في نفيه، وأن المعنى للزوج بما وصفت من نفيه، وكيف يكون لها معنى في يمين الزوج ونفى الولد والحاقه، والولد بكل حال ولدها لا ينفى عنها انما عنه ينفى واليها ينسب إذا نسب (فرع) سبق أن قلنا ان مذهبنا حصول الفرقة بلعان الزوج وحده وان لم تلتعن المرأة لانها فرقة حاصلة بالقول فتحصل بقول الزوج وحده كالطلاق. وقال سائر الائمة ان الشرع ان أمر بالتفريق بين المتلاعنين، وانما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بعد تمام اللعان منهما. فإذا قلنا بأن اللعان منه يوجب الفرقة بينهما وتحرم

عليه على التأبيد إذا كان نكاحهما صحيحا. أما إذا كان النكاح فاسدا أو بعد بينونة في زنا أضافه إلى حال الزوجية، فهل تكون محرمة على التأبيد؟ وجهان ذكرهما المصنف. (فرع) الفرقة باللعان فسخ عندنا. وقال أبو حنيفة: هي طلاق لانها فرقة من جهة الزوج تختص النكاح فكانت طلاقا كالفرقة بقوله أنت طالق. ولنا أنها فرقة توجب تحريما مؤبدا فكانت فسخا كفرقة الرضاع، ولان اللعان ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يكن طلاقا كسائر ما ينفسخ به النكاح وبهذا قال أحمد وأصحابه، واستدلوا كذلك بكونه لو كان طلاقا لوقع بلعان الزوج دون لعان المرأة. (فرع) قوله " إذا لاعن الزوج ثم أكذب نفسه الخ " فجملة ذلك أن الرجل إذا قذف امرأته ثم أكذب نفسه فلها عليه الحد، سواء أكذبها قبل لعانه أو بعده. وقوله " أكذب نفسه " قال في المصباح شرح غريب الشرح الكبير للرافعي وأكذب نفسه وكذبها بمعنى اعترف بأنه كذب في قوله السابق قال الكسائي: وتقول العرب أكذبته بالالف إذا أخبرت بأن الذى حدث كذب. انتهى وهذا أصرح ما في النعوت من حكاية غير الواقع، وترى الفقهاء ينزهون ألسنتهم فيما بينهم عن استعمال هذه الكلمة فيقولون عند احتمال الكذب: ليس الامر كذلك. وعند احتمال الغلط أو التلبيس يقولون: لا نسلم ويشيرون إلى المطالبة بالدليل تارة والى الخطأ في النقل تارة والى التوقف تارة، فإذا أغلظوا في الرد قالوا ليس كذلك وليس بصحيح، وقد رأيت بعض من يتسمون بسمات العلم في عصرنا يتراشقون بالتكذيب وما هو أشد منه في أمور خلافية، فيخرجون عن آداب البحث وعن حياء أهل المجادة من حملة العلم العاملين ونعود فنقول وجب على الزوج حد القذف بعد الاكذاب، وبهذا قال أحمد وأبو ثور وأصحاب الرأى ومالك ولا نعلم لهم مخالفا، وذلك لان اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج فإذا أكذب نفسه بان أن لعانها كذب وزيادة في هتكها وتكرار لقذفها فلا أقل من أن يجب الحد الذى كان واجبا بالقذف المجرد للحرة البالغة،

فالصبية ليست محصنة وكذلك غير الحرة، فإن عاد عن اكذاب نفسه وقال لى بينة أقيمها بزناها أو أراد اسقاط الحد عنه باللعان لم يسمع من خلافه، وهذا فيما إذا كانت المقذوفة محصنة، فإن كانت على محصنة فعليه التعزير، وفى ذلك كله يلحقه نسب الولد، سواء كان الولد حيا أو ميتا، غنيا أو فقيرا، وبهذا قال أحمد وأبو ثور. وقال الثوري: إذا استلحق الولد الميت نظرنا - فإن كان ذا مال - لم يلحقه لانه انما يدعى مالا، وان لم يكن ذا مال لحقه وقال أصحاب الرأى: ان كان الولد الميت ترك ولدا ثبت نسبه من المستلحق وتبعه نسب ابنه، وان لم يكن ترك ولدا لم يصح استلحاقه ولم يثبت نسبه ولا يرث منه المدعى شيئا لان نسبه منقطع بالموت فلم يصح استلحاقه، فإذا كان له ولد كان مستلحقا لولده وتبعه نسب الميت دليلنا أن هذا ولد نفاه باللعان فكان له استلحاقه كما لو كان حيا أو كان له ولد ولان ولد الولد يتبع نسب الولد، وقد جعل ابو حنيفة نسب الولد تابعا لنسب ابنه فجعل الاصل تابعا للفرع وذلك باطل فأما قول الثوري انه انما يدعى مالا، قلنا انما يدعى النسب والميراث والمال تبع له، فان قيل هو متهم في أن غرضه حصول الميراث. قلنا ان النسب لا تمنع التهمة لحوقه، بدليل انه لو كان له أخ يعاديه فأقر بابن لرمه وسقط ميراث أخيه ولو كان الابن حيا وهو غنى والاب فقير فاستلحقه فهو متهم في ايجاب نفقته على ابنه ويقبل قوله، فكذلك ههنا، ثم كان ينبغى أن يثبت النسب ههنا لانه حق للولد ولا تهمة فيه، ولا يثبت الميراث المختص بالتهمة، ولا يلزمه من انقطاع التبع انقطاع الاصل ونخلص من كل ما سبق أن أربعة أحكام تعلقت باللعان، حقان عليه وحقان له، فما عليه وجوب الحد ولحوق النسب، وما له الفرقة والتحريم المؤبد، فإذا أكذب نفسه قبل قوله فيما عليه، فلزمه الحد والنسب فلم يقبل فيما له، فلم تزل الفرقة أو التحريم المؤبد وعن أحمد رواية: ان أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله. قال ابن قدامة هي رواية شاذة شذ بها حنبل عن أصحابه

(فرع) للمرأة في ملاعنته حق نفى الزنا ودرء الحد عن نفسها فإن هي أكذبت نفسها بعد أن لاعنته وجب أن يقام الحد عليها لان حق الزنا عليها قد أضاعته بلعانها فعاد بإكذابها. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن مات الزوج قبل اللعان وقعت الفرقة بالموت وورثته الزوجة لان الزوجية بقيت إلى الموت، فإن كان هناك ولد ورثه، لانه مات قبل نفيه، وما وجب عليه من الحد أو التعزير بقذفها سقط بموته، لانه اختص ببدنه وقد فات، وإن ماتت الزوجة قبل لعان الزوج وقعت الفرقة بالموت وورثها الزوج، لان الزوجية بقيت إلى الموت، وإن كان هناك ولد فله أن يلاعن لنفيه، لان الحاجة داعية إلى نفيه، فإن طالبه ورثتها بحد القذف لاعن لاسقاطه، ولا يسقط من الحد لو لم يلاعن شئ لحقه من الارث كما يسقط ما لها عليه من القصاص، لان القصاص ثبت مشتركا بين الورثة، فإذا سقط ما يخصه بالارث سقط الباقي وحد القذف يثبت جميعه لكل واحد من الورثة، ولهذا لو عفا بعضهم عن حقه كان للباقين أن يستوفوا الجميع، فان مات الولد قبل أن ينفيه باللعان جاز له نفيه باللعان، لانه يلحقه نسبه بعد الموت فجاز له نفيه، وإذا نفاه لم يرثه لانا تبينا باللعان أنه لم يكن ابنه. (فصل) إذا قذف امرأته وامتنع من اللعان فضرب بعض الحد ثم قال أنا ألاعن سمع اللعان وسقط ما بقى من الحد، وكذلك إذا نكلت المرأة عن اللعان فضربت بعض الحد، ثم قالت أنا ألاعن سمع اللعان وسقط بقية الحد، لان ما أسقط جميع الحد أسقط بعضه كالبينة (فصل) إذا قذفها ثم تلاعنا ثم قذفها نظرت - فان كان بالزنا الذى تلاعنا عليه - لم يجب عليه حد لان اللعان في حقه كالبينة، ولو أقام البينة على القذف ثم أعاد القذف لم يجب الحد، فكذلك إذا لاعن وإن قذفها بزنا آخر ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يجب الحد، لان اللعان في حقه كالبينة، ثم بالبينة يبطل إحصانها فكذلك باللعان (والثانى) يجب عليه

الحد، لان اللعان لا يسقط إلا ما يجب بالقذف في الزوجية لحاجته إلى قذف الزوجة، وقد زالت الزوجية باللعان فزالت الحاجة إلى القذف فلزمه الحد، وان تلاعنا ثم قذفها أجنبي حد، لان اللعان حجة يختص بها الزوج فلا يسقط به الحد عن الأجنبي فان قذفها ولاعنها ونكلت عن اللعان فحدت فقد اختلف أصحابنا فيها، فقال أبو العباس: لا يرتفع احصانها إلا في حق الزوج، فان قذفها أجنبي وجب عليه الحد لان اللعان حجة اختص بها الزوج فلا يبطل به الاحصان إلا في حقه. وقال أبو إسحاق: يرتفع احصانها في حق الزوج والاجنبى، فلا يجب على واحد منهما الحد بقذفها، لانها محدودة في الزنا فلم يحد قاذفها، كما لو حدت بالاقرار أو البينة (الشرح) الاحكام: إذا قذفها ثم مات قبل لعانها أو قبل اتمام لعانه سقط اللعان ولحقه الولد وورثته في قول جميع الفقهاء، ولان اللعان لم يوجد فلم يثبت حكمه. وان مات بعد أن أكمل لعانه فقد بانت بلعانه ولو لم تلاعن هي، وسقط التوارث بينهما وانتفى الولد ولزمها الحد الا أن تلتعن وقال أحمد: ان مات بعد أن أكمل لعانه وقبل لعانها فكمن مات قبل أن يتم لعانه أو قبل أن يلاعن يسقط اللعان ويلحقه الولد وترثه. لان أحكام اللعان مترتبة على اللعان عنده. وتمامه أن تلاعن هي دليلنا قول ابن عباس رضى الله عنهما: ان التعن لم يرث. ونحو ذلك عن الشعبى وعكرمة. لان اللعان يوجب فرقة تبين بها فيمنع التوارث. كما لو التعن في حياتها وقال أحمد: ان مات على الزوجية فورثها كما لو لم يلتعن. ولان اللعان سبب الفرقة فلم يثبت حكم بعد موتها كالطلاق. وفارق اللعان في الحياة فانه يقطع الزوجية. على أنهم قالوا: لو لاعنها ولم تلتعن هي لم تنقطع الزوجية أيضا فههنا أولى. وقال الشافعي رضى الله عنه " ان كان ثم ولد يريد نفيه فله أن يلتعن " وهذا ينبنى على أصل - وهو أن اللعان انما يكون بين الزوجين - فان لعان الرجل وحده يثبت به الحكم. وعند أحمد بخلاف ذلك. فان كانت طالبت بالحد في حياتها - فان كان للمرأة وارث غير الزوج - فله اللعان ليسقط الحد عن

نفسه، وإلا فلا لعدم الحاجة إليه. وقال أصحاب أحمد: إن أولياءها يقومون في الطلب به مقامها - فإن طولب به فله إسقاطه باللعان وإلا فلا، لانه لا حاجة إليه مع عدم الطلب فإنه لا حد عليه (فرع) إذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد فإنه يورث كالمطالب سواء بسواء، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَرَكَ حقا فلورثته " ولانه حق ثبت في الحياة يورث إذا طالب به فيورث وإن لم يطالب به كحق القصاص وقال أحمد: إنه حد تعتبر فيه المطالبة فإذا لم يوجد الطلب من المالك لم يجب كحد القطع في السرقة. (فرع) فإن لم يكذب نفسه ولكن لم يكن له بينة ولم يلاعن أقيم عليه، فإن أقيم عليه بعضه وقال أنا ألاعن قبل منه لان اللعان يسقط جميع الحد فيسقط بعضه كالبينة، فإن ادعت زوجته أنه قذفها بالزنا فأنكر فأقامت عليه بينة أنه قذفها بالزنا، فقال صدقت البينة وليس ذلك قذفا، لان القذف الرمى بالزنا كذبا وأنا صادق فيما رميتها به لم يكن ذلك إكذابا لنفسه لانه مصر على رميها بالزنا، وله إسقاط الحد باللعان، ومذهب أحمد رضى الله عنه في هذا كمذهبنا وكذلك نقول فيمن نكلت عن اللعان فضربت بعض الحد ثم قالت أنا ألاعن فإنه يسقط ما بقى من الحد، لان اللعان يسقط الحد كله، فلان يسقط بعضه أولى ولان اللعان قام مقام البينة فأوقف الحد وأسقط باقيه (مسألة) إن قذفها في الزوجية ولاعنها ثم قذفها بالزنا الاول فلا حد عليه لانه قد حققه بلعانه، وعند أصحاب أحمد يحتمل أن يحد كما لو قذفها به أجنبي. أما إذا قذفها بزنا آخر ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجب عليه الحد، لان الله تعالى قال " والذين يرمون المحصنات " فاشترط لاقامة الحد بالقذف أن تكون المقذوفة منعوتة بالاحصان، فإذا لاعنها فقد زال إحصانها، لان اللعان كالبينة. (والثانى) يجب عليه الحد، لان اللعان لا يسقط إلا ما يجب بالقذف في الزوجية لحاجته إليه، وقد صارت باللعان أجنبية عنه فزالت الحاجة إلى القذف، وفى القذف بغير حاجة إشاعة للفاحشة بين الذين آمنوا فوجب الحد. وبهذا قال

ابن عباس والزهرى والشعبى والنخعي وقتادة ومالك وأبو عبيد وأحمد بن حنبل، (فرع) إذا قذفها أجنبي بعد لعانه فإن كانت قد درأت عن نفسها الحد باللعان أقيم على الأجنبي الحد قولا واحدا، وان نكلت فقد اختلف أصحابنا، فعلى قول أبى العباس بن سريج يجب حده لانه لم يرتفع احصانها الا في حق الزوج. وعلى قول أبى اسحاق المروزى يرتفع احصانها مطلقا فلا يجب على أحد الحد بقذفها، لانها محدودة باللعان كما لو حدت بالاقرار أو بالبينة قال ابن قدامة: فأما ان أقام بينة فقذفها قاذف بذلك الزنا أو بغيره فلا حد عليه لانه قد زال احصانها، ولان هذا القذف لم يدخل المعرة عليها، وانما دخلت المعرة بإقامة البينة، ولكنه يعزر تعزير السب والاذى. وهكذا كل من قامت البينة بزناه لا حد على قاذفه. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأى، ولكنه يعزر تعزير الاذى والسب ولا يملك الزوج اسقاطه عن نفسه باللعان لما قدمناه. اه. والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل. تم الجزء السابع عشر ويليه الجزء الثامن عشر وأوله كتاب الايمان

الجزء الثامن عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب للامام أبي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء الثامن عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الأيمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الأيمان (باب من تصح يمينه وما تصح به اليمين) تصح اليمين من كل مكلف مختار قاصد إلى اليمين لقوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان " وأما غير المكلف كالصبي والمجنون والنائم فلا تصح يمينه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ولانه قول يتعلق به وجوب حق فلا يصح من غير مكلف كالبيع، وفيمن زال عقله بالسكر طريقان على ما ذكرناه في الطلاق. وأما المكره فلا تصح يمينه لما روى واثلة بن الاسقع وأبو أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " ليس على مقهور يمين " ولانه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح، كما لو أكره على كلمة الكفر. وأما من لا يقصد اليمين وهو الذي يسبق لسانه إلى اليمين، أو أراد اليمين على شئ فسبق لسانه إلى غيره فلا تصح يمينه لقوله عز وجل " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " وروى عن أبن عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أنهم قاوا " هو قول الرجل لا والله، ويلي والله " ولان ما سبق إليه اللسان من غير قصد لا يؤاخذ به، كما لو سبق لسانه إلى كلمة الكفر. (الشرح) قوله تعالى " باللغو " مصدر لغا يلغو ويلغي وبابه نصر وعلم إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لاخير فيه. قال ابن بطال بما لاقصد له فيه. وفي الحديث " إذا قلت لصاحبك والامام يخطب أنصت فقد لغوت " ولفظ أبى هريرة " فقد لغيت " قال العجاج ورب أسراب حجيج كظئم عن اللغا ورفث التكلم وقال الفرزدق: ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم

واختلف في سبب نزول الآية، فقال ابن عباس سبب نزولها الرهط الذين حرموا طيبات المطاعم والملابس والمناكح على أنفسهم، حلفوا على ذلك، فلما نزلت " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " قالوا كيف نصنع بأيماننا؟ فنزلت هذه الآية. قال القرطبي والمعنى على هذا القول، إذا أتيتم باليمين ثم ألغيتموها، أي أسقطتم حكمها بالتكفيرة وكفرتم فلا يؤاخذكم الله بذلك، وإنما يؤاخذكم بما أقمتم عليه فلم تلغوه - أي فلم تكفروا - فبان بهذا أن الحلف لا يحرم شيئا. وهو دليل الشافعي رضى الله عنه على أن اليمين لا يتعلق بها تحريم الحلال وأن تحريم الحلال لغو كما أن تحليل الحرام لغو. اه وروى أن عبد الله بن رواحة كان له أيتام وضيف، فانقلب من شغله بعد ساعة من الليل فقال أعشيتم ضيفي؟ فقالوا انتظرناك، فقال لا والله لا آكله الليلة فقال ضيفه وما أنا بالذي يأكل. وقال أيتامه ونحن لا نأكل، فلما رأى ذلك أكل وأكوا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له " أطعت الرحمن وعصيت " فنزلت الآية وفي البخاري في آية البقرة " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يوأخذكم بما كسبت قلوبكم " عن عائشة رضى الله عنها أنها نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله. وقيل اللغو ما يحلف به على الظن فيكون بخلافه. قاله مالك حكاه ابن القاسم عنه. قال القرطبي وقال به جماعة من السلف قرأ حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم (عقدتم) بالتخفيف بلا ألف، وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر " عاقدتم " بألف بوزن فاعل (1) وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف. قال مجاهد معناه تعمدتم أي قصدتم. وروى عن أبن عمر أن التشديد يقتضي التكرار، فلاتجب عليه الكفارة إلا إذا كرر، وهذا يرده ماروى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنى والله، ان شاء الله لاأحلف على يمين فأرى غيرها

_ (1) وذلك لا يكون إلا من اثنين في الاكثر من حلف لاجله في كلام وقع منه أو يكون المعنى بما عاقدتم عليه الايمان

خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر قال أبو عبيد التشديد يقتضي التكرير مرة بعد مرة، ولست آمن أن يلزم من قرأ بتلك القراءة ألا توجب عليه كفارة في اليمين الواحدة حتى يرددها مرارا وهذا قول خلاف الاجماع كما يقول القرطبي. وروى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين، فإذا وكد اليمين أعتق رقبة. قيل لنافع ما معنى وكد اليمين؟ قال أن يحلف على الشئ مرارا وقال الجكني في أضواء البيان والتضعيف والمفاعلة معناهما مجرد الفعل بدليل قراءة (عقدتم) بلا ألف ولا تضعيف، والقراءات يبين بعضها بعضا، وما في قوله (بما عقدتم) مصدرية على التحقيق لا موصولة، كما قاله بعضهم زاعما أن ضمير الربط محذوف اه وقال القرطبي في الآية (عقدتم) مخفف القاف من العقد، والعقد على ضربين حسى كعقد الحبل وحكمي كعقد البيع. قال الشاعر (1) قوما إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا فاليمين المنعقدة منفلعة من العقد، وهي عقد القلب في المستقبل ألا يفعل ففعل أو ليفعلن فلا يفعل كما تقدم، فهذه التي يحلها الاستثناء والكفارة على ما يأتي. وحديث رفع القلم وقع في رواية لاحمد في مسنده وأبى داود والنسائي والحاكم في الصحيح عن عائشة بلفظ " رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر " وفي رواية لهم عن علي وعمر رضى الله عنهما " رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي

_ (1) هذا البيت للحطيئة والعناج ككتاب حبل يشد في أسفل الدلو العظيمة، ويطلق على الامر وملاكه. وقوله " لا عناج له " أرسل بلا روية، والكرب بالتحريك أصول السعف الغلاظ العراض، والحبل يشد في وسط العراقى ليلى الماء فلا يعفن الحبل الكبير؟ المطيعى

حتى يحتلم " والرفع لا يقتضى تقدم وضع كما في قول يوسف عليه السلام " انى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله " وهو لم يكن على ملتهم أصلا. وكذا في قول شعيب " قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذنجانا الله منها " ومعلوم أن شعيبا لم يكن على ملتهم قط. وأخرجه الدارقطني: انا أبو بكر النيسابوري نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم نا عبد الله بن وهب أخبر جرير بن حازم عن سليمان ابن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال " مر علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت فأمر عمر بزحمها فردها على وقال لعمر: أما تذكر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رفع القلم عن ثلاثة. عن المجنون المغلوب على عقله. وعن النائم حتى يستيقظ. وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت فخلى عنها ". وأخرج البخاري قول على تعليقا في باب الطلاق والرجم. ووصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبه عن الاعمش عن أبى ظبيان عن ابن عباس أن عمر أتى بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي: أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة فذكره وتابعه ابن نمير ووكيع وغير واحد عن الاعمش ورواه جرير بن حازم عن الاعمش فصرح فيه بالرفع. أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه. وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان مرفوعا وموقوفا لكن لم يذكر فيهما ابن عباس جعله عن أبي ظبيان عن على. ورجح الموقوف على المرفوع. ولفظ الحديث المرفوع " مر بمجنونة بنى فلان قد زنت فأمر عمر برجمها فردها علي وقال لعمر: أما تذكر " الحديث. ورواية جرير بن حازم متصل لكن أعله النسائي بأن جرير بن حازم حدث بمصر بأحاديث غلط فيها. وفي رواية أبي داود والنسائي أتى عمر بامرأة فذكر الحديث وفيه فخلى علي سبيلها. فقال عمر، ادعو إلى عليا فقال: يا أمير المؤمنين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إلخ. أما حديث واثلة وأبي أمامه فقد أخرجه الدارقطني: نا أبو بكر محمد بن الحسن المقري نا الحسين بن ادريس عن خالد بن الهياج نا أبى عن عنبسه بن عبد الرحمن عن العلاء عن مكحول عن واثلة بن الاسقع وعن أبي أمامه قَالَا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم: ليس على مقهور يمين " هكذا أخرجه الدارقطني وفي اسناده عنبسة. قال البخاري: تركوه وروى الترمذي عن البخاري ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: كان يضع الحديث أما جده عنبسة بن سعيد بن العاص فثقة تابعي كان أحد الاشراف يروى عن أبى هريرة وأنس وثقه ابن معين وأبو داود، وأما حفيده هذا فقد قال في التنقيح في حديث: ليس على مقهور يمين حديث منكر بل موضوع، وفيه جماعة ممن لا يجوز الاحتجاج بهم اه. والحسين بن ادريس عن ابن الهياج. قال ابن أبى حاتم كتب إلى بجزء من حديثه فأول حديث فيه باطل والثاني باطل والثالث ذكرته لعلى بن الجنيد فقال أحلف بالطلاق أنه حديث ليس له أصل. وكذا هو عندي فلا أدرى البلاء منه أو من خالد بن هياج اه من الميزان. أما الاحكام فإن اللغو ما يجرى على لسان الانسان من غير قصد كقوله: لا والله وبلى والله، وبهذا قالت عائشة في احدى الروايتين عنها. وروى عن ابن عمر وابن عباس في أحد قوليه والشعبي وعكرمة في أحد قوليه وعروة وأبى صالح والضحاك في أحد قوليه وأبى قلابة والزهري كما جاء في ابن كثير والقرطبي وأضواء البيان وغيرها وذهب مالك إلى أن اللغو هو أن يحلف على ما يعتقده فيظهر نفيه، وقال انه أحسن ما سمعه في معنى اللغو، وهو مروي أيضا عن عائشة وأبى هريرة وابن عباس في أحد قوليه، وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير ومجاهد في أحد قوليه وابراهيم النخعي في أحد قوليه، والحسن وزرارة بن أوفى وأبى مالك وعطاء الخراساني وبكر بن عبد الله وأحد قولى عكرمة وحبيب بن أبى ثابت والسدى ومكحول ومقاتل وطاوس وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن سعيد وربيعة. وقال في أصواء البيان والقولان متقاربان واللغو يشملهما، لانه في الاول لم يقصد عقد اليمين أصلا، وفي الثاني لم يقصد الا الحق والصواب. قال أبو هريرة: إذا حلف الرجل على الشئ لا يظن الا أنه اياه، فإذا ليس هو فهو لغو، وليس فيه كفارة. وقال الحنابلة ان نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه سواء موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفا له

وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا عبرة بالنية، والسبب فيما يخالف لفظه لان الحنث مخالفة ما عقد عليه اليمين واليمين لفظه، فلو أحنثناه على ما سواه لاحنثناه على ما نوى لا على ما حلف، ولان النية بمجردها لا تنعقد بها اليمين فكذلك لا يحنث بمخالفتها. (فرع) من ذهب عقله بالسكر فحلف هل ينعقد يمينه؟ وجهان، أصحهما: ينعقد للتغليظ عليه، وقد مضى بحيث ضاف له في الطلاق فارجع إليه: (فرع) قال الصنعانى في سبل السلام في حديث عائشة الذي أخرجه البخاري موقوفا وأخرجه أبو داود مرفوعا في قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " هو قول الرجل لا والله وبلى والله، قال: فيه دليل على أن اللغو من الايمان مالا يكون عن قصد الحلف، وإنما جرى على اللسان من غير إرادة الحلف وإلى تفسير اللغو بهذا ذهب الشافعي وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وغيرهما من الصحابة وجماعة من التابعين، وذهب الهادوية والحنفية إلى أن لغو اليمين أن يحلف على الشئ يظن صدقه فينكشف خلافه، وذهب طاوس إلى أنها الحلف وهو غضبان، ثم قال: وتفسير عائشة أقرب لانها شاهدت التنزيل وهي عارفة بلغة العرب. (مسألة) قوله: وأما المكره فلا تصح يمينه، وقد استدل المصنف بحديث واثلة وأبى أمامة، وقد أوضحنا أنه يدور بين النكارة والوضع، فلا يستحق الاستدلال به، وأما الدليل الصحيح السليم الصالح للتمسك به فقوله، ولانه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح كما لو أكره على كلمة الكفر، وهذا صحيح إذا أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشى على نفسه الهلاك أنه لاإثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالايمان، ولاتبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر هذا قول مالك والشافعي والكوفيين غير محمد بن الحسن فإنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين الله تعالى على الاسلام، وتبين منه إمرأته ولا يصلى عليه إن مات ولا يرث أباه إن مات مسلما. قال القرطبي: وهذا قول يرده الكتاب والسنة قال تعالى " إلا من أكره " الآية وقال " الا أن تتقوا منهم تقاة " وقال " الا المستضعفين من الرجال والنساء

واولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم " فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون الا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به، قاله البخاري، فلما سمح الله عز وجل بالكفر به لمن أكره وهو أصل الشريعة ولم يؤاخذ به حمل عليه أهل العلم فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الاكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الاثر الْمَشْهُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " ويقول القاضي ابن العربي: والخبر وان لم يصح سنده فان معناه صحيح باتفاق من العلماء، وذكر أبو محمد عبد الحق أن اسناده صحيح قال: وقد ذكره أبو بكر الاصيلي في الفوائد وابن المنذر في الاقناع. إذا ثبت هذا: فإن يمين المكره غير لازمة عند مالك والشافعي وأبى ثور وأكثر العلماء قال ابن الماجشون وسواء حلف فيما هو طاعة لله أو فيما هو معصية إذا أكره على اليمين، وقال أصبغ: بقوله، وقال مطرف: ان أكره على اليمين فيما هو لله معصية أو ليس في فعله طاعة ولا معصية فاليمين فيه ساقطة، وأن أكره على اليمين فيما هو طاعة مثل أن يأخذوا لوالى رجلا فاسقا فيكرهه أن يحلف بالطلاق لا يشرب الخمر أو لا يفسق أولا يغش في عمله أو الوالد يحلف ولده تأديبا له فإن اليمين تلزم، وان كان المكره قد أخطا فيما يكلف من ذلك، وقال بهذا ابن حبيب وقال أبو حنيفة ومن أتبعه من الكوفيين انه ان حلف ألا يفعل ففعل حنث، قالوا لان المكره له أن يورى في يمينه كلها فلما لم يور ولاذهبت نيته إلى خلاف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين. قال القاضي أبو بكر بن العربي. ومن غريب الامر أن علماء - يعني علماء المالكية - اختلفوا في الاكراه على الحنث هل يقع به أم لا؟ وهذه مسألة عراقية سرت لنا منهم، لا كانت هذه المسألة ولا كانوا، وأى فرق يا معاشر أصحابنا بين الاكراه على اليمين في أنها لا تلزم وبين الحنث في أنه لا يقع: فاتقوا الله وراجعوا بصائركم ولا تغتروا بهذه الرواية فإنها وصمة في الدراية اه.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويصح اليمين على الماضي والمستقبل، فان حلف على ماض وهو صادق فلا شئ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اليمين على المدعي عليه، ولايجوز أن يجعل اليمين عليه إلا وهو صادق، فدل على أنه يجوز أن يحلف على ما هو صادق فيه. وروى محمد بن كعب القرظي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال وهو على المنبر وفي يده عصا " يأ أيها الناس لا يمنعكم اليمين عن أخذ حقوقكم فو الذي نفسي بيده أن في يدي عصا " وان كان كاذبا وهو أن يحلف على أمر أنه كان ولم يكن أو على أمر أنه لم يكن وكان أثم بذلك وهى اليمين الغموس، والدليل عليه ماروى عن الشعبي رضى الله عنه عن عبد الله بن عمر قال " جاء رجل أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يارسول الله ما الكبائر؟ قال الشرك بالله. قال ثم ماذا؟ قال عقوق الوالدين، قال ثم ماذا؟ قال اليمين الغموس " قيل للشعبي ما اليمين الغموس قال الذي يقتطع بها مال إمرئ مسلم وهو فيها كاذب. وروى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ " من حلف على يمين وهو فاجر ليقتطع بها مال إمرئ مسلم لقى الله عز وجل وهو عليه غضبان " وإن كان على مستقبل نظرت - فإن ان على أمر مباح - ففيه وجهان. (أحدهما) الاولى أن لا يحنث لقوله عز وجل " ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " (والثاني) أن الاول أن يحنث لقوله عز وجل " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مستحب، فالاولى أن يحنث لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير ". (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اليمين على المدعى عليه، وذلك لحديث البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه. وقد مضى تخريجه في البيوع في اختلاف المتايعين.

وحديث الشعبى عن ابن عمر وأخرجة البخاري باللفظ الذي ساقه المصنف وقوله " قلت " ظاهره أن السائل عبد الله بن عمرو راوي الحديث والمجيب هو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون السائل غير عبد الله لعبد الله وعبد الله المجيب، والاول أظهر وقال الشيخ الخولى في تعليقه على سبل السلام: الذي حققه الحافظ في الفتح وحمد الله عليه أن السائل فراس والمسؤول عامر الشعبي. وحديث ابن مسعود أخرجه أحمد فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ ماجه عن عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس بلفظ " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان " وحديث أم سلمه رضى الله عنها أخرجه الطبراني باللفظ الذي ساقه المصنف ويؤخذ على المصنف استشهاده برواية الطبراني، مع أنه ورد في الصحيحين عن عبد الرحمن بن سمرة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فاءت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وفي لفظ عندهما " فكفر عن يمينك واءت الذي هو خير " وفي لفظ " إذا حلفت على يمين فكفر عن يمينك واءت الذي هو خير " رواه النسائي وأبو داود وهو صريح في تقديم الكفارة. وأخرجه مسلم عن عدى بن حاتم قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير " وفي لفظ رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عدي بن حاتم أيضا " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير " وفي لفظ لمسلم " فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وأخرجه الشيخان عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير تحللتها " وفي لفظ عند الشيخين " إلا كفرت عن يمينى وفعلت الذي هو خير " وعندهما " إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني "

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عند أبي داود والنسائي مرفوعا " لانذر ولا يمين فيما لا تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم. ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها " وذكره البيهقى وقال لم يثبت وقال أبو داود: الاحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم " وليكفر عن يمينه " إلا مالا يعبأ به، قال الحافظ في الفتح: ورواته لا بأس بهم. وقد استدل بحديث أم سلمة على أن الكفارة يجب تقديمها على الحنث، ولا يعارض ذلك الروايات التي سقناها وفيها " فاءت الذي هو خير وكفر " لان الواو لاتدل على ترتيب، إنما هي لمطلق الجمع، على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي فيها " فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " تخالفها. وكذلك بقية الروايات المذكورة آنفا، قال ابن المنذر: رأى ربيعة والاوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الامصار غير أهل الرأى أن الكفارة تجزى قبل الحنث، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزى إلا بعد الحنث. وقال أصحاب الرأى: لاتجزئ قبل الحنث. وعن مالك روايتان. ووافق الحنفية أشهب عن المالكية وداود الظاهرى وخالفه ابن حزم، واحتج له الطحاوي بقوله تعالى (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم ورده مخالفوه فقالوا: إذا أردتم الحنث قال الحافظ بن حجر: وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك، فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر، وسيأتى لهذا البحث مزيد في الكلام على الكفارة قوله " ويصح اليمين على الماضي والمستقبل " وجملة ذلك أن اليمين على الماضي تنقسم ثلاثة أقسام، ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا. وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس، وقد اختلف في كفارتها وسيأتي بيانها، واليمين على المستقبل، وهو ما عقد عليه قلبه وقصد اليمين عليه ثم خالف فعليه الكفارة. وما لم يعقد عليه قلبه ولم يقصد اليمين عليه، وانما جرت على لسانه فهو من لغو اليمين، وكلام عائشة يدل على هذا فإنها قالت: أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل.

وقال الثوري في جامعه: الايمان أربعة، يمينان يكفران، وهو أن يقول الرجل: والله لاأفعل فيفعل، أو يقول: والله لافعلن ثم لا يفعل، ويمينان لا يكفران أن يقول والله ما فعلت وقد فعل، أو يقول والله لقد فعلت وما فعل. (قلت) ونحن ننازع الثوري في هذا وإن خالفنا في هذا النزاع من وافق الثوري على ما ذهب كالامام أحمد والامام مالك وأصحاب الرأى وغيرهم. ذلك أن الشعبي يقول بما رواه الدارقطني في سننه حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا خلف بن هشام ثنا عبثر عن ليث عن حماد عن ابراهيم بن علقمة عن عبد الله قال: الايمان أربعة يمينان يكفران ويمينان لا يكفران وذكرهن قال المروزى " أما اليمينان الاوليان فلا اختلاف فيهما بين العلماء على ما قال سفيان، وأما اليمينان الاخريان فقد اختلف فيهما أهل العلم، فإن كان الحالف حلف على أنه لم يفعل كذا وكذا أو أنه قد فعل كذا وكذا عند نفسه صادقا يرى أنه على ما حلف عليه ولا كفارة عليه في قول مالك وسفيان الثوري وأصحاب الرأى. وكذلك قال أحمد وأبو عبيد. وقال الشافعي لاإثم عليه وعليه الكفارة. ثم قال، وقد قال بعض التابعين بقول الشافعي ولكني أميل إلى قول مالك وأحمد هكذا نقله القرطبي في جامع أحكام القرآن واختلف في اليمين الغموس هل هي يمين منعقدة أم لا؟ فمذهبنا أنها يمين منعقدة لانها مكتسبة بالقلب معقودة بخبر مقرونة باسم الله تعالى وفيها الكفارة قال ابن المنذر، ذهب مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ المدينة إلى أنها يمين مكر وخديعة وكذب فلا تنعقد ولا كفارة فيها. وبه قال الاوزاعي ومن وافقه من أهل الشام، وهو قول الثوري وأهل العراق، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأصحاب الرأى من أهل الكوفة ولنا أنها يمين مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى فوجب فيه الكفارة. (مسألة) قال القرطبي الاخبار دالة على أن اليمين التي يحلف بها الرجل يقتطع بها مالا حراما هي أعظم من أن يكفرها ما يكفر اليمين. قال ابن العربي " الآية وردت بقسمين، لغو ومنعقدة، وخرجت على الغالب في أيمان الناس، فرع

ما بعدها يكون مائة قسم، فإنه لم تعلق عليه كفارة قال القرطبي، قلت خرج البخاري عن عبد الله بن عمرو قَالَ، جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يارسول الله ما الكبائر؟ قال الاشراك بالله، قال ثم ماذا. ؟ قال عقوق الدين قال ثم ماذا؟ قال اليمين الغموس، قلت وما اليمين الغموس؟ قال التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب " وخرج مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال وان كان قضيبا من أراك " أه قلت وظاهر مذهب أحمد أنه لا كفارة في اليمين الغموس، والغموس اسم فاعل لانها تغمس صاحبها في الاثم لانه حلف كاذبا على علم منه، وطعنة غموس أي نافذة، وأمر غموس أي شديد. وقال ابن قدامة وروى عن أحمد أن فيها الكفارة. وروى ذلك عن عطاء والزهرى والحكم والبتى، وهو قول الشافعي، لانه وجدت منه اليمين بالله تعالى والمخالفة مع القصد فلزمته الكفارة كالمستقبلة. ثم قال ولنا أنها يمين غير منعقدة فلا توجب الكفارة كاللغو أو يمين على ماض فأشبهت اللغو. (قلت) إن وجوب الكفارة عندنا لا يقلل من شأن الغموس، بل إن تعاظم الغموس يقتضى التغليظ على الحالف إذا أراد التوبة. وفي أداء الكفارة إشعار كامل بدخوله ساحة التوبة، وبدون ذلك لا يكون (فرع) قوله فإن كان على أمر مباح الخ " وجملة ذلك أن المباح مثل الحلف على فعل مباح أو تركه، والحلف على الخبر بشئ هو صادق فيه أو يغلب على ظنه الصدق فيه، فإن الله تعالى يقول " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " فإن كان على فعل شئ مباح أو تركه فإن فيه الكفارة إذا حنث في الابرار بالقسم. قوله - فإن حلف على مكروه - ومثله إذا حلف على ترك مندوب. قال الله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس "

وروينا أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال، وكان من جملة أهل الافك الذين تكلموا في عائشة رضى الله عنها فأنزل الله تعالى " ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا " واليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة ويمكن أن يرد على هذا أنها لو كانت مكروهة لانكر النبي صلى الله عليه وسلم على الاعرابي الذي سأله عن الصلوات فَقَالَ: هَلْ عَلِيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: لَا إلَّا أن تطوع فقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولان أنقص منها " ولم ينكر عليه بل قال " أفلح الرجل إن صدق " ونجيب بأنه لا يلزم من هذا جواز الحلف على ترك المندوبات، إذ أن اليمين على ترك التطوع لا تزيد على تركها، ولو تركها لم ينكر عليه، ويكفي في ذلك بيان أن ما تركه تطوع، ولان هذه اليمين إن تضمنت ترك المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه شيئا، وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع، فيترجح جانب الاتيان بها على تركها فيكون من قبيل المندوب فكيف ينكر؟ ولان في الاقرار على هذه اليمين بيان حكم محتاج إليه ألا وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به، فلو أنكر على الحالف لحصل ضد هذا وتوهم كثير من الناس لحوق الاثم بتركه يفوت الغرض. ومن قبيل المكروه الحلف في البيع والشراء ففي سنن ابن ماجه عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن كعب بن مالك عن أبى قتادة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " إياكم والحلف فإنه ينفق ثم يمحق " أي منفقة للسلعة ممحقة للبركة. قال المصنف رحمه الله. (فصل) وتكره اليمين بغير الله عزوجل، فإن حلف بغيره كالنبي والكعبة والآباء والاجداد لم تنعقد يمينه، لما روى ابن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَ حالفا فلا يحلف الا بالله تعالى " وروى عن عمر رضى الله عنه قال " سمعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي

فقال: إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فقال عمر رضى الله عنه: والله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا " وان قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا يهودى أو نصراني أو أنا برئ من الله أو من الاسلام لم ينعقد يمينه: لما روى بُرَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (من حلف أنه برئ من الاسلام، فإن كان كادبا فقد قال: وان كان صادقا فلم يرجع إلى الاسلام سالما) ولانه يمين بمحدث فلم ينعقد كاليمين بالمخلوقات. (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخرجه أحمد ومسلم والنسائي ولفظه (من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله، فكانت قريش تحلف بآبائها فقال: لا تحلفوا بآبائكم) وفي رواية عن ابن عمر عند أحمد والبخاري وَمُسْلِمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عمر وهو يحلف بأبيه فقال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) . وفي رواية عند الترمذي (أنه سمع رجلا يقول لا والكعبة، فقال لا تحلف بغير الله فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك) قال الترمذي حسن وصححه الحاكم والتعبير بقوله: كفر أو أشرك سيأتي بيانه قريبا. وحديث عمر أخرجه البخاري في الايمان والنذور عن سعيد بن نمير ومسلم فيه عن أبى الطاهر وأبو داود فيه عن أحمد بن حنبل: وعن أحمد بن يونس والنسائي فيه عن عمرو بن عثمان، وعن محمد بن عبد الله بن يزيد وعن سعيد بن عبد الرحمن وابن ماجه في الكفارات عن محمد بن يحيى بن أبى عمر وهو جزء من حديث ابن عمر الذي سقناه آنفا وليس فيه زيادة (ما حلف بها ذاكرا ولا آثرا) قال ابن الاثير في النهاية: وفي حديث عمر (ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا) أي ما تكلمت به حالفا من قولك ذكرت لفلان كذا وكذا أي قلته له، وليس من الذكر بعد النسيان اه. وقال ابن منظور في لسان العرب، وفي حديث عمر رضى الله عنه قال، قال أبو عبيد أما قوله ذاكرا فليس من الذكر بعد النسيان إنما أراد متكلما به كقولك

ذكرت لفلان حديث كذا وكذا. وقوله ولا آثرا يريد مخبرا عن غيرى أنه حلف به يقول. لاأقول إن فلانا قال وأبى لاأفعل كذا وكذا أي ما حلفت به مبتدئا من نفسي ولا رويت عن أحد أنه حلف بها، ومن هذا قيل حديث مأثور أي يخبر الناس به بعضهم بعضا، أي ينقله خلف عن سلف، يقال منه أثرت الحديث فهو مأثور وأنا آثر، قال الاعشى. إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والآثر اه (قلت) ومنه قوله تعالى (إن هذا إلا سحر يؤثر) أي يأخذه واحد عن واحد، ومثله قوله تعالى (أو أثارة من علم) . أما حديث بريدة فقد أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وهو عندهم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وقد صححه النسائي، وقد أخرج الشيخان وأحمد وأصحاب السنن إلا أبا داود عن ثابت بن الضحاك (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا فهو كما قال وأخرج النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاتحفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) . (أما الاحكام) فإن الحلف بغير الله تعالى وردت فيه أحاديث غير ما ذكرنا ما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عمر رفعه (من خلف بغير الله فقد كفر) وهو عند أحمد من هذا الوجه أيضا بلفظ (فقد كفر وأشرك) قال البيهقى لم يسمعه سعد بن عبيدة من أبن عمر، قال الحافظ ابن حجر قد رواه شعبة عن منصور عنه قال كنت عند ابن عمر ورواه الاعمش عن سعيد عن عبد الرحمن السلمى عن ابن عمر. وفي التعبير بقوله كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، وقد تمسك به من قال بالتحريم. قال الامام الشوكاني، قال العلماء السر في الحلف بغير الله أن الحلف بالشئ يقتضى تعظيمه والعظمة في الحقيقة انما هي لله وحده، فلا يخاف الا بالله وذاته وصفاته وعلى ذلك اتفق الفقهاء، واختلف هل الحلف بغير الله حرام

أو مكروه. للمالكية والحنابلة قولان، ويجعل ما حكاه ابن عبد البر من الاجماع على عدم جواز الحلف بغير الله على أن مراده بنفى الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه. وقد صرح بذلك في موضع أخر أه. وقال القرطبى: لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته. وقال أحمد ابن حنبل: إذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم انعقدت يمينه لانه حلف بما لايتم الايمان إلا به فتلزمه الكفارة كما لو حلف بالله، وهذا يرده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وقد عده السيوطي من المتواتر في كتابه الازهار المتناثرة في الاحاديث المتواترة، وله شروط في التواتر انطبقت على أحاديث كثيره منها هذا الحديث (أنه صلى لله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب في ركب وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) وهذا حصر في عدم الحلف بكل شئ سوى الله تعالى واسمائه وصفاته كما ذكرنا، ومما يحقق ذلك ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالانداد ولا تحلفوا إلا بالله، ولا بالله إلا وأنتم صادقون) ثم ينتقض عليه بمن قال، وآدم وإبراهيم فإنه لا كفارة عليه وقد حلف بما لايتم الايمان إلا به، وجمهور أصحابنا من الشافعية على أنه مكروه تنزيها وحزم ابن حزم بالتحريم. وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل، فان اعتقد في المحلوف به ما يعتقد في الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرا، ومذهب الهادوية أنه لا إثم في الحلف بغير الله ما لم يسو بينه وبين الله في التعظيم أو كان الحلف متضمنا كفرا أو فسقا. قال في الفتح: وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله: ففيه جوابان، أحدهما أن فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه، والثاني أن ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك: وأما ما وقع مما مخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي (أفلح وأبيه إن صدق) فقد

أجيب عنه بأجوبة (الاول) الطعن في صحة هذه اللفظة كما قال أبن عبد البر إنها غير محفوظة وقال إن أصل الرواية أفلح والله إن صدق فصحفها بعضهم، والثاني أن ذلك كان يقع من العرب ويجرى على ألسنتهم من دون قصد للقسم، والنهى إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، قاله البيهقى وقال النووي: إنه الجواب المرضى، والثالث انه كان يقع في كلامهم على وجهين للتعظيم والتأكيد. والنهى انما وقع عن الاول، والرابع أن ذلك كان جائزا ثم نسخ، قاله الماوردى في الحاوي. وقال السهيلي أكثر الشراح عليه، قال ابن العربي، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك، قال السهيلي، ولا يصح، لانه لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يحلف بغير الله، ويجاب بأنه قبل النهى عنه غير ممتنع عليه، ولاسيما الاقسام القرآنية على ذلك النمط. وقال المنذرى: دعوى النسخ ضعيفة لامكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ. والخامس أنه كان في ذلك حذف، والتقدير أفلح ورب أبيه، قاله البيهقى، والسادس أنه للتعجيب، قاله السهيلي (والسابع) أنه خاص به صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والاحاديث كلها متظاهرة على أن الحلف بغير الله لا ينعقد لان النهى يدل على فساد المنهى عنه: واليه ذهب الجمهور. وقال ابن قدامة: ولايجوز الحلف بغير الله وصفاته نحو أن يحلف بأبيه أو الكعبة أو صحابي أو امام. قال الشافعي أخشى أن يكون معصية، إلى أن قال: وأما قسم الله بمصنوعاته فإنما أقسم به دلالة على قدرته وعظمته ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، ولا وجه للقياس على اقسامه، وقد قيل ان في اقسامه اضمار القسم برب هذه المخلوقات، فقوله (والضحى) أي ورب الضحى اه. (مسألة) في الرجل يقول هو يهودى أو نصراني، قال أبو حنيفة في الرجل يقول هو يهودى أو نصراني أو برئ من الاسلام أو من النبي أو من القرآن أو أشرك بالله أو أكفر بالله: انها يمين تلزم فيها الكفارة ولا تلزم فيما إذا قال

واليهودية والنصرانية والنبي والكعبة، وإن كانت على صيغة الايمان ومتمسكه ما رواه الدارقطني عن أبي رافع أن مولانه أرادت أن تفرق بينه وبين أمراته فقالت: هي يوما يهودية ويوما نصرانية، وكل مملوك لهاحر، وكل مال لها في سبيل الله، وعليها مشى إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما، فسألت عائشة وحفصة وابن عمر وابن عباس وأم سلمة فكلهم قال لها: أتريدين أن تكوني مثل هاروت وماروت؟ وأمروها أن تكفر عن يمينها وتخلى بينهما. وخرج أيضا عنه قال: قالت مولاتي: لافرقن بينك وبين امرأتك، وكل مال لها في رتاج الكعبه وهي يوما يهودية ويوما مجوسية إن لم أفرق بينك وبين امرأتك، قال فانطلقت إلى أم سلمة فقلت إن مولاتي تريد أن تفرق بيني وبين امرأتي، فقالت انطلق إلى مولاتك، فقل لها إن هذا لا يحل لك، قال فرجعت إليها ثم أتيت ابن عمر فأخبرته فجاء حتى انتهى إلى الباب، فقال: هنها هاروت وماروت؟ فقالت: إنى جعلت كل مال لى في رتاج الكعبة، قال فمم تأكلين؟ قالت، وقلت أنا يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما مجوسية، فقال إن تهودت قتلت، وإن تنصرت قتلت، وان تمجست قتلت، قالت فما تأمرني؟ قال تكفري عن يمينك، وتجمعين بين فتاك وفتاتك. إذا ثبت هذا فقد قال ابن المنذر اختف فيمن قال أكفر بالله ونحوه إن فعلت كذا ثم فعل، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الامصار لا كفارة عليه ولايكون كافرا إلا إذا أضمر ذلك بقلبه. وقال الاوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق هو يمين وعليه الكفارة قال ابن المنذر والاول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ولم يذكر كفارة، زاد غيره، وكذا من قال بملة سوى الاسلام فهو كما قال، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. ونقل ابن القصار من المالكية عن الحنفية أنهم احتجوا لايجاب الكفارة بأن في اليمين الامتناع من الفعل، وتضمن كلامه بما ذكر تعظيما للاسلام، وتعقب ذلك بأنهم قالوا فيمن قال: وحق الاسلام، إذا حنث لا يجب عليه

كفارة، فأسقطوا الكفارة إذا صرح بتعظيم الاسلام، وأثبتوها إذا لم يصرح قال ابن دقيق العيد: الحلف بالشئ حقيقة هو القسم به وادخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله، وقد يطلق على التعليق بالشئ يمين كقولهم من حلف بالطلاق، فالمراد تعليق الطلاق، وأطلق عليه الحلف لمشابهته لليمين في اقتضاء الحنث أو المنع، وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذبا والكذب يدخل القضية الاخبارية التي يقع مقتضاها تارة، ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا والله ما أشبهه، فليس الاخبار بها عن أمر خارجي، بل هي لانشاء القسم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين (أحدهما) أن تتعلق بالمستقبل، كقوله ان فعل كذا فهو يهودى. (والثاني) تتعلق بالماضي كقوله ان كان كاذبا فهو يهودى، وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة بل جعل المرئب على كذبه، قال ولا يكفر في صورة الماضي الا ان قصدا التعظيم، وفيه خلاف عند الحنفية لكونه تنجيز معنى، فصار كما لو قال هو يهودي، ومنهم من قال: إذا كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر، وان كان يعلم أنه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضى بالكفر حيث أقدم على الفعل. وقال بعض أصحابنا: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا، والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وان قصد حقيقة التعليق فينظر - فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر - لان ارادة الكفر كفر وان أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها؟ الثاني هو المشهور، وقوله في حديث بريدة، فإن كان كاذبا زاد في البخاري ومسلم " متعمدا " قال القاضي عياض: تفرد بهذه الزيادة سفيان الثوري وهى زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف متعمدا ان كان مطمئن القلب بالايمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر، وان قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونه حقا كفر، وان قالها لمجرد التعظيم لها احتمل. قال الحافظ وينقدح بأن يقال ان أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضا، قال ودعواه أن سفيان تفرد بها ان أراد بالنسبة إلى رواية مسلم

فعسى أنه أخرجها من طريق شعبة عن أيوب وسفيان عن خالد الحذاء جميعا عن أبى قلابة، وقوله في الحديث " فهو كما قال ". قال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأنه قال: فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره " من ترك الصلاة فقد كفر " أي استوجب عقوبة من كفر. وقال ابن المنذر: ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر، بل المراد أنه كاذب كذب المعظم لتلك الجهة اه. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وتجوز اليمين بأسماء وصفاته، فإن حلف من أسمائه بالله انعقدت يمينه، لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: والله لاغزون قريشا، والله لاغزون قريشا: والله لاغزون قريشا، ثم قال إن شاء " وإن حلف بالرحمن، أو بالاله أو بخالق الخلق أو بيازى النسمة أو بالحى القيوم، أن بالحى الذي لا يموت، أو برب السموات والارضين، أو بمالك يوم الدين، أو برب العالمين، وما أشبه ذلك من الاسماء التي لا يشاركه فيها أحد، انعقدت يمينه، لانه لا يسمى بها غيره ولا يوصف بها سواه، فصار كما لو قال والله، فإن حلف بالرحيم والرب والقادر والقاهر والملك والجبار والخالق والمتكبر، ولم ينوبه غير الله عز وجل انعقدت به يمينه، لانه لا تطلق هذه الاسماء الا عليه، وان نوى به غيره لم ينعقد، لانه قد تستعمل في غيره مع التقييد، لانه يقال، فلان رحيم القلب، ورب الدار، وقادر على المشي، وقاهر للعدو، وخالق للكذب، ومالك للبلد، وجبار متكبر، فجاز أن تصرف إليه بالنية. فإن قال: والحى والموجود والعالم والمؤمن والكريم لم تنعقد يمينه الا أن ينوى به الله تعالى، لان هذه الاسماء مشتركة بين الله تعالى وبين الخلق مستعملة في الجميع استعمالا واحدا، فلم تنصرف إلى الله تعالى من غير نية كالكنايات في الطلاق، وان حلف بصفة من صفاته نظرت - فإن حلف بعظمة الله أو بعزته

أو بكبريائه أو بجلاله أو ببقائه أو بكلامه - انعقدت يمينه، لان هذه الصفات للذات لم يزل موصوفا بها، ولايجوز وصفه بضدها، فصار كاليمين بأسمائه وان قال الله وعلم الله ولم ينوبه المعلوم أو بقدرة الله ولم ينو به المقدور انعقدت يمينه، لان العلم والقدرة من صفات الذات لم يزل موصوفا بهما، ولايجوز وصفه بضدهما، فصارا كالصفات الستة، فإن نوى بالعلم المعلوم أو بالقدرة المقدور لم ينعقد يمينه، لانه قد يستعمل العلم في المعلوم، والقدرة في المقدور، ألا ترى أنك تقول اغفر لنا علمك فينا، وتريد المعلوم، وتقول انظروا إلى قدرة الله، وتريد به المقدور، فانصرف إليه بالنية. فإن قال وحق الله وأراد به العبادات لم ينعقد يمينه، لانه يمين بمحدث، وان لم ينو العبادات انعقدت يمينه، لان الحق يستعمل فيما يستحق من العبادات ويستعمل فيما يستحقه الباري من الصفات وذلك من صفات الذات، وقد انضبم إليه العرف في الحلف به فانعقدت به اليمين من غير نية. (فصل) وان قال على عهد الله وميثاقه وكفالته وأمانته، فإن أراد به ما أخذ علينا من العهد في العبادات فليس بيمين لانه يمين بمحدث، وان أراد بالعهد استحقاقه ما تعبدنا به فهو يمين لانه صفة قديمة، وان لم يكن له نية ففيه وجهان (أحدهما) أنه يمين، لان للعادة الحلف بها والتغليظ بألفاظها كالعادة بالحلف بالله والتغليظ بصفاته كالطالب الغالب والمدرك المهلك (والثاني) ليس بيمين لانه يحتمل العبادات، ويحتمل ما ذكرناه من استحقاقه ولم يقترن بذلك عرف عام وانما يحلف به بعض الناس وأكثرهم لا يعرفونه فلم يجعل يمينا. (الشرح) حديث ابن عباس: أخرجه أبو داود عن عكرمة عنه، قال أبو داود انه قد أسنده غير واحد عن عكرمة عن أبن عباس، وقد رواه البيهقى موصولا ومرسلا. قال ابن أبى حاتم الاشبه ارساله. وقال ابن حبان في الضعفاء رواه مسعر وشريك أرسله مرة ووصله أخرى. أما اللغات: فقوله " أو ببارئ النسمة " أي خالق الانسان، والبارئ هو الذي خلق الخلق لا عن مثال. قال في النهاية: ولهذه اللفظة من الاختصاص

بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السموات والارض اه والنسمة: النفس والروح، وكل دابة فيها روح فهى نسمة وإنما يريد الناس ومنه حديث على " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة " أي خلق ذات الروح، وكثيرا ما كان يقولها إذا اجتهد في يمينه، وقوله " خالي للكذب " يقال: خلق الافك واختلقه وتخلقه أي افتراه، ومنه قوله تعالى " وتخلقون إفكا " و " إن هذا إلا اختلاق " وأما الخالق بالالف واللام فإنها صفة لا تجوز لغير الله تعالى وأصل الخلق التقدير يقال: خلفت الاديم للسقاء إذا قدرته له، وخلق الرجل القول خلقا افتراه واختلقه مثله، والجبار الذي يقتل على الغصب. وقال الخطابى: الجبار الذى جبر خلقه على ما أراد من أمره ونهيه، يقال: جبره السلطان وأجبره بمعنى ورأيت في بعض التفاسير عند قوله تعالى " وما أنت عليهم بجبار " أن الثلاثي لغة حكاها الفراء وغيره واستشهد لصحتها بما معناه أنه لايبنى فعال إلا من فعل ثلاثى نحو الفتاح والعلام، ولم يجئ من أفعل بالالف إلا دراك، فإن حمل جبار على هذا المعنى فهو وجه، والمقصود هنا عند المصنف من يقتل من غضب والمتكبر المتعظم، والكبر العظمة، وكذلك الكبرياء، والمؤمن سمى مؤمنا لانه آمن عباده من أن يظلمهم، ذكره الجوهرى في الصحاح وقوله " بعظمة الله أو بعزته أو بكبريائه أو بجلاله " العزة القوة والغلبة عن عز إذا غلب، ومنه " فعززناهما بثالث " أي قويناهما، وعز الشئ يعز من باب ضرب لم يقدر عليه. وقوله " من صفات الذات " الذات حقيقة الشئ، والذات الالهية الحقيقة الثابتة بالربوبية والالوهيه اعتقادا بلا كيف ولا تشبيه ولا تجسيم. أما الاحكام، ففي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " ان لله تسعه وتسعين اسما من أحصاها - وفي لفظ من حفظها - دخل الجنه " وقد ساق الترمذي وابن حبان الاسماء. قال الحافظ في بلوغ المرام: والتحقيق أن سردها من بعض الرواة. وقال

الصنعانى: اتفق الحفاظ من أئمه الحديث أن سردها ادراج من بعض الرواة. وظاهر الحديث أن أسماء الله الحسنى منحصره في هذا العدد بناء على القول بمفهوم العدد، ويحتمل أنه حصر لها باعتبار ما ذكر بعده من قوله " من أحصاها دخل الجنة " وهو خبر المبتدأ، فالمراد أن هذه التسعة والتسعين تختص بفضيلة من بين سائر أسمائه تعالى، وهو أن احصاءها سبب لدخول الجنة، والى هذا ذهب الاكثرون. وقال النووي: ليس في الحديث حصر أسمائه تعالى. وليس معناه أنه ليس له اسم غير التسعة والتسعين. ويدل عليه ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود مرفوعا " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " فإنه دل على أن له تعالى أسماء لم يعرفها أحد من خلقه بل استأثر بها ودل على أنه قد يعلم بعض عباده بعض أسمائه. ولكنه يحتمل أنه من التسعة والتسعين. وقد جزم بالحصر فيما ذكر أبو محمد بن حزم فقال: قد صح أن أسماءه لا تزيد على تسعه وتسعين شيئا لقوله صلى الله عليه وسلم " مائة الا واحدا " فنفى الزيادة وأبطلها. ثم قال: وجاءت أحاديث في أحصاء التسعة والتسعين اسما مضطربة لا يصح منها شئ أصلا. وانما تؤخذ من نص القرآن، وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سرد أربعة وثمانين اسما استخرجها من القرآن والسنه. وقال الشارح تبعا لكلام المصنف في التلخيص: انه ذكر ابن حزم أحدا وثمانين اسما. والذى رأيناه في كلام ابن حزم أربعة وثمانون وقد استخرج الحافظ بن حجر من القرآن فقط تسعه وتسعين اسما وسردها في التلخيص وغيره وذكر السيد محمد بن ابراهيم الوزير في ايثار الحق أنه تتبعها من القرآن فبلغت مائة وثلاثة وسبعين اسما. وان قال صاحب الايثار مائة وسبعه وخمسين فإنا عددناها فوجدناها كما قلنا أولا. وقد عرفت من كلام الحافظ ان حجر أن سرد الاسماء الحسنى المعروفة مدرج عند المحققين وأنه ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وذهب كثيرون إلى أن عددها مرفوع

وقال ابن حجر: بعد نقله كلام العلماء في ذكر عدد الاسماء والاختلاف فيها ما لفظه: ورواية الوليد بن مسلم عن شعيب هي أقرب الطرق الواضحة، وعليها عول غالب من شرح الاسماء الحسنى ثم سردها على رواية الترمذي، وذكر اختلافا في بعض ألفاظها وتبديلا في إحدى الروايات للفظ بلفظ ثم قال: واعلم أن الاسماء الحسنى على أربعة أقسام. (الاول) العلم وهو الله. (والثاني) ما يدل على الصفات الثابته للذات كالعلم والقدير والسميع والبصير (والثالث) ما يدل على إضافة أمر إليه كالخالق والرازق. (والرابع) ما يدل على سلب شئ عنه كالعلي والقدوس. واختلف العلماء هل هي توقيفيه، يعنى أنه لا يجوز لاحد أن يشتق من الافعال الثابتة لله تعالى اسما بل لا يطلق عليها إلا ما ورد به نص الكتاب والسنه؟ قال الفخر الرازي المشهور عن أصحابنا أنها توفيقيه. وقالت المعتزلة والكراميه إذا دل العقل على أن معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه عليه. وقال القاضى ابن العربي والغزالي الاسماء توقيفيه دون الصفات قال الغزالي: وكما أنه ليس لنا أن نسمى النبي صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا أمه، ولا سمى به نفسه كذلك في حق الله تعالى، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يطلق عليه تعالى اسم أو صفة توهم نقصا، فلا يقال: ماهد ولا زارع ولا فالق: وان جاء في القرآن " فنعم الماهدون " " أم نحن الزراعون " " فالق الحب والنوى " ولايقال ماكر ولابناء: وإن ورد " ومكروا ومكر الله " " والسماء بنيناها ". وقال القشيرى: الاسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه وما لم يرد لم يجز ولو صح معناه (قلت) من أمثلة الاسماء التي يخترعها العامه وأنصاف المتعلمين ما سمعت بعضهم وقد وقع في محنه مما يمتحن بها أهل العزائم ينادى قائلا " يامهون " وكنت أعترض على هذه التسميه لله تعالى وان كان الله تعالى قادرا على أن يهون علينا مصائب الدنيا والآخرة، إذا تقرر

هذا فان اليمين تنعقد بالحلف بالله تعالى أو باسم، أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله عز وجل فقال: والله أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة. وقال ابن المنذر: وكان مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأى يقولون: من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث أن عليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله عز وجل التي لا يسمى بها سواه، وأسماء الله تعالى أربعة أقسام كما مضى نقلنا عن أصحابنا، وهى من حيث انعقاد الحلف بها في الاستعمال تنقسم إلى ثلاثة أقسام، فأولها هو العلم وما يجرى مجراه ممالا يسمى به غير الله تعالى مثل الله والرحمن، والاول الذى ليس قبله شئ والآخر الذي ليس بعده شئ، ورب العالمين، مالك يوم الدين، ورب السموات والارضين والحى الذي لا يموت ونحو هذا فالحلف بهذا يمين بكل حال، وان نوى غيره والثاني: ما يسمى به غير الله تعالى مجازا، واطلاقه ينصرف إلى الله تعالى مثل الخالق والرازق والرب والرحيم والقادر والقاهر والملك والجبار ونحوه، فهذا مما يشترك الله تعالى في التسمى به مع غير من مخلوقاته، ويطلق على غير الله مجازا بدليل قوله تعالى " إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا " " أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين " وقوله " ارجع إلى ربك " " واذكرني عند ربك - فأنساه الشيطان ذكر ربه " وقال " فارزقوهم منه " وقال " بالمؤمنين روءف رحيم " فهذا ان نوى به اسم الله تعالى أو أطلق كان يمينا: لانه باطلاقه ينصرف إليه. وان نوى به غير الله تعالى لم يكن يمينا لانه يستعمل في غيره فينصرف بالنية إلى مانواه، وهذا مذهب أحمد. وقال بعض الحنابلة: هو يمين كالاول على كل حال. والقسم الثالث: ما يسمى به الله تعالى وغيره، ولا ينصرف إليه بإطلاقه كالحى والعالم والموجود والمؤمن والكريم والشاكر، فهذا ان قصد به اليمين باسم الله تعالى، فعندنا لا يكون يمينا. لان اليمين انما تنعقد لحرمة الاسم ومع الاشتراك لا تكون له حرمة، والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين وقال أحمد وأصحابه إلا القاضى أبا بكر: ان قصد به اليمين باسم الله تعالى

كان يمينا، وإن أطلق أو قصد غير الله تعالى لم يكن يمينا فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الاطلاق، ففي الاول يكون يمينا وفي الثاني لا يكون يمينا (فرع) والقسم بصفاته تعالى كالقسم بأسمائه. وصفاته تنقسم إلى ثلاثة أقسام أولها ما هو من صفات الذات الالهية ولا يحتمل صرفا إلى غيرها كعزة الله وجلاله وعظمته وكبريائه وكلامه، فهذه تنعقد بها اليمين، وبه قال أحمد وأصحاب الرأى ومالك، لان هذه من صفات ذاته لم يزل موصوفا بها، وقد ورد الاثر بالقسم ببعضها، فروى " أن النار تقول قط قط وعزتك " رواه البخاري، والذي يخرج من النار يقول: وعزتك لا أسألك غيرها. وفي كتاب الله تعالى " فبعزتك لاغوينهن أجمعين " (الثاني) ما هو صفة الذات ويعبر به عن غيرها مجازا كعلم الله وقدرته، فهذه صفة للذات لم يزل موصوفا بها، وقد تستعمل في المعلوم والمقدور اتساعا، كقولهم اللهم اغفر لنا علمك فينا، ويقال اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك ويقال انظر إلى قدرة الله، أي إلى مقدوره، فمتى أقسم بهذه الصفات مضافة إلى الله تعالى ولم ينو المعلوم أو المقدور انعقد يمينه، وبهذا قال أحمد رضى الله عنه. وقال أبو حنيفة " إذا قال وعلم الله " لا يكون يمينا لانه يحتمل المعلوم دليلنا أن العلم من صفات الله تعالى فكانت اليمين به يمينا موجبة للكفارة كالعظمة والعزة والقدرة، وينتقض ما ذكروه بالقدرة، فإنهم قد سلموها وهى قرينها، فأما إن نوى القسم بالمقدور والمعلوم لا يكون يمينا، وهو قول أصحاب أحمد لانه نوى بالاسم غير صفة الله مع احتمال اللفظ مانواه، فأشبه ما لو نوى القسم بمحلوف في الاسماء التى يسمى بها غير الله تعالى وقد روى عن أحمد أن ذلك يكون يمينا بكل حال ولاتقبل منه نية غير صفة الله تعالى، وهو قول أبى حنيفة في القدرة، لان ذلك موضوع للصفة فلا يقبل منه غير الصفة كالعظمة. قال ابن قدامة " وقد ذكر طلحة العاقولي في أسماء الله تعالى المعرفة بلام التعريف كالخالق والرازق أنها تكون يمينا بكل حال، لانها لا تنصرف إلا إلى اسم الله تعالى. كذا هذا

والثالث مالا ينصرف بإطلاقه إلى صفة الله تعالى، لكن ينصرف بإضافته إلى الله سبحان لفظا أو نية كالعهد والميثاق والامانة ونحوه، فهذا لا يكون يمينا مكفرة إلا بإضافته أو نيته وسنذكر ذلك. (فرع) إذا قال وحق الله نظرت - فإن أراد بحقه ما يستحقه تبارك وتعالى من العظمة والجلال والعزة والبقاء - فهي يمين مكفرة، وإن أراد بحقه ما يستحقه من الطاعات والمفروضات لم تنعقد يمينه لانها حادثة. وبهذا قال أحمد ومالك. وقال أبو حنيفة لا كفارة لها، لان حق الله طاعته ومفروضاته وليست صفة له دليلنا أن الله حقوقا يستحقها لذاته هي من صفات الذات من العزة والجلال، واقترن عرف الاستعمال بالحلف بهذه الصفة فتنصرف إلى صفة الله تعالى، كقوله وقدرة الله، وإن نوى بذلك القسم بمخلوق، فالقول فيه كالقول في الحلف بالعلم والقدرة، إلا أن احتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر من احتماله في العلم والقدرة (مسأله) إذا قال على عهد الله وميثاقه وكفالته وأمانته فإنها لا تنعقد إلا أن ينوى الحلف بصفات الله تعالى وقال أصحاب أحمد " لا يختلف المذهب في أن الحلف بأمانة الله يمين مكفرة " وبقولهم هذا قال أبو حنيفة. لان أمانة الله صفة له بدليل وجوب الكفارة على من حلف بها ونوى ويجب حملها على ذلك عند الاطلاق لوجوه أحدها أن حملها على غير ذلك صرف ليمين المسلم إلى المعصية أو المكروه لكونه قسما بمخلوق والظاهر من حال المسلم خلافه ثانيها أن القسم في العادة يكون بالمعظم المحترم دون غيره وصفة الله تعالى أعظم حرمة وقدرا. ولنا أن الامانه لا تنعقد اليمين بها. ومثلها العهد والميثاق والكفالة. إلا أن ينوى الحلف بسفة الله تعالى. لان الامانه تطلق على الفرائض والودائع والحقوق وكذلك العهد والميثاق. قال تعالى " انا عرضنا الامانه على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأسفقن منها وحملها الانسان " وقال تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلى أهلها " يعنى الودائع والحقوق،

وقال صلى الله عليه " وأد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " وإذا كان اللفظ محتملا لم يصرف إلى أحد محتملاته إلا بنية أو دليل صارف إليه، على أنه إذا لم ينو شيئا وأطلق هل تنعقد يمينه. ؟ وجهان (أحدهما) تنعقد لان العادة والعرف جريا على الحلف بها، والتماس التغليظ في اليمين بالنطق بها كمن يحلف بالله تعالى والتغليظ بصفاته، وضرب له المصنف مثلا بالطالب الغالب والمدرك الملك (والثاني) لما ذكرناه من احتماله العبادات واحتماله لصفات الله تعالى إلا أن الناس لا يجرى العرف بينهم على اعتباره من صفات الله تعالى فلم يكن يمينا. هذ فيما يتعلق بأمانة الله، أما إذا حلف بالامانة قال في المغنى - فإن نوى الحلب بأمانة الله فهو يمين مكفرة موجبة للكفارة. وان أطلق فعلى روايتين. أحداهما يكون يمينا لما ذكرناه من الوجوه. والثانية لا يكون يمينا لانه لم يضفها إلى الله تعالى فيحتمل غير ذلك قال أبو الخطاب: وكذلك العهد والميثاق والجبروت والعظمة وامانات، فإن نوى يمينا كان يمينا والا فلا، وقد ذكرنا في الامانة روايتين فيخرج في سائر ما ذكروه وجهان قياسا عليها ويكره الجلب بالامانة لما روى أبو داود عن بُرَيْدَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ حلف بالامانة فليس منا " وروى عن زياد بن خدير أن رجلا حلف عنده بالامانة فجعل يبكى بكاء شديدا فقال له الرجل هل كان هذا يكره؟ قال نعم كان عمر ينهى عن الحلف بالامانة أشد النهى " قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال بالله لافعلن كذا بالباء المعجمة من تحت، فإن أراد بالله أنى أستعين بالله أو أوثق بالله في الفعل الذي أشار إليه لم يكن يمينا، لان مانواه ليس بيمين واللفظ يحتمله فلم يجعل يمينا، وان لم يكن له نية كان يمينا لان الباء من حروف القسم فحمل اطلاق اللفظ عليه وان قال تالله لافعلن كذا بالتاء المعجمة من فوق، فالمنصوص في الايمان

والايلاء أنه يمين. وروى المزني في القسامة أنه ليس بيمين، واختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال المذهب ما نص عليه في الايمان والايلاء لان التاء من حروف القسم، والدليل عليه قوله عز وجل " وتالله لاكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " وقوله تعالى " تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين " فصار كا لو قال والله وبالله، وما رواه المزني صحف فيه، والذي قال المزني في القسامة بالباء المعجمة من تحت وتعليله يدل عليه، فإنه قال لانه دعاء وتالله الله ليس بدعاء ومن أصحابنا من قال ان كان في الايمان والايلاء فهو يمين لانه يلزمه حق. وان كان في القسامة لم يكن يمينا لانه يستحق به المال فلم يجعل يمينا وان قال الله لافعلن كذا فإن أراد به اليمين فهو يمين لانه قد تحذف حروف القسم، ولهذا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبا جهل، فقال الله انك قتلته؟ قال الله اني قتلته " وان لم يكن له نية لم يكن يمينا لانه لم يأت بلفظ القسم. وان قال لاها الله ونوى به اليمين فهو يعين، لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال في سلب قتيل قتله أبو قتادة " لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن دين الله ورسوله فيعطيك سلبه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق وان لم ينو اليمين لم يكن يمينا لانه غير متعارف في اليمين فلم يجعل يمينا من غيرنية. وان قال وايم الله ونوى اليمين فهو يمين، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أسامة بن زيد " وأيم الله، انه لخليق بالامارة فإن لم يكن له نية لم يكن يمينا لانه لم يقترن به عرف ولانية (الشرح) حديث عبد الله بن مسعود أخرجه أبو داود وأحمد بمعناه. وقال في منتفى الاخبار: وانما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه. وروى معنى ذلك أبو داود وغيره. وقال في النيل شرح المنتفى: حديث ابن مسعود هو من رواية ابنه أبى عبيدة عنه ولم يسمع منه، كما تقدم غير مرة

ولفظ مسند أحمد عن أبى عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود " أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب السيف عنه بسيف له، فأخذه عبد الله بن مسعود فقتله به: فنقله رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه هذا وقد خرج أحمد والبخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه قال " بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني فإذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منها، فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخى؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منها. قال فعجبت لذلك، فعمزنى الآخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه، فقال أيكما قتله؟ فقال كل منهما أنا: فقال هل مسحتما سيفيكما؟ قالا لا: فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء " قال في الفتح بعد أن ذكر رواية ابن اسحاق. فهذا الذي رواه ابن اسحاق بجميع بين الاحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف فإنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا حتى طرحاه. وابن اسحاق يقول ان ابن عفراء هو معوذ والذي في الصحيح معاذ. فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجتمع الاقوال كلها. واطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق. وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما اياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق له الا مثل حركة المذبوح. وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم نقل ابن مسعود السيف فقط جمعا بين الاحاديث أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقد أخرجه أحمد والبخاري ومسلم عن أبى قتادة بلفظ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين فلما التقينا

كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه، وأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت، فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال ما للناس؟ فقلت أمرأته، ثم ان الناس رجعوا وجلس رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه. قال فقمت فقلت من يشهد لى، ثم جلست ثم قال مثل ذلك. قال فقمت فقلت من يشهد لي، ثم جلست. ثم قال ذلك الثالثة فقمت، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم صدق يارسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقى، فقال أبو بكر الصديق لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق فأعطه إياه فأعطاني: قال فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بنى سلمة، فإنه لاول مال تأثلته في الاسلام ". ويؤخذ على المصنف قوله " لما روى أن أبا بكر الخ " هكذا بصيغة التمريض مما لا يتناسب مع حديث متفق عليه في الصحيحين وفي غيرهما. وأما حديث " وايم الله " ذكره الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء هكذا إسماعيل بن جعفر وان عيبنة عن عبد الله بن دينار سمع ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أسامة على قوم، فطعن الناس في إمارته فقال " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا الامارة، وان كان لمن أحب الناس إلى، وإن ابنه هذا لاحب الناس إلى بعده " لفظ اسماعيل " وان ابنه لمن أحب " ابراهيم بن طهان عن موسى بن عقبه عن سالم عن أبيه فذكر نحوه وفيه " وان كان أبوه لخليقا للامارة وان كان لاحب الناس كلهم إلى " قال سالم " ما سمعت أبى يحدث بهذا الحديث قط الا قال والله ما حاشا فاطمة " انتهى. وقد كان أسامة أسود أفطس لان أمه بركة الحبشية مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ محمد بن اسحاق حدثنا يزيد بن هرون قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن

عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الافاضة من غرفة من أجل أسامة بن زيد ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن انما حبسنا من أجل هذا، قال فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا. قال يزيد بن هرون " يعني ردتهم يام أبى بكر الصديق ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لاسامة خمسة آلاف ولعبد الله بن عمر ألفين، فقال ابن عمر فضلت على أسامة وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال أن أسامة كان أحب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك. وأبوه كان أحب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيك أما الاحكام، فحروف القسم ثلاثة. الباء وهى الاصل وتدخل على المظهر والمضمر جميعا، والواو وهى بدل من الباء تدخل على المظهر دون المضمر لذلك وهى أكثر استعمالا وبها جاءت أكثر الاقسام في الكتاب والسنة، وانما كانت الباء الاصل لانها الحرف الذي تصل به الافعال القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها والتقدير في القسم، أقسم بالله، كما قال تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) والتاء بدل من الواو، وتختص بإسم واحد من أسماء الله تعالى وهو الله ولا تدخل على غيره، فيقال تالله. ولو قال تالرحمن أو تالرحيم لم يكن قسما، فإذا أقسم بأحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لانه موضوع له. وقد جاء في كتاب الله تعالى وكلام العرب، قال الله تعالى (تالله لتسأل عما كنتم تفترون) (تالله لقد آثرك الله علينا) (تالله تفتؤ تذكر يوسف) (تالله لقد علمتم) (وتالله لاكيدن أصنامكم) وقد اختلف أصحابنا فيه لما روى المزني في القسامة وما رواه الربيع في الام فرواية المزني أنه ليس بيمين، والصواب كما رواه الربيع في الام فإن قال ما أردت به القسم لم يقبل منه لانه أتى باللفظ الصريح في القسم، واقترنت به قرينة دالة، وهو الجواب بجواب القسم وان قال بالله ونوى الاستعانة بالله والتحصن بالله أو الثقة بالله لم يكن يمينا فإن أطلق كان يمينا وان لم ينو اليمين لانه يؤخذ بلفظه (فرع) وان أقسم بغير حرف القسم فقال الله لاقومن: بالجرأو النصب،

قال الشافعي لا يكون يمينا إلا أن ينوى لان ذكر اسم الله تعال بغير حرف القسم ليس بصريح في القسم فلا ينصرف إليه إلا بالنية وقال الحنابلة يكون يمينا لانه سائغ في العربية، وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع نوى أو لم ينو، ويجاب عن هذا بأنكم سوغتم اليمين للعامي إذا قال والله بالرفع مع عدم جوازه في العربية قسما، وهذا تناقض فكيف بلفظ لم يرد فيه حرف القسم ولم ينو به القسم، ومذهبنا أنه إذا أراد به اليمين انعقدت يمينه لان العرف لم يجر بذلك وقال امرئ القيس يمين الله أبرح قاعدا وقال فقالت: يمين الله مالك حيلة فهذا مصرح فيه بأنه يمين، فلا يقال عنه إنه لم ينوه. ويجاب عن القسم بأربعة أحرف. حرفان للنفي هما ما ولا، وحرفان للاثبات وهما إن واللام المفتوحة، وتقوم إن المكسورة مقام ما النافية، مثل قوله " وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى " (فرع) وإن قال لا ها الله ونوى اليمين فهو يمين لما جاء في حديث أبى بكر رضى الله عنه حين قال في سلب قتيل أبى قتادة لاها الله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق " وإن لم ينو اليمين فالظاهر أنه لا يكون يمينا لانه لم يتقرن به عرف ولانية، ولا في جوابه حرف يدل على القسم، وهذا مذهب أحمد رضى الله عنه (فرع) وإن قال وايم الله ونوى اليمين فهو يمين موجبة للكفارة، وكذلك وايمن. وقال أصحاب أحمد هي موجبة للكفارة مطلقا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم به، وقد اختلف في اشتقاقه، فقيل هو جمع يمين وحذفت فيه في البعض تخفيفا لكثرة الاستعمال. وقيل هو من اليمين، فكأنه قال ويمين الله لافعلن وألفه ألف وصل. وذكر القلعى أنها تخفض بالقسم، والواو واو قسم عنده. قال ابن بطال في شرح غريب المهذب " وذاكرت جماعة من أئمة النحو والمعرفة فمنعوا من الخفض، وقال أيمن بنفسها آلة للقسم فلا يدخل على الآلة آلة هكذا ذكر لي من يسمع التاج النحوي رئيس أهل العربية بدمشق وقوله " أنه لخليق بالامارة " أي حقيق بها وجدير وقد خلق لذلك

قال المصنف رحمه الله. (فصل) وإن قال لعمر الله ونوى به اليمين فهو يمين لانه قد قبل معناه بقاء الله وقيل حق الله وقيل علم الله، والجميع من الصفات التي تنعقد بها اليمين، فإن لم يكن له نية ففيه وجهان (أحدهما) أنه يمين لان الشرع ورد به في اليمين، وهو قول الله عز وجل (لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون) (والثاني) أنه ليس بيمين، وهو طاهر النص لانه غير متعارف في اليمين. (فصل) وإن قال أقسمت بالله أو أقسم بالله لافعلن كذا ولم ينو شيئا فهو يمين لانه ثبت له عرف الشرع وعرف العادة، فالشرع قوله عز وجل " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادهما) وقوله عز وجل (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) وعرف العادة أن الناس يحلفون بها كثيرا وإن قال أردت بقولى أقسمت بالله الخبر عن يمين متقدمة، وبقولي أقسم بالله الخبر عن يمين مستأنفة، قبل قوله فيما بينه وبين الله تعالى، لان ما يدعيه يحتمله اللفظ، فأما في الحكم فالمنصوص في الايمان أنه يقبل وقال في الايلاء إذا قال لزوجته أقسمت بالله لا وطئتك، وقال أردت به في زمان متقدم أنه لا يقبل، فمن أصحابنا من قال لا يقبل قولا واحدا، وما يدعيه خلاف ما يقتضيه اللفظ في عرف الشرع، وعرف العادة - وقوله في الايمان انه يقبل أراد به فيما بينه وبين الله عزوجل. ومنهم من قال لا يقبل في الايلاء ويقبل في غيره من الايمان، لان الايلاء يتعلق به حق المرأة فلم يقبل منه خلاف الظاهر، والحق في سائر الايمان لله عز وجل فقبل قوله. ومنهم من نقل جوابه في كل واحدة من المسئلتين إلى الاخرى وجعلهما على قولين (أحدهما) يقبل لان ما يدعيه يحتمله اللفظ (والثاني) لا يقبل لان ما يدعيه خلاف ما يقتضيه اللفظ في عرف الشرع وعرف العادة، فإن قال شهدت بالله أو أشهد بالله لافعلن كذا فإن نوى به اليمين

فهو يمين، لانه قد يراد بالشهادة اليمين، وإن نوى بالشهادة بالله الايمان به فليس بيمين لانه قد يراد به ذلك. وإن لم يكن له نية ففيه وجهان (أحدهما) أنه يمين لانه ورد به القرآن، والمراد به اليمين، وهو قوله عز وجل (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) (والثاني) أنه ليس بيمين، لانه ليس في اليمين بها عرف من جهة العادة. وأما في الشرع فقد ورد، والمراد به اليمين وورد والمراد به الشهادة، فلم يجعل يمينا من غير نية. وإن قال أعزم بالله لافعلن كذا - فإن أراد به اليمين - فهو يمين، لانه يحتمل أن يقول أعزم ثم يبتدئ اليمين بقوله بالله لافعلن كذا. وإن أراد أنى أعزم بالله، أي بمعونته وقدرته لم يكن يمينا، وإن لم ينو شيئا لم يكن يمينا لانه يحتمل اليمين ويحتمل العزم على الفعل بمعونة الله فلم يجعل يمينا من غير نية ولا عرف. وإن قال أقسم أو أشهد أو أعزم ولم يذكر اسم الله تعالى لم يكن يمينا، نوى به اليمين أو لم ينو، لان اليمين لا ينعقد إلا بإسم معظم أو صفة معظمة ليتحقق له المحلوف عليه، وذلك لم يوجد (فصل) وإن قال أسألك بالله أو أقسم عليك بالله لتفعلن كذا - فإن أراد به الشفاعة بالله عز وجل في الفعل - لم يكن يمينا، وإن أراد أن يحلف عليه ليفعلن ذلك صار حالفا: لانه يحتمل اليمين. وهو أن يبتدئ بقوله بالله لتفعلن كذا، وان أراد أن يعقد للمسئول بذلك يمينا لم ينعقد لواحد منهما، لان السائل صرف اليمين عن نفسه والمسؤول لم يحلف. (فصل) إذا قال والله لافعلن كذا ان شاء زيد أن أفعله، فقال زيد قد شئت أن يفعله انعقدت يمينه لانه علق عقد اليمين على مشيئتة وقد وجدت، ثم يقف البر والحنث على فعل الشئ وتركه، وان قال زيد لست أشاء أن يفعله لم تنعقد اليمين لانه لم يوجد شرط عقدها، وان فقدت مشيئته بالجنون أو الغيبة أو الموت لم ينعقد اليمين، لانه لم يتحقق شرط الانعقاد، ولا ينعقد اليمين به. والله تعالى أعلم.

(الشرح) إذا قال لعمر الله - فإن قصد اليمين فهى يمين، والا فلا، ولعمره الله. اللام لام القسم على المصدر المفتوح الذي فعله عمر يعمر كقتل يقتل، فتقول لعمرك، والمعنى وحياتك وبقائك، ومنه اشتقاق العمرى. وقال أحمد رضى الله عنه هي يمين موجبة للكفارة مطلقا حيث أقسم بصفة من صفات الذات فكان يمينا موجبة للكفارة، كالحلف ببقاء الله، فإن معنى ذلك الحلف ببقاء الله وحياته. وقال أبو حنيفة يقول أحمد رضى الله عنه ولنا أنها تكون يمينا إذا نوى اليمين لانها انما تكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمر الله ما أقسم، فيكون مجازا: والمجاز لا ينصرف إليه الاطلاق. وهذا قول هو وجه عندنا وظاهر يخالفه. وقد ثبت في القرآن الكريم القسم به، كقوله (لعمرك انهم لفى سكرتهم يعمهون) وقال النابغة فلا لعمر الذى زرته حججا * وما أريق على الانصاب من جسد وقال غيره، إذا رضيت كرام بنى قشير * لعمر الله أعجبني رضاها وقال آخر: ولكن لعمر الله ما ظل مسلما * كغر الثنايا واضحات الملاغم وان قال عمرك الله بحذف لام القسم نصب اسم الله تعالى فيه، لانه يأتي بمعنى نشدتك الله كما في قوله: أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان؟ وان قال لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس بيمين خلافا لما ذهب إليه الحسن البصري حيث جعل في قوله لعمري الكفارة ولنا أنه أقسم بمخلوق فلم تلزمه الكفارة، كما لو قال وحياتي، وذلك لان هذا اللفظ يكون قسما بحياة الذي أضيف إليه العمر، فإن التقدير: لعمرك قسمي أو ما أقسم به. (فرع) إذا قال أقسم بالله أو أقسمت بالله لافعلن كذا كان يمينا، سواء نوى أو أطلق، وهذا قول أهل العلم كافة، لاتعلم فيه خلافا، لانه لو قال بالله ولم يقل أقسم ولم يذكر الفعل كان يمينا، وذلك بتقدير الفعل قبله، لان الباء تتعلق بفعل مقدر على ما ذكرناه: فإذا أطلق الفعل ونطق بالمقدر كان أولى بثبوت حكمه - وقد ثبت له عرف الاستعمال - قال تعالى (فيقسمان بالله)

وقال تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) وأنشد أعرابي عمر " أقسم بالله لتفعلنه " وكذلك الحكم إن ذكر الفعل بلفظ الماضي فقال أقسمت بالله أو شهدت بالله. قال عبد الله بن رواحة أقسمت بالله لتنزلنه. وإن أراد بقوله أقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله أقسم بالله عن قسم يأتي به قبل قوله فيما بينه وبين الله تعالى ولا كفارة عليه لان ما يدعيه يحتمله، وهل يقبل قوله في الحكم؟ فالذي قاله الشافعي في الايمان أنه يقبل، وبه قال أحمد وأصحابه خلا القاضى. وقال في الايلاء في صورة مماثلة، إذا قال لزوجته أقسمت بالله لا وطئتك. وقال أردت به في زمان متقدم أنه لا يقبل، فقد قال بعض أصحابنا لا يقبل قولا واحدا، وبه قال القاضى من الحنابلة، لان ما يدعيه خلاف ما يقتضيه اللفظ في عرف الشرع وعرف العادة أو الاستعمال، وقالوا إن قوله في الايمان انما أراد به أن يقبل فيما بينه وبين الله تعالى. ومن أصحابنا من قال هو على حالين يقبل في الايمان ولا يقبل في الايلاء، وصرف كل قول على وجهه، لان حق المرأة لا يتعلق إلا بالظاهر فلم يقبل منه خلافه، والحق في سائر الايمان متعلق بالله تعالى فقبل قوله. ومن اصحابنا من جعلهما قولين. ونقل جواب كل مسألة منهما إلى الاخرى فتساويا، وأحد القولين يقبل لاحتمال اللفظ ما يدعيه (والثاني) لا يقبل لمخالفة ما يدعيه لمقتضى اللفظ والشرع والعرف والعادة والاستعمال. (فرع) وإن قال أشهد بالله أو شهدت بالله لافعلن كذا، فإن قصد به اليمين انعقدت ولزمته الكفارة، وإن لم يقصد اليمين بأن قال أردت به الشهادة على أني مؤمن يشهد باوحدانية قبل منه لانه يحتمل ذلك، وقد ورد اللفظ في الكتاب الكريم بمعنى اليمين في قوله تعالى (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) كما ورد في القرآن مرادا به الشهادة، ولذا جعلنا قصده مرجحا لاحد المعنيين. وان أطلق ولم يعن شيئا في نيته فوجهان (أحدهما) ينعقد يمينا لوروده في الشرع كذلك (والثاني) لا ينعقد يمينا لوروده في الشرع بمعنى الشهادة ووروده بمعنى اليمين، فلا يكون يمينا بغير نية.

وقال أصحاب أحمد شهد بالله تجرى مجرى أقسم بالله. وزعم ابن قسامة في المغنى أنه قول عامة الفقهاء، وقال لا نعلم فيه خلافا، وقال وسواء نوى اليمين أو أطلق لانه لو قال أشهد ولم يذكر الفعل كان يمينا وانما كان يمينا بتقدير الفعل قبله، وما قرره ابن قدامة من كونه قول عامة الفقهاء غير صحيح كما عرفت من مذهبنا من الفرق بين قوله أقسم بالله وقوله أشهد بالله (فرع) وإن قال أعزم بالله لافعلن كذا وعنى به اليمين فهو يمين، لانه لو قال بالله لافعلن كذا احتمل أن يكون يمينا، فإذا قال قبل ذلك أعزم ثم ابتدأ اليمين بقوله بالله احتمل كونه. فإذا أراد بذلك اليمين انعقد يمينا. وان أراد به العزم بالله وعنى بمعونته وتأييده وقدرته وتوفيقه لم يكن يمينا وان أطلق لم يكن يمينا لانه خلا من النية كما خلا منه العرف والاستعمال فلم يكن يمينا. وبه قال أحمد. فإذا تقرر هذا فإذا قال أشهد أو أقسم أو أعزم ويذكر اسم الله تعالى لم يكن يمينا. سواء نوى به اليمين أو لم ينو. لان اليمين لا تنعقد بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته. وقال ابن قدامة " وان قال أقسمت أو آليت أو حلفت أو شهدت لافعلن ولم يذكر بالله. فعن أحمد روايتان (إحداهما) انها يمين. وسواء نوى اليمين أو اطلق. وروى نحو ذلك عن عمر وابن عباس والنخعي والثوري وابى حنيفة واصحابه. وعن احمد ان نوى اليمين بالله كان يمينا والا فلا. وهو قول مالك واسحاق. ابن المنذر لانه يحتمل القسم بالله وبغيره فلم تكن يمينا حتى يصرفه بنيته إلى ما تجب به الكفارة ولنا انها ليست بيمين وان نوى. لانها عريت عن اسم الله تعالى وصفته فلم تكن يمينا كما لو قال أقسمت بالبيت أو اقسمت بالكعبة. وروى هذا عن عطاء والحسن والزهرى وقتادة وابى عبيد. وما بقى من الفصول فعلى وجهها وقد مضى توضيحها في الفروع آنفا. على أن الذي تفتقر إليه هذه الفصول هو بيان احكام الحلف بالقرآن الكريم. فنقول ان الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها. وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك واحمد وابو عبيد وعامة أهل العلم

قال أبو حنيفة وأصحابه: ليس بيمين ولا تجب به كفارة، فمنهم من زعم أنه مخلوق. ومنهم من قال لا يعهد اليمين به. والحق أن القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به، كما لو قال وجلال الله وعظمته. وقوله " هو مخلوق " فهذا كلام المعتزلة، وإنما الخلاف مع الفقهاء، ولاشك أن مذاهب المتكلمين لها تأثيرها على تقرير أحكام الفروع عند الفقهاء وقد روى عن ابن عمر مرفوعا أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال ابن عباس في قوله تعالى " قرآنا عربيا غير ذى عوج " أي غير مخلوق. إذا ثبت هذا فإن الحلف بآية منه كالحلف بجميعه لانها من كلام الله تعالى. وان حلف بالمصحف انعقدت بمينه، وكان قتادة يحلف بالمصحف. وقال ابن قدامة ولم يكره ذلك إمامنا وإسحق، لان الحالف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن، فإنه بين دفتى المصحف بإجماع المسلمين (مسألة) نص احمد رضى الله عنه على أن من حلف بحق القرآن لزمته بكل آية كفارة يمين. وهو قول ابن مسعود والحسن (قلت) مذهبنا أن الواجب كفارة واحدة وهو قياس المذهب عند الحنابلة وأبى عبيد، لان الحلف بصفات الله كلها وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فالحلف بصفة واحدة من صفاته أولى أن تجزئه كفارة واحدة ووجه الاول ما رواه مجاهد قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم " من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، فمن شاء بر ومن شاء فجر " رواه الاثرم، ولان ابن مسعود قال عليه بكل آية كفارة يمين. قال أحمد وما أعلم شيئا يدفعه قال في المغنى: ويحتمل أن كلام أحمد في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه، فإنه قال عليه بكل آية كفارة يمين فإن لم يمكنه فكفارة واحدة. ورده إلى واحدة عند العجز دليل على أن ما زاد عليها غير واجب، وكلام ابن مسعود يحمل على الاختيار والاحتياط لكلام الله والمبالغة في تعظيمه، كما أن عائشة رض أعتقت أربعين رقبة حين حلفت بالعهد - وليس ذلك بواجب - ولا يجب أكثر من كفارة واحدة لقول الله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن

باب جامع الايمان

يوأخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " وهذه يمين فتدخل في عموم الايمان المنعقدة، لانها يمين واحده فلم توجب كفارات كسائر الايمان ولان إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضى إلى المنع من البر والتقوى والاصلاح بين الناس، لانه من علم أنه يحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائنا ما كان، وقد يكون برا وتقوى وإصلاحا فتمنعه منه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) والله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى باب جامع الايمان إذا حلف لا يسكن دارا وهو فيها، فخرج في الحال بنية التحويل وترك رحله فيها لم يحنث لان اليمين على سكناه وقد ترك السكنى فلم يحنث الرحل، كما لو حلف لا يسكن في بلد فخرج وترك رحله فيه، وان تردد إلى الدار لنقل الرحل لم يحنث، لان ذلك ليس بسكنى وإن حلف لا يسكنها وهو فيها، أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، أو لا يركب هذه الدابة وهو راكبها فاستدام حنث، لان الاسم يطلق على حال الاستدامة، ولهذا تقول سكنت الدار شهرا ولبست الثوب شهرا وركبت الدابة شهرا. وان حلف لا يتزوج وهو متزوج أو لا يتطهر وهو متظهر أو لا يتطيب وهو متطيب فاستدام لم يحنث، لانه لا يطلق الاسم عليه في حال الاستدامة، ولهذا تقول تزوجت من شهر وتطهرت من شهر وتطيبت من شهر، ولا تقول تزوجت شهرا وتطهرت شهرا وتطيبت شهرا وإن حلف لايدخل الدار وهو فيها فاستدام ففيه قولان: قال في الام يحنث لان استدامة الدخول كالابتداء في التحريم في ملك فكذلك في الحنث في اليمين كاللبس والركوب وقال في حرملة لا يحنث - وهو الصحيح - لان الدخول لا يستعمل في

الاستدامة ولهذا تقول دخلت الدار من شهر، ولا تقول دخلتها شهرا فلم يحنث بالاستدامة، كما لو حلف لا يتطهر أو لا يتزوج فاستدام، فإن حلف لا يسافر وهو في السفر فأخذ في العود لم يحنث، لانه أخذ في ترك السفر، وان استدام السفر حنث لانه مسافر. (الشرح) قوله " بنية التحويل " التحويل مصدر حول تحويلا وهو يلزم ويتعدى، فيقال حولته تحويلا إذا غيرت موضعه، وحول هو تحويلا إذا انتقل من موضع إلى موضع، وقد مضى في الحوالة بحث مادته واستقاقاتها. والرحل كل شئ بعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للمطية وجلس ورسن وجمعه أرحل ورحال، ورحل الشخص مأواه في الحضر، ثم أطلق على أمتعة المسافر لانها هناك مأواه، وفي الحديث " صلوا في رحالكم " أي في مأواكم أما الاحكام فإن منبي اليمين على لفظ الحالف، فإذا حلف صريحة عبارته انصرفت يمينه إليها، سواء كان مانواه موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفا، فالموافق للظاهر أن ينوى باللفظ موضوعه الاصلى مثل أن ينوى باللفظ العام العموم، وبالمطلق الاطلاق، وسائر الالفاظ ما يتبادر إلى الافهام منها أو المخالف فإنه يتنوع أنواعا: (أحدها) أن ينوى بالعام الخاص، مثل أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة ويريد لحما بعينه وفاكهة بعينها. ومنها أن يحلف على فعل شئ أو تركه مطلقا وينوى فعله أو تركه في وقت بعينه. مثل أن يحلف أن لا يركب السيارة، وهو يعنى الآن أو اليوم، أو يحلف لالبسن، يعنى الساعة ومنها أن يعنى بقسمه غير ما يفهمه السامع منه كالمعاريض ونحوها. ومنها أن يريد بالخاص العام. مثل أن يحلف لا شربت لفلان الماء من العطش، يعنى قطع كل ما له فيه منة، أو لا يأوي مع امرأته في دار يريد جفاءها بترك اجتماعها معه في جميع الدور. في كل ما ذكرنا لا عبره عندنا بماء عساه أو نواه أو خالف لفظه، لان الحنث مخالفة ما عقد عليه اليمين واليمين هو اللفظ، فلو أحنثناه على ما سواه لاحنثناه

على ما نوى لا على ما حلف، ولان النية بمجردها لا تنعقد بها اليمين فكذلك لا يحنث بمخالفتها، وبهذا قال أبو حنيفة رضى الله عنه وقال مالك وأحمد رضى الله عنهما: إذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء خالف اللفظ أو وافقه، لان مبنى اليمين على النية (فرع) إذا خلف لا يسكن دارا وهو ساكنها خرج من وقته، فإن تخلف عن الخروج وأقام بعد يمينه زمنا حنث لان استدامة السكنى كابتدائها في وقوع اسم السكنى عليها، ألا تراه يقول سكنت هذه الدار شهرا، كما يقول لبست هذا الثوب شهرا، وبهذا قال أحمد وأصحابه. وإن أقام لنقل رحله وقماشه لم يحنث، لان الانتقال لا يكون إلا بالاهل والمال فيحتاج أن ينقل ذلك معه حتى يكون منتقلا وحكى عن مالك أنه إن أقام دون اليوم واللية لم يحنث، لان ذلك قليل يحتاج إليه في الانتقال فلم يحنث به. وعن زفر انه قال يحنث وان انتقل في الحال لانه لابد من أن يكون ساكنا عقيب يمينه ولو لحظة فيحنث بها وليس بصحيح فإن ما لا يمكن الاحتراز منه لايراد باليمين ولا يقع عليه. وأما إذا أقام زمنا يمكنه الانتقال فيه فإنه يحنث لانه فعل ما يقع عليه اسم السكنى فحنث به كموضع الاتفاق ألا ترى أنه لو حلف لا يركب سيارة فوقف على سلمها أو تعلق بمؤخرتها حنث وإن كان قليلا؟ (فرع) إذا أقام على متاعه وأهله حنث، وقال أبو حنيفة واحمد لم يحنث لان الانقتال لا يكون الا بالاهل والمال ولا يمكنه التحرز من هذه الاستدامة فلا يقع اليمين عليها. وعلى هذا إن خرج بنفسه وترك أهله وماله في المسكن مع إمكان نقلهم عنه حنث ولنا أن لا يحنث إذا خرج بنية الانتقال، لانه إذا خرج بنية الانتقال فليس بساكن - ولانه يجوز أن يريد السكنى وحده دون اهله وماله - وعند احمد وابي حنيفة ان السكنى لا يكون الا بالاهل والمال، ولهذا يقال فلان ساكن بالبلد الفلاني وهو غائب عنه بنفسه. وإذا نزل بلدا بأهله وماله يقال سكنه، ولو نزله نفسه لا يقال سكنه.

هذا كلامهم وهو ظاهر الخطأ، لان المرء قد يموت أبواه أو ينفصل عنهما ولما يتزوج بعد ثم يسكن أنى شاء وحده، وحكى عن مالك أنه اعتبر نقل عياله دون ماله، والاولى إن شاء الله أنه إذا انتقل إلى مسكن آخر لا يحنث وإن بقى متاعه في الدار، لان مسكنه حيث حل هو، وضع في المسكن الذي نزل فيه ما يتأثث به أو لم يضع، مادام قد تحقق حلوله فيه من إجارة أو تملك أو اتهاب (فرع) وإن أكره على المقام لم يحث، وكذلك إن كان في جوف الليل في وقت لا يجد فيه منزلا يتحول إليه، أو يحول بينه وبين المنزل أبواب مغلقة لا يمكن فتحها أو خوف على نفسه أو أهله أو ماله فأقام في طلب النقلة أو انتظارا لزوال المانع منها لم يحنث: وإن خرج طالبا للنقلة فتعذرت عليه إما لكونه لم يجد مسكنا يتحول إليه لتعذر الكراء واكتظاظ المساكن بأهلها ونذرة الخالي منها أو يوجد في مقابل مبلغ كبير لا يطيقه ولا يتيسر له أداؤه، أو لم يجد من يحمل أمتعته كسيارة أو دابة أو حمال ولا يمكنه النقلة بدونها فأقام حنث وعليه الكفارة وقال الحنابلة لم يحنث لان إقامته عن غير اختيار منه لعدم تمكنه من النقلة (فرع) فإن حلف لا يتزوج ولا يتطيب ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث في قولهم جميعا، لانه لا يطلق على من استدامها اسم الفعل، فلا يقال تزوجت شهرا، ولا تطيبت شهرا، وإنما يقال منذ شهر، ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة أبتدائها في تحريمه في الاحرام وإيجاب الكفارة فيه (فرع) وان حلف لايدخل دارا هو فيها فأقام فيها ففيه قولان أصحهما ما رواه حرملة أنه لا يحنث. وعن أحمد روايتان، إحداهما يحنث. قال أحمد في رجل حلف على أمرأته لادخلت أنا وأنت هذه الدار وهما جميعا فيها، قال أخاف أن يكون حنث. والثانية لا يحنث، ذكرها ابن قدامة عن القاضي واختارها أبو الخطاب. وهو قول أصحاب الرأى، لان الدخول لا يستعمل في الاستدامة، ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولايقال دخلتها شهرا فجزى مجرى التزويج، ولان الدخول الانفصال من خارج إلى داخل فلا يوجد هذا المعنى في الاقامة والمكث

قال ابن قدامة: ويحتمل أن من أحثه إنما كان لان ظاهر حال الحالف أنه يقصد هجران الدار ومباينتها: والاقامة فيها تخالف ذلك فجرى مجرى الحالف على ترك السكنى به أه. (فرع) فإن حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فإن نزعه في الحال وإلا حنث وكذلك إن حلف لا يركب دابة هو راكبها - فإن نزل في أول حالة الامكان والاحنث، وبهذا قال أحمد وأصحاب الرأى. وقال أبو ثور لا يحنث باستدامته اللبس والركوب حتى يبتدئه. لانه لو حلف لا يتزوج ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث. كذا ههنا دليلنا أن استدامة اللبس والركوب تسمى لبسا وركوبا، ويسمى به لابسا وراكبا. ولذلك يقال ليست هذا الثوب شهرا، وركبت دابتي يوما فحنث باستدامته، كما لو حلف لا يسكن فاستدام السكنى، وقد اعتبر الشرع هذا في الاحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة في استدامته كما أوجبها في ابتدائه وفارق التزويح فإنه لا يطلق على الاستدامة فلا يقال تزوجت شهرا. وانما يقال منذ شهر. ولهذا لم تحرم استدامته في الاحرام كابتدائه (فرع) ان حلف لا يسافر وكان في السفر فإن سدر في سفره حنث وإن أخذ في العود لم يحنث ولو كانت مسافة العود أكبر من قدر مسافة القصر. وذلك لانه يعتبر آخذا في ترك السفر قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف لا يساكن فلانا - وهما في مسكن واحد. ففارق أحدهما الآخر في الحال وبقي الآخر - لم يحنث لانه زالت المساكنة. وإن سكن كل واحد منهما في بيت من خان أو دار كبيرة. وانفرد كل واحد منهما بباب وغلق لم يحنث لانه ما ساكنه. فإن حلف لايدخل دار فأدخل احدى الرجلين أو أدخل رأسه إليها لم يحنث، وان حلف لا يخرج من دار فأخرج احدى الرجلين أو أخرج رأسه منها لم يحنث. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ معتكفا وكان يدخل رأسه إلى عائشة لترجله " ولان كمال الدخول والخروج لا يحصل بذلك.

(فصل) وإن حلف لايدخل دارا فحصل في سطحها وهو غير محجر لم يحنث، وقال أبو ثور يحنث لان السطح من الدار. وهذا خطأ لانه حاجز بين داخل الدار وخارجها فلم يصر بحصوله فيه داخلا فيها، كما لو حصل على حائط الدار وإن كان محجرا ففيه وجهان أحدهما يحنث لانه يحيط يه سور الدار والثاني لا يحنث، وهو ظاهر النص لانه لم يحصل في داخل الدار، وإن كان في الدار نهر فطرح نفسه في الماء حتى حمله إلى داخل الدار حنث لانه دخل الدار. وإن كان في الدار شجرة منتشرة الاغصان فتعلق بغصن منها ونزل فيها حتى أحاط به حائط الدار حنث. وإن نزل فيه حتى حاذى السطح فإن كان غير محجر لم يحنث وإن كان محجرا فعلى الوجهين (الشرح) حديث اعتكاف الرسول فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلِيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وكان لايدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا " أما غريب الفصل فقوله " بيت من خان " قال في المصباح: والخان ما ينزله المسافرون. والجمع خانات. (قلت) لعله مكان كان يقوم مقام الفندق في عصرنا هذا، إلا أن الخان فيما مضى كان فيه مكان فسيح تأوى إليه الدواب، ومستودع لبضائع المسافرين وأمتعتهم. وقوله " غير محجر " المحجر الذي عليه بناء يحيط به ومنه سميت الحجرة وسور الدار ما يحيط به. أما الاحكام فإنه إذا حلف لا يساكن فلانا فالحكم في الاستدامة على ما ذكرنا في الحلف على السكنى. وإن انتقل أحدهما وبقي الآخر لم يحنث لزوال المساكنة وإن سكنا في دار واحدة - وكل واحد في بيت ذى باب وقفل أو غلق - فإن كانت الدار صغيرة فهما متساكنان، لان الصغيرة مسكن واحد، وإن كانت كبيرة إلا أن أحدهما في البيت والآخر في الصفة، أو كانا في صفتين أو بينتين ليس على أحدهما غلق دون صاحبه فهما متساكنان، وإن كانا في بيتين كل واحد

منهما ينفرد بمسكنه دون الآخر فأشبها المتجاورين كل واحد منهما ينفرد بمسكنه وقالت الحنابلة: انهما في دار واحدة فكانا متساكنين كالصغيرة، وفارق المتجاورين في الدارين فإنهما ليسا متساكنين، ويمينه على نفي المساكنة لا على المجاورة. ولو كانا في دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة منهما بابا وبينهما حاجز، ثم سكن كل واحد منهما في حجرة لم يحث لانهما غير متساكنين (فرع) إذا تشاغلا ببناء الحاجز بينهما وهما متساكنان حنث، لانهما تساكنا قبل انفراد إحدى الدارين من الاخرى، وبهذا قال أحمد وأصحاب الرأى وأهل المدينة ولا نعلم فيه خلافا (فرع) ان حلف لا ساكنت فلانا في هذه الدار فقسماها حجريتن وبنيا بينهما حائطا وفتح كل واحد منهما لنفسه بابا ثم سكنا فيهما لم يحنث لما ذكرنا في التى قبلها. وهذا قول أحمد وابن المنذر وأبي ثور وأصحاب الرأى. وقال مالك: لا يعجبني ذلك لكونه عين الدار ولا ينحل بتغيرها (فرع) إن حلف لا يخرج من دار فأخرج يده أو رجله أو رأسه لم يحنث بلا خلاف، سواء كان لحاجة أم غيرها. أما الخروج بكل بدنه أو أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَبَقِيَ رَأْسُهُ دَاخِلَ الدار حنث، فإذا قعد معتمدا على مقعدته وأخرج رجليه مادهما إلى الخارج فلا يحنث على الصحيح لما ذكر في الاعتكاف من أن اعتكافه لا يبطل، فلم يحنث في يمينه، لان كمال الخروج والدخول لا يحصل بذلك. (فرع) قوله " وإن حلف لايدخل دارا فحصل في سطحها الخ " قلت، قال الشافعي لا يحنث. ولاصحابنا فيما إذا كان محجرا وجهان، وظاهر النص أنه لا يحنث. وقال أحمد يحنث، سواء كان السطح محجرا أم لا، بهذا قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأى - وهذا خطأ - لان السطح حاجز بين داخل الدار وخارجها، كسطح المسجد فإنه لا يعد من المسجد ولايجوز الاعتكاف فيه، كما لا يجوز الاعتكاف في منارته على ما مضى في الاعتكاف، وعند الحنابلة يصح الاعتكاف في سطح المسجد

قوله " فتعق بغصن منها ونزل الخ " وجملة ذلك أنه إن تعلق بغضن شجرة في الدار ولم يكن بين حيطانها لم يحنث، فإن نزل حنث، وفي وجه عند الحنابلة وأبى ثور وأصحاب الرأى أنه إذا تعلق بغصن شجرة في الدار وإن لم ينزل بين حيطانها لانه في هوائها، وهواؤها ملك لصاحبها فأشبه ما لو قام على سطحها لانه يحنث بصعود السطح عندهم كما ذكرنا آنفا، وكذلك إن كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها، فإن قام على حائط الدار احتمل عندهم وجهين. أحدهما أنه يحنث لانه داخل في حدها فأشبه القائم على سطحها والوجه الثاني وهو المذهب عندنا: لا يحنث لانه لا يسمى دخولا، وإن قام في طاق الباب فكذلك لانه بمنزلة حائطها. وإن حلف أن لا يضع قدمه في الدار فدخلها راكبا أو ماشيا منتعلا أو حافيا حنث، كما لو حلف أن لا يدخلها وبهذا قال أصحاب الرأى وأحمد. وقال أبو ثور: إن دخلها راكبا لم يحنث لانه لم يضع قدمه فيها. دليلنا أنه قد دخل الدار فحنث، كما لو دخلها ماشيا، ولانسلم أنه لم يضع قدمه فيها، فإن قيمه موضوعة، فإن كان في الدار نهر فدخلها في سفينة أو زورق فقدمه في الزورق أو على الدابة فأشبه ما لو دخلها منتعلا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن حلف لايدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث، لان اليمين على عين مضافة إلى مالك فلم يسقط الحنث فيه بزوال الملك، كما لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذه فطلقها ثم كلمها وإن حلف لايدخل دار زيد فدخل دارا لزيد وعمر ولم يحنث لان اليمين معقودة على دار جميعها لزيد. وإن حلف لايدخل دار زيد فدخل دارا يسكنها زيد بإعارة أو إجارة أو غصب - فإن أراد مسكنه - حنث لانه يحتمل ما نوى، وإن لم يكن له نية لم يحنث. وقال أبو ثور: يحنث، لان الدار تضاف إلى الساكن، والدليل عليه قوله

تعالى " لا تخرجوهن من بيوتهن " فأضاف بيوت أزواجهن اليهن بالسكنى، وهذا خطأ، لان حقيقة الاضافة تقتضي ملك العين، ولهذا لو قال: هذه الدار لزيد جعل ذلك إقرارا له بملكها (فصل) وإن حلف لايدخل هذه الدار فانهدتمت وصارت ساحة أو جعلت حانوتا أو بستانا فدخلها لم يحنث لانه زال عنها اسم الدار. وإن أعيدت بغير تلك الآلة لم يحنث بدخولها لانها غير تلك الدار، وإن أعيدت بتلك الآلة ففيه وجهان، أحدهما لا يحنث، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لانها غير تلك الدار والثاني أنه يحنث لانها عادت كما كانت (الشرح) إن حلف لايدخل دار فلان فدخل دارا له يسكنها بأجرة أو عارية أو غصب لم يحنث. وقال أحمد وأبو ثور وأصحاب الرأى يحنث، لان الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها. قال تعالى " لا تخرجوهن من بيوتهن " أراد بيوت أزواجهن التي يسكنها. وقال تعالى " وقرن في بيوتكن " ولان الاضافة للاختصاص، وكذلك ساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها إليه صحيحة، وهي مستعمله في العرف فوجب أن يحنث بدخولها كالمملوكة له ولنا أن الاضافة في الحقيقة إلى المالك بدليل أنه لو قال هذه الدار لفلان كان مقرا له بملكها، ولو قال أردت أنه يسكنها لم يقبل لان حقيقة الاضافة تقتضي ملك العين، وأن اضافة البيت إلى ساكنه اضافة مجازية، ولو سلمنا بإحلال المجاز مكان الحقيقة لا نسلخ الناس من أيمانهم. وان حلف لايدخل دار زيد هذه واسم الاشارة هنا ينصرف إلى عين مضافة إلى زيد حنث ولا يسقط الحنث هنا بزوال الملك. ومثاله لو حلف لا يكلم زوجة فلان فطلقها ثم كلهما حنث (فرع) ولو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة أستأجرها فلان هذا فقياس المذهب أنه لا يحنث لما قررنا من أن الاضافة تقتضي حقيقة الملك، وكذلك ان ركب دابة استعارها فلان لم يحنث وعند الحنابلة أنه يحنث في الاولى

ولم يحنث في الثانية، وكذلك القول فيما إذا اغتصبها فإنه لا يحنث في قول الجميع. وما بقى من الفصلين فعلى وجهه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن حلف لايدخل هذه الدار من هذا الباب فقلع الباب ونصبه في مكان آخر وبقى الممر الذي كان عليه الباب فدخلها من الممر حنث. وإن دخلها من الموضع الذى نصب فيه الباب لم يحنث. ومن أصحابنا من قال: إن دخل من الممر الذي كان فيه الباب لم يحنث لانه لم يدخل من ذلك الباب، لان الباب نقل وهذا خطأ لان الباب هو الممر الذي يدخل ويخرج منه دون المصراع المنصوب والممر الاول باق فتعلق به الحنث وإن حلف لايدخل هذه الدار من بابها أو لايدخل من باب هذه الدار فسد الباب وجعل الباب في مكان آخر فدخلها منه ففيه وجهان أحدهما أنه لا يحنث. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وهو المنصوص في الام، لان اليمين انعقدت على باب موجود مضاف إلى الدار، وذلك هو الباب الاول فلا يحنث بالثاني، كما لو حلف لايدخل دار زيد فباع زيد داره ثم دخلها والثاني وهو قول أبى إسحاق انه يحنث وهو الاظهر لان اليمين معقودة على بابها وبابها الآن هو الثاني فتعلق الحنث به، كما لو لايدخل دار زيد فباع زيد داره واشترى أخرى. فإن الحنث بتعلق بالدار الثانية دون الاولى (فصل) وان حلف لايدخل بيتا فدخل مسجدا أو بيتا في الحمام لم يحنث لان المسجد وبيت الحمام لا يدخلان في إطلاق اسم البنت، ولان البيت اسم لما جعل للايواء والسكنى، والمسجد وبيت الحمام لم يجعل لذلك، فإن دخل بيتا من شعر أو أدم نظرت، فإن كان الحالف ممن يسكن بيوت الشعر والادم حنث وإن كان ممن لا يسكنها ففيه وجهان أحدهما وهو قول أبى العباس بن سريج أنه لا يحنث لان اليمين تحمل على العرف، ولهذا لو حلف لا يأكل الرموس حمل على ما يتعارف أكله منفردا وبيت الشعر والادم غير متعارف للقروى فلم يحنث به

والثانى وهو قول أبى إسحاق وغيره أنه يحنث لانه بيت جعل للايواء والسكنى فأشبه بيوت المدر. وقولهم انه غير متعارف في حق أهل القرى يبطل بالبيت من المدر فإنه غير متعارف في حق أهل البادية ثم يحنث به، وخبز الارز غير متعارف في حق غير الطبري ثم يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل الخبز (الشرح) إن حلف لايدخل هذه الدار من بابها بهذا فدخلها من غير الباب أي من الممر بعد تجريده من الباب حنث، وإن دخلها من الممر الآخر الذي وضع فيه الباب لم يحنث، ومن أصحابنا من قال: إن دخل من الممر الذي كان فيه الباب لم يحنث لان الباب قد انتزع وهو قدحلف على الدخول منه، فإن دخل من الممر الذي ركب فيه حنث، والى هذا ذهب أحمد وأصحابه. وهذا خطأ، لان الباب هو الممر الذي منه الدخول والخروج، وليس هو المصراع القائم المتحرك، ولما كان الممر باقيا تعلق الحنث به وإن حلف لايدخل من باب هذه الدار فعمل لها باب آخر في مكان آخر فدخلها منه ففيه وجهان أحدهما المنصوص في الام، واليه ذهب أبو على بن أبى هريرة أنه لا يحنث لتعلق اليمين بباب قائم مضاف إلى الدار، وهو الباب الاول، فلا تنعقد اليمين على الباب الثاني. والثاني وهو قول أبي اسحاق الاسفرايينى، وهو مذهب أحمد رضى الله عنه أنه يحنث، لانه دخلها وقد حلف أن لا يدخلها من بابها، وقد صار هذا الباب الاخير بابها فينعقد اليمين به، كما لو حلف لايدخل دار زيد فباع زيد داره واشترى أخرى، فإن الحنث يرتبط بالاخرى ارتباطه بالاولى قبل بيعها، ولا يتعلق اليمين بالاول بعد بيعها. وان قلع الباب ونصب في دار أخرى وبقى الممر حنث بدخوله ولم يحنث بدخوله من الموضع الذي نصب فيه الباب لانها دار أخرى: لان الدخول من الممر لا من المصراع (مسألة) إذا حلف أن لايدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما عاما، ومثل ذلك ما صنع على الشواطئ من أكشاك الاستراحة وخلع الملابس فإنه

لا يحنث بدخولها. وإن كان من أهل الحضر فحلف أن لايدخل بيتا فدخل خباء من الشعر أو الوبر فإنه لا يحنث في وجه قال به أبن سريج ويحنث في وجه قال به أبو إسحق الاسفرايينى وغيره، لان وظيفة البيت الايواء، وبه قال أحمد بن حنبل وأكثر الفقهاء ومنهم أصحاب أحمد أنه لا يحنث لانه لا يسمى بيتا في العرف ورجح ابن قدامة أن المذهب الحنث لانهما بيتان حقيقة لقوله تعالى " في بيوت أذن الله أن ترفع " وقال " إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا " وروى " بئس البيت الحمام " وقوله صلى الله عليه وسلم " ستفتح لكم بلاد الروم وستجدون فيها بيوتا تسمى الحمامات، فإذا دخلتموها فائتزروا بالمآزر " وقالوا: إذا دخل الحضرى بيتا من الشعر أو غيره حنث، سواء كان الحالف حضريا أو بدويا لقوله تعالى " والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم " فأما ما لا يسمى بيتا في العرف كالخمية والكشك فالاظهر أن لا يحنث بدخوله من لا يسميه بيتا لان يمينه لا تنصرف إليه قوله " في حق غير الطبري " قلت نسبة إلى طبرستان بفتح الباء وكسر الراء لالتقاء الساكنين وسكون السين اسم بلاد بالعجم، وهى مركبة من كلمتين واليها ينسب أبو على الطبري وابن جرير المفسر وجماعة من أصحابنا. وأما طبرية وهى مدينة من أعمال فلسطين - أعادها الله إلى الاسلام من يد اليهود - فإن النسبة إليها طبراني على غير قياس - واليها ينسب صاحب المعاجم الثلاثة رحمه الله - وأهل طبرستان كانوا يصنعون الخبز من الارز، ومراد المصنف أن غير الطبري إذا حلف أن لا يأكل الخبز فإنه يحنث إذا أكل خبز الارز وقوله " المصراع " هو الشطر وهما مصراعان أي لوحان. وقوله " القروى " نسبة إلى القرية وهى الضيعة وقال في كفاية المتحفظ: القرية كل مكان اتصلت به الابنية واتخذ قرارا. وتقع على المدن وغيرها والجمع قرى على غير قياس. قال بعضهم: لان ما كان على فعلة من المعتل فبابه أن يجمع على فعال بالكسر مثل ظبية وظباء، وركوة وركاء والنسبة إليها قروى بفتح الراء على غير قياس

وقال ابن بطال: القرية سميت بذلك لانها تجمع الناس من قرى إذا جمع ويقال قرية لغة يمانية ولعلها جمعت على قرى مثل لحية ولحى. وقوله " بيوت المدر " والمدر جمع مدرة مثل قصب وقصبة، وهو التراب المتلبد. قال الازهرى: المدر قطع الطين وبعضهم يقول: الطين العلمك الذي لا يخالطه رمل. والعرب تسمى القرية مدرة، لان بنيانها غالبا من المدر وفلان سيد مدرته، أي قريته، ومدرت الحوض مدرا من باب قتل، أصلحته بالمدر وهو الطين. (فرع) إذا حلف أن لايدخل البيت فوقف في الدهليز أو الفناء أو الصفة هل يحنث؟ وجهان. الاول لا يحنث، واليه ذهب أحمد، لانه لا يسمى بيتا، حيث يقال ما دخلت البيت إنما وقفت في الدهليز أو الصحن أو الفناء. الثاني: يحنث لانه يمكن أن يقال: أمان أهل مكة أن من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن، ويشمل ذلك من كان في الفناء أو الصحن أو الصفة - وبهذا قال أبو حنيفة لان جميع الدار بيت. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف لا يأكل هذه الحنطه فجعلها دقيقا، أو لا يأكل هذا الدقيق فجعله عجينا، أو لا يأكل هذا العجين فجعله خبزا لم يحنث بأكله وقال أبو العباس يحنث لان اليمين تعلقت بعينه فتعلق الحنث بها. وان زال الاسم، كما لو حلف لا يأكل هذا الحمل فذبحه وأكله، والمذهب الاول، لانه علق اليمين على العين والاسم ثم لا يحنث بغير العين، فكذلك لا يحنث بغير الاسم ويخالف الحمل لانه لا يمكن أكله حيا، والحنطة يمكن أكلها حبا، ولان الحمل. ممنوع من أكله في حال الحياة من غير يمين فلم يدخل في اليمين، والحنطة غير ممنوع من أكلها فتعلق بها اليمين. وان حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله وهو تمر، أو لا يأكل هذا الحمل فأكله وهو كبش، أو لا يكلم هذا الصبي فكلمه وهو شيخ، ففيه وجهان

(أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه لا يحنث كما لا يحنث في الحنطة إذا صارت دقيقا فأكله. (والثاني) أنه يحنث لان الانتقال حدث فيه من غير صنعة، وفي الحنطة الانتقال حدث فيها بصنعة، وهذا لا يصح لانه يبطل به إذا حلف لا يأكل هذا البيض فصار فرخا، أو لا يأكل هذا الحب فصار زرعا فإنه لا يحنث. وإن كان الانتقال حدث فيه من غير صنعة وإن حلف لا يشرب هذا العصير فصار خمرا، أو لا يشرب هذا الخمر فصار خلا فشربه لم يحنث كما قلنا في الحنطة إذا صارت دقيقا. وإن حلف لا يلبس هذا الغزل فنسج منه ثوبا حنث بلبسه، لان الغزل لا يلبس إلا منسوجا فصار كما لو حلف لا يأكل هذا الحيوان فذبحه وأكله. (فصل) وإن حلف لا يشرب هذا السويق فأستفه، أو لا يأكل هذا الخبز فدقه وشربه أو ابتلعه من غير مضغ لم يحنث، لان الافعال أجناس مختلفة كالاعيان، ثم لو حلف على جنس من الاعيان لم يحنث بجنس آخر، فكذلك إذا حلف على جنس من الافعال لم يحنث بجنس آخر وإن حلف لا يذوق هذا الطعام فذاقه ولفظه ففيه وجهان. احدهما لا يحنث لانه لا يوجد حقيقة الذوق ما لم يزدرده، ولهذا لا يبطل به الصوم. والثاني أنه يحنث لان الذوق معرفة الطعم وذلك يحصل من غير ازدراد، وإن حلف لا يذوقه فأكله أو شربه حنث لانه قد ذاق وزاد عليه. وإن حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق فأوجر في حلقه حتى وصل إلى جوفه لم يحنث، لانه لم يأكل ولم يشرب ولم يذق. وان قال: والله لاطعمت هذا الطعام فأوجر في حلقه حنث، لان معناه لاجعلته لى طعاما وقد جعله طعاما له. (الشرح) ان حلف على شئ بعينه وصفته فتغيرت صفته تبعا لتغير هيئته كمن حلف لا يأكل هذه الحنطة فطحنها دقيقا، فإنها سميت دقيقا، أو حلف لا يأكل هذا الدقيق فعجنه عجينا، أو لا يأكل هذا العجين في التنور خبزا.

كل هذه الصور لم يحنث بأكلها، لان اليمين تعلقت على العين والصفة، فكما أنه لا يحنث بغير العين فكذلك لا يحنث بغير الصفة. وقال أبو العباس بن سريج: يحنث لان اليمين تنعقد على العين والعين باقية وزوال الصفة لا يؤثر في جوهرها، كما لو حلف لا يأكل هذا الحمل فذبجه وأكله فإنه يحنث، والى هذا ذهب أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، والمذهب الاول لما قررنا من اجتماع العين والاسم، ويفارق الحمل لان أكله حيا ممنوع بالشرع وممنوع بالعرف بغير يمين (فرع) " وان حلف لا يأكل هذا الرطب الخ " إذا تغيرت حقيقة الشئ بصنعتة فلا يتعلق الحنث به. أما إذا تغير بغير صنعة كمن حلف لا يأكل الرطب فأكله تمرا، أو لا يأكل هذا الحمل فأكله كبشا أو لا يكلم هذا الصبي فكلمه شيخا ففيه وجهان. ذهب أبو على بن أبى هريرة إلى أنه لا يحنث كما قلنا في الحنطة صارت دقيقا (والثاني) أنه يحث لما ذكره المصنف. وذهب أصحاب الرأى وأحمد بن حنبل إلى أنه لا يحنث، لانه إذا لم يعنى المحلوف عليه ولم ينو بيمينه ما يخالف ظاهر اللفظ ولا صرفه السبب عنه تعلقت يمينه بما تناوله الاسم الذي علق عليه يمينه ولم يتجاوزه، فإذا حلف لا يأكل رطبا لم يحنث إذا أكل تمرا ولا بسرا ولا بلحا ولا سائر ما لا يسمى رطبا: وهذا في قول أكثر الفقهاء وقال ابن قدامة ولا نعلم فيه خلافا. ولو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا أو دبسا أو خلا أو ناطقا أو لا يكلم شابا فكلم شيخا، أولا يشترى جديا فاشترى تيسا، أو لا يضرب عبدا فضرب عتيقا لم يحنث بغير خلاف لان اليمين تعلقت بالصفة دون العين ولم توجد الصفة فجرى مجرى قوله: لا أكلت هذه التمرة فأكل غيرها. (فرع) فإن حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا - وهو الذي بعضه بسر وبعضه تمر - أو مذنبا - وهو الذي بدأ الارطاب فيه من ذنبه وباقيه بسر - أو حلف لا يأكل بسرا فأكل مذنبا ففيه وجهان. (أحدهما) وهو الاظهر أنه يحنث، لانه أكل رطبا وبسرا فحنث، كما لو أكل نصف رطبة ونصف بسرة منفردتين. وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد ومحمد

ابن الحسن (والثاني) لا يحنث، لانه لا يسمى رطبا ولا تمرا، وهو قول أبى يوسف وبعض أصحابنا (مسألة) قوله " فاستقه " من سقفت الدواء وغيره من كل يابس إذا أخذته غير ملتوت، وكل دواء غير مذاب أو معجون فهو سفوف. والازدراء الالتقام والبلغ من غير مضغ ولا لوك. أما جملة الفصل أن من حلف لا يأكل شيئا فشربه أولايشربه فأكله أو سفه فإنه لا يحنث، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأى، لان الافعال أنواع كالاعيان. وكما لو حلف على نوع من الاعيان لم يحث بغيره فكذلك الافعال، وهي إحدى الروايتين عن أحمد رواها منها فيمن خلف لا يشرب النبيذ فأكله لا يحنث لانه لا يسمى شربا وفي رواية الخرقي أنه يحنث، لان اليمين على أكل شئ أو شربه يقصد بها في العرف اجتناب ذلك الشي فحملت اليمين عليه إلا أن ينوى. ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل لكان نهيا عن شربه وإن حلف لا يشرب شيئا فمصه ورمى له لا يحنث، وقد روى عن أحمد فيمن حلف لا يشرب فمص قصب السكر لا يحنث. وهذا قول أصحاب الرأى، فإنهم قالوا إذا حلف لا يشرب فمص حب الرمان ورمى بالتفل لا يحنث، لان ذلك ليس بأكل ولا شرب، ويجئ على قول الخرقى أنه يحنث لانه قد تناوله ووصل إلى بطنه وحقله فإنه يحنث على ما قالوا فيمن حلف لا يأكل شيئا فشربه أو لا يشربه فأكله، فإن حلف لا يأكل سكرأ في فيه حتى ذاب فابتلعه فإنه لا يحنث ويتخرج عند أحمد وأصحابه على الروايتين، فإن حلف لا يأكله أولايشربه فذاقه لم يحنث في قولهم جميعا، وإن حلف لا يذوقه فذاقه ولفظه فعلى وجهين (أحدهما) لا يحنث، لان التذوق لا يتحقق إلا بالازدراد، ولهذا لم يبطل الصوم به إلا إذا ازدرده (والثاني) يحنث وبه قال أحمد (فرع) إذا حلف لا يذوقه، فأكله أو شربه أو سفه حنث في قولهم جميعا لانه ذوق وزيادة. وإن مضغه ورمى به فعلى ما أسلفنا من الوجهين. وإن حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق فأوجر - والوجوه بفتح والواو وزان رسول

الدواء يصب في الحلق، وأوجرت المريض ايجازا فعلت به ذلك، ووجرته أجره من باب وعد لغة، فإن وجره بنحو منقطة أو قطنارة فإنه لم يحنث لانه لم يفعل شيئا مما حلف عليه. فإن قال لاطعمت هذا الطعام فأوجره أو سفه أو شربه أو ازدرده أو التقمه حنث لان ذلك كله يسمى طعاما، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم اللبن طعاما في حديث " إنما يخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم " وفي الماء وجهان (أحدهما) هو طعام لقوله تعالى " ان الله مبتليكم بنهر فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يطعمه فإنه منى " (والثاني) ليس بطعام لانه لا يسمى طعاما ولا يفهم من اطلاق اسم الطعام ولهذا يعطف عليه فيقال طعام وشراب. وحديث ابن ماجه يقول صلى الله عليه " لاأعلم ما يجزى من الطعام والشراب الا اللبن " ويقال باب الاطعمة والاشربة (فرع) إذا أكل دواء فالمذهب أنه يحنث لانه يطعم حال الاختيار، وهو أحد الوجهين عند الحنابلة، والثاني لا يحنث لانه لايدخل في اطلاق اسم الطعام ولا يؤكل الا عند الضرورة، فإن أكل من نبات الارض ما جرت العادة بأكله حنث بأكله. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف لا يأكل اللحم حنث بأكل لحم كل ما يؤكل لحمه من النعم والوحش والطير، لان أسم اللحم يطلق على الجميع، ولا يحنث بأكل السمك لانه لا يطلق عليه اسم اللحم، وهل يحنث بأكل لحم ما لا يؤكل لحمه؟ فيه وجهان (أحدهما) يحنث لانه يطلق عليه اسم اللحم وان لم يحل، كما أطلق على اللحم المغصوب وان لم يحل (والثاني) لا يحنث لان القصد باليمين أن يمنع نفسه مما يستبيحه، ولحم ما لا يؤكل لحمه ممنوع من أكله من غير يمين، فلم يدخل في اليمين، وان حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم لم يحنث، وان حلف لا يأكل الشحم فأكل اللحم لم يحنث لانهما جنسان مختلفان في الاسم والصفة، وان حلف على اللحم فأكل سمين الظهر

والجنب وما يعلو اللحم ويتخلله من البياض حنث لانه لحم سمين، وإن حلف على الشحم فأكل ذلك لم يحنث لانه ليس بشحم، وان حلف على اللحم أو الشحم فأكل الكبد أو الطحال أو الرئة أو الكرش أو المخ لم يحنث لانه مخالف للحم والشحم في الاسم والصفة. وإن حلف على اللحم فأكل لحم الخد أو لحم الرأس أو اللسان ففيه وجهان أحدهما يحنث لانه لحم، والثاني لا يحنث لان اللحم لا يطلق إلا على لحم البدن واختلف أصحابنا في الالية، فمنهم من قال هو شحم يحنث به في اليمين على الشحم ولا يحنث به في اليمين على اللحم لانه يشبه الشحم في بياضه ويذوب كما يذوب الشحم، ومنهم من قال هو لحم فيحنث به في اليمين على اللحم ولا يحنث به في اليمين على الشحم لانه نابت في اللحم ويشبهه في الصلابة. ومنهم من قال ليس بلحم ولا شحم ولا يحنث به في اليمين على واحد منهما، لانه مخالف للجميع في الاسم والصفة فصار كالكبد والطحال وإن حلف على اللحم فأكل شحم العين لم يحنث لانه مخالف للحم في الاسم والصفة، وان حلف على الشحم فأكله ففيه وجهان أحدهما يحنث به بدخوله في اسم الشحم، والثاني لا يحنث به لانه لايدخل في إطلاق اسمه، كما لايدخل لحم السمك في إطلاق اليمين على اللحم، ولا التمر الهندي في اليمين على التمر. (الشرح) قوله " كل ما يؤكل لحمه من النعم والوحش والطير " احترز به عما لا يؤكل لحمه ككل ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطير والخنزير والميتة وجملة ذلك أن الحالف على ترك أكل اللحم لا يحنث بأكل ما ليس بلحم من الشحم والمخ، وهو الذي في العظام، والدماغ وهو الذي في الرأس في قحفه ولا الكبد والطحال والرئة والقلب والكرش والمصران والقانصة ونحوها، وبهذا قال أحمد وقال أبو حنيفة ومالك، يحنث بأكل هذا كله لانه لحم حقيقة، ويتخذ منه ما يتخذ من اللحم فأشبه لحم الفخذ دليلنا أنه لا يسمى لحما وينفرد عنه باسمه وصفته، ولو أمر وكيله بشراء لحم

فاشترى هذا لم يكن ممتثلا لامره ولا ينفذ الشراء للموكل، وقد سألت القصاب يوما هل عندك لحم؟ فقال لا، عندي حوائج - يعنى الكبد والقلب والكلية - وقد دل على أن الكبد والطحال ليستا بلحم قوله صلى الله عليه وسلم " أحلت لكم ميتتان ودمان " أما الدمان فالكبد والطحال، ولانسلم أنه لحم حقيقة، بل هو من الحيوان مع اللحم كالعظم والدم فإذا ثبت هذا فإنه إذا حلف ألا يأكل لحما فأكل من لحم الانعام أو الصيد أو الطائر من مأكولة اللحم فإنه يحنث في قول علماء الامصار. وأما السمك فإنه لا يحنث بأكله، وبه قال أبو حنيفة وأبو تور، والظاهر من مذهب أحمد ومالك وأبى يوسف وأبى ثور وقتادة أنه يحنث وقال ابن أبى موسى في الارشاد لا يحنث به الا أن ينويه ودليلهم قوله تعالى " الله الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا " وقال " ومن كل تأكلون لحما طريا " ولانه من جسم حيوان ويسمى لحما ودليلنا أنه لا ينصرف إليه اطلاق اسم اللحم، ولو وكل وكيلا في شراء اللحم فاشترى سمكا لم يلزمه، ثم إنه يصح أن ينفى عنه اسم اللحم عرفا واستعمالا فتقول ما أكلت لحما وانما أكلت سمكا، فلم يتعلق به الحنث عند الاطلاق، كما لو حلف لاقعدت تحت سقف، فإنه لا يحنث تحت السماء، مع أن الله تعالى سماها سقفا فقال " وجعلنا السماء سقفا محفوظا " فإطلاق اسم اللحم على لحم السمك مجاز في القرآن واليمين إنما ينصرف إلى الحقيقة (فرع) أما في غير مأكول اللحم كالميتة والخنزير والمغصوب فهل يحنث بأكل لحمه؟ وجهان عندنا (الاول) لا يحنث بأكل المحرم بأصله لان يمينه تنصرف إلى ما يحل لا إلى ما يحرم فلم يحنث بما لا يحل، كما لو حلف لايبع فباع بيعا فاسدا لم يحنث (والثاني) وبه قال أحمد وأبو حنيفة يحنث، لان الله تعالى سماه لحما فقال " ولحم الخنزير " ولانه لو حلف أن لا يلبس ثوبا فلبس ثوب بحرير حنث، وأما البيع الفاسد فلا يحنث به لانه ليس بيعا في الحقيقة (فرع) ان حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم لم يحنث، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ

أبو حنيفة ومالك يحنث. دليلنا أنه لا يسمى لحما وينفرد عنه باسمه وصفته، ولو أمر وكيله بشراء لحم، فأشترى شحما لم يكن ممتثلا لامره ولا ينفذ الشراء للموكل فلم يحنث بأكله كالبقل فإذا حلف لا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث قولا واحدا لانهما جنسان مختلفان اسما وصفة. وبهذا قال أبو حنيفة. وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: إذا حلف لا يأكل شحما فأكل لحما حنث لان اللحم لا يخلو من شحم، ولا يكاد اللحم يخلو من شئ منه وإن قل فيحنث به. وذهب بعض أصحاب أحمد إلى مخالفة الخرقى إلى أنه لا يحنث. قال ابن قدامة وهو الصحيح، لانه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه طعمه ولا لونه، والذى يظهر في المرق قد فارق اللحم فلا يحنث بأكل اللحم الذي كان فيه. (فرع) إذا حلف على اللحم فأكل لحم الخد أو لحم الرأس أو اللسان فوجهان (أحدهما) يحنث لانه لحم حقيقة - وبه قال أحمد في لحم الخد - وحكى عن أبى موسى من أصحاب أحمد أنه لا يحنث إلا أن ينويه باليمين. وقال أصحاب أحمد في اللسان وجهان كاوجهين عندنا وفي لحم الرأس والاكارع روى عن أحمد ما يدل على أنه لا يحنث، لان من حلف لا يشترى لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوى أن لا يشترى من الشاة شيئا، لان إطلاق اسم اللحم لا يتناول الرؤوس والاكارع، ولو وكله في شراء لحم فاشترى رأسا أو كارعا لم يلزمه والوجه الثاني لا يحنث لما ذكره المصنف، واختلف أصحابنا في الالية، فمنهم من جعلها من الشحم، فلو حلف على الشحم فأكلها حنث، لانها تشبه الشحم في ذوبها وشكلها، فلو حلف لا يأكل لحما فأكلها لم يحنث، وممن قال هي شحم أبو يوسف ومحمد. ومن أصحابنا من قال هو لحم لانها نابتة في اللحم وتشبهه في الصلابة. قال ابن قدامة وليس بصحيح لانها لا تسمى لحما ولا يقصد بها ما يقصد به، وتخالفه في اللون والذوب والطعم فلم يحنث بأكلها كشحم البطن. (فرع) كل ما كان مقيدا بالنعت أو بالاضافة لا ينصرف إليه اليمين إذا أطلق كمن حلف لا يأكل تمرأ فإنه لا يتناول التمر الهندي أو الشحم فلا يتناول الشحم

المعدني الذي تشحم به محركات السيارات والطيارات، وإنما يتناول الشحم الحيواني ويحتمل أن لا يحنث إلا بأكله لان الحقيقة العرفية في عصرنا حصرت اسم الشحم على ماكان معدنيا، ولايقال للادهان المأكولة شحم لا بين العوام ولاغيرهم من الخواص. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف لا يأكل الرؤوس ولم يكن له نية حنث برؤوس الابل والبقر والغنم، لانها تباع مفردة وتؤكل مفردة عن الابدان، ولا يحنث برؤوس الطير فإنها لاتباع مفردة ولا تؤكل مفردة، فإن كان في بلد يباع فيه رءوس الصيد ورؤوس السمك مفردة حنث بأكلها، لانها تباع مفردة فهى كرءوس الابل والبقر والغنم. وهل يحنث بأكلها في سائر البلاد؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه لا يطلق عليها اسم الرموس إلا في البلد الذي يباع فيه ويعتاد أكله. (والثاني) يحنث بها، لان ما ثبت له العرف في مكان وقع الحنث به في كل مكان كخبز الارز. (فصل) وان حلف لا يأكل البيض حنث بأكل كل بيض يزايل بائضه في الحياة، كبيض الدجاجة والحمامة والنعامة، لانه يؤكل منفردا ويياع منفردا، فيدخل في مطلق اليمين، ولا يحنث بما لايزايل بائضه كبيض السمك والجراد، لانه لا يباع منفردا ولا يؤكل منفردا، فلم يدخل في مطلق اليمين (الشرح) إذا حلف لا يأكل الرؤوس، والمحلوف عليه هنا عام يتناول أنواعا منها ما جرى العرف ببيعه منفصلا عن البدن، كرءوس الضأن والمعز والبقر: ومنها ما لا ينفصل عن البدن ولا يباع واحده كرءوس الدجاج والحمام والارانب لم يحنث الا فيما تنفصل عن أبدانها وتعرض للبيع وهي بهيمة الانعام دون غيرها وقال أبو حنيفة " لا يحنث بأكل رءوس الابل لان العادة لم تجر بيعها منفردة " وقال محمد وأبو يوسف لا يحنث الا بأكل رءوس الغنم لانها التي تباع في الاسواق - أي على عهدهما - دون غيرهما فيمينه تنصرف إليها

وقال أحمد بن حنبل: يحنث بأكل رأس كل حيوان من النعم والصيود والطيور والحيتان والجراد. ووجهه أن هذه الرؤوس حقيقة عرفية مأكولة فحنث بأكلها كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم النعام والزرافة وما يندر وجوده وبيعه وعندنا أنها لو صارت حقيقة عرفية وكان الحالف في بلد تباع فيه رءوس الصيود أو الاسماك منفردة حنث بأكلها. وفي سريان الحنث على أكلها في بلد آخر وجهان (أحدهما) لا يحنث لان الحقيقة العرفية في إطلاق اسم الرؤوس وبيعها لا توجد إلا في البلد الذي تباع فيه الرؤوس ويعتاد أكلها (والثاني) يحنث لان ما ثبت به في بلد يقع به الحنث في كل مكان آخر كخبز الارز الذي لا يصنع إلا في طبرستان، وقد مضى توضيحه (فرع) إذا حلف لا يأكل البيض وقلنا أن البيض نوعان. نوع يزايل بائضه في الحياة كبيض الدجاج والحمام والنعام، والآخر لايزايل بائضه كبيض السمك والجراد، فإن الحنث لا يتعلق إلا بالنوع الاول، لانه يؤكل منفردا ويياع منفردا، سواء كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل وجوده كبيض النعام، وبهذا قال أحمد، وقال أصحاب الرأى لا يحنث بأكل بيض النعام. وقال أبو ثور لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج وما يباع في السوق ولنا أن هذا كله بيض حقيقة وعرفا وهو مأكول فيحنث بأكله كبيض الدجاج، ولانه لو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء البحر حنث أو ماء نجسا، أو لا يأكل خبزا فأكل خبز الارز أو الذرة أو البتاو، وهو خبز أهل الصعيد، ويصنع من الذرة الصفراء أو القيظى مع قليل من الحلبة، وهو يختلف عن خبز المدن، فإذا حلف أن لا يأكل خبزا فأكل البتاو في مكان لم يعتد فيه أكله حنث لانه خبز ولافرق بينه وبين الفنيو وأما أكل بيض السمك أو الجراد فكما تقرر لا يحث إلا بأكل بيض يزايل بائضه في الحياة، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأى وأبو الخطاب من الحنابلة وأكثر العلماء، لان هذا لا يفهم من إطلاق اسم البيض، ولا يذكر إلا مضافا إلى بائضه، ولا يحنث بأكل شئ يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا بأكل شئ يسمى رأسا غير رءوس الانعام إلا فيما فيه الاوجه المذكورة آنفا

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن حلف لا يأكل اللبن حنث بأكل لبن الانعام ولبن الصيد، لان اسم اللبن يطلق على الجميع، وان كان فيه ما يقل أكله لتقذره، كما يحنث في اليمين على اللحم بأكل لحم الجميع، وإن كان فيه ما يقل أكله لتقذره، ويحنث بالحليب والرائب وما جمد منه، لان الجميع لبن، ولا يحنث بأكل الجبن واللور واللبا والزبد والسمن والمصل والاقط وقال أبو علي بن أبى هريرة: إذا حلف على اللبن حنث بكل ما يتخذ منه لانه من اللبن والمذهب الاول، لانه لا يطلق عليه اسم اللبن فلم يحنث به، وان كان منه. كما لو حلف لا يأكل الرطب فأكل التمر. أو لا يأكل السمسم فأكل الشيرج فإنه لا يحنث. وإن كان التمر من الرطب والشيرج من السمسم (فصل) وإن حلف لا يأكل السمن فأكله مع الخبز أو أكله في العصيدة وهو ظاهر فيها حنث. وان حلف لا يأكل اللبن فأكله في طبيخ وهو ظاهر فيه أو حلف لا يأكل الخل فأكله في طبيخ وهو ظاهر فيه حنث. وقال أبو سعيد الاصطخرى " إذا أكله مع غيره لم يحنث لانه لم يفرده بالاكل فلم يحنث. كما لو حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيدا فأكل طعاما اشتراه زيد وعمرو والمذهب الاول لانه فعل المحلوف عليه وأضاف إليه غيره فحنث. كما لو حلف لايدخل على زيد فدخل على جماعة وهو فيهم. (الشرح) الحليب فعيل بمعنى مفعول، والحلب بفتحتين يطلق على المصدر كالفتح فالسكون. وعلى اللبن المحلوب. فيقال لبن حلب ولين حليب. وهو أول ما يخرج عند الحلب. والرائب اسم فاعل من راب يروب رؤبا إذا خثر والروبة بالضم خميرة تلقى في اللبن ليروب ويثخن. والجبن معروف يعقد من اللبن بالانفحة واللور بضم اللام هو الجبن يؤكل قبل أن يشتد وهو مرحلة بعد وضع الانفحة في اللبن وقبل أن يصير جبنا، وكانت العرب تأتدم به وتأكله مع التمر. ويعمل من الحليب الذي يكون بعد اللبا. واللبا مقصور ومهموز هو لبن البهيمة عند

اول ما تنتج يترك على النار فينعقد، ويسمونه في ديارنا المصرية (السرسوب) والمصل فهو الذي يسمونه في ديارنا (الشرش) وهو ماء الجبن فإذا تعتق قيل له (المش) والاقط اللبن المجفف، وقد يغلى ماء الجبن مع الاقط ثم يصفى ثم يعصر فيوضع على الخريطة شئ ثقيل حتى يذهب ما فيه من الماء ثم يملح بالملح ثم يجعل أقراصا أو حلقا. قال ابن بطال " والشيراز هو أن يؤخذ اللبن الخاثر، وهو الرائب فيجعل في كيس حتى ينزل ماؤه ويضرب " هذا الذي قصده صاحب الكتاب. ثم قال وقد يعمل الشيراز أيضا بأن يترك الرائب في وعاء ويوضع فوقه الابازير وشئ من المحرمات ثم يؤكل ويترك فوقه كل يوم لبن حليب. اه أما الاحكام فإنه لو حلف لا يأكل لبنا، فأكل من لبن الانعام أو الصيود أو لبن آدمية حنث، لان اسم اللبن يتناوله حقيقة وعرفا، وسواء كان حليبا أو رائبا أو مائعا أو مجمدا، لان الجميع البن. وإن كان فيه ما يقل أكله لعدم استساغته أو تقذره، كما لو حلف على اللحم حنث بأكل أي لحم مما مضى تفصيله وإن كان فيه ما يستقذر، ولا يحنث بأكل الجبن والسمن والمصل والاقط والكشك، وبهذا قال العلماء كافة وقال أبو على بن أبى هريرة " إذا حلف على اللبن حنث بكل ما يتخذ منه لانه من اللبن - وليس بمذهب - والمذهب أنه لا يحنث لانه لا يطلق عليه اسم اللبن، وإن كان منه كالرطب والتمر والسمسم والشيرج (فرع) وإن حلف لا يأكل السمن فأكله مع الخبز أو أكله في العصيدة وكان السمن ظاهرا فيها حنث، والعصيدة من قولك عصدت الشئ عصدا إذا لويته. قال الجوهرى والعصيدة التى تعصدها بالمسواط فتمرها به فتنقلب ولا يبقى في الاناء منها شئ إلا انقلب. وفي حديث خولة فقربت له عصيدة - هو دقيق يلت بالسمن ويطبخ - يقال عصدت العصيدة وأعصدتها، أي اتخذتها، وعصد البعير عنقه لواه نحو حاركه للموت يعصده عصودا فهو عاصد، وكذلك الرجل، يقال عصد فلان يعصد عصودا مات. وأنشد شمر على الرحل مما منه السير عاصد "

وقال الليث " العاصد ههنا الذي يعصد العصيدة " أي يديرها ويقلبها بالمعصدة شبه الناعس به لخفقان رأسه. وقال أحمد " ان حلف لا يأكل زبدا فأكل سمنا أو لبنا لم يظهر فيه الزبد لم يحنث، وان كان الزبد ظاهرا فيه حنث. اه وإن حلف لا يأكل سمنا فأكل زبدا أو لبنا أو شيئا مما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث، وإن أكل السمن منفردا أو في عصيدة أو حلواء أو طبيخ فظهر فيه طعمه حنث، ولذلك إذا حلف لا يأكل لبنا فأكل طبيخا فيه لبن، أو لا يأكل خلا فأكل (سلطة) فيها خل يظهر طعمه فيه حنث. وبهذا قال أحمد وأصحابه. وقال بعض أصحابنا لا يحنث لانه لم يفرده بالاكل، وهذا لا يصح لانه أكل المحلوف عليه وأضاف إليه غيره فحنث، كما لو أكله ثم أكل غيره قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن حلف لا يأكل أدما فأكل اللحم حنث لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سيد الادام اللحم " ولانه يؤتدم به في العادة فحنث به كالخل والمرى، فإن أكل التمر ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه لايؤتدم به في العادة، وإنما يؤكل قوتا أو حلاوة (والثاني) أنه يحنث بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أعطى سائلا خبزا وتمرا وقال هذا أدم هذا " (فصل) وان حلف لا يأكل الفاكهة فأكل الرطب أو العنب أو الرمان أو الاترنج أو التوت أو النبق حنث، لانها ثمار أشجار فحنث بها، كالتفاح والسفرجل: وإن أكل البطيخ أو الموز حنث، لانه يتفكه به كما يتفكه بثمار الاشجار. وإن أكل الخيار أو القثاء لم يحنث لانهما من الخضراوات (فصل) وان حلف لا يأكل بسرا ولا رطبا فأكل منصفا حدث في اليمين لانه أكل البسر والرطب، وإن حلف لا يأكل بسرة ولا رطبة فأكل منصفا لم يحنث لانه لم يأكل بسرة ولا رطبة (فصل) وإن حلف لا يأكل قوتا فأكل التمر أو الزبيب أو اللحم وهو

ممن يقتات ذلك حنث، وهل يحتسب به غيره؟ على ما ذكرناه من الوجهين في بيوت الشعر ورؤوس الصيد. (الشرح) حديث " سيد الادام اللحم " هو من حديث أخرجه الطبراني في الاوسط وأبو نعيم في الطب والبيهقي في الشعب عن بريدة ولفظه " سيد الادام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وسيد الرياحين في الدينا والآخرة الفاغية " ضعفه السيوطي وقال حسن لغيره. قلت ولعله يريد بغيره حديث " سيد طعام أهل الجنة اللحم " رواه بن حبان عن أبى الدرداء مرفوعا. قال الشوكاني (1) في إسناده سليمان بن عطاء يروى الموضوعات عن شيخه مسلمة بن عبد الله اجهنى. وقال ابن حجر: لم يتبين لى الحكم على هذا المتن بالوضع وأن مسلمة غير مجروح وسليمان بن عطاء ضعيف. قال في التعليق: رواه سليمان عن مسلمة عن أبى مشجعة عن أبى الدرداء، وأبو مشجعة ومسلمة لم يجرحا ولم يوثقا فهما مجهولا الحال. وسليمان قال البخاري في حديثه مناكير. وقال أبو زرعة منكر الحديث وقال ابن جهان " يروى عن مسلمة بن عبد الله الجهنى عن عمه أبى مشجعة بن ربعى أشياء موضوعة لاتشبه حديث الثقات " اه. ورواه العقيلى من حديث ربيعة بن كعب مرفوعا " أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم " وقال هذا حديث غير محفوظ. وقال ابن حبان: عمرو بن بكر المذكور في إسناده يروى عن الثقات الطامات. ورواية البيهقى في الشعب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه من طريق أحمد بن مبيع، ثنا بن بكار ثنا أبو هلال الراسبى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه. قال السيوطي في اللآلئ، قال البيهقى ورواه جماعة عن أبى هلال الراسبى تفرد به أبو هلال ثم قال السيوطي: وهو من رجال الاربعة ووثقه أبو داود قال العلامة المعلمى: أقول إذا كان رواه جماعة عن أبى هلال فالظاهر ان يسوق البيهقى الطرق. وهذه الطريق التى ساقطة البتة، فإن العباس بن بكار

_ (1) الفوائد المجموعة بتعليق العلامة المحدث عبد الرحمن المعلمى

كذاب يضع. وإذا كانت هذه أقوى الطرف فما ظنك بالباقي؟ وقد أخرجه الطبراني في الاوسط ثنا محمد بن شعيب ثنا سعيد بن عتبة القطان ثنا أبو عبيدة الحداد ثنا أبو هلال - فذكره ثم قال - ولم يروه عن ابن بريدة إلا أبو هلال ولا عنه إلا أبو عبيدة تفرد به سعيد. وقال في مجمع الزوائد (5 - 25) فيه سعيد بن عبية (كذا) القطان ولم أعرفه. أقول أحسبه سعيد بن عنبسة الرازي الخزاز فإنه يروى عن أبى عبيدة الحداد، ولعله كان يبيع القطن مع الخز فقال الرواى عنه القطان. ومحمد بن شعيب ليس هو بن سابور، فإن الطبراني لم يدركه، فينظر من هو؟ وسعيد بن عنبسة كذاب. أما رواية أنس عند البيهقى أيضا فهى من طريق هشام بن سلمان عن يزيد الرقاشى، وهشام قال ابن عدى أحاديثه عن يزيد غير محفوظة، ويزيد ليس بشئ. ورواية أبى نعيم إنما هي من حديث علي رضى الله عنه، وهى من نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الموضوعة. وقال الشوكاني وليس في شئ من هذه الطرق ما يوجب الحكم بالوضع. أما حديث " هذا أدم هذا " أخرجه أبو داود عن يوسف عن عبد الله بن سلام قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع تمرة على كسرة وقال هذه إدام هذه، وذكره الامام أحمد في مسنده والمرى بتشديد الراء والياء وكأنه منسوب إلى المرارة، قال ابن بطال والعامة تخففه وصفته أن يوخذ الشعير فيقلى ثم يطحن ويعجن ويخمر ثم يخلط بالماء فيستخرج منه خل يضرب لونه إلى الحمرة يؤتدم به ويطبخ به، والاترنج والاترج والاترجة والترنجة والترنج قال في القاموس " حامضة مسكن غلمة النساء ويجلو اللون والكلف. وقشره في الثياب يمنع السوس اه وقد ثبت فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الاترجة طعمها طيب وريحها طيب " والتوت شجر معروف يعلف به دود القز له ثم أحمر، والنبق ثمار النذر، وفي الحديث في سدرة

المنتهى " نبقها مثل قلال هجر " والريحان الفارسى ويسميه عوام اليمن الشقر والبنفسج والياسمين معروفان أما الاحكام فإنه ان حلف لا يأكل أدما حنث بأكل كل ما جرت العادة بأكل الخبر به لان هذا معنى التأدم، وسواء في هذا ما يصطبغ كالطيخ والمرق والخل والزيت والسمن والشيرج واللبن قال تعالى في الزيت " تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " وقال صلى الله عليه وسلم " نعم الادام الخل " وقال " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " أخرجه ابن ماجه: أو من الجامدات كالشواء والجبن والباقلاء والزيتون والبيض. وبهذا قال أحمد وأبو ثور وقال أبو حنيفة: ما لا يصطبغ به فليس بأدم، لان كل واحد منهما يرفع إلى الفم منفردا. دليلنا ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم " سيد الادام اللحم " وقال " سيد الادام الملح " رواه ابن ماجه، لانه يؤكل به الخبز عادة، فكان أدما كالذى يصطبغ به، ولان كثيرا مما ذكرنا لا يؤكل في العادة وحده إنما يعد للتأدم به وأكل الخبز به فكان أدما كالخل واللبن. وقول أبى حنيفة انه يرفع إلى الفم وحده مفردا، يجاب عنه بجوابين (أحدهما) أن منه ما يرفع مع الخبز كالملح ونحوه، (والثاني) أنهما يجتمعان في الفم والمضغ والبلع الذي هو حقيقة الاكل فلا يضر افتراقهما قبله. فأما التمر ففيه وجهان (أحدهما) هو أدم لما روى أبو داود عن عبد الله بن سلام قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع تمرة على كسرة وقال: هذه إدام هذه " (والثاني) ليس بأدم لانه لايؤتدم به عادة إنما يؤكل قوتا أو حلوى (فرع) فإن حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل كل ما يسمى فاكهة وهى كل ثمرة تخرج من الشجرة يتفكه بها من العنب والرطب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والخوخ والمشمش والاترج والتوت والنبق والموز والجميز، وبهذا قال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة وأبو ثور لا يحنث بأكل ثمرة النخل والرمان لقوله تعالى (فيهما فاكهة ونخل ورمان) والمعطوف

يغاير المعطوف عليه. دليلنا أنها ثمرة شجرة يتفكه بهما فكانا من الفاكهة كسائر ما ذكرنا، ولانهما في عرف الناس فاكهة ويسمى بائعهما فاكيها، وموضع بيعهما سوق الفاكهة، والاصل في العرف الحقيقة والعطف لشرفهما وتخصيصهما كَقَوْلِهِ تَعَالَى " مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ورسله وجبريل وميكال " وهما من الملائكة. (فرع) القثاء والخيار والفرع والباذنجان من الخضر وليس من الفاكهة وبهذا قال أحمد. أما البطيخ فإنه من الفاكهة على ما ذكره المصنف، وهو أحد الوجهين عند أصحاب أحمد ذكره القاضى وبه قال أبو ثور، لانه ينضج ويحلو، أشبه ثمر الشجر. والثاني عندهم: ليس من الفاكهة، لانه ثم بقلة أشبه الخيار والقثاء، وأما ما يكون في الارض كالجزر واللفت والفجل والقلقاس والسوطل ونحوه، فليس شئ من ذلك فاكهة، لانه لا يسمى بها ولا في معناها دليلنا أن البطيخ وإن كان يشبه في شجرة النباتات الزاحفة كالباذنجان والقرع والقثاء والخيار، إلا أنه ثمر حلو يفارق ما ذكرنا في الطعم وفي طريقة الاكل إذ تلك الانواع تصطبغ وتطبخ وتملح وليس كذلك البطيخ والشمام ولانها فاكهة في حقيقتها العرفية عند الناس على أختلاف أقاليمهم وأجناسهم. (فرع) إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا - وهو الذي بعضه بسر وبعضه تمر أو مذنبا - وهو الذي بدأ فيه الارطاب من ذنبه وباقيه بسر، أو حلف لا يأكل بسرا فأكل ذلك حنث، وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل. وقال أبو يوسف وبعض أصحابنا: لا يحنث لانه لا يسمى رطبا ولا تمرا، والصحيح أنه أكل رطبا وبسرا فحنث، كما لو أكل نصف رطبة ونصف بسرة منفردتين، وما ذكروه لا يصح، فإن القدر الذى أرطب رطب والباقي بسر، ولو أنه حلف لا يأكل البسر فأكل البسر الذي في النصف حنث، وإن أكل البسر من يمينه على الرطب وأكل الرطب من يمينه على البسر لم يحنث واحد منهما وإن حلف واحد ليأكلن رطبا وآخر ليأكلن بسرا فأكل الحالف على أكل

الرطب ما في النصف من الرطبة وأكل الآخر باقيها برا جميعا، وإن حلف ليأكلن رطبة أوبسرة أو لا يأكل ذلك فأكل منصفا لم يبر ولم يحنث لانه ليس فيه رطبة ولابسرة (فرع) إذا حلف لا يأكل قوتا فأكل خبزا أو تمرا أوزيبا أو لحما أو لبنا حنث لان لك واحد من هذه يقتات في بعض البلدان، ويحتمل أن لا يحنث إلا بأكل ما يقتاته أهل بلده، لان يمينه تنصرف إلى القوت المتعارف عندهم في بلدهم ولاصحاب أحمد وجهان كالوجهين عندنا، وإن أكل حبا يقتات خبزه حنث لانه يسمى قوتا، لان النبي صلى الله عليه ولم " كان يدخر قوت عياله لسنة " وإنما يدخل الحب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن حلف لا يأكل طعاما حنث بأكل كل ما يطعم من قوت وأدم وفاكهة وحلاوة، لان اسم الطعام يقع على الجميع، والدليل عليه قوله تَعَالَى " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وهل يحنث بأكل الدواء؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه لايدخل في إطلاق اسم الطعام (والثاني) يحنث لانه يطعم في حال الاختيار، ولهذا يحرم فيه الربا (فصل) وإن حلف لا يشرب الماء فشرب ماء البحر احتمل عندي وجهين (أحدهما) يحنث لانه يدخل في اسم الماء المطلق، ولهذا تجوز به الطهارة. (والثاني) لا يحنث لانه لا يشرب، وإن حلف لا يشرب ماء فراتا فشرب ماء دجلة أو غيره من الماء العذبة حنت، لان الفرات هو الماء العذب، والدليل عليه قوله تعالى (وأسقيناكم ماء فراتا) وأراد به العذب، وان حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من ماء دجلة لم يحنث، لان الفرات إذا عرف بالالف واللام فهو النهر الذي بين العراق والشام (فصل) وإن حلف لا يشم الريحان فشم الضميران - وهو الريحان الفارسى - حنت، وإن شم ما سواه كالورد والبنفسج والياسمين والزعفران لم يحنث لانه

لا يطلق اسم الريحان الا على الضميران وماواه لا يسعى إلا بأسمائها. وان حلف لا يشم المشموم حنث بالجميع، لان الجميع مشموم، وان شم الكافور أو المسك أو العود أو الصندل لم يحنث لانه لا يطلق عليه اسم المشموم. وان حلف لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما لم يحنث لانه لم يشم الورد والبنفسج، وان جف الورد والبنفسج فشمهما ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث، كما لا يحنث إذا حلف لا يأكل الرطب فأكل التمر (والثاني) يحنث لبقاء اسم الوردة والبنفسج.* * * (الشرح) في قوله تَعَالَى " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ " الآية، هو يعقوب عليه السلام. روى الترمذي عن ابن عباس " أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الابل وألبانها فلذلك حرمها، قالوا " صدقت " وذكر الحديث. وقال ابن عباس ومجاهد وقتاده والسدى: أقبل يعقوب عليه السلام من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو، وكان رجلا بطشا قويا، فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه، فغمز الملك فخذ يعقوب عليه السلام ثم صعد الملك إلى السماء ويعقوب ينظر إليه، فهاج عليه عرق النسا ولقى من ذلك بلاء شديدا، فكان لاينام الليل من الوجع ويببت وله زقاء - أي صياح - فحلف يعقوب عليه السلام ان شفاه الله عز وجل ألايأكل عرقا، ولا يأكل طعاما فيه عرق فرحمها على نفسه، فجعل بنوه يتبعون بعد ذلك العروق فيخرجونها من اللحم واختلف هل كان التحريم من يعقوب باحتهاده أم بإذن الله تعالى؟ والصحيح الاول لان الله تعالى أضاف التحريم إليه بقوله " إلا ما حرم " وأن النبي إذا أداه اجتهاده إلى شئ كان دينا يلزمنا اتباعه لتقرير الله إياه على ذلك، وكما يوحى إليه

ويلزم اتباعه. كذلك يؤذن له ويجتهد، ويتعين موجب اجتهاده إذا قدر عليه. وقد حرم نبينا صلى الله عليه وسلم العسل على الرواية الصحيحة، أو خادمه مارية فلم يقر الله تحريمه ونزل " لم تحرم ما أحل لله لك " قال الكيا الطبري فيمكن أن يقال مطلق قوله تعالى " لم تحرم ما أحل الله " يقتضى ألا يختص بمارية، وقد رأى الشافعي أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى، فجعلها مخصوصا بموضع النص، وأبو حنيفة رأى ذلك أصلا في تحريم كل بماح وأجراه مجرى اليمين. هكذا أفاده القرطبى أما قوله تعالى " وأسقيناكم ماء فراتا " فالفرات أشد الماء عذوبة. وقال تعالى " هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج " وقد فرت الماء يفرت فرته إذا عذب فهو فرات. وقال ابن الاعرابي، فرت الرجل إذا ضعف عقله بعد مسكه، والفراتان الفرات ودجيل. أما الاحكام: فإذا حلف لا يأكل طعاما فأكل ما يسمى طعاما من قوت وأدم وحلواء وتمر جامد ومائع حنث لقوله تَعَالَى " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ " وقوله تعالى " ويطعمون الطعام على حبه " يعنى على محبتهم للطعام لحاجتهم إليه، وقيل على حب الله تعالى، وقال تعالى " قل لا أجد فيما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لحم خنزير " وسمى النبي صلى الله عليه وسلم اللبن طعاما وقال " انما تحزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم " وفي الماء عند الحنابلة وجهان (أحدهما) هو طعام لقوله تعالى " ان الله مبتليكم بنهر فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَمَنْ لَمْ يطعمه فإنه منى " والطعام ما يطعم، ولان النبي صلى الله عليه وسلم سمى اللبن طعاما وهو مشروب فكذلك الماء (والثاني) ليس بطعام لانه لا يسمى طعاما ولا يفهم من اطلاق اسم الطعام ولهذا يعطف عليه، فيقال طعام وشراب، والمعطوف يغاير المعطوف عليه، وقال صلى الله عليه وسلم " إنى لاأعلم ما يجزئ من الطعام والشراب الا اللبن " رواه ابن ماجه، ويقال باب الاطعمة والاشربة، ولانه أن كان طعاما في الحقيقة فليس بطعام في العرف فلا يحنث بشربه، لان مبنى الايمان على العرف، لكون الحالف على الغالب لا يريد بلفظه الا ما يعرفه، وهذا هو الاصح من اوجهين

(فرع) هل يحنث بأكل الدواء كالاقراص المسكنة والفيتامينات والمركبات الاقرباذ ينية والفار ماكوبيا؟ فيه وجهان (أحدهما) يحنث لانه يطعم حال الاختيار (والثاني) لا يحنث لانه لايدخل في اطلاق اسم الطعام ولا يؤكل الا عند الضرورة، وبهذين الوجهين قال الحنابلة، ومن يراجع كتاب الربا هنا يجد أن الدواء ربوي لانه طعام وجها واحدا أما هنا فوجهان (مسألة) إذا حلف لا يشرب ماء وأطلق احتمل عند المصنف وجهين في حنثه بشرب ماء البحر - وهو الابيض المتوسط أو الاحمر أو المحيط الهندي أو الاطلسي أو الاقيانوس - أو ما تفرع عنها من خلجان كالخليج العربي وخليج العقبة وما تربط من مضايق وممرات، وأحد الوجهين أنه يحنث لان ماء البحر يدخل في مطلق الماء ولذا تصح الطهارة به لانه ماء طهور. فإذا عرفت أن المياه جميعها مصدرها البحر. اما عن طريق التبخر ثم نزولها مطرا تكون منه الآبار والانهار. واما عن طريق المياه الجوفية التي تكون منها العيون وبعض الآبار. وعرفت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله " إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الماء " قال " هو الطهور وماؤه الحل ميتته " عرفت أن الماء عند الاطلاق يتناول ماء البحر حقيقة وعرفا وشرعا والوجه الثاني أنه لا يحنث. لان ماء البحر لا يشرب ولا يساغ عادة. ولو كان يسمى ماء لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم " انا نركب البحر ونحمل معا القليل من الماء فإن توضأنا به لم نجد ماء نشربه أفنتوضأ بماء البحر؟ وهذا سؤال يدل بمجرده على أن ماء البحر لا يسمى ماء بلا قيد. لانه قال أفنتوضأ بماء البحر. هكذا بالاضافة (مسألة) إذا حلف على الجنس المضاف كماء دجلة أو ماء الفرات أوماء البئر فهل يحنث بشرب بعضه؟ فيه وجهان (أحدهما) يحنث بشرب بعضه لانه حلف على ما لا يمكنه فعل جميعه فتناولت يمينه بعضه منفردا. وبهذا قال أحمد وأبو حنيفة (والثاني) لا يحنث. لانه إذا حلف على الجنس كالناس والماء والخبز والتمر

حنث بفعل البعض، لان يمينه تناولت الجميع فلم يحنث بفعل البعض، فألحق به اسم الجنس المضاف، وأما غير المضاف فليس فيه الوجهان، لانه إذا حلف ليفعلن شيئا لم يبر إلا بفعل جميعه وان حلف لاشربت من الفرات فشرب من مائه حنث، سواء كرع فيه أو اغترف منه ثم شرب، وبهذا قال أحمد وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: لا يحنث حتى يكرع فيه، لان حقيقة ذلك الكرع فلم يحنث بغيره، كما لو حلف لاشربت من هذا الاناء فصب منه في غيره وشرب ولنا أن معنى يمينه أن لا يشرب من ماء الفرات: لان الشرب يكون من مائها. ومنها الغرف فحملت اليمين عليه، كما لو حلف لاشربت من هذه البئر ولا أكلت من هذه الشجرة ولا شربت من لبن هذه الشاة، ويفارق الكوز فإن الشرب في العرف منه، لانه آلة للشرب بخلاف النهر. وما ذكروه يبطل بالبئر والشاة والشجرة، وقد سلموا أنه لو استقى من البئر أو احتلب لبن الشاة أو التقط من الشجرة وشرب وأكل حنث فكذا في مسألتنا هنا (فرع) وان حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث لانه من ماء الفرات، ولو حلف لا يشرب من نهر الفرات فشرب من نهر يأخذ منه ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لان معنى الشرب منه الشرب من مائه فحنث، كما لو حلف لاشربت من مائه. وهذا أحد الاحتمالين لاصحاب أحمد (والثاني) لا يحنث. وهو قول أبى حنيفة وأصحابه الا أبا يوسف فإن عنه رواية أنه يحنث، وانما قلنا لا يحنث، لان ما أخذه النهر يضاف إلى ذلك النهر لا إلى الفرات، ويزول بإضافته إليه عن اضافته إلى الفرات فلا يحنث به كغير الفرات، ومن حلف لا يشرب من نهر النيل فشرب من ترعة النوبارية أو ترعة المحمودية فإن اضافتها إلى الترعة لايمنع العلم بكونها احدى روافد النيل فيحنث، كما لو شرب من فرع رشيد أو فرع دمياط أما إذا حلف لا يشرب من نهر الاردن فشرب من بحيرة الحولة لم يحنث لانهما وان اتصل ماؤهما فلكل منهما اسمه وموقعه. وكذلك يقال في بانياس

والحصبائى والليطانى والمزهرانى واليرموك وبحيرة طبرية من أنهار الشام أنقذها وأقالها من عثرتها وأهلك الطامعين فيها. (فرع) إذا حلف لا يشم الريحان فإنه لا يحنث الا بشم الريحان الفارسى كالضميران: لان الحالف لا يريد بيمينه في الظاهر سواه فلا يحنث بشم النبت أو الزهر الطيب الريح كالورد والبنفسج والنرجس والياسمين والزعفران، لان هذه كلها وان كانت رياحين الا أن كلا منها له اسم يعرف به فلم يحنث بشمها. وقال أبو الخطاب من الحنابلة يحنث بشم ما يمسى في الحقيقة ريحانا لان الاسم يتناوله حقيقة، ولا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا لانها لا تسمى ريحانا حقيقة ولا عرفا. ومن هذا لو حلف لا يشم وردا ولا بنفسجا فشم دهن البنفسج وماء الورد فإنه لا يحنث لانه لم يشم وردا ولا بنفسجا وقال أبو حنيفة: يحنث بشم دهن البنفسج لانه يسمى بنفسجا ولا يحنث بشم ماء الورد لانه لا يسمى وردا. وهل يحنث بشم الورد والبنفسج البابس؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يحنث كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرا (والثاني) يحنث لان حقيقته باقية فحنث به كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل لحما قديدا أو محفوظا، وفارق ما ذكر في الوجه الاول فإن التمر ليس رطبا، وبهذا قال أحمد وأصحابه وأصحاب الرأى وان حلف لا يشم المشموم حنث بكل ما ذكرنا ما عدا الكافور والمسك والعود والصندل والجاوى، لانه لا يطلق عليه اسم المشموم. وانما يقال التجمير والتبخير أو التعطير للمسك قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف لا يلبس شيئا فلبس درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا ففيه وجهان، أحدهما يحنث لانه لبس شيئا. والثاني لا يحنث لان اطلاق اللبس لا ينصرف إلى غير الثياب (فصل) وان كان معه رداء فقال: والله لا لبست هذا الثوب وهو رداء فارتدى به أو تعمم به أو اتزر به حنث لانه لبسه وهو رداء. فإن جعله قميصا أو

سراويل ولبسه لم يحنث لانه لم يلبسه وهو رداء. فإن قال والله لالبست هذا الثوب ولم يقل وهو رداء فارتدى به أو تعمم به أو اتزر به أو جعله قميصا أو سراويل ولبسه حنث. ومن أصحابنا من قال لا يحنث لانه حلف على لبسه وهو على صفة فلم يحنث بلبسه على غير تلك الصفة، والصحيح هو الاول لانه حلف على لبسه ثوبا فحمل على العموم، كما لو قال والله لالبست ثوبا (فصل) وان إحلف لا يلبس حليا فلبس خاتما من ذهب أو فضة أن مخنفة من لؤلؤ أو غيره من الجواهر حنث لان الجميع حلى، والدليل عليه قوله عز وجل (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) وإن لبس شيئا من الخرز أو السبج، فإن كان ممن عادته التحلى به كأهل السواد حنث لانهم يسمونه حليا. وهل يحنث به غيرهم؟ على ما ذكرناه من الوجهين في بيوت الشعر ورؤوس الصيد. وإن تقلد سيفا محلى لم يحث، لان السيف ليس بحلى. وإن لبس منطقة محلاة ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لانه من حلى الرجال (والثاني) لا يحنث، لانه ليس من الآلات المحلاة فلم يحنث به كالسيف وإن حلف لا يلبس خاتما فلبسها في غير الخنصر، أو حلف لا يلبس قميصا فارتدى به أو لا يلبس قلنسوة فلبسها في رجله لم يحنث، لان اليمين يقتضى لبسا متعارفا وهذا غير متعارف (فصل) وإن من عليه رجل فحلف لا يشرب له ماء من عطش فأكل له خبزا أو لبس له ثوبا أو شرب له ماء من غير عطش لم يحنث، لان الحنث لا يقع إلا على ما عقد عليه اليمين، والذي عقد عليه اليمين شرب الماء من عطش، فلو حنثاه على سواه لحنثناه على ما نوى لا على ما حلف عليه. وإن حلف لا يلبس له ثوبا فوهب له ثوبا فلبسه لم يحنث لانه لم يلبس ثوبه (الشرح) الدرع الحديد مؤنثة في الاكثر وتصغر على دريع بغير هاء على غير قياس. وجاز أن يكون التصغير على لغة من ذكر، وربما قيل دريعة بالماء وجمعها أدرع ودروع وأدراع.

قال ابن الاثير وهى الزردية، ودرع المرأة قميصها مذكر. وقال في اللسان: الدرع لبوس الحديد تذكر وتؤنث. قال الاخرر مقلصا بالدرع ذى التقضن يمشى العرضي في الحديد المتقن والجمع في القليل أدرع وأدراع وفي الكثير دروع. وفي حديث خالد " أدراعه وأعتده حبسا في سبيل الله " والجوشن الصدر، وقيل ما عرض من وسط الصدر وجوشن الجرادة صدرها وجوشن الليل وسطه وصدره، والجوشن الذي يلبس من السلاح. قال ذو الرمة يصف ثورا طعن كلابا بروقيه في صدرها فكر يمشق طعنا في جواشنها كأنه الاجر في الاقبال يحتسب والمخنقة القلادة الواقعة على المخنق، والسبخ خرز والواحدة سبجة مثل قصب وقصبة، وسواد العراق سمى كذلك لخضرة أشجاره وزروعه، والعرب تسمى الاخضر أسود لانه يرى كذلك على بعده وكل شخص من إنسان وغيره يسمى سوادا، وجمعه أسودة، مثل جناح وأجنحة، ومتاع وأمتعة، وسواد المسلمين جماعتهم. أما الاحكام: فان حلف لا يلبس شيئا حنث بكل ما يلبس من الثياب وغيرها كالدرع والجوشن والنعل والخف في أحد الوجهين، وبه قال أحمد لانه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب، وقد استدل على هذا الوجه بحديث " أن النجاشي أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفين فلبسهما " وقيل لابن عمر انك تلبس النعال، فقال إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسهما فإذا أدخل يده في الخف أو النعل أو الدرع والجوشن في رجليه لم يحنث، لان ذلك ليس بلبس لهما (واوجه الثاني) لا يحنث. لان اللبس عند الاطلاق لا ينصرف إلا إلى الثياب. (فرع) ان حلف لا يلبس هذا الثوب وهو رداء، فارتدى به أو ائتزر أو اعتم به حنث، لان ما فعله يطلق عليه اسم اللبس فحنث به. وبهذا قال أحمد وأصحابه، لانه لبسه وهو رداء، فإن غيره عن كونه رداء ولبسه ولم يحنث لان اليمين وقعت على ترك لبس رداء. فإن حلف لا يلبس هذا الثوب - وكان رداء في حال حلفه - لم يقل

وهو رداء كالتي قلها - فارتدى به أو ائتزر أو اعتم به أو جعله قميصا أو سراويل أو قباء ولبسه حنث على الصحيح من المذهب لانه قد لبسه فحمل على عموم اللبس كما لو قال والله لالبست ثوبا، فإنه يحنث بلبس أي ثوب على أي نحو مما قررنا (فرع) إذا حلف ليلبسن هو أو ليلبسن أمراته حليا فلبس هو أو ألبس امرأته خاتما من فضة أو مخنقة من لؤلؤ أو جوهر وحده بر في يمينه، وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة لايبر لانه ليس بحلى. وإذا حلف لا يلبس - بالنفى - حليا فلبس خاتما من فضة أو وضع دبوسا في صدره أو زرارا معدنيا في كم قميصه حنث لان ذلك من وسائل الزينة في عصرنا هذا كالخرز والسبج عند أهل السواد في عصر المصنف، فإن كان ممن يلبس الجبة والقفطان فوضع دبوسا في صدره مما يوضع حلية من يلبس الملابس الافرنجية ففيه وجهان كالوجهين في بيوت الشعر ورؤوس الصيد وقال الحنابلة: إن لبس عقيقا أو سبجا، ولو كان من أهل السواد لا يحنث لانه ليس بحلى كالودع وخرز الزجاج، وإن كان لا يلبس حليا فلبس دراهم أو دنانير في مرسلة ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه ليس بحلى إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه (والثاني) يحنث لانه ذهب وفضة لبسه فكان حليا كالسوار والخاتم (فرع) إذا حلف لا يلبس حليا فتقلد سيفا محلى بالذهب لا يحنث، لان الشرع لم يعتبره حليا، وإن لبس حزاما محلى ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لانه مما يتحلى به الرجال، وبه قال أحمد رضى الله عنه (والثاني) لا يحنث لانه آلة محلاة فأشبه السيف. وإن حلف لا يلبس خاتما فلبسها في غير مكانها من الخنصر بل جعلها في الوسطى أو السبابة لم يحنث كما لو حلف لا يلبس قميصا فارتدى به، أولا يلبس قلنسوة فلبسها في رجله لم يحنث لمخالفة ذلك للعرف (مسألة) إذا أراد أن يقطع منة عليه لرجل فإن يمينه لا تتعدى ما انعقد عليه لفظه. وقال أحمد: إن الاسباب معتبرة في الايمان فيتعدى الحكم بتعديها، فإذا امتن عليه بثوب فحلف أن لا يلبسه لتنقطع المنة به حنث بالانتفاع به في

غير اللبس من أخذ ثمنه، لانه نوع انتفاع به يلحق المنة به، وان لم يقصد قطع المنة ولا كان سبب يمينه يقتضى ذلك لم يحنث إلا بما تناولته يمينه، وهو لبسه خاصة فلو أبدله بثوب غيره ثم لبسه أو انتفع به في غير اللبس أو باعه وأخذ ثمنه لم يحنث لعدم تناول اليمين له لفظا ونية وسببا ولنا أننا لو أحنثناه هنا لاحنثناه على ما نوى لا على ما حلف عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ حلف لا يضرب امرأته فضربها ضربا غير مؤلم حنث لانه يقع عليه اسم الضرب، وان عضها أو خنقها أو نتف شعرها لم يحنث، لان ذلك ليس بضرب، وان لكمها أو لطمها أو رفسها ففيه وجهان. أحدهما يحنث لانه ضربها والثاني لا يحنث لان الضرب المتعارف ما كان يؤلم وإن حلف ليضرب عبده مائة سوط فشد مائة سوط فضربه بها ضربة واحدة فإن تيقن أنه أصابه المائة بر في يمينه لانه ضربه مائة سوط. وان تيقن أنه لم يصبه بالمائة لم يبر لانه ضربه دون المائة. وإن شك هل أصابه بالجميع أو لم يصبه بالجميع فالمنصوص أنه يبر وقال المازنى. لايبر، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ حَلَفَ ليفعل كذا في وقت إلا أن يشاء فلان: فمات فلان حنث، وإذا لم نجعله بارا للشك في المشيئة وجب أن لا نجعله بارا للشك في الاصابة، والمذهب الاول، لان أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته عددا فقال عز وجل " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " ويخالف ماقاله الشافعي رحمه الله في المشيئة لانه ليس الظاهر وجود المشيئة، فإذا لم تكن مشيئة حنث بالمخالفة، والظاهر إصابته بالجميع فبر. وان حلف ليضربنه مائة مرة فضربه بالمائة المشدودة لم يبر لانه لم يضربه إلا مرة، فإن حلف ليضربه مائة ضربة، فضربه بالمائة المشدودة دفعة واحدة فأصابه الجميع ففيه وجهان: (أحدهما) لايبر لانه ما ضربه الا ضربة، ولهذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة إلى الجمرة لم يحتسب له سبعا

(والثاني) أنه يبر لانه حصل بكل سوط ضربة، ولهذا لو ضرب به في حد الزنا حسب بكل سوط جلدة (الشرح) قوله: فقال الله عز وجل " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهب الاسرائيليات التي تغفل السياق ومواقع الكلم. وحكموا في ذلك أحاديث بعضها موقوف وبعضها مرفوع لم يصح منها سوى حديث " بينا أيوب يغتسل إذ خر عليه رجل من جراد من ذهب " الحديث. وإذ لم يصح عنه فيه إلا ما ذكر القرآن فإنا ذاكروا ماقاله ابن العربي لموافقته مذهبنا في تأويلها. قال ما ذكره المفسرون من أن إبليس كان له مكان في السماء السابعة من العام فقول باطل، لانه أهبط منها بلغنة وسخط إلى الارض فكيف يرقى إلى محل الرضا ويحول في مقامات الانبياء ويخترق السموات العلى، إن هذا لخطب من الجهالة عظيم، إلى أن قال: وأما قولهم: إنه قال لزوجته أنا إله الارض، ولو تركت ذكر الله وسجدت أنت لى لعافيته، فاعلموا وإنكم لتعلمون أنه لو عرض لاحدكم وبه ألم وقال هذا الكلام ما جاز عنده أن يكون إلها في الارض وأنه يسجد له وأنه يعافى من البلاء فكيف أن تستريب زوجة نبى؟ ولو كانت زوجة سوادى أو قدم برجوى ما ساغ لك عندها وأما تصويره الاموال والاهل في واد فذلك ما يقدر عليه إبليس بحال، ولا هو في طريق السحر، فيقال إنه من جنسه. إلى أن قال: والذي جرأهم على ذلك وتذرعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى " إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب " انتهى. قلت: الذى يتفق مع نظام الذكر الحكيم والتذكير المتين أن الله تعالى أراد أن يسلى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بجهاد الانبياء قبله وصبرهم على الضرر والبلاء فليس من المناسب أن يقول له: اذكر عبدنا أيوب كيف حلف أن يضرب امرأته مائة سوط، فقلنا له خذ عرجونا به مائة شمراخ فاضربها به ولا تحنث انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب.

ان هذا كلام عجيب وفهم للآيات غريب، وان الذي يناسب مقام النبوة أن يكون أبوب عليه السلام بعث في قوم كان الشيطان يعبث بعقولهم، فكان كلما آمن به فريق منهم ارتد وانحاز إلى الضلالة فشكا لربه هذا العناء " انى مسنى الشيطان بنصب وعذاب " فقال له ربه " ثبت قدمك على دعوتنا وتقدم بخطى سريعة ثابتة إلى الامام، وهذا هو الذي يفيده معنى الركض بالرجل. ففى هذا ازالة لما يمسك من لغوب ونصب وتنقية لما تعانيه من عناد قومك من وساوس الشيطان، وشراب هنئ لك يشرح صدرك، ويجلو عنك الضيق والحرج وخذ بيدك غصنا فلوح به على وجوه الناس ولا تأثم ولا تغلظ، لان الحنث هو الاثم. قال تعالى " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " ومما استقر في الفطر وارتكز في الطباع أن الغصن الرطب كغصن الزيتون مثلا يضرب به المثل في الامم بالسلام. والله أعلم. أما أحكام الفصل فإنه لا يجوز أن يضرب الرجل امرأته فوق حد الادب، لقوله صلى الله عليه وسلم " واضربوهن ضربا غير مبرح " وقد اختلف الفقهاء في هذا الحكم الذي فهموه من الآتة، هل هو عام أو خاص بأيوب وحده؟ فروى عن مجاهد أنه عام وحكى عن القشيرى أن ذلك خاص بأيوب. وحكى المهدوى عن عطاء بن أبى رباح أن ذلك حكم باق، وأنه أذا ضرب بمائة قضيب ونحوه ضربة واحدة بر وروى نحوه الشافعي رضى الله عنه. وروى نحوه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المقعد الذي حملت منه الوليدة. وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة. وقال القشيرى وقيل العطاء هل يعمل بهذا اليوم؟ فقال ما أنزل القرآن الا ليعمل به ويتبع. وروى عن عطاء أنها لايوب خاصة. وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك " من حلف ليضربن عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر وقال القرطبى، وقال بعض علمائنا - يريد مالك - قوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " أي ان ذلك منسوخ بشريعتنا

قال ابن المنذر وقد روينا عن على أنه جلد الوليد بن عقبه بسوط له طرفان أربعين جلدة، وأنكر مالك هذا وتلا قوله تعالى " فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة " وهذا مذهب أصحاب الرأى. اه وقد احتج الشافعي رضى الله عنه بحديث خرجه أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبن شهاب أخبرني أبو أسامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الانصار " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى، فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنى قد وقعت على جارية دخلت على، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه اليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة ". قال الشافعي: إذا حلف ليضربن فلانا مائة جلدة أو ضربا ولم يقل: ضربا شديدا ولم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية ولا يحنث، وقال ابن المنذر: إذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربا خفيفا فهو بار عند الشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى وقال مالك ليس الضرب إلا الضرب الذي يؤلم. (تنبيه) قال القرطبى في جامع أحكام القرآن ج 15 ص 215. استدل بعض جهال المنزهدة، وطعام المتصوفة بقوله تعالى لايوب " اركض برجلك " على جواز الرقص، قال أبو الفرج الجوزى: وهذا احتجاج بارد، لانه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء إعجازا من الرقص، ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الاسلام جاز أن يجعل قوله سبحانه " اضرب بعصاك الحجر " جوازا على ضرب المحاد بالقضبان نعوذ بالله من التلاعب بالشرع، وقد احتج بعض قاصريهم بِأَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلى " أنت منى وأنا منك "

فخجل، وقال لجعفر " أشبهت خلقي وخلقي " فحجل، وقال لزيد " أنت أخونا ومولانا " فخجل، ثم ذكر قصة زفن الحبشة والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم وأجاب على كل ذلك. (فرع) إذا حلف أن يضربها عشرة أسواط فجمعها وضربها بها ضربة واحدة بر في يمينه إذا علم أنها مستها كلها، وإن علم أنها لم تمسها لم يبر، وقال أحمد: إن حلف أن يضربه عشرة فجمعها فضربه بها لم يبر في يمينه، وبهذا قال مالك وأصحاب الرأى. وقال ابن حامد من الحنابلة يبر، لان أحمد قال في المريض عليه الحد، يضرب بعثكال النخل فيسقط عنه الحد. (فرع) وإن حلف أن يضرب امرأته في غد فمات الحالف من يومه فلا حنث عليه، لان الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد، والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل الغد فلا يمكن حنثه، وكذلك إن جن الحالف في يومه فلم يفق إلا بعد خروج الغد، لانه خرج عن كونه من أهل التكليف. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن حلف لا يهب له فأعمره أو أرقبه أو تصدق عليه حنث لان الهبة تمليك العين بغير عوض: وإن كان لكل نوع منها اسم. وإن وقف عليه وقلنا إن الملك ينتقل إليه حنث، لانه ملكه العين من غير عوض. وإن باعه وحاباه لم يحنث، لانه ملكه بعوض، وإن وصى له لم يحنث، لان التمليك بعد الموت والميت لا يحنث. (فصل) وإن حلف لا يتكلم فقرا القرآن لم يحنث: لان الكلام لا يطلق في العرف الا على كلام الآدميين. وان حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه حنث، لان السلام من كلام الآدميين، ولهذا تبطل به الصلاة، فإن كلمه وهو نائم أو ميت أو في موضع لا يسمع كلامه لم يحنث، لانه لا يقال في العرف كلمه. وان كلمه في موضع يسمع الا أنه لم يسمع لاشتغاله بغيره حنث، لانه كلمه. ولهذا يقال كلمه فلم يسمع

وان كلمه وهو أصم فلم يسمع للصم فقيه وجهان. أحدهما يحنث لانه كلمه وان لم يسمع فحنث، كما لو كلمه فلم يسمع لاشتغاله بغيره. والثاني لا يحنث وهو الصحيح لانه كلمه وهو لا يسمع، فأشبه إذا كلمه وهو غائب، وان كاتبه أو راسله ففيه قولان: قال في القديم يحنث. وقال في الجديد لا يحنث. وأضاف إليه أصحابنا: إذا أشار إليه، فجعلوا الجميع على قولين، أحدهما يحنث. والدليل عليه قوله عز وجل " وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا " فاستثنى الوحى وهو الرسالة من الكلام فدل على أنها منه. وقوله عز وجل " قال آيتك أن لاتكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا " فاستثنى الرمز وهو الاشارة من الكلام، فدل على أنها منه، ولانه وضع لافهام الآدميين فأشبه الكلام. والقول الثاني أنه لا يحنث لقوله عز وجل " فإما ترين من البشر أحدا فقولي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ انسيا " ثم قال " يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فلو كانت الاشارة كلاما لم تفعله، وقد نذرت أن لاتكلم. ولان حقيقة الكلام ما كان باللسان، ولهذا يصح نفيه عما سواء بأن نقول: ماكلمته وانما كاتبته أو راسلته أو أشرت إليه، ويحرم على المسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، لقوله عليه السلام " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، والسابق أسبقهما إلى الجنة " وان كاتبه أو راسله ففيه وجهان (أحدهما) لا يخرج من مأثم الهجران، لان الهجران ترك الكلام فلا يزول الا بالكلام (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يخرج من مأثم الهجران، لان القصد بالكلام ازالة ما بينهما من الوحشة، وذلك يزول بالمكاتبة والمراسلة (الشرح) قوله تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله الاوحيا " سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه ان كنت نبيا

كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ مُوسَى لن ينظر إليه، فنزل قوله تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " ذكره النقاش والواحدي والثعلبي. وقد احتج بهذه الآية الشافعي في القديم فيمن حلف ألا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أنه حانث، لان المرسل قد سمى فيها مكلما للمرسل إليه، إلا أن ينوى الحالف المواجهة بالخطاب قال ابن المنذر: واختلفوا في الرجل يحلف أن لا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا، فقال الثوري الرسول ليس بكلام. وقال الشافعي في الجديد: لا يبين أن يحنث. وقال النخعي: والحكم في الكتاب يحنث. وقال مالك يحنث في الكتاب والرسول وقال مرة: الرسول أسهل من الكتاب. وقال أبو عبيد: الكلام سوى الخط والاشارة وقال أبو ثور " لا يحنث في الكتاب " وقال ابن المنذر لا يحنث في الكتاب والرسول. وقال القرطبى وهو قول مالك أما قوله تعالى قال آيتك أن لاتكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " قال أبو الشعثاء جابر بن زيد رضى الله عنه، إن زكريا عليه السلام لما حملت زوجه منه بيحيى أصبح لايستطيع أن يكلم أحدا، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله تعالى، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه (قلت) والرمز في اللغة الايماء بالشفتين، وقد يستعمل في الايماء بالحاجبين والعينين واليدين، وأصله الحركة. وقيل طلب تلك الآية زيادة طمأنينة. المعنى تم النعمة بأن تجعل لى آية، وتكون تلك الآية زيادة نعمة وكرامة، فقيل له " آيتك أن لاتكلم الناس ثلاثة أيام " أي تمتنع من الكلام ثلاث ليال. وقال النحاس، قول قتادة إن زكريا عوقب بترك الكلام قول مرغوب عنه، لان الله لم يخبرنا أنه أذنب ولا أنه نهاه عن هذا، اه ثم إن في هذه الاية دليلا على أن الاشارة تنزل منزلة الكلام، وذلك موجود في كثير من السنة. وآكد الاشارات ماحكم بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أمر الجارية حين قال لها أين الله؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقال اعتقها فإنها مؤمنة فأجاز الاسلام بالاشارة الذي هو أصل الديانة الذي يمنع الدم والمال وتستحق

به الجنة وينجى به من النار، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك، فوجب أن تكون الاشارة عاملة في سائر الديانة، وهو قول عامة الفقهاء وروى ابن القاسم عن مالك أن الاخرس إذا أشار بالطلاق أنه يلزمه. وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه فهو كالاخرس في الرجعة والطلاق وقال أبو حنيفة ذلك جائز إذا كانت إشارته تعرف، وإن شك فيها فهى باطل، وليس ذلك بقياس وإنما هو استحسان. وقال القرطبى والقياس في هذا كله أنه باطل لانه لا يتكلم ولا يعقل اشارته قال أبو الحسن بن بطال، وإنما حمل أبا حنيفة على قوله هذا أنه لم يعلم السنن التى جاءت بجواز الاشارات في أحكام مختلفة في الديانة، ولعل البخاري حاول بترجمته " باب الاشارة في الطلاق والامور " الرد عليه وقال عطاء أراد بقوله ألا تكلم الناس، صوم ثلاثه أيام، وكانوا إذا صاموا لا يتكلمون إلا رمزا، وهذا فيه بعد. أفاده القرطبى (قلت) وعندي أن زكريا سأل الله تعالى أن يجعل له آية، فقال أيتك أنى أجعلك لا تستطيع الكلام ثلاثة أيام إلا إشارة. وهذه أعظم آية بظهرها الله تعالى لزكريا في ذات نفسه أما قوله تعالى " فإما ترين من البشر أحدا " الاصل في ترين ترأيين بوزن تمنعين قبل التوكيد ودخول الجازم، فحذفت الهمزة كما حذفت من ترى، ونقلت فتحتها إلى الراء فصار تريين ثم قبلت الياء الاولى ألفا لتحركها وانتفاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان الالف المنقلبة عن الياء وياء التأنيث لالتقاء الساكنين، لان النون المثقلة يمنزلة نونين، الاولى ساكتة فصار ترين. وعلى هذا النحو قول دريد بن الصمة إما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أديال الدجى وقول الافوه العبدى إما ترى أزرى به مأس زمان ذى انتكاس مئوس قال ابن عباس وأنس، إذا سألك أحد عن ولدك فقولي إنى نذرت للرحمن

صوما. أي صمتا، وفي قراءة أبى بن كعب (إنى نذرت للرحمن صوما صما) والذى تتابعت به الاخبار عن أهل الحديث أن الصوم هو الصمت، لان الصوم إمساك عن الاكل، والصمت إمساك عن الكلام وقوله تعالى (فأشارت إليه) دليل عليه أن مريم التزمت ما أمرت به من ترك الكلام. ولم يرد في هذه الآية أنها نطفت ب (إنى نذرت للرحمن صوما) وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال إن أمرها ب (قولى) إنما أريد به الاشارة. أما حديث (لا يحل لمسلم) الخ فقد أخرجه البخاري في الادب عن أبي أيوب الانصاري من طريق عبد الله بن يوسف، وفي الاستئذان عن على عند مسلم، وفي الادب عن أبى أيوب من طريق بن يحيى بن يحيى في سنن أبي داود، وعن أبى أيوب عند الترمذي في البر من طريق محمد بن يحيى وفي الموطأ عن أبي أيوب من طريق ابن شهاب. أما الاحكام فقد اختلف علماء الشرع فيمن حلف ألا يكلم إنسانا فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا، فقال مالك إنه يحنث الا أن ينوى مشافهته، ثم رجع فقال لا ينوى في الكتاب ويحنث الا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله قال ابن القاسم: إذا قرأ كتابه حنث، وكذلك لو قرأ الحالف كتاب المحلوف عليه. وقال أشهب، لا يحنث إذا قرأه الحالف، وهذا بين، لانه لم يكلمه ولا ابتدأه بكلام. الا أن يريد ألا يعلم معنى كلامه فإنه يحنث، وعليه يخرج قول ابن القاسم هكذا قال المالكية. فإن حلف ليكلمنه لم يبر الا بمشافهته وقال ابن الماجشون: وان حلف لئن علم كذا ليعلمنه أو ليخبرنه فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا بر ولو علماه جميعا لم يبر حتى يعلمه، لان علمهما مختلف. واتفق مالك والشافعي وأهل الكوفة أن الاخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه. وقال الكوفيون الا أن يكون رجل أصمت أياما فكتب لم يجز من ذلك شئ. قال الطحاوي، الاخرس مخالف للصمت العارض، كما أن العجز عن الجماع

العارض لمرض ونحوه يوما أو نحوه مخالف للعجز المأيوس منه الجماع نحو الجنون في باب خيار المرأة في الفرقة واتفق أكثر أصحابنا على أنه إذا حلف ألا يكلمه فأرسل إليه رسولا أو كتب إليه حنث، الا إذا أراد لا يشافهه وقد روى الاثرم وغيره عن أحمد في رجل حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه كتابا. قال وأى شئ كان سبب ذلك انما ينظر إلى سبب يمينه ولم حلف؟ ان الكتاب قد يجرى مجرى الكلام، والكتاب قد يكون بمنزلة الكلام في بعض الحالات الا أن يكون قاصدا هجرانه وترك صلته والا لم يحنث بكتاب ولا رسول لان ذلك ليس بتكلم في الحقيقة، وهذا يصح نفيه، فيقال ما كلمته وانما كاتبته أو راسلته، ولذلك قال تعالى (تلك الرسل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ الله) وقال (يا موسى ان اصطفتيك على الناس برسالاتى وبكلامي) وقال (وكلم الله موسى تكليما) ولو كانت الرسالة تكليما لشارك موسى غيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله ونجيه وقد قال أحمد حين مات بشر الحافي، لقد كان فيه أنس وما كلمته قط، وكانت بينهما مراسلة. وممن قال لا يحنث بهذا الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر والشافعي في الجديد واحتجوا جميعا بقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى) فاستثنى الرسول من التكلم، والاصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، ولانه وضع لافهام الآدميين أشبه الخطاب، والصحيح أن هذا ليس بتكلم، وهذا الاستثناء من غير الجنس كما قال في الاية الاخرى (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) والرمز ليس بتكلم، لكن ان نوى ترك مواصلته أو كان سبب يمينه يقتضى هجرانه حنث لذلك. ولذلك قال أحمد وغيره، ان الكتاب ينزل منزلة الكلام فلم يجعلوه كلاما، انما قالوا هو بمنزلته في بعض الحالات

(فرع) إذا كلم غير المحلوف عليه بقصد إسماع المحلوف عليه فإنه يحنث. وبهذا قال أحمد، لانه قد أراد تكليمه، ويرد عليه ماروينا عن أبى بكرة رضى الله عنه أنه كان قد حلف ألا يكلم أخاه زيادا، فلما أراد زياد الحج جاء أبو بكرة إلى قصر زياد فدخل فأخذ بنيا لزياد صغيرا في حجره ثم قال: يا أبن أخى إن أباك يريد الحج ولعله يمر بالمدينة فيدخل على أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا النسب الذي أدعاه - وهو يعلم أنه ليس بصحيح - وأن هذا لا يحل له، ثم قام فخرج وهذا يدل على أنه لم يعتقد ذلك تكليما. ووجه الاول أنه أسمعه كلامه قاصدا لاسماعه فأشبه ما لو خاطبه كما قال الشاعر اياك أعنى فاسمعي يا جارة فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث، وقد سئل أحمد عن رجل حلف ألا يكلم فلانا، فناداه والمحلوف عليه لا يسمع قال " يحنث " لانه قد أراد تكليمه، وهذا لكون ذلك يسمى تكليما، يقال كلمته فلم يسمع، وان كان ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو أصم لا يعلم بتكليمه اياه لم يحنث

_ (1) زياد بن أبيه استلحقه معاوية بأبي سفيان بن حرب فدعى زياد بن أبي سفيان، وقد كانت أمهما - هو وأخوه أبو بكرة - سمية، جارية مهداة من النعمان بن المنذر ملك الحيرة إلى الطبيب العربي الحارث بن كلدة، وكان أبو سفيان يستريح عندها لدى مروره بالطائف ويقال انه سفح بها فأعقبت زيادا وأبو سفيان هو أبو أم المؤمنين أم حبيبه، وادعاه زياد النسب يجعله أخا لام حبيبة، الامر الذي تستنكره حتى لا يقوى على مواجهتها فيدخل بيتها بهذا النسب الزائف

وقال بعض أصحاب أحمد كالقاضي أبى بكر: إنه يحنث بنداء الميت، لان النبي صلى الله عليه وسلم كلهم وناداهم وقال " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ". ويرد على هذا قوله تعالى " وما أنت يسمع من في القبور " ولانه قد بطلت حواسه وذهبت نفسه، فكان أبعد من السماع من الغائب البعيد لبقاء الحواس في حقه، وإنما كان ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرأ اختص به فلا يقاس عليه غيره. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن حلف لا يسلم على فلان فسلم على قوم هو فيهم ونوى السلام على جميعهم حنث، لانه سلم عليه، وإن استثناه بقلبه لم يحنث لان اللفظ، وان كان عاما إلا أنه يحتمل التخصيص فجاز تخصيصه بالنية، وإن أطلق السلام من غيرنية ففيه قولان. (أحدهما) أنه يحنث لانه سلم عليهم، فدخل كل واحد منهم فيه. (والثاني) أنه لا يحنث لان اليمين يحمل على المتعارف، ولايقال في العرف لمن سلم على الجماعة وفيهم فلان: إنه كلم فلانا وسلم على فلان، وإن حلف لايدخل على فلان في بيت فدخل على جماعة في بيت هو فيهم - ولم يستثنه بقلبه - حنث بدخوله عليهم، وان استثنى بقلبه عليهم ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحنث كما لو حلف لا يسلم عليه فسلم عليهم واستثناه بقلبه (والثاني) أنه يحنث لان الدخول فعل لا يتميز فلا يصح تخصيصه بالاستثناء، والسلام قول فجاز تخصيصه بالاستثناء، ولهذا لو قال سلام عليكم إلا على فلان صح، وإن قال دخلت عليكم إلا على فلان لم يصح. (فصل) وإن حلف لا يصوم أو لا يصلى فدخل فيهما حنث، لانه بالدخول فيهما سمى صائما ومصليا، وان حلف لايبع أو لا يتزوج أو لا يهب لم يحنث إلا بالايجاب والقبول ومن أصحابنا من قال يحنث في الهبة بالايجاب من غير قبول، لانه يقال

وهب له ولم يقبل، والصحيح هو الاول، لان الهبة عقدتمليك فلم يحنث فيه من غير ايجاب وقبول كالبيع والنكاح ولا يحنث الا بالصحيح، فأما إذا باع بيعا فاسدا أو نكاح نكاحا فاسدا أو وهب هبة فاسدة لم يحنث، لان هذه العقود لا تطلق في العرف والشرع إلا على الصحيح. (الشرح) إذا حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه أو لا يسلم عليه فسلم على جماعة هو فيهم حنث لان السلام كلام تبطل الصلاة به، فإن قصد المحلوف عليه مع الجماعة حنث لانه كلمه، وان قصدهم دونه لم يحنث، وهو مذهب أحمد رضى الله عنه لان اللفظ العام يحتمل التخصيص، فإن أطلق السلام من غيرنية ففيه قولان (أحدهما) يحنث، وبه قال الحسن وأبو عبيد ومالك وأبو حنيفة وأحمد لانه مكلم لجميعهم، لان مقتضى اللفظ العموم فيحمل على مقتضاه عند الاطلاق (والثاني) لا يحنث، لان العام يصلح للخصوص فلا يحنث بالاحتمال، ووجه القول الاول أن هذا الاحتمال مرجوح فيتعين العمل بالراجح، كما احتمل اللفظ المجاز الذى ليس بمشتهر، فإنه لايمنع حمله على الحقيقة عند الاطلاق، فإن لم يعلم أن المحلوف عليه فيهم ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث، لانه لم يرده فأشبه مالو استثناه، وهو احدى الروايتين عن أحمد (والثاني) يحنث لانه قد أرادهم بسلامه، وهو منهم وهذا بمنزلة الناسي. (فرع) إذا صلى بالمحلوف عليه اماما ثم سلم من الصلاة حنث، لانه شرع له أن ينوى السلام على الحاضرين، وقال أحمد وأبو حنيفة لا يحنث، لانه قول مشروع في الصلاة فلم يحنث به كتكبيرها وليست نية الحاضرين بسلامة واجبة في السلام وان أرتج عليه في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث لان ذلك كلام الله وليس بكلام الآدميين. (مسألة) إذا حلف لا يتكلم فقرأ لم يحنث، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قرأ في الصلاة لم يحنث، وان قرأ خارجا منها حنث لانه يتكلم بكلام الله، وان ذكر الله تعالى لم يحنث، ومقتضى مذهب أبى حنيفة أنه يحنث لانه كلام، قال تعالى " وألزمهم كلمة التقوى ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الكلام أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أكبر " وقال " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم " دليلنا أن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين، ولهذا لما قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ اللَّهَ يحدث عن أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لا تكلموا في الصلاة " لم يتناول المختلف فيه. وقال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت " وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، وقال تعالى " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أياما إلا رمزا، واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والابكار " فأمره بالتسبيح مع قطع الكلام عنه، ولان ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالاشارة، وما ذكروه يبطل بالقراءة والتسبيح في الصلاة، وذكر الله المشروع فيها، وان استأذن عليه إنسان فقال (ادخلوها بسلام آمنين) يقصد القرآن لم يحنث وان قصد التعبير بالآية عن الاذن حنث. (فرع) إذا حلف لايدخل على فلان فدخل على جماعة هو فيهم يقصد الدخول عليه معهم حنث، وان استثناه بقلبه ففيه وجهان. (أحدهما) يحنث لان الدخول فعل لا يتميز فلا يصح تخصيصه بالقصد، وقد وجد في حق الكل على السواء وهو فيهم فحنث به كما لو لم يقصد استثناءه، وفارق السلام فإنه قول يصح تخصيصه بالقصد، ولهذا يصح أن يقال: السلام عليكم الا فلانا، ولا يصح أن يقال: دخلت عليكم الا فلانا، ولان السلام قول يتناول ما يتناوله الضمير في عليكم، والضمير يصح أن يراد به الخاص، فصح أن يراد به من سواها، والفعل لا يتأتى هذا فيه، وان دخل بيتا لا يعلم أنه فيه فوجده فيه فهو كالدخول عليها ناسيا. (والثاني) لا يحنث كما لو حلف أن يسلم عليه فسلم على جماعة هو فيهم يقصد بقلبه السلام على غيره، فإن قلنا، لا يحنث بذلك فخرج جبن علم بها لم يحنث، وكذلك ان حلف لايدخل عليها فدخلت هي عليه فخرج في الحال

لم يحنث، وإن أقام فهل يحنث؟ على وجهين بناء على من حلف لايدخل دارا هو فيها فاستدام المقام بها فهل يحنث؟ وجهين (مسألة) كل عمل يتوقف حدوثه على شخص الحالف حنث بفعله له كالصلاة والصوم، أما إذا كان العمل لا يتحقق تنفيذه إلا بشخصين كطرفي التعاقد في البيع والشراء والزواج والهبة والعمرى والرقبي، فإنه لا يحنث إلا بالايجاب والقبول، فإن حلف لا يبيع فباع بيعا فيه الخيار ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لانه بيع شرعى صحيح فيحنث به كالبيع اللازم، لان بيع الخيار يثبت الملك به بعد الخيار بالاتفاق وهو سبب له. وهذا هو قول أحمد وأصحابه (والثاني) لا يحنث لان الملك لا يثبت في مدة الخيار فأشبه البيع الفاسد وهذا هو قول أبي حنيفة فإن حلف لا يبيع أو لا يتزوج، فأوجب البيع والنكاح ولم يقبل المزوج والمشتري لم يحنث، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، ولا نعلم فيه خلافا، لان البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول، فلم يقع الاسم على الايجاب بدونه، فلم يحنث به. وإن حلف لا يهب ولا يعير فأوجب ذلك ولم يقبل الآخر، فقال القاضى من الحنابلة وأبو حنيفة وأبو العباس بن سريح من أصحابنا " يحنث " لان الهبة والعارية لاعوض فيهما فكان مسماهما الايجاب، والقبول شرط لنقل الملك وليس هو من السبب فيحنث بمجرد الايجاب فيهما كالوصية، والمذهب عندنا وهو ما صححه المصنف أنه لا يحنث بمجرد الايجاب لانه عقد لايتم إلا بالقبول فلم يحنث فيه بمجرد الايجاب كالنكاح والبيع (فرع) إذا حلف لا يتزوج حنث بمجرد الايجاب والقبول الصحيح، لا نعلم فيه خلافا لان ذلك يحصل به المسمى الشرعي فتناولته يمينه، وإن حلف ليتزوجن بر بذلك، سواء كانت له امرأة أو لم يكن، وسواء تزوج نظيرتها أو دونها أو أعلى منها. إذا ثبت هذا فإنه لا يحنث بالنكاح الفاسد ولا يحنث بالبيع الفاسد، وقد روى عن أحمد في البيع الفاسد روايتان، والماضي والمستقبل في ذلك سواء إلا عند محمد بن الحسن فإنه قال، إذا حلف ما صليت ولا تزوجت ولا بعت وكان قد فعله فاسدا حنث لان الماضي لا يقصد منه إلا الاسم، والاسم يتناوله

والمستقبل بخلافه فإنه يراد بالنكاح والبيع الملك وبالصلاة القربة. ودليلنا أن ما لا يتناوله الاسم في المستقبل لا يتناوله في الماضي كالايجاب وغير المسمى، وما ذكروه لا يصح لان الاسم لا يتناول الا الشرعي (فرع) الوصيه قد يتبادر إلى الخاطر أنها تنزل منزلة الهبة والبيع وما فيه إيجاب وقبول فإننا قد علمنا قول المذهب في الهبة ولكن الوصية يقع عليها الاسم بدون القبول، ولهذا لما قال الله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين " انما أراد الايجاب دون القبول، ولان الوصية صحيحة قبل موت الموصى ولا قبول لها حينئذ، وإذا كان الشافعي رضى الله عنه يقول " إذا صح الحديث فهو مذهبي " فإنه - لاشك - أن مذهبه في الوصية هو ما ذهبنا إليه المفهوم من الآية بناء على أصله وإذا حلف لا يهب له فأهدى إليه أو أعمره حنث وان أعطاه من الصدقة الواجبة أو نذر كفارة حنث. ولاصحاب أحمد قولان (أحدهما) لا يحنث. وهو قول أصحاب الرأى لانهما يختلفان اسما فاختلفا حكما، بِدَلِيلِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " هو عليه صدقة ولنا هدية " وكانت الصدقة محرمة عليه والهدية حلال له، وكان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة: فمع هذا الاختلاف لا يحنث في أحدهما بفعل الآخر. دليلنا أنه تبرع بعين في الحياة فحنث به كالهدية، ولان الصدقة تسمى هبة فلو تصدق بدينار قيل وهب دينارا وتبرع بدينار. واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فيختص باسم دونها، كاختصاص الهدية والعمرى بإسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة. وكذلك اختلاف الاحكام فإنه قد يثبت للنوع ما لا يثبت للجنس، كما يثبت للآدمي من الاحكام ما لا يثبت لمطلق الحيوان فإن وصى له لم يحنث، لان الهبة تمليك في الحياة، والوصية انما تملك بالقبول بعد الموت، فإن أعاره لم يحنث لان الهبة تمليك الاعيان وليس في العارية تمليك عين ولان المستعير لا يملك المنفعة وانما يستبيحها، ولهذا يملك المعير الرجوع فيها، ولا يملك المستعير اجارتها ولا اعارتها. (مسألة) إذا حلف لاصليت صلاة حنث بتكبيرة الاحرام وفي الصيام حنث

بطلوع الفجر إذا نوى الصيام، ووافقنا أبو حنيفة في الصيام. وقال في الصلاة لا يحنث حتى يسجد سجدة. وقال أحمد لا يحنث حتى يكمل الصلاة. وقال ابن قدامة يسمى مصليا بدخوله في الصلاة، ولانه شرع فيما حلف عليه، فوافقنا في الصلاة والصوم، وقال أبو الخطاب يحنث إذا صلى ركعة، وفي الصوم يوما كاملا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال والله لاتسريت ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يحنث بوطئ الجارية، لانه قد قبل إن التسرى مشتق من السراة، وهو الظهر، فيصير كأنه حلف لا يتخذها ظهرا، والجارية لا يتخذها ظهرا إلا باوطئ - وقد قيل إنه مشتق من السر وهو الوطئ، فصار كما لو حلف لا يطؤها (والثاني) أنه لا يحنث الا بالتحصين عن العيون والوطئ، لانه مشتق من السر، فكأنه حلف لا يتخذها أسرى الجوارى. وهذا لا يحصل الا بالتحصين والوطئ (والثالث) أنه لا يحنث الا بالتحصين والوطئ والانزال، لان التسرى في العرف اتخاذ الجارية لابتغاء الولد، ولا يحصل ذلك إلا بما ذكرناه (فصل) وإن حلف أنه لامال له وله دين حال حنث، لان الدين الحال مال، بدليل أنه تجب فيه الزكاة ويملك أخذه إذا شاء، فهو كالعين في يد المودع، وان كان له دين مؤجل ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه لا يستحق قبضه في الحال (والثاني) أنه يحنث لانه يملك الحوالة به والابراء عنه، وان كان له مال مغصوب حنث لانه على ملكه وتصرفه، وان كان له مال ضال ففيه وجهان (أحدهما) يحنث، لان الاصل بقاؤه (والثاني) لا يحنث، لانه لا يعلم بقاءه فلا يحنث بالشك. (فصل) وان حلف أنه لا يملك عبدا وله مكاتب فالمنصوص أنه لا يحنث. وقال في الام: ولو ذهب ذاهب إلى أنه عبدا ما بقى عليه درهم، فإنما يعنى أنه عبد في حال دون حال، لانه لو كان عبدا له لكان مسلطا على بيعه وأخذ كسبه، فمن أصحابنا من جعل ذلك قولا آخر.

وقال أبو على الطبري رحمه الله: إنه لا يحنث قولا واحدا، وإنما ألزم الشافعي رحمه الله نفسه شيئا وانفصل عنه فلا يجعل ذلك قولا له. (فصل) وان حلف لا يرفع منكرا إلى فلان القاضى أو إلى هذا القاضى ولم ينو أنه لا يرفعه إليه وهو قاض فرفعه إليه بعد العزل ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحنث لانه شرط أن يكون قاضيا فلم يحنث بعد العزل. كما لو حلف لا يأكل هذه الحنطة فأكلها بعد ما صارت دقيقا (والثاني) أنه يحنث لانه علق اليمين على عينه فكان ذكر القضاء تعريفا لا شرطا، كما لو حلف لايدخل دار زيد هذه فدخلها بعد ما باعها زيد. وإن حلف لا يرفع منكرا إلى قاض حنث بالرفع إلى كل قاض لعموم اللفظ، وإن حلف لا يرفع منكرا إلى القاضى لم يحنث إلا بالرفع إلى قاضى البلد، لان التعريف بالالف واللام يرجع إليه، فإن كان في البلد قاض عند اليمين فعزل وولى غيره فرفع إليه حنث. (الشرح) قال في اللسان: السرية الجارية المتخذة للملك والجماع فعلية منه على تغير النسب. وقيل هي فعولة من السرو وقلبت الواو الاخيرة ياء طلب الخفة، ثم أدغمت الواو فيها فصارت ياء مثلها، ثم حولت الضمة كسرة لمجاورة الياء، وقد تسررت وتسريت على تحويل التضعيف. وقال أبو الهيثم. السر الزنا والسر الجماع. واختلف أهل اللغة في الجارية التى يتسراها مالكها لم سميت سرية، فقال بعضهم نسبت إلى السر وهو الجماع، وضمت السين للفرق بين الحرة والامة توطأ فيقال للحرة إذا نكحت سرا أو كانت فاجرة سرية، وللملوكة يتسراها صاحبها سرية مخافة اللبس. وقال أبو الهيثم: السر السرور فسميت الجارية سرية لانها موضع سرور الرجل. وقال وهذا أحسن ما قيل فيها. وقال الليث: السرية فعلية من قولك تسررت. ومن قال لتسريت فإنه غلط.

قال الازهرى: هو الصواب، والاصل تسررت، ولكن لما توالت ثلاث راءات أبدلوا إحداهن ياء، كما قالوا تظنيت من الظن، وقصيت أظفاري والاصل قصصت، وإنما ضمت سينه. لان الا بينة قد تغير في النسبة خاصة، كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى الارض السهلة سهلى، والجمع السرارى وفي حديث عائشة وذكر لها المتعة فقالت " والله مانجد في كتاب الله إلا النكاح والاستسرار " تريد اتخاذ السرارى، وكان القياس الاستسراء من تسريت إذا إتخذت سرية، لكنها ردت الحرف إلى الاصل، وهو تسررت من السر النكاح وهو السرور، فأبدلت إحدى الراءات ياء وفي حديث سلامة: فاسترني أي اتخذني سرية، والقياس أن تقول. تسررنى أو تسرانى، فأما استسرني فمعناه ألقى إلى سره. وأما قول المصنف من الظهر فعلى وجهه ولم أره في اللسان أما الاحكام فإنه إذا حلف لاتسريت ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) حنث بوطئ الجارية، وبه قال أبو الخطاب من أصحاب أحمد (والثاني) لا يحنث إلا بتحصينها وحجبها عن الناس، لان التسرى مأخوذ من الصر، وبه قال أبو حنيفة. والوجه الثالث لا يحنث إلا بالتحصين والوطئ والانزال. وقال القاضي من أصحاب أحمد: لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا ووجه الاول أنه مأخوذ من السر - ويؤخذ على المصنف التعبير عن هذا الوجه بقيل، مع أنه أحرى من الظهر. قال تعالى " ولكن لا تواعدوهن سرا " وقال الشاعر: فلن تطلبوا سرها للغنى ولن تسلموها لازدهادها وقال آخر: ألا زعمت بسباسة اليوم اننى كبرت وألا يحسن السر أمثالى (مسألة) إذا حلف ألا مال له وله دين حال حنث لوجوب الزكاة فيه،

وهو قول الحنابلة ومالك. وقال أبو ثور وأصحاب الرأى لا يحنث، كما لو قضاء دينه فجاءت النقود زيوفا وجملة ذلك أنه إذا حلف لا يملك مالا حنث يملك كل ما يسمى مالا، سواء كان من الاثمان أو غيرها من العقار والاثاث والحيوان. وعن أحمد أنه إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله، ذكرها ابن أبي موسى: لان إطلاق المال ينصرف إليه وقال أبو حنيفة: لا يحنث إلا ان ملك مالا زكويا استحسانا. لان الله تعالى قال " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " فلم يتناول الا الزكوية ولنا أن غير الزكوية أموال: قال الله تعالى أن تبتغوا بأموالكم " وهى مما يجوز ابتغاء النكاح بها. وقال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم: أن أحب أموالي إلى بنيرحاء. يعنى حديقة. وقال عمر: أصبت مالا بأرض خبير لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ. وقال أبو قتادة اشتريت مخرفا فكان أول مال تأثلته وفي الحديث " خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة " ويقال " خير المال عين قرارة في أرض خوارة " ولانه يسمى مالا فحنث به كالزكوي. وأما قوله " وفي أموالهم حق " فالحق ههنا غير الزكاة: لان هذه الآية مكية نزلت قبل فرض الزكاة فإن الزكاة انما فرضت بالمدينة ثم لو كان الحق الزكاة فلا حجة فيها، فإن الحق إذا كان في بعض المال فهو في المال، كما أن من هو في بيت من دار أو في بلدة فهو في الدار والبلدة. قال تعالى " وفي السماء رزقكم وما توعدون ولا يلزم أن يكون في كل أقطارها. ثم لو اقتضى هذا العموم لوجب تخصيصه: فإن ما دون النصاب مال ولا زكاة فيه. فإن حلف لامال له وله دين حنث وقال أبو حنيفة لا يحنث لانه لا ينتفع به دليلنا أنه ينعقد عليه حول الزكاة ويصح اخراجها عنه ويصح التصرف فيه بالابراء والحوالة والمعاوضة عنه لمن هو في ذمته والتوكيل في استيفائه فيحنث به كالمودع (فرع) ان كان له مال مغصوب حنث لانه باق على ملكه، فإن كان له مال ضائع أو ضال ففيه، جهان (أحدهما) يحنث، لان الاصل بقاؤه على ملكه

(والثاني) لا يحنث لانه لا يعلم بقاؤه. وإن ضاع على وجه قد يئس من عوده كالذي يسقط في بحر لم يحنث، لان وجوده كعدمه، ويحتمل ألا يحنث في كل مال لا يقدر على أخذه كالمجحود والمغصوب والذي على غير ملئ لانه لانفع فيه وحكمه حكم المعدوم في جواز الاخذ من الزكاة، وانتفاء وجوب أدائها. وقد مضى في الزكاة للامام النووي مزيد بحث وتفصيل (فرع) إذا تزوج لم يحنث لان ما يملكه ليس مالا، وإن وجب له حق شفعة لم يحنث لانه لم يثبت له الملك به. وإن استأجر عقارا أو غيره لم يحنث لانه لا يسمى مالك لمال، وما بقى من الفصول فعلى وجهه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن حلف لا يكلم فلانا حينا أو دهرا أو حقبا أو زمانا بر بأدنى زمان، لانه اسم للوقت، ويقع على القليل والكثير، وإن حلف لا يكلمه مدة قريبة أو مدة بعيدة بر بأدنى مدة، لانه ما من مدة إلا وهى قريبة بالاضافة إلى ما هو أبعد منها، بعيدة بالاضافة إلى ما هو أقرب منها (فصل) وان حلف لا يستخدم فلانا فخدمه وهو ساكت لم يحنث، لانه حلف على فعله وهو طلب الخدمة ولم يوجد ذلك منه، وإن حلف لا يتزوج أو لا يطلق فأمر غيره حتى تزوج له أو طلق عنه لم يحنث، لانه حلف على فعله نفسه ولم يفعل. وإن حلف لا يبيع أو لا يضرب فأمر غيره ففعل - فإن كان ممن يتولى ذلك بنفسه - لم يحنث لما ذكرناه، وإن كان ممن لا يتولى ذلك بنفسه كالسلطان فالمنصوص أنه لا يحنث. وقال الربيع: فيه قول أخر أنه يحنث، ووجه أن العرف في حقه أن يفعل ذلك عنه بأمره، واليمين يحمل على العرف، ولهذا لو حلف لا يأكل الرؤوس حملت على رءوس الانعام، والصحيح هو الاول، لان اليمين على فعله والحقيقة لا تنتقل بعادة الحالف، ولهذا لو حلف السلطان أنه لا يأكل الخبز أو لا يلبس الثوب فأكل خبز الذرة ولبس عباءة حنث. وإن لم يكن ذلك من عادته

وإن حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه ففيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين كالبيع والضرب في حق من يتولاه بنفسه (والثاني) أنه يحنث قولا واحدا، لان العرف في الحلق في حق كل أحد أن يفعله غيره بأمره ثم يضاف الفعل إلى المحلوق. (فصل) وإن حلف لايدخل دارين فدخل احداهما، أو لا يأكل رغيفين فأكل أحدهما، أو لا يأكل رغيفا فأكله الا لقمة، أولايأكل رمانة فأكلها الا حبة، أو لا يشرب ماء حب فشربه الا جرعة: لم يحنث لانه لم يفعل المحلوف عليه. وان حلف لا يشرب ماء هذا النهر أو ماء هذه البئر ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس أنه يحنث بشرب بعضها، لانه يستحيل شرب جميعه فانعقدت اليمين على مالا يستحيل وهو شرب البعض (والثاني) وهو قول أبى أسحاق أنه لا يحنث بشرب بعضه لانه حلف على شرب جميعه فلم يحنث بشرب بعضه، كما لو حلف على شرب ماء في الحب (فصل) وان حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد وعمرو لم يحنث لانه ليس فيه شئ يمكن أن يشار إليه ان اشتراه زيد دون عمرو فلم يحنث وان اشترى كل واحد منهما طعاما ثم خلطاه فأكل منه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يحنث لانه ليس فيه شئ يمكن أن يقال هذا الطعام اشتراه زيد دون عمرو، فلم يحنث، كما لو اشترياه في صفقة واحدة (والثاني) أنه ان أكل النصف فما دونه لم يحنث، وان أكل أكثر من النصف حنث، لان النصف فما دونه يمكن أن يكون مما اشتراه عمرو فلم يحنث بالشك. وفيما زاد يتحقق أنه أكل مما اشتراه زيد (والثالث) وهو قول أبى اسحاق أنه ان أكل الحبة والعشرين حبة لم يحنث لجواز أن يكون مما اشتراه عمرو، وان أكل الكف والكفين حنث، لانه يستحيل فيما يختلط أن يتميز في الكف والكفين ما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو (فصل) وان حلف لا يدخل دار زيد فحمله غيره باختياره فدخل به حنث لان الدخول ينسب إليه كما ينسب إذا دخلها راكبا على البهيمة أو دخلها برجله

فإن دخلها ناسيا لليمين أو جاهلا بالدار، أو أكره حتى دخلها ففيه قولان (أحدهما) يحنث لانه فعل ما حلف عليه فحنث (والثاني) لا يحنث وهو الصحيح لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " ولان حال النسيان والجهل، والاكراه لايدخل في اليمين كما لايدخل في الامر والنهى في خطاب الله عز وجل وخطاب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَا لم يدخل في اليمين لم يحنث به، وإن حمله غيره مكرها حتى دخل به ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، كما لو أكره حتى دخلها بنفسه، لانه لما كان في حال الاختيار دخوله بنفسه ودخوله محمولا واحدا، وجب أن يكون في حال الاكراه دخوله بنفسه ودخوله محمولا واحدا ومنهم من قال لا يحنث قولا واحدا، لان الفعل إنما ينسب إليه، إما بفعله حقيقة أو بفعل غيره بأمره مجازا، وههنا لم يوجد واحد منهما فلم يحنث (الشرح) الحين الوقت، والدهر الامد الممدود، وقيل الدهر ألف سنة، قال ابن سيدة: وقد حكى فيه الدهر بفتح الهاء، فإما أن يكون الدهر والدهر لغتين كما ذهب إليه البصريون في هذا النحو فيقتصر على ما سمع منه، وإما أن يكون ذلك لمكان حروف الحق فيطرد في كل شئ، كما ذهب إليه الكوفيون قال أبو النجم: وجبلا طال معدا فاشمخر أشم لايسطيعه الناس الدهر قال ابن سيده: وجمع الدهر دهر ودهور. وكذلك جمع الدهر، لانا لم نسمع أدهارا، ولاسمعنا فيه جمعا الا ما قدمنا من جمع دهر دهر. فأما قوله صلى الله عليه وسلم " لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " فمعناه أن ما أصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر، فإذا شتمث به الدهر فكأنك أردت به الله. قال الجوهرى: لانهم كانوا يضيفون النوازل إلى الدهر، فقيل لهم " لاتسبوا فاعل ذلك بكم فإن ذلك هو الله تعالى، وفي رواية " فإن الدهر هو الله تعالى "

قال الازهرى، قال أبو عبيد قوله " فإن الله هو الدهر " مما لا ينبغى لاحد من أهل الاسلام أن يجهل وجهه، وذلك أن المعطلة يحتجون به على المسلمين، قال ورأيت بعض من يتهم بالزندقة أو الدهرية يحتج بهذا الحديث وقول، ألا تراه يقول فإن الله هو الدهر؟ قال فقلت وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر وقد قال الاعشى في الجاهلية استأثر الله بالوفاء وبال محمد وول الملامة الرجلا وقال الازهرى، قال الشافعي الحين يقع على مدة الدينا: ويوم قال ونحن لا نعلم للحين غاية، وكذلك زمان ودهر وأحقاب. ذكر هذا في كتاب الايمان حكاه المزني في مختصره عنه. وقال شمر الزمان والدهر واحد وأنشد إن دهرا يلف حبلى بجمل لزمان يهم بالاحسان فعارض شمرا خالد بن يزيد وخطأه في قوله " الزمان والدهر واحد " وقال الزمان زمان الرطب والفاكهة وزمان الحر وزمان البرد، ويكون الزمان شهرين إلى ستة أشهر والدهر لا ينقطع. قال الازهرى يقع عند العرب على بعض الدهر الاطول، ويقع على مدة الدنيا كلها. قال وقد سمعت غير واحد من العرب يقول أقمنا على ماء كذا وكذا دهرا، دارنا التي حللنا بها تحملنا دهرا، وإذا كان هذا هكذا جاز أن يقال الزمان والدهر واحد في معنى، قال والسنة عند العرب أزمنة، ربيع وقيظ وخريف وشتاء، ولايجوز أن يقال الدهر أربعة أزمنة، فهما يفترقان وروى الازهرى بسنده عن أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال " ألا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض السنة إثنا عشر شهرا أربعة منها حرم، ثلاثة منها متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مفرد " قال الازهرى أراد بالزمان الدهر. وقوله " ماء حب " الحب الخابية فارسي معرب وهو السرداب أما الاحكام فإنه إذا حلف ألا يكلمه حينا فإنه يبر بأدنى زمن، لانه لاقدر له، ولانه اسم مبهم يقع على القليل والكثير. قال تعالى " ولتعلن نبأه بعد حين "

قيل أراد يوم القيامة. وقال (هل أتى على الانسان حين من الدهر؟) وقال تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين) وقال (حين تمسون وحين تصبحون) ويقال منذ حين وإن كان أتاه من ساعة. وبهذا قال أبو ثور وقال أحمد: إذا حلف لا يكلمه حينا - فإن قيد ذلك بلفظه أو بنيته بزمن - تقيد به. وإن أطلقه انصرف إلى ستة أشهر. روى ذلك عن أبن عباس، وهو قول أصحاب الرأى. وقال مجاهد والحكم وحماد ومالك " هو سنة " لقوله تعالى (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها) أي كل عام وقال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيد في قوله تعالى " تؤتى أكلها كل حين " إنه ستة أشهر، فيحمل مطلق كلام الآدمى على مطلق كلام الله تعالى. فإن حلف لا يكلمه حقبا، فإنه ينصرف إلى أدنى زمان كالحين، وبه قال القاضي من أصحاب أحمد. وقال أكثر أصحابه وفيهم ابن قدامة: إن حلف لا يكلمه حقبا فذلك ثمانون عاما، لما روى عن أبن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " الحقب ثمانون سنة. وفي قوله تعالى عن موسى " أو أمضى حقبا " ما يجعل كونه ثمانين سنة بعيدا لان موسى لم يعس بعد هذا مثل هذا القدر، فضلا عن مضاعفته أضعافا كثيرة " حقبا " إذا ثبت هذا فإنه إذا حلف لا يكلمه زمنا أو وقتا أو دهرا أو عمرا أو مليا أو طويلا أو بعيدا أو قريبا بر بالقليل والكثير. وبه قال أبو الخطاب من الحنابلة لان هذه الاسماء لاحد لها في اللغة، وتقع على القليل والكثير، فوجب حمله على أقل ما يتناوله اسمه، وقد يكون التقريب بعيدا بالنسبة لما هو أقرب منه، وقريبا بالنسبة لما هو أبعد منه، ولايجوز التحديد بالتحكم، وإنما يصار إليه بالتوقيف ولا توقيف ههنا، فيجب حمله على اليقين وهو أقل ما يتناوله الاسم. وقال ابن أبى موسى: الزمان ثلاثة أشهر. وقال طلحة العاقولي: الحين والزمان والعمر واحد، لانهم لا يفرقون في العادة بينهما، والناس يقصدون بذلك التبعيد فلو حمل على القليل حمل على خلاف قصد الحالف

وقال في بعيد وملى وطويل: هو أكثر من شهر، وهذا قول أبي حنيفة: لان ذلك ضد القليل قال: ولايجوز حمله على ضده، ولو حمل العمر على أربعين سنة كان حسنا لقوله تعالى مخبرا عن نبيه " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله " وكان أربعين سنة ولان العمر في الغالب لا يكون إلا مدة طويلة فلا يحمل على خلاف ذلك (فرع) إذا حلف لا يكلمه الدهر أو الابد أو الزمان كذلك على الابد، لان ذلك بالالف واللام وهى للاستغراق فتقتضى الدهر كله. (مسألة) إذا حلف لا يستخدم فلانا فخدمه وهو ساكت لم يأمره ولم ينهه لم يحنث، لانه حلف على فعل نفسه، ولا يحنث على فعل غيره كسائر الافعال، وقال أبو حنيفة: إذا كان خادمه حنث، وإن كان خادم غيره لم يحنث، وبه قال القاضى من أصحاب أحمد، لان خادمه يخدمه بحكم استحقاقه ذلك عليه، فيكون معى يمينه، لامنعنك خدمتي، فإذا لم ينهه لم يمنعه فيحنث وخادم غيره بخلافه، وقال أبو الخطاب: يحنث في الحالين لان إقراره على الخدمة استخدام، ولهذا يقال فلان يستخدم عبده إذا خدمه وإن لم يأمره، ولان ما حنث به في خادمه حنث به في غيره كسائر الاشياء. (مسألة) مضى كلامنا فيمن حلف على شيئين أو أكثر ففعل بعض ذلك هل يحنث؟ وشرحنا الخلاف في ذلك كمن حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد وعمرو لا يحنث، وقال أحمد وأبو حنيفة ومالك يحنث، فإن حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث، وبه قال أحمد، وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس من غزلها وغزل غيرها فإنه لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، لانه لم يلبس ثوبا كاملا من غزلها، أما في الطعام فعلى وجهين مضيا في الفصول آنفا. (مسألة) إذا حلف لايدخل دارا فحمل فأدخلها باختياره حنث، فإن لم يكن باختياره ولم يمكنه الامتناع لم يحنث، نص عليه أحمد في رواية أبى طالب، وهو قول أبى ثور وأصحاب الرأى ولا نعلم فيه خلافا، وذلك لان الفعل غير حاصل منه ولا منسوب إليه، وإن حمل بأمره فأدخلها حنث، لانه دخلها مختارا

فأشبه ما لو دخلها راكبا وان حمل بغير أمره ولكنه أمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث أيضا لانه دخلها غير مكره فأشبه ما لو حملها بأمره، فإن أكره بالضرب ونحوه على دخولها فدخلها لم يحنث في أحد القولين عندنا، وهو أحد الوجهين عند أصحاب أحمد. (والقول الثاني) يحنث وهو الوجه الثاني عند الحنابلة، وهو قول أصحاب الرأى ونحوه قول النخعي لانه فعل ما حلف على تركه ودخلها. ووجه الاول قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " ولانه دخلها مكرها فأشبه ما لو حمل مكرها. إذا ثبت هذا: فإنه إذا حلف أن لا يشترى شيئا أو لا يضرب فلانا فوكل في الشراء والضرب، ففي قول أنه يحنث. والصحيح أنه لا يحنث إلا إذا نوى بيمينه أن لا يستنيب أو يكون ممن لم تجر عادته بمباشرته، لان اطلاق أضافة الفعل يقتضى مباشرته بدليل أنه لو وكله في البيع لم يجز للوكيل توكيل غيره، وان حلف لا يبيع ولا يضرب فأمر من فعله - فإن كان ممن يتولى ذلك بنفسه لم يحنث. وان كان ممن لا يتولاه كالسلطان، ففيه قولان. وقال أحمد ومالك وأبو ثور ان حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث الا أن ينوى مباشرته بنفسه. (فرع) ان حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه فقيل لنا فيه قولان، وقيل يحنث قولا واحدا. وقال أصحاب الرأى ان حلف لا يبيع فوكل غيره لم يحنث وان حلف لا يضرب ولا يتزوج فوكل غيره حنث. وقال أحمد: ان الفعل يطلق على من وكل فيه وأمر به فيحنث به كما لو كان ممن لا يتولاه بنفسه وكما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه، أو لا يضرب فأمر من ضرب عند أبى حنيفة، وقد قال تعالى " وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ " وقال " محلقين رؤسكم ومقصرين " وكان هذا متناولا للاستنابة فيه ولان المحلوف عليه وجد نائبه فحنث به كما لو حلف لايدخل دارا فأمر من حمله إليها فإذا نوى بيمينه المباشرة للمحلوف عليه أو كان سبب يمينه يقتضيها أو قرينة حال تخصص بها لان اطلاقه يقيد بنيته.

قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله من الغدير في يمينه، لانه فعل ما حلف على فعله، وان ترك أكله في الغد حتى انقضى حنث لانه فوت المحلوف عليه باختياره، وان أكل نصفه في الغد حنث لانه قدر على أكل الجميع ولم يفعل، وان أكله في يومه حنث لانه فوت المحلوف عليه باختياره فحنث كما لو ترك أكله حتى انقضى الغد، وان حلف الرغيف في يومه أو في الغد قبل أن يتمكن من أكله ففيه قولان كالمكره، وان تلف من الغند بعد ما تمكن من أكله ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يحنث قولا واحدا، لانه فوته باختياره. ومنهم من قال فيه قولان لان جميع العند وقت للاكل فلم يكن تفويته بفعله فإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الشهر مع رأس الشهر فقضاء قبل رؤية الهلال حنث لانه فوت القضاء باختياره، وإن رأى الهلال ومضى زمان أمكنه فيه القضاء فلم يقضه حنث، لانه فوت القضاء باختياره، وان أخذ عند رؤية الهلال في كيله وتأخر الفراغ منه لكثرته لم يحنث، لانه لم يترك القضاء، وان أخر عن أول ليلة الشك ثم بان أنه كان من الشهر ففيه قولان كالناسي والجاهل. وان قال: والله لاقضين حقه إلى شهر رمضان فلم يقضه حتى دخل الشهر حنث، لانه ترك ما حلف على فعله من غير ضرر، وان قال والله لاقضين حقه إلى أول الشهر، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حكمها حكم ما لو قال والله لاقضين حقه إلى رمضان، لان لفظ " إلى " للحد والغاية، وان أخر القضاء حتى دخل الشهر حنث. وقال أبو إسحاق حكمها حكم ما لو قال والله لاقضين حقه عند رأس الشهر وهو ظاهر النص، وان قضاء قبل رؤية الهلال حنث، وان رأى الهلال ومضى وقت يمكن فيه القضاء ثم قضاه حنث، لان " إلى " قد تكون للغاية كقوله عز وجل " ثم أتموا الصيام إلى الليل " وقد تكون بمعنى " مع " كقوله تعالى " من أنصارى إلى الله " والمراد به مع الله: وكقوله عز وجل " وأيديكم إلى المرافق "

والمراد به مع المرافق، فلما احتمل أن تكون للغاية، واحتمل أن تكون للمقارنة لم يجز أن نحنثه بالشك، ويخالف قوله: والله لاقضين حقه إلى رمضان لانه لا يحتمل أن تكون للمقارنة، لانه لا يمكن أن يقارن القضاء في جميع شهر رمضان فجعلناه للغاية. (الشرح) قوله وإن أكله في يومه حنث، وهذا صحيح كمن حلف أن يقضيه حقه في وقت فقضاه قبله فإنه يحنث، لانه ترك ما حلف عليه مختارا فحنث كما لو قضاه بعده، وقال أحمد وأبو حنيفة ومحمد وأبو ثور فيمن قضاه قبله لا يحنث، لان مقتضى هذا اليمين تعجيل القضاء قبل خروج الغد، فإذا قضاه قبله فقد قضى قبل خروج الغد وزاد خيرا. ولنا أنه لا يبرالا إذا قضاه من الغد فلا يبر بقضائه قبله كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجبا، وفرق ابن قدامة بين قضاء الحق وغيره كأكل شئ أو شربه أو بيع شئ أو شرائه أو ضرب خادم ونحوه فمتى عين وقته ولم ينو ما يقتضى تعجليه ولا كان سبب يمينه يقتضيه لم يبر الا بفعله في وقته. (فرع) إذا فعل بعض المحلوف عليه قبل وقته وبضعه في وقته لم يبر: لان اليمين في الاثباث لايبر فيها الا بفعل جميع المحلوف عليه فترك بعضه في وقته كترك جميعه الا أن يصرح ألا يجاوز ذلك الوقت أو يقتضى ذلك سببها. (فرع) إذا حلف ليقضيه دينه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو عند رأس الشهر أو مع رأسه فقضاه عند غروب الشمس من ليلية الشهر بر في يمينه، وان أخر ذلك مع امكانه حنث، وان شرع في عده أو كيله أو وزنه فتأخر القضاء لكثرته لم يحنث، لانه لم يترك القضاء، وكذلك إذا حلف ليأكلن هذا الطعام في هذا الوقت فشرع في أكله فيه فتأخر الفراغ لكثرته لم يحنث، لان أكله كله غير ممكن في هذا الوقت اليسير، فكانت يمينه على الشروع فيه في ذلك الوقت أو على مقارنة فعله لذلك الوقت للعلم بالعجز عن غير ذلك، ومذهب أحمد بن حنبل في هذا كله كمذهبنا. وقوله " إلى الليل " إلى غاية فإذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل

في حكمه، كقولك اشتريت المجموع من الاول إلى الثامن عشر، والمبيع أجزاء المجموع، فإن الثامن عشر داخل فيها، بخلاف قولك اشتريت الفدان إلى الدار، فالدار لا تدخل في المبيع المحدود، إذ ليست من جنسه، فشرط الله تعالى تمام الصوم حتى يتبين الليل كما جوز الاكل حتى يتبين النهار وقوله " إلى المرافق " فقد اختلف الناس في دخول المرافق في التحديد، فقال قوم تدخل لانها من نوع ما قبلها، قاله سيبويه وغيره. وقيل لايدخل المرفقان في الغسل. وهذا خطأ وقال بعضهم إن إلى بمعنى مع، كقولهم " الذود إلى الذود إبل " أي مع الذود وقال تعالى " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " فقالت طائفة من المتأخرين إن إلى هنا بمعنى مع، كقوله تعالى " من أنصارى إلى الله " وأنشد العتبى: يسدون أبواب القباب بضمر إلى عنن مستوثقات الاواصر وقال الحذاق: إلى على بابها وهى تتضمن بالاضافة، أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن كان له على رجل حق فقال له: والله لا فارقتك حتى أستوفى حقي، ففر منه الغريم لم يحنث الحالف، وقال أبو على بن هريرة ففيه قولان كالقولين في المكره، وهذا خطأ، لانه حلف على فعل نفسه ولم يوجد ذلك منه ولو قال والله لا فارقتني حتى أستوفى حقي منك ففارقه الغريم مختارا ذاكرا لليمين حنث الحالف، وان فارقه مكرها أو ناسيا ففيه طريقان، من أصحابنا من قال هي على القولين في المكره والناسى. ومنهم من قال يحنث الحالف قولا واحدا لان الاختيار والقصد يعتبر في فعل الحالف لا في فعل غيره، والصحيح هو الاول، وأنه يعتبر في فعل من حلف على فعله، وان كانت اليمين على فعل الحالف اعتبر الاختيار والقصد في فعله، وان كانت على فعل غيره أعتبر الاختيار والقصد في فعله، وان فارقه الحالف لم يحنث، لان اليمين على فعل الغريم ولم يوجد منه فعل.

وإن حلف لا يفارقه غريمه حتى يستوفى حقه منه ثم أفلس وفارقه لما يعلم من وجوب إنظار المعسر حنث، لانه فعل المحلوف عليه مختارا ذاكرا لليمين فحنث، وإن وجب الفعل بالشرع، كما لو حلف لارددت عليك المغصوب فرده حنث، وإن وجب الرد بالشرع، فإن ألزمه الحاكم مفارقته فعلى قولين (فصل) وإن حلف لا يفارقه حتى يستوفى حقه منه فأحاله على غيره أو أبرأه من الدين أو دفع إليه عوضا عن حقه، حنث في اليمين، لانه لم يستوف حقه. وإن كان حقه دنانير فدفع إليه شيئا على أنه دنانير فخرج نحاسا فعلى القولين في الجاهل. وإن قال من عليه الحق والله لا فارقنك حتى أدفع اليك مالك وكان الحق عينا فوهبنا منه فقبله حنث، لانه فوت الدفع بقبوله، وإن كان دينا فأبرأه منه وقلنا إنه لا يحتاج الابراء إلى القبول على الصحيح من المذهب، فعلى الطريقين فيمن حلف لايدخل الدار فحمل إليها مكرها. (الشرح) إذا قال والله لافارقنك حتى أستوفى حقى منك فهرب منه لم يحنث وبه قال أحمد. وقد ذهب الفقهاء في هذه الصورة إلى عشر مسائل: 1 - أن يفارقه الحالف مختارا فحينث بلا خلاف، سواء أبراه من الحق أو فارقه والحق عليه لانه فارقه قبل استيفاء حقه منه. 2 - فارقه مكرها فينظر - فإن حمل مكرها حتى فرق بينهما لم يحنث، وإن أكره بالضرب والتهديد ففيه طريقان، فمن أصحابنا من قال هي على القولين فيمن حلف لايدخل الدار، فلم يحمل وإنما ضرب حتى دخل على قدميه، وفصل بعض الحنابلة كأبى بكر فقال: يحنث بالضرب والتهديد، وفي الناسي تفصيل 3 - هرب منه العزيم بغير اختياره فإنه لا يحنث، وبهذا قال أحمد في احدى الروايتين عنه ومالك وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأى. وقال أحمد في الرواية الثانية يحنث لان معنى يمينه ألا تحصل بينهما فرقة وقد حصلت دليلنا أنه حلف على فعل نفسه في الفرقة، وما فعل ولا فعل باختياره فلم يحنث كما لو حلف لاقمت فقام غيره

4 - أذن الحالف له في الفرقة ففارقه لا يحنث. وقال الخرقى يحنث. وذلك كمفهوم ابن قدامة، وفهم القاضى من كلامه أنه لا يحنث لانه لم يفعل الفرقة التي حلف أنه لا يفعلها 5 - فارقه من غير اذن ولا هرب على وجه يمكنه ملازمته والمشي معه فلم يفعل فالحكم كالذي قبله. 6 - قضاه قدر حقه ففارقه ظنا منه أنه وفاه فخرج رديئا أو بعضه فيخرج في الحنث قولان بناء على الناسي، ولاحمد روايتين كالقولين (أحدهما) يحنث وهو قول مالك، لانه فارقه قبل استيفاء حقه مختارا (والثاني) لا يحنث، وهو قول أبى ثور وأصحاب الرأى إذا وجدها زيوفا. وان وجد أكثرها نحاسا فإنه يحنث وان وجدها مستحقة فأخذها صاحبها خرج أيضا على القولين في الناسي لانه ظان أنه مستوف حقه فأشبه ما لو وجدها رديئة وقال أبو ثور وأصحاب الرأى: لا يحنث. وإن علم بالحال ففارقه حنث، لانه لم يوفه حقه. 7 - فلفسه الحاكم ففارقه نظرت - فإن ألزمه الحاكم فهو كالمكره، وان لم يلزمه مفارقته لكنه فارقه لعلمه بوجوب مفارقته حنث، لانه فارقه من غير إكراه فحنث، كما لو حلف لا يصلى فوجبت عليه صلاة فصلاها 8 - أحاله الغريم بحقه ففارقه فإنه يحنث، وبهذا قال أحمد وأبو ثور. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يحنث لانه قد برئ إليه منه، ووجه المذهب عندنا انه ما استوفى حقه منه بدليل أنه لم يصل إليه شئ، ولذلك يملك المطالبة به فحنث كما لو لم يحله، فإن ظن أنه قد بر بذلك ففارقه خرج على القولين، والصحيح أنه يحنث لان الجهل بحكم الشرع لا يسقط عنه الحنث: كما لو جهل كون هذه اليمين موجبة للكفارة فأما ان كانت يمينه لا فارقتك ولى قبلك حق فأحاله به ففارقه لم يحنث لانه لم يبق له قبله حق. وان أخذ به ضمينا أو كفيلا أو رهنا ففارقه حنث بلا اشكال لانه يملك مطالبة الغريم. 9 - قضاه عن حقه عوضا عنه ثم فارقه فإنه يحنث لان يمينه على نفس

الحق وهذا بدله، وقال أبو حنيفة وابن حامد: لا يحنث. وإن كانت يمينه لا فارقتك حتى تبرأ من حقي: أولى قبلك حق لم يحنث وجها واحدا، لانه لم يبق له قبله حق. وهذا أحد القولين عند أصحاب أحمد. 10 - وكل وكيلا يستوفى له حقه، فإن فارقه قبل استيفاء أو كيل حنث لانه فارقه قبل استيفاء حقه، وإن استوفى الوكيل ثم فارقه لم يحنث، لان استيفاء وكليه استيفاء له يبرأ به غريمه ويصير في ضمان الموكل (مسألة) إن قال: لا فارقتني حتى أستوفى حقى منك نظرت - فإن فارقه المحلوف عليه مختارا - حنث. وإن أكره على فراقه لم يحنث، وإن فارقه الحالف مختارا لم يحنث كذا وقد مضى. فإن حلف لا فارقتك حتى أوفيك حقك فأبرأه الغريم منه فهل يحنث؟ على قولين بناء على المكره بالضرب، وعند الحنابلة وجهان، وإن كان الحق عينا فوهبها له الغريم فقبلها حنث، لانه ترك إيفاءها له باختياره، وإن قبضها منه ثم وهبها إياه لم يحنث، وان كانت يمينه لا فارقتك ولك قبلى حق لم يحنث إذا أبرأه أو هب العين له. والفرقة في هذا كله ما عده الناس فراقا في العادة، وقد مضى في البيوع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى باب كفارة اليمين إذا حلف بالله تعالى وحنث وجبت عليه الكفارة، لما روى عبد الرحمن بن سمرة قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عبد الرحمن بن سمرة لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مسألة وكلت إليها، وان أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وان حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك " وان حلف على فعل مرتين بأن قال والله لا دخلت الدار، والله لا دخلت الدار، نظرت فإن نوى بالثاني التأكيد لم يلزمه الا كفارة واحدة، وان نوى الاستئناف ففيه قولان، أحدهما يلزمه كفارتان لانهما يمينان بالله عزوجل،

فتعلق بالحنث فيهما كفارتان، كما لو كانت على فعلين (والثاني) تجب كفارة واحدة وهو الصحيح. لان الثانية لا تفيد الا ما أفادت الاولى فلم يجب أكثر من كفارة، كما لو قصد بها التأكيد. وإن لم يكن له نية فإن قلنا انه إذا نوى الاستئناف لزمته كفارة واحدة فههنا أولى. وان قلنا هناك تجب كفارتان ففي هذا قولان بناء على القولين فيمن كرر لفظ الطلاق ولم ينو. (فصل) والكفارة اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. وهو مخير بين الثلاثة. والدليل عليه قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة " فإن لم يقدر على الثلاثة لزمه صيام ثلاثة أيام لقوله عز وجل " فمن لم يجد فصيام ثلاثه أيام " فإن كان يكفر بالمال فالمستحب أن لا يكفر قبل الحنث لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يجيز تقديم الكفارة على الحنث. وان أراد أن يكفر بالمال قبل الحنث نظرت - فإن كان الحنث بغير معصية - جاز تقديم الكفارة لانه حق مال يتعلق بسببين يختصانه. فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر كالزكاة قبل الحول. وان كان الحنث بمعصية ففيه وجهان أحدهما يجوز لما ذكرناه والثاني لا يجوز لانه يتوصل به إلى معصية واختلف أصحابنا في كفارة الظهار قبل العود. وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الموت. فمنهم من قال فيه وجهان كما قلنا في اليمين على معصية. ومنهم من قال يجوز لانه ليس فيه توصل إلى معصية. وان كان يكفر بالصوم لم يجز قبل الحنث لانها عبادة تتعلق بالبدن لا حاجة به إلى تقديمها. فلم يجز تقديمها على الوجوب كصوم رمضان. (فصل) ان أراد أن يكفر بالعتق لم يجز الا بما يجوز في الظهار وقد بيناه. وان أراد أن يكفر بالاطعام أطعم كل مسكين مدا كما يطعم في الظهار وقد بيناه.

(الشرح) حديث عبد الرحمن بن سمرة أخرجه البخاري في النذور عن أبى النعمان وفيه " ولا تحلفوا بالطواغى ولا بآبائكم " وفي الاحكام عن حجاج ابن منهال وعن أبى معمر. وفي الكفارات عن محمد بن عبد الله. وأخرجه مسلم في الايمان والنذور عن شيبان بن فروخ وعن أبى بكر بن أبى شيبة وفي المغازى عن شيبان. وأخرجه أبو داود في الايمان والنذور عن محمد بن الصباح. وأخرجه الترمذي في الايمان والنذور عن محمد بن عبد الاعلى. وأخرجه النسائي في الايمان والنذور عن عمرو بن على وعن محمد بن عبد الاعلى وعن محمد بن يحيى وعن زياد بن أيوب. وعن أحمد بن سليمان وعن محمد بن قدامة. وأخرجه ابن ماجه في الكفارات عن أبى بكر بن أبي شيبة. وللحديث طرق عن غير عبد الرحمن بن سمرة بمعناه عن عدى بن حاتم عند مسلم بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير " وفي لفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه وعن أبى هريرة عند أحمد ومسلم والترمذي وصححه بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذى هو خير وفي لفظ لمسلم " فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وعن أبى موسى مرفوعا عند أحمد البخاري ومسلم بلفظ " لاأحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذى هو خير وتحللتها " وفى لفظ " إلا كفرت عن يمينى وفعلت الذى هو خير وفي لفظ إلا أتيت الذى هوخيرو كفرت عن يمينى وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عند النسائي وأبى داود مرفوعا " لا نذر ولا يمين فيما لا تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم " وقال أبو داود. الاحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم " وليكفر عن يمينه إلا ما لا يعبأ به " وقال الحافظ بن حجرفي الفتح. ورواته - يعنى حديث عمرو بن شعيب - لا بأس بهم، لكن اختلف في سنده على عمرو، وفي بعض طرقه عند أبى داود " ولا في معصية "

أما الاحكام فإن الاصل في كفارة اليمين الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " وأما السنة فما مضى آنفا من أحاديث عبد الرحمن بن سمرة وغيره من الصحابة. وقد أجمع المسلمون على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى، والاحاديث دالة على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة، ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه. فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادى مستحب والحنث معصية، والعكس بالعكس وان حلف على فعل نفل فيمينه طاعة والتمادى مستحب والحنث مكروه وان حلف على ترك مندوب فبعكس الذى قبله. وإن حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك، كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عندنا خلاف. قال أبن الصباغ في الشامل - وصوبه المتأخرون - إن ذلك يختلف باختلاف الاحوال. وإن كان مستوى الطرفين فالاصح أن التمادي أولى لانه قال " فليأت الذي هو خير " واختلف الائمة هل تتقدم الكفارة الحنث أم تأتى بعده؟ فاستدل القائلون بوجوب الكفارة قبل الحنث بقوله صلى الله عليه وسلم " فكفر عن يمينك ثم أئت الذي هو خير " وهذا الرواية صححها الحافظ في بلوغ المرام، وأخرج نحوها أو عوانة في صحيحه. وأخرج الحاكم عن عائشة نحوها وأخرج الطبراني من حديث أم سلمة بلفظ " فأت الذي هو خير وكفر " لان الواو لاتدل على الترتيب إنما هي لمطلق الجمع، على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي بعدها " فكفر يمينك وأئت الذي هو خير " تخالفها وكذلك بقية الروايات التي حرصنا على إثباتها هنا قال ابن المنذر. رأى ربيعة والاوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الامصار غير أهل الرأى أن الكفارة تجزى قبل الحنث، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزى الا بعد الحنث وقال أصحاب الرأى " لاتجزى الكفارة قبل الحنث " وعن مالك روايتان.

ووافق الحنفية أشهب المالكى وداود الظاهرى، وخالفه ابن حزم، واحتج الطحاوي لابي حنيفة بقوله تعالى (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم. وقال القرطبى: اختلف العلماء في تقديم الكفارة على الحنث هل تجزى أم لا؟ - بعد إجماعهم على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن، وهو عندهم أولى - على ثلاثة أقوال (أحدها) يجزى مطلقا، وهو مذهب أربعة عشر من الصحابة وجمهور الفقهاء وهو مشهور مذهب مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجزى بوجه، وهى رواية أشهب عن مالك. ثم ذكر وجه الجواز فأتى بحديث أبى موسى، ثم ذكر وجه المنع فساق حديث عدي بن حاتم. والقول الثالث وهو قول الشافعي " تجزى بالاطعام والكسوة ولا تجزئ الصوم، لان عمل البدن لا يقدم قبل وقته، ويجزئ في غير ذلك ككفارة الظاهر قبل العود، وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الموت على أحد الوجهين عند أصحابنا. وقال الحافظ بن حجر في الفتح وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر. واحتجوا أيضا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين ورده من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا، واحتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض وإخراجها قبله تطوع، فلا يقوم التطوع مقام المفروض، هكذا أفاده الشوكاني في النيل. وقال القاضي عياض، اتفقوا على الكفارة لا تجب إلا بالحنث، وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث. أه واستحب مالك والاوزاعي والثوري تأخيرها بعد الحنث، وهو مذهبا كما أثبته المصنف، وقال القاضى عياض ومنع بعض المالكية تقديم كفارة الحنث في المعصية لان فيه إعانة على المعصية، ورده الجمهور قال ابن المنذر، واحتج الجمهور بأن اختلاف ألفاظ الاحاديث لا يدل على تعين أحد الامرين، والذي يدل عليه أنه أمر الحالف بأمرين، فإذا أتى بهما

جميعا فقد فعل ما أمر به، وإذا دل الخبر على المنع فلم يبق إلا طريق النظر. فاحتج للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء وهو كلام، فلان تحله الكفارة وهى فعل مالى أو بدنى أولى، ويرجح قولهم أيضا بالكثره. وذكر القاضى عياض أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا وتبعهم فقهاء الامصار إلا أبا حنيفة. قال الشوكاني ان المتوجه للعمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم، ولولا الاجماع المحكى على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب. وقال المازرى للكفارة ثلاث حالات، أحدها قبل الحلف فلا تجزئ اتفاقا، ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقا. ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث ففيها الخلاف. وقد وقع في حديث عدى بن حاتم عند مسلم ما يوهم أن فعل الذي هو خير كفارته، فإنه أخرجه بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه " هكذا أخرجه من وجهين ولم يذكر الكفارة، ولكن أخرجه من وجه آخر بلفظ " فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير " ومداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدى والذى أتى بالزيادة حافظ، وزيادة الحافظ معتمدة وقوله " من أوسط ما تطعمون " هو المتوسط ما بين قوت الشده والسعة وقد أخرج ابن ماجه عن سفيان بن عيينة عن سليمان بن أبى المغيرة عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال " كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وقد ذكر الله تعالى في الكفارة الخلال الثلاث فخير فيها وعقب عند عدمها بالصيام، وبدأ بالطعام لانه كان الافضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة إليه وعدم شبعهم، ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير قال ابن عباس ما كان في كتات الله (أو) فهو مخير فيه، وما كان (فمن لم يجد) فالاول الاول. هكذا ذكره الامام أحمد في التفسير. قال القاضى ابن العربي، والذي عندي أنها تكون بحسب الحال، فإن علمت محتاجا فالطعام

أفضل، لانك إذا أعتقت لم تدفع حاجتهم وزدت محتاجا حادى عشر إليهم. وكذلك الكسوة تليه ولما علم الله الحاجة بدأ بالمقدم. اه وقوله تعالى (إطعام عشرة مساكين) الذي عندنا أنه يجب تمليك المساكين مايخرج لهم ودفعه إليهم حتى يتملكوه ويتصرفوا فيه، لقوله تعالى (وهو يطعم ولايطعم) وفي الحديث " أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد السدس " وقال أبو حنيفة: لو غداهم وعشاهم جاز. وهو اختيار ابن الماجشون من المالكية الذي قال: إن التمكين من الاطعام إطعام. قال تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتميا وأسيرا) فبأى وجه أطعمه دخل في الآية وفي قدر الاطعام خلاف، فعندنا وعند مالك وأهل المدينة مد لكل واحد من المساكين العشرة إن كان بمدينة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سليمان ابن يسار: أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الاصغر، ورأوا ذلك مجزئا عنهم، وهو قول ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت، وبه قال عطاء بن أبى رباح، واختلف إذا كان بغيرها. وقد سبق لنا في كفارة الظهار بيان مقدار ما يعطى كل مسكين وجنسه فارجع إليه. أما قوله تعالى (من أوسط ما تطعمون أهليكم) روى أحمد في كتاب التفسير بإسناده عن ابن عمر قال " الخبز واللبن " وفي رواية عنه قال " الخبز والتمر والخبز والزيت والسمن " وقال أبو رزين " خبز وزيت وخل " وقال الاسود بن يزيد " الخبز والتمر " وعن على " الخبز والتمر، الخبز والسمن، الخبز واللحم. وعن ابن سيرين قال: كانوا يقولون أفضله الخبز واللحم. وأوسطه الخبز والسمن وأخمسه الخبز والتمر (قلت) لا يجزئ عندنا شئ من هذا كما مضى في كفارة الظهار وكفارة الصوم، حيث لا يجزئ دقيق ولاخبز ولا سويق، لانه خرج عن حالة الكمال والادخار ولا يجزئ في الزكاة فلم يجزئ في الكفارة كالقيمة، وقال ابن القاسم يجزئه المد بكل مكان وقال ابن المواز " أفتى ابن وهب بمصر بمد ونصف، وأشهب بمد وثلث " قال وان مدا وثلثا لوسط من عيش الامصار في الغداء والعشاء.

وقال أبو حنيفة " يخرج من البر نصف صاع، ومن التمر والشعير صاعا على حديث عبد الله بن ثعلبة بن صغير عن أبيه قَالَ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خطيبا فأمر بصدقة الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شعير عن كل رأس أو صاع بر بين اثنين، وبه أخذ سفيان وابن المبارك وروى عن على وعمر وابن عمر وعائشة رضى الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وهو قول فقهاء العراق كافة، لما رواه ابن عباس قال " كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس بذلك، فمن لم يجد فنصف صاع من بر من أوسط ما تطعمون أهليكم " أخرجه ابن ماجه. وقال القرطبى ويخرج الرجل مما يأكل قال ابن العربي وقد زلت هنا جماعة من العلماء، فقالوا انه إذا كان يأكل الشعير ويأكل الناس البر فليخرج مما يأكل الناس، وهذا سهو بين، فإن المكفر إذا لم يستطيع في خاصة نفسه الا الشعير لم يكلف أن يعطى لغيره سواه، وقد قال صلى الله عليه وسلم " صاعا من طعام: صاعا من شعير " ففصل ذكرهما ليخرج كل أحد فرضه مما يأكل، وهذا مما لاخفاء فيه وقال مالك إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه، وقال الشافعي لا يجوز أن يطعمهم جملة واحدة لانهم يختلفون في الأكل، ولكن يعطى كل واحد مدا وروى عن علي عليه السلام " لا يجزى إطعام العشرة وجبة واحدة " يعنى غداء دون عشاء أو عشاء دون غداء، فإذا لم يجد إلا مسكينا واحدا ردد عليه في كل يوم تتمة عشرة أيام، وبهذا قال أحمد وأبو ثور، وأجاز الاوزاعي دفعها إلى واحد، ويجوز دفعها لاهل بيت شديدي الحاجة عند أبى عبيد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أراد أن يكفر بالكسوة كسا كل مسكين ما يقع عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو إزار أو رداء أو مقنعة أو خمار، لان الشرع ورد به مطلقا ولم يقدر فحمل على ما يسمى كسوة في العرف: وهل يجزى فيه القلنسوة؟ فيها وجهان (أحدهما) لا يجزئه لانه لا يطلق عليه اسم الكسوة (والثاني) أنه يجزئه

وهو قول أبى إسحاق المروزى، لما روى أن رجلا سأل عمران بن الحصين عن قوله تعالى (أو كسوتهم) قال لو أن وفدا قدموا على أميركم هذا فكساهم قلنسوة قلنسوة، قلتم قد كسوا، ولا يجزئ الخف والنعل والمنطقة والتكة، لانه لا يقع عليه اسم الكسوة، ويجزى الكساء والطيلان لانه من الكسوات، ويجوز ما اتخذ من القطن والكتان والشعر والصرف والخز، وأما الحرير فإنه إن أعطاه للمرأة أجزأه، وهل يجوز أن يعطى رجلا؟ فيه وجهان أحدهما لا يجزئ لانه يحرم عليه لبسه والثاني يجزئه وهو الصحيح، لانه يجوز أن يعطى الرجال كسوة النساء، والنساء كسوة الرجال، ويجوز فيه الخام والمقصور والبياض والمصبوغ. فأما الملبوس فإنه إن ذهبت قوته لم يجزه، وإن لم تذهب قوته أجزأه كما تجزئه الرقبة إذا لم تبطل منفعتها ولا تجزئه إذا بطلت منفعتها (فصل) وإن أراد أن يكفر بالصيام ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز إلا متتابعا لانه كفارة جعل الصوم فيها بدلا عن العتق فشرط في صومها التتابع ككفارة الظهار والقتل (والثاني) أنه يجوز متتابعا ومتفرقا، لانه صوم نزل به القرآن مطلقا فجاز متفرقا ومتتابعا كالصوم في فدية الاذى (فصل) وإن كان الحالف عبدا فكفارته الصوم، وإن كان الصوم يضر به لشدة الحر وطول النهار نظرت - فإن حلف بإذن المولى وحنث بإذنه - جاز له أن يصوم من غير إذنه لانه لزمه بإذنه، وإن حلف بغير إذنه وحنث بغير إذنه لم يجز أن يصوم إلا بأذنه، لانه لزمه بغير إذنه. وإن حلف بغير إذنه وحنث بإذنه جاز أن يصوم بغير إذنه، لانه لزمه بإذنه، وان حلف بإذنه وحنث بغير إذنه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز أن يصوم بغير إذنه لانه وجد أحد السببين بإذنه فصار كما لو حلف بغير إذنه وحنث بإذنه (والثاني) لا يجوز أن يصوم بغير إذنه وهو الصحيح، لانه إذا لم يجز أن يصوم ولم يمنعه من الحنث باليمين فلان لا يجوز وقد منعه من الحنث باليمين أولى

فان كان الصوم لا يضر به كالصوم في الثناء ففيه وجهان (أحدهما) انه يجوز أن يصوم بغير إذنه لانه لاضرر عليه (والثاني) انه كالصوم الذي يضربه على ما ذكرناه لانه ينقص من نشاطه في خدمته، فإن صام في المواضع التي منعناه من الصوم فيها أجزأه لانه من أهل الصيام: وإنما منع منه لحق المولى، فإذا فعل بغير اذنه صح كصلاة الجمعة، فإن كان نصفه حرا ونصفه عبدا وله مال لم يكفر بالعتق، لانه ليس من أهل الولاء ويلزمه أن يكفر بالطعام أو الكسوة. ومن أصحابنا من قال فرضه الصوم، وهو قول المزني لانه ناقص بالرق وهو كالعبد، والمذهب الاول لانه يملك المال بنصفه الحر ملكا تاما فأشبه الحر (الشرح) في قوله تعالى (أو كسوتهم) قرئ بكسر الكاف وضمها هما لغتان مثل إسوة وأسوة، وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميقع اليماني (أو كإسوتهم) يعنى كإسوة أهلك. والكسوة في حق الرجال الثوب الواحد أو كل ما يسمى كسوة عرفا أو أقل ما يقع عليه اسم الكسوة من قميص أو سراويل أو ازار أو رداء أو مقنعة أو عمامة، وفي القانسوة وجهان. وذلك ثوب واحد. وبه قال أبو حنيفة والثوري وقال أحمد: تتقدر الكسوة بما تجزئ الصلاة فيه، فإن كان رجلا فثوب تجزئة الصلاة فيه، وان كانت أمرأة فدرع وخمار، وبهذا قال مالك. وممن قال لاتجزئه السراويل الاوزاعي وأبو يوسف. وقال ابراهيم النخعي ثوب جامع. وقال الحسن كل مسكين حلة: ازار ورداء قال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وأصحاب الرأى، يجزئه ثوب ثوب. ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة. وحكى عن الحسن قال تجزئ العمامة. وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة، والطليان فارسي معرب ثوب يعطى به الرأس والبدن يلبس فوق الثياب إذا ثبت هذا فإنه يجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة من القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والخز، لان الله تعالى أمر بكسوتهم ولم يعين فأى جنس كساهم منه خرج به عن العهدة لوجود الكسوة المأمور بها.

ويجوز أن يكسو المرأة حريرا، ويجوز أن يكسوهم ثيابا مستعملة إلا أن تكون قد بليت وذهبت منفعتها لانها معيبة فلا تجزئ كالحب المعيب وسواء ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ أو خاما أو مقصورا، لانه تحصل الكسوة المأمور بها والحكمة المقصودة منها. وبهذا قال أحمد، إلا في ثوب الحرير فإنه يجوز أن يعطى الرجل ثوبا من الحرير، وهو أحد الوجهين عندنا، وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا أو غير مصبوغ، أو خاما غير مخيط، لانه تحصل الكسوة المأمور بها والحكمة المقصودة. والذين تجزئ كسوتهم هم المساكين الذين يجزئ اطعامهم لان الله تعالى قال " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم " فينصرف الضمير إلى المساكين لا إلى أهليكم، وقد تقدم الكلام في المساكين وأصنافهم في كفارة الصوم (مسألة) قوله " وان أراد أن يكفر بالصيام الخ " فيؤخذ على المصنف قوله " وان أراد " بصيغة التخيير مع أن الآية صريحة بالتخيير بين الاطعام أو الكسوة أو التحرير فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وهذا لا خلاف فيه الا في اشتراط التتابع في الصوم ففيه قولان (أحدهما) اشتراطه وهو ظاهر المذهب عند أحمد، وبه قال النخعي والثوري واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأى. وروى نحو ذلك عن على وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة. والقول الثاني أنه يجوز متتابعا ومتفرقا، وهو رواية عن أحمد حكاها ابن أبى موسى، وبه قال مالك لان الامر بالصوم مطلق ولا يجوز تقييده الا بدليل ولانه صام الايام الثلاثة فلم يجب التتابع فيه كصيام المتمتع ثلاثة أيام في الحج ووجه القول الاول ما ورد في قراءة أبى وعبد الله بن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) كذلك ذكره الامام أحمد في التفسير عن جماعة. وهذا ان كان قرآنا فهو حجة لانه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وان لم يكن قرآنا فهو رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ يحتمل أن يكونا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا فظنا قرآنا فثبتت له رتبة الخبر، ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية.

فعلى هذا إن أفطرت المرأة لحيض أو مرض، أو الرجل لمرض لم ينقطع التتابع. وفي أحد القولين عندنا ينقطع في المرض ولا ينقطع في الحيض، وقال أبو حنيفة ينقطع فيهما لان التتابع لم يوجد وفوات الشرط يبطل به المشروط. وقال أحمد وأبو ثور إسحاق: كل عذر يبيح الفطر أشبه الحيض في كفارة القتل فلا يقطع التتابع. (مسألة) من كانت له دابة يحتاج إلى ركوبها أو دار لا غنى له عن سكناها، أو خادم يحتاج إلى خدمته أجزاه الصيام في الكفارة. ومن ثم فإن الكفارة انما تجب فيما يفضل عن حاجته الاصلية والسكنى من الحوائج الاصلية وكل ما ذكرنا وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة ومالك: من ملك رقبة تجزى في الكفارة ولا يجزئه الصيام وان كان محتاجا إليها لخدمته. ومثل ذلك من له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته وحوائجه الاصلية أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها أو سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية أو أثاث يحتاج إليه أو كتب لا يتيسر له تحصليها مرة أخرى وأشباه هذا فله التكفير بالصيام، لان ذلك مستغرق لحاجته الاصلية، فأشبة المعدم (فرع) لا يجزئه أن يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة لقوله تعالى (فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) فوجه الدلالة من وجهين (أحدهما) أنه جعل الكفارة احدى هذه الخصال الثلاث ولم يأت بواحدة منها (الثاني) أن اقتصاره على هذه الخصال الثلاث دليل على انحصار التكفير فيها. وما ذكره القائلون بجواز المزج بينهما من أصحاب أحمد والثوري وأصحاب الرأى من أطعام خمسة وكسوة خمسة انما يشكل خصلة رابعة، وما ذكروه انما هو تلفيق للكفارة من نوعين فأشبه ما لو أعتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم، ولانه نوع من التكفير فلم يجزئه تبعيضه (مسألة) إذا دخل في الصوم ثم أيسر، أي قدر على العتق أو الاطعام أو الكسوة بعد الشروع في الصوم لم يلزمه الرجوع إليها، روى ذلك عن الحسن وقتادة، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وابن المنذر. وروى عن النخعي

كتاب العدد

والحكم أنه يلزمه الرجوع إلى أحدها، وبه قال الثوري وأصحاب الرأى لانه قدر على المبدل قبل إتمام البدل فلزمه الرجوع كالمتيمم إذا قدر على الماء قبل إتمام صلاته. دليلنا أنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل فلم يلزمه الرجوع إلى المبدل بعد الشروع فيه، كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدى في صوم السبعة الايام فإنه لا يخرج بلا خلاف. والدليل على أن البدل لا يبطل أن البدل الصوم وهو صحيح مع قدرته اتفاقا، وفارق التيمم فإنه يبطل بالقدرة على الماء بعد فراغه منه ولان الرجوع إلى طهارة الماء لا مشقة فيه ليسره، والكفارة يشق الجمع فيها بين خصلتين، وإيجاب يفضى إلى ذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب العدد إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول والخلوة لم تجب العدة لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولان العدة تجب لبراءة الرحم، وقد تيقنا براءة رحمها، وإن طلقها بعد الدخول وجبت العدة لانه لما أسقط العدة في الآية قبل الدخول دل على وجوبها بعد الدخول، ولان بعد الدخول يشتغل الرحم بالماء فوجبت العدة لبراءة الرحم. وإن طلقها بعد الخلوة وقبل الدخول ففيه قولان (أحدهما) لا تجب العدة لما ذكرناه من الآية والمعنى (والثاني) تجب لان التمكين من استيفاء المنفعة جعل كالاستيفاء، ولهذا تستقر به الاجرة في الاجارة كما تستقر بالاستيفاء، فجعل كالاستيفاء في إيجاب العدة. (فصل) وان وجبت العدة على المطلقة لم تخل - إما أن تكون حرة أو أمة - فإن كانت حرة نظرت، فإن كانت حاملا من الزوج اعتدت بالحمل لقوله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ولان براءة الرحم لا تحصل في الحامل الا بوضع الحمل، فإن كان الحمل ولدا واحدا لم تنقض العدة حتى ينفصل

جميعه، وإن كان ولدين أو أكثر لم تنقض حتى ينفصل الجميع، لان الحمل هو الجميع، ولان براءة الرحم لا تحصل الا بوضع الجميع. وان وضعت ما بان فيه خلق آدمى انقضت به العدة، وان وضعت مضغة لم يظهر فيه خلق آدمى وشهد أربع نسوة من أهل المعرفة أنه خلق آدمى ففيه طريقان من أصحابنا من قال تنقضي به العدة قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ وقد بيناه في عتق أم الولد، وأقل مدة الحمل ستة أشهر لما روى أنه أتى عثمان رضى الله عنه بامرأة ولدت لستة أشهر فشاور القوم في رجمها، فقال ابن عباس رضى الله عنه: أنزل الله عز وجل (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وأنزل وفصاله في عامين فالفصال في عامين والحمل في ستة أشهر وذكر القتيبى في المعارف أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، وأكثره أربع سنين، لما روى الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: حدثت جميلة بنت سعد عن عائشة رضى الله عنها: لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل. قال مالك: سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد. وأقل ما تنقضي به عدة الحامل أن تضع بعد ثمانين يوما من بعد امكان الوطئ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ أحدكم ليخلق في بطن أمه نطفة أربعين يوما: ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم يكون مضغة أربعين يوما. ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين (الشرح) قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم الخ) خاطب الله المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء، وبين ذلك الحكم للامة، فالمطلقة إذا لم تكن مسوسة لا عدة عليها بنص الكتاب واجماع الامة، وعلى هذا فإن النكاح في الآية هنا يطلق على العقد وان كان في الحقيقة يطلق على الوطئ، وسمى العقد نكاحا لملابسته له من حيث هو طريق إليه، ولم يرد النكاح في كتاب الله الا في معنى العقد لانه في معنى الوطئ، وهو من آداب القرآن، وقد كنى عن الوطئ بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتنشى والاتيان وفي قوله (ثم طلقتموهن) أحكام مضى ذكرها في الطلاق. وقد استدل

داود الظاهرى ومن قال بقوله أن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها أنه ليس له عليها أن تتم عدتها ولاعدة مستقبلة، لانها مطلقة قبل الدخول بها وقال عطاء بن أبي رباح وفرقة: تمضى في عدتها من طلاقها الاول، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لان طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها، ومن طلق امرأته في كل طهر مرة بنت ولم تستأنف، وقال مالك إذا فارقها قبل أن يمسها انها لاتبنى على ما مضى من عدتها، وإنها تنشئ من يوم طلقها عدة مستقبلة، وقد ظلم زوجها نفسه وأخطا إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها، وعلى هذا أكثر أهل العلم، لانها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك، ولذلك تستأنف العدة من يوم طلقت، وهو قول جمهور فقها البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام وقال الثوري: أجمع الفقهاء عندنا على ذلك. قال أبن قدامة: وأجمعوا على أن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها، لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم النساء ثم طلقتموهن) الآية (فرع) هل تجب العدة على المطلقة إذا خلا بها ولم يمسها؟ فيه قولان: (أحدهما) وهو قوله في القديم: إن العدة تجب على كل من خلا بها زوجها ولم يصبها ثم طلقها. وبهذا قال أحمد وروى عن الخلفاء الراشدين وزيد بن ثابت وابن عمر، وبه قال عروة وعلي ابن الحسين وعطاء والزهرى والثوري والاوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأى. (الثاني) وهو قوله في الجديد: لا عدة عليها لقوله تعالى (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وهذا نص، ولانها مطلقة لم تمس فأشبهت من لم يخل بها ووجه القول الاول ماروى أحمد في مسنده عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا أو أغلق بابا فقد وجب المهر ووجبت

العدة، ولانه عقد على المنافع فالتمكين فيه يجرى مجرى الاستيفاء في الاحكام المتعلقة به كعقد الاجارة. (مسألة) إذا كانت المطلقة حرة أو أمة وكانت حاملا من الزوج فقد أجمع أهل العلم في جميع الامصار والاعصار أنها تنقضي عدتها بوضع حملها، وكذلك كل مفارقة في الحياة، وأجمعوا أيضا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا اجلها وضع حملها إلا ابن عباس، وسيأتى مزيد وقد شرعت العدة لمعرفة براءتها من الحمل ووضعه أدل الاشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي العدة ولانه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به. فإذا كان الحمل واحدا انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه، وان ظهر بعضه فهى في عدتها حتى يفصل باقيه، لانها لا تكون واضعة لحملها ما لم يخرج كله، وان كان الحمل اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لان الحمل هو الجميع، هذا قول عامة أهل العلم إلا أبا قلابة وعكرمة فإنهما قالا: تنقضي عدتها بوضع الاول ولا تتزوج حتى تضع الآخر وذكر ابن أبى شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال: إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها، قيل له فتتزوج؟ قال لا. قال قتادة خصم العبد وهذا قول شاد باتفاق جمهور العلماء، ويخالف ظاهر الكتاب، فإن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل. فإذا علم وجود الحمل فقد تيقن وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها، ولانها لو انقضت عدتها بوضع الاول لابيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر، فإن وضعت ولدا وشكت في وجود ثان لم تنقض عتدها حتى تزول الريبة: وتيقن أنها لم يبق معها حمل، لان الاصل بقاؤها فلا يزول بالشك (فرع) الحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شئ من خلق الانسان حرة كانت أو أمة، فإذا ألقت المرأة بعد فرقة زوجها شيئا لم يخل (1) أن يكون مابان فيه هو الشكل الآدمي من الرأس واليد والرجل، فهذا تنقضي به العدة بلا خلاف قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد وممن تحفظ عنه ذلك الحسن وابن سيرين وشريح والشعبى

والنخعي والزهرى والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال أحمد بن حنبل، إذا بان فيه شئ من خلق الآدمى علم بأنه حمل: فيدخل في عموم قوله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (2) أن تلقى نطفة أو دما لا تدري هل هو ما يخلق منه الآدمى أولا؟ فهذا لا يتعلق به شئ من الاحكام، لانه لم يثبت أنه ولد ولا بالمشاهدة ولا بالبينة (3) أن تلقى مضغة لم تبن فيها الخلقة، فشهد أربع ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنه خلقة آدمى، فهذا فيه طريقان، من أصحابنا من قال. تنقضي به العدة كالحال الاولى قولا واحدا، لانه قد تبين بشهادة أهل المعرفة أنه ولد. والثانى من أصحابنا من قال فيه قولان بنيهما المصنف في عتق أم الولد أحدهما أن عدتها لا تنقضي به ولا تصير أم ولد لانه لم يبين فيه خلق آدمى فأشبه الدم. والثاني أن عدتها لا تنقضي به ولكن تصير أم ولد لانه مشكوك في كونه ولدا، فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه. وعن أحمد روايتان، إحداهما نقلها الاثرم والاخرى نقلها حنبل كالقولين عندنا (4) إذا ألقت مضغة لاصورة فيها فشهد أربع من ثقات القوابل أنه مبتدأ خلق آدمى فهو كالذى قبله (5) أن تضع مضغة لاصورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمى فهذا لا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد لانه لم يثبت كونه ولدا ببينة ولا مشاهدة، فأشبه العلقة، فلا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال، سواء كان نطفة أو علقة، وسواء قيل إنه مبتدأ خلق آدمى أو لم يقل، فإذا كان علقة فلا تنقضي به العدة بإجماع الفقهاء ما عدا الحسن البصري فإنه قال: إذا علم أنها حمل انقضت به العدة وفيه الغرة والاصح ما عليه الجمهور وأقل ما تنقضي به مدة الحمل ستة أشهر، لان الله تعالى يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) قال ابن عباس: إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا. وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا، وروى أن عثمان قد أتى بأمرأة قد ولدت سفاحا لستة أشهر فأراد أن يقضى عليها بالحد فقال له على:

ليس ذلك عليها، قال تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فالرضاع أربعة وعشرون شهرا والحمل ستة أشهر، فرجع عثمان ولم يحدها وقد روى الاثرم بإسناده عن أبى الاسود أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له على " ليس لك ذلك وتلا الآيتين، فخلى عمر سبيلها: وولدت مرة أخرى لذلك الحد، ورواه الاثرم أيضا عن عكرمة أن ابن عباس قال ذلك. قال عاصم الاحول فقلت لعكرمة إنا بلغنا أن عليا قال هذا فقال عكرمة " لا " ما قال هذا الا ابن عباس وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، وهذا قول أحمد ومالك وأصحاب الرأى وغيرهم. وسيأتى في الرضاع مزيد ان شاء الله قال القرطبى لم يعد ثلاثة أشهر في أبتداء الحمل، لان الولد فيه نطفة وعلقة ومضغة، فلا يكون له ثقل يحس به، وهو معنى قوله تعالى (فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به) والفصال الفطام وروى أن الآية نزلت في أبى بكر الصديق: وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا حملته أمه تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهرا، وفي الكلام إضمار. أي ومدة حمله ومدة فصاله ثلاثون شهرا، ولولا هذا الاضمار لنصب ثلاثون على الظرف وتغير المعنى. وقال أحمد أقل ما تنقضي به العدة من الحمل أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ خلق أحدكم ليجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن تكون بعد الثمانين، فأما بعد الاربعة اشهر فليس فيه إشكال، لانه منكس في الخلق الرابع (مسألة) خبر مالك ساقه الذهبي في الميزان عن ابراهيم بن موسى الفراء. حدثنا الوليد بن مسلم قال، قلت لمالك أن حدثت عن عائشة انها قالت " لاتحمل المرأة فوق سنتين قدر ظل معتزل " فقال مالك سبحان الله من يقول هذا؟

هذه امرأة ابن عجلان جارتنا امرأة صدق ولدت ثلاث أولاد في ثنتي عشرة سنة تحمل أربع سنين قبل أن تلد. اه (قلت) من الغريب أن محمد بن عجلان نفسه حملت به أمه بأكثر من ثلاث سنين، ورى هذا الواقدي، سمعت عبد الله بن محمد بن عجلان يقول حمل بأبى بأكثر من ثلاث سنين. وروى العباس بن نصر البغدادي عن صفوان بن عيسى قال " مكث ابن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين، فشق بطنها لما ماتت فأخرج وقد نبتت أسنانه. روى هذا المحدث أبو بكر بن شاذان عن عبد العزيز بن أحمد الغافقي المصرى عن العباس وكان محمد بن عجلان هذا رجلا صالحا تقيا، اختلف نقاد الرجال فيه، فقال الحاكم أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها شواهد. وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه. وقال الذهبي إمام صدوق مشهور. روى عن أبيه والمقبرى وطائفة. وعنه مالك وشعبة ويحيى القطان. وثقة أحمد وابن معين وابن عيينة وأبو حاتم. وروى عباس عن أبن معين قال ابن عجلان أوثق من محمد ابن عمر. وما يشك أحد في هذا وقال البخاري في ترجمة ابن عجلان في الضعفاء قال لى علي بن أبى الوزير عن عائشة إنه ذكر ابن عجلان فذكر خبرا، وقال يحيى القطان كان مضطربا في حديث نافع. وقال البخاري، قال يحيى القطان لاأعلم إلا أنى سمعت ابن عجلان يقول كان سعيد المقبرى يحدث عن أبيه عن أبي هريرة وعن رجل عن أبى هريرة، فاختلط فجعلهما عن أبى هريرة. كذا في نسختي بالضعفاء للبخاري. وعندي في مكان آخر أن أبن عجلان كان يحدث عن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة. وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلط عليه فجعلهما عن أبي هريرة قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) فإن كانت المعتدة غير حامل فإن كانت ممن تحيض اعتدت بثلاثة أقراء لقوله عز وجل (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والاقراء هي الاطهار، والدليل عليه قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) والمراد به في وقت

عدتهن كما قال (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) والمراد به في يوم القيامة والطلاق المأمور به في الطهر، فدل على أنه وقت العدة، وان كان الطلاق في وقت الحيض كان أول الاقراء الطهر الذي بعده، فإن كان في حال الطهر نظرت فإن بقيت في الطهر بعد الطلاق لحظة ثم حاضت احتسبت تلك اللحظة قرءا، لان الطلاق انما جعل في الطهر ولم يجعل في الحيض حتى لا يؤدي إلى الاضرار بها في تطويل العدة، فلو لم تحسب بقية الطهر قرءا كان الطلاق في الطهر أضر بها من الطلاق في الحيض، لانه أطول للعدة، فإن لم يبق بعد الطلاق جزء من الطهر - بأن وافق آخر لفظ الاطلاق آخر الطهر، أو قال لها أنت طالق في آخر جزء من طهرك - كان أول الاقراء الطهر الذي بعد الحيض. وخرج أبو العباس وجها آخر أنه يجعل الزمان الذي صادفه الطلاق من الطهر قرءا، وهذا لا يصح لان العدد لا يكون إلا بعد وقوع الطلاق فلم يجز الاعتداد بما قبله. وأما آخر العدة فقد روى المزني والربيع أنها إذا رأت الدم بعد الطهر الثالث انقضت العدة برؤية الدم. وروى البويطى وحرملة أنها لا تنقضي حتى يمضى من الحيض يوم وليلة: فمن أصحابنا من قال هما قولان، أحدهما تنقضي العدة برؤية الدم، لان الظاهر أن ذلك حيض، والثاني لا تنقضي حتى يمضى يوم وليلة لجواز أن يكون دم فساد فلا يحكم بانقضاء العدة. ومنهم من قال هي على اختلاف حالين. فالدى رواه المزني والربيع فيمن رأت الدم لعادتها فيعلم بالعادة أن ذلك حيض، والذى رواه البويطى وحرملة فيمن رأت الدم لغير عادة، لانه لا يعلم انه حيض قبل يوم وليلة، وهل يكون ما رأته من الحيض من العدة؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه من العدة لانه لابد من اعتباره، فعل هذا إذا راجعها فيه صحت الرجعة، وإن تزوجت فيه لم يصح النكاح (والثاني) ليس من العدة لانا لو جعلناه من العدة لزادت العدة على ثلاثة أقراء، فعلى هذا إذا راجعها لم تصح الرجعة، فإن تزوجت فيه صح النكاح (الشرح) قوله تعالى (يتربصن بأنفسن ثلاثة قروء) يتربصن ينتظرن والتربص الانتظار. قال تعالى (فتربصوا فستعلمون) قال ابن بطال، واختلف

أهل العلم في الاقراء، فذهب قوم إلى أنها الاطهار، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وذهب قوم إلى أنها الحيض وأهل اللعنة يقولون ان القرء يقع على الحيض وعلى الطهر جميعا وهو عندهم من الاضداد، وأصل القراء الجمع، يقال قريت الماء في الحوض جمعته، فكأن الدم يجتمع في الرحم ثم يخرج. اه وقال في اللسان، قال أبو عبيد القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت والجمع أقراء، وفي الحديث " دعى الصلاة أيام أقرائك " وقروء على فعول وأقرؤ الاخيرة عن اللحيانى في أدنى العدد، ولم يعرف سيبوية أقراءا ولا أقرؤا. قال استغنوا عنه بفعول، وفي التنزيل " ثلاثة قروء " كما قالوا خمسة كلاب يراد خمسة من كلاب. قال الاعشى مورثة مالا وفي الحى رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا وقد اختلف الرواية عن أحمد بن حنبل فروى أنها الحيض، وهو مروى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري والاوزاعي والعنبري واسحاق وأبى عبيد وأصحاب الرأى، وروى عن أبى موسى وعبادة بن الصامت وأبى الدرداء والرواية الثانية عن أحمد أن القروء الاطهار، وهو قول زيد وابن عمر وعائشة وسليمان بن يسار وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وأبان بن عثمان وعمر ابن عبد العزيز والزهرى ومالك وأبى بكر بن عبد الرحمن الذي قال: ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك. قال ابن عبد البر: رجع أحمد إلى إلى أن القروء الاطهار قال في رواية الاثرم: رأيت الاحاديث عمن قال القروء الحيض تختلف: والاحاديث عمن قاله إنه أحق بها حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديثها صحاح وقوية. واحتج من قال بقول الله (فطلقوهن لعدتهن) أي في عدتهن، كقوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) أي في يوم القيامة، وإنما أمر بالاطلاق في الطهر لا في الحيض.

(فرع) لما كانت القروء هي الاطهار عندنا احتسبنا لها بالطهر الذي طلقها فيه، قرءا طلقها - وقد من طهرها لحظة - حسبها قرءا، وهذا قول كل من قال: القروء الاطهار إلا الزهري وحده قال: تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه. وحكى عن أبي عبيد أنه إن كان جامعها في الطهر لم يحتسب ببقيته لانه زمن حرم فيه الطلاق فلم يحتسب به من العدة كزمن من الحيض. وقال الحنابلة: القروء الحيض: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ولان الاستبراء تعرف به براءة الرحم، وإنما يحصل بالحيضة لا بالطهر الذي قبلها، ولان العدة تتعلق بخروج خارج من الرحم فوجب أن تتعلق بالطهر كوضع الحمل يحققه أن العدة مقصودها معرفة براءة المرأة من الحمل، فتارة تحصل بوضعه وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض الذي لا يتصور وجوده معه. ووجه القول بأن المرأة تعتد بالطهر الذي طلقت فيه أن الطلاق حرم في زمن الحيض دفعا لضرر تطويل العدة عليها، فلو لم يحتسب ببقية قرءا كان الطلاق في الطهر أضر بها وأطول عليها، وما ذكر عن أبى عبيد لا يصح، لان تحريم الطلاق في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته فلا يجوز أن نجعل العلة في عدم الاحتساب تحريم الطلاق فتصير العلة معلولا، وإنما تحريم الطلاق في الطهر الذي أصابها فيه لكونها مرتابة، ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها (فرع) إذا انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر، أو قال لها: أنت طالق في آخر جزء من طهرك، كان أول الاقراء الطهر الذي بعد الحيض ويكون محرما ولا تحتسب بتلك الحيضة من عدتها، وتحتاج أن تعتد بثلاث حيضات في قول الربيع بن سليمان والمزنى عن الشافعي: إذا رأت الدم بعد الطهر الثالث انقضت العدة برؤية الدم، وفي قوله من رواية البويطى وحرملة أنها لا تنقضي حتى يمضى من الحيض يوم وليلة. ووجه القول الاول ما رواه الشافعي أخبرنا مالك عن نافع زيد بن أسلم

عن سليمان بن يسار أن الاحوص بن حكيم هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها. ووجه الثاني ما أخرجه عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة. قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا: ان الله تبارك اسمه يقول: ثلاثة قروء، فقالت عائشة رضى الله عنها: صدقتم، وهل تدرون ما الاقراء؟ الاقراء الاطهار. وقال الشافعي: فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل جماع أو بعده أعتدت بالطهر الذي وقع عليها فيه الطلاق ولو كان ساعة من نهار وتعتد بطهرين تامين بين حيضتين، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلت، ولا يؤخذ أبدا في القرء الاول الا أن يكون فيما بين أن يوقع الطلاق وبين أول حيض، ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة، فإذا طهرت استقبلت القرء، ولو طلقها فلما أوقع الطلاق حاضت - فإن كانت على يقين من أنها كانت طاهرا حين تم الطلاق ثم حاضت بعد تمامه بطرفة عين فذلك قرء وان علمت أن الحيض وتمام الطلاق كانا معا استأنفت العدة في طهرها من الحيض ثلاثة قروء اه ومحصل هذا أنه إذا طلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة، وأن طلقها حائضا أنقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الرابعة، وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وأبان ابن عثمان ومالك وأبى ثور وأحمد وهو ظاهر أحد القولين للشافعي، والقول الآخر لا تنقضي العدة حتى يمضى زمن الدم يوم وليلة، لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا نحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال. وقال أصحاب أحمد ان الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص فلا يعول عليه ولفظ حديث زيد بن ثابت " إذا دخلت في الدم من الحيضة

الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها " والقول: إن الدم يكون دم فساد يقتضى الرد بكونه حيضا في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض فكذلك في انقضاء العدة، ثم إن كان التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال، فإذا تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم، كما لو قال لها: إن حضت فأنت طالق وقد اختلف أصحابنا في هذا فمنهم من قال: اليوم والليلة من العدة، لانه دم تكمل به العدة فكان منها كالذي في أثناء الاطهار، ومنهم من قال: ليس منها إنما يتبين به انقضاؤها، ولاننا لو جعلناه منها أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء، ولكننا نمنعها من النكاح حتى يمضى يوم وليلة ولو راجعها زوجها لم تصح الرجعة قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وأقل ما يمكن أن تعتد فيه الحرة بالاقراء اثنان وثلاثون يوما وساعة وذلك بأن يطلقها في الطهر ويبقى من الطهر بعد الطلاق ساعة فتكون تلك الساعة قرءأ ثم تحيض يوما، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو القرء الثاني ثم تحيض يوما ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو القرء الثالث، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها. (فصل) وان كانت من ذوات الاقراء فارتفع حيضها، فإن كان لعارض معروف كالمرض والرضاع تربصت إلى أن يعود الدم، فتعتد بالاقراء: لان ارتفاع الدم بسبب يزول فانتظر زواله، فإن ارتفع بغير سبب معروف، ففيه قولان. قال في القديم تمكث إلى أن تعلم براءة رحمها ثم تعتد عدة الآيسة، لان العدة تراد لبراءة الرحم. وقال في الجديد تمكث إلى أن تيأس من الحيض ثم تعتد عدة الآيسة لان الاعتداد بالشهور جعل بعد الاياس فلم يجز قبله، فإن قلنا بالقول القديم ففي القدر الذي تمكث فيه قولان. (أحدهما) تسعة أشهر، لانه غالب عادة الحمل ويعلم به براءة الرحم في الظاهر

(والثاني) تمكث أربع سنين، لانه لو جاز الاقتصار على براءة الرحم في الظاهر لجاز الاقتصار على حيضة واحدة، لانه يعلم بها براءة الرحم في الظاهر، فوجب أن يعتبر أكثر مدة الحمل ليعلم براءه الرحم بيقين. فإذا علمت براءة الرحم بتسعة أشهر أو بأربع سنين اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر، لما روى عن سعيد ابن المسيب رضى الله عنه " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قضى في المرأة إذا طلقت فارتفعت حيضتها أن عدتها تسعة أشهر لحملها وثلاثة أشهر لعدتها، ولان تربصها فيما تقدم ليس بعدة وانما اعتبر ليعلم أنها ليست من ذوات الاقراء فإذا علمت أعتدت بعدة الآيسات فان حاضت قبل العلم ببراءة رحمها أو قبل انقضاء العدة بالشهور لزمها الاعتداد بالاقراء لانها تبينا أنها من ذوات الاقراء، فإن اعتدت وتزوجت ثم حاضت لم يؤثر ذلك في العدة لانها انقضت العدة وتعلق بها حق الزوج فلم يبطل، فإن حاضت بعد العدة وقبل النكاح ففيه وجهان. أحدهما لا يلزمها لا عتداد بالاقراء لانا حكمنا بانقضاء العدة فلم يبطل بما حدث بعده، والثاني يلزمها لانها صارت من ذوات الاقرار قبل تغلق حق الزوج بها فلزمها الاعتداد بالاقراء، فإن قلنا بقوله الجديد أنها تقعد إلى الاياس ففي الاياس قولان (أحدهما) يعتبر اياس أقاربها لانها أقرب اليهن (والثاني) يعتبر اياس نساء العالم، وهو أن تبلغ اثنتين وستين سنة، لانه لا يتحقق الاياس فيما دونها فإذا تربصت قدر الاياس اعتد ت بعد ذلك بالاشهر لان ما قبلها لم يكن عدة، وانما اعتبر ليعلم أنها ليست من ذوات الاقراء. (الشرح) قال النووي، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تُؤْمَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَحْوَطِ والقعود إلى أن تَبَيُّنِ الْيَأْسِ، بَلْ إذَا طَلُقَتْ أَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْفِرْقَةِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٌ وَلَمْ يَكُنْ حَمْلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَحُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالْقُعُودِ إلَى الْيَأْسِ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ وَطَالَ الضَّرَرُ لِاحْتِمَالٍ نَادِرٍ مُخَالِفٍ لِلظَّنِّ وَغَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ إلْزَامِهَا وَظَائِفَ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا، وَلِأَنَّ غَيْرَهَا يُشَارِكُهَا فِيهِ.

وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَالْغَزَالِيُّ فِي الْعِدَدِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقُعُودُ إلَى الْيَأْسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بثلاثة أشهر. قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ. قَالَ حَتَّى رَأَيْتُ لِلْمَحْمُودِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ مُضِيِّ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَتَيْنِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ احْتِيَاطًا لِأَمْرَيْنِ، ثُمَّ أَنْكَرَ الدَّارِمِيُّ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَغَلَّطَهُمْ فِي ذلك وبالغ في ابطال قولهم قال الدرامى: يَنْبَغِي أَنْ نُبَيِّنَ عِدَّةَ غَيْرِهَا لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا، فَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَائِلِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ كُلُّ قُرْءٍ طُهْرٌ إلَّا الْأَوَّلَ فَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ طُهْرٍ، وَطَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ وَفِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا فِيهِ فَبِدْعَةٌ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ، وَهَلْ يُحْسَبُ قُرْءًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فيه حسبت بقيته طهرا وَأَتَتْ بِطُهْرَيْنِ بَعْدَهُ، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ اُشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَإِنْ حَسِبْنَاهُ قُرْءًا فَكَمَا لَوْ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بَعْدَهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ. وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ آخِرِ اللَّفْظِ أَمْ عَقِبَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مَعَ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَمْ عَقِيبَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ فِي تُجْزِئُ الْقُرْءِ. هَلْ هُوَ إلَى غَايَةٍ أَمْ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ؟ وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَقَلُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بقى شئ مِنْ الطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضُ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر، ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وَهُوَ الْقُرْءُ الثَّالِثُ ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً، وينغبى أن تنبى العدة على ما سبق، فإن طَلَّقَهَا وَكَانَ جُزْءٌ مِنْ آخِرِ لَفْظِهِ أَوْ شئ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَتَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ بَعْدَهُ. وَإِنْ طَابَقَ الطلاق آخر

الطُّهْرِ اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى آخِرِ لَفْظِهِ وَحُسِبَ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ. وَلَوْ بقى بعد طلاقه شئ مِنْ آخِرِ الطُّهْرِ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ تَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا، لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَتَعْتَدُّ بِالثَّانِي وَهُوَ أَغْلَظُ - إذَا قُلْنَا بِالطَّلَاقِ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَبِالْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ - وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْلَى، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْجُزْءِ - إنْ كَانَ الثَّانِي جُزْءًا وَاحِدًا - فَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ مُطَابِقَةٌ لِلطَّلَاقِ، أَوْ قُلْنَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ بَعْدَهُ حُسِبَ قرءا، لان ذلك الْجُزْءَ وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَطَابَقَتْهُ الْعِدَّةُ أَوْ صَادَفَتْهُ الْعِدَّةُ وَتَقَدَّمَهُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ لَفْظِهِ. وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ تُطَابِقُهُ فأولى بذلك. وإن قلنا الطلاق عقيب لفظه والعدة عقيبه قُرْءًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ولا يبقى بعده شئ مِنْ الطُّهْرِ لِلْعِدَّةِ. وَإِنْ كَانَ بَقِيَ جُزْءٌ اعتدت به قرءا على جميع المذاهب، فقد تكون العدة على بعض الْمَذَاهِبِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجُزْءًا، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ، وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَابِقُ آخِرُ طَلَاقِهِ آخِرَ الطُّهْرِ وَقُلْنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِ اللفظ وطابقه أول العدة، فأقل العدة إذا نوبتان وزيادة، وأكثرها ثلاث نوب يوم وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ، وَذَلِكَ إنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ وَلَا يُحْسَبُ قُرْءًا عِنْدَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَقِيبَ لَفْظِهِ. وَجَعَلَ أَوَّلَ الْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةُ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، فَيَكُونُ قُرْءًا ثُمَّ ثَانِيَةٌ يَكُونُ ثَانِيًا، ثُمَّ ثَالِثُهُ قُرْءًا ثَالِثًا، ثُمَّ يَمْضِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَأَطْوَلُ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ المذاهب ثلاث نوب يوم وَلَيْلَةٌ وَطُهْرٌ إلَّا جُزْءًا. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جامعها عاصيا في آخر الحيض وطلقها، فاتق آخِرُ لَفْظِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَطَابَقَهُ فَنَقُولُ: الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَهُوَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَفِيهِ جِمَاعٌ. وَقُلْنَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ طُهْرٌ إلَّا جُزْءًا ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةٌ فَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ قُرْءًا ثُمَّ نَوْبَةٌ ثَانِيَةٌ ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِدَّةً عَلَى أَشَدِّ مَذَاهِبِنَا، وَلَا يَخْفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعُ مَا فِي الْمَذَاهِبِ وَإِنَّمَا قَصَدْنَا بَيَانَ أَقْصَى الْغَايَتَيْنِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى أَقْصَى الْمَذَاهِبِ إذا ثبت هذا فإن الرجل إذا طلق امرأته وهى من ذوات الاقراء فلم تر الحيض

في عادتها ولم تدر ما رفعه؟ فإنها تعتد سنة تسعة أشهر منها تتربص فيها لتعلم براءة رحمها، لان هذه المدة هي غالب مدة الحمل، فإذا لم يبن الحمل فيها علم براءة الرحم ظاهرا فتعتد بعد ذلك عدة الآيسات ثلاثة أشهر، وهذا قول عمر رضى الله عنه قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والانصار لا ينكره منهم منكر علمناه: وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وروى ذلك عن الحسن، وقال الشافعي في قول آخر: تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر لان هذه المدة هي التي يتيقن بها براءة رحمها فوجب اعتبارها احتياطا وقال في الجديد تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الاياس تعتد حنيئذ بثلاثة أشهر. وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وطاوس والشعبى والزهرى والنخعي وأبى الزناد والثوري وأبى عبيد وأهل العراق، لان الاعتداد بالاشهر جعل بعد الاياس فلم يجز قبله، وهذه ليست آيسة، ولانها ترجو عود الدم فلم تعتد بالشهور، كما لو تباعد حيضها لعارض أما إذا عرفت أن ارتفاع الحيض بعارض من مرض أو نفاس أو رضاع فإنها تنتظر زوال العارض وعود الدم. وإن طال أن تصير في سن اليأس. فعند ذلك تعتد عدة الآيسات على ما سنذكره وإن حاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه؟ لم تنقض عدتها إلا بعد سنة بعد انقطاع الحيض. وذلك لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ في رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه؟ تجلس تسعة أشهر، فإذا لم يستبن بها حمل تعتد بثلاثد أشهر فذلك سنة ولا نعرف له مخالفا. قال ابن المنذر " قضى به عمر بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر " ونختم هذا البحث بما قال الشافعي رضى الله عنه. وإذا كانت تحيض في كل شهر أو شهرين فطلقت فرفعتها حيضتها سنة. أو حاضت حيضة ثم رفعتها حيضتها سنة أنها لا تحل للازواج الا بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وان تباعد ذلك وطال. وهى من أهل الحيض حتى تبلغ أن تيأس من المحيض وهي لا تيأس من المحيض حتى تبلغ السن التى من بلغتها من نسائها لم تحض بعدها. فإذا بلغت ذلك

خرجت من أهل الحيض وكانت من المؤيسات من المحيض اللاتي جعل الله عز وجل عددهن ثلاثة أشهر واستقبلت ثلاثة أشهر من يوم بلغت سن المؤيسات من المحيض لا تخلو إلا بكمال الثلاثة الاشهر، وهذا يشبه - والله أعلم - ظاهر القرآن، لان الله تعالى جعل على الحيض الاقراء وعلى المؤيسا ت وغير البوالغ الشهور فقال " واللاتي يئسن من المحيض من نسائكم ان أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر " قال والحيض يتباعد فعدة المرأة تنقضي بأقل من شهرين إذا حاضت ثلاثة حيض ولا تنقضي إلا بثلاث سنين وأكثر إن كان حيضها يتباعد، لانه إنما جعل عليهن الحيض فيعتددن به وإن تباعد. وإن كان البراءة من الحمل تعرف بأقل من هذا فإن الله عز وجل حكم بالحيض فلا أحيله إلى غيره. فهذا عدتها الحيض حتى تؤيس من المحيض بما وضعت من أن تصير إلى السن التي من بلغها من أكثر نسائها لم تحض. وقد يروى عن ابن مسعود وغيره مثل هذا القول أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية، فطلق الانصارية وهى ترضع ابنته فمكث سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض، ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقلت له إن امرأتك تريد أن ترث، فقال لاهله أحملوني إلى عثمان، فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده على بن أبى طالب زيد بن ثابت، فقال لهما عثمان ماتريان؟ فقالا نرى أنها ترثه ان مات ويرثها ان ماتت فإنها ليست من القواعد التي قد يئسن من المحيض، وليست من الابكار اللاتى لم يبلغن المحيض، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته، فلما فقد الرضاع حاضت حيضة، ثم حاضت حيضة أخرى، ثم توفى حبان من قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته ثم روى طرق هذا الخبر إلى أن قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ويزيد ابن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب " أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلك، والا اعتدت بعد التسعة أشهر ثم حلت اه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كانت ممن لا تحيض ولا يحيض مثلها كالصغيرة والكبيرة الآيسة اعتدت بثلاثة أشهر، لقوله تعالى " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن " فإن كان الطلاق في أول الهلال اعتدت بثلاثة أشهر بالاهلة، لان الاشهر في الشرع بالاهلة. والدليل عليه قوله عز وجل " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج " وان كان الطلاق في أثناء الشهر اعتدت بقية الشهر ثم اعتدت بشهرين بالاهلة ثم تنظر عدد ما اعتدت من الشهر الاول، وتضيف إليه من الشهر الرابع ما يتم به ثلاثون يوما. وقال أبو محمد عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رحمه الله " إذا طلقت المرأة في أثناء الشهر اعتدت بثلاثة أشهر بالعدد كاملة، لانها إذا فانها الهلال في الشهر الاول فاتها في كل شهر، فاعتبر العدد في الجميع، وهذا خطأ لانه لم يتعذر اعتبار الهلال الا في الشهر الاول فلم يسقط اعتباره فيما سواه (فصل) وان كانت ممن لا تحيض ولكنها في سن تحيض فيه النساء اعتدت بالشهور لقوله تعالى " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائى لم يحضن " ولان الاعتبار بحال المعتدة لابعادة النساء، والدليل عليه أنها لو بلغت سنا لا تحيض فيه النساء وهى تحيض كانت عدتها بالاقراء اعتبارا بحالها، فذلك إذا لم تحض في سن تحيض فيه النساء وجب أن تتعد بالاشهر اعتبارا بحالها. وان ولدت ولم تر حيضا قبله ولانفاسا بعده ففى عدتها وجهان (أحدهما) وهو قول الشيخ أبي حامد الاسفرايينى رحمه الله أنها تعتد بالشهور للآية (والثاني) أنها لا تعتد بالشهور، بل تكون كمن تباعد حيضها من ذوات الاقراء، لانه لا يجوز أن تكون من ذوات الاحمال، ولا تكون من ذوات الاقراء. (فصل) وإذا شرعت الصغيرة في العدة بالشهور ثم حاضت لزمها الانتقال

إلى الاقراء لان الشهور بدل عن الاقراء فلا يجوز الاعتداد بها مع وجود أصلها وهل يحسب ما مضى من الاشهر قرءا؟ فيه وجهان (أحدهما) يحتسب به - وهو قول أبى العباس - لانه طهر بعده حيض فاعتدت به قرءا، كما لو تقدمه حيض (والثاني) وهو قول أبى إسحاق انه لا يحتسب به، كما إذا اعتدت بقرأين ثم أيست لزمها الاستئناف ثلاثة أشهر ولم يحتسب ما مضى من زمان الاقراء شهرا وان انقضت عدتها بالشهور ثم حاضت لم يلزمها الاستئناف للعدة بالاقراء، لان هذا معنى حدث بعد انقضاء العدة. وإن شرعت في العدة بالاقراء ثم ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم الاقراء إذا قلنا إن الحامل تحيض، لان الاقراء دليل على براءة الرحم من جهة الظاهر والحمل دليل على شغل الرحم من جهة القطع، والظاهر إذا عارضه قطع سقطت دلالته كالقياس إذا عارضه نص. وإن اعتدت بالاقراء ثم ظهر حمل من الزوج لزمها الاعتداد بالحمل ويخالف إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت، لان ما رأت من الحيض لم يكن موجودا في حال العدة وإنما حدث بعدها والحمل من الزوج كان موجودا في حال العدة بالاقراء فسقط معه حكم الاقراء (الشرح) قال أبو عثمان عمر بن سالم: لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، قال أبى بن كعب يارسول الله إنا ناسا يقولون قد بقى من النساء من لم يذكر فيهن الصغار وذوات الحمل، فنزلت " واللائى يئسن من المحيض " الآية. هكذا أخرجه ابن حرير وإسحاق بن راهويه والحاكم وغيرهم وقال السيوطي في اللباب: صحيح الاسناد. وأخرج مقاتل بن سليمان في تفسيره أن خلاد بن عمرو بن الجموح سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عدة التي لا تحيض فنزلت، وساق القرطبى روايات أخرى، منها أن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست فنزلت الآية

وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة لا تدرى دم حيض هو أو دم علة وقوله " ان ارتبتم " أي شككتم، وقيل تيقنتم، وهو من الاضداد يكون شكا ويقينا كالظن، واختيار الطبري أن يكون المعنى إن شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهن. وقال الزجاج إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها. قال القشيرى وفي هذا نظر، لانا إذا شككنا هل بلغت سن اليأس لم نقل عدتها ثلاثة أشهر، والمعتبر في سن اليأس في قول: أقصى عادة أمرأة في العالم، وفي قول غالب نساء عشيرة المرأة على أن المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرئ من الريبة، وبارتفاع الريبة تنقضي عدتها. وقد أجمع أهل العلم على أنها ان كانت من الآيسات أو ممن لم يحضن فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى " واللائى يسئن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن " فإن كان الطلاق في أول الهلال اعتبر ثلاثة أشهر بالاهلة لقوله تَعَالَى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ للناس والحج " وقال سبحانه " إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم " ولم يختلف الناس في أن الاشهر الحرم معتبرة بالاهلة. وان وقع الطلاق في أثناء الشهر اعتدت بقيته ثم أعتدت شهرين بالاهلة ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما. وهذا مذهب مالك وأحمد وقال أبو حنيفة: تحتسب بقية الاول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الاول تاما كان أو ناقصا، لانه لو كان من أول الهلال كانت العدة بالاهلة، فإذا كان من بعض الشهر وجب قضاء ما فات منه. وخرج أصحاب أحمد وجها ثانيا أن جمع الشهور محسوبة بالعدد. وهو قول ابن بنت الشافعي، لانه إذا حسب الاول بالعدد كان ابتداء من بعض الشهر فيجب أن يحسب بالعدد وكذلك الثالث، وهذا خطأ لان الشهر يقع على مابين الهلالين وعلى الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والاصل الهلال، فإذا أمكن اعتبار الهلال اعتبروا. وإذا تعذر رجعوا إلى العدد. وفي هذا انفصال

عما ذكر لابي حنيفة. وأما التخريج الذي ذكرناه فإنه لا يلزم إتمام الشهر الاول من الثاني ويجوز أن يكون تمامه من الرابع، ولهذا لم يسقط اعتبار الشهر الاول فيما سواه. (فرع) إذا بلغت سنا تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض كخمس عشرة سنة فعدتها ثلاثة أشهر، وهو مذهب أبى حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وضعف أبو بكر من أصحابه الرواية المخالفة لهذا، وقال رواها أبو طالب فخالف فيها أصحابه، وذلك ماروى أبو طالب عن أحمد أنها تعتد سنة، ووجه القول الاول قوله تعالى " واللائى لم يحضن " وهذه من اللائى لم يحضن، ولان الاعتبار بحال المعتدة لابحال غيرها ولهذا لو حاضت قبل بلوغ سن يحيض لمثله النساء في الغالب، مثل أن تحيض ولها عشر سنين اعتدت بالحيض، وفارق من ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه، فإنها من ذوات القروء وهذا لم تكن منهن. وأقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين، لان المرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من تحيض لتسع. وقد روى الشافعي رضى الله عنه أنه قال: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة، واختلف في السن التي تصير بها المرأة من الآيسات، فعن الشافعي قولان (أحدهما) يعتبر السن الذي يتيقن أنه إذا بلتغه لم تحض. قال بعض أصحابنا هو إثنان وستون سنة. (والثاني) يعتبر السن الذي ييأس فيه نساء عشريتها، لان الظاهر أن نشأها كنشئهن وطبعها كطبعهن. واختلف عن أحمد في السن الذي تصير به المرأة من الآيسات، فعنه أوله خمسون سنة، لان عائشة قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد خمسين سنة، وعنه إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من نساء العرب فستون " لانهن أقوى طبيعة، وقد ذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب أن هندا بنت أبى عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة، وقال يقال إنه لن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية

قال ابن قدامة: والصحيح أنه متى بلغت المرأة خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة، لان وجود الحيض في حق هذه نادر. بدليل قول عائشة وقلة وجوده، فإذا انضم إلى هذه انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده، فلها حينئذ أن تعتد بالاشهر، وان انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فهو حيض في الصحيح: لان دليل الحيض الوجود في زمن الامكان. وهذا يمكن وجود الحيض فيه وان كان نادرا، وان رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض ذلك لا تعتد به وتعتد بالاشهر كالتي لا ترى دما. (مسألة) إذا طلقها وهي من اللائى لم يحضن بأن كانت صغيرة أو كانت بالغا لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعة لزمها استئناف العدة في قول عامة الفقهاء. منهم سعيد بن المسيب والحسن بن مجاهد وقتادة. والشعبى والنخعي والزهرى والثوري ومالك وأحمد واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأى وأهل المدينة وأهل البصرة. وذلك لان الشهور بدل عن الحيض. فإذا وجد المبدل بطل الحكم البدل كالتيمم مع الماء. ويلزمها ان تعتد بثلاثة قروء. وهل تعتد بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءا؟ فيه وجهان (أحدهما) تعتد به لانه طهر انتقلت منه إلى حيض فأشبه الطهر بين الحيضتين. وهو قول أبى العباس لان القرء هو الطهر بين حيضتين. وهذا لم يتقدمه حيض فلم يكن قرءا (والثاني) لا تعتد به كما إذا اعتدت بقرأين ثم أيست استأنفت ثلاثة أشهر وهو قول أبى اسحاق. فأما إذا انقضت عدتها بالشهور ثم حاضت بعدها ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة، لانه معنى حدث بعد انقضاء العدة كالتي حاضت بعد انقضاء العدة بزمن طويل. ولو حاضت حيضة أو حيضتين ثم صارت من الآيسات استأنفت العدة بثلاثة أشهر. لان العدة لا تلفق من جنسين. وقد تعذر اتمامها بالحيض فوجب تكميلها

بالاشهر. وان ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا، لان الحامل لا تحيض ولو حاضت بثلاثة حيض ثم ظهر بها حمل يمكن أن يكون حادثا بعد قضاء العده بأن تأتى به لستة أشهر منذ فرغت من عدتها لم تحلق بالزوج وحكمنا بصحة الاعتداد، وكان هذا الولد حادثا، وان أتت به لدون ذلك تبينا أن الدم ليس بحيض، لانه لا يجوز وجوده في مدة الحمل ولهذا الصورة أحكام في العبادات مضت في الحيض. فإذا رأت المعتدة أمارات الحمل من حركة أو نفحة أو نحوهما وشكت هل هو حمل أم لا؟ فإذا حدثت الريبة قبل انقضاء عدتها فإنما تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة، فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه، فإن زالت وبان أنه ليس يحمل تبينا أن عدتها انقضت بالقروء أو الشهور، فإن زوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لانها تزوجت وهى في حكم المعتدات في الظاهر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كانت المطلقة أمة نظرت فإن كانت حاملا اعتدت بالحمل لما ذكرناه في الحرة، وان كانت من ذوات الاقراء اعتدت بقرأين لما روى جابر عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الامة حيضتين، ولان القياس اقتضى أن تكون قرءا ونصفا كما كان حدها على النصف، إلا أن القرء لا يتبعض فكمل فصارت قرأين، ولهذا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لو استطعت أن أجعل عدة الامة حيضة ونصفا لفعلت، وإن كانت من ذوات الشهور ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنها تعتد بشهرين لان الشهور بدل من الاقراء فكانت بعددها كالشهور في عدة الحرة (والثانى) أنها تعتد بثلاثة أشهر لان براءة الحرم لا تحصل إلا بثلاثة أشهر لان الحمل يمكث أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة ثم يتحرك ويعلو جوف المرأة فيظهر الحمل (والثالث) أنها تعتد بشهر ونصف لان القياس يقتضى أن تكون على النصف من الحرة كما قلنا في الحمد، ولان القرء لا يتبعض فكمل والشهور تتبعض فتبعضت كما نقول في المحرم إذا وجب عليه نصف مد في جزءا الصيد وأراد أن يكفر بالصوم صام يوما لانه لا يتبعض، وان أراد أن يكفر بالاطعام أخرج نصف مد

(فصل) وان أعتقت الامة قبل الطلاق اعتدت بثلاثة أقراء لانه وجبت عليها العدة وهى حرة، وإن انقضت عدتها بقرأين ثم اعتقت لم يلزمها زيادة لانها اعتدت على حسب حالها فلم يلزمها زيادة، كما لو اعتدت من لم تحض بالشهور ثم حاضت أو اعتدت ذات الاقراء ثم صارت آيسة، فإن أعتقت في أثناء العدة ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) تتمم عدة أمة لانه عدد محصور يختلف بالرق والحرية فاعتبر فيه حال الوجوب كالحد (والثانى) أنها ان كانت رجعية أتمت عدة حرة، وان كانت بائنا أتمت عدة أمة، كما نقول فيمن مات عنها زوجها انها ان كانت رجعية انتقلت إلى عدة الوفاة، وان كانت بائنا لم تنتقل (والثالث) وهو الصحيح أنه يلزمها أن تتمم عدة حرة، لان الاعتبار في العدة بالانتهاء، ولهذا لو شرعت في الاعتداد بالشهور ثم حاضت انتقلت إلى الاقراء (الشرح) الاخبار في عدة الامة عند ابن ماجه من حديث عائشة قالت " أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد عدة الحرة. رواه أحمد والدارقطني. وروى الترمذي وأبو داود عن عائشة مرفوعا " طلاق الامة تطليقتان وعدتها حيضتان " وفي لفظ رواه الدارقطني " طلاق العبد اثنتان وقرء الامة حيضتان " ومثل ذلك روى عن ابن عمر عند ابن ماجه والدارقطني بإسنادين ضيعفين. أما الاحكام في الفصلين فعلى وجهها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان وطئت امرأة بشبهة وجبت عليها العدة لان وطئ الشبهة كالوطئ في النكاح في النسب فكان كالوطئ في النكاح في إيجاب العدة، فإن زنى بامرأة لم تجب عليها العدة لان العدة لحفظ النسب والزانى لايلحقه نسب (فصل) ومن مات عنها زوجها وجبت عليها العدة دخل بها أو لم يدخل، لقوله عز وجل " والذين يتوفون منكم ويذورن أزوجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر، عشرا " فإن كانت حائلا وهى حرة اعتدت بأربعة أشهر عشر للآية،

وان كانت أمة اعتدت بشهرين وخمس ليال، لانا دللنا على أن عدتها بالاقراء على النصف، إلا أنه لما لم يتبعض جعلناه قرأين، والشهور تتبعض فوجب عليها نصف ما يجب على الحرة. وإن كانت حاملا بولد يلحق بالزوج اعتدت بوضعه لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت " ولدت سبيعة الاسلمية بعد وفاة زوجها بليال: فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قد حللت فانكحى " وإن كانت حاملا بولد لا يحلق الزوج كامرأة الطفل لم تعتد بالحمل منه لانه لا يمكن أن يكون منه فلم تعتد به منه كامرأة الكبير إذا طلقها وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العقد، فإن كان الحمل لاحقا برجل وطئها بشبهة اعتدت به منه. وإذا وضعت اعتدت عن الطفل بالشهور، لانه لا يجوز أن تعتد عن شخصين في وقت واحد. وإن كان عن زنا احتسبت بما مضى من الشهور في حال الحمل عن عدة وفاة الطفل، لان الحمل عن الزنا لاحكم له فلا يمنع من الاعتداد بالشهور: وإن طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم مات عنها وهي في العدة اعتدت بعدة الوفاة لانه توفى عنها وهى زوجته. (الشرح) حديث أم سلمة أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن إلا أبا داود وابن ماجه بلفظ " إن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفى عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه، فقال والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدى آخر الاجلين، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي " وأخرجوه بمعناه من رواية سبيعة قالت " فأفتانى بأنى قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج ان بدا لى " وعن الزبير بن العوام " أن أم كلثوم بنت عقبة كانت عنده فقالت له وهى حامل: طيب نفسي بتطليقة، فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الطلاة، فرجع وقد وضعت، فقال مالها خدعتني خدعها الله، ثم أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

" سبق الكتاب اجله، اخطبها إلى نفسها، قال القاضى عياض: والحديث - يعني حديث سبيعة - مبتور، نقص منه قولها " فنفست بعد ليال فخطبت " قال الحافظ بن حجر في الفتح: وقد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان عن يحيى ابن بكير شيخ البخاري ولفظه " فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست " وقد وقع للبخاري اختصار المتن من طريق أخصر من هذه الطريق. ووقع له في تفسير سورة الطلاق مطولا بلفظ " أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب أن وضعت حملها، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليه أبو السنابل بن بعكك رجل من بنى عبد الدار، فقال مالي أراك تجملت للخطاب، فإنك والله وما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن ذلك فأفتانى بأنى قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج " وقد ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل، وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن على بسند صحيح أنها تعتد بآخر الاجلين، ومعناه أنها إن وضعت قبل مضى أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها، وان انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع، وبه قال ابن عباس. وروى عنه أنه رجع. وروى عن ابن أبى ليلى أنه أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك، قال الشوكاني: وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجمهور حتى كان يقول: من شاء لا عنته على ذلك. أما الاحكام: فإن الموطوءة بشبهة تعتد عدة المطلقة، وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد، لان كلا من وطئ الشبهة والنكاح الفاسد في لحوق النسب وشغل الرحم كالوطئ الصحيح، فكانا مثله فيما تحصيل البراءة به، وإن وطئت المزوجة بشبهة لم يحل لزوجها وطؤها قبل انقضاء عدتها كيلا يفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الانساب وله الاستمتاع منها بما دون الفرج في أحد الوجهين لانها زوجة

حرم وطؤها لعارض مختص بالفرج فأبيح الاستمتاع منها بما دونه الحائض. (مسألة) المزني بها لا عدة لها، وهذا قول أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما وبه قال الثوري وأصحاب الرأى، لان العدة لحفظ النسب ولا يلحقه نسب، وقد روى عن علي نحوه. وقال أحمد تستبرأ كالمزوجة بشبهة لانه وطئ يقتضى شغل الرحم فوجبت العدة منه كوطئ الشبهة. وأما وجوبها كعدة المطلقة فلانها حرة فوجب استبراؤها بعدة كاملة كالموطوءة بشبهة وبهذا قال الحسن والنخعي، وهو قول مالك. وروى ابن أبى موس عن أحمد رواية أخرى أنها تستبرأ بحيضة واحدة. (مسألة) أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة الحائل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ. وذلك لقوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذورن أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " وما رواه الشيخان مرفوعا " لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " ولا تحمل الاية على المدخول بها كما في قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسن ثلاثة قروء " لان هذا مخصصة بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات من أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " ولم يرد تخصيص عدة الوفاة، ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص، لان النكاح عقد عمر، فإذا انتهى والشئ إذا انتهى تقررت أحكامه. وكذلك فإن المطلقة إذا أتت بولد يمكن للزوج تكذيبها ونفيه باللعان الامر الذي يمتنع في حق المتوفى. فلا يؤمن أن تأتى بولد فيلحق الميت نسبه وما له من ينفيه، فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها عن التصرف والمبيت في غير منزلها حفظا لها. فإذا تقرر هذا فانه لا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم. وحكى عن مالك أنها إذا كانت مدخولا بها وجب أربعة أشهر وعشر فيها. واتباع الكتاب والسنة أولى. ولانه لو اعتبر الحيض في حقها لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة. وهذا الخلاف يختص بذات القرء. فأما الايسة والصغيرة

فلا خلاف فيها. وأما الامة المتوفى عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور واصحاب الرأى وغيرهم إلا ابن سيرين. فإنه قال: ما أرى عدة الامه الا كعدة الحرة. الا أن تكون قد مضت في ذلك سنه. فإن السنة أحق أن تتبع وأخذ بظاهر النص وعمومه. ولكن هذا لا ينهض أمام اتفاق الصحابة على أن عدة الامه المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة. (فرع) إذا مات الصغير الذي لا يولد لمثله ولد عن زوجته، فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض العدة بوضعه. وبهذا قال مالك والصحيح من مذهب أحمد وقال أبو حنيفة: أن مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع. فان ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به. وقد روى عن أحمد في الصبى مثل قول أبى حنيفة. وهكذا خلاف فيما إذا تزوج بامرأة ودخل بها. وان أتت بولد لدون ستة أشهر من حين عقد النكاح، فإنها لا تعتد بوضعه عندنا وعند أحمد، وتعتد به عند أبى حنيفة، واحتج بقوله تعالى " وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن " ولا يخفى أن الآية واردة في المطلقات ثم هي مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه فإذا تقرر هذا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطئ الذي علقت به منه، سواء كان هذا الولد ملحقا بغير الصغير، مثل أن يكون من عقد فاسد أو وطئ شبهة، لان العدة تجب في هذه الاحوال، فإذا وضعته اعتدت من الصبى بأربعة أشهر وعشر، لان العدتين من رجلين لا يتداخلان ولو طلقها أو مات عنها فلم تنقض عدتها حتى تزوجت من أصابها فرق بينهما وبنت على ما مضى من عدة الاول، ثم استقبلت العدة من الثاني، والاجماع منعقد على هذا. ولان العدة انما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضى إلى اختلاط المياه وامتزاج الانساب، وإن تزوجت فالنكاح باطل لانها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الاول، فكان نكاحا باطلا، كما لو تزوجت وهى في نكاحه ويجب أن يفرق بينه وبينها - فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها ولا تقطع بالعقد

الثاني، لانه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا يستحق عليه بالعقد شئ وتسقط سكناها ونفقتها عن الزوج الاول لانها ناشز، وإن وطئها انقطعت العدة، سواء علم التحريم أو جهله وقال أبو حنيفة لا تنقطع لان كونها فراشا لغير من له العدة لا يمنعها، كما لو وطئت بشبهة وهى زوجة فإنها تعتد وإن كانت فراشا للزوج. إذا ثبت هذا فعليه فراقها، فإن لم يفعل فعليه التفريق بينهما، فإن فارقها أو فرق بينهما وجب عليها أن تكمل عدة الاول لان حقه أسبق وعدته وجبت عن وطئ في نكاح صحيح، فإذا أكملت عدة الاول وجب عليها أن تعتد من الثاني ولا تتداخل العدتان لانهما من رجلين، وهذا مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة: يتداخلان فتأتى بثلاثة قروء بعد مفارقة الثاني تكون عن بقية عدة الاول وعدة الثاني لان القصد معرفة براءة الرحم وهذا تحصل به براءة الرحم منهما جميعا. وهذا خطأ لما روى مالك عن أبن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار " أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفى فطلقها ونكحها غيره في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها ضربات بمخفقة وفرق بينهما ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول، وكان خاطبا من الخطاب، وان كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عتدها من الاول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبدا. وروى عن علي عليه السلام أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عده الاول وتعتد من الآخر. هذا ماقاله خليفتان من الراشدين لا نعلم لهما مخالفا من الصحابة (فرع) إذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، وذلك لان الرجعية زوجة يلحقها وينالها وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة، وإن مات مطلق البائن في عدتها بنت على عدة الطلاق لانه مات وليست زوجة له لانها بائن من النكاح فتكون غير منكوحة. وبهذا قال مالك وأبو عبيد

وأبو ثور وابن المنذر وقال أحمد تلزمها عدة الطلاق، إلا أن يطلقها في مرض موته فإنها تعتد أطول الاجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء، وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، لانها وارثة له فيجب عليها عدة الوفاة كالرجعية وتلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم، وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن طلق إحدى امرأتيه بعينها ثلاثا ومات قبل أن يبين نظرت فان لم يدخل بهما اعتدت كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشرا، لان كل واحدة منهما يجوز أن تكون هي الزوجة فوجبت العدة عليهما ليسقط الفرض بيقين، كمن نسى صلاة من صلاتين لايعرف عينها وإن دخل بهما - فان كانتا حاملتين - اعتدتا بوضع الحمل، لان عدة الطلاق والوفاة في الحمل واحدة، وان كانتا من ذوات الشهور اعتدتا بأربعة أشهر وعشر، لانها تجمع عدة الطلاق والوفاة، وان كانتا من ذوات الاقراء اعتدتا بأقصى الاجلين من أربعة أشهر وعشرا أو ثلاثة أقراء، وابتداء الاشهر من موت الزوج، وابتداء الاقراء من وقت الطلاق ليسقط الفرض بيقين. وان اختلفت صفتهما في العدة كان حكم كل واحدة منهما على الانفراد كحكمها إذا اتفقت صفتهما، وقد بيناه. وإن طلق أحداهما لا بعينها ومات قبل أن يعين فالحكم فيه على ما ذكرناه إذا كانت المطلقة معينه ومات قبل أن يبين الا في شئ واحد. وهو أنا متى أمرناها بالاعتداد بالشهور أو الاقراء، فإن ابتداء الاشهر من حين الموت، فأما الاقراء، فان قلنا على أحد الوجهين إن ابتداء العدة من حين يلفظ بالطلاق كان ابتداء الاقراء من حين الطلاق، وان قلنا بالوجه الآخر ان ابتداء العدة من حين التعيين كان ابتداء الاقراء من حين الموت، لان بالموت وقع الاياس من بيانه وقبل الموت لم ييأس من بيانه

(الشرح) إذا طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فإنه يحرم عليه الجميع، فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الاجلين إذا كن من ذوات الاقراء من عدة الطلاق والوفاة، لان النكاح كان ثابتا بيقين وكل واحدة منهن يحتمل أن تكون هي المطلقة وأن تكون زوجة فوجب أقصى الاجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض بيقين، كمن نسى صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلى خمس صلوات لكن ابتداء القروء من حين طلق. وابتداء عدة الوفاة من حين الموت، وهذا هو مذهب أحمد بن حنبل. وإن طلق الجميع ثلاثا بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن ثلاثا، وإن طلق الجميع ثم أنسيهن فهو كما لو طلق واحدة، وإذا طلق واحدة لا بعينها من نسائه فعلى ما قلنا في التي قبلها وقال أصحاب أحمد: أخرجت بالقرعة وعينها العدة دون غيرها، وتحسب عدتها من حين طلق لا من حين القرعة قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقة أو أي علم صادق ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق وتكون الوفاة، وإن لم تعتد حتى تمضى عدة الطلاق والوفاة لم يكن عليها عدة، لان العدة إنما هي مدة تمر عليها، فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها. قال وإذا خفى ذلك عليها وقد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه. وقد روى عن غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: تعتد من يوم يكون الطلاق أو الوفاة. اه (فرع) والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال بأيامها، فتجب عشرة أيام مع الليالى، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأى. وقال الاوزاعي: يجب عشر ليالى وتسعة أيام، لان العشر تستعمل في الليالى دون الايام، وإنما دخلت الايام اللاتى في أثناء الليل تبعا قلنا: العرب تغلب اسم التأنيث في العدد خاصه على المذكر فتطلق لفظ الليالى وتريد الليالى بأيامها، كما قال تعالى لزكريا " آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال

سويا " يريد أيامها بدليل أنه قال في موضع آخر " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " يريد بلياليها. ولو نذر اعتكاف العشر الاخير من رمضان لزم الليالى والايام، ويقول القائل (سرنا عشرا) يريد الليالى بأيامها، فلم يجز نقلها عن العدة إلى الاباحة بالشك. وما في الفصل من اختلاف صفاتهن أو اتفاقها فعلى وجهه. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا فقدت المرأة زوجها وانقطع عنها خبره ففيه قولان (أحدهما) وهو قوله في القديم إن لها أن تنفسخ النكاح ثم تتزوج، لما روى عمرو بين دينار عن يحيى بن جعدة " أن رجلا استهوته الجن فغاب عن أمرأته، فأتت عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأمرها أن تمكث أربع سنين، ثم أمرها أن تعتد ثم تتزوج " ولانه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطئ بالتعنين وتعذر النفقة بالاعسار، فلان يجوز ههنا - وقد تعذر الجميع - أولى (والثانى) وهو قوله في الجديد وهو الصحيح أنه ليس لها الفسخ، لانه إذا لم يجز الحكم بموته في قسمة ماله لم يجز الحكم بموته في نكاح زوجته، وقول عمر رضى الله عنه يعارضه قول علي عليه السلام " تصبر حتى يعلم موته " ويخالف فرقة التعنين والاعسار بالنفقة، لان هناك ثبت سبب الفرقة بالتعنين، وههنا لم يثبت سبب الفرقة وهو الموت فإن قلنا بقوله القديم قعدت أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج، لما رويناه عن عمر رضى الله عنه، ولان بمضي أربع سنين يتحقق براءة رحمها ثم تعتد: لان الظاهر أنه مات فوجب عليها عدة الوفاة قال أبو إسحق يعتبر ابتداء المدة حين أمرها الحاكم بالتربص. ومن أصحابنا من قال يعتبر من حين انقطع خبره، والاول أظهر، لان هذه المدة ثبتت بالاجتهاد فافتقرت إلى حكم الحاكم كمدة التعنين، وهل يفتقر بعد انقضاء العدة إلى الحكم بالفرقة؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يفتقر، لان الحكم بتقدير المدة حكم بالموت بعد انقضائها

(والثانى) أنه يفتقر إلى الحكم لانه فرقة مجتهد فيها فافتقرت إلى الحاكم كفرقة التعنين، وهل تقع الفرقة ظاهرا وباطنا؟ فيه وجهان (أحدهما) تقع ظاهرا وباطنا، فإن قدم الزوج وقد تزوجت لم يجز أن ينتزعها من الزوج، لانه فسخ مختلف فيه، فنفذ فيه الحكم ظاهرا وباطنا كفرقة التعنين (والثانى ينفذ في الظاهر دون الباطن، لان عمر رضى الله عنه جعل للمفقود لما رجع أن يأخذ زوجته. وإن قلنا بالقول الجديد إنها باقية على نكاح الزوج. فإن تزوجت بعد مدة التربص وانقضاء العدة فالنكاح باطل، فإن قضى لها حاكم بالفرقة فهل يجوز نقضه على قوله الجديد؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه حكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد (والثانى) أنه يجوز لانه حكم مخالف لقياس جلى، وهو أنه لا يجوز أن يكون حيا في ماله ميتا في نكاح زوجته (فصل) وإن رجع المفقود، فإن قلنا بقوله الجديد سلمت الزوجة إليه، وإن قلنا بقوله القديم وقلنا إن حكم الحاكم لا ينفذ في الباطن سلمت إليه، وإن قلنا إنه ينفذ ظاهرا وباطنا لم تسلم إليه، وان فرق الحاكم بينهما وتزوجت ثم بان أن المفقود كان قد مات وقت الحكم بالفرقة - فإن قلنا بقوله القديم - صح النكاح، سواء قلنا إن الحكم ينفذ في الظاهر دون الباطن، أو قلنا إنه ينفذ في الباطن دون الظاهر، لان الحكم أباح لها النكاح وقد بان أن الباطن كالظاهر. وإن قلنا بقوله الجديد ففي صحة النكاح الثاني وجهان بناء على القولين فيمن وصى بمكاتبه ثم تبين أن الكتابة كانت فاسدة (الشرح) يحيى بن جعدة اختلف في صحبة أبيه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومى القرشى، فقد تزوج هبيرة بن أبى وهب بأم هانئ بنت أبى طالب فولدت أم هانئ ثلاثة بنين: جعدة وهانئ ويوسف. وقال الزبير بن بكار: أربعة بنين أحدهم جعدة، وقد تولى جعدة على خراسان لعلي بن أبي طالب، وهو ابن أخته وهو القائل: أبى من مخزوم ان كنت سائلا ومن هاشم أمي لخير قبيل فمن الذي يبنأى (1) على بخاله كخالي على ذى الندى وعقيل

_ (1) يبأى أي يفخر

اما ولده يحيى فليس من رواته ولكنه ثقة، وقد أرسل عن ابن مسعود ونحوه وهو الطبقة الثالثة. أما رواية يحيى هنا فقد أخرجها ابن أبى الدنيا قال " وحدثنا أبو مسلم عبد الرحمن ابن يوسف حدثنا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن يحيى بن جعدة قال: انتسفت الجن رجلا على عهد عمر رضى الله عنه فلم يدروا أحيا هو أم ميتا؟ فأتت امرأته عمر رضى الله عنه فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه أن يطلق ثم أمرها أن تعتد وتتزوج فإن جاء زوجها خير بينها وبين الصداق " ويحيى لم يعاصر عمر بن الخطاب ولم يره فيكون في الخبر انقطاع وقد أخرج ابن أبى الدنيا هذا الخبر بإسناد آخر: حدثنى اسماعيل بن اسحق حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أبى نضرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن رجلا من قومة خرج ليصلى مع قومه صلاة العشاء ففقد، فانطلقت أمراته إلى عمر بن الخطاب فحدثته بذلك، فسأل عن ذلك قومها فصدقوها، فأمرها أن تتربص أربع سنين فتربصت ثم أتت عمر فأخبرته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها، فأمرها أن تتزوج، ثم أن زوجها الاول قدم فارتفعوا إلى عمر فقال عمر: يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته، قال كان لي عذر؟ قال وما عذرك؟ قال خرجت أصلى مع قومي صلاة العشاء فسبتني أو قال أصابتني الجن فكنت فيهم زمنا طويلا، فعزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا فكنت فيمن أصابوا، فقالوا ما دينك؟ قلت مسلم. قالو أنت علي ديننا لا يحل لنا سبيك، فخيروني بين المقام وبين القفول فاخترت القفول، فأقبلوا معى بالليل بشرا يحدوني، وبالنهار اعصار وريح أتبعها، قال فما كان طعامك؟ قال كل ما لم يذكر اسم الله عليه. قال فما كان شرابك؟ قال الجدف قال قتادة: الجدف ما لم يخمر من الشراب قال فخيره عمر رضى الله عنه بين المرأة وبين الصداق. وفي إسناده أبو نضرة وليس كل أحد يحتج به.

وأورد العقيلى في الضعفاء، وذكره صاحب الكامل ولم يذكر شيئا أكثر من أنه كان عريفا لقومه، قال الذهبي: ولكن احتج به البخاري. وأخرجه الاثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد بن عمير وعبد الرزاق بسنده في الفقيد ومالك والشافعي مختصرا. أما الاحكام: فإذا غاب الرجل عن امرأته غيبة غير منقطعة، يعرف فيها خبره ومكانه ويأتى كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين، إلا أن يعتذر الانفاق عليها من ماله، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه. وأجمعوا على أن زوجة الاسير لا تنكح حت تعلم يقين وفاته، وهذا قول النخعي والزهرى ويحيى الانصاري ومكحول وأحمد بن حنبل وأبى عبيد وأبى ثور وإسحاق وأصحاب الرأى، وان أبق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته، وبه قال الاوزاعي والثوري وإسحاق. وقال الحسن: اباقه طلاقه. أما إذا غاب غيبة منقطعة بأن يفقد وينقطع خبره ولا يعلم مكانه فهذا ينقسم قسمين. (أحدهما) أن يكون ظاهر غيبته السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة وطلب العلم والسياحة والاسر في حبس السلطان فلا تزوج الزوجية أيضا ما لم يثبت موته، هذا هو قوله في الجديد، وهو مروى عن علي وابن شبرمة وابن أبى ليلى الثوري وأبى حنيفة وأبى قلابة والنخعي وأبى عبيد. وقال في القديم تتربص أربع سنين وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للازواج لانه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطئ بالعنة، وتعذر النفقة بالاعسار فلان يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى، واحتجوا بحديث عمر في المفقود مع موافقة الصحابة له وتركهم إنكاره ولم يقل بهذا من الفقهاء إلا مالك. ونقل أحمد من أصرم عن أحمد بن حنبل إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله، وهذا يقتضى أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج. قال ابن قدامة، قال أصحابنا أنما اعتبر تسعين سنة من يوم ولادته، لان

الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته، كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك، والمذهب الاول لان هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قيل في الاربع سنين أو كما قبل التسعين، ولان هذا التقدير بغير توقيف، والتقدير لا ينبغى أن يصار إليه الا بالتوقيف لان تقديرها بتسعين سنة من يوم ولادته يفضى إلى اختلاف العدة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج ولا نظير لهذا، وخبر عمر ظاهر فيمن ظاهر غيبته الهلاك فلا يقاس على غيره. (القسم الثاني) أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلا أو نهارا، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع، أو يمضى إلى مكان قريب ليقضى حاجته فلا يظهر له أثر ولاخبر أو يفقد في حومة القتال بين الصفين أو تتحطم بهم باخرة فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كصحراء الفيوم ومنخفض القطارة من ديار مصر حرسها الله أو في صحراء الجزائر الكبرى من قطر الجزائر أيده الله، أو الربع الخالى من البلاد الحجازية أعلى الله رايتها. فقال في القديم: تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا وتحل للازواج. وقال أحمد: من ترك هذا القول فأى شئ يقول، وهو قول عمر وعثمان وعلى وابن عباس وابن الزبير. وقال في الجديد تتربص حتى يتبين موته أو فراقه لما روى المغيرة بن شعبة إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " امرأة المفقود امرأته حتى يأتي زوجها ". وروى الحكم وحماد عن علي: لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه، لانه شك في زوال الزوجية فلم نثبت به الفرقة كما لو كان ظاهر غيبته السلامه، وفي اعتبار ابتداء المدة من حين الغيبه أو من حين ضرب الحاكم المدة وجهان. (أحدهما) يعتبر ابتداؤهما من حين ضربها الحاكم لانها مدة مختلف فيها فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدة العنه.

(والثانى) من حين انقطع خبره وبعد أثره لان هذا ظاهر في موته، فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به شاهدان، ولاحمد روايتان كالوجهين. (فرع) إذا قدم زوجها الاول قبل أن تتزوج فهى امرأته. وقال بعض أصحابنا إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الاول، والحق أننا انما أبحنا لها التزويج، لان الظاهر موته، فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته ثم بان حيا. والقياس الجلي أنه لا ينبغى أن نثبت له الحياة في ملكه ولانثبتها له في نكاحه والنكاح أحد الملكين فأشبه ملك المال، وهذا هو أحد الوجهين عندنا. فأما ان قدم بعد أن تزوجت نظرنا، فإن كان قبل الدخول بالثاني فهى زوجة الاول ترد إليه. أما بعد الدخول فإن قلنا: التفريق بينها وبين الزوج الاول بحكم الحاكم وأن الفرقة وقعت، فعلى قوله الجديد تسلم الزوجة إلى زوجها الاول ولا كلام. وإن قنلا بقوله القديم: وقلنا إن حكم الحاكم يقتصر على الظاهر دون الباطن سلمت الزوجة إلى زوجها الاول. وإن قلنا: إن حكمه ينفذ ظاهرا وباطنا لم تسلم إليه. وقال أحمد: أما قبل الدخول فهى امرأته، وإنما التخيير بعد الدخول، وهو قول الحسن وعطاء وخلاس بن عمرو والنخعي وقتادة ومالك وإسحاق، وفي رواية لاحمد: إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين الصداق وبين امرأته. قال ابن قدامة: والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على أنه لا تخيير إلا بعد الدخول، فتكون زوجة الاول رواية واحدة لان النكاح إنما صح في الظاهر دون الباطن، فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلا، لانه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلا كما لو شهدت بينة بموته، وليس عليه صداق لانه نكاح فاسد لم يتصل به دخول، ويعود الزوج بالعقد الاول كما لو لم تتزوج. (فرع) إذا تزوجت امرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه مثل أن

تتزوج قبل مضى المدة التي يباح لها التزويج بعدها أو كانت غيبة زوجها ظاهرها السلامة أو ما أشبه هذا، فإن تبين أن زوجها قد مات وانقضت عدتها منه أو فارقها وانقضت عدتها ففي صحة نكاحها وجهان. (أحدهما) هو صحيح لانها ليست في نكاح ولاعدة فصح تزويجها كما لو علمت ذلك (والثاني) لا يصح لانها معتقدة تحريم نكاحها وبطلانه، وأصل هذا من باع عينا في يده يعتقدها لمورثه فبان موروثه ميتا والعين مملوكة له بالارث هل يصح البيع؟ فيه وجهان كذا ههنا، والله تعالى أعلم بالصواب.

باب مقام المعتدة والمكان الذي تعتد فيه

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب مقام المعتدة والمكان الذي تعتد فيه) إذا طلقت المرأة فإن كان الطلاق رجعيا كان سكناها حيث يختار الزوج من المواضع التى تصلح لسكني مثلها، لانها تجب لحق الزوجية، وإن كان الطلاق بائنا نظرت فإن كان في بيت يملك الزوج سكناه بملك أو إجارة أو إعارة، فإن كان الموضع يصلح لسكني مثلها لزمها أن تعتد فيه لقوله عز وجل " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " فأوجب أن تسكن في الموضع الذي كان يسكن الزوج فيه، فإن كان الموضع يضيق عليهما انتقل الزوج وترك السكنى لها، لان سكناها تختص بالموضع الذي طلقها فيه. وإن اتسع الموضع لهما وأراد أن يسكن معها نظرت فإن كان في الدار موضع منفرد يصلح لسكني مثلها، كالحجرة أو علو الدار، أو سلفها وبينهما باب مغلق فسكنت فيه وسكن الزوج في الثاني جاز، لانهما كالدارين المتجاورتين، فإن لم يكن بينهما باب مغلق فإن كان لها موضع تستتبر فيه ومعها محرم لها تتحفظ به كره، لانه لا يؤمن النظر ولا يحرم، لان مع المحرم يؤمن الفساد، فإن لم يكن محرم لم يجز لقوله عليه السلام " لا يخلون رجل بأمراة ليست له بمحرم، فإن ثالثهما الشيطان " (فصل) وإن أراد الزوج بيع الدار التي تعتد فيها نظرت - فإن كانت مدة العدة غير معلومة، كالعدة بالحمل أو بالاقراء - فالبيع بالطل لان المنافع في مدة العدة مستثناة، فبصير كما لو باع الدار واستثنى منفعة مجهولة، فإن كانت مدة العدة معلومة كالعدة بالشهور ففيه طريقان (أحدهما) أنها على قولين كبيع الدار المستأجرة (والثانى) أنه يبطل قولا واحدا، والفرق بينهما أن منقعة الدار تنتقل إلى المستأجر، ولهذا إذا مات انتقل إلى وارثه فلا يكون في معنى من باع

الدار واستثنى بعض المنفعة، والمرأة لا تنتقل المنفعة إليها في مدة العدة، ولهذا إذا ماتت رجعت منافع الدار إلى الزوج فيكون في معنى من باع الدار واستثنى منفعتها لنفسه. (فصل) وان حجر على الزوج بعد الطلاق لديون عليه لم يبع المسكن حتى تنقضي العدة، لان حقها يختص بالعين فقدمت كما يقدم المرتهن على سائر الغرماء وإن حجر عليه ثم طلق ضاربت المرأة الغرماء بحقها فان بيعت الدار أستؤجر لها بحقها مسكن تسكن فيه لان حقها وان ثبت بعد حقوق الغرماء الا أنه يستند إلى سبب متقدم وهو الوطئ في النكاح، فان كانت لها عادة فيما تنقضي به عدتها ضاربت بالسكنى في تلك المدة فان انقضت العدة فيما دون ذلك ردت الفاضل على الغرماء، فان زادت مدة العدة على العادة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنها ترجع على الغرماء بما بقى لها كما ردت الفاضل إذا انقضت عدتها فيما دون العادة. (والثانى) لا ترجع عليهم لان الذي استحقت الضرب به قدر عادتها (والثالث) إن كانت عدتها بالاقراء لم ترجع لان ذلك لا يعلم الا من جهتها وهى متهمة: وان كانت بوضع الحمل أقامت البينة على وضع الحمل ورجعت عليهم لانه لا يلحقها فيه تهمة، فان لم يكن لها عادة فيما تنقضي به عدتها ضربت معهم بأجرة أقل مدة تنقضي به العدة لانه يقين فلا يجب ما زاد بالشك، فان زادت العدة على أقل ما تنقضي به العدة كان الحكم في الرجوع بالزيادة على ما ذكرناه إذا زادت على العادة (فصل) وان طلقت وهى في مسكن لها لزمها أن تعتد به لانه مسكن وجبت فيه العده، ولها أن تطالب الزوج بأجرة المسكن لان سكناها عليه في العدة (الشرح) الحديث أخرجه أحمد في مسنده من حيث عامر بن ربيعة بلفظ " لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فان ثالثهما الشيطان الا محرم " وأخرجه من حديث جابر بلفظ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فان ثالثهما الشيطان " وقد أخرج معناه الشيخان عن ابن عباس وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبى سعيد الخدرى وجرير بن عبد الله

وبريدة وعقبه بن عامر. أما الاحكام فقوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " قال أبن العربي: وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. (قلت) إن كانت المطلقة رجعية فإنها من نسائه ترثه ويرثها وتسكن حيث يختار لها ما يصلح لسكني مثلها، ولا تخرج إلا بإذنه ما كانت في عدتها، ولم يؤمر الرجل بالسكنى لها، لان ذلك لازم لزوجها مع نفقتها وكسوتها، حاملا كانت أو حائلا، وإنما أمر الله بالسكنى للائى بن مع أزواجهن من نفقتهن، قال تعالى (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فجعل عز وجل للحوامل اللائى بن من أزواجهن السكنى والنفقة، فالمطلقة ثلاثا إن كانت حاملا وجب لها السكنى قولا واحد لا نعلم بين أهل العلم خلافا فيه، فإن لم تكن حاملا فقد اختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي يحب لها السكنى، وهو قول أبن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم وأبى بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ وسليمان بن يسار ومالك والثوري وأصحاب الرأى وإحدى الروايتين عن أحمد لقول الله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وقوله تعالى (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) فأوجب لهن السكنى مطلقا. ثم خص الحامل بالانفاق عليها. وقال أحمد في أظهر روايتيه لا يجب لها ذلك. وهو قول ابن عباس وجابر وعطاء وطاوس والحسن وعمرو بن ميمون وعكرمة وإسحاق وأبى ثور وداود ابن على، لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال، والله مالك علينا من شئ. فجاءت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذلك له، فقال لها ليس لك عليه نفقة ولاسكنى، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدى في بيت ابن أم مكتوم " أخرجه الشيخان.

ولكنا إذا تأملنا صدى هذا الخبر لوجدنا أن عمر رضى الله عنه أنكر عليها وقال " ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت " وقال عروة " لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب، وقال إنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها " وقال سعيد بن المسيب " تلك امرأة فتنت الناس، إنها كانت لسنة، فوضعت على يدى ابن أم مكتوم الاعمى " ووجه القائلين بعدم وجوب السكنى لها ما قالت هي: بين وبينكم كتاب الله قال تعالى (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) فأى أمر يحدث بعد الثلاث فكيف تقولون لانفقة لها إذا لم تكن حاملا؟ فعلام تحبسونها؟ فكيف تحبس أمرأة بغير نفقة؟ * * * وأما قول عمر لا ندع كتاب ربنا، فقال أحمد بن حنبل لا يصدر هذا عن عمر ولكنه قال لا نجيز في ديننا قول امرأة. وهذا مجمع على خلافه، وقد أخذنا بخبر فريعة وهى امرأة، وبرواية عائشة وأزواج رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كثير من الاحكام، وصار أهل العلم إلى خبر فاطمة. هذا في كثير من الاحكام مثل سقوط نفقة المبتوتة إذا لم تكن حاملا الخ ما قال فإن كان الموضع الذي طلقها فيه يناسبها للعيش بمفردها لزمها ذلك، كما يلزمه إقرارها لقوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) فإن لم يناسبها فعليه أن يختار لها مسكنا يناسب مثلها، فإن كان في مسكن يملكه الزوج أو يؤجره ويصلح لمثلها اعتدت فيه، فان ضاق عنهما انتقل عنها وتركها لها لانه يلزم أن تسكن في الموضع الذي كان الزوج يسكن فيه لقوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) وقد ذهب أحمد ومن ذكرنا انه لاسكنى للمبتوتة ولا نفقة

وقالوا في الآية: انها للرجعية، ولان السكنى تابعة للنفقة، فلما لم تجب للمبتوتة نفقة لم يجب لها سكنى، وحجة أبى حنيفة أن للمبتوتة النفقة قول الله تعالى " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " وترك النفقة من أكبر الاضرار، وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبين هذا، ولانها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية، ولانها محبوسة عليه لحقه فاستحقت النفقة كالزوجة أما مذهبنا فإنه يلزمه أن يترك الموضع لها إن ضاق عليهما، فان اتسع لهما وفي الدار غرفة منفردة أو حجرة في علو الدار أو سفلها وبينهما باب مغلق سكنت فيه وسكن الزوج في الباقي، لانهما كالدارين المستقلتين المتجاورتين، وإن لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تتستر فيه بحيث لا يراها، ومعها محرم تتحفظ به جاز، لان مع المحرم يؤمن الفساد ويكره في الجملة، لانه لا يؤمن النظر، وان لم يكن معها محرم لم يجز، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يخلون رجل بإمرأة ليست له بمحرم، فإن ثالثهما الشيطان " وان امتنع من إسكانها أجبره الحاكم، وان كان الزوج حاضرا والمسكن لائقا فاكترت لنفسها موضعا أو سكنت في ملكها لم ترجع بالاجرة لانها تبرعت بذلك فلم ترجع به على أحد، وإن عجز الزوج عن إسكانها لعسرته أو غيبته أو امتنع من ذلك مع قدرته سكنت حيث شاءت، وكذلك الشأن في المتوفى عنها زوجها إذا لم يقم ورثته باسكانها، وهو إنما تلزمها السكنى في منزله لتحصين مائه، فإذا لم يفعل لم يلزمها ذلك وقال الشافعي في الام: بعد ذكر الآية " فذكر الله عز وجل المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقه، فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من وجدهم، وحرم عليهم أن يخرجوهن وعليهن ألا يخرجن: الا أن يأتين بفاحشة مبينه فيحل إخراجهن فكان من خوطب بهذه الآية من الازواج يحتمل أن اخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى لان الساكن إذا قيل أخرج من مسكنه فانما قيل: منع مسكنه، وكما كان كذلك إخراجه إياها وكذلك خروجها بامتناعها من السكن فيه وسكنها في غيره، فكان هذا

الخروج المحرم على الزوج والزوجه رضيا بالخروج معا أو سخطا معا أو رضى به أحدهما دون الآخر فليس للمرأة الخروج ولا للرجل إخراجها إلا في الموضع الذى استثنى الله عز ذكره من أن تأتى بفاحشة مبينه وفي العذر، فكان فيما أوجب الله تعالى على الزوج والمرأة من هذا تعبدا لهما، وقد يحتمل مع التعبد أن يكون لتحصين فرج المرأة في العدة، وولد إن كان بها ثم تكلم الشافعي عن خروج المرأة وأنها لا تخرج بحال ليلا ولا نهارا إلا من عذر قال: ولو فعلت هذا كان أحب إلى وكان احتياطا لا يبقى في القلب معه شئ وانما منعنا من ايجاب هذا عليها مع احتمال للآية لما ذهبنا إليه من ايجابه على ما قال ما وصفنا من احتمال الآيات قبل لما وصفنا. إذا ثبت هذا: فانه إذا كانت في مسكن لزوجها فأخرجها الورثة منه وبذلوا لها سكنا لم تلزمها السكنى، وكذلك ان أخرجت من المسكن الذى هي به أو أخرجت لاى غارض كان لم تلزمها السكنى في موضع معين سواه، سواء بذله الورثة أو غيرهم لانها انما يلزمها الاعتداد في بيتها الذي كانت فيه لا في غيره. وكذلك لو قلنا لها السكن فتعذر سكناها في مسكنها وبذل لها سواه، وان طلبت مسكنا سواه لزم الورثة تحصيله بالاجرة أو بغيرها ان خلف الميت تركة تفى بذلك ويقدم ذلك على الميراث، لانه حق على الميت فأشبه الدين، فان كان على الميت دين يستغرق ماله ضربت بأجرة المسكن مع الغرماء، لان حقها مساو لحقوق الغرماء وتستأجر بما يصبيها موضعا لسكنه. وكذلك الحكم في المطلقة إذا حجر على الزوج قبل أن يطلقها ثم طلقها: فانها تضرب بأجرة المسكن لمدة العدة مع الغرماء إذا كانت حاملا، فان قيل: فهلا قدمتم حق الغرماء لانه أسبق؟ قلنا: لان حقها ثبت عليه بغير اختيارها فشاركت الغرماء فيه كما لو أتلف المفلس مالا لانسان أو جنى عليه، وان مات وهى في مسكنه لم يجز اخراجها منه لان حقها تعلق بعين المسكن قبل تعلق حقوق الغرماء بعينه، فكان حقها مقدما كحق المرتهن، وان طلب الغرماء بيع هذا المسكن وتترك السكنى لها مدة العدة لم يجز لانها انما تستحق السكنى إذا كانت

حاملا، ومدة الحمل مجهولة، فتصير كما لو باعها واستثنى نفعها مدة مجهولة، وان أراد الورثة قسمة مسكنها على وجه يضر بها في السكنى لم يكن لهم ذلك، وان أرادوا التعليم بخطوط من غير نقض ولا بناء جاز لانه لاضرر عليها فيه. قال الشافعي رضى الله عنه: وإن كان على زوجها دين لم يسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها، فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو بكراء لم يدفعه وأفلس فلاهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ، واتبعته بفضلة متى أيسر، قال: وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفي العدة من طلاقه اه. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان مات الزوج وهى في العدة قدمت على الورثة في السكنى لانه استحقتها في حال الحياة فلم تسقط بالموت كما لو أجر داره ثم مات فإن أراد الورثة قسمة الدار لم يكن لهم ذلك، لان فيها اضرارا بها في التضييق عليها، وان أرادوا التمييز بأن يعلموا عليها بخطوط من غير نقض ولابناء، فان قلنا ان القسمة تمييز الحقين جاز لانه لاضرر عليها، وان قلنا انها بيع فعلى ما بيناه (فصل) وان توفى عنها زوجها وقلنا: انها تستحق السكنى فان كانت في مسكن الزوج لزمها أن تعتد فيه، لما روت فريعة بنت مالك " أن زوجها قتل فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امكثى حتى يبلغ الكتاب أجله " وان لم تكن في مسكن الزوج وجب من تركته أجرة مسكنها مقدمة على الميراث والوصية، لانه دين مستحق فقدم، وان زاحمها الغرماء ضاربتهم بقدر حقها، فان لم يكن له مسكن فعلى السلطان سكناها لما في عدتها من حق الله تعالى، وان قلنا: لا تجب لها السكنى اعتدت حيث شاءت، فإن تطوع الورثة بالسكنى من مالهم وجب عليها الاعتداد فيه. (فصل) وان أمر الزوج امرأته بالانتقال إلى دار أخرى فخرجت بنية

الانتقال ثم مات أو طلقها وهي بين الدارين ففيه وجهان (أحدهما) أنها تخير بين الدارين في الاعتداد، لان الاولى خرجت عن أن تكون مسكنا لها بالخروج منها والثانية لم تصر مسكنا لها (والثاني) وهو الصحيح أنه يلزمها الاعتداد في الثانية، لانها مأمورة بالمقام فيها ممنوعة من الاولى (فصل) وإن أذن لها في السفر فخرجت من البيت بنية السفر ثم وجبت العدة قبل أن تفارق البنيان، ففيه وجهان (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ لها أن تعود ولها أن تمضى في سفرها، لان العدة وجبت بعد الانتقال من موضع العدة فصار كما لو فارقت البنيان (والثانى) وهو قول أبى إسحق أنه يلزمها أن تعود وتعتد لانه لم يثبت لها حكم السفر، فإن وجبت العدة وقد فارقت البنيان، فإن كان في سفر نقلة ففيه وجهان كما قلنا فيمن طلقت وهى بين الدار التي كانت فيها وبين الدار التي أمرت بالانتقال إليها، فإن كانت في سفر حاجة فلها أن تمضى في سفرها ولها أن تعود، لان في قطعها عن السفر مشقة، وإن وجبت العدة وقد وصلت إلى المقصد، فإن كان للبقاء لزمها أن تقيم وتعتد لانه صار كالوطن الذي وجبت فيه العدة، فإن كان لقضاء حاجة فلها أن تقيم إلى أن تنقضي الحاجة، فان كان لزيارة أو نزهة فلها أن تقيم مقام مسافر وهو ثلاثة أيام لان ذلك ليس باقامة، فان قدر لها إقامة مدة شهر أو شهرين ففيه قولان (أحدهما) أن لها أن تقيم المدة، وهو اختيار المزني، لانه مأذون فيه (والثاني) أنها لا تقيم أكثر من إقامة المسافر وهو ثلاثة أيام، لانه لم يأذن في المقام على الدوام فلم تزد على ثلاثة أيام، فان انقضى ما جعل لها من المقام نظرت فان علمت أنها إذا عادت إلى البلد أمكن أن تقضى شيئا من عدتها ولم يمنعها خوف الطريق لزمها العود لتقضى العدة في مكانها، وان علمت أنها إذا عادت لم يبق منها شئ ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمها لانها لا تقدر على العدة في مكانها (والثانى) يلزمها لتكون أقرب إلى الموضع الذي وجبت فيه العدة. (فصل) إذا أحرمت بالحج ثم وجبت عليها العدة، فان لم يخش فوات الحج إذا قعدت للعدة لزمها أن تقعد للعدة ثم تحج، لانه يمكن الجمع بين الحقين فلم يجز

إسقاط أحدهما بالآخر فإن خشيت فوات الحج وجب عليها المضى في الحج لانهما استويا في الوجوب وتضيق الوقت والحج أسبق فقدم. وإن وجبت العدة ثم أحرمت بالحج لزمها القعود للعدة لانه لا يمكن الجمع بينهما والعدة أسبق فقدمت (الشرح) حديث فريعة بنت مالك أخرجه أبو داود في الطلاق عن القعنبى والترمذي في الطلاق عن إسحاق بن موسى والنسائي في الطلاق عن محمد بن العلاء وعن قتبية وعن اسحاق بن منصور وان ماجه في الطلاق عن أبي بكر والطبراني في الطلاق عن سعد بن اسحاق وقد صححه الترمذي ولفظه " خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه، فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلى ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلى واخوتي لكان أرفق لى في بعض شأني. قال تحولي، فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر به فدعيت، فقال امكثى في بيتك الذي أتاك فيه نعى زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت وأرسل إلى عثمان فأخبرته فأخذ به " ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان وأخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي وابن حبان والحاكم وصححاه، وأعله ابن حزم بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجزة الرواية له عن فريعة، ولكن زينب المذكورة وثقها الترمذي وغيره في الصحابة وأما ماروى عن علي بن المدينى بأنه لم يرو عنها غير سعد بن اسحاق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب في فضل الامام علي عليه السلام، وقد أعل الحديث أيضا بأن في إسناده سعد بن إسحاق وتعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حبان، ووثقه أيضا ابن معين والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث. وروى عنه جماعة من أكابر الائمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ماقاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة، فإن من يروى عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردى وابن جريج والزهرى مع كونه أكبر منه، وغير هؤلاء الائمة كيف يكون غير مشهور

أما اللغات فإن فريعة - بضم الفاء وفتح الراء بعدها ياء ساكنة - ويقال لها الفارعة، وهى بنت مالك بن سنان - أخت أبى سعيد الخدرى - وشهدن بيعة الرضوان. وقد استدل بهذا الحديث على أن المتوفى عنها زوجها تعتد في المنزل الذي بلغها نعى زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، واليه ذهب مالك وأبو حنيفة والاوزاعي واسحاق وأبو عبيد. قال ابن عبد البر " وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الامصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، ولم يطعن فيه أحد منهم قال الشافعي في الام، قال الله تبارك وتعالى في المطلقات " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة " فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة، فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات، ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الاخراج المتوفى عنهن لانهن في معناهن في العدة. قال ودلت سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لانه مالك ماله، ولايكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لان ماله مملوك لغيره. ثم ساق حديث الفريعة بنت مالك، ثم قال وإذا طلق الرجل امرأته فلها سكناها في منزله حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملكها: وان كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت، ولايكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه، كان له المسكن أو لم يكن وقال الشافعي رضى الله عنه " ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط.

ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذى كانت فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنقل إليه. ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أو أمرها تنقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل بيدنها حتى مات أو طلقها أعتدت في بيتها الذى كانت فيه، ولا تكون متنقلة إلا ببدنها، فإذا ببدنها، فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو انتقلت بغير إذنه ثم لم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه وهكذا السفر يأذن لها به، فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها. وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج معها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها لخيار في أن تمضى في سفرها ذاهبة أو جائية، وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضى سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه، الا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه، فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر اه وجملة ذلك أن المعتدة لا تخرج من مسكنها لسفر ولا غيره بغير عذر الا بإذنه. فإن كانت في عدة الوفاء فليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره من أنواع السفر. روى ذلك عن عمر وعثمان وسعيد بن المسيب والقاسم ومالك وأحمد وأبو عبيد وأصحاب الرأى والثوري. وإن خرجت فمات زوجها في الطريق رجعت ان كانت لم تفارق البنيان، فإن فارقت البنيان فها الخيار بين الرجوع والتمام لانها صارت في موضع أذن لها فيه وهو السفر، فأشبه ما لو كانت قد بعدت. وقال أحمد وأصحابه: يجب عليها أن ترجع ان كانت قريبة لانها في حكم الاقامة وان تباعدت مضت. ووجه هذا القول ماروى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال: توفى أزواج نساؤهن حاجات أو معتمرات فردهن عمر من ذي الحليفة

حتى يعتددن في بيوتهن، ولانه أمكن الاعتداد في منزلها قبل أن يبعد سفرها فلزمها، وقال مالك ترد ما لم تحرم. وقال أبو حنيفة حد القريب بما لا تقصر فيه الصلاة، وحد البعيد بما تقصر فيه وهو مسيرة ثلاثة أيام. وقال متى كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام فعليها الرجوع إليه، وان كان فوق ذلك لزمها المضى إلى مقصدها والاعتداد فيه إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام، وان كان بينها وبينه ثلاثة أيام وفي موضعها الذي هي فيه موضع يمكنها الاقامة فيه لزمها الاقامة، وان لم يمكنها الاقامة مضت إلى مقصدها ولنا أنه يفرق بين السفر لحاجة والسفر لغير حاجة ووصلت إلى غايتها أو لم تصل على ما بينه المصنف هنا. فإذا كان عليها حجة الاسلام فمات زوجها لزمتها العدة في منزلها، وإن فانها الحج، ولان العدة في المنزل تفوت ولابدل لها، والحج يمكن الاتيان به في غير هذا العام. وان مات زوجها بعد احرامها بحج الفرض أو بحج أذن لها فيزوجها نظرت - فإن كان وقت الحج متسعا لا تخاف فوته ولا فوت الرفقة لزمها الاعتداد في منزلها، لانه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز اسقاط أحدهما. وان خشيت فوات الحج لزمها المضى فيه. وبهذا قال أحمد. وقال أبو حنيفة يلزمها المقام وان فانها الحج لانها معتدة فلم يجز لها أن تنشئ سفرا كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها. دليلنا أنهما عبادتان استويا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الاسبق منهما، كما لو كانت العدة أسبق، ولان الحج آكذ لانه أحد أركان الاسلام والمشقة بتفويته تعظم، فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بعد سفرها إليه وان أحرمت بالحج بعد موت زوجها وخشيت فواته يجوز لها أن تمضى إليه لما في بقائها في الاحرام من المشقة، ويجوز أن تعتد في منزلها لما في العدة من السبق ولانها فرطت وغلظت على نفسها، فإذا قضت العدة وأمكنها السفر إلى الحج لزمها ذلك، فإن أدركته والا تحللت بعمل عمرة وحكمها حكم من فاته الحج في قضائه وان لم يمكنها السفر فحكمها حكم المحصر كالتي يمنعها زوجها من السفر وحكم الاحرام بالعمرة كذلك إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولايجوز للمبتوتة ولا للمتوفى عنها زوجها الخروج من موضع العدة من غير عذر لقوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وروت زينب بنت كعب بن عجرة عن فريعة بنت مالك قالت " قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي في دار وحشة أفأنتقل إلى دار أهلى فأعتد عندهم؟ فقال اعتدى في البيت الذي أتاك فيه وفاة زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله، أربعة أشهر وعشرآ " (فصل) وإن بذت على أهل زوجها نقلت عنهم لقوله تعالى (ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال ابن عباس رضى الله عنه: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها، فإذا بذت على الاهل حل إخراجها. وأما إذا بذا عليها أهل زوجها نقلوا عنها، ولم تنتقل لان الاضرار منهم دونها، وإن خافت في الموضع ضررا من هدم أو غيره انتقلت، لانها إذا انتقلت للبذاء على أهل زوجها فلان تنتقل من خوف الهدم أولى، ولان القعود للعدة لدفع الضرر عن الزوج في حفظ نسب ولده والضرر لا يزال بالضرر فإن كانت العدة في موضع بالاعارة فرجع المعير أو بالاجارة فانقضت المدة وامتنع المؤجر من الاجارة أو طلب أكثر من أجرة المثل انتقلت إلى موضع آخر، لانه حال عذر، ولا تنتقل في هذه المواضع إلا إلى أقرب موضع من الموضع الذي وجبت فيه العدة، لانه أقرب إلى موضع الوجوب، كما قلنا فيمن وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان إنه ينقل الزكاة إلى أقرب موضع منه. وإن وجب عليها حق لا يمكن الاستيفاء إلا بها كاليمين في دعوى أو حد - فإن كانت ذات خدر - بعث إليها السلطان من يستوفى الحق منها، وإن كانت برزة جاز إحضارها لانه موضع حاجة فإذا قضت ما عليها رجعت إلى مكانها، وان احتاجت إلى الخروج لحاجة كشراء القطن وبيع الغزل لم يجز أن تخرج لذلك بالليل، لما روى مجاهد قال " استشهد رجال يوم أحد فتأيم نساؤهم

فجئن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يارسول الله انا نستوحش بالليل ونبيت عند احدانا حتى إذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدثن عند احداكن مابدا لكن، حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة إلى بيتها: ولان الليل مظنة للفساد فلا يجوز لها الخروج من غير ضرورة. وان أرادت الخروج لذلك بالنهار نظرت - فإن كانت في عدة الوفاة - جاز لحديث مجاهد. وان كانت في عدة المبتوتة فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لقوله تعالى (ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) وقال في الجديد " يجوز " وهو الصحيح لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها: فأتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فقال لها: اخرجي فجدى نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا " ولانها معتدة بائن فجاز لها أن تخرج بالنهار لقضاء الحاجة كالمتوفى عنها زوجها. (الشرح) في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) دليل على أنه ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح مادامت في العدة، ولايجوز لها الخروج الا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولاننقطع العدة، والمبتوتة في هذا كالرجعية - وهذا لصيانة ماء الرجل - وهذا معنى اضافة البيوت اليهن، كقوله تعالى (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن فهو اضافة اسكان لااضافة تمليك أما حديث فريعة فقد مضى تخريجه آنفا وقوله " دار وحشة " دار مضاف وحشة مضاف إليه، وأصله المكان القفر من الانيس. وخبر ابن عباس قال ابن كثير في قوله تعالى (الا أن يأتين بفاحشة مبينة) والفاحشة المبينة تشمل الزنا، كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبى والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو فلابة وأبو صالح وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والسدى وسعيد بن أبى هلال وغيرهم وغيرهم اه

وقال القرطبى: وعن ابن عباس والشافعي أنه البذاء على أحمائها فيحل لهم إخراجها، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ في فاطمة: تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها عليه السلام أن تنقل. وفي كتاب أبى داود، قال سعيد تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنه فوضعت على يدى ابن أم مكتوم الاعمى، قال عكرمة في مصحف أبى " إلا أن يفحشن عليكم " ويقوى هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روى أن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس: اتقى الله فإنك تعليمن لم أخرجت؟ وعن ابن عباس الفاحشة كل معصية كالزنا والسرقة والبذاء على الاهل وعن ابن عمر أيضا والسدى: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة، وقال قتادة الفاحشة النشوز، وذلك أن يطلقها فتتحول عن بيته. قال ابن العربي أما من قال إنه الخروج للزنا فلا وجه له، لان ذلك الخروج هو خروج القتل والاعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام، وأما من قال انه البذاء فهو مفسر في حديث فاطمة بنت قيس، وأما من قال انه كل معصية فوهم لان الغيبة ونحوها من المعاصي لا تبيح الاخراج ولا الخروج. وأما من قال: إنه الخروج بغير حق فهو صحيح وتقدير الكلام لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعا إلا أن يخرجن تعديا. أه (قلت) قال الشافعي في الام: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر وعن محمد بن إبراهيم عن ابن عباس أنه كان يقول الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها، فإذا بذت فقد حل إخراجها، ثم ساق هذا الاسناد إلى عائشة رضى الله عنها كانت تقول اتقى الله يا فاطمة فقد علمت في أي شئ كان ذلك. قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتونة فقال تعتد في بيت زوجها، فقلت فأين حديث فاطمة بنت قيس؟ فقال هاه وصف أنه تغيظ: وقال فتنت فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها فأمرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ تعتد في بيت أم مكتوم.

وقال الشوكاني في نيل الاوطار وأما دعوى أن سبب خروجها كان لفحش في لسانها، كما قال مروان لما حدث بحديثها ان كان بكم شر فحسبكم مابين هذين من الشر، يعنى أن خروج فاطمة كان لشر في لسانها فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم فقد أعاذ الله فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به فإنها من خيرة نساء الصحابة فضلا وعلما، ومن المهاجرات الاولات ولهذا ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه وابن حبه أسامة، وممن لا يحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لاخراجها من دارها، ولو صح شئ من ذلك لكان أحق الناس بانكار ذلك عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هذا الكلام من الشوكاني نظر سنأتي عليه. أما خبر مجاهد المرسل فقد أخرجه الشافعي وعبد الرزاق هكذا مرسلا بلفظ المصنف، وله شواهد متصلة موقوفه على ابن مسعود عند عبد الرزاق في نساء نعى اليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود يحتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل. وأخرج ابن أبي شيبه عن عمر رضى الله عنه أنه رخص للمتوفى عنها زوجها أن تأتى أهلها بياض يومها، وأن زيد بن ثابت رخص لها في بياض يوما. وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضى الله عنه أنه جوز للمسافرة الانتقال. وروى الحجاج بن منهال أن أمرأة سألت أم سلمه بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها وسط النهار. أما حديث جابر فقد أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي. أما الاحكام فللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها لحديث جابر " طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلها فلقيها رجل فنهاها فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أخرجي فجدى نخلك لعلك أن تتصدقى منه أن تفعلي خيرا ". وحديث مجاهد المرسل وفيه " تحدثن عند أحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا

إلا لضرورة، لان الليل مظنة الفساد بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه، وان وجب عليها حق لا يمكن استيفاؤه إلا بها كاليمين وكانت ذات خدر بعث إليها الحاكم من يستوفى الحق منها في منزلها، وان كانت برزة جاز إحضارها لاستفيائه، فإذا فرغت رجعت إلى منزلها. وقال الشافعي رضى الله عنه: وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث فاطمة بنت قيس إذا بذت على أهل زوجها فأمرها أن تعتد في بيت ام مكتوم تدل على معنيين (أحدهما) أن ما تأول ابن عباس في قول الله عز وجل " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " هو البذاء على أهل زوجها كما أول إن شاء الله تعالى وقال وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها فلم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم: اعتدى حيث شئت، ولكنه حصنها حيث رضى إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها، فإذا بذت المرأة على أهل زوجها فجاء من بذائها ما يخاف تساعر بذائه إلى تساعر الشر، فلزوجها إن كان حاضرا اخراج أهله عنها، فإن لم يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه، وكان عليه كراؤه إذا كان له منها أن تعتد حيث شاءت كان عليه كراء المنزل. وان كان غائبا كان لوكليه من ذلك ماله، وان لم يكن له وكيل كان السلطان ولى الغائب يفرض له منزلا فيحصنها فيه، فان تطوع السلطان به أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحدا بالمدينة أكرى أحدا منزلا انما كانوا يتطوعون بانزال منازلهم وبأموالهم مع منازلهم، وان لم يتطوع به السلطان ولاغيره فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه، ولا يتكارى لها السلطان الا بأخف ذلك على الزوج وان كان بذاؤها حتى يخاف أن يتساعر ذلك بينها وبين أهل زوجها عذرا في الخروج من بيت زوجها كان كذلك كل ماكان في معناه وأكثر من أن يجب حد عليها فتخرج ليقام عليها أو حق فتخرج لحاكم فيه أو يخرجها أهل منزل فيه بكراء أو عارية ليس لزوجها أو ينهدم منزلها الذي كانت فيه أو تخاف في منزل هي فيه على نفسها أو مالها أو ما أشبه هذا من العذر، فللزوج في هذه الحالات

أن يحصنها حيث صيرها أو اسكانها وكراء منزلها قال: وان أمرها أن تكارى منزلا بعينه فتكارته فكراؤه عليه متى قامت به عليه، وان لم يأمرها فتكارت منزلا فلم ينهها ولم يقل لها: أقيمي فيه، فان طلبت الكراء وهي في العدة استقبل كراء منزلها من يوم تطبه حتى تنقضي العدة. وان لم تطلبه حتى تنقضي العدة فحق لها تركته وعصت بتركها أن يسكنها فلا يكون لها وهي عاصية سكنى وقد مضت العدة، وان أنزلها منزلا له بعد الطلاق أو طلقها في منزل له أو طلقها وهي زائرة فكان عليا أن تعود إلى منزل له قبل أن يفلس ثم فلس فهى أحق بالمنزل منه ومن غرمائه اه. على أن محاولة اضعاف الخبر بكلام عمر ليست بذاك، لان كلام عمر رضى الله عنه دليل على صحته وصدوره عن فاطمة، وأما البذاء المنسوب لفاطمة، فانه لم يكن موجها لزوجها بل كان لاحمائها، وهذا أمر غير مستبعد من أي امرأة مطلقة تحس بشخصيتها لا سيما إذا كان البذاء يحتمل أن يكون مجرد المخاشنة في القول والاستعلاء في اللجهة التى تتم عن ضيق ببقائها بين نساء مثلها. ولو كان البذاء من طبيعتها بمعنى الفحش القبح لما دفع بها إلى ابن أم مكتوم لتبقى في بيته مدة العدة، ويفسر البذاء منها رواية " وكان في لسانها ذرابة " أي حدة، وليست فاطمة بنت قيس معصومه ولا يخل هذا بليقاتها لحب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ حبه، وفي بعض الناس صدق في اللهجه، وحدة في الصوت يمكن أن يوصف بالبذو والذرابه إذا تقرر هذا: فان الايه تقتضي الاخراج عن السكنى إذا طال لسانها على أحمائها، ولا يتوقف هذا الاخراج على ارتكاب الزنا إذا فسرت الفاحشة به على قول ابن مسعود والحسن، فان الاخراج في ذلك لا يكون الا لاقامة الحد، أما الاخراج عن السكنى في الاية فلا يتحقق بما فسرا به الاية فان الفاحشة اسم للزنا وغيره من الاقوال، يقال: أفحش فلان في مقاله، ولهذا روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالت له عائشة " يارسول الله قلت لفلان: بئس أخو العشيرة فلما دخل ألفت له القول؟ فقال يا عائشة ان الله لا يحب الفحش ولا التفحش

إذا ثبت هذا فإن الورثة يخرجونها عن ذلك المسكن إلى مسكن آخر من الدار إن كانت كبيرة تجمعهم، فإن كانت لا تجمعهم أو لم يمكن نقلها إلى غيره في الدار ولم يتخلصوا من أذاها فلهم نقلها. وقال بعض الاصحاب ينتقلون هم عنها لان سكناها واجب في المكان وليس بواجب عليهم، والنص يدل على أنها تخرج فلا يعرج على ما خالفه، ولان الفاحشة منها فكان الاخراج لها. وإن كان أحماؤها هم الذين يؤذونها ويفحشون عليها نقلوا هم دونها فإنها لم تأت بفاحشة فلا تخرج بمقتضى النص، ولان الذنب لهم فيخصون بالاخراج، وإن كان المسكن لغير الميت فتبرع صاحبه بإسكانها فيه لزمها الاعتداد به، وإن أبى أن يسكنها إلا بأجرة وجب بذلها من مال الميت، الا ان تبرع انسان ببذلها فيلزمها الاعتداد به. فان حولها صاحب المكان أو طلب أكثر من أجرة المثل فعلى الورثة اسكانها ان كان الميت تركة يستأجر لها به مسكن، لانه حق لها يقدم على الميراث، فان اختارت النقلة عن هذا المسكن الذي ينقلونها إليه فلها ذلك لان سكناها به حق لها وليس بواجب عليها، فان المسكن الذي كان يجب عليها السكنى به هو الذي كانت تسكنه حين موت زوجها، وقد سقطت عندها السكنى به، وسواء كان المسكن الذي كانت به لابويها أو لاحدهما أو لغيرهم وان كانت تسكن في دارها فاختارت الاقامة فيها والسكنى بها متبرعة أو بأجرة تأخذها من التركة جاز ويلزم الورثة بذل الاجرة إذا طلبتها، وان طلبت أن تسكن غيرها وتنتقل عنها فلها ذلك، لانه ليس عليها أن تؤجر دارها ولا تعيرها وعليهم اسكانها. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب الإحداد

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الإحداد الاحداد ترك الزينة وما يدعو إلى المباشرة، ويجب ذلك في عدة الوفاة، لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلى، ولا تختضب ولا تكتحل، ولا يجب ذلك على المعتدة الرجعية، لانها باقية على الزوجية، ولا يجب على أم الولد إذا توفى عنها مولاها، ولا على الموصوءة بشبهة، لما روت أُمِّ حَبِيبَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أن تحد على ميت فوق ثلاث، الا على زوج أربعة أشهر وعشرا " واختلف قوله في المعتدة المبتوتة فقال في القديم يجب عليها الاحداد، لانها معتدة بائن فلزمها الاحداد كالمتوفى عنها زوجها وقال في الجديد: لا يجب عليها الاحداد لانها معتدة من طلاق فلم يلزمها الاحداد كالرجعية. (فصل) ومن لزمها الاحداد حرم عليها أن تكتحل بالاثمد والصبر. وقال أبو الحسن الماسرجسى: ان كانت سوداء لم يحرم عليها، والمذهب أنه يحرم لما ذكرناه من حديث أم سلمة ولانه يحسن الوجه. ويجوز أن تكتحل بالابيض كالتوتيا لانه لا يحسن بل يزيد العين مرها، فان احتاجت إلى الاكتحال بالصبر والاثمد اكتحلت بالليل وغسلته بالنهار، لما روت أم سلمة قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى " رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عينى صبرا فقال ماهذا يا أم سلمة؟ قلت انما هو صبر ليس فيه طيب، فقال انه يشب الوجه لا تجعليه الا بالليل وتنزعيه بالنهار " (فصل) ويحرم عليها أن تختضب لحديث أم سلمة، ولانه يدعو إلى المباشرة ويحرم عليها أن تحمر وجهها بالدمام وهو الكلكون، وأن تبيضه بأسفيداج العرائس، لان ذلك أبلغ في الزينة من الخضاب، فهو بالتحريم أولى، ويحرم عليها ترجيل الشعر لانه يحسنها ويدعو إلى مباشرتها

(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الاول أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قال البيهقى روى موقوفا: والمرفوع من رواية ابراهيم بن طهمان وهو ثقة من رجال الصحيحين: وقد ضعفه ابن جزم. قال الشوكاني ولا يلتفت إلى ذلك فإن الدارقطني قد جزم بأن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل الارجاء وقد قيل إنه رجع عن ذلك أما حديث أم حبيبة فقد أخرجه الشيخان عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة أنها أخبرته بهذه الاحاديث الثلاثة قالت: دخلت على أم حبيبة حين توفى أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله مالى بالطيب من حاجة غير إنِّي سَمِعْتُ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول على المنبر " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا. قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت والله ماى بالطيب من حاجة، غير إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة تقول جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت، يارسول الله ان ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا، مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول لا. ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول. قال حميد فقلت لزينب وما ترى بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس لاشيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتقتض به، فقلما تقتض بشئ الا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع شاءت من طيب أو غيره " أما حديث أم سلمة الثاني فقد أخرجه أبو داود والنسائي بلفظ " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا فقال ماهذا يا أم سلمة؟ فقلت انما هو صبر يارسول الله ليس فيه طيب. قال انه

يشب اوجه فلا تجلعيه الا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطى بالطيب ولا بالحناء فانه خضاب. قالت قلت بأى شئ أمتشط يارسول الله؟ قال بالسدر تغلفين به رأسك " وقد أخرجه الشافعي أيضا وفي اسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة، وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه قال الحافظ بن حجر وأعل بما في الصحيحين زينب بنت أم سلمة الذي سقناه في تخريج حديث أم حبيبة قبل هذا، ولكن الحافظ بن حجر حسن اسناده في بلوغ المرام. أما اللغات فان أصل الحد المنع ومنه للسجان حداد، والحد والحدود هي محارم الله وعقوباته التي قرنها بالذنوب، وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام، فمنها ما لا يقترب منه كالفواحش المحرمة " تلك حدود الله فلا تقربوها " ومنها ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزويج الاربع " تلك حدود الله فلا تعتدوها " ومنه الحديث " انى أصبت حدا فأقمه على " أي أصبت ذنبا أوجب على حدا أي عقوبة، ومنه حديث أبى العالية " ان اللحم مابين الحدين، حد الدنيا وحد الآخرة " قال في النهاية وفيه " لا يحل لامرأة أن تحد على ميت أكثر من ثلاث " أحدت المرأة على زوجها تحد فهي. وحدت تحد وتحد فهى حاد إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة وقال ابن بطال: وأحدت المرأة وجدت إذا أمتنعت من الزينة والخضاب يقال حدت تحد حداد فهى حاد. قوله " ولا الممشق " هو المصبوغ بالشق وهو المغرة الطين الاحمر، والتوتيا دواء يجعل في العين قوله " يزيد العين مرها " يقال مرهت العين مرها إذا فسدت لترك الكحل وهي عين مرهاء، وأمرأة مرهاء والرجل أمره. قال رؤية بن العجاج لله در الغانيات المره سبحن واسترجعن من تألهى

قوله " يشب الوجه " أي يحسنه ويظهر لونه، من شب النار إذا ألهبها وأقدها ويقال شعرها يشب لونها، أي يظهره ويحسنه، ويقال إنه لمشبوب. قال ذو الرمة إذا الاروع المشبوب أضحى كأنه على الرجل مما مسه السير أحمق قوله " بالدمام وهو الكلكون " وروى بضم الكاف وسكون اللام. قال الجوهرى الدمام بالكسر دواء يطلى به جبهة الصبى وظاهر عينيه، وكل شئ طلى به فهو دمام، وقد دممت الشئ أدمه بالضم، أي طليته بأى صبغ كان، والمدموم الاحمر. قال الشاعر تجلو بقادمتى حمامة أيكة بردا تعل لثاته بدمام والكلكون فارسي، والاسفيذاج صبغ أبيض، وهو المسمى بلغة العامة اسبيداج ومثله المساحيق البيضاء والحمراء التي يستعملها النساء في عصرنا هذا أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه " فأما اللبس نفسه فلا بد منه. قال فزينة البدن عليه المدخل عليه من غيره الدهن كله في الرأس فلا خير في شئ منه طيب ولاغيره زيت ولا شيرق ولا غيرهما، وذلك أن كل الادهان تقوم مقاما واحدا في ترجيل الشعر وإذهاب الشعث، وذلك هو الزينة، وإن كان بعضها أطيب من بعض. وهكذا رأيت المحرم يفتدى بأن يدهن رأسه ولحيته بزيت أو دهن طيب لما وصفت من الترحيل وإذهاب الشعث قال فأما بدنها فلا بأس أن تدهنه بالزيت وكل ما لاطيب فيه من الدهن كما لا يكون بذلك بأس للمحرم، وان كانت الحاد تخالف المحرم في بعض أمرها، لانه ليس بموضع زينة للبدن ولا طيب تظهر ريحه فيدعو إلى شهوتها. فأما الدهن الطيب والبخور، فلا خير فيه لبدنها لما وصفت من أنه طيب يدعو إلى شهوتها وينبه بمكانها وأنها الحاد من الطيب شئ أذنت فيه الحاد، والحاد إذا مست الطيب لم يجب عليها فدية ولم يقتض احدادها وقد أساءت، وكل كحل كان زينة فلا خير فيه لها، مثل الاثمد وغيره مما يحسن موقعه في عينها فأما الكحل الفارسى وما أشبه إذا احتاجت إليه فلا بأس لانه ليس فيه زينة بل هو يزيد العين مرها وقبحا، وما اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل

اكتحلت به بالليل ومسحته بالنهار، وكذلك الدمام وما أرادت به الدواء. اه اما أحمد بن حنبل رضى الله عنه فقد اختلف الرواية عنه في وجوب الاحداد على المطلقة البائن، فعنه يجب عليها، وهو قول سعيد بن المسيب وأبى عبيد وأبى ثور وأصحاب الرأى، والثانية وهو مذهبنا أنه لا يجب على المطلقة، وهو قول عطاء وربيعة ومالك وابن المنذر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا - وهذه عدة الوفاة - فيدل على أن الاحداد انما يجب في عدة الوفاة، ولانها معتدة عن غير وفاة فلم يجب عليها الاحداد كالرجعية والموطوءة بشبهة، ولان الاحداد في عدة الوفاة لاظهار الاسف على فراق زوجها وموته فأما الطلاق فإنه فارقها باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معنى لتكليفها الحزن عليه ولان المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج، وليس له من ينفيه، فاحتيط عليها بالاحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه، بخلاف المطلقة فان زوجها باق، فهو يحتاط عليها بنفسه وينفى ولدها إذا كان من غيره أما احداد المتوفى عنها زوجها فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في وجوبه عليها الا عن الحسن فانه قال لا يجب عليها الاحداد، وهو قول شذ به عن أهل العلم، وخالف به السنة فلا يعرج عليه، ويستوى فيه الحرة والامة، والذمية والمسلمة والكبيرة والصغيرة، وبه قال أحمد. وقال أصحاب الرأى لااحداد على ذمية ولا صغيرة لانهما غير مكلفتين والادلة في الاحداد عامة يتساوى فيها المكلفة وغير المكلفة، ولان حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة. إذا ثبت هذا فانه يحرم عليها الطيب لما فيه من تحريك الشهوة والدعوة إلى المباشرة، ولايجوز لها استعمال الادهان المطيبة، كدهن الورد والياسمين والبنفسج والبان وما أشبهه لانه استعمال للطيب. فأما الادهان بغير المطيب كالزيت والشيرج والسمن فلا بأس به لانه ليس بطيب، كما لا يجوز استعمال الزينة، واجتنابها واجب في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عمر وابن عباس وعطاء وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه

من ذلك الزينة في نفسها، فيحرم عليها أن تختضب وأن يحمر وجهها بالمساحيق والاصباغ، وأن تبيضه بالسبيداج وبودرة التلك وأن تجعل عليه صبرا يصفره وأن ينقش في وجهها ويديها، وأن تخفف وجهها وما أشبهه مما يحسنها، وأن تكتحل بالاثمد من غير ضرورة. وحكى المصنف عن الماسرجسى أن للسوداء أن تكتحل. وهذا مخالف للاحاديث التي سقناها، فإن اضطرت الحادة أن تكتحل للتداوي فلها أن تكتحل ليلا وتمسحه نهارا، ورخص فيه عند الضرورة عطاء والنخعي ومالك وأصحاب الرأى لما أخرجه أبو داود والنسائي عن أم حكيم بنت أسد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينيها فتكتحل بالجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة تسألها عن كحل الجلاء، فقالت لا تكتحلي بالتوتيا والعنزروت ونحوهما فلا بأس به لانه لا زينة فيه بل يقبح العين ويزيدها مرها: ولا تمنع من جعله على غير وجهها من بدنها، لانه إنما منع منه في الوجه لانه يصفره فيشبه الخضاب. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " إنه يشب الوجه " ولا تمنع من التنظيف بتقليم الاظفار ونتف الابط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من الاغتسال بالسدر والامتشاط به لحديث أم سلمة، ولانه يراد للتنظيف لا للطيب. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويحرم عليها أن تطيب لما روت أم عطية إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاتحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا عند طهرها من محيضها نبذة من قسط أو أظفار، ولان الطيب يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة، ولا تأكل شيئا فيه طيب ظاهر ولا تستعمل الادهان المطيبة كالبان ودهن الورد ودهن البنفسج لانه طيب ولا تستعمل الزيت والشيرج في الرأس لانه يرجل الشعر، ويجوز لها أن تغسل رأسها بالسدر لما روت أُمِّ سَلَمَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لها امتشطي، فقلت بأى شى أمتشط يارسول الله؟

قال بالسدر تغلفين به رأسك " ولان ذلك تنظيف لاتزيين فلم يمنع منه، ويجوز أن تقلم الاظفار وتحلق العانة لانه يراد للتنظيف لا للزينة. (فصل) ويحرم عليها لبس الحلى لحديث أم سلمة، ولانه يزيد في حسنها ولهذا قال الشاعر: وما الحلى إلا زينة لنقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفرا كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا (فصل) ويحرم عليها لبس ما صبغ من الثياب للزينة كالاحمر والاصفر والازرق الصافى والاخضر لحديث أم عطية، ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب، وأما ما صبغ غزله ثم نسج فقد قال أبو إسحاق: انه لا يحرم لحديث أم عطية، ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب، والعصب ما صبغ غزله ثم نسج، والمذهب أنه يحرم لان الشافعي رحمه الله نص على تحريم الوشى والديباج، وهذا كله صبغ غزله ثم نسج، ولان ما صبغ غزله ثم نسج أرفع وأحسن مما صبغ بعد النسج. وأما ما صبغ لغير الزينة كالثوب المصبوغ بالسواد للمصيبة وما صبغ للوسخ كالازرق المشبع والاخضر المشبع فإنه لا يحرم، لانه لازينة فيه، ولا يحرم ما عمل من غزله من غير صبغ، كالمعمول من القطن والكتان والا بريسم والصوف والوبر، لانها وان كانت حسنة الا أن حسنها من أصل الخلقة لا لزينة أدخلت عليها، وان عمل على البياض طرز، فان كانت كبارا حرم عليها لبسه لانه زينة ظاهرة أدخلت عليه، وان كانت صغارا ففيه وجهان (أحدهما) يحرم كما يحرم قليل الحلى وكثيره (والثانى) لا يحرم لقلتها وخفائها. (الشرح) حديث أم عطية الاسدية رضى الله عنها أخرجه الشيخان قالت " كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولانكتحل ولا نتطيب ولانلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار " وفي

رواية عند أحمد والشيخين أيضا " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار " وقال فيه أحمد ومسلم " لاتحد على ميت فوق ثلاث إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا. أما اللغات فقوله " الا ثوب عصب " هو بالاضافة برود اليمين يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج مغصوبا فيخرج موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم يتصبغ وانما يتصبغ السدى دون اللحمة: وقال السهيلي: ان العصب نبات لا ينبت إلا باليمين، وهو غريب وأغرب منه قول الداودى ان المراد بالثوب العصب المعصفرة لا المصبغة الا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة، بل هو لباس الحزن. وقال ابن الصباع في الشامل: العصب هو الغزل والعصاب هو الغزال الذي يبيع الغزل. قوله " نبذة من قسط أو أظفار " النبذة فعلة، من نبذ أي طرح ورمى وكل شئ رميت به وطرحته نبذته، والقسط طيب معروف يؤتى به من أرض الحبشة، ويقال كسط بالكاف أيضا مثل قوله كشطت وقشطت، ويقال كست بالتاء أيضا، والاظفار تؤخذ من البحر تشبه بظفر الانسان، قوله " تغلفين به رأسك " أي تطلين وتمشطين، يقال تغلف بالغاليه وغلف بها لحيته غلفا، قوله " الحلى " بفتح الحاء واسكان اللام اسم لكل ما يتزين به من الذهب والفضه والجواهر وجمعه حلى بضم الحاء وكسرها " وقوله " لنقيصه " فعيلة من النقص وهو ضد التمام، والنقيصه أيضا العيب، وقصر أي لم يتم، يقال قصر في الامر إذا توانى والتقصير التوانى وترك المبالغة قوله " موفرا " من الوفر وهو الزيادة والكثرة أي يأتي تاما غير ناقص، قوله " لم يحتج إلى أن يزورا " زورت الشئ إذا حسنته وقوله " الوشى والديباج " نوع من ثياب الحرير غليظ معروف قوله " الابريسم " وفيه ثلاث لغات. قال ابن السكيت: هو الابريسم بكسر الهمزة والراء وفتح السين والثانية

بكسر الهمزة وفتح الراء والسين جميعا والثالثة بكسر الجميع، وكذا الاهليلج مثله والصوف شعر الضأن والوبر شعر الابل أفاده ابن بطال. أما الاحكام: فإن العصب الصحيح أنه نبت تصبغ به الثياب، قال صاحب الروض الانف: الورس والعصب نبتان باليمن لا ينبتان إلا به، فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم للحادة في لبس ما صبغ بالعصب، لانه في معنى ما صبغ لغير التحسين، وأما ما صبغ غزله للتحسين كالاحمر والاصفر فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغه كحصولها بما صبغ بعد نسجه، ولا تمنع من حسان الثياب غير المصبوغة، وان كان رقيقا، سواء كان من قطن أو كتان أو إبريسم " لان حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه نفسها. (فرع) ويحرم عليها لبس الحلى كله حتى الخاتم لحديث أم سلمة وفيه " ولا الحلى " وقال عطاء. يباح حلى الفضة دون الذهب وليس بصحيح، لان النهى عام، وهذا يشمل أنواع الحلى التي تصنع في عصرنا هذا من الزجاج والكور والكريستال وغير ذلك من المعادن الخسيسة، ولان الحلى يزيد حسنها ويدعو إلى مباشرتها. (فرع) مما يحرم على المعتدة لبسه الملابس المطرزة بخيوط القطن إذا كان ملونا، وكذلك الملابس المحزقة للزينة، والشفافه التى تصف ما تحتها من حمالات وقمص مما تلبسه الحاداث من سواد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب اجتماع العدتين

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اجتماع العدتين إذا طلق الرجل امرأته بعد الدخول وتزوجت في عدتها بآخر ووطئها جاهلا بتحريمها وجب عليها اتمام عدة الاول واستئناف عدة الثاني، ولا تدخل عدة أحدهما في عدة الاخر، لما روى سعيد بن المسيب وسليمان بن بشار " أن طليحه كانت تحت رشيد الثقفى فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر رضى الله عنه، وضرب زوجها بمخفقة ضربات، ثم قال أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول، وكان خاطبا من الخطاب " وان كان دخل بها فرق بنيهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الاول، ثم اعتدت من الاخر ولم ينكحها أبدا ولانهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين فان كانت حائلا انقطعت عدة الاول بوطئ الثاني إلى أن يفرق بينهما، لانها صارت فراشا للثاني فإذا فرق بينهما أتمت ما بقى من عدة الاول ثم أستأنفت العدة من الثاني، لانهما عدتان من جنس واحد فقدمت السابقة منهما. وان كانت حاملا نظرت فان كان الحمل من الاول انقطعت عدتها منه بوضعه ثم استأنفت العدة من الثاني بالاقراء بعد الطهر من النفاس، وان كان الحمل من الثاني انقضت عدتها منه بوضعه ثم أتمت عدة الاول، وتقدم عدة الثاني ههنا على عدة الاول لانه لا يجوز أن يكون الحمل من الثاني وتعتد به من الاول، وان أمكن أن يكون من كل واحد منهما عرض على القافة، فان ألحقته بالاول انقضت به عدته، وان ألحقته بالثاني انقضت به عدته، وان ألحقته بهما أو نفته عنهما أو لم نعلم أو لم تكن قافة لزمها أن تعتد بعد الوضع بثلاثة أقراء، لانه ان كان من الاول لزمها للثاني ثلاثة أقراء، وان كان من الثاني لزمها اكمال العدة من الاول فوجب أن تعتد بثلاثة أقراء ليسقط الفرض بيقين، وان لم يمكن أن يكون من واحد منهما ففيه وجهان.

(أحدهما) لا تعتد به عن أحدهما، لانه غير لاحق بواحد منهما، فعلى هذا إذا وضعت أكملت عدة الاول ثم تعتد من الثاني بثلاثة أقراء (والثانى) تعتد به عن أحدهما لا بعينه، لانه يمكن أن يكون من أحدهما، ولهذا لو أقر به لحقه فانقضت به العدة كالمنفى باللعان فعلى هذا يلزمها أن تعتد بثلاثة أقراء بعد الطهر من النفاس (فصل) إذا تزوج رجل امرأة في عدة غيره ووطئها ففيه قولان. قال في القديم تحرم عليه على التأييد لما رويناه عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ثم لا ينكحها أبدا، وقال في الجديد لا تحرم عليه على التأييد، وإذا انقضت عدتها من الاول جاز له أن يتزوجها لانه وطئ شبهة فلا يوجب تحريم الموطوءة على الواطئ على التأييد الوطئ في النكاح بلا ولى، وما روى عن عمر رضى الله عنه فقد روى عن علي كرم الله وجهه أنه قال: إذا انقضت عدتها فو خاطب من الخطاب، فخطب عمر رضى الله عنه وقال: ردوا الجهالات إلى السنة. فرجع إلى قول علي كرم الله وجهه. (فصل) إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم وطئها في العدة، وجبت عليها عدة بالوطئ لانه وطئ في نكاح قد تشعث فهو كوطئ الشبهة، فإن كانت من ذوات الاقراء أو من ذوات الشهور لزمها أن تستأنف العدة وتدخل فيها البقية من عدة الطلاق لانهما من واحد وله أن يراجعها في البقية لانها من عدة الطلاق فإذا مضت البقية لم يجز أن يراجعها لانها في عدة وطئ شبهة، وان حملت من الوطئ وصارت في عدة الوطئ حتى تضع، وهل تدخل فيها بقية عدة الطلاق؟ فيه وجهان (أحدهما) تدخل لانهما لواحد فدخلت إحدهما في الاخرى، كما لو كانتا بالاقراء (والثانى) لا تدخل لانهما جنسان فلم تدخل إحداهما في الاخرى، فإن قلنا يتداخلان كانت في العدتين إلى أن تضع لان الحمل لا يتبعض، وله أن يراجعها إلى أن تضع، لانها في عدة الطلاق. وان قلنا لا يتداخلان فإن لم ترد ما على الحمل أو رأت وقلنا انه ليس بحيض فهى معتدة بالحمل عن وطئ الشبهة إلى أن تضع، فإذا أتمت عدة الطلاق وله أن يراجعها في هذه البقية لانها في عدة الطلاق. وهل له أن يراجعها قبل الوضع؟ فيه وجهان

(أحدهما) ليس له أن يراجعها لانها في عدة وطئ الشبهة (والثانى) له أن يراجعها لانها لم تكمل عدة الطلاق، فإذا رأت الدم على الحمل وقلنا انه حيض كانت عدتها من الوطئ بالحمل وعدتها من الطلاق بالاقراء التي على الحمل، لان عليها عدتين، إحداهما بالاقراء والاخرى بالحمل فجاز أن يجتمعا، فإذا مضت ثلاثة أقراء قبل وضع الحمل فقد انقضت عدة الطلاق، وان وضعت قبل انقضاء الاقراء فقد انقضت عدة الوطئ وعليها إتمام عدة الطلاق، فإذا راجعها في بقية عدة الطلاق صحت الرجعة، وان راجعها قبل الوضع ففي صحة الرجعة وجهان على ما ذكرناه. فأما إذا كانت قد حبلت من الوطئ قبل الطلاق كانت عدة الطلاق بالحمل وعدة الوطئ بالاقراء. فان قلنا إن عدة الاقراء تدخل في عدة الحمل كانت عدتها من الطلاق والوطئ بالحمل فإذا وضعت انقضت العدتان جميعا، وان قلنا لا تدخل عدة الاقراء في الحمل، فان كانت لا ترى الدم على الحمل أو تراه وقلنا انه ليس بحيض فان عدتها من الطلاق تنقضي بوضع الحمل وعليها استئنأف عدة الوطئ بالاقراء. وان كانت ترى الدم وقلنا انه حيض، فان سبق الوضع انقضت العدة الاولى وعليها إتمام العدة الثانية، فان سبق انقضاء الاقراء انقضت عدة الوطئ ولا تنقضي العدة الاولى الا بالوضع (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: أخبرنا مالك عن أبن شهاب عن سعيد ابن المسيب وسليمان أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفى فطلقها البتة فنكحت في عتدها، فضربها عمر بن الخطاب رضى الله عنه وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما، ثم قال عمر: أيما امرأة نكحت في عدتها فان كان الزوج الذي تزوج بها لم يدخل فرق بينهما ثم أعتدت بقية عدتها من زوجها الاول وكان خاطبا من الخطاب. وان كان دخل بها فرق بينهما ثم أعتدت بقية عدتها من زوجها الاول، ثم أعتدت من زوجها الآخر ثم لم ينكحها أبدا قال الشافعي، قال سعيد ولها مهرها بما استحل منها، ثم قال: أخبرنا يحيى

ابن حسان عن جرير عن عطاء بن السائب عن زاذان أبى عمر عن علي رضى الله عنه أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الاول وتعتد من الآخر قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أخبرنا عطاء أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شئ من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جهلا ذلك وبنى بها، فأتى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقى من عتدها الاولى ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا قال وبقول عمر وعلى نقول في المرأة تنكح في عدتها تأتى بعدتين معا، وبقول على نقول إنه يكون خاطبا من الخطاب ولم تحرم عليه، وذلك أنا إذا جعلنا النكاح الفاسد يقوم مقام النكاح الصحيح في أن على المنكوحة نكاحا فاسدا إذا اصيبت عدة كعدتها في النكاح الصحيح فنكحت امرأه في عدتها فأصيبت فقد لزمتها عدة الزواج الصحيح ثم لزمها عدة من النكاح الفاسد فكان عليها حقان بسبب زوجين ولا يؤديهما عنها إلا بأن تأتى بهما معا. وكذلك كل حقين لزماها من وجهين لا يؤديهما عن أحد لزماه أحدهما دون الآخر ولو أن امرأة طلقت أو ميت عنها فنكحت في عدتها ثم على ذلك فسخ نكاحها، فإن كان الزوج الآخر لم يصبها أكملت عدتها من الاول ولا يبطل عنها من عدتها شئ في الايام التي عقد عليها فيها النكاح الفاسد، لانها في عدتها ولم نصب، فإن أصابها أحصت ما مضى من عدتها قبل اصابة الزوج الآخر وأبطلت كل ما مضى منها بعد اصابته حتى يفرق بينه وبينها واستأنفت البنيان على عدتها التي كانت قبل اصابته من يوم فرق بينه وبينها حتى تكمل عدتها من الاول ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر، فإذا أكملتها حلت منها والاخر خاطب من الخطاب إذا مضت عدتها من الاول: وبعد لا تحرم عليه لانه إذا كان يعقد عليها النكاح الفاسد فيكون خاطبا إذا لم يدخل بها، فلا يكون دخوله بها في النكاح الفاسد أكثر من زناه بها. وهو لو زنى بها في العدة كان له أن ينحكها إذا انقضت

عدتها من الاول فللآخر أن يخطبها في عدتها منه: وأحب إلى لو كف عنها حتى تنقضي عدتها من مائه الفاسد اه ولو كانت تحيض فاعتدت حيضة أو اثنتين ثم أصابها الزوج الاخر فحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل، فإذا وضعته لاقل من ستة أشهر من يوم نكحها فهو للاول. وان كانت وضعته لستة أشهر من يوم نكحها الاخر فأكثر إلى أقل من أربع سنين من يوم فارقها الاول دعى له القافة. وان كانت وضعته لاكثر من أربع سنين ساعة من يوم فارقها الاول فكان طلاقه لا يملك الرجعة فهو للآخر وان كان طلاقه يملك الرجعة وتداعياه أو لم يتداعياه ولم ينكراه ولا واحد منهما أريه القافة فبأيهما ألحقوه به لحق، وان ألحقوه بالاول فقد انقضت عدتها من الاول وحل للآخر خطبتها، وتبتدئ عدة من الآخر، فإذا قضتها حلت خطبتها للاول وغيره، فان ألحقوه بالاخر فقد انقضت عدتها من الاخر وتبتدئ فتكمل على ما مضى من عدة الاول، وللاول عليها الرجعة في عدتها منه ان كان طلاقه يملك الرجعة وقد سبق لنا في فصول سابقة من كتاب العدد بيان أن أقصى مدة الحمل أربع سنين - وبه قال أحمد وهو المشهور عن مالك - وذكرنا الاوجه والاقوال في ذلك فارجع إليه. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا خالع امرأته بعد الدخول فله أن يتزوجها في العدة. وقال المزبى لا يجوز كما لا يجوز لغيره، وهذا خطأ لان نكاح غيره يؤدى إلى اختلاط الانساب ولا يوجد ذلك في نكاحه. وان تزوجها انقطعت العدة. وقال أبو العباس: لا تنقطع قبل أن يطأها، كما لا تنقطع إذا تزوجها أجنبي قبل أن يطأها - وهذا خطأ - لان المرأة تصير فراشا بالعقد، ولايجوز أن تبقى مع الفراش عدة، ولانه لا يجوز أن تكون زوجته وتعتد منه: ويخالف الأجنبي فان نكاحه في العدة فاسد فلم تصر فراشا الا بالوطئ، فان وطئها ثم طلقها لزمها عدة مستأنفة وتدخل فيها بقية الاولى.

وإن طلقها قبل أن يطأها لم يلزمها استئناف عدة لانها مطلقة في نكاح قبل المسيس فلم تلزمها عدة كما لو نزوج امرأة وطلقها قبل الدخول، وعليها أن تتمم ما بقى عليها من العدة الاولى، لانا لو أسقطنا البقية أدى ذلك إلى اختلاط المياه وفساد الانساب، لانه يتزوج امرأة ويطأها ثم يخلعها ثم يتزوجها آخر فيطأها ثم يخلعها ثم يتزوجها آخر، ويفعل مثل ذلك إلى أن يجتمع على وطئها في يوم واحد عشرون، وتختلط المياه وتفسد الانساب (فصل) إذا طلق امرأته بعد الدخول طلقة ثم راجعها نظرت، فإن وطئها بعد الرجعة ثم طلقها لزمها أن تستأنف العدة وتدخل فيها بقية العدة الاولى، فان راجعها ثم طلقها قبل يطأها ففيه قولان (أحدهما) ترجع إلى العدة الاولى وتبنى عليها، كما لو خالعها ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل أن يطأها (والثانى) أنها تستأنف العدة، وهو اختيار المزني، وهو الصحيح، لانه طلاق في نكاح وطئ فيه فأوجب عدة كاملة، كما لو لم يتقدمه طلاق ولا رجعة وتخالف المختلعة لان هناك عادة إليه بنكاح جديد ثم طلقها من غير وطئ، وههنا عادت إلى النكاح الذي طلقها فيه، فإذا طلقها استأنفت العدة، كما لو ارتدت بعد الدخول ثم أسلمت ثم طلقها وإن طلقها ثم مضى عليها قرء أو قرآن ثم طلقها من غير رجعة ففيه طريقان قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ خيران رحمهما الله هي كالمسألة قبلها فتكون على قولين، وللشافعي رحمه الله ما يدل عليه، فإنه قال في تلك المسألة: ويلزم أن نقول ارتجع أو لم يرتجع سواء، والدليل عليه أن الطلاق معنى لو طرأ على الزوجية أوجب عدة، فإذا طرأ على الرجعية أوجب عدة كالوفاة في إيجاب عدة الوفاة. وقال أبو إسحاق: تبنى على عدتها قولا واحدا لانهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة فصار كما لو طلقها طلقتين في وقت واحد (فصل) وإن تزوج عبد أمة ودخل بها ثم طلقها طلاقا رجعيا ثم أعتقت الامة وفسخت النكاح ففيه طريقان

(أحدهما) أنها على قولين، أحدهما تستأنف العدة من حين الفسخ، والثانى لا تستأنف. والطريق الثاني أنها تستأنف العدة من الفسخ قولا واحدا لان إحدى العدتين من طلاق والاخرى من فسخ فلا تبنى إحداهما على الاخرى. (الشرح) إذا خالع الرجل أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول جمهور الفقهاء، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهرى والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأى: وشذ المزني وبعض أصحابنا فقال لا يجوز ولا يحل له نكاحها ولا خطبتها لانها معتدة ووجه كون هذا القول خطأ أن العدة لحفظ نسبه وصيانة مائه ولا يصان ماؤه عن مائه إذا كانا من نكاح صحيح، فإذا تزوجها انقطعت العدة، لان المرأة تصير فراشا له بعقده ولا يجوز أن تكون زوجة معتدة، فان وطئها ثم طلقها لزمتها عده مستأنفة، ولا شئ عليها من الاول لانها انقطعت وارتفعت. وان طلقها قبل أن يمسها فهل تستأنف العدة أو تبنى على ما مضى؟ مذهبنا أنه لا يلزمها استئناف عدة، وبه قال محمد بن الحسن، وهو احدى الروايتين عن أحمد. وقال أبو حنيفة " تستأنف " لانه طلاق لا يخلو من عدة، فأوجب عدة مستأنفة كالاول. دليلنا أنه طلاق في نكاح قبل المسيس فلم يوجب عدة لعموم قوله تعالى " ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها " (فرع) إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم ارتجعها في عدتها ووطئها ثم طلقها انقطعت العدة الاولى برجعته، لانه زال حكم الطلاق وتستأنف عدة من الطلاق الثاني، لانه طلاق من نكاح اتصل به المسيس، وان طلقها قبل أن يمسها فهل تستأنف عدة أو تبنى على العدة الاولى؟ فيه قولان ولاحمد روايتان كالقولين عندنا 1 - أن تستأنف لان الرجعة أزالت شعث الطلاق الاول وردتها إلى النكاح الاول، فصار الطلاق الثاني طلاقا من نكاح اتصل به المسيس 2 تبنى لان الرجعة لا تزيد على النكاح الجديد، ولو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمها لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة، فان فسخ نكاحها

قبل الرجعة بخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق، لان موجبه في العدة موجب الطلاق، وقد مضى في شرح الفصول قبله ما فيه من طرق وأوجه تداخل العدتين فلا داعى للتكرار قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا خلا الرجل بامرأته ثم اختلفا في الاصابة، فادعاه أحدهما وأنكر الآخر ففيه قولان. قال في الجديد قول المنكر، لان الاصل عدم الاصابة. وقال في القديم قول المدعى لان الخلوة تدل على الاصابة (فصل) وإن اختلفا في انقضاء العدة بالاقراء فادعت المرأة انقضاءها لزمان يمكن فيه انقضاء العدة وأنكر الزوج، فالقول قولها، وإن أختلفا في وضع ما تنقضي به العدة، فادعت المرأة أنها وضعت ما تنقضي به العدة وأنكر الزوج فالقول قولها لقوله عز وجل " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " فخرج النساء على كتمان ما في الارحام كما حرج الشهود على كتمان الشهادة فقال: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه. ثم يجب قبول شهادة قول الشهود فوجب قبول قول النساء، ولان ذلك لا يعلم إلا من جهتها فوجب قبول قولها فيه كما يجب على التابعي قبول ما يخبره به الصحابي عن رسول الله صلى عليه وسلم حين لم يكن له سبيل إلى معرفته إلا من جهته. وإن ادعت المرأة انقضاء العدة بالشهور وأنكر الزوج فالقول قوله، لان ذلك أختلاف في وقت الطلاق فكان القول فيه قوله. (فصل) وإن طلقها فقالت المرأة طلقني وقد بقى من الطهر ما يعتد به قرءا وقال الزوج طلقتك ولم يبق شئ من الطهر فالقول قول المرأة لان ذلك اختلاف قي وقت الحيض، وقد بينا أن القول في الحيض قولها. (فصل) وإن طلقها وولدت واتفقا على وقت الولادة واختلفا في وقت الطلاق، فقال الزوج طلقتك بعد الولادة فلى الرجعة، وقالت المرأة طلقتني قبل الولادة فلا رجعة لك فالقول قول الزوج، لانهما لو اختلفا في أصل الطلاق كان

القول قوله فكذلك إذا اختلفا في وقته، ولان هذا اختلاف في قوله وهو أعلم به فرجع إليه. وإن اتفقا في وقت الطلاق واختلفا في وقت الولادة، فقال الزوج ولدت قبل الطلاق فلى الرجعة، وقالت المرأة بل ولدت بعد الطلاق فلا رجعة لك فالقول قولها لانهما لو اختلفا في أصل الولادة كان القول قولها فكذلك إذا اختلفا في وقتها. وان جهلا وقت الطلاق ووقت الولادة وتداعيا السبق فقال الرجل تأخر الطلاق وقالت المرأة تأخرت الولادة، فالقول قول الزوج لان الاصل وجوب العدة وبقاء الرجعة، فإن جهلا وقتهما، أو جهل السابق منهما لم يحكم بينهما لانهما لا يدعيان حقا. وإن ادعت المرأة السبق وقال الزوج لا أعرف السابق قال له الحاكم ليس هذا بجواب، فإما أن تجيب جوابا صحيحا أو نجعلك ناكلا، فإن استفتى أفتيناه بما ذكرناه في المسألة قبلها، وأن للزوج الرجعة لان الاصل وجوب العدة وبقاء الرجعة، والورع أن لا يراجعها (فصل) فإن أذن لها في الخروج إلى بلد آخر ثم طلقها واختلفا، فقالت المرأة نقلتني إلى البلد الآخر ففيه أعتد، وقال الزوج بل أذنت لك في الخروج لحاجة فعليك أن ترجعي فالقول قول الزوج لانه أعلم بقصده، وان مات واختلفت الزوجة والوارث فالقول قولها لانهما استويا في الجهل بقصد الزوج ومع الزوجة ظاهر، فان الامر بالخروج يقتضى خروجا من غير عود قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ: إذا اختلفا في الاصابة بعد الخلوة فالقول قول المدعى لان الخلوة تدل على الاصابة. وقال في الجديد، قال الله تبارك وتعالى " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها " فكان بينا في حكم الله عز وجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس، وأن المسيس هو الاصابة، ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخى سترا وهى غير محرمة ولا صائمة، فقال ابن عباس وشريح وغيرهما لا عدة عليها الا بالاصابة نفسها، لان الله عز وجل هكذا قال

أخبرنا مسلم عن أبن جريح عن ليس عن طاوس عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ولا يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق، لان الله عز وجل يقول " وإن طلتقموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، قال الشافعي وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره اه قلت، قال تعالى " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال عكرمة والزهرى والنخعي من الحيض. وقال عمر وابن عباس الحمل، وقال مجاهد الحيض والحمل معا، وهذا على أن الحامل تحيض، والمعنى المقصود من الآية أنه لما دار أمر العدة على الحيض والاطهار ولا اطلاع عليهما إلا من جهة النساء جعل القول قولها إذا ادعت انقضاء العدة أو عدمها، وجعلهن مؤتمات على ذلك وهو مقتضى قوله تعالى " ولا يحل لهن أن يكتمن " الاية وقال سيلمان بن يسار: ولم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن، ولكن وكل ذلك اليهن إن كن مؤتمات. ومعنى النهى عن الكتمان النهى عن الاضرار بالزوج وإذهاب حقه، فإذا قالت المطلقة حضت وهى لم تحض ذهت بحقه من الارتجاع. وإذا قالت لم أحض وهى قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به، أو تقصد بكذبها في نفى الحيض ألا ترتجع حتى تنقضي العدة ويقطع الشرع حقه، وكذلك الحامل تكتم الحمل لتقطع حقه من الارتجاع. قال قتادة: كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد، ففى ذلك نزلة الاية. قال ابن المنذر: وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم، إذا قالت المرأة في عشرة أيام قد حضت ثلاث حيض وانقضت عدتي إنها لاتصدق ولا يقبل ذلك منها إلا أن تقول قد أسقطت سقطا قد استبان خلقه، واختلفوا في المدة التي تصدق بها المرأة. فقال مالك " إذا قالت انقضت عدتي في أمد تنقضي في مثله العدة قبل قولها، فإن أخبرت بانقضاء العدة في مدة تقع نادرا فقولان، قال في المدونة إذا قالت حضت ثلاث حيض في شهر صدقت إذا صدقها النساء. وبه قال شريح وقال له على بن أبي طالب " قالون " أي أصبت وأحسنت، وقال في كتاب

محمد " لاتصدق إلا في شهر ونصف " ونحوه قول أبى ثور. قال أبو ثور أقل ما يكون في ذلك سبعة وأربعين يوما، وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يوما. وأقل الحيض يوما وقال الشافعي لا تصدق في أقل من سنين يوما وقال به أبو حنيفة. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه " ولو طلق الرجل امرأته وولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده. وقال هو وقع بعد ما ولدت فلى عليك الرجعة وكذبته، فالقول قوله وهو أحق بها، لان الرجعة حق له والخلو من العدة حق لها، فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لانه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هي أنه زال. قال ولو لم يدر هو ولاهى أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة، لان العدة تجب على المطلقة فلا نزيلها عنها إلا بيقين أن تأتى بها وكان الورع أن لا يرتجعها لانى لاأدرى لعلها قدحلت منه، ولو ارتجعها لم أمنعه لانه لا يجوز لى منعه رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه، ولو قال لها اخرجي إلى مصر كذا أو موضع كذا فخرجت إليه، أو منزل كذا من مصر فخرجت إليه ولم يقل لها حجى ولا أقيمي ولا ترجعي منه ولا لاترجععى الا ان تشائى ولا تزورى فيه اهلك أو بعض معرفتك ولا تتنزهى إليه كانت هذه نقلة وعليها ان تعتد في ذلك الموضع من طلاقه ووفاته. فإذا اختلفا فقالت نقلتني إلى البلد الآخر ففيه أعتد ونفى هو فعلى ما بينه المصنف. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب استبراء الامة وأم الولد

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب استبراء الامة وأم الولد) من ملك أمة ببيع أو هبة أو ارث أو سبى أو غيرها من الاسباب لزمه أن يستبرئها لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عام أو طاس ان لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض حيضة. فإن كانت حاملا استبرأها بوضع الحمل لحديث أبى سعيد الخدرى، وإن كانت حائلا نظرت فإن كانت مما تحيض استبرأها بقرء، وفي القرء قولان (أحدهما) أنه طهر لانه استبراء فكان القرء فيه الطهر كالعدة (والثانى) أن القرء حيض، وهو الصحيح، لحديث أبى سعيد، ولان براءة الرحم لا تحصل إلا بالحيض - فإن قلنا إن القرء هو الطهر - فإن كانت عند وجوب الاستبراء طاهرا كانت بقية الطهر قرءا، فإن طعنت في الحيض لم تحل حتى تحيض حيضة كاملة ليعلم براءة رحمها، فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت وإن كانت حائضا لم تشرع في القرء حتى تطهر، فإذا طعنت في الحيض الثاني حلت. وإن قلنا إن القرء هو الحيض، فإن كانت حال وجوب الاستبراء طاهرا لم تشرع في القرء حتى تحيض، فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت، وان كانت حائضا لم تشرع في القرء إلا في الحيضة الثانية لان بقية الحيض لاتعد قرءا فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت. وإن وجب الاستبراء وهى ممن تحيض فارتفعت حيضتها كان حكمها في الانتظار حكم المطلقة إذا ارتفع حيضها، وإن وجب الاستبراء وهي ممن لا تحيض لصغر أو كبر ففيه قولان (أحدهما) تستبرأ بشهر لان كل شهر في مقابلة قرء (والثانى) تستبرأ بثلاثة أشهر - وهو الصحيح - لان ما دونها لم يجعل دليلا على براءة الرحم. (فصل) وإن ملكها وهى مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو ذات زوج لم يصح استبراؤها في هذه الاحوال، لان الاستبراء يراد للاستباحة ولا توجد

الاستباحة في هذه الاحوال، وان اشتراها فوضعت في مدة الخيار أو حاضت في مدة الخيار، فإن قلنا انها لا تملك قبل انقضاء الخيار لم يعتد بذلك عن الاستبراء لانه استبراء قبل الملك، وإن قلنا إنها تملك ففيه وجهان، أحدهما لا يعتد به لان الملك غير تام لانه معرض للفسخ (والثانى) يعتد به لانه استبراء بعد الملك وجواز الفسخ لايمنع الاستبراء، كما لو استبرأها وبها عيب لم يعلم به، وان ملكها بالبيع أو الوصية فوضعت أو حاضت قبل القبض ففيه وجهان (أحدهما) لا يعتد به لان الملك غير تام (والثانى) يعتد به لانه استبراء بعد الملك، وللشافعي رحمه الله ما يدل على كل واحد من الوجهين، وإن ملكها بالارث صح الاستبراء وان لم تقبص لان الموروث قبل القبض كالمقبوض في تمام الملك وجواز التصرف (فصل) وإن ملك أمة وهى زوجته لم يجب الاستبراء لان الاستبراء لبراءة الرحم من ماء غيره والمستحب أن يستبرئها لان الولد من النكاح مملوك ومن ملك اليمين حر فاستحب أن يميز بينهما (فصل) وان كانت أمته ثم رجعت إليه بالفسخ، أو باعها ثم رجعت إليه بالاقالة لزمه أن يستبرئها لانه زال ملكه عن استمتاعها بالعقد وعاد بالفسخ فصار كما لو باعها ثم استبرأها، فإن رهنها ثم فكها لم يجب الاستبراء لان بالرهن لم يزل ملكه عن استمتاعها لان له أن يقبلها وينظر إليها بالشهوة. وإنما منع من وطئها لحق المرتهن وقد زال حقه بالفكاك فحلت له. وان ارتد المولى ثم أسلم أو ارتدت الامة ثم أسلمت وجب استبراؤها لانه زال ملكه عن استمتاعها بالردة وعاد بالاسلام. وإن زوجها ثم طلقت، فإن كان قبل الدخول لم تحل له حتى يستبرئها، لانه زال ملكه عن استمتاعها وعاد بالطلاق، وان كان بعد الدخول وانقضاء العدة ففيه وجهان (أحدهما) لا تحل له حتى يستبرئها لانه تجدد له الملك على استمتاعها فوجب استبراؤها، كما لو باعها ثم اشتراها (والثانى) تحل له وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لان الاستبراء يراد لبراءة الرحم وقد حصل ذلك بالعدة (فصل) ومن وجب استبراؤها حرم وطؤها، وهل يحرم التلذذ بها بالنظر والقبلة؟ ينظر فيه فإن ملكها ممن له حرمة لم يحل له، لانه لا يؤمن أن تكون

أم ولد لمن ملكها من جهته، وان ملكها ممن لاحرمة له كالمسبية ففيه وجهان. أحدهما لا تحل له لان من حرم وطئها بحكم الاستبراء حرم التلذذ بها، كما لو ملكها ممن له حرمة. والثانى أنها تحل لما روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال " خرجت في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها ابريق فضة، فما ملكت نفسي أن قمت إليها فقبلتها والناس ينظرون " ولان المسبية يملكها حاملا كانت أو حائلا فلا يكون التلذذ بها الا في ملكه، وانما منع من وطئها حتى لا يختلط ماؤه بماء مشرك، ولا يوجد هذا في التلذذ بالنظر والقبلة، وان وطئت زوجته بشبهة لم يحل له وطؤها قبل انقضاء العدة لانه يؤدى إلى اختلاط المياه وافساد النسب وهل له التلذذ بها في غير الوطئ على ما ذكرناه من الوجهين في المسبية لانها زوجته حاملا كانت أو حائلا (فصل) ومن ملك أمة جاز له بيعها قبل الاستبراء لانا قد دللنا على أنه يجب على المشترى الاستبراء فلم يجب على البائع لان براءة الرحم تحصل باستبراء المشترى، وان أراد تزويجها نظرت فإن لم يكن وطئها جاز تزويجها من غير استبراء لانها لم تصر فراشا له، وان وطئها لم يجز تزويجها قبل الاستبراء لانها صارت بالوطئ فراشا له. (فصل) وان أعتق أم ولده في حياته أو عتقت بموته لزمها الاستبراء لانها صارت بالوطئ فراشا له وتستبرأ كما تستبرأ المسبية لانه استبراء بحكم اليمين فصار كاستبراء المسبية، وان أعتقها أو مات عنها وهي مزوجة أو معتدة لم يلزمها الاستبراء لانه زال فراشه قبل وجوب الاستبراء فلم يلزمها الاستبراء، كما لو طلق امرأته قبل الدخول ثم مات، ولانها صارت فراشا لغيره فلا يلزمها لاجله استبراء. وان زوجها ثم مات ومات الزوج ولم يعلم السابق منهما لم يخل اما أن يكون بين موتهما شهران وخمسة أيام فما دون أو أكثر أو لا يعلم مقدار ما بينهما فإن كان بينهما شهران وخمسة أيام فما دون لم يلزمها الاستبراء عن المولى لانه ان كان المولى مات أولا فقد مات وهي زوجة فلا يجب عليها الاستبراء، وان مات الزوج أولا فقد مات المولى بعده وهى معتدة من الزوج فلا يلزمها الاستبراء وعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر من بعد موت أحدهما لانه يجوز أن يكون

قد مات المولى أولا فعتقت ثم مات الزوج فيلزمها عدة حرة، وان كان بين موتهما أكثر من شهرين وخمس ليال لزمها أن تعتد من بعد آخرهما موتا بأكثر الامرين من أربعة أشهر وعشر أو حيضة، لانه ان مات الزوج أولا فقد اعتدت عنه بشهرين وخمسة أيام وعادت فراشا للمولى، فإذا مات لزمها أن تستبرئ بحيضة، وان مات المولى أولا لم يلزمها استبراء فإذا مات الزوج لزمتها عدة حرة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين، وان لم يعلم قدر مابين المدتين من الزمان وجب أن تأخذ بأغلط الحالين، وهو أن يكون بينهما أكثر من شهرين وخمسة أيام فتعتد بأربعة أشهر وعشر أو حيضة ليسقط الفرض بيقين كما يلزم من نسى صلاة من صلاتين قضاء الصلاتين ليسقط الفرض بيقين ولا يوقف لها شئ من تركة الزوج لان الاصل فيها الرق فلم تورث مع الشك (فصل) وان كانت بين رجلين جارية فوطئاها ففيها وجهان، أحدهما يجب استبراء ان لانه يجب لحقهما فلم يدخل أحدهما في الآخر كالعدتين. والثانى يجب استبراء واحد، لان القصد من الاستبراء معرفة براءة الرحم، ولهذا لا يجب الاستبراء بأكثر من حيضة وبراءة الرحم منهما تحصل باستبراء واحد (فصل) إذا استبرأ أمته ثم ظهر بها حمل فقال البائع هو منى وصدقه المشترى لحقه الولد والجارية أم ولد له والبيع باطل، وان كذبه المشترى نظرت، فإن لم يكن أقر بالوطئ حال البيع لم يقبل قوله لان الملك انتقل إلى المشترى في الظاهر فلم يقبل اقراره بما يبطل حقه، كما لو باعه عبدا ثم أقر أنه كان غصبه أو أعتقه. هل يلحقه نسب الولد؟ فيه قولان قال في القديم والاملاء يلحقه لانه يجوز أن يكون ابنا لواحد ومملوكا لغيره وقال في البويطى لايلحقه لان فيه اضرارا بالمشترى لانه قد يعتقه فيثبت له عليه الولاء، وإذا كان ابنا لغيره لم يرثه، فإن كان قد أقر بوطئها عند البيع، فإن كان قد استبرأها ثم باعها نظرت فإن أتت بولد لدون ستة أشهر لحقه نسبه وكانت الجارية أم ولد له وكان البيع باطلا، وان ولدته لستة أشهر فصاعدا لم يلحقه الولد، لانه لو استبرأها ثم أتت بولد وهي في ملكه لم يلحقه، فلان لايلحقه وهى في ملك غيره أولى، فإن لم يكن المشترى قد وطئها كنت الجارية

والولد مملوكين له، وإن كان قد وطئها، فإن أتت بولد لدون ستة أشهر من حين لوطئ فهو كما لو لم يطأها، لانه لا يجوز أن يكون منه وتكون الجارية والولد مملوكين له، وإن أتت بولد لستة أشهر فصاعدا لحقه الولد وصارت الجارية أم ولد له لان الظاهر أنه منه، وإن لم يكن استبرأها البائع نظرت فإن ولدت لدون ستة أشهر من وقت البيع لحق البائع وكانت الجارية أم ولد له وكان البيع باطلا، وإن ولدته لستة أشهر نظرت فإن لم يكن وطئها المشترى فهو كالقسم قبله لانها لم تصر فراشا له، وإن وطئها فولدت لستة أشهر من وطئه عرض الولد على القافة فإن ألحقته بالبائع لحق، به وإن ألحقته بالمشترى لحقه، وقد بينا معكم الجميع (الشرح) حديث أبى سعيد الخدرى أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه وإسناده حسن، وهو عند الدارقطني من حديث ابن عباس وأعل بالارسال، وعند الطبراني من حديث أبى هريرة بإسناد ضعيف وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود عن أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال: لعله يريد أن يلم بها؟ فقالوا نعم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره، وكيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له. وفي مسند أبى داود الطيالسي: وقال " كيف يورثه وهو لا يحل له، وكيف يسترقه وهو لا يحل له " والمجح هي الحامل المقرب وأخرج ابن أبى شيبة من حديث على مرفوعا " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " وفي إسناده ضعف وانقطاع. قوله " عام أو طاس " هو واد في ديار هوازن. قال القاضى عياض: وهو موضع الحرب بحنين، وهو ظاهر كلام أصحاب السير. قال الحافظ بن حجر: والظاهر أن وادى أوطاس غير وادى حنين (أما بعد:) هذا الباب من مفاخر الاسلام، الدالة على أعظم الحكم، وأسمى ضروب التربية على أكرم الفضائل وأطهر المثل، ذلك أن جيش الاسلام حين يظفرون

بعدوهم فيقع في أسرهم النساء على اختلاف ألوانهن، من عذارى كواعب، إلى فنصف بضة تثير شبق الرجال، والرجل المسلم المقاتل قد بعد موضعه عن موطن أهله، وهو في فتوته وشدة بأسه بالمحل الذي يضاعف من شبقه وشهوته، تأتى الشريعة الغراء فنقول له: قف مكانك لاتقرب هذه السبية ولاتنزع عليها وتربص بها حيضة إن كانت حائلا، أو وضعا ان كانت حاملا. إن لذلك من الاثر البعيد في تهذيب النفوس وتنمية الارادة وتزكية السلوك المسلم ما يضفى على هذا الركب الورانى الذى يسمى بالجيش الفاتح من الجلال والروعة ما جعل الاسلام يسبقهم بنوره، فتنفتح بهم قلوب غلف. وأعين عمى. وآذان صم. حتى لقد كسدت في أسواقهم تلك الاجساد النسائية المسبية. وفي هذه الصورة يقول المتنبي في نساء الروم: يبكى عليهن البطاريق في الضحى وهن لدينا ملقيات كواسد بذا قضت الايام مابين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد ثم إن هذه المسبية على ضعفها وعزلائيتها وتجردها قد أحاطها الاسلام بدرعه المنيع وحمايتها من أن تسلب حرية العقدة فلم يبح إكراهها على الاسلام إن أرادت البقاء على دينها قال الامام الشوكاني: ولا يشترط في جواز وطئ المسبية الاسلام، ولو كان شرطا لبينه صلى الله عليه وسلم - ولم يبينه - ولايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك وقتها، ولا سيما وفي المسلمين يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالاسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم. وتجويز حصول الاسلام من جميع السبايا وهي في غاية الكثرة بعيد جدا، فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير إكراه لا يقول بأنه يصح تجويزه عاقل.

كتاب الرضاع

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الرضاع إذا ثار للمرأة لبن على ولد فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار الطفل ولدا لها في حكمين: في تحريم النكاح، وفي جواز الخلوة وأولاد أولادها، وصارت المرأة أما له وأمهاتها جداته، وآباؤها أجداده، وأولادها أخوته وأخواته، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته. وإن كان الولد ثابت النسب من رجل صار الطفل ولداله وأولاده أولاده، وصار الرجل أبا له، وآباؤه أجداده وأمهاته جناته وأولاده اخوته واخوته وأخوانه أعمامه وعماته والدليل عليه قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، فنص على الامهات والاخوات، فدل على ما سواه وروى ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة بن عبد المطلب فقال انها ابنة أخى من الرضاعة، وانه يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب " وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة " وروت عائشة رضى الله عنها " أن أفلح أخا أبى القعيس أستأذن عليها فأبت أن تأذن له، فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أفلا أذنت لعمك؟ فقالت يارسول الله انما أرضعتني المرأة ولم يرضعنى الرجل، قال فاءذنى له فإنه عمك. وكان أبوالقعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رضى الله عنها " ولان اللبن حدث للولد، والولد ولدهما، فكان المرضع باللبن ولدهما. (فصل) وتنتشر حرمة الرضاع من الولد إلى أولاده وأولاد أولاده. ذكورا كانوا أو اناثا. ولا تنتشر إلى أمهاته وآبائه واخوته وأخواته. ولا يحرم على المرضعة أن تتزوج بأبى الطفل ولا بأخيه. ولا يحرم على زوج المرضعة الذي ثار اللبن على ولده أن يتزوج بأم الطفل ولا بأخته، لقوله صلى الله عليه وسلم

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وحرمة النسب في الولد تنتشر إلى أولاده ولا تنتشر إلى أمهاته وآبائه، ولا إلى اخوته وأخواته فكذلك الرضاع. (الشرح) قوله تعالى في سورة النساء " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " قرأ عبد الله " اللائى " بغير تاء، كقوله تعالى " واللائى يئسن من المحيض " أما حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أريد على ابنة حمزة فقال انها لا تحل لى. انها ابنة أخى من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم " وفي لفظ " من النسب " أخرجه أحمد والبخاري ومسلم. وحديث عائشة أخرجه أحمد والشيخان واصحاب السنن الاربعة والدارقطني. أما حديث عائشة فأخرجه البخاري في الشهادات عن محمد بن أبي كثير وعن آدم. وفي النكاح عن أبى الوليد ومسلم في النكاح عن هناد. وعن عبد الله بن معاذ وعن قتببة والحلواني ومحمد بن رافع وابو داود فيه عن حفص بن عمرو عن محمد بن كثير والنسائي فيه عن هناد وعن قتيبة والربع بن سليمان واسحاق بن ابراهيم. وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبى شيبة. أما اللغات فالرضاع بكسر الراء وفتحها والرضاعة بالفتح لاغير. وحكى المروى الكسر فيها أيضا - أفاده بن بطال - أما الفعل رضع فهو من تعب في لغة نجد ورضع رضعا من باب ضرب لغة لاهل تهامة. وأهل مكة يتكلمون بها وبعضهم يقول أصل المصدر من هذه اللغة كسر الضاد. وانما السكون تخفيف مثل الحلف والحلئف. ورضع يرضع بفتحتين لغة ثالثة رضاعا. ورضاعة بفتح الراء. وأرضعته أمه فارتضع فهى مرضع ومرضعة أيضا. وقال الفراء وجماعة ان قصد حقيقة الوصف بالارضاع فمرضع بغير هاء. وان قصد مجاز الوصف بمعنى انها محل الارضاع فيما كان أو سيكون فبالهاء وعليه قوله تعالى " تذهل كل مرضعة عما ارضعت " ونساء مراضع ومراضيع. وراضعته مراضعة ورضاعا. ورضاعة بالكسر وهو رضيعى. والراضعتان الثنيتان اللتان يشرب عليهما اللبن. ويقال الراضعة الثنية إذا سقطت والجمع الرواضع.

قال أبو زيد. الراضعة كل من سن سقطت من مقادمه. ويقال لؤم ورضع على الازدواج، وذلك إذا مص من الخلف مخافة أن يعلم به أحد إذا حلب فيطلب منه شيئا فهو راضع، ولو أفرد قيل رضع مثل تعب أو ضرب والجمع رضع قوله " أريد على ابنة حمزة " أي طلب وأصله من راد يرود إذا طلب المرعى وفي الخبر " ان الرائد لا يكذب أهله " وفي حديث " فليرتد لبوله " ومنه قوله " أنا راودته عن نفسه " والذي أراد مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يتزوجها هو علي رضى الله عنه كما في صحيح مسلم، وقد اختلف في اسم ابنة حمزة. أمامة وسلمى وفاطمة وعائشة وأمة الله وعمارة ويعلى، وانما كانت ابنة أخى النبي صلى الله عليه لانه صلى الله عليه وسلم رضع من ثوبية وقد كان أرضعت حمزة. وأفلح قال الشوكاني هو مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وليس بصحيح إذ أن افلح مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابن منده اراده هو الذى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ترب وجهك " قال ابن الاثير في اسد الغابة. روى له أبو نعيم حديث ام سلمة قالت " رأى النبي صلى الله عليه وسلم علاما لنا يقال له افلح ينفخ إذا سجد، فقال له " ترب وجهك " وروى حبيب المكى عن أفلح مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " اخاف على امتى من بعدى ضلالة الاهواء واتباع الشهوات والغفلة بعد المعرفة، اخرجه ثلاثتهم - يعنى ابن منده وأبا نعيم وابا عمر بن عبد البر - قلت واسم افلح هذا رباح. اما افلح بن ابى القعيس أو أبو القعيس وقيل أخو أبى القعيس فقال ابن الاثير (1) صاحب الاصابة أخبرنا أبو المكارم فتيان الجوهرى بإسناده عن القعنبى عن مالك عن ابن شهاب

_ (1) ابناء الاثير ثلاثة اخوة، الاكبر وهو مجد الدين أبو السعادات المبارك ابن محمد صاحب النهاية في غريب الحديث واوسطهم عز الدين ابو الحسن صاحب اسد الغاية والكامل في التاريخ. واصغرهم هو ضياء الدين ابو الفتح نصر الله صاحب " المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر " وكان احد وزراء الملك الافضل ابن صلاح الدين الايوبي.

عن عروة عن عائشة وساق الحديث وقال. ورواه سفيان بن عبينة ومعمر عن الزهري نحوه. ورواه ابن نمير وحماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه فقال " إن أخا أبى القعيس، وكذلك رواه عطاء عن عروة، ورواه عباد بن منصور عن القاسم بن محمد قال، حدثنا أبوالقعيس أنه جاء إلى عائشة رضى الله عنها فذكر نحوه، والصحيح أنه أخو أبى القعيس أما الاحكام فإنه لا يقتضى التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات معلومات والرضاع المقتضى للتحريم هو الواصل إلى الجوف مع الاشباع، فإذا أرضعت المرأة طفلا حرمت عليه لانها أمه، وبنتها لانها أخته، وأختها لانها خالته وأمها لانها جدته وبنت زوجها صاحب اللبن لانها أخته، وأخته لانها عمته وأمه لانها جدته وبنات بنيها وبناتها لانهن بنات إخوته وأخواته، ويشترط في الارضاع شرطان (أحدهما) خمس رضعات لحديث عائشة الذي سيأتي. وفي حديث سهلة " أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن " الشرط الثاني أن يكون في الحولين، فإن كان خارجها عنهما لم يحرم كما سيأتي. وقد استدل بقوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " من نفى لبن الفحل، وهو سعيد بن المسيب وابراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وقالوا لبن الفحل لا يحرم شيئا من قبل الرجل وقال الجمهور. قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " يدل على أن الفحل أنب، لان اللبن منسوب إليه: فإنه در بسبب ولده - وهذا ضعيف - فإن الولد خلق من ماء الرجل والمرأة جميعا. واللبن من المرأة ولم يخرج من الرجل وما كان من الرجل الاوطئ هو سبب لنزول الماء منه، وإذا فضل الولد خلق الله اللبن من غير أن يكون مضافا إلى الرجل بوجه ما. ولذلك لم يكن الرجل حق في اللبن وإنما اللبن لها فلا يمكن أخذ ذلك من القياس على الماء. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يقتضى التحريم من الرضاع ولا يظهر وجه نسبة الرضاع إلى الرجل مثل ظهور نسبة الماء إليه والرضاع منها. نعم. الاصل فيه حد " أن أفلح أخا القيس جاء يستأذن عليها وهو عمها

من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت فأبست أن آذن له فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال ليلج عليه فإنه عمك تربت يمينك " وكان أبوى القعيس زوج المرأة التى أرضعت عائشة رضى الله عنها قال القرطبى وهذا خبر واحد. ويحتمل أن يكون أفلح مع أبى بكر رضيعى لبان فلذلك قال ليلج عليك عمك. وبالجملة فالقول فيه مشكل والعلم عند الله ولكن العمل عليه. والاحتياط في التحريم أولى مع أن قول الله تعالى " وأحل لكم ما وراء ذلك " يقوى قول المخالف اه وقوله تعالى " وأخواتكم من الرضاعة " وهي الاخت لاب وأم. وهى التي أرضعتها أمك بلبان أبيك. سواء أرضعتها معك أو ولدت قبلك أو بعدك. والاخت من الاب دون الام. وهى التى أرضعتها زوجة أبيك. والاخت من الام دون الاب وهى التى أرضعتها أمك بلبان رجل آخر، ثم ذكر التحريم بالمصاهرة فقال " وأمهات نسائكم " والصهر أربع: أم المرأة وابنتها وزوجة الاب وزوجة الابن. فأم المرأة تحرم بمجرد العقد الصحيح على ابنتها إذا تقرر هذا فإن تحريم الام والاخت ثبت بنص الكتاب. وتحريم البنت ثبت بالتنبيه. فإنه إذا حرمت الاخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن بالسنة. وتثبت المحرمية لانها فرع على التحريم إذا كان بسبب مباح قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يثبت تحريم الرضاع فيما يرتضع بعد الحولين لقوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فجعل تمام الرضاع في الحولين فدل على أنه لاحكم للرضاع بعد الحولين. وروى يحى بن سعيد أن رجلا قال لابي موسى الاشعري " انى مصصت من ثدى امرأتي لبنا فذهب في بطني. قال أبو موسى لا أراه إلا قد حرمت عليك. فقال عبد الله بن مسعود: انظر ما تفتى به الرجل. فقال أبو موسى فما تقول أنت فقال عبد الله: لارضاع إلا ما كان في الحولين. قال أبو موسى لا تسألونى عن شئ مادام هذا الحبر بين أظهركم " وعن ابن عباس رضى الله عنه قال: لا رضاع إلا ماكان في الحولين

(الشرح) انتزع الفقهاء من قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) أن الرضاعة المحرمة - بكسر الراء المشددة - الجارية مجرى النسب إنما هن ماكان في الحولين، لانه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. وهو قول عمر وابن عباس. وروى عن ابن مسعود كما حكاه المصنف. وبه قال الزهري وقتادة والشعبى وسفيان الثوري ومالك وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن شبرمة وروى ابن عبد الحكم عن مالك: ان زاد شهرا جاز وروى شهران. وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا، لقوله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ولم يرد بالحمل حمل الاحشاء، لانه يكون سنتين، فعلم أنه أراد الحمل في الفصال. وقال زفر: مدة الرضاع ثلاث سنين، وكانت عائشة ترى رضاعة الكبيرة تحرم. ويروى هذا عن عطاء والليث وداود لما روى أن سهلة بنت سهيل قالت " يارسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوى معى ومع أبى حذيفة في بيت واحد ويرانى فضلا. وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات فكانت بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ بنات أخواتها وبنات إخواتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها - وان كان كبير خمس رضعات - وأبت ذلك أم سلمة وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدخل عليهن بتك الرضاعة حتى يكون قد وضع في المهد. وقلن لعائشة والله ما ندرى لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس. رواه أبو داود والنسائي دليلنا قوله تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما وعن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها وعندها رجل، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إنه أخى من الرضاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة، متفق عليه. وعن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يحرم من الرضاع

إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند هذا يتعين حمل خبر أبى حذيفة على أنه خاص له دون غيره من الناس كما قال سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم قال ابن قدامة: وقول أبى حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة فقد روينا عن على وابن عباس أن المراد بالحمل حمل البطن، وبه استدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قول الله تعالى " وفصاله في عامين " فلو حمل على ماقاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية قال عبد الرزاق عن الثوري: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبى حصين عن أبى عطية الوادعى قال: جاء رجل إلى أبى موسى فقال " ان امرأتي ورم ثديها فمصصته فدخل حلقى شئ وسبقني؟ فشدد عليه أبو موسى فأتى عبد الله بن مسعود فقال سألت أحدا غيرى؟ قال نعم أبا موسى فشدد على، فأتى أبا موسى فقال، أرضيع هذا؟ فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم إذا ثبت هذا فالاعتبار بالعامين لا بالفطام، فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيها لحصل التحريم، ولو لم يفطم حتى تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم. وقال ابن القاسم صاحب مالك " لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم تحرم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " وكان قبل الفطام " ويرد عليه قوله تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " وقوله صلى الله عليه وسلم " لارضاع إلى ما كان في الحولين " والفطام معتبر بمدته لا بنفسه وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لارضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام " رواه الطيالسي في مسنده قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ولا يثبت تحريم الرضاع بما دون خمس رضعات، وقال أبو ثور يثبت بثلاث رضعات لما روت أم الفضل رضى الله عنها أن رسول الله (ص)

قال " لا تحرم الا ملاجة ولا الا ملاجتان " فدل على أن الثلاث يحرمن، والدليل على أنه لا يحرم ما دون خمس الرضعات ماروت عائشة رضى الله عنها قالت " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن، وحديث أم الفضل يدل على أن الثلاث يحرمن من جهة دليل الخطاب، والنص يقدم على دليل الخطاب، وهو مارويناه، ولا يثبت إلا بخمس رضعات متفرقات، لان الشرع ورد بها مطلقا، فحمل على العرف، والعرف في الرضعات أن يرتضع ثم يقطعه باختياره من غير عارض ثم يعود إليه بعد زمان ثم يرتضع ثم يقطعه، وعلى هذا إلى أن يستوفي العدد، كما أن العاده في الاكلات أن تكون متفرقة في أوقات. فأما إذا قطع الرضاع لضيق نفس أو لشئ يلهيه ثم رجع إليه أو انتقل من ثدى إلى ثدى كان الجميع رضعة، كما أن الاكل إذا قطعه لضيق نفس أو شرب ماء أو لانتقال من لون إلى لون كان الجميع أكلة، فإن قطعت المرضعة عليه ففيه وجهان (أحدهما) أن ذلك ليس برضعة، لانه قطع عليه بغير اختياره (والثانى) أنه رضعة، لان الرضاع يصح بكل واحد منهما. ولهذا لو أوجرته وهو نائم ثبت التحريم كما يثبت إذا ارتضع منها وهى نائمة، فإذا تمت الرضعة بقطعه وجب أن تتم بقطعها. فإن أرضعته امرأة أربع رضعات، ثم أرضعته أمرأة أخرى أربع رضعات ثم عاد إلى الاولى فارتضع منها وقطع، وعاد إلى الاخرى في الحال فارتضع منها ففيه وجهان: (أحدهما) لايتم عدد الخمس من واحدة منهما، لانه انتقل من إحدهما إلى الاخرى قبل تمام الرضعة فلم تكن كل واحدة منهما رضعة، كما لو انتقل من ثدى إلى ثدى (والثانى) يتم العدد من كل واحدة منهما، لان الرضعة أن يرتضع القليل والكثير ثم يقطع ولا يعود إلى بعد زمان طويل، وقد وجد ذلك (الشرح) حديث أم الفضل " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أتحرم المصة؟ فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان " وفي رواية " دخل

أعرابي على نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بيتى فقال يا نبي الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الاولى أنها أرضعت الحدثى رضعة أو رضعتين، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تحرم الا ملاجة ولا الاملاجتان " أخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بين يحيى وعمر والناقد وإسحاق بن ابراهيم. وعن أبى بكر وعن أبى غسان المسمعى وعن أحمد بن سعيد الدارمي والنسائي في النكاح عن عبد الله بن الصباح وابن ماجه في النكاح عن أبى بكر بن أبى شيبة. أما حديث عائشة قالت " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس " وفي رواية " الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " أخرجه البخاري في الشهادة. وفي الخمس عن عبد الله بن يوسف، وفي النكاح عن اسماعيل، وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى. وعنه القعنبى وعن أبى كريب وعن أبى معمر وأخرجه أبو داود في النكاح عن القعنبى وأخرجه الترمذي في الرضاع عن اسحاق بن موسى وعن محمد بن بشار وأخرجه النسائي في النكاح عن هرون بن عبد الله، وعن محمد بن عبيد الله، وعن عبيد الله بن سعيد، وعن عبد الوراث بن عبد الصمد أما اللغات فقوله " الاملاجة ولا الاملاجتان " وهو الزائد المهموز للفعل المجرد الثلاثي ملج، يقال ملج الصبى أمه ملجا من باب نصر وقتل وملج يملج من باب تعب لغة فيه أي رضعها، ويتعدى بالهمزة فيقال أملجته أمه، والمرة من الثلاثي ملجة ومن الرباعي إملاجة، مثل الاكرامة والاخراجة ونحو ذلك وامتلج الفصيل ما في الضرع. وقوله " ياوجور " وهو بفتح الواو وزان رسول الدواء يصب في الحلق وأجرت المريض إيجارا فعلت به ذلك، ووجرته أجره من باب وعد، وقال ابن بطال في شرح غريب المهدب " الوجور بضم الواو وبفتح الدواء نفسه " واللدود إدخال الدواء في شق الفم وجانبيه، والسعوط ادخاله في الانف والحقنة في الدبر. وقوله " معلومات " فيه إشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات، وأنه لا يكفي الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الاصل وهو العدم.

قوله " وهن فيما يقرأ " فيه إشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس الرضعات، فتوفى صلى الله عليه وسلم وهن قرآن يقرأ. أما الاحكام فقد استدل بحديث عائشة على أن التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعات فما فوقها معلومات، والرضعة هي المرة، فمتى التقم الصبى الثدى فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة فالرضعة الواحدة والرضعتان والثلاث والاربع، وقد استدل بحديث " لا تحرم المصة ولا المصتان " على أن الثلاث محرمة. وهذا الاستدلال مأخوذ من دلالة مفهوم الخطاب، وهو مذهب زيد بن ثابت وأبى ثور وابن المنذر وأبى عبيدة وداود بن على وأحمد في رواية عنه، ولكن يعارض هذا المفهوم القاضى بأن ما فوق الاثنتين يقتضى التحريم ما ثبت من أن الرضاع المقتضى للتحريم خمس رضعات، وهو قول ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم قال الشوكاني: وقد روى هذا المذهب عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه. وحكى ابن القيم عن الليث بن سعد أنه لا يحرم إلا خمس رضعات. وقد اعترض القائلون بقول أبى ثور الذي حكاه المصنف هنا باعتراضات، منها أن الحديث متضمن كون الخمس الرضعات قرآنا والقرآن شرطه التواتر، ولم يتواتر محل النزاع. ثانيا لو كان هذا قرآنا لحفظ لقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون " ثالثا: قوله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير، ومثل ذلك حديث " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " رابعا: عن عقبة بن الحرث أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما، قال فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعرض عنى فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ فنهاه عنها، رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يستفصل عن الكيفية ولاسأل عن العدد

خامسا، حديث " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء " يدل على عدم اعتبار الخمس، لان الفتق يحصل بدونها ونجيب عن الاعتراض الاول بأن كون التواتر شرطا ممنوع، والسند ما أسلفنا عن أئمة القراءات كحفص ونافع، وقد تكلم الجزرى وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبى من أبواب صفة الصلاة، فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الاجماع على مايخالف هذه الدعوى، ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته. وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رأى المشترطين ممنوع. وكذلك انتفاء قرآنيته ولا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لان الحجة ثبتت بظنية الثبوت التي يجب عندها العمل، وقد قرأ الائمة بقراءة الآحاد في مسائل كثير منها قراءة ابن مسعود " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " وقراءة أبى " وله أخ أو أخت من أم " والجواب على الثاني أن كونه غير محفوظ ممنوع، بل قد حفظه الله برواية عائشة له، والمعتبر حفظ الحكم، ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي روايا له عنه صلى الله عليه وسلم لو وصفه له بالقرآنية، وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الاصول من أن المروى آحاد إذا انتفى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما أسلفنا. والجواب عن الثالث بأن مطلق الرضاع مقيد بأحاديث عدد الرضعات في حديث عائشة. ويجاب عن الرابع بأن زيادة البيان على ذلك الذي قيل عنه من ترك الاستفصال يتعين الاخذ به، وزيادة الثقة حجة والمثبت حجة على النافي. وقد يكون ترك الاستفصال مرده إلى سبق البيان منه صلى الله عليه وسلم للقدر المحرم ويجاب عن الخامس بما أجبنا به عن الثالث والرابع إذا ثبت هذا فإنه إذا كانت الرضعات المحرمة خمسا وكانت في خلال الحولين فلو رضع الخامسة على رأس الحولين فقد ثبت التحريم، وكذلك ينبغى أن تكون الرضعات متفرقات، وبهذا قال أحمد وحد الرضعة كما قلنا أن لا يقطعها إلا باختياره، فأما إن قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدى إلى ثدى، أو لشئ يلهيه، أو قطعت عنه المرضعة نظرت

فإن لم يعد قريبا فهي رضعة وإن عاد في الحال ففيه وجهان (أحدهما) أن الاولى رضعة فإذا عاد فهى رضعة أخرى. وهذا ظاهر كلام أحمد رضى الله عنه في رواية حنبل فإنه قال: ألا ترى الصبى يرتضع من الثدى، فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي ليتنفس أو يستريح فإذا فعل ذلك فهى رضعة: وذلك لان الاولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وإن عاد كما لو قطع باختياره (والثانى) أن جميع ذلك رضعة واحدة إلا في حالة قطع المرضعة ففيه الوجهان لانه لو حلف لا أكلت اليوم إلا أكله فاستدام الاكل زمنا أو قطع لشرب الماء أو انتقال من لون إلى لون أو انتظار لما يحمل إليه من الطعام، لم يعد إلا أكلة واحدة فكذا ههنا. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن شكت المرضعة هل أرضعته أم لا؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات لم يثبت التحريم، كما لو شك الزوج هل طلق امرأته أم لا؟ وهل طلق ثلاثا أو طلقتين؟ (فصل) ويثبت التحريم بالوجود لانه يصل اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من إنبات اللحم وانتشار العظم ما يحصل من الرضاع، ويثبت بالسعوط لانه سبيل الفطر الصائم، فكان سبيلا لتحريم الرضاع كالفم، وهل يثبت بالحقنة فيه قولان (أحدهما) يثبت لما ذكرناه في السعوط (والثانى) لا يثبت لان الرضاع جعل لانبات اللحم وانتشار العظم، والحقنة جعلت للاسهال، فإن ارتضع مرتين وأوجر مرة وأوسعط مرة وحقن مرة. وقلنا إن الحقنة تحرم يثبت التحريم، لاناجعلنا الجميع كالرضاع في التحريم وكذلك في اتمام العدد. (فصل) وان حلبت لبنا كثيرا في دفعة واحدة وسقته في خمسة أوقات فالمنصوص أنه رضعة. وقال الربيع فيه قول آخر أنه خمس رضعات: فمن أصحابنا من قال هو من تخريج الربيع. ومنهم من قال فيه قولان (أحدهما) أنه خمس رضعات، لانه يحصل به ما يحصل بخمس رضعات (والثانى) أنه رضعة - وهو الصحيح -

لان الوجور فرع للرضاع، ثم العدد في الرضاع لا يحصل إلا بما ينفصل خمس مرات فكذلك في الوجور. وإن حلبت خمس مرات وسقته دفعة واحدة فَفِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ على قولين كالمسألة قبلها، ومنهم من قال هو رضعة قولا واحدا لانه لم يشرب إلا مرة. وفي المسألة قبلها شرب خمس مرات. وإن حلبت خمس مرات وجعلتها في إناء ثم فرقته وسقته خمس مرات. ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يثبت التحريم قولا واحدا لانه تفرق في الحلب والسقى. ومنهم قال هو على قولين لان التفريق الذي حصل من جهة المرضعة قد بطل حكمه بالجمع في إناء (الشرح) إذا وقع الشك في وجود الرضاع أو في عدد الرضعات المحرمة هل كملت أم لا؟ لم يثبت التحريم لان الاصل عدمه فلا تزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده. والسعوط والوجور كالرضاع، فإذا صب اللبن في أنفه من أناء أو غيره أو صب في حلقه صبا من غير الثدى فكلا الامرين الحكم فيهما حكم الرضاع. وقد اختلفت الرواية في التحريم بهما عن أحمد، فأصح الروايتين أن التحريم يثبت، بهما كما أفاده ابن قدامة. وهو قول الشعبى والثوري وأصحاب الرأى وبه قال مالك في الوجور، ولم يقل به في السعوط والرواية الثانية عن أحمد لا يثبت بهما التحريم، وهو اختيار أبى بكر من أصحاب أحمد وداود بن على وقول عطاء الخراساني في السعوط لان هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع، ولانه حصل من غير ارتضاع فأشبه ما لو دخل من جرح في بدنه دليلنا على ما روى ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لارضاع الا ما أنشز العظم وأنبت اللحم " رواه أبو داود، ولان هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع ويحصل به من انبات اللحم وانشاز العظم ما يحصل من الارتضاع فيجب أن يساويه في التحريم، والانف سبيل الفطر للصائم فكان سبيلا للتحريم إذا تقرر هذا فإنه يحرم من ذلك مثل الذي يحرم بالرضاع، وهو خمس في

الرواية المشهورة فإنه فرغ على الرضاع فيأخذ حكمه، فإن ارتضع وكمل الخمس بسعوط أو وجور كان كمن كمل الخمس برضاع وثبت التحريم بها لانا جعلناه كالرضاع في أصل التحريم، فكذلك في اكمال العدد، ولو حلبت في اناء دفعة واحدة ثم سقته غلاما في خمسة أوقات فالمنصوص أنه رضعة. وقال الربيع فيه قول آخر أنه خمس فأختلف أصحابنا فمنهم من قال ليس هذا قولا للامام وانما هو من تخريج الربيع. ومنهم من عدهما قولين (أحدهما) أنه خمس لانه يحصل به ما يحصل بالخمس. وبهذا قال أحمد. لان الاعتبار بشرب الصبي له لانه المحرم. ولانه لو أكل خمس أكلات من طعام واحد متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات. دليلنا أن القدر المعتبر للرضعة الواحدة لو قسم إلى خمسة أجزاء لما زاد على كونه رضعة. ولان الاعتبار بالرضاع والوجور فرعه. وقد عكس الحنابلة في الصورتين. فأما ان سقته اللبن المجموع من خمس رضعات اعتبارية جرعة بعد جرعة متتابعة ففيه طريقان. فمن أصحابنا من جعلها كالتى قبلها في الوجور خمس مرات لرضعة واحدة. وظاهر كلام الخرقى من أئمة الحنابلة أنه رضعة واحدة لان المعتبر خمس رضعات متفرقات وهذه غير متفرقات. والتفريق الذى حصل من جهة المرضعة بطل حكمه بالجمع في اناء فأما الحقنة فإن قلنا تحرم كالسعوط والجور كانت في حكم الرضاع بمعنى أنه إذا رضع من الثدى رضعتين وبالسعوط واحدة وباوجور واحدة وبالحقن واحدة كانت خمسا كاملة محرمة. وبهذا قال ابن حامد من الحنابلة وابن أبى موسى والمنصوص عن أحمد أنها لا تحرم. وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لان هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذى فلم ينشر الحرمة، كما لو قطر في احليله، ولانه ليس برضاع ولا في معناه فلم يجز اثبات حكمه فيه، ويفارق فطر الصائم فإنه لا يعتبر فيه انبات اللحم ولا انشاز العظم، ولانه وصل اللبن إلى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح

وقد سألنا ولدنا التقى الدكتور أسامة أمين فراج فأجاب بأننالو أعطينا الطفل حقنة اللبن من الشرج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفهم كيفا وكما. أما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منها ما يغذيه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن جبن اللبن وأطعم الصبي حرم لانه يحصل به ما يحصل باللبن من إنبات اللحم وانتشار العظم (فصل) فإن خلط بين اللبن بمائع أو جامد واطعم الصبى حرم وحكى عن المزني أنه قال إن كان اللبن غالبا حرم، وإن كان مغلوبا لم يحرم لان مع غلبة المخالطة يزول الاسم، والمعنى الذي يراد به، وهذا خطأ لان ما تعلق به التحريم إذا كان غالبا تعلق به إذا كان مغلوبا كالنجاسة في الماء القليل (فصل) فإن شرب لبن امرأة ميتة لم يحرم لانه معنى يوجب تحريما مؤيدا فبطل بالموت كالوطئ. (فصل) ولا يثبت التحريم بلبن البهيمة " فإن شرب طفلان من لبن شاة لم يثبت بينهما حرمة الرضاع لان التحريم بالشرع ولم يرد الشرع إلا في لبن الآدمية والبهيمة دون الآدمية في الحرمة ولبنها دون لبن الآدمية في إصلاح البدن فلم يلحق به في التحريم، ولان الاخوة فرع على الامومة، فإذا لم يثبت بهذا الرضاع أمومة فلان لا يثبت به الاخوه أولى ولا يثبت التحريم بلبن الرجل. وقال الكرابيسى يثبت بلبن المرأة، وهذا خطأ لان لبنه لم يجعل غذاء للمولود فلم يثبت به التحريم كلبن البهيمة. وإن ثار للخنثى لبن فارتضع منه صبى - فإن علم أنه رجل - لم يحرم، وان علم أنه أمراة حرم، فإن أشكل فقد قال أبو إسحاق: إن قال النساء إن هذا اللبن لا يكون على غزراته إلا لامراة حكم بأنه أمرأة وأن لبنه يحرم

ومن أصحابنا من قال: لا يجعل اللبن دليلا لانه قد يثور اللبن للرجل، فعلى هذا يوقف أمر من يرضع بلبنه كما يوقف أمره. (فصل) فإن ثار للبكر لبن أو لثيب لازوج لها فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع لان لبن النساء غذاء للاطفال، فإن ثار لبن للمرأة على ولد من الزنا فأرضعت به طفلا ثبت بينهما حرمة الرضاع، لان الرضاع تابع للنسب ثم النسب يثبت بينه وبينها، ولا يثبت بينه وبين الزانى، فكذلك حرمة الرضاع (الشرح) إذا عمل اللبن جبنا ثم أطمعه الصبي ثبت التحريم به، وبهذا قال أحمد، وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الاسم، وكذلك على الرواية لاحمد القائلة بعدم ثبوت التحريم باوجور لا يثبت هنا بطريق الاولى، دليلنا أنه واصل من الحلق، ويحصل به إنبات اللحم وانشاز العظم، فحصل به التحريم كما لو شربه. (فرع) إذا شيب اللبن بغيره فحكمه حكم المحض الخالص الذي لا يخالطه سواه، وبهذا قال الخرقى من الحنابلة، وقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه لا يحرم لانه وجور، وحكى المصنف عن المزني: ان كان الغالب اللبن حرم والا فلا، وهو قول أبي ثور وأبن حامد، لان الحكم للاغلب، ولانه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به، ونحو هذا قول أصحاب الرأى وزادو فقالوا: ان كانت النار قد مست اللبن حتى أنضجت الطعام أو حتى تغير فليس برضاع، وهذا خطأ لان اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه، ويحصل منه انبات اللحم وانشاز العظم فحرم كما لو كان غالبا وقال ابن قدامة: ان صب في ماء كثير لم يتغير به - يعنى الماء - لم يثبت به التحريم، لان هذا ليس بلبن مشوب، ولا يحصل به التغذى ولا انبات اللحم ولا انشاز العظم، وهذا خطأ لان ما تعلق به التحريم ان كان غالبا تعلق به ان كان مغلوبا، ولانه لو وضع قليل من الخمر في الماء ولو لم يغيره حرم شربه، الا إذا استبحر وتلاشى أثر الخمر. ولان أجزاء اللبن حصلت في بطنه فأشبه لو كان لونه ظاهرا

(فرع) إذا شرب لبن امرأة ميتة فإنه لا تنشر الحرمة، وبهذا قال الخلال. لانه لبن ممن ليس بمحل للولادة، فلم يتعلق به التحريم كلبن الرجل، والمنصوص عن أحمد في رواية ابراهيم الحربى أنه ينتشر الحرمة، وهو قول أبى ثور والاوزاعي وابن القاسم وأصحاب الرأى وابن المنذر، وتوقف عنه أحمد في رواية منها. ولو حلبت المرأة لبنها في وعاء ثم ماتت فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرما، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين وأبو ثور وأصحاب الرأى وغيرهم وذلك لانه لبن أمرأة في حياتها فأشبه مالو شربه في الحياة (فرع) ولا تنتشر الحرمة بغير لبن الآدمية بحال، فلو ارتضع اثنان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم، منهم أحمد وابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأى، ولو ارتضعا من رجل لم يصيرا أخوين، ولم تنتشر الحرمة بينه وبينهما في قوله عامتهم. وقال الكرابيسى يتعلق به التحريم لانه لبن آدمى أشبه لبن الآدمية. وحكى عن بعض السلف أنهما لو ارتضعا من لبن بهيمة صار أخوين، وليس بصحيح، لان هذا لا يتعلق به تحريم الامومة، فلا يثبت به تحريم الاخوة، لان الاخوة فرع على الامومة، وكذلك لا يتعلق به تحريم الابوة لذلك، ولان هذا اللبن لم يخلق لغذاء المولود فلم يتعلق به التحريم كسائر الطعام، فإن ثار لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم، لانه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك. وقال ابن حامد: يقف الامر حتى يثبت التحريم بانكشاف أمر الخنثى كونه رجلا وقال أبو إسحاق المروزى: أن قال النساء إن هذا اللبن لا يكون على غزارته إلا لامرأة حكم بأنه امرأة وأن لبنه يحرم وقال بعض أصحابنا: ليس اللبن دليلا على الرجولة والانوثة، لانه قد يثور للرجل لبن تتوفر فيه غزارة لبن المرأة وعناصره التى يتكون منها، وعلى ذلك نقول بقول ابن حامد وهو ما ذهب إليه المصنف هنا (فرع) إذا ثار لامرأه ثيبا كانت أو بكرا لبن من غير وطئ فأرضعت به طفلا نشر الحرمة، وهو قول ابن حامد ومالك وأظهر الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الثوري وأبى ثور وأصحاب الرأى وكل من يحفظ عنه ابن المنذر، لقول

الله تعالى " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم " ولانه لبن امرأة فتعلق به التحريم، كما لو ثان بوطئ، ولان ألبان النساء خلقت لغذاء الاطفال، فإن كان هذا نادرا فجنسه معتاد. (مسألة) يشترط في نشر الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذى ثار اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطئ، إما لكون الوطئ في نكاح أو ملك يمين أو نكاح شبهة. فأما لبن الزانى أو النافي للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما هذا هو مذهبنا وبه قال أبو عبد الله بن حامد والخرقى من أصحاب أحمد، وقال أبو بكر بن عبد العزيز منهم: تنتشر الحرمة بين المرتضع وبين الزانى أو النافي باللعان لانه معنى ينتشر الحرمة، فاستوى في ذلك مباحه ومحظوره كاوطئ يحققه أو الواطئ حصل منه لبن وولد ثم ان الولد ينتشر الحرمة بينه وبين الواطئ كذلك اللبن، ولانه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة بالاتفاق فنشرها إلى الواطئ كصورة الاجماع. ودليلنا أن التحريم بينهما فرع لحرمة الابوة، فلما لم تثبت حرمة الابوة لم يثبت ما هو فرع لها. فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع، وكذلك يحرم جميع أولادها وأقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما في الرضاع باللبن المباح قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) إذا ثار لها لبن على ولد من زوج فطلقها وتزوجت بآخر، فاللبن للاول إلى أن تحبل من الثاني، وينتهى إلى حال ينزل اللبن على الحبل، فإن أرضعت طفلا كان ابنا للاول زاد اللبن أو لم يزد انقطع ثم عاد أو لم ينقطع، لانه لم يوجد سبب يوجب حدوث اللبن غير الاول، فإن بلغ الحمل من الثاني إلى حال ينزل فيه اللبن نظرت - فان لم يزد اللين - فهو للاول، فان أرضعت به طفلا كان ولداللاول، لانه لم يتغير اللبن: فان زاد فارتضع به طفل ففيه قولان

قال في القديم هو ابنهما لان الظاهر أن الزيادة لاجل الحبل، والمرضع به لبنهما فكان ابنهما. وقال في الجديد هو ابن الاول، لان اللبن للاول يقين، ويجوز أن تكون الزيادة لفضل الغذاء، ويجوز أن تكون للحمل، فلا يزال اليقين بالشك فإن انقطع اللبن ثم عاد في الوقت الذي ينزل اللبن على الحبل فأرضعت به طفلا ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه ابن الاول، لان اللبن خلق غذاء للولد دون الحمل، والولد للاول فكان المرضع به ابنه. (والثانى) أنه من الثاني، لان لبن الاول انقطع فالظاهر أنه حدث للحمل والحمل للثاني فكان المرضع باللبن أبنه (والثالث) أنه ابنهما، لان لكل واحد منهما أمارة تدل على أن اللبن له، فجعل المرضع باللبن ابنهما، فإن وضعت الحمل وأرضعت طفلا كان إبنا للثاني في الاحوال كلها، زاد اللبن أو لم يزد، اتصل أو انقطع ثم عاد، لان حاجة المولود إلى اللبن تمنع أن يكون اللبن لغيره (الشرح) إذا ثار لبن منها على ولده من زوج طلقها فتزوجت أخر لم يخل من خمسة أحوال: 1 - أن يبقى لبن الاول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للاول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل، لا نعلم فيه خلافا، لان اللبن كان للاول ولم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقى للاول 2 - أن لاتحمل من الثاني فهو للاول، سواء زاد أو لم يزد، أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع. 3 - أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه، وهو قول أبى حنيفة وأحمد، سواء زاد لم يزد، انقطع أو اتصل، لان لبن الاول ينقطع باولادة من الثاني، فان حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره. 4 - إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان، أحدهما قوله

في القديم هو لهما وتنتشر الحرمة بينه وبينهما، لان زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه، وبقاء لبن الاول يقتضى كون أصله منه فجيب أن يضاف اليهما، وبهذا قال الحنابلة، الثاني هو للاول لان اللبن له بيقين، ويجوز أن تكون الزيادة بسبب التغذية أو استدرار الطفل للثدي فينشط الثدى نتيجة الاحساس بالامومة لدى المرضعة فيثور لبنها لاسباب نفسية من الرحمة يقذفها الله في قلب المرأة، وقد حدث لى وأنا رضيع فقد ماتت الام بعد ولادتي بستة أشهر وكانت جدتى لابي تبلغ من العمر زهاء الثمانين عاما فثار اللبن في ثدييها رحمة بى واشفاقا على من الهلاك: وهذا من الاسباب التي هيأها الله لى أن أعيش وقد حرمت على بنات أعمامي وبنات عمانى، وظل اللبن في ثدييها إلى ان أدركتها المية على رأس المائة، وإنما يخلق الله اللبن للولد عند وجوده سدا لحاجته وحفظا لحياته، وقال أبو حنيفة هو للاول ما لم تلد من الثاني 5 - انقطع اللبن من الاول ثم ثاب بالحمل من الثاني ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه ابن الاول وهو قول أبى حنيفة، لان الحمل لا يقتضى اللبن، وانما يخلقه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته إليه، وقد سبق عند الكلام على قوله في الجديد (الثاني) أنه ابن الثاني، وهو اختيار أبى الخطاب من الحنابله، لان لبن الاول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثاني، فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الاول (والثالث) أنه ابنهما، وذلك لان اللبن كان للاول فلما عاد بحدوث الحمل، فالظاهر أن لبن الاول ثاب بسبب الحمل الثاني، فكان مضافا اليهما كما لو لم ينقطع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وطئ رجلان امرأة وطئا يلحق به النسب فأتت بولد وأرضعت بلبنه طفلا، كان الطفل إبنا لمن يلحقه نسب الولد، لان اللبن تابع للولد، فإن مات الولد ولم يثبت نسبه بالقافة ولا بالانتساب إلى أحدهما - فإن كان له ولد - قام مقامه في الانتساب، فإذا انتسب إلى أحدهما صار المرضع ولد من انتسب إليه، وإن لم يكن له ولد ففي المرضع بلبنه قولان

(أحدهما) أنه إبنهما، لان اللبن قد يكون من الوطئ، وقد يكون من الولد (والقول الثاني) أنه لا يكون ابنهما، لان المرضع تابع للمناسب ولايجوز أن يكون المناسب إبنا لاثنين، فكذلك المرضع، فعلى هذا هل يخير المرضع في الانتساب إلى أحدهما؟ فيه قولان (أحدهما) لا يخير لانه لا يعرض على القافة فلا يخير بالانتساب (والثانى) يخير لان الولد قد يأخذ الشبه بالرضاع في الاخلاق ويميل طبعه إلى من ارتضع بلبنه، ولهذا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أنا أفصح العرب ولا فخر، بيد أنى من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت في بنى زهرة ولهذا يقال يحسن خلق الولد إذا حسن خل المرضعة، ويسوء خلقه إذا ساء خلقها فإذا قلنا إنه يخير فانتسب إلى أحدهما كان إبنه من الرضاعة، فإذا قلنا لا يخير فهل له أن يتزوج بنتيهما؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو الاصح، أنه لا يحل له نكاح بنت واحد منهما، لانا وإن جهلنا عين الاب منهما إلا أنا نحقق أن بنت أحدهما أخته وبنت الآخر أجنبية فلم يجز له نكاح واحدة منهما، كما لو اختلطت أخته بأجنبية (والثانى) أنه يجوز أن يتزوج بنت من شاء منهما، فإذا تزوجها حرمت عليه الاخرى، لان الاصل في بنت كل واحد منهما الاباحة وهو يشك في تحريمها واليقين لا يزال بالشك، فإذا تزوج إحدهما تعينت الاخوة في الاخرى فحرم نكاحها على التأييد، كما لو اشتبه ماء طاهر وماء نجس فتوضأ بأحدهما بالاجتهاد، فإن النجاسة تتعين في الآخر، ولايجوز أن يتوضأ به. (والثالث) أنه يجوز ان يتزوج بنت كل واحد منهما ثم يطلقها ثم يتزوج الاخرى، لان الحظر لا يتعين في واحده منهما، كما يجوز أن يصلى بالاجتهاد إلى جهة ثم يصلى بالاجتهاد إلى جهة أخرى، ويحرم أن يجمع بينهما، لان الحظر يتعين في الجميع فصار كرجلين رأيا طائرا فقال أحدهما إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر، وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر، فطار ولم يعلم أنه غراب ولا غيره، فإنه لا يعتق على واحد منهما لانفراده بملك مشكوك فيه، وإن اجتمع العبدان لواحد عتق أحدهما لاجتماعهما في ملكه

(فصل) وإن أتت امرأته بولد ونفاه باللعان فأرضعت بلبنه طفلا كان الطفل إبنا للمرأة ولايكون إبا للزوج، لان الطفل تابع للولد، والولد ثابت النسب من المرأة دون الزوج فكذلك الطفل، فإن أقر بالولد صار الطفل إبنا له لانه تابع للولد. (فصل) وإن كان لرجل خمس أمهات أولاد فثار لهن منه لبن فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس بن سريج وأبى القاسم الانماطى وأبى بكر ابن الخداد المصرى: إنه لا يصير المولى أبا للصبي لانه رضاع لم يثبت به الامومة فلم تثبت به الابوة (والثانى) وهو قول أبى إسحاق وأبى العباس بن القاص: إنه يصير المولى أبا للصبي، وهو الصحيح، لانه ارتضع من لبنه خمس رضعات فصار إبنا له، وإن كان لرجل خمس أخوات فارتضع طفل من كل واحده منهن رضعة فهل يصير خالا له؟ على الوجهين (الشرح) ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضع من ثويبة مولاة أبى لهب أرضعته أياما وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الاشد المخزومى بلبن ابنها مسروح وأرضعت معهما حمزة بن عبد المطلب واختلف في اسلامهما - ثم أرضعته حلمية السعدية بلبن ابنها عبد الله أخى أنيسة وجذامة، وهى الشيماء أولاد الحرث بن عبد العزى بن رفاعة السعدى، واختلف في اسلام أبويه من الرضاعة، وأرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان شديد العدواة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم عام الفتح وحسن اسلامه وكان عمه مسترضعا في بنى سعد بن بكر، فأرضعت أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عند أمه حليمة، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى وسلم من وجهين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية أما حواضنه صلى الله عليه وسلم فإن أمه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب. ومنهن ثويبة وحليمة والشيماء ابنتها - وهى أخته من

الرضاعة كانت تحضنه مع أمها، وهى التى قدمت عليه في وفد هوازن فبسط لها رداءه، وأجلسها عليه رعاية لحقها. أما بعد: فإن هذه الفصول الثلاثة على وجوهها الذى أوضحناه في الفصول التى قبلها فليراجع. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن كان لرجل زوجة صغيرة فشربت من لبن أمه خمس رضعات انفسخ بينهما النكاح لانها صارت أخته، وإن كانت له زوجة كبيرة وزوجة صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات انفسخ نكاحهما، لانه لا يجوز أن يكون عنده امرأة وابنتها، فإن كان له زوجتان صغيرتان فجاءت امرأة فأرضعت إحداهما خمس رضعات، ثم أرضعت الاخرى خمس رضعات ففيه قولان (أحدهما) ينفسخ نكاحهما، وهو اختيار المزني لانهما صارتا أختين فانفسخ نكاحهما، كما لو أرضعتهما في وقت واحد (والثانى) أنه ينفسخ نكاح الثانية، لان سبب الفسخ حصل بالثانية فاختص نكاحها بالبطلان، كما لو تزوج إحدى الاختين بعد الاخرى. (فصل) ومن أفسد نكاح امرأة بالرضاع فالمنصوص أنه يلزمه نصف مهر المثل ونص في الشاهدين بالطلاق إذا رجعا على قولين (أحدهما) يلزمهما مهر المثل (والثانى) يلزمهما نصف مهر المثل. واختلف أصحابنا فيه، فنقل أبو سعيد الاصطخرى جوابه من إحدى المسئلتين إلى الاخرى وجعلها على قولين (أحدهما) يجب مهر المثل لانه أتلف البضع فوجب ضمان جميعه (والثانى) يجب نصف مهر المثل لانه لم يغرم للصغيره إلا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله وقال أبو إسحاق: يجب في الرضاع نصف المهر وفي الشهادة يجب الجميع، والفرق بينهما أن في الرضاع وقعت الفرقة ظاهرا وباطنا وتلب البضع عليه. وقد رجع إليه بدل النصف فوجب له بدل النصف. وفي الشهادة لم يتلف البضع في الحقيقة، وإنما حيل بينه وبين ملكه فوجب ضمان جميعه، والصحيح طريقة

أبي اسحاق وعليها التفريغ. وان كان لرجل زوجة صغيرة فجاء خمسة أنفس وأرضع كل واحد منهما الصغيرة من لبن أم الزوج أو أخته زضعة وجب على كل واحد منهم خمس نصف المهر لتساويهم في الاتلاف، وإن كانوا ثلاثة فأرضعها أحدهم رضعة وأرضعها كل واحد من الآخرين رضعتين ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجب على كل واحد منهم ثلث النصف، لان كل واحد منهم وجد منه سبب الاتلاف فتساووا في الضمان كما لو طرح رجل في خل قدر دانق من نجاسة، وآخر قدر درهم (والثانى) يقسط على عدد الرضعات فيجب على من أرضع رضعة الخمس من نصف المهر، وعلى كل واحد من الآخرين الخمسان، لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فيقسط الضمان عليه (فصل) إذا ارتضعت الصغيرة من أم زوجها خمس رضعات والام نائمة سقط مهرها لان الفرقة قد حصلت بفعلها فسقط مهرها ولا يرجع الزوج عليها بمهر مثلها ولا بنصفه، لان الاتلاف من جهة العاقد قبل التسليم لا يوجب غير المسمى، فإن ارتضعت من أم الزوج رضعتين والام نائمه وأرضعتها الام تمام الخمس والزوجه نائمه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسقط من نصف المسمى نصفه وهو الربع، ويجب الربع. (والثانى) يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى خمسان ويجب ثلاثة أخماسه وجههما ما ذكرناه في المسألة قبلهاو بالله التوفيق (الشرح) إذا تزوج الرجل صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته أو امرأة ينفسخ النكاح برضاعها خمس رضعات متفرقات، فإن كان قد سمى لها صداقا فاسدا وجب لها نصف مهر المثل، وإن سمى لها صداقا صحيحا وجب لها نصف المسمى ويرجع الزوج على المرضعة بضمان ما أتلفته من البضع، سواء تعمدت فسخ النكاح أو لم تتعمد، وقال مالك لا يرجع عليها بشئ وقال أبو حنيفة: ان تعمدت فسخ النكاح رجع عليها، وان لم تتعمد فسخ النكاح لم يرجع عليها.

دليلنا قوله تعالى " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذى ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح قريشا عام الحديبية على أن المرأة المسلمة إذا هاجرت ردها زوجها إليهم فنهاه الله عن ذلك وأمره برد مهورهن إلى أزواجهن لانه حال بينهن وبين أزواجهن، فدل على أن كل من حال بين الرجل وبين زوجته كان عليه ضمان البضع، وهذه المرضعة قد حالت بينها وبين زوجها فكان عليها الضمان. وعند أبى حنيفة أن كل ما ضمن بالعهد ضمن بالخطأ كالاموال. إذا ثبت هذا فحكم القدر الذي يرجع به على المرضعة نص الشافعي ههنا أنه يرجع عليها بنصف مهر المثل، ونص في الشاهدين إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته فبل الدخول وحكم بشادتهما ثم رجعا عن الشهادة فإنها لاترد إليه، وبماذا يرجع الزوج عليهما؟ فيه قولان. أحدهما يرجع عليهما بنصف المثل. والثانى يرجع عليهما بجميع مهر المثل، لانها أتلفت عليه البضع فرجع عليهما بقيمته. (والثانى) يرجع عليهما بنصف مهر المثل، لانه لم يغرم إلا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله، وحملهما أبو إسحاق وأكثر أصحابنا على ظاهرهما فجعلوا في الشاهدين قولين، وفي المرضعة للزوج يرجع عليهما بنصف مهر المثل قولا واحدا، لان الفرقة في الرضاع وقعت ظاهرا وباطنا، والذى غرم الزوج نصف المهر فلم يرجع عليها بأكثر من بدله. وفي الشاهدين لم تقع الفرقة ظاهرا وباطنا، وإنما وقعت في الظاهر وهما يقران أنها زوجته الآن، وإنما حالا بينه وبينها فرجع عليهما بقيمة جميع البضع. وقال أبو حنيفة: يرجع على المرضعة بنصف المسمى. دليلنا أن هذا تعلق بالاتلاف فلم يضمن بالمسمى، وإنما يضمن بقيمته كضمان الاموال، فإذا قلنا يرجع عليها بنصف مهر المثل - وهو الاصح وعليه التفريع - فجاء خمسة أنفس وأرضعوا الصغيرة من أم الزوج كل واحد منهم رضعة، فإن الزوج يرجع على كل واحد منهم بخمس نصف مهر المثل ليساويهم في الاتلاف. وإن كانوا ثلاثة فأرضعها إثنان كل واحد منهما رضعة من لبن أم الزوج وأرضعها الثالث منها ثلاث رضعات ففيه وجهان

(أحدهما) يجب على كل واحد منهم ثلث نصف مهر المثل، لان كل واحد منهم وجد منه سبب الاتلاف فتساووا في الضمان، كما لو كان عبد بين ثلاثة لاحدهم النصف ولآخر السدس وللثالث الثلث، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس نصيبهما في وقت واحد. (والثانى) يقسط النصف على عدد الرضعات فيجب على من أرضعه رضعة خمس نصف مهر المثل، وعلى من أرضع ثلاث رضعات ثلاثة أخماس نصف مهر المثل، لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فقسط الضمان عليهن (فرع) وإن كان للرجل ثلاث زوجات كبيرة، وللكبيرة ثلاث بنات من النسب أو الرضاع لهن لبن، فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة الكبيرة واحدة من الثلاث الزوجات الصغار نظرت - فإن وقع رضاعهن دفعة واحدة بأن اتفقن في الخامسة - انفسخ نكاح الكبيرة والصغائر، لانه لا يجوز الجمع بينهن وبين جدتهن، وإن كان الزوج لم يدخل بالكبيرة فإنهن يرجعن عليه بنصف المسمى، ويرجع الزوج على كل واحدة من بنات الكبيرة بنصف مهر الصغيرة التي أرضعت، ويرجع على الثلاث المرضعات بنصف مهر الكبيرة بينهن أثلاثا. ومن أصحابنا من قال، يرجع بنصف مهر كل واحدة من الصغار على الثلاث المرضعات بينهن بالسوية كنصف مهر الكبيرة، لانهن اشتركن في إفساد نكاح كل واحدة منهن، والاول أصح، وتحرم عليه الكبيرة على التأبيد. وأما الصغار فلا يحرمن عليه بل يجوز له أبتداء عقد النكاح على كل واحدة منهن، ويجوز له الجمع بينهن لانهن بنات خالات، وإن كان قد دخل بالكبيرة حرمن جميعا على التأبيد، والكلام في مهور الصغائر ما مضى وأما مهر الكبيرة فإنه يرجع على الثلاث المرضعات بينهن أثلاثا وقال ابن الحداد: لا يرجع عليهن بمهر المثل لانه قد وطئها، فلو ثبت له الرجوع لكانت في معنى المرهونة، وهذا ليس بصحيح، لان المهر يرجع به على غيرها فلا تكون في معنى المرهونة وإن تقدم إرضاع بعضهن على بعض فإن الاولة من بنات الكبيرة لما أرضعت واحدة من الصغار انفسخ نكاح الصغيره والكبيرة ورجع الزوج على المرضعة

بنصف مهر مثل الصغيرة وبنصف مهر الكبيرة إن لم يدخل بها، وبجميع مهرها إن دخل بها على الاصح وحرمت الكبيرة على التأييد، فلما أرضعت الثانية الصغيرة وأرضعت الثالثة الصغيرة الثالثة، فإن كان الزوج قد دخل بالكبيرة انفسخ نكاحهما لانهما بنتا أبنة أمرأته المدخول بها والكلام في مهرهما على ما مضى، وإن كان لم يدخل بالكبيرة لم ينفسخ نكاحهما لانهما بنتا ابنة امرأته التي لم يدخل بها. (فرع) إذا كان له ثلاث زوجات كبيرتان وصغيرة فأرضعتها كل واحدة من الكبيرتين أربع رضعات ثم حلبت كل واحدة منهما لبنا منها وخلطتاه وسقتاه الصغيرة معا انفسخ نكاح الكبيرتين والصغيرة وعلى الزوج للصغيرة نصف المسمى وللزوج على الكبيرتين نصف مهر مثل الصغيرة بينهما نصفين وأما مهر الكبيرتين فإن كان قد دخل بهما فلهما عليه المهر المسمى ويرجع الزوج على كل واحدة منهما من مهر صاحبتها، لان كل واحدة منهما أتلف نصف بضع صاحبتها ونكاح كل واحدة منها انفسخ بفعل نفسها وفعل صاحبتها فلا تضمن كل واحدة منها من مهر صاحبتها إلا ما قابل فعلها، وإن كان لم يدخل بهما فلكل واحدة منهما ربع مهرها المسمى على الزوج، لانه لو لم يكن من جهتها سبب في فسخ النكاح لاستحقت نصف مهرها المسمى. ولو انفسخ نكاحها بفعلها سقط جيمع مهرها، فإذا انفسخ نكاحها قبل الدخول لا مهر لها، وما قابل فعل صاحبتها لا يسقط، ويرجع الزوج على كل واحدة منهما بربع مهر مثل صاحبتها لانه قيمة ما أتلفته من بعض صاحبتها. قال الشيخ أبو حامد: فإن كانت بحالها إلا أن إحدهما انفرد بإيجارها اللبن المخلوط منهما انفسخ نكاح الجميع وللصغيرة على الزوج نصف المسمى، ويرجع الزوج على المؤجرة بنصف مهر الصغيرة لانها هي انفردت بالاتلاف وأما مهر الكبيرتين - فإن كان الزوج لم يدخل بالتي لم توجر - كان لها على الزوج نصف المسمى ويرجع الزوج على المؤجرة بنصف مهر مثل التي لم توجر، وإن كان قد دخل بالتي لم توجر فلها على الزوج جيمع ما سمى ولها ويرجع الزوج على المؤجرة بجميع مهر مثل التي لم توجر وأما مهر المؤجرة - فإن كان ذلك قبل الدخول بها - فلا شئ لها.

وإن كان بعد الدخول فلها عليه جميع المسمى ولا يسقط عنه شئ منه، وتحرم الكبيرتان عليه على التأييد بكل حال. وأما الصغيرة - فإن دخل بالكبيرتين أو بإحداهما حرمت عليه على التأييد وإن لم يدخل بواحدة منهما جاز له ابتداء العقد على الصغيرة. (فرع) وإن تزوج صغيرة فارتضعت من أم الزوج خمس رضعات متفرقات والام نائمة أنفسخ نكاحها وسقط مهرها، لان الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول فإن ارتضعت من الام رضعتين وهى نائمة، ثم أرضعتها الام ثلاث رضعات متفرقات انفسخ نكاحها. قال الشيخ أبو إسحاق: وفي قدر ما يسقط عنه من نصف المسمى وجهان (أحدهما) يسقط نصفه وهو الربع ويجب عليه الربع (والثانى) يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى الخمسان ويجب ثلاثة أخماسه، فإذا قلنا بالاول وجب على الام للزوج ربع مهر المثل، وإذا قلنا بالثاني وجب على الام ثلاثة أخماس نصف مهر المثل وإن تقاطر من لبن أمه في حلق زوجته الصغيرة فوصل إلى جوفها خمس رضعات انفسخ نكاحها فوجب عليه للصغيرة نصف المسمى ولا يرجع الزوج على الام بشئ لانه ليس من جهة أحدهما فعل (فرع) وإن ارتضعت زوجته الصغيرة من زوجته الكبيرة خمس رضعات متفرقات والكبيرة نائمة أنفسخ نكاحهما وسقط مهر الصغيرة، وإن كان لم يدخل بالكبيرة رجعت على الزوج بنصف مهرها المسمى ورجع الزوج في مال الصغيرة بجميع مهر مثل الكبيرة على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشئ على قول ابن الحداد. (فرع) وإن كان له زوجة صغيرة وزوجة كبيرة وللكبيرة ابن من غير هذا الزوج له زوجة لها لبن من ابن الكبيرة فأرضعت به الصغيرة انفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة، لان الكبيرة صارت جدة الصغيرة، ولايجوز الجمع بين المرأة وجدتها، وتحرم الكبيرة على التأييد، وأما الصغيرة - فإن كان قد دخل بالكبيرة - حرمت عليه على التأبيد، وإن لم يدخل بالكبيرة لم تحرم عليه على التأييد،

كتاب النفقات

ويجب على الزوج للصغيرة نصف المسمى، ويرجع الزوج على زوجته الكبيرة بنصف مهر مثل الصغيرة. وأما الكبيرة فإن لم يدخل بها وجب لها نصف مهرها المسمى ويرجع على زوجة الابن بنصف مهر مثل الكبيرة. وان دخل بالكبيرة رجعت الكبيرة بجميع مهرها المسمى، ويرجع الزوج على زوجة ابنها بجميع مهر مثل الكبيرة على قول أكثر أصحابنا، ولا يرجع عليها بشئ ههنا على قول ابن الحداد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: كتاب النفقات (باب نفقة الزوجات) إذا سلمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها ونقلها إلى حيث يريد، وهما من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح، وجبت نفقتها، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ الناس فقال " اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإن امتنعت من تسليم نفسها أو مكنت من استمتاع دون استمتاع أو في منزل دون منزل أو في بلد لم تجب النفقة لانه لم يوجد التمكين التام فلم تجب النفقة كما لا يجب ثمن المبيع إذا امتنع البائع من تسليم المبيع، أو سلم في موضع دون موضع، فإن عرضت عليه وبذلت له التمكين التام والنقل إلى حيث يريد وهو حاضر، وجبت عليه النفقة لانه وجد التمكين التام. وإن عرضت عليه وهو غائب لم يجب حتى يقدم هو أو وكيله، أو يمضى زمان لو أراد المسير لكان يقدر على أخذها، لانه لا يوجد التمكين التام إلا بذلك وإن لم تسلم إليه ولم تعرض عليه حتى مضى على ذلك زمان لم تجب النفقة، لان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضى الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين.

لم ينفق إلا من حين دخلت عليه ولم يلتزم نفقتها لما مضى، ولانه لم يوجد التمكين التام فيما مضى فلم يجب بدله، كما لا يجب بدل ما كلف من المبيع في يد البائع قبل التسليم. (فصل) وإن سلمت إلى الزوج أو عرضت عليه وهي صغيرة لا يجامع مثلها ففيه قولان: أحدهما تجب النفقة لانها سلمت من غير منع. والثانى لا يجب وهو الصحيح لانه لم يوجد التمكين التام من الاستمتاع، وإن كانت الكبيرة والزوج صغير ففيه قولان: أحدهما لا تجب لانه لم يوجد التمكين من الاستمتاع. والثانى تجب وهو الصحيح لان التمكين وجد من جهتها وإئما تعذر الاستيفاء من جهته فوجبت النفقة، كما لو سلمت إلى الزوج وهو كبير فهرب منها، وإن سلمت وهى مريضة أو رتفاء أو نحيفة لا يمكن وطؤها أو الزوج مريض أو مجبوب أو حسيم لا يقدر على الوطئ وجبت النفقة لانه وجد التمكين من الاستمتاع، وما تعذر فهو بسبب لاتنسب فيه إلى التفريط (الشرح) حديث جابر جزء من حديث جابر الطويل في الحج، وقد ورد بمعناه عن عمرو بن الاحوص عند أصحاب السنن كلهم " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال، استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبعنوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا اليهن في كسوتهن وطعامهن " أما خبر عائشة فقد أخرجه أحمد والبخاري ومسلم بلفظ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا " وفي رواية لاحمد ومسلم " تزوجها وهى بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين " أما الاحكام فإن الاصل في وجوب نفقة الزوجات من الكتاب قوله تعالى

والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمولود له هو الزوج، وانما نص على وجوب نفقة الزوجات حال الولادة ليدل على أن النفقة تجب لها حال اشتغالها عن الاستمتاع بالنفاس لئلا يتوهم متوهم أنه لا يجب لها وقوله تعالى " فإن خفتم أن لاتعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا " قال الشافعي: معناه أن لا يكثر عيالكم ومن تمونونه. وقيل إن أكثر السلف قالوا معنى أن لا تعولوا أن لا تجوروا، يقال عالى يعولوا عولا إذا جار. وعال يعيل إذا كثر عياله إلا زيد بن أسلم فإنه قال. معناه أن لا يكثر عيالكم وقول النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لذلك حيث قال " ابدا بنفسك ثم بمن تعول " ويدل على نفقة الزوجات قوله تعالى " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم " وقوله تعالى، لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا تكلف نفس إلا ما آتاها " ومعنى قوله تعالى " قدر عليه " أي ضيق عليه ومن السنة ما رواه حكيم بن معاوية القشيرى عن أبيه قال " قلت يارسول الله ماحق الزوجة؟ فقال أن تطعمها إذا طعمت وأن تكسوها إذا اكتسبت " أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححاه، وعلق البخاري طرفا منه وصححه الدارقطني في العلل. وما قيده المصنف هنا عن جابر، وقد وردت أحاديث منها حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تصدقوا قال رجل عندي دينار، قال تصدق به على نفسك. قال عندي دينار آخر. قال تصدق به على زوجتك. قال عندي دينار آخر، قال تصدق به على ولدلك، قال عندي دينار آخر. قال تصدق به على خادمك: قال عندي دينار آخر، قال أنت أبصر به " ورواه أحمد والنسائي، ورواه أبو داود بتقديم الولد على الزوجة. واحتج به أبو عبيد بتحديد الغنى بخمسة دنانير ذهبا، تقوية بحديث ابن مسعود في الخمسين درهما،

إذا ثبت هذا فلا يحلو حال الزوجين من أربعة أقسام (1) أن يكونا بالغين (2) أن يكون الزوج بالغا والزوجة صغيرة (3) أن يكون الزوج صغيرا والزوجة كبيرة (4) أن يكونا صغيرين فإن كانا بالغين وسلمت الزوجة نفسها إلى الزوج تسليما تاما بأن تقول: سلمت نفسي اليك وإن اخترت أن تصير إلى وتستمتع فذلك اليك. وان اخترت جئت اليك حيث شئت فعلت، وجبت نفقتها لان النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع فإذا وجد ذلك منها فقد وجد منها التمكين منه، فوجب في مقابلته كالبائع إذا سلم المبيع وجب على المشترى تسليم الثمن. فإن سلمت المرأة نفسها إلى الزوج وكان حاضرا فلم يتسلمها حتى مضت على ذلك مدة وجبت عليه نفقتها كالبائع إذا سلم المبيع وجب على المشترى تسليم الثمن. فإن سلمت المرأة نفسها إلى الزوج وكان حاضرا فلم يتسلمها حتى مضت على ذلك مدة وجبت عليه نفقتها في تلك المدة. وقال أبو حنيفة: لا تجب نفقة المدة الماضية إلا أن يحكم لها الحاكم، ولانه مال يجب للزوجة بالزوجية فلم يفتقر استقراره إلى حكم الحاكم كالمهر. وإن سلمت نفسها إلى الزوج تسليما غير تام بأن قالت سلمت نفسي في هذا البيت دون غيره، أو في هذه القرية دون غيرها لم تجب لها النفقة، لانه لم يوجد التسليم التام، فهو كما لو قال البائع: أسلم هذه السيارة في هذا الموضع دون غيره. فإن عقد النكاح ولم تسلم المرأة نفسها ولا طالب الزوج بها وسكتا عن ذلك حتى مضى على ذلك سنة أو أكثر لم يجب لها النفقة، لان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهى بنت سبع، ودخل بها وهى ابنة تسع، ولم ينقل أنه أنفق عليها إلا من حين دخل بها وإن عرض الولى الزوجة على الزوج بغير إذنها وهى بالغة عاقلة فلم يتسلمها الزوج ومضى على ذلك مدة لم تجب على الزوج النفقة لانه لا ولاية له عليها في المال. وإن غاب الزوج عن بلد الزوجة نظرت - فإن غاب عنها بعد أن سلمت نفسها إليه تسليما تاما وامتنع من تسليمها فقد وجبت نفقتها بتسليمها نفسها فلم يسقط ذلك بغيبته. وان غاب عنها قبل ان تسلم نفسها إليه وأرادت تسليم نفسها إليه فإنها إذا أتت حاكم بلدها وقالت: أنا أسلم نفسي إليه وأخلى بين وبينه، فإن

حاكم بلدها يكتب إلى حاكم البلد الذي فيه الزوج ويعرفه ذلك، فإذا وصل الكتاب إلى المكتوب إليه استدعى الزوج وعرض عليه الامر، فإن سار إليها وتسلمها أو وكل من يتسلمها، فتسلمها الوكيل وجب عليه نفقتها من حين تسلمها هو أو وكيله. وان أمكنه السير فلم يسر ولا وكيله، فإنه إذا مضت عليه مدة لو أراد المسير إليها أمكنه ذلك، فإن الحاكم يفرض لها النفقة من حين مضى مدة السفر إليها لانه قد كان يمكنه التسليم. فإذا لم يفعل ممتنعا من تسلمها فوجبت عليه النفقة وان لم يمكنه المسير إليها أمكنه ذلك، فأن الحاكم يفرض لها النفقة من حين مضى مدة السفر إليها لانه قد كان يمكنه التسليم. قإذا لم يفعل صار ممتتعا من تسلمها فوجب عليه النفقة وان لم يمكنه المسير لعدم الرفقة أو لخوف الطريق لم تجب عليه النفقة حتى يمكنه المسير لانه غير ممتنع من تسلمها. وان كان الزوج بالغا والزوجة صغيرة نظرت - فإن كانت مراهقة تصلح للاستمتاع - فإن الذى يجب عليه تسليمها وليها. فإن سلمها الولى تسليما تاما وجب على الزوج نفقتها. وان لم يكن لها ولى أو كان غائبا أو امتنع من تسليمها أو سكت عن تسليمها فسلمت نفسها إلى الزوج وجبت النفقة على الزوج لان التسليم قد حصل وان كان ممن لا يصح تسليمه. كما لو اشترى سلعة بثمن وسلم الثمن وقبضها المشتري بغير اذن البائع أو أقبضه اياها غلام البائع فان القبض يصح قال ابن الصباغ في الشامل: وينبغى أن لا تجب النفقة الا بعد أن يسلمها ولا يجب ببذلها لان بذلها لاحكم له. وان كانت صغيرة لا يتأتى جماعها ففيه قولان (أحدهما) يجب لها النفقة. لان تعذر وطئها عليه ليس بفعلها فلم تسقط بذلك نفقتها. كما لو مرضت (الثاني) لا تجب لها النفقة. وبه قال مالك وأبو حنيفة واختاره المزني، وهو الصحيح. لان الاستمتاع متعذر عليه فلم تجب عليه النفقة، كما لو نشزت. وان كان الزوج طفلا صغيرا والزوجة كبيرة ففيه قولان (أحدهما) لا تجب لها النفقة لان النفقة انما تجب بالتمكين والتسليم. وانما

يصح ذلك إذا كان هناك متمكن ومتسلم، والصبى لا يتمكن ولا يتسلم فلم تجب لها النفقة كما لو كان غائبا. (والثانى) يجب لها النفقة إذا سلمت نفسها - وهو الاصح - لان التمكين والتسليم التام قد وجد منها وإنما تعذر من جهته فوجبت نفقتها، كما لو سلمت نفسها إلى البالغ ثم هرب. وأما إذا كان صغيرين فسلمها الولى هل يجب لها النفقة فيه قولان، وجههما ما ذكرناه في التي قبلها إلا أن الاصح هنها أنه لا يجب لها النفقة، لان الاستمتاع متعذر من جهتها (فرع) إذا تسلم الزوج وهى مريضة أو تسلمها صحيحة فمرضت عنده أو تسلمها وهى رتقاء (1) أو قرناء (2) أو أصابها ذلك بعد ان تسلمها، أو أصاب الزوج مرض أو جنون أو جشم (3) وجبت عليه النفقة، لان الاستمتاع بها ممكن مع ذلك. قال الشافعي رضى الله عنه. وإن كان في جماعها شدة ضرر منع من جماعها وأجبر بنفقتها. وجملة ذلك أن الرجل إذا كاعظيم الخلق والزوجة نضوة الخلق وعليها في جماعة ضرر يخاف منه الانفضاء أو المشقة الشديدة أو كان بفرجها جرح يضر بها وطؤه، فإن وافقها الزوج على الضرر الذي يلحقها بوطئه لم يجز له وطؤها لقوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ومن المعروف أن يمنع من وطئها فإن اختار طلاقها فطلقها فلا كلام. وإن لم يختر طلاقها وجبت عليه نفقتها لانها محسوسة عليه، ويمكنه الاستمتاع بها بغير الوطئ. وإن لم يصدقها الزوج بل ادعى أنه يمكنه جماعها، فإن ادعت تعذر الوطئ لعظم خلقته فقال العمرانى في البيان أمر الحاكم نساء ثقات يشاهدن ذلك بينهما حال الجماع من غير حائل.

_ (1) الرتقاء التي انسد فرجها حتى لا يستطاع جماعها (2) القرناء التي نبت لها لحم في فرجها كالغدة الغليظة في مدخل الذكر. وقد يكون عظما كالقرن (3) والحسم أن يستأصل ذكره أو لا يكون له ذكر وهو ضد الجسم وهو كبير الذكر جدا. " المطيعي "

فإن قلن إنه يلحقها مشقة شديدة أو يخاف عليها من ذلك منع من وطئها. وإن قلنا إنه لا يلحقها مشقة شديدة ولا يخاف عليها منه أمرت بتمكينه من الوطئ. وإن ادعت تعذر الوطئ بجراح في فرجها أمر الحاكم النساء ثقات ينظرن إلى فرجها لان هذا موضع ضرورة فجوز النظر إلى العورة واختلف أصحابنا في عدد النساء الاتى ينظرن إليها حال الجماع، أو ينظرن الجرح في فرجها، فقال أبو إسحاق يكفى واحدة لان طريق ذلك الاخبار والمشقة تلحقن بنظر الجماع منهما فجاز الاقتصار على واحدة ومن أصحابنا من قال: لا يكفي أقل من أربع نسوة في ذلك، لان هذه شهادة ينفرد بها النساء فلم يقبل فيه أقل من أربع كسائر الشهادات قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان سلمت إليه ومكن من الاستمتاع بها في نكاح فاسد لم تجب النفقة لان التمكين لا يصح مع فساد النكاح، ولا يستحق ما في مقابلته. (فصل) وان انتقلت المرأة من منزل الزوج إلى منزل آخر بغير اذنه أو سافرت بغير اذنه سقطت نفقتها، حاضرا كان الزوج أو غائبا لانها خرجت عن قبضته وطاعته فسقطت نفقتها كالناشزة. وان سافرت بإذنه فان كان معها وجبت النفقة لانها ما خرجت عن قبضته ولا طاعته. وان لم يكن معها ففيه قولان ذكرناهما في القسم. (فصل) وان أحرمت بالحج بغير اذنه سقطت نفقتها لانه ان كان تطوعا فقد منعت حق الزوج وهو واجب بما ليس بواجب، وان كان واجبا فقد منعت حق الزوج وهو على الفور بما هو على التراخي، وان أحرمت بإذنه فان خرجت معه لم تسقط نفقتها لانها لم تخرج عن طاعته وقبضته، وان خرجت وحدها فعلى القولين في سفرها باذنه (فصل) وان منعت نفسها باعتكاف تطوع أو نذر في الذمة سقطت نفقتها لما ذكرناه في الحج، وإن كان عن نذر معين أذن فيه الزوج لم تسقط نفقتها لان الزوج أذن فيه وأسقط حقه فلا يسقط حقها، وان كان عن نذر لم يأذن فيه:

فإن كان بعد عقد النكاح سقطت نفقتها لانها منعت حق الزوج بعد وجوبه، وإن كان بعذر قبل النكاح لم تسقط نفقتها، لان ما استحق قبل النكاح لاحق للزوج في زمانه، كما لو أجرت نفسها ثم تزوجت، وإن اعتكفت بإذنه وهو معها لم تسقط نفقتها لانها في قبضته وطاعته وإن لم يكن معها فعلى القولين في الحج. (فصل) وإن منعت نفسها بالصوم فإن كان بتطوع ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط نفقتها لانها في قبضته (والثانى) وهو الصحيح انها تسقط لانها منعت التمكين التام بما ليس بواجب فسقطت نفقتها كالناشزة، وان منعت نفسها بصوم رمضان أو بقضائه وقد ضاق وقته لم تسقط نفقتها، لان ما استحق بالشرع لا حق للزوج في زمانه. وإن منعت نفسها بصوم القضاء قبل أن يضيق وقته، أو بصوم كفارة أو نذر في الذمة، سقطت نفقتها، لانها منعت حقه وهو على الفور بما هو ليس على الفور وإن كان بنذر معين - فإن كان النذر بإذن الزوج - لم تسقط نفقتها لانه لزمها برضاه، وان كان بغير اذنه - فإن كان بنذر بعد النكاح - سقطت نفقتها وان كان بنذر قبل النكاح لم تسقط لما ذكرناه في الاعتكاف (فصل) وان منعت نفسها بالصلاة - فإن كانت بالصلوات الخمس أو السنن الراتبة - لم تسقط نفقتها لان ما ترتب بالشرع لا حق للزوج في زمانه، وان كان بقضاء فوائت - فان قلنا انها على الفور - لم تسقط نفقتها، وان قلنا انها على التراخي سقط نفقتها لما قلنا في قضاء رمضان، وان كانت بالصلوات المنذورة فعلى ما ذكرناه في الاعتكاف والصوم. (الشرح) وان سلمت المرأة نفسها إلى الزوج ومكنته من الاستمتاع بها في نكاح فاسد لم تجب لها النفقة، لان التمكين لا يصح مع فساد النكاح فلم تستحق ما في مقابلته كما لا يستحق البائع الثمن في بيع فاسد (فرع) إذا انتقلت الزوجة من منزل الزوج الذي أسكنها فيه إلى منزل غيره بغير أذنه وخرجت من البلد بغير اذنه فهى ناشزة وسقطت بذلك نفقتها، وبه قال أهل العلم كافة الا الحكم بن عينة فانه قال لا تسقط نفقتها، كما لو لم تسلم نفسها

وان سافرت المرأه بغير اذن زوجها سقطت نفقتها لانها منعت استمتاعه بالسفر. وان سافرت بإذنه نظرت، فان سافر الزوج معها لم تسقط نفقتها لانها في قبضته وطاعته. وان سافرت وحدها، فان كانت في حاجة اللزوج وجبت عليه لانها سافرت في شغله ومراده. وان سافرت بحاجة نفسها فقد قال الشافعي في النفقات لها النفقة، وقال في النكاح لانفقة لها، واختلف أصحابنا فيها، فقال أبو إسحاق: ليست على قولين وانما هي على اختلاف حالين، فحيث قال لها النفقة أراد إذا كان الزوج معها، وحيث قال لانفقة لها، أراد إذا لم يكن الزوج معها. ومنهم من قال فيه قولان (أحدهما) لانفقة لها. وبه قال أبو حنيفة وأحمد لانها غير ممكنة من نفسها فلم تجب لها النفقة، كما لو سافرت بغير اذنه (والثانى) تجب لها النفقة لانها سافرت باذنه فلم تسقط نفقتها، كما لو سافرت في حاجته. (فرع) وان أحرمت بالحج أو العمرة بغير أذنه سقطت نفقتها لانه ان كان تطوعا فقد منعت حق الزوج الواجب بالتطوع، وان كان واجبا عليها فقد منعت حق الزوج وهو على الفور وحقها هي على التراخي. أفاده صاحب البيان. وان أحرمت باذنه وخرجت مع الزوج لم تسقط نفقتها لانها في قبضته، وان أحرمت باذنه وخرجت وحدها ففيه طريقان مضى ذكرهما في السفر وان اعتكفت فلا يصح عندها الا في المسجد، فان كان بغير اذن الزوج سقطت نفقتها لانها ناشزة بالخروج إلى المسجد بغير اذنه، وان كان باذن الزوج - فان كان الزوج معها في المسجد - لم تسقط نفقتها لانها في قبضته وطاعته وان لم يكن معها في المسجد فعلى الطريقين في السفر. قال أبو إسحاق لانفقة لها قولا واحدا. ومن أصحابنا من قال فيه قولان (فرع) فان صامت المرأة بغير اذن زوجها نظرت - فان كان تطوعا - فللزوج منعها منه وله اجبارها على الفطر بالاكل والجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تصومن المرأة التطوع وزوجها حاضر الا باذنه " فان امتنعت من الوطئ ولكنها لم تفارق المنزل ففيه وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هي ناشزة

فتسقط نفقتها لانها ممتنعة عليه، فلا فرق بين أن تمتنع بالفراش أو بمفارقة المنزل وقال المصنف: لا تسقط نفقتها، لانها ما لم تفارق المنزل فهي غير ناشزة. وهذا قول الشيخ أبى حامد ومن أصحابنا من قال: إذا منعته الوطئ سقطت نفقتها وجها واحدا، وإنما الوجهان إذا صامت ولم تمنعه الوطئ. وان كان الصوم واجبا نظرت - فان كان صوم رمضان - فليس له منعا منه ولا تسقط نفقتها به لانه مستحق بالشرع. وإن كان قضاء رمضان قال صاحب البيان، فإن لم يضق وقت قضائه فله منعها منه وإن دخلت فيه بغير إذنه كان كما لو دخلت في صوم التطوع بغير إذنه، وان ضاق وقت قضائه - بأن لم يبق من شعبان إلا قدر أيام القضاء - لم يكن له منعها منه. وإن دخلت فيه بغير اذنه لم تسقط نفقتها بذلك، لانها لا يجوز لها تأخيره إلى دخول رمضان فصار مستحقا للصوم كأيام رمضان وان كان الصوم عن كفارة كان للزوج منعها منه، لانه على التراخي وحق الزوج على الفور. وان الصوم نذرا - فإن كان في الذمة - كان له منعها منه لانه على التراخي وحق الزوج على الفور. وان كان متعلقا بزمان بعينه، فان كان نذرته بإذن الزوج لم يكن له منعها منه لان زمانه قد استحق عليها صومه باذن الزوج فان دخلت فيه بغير اذنه لم تسقط بذلك نفقتها. وان نذرته بغير اذن الزوج بعد النكاح كان للزوج منعها من الدخول فيه لانها فرطت بايجابه على نفسها بغير اذنه وان نذرت الصوم في زمان بعينه قبل عقد النكاح لم يكن للزوج منعها من الدخول فيه. وان دخلت فيه بغير اذنه لم تسقط بذلك نفقتها، لان زمانه قد استحق صومه قبل عقد النكاح. وكل موضغ قلنا للزوج منعها من الدخول فيه إذا دخلت فيه بغير اذن الزوج فهل تسقط نفقتها بذلك؟ فيه وجهان كما مضى في الصوم التطوع. (فرع) وان منعت نفسها بالصلوات الخمس في أوقاتها لم تسقط نفقتها بذلك لان وقتها مستحق للصلاة وليس للزوج منعها من الدخول فيها في أول الوقت. لانها قد وجبت في أول وقتها، ولانه يفوت عليها فضيلة أول الوقت. وأما قضاء الفائتة - فان قلنا انها تجب على الفور - لم يكن للزوج منعها منها.

وان قلنا انها لا تجب على الفور كان للزوج منعها من الدخول فيها. وأما الصلوات المنذورة فهى كالصوم المنذور على ما مضى وأما صلاة التطوع، فان كانت غير راتبة، كان للزوج منعها منها، لان حق الزوج واجب فلا يسقط بما لا يجب عليها - فان دخلت فيها بغير اذن الزوج احتمل أن يكون في سقوط نفقتها في ذلك وجهان كما قلنا ذلك في الصوم التطوع، وان كانت سنة راتبة فقال الشيخ أبو إسحاق: لا تسقط نفقتها بها كما قلنا في الصلوات الخمس قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان الزوجان كافرين وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج لم تسقط نفقتها لانه تعذر الاستمتاع بمعنى من جهته هو قادر على إزالته فلم تسقط نفقتها كالمسلم إذا غاب عن زوجته وقال أبو على بن خيران: فيه قول آخر إنها تسقط لانه امتنع الاستمتاع لمعنى من جهتها فسقطت نفقتها، كما لو أحرمت المسلمة من غير اذن الزوج، والصحيح هو الاول، لان الحج فرض موسع الوقت، والاسلام فرض مضيق الوقت فلا تسقط النفقة كصوم رمضان وإن أسلم الزوج بعد الدخول وهى مجوسية أو وثنية وتخلفت في الشرك سقطت نفقتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها كالناشزة، وان أسلمت قبل انقضاء العدة فهل تستحق النفقة للمدة التي تخلفت في الشرك؟ فيه قولان: أحدهما تستحق لان بالاسلام زال ما تشعث من النكاح، فصار كأن لم يكن. والقول الثاني أنها لا تستحق لانه تعذر التمكين من الاستمتاع فيما مضى فلم تستحق النفقة كالناشزة إذا رجعت إلى الطاعة وان ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقتها لان امتناع الوطئ بسبب من جهته وهو قادر على ازالته فلم تسقط النفقة، وان ارتدت المرأة سقطت نفقتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها كالناشزة، فان عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة فهل تجب نفقة ما مضى في الردة؟ فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولانه كالكافرة إذا تخلفت في الشرك ثم أسلمت. ومنهم من قال

لا تجب قولا واحدا، والفرق بينهما وبين الكافرة أن الكافرة لم يحدث من جهتها منع بل أقامت على دينها، والمرتدة أحدثت منعا بالردة فغلط عليها. وإن ارتدت الزوجة وعادت إلى الاسلام والزوج غائب استحقت النفقة من حيث عادت إلى الاسلام، وإن نشزت الزوجة وعادت إلى الطاعة والزوج غائب لم تستحق النفقة حتى يمضى زمان لو سافر فيه لقدر على استمتاعها، والفرق بينهما أن المرتدة سقطت نفقتها بالردة وقد زالت بالاسلام، والناشزة سقطت نفقتها بالمنع من التمكين وذلك لا يزول بالعود إلى الطاعة (فصل) وإن كانت الزوجة أمة فسلمها المولى بالليل والنهار وجبت لها النفقة لوجود التمكين التام. وإن سلمها بالليل دون النهار ففيه وجهان. أحدهما وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يجب لها نصف النفقة اعتبارا بما سلمت. والثانى وهو قول أبى اسحاق، وظاهر المذهب أنه لا تجب لانه لم يوجد التمكين التام. فلم يجب لها شئ من النفقة كالحرة إذا سلمت نفسها بالليل دون النهار. والله أعلم (الشرح) إذا أسلمت الزوجة والزوج كافر - فان كان قبل الدخول - فلا نفقة لها لان الفرقة وقعت بينهما، وان كان بعد الدخول فان النكاح موقوف على اسلام الزوج في عدتها، ولها النفقة عليه مدة عدتها، لان تعذر الاستمتاع بمعنى من جهة الزوج وهو امتناعه من الاسلام، ويمكنه تلافى ذلك فلم تسقط نفقتها كما لو غاب عن زوجته. وحكى ابن خيران قولا آخر أن نفقتها تسقط لان الاستمتاع سقط بمعنى من جهتها فسقطت به نفقتها، كما لو أحرمت بالحج بغير اذن الزوج، والمشهور هو الاول، لان الحج فرض موسع الوقت، والاسلام فرض مضيق الوقت فلم تسقط به نفقتها كصوم رمضان، فان انقضت عدتها قبل أن يسلم الزوج بانت وسقطت نفقتها (فرع) وان أسلم الزوج والزوجة وثنية أو مجوسية - فان كان قبل الدخول - وقعت الفرقة بينهما ولا نفقة لها، وان كان بعد الدخول وقف النكاح على اسلامها قبل انقضاء عدتها فلا نفقة لها مدة عدتها ما لم تسلم، لانها منعت

الاستمتاع بمعصية، وهو اقامتها على الكفر. فهي كالناشزة فان انقضت عدتها قبل أن تسلم فقد بانت باختلاف الدين ولا نفقة لها. وان أسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت لها النفقة من حين أسلمت لانهما قد اجتمعا على الزوجية، وهل تجب لها النفقة لما مضى من عدتها في الكفر؟ فيه قولان. قال في القديم: تجب لها النفقة لان اسلام الزوج شعث النكاح، فإذا أسلمت قبل انقضاء عدتها زال ذلك التشعث فصار كما لو لم يتشعث. وقال في الجديد: لا تجب لها النفقة لما مضى من عدتها وهو الاصح، لان اقامتها على الكفر كنشوزها، ومعلوم أنها لو نشزت وأقامت مدة في النشوز ثم عادت إلى طاعته لم تجب نفقتها مدة اقامتها في النشوز فكذلك هذا مثله (فرع) وان كان الزوجان مسلمين فارتد الزوج بعد الدخول وجبت عليه نفقتها مدة عدتها، لان امتناع الاستمتاع بمعنى من جهة الزوج فلم تسقط نفقتها بذلك كما لو غاب. وان ارتدت الزوجة بعد الدخول فأمر النكاح موقوف على اسلامها قبل انقضاء عدتها ولا تجب لها النفقة مدة عدتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية من جهتها فو كما لو نشزت فان انقضت عدتها قبل أن تسلم فلا كلام. وان أسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت نفقتها من حين أسلمت لانهما قد اجتمعا على الزوجية. وهل تجب لها النفقة لما مضى من عدتها قبل الاسلام؟ من أصحابنا من قال فيه قولان، كما قلنا في المشركة إذا تخلفت عن الاسلام ثم أسلمت قبل انقضاء عدتها. ومنهم من قال لا تجب لها النفقة قولا واحدا، لان في التي قبلها دخلا على الكفر، وانما الزوج شعث النكاح بإسلامه، وههنا دخلا على الاسلام، وانما شعثت هي النكاح بردتها فغلظ عليها. وان ارتدت الزوجة والزوج غائب، أو غاب بعد ردتها فرجعت إلى الاسلام والزوج غائب وجبت لها النفقة من حين رجعت إلى الاسلام، وكذلك لو أسلم الزوج والزوجة وثنية أو مجوسية وتخلفت في الشرك وكان الزوج غائبا فأسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت لها النفقة من حين أسلمت ولو نشزت الزوجة من منزلها والزوج غائب أو غاب بعد نشوزها فعادت

إلى منزلها لم تجب نفقتها حتى يكون الزوج حاضرا فيتسلمها أو تجئ إلى الحاكم وتقول: أنا أعود إلى طاعته، ثم يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الزوج فيستدعيه المكتوب إليه ويقول له: إما أن تسير إليها لتتسلمها أو توكل من يتسلمها فإن لم يسر ولم يوكل مع قدرته على ذلك ومضى زمان يمكنه الوصول إليها وجبت النفقة لها من حينئذ، والفرق بينهما أن نفقتها سقطت عنه بالنشوز لخروجها عن قبضته فلا يرجع إلى نفقتها إلا برجوعها إلى قبضته، وكذلك لا يحصل إلا بتسليمه لها أو بتمكينه من ذلك، وليس كذلك المرتدة والمشركة، فإن نفقتها انما سقطت بالردة أو بالاقامة على الشرك، فإذا أسلمت زال المعنى الذي أوجب سقوطها فزال سقوطها. (فرع) وان دفع الوثني إلى امرأته الوثنية أو المجوسى إلى امرأته المجوسية نفقته شهر بعد الدخول ثم أسلم الزوج ولم تسلم هي حتى انقضت عدتها وأراد الرجوع فيما دفع إليها من النفقة نظرت، فإن دفعه إليها مطلقا، قال الشافعي: لم يرجع عليها بشئ، لان الظاهر أنه تطوع بدفعها إليها وان قال هذه النفقة مدة مستقبلة كان له الرجوع فيها لانه بان أنها لا تستحق عليه نفقة. قال ابن الصباغ في الشامل: وهذا يقتضى أن الهبة لا تفتقر إلى لفظ الايجاب والقبول، لانه جعله تطوعا مع الاطلاق. قال فان قيل: يحتمل أن يريد أنه إباحة فليس بصحيح، لانه لو كان اباحة بشرط أن يكون قد أتلفته حتى يسقط حقه منها، والله تعالى أعلم بالصواب

قال المصنف رحمه الله تعالى باب قدر (1) نفقة الزوجات إذا كان الزوج موسرا، وهو الذي يقدر على النفقة بماله أو كسبه، لزمه في كل يوم مدان، وإن كان معسرا وهو الذي لا يقدر على النفقة بمال ولا كسب لزمه في كل يوم مد لقوله عز وجل " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينق مما آتاه الله " ففرق بين الموسر والمعسر، وأوجب على كل واحد منهما على قدر حاله ولم يبن المقدار، فوجب تقديره بالاجتهاد، وأشبه ما تقاس عليه النفقة الطعام في الكفارة، لانه طعام يجب بالشرع لسد الجوعة، وأكثر ما يجب في الكفارة للمسكين مدان في فدية الاذى، وأقل ما يجب مد. وهو في كفارة الجماع في رمضان. فإن كان متوسطا لزمه مد ونصف، لانه لا يمكن إلحاقه بالموسر وهو دونه، ولا بالمعسر ولا هو فوقه، فجعل عليه مد ونصف. وإن كان الزوج عبدا أو مكاتبا وجب عليه مد، لانه ليس بأحسن حالا من الحر المعسر، فلا يجب عليه أكثر من مد. وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا وَجَبَ عليه نفقة المعسر. وقال المزني، إن كان موسرا بما فيه من الحرية وجب عليه مد ونصف، لانه اجتمع فيه الرق والحرية فوجب عليه نصف نفقة الموسر وهو مد ونصف نفقة المعسر وهو نصف مد، وهذا خطأ. لانه ناقص بالرق فلزمه نفقة المعسر كالعبد (فصل) وتجب النفقة عليه من قوت البلد لقوله عز وجل " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولقوله صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمعروف ما يقتاته الناس في البلد، ويجب لها الحب،

_ (1) في النسخة المطبوعة من المهذب ترجم الباب هكذا، " باب قدر النفقة " وقد تحققنا أن الصحيح ما أثبتناه مما ذكره قدامى الاصحاب ممن تناولوا المهذب بالشرح والتعليق. " المطيعي "

فإن دفع إليها سويقا أو دقيقا أو خبزا لم يلزمها قبوله، لانه طعام وجب بالشرع فكان الواجب فيه هو الحب كالطعام في الكفارة، وإن اتفقا على دفع العوض ففيه وجهان: أحدهما: لا يجوز لانه طعام وجب في الذمة بالشرع فلم يجز أخذ العوض فيه كالطعام في الكفارة. والثانى: يجوز وهو الصحيح لانه طعام يستقر في الذمة للآدمي، فجاز أخذ العوض فيه كالطعام في القرض، ويخالف الطعام في الكفارة فإن ذلك يجب لحق الله تعالى، ولم يأذن في أخذ العوض عنه، والنفقة تجب لحقها وقد رضيت بأخذ العوض. (الشرح) الاحكام: نفقة الزوجة معتبرة بحال الزوج لا بحال الزوجة فيجب لابنة الوزير أو رئيس الدولة ما يجب لابنة الحارس، وهى مقدرة غير معتبرة بكفايتها. وقال مالك: نفقتها تجب على قدر كفايتها وسعتها، فإن كانت ضعيفة الاكل فلها قدر ما تأكل. وإن كانت أكولة فلها ما يكفيها وقال أبو حنيفة: إن كانت معسرة فلها في الشهر من أربعة دراهم إلى خمسة. وان كانت موسرة فمن سبعة دراهم إلى ثمانية، فإذا حولنا هذه المقادير إلى نقدنا المعاصر في مصر حرمها لله كان الدرهم يساوى خمسين قرشا. وقال أصحاب أبى حنيفة: انما قال هذا حيث كان الرخص في وقته، فأما في وقتنا فيزاد على ذلك. ويعتبرون كفايتها كقول مالك. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لهند " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " ودليلنا قوله تعالى " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " وأراد أن الغنى ينفق على حسب حاله، والفقير على حسب حاله، ولقوله تعالى، " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وأراد بالمعروف عند الناس، والعرف والعادة عند الناس أن نفقة الغنى والفقير تختلف، ولانا لو قلنا ان نفقتها معتبرة بكفايتها لادى ذلك إلى أن لا تنقطع الخصومة بينهما ولا يصل الحاكم إلى قدر كفايتها فكانت مقدرة

وأما خبر هند فهو حجة لنا لانه قال " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " والمعروف عند الناس يختلف بيسار الزوج وإعساره، ولم يقل خذى ما يكفيك ويطلق، وعلى أنا نحمله على أنه علم من حاله أن كفايتها لا تزيد على نفقة الموسر وكان أبو سفيان موسرا. إذا ثبت هذا فإن نفقتها معتبرة بحال الزوج، فإن كان الزوج موسرا - وهو الذي يقدر على النفقة بماله أو كسبه - وجب لها كل يوم مدان، وان كان معسرا، وهو الذي لا يقدر على النفقة بماله ولا كسبه وجب كل يوم مد وهو رطل وثلث وهو نحو ستمائة جرام من الحنطة تقريبا، لان أكثر ما أوجب الله تعالى في الكفارات للواحد مدان. وهو في كفارة الاذى. وأقل ما أوجب للواحد في الكفارة مد، فقسنا نفقة الزوجات على الكفارة، لان الله تعالى شبه الكفارة بنفقة الاهل في الجنس بقوله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم " فاعتبرنا الاكثر والاقل في الواجب للواحد في الكفارة. وأما المتوسط فإنه يجب عليه كل يوم مد ونصف مد، لانه أعلى حالا من المعسر وأدنى حالا من الموسر فوجب عليها من نفقة كل واحد منهما نصفها (فرع) وان كان الزوج عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا نصف وجب عليه نفقة زوجته لقوله " وعلى المولود له رزقهن " الخ الآية. وهذا مولود له ولا تجب عليه الا نفقة المعسر لانه أسوأ جللا من الحر المعسر قوله " وتجب النفقة عليه من قوت البلد " وهذا صحيح فإنه يجب عليه أن يدفع إليه من غالب قوت البلد. فإذا كان غالب قوت البلد من البر أنفق منه. وان كان من الارز أنفق منه. وان كان من التمر أنفق منه. ولانه طعام يجب على وجه الاتساع والكفاية فوجب من غالب قوت البلد كالكفارة. ويجب أن يدفع إليها الحب. فإن دفع إليها الدقيق أو السويق أو الخبز، قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ لم يجز وذكر صاحب المهذب أنه لا يجوز وجها واحدا لقوله تعالى " فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " فجعل الكفارة فرعا للشفقة ومحمولا عليها.

فلما كانت الكفارة الواجبة هي الحب نفسه، فإنه لا يجزئ الدقيق والسويق والخبز فكذلك النفقة، وإن أعطاها قيمة الحب لم تجبر على قبولها، لان الواجب لها هو الحب فلا تجبر على أخذ قيمته، كما لو كان لها طعام قرض، وإن سألته أن يعطيها قيمته لم يجبر الزوج على دفع القيمة، لان الواجب عليه هو الحب فلا يجبر على دفع قيمته، فإن تراضيا على القيمة فهل يصح؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يصح لانه طعام وجب في الذمة بالشرع فلم يصح أخذ العوض عنه كالكفارة. (والثانى) يصح وهو الصحيح لانه طعام وجب على وجه الرفق فصخ أخذ العوض عنه كالقرض. قال الصيمري والمسعودي: وتلزمه مؤنة طحنه وخبزه حتى يكون مهيئا لانه هو العرف. ولا نرى أن الحب أمر يطرد في جميع البلاد والمجتمعات، بل إن في بعض المدن كالقاهرة والاسكندرية وغيرهما ما يكون الحب كالحصى والتراب لا منفعة فيه ولا فائدة، ويتعين أن يعطى الزوج النفقة بما يمكنها من الطعام وييسر لها أسباب العيش أسوة بغيرها من النساء ولا يتحقق هذا بالحب، وإنما يتحقق بالقيمة، ويكون إعطاء القيمة منه أمرا لازما لااختيار فيه لزوم النفقة نفسها. قال الشافعي رضى الله عنه: وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته وأيهما ترك فظلم، لان مطل الغنى ظلم ومطله تأخيره الحق. اه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب لها الادم بقدر ما يحتاج إليه من أدم البلد من الزيت والشيرج والسمن واللحم، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال: من أوسط ما تطعمون أهليكم. الخبز والزيت وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال " الخبز والزيت والخبز والسمن والخبز والتمر. ومن أفضل ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم " ولان ذلك من النفقة بالمعروف.

(فصل) ويجب لها ما تحتاج إليه من المس والسدر والدهن للرأس وأجرة الحمام، ان كان عادتها دخول الحمام، لان ذلك يراد للتنظيف فوجب عليه كما يجب على المستأجر كنس والدار وتنظيفها. وأما الخضاب فإنه إن لم يطلبه الزوج لم يلزمه، وإن طلبه منها لزمه ثمه لانه للزينة. وأما الادوية وأجرة الطبيب والحجام فلا تجب عليه، لانه ليس من النفقة الثابتة، وإنما يحتاج إليه لعارض وأنه يراد لاصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر إصلاح ما انهدم من الدار وأما الطبيب فإنه إن كان يراد لقطع السهوكة لزمه لانه يراد للتنظيف، وان كان يراد للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه، لان الاستمتاع حق له فلا يجبر عليه. (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه " وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه، وذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لها في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون، حنطة كان أو شعيرا، أو ذرة أو أرزا أو سلتا، ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفى ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر، ولخادمها شبيه به، ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها، ولا يكون ذلك لخادمها لانه ليس بالمعروف قال: وان كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الاغلب من قوت مثلها في ذلك البلد. وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها. اه قلت: وجملة ذلك أنه يجب للزوجة الادام لقوله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ومن المعروف أن المرأة لا تأكل خبزها إلا بأدم وروى عكرمة " أن امرأة سألت أبن عباس وقالت له " ما الذي لى من مال زوجي؟ فقال الخبز والادم. قالت أفآخذ من دراهمه شيئا؟ فقال أتحبين أن يأخذ من مالك فيتصدق به؟ قالت لا، فقال كذلك لا تأخذى من دراهمه شيئا بغير أمره " ويرجع في جنسه وقدره إلى العرف فيجب في كل بلد من غالب أدمها وقال أصحابنا ان كان بالشام فالادم الزيت، وان كان العراق فالشيرج. وان كان بخراسان فالسمن، وإنما أوجب الشافعي الادهان من بين سائر الادام لانها

أصلح للابدان وهى مع البر تعطى طاقة حرارية للبدن عالية قال في الادهان من البروتين، قال في البيان وهي أخف مئونة لانه لا يحتاج في التأدم بها إلى طبخ ويرجع في قدره إلى العرف، فإن كان العرف أن يؤيدم على المد أو قية دهن وجب لامرأة الموسر كل يوم أو قيتادهن ولامرأة المعسر أو قية ولامرأة المتوسط أو قية ونصف، لانه ليس للادم أصل يرجع إليه في تقديره فرجع في تقديره إلى العرف بخلاف النفقة. قال وعندي أنها إذا كانت في بلد غالب أدم أهله اللبن كأهل اليمن فإنه يجب أدمها من اللبن. اه (فرع) إذا كانت في بلد يتأدم أهله اللحم فإنه يجب عليه أن يدفع إليها في كل جمعة لحما لان العرف والعادة أن الناس يطبخون اللحم كل جمعة قال أصحابنا وإنما فرض الشافعي في كل جمعة رطل لحم لانه كان بمصر واللحم فيها يقل، فأما إذا كانت في موضع يكثر فيه اللحم، فإن الحاكم يفرض لها على ما يراه من رطلين أو أكثر. وهذا لامرأة المعسر، فأما امرأة الموسر فيجب لها من ذلك ضعفه ما يجب لامرأة المعسر قوله " الخضاب " وهو ما يخضب به من حناء وكتم ومساحيق الشفاه الحمراء وسوائل الاظافر. قال الاعشى أرى رجلا منكم أسييفا كأنما يضم إلى كشحيه كفا مخضبا وخضب الرجل شيبه يخضبه والخضاب الاسم، قال السهيلي، عبد المطلب أول من خضب بالسواد من العرب. وفي الحديث بكى حتى خضب دمعه الحصى أي بلها من طريق الاستعارة قال ابن الاثير. والاشبه أن يكون أراد المبالغة في البكاء حتى أحمر دمعه فخضب الحصا. وأما السهوكة فهي من السهك. قال في اللسان " ريح كريهة تجدها من الانسان إذا عرق تقول أنه لسهك الريح، وقد سهك سهكا وهو سهك. قال النابغة: سهكين من صدإ الحديد كأنهم تحت النور جنة البقار

ولولا لبسهم الدروع التي قد صدأت ما وصفهم بالسهك، والسهك والسهكة قبح رائحة اللحم إذا خبز وقال ابن بطال وأصله ريح السمك وصدأ الحديد أما ما في هذه الفصل من الاحكام فهو أنه يجب لها ما تحتاج إليه من الدهن والمشط، لان ذلك تحتاج إليه لزينة شعرها فوجب عليه كنفقة بدنها، ولان فيه تنظيفا فوجب عليه، كما يجب على المكنرى كنس الدار المستأجرة، هكذا أفاده العمرانى في البيان. ويجب عليه ما تحتاج إليه من الصابون وأجرة الحمام، أو توفير أسباب الاستحمام في مسكنها لما ذكرناه في الدهن والمشط. قال الشيخ أبو إسحاق هنا فأما الخضاب فإن لم يطلب الزوج منها لم يلزمه، وان طلبه منها لزمه ثمنه، وأما الطيب، فإن كان يراد لقطع السهوكة لزمه لانه يراد للتنظيف، وان كان راد للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه، لان الاستمتاع حق له فلا يلزمه، ولا يلزمه أجرة الحجامة والفصادة، ولا ثمن الادوية ولا أجرة الطبيب ان احتاجت إليه لان ذلك يراد لحفظ بدنها لعارض ولنا وفقة عند هذا الامر الذي ينبغى النظر إليه من خلال ما طرأ على حياة الناس من تغير، وليس هذا الفرع بالشئ الثابت الذي لا يتأثر بالعوامل الانسانية السائدة، فإنه إذا كان الزوجان في مجمتع أو بيئة أو دولة تكفل للعامل والشغال قدرا من الرعاية الصحية تحت اسم اصابة العمل أو المرض أثناء الخدمة فيتكفل صاحب العمل ببعض نفقات العلاج أو كلها، فإنه ليس من العروف أن لضرب المثل هنا بإجارة الدار مع الفارق بين الزوجة والدار، والاقرب إلى التشبيه أن يكون المثل إنسانيا فيضرب المثل بالعامل فإنه أولى على أن الفصل في ذلك أن المرء فيها أمير نفسه، فإن كان يحس في وجدانه بقوله تعالى " والله خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " فإنه لن يشح عليها بما يزيل وصبها وعطبها في كتفه، وهو أمر مستحب يدخل في فضائل المروءة وحسن المعاشرة والايثار

وإذا كانت أجرة الحمام لتنظيف البدن. وكذلك فرض مقادير اللحم والادم لحفظ بدنها، وأصحابنا يقولون بأن هذه كلها لحفظ البدن على الدوام فنحن قد أستحببنا قياس ثمن الدواء لحفظ البدن مما يطرأ عليه على نفقة البدن الاخرى، وفيما يأتي من مسائل ما يؤيد قياسنا هذا. وقد ذهبنا إلى استحبابه للاجماع على عدم وجوبه بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (فصل) ويجب لها الكسوة لقوله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ولحديث جابر " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ولانه يحتاج إليه لحفظ البدن على الدوام فلزمه كالنفقة، ويجب لامرأة الموسر من مرتفع ما يلبس في البلد من القطن والكتان والخز والابريسم، ولامرأة المعسر من غليظ القطن والكتان، ولامرأة المتوسط ما بينهما، وأقل ما يجب قميص وسراويل ومقنعة ومداس للرجل، وإن كان في الشتاء أضاف إليه جبة، لان ذلك من الكسوة بالمعروف. (فصل) ويجب لها ملحفة أو كساء ووسادة ومضربة محشوة للنوم، وزلية أو لبد أو حصير للنهار، ويكون ذلك لامرأة الموسر من المرتفع، ولامرأة المعسر من غير المرتفع، ولامرأة المتوسط ما بينهما لان ذلك من المعروف (فصل) ويجب لها مسكن لقوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولانها لاتستغنى عن المسكن للاستتار عن العيون والتصرف والاستمتاع، ويكون المسكن على قدر يساره وإعساره وتوسطه كما قلنا في النفقة. (فصل) وإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها بأن تكون من ذوات الاقدار أو مريضة وجب لها خادم لقوله عز وجل " وعاشروهن بالمعروف " ومن العشرة بالمعروف أن يقيم لها من يخدمها، ولا يجب لها أكثر من خادم واحد لان المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل بخادم واحد، ولايجوز أن يكون

الخادم الا امرأة أو ذا رحم محرم، وهل يجوز أن يكون من اليهود والنصارى؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز لانهم يصلحون للخدمة (والثانى) لا يجوز لان النفس تعاف من استخدامهم وإن قالت المرأة: أنا أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم لم يجبر الزوج عليه لان القصد بالخدمة ترفيهها وتوفيرها على حقه، وذلك لا يحصل بخدمتها. وإن قال الزوج أنا أخدمها بنفسى فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه يلزمها الرضا به، لانه تقع الكفاية بخدمته (والثانى) لا يلزمها الرضا به لانها تحتشمه ولا تستوفى حقها من الخدمة (فصل) وان كان الخادم مملوكا لها واتفقا على خدمته لزمه نفقته، فإن كان موسرا لزمه للخادم مد وثلث من قوت البلد، وان كان متوسطا أو معسرا لزمه مد لانه لا تقع الكفاية بما دونه، وفي أدمه وجهان (أحدهما) أنه يجب من نوع أدمها كما يجب الطعام من جنس طعامها. (والثانى) أنه يجب من دون أدمها وهو المنصوص، لان العرف في الادم أن يكون من دون أدمها، وفي الطعام العرف أن يكون من جنس طعامها، ويجب الخادم كل زوجة من الكسوة والفراش والدثار دون ما يجب للزوجة، ولا يجب له السراويل ولا يجب له المشط والسدر والدهن للرأس، لان ذلك يراد للزينة والخادم لايراد للزينة، وان كانت خادمة تخرج للحاجات وجب لها خف لحاجتها إلى الخروج (الشرح) قوله " الزلية " بساط عراقى نحو الطنفسة، والدثار والثوب الذي يتدفأ به. قال الشافعي رضى الله عنه: وفرض لها من الكسوة ما يكسى مثلها ببلدها عند المقتر، وذلك من القطن الكوفى والبصرى وما أشبههما، ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه، وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفى من البرد من جبه محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة، ولخادمها جبة صوف وكساء تلحفه يدفئ مثلها، وقميص ومقنعة وخف ومالا غنى بها عنه، وفرض لها للصيف قيمصا وملحفة ومقنعة. قال وتكفيها القطيفة سنين ونحو ذلك الجبة المحشوة. اه

وجملة ذلك أن كسوة الزوجة تجب على الزوج لقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ولقوله صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ولان الكسوة تحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فوجبت على الزوج كالنفقة. إذا ثبت هذا فإن المرجع في عدد الكسوة وقدرها وجنسها لى العرف والعادة لان الشرع ورد بإيجاب الكسوة غير مقدرة، وليس لها أصل يرد إليه، فرجع في عددها وقدرها إلى العرف بخلاف النفقة، فإن في الشرع لها أصلا، وهو الاطعام في الكفارة فردت النفقة إليها فإن قيل فقد ورد الشرع بإيجاب الكسوة في الكفارة فهلا ردت كسوة الزوجة إلى ذلك؟ فالجواب أن في الكسوة الواجبة في كفارة اليمين ما يقع عليه اسم الكسوة، وأجمعت الامة على أنه لا يجب للزوجة من الكسوة ما يقع عليه اسم الكسوة، فإذا منع الاجماع من قياس كسوتها على الكسوة في الكفارة لم يبق هناك أصل يرد إليه، فرجع في ذلك إلى العرف. فأما عدد الكسوة قال الشافعي: فيجب للمرأة قميص وسراويل وخمار أو مقنعة قال أصحابنا: ويجب لها شئ تلبسه في رجلها من نعل ونحوه. وأما قدرها فإنه يقطع لها ما يكفيها على قدر طولها وقصرها، لان عليه كفايتها في الكسوة ولا تحصل كفايتها إلا بقدرها. وأما جنسها فإن الشافعي قال أجعل لامرأة الموسر من لين البصري والكوفي والبغدادي، ولامرأة المعسر من غليظ البصري والكوفي - قال الشيخ أبو حامد إنما فرض الشافعي هذه الكسوة على عادة أهل زمانه. لان العرف في وقته على ما ذكر. فأما في وقتنا فإن العرف قد اتسع فإن العرف أن امرأة الموسر تلبس الحرير والخز والكتان، فيدفع إليها مما جرت عادة نساء بلدها بلبسه. وان كان في الشتاء أضاف إلى ذلك جبة محشوة تتدفأ بها. انتهى وعندي أنها إذا كانت في بلد لا يكتفي نساؤهم إلا بثياب داخلية وثياب خارجية وثياب للنوم وجب كسوتها من ذلك، ويجب لها نطاق وخمار، فيجب لامرأة الموسر من مرتفع ذلك، وتسمى في زماننا بالطرحة أو الايشارب.

ولامرأة المعسر من خشن ذلك، ولامرأة المتوسط مما بينهما. وإن كانت في بلد لا تختلف كسوة أهلها في زمان الحر والبرد لم تجب لها الملابس المحشوة كالباطو للشتاء، لان ذلك هو العرف والعادة في حق أهل بلدها فلم يجب لها أكثر منه قال اشافعى " وإن كانت بدوية فما يأكل أهل البادية ومن الكسوة بقدر ما يكتسبون - قال الشافعي " ولامرأته فراش ووسادة من غليظ متاع البصرة، وجملة ذلك أنه يجب لها عليه فراش، لانها تحتاج إلى ذلك كما تحتاج إلى الكسوة فيجب لامرأة الموسر مضربه محشوة بالقطن ووسادة. وإن كان في الشتاء وجب لها لحاف أو قطيفة للدفء. وان كان في الصيف وجب لها ملحفة. وهل يجب لها فراش تقعد عليه بالنهار غير الفراش الذي تنام عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب لها غير الفراش الذي تنام عليه لانها تكتفى بذلك (والثانى) - وهو المذهب - أنه يجب لها فراش تقعد عليه بالنهار غير الفراش الذي تنام عليه كالحشية (الشلته) أو كرسى أو سجادة أو ما أشبه ذلك لان العرف في أمرأة الموسر أنها تجلس في النهار على غير الفراش الذي تنام عليه، وقد يحدد العرف مكانا لجلوسها كمكان الاستقبال (الانزيه أو الصالون) فعلى الموسر أن يوفر لها مثل أحد هذه المكانين لاستراحتها (مسألة) ويجب لها مسكن لقوله تعالى " أسكنونهن من حيث سكنتم من وجدكم " وقوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ومن المعروف أن يسكنها بمسكن ولانها تحتاج إليه للاستتار عن العيون عند الاستمتاع، ويقيها من الحر والبرد، فوجب عليه كالكسوة ويعتبر ذلك بيساره وإعساره وتوسطه (مسألة) وإن كان المرأة ممن لا تخدم نفسها لمرض بها أو كانت من ذوات الاقدار - قال ابن الصباغ فإن كانت لا تخدم نفسها في بيت أبيها وجب على الزوج أن يقيم لها من يخدمها وقال داود " لا يجب عليه لها خادم " دليلنا قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ومن المعاشرة بالمعروف أن يقيم لها من يخدمها: ولان الزوج لما وجبت عليه نفقة الزوجة وجب عليه إخدامها كالاب لما وجبت عليه نفقة الابن وجبت عليه أجرة من يخدمه وهو من يحضنه. إذا ثبت هذا فإنه لا يلزمه لها إلا خادم واحد، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ

وقال مالك: إذا كانت تخدم في بيت أبيها بخادمين أو أكثر، أو كانت تحتاج إلى أكثر من خادم وجب عليه ذلك. وقال أبو ثور: إذا احتمل الزوج ذلك فرض لخادمين، ودليلنا أن الزوج إنما يلزمه أن يقيم لها من يخدمها بنفسها دون مالها، وما من امرأة إلا ويكفيها خادم واحد فلم يجب لها أكثر منه (فرع) ولا يكون الخادم إلا امرأة أو رجلا من ذوى محارمها لانها تحتاج إلى نطر الخادم، وقد تخلو به فلم يجز أن يكون رجلا أجنبيا. وهل تجبر المرأة على أن يكون من اليهود والنصارى؟ فيه وجهان (أحدهما) تجبر على خدمتهم لانهم يصلحون للخدمة (والثانى) لا تجبر على أحد منهم لان النفس تعاف من استخدامهم، فإن أخدمها خادما يملكه، أو اكثري لها خادما يخدمها، أو كان لها خادم واتفقا أن يخدمها وينفق عليه أو خدمها الزوج بنفسه ورضيت الزوجة بذلك جاز، لان المقصود خدمتها وذلك يحصل بجميع ذلك وعند أصحاب أحمد في إخدام اليهود والنصارى وجهان كالوجهين عندنا الصحيح منهما جوازه لان استخدامهم مباح، وقد ذكر في المغنى لابن قدامة أن الصحيح إباحة النظر لهم. وإن أراد الزوج أن يقيم لها خادما واختارت المرأة أن تقيم لها خادما غيره ففيه وجهان حكاهما القاضى أبو الطيب (أحدهما) يقدم اختيار الزوجة لان الخدمة حق لها، وربما كان من تختاره أقوم بخدمتها (والثانى) يقدم اختيار الزوج، لان الخدمة حق عليه لها فقدمت جهة اختياره كالنفقة، ولانه قد يتهم من تختاره الزوجة فقدم اختيار الزوج قال المسعودي وإن كان لها خادم فأراد الزوج إبداله بغيره فإن كان بالخادم عيب، أو كان سارقا، فله ذلك وإلا فلا، وان أراد الزوج أن يخدمها بنفسه وامتنعت من ذلك فهل تجبر؟ فيه وجهان (أحدهما) تجبر عليه، وهو اختيار أبى إسحاق المروزى والشيخ أبى حامد لان المقصود إخدامها فكان له إخدامها بغيره وبنفسه، كما يجوز أن يوصل إليها النفقة بوكيله أو بنفسه.

(والثانى) لا تجبر على قبول خدمته لانها تحتشم أن تستخدمه في جميع حوائجها، ولان عليها عارا في ذلك وغضاضة فلم تجبر عليه هذا نقل أصحابنا البغدادين، لانها لا ترضى أن يكون لها زوجها خادما ولو كان خادما لها، وبهذين الوجهين قال الحنابلة وقال المسعودي ان كانت خدمته مما لا تحتشم منه في مثلها، مثل كنس البيت والطبخ ونحوه أجبرت على قبول ذلك منه، وان كانت خدمته تحتشم منه في مثلها كحمل الماء معها إلى المستحم ونحوه لم يجبر على قبول ذلك منه، بل يجب عليه أن يأتيها بخادم يتولى ذلك لها (فرع) وأما نفقة من يخدمها، فإن أخدمها بمملوك له فعليه نفقته وكسوته على الكفاية لحق الملك لا لخدمتها، وإن استأجر من يخدمها فله أن يستأجره بالقليل والكثير، وان وجد من يتطوع بخدمتها من غير عوض جاز، لان حقها في الخدمة وقد حصل ذلك، وإن كان لها خادم مملوك لها واتفقا على أن يخدمها وجب على الزوج نفقة خادمها وكسوته وزكاة فطره، وتكون نفقته مقدرة، وقد أوهم المرنى أن في وجوب نفقة خادمها قولين. قال أصحابنا وليس بشئ إذا ثبت هذا فإنه يجب لخادم امرأة الموسر والمتوسط ثلثا ما يجب لها من النفقة، فيجب لخادم امرأة الموسر كل يوم مد وثلث لخادم امرأة المتوسط كل يوم مد، لان العرف أن نفقة خادم المرأة الموسر أكثر من نفقة خادم امرأة المعسر، وأما نفقة خادم امرأة المعسر فيجب له كل يوم مد، لان البدن لا يقوم بدون، ذلك ويجب ذلك من غالب قوت البلد، لان البدن لا يقوم بغير قوت البلد ويجب له الادم لان العرف أن الطعام لا يؤكل إلا بأدم، وهل يكون من مثل أدمها؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يكون من مثل أمها كما يجب الطعام من مثل طعامها (والثانى) لا يجب له من مثل أدمها لان العرف أن أدم الخادم دون أدم المخدوم فلم يسو بينهما، كما لا يسوى بينهما في قدر النفقة، فعلى هذا يكون أدمها كما يقول العمرانى وغيره من أصحابنا من الزيت الجيد، ويكون أدم خادمها من

الذي دونه، ولا يعدل بأدم الخادم عن جنس غالب أدم البلد، لان البدن لا يقوم إلا به. وهل يجب لخادمها اللحم؟ إن قلنا يجب له الادم من مثل أدمها وجب له اللحم. ولا يجب له الدهن والمشط لان ذلك يراد للزينة والخادم لايراد للزينة. قال الشافعي: ويجب لخادمها قميص ومقنعة وخف، وأوجب لها الخف لانها تحتاج إليه عند الخروج لقضاء الحاجات، وإن كان في الشتاء وجب له جبة صوف أو كساء ليدفأ به من البرد، قال: ولخادمها فروة ووسادة وما أشبههما من عباءة أو كساء. قال أصحابنا، أما الفراش فلا يجب لخادمها، وإنما يجب له وسادة: ويجب لخادم امرأة الموسر كساء، ولخادم امرأة المعسر عباءة لان ذلك هو العرف في حقهم: فإن مات خادمها فهل يجب عليه كفنه ومؤنة تجهيزه؟ فيه وجهان كما قلنا في كفن الزوجة ومؤنة تجهيزها. وإن خدمت المرأة نفسها لم يجب لها أجرة، لان المقصود بإخدامها ترفيهها، فإذا حملت المشقة على نفسهما لم تستحق الاجرة كالعامل في الفراض إذا تولى من العمل ما له أن يستأجر عليه من مال القراض. (فرع) فإذا كانت ممن لا تخدم بأن كانت تخدم نفسها في بيت أبيها وهى صحيحة تقدر على خدمة نفسها لم يجب على الزوج أن يقيم لها من يخدمها، لان العرف في حقها أن تخدم نفسها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب أن يدفع إليها نفقة كل يوم إذا طلعت الشمس، لانه أول وقت الحاجة، ويجب أن يدفع إليها الكسوة في كل ستة أشهر لان العرف في الكسوة أن تبدل في هذه المدة، فإن دفع إليها الكسوة فبليت في أقل من هذا القدر لم يجب عليه بدلها كمالايجب عليه بدل طعام اليوم إذا نفذ قبل انقضاء پاليوم، وإن انقضت المدة والكسوة باقية ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه تجديدها لان الكسوة مقدرة بالكفاية، وهي مكفية (والثانى) يلزمه تجديدها وهو الصحيح، كما يلزمه الطعام في كل يوم. وإن بقى

عندها طعام اليوم الذي قبله، ولان الاعتبار بالمدة لا بالكفاية، بدليل أنها لو تلفت قبل انقضاء المدة لم يلزمه تجديدها والمدة قد انقضت فوجب التجديد. وأما ما يبقى سنة فأكثر كالبسط والفراش وجبة الخز والابريسم فلا يجب تجديدها في كل فصل لان العادة أن لا تجدد في كل فصل (فصل) وإن دفع إليها نفقة يوم فبانت قبل انقضائه لم يرجع بما بقى لانه دفع ما يتسحق دفعه، وان سلفها نفقة أيام فبانت قبل انقضائها فله أن يرجع في نفقة ما بعد اليوم الذي بانت فيه، لانه غير مستحق، وإن دفع إليها كسوة الشتاء أو الصيف فبانت قبل انقضائه ففيه وجهان (أحدهما) له أن يرجع لانه ذفع لزمان مستقبل فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق ثبت له الرجوع كما لو أسلفها نفقة أيام فبانت قبل انقضائها (والثانى) لا يرجع لانه دفع ما يستحق دفعه لم يرجع به، كما لو دفع إليها نفقة يوم فبانت قبل انقضائه. (فصل) وإن قبضت كسوة فصل وأرادت بيعها لم تمنع منه، وقال أبو بكر ابن الحداد المصرى لا يجوز. وقال أبو الحسن الماوردى البصري إن أرادت بيعها بما دونها في الجمال لم يجز، لان للزوج حظا في جمالها وعليه ضررا في نقصان جمالها، والاول أظهر، لانه عوض مستحق فلم تمنع من التصرف فيه كالمهر. وان قبضت النفقة وأرادت أن تبيعها أو تبدلها بغيرها لم تمنع منه، ومن أصحابنا من قال ان أبدلتها بما يستضر بأكله كان للزوج منعها لما عليه من الضرر في الاستمتاع بمرضها، والمذهب الاول لما ذكرناه في الكسوة والضرر في الاكل لا يتحقق فلا يجوز المنع منه (الشرح) في متي يجب نفقة الزوجة قولان. قال في القديم يجب جميعها بالعقد. ولكن لا يجب عليه تسليم الجميع، وبه قال أبو حنيفة لانه مال يجب للزوجة بالزوجة فوجب بالعقد كالمهر، ولان النفقة يجب في مقابلة الاستمتاع فلما ملك الاستمتاع بها بالعقد وجب بأن تملك عليه بالعقد ما في مقابلته وهو النفقة كالثمن والمثمن

وقال في الجديد: لا تجب بالعقد وإنما تجب يوما بيوم وهو الاصح. لانها لو وجبت بالعقد لوجب عليه تسليم جميعها إذا سلمت نفسها، كما يجب على المستأجر تسليم جميع الاجرة إذا قبض العين المستأجرة، فلما لم يجب عليه تسليم جميعها ثبت أن الجميع لم يجب، وقول الاول أنها وجبت في مقابلة ملك الاستمتاع غير صحيح وإنما وجبت في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فإذا قلنا بقوله القديم صح أن يضمن عن الزوج بعقد زمان مستقبل، ولكن لا يضمن عنه إلا نفقة المعسر وإن كان موسرا، لان ذلك هو الواجب عليه بيقين. وإن قلنا بقوله الجديد لم يصح أن يضمن عليه الا نفقة اليوم بعد طلوع الفجر. وأما وجوب التسليم فلا خلاف أنه لا يجب عليه إلا تسليم نفقة يوم بيوم، لانها إنما تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع وذلك لا يوجد الا بوجود التمكين في اليوم، فإذا جاء أول اليوم وهي ممكنة له من نفسها وجب عليه تسليم نفقة اليوم في أوله لان الذي يجب لها هو الحب، والحب يحتاج إلى طحن وعجن وخبز. وتحتاج إلى الغداء والعشاء. فلوقلنا لا يجب عليه تسليم ذلك الا في وقتت الغداء والعشاء أضر بها الجوع إلى وقت فراغه..قال الشيخ أبو حامد: فإن سلم لها خبزا فارغا فأخذته وأكلته كان ذلك قبضا فاسدا، لان الذى تستحقه عليه الحب، فيكون لها مطالبته بالحب وله مطالبتها بقيمة الخبز (فرع) فإن دفع إليها نفقة شهر مستقبل فمات أحدهما أو بانت منه بالطلاق قبل انقضاء الشهر لم يسترجع منها لانه دفع إليها ما وجب عليه لها، فلم يتغير بما طرأ بعده كما لو دفع الزكاة إلى فقير فمات أو استغنى. وان دفع إليها نفقة شهر مستقبل فمات أحدهما أو بانت منه في أثناء الشهر استرجع منها نفقة ما بعد اليوم الذى مات أحدهما فيه أو بانت فيه. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أبو حنيفة وأبو يوسف لا يسترجع منها لانه ملكته بالقبض ودليلنا أنه دفع ذلك إليها عما سيجب لها بالزوجية في المستقبل، فإذا بان أنه لم يجب لها شئ استرجع منها، كما لو قدم زكاة ماله قبل الحول إلى فقير فاستغنى الفقير من غير ما دفع إليه أو مات

(فرع) وان دفع إليها الكسوة أو النعل فبليت نظرت، فإن بليت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها، مثل أن يقال: مثل هذا يبقى ستة أشهر، فأبلته بأربعة أشهر أو دونها لم يلزمه أن يدفع إليها بدله، لانه قد دفع إليها ما تستحقه عليه، فإذا بلى قبل ذلك لم يلزمه ابداله، كما لو سرقت كسوتها أو احترقت، وكما لو دفع إليها نفقة يوم فأكلتها قبل اليوم. وان مضى الزمان الذي تبلى فيه مثل تلك الكسوة بالاستعمال المعتاد ولم تبل تلك الكسوة بل يمكن لباسها، فهل يلزمه أن يكسوها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لانها غير محتاجة إلى الكسوة (والثانى) يلزمه أن يكسوها قال الشيخان أبو إسحاق وأبو حامد: وهو الاصح لان الاعتبار بالكسوة بالمدة لا بالبلاء. ألا ترى أن كسوتها لو بليت قبل وقت بلائها لم يلزمه ابدالها، فإذا بقيت بعد مدة بلائها لم يلزمه ابدالها، ولانه لو دفع إليها نفقة يوم فلم تأكلها حتى جاء اليوم الثاني لزمه نفقة لليوم الثاني، وان كانت مستغنية فيه بنفقة اليوم الاول فكذلك في الكسوة مثله وان دفع إليها كسوة مدة فمات أحدهما أو بانت منه قبل انقضائها والكسوة لم تبل، فهل يسترجع من وارثها أو منها؟ فيه وجهان (أحدهما) يسترجع منها، كما لو دفع إليها نفقة ما بعد يوم الموت والبينونة (والثانى) لا يسترجع لانه دفع الكسوة إليها بعد وجوبها عليه فلم يسترجع منها كما لو دفع إليها نفقة يوم فمات أحدهما أو بانت قبل انقضائه، ويخالف إذا دفع إليها نفقة الشهر، فإنها لا تستحق عليه نفقة ما بعد يوم الموت والبينونة. فلذلك استرجعت منها (فرع) قال ابن الحداد " إذا دفع إلى امرأته كسوة فأرادت بيعها لم يكن لها ذلك لانها لا تملكها، ألا ترى أن له ان يأخذها منها ويبدلها بغيرها، ولو دفع إليها طعاما فباعته كان لها ذلك واختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من وافق ابن الحداد وقال، لا يصح لها بيع ما يدفع إليها من الكسوة لانها تستحق عليه الانتفاع بالكسوة وهو استتارها بها فلا تملكها بالقبض كالمسكن. وان أتلفت كسوتها لزمها قيمتها له ولزمه أن

يكسوها. ومنهم من خطأ ابن الحداد وقال: تملك الكسوة إذا قبضتها ويصح بيعها، لانه يجب عليه دفع الكسوة إليها، فإذا قبضتها ملكتها وصح بيعها لها كالنفقة ويخالف المسكن فإنه لا يلزمه أن يسلم إليها المسكن وإنما له أن يسكن معها وقال أبو الحسن الماوردى صاحب الحاوى: إن أرادت بيعها بما دونها في الجمال لم يجز، لان للزوج حظأ في جمالها، وعليه ضرر في نقصان جمالها، وإن أرادت بيعها بمثلها أو أعلى منها كان لها ذلك لانها ملكتها ولا ضرر على الزوج في ذلك قال ابن الصباغ: وعندي أنه لو أراد أن يكترى لها ثيابا تلبسها لم يلزمها أن تستجيب إلى ذلك، ولو أراد أن يكترى لها مسكنا لزمها الاستجابة إلى ذلك. هذا نقل أصحابنا البغداديين أن الذي يستحق عليه دفع النفقة والكسوة ولم يذكر أحد منهم أنه يجب عليه أن يملكها وأما المسعودي فقال: يجب عليه أن يملكها الحب، فلو رضيت أن يملكها الخبز فالظاهر أنه يصح، وفيه وجه آخر أنه لا يصح، لانه إبدال قبل القبض. وأيضا فإنه بيع الحب بالخبز. وذلك ربا. وأما الكسوة فتجب عليه على طريق الكفاية ولا يجب عليه التمليك، فلو سرقت أو تحرقت في الحال وجب عليه الابدال، وفيه وجه أخر أنه يجب عليه التمليك تخريجا من النفقة. (فرع) وإن دفع إليها نفقتها وأرادت بيعها أو ابدالها بغيرها لم تمنع منها. ومن أصحابنا من قال: إنه إذا أرادت إبدالها بما تستضر بأكلها كان للزوج منعها لان عليه ضررا في الاستمتاع بها مريضة، والمذهب الاول، لان الضرر بأكلها لغيرها لا يتحقق. فإن تحقق الضرر بذلك منعت منه، لئلا تقتل نفسها، كما لو أرادت قتل نفسها. قال الشافعي: وليس على الزوج أن يضحى عن امرأته لانه لا يجب عليه أن يضحى عن نفسه، فلان لا يجب عليه أن يضحى عنها أولى. والله أعلم

باب الاعسار بالنفقة واختلاف الزوجين فيها

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب الاعسار بالنفقة واختلاف الزوجين فيها) إذا أعسر الزوج بنفقة المعسر فلها أن تفسخ النكاح. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما " ولانه إذا ثبت لها الفسخ بالعجز عن الوطئ - والضرر فيه أقل - فلان يثبت بالعجز عن النفقة والضرر فيه أكثر أولى. وإن أعسر ببعض نفقة المعسر ثبت لها الخيار، لان البدن لا يقوم بما دون المد، وإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر لم يثبت لها الفسخ، لان ما زاد غير مستحق مع الاعسار. وإن أعسر بالادم لم يثبت لها الفسخ، لان البدن يقوم بالطعام من غير أدم. وإن أعسر بالكسوة ثبت لها الفسخ، لان البدن لا يقوم بغير الكسوة، كما لا يقوم بغير القوت. وإن أعسر بنفقة الخادم لم يثبت لها الفسخ لان النفس تقوم بغير خادم. وان أعسر بالمسكن ففيه وجهان (أحدهما) يثبت لها الفسخ لانه يلحقها الضرر لعدم المسكن (والثانى) لا يثبت لانها لاتعدم موضعا تسكن فيه (فصل) وان لم يجد الا نفقة يوم بيوم لم يثبت لها الفسخ، لانه لا يلزمه في كل يوم أكثر من نفقة يوم، وان وجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها ففيه وجهان (أحدهما) لها الفسخ لان نفقة اليوم لاتتبعض. (والثانى) ليس لها الفسخ لانها تصل إلى كفايتها وان كان يجد يوما قدر الكفاية ولا يجد يوما ثبت لها الفسخ لانه لا يحصل لها في كل يوم إلا بعض النفقة. وان كان نساجا ينسج في كل أسبوع ثوبا تكفيه أجرته الاسبوع، أو صانعا يعمل في كل ثلاثة أيام تكة يكفيه ثمنها ثلاثة أيام لم يثبت لها الفسخ لانه يقدر أن يستقرض لهذ المدة ما ينفقه فلا تنقطع به النفقة. وإن كانت نفقته في عمل فعجز عن العمل بمرض نظرت. فإن كان مريضا يرجى زواله في اليومين والثلاثة

لم يثبت لها الفسخ، لانه يمكنها أن تستقرض ما نفقته ثم تقضيه. وإن كان مريضا مما يطول زمانه ثبت لها الفسخ لانه يلحقها الضرر لعدم النفقة، وإن كان له مال غائب - فإن كان في مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يجز لها الفسخ. وإن كان في مساقة تقصر فيها الصلاة ثبت لها الفسخ لما ذكرناه في المرض، وإن كان له دين على موسر لم يثبت لها الفسخ. وإن كان على معسر ثبت لها الفسخ، لان يسار الغريم كيساره، وإعساره كإعساره في تيسير النفقة وتعسيرها (الشرح) حديث أبى هريرة أخرجه الدارقطني والبيهقي في السنن الكبرى من طريق عاصم القارى عن أبى صالح عن أبى هريرة وأعله أبو حاتم، ولكن للحديث شواهد عن سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور والشافعي وعبد الرزاق في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله قال " يفرق بينهما " قال أبو الزناد: قلت لسعيد سنة؟ قال سنة. وهذا مرسل قوى وعن عمر بن عند عبد الرزاق والمنذري والشافعي " أنه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم إما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا ويبعثوا نفقة ما حبسوا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " خير الصدقة ماكان من ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السلفي وابدأ بمن تعول. فقيل من أعول يارسول الله؟ قال امرأتك ممن تعول، تقول أطعمني وإلا فارقني، جاريتك تقول أطعمني واستعملني، ولدك يقول إلى من تتركني؟ " ورواه أحمد والدارقطني بإسناد صحيح وأخرجه الشيخان في الصحيحين وأحمد من طريق آخر، وجعلوا الزيادة المفسرة فيه من قول أبى هريرة. وقد حسن إسناده الحافظ بن حجر مع كونه من رواية عاصم عن أبى صالح، وفي حفظ عاصم مقال والحديث الذي أخرجه البخاري عن أبى هريرة لفظه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول. تقول المرأة: اما أن تطعمني واما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني واستعملني. ويقول الابن أطعمني والى من تدعني؟ قالو أبا هريرة سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ لا، هذا من كيس أبى هريرة "

أما الاحكام: فإنه إذا كان الزوج موسرا فصار معسرا فإنه ينفق على زوجته نفقة المعسر، ولا يثبت لها الخيار في فسخ النكاح، لان بدنهايقوم بنفقة المعسر وان أعسر بنفقة المعسر كانت بالخيار بين أن تصبر وبين أن تفسخ النكاح، وبه قال عمر وعلي وأبو هريرة وابن المسيب والحسن البصري وحماد بن أبى سلمة وربيعة ومالك وأحمد وقال عطاء والزهرى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يثبت لها الفسخ، بل يرفع يده عنها لتكتسب. وحكاه المسعودي قولا آخر لنا. وليس بمشهور. دليلنا قوله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فخير الله الزوج بين الامساك بالمعروف، وهو أن يمسكها وينفق عليها، وبين التسريح بإحسان. فإذا تعذر عليه الامساك بمعروف تعين عليه التسريح وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " إذا أعسر الرجل بنفقة امرأته يفرق بينهما " ولانه روى ذلك عن عمر وعلي وأبى هريره ولا مخالف لهم في الصحابة الا ما رواه صاحب الفتح عن الكوفيين من أنه يلزم المرأة الصبر وتتعلق النفقة بذمة الزوج. وحكاه في البحر من كتب العترة عن عطاء والزهرى والثوري والقاسمية. وقالوا عن الاحاديث انها معتلة وأما ما ورد في الصحيحين من حديث أبى هريره فقالوا هو من قول أبى هريره كما وقع التصريح به منه حيث قال " انه من كيسه " أي من استنباطة من المرفوع وقد وقع في رواية الاصيلى بفتح الكاف أي من فطنته ونجيب عن ذلك بأن الاحاديث المذكورة يقوي بعضها بعضا مع أنه لم يكن فيها قدح يوجب الضعف فضلا عن السقوط. والآية " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا وسعها ما آتاها " وكذا قولهم " وإذا أعسر ولم يجد سببا يمكنه به تحصيل النفقة فلا تكليف عليه بدلالة الآية فيجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقه حال اعساره، بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوجها رجل آخر. واحتجوا بما في صحيح مسلم من حديث جابر " أنه دخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه وسلم فوجداه حوله نساؤه واجما ساكنا وهن يسألنه النفقه،

فقام كل منهما إلى ابنته أبو بكر إلى عائشة وعمر إلى حفصة فوجا أعناقهما فاعتزلهن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذلك شهرا " فضربهما لابنتيهما في حضرته صلى الله عليه وسلم لاجل مطالبتهما بالنفقة التي لا يجدها يدل على عدم التفرقة لمجرد الاعسار عنها. قالوا ولم يزل الصحابة فيهم الموسر والمعسر ومعسورهم أكثر ويجاب عن هذا بأن زجرهما عن المطالبة بما ليس عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يدل على عدم جواز الفسخ لاجل الاعسار، ولم يرو أنهن طلبنه ولم يجبن إليه، كيف؟ وقد خيرهن صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فاخترنه. ومحل النزاع هل يجوز الفسخ عند الاعسار أم لا؟ وقد أجيب عن هذا الحديث بأن أزواجه صلى الله عليه وسلم لم يعد من النفقة بالكلية، لانه صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع، ولعل ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن. قال الشوكاني في نيل الاوطار: وظاهر الادلة؟ أنه يثبت الفسخ للمرأة بمجرد عدم وجدان الزوج لنفقتها بحيث يحصل عليها ضرر من ذلك. أه إذا ثبت هذا فإن كان لا يجد إلى نفقة يوم بيوم لم يثبت لها الخيار في الفسخ لانه قادر على الواجب عليه، وإن كان لا يجد في أول النهار إلا ما يغديها ووجد في آخره ما يعشيها فهل يثبت لها الفسخ؟ فيه وجهان حكاهما المصنف (أحدهما) يثبت لها الفسخ لان نفقة اليوم لاتتبعض (والثانى) لا يثبت لها الفسخ لانها تصل إلى كفايتها. وإن كان يجد نفقة يوم ولا يجد نفقة يوم ثبت لها الفسخ لانها لايمكتها الصبر على ذلك. فهو كما لم يجد كل يوم الانصف مد (فرع) وإن كان نساجا ينسج في كل أسبوع ثوبا تكفيه أجرته الاسبوع لم يثبت لها الفسخ، لانه يستطيع أن يستقرض لهذه الايام ما تقضتيه لنفقتها فلا تنقطع به النفقة عليها، لان الاجر إذا كان يكفيه وحده بدونها فإنه يستطيع أن يقترض كما قررنا فلا يثبت لها الفسخ وان كانت نفقته بالعمل فعجز عنه بمرض - فإن كان مرضا يرجى زواله بالومين والثلاثة لم يثبت لها الفسخ لانه لم يلحقها الضرر. وإن كان له مال غائب - فإن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة - لم يجز لها الفسخ ولا ثبت لها

الفسخ لما ذكرناه في المرض وان كان له دين على ملئ لم يثبت لها الفسخ كما قلنا في الزكاة إذا كان بعض النصاب دين على ملئ وجب على الدائن الزكاة فيه، لان يسار الغريم كيساره، واعساره كإعساره في تيسير النفقة واعسارها (فرع) وان علمت المرأة بإعسار الرجل بالنفقة فتزوجته ثبت لها الفسخ. لانه قد يكتسب بعد العقد أو يقترض أو يتهب، فلما جاز أن يعتبر حاله لم يلزمها حكم علمها به، وان تزوجته مع علمها به بإعساره بالمهر فهل يثبت لها الفسخ؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت لها الفسخ كالنفقة (والثانى) لا يثبت لها الفسخ لانها رضيت بتأخيره لانه معسر به بخلاف النفقة فإنها تجب بعد العقد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان الزوج موسرا وامتنع من الانفاق لم يثبت لها الفسخ لانه يمكن الاستيفاء بالحاكم. وان غاب وانقطع خبره لم يثبت لها الفسخ، لان الفسخ يثبت بالعيب بالاعسار، ولم يثبت الاعسار. ومن أصحابنا من ذكر فيه وجها آخر أنه يثبت لها بالفسخ لان تعذر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالاعسار (فصل) إذا ثبت لها الفسخ بالاعسار واختارت المقام معه ثبت لها في ذمته ما يجب على المعسر من الطعام والادم والكسوة ونفقة الخادم، فإذا أيسر طولب بها لانها حقوق واجبة عجز عن أدائها، فإذا قدر طولب بها كسائر الديون، ولا يثبت لها في الذمة ما لا يجب على المعسر من الزيادة على نفقة المعسر لانه غير مستحق. (فصل) وان اختارت المقام بعد الاعسار لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ولها أن تخرج من منزله، لان التمكين في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدمها. وان اختارت المقام معه على الاعسار ثم عن لها أن تنفسخ فلها أن تنفسخ، لان النفقة يتجدد وجوبها في كل يوم فتجدد حق الفسخ. وان تزوجت بفقير مع العلم بحاله ثم أعسر بالنفقة فلها أن تنفسخ، لان حق الفسخ يتجدد بالاعسار بتجدد النفقة. (فصل) وان اختارت الفسخ لم يجز الفسخ الا بالحاكم لانه فسخ مختلف

فيه فلم يصح بغير الحاكم كالفسخ بالنعنين، وفي وقت الفسخ قولان، أحدهما أن لها الفسخ في الحال، لانه فسخ لتعذر العوض فثبت في الحال كفسخ البيع بإفلاس المشتري بالثمن. الثاني أنه يمهل ثلاثة أيام لانه قد لا يقدر في اليوم ويقدر في غد ولا يمكن إمهاله أبدا لانه يؤدى إلى الاضرار بالمرأة والثلاث في حد القلة فوجب إمهاله. وعلى هذا لها أن تخرج في هذه الايام من منزل الزوج، لانها لا يلزمها التمكين من غير نفقة. (الشرح) الاحكام: إذا كان الزوج موسرا حاضرا، فطالبته بنفقتها فمنعها إياها لم يثبت لها الفسخ، لانه يمكنها التوصل إلى استيفاء حقها بالحكم. وفيه وجه آخر حكاه المسعودي أنه يثبت لها الفسخ، لان الضرر يلحقها بمنعه النفقة فهو كالمعسر، وليس بشئ لان العسرة عيب وإن غاب عنها الزوج وانقطع خبره ولا مال له ينفق عليها منه فهل يثبت لها الفسخ؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت كتعذرها بالاعسار (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد أنه لا يثبت لها الفسخ، لان الفسخ إنما يثبت بالاعسار بالنفقة ولم يثبت إعساره (فرع) إذا ثبت اعسار الزوج وخيرت بين ثلاثة أشياء: بين أن تفسخ النكاح وبين أن تقيم معه وتمكنه من الاستمتاع بها ويثبت لها في ذمته ما يجب على المعسر من النفقة والادم والكسوة ونفقة الخادم إلى أن يوسر، وبين أن يقيم على النكاح ولكن لا يلزمها أن تمكنه من نفسها، بل تخرج من منزله، لان التمكين انما يجب عليها ببذل النفقة، ولا نفقة هناك، ولا تستحق في ذمته نفقة في وقت انفرادها عنه، لان النفقة انما تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاء ولا تمكين منها له. فإن اختارت المقام معه ثم عن لها أن تفسخ النكاح كان لها ذلك، لان وجوب النفقة لها يتجدد ساعة بساعة ويوما بيوم، فإذا عفت عن الفسخ وجوب نفقة وقتها ورضيت به تجدد لها الوجوب فيما بعد فثبت لها الفسخ بخالف الصداق إذا أعسر به فرضيت بالمقام معه، فإن خيارها يسقط لانه يجب دفعة واحدة ولا يتجدد وجوبه

وإن اختارت الفسخ قال الطبري في العدة: قولان. أحدهما قال: ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره: إنها لا تفسخ بنفسها، بل ترفع الامر إلى الحاكم حتى يأمره بالطلاق أو يطلق عليه - لانه موضع اجتهاد واختلاف - فكان إلى الحاكم كالفسخ بالعنة، والثانى أنها تفسخ بنفسها كالمعتقة تحت عبد. وهل يؤجل؟ فيه قولان (أحدهما) لا يؤجل لان الفسخ للاعسار وقد وجد الاعسار فثبت الفسخ في الحال كالعيب في الزوجين (والثانى) يؤجل ثلاثة أيام لان المكتسب قد ينقطع كسبه ثم يعود والثلاث في حد القلة فوجب إنظاره ثلاثا ولا يلزمها المقام معه في هذه الثلاث في منزله، لانه لا يلزمها التمكين من غير نفقة، فإذا قلنا بهذا فوجد في اليوم الثالث نفقتها وتعسرت عليه النفقة في اليوم الرابع فهل يجب أن يستأنف لها إمهال ثلاثة أيام؟ فيها وجهان (أحدهما) يجب لان العجز الاول ارتفع (والثانى) لا يجب لانها تستضر بذلك. (فرع) وإن كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة فأعسر زوجها بالنفقة لم يكن لوليها أن يفسخ النكاح، لان ذلك يتعلق بشهوتها واختيارها، والولى لا ينوب عنها في ذلك، وان زوج الرجل أمته من رجل فأعسر الزوج بنفقتها. فإن كانت الزوجة معتوهة أو مجنونة قال ابن الحداد فلا يثبت الفسخ للسيد، لان الخيار إليها وليست من أهل الخيار فلا ينوب عنها السيد في الفسخ كما لو عن الزوج عنها ويلزم السيد أن ينفق عليها ان كان موسرا بحكم الملك، وتكون نفقتها في ذمة زوجها إلى أن يوسر، فإذا أيسر قال القاضى أبو الطيب: فإنها تطالب زوجها بها فإذا قبضتها أخذها السيد منها لانها لا تملك المال، وحاجتها قد زالت بإنفاق السيد عليها، قال ابن الصباغ: وهذا فيه نظر، لان الامة إذا كانت لا تملك العين فكذلك الدين، فيجب أن يكون ما ثبت من الدين للسيد وله المطالبة به دونها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا وجد التمكين الموجب للنفقة ولم ينفق حتى مضت مدة صارت النفقة دينا في ذمته ولا تسقط بمضي الزمان، لانه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة فلا يسقط بمضي الزمان كالثمن والاجرة والمهر، ويصح ضمان ما استقر منها بمضي الزمان، كما يصح ضمان سائر الديون وهل يصح ضمانها قبل استقرارها بمضي الزمان؟ فيه قولان على القولين في النفقة هل تجب بالعقد أو بالتمكين؟ فيه قولان. قال في الجديد تجب بالتمكين وهو الصحيح، لانها لو وجبت بالعقد لملكت المطالبة بالجميع كالمهر والاجرة. وعلى هذا لا يصح ضمانها لانه ضمان ما لم يجب وقال في القديم: تجب بالعقد لانها في مقابلة الاستمتاع والاستمتاع يجب بالعقد فكذلك النفقة، وعلى هذا يضمن منها نفقة موصوفة لمدة معلومة (فصل) إذا اختلف الزوجان في قبض النفقة فادعى الزوج أنها قبضت وأنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمنها لقوله عليه السلام " اليمين على المدعى عليه " ولان الاصل عدم القبض. وان مضت مدة لم ينفق فيها وادعت الزوجة أنه كان موسرا فيلزمه نفقة الموسر، وادعى الزوج أنه كان معسرا فلا يلزمه الا نفقة المعسر نظرت - فإن عرف لها مال - فالقول قولها - لان الاصل بقاؤه، وان لم يعرف له مال قبل ذلك القول قوله لان الاصل عدم المال. وان اختلفا في التمكين فادعت المرأة أنها مكنت وأنكر الزوج فالقول قوله لان الاصل عدم التمكين وبراءة الذمة من النفقة، وان طلق زوجته طلقة رجعية وهي حامل فوضعت واتفقا على وقت الطلاق واختلفا في وقت الولادة فقال الزوج طلقتك قبل الوضع فانقضت العدة فلا رجعة لى عليك ولا نفقة لك على. وقالت المرأة بل طلقتني بعد الوضع فلك على الرجعة ولى عليك النفقة، فالقول قول الزوج أنه لا رجعة لى عليك، لانه حق له فقبل اقراره فيه. والقول قول المرأة في وجوب العدة لانه حق عليها فكان القول قولها، والقول قولها مع يمينها في وجوب النفقة، لان الاصل بقاؤها. والله أعلم

(الشرح) الاحكام: نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان، فإذا مكنت المرأة الزوج من نفسها زمانا ولم ينفق عليها وجبت لها نفقة ذلك الزمان، سواء فرضها الحاكم أو لم يفرضها، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يسقط عنه إلا أن يفرضها الحاكم. دليلنا أنه حق يجب مع اليسار والاعسار فلا يسقط بمضي الزمان كالدين. وفيه احتراز من نفقة الاقارب - فإن أعسر الزوج بنفقة ما مضى - لم يثبت لها الفسخ، لان الفسخ جعل ليرجع إليها ما في مقابلة بالنفقة، والنفقة للزمان الماضي في مقابلة تمكين قد مضى. فلو فسخت النكاح لاجلها لم يرجع إليها ما في مقابلتها، فهو كما لو أفلس المشترى والمبيع بألف، فإنه لا يثبت للبائع الرجوع إلى المبيع. وإن أبرأت الزوج عنها صحت براءتها، لانه دين معلوم فصحت البراءة منه كسائر الديون. (فرع) إذا تزوج الرجل امرأة ومكنته من نفسها زمانا ثم اختلفا في النفقة فادعى الزوج أنه قد أنفق عليها، وقالت لم ينفق على ولا بينة للزوج فالقول قول الزوجة مع يمينها، سواء كان الزوج معها أو غائبا عنها، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ إن كان الزوج غائبا عنها فالقول قولها، وإن كان حاضرا معها فالقول قول الزوج مع يمينه، لان الظاهر أنها لاتسلم نفسها إليه إلا بعد أن تتسلم النفقة وهكذا قال في الصداق ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " البينه على المدعى واليمين على من أنكر " والزوجة تنكر القبض فكان القول قولها، ولانهما زوجان اختلفا في قبض النفقه فكان القول قولها، كما لو سلمت نفسها والزوج غائب وإن سلمت نفسها إليه زمانا ولم ينفق عليها فيه أو أنفق عليها فيه نفقة معسر وادعت أنه كان موسرا فيه، وادعى أنه كان معسرا ولا بينة لها على يساره ذلك الوقت فإن عرف لها مال قبل ذلك فالقول قولها مع يمينها، لان الاصل بقاء المال، وان لم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم اليسار (فرع) إن ادعت الزوجه أنها مكنت الزوج من نفسها وأنكر فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم التمكين وإن طلق امرأته طلقة رجعيه وولدت واتفقا على وقت الطلاق واختلفا في

الولادة فقال الزوج ولدت بعد الطلاق فلا رجعة لى ولا نفقه لك، وقالت المرأة بل ولدت قبل الطلاق فلى العدة ولك الرجعة ولى عليك النفقة فلا رجعة للزوج لانه أقر بسقوط حقه منها وله أن يتزوج بأختها وبأربع سواها، وعلى الزوجه العدة لانها مقرة بوجوبها عليها، وتحلف المرأة أنها ولدت قبل أن يطلقها وتستحق النفقه لانهما اختلفا في وقت ولادتها وهي أعلم بها، ولانهما اختلفا في سقوط النفقه والاصل بقاؤها حتى يعلم سقوطها، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى باب نفقة المعتدة إذا طلق امرأته بعد الدخول طلاقا رجعيا وجب لها السكنى والنفقه في العدة لان الزوجية باقيه التمكين من الاستمتاع موجود، فإن طلقها طلاقا بائنا وجب لها السكنى في العدة، حائلا كانت أو حاملا، لقوله عز وجل " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " وأما النفقه فإنها إن كانت حائلا لم تجب، وان كانت حاملا وجبت لقوله عز وجل " وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فأوجب النفقه مع الحمل، فدل على أنها لا تجب مع عدم الحمل، وهل تجب النفقه للحمل؟ أو للحامل بسبب الحمل؟ فيه قولان قال في القديم تجب للحمل لانها تجب بوجوده وتسقط بعدمه وقال في الام تجب للحامل بسبب الحمل وهو الصحيح - لانها لو وجبت للحمل لتقدرت بكفايته، وذلك يحصل بما دون المد فإن قلنا تجب للحمل لم تجب إلى على من تجب عليه نفقة الولد، فإن كانت الزوجه أمة والزوج حرا وجبت نفقتها على مولاها، لان الولد مملوك له، وان قلنا تجب النفقه للحامل وجبت على الزوج، لان نفقتها تجب عليه وان كان الزوج عبدا وقلنا ان النفقة للحامل وجبت عليه. وان قلنا تجب للحمل لم تجب لان العبد لا يلزمه نفقة ولده

(فصل) إذا وجبت النفقة للحمل أو للحامل بسبب الحمل ففي وجوب الدفع قولان (أحدهما) لا يجب الدفع حتى تضع الحمل لجواز أن يكون ريحا فانفش، فلا يجب الدفع مع الشك (والثانى) يجب الدفع يوما بيوم، لان الظاهر وجود الحمل، ولانه جعل كالمتحقق في منع النكاح وفسخ البيع في الجارية المبيعة والمنع من الاخذ في الزكاة ووجوب الدفع في الدية فجعل كالمتحقق في دفع النفقه فإن دفع إليها ثم بان أنه لم يكن بها حمل - فإن قلنا تجب يوما بيوم - فله أن يرجع عليها لانه دفعها على أنها واجبه، وقد بان أنها لم تجب فثبت له الرجوع. وان قلنا انها لا تجب الا باوضع، فإن دفعها بأمر الحاكم فله أن يرجع لانه إذا أمره الحاكم لزمه الدفع فثبت له الرجوع، وان دفع من غيره أمره فإن شرط أن ذلك عن نفقتها ان كانت حاملا فله أن يرجع لانه دفع عما يجب وقد بان أنه لم يجب. وان لم يشرط لم يرجع لان الظاهر أنه متبرع (الشرح) الاحكام: إذا طلق امرأته بعد الدخول طلاقا رجعيا فإنها تستحق على الزوج جميع ما تستحق الزوجة إلا القسم إلى أن تنقضي عدتها، وهو إجماع وإن كان الطلاق بائنا وجب لها السكنى حائلا كانت أو حاملا. وأما النفقة فإن كانت حائلا لم يجب لها. وان كانت حاملا وجبت. وقال ابن عباس وجابر: لاسكنى للبائن وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة تجب النفقة للبائن سواء كانت حاملا أو حائلا. ودليلنا قوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن، وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فأوجب السكنى للمطلقات بكل حال، وأوجب لهن النفقة بشرط ان كن أولات حمل. فدل على أنهن إذا لم يكن أولات حمل لانفقة لهن. وروى أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاثا وهو غائب بالشام فحمل إليها وكيله كفا من شعير فسخطته، فقال لها لانفقة لك إلا أن تكوني حاملا، إنما هو متطوع عليك، فأتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لها لانفقة لك الا أن تكوني حاملا، واعتدى عند أم شريك

إذا ثبت هذا فهل تجب النفقة للحمل أو للحامل لاجل الحمل؟ فيه قولان. (أحدهما) أنها تجب للحمل لانها تجب عليه بوجوده ولا تجب عليها مع عدمه فدل على أنها تجب له. (والثانى) أنها تجب للحامل لاجل الحمل وهو الاصح، لانه تجب عليه نفقة الزوجة مقدرة. ولو وجبت للحمل لتقدرت بقدر كفايته كنفقة الاقارب. والجنين يكتفي بدون المد. وان تزوج الحر أمة فطلقها طلاقا بأئنا وهى حامل، فإن قلنا ان النفقة تجب للحمل لم تجب عليه النفقة لان ولده منها مملوك لسيدها، ونفقة المملوك على سيده، وان قلنا ان النفقة للحامل وجب على الزوج نفقتها، وان تزوج العبد بحرة أو أمة فأبانها وهى حامل - فإن قلنا ان النفقة للحمل - لم يجب عليه النفقة، لان ولده من الامة مملوك لسيد الامة، وولده من الحرة لا تجب عليه نفقته لان العبد لا يجب عليه نفقة ولده ولا والده، وان قلنا ان النفقة للحامل وجبت عليه النفقة. وان كان الحامل غنيا وقلنا ان النفقة للحمل فهل تجب على أبيه؟ فيه وجهان حكاهما القاضى في كتاب الخناثى قال الشاشى من أصحابنا: ويصح ابراء الزوجة عنها على القولين. وان طلق امرأة طلاقا بائنا وهى حامل فأرتدت الزوجة فقد قال ابن الحداد تسقط نفقتها، فمن أصحابنا من وافقه وقال تسقط نفقتها قولا واحدا لانها تتعلق بمصلحتها وهى المستحقة لها فسقطت بردتها. ومنهم من خالفه وقال: إذا قلنا ان النفقه للحامل سقطت بردتها، وان قلنا ان النفقه للحمل فلا تسقط بردتها لان الحمل محكوم بإسلامه فلا يسقط حقه بردتها وان أسلمت الزوجة وتخلف الزوج في الشرك فعليه نفقتها إلى أن تنقضي عدتها حائلا كانت أو حاملا، فمن أصحابنا من وافقه ومنهم من خالفه وقال: هذا إذا قلنا ان النفقة للحامل. فأما إذا قلنا ان النفقة للحمل وجبت له النفقة، لانه محكوم بإسلامه. وان مات الزوج قبل وضع الحمل وخلف أبا فقد قال أبو إسحاق المروزى تسقط النفقة لانه محكوم بإسلامه، وان مات الزوج قبل وضع الحمل وخلف أبا

فقد قال أبو حامد إذا قلنا ان النفقة تجب للحمل أوجبت على جده، لانه تجب عليه نفقة ولده. (مسألة) إذا طلق امرأته وهى حامل فهل يحب عليه أن يدفع إليها النفقة يوما بيوم أو لا يجب عليه الدفع حتى تضع؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه دفع النفقة حتى تضع، فإذا وضعت الولد وجب عليه دفع نفقتها لما مضى لانه لا يجب عليه الدفع بالشك والحمل غير متحقق الوجود قبل الوضع، بل يجوز أن يكون ريحا فينفش. والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يدفع إليها نفقة يوم بيوم وهو الاصح، لقوله تعالى " وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فأمرنا بالانفاق عليهن حتى يضعن حملهن، وهذا يقضتى وجوب الدفع، ولان للحمل أمارات وعلامات، فإذا وجدت تعلق الحكم بها في وجوب فدفع النفقة، كما تعلق الحكم بها في منع أخد الحمل في الزكاة، وفي جواز رد الجارية المبيعة، وفي منع وطئ الجارية المسبية والمشتراة وفي جواز أخذ الخلفة في الدية فإذا قلنا لا يجب الدفع حتى تضع لم تحتج إلى علامة وأمارة بل تعتد، فإذا وضعت ولدا يجوز أن يكون منه لزمه أن يدفع إليها النفقة من حين الطلاق إلى حين الوضع، فإن ادعت أنها وضعت وصدقها فلا كلام. وان كذبها فعليها أن تقيم البينة على الوضع شاهدين أو شاهدا وامرأتين أو أربع نسوة، لانه يمكنها اقامة البينة على ذلك. وان قلنا يجب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم بيوم فادعت أنها حامل فان صدقها الزوج جب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم من وقت الطلاق إلى حين الحكم بقولهن أنها حامل دفعة واحدة، ووجب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم بيوم من حين الحكم بقولهن إلى حين الوضع ولو سألته أن يحلف لها ما يعلم أنها حامل: فالذي يقتضى المذهب أنه يلزمه أن يحلف لجواز أن يخاف من اليمين فيقر أنها حامل أو ينكل عن اليمين فيرد عليها فإذا حلفت وجب عليه الدفع لان يمينها مع نكوله كإقراره في أحد القولين، وكبينة يقيمها في القول الآخر. والجميع يجب به الدفع

(فرع) فإن طلقها طلاقا بائنا فقال القوابل إن بها حملا فأنفق عليها فبان أنه لاحمل، أو ولدت ولدا لا يجوز أن يكون منه - فان قلنا إنه يجب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم بيوم كان له أن يرجع عليها بما دفع إليها من النفقة سواء دفعه بأمر الحاكم أو بغيره أمره، وسواء شرط أنه نفقة أو أطلق، لانه دفع إليها النفقة على أنها واجبة عليه، وقد بان أنه لانفقة عليه لها وإن قلنا إنه لا يجب عليه الدفع إلا بعد الوضع نظرت - فان كان قد دفع إليها بحكم الحاكم - كان له الرجوع، لان الحاكم أوجب عليه الدفع وقد بان أنها لم تكن واجبة عليه، وإن دفعها بغير حكم الحاكم، فان كان قد شرط أن ذلك عن نفقتها ان كانت حاملا، فله أن يرجع عليها لانه بان أنها ليست بحامل ولا نفقة عليه. وإن دفعها من غير شرط لم يرجع عليها بشئ، لان الظاهر أنه تطوع بالانفاق عليها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان تزوج امرأة ودخل بها ثم انفسخ النكاح برضاع أو عيب، وجب لها السكنى في العدة. وأما النفقة فانها - إن كانت حائلا - لم تجب: وإن كانت حاملا وجبت، لانها معتدة عن فرقة في حال الحياة، فكان حكمها في النفقة والسكنى ما ذكرناه كالمطلقة. وإن لاعنها بعد الدخول - فان لم ينف الحمل - وجبت النفقة، وان نفى الحمل لم تجب النفقة، لان النفقة تجب في أحد القولين للحمل. والثانى تجب لها بسبب الحمل والحمل منتف عنه فلم تجب بسببه نفقة. وأما السكنى ففيها وجهان (أحدهما) تجب لانها معتدة عن فرقة في حال الحياة، فوجب لها السكنى كالمطلقة (والثانى) لا تجب لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قضى أن لا تثبت لها " من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها زوجها. ولانها لم تحصن ماءه فلم يلزمه سكناها

(الشرح) حديث ابن عباس رواه البزار " أن رجلا طلق امرأته فجاءت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا نفقة لك ولاسكنى " قال الهيثمى في مجمع الزوائد: وفيه ابراهيم بن اسماعيل بن أبى حبيبة وهو متروك أما الاحكام فقد قال الشافعي: وان كان يملك رجعتها فلم تعتد بثلاث حيض أو كان حيضها مختلفا فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا الاقصر. اه واختلف أصحابنا في تأويلها، فقال أبو إسحاق تأويلها هو أن يطلق امرأته طلاقا رجعيا فأنفق عليها وظهر بها حمل في العدة، ووضعت لاكثر من أربع سنين من وقت الطلاق - فان قلنا انه يلحقه - فعليه نفقتها إلى أن وضعت فلا كلام. وان قلنا انه لايلحقه وينتفى عنه بغير لعان فانها لا تكون معتدة به عنه ولا نفقة عليه لها مدة حملها، وانما عدتها بالاقراء، وتسأل من أين الحمل؟ فان قالت هو من غير بشبهة أو زنا قلنا لها أي وقت حملت به؟ فان قالت بعد انقضاء عدتي بالاقراء على الاول فعلى الاول نفقتها مدة عدتها بالاقراء لا غير. وان قالت حملت به بعد أن مضى من عدته قرء ان كان على الزوج نفقتها مدة عدتها في القرءين قبل الحمل، ومدة عدتها بالقرء الثالث بعد الحمل وان قالت هذا الولد من هذا الزوج وطئني في عدتي، أو راجعني ثم وطئني فان أنكرها جاب، لان الاصل عدم ذلك، فإذا حلف بطل أن تعتد بالحمل منه وقلنا له فسر أنت كيف اعتدت منك، فان قال حملت به قبل أن يمضى لها شئ من الاقراء فانها تعتد بثلاثة أقراء عنه بعد الوضع ولها نفقة ذلك الوقت. وان قال انقضت عدتها منى بالاقراء ثم حملت به بعد ذلك فقد اعترف أنها اعتدت عنه بالاقراء، فان كان حيضها لا يختلف فلا نفقة مدة ثلاثة أقراء، وان كان حيضها يختلف فتارة تمضى أقراء في سنة وتارة في ستة أشهر وتارة في ثلاثة أشهر واختلفا في عدتها كان لها نفقة ثلاثة أشهر لانه اليقين ومن أصحابنا من قال: تأويلها أن يطلقها طلاقا رجعيا، وأتت بولد لاكثر من أربع سنين من وقت الطلاق وقلنا لا يلحقه - فان عدتها بالاقراء عنه، فيرجع إليها كيف الاعتداد منها بالاقراء، فإذا ذكرت - فان كان حيضها

لا يختلف - كانت لها نفقة ثلاثة أقراء، وإن كان يختلف فيطول ويقصر لم يكن لها إلا نفقة الا قصر لانه اليقين. وبهذا قال أحمد ومن أصحابنا من قال: تأويلها إذا طلقها طلاقا رجعيا وحكمنا لها بالنفقة وأتت بولد لاكثر من أربع سنين من وقت الطلاق - وقلنا لايلحقه وكانت تحيض على الحمل، وقلنا إنه حيض - فانها تعتد عنه بالاقراء الموجودة على الحمل، فان كان حيضها لا يختلف فلها نفقة ثلاثة أقراء. وإن كان يختلف لم يكن لها إلا نفقة الاقصر لانه اليقين. قال العمرانى في البيان: وهذا ضعيف جدا وعلل ذلك بأنها على هذا القول يكون لها نفقة الاقراء على الحمل طالت أو قصرت ومن أصحابنا من قال: تأويلها إذا طلقها طلاقا رجعيا فذكرت أن حيضها ارتفع بغير عارض، فانها تتربص على ما مضى، فإذا زعمت أن حيضها ارتفع بغير عارض فقد اعترفت تحقيق حق لها وهو العدة والرجعة فيقبل قولها فيه، وحق لها وهو النفقة فلا يقبل قولها فيه بل يجعل لها نفقة الا قصر لانه اليقين والتأويل الاول أصح فأما إذا طلقها طلاقا بها أمارت الحمل فأنفق عليها ثم بان أنه لم يكن حملا وإنما كان ريحا فأنفش فانه يسترجع نفقة ما زاد على ثلاثة أقراء، فيقال لها كم كانت مدة أقرائك - فان أخبرت بذلك - كان القول قولها مع يمينها وإن قالت: لا أعلم في كم انقضت عدتي إلا أن عادتي في الحيض كذا وعادتي في الطهر كذا حسبنا ذلك ورجع الزوج بنفقة ما بعد ذلك. وإن قالت: حيضى يختلف ولا أعلم قدر الثلاثة الاقراء نظرنا إلى أقل ما تذكره من الحيض والطهر فحسبنا لها ثلاثة أقراء ورجع عليها بما زاد على ذلك وان قالت لاأعلم قدر حيضى وطهري، فحكى ابن الصباغ أن الشافعي قال، جعلنا الاقراء ثلاثة أشهر لان ذلك هو الغالب في النساء ورجع بالباقي (فرع) قال أبو إسحاق المروزى " ولا يجب للبائن الكسوة، وان وجبت لها النفقة " والله أعلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن نكح امرأة نكاحا فاسدا ودخل بها وفرق بينهما لم تجب لها السكنى، لانها إذا لم تجب مع قيام الفراش واجتماعهما على النكاح، فلان لا تجب مع زوال الفراش والافتراق أولى، وأما النفقة فانها إن كانت حائلا لم تجب لانها إذا لم تجب في العدة عن نكاح صحيح فلان لا تجب في العدة عن النكاح الفاسد أولى وإن كانت حاملا فعلى القولين، إن قلنا ان النفقة للحامل لم تجب، لان حرمتها في النكاح الفاسد غير كاملة، وان قلنا انها تجب الحمل وجبت، لان الجماع في النكاح الفساد كالحمل في النكاح الصحيح (فصل) وان كانت الزوجة معتدة عن الوفاة لم تجب لها النفقة، لان النفقة انما تجب للمتمكن من الاستمتاع، وقد زال التمكين بالموت أو بسبب الحمل، والميت لا يستحق عليه حق لاجل الولد، وهل تجب له السكنى؟ فيه قولان. (أحدهما) لا تجب، وهو اختيار المزني، لانه حق يجب يوما بيوم فلم تجب في عدة الوفاة كالنفقة (والثانى) تجب، لما روت فريعة بنت مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اعتدى في البيت الذي أتاك فيه وفاة زوجك، حتى يبلغ الكتاب أجله أربعة أشهر وعشرا " ولانها معتدة عن نكاح صحيح فوجب لها السكنى كالمطلقة. (الشرح) حديث فريعة بنت مالك مضى في العدد تخريجه. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى، كان يقال لها الفارعة شهدت بيعة الرضوان: وأمها أم حبيبة بنت عبد الله بن أبى بن سلول. روت عن الفريعة هذه زينب بنت كعب بن عجرة حديثها في سكنى المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله. استعمله أكثر فقهاء الامصار اه أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه وكل ما وصفنا من متعة أو نفقة أو سكنى فليست إلى في نكاح صحيح وجملة ذلك أنه إذا تزوج امرأة تزويجا فاسدا، كالنكاح بلا ولى ولا شهود

أو في عدتها فانه يفرق بينهما، فان كان قبل الدخول فانه لا يتعلق بالنكاح حكم وان كان بعد الدخول فلها مهر المثل، وعليها العدة ولا سكنى لها: لان السكنى تجب عن نكاح صحيح ولا نكاح ههنا. وأما النفقة فان كانت حائلا فلا نفقة لها، لانه إذا لم تجب النفقة للبائن الحائل في النكاح الصحيح فلان لا تجب لها في النكاح الفاسد أولى. وان كانت حاملا - فان قلنا ان النفقة تجب للحامل - لم تجب لها ههنا نفقة لان النفقة انما تجب عن نكاح صحيح له حرمة، وهذا النكاح لا حرمة له. وان قلنا ان النفقة للحمل وجب لها النفقة، لان هذا الولد لاحق به، فهو كما لو حملت منه في نكاح صحيح. وأما إذا وقع النكاح صحيحا ثم انفسخ برضاع أو عيب بعد الدخول فانه يجب عليها العدة. قال الشيخ أبو إسحاق ويجب لها السكنى في العدة وأما النفقة - فان كانت حائلا - لم تجب وان كانت حاملا وجبت لانها معتدة عن فرقة في حال الحياة، فكان حكمها ما ذكرناه كالطلاق. وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ " حكمها في السكنى والنفقة حكم النكاح الفاسد، لان حكم النكاح الذي ينفسخ بعد الدخول حكم النكاح الذي يقع فاسدا (فرع) وان قذف امرأته وهي حامل ونفى حملها فلا عنها انفسخ النكاح بينهما فاعتدت بوضع الحمل ولا نفقة لها في حال العدة، لان النفقة للحمل في أحد القولين ولها لاجل الزوجية في الثاني والحمل غير لاحق به فلم تجب لها النفقة، وهل تجب لها السكنى؟ حكم القاضي ابو الطيب والشيخ أبو إسحاق فيه وجهين (أحدهما) لا يجب لها السكنى لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا ولا نفقة لها ولابيت لانهما يفترقان بغير طلاق (والثاني) أن لها السكنى. قال ابن الصباغ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره، لانها معتدة عن فرقة في حال الحياة فهي كالمطلقة. قال ابن الصباغ: وقد ذكرنا فيما مضى أن الفسخ الطارئ بمنزلة النكاح الفاسد، وهذا فسخ، وايجاب السكنى يناقضه، غير أنه تعلق بقول الزوج، فجرى مجرى قطع النكاح بغير الطلاق.

وكما قلنا في الخلع إذا قلنا إنه فسخ. وإن لاعنها ولم ينف الحمل قال الشيخ أبو إسحاق هنا وجبت لها النفقة. وإن أبان زوجته بالثلاث وبالخلع وظهر بها حمل فنفاه - وقلنا يصح لعانه قبل الوضع فلا عن - سقطت عنه النفقة، وهل يسقط عنه السكنى - ان قلنا للملاعنة السكنى في التي قبلها - فههنا أولى. وإن قلنا في التي قبلها: لا سكنى لها قال القاضى أبو الطيب: احتمل ههنا وجهين. (أحدهما) لها سكنى لانها اعتدت عن الطلاق (والثانى) لاسكنى لها لان نفقتها سقطت لاجل اللعان فكذلك السكنى. فإن أكذب الزوج بعد اللعان لحقه نسب الولد وكان عليه النفقة لها لما مضى وإلى أن تضع فان قيل فهلا قلتم إنه لا نفقة لها لما مضى على القول الذي يقول إن النفقة للحمل، لان نفقة الاقارب تسقط بمضي الزمان؟ قلنا إنما نقول ذلك إذا كان القريب هو المستوفى لنفقته، وهنها المستوفى لها هي الزوجة فصارت كنفقة الزوجة، فلا تسقط بمضي الزمان. وأما المعتدة المتوفى عنها زوجها فلا يجب لها النفقة حائلا كانت أو حاملا، وبه قال ابن عباس وجابر. وروى أنهما قالا لا نفقة لها. حسبها الميراث. وذهب بعض الصحابة إلى أنها إذا كانت حاملا فلها النفقة. وعند أحمد أن المعتدة من الوفاة ان كانت حائلا فلا نفقة لها ولا سكنى. وان كانت حاملا ففيها روايتان (احداهما) لها السكنى والنفقة لانها حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة (والثانية) لا سكنى لها ولا نفقة لان المال قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها انما هو للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك الورثة، لانه ان كان الميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه، وان لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الانفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضى وهذه الرواية أصح عند ابن قدامة وغيره. ودليلنا أنه لا يخلو اما أن يقال هذه النفقة للحامل أو للحمل فبطل أن يقال أنها للحامل لانها لا تستحق النفقة إذا كانت حائلا، وبطل أن يقال انها للحمل

لان الميت لا يستحق عليه نفقة الاقارب فلم تجب، وهل تجب لها السكنى؟ فيه قولان مضى بيانهما في العدد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا حبست زوجة المفقود أربع سنين فلها النفقة لانها محبوسة عليه في بيته، فإن طلبت الفرقة بعد أربع سنين ففرق الحاكم بينهما، فإن قلنا بقوله القديم إن التفريق صحيح فهى كالمتوفى عنها زوجها لانها معتدة عن وفاة فلا تجب لها النفقة، وفي السكنى قولان، فإن رجع الزوج فان قلنا تسلم إليه عادت إلى نفقته في المستقبل، وإن قلنا لاتسلم إليه لم يكن لها عليه نفقة، فان قلنا بقوله الجديد وأن التفريق باطل، فلها النفقة في مدة التربص ومدة العدة لانها محبوسة عليه في بيته، وإن تزوجت سقطت نفقتها لانها صارت كالناشزة، وان لم يرجع الزوج ورجعت إلى بيتها وقعدت فيه، - فان قلنا بقوله القديم - لم تعد النفقة، وان قلنا بقوله الجديد، فهل تعود نفقتها بعودها إلى البيت؟ فيه وجهان: أحدهما: تعود لانها سقطت بنشوزها، فعادت بعودها (والثانى) لاتعود لان التسليم الاول قد بطل فلا تعود إلى بتسلم مستأنف كما أن الوديعة إذا تعدى فيها ثم ردها إلى المكان لم تعد الامانة. ومن أصحابنا من قال: ان كان الحاكم فرق بينهما وأمرها بالاعتداد، وأعتدت وفارقت البيت، ثم عادت إليه لم تعد نفقتها لان التسليم الاول قد بطل لحكم الحاكم. وان كانت تربصت فاعتدت ثم فارقت البيت ثم عادت النفقة لان التسليم الاول لم يبطل من غير حكم الحاكم. والله أعلم (الشرح) الاحكام: إذ غاب الرجل عن امرأته وهي في مسكنه الذي أسكنها فيه وانقطع خبره عنها، فان اختارت المقام على حالتها فالنفقة واجبة على الزوج لانها مسلمة لنفسها، وان رفعت الامر إلى الحاكم وأمرها بالتربص أربع سنين فلها النفقة على زوجها، لان النفقة انما تسقط بالنشوز أو بالبينونة ولم

يوجد واحد منهما، فإن حكم الحاكم بالفرقة بينهما بعد أربع سنين واعتدت أربعة أشهر وعشرا، فإن قلنا بقوله القديم وأن الفرقة قد وقعت ظاهرا وباطنا، أو ظاهرا فانها كالمعتدة عن الوفاة فلا يجب لها النفقة فيها، وهل يجب لها السكنى؟ فيه قولان، فإن رجع زوجها، فإن قلنا: ان الفرقة وقعت ظاهرا وباطنا فهي أجنبية منه ولا تجب لها عليه نفقة ولا سكنى. وان قلنا ان الفرقة وقعت في الظاهر دون الباطن ردت إليه ووجبت لها النفقة من حين ردت إليه. وان قلنا بقوله وأن حكم الحاكم لا ينفذ، فإنهاما لم تتزوج فنفقتها على الاول لانها محبوسة عليه، وإنما تعتقد هي أن الفرقة قد وقعت، وهذا الاعتقاد لا يؤثر في سقوط نفقتها، فان تزوجت بعد أربعة أشهر وعشر سقطت نفقتها عن الاول لانها كالناشزة عن الاول فسقطت نفقتها عنه، فإن دخل الثاني بها وفرق بينهما فعليها أن تعتد عنه ولا نفقة لها على الاول لانها معتدة عن الثاني، فان رجعت إلى منزل الاول بعد انقضاء عدة الثاني أو قبل أن يدخل بها الثاني، فهل تستحق النفقة على الاول؟ قال الشافعي في المختصر: لا نفقة لها في حال الزوجية ولا في حال العدة. وهذا يقتضى أن لها النفقة بعد انقضاء العدة وقال في الام: لا نفقة لها في حال الزوجية ولا في حال العدة ولا بعدها واختلف أصحابنا فيها على طريقين. قال العمرانى من أصحابنا من قال فيها قولان وحكاهما الشيخ أبو إسحاق (يعنى الشيرازي) وجهين (أحدهما) تجب لها النفقة من حين عادت إلى منزله، لان النقفة سقطت بنشوزها، وقد زال النشوز فعادت نفقتها (والثانى) لا يجب لها النفقة لان التسليم الاول قد سقط بنشوزها فلم تعد الا بتسليم ثان، وليس ههنا من يتسلمها، فعلى هذا الطريق إذا خرجت امرأة الحاضر من منزلها ناشزة ثم عادت إليه، فهل تعود نفقتها من غير أن يتسلمها الزوج فيه وجهان بناء على هذين الوجهين ومن أصحابنا من قال ليست على قولين، وانما هي على اختلاف حالين فالموضع الذي دل عليه مفهوم كلامه أن النفقة لها أراد إذا تزوجت بالثاني من غير أن

يحكم لها الحاكم بالفرقة فإذا عادت إلى منزل الزوج عادت نفقتها، لان نفقتها سقطت بأمرضعيف وهو نشوز فعادت برجوعها، وحيث قال في الام لانفقة لها، أراد إذا حكم لها الحاكم بالفرقة وتزوجت بآخر، لان نفقتها سقطت بأمر قوي وهو حكم الحاكم فلا تعود إلا بأمر قوى، وهوأن يتسلمها الزوج، فعلى هذا الطريق إذا نشزت امرأة الحاضر من منزلها وعادت إليه وجبت لها النفقة، وإن لم يتسلمها الزوج. وأما وجوب نفقتها على الثاني، فإن قلنا بقوله القديم، فإن التفريق صحيح فانها تستحق عليه النفقة بنفس العقد في قوله القديم، ونفقة كل يوم بيومه في قوله الجديد لان نكاحه صحيح. وإن قلنا بقوله الجديد وان التفريق غير صحيح فإنها لا تستحق عليه النفقة ولا السكنى في حال الزوجية، لانه لازوجية بينهما، فإذا فرق بينهما بعد الدخول فلا سكنى لها في حال العدة. وأما النفقة فإن كانت حائلا لم تجب لها، وان كانت حاملا - فإن قلنا النفقة للحمل - وجبت، وإن قلنا للحامل لم تجب (فرع) إذا تربصت امرأة المفقود وتزوجت بآخر بعد قضاء عدتها فرجع الاول - فإن قلنا بقوله الجديد - لا تقع الفرقة، أو قلنا تقع الفرقة في الظاهر دون الباطن فأتت بولد يمكن أن يكون من الثاني ولا يمكن أن يكون من الاول فإن عدتها تنقضي من الثاني بوضعه، وترد إلى الاول بعد وضع الولد. وإن أتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما - فإن قلنا بقوله القديم وأن الفرقة تقع ظاهرا وباطنا فاولد للثاني. وان قلنا بقوله الجديد وقلنا الفرقة تقع في الظاهر دون الباطن، فإن لم يدعه الاول فهو للثاني، لانها قد استبرأت رحمهما يفينا عن الاول. وإن أدعاه الاول سئل عن وجه دعواه، فإن قال هذا الولد منى لانها زوجتى وغبت عنها والزوجية لم تنقطع فهو ولدى، لانها أتت به على فراشي، لم يتلفت إلى هذه الدعوي ولحق بالثاني، لانا قد تيقنا براءة رحمها من ماء الاول فلا يمكن أن يكون منه. وإن قال: كنت عدت إليها في الخفية ووطئتها وهذا الولد منى وأمكن أن

يكون صادقا عرض الولد على القافة، فإذا ألحقوه بأحدهما لحقه. وكل موضع الحق الولد بالثاني، فليس للزوج الاول أن يمنعها من أن تسقيه اللبا لانه لا يعيش الا بذلك. فذا سقته اللبا - فان لم توجد امرأة ترضعه وتكفله - لم يكن له منعها من ذلك لان يؤدى إلى اتلافه. وان وجد له امرأة ترضعه وتكفله كان له منعها لانها متطوعة بارضاعه، وللزوج منع زوجته من فعل التطوع كالصلاة والصوم فلان يمنعها من الرضاع أولى فان أرضعته في موضع منعناها من ارضاعه فيه، فان أرضعته في بيت زوجها فلها النفقة عليه، لانها في قبضته. وان أخرجت من منزله إلى غيره بغير اذنه وأرضعته سقطت نفقتها لانها ناشزة، وان خرجت إلى غيره باذن زوجها وأرضعته - فان كان زوجها معها لم تسقط نفقتها - وان لم يكن معها ففيه وجهان بناء على القولين في السفر باذنه (فرع) وان تربصت امرأة المفقود وفرق الحاكم بينهما وتزوجت بآخر بعد انقضاء عدتها، ودخل بها ثم مات الثاني، وبان أن زوجها الاول كان حيا عند نكاحها للثاني وأن الاول مات بعد ذلك - فان قلنا بقوله القديم، وأن الحكم بالفرقة صحيح ظاهرا وباطنا - فقد بانت من الاول، ونكاح الثاني صحيح، وقد بانت عنه بموته واعتدت عنه، ولا تأثير لحياة الاول وان قلنا بقوله الجديد ان الحكم بالفرقة لا يصح أو قلنا تقع الفرقة في الظاهر دون الباطن، فعلى هذا نكاح الثاني باطل وعليها العدة بموت الاول أربعة أشهر وعشرا. وعليها عدة وطئ الشبهة للثاني ثلاثة أقراء، ولا يصح أن تعتد من أحدهما الا بعد أن يفرق بينها وبين الثاني، وفيه ثلاث مسائل (احداهن) أن يعلم موت كل واحد من الزوجين في وقت بعينه، ويعلم غير ذلك الزوج. (الثانية) أن يعلم أن أحدهما مات في وقت بعينه ولم يعلم وقت موت الآخر (الثالثة) أن لا يعلم موت كل واحد منهما بعينه (فأما الاولة) وهو إذا علم موت كل واحد منهما في وقت بعينه ففيه مسألتان احداهما أن يعلم أن الاول مات في أول شهر رمضان، والثانى مات في أول شوال

فيجب عليها أن تعتد ههنا عن الاول أربعة أشهر وعشرا، وابتداؤها من أول شوال بعد زوال فراش الثاني، لانه لا يمكن أن تكون فراشا للثاني معتدة عن الاول، فإذا انقضت عدتها عن الاول اعتدت عن الثاني بثلاثة أقراء لان عدة الاول أسبق فقدمت، ولانها أقوى لانها وجبت بسبب مباح والثانية وجبت بسبب محظور. وإن مات الثاني في أول رمضان والاول في أول شوال، فإن الثاني لما مات شرعت في عدته، وان كانت زوجة الاول، لان النكاح يتأبد فراشه فلا يمكن قطعه لاجل العدة، بخلاف الفراش في النكاح الثاني فإنه لا يتأبد، فلذلك وجب قطعه للعدة ولم تصبح العدة مع وجوده فإن مات الاول في أثناء عدة الثاني انتقلت إلى عدة الاول لانها آكد، فإذا أكملت عدة الاول أربعة أشهر وعشرا أكملت عدة الثاني بالاقراء (المسألة الثانية) أن يعلم أن أحدهما مات في وقت بعينه ولم يعلم وقت موت الآخر: مثل أن يعلم أن الثاني مات في أول شوال، ثم جاء الخبر أن الاول حى في بلد كذا ومات فلم يعلم وقت موته، فانه يقال أقل وقت يمكن أن يصل فيه الخبر من الموضع الذي كان فيه كم هو؟ فان قيل مثلا عشرة أيام، جعل في التقدير كأنه مات قبل مجئ خبره بعشرة أيام، فان وافق ذلك وقت موت الثاني بأن كان الخبر ورد لعشر خلون من شوال فقد اتفق موتهما في وقت واحد، فتعتد عن الاول بأربعة أشهر وعشر، وتعتد بعد ذلك عن الثاني بثلاثة أقراء، وإن تقدم موت الثاني أو تأخر عنه فالحكم فيه على ما ذكرناه في المسألة الاولة (المسألة الثالثة) أن لا يعلم وقت موت كل واحد منهما بعينه، مثل أن يعلم أن أحدهما مات في أول شهر رمضان، والآخر مات في أول شوال ولا يعلم أيهما مات أولا، فيجب عليها بيقين، هذا إذا لم تحبل من الثاني، فإذا حبلت من الثاني ثم ظهر موت الاول فان الولد لاحق بالثاني، لانها قد اعتدت عن الاول واستبرأت رحمها منه. وقد مات الاول قبل أن يدعيه فلم يلحق به،

باب نفقة الاقارب والرقيق والبهائم

فتعتد بوضع الحمل عن الثاني، فإذا وضعته اعتدت عن الاول بأربعة أشهر وعشر، ومتى تبتدئ بها؟ فيها وجهان (أحدهما) من حين انقطاع دم النفاس، لان دم النفاس تابع للحمل من الاول فهو كمدة الحمل. (والثانى) وهو المذهب أن ابتداءها من بعد وضع الحمل، لان هذا عدة من وفاة، وعدة الوفاة لا يراعى فها الدم وزواله، ولان وقت دم النفاس ليس من عدة الثاني فاحتسب به من عدة الاول وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (باب نفقة الاقارب والرقيق والبهائم) والقرابة التى تستحق بها النفقة قرابة الوالدين وإن علوا، وقرابة الاولاد وإن سفلوا، فتجب على الولد نفقة الاب والام، والدليل عليه قوله تعالى " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " ومن الاحسان أن ينفق عليهما. وروث عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " ويجب عليه نفقة الاجداد والجدات، لان اسم الوالدين يقع على الجميع. والدليل عليه قوله تعالى " ملة أبيكم إبراهيم " فسمى الله تعالى ابراهيم أبا وهو جد، ولان الجد كالاب، والجدة كالام في أحكام الولادة، من رد الشهادة وغيرها، وكذلك في إيجاب النفقة ويجب على الاب نفقة الولد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يارسول الله عندي دينار؟ فقال انفقه على نفسك. قال عندي آخر؟ فقال أنفقه على ولدك، قال عندي آخر، فقال أنفقه على أهلك. قال عندي آخر، قال أنفقه على خادمك. قال عندي آخر. قال أنت أعلم به " ويجب عليه نفقة ولد الولد وان سفل، لان اسم الولد يقع عليه، والدليل عليه قوله عز وجل " يا بنى آدم " وتجب على الام نفقة الولد لقوله تعالى " لاتضار والدة بولدها " ولانه إذا وجبت على الاب وولادته من جهة الظاهر

فلان تجب على الام وولادتها من جهة القطع أولى وتجب عليها نفقة ولد الولد لما ذكرناه في الاب، ولا تجب نفقة من عدا الولدين والمولودين من الاقارب كالاخوة والاعمام وغيرهما، لان الشرع ورد بإيجاب نفقة الوالدين والمولودين ومن سواهم لا يلحق بهم في الولادة وأحكام الولادة، فلم يلحق بهم في وجوب النفقة. (الشرح) نبدأ بأشرف ما في الفصل من كلام ربنا تبارك وتعالى، فقوله تعالى " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وباوالدين إحسانا " أي أمر وألزم وأوجب. قال ابن عباس والحسن وقتادة: ليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر. وقال ابن تيمية: القضاء قضاءان، قضاء كونى وقضاء شرعى، والقضاء الشرعي كقوله تعالى " وقضى ربك " وفي مصحف ابن مسعود " ووصى " وهى قراءة، وقرأه ابن عباس وأبى قال ابن عباس إنما هو " ووصى " فالنصف إحدى الواوين فقرئت " وقضى " إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد. وأنكر أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك وقال: لو قلنا ذلك لطعن الزنادقة في مصبحفنا قلت: بخ بخ لابي حاتم، إذ كيف تلتصق الواو في جميع المصاحف بالصاد فتتحول من ووصى إلى وقضى. قال علماء الكلام: القضاء يستعمل في اللغة على وجوه، فالقضاء بمعنى الامر كقوله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " والقضاء بمعنى الخلق كقوله تعالى " فقضاهن سبع سموات في يومين " والقضاء بمعنى الحكم كقوله تعالى " فاقض ما أنت قاض " والقضاء بمعنى الفراغ كقوله قضي الامر الذي فيه تستفتيان " وقوله تعالى " فإذا قضيتم مناسككم " وقوله فإذا قضيت الصلاة " والقضاء بمعنى الارادة: كقوله تعالى " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " والقضاء بمعنى العد كقوله تعالى " وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر " وأما قوله تعالى " ملة أبيكم ابراهيم " قال القرطبى: وابراهيم هو أبو العرب قاطبة. وقيل الخطاب لجميع المسلمين وإن لم يكن الكل من ولده، لان حرمة

ابراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد. يدل على ذلك قوله " هو سماعكم المسلمين من قبل " قال ابن زيد، وهو معنى قوله " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " قال ابن زيد والحسن " هو " راجع إلى ابراهيم. والمعنى هو سماكم المسلمين من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قال النحاس وهذا القول مخالف لقول عظماء الامة. وروى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: سماكم الله تعالى المسلمين من قبل، أي في الكتب المتقدمة وفي هذا القرآن وأما قوله تعالى " يا بنى آدم " قال القرطبى هو خطاب لجميع العالم. وأما قوله تعالى " لاتضار والدة بولدها " قال ابن بطال يجوز أن يكون معناه لاتضار على تقاعل، وهو أن ينزع ولدها منها ويدفع إلى مرضعة أخرى، ويجوز أن يكون معناه لاتضار الام الاب فلا ترضعه. أي لا تأبى الام أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي " تضار " بفتح الراء المشددة، وموضعه الجزم على النهى. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان عن عاصم وجماعة " تضار " بالرفع عطفا على قوله " تكلف نفس " وهو خبر والمراد به الامر وروى عن عمر بن الخطاب أنه قرأ " لاتضار " براءين من الاولى مفتوحة. وروى عن أبن عباس " لاتضار ر " بكسر ما قبل آخره وهى الراء الاولى وأما حديث عائشة فقد مضى في الفرائض، وقد ساقه الذهبي في سير أعلام النبلاء وفيه " إن أطيب ما أكل الرجل من كسب يمينه " وقد أخرجه أبو داود والحاكم بلفظ " ولد الرجل من أصيب كسبه، فكلوا من أموالهم " وإسناده صحيح وأما حديث أبى هريرة فقد أخرجه الشافعي وأبو داود واللفظ له وأخرجه النسائي والحاكم بتقديم الزوجة على الولد، وفي صحيح مسلم من رواية جابر تقديم الزوجة على الولد من غير تردد. وقال الحافظ بن حجر: اختلف على يحيى القطان والثوري، وفقدم يحيى الزوجة على الولد. وقدم سفيان الولد على الزوجة، فينبغي ان لا يقدم أحدهما على

الآخر بل يكونا سواء، لانه قد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا تكلم تكلم ثلاثا، فيحتمل أن يكون في إعادته قدم الولد مرة، ومرة قدم الزوجة، فصارا سواء. قال الصنعانى في سبيل السلام: هذا حمل بعيد، فليس تكريره لما يقوله ثلاثا بمطرد، بل عدم التكرير غالب، وإنما يكرر إذا لم يفهم عنه. ومثل هذا الحديث جواب سؤال لا يجرى فيه التكرير لعدم الحاجة إليه لفهم السائل للجواب، ثم رواية جابر التى لا تردد فيها تقوى رواية تقديم الاهل اه أما الاحكام فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي كِتَابِ الله وسنة رسوله عليه السلام بيان أن على الاب أن يقوم بالمنونة في إصلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة اه وجملة ذلك أنه يجب على الاب أن ينفق على ولده، والاصل فيه قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) فمنع الله قتل الاولاد خشية الاملاق وهو الفقر، فلولا أن نفقة الاولاد عليهم لما خافوا الفقر. وقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فأوجب أجرة رضاع الولد على الاب، فدل على أن نفقته تجب عليه وحديث أبى هريرة عن الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندي دينار والرسول يجبيه فيقول عندي آخر وأخذ يردد الاسئلة، وقد خرجناه آنفا وكذلك حديث هند بنت عتبة أن أبا سفيان رجل شحيح. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولان الولد بعض من الاب فكما يلزمه أن ينفق على نفسه فكذلك يلزمه أن ينفق على ولده، فإن لم يكن هناك أب أو كان ولكنه معسر وهناك جد موسر وجبت عليه نفقة ولد الولد وإن سفل. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تجب نفقة ولد الولد على الجد. دليلنا قوله تعالى " يا بنى آدم " فسمى الناس بنى آدم، وإنما هو جدهم. وكذلك قوله تعالى " واتبعت ملة آبائى ابراهيم واسماعيل وإسحاق " فسماهم آباء، وإنما هم أجداد، أو لان بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة وجبت النققة على الام، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ،

وقال مالك " لا تجب النفقة على الام " وقال أبو يوسف ومحمد " تجب على الام ولكن ترجع بها على الاب إذا أيسر دليلنا على مالك أن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأوجبت النفقة كالابوة، ولان النفقة إذا وجبت على الجد وولادته من طريق الظاهر، فلان تجب على الام وولادتها من طريق القطع أولى فلم ترجع ودليلنا على أبى يوسف ومحمد أنها نفقة واجبة على من تيقن نسبه فلم يرجع بها كالجد لا يرجع بما أنفق على الاب، وقولنا على من تيقن نسبه احتراز ممن ولد على فراشين وأشكل الاب منهما، فإن لم يكن هناك أم وهناك أبو أم أو أم أم وجبت عليه نفقة ولد الولد وإن سفل، فتجب نفقة الولد على من يقع عليه اسم الاب أو الام حقيقة أو مجازا، سواء كان من قبل الاب أو الام، ويشترك في وجوبها العصبات وذووا الارحام، لانها تتعلق بالقرابة من جهة الولادة، فاستوى العصبات وذوو الارحام، لانها تتعلق بالقرابة من جهة الولادة، فاستوى للعصبات وذوو الارحام من جهة الوالدين، كما قلنا في منع الشهادة والقصاص والعتق.* * * قوله: فتجب على الولد الخ، فجملة ذلك أنه يجب على الولد نفقة الاب لقوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وقوله تعالى " وصاحبهما في الدينا معروفا " ومن الاحسان والمعروف أن ينفق عليه وروى ابن المنكدر " أن رجلا قال: يارسول الله إن لى مالا وعيالا ولابي مال وعيال ويريد أن يأخذ من مالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لابيك " وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه " وروت عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إن أولادكم هبه من الله لكم يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها "

وساق العمرانى رواية نسوقها لطرافتها، ولنا عليها نظر (1) . قال روى عن جابر أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقال: يارسول الله إن أبى يأخذ مالى فينفقه فقال الاب: إنما أنفقه يارسول الله على إحدى عمله أو إحدى خالاته، فهبط جبريل وقال: يارسول الله سل الاب عن شعر قاله، فسأله النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فقال الاب إن الله وله الحمد يزيدنا بك بيانا يارسول الله كل يوم لقد قلت هذا الشعر في نفسي فلم تسمعه أذناى ثم أنشأ يقول: غدوتك مولودا وعلتك يافعا تعل بما أدنى اليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكوى لم أبت لشكوك إلا ساهرا أتملل كأنى أن المطروق دونك بالذي طرقت به دوني وعينى تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ماكنت فيك أؤمل جعلت جزائي منك جبها وغلظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتى فعلت كما الجار المجاور يفعل تراه معدا للخلاف كأنه يرد على أهل الصواب موكل اه (فرع) ويجب على الولد نفقة الام. وقال مالك لا يجب. دليلنا ما ذكرناه من القرآن والسنة آنفا. وما روياه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقال يارسول الله من أبر؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، إلى أن قال في الرابعة ثم أباك. ومن البر أن تتفق عليها. ولانها تعتق عليه إذا ملكها، ولا يجب عليها القصاص بجنايتها عليه، ولا تقبل شهادته لها. فوجبت لها النفقة عليه كالاب، وتجب على الولد نفقه الاجداد والجدات وإن علوا من قبل الاب والام. وبهذا قال أحمد والثوري وأصحاب الرأى

_ (1) ذلك أن أبا القاسم الطبراني قد رواها بإسناد فيه نظر. وقد روى هذه الابيات أبو تمام في ديوان الحماسة عزاها لامية بن أبي الصلت في ابنه. وقال بعضهم هي لغيره. وقال أبو رياش هي لابي العباس الاعمى، وقال التبريزي: وتروى لابن عبد الاعلى - قال أبو هلال " أوردها أبو عبيدة في أخبار العققة والبررة ".

وقال مالك: لا تجب النفقة عليهم ولا لهم، لان الجد ليس بأب حقيقي. دليلنا أن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأوجبت النفقة كالابوه. (فرع) نفقة القرابة تجب مع اتفاق الدين ومع اختلافه، فإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا لم يمنع ذلك من وجوب النفقة، لانه حق يتعلق بالولادة فوجب مع اتفاق الدين واختلافه كالعتق بالملك، ولا تجب النفقة لغير الوالدين والمولودين من القرابة كالاخ وابن الاخ والعم وابن العم وقال أبو حنيفة تجب لكل ذي رحم محرم، فتجب عليه نفقة الاخ وأولاده والعم والعمة والخال والخالة، ولا تجب عليه نفقة أولاد العم ولا أولاد الخال ولا أولاد الخالة. وتفصيل قول أحمد أنه تجب عليه نفقة كل من كان وارثا كالاخ وابن الاخ والعم وابن العم ولا تجب عليه نفقة ابنة الاخ والعمة وابنة العمة وابنة العم. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تجب عليه نفقة كل قريب معروق النسب منه ودليلنا حديث أبى هريرة في الرجل الذى معه دينار وآخر حتى قال أنت أعلم، ولم يأمره أن ينفقه على أقاربه، فدل على أنها لا تجب عليه نفقه أقاربه، فإن قيل فلم يذكر الولد ومع ذلك فنفقته واجبه. قلنا قد نص على نفقة الولد فنبه بذلك على نفقة الوالد، لانه أكد حرمة من الولد، ولان من سوى الوالدين والمولودين من القرابة لا يلحق بهم في الحرمه فلم يلحق بهم بوجوب نفقتهم، ولانها قرابة لا تستحق بها نفقه مع اختلاف الدين فلم يستحق بها نفقة مع اتفاق الدين كابن العم مع أبى حنيفه وكغير الوارث مع أحمد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تجب نفقة القريب إلا على موسر أو مكتسب يفضل عن حاجته ما ينفق على قريبه، وأما من لا يفضل عن نفقته شئ فلا تجب عَلَيْهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا كَانَ أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته " فإن لم يكن فضل غير ما ينفق على زوجته لم يلزمه نفقة القريب، لحديث جابر رضى الله

عنه، ولان نفقة القريب مواساة ونفقة الزوجة عوض، فقدمت على المواساة، ولان نفقة الزوجة تجب لحاجته فقدمت على نفقة القريب كنفقة نفسه (فصل) ولا يستحق القريب النفقة على قريبه من غير حاجة، فإن كان موسرا لم يستحق لانها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة، وإن كان معسرا عاجزا عن الكسب لعدم البلوغ أو الكبر أو الجنون أو الزمانة استحق النفقة على قريبه: لانه محتاج لعدم المال وعدم الكسب. وإن كان قادرا على الكسب بالصحة والقوة - فإن كان من الوالدين - ففيه قولان (أحدهما) يستحق لانه محتاج فاستحق النفقة على القريب كالزمن. (والثانى) لا يستحق لان القوة كاليسار، ولهذا سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في تحريم الزكاة فقال " لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة قومي " وإن كان من المولودين ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالوالدين ومنهم من قال لا يستحق قولا واحدا لان حرمة الوالد آكد فاستحق بها مع القوة وحرمة الولد أضعف فلم يستحق بها مع القوة (الشرح) حديث جابر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي بلفظ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لرجل: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شئ فلاهلك، فإن فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذى قرابتك شئ فهكذا وهكذا " أما حديث " لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة قوى " فقد أخرجه النسائي عن أبى هريرة في الزكاة عن هناد بن السرى وابن ماجه فيه أيضا عن محمد بن الصباح، وأخرجه أبو داود عن عباس بن موسى الختلى في الزكاة من حديث عبد الله بن عمرو والترمذي في الزكاة عن محمد بن بشار من حديث عبد الله بن عمرو أيضا وحسنه، وذكر أن شعبة لم يرفعه، وفي إسناده ريحان بن يزيد وثقه يحيى بن معين. وقال أبو حاتم الرازي شيخ مجهول، وقال بعضهم: لم يصح إسناد هذا الحديث، وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو وقال أبو داود: الاحاديث الاخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعضها " لذى

مرة سوى، وبعضها " لذى مرة قومي " (أما اللغات: فالمره القوة والشدة. قال تعالى " ذو مرة فاستوى " والسوى الصحيح الاعضاء. وأخرجه أحمد من طريق أبى هريرة ومن طريق ابن عمر أما الاحكام فإنه لا يستحق القريب على قريبه حتى يكون المنفق منهما موسرا بنفقة قريه، وهو أن يفضل عن قوت نفسه وقوت زوجته في يومه وليلته، لحديث جابر الذي ساقه المصنف. وإنما قدمت نفقة الزوجة على نفقة القريب، لانها تجب لحاجته إليها، ونفقة القريب مواساة، فقدمت نفقتها عليها كما تقدم نفسه، ولان نفقة الزوجة تجب بحكم المعاوضة فقدمت على نفقة القريب كما يقدم الدين، فإن كان مكتسبا ما ينفق على نفسه وزوجته ويفضل عن قوت يومه وليلته لزمه أن ينفق على قرابته، لان الكسب في الانفاق يجرى مجرى الغنى. ولهذا روى أن رجلين سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهما من الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أعطيكما بعد أن أعلمكما أنه لاحظ فيها لغنى قوى ولا لقوى مكتسب " فجعل الاكتساب بمنزلة الغنى والمال. وان كان للمنفق عقار وجب بيعه للانفاق على قريبه. دليلنا أن نفقة القريب تجب فيما فضل عن قوت المنفق في يومه وليلته، والعقار يفضل عن قوت يومه وليلته فوجب بيعه للانفاق على القريب كالاب. ولا يستحق القريب النفقة على قريبه حتى يكون المنفق عليه معسرا غير قادر على الكسب لصغر أو جنون أو زمانة أو كبر - فإن كان له مال يكفيه - لم تجب نفقته على قريبه، لان ايجاب نفقة القريب على قريه مواساة، والغنى بماله لا يستحق المواساة. وإن كان له كسب وهو قادر على أن يكتسب ما يكفيه لم تجب له نفقة على قريبة، لان الكسب في باب الانفاق يجرى مجرى الغنى بالمال. وان كان صحيحا إلا أنه غير مكتسب - فإن كان من الوالدين ففيه قولان: أحدهما: تجب نفقته على الولد الموسر، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، لانه محتاج الا الانفاق فأشبه الزمن. والثانى: لا تجب نفقته على الولد لانه قادر على الاكتساب فأشبه المكتسب.

وإن كان الولد بالغا صحيحا محتاجا غير مكتسب ففيه طَرِيقَانِ. مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالوالدين. ومنهم من قال لا تجب نفقته قولا واحدا، لان حرمة الوالد آكد فاستحق مع الصحة، والولد أضعف حرمة فلا يستحق مع الصحة. هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة: إذا بلغت الابنة لم تسقط نفقتها حتى تزوج لانه لا يمكنها الاكتساب فهى كالصغيرة. ودليلنا إن كان معنى أسقط نفقة الابن أسقط نفقة الابنة كاليسار، وما ذكره فلا يصح لانه يمكنها أن تعمل كاتبة أو حائكة أو عاملة في مصانع الدواء أو مدرسة أطفال أو ما إلى ذلك من أعمال مع التصون والتحشم وطلب الرزق الحلال، وقد كانت المرأة على عهد أبى حنيفة تشتغل بالغزل وتبيعه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن كان للذي يستحق النفقة أب وجد أو جد وأبوجد وهما موسران، كانت النفقة على الاقرب منهما، لانه أحق بالمواساة من الابعد، وإن كان له أب وابن موسران ففيه وجهان (أحدهما) أن النفقة على الاب لان وجوب النفقة عليه منصوص عليه. وهو قوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ووجوبها على الولد ثبت بالاجتهاد. (والثانى) أنهما سواء لتساويهما في القرب والذكورية، وإن كان له أب وأم موسران كانت النفقة على الاب لقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) فجعل أجرة الرضاغ على الاب. وروت عائشة رضى الله عنها " أن هندا أم معاوية جاءت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يارسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطينى ما يكفيني وولدى إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل على في ذلك من شئ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف، ولان الاب ساوى الام في الولادة وانفرد بالتعصيب فقدم.

وإن كان له أم وجد أبو الأب وهما موسران فالنفقة على الجد لان له ولادة وتعصيبا فقدم على الام كالاب، وان كانت له بنت وابن بنت ففيه قولان (أحدهما) أن النفقة على البنت لانها أقرب (والثانى) أنها على ابن البنت لانه أقوى وأقدر على النفقة بالذكورية، وإن كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على ابن الابن، لان له ولادة وتعصيبا، فقدم كما قدم الجد على الام. وان كان له أم وبنت كانت النفقة على البنت، لان للبنت تعصيبا وليس للام تعصيب، وان كان له أم أم وأبو أم فهما سواء، لانهما يتساويان في القرب وعدم التعصيب، وإن كان له أم أم وأم أب ففيه وجهان (أحدهما) أنهما سواء لتساويهما في الدرجة (والثانى) أن النفقة على أم الاب لانها تدلى بالعصبة (الشرح) حديث عائشة أن هندا بنت عتبة ألخ أخرجه البخاري في النفقات عن محمد بن مقاتل وعن محمد بن يوسف، وفي الايمان والنذور عن يحيى بن بكير وفي الاحكام عن محمد بن كثير، وفي المظالم عن أبى اليمان، وفي البيوع عن أبى نعيم وفي صحيح مسلم في الاحكام عن على بن حجر وعن عبد بن حميد، وفي الاقضية عن زهير بن حرب، وأخرجه أبو داود في البيوع عن خشيش بن أصرم وعن أحمد بن يونس. وأخرجه النسائي في القضاء عن إسحاق بن ابراهيم وابن ماجه في التجارات عن أبى بكر وعلى بن محمد وأبى عمر الضرير أما الاحكام فإن كان هناك قريب يستحق النفقة واجتمع قريبان موسران كانت نفقته عليهما أو على الاقرب منهما على ما سنوضحه، فإن كان هناك ولد صغير فقير وله أبوان موسران كانت نفقته على الاب لقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فجعل أجرة الرضاع على الاب، ولقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبى سفيان " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولانهما تساويا في الولادة وانفرد الاب بالتعصيب فقدم على الام، فإن اجتمع الاب والجد وهما موسران واجمتعت الام وأمها أو الام وأم الاب وهما موسرتان قدم الاب على الجد، وقدمت الام على أمها وأم الاب لانها أقرب.

وإن اجتمعت الام والجد أبو الأب وهما موسران كانت النفقة على الجد دون الام، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو حنيفة: ينفقان عليه على قدر ميراثهما، فيكون على الام ثلث النفقة وعلى الجد الثلثان. دليلنا أنه أجتمع عصبة مع ذات رحم بنفق كل واحد منهما على الانفراد، فقدم العصبة كالاب إذا اجتمع مع الام، فإن اجتمع الجد أبو الأب وإن علا مع الجد أبى الام وهما موسران وحيث النفقة على الجد أبى الاب، لان الجد يقدم على الام، فلان يقدم على أبى الام أولى. وان اجمتعت أم الام وأبوالام وهما موسران كانت النفقة عليهما نصفين لانهما متساويان في الدرجة ولا مزية لاحدهما على الآخر في التعصيب فاستويا في الانفاق. وإن اجتمعت أم الام وأم الاب وهما موسرتان ففيه وجهان (أحدهما) تجب النفقة عليهما نصفين وهو الاصح لانهما مستويتان في الدرجة ولا مزية لاحداهما على الاخرى بالتعصيب (والثانى) تجب النفقة على أم الاب لانها تدلى بعصبة، ولان الاب لو اجمتع هو والام لقدم الاب في إيجاب النفقة فقدم من يدلى بها على من يدلى بها وهكذا الوجهان إذا اجتمعت أم الاب وأبوالام، فإن اجتمعت الام وأم الاب وهما موسرتان، قال الشيخ أبو حامد - فإن قلنا - إن أم الام وأم الاب إذا اجتمعتا - تقدم أم الاب لانها تدلى بعصبة قدمت ههنا أم الاب على الام لانها كالعصبة، وإن قلنا هناك: إنهما سواء، قدمت الام على أم الاب لانها أقرب منها. (فرع) وإن كان الرجل فقيرا زمنا وله أب وابن موسران ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تجب نفقته على الاب لان وجوب النفقة على الاب منصوص عليها في القرآن، ووجوب النفقة على الابن مجتهد فيها (والثانى) أن نفقته على الابن لانه أقوى تعصيبا من الاب (والثالث) تجب نفقته عليهما لانهما متساويان بالدرجة منه والتعصيب. فإذا قلنا بهذا فهل يجب عليهما نصفين أو تعتبر بميراثهما منه؟ فيه وجهان. قال العمرانى " الاصح أنهما عليهما نصفان "

وان اجتمع ابن وجد فمن أصحابنا من قال: هو كما لو اجتمع الابن والاب. ومنهم من قال تجب على الابن وجها واحدا لانه أقرب، وان كان فقيرا زمنا وله إبنان موسران وبنتان موسرتان وجبت نفقته بينهما نصفين، لانه لامزية لاحدهما على الآخر. وإن كان له ابن وابنة موسرة فقال الماوردى، قال أصحابنا البغداديون تجب جميع النفقة على الابن، لانهما متساويان في الدرجة، وللابن مزية بالتعصيب فقدم في وجوب النفقة عليه كالاب إذا اجتمع مع الام. وقال الخراسانيون من أصحابنا تجب النفقة عليهما؟ فيه وجهان (أحدهما) قال المسعودي وهو الاصح تجب عليهما نصفين، وبه قال أبو حنيفة (والثانى) تجب عليهما على قدر ميراثهما، فيجب على الابن ثلثا النفقة وعلى الابنة ثلثها، وبه قال أحمد إذا ثبت هذا فذكر ابن الصباغ إذا كان له ابن ذكر وخنثى مشكل موسران فإن النفقة على الابن لان الخنثى يجوز أن تكون أنثى فلا تجب عليه النفقة. فإن بان الخنثى رجلا رجع عليه ابن بنصف ما أنفق، لانه بان أنه كان مستحقا عليه وهذا على طريقة أصحابنا البغداديين. فأما على طريقة الخراسانيين فكم يجب على الخنثى؟ فيه وجهان أحدهما النصف وهو الاصح، فعلى هذا لافرق بين أن يبين أنه رجل أو امرأة والثانى يجب عليه بمقدار ميراثه، فعلى هذا يجب عليه الثلث وعلى الذكر النصف ويبقى سدس النفقة. فإن قال أحدهما أدفع السدس لارجع به على من بان أنه عليه: جاز. وان يدفعه أحدهما برضاه دفعاه بينهما نصفين، فإذا حال الخنثى رجع من بان أنه غير مستحق عليه بما دفع منه. قال ابن الصباغ، وان كان له بنت وخنثى مشكل ففيه وجهان. أحدهما تجب النفقة على الخنثى لجواز ان يكون رجلا، فإذا أنفق ثم بان أنه رجل لم يرجع على أخته بشئ، وان بان أنه أنثى رجعت على أختها بنصف ما أنفقت. والثانى ان النفقة بينهما نصفان، قال وهو الاقيس، لانا لا نعلم كونه رجلا فإن بان أنه ذكر رجعت عليه البنت بما أنفقت، وان بان أنه أنثى لم ترجع عليها

أختها بشئ. وهذا على طريقة أصحابنا البغداديين. وأما على طريقة الخراسانيين فعلى أصح الوجهين تجب النفقة عليهما نصفين، ولا يرجع الخنثى بما أنفق على أخته بشى، سواء بان رجلا أو امرأة، وعلى الوجه الذي يقول يجب النفقة عليهما على قدر ميراثهما يجب على كل منهما ثلث النفقة ويبقى الثلث. فإن اختار أحدهما أن ينفقه ليرجع به على من بان عليه جاز، وان لم يختر أحدهما دفعه دفعاه بينهما، فيدفع كل منهما نصف النفقة، فإن بان الخنثى امرأة لم ترجع إحداهما على الاخرى بشى، وإن بان رجلا رجعت عليه المرأة بثلث ما دفعت (فرع) وإن كان له ثلاثة أولاد: ذكر وخنثيان، فعلى طريقة أصحابنا البغداديين تجب النفقة على الذكر، فإن بان الخنثيان امرأتين لم يرجع عليهما بشئ وإن بانا رجلين رجع على كل واحد منهما بثلث ما أنفق، وإن بان أحدهما رجلا والآخر امرأة رجع على الرجل بنصف ما أنفق، وعلى طريقة الخراسانيين تجب النفقة على الجميع، وكيف تجب عليه. فيه وجهان أحدهما - وهو الاصح عندهم - تجب بينهم بالسوية، فعلى هذا لا تراجع بينهم بحال. والثانى تجب بينهم على قدر مواريثهم، فعلى هذا يجب على الرجل ثلث النفقة، وعلى كل واحد من الخنثيين خمس النفقة لان ذلك هو اليقين. قال القاضى أبو الفتوح من أصحابنا ونقله صاحب البيان: ويبقى من الفقة ربعها تفريض عليهم، قال وهذا غلط بل تبقى من النفقة أربعة أسهم من خمسة عشر سهما. فإن قال أحدهم: أدفعها على أن أرجع بها على من بانت عطيه عنده ودفعها، كان له الرجوع على من بانت عنده: وإن لم يرض أحدهم بدفعها قسمت عليهم أثلاثا فتقسم النفقة على خمسة وأربعين سهما فيدفع الذكر منها سبعة عشر سهما ويدفع كل خنثى ثلاثة عشر سهما. فإن بانا امرأتين رجعا على الذكر بتمام النصف، فترجع عليه كل واحدة منهما بسهم وثلاثة أرباع سهم مما دفعت، وان بانا رجلين رجع الذكر على كل واحد منهما بسهمين وهو تمام الثلث. وإن بان أحدهما ذكرا والآخر امرأة رجعت المرأة على الذي بان رجلا بأربعة أسهم ورجع الذكر عليه بسهم

(فرع) فإن كان لرجل بنت وولدان خنثيان مشكلان فعلى طريقة أصحابنا البغداديين في النفقة وجهان. (أحدهما) أن جميع النفقة على الخنثيين، فإن بانا رجلين فلا رجوع لهما وإن بانا امرأتين رجعتا كل واحدة منهما على أختها التي لم تنفق معها ثلث ما أنفقت. وإن بان أحدهما رجلا والآخر امرأة رجعت التي بانت امرأة على الذي بان رجلا بجميع ما أنفقت والوجه الثاني: أن النفقة تجب عليهم أثلاثا - فإن بانا امرأتين فلا تراجع وإن بانا رجلين رجعت البنت بما أنفقت عليهما نصفين، وإن بان أحدهما رجلا والآخر امرأة رجع المرأتان على الذي بان رجلا بجميع ما أنفقاه. وعلى طريقة الخراسانيين يقول العمرانى في البيان والماوردي في الحاوى وابن الصباغ في الشامل يكون في النفقة أيضا وجهان. أحدهما - وهو الاصح عندهم - أن النفقة تجب على الجميع بالسوية. فعلى هذا لا تراجع بينهم بحال (والثانى) تجب بينهم على قدر مواريثهم، فعلى هذا تجب على البنت خمس النفقه وهي أربعة من عشرين، وعلى كل واحد من الخنثيين ربع النفقه وهو خمسة من عشرين، لان هذا هو اليقين وتبقى ستة أسهم إن دفعها أحدهم ليرجع بها على من بانت عنده جاز والا قسمت عليهم أثلاثا، فإن بانا امرأتين رجع كل واحد من الخنثيين على البنت بثلث سهم. وإن بانا رجلين رجعت البنت على كل واحد منهما بسهم وإن بان أحدهما رجلا والآخر أمرأة رجعت البنت الاصلية عليه بسهم ورجعت عليه البنت الخنثى بسهمين، والمشهور طريقة البغداديين (فرع) وان كان له بنت وابن بنت موسران فحكى الشيخ المصنف هنا أن فيه قولين، وحكاهما ابن الصباغ عن القاضى أبى حامد وجهين (أحدهما) تجب النفقه على البنت لانهما يستويان في عدم التعصيب والبنت أقرب فكانت أولى بالايجاب عليها. (والثانى) تجب على ابن البنت لانه أقدر على النفقه بالذكوريه، وان كان له بنت ابن وابن بنت ففيه ثلاثة أوجه حكاها ابن الصباغ (أحدها) تجب النفقه على بنت الابن لانها تدلى بعصبة وقد تكون عصبه مع أختها

(والثانى) تجب النفقة على ابن البنت لانه أقوى على النفقة بالذكورية (والثالث) تجب النفقة عليهما بالسوية لانهما متساويان في الدرجة وعدم التعصيب. وإن كان له أم وبنت موسرتان كانت النفقة عليهما بالسوية لانهما متساويان في الدرجة وعدم التعصيب، وإن كان له أم وبنت موسرتان كانت النفقة على البنت. وقال أبو حنيفة وأحمد: يكون على الام ربع النفقة والباقى على البنت. (فرع) وإن كان له قريبان موسران أحدهما أبعد من الآخر فحضر الابعد وغاب الاقرب - قال المسعودي - وجب على الحاضر أن ينفق، فإذا حضر الاقرب فهل يرجع عليه بما أنفق؟ فيه وجهان الاصح له أن يرجع عليه، وهذا إذا لم يوجد للغائب مال ينفق عليه منه. وإن كان له مال حاضر أنفق عليه منه، وإن لم يكن له مال - وأمكن أن يقترض الحاكم عليه من بيت المال أو من إنسان - اقترض عليه ووجب عليه القضاء إذا حضر، وإن لم يمكن كان على الحاضر أن ينفق فإن بان أن الغائب كان معسرا أو ميتا وقت النفقة لم يرجع عليه بشئ بل تكون نفقته على الحاضر. وهكذا إن كان له ابنان موسران فحضر أحدهما وغاب الآخر كان على الحاضر نصف الفقة، فإن كان للغائب مال أنفق منه نصف النفقة، وإن لم يكن له مال وأمكن أن يفترض عليه من بيت المال أو من إنسان افترض عليه الحاكم. وإن لم يمكن ذلك قال ابن الصباغ لزم الحاضر أن يفترض لان نفقته عليه إذا انفرد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان الذي تجب عليه النفقة يقدر على نفقة قريب واحد وله أب وأم يستحقان النفقة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن الام أحق لما روى " أن رجلا قال يارسول الله من أبر؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أباك " ولانها تساوى الاب في الولادة وتنفرد بالحمل والوضع والرضاع والتربية (والثاني) أن الاب أحق لانه يساويها في الولادة وينفرد بالتعصيب.

ولانهما لو كانا موسرين والابن معسرا قدم الاب في وجوب النفقة عليها فقدم في النفقة له. (والثالث) أنهما سواء، لان النفقة بالقرابه لا بالتعصيب، وهما في القرابة سواء، وإن كان له أب وابن ففيه وجهان، أحدهما أن الابن أحق لان نفقته ثبتت بنص الكتاب. والثانى أن الاب أحق لان حرمته آكد، ولهذا لايقاد بالابن ويقاد به الابن، وإن كان له ابن وابن ابن أو أب وجد، ففيه وجهان (أحدهما) أن الابن أحق من ابن الابن والاب أحق من الجد لانهما أقرب، ولانهما لو كانا موسرين وهو معسر كانت نفقته على أقربهما، فكذلك في نفقته عليهما (والثانى) أنهما سواء لان النفقة بالقرابه، ولهذا لا يسقط أحدهما بالآخر إذا قدر على نفقتهما. (فصل) ومن وجبت عليه نفقته بالقرابه وجبت نفقته على قدر الكفايه لانها تجب للحاجة فقدرت بالكفاية، وان احتاج إلى من يخدمه وجبت نفقه خادمه، وان كانت له زوجة وجبت نفقة زوجته، لان ذلك من تمام الكفايه وان مضت مدة ولم ينفق على من تلزمه نفقته من الاقارب لم يصر دينا عليه، لانها وجبت عليه لنزجية الوقت ودفع الحاجه، وقد زالت الحاجة لما مضى فسقطت. (الشرح) الحديث أخرجه أحمد والبخاري ومسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بلفظ " قال رجل: يارسول الله أي الناس أحق منى بحسن الصحبه؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك: قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك " ولمسلم في روايه " من أبر؟ قال أمك " وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قال " قلت يارسول الله من أبر؟ قال أمك قال قلت ثم من؟ قال أمك: قال قلت يارسول الله ثم من؟ قال أمك: قال قلت ثم من؟ قال أباك ثم الاقرب فالاقرب " وأخرجه أيضا الحاكم وحسنه أبو داود عن بهز أيضا، ويؤخذ على المصنف قوله " لما روى " لما لم يسم فاعله وهي صيغة

التمريض التي أخذها عليه النووي وأخذناها عليه اتباعا للنووي في غير ما موضع من المجموع لان الحديث متفق عليه ولا يسوغ التعبير عنه يروى أما الاحكام فإن كان من تجب عليه النفقة له قريبان معسران فإن فضل عن قوت يومه وليلته وما يكفيهما لزمه أن ينفق عليهما، وإن لم يفضل عن قوته إلا ما يكفى أحدهما بأن كان له أبوان معسران ولا يجد إلا نفقة أحدهما ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تقدم الام لحديث أبى هريرة وبهز بن حكم الذي ساقه المصنف في الفصل وقد كرر الام ثلاثا وقال في الرابعة أباك، ولان الام عورة ليس لها بطش والاب ليس بعورة فكان تقديم الام أولى (والثانى) أن الاب يقدم لانهما متساويان في الولادة وانفرد الاب بالتعصيب فكان أولى، كما لو تقدم بدرجة، ولانهما لو كانا موسرين وهو معسر لكانت نفقته على الاب فوجب أن يقدم الاب في وجوب تقديم نفقته، كما يقدم في وجوب نفقة الابن عليه (والثالث) أنهما سواء فيسقط ذلك بينهما لاسوائهما في الولادة والادلاء (فرع) وإن كان له أب وابن معسران ولا يقدر على نفقة أحدهما، فاختلف أصحابنا، فقال الشيخ أبو حامد: إن كان الابن طفلا أولى بالتقديم لانه ناقص الخلقة والاحكام، والاب إما أن يكون زمنا أو مجنونا فيكون ناقص الخلقة أو ناقص الاحكام دون الخلقة، فإن تساويا بأن يكون بالغا زمنا فيكون ناقص الخلقة دون الاحكام أو مراهقا صحيحا فيكون ناقص الخلقة والاب زمن أو مجنون ففيه وجهان (أحدهما) أن الابن أحق بالتقديم، لان وجوب نفقة الابن ثبت بنص القرآن، ووجوب نفقة الاب على الابن مجتهد فيه (والثانى) أن الاب مقدم لان حرمته آكد من حرمة الابن، بدليل أن الاب لايقاد من ابنه والابن يقاد بالاب، قال الشيخ أبو إسحاق: فيه وجهان من غير تفصيل. أحدهما الابن أولا. والثانى الاب أولا. وذكر العمرانى وجها ثالثا أنهما سواء فقسم بينهما لاستوائهما في الدرجة (فرع) وان كان له أب وجد معسران ولا يقدر على نفقة أحدهما ففيه وجهان

(أحدهما) يقدم الاب لانه أقرب، ولانه يقدم في وجوب النفقة عليه فقدم في وجوب النفقة له (والثانى) أنهما سواء فيقسم بينهما لان الاب لايمنع وجوب نفقة الجد وضاق ما في يد الجد عن نفقتها فيقسم ما بينهما كالدينين، وهكذا إذا اجتمع ابن وابن ابن أو أم وأم أم ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما فعلى وجهين (مسألة) قوله: ومن وجبت عليه نفقته بالقرابة الخ - فجملة ذلك أنه إذا وجبت عليه نفقة القريب فإنها تجب غير مقدرة، بل يجب له ما يكفيه لانها تجب للحاجة فتقدرت بالكفاية، وان احتاج القريب إلى من يخدمه وجبت عليه نفقة خادمه، وإن كانت له زوجة وجبت عليه نفقتها، لان ذلك من تمام الكفاية. ويجب عليه الكسوة لان كل من وجبت عليه نفقة شخص وجبت عليه كسوته كالزوجة، وإن احتاج إلى مسكن وجب عليه سكناه لانه عليه كفايته، وذلك من كفايته، وإن مضت مدة ولم ينفق فيها على قريبه سقطت بمضي الزمان لانها تجب للحاجة وقد زالت الحاجة. (فرع) وإن وجبت عليه نفقة زوجته أو قريبه فامتنع من إخراجها أو هرب فإن الحاكم ينظر في ماله - فإن كان فيه من جنس النفقة - دفع النفقة منه. وان كان من غير جنس النفقه - فإن كانت الدراهم والدنانير اشترى منها الحاكم الطعام والادام وصرفه إلى من وجبت نفقته، وان وجد له متاعا باعه عليه. وقال أبو حنيفة: لا يباع عليها المتاع والعقار الا في موضع واحد. وهو إذا جاء الرجل إلى الحاكم وقال: ان لفلان الغائب عندي سلعة أو عقارا وهذه زوجته لم ينفق عليها - فإن الحاكم يبيع عليه السلعة والعقار وينفق على زوجته من ثمن ذلك. دليلنا أن ما جاز بيع الناض فيه بغير اذن من عليه الحق جاز بيع المتاع والعقار فيه بغير اذنه كنفقة الزوجه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان له أب فقيرا مجنونا أو فقيرا زمنا، واحتاج إلى

الاعفاف وجب على الولد إعفافه على المنصوص، وخرج أبو علي بن خيران قولا آخر أنه لا يجب لانه قريب يستحق النفقة، فلا يتسحق الاعفاف كالابن والمذهب الاول، لانه معنى يحتاج الاب إليه ويلحقه الضرر بفقده، فوجب كالنفقة، وإن كان صحيحا قويا وقلنا إنه تجب نفقه وجب إعفائه وإن قلنا لا تجب نفقته ففي إعفافه وجهان (أحدهما) لا يجب، لانه لا تجب نفقه فلا يجب إعفافه (والثانى) وهو قول أبى إسحاق أنه يجب إعفافه، لان نفقته ان لم تجب على القريب أنفق عليه من بيت المال، والاعفاف لا يجب في بيت المال فوجب على القريب. ومن وجب عليه الاعفاف فهو بالخيار بين أن يزوجه بحرة وبين أن يسريه بجارية، ولايجوز أن يزوجه بأمة لانه بالاعفاف يستغنى عن نكاح الامة، ولا يعفه بعجوز ولا بقبيحة، لان الاصل من العفة هو الاستمتاع، ولا يحصل ذلك بالعجوز ولا القبحة، فإن زوجه بحرة أو سراه بجارية ثم استغنى لم يلزمه مفارقة الحرة، ولا رد الجارية، لان ما استحق للحاجة لم يجب رده بزوال الحاجة، كما لو قبض نفقة يوم ثم أيسر وإن أعفه بحرة فطلقها أو سراه بجارية فأعتقها لم يجب عليه بدلها، لان ذلك مواساة لدفع الضرر، فلو أوجبا البدل خرج من حد المواساة وأدى إلى الضرر والضرر لا يزال بالضرر. إن ماتت عنده ففيه وجهان (أحدهما) لا يجب البدل لانه يخرج عن حد المواساة (والثانى) يجب لانه زال ملكه عنها بغير تفريط فوجب بدله، كما لو دفع إليه نفقة يوم فسرقت منه (فصل) وان احتاج الولد إلى الرضاع وجب على القريب ارضاعه، لان الرضاع في حق الصغير كالنفقة في حق الكبير، ولا يجب الا في حولين كاملين، لقول تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " فإن كان الولد من زوجته وامتنعت من الارضاع لم تجبر. وقال أبو ثور: تجبر لقوله تعالى " والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " وهذا خطأ لانها إذا لم تجبر على نفقة الولد مع وجود الاب لم تجبر على الرضاع، وإن أرادت ارضاعه كره للزوج منعها، لان لبنها

أوفق له، وان أراد منعها منه كان له ذلك، لانه يستحق الاستمتاع بها في كل وقت الا في وقت العبادة، فلا يجوز لها تقويته عليه بالرضاع وان رضيا بإرضاعه فهل تلزمه زيادة على نفقتها؟ فيه وجهان (أحدهما) تلزمه، وهو قول أبى سعيد وأبى اسحاق، لانها تحتاج في حال الرضاع إلى أكثر مما تحتاج في غيره (والثانى) لا تلزمه الزيادة على نفقتها في النفقة، لان نفقتها مقدرة فلا تجب الزيادة لحاجتها، كما لا تجب الزيادة في نفقة الاكولة لحاجتها، وان أرادت ارضاعه بأجرة ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرايبنى رحمة الله عليه، لان أوقات الرضاع مستحقة لاستتمتاع الزوج ببدل وهو النفقة، فلا يجوز أن تأخذ بدلا آخر (والثانى) أنه يجوز، لانه عمل يجوز أخذ الاجرة عليه بعد البينونة، فجاز أخذ الاجرة عليه قبل البينونة كالنسج وان بانت لم يملك اجارها على ارضاعه كما لا يملك قبل البينونة، فان طلبت أجرة المثل على الرضاع ولم يكن للاب من يرضع بدون الاجرة كانت الام أحق به، لقوله تعالى " فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " وان طلبت أكثر من أجرة المثل جاز انتزاعه منها. وتسليمه إلى غيرها لقوله تعالى " وان تعاسرتم فسترضع له أخرى " ولان ما يوجد بأكثر من عوض المثل كالمعدوم، ولهذا لو وجد الماء بأكثر من ثمن المثل جعل كالعدوم في الانتقال إلى التيمم فكذلك ههنا وان طلبت أجرة المثل وللاب من يرضعه بغير عوض أو بدون أجرة المثل، ففيه قولان: أحدهما: أن الام أحق بأجرة المثل، لان الرضاع لحق الولد، ولان لبن الام أصلح له وأنفع، وقد رضيت بعوض المثل فكان أحق والثانى: أن الاب أحق، لان الرضاع في حق الصغير كالنفقة في حق الكبير ولو وجد الكبير من يتبرع بنفقته لم يستحق على الاب النفقة، فكذلك إذا وجد من يتبرع بإرضاعه لم تستحق على الاب أجرة الرضاع، وان ادعت المرأة أن الاب لا يجد غيرها فالقول قول الاب: لانها تدعي استحقاق أجرة المثل والاصل عدمه.

(الشرح) الاحكام: إذا وجبت على الولد نفقة الاب والجد قبل الاب أو من قبل الام واحتاج الاب أو الجد إلى الاعفاف بزوجة وجب على الولد أن يعفقه بذلك إذا قدر على ذلك. قال ابن خيران: وفيها قول آخر أنه لا يجب عليه ذلك، وبه قال أبو حنيفة لانه قريب فلم يستحق الاعفاف كالابن، والاول أصح لانه معنى يحتاج إليه، ويستضر بفقده فلزمه كالنفقة والكسوة، ويخالف الابن فإن الاب آكد حرمة منه فوجب له مالا يجب له، وإن كان الوالد معسرا صحيحا غير مكتسب - فإن قلنا تجب نفقته على الولد - وجب عليه إعفافه، وإن قلنا لا تجب نفقته عليه ففي إعفائه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه إعفافه لانه لا يجب عليه نفقته فلم يجب عليه إعفافه كالموسر. (والثانى) يجب عليه إعفافه لان نفقته يمكن إيجابها في بيت المال بخلاف الاعفاف، وإذا وجب على الولد الاعفاف فهو بالخيار بين أن يملكه جارية يحل له وطؤها أو يدفع إليه مالا يشترى به جارية أو يشتريها له بإذنه، وفي عصرنا هذا لم يبق الا وجه واحد وهو أن يدفع إليه مالا ليتزوج به أو يتزوج له بإذنه، ولايجوز أن يزوجه أمة لانه صار مستغنيا به، ولا يعفه بقبيحة ولا بعجوز لااستمتاع بها، لانه لا يحصل المقصود بذلك، فإن ملكه جارية أو دفع إليه مالا فتزوج به أمرأة ثم أيسر الاب لم يلزمه رد ذلك، لانه قبض ذلك وهو يستحقه، فإن طلق الزوجة أو أعتق الامة لم يلزم الولد أن يعفه ثانيا، لانه فوت ذلك على نفسه، وان ماتت الزوجة أو الامة ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه اعفافه ثانيا، لانه انما يجب عليه اعفافه مرة وقد فعل (والثانى) يلزمه وهو الاصح لانه لاصنع له في تفويت ذلك (مسألة) قوله: وإن احتاج الولد إلى الرضاع الخ، فجملة ذلك أنها إذا ولدت ولدا وجب عليها أن تسقيه اللبا حتى يروى، لانه لا يعيش الا بذلك، فإن كان للطفل مال وجبت أجرة رضاعة في ماله كما تجب نفقته إذا كان كبيرا في ماله، وان لم يكن له مال وجبت ارضاعه على من تجب عليه نفقته لو كان كبير لقوله تعالى

فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " ولا يجب ارضاعه الا في حولين، لقوله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " وان كان الولد من زوجته والاب ممن يجب عليه نفقته لم تجبر الام على ارضاعه وبه قال أبو حنيفة واحمد. وقال أبو ثور: تجبر على ارضاعه، وعن مالك روايتين احداهما كقول أبى ثور، والثانية وهى المشهورة عنه ان كانت شريفة لم تجبر على ارضاعه وان كانت دنية أجبرت على ارضاعه. دليلنا قوله تعالى " فان تعاسرتم فسترضع له أخرى " وإذا امتنعت فقد تعاسرت، ولانها لا تجبر على نفقة الولد مع وجود الاب فكذلك الرضاع. إذا ثبت - فان تطوعت بإرضاعه - فالاولى للاب ألا يمنعها من ذلك، لان الرضاع حق للولد، والام أشفق عليه، ولبنها اصلح له، وهل يلزمه أن يزيدها على نفقتها؟ ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لان نفقة الزوجة مقدرة بحال الزوج، فلو قلنا يجب عليه الزيادة لاجل الرضاع لكانت نفقتها مقدرة بحالها فلم يلزمه ذلك، كما لو كانت رغبية في الاكل فانه لا تلزمه الزيادة في نفقتها (والثانى) تلزمه الزيادة على نفقتها - وهو قول أبى سعيد الاصطخرى وأبى اسحاق المروزى لقوله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " فحص حال الولادة بذكر أيجاب النفقة ولا فائدة بذكر وجوبها في الولادة الا وجوب الزيادة، ولان العادة جرت أن المرضعة تحتاج من الطعام أكثر من غيرها فعلى هذا يبحث الحاكم في قدر الزيادة على ما يراه وان استأجر أمراته على الرضاع فهل يصح عقد الاجارة؟ فيه وجهان (أحدهما) يصح، وبه قال أحمد، لان كل عقد صح أن يعقده الزوج مع غير الزوجة صح أن يعقده مع الزوجة كالبيع (والثانى) لا يصح وهو المشهور، ولم يذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ غيره، وكذلك لو استأجرها لخدمة نفسه، لان الزوج يملك الاستمتاع بها في جميع الاوقات الا في الاوقات المستحقة للعبادات. وإذا أجرت نفسها لم تتمكن

من إيفاء حقه إلا بتعطيل حقه من الاستمتاع فلم يصح، كما لو أجر العبد نفسه من سيده، فإذا قلنا بهذا واستأجرها على إرضاعه بعوض فأرضعته، فهل تستحق أجرة المثل؟ فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) لا تستحق ذلك لانها لو استحقت أجرة في ذلك لجاز لها عقد الاجارة لذلك (والثانى) تستحق أجرة المثل، لان هذه منفعة لا يجب عليها بدلها، فإذا بذلتها بعوض ولم يحصل لها العوض وجب لها عوض المثل كسائر منافعها (فرع) وإن أبان الرجل امرأته وله منها ولد يرضع لم يملك إجبارها على ارضاعه لانه إذا لم يملك إجبارها على إرضاعه حال الزوجية لم يملك إجبارها بعد الزوجية، فإن تطوعت بإرضاعه لم يجز للاب انتزاعه منها، لانه لاحق له في استمتاعها، وإن استأجرها على إرضاعه صح ذلك لقوله تعالى " فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " ولانه لا يملك الاستمتاع بها بخلاف ما لو استأجرها في حال الزوجية، فإن طلبت منه أجرة المثل ولا يجد الاب من يرضعه بغير أجرة أو بدون أجرة المثل وجب عليه بذل ذلك لها. ولم يجز له انتزاعه منها لان الارضاع حق للولد، ولبن الام أنفع له من لبن غيرها، وإن طلبت منه أكثر من أجرة المثل كان له انتزاعه منها لقوله تعالى " وإن تعاسرتم فترضع له أخرى " وإذا طلبت منه أكثر من أجرة المثل فقد تعاسرت. وان طلبت أجرة المثل ووجد الاب من يرضعه بدون أجرة المثل أو من ترضعه بغير أجرة فاختلف أصحابنا، فمنهم من قال فيه قولان (أحدهما) أن الام أحق برضا به بأجرة المثل لقوله تعالى " فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " ولم يفرق، ولانه روى في الحديث " الام أحق بكفالة ولدها ما لم تتزوج " ولان الرضاع حق للولد ولبن الام أنفع له وأصلح فكانت أولى (والثانى) أن للاب أن ينتزعه لقوله تعالى، فان تعاسرتم فسترضع له أخرى " والتعاسر هو الشدة والتضايق قال القرطبى " وإن تعاسرتم " أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطى الام رضاعها وأبت الام أن ترضعه فليس له إكراهها، وليستأجر مرضعة غير

أمه. وقيل معناه وان تضايقتم وتشاكستم فليسترضع لولده غيرها، وهو خبر في معنى الامر. وقال الضحاك: ان أبت الام أن ترضع استأجر لولده أخرى، فان لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالاجر. وذكر اختلاف الفقهاء على ثلاثة أقوال: فأورد قول علمائهم من المالكية أن رضاع الولد على الزوجة مادامت الزوجية - الا لشرفها وموضعها - فعلى الاب أن رضاعه يومئذ في ماله. والثانى قال أبو حنيفة: لا يجب على الام بحال الثالث: يجب عليها في كل حال اه قال القاضى العمرانى من أصحابنا: وإذا وجد الرجل من يرضعه بدون أجرة المثل أو بغيره أجرة وطلبت الام أجرة المثل فقد تعاسرت فكان له نزعه منها، ولان نفقة ارضاع الطفل كنفقة المراهق، ولو وجد من يتطوع بالانفاق على المراهق لم يجب على الاب نفقته، فكذلك إذا وجد من يتطوع بارضاع الطفل لا يجب عليه أجرة المثل. وقال أبو اسحاق المروزى: للاب انتزاعه قولا واحدا، والقول الآخر لا يعرف في شئ من كتب الشافعي. وقال أبو حنيفة: للاب انتزاعه ولكن لا يسقط حق الام من الحضانة، فتأتى المرضعة وترضعه عند الام. دليلنا أن الحضانة تابعة للرضاع، فإذا سقط حقها من الرضاع سقط حقها من الحضانه. إذا ثبت هذا فان ادعى الاب أنه يجد من يرضعه بغير أجرة أو بدون أجرة المثل - وقلنا له انتزاعه، فإن صدقته الام أنه يجد ذلك كان له انتزاعه منها، وان كذبته فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف انتزعه من يد الام ويسلم إلى المرضعة ولا يمنع الام من زيارته لقوله صلى الله عليه وسلم " لاتوله والدة بولدها " قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب على المولى نفقة عبده وأمته وكسوتهما لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: للملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل الا ما يطيق " ويجب عليه نفقته من قوت البلد لانه هو المتعارف

فإن تولى طعامه استحب أن يطعمه منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ خادمه بطعام فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، فإنه تولى علاجه وحره " فإن كانت له جارية للتسرى أستحب أن تكون كسوتها أعلى من كسوة جارية الخدمة، لان العرف أن تكون كسوتها أعلى فوق كسوة جارية الخدمة. (فصل) ولا يكلف عبده وأمته من الخدمة ما لا يطيقان لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق ولا يسترضع الجارية إلا ما فضل عن ولدها، لان في ذلك إضرارا بولدها، وإن كان لعبده زوجة أذن له في الاستمتاع بالليل، لان إذنه بالنكاح يتضمن الاذن في الاستتماع بالليل، وإن مرض العبد أو الامة أو عميا أو زمنا لزمه نفقتهما، لان نفقتهما بالملك، ولهذا تجب مع الصغر فوجبت مع العمى والزمانة، ولايجوز أن يجبر عبده على المخارجة لانه معاوضة فلم يملك إجباره عليها كالكتابة. وإن طلبت العبد ذلك لم يجبر المولى كما لا يجبر إذا طلب الكتابة، فإن اتفقا عليها وله كسب جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجمه أبو طيبة فأعطاه أجره، وسأل مواليه أن يخففوا من خراجه، وإن لم يكن له كسب لم يجز لانه لا يقدر على أن يدفع إليه من جهة تحل فلم يجز. (الشرح) حديث أبى هريرة الاول أخرجه أحمد في المسند ومسلم في العتق عن حجاج، وفي الاطعمة عن حفص بن عمر، وقال " ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " وحديث أبى هريرة الثاني أخرجه البخاري ومسلم في النذور والاطعمة وأبو داود في الاطعمة عن عبد الله بن مسلمة الفعنبى، وكذا أخرجه أحمد في مسنده وبقية أصحاب السنن بلفظ " إذا أتى أحدكم خادمة بطعامه - فإن لم يجلسه معه - فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلفة أو أكلتين، فانه ولى حره وعلاجه. وحديث أبى طيبة الحجام واسمه دينار وهو مولى بنى حارثة، وحديثه هذا أخرجة البخاري في البيوع عن عبد الله بن يوسف، وفي الاجازة عن محمد بن

يوسف وعن آدم، وفي الطب عن محمد بن مقاتل، وأخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن الحسن وعن يحيى بن أيوب وقتبية على بن حجر، وعن محمد بن يحيى بن أبى عمر وأخرجه أبو داود في البيوع عن القعنبى، وأخرجه الترمذي عن علي بن حجر والطبراني في الجامع عن حميد الطويل أما اللغات فقوله " إذا أتى أحدكم خادمه " بنصب أخذكم على المفعولية ونصب خادمه على الفاعلية، والخادم يطلق على الذكر والانثى والحر والمملوك. وقوله " علاجه " أي مزاولته لما استعصى من أموره، ويقال لجبال الرمل علاج، والحر جمع الحرة وهو الارض ذات الحجارة النخرة السواداء، وهى أثر من آثار البراكين، وهو كناية عن تحمله أموره الشاقة في أبلغ تعبير لانه يعالج له إعداد الطعام ويعالجه له ويتحمل حرارة النار في إنضاجه أما الاحكام فانه يجب على المرء نفقة خادمه وكسوته لحديث أبى هريرة في الرجل الذي قال معي دينار، قال انفقه على نفسك، قال أنفقه على نفسك، قال معي آخر، قال انفقه على ولدك قال معي آخر، قال أنفقه على أهلك، قال معى آخر، قال انفقه على خادمك. ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " للملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " وهو اجماع لا خلاف فيه فان كان الخادم غير مكتسب، بأن كان صغيرا أو مريضا أو كبيرا أو زمنا فنفقته على سيده. ويجب أن يكون طعامه من قوت أهل البلد لقوله صلى الله عليه وسلم " أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون " وإن كان الخادم يقدم الطعام لسيده يلي إعداده واصلاحه، فيستحب للسيد أن يجلسه معه ويطعمه معه منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال " فليجلسه معه أو يطعمه منه لقمة أو لقميتن " ولان الانسان إذا تولى طعاما اشتهى أن يأكل منه فاستحب أن يطعم منه كما يستحب لمن قسم الميراث أن يرزق من حضر القسمة منها، وأيهما أفضل؟ (أحدهما) أن الافضل ان يجلسه معه ليأكل، لان النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به، لانه إذا أكل معه أكل قدر كفايته ومنهم من قال: ليس أحدهما

أفضل من الآخر، بل إن شاء أجلسه معه وإن شاء أطعمه، لان النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين أن يجلسه معه وبين أن يغمس له لقمة أو لقمتين في الادم، والاول أصح. هكذا أفاده أصحابنا في كتبهم، وما بقى من الفصل فعلى وجهه، وينبغى ألا يكلفه إلا ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيق يوما أو يومين أو ثلاثة ثم يعجز هكذا قال الشافعي في الام وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) ومن ملك بهيمة لزمه القيام بعلفها لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال " عذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار - فقيل لها والله أعلم - لا أنت أطعمتها وسقيتها حين حبستها، ولا أنت أرسلتها حتى تأكل من خشاش الارض حتى ماتت جوعا " ولايجوز له أن يحمل عليها ما لا تطيق، لان النبي صلى الله عليه وسلم منع أن يكلف العبد ما لا يطيق فوجب أن تكون البهيمة مثله، ولا يجلب من لبنها إلا ما يفضل عن ولدها لانه غذاء للولد فلا يجوز منعه (فصل) وان امتنع من الانفاق على رقيقه أو على بهيمته أجبر عليه كما يخبر على نفقة زوجته، وان لم يكن له مال أكرى عليه أن أمكن اكراؤه، فان لم يمكن بيع عليه كما يزال الملك عنه في أمرأته إذا أعسر بنفقتهما والله أعلم (الشرح) الحديث الاول أخرجه مسلم في صحيحه عن أبى كريب في الحيوان من حديث أبى هريرة، وأخرجه أيضا في التوبة عن محمد بن رافع وعبد بن حميد من حديث أبى هريرة بلفظ المصنف مضى في الفصل قبله. أما اللغات فقوله " من خشاش الارض " أي من حشراتها ووزغها ومادته خش، وخش في الشئ دخل فيه. قال زهير: فخششت بها خلال الفدفد وفي حديث عبد الله بن أنيس، فخرج يمشى حتى خش فيهم، ومنه يقال لما يدخل في أنف البعير خشاش، وقال ابن شميل الخشاش حية صغيرة سمراء أصغر

من الارقم. وقال أبو خيرة، الخشاش حية بيضا قلما تؤذى، وقال أبو عبيد في حديث " أن امرأة ربطت هرة فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض " قال يعنى من هو ام الارض وحشراتها ودوابها وما أشبهها. قال في النهاية في الحديث، أي هو امها وحشراتها الواحدة خشاشة، وفي رواية من خشيشها. وهى بمعناه، ويروى بالحاء المهملة وهو يابس النبات وهو وهم. وقيل انما هو خشيش بضم الخاء المعجمة تصغير خشاش على الحذف وخشيش من غير حذف ومنه حديث العصفور " لم ينتفع بى ولم يدعنى أخنش من الارض " أي آكل من خشاشها. أما الاحكام فان من ملك بهيمة لزمه القيام بعلفها سواء كانت مما تؤكل أو مما لا تؤكل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " اطلعت في النار ليلة أسرى بى فرأيت امرأة فيها، فسألت عنها فقيل انها ربطت هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الارض حتى ماتت فعذبها الله بذلك، واطلعت في الجنة فرأيت امرأة مومسة (يعنى زانية) فسألت عنها فقيل انها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت ازارها في بئر ثم عصرته في حلقه فغفر الله بذلك، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تعذيب الحيوان. وقال " في كل كبد حرى أجر " فلو قلنا لا يجب الانفاق عليها أسقطنا حرمتها، فان كانت في المصر لزمه الانفاق عليها، وان كان في الصحراء - فان كان بها من الكلا ما يقوم بكفايتها فخلاها للرعى - لم يجب عليه العلف لانها تجترئ على عادة أهل مصر، لان صحاريها يقل فيها العلف. وقال الخراسانيون: ان كانت البهيمة مشقوقة الشفة العليا فإنها تجتزئ بالكلا عن العلف، وان كانت غير مشقوقة الشفة العليا فلا تجتزئ بالرعى ولا يد من علفها، وان لم يكن بها من الكلا ما يقوم بها لزمه من العلب ما يقوم بها فان لم يعلفها - فان كانت مما يؤكل - كان له أن يذبحها وله أن يبيعها، وان كانت مما لا يؤكل كان له بيعها - فان امتنع من ذلك أجبره السلطان على علفها أو بيعها أو ذبحها ان كانت مما يؤكل، ولولى الامر أن يخصص مراحا يعلفها فيه ويدواى

باب الحضانة

مرضاها على نفقة صاحبها، وله أن يخصص من البياطرة من ينزعون الدواب من أيدي المقصرين في حقها وردها إليهم بعد شفائها عليهم أو أجبره على بيعها. وقال أبو حنيفة لا يجبره على ذلك بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ودليلنا أنها نفقة واجبة فإذا امتنع منها أجبره ولى الامر على أدائها كنفقة العبد وإن كانت للبهيمة ولد لم يجلب من لبنها إلا ما فضل من ولدها، لان لبنها غذاء للولد فلا يجوز منعه منه كما قلنا في الجارية. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: باب الحضانة إذا افترق الزوجان ولهما ولد بالغ رشيد فله أن ينفرد عن أبويه لانه مستغن عن الحضانة والكفالة، والمستحب أن لا ينفرد عنهما ولا يقطع بره عنهما. وان كانت جارية كره لها أن تنفرد، لانها إذا انفردت لم يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، وإن كان لهما ولد مجنون أو صغير لا يميز، وهو الذي له دون سبع سنين، وجبت حضانته، لانه إن ترك حضانته ضاع وهلك (فصل) ولا تثبت الحضانة لرقيق لانه لا يقدر على القيام بالحضانة مع خدمة المولى، ولا تثبت لمعتوه لانه لايمكل للحضانة ولا تثبت لفاسق، لانه لايوفى الحضانة حقها، ولان الحضانة إنما جعلت لحظ الولد ولا حظ للولد في حضانة الفاسق، لانه ينشأ على طريقته، ولا تثبت لكافر على مسلم. وقال أبو سعيد الاصطخرى: تثبت للكافر على المسلم: لما روى عبد الحميد ابن سلمة (1) عن أبيه أنه قال: أسلم أبي وأبت أمي أن تسلم وأنا غلام، فاختصما

_ (1) هكذا بالمتن المطبوع، والصواب عبد الحميد بن جعفر، وهو ما اعتمدناه في الشرح، وقد وجدنا كثيرا من الفقهاء يتابعون أبا إسحاق في كونه ابن سلمة كالعمراني في البيان، وهذا خطأ، والصواب ما اعتمدناه هنا. أما عبد الحميد بن سلمة الانصاري فيقال هو ابن يزيد بن سلمة وهو مجهول. " المطيعي "

إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا غلام اذهب إلى أيهما شئت، إن شئت إلى أبيك، وإن شئت إلى أمك، فتوجهت إلى أمي، فلما رأني النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول اللهم اهده فلمت إلى أبى فقعدت في حجره " والمذهب الاول، لان الحضانة جعلت الحظ الولد ولا حظ للولد المسلم في حضانة الكافر، لانه يفتنه عن دينه وذلك من أعظم الضرر، والحديث منسوخ، لان الامة أجمعت على أنه لا يسلم الصبي المسلم إلى الكافر، ولاحضانة للمرأة إذا تزوجت، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " أَنَّ امرأة قالت يارسول الله ان إبنى هذا كان بطني له وعاء، وثديى له سقاء، وحجرى له حواء، وان أباه طلقني وأراد أن ينزعه مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنت أحق به ما لم تنكحي " ولانها إذا تزوجت اشتغلت باستمتاع الزوج عن الحضانة. فإن أعتق الرقيق وعقل المعتوه وعدل الفاسق، وأسلم الكافر عاد حقهم من الحضانة، لانها زالت لعلة فعادت بزوال العلة، وإذا طلقت المرأة عاد حقها من الحضانة وقال المزني أن كان الطلاق رجعيا لم يعد لان النكاح باق، وهذا خطأ لانه انما سقط حقها بالنكاح لاستغالها باستمتاع الزوج، وبالطلاق الرجعي يحرم الاستمتاع كما يحرم بالطلاق البائن، فعادت الحضانة (فصل) ولاحضانة لمن لا يرث من الرجال من ذوى الارحام وهم ابن البنت وابن الاخت وابن الاخ من الام وأبوالام والخال والعم من الام لان الحضانة انما تثبت للنساء لمعرفتهن بالحضانة أو لمن له قوة قرابة بالميراث من الرجال وهذا لا يوجد في ذوى الارحام من الرجال ولا يثبت لمن أدلى بهم من الذكور والاناث، لانه إذا لم يثبت لهم الضعف قرابتهم فلان لا يثبت لمن يدلى بهم أولى (الشرح) حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان، وهو أبو الحكم الانصاري الاوسي، أخرجه أبو داود في الطلاق عن ابراهيم بن موسى الرازي والنسائي في الطلاق أيضا عن محمود بن غيلان. ورواه أحمد بلفظ " قال أخبرني أبى عن جدى رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ابنتى وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع ابنتى، فقال

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقعد ناحية، وقال لها اقعدي ناحية، فأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعوها فمالت إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها " ووقعت هذه الصيغة في رواية عند أبى داود، كما وردت بلفظ " فجاء بابن له صغير " وأخرجه بلفظ الانثى النسائي وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده اختلاف كثير وألفاظه مختلفة مضطربة، وقد رجح ابن القطان رواية الابن. وقال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال. قلت: قد صححه الحاكم وذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسهما عميرة. وقال ابن الجوزى: رواية من روى أنه كان غلاما أصح. وقال ابن القطان: لو صحت رواية من روى أنها بنت لاحتمل أنهما قصتان لاختلاف المخرجين وقد اختلف انقاد في عبد الحميد بن جعفر، فقال ابن حجر في التقريب صدوق رمى بالقدر وربما وهم. وقال الذهبي في الميزان: عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ونافع ومحمد بن عمرو بن عطاء وعنه يحيى القطان وأبو عاصم وعدة. قال النسائي ليس به بأس، وكذا قال أحمد. وقال ابن معين ثقة، وقد نقم عليه الثوري خروجه مع محمد بن عبد الله. وقال أبو حاتم لا يحتج به، وقيل كان يرى القدر والله أعلم، نعم قال على بن المدينى: كان يقول بالقدر، وهو عندنا ثقة، وكان سفيان يضعفه. اه أما حديث عبد الله بن عمرو فقد رواه أحمد بلفظ " أن امرأة قالت يارسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجرى له حواء وثديى له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه منى، فقال أنت أحق به ما لم تنكحي " وأخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن خالد ولكن في لفظه " وأن أباه طلقني وزعم أنه يتنزعه منى " وأخرجه البيهقى والحاكم وصححه، وهو من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. أما اللغات فإن الحضانة مشتقة من الحضن وهو ما دون الابط إلى الكشح. وقيل هو الصدر والعضدان وما بينهما، والجمع أحضان ومنه الاحتضان، وهو احتمالك الشئ وجعله في حضنك، كما تحتضن المرأة ولدها فتحتمله في أحد شقيها

وفي الحديث أنه خرج محتضنا أحد ابني ابنته، أي حاملا له في حضنه، والحضن الجنب وهما حضنان. وفي حديث أسيد بن الحضير أنه قال لعامر بن الطفيل أخرج بذمتك لئلا أنفذ حضنيك، والمحتضن الحضن. قال الكميت كما خامرت في حضنها أم عامر لدى الحبل حتى غال أوس عيالها وحضنا الليل جانباه، وحضن الجبل ما يطيف به، وفي حديث علي كرم الله وجهه " عليكم بالحضنين " يريد يجنتبى العسكر، وحضن الطائر بيضه وعلى بيضه يحضن حضنا وحضانة وحضانا وحضونا رجن عليه للتفريخ. قال الجوهرى حضن الطائر بيضه إذا ضمنه إلى نفسه تحت جناحيه، وكذلك المرأة إذا حضنت ولدها، وحمامة حاضن بغير هاء، واسم المكان المحضن، والمحضنة المعمولة للحمامة كالقصعة الروحاء من الطين. وحضن الصبى يحضنه حضنا رباه، والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبى يحفظانه ويربيانه. وفي حديث عروة بن الزبير " عجبت لقوم طلبوا العلم حتى إذا ناوا منه صاروا حضانا لاباء الملوك " أي مربين وكافلين، وحضان جمع حضان، لان المربى والكافل يضم الطفل إلى حضنه وبه سميت الحاضنة، وهى التي تربى الطفل، والحاضنة بالفتح فعلها، والحجر بمعنى وحواء أي يحويه ويحيط به. أما الاحكام فإذا بانت الزوجة وبينهما ولد - فإن كان بالغا رشيدا لم يجبر على الكون مع أحدهما، بل يجوز له أن ينفرد عنهما، إلا أن المستحب له أن لا ينفرد عنهما لئلا ينفطع بره وخدمته عنهما، وهل يكره له الانفراد عنهما؟ ينظر فيه - فإن كان رحلا - لم يكره له الانفراد عنهما وان كانت امرأة، فإن كانت بكرا، كره لها الانفصال عنهما لانها لم تجرب الرجال ولا يؤمن أن تخدع وإن كانت ثيبا فارقها زوجها لم يكره لها الانفراد عنهما لانها قد جربت الرجال ولا يخشى عليها أن تخدع وقال مالك يجب على الابنة أن لا تفارق أمها حتى تتزوج ويدخل بها الزوج دليلنا أنها إذا بلغت رشيدة فقد ارتفع الحجر عنها: فكان لها أن تنفرد بنفسها ولا اعتراض عليها، كما لو تزوجت ثم بانت عنه، وان كان الولد صغيرا لا يميز

وهو الذي له دون سبع سنين أو كبيرا إلا أنه مجنون أو ضعيف العقل وجبت حضانته، لانه إذا ترك منفردا ضاع. ولا تثبت الحضانة لمعتوه - وهو ناقص العقل - ولا لمجنون لانه لا يصلح للحضانة، ولا تثبت الحضانة لفاسق لانه لا يؤمن أن ينشأ الطفل على منزعه، وإن كان أحد الابوين مسلما فالولد ولا تثبت عليه الحضانة للكافر. وقال أبو سعيد الاصطخرى تثبت الحضانة للكافر على المسلم لحديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه، وقد أوردنا طرقه آنفا، وقد قال المصنف إنه منسوخ، ونقول: إن هذا الحديث استدل به القائلون بثوبت الحضانة للام الكافرة كأبى حنيفة وأصحابه وابن القاسم المالكى وأبو ثور، وذهب إلى الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم. وأجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال فيه وبما فيه من الاضطراب، ولكن الحديث بأسانيده وطرقه يصلح للاحتجاج به، والاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة، وهو كفر الام وثبوت التخيير. وهذا العنصران هما ما يدور حولهما الحكم. ولعل المصنف يحتج في النسخ بأدلة عامة، كقوله تَعَالَى " وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سبيلا " وبنحو " الاسلام يعلو " وقد استدل ابن القيم بقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارا " على أن المراعى أولا في التخيير أو الاستهام بالقرعة ما هو أصلح للصغير، وأن أيا ما كان الامر من التخيير أو التعيين أو الاقتراع، فإن أولئك مقيد بقوله تعالى " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال: تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه، فقالت أمه سله لاى شئ يختاره؟ فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني وأبى يتركني ألعب مع الصبيان فقضى به للام. ورجح هذا ابن تيمية فإذا كانت روح الشرع تقضى بمراعاة صالح الصغير. فإن مما لا شك فيه أن إلقاءه في أحضان قضاء على صلاحه دنيا وأخرى. ومن ثم يتعين خطا أبى سعيد الاصطخرى وأبى حنيفة وأصحابه وابن القاسم وأبى ثور

وقال العمرانى ان الحضانة لحظ الولد ولاحظ له في حضانة الكافر، لانه لا يؤمن أن يفتن عن دينه. ثم قال: أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل وإن صح فيحتمل أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أنه يختار أباه، فلهذا خيره، فيكون ذلك خاصا لذلك الولد دون غيره اه (فرع) وإذا تزوجت المرأة سقطت حقها من الحضانة، وبه قال مالك وابو حنيفة وقال الحسن البصري لا يسقط حقها لقولها تعالى " وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم " ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة ومعها بنتها زينب فكانت عندها. وروى ابن عباس أن عليا وجعفر ابني أبى طالب وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة ابنة حمزة بن عبد المطلب، واختصموا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ جعفر أنا أحق بها أنا ابن عمها وخالتها تحتي، وقال على أنا أحق بها أنا ابن عمها وإبنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتي - يعنى إبنة ابن عمها. وقال زيد أنا أحق بها لانها إبنة أخى - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين زيد بن حارثة - فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة أم. فقضى بها للخالة وهى مزوجة ودليلنا ماروى عبد الله بن عمرو " أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقالت يارسول الله ان ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجرى له حواء، وثديى له سقاء، وإن أباه طلقني ويرد أن ينزعه منى، فقال صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي " وروى أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال " الام أحق بولدها ما لم تتزوج " ولانها إذا تزوجت استحق الزوج الاستمتاع بها إلا في وقت العبادة، فلا تقوم بحضانة الولد. وأما الآية فالمراد بها إذا لم يكن هناك أب أو كان ورضى وأما زينب وابنة حمزة فلانه لم يكن هناك من النساء من تستحق الحضانة خالية من الازواج. إذا ثبت هذا فإن طلقت الزوجة طلاقا بائنا أو رجعيا عاد حقها من الحضانة وقال مالك لا يعود حقها من الحضانة بحال

وقال أبو حنيفة والمزنى: ان كان الطلاق بائنا عاد حقها، وإن كان رجعيا لم يعد حقها، لان الزوجية باقية بينهما، ودليلنا أن حقها إنما سقط لاشتغالها عن الحضانة باستمتاع الزوج، ولا يملك الزوج الاستمتاع بها بعد الطلاق البائن والرجعى، فعاد حقها من الحضانة. وإن أعتق الرقيق، أو عقل المجنون والمعتوه، أو عدل الفاسق، أو أسلم الكافر عاد حقهم من الحضانة، لان الحضانة زالت بمعنى، وقد زال المعنى فعادت الحضانة. (مسألة) قوله " ولاحضانة لمن لا يرث من الرجال من ذوى الارحام " وهذا صحيح مثل ابن الاخت وابن الاخ للام وأبى الام والخال وابن العم لانه ذكر لا يرث فأشبه الأجنبي. وقال المصنف هنا: ولا تثبت الحضانة لابن البنت وهذا الذى قال لا يتصور في حضانة الصغير، وإنما يتصور في الكبير والمجنون لانا قد قلنا يجب حضانتة الصغير، ولا تثبت الحضانة لمن أدلى من النساء والرجال بهولاء الرجال، لان الحضانة إذا لم تثبت لهم بأنفسهم لم تثبت لمن أدلى بهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اجتمع النساء دون الرجال وهن من أهل الحضانة فالام أحق من غيرها، لما روى عبد الله بن عمر بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أنت أحق به ما لم تنكحي " ولانها أقرب إليه وأشفق عليه، ثم تنتقل إلى من يرث من أمهاتها، لمشاركتهن الام في الولادة والارث، ويقدم الاقرب فالاقرب، ويقدمن على أمهات الاب، وإن قربن لتحقق ولادتهن، ولانهن أقوى في الميراث من أمهات الاب، لانهن لا يسقطن بالاب، وتسقط أمهات الاب بالام، فإذا عدم من يصلح للحضانة من أمهات الام ففيه قولان. قال في القديم تنتق إلى الاخت والخالة، ويقدمان على أم الاب، لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بنت حمزة لخالتها وقال الخالة بمنزلة الام " ولان الخالة تدلى بالام، وأم الاب تدلى بالاب، والام تقدم

على الاب فقدم من يدلى بها على من يدلى به، ولان الاخت ركضت مع الولد في الرحم، ولم تركض أم الاب معه في الرحم، فقدمت عليها، فعلى هذا تكون الحضانة للاخت من الاب والام، ثم الاخت من الام ثم الخالة ثم لام الاب ثم للاخت من الاب ثم للعمة وقال في الجديد: إذا عدمت أمهات الام انتقلت الحضانة إلى أم الاب وهو الصحيح، لانها جدة وارثة فقدمت على الاخت والخالة كأم الام. فعلى هذا تكون الحضانة لام الاب ثم لامهاتها وان علون، الاقرب فالاقرب، ويقدمن على أم الجد كما يقدم الاب على الجد، فإن عدمت أمهات الاب انتقلت إلى أمهات الجد ثم إلى أمهاتها وان علون، ثم تنتقل إلى أمهات أب الجد، فإذا عدم أمهات الابوين انتقلت إلى الاخوات ويقدمن على الخالات والعمات، لانهن راكضن الولد في الرحم وشاركنه في النسب، وتقدم الاخت من الاب والام ثم الاخت للاب ثم الاخت للام. وقال أبو العباس ابن سريج، تقدم الاخت للام على الاخت للاب، لان إحداهما تدلى بالام والاخرى تدلى بالاب، فقدم المدلى بالام على المدلى بالاب كما قدمت الام على الاب، وهذا خطأ لان الاخت من الاب أقوى من الاخت من الام في الميراث والتعصيب مع البنات، ولان الاخت من الاب تقوم مقام الاخت من الاب والام في الميراث، فقامت مقامها في الحضانة. فإن عدمت الاخوات انتقلت إلى الخالات، ويقدمن على العمات، لان الخالة تساوى العمة في الدرجة وعدم الارث وتدلى بالام والعمة تدلى بالاب: والام تقدم على الاب فقدم من يدلى بها، وتقدم الخالة من الاب والام على الخالة من الاب، ثم الخالة من الاب ثم الخالة من الام، ثم تنتقل إلى العمات لانهن يدلين بالاب، وتقدم العمة من الاب والام ثم العمة من الاب ثم العمة من الام، وعلى قياس قول المزني وأبى العباس تقدم الخالة والعمة من الام على الخالة والعمة من الاب (الشرح) حديث عبد الله بن عمرو مضى تخريجه آنفا. أما حديث البراء بن عازب فقد أخرجه البخاري في الحج وفيه " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في

ذى القعدة قبل أن يحج وفيه قوله لجعفر " أشبهت خلقي وخلقي " وفيه صلح المشركين يوم الحديبية، وأخرجه في الجزية عن أحمد بن عثمان بن حكيم، وفي الصلح عن عبيد الله بن موسى وعن محمد بن بشار. وأخرجه مسلم في المغازى عن محمد بن المثنى ومنمد بن بشار وعن عبيد الله بن معاذ وعن إسحاق بن ابراهيم وأحمد ابن خباب وأبو داود في الحج عن أحمد بن حنبل والترمذي في الحج عن عباس ابن محمد الدوري وفي البر عن سفيان بن وكيع وعن محمد بن أحمد بن بدوية وفي المناقب عن محمد بن. اسماعيل البخاري. ورواه أحمد من حديث على وفيه " والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة " وأخرجه عن على أبو داود والحاكم والبيهقي بمعناه واللفظ المتفق عليه في رواية أحمد والبخاري ومسلم " أن إبنة حمزة اختصم فيها على وجعفر وزيد، فقال على أنا أحق بها هي إبنة عمى، وقال جعفر بنت عمى وخالتها تحتي، وقال زيد إبنه أخى، فقضى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالتها وقال " الخالة بمنزلة الام " قوله " وخالتها تحتي " يعنى أسماء بنت عميس وقد طعن ابن حزم في حديث البراء في كتابه وقال في إسناده اسرائيل وقد ضعفه على بن المدينى، وقد رد عليه بأنه قد وثقه سائر أهل الحديث، ولا يضره أن ينفرد ابن المدينى بتضعيفه وقد تعجب أحمد بن حنبل من حفظه وقال ثقة وقال أبو حاتم هو أتقن أصحاب أبى إسحاق، وكفى باتفاق الشيخين على إخراج هذا الحديث دليلا أما الاحكام فإذا اجتمع النساء من القرابة وهن يصلحن للحضانة، أو لا رجل معهن وتنازعن في حضانة المولود قدمت الام على غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم " الام أحق بولدها ما لم تتزوج " ولانها أقرب إليه وأشفق عليها، فإن عدمت الام انتقلت الحضانة إلى أمها ثم إلى أم أمها وإن علت، فأما أمهات أبيها فلا مدخل لهن في الحضانة، فإن عدمت الجدات من قبل الام ففيه قولان قال في القديم تنتقل الحضانة إلى الاخوات والخالات وتقدمن على أمهات الاب لانهن يدلين بالام، وأمهات الاب يدلين بالاب، والام تقدم على الاب فقدم من يدلى بها على من يدلى بالاب، فعلى هذا تكون الحضانة للاخت للاب

والام ويقدمان على الخالة لانهما أقرب لكونهما ركضا مع الولد في رحم واحد ثم ينتقل إلى الخالة لقوله صلى الله عليه وسلم الخالة أم، فتكون الحضانة للخالة للاب والام ثم للخالة للاب، فإذا عدمت الاخوات للاب والام أو للام والخالات انتقلت الحاضنة إلى أم الاب ثم إلى أمهاتها ثم تنتقل إلى الاخت للاب ثم إلى العمة، ويقدمان على أمهات الجد، لان الاب أقرب من الجد فتقدم من يدلى به على من يدلى بالجد. ثم تنتقل إلى أمهات الجد الوارثات الاقرب فالاقرب وكذا ذكر الشيخ أبو إسحاق هنا. قال الشوكاني في النيل، واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وسلم لجعفر وقالوا ان كان القضاء له فليس بمحرم لها، وهو وعلى سواء في قرابتها، وان كان القضاء للخالة فهي مزوجة والزواج مسقط لحقها من الحضانة فسقوط حق الخالة بالزواج أولى. وأجيب عن ذلك بأن القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضا الزوج كما ذهب إليه أحمد والحسن البصري والامام يحيى وابن حزم. وقيل ان النكاح إنما يسقط حضانة الام وحدها حيث كان المنازع لها الاب. ولا يسقط حق غيرها ولاحق الام حيث كان المنازع لها غير الاب. وبهذا يجمع بين حديث البراء وحديث عبد الله بن عمرو. اه قال ابن الصباغ والطبري تقدم الاخت للاب على الاخت للام على هذا أيضا وقال في الجديد إذا عدم من يصلح للحضانة من أمهات الام انتقلت الحضانة إلى أمهات الاب الوارثات. فإن عدم من يصلح لها من أمهات الاب انتقلت إلى أمهات الجد ثم إلى أمهات أبى الجد، فإن عدم من يصلح لها من والجدات من قبل الاب انتقلت إلى الاخوات. وبه قال أبو حنيفة - وهو الاصح - لانهن جدات وارثات فقدمن على الاخوات كالجدات من قبل الام، ويقدم الاخوات على الخالات والعمات لانهن أقرب فتكون الحضانة للاخت للاب والام ثم الاخت للاب ثم للاخت للام لانهن أقرب وقال أبو حنيفة والمزنى وأبو العباس بن سريج تقدم الاخت للام على الاخت للاب لانها تدلى بالام، والاخت للاب تدلى بالاب، فقدم من تدلى بالام على

من تدلى بالاب، كما تقدم الام على الاب والمذهب الاول، لان الاخت للاب تقوم مقام الاخت للاب والام في التعصيب فقامت مقامها في الحضانة، ثم تنتقل إلى الخالات ويقدمن على العمات لانهن يدلين بالام فتكون الحضانة للخالة للاب والام ثم للخالة للاب ثم للخالة للام ثم للعمة للاب والام ثم للعمة للاب ثم للعمة للام. وعلى قول من قدم الاخت للام على الاخت للاب تقدم الخالة والعمة للام على الخالة والعمة للاب. والذى يقتضى المذهب أن الحضانة لا تنتقل إلى الخالات إلا بعد عدم بنات الاخ وبنات الاخت لانهن أقرب، ولا تنتقل الحضانة إلى العمات إلا بعد عدم بنات الخالات قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن اجتمع الرجال وهم من أهل الحضانة وليس معهم نساء قدم الاب، لان له ولادة وفضل شفقة، ثم تنتقل إلى آبائه الاقرب فالاقرب لمشاركتهم الاب في الولادة والتعصيب، فإن عدم الاجداد انتقلت إلى من بعدهم من العصبات. ومن أصحابنا من قال لا يثبت لغير الآباء والاجداد من العصبات لانه لا معرفة لهم في الحضانة ولا لهم ولاية بأنفسهم فلم تكن لهم حضانة كالاجانب والمنصوص هو الاول. والدليل عليه ماروى البراء بن عازب رضى الله عنه " أنه اختصم في بنت حمزه على وجعفر وزيد بن حارثة رضى الله عنهم، فقال على عليه السلام أنا أحق بها وهى بنت عمى. وقال جعفر ابنة عمى وخالتها عندي وقال زيد بنت أخى، فقضى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالتها، وقال الخالة بمنزلة الام " ولو لم يكن ابن العم من أهل الحضانة لانكر النبي صلى الله عليه وسلم على جعفر، وعلى على رضى الله عنهما ادعاءهما الحضانة بالعمومة، ولان له تعصيبا بالقرابة فثبتت له الحضانة كالاب والجد، فعلى هذا تنتقل إلى الاخ من الاب والام، ثم إلى الاخ من الاب، ثم إلى ابن الاخ من الاب والام، ثم إلى ابن الاخ من الاب، ثم إلى العم من الاب والام، ثم إلى العم من الاب ثم إلى ابن العم من الاب والام، ثم إلى ابن العم من الاب، لان الحضانة تثبت لهم قوة قرابتهم بالارث فقدم من تقدم في الارث

(الشرح) الاحكام إذا اجتمع الرجال ولانساء معهم وهم من أهل الحضانة قدم الاب على غيره من الرجال لان له ولاية عليه ثم تنتقل إلى آبائه الوارثين الاقرب فالاقرب: لانهم يلون عليه بأنفسهم فقاموا مقام الاب، وهل تثبت الحضانة لغيرهم من العمات؟ فيه وجهان. من أصحابنا من قال لا تثبت لهم الحضانة لانه لا معرفة لهم في الحضانة ولا يلون عن ماله بأنفسهم فلم يكن لهم حق الحضانة كالاجانب إلا أن لهم تأديب الولد وتعليمه. ومنهم من قال تثبت لهم الحضانة وهو المنصوص، لان عليا وجعفر ادعيا حضانة ابنة حمزة بكونهما ابني عم بحضرة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ النبي عليه السلام عليهما دعواهما بذلك وروى عمارة الجرمى قال " خيرنى علي رضى الله عنه بين عمى وأمى " ولان له تعصيبا بالقرابة فثبتت له الحضانة كالاب والجد، فعلى هذا إذا عدم الاجداد - قال المصنف - انتقلت الحضانة إلى الاخ للاب والام ثم إلى الاخ للاب ثم إلى ابن الاخ للاب والام ثم إلى ابن الاخ للاب ثم إلى العم للاب والام ثم إلى العم للاب ثم إلى ابني العم وقال الصباغ: تنتقل إلى الاخ للاب والام ثم إلى الاخ للاب ثم إلى الاخ للام. قال وعلى قول أبى العباس حيث قدم الاخت للام على الاخت للاب يكون ههنا وجهان: أحدهما لا يقدم الاخ للام على الاخ للاب لانه ليس من أهل الحضانة بنفسه وإنما يستحق بقرابته بالام والاخ للاب أقوى فقدم عليه والثاني يقدم لادلائه بالام وهى أقرب من الاب فقدم من يدلى به على من يدلى بالاب ثم بنوه الاخوة وإن سفلوا ثم العم ثم بنو العم ثم عم الاب ثم بنوه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن اجتمع الرجال والنساء والجميع من أهل الحضانة نظرت: فإن اجمتع الاب مع الام كانت الحضانة للام، لان ولادتها متحققة وولادة الاب مظنونة، ولان لها فضلا بالحمل والوضع ولها معرفة بالحضانة فقدمت على

الاب، فإن اجتمع مع أم الام وان علت كان الحضانة لام الام لانها كالام في تحقق الولادة والميراث ومعرفة الحضانة، وان اجتمع مع أم نفسه أو مع الاخت من الاب أو مع العمة قدم عليهن لانهن يدلين به فقدم عليهن، وان اجمتع الاب مع الاخت من الام أو الخالة ففيه وجهان (أحدهما) أن الاب أحق، وهو ظاهر النص، لان الاب له ولادة وارث فقدم على الاخت والخالة كالام. (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه يقدم الاخت والخالة على الاب لانهما من أهل الحضانة والتربية ويدليان بالام فقدمتا على الاب كأمهات الام. وان اجتمع الاب وأم الاب والاخت من الام أو الخالة بنينا على القولين في الاخت من الام والخالة إذا اجتمعا مع أم الاب، فإن قلنا بقوله القديم ان الاخت والخالة يقدمان على أم الاب، قدمت الاخت والخالة على الاب وأم الاب، وان قلنا بقوله الجديد ان أم الاب تقدم على الاخت والخالة، بنينا على الوجهين في الاب إذا اجتمع مع الاخت من الام أو الخالة، فإن قلنا بظاهر النص أن الاب يقدم عليهما كانت الحضانه للاب لانه يسقط الاخت والخالة وأم نفسه فانفرد بالحضانة، وإن قلنا با وجه الآخر ان الحضانة للاخت والخالة ففي هذه المسألة وجهان. (أحدهما) أن الحضانة للاخت والخالة، لان أم الاب تسقط بالاب، والاب يسقط بالاخت والخالة (والثانى) أن الحضانة للاب، وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمة الله عليه لان الاخت والخالة يسقطان بأم الاب ثم تسقط أم الاب بالاب فتصير الحضانة للاب، ويجوز أن يمنع الشخص غيره من حق ثم لا يحصل له ما منع منه غيره كالاخوين مع الابوين فإنهما يحجبان الام من الثلث إلى السدس ثم لا يحصل لهما ما منعاه بل يصير الجميع للاب وإن اجتمع الجد أب الاب مع الام أو مع الام وإن علت قدمت عليه كما تقدم على الاب، وإن اجتمع مع أم الاب قدمت عليه لانها تساويه في الدرجة وتنفرد بمعرفة الحضانة فقدمت عليه كما قدمت الام على الاب

وان اجتمع مع الخالة أو مع الاخت من الام ففيه وجهان، كما لو اجمتعنا مع الاب، وإن اجتمع مع الاخت من الاب ففيه وجهان (أحدهما) أن الجد أحق لانه كالاب في الولادة والتعصيب، فكذلك في التقدم على الاخت (والثانى) أن الاخت أحق لانها تساويه في الدرجة وتنفرد بمعرفة الحضانة (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولاحق لاحد مع الاب غير الام وأمهاتها. وجملة ذلك أنه إذا اجتمع الرجال والنساء وهم من أهل الحضانة نظرت - فان اجتمع الاب والام - قدمنا الام على الاب لما روى عبد الله بن عمرو " أن امرأة قالت يارسول الله إن إبنى هذا كان بطني له وعاء وحجرى له حواء وثديى له سقاء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه منى، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي " ولان الام أشفق عليه، وولادتها له من طريق القطع فقدمت عليه، وان اجتمع الاب مع أم الام وان علت قدمن على الاب لانهن يقمن مقام الام في تحقق الولادة ومعرفة الحضانة فقدمن على الاب كالام، فإن امتنعت الام من الحضانة ولها أم ففيه وجهان أحدهما - وهو قول ابن الحداد - أن الحضانة تنتقل إلى الاب ولا تنتقل إلى أم الام، لانه لا حق لام الام مع بقاء الام، فلم تنتقل إليها، كالولي إذا عضل عن النكاح فإن الولاية لا تنتقل إلى من دونه من الاولياء (والثانى) أن الحضانة تكون لام الام، وهو اختيار القاضى أبى الطيب وابن الصباغ، لانه لاحق للاب في الحضانة مع وجود أم الام، فإذا امتنعت الام من الحضانه انتقلت إلى أمها كما لو ماتت أو فسقت أو جنت، ويخالف ولاية النكاح فإن الحاكم يقوم مقام العاضل، وههنا لامدخل للحاكم في الحضانة بنفسه فلم يقم مقام غيره. وان اجتمع الاب وأم نفسه قدم الاب. ومن أصحابنا من قال: تقدم أم الاب وأمهاتها عليه (أفاده في البيان) لان حضانة النساء أصلح للصغير وأوفق له وقال القاضى أبو الطيب: وهذا يقتضى أن تكون حضانة الاخوات والخالات

والعمات أولى من الاب، وهو خلاف النص، لان الشافعي قال: ولا حق لاحد من الاب غير الام وأمها، ولانها تدلى به فلم تقدم عليه. وإن اجتمع للاب مع الاخت للام أو مع الخالة ففيه وجهان (أحدهما) يقدمان على الاب، وهو قول أبى العباس بين سريج وأبى سعيد الاصطخرى وأبى حنيفة، لان لها معرفة بالحضانة ويدليان بالام فقدمتا على الاب كأمهات الام (والثانى) وهو المنصوص، أن الاب يقدم عليهما، لان له ولادة وإذنا فقدم عليهما كالام. (فرع) وان اجتمع الاب وأم الاب والاخت للام أو الخالة - فإن قلنا بقوله القديم إن أمر الاب يسقط بالاخوات أو الخالات بنينا ههنا على الوجهين في الاب هل يسقط الاخت للام والخالة؟ فإن قلنا إنه يسقطها كانت الحضانة للاب. وان قلنا إنهما يتقدمان عليه كانت الحضانة للاخت للام ثم للخالة ثم للاب ثم لامه وان قلنا بقوله الجديد وأن أم الاب تسقط الاخوات والخالات بينا على الوجهين أيضا في الاب إذا اجتمع مع الاخت للام أو الخالة. فإن قلنا بالمنصوص أن الاب يسقطها كانت الحضانة للاب لانه يسقطهما ويسقط أم نفسه فكانت الحضانة له. وإن قلنا بقول أبى العباس وأبى سعيد أنهما يسقطان الاب فههنا وجهان. قال أبو سعيد الاصطخرى، تكون الحضانة للاب، لان الاخت والخالة تسقطان بأم الاب، وأم الاب تسقط بالاب، فصارت الحضانة له، وقد يحجب الشخص غيره من شئ ثم يحصل ذلك الشئ لغير الشخص الحاجب، كما يحجب الاخوان الام من الثلث إلى السدس ويكون للاب وقال أبو العباس تكون الحضانة للاخت أو للخالة، لان الاب يسقط أم نفسه والاب يسقط بالاخت أو بالخالة فبقيت الحضانة لها. وان اجتمع الاب والاخت للاب والام - فإن قلنا ان الاب يقدم على الخالة - قدم الاب على الاخت للاب والام. وان قلنا ان الخالة تقدم على الاب فههنا وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد عن أبى سعيد الاصطخرى

(أحدهما) أن الاخت أحق لان الاخت تسقط الخالة، والخالة تسقط الاب فإذا سقط الاب مع من تسقطه الاخت فلان لا يسقط معها أولى. (والثانى) وهو الاصح أن الاب أحق، لان الاخت تدلى به فلا يجوز أن يكون المدلى به (1) ، وان اجتمع أب وأخت لاب وخالة، فان قلنا إن الاب يسقط الخالة، كان الحضانة للاب، وإن قلنا: إن الخالة تسقط الاب ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أن الحضانة للاخت، لان الاخت تسقط الخالة، والاب يسقط بالخالة، فإذا أسقطت الخالة، فلان يسقطه من يسقط الخالة أولى. (والثانى) أن الحضانة للاب لان الاخت تسقط الخالة والاخت تسقط بالاب لانها تدلى به فتصير الحضانة للاب، ويمتنع أن يسقط الشخص غيره من شئ ثم يحصل ذلك الشئ بغيره، كما قلنا في حجب الاخوين للام عن الثلث إلى السدس. (والثالث) أن الحضانة للخاله، لان الخاله تسقط الاب والاب يسقط الاخت، وإذا سقطا بقيت الحضانة للخاله، فإن لم يكن أب واجتمع الجد والام وأم الام وان علت قد من على الجد كما يقد من على الاب، وإن اجتمع الجد وأم الاب قدمت عليه لانها تساويه في الدرجة، ولها ولادة، فقدمت كما قدمت الام على الاب، وان اجتمع الجد والاخت للام أو الخالة فيه وجهان كما لو اجتمع مع الاب، وان اجتمع الجد والاخت للام أو الخالة ففيه وجهان كما لو اجتمع مع الاب، وان اجتمع الجد والاخت للاب ففيه وجهان (أحدهما) يقدم عليها، لان له ولادة وتعصيبا فقدم عليها كالاب (والثانى) تقدم عليه لانها تساويه في الولادة وتنفرد بمعرفة الحضانة فقدمت عليه كما تقدم الام على الاب. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن عدم الامهات والآباء ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن النساء أحق بالحضانة من العصبات، فتكون الاخوات والخالات ومن أدلى

_ (1) المدلى الاولى بصيغة الفاعل والثانية بصيغة المفعول

بهن من البنات أحق من الاخوة وبينهم، والاعمام وبنيهم لاختصاصهن بمعرفة الحضانة والتربية. (والثانى) أن العصبات أحق من الاخوات والخالات والعمات ومن يدلى بهن لاخصتاصهم بالنسب، والقيام بتأديب الولد (والثالث) أنه إن كان العصبات أقرب قدموا، وإن كان النساء أقرب قدمن وإن استويا في القرب قدمت النساء لاختصاصهن بالتربية. وإن استوى إثنان في القرابة والادلاء كالاخوين أو الاختين أو الخالتين أو العمتين أقرع بينهما لانه لا يمكن اجتماعهما على الحضانة، ولا مزية لاحداهما على الاخرى فوجب التقديم بالقرعة. وإن عدم أهل الحضانة من العصبات والنساء وله أقارب من رجال ذوى الارحام ومن يدلى بهم ففيه وجهان (أحدهما) أنهم أحق من السلطان لان لهم رحما فكانوا أحق من السلطان كالعصبات (والثانى) أن السلطان أحق بالحضانة لانه لاحق لهم مع وجود غيرهم فكان السلطان أحق منهم كما قلنا في الميراث. وإن كان للطفل أبوان فتثبت الحضانة للام فامتنعت منها فقد ذكر أبو سعيد الاصطخرى فيه وجهين (أحدهما) أن الحضانة تنتقل إلى أم الام كما تنتقل إليها بموت الام أو جنونها أو فسقها أو كفرها (والثانى) أنها تكون للاب، لان الام لم يبطل حقها من الحضانة، لانها لو طالبت بها كانت أحق فلم تنتقل إلى من يدلى بها (الشرح) الاحكام: ان اجتمع رجل من العصبات غير لاب والجد مع من يساويه في الدرجة من النساء، كالاخ والاخت والعم والعمة وابن العم وابنة العمة، وقلنا إن لهم حقا في الحضانة فأيهما أحق بالتقديم؟ فيه وجهان (أحدهما) أن الرجل أحق بالحضانة لانه أحق بتأديبه وتعليمه، فكان أحق بحضانته (والثانى) أن المرأة أحق بالحضانة، لانها تساويه في الدرجة وتنفرد بمعرفة الحضانة فقدمت عليه كما قدمت الام على الاب، وان اجتمع شخصان في درجة واحدة كالاختين أقرع بينهما لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى

والرجال من ذوى الارحام كالخال والاخ من الام وأبى الام وابن الاخت لا حضانة لهم مع وجود أحد من أهل الحضانة سواهم، لانه ليس بامرأة يتولى الحضانة وليس له قوة قرابة كالعصبات، ولاحضانة إلا بمن يدلى بهم كأم أبى الام وإبنة الاخال وإبنة الاخ من الام لانهن يدلين بمن لاحضانة له، فإذا لم تثبت للمدى فللمدلين به أولى، فإن لم يكن هناك غيرهم فعلى وجهين (أحدهما) هم أولى لان لهم رحما وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أدنى منهم كذلك الحضانة تكون لهم عند عدم من هو أولى بها منهم (والثانى) لاحق لهم في الحضانة وينتقل الامر إلى الحاكم. وقد رحج أصحاب أحمد بن حنبل الوجه الاول وان كان الوجهان محتملين عندهم، وإن كان فيمن عليه النفقة خنثى مشكل فالنفقة عليه بقدر ميراثه، فإن انكشف بعد ذلك حاله فبان أنه أنفق أكثر من الواجب عليه رجع بالزيادة على شريكه في الانفاق: وان بان أنه أنفق أقل رجع عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان افترق الزوجان ولهما ولد له سبع سنين أو ثمان سنين وهو مميز وتنازعا كفالته خير بينهما لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يارسول الله ان زوجي يريد أن يذهب بابنى، وقد سقاني من بئر أبى عنبة وقد نفعي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به " فإن اختارهما أقرع بينهما، لانه لا يمكن اجمتاعهما على كفالته، ولا مزية لاحدهما على الآخر فوجب التقديم بالقرعة، وان لم يختر واحدا منهما أقرع بينهما لانه لا يمكن تركه وحده ما لم يبلغ لانه يضيع، ولا مزية لاحدهما على الآخر فوجبت القرعه، وإن اختار أحدهما نظرت - فإن كان ابنا فاختار الام كان عندها بالليل، ويأخذه الاب بالنهار ويسلمه في مكتب أو صنعة لان القصد حظ الولد، وحظ الولد فيما ذكرناه، وان اختار الاب كان عنده بالليل والنهار ولا يمنعه من زيارة أمه لان المنع من ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرحم. فإن

مرض كانت الام أحق بتمريضه، لان المرض صار كالصغير في الحاجة إلى من يقوم بأمره، فكانت الام أحق به، وإن كانت جارية فاختارت أحدهما كانت عنده بالليل والنهار ولا يمنع الاخر من زيارتها من غير إطالة وتبسط، لان الفرقة بين الزوجين تمنع من تبسط أحدهما في دار الاخر، وإن مرضت كانت الام أحق بتمريضها في بيتها. وإن مرض أحد الابوين والولد عند الاخر لم يمنع من عيادته وحضوره عند موته لما ذكرناه، وإن اختار أحدهما فسلم إليه ثم اختار الاخر حول إليه، وإن عاد فاختار الاول أعيد إليه لان الاختيار إلى شهوته وقد يشتهى المقام عند أحدهما في وقت وعند الاخر في وقت فاتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه من مأكول ومشروب. وإن لم يكن له أب وله أم وجد خير بينهما، لان الجد كالاب في الحضانة في حق الصغير فكان كالاب في التخيير في الكفالة، فإن لم يكن له أب ولا جد - فإن قلنا إنه لاحق لغير الاب والجد في الحضانة - ترك مع الام إلى أن يبلغ، وإن قلنا بالمنصوص إن الحضانة تثبت للعصبة، فإن كانت العصبة محرما كالعم والاخ وابن الاخ خير بينهم وبين الام، لما روى عامر ابن عبد الله قال " خاصم عمى أمي وأراد أن يأخذني فأختصما إلى علي بن أبى طالب كرم الله وجهه، فخيرني على ثلاث مرات فاخترت أمي، فدفعني إليها " فإن كان العصبة ابن عم. فإن كان الولد إبنا خير بينه وبين الام، وإن كانت بنتا كانت عند الام إلى أن تبلغ، ولاتخير بينهما، لان ابن العم ليس بمحرم لها ولايجوز أن تسلم إليه. (الشرح) حديث أبى هريرة باللفظ الذي ساقه المصنف رواه النسائي وأخرجه أبو داود بلفظ فيه زياده فقال استهما عليه " ولاحمد معناه لكنها قال فيه " جاءت امرأة قد طلقها زوجها " ولم يذكر فيه قولها " قد سقاني من بئر أبى عنبة وقد نفعني " ورواه أحمد وأبن ماجه والترمذي وصححه مختصرا بلفظ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غلاما بين أبيه وأمه، ورواه بلفظ المصنف أيضا بقية أهل السنن وابن أبى شيبة وصححه الترمذي وابن حبان وأما خبر عامر بن عبد الله فقد أخرجه الشافعي في الام في باب أي الوالدين

أحق بالولد " أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمى عن عمارة قال: خيرنى علي بين أمي وعمى، ثم قال لاخ لى أصغر منى: وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته " وأخرجه من طريق ابراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة " خيرنى علي بين أمي وعمى وقال لاخ لى أصغر منى وهذا لو بلغ مبلغ هذا خيرته " قال ابراهيم: وفي الحديث " وكنت ابن سبع أو ثمان سنين " ومن ثم تدرك أن الرواية ليست عن عامر بن عبد الله وإنما هي عن عمارة، وقد أخرجه البيهقى في السنن الكبرى وقال: عمارة الجذامي، والصواب ما في الام. أما اللغات، فبئر أبى عنبة على ميل من المدينة. قال ابن الجوزى: أبو عنبة عبد الله بن عنبه من الصحابة ليس فيهم أبو عنبة غيره. قال في المؤتلف والمختلف: أبو عنبة الخولانى له صحبة. وفي الاستيعاب: قيل انه ممن صلى القبلتين، قديم الاسلام، وقيل إنه ممن أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصحبه، وانه صحب معاذ بن جبل وسكن الشام، روى عنه محمد بن زياد الالهانى وبكر بن زرعة وشريح بن مسروق وقوله " في مكتب أو صنعة " قال الجوهرى: الكتاب والمكتب واحد، والجمع الكتاتيب والمكاتب وهو موضع تعليم الكتابة. وقوله " أغراء بالعقوق " من غرى غرى من باب تعب أولع به من حيث لا يحمله عليه فإذا تعدى بالهمز فقيل أغريته به اغراء فأغرى به بالبناء للمفعول والاسم الغراء بالفتح والمد والغراء مثل كتاب ما يلصق به، فكأنه يقول أغراه بالعقوق كأنه لصقه بالغراء فجعله سببا لوقوع العقوق ولصوقا به. وقوله " وتبسط " التبسط والانبساط ترك الاحتشام، وتبسط في البلاد سافر فيها طولا وعرضا، وأصله السعة وذلك محرم على من طلق أما الاحكام. فإن الشافعي رضى الله عنه يقول: فإذا افترق الابوان وهما في قرية واحدة فالام أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا، فإذا بلغ أحدهم سمعا أو ثمانى سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وكان عند أيهما اختار، فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه، قال وسواء في ذلك الذكر والانثى

ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوى عند أمه وعلى أبيه نفقته، وإن اختار أباه لم يكن لابيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الايام وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها، ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة. قال وإن ماتت البنت لم تمنع الام من أن تليها حتى تدفن، ولا تمنع في مرضها من أن تلى تمريضها في منزل أبيها. قال وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير، وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الام أحق به ولا يخير أبدا. قال وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كانا معا ثقة للولد، فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة فالثقة أولاهما به بغير تخيير. قال وإذا خبر الولد فاختار أن يكون عند أحد الابوين ثم عاد فاختار الاخر حول إلى الذي اختار بعد اختياره الاول، قال وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها صغيرا كان أو كبيرا، ولو اختارها ما كانت ناكحا، فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها فيهم اه إذا ثبت هذا فإن الغلام إذا بلغ سبعا وليس بمعتوه خير بين أبويه إذا تنازعا فيه، فمن اختاره منهما فهو أولى به، قضى بذلك عمر وعلى شريح، وهو مذهب أحمد، وقال مالك وابو حنيفة: إذا استقل بنفسه، فأكل بنفسه ولبس بنفسه فالاب أحق به. ومالك يقول الام أحق به. قالا وأما التخيير فلا يصح لان الغلام لا قول له ولا يعرف حظه، وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته فيؤدى إلى فساده، ولانه دون البلوغ فلم يخير كمن دون السبع وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه " وفي لفظ " جاءت امرأة إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يارسول الله ان زوجي يريد أن يذهب بابنى وقد سقاني من بئر أبى عنبة وقد نفعني، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به " ولانه اجماع الصحابة كما أوضحنا ذلك عن علي وعمر ولا معارض فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه ويميز بين الاكرام وضده فمال إلى أحد

الابوين، دل على أنه أرفق به وأشفق عليه، فقدم بذلك، وقيدناه بالسبع لانها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالامر بالصلاة. ومتى اختار أحدهما فسلم إليه ثم أختار الاخر رد إليه، فإن عاد فاختار الاول أعيد إليه هكذا أبدا كلما اختار أحدهما صار إليه، لانه اختيار شهوة لحظ نفسه فاتبع ما يشتهيه، وان خيرناه فلم يختر واحدا منهما أو اختارهما معا قدم أحدهما بالقرعة، لانه لا مزية لاحدهما على صاحبه، ولا يمكن اجتماعهما على حضانته فقد أحدهما بالقرعة (فرع) فإن كان الاب معدوما أو من غير أهل الحضانة وحضر غيره من العصبات كالاخ والعم وابنه قام مقام الاب، فيخير الغلام بين أمه وعصبته فأشبه الاب، وكذلك ان كانت أمه معدومه أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى الجدة، خير الغلام بينها وبين أبيه أو من يقوم مقامه من العصبات، فإن كان الابوان معدومين أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى امرأة كأخته وعمته أو خالته قامت مقام أمه في التخيير بينهما وبين عصيانه للمعنى الذي ذكرناه في الابوين (فرع) وان كان عند الاب كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه لان منعه من ذلك اغراء له بالعقوق وقطيعة الرحم، وان مرض كانت الام أحق بتمريضه في بيتها، لانه صار بالمرض كالصغير في الحاجة إلى من يقوم بأمره فكانت الام أحق به كالصغير، وان مرض أحد الابوين والولد عن الاخر لم يمنع من عيادته وحضوره عند موته، سواء كان ذكرا أو أنثى لان المرض يمنع المريض من المشى إلى ولده، فمشى ولده إليه أولى، فأما في حال الصحة فإن الغلام يزور أمه لانها عورة فسترها أولى، والام تزور ابنتها، لان كل واحدة منهما عورة تحتاج إلى صيانة - وستر الجارية أولى - لان الام قد تخرجت وعقلت بخلاف الجارية. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان افترق الزوجان ولهما ولد فأراد أحدهما أن يسافر بالولد - فإن كان السفر مخوفا أو البلد الذي يسافر إليه مخوفا - فالمقيم أحق به، فإن كان مميزا لم يخير بينهما، لان في السفر تغريرا بالولد، وان كان السفر مسافة

لا تقصر فيها الصلاة كانا كالمقيمين في حضانة الصغير ويخير المميز بينهما، لانهما يستويان في انتفاء أحكام السفر من القصر والفطر والمسح، فصارا كالمقيمين في محلتين في بلد واحد، وإن كان السفر لحاجة لا لنقلة كان المقيم أحق بالولد، لانه لاحظ للولد في حمله ورده، وإن كان السفر للنقلة إلى موضع يقصر فيه الصلاة من غير خوف فالاب أحق به، سواء كان هو المقيم أو المسافر. لان في الكون مع الام حضانة، وفي الكون مع الاب حفظ النسب والتأديب، وفي الحضانة يقوم غير الام مقامها، وفي حفظ النسب لا يقوم غير الاب مقامه فكان الاب أحق. وإن كان المسافر هو الاب، فقالت الام يسافر لحاجة فأنا أحق، وقال الاب أسافر للنقلة فأنا أحق، فالقول قول الاب لانه أعرف بيته. وبالله التوفيق (الشرح) إذا أراد أحد الابوين السفر مسافة تقصر فيها الصلاة لحاجة ثم يعود، والآخر مقيم، فالمقيم أولى بالحضانة، لان في المسافرة بالولد إضرارا به، وإن كان منتقلا إلى بلد ليقيم به وكان الطريق مخوفا، أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أولى بالحضانة، لان في السفر به خطرا عليه، ولو اختار الولد السفر في هذه الحالة لم يجب إليه لان فيه تعزيرا به. وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنا وطريقه أمنا فالاب أحق به، سواء كان هو المقيم أو المنتقل، لان في كون الولد مع الاب حفظ النسب والتأديب. وإن كان السفر دون مسافة قصر الصلاة كانا كالمقيمين. وبهذا قال بعض أصحاب أحمد، والمنصوص عن أحمد سريان ما قررنا من الحكم على اطلاق السفر، سواء كان دون القصر أم لا. لان البعد الذي يمنعه من رؤيته يمنعه من تأديبه وتعليمه ومراعاة حاله. فأشبه مسافة القصر، وبما ذكرناه من تقديم الاب عند افتراق الدار بهما. قال شريح ومالك وأحمد. وقال أصحاب الرأى: إن انتقل الاب فالام أحق به، وإن انتقلت الام إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهى أحق، وإن انتقلت إلى غيره فالاب أحق. وحكى عن أبى حنيفة إن انتقلت من بلد إلى قرية فالاب أحق، وإن انتقلت إلى بلد آخر فهي أحق، لان في المدينة يمكن تعليمه وتخريجه

كتاب الجنايات

(فرع) إذا اختلف الاب والام في أمر السفر فقالت الام: يسافر مشغولا بمصالحه وحاجياته فلن يلتفت إلى رعاية الولد فأنا أحق به، وقال الاب: أسافر للنقلة والاستيطان فأنا أحق كان القول قول الاب لانه أعلم بقصده والله تعالى أعلم بالصواب وهو حسبي ونعم الوكيل قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الجنايات (الشرح) الجنايات جمع جناية. وفي القاموس: جنى الذنب عليه يجنيه جناية جره طلبه إليه، والثمرة اجتنها كتجناها وهو جان والجمع جناة وجنتاه وأجناء " نادر " اه. وفي اللسان قال أبو حية النميري: وان دما لو تعلمين جنيته على الحى جانى مثله غير سالم فأما قولهم في المثل " أبناؤها أجناؤها " فزعم أبو عبيد أن أبناء جمع بان وأجناء جمع جان كشاهد وأشهاد وصاحب وأصحاب. قال ابن سيده في المخصص وأراهم لم يكسروا بانيا على أبناء ولا جانيا على أجناء الا في هذا المثل، المعنى أن الذي جنى وهدم الدار هده هو الذي بناها. قال الجوهرى وأنا أظن أن المثل جنانها بناتها، لان فاعل لاتجمع على أفعال، ثم أستطرد خطأ فقال: ان اشهادا وأصحابا جمع شهد وصحب وهو خطأ فإن فعل لاتجمع على أفعال الا إذا كانت عينها واوا ياء كقول وشيخ تجمع على أقوال وأشياخ الا جمعا شاذا، وقد رأيتهم في كتب الفقه والحديث والتفسير واللغة يجمعون بحث على أبحاث فإذا جاز فهو شاذ وصوابه بحوث. وهذا المثل يضرب لمن عمل شيئا بغير روية فأخطأ فيه ثم استدركه فنقبض ما عمله. وأصله أن بعض ملوك اليمن غزا واستخلف ابنته فبنت بمشورة قوم بنيانا كرهة أبوها، فلما قدم أمر المشيرين ببنائه أن يهدموه، والمعنى أن الذين جنوا عليه هذه الدار بالهدم هم الذين بنوها، والمدينة التي هدمت اسمها براقش، ومن ثم قيل " على نفسها جنت براقش " وفي الحديث " لا يجنى جان الا على نفسه "

والجناية الذنب والجرم، وما يفعله الانسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والاخرة، والمعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهم جناية لا يطالب بها الاخر لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وجنى فلان على نفسه إذا جر جريرة يجئ جناية على قومه، وتجنى فلان على فلان ذنبا إذا تقوله عليه وهو برئ، وتجنى عليه وجانى ادعى جناية. قال شمر: حنيت لك وعليك ومنه قوله: جانيك من يجنى عليك وقد تعدى الصحاح - فتجرب - الجرب وجنيت الثمرة أجنيها جنى، واجتنيتها بمعنى. قال ابن سيده: جنى الثمرة ونحوها وتجناها كل ذلك تناولها من شجرتها. قال الشاعر إذا دعيت بما في البيت قالت تجن من الجذال وما جنيت قال أبو حنيفة، هذا شاعر نزل بقوم فقرؤه صمغا ولم يأتوه به ولكن دلوه على موضعه وقالوا اذهب فاجنه، فقال هذا البيت يذم به أم مثواه واستعاره أبو ذؤيب للشرف فقال وكلاهما قد عاش عيشة ماجد وجنى العلاء لو أن شيئا ينفع وفي الحديث إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام دخل بيت المال فقال يا حمراء ويابيضاء احمرى وابيضى وغرى غيرى هذا جناى وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه وأراد على أن يتمثل بهذا البيت الذي قاله في الجاهلية عمرو بن عدي اللحمى ابن أخت جذيمة. أي أنه لم يتلطخ بشئ من فئ المسلمين بل وضعه مواضعه. والجنى الثمر المجتنى مادام طريا، وفي التنزيل العزيز (تساقط عليك رطبا جنيا) وقال القائل " إنك لا تجنى من الشوك العنب " وفي حديث أبى بكر رضى الله عنه أنه رأى أبا ذر رضى الله عنه فدعاه فجنى عليه فساره. جنى عليه أكب عليه والاصل فيه من جنأ يجنا إذا مال عليه وعطف، ثم خفف. هذا بعض ما ألمت به من مادة " جناية " لغة واستعمالا، وشواهد وأمثالا، وآثارا وقرآنا تضفى على البحث كمالا، والله الموفق حالا ومآلا

باب تحريم القتل

قال المصنف رحمه لله تعالى (باب تحريم القتل) ومن يجب عليه القصاص ومن لا يجب عليه القتل بغير حق حرام وهو من الكبائر العظام، والدليل عليه قوله عز وجل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال " لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " وروى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَوْ أَنَّ أهل السموات والارض اشتركوا في قتل مؤمن لعذبهم الله عز وجل الا أن لا يشاء ذلك " (الشرح) قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها) الاية. في صحيح البخاري عن أبن جبير قال، اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هذه الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) هي آخر ما نزل وما نسخها شئ، وكذا رواه مسلم والنسائي من طرق عن شبعة به ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في الاية فقال ما نسخها شئ وقال ابن جرير بإسناده عن يحيى الجابري عن سالم بن أبى الجعد قال " كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه يا عبد الله ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها الخ آخر الاية، قال أفرأيت إن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس " ثكلته أمه، وأنى له التوبة والهدى؟ والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا جاء يوم القيامة أخذه بيمينه أو بشماله. تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن يلزم قاتله بشماله، وبيده الاخرى رأسه يقول يا رب سل هذا فيم قتلني؟ " وايم الذي نفس عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الاية فما نسخها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم وما نزل بعدها من برهان. وقد رواه

أحمد في مسنده. أما حديث " لزوال الدينا أهون على الله من قتل رجل مسلم " فإنى لم أعثر عليه من حديث أبى هريرة، ولا اتهم المصنف بالخطأ في عزوه إليه فلست أهلا لذاك، وإنما وجدت الحديث في سنن النسائي من حديث بريدة رضى الله عنه. وعنده أيضا من حديث ابن عمر ولفظه " لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " وكذلك الترمذي وعند ابن ماجه من حديث البراء. أما حديث ابن عباس فقد أخرجه الترمذي من حديث أبى سعيد وأبى هريرة بلفظ " لو أن أهل السماء والارض اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الله في النار " في الديات. أما الاحكام فإن القتل بغير حق حرام، والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " وقوله تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا " فأخبر أنه ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ولم يرد بقوله " الا خطأ " أن قتله خطأ يجوز، وإنما أراد لكن إذا قتله خطأ فعليه الدية والكفارة. وقوله " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم " الآية، أما السنة فعلى ما مضى من الاحاديث، وما سيأتي بما يجاوز الحصر. وأما الاجماع فإنه لا خلاف بين الامة في تحريم القتل بغير حق. إذا ثبت هذا فمن قتل مؤمنا متعمدا بغير حق فسق واستوجب النار، الا أن يتوب. وحكى عن ابن عباس قوله " لاتقبل توبة القاتل ". ودليلنا قوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق - إلى قوله تعالى - الا من تاب) الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم " التوبة تحت ما قبلها " ولان التوبة إذا صحت من الكفر فلان تصح من القتل أولى. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ويجب القصاص بجناية العبد، وهو أن يقصد الاصابة بما يقتل غالبا فيقتله، والدليل عليه قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس

والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) وقوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) الايه. وقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الالباب) وروى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مسلم الا بإحدى ثلاث: الزانى المحصن والمرتد عن دينه وقاتل النفس، ولانه لو لم يجب القصاص أدى ذلك إلى سفك الدماء وهلاك الناس ولا يجب بجناية الخطأ، وهو أن يقصد غيره، فيصبيه فيقتله، لقوله عليه السلام " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " ولان القصاص عقوبة مغلظة فلا يستحق مع الخطأ ولا يجب في عمد الخطأ، وهو أن يقصد الاصابة بما لا يقتل غالبا فيموت منه، لانه لم يقصد القتل فلا يجب عليه عقوبة القتل، كما لا يجب حد الزنا في وطئ الشبهة حيث لم يقصد الزنا. (الشرح) قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) الخ الايات. أخرج أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أبيه عن عبد الله بن عبد الله ابن عباس عن أبيه قال ان الله أنزل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الفاسقون. أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت احدهما قد قهرت الاخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتله الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة تطلب مائة وسق، فقالت الذليلة وهو لكان في حيين دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم نصف دية بعض؟ انما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم. فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم، فكادت الحرب تهيج بينهما (وهما قريظه والنضير) ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا ما أعطونا هذا الا ضيما منا وقهرا لهم ; فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه أن أعطاكم ما تريدون

حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه. فدسوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسا من المنافقين ليخيروا لهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله تعالى (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون - إلى قوله تعالى - وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس - إلى قوله تعالى - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) وروى الامام أحمد بإسناده عن الزهري عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأها (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) نصب النفس ورفع العين، وكذا رواه أبو داود والتزمذى والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله ابن المبارك. وقال الترمذي حسن غريب. وقال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث. وقد استدل كثير ممن ذهب من الاصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكى مقررا ولم ينسخ كما هو المشهور عند الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الاسفرايينى عن نص الشافعي وأكثر الاصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات. وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة. رواه ابن أبى حاتم، وقد حكى الامام النووي في كتاب الصوم من المجموع في هذه المسألة ثلاثة أوجه ثالثها: أن شرع أبراهيم حجة دون غيره وصحح منها عدم الحجية. ونقلها الشيخ أبو إسحاق الاسفراييني أقولا عن الشافعي وأكثر الاصحاب. ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا. وقد حكى الامام أبو قصر بن الصباغ في الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الاية على مادلت عليه. أما حديث عثمان رضى الله عنه فقد أخرجه أبو داود في الديات عن سليمان ابن حرب والترمذي في الفتن عن أحمد بن الضبى والنسائي في المحاربة عن ابراهيم ابن يعقوب وعن مؤمل بن إهاب وعن أبى الازهر أحمد بن الازهر وابن ماجه في الحدود عن أحمد بن عبدة، ولفظه " أن عثمان أشرف يوم الدار فقال أنشدكم الله أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإحدى ثلاث، زنا بعد إحصان، أو ارتداد بعد اسلام، أو قتل نفسا بغير حق

فقتل به، فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا ارتدت منذ بَايَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا قتلت النفس التي حرم الله. فيم تقتلوني؟ " قال الترمذي ورواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد فرفعه وروى يحيى بن سعيد القطان وغير واحد عن يحيى بن سعيد هذا الحديث فأوقفوه ولم يرفعوه، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعا ورواه الشيخان وأصحاب السنن وأحمد عن ابن مسعود بلفظ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يحل دم امرئ مسلم يشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله الا بإحدى ثلاث، الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " وروى أحمد والنسائي عن عائشة مرفوعا " لا يحل دم امرئ مسلم الا من ثلاثة إلا من زنى بعد ما أحصن، أو كفر بعد ما أسلم، أو قتل نفسا فقتل بها " ورواه مسلم عنهما بمعناه. وفي لفظ رواه النسائي عنها " لا يحل قتل مسلم الا في إحدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم، ورجل يقتل مسلما متعمدا، ورجل يخرج من الاسلام فيحارب الله عز وجل فيقتل أو يصلب أو ينفى من الارض " وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود والحاكم وصححه. أما الاحكام فإنه إذا قتل من يكأفئه عامدا - وهو أن يقصد قتله بما يقتل غالبا فيموت منه - وجب عليه القصاص لقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية. وهذه الآية حجه لنا بلا خلاف، لان من أصحابنا يقول شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يتصل به نكير. ومن قال منهم ليس بشرع لنا، فإن الشرع قد ورد به ثبوت حكم هذه الاية في حقنا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للربيع بنت معوذ حين كسرت سن جارية من الانصار " كتاب الله القصاص " وليس للسن ذكر في القصاص إلا في هذه الاية. وقوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر، والعبد بالعبد) الاية. وقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) ومعنى ذلك أن الانسان إذا علم أنه يقتل إذا قتل لم يقتل، فكان في ذلك

حياة لهما، وكانت العرب تقول في الجاهلية القتل أنفى (1) للقتل، وكان ما ورد به القرآن أحسن لفظا وأشمل معنى. وقوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) والسلطان ههنا القصاص. وروى عثمان رضى الله عنه وأرضاه إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثلاث إلخ " وقد خرجناه آنفا، ولا يجب القصاص للقتل الخطأ، وهو أن يقصد غيره فيصبيه فيقتله، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " ولا يجب القصاص في عمد الخطأ وهو أن يقصد إصابته بما لا يقبل غالبا فيموت منه، لانه لم يقصد القتل فلم تجب عليه عقوبة القتل. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ولا يجب القصاص على صبى ولا مجنون لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ولانه عقوبة مغلظة فلم يجب على الصبي والمجنون كالحدود والقتل بالكفر. وفي السكران طريقان، ومن أصحابنا من قال يجب عليه القصاص قَوْلًا وَاحِدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وقد بيناه في كتاب الطلاق (فصل) ويقتل المسلم بالمسلم، والذمى بالذمي، والحر بالحر، والعبد بالعبد، والذكر بالذكر، والانثى بالانثى، لقوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) ويقتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر، والانثى بالذكر، لانه إذا قتل كل واحد منهم بمن هو مثله فلان يقتل بمن هو أفضل منه أولى، ويقتل الذكر بالانثى لما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن أبيه عن جد " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن أن الرجل يقتل بالمرأة " ولان المرأة كالرجل في حد القذف فكانت كالرجل في القصاص.

_ (1) ورد هذا المثل بد دخول الترقيم في الحروف بصيغ مختلفة، مثل القتل القى القتل، والقتل أبقى للقتل. والقتل أنقى للقتل

(الشرح) قوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) الآية. ذكر سبب نزولها العلامة ابن كثير في تفسيره فنقل ما رواه ابن أبي حاتم بالاسناد عن سعيد ابن جبير قال يعنى إذا كان عمدا الحر بالحر. وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الاسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والاموال فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، والمرأة منا الرجل منهم، فنزل فيهم (الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) منها منسوخة نسختها " النفس بالنفس " أه أما حديث " رفع القلم عن ثلاثة " فقد أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك عن على وعمر رضى الله عنهما، وقد مضى في غير ما موضع. وأما حديث أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن أبيه عن جده فقد أخرجه مالك في الموطأ والشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالانثى. وهو عندهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالانثى. ووصله نعيم بن حماد عن أبن المبارك عن معمر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أبيه عن جده، وجده محمد بن عمر بن حزم ولد فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن لم يسمع منه. وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر ومن طريقه الدارقطني. ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا. ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال قرأت فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبى بكر بن حزم. ورواه النسائي وابن حبان والحاكم البيهقى موصولا مطولا من حديث الحكم ابن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثنى الزهري عن أبى بكر عن أبيه عن جده، وفرقه الدرامى في مسنده عن الحكم مقطعا قال الحافظ بن حجر ; وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل. قد أسند هذا الحديث ولا يصح، والذي في اسناد سليمان

ابن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم، وقال في موضع آخر لا أحدث به، وقد وهم الحكم بن موسى في قوله سليمان بن داود، وقد حدثنى محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأ في أصل يحيى بن حمزة بن سليمان بن أرقم، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي أنه الصواب وتبعه صالح جزرة وأبو الحسن الهروي وغيرهما وقال صالح جزرة حدثنا دحيم، قال قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم، قال صالح كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج. قال الحافظ: ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري وقال هذا أشبه بالصواب. وقال ابن حزم في المحلى صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة وسليمان بن داود متفق على تركه. وقال عبد الحق، سليمان بن داود الذي يروى هذه النسخة عن الزهري ضعيف، ويقال انه سليمان بن أرقم وتعقبه ابن عدى فقال، هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود وقد جوده الحكم بن موسى. وقال أبو زرعة عرضت على أحمد فقال سليمان بن داود اليمامى ضعيف، وسليمان بن داود الخولانى ثقة، وكلاهما يروى عن الزهري ; والذي روى حديث الصدقات هو الخولانى، فمن ضعفه فإنما ظن أنه اليمامى، وقد أثنى على سليمان بن داود الخولانى هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، وصححه من حيث الشهرة لا من حيث الاسناد الامام الشافعي في رسالته حيث قال لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الاسناد لانه أشبه التواتر في مجيئه، لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة. وقال يعقوب بن أبى سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم فإن الصحابة والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم.

قال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإما عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب. أما الاحكام فإنه لا يجب على الصبى والمجنون قصاص لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يفيق " ولان القصاص من حقوق الابدان، وحقوق الابدان لا تجب على الصبي والمجنون كما قلنا في الصلاة والصوم، وإن قتل السكران من يكافئه عمدا فهل يجب عليه القصاص؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يجب فيه القصاص قولا واحدا، وقد مضى ذكر ذلك في الطلاق. وان قتل رجلا وهو عاقل ثم جن أو سكر لم يسقط عنه القصاص، لان القصاص قد وجب عليه فلا يسقط بالجنون والسكر كما لا يسقط عنه ذلك بالنوم وقال الحنابلة في القصاص على السكران إذا قتل حال سكره بناء على وقوع طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان (أحدهما) أنه أشبه بالمجنون لزوال عقله، ولانه غير مكلف أشبه الصبى والمجنون. ورجح ابن قدامة منهم القصاص، لان الصحابة رضى الله عنهم أقاموا سكره مقام قذفه فأوجبوا عليه حد القاذف فلولا أن قذفه موجب للحد عليه لما وجب الحد بخطيئته. وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمى أولى، ولانه حكم لو لم يجب القصاص والحد لافضى إلى أن من أراد أن يعصي الله تعالى شرب ما يسكره ثم يقتل ويزنى ويسرق، ولا يلزمه عقوبة ولا مأتم، ويصير عصيانه سببا لسقوط عقوبة الدنيا والآخره عنه، ولاوجه لهذا، وفارق هذا الطلاق، ولانه قول يمكن الغاؤه بخلاف القتل. فأما أن شرب أو أكل ما يزيل عقله غير الخمر على وجه محرم - فإن زال عقله بالكلية بحيث صار مجنونا فلا قصاص عليه ; وان كان يزول قريبا ويعود من غير تداو فهو كالسكر على ما فصل فيه. (مسألة) وان كان الجاني والمجني ممن يجد أحدهما بقذف الآخر فقد ذكرنا أنه يجب القصاص على الجاني فإن قتل المسلم مسلما والكافر كافرا، سواء كانا على دين واحد أو على دينين، أو قتل الرجل رجلا أو المرأة امرأة، وقتل الحر حرا

أو العبد عبدا وجب القصاص على القاتل لقوله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) الخ الاية. ولان كل واحد منهما مساو لصحابه فقتل به، ويقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والانثى بالذكر لقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ولانه إذا قتل بمن يساويه فلان يقتل بمن هو أعلا منه أولى، ويقتل الذكر بالانثى، وهو قول أكثر العلماء. وقال ابن عباس رضى الله عنهما لا يقتل بها، وقال عطاء يكون ولى المرأة بالخيار بين أن يأخذ ديتها وبين أن يقتل الرجل بها ويدفع إلى وليه نصف الدية. وروى ذلك عن على رضى الله عنه، ودليلنا قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) وقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) وهذا عام الا فيما خصه الدليل، ولحديث أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بقتل الرجل بالمرأة " ولانهما شخصان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فجرى القصاص بينهما كالرجلين والمرأتين، ويقتل الخنثى بالرجل والمرأة، ويقتل الرجل والمرأة بالخنثى لقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) قال المصنف رحمه الله: (فصل) ولا يجب القصاص على المسلم بقتل الكافر، ولا على الحر بقتل العبد، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال: من السنة أن لا يقتل مسلم بكافر ومن السنة أن لا يقتل حر بعبد. فإن جرح ذمى ذميا ثم أسلم الجاني أو جرح عبد عبدا ثم أعتق الجاني اقتص منه لانهما متكافئان منه حال الوجوب والاعتبار بحال الوجوب لان القصاص كالحد، والحد يعتبر بحال الوجوب، بدليل أنه إذا زنى وهو بكر ثم أحصن أقيم عليه حد البكر ولو زنى وهو عبد ثم أعتق أقيم عليه حد العبد، فوجب أن يعتبر القصاص أيضا بحال الوجوب. وإن قطع مسلم يد ذمى ثم أسلم ثم مات، أو قطع حر يد عبد ثم أعتق ثم مات، لم يجب القصاص، لان التكافؤ معدوم عند وجود الجناية، فإن جرح

مسلم مسلما ثم ارتد المجروح ثم أسلم ثم مات، فإن أقام في الردة زمانا يسرى الجرح في مثله لم يجب القصاص، لان الجناية في الاسلام توجب القصاص، والسراية في الردة تسقط القصاص، فغلب الاسقاط، كما لو جرح جرحا عمدا وجرحا خطئا، فإن لم يقم في الردة زمانا يسرى فيه الجرح ففيه قولان أحدهما: لا يجب فيه القصاص، لانه أتى عليه زمان لو مات فيه لم يجب القصاص فسقط، والثانى: يجب القصاص وهو الصحيح، لان الجناية والموت وجدا في حال الاسلام، وزمان الردة لم يسر فيه الجرح، فكان وجوده كعدمه وان قطع يده ثم ارتد ثم مات ففيه قولان: (أحدهما) يسقط القصاص في الطرف، لانه تابع للنفس، فإذا لم يجب القصاص في النفس لم يجب في الطرف (والثانى) وهو الصحيح أنه يجب، لان القصاص في الطرف يجب مستقرا فلا يسقط بسقوطه في النفس، والدليل عليه أنه لو قلع طرف إنسان ثم قتله من لاقصاص عليه لم يسقط القصاص في الطرف وان سقط في النفس (فصل) وان قتل مرتد ذميا ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب القصاص، وهو اختيار المزني لانهما كافران، فجرى القصاص بينهما كالذميين (والثانى) أنه لا يجب لان حرمة الاسلام باقية في المرتد بدليل أنه يجب عليه قضاء العبادات، ويحرم استرقاقه، وان كانت امرأة لم يجز للذمي نكاحها، فلا يجوز قتله بالذمي، وان جرح مسلم ذميا ثم ارتد الجاني ثم مات المجني عليه لم يجب القصاص قولا واحدا لانه عدم التكافؤ في حال الجناية فلم يجب القصاص وإن وجد التكافؤ بعد ذلك، كما لو جرح حر عبدا ثم أعتق العبد وان قتل ذمى مرتدا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يجب عليه القصاص إن كان القتل عمدا، والدية ان كان خطأ لان الذمي لا يقتل المرتد تدينا. وانما يقتله عنادا، فأشبه إذا قتل مسلما وقال أبو إسحاق لا يلزمه قصاص ولا دية، وهو الصحيح، لانه مباح الدم فلم يضمن بالقتل، كما لو قتله مسلم. وقال أبو سعيد الاصطخرى: ان قتله عمدا وجب القصاص لانه قتله عنادا ; وان قتله خطأ لم تلزمه الدية لانه لا حرمة له

(فصل) وإن حبس السلطان مرتدا فأسلم وخلاه فقتله مسلم لم يعلم بإسلامه ففيه قولان (أحدهما) لا قصاص عليه لانه لم يقصد قتل من يكافئه (والثانى) يجب عليه القصاص، لان المرتد لا يخلى إلا بعد الاسلام، فالظاهر أنه مسلم فوجب القصاص بقتله. وإن قتل المسلم الزانى المحصن ففيه وجهان (أحدهما) يجب عليه القصاص، لان قتله لغيره فوجب عليه القصاص بقتله، كما لو قتل رجل رجلا فقتله غير ولى الدم (والثانى) لا يجب، وهو المنصوص، لانه مباح الدم فلا يجب القصاص بقتله كالمرتد. (الشرح) حديث علي كرم الله وجهه رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي عن أبي جحيفة قال " قلت لعلى هل عندكم شئ من الوحي ما ليس في القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الاسير وأن لا يقتل مسلم بكافر. وأخرج أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المؤمنون تتكافا دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده. أما الاحكام فقد قال الشافعي في الام: وخطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح كانت بسبب القتيل الذي قتله خزاعة وكان له عهد، فخظب النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ قتلت مسلما بكافر لقتلته به. وقال: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. إذا ثبت هذا فإنه لا يقتل المسلم بالكافر، سواء كان الكافر ذميا أو مستأمنا أو معاهدا، وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وزيد بن ثابت ومعاوية، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز والزهري والثوري وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وعطاء وعكرمة والاوزاعي ومالك، وقال الشعبي والنخعي وأبو حنيفة يقتل المسلم بالذمي ولا يقتل بالمستأمن، وهو المشهور عن أبى يوسف، وروى عن أبي يوسف أنه قال يقتل بالمتسأمن

وقال أحمد، الشعبى والنخعي قالا: دية المجوسى واليهودى كدية المسلم وان قتله يقتل به، هذا عجب: يصير اليهودي مثل المسلم؟ سبحان الله! ماهذا القول؟ واسبشعه. ودليلنا على أصحاب الرأى ماروى أبو جحيفة قال، قلت لعلى رضى الله عنه يا أمير المؤمنين هل عندكم سوداء في بيضاء ليس في كتاب الله؟ قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما علمته، إلا فهما يعطيه الله رجالا للقرآن وما في هذه الصحيفة، قلت وما في هذه الصحيفة؟ قال فيها العقل وفكاك الاسير وألا يقتل مسلم بكافر. وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. ومعنى قوله لا يقتل ذون عهد في عهده. أي لا يجوز قتل أهل الذمة، ولانه مسلم قتل كافرا فلم يقتل به كالمستأمن. (فرع) وإن قتل الكافر كافرا ثم أسلم القاتل، أو جرح الكافر كافرا فمات المجروح وأسلم الجارح قتل به. وقال الاوزاعي لا يقتل به. ودليلنا ماروى البيهقى من حديث عبد الرحمن بن اليلمانى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل مسلما بمعاهد وقال أنا أكرم من وفي بذمته. وتأويله أنه قتله كافرا ثم أسلم، ولان القصاص حد والاعتبار بالحد حال الوجوب دون حال الاستيفاء، بدليل أنه لوزنى وهو بكر فلم يحد حتى أحصن، أو زنى وهو عبد فلم يحد حتى أعتق اعتبر حال الوجوب، وهذا كان مكافئا له حال الوجوب فلم يتغير بما طرأ بعده وإن جرح الكافر كافرا فأسلم الجارح ثم مات المجروح ففيه وجهان (أحدهما) لاقصاص عليه لانه قد أتت عليه حالة لو قتله فيها لم يجب عليه القصاص (والثانى) يجب عليه القصاص وهو المشهور اعتبارا بحالة الاصابة، كما لو مات المجروح ثم أسلم الجارح (مسألة) ان قتل حرا عبدا لم يقتل به، سواء كان عبده أو عبد غيره. وروى ذلك عن أبى بكر وعمر وعلى وزيد بن ثابت وابن الزبير، وبه قال مالك وأحمد، والنخعي يقتل به، سواء كان عبده أم عبد غيره.

وقال أبو حنيفة، يقتل بعبد غيره ولا يقتل بعبد نفسه، فإن قتل حر كافر عبدا مسلما لم يقتل به، لان الحر لا يقتل بالعبد، وإن قتل عبد مسلم حرا كافرا لم يقتل به، لان المسلم لا يقتل بالكافر، وإن قتل عبد عبدا ثم أعتق القاتل وجرح عبد عبد فمات المجروح ثم أعتق الجارح قتل به لانه كان مساويا له حال الجناية، وإن أعتق الجارح ثم مات المجروح فهل يجب عليه القصاص؟ فيه وجهان كما قلنا في الكافر إذا جرح كافرا فأسلم الجارح ثم مات المجروح. وإن قتل ذمى عبدا ثم لحق الذمي بدار الحرب وأخذه المسلمون واسترقوه لم يقتل به، لانه كان حين وجوب القصاص حرا فلم يتغير حكمه. (فرع) وإن قطع مسلم يد ذمى ثم أسلم ثم مات فلا قصاص على المسلم وكذلك إذا قطع حر يد عبد ثم أعتق العبد ثم مات فلا قصاص على الحر، لان القصاص لما سقط في القطع سقط في سرايته، ولان القصاص - معتبرا بحال الجناية - هو غير كاف له، فلم يجب عليه القصاص كما قلنا في الكافر إذا قطع يد الكافر ثم مات المقطوع وأسلم القاطع، وإن قطع مسلم يد مرتد أو يد حربى ثم أسلم المقطوع ثم مات لم يجب على القطاع قود ولا دية، لانه لم يكن مضمونا حال الجناية. ومن أصحابنا من قال يجب فيه دية مسلم لانه مسلم حال استقرار الجناية، والاول أصح وإن رمى مسلم إلى ذمى سهما فأسلم ثم وقع به السهم فمات لم يجب به القود ووجب فيه دية مسلم، وفارق جزاء الصيد لانه مال. فاعتبر فيه حال الاصابة لانه حال الاستقرار والقود ليس بمال فاعتبر فيه حال الارسال. فإذا أوجبنا الدية في المرتد والحربي إذا اسلما قبل الاصابة وبعد الارسال، فإن أبا إسحاق المروزي قال لا تجب الدية في الحربى وتجب في المرتد، لان الحربى كان له رميه والمرتد ليس له قتله وإنما قتله إلى الامام. ومن أصحابنا من قال لادية فيهما، والاول هو المنصوص. وإن قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد المجروح ثم أسلم ثم مات من الجراحة فهل يجب على الجارح القود؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال ينظر فيه فإن أقام في الردة زمانا تسرى فيه الجراحة لم تجب وعليه القود في النفس قولا واحدا لان

الجناية في الاسلام توجب القصاص والسراية في حال الردة لا توجب القصاص وقد خرجت الروح منهما فلم يجب القصاص كما لو جرحه جراحة عمدا وجراحة خطأ ومات منهما وإن أقام في الردة زمانا لاتسرى فيه الجراحة فهل يجب عليه القصاص في النفس؟ فيه قولان: أحدهما: يجب القصاص لان الجناية والسراية في حال الاسلام وزمان الردة لا تأثير له. والثانى: لا يجب القصاص لانه كما لو طلق امرأته ثلاثا في مرض موته ثم ارتدت ثم مات فإنها لا ترثه. ومن أصحابنا من قال القولان في الحالين، لان الشافعي رحمه الله قال في الام: لو قطع ذمى يد مستأمن فنقض العهد في عهد المستأمن ولحق بدار الحرب ثم عاد بأمان ثم سرت إلى نفسه، فهل على القاطع القود؟ فيه قولان، ونقض المستأمن العهدة كالردة للمسلم (مسألة) وإن قتل المرتد ذميا فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان: أحدهما: يجب عليه القود، وهو اختيار الشافعي والمزنى لانهما كافران فجرى القصاص بينهما كالذميين، ولان الذمي أحسن حالا من المرتد، لانه مقر على دينه والمرتد غير مقر على دينه، فعلى هذا يجب عليه القصاص سواء رجع إلى الاسلام أو لم يرجع، لان القصاص قد وجب عليه حال الجناية فلم يسقط بالاسلام كالذمي إذا جرح ثم أسلم الجارج ثم مات. (والثانى) لا يجب عليه القصاص، لانه شخص يجب في ماله الزكاة فلم يقتل بالذمي كالمسلم، فعلى هذا يجب عليه الدية، فإن رجع إلى الاسلام تعلقت الدية بذمته. وان مات أو قتل على الردة تعلقت بماله. وإن جرح المسلم ذميا ثم ارتد الجارح ثم مات المجروح لم يجب القصاص قولا واحدا، وان قتل الذمي مرتدا فهل يجب عليه القود؟ قال الخراسانيون من أصحابنا يبنى على القولين في المرتد إذا قتل الذمي. وقال البغداديون من أصحابنا فيه ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ ابن أبى هريرة - أنه يجب عليه القود، فإن عفا عنه أو كانت الجناية خطأ وجبت فيه الدية، لان قتله بالردة بالمسلمين، فإذا قتله غيرهم وجب عليه الضمان

كما لو قتل رجل رجلا فقتله غير ولى الدم (والثانى) وهو قول أبى الطيب وأبى سعيد الاصطخرى أنه يجب عليه القود، فإن عفا عنه أو كانت الجناية خطأ لم يجب عليه الدية، لان القود إنما يجب عليه لاعتقاد الذمي أنه مثله وأنه مكافئ له ولا يجب عليه الديه، لانه لا قيمة لديته (والثالث) وهو قول أبى اسحاق - وهو الاصح - أنه لا يجب عليه القود ولا الدية، لان كل من لا يضمنه المسلم بقود ولادية لم يضمنه الذمي كالحربي. وإن قتل المرتد مرتدا فهل يجب عليه القصاص فيه وجهان حكاهما الصيمري، أحدهما يجب عليه القصاص لانه ربما يسلم القاتل (مسألة) إذا حبس السلطان مرتدا فأسلم وخلاه فقتله رجل قبل أن يعلم بإسلامه فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود لانه لم يقصد قتل من يكافئه، فعلى هذا يجب عليه دية مسلم. (والثانى) يجب عليه القود، لان الظاهر من المرتد أنه لا يخلى من حبس السلطان وفي دار الاسلام إلا بعد إسلامه، وقال الطبري: وإن اسلم الذمي وقتله المسلم قبل أن يعلم بإسلامه أو أعتق العبد فقتله حر قبل أن يعلم بعتقه فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان كالتي قبلها. وأما الزانى المحصن إذا قتله رجل بغير إذن الامام ففيه وجهان: (أحدهما) أن عليه القود لان قتل المحصن إلى الامام، فإذا قتله غيره بغير إذنه وجب عليه القود كما لو قتل رجل رجلا فقتله غير ولى الدم (والثانى) لا يجب عليه القود - وهو المنصوص - لما روى أن رجلا قال " يارسول الله وجدت مع امرأتي رجلا أفأمهله حتى أقيم البينة؟ قال نعم " فدل على أنه إذا أقام البينة لا يمهله بل له أن يقتله وروى ابن المسيب أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله فأشكل فيه الامر على معاوية رضى الله عنه فكتب في ذلك إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فسأله أن يسأل عليا رضى الله عنه عن ذلك فقال علي رضى الله عنه: ما هذا شئ وقع بأرضنا عزمت عليك إلا أخبرتني، فقال له: كتب إلى بذلك معاوية،

فقال علي: أنا أبو الحسن لها، إن أقام البينة وإلا أعطى بزمته (والزمة الحبل الذي يربط به الرجل إذا قدم للقتل) ويروى العمرانى في البيان أن رجلا على عهد عمر رضى الله عنه خرج في غزوة وترك يهوديا في بيته يخدم أمراته فلما كان في بعض الليالى خرج رجل من المسلمين في سحر فسمع اليهودي يقول: وأشعث غره الاسلام من خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسى على حرد ... الخ ما قال فدخل عليه رجل وقتله، فأخبر بذلك عمر رضى الله عنه فأهدر دم اليهودي ولم تثبت عندي هذه الواقعة لامور كثيرة، لانه في حاجة إلى إثبات إحصان اليهودي وإن أربعة شهود على الاقرار بالشعر إذا قلنا بصحة الشهادة على الاقرار وقلنا بصحة كونه شعرا، وقلنا بعدم الرجوع إلى الامام هل يصح، وسيأتى في الحدود، وأخيرا صحة إسناد الرواية قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب القصاص على الاب يقتل ولده، ولا على الام بقتل ولدها، لما روى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لايقاد الاب من أبيه " فإذا ثبت هذا في الاب ثبت في الام، لانها كالاب في الولادة، ولا يجب على الجد وان علا، ولا على الجدة وان علت بقتل ولد الولد وان سفل لمشاركتهم الاب والام في الولادة وأحكامها وإن ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل أن يلحق نسبة بأحدهما لم يجب القصاص لان كل واحد منهما يجوز أن يكون هو الاب، وإن رجعا في الدعوى لم يقبل رجوعهما، لان النسب حق وجب عليهما، فلا يقبل رجوعهما فيه بعد الاقرار. وإن رجع أحدهما وجب عليه القصاص، لانه ثبت الابوة للآخر وانقطع نسبه من الراجع. وان اشترك رجلان في وطئ امرأة وأتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما وقتلاه قبل أن يلحق بأحدهما لم يجب القصاص، وإن أنكر أحدهما النسب

لم يقبل إنكاره ولم يجب عليه القصاص، لان بإنكاره لا ينقطع النسب عنه ولا يلحق بالآخر بخلاف المسألة قبلها، فإن هناك الحق النسب بالاخر وانقطع عن الراجع، وإن قتل زوجته وله منها ابن لم يجب عليه القصاص، لانه إذا لم يجب له عليه بجنايته عليه فلا يجب له عليه بجنايته على أمه، وإن كان له إبنان أحدهما منه والآخر من غيره لم يجب عليه القصاص، لان القصاص لا يتبعض، فإذا سقط نصيب إبنه سقط نصيب الآخر، كما لو وجب لرجلين على رجل قصاص فعفا أحدهما عن حقه، وإن اشترى المكاتب أباه وعنده عبد فقتل أبوه العبد لم يجز للمكاتب أن يقتص منه، لانه إذا لم يجب له القصاص عليه بجنايته عليه لم يجب بجنايته على عبده. (فصل) ويقتل الابن بالاب لانه إذا قتل بمن يساويه فلان يقتل بمن هو أفضل منه أولى، وإن جنى المكاتب على أبيه وهو في ملكه ففيه وجهان. (أحدهما) لايقتص منه، لان المولى لايقتص منه لعبده (والثانى) يقتص منه، واليه أو ما الشافعي رحمه الله في بعض كتبه، لان المكاتب ثبت له حق الحرية بالكتابة، وأبوه ثبت له حق الحرية بالابن، ولهذا لا يملك بيعه فصار كالابن الحر إذا جنى على أبيه الحر (فصل) وإن قتل مسلم ذميا أو قتل حر عبدا أو قتل الاب ابنه في المحاربة ففيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القصاص لما ذكرناه من الاخبار، ولان من لا يقتل بغيره إذا قتله في غير المحاربة لم يقتل به إذا قتله في المحاربة كالمخطئ (والثانى) أنه يجب لان القتل في المحاربة تأكد لحق الله تعالى، حتى لا يجوز فيه عفو الولى، فلم يعتبر فيه التكافؤ كحد الزنا. (الشرح) حديث عمر بن الخطاب نازع في صحته ابن نافع وابن عبد الحكم وابن المنذور وقالوا - واللفظ لابن المنذر - قد رووا في هذه أخبارا قلت، والحديث أخرجه الترمذي في الديات عن أبى سعيد الاشج وابن ماجه في الديات عن أبى بكر بن أبى شيبة، كما أخرجه الترمذي فيه عن ابن بشار من حديث ابن عباس ولفظه لاتقام الحدود في المساجد ولا يقتل الوالد بالولد " وأخرجه

ابن ماجه عن أبن عباس أيضا في الحدود عن هرون بن محمد بن بكار. وزعم ابن قدامة في المغنى (1) رواية النسائي له عن عمر ولم أجده هناك. وقد ذكر الحديثين (أعنى حديث عمر وحديث ابن عباس) ابن عبد البر وقال هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم يستغنى بشهرته عن الاسناد فيه، حتى يكون الاسناد في مثله مع شهرته تكلفا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أنت ومالك لابيك " وقضية هذه الاضافة تمليكه اياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الاضافة شبهة في درء القصاص لانه يدرأ بالشبهات، ولانه سبب ايجاده فلا ينبغى أن يتسلط بسببه على اعدامه. وما ذكرناه يخص العمومات ويفارق الاب سائر الناس أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يقتل والد بولد لانه اجماع ولاحد من قبل أم ولا أب. وجملة ذلك أن الاب إذا قتل ولده لم يجب عليه القصاص، وبه قال عمر وابن عباس من الصحابة، ومن الفقهاء ربيعة والاوزاعي أبو حنيفة وأحمد واسحاق. وقال ابن نافع وابن عبد الحكم وابن المنذر: يقتل به لظاهر الكتاب والاخبار الموجبة للقصاص، ولانهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كل واحد منهما بصاحبه كالاجنبيين وقال مالك: ان رماه بالسيف فقتله لم يقتل لانه قد يريد بذلك التأديب. وان أضجعه وذبحه قتل به. دليلنا ماروى عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لايقاد والد بولده " ولان كل من لا يقتل به إذا رماه بالسيف لم يقتل به، وان أضجعه وذبحه كالمسلم إذا ذبح الكافر فإن قيل، ما معنى قول الشافعي لانه اجماع، ومالك يخالف. فله تأويلان أحدهما أنه أراد به اجماع الصحابة، لانه روى عن عمر وابن عباس ولا مخالف لهما في الصحابة، والثانى أنه أراد إذا رماه بالسيف فإنه اجماع، ولا تقتل الام

_ (1) من أمهات الكتب في الشريعة على مذهب أحمد ولم يعن أحد بتحقيق أحاديثه وتحرير أقواله في هوامش دقيقة مدروسسة؟، وقد حاولنا ذلك في هامش نسختنا " المطيعي "

ولا أحد من الجدات من قبل الام أو الاب، ولا أحد من الاجداد من قبل الاب والام بالولد وان سفل قال الطبري: وذكر صاحب التلخيص قولا آخر أن غير الاب من الامهات والاجداد يقتلون بالولد. قال أصحابنا ولا يعرف هذا للشافعي، ولعله قاس على رجوعهم في هبتهم له فإن فيه قولين عند الخراسانيين. والدليل عليه الحديث " لايقاد والد بولده والوالد يقع على الجميع، ولان ذلك حكم يتعلق باولادة فشاركوا فيه الاب كالعتق بالملك ووجوب النفقة (فرع) وإن ادعى رجلان نسب لقيط ولابنة لاحدهما عرض على القافة - فإن قتلاه قبل أن يلحق بأحدهما - لم يجب على أحدهما قود لان كل واحد منهما يجوز أن يكون أباه، فإن رجعا عن الاقرار بنسبه لم يسقط نسبه عن أحدهما، لان معنى من أقر بنسب احتمل صدقه لم يجز إسقاطه برجوعه، فإن رجع أحدهما وأقام الآخر بينة على دعواه انتفى نسبه عن الراجع ولحق بالاخر لان رجوع الراجع لا يسقط نسبه، ويسقط القصاص عن الذي لحق نسبه به، ويجب القصاص على الراجع، لانه شارك الاب، ولايكون القصاص للاب لانه قاتل، بل يكون لورثة القتيل، ويجب على الاب لهم نصف الدية وان تزوج رجل أمرأة في عدتها من غيره ووطئها جاهلا بالتحريم وأتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما فقتلاه قبل أن يلحق بأحدهما لم يجب على أحدهما قود لجواز أن يكون كل واحد منهما أباه، فإن رجعا لم يقبل رجوعهما فإن رجع أحدهما وأقدم الاخر على الدعوى لم يسقط نسبه عن الراجع ولم يجب عليه القود، ويفارق التي قبلها لان الابوة هناك ثبتت بالاعتراف فقبل رجوعه مع إقامة الاخر على الدعوى، وهنها الابوة ثبتت بالفراش فلم تسقط بالرجوع (فرع) وان قتل رجل زوجته وله منها ابن لم يجب له على الاب القود، لانه إذا لم يقد به إذا قتله لم يجب عليه القود بالارث من أمه، وان كان لها ابنان أحدهما من زوجها القاتل لها والثانى من آخر لم يجب على الزوج القود، لان القود يكون مشتركا بين الاثنين، والابن لا يثبت له القود على أبيه، فإذا سقط حقه من القود سقط حق شريكه، كما لو ثبت القود على رجلين فعفى أحدهما

(مسألة) قوله " ويقتل الابن بالاب إخ " فجملة ذلك أن الولد يقتل بالوالد لان الوالد أكمل منه فقتل به، كما يقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والمرأة بالرجل وذلك كله إجماع، فإن كان هناك رجل له زوجة وهما متوارثان وبينهما إبنان فقتل أحد الاثنين أباهما عمدا ثم قتل الابن الاخر أمهما عمدا فإن القصاص يجب على قاتل الام ويسقط عن قاتل الاب، لانه لم قتل الابن الاب لم يرثه، وإنما ترث الزوجة الثمن وقاتل الام الباقي وملكا عليه القود، فلما قتل الابن الاخر الام لم يرثها وإنما يرثها قاتل الاب وقد كانت تملك عليه ثمن القود وانتقل ذلك إليه، فإذا ملك بعض ما عليه من القود سقط عنه القود لانه لا يتبعض فسقط الجميع، وكان القاتل الاب القود على قاتل الام، لانه لا وراث لها سواه، ولقاتل الام على قاتل الاب سبعة أثمان دية الاب، فإن عفا قاتل الاب عن قاتل الام وجب له عليه دية الام، وهل يسقط عن كل واحد منهما ما يساوى ماله على الاخر؟ على الاقوال الاربعة في المقاصصة. فإذا قلنا يسقط بقى على قاتل الاب ثلاثة أثمان دية الاب، فإذا قلنا لا يسقط أدى كل واحد منهما ما عليه للآخر، وان اقتضى قاتل الاب من قاتل الام، فان كان لقاتل الام ورثة غير قاتل الاب طالبوه بسبعة أثمان دية الاب، وإن لم يكن له وراث غيره فهل يرثه؟ فيه وجهان في القاتل بالقصاص هل يرث؟ الصحيح أنه لا يرثه، فأما إذا لم يرث الزوجة من الزوج - فان كانت بائنا منه أو كانت غير بائن منه إلا أن أحدهما جرح أباه وجرح الاخر أمه ثم خرجت روحاهما في حالة واحدة، فإن كل واحد من الاثنين لا يرث ممن قتله، ولكنه يرث الابن لاخر. واختلف أصحابنا هل يثبت القود في ذلك؟ فقال أكثرهما يجب لكل واحد منهما القود على أخيه، لان كل واحد منهما ورث من قتله أخوة فوجب له على أخيه القود، فعلى هذا إن كان قاتل الاب قتله أولا أقتص منه قاتل الام، فان كان لقاتل الاب وراث غير قاتل الام اقتص من قاتل الام، وإن لم يكن له وارث غير قاتل الام، فان قلنا ان القتل بالقصاص لايمنع الميراث - ورث القود على نفسه وسقط. وإن قلنا وإن القتل بالقصاص يمنع الميراث انتقل القصاص إلى من بعده من العصبات، فإن لم تكن عصبة كان القصاص إلى الامام، وإن قتلاهما

حالة واحدة أو جرحاهما وخرجت روحهما في حالة واحدة ثبت لكل واحد منهما القصاص على صاحبه ولا يقدم أحدهما على الاخر بل إن تشاحا في البادئ منهما أقرع بينهما. فإذا خرجت القرعة لاحدهما فاقتص، أو بادر أحدهما فقتل الاخر من غير قرعة فقد استوفى حقه ولوارث المقتول أن يقتل الابن المقتص، وان كان المقتص من ورثته فهل يرثه، على الوجهين، الصحيح لا يرثه. وقال ابن اللبان: القصاص لا يثبت ههنا لانه لاسبيل إلى أن يستوفى كل واحد منهما القصاص من صاحبه، فلو بدأ أحدهما فاقتص من أخيه بطل حق المقتص منه من القصاص، لان حقه ينتقل إلى وارثه ان شاء قتل وان شاء ترك. وأما القرعة فلا تستعمل في إثبات القصاص، فعلى هذا يكون على قاتل الاب دية الام لقاتل الاب قال ابن اللبان: فان مات أحد القاتلين قبل أن يتحاكما كان لورثة الميت أن يقتلوا الاخر، ويرجع الاخر أو وارثه في تركة الميت بدية الذي قتله الميت من الابوين، ولايقال إن القصاص سقط ثم وجب لانه لم يثبت لا لانه لم يجب ولكن لم يثبت لتعذر الاستيفاء، وإذا أمكن الاستيفاء ثبت والاول هو المشهور بقى أن تعرف أن الشريعة السمحة جعلت لولى الدم الحق في استيفاء حقه أو العفو عن القصاص اكتفاء بالدية أو العفو عنهما، وما جر إلى انتشار جرائم الثأر في ديارنا المصرية لاسيما في الصعيد الا إغفال القوانين الوضعية هذا الجانب الاصلى في استقرار الامن في البلاد، فان ركون المرء إلى من يتولى الحكم في قضيته بما أنزل الله يجعله قابلا كل حكم يصدر، وقد ينشر التسامح والعفو بينهم (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) ومن ثم تتلاشئ أسباب الغمر والسخائم والاحقاد التي تنمو بنمو الثأر. وقد نبه على هذا المستشار أحمد موافى النائب العام الاسبق وفي كتابه بحث مقارن بين الشريعة والقوانين الوضعية ولا شك أن مراعاة شعور ولي الدم له أثره في امتصاص غضبه وتهدئة ثائرته. وحرص الشرع على ألا يهدر دم في الاسلام يطفئ الاحن بين الناس ويحسم ما بينهم من نزاع وأضغان (ومن أصدق من الله حكما لقوم يوقنون) (فرع) إذا كان هناك أربعة أخوة يرث بعضهم بعضا فقتل الكبير الذي يليه

وقتل الثالث الصغير، وجب القصاص على الثالث وعلى الكبير نصف الدية لان الكبير لما قتل الثاني وجب عليه القصاص للثالث والرابع، فلما قتل الثالث الرابع وجب القاصص على الثالث للكبير وسقط القصاص على الكبير لانه وارث بعض دم نفسه عن الرابع فسقط عنه القصاص ووجب عليه للثالث نصف دية الثاني. وإن قتل رجل ابن أخيه وورث المقتول أبوه ثم مات أبو المقتول ولم يخلف وارثا غير القاتل فإنه يرثه ويسقط عنه القصاص لانه ملك جميع ما ملكه أبو المقتول فكأنه ملك دم نفسه فسقط عنه القصاص قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتقتل الجماعة باواحد إذا اشتركوا في قتله، وهو أن يجنى كل واحد منهم جناية لو انفرد بها ومات أضيف القتل إليه ووجب القصاص عليه، والدليل عليه ماروى سعيد بن المسيب " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قتل سبعة أنفس من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال لو تمالا فيه أهل صنعاء لقتلتهم " ولانا لو لم نوجب القصاص عليهم جعل الاشتراك طريقا إلى إسقاط القصاص وسفك الدماء. فإن اشترك جماعة في القتل وجناية بعضهم عمدا وجناية البعض خطأ لم يجب القصاص على واحد منهم لانه لم يتمحض قتل العمد فلم يجب القصاص وإن اشترك الاب والاجنبى في قتل الابن وجب القصاص على الأجنبي، لان مشاركة الاب لم تغير صفة العمد في القتل فلم يسقط القود عن شريكه. كمشاركة غير الاب وإن اشترك صبي وبالغ في القتل - فإن قلنا إن عمد الصبى خطأ - لم يجب القصاص على البالغ لان شريكه مخطئ. وإن قلنا إن عمده عمد وجب، لان شريكه عامد فهو كشريك الاب وإن جرح رجل نفسه وجرحه آخر أو جرحه سبع وجرحه آخر ومات. ففيه قولان: (أحدهما) يجب القصاص على الجارح لانه شاركه في القتل عامدا فوجب

عليه القصاص كشريك الاب (والثانى) لا يجب لانه إذا لم يجب على شريك المخطئ وجنايته مضمونة فلان لا يجب على شريك الجارح نفسه السبع وجنايتهما غير مضمونة أولى. وإن جرحه رجل جراحة وجرحه آخر مائة جراحة وجب القصاص عليهما، لان الجرح له سراية في البدن وقد يموت من جرح واحد ولا يموت من جراحات لم تمكن إضافة القتل إلى واحد بعينه ولا يمكن إسقاط القصاص فوجب على الجميع. وإن قطع أحدهما يده وحز الاخر رقبته أو قطع حلقومه ومرئيه أو شق بطنه فأخرج حشوته، فالاول قاطع يجب عليه ما يجب على القاطع والثانى قاتل لان الثاني قطع سراية القطع فصار كما لو اندمل الجرح ثم قتله الاخر. وان قطع أحدهما حلقومه مريئه أو شق بطنه وأخرج حشوته ثم حز الاخر رقبته فالقاتل هو الاول لانه لا تبقى بعد جنايته حياة مستقرة وانما يتحرك حركة مذبوح ولهذا يسقط كلامه في الاقرار والوصيه والاسلام والتوبة. وان أجافه جائفة يتحقق الموت منها الا أن الحياة فيه مستقرة ثم قتله الاخر كان القاتل هو الثاني، لان حكم الحياة باق. ولهذا أوصى عمر رضى الله عنه بعد ما سقى اللبن وخرج من الجرح ووقع الاياس منه فعمل وصيته فجرى مجرى المريض المأيوس منه إذا قتل وإن جرحه رجل فداوى جرحه بسم غير موح الا أنه يقتل في الغالب، أو خاط جرحه في لحم حى أو خاف التآكل فقطعه فمات ففى وجوب القتل على الجاني طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، أحدهما يجب عليه القتل. والثانى لا يجب لانه شاركه في القتل من لا ضمان عليه فكان في قتله قولان، كالجارح إذا شاركه المجروح أو السبع في الجرح ومنهم من قال لا يجب عليه القتل قولا واحدا لان المجروح ههنا لم يقصد الجناية وانما قصد المداواة فكان فعله عمد خطأ فلم يجب القتل على شريكه والمجروح هناك والسبع وقصدا الجناية فوجب القتل على شريكهما، وان كان على رأس مولى عليه سلعة فقطعها وليه أو جرحه رجل فداواه الولى بسم غير موح أو خاط جرحه في لحم حى ومات ففيه قولان، أحدهما يجب على الولى القصاص لانه جرح جرحا مخوفا فوجب عليه القصاص كما وفعله غير الولى والثانى لا قصاص عليه لانه لم يقصد الجناية وانما قصد المداواة وله في نظر مداواته فلم يجب عليه القصاص، فإن قلنا يجب عليه القصاص

وجب على الجارح لانهما شريكان في القتل، وان قلنا لا قصاص عليه لم يجب على الجارح لانه شارك من فعله عمد خطأ (الشرح) في هذا الفصل لغات، فقوله حشوته هي يقال حشوة بالكسر والضم. وحلقومه مجرى النفس، وهو القصبة والمرئ مدخل الطعام والشراب وقوله " غير موح " أي غير مسرع، والوحا السرعة ; وقوله عليه سلعة، فالسلعة بالكسر زيادة في البدن كالجوزة وتكون في مقدار حمصة إلى بطيخة، والسلعة بالفتح الجراحة، والجائفة الطعنة التي تبلغ الجوف، وجافه الدواء فهو مجوف إذا دخل جوفه، وفي الحديث في الجائفة ثلث الدية " أما الاحكام فإن الجماعة تقتل باواحد، وهو أن يجنى عليه كل واحد منهم جناية لو انفرد بها مات منها وجب عليه القصاص، وبه قال من الصحابة عمر وعلى وابن عباس والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين ابن المسيب وعطاء والحسن وأبو سلمة. ومن الفقهاء الاوزاعي والثوري ومالك وأحمد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور. وقال محمد بن الحسن ليس هذا بقياس إنما صرنا إليه من طريق الاثر والسنة. وقال ابن الزبير ومعاذ بن جبل والزهرى وابن سيرين: لا يقتل الجماعة بالواحد بل للولى أن يختار واحدا منهم فيقتله ويأخذ من الباقين حصتهم من الدية وقال ربيعة وداود: يسقط القصاص، وبه قال حبيب بن أبى ثابت وعبد الملك وابن المنذر، وحكاه ابن أبى موسى عن ابن عباس ووجه قول ابن الزبير ومن قال مثله أن كل واحد منهم مكافئ له فلا تستوفى أبدال بمدل واحد كما لا تجب ديات لمقتول واحد، ولان الله تعالى قال (الحر بالحر) وقال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) فمقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة، ولان التفاوت في الاوصاف يمنع، بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد، والتفاوت في العدد أولى. قال ابن المنذر: لاحجة مع من أوجب قتل جماعة بواحد. دليلنا قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) فأوجب القصاص لاستيفاء الحياة، وذلك أنه متى علم الانسان أنه إذا قتل غيره قتل به لم يقدم على القتل، فلو قلنا لا تقتل الجماعة بالواحد لكان الاشتراك يسقط القصاص، وسقط هذا

المعنى. وقوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) والسلطان القصاص، ولم يفرق بين أن يقتله واحد أو جماعة. وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثم أنتم يا خزاعة قد قلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وقد أخرج مالك في الموطأ أن عمر رضى الله عنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا " وموضع الدليل " فمن " ومن يستغرق الجماعة والواحد (فرع) وإن اشترك اثنان في قتل رجل وأحدهما يجب عليه القود، ولو انفرد دون الآخر نظرت - فإن كان سقوط القود عن أحدهما لمعنى في فعله، مثل أن كان أحدهما مخطئا والآخر عامدا - لم يجب القصاص على واحد منهما، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ يجب القصاص على العامد منهما. دليلنا أن الروح لم يخرج عن عمد الاثنين فلم يجب عليه القصاص، كما لو جرحه خطأ فمات منه. وان شارك الصبى والمجنون - وهما عامدان - في الجناية بنى ذلك على عمدها، وفيه قولان أحدهما أن عمدهما في حكم الخطأ، وبه قال مالك وأبو حنيفة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يحتلم، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يفيق " فأخبر أن القلم مرفوع عنهما فدل على أن عمدهما في حكم الخطأ، ولان عمدهما لو كان في حكم العمد لوجب عليهما القصاص، فعلى هذا لا يجب على من شاركهما في الجناية، وانما سقط القصاص عنهما لمعنى في أنفسهما كشريك الاب، ولان الصبى لو أكل في الصوم عامدا لبطل صومه، فلو أن لعمده حكما لما بطل صومه. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. وقال المسعودي: المجنون الذي لا يميز، والطفل الذي لا يعقل مثله عمدهما خطأ قولا واحدا، فلا يجب على شريكهما القصاص، وان شارك من لا ضمان عليه مثل أن جرح نفسه وجرح نفسه وجرحه، آخر أو جرحه سبع وجرحه آخر أو قطعت يده بقصاص أو سرقة وجرحه آخر ومات فهل يجب القصاص على الشريك الذي عليه الضمان؟ فيه قولان (أحدهما) يجب على القصاص،

لانه شارك في القتل عامدا فوجب عليه القصاص كشريك الاب (والثانى) لا يجب عليه القصاص إذا شارك من لا ضمان عليه أولا (فرع) وإن جرحه رجل جراحة يقتل منها عامدا فداوى نفسه بسم فمات نظرت - فإن كان سما موحيا يقتل في الحال لم يجب على الجارح قصاص في النفس لانه قطع سراية جرحه بالسم، فصار كما لو جرحه رجل ثم ذبح نفسه وإن كان السم قد يقتل وقد لا يقتل، والغالب أنه لا يقتل لم يجب على الجارح قصاص في النفس لانه مات من فعلين، وأحدهما عمد خطأ، فهو كما لو شارك العامد مخطئا، وإن كان السم قد يقتل وقد لا يقتل والغالب أنه يقتل بأن وضع سيانيد البوتاسيوم على الجرح فهل يجب القصاص على الجارح في النفس؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال فيه قولان، لانه شارك قاصدا إلى الجناية ولا يجب عليه الضمان، فهو كما لو جرح نفسه وجرحه آخر، أو جرحه سبع وجرحه آخر، ومنهم من قال لا يجب عليه القصاص قولا واحدا، لانه لم يقصد الجناية على نفسه وإنما قصد المداواة فصار فعله عمد خطأ بخلاف شريك السبع وشريك من جرح نفسه وأنهما قصدا الجناية (فرع) وان جرحه رجل فخيط جرحه فمات نظرت - فإن خيط في لحم ميت كاللحم إذا قطعه السيف فإن القود يجب على الجارح لانه لاسراية للخياطة في اللحم الميت، وان خيط في اللحم الحى نظرت - فإن خاطه المجروح بنفسه أو خاطه غيره بأمره - فهل يجب القود على الجارح في النفس؟ فيه طريقان كما قلنا فيه إذا داوى جرحه بسم قد يقتل وقد لا يقتل، إلا أنه يقتل في الغالب، وان خاطه أجنبي بغير اذنه أو أكرهه على ذلك وجب القود على الجارح والذي خاط الجراحة لانهما قاتلان، وان خاطه السلطان وأكرهه على ذلك، فإن كان لا ولاية له عليه كان كغيره من الرعية فيجب عليه القود في النفس مع الجارح وان كان له على المجروح ولاية بأن كان صغيرا أو مجنونا أو خاطها الولى عليه غير السلطان أو كان على المولى عليه سلعة فقطعها وليه فمات، فهل يجب عليه القود فيه قولان: (أحدهما) يجب عليه القود لانه جرح جرحا مخوفا فوجب عليه القود،

فعلى هذا يجب على شريكه وهو الجارح القود (والثانى) لا يجب عليه القود لانه لم يقصد الجناية وانما قصد المداواة فصار فعله عمد خطأ، فعلى هذا لا يجب عليه أو على شريكه القود في النفس. ويجب على كل واحد منهما نصف ديته مغلظة وهل يكون ما وجب على الامام من ذلك في ماله أو في بيت المال؟ فيه قولان يأتي بيانهما إن شاء الله تعالى (فرع) وإن جرح رجل رجلا جرحا وجرحه آخر مائة جرح ثم مات فهما شريكان في القتل، فيجب عليهما القود، لانه يجوز أن يموت من الجرح الواحد كما يجوز أن يموت من المائة، وإذا تساوى الجميع في الجواز فالظاهر أنه مات من الجميع فصارا قاتلين فيجب عليهما القود وان عفا عنهما وجبت الدية عليهما نصفين ولا تقسط الدية على عدد الجراحات كما قلنا في الجلاد إذا زاد جلده على ما أمر به في أحد القولين، لان الاسواط متماثلة والجراحات لها مور في البدن أي قطع. وقد يجوز الواحدة منهما هي القاتلة وحدها دون غيرها، وان أجافه رجل جائفة وجرحه آخر جراحة غير جائفة ثم مات منهما فهما سواء، وكون احداهما أعمق من الاخرى لايمنع من تساويهما كما لايمنع زيادة جراحات أحدهما في العدد التساوى بينهما (فرع) إذا قطع رجل حلقوم رجل أو ضربه ثم جاء آخر فقطعه نصفين أو خرق بطنه وقطع أمعاءه وأبانها معه ثم جاء آخر فذبحه فالاول قاتل يجب عليه القود ولا يجب على الثاني الا التعزيز، لان بعد جناية الاول لا يبقى فيه حياة مستقرة، وانما يتحرك كما يتحرك المذبوح، ولانه قد صار في حكم الموتى بدليل أنه لا يصح اسلامه ولا توتبه، ولا يصح بيعه ولاشراؤه ولا وصيته ولا يرث وان جنى لم يجب عليه شئ فصار كما لو جنى على ميت وان قطع الاول يده أو رجله ثم حز الاخر رقتبه أو اجافه الاول ثم قطع الثاني رقبته فالاول جارح يجب عليه ما يجب على الجارح والثانى قاتل، لان بعد جناية الاول فيه حياة مستقرة، لانه قد يعيش اليوم واليومين وقد لا يموت من هذه الجناية، بدليل أنه يصح اسلامه وتوبته وبيعه وشراؤه ووصيته:

باب ما يجب به القصاص من الجنايات

ولهذا لما طعن أبو لؤلوة المجوسى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بطنه فجاءه الطبيب وسقاه لبنا فخرج اللبن من بطنه، فقال له اعهد إلى الناس، فعهد عمر رضى الله عنه ثم مات فعملت الصحابة رضوان الله عليهم بعهده فصار كالصحيح، والله تعالى أعلم بالصواب قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (بَابُ مَا يجب به القصاص من الجنايات) إذا جرحه بما يقطع الجلد واللحم كالسيف والسكين والسنان، أو بما حدد من الخشب والحجر والزجاج وغيرها أو بما له مور وبعد غور كالمسلة والنشاب وما حدد من الخشب والقصب ومات منه وجب عليه القود، لانه قتله بما يقتل غالبا، وإن غرز فيه إبرة - فإن كان في مقتل كالصدر والخاصرة والعين وأصول الاذن فمات منه - وجب عليه القود، لان الاصابة بها في المقتل، كالاصابة بالسكين والمسلة في الخوف عليه، وإن كان في غير مقتل كالالية والفخذ نظرت - فإن بقى منه ضمنا إلى أن مات - وجب عليه القود، لان الظاهر أنه مات منه وان مات في الحال فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه يجب عليه القود لان له غورا وسراية في البدن. وفي البدن مقاتل خفية (والثانى) وهو قول أبى العباس وأبى سعيد الاصطخرى أنه لا يجب لانه لا يقتل في الغالب فلا بجب به القود، كما لو ضربه بمثقل صغير، ولان في المثقل فرقا بين الصغير والكبير، فكذلك في المحدد (الشرح) اللغات: المور الموج والاضطراب والجريان، ومار الدم يمور مورا جرى، وأماره أساله، ومار السنان في المطعون إذا قطعه ودخل فيه. قال الشاعر: وأنتم أناس تغمضون من القنا إذا مار في أكتافكم وتأطرا ويقولون: فلان لا يدرى ما سائر من مائر، فالمائر السيف القاطع الذي يمور

في الضربية مورا، والسائر بيت الشعر المروى المشهور. أما الغور فهو قعر كل شئ وقوله " ضمنا " هو الذي به الزمانة في جسده من بلاء أو كسر أو غيره. أما الاحكام فإنه إذا جرح رجل رجلا بما يجرح بحده كالسيف والسكين أو بما حده من الرصاص والقصب والذهب والخشب أو بالليطة وهي القصبة المشقوقة أو بما له مور في البدن كالسنان والسهم والمغراز الذي يثقب به الاسكافي النعل والمسلة - وهي المخيط - فمات منها - وجب على الجارح القود، سواء كان الجراح صغيرا أو كبيرا أو سواء مات في الحال أو بقى متألما إلى أن مات، وسواء كان في مقتل أو في غير مقتل، لان جميع ذلك يشق اللحم ويبضعه ويقتل غالبا وأما إذا غرز فيه إبرة فمات نظرت - فإن غرزها في مقتل مثل أصول الاذنين والعين والقلب والانثيين وجب عليه القود لانها تقتل غالبا إذا غرزت في هذه المواضع، وان غرزت في غير مقتل كالالية والفخذ، قال ابن الصباغ فإن بالغ في ادخلها فيها وجب عليه القود، وان لم يبالغ في ادخلها بل غرزها فاختلف أصحابنا فيه فقال الشيخان أبو حامد الاسفرايينى وأبو إسحاق المروزى: ان بقى من ذلك متألما إلى أن مات فعليه القود، لان الظاهر أنه مات منه وان مات في الحال ففيه وجهان. قال أبو إسحاق يجب عليه القود لان الشافعي رحمه الله قال سواء صغر الجرح أو كبر فمات المجروح فإن القود يجب فيه. ولانه جرحه بحديدة لها مورة في البدن فوجب فيها القود كالمسلة وقال أبو العباس بن سريج وأبو سعيد الاصطخرى: لا يجب به القود لان الغالب أن الانسان لا يموت من غرز أبرة، فإذا مات علمنا أن موته وافق غرزها فهو كما لو رماه ببعرة أو ثوب فمات، كالذي يموت بالسكتة القلبية في اللحظة التي يضربه آخر بعصا لا يموت من مثلها، وقد دخل علم الطب الشرعي والتشريح الدارس لاسباب الجناية في مثل الحالات فحدد أسباب الوفاة بطريق قطعية أو شبيهة بالقطعية هي أقرب الوسائل للوصول إلى ما هو الحق، إذا تولى ذلك اثنان من الاطباء الشرعيين الثقات العدول، لانا نقول فيهما ما سبق أن قلناه في القافة في اتفاقهما واختلافهما وتطابقهما وتناقضهما

واعترض ابن الصباغ على هذا فقال لا وجه لهذا التفصيل عندي، لانه إذا كانت العلة لا تقتل غالبا فلا وصل بين أن يبقى ضمنا منه أو يموت في الحال، فإن قيل لانه إذا لم يزل ضمنا منه فقد مات منه، وإذا مات في الحال فلا يعلم أنه مات منه، قال فكان ينبغى أن يكون الوجهان في وجوب الضمان دون القود " فيراعى في الفعل أن يكون بحيث يقتل في الغالب، ألا ترى أن الناس يحتجمون ويقتصدون؟ أفترى ذلك يقتل في الغالب وهم يقدمون عليه؟ وقال المسعودي: هل يجب عليه القود؟ فيه وجهان من غير تفصيل قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان ضربه بمثقل نظرت فإن كان كبيرا من حديد أو خشب أو حجر فمات منه وجب عليه القود لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر، فقتله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حجرين، ولانه يقتل غالبا فول لم يجب فيه القود جعل طريقا إلى اسقاط القصاص وسفك الدماء. وان قتله بمثقل صغير لا يقتل مثله كالحصاة والقلم فمات لم يجب القود ولا الدية، لانا نعلم أنه لم يمت من ذلك، وان كان بمثقل قد يموت منه وقد لا يموت كالعصا. فإن كان في مقتل وفي مريض أو في صغيرا أو في حر شديد أو في برد شديد أو والى عليه الضرب فمات وجب عليه القود، لان ذلك يقتل غالبا فوجب القود فيه. وان رماه من شاهق أو رمى عليه حائطا فمات وجب القود فيه، لان ذلك يقتل في الغالب، وان خنقه خنقا شديدا أو عصر خصيتيه عصرا شديدا أو غمه بمخدة أو وضع يده على فيه ومنعه التنفس إلى أن مات وجب القود لان ذلك يقتل في الغالب، وان خنقه ثم خلاه وبقى منه متألما إلى أن مات وجب القود، لانه مات من سراية جنايته، فهو كما لو جرحه وتألم منه إلى أن مات، وان تنفس وصح ثم مات لم يجب القود، لان الظاهر أنه لم يمت منه فلم يجب القود، كما لو جرحه واندمل الجرح ثم مات (فصل) وان طرحه في نار أو ماء ولا يمكنه التخلص منه لكثرة الماء

والنار أو لعجزه عن التخلص بالضعف، أو بأن كتفه وألقاه فيه ومات وجب القود لانه يقتل غالبا، وان ألقاه في ماء يمكنه التخلص منه فالتقمه حوت لم يجب القود، لان الذي فعله لا يقتل غالبا، وان كان في لجة لا يتخلص منها فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء ففيه قولان (أحدهما) يجب القود لانه ألقاه في مهلكه فهلك (والثانى) لا يجب لان هلاكه لم يكن بفعله (الشرح) حديث أنس أخرجه البخاري في الديات عن محمد وعن حجاج ابن منهال وعن اسحاق وعن مسدد وعن محمد بن بشار، وفي الطلاق وفي الوصايا عن حسان بن أبى عباد وفي الاشخاص عن موسى بن اسماعيل وأخرجه مسلم في الديات عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وعن هداب وعن عبد بن حميد وأخرجه أبو داود في الديات عن عثمان بن أبى شيبة وأحمد بن صالح ومحمد بن كثير وأخرجه الترمذي في الديات عن علي بن حجر والنسائي في القود عن علي بن حجر وعن اسحاق بن ابراهيم، وعن محمد بن عبد الله وعن اسماعيل بن مسعود، وفي المحاربة عن أحمد بن عمرو بن السرح والحارث بن مسكين وابن ماجه في الديات عن علي بن محمد وعن محمد بن بشار وأخرجه أيضا أحمد والدارقطني " أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها من فعل بك هذا؟ فلان أو فلان حتى سمى اليهودي، فأومأت برأسها، فجئ به فاعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بحجرين " وفي رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق " وفي رواية أخرى " قتل جارية من الانصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة، فأمر به أن يرجم حتى يموت، فرجم حتى مات " أما اللغات فالمثقل بضم الميم وفتح الثاء المثلثة وتشد القاف المفتوح بصيغة المفعول والمثقلة بالتأنيث كلاهما رخامة ونحوها يثقل بها البساط أما الاوضاح فهي جمع وضح، يقال درهم وضح، نقى أبيض على النسب، والوضح الدرهم الصحيح والاوضاح حلى من الدراهم الصحاح. وحكى ابن الاعرابي أعطيته دراهم أوضاحا كأنها ألبان شوك رعت بد كداك مالك: مالك رمل بعينه

وقلما ترعى الابل هنالك الا الحلى وهو أبيض، فشبه الدراهم في بياضها بألبان الابل التي لا ترعى إلا الحلى وضح القدم بياض أخمصه وقوله " غمة بمخدة " غممته غطيته فانغم. أما الاحكام فإن إن ضربه بمثل فمات منه - فإن كان يقتل مثل الحجر الكبير أو الخشبة أو الدبوس أو رمى عليه حائطا أو سقفا وما أشبهه - وجب عليه القود. وبه قال مالك وابن أبى ليلى وأبو يوسف ومحمد. وقال النخغى والشعبى والحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب القصاص بالمثقل دلينا ماروى طَاوُسٍ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " العمد قود إلا أن يعفو ولى المقتول " والخطأ دية لاقود فيه ولم يفرق وروى أنس الحديث الذي ساقه المصنف في الفصل وخرجناه آنفا، قال العمرانى وفي هذا الخبر فوائد إحداها أن القود يجب بالقتل بالمثقل. الثانية أنه يستفاد به. الثالثة أن اليهودي يقتل بالمسلم. الرابع أن الرجل يقتل بالمرأة. الخامس أن الاشارة حكم لانه لو لم يكن لها حكم لانكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) مذهبنا ومذهب الجمهور. وحكى ابن المنذر الاجماع عليه إلا رواية عن علي، وعن الحسن وعطاء أن الرجل يقتل بالمرأة، ورواه البخاري عن أهل العلم. قال الشوكاني في النيل: وروى في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة، وإنما تجب الدية، وقد رواه عن الحسن البصري أبو الوليد الباجى والخطابى. وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم، ولكنه قال: وهو مذهب مالك والشافعي، ولم يقل وهو أحد قولى الشافعي، كقول صاحب البحر، وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التى ذكرها الزمخشري وهم محض. قال ولا يوجد في كتب المذهبين - يعنى مذهب مالك والشافعي - تردد في قتل الذكر بالانثى وأخرج البيهقى عن أبى الزناد أنه قال: كان من أدركته مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى

إلى قولهم، منهم سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بن محمد وأبو بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بن ثابت وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وسليمان بن يسار في جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل أن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شئ من الحراج على ذلك، وإن قلتها قتل بها، ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخعي والشعبى وعمر بن عبد العزيز قال البيهقى وروينا عن الشعبى وإبراهيم خلافه فيما دون النفس وعن حمل بن مالك (وهو ابن النابغة الهذلى وهو يعد في بصريى الصحابة، وحديثه الآتى مخرج عند المدينين والبصريين) قال رضى الله عنه " كنت بين امرأتين فضربت إحدهما الاخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها " رواه أبو داود في الديات والنسائي في القود وابن ماجه في الديات والدارقطني، وليس لحمل حديث سواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمسطح الخشبة الكبيرة تركز في وسط الخيمة. وإن ضرب بمثقل لا يقتل مثله غالبا كالقلم والحصى فمات لم يجب عليه القود ولا الدية ولا الكفارة، لانا نعلم أنه لا يموت منه، وإنما وافق موته ضربته، وإن ضربه بمثقل قد يقتل وقد لا يقتل كالسوط والعصا الخفيف فمات، فإن والى عليه الضرب إلى أن بلغ عددا يقتل مثله في الغالب على حسب حال المضروب، أو رمى به بأن يضربه خمسمائة أو ألفا، فإن ذلك يقتل في الغالب، وكذلك إذا كان المضروب نضو الخلق أو في حر شديد أو في برد شديد فضربه دون ذلك فمات لم يجب عليه القود لانه عمد خطأ ويجب عليه الدية (فرع) وإن خنقه بيده أو بحبل أو طرح على وجهه مخدة أو منديلا واتكأ عليه حتى مات - فإن فعل ذلك مدة يموت المخنوق من مثلها غالبا وجب على قاتلها القود، لانه تعمد قتله بما يقتل مثله غالبا. وإن كان في مدة يجوز أن يموت مثله من مثلها، وبجوز أن لا يموت لم يجب عليه القود وعليه دية مغلظة، لان فعله عمد خطأ. وإن خنقه يموت مثله من مثله ثم أرسله حيا ثم مات - فإن كان قد أورثه الخنق شيئا حتى لا يخرج نفسه، أو بقى متألما إلى أن مات، وجب على الخانق القود

لانه مات بسراية فعله. وإن جعل في رقبته خراطة حبل وتحت رجليه كرسيا وشد الحبل إلى سقف بيت وما أشبهه ونزع الكرسي من تحته فاختنق ومات وجب عليه القود لانه أوحى الخنق (مسألة) وإن طرحه في نار في حفير فلم يمكنه الخروج منها حتى مات وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا. وإن كانت النار في بسيط من الارض، فإن كان لا يمكنه الخروج منها لكثرتها أو لشدة التهابها، أو بأن كتفه وألقاه فيها، أو بأن كان ضعيفا لا يقدر على الخروج وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا، وان أمكنه الخروج منها فلم يخرج حتى مات، ويعلم إمكان الخروج بأن يقول أنا أقدر على الخروج ولا أخرج لم يجب القود، وهل يجب عليه الدية فيه قولان: (أحدهما) يجب عليه الدية، لانه ضمنه بطرحه في النار، فلم تسقط عنه الضمان بتركه الخروج مع قدرته عليه، كما لو جرحه جراحة وأمكنه مداواتها فلم يداوها حتى مات. (والثانى) لا يجب عليه الدية لان النفس لم يخرج بالطرح بالنار، وإنما خرجت ببقائه فيها باختياره، فهو كما لو خرج منها ثم عاد إليها، ويفارق ترك المداواة لانه لم يحدث أمرا كان به التلف بخلاف بقائه في النار فإنه أحدث أمرا حصل به التلف، ولان البرء في الدواء أمر مظنون فلم تسقط به الدية، والسلامة بالخروج أمر متحقق فسقط بتركه الضمان، فإذا قلنا بهذا وجب على الطارح أرش ما عملت فيه النار من حين طرحه فيها إلى أن أمكنه الخروج فلم يخرج (فرع) قال الشافعي رحمه الله: لو طرحه في لجة بحر وهو يحسن العوم أو لا يحسن العوم فغرق فيها فعليه القود. وجملة ذلك أنه إذا طرحه في لجة البحر فهلك فعليه القود، سواء كان يحسن السباحة أو لا يحسن، لان لجة البحر مهلكة وان طرحه بقرب الساحل فغرق فمات - فإن كان مكتوفا أو غير مكتوف وهو لا يحسن السباحة - فعليه القود، وان كان يحسن السباحة وأمكنه أن يخرج فلم يخرج حتى غرق ومات أو طرحه فيما يمكنه الخروج منه فلم يخرج منه حتى مات فلا يجب عليه القود، وهل تجب عليه الدية؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ

فيه قولان كما لو طرحه في نار يمكنه الخروج منها فلم يخرج منها حتى مات، ومنهم من قال لا يجب عليه الدية قولا واحدا، لان العادة لم تجر بأن يخوض النار في النار، والعادة بأن الناس يخوضون في الماء. وإن طرحه في البحر بقرب الساحل وهو ممن يمكنه الخروج منه فابتلعه حوت فلا قود عليه لانه كان يمكنه الخروج لو لم يبلعه الحوت، قيل عليه القود لانه لو لم يبتعله الحوت لما كان يتخلص. والثانى لا يجب عليه القود بل عليه الدية، لان الهلاك لم يكن بفعله، والاول أصح وإن طرحه في ساحل بحر قد يزيد إليه الماء وقد لا يزيد فزاد الماء وأغرقه لم يجب عليه القود لانه لا يقصد قتله، وبجب عليه دية مغلظة لانه عمد خطأ وإن كان الموضع لا يزيد الماء إليها فزاد وغرق لم يجب عليه القود، وتجب عليه دية مخففة لانه خطأ عمد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن حبسه ومنعه الطعام والشراب مدة لا يبقى فيها من غير طعام ولا شراب فمات وجب عليه القود، لانه يقتل غالبا، وإن أمسكه على رجل ليقتله فقتله وجب القود على القاتل دون الممسك، لما روى أبو شريح الخزاعى " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن من أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية في الاسلام أو بصر عينيه في النوم ما لم تبصره " وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال " ليقتل القاتل ويصبر الصابر " ولانه سبب غير ملجئ ضامه مباشرة فتعلق الضمان بالمباشرة دون السبب كما لو حفر بئرا فدفع فيها آخر رجلا فمات. (فصل) وإن كتف رجلا وطرحه في أرض مسبعة أو بين يدى سبع فقتله لم يجب القود لانه سبب غير ملجئ فصار كمن أمسكه على من يقتله فقتله. وان جمع بينه وبين السبع في زبية أو بيت صغير ضيق فقتله وجب عليه القود لان السبع يقتل إذا اجتمع مع الادمى في موضع ضيق وإن كتفه وتركه في موضع فيه حيات فنهسته فمات لم يجب القود، ضيقا كان

المكان أو واسعا، لان الحية تهرب من الآدمى فلم يكن تركه معها ملجئا إلى قتله وان أنهشه سبعا أو حية يقتل مثلها غالبا فمات منه وجب عليه القود لانه ألجأه إلى قتله، وإن كانت حية لا يقتل مثلها غالبا ففيه قولان (أحدهما) يجب القود لان جنس الحيات يقتل غالبا (والثانى) لا يحب لان الذى السعة لا يقتل غالبا (الشرح) حديث أبى شريح الخزاعى رواه أحمد وأخرجه الدارقطني والطبراني والحاكم، ورواه الطبراني والحاكم من حديث عائشة بمعناه، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا " أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرام، ومتبع في الاسلام سنة جاهلية، ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه " وأخرجه أحمد أيضا عن عبد الله بن عمر. وكذلك ابن حبان في صحيحه بلفظ " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إن أعدى الناس على الله عز وجل من قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية " وأخرج عمر بن أبى شبة عن عطاء بن يزيد قال " قتل رجل بالمزدلفة - يعنى في غزوة الفتح - فذكر القصة وفيها إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة: رجل قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحل الجاهلية " وأبو شريح الخزاعى اسمه خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل كعب بن عمرو، وقيل هانئ بن عمرو وأصحها خويلد بن عمرو، أسلم قبل فتح مكة وكان يحمل أحد ألوية بنى كعب بن خزاعة يوم الفتح، وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وستين يعد في أهل الحجاز. روى عنه عطاء بن يزيد الليثى وأبو سعيد المقبري وسفيان بن أبى العوجاء. وقال مصعب: سمعت الواقدي يقول: كان أبو شريح الخزاعى من عقلاء أهل المدينة فكان يقول: إذا رأيتموني أبلغ من أنكحته أو نكحت إليه إلى السلطان فاعلموا إني مجنون فاكوونى، وإذا رأيتموني أمنع جارى أن يضع خشبته في حائطي فاعلموا أنى مجنون فاكوونى، ومن وجد لابي شريح سمنا أو لبنا أو جداية فهو له حل فليأكله ويشربه. اتفق له الشيخان على حديثين.

وروى له الترمذي ثلاثة أحاديث وأبو داود ثلاثة أحاديث وابن ماجه حديثان وقوله " ان أعتى " وفي رواية: إن أعدى الناس وهما تفضيل، أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره، والعتو التكبر والتجبر وقد أخرج البيهقى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده أنه قال: وجد في قائم سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب: إن أعدى الناس على الله. الحديث قال تعالى " وعتوا عتوا كبيرا " أي تجبروا وعصوا أما حديث " ليقتل القاتل ويصير الصابر " فقد رواه ابن المبارك عن معمر عن سفيان عن اسماعيل يرفعه قال " اقتلوا القاتل واصبروا الصابر " ورواه الدارقطني عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر، يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك " ورواه الشافعي من فعل علي رضى الله عنه " أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر: قال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت " وأخرجه الدارقطني من طريق الثوري عن اسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر، ورواه معمر وغيره عن اسماعيل. قال الدارقطني والارسال أكثر. وأخرجه أيضا البيهقى ورجح المرسل وقال إنه موصول غير محفوظ وقال في بلوغ المرام ورجاله ثقات وصححه ابن القطان وقد روى أيضا عن اسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعا، والصواب عن اسماعيل قَالَ " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحديث وقوله " ويصبر الصابر " معناه يحبس الحابس. وفي أسماء الله تعالى الصبور وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم وصبره عن الشئ حبسه. قال الخطئية: قلت لها أصبرها جاهدا ويحك أمثال طريف قليل والصبر نصب نفس الانسان للقتل وقد مضى في كتاب الايمان معنى اليمين الصبر ومعان في كلمة الصبر، ومنه صبر النفس أي حبسها عند الجزع. قال تعالى

(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) وقوله " أرض مسبعة " بالاضافة وفتح الميم أي ذات سباع، والزبية حفرة تحفر لينشب فيها السبع وجمعها زبا. قال ابن بطال فيها لغتان الضم والكسر، ونهسته بالسين المهملة، أي أخذته بمقدم أسنانها، ونهس الحية عضها. قال الراجز: وذات قرنين طحون الضرس تنهس لو تمكنت من نهس ويقال نهسته بالشين. قال الزمخشري في الاساس: الفرق أن النهس بأطراف الاسنان والنهش بالاضراس. أما الاحكام فإنه إذا حبس حرا وأطعمه وسقاه فمات وهو في الحبس فلا قود عليه ولا دية، سواء مات حتف أنفه أو بسبب كلدغ الحية وسقوط الحائط وما أشبهه. وقال أبو حنيفة ان كان صغيرا فمات حتف أنفه فلا شئ عليه، وان مات بسبب كلدغ الحية وسقوط الحائط فعليه الديه. دليلنا أنه حر فلا يضمنه باليد كما لو مات حتف أنفه، وأما إذا حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما حتى مات نظرت - فإن حبسه عن ذلك مدة يموت مثله في مثلها غالبا - وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا، فهو كما لو قتله بالسيف، وإن كان مدة لا يموت مثله في مثلها بمنع الطعام والشراب فلا قود عليه ولا دية لانا نعلم أنه مات بسبب آخر، ويعتبر حال المجوس: فإن حبسه وهو جائع فإنه لا يصبر عن الطعام إلا المدة القليلة، وإن كان شبعان فإن يصبر أكثر من مدة الجائع ويعتبر الطعام على انفراده والشراب على انفراده لان الانسان يصبر عن الطعام أكثر مما يصبر عن الشراب. وإن أمكنه الخروج إلى الطعام والشراب فلم يخرج حتى مات قال الطبري فلا قود. أما إذا أمسك رجل رجلا فجاء آخر فقتله وجب القود على القاتل دون المسمك إلا أن الممسك إن كان أمسكه مداعبة أو ليضربه فلا إثم عليه ولا تعزير وإن أمسكه ليقتله الآخر أثم بذلك وعزر. هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وقال ربيعة يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت. وقال مالك إن حبسه ليضربه الآخر أو أمسكه ليضربه أو أمسكه مداعبة فجاء الآخر فقتله فلا قود عليه ولا دية، وان أمسكه ليقتله الآخر فعليه القود، ومذهب أحمد أنه

لا خلاف في أن القاتل يقتل، لانه قتل من يكافئه عمدا بغير حق. وأما الممسك فإن يعلم أن القاتل يقتله فلا شئ عليه لانه متسبب والقاتل مباشر فسقط حكم المتسبب به، وان أمسكه له ليقتله مثل أن ضبطه له حتى ذبحه له، فأختلف الرواية عن أحمد، فروى عنه أنه يحبس حتى يموت، وهو قول عطاء وربيعة، وروى ذلك عن علي، وروى عن أحمد أنه يقتل أيضا، وهو قول مالك. قال سليمان بن موسى الاجتماع فينا أنه يقتل لانه لو لم يمسكه ما قدر على قتله وبإمساكه تمكن من قتله، فالقتل حاصل بفعلهما فكان شريكين فوجب عليهما القصاص كما لو جرحاه. دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذا أمسك الرجل وقتله الاخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك " ولانه حبسه حتى الموت فيحبس حتى الموت، كما لو حبسه عن الطعام والشراب حتى مات فإننا نفعل به ذلك حتى يموت. وقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فلو أوجبنا على الممسك القود كنا قد اعتدينا عليه بأكثر مما اعتدى، وهذا يدخل تحت طائلة وعيده صلى الله عليه وسلم حيث يقول " ان من أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله، أو طالب بدم الجاهلية في الاسلام، أو بصر عينه في النوم ما لم تبصره " فلو قتل الولى الممسك لكان قتل غير قاتله، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بصبر الصابر التعزيز بالحبس، لانه سبب غير ملجئ اجمتع مع المباشرة فتعلق الضمان بالمباشرة دون السبب، كما لو حفر بئرا أو نصب سكينا فدفع آخر عليها رجلا فمات، ولانه لو كان بالامساك شريكا لكان إذا أمسك الرجل امرأة وزنى بها آخر أنه يجب عليهما الحد، فلما لم يجب الحد على الممسك لم يجب القود على الممسك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان سقاه سما مكرها فمات وجب عليه القود لانه سبب يقتل

غالبا فهو كما لوجرجه جرحا يقتل غالبا، وان خالطه بطعام وتركه في بيته فدخل رجل فأكله ومات لم يجب عليه القود كما لو حفر بئرا في داره فدخل رجل بغير اذنه فوقع فيها ومات، وان قدمه إليه أو خلطه بطعام الرجل فأكله فمات ففيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود لانه أكله باختياره فصار كما لو قتل نفسه بسكين (والثانى) يجب لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، فأهدت إليه يهودية بخبير شاة مصلية فأكل منها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، ثم قال ارفعوا أيديكم فإنها قد أخبرتني أنها مسمومة، فأرسل إلى اليهودية فقال ما حملك على ما صنعت قالت قلت: ان تكن نبيا لم يضرك الذي صنعت، وان كانت ملكا أرحت الناس منك، فأكل منها بشر بن البراء بن معرور فمات، فأرسل إليها فقتلها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما زلت أجد من الاكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أو ان انقطاع أبهرى " ولانه سبب يفضى إلى القتل غالبا فصار كالقتل بالسلاح وإن سقاه سما وادعى أنه لم يعلم أنه قاتل ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب عليه القود لان السم يقتل غالبا (والثانى) لا يجب لانه يجوز أن يخفى عليه أنه قاتل وذلك شبهة فسقط بها القود (فصل) وان قتله بسحر يقتل غالبا وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا فأشبه إذا قتله بسكين، وان كان مما يقتل ولا يقتل لم يجب القود لانه عمد خطأ فهو كما لو ضربه بعصا فمات. (الشرح) حديث أبى هريرة أخرجه أبو داود حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبى سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدت له يهودية بخيبر. الحديث هكذا جاء مرسلا. ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة متصلا. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن زينب بنت الحرث اليهودية امرأة سلام بن مشكم أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مشوية قد سمتها وسألت أي اللحم أحب إليه؟ فقالوا الذارع، فأكثرت من السم في الذراع، فما انتهش من ذراعها

أخبره الذراع بأنه مسموم فلفظ الاكلة، ثم قال: اجمعوا لى من هنها من اليهود فجمعوا له فقال لهم: إني سائلكم عن شئ فهل أنتم صادقي فيه؟ قالوا نعم يا أبا القاسم فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أبوكم؟ قالوا أبونا فلان، قال كذبتم أبوكم فلان، قالوا صدقت وبررت. قال هل أنتم صادقي عن شئ إن سألتكم عنه قالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أهل النار؟ فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخسئوا فيها فو الله لانخلفكم فيها أبدا ثم قال، هل أنتم صادقي عن شئ إن سألتكم عنه؟ قالوا نعم: قال أجعلتم في هذه الشاة سما؟ قالوا نعم، قال فما حملكم على ذلك؟ قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك، وجئ بالمرأة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: أردت قتلك، فقال ماكان الله ليسلطك على. قالوا ألا نقتلها؟ قال لا، ولم يتعرض لها ولم يعاقبها، واحتجم على الكاهل، وأمر من أكل منها فاحتجم، فمات بعضهم. واختلف في قبل المرأة، فقال الزهري أسلمت فتركها، ثم قال معمر: والناس تقول قتلها النبي صلى الله عليه وسلم، إلا رواية حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة أنه قتلها لما مات بشر بن البراء، ويمكن التوفيق بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتلها أولا فلما مات بشر بن البراء قتلها. وقد اختلف الروايات في هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم منها أم لا؟ فأكثر الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها وبقى بعد ذلك ثلاث سنين، حتى قال في وجعه الذي مات فيه مازلت أجد من الاكله التي أكلت من الشاة يوم خيبر، فهذا أوان انقطاع الابهر منى. قال الزهري: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا. أما اللغات فالمصلية هي المشوية، والصلا والصلاء، بتفح الصاد مقصورا وكسرها ممدودا، ومنه قوله تعالى " سيصلى نارا ذات لهب " وقوله " جهنم يصلونها فبئس القرار " وقوله " مازلت أجد من الاكلة " أي أشتكى، والاكلة بضم الهمزة هي اللقمة

والابهر عرق إذا انقطع مات صاحبه وهو أبهران يخرجان من القلب ثم تتشعب منهما سائر الشرايين. هكذا يقول ابن ابطال، وبالرجوع إلى علم التشريح بحد أن القلب بمتد من أحد جانبيه من أعلاه شريان رئوى يدفع الدم إلى الرئتين لاحداث عملية تبادل الغازات وهو يمتد من البطين الايمن إلى الرئتين، والعرق الآخر وهو يمسى الاورطى، ويمتد من البطين الايسر إلى أجزاء الجسم ويمتد منهما الشرايين والاوردة التي هي مجار للدم. أما الاحكام فإن كتف رجلا أو قيده فأكله السبع ففيه ثلاث مسائل ذكرها الشيخ أبو حامد. إحداهن إذا قيده وكتفه وطرحه في أرض مسبعة فجاء السبع فأكلة فإنه لا قود على الطارح له ولا دية، لان السبع أكله باختياره، ولان له اختيارا، كما لو مسكه فقتله آخر (الثانية) إذا قيده في صحراء ثم رمى بالسبع عليه أو رمى به فأكله فلا قود عليه ولادية، لان من طبع السبع إذا رمى به على انسان أو رمى انسان عليه أن ينفر عنه، فإذا لم ينفر عنه كان أكله له باختياره (الثالثة) إذا كان السبع في مضيق أو بيت أو بئر أو زنية فرمى بالانسان عليه، أو كان الانسان في المضيق أو في البيت أو في البئر أو في الزبية فرمى بالسبع عليه فضربه السبع فمات - فإن ضربه السبع ضربا يقتل مثله في الغالب - وجب على الرامى القود لانه قد اضطر السبع إلى قتله، وان ضربه ضربا لا يقتل مثله في الغالب فمات لم يجب على الرامى القود لان الغالب منه السلامة، ويجب عليه الدية في ماله. وكذلك حكم النمر وما في معناه. وان أمسك السبع أو النمر وأفرسه اياه فأكله فعليه القود، لانه قد اضطره إلى ذلك (مسألة) إذا قيد رجلا وطرحه في أرض ذات حيات فنهسته حية منها فمات فلا قود عليه ولا دية، سواء كان في موضع واسع أو ضيق، وكذلك إذا رمى به على الحية أو رمى بالحية عليه، لان الحيات والعقارب من طبعها النفور من الانسان. وان أخذ الحية أو العقرب بيده وأنهشها انسانا. قال الشافعي رحمه الله ضغطها أو لم يضغطها فنهشه ومات - فإن كان من

الحيات التي تقتل في الغالب كحيات الكوبر أو الحيات السامة ذات الرأس المدببة وجب عليه القود، لانه توصل إلى قتله بما يقتل غالبا، فهو كما لو قتله بالسيف. وإن كان مما لا يقتل غالبا كثعابين مكة والحجاز وأفاعي مصر التي تبتلع الدواجن أو التي تعيش تحتت قضبان السكك الحديدة وتعيش على ابتلاع العظاء (1) والضفدع ففيه قولان: (أحدهما) لا يجب عليه القود لانه لا يقتل غالبا، ويجب عليه دية مغلطة لانه شبه عمد. (والثانى) يجب عليه القود لان حبسها يقتل غالبا فهو بمنزلة الجراح (فائدة) الحيات منها السا وتعرف بدقة رأسها وغلظ عنقها وغير السام وتعرف بدقة عنقها وفرطحة رأسها أشبه بالابهام، ونصف السام وهى ما يكون شكلها وسطا بين السام وغير السام، وبعض من يدعى التصوف يأكلون الثعابين وهي من النوع غير السام لادعاء الكرامة، وهي لعمر الله مخرقة وإلحاد لانهم يجعلون من أكل الخبائث المحرمة مظهرا من مظاهر الرضوان والاكرام (مسألة) إذا سقى رجلا سما فمات المسقي فلا يخلو إما أن يكرهه أو لا يكرهه فإن أكرهه على شربه بأن صبه في حلقه مكرها له على ذلك نظرت - فإن أقر الساقى أنه سم يقتل مثله غالبا - وجب عليه القود، لان قتله بما يقتل غالبا، فهو كما لو قتله بالسيف. وان ادعى ولى المقتول أنه يقتل غالبا وأنكر الساقى أنه يقتل غالبا - فإن أقام ولى المقتول بينة أنه يقتل غالبا - وجب القود على الساقى لانه ثبت أنه يقتل غالبا وان أقام ولى المقتول بينة أنه يقتل نحيف الخلق ولا يقتل قوى الخلق لم يجب عليه القود وإنما يجب عليه دية مغلظة، وإن لم تكن هناك بينة فالقول قول الساقى مع يمينه أنه لم يكن يقتل غالبا، لان الاصل عدم القود، فإذا حلف لم يجب عليه القود وعليه دية مغلظة.

_ (1) وهي ما يسمى بالسحال عند العامة

وإن قامت البينة أنه كان يقتل غالبا أو اعترف الساقى بذلك إلا أنه أدعى أنه لم يعلم أنه يقتل غالبا وقت السقى، فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود لان ما ادعاه محتمل، وذلك شبهة توجب سقوط القود عنه. (والثانى) يجب عليه لانه قتله بما يقتل غالبا فلا يصدق في دعواه كما لو جرحه وان خلط السم بطعام أو شراب وأكرهه فأوقره في حلقه فمات، فإن كان الطعام أو الشراب قد كسر حدة السم تلقائيا، فإن لم يكرهه على ذلك وإنما ناوله اياه فشربه، نظرت فإن كان الشارب صبيا لا يميز أو كبيرا مجنونا أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الامر، فعلى الرافع إليه الضمان، لانه كالآلة حيث اعتقد طاعته فيه، وان كان عاقلا مميزا فلاضمان على الرافع لانه قتل نفسه باختياره وتفريطه وان خلطه به ولم يكسر الطعام حدة السم فأكله انسان ومات نظرت - فإن كان الطعام الذي خلط فيه السم وقدمه إلى انسان وقال كله فأكله، فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان: (أحدهما) يجب على القود لما روى أبى هريرة " أن يهودية بخيبر أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأكل منها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رضى الله عنهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أن بها سما، فأرسل إلى اليهودية وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت ان كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت، وان كنت ملكا أرحت الناس منك، فأكل منها بشر بن البراء بن مغرور فمات، فأرسل الني صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فقتلها، فقال صلى الله عليه وسلم مازالت أكلة خبير تعاودني، فهذا أو أن قطعت أبهرى " ولان العادة جرت أن من قدم إليه طعام فانه يأكل منه، فصار كأنه ألجأه إلى أكله فوجب عليه القود، كما لو أكرهه عليه (والثانى) لا يجب عليه القود لانه أكله باختياره، فصار كما لو قتل نفسه بسكين، فإذا قلنا بهذا فهل تجب عليه الدية؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال القاضى أبو الطيب فيه قولان، أحدهما لا يجب عليه الدية لانه هو الجاني على نفسه. والثانى تجب عليه الدية لان التلف حصل بسبب منه فصار كما لو حفر بئرا في

طريق الناس فهلك به انسان. وقال الشيخ أبو حامد: تجب عليه الدية قولا واحدا لما ذكرناه ولا يعرف ههنا قولان، وإن خلظ السم بطعامه وقدمه إلى رجل قال فيه سم يقتل غالبا فأكله فمات فلا قود عليه ولا دية لانه قتل نفسه. وإن خلط السم بطعام وقدمه إلى صبى لا يميز أو إلى بالغ مجنون أو على أعجمى لا يعقل ولا يميز وقال: كله فإن فيه سما قاتلا فأكله فمات وجب عليه القود لانه بمنزلة ما لو قتله بيده. وإن خلط سما بطعام له في بيته فدخل بيته رجل وأكل الطعام ومات لم يجب عليه قود ولا دية. لان الآكل فرط وتعدى بأكل طعام غيره بغير إذنه. وان خلط السم بطعام الغيره فجاء صاحب الطعام فأكل طعامه ولم يعلم بالسم ومات، وجب على الذي خلط السم قيمة الطعام لانه أفسده، وهل يجب عليه القود في الذي أكله؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال فيه قولان، كما لو خلطه بطعام نفسه وقدمه إلى من أكله، لان الانسان يأكل الطعام بحكم العادة والحاجة، فصار كما لو خلطه بطعام ودعاه إلى أكله. ومنهم من قال لا يجب عليه قولا واحدا لانه لم يوجد منه أكثر من افساد الطعام (فرع) إذا سحر رجل رجز فمات المسحور سئل الساحر عن سحره، فإن قال سحر يقتل غالبا وقد قلت به وجب عليه القود. وقال أبو حنيفة لا يحب عليه القود. دليلنا أنه قتل بما يقتل به غالبا. قال العمرانى هو كما لو قتله بالسيف وان قال سحر لا يقتل وجب عليه دية مخففة لانه أخطأ. وان قال قد يقتل وقد لا يقتل والغالب منه السلامة، وجبت عليه دية مغلظة في ماله. وان قال الساحر قتلت بسحري جماعة ولم يعنين من قتل لم يقتل. وقال أبو حنيفة يقتل جدا، لانه سعى في الارض بالفساد هو اظهار السلاح واخافة الطريق. وأما القتل فليس منه وللحرابة حكمها على ما سيأتي ان شاء الله وأعان. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أكره رجل على قتل رجل بغير حق فقتله، وجوب القود على المكره، لانه تسبب إلى قتله بمعنى يفضى إلى القتل غالبا، فأشبه إذا رماه

بسهم فتله وأما المكره ففيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود، لانه قتله للدفع عن نفسه فلم يجب عليه القود كما لو قصده رجل ليقتله فقتله للدفع عن نفسه (والثانى) أنه يجب عليه القود وهو الصحيح، لانه قتله ظلما لاستبقاء نفسه، فأشبه إذا اضطر إلى الاكل فقتله ليأكله. وأن أمر الامام بقتل رجل بغير حق - فإن كان المأمور لا يعلم أن قتله بغير حق - وجب ضمان القتل من الكفارة والقصاص والدية على الامام، لان المأمور معذور في قتله، لان الظاهر أن الامام لا يأمر الا بالحق. وان كان يعلم أنه يقتله بغير وجب ضمان القتل من الكفارة والقصاص أو الدية على المأمور لانه لا يجوز طاعته فيما لا يحل، والدليل عليه ماروى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وقد روى الشافعي رحمه الله إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه " فصار كما لو قتله من غير أمره، وأن أمره بعض الرعية بالقتل فقتل وجب على المأمور القود، على أنه يقتله بغير حق أو لم يعلم، لانه لا تلزمه طاعته، فليس الظاهر أنه يأمره بحق فلم يكن له عذر في قتله، فوجب عليه القود. وان أمر بالقتل صبيا لا يميز أو أعجميا لا يعلم أن طاعته لا تجوز في القتل بغير حق فقتل وجب القصاص على الآمر، لان المأمور ههنا كالآلة للآمر، ولو أمره بسرقة مال فسرقه لم يجب الحد على الآمر، لان الحد لا يجب الا بالمباشرة والقصاص يجب بالتسبب والمباشرة (فصل) وان شهد شاهدان على رجل بما يوجب القتل فقتل بشهادتهما بغير حق، ثم رجعا عن شهادتهما، وجب القود على الشهود، لما روى القاسم بن عبد الرحمن " أن رجلين شهدا عند على كرم الله وجهه على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما، فقال لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما " وأغرمهما دية ديه، ولانهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا فوجب عليهما القود، كما لو جرحاه فمات.

(الشرح) الحديث الاول أخرجه أحمد " عن عبد الله بن الصامت قال: أراد زياد أن يبعث عمران بن حصين على خراسان فأبى عليه فقال له أصحابه، أتركت خراسان أن تكون عليها؟ قال فقال إنى والله ما يسرني أن أصلى بحرها ويصلون ببردها، إنى أخاف إذا كنت في نحر العدو أن يأتيني بكتاب من زياد فإن أنا مضيت هلكت، وإن رجعت ضربت عنقي، قال فأراد الحكم بن عمرو الغفاري عليها، قال فانقاد لامره، قال فقال عمران: ألا أحد يدعو إلى الحكم؟ قال فانطلق الرسول، قال فأقبل الحكم إليه فدخل عليه فقال عمران للحكم " أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاطاعة لاحد في معصية الله تبارك وتعالى؟ قال نعم، فقال عمران الحمد لله أو الله أكبر " وفي رواية عن الحسن أن زيادا استعمل الحكم الغفاري على جيش، فأتاه عمران بن حصين فلقيه بين الناس، فقال أتدر لم جئتك؟ فقال له لم؟ فقال أتذكر قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي قال له أميره ارم نفسك في النار فأدرك فاحتبس، فأخبر بذلك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لو وقع فيها لدخلا النار جميعا، لاطاعة في معصية الله تبارك وتعالى، قال نعم، قال انما أردت أن أذكرك هذا الحديث. رواه أحمد بألفاظ، والطبراني باختصار وفي بعض طرقه " لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الهيثمى، ورجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عمران والحكم الغفاري أيضا. قال السيوطي وإسناده حسن. وأخرجه أحمد وأبو يعلى عن أنس " أن معاذ بن جبل قال يارسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك، فما تأمرنا في أمرهم؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لاطاعة لمن لم يطع الله عز وجل " وفيه عمرو بن زينب ولا يعرف وبقية رجاله رجال الصحيح. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم من حديث على رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الانصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فعصوه في شئ فقال اجمعوا لى حطبا، فجمعوا، ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا، ثم قال ألم يأمركم رسول الله أن تسمعوا وتطيعوا؟ قالوا بلى

قال فادخلوها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النار، فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا " وقال " لاطاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف " وفي حديث معاذ بن جبل عند أحمد " لاطاعة لمن لم يطع الله " وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني " لاطاعة لمن عصى الله " ولفظ البخاري " فإذا أمر بمعصية فلا سمع بمعصية فلا سمع ولاطاعة " وخبر القاسم بن عبد الرحمن مضى في الايمان أما الاحكام فإذا أمر الامام رجلا أن يقتل رجلا بغير حق فقتله فلا يخلو إما أن يكرهه على قتله أو لا يكرهه، فإن لم يكرهه بل قال له اقتله، فان كان المأمور يعلم أنه أمر بقتله بغير حق لم يحل له قتله، لقوله صلى الله عليه وسلم " لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق " وقال صلى الله عليه وسلم " من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه " فان خالف وقتله المأمور بذلك وجب عليه العقود والكفارة لانه قتله بغير حق، لا يلحق الامام الاثم لقول صلى الله عليه وسلم " من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى " هذا نقل البغدادين، وقال الخراسانيون هل يكون مجرد الامر من الامام أو السلطان إكراها؟ فيه وجهان. وأما إذا كان المأمور لا يعلم أنه أمر بقتله بغير حق وجب على الامام القود والكفارة، لان الامام لا يباشر القتل بنفسه، وانما يأمر به غيره، فإذا أمر غيره وقتله بغير حق تعلق الحكم بالامام كما لو قتله بيده. وأما المأمور فلا يجب عليه اثم ولاقود ولا كفارة لان اتباع أمر الامام واجب عليه، لان الظاهر أنه لا يأمر الا بحق. قال الشافعي رضى الله عنه وأرضاه وأحب له لو كفر، وأما أذا أمره أو أكرهه الامام على القتل وعلم المأمور أنه يقتل بغير حق فلا يجوز للمأمور القتل لما ذكرناه إذ لم يكره، فان قتل فانه يأثم بذلك ويفسق، ويجب على الامام القود

والكفارة في ماله، وأما المكره المأمور فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القود، وهو قول أبى حنيفة لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّهُ قتله لاستبقاء نفسه فلم يجب عليه القود كما لو قصد رجل نفسه فلم يمكنه دفعه إلا بقتله (والثانى) يجب عليه القود، وبه قال مالك وأحمد رضى الله عنهما وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فمن قتل بعمده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا اقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وهذا قاتل، ولانه قصد قتل من يكافئه لاستبقاء نفسه فوجب عليه القود كما لو جاع وقتله ليأكله، ولانه لو كان رجلا في مضيق أو بيت فدخل عليهما أسد أو سبع فدفع أحدهما صاحبه إليه خوفا على نفسه فأكله السبع أو الاسد لوجب القصاص على الدافع، وكذلك لو كان جماعة في البحر فخافوا الغرق فدفعوا واحدا منهم في البحر لتخف السفينة وغرق ومات وجب عليهم القود، وإن كان ذلك لاستبقاء أنفسهم. وكذلك هذا مثله. فإذا قلنا يجب على المأمور القود كان الولى بالخيار بين أن يقتل المكره والمكره وبين أن يعفو عنهما ويأخذ منهما الدية. وإن قلنا لا يجب على المأمور المكره القود فعليه نصف الدية لانه قد باشر القتل، ويجب على كل واحد منهما كفارة على القولين معا. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال الخراسانيون إذا قلنا لا يجب على المأمور القود فهل يجب عليه نصف الدية؟ فيه وجهان. فإن قلنا عليه نصف الدية كان عليه الكفارة وإن قلنا لا تجب عليه وعليه نصف الدية فهل تجب عليه الكفارة فيه وجهان. إذا ثبت هذا فإنه لافرق بين الامام وبين النائب عنه في ذلك، لان طاعته تجب كما يجب طاعة الامام، وكذلك إذا تغلب رجل على بلد أو اقليم بتأويل. وادعى أنه الامام كالامام الذي نصبه الخوارج، فحكمه حكم الامام في ذلك، لان الشافعي رضى الله عنه لايرد من أفعاله الا ما يرد من أفعال امام العدل وكذلك قاضيهم، فإذا ثغلت رجل على بلد بغير تأويل بل باللصوص وأمر رجلا بقتل رجل بغير حق، أو أمره رجل من الرعية بقتل رجل بغير حق فان لم يكرهه

الآمر على القتل فقتله وجب على المأمور القاتل القود والكفارة سواء علم أنه أمره بقتله بحق أو بغير حق، لانه لا يجب عليه طاعته بخلاف الامام، ولا يلحق الآخر الا الاثم للمشاركة بالقول. وأما القود والكفارة والدية فلا تجب عليه، لانه لم يلجئه إلى قتله. وأما إذا أكرهه على قتله وجب على الآمر القود والكفارة لانه توصل إلى قتله بالاكراه، فهو كما لو قتله بيده، وأما المأمور فان كان يمكنه أن يدفع الامر بنفسه أو بعشيرته أو بمن يستعين به فلا يجوز له أن يقتل، وان قتله فعليه القود والكفارة، وان لم يمكنه أن يدفع الامر بنفسه أو بعشيرته أو بمن يستعين به فلا يجوز له أن يقتل، وان قتل فعليه القود والكفارة، وان لم يمكنه أن يدفع الامر فقتل فهل يجب عليه القود؟ فاختلف أصحابنا فيه، فقال أكثرهم فيه قولان كما قلنا في الذي أكرهه الامام. ومنهم من قال يجب عليه القود قولا واحدا، لان الذي أكرهه الامام له شبهة في أمر الامام لجواز أن يكون الامام قد علم بأمر يوجب القتل على المقتول، وان لم يعلم به المأمور. وطاعة الامام تجب بخلاف المتغلب باللصوصية وآحاد الرعية - فانه لا يجوز له ذلك، ولا يجب على المأمور طاعته ومن أصحابنا الخراسانيين من قال لا يجب القود على من أكرهه الامام قولا واحدا، ويجب القود على من أكرهه غير الامام قولا واحدا لما ذكرناه من الفرق بينهما، والطريق الاول أصح إذا ثبت هذا فان الشافعي رحمه الله قال في الام، ولو أمر الامام رجلا يقتل رجل ظلما ففعل المأمور ذلك كان عليهما القود واختلف أصحابنا في تأويله فقال أبو إسحاق أراد إذا أكرهه وأجاب على أحد القولين. ومنهم من قال لم يرد بذلك إذا أكرهه لانه ذكر الاكراه بعد ذلك، وانما تأويله أن يقتل مسلما بكافر والامام والمأمور يعتقدان أنه لا يقتل به الا أن المأمور أعتقد أن الامام قد أداه اجتهاده إلى ذلك فيجب عليهما القود أما الامام فلانه ألجأه إلى قتله بأمر لان طاعته أمر واجب، وأما المأمور فلان القتل إذا كان محرما لم يجز له أن يفعله، وان كان الامام يرى إباحته فليزمهما القود

(فرع) واختلف أصحابنا في كيفية الاكراه على القتل، فقال ابن الصباغ لا يكون الاكراه عليه إلا بالقتل أو بجرح يخاف منه التلف، فأما إذا أكرهه بضرب لا يموت منه أو بأخذ مال فلا يكون إكراها، لان ذلك لا يكون عذرا في إتلاف النفس بحرمتها، ولهذا يجب عليه الدفع عن نفسه في أحد الوجهين، ولا يجب عليه الدفع عن ماله، بل يجب عليه بذله لاحياء نفس غيره وقال الشيخ أبو حامد في التعليق: إذا أكرهه بأخذ المال على القتل كان إكراها كما قلنا في الاكراه على الطلاق وقال الطبري: إذا أكرهه على القتل بما لا تحتمله نفسه كان اكراها، كما قلنا في الطلاق. (فرع) وان أمر خادمه الصغير الذي لا يميز، أو كان أعجميا لا يميز ويعتقد طاعته في كل ما يأمره به بقتل رجل بغير حق فتقله وجب القود والكفارة على الآمر ولا يجب على المأمور شئ: لان المأمور كالآلة فصار كما لو قتله بيده. وكذلك إذا كان المأمور يعتقد طاعته كل من أمره فالحكم فيه وفيما سبقه واحد. ولو أمر بسرقة نصاب لغيره من حرز مثله فسرقه لم يجب على الامر القطع، لان وجوب القصاص أكد من وجوب القطع في السرقة، ولهذا يجب القصاص في السبب ولا يجب القطع في السبب. وان قال للصغير الذي لا يميز أو الاعجمي الذي يعتقد طاعته في كل ما يأمره به اقتلني فقتله، كان دمه هدرا لانه آلة له فهو كما لو قتل نفسه، وتجب عليه الكفارة وان أمر الصغير الذي لا يميز أو البالغ المجنون أن يذبح نفسه فذبحها أو يخرج مقتلا من نفسه فأخرجه فمات - فإن كان عبده - لم يجب عليه ضمانه لانه ملكه، ولكنه يأثم وتجب عليه الكفارة، وان كان عبدا لغيره وجبت عليه قيمته والكفارة ويجب عليه القود. وان قال للاعجمي الذي يعتقد طاعة كل من يأمره اذبح نفسك فذبحها لم يجب على الامر الضمان، لانه لا يجوز أن يخفى عليه بأن قتل نفسه لا يجوز، وان جاز أن يخفى عليه أن قتل غيره يجوز. وان أمره أن يخرج مقتلا من نفسه فجرحه ومات فإن الشيخ أبا حامد ذكر أن حكمه حكم ما لو أمر بقتل نفسه. وذكر

ابن الصباغ في الشامل أنه يجب على الامر الضمان لانه يجوز أن يخفى عليه أنه يقتله بخلاف أمره له بقتله لنفسه وان أكره رجلا على اتلاف مال لغيره فإن الضمان ينفرد على الامر، وهل على المالك أن يطالب المأمور؟ فيه وجهان حكاهما الطبري (أحدهما) له أن يطالبه لانه باشر الاتلاف، فعلى هذا يرجع المأمور على الامر (والثانى) ليس للمالك مطالبة المأمور لانه آلة للآمر (مسألة) قوله " وان شهد شاهدان الخ " فجملة ذلك أنه إذا شهد شاهدان على رجل بما يوجب القتل بغير حق فقتل بشهادتهما وعمد الشهادة عليه وعلما أنه يقتل بشهادتهما وجب عليهما القود، لما روى أن رجلين شهدا عند علي رضى الله عنه على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما، فقال لو أعلم أنكما تعمدتما الشهادة عليه لقطعت أيديكما، وغرمهما الدية في اليد، ولانهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا فهو كما لو جرحاه فمات (فرع) لو قال الرجل اقطع يدى فقطع يده فلا قود على القاطع ولا دية، لانه أذن له في اتلافها، فهو كما لو أذن له في أتلاف ماله فأتلفه، وان قال له اقتلني أو أذن له في قطع يده فقطعها فسرى القطع إلى نفسه فمات لم يجب عليه القود. وأما الدية فقال أكثر أصحابنا يبنى على القولين متى تجب دية المقتول فإن قلنا تجب في آخر جزء من أجزاء حياته لم تجب ههنا. وان قلنا انها تجب بعد موته وجبت ديته لورثته. قال ابن الصباغ. وعندي في هذا نظر لان هذا الاذن ليس بإسقاط لما يجب بالجناية، ولو كان اسقاطا لما سقط، كما لا يصح أن يقول له أسقطت عنك ما يجب لي بالجناية أو اتلاف المال، وانما سقط لوجود الاذن فيه، ولافرق بين النفس فيه والاطراف، وهذا يدل أن الدية تسقط عنده قولا واحدا، وان قصده فمات - فان كان بغيره أمره - وجب عليه القود، وان كان بأمره لم يجب عليه قود ولا دية واحدا لان القصد مباح بخلاف القتل. والله أعلم

باب القصاص في الجروح والاعضاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب القصاص في الجروح والاعضاء) يجب القصاص فيما دون النفس من الجروح والاعضاء، والدليل عليه قوله تعالى وكتبنا عليهما فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالاتف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) وروى أنس رضى الله عنه " أن الربيع بنت النضر بن أنس كسر ثينه جارية فعرضوا عليهم الارش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يارسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كتاب الله القصاص " قال فعفا القوم ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لابر قسمه " ولان ما دون النفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوب القصاص (فصل) ومن لا يفاد بغيره في النفس لا يقاد به فيما دون النفس، ومن اقتيد بغيره في النفس اقتيد به فيما دون النفس لانه لما كان ما دون النفس كالنفس في وجوب القصاص كان كالنفس فيما ذكرناه (فصل) وإن اشترك جماعة في إبانة عضو دفعة واحدة وجب عليهم القصاص، لانه أحد نوعي القصاص، فجاز أن يجب على الجماعة بالجناية ما يجب على واحد كالقصاص في النفس وإن تفرقت جناياتهم بأن قطع بعض العضو وأبانه الآخر لم يجب القصاص على واحد منهما، لان جناية كل واحد منهما في بعض العضو، فلا يحرز أن يقتص منه في جميع العضو (الشرح) حديث أنس رضى الله عنه أخرجه البخاري في التفسير عن عبد الله ابن منير وفي الصلح وفي الديات عن الانصاري وعن محمد بن سلام أخرجه مسلم في الحنود عن أبى بكر واخرجه أبو داود في الديات عن مسدد وأخرجه النسائي

في القود عن محمد بن المثنى وعن أحمد بن سليمان وعن حميد بن مسعدة واسماعيل ابن مسعود: وأخرجه ابن ماجه في الديات عن محمد بن المثنى وعن ابن أبى عدى والربيع مضى ضبطها في الربيع بنت معوذ وهو بالتصغير وهى أم حارية بنت سراقة المستشهد بين يدى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ صاحبة حديث: أخبرني عن حارثة إن كان في الجنة صبرت الخ الحديث أما الاحكام فقد قال الشافعي رحمه الله: والقصاص فيما دون النفس سار. جرح يستوفى، وطرف يقطع وقال العمرانى أن القصاص يجب فيما دون النفس من الجروح والاعضاء، لقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس - إلى قوله تعالى - والجروح قصاص) أه. ولما روت الربيع أنها كسرت ثنية جارية من الانصار فعرضوا عليهم الارث فلم يقبلوا، فطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فقال أنس بن النضر: والذي بعثك بالحق لا يكسر ثنيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال صلى الله عليه وسلم: ان من عباد الله من لو قسم على الله لابره " ولان القصاص في النفس انما جعل لحفظ النفس، وهذا موجود فيما دون النفس إذا ثبت هذا فكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما فيما دون النفس، فتقطع يد الحر المسلم بيد الحر المسلم ويد الكافر بيد الكافر ويد المرأة بيد المرأة، وهذا اجماع وتقطع يد المرأة بيد الرجل ويد الرجل بيد المرأة، ويد العبد بيد الحر والعبد عِنْدَنَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ " إذا اختلف الشخصان في الدية لم يجر القصاص بينهما فيما دونهما كالحرين المسلمين. وان اشترك جماعة في ابانة عضو أو جراحة يثبت بها القصاص ولم يتميز فعل بعضهم عن بعض، مثل أن أجرى جماعة سيفا في أيديهم على يد رجل أو رجله فقطعوها أو على رأسه فأوضحوه (1) قطعت يد كل واحد منهم وأوضح كل واحد منهم

_ (1) أوضحوه أي أوضحوا بياض العظم

وبه قال ربيعة ومالك وأحمد. وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يقتص منهم بل ينتقل حق المجني عليه إلى الدية. دليلنا ماروى أن رجلين شهدا عند علي رضى الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ثم أتيا برجل أخر وقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا في ذلك، فلم يقبل شهادتهما على الثاني وغرمهما دية ويد وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما، وروى لقطعتكما، ولا مخالف له في الصحابة، ولان كل جناية وجب بها القصاص على الواحد وجب بها على الجماعة كالنفس، وإن قطع أحدهما بعض العضو وأبانه الثاني، أو وضع أحدهما السكين على المفصل ووضع الاخر عليه السكين من الجانب الاخر ثم قطعاه وأباناه لم يجب على أحدهما قصاص في إبانة العضو، لان جناية كل واحد منهما قطعة مميزة في بعض العضو فلا يقتص منه في جميعه. (فرع) ويعتبر في المجني به على ما دون النفس ما يعتبر في النفس، فإن رماه بحجر كبير يوضحه مثله في الغالب فأوضحه وجب عليه القود، وإن لطمه وورم وانتفخ فصار موضحة فلا قود فيها وفيها الدية. وإن رماه بحجر صغير لا يوضح مثله في الغالب فأوضحه لم يجب عليه القود ووجب عليه الدية كما قلنا في النفس. وحكى ابن الصباغ في الشامل أن الشيخ أبا حامد قال إذا كان الحجر مما يوضح غالبا فإنه يجب القصاص في الموضحة، فإذا مات لم يجب القصاص. قال ابن الصباغ وهذا فيه نظر لان من أوضح غيره بحديدة فمات منها وجب عليه القود، فإذا كانت هذه الالة توضح في الغالب كانت كالحديد. قال المصنف رحمه الله: (فصل) والقصاص فيما دون النفس في شيئين في الجروح وفي الاطراف، فأما الجروح فينظر فيها فان كانت لا تنتهى إلى عظم كالجائفة وما دون الموضحة من الشجاج، أو كانت الجناية على عظم ككسر الساعد والعضد والهاشمة والمنقلة، لم يجب فيها القصاص، لانه لاتمكن المماثلة فيه ولا يؤمن أن يستوفى أكثر من الحق فسقط، فان كانت الجناية تنتهى إلى عظم - فان كانت موضحة في الرأس أو

الوجه - وجب فيها القصاص، لانه تمكن المماثلة فيه، ويؤمن أن يستوفى أكثر من حقه، وان كانت فيما سوى الرأس والوجه كالساعد والعضد والساق والفخذ وجب فيها القصاص. ومن أصحابنا من قال لا يجب لانه لما خالف موضحة الرأس والوجه في تقدير الارش خالفهما في وجوب القصاص والمنصوص هو الاول، لانه يمكن استيفاء القصاص فيها من غير حيف لانتهائها إلى العظم، فوجب فيها القصاص كالموضحة في الرأس والوجه. (فصل) وان كان الجناية موضحة وجب القصاص بقدرها طولا وعرضا لقوله عز وجل " والجروح قصاص " والقصاص هو المماثلة، ولاتمكن المماثلة في الموضحة الا بالمساحة في الطول والعرض، فان كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني وعلم على القدر المستحق بسواد أو غيره، ويقتص منها، فان كانت الموضحة في مقدم الرأس أو مؤخره أو في قزعته وأمكن أن يستوفى قدرها في موضعها من رأس الجاني لم يستوف في غيرها، وان كان قدرها يزيد على مثل موضعها من رأس الجاني أستوفى بقدرها، وان جاوز الموضع الذي شجه في مثله لان الجميع رأس. وان كان قدرها يزيد على رأس الجاني لم يجز أن ينزل إلى الوجه والقفا لانه قصاص في غير العضو الذي جنى عليه ويجب فيما بقى الارش لانه تعذر فيه القصاص فوجب البدل، فان أوضح جميع رأس ورأسه ورأس الجاني أكبر فللمجنى عليه أن يتدئ بالقصاص من أي جانب شاء من رأس الجاني، لان الجميع محل للجناية. وأن أراد أن يستوفى بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره فقد قال بعض أصحابنا انه لا يجوز، لانه يأخذ موضحتين بموضحة. قال الشيخ الامام ويحتمل عندي أنه يجوز لانه لا يجاوز موضع الجناية ولاقدرها الا أن يقول أهل الخبرة أن في ذلك زيادة ضرر أو زيادة شين فيمنع لذلك. وان كانت الموضحة في غير الوجه والرأس وقلنا بالنصوص أنه يجب فيها القصاص اقتص فيها على ما ذكرناه في الرأس، فان كانت في الساعد فزاد قدرها على ساعد الجاني لم ينزل إلى الكف ولم يصعد إلى العضد، وان كانت في الساق

فزادت على قدر ساق الجاني لم ينزل إلى القدم ولم يصعد إلى الفخذ كما لا ينزل في موضحة الرأس إلى الوجه والقفا (فصل) وإن كانت الجناية هاشمة أو منقبلة أو مأمومة فله أن يقتص في الموضحة لانها داخلة في الجناية يمكن القصاص فيها، ويأخذ الارش في الباقي، لانه تعذر فيه القصاص فانتقل إلى البدل. (الشرح) الاحكام: يجب القصاص فيها دون النفس في شيئين: الجروح والاعضاء، والجروح ضربان، جرح في الرأس والوجه وجرح فيما سواهما من البدن، فأما الجروح في الرأس والوجه ويسمى الشجاج. قال الشافعي رضى الله عنه وهي عشرة. (أولها) الحارصة وهى التي تقشط الجلد قشطا لا يدمى، ومنه يقال حرص القصار الثوب إذا قشط درنه ووسخه (1) وبعدها الدامية وهى التي قشطت الجلد وخرج منها الدم، وبعدها الباضعة وهى التي تبضع اللحم، أي تشقه بعد الجلد وبعدها المتلاحمة وهى التي تنزل في اللحم ولا تصدع العظم، وبعدها السمحاق وهى التي وصلت إلى جلدة رقيقة بين اللحم والعظم وتسمى تلك الجلدة السمحاق وبعدها الموضحة وهى التي أوضحت عن العظم وكشفت عنه، وبعدها الهاشمة وهى التي هشمت العظم، وبعد المنقلة - قال الشيخ أبو حامد ولها تأويلان (أحدهما) أن ينقل العظم من موضع إلى موضع (والثانى) أنه في تداويه لابد من إخراج شئ من العظم منه، وبعدها المأمومة وتسمى الآمة بالمداسم فاعل والمأمومة اسم مفعول، وجمع الآمة أوام، مثل دابة ودواب، وجمع المأمومة على لفظها مأمومات وهى التي تصل إلى أم الدماغ وقال في البيان: وهى التي قطعت العظم وبلغت إلى قشرة رقيقة فوق الدماغ وبعده الدامغة وهى التي بلغت الدماغ. وحكى عن أبى العباس بن سريج أنه زاد الدامغة بعد الدامية وقال الدامية التي يخرج منها

_ (1) في المصباح: حرص القصار الثوب شقه، ومنه قيل للشجة تشق الجلد حارصة.

الدم ولا يجرى، والدامغة مايخرج منها الدم ويجرى. قال الازهرى، الدامغة قبل الدامية، وهى التي يخرج منها الدم بقطعه والدامية هي التي يخرج منها أكثر إذا ثبت هذا فان الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْأُمِّ لا قصاص فيما دون الموضحة من الشجاج ونقل المزني لو جرحه فلم يوضحه اقتضى منه بقدر عاشق من الموضحة. واختلف أصحابنا فيه فقال الخراسانيون هل يجب القصاص فيما دون الموضحة من الشجاج؟ فيه قولان، قال أكثر أصحابنا البغداديين، لا يجب القصاص فيما دون الموضحة، وما نقله المزني فيه سهو، لان القصاص هو المماثلة ولا يمكن المماثلة فيما دون الموضحة، فلو أوجبنا فيها القصاص لم يأمن أن تؤخذ موضحة بمتلاحمة، لانه قد يكون رأس المجني عليه غليظ الجلد كثير اللحم، ويكون رأس الجاني رقيق الجلد قليل اللحم، فإذا قدرنا العمق في المتلاحمتين ورأس المجني عليه وأوجنا قدره في رأس الجاني فربما بلغت إلى العظم وذلك لا يجوز وقال الشيخ أبو حامد يمكن عندي القصاص فيما دون الموضحة من الشجاج على ما نقله المزني بأن يكون في رأس المجني عليه موضحة وفي رأس الجاني موضحة فينظر إلى المتلاحمة التي في رأس المجني عليه، وينظركم قدرها من الموضحة، فإن كان قدر نصفها نظر كم قدر الموضحة التي في قدر رأس الجاني فنقص منه نصف موضحته التي في رأسه، والمشهور أنه لا قصاص في ذلك، وأما الموضحة فيجب فيها القصاص لان المماثلة فيها ممكنة من غير حيف، فيقدر الموضحة بالطول والعرض ويعلم عليه بخيط أو سواد ولا يعتبر العمق، لانه يأخذ إلى العظم. وان كانت الشجة في الرأس وعلى موضعها في رأس الجاني شعر فالمتسحب أن يحلق ذلك الشعر لانه أسهل في الاستيفاء، وإن اقتص ولم يحلق الشعر جاز، لانه لا يأخذ إلا قدر حقه. (فرع) إذا شج رجل رجلا في رأسه شجة فلا يخلو إما أن يستوى رأساهما في الصغر والكبر أو يختلفا - فإن استوى رأسهما في الصغر أو الكبر - فإنه يستوفى مثل موضحته بالطول والعرض في موضعتها إما في مقدم الرأس أو مؤخره

أو بين قرنيه، وان اختلفا نظرت - فإن كان رأس الجاني أكبر ورأس المجني عليه أصغر فجنى عليه موضحة إلى منبت الشعر فوق الاذن وكان قدر طولها وعرضها في رأس الجاني ينتهى إلى أعلا من ذلك الموضع لسعته، فليس للمجني عليه أن يأخذ الا قدر موضحته طولا وعرضا لا يزيد عليه، ولكن له أن يبتدئ بالقصاص من أي الجانبين شاء. وإن أوضح جميع رأسه فللمجنى عليه أن يقتص قدر موضحته طولا وعرضا في أي وقت شاء من رأس الجاني لانه قد جنى عليه في ذلك الموضع في رأسه فإن أراد أن يقتص بعضها في مقدم رأس الجاني وبعضها في مؤخر رأس الجاني ويكون بينهما فاصل ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له ذلك لانه يأخذ موضحتين بموضحة (والثانى) وهو قول المصنف أنه يجوز لانه لا يأخذ إلا قدر حقه إلا أن قال أهل الخبرة ان في ذلك زيادة ضرر أو زيادة شين فيمنع من ذلك، وإن كان رأس المجني عليه أكبر من رأس الجاني فأوضحه موضحة في مقدم رأسه وكان قدر طولها وعرضها في رأس الجاني يزيد على ذلك الموضع ففيه وجهان (أحدهما) أن للمجني عليه أن يقتص في مقدم رأس الجاني ويستكمل قدر طول موضحته وعرضها مما يلى ذلك من مؤخر رأس الجاني لانه عوض واحد فإن زادت موضحته على قدر الرأس لم يكن له أن يستوفى باقيها في الوجه ولا في القفا وهو ما نزل عن منبت شعر الرأس من العين لانهما موضعان آخران والوجه الثاني أنه لا يجوز له أن يتجاوز عن سمت موضع الشجة لانه غير موضع الشجة فلم يتجاوزه، كما لا يجوز أن يتجاوز عن موضع الرأس إلى الوجه والقفا فعلى هذا ان كانت الموضحة في مقدم الرأس وزاد قدرها على مقدم رأس الجاني لم ينزل إلى مؤخره، وان كانت بين قرنى الرأس وهما جانباه وزاد قدرها على مابين قرنى رأس الجاني فللمجنى عليه أن يقتص إلى ما فوق الاذنين لانه في سمتها وليس له أن يستوفى في مقدم الرأس ولا في موخره لانه في غير سمته (فرع) وأما الهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص في الموضحة وليس له أن يقتص فيما زاد عليها لان كسر العظم لا يمكن المماثلة فيه لانه يخاف فيه الحيف

وإتلاف النفس، وأما الجراحة في غير الرأس والوجه فيظر فيها - فإن وصلت إلى عظم وجب فيه القصاص. ومن أصحابنا من قال لا يجب فيها القصاص لانها لما خالفت موضحة الرأس والوجه في تقدير الارش خالفتها في وجوب القصاص والمنصوص هو الاول، لانه يمكن القصاص فيها من غير حيف فهي كالموضحة في الرأس والوجه. فعلى هذا إن كانت في موضع عليه شعر كثير، فالمستحب أن يحلق موضعها ويعلم على موضعها سواد أو غيره، ويقدر الطول والعرض على ما ذكرناه في موضحة الرأس. وإن كانت الجراحه في العضد فزيد قدرها على عضد الجاني لم ينزل في الزيادة على عالى الساعد، وإن كانت في الفخذ وزاد قدرها على فخذ الجاني لم ينزل في الزيادة إلى الساق، وإن كانت في الساق وزاد قدرها على ساق الجاني لم ينزل في الزيادة إلى القدم كما لا ينزل في موضحة الرأس إلى الوجه والقفا، وإن كانت فيما دون الموضحة لم يجب فيها القصاص على المشهور من المذهب، لانه لا يمكن المماثلة فيه وعلى ما اعتبره الشيخ أبو حامد وحكاه الخراسانيون فيما دون الموضحة من الجراحات على الرأس في الوجه يكون ههنا مثله وإن كانت الجراحة جائفة أو كسر عظم لم يجب القصاص فيها، لانه لا يمكن المماثلة فيها ويخاف فيها الحيف، بل إن كانت في موضع وصلت إلى عظم ثم كسرت أو أجافت وجب القصاص فيها إلى العظم ووجب الارش فيما زاد قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وأما الاطراف فيجب فيه القصاص في كل ما ينتهى منها إلى مفصل فتؤخذ العين بالعين لقوله تعالى " وكتبنا عليهم فيه أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص " ولانه يمكن المماثلة فيها لانتهائها إلى مفصل فوجب فيها القصاص، ولايجوز أن يأخذ صحيحة بقائمة لانه يأخذ أكثر من حقه، ويجوز أن يأخذ القائمة بالصحيحة لانه يأخذ دون حقه. وان أوضج رأسه فذهب ضوء عينه، فالمنصوص أنه يجب فيه القصاص،

وقال فيمن قطع أصبح رجل فتأكل كفه إنه لا قصاص في الكف، فنقل أبو إسحاق قوله في الكف إلى العين ولم ينقل قوله في العين إلى الكف فقال في ضوء العين قولان (أحدهما) لا يجب فيه القصاص لانه سراية فيما دون النفس فلم يجب فيه القصاص كما لو قطع أصبعه فتأكل الكف (والثانى) يجب لانه لا يمكن إتلافه بالمباشرة فوجب القصاص فيه بالسراية كالنفس ومن أصحابنا من حمل المسئلتين على ظاهرها فقال يجب القصاص في الضوء قولا واحدا ولا يجب في الكف، لان الكف يمكن إتلافه بالمباشرة فلم يجب القصاص فيه بالسراية بخلاف الضوء. (فصل) ويؤخذ الجفن بالجفن لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى مفصل فوجب فيه القصاص ويوخذ جفن البصير بجفن الضرير وجفن الضرير يجفن البصير لانهما متساويان في السلامة من النقص وعدم البصر نقص في غيره. (فصل) ويؤخذ الانف بالانف لقوله تعالى " والانف بالانف " ولا يجب القصاص فيه إلا في المارن لانه يتنهى إلى مفصل، ويؤخذ الشام بالاخشم، والاخشم بالشام لانهما متساويان في السلامة من النقص، وعدم الشم نقص في غيره، ويوخذ البعض بالبعض، وهو أن يقدر ما قطعه بالجزء كالنصف والثلث ثم يقتض بالنصف والثلث من مارن الجاني، ولا يؤخذ قدره بالمساحة لانه قد يكون أنف الجاني صغيرا وأنف المجني عليه كبيرا، فإذا اعتبرت المماثلة بالمساحة قطعنا جميع المارن بالبعض، وهذا لا يجوز. ويؤخذ المنخر بالمنخر والحاجز بين المنخرين بالحاجز، لانه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى مفصل، ولا يؤخذ مارن صحيح بمارن سقط بعضه بجذام أو انخرام لانه يأخذ أكثر من حقه، فإن قطع من سقط بعض مارته مارفا صحيحا فللمجنى عليه أن يأخذ الموجود وينتقل في الباقي إلى البدل لانه وجد بعض حقه وعدم البعض، فأخذ الموجود وانتقل في الباقي إلى البدل وان قطع الانف من أصله اقتص من المارن لانه داخل في الجناية يمكن القصاص فيه، وينتقل في الباقي إلى الحكومة لانه لا يمكن القصاص فيه فانتقل فيه إلى البدل

(الشرح) قوله " بقائمة " وهي التي بياضها وسوادها صحيحان غير أن صاحبها لا يبصر ولعلها الواقفة، من قولهم. قام زيد إذا وقف وقوله " المارن " أي ما لان من الانف وموصل إلى القضيب، والاخشم من الخشم، أي أصيب بداء في أنفه منعه الشم أما الاحكام فإن الاطراف يجب فيها القصاص في كل ما ينتهى منها إلى مفصل فتؤخذ العين بالعين لقوله تعالى (والعين بالعين) الآية. ولانها تنتهى إلى مفصل إذا ثبت هذا فإنه تؤخذ العين الصحيحة بالعين الصحيحة والقائمة بالقائمة، وهى التي ذهب ضوؤها وبقيت حدقتها - وهي التي انفصلت شبكتيها - وهو الطبقة المبطنة لكرة العين من أسفل أو التي انفصل أو ضمر العصب البصري لها وهو الذي يتلقى المرئيات من الشبكية لنقلها إلى المخ، أو المياه الزرقاء التي تتكون في العدسة الداخلية للعين، أو ما شابه ذلك مما لا يظهر على شكل العين فتبدو كأنها مبصرة وليس فيها ابصار، فإنه لا تؤخذ صحيحة بقائمة، وهي التي وصفناها طبقا لعلم التشريح البصري ان شاء الله، وذلك لانه يأخذ أكثر من حقه، ويجوز أن يأخذ القائمة بالصحيحة لانه يأخذ أقل من حقه باختياره (فرع) إذا أوضح رأسه فذهب ضوء العين، أي انفصلت الشبيكة أو نهتك عصب الابصار، فالمنصوص أنه يجب القصاص في الضوء. وقال الشافعي رضى الله عنه فيمن قطع أصبع رجل فتأكل الكف وسقط انه لا يجب عليه القصاص في الكف. واختلف أصحابنا في ضوء العين، فنقل أبو إسحاق جوابه في الكف إلى العين، وجعل في ضوء العين قولين (أحدهما) أنه لا يجب فيه القصاص لانه سراية فيما دون النفس فلم يجب فيه القصاص كالكف. (والثانى) يجب فيه القصاص بالسراية كالنفس، وقال أكثر أصحابنا لا يجب القصاص في الكف بالسراية قولا واحدا، والفرق بينهما أن الكف يمكن اتلافه بالمباشرة فلم يجب فيه القصاص بالسراية، والضوء لا يمكن إتلافه بالمباشرة بالجناية، وانما يتلف بالجناية على غيره فوجب القصاص فيه بالسراية كالنفس. (فرع) قال المصنف ويؤخذ الجفن بالجفن لقوله تعالى " والجروح قصاص "

وهذا صحيح لانه ينتهى إلى مفصل فيوخذ جفن البصير بجفن الضرير وجفن الضرير بجفن البصير لانهما متساويان في السلامة، وعدم البصر نقص في غيره (مسألة) قوله تعالى " والعين بالعين والانف بالانف " قرأ نافع وعاصم والاعمش وحمزة بالنصب في جميعها على العطب، ويجوز تخفيف (أن) ورفع الكل بالابتداء والعطف، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب الكل إلا الجروح، وكان الكسائي وأبو عبيد يقرءان " والعين بالعين " وهكذا بالرفع فيها كلها. قال أبو عبيد: حدثنا حجاج عن هرون عن عباد بن كثير عن عقيل عن الزهري عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص " والرفع من ثلاث جهات بالابتداء والخبر وعلى معنى على موضع " أن النفس " لان المعنى قلنا لهم " النفس بالنفس " والوجه الثالث قاله الزجاج يكون عطفا على المضمر في النفس، لان الضمير في النفس في موضع رفع لان التقدير أن النفس هي مأخوذة بالنفس، فالاسماء معطوفة على هي. قال ابن المنذر: ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام حكم في المسلمين، وهذا أصح القولين عند القرطبى في جامعه، وذلك أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخطاب للمسلمين أمروا بهذا. ومن خص الجروح بالرفع فعلى القطع مما قبلها والاستناف بها، كأن المسلمين أمروا بهذا خاصة، وما قبله لم يواجهوا به إذا ثبت هذا فإن الانف الكبير يؤخذ بالصغير والغليظ بالرقيق والاقنى بالافطس لان الاطراف يجب القصاص فيها وان اختلفت بالصغر والكبر. ولا يجب القصاص في المارن وهو اللبن. وأما القصبة فلا يجب فيها القصاص لانها عظم، ويؤخذ أنف الشام بأنف الاخشم وأنف الاخشم بأنف الشام، لان الخشم ليس بنقص في الانف، وإنما هو لعلة في الدماغ والانفان يتساويان في السلامة، ويؤخذ الانف الصحيح بالانف المجذوم ما لم يسقط بالجذام شئ منه، لان الطرف الصحيح يؤخذ

بالطرف العليل، فإن سقط من الانف شئ لم يؤخذ به الصحيح لانه يأخذ أكثر من حقه، فإن قطع من سقط بعض مارنه مارنا صحيحا قطع جميع ما بقى من مارن الجاني وأخذ منه من الدية بقدر ماكان ذهب من مارنه، فإن قطع بعض مارن غيره نظركم القدر التي قطع - فإن كان نصف المارن أو ثلثه أو ربعه أقتص من مارنه نصفه أو ثلثه أو ربعه، ولا يقدر بالمساحة بالطول والعرض كما قلنا في الموضحة، لانه قد يكون أنف الجاني صغيرا وأنف المجني عليه كبيرا، فلو قلنا يقطع من أنف الجاني قدر ما قطع من أنف المجني عليه بالمساحة طولا وعرضا لم يأمن أن يقطع جميع أنفه ببعض أنف المجني عليه، ويؤخذ المتحد بالمتحد، والحاجز بينهما بالحاجز، فإى قطع المارن والقصبة اقتص من المارن وأخذ الحكومة في القصبة لانه لا يمكن القصاص فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتؤخذ الاذن بالاذن لقوله عز وجل " والاذن بالاذن " ولانه يمكن استيقاء القصاص فيه لانتهائه إلى حد فاصل، وتؤخذ أذن السميع بأذن الاصم، وأذن الاصم بأذن السميع، لانهما متساويان في السلامة من النقص، وعدم السمع نقص في غيره. ويؤخذ الصحيح بالمثقوب، والمثقوب بالصحيح، لان الثقب ليس بنقص، وإنما تثقب للزينة، ويؤخذ البعض بالبعض على ما ذكرناه في الانف، ولا يؤخذ صحيح بمخزوم، لانه يأخذ أكثر من حقه، ويؤخذ المخزوم بالصحيح، ويؤخذ معه من الدية بقدر ما سقط منه لما ذكرناه في الانف. وهل يؤخذ غير المستحشف بالمستحشف؟ فيه قولان (أحدهما) أنه لا يؤخذ كما لا تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء (والثانى) يؤخذ لانهما متساويان في المنفعة، بخلاف اليد الشلاء فإنها لا تساوى الصحيحة في المنفعة، فإن قطع بعض أذنه وألصقه المقطوع فالتصق لم يجب القصاص، لانه لا يمكن المماثلة فيما قطع منه، وإن قطع أذنه حتى جعلها معلقة على خده وجب القصاص، لان المماثلة فيه ممكنة بأن يقطع أذنه حيت تصير

معلقة على خده، وإن أبان أذنه أبان أذنه فأخذه المقطوع وألصقه فالتصق لم يسقط القصاص لان القصاص يجب بالابانة، وما حصل من الالصاق لا حكم له لانه يجب إزالته ولا تجوز الصلاة معه. وإن قطع أذنه فاقتص منه وأخذ الجاني اذنه فألصقه فالتصق لم يكن للمجني عليه أن يطالبه بقطعه، لانه أقتض منه بالابانة، وما فعله من الالصاق لا حكم له لانه يستحق إزالته للصلاة، وذلك إلى السلطان وإن قطع أذنه فقطع المجني عليه بعض أذن الجاني فألصقه الجاني فالتصق فللمجنى عليه أن يعود فيقطعه لانه يستحق الابانة ولم يوجد ذلك. وإن جنى على رأسه فذهب عقله أو على أنفه فذهب شمه أو على أذنه فذهب سمعه لم يجب القصاص في العقل والشم والسمع، لان هذه المعاني في غير محل الجناية فلم يمكن القصاص فيها. (فصل) وتؤخذ الشفة بالشفة وهو مابين جلد الذقن والخدين علوا وسفلا ومن أصحابنا من قال لا يجب فيه القصاص لانه قطع لحم لا ينتهى إلى عظم فلم يجب فيه القصاص كالباضعة والمتلاحمة والضجيج والاول لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانه ينتهى إلى حد معلوم يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص (الشرح) الصمم فقدان السمع بسبب من الاسباب الآتية، 1 - انسداد القناة السمعية وهى المدخل الظاهرى في فتحة الاذن 2 - تهتك الغشاء الرقيق المسمى (الطلبة) وهو الذي يستقبل الذبذبات الصوتية الداخلة من القناة السمعية فينقلها بدوره إلى ثلاثة عظيمات في الصماخ وهذه العظيمات (بالتصغير لصغرها ودقتها) تكبر الصوت بالذبذبات التي تحدث عن طريق تحرك هذه العظيمات عند اصطدام الذبذبات الصوتية بها 3 - توقف العظيمات عن الحركة 4 - انفصال العصب السمعى أو تيبسه أو تهتكه، وهو الذي يأخذ الصوت من مكبر الصوت (العظيمات) لينلقه إلى المخ. والاخرم المثقوب الاذن، وقد انخرم ثقبه أي انشق، والمستحشف المنقبض اليابس، مأخوذ من حشف التمر وأول الشجاج الحارصة، سميت حارصة لانها تشق الجلد، يقال حرص القطار الثوب

إذا شقه، وحرص المطر الارض إذا قشرها، والباضعة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمى: من بضعت اللحم إذا قطعته قطعا صغارا، والبضعة القطعة وقد سقناها آنفا في عشرة أنواع وفيها المتلاحمة والسمحاق والهاشمة. أما الاندمال فهو برء الجرح. يقال اندمل الجرح إذا تماثل، وأصله الاصلاح، ودملت بين القوم أصلحت، ودملت الارض بالسرحين أصلحتها أما الاحكام فإنه يجب القصاص في الاذن لقوله تعالى " والاذن بالاذن " ويؤخذ منها الكبير بالصغير والعكس لما ذكرناه في الانف، ويوخذ المثقوب بالصحيح وبالعكس، والاصم بالسميع وبالعكس، وإن قطع من أذنه مخرومة أذنا صحيحة اقتص منه المجني عليه في المخرومة وأخذ من دية أذنه بقدر ما أنخرم من أذن الجاني، وتؤخذ الاذن المستحشفة وهي الاذن اليابسة بالاذن الصحيحة لانه ياخذ أنقص من حقه باختياره، وهل تؤخذ الاذن الصحيحة بالاذن المستحشفة؟ فيه قولان (أحدهما) لا يؤخذ بها كما لا يجوز أخذ اليد الصحيحة باليد الشلاء. (والثانى) تؤخذ بها لان الاذن المستحشفة تساوى الاذن الصحيحة في المنفعة فأخذت الصحيحة بها بخلاف اليد الشلاء فإنها لاتساوى الصحيحة في المنفعة (فرع) وإن قطع بعض أذنه اقتص منه، ويقدر ذلك بالجزء كالنصف والثلث والربع، ولا يقدر بالمساحة بالطول والعرض لما ذكرناه في الانف. وحكى ابن الصباغ عن القاضى أبى الطيب أنه لا يثبت القصاص في بعض الاذن والاول أصح لانه يمكنه القصاص فيها وقول المصنف هنا: إذا قطع بعض أذنه وألصقه فالتصق لم يجب القصاص لانه لا يمكن المماثلة فيما قطع منه. ولعله أراد إذا اندمل القطع بنحو خياطة طبية فاختفى القطع. وإن قطع أذنه حتى جعلها معلقة فله أن يقطع كذلك لان المماثلة ممكنة. وان قطع أذنه وأبانها فأخذها المجني عليه فألصقها فالتصقت لم يكن للمجني عليه أن يطالبه بإزالتها، لانه قد استوفى حقه، والازالة إلى السلطان، وإن قطع أذنه وأبانها وقطع المجني عليه بعض أذن الجاني فألصقه الجاني فالتصق فللمجنى عليه أن

يعود ويقطعه، لان حقه الابانة ولم يوجد. وإن جنى على رأسه فذهب عقله أو شمه أو سمعه أو ذوقه أو نكاحه أو إنزاله لم يجب القصاص، لان هذه الاشياء ليست في موضع الجناية فيمكن القصاص فيها. (مسألة) يجب في الشفتين القصاص، ومن أصحابنا من قال: لا قصاص فيهما لانه قطع لحما من لحم غير منفصل، والاول هو المنصوص لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولان الشفتين هما اللحم الجافي من لحم الذقن والشدق، مستدير على الفم طولا وعرضا، وطولهما ما تجافى عن لحم الذقن ألى أصل الانف وذلك من لحم له حد معلوم فوجب القصاص فيه واختلف أصحابنا في القصاص في اللسان، فمنهم من قال يجب القصاص في جميعها وفي بعضها، لان له حدا ينتهى إليه فهو كالانف والاذن. وقال أبو إسحاق لاقصاص فيه، واليه ذهب بعض أصحاب أبى حنيفة، واختاره ابن الصباغ وأما المصنف فذكر أن القصاص يثبت في جميعها على وجهين قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويؤخذ السن بالسن لقوله تعالى (والسن بالسن) ولما رويناه في أول الباب في حديث الربيع بنت النضر بن أنس، ولانه محدود في نفسه يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص، ولا يؤخذ سن صحيح بسن مكسور لانه يأخذ أكثر من حقه، ويؤخذ المكسور بالصحيح، ويؤخذ معه من الدية بقدر ما انكسر منه لما ذكرناه في الانف والاذن، ويؤخذ الزائد إذا اتفق محلهما لانهما متساويان، وان قلع سنا زائدة وليس للجاني مثلها وجبت عليه الحكومة لانه تعذر المثل فوجب البدل، وإن كان له مثلها في غير موضع المقلوع لم يؤخذ كما لا يؤخذ سن أصلى بسن أخرى. وان كسر نصف سنه وأمكن أن يقتص منه نصف سنه اقتص منه، فإن لم يمكن وجب بقدره من دية السن، وان وجب له القصاص في السن فاقتص ثم نبت له مكانه سن آخر ففيه قولان (أحدهما) أن النابت هو المقلوع من جهة الحكم لانه مثله في محله فصار كما

لو قلع سن صغير ثم نبت فعلى هذا يجب على المجني عليه دية سن الجاني لانه قلع سنه بغير سن. والقول الثاني: إن النابت هبة مجددة لان الغالب أنه لا يستخلف فعلى هذا وقع القصاص موقعه ولا يجب عليه شئ للجاني، وإن قلع سن رجل فاقتص منه ثم نبت للجاني سن في مكان السن الذي اقتص منه. فإن قلنا إن النابت هبة مجددة لم يكن للمجني عليه قلعه لانه استوفى ماكان له. وإن قلنا إن النابت هو المقلوع من جهة الحكم فهل يجوز للمجني عليه قلعه؟ فيه وجهان (أحدهما) أن له أن يقلعه ولو نبت ألف مرة، لانه أعدمه السن فاستحق أن يعدم سنه. (والثانى) ليس له قلعه لانه يجوز أن يكون هبة مجددة ويجوز أن يكون هو المقلوع فلم يجز قلعه مع الشك (فصل) ويؤخذ اللسان باللسان لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولان له حدا ينتهى إليه فاقتص فيه فلا يؤخذ لسان الناطق بلسان الاخرس لانه يأخذ أكثر من حقه، ويؤخذ لسان الاخرس بلسان الناطق لانه يأخذ بعض حقه وان قطع نصف لسانه أو ثلثه أقتص من لسان الجاني في نصفه أو ثلثه وقال أبو إسحاق لايقتص منه لانه لا يأمن أن يجاوز القدر المستحق، والمذهب أنه يقتص منه للآية ولانه إذا أمكن القصاص في جميعه أمكن في بعضه (الشرح) حديث الربع بنت النضر مضى تخريجه في فصل قبله، أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: وإن قلع سن من أثغر قلع سنه، وإن كان المقلوع سن لم يثغر أوقف حتى يثغر وجملة ذلك أن القصاص يجب في السن لقوله تعالى " والسن بالسن " ولما روى أن الربيع كسر سن جارية فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكسر سنها، فقال أنس بن النضر أتكسر سن الربيع؟ لا والله لا تكسر، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القصاص فعفا الانصاري فقال رسول الله إن من عاد الله من لو أقسم على الله لابوه " إذا ثبت هذا فإنه يقال للصبى إذا سقطت رواضعه، وهي الاسنان التي تنبت له

وقت رضاعه ثغر فهو مثغور، فإذا نبت له مكانها قيل له أثغر واتغر لغتان. هكذا أفاده العمرانى وقال الفيومى: والثغر المبسم ثم أطلق على الثنايا، وإذا كسر ثغر الصبى قيل: ثغر ثغورا بالبناء للمفعول، وثغرته أثغرته من باب نفع كسرته، وإذا نبتت بعد السقوط قيل أثغر أثغار مثل أكرم إكراما، وإذا ألقى أسنانه قيل الثغر على افتعل. وقال في كفاية المتحفظ: إذا سقطت أسنان الصبى قبل ثغر، فإذا نبتت قيل اثغر واتغر بالتاء والثاء مع التشديد. فإذا قلع سن غيره فلا يخلو المقلوع إما أن يكون لم يثغر أو كان قد ثغر، فإن كان لم يثغر فإن القصاص لا يجب على الجاني في الحال، لان العادة جرت أن سن من لم يثغر تعود إذا قلعت، وما كان يعود إذا قلع لا يجب فيه القصاص كالشعر ويسأل الاطباء كم المدة التي تعود هذه السنة في مثلها، وينتظر إلى تلك المدة، فإذا جاءت تلك المدة ولم يعد السن وجب على الجاني القصاص، لانه قد أيس من عودها، فإن نبتت للمجني عليه سن مكانها في تلك المدة أو أقل منها - فإن كانت الثانية مثل الاولة من غير زيادة ولا نقصان لم يجب على الجاني قصاص ولا دية. وهل يجب عليه حكومة الجراح الذي جعل بقلعه؟ ينظر فيه، فإن جرح موضعا آخر غير الموضع الذي فبه السن بالقلع وجبت عليه فيه الحكومة، وإن لم يجرح إلا الموضع الذي قلع منه السن ففيه وجهان (أحدهما) يجب عليه الحكومة: لانه لما قلع السن أدمى، فإذا أدمى وجبت فيه الحكومة. (والثانى) لا تجب الحكومة، لان الحكومة انما تجب إذا جرح وأدمى فأما إذا أدمى من غير جرح فلا حكومة عليه، كما لو لطمه فرعف، فإنه لا تجب عليه لخروج الدم بالرعاف حكومة. وان كانت السن التي نبتت مكانه المقلوعة أنقص من التي تليها، وجب على الجاني من ديتها بقدر ما نقص منها لان الظاهر أنها نقصت لجنايته. وان كانت السن التي نبتت أزيد من التي قبلها ففيه وجهان: من أصحابنا من قال

لا يجب على الجاني شين، لان الزيادة لا تكون من الجناية. وقال المصنف يلزمه حكومة الشين الحاصل بالزيادة كما يلزمه الشين الحاصل بالنقصان، لان الظاهر أن ذلك من جنايته. وإن كانت النابتة خارجة من صف الاسنان، فإن كانت بحيث لا ينتفع بها وجبت عليه حكومة بالشين الحاصل بها، وإن نبت له سن صغير أو خضراء أو سوادء - وكانت المقلوعة بيضاء - وجب على الجاني للشين الحاصل باللون، وإن مات المجني عليه بعد مضى المدة التي يرجى فيها عود السن قبل أن يعود، فلوليه أن يقتص من الجاني، لانه مات بعد استقرار القصاص. وهل تجب له دية سن؟ حكى الشيخ أبو إسحاق فيها قولين، وحكاهما الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجهين: (أحدهما) تجب دية السن، لانه قلع سنا لم تعد، والاصل عدم العود. (والثانى) لا يجب لان الغالب أنها قد كانت تعود، وإنما قطعها الموت، وأما إذا قلع سن من ثغر - فإن قال الاطباء انها لا تعود - وجب له القصاص في الحال، وإن قالوا انها تعود إلى مدة فهل له القصاص قبل مضى تلك المدة؟ فيه وجهان بناء على أنه هل يسقط القصاص أو الدية إذا عاد سنه فيه قولان، فإن قلنا يسقط ينتظر والا فلا. وقال الشيخ أبو حامد: ليس له أن يقتص قبل مضي تلك المدة كما قلنا فيمن قلع سن صبى لم يثغر. وقال ابن الصباغ: له أن يقتص بكل حال، أو اقص منه بعد الاياس من عودها ثم نبتت للمجني عليه سن في موضع السن المقلوع ففيه قولان (أحدهما) أن هذا السن من نبات السن المقلوع من هذا الموضع، لان مثله في موضعه فصار كما لو نتف شعره ثم نبت، كما لو قلع سن صبى لم يثغر ثم نبت مكانه سن، وكما لو لطم عينه فذهب ضوؤها ثم عاد، فعلى هذا لا يجب على المجني عليه القصاص للجاني في السن التي اقتص منه بها لانه قلعها، وكان يجوز له قلعها، وانما يجب عليه دية سن الجاني. وان كان المجني عليه عفا عن القصاص وأخذ دية سنه وجب عليه رد الدية إلى الجاني. والقول الثالث أن السن النابت هبة مجددة من الله تعالى للمجني عليه، لان

العادة أن سن من ثغر إذا قلعت لا تعود، فإذا عادت علمنا أن ذلك هبة من الله له، فعلى هذا ان كان المجني عليه قد اقتضى من الجاني أو أخذ منه الارش فقد وقع ما فعله موقعه ولا شئ عليه للجاني. وان قلع سن رجل فقلع المجني عليه سن الجاني ثم نبت للجاني سن مكان سنه الذي اقتص منه ولم تعد للمجني عليه مثلها - فإن قلنا ان النابت هبة من الله مجددة - فلا شئ للمجني عليه، وان قلنا إن النابت هو من الاول ففيه وجهان (أحدهما) أن للمجني عليه أن يقلعه، ولو نبت مرارا، لانه أعدم سنه فاستحق أن يعدم سنه. (والثانى) ليس له أن يقلع سنه لانه يجوز أن يكون من المقلوع، ويجوز أن يكون هبة مجددة، وذلك شبهة فسقط بها القصاص، فعلى هذا للمجني عليه دية سن على الجاني، فإن خالف المجني عليه وقلع هذا السن للجاني وجب عليه ديتها ويتقاصان، وان قلع سنه فاقتص منه فعاد للمجني عليه سن مكان سنه ولم يعد للجاني ثم عاد الجاني فقلعها وجب عليه ديتها لانه ليس لها مثله، فإن قلنا انه من الاول فقد قلنا ان على المجني عليه دية سن الجاني فيتقاصان. وان قلنا ان النابت هبة مجددة فلا شئ على المجني عليه للجاني هذا ويؤخذ السن الكبير بالصغير والصغير بالكبير كما قلنا في الانف والاذن ولا يؤخذ سن صحيح بمكسور لانه يأخذ أكثر من حقه، ويؤخذ المكسور بالصحيح، لانه أنقص منه، ويأخذ من دية سنه بقدر ما ذهب من سن الجاني وان كسر بعض سنه من نصفها أو ربعها فهل يجب بها القصاص؟ اختلف الشيخان، فقال الشيخ أبو إسحاق ان أمكن أن يقتص اقتص، وان لم يمكن لم يقتص وقال الشيخ أبو حامد لايقتص منه لان القصاص بالكسر لا يجب باتفاق الامة وما روى في خبر الربيع أنها كسرت ثنية جارية فعال النبي صلى الله عليه وسلم: تكسر ثنيتها، أراد بالكسر القلع لا الكسر من بعضها (فرع) وان قلع لرجل سنا زائدا وللجاني سن زائد في ذلك الموضع يساوى السن الذي قلع وجب فيها القصاص لانهما متساويان، وإن لم يكن للجاني سن

زائد لم يجب عليه القصاص، لانه ليس له مثلها، وإن كان له سن زائد في غير ذلك الموضع لم يجب فيه القصاص لانه ليس له مثلها، وإن كان له سن زائد في ذلك الموضع إلا أنه أكبر من سن المجني عليه ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أكثر أصحابنا لا يجب فيها القصاص، لان القصاص في العضو الزائد إنما يجب بالاجتهاد، فإذا كانت سن الجاني أزيد كانت حكومتها أكثر فلم يجب قلعها بالتي هي أنقص منها، بخلاف السن الاصلية فإن القصاص يثبت بالنص فلا يعتبر فيها التساوى، والثانى حكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبى حامد واختاره أنه يجب فيها القصاص، لان ما ثبت بالاجتهاد يجب اعتباره بما ثبت بالنص، والاول هو المنصوص (مسألة) ويؤخذ اللسان باللسان لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولان له حدا ينتهى إليه فاقتص منه كالعين، ولا نعلم في هذا خلافا، ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس لانه أفضل منه، ويؤخذ الاخرس بالناطق لانه بعض حقه ويؤخذ بعض اللسان ببعض لانه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه كالسن ويقدر ذلك بالاجزاء ويؤخذ منه بالحساب. هذا وتؤخذ الشفة بالشفة، وهى ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا، لقول الله تعالى " والجروح قصاص " ولان له حدا ينتهى إليه يمكن القصاص منه فوجب كاليدين قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتؤخذ إليه باليد والرجل بالرجل والاصابع بالاصابع والانامل بالانامل لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولان لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف فوجب فيها القصاص، وإن قطع يده من الكوع اقتص منه لانه مفصل، وإن قطع من نصب الساعد فله أن يقتص من الكوع لانه داخل في جناية يمكن القصاص فيها ويأخذ الحكومة في الباقي لانه كسر عظم لا تمكن المماثلة فيه فانتقل فيه إلى البدل. وإن قطع من المرفق فله أن يقتص منه لانه مفصل، وإن أراد أن يقتص من الكوع ويأخذ الحكومة في الباقي لم يكن له ذلك لانه يمكنه أن يتسوفى جميع حقه بالقصاص في محل الجناية فلا يجوز أن يأخذ القصاص

في غيره، وان قطع يده من نصف العضد فله أن يقتص من المرفق ويأخذ الحكومة في الباقي وله أن يقتص في الكوع ويأخذ الحكومة في الباقي لان الجميع مفصل داخل في الجناية ويخالف إذا قطعها من المرفق وأراد أن يقتص من الكوع لان هناك يمكنه أن يقتص في اجميع في محل الجناية وههنا لا يمكنه أن يقتص في موضع الجناية. وان قطع يده من الكتف وقال أهل الخبرة أنه يمكنه أن يقتص منه من غير جائفة اقتص منه لانه مفصل يمكن القصاص فيه من غير حيف، وان أراد أن يقتص من المرفق أو الكوع لم يجز لانه يمكنه أن يقتص من محل الجناية فلا يجوز أن يقتص في غيره. وان قال أهل الخبرة انه يخاف أن يحصل به جائفة لم يجز أن يقتص فيه، لانه لا يأمن أن يأخذ زيادة على حقه، وله أن يقتص في المرفق ويأخذ الحكومة في الباقي، وله أن يقتص في الكوع ويأخذ الحكومة في الباقي لما ذكرناه، وحكم الرجل في القصاص من مفاصلها من القدم والركبة والورك، وما يجب فيما بينهما من الحكومات حكم اليد وقد بيناه (فصل) ولا تؤخذ يد صحيحه بيد شلاء، ولا رجل صحيحه برجل شلاء لانه يأخذ فوق حقه، وان أراد المجني عليه أن ياخذ الشلاء بالصحيحة نظرت فإن قال أهل الخبرة أنه ان قطع لم تنسد العروق ودخل الهواء إلى البدن وخيف عليه لم يجز أن يقتص منه، لانه يأخذ نفسا بطرف وان قالوا لا يخاف عليه فله أن يقتص لانه يأخذ دون حقه، فإن طلب مع القصاص الارض لنقص الشلل لم يكن له، لان الشلاء كالصحيحة في الخلقة، وانما تنقص عنها في الصفة فلم يؤخذ الارش للنقص مع القصاص، كما لا يأخذ ولى المسلم من الذمي مع القصاص ارشا لنقص الكفر. وفي أخذ الاشل بالاشل وجهان: أحدهما: انه يجوز لانهما متساويان والثانى: لا يجوز، وهو قول أبى اسحاق، لان الشلل علة والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما

(الشرح) تقطع اليد باليد والرجل بالرجل والاصابع بالاصابع والانامل بالانامل لقول تعالى (والجروح قصاص) ولان لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف. إذا ثبت هذا فإن قطع أصابعه من مفاصلها فله أن يقتص، وإن قطع يده من وسط الكف فليس له أن يقتص من وسط الكف لان كسر العظم لا يثبت فيه القصاص لاجماع الامة، فإن أراد أن يقتص من الاصابع من أصولها كان له ذلك، لان الاصابع يمكن القصاص فيها. فإن قيل فكيف يضع السكين في غير الموضع الذي وضعه الجاني عليه؟ قلنا لانه لا يمكن وضعها في الموضع الذي وضعها الجاني فيه، فإذا اقتص من الاصابع فهل له أن يأخذ حكومة فيما زاد على الاصابع من الكف؟ فيه وجهان يأتي بيانهما وإن قطع يده من الكوع كان له أن يقتص من ذلك الموضع لانه مفصل، وان قطع يده من بعض الذراع فليس له أن يقتص من بعض الذراع لانه كسر عظم وإن أراد أن يقتص من الكوع ويأخذ الحكومة فيما زاد عليه كان له ذلك لانه داخل في الجناية يمكن القصاص فيه، وان قطع يده من المرفق فله أن يقتص من المرفق فإن أراد أن يقتص من المرفق ويأخذ الحكومة فيما زاد كان له ذلك. وان أراد أن يقتص من الكوع ويأخذ الحكومة فيما زاد فقد اختلف أصحابنا فيه، وقال الشيخ أبو إسحاق له ذلك لان الجميع مفصل داخل في الجناية وقال ابن الصباغ في الشامل والطبري في العدة: ليس له ذلك لانه يمكنه أن يقطع من المرفق، ومتى أمكنه استيفاء حقه قصاصا لم يكن له أن يستوفى بعضه قصاصا وبعضه أرشا، كما لو قطع يده من الكوع وأراد أن يقتص من الاصابع ويأخذ الحكومة فيما زاد فليس له ذلك لانه يمكنه استيفاء حقه قصاصا وإن قالا أنه يخاف من الاقتصاص الجائفة (1) لم يكن له أن يقتص من

_ (1) قال في اللسان. وفي الحديث " في الجائفة ثلث الدية " هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، يقال جفته إذا أصبت جوفه وأجفته الطعنة وجفته بها وقال ابن الاثير: والمراد بالجوف ههنا كل ماله قوة محيلة كالبطن والدماغ

الكتف لانه لا يؤمن أن يأخذ زيادة على حقه، فإن أراد أن يقتص من المرفق ويأخذ الحكومة فيما زاد كان له ذلك وإن أراد أن يقتص من الكوع ويأخذ الحكومة فيما زاد على ذلك فقال الشيخ أبو إسحاق له ذلك. وعلى ما قال ابن الصباغ إذا قطع يده من بعض العضو وأراد أن يقتص من المرفق ليس له أن يقتص ههنا من الكوع لانه يمكن استيفاء حقه قصاصا من المرفق، ومتى أمكنه أن يأخذ حقه قصاصا فليس له أن يستوفى بعضه قصاصا وبعضه أرشا، وحكم الرجل إذا قطعت أصابعها أو من مفصل القدم أو الركبة أو الورك أو مابين ذلك حكم اليد في القصاص على ما مضى. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: إذا قطع يده من المفصل فتعلقت بالجلد وجب القصاص فتقطع إلى أن تبقى معلقة بمثل ذلك. ويسئل أهل الطب، فإن قالوا المصلحة في قطعها قطعناها، وإن قالوا المصلحة في تركه تركناها (مسألة) إذا قطع من له يد صحيحة يدا شلاء لم يكن للمجني عليه أن يقتص بل له الحكومة. وقال داود بن علي له أن يقتص. دليلنا أن اليد الشلاء لا منفعة فيها، وإنما فيها مجرد جمال فلا يأخذ بها يدا فيها منفعة، وإن قطع من له يد شلاء يدا صحيحة فاختار المجني عليه أن يقطع الشلاء بالصحيحة. قال الشافعي رضى الله عنه القصاص قال أصحابنا يرجع إلى عدلين من المسلمين من أهل الخبرة، فإن قالا: إذا قطعت هذه الشلاء لم يخف أكثر مما يخاف عليه إذا قطعت لو كانت صحيحة فللمجنى عليه أن يقتص، وإن قالا يخاف عليه أكثر من ذلك بأن تبقى أفواه العروق منتفخة فتتخللها الجراثيم فيحدث من جراء ذلك تسمم كامل فتتلف النفس لم يكن له أن يقتص لانه أخذ نفس بيد، وهذا لا يجوز، وهل يجوز أخذ اليد الشلاء باليد الشلاء؟ والرجل الشلاء بالرجل الشلاء؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز لانهما متماثلان (والثانى) لا يجوز لان الشلل علة، والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما ولا يتصور الوجهان إلا إذا قال أهل الخبرة إنه لا يخاف على الجاني، واتخذ الاطباء أسباب الوقاية من

تلوث الدم أو حدوث نزيف فيه يفضى إلى وقت وقف القلب عن النبض، فإذا لم يمكن الاحتياط وخيف على الجاني فلا يجوز القصاص وجها واحدا على ما مضى في أخذ الشلاء بالصحيحة قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) ولا تؤخذ يد كاملة الاصابع بيد ناقصة الاصابع، فان قطع من له خمس أصابع كف من له أربع أصابع، أو قطع من له ست أصابع كف من له خمس أصابع، لم يكن للمجني عليه أن يقتص منه لانه يأخذ أكثر من حقه وله أن يقطع من أصابع الجاني مثل أصابعه لانها داخلة في الجناية ويمكن استيفاء القصاص فيها، وهل يدخل أرش ما تحت الاصابع من الكف في القصاص؟ فيه وجهان (أحدهما) يدخل كما يدخل في ديتها (والثانى) وهو قول أبى اسحاق انه لا يدخل بها بل يأخذ مع القصاص الحكومة لما تحتها " والفرق بين القصاص والدية أن الكف يتبع الاصابع في الدية ولا يتبعها في القصاص، ولهذا لو قطع أصابعه وتآكل منها الكف واختار الدية لم يلزمه أكثر من دية الاصابع، ولو طلب القصاص قطع الاصابع وأخذ الحكومة في الكف، وتؤخذ يد ناقصة الاصابع بيد كاملة الاصابع، فان قطع من له أربع أصابع كف من له خمس أصابع، أو قطع من له خمس أصابع كف من له ست أصابع للمجني عليه أن يقتص من الكف ويأخذ دية الاصبع الخامسة أو الحكومة في الاصبع السادسة لانه وجد بعض حقه وعدم البعض، فأخذ الموجود وانتقل في المعدوم إلى البدل، كما لو قطع عضوين ووجد أحدهما (فصل) ولا يؤخذ أصلى بزائد، فان قطع من له خمس أصابع أصلية كف من له أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة لم يكن للمجني عليه أن يقتص من الكف لانه يأخذ أكثر من حقه، ويجوز أن يقتص من الاصابع الاصلية لانها داخلة في الجناية، ويأخذ الحكومة في الاصبع الزائدة وما تحت الزائدة من الكف يدخل في حكومتها. وهل يدخل ما تحت الاصابع التي اقتص منها في قصاصها؟ على الوجهين، ويجوز أن يأخذ الزائد بالأصلي، فان قطع من له أربع أصابع أصلية

وأصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية، فاللمجنى عليه أن يقتص من الكف لانه دونه حقه ولا شئ له لنقصان الاصبع الزائدة، لان الزائدة كالاصلية في الخلقة. وإن كان لكل واحد منهما أصبع زائدة نظرت فإن لم يختلف محلهما أخذ إحداهما بالاخرى لانهما متساويان. وان اختلف محلهما لم تؤخذ إحداهما بالاخرى لانهما مختلفان في أصل الخلقة. (الشرح) إذا كان لرجل يد لها ستة أصابع فقطع كف رجل لها خمس أصابع نظرت في الاصبع الزائدة للجاني، فإن كانت خارجة عن عظم الكف كان للمجني أن يقتص من كف الجاني، لانه يمكنه أن يأخذ مثل كفه من غير أن يتناول الزائدة وإن كانت ثابتة على الكلب أو ملتزقة بإحدى الاصابع أو على أصابع اليد لم يكن لة أن يقتص من الكف لانه يأخذ أكثر من حقه فيكون المجني بالخيار بين أن يأخذ دية يده وبين أن يقتص من الاصابع الخمس إذا كانت الزائدة على سن الاصابع غير ملتزقة بواحدة منهن ولا نابتة على إحداهن، فإذا اقتص منها فهل يتبعها ما تحتها من الكف في القصاص؟ فيه وجهان (أحدهما) يتبعها كما يتبعها في ديتها (والثانى) لا يتبعها، بل يأخذ مع القصاص الحكومة، لان الكف تتبع الاصابع في الدية، ولا تتبعها في القصاص، ولهذا لو قطع أصابعه فتأكل منها الكف واختار الدية لم يلزمه أكثر من دية الاصابع. ولو طلب القصاص قطعت الاصابع وأخذ الحكومة في الكف. وان كانت الاصبع الزائدة نابتة على أنملة من الاصابع الخمس، فليس للمجني عليه أن يقتص من الكف، وله أن يقتص من الاصابع التي ليس عليها الزائدة وأما الاصبع التي عليها الزائدة - فإن كانت على الانملة العليا لم يكن له أن يقتص منها، وان كانت على الوسطى فله أن يقتص من الانملة العليا، ويجب له ثلثا دية أصبع، وان كانت على الانملة السفلى فله أن يقتص من الانملتين العلويتين وله ثلث دية أصبع ويتبعها ما تحتها من الكف، وهل يتبع ما تحت الاصابع الاربع ما تحتها من الكف في القصاص؟ على الوجهين

وان قطع من له خمس أصابع كف يد لها أربع أصابع لم يكن لها أن يقتص من الكف لانه يأخذ أكثر من حقه، وله أن يقتص من أصابع الجاني الاربع المماثلة لاصابعه المقطوعة، وهل يتبعها ما تحتها من الكف في القصاص؟ أو يجب له مع ذلك حكومة؟ على الوجهين. (فرع) إذا كان لرجل كف فيه خمس أصابع أصلية فقطع كف يد فيه أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة، وانما يحكم بأنها زائدة إذا كانت مائلة عن بقية الاصابع ضعيفة، فليس للمجني عليه أن يقتص من كف الجاني لانه ليس له أن يأخذ أكمل من يده، فإن اختار الارش كان له دية الاربع الاصابع الاصلية وحكومة في الزائدة وان أراد أن يقتص من الاربع الاصابع الاصلية كان له ذلك ويأخذ مع ذلك حكومة في الزائدة يتبعها ما تحته من الكف في الحكومة، وهل يتبع ما تحت الاصابع الاصلية ما تحتها من الكف في القصاص؟ أو يجب له فيه حكومة على الوجهين. وان قطع كفا له خمس أصابع أصلية ويد القاطع لها أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة فإن اختار المجني عليه أن يقطع كف الجاني كان له ذلك، لانه أنقص من كفه. قال المزني في جامعه. انما يجوز له ذلك إذا كانت الزائدة في محل الاصلية. فأما إذا كانت في غير محلها فليس له أخذها وهذا صحيح وكذلك إذا كانت الزائدة أكثر أنامل لم يؤخذ بالاصليه. وان قطع يدا وعليها أصبع زائد وللقاطع يد عليها أصبع زائدة فإن اتفق محل الزائدتين وقدرهما كان للمجني عليه أن يقتص من الكف لتساويهما، وان اختلفا في المحل لم يكن له أن يقتص من الكف لانه يأخذ أكثر من حقه، وان كانت أقل أنامل كان له أن يقتص ويأخذ في الزيادة الحكومة وبكل ما قلنا قال العلماء كافة إلا ما ذكرناه من خلاف داود بن علي قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قطع من له يد صحيحة كف رجل له أصبعان شلا وان لم يقتص منه في الكف لانه يأخذ كاملا بناقص ويجوز أن يقتص في الاصابع الثلاث الصحيحة لانها مساوية لاصابعه ويأخذ الحكومة في الشلاوين لانه

لا يجد ما يأخذ به ويدخل في حكومة الشلاوين أرش ما تحتهما من الكف وهل يدخل أرش ما تحت الثلاثة في قصاصها على الوجهين (فصل) ولا تؤخذ يد ذات أظفار بيد لا أظفار لها لان اليد بلا أظفار ناقصة فلا تؤخذ بها يد كاملة وتؤخذ يد لا أظفار لها بيد لها أظفار لانه يأخذ بعض حقه. (فصل) فإن قطع أصبع رجل فتأكل منه الكف وجب القصاص في الاصبع، لانه أتلفه بجناية عمد، ولا يجب في الكف، لانه لم يتلفه بجناية عمد لان العمد فيه أن يباشره بالاتلاف ولم يوجد ذلك ويجب عليه دية كل أصبع من الاصابع لانها تلفت بسبب جنايته ويدخل في دية كل أصبع أرش ما تحته من الكف لان الكف تابع للاصابع في الدية وهل يدخل ما تحت الاصابع التي اقتص منها في قصاصها على الوجهين (الشرح) إذا قطع كفا له ثلاث أصابع صحيحة وأصبعان شلا وان كان كف القاطع صحيحة الاصابع فليس للمجني عليه أن يقتص من الكف لانه يأخذ أكمل من يده، وان رضى الجاني بذلك لم يجز لان القصاص لم يجب فيها فلم يجز بالبدل كما لو قتل حر عبدا ورضى أن يقتل به، وللمجنى عليه أن يقتص من الاصابع الثلاث الصحيحة، فإذا اقتص منها فهل يتبعها ما تحتها من الكف في القصاص؟ أو تجب فيها الحكومة؟ فيه وجهان. وأما الاصبعان الشلاوان فله فيهما حكومة، وان كانت كف المقطوع صحيحة الاصابع وكف للقاطع فيها أصبعان شلاوان فالمجني عليه بالخيار بين أن يأخذ دية يده وبين أن يقتص من كف الجاني، لانها أنقص من كفه، ولا شئ للمجني عليه لنقصان كف الجاني بالشلل، أما إذا اختار الدية فله دية يده لا نعلم فيه خلافا لانه عجز عن أستيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد، وهذا قول أبى حنيفة ومالك وأحمد. وان قطع كفا له خمس أصابع وكف القاطع فيها ثلاث أصابع لا غير وأصبعان مفقودتان فللمجنى عليه أن يقتص من كف الجاني ويأخذ منه دية الاصبعين،

وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يأخذ دية يده وبين أن يقتص من يد الجاني ولا شئ له. دليلنا قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ويد الجاني ليست مثل يد المجني عليه، ولانه استوفى بعض حقه فكان له أرش ما لم يستوفه كما لو قطع له أصبعين ولم يجد له إلا واحدة (فرع) وإن قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يجز القصاص لان الكاملة لا تؤخذ بالناقصة، فإن سقطت أظافره قطعت ولو لم يكن لواحد منهما أظافر حالة القطع يقتص منه، فلو ثبت للقاطع أظافر قبل أن يقتص منه لايقتص لطروء الزيادة، ويجوز أن يأخذ اليد التي لاأظفار لها باليد التي لها أظفار، لانها أنقص من يده (فرع) وإن قطع أنملة لها طرفان - فإن كانت أنملة القاطع لها طرفان من تلك الاصبع بتلك اليد فللمجنى عليه قطعها لانها مثل حقه، وإن كانت أنملة القاطع لها طرف واحد فللمجنى عليه أرش الانملة، فإن قال المجني عليه أنا أصبر على القصاص إلا أن تسقط الانملة الزائدة وأقتص في الاصلية - كان له ذلك، لان له تأخير القصاص، هذا ترتيب البغداديين كما أفاده صاحب البيان وقال المسعودي: إن علمت الاصلية منهما قطعت إحداهما ويغرم الجاني التفاوت ما بين سدس دية أصبع وثلثها (فرع) وإن قطع أنملة من سبابة رجل وقطع الانملة الوسطى من تلك الاصبع من رجل آخر - فإن جاء المجني عليهما - قطعت العليا لصاحب العليا وقطعت الوسطى لصاحب الوسطى، وإن جاء صاحب الوسطى أولا وطلب القصاص لم يكن له ذلك، لانه لا يمكن قطعها من غير قطع العليا، ويكون بالخيار بين أن يأخذ دية الانملة وبين أن يصير إلى أن يقتص صاحب العليا لو سقط بأكلة - وهى ما تسمى الغنغرينة - وهكذا إن عفا صاحب العليا عن القود ولم يقطع الانملة العليا من إنسان لكن قطع الانملة الوسطى من رجل جاء صاحب الوسطى يطلب النقصان وللجاني الانملة العليا والوسطى، فلمجنى عليه أن يصبر إلى أن تقطع العليا أو تسقط ثم يقتص من الوسطى. وقال أبو حنيفة لا قصاص له لانه حين قطعها لم يجب القصاص عليه فيها

لتعذر استيفائها، فإذا لم تجب حال الجناية لم تجب بعد ذلك. دليلنا أن القصاص إنما تعذر لمتصل به، فإذا زال ذلك المتصل كان له استيفاء القصاص، كما لو قتلت حامل غيرها ثم ولدت - فإن لم يصبر صاحب الوسطى وقطع الوسطى والعليا فقد فعل مال لا يجوز له على المقتص منه فيجب عليه ديتها، وقد استوفى القصاص في الوسطى، فإن قطع العليا من أصبع زيد، وقطع العليا والوسطى من تلك الاصبع من عمرو، فإن حضرا معا وطلبا القصاص اقتص زيد من العليا لانه اسبق واقتص عمرو من الوسطى وأخذ دية العليا. وكذلك إن حضر زيد وحده فله أن يقتص من العليا، وإن حضر عمرو فليس له أن يقتص لان حق زيد تعلق في العليا قبله، وإن خالف واقتض من العليا والوسطى فقد أساء بذلك، ولكنه يصير مستوفيا لحقه، ويكون لزيد دية الانملة العليا على الجاني. (فرع) ذكر الطبري في العدة: لو كان المجني عليه أربع أنامل في أصبع فله أربعة أحوال: أحدها: أن يقطع من له ثلاث أنامل أنملة من الاربع فلا قصاص عليه. وان قطع أنملتين من الاربع قطع من الجاني أنملة ويغرم الجاني التفاوت فيما بين النصف والثلث من دية الاصبع، وان قطع له ثلاث أنامل قطع منه أنملتين ويغرم ما بين ثلثى دية أصبع وبين ثلاثة أرباع ديتها، وإن قطع له أربع أنامل قطعت أنامل القاطع الثلاث ووجب عليه مع ذلك زيادة حكومة، فأما إذا كان للقاطع أربع أنامل وللمقطوع ثلاث أنامل فله ثلاثة أحوال، أن قطعت أنملة منه قطعت أنملة منه ويغرم الجاني ما بين ثلث دية أصبع وبين ربعها، وهو خمسة أسداس بغير، وان قطع أنملتين قطع منه أنملتين ويغرم التفاوت بين نصف دية الاصبع وثلثيها. وإن قطع جميع أنامله قطع منه ثلاث أنامل ويغرم التفاوت بين ثلاثة أرباع دية الاصبع وجميع ديتها - وهو بعيران ونصف - فعل هذا لو بادر فقطع أصبعه عزر ولا شئ عليه من الدية. وفيه وجه أن له قطع أصبعه بخلاف اليد التي لها ست أصابع، لان تلك الزيادة ظاهرة في منفصلات كاليدين.

(مسألة) إذا قطع أصبع رجل فتأكل منها الكف وسقط فللمجنى عليه القصاص للاصبع المقطوعة وله دية الاصابع الاربع وما تحت الاصابع الاربع من الكف يتبعها في الدية وما تحت الاصبع التي اقتص فيها، هل يتبعها في القصاص أو يجب له حكومة؟ فيه وجهان. هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة: لا يجب له القصاص في الاصبع المقطوعة دليلنا قوله تعالى (والجروح قصاص) وقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقد اعتدى بقطع الاصبع فوجب أن يقطع منه. ولانها جناية لو لم يستوجب فيها القصاص فوجب إذا سرت إلى الاقتصاص فيه أن لا يسقط القصاص كالمرأة إذا قطعت يد المرأة فأسقطت جنينا فلا يسقط القصاص في اليد. (فرع) قال القفال: لو كان له قدمان على ساق واحد يمشى عليها أو يمشى على إحداهما والاخرى زائلة عن سنن منبت القدم فقطعها رجل له قدم قطعت رجله وطولب بحكومة للزيادة، وإن قطع إحداهما - فإن قطع الزائدة - فعليه حكومة، وإن استويا في المنبت وكان يمشى عليها ففي المقطوعة ربع الدية وزيادة حكومة، وإن كان الجاني هو صاحب القدمين - فإن عرفنا الزائدة من الاصلية وأمكن قطعها من غير أن تتلف الزائدة - قطعت وان لم تعرف أو عرفت: ولا يمكن قطعها الا بإتلاف الاخرى لم تقطع وعليه دية الرجل المقطوعة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتؤخذ الاليتان بالاليتين وهما النائتان بين الظهر والفخذ. وقال بعض أصحابنا لا تؤخذ، وهو قول المزني رحمة الله عليه لانه لحم متصل بلحم فأشبه لحم الفخذ، والمذهب الاول لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولانهما ينتهيان إلى حد فاصل فوجب فيهما القصاص كاليدين (فصل) ويقطع الذكر بالذكر لقوله تعالى والجروح قصاص، ولانه ينتهى إلى حد فاصل يمكن القصاص فيه من غير حيف فوجب فيه القصاص ويؤخذ بعضه ببعضه.

وقال أبو إسحاق: لا يؤخذ بعضه ببعض كما قال في اللسان والمذهب الاول لانه إذا أمكن القصاص في جميعه أمكن في بعضه، ويؤخذ ذكر الفحل بذكر الخصى لانه كذكر الفحل في الجماع وعدم الانزال لمعنى في غيره، ويقطع الاغلف بالمختون لانه يزيد على المختون بجلدة يستحق إزلاتها بالختان، ولا يؤخذ صحيح بأشل لان الاشل ناقص بالشلل فلا يؤخذ به كامل (فصل) ويقطع الانثيان بالانثيين لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولانه ينتهى إلى حد فاصل يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص. فإن قطع إحدى الانثيين وقال أهل الخبرة إنه يمكن أخذها من غير إتلاف الاخرى اقتص منه، وإن قالوا انه يؤدى قطعها إلى اتلاف الاخرى لم يقتص منه، لانه يقتص من أنثيين بواحدة (الشرح) قول المصنف رضى الله عنه " وتؤخذ الاليتان بالاليتين " وهما اللحمان النائتان بين الظهر والفخذين وقد صنعهما الله تعالى كالمخدتين لحماية ما تحتهما من مفاصل الفخذ والحقو وفتحة الدبر وعجب الذنب ومنبت الفقرات الظهرية، وهما كالمقعد يعتمد عليهما الانسان في قعوده فتبارك الله أحسن الخالقين، فكان على من حرم أخاه هذه النعمة أن يحرم منها قصاصا. هذا ومن أصحابنا من قال لا تؤخذ، وهو قول المزني لانه لحم متصل بلحم فأشبه لحم الفخذين، والمذهب الاول لانهما ينتهيان إلى حد فاصل فهما كاليدين (مسألة) يقطع الذكر بالذكر لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانه عضو ينتهى إلى مفصل فوجب فيه القصاص كاليد إذا ثبت هذا فيقطع ذكر الرجل بذكر الصبى، ويقطع ذكر الشاب بذكر الشيخ لان كل عضو جرى القصاص فيه بين الرجل والرجل جرى فيه القصاص بين الصبى والرجل كاليد والرجل، ويقطع ذكر الفحل بذكر الخصى والعنين. وقال مالك وأحمد رضى الله عنهما لا يقطع به ولنا أنهما متساويان في السلامة، وانما عدم الانزال والجماع لمعنى في غيره فلم يمنع القصاص، كأذن السميع بأذن الاصم، ولا يقطع الذكر الصحيح

بالذكر الاشل لانه لا يساويه، مثل أن كان لا ينمو بنمو صاحبه فبقى كما هو، فلو شل وصاحبه في العاشرة من عمره لوقف نموه ولا ينتصب ولا يجامع وقد تنسد فتحته فلا يبول ويعمل له الاطباء فتحة أخرى يبول منها فمثل هذا لا يقطع به ذكر سليم، وان قطع بعض ذكره انتقض منه وقال أبو إسحاق لايقتص منه كما قال في اللسان، والاول أصح، لانه إذا أمكن في جميعه أمكن في بعضه: فعلى هذا يعتبر المقطوع بالحد كالنصف والثلث والربع كما قلنا في الاذن والانف. قال الشافعي: ويقاد ذكر الا غلف بذكر المختون، كما تقطع اليد السمينة بالمهزولة، ولان تلك الجلدة مستحقة بالقطع فلا يمنع من القصاص (فرع) وان قطع أنثييه اقتص منه لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانه طرف يمكن اعتبار المماثلة في أخذ القصاص به فشابه سائر الاطراف، فإن قطع احدى أنثييه قال الشافعي رضى الله عنه: سألت أهل الخبرة - فإن قالوا يمكن أن يقتص من أحدى البيضتين من القاطع ولا تتلف الاخرى - اقتص منه، وان قيل تتلف الاخرى لم يقتص منه - لانه لا يجوز أخذ اثنتين بواحدة - ويجب له نصف الدية. وهل يبتعها جلدتها أو تفرد بحكم؟ فيه وجهان حكاهما في الفروع. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واختلف أصحابنا في الشفرين، فمنهم من قال لاقصاص فيهما. وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله لانه لحم وليس له مفصل ينتهى إليه فلم يجب فيه القصاص كلحم الفخذ. ومنهم من قال يجب فيه القصاص، وهو المنصوص في الام، لانهما لحمان محيطان بالفرج من الجانبين يعرف انتهاؤهما فوجب فيهما القصاص. (فصل) وان قطع رجل ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه وطلب حقه قبل أن يتبين حالة أنه ذكر أو أنثى نظرت فان طلب القصاص لم يكن له لجواز أن يكون امرأة فلا يجب لها عليه في شئ من ذلك قصاص، وان طلب المال

نظرت فإن عفا عن القصاص أعطى أقل حقيه وهو حق امرأة، فيعطى دية عن الشفرين وحكومة في الذكر والانثيين، فإن بان أنه امرأة فقد استوفت حقها وإن بان أنه رجل تمم له الباقي من دية الذكر والانثيين وحكومة عن الشفرين، فإن لم يعف عن القصاص وقف القصاص إلى أن يتبين لانه يجوز أن يكون امرأة فلا يجب عليه القصاص. وأما المال ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لا يعطى لان دفع المال لا يجب مع القود وهو مطالب بالقود فسقطت المطالبة بالمال. والوجه الثاني وهو قول أكثر أصحابنا بأنه يعطى أقل ما يستحق مع القود لانه يستحق القود في عضو والمال في غيره فلم يكن دفع المال عفوا عن القود فيعطى حكومة في الشفرين ويوقف القود في الذكر والانثيين وقال القاضى أبو حامد المروروذى في جامعه: يعطي دية الشفرين. وهذا خطأ، لانه ربما بان أنه رجل فيجب القود في الذكر والانثيين، والحكومة في الشفرين. (الشرح) هذا البحث قائم على سؤال: هل يجب القصاص في الشفرين؟ وهما اللحم المحيط بالفرج، فيه وجهان (أحدهما) يجب. لقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانهما لحمان محيطان بالفرج من الجنين يعرف انتهاؤهما فوجب فيهما القصاص (والثانى) لا يجب، وهو قول الشيخ أبى حامد لانه لحم وليس له مفصل ينتهى إليه فلم يجب فيه القصاص كلحم الفخذ، والاول هو المنصوص في الام. (فرع) إذا قطع ذكر خنصى مشكل وأنثييه وشفريه فلا يخلو القاطع إما أن يكون رجلا أو امرأة أو خنثى مشكلا - فإن كان القاطع رجلا - لم يجب عليه القصاص في الحال لجواز أن يكون الخنثى امرأة بالذكر والانثيان فيه زائدات، فلا تؤخذ الاصليان بالزائدين. وقيل له أنت بالخيار بين أن تصبر إلى أن يبين حالك فيجب لك القصاص إن بان أنك رجل، وبين أن تعفو وتأخذ المال. فإن قال أعطوني ما وجب لى من المال نطرت - فإن عفا عن القصاص

في الذكر والانثيين، أو لم يكن للجاني ذكر ولا أنثيين إن كان قد قطعا. قال أصحابنا البغداديون: فإنه يعطى دية الشفرين، وحكم الذكر والانثيين لا يبلغ ديتها لانه يستحق ذلك بيقين ويشك في الزيادة. وإن قال: لاأقف ولا أعفو عن القصاص وطلب المال فهل يعطى شيئا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ. لَا يعطى لانه مطالب بالقود، ولا يجوز أن يأخذ المال وهو مطالب بالقود. وقال أكثر أصحابنا يعطى، وهو الاصح لانه يستحقه بيقين، فإذا قلنا بهذا فكم القدر الذي يعطى؟ اختلف أصحابنا فيه فقال القفال يعطى حكومة في الشفرين لانه يستحق ذات بيقين وقال القاضى أبو حامد: يعطى دية الشفرين: لانا لانتوهم وجوب القصاص فيهما. ومن أصحابنا الخراسانيين من قال يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال أو آلة النساء لان ذلك هو اليقين. ومن أصحابنا من قال: يعطي الحكومة في الذي قطعه آخر. والاول أصح. وان كان القاطع امرأة - فإن قلنا بقول الشيخ أبى حامد وأنه لاقصاص في الشفرين - فإنا لانتوهم وجب القصاص، فيعطى حكومة في آله الرجل وحكومة في آلة النساء، فإن بان رجلا تمم له دية الذكر والانثيين وحكومة الشفرين، وإن بان امرأة تمم له دية الشفرين وحكومة للذكر والانثيين. وان قلنا بالمنصوص وأنه يجب القصاص فيهما فإنه لا يجب للخنثى القصاص في الحال لجواز ان يكون رجلا فلا يجب القصاص على المراة في الفرج الزائد، فإن طلب المال نظرت - فإن عفا عن القصاص أو لم يعف ولكن ليس للقاطعة شفراوان فعلى قول البغداديين من أصحابنا يعطى دية الشفرين وحكومة عن الذكر والانثيين فإن بان امرأة فقد استوفت حقها وان بان امرأة فقد استوفت حقها وان بان رجلا تمم له دية الذكر ودية الانثيين وحكومة الشفرين، وعلى قول الخراسانيين يعطى حكومة للشفرين وحكومة للذكر والانثيين. وان لم يعف عن القصاص وكان للقاطعة شفرتان فعلى قول أبى علي بن هريرة لا يعطى وعلى قول أكثر أصحابنا يعطى، فإذا قلنا بهذا فكم يعطى؟ وعلى قول القفال يعطى حكومة في الذكر والانثيين وعلى قول القاضى أبى حامد يعطى دية الذكر

والانثيين، وعلى قول بعض أصحابنا الخراسانيين يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال وآلة النساء، وإن كان القاطع خنثى مشكلا فإنه لا يجب القصاص في الحال لانا لا نتيقن عين الزائد من الاليتين فيهما ولا عين الاصلى، فلو أوجبنا القصاص في الحال لم نأمن أن يأخذ أصليا بزائد وذلك لا يجوز، فإن طلب حقه من المال نظرت - فإن عفا عن القصاص - قال أصحابنا البغداديون: أعطى دية الشفرين وحكومة للذكر والاليتين لانه يستحق ذلك بيقين وقال الخراسانيون: يعطى الحكومة في الذكر والانثيين والشفرين، وان لم يعف عن القصاص فهل يعطى شيئا؟ إن قلنا بقول علي بن أبى هريرة لا يعطى شيئا إذا كان القاطع رجلا أو أمرأة فههنا أولى أن لا يعطى. وإن قلنا هناك يعطى فها هنا وجهان: (أحدهما) لا يعطى وهو قول القفال لان القصاص متوهم في جميع الآلات (والثانى) يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال والنساء، والصحيح أنه لا يعطى شيئا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما وجب فيه القصاص من الاعضاء وجب فيه القصاص، وان اختلف العضوان في الصغر والكبر والطول والقصر والصحة والمرض، لانا لو أعتبرنا المساواة في هذه المعاني سقط القصاص في الاعضاء، لانه لا يكاد أن يتفق العضوان في هذه الصفات فسقط اعتبارها (فصل) وما انقسم من الاعضاء إلى يمين ويسار كالعين واليد وغيرهما لم تؤخذ اليمين فيه باليسار ولا اليسار باليمين، وما انقسم إلى أعلى وأسفل كالشفة والجفن لم يؤخذ الاعلى بالاسفل ولا الاسفل بالاعلى، ولا يؤخذ سن بسن غيرها ولا أصبع بأصبع غيرها ولا أنملة بأنملة غيرها لانها جوارح مختلفة المنافع والاماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض، كالعين بالانف واليد بالرجل وما لا يؤخذ

بعضه ببعض ما ذكرناه لا يؤخذ: وان رضى الجاني والمجني عليه، وكذلك ما لا يوخذ من الاعضاء الكاملة بالاعضاء الناقصة، كالعين الصحيحة بالقائمة، واليد الصحيحة بالشلاء، لا يؤخذ وإن رضى الجاني والمجني عليه بأخذها، لان الدماء لاتستباح بالاباحة. (فصل) وإن جنى على رجل جناية يجب فيها القصاص ثم قتله وجب القصاص فيهما لانهما جنايتان يجب القصاص في كل واحدة منهما، فوجب القصاص فيهما عند الاجتماع كقطع اليد والرجل (الشرح) كل عضو وجب فيه القصاص فإنه يجب فيه، وان اختلف العضوان في الصغر والكبر، والصحة والمرض، والسمن والهزال، لقوله تعالى (والعين بالعين والاذن بالاذن والسن بالسن) ولم يفرق، ولانا لو اعتبرنا هذه الاشياء لشق وضاق فسقط اعتباره كما سقط اعتبار ذلك في النفس، وما كان من الاعضاء منقسما إلى يمين ويسار كالعينين والاذنين واليدين والرجلين لا يجوز أخذ اليمنى منه باليسرى ولا اليسرى منه باليمنى. وقال ابن شبرمة يجوز. ولنا أن كل واحد منهما يختص باسم ينفرد به فلا يوخذ بغيره، كما لا يؤخذ اليد بالرجل، وكذا لا يؤخذ الجفن الاعلى بالجفن الاسفل، ولا العكس، وكذلك الشفتان مثله، ولا يؤخذ سن بسن غيرها، ولا أصبع بأصبع غيرها، ولا أنملة بأنملة غيرها، كما لا تؤخذ نفس بجنايتة نفس غيرها ولا يؤخذ أي شئ من ذلك وإن رضى كل من الجاني والمجني عليه، وكذلك إذا رضى الجاني بأن يؤخذ العضو الكامل بالناقص، والصحيح بالاشل، لم يجز لان الدماء لاتستباح بالاباحة (مسألة) إذا قطع يد رجل ثم عاد فقتله كان له أن يقطع يده ثم يقتله، وبه قال أبو حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له إلا القتل. دليلنا قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهذا قد اعتدى بقطع اليد فلم يمنع من قطع يده، ولانهما جنايتان يجب القصاص في كل واحدة منهما إذا انفردت فوجب القصاص فيهما عند الاجتماع كقطع اليد والرجل

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وإن قتل واحد جماعة أو قطع عضوا من جماعة لم تتداخل حقوقهم لانها حقوق مقصودة لآدميين فلم تتداخل كالديون، فإن قتل أو قطع واحدا بعد واحد اقتص منه للاول، لان له مزية بالسبق، وإن سقط حق الاول بالعفو اقتص للثاني، وان سقط حق الثاني اقتص للثالث، وعلى هذا. وإذا اقتص منه لواحد بعينه تعين حق الباقين في الدية، لانه فاتهم القود بغير رضاهم، فانتقل حقهم إلى الدية، كما لو مات القاتل أو زال طرفه، وإن قتلهم أو قطعهم دفعة واحدة أو أشكل الحال أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة اقتص له لانه لامزية لبعضهم على بعض فقدم بالقرعة كما قلنا فيمن أراد السفر ببعض نسائه، فإن خرجت القرعة لواحد فعفا عن حقه أعيدت القرعة للباقين لتساويهم وإن ثبت القصاص لواحد منهم بالسبق أو بالقرعة فبدر غيره واقتص صار مستوفيا لحقه. وإن أساء في التقدم على من هو أحق منه، كما قلنا فيمن قتل مرتدا بغير إذن الامام أنه يصير مستوفيا لقتل الردة، وإن أساء في الافتيات على الامام. وإن قتل رجل جماعة في المحاربة ففيه وجهان (أحدهما) أن حكمه حكم ما لو قتلهم في غير المحاربة (والثاني) أنه يقتل بالجميع لان قتل المحاربة لحق الله تعالى، ولهذا لا يسقط بالعفو فتداخل كحدود الله تعالى (فصل) وإن قطع يد رجل وقتل آخر قطع للمقطوع ثم قتل للمقتول تقدم القطع أو تأخر، لانا إذا قدمنا القتل سقط حق المقطوع، وإذا قدمنا القطع لم يسقط حق المقتول، وإذا أمكن الجمع بين الحقين من غير نقص لم يجز إسقاط أحدهما، ويخالف إذا قتل اثنين لانه لا يمكن إيفاء الحقين فقدم السابق، وإن قطع أصبعا من يمين رجل ثم قطع يمين آخر قطع الاصبع للاول ثم قطعت اليد للثاني ويدفع إليه أرش الاصبع، ويخالف إذا قطع ثم قتل حيث قلنا إنه يقطع للاول ويقتل للثاني ولا يلزمه لنقصان اليد شئ لان النفس لا تنقص بنقصان اليد، ولهذا يقتل صحيح اليد بمقطوع اليد، واليد تنقص بنقصان الاصبع، ولهذا لا تقطع اليد الصحيحة بيد ناقصة الاصابع.

وان قطع يمين رجل ثم قطع أصبعا من يد رجل آخر قطعت يمينه للأول لان حقه سابق، ويخالف إذا قتل رجل ثم قطع يد آخر حيث أخرنا القتل، وإن كان سابقا، لان هناك يمكن إيفاء الحقين من غير نقص يدخل على ولى المقتول بقطع اليد، وههنا يدخل النقص على صاحب اليد بنقصان الاصبع. (فصل) وإن قتل رجلا وارتد، أو قطع يمين رجل وسرق، قدم حق الآدمى من القتل والقطع، وسقط حق الله تعالى، لان حق الآدمي مبنى على التشديد، فقدم على حق الله تعالى (الشرح) إذا قتل واحد جماعة قتل بواحد وأخذ الباقون الدية، وقال أبو حنيفة ومالك يقتل بالجماعة - فإن بادر واحد وقتله - سقط حق الباقين، وبه قال أصحابنا الخراسانيون. وقال أحمد رحمه الله: إن طلبوا القصاص قتل لجماعتهم، وان طلب بعضهم القصاص وبعضهم الدية قتل لمن طلب القصاص وأعطى الدية من طلبها. وقال عثمان البتي: يقتل بجماعتهم ثم يعطون الدية في باقيهم فيقسمونها بينهم، مثل أن يقتل عشرة، فإنه يقتل ويعطون تسع دياث ويقسمونها بين العشرة. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية " ولانها حقوق مقصودة لآدميين يمكن استيفاؤها فوجب أن لا يتداخل كالديون وقولنا مقصودة إحتراز من آجال الدين. وقولنا لآدميين احتراز من حقوق الله تعالى وهي الحدود في الزنا وشرب الخمر إذا ثبت هذا فإن قتل واحدا بعد واحد اقتص للاول، فإن عفا الاول اقتص للثاني، وإن عفا الثاني اقتص للثالث. وان كان ولى الاول غائبا أو صغيرا انتظر قدوم الغائب وبلوغ الصغير. وان قتلهم دفعة واحدة بأن هدم عليهم بيتا أو جرحهم فماتوا معا أقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة قتل به وكان للباقين الدية. وقال بعض أصحابنا الخراسانيين: يقتل بالجيمع ويرجع كل واحد من الاولياء بحصته من الدية. وإن قتلهم واحدا بعد واحد إلا أنه أشكل الاول منهم

فإن أقر القاتل لاحدهم أنه الاول قبل إقراره وقتل به، وان لم يقر أقرعنا بينهم لاستواء حقوقهم، فإن بادر أحدهم وقتله فقد استوفى حقه وانتقل حق الباقين إلى الدية. وحكى الخراسانيون من أصحابنا أنه إذا قتل واحدا بعد واحد، وكان ولى الاول غائبا أو مجنونا أو صغيرا قولين: أحدهما يستوفى ولى الثاني والثاني لا يستوفي بل ينتظر حضور الغائب وإفاقة المجنون وبلوغ الصغير. وإن قتل جماعة في قطع الطريق وقلنا بالمشهور من المذهب انه يقتل بواحد في غير قطع الطريق فهاهنا وجهان. وحكاهما الخراسانيون قولين (أحدهما) حكمه حكم ما لو قتلهم في غير قطع الطريق لما ذكرناه هناك (والثاني) يقتل بالجميع ولا شئ للباقين لانه يقتل حدا، بدليل أنه لا يصح العفو فيه، وان قطع عضوا من جماعة فحكمه حكم ما لو قتل جماعة على ما مضى (مسألة) وان قطع يد رجل وقتل آخر، قطعت يده للمقطوع ثم قتل للمقتول سواء تقدم قطع اليد أو تأخر، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ يقتل للمقتول ولا تقطع يده للمقطوع، دليلنا قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) الاية. فأخبر أن النفس تؤخذ بالنفس والطرف بالطرف، فمن قال غير هذا فقد خالف الاية، ولانهما جنايتان على شخصين فلا يتداخلان كما لو قطع يدى رجلين، وانما قدمنا القطع ههنا، وان كان متأخرا لانه يمكن إيفاء الحقين من غير نقص على أحدهما، ومتى أمكن إيفاء الحقين لم يجز إسقاط أحدهما. وان قطع أصبعا من يمين رجل ثم قطع يمين آخر قطعت أصبعه للاول، ثم قطعت يده للثاني ولزمه أن يغرم للثاني دية أصبعه التي لم يقتص منها، ويخالف إذا قتل رجل مقطوع اليد لرجل غير مقطوع اليد - فإنه لا يغرم شيئا له - لان اليد تنقص بنقصان الاصبع، ولهذا لا تؤخذ يد كاملة الاصابع بيد ناقصة الاصابع والنفس لا تنقص بنقصان اليد، ولهذا يقتل من له يدان بمن له يدان بمن له يد واحدة، وان قطع يمين رجل ثم قطع أصبعا من يمين آخر قطعت يمينه للاول، وأخذ الاخر دية أصبعه المقطوعة، ويخالف إذا قطع يمين رجل ثم قتل آخر حيث قلنا

باب استيفاء القصاص

يقدم القطع، وان كان متأخرا، لان اليد ينقص بنقصان الاصبع: والنفس لا تنقص بنقصان اليد (فرع) إذا قتل رجلا وارتد أو قطع يمين رجل وسرق، قدم حق الادمي من القتل والقطع لانه مبنى على التشديد، وحق الله مبنى على المسامحة. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (باب استيفاء القصاص) من ورث المال ورث الدية، لما روى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر رضى الله عنه يقول: لا ترث المرأة من دية زوجها، حتى قال له الضحاك ابن قيس: كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر رضى الله عنه عن ذلك " ويقضي من الدية دينه وينفذ منها وصيته. وقال أبو ثور. لا يقضى منها الدين ولا ينفذ منها الوصية، لانها تجب بعد الموت، والمذهب الاول، لانه مال يملكه الوارث من جهة فقضى منه دينه، ونفذت منه وصيته كسائر أمواله. ومن ورث المال ورث القصاص، والدليل عليه ماروى أبو شريح الكعبي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ثم أنتم يا خراعة قد قلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وإن قطع مسلم طرف مسلم ثم ارتد ومات في الردة، وقلنا بأصح القولين انه يحب القصاص في طرفه، فقد نقل المزني أنه قال يقتص وليه المسلم، وقال المزني رحمه الله: لايقتص غير الامام لان المسلم لا يرثه، فمن أصحابنا من قال لايقتص غير الامام كما قال المزني، وحمل قول الشافعي رحمة الله عليه على الامام وقال عامة أصحابنا يقتص المناسب، لان القصد من القصاص التشفي ودرك الغيظ والذي يتشفى هو المناسب، ويجوز أن يثبت القصاص لمن لا يرث شيئا،

كما لو قتل من له وارث وعليه دين محيط بالتركة، فإن القصاص للوارث وان لم يرث شيئا، وإن كان الوراث صغيرا أو مجنونا لم يستوف له الولى، لان القصد من القصاص التشفي ودرك الغيظ، وذلك لا يحصل باستيفاء الولى، ويحبس القاتل إلى أن يبلغ الصغير أو يعقل المجنون، لان فيه حظا للقاتل بأن لا يقتل، وفيه حظا للمولى عليه ليحصل له التشفي، فإن أقام القاتل كفيلا ليخلى لم يجز تخليته لان فيه تغريرا بحق المولى عليه بأن يهرب فيضيع الحق. وإن وثب الصبي أو المجنون على القاتل فقتله ففيه وجهان: أحدهما أنه يصير مستوفيا لحقه، كما لو كانت له وديعة عند رجل فأتلفها. والثانى لا يصير مستوفيا لحقه وهو الصحيح، لانه ليس من أهل استيفاء الحقوق ويخالف الوديعة، فإنها لو تلف من غير فعل برئ منها المودع. ولو هلك الجاني من غير فعل لم يبرأ من الجناية. وان كان القصاص بين صغير وكبير لم يجز للكبير أن يستوفى، وان كان بين عاقل ومجنون لم يجز للعاقل أن يستوفي لانه مشترك بينهما فلا يجوز لاحدهما أن ينفرد به، فإن قتل من لا وارث له كان القصاص للمسلمين واستيفاوه إلى السلطان، وان كان له من يرث منه بعض القصاص كان استيفاؤه إلى الوارث والسلطان، ولايجوز لاحدهما أن ينفرد به لما ذكرناه (الشرح) خبر الضحاك بن قيس أسنده المصنف لم يرو أن الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الضحاك بن قيس لانه ولد قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسبع سنين. فهو الضحاك بن قيس بن خالد الاكبر أبن وهب بن ثعلبة يكنى أبا أنيس، وقيل أبو عبد الرحمن، والاول أفاده الواقدي، وهو أخو فاطمة بنت قيس وكان أصغر سنا منها، ويرجح أنه لم يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضلا عن أن يوليه ويكتب إليه. وقد كان الضحاك بن قيس على شرطة معاوية ثم صار عاملا على الكوفة بعد زياد، وقد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط لانه كان يأخذ البيعة لابن الزبير قتله جنود يزيد. أما الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى فهو الضحاك بن سفيان الكلابي، فهو الذي ولاه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أمر من اسلم من قومه، وقد ثبت أن الرسول أمره على سرية فذكره العباس ابن مرداس في شعره فقال: ان الذين وفوا بما عاهدتهم جيش بعثت عليهم الضحاكا أمرته ذرب السنان كأنه لما تكنفه العدو يراكا طورا يعانق باليدين وتارة يفرى الجماجم صارما بتاكا وكان رضى الله عنه أحد الابطال، وكان يقوم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه، وكان يعد بمائة فارس قال ابن عبد البر، وله خبر عجيب مع بنى سليم ذكره أهل الاخبار: روى الزبير بن بكار: حدثتني ظيماء بنت عبد العزيز حدثنى أبى عن جدى موألة بن كثيف أن الضحاك بن سفيان الكلابي كان سياف رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ بنو سليم في تسعمائة، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ فوافاهم بالضحاك بن سفيان وكان رئسيهم. ولابن مرداس: عشية ضحاك بن سفيان معتص لسيف رسول الله والموت واقع روى عنه سعيد بن المسيب والحسن البصري، فإذا ثبت هذا فإن الحديث أخرجه أبو داود في الفرائض عن أحمد بن صالح والترمذي عنه في الفرائض، وعن قتيبة وأحمد بن منيع وغير واحد، وفي الديات عن قتيبة وأبى عمار بن الحسين بن حريث وابن ماجه في الديات عن أبى بكر بن أبى شيبة ومالك في الموطأ في العقول عن أبن شهاب والضبابي وهو بطن من كلاب منهم شمر بن ذى الجوشن قاتل الحسين عليه السلام وأما حديث أبى شريح الكعبي فقد أخرجه أبو داود في الديات عن مسدد، والترمذي في الديات عن محمد بن بشار، وقد أخرجه بمعناه أحمد والشيخان وابن ماجه والدارمى. وأبو شريح اسمه خويلد بن عمرو، وقد مضى تحقيق نسبه وشئ من مناقبه آنفا. وقوله " بين خيرتين " الخيرة وزان عنبة الاسم من قولك: اختاره الله تعالى وخيرة بالتسكين أيضا، والاهل يقع على الذكر والانثى.

أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولم يختلفوا في أن العقل موروث كالمال. وجملة ذلك أنه إذا قتل رجل رجلا خطأ أو عمدا وعفى عنه على المال، فإن الدية تكون لجميع ورثة المقتول لقوله تَعَالَى " وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " ولقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا أقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " لافرق بين الذكران والاناث إجماعا لا خلاف فيه. وقد رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لم يورث المرأة من دية زوجها، فقال له الضحاك بن سفيان: كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها، فرجع عمر رضى الله عنه وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يتوارث ملتان شتى، وترث المرأة من دية زوجها " قال المصنف: ويقضى من الدية دينه وتنفذ منه وصاياه. وقال أبو ثور: لا يقضى منها دينه ولا تنفذ وصاياه، والذي يقتضى المذهب أن يبنى على القولين متى تجب الدية؟ فإن قلنا بآخر جزء من أجزاء حياة المقتول قضى منها دينه ونفذت منها وصاياه. وإن قلنا يجب بعد موته لم يقض منها دينه ولم تنفذ منها وصاياه ولعله ذكر ذلك على الاصح عنده وأما إذا كان القتل يقتضى القصاص فإن القصاص موروث وفيمن يرثه من الورثة ثلاثة أوجه حكاها ابن الصباغ أحدها أنه لا يرثه إلا العصبة من الرجال، وبه قال مالك والزهرى، لان القصاص يدفع العار عن النسب فاختص به العصبات كولاية النكاح. فإن اقتصوا فلا كلام، وإن عفوا على مال كان لجميع الورثة (والثانى) أنه يرثه من يرث بنسب دون سبب، فيخرج بذلك من يرث بالزوجية، به قال ابن شبرمة، لان القصاص يراد للتشفي، والزوجية تزول بالموت. (والثالث) وهو المنصوص، ولم يذكر الشيخان أبو إسحاق الاسفرايينى وأبو حامد المرور وذي غيره أنه يرثه جميع الورثة من يرث بنسب ومن يرث بسبب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد لقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعد قتيلا

فأهله بين خيريتن إن أحبوا قتلوا وان أحبوأ أخذو الدية " والاهل لغة يقع على الرجال والنساء، ولانه يجعل القود لمن جعل له الدية، ولا خلاف أن الدية لجميع الورثة فكذلك القود، وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاهل القتيل أن ينحجزوا الاول فالاول، وان كانت أمرأة " رواه أبو داود والنسائي. قال أبو عبيد. معنى أن ينحجزوا يكفوا عن القصاص، ولو لم يكن للمرأة حق في القصاص لما جعل لها الكف عنه. وروى أن رجلا قتل رجلا، فأراد أولياء الدم القود، فقالت أخت المقتول - وكانت زوجة القاتل - عفوت عن نصبيى من القود، فقال عمر رضى الله عنه الله أكبر عتق من القتل (فرع) إذا قطع طرف مسلم فارتد المقطوع ثم مات على الردة - وقلنا يجب القصاص في الطرف - فمن الذي يتسوفيه؟ قال الشافعي رضى الله عنه. لوليه المسلم أن يقتص، واعترض المزني عليه فقال كيف يجوز لوليه أن يقتص وهو لا يرثه. واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال لايقتص وليه المسلم كما قال المزني، لانه لا يرثه - ولم يرد الشافعي الولى ههنا المناسب، وإنما أراد الامام. وقال أكثرهم بل يجوز لوليه المناسب أن يقتص لان القصاص للتشفي وذلك إلى المناسب لا إلى الامام. وقول الاول غير صحيح لانه قد يثبت القصاص لمن لا يرث، وهو إذا قتل رجل وعليه دين يحيط بتركته - فإذا قلنا إن الامام هو الذي يقتص كان بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو على مال. فإذا عفا على مال كان بها، وإذا قلنا يقتص الولى المناسب - فإن اقتص - فلا كلام، وان عفا على مال فهل يثبت؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو حامد (أحدهما) لا يثبت لان أرش الطرف يدخل في أرش النفس فلما لم يجب أرش النفس لم يجب أرش الطرف (والثانى) يجب الارش وهو الاصح لان الجناية وقعت في حال مضمونة فلم يسقط حكمها بسقوط حكم السراية، فإذا قلنا بهذا فكم الارش الذي يجب؟ فيه وجهان، قال عامة أصحابنا يجب أقل الامرين من أرش الطرف أو دية النفس لان دية النفس إذا كانت أكثر من أرش الطرف لم تجب الزيادة على أرش الطرف

لان الزيادة وجبت بالسراية، وإن كان أرش الطرف أكثر لم يجب ما زاد على دية النفس، لانه لو مات وهو مسلم لم يجب عليه أكثر من دية مسلم فكذلك هاهنا مثله. وقال أبو سعيد الاصطخرى: يجب أرش الطرف بالغا ما بلغ، لان الدية إنما تجب في النفس في الموضع الذي لو كان دون الدية وصار نفسا وجبت الدية وهاهنا لاحكم للسراية في الزيادة فكذلك في النقصان. والاول أصح (فرع) إذا كان القصاص لصغير أو مجنون أو لغير رشيد لم يستوف الولى له، وبه قال أحمد وأبو يوسف وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد يجوز للاب والجد أن يستوفى له القصاص في النفس والطرف، ويجوز للوصي والحاكم أن يستوفى إلا في الطرف دون النفس. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " فأهله بين خيرتين إن أحبوا اقتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " فجعل الخيرة للاهل، فلو جعلنا للولى استيفاءه لفوتنا ما خير فيه، ولانه لا يملك إيقاع طلاق زوجته فلا يملك استيفاء القصاص في النفس كالوصي. فإذا ثبت هذا فإن القاتل يحبس إلى أن يبلغ الصبى ويفيق المجنون ويصلح المفسد - لان في ذلك مصلحة للقاتل بأن يعيش إلى مدة ويتأخر قتله - وفيه مصلحة لولى المقتول لئلا يهرب القاتل ويفوت القصاص، فإن أراد الولى أن يعفو عن القود على مال، فإن كان المولى عليه له كفاية لم يجز، وإن كان محتاجا إلى ذلك المال للنفقة ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لانه محتاج إلى ذلك (والثانى) لا يجوز لانه لا يملك استيفاء حقه من القصاص، ونفقته في بيت المال. وإن وثب الصبي أو المجنون فاقتص فهل يصير مستوفيا؟ فيه وجهان (أحدهما) يصير مستوفيا كما لو كانت له وديعة فأتلفها (والثانى) لا يصير مستوفيا وهو الاصح، لانه ليس من أهل الاستيفاء، وان كان القصاص لغائب حبس القاتل إلى أن يقدم كما قلنا فيه إذا كان لصغير أو مجنون. فإن قتل فهلا قلتم لا يحبس للغائب لانه لا ولاية للحاكم على الغائب، كما لو كان لغائب مال مغصوب فليس للحاكم أن يحبسپ الغائب وينزع ماله المغصوب؟ فالجواب أن القود ثبت للميت

وللحاكم على الميت ولاية، وليس كذلك الغالب إذا غصب ماله لانه لا ولاية له عليه وهو رشيد، فوزانه أن يموت رجل ويخلف مالا وله وارث غائب، فجاء رجل وغصب ماله فللام حبس الغاصب إلى أن يقدم الغائب (فرع) فإن كان القصاص لجماعة وبعضهم حاضر وبعضهم غائب لم يجز للحاضر أن يستوفى بغير إذن الغائب بلا خلاف، وإن كان الخلاف بين صغير وكبير أو بين عاقل ومجنون لم يجز للكبير والعاقل أن يستوفى القصاص حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون، ويأذن في الاستيفاء. وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو يوسف وأحمد. وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز للكبير والعاقل أن يستوفى قبل بلوغ الصغير وإفاقة المجنون، إلا أن أصحاب أبى حنيفة أختلفوا فيما يستوفيه، فمنهم من قال يستوفى حقه وحق الصغير والمجنون، ومنهم من قال يستوفى حقه ويسقط حق الصغير والمجنون، دليلنا أنه قصاص موروث فوجب أن لا يختص باستيفائه بعض ورثته، كما لو كان لحاضر وغائب وإذا ثبت هذا فإن القاتل يحبس إلى أن يبلغ الصغير ويفيق المجنون، وقد حبس معاوية هدبة بن خشرم في قصاص حتى يبلغ ابن القتيل، وذلك في عصر الصحابة رضوان الله عليهم فلم ينكر ذلك. وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها فإن قيل لم لا يخلى سبيله كالمعسر بالدين. قلنا لان تخليته تضييع فإنه لا يؤمن هربه، والفرق بينه وبين المعسر من وجوه 1 - أن قضاء الدين لا يجب مع الاعسار فلا يحبس بما لا يجب، والقصاص ههنا واجب وانما تعذر المستوفى 2 - ان المعسر إذا حبسناه تعذر الكسب لقضاء الدين فلا يفيد بل يضر من الجانبين. وهاهنا الحق نفسه يفوت بالتخلية لا بالحبس 3 - انه قد استحق قتله، وفيه تفويت نفسه ونفعه، فإذا تعذر تفويت نفسه جاز تفويت نفعه لامكانه، فإن قيل فلم يحبس من أجل الغائب وليس للحاكم عليه ولاية إذا كان مكلفا رشيدا، ولذلك لو وجد بعض ماله مغصوبا لم يملك

انتزاعه؟ قلنا لان في القصاص حقا للميت، وللحاكم عليه ولاية، ولهذا تنفذ وصاياه من الدية وتقضى ديونه منها، فنظيره أن يجد الحاكم من تركة الميت في يد إنسان شيئا غصبا والوارث غائب فإنه يأخذه، ولو كان القصاص لحى في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه، فإن أقام القاتل كفيلا بنفسه ليخلى سبيله لم يجز لان الكفالة لا تصح في القصاص فإن فائدتها استيفاء الحق من الكفيل إن تعذر إحضار المكفول به، ولا يمكن استفياؤه من غير القاتل، فلم تصح الكفالة به كالحد، ولان فيه تغريرا بحق المولى عليه، فإنه ربما خلى سبيه فهرب فضاع الحق فإن وجب القصاص في قتل من لا وارث له غير المسلمين كان القصاص إلى الامام لانه نائب عنهم، وان كان هناك من يرث البعض ويرث المسلمون الباقي كان استيفاء القصاص إلى الامام والى الوارث قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قتل رجل وله اثنان من أهل الاستيفاء فبدر أحدهما وقتل القاتل من غير اذن أخيه ففيه قولان (أحدهما) لا يجب عليه القصاص، وهو الصحيح، لان له في قتله حقا فلا يجب عليه القصاص بقتله، كما لا يجب الحد على أحد الشريكين في وطئ الجارية المشتركة (والثانى) يجب عليه القصاص لانه اقتص في أكثر من حقه فوجب عليه القصاص، كما لو وجب له القصاص في طرفه فقتله، ولان القصاص يجب بقتل بعض النفس إذا عرى عن الشبهة، ولهذا يجب على كل واحد من الشريكين في القتل. وان كان قاتلا لبعض النفس والنصف الذي لاخيه لا شبهة فيه فوجب القصاص عليه بقتله وان عفا أحدهما عن حقه من القصاص ثم قتله الاخر بعد العلم بالعفو نظرت فإن كان بعد حكم الحاكم بسقوط القود عنه وجب عليه القصاص، لانه لم يبق له شبهة، وان كان قبل حكم الحاكم بسقوط القود عنه فإن قلنا يجب عليه القود إذا قتله قبل العفو فلان يجب عليه إذا قتله بعد العفو أولى، وان قلنا لا يجب عليه قبل العفو ففيما بعد العفو قولان (أحدهما) يجب عليه لانه لاحق له في قتله كما لو عفوا ثم قتله أحدهما

(والثانى) لا يجب، لان على مذهب مالك رحمة الله عليه يجب له القود بعد عفو الشريك، فيصير ذلك شبهة في سقوط القود، فإذا قلنا أنه يجب القصاص على الابن القاتل وجب دية الاب في تركة قاتله، نصفها للاخ الذي لم يقتل، ونصفها للاخ القاتل ولورثته بعده، وإذا قلنا لا يجب القصاص على الابن القاتل وجب عليه نصف دية المقتول، لانه قتله وهو يستحق نصف النفس وللاخ الذي لم يقتل نصف الدية، وفيمن يجب عليه قولان (أحدهما) يجب على الابن القاتل، لان نفس القاتل كانت مستحقة لهما، فإذا أتلفها أحدهما لزمه ضمان حق الاخر كما لو كانت لهما وديعة عند رجل فأتلفها أحدهما، فعلى هذا ان أبرا الابن الذي لم يقتل ورثة قاتل أبيه من نصفه لم يصح ابراؤه، لانه أبرأ من لاحق له عليه. وان أبرأ أخاه صح ابراؤه لانه أبرا من عليه الحق. والقول الاخر أنه يجب ذلك في تركة قاتل أبيه لانه قود سقط إلى مال فوجب في تركة القاتل كما لو قتله أجنبي، ويخالف الوديعة، فانه لو أتلفها أجنبي وجب حقه عليه، والقاتل لو قتله أجني لم يجب حقه عليه، فعلى هذا لو أبرأ أخاه لم يصح ابراؤه، وان أبرأ ورثة قاتل أبيه صح ابراؤه ولورثة قاتل الاب مطالبة الابن القاتل بنصف الدية، لان ذلك حق لهم عليه فلا يسقط ببرأتهم عن الابن الاخر. (الشرح) إذا قتل رجل وله أخوان وابنان من أهل استيفاء القصاص لم يكن لهما أن يستوفيا القصاص جيمعا، لان في ذلك تعذيبا للقاتل، فإما أن يوكلا رجلا ليستوفى لها القصاص، واما أن يوكل أحدهما الاخر في الاستيفاء، فإن طلب كل واحد منهما أن يوكله الاخر أقرع بينهما، لانه لا مزية لاحدهما على الاخر، فإذا خرجت القرعة لاحدهما أمر الاخر أن يوكله، وان بادر أحدهما وقتل القاتل بغير اذن أخيه نظرت - فإن كان الذي لم يقتل لم يعف عن حقه من القصاص - فهل يجب على القاتل منهما القود؟ فيه قولان (أحدهما) يجب عليه القود لانه ممنوع من قتله وقد يجب القتل بإتلاف

بعض النفس كما إذا قتل جماعة واحدا (والثانى) لا يجب عليه القود، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وهو الاصح، لان له في قتله حقا فلم يجب عليه القود، كما لو وطئ أحد الشريكن الجارية المشتركة، وإن قتله بعد أن عفا أخوه عن القود نظرت - فإن كان قد حكم الحاكم بسقوط القود - وجب القود على القاتل قولا واحدا. قال ابن الصباغ سواء علم القاتل بذلك أو لم يعلم، لان بحكم الحاكم زالت الشبهة وحرم عليه قتله، فهو كما لو قتل غير القاتل، وإن كان بعد عفو أخيه وقبل حكم الحاكم بسقوط القود نظرت - فإن لم يعلم بعفو أخيه - فهل يجب القود على القاتل؟ فيه قولان، كما لو لم يعف أخوه قال الشيخ الامام أبو حامد: إلا أن الاصح هناك لا يجب عليه القود، والاصح هاهنا أن عليه القود، وإن قتله بعد أن علم بعفو أخيه - فإن قلنا يجب عليه القود إذا لم يعف أخوه فها هنا أولى، وإن كان قلنا هناك لا يجب عليه القود لانه على قول مالك لا يسقط القود هكذا صور المصنف المسألة، ولكنا تنازعه في عدم سقوط القود عند مالك، لان أهل العلم أجمعوا على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل، بالكتاب والسنة لقوله تعالى " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " وقوله تعالى " فمن تصدق به فهو كفارة له " قيل في التفسير: فهو كفارة للجاني يعفو صاحب الحق عنه. وقيل هو كفارة للعافي بصدقته. وأما السنة ففي سنن أبى داود عن أنس قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع إليه شئ فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو " فالقصاص فحق لجميع الورثة من ذوى الانساب والاسباب والرجال والنساء والصغار والكبار فمن عفا منهم صح عفوه وسقط القصاص، ولم يبق لاحد إليه سبيل، بهذا قال عطاء والنخغى والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد. وروى ذلك عن عمر وطاوس والشعبى. وقال الحسن وقتادة والزهرى وابن شبرمة والليث والاوزاعي: ليس للنساء عفو. والمشهور عن مالك أنه موروث للعصبات خاصة، وهو وجه لاصحابنا لانه ثبت لدفع العار فاختص به العصبات كولاية النكاح ولنا وجه ثالث أنه لذوى الانساب دون الزوجين لحديث أبى شريح الكعبي

" فأهله بنى خيرتين الخ " وذهب بعض أهل المدينة إلى أن القصاص لا يسقط بعفو بعض الشركاء، وقيل هو رواية عن مالك لان حق غير العافى لا يرضى بإسقاطه، وقد تؤخذ ببعض النفس بدليل قتل الجماعة بالواحد. وبعد أن تحررت المسألة على هذا النحو نقول: انه على قول بعض أهل المدينة لا يسقط القود بعفو أحد الشريكين فصار ذلك شبهة في سقوط القود عنه. وهذا ترتيب الشيخ أبى حامد. وقال المسعودي إذا قتله قبل عفو أخيه فهل يجب عليه القود؟ فيه قولان فإذا قلنا لا يجب فله معنيان (أحدهما) لا ختلاف العلماء في استيفاء أحدهم (والثانى) لاجل حقه في القصاص، وان قتله بعد عفو أخيه، وهو عالم بعفوه فإن قلنا هناك لا يجب فهاهنا قولان - ان قلنا العلة هناك اختلاف العلماء فلا قودها هنا، لان الاختلاف موجود. وان قلنا العلة هناك حقه في القصاص وجب عليه هاهنا القود. وان قتله جاهلا بعفو أخيه، فإن قلنا لا يجب عليه القود إذا كان عالما بعفو أخيه فهاهنا أولى، وان قلنا هناك لا يجب فها هنا قولان، ان قلنا العلة هناك اختلاف العلماء فلا قودها هنا، لان لاختلاف موجود. وان قلنا العلة هناك حقه في القصاص وجب عليه هاهنا القود، وان قتله جاهلا بعفو أخيه، فإن قلنا لا يجب عليه القود إذا كان عالما بعفو أخيه فهاهنا أولى أن لا يجب. وان قلنا هناك القود على القاتل فلوليه أن يقتص منه، فإذا قتله وجب دية المقتول الاول في تركة القاتل الاول، نصفها للاخ الذي لم يقتل ونصفها لورثة أخيه المقتول وان قلنا لا يجب القود على الاخ القاتل فقد استوفى حقه وبقى حق أخيه، وقد تعذر استيفاء حقه من القصاص فتكون له نصف دية أبيه، وعلى من يرجع بها؟ فيه قولان (أحدهما) يرجع بها على أخيه القاتل، لان نفس قاتل أبيه كانت لهما وديعة فأتلفها أحدهما، فعلى هذا ان أبرأ أخاه صح ابرأوه، وان أبرأ قاتل أبيه لم يصح ابراؤه.

والقول الثاني انه يرجع بها في تركة قاتل أبيه لانه قود سقط إلى مال فوجب المال في تركة قاتل الاب كما لو قتله أجنبي، ويخالف الوديعة فإنه لو أتلفها أجنبي لرجعا عليه بضمانها، وههنا لو قتله أجبني لم رجعا عليه بشئ فعلى هذا إن أبرأ أخاه لم يصح إبراؤه، وإن أبرأ قاتل أبيه صح إبراؤه ويكون لورثة قاتل الاب أن يرجعوا على القاتل بنصف دية موروثهم لانه لا يستحق إلا نصف نفسه، ومن أصحابنا من قال: لا يطالبون الاخ القاتل بشئ، لانهم ما غرموا، وليس بشئ، لان الحق قد لزمهم في الاصل ولزم القاتل له في الاصل فإذا سقط عنهم لم يسقط عنه على الوارث في تركته. ولوجه آخر أن الدية لمن له القصاص، كما لو قتل المرهون كانت الدية مرهونة، ولو عفا وارثه عن القصاص على الدية فالدية للوارث على الصحيح من المذهب وحق من له القصاص، ولو وجب القصاص على رجل فقتله أجنبي عنه عليه القصاص لانه ترك القبض للورثة. وإن عفا الاخوان جميعا عنه ثم عادا فقتلاه أو عفا عنه أحدهما ثم عاد فقتله وجب القود قولا واحدا، لانه لم يبن للعاقل حق بعد عفوه، فصار كما لو قتل أجنبيا، فإن كان القصاص لجماعة واختلفوا فيمن يقتص منهم أقرع بينهم. وهل يدخل في القرعة من لا يحسن؟ فيه وجهان حكاهما في العدة، أحدهما لايدخل لانه لا فائدة فيه. والثانى يدخل لانه يستنيب من شاء، ومتى خرجت القرعة لاحدهم لم يستوف القصاص إلا بتوكيل الباقين له قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولايجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان لانه يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي، فإن استوفاه من غير حضرة السلطان عزره على ذلك. ومن أصحابنا من قال لا يعزر لانه استوفى حقه والمنصوص أنه يعزر لانه افتيات على السلطان، والمستحب أن يكون بحضرة شاهدين حتى لا ينكر المجني

عليه الاستيفاء، وعلى السلطان أن يتفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص، فإن كانت كالة منع من الاستيفاء بها لما روى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليجد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " وان كانت مسمومة منع من الاستيفاء بها لانه يفسد البدن ويمنع من غسله، فإن عجل واستوفى بآلة كآلة أو بآلة مسمومة عزر، فإن طلب من له القصاص أن يستوفى بنفسه، فإن كان في الطرف لم يمكن منه لانه لا يؤمن مع قصد التشفي أن يجنى عليه بما لا يمكن تلافيه، وان كان في النفس فإن كان يكمل للاستيفاء بالقوة والمعرفة مكن منه لقوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " ولقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا، وان أحبوا أخذوا الدية " ولان القصد من القصاص التشفي ودرك الغيظ فمكن منه، وان لم يكمل للاستيفاء أمر بالتوكيل، فإن لم يكن من يستوفى بغير عوض استؤجر من خمس المصالح من يستوفى، لان ذلك من المصالح، وان لم يكن خمس أو كان ولكنه يحتاج إليه لما هو أهم منه وجبت الاجرة على الجاني، لان الحق عليه فكانت أجرة الاستيفاء عليه كالبائع في كيل الطعام المبيع فإن قال الجاني أنا أقتص لك بنفسى ولا أؤدى الاجرة لم يجب تمكينه منه، لان القصاص أن يؤخذ منه مثل ما أخذ، ولان من لزمه ايفاء حق لغيره لم يجز أن يكون هو المستوفى كالبائع في كيل الطعام المبيع، فإن كان القصاص لجماعة وهم من أهل الاستيفاء وتشاحوا أقرع بينهم، لانه لا يجوز اجتماعهم على القصاص، لان في ذلك تعذيبا للجاني، ولا مزية لبعضهم على بعض فوجب التقديم بالقرعة. (فصل) وإن كان القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع، لقوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل " وفي قتل الحامل إسراف في القتل، لانه يقتل من قتل ومن لم يقتل. وروى عمران بن الحصين رضى الله عنه " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم

وقالت إنها زنت وهي حبلى، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها فقال له: أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها فلما أن وضعت جاء بها، فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها " وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقى الولد اللبا لانه لا يعيش إلا به، وإن لم يكن من يرضعه لم يجز قتلها حتى ترضعه حولين كاملين لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للعامرية " اذهبي حتى ترضعيه " ولانه لما أخر القتل لحفظه وهو حمل فلان يؤخر لحفظه وهو مولود أولى، وإن وجد له مرضعة راتبة جاز أن يقتص لانه يستغنى بها عن الام. وإن وجد مرضعات غير رواتب أو وجدت بهيمة يسقى من لبنها، فالمستحب لولى الدم أن لايقتص حتى ترضعه، لان اختلاف اللبن عليه والتربية بلبن البهيمة يفسد طبعه، فإن لم يصبر اقتص منها لان الولد يعيش بالالبان المختلفة وبلبن البهيمة. وإن ادعت الحمل قال الشافعي رحمه الله تحبس حتى يتبين أمرها. واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمة الله عليه: لا تحبس حتى يشهد أربع نسوة بالحمل، لان القصاص وجب فلا يؤخر بقولها. وقال أكثر أصحابنا تحبس بقولها. لان الحمل وما يدل عليه من الدم وغيره يتعذر اقامة البينة عليه فقبل قولها فيه. (الشرح) حديث شداد بن أوس أخرجه مسلم في الذبائح عن أبى بكر بن أبى شيبة، وأبو داود في الاضاحي عن مسلم بن أبراهيم والترمذي في الديات عن أحمد بن منيع، والنسائي في الضحايا عن علي بن حجر، وعن الحسين بن حريب وعن محمد بن عبد الله بن بزيع وعن محمد بن رافع وعن ابراهيم بن يعقوب وابن ماجه في الذبائح وعن محمد بن المثنى، وأحمد في مسنده ج 2 ص 108، ومسند أبى داود الطيالسي الحديث 1119، وحديث عمران بن الحصين أخرجه مسلم في الحدود عن أبى غسان مالك بن عبد الواحد المسمعى، وأبو داود فيه عن مسلم ابن ابراهيم، والترمذي فيه عن الحسن بن علي، والنسائي في الجنائز عن اسماعيل ابن مسعود، وابن ماجه في الحدود عن العباس بن عثمان، وحديث العامرية مضى في الرضاع.

أما اللغات: فالقبتلة بكسر القاف هي الهيئة وكذا الذبحة، والآلة الكالة التي لاحد لها ماض في والسيب الكليل منه. أما الاحكام فمن وجب له القصاص لم يجز أن يقتص بغير اذن السلطان وبغير حضوره لاختلاف العلماء في وجوب القصاص في مواضع، فلو قلنا لة أن يستوفيه من غير اذن السلطان لم يؤمن أن يقتص ممن لا يستحق فيه القصاص، فإن خالف واقتص بغير اذن السلطان فقد استوفى حقه قال الشافعي رضى الله عنه: ويعزر ولا شئ عليه. وهو مذهب أحمد. ومن أصحابنا من قال لا يعزر لانه استوفى حقه، والاول أصح، لانه افتات على السلطان، والمستحب أن يكون ذلك بحضرة شاهدين لئلا ينكر المقتص الاستيفاء، فإن اقتص بغير حضور شاهدين جاز لانه استيفاء حق، فلم يكن من شرطه حضور الشهود كالدين، ويتفقد السلطان الالة التي يستوفى بها القصاص فإن كانت كالة منع من الاستيفاء بها لقوله صلى الله عليه " إذا قلتلتم فأحسنوا القتلة " فإن استوفى فقد أساء ولا تعزير عليه. وان أراد الاستيفاء بآلة مسمومة. قال الشيخ أبو حامد: منع من ذلك سواء كان في الطرف أو في النفس، لانه إذا كان في الطرف سرى إلى نفسه، وان كان في النفس هرى بدنه ومنع من غسله فإن خالف واقتص بآلة مسمومة عزر وقال القفال: ان كان الاستيفاء في الطرف منع منه، وان كان في النفس لم يمنع منه، فإن اقتص في الطرف بآلة مسمومة وسرى ذلك إلى نفسه وجب على المقتص نصف الدية، لانه مات من مباح ومحظور (فرع) إذا طلب من له القصاص أن يقتص بنفسه - فان كان القصاص في النفس، وكان يصلح للاستيفاء - مكنه السلطان من الاستيفاء لقوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل " الاية، ولقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده فأهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية " وان كان لا يحسن الاستيفاء أمر بالتوكيل - فان لم يوجد من يتطوع بالاستفياء عنه بغير عوض - استأجر من يستوفى له القصاص وقال أبو حنيفة لا تصح الاجارة على القصاص في النفس وتصح في الطرف

دليلنا أنه عمل معلوم فصحت الاجارة عليه كالقصاص في الطرف، وإن كان القصاص في الطرف فقال أصحابنا البغداديون: لا يمكن المجني عليه أن يقتص بنفسه بل يؤمر بالتوكيل، لا لا قتصاص في الطرف يحتاج إلى التحفظ لئلا يستوفى أكثر من حقه، وقال الخراسانيون فيه وجهان (أحدهما) لا يمكن من ذلك لما ذكرناه (والثانى) يمكن منه كما يمكن من استيفاء القصاص في النفس، والاول أصح، لان المقصود بالقتل إزهاق الروح، ولا معنى للتحفظ بخلاف الطرف. (فرع) يستحب للامام أن يقيم رجلا يقيم الحدود ويقتص للناس بإذنهم ويرزقه من الاموال المعدة للخدامات العامة (ميزانية الخدمات) لان هذا من المصالح والخدمات التي توفرها الدولة لنشر الامن وإقرار العدل، قد شبهه أصحابنا بأجرة الكيال والوزان في الاسواق، فإن لم يكن هناك شئ من سهم المصالح أو كانت ميزانية الخدمات لا تسمح للاحتياج لما هو أهم كبناء المستشفى أو تسليح المجاهدين كانت الاجرة على المقتص منه هذا ما يفيده النظر في نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي: نص الشافعي رحمه الله على أن أجرة القصاص على المقتص منه، ونص أن أجرة الجلاد في بيت المال، وهو قول أبى حنيفة لانه استيفاء حق فكانت أجرة الاستيفاء على المستوفى، كما لو اشترى طعاما وأراد نقله، والاول أصح، ومنهم من قال يجب أجرة القصاص على المقتص منه، وأجرة الجلاد في بيت المال، لان في القصاص الجاني مأمور بالاقرار بالجناية ليقتص منه، وفي الحد هو مأمور بالستر على نفسه فإن قال الجاني: أنا أقطع طرفي ولا أؤدى الاجرة ففيه وجهان حكاهما ابن الصباغ (أحدهما) يجب إجابته إلى ذلك لان المقصود قطع طرفه فلا تلحقه تهمة في ذلك (والثانى) لا يجب إجابته إلى ذلك، ولم يذكر المصنف غيره، لان المقصود بالقصاص التشفي وذلك لا يحصل بفعل الجاني وانما يحصل بفعل المجني عليه أو من ينوب عنه غير الجاني (فرع) إذا وجب القصاص على امرأة حامل لم يجز قتلها قبل أن تضع،

لقوله تعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، وفي قتلها في هذه الحالة إسراف، لانه يقتل من قتل ومن لم يقتل، لحديث عمران بن الحصين أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فأخبرته أنها زنت وهي حبلى، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم وليها أن يحسن إليها حتى تضع فلما وضعت جئ بها فرجمت وأمرهم فصلوا عليها. وروى أن عمر رضى الله عنه أمر بقتل امرأة بالزنا وهى حامل: فقال له مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على ما في بطنها، يعنى حملها، فترك عمر قتلها. وقال كاد النساء أن يعجزن أن يلدن مثلك يا معاذ. فإذا ثبت هذا فولدت لم تقتل حتى تسقى الولد اللبأ، لانه لا يعيش الا به فإذا سقته اللبأ نظرت، فإن لم توجد امرأة راتبة ترضعه، وانما وجد جماعة نساء يتاوبنه في الرضاع، أو وجدت بهيمة يسقى من لبنها، فالمستحب ألا يقتص حتى ترضعه أمه حولين، لان على الولد ضررا باختلاف لبن المرضعات، ولبن البهيمة يغير طبعه، فان اقتص منها جاز، لان بدنه يقوم بذلك، فان لم يوجد من يرضعه ولا وجدت بهيمة يسقى لبنها لم يجز للولى أن يقتص منها إلى وقت يستغنى عن لبنها، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للعامرية " اذهبي حتى ترضعيه " ولانه إذا وجب تأخير القصاص لاجله وهو حمل، فلان يجب تأخيره لاجله بعد اوضع أولى. قال الشيخ أبو حامد. قال أصحابنا فان خالف الولى واقتص من الام في هذه الحالة ثم مات الطفل فهو قاتل عمد، وعليه القود، لانه بمثابة من حبس رجلا ومنعه الطعام والشراب حتى مات، فانه قاتل عمد ويجب على القود، هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي إذا وجد من ترضعه فان كان القتل لله كالرجم في الزنا لم تقتل حتى تنقضي مدة الرضاع، وان كان للآدمي قتلت (فرع) إذا وجب على المرأة القتل فأدعت أنها حامل قال الشافعي رحمه الله تحبس حتى يتبين أمرها. واختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو سعيد الاصطخرى

لا تحبس حتى يشهد أربع قوابل أنها حبلى، فان لم يشهدن بأنها حبلى قتلت في الحال لان القصاص قد وجب فلا يؤخر بقولها. وقال أكثر أصحابنا تحبس وان لم يشهدن أنها حبلى، لان للحمل أمارات ظاهرة يشاهدنها القوابل، وأمارات خفية لا يعلم ذلك منها الا نفسها، فوجب حبسها إلى أن يتبين أمرها (فرع) فان مكن الامام أو الحاكم المقتص من الحامل فقتلها فالكلام في الاثم والضمان والكفارة، فأما الاثم فان كان الحاكم والمقتص عالمين بأنها حامل أثما وان كان جاهلين بحملها لم يأثما. وان كان أحدهما عالما بحملها والآخر جاهلا به أثم العالم منهما دون الجاهل وأما الضمان والكفارة فننظر فيه فان كان لما قلتت الحامل لم يخرج الجنين من بطنها جنين، وان خرج من بطنها، فان خرج حيا ثم مات ففيه دية كاملة وكفارة وان خرج ميتا ففيه غرة عبد أو أمة وكفارة، وأما من يجب عليه الضمان والكفارة فان كان عالمين بحملهما فالضمان والكفارة على الامام والحاكم دون الولى، لانه هو الذي مكنه من الاستيفاء، ولان الحاكم هو الذي يعرف الاحكام وانما يرجع الولى إلى اجتهاده. وهكذا إذا كان الحاكم هو العالم بحملها دون الولى فالضمان والكفارة على الولى دون الحاكم إذا لم يعلم فلم يسلطه على اتلاف الحمل، وان كانا جاهلين بحملهما ففيه وجهان (أحدهما) أن الضمان والكفارة على الولي لان الحاكم إذا لم يعلم سقط عنه حكم الاجتهاد فيه والولى هو المباشر فلزمه الضمان. هكذا ذكر ابن الصباغ. وذكر الشيخ أبو حامد في التعليق وصاحب الفروع إذا كانا جاهلين بأن ذلك لا يجوز فالضمان والكفارة على الامام قولا واحدا، وان كانا عالمين بأن ذلك لا يجوز ففيه وجهان. قال أبو إسحاق الضمان والكفارة على الامام لانهما في العلم سواء، وللامام مزية التمكين. وقال غيره من أصحابنا يكون الضمان والكفارة على الولى لانه هو المباشر وان كان أحدهما عالما والآخر جاهلا، فالضمان على العالم منهما دون الجاهل.

وقال المزني: فالضمان على عاقلته، سواء علم القاضى أو جهل، وإن كان الولى جاهلا ففيه وجهان، سواء علم القاضى أو جهل بناء على القولين في إطعام الطعام فإن قلنا إن ضمانه على الطاعم فالضمان ههنا على الولى، وإن قلنا على المطعم كان الضمان هاهنا على الحاكم قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان القصاص في الطرف فالمستحب أن لا يستوفى الا بعد استقرار الجناية بالاندمال أو بالسراية إلى النفس. لما روى عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة قال " طعن رجل رجلا بقرن في رجله، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدنى، فقال دعه حتى يبرأ، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول حتى يبرأ، فأبى فأقاده منه، ثم عرج المستقيد فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال برئ صاحبي وعرجت رجلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لاحق لك " فذلك حين نهى أن يستقيد أحد من جرح حتى يبرأ صاحبه، فإن استوفى قبل الاندمال جاز للخبر. وهل يجوز أخذ الارش قبل الاندمال؟ فيه قولان: (أحدهما) يجوز كما يجوز استيفاء القصاص قبل الاندمال (والثانى) لا يجوز لان الارش لا يستقر قبل الاندمال، لانه قد يسرى إلى النفس ويدخل في دية النفس، وقد يشاركه غيره في الجناية فينقص بخلاف القصاص، فإنه لا يسقط بالسراية ولا تؤثر فيه المشاركة، فإذا قلنا يجوز ففي القدر الذي يجوز أخذه وجهان (أحدهما) يجوز أخذه بالغا ما بلغ لانه قد وجب في الظاهر فجاز أخذه. (والثانى) وهو قول أبى اسحاق انه يأخذ أقل الامرين من أرش الجناية أو دية النفس، لان ما زاد على دية النفس لا يتيقن استقراره، لانه ربما سقط، فعلى هذا ان قطع يديه ورجليه وجب في الظاهريتان وربما سرت الجناية إلى النفس فرجع إلى دية فيأخذ دية، فإن سرت الجناية إلى النفس فقد أخذ حقه، وان اندملت أخذ دية أخرى.

(فصل) وان قلع سن صغير لم يثغر أوسن كبير قد أثغر، وقال أهل الخبرة أنه يرجى أن ينبت إلى مدة لم يقتص منه قبل الاياس من بناته، لانه لا يتحقق الاتلاف فيه قبل الاياس كما لا يتحقق إتلاف الشعر قبل الاياس من نباته فان مات قبل الاياس لم يجب القصاص، لانه لم يتحقق الاتلاف فلم يقتص مع الشك (الشرح) حديث عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة أخرجه الشافعي والبيهقي في السنن الكبرى هكذا مرسلا، ومحمد بن طلحة ثقة محتج به ولاعبرة بقول النسائي " ليس بالغوى " أو قول بن معنى: ثلاثة يتقى حديثهم محمد بن طلحة الخ ذلك لانه صدوق مشهور محتج به في الصحيحين وقال أبو زرعة " صدوق " على أن هذا الخبر قد ورد متصلا ومرسلا من طرق بعضها بلفظ المصنف وبعضها بمعناه، فعند أحمد والدارقطني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أقدنى، فقال حتى تبرأ، ثم جاء إليه فقال أقدنى فأقاده ثم جاء إليه فقال يارسول الله عرجت؟ قال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك، ثم نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه " وروى الدارقطني عن جابر " أن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح " وأخرجه أبو بكر ابن أبى شيبة عن ابن علية عن عمرو بن دينار عن جابر، وأخرجه عثمان بن أبى شيبة بهذا الاسناد. وقال الدارقطني: أخطأ فيه ابنا أبى شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره، فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا. وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ، يعنى المرسل، وأخرجه أيضا البيهقى من حديث جابر مرسلا بإسناد آخر وقال تفرد به عبد الله الاموى عن ابن جريح وعنه يعقوب ابن حميد، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

" تقاس الجراحات ثم يتأتى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه " وفي إسناده ابن لهيعه. وكذا رواه جماعة من الضعفاء عن أبى الزبير وقد استدل بهذه الاحاديث القائلون بوجوب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك، وبه قال أبو حنيفة ومالك والمذهب عندنا أنه مندوب إليه فقط دليلنا حديث محمد بن طلحة الذي سقنا طرقة آنفا، وهو يدل بمفهومه من تمكينه صلى الله عليه وسلم الرجل المطعون بالقرن قبل البرء. واستدل القائلون بالوجوب بحديث " اصبروا حتى يسفر الجرح " عندما طعن رجل حسان بن ثابت فاجتمعت الانصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه وسلم القصاص، فقال انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم، فبرئ حسان ثم عفا قال العلامة الشوكاني: وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازى، كما أنه قرينة لصرف النهى المذكور في حديث جابر إلى الكراهة. وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه وسلم قرينة أن أمره الانصار بالانتظار للوجوب، لان دفع المفاسد واجب، كما قال في ضوء النهار، فيجاب عنه بأن محل الحجة هو إذنه صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال، وهو لا يأذن إلا بما كان جائزا، وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور، وليس ظاهرها بكلى ولا أكثرى حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال، لان لفظ " ثم " يقتضى الترتيب، فيكون النهى الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها اه. إذا ثبت هذا فإنه إذا قطع طرفه وأراد المجني عليه أن يقتص فالمستحب له أن لا يقتص حتى تستقر الجناية بالاندمال أو السراية إلى النفس، فإن عفا عن القود وطلب الارش قبل الاستقرار فهل يعطى الارش؟ فيه قولان. أحدهما يعطى كما يجوز له استيفاء القصاص. والثانى لا يعطى لان الارش لا يستقر قبل الاندمال لانه ربما سرى إلى النفس فدخل في ديتها أو يشارك غيره في الجناية فمات من الجميع، فإذا قلنا يعطى قبل الاندمال فكم يعطي؟ فيه وجهان

(أحدهما) يعطى أقل الامرين من أرش الجناية أو دية النفس، لان ما زاد على دية النفس لا يتيقن استقراره قبل الاندمال (والثانى) يعطى أرش الجناية بالغا ما بلغ، لانه قد وجب له في الظاهر، فإن اقتص المجني عليه قبل الاندمال، ثم سرت الجناية على المجني عليه إلى عضو آخر واندمل، كانت السراية مضمونة بالدية وقال أحمد رحمه الله: لا تكون مضمونة لقوله صلى الله عليه وسلم " اذهب فلا حق لك " ودليلنا أن هذه جناية مضمونة كما لو لم يقتص، والحديث محمول على أنه أراد صلى الله عليه وسلم لاحق لك في القصاص. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قتل بالسيف لم يقتص منه الا بالسيف لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتى عليكم " ولان السيف أجرى الآلات، فإذا قتل به واقتص بغيره أخذ فوق حقه، لان حقه في القتل وقد قتل وعذب، فإن أحرقه أو غرقه أو رماه بحجر، أو رماه من شاهق أو ضربه بخشب، أو حبسه ومنعه الطعام والشراب فمات، فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ولما روى الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه " ولان القصاص موضوع على المماثلة والمماثلة ممكنة بهذه الاسباب، فجاز أن يستوفى بها القصاص، وله أن يقتص منه بالسيف، لانه قد وجب له القتل والتعذيب، فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز. فإن قتله بالسحر قتل بالسيف، لان عمل السحر محرم فسقط وبقى القتل فقتل بالسيف. وان قتله باللواط أو بسقي الخمر فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه ان قتله بسقي الخمر قتله بسقي الماء. وان قتله باللواط فعل به مثل ما فعله بخشبة، لانه تعذر مثله حقيقة ففعل به ما هو أشبه بفعله. (والثانى) أنه يقتل بالسيف لانه قتله بما هو محرم في نفسه فاقتص بالسيف

كما لو قتله بالسحر، وإن ضرب رجلا بالسيف فمات فضرب بالسيف فلم يمت كرر عليه الضرب بالسيف، لان قتله مستحق وليس ههنا ما هو أرجى من السيف فقتل به، وإن قتله بمثقل أو رماه من شاهق أو منعه الطعام والشراب مدة ففعل به مثل ذلك فلم يمت ففيه قولان (أحدهما) يكرر عليه ذلك إلى أن يموت كما قلنا في السيف (والثانى) أنه يقتل بالسيف، لانه فعل به مثل ما فعل وبقى ازهاق الروح فوجب بالسيف، وإن جنى عليه جناية يجب فيها القصاص بأن قطع كفه أو أوضح رأسه فمات فللولي أن يستوفى القصاص بما جنى فيقطع كفه ويوضح رأسه لقوله تعالى (والجروح قصاص) فإن مات به فقد استوفى حقه، وان لم يمت قتل بالسيف، لانه لا يمكن أن يقطع منه عضوا آخر، لانه يصير قطع عضوين بعضو وإيضاح موضحتين بموضحة. وان جنى عليه جناية لا يجب فيها القصاص، كالجائفة وقطع اليد من الساعد فمات منه ففيه قولان (أحدهما) يقتل بالسيف ولا يقتص منه في الجائفة ولا في قطع اليد من الساعد، لانه جناية لا يجب فيها القصاص فلا يستوفى بها القصاص كاللواط (والثانى) يقتص منه في الجائفة وقطع اليد من الساعد، لانه جهة يجوز القتل بها في غير القصاص، فجاز القتل بها في القصاص، كالقطع من المفصل وحز الرقبة، فإن اقتص بالجائفة أو قطع اليد من الساعد فلم يمت قتل بالسيف لانه لا يمكن أن يجاف بجائفة أخرى، ولا أن يقطع منه عضو آخر فتصير جائفتان بجائفة، وقطع عضوين بعضو (الشرح) حديث البراء بن عازب ذكره الحافظ في تلخيص الحير في كتاب الجراح من باب ما جاء في التشديد في القتل الحديث 1631 " من حرق حرقناه ومن غرق أغرقناه " هكذا بالهمز في المضارع وقال أخرجه البيهقى في المعرفة من حديث عمران بن نوفل بن زيد بن البراء عن أبيه عن جده، وقال في الاسناد: بعض من يجهل، وإنما قاله زياد في خطبته أه وقال في الدراية في تخريج أحاديث الهداية: حديث من غرق غرقناه.

البيهقى من رواية عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده بهذا وفيه: من حرق حرقناه ومن عرض عرضنا له. وفي إسناده من لايعرف اه (قلت) وقد رجعت إلى كتب الرجال فلم أجد ذكرا لعمران بن نوفل، ولا نوفل بن زيد ولازيد بن البراء، ثم عدت إلى الرواية الاخرى التي ذكرها في الدراية فلم أجد إلا ذكر عمران بن يزيد موصوفا بالجهالة، أما يزيد بن البراء فقد قال في التقريب " صدوق من الثالثة " أما الاحكام فإنه إذا قتل بالسيف لم يقتص منه إلا بالسيف لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ولانه أوحى الآلات، وإن حرقه أو غرقه أو رماه بحجر أو من شاهق فمات أو صربه بخشبة أو حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات، فللولي أن يقتص منه بهذه الاشياء، وبه قال مالك وأما أبو حنيفة فإنه يقول: هذه الجنايات لا توجب القصاص إلا التحريق بالنار فإنه يوجب القصاص، ولكن لا يجوز أن يقتص منه إلا بالسيف، دليلنا قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ولحديث " أن يهوديا رض رأس جارية من الانصار بين حجرين فوجدت وبها رمق، فقيل من فعل بك هذا؟ فلان؟ فأومأت أن لا إلى أن سئلت عن اليهودي فأومأت برأسها أي نعم، فأخذوا اليهودي فأعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرضح رأسه بين حجرين " ولانها آلة يجوز بها قتل المشركين فجاز استيفاء القصاص بها كالسيف وللولي أن يقتله بالسيف لانه أوحى وأروح من التعذيب أما إذا قتله بالسحر فإنه يقتله بالسيف لان السحر ليس سلاحا في الاسلام لقتال المشركين، وليس آلة للقصاص وليس له مثل أما إذا قتله باللواط فهل يجب فيه القصاص؟ فيه وجهان حكاهما أصحابنا الخراسانيون (أحدهما) لا يجب فيه القصاص، لان المقصود به طلب اللذة فكان عمد خطأ (والثانى) وهو قول البغداديين - وهو الاصح - أنه يجب به القصاص لانه قتله بما يقتل مثله غالبا فوجب عليه القصاص، كما لو قتله بالسيف. فعلى هذا في كيفية استيفاء القصاص منه وجهان (أحدهما) يقتل بسيف لان اللواط محرم فقتل بالسيف كالسحر

(والثانى) يعمل به مثل ما عمل بخشبة إلى أن يموت، لانه أقرب إلى ما فعله. وإن قتله بشرب الخمر وجب عليه القصاص، وكيف يتسوفى منه القصاص؟ فيه وجهان (أحدهما) يقتل بالسيف لان الخمر محرم فهو كالسحر (والثانى) يقتل بشرب الماء لانه أقرب إلى فعله. فأما حديث " لاقود إلا بالسيف " فقال أحمد ليس إفاد بجيد، هكذا نقله ابن قدامة في المغنى. إذا ثبت هذا فإنه إذا ضربه بالسيف فلم يمت فإنه يوالى عليه الضرب إلى أن يموت لانه أوحى الآلات، وان فعل به مثل ما فعل به من الضرب بالمثقل والرمى من شاهق أو منعه من الطعام والشراب مثل الذي منعه فلم يمت ففيه قولان (أحدهما) يكرر عليه ذلك إلى أن يموت، كما قلنا في السيف (والثانى) لا يكرر عليه ذلك بل يقتله بالسيف لانه قد فعل به مثل ما فعل به: ولم يبق إلا إزهاق الروح فوجب بالسيف، وإن جنى عليه جناية يجب فيها القصاص بأن أوضح رأسه أو قطع يده أو رجله من المفصل فمات فللمجنى عليه أن يوضح رأسه ويقطع يده. وقال أبو حنيفة. ليس له قطع الطرف، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، لان ذلك يفضى إلى الزيادة على ما جناه الاول، والقصاص يعتمد المماثلة، فمتى خيف فيه الزيادة سقط، كما لو قطع يده من نصف الذراع والرواية الثانية عن أحمد يجب القصاص في الطرف فإن مات به والا ضربت عنقه (قلت) هذا هو مذهبنا لانه ليس بزيادة لان فوات النفس بسراية فعله وسراية فعله كفعله، فأشبه ما لو قطعه ثم قتله، ولان زيادة الفعل في الصورة محتمل في الاستيفاء، كما لو قتله بضربة فلم يمكن قتله في الاستيفاء إلا بضربتين، فإن جنى عليه جناية مثل أن هشم رأسه أو أجافه أو قطع يده من بعض الساعد أو العقد فمات ففيه قولان (أحدهما) لا يجوز له الاقتصاص بهذه الجنايات بل يقتله بالسيف لما روى العباس بن عبد المطلب إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ليس في المنقلة قصاص " ولانها جناية لا يجب بها القصاص إذا لم تسر إلى النفس، فلم يجب بها القصاص

وإن سرت إلى النفس كاللواط (والثانى) يجوز له الاقتصاص به لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ولقوله تعالى " والجروح قصاص " ولانها جراحة يجوز لها قتل المشرك فجاز استيفاء القصاص بها كالقتل بالسيف، فعلى هذا إذا فعل به مثل ما فعل به فلم يمت قتله بالسيف لانه قد فعل به مثل ما فعل به، ولم يبق إلا إزهاق الروح فكان بالسيف (فرع) إذا أوضحه بالضرب بالسيف أو بالرمي بالحجر لم يوضحه بضرب السيف ولا بالرمي بالحجر، بل يوضحه بحديدة ماضية بعد أن يضبط الجاني، لانه يستوفى منه أكثر مما جناه. (مسألة) إذا جنى عليه جناية ذهب بها ضوء العين نظرت فإن كانت جناية لا يجب فيه القصاص كالهاشمة والمنقلة لم يقتص منه بالهاشمة والمنقلة لانه لا يجب فيها القصاص، ولكن يذهب ضوء العين بكافور يطرح في العين أو بأدناء حديدة حامية إليها، لان ذلك أسهل ما يمكن، ولا يقلع الحدقة لانه لم يقلع حدقته، وإن كانت جناية يجب فيها القصاص كالموضحة اقتص منه في الموضحة، فإن ذهب ضوء العين فقد استوفى حقه، وإن لم يذهب الضوء عولج الضوء بما يذهبه بالكافور أو بإدناه الحديدة الحامية من العين على ما مضى وإن لطمه فأذهب ضوء عينيه فهل له أن يلطمه؟ اختلف أصحابنا فيها فقال الشيخ الامام أبو إسحاق الاسفرايينى (1) ليس له أن يلطمه، وإنما يعالج إذهاب الضوء بما ذكرناه لما روى يحيى بن جعدة أن أعرابيا قدم بجلوبة (وهو ما يحلب للبيع من بعيد وضبطها بعض الفقهاء بحلوبة) له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان فنازعه فلطمه فقأ عينه، فقال له عثمان هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو؟ فأبى فرفعهما إلى على فضى بما حكاه المصنف. وقد كانت المرايا تصنع من الحديد المصقول يتراءى فيه الانسان وجهه، ولان اللطم لا يمكن اعتبار المماثلة فيه.

_ (1) إذا قال النووي (الامام) وأطلق انصرف إلى امام الحرمين أبي المعالي الجوينى، وإذا قال الشيخ أبو إسحاق؟ الشيرازي (الامام أو الشيخ الامام) وأطلق انصرف ذلك إلى الشيخ أبي اسحاق الاسفراينى

ولهذا لو انفرد بإذهاب الضوء لم يجب فيه القصاص وقال الشيخ أبو حامد: يلطمه كما لطمه، وهو المنصوص في الام، فإن ذهب ضوء عينه فقد استوفى حقه وان لم يذهب الضوء عولج بما يذهب الضوء لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " قال الشافعي فإن لطمه الجاني فأذهب ضوء عينه وابيضت عينه وشخصت، يعنى ارتفعت، فإنه يلطمه مثله. فإن أذهب ضوء عينه فأبيضت وشخصت فقد أستوفى حقه، وان لم تبيض ولم يشخص - فإن أمكن معالجة العين حتى يبيض ويشخص - فعل، وان لم يمكن فلا شئ عليه، لان الجناية انما هي ذهاب العين. فأما البياض والشخوص فإنما هو شين، والشين لا يوجب شيئا، كما لو شجه موضحة فاقتص منه مثلها ثم برئ - أي المجني عليه - وبقى عليه شين وبرئ رأس الشاج ولا شين عليه، فإنه لا يجب له شئ فكذلك هذا مثله. وان قلع عينه بأصبعه - فإن قلع المجني عليه عينه بحديدة جاز - لانه أوحى وأن أراد أن يقلع عينه بأصبعه ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لقوله تعالى " فمن أعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم " (والثانى) ليس له ذلك لانه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أوضح رأسه بالسيف اقتص منه بحديدة ماضية كالموسى ونحوه، ولا يقتص منه بالسيف لانه لا يؤمن أن يهشم العظم. (فصل) وان جنى عليه جناية ذهب منها ضوء عينيه نظرت - فإن كانت جناية لا يجب فيها القصاص كالهاشمة - عولج بما يزيل ضوء العين من كافور يطرح في العين أو حديدة حامية تقرب منها، لانه تعذر استيفاء القصاص فيه بالهاشمة ولا يقلع الحدقة لانه قصاص في غير محله الجناية فعدل إلى أسهل ما يمكن كما قلنا في القتل باللواط. وان كانت جناية يمكن فيها القصاص كالموضحة اقتص منه

فإن ذهب الضوء فقد استوفى حقه، وإن لم يذهب عولج بما يزيل الضوء على ما ذكرناه في الهاشمة، وإن لطمه فذهب الضوء فقد قال بعض أصحابنا انه يلطم كما لطم فإن ذهب الضوء فقد استوفى حقه، وإن لم يذهب عولج على ما ذكرناه. وقال الشيخ الامام: ويحتمل عندي إنه لايقتص منه باللطمة بل يعالج بما يذهب الضوء على ما ذكرناه في الهاشمة. والدليل عليه ماروى يحيى بن جعدة أن أعرابيا قدم بحلوبة له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان بن عفان رضى الله عنه، فنازعه فلطمه ففقأ عينه، فقال له عثمان هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه؟ فأبى فرفعهما إلى على، فدعا علي رضى الله عنه بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الاخرى، ثم أخذ المرآة بكلبتين فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه " ولان اللطم لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، ولهذا لو أنفرد من إذهاب الضوء لم يجب فيه القصاص، فلا يستوفى به القصاص في الضوء كالهاشمة. وإن قلع عين رجل بالاصبع فأراد المجني عليه أن يقتص بالاصبع ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز لانه يأتي على ما تأتى عليه الحديدة مع المماثلة (والثانى) لا يجوز لان الحديد أرجى فلا يجوز بغيره (الشرح) إذا وجب له القصاص بالسيف فإن الحاكم يمكن الولى من ضرب عنق الجاني، فإن ضرب عنقه بالسيف فأبانه فقد استوفى حقه، وإن ضربه في غير العتق، فإن مات فقد استوفى حقه، وإن لم يمت سئل عن ذلك، فإن قال تعمد ضرب ذلك الموضع عزره الحاكم لقوله تعالى " فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " معناه لا يمثل به في القتل، وقيل معناه لا يقتل غير قاتله ويؤمر أن يوكل من يقتص له ولا يلزمه ضمان، لان له إتلاف جملته. " إن قال أخطأت - فإن ضرب موضعا يجوز أن يخطئ في مثله، مثل أن يصاب الكتف وما يلي الرأس من العتق فالقول قوله مع يمينه، لان ما يدعيه ممكن ولا تعزير عليه، وإن أصاب موضعا لا يجوز أن يخطئ في مثله، مثل أن ضرب وسط رأسه وظهره أو رجله لم يقبل قوله، لانه خلاف الظاهر ويعزر

ولا يضمن أيضا. فان قال لا أحسن الاقتصاص أمرنا بالتوكيل. وان قال أنا أحسن وطلب أن يقتص بنفسه فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي موضع ليس له ذلك ويؤمر بالتوكيل. وقال في موضع يمكن نائبا من الاقتصاص، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال فيه قولان: أحدهما لا يمكن لانه لا يؤمن مثل ذلك منه، والثانى يمكن لان الظاهر أنه لا يعود إلى مثله، ومنهم من قال ليست على قولين، وانما هي على اختلاف حالين، فحيث قال يؤمر بالتوكيل أراد إذا كان لا يحسن ولا يوجد منه قبل ذلك، وحيث قال يمكن أراد به إذا علم منه أنه يحسن الاستيفاء. (فرع) وان وجب له القصاص في أنملة فاقتص في أنملتين - فان كان عامدا - وجب عليه القصاص، وان كان مخطئا وجب عليه الارش دون القود وان استوفى أكثر من حقه باضطراب الجاني لم يلزم المقص شئ، لانه حصل بفعل الجاني فهدر. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان وجب له القصاص بالسيف فضربه فأصاب غير الموضع وادعى أنه أخطأ - فان كان يجوز في مثله الخطأ - فالقول قوله مع يمينه، لان ما يدعيه محتمل. وان كان لا يجوز في مثله الخطأ لم يقبل قوله ولا يسمع فيه يمينه، لانه لا يحتمل ما يدعيه، وان أراد أن يعود ويقتص فقد قال في موضع لا يمكن، وقال في موضع يمكن. ومن أصحابنا من قال هما قولان (أحدهما) لا يمكن لانه لا يؤمن مثله في الثاني (والثانى) أنه يمكن لان الحق له، والظاهر أنه لا يعود إلى مثله. ومن أصحابنا من قال ان كان يحسن مكن لان الظاهر أنه لا يعود إلى مثله، وان لم يحسن لم يمكن لانه لا يؤمن أن يعود الى مثله، وحمل القولين على هذين الحالين وان وجب له القصاص في موضحة فاستوفى أكثر من حقه أو وجب له القصاص في أنملة فقطع أنملتين - فان كان عامدا - وجب عليه القود في الزيادة، وان كان خطأ وجب عليه الارش، كما لو فعل ذلك في غير القصاص، وان استوفى

أكثر من حقه باضطراب الجاني لم يلزمه شئ، لانه حصل بفعله فهدر. (فصل) وإن اقتص من الطرف بحديدة مسمومة فمات لم يجب عليه القصاص لانه تلف من جائز وغير جائز، ويجب نصف الدية لانه هلك من مضمون وغير مضمون، فسقط النصف ووجب النصف (الشرح) إذا وجب له القصاص في اليمين فقال المقتص للجاني أخرج يمينك لاقطعها، فأخرج الجاني يساره فقطعها المقتص، نظرت في الجاني - فإن قال تعمدت إخراج اليسار وعلمت أن قطعها لا يجزئ عن اليمين فلا قود على المقتص ولادية، سواء علم المقتص أنها اليسار أو لم يعلم، لانه قطعها ببذل صاحبها فهو كما لو قال اقطع يدى فقطها، غير أن المقتص إن كان عالما بأنها اليسار عزر لانه فعل فعل محرما، وإن لم يعلم لم يعزر، وسواء أذن الجاني في قطعها بالقول أو قال له المقتص اخرج يمينك لاقطعها فأخرج يساره وهو ساكت ومدها فقطعها المقتص لانه بذلها له بإخراجها إليه لا على سبيل العوض، والفعل في ذلك يقوم مقام النطق، كما لو دفع إلى رجل صرة وقال ارمها في البحر فأخذها ورماها فلا ضمان عليه: وكذلك لو قال: ادفع إلى صرتك لارميها في البحر فدفعها إليه وهو ساكت فرماها فلا ضمان عليه، وكما لو قدم إليه طعاما وقال كله، هو كما لو استدعى منه الطعام فقدمه إليه فأكله، فإن مات المقطوع يساره من قطعها، فلا قود على المقتص وقال ابن الصباغ: ولا يجب عليه دية النفس، وهل تجب الكفارة على المقطوعة يساره؟ قال المسعودي فيه وجهان بناء على الوجهين فيمن قتل نفسه وطريقة أصحابنا البغداديين أن من قتل تجب عليه الكفارة وجها واحدا فعلى هذا يجب عليه الكفارة ها هنا وإن قال المقتص منه وقع في سمعي أنه قال اخرج يسارك فأخرجتها، أو سمعت أنه قال اخرج يمينك، ولكن دهشت فأخرجت اليسار وظننتها اليمين، وأخرجت اليسار عامدا لكن ظننت أن قطعها يجزئ عن اليمين نظرت في المقتص فإن لم يعلم أنها اليسار فلا قود عليه للشبهة. وهل تجب عليه الدية؟

فيه وجهان (أحدهما) لا تجب عليه الدية لانه قطعها ببذل صاحبها، فهو كما لو قال اقطع يدى فقطعها (والثانى) تجب عليه الدية، وهو الاصح لان الجاني بذل لتكون يساره عوضا عن اليمين، فإذا لم يقع عنها وجب له قيمتها، كما لو باع سلعة بيعا فاسدا وسلمها إلى المشترى وتلفت وإن كان المقتص عالما بأنها اليسار فهل يجب عليه القود في يساره؟ فيه وجهان قال أبو حفص بن الوكيل يجب عليه القصاص لانه قطع يدا غير مستحقة له مع العلم بتحريهما. وقال أكثر أصحابنا لا يجب عليه القصاص - وهو الاصح - لانه قطعها ببذل صاحبها، ويجب عليه ديته، لان صاحبها بذلها لتكون عوضا عن اليمين فإذا لم يقع وجب له قيمتها، كما لو باع سلعة فاسدة وقبضها المشترى وتلفت منه. إذا ثبت هذا فإن باق للمقتص في يمين الجاني لانه لم يسقط حقه عنها. قال الشافعي رحمه الله: لايقتص منه في اليمين حتى يندمل يساره: وقال فيمن قطع يدى رجل أو رجليه دفعة واحدة أنه تقطع يده به أو رجليه في وقت واحد، فمن أصحابنا الخراسانيين من جعل المسألتين على قولين، ومنهم من حملهما على ظاهرهما، ولم يذكر أصحابنا البغداديون غيره، وفرق بينهما بأنه إذا قطع يد رجل أو رجليه فقد جمع عليه بين ألمين فجاز له أن يجمع عليه بينهما. وها هنا الجاني لم يجمع عليه بين ألمين فلا يجوز له أن يجمع عليه بينهما فإن قيل: أليس لو قطع يمين ويسار آخر يؤخذ القصاص عليه في إحداهما إلى اندمال الاخرى قلنا الفرق بينهما أن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمعنا بينهما، وهاهنا أحدهما غير مستحق عليه فلم يجمع بينهما، وإن سرى قطع اليسار إلى نفس الجاني في الموضع الذي قال ظننتها اليمين وظننت أن قطعها يجزى عن اليمين. قال ابن الصباغ فانه يجب على المقتص دية كاملة، وقد تعذر عليه القصاص في اليمين فجيب دية يده فيقاص بها مما عليه قال: وحكى عن الشيخ أبى حامد أنه قال: عندي أنه استوفى حقه من اليمين بتلفه، كما لو كان قصاص في اليد فقطعها ثم قتله

ووجه الاول أن حقه في قطع اليد ولم يحصل، وإنما قتله فقد ضمنها مع النفس بالدية. قال ابن الصباغ ويلزمه أن يقول فيه: إذا بذلها مع العلم بها وسرت أيضا، أن يكون مستوفيا لليمين، لان البدل فيما استحق إتلافه لايمنع استيفاء الحق، وإنما تكون سرايتها هدرا فيما لا يستحقه (مسألة) إذا اختلفا فقال المقتص: بذلت اليسار وأنت عالم بأنها اليسار وأنه لا يجزئ قطعها عن اليمين، وقال الجاني بذلتها ولم أعلم أنها اليسار أو لم أعلم أن قطعها لا يجزئ عن اليمين فالقول قول الجاني مع يمينه لانه أعلم بنفسه، وإن حلف كان الحكم فيه حكم ما لو صادقه المقتص على أنه بذلها ولم يعلم أنه اليمين: وإن نكل الجاني حلف المقتص وكان الحكم فيه حكم ما لو أقر الجاني انه بذلها مع علمه أنها اليسار وأنه لا يجزى قطعها عن اليمين، فإذا وجب له القصاص في اليمين فانفقا على أن يقتص منه باليسار بدلا عنها لم يقع عن اليمين، لان مالايجوز قطعه بالشرع لا يجوز بالتراضى، كما لو قتل غير القاتل برضاه ولا قصاص على المقتص لانه قطعها ببذل صاحبها ويجب عليه دية اليسار فإن كان عالمين بأن ذلك لا يجوز أثما، وإن كانا جاهلين لم يأثما، وان كان أحدهما عالما والاخر جاهلا أثم العالم منهما. وهل يسقط حق المقتص من القصاص في اليمين؟ فيه وجهان: (أحدهما) يسقط لانه لما رضى يأخذ اليسار عن اليمين صار ذلك عفوا منه عن اليمين. فعلى هذا يجب دية يد وله دية يد فيتقاصان إن استويا، وان تفاضلا بأن كان أحدهما رجلا والاخر امرأة، أو كان المقتص مسلما والجانى كافرا رجع من له الفضل بماله من الفضل (والثانى) لا يسقط حقه من القصاص في اليمين، لانه إنما رضى باسقاط حقه من القصاص بأن يكون اليسار بدل اليمين، فإذا لم يصح أن يكون بدلا عنها كان حقه باقيا في المبدل كما لو صالح على الانكار: فعلى هذا ليس له أن يقتص في اليمين إلا بعد اندمال اليسار، قال ابن الصباغ: والاول أصح لان غرضه قد حصل له وهو القطع.

(فرع) إذا كان المقتص منه مجنونا والمقتص عاقلا فقال له: أخرج يمينك فأخرجها المجنون فقطعها فقد استوفى حقه، لان المقتص من أهل الاستيفاء، وان كان المقتص منه ليس من أهل البذل والاعتبار بالمقتص، فان قال المقتص أخرج يمينك فأخرج المجنون يساره فقطعها المقتص - فان كان المقتص عالما أنها اليسار - وجب عليه القصاص في اليمين، وإن كان المتقص غير عالم بأنها اليسار لم يجب عليه القصاص في اليسار للشبهة ولكن عليه دية اليسار، لان بذل المجنون لا يصح، وله القصاص في اليمين فلا يقطعها حتى تندمل يساره، وان كان المقتص منه عاقلا والمقتص مجنونا، فقال له المجنون أخرج يمينك لاقطعها فأخرجها العاقل باختياره فقطعها المجنون لم يصر مستوفيا، لانه ليس من أهل الاستيفاء ولاضمان عليه لانه قطعها ببذل صاحبها ووجب للمجنون على العاقل دية يمينه لان يمينه قد زالت. وإن أخرج إليه العاقل يساره فقطعها المجنون هدرت اليسار وكان حق المجنون باقيا في القصاص في اليمين. وأما إذا أكرهه المجنون فقطع يمينه فهل يصير مستوفيا لحقه؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الصبي الصحيح، لانه لا يصير مستوفيا، فان قلنا انه يصير مستوفيا فلا كلام. وان قلنا لا يصير مستوفيا كان للمجنون دية يده على الجاني ووجب للجاني دية يده فان قلنا ان عمد المجنون عمد وجبت الدية في ماله، وان قلنا أن عمده خطأ وجبت على عاقلته، وان كان المتقص والمقتص منه مجنونين وكان القصاص في اليمين فقطع المقتص يمين المقتص منه فهل يصير مستوفيا لحقه؟ على الوجهين، سواء قطعها ببذل المقتص منه أو أكرهه، لان بذله لا يصح، فان قلنا يصير مستوفيا فلا كلام. وإن قلنا لا يصير مستوفيا وجب للمقتص دية يده في ماله الجاني، ويجب للجاني دية يده فان قلنا ان عمد المجنون عمد وجبت في ماله، وان قلنا ان عمده خطأ وجبت على عاقلته. وان قطع المقتص يسار الجاني وجب ضمانها بالدية، سواء قطعها

ببذل صاحبها أو بغير بذله لانه لا يصح بذلك: وفي محل وجوبها القولان في جنايته هل هي عمد أو خطأ؟ ويبقى للمقتص القصاص في اليمين ولا يقتص من الجاني حتى تندمل يساره قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا وجب القصاص في يمينه فقال، أخرج يمينك فأخرج اليسار من كم اليمين فقطعها، فإن قال تعمدت إخراج اليسار وعلمت أنه لا يجوز قطعها عن اليمين لم يجب على القاطع ضمان، لانه قطعها ببذله ورضاه. وإن قال ظننتها اليمين أو ظننت أنه يجوز قطعها عن اليمين نظرت في المستوفى، فإن جهل أنها اليسار لم يجب عليه القصاص لانه موضع شبهة، وهل يجب عليه الدية؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تجب عليه لانه قطعها ببذل صاحبها. (والثانى) يجب وهو المذهب، لانه بذل على أن يكون عوضا عن اليمين، فإذا لم يصح العوض وتلف المعوض وجب له بدله، كما لو اشترى سعلة بعوض فاسد وتلفت عنده، فإن علم أنه اليسار وجب عليه ضمانه، وفيما يضمن وجهان (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ أنه يضمن بالقود لانه تعمد قطع يد محرمة. (والثانى) وهو المذهب أنه لا يجب القود، لانه قطعها ببذل الجاني ورضاه وتلزمه الدية لانه قطع يدا لا يستحقها مع العلم به، فإن وجب له القود في اليمين فصالحه على اليسار لم يصح الصلح، لان الدماء لا تستباح بالعوض، وهل يسقط القصاص في اليمين؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقط لان عدو له إلى اليسار رضا بترك القصاص في اليمين. (والثانى) أنه لا يسقط لانه أخذ اليسار على أن يكون بدلا عن اليمين ولم يسلم البدل فبقى حقه في المبدل. فإذا قلنا لا يسقط القصاص فله على المقتص دية اليسار، وللمقتص عليه القصاص في اليمين. وان قلنا انه يسقط القصاص فله دية اليمين وعليه دية اليسار وان كان القصاص على مجنون فقال له المجني عليه أخرج يمينك فأخرج يساره

فقطعها وجب عليه القصاص ان كان عالما أو الدية إن كان جاهلا، لان بذل المجنون لا يصح فصار كما لو بدأ بقطعه (الشرح) إذا قطع رجل يد رجل فاقتص المجني عليه من الجاني فاندملت يد المجني عليه ومات الجاني هدر دمه. وبه قال الحسن وابن سيرين ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأبو يوسف ومحمد. وقال عطاء وطاوس والزهرى وأبو حنيفة يكون على المجني عليه دية كاملة دليلنا ماروى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قالا: من مات من حد أو قصاص فلا دية له (1) ولا مخالف لهما في الصحابة رضى الله عنهم. ويثبت أنه إجماع، ولانه جرح مباح غير مجتهد فيه فلم تكن سرايته مضمونة كالقطع في السرقة، فقول المباح احتراز من القطع بغير حق وقولنا " غير مجتهد فيه " احتراز من المولى عليه إذا كانت به أكلة أو سعلة فاجتهد الامام في قطعها فقطهعا فمات منه وان قلنا يد رجل فقطع المجني عليه يد الجاني ثم سرى القطع إلى نفس المجني عليه كانت السرايه إلى نفس الجاني قصاصا، لان السراية في النفس لما كانت كالجناية في إيجاب القصاص كانت الجناية في استيفاء القصاص، فإن كانت بحالها إلا أن الجاني مات من القطع أولا ثم مات المجني عليه بعده من القطع ففيه وجهان (أحدهما) أن السراية إلى نفس الجاني تكون قصاصا لان نفسه خرجت مخرج القصاص فكانت قصاصا، كما لو مات المجني عليه ثم مات الجاني (والثانى) أن السراية إلى نفس الجاني لا تكون قصاصا، وهو الاصح لان السراية سبقت وجوب القصاص فلم يقع قصاصا، وإنما تكون السراية هدرا، فعلى هذا يجب للمجني عليه في مال الجاني نصف الدية، لانه قد أخذ يدا بنصف الدية. وان كانت الدية موضحة أخذ منه تسعة أعشار الدية ونصف عشرها لانه أخذ منه ما يساوى نصف عشر الدية.

_ (1) رواه سعيد بن منصور

باب العفو عن القصاص

(مسألة) قوله من وجب عليه قتل بكفر أو ردة الخ، فجملة ذلك أنه إذا وجب عليه قتل بقصاص أو كفر أو زنا أو التجأ إلى الحرم قتل ولم يمنع الحرم منه. وقال أبو حنيفة. لا يستوفى منه القصاص ولا الرجم في الحرم، ولكن لا يباع ولا يشترى ولا يكلم حتى يخرج من الحرم ويستوفى منه القصاص والحد دليلنا قوله تعالى " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " ولم يفرق، وقوله تعالى " فاقتلوهم حيث ثقفتموهم " وهذا عام لانه قتل لا يوجب الحرم ضمانه فلم يمنع منه كقتل الحية والعقرب فيه احتراز من قتل الصيد (فرع) إذا قتل رجل رجلا عمدا فمات القاتل قبل أن يقتص منه ولى المقتول أو قتله رجل غير ولى المقتول وجبت دية المقتول في مال القاتل، وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة يسقط حقه، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية " وقوله " بين خيرتين " أي شيئين إذا تعذر أحدهما تعين له الآخر، كما قلنا في كفارة اليمين. وان وجب له القصاص في طرف فزال الطرف قبل استيفاء القصاص كان له أرش الطرف في مال الجاني لما ذكرناه في النفس وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (باب العفو عن القصاص) ومن وجب عليه القصاص وهو جائز التصرف فله أن يقتص وله أن يعفو على المال، لما روى أبو شريح الكعبي " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثم أنتم يا خزاعة قد قتلم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين، ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية " فإن عفا مطلقا بنينا على ما يجب بقتل العمد. وفيه قولان (أحدهما) أن موجب قتل العمد القصاص وحده، لا تجب الدية الا بالاخپتيار. والدليل عليه قوله عز وجل " كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد " ولان ما ضمن بالبدل في حق الآدمى ضمن ببدل معين كالمال

والقول الثاني أن موجبه أحد الامرين من القصاص أو الدية. والدليل عليه أن له أن يختار ما شاء منهما، فكان الواجب أحدهما كالهدى والطعام في جزاء الصيد، فإذا قلنا إن الواجب هو القصاص وحده فعفا عن القصاص مطلقا سقط القصاص ولم تجب الدية، لانه لا يجب له غير القصاص وقد أسقطه بالعفو، وإن قلنا إنه يجب أحد الامرين فعفا عن القصاص وجبت الدية، لان الواجب أحدهما، فإذا ترك أحدهما وجب الآخر، وإن أختار الدية سقط القصاص وثبت المال ولم يكن له أن يرجع إلى القصاص وإن قال اخترت القصاص فهل له أن يرجع إلى الدية؟ فيه وجهان (أحدهما) له يرجع لان القصاص أعلى، فجاز أن ينتقل عنه إلى الادنى (والثانى) ليس له أن يرجع إلى الدية لانه تركها فلم يرجع إليها كالقصاص، فإن جنى عبد على رجل جناية توجب القصاص فاشتراه بأرش الجناية سقط القصاص لان عدوله إلى الشراء اختيار للمال. وهل يصح الشراء؟ ينظر فيه، فإن كانا لا يعرفان عدد الابل وأسنانها لم يصح الشراء لانه بيع مجهول، فإن كانا يعرفان العدد والاسنان ففيه قولان (أحدهما) لا يصح الشراء، لان الجهل بالصفة كالجهل بالعدد والسن، كما قلنا في السلم. (والثانى) أنه يصح لانه مال مستقر في الذمة تصح المطالبة به، فجاز البيع به كالعوض في القرض (فصل) فإن كان القصاص لصغير لم يجز للولى أن يعفو عنه على غير مال. لانه تصرف لاحظ للصغير فيه، فلا يملكه الولى كهبة ماله، وان أراد أن يعفو على مال - فإن كان له مال أو له من ينفق عليه - لم يجز العفو لانه يفوت عليه القصاص من غير حاجة، وإن لم يكن له مال ولا يمن ينفق عليه ففيه وجهان. (أحدهما) يجوز العفو على مال لحاجته إلى المال ليحفظ به حياته (والثانى) لا يجوز وهو المنصوص لانه يستحق النفقة في بيت المال، ولا حاجة به إلى العفو عن القصاص، وان كان المقتول لا وارث له غير المسلمين كان الامر إلى السلطان،

فإن رأى القصاص اقتص، وان رأى العفو على مال عفا، لان الحق للمسلمين فوجب على الامام أن يفعل ما يراه من المصلحة، فإن أراد أن يعفو على غير مال لم يجز لانه تصرف لاحظ فيه للمسلمين فلم يملكه (الشرح) حديث أبى شريح الكعبي مضى تخريجه مع ترجمة راويه آنفا. أما الاحكام فإنه إذا قتل غيره عمدا وهما متكافئان فما الذي يجب على القاتل؟ فيه قولان (أحدهما) أن الواجب عليه هو القود وحده، وانما الدية تجب بالعفو بدلا عنه، وهو قول أبى حنيفة، وهو اختيار القاضى أبى الطيب لقوله تعالى " كتب عليكم القصاص في القتلى " إلى قوله " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " فموضع الدليل أنه قال " كتب عليكم القصاص " ولم يذكر الدية فعلم أنها لم تجب بالقتل، وأيضا فإنه قال " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف " فأمره باتباع الدية إذا عفا عن القود فعلم أن الدية تجب بالعفو لا بالقتل، ولان ما ضمن بالبدل في حق الآدمى ضمن ببدل معين كالمال وقولنا ضمن ببدل احتراز من العين المغصوبة إذا كانت باقية، وقولنا في حق الآدمى احتراز من جزاء الصيد والقول الثاني: أن الواجب عليه أحد شيئين: القود أو الديه، فإن استفاد الولى علمنا أن الواجب كان هو القود، وان عفا عن القود على الدية علمنا أن الواجب كان هو الدية، وهو اختيار الشيخ أبى حامد لقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قيلا فأهله بين خيرتين، ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية فخيرهم بين القود والدية، فعلم أنهما سواء في الوجوب. إذا تقرر هذه فقال الولى عفوت عن القود على الدية سقط القود ووجبت الدية على القولين وان قال عفوت عن القود والدية سقطا جميعا على القولين، وان قال عفوت عن القود وأطلق، فإن قلنا ان الواجب بقتل العمد أحد شيئين وجبت الدية لانها واجبة لم يعف عنها. وان قلنا الواجب القود وحده، ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ. فمنهم من يحكيهما وجهين (أحدهما) لا تجب الدية

لانها لا تجب على هذا إلا باختياره لها ولم يخترها فلم تجب (والثانى) تجب الدية لئلا تهدر الدماء، والاول أصح، ومنهم من قال لا تجب الدية قولا واحد، وهو قول أبى إسحاق المروزى والمصنف لما ذكرناه للاول، فإن قال عفوت عن القود إلى الدية، أو قال عفوت عن القود ولم يقل إلى الدية. وقلنا تجب الدية ثم أراد أن يطالبه بالقود لم يكن له، لانه قد سقط، وإن قال عفوت عن الدية. فإن قلنا إن الواجب هو القصاص وحده لم يصح عفوه، وكان له أن يقتص، فإن عفى عن القود بعد ذلك أو على الدية أو عفا مطقا وقلنا تجب الدية بالاطلاق استحق الدية، لان عفوه الاول عنها كان قبل وجوبها. فإن قلنا إن الواجب أحد الشيئين - سقطت الدية وتعين حقه في القصاص - فإن اقتص منه فلا كلام، وإن مات القاتل قبل أن يقتص منه، قال الشافعي رضى الله عنه له أن يأخذ الدية لانه لما سقط القود بغير اختياره كان له الرجوع إلى بدله، وإن كان القاتل حيا وأراد الولى أن يعفو عن القود إلى الدية. قال الشافعي: ليس له ذلك، لانه كان له أن يختار الدية فلما لم يخترها وتركها لم يكن له العود إليها. وقال أبو إسحاق: له أن يعفو عن القود ويختار الدية لانه انتفال من البدل الاغلظ إلى الاخف. وإن اخترت القصاص فهل له أن يرجع ويعفو عنه إلى الدية؟ فيه وجهان (أحدهما) له أن يرجع إلى الدية لانه تركها فلم يرجع إليها كالقصاص. إذا ثبت هذا فللولي أن يعفو عن القود إلى الدية، سواء رضى القاتل به أو لم يرض، وبه قال ابن المسيب وعطاء والحسن وأحمد واسحاق. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحق الولى الدية الا برضا القاتل. دليلنا قوله تعالى " كتب عليكم القصاص في القتلى " إلى قوله " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " قيل في التفسير: معناه فمن عفى له، يريد به القاتل من أخيه المقتول شئ أي على شئ فاتباع بالمعروف، يريد به على مال فاتباع، لانه كان في شريعة موسى الذي يجب بالقتل هو القصاص فقط، وفي شريعة عيسى الدية فقط، فجعل الله

تعالى لهذه الامة القود في القتل، وجعل لهم العفو عنه على مال تخفيفا منه ورحمة ومن الدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فمن قتل بعد قتيلا فأهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية) ولم يعتبر رضى القاتل. وروى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قال (اولى مخير في ذلك بين القتل والدية) ولا مخالف له في الصحابة فدل على أنه اجماع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان كان القصاص لجماعة فعفا بعضهم سقط حق الباقين من القصاص لما روى زيد بن وهب أن عمر رضى الله عنه أتى برجل قتل رجلا، فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت أخت المقتول وهى امرأة القاتل قد عفوت عن حقى، فقال عمر رضى الله عنه عتق من القتل) وروى قتادة رضى الله عنه (أن عمر رضى الله عنه رفع إليه رجل قتل رجلا فجاء أولاد المقتول وقد عفا أحدهم، فقال عمر لابن مسعود رضى الله عنهما وهو إلى جنبه ما تقول؟ فقال انه قد أحرز من القتل، فضرب على كتفه وقال كنيف ملئ علما) ولان القصاص مشترك بينهم وهو مما لا يتبعض، ومبناه على الاسقاط فإذا أسقط بعضهم حقه سرى إلى الباقي كالعتق في نصيب أحد الشريكين وينتقل حق الباقين إلى الدية لما روى زيد بن وهب قال دخل رجل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها، فاستعدى اخوتها عمر، فقال بعض اخوتها قد صدقت بحقى فقضى لسائرهم بالدية، ولانه سقط حق من لم يعف عن القصاص بغير رضاه فثبت له البدل مع وجود المال كما يسقط حق من لم يعتق من الشريكين إلى القيمة (فصل) وان وكل من له القصاص من يستوفى له ثم عفا وقتل الوكيل ولم يعلم بالعفو، ففيه قولان (أحدهما) لا يصح العفو، لانه عفا في حال لا يقدر الوكيل على تلاقى ما وكل فيه، فلم يصح العفو، كما لو عفا بعد ما رمى الحربة إلى الجاني (والثانى) يصح لانه حق له فلا يفتقر عفوه عنه إلى علم غيره كالابراء من الدين، ولا يجب القصاص على الوكيل، لانه قتله وهو جاهل بتحريم القتل.

وأما الدية فعلى القولين، إن قلنا إن العفو لا يصح لم تجب الدية، كما لا تجب إذا عفا عنه بعد القتل، وإن قلنا يصح العفو وجبت الدية على الوكيل، لانه قتل محقون الدم ولا يرجع بما غرمه من الدية على الموكل. وخرج أبو العباس قولا آخر أنه يرجع عليه لانه غره حين لم يعلمه بالعفو، كما قلنا فيمن وطئ أمة غر بحريتها في النكاح، وقلنا إن النكاح باطل انه يلزمه المهر ثم يرجع به على من غره في أحد القولين وهذا خطأ لان الذي غره في النكاح مسئ مفرط فرجع عليه والموكل ههنا محسن في العفو غير مفرط (فصل) فإن جنى على رجل جناية فعفا المجني عليه من القصاص فيها ثم سرت الجناية إلى النفس، فإن كانت الجناية مما يجب فيها القصاص كقطع الكف والقدم لم يجب القصاص في النفس، لان القصاص لا يتبعض، فإذا سقط في البعض سقط في الجميع، وإن كانت الجناية مما لاقصاص فيها كالجائفة ونحوها وجب القصاص في النفس لانه عفا عن القصاص فيما لاقصاص فيه فلم يعمل فيه العفو (الشرح) خبر زيد بن وهب أخرجه أبو داود في سنته، وخبر عبد الله بن مسعود وقول عمر له " كنيف ملئ علما. ساقه الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الاعمش عن زيد بن وهب وساق له شاهدا آخر عن معن بن عيسى، حدثنا معاوية ابن صالح عن أسد بن وداعة أن عمر ذكر ابن مسعود فقال: كيف ملئ علما آثرت به أهل القادسية. وقوله " كنيف " تصغير كنف والكنف وعاء من أدم يكون فيه أداة الراعى وتصغيره للتنظيم كما قالوا دويهية، والاحسن في هذا أنه يعنى الصغر والحقارة لان ابن مسعود رضى الله عنه كان دميم الخلقة قصيرا. قبل يكاد الجلوس يوارونه من قصره. هكذا أفاده ابن بطال أما الاحكام فإذا كان القصاص لجماعة فعفا بعضهم عن القود سقط القود عن القاتل لقوله صلى الله عليه وسلم " فأهله بين خيرتين " ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية " وهؤلاء لم يحبوا لان فيهم من لم يحب. وروى أن رجلا قتل رجلا وأراد ورثة المقتول أن يقتصوا فقالت زوجة القاتل وكانت أخت المقتول

قد عفوت عن نصيبي من القود، فقال عمر رضى الله عنه: نجا من القتل، وكذلك ورى عن أبن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة فدل على أنه اجماع، ولان القصاص يقع مشتركا لا يتبعض، فإذا سقط بعضه سقط الجميع، وينتقل حق الباقين إلى الدية، لما أن رجلا دخل على امرأته فوجد معها رجلا فقتلها، فقال بعض اخوتها قد تصدقت، فقضى عمر لسائرهم بالدية، ولان حقهم سقط من القصاص بغير اختيارهم فانتقل حقهم إلى البدل مع وجوده كما ينتقل حق الشريك في العبد إذا أعتقه شريكه إلى القيمة. (فرع) إذا وجب له القصاص على رجل فرمى إليه بسهم أو بحرية ثم عفا عنه بعد الرمى وقبل الاصابة لم يصح العفو لانه لا معنى لهذا العفو كما لو جرحه ثم عفا عنه، وان وجب له القصاص فقد ذكرنا أنه يجوز له أن يوكل من يستوفى له القصاص بحضرة الموكل. وهل يصح أن يوكل من يتسوفى له القصاص، فيه ثلاث طرق سبق لنا بيانها في الوكالة، وقلنا الصحيح أنه يصح قال ابن الصباغ: الا أنا إذا قلنا لا تصح الوكالة فاستوفى الوكيل القصاص فقد حصل به الاستيفاء، لانه استوفاه بإذنه كما نقول فيه إذا باع الوكيل في الوكالة الفاسدة، وانما يقيد فسادها هاهنا أن الحاكم لا يمكن اوكيل من الاستيفاء فلو وكل في الاستيفاء ثم عفا الموكل عن القصاص، فإن عفا بعد أن قتله الوكيل لم يصح عفوه، فإن عفا قبل أن يقتله الوكيل ثم قتله بعد علمه بالعفو فعلى الوكيل القود، وان لم يعلم هل كان العفو قبل القتل أو بعده؟ فلا شئ على الوكيل، لان الاصل أن لا عفو، وان عفا الموكل عن القصاص ثم قتله الوكيل ولم يعلم بالعفو فهل يصح العفو؟ فيه قولان (أحدهما) لا يصح العفو لانه عفا في وقت لا يمكن تلافيه فلم يصح، كما لو عفا بعد رمى الحرية إلى الجاني (والثانى) يصح لانه عفا عن قود غير متحتم قبل أن يشرع فيه الوكيل. فصح كما لو علم الوكيل بالعفو قبل القتل واختلف أصحابنا في مأخذ القولين، فمنهم من قال أصلهما القولان في الوكيل هل ينعزل قبل أن يعلم بالعزل، ولم يذكر ابن الصباغ غيره، ومن أصحابنا

الخراسانين من قال أصلهما إذا رأى رجلا في دار الحرب فظنه حربيا فرماه بسهم ثم بان أنه كان مسلما ومات هل تجب الدية؟ فيه قولان وقال الشيخ أبو حامد: القولان ها هنا أصل بأنفسهما ومنها أخذ الوجهان في الوكيل، هل ينعزل قبل أن يعلم بالعزل، فإذا قلنا إن عفوه لا يصح فلا شئ على الموكل والوكيل، فإذا قلنا إن عفوه يصح فلا شئ على الموكل وأما الوكيل فلا قصاص عليه لان له شبهة في قتله ويجب عليه الدية. وإن قلنا لا تجب عليه الدية فهل تجب عليه الكفارة؟ فيه وجهان حكاهما الطبري في العدة - إن قلنا إن مأخوذ القولين في الدية من الرمي إلى من ظنه حربيا - فتجب الكفارة، لان الدية ها هنا لم تجب فإن قلنا مأخذهما من عزل اوكيل فلا تجب عليه الكفارة وتكون الدية مغلظة لانها إما دية عمد محض أو دية عمد خطأ، وهل تجب في مال أو كيل أو على عاقتله؟ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المروزى واختيار الشيخ أبى حامد أنها تجب في ماله لانه قصد قتله، وإنما سقط القصاص لمعنى آخر، وقال أبو علي بن أبى هريرة هو دية عمد خطأ فتجب دية مؤجلة على العاقلة، لانه قتله وهو معذور، فإن قلنا إنها على العاقلة لم يرجع بها الوكيل على الموكل لذلك. وقال أبو العباس بن سريج: فيه قول آخر: انه يرجع عليه كما قلناه فيمن قدم طعاما مغصوبا إلى رجل فأكله ولم يعلم أنه مغصوب فإنه يرجع على المقدم إليه في أحد القولين، وكما قلنا فيمن غير بحرية امرأة، والمذهب الاول، لان العفو مندوب إليه والغرور محرم. إذا تقرر هذا فإن كان الموكل قد عفا عن القود والدية أو عفا مطلقا وقلنا لا تجب له الدية فلا كلام، وإن عفا عن القود إلى الدية أوعفا مطلقا - وقلنا يجب له الدية وجبت له الدية في مال الجاني، وتكون لورثة الجاني مطالبة الوكيل بدية الجاني، وليس كالاخوين إذا قتل أحدهما قاتل أبيه بغير إذن أخيه حيث قلنا في محل نصيب الاخ الذي لم يقتل من الدية قولان (أحدهما) في تركة قاتل أبيه (والثانى) في ذمة أخيه، والفرق بينهما أن الاخ أتلف حق أخيه فوجبت عليه

بدله. وهاهنا أتلفه الوكيل بعد سقوط حق الموكل عليه بالعفو، هذا ترتيب البغداديين. وقال الخراسانيون. إن قلنا لادية على الوكيل فلا دية للموكل على الجاني، وكان الوكيل استوفى القصاص، فإن قلنا عليه الدية فله الدية في مال المجني عليه. (مسألة) إذا جنا عليه جناية يجب فيها القصاص بأن قلع عينه أو قطع يده أو رجله فعفا المجني عليه عن القصاص ثم سرت الجناية إلى نفس المجني عليه لم يجب القصاص. وحكى عن مالك أنه قال: يجب القصاص، لان الجناية صارت نفسا، ولنا أنه يتعذر استيفاء القصاص في النفس دون ما عفى عنه فسقط القصاص في النفس كما لو عفا بعض الاولياء، ولان الجناية إذا لم يجب فيها القصاص لم يجب في سرايتها كما لو قطع يد مرتد ثم مات إذا ثبت هذا فإن كان المجني عليه قد عفا على مال وجبت فيه دية كاملة، فإن كان قد أخذ دية العضو المقلوع استوفى اولى باقي دية النفس. وإن لم يأخذ شيئا من الدية أخذ الولى بجميع الدية، وان كان المجني عفا عن العين واليد والرجل على غير مال وجب لوليه نصف الدية. وقال أبو حنيفة تجب الدية كاملة. وقال أبو يوسف ومحمد لا شئ على الجاني. دليلنا أنه بالجناية وجب عليه نصف الدية فإذا عفا عن الدية سقط ما يجب، فإذا صارت نفسا وجب بالسراية نصف الدية فلم يسقط أرشها بسرايتها، وانما دخل في أرش النفس، وان كان قد جنا عليه جناية لاقصاص فيها كالجائفة وكسر الظهر فعفا المجني عليه عن القصاص فيها ثم سرت الجناية إلى نفس المجني عليه فمات كان لوليه أن يقتص في النفس لانه عفا عن القصاص فيما لاقصاص فيه، فلم يؤثر العفو فيه. (فرع) وان قلع يد رجل فعفا المجني عليه عن القصاص على مال أو على غير مال ثم عاد الجاني فقتله قبل الاندمال ففيه ثلاثة أوجه، أحدها وهو قول أبى سعيد الاصطخرى ان للولى القصاص في النفس، لان الجناية الثانية متفردة عن الاولة فلم يدخل حكمها في حكمها، كما لو قتله آخر، فان عفا عنه على مال كان له كمال الدية، لان الجناية على الطرف إذا وردت عليها الجناية على النفس صارت

في حكم المندملة فلم يدخل أرش أحدهما في أرش الاخر والوجه الثاني أنه لا يجب القصاص لان الجناية والقتل كالجناية الواحدة، فإذا سقط القصاص في بعضها سقط في جميعها، كما لوسرى قطع اليد إلى النفس، فإن عفا عنه على مال كان له نصف الدية، لانه قد وجب له جميع الدية وقد أخذ نصفها أو سقط حقه عنه فبقى حقه في نصف الدية. والثالث وهو المنصوص أن للولى أن يقتص في النفس لانهما جنايتان عفا عن إحداهما ولم يعف عن الاخرى فصار كما لو قتله آخر. وإن عفا عنه الولى كان له نصف الدية، لان أرش الطرف يدخل في أرش النفس فإذا أخذه أو سقط حقه عنه بالعفو بقى الباقي له من الدية قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قطع أصبع رجل عمدا فعفا المجني عليه عن القصاص والدية ثم اندملت سقط القصاص والدية وقال المزني رحمه الله: يسقط القصاص ولا تسقط الدية، لانه عفا عن القصاص بعد وجوبه فسقط، وعفا عن الدية قبل وجويها، لان الدية لا تجب إلا بالاندمال والعفو وجد قبله فلم تسقط، وهذا خطأ لان الدية تجب بالجناية والدليل عليه أنه لو جنى على طرف عبده ثم باعه ثم اندمل كان أرش الطرف له دون المشترى، فدل على أنه وجب بالجناية، وإنما تأخرت المطالبة إلى ما بعد الاندمال فصار كما لو عفا عن دين مؤجل فإن سرت الجناية إلى الكف واندملت سقط القصاص في الاصبع بالعفو، ولم يجب في الكف، لانه تلف بالسراية، والقصاص فيما دون النفس لا يجب بالسراية وسقطت دية لاصبع لانه عفا عنها بعد الوجوب، ولا يسقط أرش ما تسرى إليه لانه عفا عنه قبل الوجوب وإن سرت الجناية إلى النفس نظرت فإن قال عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها وما يحدث منها سقط القود في الاصبع والنفس لانه سقط في الاصبع بالعفو بعد الوجوب، وسقط في النفس لانها لاتتبعض. وأما الدية فإنه إن كان العفو بلفظ الوصية فهو وصية للقاتل، وفيها قولان

فإن قلنا لا تصح وجبت دية النفس، وان قلنا تصح وخرجت من الثلث سقطت وإن خرج بعضها سقط ما خرج منها من الثلث ووجب الباقي وان كان بغير لفظ الوصية فهل هو وصية في الحكم أم لا؟ فيه قولان (أحدهما) أنه وصية لانه يعتبر من الثلث (والثانى) أنه ليس بوصية لان الوصية ما تكون بعد الموت، وهذا إسقاط في حال الحياة، فإذا قلنا انه وصية فعلى ما ذكرناه من القولين في الوصية للقاتل وان قلنا انه ليس بوصية صح العفو عن دية الاصبع لانه عفا عنها بعد الوجوب ولا يصح عما زاد لانه عفا قبل الوجوب فيجب عليه دية النفس الا أرش أصبع وأما إذا قال عفوت عن هذه الجناية قودها وعقلها ولم يقل وما يحدث منها، سقط القود في الجميع لما ذكرناه ولاسقط دية النفس لانه أبرأ منها قبل الوجوب وأما دية الاصبع فإنه إن كان عفا عنها بلفظ الوصية أو بلفظ العفو وقلنا انه وصية فهو وصية للقاتل - وفيها قولان - وان كان بلفظ العفو وقلنا انه ليس بوصية فان خرج من الثلث سقط، وان خرج بعضه سقط منه ما خرج ووجب الباقي لانه ابراء عما وجب (فصل) فإن جنى جناية يجب فيه القصاص كقطع اليد فعفا عن القصاص وأخذ نصف الدية ثم عاد فقتله، فقد اختلف أصحابنا فيه، فذهب أبو سعيد الاصطخرى رحمة الله عليه إلى أنه يلزمه القصاص في النفس أو الدية الكاملة ان عفى عن القصاص، لان القتل منفرد عن الجناية، فلم يدخل حكمه في حكمها فوجب لاجله القصاص أو الدية ومن أصحابنا من قال لا يجب القصاص ويجب نصف الدية لان الجناية والقتل كالجناية الواحدة، فإذا سقط القصاص في بعضها سقط في جميعها ويجب نصف الدية لانه وجب كمال الدية وقد أخذ نصفها وبقى له النصف ومنهم من قال يجب له القصاص في النفس وهو الصحيح، لان القتل انفرد عن الجناية، فعفوه عن الجناية لا يوجب سقوط ما لزمه بالقتل ويجب له نصف الدية لان القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال صار بمنزلة ما لو سرت إلى النفس ولو سرت وجب فيها الدية، وقد أخذ النصف وبقي للنصف

(الشرح) إذا قطع رجل أصبع رجل، فقال المجني عليه عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها نظرت - فإن اندمل الجرح ولم يسر إلى عضو ولانفس - سقط القود والدية، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، وقال أبو يوسف ومحمد: إن العفو عن الجناية عفو عما يحدث منها وممن قال بصحة عفو المجروح عن دمه مالك وطاوس والحسن وقتادة والاوزاعي. وقال المزني لا يصح العفو عن الارش لانه أسقطه قبل وجوبه، بدليل أنه لا يملك المطالبة به قبل الاندمال. وهذا خطأ لانه وجب بالجراحة فصح إسقاطه وأما المطالبة به فإنه يملك المطالبة به في أحد القولين، ولا يملكه في الاخر فيكون كالدين المؤجل يصح إسقاطه قبل محل دفعه. وإن سرت الجناية إلى كفه واندمل سقط القود والدية في الاصبع لما ذكرناه وأما الكف فلاقود فيه، لان القود في العضو لا يجب بالسراية، ولا تصح البراءة من دية ما زاد على الاصبع. ومن أصحابنا الخراسانيين من قال يصح لانه سراية جرح غير مضمون، والاول أصح لانه إبراء عما لم يجب. وإن سرت الجناية إلى النفس نظرت - فان قال عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها ولم يقل وما يحدث منها - فإن القصاص لا يجب في الاصبع لانه عفا عنه بعد الوجوب، ولا يجب القصاص في النفس لان القصاص إذا سقط في الاصبع سقط في النفس لانه يتبعض. وحكى الخراسانيون عن ابن سريج قولا آخر مخرجا أنه يجب لانه عفا عن القود في الطرف لا في النفس. وهذا ليس بمشهور. وأما الارش فقد عفا عن أرش الاصبع بعد وجوبه، فينظر فيه - فإن كان ذلك بلفظ الوصية بأن قال عفوت عن الجاني عن قود هذه الجناية وأوصيت له بأرشها فقد وجد منه ذلك في مرض موته. فان قلنا لا تصح الوصية للقاتل لم تصح هذه الوصية، وإن قلنا تصح الوصية للقاتل اعتبر أرش الاصبع من ثلث تركته. فان خرج من الثلث صحت الوصية فيه للقاتل، وإن لم يخرج من الثلث لم تصح، وإن كان بلفظ العفو والابراء بأن قال عفوت عن قود هذه الجناية وديتها، أو قال أبرأته من أرشها، ففيه قولان

(أحدهما) حكمه حكم الوصية لانه يعتبر من الثلث، فعلى هذا يكون على قولين كالوصية للقاتل بلفظ الوصية (والثانى) ليس بوصية، لان الوصية ما تكون بعد الموت، وهذا إسقاط في حال الحياة، فعلى هذا يصح الابراء عن أرش الاصبع، ويجب عليه تسعة أعشار دية النفس لانه لم يبرأ منها. وأما إذا عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها وما يحدث منها، فان القود سقط في الاصبع والنفس، لان العفو يصح عن القصاص الذي لم يجب بدليل أنه لو قال لرجل اقتلني ولا شئ عليك فقتله لم يجب عليه القصاص لما تقدم ذكره. وأما الارش - فان كان ذلك بلفظ الوصية بأن قال أوصيت له بأرش الجناية وأرش ما يحدث منها - فإن قلنا تصح الوصية للقاتل وخرج جميع الدية من الثلث - صحت الوصية، وان خرج بعضها من الثلث صح ما خرج من الثلث ووجب الباقي. وان قلنا لا تصح الوصية للقاتل وجبت جميع الدية. وان قال أبرأته عن أرش هذه الجناية وأرش ما يحدث منها - فإن قلنا ان حكم الابراء حكم الوصية - كان على قولين كما لو كان بلفظ الوصية وان قلنا ان حكم الابراء ليس كالوصية صحت البراءة في دية الاصبع لانها ابراء عنها بعد الوجوب، ولم تصح البراءة فيما زاد على دية الاصبع، لانه ابراء عنها قبل الوجوب. هكذا ذكر الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق وقال ابن الصباغ: في صحة براءته من أرش ما زاد على دية الاصبع قولان من غير بناء على حكم الوصية (أحدهما) لا تصح البراءة لانه ابراء عما لم يجب، فأشبه إذا عفا عما يتولد من الجناية فسرت إلى الكف (والثانى) تصح لان الجناية على الطرف جناية على النفس لان النفس لا تباشر بالجناية، وانما يجى على أطرافها، فإذا عفى بعد الجناية عليها صح ويفارق الكف لان الجناية على الاصبع ليس بجناية على النفس، لانه يباشر بالجناية، فإذا قلنا يصح بنى على القولين في الوصية للقاتل على ما مضى (فرع) لو قطع يدى رجل عمدا فبرئت اليدان فقطع المجني عليه احدى يدى الجاني وعفا عن الاخرى على الدية وقبضها ثم انتقضت يد المجني عليه ومات

لم يكن لورثته القصاص، لانه مات من جراحتين إحداهما لا قصاص فيها وهي المعفو عنها، ولا يستحق شيئا من الدية، لانه قد استوفى نصف الدية وما قيمته نصف الدية، فإن لم يمت المجني عليه ولكن الجاني انتقضت عليه يده ومات لم يرجع ورثته على المجني عليه بشئ، لان القصاص لا تضمن سرايته، وإن قطع إحدى يدى الجاني فمات من قطعها، ولم يأخذ بدل اليد الاخرى كان له أن يأخذه لانه وجب له القصاص في اليدين، وقد فاته القصاص في أحدهما بما لا ضمان عليه فيه، فهو كما لو سقطت بأكلة ومات حتف أنفه وإن مات المجني عليه من قطع اليدين ولم تبرأ فقطع الوارث إحدى يدى الجاني فمات من قطع يده قبل أن تقطع الاخرى لم يرجع بدية اليد الاخرى، لان الجناية إذا صارت نفسا سقط حكم الاطراف، وقد سرى قطع يد الجاني إلى النفس فاستوفى النفس بالنفس، وليس كذلك إذا برئ اليدان ولم يمت، فإن الاعتبار بالطرفين ولا يسقط بدل احداهما باستيفاء بدل الاخرى، وهكذا حكم كل طرفين متميزين مثل الرجلين والعينين قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قطع يد رجل فسرى القطع إلى النفس فاقتص في اليد ثم عفى عن النفس على غير مال لم يضمن اليد لانه قلعها في حال لا يضمنها، فأشبه إذا قطع يد مرتد فأسلم، ولان العفو يرجع إلى ما بقى دون ما استوفى، كما لو قبض من دينه بعضه ثم أبرأه، وان عفى على مال وجب له نصف الدية لانه بالعفو صار حقه في الدية، وقد أخذ ما يساوى نصف الدية فوجب له النصف، فإن قطع يدى رجل فسرى إلى نفسه فقطع الولى يدى الجاني ثم عفا عن النفس لم يجب له مال لانه لم يجب له أكثر من دية، وقد أخذ ما يساوى دية فلم يجب له شئ. وإن قطع نصراني يد مسلم فاقتص منه في الطرف ثم سرى القطع إلى نفس المسلم فللولي أن يقتله، لانه صارت الجناية نفسا وان اختار أن يعفو على الدية ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يجب عشرة آلاف درهم، لان دية المسلم اثنا عشر ألفا

وقد أخذ ما يساوى ألفى درهم فوجب الباقي (والثانى) أنه يجب له نصف ديته وهو ستة آلاف درهم، لانه رضى أن يأخذ يدا ناقصة بيد كاملة ديتها ستة آلاف درهم فوجب الباقي، وان قطع يديه فاقتص منه ثم سرى القطع إلى نفس المسلم فللولي أن يقتله لانه صارت الجناية نفسا، فإن عفى على الدية أخذ على الوجه الاول ثمانية آلاف درهم لانه أخذ ما يساى أربعة آلاف درهم وبقى له ثمانية آلاف درهم، وعلى الوجه الثاني لا شئ له لانه رضى أن يأخذ نفسه بنفسه، فيصير كما لو استوفى ديته. وان قلعت امرأة يد رجل فاقتص منها، ثم سرى القطع إلى نفس الرجل، فلوليه أن يقتلها لما ذكرناه، فان عفا على مال وجب على الوجه الاول تسعة آلاف درهم، لان الذي أخذ يساوى ثلاثة آلاف درهم وبقى تسعة آلاف درهم وعلى الوجه الثاني يجب ستة آلاف لانه رضى أن يأخذ يدها بيده، وذلك بقدر نصف ديته وبقى النصف (الشرح) إذا قطع يد رجل فسر القطع إلى نفسه فقطع الولى يده ثم عفا عنه فلا ضمان عليه في اليد، وكذلك لو قتل رجل رجلا فبادر الولى فقطع يد الجاني ثم عفا عنه فلا ضمان عليه في اليد وكذلك لو قتل رجل رجلا فبادر الولى فقطع يد الجاني ثم عفا عنه فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ دية اليد. ولنا أنه قطع يده في حال أبيح له قطعها فلم يلزمه ضمانه كما لو قطع يد مرتد فأسلم. وأما العفو فإنما ينصرف إلى ما بقى دون ما استوفى، وإن قطع يهودى يد مسلم فاقتص المسلم من اليهودي ثم مات المسلم فلوليه أن يقتل اليهودي، فان عفا عنه على مال ففيه وجهان (أحدهما) يجب له نصف الدية، لان المجني عليه قد أخذ اليهودي بيده واليد تقوم بنصف الدية فكأنه رضى أن يأخذ يدا ناقصة بيد كاملة (والثانى) يستحق خمسة أسداس دية المسلم، لان دية اليهودي سدس يد المسلم. وان قطع اليهودي يدى المسلم وقطع اليهودي ثم مات المسلم واختار وليه العفو على مال لم يستحق شيئا على الوجه الاول ويستحق

على الثاني ثلثى دية المسلم. وإن قطعت امرأة يد رجل فاقتص منها ثم مات المجني عليه فلوليه أن يقتلها، فإن عفى عنها على مال استحق على الوجه الاول نصف الدية وعلى الثاني ثلاثة أرباع الدية، فإن قطعت يديه فاقتص منها ثم مات من الجناية ولم يقتلها وليه لكن عفا عنها على مال لم يستحق شيئا على الوجه الاول، وعلى الثاني يستحق نصف الدية. وان قطع رجل يد رجل وهما متساويان في الدية منه في اليدين ثم مات المجني عليه ولم يخبر وليه قتله، لكن عفا عنه على مال لم يستحق شيئا وجها واحدا لانه يستحق الدية وقد أخذ ما يساوى الدية. (فرع) إذا جرح رجل رجلا مرتدا جراحة، فأسلم المرتد ثم جاء الجارح ومعه ثلاثة رجال وجرحه كل واحد منهم جراحة يموت من مثلها ومات من الجراحات الخمس القصاص في النفس لانه مات من جراحة مضمونة وغير مضمونة فيجب فيها سبعة أثمان الدية وعلى الذي جرحه في الردة ثمن الدية وعلى كل واحد من الثلاثة ربع الدية، لانه مات من خمس جراحات إلا أن الذي جرحه في حال الردة يسقط عنه ما خص الجراحة في حال الردة، لان الدية تقسم على عدد الجارحين لا على عدد الجراحات، فكان الذي يخص الجاني الاول ربع الدية فسقط عنه الثمن، وإن جنى عليه ثلاثة رجال في ردته فأسلم ثم جنى عليه أحد من غيرهم ومات من الجراحات وجب على الذي جرحه بعد أن أسلم ربع الثاني يستحق نصف الدية. وان قطع رجل يد رجل وهما متساويان في الدية منه في اليدين ثم مات المجني عليه ولم يخبر وليه قتله، لكن عفا عنه على مال لم يستحق شيئا وجها واحدا لانه يستحق الدية وقد أخذ ما يساوى الدية. (فرع) إذا جرح رجل رجلا مرتدا جراحة، فأسلم المرتد ثم جاء الجارح ومعه ثلاثة رجال وجرحه كل واحد منهم جراحة يموت من مثلها ومات من الجراحات الخمس القصاص في النفس لانه مات من جراحة مضمونة وغير مضمونة فيجب فيها سبعة أثمان الدية وعلى الذي جرحه في الردة ثمن الدية وعلى كل واحد من الثلاثة ربع الدية، لانه مات من خمس جراحات إلا أن الذي جرحه في حال الردة يسقط عنه ما خص الجراحة في حال الردة، لان الدية تقسم على عدد الجارحين لا على عدد الجراحات، فكان الذي يخص الجاني الاول ربع الدية فسقط عنه الثمن، وإن جنى عليه ثلاثة رجال في ردته فأسلم ثم جنى عليه أحد من غيرهم ومات من الجراحات وجب على الذي جرحه بعد أن أسلم ربع ديته ويسقط عنه ثلاثة أرباع ديته. وان كان الذي جنى عليه بعد الاسلام أحد الثلاثة وجب عليه سدس الدية، ولم يجب على الباقين شئ. وإن جرحه ثلاثة في حال ردته ثم عاد إلى الاسلام وجاء أحد الثلاثة مع أربعة غير الثلاثة وجرحوه ومات من الجراحات، فقد مات من جراحة سبعة فيسقط سبعا الدية، وهما ما يخص الرجلين الجارحين في الردة ويجب على الاربعة الذين انفردوا بالجراحة في الاسلام أربعة أسباع الدية ويجب على الذي جرحه في الردة والاسلام نصف سبع الدية، وإن جرحه أربعة في ردته ثم عاد أحدهم وجرحه بعد اسلامه ومات عن الجراحات وجب على الذي جرحه بعد اسلامه ثمن الدية ويسقط باقي ديته، والله تعالى أعلم

الجزء التاسع عشر

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء التاسع عشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الديات

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الديات (باب من تجب الدية بقتله، وما تجب به الدية من الجنايات) تجب الدية بقتل المسلم لقوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وتجب بقتل الذمي والمستأمن، ومن بيننا وبينهم هدنة، لقوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، وتجب بقتل من لم تبلغه الدعوة لانه محقون الدم مع كونه من أهل القتال، فكان مضمونا بالقتل كالذمي. (فصل) وإن قطع طرف مسلم ثم ارتد ومات على الردة وقلنا انه لا يجب القصاص في طرفه، أو قلنا يجب فعفى عن القصاص على مال، ففيه قولان (أحدهما) لا تجب دية الطرف، لانه تابع للنفس في الدية، فإذا لم تجب دية النفس لم تجب دية الطرف (والثانى) أنه تجب وهو الصحيح، لان الجناية أوجبت دية الطرف، والردة قطعت سراية الجرح فلا تسقط ما تقدم وجوبه، كما لو قطع يد رجل ثم قتل الرجل نفسه، فإن جرح مسلما ثم ارتد ثم أسلم ومات فإن أقام في الردة زمانا تسرى فيه الجناية ففيه قولان. (أحدهما) تجب دية كاملة لان الاعتبار في الدية بحال استقرار الجناية. والدليل عليه أنه لو قطع يديه ورجليه واندملت وجبت له ديتان، ولو سرت إلى النفس وجبت دية، وهذا مسلم في حال استقرار الجناية، فوجب فيه دية مسلم (والثانى) يجب نصف الدية، لان الجناية في حال الاسلام توجب، والسراية في حال الردة تسقط، فوجب النصف، كما لو جرحه رجل وجرح نفسه فمات. وإن لم يقم في الردة زمانا تسرى فيه الجناية وجبت دية مسلم، لانه مسلم في حال الجناية، وفى حال استقرار الجناية، ولا تأثير لما مضى في حال الردة، فلم يكن له حكم. (فصل) وإن قطع يد مرتد ثم أسلم ومات لم يضمن. ومن أصحابنا من قال

تجب فيه دية مسلم لانه مسلم في حال استقرار الجناية فوجبت ديته والمذهب الاول لانها سراية قطع غير مضمون فلم يضمن كسراية القصاص وقطع السرقة. (فصل) وإن أرسل سهما على حربي فأصابه وهو مسلم ومات وجبت فيه دية مسلم. وقال أبو جعفر الترمذي: لا يلزمه شئ لانه وجد السبب من جهته في حال هو مأمور بقتله ولا يمكنه تلافى فعله عند الاسلام فلا يجب ضمانه، كما لو جرحه ثم أسلم ومات، والمذهب الاول، لان الاعتبار بحال الاصابة دون حال الارسال لان الارسال سبب والاصابة جناية، والاعتبار بحال الجناية لابحال السبب، والدليل عليه أنه لو حفر بئرا في الطريق وهناك حربى فأسلم ووقع فيها ومات ضمنه، وان كان عند السبب حربيا، ويخالف إذا جرحه ثم أسلم، ومات، لان الجناية هناك حصلت وهو غير مضمون، وإن أرسل سهما على مسلم فوقع به وهو مرتد فمات لم يضمن، لان الجناية حصلت وهو غير مضمون فلم يضمنه، كما لو أرسله على حى فوقع به وهو ميت. (الشرح) قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا إلخ الآية) نزلت هذه الآية بسبب قتل عياش بن أبى ربيعة الحارث بن يزيد بن أبى أنيسة العامري لحنة (أي إحنة وحقد) كانت بينهما، حيث كان يعذبه في مكة بسبب إسلامه، فلما هاجر الحارث مسلما لقيه عياش فقتله ولم يشعر باسلامه، فلما أخبر أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله انه كان من أمرى وأمر الحارث ما قد علمت، ولم أشعر باسلامه حتى قتلته، فنزلت الآية. أخرجه ابن جرير عن عكرمة، وأخرج نحوه عن مجاهد والسدى وأخرج ابن إسحاق وأبو يعلى والحرث بن أبى أسامة وأبو مسلم الكجى عن القاسم بن محمد نحوه، وأخرج بن أبى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه. أما قوله تعالى (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق الخ الآية) فقد اختلف فيها أهل العلم فذهب ابن عباس والشعبى النخعي والشافعي. واختاره الطبري

في تفسيره أن هذا في الذمي والمعاهد يقتل خطأ فتجب الدية والكفارة. وقال الحسن وجابر بن زيد وابراهيم أيضا: إن كان المقتول خطأ مؤمنا من قوم معاهدين لكم فعهدهم يوجب أنهم أحق بدية صاحبهم فكفارته التحرير وأداء الدية، قرأها الحسن (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن) قال الحسن: إذا قتل المؤمن الذمي فلا كفارة عليه. قال ابن العربي والجملة عندي محمولة حمل المطلق على المقيد. وجملة ذلك أن الدية تجب بقتل المسلم والدمى. قال العمرانى: معنى قوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) إذا قتله في دار الاسلام. ومعنى قوله تعالى (وإن كان من قوم عدولكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) أي إذا كان رجل من المسلمين في بلاد المشركين فحضر معهم الحرب ورماه رجل من المسلمين فقتله. تقديره في قوم عدولكم، ومعنى قوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) أهل الذمة. ومن السنة ما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أهل اليمن (وفى النفس مائة من الابل) وهو إجماع ألا خلاف في وجوب الدية اه قلت والخلاف في وجوب الكفارة. فإذا ثبت هذا فإن القتل ثلاثة أنواع: خطأ محض وعمد محض وشبه عمد. ويقال عمد الخطأ، فتجب الدية في الخطأ المحض، وهو أن يكون مخطئا في الفعل والقصد، مثل أن يقصد طيرا فيصيب إنسانا للآية. وأما العمد المحض فهو أن يكون عامدا في الفعل عامدا في القصد، فهل يجب فيه القود، والدية بدل عنه؟ أو يجب فيه أحدهما لا بعينه؟ فيه قولان مضى ذكرهما آنفا. وأما شبه العمد وهو أن يكون عامدا في الفعل مخطئا في القصد، مثل أن يقصد ضربه بما لا يقتل مثله غالبا فيموت منه فتجب فيه الدية. وقال مالك رحمه الله: القتل يتنوع نوعين: خطأ محض وعمد محض. وأما عمد الخطأ فلا يتصور لانه يستحيل أن يكون القائم قاعدا. دليلنا ما أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (ألا إن قتيل

الخطأ شبه العمد، قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الابل، منها أربعون في بطونها) وعندهم مثله عن عبد الله بن عمرو ما بقى من الفصول فعلى وجهها وقد تضمنت فصولنا السابقة إيضا حالها وبيانا لمذاهب المسلمين في باب العفو عن القصاص. وسيأتى في الفصل مزيد. قال المصنف رحمه الله: (فصل) وإن قتل مسلما تترس به الكفار لم يجب القصاص، لانه لا يجوز أن يجب القصاص القصاص مع جواز الرمى، وأما الدية فقد قال في موضع تجب. وقال في موضع إن علمه مسلما وجبت، فمن أصحابنا من قال: هو على قولين (أحدهما) أنها تجب، لانه ليس من جهته تفريط في الاقامة بين الكفار فلم يسقط ضمانه. (والثانى) أنه لا تجب لان القاتل مضطر إلى رميه، ومنهم من قال إن علم أنه مسلم لزمه ضمانه، وان لم يعلم لم يلزمه ضمانه، لان مع العلم بإسلامه يلزمه أن يتوقاه، ومع الجهل باسلامه لا يلزمه أن يتوقاه، وحمل القولين على هذين الحالين وقال أبو إسحاق: إن عنيه بالرمي ضمنه، وإن لم يعنه لم يضمنه، وحمل القولين على هذين الحالين. (فصل) وتجب الدية بقتل الخطأ لقوله عز وجل (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وتجب بقتل العمد في أحد القولين، وبالعفو على الدية في القول الآخر، وقد بيناه في الجنايات، وتجب بشبه العمد لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: ألا إن في دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الابل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، فإن غرز ابرة في غير مقتل فمات، وقلنا انه لا يجب عليه القصاص ففى الدية وجهان (أحدهما) أنها تجب لانه قد يفضى إلى القتل. (والثانى) لا تجب لانه لما لم تجب بأقل المثقل وهو الضرب بالقلم والرمى بالحصاة لم تجب بأقل المحدد.

(الشرح) إذا أسر المشركون مسلما فتترسوا به في القتال يتوقؤن به الرمى وبختفون وراءه في رميهم فقتله رجل من المسلمين بالرمي لم يجب عليه القصاص، لانه يجوز له رميهم. وأما الدية فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع تجب. وقال في موضع لا تجب. فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يجب لانه ليس من جهته تفريط في الاقامة بينهم فلم يسقط ضمانه (والثانى) لا تجب لان القاتل مضطر إلى رميه، ومهم من علق ضمانه على علم الرامى بانه مسلم، وإن لم يعلم لم يلزمه ضمانه، لانه يلزمه أن يتوقاه عن الرمى إذا علمه. ولا يلزمه أن يتوقاه إذا لم يعلم. وقال أبو إسحاق المروزى: إن عنية بالرمي أي قصده ضمنه، وإن لم يقصده لم يضمنه، وحملهما على هذين الحالين، ومأخذ الشافعي في قوله بالوجوب ما رواه عن عروة بن الزبير قال (كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآكام مع النساء يوم أحد فحرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول (أبى أبى) فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بديته) . (مسألة) وجوب الدية في كلا الحالين العمد والخطأ سبق لنا شرحه في الجنايات. أما شبه العمد فقد تقرر وجوبها بحديث ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعا (ألا إن في دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الابل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) وقد أجمع أهل العلم على أن الابل أصل في الدية، وأن دية الحر مائة منها، وقد دلت الاحاديث الواردة كحديث ابن عمر وحديث عمرو بن حزم وحديث ابن مسعود. وظاهر كلام الخرقى من الحنابلة أن الاصل في الدية الابل لا غير، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول طاوس وابن المنذر. وقال بعض أصحاب أحمد لا يختلف المذهب أصول الدية الابل والذهب والفضة والبقر والغنم، وهو قول عمر وعطاء وطاوس وفقهاء المدينة السبعة.

وبه قال الثوري وابن أبى ليلى وأبو يوسف ومحمد، لان عمرو بن حزم روى في كتابة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن (وأن في دية النفس المؤمنة مائة من الابل، وعلى أهل الورق ألف دينار) رواه النسائي. وروى ابن عباس (أن رجلا من بنى عدى قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألفا) رواه أبو داود وابن ماجه. وروى الشعبى أن عمر جعل على أهل الذهب ألف دينار. وعن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيبا فقال (ألا ان الابل قد غلتع فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفى شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) رواه أبو داود، ورواه أبو داود من حديث جابر مرفوعا. قال الشوكاني: في هذه الاحاديث رد على من قال إن الاصل في الدية الابل، وبقية الاصناف مصالحة لا تقدير شرعى اه. والمعروف أن أبا حنيفة والشافعي في قول له أن الدية من الابل للنص، ومن النقدين تقويما إذ فيهما قيم المتلفات. وقال مالك والشافعي في قول له: إلى أنها إثنا عشر ألف درهم. قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وتجب على الجماعة إذا اشتركوا في القتل وتقسم بينهم على عددهم لانه بدل متلف يتجزأ، فقسم بين الجماعة على عددهم، كغرامة المال، فإن اشترك في القتل إثنان وهما من أهل القود فللولي أن يقتص من أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية، وإن كان أحدهما من أهل القود والآخر من أهل الدية فله أن يقتص ممن عليه القود ويأخذ من الاخر نصف الدية. (فصل) وتجب الدية بالاسباب، فإن شهد اثنان على رجل بالقتل فقتل بشهادتهما بغير حق ثم رجعا عن الشهادة كان حكمهما في الدية حكم الشريكين، لما روى أن شاهدين شهدا عند على كرم الله وجهه على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما: فقال لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما، وأغرمهما دية يده.

(فصل) وإن أكره رجل على قتل رجل فقتله فإن قلنا إنه يجب القود عليهما فللولي أن يقتل من شاء منهما، ويأخذ نصف الدية من الاخر لانهما كالشريكين في القتل إذا كانا من أهل القود، وإن قلنا لا يجب القود إلا على المكره الآمر دون المكره، فللولي أن يقتل المكره، ويأخذ من الاخر نصف الدية لانهما كالشريكين، غير أن القصاص يسقط بالشبهة فسقط عنه، والدية لا تسقط بالشبهة فوجب عليه نصفها. (الشرح) إذا اشترك جماعة في قتل رجل وجبت عليه دية، ويقسم بينهم على عددهم لانه بدل متلف يتجزا فقسم بينهم على عددهم كغرامة المتلف فإن كان القتل موجبا للقود واختار الولى أن يقتل بعضهم ويعفو عن الباقين على حصتهم من الدية كان له ذلك. وإن شهد رجلان على رجل بما يوجب القتل والقطع بغير حق مخطنين وجبت عليهما الدية لما ذكرناه قبل هذا في الشاهدين عند على رضى الله عنه على رجل في السرقة. وإن أكره رجل رجلا على قتل إنسان فقتله فصار الامر إلى الدية فهى عليهما لانهما كالشريكين، ولهذا إن قلنا يجب عليهما فللولي أن يقتل من شاء منهما ويأخذ نصف الدية من الثاني. وان قلنا إن القود لا يجب الا على المكره بكسر الراء وهو الآمر دون المكره بفتح الراء كان القصاص على الامر ونصف الدية على المأمور، لانهما وان كانا كالشريكين إلا أن القصاص إذا سقط بالشبهة عنه فلا تسقط الدية بالشبهة فلزمه نصفها قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وان طرح رجلا في نار يمكنه الخروج منها فلم يخرج حتى مات، ففيه قولان (أحدهما) أنه تجب الدية، لان ترك التخلص من الهلاك لا يسقط به ضمان الجناية، كما لو جرحه جراحة وقدر المجروح على مداواتها فترك المداواة حتى مات. والقول الثاني أنها لا تجب وهو الصحيح لان طرحه في النار لا يحصل به التلف، وانما يحصل ببقائه فيها باختياره، فسقط ضمانه كما لو جرحه

جرحا يسيرا لا يخاف منه فوسعه حتى مات. وان طرحه في ماء يمكنه الخروج منه فلم يخرج حتى مات ففيه طَرِيقَانِ. مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالنار. ومنهم من قال لا تجب قولا واحدا، لان الطرح في الماء ليس بسبب للهلاك، لان الناس يطرحون أنفسهم في الماء للسباحة وغيرها، وانما حصل الهلاك بمقامه فيه فسقط ضمانه بخلاف النار. (فصل) وان شد يديه ورجليه وطرحه في ساحل فزاد الماء وهلك فيه نظرت فإن كانت الزيادة معلومة الوجود المد بالبصرة فهو عمد محض ويجب به القصاص، لانه قصد تغريقه. وان كان قد يزيد وقد لا يزيد فهو عمد خطأ وتجب به الدية المغلظة، فإن كان في موضع لا يزيد فيه الماء فزاد وهلك فيه فهو خطأ محض وتجب فيه الدية مخففة، وان شد يديه ورجليه وطرحه في أرض مسبعة فقتله السبع فهو عمد خطأ وتجب فيه دية مغلظة، وان كان في أرض غير مسبعة فقتله السبع فهو خطأ محض وتجب فيه دية مخففة (الشرح) مضى في الجنايات حكم من ألقى آخر في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منه اما لكثرة الماء أو النار، واما لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه الخروج أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا، أو ألقاه في بئر ذات نفس فمات به عاما بذلك، فهذا كله عمد لانه يقتل غالبا، وان ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فلا قود فيه ولا دية، لان هذا الفعل لم يقتله، وانما حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غيره، وكذلك إذا تركه في نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتى مات فلا قود وهل يضمنه؟ فيه طريقان لاصحابنا ووجهان لاصحاب أحمد. (أحدهما) لا يضمنه لانه مهلك لنفسه باقامته فلا يضمنه، كما لو ألقاه في ماء يسير لكن يضمن ما أصابت النار منه (والثانى) يضمنه لانه جان بالالقاء المفضى إلى الهلاك، وترك التخلص لا يسقط الضمان، كما لو فصده فتترك شد فصاده مع امكانه، أو جرحه فترك

مداواة جرحه، وفارق الماء لانه لا يهلك بنفسه، ولهذا يدخله الناس للغسل والسباحة والصيد، وأما النار فيسيرها يهلك، وانما تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص أو نحو هذا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان سلم صبيا إلى سابح ليعلمه السباحة فغرق ضمنه السابح، لانه سلمه إليه ليحتاط في حفظه، فإذا هلك بالتعليم نسب إلى التفريط فضمنه كالمعلم إذا ضرب الصبى فمات، وان سلم البالغ نفسه إلى السابح فغرق لم يضمنه، لانه في يد نفسه فلا ينسب إلى التفريط في هلاكه إلى غيره فلا يجب ضمانه (فصل) وان كان صبى على طرف سطح فصاح رجل ففزع فوقع من السطح ومات ضمنه لان الصباح سبب لوقوعه، وان كان صباحه عليه فهو عمد خطأ وان لم يكن صيامه عليه فهو خطأ، وان كان بالغ على طرف سطح فسمع الصيحة في حال غفلته فحرميتا ففيه وجهان (أحدهما) انه كالصبى لان البالغ في حال غفلته يفزع من الصيحة كما يفزع الصبى (والثانى) لا يضمن لان معه من الضبط ما لا يقع به مع الغفلة. (فصل) وان بعث السلطان إلى امرأة ذكرت عنده بسوء ففزعت فألقت جنينا ميتا وجب ضمانه لِمَا رُوِيَ (أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أرسل إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها، فقالت يا ويلها مالها ولعمر، فبينا هي في الطريق إذا فزعت فضربها الطلق، فألقت ولدا فصاح الصبى صيحتين ثم مات، فاستشار عمر رضى الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأشار بعضهم أن ليس عليك شئ انما أنت وال ومؤدب، وصمت على رضى الله عنه، فأقبل عليه فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال ان كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وان كانوا قلوا في هواك فلم ينصحوا لك، ان ديته عليك، لانك أنت أفزعتها فألقت) وان فزعت المرأة فماتت لم تضمن لان ذلك ليس بسبب لهلاكها في العادة

(الشرح) إذا دفع ولده الصغير إلى سابح ليعلمه السابحة فغرق الصبى فعلى عاقلة السابح ديته وعليه الكفارة في ماله لانه أخذه للتعليم، ماذإ تلف في طريق التعليم كان عليه ضمانه كالمعلم إذا ضرب صبيا فمات، ولان هذا في الغالب لم يغرق إلا بتفريط من السابح فيكون عمد خطأ، وإن سلم البالغ نفسه إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق لم يجب ضمانه، لانه في يد نفسه، ولا ينسب التفريط في هلاكه إلى غيره فلا يجب ضمانه. (مسألة) إذا كان صبى أو بالغ معتوة على حائط أو حافة نهر فصاح رجل صياحا شديدا ففزع من الصياح فسقط ومات أو زال عقله وجبت ديته على عاقلة الصائح، لان صياحه سبب لوقوعه، وإن كان صياحه عليه فهو عمد خطأ، وان كان صياحه على غيره فهو خطأ محض. وإن كان الرجل بالغا عاقلا فسمع الصيحة وسقط ومات أو زال عقله، فإن كان متيقظا لم يجب ضمانه لان الله تعالى لم يجر العادة لا معتادا ولا نادرا أن يقع الرجل الكبير العاقل من الصياح، فإذا مات علمنا أن صياحه وافق موته، فهو كما لو رماه بثوت فمات، وان كان في حال غفلته فسمع الصيحة فمات أو زال عقله ففيه وجهان: (أحدهما) وهو المنصوص أنه لا يجب ضمانه لما ذكرناه (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أنه يجب ضمانه، لان الانسان قد يفزع من ذلك في حال غفلته. وان شهر السيف على بالغ عاقل فزال عقله لم يجب ضمانه، وان شهره على صبى أو معتوه فزال عقله وجب ضمانه. وقال أبو حنيفة لا يجب ضمانه. ولنا أن هذا سبب في تلفه فإن كان متعديا ضمن كما لو حفر بئرا فوقع فيها. وقال أحمد: لو شهر سيفا في وجه إنسان أو دلاه من شاهق فمات من الروع أو ذهب عقله بذلك الفعل فعليه دينه، ثم وافقنا احمد في الصبى والبالغ عنده قول واحد وكذلك عند سائر أصحابه (مسألة) إذا بعث السلطان إلى امرأة ذكرت عنده بسوء وكانت حاملا ففزعت فأسقطت جنينها وجب على الامام ضمانه. وقال أبو حنيفة لا يجب.

دليلنا ما روى أن امرأة ذكرت عند عمر رضى الله عنه بسوء فبعث إليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر، فبينما هي في الطريق إذا فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح صيحتين ثم مات، فاستشار عمر رضى الله عنه عنه أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عثمان وعبد الرحمن: لا شئ عليك إنما أنت وال ومؤدب، وصمت على رضى الله عنه، فقال له ما تقول؟ فقال على: إن اجتهدا فقد أخطأ وإن لم يجتهدا فقد غشاك، إن ديته عليك لانك أنت أفزعتها فألقت، فقال عمر عزمت عليك لا برحت حتى تفرقها على قومك يعنى قوم عمر ولم ينكر عثمان وعبد الرحمن ذلك فدل على أنهما رجعا إلى قوله وصار إجماعا. وإن فزعت فماتت لم يجب ضمانها، لان ذلك ليس بسبب لهلاكها وقال أحمد: تجب الدية في المرأة أيضا لانها نفس هلكت بارساله إليها فضمنها كجنينها، أو نفس هلكت بسببه فغرمها، كما لو ضربها فماتت، ولا يتعين في الضمان كونه سببا معتادا فإن الضربة والضربتين ليست سببا للهلاك في العادة، ومتى أفضت إليه وجب الضمان. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن طلب رجلا بصيرا بالسيف، فوقع في بئر أو ألقى نفسه من شاهق فمات لم يضمن، لان الطلب سبب والالقاء مباشرة فإذا اجتمعا سقط حكم السبب بالمباشرة. ولان الطالب لم يلجئه إلى الوقوع لانه لو أدركه جاز أن لا يجنى عليه، فصار كما لو جرحه رجل فذبح المجروح نفسه، وإن طلب ضريرا فوقع في بئر أو من شاهق ومات فإن كان عالما بالشاهق أو بالبئر لم يضمن، لانه كالبصير، وإن لم يعلم وجب ضمانه، لانه ألجاه إليه فتعلق به الضمان، كالشهود إذا شهدوا بالقتل ثم رجعوا، وان كان المطلوب صبيا أو مجنونا ففيه وجهان بناء على القولين في عمدهما. هل هو عمد أو خطأ؟ فإن قلنا ان عمدهما عمد لم يضمن الطالب الدية. وان قلنا انه خطأ ضمن. وإن طلب رجل رجلا فافترسه سبع في طريقه نظرت، فإن الجاه الطالب إلى موضع السبع، ضمنه كما لو ألقاه عليه، وان لم يجئه إليه لم يضمنه، لانه لم

يلجئه إليه، وان انخسفت من تحته سقف فسقط ومات ففيه وجهان. أحدهما لا يضمن كمالا يضمن إذا افترسه سبع. والثانى: يضمن لانه ألجاه إلى ما لا يمكنه الاحتراز منه. (فصل) وان رماه من شاهق فاستقبله رجل بسيف فقده نصفين نظرت، فان كان من شاهق يجوز أن يسلم الواقع منه، وجب الضمان على القاطع لان الرامى كالجارح والقاطع كالذابح، وان كان من شاهق لا يسلم الواقع منه ففيه وجهان (أحدهما) انه يجب الضمان عليهما، لان كل واحد منهما سبب للاتلاف فصار كما لو جرحاه (والثانى) أن الضمان على القاطع، لان الرامى انما يكون سبب للتلف إذا وقع المرمى على الارض، وههنا لم يقع على الارض وصار الرامى صاحب سبب، والقاطع مباشرا فوجب الضمان على القاطع. (فصل) إذا زنى بامرأة وهى مكرهة وأحبلها وماتت من الولادة ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه ديتها لانها تلفت بسبب من جهته تعدى به فضمنها. (والثانى) لا يجب لان السبب انقطع حكمه بنفى النسب عنه (الشرح) إذا طلب رجل رجلا بصيرا بالسيف ففرمنه فألققى نفسه من سطح وهو يراه أو تردى في بئر أو نار وهو يراها فمات لم يجب على الطالب ضمانه لانه حصل من الطالب بسبب غير ملجئ، ومن المطلوب مباشرة فتعلق الحكم بالمباشرة دون السبب، كما لو خاف منه فقتل نفسه. وان طلب أعمى بالسيف ففرمنه ووقع من سطح أو في بئر أو نار فمات فان كان عالما بالسطح والبئر والنار فلا ضمان على الطالب لما ذكرنا في البصير. وان كان المطلوب غير عالم بالسطح والبئر والنار فلا ضمان على الطالب لما ذكرنا في البصير، وان كان المطلوب غير عالم بالسطح والبئر والنار، أو كان المطلوب بصيرا ولم يلعم السطح والبئر والنار وفرمنه على سطح يحسبه قويا فانخسف من تحته وجبت الدية على عاقلة الطالب لانه ألجاه ألى الهرب، وان فرمه فافترسه سبع في طريقه لم يجب على الطالب ضمانه لانه لم يلجئ السبع إلى قتله. وان ألجأ المطلوب إلى الفرار، وذلك سبب وأكل السبع فعل، فإذا اجتمع السبب في

الفعل تعلق الضمان بالفعل دون السبب. وإن طلب صبيا أو مجنونا بالسيف ففر منه وألقى نفسه من سطح فمات فإن قلنا إن عمدهما عمد لم يضمن الطالب الدية وإن قلنا إن عمدهما خطأ ضمن (مسألة) قوله: وإن رماه من شاهق فاستقبله الخ. فجملة ذلك أنه إذا رمى رجلا من شاهق مرتفع يموت منه غالبا إذا وقع فقطعه رجل نصفين قبل أن يقع ففيه وجهان: (أحدهما) أنهما قاتلان فيجب عليهما القود أو الدية، لان كل واحد منهما قد فعل فعلا لو انفرد به لمات منه غالبا فصارا كالجارحين (والثانى) أن القاتل هو القاطع، لان التلف إنما حصل بفعله فصار كما لو جرحه رجل وذبحه الاخر ويعرز الاول، وإن كان الشاهق مما لا يموت منه غالبا كان القاتل هو القاطع وجها واحدا، لان ما فعله الاول لا يجوز أن يموت منه، وإن زنى بامرأة وهى مكرهة فحملت منه وماتت من الولادة ففيه قولان: (أحدهما) يجب عليه ديتها، لانها تلفت بسبب من جهته تعدى فيه فضمنها (والثانى) لا يجب عليه، لان السبب انقطع حمه بنفى النسب عنه قال المصنف رحمه الله تعالى (فصل) وإن حفر بئرا في طريق الناس أو وضع فيه حجرا أو طرح فيه ماء أو قشر بطيخ، فهلك به إنسان وجب الضمان عليه لانه تعدى به فضمن من هلك به، كما لو جنى عليه. وإن حفرا بئرا في الطريق ووضع آخر حجرا فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر فمات وجب الضمان على واضع الحجر، لانه هو الذى ألقاه في البئر، فصار كما لو ألقاه فيها بيده. وان وضع رجل حجرا في الطريق فدفعه رجل على هذ الحجر فمات وجب الضمان على الدافع لان الدافع مباشر وواضع الحجر صاحب سبب، فوجب الضمان على المباشر وان وضع رجل حجرا في الطريق ووضع آخر حديدة بقربه، فعثر رجل بالحجر ووقع على الحديدة فمات. وجب الضمان على واضع الحجر

وقال أبو الفياض البصري: إن كانت الحديدة سكينا قاطعة وجب الضمان على واضع السكين، دون واضع الحجر، لان السكين القاطع موح، وان كانت غير قاطع وجب الضمان على واضع الحجر، والاول هو الصحيح، لان الواضع هو المباشر. وإن حفر بئرا في طريق لا يستضر به الناس فإن حفرها لنفسه كان حكمه حكم الطريق الذى يستضر الناس بحفر البئر فيه، لانه لا يجوز أن يختص بشئ من طريق المسلمين، وإن حفرها لمصلحة الناس فإن كان بإذن الامام فهلك به إنسان لم يضمن، لان ما فعله بإنذن الامام للمصلحة جائز فلا يتعلق به الضمان، وإن كان بغير إذنه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يضمن لانه حفرها لمصلحة المسلمين من غير إضرار فصار كما لو حفرها بإذن الامام (والثانى) أنه يضمن لان ما تعلق بمصلحة المسلمين يختص به الامام، فمن افتات عليه فيه كان متعديا فضمن من هلك به. وإن بنى مسجدا في موضع لاضرر فيه، أو على قنديلا في مسجد أو فرش فيه حصيرا من غير إذن الامام فهلك به إنسان فهو كالبئر التى حفرها للمسلمين. وإن حفر بئرا في موات ليتملكها أو لينتفع بها الناس لم يضمن من هلك بها لانه غير متعد في حفرها، وإن كان في داره بئر قد غلى رأسها أو كلب عقور فدخل رجل داره بغير إذنه فوقع في البئر فمات أو عقره الكلب فمات لم يضمنه لانه ليس من جهته تفريط فلا هلاكه، فإن دخلها باذنه فوقع في البئر ومات أو عقره الكلب فمات ففى ضمانه قولان كالقولين فيمن قدم طعاما مسموما إلى رجل فأكله فمات وإن قدم صبيا إلى هدف فأصابه سهم فمات ضمنه، لان الرامى كالحافر للبشر، والذى قدمه كالملقى فيها فكان الضمان عليه وان ترك على حائط جرة ماء فرمتها الريح على انسان فمات لم يضمنه لانه وضعها في ملكه ووقعت من غير فعله، وان بنى حائطا في ملكه فمال الحائط إلى الطريق ووقع على انسان فقلته فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: انه يضمن لانه لما مال إلى الطريق لزمه ازالته، فاذالم يزله صار متعديا بتركه فضمن من هلك به، كما لو أوقع مائلا

إلى الطريق وترك نقضه حتى هلك به انسان (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى انه لا يضمن، وهو المذهب، لانه بناه في ملكه ووقع من غير فعله فأشبه إذا وقع من غير ميل (فصل) وان أخرج جناحا إلى الطريق فوقع على انسان ومات ضمن نصف ديته، لان بعضه في ملكه وبعضه خارج عن ملكه فسقط نصف الدية لما في ملكه وضمن نصفها للخارج عن ملكه، وان انكسرت خسبة من الخارج فوقعت على انسان فمات ضمن جميع الدية لانه هلك بالخارج من ملكه، وان نصب ميزابا فوقع على انسان فمات به ففيه قولان: قال في القديم: لا يضمن لانه مضطر إليه ولا يجد بدا منه بخلاف الجناح. وقال في الجديد يضمن لانه غير مضطر إليه لانه كان يمكنه أن يحفر في ملكه بئرا يجرى الماء إليها فكان كالجناح. (فصل) وان كان معه دابة فأتلفت انسانا أو مالا بيدها أو رجلها أو نابها أو بالت في الطريق فزلق ببولها انسان فوقع ومات ضمنه، لانها في يده وتصرفه فكانت جنايتها كجنايته (الشرح) إذا وضع رجل حجرا وهذا أحد مفهومات الفصل وذلك في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير اذنه فعثر بها انسان لم يعلم بها ومات منها وجبت ديته على عاقلة واضع الحجر ووجبت الكفارة في ماله، لانه مات بسبب تعدى به فوجب ضمانه. وهكذا ان نصب سكينا فعثر رجل ووقع عليها فمات وجبت عليه الدية لما ذكرناه في الحجر. فأما إذا وضع الحجر أو السكين فدفع آخر عليهما رجلا ومات كان الضمان على الدافع، لان الواضع صاحب سبب والدافع مباشر. فتعلق الحكم بالمباشرة وان وضع رجل حجرا في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير اذنه ووضع آخر سكينا بقرب الحجر فعثر رجل بالحجر ووقع على السكين ومات منها وجب الضمان على واضع الحجر وقال أبو الفياض البصري: ان كان السكين قاطعا وجب الضمان على واضع

السكين دون واضع الحجر، وإن كان غير قاطع وجب الضمان على واضع الحجر لان السكين القاطع موح، والاول هو المشهور، لان واضع الحجر كالدافع له على السكين فوجب عليه ضمانه، كما لو نصب رجل سكينا ودفع عليها آخر ومات فان وضع رجل حجرا في طريق المسلمين ووضع إثنان حجرا إلى جنبه فعثر بهما رجل ومات فليس فيها نص لاصحابنا، إلا أن أصحاب أبى حنيفة اختلفوا فيها، فقال زفر يكون على الرجل الواضع للحجر وحده نصف الدية لان فعله مساو لفعلهما وعلى الرجلين الواضعين للحجر الآخر النصف وقال أبو يوسف: تجب الدية عليهم أثلاثا فوجب الضمان عليهم. قال ابن قدامة من الحنابلة: وهو قياس المذهب. وقال ابن الصباغ من أصحابنا: وهو قياس المذهب، وأقره العمرانى في البيان لان السبب حصل من الثلاثة فوجب الضمان عليهم وإن اختلفت أفعالهم كما لو جرحه رجل جراحة وآخر جراحتين ومات منها. (فرع) إذا وضع رجل في مالك نفسه حجرا أو نصب سكينا فعثر به إنسان ومات لم يجب على واضع السكين ولا على عاقلته ضمان، لانه غير متعد بوضع الحجر والسكين. وإن وضع رجل في ملك غيره حجرا بغير إذنه ووضع صاحب الملك بقرب الحجر سكينا فعثر رجل بالحجر ووقع على السكين ومات، وجب الضمان على عاقلة الواضع للحجر لانه كالدافع للعاثر على السكين. وان وضع رجل في ملكه حجرا، ووضع أجنبي سكينا بقرب الحجر فعثر رجل بالحجر ووقع على السكين فمات، وجبت الدية عل عاقلة واضح السكين دون واضع الحجر، لان المتعدى هو واضح السكين دون واضع الحجر (فرع) إذا حفر رجل بئرا فوقع فيها انسان ومات لم يخر اما أنه حفر في ملكه أو في ملك غيره أو في طريق المسلمين أو في موات فإن حفرها في ملكه فإن كانت ظارة فدخل ملكه فوقع فيها فمات لم يجب على الحافر ضمانه سواء دخل باذنه أو بغير اذنه، لانه غير متعد بالحفر وان كانت غير ظاهرة بان غطى رأسها فوقع فيها انسان فمات فإن دخل إلى ملكه بغير اذنه لم يجب ضمانه، لان متعد بالدخول. وهكذا لو كان في داره كلب عقور فدخل داره

بغير اذنه فعقره الكلب لم يجب ضمانه لما ذكرناه، وان استدعاه للدخول ولم يعلم بالبئر والكلب فوقع فيها أو عقره الكلب ومات فهو كما لو قدم إلى غيره طعاما مسموما فأكله على قولين. وقد مضى دليلهما. فأما إذا حفرها في ملك غيره فان كان بإذنه لم يجب عليه ضمان من يقع فيها، لانه غير متعد بالحفر، وان حفرها بغير اذنه وجب عليه ضمان من يقع فيها لانه متعد بالحفر فان أبرأه صاحب الملك عن ضمان من يقع فيها فهل يبرأ: فيه وجهان، أحدهما لا يبرأ لانه متعد بالحفر، فان أبرأه صاحب الملك عن ضمان من يقع فيها فهل يبرأ؟ فيه وجهان. (أحدهما) لا يبرأ لانه أبرأ عما لم يجب (والثانى) ببرأ كما لو أذن له في حفرها قال أبو على الطبري، فان قال صاحب الملك: كان حفرها بإذنى لم يصدق خلافا لابي حنيفة ووفاقا لقول أحمد. وان حفرها في طريق المسلمين، فإن كان ضيقا وجب عليه ضمان من يقع فيها لانه تعدى بذلك، وسواء أذن له الامام في ذلك أو لم يأذن لانه ليس للامام أن يأذن له فيما فيه ضرر على المسلمين. وان كان الطريق واسعا لا يستضر المسلمون بحفر البئر فيه كالطريق في الصحارى، فإن حفرها بإذن الامام لم يجب عليه ضمان من يقع فيها، سواء حفرها لينتفع بها أو لينتفع بها المسلمون، لان للامام أن يقطع من الطريق إذا كان واسعا، كما له أن يقطع من الموات. وكذلك ان حفرها بغير اذن الامام فأجاز له الامام ذلك سقط عنه الضمان. وقال أحمد وأصحابه: ان كان الطريق واسعا فحفر في مكان منها ما يضر بالمسلمين فعليه الضمان. وان حفر في موضع لا ضرر فيه نظرنا، فإن حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها، سواء حفرها بإذن الامام أو غير اذنه. قالوا لانه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير اذن أهله لغير مصلحتهم فضمن، كما لو لم يأذن له الامام بخلاف الحفر. ولنا أنه ان حفرها بإذن الامام لم يضمن لان للامام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أن هـ يجوز له أن يأذن في اشغال جانبيه، ويقطع من طوارينه لمن يشاء ممن يتعاطون البيع والشراء

وإن حفرها بغير إذن الامام فإن حفرها لينتفع هو بها وجب عليه ضمان من يقع فيها، لانه ليس له أن ينفرد بما هو حق لجماعة المسلمين بغير إذن الامام لان ذلك موضع اجتهاد الامام وإن حفرها لينتفع بها المسلمون فهل يجب عليه ضمان من يقع فيها؟ حكى الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق فيها وجهين، وحكاهما غيرهما قولين، أحدهما حكاه القاضى أبو حامد المرووذى عن القديم يجب عليه الضمان، لانه حفرها بغير إذن الامام فهو كما لو حفرها لنفسه، والثانى حكاه القاضى أبو الطيب عن الجديد أنه لا يجب عليه الضمان لانه حفرها لمصلحة المسلمين وقد يحتاجون إلى ذلك فهو كما لو حفرها بإذن الامام. وإن حفرها في موات ليتملكها لم يجب عليه ضمان من يقع فيها، لانه يملكها بالاحياء، فتصير كما لو حفرها في ملكه، وهكذا إن حفرها في الموات لا ليتملكها ولكن لينتفع بها مدة مقامه، فإذا ارتحل عنها كانت للمسلمين فلاضمان عليه، لان له أن ينتفع بالموات، فلا يكون متعديا بالحفر. (فرع) إذا حفر بئرا في طريق المسلمين ووضع آخر حجرا في تلك الطريق فعثر بها انسان ووقع في البئر ومات، وجب الضمان على واضع الحجر لانه كالدافع له في البئر. وان حمل السيل حجرا إلى رأس البئر وعثر بها انسان فوقع في البئر ومات ففيه وجهان. (أحدهما) لا يجب ضمانه لانه انما تلف بعثرته في الحجر، ولا تفريط من الحافر في الحجر. (والثانى) وهو قول أبى حنيفة أن الضمان على حافر البئر لانه هو المعتدى فوجب عليه الضمان كما لو وضع رجل في ملكه حجرا ووضع آخر سكينا بقربها وعشر بالحجر فوقع على السكين ومات فإن الضمان على واضع السكين، وان حفرا بئرا في طريق المسلمين ووضع آخر في أسفلها سكينا فتردى رجل في البئر ووقع على السكين فقتله ففيه وجهان (أحدهما) يجب الضمان على الحافر، وهو قول أبى حنيفة كما قلنا في رجلين

وضع أحدهما حجرا والآخر سكينا وعثر بالحجر على السكين فإن الضمان على واضع الحجر. (والثانى) أن الضمان على وضع السكين، لان تلفه حصل بوقوعه على السكين قبل وقوعه في البئر، وان حفر رجل بئرا في طريق المسلمين فطمها فجاء آخر وأخرج ما طمت به ففيه وجهان (أحدهما) يجب الضمان على الحافر لانه المبتدي بالتعدي ( (والثانى) أن الضمان على الثاني لان تعدى الاول قد زال بالطم. (فرع) إذا حفر بئرا في ملك مشترك بينه وبين رجلين بغير اذنهما وتلف بها انسان، قال ابن الصباغ فقياس المذهب أن جميع الدية على الحافر، وبه قال أحمد وأصحابه. وقال أبو حنيفة يضمن ما قابل نصيب شريكه، فلو كان له شريكان لضمن ثلثى التالف لانه تعدى في نصيب شريكيه، وقال أبو يوسف عليه نصف الضمان، لانه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين، كما لو جرحه واحد جرحا وجرحه آخر جرحين. دليلنا انه متعد بالحفر فضمن الواقع فيها كما لو كان في ملك غيره، والشركة أوجبت تعديه بجميع الحفر، فكان موجبا لجميع الضمان، ويبطل ما ذكر أبو يوسف بما أو حفره في طريق مشترك، فإن له فيها حقا ومع ذلك يضمن، والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع (فرع) وان بنى مسجدا في طريق لاضرر على المسلمين فيه بضيق الطريق فإن بناه لنفسه لم يجز، وان سقط على انسان ضمنه، وان بناه للمسلمين فإن كان بإذن الامام جاز ولا ضمان عليه، وان بناه بغير اذن الامام فهو كما لو حفر فيها بئرا للمسلمين على ما ذكرناه هناك من الخلاف. وان كان هناك مسجد للمسلمين فسقط سقفه فأعاده رجل من المسلمين بآلته أو بغير آلته وسقط على انسان لم يجب عليه ضمانه لانه للمسلمين. وان فرش في مسجد للمسلمين حصيرا أو علق فيه قنديلا فعثر رجل بالحصير أو سقط عليه القنديل فمات فإن فعل ذلك بالان الامام فلا ضمان عليه وان فعله بغير

إذن الامام فهو كما لو حفر البئر في الطريق الواسع للمسلمين بغير إذن الامام على الخلاف المذكور فيها وقال أحمد: لا ضمان عليه، سواء كان باذن الامام أو بغير إذنه. وقال أبو حنيفة: إن فرش الحصير وعلق القنديل يضمن إذا لم يأذن فيه الجيران. دليلنا أنه فعل أحسن به ولم يتعد، وإن عمارة المسجد من أعظم القربات، ولان هذا مأذون فيه من جهة العرف، ولان العادة جارية بالتبرع به من غير استئذان فلم يجب ضمان كالمأذون فيه نطقا (فرع) إذا بنى حائطا في ملكه مستويا، فسقط على إنسان من غير أن يبقى مائلا ولا مستهدما فلا ضمان عليه، لانه لم يفرط، وان بناه معتدلا فمال إلى ملكه أو بناه مائلا إلى ملكه فسقط على انسان وقتله لم يجب عليه الضمان لان له أن ينصرف في ملكه كيف شاء. وان بناه مائلا إلى الشارع فسقط على إنسان وقتله وجب على عاقلته الدية والكفارة في ماله، لان له أن يرتفق بهو الشارع بشرط السلامة، فاذإ تلف به إنسان وجب ضمانه. وان بناه معتدلا في ملكه ومال إلى الشارع ثم وقع على انسان فقتله ففيه وجهان قال أبو إسحاق: يجب ضمانه على عاقلته لانه فرط بتركه مائلا فوجب عليه الضمان كما لو بناه مائلا إلى الشارع وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا يجب ضمانه وهو المنصوص، لان الميلان حدث من غير فعله فهو كما لو سقط على انسان من غير ميل فإن مال حائطه إلى هواء دار غيره فلجاره مطالبته بازالته، لان الهواء ملك لجاره فكان له مطالبته بازلة بنائه عنه، كما قلنا في الشجرة، فإن لم يزل حتى سقط على انسان فقتله فهل يجب عليه ضمانه؟ على الوجهين إذا مال إلى الشارع وان استهدم من غير ميل فقد قال أبو سعيد الاصطخرى والشيخ أبو حامد ليس للجار مطالبته في نقضه لانه في ملكه، فان وقع على انسان فلا ضمان عليه قال ابن الصباغ وهذا فيه نظر لانه ممنوع من أن يضع في ملكه ما يعلم أنه يتعدى إلى ملك غيره كما ليس له أن يؤجج نارا في ملكه تصل إلى ملك غيره مع وجود الريح ولا يطرح في داره ما يتعدى إلى داره غيره. كذلك هنا مثله، لان الظاهر إذا كان

مستهدما أنه يتعدى إلى ملك غيره. هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة إذا بنى الحائط معتدلا ثم مال إلى دار الغير، فإن طالبه الغير بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه حتى سقط فقتل إنسانا فعليه الضمان، وان ذهب ليأتي بالعمال لنقضه فسقط وأتلف شيئا فلا ضمان عليه وتوقف أحمد عن الاجابة. وذهب أصحابه إلى أنه يضمن، وقالوا أو ما أحمد إليه، وبه قال الحسن والنخعي والثوري. دليلنا أنه بناء وضعه في ملكه فلم يجب عليه ضمان من يقع عليه، كما لو وقع من غير ميل. أو كما لو مال ووقع من غير أن يطالب بنقضه ويشهد عليه. وان وضع على حائطه وطابا فوقع في دار غيره أو في الشارع أو سقط حائطه في الشارع أو في دار غيره فعثر به انسان ومات فهل يجب عليه الضمان؟ على الوجهين. وإذا أخرج إلى الشارع جناحا أو روشنايضر بالمارة منع منه وأمر بازالته، فإن لم يزله حتى سقط على انسان فقتله وجب عليه الضمان لانه متعد بذلك. وإن أخرج جناحا أو روشنا إلى الشارع لا يضر بالمارة لمن يمنع منه خلافا لابي حنيفة وقد مضى في الصلح فإن وقع على انسان وقتله نظرت فإن لم يسقط شئ من طرف الخشبة المركبة على حائط، بل انقصفت من الطرف الخارج عن الحائط ووقعت على إنسان وقتلته وجب على عاقلته جميع الدية، لانه إنما يجوز له الارتفاق بهواء الشارع بشرط السلامة. وان سقطت أطراف الخشب الموضوعة على حائط له وقتلت انسانا وجبت على عاقلته نصف الدية، لانه هلك بما وضعه في ملكه وفى هواء الشارع، فانقسم الضمان عليهما، وسقط ما قابل في ملكه ووجب ما في هواء الشارع. وحكى القاضى أبواليب قولا آخر أنه ينظر كم على الحائط من الخشب، وكم على الهواء أو الطرف الخارج منها، فالحكم فيه واحد، لانه تلف بجميعها، والاول هو المشهور وقال أصحاب أحمد: على المخرج المضان لانه تلف بما أخرجه إلى حق الطريق

ضمنه كما لو بنى حائطا مائلا إلى الطريق فأتلف، أو أقام خشبة في ملكه مائلة، ولانه إخراج يضمن به البعض فضمن به الكل بناء على أصله (فرع) إذا أخرج ميزابا إلى الشارع جاز لما سقناه في كتاب الضمان من أن عمر رضى الله عنه مر تحت ميزاب العباس رضى الله عنه فقطرت عليه قطرة، فأمر بقلعه فحرج العباس وقال: قلعت ميزابا نصبه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عمر: لا ينصبه إلا من يرقى على ظهرى، فانحنى عمر وصعد العباس على ظهره فوضعه، وهو إجماع لا خلاف فيه، فإن سقط على إنسان فقتله أو بهيمة فأتلفها فحكى المصنف وأكثر أصحابنا فيه قولين: قال في القديم: لا يجب ضمانه، وبه قال مالك، لانه غير متعد بإخراجه فلم يضمن ما تلف به، كما لو أخرجه إلى ملكه، ولانه مضطر إليه لا يجد بدا منه فلم يلزمه ضمان ما تلف به. وقال في الجديد: يجب ضمانه، وبه قال أبو حنيفة، وهو المذهب عند أحمد بلا خلاف بين أصحابه، لانه ارتفق بهواء طريق المسلمين فإذا تلف به إنسان وجب عليه ضمانه كما قلنا في الجناح، وقول الاول لا يجد بدا منه غير صحيح، لانه يمكنه أن يحفر في ملكه بئرا يجرى الماء إليها، فإذا قلنا بهذا وسقط جميع الميزاب الذى على ملكه والخارج منه وقتل إنسانا وجب ضمانه، وكم يجب من ديته؟ على المشهور من المذهب يجب نصف الدية. وعلى القول الثاني الذى حكاه القاضى أبو الطيب تقسط الدية على الميزاب فيسقط منها بقدر ما على ملكه من الميزاب ثم يجب بقدر الخارج منه عن ملكه. وقال أبو حنيفة: إن أصابه بالطرف الذى في الهواء وجبت جميع ديته، وإن أصابه بالطرف الذى على الحائط لم يجب ضمانه. ودليلنا أنه تلف بنقل الجميع دون بعضه، وإن انتصف الميزاب فسقط منه ما كان خارجا عن ملكه وقتل انسانا وجبت جميع ديته على عاقلته، فسيقال في هذه وفى التى قبلها رجل قتل رجلا بخشبة فوجبت بعض دية المقتول، ولو قتله ببعض تلك الخشبة لوجبت جميع دية المقتول.

وقال الشيخ أبو حامد: إذا وقع الميزاب على انسان فقتله ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن علية الضمان (والثانى) لا ضمان عليه (والثالث) على عاقلته نصف الدية من غير تفصيل. (فرع) قال الشيخ أبو حامد: وان طرح على باب داره قشور البطيخ أو الباقلا الرطب أو الموز أو رشه بالماء فزلق به إنسان فمات كانت ديته على عاقلته والكفارة في ماله، لان له أن يرتفق بالمباح بشرط السلامة، فإذا أدى إلى التلف كان عليه الضمان، وان ركب دابة فبالت في الطريق أو راثت وزلق به إنسان ومات كان عليه الضمان، وكذلك لو أتلفت إنسانا بيدها أو رجلها أو نابها فعليه ضمانه لان يده عليها، فإذا تلف شئ بفعلها كان كما لو تلف بفعله أو سبب فعله وان ترك على حائطه جرة فرمتها الريح على انسان فمات لم يجب عليه الضان لانه غير متعد بوضعها على ملكه ووقعت من غير فعله، وكذلك إذا سجر تنورا في ملكه وارتفعت شرارة إلى دار غيره فأحرقته فلا ضمان عليه لما ذكرناه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان اصطدم فارسان أو راجلان وماتا وجب على كل واحد منهما نصف دية الآخر. وقال المزني ان استلقى أحدهما فانكب الآخر على وجهه وجب على المكب دية المستلقى وهدر دمه، لان الظاهر أن المنكب هو القاتل والمستلقى هو المقتول، وهذا خطأ لان كل واحد منهما هلك بفعله وفعل صاحبه فهدر النصف بفعله ووجب النصف بفعل صاحبه، كما لو جرح كل واحد منهما نفسه وجرحه صاحبه. ووجه قول المزني لا يصح، لانه يجوز أن يكون المستلقى صدم صدمة شديدة فوقع مستلقيا من شدة صدمته، وإن ركب صبيان أو أركبهما وليهما واصطدما وماتا فهما كالبالغين، وان أركبهما من لا ولاية عليهما فاصطد ما وما تا وجب على الذى أركبهما دية كل واحد منهما النصف، بسبب ما جنى كل وا حد من الصبيين على نفسه، والنصف بسبب ما جناه الآخر عليه. وان اصطدمت امرأتان حاملان فماتتا ومات جنيناهما كان حكمهما في ضمانهما

حكم الرجلين، فأما الحمل فإنه يجب على كل واحدة منهما نصف ديه جنينها ونصف ديه جنين الاخرى لجنايتهما عليهما. (فصل) وإن وقف رجل في ملكه أو في طريق واسع فصدمه رجل فماتا هدر دم الصادم، لاه هلك بفعل هو مفرط فيه فسقط ضمانه، كما لو دخل دار رجل فيها بئر فوقع فيها، وتجب دية المصدوم على عاقلة الصادم، لانه قتله بصدمة هو متعد فيها، وإن وقف في طريق ضيق فصدمه رجل وماتا وجب على عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، لان الصادم قتل الواقف بصدمة هو مفرط فيها، والمصدوم قتل الصادم بسبب هو مفرط فيه، هو وقوفه في الطريق الضيق، وان قعد في طريق ضيق فعثر به رجل فماتا كان الحكم فيه كالحكم في الصادم والمصدوم وقد بيناه. (الشرح) إذا اصطدم راكبان أو راجلان فماتا وجب على كل واحد منهما نصف دية الآخر وسقط النصف، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة وصاحباه وأحمد واسحاق: يجب على عاقلة كل واحد منهما جميع دية الاخر، وروى عن على رضى الله عنه المذهبان. دليلنا أنهما استويا في الاصطدام، وكل واحد منهما مات بفعل نفسه وفعل غيره، فسقط نصف ديته بفعل نفسه ووجب النصف بفعل غيره، كما لو شارك غيره في قتل نفسه قال الشافعي رضى الله عنه، وسواء غلبتهما دابتاهما أو لم تغلبهما أو أخطأ ذلك أو تعمدا، أو رجعت دابتاهما القهقرى فاصطدما، أو كان أحدهما راجعا والاخر مقبلا. اه وجملة ذلك أنهما إذا غلبتهما دابتاهما أو لم تغلباهما الا أنهما أخطأ فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الاخر مخففة، وان قصد الاصطدام فلا يكون عمدا محضا، وانما يكون عمدا خطأ، فيكون على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر مغلظة. وقال أبو إسحاق المروزي: يكون في مال كل واحد منهما نصف دية الآخر مغلظة لانه عمد محض. وانما لم يجب القصاص لانه شارك من فعله غير مضمون

والاول هو المنصوص، لان الصدمة لا تقتل غالبا. ولو كان كذلك لكان في القصاص قولان، ولا فرق بين أن يكونا مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا والاخر مدبرا، إلا أن الاصطدام قد وجد، وإن كان فعل المقبل أقوى. وكذلك لا فرق بين أن يكونا فرسين أو حمارين أو بغلين، أو أحدهما على فرس والاخر على بغل أو حمار، لان الاصطدام قد وجد منهما. وإن كان فعل أحدهما أقوى من فعل الاخر، كما لو جرح رجل رجلا جراحات وجرحه الاخر جراحة ومات منها. قال الشافعي رضى الله عنه: ولا فرق بين أن يكونا بصيرين أو أعميين، أو أحدهما أعمى والاخر بصيرا لان الاصطدام قد وجد منهما، ولا فرق بين أن يقعا مكبوبين أو مستلقيين، أو أحدهما مكبوبا ووالاخر مستلقيا. وقال المزني: إذا وقع أحدهما مكبوبا على وجهه والاخر مسلتقيا على ظهره، فإن القاتل هو المكبوب على وجهه، فعلى عاقلته جميع الدية للمستلقي ولا شئ على عاقلة المستلقى والمنصوص هو الاول، لانهما قد اصطدما، ويحوز أن يقع مسلتقيا على ظهره من شدة صدمته. ألا ترى أن رجلا إذا طرح حجرا على حجر رجع الحجر إلى خلف من شدة وقوعه وثبوت الاخر، فكذلك هذا مثله. وان ماتت الدابتان وجب على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الاخر، لانها تلفت بفعله وفعل صاحبه، ولا تحمله العاقلة، لان العاقلة لاتحمل المال، وإن كان أحدهما راكبا والاخر ماشيا فالحكم فيهما كما لو كان راكبين أو ماشيين وإنما يتصور هذا إذا كان الماشي طويلا والراكب أقصر (فرع) إذا اصطدم صغيران راكبان نظرت فإن ركبا بأنفسهما أو اركبهما ولياهما فهما كالبالغين، لان للولى أن يركب الصغير ليعلمه، وان أركبهما أجنبيان فعلى عاقلة كل واحد منهما من المركبين نصف دية كل واحد منهما لان كل واحد من المركبين هو الجاني على الذى أركبه وعلى الذى جنى عليه. وان كان المصطدمتان حاملتين فماتنا ومات جنيناهما وجبت على عاقلة كل واحد

منهما نصف دية الاخرى، وكذلك تجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية جنينها ونصف ديه جنين الاخرى، لان كل واحدة منهما قتلت جنينها وجنين الاخرى. وان خرج جنين إحداهما منها قبل موتها لم ترث من ديته لانها قاتلة له، ويجب على كل واحدة منهما أربع كفارات، لان كل واحدة منهما قاتلة لنفسها وجنينها، والاخرى وجنينها فوجب عليهما أربع كفارات، ولو كانتا أمي ولد أو أمتين فلهما أحكام أخرى لا مكان لها هنا، حيث التزمنا الاقتصار على المسائل والفروع العملية واختصار ما عدا ذلك أو المرور عليه كراما (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه: وان كان أحدهما واقفا فصدمه الاخر فماتا، فدية الصادم هدر ودية صاحبه على عاقلة الصادم، اه وجملة ذلك أن الرجل إذا كان واقفا في موضع فصدمه آخر فماتا نظرت، فإن كان الواقف وقف في ملكه أو في ريق واسع لا يتضرر الناس بوقوفه فيه، فإن دية المصطدم وهو الواقف تجب على عاقلة الصادم، لانه مات بفعله، وتهدر دية الصادم، لان الواقف غير مفرط بالوقوف في موضعه، سواء كان الواقف قائما أو قاعدا أو مضطجعا أو نائما، وسواء كان بصيرا أو أعمى يمكنه أن يحترز فلم يفعل، أو لا يمكنه لان فعل الصادم مضمون، وان أمكن المصدوم الاحتراز منه، كما لو طلب رجلا ليقتله وأمكن المطلوب الاحتراز منه فلم يفعل حتى قتله، فإن انحرف الواقف فوافق انحرافه صدمة الصادم فماتا فقد مات كل واحد منهما بفعله وفعل صاحبه فيكونان كالمتصادمتين فيجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الاخر ونصف قيمة السيارة إذا كان كل منهما يقود سيارة. فإذا كان أحدهما يقود سيارة والاخر راجلا وصدم الراكب الراجل، فإن كان الراجل مخطنا في تعرضه للسيارة وكان يمكن للراكب أن يتوقى الصدام فلم يفعل كان عليه نصف دية الراجل لانه مات بفعله وفعل الراكب، فإن لم يكن يمكنه الاحتراز منه لسبب لا يرجع إلى تقصير منه أؤ خلل في (فرامل السيارة) فليس على الراكب دية، فإن كان الراكب غير مقصر في آداب الطريق إلا أنه أراد أن يتوقى خطرا لاح له فترتب على وقوفه المفاجئ اصطدام من الخلف بسيارة مسرعة وراءه فمات سائقها، فإن كان يمكنه أن يعطى أشارة حمراء لمن خلفه لم

يفعل كانت الدية مخففة، أما إذا أعطى إشارة حمراء فليس عليه دية لان الذى خلفه مات بفعل نفسه فلم يستحق دية. قال الشافعي رضى الله عنه، فإن انحرف موليا فمات فعلى عاقلة الصادم دية كاملة، وصورته أن يكون وجه الواقف إلى المقبل فلما رآه انحرف موليا ليتنحى عن طريقه فأصابه فمات، فجيمع ديته على عاقلة الصادم، لانه لا فعل له في قتل نفسه ودية الصادم هدر. وأما إذا كان واقفا في طريق ضيق للمسلمين فعلى عاقلة كل واحد منهما جميع دية الاخر. أما الصادم فلانه قاتل، وأما المصدوم فلانه كان السبب في قتل الصادم، وهو وقوفه في الطريق الضيق، لانه ليس له الوقوف هناك، والفرق بين هذا وبين المتصادمين أن كل واحد من المتصادمين مات بفعله وفعل صاحبه. وها هنا كل واحد منهما قاتل لصاحبه منفرد بقتله، لان الصادم انفرد بالاصابة والمصدوم انفرد بالسبب الذى مات به الصادم ومن أصحابنا من قال ليس على عاقلة المصدوم شئ بحال، والاول أصح. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال المسعودي، نص الشافعي رحمه الله إذا كان الرجل واقفا في الطريق فصدمه آخر فما (ا؟) أن دية الصادم هدر ودية الواقف على عاقلة الصادم. وقال فيمن نام في الطريق فصدمه آخر فماتا أن دم النائم هدر ودية الصادم على عاقلة النائم، فمن أصحابنا من جعل المسألتين على قولين، ومنهم من أجراهما على ظاهرهما وفرق بينهما بأن الانسان قد يقف في الريق ليجيب داعيا وما أشبهه، فأما النوم والقعود فليس له ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن اصطدمت سفينتان وهلكتا وما فيهما، فإن كان بتفريط من القيمين بأن قصرا في آلتهما أو قدرا على ضبط هما فلم يضبطا، أو سيرا في ريح شديدة لا تسير السفن في مثلها. وان كانت السفينتان وما فيهما لهما وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه ونصف قيمة ما فيها. ويهدر النصف. وان كانتا لغيرهما وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينته ونصف قيمة ما فيها

ونصف قيمة سفينة صاحبه ونصف قيمة ما فيها، لما بيناه في الفارسين، فإن كان في السفن رجال فهلكوا صمن عاقلة كل واحد منهما نصف ديات ركاب سفينته وركاب سفينة صاحبه، فان قصدا الاصطدام وشهد أهل الخبرة أن مثل هذا يوجب التلف، وجب على كل واحد منهما القصاص لركاب سفينته وركاب سفينة صاحبه، وان لم يفرطا ففي الضمان قولان (أحدهما) يجب كما يجب في اصطدام الفارسين إذا عجزا عن ضبط الفرسين. (والثانى) لا يجب لانها تلفت من غير تفريط منهما، فأشبه إذا تلفت بصاعقة واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال القولان إذا لم يكن من جهتهما فعل، بأن كانت السفن واقفة فجاءت الريح فقلعتها فأما إذا سيرا ثم جاءت الريح فغلبتهما ثم اصطدما وجب الضمان قولا واحدا لان ابتداء السير كان منهما فلزمهما الضمانم كالفارسين وقال أبو إسحاق وأبو سعيد القولان في الحالين، وفرقوا بينهما وبين الفارسين بأن الفارس يمكنه ضبط الفرس باللجام، والقيم لا يمكنه ضبط السفينة، فان قلنا إنه يجب الضمان كان الحكم فيه كالحكم فيه إذا فرطا إلا في القصاص، فإنه لا يجب مع عدم التفريط. وان قلنا انه لا يجب الضمان نظرت فإن كانت الصفن وما فيها لهما لم يجب على كل واحد منهما ضمان. وان كانت السفن مستأجرة والمتاع الذى فيها أمانة كاوديعة وما المضاربة لم يضمن، لان الجميع أمانة فلا تضمن مع عدم التفريط. وان كانت السفن المستأجرة والمتاع الذى فيها يحمل بأجرة لم يجب ضمان السفن لانها أمانة. وأما المال فهو مال في يد أجير مشترك، فإن كان معه صاحبه لم يضمن، وان لم يكن معه صاحبه فعلى القولين في الاجير المشترك، وان كان أحدهما مفرطا، والاخر غير مفرط، كان الحكم في المفرط ما ذكرناه إذا كانا مفرطين. والحكم في غير المفرط ما ذكرناه إذا كانا غير مفرطين (فصل) إذا كان في السفينة متاع لرجل فثقلت السفينة، فقال رجل لصاحب المتاع ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فألقاه وجب عليه الضمان. وقال أبو ثور لا يجب لانه ضمان ما لم يجب، وهذا خطأ لان ذلك ليس بضمان، لان

الضمان يفتقر إلى مضمون عنه وليس ههنا مضمون عنه وإنما هو استدعاء إتلاف بعوض لغرض صحيح، فإن قال ألق متاعك وعلى وعلى ركاب السفينة ألف فألقاه لزمه بحصته، فإن كلو عشرة لزمه مائة، وإن كانوا خمسة لزمه مائتان لانه جعل الالف على الجميع فلم يلزمه فلم يلزمه أكثر من الحصة، فان قال أنا ألقيه على أنى وهم ضمناه فألقاه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجب عليه الحصة لما ذكرناه (والثانى) يجب عليه ضمان الجميع لانه باشر الاتلاف (الشرح) إذا اصطدمت سفينتان فانكسرتا وتلف ما فيهما فلا يخلو الربانان وهما القيمان اما ان يكونا مفرطين في الاصطدام أو غير مفرطين، أو أحدهما مفرطا والآخر غير مفرط، فإن كانا مفرطين بأن أمكنهما ضبط هما أو الانحراف فلم يفعلا فقد صارا جانيين، فإن كانت السفينتان وما فيهما لهما وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينته ونصف قيمة ما فيها ونصف قيمة سفينة صاحبه ونصف قيمة ما فيها، لان كل واحد منهما تلف بفعلها، وسواء كانت السفينتان وديعة أو عارية أو بأجرة، وسواء كان المال فيهما وديعة أو قراضا أو يحمل بأجرة لان الجميع يضمن بالتفريط، وان كان فيهما أحرار وماتوا وقصدوا الاصطدام. وقال أهل الخبرة: إن مثل ما قصد إليه وفعلاه يقتل غالبا، فإنها جناية عمد محض، فقد وجب عليهما القود لجماعة في حالة واحدة، فيقرع بين أولياء المقتولين، فاذإ خرجت عليهما القرعة بواحد قتلا بواحد ووجب للباقين الدية في أموالهما. وإن قالوا لا يقتل مثله غالبا أو لم يقصد الاصطدام وانما فرطا وجب على عاقلة كل واحد منهما نصف ديات ركاب السفينتين. وإذا لم يفرط الربانان أو القيمان مثل أن اشتدت الريح واضطرمت الامواج فلم يمكنهما إمساكهما بطرح الانجد، ولا بأن يعدل أحدهما عن سمت الاخرى. حتى اصطدمتا وهلكتا ففيه قولان: (أحدهما) أن عليهما الضمان لانهما في أيديهما، فما تولد من ذلك كان عليهما ضمانه، وان لم يفرطا كالفارسين إذا تصادما وغلب عليهما الفرسان، ولان

كل من ابتدأ الفعل منه فانه يضمن ذلك الفعل إذا صار جناية، وان كان بمعونة غيره كما لو رمى سهما إلى عرض فحمل الريح السهم إلى انسان وقتله (والثانى) لا ضمان عليهما لانه لا فعل لهما ابتداء ولا انتهاء، وانما ذلك من فعل الريح فهو كما لو نزلت صاعقة فأحرقت السفينتين. واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال: القولان إذا لم يكن للربان فعل لا ابتداء ولا انتهاء وهو في المراكب التى ينصب الربان الشراع ويمد الحبال ويقيمه نحو الريح حتى إذا هبت الريح دفعه. فأما السفن البخارية فإن اندفاعها ماخرة في عباب البحر بمحركاتها التى تقوم مقام المجداف في الزوارق الصغيرة، وهذه السفن يمكن التحكم في سيرها إلى مسافة تحددها علوم البحار التى تقرر لكل سفينة قوة وحمولة وسرعة يمكن التحكم في سيرها وتوقى الاصطدام بغيرها إلى مسافة معينة، فإذا تعذر فلا ضمان. أما السفن الصغار التى تسير بالمجداف أو الزوراق البخارية فانه يجب الضمان قولا واحدا، لان ابتداء الفعل منهما. ومنهم من قال القولان إذا لم يكن منهما فعل بأن كاننا واقفتين أو لم يسير هما رباناهما فجاءت الريح فقلعتهما فأما إذا سيرا فقلعتهما فيجب الضمان قولا واحدا، ولم نفرق بين السفن التى تسير بنصف الشراع أو التى تسير بالبخار أو الصغار التى تسير بالمجداف. ومنهم من قال القولان في الجميع سواء كاننا واقفتين أو سيراهما، وسواء كانتا تسيران بالشراع أو البخار أو المجداف، لان الفارس يمكنه ضبط الفرس باللجام، والسفينتان لا يمكنه أن يسيرها سيرا لا يغلبه الريح عليها (با؟) ان العوامل الجوية وهياج البحر له تأثير على ضبط القيادة وتفادى المخاطر فإذا قلنا يجب عليهما الضمان، فان كانت السفينتان وما فيهما لهما فلا يجب عليهما الضمان. وكذلك إذا كانت السفينتان معهما وديعة، والمال الذى فيهما حملاه بأجرة فلا ضمان عليهما في السفينة. وأما المال فان كان رب المال معه لم يضمنه الاجير، لان يد صاحبه عليه، وان لم يكن رب المال معه فعلى قولين لان أجيره مشترك وكذلك إذا استأجر على القيام بالسفينتين وما فيهما فهما أجيران مشتركان. فان كان رب السفينة والمال معه فلا مضان. وان لم يكن معه

فعلى القولين، وإن كان أحدهما مفرطا والآخر غير مفرط. قال الشيخ أبو حامد فإن المفرط جان والاخر غير جان، فإن كانت السفينتان وما فيهما لهما كان على المفرط قيمة سفينة صاحبه وما فيها، لانها تلفت بفعله، أما سفيته وما فيها فلا يرجع به على أحد لانهما هلكتا بفعله، وإن كانتا وما فيهما لغيرهما فإن على المفرط قيمة سفينته وقيمة ما فيها، وعلية قيمة سفينة صاحبه وقيمة ما فيها، ولصاحب السفينة الذى لم يفرط قيمتها وله أن يطالب المفرط بذلك، وإن أراد أن يطالب الربان الذى لم يفرط فإن قلنا أن الربان يضمن وإن لم يفرط فها هها له أن يضمنه ثم يرجع الذى لم يفرط بما غرمه على المفرط، وان قلنا ان الربان لا يضمن إذا لم يفرط فإن كانت السفينة معه وديعة أو المال معه قراض فلا ضمان عليه وإن كان ذلك بيده استؤجر على حمله فهو أجير مشترك، وإن لم يكن صاحبه معه فإن قلنا لا يضمن لم يكن له مطالبته، وان قلنا يضمن فله أن يطالبه ثم يرجع بما غرمه على المفرط، فإن انكسرت إحداهما دون الاخرى فالحكم في المكسرة حكمهما إذا انكسرتا (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وإذا صدمت سفينته من غير أن يتعمد بها الصدم لم يضمن شيئا مما في سفينته بحال واختلف أصحابنا في صورتها فمنهم من قال صورتها أن يكون الربان قد عدل سفينته إلى الشط وربطها فطرح الانجد فجاءت سفينة أخرى فصدمتها فتلفت وما فيها فلا صمان عليه، لانه لا فعل لا يلزمه به الضمان. وهذا القائل يقول: قول الشافعي صدمت سفينته؟ إنما هو بضم الصاد فعل لما لم يسم فاعله، ومنهم من قال صورتها إذا لم يكن منه تفريط، وأجاب بأحد القولين وهو الاصح لانه قال: صدمت سفينته من غير أن يتعمد بها الصدم، ولا يقال ذلك للمصدوم. وانما يقال مثله للصادم. (مسألة) قوله: إذا كان في السفينة متاع الخ. فان جملة ذلك إذا كان قوم في سفينة وفيها متاع فثقلت السفينة من المتاع ونزلت في الماء وخافوا الغرق فإن ألقى بعضهم متاعه في البحر لتخفف السفينة وسلموا لم يرجع به على أحد لانه أتلف ماله باختياره من غير أن يضمن له غيره عوضا فهو كما لو أعتق عبده. وان طرح

مالا لغيره من غير إذنه لتخفف السفينة وجب عليه ضمانه لانه أتلف مال غيره بغير اذنه فوجب عليه ضمانه كما وخرق ثوبه وإن قال لغيره ألق متاعك فيالبحر ولم يضمن له عوضا فألقاه فقد قال المسعودي هل يجب على الذى أمره بالالقاء ضمانه؟ فيه وجهان كما قلنا فيه إذا قال لغيره اقض عنى دينى ولم يضمن له عوضه وقال سائر أصحابنا لا يلزمه ضمانه، وهو المنصوص، لانه لم يضمن له بدله فلم يلزمه، كما لو قال: اعتق عبدك فأعتقه، والفرق بين هو بين قضاء الدين متحقق نفعه للطالب لان ذمته تبرأ بالقضاء، وهاهنا لا يتحقق النفع بذلك، بل يجوز أن يسلموا ويجوز أن لا يسلموا وإن قال له ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه أو على أنى أضمن لك قيمته، فألقاه، وجب على الطالب ضمانه، وهو قول الفقهاء كافة إلا أبا ثور فإنه قال لا يلزمه لانه ضمان ما لم يجب، وهذا خطأ، لانه استدعى إتلاف مال لغرض صحيح فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلى قيمته أو طلق امرأتك وعلى ألف. (فرع) وإن قال لغيره ألق متاعك في البحر وعلى وعلى ركاب السفينة ضمانه فألقاه، وجب على الطالب حصته، فإن كانوا عشرة لزمه ضمان عشره. وان قال ألقه على أن أضمنه وكل واحد من ركاب السفينة، فألقاه، وجب على الطالب ضمان جميعه لانه شرط أن يكون كل واحد منهم ضامنا له وإن قال ألق متاعك وعلى وعلى ركاب السفينة ضمانه، وقد أذنوا لى في ذلك فإن صدقوه لزم كل واحد منهم بحصته وإن أنكروا حلفوا ولزم الطالب ضمانه جميعه، وان قال ألق متاعك وعلى وعلى ركاب السفينة ضمانه وعلى تحصيله منهم فألقاه وجب على الطالب ضمان جميعه. وان قال صاحب المتاع لآخر ألق متاعى وعليك ضمانه، فقال نعم فألقاه، وجب عليه ضمانه لان ذلك بمنزلة الاستدعاء منه. وان قال ألق متاعك وعلى نصف قيمته، وعلى فلان ثلثه وعلى فلان سدسه، فألقاه، فإن صدقه الاخران أنهما أذنا للطالب في ذلك لزمه نصف قيمته ولزم الاخران النصف، وان أنكر الاخران حلفا ووجب الجميع على الطالب فإن قال الطالب ألقى أنا متاعك وعلى ضمانه، فقال صاحب المتاع نعم، فألقاه لم يكن مأثوما ووجب عليه ضمانه

فإن قال الطالب: ألقى أنا متاعك وعلى وعلى ركاب السفينة ضمانه. فقال صاحب المتاع نعم فألقاه ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزم الملقى الا بحصته لانه قدر ما ضمن (والثانى) يلزمه الجميع لانه باشر الاتلاف. وان قال لغيره: ألقى متاع فلان وأنا ضامن لك لو طالبك لم يصح هذا الضمان، ويلزم الضمان على الملقى لانه هو المباشر. (مسألة) استحدث في عصرنا هذا شركات تقوم بالتزام دفع ضمان ما يهلك من السفن أو السيارات وتصدر القوانين من الحكومات لالزام أصحاب السيارات والسفن والمصانع أداء قدر من المال إلى هذه الشركات الضامنة وتسمى شركات التأمين، فأما من جهة الضمن فلا خلاف في جوازه بناء على ما قلنا فيمن قال: ألق متاعك وأنا ضامن فإنه يلزمه الضمان. وأما ما يؤدى إلى هذه الشركات فهل يجرى مجرى الاجر على الضمان؟ أم أنها أموال معونة ورفق ترصد لتكون على أهبة الاستعداد دائما لدفع الضمان عند حدوث التلف؟ أم أنها صور ربوية محظورة؟ أم هي من القمار المحرم؟ هذا ما سأفرده ببحث خاص في كتاب على حدة ان شاء الله. (فرع) وان خرق رجل السفينة فغرق ما فيها، فإن كان مالا، لزمه ضمانه، سواء خرقها عمدا أو خطأ، لان المال يضمن بالعمد والخطأ، وان كان فيه أحرار فغرقوا وماتوا فإن كان عامدا مثل أن يقلع منها لوحا يغرق مثلها من قلعه في الغالب وجب عليه القود بهم، فيقتل بأحدهم وتجب للباقين الدية في ماله، وان كان مخطئا بأن سقط من يده حجر أو فأس فحرق موضعا فيها فغرقوا كان على عاقلته ديانهم مخففة، وان كان عمد خطأ مثل أن فيها ثقب فأراد صلاحه فانخرق عليه كان على عاقلته ديانهم مغلظة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فان رمى عشرة أنفس حجرا بالمنجنيق فرجع الحجر وقتل أحدهم سقط من ديته العشر ووجب تسعة أعشار الدية على الباقين لانه مات من فعله وفعلهم، فهدر بفله العشر، ووجب الباقي على التسعة

(فصل) وإذا وقع رجل في بئر ووقع آخر خلفه من غير جذب ولا دفع، فإن مات الاول وجبت ديته على الثاني لما روى على بن رباح اللخمى أن بصيرا كان يقود أعمى موقعا في بئر فوقع الاعمى فوق البصير فقتله، فقضى عمر رضى الله عنه بعقل البصير على الاأعمى فكان الاعمى ينشد في الموسم يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الاعمي الصحيح المبصرا خرا معا كلاهما تكسرا ولان الاول مات بوقوع الثاني عليه فوجبت ديته عليه، وان مات الثاني هدرت ديته، لانه لا صنع لغيره في هلاكه، وإن ماتا جميعا وجبت دية الاول على الثاني، وهدرت دية الثاني لما ذكرناه، فإن جذب الاول الثاني ومات الاول هدرت ديته، لانه مات بفعل نفسه، وإن مات الثاني وجبت ديته على الاول لانه مات بجذبه، وان وقع الاول ثم وقع الثاني ثم وقع الثالث، فإن كان وقوعهم من غير جذب ولا دفع وجبت دية الاول على الثاني والثالث، لانه مات بوقوعهما عليه، وتجب دية الثاني على الثالث، لانه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بدينه، وتهدر دية الثالث لانه مات من وقوعه، فإن جذب بعضهم بعضا بأن وقع الاول وجذب الثاني وجذب الثاني الثالث وماتوا وجب للاول نصف الدية على الثاني، لانه مات من فعله بجذب الثاني، ومن فعل الثاني بجذب الثالث، فهدر النصف بفعله ووجب النصف، ويجب للثاني نصف الدية على الاول لانه جذبه ويسقط نصفها لانه جذب الثالث، ويجب للثالث الدية لانه لا فعل له في هلاك نفسه، وعلى من تجب؟ فيه وجهان (أحدهما) أنها تجب على الثاني لانه هو الذى جذبه والوجه الثاني أنها تجب على الاول والثانى نصفين، لان الثاني جذبه والاول جذب الثاني فاضطره إلى جذب الثالث، وكان كل واحد منهما سببا في هلاكه فوجبت الدية عليهما. (فصل) وان تجارح رجلان وادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه قصد قتله فجرحه دفعا عن نفسه فالقول قول كل واحد منهما، مع يمينه أنه ما قصد

قتل صاحبه، فإذا حلقا وجب على كل واحد منهما ضمان جرحه، لان الجرح قد وجد وما يدعيه كل واحد منهما من قصد الدفع عن نفسه لم يثبت فوجب الضمان (الشرح) خبر على بن رباح اللخمى أخرجه الدارقطني عن اسماعيل المحاملى نا زيد بن الحباب نا موسى بن على بن رباح اللحمى، وقد أخرجه البيهقى في السنن الكبرى من رواية موسى بن على بن رباح عن أبيه. قال الحافظ بن حجر: وفيه انقطاع، ولفظه: فقضى عمر بعقل البصير على الاعمى، فذكر أن الاعمى كان ينشد، ثم ذكر الابيات. أما المنجنيق فإنه آلة يرمى عنها بالحجارة، يقال بفتح الميم وجاء كسرها عن ابن قتيية وجمعه مجانق وهى معربة، وأصلها بالفارسية (من جى نيك) أي ما أجودنى، وهو بمثابة المدافع التى تقذف قذائف النيران في عصرنا هذا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاصر الطائف بالمنجنيق. أما على بن رباح أبو عبد الله المصرى قال على بن عمر الحافظ: لقبه على بالضم وثقه النسائي وفى الخلاصة مات بعد العشر ومائة، وفى التهذيب سنة سبع عشرة أما الاحكام فإنه إذا رمى عشرة أنفس حجرا بالمنجنيق فأصابوا رجلا من غيرهم فقتلوه فقد اشتركوا في قتله فإن لم يقصدوا بالرمي أحدا وجبت ديته مخففة على عاقلة كل واحد منهم عشرها، وإن كانوا قصدوه بالرمي فأصابوه لم يكن عمد خطأ، لانه لم يمكن قصد رجل بعينه بالمنجنيق، وانما يتفق وقوعه ممن وقع به، فتجب ديته مغلظة على عاقلة كل واحد منهم عشرها، وان رجع الحجر على أحدهم فقتله سقط من ديته العشر ووجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته لانه مات بفعله وفعلهم، فهدر ما يقابل فعله ووجب ما يقابل فعلهم. وإنما تجب الدة على من مد منهم الحبال ورمى الحجر، كمن وضع القذيفة في المدفع والاخر ضبط الهدف وغيره ضغط الزناد، فإذا أحضر أحدهم القذيفة ثم تنحى فلاشئ عليه لانه صاحب سبب والمباشر غيره فتعلق الحكم بالمباشر قوله (وإذا وقع في بئر الخ) فجملة ذلك أنه إذا وقع لرجل في بئر أو زبية وهى حفرة في موضع عال يصاد فيها الاسد ونحوه والجمع زبى مثل مدية

ومدى. ومن إطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان لعلى أيام الحصار في الدار: قد بلغ السيل الزبى فوقع عليه آخر فمات الاول وجب ضمان الاول على الثاني للاثر الذى سقناه عن الاعمى الذى قضى عمر رضى الله عنه عليه أن يعقل البصير ثم ينظر فيه، فإن كان الثاني رمى بنفسه عليه عمدا وكان وقوعه عليه يقتله في الغالب وجب على الثاني القود، وان رمى بنفسه عليه وكان وقوعه عليه لا يقتله غالبا وجبت فيه دية مغلظة على عاقلة الثاني. وان وقع عليه مخطئا وجبت على عاقلته دية مخففة وتهدر دية الثاني بكل حال، لانه لم يمت بفعل أحد، وان وقع الاول ووقع عليه ثان ووقع فوقهما ثالث وماتوا قال ابن الصباغ، فقد ذكر الشيخ أبو حامد أن ضمان الاول على الثاني والثالث لانه مات بوقوعهما عليه وضمان الثاني على الثالث لانه انفرد بالوقوع عليه ويهدر دم الثالث لانه لم يمت بفعل أحد وذكر القاضى أبو الطيب أن الثالث يضمن نصف دية الثاني ويهدر النصف لان الثاني تلف بوقوعه على الاول، بوقوع الثالث عليه. قال ابن الصباغ: وهذا أقيس لان وقوعه على غيره كسبب في تلفه كقوع غيره عليه. قال ابن الصباغ: فعلى قياس هذا إذا وقع على الاول ثان وماتا أن بهدر نصف دية الاول لانه مات بوقوعه وبوقوع الثاني عليه. وان وقع رجل في بئر وجذب ثانيا وماتا هدرت دم الاول لانه مات بجذبه الثاني على نفسه ووجبت دية الثاني على الاول لانه مات بجذبه، وان جذب الاول ثانيا وجذب الثاني ثالثا وماتوا فقد مات الاول بفعله وهو جذبه للثاني على نفسه وبفعل الثاني وهو جذب الثالث فسقط نصف دية الاول، ويجب نصفها على الثاني، ويجب للثاني نصف ديته على الاول وسقط نصفها لانه مات بجذبه الاول له وبجذبه الثالث على نفسه، ويجب للثالث جميع ديته لانه لا صنع له في قتل نفسه وعلى من تجب؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب على الثاني لانه جذبه (والثانى) يجب على الاول والثانى نصفين، لان الاول جذب الثاني والثانى جذب الثالث فكأن الثالث مات بجذبهما فإن كانت بحالها وجذب الثالث رابعا وماتوا فقد حصل هاهنا ثلاث جذبات، فأما الاول فقد مات بفعله وفعل الثاني وفعل الثالث فسقط ثلث الدية لانه جذب

الثاني على نفسه، ويجب له على الثاني ثلث الدية لجذبه الثالث عليه، وعلى الثالث ثلث الدية بجذبه الرابع عليه. وأما الثاني فقد مات بفعله وفعل الاول وفعل الثالث، فيجب له على الاول ثلث الدية وعلى الثالث ثلث الدية وبسقط الثلث وأما الثالث ففيه وجهان: (أحدهما) يسقط من ديته النصف ويجب له على الثاني النصف لانه مات بفعله وهو جذبه الرابع فسقط النصف لذلك، وبفعل الثاني وهو جذبه له (والثانى) يسقط من ديته الثلث لانه مات بثلاثة أفعال للرابع ويجذب الثاني له وبجذب الاول للثاني، فيجب له على الاول ثلث الدية وعلى الثاني ثلث الدية، فأما الرابع فيجب له جميع الدية لانه لا صنع له في قتل نفسه وعلى من يجب؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب على الثالث لانه هو الذي جذبه (والثانى) يجب على الاول والثانى والثالث لان وقوعه حصل بالجذبات، فإن قيل فقد روى سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر عن على رضى الله عنه أن قوما باليمن حفروا زبية ليصطادوا بها الاسد فوقع فيها الاسد فاجتمع الناس على رأسها يبصرونه فتردى رجل فيها فتعلق بثان وتعلق الثاني بثالث وتعلق الثالث برابع فوقعوا فيها فقتلهم الاسد، فرفع ذلك إلى على رضى الله عنه، فقضى للاول بربع الدية لان فوقه ثلاثة وقضى للثاني بثلث الدية لان فوقه اثنين، وللثالث بنصف الدية، ولان فوقه واحدا، وللرابع بكمال الدية، فرفع ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هو كما قضى. قال أصحابنا: هذا الحديث لا يثبته أهل النقل فهو في مسند أحمد وسنن البيهقى والبزار، قال ولا نعلمه يروى إلا عن على ولا نعلم له إلا هذه الطريق، وحنش ضعيف، وقد وثقه أبو داود. قال في مجمع الزوائد: وبقية رجاله رجال الصحيح وحكم الفقه هو ما قدمنا. (فرع) وإن حفر رجل بئرا في موضع ليس له الحفر فيه فتردى فيها رجل وجذب آخر فوقه وماتا ففيه وجهان حكاهما الطبري في العدة (أحدهما) يجب للاول على الحافر نصف الدية ويهدر النصف لانه مات بسببين: حفر البئر وجذبه

باب الديات

للثاني على نفسه فانقسمت الدية عليهما وسقط ما قابل فعله (والثانى) حكاه أبو الطيب عن أبى عبد الله الجونى أنه لا يجب له شئ على الحافر لان جذبه الثاني على نفسه مباشرة والحفر سبب وحكم السبب يسقط بالمباشرة كما قدمنا فيمن أحضر قذيفة المدفع وتنحى. قال الطبري والاول أصح لان الجذب سبب أيضا لانه لم يقصد به إلقاءه على نفسه، وانما قصد به التحرز من الوقوع فلم يكن أحدهما بأولى من الآخر، والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الديات دية الحر المسلم مائة من الابل لما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وقرء على أهل اليمن أن في النفس مائة من الابل فإن كانت الدية في عمد أو شبه عمد وجبت مائة مغلظة أثلاثا ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وقال أبو ثور: دية شبه العمد أخماسا عشرون بنت مخاص، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، لانه لما كانت كدية الخطأ في التأجيل والحمل على العاقلة كانت كدية الخطأ في التخميس، وهذا خطأ لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ فتح مكة فقال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا، دية مغلظة مائة من الابل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) وروى مجاهد عن عمر رضى الله عنه (أن دية شبه العمد ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، ويخالف الخطأ فإنه لم يقصد القتل ولا الجناية فجفف من كل وجه، وفى شبه العمد لم يقصد القتل، فجعل كالخطأ في التأجيل، والحمل على العاقلة وقصد الجناية، فجعل كالعمد في التغليظ بالاسنان، وهل يعتبر في الخلفات السن مع الحمل؟ فيه القولان. أحدهما لا يعتبر لقوله صلى الله عليه وسلم

(منها أربعن خلفه في بطونها أولادها) ولم يفرق (والثانى) يعتبر أن تكون ثنيات فما فوقها لانه أحد أقسام أعداد إبل الدية، فاختص بسن كالثلاثين، وإن كانت في قتل الخطأ والقتل في غير الحرم وفى غير الاشهر الحرم، والمقتول غير ذى رحم محرم للقاتل، وجبت دية مخففة أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، لما روى أبو عبيدة عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال (في الخطأ عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض) وعن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون: دية الخطأ مائة من الابل، عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. وان كان القتل في الحرم أو في أشهر الحرم وهى: ذوالقعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، أو كان المقتول ذا رحم محرم للقاتل، وجبت دية مغلظة لما روى مجاهد أن عمر رضى الله عنه (قضى فيمن قتل في الحرم أو في الاشهر الحرم أو محرما بالدية وثلث الدية) وروى أبوالنجيح عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ قَضَى فِي امرأة قتلت في الحرم فجعل الدية ثمانية آلاف، ستة آلاف الدية وألفين للحرم) وروى نافع ابن جبير أن رجلا قتل في البلد الحرام في شهر حرام، فقال ابن عباس (ديته إثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف، فكملها عشرين ألفا) فإن كان القتل في المدينة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يغلظ لانها كالحرم في تحريم الصيد، فكذلك في تغليظ الدية (والثانى) لا تغلظ لانها لا مزية لها على غيرها في تحريم القتل بخلاف الحرم. واختلف قوله في عمد الصبى والمجنون، فقال في أحد القولين: عمدهما خطأ لانه لو كان عمدا لاوجب القصاص، فعلى هذا يجب بعمدهما دية مخففة (والثانى) أن عمدهما عمد لانه يجوز تأديبهما على القتل فكان عمدهما عمدا كالبالغ العاقل، فعلى هذا يجب بعمدهما دية مغلظة، وما يجب فيه الدية من

الاطراف فهو كالنفس في الدية المغلظة والدية المخففة لانه كالنفس في وجوب القصاص والدية، فكان كالنفس في الدية المغلظة والدية المخففة (الشرح) حديث أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أخرجه النسائي وقال: وقد روى هذا الحديث يونس عن الزهري مرسلا. وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل، وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي موصولا. قال الشكوكانى: وقد صححه جماعة من أئمة الحديث، منهم الحاكم وأحمد وابن حبان والبيهقي وأخرجه مالك والشافعي. وقد مضى الكلام على هذا الحديث عند الكلام على قتل الرجل بالمرأة. وحديث ابن عمر أخرجه أبو داود بلفظ (خطب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفتح على درجة البيت أو الكعبة) وأخرجه أصحاب السننن إلا الترمذي ولهم من حديث عبد الله بن عمرو مثله. وأثر مجاهد عن عمر أخرجه البيهقى في السنن الكبرى وهو منقطع، وفى إسناده ليث بن أبى سليم، وهو ضعيف قال البيهقى وروى عن عكرمة عن عمر بن الخطاب ما يدل على التغليظ في الشهر الحرام. وقال ابن المنذر: روينا عن عمر أنه قال (من قتل في الحرم أو قتل محرما أو قتل في الشهر الحرام فعليه الدية وثلث الدية) وروى الشافعي والبيهقي عن عمر أيضا من طريق ابن أبى نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقتلها فقضى فيها بثمانية آلاف درهم وثلث. وأثر ابن مسعود أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مرفوعا عن الحجاج ابن أرطاة عن زيد بن جبير عن حشف بن مالك الطائى عن ابن مَسْعُودٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في دية الخطأ عشرون حقه، وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض ذكرا) وقال ابن ماجه في اسناده عن الحجاج، حدثنا زيد بن جبير قال أبو حاتم الرازي، الحجاج يدلس عن الضعفاء فإذا قال حدثنا فلا فلا يرتاب به. وأخرجه أيضا البزاز والبيهقي والدارقطني وقال عشرون بنولبون مكان قوله عشرون ابن مخاض. وأما الموقوف الذى ساقه المصنف فإن إسناده في سنن الدارقطني

من طريق أبى عبيدة عن أبيه، يعنى عبد الله بن مسعود موقوفا، وقا هذا إسناد حسن، وضعف المرفوع من أوجه عديدة، ولعل المصنف قد تأثر بتضعيف الدارقطني للمرفوع وتحسينه للموقوف فاختاره شاهدا، ولكن البيهقى تعقب الدار قنى فاتهمه بالوهم وقال: والجواد قد يعثر. قال وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن عبد الله وعن ابن اسحاق عن علقمة عن عبد الله. وعن عبد الرحمن بن مهدى عن يزيد بن هرون عن سليمان التيمى عن أبى مجلز عن أبى عبيدة عن عبد الله، ويؤيد المصنف أن دافع الحاف بن حجر عن الدارقطني، لانه كان يضعف الرواية المرفوعة لبعض عباراتها، كعبارة (بنو مخاص) فقال فانتفى أن يكون الدارقطني عثر، وقد تكلم الترمذي على حديث ابن مسعود فقال: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وقد روى عن عبد الله موقوفا. وقال أبو بكر البزاز: وهذا الحديث لا نعلمه روى عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الاسناد. وذكر الخطابي أن حشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث وعدل الشافعي عن القول به لهذه العلة، ولان فيه بنى مخاض ولا مدخل لبنى المخاض في شئ من أسنان الصدقات. وأثر عثمان قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن أبن أبى نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بثمانمائة ألف درهم وثلث. وقد روى الجوزجانى باسناده عن أبى الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من لك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة ونظرائهم أن ناسا كانوا يقولون: إن الدية تغلظ في الشهر الحرام أربعة آلاف فتكون سنة عشر ألف درهم، فألغى عمر رحمه الله ذلك بقول الفقهاء وأثبتها اثنى عشر ألف درهم في الشهر الحرام والبلد الحرام وغيرهما قال ابن المنذر: وليس بثابت ما روى عن الصحابة في هذا، ولو صح فقول عمر يخالفه، وقوله أولى من قول من خالفه، وهو أصح في الرواية مع موافقته الكتاب والسنة والقياس. وسيأتى في شرح الاحكام الراجح من الخلاف ويؤخذ من كتاب عمر وبن حزم أن دية الحر المسلم مائة من الابل، وهو

إجماع، فإن كانت الدية في العمد المحض أو في شبه العمد وجبت مائة مغلظة وهى ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة (والخلفة الحامل) وبه قال عمر وعلى وزيد بن ثابت والمغيرة بن شعبة وعطاء ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تجب أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وقال أبو ثور (دية قتيل شبه العمد مخففة يجبر به الخطأ) دليلنا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يوم الفتح (ألا ان في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الابل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) وَعَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ألا ان في الدية العظمى مائة من الابل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها) قال في البيان، فإن قيل فما معنى قوله أربعون خلفة في بطونها أولادها؟ وقد علم أن الخلفة لا تكون إلا حاملا. قلنا له تأويلان. أحدهما أنه أراد التأكيد في الكلام وذلك جائز كقوله تعالى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رجعتم تلك عشرة كاملة) (والثانى) أن الخلفة اسم للحامل التى لم تضع واسم للتى وضعت ويتبعها ولدها فأراد أن يميز بينها. اه إذا ثبت هذا فهل تختص الخلفة بسن أم لا؟ فيه قولان (أحدهما) لا يختص بسن، بل إذا كانت حاملا فأى سن كانت جاز (والثانى) يختص بسن هو أن تكون ثلاثة فما فوقها لحديث عقبة بن أوس عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَلَا إنَّ في قتيل شبه العمد بالسوط والعصا مائة من الابل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ما بين الثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة، رواه أحمدو أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبخاري في تاريخه الكبير، ومراسيل الصحابة رضى الله عنهم حجة لانهم ثقات لا يتهمون (مسألة) إذا كانت الجناية خطأ ولم يكن القتل في المحرم ولا في الاشهر الحرم، ولكن المقتول ذو رحم محرم للقاتل، فإن الدية تكون مخففة أخماسا وهى مائة من الابل عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون

وعشرون حقة وعشرون جذعة، وبه قال من الصحابة ابن مسعود ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهرى ومن الفقهاء مالك وربيعة والليث والثوري. وقال أبو حنيفة وأصحابه، هي أخماس، إلا أنه يجب مكان بنى لبون عشرون ابن مخاض. وروى عن عثمان وزيد بن ثابت أنهما قالا تجب من أربعة أنواع ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وعشرين بنت لبون وعشرين بنت مخاض. وقال الشعبى والحسن البصري تجب أرباعا خمسا وعشرين جذعة وخمسا وعشرين حقة وخمسا وعشرين بنت لبون وخمسا وعشرين بنت مخاض. وروى مثل ذلك عن على رضى الله عنه دليلنا ما روى الحجاج عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بدية الخطأ مائة من الابل عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن مخاض، رواه أحمد وأبو داود النسائي والترمذي وابن ماجه وقد مضى الكلام فيه. وقد روى موقوفا على ابن مسعود قال المنذرى بعد أن ذكر الخلاف فيه على الحجاج: والحجاج غير محتج به. وكذا قال البيهقى، والصحيح أنه موقوف على عبد الله. وروى عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون: دية الخطأ مائة من الابل عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة. اما إذا كان قتل الخطأ في الحرم أو في الاشهر الحرم وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، أو كان المقتول ذا رحم محرم للقاتل كانت دية الخطأ مغلظة كدية العمد، فيجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وبه قال عمر رضى الله عنه فيما أخرجه البيهقى من طريق مجاهد عنه أن قضى فيمن قتل في الحرم أو في الشهر الحرام أو وهو محرم بالدية وثلث الدية، وهو منقطع وفى سنده ليث بن أبى سليم وهو ضعيف. قال البيهقى: وروى عن عكرمة عن عمر ما يدل على التغليظ في الشهر الحرام وقال ابن المنذر: روينا عن عمر أنه قال فيمن قتل في الحرم أو قتل في الشهر الحرام أو قتل محرما فعليه الدية وثلث الدية وروى الشافعي والبيهقي من

طريق ابن أبى نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقتلها فقضى فهيا بثمانية آلاف درهم دية وثلثا. وروى البيهقى وابن حزم عن ابن عباس منريق نافع بن جبير عنه قال: يزاد في دية المقتول في الاشهر الحرم أربعة آلاف، وفى دية المقتول في الحرم أربعة آلاف. وروى ابن حزم في المحلى عن ابن عباس أن رجلا قتل في البلد الحرام في الشهر الحرام، فقال إن ديته إثنا عشر ألفا وللشهر الحرام والبلد الحرام أربعة آلاف فكلها عشرون ألفا. وإن قتل خا في حرم المدينة فهل يتغلظ؟ فيه وجهان (أحدهما) يتغلظ لانه كالحرم في تحريم الصيد، فكان كالحرم في تغليظ دية الخطأ (والثانى) لا تغلظ وهو الاصح لانه دن الحرم في الحرمة بدليل أنه يجمز قصده بغير إحرام فلم يلحق به في الحرمة تغليظ وإن قتل محرما خطأ فهل تغلظ ديته؟ فيه وجهان (أحدهما) تغلظ كما تغلظ في القتل بالحرم، وبه قال أحمد لان الاحرام يتعلق به ضمان الصيد فغلضت به الدية كالرحم (والثانى) لا تغلظ به لان الشرع ورد بتغليظ القتل في الحرم دون الاحرام بدليل ما روى أحمد في رواية الاثرم عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إن أعدى الناس على الله عز وجل من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية، والاحرام لا يلحق الحرم في الحرمة إذا ثبت هذا فإن تغليظ دية الخطأ عندنا بالحرم أو في الاشهر الحرم أوإذا قتل ذارحم محرم إنما هو بأسنان الابل كما قلنا في دية العمد، ولا يجمع بين تغليظين. وقال أحمد: يغلظ بثلث الدية، ويجمع بين تغليظين لما رويناه عن الصحابة رضى الله عنهم. ولكن دليلنا على أنه لا يغلظ إلا بالاسنان أن ما أوجب التغليظ في دية القتل أوجبه بالاسنان كدية العمد، ودليلنا على أنه لا يجمع بين تغليظين أن ما أوجب التغليظ في أوجه الضمان إذا اجتمع سببان يقتضيان التغليظ لم يجمع بينهما كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فإنه لا يجب عليه إلا جزاء واحد، وأما ما روى عن الصحابة عن الصحابة أنهم قضوا بالدية وثلث الدية في ذلك وجمعوا بين تغليظين محمول على أنهم قضوا بدية مغلظة بالاسنان، إلا أنها قومت فبلغت

قيمتها دية وثلثا من دية مخففة، أو كانت الابل قد أعوزت فأوجبوا قيمة الابل فبلغت قيمتها ذلك. (فرع) إذا قتل الصبى أو المجنون عمدا فإن قلنا ان عمدهما عمد وجب بقتلهما دية مغلظة، وان قلنا عمدهما خطأ وجب بقتلهما دية مخففة. وإن كانت الجناية على ما دون النفس كان الحكم في التغليظ بديتها حكم دية النفس، قياسا على دية النفس. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتجب الدية من الصنف الذى يملكه من تجب عليه الديه من القاتل أو العاقلة كما تجب الزكاة من الصنف الذى يملكه من تجب عليه الزكاة، وان كان عند بعض العاقلة من البخاتى وعند البعض من العراب أخذ من كل واحد منهم من الصنف الذى عنده، وان اجتمع في ملك كل واحد منهم صنفان ففيه وجهان (أحدهما) انه يؤخذ من الصنف الاكثر، فإن استويا دفع مما شاء منهما (والثانى) يؤخذ من كل صنف بقسطه بناء على القولين فيمن وجبت عليه الزكاة وما له أصناف وإن لم يكن عند من تجب عليه الدية إبل وجب من غالب إبل البلد، فإن لم يكن في البلد إبل وجب من غالب أقرب البلاد إليه، كما قلنا في زكاة الفطر. وإن كانت إبل من تجب عليه الدية مراضا أو عجافا كلف أن يشترى إبلا صحاحا من الصنف الذى عنده لانه بدل متلف من غير جنسه فلا يؤخذ فيها معيب كقيمة الثوب المتلف، وان أراد الجاني دفع العوض عن الابل مع وجودها لم يجبر الولى على قبوله، وإن أراد الولى أخذ العوض عن الابل مع وجودها لم يجبر الانى على دفعه لان ما ضمن لحق الآدمى ببدل لم يجز الاجبار فيه على دفع العوض ولا على أخذه مع وجوده كذوات الامثال، وإن تراضيا على العوض جاز لانه بدل متلف فجاز أخذ العوض فيه بالتراضى كالبدل في سائر المتلفات (فصل) وان أعوزت الابل أو وجدت بأكثر من ثمن المثل ففيه قولان قال في القديم يجب ألف دينار أو إثنا عشر ألف درهم، لما روى عمرو بن حزم

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن في النفس مائة من الابل، وعلى أهل الذهب ألف مثفال، وعلى أهلا لورق إثنا عشر ألف درهمه. وروى ابن عباس رضى الله عنه أن رجلا قتل عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته إثنى عشر ألفا، فعلى هذا إن كان في قتل يوجب التغليظ غلظ بثلث الدية، لما رويناه عن عمرو عثمان وابن عباس في تغليظ لدية للحرم، وقال في الجديد: تجب قيمة الابل بالغة ما بلغت، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قال: كانت قيمة الدية عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضى الله عنه فقام عمر خطيبا فقال (ألا إن الابل قد غلت قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل ا؟ رق اثنا عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفى شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة) ولان ما ضمن بنوع من المال وتعذر وجبت قيمته كذوات الامتثال. (الشرح) أثر عمر أخرجه أبو داود والبيهقي. أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا أكلف أحدا من العاقلة غير إبله، ولا نقل منه دونها. وجملة ذلك أنه قد مضى الكلام في قدر الدية وجنسها وأسنابها وأما نوعها فإن كان للعاقلة إبل وجبت عليهم من النوع الذى معهم من الابل، لان العاقلة تحمل الدية على طريق المواساة، فكان الواجب من النوع الذى يملكونه كما قلنا في الزكاة، بان طلب الولى أعلى مما مع العاقلة من النوع، وامتنعت العاقلة أو طلبت العاقلة أن يدفعوا من النوع دون النوع الذى معها وامتنع الولى لم يجبر الممتنع منهما كما قلنا في الزكاة، فان كان عند بعض العاقلة من البخاتى عند البعض من العراب أخذ من كل واحد من النوع الذى عنده كما قلنا في الزكاة أنه يجب على كل إنسان مما عنده من النوع، وان كان في ملك واحد منهم نوعان من الابل ففيه وجهان (أحدهما) يؤخذ منه من النوع الاكثر، فإن استويا دفع من أيهما شاء (والثانى) يؤخذ من كل نوع بقسطه باء على القولين في الزكاة إذا كان

عنده نوعان من جنس الماشية، وإن كانت إبلهم أو إبل بعضهم مراضا بجرب أو غيره أو مهزولة هزالا فاحشا لم يجبر الولى على قبولها، بل يكلف أن يسلم إبلا صحاحا من النوع الذى عنده لقوله صلى الله عليه وسلم (في النفس مائة من الابل) وإطلاق هذا يقتضى الصحيح فإن قيل هلا قلتم يجبر الولى على قبول ما عند من عليه الدية وإن كانت مراضا كما قلنا في الزكاة؟ قلنا الفرق بينهما أن الواجب في الزكاة هو واجب في غير المال الذى عنده أو في ذمته والمال مرتهن، فلذلك وجب مما عنده، وليس كذلك هاهنا فإن الواجب على كل واحد منهم هو من النقد في الذمة والمال غير مرتهن به، وإنما الابل عوض منه فلم يقبل منه إلا السليم، فإن لم يكن للعاقلة إبل فإن كان في البلد نتاج غالب وجب عليهم التسليم من ذلك النتاج، وان لم يكن في البلد إبل وجب من غالب نتاج أقرب بلد إليهم كما قلنا في زكاة الفطر (فرع) وإن أرادت العاقلة أن تدفع عوضا عن الابل مع وجودها لم يجبر الولى على قبولها، وكذلك ان طالب من له الدية عوض الابل لم تجبر العاقلة على دفعه، لان ما ضمن لحق الآدمى يبدل لم يجبر على غيره كذوات الامثال، فإن تراضيا على ذلك قال أصحابنا جاز ذلك لانه حق مستقر فجاز أخذ البدل عنه كبدل المتلفات، والذى يقتضى المذهب أن هذا إنما يجوز على القول الذى يجيز الصلح على إبل الدية وبيعها في الذمة (فرع) وإن كانت الدية تجب على الجاني بأن كانت الجناية عمدا أو خطأ ثبت بإقراره، فإن الواجب عليه من النوع الذى عنده قياسا على العاقلة، والحكم فيه إذا كان عنده نوعان، أو كانت إبله مراضا في أخذ العوض حكم الابل إذا كانت واجبة على العاقلة على ما مضى بيانه (مسألة) كثير من بلاد الاسلام لايعرف أهلها الابل ولم يروها، كالملايو وأندونيسيا والفلبين وفطانى (1) وبلاد أخرى لا توجد فيها الابل إلا بأثمان غالية

_ (1) فطانى هو إقليم من أقاليم مليزيا ضمه الكفار إلى تايلند، ويبلغ سكان هذا الاقليم ثلاثة ملايين مسلم سنى شافعي فاللهم خذ بأيديهم وحرر ديارهم.

بأكثر من قيمتها ففيه قولان، قال في القديم يعدل إلى بدل مقدر، فيجب على أهل الذهب ألف مثقال وعلى أهل لورق اثنى عشر ألف درهم، وبه قال مالك وهى تبلغ نحو خمسة آلاف جنيه أو عشرة آلاف دولار تقريبا. وقد روى عمرو ابن حرم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في الدية بألف دينار أو إثنا عشر ألف درهم. فعلى هذا تكون الدية ثلاثة أصول عند إعواز الابل وقال في الجديد تجب قيمة الابل من نقد البلد بالغة ما بلغت، لما روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: كانت قيمة الدية عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثمانمائة دينار. وروى ثمانية آلاف درهم، فكانت كذلك إلى أن استخلف عمر رضى انه عنه فقلت الابل، فصعد المنبر خطيبا وقال: ألا ان الابل قد غلت، ففرض الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم فموضع الدليل من الخبر أنه قال: كانت قيمة الدية عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كذا وكذا، فدل على أن الواجب هو الابل، ولان عمر رضى الله عنه قال: ألا ان الابل قد غلت وفرض عليه مألف دينار أو اثنى عشر ألف دذرهم فتعلق بغلاء الابل فدل على أن ذلك من طريق القيمة، لان ما وجبت قيمته اختلف بالزيادة والنقصان ولم يخالف أحد من الصحابة. وما روى من الاخبار للاول فنحمله على أن ذلك من طريق القيمة، فعليه ذا لا يكون للدية إلا أصل واحد وهى الابل فإن كانت الدية مغلظة وأعوزت الابل فإن قلنا بقوله الجديد قومت مغلظة بثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة. وان قلنا بقوله القديم ففيه وجهان حكاهما في العدة. (أحدهما) تغلظ بثلث الدية، ولم يذكر المصف غيره لما ذكره عن عمر وعثمان وابن عباس رضى الله عنهم (والثانى) يسقط التغليظ، لان التغليظ عندنا إنما هو بالصفة في الاصل لا بالزيادة في العدد، وذلك انما يمكن في الابل دون النقد، ألا ترى أن العبد لما لم تجب فيه الا القيمة فيه التغليظ. وما روى عن الصحابة رضى الله عنهم فقد ذكرنا أنه انما قيمة ما أوجبوه هذا مذهبنا وقال أبو حنيفة: الواجب في الدية ثلاثة أصول مائة من الابل أو ألف دينار

أو عشرة آلاف درهم فيجوز له أن يدفع أيها شاء مع وجود الابل ومع إعوازها وقال الثوري والحسن البصري وابن أبى ليلى وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل الدية خمسة أصول مائة من الابل أو ألف دينار أو إثنا عشر ألف درهم أو مائتا بقرة لحديث جابر (فَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدية على أهل الابل مائة من الابل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفى شاء، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) رواه أبو داود بسند ضعيف وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه مثله من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. والاصل الخامس مائتا حلة، وهى برود مكونة من قطعتين كالجبة والقفطان، أو العباءة والزبون، أو الجاكتة والبغطلون، فجميع الحال في كل قوم مؤلفة من ثوبين، الا أن أبا يوسف ومحمد يقولان: هو مخير بين الستة أيها شاء دفع مع وجود الابل ومع عدمها وعند الباقين لا يجوز العدول عن الابل مع وجودها، دليلنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن يبين فيه الفرائض والسنن، وأن في النفس مائة من الابل، وحديث (ألا ان في قتيل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الابل) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوسى ثلثا عشر دية المسلم، لما روى سعيد بن المسيب (أن عمر رضى الله عنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسى ثمانمائة درهم. وأما الوثني إذا دخل بأمان وعقدت له هدنة فديته ثلثا عشر دية المسلم، لانه كافر لا يحل للمسلم مناكحة أهل دينه فكانت ديته ثلثى عشر دية المسلم كالمجوسي وأما من لم تبلغه الدعوة فإنه ان عرف الدين الذى كان متمسكا به وجبت فيه دية أهل دينه، وان لم يعرف وجبت فيه دية المجوسى، لانه متحقق وما زاد مشكوك فيه فلم يجب. وقال أبو إسحاق: إن كان متمسكا بدين مبدل وجبت فيه دية أهل ذلك الدين

وإن كان متمسكا بدين لم يبدل وجبت فيه دية مسلم، لانه مولود على الفطرة، ولم يظهر منه عناد فكملت ديته كالمسلم، والمذهب الاول، لانه كافر فلم تكمل ديته كالذمي. وإن قطع يد ذمى ثم أسلم ومات وجبت فيه دية مسلم، لان الاعتبار في الدية بحال استقرار الجناية، وهو في حال الاستقرار مسلم. وإن جرح مسلم مرتدا فأسلم ومات من الجرح لم يضمن. وقال الربيع: فيه قول آخر أنه يضمن، لان الجرح استقر وهو مسلم. قال أصحابنا: هذا من كيس الربيع، والمذهب الاول، لان الجرح وجد فيما استحق إتلافه فلم يضمن سرايته، كما لو قطع الامام يد السارق فمات منه (فصل) ودية المرأة نصف دية الرجل، لانه روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وابن عباس وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم (الشرح) خبر سعيد بن المسيب رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي. أما قوله روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى الخ، فقد أخرج ابن أبى شيبة عن عمر قال (دية المرأة نصف دية الرجل) كما أخرج البيهقى عن على رضى الله عنه (دية المرأة على النصف من دية الرجل) وهو من رواية ابراهيم النخعي عنه، وفيه انقطاع، وأخرجه ابن أبى شيبة من طريق الشعبى عنه وأخرج البيهقى عن معاذ بن جبل عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (دية المرأة نصف دية الرجل) قال البيهقى إسناده لا يثبت مثله. وقال في بداية المجتهد: إن الاشهر عن ابن معسود وعثمان وشريح وجماعة: أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف أما الاحكام فإن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، وبه قال عمر وعثمان رضى الله عنهما وابن المسيب وعطاء واسحاق. وقال عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز ومالك: ديته نصف دية المسلم، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عقل الكافر نصف دية المسلم) رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه، وصححه ابن الجارود. وفى لفظ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم

اليهود والنصارى، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والزهرى وزيد بن على والقاسمية (ديته كذية المسلم) وقال أحمد (ان قتله عمدا فديته مثل دية المسلم) دليلنا ما روى أبو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (كانت قيمة الدية عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهمه، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم. قال، وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إن إلابل قد غلت. قال ففرضها عمر على أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفى شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة. قال وترك دية أهل الذمة ليرفعها فيما رفع من الدية) فإذا كانت الدية ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم للمسلم والذمى على النصف من ذلك ثم زاد من قيمة الدية للمسلم من حيث لم يزدها لاهل الكتاب تبين لنا أن دية المسلم التى بلغت ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم مع باء دية الذمي أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم، لانها لم ترفع فيما رفع من الدية. نقول تبين لنا أن دية الذمي على الثلث من دية المسلم (فرع) دية المجوسى ثلثا عشر دية المسلم، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة ديته مثل دية المسلم. وقال عمر بن عبد العزيز ديته مثل دية اليهودي والنصراني وهو نصف دية المسلم عنده دليلنا ما روى عن عمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم أنهم قالوا (دية المجوسى ثمانمائة درهم ثلثا عشر دية المسلم، فإذا كانت دية المسلم إثنا عشر ألف درهم فان ثلثى عشرها ثمانمائة، ولا مخالف لهم في الصحابة، فدل على أنه إجماع. وأما عبدة الاوثان إذا كان بيننا وبينهم هدنة أو دخلوا الينا بأمان فلا يجوز قتلهم. فمن قتل منهم وجبت فيه دية المجوسى لانه كافر لا يحل للمسلم مناكحة أهل دينه فكانت ديته كالمجوسي ثلثى عشر دية المسلم. وأما الكافر الذى لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله حتى يعرف أن ها هنا رسولا يدعو إلى الله، فإن أسلم وإلا فتل، فإن قتله قاتل قبل أن تبلغه الدعوة وجبت فيه الدية وقال أبو حنيفة (لادية فيه) دليلنا أنه محقون الدم فوحبت فيه الدية كالذمي إذا ثبت هذا فاختلف أصحابنا في قدر ديته، فمنهم من قال تجب فيه دية المسلم، لانه مولود على الفطرة. ومنهم من قال ان كان متمسكا بدين مبدل وجبت فيه

دية أهل ذلك الدين، مثل أن يكون متمسكا بدين من بدل من اليهودية والنصرانية وإن كان متمسكا بدين من لم يبدل منهم وجبت فيه دية مسلم لانه مسلم لم يظهر منه عناد. ومن هم من قال تجب فيه دية المجوسى لانه يقين، وما زاد مشكوك فيه وهذا هو الاصح لان الشافعي رضى الله عنه قال هو كافر لا يحل قتله، وإذا كان كافرا وجبت فيه أقل دياتهم لانه اليقين. وإن قطع يد ذمى ثم أسلم ثم مات من الجراحة وجبت فيه دية مسلم، لان الاعتبار بالدية حال الاستقرار. وإن قطع مسلم يد..ثم أسلم ثم مات من الجراحة لم يضمن القاطع دية النفس ولا دية اليد. وقال الربيع فيه قول آخر أنه يضمن دية اليد، والمذهب الاول لانه قطعه في حال لا يجب ضمانه، وما حكاه الربيع من تخريجه. (مسألة) دية المرأة نصف دية الرجل، هذا قول العلماء كافة إلا الاصم وابن علية فإنهما قالا ديتها مثل دية الرجل. دليلنا ما سقناه مِنْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أهل اليمن وفيه (أن دية المرأة نصف دية الرجل) وما حكاه المصنف عن عمرو عثمان وعلى وابن مسعود وابن عمرو ابن عباس وزيد ابن ثابت أنهم قالوا (دية المرأة نصف دية الرجل) ولا مخالف لهم في الصحابة فدل على أنه إجماع، وإن قتل خنثى مشكلا وجبت فيه دية امرأة لِأَنَّهُ يَقِينٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يجب بالشك قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ودية الجنبين الحر غرة عبد أو أمة، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ دية جنينها غرة عبد أو أمة، فقال حمل ابن النابغة الهذلى كيف أغرم من لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل؟ ومثل ذلك يطل؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ من إخوان الكهان، من أجل سجعه) وإن ضرب بطن امرأة منتفخة البطن فزال الانتفاخ، أو بطن امرأة تجد حركة في بطهنها فسكنت الحركة، لم يجب عليه شئ لانه يمكن أن يكون ريحا

فانفشت فلم يجب الضمان مع الشك وإن ضرب بطن امرأة فألقت مضغة لم تظهر فيها صورة الآدمى فشهد أربع نسوة أن فيها صورة الآدمى وجبت فيها الغرة، لانهن يدركن من ذلك ما لا يدرك غيرهن، وإن ألقت مضغة لم تتصور فشهد أربع نسوة أنه خلق آدمى، ولو بقى لتصور، فعلى ما بيناه في كتاب عتق أم الولد وان ضرب بطن امرأة فألقت يدا أو رجلا أو غيرهما من أجزاء الآدمى وجبت عليه الغرة، لانا تيقنا أنه من حنين، والظاهر أنه تلف من جناية فوجب ضمانه وإن ألقت رأسين أو أربع أيد لم يجب أكثر من غرة، لانه يجوز أن يكون جنينا برأسين أو أربعة أيد، فلا يجب ضمان ما زاد على جنين بالشك وان ضرب بطنها فألقت جنينا فاستهل أو تنفس أو شرب اللبن ومات في الحال أو بقى متألما إلى ان مات، وجبت فيه دية كاملة وقال المزني أن ألقته لدون ستة أشهر ومات ضمنه بالغرة ولا يلزمه دية كاملة لانه لم يتم له حياة، وهذا خطأ، لانا تيقنا حياته، والظاهر أنه تلف من جنايته فوجب عليه دية كاملة، وإن ألقته حيا وجاء آخر وقتله فإن كان فيه حياة مستقرة كان الثاني هو القاتل في وجوب القصاص والدية الكاملة، والاول ضارب في وجوب التعزير وان قتله وليس فيه حياة مستقرة فالقاتل هو الاول، ولتزمه الدية، والثانى ضارب وليس بقاتل، لان جنايته لم تصادف حياة مستقرة، وان ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وبقى زمانا سالما غير متألم ثم مات لم يضمنه، لان الظاهر أنه لم يمت من الضرب ولا يلزمه ضمانه. وان ضربها فألقت جنينا فاختلخ ثم سكن وجبت فيه الغرة دون الدية، لانه يجوز أن يكون اختلاجه للحياة، ويجوز أن يكون بخروجه من مضيق، لان اللحم الطرى إذا حصل في مضيق انقبض، فإذا خرج منه اختلج، فلا تجب فيه الدية الكاملة بالشك (الشرح) حديث أبى هريرة أخرجه أحمد في مسنده، وكذا أخرجه البخاري في الفرائض عن قتيبة وفى الديات عن عبد الله بن يوسف ومسلم في الحدود والترمذي وفى الفرائض عن قتيبه، وأخرجه عن المغيرة بن شعبة مسلم في الديات عن

إسحاق بن ابراهيم، وعن محمد بن رافع وأبو داود فيه عن حفص بن عمر، وعن عثمان بن أبى شيبة والترمذي فيه عن الحسن بن على والنسائي في القود عن على بن محمد بن على وعلى بن سعيد ومحمد بن قدامة ومحمد بن بشار وسويد بن نصر ومحمود ابن غيلان، وابن ماجه فيه عن على بن محمد. وكذا أخرجه أحمد، وأخرجه عن ابن عباس أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه. أما اللغات فإن الجنين سمى بذلك لانه استجن في البطن، أي استتر واختفى وهو وصف له ما دام في بطن أمه. والجمع أجنة مثل دليل وأدلة، والغرة عبد أو أمة، والغرة عند العرب أنفس شئ يملك، وقوله ومثل ذلك يطل. طل دم فلان مبنى للمجهول فلا يطالب، قال الشاعر: دماؤهم ليس لها طالب * مطلولة مثل دم العذرة قال أبو زيد: ولا يقال طل دم فلان بفتح الطاء. قال في الصحاح وأبو عبيدة والكسائي يقولانه. وقال أبو عبيدة فيه ثلاث لغات، طل بفتح الطاء وضمها، وأطل بزيادة الهمز المضمونة والطاء المكسورة، والكهان جمع كاهن الذى يدعى علم الغيب، والسجع هو الكلام المقفى. وفى رواية أحمد ومسلم وأبى داود والنسائي (سجع مثل سجع الاعراب) وقد استدل بذلك على ذم السجع ويوضح المراد قوله (أسجع الجاهلية وكهانتها) فظهر أن المذموم من السجع إنما هو ما كان من ذلك القبيل الذى يراد به إبطال شرع أو إثبات باطل أو كان متكلفا. وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه ما كان كذلك لا غيره، هكذا أفاده الشكوكانى في النيل. أما الاحكام فإذا ضرب ضارب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا حرا ففيه غرة عبد أو أمة لحديث المغيرة بن شعبة، وروى أن عمر رضى الله عنه قال (أذكر الله امرءا سمع من النبي في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك فقال كنت بين جاريتين لى يعنى زوجتين فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فقتلتها وما في جوفها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة)) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والجنين الذى تجب فيه الدية هو أن يسقط جنينا بان فيه شئ من صورة

الآدمى إما يد أو رجل أو عين. وكذلك إذا سقطت مضعة لم يتبين فيها عضو من أعضاء الآدمى، ولكن قال أربع نسوة من القوابل الثقات أو عالمان في الطب البشرى أو علم الا جنبة أن فيها تخطيطا لآدمي، إلا أنه خفى فتجب فيه الغرة لان هؤلاء يدركون ما لا يدركه غيرهم. وان قلن اولا قالا لم يخطط إلى الان ولكنه مبتدأ خلى آدمى، ولو بقى لتخطط فهل تجب به الغرة والكفارة وتنقضي به العدة اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال في الجميع قولان، ومنهم من قال تنقضي به العدة ولا تجب به الغرة ولا الكفارة قولا واحدا، وقد مضى ذلك، وان قلن أو قالا هذه مضغة تصلح للآدمي ولغيره، ولا ندرى لو بقيت هل تتخطط أم لا؟ فلا تجب به الغرة ولا الكفارة ولا تنقضي به العدة، لان الاصل براءة الذمة من الضمان وثبوت العدة. وان ألقت المرأة جنينين وجبت عليه غرتان، وان ألقت ثلاثة وجبت عليه ثلاث غرر، وان ألقت رأسين أو أربع أيد لم يجب فيه الا غرة، لانه قد يكون له جسد واحد ذا رأسين أو أربع أيد فلا يجب ضمان ما زاد على جنين بالشك (فرع) إذا ضرب بطن امرأة منتفخة البطن فزا الانتفاخ، أو بطن امرأة تجد حركة فسكنت الحركة لم يجب عليه شئ، وان ضرب بطن امرأة فماتت ولم يخرج الجنين لم يجب عليه ضمان الجنين وقال الزهري إذا سكنت الحركة التى تجد في بطنها وجب عليه ضمان الجنين دليلنا أنا انما نحكم بوجود الحمل في الظاهر، وانما نتحققه بالخروج، فإذا لم يخرج لم يتحقق أن هناك حملا بل يجوز أن يكون ريح فينفش فلا يلزمه الضمان بالشك وان ضرب بطن امرأة فماتت ثم خرج الجنين معها بعد موتها ضمن الام بديتها وضمن الجنين بالغرة. وقال أبو حنيفة لا يضمن الجنين. وَدَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في الجنين بغرة عبدأو أمة، ولم يفرق بين أن يخرج قبل مرت أمه أو بعده، ولان كل حمل كل مضمونا إذا خرج قبل موت الام كان مضمونا إذا خرج بعد موتها كما لو ولدته حيا، وان ضرب بطنها فأخرج الجنين رأسه وماتت ولم يخرج

الباقي وجب عليه ضمان الجنين وقال مالك لا يجب عليه شئ دليلنا أن بظهور الرأس تحققنا أن هناك جنينا والظاهر أنه مات من ضربته فوجب عليه ضمانه. (فرع) إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا فصرخ ثم مات عقيبه أو بقى متألما إلى أن مات وجبت فيه دية كاملة، سواء ولدته لستة أشهر أو لما دونها، فإن لم يصرخ ولكنه تنفس أو شرب اللبن أو علمت حياته بشئ من ذلك ثم مات عقيبه أو بقى متألما إلى أن مات وجبت فيه دية كاملة وقال المزني إن ولدته حيا لدون ستة أشهر لم يجب فيه دية كاملة، إنما يجب فيه الغرة لانه لا تتم له حياة لما دون ستة أشهر وقال مالك والزهرى (إذا لم يستهل بالصراخ لم تجب فيه الدية الكاملة وإنما تجب فيه الغرة) دليلنا أثنا قد تحققنا حياته فوجب فيه دية كاملة كما لو ولدته لستة أشهر عند المزني، وحما لو استهل صارخا عن مالك ولو ضرب بطنها فألقت جنينا وفيه حياة مستقرة ثم جاء آخر وقتله فالقاتل هو الثاني فيجب عليه القود إن كان مكافئا أو الدية الكامله. وأما الاول فلا يجب عليه إلا التعزير بالضرب لا غير، لانه لم يمت من ضربه، وإن ضرب بطنها فألقت جنينا فلم يستهل ولا تنفس ولا تحرك حركة تدل على حياته ولكنه اختلج لم تجبفيه الدية الكاملة، وإنما تجب فيه الغرة، لان هذا الاختلاج لا يدل على حياته، لان اللحم إذا عصر ثم ترك اختلج، ويجوز أن يكون اختلاجه لخروجه من موضع ضيق. وإن ضرب بطن امرأة فألقت يدا ثم أسقطت بعد ذلك جنينا ناقص يد نظرت فإن بقيت المرأة متألمة إلى أن أسقطت الجنين، فإن ألقته ميتا وجبت فيه الغرة ويدخل فيها اليد، لان الظاهر أن الضرب قاطع يده، وإن ألقته حيا ثم مات عقيب الوضع أو بقى متألما إلى أن مات ففيه دية كاملة، ويدخل فيها دية اليد، وإن خرج الجنين حيا وعاش لم يجب عليه في الجنين شئ ووجب عليه ضمان اليد فتعرض اليد على القوابل أو عالمين في الاجنة، فإن قلن أو قالا إنها من جملته لم تنفخ فهيا الروح وجبت فيها نصف الغرة، وان قلن أو قالا انها فارقت جملة تنفخ فيها الروح وجب فيها نصف دية كامله. فأما إذا سقطت اليد ثم زال

ألم الضرب ثم ألقت الجنين ضمن اليد دون الجنين، لانه بمنزلة من قطع يد رجل ثم اندملت فإن خرج الجنين ميتا وجب في اليد ثم الغرة، وان خرج حيا ثم مات أو عاش عرضت اليد على القوابل أو عالمى أجنة فإن قلن أو قالا انها فارقت جملة لم ينفخ فيها الروح وجب فيها نصف الغرة، وان قلن أو قالا انها فارقت جمله ينفخ فيها الروح كان فيها نصف الدية، وان ضرب بطن امرأة فألقت يدا ثم ماتت الام ولم يخرج الباقي وجبت دية الام ووجبت في الجنين الغرة، لان الظاهر أنه جنى على الجنين فأبان يده ومات من ذلك. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يقبل في الغرة ماله دون سبع سنين، لان الغرة هي الخيار، ومن له دون سبع سنين ليس من الخيار بل يحتاج إلى من يكفله، ولا يقبل الغلام بعد خمس عشرة سنة لانه لا يدخل على النساء، ولا الجارية بعد عشرين سنة لانها تتغير وتنقص قيمتها فلم تكن من الخيار ومن أصحابنا من قال يقبل ما لم يطعن في السن عبدا كان أو أمة، ولا يقبل إذا طعن في السن لانه يستغنى بنفسه قبل أن يطعن في السن، ولا يستغنى إذا طعن في السن، ولا يقبل فيه خصى وان كثرت قيمته، ولا معيب وان قل عيه؟ لانه ليس من الخيار، ولا يقبل الا ما يساوى نصف عشر الدية، لانه روى ذلك عن زيد بن ثابت رضى الله عنه، ولانه لا يمكن ايجاب دية كاملة لانه لم يكمل بالحياة، ولا يمكن اسقاط ضمانه لانه خلق بشر فضمن بأقل ما قدر به الارش وهو نصف عشر الدية، لانه قدر به ارش الموضحة ودية السن، ولا يجبر على قبول غير الغرة مع وجودها، كما لا يقبل في دية النفس غير الابل مع وجودها، فإن أعوزت الغرة وجب خمس من الابل، لان الابل هي أصل في الدية، فإن أعوزت وجبت قيمتها في أحد القولين، أو خمسون دينارا أو ستمائة درهم في القول الآخر فإن كانت الجناية خطأ وجبت دية مخففه، وان كانت عمدا أو عمد خطأ وجبت دية مغلظه كما قلنا في الدية الكامله

وإن كان أحد أبوبه نصرانيا والاخر مجوسيا وجب فيه عشر دية نصراني لان في الضمان إذا وجد في أحد أبويه ما يوجب وفى الاخر ما يسقط غلب الايجاب ولهذا لو قتل المحرم صيدا متولدا بين مأكول وغير مأكول وجب على الجزاء وإن ضرب بطن امرأة نصرانية حامل بنصراني ثم أسلمت ثم ألقت جنينا ميتا، وجبفيه نصف عشر دية مسلم، لان الضمان يعتبر بحال استقرار الجناية، والجنين مسلم عند استقرار الجناية، فوجب فيه نصف عشر دية مسلم، وما يجب في الجنين يرثه ورثته لانه بدل حر، فورث عنه كدية غيره. (الشرح) الكلام في الغرة والسن في حديه الادنى والاقصى من البحوث غير العملية التى تلحق بأبواب العتق، أما البدل عند إعواز الغرة ففيه نقول: اختلاف أصحابنا فيما ينتقل إليه فقال المصنف وابن الصباغ ينتقل إلى خمس من الابل لانها هي الاصل في الدية. فإن أعوزت الابل انتقل إلى قيمتها في القول الجديد والى خمسين دينارا أو ستمائة درهم في القول القديم وقال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا: إذا أعوزت الغرة انتقل إلى قيمتها في قوله الجديد، كما لو غصب منه عبدا فتلف، وينتقل إلى خمس من الابل في قوله القديم، فإن اعوزت الابل انتقل إلى قيمتها في أحد القولين، والى خمسين دينارا أو ستمائة درهم في الاخر. (فرع) ان كان الابوان مسلمين وجبت الغرة مقدرة بنصف عشر دية الاب أو عشر دية الام، وان كانا ذميين وجبت الدية مقدرة بنصف عشر دية الاب أو عشر دية الام، وكذلك إذا كان الابوان مجوسيين فإنهما يعتبر من ديتهما، وان كان أحد الابوين نصرانيا والاخر مجوسيا اعترت دية الجنين بعشر دية النصراني لانه إذا اتفق في بدل النفس ما يوجب الاسقاط وما يوجب الايجاب غلب الايجاب، كما قلنا في السبع المتولد بنى الضب والذئب (1) إذا قتله المحرم. هذا نقل أصحابنا البغداديين وقال المسعودي: الجنين اليهودي والنصراني والمجوسي لا تجب فيه الغرة

_ (1) كتاب الحج باب جزاء الصيد ج 8

وانما يجب فيه نصف عشر دية الاب، وإذا كانا مختلفى الدين فقد خرج فيه قول آخر أن الاعتبار بالاب. وقال ابن سلمة: يعتبر بأقلهما دية والاول أصح (فرع) إذا ضرب بطن امرأة نصرانية حامل بنصراني فأسلمت ثم أسقطت جنينا ميتا ففيه غرة مقدرة بنصف عشر دية المسلم، لان الاعتبار بالدية حال الاستقرار، وهى مسلمة حال الاستقرار. وان ضرب بطن مرتدة فأسلمت ثم أسقطت جنينا ميتا ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمنه وهو قول ابن الحداد المصرى لان الابتداء لم يكن مضمونا (والثانى) يضمنه اعتبارا بحال الاستقرار (فرع) إذا وطئ مسلم وذمى ذمية بشبهة في طهر واحد ثم ضرب رجل بطنها وألقت جنينا ميتا عرض على القافة على الصحيح من المذهب، فإن ألحقته بالمسلم وجب فيه غرة مقدرة بنصف عشر دية المسلم وان ألحقته بالذمي وجبت فيه غرة مقدرة بنصف عشر دية اليهودي وان أشكل الامر عليها وجب فيه ما يجب في الجنين اليهودي لانه يقين، فان كان يرجو انكشاف الامر لم نورث هذا المال أحدا ووقف إلى أن يبين الامر، وان لم يرج انكشاف الامر ترك حتى يصطلحوا عليه، فإن أراد الذمي والذميه ان يصطلحا في قدر الثلث جاز لانه لا حق للذمي فيه، ولا يخرج هذا القدر ما بينهما (فرع) الغرة الواجبة في الجنين الحرير ثنا ورثته، وبه قال أبو حنيفة. وقال الليث بن سعد لا يورث عنه، وانما يكون لامه لانه بمثابه عضو منها، دليلنا أنه دية نفس تورث عنه كما لو خرج حيا، وان ضرب بطن نصرانيه فألقت جنينا ميتا فادعت أن هذا الجنين من مسلم زنى بها لم يجب فيه أكثر من دية جنين نصرانيه، لان ولد الزنا لا يلحق بالزانى. قال الطبري، وان قالت وطئني مسلم بشبهة فكذبها الجاني والعاقلة، حلفوا على نفى العلم لان الظاهر أنه تابع لها. وان صدقوها وجبت غرة مقدرة بنصف عشر دية مسلم، وان صدقها العاقلة دون الجاني لم يؤثر تكذيب الجاني. وان صدقها الجاني وكذبتها العاقلة حملت العاقلة دية جنين النصرانية ووجب الباقي في مال الجاني لانه وجب باعترافه، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب أروش الجنايات

قال المصنف رحمه الله: باب أروش الجنايات والجنايات التى توجب الاروش ضربان، جروح وأعضاء، فأما الجروح فضربان، شجاج في الرأس والوجه، وجروح فيما سواهما من البدن، فأما الشجاج فهى عشر، الخارصة وهى التى تكشط الجلد، والدامية وهى التى يخرج منها الدم، والباضعة وهى التى تشق اللحم، والمتلاحمة وهى التى تنزل في اللحم، والسمحاق، وهى التى تسميها أهل البلد الملطاط، وهى التى تستوعب اللحم إلى أن تبقى غشاوة رقيقة فوق العظم، والموضحة وهى التى تكشف عن العظم، والهاشمة وهى التى تهشم العظم، والمنقلة وتسمى أيضا المنقولة، وهى التى تنقل العظم من مكان إلى مكان، والمأمومة وتسمى أيضا الآمة وهى التى تصل إلى أم الرأس وهى جلدة رقيقة تحيط بالدماغ، والدامغة وهى التى تصل إلى الدماغ (فصل) والذى يجب فيه أرش مقدر من هذه الشجاج أربع، وهى الموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة، فأما الموضحة فاواجب فيها خمس من الابل، لما روى أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وفي الموضحة خمس من الابل) ويجب ذلك في الصغيرة والكبيرة، وفى البارزة والمستورة بالشعر، لان اسم الموضحة يقع على الجميع، وإن أوضح موضحتين بينهما حاجز وجب عليه أرش موضحتين، لان هما موضحتات. وإن أزال الحاجز بينهما وجب أرش موضحة لانه صار الجميع بفعله موضحة واحدة، فصار كما لو أوضح الجميع من غير حاجز. وإن تآكل ما بينهما وجب أرش موضحة واحدة، لان سراية فعله كفعله، وان أزال المجني عليه الحاجز وجب على الجاني أرش الموضحتين، لان ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غير هـ. وإن جاء آخر فأزال الحاجز وجب على الاول أرش الموضحتين وعلى الاخر أرش موضحه، لان فعل أحدهما لا يبنى على الاخر فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته.

وان أوضح موضحتين ثم قطع اللحم الذى بينهما في الباطن، وترك الجلد الذى فوقهما، ففيه وجهان. (أحدهما) يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر (والثانى) يلزمه أرش موضحة لاتصالهما في الباطن، وإن شج رأسه شجة واحدة بعضها موضحة وبعضها باضعة لم يلزمه أكثر من أرش موضحة، لانه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة، فلان لا يلزمه والايضاح في البعض أولى. وإن أوضح جميع رأسه وقدره عشرون أصبعا ورأس الجاني خمس عشرة أصبعا اقتص في جميع رأسه، وأخذ عن الربع الباقي ربع أرش موضحه وخرج أبو على بن أبى هريرة وجها آخر أنه يأخذ عن الباقي أرش موضحة، لان هذا القدر لو انفرد لوجب فيه أرش موضحة، وهذا خطأ لانه إذا انفرد كان موضحة فوجب أرشها، وههنا هو بعض موضحه فلم يجب فيه إلا ما يخصه. (الشرح) حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مضى تخريجه، وكذلك بيان لغات الفصل. أما الاحكام فإن الجنايات على ما دون النفس شيئين: جراحات وأعضاء فأما الجراحات فضربان، شاج في الرأس والوجه، وجراحات فيما سواهما من البدن، فأما الشجاج في الرأس والوجه فعشرة: الخارصه، والداميه، والباضعه والمتلاحمة، والسمحاق، والموضحه، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، والدامغه، فالتى يجب فيها أرش مقدر من هذه الشجاج الموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة، فالموضحة فيجب فيها خمس من الابل صغيرة كانت أو كبيرة، وبه قال أكثر الفقهاء وقال مالك ان كانت في الانف أو في اللحى الاسفل وجبت فيها حكومة. وقال ابن المسيب يجب في الموضحة عشر من الابل. دليلنا حديث أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان في كتابه (أن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الابل وأن في الانف إذا أوعب جدعه الدية، وفى اللسان الدية

وفى الشفتين الدية، وفى البيضتين الدية، وفى الذكر الدية، وفى الصلب الدية، وفى العينين الدية، وفى الرجل الواحدة نصف الدية، وفى المأمومة ثلث الدية، وفى الجائفة ثلث الدية، وفى المنقله خمسة عشر من الابل، وفى كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الابل. وفى السنن خمس من الابل، وفى الموضحة خمس من الابل،، وان الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي موصولا وأبو داود في المراسيل، وصححه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي، وقد تقدم الكلام عليه. وقد أثبتنا رواية النسائي هنا لنرجع إليها ما يأتي من الديات عن كتب منها اتقاء التكرار. (مسألة) إذا أوضحه موضحتين أو ثلاثا أو أربعا لكل موضحة خمس من الابل لعموم الخبر، فإن كثرت المواضح حتى زاد أرشها على دية النفس ففيه وجهان لاصحابنا الخراسانيين (أحدهما) لا يجب أكثر من دية النفس، لان ذلك ليس بأكثر حرمة من نفسه (والثانى) يجب بكل موضحة خمس من الابل وهو الشمهور لقوله صلى الله عليه وسلم (وفى الموضحة خمس من الابل) ولم يفرق، ولانه يجب في كل واحدة أرش مقدر فوجب، وإن زاد ذلك على دية النفس، كما لو قطع يديه ورجليه، فإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز ثم أزال الجاني هذا الحاجز لم يجب عليه أكثر من أرش موضحة، لان فعل الانسان يبنى بغضه على بعض، كما لو قطع يديه ورجليه ثم مات، وكذلك ان تأكل ما بينهما بالجناية صار كما لو خرق ما بينهما لان سراية فعله كفعله فصار كما لو قطع يديه ورجليه وسرى ذلك إلى نفسه، وإن خرق أجنبي ما بينهما وجب عليه أرش موضحه إن بلغ إلى العظم. ووجب على الاول أرش موضحتين، لان فعل الانسان لا يبنى على فعل غيره وإن خرق المجني عليه ما بينهما صار ما فعله هدرا ولم يسقط بذلك عن الجاني شئ وإن أوضح رجلان في رأس رجل موضحتين واشتركا فيهما ثم جاء أحدهما وخرق ما بينهما وجب على الخارق نصف أرش موضحة، وعلى الذى لم يخرق أرش موضحه، لانهما لما أوضحاه أولا وجب على كل واحد منهما أرش موضحة

فإذا خرق أحدهما الحاجز بينهما صار في حقه كأنهما أوضحاه موضحة واحدة فكان عليه نصف أرشها ولم يسقط بذلك مما وجب على الاخر شئ (فرع) إذا شج رجل آخر شجة، بعضها موضحه وبعضها باضعه وبعضها متلاحمه لم يجب عليه أكثر من أرش موضحه، لانه لو أوضحها جميعها لم يجب عليه أكثر من أرش موضحه، فلان لا يلزمه والايضاح في بعضها أولى وان أوضحه موضحتين وخرق اللحم الذى بينهما ولم يخرق الجلد الظاهر ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أرش موضحتين اعتبارا بالظاهر (والثانى) لا يلزمه إلا أرش موضحه اعتبار بالباطن. وان أوضحه موضحتين وخرق الجلد الذى بينهما ولم يخرق اللحم لم يلزمه إلا أرش موضحه وجها واحدا، لانه لو خرق الظاهر والباطن بينهما لم يلزمه الا أرش موضحه، فلان لا يلزمه الا أرش موضحه ولم يخرق الا الظاهر أولى. وان أوضحه موضحة في الرأس ونزل فيها إلى القفا وهو العنق وجب عليه أرش موصحه في الرأس وحكومه فيما نزل إلى القفا، لانهما عضوان مختلفان، وان أوضحه موضحة بعضها في الرأس وبعضها في الوجه ففيه وجهان، أحدهما يلزمه أرش موضحتين لانهما عضوان مختلفان، فهما كالرأس والقفا، والثانى لا يلزمه الا أرش موضحه، لان الجميع محل للموضحه بخلاف القفا، والاول أصح لانهما مختلفان في الظاهر. وان أوضح جميع رأسه ورأس المجني عليه عشرون أصبعا ورأس الجاني خمسة عشر أصبعا فاقتص منه في جميع رأسه، فإنه يجب للمجني عليه فيما بقى الارش، لانه لم يستوف قدر موضحته، وكم يجب له؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب له أرش موضحه، لانه لو أوضحه قدر ذلك لوجب فيه أرش موضحه (والثانى) وهو الاصح أنه لا يجب له الا ربع أرش موضحه، لانه أوضحه موضحه وقد استوفى ثلاثة أرباعها فبقى له ربع أرشها. وإذا وجب له أرش موضحه مغلظه فانه تجب له حفتان وثلاثه أبعره من النوعين الاخرين قال القاضى أبو الطيب: فيكون له بعير ونصف من الحقان، وبعير ونصف من الجذاع.

قال ابن الصباغ: وهذا يقتضى أن يأخذ قيمة الكسرين إلا أن يرضى أن يأخذهما من السن الاول، وهو أن يأخذ حقتين وجذعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في الهاشمة عشر من الابل لما روى قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أنه قال (في الهاشمة عشر من الابل) وإن ضرب رأسه بمثقل فهشم العظم من غير إيضاح ففيه وجهان. أحدهما وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه تجب فيه الحكومة، لانه كسر عظم من غير إيضاح، فأوجب الحكومة ككسر عظم الساق. والثانى وهو قول أبى اسحاق أنه يجب فيه خمس من الابل، وهو الصحيح، لانه لو أوضحه وهشمه وجب عليه عشر من الابل، فدل على أن الخمس الزائدة لاجل الهاشمة، وقد وجدت الهاشمة فوجب فيها الخمس، وان هشم هاشمتين بينهما حاجز وجب عليه أرش هاشمتين كما قلنا في الموضحتين (فصل) ويجب في المنقله خمس عشرة من الابل لما روى عمر بن حزم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن في المنقلة خمس عشرة من الابل) وإن أوضح رأسه موضحة ونزل فيها إلى الوجه ففيه وجهان، أحدهما أنه يجب عليه أرش موضحتين لانه أوضح في عضوين فوجب أرش موضحتين، كما لو فصل بينهما. والثانى يجب أرش موضحة لانها موضحه واحدة، فأشبه إذا أوضح في الهامه موضحه ونزل فيها إلى الناصبة، وإن أوضح في الرأس موضحه ونزل فيها إلى القفا وجب عليه أرش الموضحة في الرأس، ويجب عليه حكومه في الجراحه في القفا، لانه ليس بمحل للموضحه فانفرد الجرح فيه بالضمان (فصل) ويجب في المأمومه ثلث الديه لما روى عكرمه بْنِ خَالِدٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في المأمومه بثلث الديه، وأما الدامغة فقد قال بعض أصحابنا يجب فيها ما يجب في المأمومة، وقال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردى البصري: يجب عليه أرش المأمومة وحكومة لان خرق الجلد جناية بعد المأمومة فوجب لاجلها حكومة (فصل) وإن شج رأس رجل موضحة فجاء آخر فجلعها هاشمه، وجاء آخر

فجعلها منقلة، وجاء آخر فجعلها مأمومة، وجب على الاول خمس من الابل، وعلى الثاني خمس، وعلى الثالث خمس،، وعلى الرابع ثمانية عشر بعيرا وثلث، لان ذلك جناية كل واحد منهم. (الشرح) أثر زيد بن ثابت أخرجه البيهقى، ثما حكاه البيهقى عن عدد من أهل العلم. وقد اتفق أهل العلم على أنه لم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير، وحكوا عن مالك قوله: لا أعرف الهاشمة لكن في الايضاح خمس وفى الهشم عقوبة. وكان الحسن البصري لا يوقت فيها شيئا. قال ابن المنذر: النظر يدل على قول الحسن البصري إذ لا سنة فيها ولا إجماع، ولانه لم ينقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة، وسيأتى نقضه. أما مرسل عكرمة ذلك لانه ابن خالد بن العاص بن هشام المخزومى من التابعين، فإن في حديث عمر وبن حزم عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن ما يغنى عنه. أما الاحكام فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ (وقد حفظت عن عدد لقيتهم وذكر لى عنهم أنهم قالوا في الهاشمة عشر من الابل وبهذا أقول. ثم قال ولو كانت الشجة كبيرة فهشمت موضعا أو مواضع بينهما شئ من العظم لم ينهشم كانت هاشمة واحدة لانها جناية واحدة، ولو كانت بينهما شئ من الرأس لم تشققه والضربة واحدة فهشمت مواضع كان في كل موضع منها انفصل حتى لا يصل به غيره مجروحا بتلك الضربة هاشمة، وهذا هكذا في المنقلة والمأمومة. وممن قال في الهاشمة عشر من الابل أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وقال مالك يجب فيها خمس من الابل وحكومة في كسر العظم، دليلنا ما روى عن زيد بن ثابت ولا مخالف له في الصحابة فكان اجماعا، ومثل حكم زيد يدل ظاهره على أنه توقيف ومن ثم لا يخلو من أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولانها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة وإن ضرب وجهه أو رأسه بمثقل فهشم العظم من غير أن يقطع جلدا ولا

لحما ففيه وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فيها حكومة لانها ليست بموضحة ولا هاشمة، وإنما كسر عظم، فهو كما لو كسر يده وقال أبو إسحاق المرزوى عليه خمس من الابل، وهو الاصح لانه لو أوضحه وهشمه لوجب عليه عشر من الابل، ولو أوضحه ولم يهشمه لم يجب عليه إلا خمس من الابل، فدل على أن الخمس الزائدة لاجل الايضاح. (فرع) إذا شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة وبعضها دون موضحة لم يجب عليه إلا عشر من الابل، لانه لو هشم الجميع لم يجب عليه الا عشر من الابل، فلان لا يلزمه الهشم في البعض أولى، وان هشمه هاشمتين بينهما حاجز لزمه أرش هاشمتين، وان أوضحه موضحتين وهشم العظم بكل واحدة منهما واتصل الهشم في البطان وجب عليه أرش هاشمتين وجها واحدا، والفرق بينهما وبين الموضحتين إذا اتصلتا في الباطن، لان الحائل قدر ارتفع بين الموضحتين في الباطن، وههنا اللحم والجلد بينهما باق فكاننا هاشمتين، وانما الكسر اتصل ولا اعتبار به، وبكل ما قلنا ذهب أحمد وأصحابه قوله (في المنقلة خمس عشرة من الابل) وفى رواية (خمسة عشر من الابل) قال في القاموس هي الشجة التى ينقل منها فراش العظام، وهى قشور تكون على العظم دون اللحم. وفى النهاية لابن الاثير انها التى تخرج صغار العظام وتنقل عن أمكانها. وقيل التى تنقل العظم أي تكسره وقد روى ذلك عن على وزيد بن ثابت والعترة وأحمد بن حنبل وأبى حنيفة. قال ابن قدامه وهو إجماع أهل العلم. أما تفصيلها فكما في تفصيل الموضحة والهاشمة قوله (ويجب في المأمومة ثلث الديه) قلت ارجع إلى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن في أول الباب قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون لها الآمه وأهل الحجاز المأمومه، وهى الجراحه الواصلة إلى أم الدماغ، سميت أم الدماغ لانها تحوطه وتجمعه، فاذإا وصلت الجراحه إليها سميت آمه ومأمومه، وأرشها ثلث الديه في قول عامة أهل العلم إلا مكحولا فانه قال ان كانت عمدا ففيها ثلالثا الدية، وان كانت خطأ ففيها ثلاثا، هكذا نقله الشوكاني عن ابن المنذر

أما الدامغة وهى أن يخرق جلدة الدامغ وفيها ما في المأمومة، ولم يذكر متقدموا أصحاب أحمد الدامغة لمساواتها المأمومة في أرشها، قال ابن قدامة ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب. وقال أبو الحسن الماوردى البصري صاحب الحاوى والاحكام السلطانية وأدب الدنيا والدين وغيرها وإمام أصحابنا العراقيين: يجب فيها حكومة مع ثلث الدية لخرق الغشاوة التى على الدماغ وبه قال بعض أصحاب أحمد كما أفاده ابن قدامة (فرع) قال أبو العباس بن سريج: وان أوضحه رجل وهشمه آخر ونقله آخر وأمه آخر في موضع واحد وجب على الذى أوضحه خمس من الابل وعلى الذى هشمه خمس من الابل وعلى الذى نقله خمس من الابل وعلى الذى أمه ثمانى عشرة من الابل وثلث، لان ذلك قدر أرش جناية كل واحد منهم. وهو اختيار المصنف هنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأما الشجاج التى قبل الموضحة وهى خمسة: الخارصة والدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق، فينظر فيها فإن أمكن معرفة قدرها من الموضحة بأن كانت في الرأس موضحة فشج رجل بجنبها باضعة أو متلاحمة وعرف قدر عمقها ومقدارها من الموضحة من نصف أو ثلاث أو ربع، وجب عليه قدر ذلك من أرش الموضحة، لانه يمكن تقدير أرشها بنفسها فلم تقدر بغيرها، وإن لم يمكن معرفة قدرها من الموضحة وجبت فيها الحكومة، لان تقدير الارش بالشرع ولم يرد الشرع بتقدير الارش فيما دون الموضحة، وتعذر معرفة قدرها من الموضحة فوجبت فيها الحكومة. (فصل) وأما الجروح فيما سوى الرأس والوجه فضربان، جائفة وغير جائفة فأما غير الجائفة فهى الجراحات التى لا تصل إلى جوف، والواجب فيها الحكومة فإن أوضح عظما في غير الرأس والوجه أو هشمه أو نقله وجب فيه الحكومة، لانها لا تشارك نظائرها من الشجاج التى في الرأس والوجه في الاسم ولا تساويها في الشين والخوف عليه منها، فلم تساوها في تقدير الارش. وأما الجائفة وهى

التى تصل إلى الجوف من البطن أو الظهر أو الورك أو الصدر أو ثغرة النحر، فالواجب فيها ثلث الدية، لما روى في حديث عمرو بن حزم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن (في الجائفة ثلث الدية) فإن أجاف جائفتين بينهما حاجز وجب في كل واحدة منهما الدية. وإن أجاف جائفة فجاء آخر ووسعها في الظاهر والباطن وجب على الثاني ثلث الدية، لان هذا القدر لو انفرد لكان جائفة فوجب فيه أرش الجائفة فإن وسعها في الظاهر دون الباطن أو في الباطن دون الظاهر وجب عليه حكومة، لان جنايته لم تبلغ الجائفة. وإن جرح فخذه وجر السكين حتى باغ الورك وأجاف فيه، أو جرح الكتف وجر السكين حتى باغ الصدر وأجاف فيه، وجب عليه أرش الجائفة وحكومة في الجراحة، لان الجراحة في غير موضع الجائفة فانفردت بالضمان كما قلنا فيمن نزل في موضحة الرأس إلى القفا. وإن طعن بطنه بسنان فأخرجه من ظهره، أو طعن ظهره فأخرجه من بطنه وجب عليه في الداخل إلى الجوف أرش الجائفة لانها جائفه، وفى الخارج منه إلى الظاهر وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أنة جائفة، ويجب فيها أرش جائفة أخرى لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أن عمر رضى الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت من الجوف جائفتان) ولانها جراحة نافذة إلى الجوف فوجب فيها أرش جائفة كالداخلة إلى الجوف (والثانى) ليس بجائفة، ويجب فيها حكومه، لان الجائفة ما تصل من الظاهر إلى الجوف، وهذه خرجت من الجوف إلى الظاهر فوجب فيها حكومه. (فصل) وان طعن وجنته فهشم العظم ووصلت إلى الفم ففيه قولان (أحدهما) أنها جائفة ويجب فيها ثلث الدية، لانها جراحة من ظاهر إلى جوف فأشبهت الجراحه الواصلة إلى الباطن (والثانى) أنه ليس بجائفه، لانه لا تشارك الجائفة في إطلاق الاسم ولا تساويها في الخوف عليه منها، فلم تساوها في أرشها، فعلى هذا يجب عليه دية هاشمه لانه هشم العظم ويجب عليه حكومه لما زاد على الهاشمه

(فصل) وان خاط الجائفة فجاء رجل وفتق الخياطة نظرت فإن كان قبل الالتحام لم يلزمه أرش لانه لم توجد منه جنايه ويلزمه قيمة الخيط وأجرة المثل للخياطه، وان كان بعدا لتحام الجميع لزمه أرش جائفه، لانه بالالتحام عاد إلى ما كان قبل الجناية ويلزمه قيمة الخيط ولا تلزمه أجرة الخياطة لانها دخلت في أرش الجائفة، وان كان بعد التحام بعضها لزمه الحكومه لجنايته على ما التحم وتلزمه قيمة الخيط ولا تلزمه أجرة الخياطة لانها دخلت في الحكومة (فصل) وإن أدخل خشبة أو حديدة في دبر انسان فحرق حاجزا في الباطن ففيه وجهان بناء على الوجهين فيمن خرق الحاجز بين الموضحتين في الباطن (أحدهما) يلزمه أرش جائفه لانه خرق حاجزا إلى الجوف (والثانى) تلزمه حكومه لبقاء الحاجز الظاهر. (فصل) وإن أذهب بكارة امرأة بخشبة أو نحوها حكومه، لانه إتلاف حاجز وليس فيه أرش مقدر، فوجبت فيه الحكومه، وان أذهبها بالوطئ لم يلزمه أرش لانها ان طاوعته فقد أذنت فيه، وان أكرهها دخل أرشها في المهر، لانا نوجب عليه مهر بكر (الشرح) في مراسيل مَكْحُولٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ في الموضحة خمسا من الابل ولم يوقت فيما دون ذلك شيئا) فإذا كان تقدير الارش لا يثبت إلا بالنص التوقيفى، ولا توقيف هاهنا في الشجاج التى قبل الموضحة بأرش مقدر فإنه إذا ثبت هذا فإذا أمكن معرفة قدرها من الموضحة بأن كان في رأس المجني عليه موضحه ثم شج في رأسه دامغه أو باضعه، فإن عرف قدر عمقها من عمق الموضحة التى في رأسه وجب فيها تقدير ذلك من أرش الموضحة، وان لم يمكن معرفة قدر عمقها من عمق الموضحة التى في رأسه وجب فيها حكومه يعرف بالتقويم على ما يأتي بيانه، فإن تيقنا أنها نصف الموضحة وشككنا هل يزيد ام لا؟ فإنه يقوم، فإن خرجت حكومتها بالتقويم نصف ارش الموضحة لا غير، لم تجب الزيادة لانا علمنا ان الزيادة لا حكم لها، وان خرجت حكومتها اكثر من نصف ارش الموضحة وجب ذلك لانا علمنا ان الشك له حكم. وان خرجت حكومتها اقل من نصف

أرش الموضحة وجب نصف أرش الموضحة. لانا قد تيقنا وجوب النصف وعلمنا أن التقويم خطأ. قوله (وأما الجروح فيما سوى الرأس والوجه الخ) فجملة ذلك أن هذا الجراحة ضربان جائفة وغير جائفة، فأما غير الجائفة وهى الموضحة والهاشمة والمنقلة وما دون الموضحة من الجراحات فلا يجب فيها أرش مقدر، وإنما يجب فيها حكومة لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الموضحة وما بعدها من الجراحات وذكر بعدها المأمومة، والمأمومة لا تكون إلا في الرأس، فعلم أن ما قبلها لا تكون إلا بالرأس، والوجه في معنى الرأس، ولان هذه الجراحات في سائر البدن لا تشارك نظائرها في الرأس والوجه في الشين والخوف عليه منها فلم يشاركها في تقدير الارش. وأما الجائفة فهى الجراحات التى تصل إلى الجوف من البطن أو الصدر أو ثغرة النحر أو الورك فيجب فيها ثلث الدية. وقال مكحول: إن تعمدها وجب فيها الدية. دليلنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن الذى سقنا لك نصه في أول الباب. وعن ابن عمر مثل ذلك أن في الحائفة ثلث الدية، وهو قول عامة أهل العلم، منهم أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأى إلا مكحولا حيث قال في عمدها ثلثى الدية ولانها جراحة أرشها مقدر فلم يختلف قدر أرشها بالعمد والخطأ كالموضحة، ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الاعضاء وكسر العظام مقدرا غير إلحائفة، والجائفة ما وصل إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة نحر أو ورك أو غيره. وذكر ابن عبد البر أن مالكا وأبا حنيفة والشافعي والنبى اصحابهم اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلا في الجوف. قال ابن القاسم: الحائفة ما أفضى إلى الجوف ولو بمغرز إبرة. فأما ان خرق شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة لان داخل الفم حكمه حكم الظاهر لاحكم الباطن فإن أجافه جائفتين بينهما حاجز وجب عليه أرش جائفتين، وإن طعنه فأنفذه من ظهرة إلى بطنه ففيه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه إلا أرش جائفة. لان الجائفة هو ما ينفذ من

خارج إلى داخل، فأما الخارج من داخل إلى خارج فليس بجائفة، فيجب فيها حكومة (والثانى) يجب عليه أرش جائفتين، وبه قال مالك، وهو المذهب، لانه روى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ولا مخالف لهما في الصحابة رضى الله عنهم أجمعين، ولانهما جراحتان نافذتان إلى الجوف فهو كما لو نفذنا من خارج إلى داخل. (فرع) وإن أجاف رجلا جائفه ثم جاء آخر وأدخل السكين في تلك الجائفة، فإن لم يقطع شيئا فلا شئ عليه وإنما يعزر به، وان وسعها في الظاهر والباطن وجب عليه أرش جائفة لانه أجاف جائفة أخرى، وان وسعها في الظاهر دون البان أو في البان دون الظاهر أو أصاب بالسكين كبده أو قلبه وجرحه وجبت عليه حكومة، وإن قطع امعاءه أو أبان حشوته فهو قاتل، لان الروح لا تبقى مع هذا، والاول جارح. وإن وضع السكين على فحذه فجره حتى بلغ به البطن وأجافه، أو وضعه على كتفه وجره حتى بلغ به الظهر وأجافه وجب عليه أرش جائفة وحكومة للجراحة في الكتف والفخذ، لانهما جراحة في غير محل الجائفة. وان وضع السكين على صدره وجرها حتى باغ به إلى بطنه أو ثغرة النحر وأجافه لم يجب عليه إلا أرش جائفة، لان الجميع محل للجائفة، ولو أجافه في الجميع لم يلزمه إلا أرش جائفة فلئلا يلزمه ولم يجفه إلا في بعضه أولى. هذا هو اتفاق أهل العلم (فرع) إذا أجافه جائفة فخاط الجائفة، فجاء آخر وفنق تلك الخياطة، فإن كان الجرح لم يلتحم ظاهرا أو لا باطنا لم يلزم الثاني أرش، وانما يعزر، كما لو أدخل السكين في الجائفة قبل الخياطة، ويجب عليه قيمة الخياطة وأجرة المثل، وان كانت الجراحة قد التحمت فقطعها ظاهرا وباطنا وجب عليه ارش جائفة، لانه عاد كما كان، وان التحمت الجراحة في الظاهر دون الباطن أو في الباطن دون الظاهر ففتقه وجبت عليه الحكومة، وكل موضع وجب عليه ارش، الجائفه أو الحكومه فإنه يجب عليه معه قيمة الخيط، وتدخل اجرة الطبيب الذى يجرى عملية الخياطة في الارش أو في الحكومه. وهذا هو اتفاق اهل العلم (فرع) إذا جرحه في جوفه فخرجت الجراحه من الجانب الاخر فهما جائفتان

في قول أكثر أهل العلم، منهم عطاء ومجاهد وقتادة ومالك وأحمد وأصحاب الرأى. قال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك. وقال بعض أصحابنا: هي جائفة واحدة. وحكى هذا عن أبى حنيفة، لان الجائفة هي التى تنفذ من ظاهر البدن إلى جوف، وهذه الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظهر وقد استدل الجمهور بما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن المسيب (أن رجلا رمى رجلا بسهم فأنفذه فقضى أبو بكر رضى الله عنه بثلث الدية) وروى نحوه عن عمر رضى الله عنه من طريق عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لان الاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله، إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوى في المعنى، كما قلنا فيمن أوضح إنسانا في رأسه ثم أخرج السكين من موضع آخر فهما موضحتان، وإن هشمه هاشمة لها مخرجان فهما هاشمتان. (فرع) إذا ضرب وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه، ففيه قولان، (أحدهما) يجب عليه أرش جائفة، لانها جراحة وصلت إلى جوف الفم، فهو كما لو وصلت إلى جوف البطن أو الرأس (والثانى) لا يجب عليه إلا أرش هاشمة لهشم العظم وحكومة لما زاد، لان هذه دون الجائفة إلى البطن أو الرأس في الخوف عليه منها، وإن جرحه في أنفه فحرقه إلى باطنه، قال أبو على الطبري ففيه قولان، كما لو هشم عظم وجنته فوصل إلى فيه، وقال ابن الصباغ: لا يجب عليه أرش جائفة قولا واحدا. (فرع) إذا أدخل خشبة في دبر إنسان فحرق حائزا في البطن فهل يلزمه أرش جائفة؟ فيه وجهان كما قلنا فيمن خرق الباطن بين الموضحتين دون الظاهر وقال أحمد وأصحابه: عليه حكومه ولا يلزمه أرش جائفه وجها واحدا. أما إذا أذهب بكارة امرأة بخشبة أو بيده فليست بجائفه، لانه لا يخاف عليها من ذلك فإن كانت امة وجب عليه ما نقص من قيمتها، وان كانت حرة ففيها حكومه، فإن أكرهها على الزنا وجب عليه حكومه، ولاذهاب البكارة مهر المثل، وهل يلزمه أرش البكارة؟ عد أصحاب أحمد فيها روايتان إحداهما لا يلزمه لان أرش البكارة داخل في مهر المثل، فإن مهر المثل أكبر من مهر الثيب، فالتفاوت

بينهما هو عوض أرش البكارة فلم يضمنه مرتين (والثانية) يضمنه لانه محل أتلفه بعدوانه فلزمه أرشه، كما لو أتلفه بأصبعه قال المنصف رحمه الله تعالى: (فصل) وأما الاعضاء فيجب الارش في إتلاف كل عضو فيه منفعة أو جمال، فيجب في إتلاف العينين الدية، وفى أحدهما نصفها، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في كتاب كتبه لعمرو بن حزم: هذا كتاب الجروح، في النفس مائة من الابل وفى العين خمسون من الابل، فأوجب في كل عين خمسين من الابل، فدل على أنه يجب في العينين مائة، ولانها من أعظم الجوارح جمالا ومنفعة ويجب في عين الاعور نصف الدية للخبر، ولان ما ضمن بنصف الدية مع بقاء نظيره صمن به مع فقد نظيره كاليد. وان جنبى على عينيه أو رأسه أو غيرهما فذهب ضوء العينين وجبت الدية لانه أتلف المنفعة المقصودة بالعضو فوجبت ديته، كما لو جنى على يده فشلت، وإن ذهب الضوء من إحداهما وجب نصف الدية، لان ما أوجب الدية في إتلافهما أوجب نصف الدية في إتلاف إحداهما كاليدين. وان أزال الضوء فأخذت منه الدية ثم عاد وجب رد الدية، لانه لما عاد علمنا أنه لم يذهب، لان الضوء إذا ذهب لم يعد. وإن زال الضوء فشهد عدلان من أهل الخبرة أنه يرجى عوده، فإن لم يقدر لعوده مدة معلومة لم ينتظر لان الانتظار إلى غير مدة معلومة يؤدى إلى إسقاط موجب الجناية. وان قدر مدة معلومة انتظر وان عاد الضوء لم يجب شئ وان لم يعد أخذ الجاني بموجب الجناية من القصاص أو الدية وان مات قبل انقضاء المدة لم يجب القصاص لانه موضع شبهة لانه يجوز أن لا يكون بطل الضوء، ولعله أو عاش لعاد والقصاص يسقط بالشبهة، وأما الدية فقد قال فيمن قلع سنا وقال أهل الخبرة: يرحى عوده إلى مدة فمات قبل انقضائها إن في الدية قولين: أحدهما تجب لانه أتلف ولم يعد. والثانى لا تجب لانه لم يتحقق الاتلاف ولعله

لو بقى لعاد، فمن أصحابنا من جعل في دية الضوء قولين، ومنهم من قال: تجب دية الضوء قولا واحدا، لان عود الضوء غير معهود، بخلاف السن فإن عودها معهود. (فصل) فإن جنى على عينيه فنقص الضوء منهما، فإن عرف مقدار النقصان بأن كان يرى الشخص من مافة فصار لا يراه إلا من نصف تلك المسافة وجب من الدية بقسطها، لانه عرف مقدار ما نقص فوجب بقسطه، وان لم يعرف قدر النقصان بأن ساء إداركه وجبت فيه الحكومة لانه تعذر التقدير، فوجبت فيه الحكومة، وان نقص الضوء في إحدى العينين عصبت العليلة وأطلقت الصحيحة، ووقف له شخص في موضع يراه، ثم لا يزال يبعد الشخص ويسأل عنه إلى أن يقول لاأراه، ويمسح قدر المسافة ثم تطلق العليلة وتعصب الصحيحة، ولا يزال يقرب الشخص إلى أن يراه، ثم ينظر ما بين المسافتين، فيجب من الدية بقسطها. (فصل) وان جنبى على عين صبى أو مجنون فذهب ضوء عينه، وقال أهل الخبرة قد زال الضوء ولا يعود، ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يجب عليه في الحال شئ، حتى يباغ الصبى ويفيق المجنون ويدعى زوال الضوء، لجواز أن لا يكون الضوء زائلا (والقول الثاني) أنه يجب القصاص أو الدية، لان الجناية قد وجدت فتعلق بها موجبها. (فصل) وان جنى على عين فشخصت أو احولت وجبت عليه حكومة، لانه نقصان جمال من غير منفعة، فضمن بالحكومة، وان أتلف عينا قائمة وجبت عليه الحكومة لانه إتلاف جمال من غير منفعة فوجبت فيها الحكومة. (فصل) ويجب في الجفون الدية لان فيها جمالا كاملا ومنفعة كاملة، لانها تقى العين من كل ما يؤذيها، ويجب في كل واحد منها ربع الدية، لانه محدود، لانه ذو عدد تجب الدية في جميعها، فوجب في كل واحد منها ما يخصها من الدية كالاصابع، وان قلع الاجفان والعينين وجب عليه ديتان، لانهما جنسان يجب باتلاف كل واحد منهما الدية، فوجب بإتلافهما ديتان كاليدين والرجلين، فإن أتلف الاهداب وجبت عليه الحكومه، لانه إتلاف جمال من غير منفعة،

فضمن بحكومة، إن قلع الاجفان وعليها الاهداب ففيه وجهان، أحدهما لا يجب للاهداب حكومة لانه شعر نابت في العضو المتلف فلا يفرد بالضمان كشعر الذراع. والثانى: يجب للاهداب حكومة، لان فيها جمالا ظاهرا فأفردت عن العضو بالضمان. (الشرح) يأخذ المصنف في ديات الاعضاء، فيبحث أولا ديات العين، فيتقرر من هذا ان في العينين الدية لما عرفناه من كتاب صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن وفيه (وفى العينين الدية) ويجب في إحداهما نصب الدية، وهذا مطرد فيما فيه زوج كالاذن والرجل واليد، ولا اعلم في ذلك مخالفا إلا في الاعور فإن مقضتى المذهب أنه لا يجب فيه إلا نصف الدية خمسون من الابل أو من النقدين تقويما. وبه قال النخعي والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وقال الزهري ومالك والليث وأحمد وإسحاق: يجب فيها جميع الدية وروى ذلك عن عمر وعلى وابن عمر، وذلك لعماه بسببها فساوت مصيبته مصيبة من قلعت عيناه. دليلنا أن الدليل لم يفصل ولم يفرق بين عين الاعور وعين غيره، ولان ما ضمن ببدل مع بقاء نظيره ضمن به مع فقد نظيره كالبد. وإن قلع الاعور عين من له عينان وللجاني مثلها كان للمجني عليه القصاص. وقال أحمد ليس له القصاص منه. دليلنا قوله تعالى (والعين بالعين) ولم يفرق وإن عفى المجني عليه عن قلع عين الاعور لم يستحق عليه إلا نصف الدية. وقال مالك يستحق عليه جميع الدية. دليلنا أنه قلع عين واحدة فإذا عفى عن القصاص لم يجب له أكثر من ديتها كما لو كانتا سليمتين (فرع) إذا جنبى على عينه أو رأسه فذهب ضوء بصره والحدقة باقية كانفصال الشبكية وجبت عليه الدية للحديث المرفوع (وفيا لبصر مائة من الابل) ولكتابه صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن (وفى العينين الدية) ولانه أذهب المنفعة المقصودة بالعين وعطل وظائفها فوجب عليه أرشها، كما لو جنى على يده فشلت. وإن ذهب البصر من إحدى العينين وجب عليه نصف الدية، كما لو أشل إحدى يديه،

فإن قلع عينا عليها بياض فإن كان على غيرا لناظر (القرنية) أو على الناظر إلا أنه خفيف يبصر بها من تحته وجب عليه جميع ديتها، لان البياض لا يؤثر في منفعتها، وإنما يؤثر في جمالها، فهو كما لو قطع يدا عليها ثآليل، فإن كان لا يبصر لم تجب عليه الدية، وإنما عليه الحكومة كما لو قطع بدا شلاء، وإن نقص بصرها بالبياض وجب عليه من ديتها بقدر ما بقى من بصرها. (تنبيه) أعلم أن العين الكاملة الابصار مقياسها عند الاطباء 6 على 6 ودونها 6 على 9 ثم 6 على 12 ثم 6 على 18 ثم 6 على 24 ثم 6 على 60، ولها علامات مرسومة على لوحة مثبتة على حائط يبعد عند الكشف من مترين إلى أربعة أمتار فيها أقواس كبيرة من أعلاها ثم تأخذ في الصغر حتى تبلغ في الدقة الحد الذى يجعل رؤيتها دليلا على أن العين كاملة الابصار، وبهذا المقياس يمكن أن نكتفي به عن الصور التى رسمها المصنف منه وقوف شخص على بعد ثم اقترابه، وما إلى ذلك مما لم يكن له بديل أدق منه في عصرهم. أما وقد وصل الكشف الطبى في زماننا إلى الاطلاع على قاع العين بالعدسات والآلات الحديثة، فإن الاعتبار يكون بالوسائل الحديثة وبها نأخذ، على أن الصورة التى مثل بها الامام الشافعي رضى الله عنه لا يمكن أن يقوم مقامها صورة أخرى للاثبات أو النفى عند التحقيق في دعوى المجني عليه وهى في الفرع التالى. (فرع) إذا جنبى على عينه فذهب ضوؤها فأخذت منه الدية ثم عاد ضوؤها وجب رد ديتها، لانا علمنا أنه لم يذهب، وان ذهب ضوؤها وقال رجلان من أطباء العيون برجاء عودته فإن لم يقدر ذلك إلى مدة لم ينتظر، وان قدراه إلى مدة انتظر، فإن عاد الضوء لم تجب الدية، وان انقضت المدة ولم يعد الضوء أخذ الجاني بموجب الجناية. وإن مات المجني عليه قبل انقضاء تلك المدة لم يجب القصاص لانه موضع شبهة. وهل تجب عليه الدية؟ من أصحابنا من قال فيه قولان كما قلنا في السن. ومنهم من قال تجب الدية قولا واحدا، لان عود الضوء غير معهود، وعود السن معهود (فرع) إذا جنبى على عينيه فنقص ضوءها نظرت فإن عرف أنه نقص

نصف ضوئهما راجع ما أجملناه في تبيينهما آنفا حول امتحان العين بمقاييس عصرنا بأن نظره يساوى 6 على 6 فصار يساوى 6 على 12 وجبت عليه نصف الدية، وإن لم يعرف قدر النقصان، وإنما ساء إدراكه وجبت عليه حكومة. وإن نقص بصره في إحدى العينين وجبت عليه من دية تلك العين بقدر ما نقص من ضوئها إن أمكن معرفة ذلك. قال الشافعي رضى الله عنه: وإلامكان أن نعصب عينه العليلة ونطلق الصحيحة ويقام له شخص على ربوة من الارض، ثم يقال له انظر إليه ثم يتباعد الشخص عنه إلى أن يأتي إلى غاية يقول لا أدرى إلى أكثر منها، ثم يعلم على ذلك الموضع ويغير عليه ثياب الشخص لانه متهم، فإذا غير عليه وأخبر به علمنا صحة ذلك، ثم نطلق العين العليلة ونعصب الصحيحة ونوقب له الشخص على ربوة ثم لا يزال يبعد عنه إلى الغاية التى يقول أبصره إليها ولا أبصره إلى أكثر منها، فنعلم على ذلك الموضع ويوقف له الشخص من جميع الجهات، فإن أخبر أنه يبصره على أكثر من تلك الغاية أو أقل علمنا كذبه، لان النظر لا يختلف باختلاف الجهات فإذا اتفقت الجهات علمنا صدقهه، ثم ينظر كم الغاية الثانية من الاولى فيؤخذ بقدر ما نقص من الدية. (فرع) وإن جنى على عين صبى أو مجنون فقال الطبيب الشرعي: قد زال ضوءها ولا يرجى عوده، ففيه قولان. أحدهما يحكم على الجاني بموجب الجناية لان الجناية قد وجدت فيتعلق بها موجبها. والثانى لا يحكم عليه بموجبها حتى يبلغ الصبى ويفيق المجنون ويدعى زوال الضوء لجواز أن الضوء لم يذهب، وإن جنى على عين رجل فشخصت، وأى لا يستطيع أن يطرف إذا ارتفعت أو احولت ولم يذهب من ضوئها شئ، وجب عليه الحكومة لانه أذهب جمالا من غير ذهاب منفعة. وإن قلع عينا قائمة، وهى العين التى ذهب ضوءها وبقيت حدقتها وجبت عليه الحكومة دون الدية، لانه أذهب جمالا من غير منفعة. قوله (ويجب في الجفون الدية الخ) قلت: أجفان العينين أربعة واسمها الاشفار وفى جميعها الدية، لان فيها منفعة الجنس، وفى كل واحد منها ربع الدية

لان كل ذى عدد تجب في جميعه الدية تجب في الواحد منها بحصته من الدية كاليدين والاصابع، وبهذا قال الحسن والشعبى وقتادة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وأصحابه وقال مالك: لا يجب عليه الا الحكومة، لانه لم يعلم تقديره على النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير لا يثبت بالقياس. دليلنا أن فيها جمالا ظاهرا ونفعا كاملا، لانها نكن العين وتحفظها، وندرا عنها الرياح والعواصف، والحر والبرد، وهجوم الغبار والاجسام المتطايرة في الهواء، واولاها لقبح منظر العينين، فوجبت فيها الدية كاليدين، ولا نسلم أن التقدير لا يثبت قياسا، فإذا ثبت هذا فإن في أحدها ربع الدية. وحكى عن الشعبى أنه يجد في الا على ثلثا دية العين، وفى الاسفل ثلثها لانه أكثر نفعا. وإن قطع الاجفان وعليها الاهداب ففيه وجهان: (أحدهما) يجب عليه الدية كالاجفان والحكومة للاهداب، كما لو قطع الاهداب والاجفان (والثانى) يجب عليه الدية لا غير، كما لو قطع يدا وعليها شعر واظفار. وان قلع العينين والاجفان وجبت عليه ديتان، كما لو قطع يديه ورجليه، وإن أزال الاهداب وحدها ففيه حكومة، وقال أبو حنيفة وأحمد: تجب فيها الدية وفى كل واحد منها ربعها، ومثل ذلك الحاجبان، فإن فيها حكومة. وقال أبو حنيفة وأحمد فيهما الدية. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في الاذنين الدية وفى أحدهما نصفها لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب في كتاب عمرو بن حزم (في الاذن خمسون من الابل) فأوجب في الاذن خمسين من الابل، فدل على أنه يجب في الاذنين مائة، ولان فيها جمالا ظاهرا ومنفعة مقصودة، وهو أنها تجمع الصوت وتوصله إلى الدماغ، فوجب فيها الدية كالعين وإن قطع بعضها من نصف أو ربع أو ثلث وجب فيه من الدية بقسطه،

لان ما وجبت الدية فيه وجبت في بعضه بقسطه كالاصابع، وإن ضرب أذنه فاستحشفت ففيه قولان: (أحدهما) تجب عليه الدية كما لو ضرب يده فشلت (والثانى) تجب عليه الحكومة، لان منفعة الاذن جمع الصوت، وذلك لا يزول بالاستحشاف، بخلاف اليد فإن منفعتها بالبطش وذلك يزول بالشلل، وإن قطع أذنا مشتحشفة فإن قلنا إنه إذا ضربها فاستحشفت وجبت عليه الدية، وجب في المستحشفة الحكومة، كماا لو قطع يدا شلاء، وان قلنا إنه تجب عليه الحكومة وجب في المستحشفة الدية، كما لو قطع يدا مجروحة، فإن قطع أذن الاصم وجبت عليه الدية، لان عدم السمع نقص في غير الاذان، فلا يؤثر في دية الاذان. (فصل) ويجب في السمع الدية، لما روى أبو المهلب عن أبى قلابة (أن رجلا رمى رجلا بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه، فقضى فيه عمر رضى الله عنه بأربع ديات والرجل حى) ولانها حاسة تختص بمنفعة فأشبهت حاسة البصر. وإن أذهب السمع في أحد الاذنين وجب نصف الدية، لان كل شيئين وجبت الدية فيهما وجب نصفها في أحدهما كالاذنين وان قطع الاذنين وذهب السمع وجب عليه ديتان لان السمع في غير الاذن فلا تدخل دية أحدهما في الاخر وان جنى عليه فزال السمع وأخذت منه الدية ثم عاد وجب رد الديه، لانه لم يذهب السمع، لانه لو ذهب لما عاد. وإ ذهب السمع فشهد شاهدان من أهل الخبرة أنه يرجى عوده إلى مدة، فالحكم فيه كالحكم في العين إذا ذهب ضوءها، فشهد شاهدان أنه يرجى عوده، وقد بيناه. وإن نقص السمع وجب أرش ما نقص، فإن عرف القدر الذى نقص بأن كان يسمع الصوت من مسافة فصار لا يسمع إلا من بعضها وجب فيه من الدية بقسطه، وان لم يعرف القدر بأن ثقلت أذنه وساء سمعه وجبت الحكومه. وان نقص السمع في أحد الاذنين سدت العليلة وأطلقت الصحيحه، ويؤمر رجل حتى يصيح من موضع يسمعه ثم لا يزال يبعد ويصيح إلى أن يقول لا أسمع،

ثم تمسح المسافة، ثم تطلق العليلة، وتسد الصحيحة، ثم يصبح الرجل ثم لا يزال يقرب ويصيح إلى أن يسمعه وينظر ما بين المسافتين، ويجب من الدية بقسطه. (الشرح) خبر عمرو بن حزم مضى تخريجه في أول الباب، وأثر أبى المهلب عن أبى قلابة، أخرجه أحمد بن حنبل في رواية أبى الحرث، وابنه عبد الله، كما أخرجه ابن أبى شيبة عن خالد عن عوف: سمعت شيخا في زمن الحاكم، وهو ابن المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله وذكره فلم يقرب النساء، فقضى عمر فيه بأربع ديات وهو حى) قد دل الخبر على وجوب الدية في كل واحد من الاربعة المذكورة وهو إجماع الصحابة لانه لم يثبت له مخالف. وقال الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير: إنه وحد في حديث معاذ في السمع الدية قال وقد رواه البيهقى من طريق قتادة عن ابن المسيب عن على رضى الله عنه وقد زعم الرافعى أنه ثبت في حديث معاذ أن في البصر الدية. قال الحافظ لم أجده. وروى البيهقى من حديث معاذ في العقل الدية وسنده ضعيف. قال البيهقى وروينا عن عمر وعن زيد بن ثابت مثله، وقد زعم الرافعى أن ذلك في حديث عمرو بن حزم وهو غلط. وأخرج البيهقى عن زيد بن أسلم بلفظ: مضت السنة في أشياء من الانسان إلى أن قال: وفى اللسان الدية وفى الصوت إذا انقطع الدية) قال الشوكاني: والحاصل أنه قد ورد النص بايجاب الدية في بعض الحواس الخمس الظاهرة كما عرفت، ويقاس ما لم يرد فيه نص منها على ما ورد فيه قلت: روى ذلك عن عمر وعلى، وبه قال عطاء ومجاهد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي وأحمد وأصحاب الرأى ومالك في إحدى الروايتين عنه. وقال في الاخرى فيهما حكومة لان الشرع لم يرد في ذلك بتقدير ولا يثبت التقدير بالقياس. وحكاه أصحابنا الخراسانيون قولا آخر للشافعي. قال العمرانى وليس بمشهور وروى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال (في الاذنين خمسة عشر من الابل) قال ابن المنذر لم يثبت ذلك عنه. قاله ابن قدامه

دليلنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن عن عمرو بن حزم وفيه (وفى الاذن خمسون من الابل) فدل على أنه يجب فيهما مائة (فرع) وإن قطع بعض الاذن وجب عليه من ديتها ما قطع منها لانه يمكن تقسيط الدية عليها. وان جنى على أذنه فاستحشفت أي يبست وانقبضت وصارت كهيئة الجلد إذا ترك على النار ففيه قولان (أحدهما) بجب عليه ديتها كما لو جنى على يده فشلت (والثانى) لا يجب عليه الا الحكومة، لان منفعتها باقية مع استحشافها، وإنما نقص جمالها وإن أذنا مستحشفة، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال إنه إذا جنى عليها فاستحشفت وحب عليه الدية ووجب هاهنا على قاطع المسحشفة الحكومة، كما لو قطع يدا شلاء وإن قلنا هناك لا يجب عليه الا الحكومة وجب هاهنا على قاطعها ديتها. وقال الشيخ أبو حامد هذا تخليط لا يحكى، بل يجب عليه الحكومة قولا واحدا كما قلنا فيمن قلع عينا قائمة أو قطع يدا شلاء وان قطع أذن الاصم وجب عليه ديتها، لان ذهاب السمع لعلة في الرأس لا في الاذن. قوله (ويجب في السمع الدية) فجملة ذلك أنه إذا أذهب سمعه من أحد الاذنين وجب عليه نصف الدية، كما لو أذهب البصر من أحد العينين، فإن أذهب سمعه فأخذت منه الدية ثم عاد السمع وجب رد الدية لانا علمنا أنه لم يذهب (فرع) وان جنى عليه جناية فادعى أنه ذهب بها سمعه أو بصره أو شمه أخذنا رأى اثنين من أهل الخبرة من المسلمين، فإن قالا مثل هذه الجناية لا يذهب بها السمع والبصر والشم فلا شئ على الجاني، لانا علمنا كذب المدعى، وان قالا مثلها يذهب بها السمع أو البصر أو الشم فإن كان في البصر رجع إلى قولهما أو إلى اثنين من أهل الخبرة، فإن قالا قد ذهب البصر ولا يعود حكمنا على الجاني بموجب الجناية، وان كان في السمع والشم لم يرجع إلى قولهما في ذهابه، لانه لا طريق لهما إلى المعرفة بذهابه بخلاف البصر، فإذا ادعى المجني عليه ذهاب السمع أو الشم فإن قال اثنان من أهل الخبرة من المسلمين لا يرجى عوده

حكم على الجاني بموجب الجناية. وإن قالا يرجى عوده إلى مدة، فهو كما لو قالا يرجى عود البصر، وقد مضى بيانه، فإن كانت الجناية عمدا لم يقبل فيه إلا قول رجلين، وإن كانت خظأ أو عمد خطأ قبل فيه قول رجل وامرأتين، كما قلنا في الشهادة بذلك. (فرع) وإن جنبى عليه جنايه فنقص سمعه بها فإن عرف قد نقصانه وجب فيه من الدية بقدره، وإن لم يعرف قدر نصفانه وإنما ثقل وجبت فيه الحكومة، وإن ادعى نقصان السمع من أحد الاذنين سدت الاذن العليلة وأطلقت الصحيحة، وأمر من يخاطبه وهو يتباعد منه إلى أن يبلغ إلى غاية يقول لا أسمعه إلى أكثر منها ويلعم عليها ويمتحن بذلك من جميع الجهات لانهه متهم، فإذا اتفقت الجهات أطلقت العليلة وسدت الصحيحة وخاطبه كمخاطبته الاولة وهو يتباعد منه إلى أن يقول لا أسمعه إلى أكثر منها، ويمتحن بمخاطبته أيضا في ذلك من جميع الجهات، فإذا اتفقت علم على ذلك الموضع وينظر كم قدر ذلك من المسافة الاولة، ويجب له من دية الاذن بقدر ما نقص من المسافة التى يسمع منها في العليلة، وإن قطع أذنيه فذهب سمعه منها وجب عليه ديتان، كما لو قطع يديه ورجليه. (فائدة) قال الثعالبي: يقال بأذنه وقر فإذا زاد فهو صمم، فإذا زاد فهو طرش فإذا زاد حتى لا يسمع الرعد فهو صلخ قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في مارن الانف الدية، لما روى طاوس قال (كان فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الانف إذا أوعب مارنه جدعا الدية، ولانه عضو فيه جمال ظاهر ومنفعة كاملة، ولانه يجمع الشم ويمنع من وصول التراب إلى الدماغ، والاخشم كالاشم في وجوب الدية، لان عدم الشم نقص في غير الانف فلا يؤثر في دية الانف، ويخالف العين القائمة، فإن عدم البصر نقص في العين، فمنع من وجوب الدية في العين. وان قطع جزءا من المارن كالنصف والثلث وجب فيه من الدية بقدره، لان

ما ضمن بالدية يضمن بعضه بقدره من الدية كالاصابع، وإن قطع أحد المنخرين ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أن عليه نصف الدية، لانه أذهب نصف الجمال ونصف المنفعة (والثانى) يجب عليه ثلث الدية، لان المارن يشتمل على ثلاثة أشياء المنخرين والحاجز، فوجب في كل واحد من المنخرين ثلث الدية، وان قطع أحد المنخرين والحاجز وجب عليه على الوجه الاول نصف الدية للحاجز. وعلى الوجه الثاني يجب عليه ثلثا الدية، ثلث للحاجز وثلث للمنخر. وان شق الحاجز وجب عليه حكومة، وان قطع المارن وقصبة الانف وجب عليه الدية في المارن والحكومة في القصبة، لان القصبة تابعة فوجب فيها الحكومة كالذراع مع الكف. وان جنى على المارن فاستحشف ففيه قولان كالقولين فيمن جنى على الاذن حتى استحشف. (أحدهما) تجب عليه الدية (والثانى) تجب عليه الحكومة، وقد مضى وجههما في الاذن (فصل) وتجب باتلاف الشم الدية، لانها حاسة تختص بمنفعة مقصودة فوجب باتلافها الدية كالسمع والبصر، وان ذهب الشم من أحد المنخرين وجب فيه نصف الديه، كما تجب في اذهاب البصر من أحد العينين، والسمع من أحد الاذنين، وان جنى عليه فنقص الشم وجب عليه أرش ما نقص، وأن أمكن أن يعرف قدر ما نقص وجب فيه من الدية بقدره، وان لم يمكن معرفة قدره وجبت فيه الحكومة لما بيناه في نقصان السمع، وان ذهب الشم وأخذت فيه الدية ثم عاد وجب رد الدية، لانا تبينا أنه لم يذهب، وانما حال دونه حائل، لانه لو ذهب لم يعد. (الشرح) تخريج خبر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مضى في أول الباب. أما اللغات فقوله (إذا أوعب مارنه جدعا) أوعب واستوعب استؤصل واستقصى والمارن الغضاريف اللينة من الانف والجدع قطع الانف، وقد يقال لقطع الاذن كما أفاده ابن بطال ومن فقه اللغة أن يقال سمل عينه وصمل أذنه وجدع أنفه

أما الاحكام فإنه يجب في الانف الدية (ارجع إلى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن في أول الباب لعمرو بن حزم وفيه (وأن في الانف إذا أوعب جدعه الدية)) وأوعب بضم الهمز على البناء للمجهول أي قطع جميعه، وقد استدل بهذا من قال بأن الدية تجب في قطع الانف جميعه، لان الانف مركبة من قصبة ومارن وأرنبة وروثة، فالدية تجب إذا استؤصلت من أصل القصبة إجماعا وعند الهادوية في كل واحدة من الاربع حكومة قال الشوكاني، وقال الناصر الفقهاء بل في المارن الدية وفى بعضه حصته. قلت ويحاب عنه بما أخرجه الشافعي عن طاوس وأورده المصنف هنا أنه قال عندنا فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي الانف إذا قطع مارنه مائة من الابل. وأخرج البيهقى من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قال (قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذ جدعت (ثناؤة؟) الانف بنصف العقل خمسون من الابل وعدلها من الذهب والورق) قال ابن الاثير، أراد بالثندوة هنا روثة الانف وهى طرفه ومقدمه وفى البيان للعمراني، والذى تجب به الدية من الانف المارن، وهو مالان منها دون القصبة اه، ولان المنفعة والجمال فيه فوجبت فيه الدية بقسط ما قطع منه، وان قطع أحد المنخرين ففيه وجهان (أحدهما) يجب عليه نصف الدية لانه أذهب نصف الجمال نصف المنفعة (والثانى) لا يجب عليه الا ثلث الدية، لان المارن يشتمل على المنخرين والحاجز بينهما، والاول هو المنصوص، فإن قطع الحاجز بين المنخرين وجب عليه على الوجه الاول حكومة وعلى الثاني ثلث الدية. وان قطع أحد المنخرين والحاجز بينهما وجب عليه على الاول نصف الدية وحكومة. وعلى الثاني ثلثا الدية، وان قطع المارن وقصبة الانف وجب عليه دية في المارن وحكومة في القصبة. كما لو قطع يده من المرفق، وان قطع المارن والجلدة التى تحته إلى الشفة وجبت عليه دية في المارن وحكومه للجلدة التى تحته، وان أبان مارنه نأخذه المجني عليه فألصقه فالتصقت خلاياه والتحمت أنسجته كان المجني عليه أن يقتص مارنه حتى يجعله

معلقا كمارن المجني عليه. وإن عفا عن القصاص لم تجب له الدية، وإنما تجب له الحكومة لانها جناية لم نذهب بها منفعة، وإنما نقص بها جمال، وإن جنى على أنفه فاستحشف فهل تجب عليه الدية؟ قولان كما قلنا في الاذن إذا استحشف بالجناية، فإن قطع أنفا مستحشفا ففيه طريقان، كما قلنا فيمن قطع أذنا مستحشفة وإن قطع أنف أخشم وجب عليه الدية، لعموم الخبر، ولان ذهاب الشم لمعنى في غير الانف قوله ((وتجب بإتلاف الشم الدية) وهذا صحيح لما رواه عمر بن حزم في كتاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طرقه وفيها (وفى الشم الدية) كما قلنا فيه إذا أذهب البصر من إحدى العينين، وإن نقص شمه من المنخرين أو من أحدهما فهو كما قلنا فيمن نقص سمعه من الاذنين أو من أحدهما، وإن لم يعرف قدر نقصه وجبت فيه الحكومة، وإن قطع مارنه فذهب شمه وجبت عليه ديتان، لان الدية تجب في كل احد منهما إذا انفرد، فوجبت في كل واحد منهما الدية وان اجتمعا كما لو قطع يديه ورجليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن جنى على رجل جناية لا أرش لها بأن لطمه أو لكمه أو ضرب رأسه بحجر فزال عقله وجب عليه الدية، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب في كتاب عمرو بن حزم (وفى العقل الدية) ولان العقل أشرف من الحواس لان يه يتميز الانسان من البهيمة، وبه يعرف حقائق المعلومات، ويدخل في التكليف، فكان بإيجاب الدية أحق وإن نقص عقله فإن كان يعرف قدر ما نقص بأن يجن يوما ويفيق يوما، وجب عليه من الدية بقدره، لان ما وجبت فيه الدية وجب بعضها في بعضه، كالاصابع. وإن لم يعرف قدره بأن صار إذا سمع صيحة زال عقله ثم يعود، وجبت فيه الحكومة لانه تعذرا إيجاب جزء مقدر من الدية، فعدل إلى الحكومة فإن كانت الجناية لها أرش مقدر نظرت، فإن بلغ الارش قدر الدية أو أكثر لم يدخل في دية العقل، ولم تدخل فيه ديه العقل لما روى أبو المهلب عم أبى قلابة

أن رجلا رمى رجلا بحجر في رأسه فذهب عقله وسمعه ولسانه ونكاحه، فقضى فيه عمر رضى الله عنه بأربع ديات وهو حى) وإن كان الارش دون الدية كأرش الموضحة ونحوه ففيه قولان. قال في القديم: يدخل في دية العقل لانه معنى يزول التكليف بزواله فدخل أرش الطرف في ديته كالنفس. وقال في الجديد: لايدخل وهو الصحيح، لانه لو دخل في ديته ما دون الدية لدخلت فيها الدية كالنفس، ولان العقل في محل والجناية في محل آخر، فلا يدخل أرشها في ديتها، كما لو أوضح رأسه فذهب بصره، وان شهر سيفا على صبى أو بالغ مضعوف أو صاح عليه صيحة عظيمة فزال عقله وجبت عليه الدية. لان ذلك سبب لزوال عقله، وان شهر سيفا على بالغ متيقظ أو صاح عليه فزال عقله لم تجب عليه الدية، لان ذلك ليس بسبب لزوال عقله (فصل) ويجب في الشفتين الدية لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب في كتاب عمر وبن حزم (في الشفتين الدية) ولان فيهما جمالا ظاهرا ومنافع كثيرة، لانهما يقيان الفم من كل ما يؤذيه، ويردان الريق وينفخ بهما، ويتم بهما الكلام ويجب في إحداهما نصف الدية لان كل شيئين وجب فيهما الدية وجب في أحدهما نصف الدية كالعينين والاذنين، وان قطع بعضها وجب فيه من الدية بقدره كما قلنا في الاذن والمارن، وان جنى عليهما فيبستا وجبت عليه الدية، لانه أتلف منافعهما فوجبت عليه الدية، كما لو جنى على يديه فشلتا، فإن تقلصتا وجبت عليه الحكومه لان منافعهما لم تبطل، وانما حدث بهما نقص. (الشرح) ما ذكره المصنف من اشتمال كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو ابن حزم على أن (في العقل الدية) لم أجده في طريق من طرقه، وانما الذى ثبت أثر عمر رضى الله عنه أنه قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات. وما روى من ذلك مرفوعا كرواية البيهقى عن معاذ (في العقل الدية) فسنده ضعيف. قال البيهقى وروينا عن عمر وزيد بن ثابت مثله قال الشوكاني في نيل الاوطار: وقد زعم الرافعى أن ذلك في حديث عمرو ابن حزم وهو غلط. اه

وقد أخرج البيهقى عن زيد بن أسلم بلفظ (مضت السنة في أشياء من الانسان إلى أن قال: وفى الصوت إذا انقطع الدية) فإذا وجبت الدية في ذهاب الصوت فلان يجب في ذهاب العقل أولى. فإذا ثبت أنه حكم عمر وقول زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل ولا مخالف لهم في الصحابة كان إجماعا، ولان التكليف يزول بزوال العقل كما يزول بخروج الروح، فلما وجبت الدية بخروج الروح وجبت بزوال العقل، فإن ذهب بعض عقله وعرف قدر الذاهب بأن صار يجن يوما ويفيق يوما وجبت فيه نصف الدية، وإن لم يعرف قدر الذاهب بأن صار يفزع مما يفزع منه العقلاء وجبت فيه الحكومة. إذا ثبت هذا فإن كانت الجناية التى ذهب بها العقل مما لا أرش لها بأن لطمه أو لكمه أو ضربه بحجر أو غيره ولم يجرحه، وجبت دية العقل، على ما مضى، وان كان لها أرش ففيه قولان. قال في القديم: يدخل الاقل منهما في الاكثر، مثل ان أوضحه فذهب عقله، فإن أرش الموضحة يدخل في دية القعل، وان قطع يديه من المرفقين دخلت دية العقل في دية اليدين والحكومة فيهما، وبه قال أبو حنيفة، لان العقل معنى يزول التكليف بزواله فدخل في دينه أرش الطرف كالروح. وقال في الجديد: لا يدخل أحدهما في الآخر وهو الاصح، لانه جناية أذهبت منفعة حالة في غير محل الجناية مع بقاء النفس فلم يتداخل الارش، كما لو أوضحه وذهب بصره. هكذا ذكره العمرانى عن الشيخ أبى حامد. وذكرا لشيخ أبو إسحاق هنا: ان كانت الجناية بها دية كاملة لم تدخل احدى الديتين في الاخرى قولا واحدا، لما تقدم من حكم عمر رضى الله عنه. قوله (ويجب في الشفتين الدية) هذا ثابت فيما سقناه في أول الباب من كتاب عمرو بن حزم وفيه (وفى الشفتين الدية) والى هذا ذهب جمهور أهل العلم قال في البحر: وحدهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه، ولا فضل لاحداهما على الاخرى عند أبي حنيفة والشافعي والناصر والهادوية. وذهب زيد بن ثابت إلى أن العليا ديتها ثلث والسفلى ثلثان ويرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم (وفى الشفتين الدية) ولم يفرق، وقد أخذ الشوكاني من زيادة منفعة السفلى على

العليا القول بالتفرقة ولا دليل عليه. قال الشافعي رضى الله عنه: ما زال عن جلد الذقن من الخدين من أعلا وأسفل من الشفتين) ولا فرق بين أن يكونا غليظتين أو رقيقتين أو ناميتين أو صغيرتين، وبه قال أبو بكر وعلى وابن مسعود، فإن قطع بعض الشفة وجب فيه من الدية بقدره، وان جنى عليهما فشلتا بأن صارتا مسترخيتين لا ينقبضان أو تقلصتا بحيث لا يبسطان، ولا تنطبق احداهما على الاخرى وجبت الدية فيهما، كما لو جنى على يديه فشلتا قال الشافعي، وان جنى على شفته حتى صارت بحيث إذا مدما امتدت، وان تركها تقلصت ففيها حكومة لانها إذا انبسطت وامتدت إذا مدت فلا شلل فيها، بل فيها روح فلم تصر شلاء، وانما فيها نقص فوجبت فيها الحكومة، وان شق شفتيه فعليه الحكومة سواء التأم الشاق أو لم يلتئم، لان ذلك جرح، والجروح تجب فيها الحكومة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في اللسان الدية لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب في كتاب عمر وبن حزم (وفى اللسان الدية) ولان فيه جمالا ظاهرا ومنافع، فأما الجمال فإنه من أحسن ما يتجمل به الانسان، والدليل عليه ما روى محمد بن على بن الحسين ((إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للعباس أعجبني جمالك يا عم النبي فقال يا رسول الله وما الجمال في الرجل؟ قال اللسان) ويقال المرء بأصغريه قلبه ولسانه، ويقال ما الانسان لولا اللسان الا صورة مثله، أو بهيمة مهملة. وأما المنافع فإنه يبلغ به الاغراض ويقضى به الحاجات، وبه تنم العبادات في القراءة والاذكار، وبه يعرف ذوق الطعام والشراب، ويستعين به في مضغ الطعام، وان جنى عليه فخرس وجبت عليه الدية لانه أتلف عليه المنفعة المقصودة فأشبه إذا جنى على اليد فشلت، أو على العين فعميت وان ذهب بعض الكلام وجب من الديه بقدره، لان ما ضمن جميعه بالدية ضمن بعضه ببعضها كالاصابع، ويقسم على حروف كلامه، لان حروف اللغات مختلفه الاعداد، فإن في بعض اللغات ما عدد حروف كلامها أحد وعشرون حرفا

ومنها ما عدد حروفها ستة وعشرون، وحروف لغة العرب ثمانية وعشرون حرفا فإن كان المجني عليه يتكلم بالعربية قسمت ديته على ثمانية وعشرين حرفا. وقال أبو سعيد الاصطخرى يقسم على حروف اللسان وهى ثمانية عشر حرفا ويسقط حروف الحلق وهى ستة، الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين، ويسقط حروف الشفة وهى أربعة الباء والميم والفا والواو. والمذهب الاول، لان هذه الحروف وإن كان مخرجها الحلق والشفة إلا أن الذى ينطق بها هو اللسان، ولهذا لا ينطق بها الاخرس. وإن ذهب حرف من كلامه وعجز به عن كلمة وجب عليه أرش الحرف لان الضمان يجب لما تلف، وإن جنى على لسانه فصار ألثغ وجب عليه دية الحرف الذى ذهب، لان ما ابتدل به لا يقوم مقام الذاهب، وان جنبى عليه فحصل في لسانه ثقل لم يكن أو عجلة لم تكن أو تمتمة لم تجب عليه دية، لان المنفعة باقية، وتجب عليه حكومة لما حصل من النقص والشين (فصل) وإن قطع ربع لسانه فذهب ربع كلامه، وجب عليه ربع الديه، وان قطع نصف لسانه وذهب نصف كلامه، وجب عليه نصف الدية، لان الذى فات من العضو والكلام سواء في القدر، فوجب من الديه بقدر ذلك، فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام وجب عليه نصف الديه وان قطع نصف اللسان وذهب ربع الكلام وجب عليه نصف الدية، واختلف أصحابنا في علته، فمنهم من قال العلة فيه ان ما يتلف من اللسان مضمون، وما يذهب من الكلام مضمون، وقد اجتمعا فوجب أكثرهما وقال أبو إسحاق الاعتبار باللسان الا أنه إذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام دل ذهاب نصف الكلام على شلل ربع آخر من السان فوجب عليه نصف الدية، ربعها بالقطع وربعها بالشلل، فإن قطع ربع اللسان وذهب نصف الكلام وقطع آخر ما بقى من اللسان وجب عليه على تعليل الاول ثلاثة أرباع الدية، اعتبارا بما بقى من اللسان، ويجب عليه على تعليل أبى اسحاق نصف الدية وحكومة لانه قطع من اللسان نصفا صحيحا وربعا أشل، وان قطع واحد نصف

لسانه وذهب ربع الكلام، وجاء الثاني وقطع الباقي وجب عليه على تعليل الاول ثلاثة أرباع الدية، اعتبارا بما ذهب من الكلام، ويجب عليه على تعليل أبى إسحاق نصف الدية اعتبارا بما قطع من اللسان، وإن قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه فاقتص منه فذهب نصف كلامه، فقد استوفى المجني عليه حقه، وإن ذهب ربع كلامه أخذ المجني عليه مع القصاص ربع الدية لتمام حقه، فإن ذهب بالقصاص ثلاثة أرباع كلامه لم يضمن الزيادة، لانه ذهب بقود مستحق. (الشرح) حديث العباس أخرجه الحاكم في المستدرك (1) حدثنى محمد بن صالح ابن هانئ حدثنا الحسين بن الفضل قال حدثنا موسى بن داود الضبى حدثنا الحاكم ابن المنذر عن محمد بن بشر الخثعمي عن أبى جعفر مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ قال (أقبل العباس بن عبد المطلب إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه حلة وله ضفيرتان وهو أبيض، فلماه رآه النبي صلى الله عليه وسلم تبسم، فقال العباس يا رسول الله ما أضحكك؟ أضحك الله سنك، فقال أعجبني جمال عم النبي، فقال العباس ما الجمال في الرجال؟ قال اللسان) وقال الذهبي في تعليقه عل المستدرك (مرسل) . وأما قوله (المرء بأصغريه قلبه ولسانه) فإن المعروف ان وفدا قدم لبيعة أمير المؤمنين عمربن عبد العزيز على رأسه صبى، فأمره عمر ان يتأخر ليتقدم من هو أسن، فقال يا أمير المؤمنين المرء بأصغريه قلبه ولسانه، وما دام في المرء لسان لافظ وقلب حافظ فقد استحق الكلام. ولو كان الامر بالسن لكان في مجلسك هذا من هو أحق منك بالخلافة، فأعجب به عمر أما الاحكام فإن في اللسان الدية، فإن قطع لسانه كله فالدية، وإن قطع نه ما أبطل كلامه فالدية أيضا، وإن عجز عن نطق بعض الحروف فماذا يعتبر فيه وجهان. قال علامة أصحابنا يعتبر بجميع حروف المعجم وهى ثمانية وعشرون حرفا للعربي ولا اعتبار بلا لانها مكررة وهى لام وألف، فإن تعذر عليه النطق بحرف منها وجب عليه جز من ثمانية وعشرين جزءا من الدية، وعلى هذا قال أبو سعيد

_ (1) ج 3 ص 330 طبعة الهند

الاصطخرى تعتبر بحروف السان وهى ثمانية عشر حرفا لا غير، ولا تعتبر حروف الحلق وهى ستة، وهى من أول الحلق الالف والهاء ومن أوسطه العين والحاء ومن آخره الغين والخاء، ولا تعتبر حروف الشفة وهى أربعة الباء والميم والفاء والواو، لان الجناية على اللسان فاعتبرت حروفه دون غيره، والمنصوص هو الاول، لان هذه الحروف وإن كانت مخارجها في الحلق الشفة إلا أنه لا ينطق بها إلا باللسان. إذا ثبت هذا فإن لم يذهب من كلامه الا حرف واحد لكنه تعطل بذهابه جميع الاسم الذى فيه ذلك الحرف، مثل أن تتعذر الميم لا غير فصار لا ينطق بمحمد لم يجب عليه الا خاصة الميم من الدية، لان الجاني انما يضمن ما أتلفه، فأما ما لم يتلفه بفعله وكان سليما الا أن منفعته تعطلت لتعطل التالف فلا يضمنه كما لو قصم ظهره فلم تشل رجلاه الا أنه لا يمكنه المشى بهما لقصر ظهره، فلا يلزمه الادية قصم الظهر. فكذلك هذا مثله وان جنى عليه فذهب من كلامه حرف الا أنه استبدل به حرفا غيره بأن ذهب منه الراء وصار ينطق بالراء ما في موضعه وجبت عليه دية الراء لان ما استبدل به لا يقوم مقامه. فإن جنى عليه آخر فأذهب هذا الحرف الذى استبدله بالراء، وجب عليه دية هذا الحرف لا لاجل أنه أتلف عليه حرفا قام مقام الاول. ولكن لاجل أن هذا الحرف إذا تلف في هذا الوضع تلف في موضعه الذى هو أصله، وان لم يذهب بجنايته حرف وانما كان لثغ فزادت لثغته بالجناية، أو كان خفيف اللسان سهل الكلام فثقل كلامه أو حصلت بكلامه عجلة أو تمتمة، وجب على الجاني حكومة لانه أذهب كما لا من غير منفعة. قوله (وان قطع ربع لسانه الخ) فجملة ذلك أنه إذا قطع بعض لسانه فذهب بعض كلامه نظرت فإن استويا بأن قطع ربع لسانه وذهب ربع كلامه وجب عليه ربع الدية. وان قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه وجب عليه نصف الدية، لان الذى فات منهما سواء، فإن اختلف اعتبرت الدية بالاكثر مثل أن يقطع ربع اللسان فيذهب نصف الكلام، فيجب عليه نصف الدية،

أو يقطع نصف اللسان فيذهب ربع الكلام فيجب عليه نصف الدية بلا خلاف من أصحابنا في الحكم، وانما اختلفا في علته. فمنهم من قال أن منفعة اللسان وهو الكلام مضمونه بالدية، واللسان مضمون بالدية، فإذا اجتمعا اعتبر أكثر الامرين منهما، كما وجنى على يده فشلت فيها جميع دية اليد، ولو قطع خنصره وبنصره وجب فيهما خمسا دية اليد، وإن كان منفعتهما أقل من منفعة خمس اليد ولكن اعتبارا بأكثر الامرين من منفعة اليد وعضوها وقال أبو إسحاق المروزى: الاعتبار باللسان لانها هي المباشرة بالجناية، إلا أنه إذا قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه فإنما وجب عليه نصف الدية لانه دل ذهاب نصف كلامه على شلل ربع آخر غير المقطوع. إذا ثبت هذا فقطع رجل لسان رجل فذهب نصف كلامه، فقد ذكرنا أنه يجب عليه نصف الدية، فإن جاء آخر فقطع الثلاثة الارباع الباقية من لسانه فإنه يجب عليه على التعليل الاول ثلاثة أرباع الدية اعتبارا بما بقى من اللسان. وعلى تعليل أبى اسحاق يجب عليه نصف الدية وحكومة، ولانه قطع نصف لسان صحيحا وربعا أشل. وإن قطع رجل نصف لسان رجل فذهب كلامه وقلنا له أن يقتص منه في نصف اللسان فاقتص منه فذهب نصف كلام الجاني فقد استوفى المجني عليه حقه، فإن ذهب ربع كلام الجاني وجب للمجني عليه ربع الدية، وان ذهب ثلاثة أرباع كلام الجاني لم يجب على المقتص شئ لان التالف بالقود غير مضمون عندنا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان لرجل لسان له طرفان فقطع رجل أحد الطرفين فذهب كلامه وجبت عليه الدية، وإن ذهب نصفه وجب عليه نصف الدية، وإن ذهب ربعه وجب عليه ربع الدية، وان لم يذهب من الكلام شئ نظرت، فإن كانا متساويين في الخلقة، فهما كاللسان المشقوق، ويجب بقطعهما الدية وبقطع أحدهما نصف الدية

وإن كان أحدهما تام الخلقة والآخر ناقص الخلقة فالتام هو اللسان الاصلى والآخر خلقة زائدة، فإن قطعهما قاطع وجب عليه دية وحكومة. وان قطع التام وجبت عليه دية، وان قطع الناقص وجبت عليه حكومة (فصل) وان جنبى على لسانه فذهب ذوقه فلا يحس بشئ من المذاق، وهى خمسة: الحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة والعذوبة وجبت عليه الدية، لانه أتلف عليه حاسة لمنفعة مقصودة فوجبت عليه الدية، كما لو أتلف عليه السمع أو البصر، وإن نقص بعض الذوق نظرت فإن كان النقصان لا يتقدر، بأن ك ان يحس بالمذاق الخمس إلا أنه لا يدركها على كمالها وجبت عليه الحكومة لانه نقص لا يمكن تقدير الارش فيه، فوجبت فيه حكومة، وان كان نقصا يتقدر بأن لا يدرك أحد المذاق الخمس ويدرك الباقي، وجب عليه خمس الدية، وان لم يدرك اثنين وجب عليه خمسمان، لانه يتقدر المتلف فيقدر الارش (فصل) وإن قطع لسان أخرس فإن كان بقى بعد القطع ذوقه وجبت عليه الحكومة. لانه عضو بطلت مفعته فضمن بالحكومة كالعين القائمة واليد الشلاء، وان ذهب ذوقه بالقطع وجبت عليه دية كاملة لاتلاف حاسة الذوق، وان قطع لسان طفل فإن كان قد تحرك بالبكاء أو بما يعبر عنه اللسان كقوله بابا وماما وجبت عليه الدية، لانه لسان ناطق. وان لم يكن تحرك بالبكاء ولا بما يعبر عنه اللسان فإن كان بلغ حدا يتحرك اللسان فيه بالبكاء والكلام وجبت الحكومة. لان الظاهر أنه لم يكن ناطقا، لانه أو كان ناطقا لتحرك بما يدل عليه. وان قطعه قبل أن يمضى عليه زمان يتحرك فيه اللسان وجبت عليه الدية لان الظاهر السلامة فضمن كما تضمن أطرافه. وان لم يظهر فيها بطش. (فصل) وان قطع لسان رجل فقضى عليه بالدية ثم نبت لسانه. فقد قال فيمن قلع سن من ثغر ثم نبت سنه أنه على قولين (أحدهما) يرد الدية (والثانى) لا يرد. فمن أصحابنا من جعل اللسان أيضا على قولين. وهو قول أبى اسحاق لانه إذا كان في السن التى لا تنبت في العادة إذا نبتت قولان. وجب أن يكون في اللسان أيضا قولان ومنهم من قال لا يرد الدية في اللسان قولا واحدا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ

أبى هريرة، والفرق بينه وبين السن أن في جنس السن ما يعود، وليس في جنس اللسان ما يعود، فوجب أن يكون ما عاد هبة مجددة فلم يسقط به بدل ما أتلف عليه. وإن جنى على لسانه فذهب كلامه وقضى عليه بالدية ثم عاد الكلام وجب رد الدية قولا واحدا، لان الكلام إذا ذهب لم يعد، فلما عاد علمنا أنه لم يذهب وإنما امتنع لعارض (الشرح) تتلخص أحكام هذين الفصلين في أنه إن كان لرجل لسان له طرفان فقطع قاطع أحدهما نظرت فإن أذهب كلامه وجبت عليه الدية، وإن ذهب بعض كلامه فإن كان الطرفان متساويين فإن كان ما قطعه بقدر ما نقص من الكلام وجب فيه من الدية بقدره، وإن كان أحدهما أكبر اعتبر الاكبر على ما مضى في التى قبلها، وإن لم يذهب من الكلام شئ وجب بقدر ما قطع من اللسان من الدية، وإن قطعهما قاطع وجب عليه الدية، وإن كان أحدهما منحرفا عن سمت فهى خلقة زائدة يجب فيها الحكومة وفى الآخر الدية (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه: وفى لسان الاخرى حكومة، وقال النخعي تجب فيه الدية. دليلنا أن لسان الاخرس قد ذهبت منفعته فلم يجب فيه الدية كاليد الشلاء. وإن قطع لسان طفل فإن كان قد تكلم ولو بكلمة واحدة، أو قال بابا أو ماما، أو تكلم في بكائه بالحروف وجبت عليه الدية لانا قد علمنا أنه لسان ناطق، وإن كان في حد لا يتكلم مثله بحرف، مثل أن يكون ابن شهر وما أشبه ولم يتكلم فقطع قاطع لسانه وجبت فيه الدية. وقال أبو حنيفة: لا دية فيه لانه لسان لا كلام فيه فهو كلسان الاخرس. دليلنا أن ظاهره السلامة وإنما لم يتكلم لطفوليته فوجبت فيه الدية كما تجب الدية بأعضائه، وان لم يظهر بها بطش، وإن بلغ حدا يتكلم فيه مثله فلم يتكلم فقطع قاطع لسانه لم يجب عليه الدية، وإنما يجب فيه الحكومة، لان الظاهر من حاله أنه أخرس. (فرع) وإن جنى عليه فذهب ذوقه قال الشيخ أبو حامد فلا نص فيه

للشافعي رحمه الله ولكن يجب فيه الدية، لانه الحواس التى تختص بمنفعة، فهو كحاسة السمع والبصر، وقال القاضى أبو الطيب: قد نص الشافعي رحمه الله على على إيجاب الدية فيه. قال ابن الصباغ: قلت أنا قد نص الشافعي على أن لسان الاخرس فيه حكومة وإن كان الذوق يذهب بذهابه. واختار الشيخ أبو إسحاق هنا في هذا الفصل وجوب الدية في الذوق، وقال إنما تجب في لسان الاخرس الحكومة إذا بقى ذوقه بعد قطع لسانه، فأما إذا لم يبق ذوقه ففيه الدية. إذا ثبت هذا فقال المصنف: إذا لم يحس بالاحلاوة والمرارة والحموضة والملوحة والعذوبة وجب على الجاني عليه الدية، فإن لم يحس بواحد منها أو باثنتين وجب فيه من الدية بقدره، وان كان يحس بها الا أنه لا يحس بها على الكمال وجب في ذلك الحكومة دون الدية (فرع) إذا جنى عليه فذهب كلامه فأخذت منه الدية ثم نبت له لسان مكانه فاختلفت أصحابنا فيه فمنهم من قال: هل يجب رد الدية؟ فيه قولان كما قلنا في السن، ومنهم من قال لا يجب رد الدية قولا واحدا، لان عود السن معهود وعود اللسان غير معهود فعلم أنه هبة محددة. قال في الام: وإن قطع لهاة رجل قطعت لهاته، فإن أمكن والا وجبت حكومة، واللهاة لحم في أصل السان قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في كل سن خمس من الابل لما روى عمرو بن حزم (أَنَّ (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن: وفى السن خمس من الابل) والانياب والاضراس والثنايا والرباعيات في ذلك سواء للخبر، ولانه جنس ذو عدد فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كالاصابع، وان قلع ما ظهر وخرج من لحم اللئة وبقى السنخ لزمه دية السن، لان المنفعة والجمال فيما ظهر فكملت ديته، كما لو قطع الاصابع دون الكف، فإن عاد هو أو غيره وقلع السنخ المغيب وجبت عليه حكومة، لانه تابع لما ظهر فوجبت فيه الحكومة، كما لو قطع الكف

بعد ما قطع الاصابع وإن قلع السن من أصلها مع السنخ لم يلزمه لما تحتها من السنخ حكومة، لان السنخ تابع لما ظهر فدخل في ديته كالكف إذا قطع مع الاصابع، وإن كسر بعض السن طولا أو عرضا وجب عليه من دية السن بقدر ما كسر منها من النصف أو الثلث أو الربع، لان ما وجب في جميعه الدية وجب في بعضه من الدية بقدره كالاصابع، ويعتبر القدر من الظاهر دون السنخ المغيب لان الدية تكمل بقطع الظاهر، فاعتبر المكسور منه، فإن ظهر السنخ المغيب بعلة اعتبر القدر المكسور بما كان ظاهرا قبل العلة، لا بما ظهر بالعلة، لان الدية تجب فيما كان ظاهرا فاعتبر القدر المكسور منه (الشرح) مضى تخريج كتاب عمرو بن حزم في أول الباب بلفظه كاملا وفيه (وفى السن خمس من الابل) وقد ذهب إلى هذا الجمهور، وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثنايا والانياب والضروس، لانه يصدق على كل منها أنه سن، ويروى عن على أنه يجب في الضرس عشر من الابل وروى عن عمر وابن عباس أنه يجب في كل ثنية خمسون دينارا وفى الناجذ أربعون وفى الناب ثلاثون، وفى كل ضرس خمس وعشرون وقال عطاء: في السن والرباعيتين خمس خمس، وفى الباقي بعيران بعيران، وهى الرواية الثانية عن عمر. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (في السن خمس من الابل) ولم يفرق، ولانه جنس ذو عدد فلم تختلف ديتها كدية الاصابع، والسن الذى يجب فيه خمس من الابل هو ما ظهر من اللثة، وهو اللحم الذى ينبت فيه السن، لان المنفعة والجمال في ذلك، كما تجب دية اليد في الاصابع وحدها، فإن قطع ما ظهر من السن ثم قلع هو أو غيره سنخ السن والسنخ من كل شئ أصله والجمع أسناخ كحمل واحمال وجب على قالع السنخ الحكومة، كما لو قطع رجل أصابع رجل ثم قطع هو أو غيره الكف. وإن قلع السن وسنخها وجبت عليه دية السن لا غير، لان السنخ يتبع السن في الدية إذا قلع معها، كما لو قطع الاصابع مع الكف. وإن ظهر السنخ المعيب بعلة اعتبر المكسور من الموضع الذى كان ظاهرا قبل العلة لا بما ظهر بالعلة، فإن اتفقا أنه كسر القدر

الذى كان ظاهرا قبل العلة فعليه خمس من الابل، وإن قال الجاني كسرت بعض الظاهر فعلى أقل من خمس من الابل، وقال المجني عليه: بل كسرت كل الظاهر فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته مما زاد على ما أقربه. (مسألة) في كل ما قررنا وافقنا أحمد وأصحابه، إلا أنه حكى ابن قدامة رواية عن أحمد أن في جميع الاسنان الدية، فتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد ابن المسيب للاجماع، على أن في كل سن خمسا من الابل وورد الحديث به فيكون في الاسنان ستون بعيرا، لان فيه اثنى عشر سنا، أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب فيها خمس خمس، وفيه عشرون ضرسا في كل جانب عشرة، خمسة في الفك الاعلى ومثلها في الاسفل، فيكون فيها على رأس أحمد أربعون بعيرا في كل ضرس بعيران فتكمل الدية. وحجة من قال هذا أنه ذو عدد تجب فيه الدية فلم تزد على دية الانسان كالاصابع والاجفان وسائر ما في البدن، ولانها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس، وأو را هذا بأن الاضراس تختص بالمنافع دون الجمال، والاسنان بالمنافع والجمال، فاختلفا في الارش، ولكن يرد على هذا ما ترجح من المذهب عندنا وعند أصحاب أحمد ومالك وأبى حنيفة ومحمد ابن الحسن، وهو قول عروة وطاوس وقتادة والزهرى، لما أخرج أبو داود باسناده عن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الاصابع سواء والاسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء) وهذا نص في مناط النزاع. ويجاب عن قولهم بالنافع بأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالاصابع والاجفان والشفتين، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال لا أعتبرها بالاصابع. فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه، فمن ذهب إلى قولنا خالف المعنى ذكروه، ومن ذهب إلى قولهم خالت التسوية الثابتة بقياس سائر الاعضاء من جنس واحد، فكان ما قررنا من الاذعان للاخبار الصحيحة وموافقة أكثر أهل العلم.

(فرع) وإن كسر بعض سنه من نصف أو ثلث وجب عليه من ديتها بقدر ما كسر منها، لان ما وجب في جميعه الدية وجب في بعضه بقسطه من الدية كالاصابع، فإن قلع قالع ما بقى من السن مع السنخ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ بقى على الثاني بقدر ما بقى من السن من ديتها، ووجب في السنخ الحكومة لان السنخ إنما يبتع جميع السن، فأما بعض السن فلا يتبغها، وحكى ابن الصباغ أن الشيخ أبا حامد الاسفراينى قال وهذا فيه تفصيل، فإن كسر الاول نصف السن في الطول وبقى النصف فقلع الثاني الباقي منهما مع السنخ وجب نصف دية السن ويتبعه ما تحته من السنخ في نصف ديته وجبت في نصف السنخ الباقي الحكومة، كما لو قطع أصبعين وجميع الكف فإنه يجب عليه دية أصبعين ويتبعهما ما تحتهما من الكف وحكومة في الباقي وإن كسر الاول نصف السن في العرض وقلع الاخر الباقي مع السنخ تبعه ما تحته من السنخ كما لو قطع قاطع من كل أصبع من الكف أنملة فجاء آخر فقطع ما بقى من أنامل الاصابع مع الكف فإنه يجب عليه أرش ما بقى من الانامل ويتبعها الكف، كذلك هذا مثله. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قلع سنا فيها شق أو أكلة فإن لم يذهب شئ من أجزائها وجبت فيها دية السن كاليد المريضة، وان ذهب من أجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب ووجب الباقي، فإن كانت إحدى ثنيتيه العلياوين أو السفلاوين أقصر من الاخرى فقلع القصيرة نقص من ديتها بقدر ما نقص منها، لانهما لا يختلفان في العادة، فإذا اختلفا كانت القصيرة ناقصة فلم تكمل ديتها، وإن قلع سنا مضطربة نظرت فإن كانت منافعها باقية مع حركتا من المضغ وحفظ الطعام والريق وجبت فيها الدية لبقاء المنفعة والجمال، وان ذهبت منافعها وجبت فيها الحكومة، لانه لم يبق غير الجمال، لم يجب غير الحكومة كاليد الشلاء، وان نقصت منافعها فذهب بعضها وبقى البعض ففيه قولان (أحدهما) يجب فيها الدية لان الجمال تام والمنفعة باقية، وان كانت ضعيفة

فكملت ديتها كما لو كانت ضعيفة من أصل الخلقة (والثانى) يجب فيها الحكومة، لان المنفعة قد نقصت ويجهل قدر الناقص، فوجب فيها الحكومة، وإن ضرب سنه فاصفرت أو أحمرت وجبت فيها الحكومة، لان منافعها باقية، وإنما نقص بعض جمالها فوجب فيها الحكومة، فإن ضربها فاسودت فقد قال في موضع تجب فيها الحكومة، وقال في موضع تجب الدية، وليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين، فالذي قال تجب فيها الدية إذا ذهبت المنفعة، والذى قال تجب فيها الحكومة إذا لم تذهب المنفعة. وذكر المزني أنها على قولين، واختار أنه يجب فيها الحكومة، والصحيح هو الطريق الاول (فصل) وإذا قلع أسنان رجل كلها نظرت فإن قلع واحدة بعد واحدة وجب لكل سن خمس من الابل فيجب في أسنانه، وهى إثنان وثلاثون سنا مائة وستون بعيرا، وإن قلعها في دفعة واحدة ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجب عليه أكثر من دية لانه جنس ذو عدد فلم يضمن بأكثر من دية كأصابع اليدين (والثانى) أنه يجب في كل سن خمس من الابل، وهو المذهب لحديث عمرو بن حزم، ولان ما ضمن ديته بالجناية إذا انفرد لم تنقص ديته بانضمام غيره إليه كالموضحة. (فصل) إذا قلع سن صغير لم يثغر لم يلزمه شئ في الحال لان العادة في سنه أن يعود وينبت فلم يلزمه شئ في الحال كما لو نتب شعره، فإن نبت له مثلها في مكانها لم يلزمه ديتها، وهل تلزمه حكومة فيه وجهان (أحدهما) لا تلزمه كما لو نتف شعره فنبت مثله (والثانى) تلزمه حكومة الجرح الذى حصل بالقلع وإن لم تنبت له ووقع الاياس من نبانها وجبت ديتها لانا تحققنا إتلاف السن، وإن مات قبل الاياس من نباتها ففيه قولان، أحدهما: يجب عليه دية السن لانه قلع سنا لم تعد. والثانى لا يجب لان الظاهر أنها تعود وإنما مات بموته. وان نبتت له سن خارجة عن صف الاسنان، فإن كانت بحيث ينتفع بها وجبت ديتها، وإنك انت بحيث لا ينتفع بها وجبت الحكومة للشين الحاصل بخروجها عن سمت الاسنان، فإن

نبتت أقصر من نظيرتها وجب عليه من ديتها بقدر ما نقص لانه نقص بجنايته فصار كما لو كسر بعض سن. وإن نبت أطول منها فقد قال بعض أصحابنا لا يلزمه شئ وان حصل بها شين لان الزيادة لا تكون من الجناية. قال الشيخ الامام: ويحتمل عندي أن تلزمه الحكومة للشين الحاصل بطولها، كما تلزمه في الشين الحاصل بقصرها، لان الظاهر أن الجميع حصل بسبب قلع السن. وإن نبتت له سن صفراء أو سن خضراء وجبت عليه الحكومة لنقصان الكمال فإن قلع سن من أثغر وجبت ديتها في الحال، لان الظاهر أنه لا ينبت له مثلها، فان أخذ الدية ثم نبت له مثلها في مكانها ففيه قولان (أحدهما) يجب رد الدية لانه عاد له مثلها فلم يستحق بدلها كالذى لم يثغر (والثانى) أنه لا يجب رد الدية لان العادة جرت في سن من ثغر أنه لا يعود فإذا عادت كان ذلك هبة مجددة فلا يسقط به ضمان ما أتلف عليه (فصل) ويجب في اللحيين الدية لان فيهما جمالا وكمالا ومنفعة كاملة، فوجبت فيهما الدية كالشفتين، وإن قلع أحدهما وتماسك الآخر وجب عليه نصف الدية، لانهما عضوان تجب الدية فيهما فوجب نصف الدية في أحدهما كالشفتين واليدين. وإن قلع اللحيين مع الاسنان وجب عليه دية اللحيين ودية الاسنان ولا تدخل دية أحدهما في الاخر لانهما جنسان مختلفان فيجب في كل واحد منهما دية مقدرة فلم تدخل دية إحداهما في دية الاخرى كالشفتين مع الاسنان، وتخالف الكف مع الاصابع فإن الكف تابع للاصابع في المنفعة، واللحيان أصلان في الجمال والمنفعة، فهما كالشفتين مع الاسنان (الشرح) إذا قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافعها باقية من المضغ وطحن الطعام واستدرار اللعاب وجبت ديتها على أحد الوجهين، وهو قول أحمد وأصحابه، لان جمالها باق ومنفعتها باقية، إنما نقصت، ونقعان المنفعة لا يوجب سقوط الدية كاليد العليلة. (الثاني) لا يجب فيها الدية، وإنما تجب فيها الحكومة، لان معظم منفعتها

تذهب بالاضطراب، فصار كاليد الشلاء فإن جنبى على سنه جان فاضطربت وطالت عن الاسنان، وقيل إنها تعود إلى مدة على ما كانت عليه انتظرنا إليها، فإن ذهبت وسقطت وجبت ديتها، وإن عادت كما كانت فلا شئ فيها، كما لو جنى على يده فمرضت ثم برأت، وان بقى فيها اضطراب ففيها حكومة لجنايته، وإن مضت المدة ولم تعد إلى ما كانت عليه ففيها حكومة، وإن قلعها قالع قبل استقرارها فهل تجب عليه الدية والحكومة؟ فيه قولان، كما لو قلعها وهى مضطربة بمرض أو كبر. قال الشيخ أبو حامد: إلا أنا إذا أوجبنا الحكومة ههنا فإنها تكون أقل من الحكومة في التى قبلها، لان المجني عليه لم ينتفع بالاضطراب الحادث من المرض وهاهنا المجني عليه قد انتفع بالاضطراب الحادث من الجناية الاولة، وإن قلع رجل سنا فيها شق أو أكلة فإن لم يذهب من أجزائها شئ وجب فيها سن كاليد المريضة، وان ذهب منها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب ووجب الباقي (فرع) إذا قلع قالع سنة بسنخها وأبانها ثم ردها المجني عليه إلى مكانها فنبتت وعادت كما كانت وجبت على الجاني الدية. ونص أحمد في رواية جعفر بن محمد أنه لا تجب فيها الدية. دليلنا أن الدية وجبت عليه بإبانته السن على الفور، ورده لها لا حكم له لانه يجب ازالتها، فإن قلعها قالع فلا شئ عليه لانه يجب قلعها وان لم يرد المقلوعة وانما رد مكانها عظما طاهرا أو قطعة ذهب أو فضة فنبت عليها اللحم ثم قلعها انسان ففيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد الاسفراينى (أحدهما) لا يجب عليه شئ لانه أزال مال ليس من بدنه فلم يجب عليه دية كما لو أعاد سنه المقلوعة ثم قلعها قالع (والثانى) يجب عليه حكومة لانه أبيح له أن يتخذ سنا من عظم طاهر أو ذهب أو فضة، وقد حصل له في ذلك جمال ومنفعه، وقد أزالها فلزمه الحكومة لذلك. (فرع) قوله (وإذا قلع أسنان رجل كلها الخ) وقد مضى في شرح ما قال المصنف قبل هذا تفصيل مفيد، والذى لم نقله هو أنه إذا كان بعض اضراسه قصارا أو ثنايا طوالا وجب في كل سن ديتها، لان العادة أن الاضراس أقصر

من الثنايا، وإن كان بعض الاضراس طوالا وبعضها قصارا، أو كان بعض الثنايا طوالا وبعضها قصارا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ النقصان قريبا ففى كل سن ديتها، لان هذا من خلقة الاصل، وإن كان النقصان كثيرا ففيها بقسطها من الدية، فإنك انت القصيرة نصف الطويلة وجب فيها نصف دية السن وإن كانت ثلثها ففيها ثلث ديتها، لان هذا القدر من النقص لا يكون إلا من سبب مرض أو غيره. اه (فرع) إذا جنبى على سنه فسودها ففيه قولان، وحكى عن أحمد روايتان (أحدهما) تجب ديتها كاملة وهو ظاهر كلام الخرقى، ويروى هذا عن زيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وشريح والزهرى وعبد الملك ابن مروان والنخعي ومالك والليث وعبد العزيز بن أبى سلمة والثوري وأصحاب الرأى (الثانية) وهو المختار عندنا أنه إن أذهب منفعتها من المضغ عليها ونحوه ففيه دية، وان لم يذهب نفعها ففيه حكومة. قال في البيان: وان ضرب رجل سن رجل فاحمرت أو اصفرت ولم يذهب شئ من منفعتها وجبت فيها الحكومة، لانه أذهب جمالامن غير منفعة، وان اسودت فقد قال الشافعي في موضع فيها الحكومة، وقال في موضع فيها الدية، فقال المزني فيها قولان، وقال سائر أصحابنا ليست على قولين وانما هي على حالين فحيث قال تجب فيها الدية إذا ذهبت منفعتها، وحيث قا ل تجب فيها الحكومة أراد إذا لم تذهب منفعتها، وكل موضع قلنا تجب فيه الحكومة إذا اسودت فإنه يجب فيها أكثر من الحكومة إذا احمرت أوء اصفرت، لان الشين أي العيب والقبح في السواد أكثر وفى حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مرفوعا (وفى السن السوداء إذا نزعت ثلث ديتها. قال الشوكاني (لذهاب الجمال والمنفعة) ولقول على عليه السلام (إذا اسودت فقد تم عقلها) أي ديتها، فإن لم يضعف فحكومة له (فرع) إذا تبتت أسنان الصبى سوداء فسقطت ثم نبتت سوداء، فإن كانت كاملة المنفعة غير مضطربة فقلع قالع بعضها ففى كل سن ديتها، لان هذا السواد من أصل الخلقة فهو كما أو كانت العين عمشاء من أصل الخلقة فأما إذا نبتت أسنانه

بيضا فسقطتت، ثم نبتت سوداء، ثم قلع قالع بعضها قال الشافعي رضى الله عنها سألت أهل الخبرة فإن قالوا لا يكون هذا من مرض ففيها الحكومة لانها ناقصة الجمال والمنفعة. وان قالوا قد يكون من مريض وغيره وجبت في كل سن ديتها، لان الاصل سلامتها من المرض. (مسألة) قوله (ويجب في اللحيين الخ) فجملة ذلك أن اللحيين وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الاسنان ويقال لهما الفكان تجب فيهما الدية، لان فيهما منفعة وجمالا وفى أحدهما نصف الدية، لا ما وجبت الدية في اثنتين منه وجبت في أحدهما نصفها كالعينين، وان قلع اللحيين وعليهما الاسنان فحكى المسعودي فيه وجهين: (أحدهما) لا يجب عليه الا دية واحدة، كما لون قطع الاصابع مع الكف (والثانى) وهو اقول أصحابنا العراقيين أنه يجب في اللحيين الدية، في كل سن خمس من الابل، لان كل احد منهما تجب فيه دية مقدرة فلم يدخل أحدهما في الآخر كدية الاسنان والشفتين، ولان اللحيين كانا موجودين قبل الاسنان فلم يتبعا ما حدث عليهما من الاسنان، والكف والاصابع، جدا معا فتبع الكف الاصابع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في اليدين الدية لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (فِي الدين الديه) ويجب في احداهما نصف الدية لما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب لعمرو بن حزم حين أمره على نجران في اليد خمسون من الابل، واليد التى تجب فيها الديه هي الكف، فإن قطع الكف وجبت الديه، وان قطع من نصف الذراغ أو من المرفق أو من العضد أو من المنكب وجبت الديه في الكف، ووجب فيما زاد الحكومه. وقال أبو عبيد بن حرب، الذى تجب فيه الديه هو اليد من المنكب، لان اليد اسم للجميع، والمذهب الاول، لان اسم اليد يطلق على الكف، والدليل عليه قوله تعالى (والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما) والمراد به الكف، ولان المنفعة المقصودة من اليد هو البطش، والاخذ والدفع وهو بالكف، وما زاد

تابع للكف، فوجبت الدية في الكف، والحكومة فيما زاد. ويجب في كل أصبع عشر الدية لما روى أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عليه كتب إلى أهل اليمن في كل أصبع من الاصابع من اليد والرجل عشر من الابل) ، ولا يفضل أصبع على أصبع لما ذكرناه من الخبر، ولما رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مسندا (الاصابع كلها ساء عشر عشر من الابل) ولانه جنس ذو عدد تجب فيه الدية فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كاليدين، ويجب في كل أنملة ن غير الابهام ثلث دية الاصبع وفى كل أنملة من الابهام نصف دية الاصبع، لانه لما قسمت دية اليد على عدد الاصابع وجب أن يقسم دية الاصبع على عدد الانامل (فصل) وإن جنبى على يد فشلت، أو على أصبع فشلت، أو على أنملة فشلت، وجب عليه ما يجب في قطعها، لان المقصود بها هو المنفعة فوجب في إتلاف منفعتها في إتلافها، وان قطع يدا شلاء أو أصبعا شلاء أو أنملة شلاء وجب عليه الحكومة لانه إتلاف جمال من غير منفعه. (الشرح) خبر معاذ أخرجه البيهقى، وخبر عمرو بن حزم هو كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن، قال ابن كثير في الارشاد وهذا الكتاب متداول بين ائمة الاسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه، ويفزعون في مهمات هذا الباب إليه. أما حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فإن هذه زيادة في حديث رواه أحمد وأصحاب السنن الاربعة، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود ولفظه عندهم (في المواضح خمس خمس من الابل وزاد أحمد والاصابع سواء كلهن عشر عشر من الابل)) أما قوله (وتجب في اليدين الدية) فجملة ذلك أن أهل العلم قد أجمعوا على وجوب الدية في الدين ووجوب نصفها في إحداهما لما سقناه من حديث معاذ وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن، ولان فيهما جمالا ظاهرا ومنفعة كاملة، وليس في البدن من جنسهما غيرهما فكان فيهما الدية كالعينين.

واليد التى تجب فيها الدية من الكوع لان اسم اليد عند الاطلاق ينصرف إليها بدليل قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) كان الواجب قطعهما من الكوع، وكذلك التيمم يجب فيه مسح اليدين إلى الكوعين، فإن قطعها من بعض الساعد أو من المرفق أو من المنكب وجبت الدية في الكف وفيما زاد عليه الحكومة وقال أبو يوسف ما زاد على الاصابع إلى المنكب يتبع الاصابع كما تتبعها الكف نص عليه أحمد في رواية أبى طالب، وهو قول عطاء وقتادة والنخعي وابن أبى ليلى ومالك وغيرهم أنه أو قطع اليد من الكوع ثم قطعها من المرفق وجب في المقطوع ثانيا حكومة، لانه وجبت عليه دية اليد بالقطع الاول فوجبت بالثاني حكومة كما لو قطع الاصابع ثم قطع الكف أو قطع حشفة الذكر ثم قطع بقيته أو كما لو فعل ذلك اثنان. وقال أبو عبيد بن حرب من أصحابنا (اليد التى يجب بقطعها الدية هي اليد من المنكب) دليلنا الآية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع اليد من مفصل الكوع فكان فعله بيانا للآية، لان المنفعة المقصودة باليد الاخذ والدفع يحصل بالكف فوجبت الدية فيه، وإن جنى على كفه فشلت وجبت عليه ديتها لانه قد أذهب منفعتها فهو كما لو قطعها، وكما لو أعمى عينيه مع بقائها أو أخرس لسانه. قال الشوكاني (والحد الموجب للدية من الكوع) كما حكاه صاحب البحر عن العترة وأبى حنيفة والشافعي، فإن قطعت اليد من المنكب أو الرجل من الركبة ففى كل واحدة منهما نصف دية وحكومه عند أبى حنيفه ومحمد والقاسمية والمؤيد بالله. اه (فرع) ويجب في كل أصبع عشر من الابل ولا تفضل أصبع على أصبع، وبه قال على وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم، وعن عمر روايتان، إحداهما مثل قولنا، والثانية يجب في الخنصر ست من الابل، وفى البنصر تسع، وفى الوسطى عشرة وفى السبابة اثنا عشر وفى الابهام ثلاثة عشر فقسم دية اليد على الاصابع. دليلنا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في كل أصبع مما هناك من اليد والرجل عشر

من الابل وقيل إن عمر رضى الله عنه وأرضاه لما وجد هذا في الكتاب عند آل حزم رجع عن التفصيل. وروى أن ابن عباس كان يقول في كل أصبع عشر من الابل، فوجه إليه مروان وقال له أما سمعت قول عمر رضى الله عنه؟ فقال ابن عباس قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى من قول عمر، وأن الدية إذا وجبت بعدد قسمت عليه على عدده لا على منافعه كاليدين والرجلين، ويجب في كل أنملة من الاصابع ثلث دية الاصبع، إلا الابهام فإنه يجب في كل أنملة منها نصف دية الاصبع، وهو قول زيد بن ثابت. وحكى عن مالك أنه قال (للابهام أيضا ثلاث أنامل إحداهن باطنة) دليلنا أن كل أصبع لها أنملة باطنة ولا اعتبار بها، وانما الاعتبار بالانامل الظاهرة، ووجدنا لكل أصبع غير الابهام ثلاث أنامل وللابهام أنملتين فقسمت الدية عليهما وإن جنى على أصبع فشلت أو على أنملة فشلت وجب عليه ديتها، لانه أذهب منفعتها فهو كما لو قطعها. (فرع) إذا كان له كفان على كوع أو يدان على مرفق أو منكب، فإن لم يبطش بواحدة منهما فهما كاليد الشلاء فلا يجب فيمهما قود ولا دية، وإنما يجب فيهما الحكومة، وان كان يبطش بإحداهما دون الاخرى فالباطشة هي الاصليه والاخرى زائدة، سواء كانت الباطشه على مستوى الذراع أو منحرفه عن سمت الذراع، لان الله تعالى جعل البطش في اليد كما جعل البول في الذكر، فاستدل بالبطش على الاصليه كما يستدل على الخنثى بالبول، وان كان يبطش بهما إلا أن إحداهما أكثر من الاخرى، فالتى هي أكثر بطشا هي الاصليه والاخرى خلقة زائدة، وعلى قول ابن حامد من أصحاب أحمد لا شئ فيها، لانها عيب، فهى كالسلعة في اليد. أما إذا كانت احداهما على مستوى الخلقه والاخرى زائدة عن الاستواء فالمستوية هي الاصلية، والزائلة هي الزائدة، وان كاننا على مستوى الخلقة، فإن كانت احداهما لها خمس أصابع وللاخرى أربع اصابع فالاصليه هي كامله الاصابع والاخرى زائدة، فإن استويا في ذلك كله الا أن في احداهما أصبعا

زائدة لم يحكم بكونها بذلك، لان الاصبع الزائدة قد تكون في اليد الاصلية وفى الزائدة حكمنا أن إحداهما أصلية والاخرى زائدة أو جبنا في الاصلية القود والدية الكاملة وفى الآخر الحكومة، وإن تساويا ولم يعلم الزائدة منهما من الاصلية. قال الشافعي رحمه الله: فهما أكثر من يد وأقل من يدين، فإن قطعهما قاطع قطعت يده، ووجب عليه مع القصاص حكومة للزيادة، وإن عفا عن القصاص أو كانت الجناية خطأ وجب على الجاني دية وزيادة حكومة، وإن قطع قاطع إحداهما لم يجب عليه القصاص لانه ليس له مثلها، ولكن يجب عليه نصف دية يد وحكومة، وإن قطع أصبعا من إحداهما وجب عليه نصف دية أصبع وحكومة، وان قطع أنملة منهما وجب عليه نصف دية أنملة وحكومة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في الرجلين الدية لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (في الرجلين الدية) ويجب في احداهما نصف الدية لما روى عمرو بن حزم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (في الرجل نصف الدية) والرجل التى يجب في قطعها نصف الدية القدم، فإن قطع من الساق أو من الركبة أو من بعض الفخذ من أصل الفخذ وجبت الدية في القدم، ووجبت الحكومة فيما زاد، لما ذكرناه في اليد، ويجب في كل أصبع من أصابع الرجل عشر الدية لما ذكرناه في اليد من حيث عمرو بن حزم، ويجب في كل أنملة من غير الابهام ثلث دية الاصبع، وفى كل أنملة من الابهام نصف دية الاصبع لما ذكرناه في اليد. (فصل) ويجب في قدم الاعرج ويد الاعسم إذا كانتا سليمتين الديه، لان العرج انما يكون من قصر احدى الساقين، وذلك ليس بنقص في القدم، والعسم لقصر العضد أو الذراع أو اعوجاج الرسغ، وذلك ليس بنقص في الكف، فلم يمنع كمال الدية في القدم، والكف كذكر الخصى وأذن الاصم وأنف الاخشم. (فصل) إذا كسر الساعد فجبره مجبر أو خلع كفه فاعوجت ثم جبرها فجبرت وعادت مستقيمه، وجبت الحكومه، لانه حصل به نقص، وان لم تعد إلى

ما كانت، كانت الحكومه أكثر لان النقص أكثر فإن قال الجاني أنا أعيد خلعها وأعيدها مستقيمه منع من ذلك لانه استئناف جنايه أخرى فإن كابره وخلعه فعاد مستقيما وجب عليه بهذا الخلع حكومة، ولا يسقط ما وجب من الحكومه الاولى لانها حكومه استقرت بالجناية، وما حصل من الاستقامة حصل بمعنى آخر، فلم يسقط ما وجب، ويخالف إذا جنى على العين فذهب الضوء ثم عاد، لانا نتيقن أن الضوء لم يذهب (فصل) وان كان لرجل كفان من ذراع، فإن لم يبطش بواحد منهما، لم يجب فيهما قود ولا دية، لان منافعهما قد بطلت فصارا كاليد الشلاء، ويجب فيهما حكومه، لان فيهما جمالا، وان كان أحدهما يبطش دون الآخر فالذي يبطش به هو الاصلى فيجب فيه القود أو الدية، والآخر خلقة زائدة ويجب فيها الحكومه، وان كان أحدهما أكثر بطشا كان الاصلى هو أكثرهما بطشا سواء كان الباطش على مستوى الذراع أو منحرفا عنه، لان الله تعالى جعل البطش في الاصلى فوجب أن يرجع في الاستدلال عليه إليه، كما يرجع في الخنثى إلى بوله. وان استويا في البطش فإن كان أحدهما على مستوى الذراع والاخر منحرفا عن مستوى الذراع فالأصلي هو الذى على مستوى الذراع فيجب فيه القود أو الديه، ويجب في الآخر الحكومه، فإن استويا في ذلك فإن كان أحدهما تام الاصابع والآخر ناقص الاصابع فالأصلي هو التام الاصابع، فيجب فيه القود أو الديه، والآخر خلقة زائدة ويجب فيها الحكومه، وان استويا في تمام الاصابع الا أن في أحدهما زيادة أصبع لم ترجح الزيادة، ولانه قد يكون الاصبع الزائدة في غير اليد الاصلية، فإذا استويا في الدلائل فهما يد واحدة، فإن قطعهما قاطع وجب عليه القود أو الديه، ووجب عليه للزيادة حكومه، فان قطع احداهما لم يجب القود لعدم المماثلة، وعليه نصف ديه يد وزيادة حكومه لانها نصف يد زائدة. وان قطع أصبعا من احداهما فعليه نصف دية أصبع وزيادة حكومه لانها نصف أصبع زائدة. وان قطع أنملة أصبع من احداهما وجب عليه نصف دية أنملة وزيادة حكومه، لانها نصف أنملة زائدة

(الشرح) قوله (الاعسم) العسم في الكف والقدم، بابه تعب يبس مفصل الرسغ حتى تعوج الكف والقدم، والرجل أعسم والمرأة عسماء، عسم عسماء من باب ضرب طمع في الشئ. وقوله (خلع كفه) أي فكها من معصمها فاسترخت فلا يطيق رفعها، وقد شلت يده تشل بفتح الشين فيهما إذا يبست وقيل إذا استرخت، ولا تشلل بفتح التاء واللام إذا دعا لك بالسلامة من الشلل. قال الشاعر فلا تشلل يد فتكت بعمرو * فإنك لن تذل ولن قضاما إذا ثبت هذا فإنه يجب في الرجلين الدية وفى إحداهما نصف الدية لما ذكرناه من حديث معاذ وحديث عمرو بن حزم، وهو قول عمر وعلى ولا مخالف لهما في الصحابة، والرجل التى يجب بقطعها الدية هي القدم، فإن قطعها من نصف الساق أو من الركبة أو من الورك وجب الدية في القدم والحكومة فيما زاد لما ذكرناه في اليد، ويجب في كل أصبع منها وفى كل أنملة ما يجب في أصابع اليد وأناملها لما ذكرناه في اليد. فإن خلق له قدمان على كعب واحد أو ساقان على ركبة أو ركبتان على فخذ فالحكم فيه كالحكم فيمن خلق له كفان على مفصل، إلا أن الشافعي رضى الله عنه قال ها هنا (إذا كان إحدى القدمين أطول من الاخرى وكان يمشى على الطويلة فالظاهر أن الاصلية هي الطويلة التى يمشى عليها، فإن قطع قاطع القدم الطويلة لم يجب على القاطع في الحال الدية، بل ينظر في المقطوع فإن لم يمش على القصيرة أو مشى عليها مشيا ضعيفا وجبت الدية في الطويلة، لاننا علمنا أن الاصلية هي الطويلة، والقصيرة زائدة فيجب على قاطعها الحكومة وإن مشى على القصيرة مشى العادة وجب على قاطع الطويله الحكومة، لانا علمنا أن الاصل هو القصر، وإنما منعه المشى عليها الطويله. وان قطع قاطع القصيرة وجبت عليه الدية، فان جنى رجل على الطويله فشلت وجبت عليه الدية لانها هي الاصلية في الظاهر فان قطعها قاطع بعد الشلل وجبت عليه الحكومة ثم ينظر فيه فان لم يمش على القصيرة أو مشى عليها مشيا ضعيفا فقد علمنا أن الاصلية هي الطويله، واستقر ما أخذه، وإن مشى على القصيرة مشى العادة

علمنا أن القصيرة هي الاصلية، فيجب عليه أن يرد على الجاني الاول على الطويله ما زاد على الحكومه الا الديه، وان قطع قاطع القصيرة ك ان عليه الديه. (فرع) قال الشافعي رضى الله عنه (وفى يد الاعسم ورجل الاعرج إذا انتا سالمتين الديه) وهذا صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (في اليد خمسون من الابل وفى الرجل خمسون من الابل) ولم يفرق، ولان العرج انما يكون لقصر الساق أو لمرض فيه أو في غيره من الرجل والقدم سالم بنفسه فلم تنقص دية القدم لذلك، وأما الاعسم فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو حامد هو الاعسر وهو الذى بطشه بيساره أكثر. وقال ابن الصباغ الاعسم هو الذى يكون في رسغه مثل اعوجاج، والرسغ طرف الذراع مما بلى الكوع، وهو ظاهر كلام الشيخ أبى اسحاق. (فرع) ولا يفضل يمين عن يسار في الديه، لقوله صلى الله عليه وسلم (في اليد خمسون من الابل وفى الرجل خمسون من الابل) ولم يفرق، وان وجبت عليه الحكومه أكثرل مما لو عادت مستقيمه وجبت عليه حكومه للشين، وان عادت غير مستقيمه وجبت عليه الحكومه أكثر مما لو عادت مستقيمه، لانه أحدث بها نقص. فان قال الجاني أنا أكسرها وأجبرها فتعود مستقيمه لم يجب رد الحكومه الاولة إليه، لانها استقرت عليه بالانجبار الاول، قال الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق يجب عليه للكسر الثاني. وقال ابن الصباغ فيه وجان كالجناية إذا اندملت ولم يكن لها شين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب في الاليتين الديه، لان فيهما جمالا كاملا ومنفعة كامله فوجب فيهما الدية كاليدين، ويجب في احداهما نصف الديه، لان ما وجبت الديه في اثنين منه وجب نصفها في أحدهما كاليدين، وان قطع بعضها وجب فيه من الدية بقدره، وان جهل قدره وجبت فيه الحكومه (فصل) وان كسر صلبه انتظر، فان جبر وعاد إلى حالته لزمته حكومة

الكسر، وان احدودب لزمه حكومة للشين الذى حصل به، وإن ضعف مشيه أو احتاج إلى عصا لزمته حكومة لنقصان مشيه، وإن عجز عن المشى وجبت عليه الدية، لما روى الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال (مضت السنة أن في الصلب الديه، وفى اللسان الديه، وفى الذكر الذيه، وفى الانثيين الديه) ولانه أبطل عليه متفعة مقصودة فوجبت عليه الديه وإن كسر صلبه وعجز عن الوطئ وجبت عليه الديه، لانه أبطل عليه منفعة مقصودة، وإن ذهب مشيه وجماعه ففيه وجهان (أحدهما) لا تلزمه الا دية واحدة لانهما منفعتا عضو واحد (والثانى) يلزمه ديتان، وهو ظاهر النص، لانه يجب في كل واحد منهما الدية عند الانفراد فوجبت فيهما ديتان عند الاجتماع، كما لو قطع أذنيه فذهب سمعه أو قطع أنفه فذهب شمه. (فصل) ويجب في الذكر الدية لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب مع عمرو بن حزم إلى اليمن وفى الذكر الديه) ويجب ذلك في ذكر الشيخ والطفل والخصى والعنين، لان العضو في نفسه سليم، ولا تجب في ذكر أشل لانه بطلت منفعته فلم تكمل ديته، ويجب فيه الحكومة لانه أتلف عليه جماله، وان جنى على ذكره فشل وجبت ديته، لان المقصود بالعضو هو المنفعة فوجب في اتلاف منفعته ما وجب في اتلافه. وان قطع الحشفة وجبت الديه لان منفعة الذكر تكمل بالحشفة كما تكمل منفعة الكف بالاصابع، فكملت الدية بقطعها، ان قطع الحشفة وجاء آخر فقطع الباقي وجبت فيه حكومة، كما لو قطع الاصابع، وجاء آخر وقطع الكف، وان قطع بعض الحشفة وجب عليه من الدية بقسطها، وهل تتقسط على الحشفة وحدها أو على جميع الذكر؟ فيه قولان (أحدهما) تقسط على الحشفة، لان الدية تكل بقطعها فقسطت عليها كدية الاصابع. (والثانى) يقسط على الجميع، لان الذكر هو الجميع فقسطت الديه على الجميع.

(فصل) ويجب في الانثيين الدية لِمَا رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم وفى الانثيين الدية) ويجب في أحدهما نصف الدية، لان ما وجب في اثنين منه الدية وجبت في أحدهما نصفها كاليد. (الشرح) قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون في الاليتين الدية، وفى كل واحدة منهما نصفها، منهم عمرو بن شعيب والنخعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأى اه ولانهما عضوان من جنس فيهما جمال ظاهر ومنفعة كاملة، فإنه يحلس عليهما كوسادتين فوجب فيهما الدية، وفى إحداهما نصفها كاليدين. والاليتان هما ما علا أشرف من الظهر عن استواء الفخذين وفيهما الديه إذا أخذتا إلى العظم الذى تحتهما، وفى ذهاب بعضهما بقدره، لان ما وجبت الدية فيه وجب في بعضه بقدره، فإن جهل المقدار وجبت حكومة لانه نقص لم يعرف قدره، ولافرق بين اليتى الرجل والمرأة في ذلك، وان كان الانتفاع باليتى المرأة أكثر، لان الدية لا تختلف بالمنفعة كما قلنا في اليمين واليسار (مسألة) إذا كسر صلبه (1) فأذهب مشيه وجبت فيه الدية لما روى في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (وفى الصلب الديه) وعن سعيد بن المسيب أنه قال مضت السنة أن في الصلب الدية وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا قال القاضى من الحابلة، وقال أحمد وأكثر أصحابه ومنهم ابن قدامة (إذا كسر الصلب فلم ينجبر الدية ولو لم يذهب مشيه أو جماعه، وبهذا قال زيد بن ثابت وعطاء والحسن والزهرى ومالك قالوا إذا ذهب مشيه أو جماعه بسبب كسر صلبه ففيه دية أخرى غير دية الصلب، وظاهر رواية أحمد رواها عنه ابنه عبد الله أنه ان ذهب مشيه وجماعه وجبت ديتان، لانهما

_ (1) في القاموس الصلب بالضم وبالتحريك عظم من لدن الكاهل إلى العجب وقد قيل المراد بالصلب هو ما في الجدول المنحدر من الدماغ لتفريق الرطوبة في الاعضاء لا نفس المتن، بدليل ما رواه ابن المنذر عن على، والاولى حمل الصلب في كلام الشارع على المعنى اللغوى

منفعتان تجب الدية بذهاب كل واحدة منهما منفردة، فإذا اجتمعتا وجبت ديتان كالسمع والبصر. ولا أن الدية تجب إذا ذهب مشيه، ولان المشى منفعة جليلة فأشبه السمع والبصر، وإن لم يذهب المشى ولكن احتاج في مشيه إلى عكازة وجب فيه حكومه، وان لم يحتج إلى عكازة ولكنه يمشى مشيا ضعيفا وجبت عليه حكومة أقل من الحكومة الاولة، وان عاد مشيه كما كان إلا أن ظهره احدب لزمته حكومة للشين الحاصل بذلك، فإذا كسر صلبه فذهب جماعه وجبت عليه الديه، لانه روى ذلك عن أبى بكر وعمر وعلى رضى الله عنهم ولا تخالف لهم، ولانه منفعة جليلة فشابه السمع والبصر وان كسر صلبه فذهب ماؤه فقد قال القاضى أبو الطيب الذى يقتضى المذهب أنه تجب فيه الدية، وهو قول مجاهد لانه منفعة مقصودة فوجب في ذهابه الدية كالجماع وان كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه ففيه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه الا ديه واحدة لانهما منفعتا عضو واحد (والثانى) يجب عليه ديتان وهو المنصوص، لانهما منفعتان يجب في كل واحدة منهما الدية عند الانفراد فوجب في كل واحدة منهما دية عند الاجتماع كالسمع والبصر. وقال ابن قدامة (وان أذهب ماءه دون جماعه احتمل وجوب الدية، وهذا يروى عن مجاهد، وهذا كما قلنا هو مقتضى النص لانه ذهب بمنفعة مقصودة فوجبت الديه. (فرع) وفى الذكر الديه لما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لاهل اليمن (وفى الذكر الدية) وهو اجماع أهل العلم، ولان فيه منفعه وجمالا فوجبت فيه الديه، وسواء قطع ذكر صبى أو شيخ أو شاب أو خصى أو عنين لعموم الخبر، واختلفت الرواية عن أحمد في العنين على روايتين (احداهما) تجب فيه الديه لذلك (والثانيه) لا تكمل ديته، وهو مذهب قتادة، لان منفعته الانزال والاحبال والجماع، وقد عدم ذلك منه في حال الكمال فلم تكمل ديته كالاشل، وبهذا فارق ذكر الصبى. وكذلك اختلفت الرواية عن أحمد على روايتين (إحداهما) وهو مذهبنا،

وبه قال ابن المنذر: فيه دية كاملة، للخبر، ولان منفعة الذكر الجماع، وهو باق فيه (والثانية) لا تجب فيه، وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأى وقتادة وإسحاق لما ذكرنا في ذكرا لعنين، ولان المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته كالاشل، والجماع يذهب في الغالب. واستدلوا على ذلك بالبهائم يذهب جماعها بخصائها، والفرق بين ذكر العنين وذكر الخصى أن الجماع في ذكر العنين أبعد منه في ذكر الخصى، واليأس من الانزال متحقق في ذكر الخصى دون ذكر العنين، فعلى قولهم لا تكمل الدية في ذكر الخصى إن قطع الذكر والانثيين دفعة واحدة. أو قطع الذكر ثم قطع الانثيين لزمته ديتان فإن قطع الانثيين ثم قطع الذكر لم تلزمه إلا دية واحدة في الانثيين، وفى الذكر حكومة لانه ذكر خصى، وأفاد ابن قدامة عن القاضى أن أحمد نص على هذا. (فرع) إذا جنى رجل فقطع الحشفة والقضيب فقال أصحابنا البغداديون يجب فيه دية، ولا يفرد القضيب بالحكومة، لان اسم الذكر يقع على الجميع، فهو كما لو قطع يده من مفصل الكوع. وقال الخراسانيون هل يفرد القضيب بالحكومة؟ فيه وجهان، وكذلك عندهم إذا قطع المارن مع القصبة أو قلع السن مع السنخ فهل يفرد القصبة عن المارن؟ والسنخ عن السن بالحكومة؟ فيه وجهان وإن قطع بعض الحشفة ففيه قولان: (أحدهما) ينظر كم قدر تلك القطعة من الحشفة نفهسا؟ فيجب فيها من الدية بقدرها من الحشفة، لان الدية تجب بقطع الحشفة وحدها (والثانى) ينظر كم قدر تلك القطعة من جميع الذكر، ويجب فيها من دية الذكر بقدرها، لانه أو قطع جميع الذكر لوجبت فيه الدية، فإذا قطع بعضه اعتبر المقطوع منه، فإن قطع رجل قطعة مما دن الحشفة، والحشفة باقية، قال الشافعي رضى الله عنه نظر فيه فإن كان البول يخرج على ما كان عليه، وجب بقدر تلك القطعة من جميع الذكر من الدية. وان كان البول يخرج من موضع القطع وجب عليه أكثر الامرين من حصة القطعة من جيمع الذكر أو الحكومة وإن جرح ذكره فاندمل ولم يشل، فادعى المجني عليه أنه لا يقدر على الجماع لم

تجب الدية وانما تجب الحكومة، لان الجماع لا يذهب مع سلامة العضو، فإذا لم يقدر عليه كان ذلك لعلة أخرى في غير الذكر فلا يلزم الجاني دية الجماع، وإن جرح ذكره وطالت الجراحة إلى جوف الذكر لم تجب أرش الجائفة وإنما تجب فيه الحكومة، ولانه وإن كان له جوف، إلا أنه جوف لا يخاف من الوصول إليه التلف قوله (ويجب في الانثيين الدية) وهذا صحيح لما رويناه من كتاب عمرو بن حزم في أول الباب. وروى ذلك عن على وعمر وزيد بن ثابت. والانثيان معناهما معنى البيضتين، أفاده في القاموس وذكر الشوكاني نقلا عن الغيث أن الانثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين وفيه نظر لان كتب اللغة على خلاف ذلك. وفى اللسان والانثيان الخصيتان، وهما أيضا الاذنان يمانية، وأنشد الازهرى لذى الرمة وكنا إذا القيسي نب عتوده * ضربناه فوق الانثيين على الكرد وقال ابن سيده في المخصص، وقول الفرزدق وكنا إذا الجار صعر خده * ضربناه تحت الانثيين على الكرد وقوله (مضت السنة الخ) قال الشافعي فيما أخرجه البيهقى عنه (ان قول سعيد من السنة يشبه أن يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عامة أصحابه) ثم قال (وقد كنا نقول أنه على هذا المعنى ثم وقفت عنه) وأسأل الله الخير، لانا قد نجد منهم من يقول السنة، ثم لا نجد لقوله السنة نفاذا أنها عن النبي صلى الله عليه وسلم والقياس أولى بنا فيها، وقال الشوكاني، وعلى تسليم أن قوله (من السنة) يدل على الرفع فهو مرسل. إذا ثبت هذا فإن الجمهور على أن فيهما الدية لما فيهما من جمال ومنفعة فهما كاليدين، وفى كل واحدة منهما نصف الدية. وقال ابن المسيب في اليسرى ثلثى الدية لان النسل منها وفى اليمنى ثلث الديه. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (وفى الانثيين الديه) وظاهر هذا أن الديه مقسطه عليهما بالسويه وقوله ان النسل من اليسرى لم يصح. وروى هذا في كتب العترة عن على ولم يثبت عندنا، وقد روى عن عمرو بن شعيب قوله عجبت لمن يقول ان النسل

من اليسرى كان لى غنيمات وأخصيتها فألقحت وإن صح فإن العضو لا تفضل ديته بزيادة المنفعة، كما لا تفضل اليد اليمنى على اليسرى، وكما لا يفضل الابهام على الخنصر في الدية. (فرع) وإن قطع الذكر والانثيين معا أو قطع الذكر ثم الانثيين وجبت عليه ديتان بلا خلاف، وإن قطع الانثيين ثم قطع الذكر بعدهما وجب عليه ديتان عندنا. وقال أبو حنيفة تجب عليه دية الانثيين وحكومة في الذكر، لانه بقطع الانثيين قد ذهبت منفعة الذكر، لان استيلاده قد انقطع، دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (وفى الذكر الدية) ولم يفرق، ولان كل عضوين لو قطعا معا وجبت فيهما ديتان، فإذا قطع إحداهما بعد الاخرى وجبت فيهما ديتان، كما لو قطع الذكر ثم الانثيين، وما قاله لا نسلمه، لان منفعة الذكر باقية لانه يولجه، فأما الماء فإن محله في الظهر لا في الذكر وقد قيل انه بقطع الانثيين لا ينقطع الماء، وانما يرق فلا ينعقد منه الولد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما اشترك فيه الرجل والمرأة من الجروح والاعضاء ففيه قولان قال في القديم: تساوى المرأة الرجل إلى ثلث الديه، فإذا زادت على ذلك كانت المرأة على النصف من الرجل، لما روى نافع عن ابن عمر أنه قال (تستوى دية الرجل والمرأة إلى ثلث الديه ويختلفان فيما سوى ذلك) وقال في الجديد هي على النصف من الرجل في جميع الاروش، وهو الصحيح لانهما شخصان مختلفان في دية النفس فاختلفا في أروش الجنايات كالمسلم والكافر ولانه جناية يجب فيها أرش مقدر فكانت المرأة على النصف من الرجل في أرشها كقطع اليد والرجل، وقول ابن عمر يعارضه قول على كرم الله وجهه (في جراحات الرجال والنساء سواء على النصف يما قل أو كثر (فصل) ويجب في ثديى المرأة الديه لان فيهما جمالا ومنفعه فوجب فيهما الديه كاليدين والرجلين، ويجب في إحداهما نصف الديه لما ذكرناه في الانثيين وان جنى عليهما فشلنا وجبت عليه الديه، لان المقصود بالعضو هو المنفعة فكان

إتلاف منفعته كإتلافه، وإن كانتا ناهدين فاسترسلتا وجبت الحكومة، لانه نقص جمالهما، وان كان لها لبن فجنى عليهما فانقطع لبنها وجبت عليه الحكومة لانه قطع اللبن بجنايته، وإن جنى عليهما قبل أن ينزل لها لبن فولدت ولم ينزل لها لبن سئل أهل الخبرة فإن قارا لا ينقطع إلا بالجناية وجبت الحكومة. وان قالوا قد ينقطع من غير جناية لم تجب الحكومة، لجوا أن يكون انقطاعه لغير الجناية فلا تجب الحكومة بالشك وتجب الدية في حلمتيهما، وهو رأس الثدى لان منفعة الثديين بالحلمتين لان الصبى بها يمص اللبن وبذها بهما تتعطل منفعة الثديين فوجب فيهما ما يجب في الثديين، كما يجب في الاصابع ما يجب في الكف. وأما حلمتا الرجل فقد قال في موضع يجب فيه حكومة، وقال في موضع قد قيل إن فيهما الدية فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) تجب فيهما الدية، أن ما وجبت فيه الدية من المرأة وجبت فيه الدية من الرجل كاليدين. (والثانى) وهو الصحيح أنه يجب فيهما الحكومة لانه إتلاف جمال من غير منفعة فوجبت فيه الحكومة، ومنهم من قال يجب فيه الحكومة قولا واحدا. وقوله قد قيل إن فيهما الدية حكاية عن غيره (فصل) ويجب في اسكتي المرأة وهما الشفران المحيطان بالفرج الدية لان فيهما جمالا ومنفعة في المباشرة، يجب في أحدهما نصف الدية لان كل ما وجب في اثنين منه الدية وجب في أحدهما نصفها كاليدين (الشرح) قد ذكرنا أن دية نفس المرأة على النصف من دية الرجل، وأما ما دون النفس فاختلف الناس فيه فذهب الشافعي في الجديد إلى أن أرشها نصف أرش الرجل في جميع الجراحات والاعضاء، وبه قال على بن أبى طالب والليث ابن سعد وابن أبى ليلى وابن شبرمة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وقال في القديم: تساوى المرأة الرجل إلى ثلث الدية، فإذا زاد الارش على ثلث الدية كانت على النصف من الرجل وبه قال ابن عرم وربيعة لما روى عن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى

يبلغ الثلث من ديته) رواه النسائي والدارقطني، وهو من رواية اسماعيل بن عياش عنه، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة. وقال في بداية المجتهد (إن الاشهر عن ابن مسعود وعثمان وشريح وجماعة أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف وحكى في البحر عن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار أنهما يستويان إلى أن يباغ أرشها خمس عشرة من الابل. وعن الحسن البصري يستويان إلى النصف ثم ينصف. وحكى في الْبَيَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (تساوى المرأة الرجل إلى ثلث الديه، فإذا بلغت إلى ثلث الديه كانت على النصف، وبه قال سيعدبن المسيب ومالك وأحمد واسحاق. وروى أن ربيعة الرأى قال، قلت لابن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال عشر من الابل، قلت كم في أصبعين؟ قال عشرون، قلت كم في ثلاث أصابع؟ قال ثلاثون، قلت كم في أربع أصابع؟ قال عشرون من الابل، قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال سعيد أعراقي أنت؟ قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنه يا ابن أخى. رواه مالك في الموطأ والبيهقي في سننه. دليلنا حديث عمرو بن حزم (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (دية المرأة عليا لنصف من دية الرجل ولم يرق بين القليل والكثير، ولانه جرح له أرش مقدر فوجب أن يكون في أرشه عن النصف من أرش الرجل أصله مع كل طائفه ما وافقتنا عليه، وأما حديث عمرو بن شعيب وابن المسيب فهما مرسلان قوله ويجب في ثديى المرأة الديه لان فيهما جمالا ومنفعه الخ وهذا صحيح، أما الجمال فظاهر، لانهما دليل على الانوثة وتوفر خصائض الاغراء وجذب الرجل نحوها. وأما المنفعة فلان وظيفتهما تحقيق خصائص الامومه، إذ بهما يحيى الصبى فيلتهمهما ويلتقمهما فيدران لبنا يعيش وينمو به، ولان الديه إذا كانت واجبه في أذنها هي أقل جمالا ومنفعه من ثديها فلان تجب في الثدى أولى، ويجب في أحدهما نصف الديه لان كل اثنين وجبت الديه فيهما وجب في أحدهما نصفها كاليدين.

والثديان اللذان يجب فيهما لادية هما الحلمتان، وهما رأس الثدى اللذان يلتقمهما الصبى، لان الجمال والمنفعة يوجدان فيهما، فإن قطع قاطع الحلمتين ثم قطع آخر باقى الحملتين ثم قلع آخر باقى الثديين وجب على الاول الدية وعلى الثاني الحكومة كما لو قطع رجل الاصابع وقطع آخر بعده الكف، وقد أوهم المزني في الثديين بعد الحلمتين الدية حين قال وفى الثديين الديه وفى حلمتهما ديتان، وليس بشئ، وقد بينه في الام. وإن قطع الحلمتين والثديين من أصلهما ففيه وجهان حكاهما المسعودي (أحدهما) يجب الدية في الحلمتين والحكومة في الثديين، كما لو قطع الحلمتين ثم قطع الثديين. (والثانى) وهو قول البغداديين من أصحابنا أنه لا يجب عليه إلادية، كما لو قلع السن مع سنخها. (فرع) قال الشافعي فإن قطع ثديها فأجافها فعليه نصف الديه للثدي وثلث دية للجائف، وإن قطع ثدييها وأجافها فعليه في الثديين كما الديه وفى الجائفتين ثلثا الديه، لان كل واحد منهما فيه دية مفردة إذا انفرد، فإذا اجتمعا وجب في كل واحد منهما ديته، كما لو قطع أذنه فذهب سمعه، وإن قطع ثديها وشيئا من جلد صدرها ففى الثدى الديه وفى الجلد الحكومه. وإن جنى عليهما فشلا وجبت فيهما الديه، لان كل عضو وجبت الديه في قطعه وحبت في شلله. وصورة ذلك أن يضرب الثدى ضربة يصل أثرها إلى الخلايا الداخلية للثدي فتحدث فيه أليافا تشل نموه كما تشل وظيفته عن إدرار اللبن، فإن لم يشلا ولكن استرخيا وكانا ناهدين أي مرتفعين وجبت فيهما الحكومه، لانه نقص جمالهما، وإن كان لهما لبن فجى عليهما فانقطع لبنهما أو نقص وجبت فيهما الحكومه، لانه نقص منفعتهما. وان جنى عليهما قبل أن ينزل اللبن فلم ينزل في وقته فإن قال أهل الخبرة ان انقطاع اللبن لا يكون إلا من الجناية وجبت عليه الحكومه. وان قالوا قد ينقطع من غير جنايه لم تجب الحكومه، لانه لا يعلم أن انقطاعه من الجناية. (فرع) وإن قطع حلمتي الرجل فقال الشافعي رضى الله عنه في موضع: فيهما

الحكومة، وقال في موضع: قد قيل إن فيهما الدية، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يجب فيهما الدية، لان كل عضو اشترك فيه الرجل والمرأة كانت الديه فيه تجب من المرأة تجب فيه من الرجل كاليدين والرجلين (والثانى) لا يجب فيهما الدية لانه لا منفعة فيهما من الرجل وإنما فيهما جمال، ومنهم من قال لا يجب فيهما الدية قولا واحدا لما ذكرناه في أحد قوليه، وما ذكرناه من قوله الآخر فليس بقول له، وإنما حكى قول غيره. (فرع) وإن كان للخنثى المشكل ثديان كثدي المرأة فهل يكونان دليلا على أنوثبته؟ فيه وجهان قال أبو على الطبري: يكونان دليلا على أنوثيته لانهما لا يكونان إلا للمرأة. وقال عامة أصحابنا: لا يكونان دليلا على أنوثيته لانهما قد يكونان للرجل، فإن قطعهما قاطع، فإن قلنا تجب الدية في ثدى الرجل وجبت ها هنا دية ثدى امرأة لانه اليقين، فان قلنا لا تجب الديه في ثدى الرجل لم يجب هاهنا إلا الحكومة وإن ضرب ثدى الخنثى وكان ناهدا فاسترسل ولم يجعله دليلا على أنوثيته. قال القاضى أبو الفتوح لم يجب على الجاني حكومة، لانه ربما كان رجلا ولا جمال له فيهما، ولا يحلقه نقص باسترسالهما، فإن بان امرأة وجبت الحكومة. وإن كان للخنثى لبن فضرب ضارب ثديه فانقطع لبنه، فإن قلنا بقول أبى على وجبت عليه الحكومه، وإن قلنا بقول عامة أصحابنا بنى على الوجهين في لبن الرجل، هل يحكم بطهارته ويثبت التحريم والحرمة بإرضاعه. ويجوز بيعه ويضمن؟ فإن قلنا تثبت هذه الاحكام يجب ها هنا الحكومة وإن قلنا لا تثبت هذه الاحكام لم تجب هاهنا الحكومة، ولكن يعزر به الجاني إذا كان عامدا للتعدى. (مسألة) قوله (اسكتي المرأة) الاسكة وزان سدرة سدرة وفتح الهمزة لغة قليلة جانب فرج المرأة وهما إسكتان الجمع إسك مثل سدر قال الازهرى: الاسكتان ناحيتا الفرج، والشفران طرفا الناحيتين، وأسكب المرأة بالبناء للمفعول أخطأتها الخافضة فأصابت غير موضع الختان فهى مأسوكة. وقال الشافعي رضى الله عنه: وفى اسكتيها وهما شفراها إذا أو عبتا ديتهما قال في البيان وجملة ذلك أن الاسكتين وهما اللحمان المحيطان بالفرج كإحاطة الشفتين بالفم يفرق الشافعي بين الاسكتين والشفرين

وأهل اللغه يقولون الشفران حاشية الاسكيتين، كما أن أشفار العينين أهدابهما فإذا قطعهما قاطع وجبت عليه الديه، لان فيهما جمالا ومنفعه، فأما الجمال فظاهر وأما المنفعة فإن لذة الجماع بهما اه. فإن قطع إحداهما وجب عليه نصف الديه، لان كل اثنتين وجبت فيهما الديه وجب في احداهما نصف الدية كالدين، ولا فرق بين شفرى الصغيرة والعجوز، والبكر والثيب، وسوء كانتا صغيرتين أو كبيرتين، رقيقتين أو غليظتين كما قلنا في الشفتين، وسواء كانت قرناء أو رتقاء لان ذلك عيب في غيرهما، وسواء كانت مخفوضه أو غير مخفوضه (1) لان الخفض لا تعلق له بالشفرين، فإن جنى على شفريها فشلا وجبت عليه الديه (2) ، لان كل عضو وجبت الديه بقطعه وجبت بشلله كاليدين. وان قطع الشفرين والركنب، وهو عانه المرأة التى ينبت فيها الشعر وجبت الديه في الشفرين والحكومه في الركب. هكذا أفاده الشافعي في باب الجناية على ركب المرأة من الام. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) قال الشافعي رحمه الله: إذا وطئ امرأة فأفضاها وجبت عليه الديه. واختلف أصحابنا في الافضاء، وفقال بعضهم: هو أن يزيل الحاجز الذى بين الفزج وثقبة البول، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله. وقال بعضهم: هو أن يزيل الحاجز الذى بين الفرج والدبر، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وشيخنا القاضى أبى الطيب الطبري، لان الديه لا تجب الا بإتلاف منفعه كاملة، ولا يحصل ذلك الا بإزالة الحاجز بين السبيلين، فأما ازالة الحاجز

_ (1) الخفض قطع جزء من البظر، وهو بالنسبة للاناث كالختان للذكران عند بعض الشعوب. وفى حديث أم عطية الاسدية (أخفضى ولا تنهكي، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) (2) شللهما بأن ينفتحا فلا يقفلان، أو يقفلا فلا يفتحان

بين الفرج وثقبة البول فلا تتلف بها المفعة، وإنما تنقص بها المنفعة، فلا يجوز أن يجب بها دية كامله، وإن أفضالها واسترسل البول وجب مع دية الافضاء حكومة للنقض الحاصل باسترسال البول، وإن أفضاها والتأم الجرح وجبت الحكومة دون الدية، إن أجاف جائفة والتامت لم يسقط أرشها، والفرق بينهما أن أرش الجائفة وجب باسمها فلم يسقط بالالتئام، ودية الافضاء وجبت بازالة الحاجز، وقد عاد الحاجز فلم تجب الدية (فصل) ولا يجب في إتلاف الشعور غير الحكومة، لانه إتلاف جمال من غير منفعه فلم تجب فيه غير الحكومه، كاتلاف العين القائمة واليد الشلاء. (فصل) ويجب في تعويج الرقبة وتصعير الوجه الحكومه، لانه إذهاب جمال من غير منفعه فوجبت فيه الحكومه، فإن كسر الترقوة أو كسر ضلعا فقد قال في موضع آخر: يجب فيه جمل، وقال في موضع: تجب فيه الحكومه واختلف أصحابنا فيه فقال أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تجب فيه الحكومه قولا واحدا، والذى قال فيه جمل، أراد على سبيل الحكومه، لان تقدير الارش لا يجوز إلا بنص أو قياس على أصل، وليس في هذا نص ولا له أصل يقاس عليه، وقال المزني وغيره هو على قولين وهو الصحيح (أحدهما) أنه يجب فيه جمل لما روى أسلم مولى عمر عن عمر رضى الله عنه أنه قضى في الترقوة بحمل، وفى الضلع بحمل، وقول الصحابي في قوله القديم حجة تقدم على القياس. والقول الثاني وهو الصحيح أنه يجب فيه حكومه، لانه كسر عظم في غير الرأس والوجه فلم يجب فيه أرش مقدر ككسر عظم الساق، وما روى عن عمر يحتمل أنه قضى به على سبيل الحكومه، ولان قول الصحابي ليس بحجة في قوله الجديد. (الشرح) قوله: الافضاء مأخوذ من الفضاء وهو المكان الواسع، ويكون بمعنى الجماع كقوله تعالى (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) ويكون اللمس كقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ)

وقوله (تصعير اوجه) الصغر بالتحريك ميل في العنق وانقلاب الوجه إلى أحد الشدقين، وربما كان الانسان أصعر خلقه، أو صعره غير بشئ يصيبه، وهو مصدر من باب تعب، وصعر خده بالتثقيل وصاعره أماله عن الناس إعراضا وتكبرا، والبرقوتان العظمان الناتئان أعلى الصدر والجمع تراقى. قال تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) والضلع كعنب وقد تسكن واحدة الاضلاع أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولو افتضها فأفضاها أو أفضاها وهى ثيب كانت عليه ديتها، لانها جنايه واحدة وعليه مهر مثلها. وجملة ذلك أنه إذا وطئ امرأة فأفضاها أو أفضاها بغير الوطئ، وقد نص عليه بقوله في الام: ولو افتضتها امرأة أو رجل بعود بلا جماع كانت عليهما ديتها، وليس هذا من معنى الجائفة بسبيل. اه وقد اختلف أصحابنا في كيفية الافضاء، فقال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى هو أن يجعل مسلك البول ومسلك الذكر واحدا، لان ما بين القبل والدبر فيه بعد وقوة فلا يرفعه الذكر، ولانهم فرقوا بين أن يستمسك البول أو لا يستمسك، وهذا انما يكون إذا انخرق الحاجز بين مسلك البول ومدخل الذكر وقال أبو على بن أبى هريرة: وهو أن يزيل الحاجز بنى الفرج والدبر، وهو قول القاضى أبى الطيب والجويني. قال الشيخ أبو إسحاق: لان الديه لا تجب الا بإتلاف منفعة كامله، ولا يحصل ذلك إلا بإتلاف الحاجز بين السبيلين، فأما ازالة الحاجز بين الفرج وثقبة البول فلا ت؟ ؟ بها المنفعة وانما تنقص بها المنفعة، فلا يجوز أن تجب فيه ديه كامله وذكر ابن الصباغ له علة أخرى فقال: لانه ليس في البدن مثله، ولو كان المراد به ما بين مسلك البول ومسلك الذكر لكان له مثل، وهو ما بين القبل والدبر ولا يجب فيه الديه، فإن أفضاها واسترسل البول ولم يستمسك وجب عليه مع دية الافضاء حكومه للشين الحاصل باسترسال البول إذا ثبت هذا فلا تخلو المرأة المفضاة إما أن تكون زوجة أو أجنبيه أكرهها على الوطئ أو وطئها بشبهة، فإن كانت زوجته فأفضاها فإن كان البول مستمسكا فقد استقر عليه المهر بالوطئ ووجبت عليه دية الافضاء، وان

أفضاها بالوطئ واسترسل البول وجب عليه المهر ودية الافضاء والحكومة لاسترسال البول. وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه دية الافضاء، وانما عليه المهر فقط أو لها أكثر الامرين من مهر مثلها أو أرش افضائها لان الارش لاتلاف العضو فلا يجمع بين ضمانه وضمان منفعته كما لو قلع عينا ولنا أن هذه جناية تنقل عن الوطئ فلم يدخل بدله فيها، كما لو كسر صدرها وما ذكروه غير صحيح، فإن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع، والدية تجب لاتلاف الحاجز فلا تدخل المنفعة فيه. وقال أحمد وأصحابه عليه المهر وأرش اتلاف العضو وقدره ثلث الدية قلت: الواجب عندنا الدية لانها جناية وقعت بالوطئ فلم يسقط حكمها باستحقاق الوطئ، كما لو وطئها وقطع ثديها أو شجها. وان كانت أجنبية فأكرهها على الوطئ وأفضاها وجب عليه المهر ودية الافضاء، وان استرسل البول وجب عليه الحكومة مع دية الافضاء. وقال أحمد وأصحابه: يلزمه ثلث ديتها ومهر مثلها لانه حصل بوطئ غير مستحق ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما أتلف كسائر الجنايات. وقال أبوجنيفه: لا يجب المهر، وأما الافضاء فإن كان البول لا يحتبس فعليه دية وان كان يحتبس فعليه ثلاث دية، وبه قال ابن عمر رضى الله عنهما. دليلنا على إيجاب المهر أنه وطئ في غير ملك لاحد فيه على الموطوء فوجب على الواطئ المهر كما لو وطئها بشبهة، وعلى الجاني الدية لانه افضاء مضمون فوجب فيه الدية، كما لو لم يحتبس البول فقولنا مضمن احتراز منه إذا وطئ أمته فأفضاها إذا ثبت هذا فإن كانت ثيبا وجب عليه مهر ثيب، وان كانت بكرا وجب عليه المهر والدية ويدخل أرش البكارة في الدية. ومن أصحابنا من قال: لا يدخل أرش البكارة، كما لو أكره بكرا فوطئها وأفضاها. فإن أرش البكارة لايدخل في المهر، والمذهب الاول، لان الدية تجب بإتلاف عضو وأرش البكارة بإتلاف العضو فتداخلا، والمهر يجب بغير

ما تجب به الدية وهو الوطئ فلم يتداخلا، وإن وطئها بشبهة أو عقد فاسد وأفضاها وجب عليه المهر والدية. وقال الحنابلة: إذا أكره امرأة على الزنا فأفضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها فقالوا بقولنا في العلة، إذ أنه وطئ غير مستحق ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما أتلف كسائر الجنايات. واختلفوا في الدية فجعلوها على الثلث، وهل يلزمه أرش البكارة مع ذلك؟ عندهم روايتان ذكرهما ابن قدامة في المغنى (أحداهما) لا يلزمه لان أرش البكارة داخل في مهر المثل، فإن مهر البكر أكثر من مهر الثيب، فالتفاوت بينهما هو عوض أرش البكارة فلم يضمنه مرتين كما في حق الزوجة. (والثانية) يضمنه لانه محل أتلفه بعدو انه فلزمه أرشه كما لو أتلفه بأصبعه. فإذا أفضاها وترتب على ذلك استرسال بولها وجبت عليه مع الدية الحكومة وإن كانت بكرا فهل يدخل أرش البكارة في الدية؟ على وجهين كما قلنا في إكراهها وقال أحمد لزمته الدية من غير زيادة. وقال أبو حنيفة لا يجب لها دية الافضاء لانه تولد من مأذون فيه وهو الوطئ، فهو بمنزلة إذهاب البكارة. ودليلنا أن الافضاء ينفك عن الوطئ، فكان مضمونا مع الاذن في الوطئ ككسر الصدر، ويخالف إذهاب البكارة فإنه لا ينفك عن الوطئ (فرع) إذا أفضى الخنثى المشكل. قال القاضى أبو الفتوح، فإن قلنا الافضاء ما ذكره الشيخ أبو حامد لم تجب الدية لانه ليس بفرج أصلى، وانما تجب الحكومة. وان وجد في فرج الخنثى المسلكان. وان لم يوجد فيه إلا مسلك البول فلا يتصور فيه الافضاء على هذا. وإن قلنا إن الافضاء ما ذكره القاضى أبو الطيب فعلى تعليل قول ابن الصباغ حيث قال: لانه ليس في البدن مثله تجب هاهنا دية الافضاء، وعلى تعليل قول الشيخ أبى اسحاق هنا حيث قال لا تجب الدية الا بإتلاف منفعة كاملة لاتنجب الدية بإفضاء الخنثى، وانما تجب الحكومة. وان افتض البكارة من فرج الخنثى المشكل، قال القاضى أبو الفتوح فإن الحكومة تجب ولكن لا بموجب حكومة البكارة وانما بموجب حكومة جراح

وأرش جناية وألم، لان البكارة لا تكون الا في الفرج الاصلى (فرع) قال العمرانى في البيان: وكل موضع قلنا تجب الدية بالافضاء فإن العمد المحض يتصور في الافضاء، وهو أن يطأها صغيرة أو ضعيفة هزيلة الغالب افضاءها فتجب الدية مغلظة في ماله، ويتصور فيه عمد الخطأ، مثل أن يقال قد يفضيها وقد لا يفضيها والغالب أنه لا يفضيها، فإن أفضاها فهو عمد خطأ فتجب فيه دية مغلظة على عاقلته. وهل يتصور فيه الخطأ المحض بالوطئ؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يتصور، مثل أن يقال لا يفضى فأفضاها أو كان له زوجة قد تكرر وطؤه لها فوجد امرأة على فراشه فظنها زوجته فوطئها فأفضاها فتكون خطأ محضا، كما لو رمى هدفا فأصاب انسانا فتجب فيه دية مخففة على العاقلة. (والثانى) لا يتصور فيه الخطأ المحض، لانه يكون قاصدا إلى الفعل بكل حال. اه (مسألة) الشعور لا يجب فيها قصاص ولا دية، قال بهذا أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت رضى الله عنهما، وبهذا قال أحمد وأصحابه، وقال أبو حنيفة: تجب في شعر الرأس الدية وفى شعر الحاجبين الدية، وفى أهداب العينين الديه وفى اللحية الديه، وهو إذا لم ينبت هذا الشعر بعد حلقه له واختلف أصحاب أبى حنيفة في لحية الكوسج، ويقال له الاثط، وهو الذى لاشعر في عارضيه، فقال الزيلعى: والاصح أنه إذا كان على ذقه شعرات معدودة وليس في حلقه شئ لا يجب فيها شئ، لان وجودها يشينه ولا يزينه وان كان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومه عدل، وان كان متصلا ففيه كمال الدية لانه ليس بكوسج وفى لحيته جمال كمال اه وهم يستداون بما روى أن رجلا أفرغ على رجل قدرا فتمعط شعره، فأتى عليا فقال له: اصبر سنة، فصبر فلم ينبت شعره فقضى فيه بالدية دليلنا أنه أتلاف شعر فلم يكن فيه أرش مقدر كأرش الشارب والصدر، وما روى عن على رضى الله عنه يعارضه ما روى عن أبى بكر الصديق وزيدبن ثابت أنهما لم يوجبا الدية. إذا ثبت هذا فإنه إذا حلق شعر رجل وطرح عليه شيئا فتمعط فإن نبت

كما كان من غير زيادة ولا نقصان لم يجب على الجاني شئ كما لو قلع سن صغير ثم نبت، فإن لم ينبت أصلا وأيس من نباته وجبت فيه حكومة للشين الحاصل بذهابه. ولابن قدامة من الحنابله. قوله: ولا تجب الدية إلا بذهابه على وجه لا يرجى عوده، مثل أن يقلب على رأسه ما يتلف منبت الشعر فينقلع بالكلية بحيث لا يعود، فإن رجى عوده إلى مدة انتظر إليها، وان عاد قبل أخذ الديه لم تجب، فان عاد بعد أخذها ردها، والحكم فيه عندهم كالحكم في ذهاب السمع والبصر فيما يرجى عوده وفيما لا يرجى. (فرع) إذا نبت للمرأة لحية فحلقها حالق فلم تنبت فهل تجب فيها الحكومه؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس بن سريج أنه لا حكومة فيها، لان بقاء اللحيه في حقها شين وزوالها في حقها زين (والثانى) وهو المنصوص أنه يجب فيها الحكومه، لان ما يجب ضمانه من الرجل ضمن من المرأة كسائر الاعضاء، قال الشافعي رحمه الله: إلا أن الحكومه فيها أقل من الحكومه في لحية الرجل، لان للرجل جمالا بها ولا جمال بها للمرأة، وانما الحكومه للالم والعدوان وإذا ثبت هذا فان نبت للخنثى المشكل لحيه، فهل تكون دليلا على ذكوريته، فيه وجهان. قال أبو على الطبري يكون دليلا على ذكوريته، فعلى هذا إذا نتفها رجل ولم تنبت كان عليه حكومه كالحكومه في لحية الرجل، وقال عامة أصحابنا لا يكون دليلنا على ذكوريته، فعلى هذا إذا نتفها رجل ولم تنبت كان في وجوب الحكومه فيها وجهان كلحية المرأة. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه (وفى الترقوة جمل، وفى الضلع جمل) وقال في موضع) يجب في كل واحد منهما حكومه) واختلف أصحابنا فيهما، فذهب المزني وبعض أصحابنا إلى أن فيهما قولين (أحدهما) يجب في كل واحد منهما أرش مقدر، وانما يجب فيها حكومه، وبه قال مالك وأبو حنيفة واختاره المزني وهو الاصح، لانه كسر عظم باطن لا يختص بجمال ومنفعه فلم يجب فيه أرش مقدر كسائر عظام البدن، وما روى عن عمر رضى الله عنه فيحتمل أنه قضى بذلك على سبيل الحكومه، فمنهم من قال لا يجب فيه أرش مقدر وانما

تجب الحكومة قولا واحدا لما ذكرناه، ولان قول الصحابي ليس بحجة في قوله الجديد، وقد عرفنا أن بعض الصحابة رضى الله عنهم كان يفتى في المسألة فيبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها فيرجع عن قوله، وقد فعل أبو بكر في ميراث الجدة ذلك، وكذلك فعل عمر في الاستئذان ثلاثا ورجع عن إنكاره لقول أبى موسى، ولم يعرف حم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة وباع معاوية سقاية من ذهب بأكثر من وزنها حتى أنكر عليه ذلك عبادة بن الصامت وكذلك رد الحيض وقسمة مال الكعبة. ويسمى الفقهاء قول الصحابي أثرا وكذلك بعض المحدثين بيد أن تعريفه عند المحدثين (موقوف) وعزا ابن الصلاح تسميته أثرا الى الخراسانينن قال: وبلغنا عن أبى القاسم الفورانى أنه قال: الخبر ما كان عَنْ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاثر ما كان عن الصحابي قال ابن كثير: ومن هذا يسمى كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا، وهذا بالسنن، والآثار، ككتابي السنن والآثار للطحاوي والبيهقي وغيرهما اه. على أن مالكا كان يأخذ قول الصحابي لا على أنه رأى له وانما على أنه حديث لم يسنده الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جاء عنه انه كان يقدم الموقوف على المرفوع أحيانا، ولا يخفى ما فيه مما تجنبه الامام الشافعي في الجديد، وكان يأخذ به في القديم. إذا ثبت هذا فإن الضلع معروف، وأما الترقوة فهى العظم المدور في النحر إلى الكتف، ولكل واحد ترقوتان، وفى كل ترقوة حكومة على أصح القولين، والثانى بعير، وهذا قول عمر بن الخطاب، وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الملك بن مروان وسعيد بن جبير وقتادة واسحاق وقال أحمد وأصحابه في كل ترقوة بعيران، وقال ابن قدامة عند قول الخرقى وفى الترقوة بعيران، وقال القاضى المراد بقول الخرقى الترقوتان معا، وانما اكتفى بلفظ الواحد لادخال الالف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير. وقال أبو حنيفة: في كل واحدة منهما حكومة، وهو أظهر قولى الشافعي

كما قدمنا، وبه قال مالك ومسروق وابن المنذر، وروى عن الشعبى أن في الترقوة أربعين دينارا، وقال عمرو بن شعيب: في الترقوتين الدية، وفى إحداهما نصفها لانهما عضوان فيهما جمال ومنفعة، وليس في البدن غيرهما من جنسهما فكملك فيهما الدية كالدين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن لطم رجلا أو لكمه أو ضربه بمثل فإن لم يحصل به أثر لم يلزمه أرش، لانه لم يحصل به نقص في جمال ولا منفعة فلم يلزمه أرش. وإن حصل به شين بأن اسود أو اخضر وجبت فيه الحكومة لما حصل به من الشين، فإن قضى فيه بالحكومة ثم زال الشين سقطت الحكومة، كما لو جنبى على عين فابيضت ثم زال البياض. وإن فزع إنسان فأحدث في الثياب لم يلزمه ضمان مال لان المال إنما يجب في الجناية إذا أحدثت نقضا في جمال أو منفعة، ولم يوجد شئ من ذلك. (فصل) إذا جنى على حر جناية ليس فيها أرش مقدر نظرت، فان كان حصل بها نقص في منفعة أو جمال، وجبت فيها حكومة، وهو أن يقوم المجني عليه قبل الجناية، ثم يقوم بعدائد مال الجناية، فان نقص العشر من قيمته وجب العشر من ديته، وإن نقص الخمس من قيمته وجب الخمس من ديته، لانه ليس في أرشه نص فوجب التقدير بالاجتهاد، ولا طريق إلى معرفة قدر النقصان من جهة الاجتهاد إلا بالتقويم. وهذا كما قلنا في المحرم إذا قتل صيدا وليس في جزائه نص أنه يرجع إلى ذوى عدل في معرفة مثله، ان كان له مثل من النعم، أو إلى قيمته إذا لم يكن له مثل، ويجب القدر الذى نقص من قيمته من الدية، لان النفس مضمونة بالدية فوجب القدر الناقص منها، كما يقوم المبيع عند الرجوع بأرش العيب، ثم يؤخذ القدر الناقص من الثمن حيث كان المبيع مضمونا بالثمن. وقال أصحابنا: يعتبر نقص الجناية من دية العضو المجني عليه، لامن دية النفس، فإن كان الذى نقص هو العشر والجناية على اليد وجب عشر دية اليد

وإن كانت على أصبع وجب عشر دية الاصبع، وإن كانت على الرأس فيما دون الموضحة وجب عشر أرش الموضحة، وإن كانت على الجسد فيما دون الجائفة وجب عشر أرش الجائفة، لانا لو اعتبرناه من دية النفس لم نأمنم أن تزيد الحكومة في عضو على دية العضو، والمذهب الاول وعليه التفريع، لانه لما وجب تقويم النفس وجب أن يعتبر النقص من دية النفس، ولان اعتبار النقص من دية العضو يؤدى إلى أن يتقارب الجنايتان ويتباعد الارشان، بأن تكون الحكومة في السمحاق فنوجب فيه عشر أرش الموضحة فيتباعد ما بينها وبين أرش الموضحة مع قربها منها. فإن كانت الجناية على أصبع فبلغت الحكومه فيها أرش الاصبع أو على الرأس، فبلغت الحكومه فيها أرش الموضحة، نقص الحاكم من أرش الاصبع، ومن أرش الموضحة شيئا على قدر ما يؤدى إليه الاجتهاد، لانه لا يجوز أن يكون فيما دون الاصبع أو المواضحة ما يجب فيها. وان كانت الجناية في الكف فبلغت الحكومه أرش الاصابع نقص شيئا من أرش الاصابع، لان الكف تابع للاصابع في الجمال والمنفعة فلا يجوز أن يجب فيه ما يجب في الاصابع (الشرح) إذا جنى على رجل جنايه لم يحصل بها جرح ولا كسر ولا إتلاف حاسة بأن لطمه الجاني أو لكمه أو ضربه بخشبة، فلم يجرح ولم يكسر نظرت، فان لم يحصل به أثر أو حصل به سواد (1) أو خضرة ثم زال لم يجب على الجاني أرش، لانه لم ينقص شيئا من جماله ولا من منفعته ويعرز الجاني لتعديه، وان اسود موضع الضرب أو احمر أو اخضر ينظر إلى الوقت الذى يزول فيه مثل ذلك في العادة، فان لم يزل وجبت على الجاني حكومه، لان في ذلك شيئا، فان أخذت منه الحكومه ثم زال ذلك الشين وجبت رد الحكومه، كما لو ابيضت عينه فأخذ أرشها ثم زال البياض. وان جنى على حر جنايه نقص بها جمال أو منفعه ولا أرش لها مقدر فقد ذكرنا أنه يجب فيها الحكومه. وكيفية ذلك أن يقوم هذا المجني عليه قبل الجنايه ثم يقوم بعد اندمال الجنايه، فان بقى للجنايه شين ونقصت به وجب على الجاني من الديه بقدر ما نقص

_ (1) احتقان تحت الجلد يحدث من رض جسم صلب بمكان الاصابة

من القيمة، وان نقص العشر من قيمته نقص العشر من ديته، وإن نقص التسع من قيمته وجب التسع من ديته. لانه لما اعتبر العبد بالحر في الجنايات التى لها أرش مقدار اعتبر الحر بالعبد في الجنايات التى ليس لها أرش مقدار إلا بالتقويم كما أنه لا يعلم أرش المبيع إلا من جهة التقويم. ولما كان الانسان لا يباع في زماننا هذا ولا يوجد رق نستند إليه في تقويم الحر بقيمة العبد فإنه يمكن اعتبار الانسان مقوما بديته وهذا أصل ثابت، ثم يمكن اعتبار ما نقص منه من تشوهات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بقياس إنتاجه، فان نقص عمله وإنتاجه قدرا أخذ من الدية بقدر ما نقص من جهده، وذلك كما قلنا في نقص السمع والبصر. وأما نقص الجمال فيمكن أيضا حزره بالنسبة إلى ديته، لان جملته مضمونة بالدية فكانت أجزاؤه مضمونة بجزء من الدية، كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش العيب الموجود فيه مضمونا بجرء من الثمن، ولا سبيل إلى معرفة ما ليس فيه أرش مقدر الا بالتقويم، كما أنه لا يعلم أرش المبيع إلا من جهة التقويم. وحكى المصنف عن أصحابنا أنهم قالوا: يعتبر ما نقص من القيمة من دية العضو المنى عليه لامن دية النفس، فان كان الذى نقص هو عشر القيمة والجناية على اليد وجب عشر دية اليد، وان كان على الاصبع وجب عشر دية الاصبع، فان كان على الرأس والوجه فيما دون الموضحة وجب عشر دية الموضحة، وان كان على البدن فيما دون الجائفة وجب عشر دية الجائفة، والمذهب الاول، لانه لما وجب تقويم النفس اعتبر النقص من ديتها، ولان القيمة قد تنقص بالسمحاق عشر القيمة، فإذا أوجبنا عشر أرش الموضحة تقارب الجنايتان وتباعد الارشان فإذا ثبت هذا فانه لا يباغ بالحكومه أرش العضو المجني عليه فان كانت الجناية على الاصبع فبلغت حكومتها دية الاصبع أو على البدن مما دون الجائفة فبلغت الحكومه أرش الجائفة نقص الحاكم من الحكومه شيئا بقدر ما يؤديه إليه اجتهاده لانه لا يجوز أن يجب فيما دون الاصبع ديتها، ولا فيما دون الجائفة ديتها، وان قطع كفا لا أصبع له ففيه وجهان حكاهما الخراسانيون. (أحدهما) لا يبلغ بحكومته دية اصبع (والثانى) لا يبلغ بحكومته دية خمس أصابع

(فرع) قال الشافعي رضى الله عنه (وإن جرحه فشان وهه أو رأسه شينا يبقى فان كان الشين أكثر من الجراح أخذ بالشين، وإن كان الجراح أكثر من الشين أخذ بالجراح ولم يرد للشين، وجملة ذلك أنه إذا شجه في رأسه أو وجهه شجة دون الموضحة فان علم قدرها من الموضحة وجب بقدرها من أرش الموضحة، وإن اختلف قدرها من الموضحة والحكومه وجب أكثرهما وقد مضى بيان ذلك، ولا تبلغ الحكومه فيما دون الموضحة أرش الموضحة. وإن كانت الموضحة على الحاجب فأوزالته وكان الشين أكثر من أرش الموضحة وجب ذلك، لان الحاجب تجب بازالته حكومة، فإذا انضم إلى ذلك الايضاح لم ينقص عن حكومته. (فرع) في آخر أول الفصلين للمصنف قوله (وان فرع إنسان) بالبناء للمجهول مع التضعيف فأحدث حدثا في ثيابه من أحد السبيلين لم يلزم الجاني ضمان، لانه لم يصبه بنقص في جمال ولا منفعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا منفعة بأن قطع أصبعا زائدة أو قلع سنا زائدة أو أتلف لحية امرأة واندمل الموضع من غير نقص ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس بن سريج أنه لا شئ عليه لانه جناية لم يحصل بها نقص فلم يجب بها أرش، كما لو لطم وجهه فلم يؤثر (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه يجب في الحكومه لانه اتلاف جزء من مضمون فلا يجوز أن يعرا من أرش. فعلى هذا ن كان قد قطع أصبعا زائدة قوم المجني عليه قبل الجنابة ثم يقوم في أقرب أحواله إلى الاندمال ثم يجب ما بينهما من الديه، لانه لما سقط اعتبار قيمتة بعد الاندمال قوم في أقرب الاحوال إليه، وهذا كما قلنا في ولد المغرور بها لم تعذر تقويمه حال العلوق قوم في أقرب حال يمكن فيه التقويم بعد العلوق وهو عند الوضع، فان قوم ولم ينقص قوم قبيل الجنايه ثم يقوم والدم جار، لانه لابد أن تنقص قيمته لما يخاف عليه، فيجب بقدر ما بينهما من الديه،

وإن قلع سنا زائدة ولم تنقص قيمته قوم، وليس له خلف الزائدة سن أصلية، ثم يقوم وليس له سن أصلية ولا زائدة، ويجب بقدر ما بينهما من الدية، وإن أتلف لحية امرأة قوم لو كان رجلا وله لحية ثم يقوم ولا لحية له، ويجب بقدر ما بينهما من الدية. (فصل) وإن جنبى على رجل جناية لها أرش مقدر ثم قتله قبل الاندمال دخل أرش الجناية في دية النفس، وقال أبو سعيد الاصطخرى لا يدخل لان الجناية انقطعت سرايتها بالقتل فلم يسقط ضمانها كما لو اندملت ثم قتله والمذهب الاول لانه مات بفعله قبل استقرار الارش، فدخل في ديته كما لو مات من سراية الجناية، ويخالف إذا اندملت فان هناك استقر الارش فلم تسقط (فصل) ويجب في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت لانه مال مضمون بالاتلاف لحق الآدمى بغير جنسه فضمنه بقيمته بالغه ما بلغت كسائر الاموال وما ضمن مما دون النفس من الجزء بالدية كالانف واللسان والذكر والانثيين والعينين واليدين والرجلين ضمن من العبد بقيمته، وما ضمن من الحر بجزء من الديه كاليد والاصبع والانملة الموضحة والجائفة ضمن من العبد بمثله من القيمه لانهما متساويان في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة، فتساويا في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس، كالرجل والمرأة والمسلم والكافر (فصل) وان قطع يد عبد ثم أعتق ثم مات من سراية القطع وجبت عليه دية حر، لان الجناية استقرت في حال الحريه، ويجب للسيد من ذلك أقل الامرين من أرش الجنايه وهو نصف القيمه أو كمال الديه، فان كان نصف القيمة أقل لم يستحق أكثر منه لانه هو الذى وجب في ملكه، والزيادة حصلت في حال لاحق له فيها، وان كانت الدية أقل لم يستحق أكثر منها، لان ما نقص من نصف القيمة بسبب من جهته وهو العتق. (فصل) وان فقأ عينى عبد أو قطع يديه وقيمته ألفا دينار ثم أعتق ومات بعد اندمال الجنايه وجب على الجاني أرش الجناية، وهو قيمة العبد، سواء كان الاندمال قبل العتق أو بعده، لان الجرح إذا اندمل استقر حكمه، ويكون ذلك لمولاه لانه أرش جنايه كانت في ملكه، وان لم يندمل وسرى إلى نفسه وجب

على الجاني دية حر. قال المزني: يجب الارش وهو ألفا دينار لان السيد ملك هذا القدر بالجناية، فلا ينقص، وهذا خطأ لان الاعتبار في الارش بحال الاستقرار، ولهذا لو قطع يدى رجل ورجليه وجب عليه ديتان، فإذا سرت الجناية إلى النفس وجب دية اعتبارا بحال الاستقرار، وفى حال الاستقرار هو حر فوجبت فيه الدية، ودليل قول المزني يبطل بمن قطع يدى رجل ورجليه ثم مات فانه وجبت ديتان ثم نقصت بالموت (فصل) وان قطع حر يد عبد فأعتق ثم قطع حر آخر يده الاخرى ومات لم يجب على الاول قصاص لعدم التكافؤ في حال الجناية وعليه نصف الديه لان المجني عليه حرفي وقت استقرار الجنايه. وأما الثاني ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه يجب عليه القصاص في الطرف ولا يجب في النفس، لان الروح خرجت من سراية قطعين، وأحدهما يوجب القود والآخر لا يوجب، فسقط كحرى قتلا من نصفه حر نصفه عبد (والثانى) وهو المذهب أنه يجب عليه القصاص في الطرف والنفس لانهما متكافئان في حال الجناية، وقد خرجت الروح عن عمد محض مضمون، وإنما سقط القود عن أحدهما لمعنى في نفسه فلم يسقط عن الآخر، كما لو اشترك حر وعبد في قتل عبد، ويخالف الحرين إذا قتلا من نصفه حر ونصفه عبد، لان كل واحد منهما غير مكافئ له حال الجناية، فان عفى على مال كان عليه نصف الدية لانهما شريكان في القتل، وللمولى الاقل من نصف قيمته يوم الجناية الاولى أو نصف الدية، فان كان نصف القيمة أقل أو مثله كان له ذلك، وإن كان أكثر فله نصف الديه لان الحرية نقصت ما زاد عليه، والفرق بينه وبين المسألة قبلها أن الجناية هناك من واحد وجميع الدية عليه، فقوبل بين أرش الجناية وبين الدية، والجناية ههنا من اثنين والدية عليهما. والثانى جنى عليه في حال الحرية فقوبل بين أرش الجناية، وبين النصف المأخوذ من الجاني على ملكه، وكان الفاضل لورثته. (فصل) وان قطع حر يد عبد ثم أعتق ثم قطع يده الاخرى نظرت، فان اندمل الجرحان لم يجبفى اليد الاولى قصاص، لانه جنى عليه وهو غير مكافئ له

ويجب فيها نصف ديته ويكون للمولى ويجب في اليد الاخرى القصاص لانه قطعها وهو مكافئ له، وإن عفى على المال وجب عليه نصف الدية، وإن مات من الجراحتين قبل الاندمال وجب القصاص في اليد الاخرى التى قطعت بعد عتقه ولم يجب القصاص فيا لنفس لانه مات من جنايتين، إحداهما توجب القصاص والاخرى لا توجب، فإن اقتص منه فياليد وجب عليه نصف الديه لانه مات بجنايته، وقد استوفى منه ما يقابل نصف الدية، ويكون للمولى أقل لامرين من نصف القيمة وقت الجناية أو نصف الدية وإن عفى عن القصاص على مال وجب كمال الديه ويكون للمولى أقل الامرين من نصف القيمة وقت الجناية، أو نصف الدية، ولورثته الباقي، لان الجناية الثانية في حال الحرية (فصل) وان قطع حر يد عبد فأعتق ثم قطع آخر يده الاخرى ثم قطع ثالث رجله ومات لم يجب على الاول القصاص في النفس ولا في الطرف لعدم التكافو، ويجب عليه ثلث الديه ويجب على الآخرين القصاص في الطرف وفى النفس على المذهب، فإن عفى عنهما كان عليهما ثلثا الدية، وفيما يستحق المولى قولان (أحدهما) أقل الامرين من أرش الجنايه، أو ما يجب على هذا الجاني في ملكه وهو ثلث الدية، لان الواجب بالجناية هو الارش، فإذا أعتق انقلب وصار ثلث الديه، فيجب أن يكون له أقل الامرين، فان كان الارش أقل لم يكن له أكثر منه، لانه هول الذى وجب بالجناية في ملكه وما زاد بالسراية في حال الحرية لا حق له فيه. وان كان ثلث الديه أقل لم يكن له أكثر منه لانه هو الذى يجب على الجاني في ملكه ونقص الارش بسبب من جهته وهو العتق فلم يستحق أكثر منه والقول الثاني يجب له أقل الامرين من ثلث للديه أو ثلث القيمه لان الجاني على ملكه هو الاول والآخران لا حق له في جنايتهما، فيجب أن يكون له أقل الامرين من ثلث الديه أو ثلث القيمه فان كان ثلث القيمه أقل لم يكن له أكثر منه، لانه لما كان عبدا كان له هذا القدر وما زاد وجب في حال الحريه فلم يكن له فيها حق، وإن كان ثلث الديه

أقل لم يكن له أكثر منه، لان ثلث القيمة نقص وعاد إلى ثلث الدية بفعله فلم يستحق أكثر منه. (فصل) إذا ضرب بطن مملوكة حامل بمملوك فألقت جنينا ميتا وجب فيه عشر قيمة الام لانه جنين آدمية سقط ميتا بجنايته فضمن بعشر بدل الام كجنين الحرة، اختلف أصحابنا في الوقت الذى يعتبر فيه قيمة الام، فقال المزني وأبو سعيد الاصطخرى: تعتبر قيمتها يوم الاسقاط لانه حال استقرار الجناية والاعتبار في قدر الضمان بحال استقرار الجناية، والدليل عليه أنه قطع يد نصراني ثم أسلم ومات وجب فيه دية مسلم وقال أبو إسحاق: تعتبر قيمتها يوم الجناية، وهو المنصوص لان المجني عليه لم يتغير حاله فكان أولى الاحوال باعتبار قيمتها يوم الجناية، لانه حال لوجوب ولهذا لو قطع يد عبد ومات على الرق وجبت قيمته يوم الجناية، لانه حال الوجوب، وإن ضرب بطن أمة ثم أعتقت وألقت جنينا ميتا وجب فيه دية جنين حر لان الضمان يعتبر بحال استقرار الجناية، والجنين حر عند استقرار الجناية فضمن بالدية. (الشرح) إذا لم يبق للجناية شين بعد الاندمال أو بقى لها شين لم تنقص به القيمة ولم يقص فلم تجب الحكومة، كما لو لطمه فاسود الموضع ثم زاد السواد. وقال أبو إسحاق وأكثر أصحابنا: تجب عليه الحكومة، وهو المنصوص، لان الشافعي رضى الله عنه قال: وان نتف لحية امرأة أو شاربها فعليه الحكومة أقل من حكومة في لحية الرجل، لان الرجل له فيها جمال، ولا جمال للمرأة فيها، ولان جملة الآدمى مضمونة، فإذا أتلف جزءا منه وجب أن يكون مضمونا كسائر الاعيان، فإذا قلنا بهذا فإنه يقوم في أقرب أحواله إلى الاندمال، لانه لا بد أن ينقص، فان لم ينقص منه قوم قبله، فان لم ينقص قوم والدم جار. وإن نتف لحية امرأة وأعدمها النبات قال أبو إسحاق المروزى: اعتبرتها بعبد كبير فأقول: هذا العبد الكبير كم قيمته وله مثل هذه اللحية؟ فان قيلمائة، قلت فكم قيمته ولا لحية له؟ فان قيل تسعون، وجب على الجاني عشر دية المرأة،

هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال الخراسانيون: يجب ما رآه الحاكم باجتهاده، وإن قطع أنملة لها طرفان فإنه يجب في الطرف الاصل ديته ويجب في الزائدة حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده، ولا يبلغ به أرش الاصلى. هذا نقل أصحابنا البغداديين وقال الخراسانيون: إذا قطع أصبعا زائدة ففيه وجهان. (أحدهما) يجب ما رآه الحاكم باجتهاده. (والثانى) يقال: كم ينقص من قيمة العبد وقت الجناية. وإن قلع سنا زائدة وهو الخارج عن سمت الاسنان ومن ورائه إلى داخل الفم سن أصلية فلم تنقص قيمته بقلعها فإنه يقال: لو كان هذا عبدا كم كانت قيمته وله هذا السن الزائد وليس له ما وراءه من السن الاصلى؟ لان الزائد يسد الفرجة إذا لم يكن له السن الاصلية؟ فإن قيل مائة، قيل فكم قيمته وليس له السن الزائد ولا الاصلى الذى من ورائه؟ فإن قيل تسعون علم أنه نقص عشر قيمته فيجب له عشر الدية. (فرع) إذا كسر له عظما في غير الرأس والوجه فجبره فانجبر فإن عاد مستقيما كما كان فقد قال القاضى أبو الطيب: هل تجب فيه الحكومة؟ فيه وجهان كما قلنا فيه إذا جرحه جراحة لا أرش لها مقدر واندملت ولم يبق لهاشين وقال الشيخ أبو حامد الاسقرايينى: تجب الحكومة فيه وجها واحدا لانه لابد أن يبقى في العظم بعد كسره وانجباره ضعف. وقال ابن الصباغ والاول أصح، وإن انجبر وبقى له شين وجبت فيه الحكومة أكثر مما لو عاد مستقيما، وإن انجبر وبقى له شين وجبت فيه الحكومة أكثر من الحكومة إذا بقى الشين من غير اعوجاج. (فرع) وإن أفضى امرأة ثم التأم الجرح، قال الشافعي رحمه الله (لم تجب الدية) وإن أجافه جائفة والتأمت الجائفة ففيه وجهان حكاهما أبو على في الافصاح (أحدهما) لا يجب أرش الجائفة وانما يجب الحكومة كما قلنا فيه إذا أفضى امرأة والتأم الجرح. (والثانى) وهو اختيار القاضى أبى الطيب ولم يذكر المصنف غيره أن أرش الجائفة يجب لان أرش الجائفة إنما وجب لوجوب اسمها، وان عاد الحاجز لم تجب الدية، كما لو ذهب ضوء العين ثم عاد

(مسألة) ما ورد في قتل العبد أو فقا عينه فإنه مضمون بالاتلاف لحق الآدمى بغير جنسه فضمن بقيمته بالغة ما بلغت كسائر الاموال، فقولنا بالاتلاف احتراز مما لو غصب ملك غيره وهو باق في يده فإنه مضمون برده، وقولنا لحق الآدمى احتراز من الكفارة ومن جزاء الصيد الذى له مثل. وقولنا من غير جنسه احتراز ممن غصب شيئا من ذوات الامثال وتلف أو أتلفه، وأما ما دون النفس من العبد فهو معتبر بالحر، فكل شئ وجب فيه من الحر الدية وجب فيه من العبد قيمته، وكل شئ مضمون من الحر بحر ومقدر من الدية ضمن من العبد بمثل ذلك الجزء من قيمته، وكل شئ ضمن من الحر بالحكومة ضمن من العبد بما نقص من قيمته، وبه قال عمر وعلى رضى الله عنهما وابن المسيب وعن أبى حنيفة روايتان، إحداهما كقولنا، والثانية ما لا منفعة فيه كالاذنين والحاجبين فإن فيه ما نقص من قيمته، ونحن نوافقه على الحاجبين في العبد إلا أنه يخالفنا في الحاجبين من الحر وقال مالك: يضمن بما نقص من قيمته إلا للوضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة فانه يضمن بجزء من قيمته، وحكاه أصحابنا الخراسانيون قولا للشافعي وليس بمشهور، والدليل على صحة ما قلناه أنه قول عمر وعلى ولا مخالف لهما في الصحابة، فدل على أنه اجماع، ولانه كائن حى يضمن بالقصاص والكفارة فكانت أطرافه وجراحاته مضمونة ببدل مقدر من بدله كالحر، ومما أفدناه من هذه الفصول هل تعتبر الجناية بحال الاستقرار أم بوقت حدوثها في موت الجنين بضرب أمه، فذهب المزني وأبو سعيد الاصطخرى إلى الاول، وقال أبو إسحاق وأكثر أصحابنا بعتبر قيمتها يوم الجناية، وهو المنصوص، وقد مضى في الجنايات بحثنا لهذا الخلاف والاخبار والآثار الواردة فيه. وما قرره المصنف في هذه الفصل فعلى وجهه والله المستعان

باب العاقلة وما تحمله من الديات

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب العاقلة وما تحمله من الديات) إذا قتل الحر حرا عمد خطأ وله عاقلة وجب جميع الدية على عاقلته، لما روى المغيرة بن شعبة قال (ضربت امرأة ضرة لها بعمود فسطاطا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على عصبة القاتلة) وإن قتله خطأ وجبت الدية على عاقلته، لانه إذا تحمل عن القاتل في عمد الخطأ تخفيفا عنه مع قصده إلى الجناية فلان يحمل عن قاتل الخطأ ولم يقصد الجناية أولى، ولان الخطأ وعمد الخطأ يكثر فلو أوجبنا ديتهما في مال الجاني أجحفنا به، وإن قطع أطرافه خطأ أو عمد خطأ ففيه قولان. قال في القديم (لا تحمل العاقلة ديتهما لانه لا يضمن بالكفارة ولا تثبت فيه القسامة، فلم تحمل العاقلة بدله كالمال وقال في الجديد (تحمل العاقلة ديتها، لان ما ضمن بالقصاص والدية وخففت الدية فيه بالخطأ حملت العاقلة بدله كالنفس) فعلى هذا تحمل ما قل منه وكثر، كما تحمل ما قل وكثر من دية النفس. وان قتل عمدا أو جنى على طرفه عمدا لم تحمل العاقلة ديته، لان الخبر ورد في الحمل عن القاتل في عمد الخطأ تخفيفا عنه. لان لم يقصد القتل، والعامد قصد القتل فلم يلحق به في التخفيف، وإن وجب له القصاص في الطرف فاقتص بحديدة مسمومة فمات فعليه نصف الدية، وهل تحمل العاقلة ذلك أم لا؟ فيه وجهان (أحدهما) تحمله، لانا حكمنا بأنه ليس بعمد محض (والثانى) لا تحمله، لانه قصد القتل بغير حق فلم تحمل العاقلة عنه. وان وكل من يقتص له في النفس ثم عفا وقتل اوكيل ولم يعلم بالعفو وقلنا ان العفو يصح ووجبت الدية على أوكيل فهل تحملها العاقلة؟ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انه لا تحملها العاقلة، وهو الصحيح، لانه تعمد القتل فلم تحمل العاقلة عنه، كما لو قتله بعد العلم بالعفو

(وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ انه تحملها العاقلة، لانه لم يقصد الجناية. (فصل) وإن قتل عبدا خطأ أو عمد خطأ ففى قيمته قولان (أحدهما) أنها تحملها العاقلة، لانه يجب القصاص والكفارة بقتله فحملت العاقلة بدله كالحر، (والثانى) أنه لا تحملها العاقلة لانه مال فلم تحمل العاقلة بدله كسائر الاموال. (الشرح) حديث المغيرة بن شعبة ولفظه (أن امرأة ضربتها ضربتها بعمود فسطاطا فقتلتها وهى حبلى) فأتى فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين غرة، فقال عصبتها: أندى ما لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا استهل، مثل ذلك يطل؟ فقال سجع مثل سجع الاعراب) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي ولم يذكر اعترض العصبة وجوابه. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث ابن عباس وأخرجه عبد الرزاق عن حمل بن مالك وكذلك البيهقى، رواه أيضا من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس، وأخرجه البخاري في الاعتصام بألفاظ مختلفة. أما اللغات فقوله (العاقلة وما تحمله) العاقلة مأخوذة من العقل وهو الشد والربط، ومنه قيل لمن له حجار ونهى عاقل، وهو ضد الحمق. قال ابن الانباري رجل عاقل وهو الجامع لامره ورأيه، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه. وفى الحديث (القرآن كالابل المعقلة) والعقل في العروض إسقاط الياء من مفاعلين بعد اسكانها في مفاعلين فيصير مفاعلن والعقل الدية وعقل القتيل يعقله وداه، وعقل عنه أدى جنايته وذلك إذا لزمته دية فأعطاها عنه، وهذا هو الفرق بين عقلته وعقلت له وعقلت عنه، وعقلت له دم فلان إذا ترك القود للدية. قالت كبشة أخت عمرو بن معد يكرب: وأرسل عبد اله إذ حان يومه * إلى قومه لا تعقلوا لهم دمى وإنما قيل للدية عقل لانهم كانوا يأتون بالابل فيعقلونها بفناء ولى المقتول، والعاقلة العصبة والقرابة من قبل الاب الذين يعطون دية قتل الخطأ، وهى صفة

جماعة عاقلة وأصلها اسم فاعلة من القعل. وفى اللسان قال (ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوة الجاني من قبل الاب فيحملون من تحمل العاقلة، فإن احتملوها أدوها في ثلاث سنين، وإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جده، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جد أبيه، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بنى جد أبى جده، ثم هكذا لا ترفع عن بنى أب حتى يعجزوا، قال ومن في الديوان ومن لا ديوان له في العقل سواء. وقال أهل العراق هم أصحاب الدواوين، قال اسحاق بن منصور، قلت لاحمد ابن حنبل من العاقلة؟ فقال القبيلة إلا أنهم يحملون بقدر ما يطيقون، قال فإن لم تكن عاقله لم تجعل في مال الجاني، ولكن تهدر عنه. وقال اسحاق إذا لم تكن العاقلة أصلا فإنه يكون في بيت المال ولا تهدر الدية والفسطاط بيت الشعر وفيه لغات فسطاط وفستاط وفستاط. وفسطاط المصر مجتمع أهله حول جامعه، ومدينة الفسطاط مصر حماها الله، وهى الآن حى في مدينة القاهرة، ويقال لها مصر القديمة، وهى المدينة التى بناها عمرو بن العاص وقال الزمخشري الفسطاط ضرب من الابنية. أما الاحكام، فإنه إذا قتل الحر حرا خطأ محضا أو عمد خطأ كانت دية المقتول على عاقلة القاتل، وبه قال أكثر أهل العلم، منهم مالك وأبو حنيفة وأحمد وقال الاصم وابن علية والخوارج يجب الجميع في مال القاتل، وقال علقمة وابن أبى ليلى وابن شبرمة وعثمان البتى وأبو ثور دية الخطأ المحض على العاقلة، وأما دية العمد الخطأ ففى مال القاتل دليلنا ما روى المغيرة بن شعبة أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الاخرى بمستلح أو بعمود الفسطاط، وقيل رمتها بحجر فقتلتها وأسقطت جنينها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بعقلها على العاقلة، وفى جنينها غرة عبد أو أمة، فإذا حملت العاقلة دية عمد الخطأ فلان تحمل دية الخطأ المحض أولى. وروى أن عمر رضى الله عنه ذكرت عنده امرأة معيبه بسوء فأرسل إليها رسولا فأجهضت ذا بطنها في الطريق من فزعها منه، فاستشار الصحابة رضى الله عنهم في ذلك فقال عثمان، وعبد الرحمن رضى الله عنهما إنما أنت مؤدب ولا شئ عليك

فقال لعلى رضى الله عنه ما تقول؟ فقال إن اجتهدا فقد أخطأ وإن علما فقد غشاك، عليك الدية، فقال عزمت عليك لتقسمنها على قومك، يعنى على عاقلي ولم ينكر عينهما عثمان ولا عبد الرحمن. وروى أن مولاة لصفية جنت جناية فقضى بأرش جنايتها على عاقلة صفية ولا مخالف لهم في الصحابة فدل على أنه إجماع إذا ثبت هذا فهل تحمل العاقلة ما دون دية النفس؟ قال الشافعي رضى الله عنه في الجديد (تحمل العاقلة ما قل أو كثر من الارش) وبه قال عثمان البتى، وقال في القديم (تحمل العاقلة دية النفس ولا تحمل ما دون دية النفس، بل تجب في مال الجاني. وحكى بعض أصحابنا أن قوله في القديم أن العاقلة تحمل ثلث الدية فأكثر ولا تحمل ما دون ثلث الديه، وبه قال مالك وابن المسيب وعطاء وأحمد واسحاق وقال الزهر، (تحمل العاقلة ما فوق ثلث الديه، فأما ثلث الدية فما دونه ففى مال الجاني وقال أبو حنيفة تحمل أرش الموضحة فما زاد وما دون أرش الموضحة ففى مال الجاني فإذا قلنا بقوله القديم فوجهه أن ما دون دية النفس فيحرى ضمانه مجرى ضمان الاموال بدليل أنه لا يثبت فيه القصاص ولا تجب فيه الكفارة فلم تحمل العاقلة كما لو أتلف مالا. وإذا قلنا بقوله الجديد فوجهه أن من حمل دية النفس حمل ما دون الديه كالجاني، ولان العاقلة إنما حملت الدية عن القاتل في الخطأ وعمد الخطأ لئلا يجحف ذلك بماله، وهذا يوجد فيما دون دية النفس قال الشيخ أبو حمد الاسفراييى وهل تحمل العاقلة دية الجنين؟ فيه قولان قال في الجديد تحمل ديته بكل حال لما ذكرناه من حديث المغيرة بن شعبة. وقال في القديم لا تحملها، بل يكون في مال الجاني، وبه قال مالك، لان العاقلة لا تحمل ما دون ثلث الدية، فإن وجب له القصاص في الطرف فاقتص بحديدة مسمومة فمات وجب على المقتص نصف الدية، وهل تحمله عنه العاقلة؟ فيه وجهان (أحدهما) تحمله عنه لانه ليس بعمد محض (والثانى) لا تحمله العاقلة لانه قصد قتله بغير حق، هكذا أوضح صاحب البيان

ومما يدل على سماحة شرع الله أنه إن قتل الحر عبدا لغيره خطأ أو عمد خطأ أو جنى على طرفه خطأ أو عمد خطأ فهل تحمل عاقلته بدله؟ فيه قولان. أحدهما لاتحمله العاقلة بل يكون في مال الجاني، وبه قال مالك والليث وأحمد واسحاق وأبو ثور، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولاصلحا ولا اعترافا) والثانى تحمله العاقلة، وبه قال الزهري والحكم وحماد وهو الاصح لانه يجب بقتله القصاص والكفارة، فحملت العاقلة بدله كالحر لحر. وأما الخبر فقيل انه موقوف على ابن عباس والقياس يقدم على الموقوف، وان صح كان تأويله لا تحمله العاقلة عن عبد إذا جنى. هذا مذهبنا، وقال أبو حنيفة تحمل العاقلة بدل نفس العمد ولا تحمل ما دون بدل النفس. دليلنا أن من حملت العاقلة بدل نفسه حملت ما دون بدل نفسه كالحر وعكسه البهيمه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن قتل نفسه خطأ لم تجب الدية بقتله ولا تحمل العاقلة ديته، لما روى أن عوف بن مالك الاشجعى ضرب مشركا بالسيف فرجع السيف عليه فقتله، فامتنع أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصلاة عليه وقالوا قد أبطل جهاده، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل مات مجاهدا، ولو وجبت الديه على عاقلته لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (فصل) وما يجب بخطأ الامام من الديه باقتل ففيه قولان (أحدهما) يجب على عاقلته لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال لعلى رضى الله عنه في جنين المرأة التى بعث إليها عزمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك. والثانى يجب في بيت المال لان الخطأ يكثر منه في أحكامه واجتهاده، فلو أوجبنا ما يجب بخطئه على عاقلته أجحفنا بهم، فإذا قلنا انه يجب على عاقلته وجبت الكفارة في ماله كغيرا لامام، وإذا قلنا نها تجب في بيت المال ففى الكفارة وجهان (أحدهما) أنها تجب في ماله لانها لا تتحمل (والثانى) أنها تجب في بيت المال لانه يكثر خطؤه، فلو أوجبنا في ماله أجحف به.

(فصل) وما يجب بجناية العمد يجب حالا لانه بدل متلف لا تتحمله العاقلة بحال فوجب حالا كغرامة المتلفات وما يجب بجناية الخطأ وشبه العمد من الدية يجب مؤجلا، فإن كانت دية كاملة وجبت في ثلاث سنين، لانه روى ذلك عن عمرو ابن عباس رضى الله عنهما، ويجب في كل سنة ثلثها، فإن كان دية نفس كان ابتداء الاجل من وقت القتل لانه حق حتى مؤجل فاعتبر الاجل من حين وجود السبب كالدين المؤجل، وإن كان دية طرف فإن لم تسر اعتبرت المدة من وقت الجناية لانه وقت لوجوب، وإن سرت إلى عضو آخر اعتبرت المدة من وقت الاندمال، لان الجناية لم تقف فاعتبرت المدة من وقت الاستقرار، وان كان الواجب أقل من دية نظرت فإن كان ثلث الديه أو دونه لم تجب الا في سنة لانه لا يجب على العاقلة شئ في أقل من سنه، فإن كان أكثر من الثلث ولم يزد على الثلثين وجب في السنه الاولى الثلث ووجب الباقي في السنه الثانيه، وان كان أكثر من الثلثين ولم يزد على ديه وجب في السنه الاولى الثلث وفى الثانيه الثلث وفى الثالثه الباقي وإن وجب بجنايته ديتان فإن كانتا لاثنتين بأن قتل اثنين وجب في كل سنه لكل واحد منهما ثلث الديه، لانهما يجبان لمستحقين فلا ينقص حق كل واحد منهما في كل سنه من الثلث، فإن كانتا لواحد بأن قطع اليدين والرجلين من رجل وجب الكل في ست سنين في كل سنه ثلث ديه لانها جنايه على واحد فلا يجب له على العاقلة في كل سنه أكثر من ثلث ديه وان وجب بجناية الخطأ أو عمد الخطأ دية ناقصه، كدية الجنين والمرأة ودية أهل الذمه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يجب في ثلاث سنين في كل سنه ثلثها لانها ديه نفس فوجب في كل سنه ثلثها كالديه الكامله (والثانى) أنه كأرش الطرف إذا نقص عن الديه لانه دون الديه الكامله فعلى هذا ان كان ثلث ديه وهو كدية اليهودي والنصراني أو أقل من الثلث وهو دية المجوسى ودية الجنين وجب الكل في سنه واحدة، وان كان أكثر من الثلث وهو دية المرأة وجب في السنه الاولى ثلث دية كامله ويجب ما زاد في السنه

الثانية كما قلنا في الطرف، وإن كان قيمة عبد وقلنا إنها على العاقلة ففيه وجهان (أحدهما) أنها تقسم في ثلاث سنين، وان زاد حصة كل سنة على ثلث الدية لانها دية نفس. (والثانى) تؤدى في كل سنة ثلث دية الحر (الشرح) الخبر الذى ساقه المصنف أن عوف بن مالك الاشجعفى قتل نفسا وامتنع الصحابة عن الصلاة عليه إلى آخر ما ساقه كبوة جواد، فليست خطأ من النساخين ولا من الطباعين، فالعمراني في البيان ينقلها عن أبى اسحاق بغير تصرف، وقد قابلنا مخطوطة دار الكتب والوثائق العربية على النسخة المصورة بالجامعة العبربيه فوجدناها عوف بن مالك الاشجعى إلا أن العمرانى يقول عقب هذه الرواية. وقيلان الذى رجع عليه سيفه هو أبو عوف وهو مالك، وبالرجوع إلى كتب الصحابة لم نجد مالكا الاشجعى فيهم. والذى جعلنا نهتم هذا الاهتمام أن عوفا له أحاديث رواها عنه أبو هريرة وأبو مسلم الخولانى وماتا قبله بمدة. وجبير بن نفير وأبو إدريس الخولانى وراشد بن سعد ويزيد بن الاصم وشريح بن عبيد والشعبى وسالم أبو النضر وسليم بن عامر وشداد بن عمار، وشهد غزوة مؤتة وقال: رافقني مددى من أهل اليمن ليس معه غير سيفه الحديث بطوله و؟ يه قوله صلى الله عليه وسلم: هل أنتم تازكو لى أمرائى؟ رواه أحمد في مسنده ج 6: 26، 27 وقال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك وهذه الرواية تصحح خطأ وقع في تقريب ابن حجر أنه من مسلمة الفتح ج 2، 90 وقال جعفر بن برقان، ثنا ثابت بن الحجاج الكلابي قال شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك فأدركنا رمضان فقال عوف (فذكر حديثا) قال الواقدي وغيره مات عوف سنة ثلاث وسبعين هذا ما هو معروف عن عوف بن مالك بإجماع أهل العلم بالاخبار، منهم بالذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2، 348، 349 وابن عبد البر في الاستيعاب، ج 3، 1226 وابن حجر في

التقريب والاصابة والفتح والتلخيص. فإذا ثبت هذا رفضنا كل الرفض هذه الرواية التى ساقها، وهو قد ساقها بحسن نية من غير تحقيق، ولو أعمل شيخنا رحمه الله فكره قليلا لما أعياه زيفها. بقى أن نعرف حقيقة الخبر يقول ابن عبد البر في الاستيعاب جزء 2، 786 قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم: حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا إياس ابن سلمة بن الاكوع قال: أخبرني أبى قال: لما خرج عمى عامر بن سنان إلى خيبر مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يرتجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يسوق الركاب وهو يقول: تالله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا إن الذين بغوا علينا * إذا أرادوا فتنة أبينا ونحن عن فضك ما استغنينا * فثبت الاقدام ان لاقينا وأنزل سكينة علينا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ قالوا عامر يا رسول الله، فقال غفر لك ربنا. قال وما استغفر لانسان قط يخصه بالاستغفار إلا استشهد قال فلما سمع ذلك عمربن الخطاب قال يا رسول الله لو متعتنا بعامر، فاستشهد يوم خيبر. قال سلمة وبارز عمى يومئذ مرحبا اليهودي فقال مرحب قد علمت خيبر انى مرحب * شاكى السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال عامر قد علمت خيبر أنى عامر * شاكى السلاح بطل مغامر واختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ورجع سيفه على ساقه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه، قال سلمة فجئت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر؟ فقال من قال ذلك؟ فقلت ناس من أصحابك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد كذب من قال ذلك؟ بل له

أجره مرتين (ثم ساق بقية القصة، وهو أن عليا رضى الله عنه هو الذى برز لمرحب وهد بناءه بسيفه هدا) أما الاحكام فإنه إذا جنى الرجل على نفسه أو على أطرافه عمدا كان ذلك هدرا، لان أرش العمد في مال الجاني، والانسان لا يثبت له مال على نفسه، وإن جنى على نفسه خطأ أو على أطرافه كانت جنايته هدرا، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم ربيعة ومالك والثوري وأصحاب الرأى، وهى الرواية الثانية عن أحمد بن حنبل، وقد رجحها ابن قدامة على الرواية التى جعلها القاضى أظهرهما، وهى أن على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه أو أرش جرحه لنفسه إذا كان أكثر من الثلث. وهذا قول الاوزاعي وإسحاق لما روى أن رجلا ساق حمارا فضربه بعصا كانت معه فطارت منه شظية ففقأت عينه، فجعل عمر ديته على عاقلته وقال هي يد من أيدى المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد. وقالوا ولم نعرف له مخالفا في عصره ولانها جناية خطأ فكان عقلها على عاقلته، كما لو قتل غيره. فعلى هذه الرواية إن كانت العاقلة الورثة لم يجب شئ لانه لا يجب للانسان شئ على نفسه، وإن كان بعضهم وارثا سقط عنه ما يقابل نصيبه وعليه ما زاد على نصيبه، وله ما بقى إن كان نصيبه من الدية أكثر من الواجب عليه. دليلنا أن عامر بن الاكوع بارز مرحبا اليهودي فارتد عليه سيفه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه، وعلم بأمره رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كان في خيبر، ولم يجعل ديته على عاقلته، ولو وجبت عليهم لبينها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ أحمد فيمن جنايته على نفسه شبه عمد فهل تجرى مجرى الخطأ؟ على وجهين (أحدهما) هي كالخطأ لانها تساويه فيما إذا كانت على غيره (والثانى) لاتحمله العاقلة لانه لا عذر له فأشبه العمد المحض (فرع) وأما خطأ الامام والحاكم في غيرا لحكم والاجتهاد فهو على عاقلته باتفاق أهل العلم إذا كان مما تحمله العاقلة، وفارق ما إذا كان الخطأ باجتهاده ففيه قولان (أحدهما) أن عاقلته تحمل ذلك عنه لما ذكرناه من أثر عمر رضى الله عنه في المرأة التى أجهضت، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (والثانى) وهو الرواية

الثانية عن أحمد: يجب ذلك في بيت المال، لان الخطأ يكثر منه في اجتهاده وأحكامه، فإيجابه على عاقلته فيه إجحاف بهم، وبهذا قال الاوزاعي والثوري وأبو حنيفة واسحاق، لانه نائب عن الله تعالى في أحكامه وأفعاله فكان أرش جنايته في مال الله سبحانه. فإذا قلنا تجب دية ذلك على عاقلته وجبت كفارة قتله في الخطأ وعمد الخطأ في ماله. وإذا قلنا تجب دية ذلك في بيت المال ففى الفكارة وجهان (أحدهما) تجب في بيت المال لما ذكرناه في الدية (والثانى) تجب في ماله لان الكفارة لا تحملها العاقلة بحال. (مسألة) فإذا قتل غيره عمدا أو جنى على طرفه عمدا وجبت الدية في مال الجاني، سواء كانت الجناية مما يجب فيها القصاص أو مما لا يجب فيها القصاص، وهذا قضية الاصل، وهو أن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يجنى جان الا على نفسه) وبهذا قال أحمد. وقال مالك: ان كانت لا قصاص لها مثل الهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة، فإن العاقلة تحمله، وان كانت الجناية عمدا. دليلنا أن الخبر انما ورد في حمل العاقلة دية الخطأ تخفيفا على القاتل لانه لم يقصد القتل والعامد قصد القتل فلم يلحق به في التخفيف، ولانه أرش جناية عمد محض فلم تحمله العاقلة، كما لو قتل الاب ابنه إذا ثبت هذا فإن أرش العمد يجب حالا، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يجب مؤجلا في ثلاث سنين، لانها دية آدمى فكانت مؤجلة كدية شبه العمد. دليلنا أن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كالقصاص وأرش أطراف العبيد ولا يشبه شبه العمد، لان القاتل معذور لكونه لم يقصد القتل، وانما أفضى إليه من غير اختيار منه فأشبه الخطأ، ولهذا تحمله العاقلة، ولان القصد التخفيف على العاقلة الذين لم تصدر منهم جناية. وهذا موجود في الخطأ وشبه العمد على السواء. وأما العمد فإنه يحمله الجاني في غير حال العذر فوجب أن يكون ملحقا ببدل سائر المتلفات. قال العمرانى في الخطأ وشبه العمد. وقال بعض الناس يجب حالا. وقال ربيعة: يجب مؤجلا في خمس سنين. اه

وقال الشافعي رحمه الله: ولم أعلم خلافا فيما علمته أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين. هكذا أورد المزني في المختصر قال الرافعى: تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك، فمنهم من قال: ورد ونسبه إلى رواية على عليه السلام ومنهم من قال ورد أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة. وأما التأجيل فلم برد به الخبر، وأخذ ذلك من اجماع الصحابة وقال ابن المنذر وما ذكره الشافعي لا نعرفه أصلا من كتاب ولاسنة وقد سئل عن ذلك أحمد بن حنبل فقال لا نعرف فيه شيئا، فقيل ان أبا عبد الله يعنى الشافعي رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لعله سمعه من ذلك المدنى فإنه كان حسن الظن به يعنى ابراهيم بن أبى يحيى وتعقبه ابن الرفعة بأن من عرف حجة على من لم يعرف. وخرج العمرانى كلام الشافعي على نحو ينفى أنه عزا الثلاث سنين إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ قال لاأعلم خلافا أن الدية التى قضى بِهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى العاقلة أنها في ثلاث سنين، فهو ينفى الخلاف في المدة ويثبت الدية على العقالة التى قضى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمزنى اختصر النص الذى ورد في الام. وأقول ان البيهقى روى من طريق ابن لهبعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين، وقد وافق على نقل اجماع الصحابة الترمذي في جامعه وابن المنذر وقد روى التأجيل ثلاث سنين ابن أبى شيبة وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر، وهو منقطع لانه من رواية الشعبى عنه، ورواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن أبى وائل قال (ان عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين وجعل النصف في سنتين وما دون النصف في سنة، وروى البيهقى التأجيل المذكور عن على رضى الله عنه إذا ثبت هذا فأول ابتداء الاجل إذا كانت الجناية على النفس من حين الموت لانه حال استقرار الجناية. هذا نقل أصحابنا البغداديين.

وقال أصحابنا الخراسانيون: من حين الترافع إلى القاضى، وإن كانت الجناية على الطرف، فإن لم يسر إلى طرف آخر كان ابتداء الاجل من حين الجناية لانه حين وجوبه، وإن سرت إلى طرف آخر مثل أن قطع أصبعه فسرت الجناية إلى كفه كان ابتداء الاجل من حين الابد مال لانه وقت استقرار الجنايه وحكى أصحابنا الخراسانيون وجها آخر أن دية الاصبع من حين الجنايه ودية ما زاد علهيا من الانمدال والاول أصح. هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أول مدة الاجل من حين يحكم القاضى على العاقلة بالدية. قالوا لانها مدة مختلف فيها فكان ابتداؤها من حين حكم الحاكم كمدة العنة. دليلنا أنه مال يحل بحلول الاجل فكان ابتداؤه من حين وجوبه كالدين المؤجل والسلم، وننازعهم ادعاء الخلاف فيها فإن الخوارج لا يعتد بخلافهم (فرع) إذا كان الواجب أقل من الدية نظرت فإن كان ثلث الديه فما دون وجب في آخر السنة الاولة، لان العاقلة لا تحمل حالا، وإن كان أكثر من الثلث ولم يزد على الثلثين وجب في آخر السنه إلاولة ثلث الدية وفى آخر السنه الثانيه الباقي. وان كان أكثر من الثلثين ولم يزد على الديه وجبت في آخر السنه الاولة ثلث الديه وفى السنه الثانيه الثلث وفى آخر الثالثه الباقي. وان كان الواجب أكثر من دية بأن وجب بجنايته ديتان فإن كانت لابنين حملت العاقلة لكل واحد من المجني عليهما ثلث الديه في كل سنه. هذا نقل أصحابنا العراقيين. وقال الخراسانيون فيه وجهان (أحدهما) وهو الاصح، تحمل لكل واحد من المجني عليهما ثلث الدية في كل سنة. (والثانى) أن العاقلة لا تحمل في كل سنه الا ثلث الديه لواحد للمجني عليهما وان كانتا لواحد مثل أن قطع يديه ورجليه لم تحملها العاقلة الا في ست سنين في كل سنة ثلث الديه. وهذا نقل أصحابنا العراقيين. وقال الخراسانيون فيه وجهان (أحدهما) هذا (والثانى) أن العاقلة تحملها في ثلاث سنين (فرع) إذا وجب بالخطأ أو بعمد الخطأ ديه ناقصه عن دية الحر المسلم كدية المرأة ودية الجنين والكافر، ففيه وجهان

(أحدهما) أنها تقسم في ثلاث سنين، وإن زادت حصة كل سنة على ثلث الدية أو نقص لانه بدل نفس (والثانى) أنه كأرش الطرف فتحمل كل سنة ثلث دية الحر المسلم اعتبارا بما تحمله من دية الحر المسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والعاقلة هم العصبات الذين يرثون بالنسب أو الولاء غير الاب والجد والابن وابن الابن. والدليل عليه ما روى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قضى في المرأة بديتها عل عصبة العاقلة، وأما الاب والجد والابن وابن الابن فلا يعقلون، فلما روى جابر رضى الله عنه أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الاخرى ولكل احدة منهما زوج وولد، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبر أزواجها وولدها، وإذا ثبت هذا في الولد ثبت في الاب لتساويهما في العصبة، ولان الدية جعلت على العاقلة إبقاء على القاتل حتى لا يكثر عليه فيجحف به، فلو جعلناه على الاب والابن أجحفنا به، لان مالهما كماله، ولهذا لا تقبل شهادته لهما كما لا تقبل لنفسه، ويستغنى عن المسألة بما لهما كما يستغنى بمال نفسه. وإن كان في بنى عمها ابن لها لم يحمل منهم لما ذكرناه، وإن لم يكن له عصبة نظرت فإن كان مسلما حملت عنه مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ للمسلمين وهم يرثونه كما ترث العصبات. وإن كان ذميا لم يحمل عنه في بيت المال، لان مال بيت المال المسلمين وهم لا يرثونه، وإنما ينقل ماله إلى بيت المال فيئا. واختلف قوله في المولى من أسفل فقال في أحد القولين لا يعقل عنه وهو الصحيح، لانه لا يرثه فلم يعقله وقال في الآخر يعقله لانه يعقله المولى فعقل عنه المولى كالاخوين، فعلى هذا يقدم على بيت المال لانه من خواص العاقلة فقدم على بيت المال كالمولى من أعلى، وإن لم يكن له عاقله ولا بيت مال فهل يجب على القاتل؟ فيه وجهان بناء على أن الدية هلتجب على القاتل؟ ثم تتحمل عنه العاقلة أو تجب على العاقلة ابتداء، وفيه قولان (أحدهما) تجب على القاتل ثم تنتقل إلى العاقلة لانه هو الجاني فوجبت

الدية عليه، فعلى هذا تجب الدية في ماله. والقول الثاني: تجب على العاقلة ابتداء لانه لا يطالب غيرهم، فعلى هذا لا تجب عليه وقال أبو على الطبري: إذا قلنا انها تجب على القاتل عند عدم بيت المال حمل الاب والابن ويبدأ بهما قبل القاتل، لانا لم نحمل عليهما ابقاء على القاتل، وإذا حمل على القاتل كانا بالحمل أولى قال الشيخ الامام حرس الله مدته: ويحتمل عندي أنه لا يجب عليهما لانا انما أوجبنا على القاتل على هذا القول، لانه وجب عليه في الاصل، فإذا لم يجد من يتحمل بقى الوجوب في محله، والاب والابن لم يجب عليهما في الاصل ولا حملا مع العاقلة فلم يجب الحمل عليهما (الشرح) حديث المغيرة بن شعبة مضى تخريجه. أما الاحكام فإن العاقلة هم العصبة، ولا يدخل فيهم أبوالجانى ولا جده وان علا ولا ابنه ولا ابن ابنه وان سفل. وقال مالك وأبو حنيفة: يدخلون، وعن أحمد بن حنبل روايتان: احداهما كل العصبة من العاقلة يدخل فيه آباء القاتل وأبناؤه واخوته وعمومته وأبناؤهم، وهذا اختيار أبى بكر والشريف أبي جعفر لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا الا ما فضل عن ورثتها، وان قتلت فعقلها بين ورثتها) رواه أبو داود، ولانهم عصبة فأشبهوا الاخوة، يحققه عندهم أن القعل موضوع على التناصر وهم من أهله، ولان العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الاقرب فالاقرب، وآباؤهم وأبناؤه أحق العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله. والرواية الثانية: ليس آباؤه وأبناؤه من العاقلة دليلنا ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت احداهما الاخرى فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه فحكم بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم) وفيرواية (ثما ماتت العاقلة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة)

رواه أبو داود والنسائي. وفى رواية عن جابر بن عبد الله قال (فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دية المقتولة على عاقلتها وبرأ زوجها وولدها. قال فقالت عاقلة المقتولة ميراثها لنا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميراثها لزوجها وولدها) رواه أبو داود. أما حديث عمرو بن شعيب الذى أخد به أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الرايتين عنه فقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وفى إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي. وقال دحيم يذكر بالقدر، وقال النسائي في موضع ليس به بأس. وقال في موضع آخر ليس بالقوى، وال ابن حبان كثير المناكير في روايته فاستحق ترك الاحتجاج به، وقال أبو زرعة لم يكتب عنه أبو مهر لانه كان يرى الخروج على الائمة، هذا بالاضافة إلى ما قيل في إسناد عمرو بن شعيب، على أن القاعدة عند أصحابنا من أهل الحديث أن المتفق عليه مقدم على ما سواهما ومن ثم سقط الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب وتعين العمل بحديث أبى هريرة. وروى أبو رمثة قال (خرجت مع أبى حتى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيت برأسه ردع حناء وقال لابي هذا إفك؟ قال نعم. قال أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه، وقرأ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تزر وازرة وزر أخرى) رواه أحمد وأبو داود. ومعلوم أنه لم يرد أنه لا يجرحك ولا تجرحه، وإنما أراد لا تؤخذ بجنايته ولا يؤخذ بجنايتك وريو ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يؤخذ أحد بجريرة ابنه ولا يؤخذ بجريرة أبيه) أخرجه البزار ورجاله رجال الصحيح، ورواه النسائي عنه بلفظ (لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه) وفى هذا المعنى عند أبى داود وأحمد وابن ماجه والترمذي عن عمرو بن الاحوص. وعند أحمد وابن ماجه عن الخشاش العنبري وروى نحوه الطبراني مرسلا بإسناد رجاله ثقات. وعند أحمد والنسائي عن رجل من بنى يربوع. ولان مال الولد والوالد كماله ولهذا لم

تقبل شهاتدهما له ولا العكس، بدليل أن نفقتهما تجب في مالها، كما تجب في ماله فلما لم تجب في ماله لم يحملا عنه، فإن كان للمرأة ابن هو ابن ابن عمه لم يعقل عنها لعموم الخبر. وقال أبو على الشيخى: ويحتمل أن قال يحمل عنها لان فيه شيئين يحمل بأحدهما دون الآخر، فغلب الآخر، كولايته في النكاح على أمه، والاول هو المشهور. (فرع) ولا يحمل القاتل مع العاقلة من الدية شيئا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يحمل ما يحمل أحدهم، دليلنا ما ذكرناه من خبر جابر رضى الله عنه في المرأتين، فإن لم يكن للجاني عصبة وله مولى حمل عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب) والنسب يعقل به فكذلك الولاء، والمولى لا يحمل إلا بعد العاقلة من النسب، كما لا يرث إلا بعدهم، فإن لم يكن المعتق موجودا حمل عصبته كالاخ والعم وابن العم ابن الاخ وفى حمل ابن المعتق وأبيه وجهان، فإن لم يحن للجاني عصبة ولا مولى ولا عصبة مولى ولا مولى مولى، فإن كان مسلما، حملت عنه الدية في بيت المال، لانه لما نقل ماله إلى بيت المال إذا مات إرثا حمل عنه بيت المال كالعصبة، وإن كان كافرا لم يحمل عنه بيت المال لان مال بيت المال للمسلمين وليس هو منهم، وإنما ينقل ماله إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث. وروى أن رجلا من الانصار قتل عام خيبر فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المال، وروى ان رجلا قتل في زحام في زمن عمر فلم يعرف قاتله، فقال على: يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرئ مسلم، فأدى ديته من بيت المال. (مسألة) لا يعقل العديد، وهو الرجل الغريب الذى يدخل ويعد فيهم، ويقال له دخيل، ولا يحمل الحليف، وهو أن يحالف الرجل الرجل على أن يتناصرا عل دفع الظلم، كالمشتركين في الجميعات والمساهمين في الشركات والمنتسبين للناقابات المهنية والحرفية والفئوية، كل هؤلاء لا يعقل بعضهم على بعض. ولو اتفقوا على ذلك. وهذا هو مذهب أحمد ووافقنا أبو حنيفة في العديد وخالفنا في الحليف إذا

لم يكن له قرابة من النسب فإنه يرث ويقعل، وهل الهيئات الفئوية لها صفة بيت المال كما عرف عند الفقهاء الوضعيين من وصفها بالشخصية الاعتبارية؟ خصوصا في بلد لا توجد فيه حكومة إسلامية؟ نقول: إذا كان المسلمون قلة في بلد كفر أو كانوا كثرة تحكمهم حكومة نصرانية أو يهودية أو إلحادية فإن لهم أن ينتظموا متكافلين وتعقل عنهم فنقهم كما لو كان لهم بيت مال، كالمسلمين في تايلاند والفلبين وقبرص وفلسطين والحبشة أما أهل الديوان من غير العصبات فلا مدخل لهم في المعاقلة، به قال أحمد، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا خرج الامام والناس وجعلهم فرقا تحت يد كل عريف فرقه، فإذا جنى فانتسب إلى قبيلة وأمكن صدقه وصادقوه على ذلك ثبت نسبه منهم وعقلوا عنه. فإن قال جماعة من الناس: سمعنا أنه ليس منهم وشهدوا بذلك لم ينتف نسبه منهم بذلك. وقال مالك ينتفى نسبه، وهذا غلط لانه نفى محض فلم يزل به نسب حكم بثبوته فإن جاء آخر من غيرهم وقال هو ابني وولد على فراشي وأقام بينة على ذلك ثبت نسبه منه وانتفى نسبه من الاولين، لان البينة أقوى من مجرد الدعوى (فرع) إذا لم يكن للجاني عصبة من النسب ولا من يحمل من جهة الولاء، وليس هناك بيت فهل يجب الدية في ماله؟ فيه قولان بناء على أن الدية هل تجب على العاقلة ابتداء أو على الجاني؟ ثم تحمل العاقلة عنه، وفيه قولان (أحدهما) أنها تجب الدية على العاقلة ابتداء، لانهم المطالبون بها، فعلى هذا لا تجب في مال الجاني (والثانى) أنها تجب على الجاني ابتداء ثم تتحملها العاقلة عنه لانه هوء المباشر للجناية، فعلى هذا يجب أداء الدية من ماله، فإذا قلنا بهذا وكان له أب وابن فهل يحملان؟ فيه وجهان: قال أبو على الطبري: يحملان ويقدمان على الجاني، لانا انما نحمل عليهما ابقاء على الجاني، فإذا حمل الجاني كانا أولى بالحمل، وقال الشيخ الامام: يحتمل عندي أنه لا يجب عليهما الخ العبارة

وقوله: الشيخ إلامام حرس الله مدته، يحتمل أنه يعنى بهذا إمام الحرمين أبا المعالى المولود ثامن المحرم سنة 419 والمتوفى ليلة الاربعاء الخامس والعشرين من ربيع الاخر سنة 478 فإذا عرفنا أن المصنف رحمه الله توفى سنة 476 عرفنا أن الله استجاب دعاءه إلا أنه يرد على هذا أن إمام الحرمين أصغر من المصنف بنحو ست وعشرين سنة فيبعد أن ينقل عنه بهذا الاحتفاء، وبعله لم ترد في المهذب هذه العبارة إلا في هذا الموضع إذ لم ينتبه إليها الامام النووي رحمه الله وإلا أوضحها في خطبته العظيمة في مقدمة المجموع، ويحتمل أن يكون مراده بالامام حرس الله مدته شيخه القاضى أبا الطيب، وهذا هو الراجح عندي، وقد ولد القاضى أبو الطيب بآمل سنة 348، ووفى ببغداد يوم السبت لعشر بقين من ربيع الاول سنة 450 عن مائه سنة واثنتين. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يعقل مسلم عن كافر، ولا كافر عن مسلم، ولا ذمى عن حربى، ولا حربى عن ذمى، لانه لا يرث بعضهم من بعض، فإن رمى نصراني سهما إلى صيد ثم أسلم ثم أصاب السهم إنسانا وقتله وجبت الدية في ماله، لانه لا يمكن إيجابها على عاقلته من النصارى، لانه وجد القتل وهو مسلم، ولا يمكن إيجابها على عاقلته من المسلمين، لانه رمى وهو نصراني، فإن قطع نصراني يد رجل ثم أسلم ومات المقطوع عقلت عنه عصباته من النصارى دون المسلمين، لان الجناية وجدت منه وهو نصراني، ولهذا يجب بها القصاص ولا تسقط عنه بالاسلام، وإن رمى مسلم سهما إلى صيد ثم ارتد ثم أصاب السهم إنسانا فقتله وجبت الدية في ذمته، لانه لا يمكن إيجابها على عاقلته من المسلمين، لانه وجد القتل وهو مرتد، ولا يمكن إيجابها على الكفار لانه ليس منهم عاقلة يرثونه، فوجبت في ذمته. وإن جرح مسلم إنسانا ثم ارتد الجارح وبقى في الردة زمانا يسرى في مثله الجرح ثم أسلم ومات المجروح وجبت الدية، وعلى من تجب؟ فيه قولان

(أحدهما) تجب على عاقلته لان الجناية في حال الاسلام وخروج الروح في حال الاسلام، والعاقلة تحمل ما يجب بالجنايتين في حال الاسلام فوجبت ديته عليها، والقول الثاني: أنه يجب على العاقلة نصف الدية، ويجب في مال الجاني النصف، لانه وجد سراية في حال الاسلام وسراية في حال الردة، فحملت ما سرى في حال الاسلام ولم تحمل ما سرى في الردة. (فصل) ولا يعقل صبى ولا معتوه ولا امرأة لان حمل الدية على سبيل النصرة، بدلا عما كان في الجاهلية من النصرة بالسيف، ولا نصرة في الصبى والمعتوه والمرأة، ويعقل المريض والشيخ الكبير إذا لم يبلغ المريض حد الزمانة والشيح حد الهرم، لانهما من أهل النصرة بالتدبير، وقد قاتل عمار في محفة. وأما إذا بلغ الشيخ حد الهرم والمريض حد الزمانة ففيه وجهان بناء على القولين في قتلهما في الاسر، فإن قلنا إنهما يقتلان في الاسر عقلا، وان قلنا لا يقتلان في الاسر لم يعقلا. (الشرح) لا يعقل مسلم عن كافر ولا كافر عن مسلم لانهما لا يتوارثان ويعقل أهل الذمة بعضهم عن بعض إذا ثبت اتصال نسبهم إلى أب، سواء كانوا على ملة واحخدة كاليهودية، أو على ملتين كاليهودية والنصرانية. وقال أبو حنيفة ولا يعقل ذمى عن ذمى، دليلنا أنهم يتوارثون فتعاقلوا كالمسلمين، ولا يعقل ذمى عن حربى ولا حربى عن ذمى وإن جمعتهما ملة واحدة وأب واحد، لانهما لا يتوارثان فلم يتعاقلا كالاجنبيين، فإن لم يكن للذمي عاقلة من النسب وله مولى من أعلا حمل عنه إذا كان يرثه، وكذلك ان كان له عصبة موالى أو مولى. مولى، وهل يحمل عنه المولى من أسفل على القولين فيمن لم يكن له عاقلة أو كان له عاقلة، ولا يقدر على جميع الدية فهل يجب في ماله؟ على القولين في المسلم، فإن قلنا يجب في ماله فهل يحمل عنه أبوه وابنه؟ على الوجهين (فرع) إذا رمى ذمى سهما إلى غرض فأسلم ثم وقع السهم في انسان فقتله وجبت الدية في ماله لانه لا يمكن ايجابها على عاقلته من المسلمين، لان الرمى وجد منه وهو ذمى، ولا يمكن ايجابها على عاقلته من أهل الذمة، لان الاصابة

وجدت وهو مسلم فلم يبق إلا ايجابها في ماله لانه لا يمكن إيجابها على عاقلته من المسلمين، لان الاصابة وجدت وهو مرتد، ولا يمكن ايجابها على عاقلته من الكفار لانه لا عاقلة له منهم، فإن قطع ذمى يد رجل خطأ فأسلم الذمي ثم مات المقطوع من الجناية قال أبو إسحاق المروزى: عقلت عنه عصبانه من أهل الذمة دون المسلمين، لان الجناية وجدت وهو ذمى، ولهذا يجب بها القصاص ولا يسقط عنه بالاسلام. وقال ابن الحداد: يجب على عاقلته من أهل الذمة أرش الجراحة لاغير، ولا تحمل ما زاد لانه وجب بعد الاسلام، وتجب الزيادة في مال الجاني ولا تحمل عاقلته من المسلمين، لان سببها كان في الكفر قال ابن الحداد: وإن جنى دمى على رجل خطأ ثم أسلم الجاني ثم جنى على المجني عليه جناية أخرى خطأ ومات من الجنايتين فإن على عاقلته من المسلمين نصف الدية. وعلى عاقله من أهل الذمة أقل الامرين من أرش الجناية في حال الذمة أو نصف الدية، فإن كان نصف الدية أقل لزمهم ذلك وإن كان أرش الجناية أقل لزمهم قدر الارش وما زاد عليه إلى تمام نصف الدية يجب في مال الجاني، لانه وجب بعد الاسلام، ولافرق بين أن يجرحه في حال الذمية جراحة أو بعد الاسلام جراحة واحدة، فإن الدية مقسومة على الحالين، فيجب على عاقلته من المسلمين نصف الدية وعلى عاقلته من أهل الذمة أقل الامرين من نصف الدية وأرش الجراحة أو الجراحات في حال الذمة، فإن حرجه في حال الذمة خطأ ثم أسلم ثم قتله خطأ دخل الارش في دية النفس على المذهب فكانت الدية على عاقلته من المسلمين، وعلى قول أبى سعيد الاصطخرى، وأبى العباس ابن سريج لا يدخل فيكون أرش الجراحه على عاقلته من أهل الذمة ودية النفس على عاقلته من المسلمين. وإن جرح مسلم إنسانا خطأ ثم ارتد الجارح وبقى في الردة زمانا يسرى في مثله الجرح ثم أسلم ثم مات المجروح وجبت الدية، وعلى من تجب؟ فيه قولان (أحدهما) تجب على عاقلته، لان الجراحه والموت وجدا في الاسلام. (والثانى) يجب على العاقلة نصف الديه، وفى مال الجاني النصف لانه وجد

سراية في حال الاسلام وسراية في حال الردة، فحملت ما سرى في الاسلام ولم تحمل ما سرى في الردة. قوله (ولا يعقل صبى ولا معتوه ولا امرأة) الخ، فجملة ذلك أنه إذا جنى الصبى أو المجنون أو المعتوه جناية خطأ أو عمد خطأ أو عمدا محضا وقلنا إن عمده خطأ فإن عاقلته تحمل عنه الدية لان تحمل العاقلة للدية جعل بدلا عن التناصر في الجاهلية بالسيف، وهو ممن لا تنصرهم عاقلتهم. وان جنى أحد من عصبة الصبى والمجنون والمعتوه خطأ أو عمد خطأ لم يحمل الصبى والمجنون والمعتوه لانهم ليسوا من أهل النصرة، وان جنت المرأة أو الخنثى المشكل خطأ أو عمد خطأ حملت عاقلتهما عنهما الدية، وان جنى أحد من عصبانهما لم يحملا عنه الدية لما ذكرناه في الصبى والمجنون، فإن بان الخنثى رجلا يحمل العقل. (فرع) ويحمل المريض إذا لم يبلغ الزمانة، أي دوام المرض زمانا طويلا، وكذلك الشيخ إذا لم يبلغ الهرم، لانهما من أهل النصرة، فإن بلغ الشيخ الهرم والشاب المريض الزمانة فهل يحملان الدية؟ قال الشيخ المصنف: فيه وجهان بناء على القولين في جواز قتلهما إذا أسرا وقال ابن أبى هريرة: ان كانت الزمانة من اليدين والرجلين لم يحملا. وذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: أنهما يحملان وجها واحدا قوله (وقد قاتل عمار على محفة) فإن عمارا يقول: كنت تربا للنبى صلى الله عليه وسلم لسنه. وروى عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخ آدم طوال، وان الحربة في يده لترعد. وعن ابن عمر قال (رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ هلموا إلى، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهى تذبذب وهو يقاتل أشد القتال) وكلام المصنف صريح في أنه كان لا يستطيع الثبات والاستقرار على راحلته، ولعله جاء من توهم بعض الرواة من أحداث الشيخوخة حيث قتل وعمره ثلاث وتسعون سنة، بيد أن القضية التى ساقها المصنف يرد عيبها ما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء بسنده عن يحيى بن سعيد عن عمه قال (لما كان اليوم

الذى أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز من الصفين جسيم على فرس جسيم، ضخم على ضخم ينادى: يا عباد الله بصوت موجع روحوا إلى الجنة، ثلاث مرات، الجنة تحت ظلال الاسل، فثار الناس فإذا هو عمار، فلم يلبث أن قتل. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن الاعمش عن أبى عبد الرحمن السلمى قال: شهدنا مع على رضى الله عنه صفين، فرأيت عمارربن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه علم لهم، وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عقبة: يا هاشم تقدم، الجنة تحت الابارقة اليوم ألقى الاحبة، محمدا وحزبه الخ وروى الشعبى عن الاحنف بن قيس في خبر صفين، قال ثم حمل عمار فحمل عليه ابن السكسكى وأبو الغادية الفزارى، فأما أبو الغادية فطعنه، وأما ابن جزء فاحتز رأسه. فإذا عرفنا أن المحفة مركب من مراكب النساء كالهودج استبعدنا صحة من أثبته المصنف هنا لما ذكرناه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يعقل فقير لان حمل الدية على العاقلة مواساة والفقير ليس من أهل المواساة، ولهذا لا تجب عليه الزكاة، ولا نفقة الاقارب، ولان العاقلة تتحمل لدفع الضرر عن القاتل، والضرر لا يزال بالضرر، ويجب على المتوسط ربع دينار، لان المواساة لا تحصل بأقل قليل، ولا يمكن إيجاب الكثير، لان فيه اضرارا بالعاقلة، فقدر أقل ما يؤخذ بربع دينار، لانه ليس في حد التافه. والدليل عليه أنه تقطع فيه يد السارق، وقد قالت عائشة رضى الله عنها (يد السارق لم تكن تقطع فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشئ التافه) ويجب على الغنى نصف دينار أنه لا يجوز أن يكون ما يؤخذ من الغنى والمتوسط واحدا فقدر بنصف دينار، لانه أقل قدر يؤخذ من الغنى في الزكاة التى قصد بها المواساة، فيقدرما يؤخذ من الغنى في الدية بذلك، لانه في معناه، ويجب هذا القدر في كل سنة لانه حق يتعلق بالحال على سبيل المواساة فتكرر بتكرر الحول

كالزكاة، ومن أصحابنا من قال يجب ذلك القدر في الثلاث سنين، لانا لو أوجبنا هذا القدر في كل سنة أجح؟ به، ويعتبر حالة في الفقر والغنى والتوسط عند حلول النجم، لانه حق مال يتعلق بالحلو على سبيل المواساة، فاعتبر فيه حاله عند حلول الحول كالزكاة، فإن مات قبل حلول الحول لم تجب كما لا تجب الزكاة إذا مات قبل الحول، وإن مات بعد الحول لم يسقط ما وجب كما لا يسقط ما وجب من الزكاة قبل الموت (فصل) وإذا أراد الحاكم قسمة الدية على العاقلة قدم الاقرب فالاقرب من العصبات على ترتيبهم في الميراث، لانه حق يتعلق بالتعصيب فقدم فيه الاقرب فالاقرب كالميراث، وإن كان فيهم من يدلى بالابوين وفيهم من يدلى بالاب ففيه قولان (أحدهما) أنهما سواء لتساويهما في قرابة الاب، لان الام لا مدخل لها في النصرة وحمل الدية فلا يقدم بها (والثانى) يقدم من يدلى بالابوين على من يدلى بالاب لانه حق يستحق بالتعصيب، فقدم من يدلى بالابوين على من يدلى بالاب كالميراث، فإن أمكن أن يقسم ما يجب على الاقربين منهم لم يحمل على من بعدهم، وإن لم يمكن أن يقسم على الاقربين لقلة عددهم قسم ما فصل على من بعدهم على الترتيب، فإن كان القاتل من بنى هاشم قسم عليهم، فإن عجزوا دخل معهم بنو عبد مناف، فإن عجزوا دخل معهم بنو قصى، ثم كذلك حتى تستوعب قريش، ولا يدخل معهم غير قريش، لان غيرهم لا ينسب إليهم، وان غاب الاقربون في النسب وحضر الابعدون ففيه قولان (أحدهما) يقدم الاقربون في النسب لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم فيه الاقربون في النسب كالميراث (والثانى) يقدم الاقربون في الحضور على الاقربين في النسب، لان تحمل العاقلة على سبيل النصرة الحاضرون أحق بالنصرة من الغيب، فعليه ذا إن كان القاتل بمكة وبعض العاقلة بالمدينة وبعضهم بالشام قدم من بالمدينة على من بالشام لانهم أقرب إلى القاتل وإن استوت جماعة في النسب وبعضهم حضور وبعضهم غيب ففيه قولان (أحدهما) يقدم الحضور لانهم أقرب إلى النصرة (والثانى) يسوى بين الجميع كما يسوى في الميراث. وان كثرت العاقلة وقل

المال المستحق بالجناية بحيث إذا قسم عليهم خص المتوسط دن ربع دينار والغنى دون نصف دينار، ففيه قولان (أحدهما) أن الحاكم يقسمه على من يرى منهم، لان في تقسيط القليل على الجميع مشقه. (والثانى) وهو الصحيح أنه يقسم على الجميع لانه حق يستحق بالتعصيب، فقسم قليله وكثيره بين الجميع كالميراث. (فصل) وإن جنى عبد على حر أو عبد جناية توجب المال تعلق المال برقبته لانه لا يجوز إيجابه على المولى، لانه لم يوجد منه جناية، ولا يجوز تأخيره إلى أن يعتق، لانه يؤدى إلى إهدار الدماء فتعلق برقبته، والمولى بالخيار بين أن يبيعه ويقضى حق الجنايه من ثمنه وبين أن يفديه، ولا يجب عليه تسليم العبد إلى المجني عليه، لانه ليس من جنس حقه، وإن اختار بيعه فباعه فإن كان الثمن بقدر مال الجنايه صرفه فيه، وإن كان أكثر قضى ما عليه والباقى للمولى وان كان أقل لم يلزم المولى ما بقى لان حق المجني عليه لا يتعلق بأكثرمن الرقبة فإن اختار أن يفديه ففيه قولان (أحدهما) يلزمه أن يفديه بأقل الامرين من أرش الجناية أو قيمة العبد، لانه لا يلزمه ما زاد على واحد منهما. والقول الثاني: يلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسلمه للبيع، لانه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته، فإذا امتنع من البيع لزمه الارش بالغا ما بلغ. وإن قتل عشرة أعبد لرجل عبدا لآخر عمدا فاقتص مولى المقتول من خمسة وعفا عن خمسة على المال تعلق برقبتهم نصف القيمة في رقبة كل واحد منهم عشرها، لانه قتل خمسة بنصف عبده، وعفا عن خمسة على المال وبقى له النصف. (الشرح) خبر عائشة رضى الله عنها سيأتي تخريجه في كتاب الحدود. أما أحكام هذه الفصول فانه لا يحمل القعل من العاقلة إلا الغنى والمتوسط، فأما الفقير وهو من لا يملك ما يكفيه على الدوام فإنه لا يحمل العقل، وعلى

هذا أكثر أهل العلم، وهذا قول مالك وأحمد وأصحاب الرأى، وحكى بعضهم عن مالك وأبى حنيفة أن للفقير مدخلا في التحمل، وذكره أبو الخطاب رواية عن أحمد لانه من أهل النصرة كالغنى. والصحيح الاول لان العاقلة انما تحمل الدية عن القاتل على طريق الرفق والمواساة، والفقير ليس من أهل المواساة، ولان الدية انما نقلت إلى العاقلة تخفيفا عن القاتل لئلا يجحف بماله، فلو أوجبنا ذلك على الفقير لدفعنا الضرر على القاتل وألحقناه بالفقير، والضرر لا يزال بالضرر ويجب على المتوسط ربع دينار مثقال لانه لا يمكن ايجاب الكسر عليه لئلا يجحف به فقدر ما يؤخذ منه بربع دينار، لانه ليس في حد التافه. وهذا احدى الروايتين عن أحمد لان اليد لا تقطع في الشئ التافه، على ما ورد في قول عائشة وقد ثبت أن اليد لا تقطع بدون ربع دينار، فإذا كان الدينار نحو خمسة عشر جراما وكان الجرام من عيار 21 يساوى 90 قرشا كان ربع الدينار يساوى ثلاثة جنيهات مصرية وثلثا ونحو عشرة دولارات أو ما يقابلها من عملات ونقود، ويجب على الغنى نصف دينار، لانه لا يجوز أن يكون ما يؤخذ من الغنى والمتوسط، واحدا فقدرما يؤخذ من الغنى بنصف دينار لانه أول قدر يؤخذ منه في زكاة الذهب. إذا ثبت هذا فهل يجب هذا القدر على المتوسط والغنى مقسوما على الثلاث سنين أو يجب هذا القدر في كل سنة من الثلاث سنين؟ فيه وجهان (أحدهما) أن هذا القدر يجب مقسوما في ثلاث سنين لا غير، فعلى هذا لا يجب على المتوسط أكثر من ربع دينار في كل سنة نصف سدس دينار، ويجب على الغنى نصف دينار في ثلاث سنين، في كل سنة سدس دينار، لان الشافعي رضى الله عنه قال: يحمل من كثر ماله نصف دينار، وهذا يقتضى أن هذا جميع ما يحمله، ولان ايجاب ما زاد على ذلك عليه يجحف به (والثانى) وهو الاصح أن هذا القدر يجب في كل سنة من الثلاث سنين، فيكون جميع ما يجب على المتوسط في الثلاث سنين ثلاثة أرباع دينار، وجميع ما يجب على الغنى في الثلاث سنين دينار أو نصف، لان الشافعي رحمه الله قال:

يحمل الغنى نصف دينار والمتوسط ربع دينار حتى يشترك النفر في بعير. وظاهر هذا أنهم يحملون هذا القدر كل سنة من الثلاث، ولانه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فتكرر بتكرر الاحوال كالزكاة. إذا ثبت هذا فإن الجماعة من العاقلة يشتركون في شراء بعير، لان الواجب عليهم الابل لا الدنانير. هذا مذهبنا وقال مالك وأحمد: يحملون قدر ما يطيقون، فعلى هذا لا يتقدر شرعا وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيفرض على كل واحد قدرا يسهل ولا يؤذى، لان التوقيت لا يثبت إلا بتوقيف، ولا يثبت بالرأى والتحكم، ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات. وعن أحمد رواية أخرى كمذهبنا. وقال أبو حنيفة: الفقير والمتوسط والغنى سوا، فأكثر ما يحمله الواحد منهم أربعة دراهم واقله ليس له حد. واختار ابن قدامة من مجتهدي الحنابلة استواءهم في الواجب كاستوائهم في القرابة فكانوا سواء كما لو قلوا وكالميراث. دليلنا أنه حق مخرج على وجه المواساة فاختلف بكثرة المال وقلته كالزكاة، ويعتبر حال كل واحد منهم في البلوغ والعقل واليسار والاعسار والتوسط عند حلول الحول كما يعتبر النصاب في آخر الحول. فإن كان معسرا عند حلول الحول لم يجب عليه شئ، فإن أيسر بعد ذلك لم يجب عليه شئ من الثلث الواجب قبل يساره فإن كان موسرا عند حلول الحول الثاني وجب عليه، وإن كان معسرا عند حلول الحول فأعسر قبل دفع ما عليه كان دينا في ذمنه إلى أن يوسر، لانه قد وجب عليه، وإن مات واحد منهم بعد الحول وهو موسر لم يسقط عنه، بل يجب قضاؤه من تركته. وقال أبو حنيفة (يسقط) دليلنا أنه مال استقر وجوبه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت كالدين. (مسألة) قال الشافعي رضى الله عنه (ومعرفة العاقلة أن ينظر إلى إخوته لابيه وأمه فيحملهم) وجملة ذلك أن الحاكم إذا أراد قسمة العقل فإنه يبدأ بالاخوة للاب والام وللاب، لانهم أقرب العاقلة، فيؤخذ من الغنى منهم

نصف دينار، ومن المتوسط ربع دينار، فإن وفى ذلك ثلث الدية لم يحمل على من بعدهم، وإن لم يف حمل على بنى الاخوة وإن سفلوا، فإن لم يف ذلك حمل على الاعمام، فإن لم يف ذلك حمل على بنى الاعمام إلى أن يستوعب جميع القبيل الذى يتصل أبوالجانى بأبيهم، فإن لم يف ما حمل عليهم بثلث الدية حمل عنه المولى ومن أدلى به، فإن لم يف ما حمل عليهم بثلث الدية حملت تمام الثلث في بيت المال، وعلى هذا في الحول الثاني والثالث، وبما ذكرناه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: يسوى بين القريب البعيد ويقسم على جميعهم، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دية المقتولة على عصبة القاتلة دليلنا أنه حكم تعلق بالتعصيف فوجب أن يقدم فيه الاقرب فالاقرب كالميراث، والخبر لا حجة فيه، لاننا نقسمه على الجماعة إذا لم يف به الاقرب فنحمله على ذلك. إذا ثبت هذا واجتمع في درجة واحدة ابنان، أحدهما يدلى بالاب والام والآخر بالاب لا غير، كأخوين أو ابني أخ أو عمين أو ابني عم ففيه قولان. قال في القديم: هما سواء لانهما متساويان في قرابة الاب وأما الام فلا مدخل لها في النصرة وحمل العقل فلم يرجح بها وقال في الجديد: يقدم من يدلى بالاب والام لانه حق يستحق بالتعصيب فقدم فيه من يدلى بالابوين على من يدلى بأحدهما كالميراث. وعند أحمد وجهان كالقولين آنفا، فإذا اجتمع جماعة من العاقلة في درجة واحدة، فكان الارش الواحد بحيث إذا قسم عليهم خص الغنى منهم دون نصف دينار، والمتوسط منهم دون ربع دينار ففيه قولان: (أحدهما) يقسط عليهم على عددهم لانهم استووا في الدرجة والتعصيب، فقسم المال بينهم على عددهم كالميراث (والثانى) يخص به الحاكم من رأى نهم لانه ربما كان العقل قليلا فحص كل احد منهم فلس أو مليم. وفى تقسيط ذلك سفه (فرع) إذا كان جميع العاقلة حضورا في بلد القاتل فإن الحاكم يقسم الدية عليهم على ما مضى، وان كانوا كلهم غائبين عن بلد القاتل وهم في بلد واحد،

فإن حاكم البلد الذى فيه القاتل إذا ثبت عنده القتل يكتب إلى حاكم البلد الذى فيه العاقلة ليقسم الدية عليهم، فإن كان بعض العاقلة حضورا في بلد القاتل وبعضهم غائبا عنه في بلد آخر نظرت فإن حضر معه الاقربون إليه، وأمكن أن يحمل ثلث الدية على الاقربين لم يحمل على من بعدهم، وإن لم يكن حمل ثلث الدية على الالاقربين حمل على من بعدهم، وإن كانوا غائبين، وبهذا قال أحمد وأصحابه وأبو حنيفة. وان كان جماعة من العاقلة في درجة واحدة وبعضهم حاضر في بلد القاتل وبعضهم غائب عنه في بلد آخر، فإن لم يكن في الحضور سعة لاستغراق الدية ففيه قولان (أحدهما) أن الحاكم يقسم الدية على الحاضرين دون الغائبين، وهو قول مالك رضى الله عنه. (والثانى) تقسم الدية على الجميع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، فان حضر معه الابعدون وغاب الاقربون، فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو إسحاق والمسعودي هي على القولين في التى قبلها، وقال الشيخ أبو حامد وأكثر أصحابنا يقدم الاقربون قولا احدا، لانه مبنى على التعصيب، وكل من قرب كان أولى كالميراث. إذا ثبت هذا فقد قال الشافعي رضى الله عنه: ولا يقدم نجم الا بعد حلوله وجملة ذلك أن الدية إذا وجبت على العاقلة فإن كانت الابل موجودة معهم أو في بلدهم بثمن مثلها عند الحول وجبت عليهم أن يجمعوا ما وجب على كل واحد منهم ويشتروا به ابلا فان كانت معدومة أو موجودة بأكثر من ثمن مثلها انتقلوا إلى بدلها، وبدلها في قوله القديم اثنا عشر ألف درهم أو ألف مثقال، وفى قوله الجديد قيمتها، فإذا قلنا: تجب قيمتها فانها تقوم عليهم عند حلول الحول أقل إبل لو بذلوها لزم الولى قبول ذلك، فان أخذ الولى القيمة ثم وجدت الابل لم يكن له المطالبة بالابل، لان الذمة قد برئت بالقبض، وان قومت الابل ثم وجدت الابل قبل قبض القيثمة كان للولى أن يطالب بالابل، لان حقه في الابل لم يسقط بالتقويم، والله تعالى أعلم بالصواب

باب اختلاف الجاني وولى الدم

قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب اختلاف الجاني وولى الدم) إذا قتل رجلا ثم ادعى أن المقتول كان عبدا، وقال الولى بل كان حرا، فالمنصوص أن القول قول الولى مع يمينه، وقال فيمن قذف امرأة ثم ادعى أنها أمة ان القول قول القاذف، فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة من المسئلتين إلى الاخرى وجعلهما على قولين. أحدهما أن القول قول الجاني والقاذف، لان ما يدعيان محتمل، لانا لدار تجمع الاحرار والعبيد، والاصل فيه حمى الظهر وحقن الدم. والثانى أن القول قول ولى المجني عليه والمقذوف، لان الظاهر من الدار الحرية، ولهذا لو وجد في الدار لقيط حكم بحريته ومن أصحابنا من قال القول في الجناية قول الولى، والقول في القذف قول القاذف، والفرق بينهما أنا إذا جعلنا القول قول القاذف أسقطنا حد القذف وأوجبنا التعزير فيحصل به الردع، وإذا جعلنا القول قول الجاني سقط القصاص ولم يبق ما يقع به الودع. (فصل) إذا وجب له القصاص في موضحة فاقتض في أكثر من حقه أو وجب له القصاص في أصبع فاقتص في أصبعين وادعى أنه أخطأ في ذلك وادعى المستقاد منه أنه تعمد، فالقول قول المقتص مع يمينه، لانه أعرف بفعله وقصده وما يدعيه يجوز الخطأ في مثله فقبل قوله فيه. وان قال المقتص منه ان هذه الزيادة حصلت باضطرابه وأنكره المستقاد منه ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المقتص، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل والاصل براءة الذمة (والثانى) أن القول قول المستفاد منه لان الاصل عدم الاضطراب. (فصل) إذا اشترك ثلاثة في جرح رجل ومات المجروح ثم ادعى أحدهم أن جراحته اندملت وأنكر الآخران وصدق الولى المدعى نظرت فان أراد القصاص قبل تصديقه، ولم يجب على المدعى الا ضمان الجراحة، لانه

لاضرر على الآخرين لان القصاص يجب عليهما في الحالين، وان أراد أن يأخذ الدية لم يقبل تصديقه لانه يدخل الضرر على الآخرين، لانه إذا حصل القتل من الثلاثة وجب على كل واحد منهم ثلث الدية، وإذا حصل من جراحهما وجب على كل واحد منهما نصف الديه، والاصل براءة ذمتهما مما زاد على الثلث (فصل) إذا قد رجلا ملفوفا في كساء ثم ادعى أنه قده وهو ميت. وقال الولى بل كان حيا ففيه قولان (أحدهما) أن القول قول الجاني لان ما يدعيه محتمل، والاصل براءة ذمته (والثانى) أن القول قول الولى، لان الاصل حياته وكونه مضمونا، فصار كما لو قتل مسلما وادعى أنه كان مرتدا (الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه: ولو أن رجلا ادعى أن رجلا قتل أباه عمدا بما فيه القود وأقر المدعى عليه أنه قتله خطأ، فالقتل خطأ والدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ، فإن نكل حلف المدعى لقتله عمدا وكان له القود، وهكذا إن أقر أنه أقر أنه قتله عمدا بالشئ الذى إذا قتله به لم يقد منه، ولو ادعى رجل على رجل أنه قتل اباه وحده خطأ فأقر المدعى عليه أنه قتله عمدا بالشئ الذى إذا قتله به لم يقد منه. ولو ادعى رجل على رجل أنه قتل أباه وحده خطأ، فأقر المدعى عليه أنه قتله هو وغيره معه، كان القول قول المقر مع يمينه ولم يغرم إلا نصف الدية، ولا يصدق على الذى زعم أنه قتله معه ولو قال قتلته وحدي عمدا وأنا مغلوب على عقلي بمرض فإن علم أنه كان مريضا مغلوبا على عقله قبل قوله مع يمينه، وإن لم يعلم ذلك فعليه القود بعد أن يحلف ولى الدم لقتله غير مغلوب على عقله، وهكذا لو قامت بينة بأنه قتله فقال قتلته وأنا مغلوب على عقلي اه وجملة ذلك أنه إذا قال الجاني قتلته وأنا صبى، وقال الولى بل قتلته وأنت بالغ ولا بينة فالقول قول الجاني مع يمينه لان الاصل فيه الصغر. وإن قال القاتل: قتلته وأنا مجنون، وقال الولى بل قتلته وأنت عاقل فإن لم يعرف له حال

جنون فالقول قول الولى مع يمينه، لان الاصل عدم الجنون وان عرف له حال جنون ولم يعلم أنه قتله في حال الجنون أو في حال العقل، فالقول قول الجاني مع يمينه لانه أعرف بحاله، والاصل براءة ذمته مما يدعى عليه وحكى ابن الصباغ وجها آخر أن القول قول الولى مع يمينه، لان الاصل السلامة والاول أصح، فإن أقام الولى شاهدين أنه قتله وهو عاقل وأقام القاتل شاهدين أنه قتله وهو مجنون تعارضت البينات وسقطنا. وان اتفق الجاني والولى أنه قتله وهو زائل العقل لكن اختلفا بما زال به عقله، فقال الجاني زال بالجنون. وقال الولى بل زال بالسكر وقلنا يجب القصاص على السكران، فالقول قول الجاني لانه أعرف بحاله لان الاصل عدم ووب القصاص عليه إذا ثبت هذا فإنه إذا وجب القصاص في أصبع فقطع له أصبعين، وقال المقتص أخطأت وقال المقتص منه بل تعمدت فالقول قول المقتص مع يمينه لانه أعلم بفعله. وان قال المقتص حصلت الزيادة باضطراب الجاني وقال الجاني: بل قطعتها عامدا ففيه وجهان (أحدهما) القول قول الجاني لان الاصل عدم الاضطراب (والثانى) القول قول المقتص لان الاصل براءة ذمته من الضمان (فرع) وان جرح ثلاثة رجلا ومات، فقال أحدهما اندملت جراحتى ثم مات من جراحة الاخرين أو صدقه الولى وكذبه الاخر، فإن كانت الجنايات موجبة للقصاص فأراد الولى القصاص لم يؤثر تكذيب الاخرين، لان القصاص يجب عليهما بكل حال، وان عفا الولى عن القصاص إلى الدية أو كانت الجنايات غير موجبة للقصاص قبل تصديق الولى في حق نفسه دون الاخرين، لان عليهما في ذلك ضررا، الا أنه إذا مات من جراحة ثلاث وجب على كل واحد منهم ثلث الدية، وإذا مات من جراحة اثنين وجب على على كل واحد منهم نصف الدية وان قد رجلا ملفوفا، فقال الضارب: كان ميتا، وقال الولى بل كان حيا ففيه قولان: (أحدهما) القول قول الجاني، لان الاصل براءة ذمته (والثانى) القول قول الولى، لان الاصل فيه الحياة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن جنى على عضو ثم اختلفا في سلامته فادعى الجاني أنه جنى عليه وهو أشل، وادعى المجني عليه أنه جنى عليه وهو سليم،، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فيه قولان (أحدهما) أن القول قول الجاني، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل، والاصل براءة ذمته (والثانى) أن القول قول المجني عليه لان الاصل سلامة العضو، ومنهم من قال القول في الاعضاء الظاهرة قول الجاني، وفى الاعضاء الباطنة القول قول المجني عليه، لانه لا يتعذر عليه إقامة البينة على السلامة في الاعضاء الظاهرة، فكان القول قول الجاني، ويتعذر عليه إقامة البينة في الاعضاء الباطنة، والاصل السلامة فكان القول قول المجني عليه ولهذا لو علق طلاق امرأته على ولادتها، فقالت ولدت لم يقبل قولها، لانه يمكن إقامة البينة على الولادة. ولو علق طلاقها على حيضها فقالت حضت قبل قولها لانه يتعذر إقامة البينة على حيضها، فإن اتفقا على سلامة العضو الظاهر وادعى الجاني أنه طرأ عليه الشلل وأنكر المجني عليه ففيه قولان (أحدهما) أن القول قول الجاني، لانه لا يتعذر إقامة البينة على سلامته. (والثانى) أن القول قول المجني عليه، لانه قد ثبتت سلامته فلا يزال عنه حتى يثبت الشلل. (فصل) إذا أوضح رأس رجل موضحتين بينهما حاجز ثم زال الحاجز، فقال الجاني تأكل ما بينهما بسراية فعلى فلا يلزمنى إلا أرش موضحة، وقال المجني عليه أنا خرقت ما بينهما فعليك أرش موضحتين، فالقول قول المجني عليه، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل، والاصل بقاء الموضحتين ووجوب الارشين، وإن أوضح رأسه فقال الجاني أو ضحته موضحة واحدة، وقال المجني عليه أوضحتني موضحتين وأنا خرقت ما بينهما، فالقول قو الجاني لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل، والاصل براءة الذمة.

(الشرح) إذا قطع رجل عضوا من رجل ثم اختلفا، فقال الجاني قطعته وهو اشل وقال المجى عليه قطعته وهو سليم، فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال فيه قولان (أحدهما) القول قول الجاني، وهو قول أبى حينفة، لان الاصل براءة ذمته من الضمان (والثانى) القول قول المجني عليه، وهو قول أحمد، لان الاصل سلامته من الشلل. ومنهم من قال ان كان اختلافهما في الاعضاء الظاهرة كاليد والرجل وما أشبهما فالقول قول الجاني، وان كان اختلافهما في الاعضاء الباطنة كالذكر والانثيين، فالقول قول المجني عليه لان الاعضاء الظاهرة يمكن المجني عليه إقامة البينة على سلامتها فلم يقبل قوله في سلامتها والباطنة لا يمكن إقامة البينة على سلامتها فقبل قوله في سلامتها كما قلنا فيمن علق طلاق امرأته على دخول الدار فإنه لا يقبل قولها، فلو علق طلاقها على حيضها قبل قولها، فإذا قلنا القول قول الجاني في الاعضاء الظاهرة، وانما لا يكون ذلك إذا لم يقر الجاني أن المجني عليه كان صحيحا فأما إذا أقر أنه كان صحيحا ثم ادعى أنه علته الشلل وجنى عليه وهو أشل، وقال المجني عليه بل كان صحيحا وقت الجناية ففيه قولان (أحدهما) القول قول الجاني مع يمينه، لان البينة لا تتعذر على المجني عليه على سلامته فلم يقبل قوله في سلامته. (والثانى) القول قول الجاني، فأراد المجني عليه لانهما قد اتفقا على سلامته قبل الجناية، والاصل بقاء سلامتها، ومتى قلنا القول قول المجني عليه لانهما قد اتفقا على سلامته قبل الجناية، والاصل بقاء سلامتها، ومتى قلنا قلنا القول الجاني فأراد المجني عليه اقامة البينة على سلامة العضو والمجني عليه نظرت فإن شهدت أن الجاني جنى عليه وهو سليم قبلنا، وان شهدت عليه أنه كان سليما قبل الجناية. فإن قلنا ان الجاني إذا أقر سلامته قبل الجناية أن القول قوله لم تقبل هذه البينة. وان قلنا هناك القول قول المجني عليه قبلت لان المجني عليه يحتاج أن يختلف معها لجواز أن يكون قد حدث لها شلل بعد الشهادة وقبل الجناية. قوله (إذا أوضح رأس رجل موضحتين الخ) فإنه حدث هذا ثم زال الحاجز بين الموضحتين، فقال الجاني تأكل ما بينهما بجنايتي فلا يلزمني الا أرش موضحة،

وقال المجني عليه بل أوضحته موضحتين، وأنا خرقت ما بينهما فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته مما زاد على أرش موصحة. وإن قطع أصبعه ثم زال كفه فقال المجني عليه سرى القطع إليه، وقال الجاني لم يسر إليه القطع، وانما زال سبب آخر، فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاصل عدم السراية. فأما إذا داوى المجني عليه موضع القطع، فقال الجاني تأكلت بالدواء، وقال المجني عليه تأكلت بالقطع سئل أهل الخبرة بذلك الدواء فإن قالوا إنه يأكل اللحم الميت والحى، فالقول قول الجاني مع يمينه لان الظاهر انه تأكل، وإن قالوا انه يأكل الميت دون الحى فالقول قول المجني عليه مع يمينه فإن لم يعرف ذلك فالقول قول المجني عليه مع يمينه، لانه أعلم بصفة الدواء، ولان الظاهر أنه لا يداوي الجرح بما يضره ويزيد فيه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قطع رجل يدى رجل ورجليه ومات واختلف الجاني والولى فقال الجاني مات من سراية الجنايتين فعلى دية واحدة. وقال الولى بل اندملت الجنايتان ثم مات فعليك ديتان، فإن كان قد مضى زمان يمكن فيه اندمال الجراحتين، فالقول قول الولى، لان الاصل وجوب الديتين، وان لم يمض زمان يمكن فيه الاندمال، فالقول قول الجاني لان ما يدعيه الولى غير محتمل، وان اختلفا في المدة فقال الولى مضت مدة يمكن فيها الاندمال، وقال الجاني لم يمض فالقول قول الجاني لان الاصل عدم المدة (فصل) وان قطع يد رجل ومات فقال الولى مات من سراية قطعك فعليك الدية، وقال الجاني اندملت جنايتى ومات بسبب آخر فعلى نصف الدية نظرت فإن لم تمض مدة يمكن فيها الاندمال، فالقول قول الولى، لان الظاهر أنه مات من سراية الجناية، ويحلف على ذلك لجواز أن يكون قتله آخر، أو شرب سما فمات منه، وان مضت مدة يمكن فيها الاندمال ثم مات، فإن كان مع الولى بينة أنه لم يزل متألما ضمنا إلى أن مات فالقول قوله مع يمينه، لان الظاهر أنه مات من الجناية، وان لم يكن معه بينة على ذلك فالقول قول الجاني، لان ما يدعيه

كل واحد منهما ممكن، والاصل براءة ذمة الجاني مما زاد على نصف الدية. (فصل) وان قطع يد رجل ومات ثم اختلف الولى والجانى، فقال الجاني شرب سماأو جنى عليه آخر بعد جنايتى فلا يجب على الا نصف الدية. وقال الولى مات من سراية جنايتك فعليك الدية فيها نص، ويحتمل أن يكون القول قول الولى، لان الاصل حصول جنايته وعدم غيرها، ويحتمل أن يكون القول قول الجاني، لانه يحتمل ما يدعيه والاصل براءة ذمته (الشرح) إذا قطع رجل يدى رجل ورجليه ومات المجني عليه، فقال الجاني مات من الجناية فلا يلزمنى الا دية واحدة، وقال الولى بل اندمل الجرحان ثم مات بسبب آخر فعليك ديتان فان كان بين الجنايتين والموت زمان لا يمكن أن تندمل فيه الجراحات فالقول قول الجاني بلا يمين، لانا قد علمنا صدقه وحكى ابن الصباغ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ فِي التعليق يحلف مع ذلك لجواز أن يكون مات بحادث آخر كلذع الحية والعقرب وقال ابن الصباغ، والاول أولى، لان الولى ما ادعى ذلك وانما ادعى الاندمال وقد علم كذبه، فأما إذا ادعى أنه مات بسبب آخر حلفنا الجاني لامكانه، وان كان بينهما زمان لا تبقى إليه الجراحات غير مندملة كالسنين الكثيرة فالقول قول الولى بلا يمين. وان كان بينهما زمان يمكن أن تندمل فيه الجراحات ويمكن ألا تندمل فيه، فالقول قول الولى فيه مع يمينه، لان الديتين قد وجبتا بالقطع وشك في سقوط احداهما بالاندمال، والاصل بقاؤهما. فان أقام الجاني بينة أنه لم يزل ضمنا من حين الجراحة إلى أن مات فالقول قوله مع يمينه، ولا يجب عليه الا دية، لان الظاهر أنه مات من الجنايتين، وان اختلفا فيما مضى مدة يندمل في مثلها الجراحات فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاصل عدم مضيها. وان كان بينهما زمان لا تندمل في مثله الجراحات وادعى الولى أنه مات بسبب آخر، بأن قال ذبح نفسه أو ذبحه آخر، وقال الجاني بل مات من سراية الجناية ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى على الطبري أن القول قول الولى

مع يمينه لان الاصل بقاء الديتين، وإن قطع يده ثم مات فقال الولى: مات من سراية الجناية فعليك الدية. وقال الجاني بل اندملت الجناية ثم مات بسبب آخر فلا يلزمنى م؟ سراية الجناية، وهل يحلف على ذلك؟ يحتمل وجهين (أحدهما) يحلف لجواز أن يكون قتله آخر وشرب سما فمات منه (والثانى) لا يحلف كما قال ابن الصباغ في التى قبلها، لانا قد علمنا كذب الجاني، ولانه لم يدع في ذلك، وإنما ادعى الاندمال، وإن كان قد مضى من الزمان ما تندمل في مثله الجراحات فإن كان مع الولى بينة أنه لم يزل ضمنا من حين الجناية إلى الموت فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الظاهر أنه مات بذلك وإن لم يكن مع بينة على ذلك فالقول قول الجاني، وهل يلزمه اليمين؟ يحتمل الوجهين في التى قبلها. وإن مضى زمان يمكن أن يندمل في مثله الجراحات ويمكن ألا يندمل، فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته مما زاد على نصف الدية، وإن قلع يده مات في زمان لا تندمل فيه الجراحات فقال الولى مات من سراية الجناية فعليك الدية وقال الجاني: بل شرب سما فمات منه أو قتله آخر ففيه وجهان كالتى قبلها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان جنى عليه جناية ذهب بها ضوء العين، وقال أهل الخبرة: يرجى عود البصر فمات، واختلف الولى والجانى، فقال الجاني عاد الضوء ثم مات، وقال الولى لم يعد فالقول قول الولى مع يمينه، لان الاصل ذهاب الضوء وعدم العود، وإن جنى على عينه فذهب الضوء ثم جاء آخر فقلع العين واختلف الجانيان، فقال الاول عاد الضوء ثم قلعت أنت فعليك الدية، وقال الثاني قلعت ولم يعد الضوء فعلى حكومة وعليك الدية، فالقول قول الثاني لان الاصل عدم العود، فإن صدق المجني عليه الاول قبل قوله في ابراء الاول لانه يسقط عنه حقا له، ولا يقبل قوله على الثاني: لانه يوجب عليه حقا له، والاصل عدمه (فصل) إذا جنى على رجل جناية فادعى المجني عليه أنه ذهب سمعه وأنكر

الجاني امتحن في أوقات غفلاته بالصياح مرة بعد مرة، فإن ظهر منه أمارات السماع فالقول قول الجاني لان الظاهر يشهد له ولا يقبل قوله من غير يمين لانه يحتمل أن يكون ما ظهر من أمارة السماع اتفاقا، وإن لم يظهر منه أمارة السماع فالقول قول المجني عليه لان الظاهر معه ولا يقبل قوله فيذلك من غيريمين، لجواز أن يكون ما ظهر من عدم السماع لجودة تحفظه، وان ادعى نقصان السمع فالقول قوله مع يمينه لانه يتعذر إقامة البينة عليه ولا يعرف ذلك إلا من جهته ما يدعيه محتمل فقبل قوله مع يمينه كما يقبل قول المرأة في الحيض، وان ادعى ذهاب السمع من إحدى الاذنين سد التى لم يذهب السمع منها ثم يمتحن بالصياح في أوقات غفلاته، فإن ظهر منه أمارة السمع فالقول قول الجاني مع يمينه، وان لم يظهر منه أمارة السماع فالقول قول المجني عليه مع يمينه لما ذكرناه (فصل) وإن ادعى المجني عليه ذهاب شمه وأنكر الجاني، امتحن في أوقات غفلاته بالروائح الطيبة والروائح المنتنة، فإن كان لا يرتاح إلى الروائح الطيبة ولا تظهر منه كراهية الروائح المنتنة فالقول قوله لان الظاهر معه ويحلف عليه لجواز أن يكون قد تصنع لذلك وان ارتاح إلى الروائح الطيبة وظهرت منه الكراهية للروائح المنتنة فالقول قول الجاني، لان الظاهر يشهد له ويحلف على ذلك لجواز أن يكون ما ظهر من المجني عليه من الارتياح والتكره اتفاقا وإن حلف المجني عليه على ذهاب شمه ثم غطى أنفه عند رائحة منتنة، فادعى الجاني أنه غطاه لبقاء شمه، وادعى المجني عليه أنه غطاه لحاجة أو لعادة، فالقول قول المجني عليه، لانه يحتمل ما يدعيه. (فصل) وان كسر صلب رجل فادعى المجني عليه أنه ذهب جماعه فالقول قوله مع يمينه لان ما يدعيه محتمل؟ ولا يعرف ذلك إلا من جهته فقبل قوله مع يمينه كالمرأة في دعوى الحيض (الشرح) إذا جنى على عين رجل ثم اختلفا فقال الجاني: جنيت عليها وهو لا يبصر بها، وقال المجني عليه بل كنت أبصر بها نظرت، فإن قال الجاني جنيت عليها عمياء لا يبصر بها، فالقول قول الجاني مع يمينه لانه لا يتعذر على

المجني عليه إقامة البينة على أنه كان يبصر بها، فالقول قول الجاني مع يمينه، لانه لا يعذر على المجني عليه إقامة البينة على أنه كان يبصر بها. وإن قال الجاني: قد كان يبصر بها ولكن طرا عليها العمى قبل الجناية ففيه قولان كما قلنا في الجناية إذا أقر بصحة العضو ثم ادعى أن الشلل طرأ عليه قبل الجناية. وإذا أراد المجني عليه أن يقيم البينة إن كان يبصر بها فيكفى الشاهدين أن شهدا أنه كان يبصر بها، ويسوغ لهما أن يشهدا بذلك إذا رأياه يبصر الشخص ويتبعه في النظر كلما عطف الشخص جهته أتبعه البصر أو يتوفى البئر إذا أتاها أو يغمض عينه إذا جاء إنسان يلمسها، لان الظاهر ممن فعل هذا أنه يبصر، ويسعهما أن يشهدا على سلامة اليد إذا رأياه يرفع بها ويضع، وليس للحاكم أن يسألهما عن الجهة التى تحملا بها الشهادة على ذلك، كما ليس له أن يسألهما إذا شهدا للرجل بملك عين عن الجهة التى علما بها ملكه (فرع) وإن جنى على عين رجل فذهب ضوءها وقال أهل الخبرة انه يرجى عوده إلى مدة فمات المجني عليه ادعى الجاني أن ضوءها قد عاد قبل موته. وقال الولى لم يعد فالقول قول الولى مع يمينه لان الاصل عدم العود فيحلف أنه لا يعلم أن ضوء عين مورثه قد عاد، لانه يحلف على نفى فعل غيره، وإن جنى على عين رجل جناية ذهب بها ضوء عينه وبقيت الحدقة ثم جاء آخر وقلع الحدقة فادعى الجاني الاول أن الثاني قلع الحدقة بعد أن عاد ضوءها. وقال الجاني الثاني قل؟ تها قبل عود ضوئها فإن صدق المجني عليه الجاني الاول قبل تصديقه في حق الاول، لان ذلك يتضمن إسقاط حقه عنه ولا يقبل قوله على الثاني، لان ذلك يوجب الضمان عليه. والاصل براءة ذمته من الضمان فيحلف الثاني أنه قلعها قبل أن عاد ضوءها ولا يلزمه الا الحكومة. قوله (فادعى المجني عليه أنه ذهب سمعه الخ) فجملة ذلك أنه إذا جنى على أذنه جناية وادعى المجني عليه أنه ذهب سمعه وكذبه الجاني فإن المجني عليه يراعى أمره في وقت غفلاته، فإن كان يضطرب عند صوت الرعد، وإذا صبح به وهو عاقل أجاب أو اضطرب أو ظهر منه شئ يدل على أنه سامع، فالقول قول الجاني لان الظاهر أنه لم يذهب سمعه، ويحلف الجاني أنه لم يذهب سمعه لجواز أن

يكون ما ظهر منه اتفاقا إلا أنه يسمع وان كان لا يضطرب لصوت الرعد ولا يجيب إذا صيح به مع غفلته ولا يضطرب لذلك فالقول قول المجني عليه لان الظاهر أنه لا يسمع، ويحلف أنه قد ذهب سمعه، لجواز أن يكون قد تصنع لذلك، فإن ادعى أنه ذهب سمعه في احدى الاذنين دون الاخرى سدت الصحيحة وأطلقت العليلة وامتحن في أوقات غفلاته على ما ذكرناه. وان ادعى أنه نقص سمعه بالجناية ولم يذهب فالقول قوله مع يمينه في قدر نقصه لانه لا يتوصل إلى معرفة ذلك الا من جهته. (فرع) إذا جنى على أنفه جناية فادعى المجني عليه أنه ذهب بها شمه وأنكر الجاني أنه لم يذهب شمه قربت إليه الروائج الطيبة والمنتنة في أوقات غفلاته، فإن هش إلى الروائح الطيبة أو عبس للروائح المنتنة، فالقول قول الجاني مع يمينه، وان لم يظهر مه ذلك فالقول قول المجني عليه مع يمينه لما ذكرناه في السمع، وان ادعى ذهاب شمه من أحد المنخرين أو ادعى نقصانه فعلى ما ذكرناه في السمع. وإذا حلف المجني عليه أن سمعه أوشمه قد ذهب بالجناية وأخذ الدية فاضطرب عند صوت رعد، فإن ادعى الجاني أن سمعه قد عاد وارتاح إلى رائحة طيبة أو غطى أنفه عند رائحة منتنة فادعى الجاني أن شمه قد عاد وادعى المجني عليه أنه لم يعد فالقول قول المجني عليه مع يمينه لان الاصل عدم عوده وما ظهر منه يحتمل أن يكون اتفاقا أو مصادفة، أو عطى أنفه لغبار أو لريح دخل بها. (فرع) إذا قطع لسان رجل فادعى الجاني أنه كان أبكم قبل الجناية وادعى المجني عليه أنه لم يكن أبكم نظرت فإن ادعى الجاني أنه خلق أبكم فالقول قول الجاني مع يمينه لانه لا يتعذر على المجني عليه اقامة البينة على الكلام. وان أقر الجاني أنه كان يتكلم بلسانه وادعى أن البكم طرأ عليه قبل الجناية ففيه قولان كما قلنا فيمن أقر بصحة العضو وادعى طرء ان الشلل عليه قبل الجناية وان جنى على ظهره فادعى المجني عليه أنه ذهب بذلك جماعة، وأنكر الجاني فالقول قول المجني عليه مع يمينه لانه لا يتوصل إلى العلم بذلك الا من جهته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن اصطدمت سفينتان فتلفتا ادعى صاحب السفينة على القيم أنه فرط في ضبطها وأنكر القيم ذلك فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم التفريط وبراءة الذمة. (فصل) إذا ضرب بطن امرأة فألقت حنينا ميتا ثم اختلفا فقال الضارب: ما أسقطت من ضربي، وقالت المرأة أسقطت من ضربك نظرت فإن كان الاسقاط عقيب الضرب فالقول قولها لان الظاهر معها، وإن كان الاسقاط بعد مدة نظرت فإن بقيت المرأة متألمة إلى أن أسقطت فالقول قولها لان الظاهر معها، وإن لم تكن متألمة فالقول قوله، لانه يحتمل ما يدعيه كل واحد واحد منهما، والاصل براءة الذمة. وإن اختلفا في التألم فالقول قول الجاني. لان الاصل عدم التألم. وإن ضربها فأسقطت جنينا حيا ومات واختلفا، فقالت المرأة مات من ضربك وقال الضارب مات بسبب آخر، فإن مات عقيب الاسقاط فالقول قولها، لان الظاهر معها وأنه مات من الجناية، وإن مات بعد مدة ولم تقم البينة أنه بقى متألما إلى أن مات فالقول قول الضارب مع يمينه، لانه يحتمل ما يدعيه والاصل براءة الذمة وان أقامت بينة أنه بقى متألما إلى أن مات فالقول فولها مع اليمين، لان الظاهر أنه مات من جنايته. (فصل) وان اختلفا فقالت المرأة استهل ثم مات وأنكر الضارب فالقول قوله لان الاصل عدم الاستهلال، وان ألقت جنينا حيا ومات ثم اختلفا فقال الضارب كا أنثى، وقالت المرأة كان ذكرا فالقول قول الضارب، لان الاصل براءة الذمة مما زاد على دية الانثى (الشرح) ما جاء في اصطدم السفينتين على وجهه، أما إذا أسقطت امرأة جنينا ميتا فادعت على انسان أنه ضربها وأسقطت من ضربته، فإن أنكر الضرب ولابينة فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الضرب، وان أقر بالضرب

وأنكر أنها أسقطت جنينا فعليها أن تقيم البينة أنها أسقطت جنينا لانه يمكنها اقامة البينة على ذلك، فإن لم يكن معها بينة فالقول قول الضارب مع يمينه أنه لا يعلم أنها أسقطت جنينا، لان الاصل عدم الاسقاط، وان أقامت البينة أنها أسقطت جنينا أو أقر الضارب أنها أسقطت جنينا الا أنه أنكر أنها أسقطته من ضربه نظرت، فإن أسقطت عقيب الضرب أو بعد الضرب بزمان. الا أنها بقيت متألمة من حين الضرب إلى أن سقطت فالقول قولها مع يمينها، لان الظاهر أنها أسقطته من ضربه، وان أسقطت بعد الضرب بزمان وكانت غير متألمة بعد الضرب فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل براءة ذمته من الضمان، وان اختلفا فادعت أنها بقيت متألمة بعد الضرب إلى أن أسقطت وأنكر ذلك ولا بينة لها على التألم فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم التألم. إذا ثبت هذا فانه إذا ضربها فأسقطت جنينا حيا ثم مات، فقال ورثة الجنين مات من الضرب، وقال الجاني مات بسبب آخر، فإن مات عقيب الاسقاط أو بعد الاسقاط بزمان الا أنه بقى متألما إلى أن مات فالقول قول ورثة الجنين مع أيمانهم، لان الظاهر أنه مات من الضرب وان مات بعد الاسقاط بزمان، وكان غير متألم بعد الاسقاط، فالقول قول الضارب مع يمينه لان الاصل براءة ذمته من الضمان. وان اختلفوا في تألمه فالقول قول الضارب لان الاصل عدم تألمه. وإذا ادعى ورثة الجنين أنه سقط حيا ومات من الضرب، وقال الجاني بل سقط ميتا فالقول قول الجاني مع يمينه لان الاصل عدم الحياة فيه، فإن أقام ورثته بينة أنه سقط حيا وأقام الجاني وعاقلته بينة أنه سقط ميتا قدمت بينة ورثة الجنين لان معها زيادة علم، وان أسقطت من ضربه جنينا حيا ومات من الضرب فقال ورثة الجنين انه كان ذكرا فعليك دية ذكر، وقال الجاني بل كان أنثى فالقول قول الجاني مع يمينه لان الاصل براءة ذمته مما زاد على دية أنثى وان ضربها فأسقطت جنينين ذكر أو أنثى فاستهل أحدهما ومات من الضرب وأحدهما سقط ميتا، فان عرف المستهل منهما وجبت فيه الدية الكاملة وفى الآخر الغرة،

وإن لم يعرف المستهل نهما لم يلزم العاقلة إلا دية انثى وغرة عبد أو أمة أو تقدير قيمة العبد أو الامة عند تعذر وجودهما لانه اليقين وما زاد مكشوك فيه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان ادعى رجل على رجل قتلا تجب فيه الدية على العاقلة، وصدقه المدعى عليه وأنكرت العاقلة وجبت الدية على الجاني بإقراره ولا تجب على العاقلة من غير بينة، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا) ولانا لو قبلنا إقراره على العاقلة لم يؤمن إن لم ياطئ في كل وقت من يقر له بقتل الخطأ، فيؤدى إلى الاضرار بالعاقلة، وإن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا، فقال الجاني كان ميتا، وقالت المرأة كان حيا فالقول قول الجاني لانه يحمل ما يدعيه كل واحد منهما والاصل براءة الذمة، وإن صدق الجاني المرأة وأنكرت العاقلة وجب على العاقلة قدر الغرة لانها لم تعترف بأكثر منها ووجبت الزيادة في ذمة الجاني، لان قوله مقبول على نفسه دون العاقلة (فصل) إذا سلم من عليه الدية الابل في قتل العمد ثم اختلفا فقال الولى: لم يكن فيها خلفات، وقال من عليه الدية: كانت فيها خلفات فإن لم يرجع في حال الدفع إلى أهل الخبرة، فالقول قول الولى، لان الاصل عدم الا حمل، فإن رجع في الدفع إلى قول أهل الخبرة ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قول الولى لما ذكرناه (والثانى) أن القول قول من عليه الدية لانا حكمنا بأنها خلفات بقول أهل الخبرة فلم يقبل فيه قول الولى (الشرح) أثر ابن عباس أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي ولفظه (لاتحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك) وأخرجه الدارقطني عن عمر رضى الله عنه بلفظ (قال عمر: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة) وأخرجه أيضا البيهقى عن عمر قال في التلخيص: وهو منقطع

وفى إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف قال البيهقى: والمحفوظ أنه عن عامر عن الشعبى من قوله، وقال مالك في الموطأ: وقال الزهري مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا فإن قيل ولماذا اختار المصنف أثرا موقوفا على ابن عباس مع وروده مرفوعا من حديث عبادة بن الصامت عند الدارقطني والطبراني (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا) قلنا في إسناده محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب تحرم الرواية عنه، والحرث بن نبهان وهو منكر الحديث وقول الزهري الذى حكاه مالك روى معناه البيهقى عن أبى الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة. أما الاحكام فإنه إذا ادعى على رجل قتلا ثبت فيه الدية على عاقلته، فأقر بذلك فكذبه العاقلة كانت الدية في ماله لما قدمنا من الآثار عن ابن عباس وعمر والزهرى وأبى الزناد واتفاق أهل المدينة، وهو وان لم يكن حجة عندنا إلا أنه لا مخالف لهم فيه فكان اجماعا، ولانا لو قبلنا إقراره على العاقلة لم يؤمن أن يتواطأ مع من يقر له بقتل الخطأ ليدخل الضرر على العاقلة فلم يقبل اقراره. فإن ضرب بطن امرأة فأسقطت جنينا من ضربه فادعى ورثة الجنين أنه سقط حيا ومات من ضربته وصدقهم الجاني، وقالت العاقلة بل سقط ميتا، فالقول قولهم مع أيمانهم. فإذا حلفوا لم يلزمهم أكثر من قدر الغرة، ويجب تمام الدية في مال الجاني، لانه وجبت باعترافه، وهكذا لو أسقطت جنينا حيا ومات من الضرب فقال ورثة الجنين: كان ذكرا وصدقهم الجاني، وقالت العاقلة بل كان أنثى فالقول قول العاقلة مع أيمانهم، فإذا حلفوا لم يلزمهم الا دية امرأة ووجب في مال الجاني تمام دية الرجل، لانه وجب باعترافه (فرع) الخلفة من الابل هي الحامل وجمعها مخاض من غير لفظها، كما تجمع المرأة على النساء وربما جمعت على لفظها فقيل خلفات كما في كلام المصنف فإذا وجب على قاتل العمد الخلفات فأحضر ابلا ليدفعها. وقال هن خلفات وقال الولى لسن بخلفات، عرضت على أهل الخبرة بالابل، فان قالوا هن حوامل كلف الولى أخذها.

باب كفارة القتل

فإن قالوا لسن بحوامل كلف الجاني إحضار الحوامل ودفعهن، قإن أخذ الولى الابل بقول أهل الخبرة أنهن حوامل واتفق هو والقاتل أنهن حوامل، فإن صح أنهن حوامل فقد استوفى حقه. وإن خرجن حوامل نظرت فإن كانت الابل حاضرة ولم يعينها كان للولى ردها والمطالبة بحوامل، وإن كان الولى قد غيبها مدة يمكن أن تضع فيها فقال القاتل: كن حوامل وقد وضعن في يدك، وقال الولى لم تكن حوامل، فإن كان الولى قد أخذ الابل باتفاقهما لا بقول أهل الخبرة فالقول قول الولى مع يمينه، لان الاصل عدم الحمل، وإن كان قد أخذها بقول أهل الخبرة ففيه وجهان: (أحدهما) القول قول الولى مع يمينه لان أهل الخبرة إنما يخبرون من طريق الظن والاستدلال، ويجوز ألا يكون صحيحا، فكان القول قول الولى مع يمينه كما لو أخذها الولى باتفاقها. (والثانى) أن القول قول الجاني مع يمينه لانا قد حكمنا بكونها حوامل بقول أهل الخبرة، فإذا ادعى الولى أنها ليست بحوامل كان قوله مخالفا للظاهرفلم يقبل والله تعالى أعلم بالصواب. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب كفارة القتل من قتل من يحرم عليه قتله من مسلم أو كافر له أمان خطأ وهو من أهل الضمان وجبت عليه الكفارة، لقوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ودية مسلمة إلى اهله) وقوله تبارك وتعالى (فإن كان من قوم عدو لكن وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فإن قتله عمدا أو شبه عمد وجبت عليه الكفارة، لانها إذا وجبت في قتل الخطأ مع عدم المأثم فلان تجب في العمد وشه العمد وقد تغلظ بالاثم أولى. وإن توصل إلى قتله بسبب يضمن فيه النفس، كحفر البئر، وشهادة الزور

والاكراه وجبت عليه الكفارة، لان السبب كالمباشرة في إيجاب الضمان فكان كالمباشرة في ايجاب الكفارة فإن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا وجبت عليه الكفارة لانه آدمى محقون الدم لحرمته فضمن بالكفارة كغيره. وان قتل نفسه أو قتل عبده وجبت عليه الكفارة، لان الكفارة تجب لحق الله تعالى وقتل نفسه وقتل عبده كغيرهما في التحريم لحق الله تعالى، فكان كقتل غيرهما في ايجاب الكفارة، فإن اشترك جماعة في قتل واحد وجب على كل واحد منهم كفارة. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يجب على الجميع كفارة واحدة، لانها كفارة تجب بالقتل، فإذا اشترك الجماعة فيه وجبت عليهم كفارة واحدة كالكفارة في قتل الصيد، والمشهور هو الاول لانها كفارة لا تجب على سبيل البدل، فإذا اشترك الجماعة في سببها وجب على كل واحد منهم كفارة ككفارة الطيب واللباس (فصل) والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين لقوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلى قوله تعالى فمن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَإِنْ لَمْ يستطع ففيه قولان (أحدهما) يلزمه اطعام ستين مسكينا، كل مسكين مدا من الطعام، لانه كفارة يجب فيها العتق أو صيام شهرين، فوجب فيها اطعام ستين مسكينا قياسا على كفارة الظهار والجماع في رمضان (والثانى) لا يلزمه الاطعام لان الله تعالى ذكر العتق والصيام ولم يذكر الاطعام، ولو وجب ذلك لذكره كما ذكره في كفارة الظهار، وصفة الرقبة والصيام والطعام إذا أوجبناه على ما ذكرنا في الظهار فأغنى عن الاعادة (الشرح) هذه الآيات القرآنية من أمهات الاحكام. ذكرا أبو حاتم بسنده عن ابن عمر أن عياس بن أبى ربيعة قتل الحارث بن يزيد بن أبى أنيسة العامري لحية كات بينهما إذ هاجر الحارث مسلما فلقيه عياش فقتله ولم يشعر بإسلامه، فلما أخر أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله انه كان من أمرى وأمر الحارث ما قد علمت ولم أشعر باسلامه حتى قتلته، فنزلت الآية. أما الاحكام فان هذه الآية أصل في وجوب الكفارة، فذكر الله تعالى في

الآية ثلاث كفارات، إحداهن إذا قتل مؤمنا في دار الاسلام بقوله (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الثانية: إذا قتل مؤمنا في دار الحرب بأن كان أسيرا في صفهم أو مقيما باختياره بقوله تعالى (فإن كان من قوم عدولكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) ومعناه في قوم عدولكم. والثالثة: إذا قتل ذميا بقوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) إذا ثبت هذا فظاهر الآية بقوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ) أنه ما ينبغى لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ قال العمرانى: الاستثناء من النفى اثبات، فليس له أن يقتله عمدا وله قتله خطأ، وقال القرطبى: ليس على النفى وانما هو على التحريم والنهى كقوله تعالى (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) ولو كانت على النفى لما وجد مؤمن قتل مؤمنا قط، لان ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده كقوله تعالى (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) فلا يقدر العباد أن ينبتوا شجرها، ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الاول، وهو الذى يكون فيه (الا)) بمعنى لكن والتقدير ما كان له أن يقتله ألبتة، لكن أن قتله خطأ فعليه كذا هذا قول سيبويه والزجاج اه وللاستثناء المنقطع شواهد كثيرة في القرآن كقوله تعالى (ما لهم به من علم الا اتباع الظن) وقوله تعالى (وما كنت ترجو أن يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك) قال الشيخ أبو حامد الاسفرايينى: ولا خلاف بين أهل العلم أن قتل الخطأ محرم كقتل العمد، الا أن قتل العمد يتعلق به الاثم، وقتل الخطأ لا اثم فيه، واختلف أصحابنا في تأويل قوله (الا خطأ) فمنهم من قال هو استثناء منقطع من غير الجنس كما أوضحناه عن القرطبى من المالكية، واستشهد هؤلاء الاصحاب بقوله تَعَالَى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وتقدير لكن كلوا بالتجارة، لانه لو كان استثناء من الجنس لكان تقديره: الا أن تكون تجارة بينكم عن تراض منكم فكلوها بالباطل. وهذا لا يجوز

ومنهم من قال: هو استثناء من مضمن محذوف فيكون تقديره: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا، فإن قتله أثم إلا أن يكون خطأ، فاستثنى الخطأ من الاثم المحذوف المضمن في الآية. ومنهم من قال: تأويل قوله تعالى (إلا خطأ) بمعنى ولا خطأ، كقوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) يعنى ولا الذين ظلموا. قال ابن الصباغ: وهذا التأويل يبعد، لان الخطأ لا يتوجه إليه النهى. قال وقول الشيخ أبى حامد أن قتل الخطأ محرم يناقضه، لان حد المحرم ما يأثم فيه والخطأ لا يوصف بالتحريم ولا بالاباحة كفعل المجنون والبهيمة إذا ثبت هذا فإنه إذا قتل من يحرم قتل لحق الله تعالى عمدا أو خطأ أو عمد خطأ وجبت عليه بقتله الكفارة وبه قال الزهري وقال ربيعة وأبو حنيفة وأصحابه يجب الكفارة بقتل الخطأ، لان الخطأ أخف حالا من قتل العمد، لانه لا قود فيه ولا اثم والدية فيه محققة، فإذا وجبت فيه الكفارة فلان تجب في قتل العمد المحض وعمد الخطأ أولى وروى واثلة بن الاسقع قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار. ولا يستوجب النار الا في قتل العمد. وروى أنع عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ انى وأدت في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتق بكل موءودة رقبة. والموءودة البنت المقتولة عندما تولد، كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك مخافة العار والفقر، ولانه حيوان يضمن بالكفارة إذا قتل خطأ فوجب أن يضمن بالكفارة إذا قتل عمدا كالصيد وعكسه المرتد، فإن قتل نساء أهل الحرب وذراريهم لم تجب عليه الكفارة، لان قتلهم انما حرم لحق المسلمين لا لحق الله، فلم تجب به الكفارة، كما لو ذبح بهيمة غيره بغير اذنه. وكذلك لو قتل عبدا لنفسه أو لغيره، أو قتل ذميا أو معاهدا وجبت عليه الكفارة. وقال مالك: لا يجب في كله الكفارة. دليلنا قوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ

مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) وهذا عام في الحر والعبد. وقوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) وهذا يقع على الذمي والمعاهد، ولانه آدمى يجرى القصاص بينه وبين نظيره، فوجبت بقتله الكفارة كالحر المسلم، إن قتل نفسه وجبت الكفارة في ماله. وقال بعض أصحابنا الخراسانيين لا تجب الكفارة، دليلنا قوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة) وهذا عام، ولانه يحرم عليه قتل نفسه، بل لا يجوز له قتل نفسه بحال، فإذا وجبت عليه الكفارة بقتل غيره فلان تجب بقتل نفسه أولى. (فرع) وإن ضرب بطن امرأة فألقت من ضربه جنينا ميتا وجبت عليه الكفارة، وبه قال عمر والزهرى والنخعي والحسن البصري والحكم. وقال أبو حنيفة لا تجب فيه الكفارة. دليلنا قوله تعالى (من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) وقد حكمنا للجنين بالايمان تبعا لابويه، فيكون داخلا في عموم الآية، ولانه آدمى محقون الدم لحرمته فوجبت فيه الكفارة كغيره. وقولنا (آدمى) احتراز من غير الآدمى من الحيوان وقولنا محقون الدم، احتراز من المرتد والحربي ومن جاز قتله. وقولنا لحرمته احتراز من نساء أهل الحرب وذراريهم، فإنه ممنوع من قتلهم لا لحرمتهم، ولكن لحق الغانمين (فرع) وإن قتل من يحرم قتله لحق الله تعالى بسبب يجب به ضمانه بأن حفر بئرا في غير ملكه متعديا، فسقط فيها انسان ومات وجبت عليه الكفارة وقال أبو حنيفة لا تجب الكفارة إلا بالمباشرة، دليلنا قوله تَعَالَى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤمنة) ولم يفرق بين أن يقتله بالمباشرة أو بالسبب، ولانه قتل آدميا ممنوعا من قتله لحرمته فوجب عليه الكفارة، كما لو قتله بالمباشرة (فرع) إذا كان القاتل صبيا أو مجنونا أو كافرا وجبت عليهم الكفارة، وقال أبو حنيفة لا يجب على واحد منهم الكفارة. دليلنا قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) ولم يفرق بين أن يكون القاتل صبيا أو مجنونا أو كافرا، فإن قيل الصبى والمجنون لا يدخلان في الخطاب قلنا إنما لا يدخلان في خطاب المواجهة لقوله تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

اتقوا الله) ويدخلان في خطاب الانام، كقوله صلى الله عليه وسلم: في كل أربعين شاة شاة. وروى أن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انى وأدت في الجاهلية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعتق بكل موءودة رقبة. وهذا نص في إيجاب الكفارة على الكافر، ولانه حق مال يتعلق بالقتل فتعلق بقتل الصبى والمجنون كالدية، ولان الكفارة تجب على المسلم للتكفير، وعلى الكافر عقوبة كما أن الحدود تجب على المسلم كفارات وعلى الكافر عقوبة (فرع) إذا اشترك جماعة في قتل واحد وجب على كل واحد منهم كفارة، قال عثمان البتى: تجب عليهم كفارة واحدة. وحكى أبو على الطبري أن هذا قول آخر للشافعي لانها كفارة تتعلق بالقتل، فإذا اشترك الجماعة في سببها وجب عليهم كفارة واحدة، كما لو اشتركوا في قتل صيد، والاول هو المشهور لانها كفارة وجبت لا على سبيل البدل عن النفس، فوجب أن يكون على كل واحد من الجماعة إذا اشتركوا في سببها ما كان يجب على الواحد إذا انفرد ككفارة الطيب للمحرم، وقولنا: لا على سبيل البدل. احتراز من جزاء الصيد قوله والكفارة عتق رقبة مؤمنة. وهذا صحيح لمن وجدها، ولا خلاف في ذلك، فإذا لم يجد الرقبة وجب عليه صوم شهرين متتابعين لقوله تعالى (فمن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَإِنْ لَمْ يقدر على الصوم ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه أن يطعم ستين مسكينا، لان الله تعالى ذكر الاطعام في كفارة الظهار ولم يذكر في كفارة القتل فوجب أن يحمل المطلق في القتل على المقيد في الظهار، كما قيد الله الرقبة في القتل بالاثمان، وأطلقها في كفارة الظهار فحمل مطلق الظهار على مقيد القتل. (والثانى) لا يجب عليه الاطعام، وهو الاصح، لان الله أوجب الرقبة في كفارة القتل، ونفل عنها إلى صوم الشهرين، ولم ينقل إلى الاطعام، فدل على أن هذا جميع الواجب فيها، وما ذكره الاول فغير صحيح، ولان المطلق انما تحمل على المقيد إذا كان الحكم مذكورا في موضعين الا أنه قيده في موضع بصفة، وأطلقه في الموضع الآخر، كما ذكر الله الرقبة في كفارة القتل

مقيدا بالايمان، وذكرها في الظهار مطلقة فحمل مطلق الظهار على مقيد القتل، وكما ذكر الله اليدين في الطهارة وقيدهما إلى المرفقين، وذكرهما في التيمم مطلقا، فحمل مطلق التيمم فيهما على ما قيده فيهما في الطهارة. وهاهنا الاطعام لم يذكره في الموضعين، إنما ذكره في الظهار فلم يجز نقل حكمه إلى كفارة القتل، كما لم يجز نقل حكم مسح الرأس وغسل الرجلين إلى التيمم، وحكم الرقبة والصوم الاطعام إذا أوجبناه قدم في كفارة الظهار. والله تعالى أعلم بالصواب، وهو حسبى ونعم الوكيل قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب قتال اهل البغى لا يجوز الخروج عن الامام لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (من نزع يده من طاعة امامه فإنه يأتي يوم القيامة ولا حجة له. ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية. وروى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، من حمل علينا السلاح فليس منا. (الشرح) حديث عبد الله بن عمر أخرجه مسلم بإسناده عن نافع قال (جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لابي عبد الرحمن وسادة، فقال انى لم آتك لاجلس أتيتك لاحدثك حديثا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. وأخرجه عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عمر بمعنى حديث نافع، وأخرجه الحاكم عن ابن عمر بلفظ (من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه امام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية. وأخرج مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهليه.

أما حديث أبى هريرة (من حمل علينا السلاح فليس منا) فقد أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة وسلمة بن الاكوع، وأخرجه الشيخان من حديث أبى موسى الاشعري وابن عمر. وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبى ذر: من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه أما اللغات فإن البغى التعدي وكل مجاوزة وإفراط وخروج عن حد الشئ، والبغى الظلم، وبغيته أبغيه بغيا طلبته، وابتغيته وتبغيته مثله والاسم البغاء كغراب. وينبغى أن يكون كذا معناه يندب ندبا مؤكدا لا يحسن تركه، واستعمال ماضيه مهجور، وقد عدوا ينبغى من الافعال التى لا تتصرف، فلا يقال انبغى وقيل في توجيهه أن انبغى مطاوع بغى، ولا يستعمل انفعل في المطاوعة إلا إذا كان فيه علاج وانفعال، مثل كسرته فانكسر، وكما لا يقال طلبته فانطلب وقصدته فانقصد لا يقال بغيته فانبغى، لانه لا علاج فيه، وبغى على الناس بغيا سعى بالفساد أو ظلم واعتدى، وبغت المرأة تبغى بغاء فجرت فهى بغى والجمع بغايا، وهو وصف تختص به المرأة، ولا يقال للرجل بغى، ولى عنده بغية أي حاجة والفئة الباغية التى تعدل عن الحق وما عليه أئمة المسلمين. يقال بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد. أما الاحكام، فإن مما استقر في الفطر وارتكز في الطباع أن الجماعة لا تصلح حياتها فوضى لاسراة لها من أهل العقل والحكمة والعلم والزكانه، ومن ثم يأتي خطأ بعض المتكلمين في قولهم لو تكاف الناس عن الظلم لم يجب نصب الامام لان الصحابة رضى الله عنهم اجتمعوا على نصب الامام، والمراد بالامام الرئيس الا على للدولة، والامامة والخلافة وإمارة المؤمنين مترادفة، والمراد بها الرياسة العامة في شئون الدين والدنيا. ويرى ابن حزم أن الامام إذا أطلق انصرف إلى الخليفة، أما إذا قيد انصرف إلى ما قيد به من إمام الصلاة وإمام الحديث وإمام القوم. ويقول الدكتور عبد الحميد متولى أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالاسكندرية في كتابه مبادئ نظام الحكم في الاسلام ص 497 (ونلاحظ أن الصحافة المصرية بدأت في الآونة الاخيرة تطلق على شيخ الازهر لقب الامام الاكبر بدلا من الاستاذ الاكبر ويبدو لنا أن من الاوفق العدول عن هذا

اللقب (أولا) لان الامامة الكبرى إنما يقصد بها الخلافة كما قدمنا (وثانيا) لان نزعة الاغراق في ألقاب التفخيم والتعظيم إنما هي أثر من آثار الحكم التركي في حين أن اتجاه التطور لدنيا لاسيما منذ عهد الثورة إنما يسير ضد هذه النزعة، ومنصف شيخ الاسلام ليس من المناصب التى جاء بها الاسلام، وعجيب أن يقال عن على بن أبى طالب وهو من هو (الامام على) والشيخ محمد عبده (الاستاذ الامام) ثم يقال عن شيخ الازهر الامام الاكبر. اه ملخصا فإذا عرفت أن المجتمع في حاجة إلى من يسوس أمره في دينه ودنياه ليكف الناس عن أن يتظالموا والظلم من شيم النفوس فإن تجد * ذا عفة فلعلة لا يظلم فإنما تظهره القدرة وبخفيه العجز، ولانهم وان تكافوا عن الظلم فهم مفتقرون إليه لتجهيز الجيوش في جهاد الاعداء، وغير ذلك من رعاية مصالحهم وحماية حوزتهم، وحفظ أرزاقهم وتنمية مواردهم. فإذا ثبت هذا فمن شروط الامام أن يكون ذكرا بالغا عاقلا مسلما عدلا عالما من الفقه ما يخرجه عن أن يكن مقلدا، لان هذه الشروط هي التى تعتبر في حق القاضى فلان تعتبر في حق الامام أولى. ومن شرط الامام أن يكون شجاعا له تدبير وهداية إلى مصالح المسلمين، لانه لا يتأهل لتحمل أعباء الامة الا بذلك ومن شرطه أن يكون قرشيا. هكذا أفاده أكثر الاصحاب وقال أبو المعالى الجوينى من أصحابنا من يجوز أن يكون من غير قريش. مع ورود حديث أنس عند أحمد والطبراني (الائمة من قريش ولى عليكم حق عظيم، ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثا، إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة الناس أجمعين) قال القاضى أبو الفتوح، ومن شرطه ألا يكون أعمى، ويجوز أن يكون النبي أعمى لان شعيبا كان أعمى، فإذا اجتمعت في الرجل شروط الامامة، فإن الامامة لا نتعقد الا بأن يستخلفه الامام الذى كان قبله، أو بأن لم يكن هناك امام فيقهر الناس بالغلبة والصولة، أو بأن تنعقد له الامامة باختيار أهل الحل

والعقد له. ولا يلتفت إلى إجماع الدهماء، فإن ذلك لا يصح لان طبقة الدهماء لابد أن تكون مقلدة لفئة منها تؤثر عليها بالدعاية والضجيج فلا تستطيع أن تحكم في أناة وتعقل لتختار الامام العادل، ومن ثم فإن أهل الحل والعقد وهم الطليعة الواعية والفئة المستنيرة من أهل الاجتهاد من الامة هم الجديرون باختيار الامام لانهم سيحملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصواب، وسيكونون شركاءه في مآثمه ومظالمه. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابه التنبيه: ولا يعقد إلا بعقد جماعة من أهل الحل والعقد ومقتضى كلامه أن أقلهم ثلاثة، لان ذلك أقل الجمع عندنا، وعند القاضى أبى الفتوح ينعقد بواحد، ومن شرط العاقد أن يكون ذكرا بالغا عاقلا مسلما عدلا مجتهدا. وهل من شرط العقد أن يكون بحضرة شاهدين؟ قال العمرانى فيه وجهان. ومن شرط العاقد والشاهد إذا اعتبرناه أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا، لانه لا يشق مراعاة ذلك فيهما، ولا يجوز نصب إمامين. وقال أبو المعالى الجوينى: يجوز عقد الامامة لامامين في صقعين متباعدين وقد خطأه العمرانى فإن عقدت الامامة لرجلين فإن علم السابق منهما صح العقد الاول وبطل الثاني، ثم ينظر في الثاني فإن عقد له مع الجهل بالاول أو مع العلم به لكن بتأويل شائع لم يعزر المعقود له ولا العاقد، وان عقد للثاني مع العلم بالاول من غير تأويل شائع عزر العاقد والمعقود له، لما أخرج أحمد ومسلم عن عرفجة الاشجعى قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) قال الخطابى من أصحابنا: ولم يرد القتل وانما أراد اجعلوه كمن مات أو قتل فلا تقبلوا له قولا. وقد قيل لعلى رضى الله عنه في الخوارج انهم كفروا، فقال هم من الكفر فروا، قيل هم منافقون؟ فقال ان المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، وهؤلاء تحقرون صلاتكم بجانب صلاتهم. قيل ماذا تقول فيهم؟ قال قوم تأولوا فأخطأوا. فإذا وقع عقدان لامامين معا بطلا ويستأنف العقد لاحدهما، والمستحب

أن يعقد لافضلهما وأصلحهما، فإن عقدت الامامة للمفضول صح كما يصح في إمامة الصلاة أن يؤم من يصلح للامامة، وإن كان هناك من هو أولى منه بها. فإذا انعقدت الامامة لرجل كان العقد لازما فإن أراد أن يخلع نفسه لم يكن له ذلك. فان قيل فكيف خلع الحسن بن على نفسه؟ قلنا لعله علم من نفسه ضعفا عن تحملها أو علم أنه لا ناصر له ولا معين فخلع نفسه تقية، وإن أراد أهل الحل والعقد خلع الامام لم يكن لهم ذلك إلا أن يتغير، فان فسق الامام فهل ينخلع؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها الجوينى (أحدها) ينخلع بنفس الفسق وهو الاصح، كما لو مات (والثانى) لا ينخلع حتى يحكم بخلعه، كما إذا فك عنه الحجر ثم صار مبذرا فانه لا يصح أن يصير محجورا عليه إلا بالحكم (والثالث) إن امكن استتابته وتقويم اعوجاجه لم يخلع، وإن لم يمكن ذلك خلع إذا ثبت هذا فلا يجوز خلع الامام بغير معنى موجب لخلعه ولا الخروج عن طاعته لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت قال ((بايعنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الامر أهله الا أن تروا كفرا بواخا عندكم فيه من الله برهان) وقد روى أحمد عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفئ؟ قال: والذى بعثك بالحق أضع سيفى على عاتقي وأضرب حتى ألحقك، قال لا، ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ تصبر حتى تلحقني) وعن حذيفة بن اليمان أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهديى ولا يستنون بسنتى، وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس. قال قلت كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع، وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) رواه أحمد ومسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا خرجت على الامام طائفة من المسلمين ورامت خلعه بتأويل أو منعت حقا توجه عليها بتأويل، وخرجت عن قبضة الامام وامتنعت بمنعة، قاتلها الامام لقوله عز وجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) ولان أبا بكر الصديق رضى الله عنه قاتل مانعي الزكاة، وقاتل على كرم الله وجهه أهل البصرة يوم الجمل، وقاتل معاوية بصفين، وقاتل الخوارج بالنهروان، ولا يبدأ بالقتال حتى يسألهم ما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وان ذكروا علة يمكن أزاحتها أزاحها، وان ذكروا شبهة كشفها لقوله تعالى (فأصلحوا بينهما) وفيما ذكرناه اصلاح. وروى عبد الله بن شداد بن الهاد (أن عليا كرم الله وجهه لما كاتب معاوية وحكم، عتب عليه ثمانية آلاف ونزلوا بأرض يقال لها حروراء، فقالوا انسلخت من قميص ألبسك الله، وحكمت في دين الله، ولاحكم الا لله، فقال على: بينى وبينكم كتاب الله. يقول الله تعالى في رجل وامرأة (وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا أنى كاتبت معاوية: من (على بن أبى طالب) وجاء سهيل بن عمرو وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية حين صالح قومه قريشا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكتب من محمد رسول الله، فقالوا: لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك، فقال اكتب فكتب (هذا ما قاضى عليه محمد قريشا) يقول الله عز وجل (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الاخر) وبعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوا عبد الله كتاب الله تعالى ثلاثة أيام، ورجع منهم أربعة آلاف، فإن أبوا وعظهم وخوفهم القتال، فإن أبوا قاتلهم، فإن طلبوا الانظار نظرت، فان كان يومين أو ثلاثة أنظرهم، لان ذلك مدة قريبة ولعلهم يرجعون إلى الطاعة، فان طلبوا أكثر من ذلك بحث عنه الامام، فان كان قصدهم

الاجتماع على الطاعة أمهلهم، وان كان قصدهم الاجتماع على القتال لم ينظرهم، لما في الانظار من الاضرار، وان أعطوا على الانظار رهائن لم يقبل منهم، لانه لا يؤمن أن يكون هذا مكرا وطريقا إلى قهر اهل العدل. وان بذلوا عليه مالا لم يقبل لما ذكرناه، ولان فيه اجراء صغار على طائفة من المسلمين، فلم يجز، كأخذ الجزية منهم. (الشرح) قوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين. الآية) روى المعتمر بن سليمان عن أنس قال، قلت (يا نبى الله لو أتيت عبد بن أبى؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون، وهى أرض سبخة فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال اليك عنى فانه أذانى نتن حمارك، فقال رجل من الانصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم حرب بالجريد والايدى والنعال، فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الآية وقال مجاهد نزلت في الاوس والخزرج. وقال مجاهد تقاتل حيان من الانصار بالعصى والنعال فنزلت الاية، وروى في أسباب نزولها روايات كثيرة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. أما أخبار الحرورية فقد أخرجها مفرقة على المصادر الاتية، مسلم في الزكاة عن عبد بن حميد وفى استتابة المرتدين، أبو داود في السنة عن الحسن الخلال وعن محمد بن كثير ومحمد بن عبيد بن حسان والبخاري في علامات النبوة والنسائي عن محمد بن بشار، وابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، كما أخرج ذلك كله ابن سعد في الطبقات وغيره. وأما قتال أبى بكر لمانعي الزكاة فهى مما تواتر واستفاضت أخباره جملة وتفصيلا أثبتناها في كتابنا عن خالد بن الوليد أما اللغات فالتأويل تفسير ما يؤول إليه الشئ وقوله وامتنعت بمنعة. ومنعة ومنعة، هكذا في اللسان وقال ابن بطال في غريب المهذب السماع بسكون النون والقياس فتحها جمع مانع مثل كافر وكفرة.

وقال ابن الاعرابي: رجل منوع يمنع غيره، ورجل منع يمنع نفسه. وقوله (تفى إلى أمر الله) أي ترجع، والخوارج سموا بذلك لانهم خرجوا عن الطاعة، فواضعوا عبد الله أي راهنوه، أي وضعوا رهنا ووضع رهنا على أن من غلب أخذ الرهن الصغار الذل والهوان. أما الاحكام فإنه إذا بغت على الامام طائفة من المسلمين وأرادت خلعه أو منعت حقا عليها تعلقت بهم أحكام يختصون بها دون قطاع الطريق، ولا تثبت هذه الاحكام في حقهم إلا بشروط توجد فيهم (أحدها) أن يكونوا طائفة فيهم منعة يحتاج الامام في كفهم إلى عسكر، فإن لم تكن فيهم منعة، وانما كانوا عددا قليلا لم تتعلق بهم أحكام البغاة، وإنما هم قطاع الطريق، لما روى أن عبد الرحمن ابن ملجم لعنه الله قتل على بن أبى طالب وكان متأولا في قتله فأقيد به، ولم ينتفع بتأويله لانه لم يكن في طائفة ممتنعة، وإنما كانوا ثلاثة رجال تبايعوا على أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمرو بن العاص في يوم واحد، فأما صاحب عمرو فذهب إلى مصر فلم يخرج عمرو بن العاص يومئذ وقتل خارجة بن زيد، ولما سئل قال: أردت عمرا وأراد الله خارجة. وأما صاحب معاوية فلم يتمكن من قتله وإنما جرحه في أليته وكواه طبيب قال له: إنه ينقطع نسلك فقال في يزيد كفاية الشرط الثاني: أن يخرجوا من قبضة الامام، فإن لم يخرجوا من قبضته لم يكونوا بغاة، لما روى أن رجلا قال على باب المسجد وعلى يخطب على المنبر: لا حكم إلا لله ولرسوله تعريضا له في التحكيم في صفين فقال على: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: لكم علينا ثلاث، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال، فأخبر أنهم ما لم يخرجوا من قبضته لا يبدؤهم بقتال، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين كانوا معه في المدينة، فلئلا يتعرض لاهل البغى وهم مسلمون أولى. الشرط الثالث، أن يكون لهم تأويل شائع مثل أن تقع لهم شبهة يعتقدون عنها الخروج عن الامام أو منع حق عليهم وان أخطأوا في ذلك كما تأول

بنو حنيفة منع الزكاة بقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة) الآية فقالوا أمر الله بدفع الزكاة إلى من صلاته سكن لنا، وهو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا ابن أبى قحافة فليست صلاته سكنا لنا، ولذلك لما انهزموا قالوا والله ما كفرنا بعد ايماننا ولكن شححنا على أموالنا، فإذا لم يكن لهم تأويل شائع فحكمهم حكم قطاع الطريق. وهل من شرطهم أن ينصبوا اماما؟ فيه وجهان (أحدهما) أن ذلك من شرطهم، لان الشافعي رضى الله عنه قال وأن ينصبوا اماما، فعلى هذا ان لم ينصبوا اماما كانوا لصوصا وقطاعا للطريق (والثانى) وهو المذهب أن ليس من شرطهم أن ينصبوا اماما، لان أهل البصرة وأهل النهروان طبق عليهم على رضى الله عنه أحكام البغاة ولم ينصبوا اماما وأما ما ذكره الشافعي رضى الله عنه فإنما ذكره لان الغالب من أمرهم أنهم ينصبوا اماما. قال القفال، وسواء كان الامام عادلا أو جائرا فإن الخارج عليه باغ، فإذا اجتمعت هذه الشروط في الخارجين على الامام قاتلهم لقوله تعالى (وان طائفتان الخ الآية) وفى الآية خمسة معالم ظاهرة (أحدها) أن البغى لا يخرج عن الايمان لان الله سماهم مؤمنين في حال بغيهم (والثانى) وجوب قتالهم (قاتلوا التى تبغى) (والثالث) إذا رجعوا إلى الطاعة لم يقاتلوا (حتى تفئ إلى أمر الله) (الرابعة) ألا يجب عليهم ضمان ما أتلفوا في القتال (الخامس) وجوب قتال كل من عليه حق فمنعه. ويدل على جواز قتال أهل البغى ما روى أن أبا بكر رضى الله عنه قاتل مانعي الزكاة وكانوا بغاة، لانهم كانوا متأولين، وقاتل على أهل الجمل وأهل صفين والخوارج بالنهروان، ولا يبدؤهم الامام بالقتال حتى يراسلهم ويسألهم ما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة ردها وان ذكروا شبهة كشفها وبين لهم الصواب وقال أبو حنيفة: يبدؤهم بالقتال. دليلنا قوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فبدأ بالصلح قبل القتال، وفى هذا اصلاح. وروى أن عليا رضى الله عنه لما كاتب معاوية وحكم خرج من معسكره ثمانية آلاف

ونزلوا بحروراء وأرادوا قتاله، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس يسألهم ما ينقمون منه؟ قالوا ثلاث، فقال ابن عباس ان رفعتها رجعتم؟ قالوا نعم. قال وما هي؟ قالوا حكم في دين الله ولا حكم الا لله، وقتل ولم يسب، فإنه ان حل لنا قتلهم حل لنا سبيهم، ومحا اسمه من الخلافة فقد عزل نفسه من الخلافة يعنون اليوم الذى كتب الكتاب بينه وبين أهل الشام، فكتب فيه: أمير المؤمنين فقالوا لو أقررنا بأنك أمير المؤمنين ما قاتلناك، فمحاه من الكتاب، فقال ابن عباس أما قولكم انه حكم في الدين فقد حكم الله في الدين فقال تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فحكم الله بين الزوجين، وقال الله تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يحكم به ذوا عدل منكم) فحكم الله في أرنب قيمتها درهم، أفلا يجوز أن يحكم في هذا الامر العظيم بين المسلمين. وأما قولكم أنه قتل ولم يسب، فأيكم كان يأخذ عائشة عليها السلام في سهمه وقد قال تعالى (وازواجه أمهاتهم) وإذا ثبت أن سبى عائشة لا يجوز كان غيرها من النساء مثلها وأما قولكم انه محا اسمه من الخلافة فقد عزل نفسه فغلط، لان النبي صلى الله عليه وسلم محا اسمه من النبوة، وذلك أنه لما قاضى سهيل بن عمرو يم الحديبية كتب الكتاب هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال لو اعترفنا بأنك رسول الله لما احتجت إلى كتاب، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين رسول الله؟ فأراه إياه فمحاه للكاتب، وكان على بن أبى طالب أبى أن يمحوه حين أمره، فرجع منهم أربعة آلاف وقاتل الباقين (فرع) وإذا أراد الامام أن يقتلهم فسألوه أن ينظرهم نظرت، فإن سألوه أن ينظرهم أبدا لم يجز له ذلك، لانه لا يجوز لبعض المسلمين ترك طاعة الامام وان سألهم أن ينظرهم مدة، فاختلف أصحابنا فيه، فقال الشيخ أبو إسحاق ان سألوه أن ينظرهم يوما أو يومين أو ثلاثا أنظرهم، لان ذلك مدة قريبة ولعلهم يرجعون إلى الطاعة. وان طلبوا أكثر من ذلك بحث فيه الامام فإن كان قصدهم الاجتماع على الطاعة أنظرهم، وان كان قصدهم الاجتماع على القتال لم ينظرهم لما في ذلك من الاضرار.

وقال ابن الصباغ: إذا سألوه أن ينظرهم مدة مديدة كشف الامام عن حالهم فإن كانوا إنما سألوا ذلك ليجتمعوا أو يأتيهم مدد عاجلهم بالقتال ولم ينظرهم. وإن سألوا ليتفكروا ويعودوا إلى الطاعة أنظرهم لانه يجوز أن يلحقهم مدد في اليوم واليومين والثلاث كما يلحقهم فيما زاد على ذلك وكل موضع قلنا لا يجوز إنظارهم فبذلوا على الانظار مالا لا يجوز إنطارهم، لانه يأخذ المال على اقرارهم فيما لا يجوز له إقرارهم عليه، ولان فيه إجراء صغار على المسلمين فلم يجز وإن بذلوا على الانظار رهائن منهم أو من أولادهم لم يجز قبول ذلك منهم لانهم ربما قويت شوكتهم على أهل العدل فهزموهم واخذوا الرهائن، وأن كان في أيديهم أسارى من أهل العدل فسألوا الكف عنهم على أن يطلقوا الاسارى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن من أولادهم قبل الامام ذلك منهم واستظهر لاهل العدل، فإن أطلق أهل البغى الاسارى الذين عندهم أطلق الامام رهائنهم وإن قتلوا من عندهم من الاسارى لم يقتل رهائنهم، لانهم لا يقتلون بقتل غيرهم فإذا انقضت الحرب خلى رهائنهم، وإن كان في أهل العدل ضعف عن قتالهم أخر الامام قتالهم إلا أن يكون بهم قوة، لانه إذا قاتلهم مع الضعف لم يؤمن الهلاك على أهل العدل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يتبع في القتال مدبرهم، ولا يذفف على جريحهم، لِمَا رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يابن أم عبد، ما حكم من بغى من أمتى؟ فقلت الله ورسوله أعلم، فقال لا يتبع مدبرهم ولايجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم ولا يقسم، فيؤهم) . وعن على كرم الله وجهه أنه قال، لا تجيزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا وعن أبى أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يطلبون موليا ولا يسلبون قتيلا. ولان قتالهم للدفع والرد إلى الطاعة دون القتل، فلا يجوز فيه القصد إلى القتل من غير حاجة، وان حضر معهم من لا يقاتل ففيه وجهان (أحدهما) لا يقصد بالقتل، لان القصد من قتالهم كفهم، وهذا قد كف نفسه

فلم يقصد (والثانى) يقتل، لان عليا كرم الله وجهه نهاهم عن قتل محمد بن طلحة السجاد، وقال إياكم وقتل صاحب البرنس، فقتله رجل وأنشأ يقول وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الاذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يظلم يناشدني حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم ولم ينكر على كرم الله وجهه قتله، ولانه صار ردءا لهم، ولا تقتل النساء والصبيان، كما لا يقتلون في حرب الكفار، فإن قاتلوا جاز قتلهم كما يجوز قتلهم إذا قصدوا قتله في غير القتال، ويكره أن يقصد قتل ذى رحم محرم، كما يكره في قتال كفار، فإن قاتله لم يكره كما لا يكره إذا قصد قتله في غير القتال (الشرح) محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشى التيمى، أمه حمنة بنت جحش أخت زينب، أتى به أبوه طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وسماه محمدا وكناه أبا القاسم، وفى تكنيته بأبى سليمان خلاف، وقد رجح ابن عبد البر في الاستيعاب أبا القاسم، وقد قتل يوم الجمل مع أبيه، وكان على رضى الله عنه قد نهى عن قتله في ذلك اليوم وقال: إياكم وصاحب البرنس. قال ابن عبد البر: وروى أن عليا مر به وهو قتيل يوم الجمل، فقال هذا السجاد ورب الكعبة، هذا الذى قتله؟ بره بأبيه يعنى أن أباه أكرهه على الخروج في ذلك اليوم، وكان طلحة قد أمره أن يتقدم للقتال فتقدم ونثل درعه بين رجليه وقام عليها، وجعل كلما حمل عليه رجل قال نشدتك بحاميم، حتى شد عليه رجل فقتله، وقد روى ابن عبد البر شعره هكذا مختلفا عما ساقه المصنف. فالبيت الاول كما ذكره والبيت الثاني جاء هكذا ضممت إليه بالقاة قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم ويروى في رواية أخرى، خرقت له بالرخ جيب قيمصه الخ والبيت الثالث، على غير ذنب، وبقية البيت كما هو والبيت الرابع يروى (والرمح شارع) ويقال قتله رجل من بين أسد بن خزيمة

اسمه كعب بن مدلج، وقيل بل قتله شداد بن معاوية العبسى، وقيل بل الاشتر وقيل بل قتله عصام بن مقعشر النصرى، وهو قول أكثرهم، وهو الذى يقول وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الاذى فيما ترى العين مسلم دلفت له بالرمح من تحت نحره * فجر صريعا لليدين وللفم شككت إليه باسنان قميصه * فأذريته عن ظهر طرف مسوم أقمت له في دفعة الخيل صلبه * بمثل قدامى النسر حران لهذم على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يظلم يذكرنى حاميم لما طعنته * فهلا تلا حاميم قبل التقدم وقد ادعى قتل محمد بن طلحة جماعة، منهم المكعبر الضبى وغفار بن المسعر البصري. قال ابن عبد البر، وروينا عن محمد بن حاطب قال لما فرغنا من قتال يوم الجمل قام على بن أبى طالب والحسن بن على وعمار بن ياسر وصعصعه بن صوحان والاشتر ومحمد بن أبى بكر يطء فون في القتلى، فأبصر الحسن بن على قتيلا مكبوبا على وجهه فأكبه على قفاه، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون. هذا فرع قريش والله، فقال له أبوه ومن هو يا بنى؟ فقال محمد بن طلحة، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، ان كان ما علمته لشابا صالحا، ثم قعد كئيبا حزينا، فقال له الحسن يا أبت، قد كنت أنهاك عن هذا المسير فغلبك على رأيك فلان وفلان، قال قد كان ذلك يا بنى، فلوددت أنى مت قبل هذا بعشرين سنة روى عند محمد ابن طلحة إبنه ابراهيم وعبد الرحمن بن أبى ليلى أما قولهم يسجد كل يوم ألف سجدة، فإن اليوم بدقائقه وساعاته لا يتسع لمثل ذلك، ولعل المقصود انه كان كثير العبادة أما الاحكام فإذا قال أهل البغى رجعنا إلى طاعة الامام لم يجز قتالهم لقوله تعالى (فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) والفيئة الرجوع. وهكذا إذا ألقوا سلاحهم لم يجز قتالهم، لان الظاهر من حالهم ترك القتال والرجوع إلى الطاعة فإن انهزموا نظرت، فإن انهزموا إلى غير فئة لم يجز اتباعهم ولا يجاز على جريحهم لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: يا ابن أم عبد ما حكم من يفئ من أمتى؟ فقلت الله ورسوله أعلم، فقال لايتبع مدبرهم

ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم رواه البيهقى والحاكم، وفى لفظ: ولا يذفف على جيرحهم، وزاد ولا يغنم فيئهم. سكت عنه الحاكم وقال ابن عدى: هذا الحديث غير محفوظ. وقال البيهقى ضعيف قال ابن حجر في بلوغ المرام وصححه الحاكم فوهم، لان في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك. قال وصح عن على من طرق نحوه موقوفا، أخرجه ابن أبى شيبة والحاكم وأخرج البيهقى عن أبى أمامة قال: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وأخرج أيضا عن أبى فاختة أن عليا أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا، فقال على رضى الله عنه لا أقتلك صبرا إنى أخاف الله رب العالمين ثم خلى سبيله ثم قال أفيك خير تبايع؟ وأخرج أيضا أن عليا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثا حتى إذا كان يوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، فقالوا قد أكثروا فينا الجراح، فقال ما جهلت من أمرهم شيئا ثم توضأ وصلى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم ان ظفرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح، وانظروا إلى ما حضروا به الحرب من آلة فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثتهم. قال البيهقى هذا منقطع، والصحيح أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا، ودخل على بن الحسين على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أكرم علينا من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل حتى نادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح (يذفف) يروى بالدال والذال وقد مضى معناها في الصيد، فإن انهزموا إلى فئة ومدد ليستغيثوا بهم ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى حنيفة واختيار أبى اسحاق المروزى أنهم يتبعون ويقتلون، لانهم إذا لم يتبعا لم يؤمن أن يعودوا على أهل العدل فيقاتلونهم ويظفروا بهم. (والثانى) وهو ظاهر النص أنه لا يجوز أن يتبعوا ويقاتلوا لعموم الخبر

ولان دفعهم قد حصل وما يخاف من رجوعهم لا يوجب قتالهم كما لو تفرقوا، وإن حضر معهم من لا يقاتل ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز قتله، لان قتالهم للكف وقد كف نفسه، وهو مذهب أحمد (والثانى) يجوز قصد قتله، لان عليا رضى الله عنه نهاهم عن قتل محمد بن طلحة فقلته، ولم ينكر على، ولانه صار ردا لهم، وإن قاتل مع أهل البغى نساؤهم وصبيانهم جاز قتلهم مقبلين، لان هذا القتال لدفعهم عن النفس كما يجوز له قتل من قصد نفسه في غير أهل البغى، وإن كان لرجل من أهل العدل قريب في أهل البغى يقاتل فيستحب له أن ينحرف من قتله مادام يمكنه ذلك لقوله تعالى (وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) فأمره بمصاحبتهما بالمعروف في أسوا حالهما، وهو دعوتهما إياه إلى الشرك. وروى أن أبا بكر أراد أن يقتل أبا قحافة يوم أحد فكفه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فإن لم يمكنه قتال أهل البغى إلا بقتل أبيه فقتله فلا شئ عليه لما روى أن أبا عبيدة قتل أباه، وقال للنبى صلى الله عليه وسلم سمعته يسبك وإذا ثبت هذا في حق المشرك كان في حق أهل البغى مثله قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يقتل أسيرهم لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عبد الله ابن مسعود (ولا يقتل أسيرهم) فإن قتله ضمنه بالدية، لانه بالاسر صار محقون الدم، فصار كما لو رجع إلى الطاعة، وهل يضمنه بالقصاص؟ فيه وجهان (أحدهما) يضمنه لما ذكرناه (والثانى) لا يضمنه، لان أبا حنيفة رحمه الله يجيز قتله فصار ذلك شبهة في إسقاط القود، فإن كان الاسير حرا بالغا فدخل في الطاعة أطلقه، وإن لم يدخل في الطاعة حبسه إلى أن تنقضي الحرب ليكف شره ثم يطلقه، ويشرط عليه أن لا يعود إلى القتال، وإن كان عبدا أو صبيا لم يحبسه، لانه ليس من أهل البيعة. ومن أصحابنا من قال يحبسه، لان في حبسه كسرا لقولبهم

(فصل) ولايجوز قتالهم بالنار والرمى عن المنجنيق من غير ضرورة، لانه لا يجوز أن يقتل إلا من يقاتل، والقتل بالنار أو المنجنيق يعم من يقاتل ومن لا يقاتل، وإن دعت إليه الضرورة جاز، كما يجوز أن يقتل من لا يقاتل إذا قصد قتله للدفع، ولا يستعين في قتالهم بالكفار ولا بمن يرى قتلهم مدبرين لان القصد كفهم وردهم إلى الطاعة دون قتلهم، وهؤلاء يقصدون قتلهم، فإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم فإن كان يقدر على منعهم من ابتاع المدبرين جاز وان لم يقدر لم يجز. (فصل) وان اقتتل فريقان من أهل البغى، فإن قدر الامام على قهرهما لم يعاون واحدا منهما، لان الفريقين على الخطا، وان لم يقدر على قهرهما ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق، فإن استويا في ذلك اجتهد في رأيه في ضم أحدهما إلى نفسه، ولا يقصد بذلك معاونته على الآخر، بل يقصد الاستعانة به على الآخر، فإذا انهزم الآخر لم يقاتل الذى ضمه إلى نفسه حتى يدعوه إلى الطاعة لانه حصل بالاستعانة به في أمانه (فصل) ولا يجوز أخذ مالهم لحديث ابن مسعود وحديث أبى أمامة في صفين، ولان الاسلام عصم دمهم ومالهم، وانما أبيح قتالهم للدفع والرد إلى الطاعة وبقى حكم المال على ما كان، فلم يجز أخذه كمال قطاع الطريق، ولا يجوز الانتفاع بسلاحهم وكراعهم من غير اذنهم من غير ضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) ولان من لا يجوز أخذ ماله لم يجز الانتفاع بماله من غير اذنه ومن غير ضرورة كغيرهم، وان اضطر إليه جاز كما يجوز أكل مال غيره عند الضرورة (الشرح) حديث عبد الله بن مسعود أخرجه الحاكم والبيهقي عن عبد الله ابن عمر، وأثر أبى أمامة في صفين أخرجه البيهقى قال (شهدت صفين فكاءوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا) وحديث (لا يحل ما امرى الخ) مضى في الزكاة والبيوع والربا وغيرها أما الاحكام فانه إذا أسر أهل العدل من البغى حرا بالغا فإن كان شابا

جلدا فإن للامام أن يحبسه ما دامت الحرب قائمة إن لم يرجع إلى الطاعة، فإن بدل الرجوع إلى الطاعة أخذت منه البيعة وخلى، وان انقضت الحرب أو انهزموا إلى غير فئة فإنه يخلى، وان انهزموا إلى فئة خلى على المذهب ولم يخل على قول أبى اسحاق، ولا يجوز قتله وقال أبو حنيفة: يجوز قتله. دليلنا قوله صلى الله عليه (ولا يقتل سبيهم) فإن قتله رجل من أهل العدل عامدا فهل يجب عليه القصاص فيه وجهان (أحدهما) يجب عليه القصاص لانه صاربالاسر محقون الدم فصار كما لو رجع إلى الطاعة، وللولي أن يعفو عن القود إلى الدية (والثانى) لا يجب عليه القصاص، لان قول أبى حنيفة شبهة تسقط عنه القصاص، فعلى هذا تجب فيه الدية، وان كان الاسير شيخا لاقتال فيه أو مجنونا أو امرأة أو صبيا أو عبدا لم يحبسوا لانهم ليسوا من أهل البيعة على القتال. ومن أصحابنا من قالوا يحبسون لان في ذلك كسرا لقلوبهم واقلا لا لجمعهم واضعافا من روحهم ومعنوياتهم، ولكن المنصوص هو الاول قوله ((ولايجوز قتالهم بالنار الخ) فجملة ذلك أنه يحرم رمى أهل البغى بالنار أو المنجنيق من غير ضرورة، لان القصد بقتالهم كفهم وردهم إلى الطاعة فيجب تجنب ما يهلكهم أويبيدهم، ولان رميهم بالمدافع والرشاشات يصيب منهم من يقاتل ومن لا يقاتل، وانما يجوز قتل من يقاتل فقط، فإذا أحاط أهل البغى من كل جهة ولم يمكنهم التخلص منهم الا بالرمي بالنار أو رشقهم بالمدافع جاز ذلك للضرورة. وقال ابن الصباغ: وكذلك ان رماهم أهل البغى بالنار وكان هذا سلاحا لهم جاز لاهل العدل رميهم بمثل سلاحهم (فرع) ولا يجوز للامام أن يستعين على قتال أهل البغى بمن يرى جواز قتلهم مدبرين من المسلمين، لانه يعرف أنهم يظلمون فإن كان لا يقدر على قتال أهل البغى الا بالاستعانة بهم جاز إذا كان مع الامام من يمنعهم من قتلهم مدبرين، ولا يجوز للامام أن يستعين على قتالهم بالكفار، لانهم يرون قتل المسلمين مدبرين، تشفيا لما في قلوبهم قوله: وان اقتتل فريقان الخ. فجملة ذلك أنهم إذا افترقوا فريقين واقتتلا،

فإن قدر الامام على قهرهما لم يعاون إحداهما على الاخرى لانهما على الخطأ والمعونة على الخطأ خطأ، وإن كان لا يقدر على قهرهما ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق وقاتل معها الطائفة الاخرى، ولا يقصد بقتاله معاونة الطائفة التى ضمها إلى نفسه، وانما يقصد رد الذين يقاتلون إلى طاعته، فإذا انهزمت الطائفة التى قاتلها أو رجعت إلى طاعته لم يقاتل الطائفة التى ضم إلى نفه حتى يدعوهم إلى طاعته، لانه بضمهم إليه صار إماما لهم، فإذا امتنعت من الدخول في طاعته قاتلهم فإن استوت الطائفتان اجتهد في أقربها إلى الحق وضم نفسه إليها. وهذا كله كمذهب أحمد. ولا يجوز لاهل العدل أخذ أموال أهل البغى لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يقسم فيؤهم) وقد استؤذن على يوم الجمل في النهب فقال: انهم يحرمون بحرمة الاسلام ولا يحل مالهم، فإن انقضت الحرب ورجعوا إلى الطاعة وكان في يد أهل العدل مال لاهل البغى أو في يد أهل البغى مال لاهل العدل وجب رد كل مال إلى مالكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) ولانه مسلم فلم يجز الانتفاع بماله من غير اذنه كغير الكراع والسلاح وكأهل العدل. وان دعته ضرورة بأن ذهب سلاحه أو خاف على نفسه جاز أن يندفع عن نفسه بسلاحه، فكذلك ان خاف على نفسه وأمكنه أن ينجو على دابة لهم جاز له ذلك، لانه لو اضطر إلى ذلك من مال أهل العدل لجاز له الانتفاع به فكذلك إذا اضطر إلى ذلك من أموال أهل البغى قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أتلف أحد الفريقين على الاخر نفسا أو مالا في غير القتال وجب عليه الضمان، لان تحريم نفس كل واحد منهما وماله كتحريمهما قبل البغى فكان ضمانهما كضمانهما قبل البغى، وان أتلف أهل العدل على أهل البغى نفسا أو مالا في حال الحرب بحكم القتال لم يجب عليه الضمان، لانه مأمور بإتلافه فلا يلزمه ضمانه، كما لو قتل من يقصد نفسه أو ماله من قطاع الطريق. وإذا

أتلف أهل البغى على أهل العدل ففيه قولان (أحدهما) يجب عليه الضمان لانه أتلف عليه بعدوان فوجب عليه الضمان، كما لو أتلف عليه في غير القتال (والثانى) لا يجب عليه الضمان وهو الصحيح، لما روى عن الزهري أنه قال (كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون، فأجمعوا على أن لا يقام حد على رجل ارتكب فرجا حراما بتأويل القرآن، ولا يقتل رجل سفك دما حراما بتأويل القرآن، ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن) ولانها طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل فلم تضمن ما تتلف على الاخرى بحم الحرب كأهل العدل. ومن أصحابنا من قال: القولان في غير القصاص، فأما القصاص فلا يجب قولا واحدا لانه يسقط بالشبهة ولهم في القتل شبهة. (فصل) وان استعان أهل البغى بأهل الحرب في القتال وعقدوا لهم أمانا أو ذمة بشرط المعاونة لم ينعقد، لان من شرط الذمة والامان أن لا يقاتلوا المسلمين فلم ينعقد على شرط القتال، فإن عاونوهم جاز لاهل العدل قتلهم مدبرين وجاز أن يذفف على جريحهم، وان أسروا جاز قتلهم واسترقاقهم والمن عليهم والمفاداة لهم لانه لا عهد له ولا ذمة فصاروا كما لو جاءوا منفردين عن أهل البغى ولا يجوز شئ من ذلك لمن عاونهم من أهل البغى لانهم بذلوا الهم الذمة والامان فلزمهم الوفاء به، وان استعانوا بأهل الذمة فعاونوهم نظرت فإن قالوا كنا مكرهين أو ظنا انه يجوز أن نعاونهم عليكم كما يجوز أن نعاونكم عليهم لم تنتقض الذمة لان ما ادعوه محتملفلا يجوز نقص العقد مع الشبهة وان قاتلوا معهم عالمين من غير اكراه، فإن كان قد شرط عليهم ترك المعاونة في عقد الذمة انتقض العهد لانه زال شرط الذمة، وإن لم يشترط ذلك ففيه قولان. (أحدهما) ينتقض كما لو لو انفردوا بالقتال لاهل العدل (والثانى) لا ينتقض لانهم قاتلوا تابعين لاهل البغى، فإذا قلنا لا ينتقض عهدهم كانوا في القتال كأهل البغى لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم، وان ألمفوا نفسا أو مالا في الحرب لزمهم الضمان قولا واحدا، والفرق بينهم وبين أهل البغى أن في تضمين أهل البغى تنفيرا عن الرجوع إلى الطاعة، فسقط عنهم الضمان في أحد القولين ولا يخاف تنفير أهل الذمة لانا قد أمناهم على هذا القول، وإن استعانوا بمن له

أمان إلى مدة فعاونوهم أنتقض أمانهم، فإن أدعوا أنهم كانوا مكرهين ولم تكن لهم بينة على الاكراه انتقض الامان، والفرق بينهم، وبين أهل الذمة في أحد القولين أن الامان المؤقت ينتقض بالخوف من الخيانة فانتقض بالمعاونة، وعقد الذمة لا ينتقض بالخوف من الخيانة فلم ينتقض بالمعاونة. (الشرح) قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإن كانت لاهل البغى جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذى هي بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت، ونصبوا إماما وأظهروا حكماو وامتنعوا من حكم الامام العادل، فهذه الفئة الباغية التى تفارق حكم من ذكرنا قبلها يقصد القلة من النفر اليسير الذين لا يتأتى لهم أن يقيموا دولة أو حكومة ذات سلطان بإزاء حكومة أهل العدل فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا، فإن ذكروا مظلمة ببنة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم: عودوا لما فارقتم من طاعة الامام العادل وان تكون كلمتكم وكلمة أهل الدين الله على المشركين واحدة، إلى أن قال، وما أصابوا في هذه الحال على وجهين (أحدهما) ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم من ذلك شئ إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ والوجه الثاني: ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والى فيها ثم جاء لها وال. وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الامام عليها فصار لا يجرى له بها حكم، فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع، ولا يمنع الامتناع حقا يقام انما يمنعه التأويل والامتناع معا. اه وكان الشافعي قد قال قبل ذلك في أول كتاب قتال أهل البغى والردة (وأمر الله تعالى أن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل، ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، وانما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الاصلاح بينهم أولا قبل الاذن بقتالهم فأشبه هذا والله أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من

الاموال ساقطة بينهم. قال وقد يحتمل قول الله عزوجل: فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل، والعدل أخذ الحق لبعض الناس من بعض، قال وانما ذهبنا إلى أن القود ساقط، والآية تحتمل المعنيين، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال: أدركت الفتنة الاولى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولاقرح أصيب بوجه التأويل الا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه اه أما أحكام الفصل فإنه إذا أتلف أحد الفريقين على الآخر نفسا أو مالا قبل قيام الحرب أو بعدها وجب عليه الضمان لانه أتلف مالا محرما عليه بغير القتال فلزمه ضمانه مكما لو أتلفوه قبل البغى، وإن أتلفوه في حال القتال نظرت فإن أتلف ذلك أهل العدل لم يلزمه ضمانه بلا خلاف لانهم مأمورون بقتالهم، والقتال يقتضى اتلاف ذلك. وان أتلف ذلك أهل البغى على أهل العدل فَفِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضمان ذلك، وبه قال مالك لقوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) والباغى ظالم فوجب أن يكون عليه السلطان وهو القصاص، ولان الضمان يجب على آحاد أهل البغى، فوجب أن يكون على جماعتهم وعكسه أهل الحرب. وقال في الجديد لا يجب وعليهم الضمان، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ابن حنبل وهو الاصح، لقوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الخ الآية، فأمر بقتالهم ولم يوجب ضمان ما أتلفوا عليهم. وروى أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى الزهري يسأله عن امرأة من أهل العد ذهبت إلى أهل البغى وكفرت زوجها وتزوجت من أهل البغى ثم تابت ورجعت هل يقام عليها الحد؟ فقال الزهري: كانت الفتنة العظمى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم البدريون، فأجمعوا على أنه لا حد على من ارتكب فرحا محظورا يتأويل القرآن، وأن لا ضمان على من سفك دما محرما بتأويل القرآن وألا غرم على من أتلف مالا بتأويل القرآن وروى أن عليا رضى الله عنه قاتل أهل الجمل وقتل منهم خلق عظيم وأتلف مال عظيم ثم ملكهم ولم ينقل أنه ضمن أحدا منهم ما أتلف من نفس أو مال،

فدل على أنه إجماع، ومن أصحابنا من قال: القولان في الاموال والديات، فأما القصاص فلا يجب قولا واحدا لانه يسقط بالشبهة (مسألة) إذا عقد أهل البغى لاهل الحرب الذمة أو الامان بشرط أن يعاونهم على قتال أهل العدل، لم يصح هذا العقد في حق أهل العدل، فيجوز لهم قتلهم مقبلين ومدبرين، ويجاز على جريحهم، ويجوز سبى ذراريهم، ويتخير الامام فيمن أسر منهم بين المن والقتل والاسترقاق والفداء، لان شرط صحة العقد لهم ألا يقاتلوا المسلمين، فإذا وقع القد على شرط قتال المسلمين لم يصح، وإن أتلفوا على أهل العدل نفسا أو مالا لم يجب عليهم ضمانه قولا واحدا، كما لو قاتلوا المسلمين منفردين. وهل يكونون في أمان من أهل البغى؟ فيه وجهان حكاهما المسعودي. (أحدهما) ولم يذكر المصنف وابن الصباغ في الشامل غيره أنهم في أمان منهم، لانهم قد بذلوا لهم الامان فلزمهم الوفاء به (والثانى) أنهم لا يكونون في أمان منهم، لان من لم يصح أمانه في بعض المسلمين لم يصح في حق بعضهم كمن أمنه صبى أو مجنون، وأما إذا استعان أهل الغى بأهل الذمة على قتال أهل العدل وأعانوهم فهل تنتقض ذمتهم في حق أهل العدل؟ ينظر فيهم فإن قالوا: لم نعلم أنهم يستعينون بنا على المسلمين وإنما ظننا أنهم يستعينون بنا على الحرب، أو قالوا اعتقدنا أنه لا يجوز لنا إعانتهم عليكم إلا أنهم أكرهونا على ذلك لم تنتقض ذمتهم، لان عقد الذمة قد صح فلا ينتقض لامر محتمل، وان لم دعوا شيئا من ذلك فهل تنقض ذمتهم؟ فيه قولان؟ (أحدهما) تنقض كما لو انفردوا بقتال المسلمين (والثانى) لا تنقض، لان أهل الذمة لا يعلمون المحق من المبطل، وذلك شبهة لهم. وقال أبو إسحاق المروزى: القولان إذا لم يكن الامام قد شرط عليهم في عقد الذمة الكف عن القتال لفظا، وان شرط عليهم الكف عن ذلك انتقضت ذمتهم قولا واحدا، والطريق الاول هو المنصوص، فإذا قلنا تنتقض ذمتهم لم يجب عليهم ضمان ما أتلفوا على أهل العدل من نفس ومال قولا واحدا كأهل

الحرب قال الشيخان أبو حامد وأبو إسحاق: ويجوز قتلهم على هذا مقبلين ومدبرين، ويتخير الامام في الاسير منهم كما قلنا في أهل الحرب. وقال ابن الصباغ: هل يجوز قتلهم على هذا مقبلين ومدبرين؟ فيه قولان بناء على القولين فيهم إذا نقضوا الذمة، هل يقتلون في الحال؟ أو يجب ردهم إلى مأمنهم؟ وهل تنتقض ذمتهم في حق أهل البغى؟ ينبغى أن يكون على أوجهين اللذين مضيا في صحة أمان أهل البغى لاهل الحرب، وإذا قلنا لا تنتقض ذمتهم فحكمهم حكم أهل البغى فيجوز قتلهم مقبلين ولا يجوز قتلهم مدبرين، ولا يجاز على جريحهم ولا يجوز سبى أموالهم ومن أسر منهم كان كمن أسر من أهل البغى إلا أنهم إذا أتلفوا على أهل العدل نفسا أو مالا لزمهم ضمانه قولا واحدا والفرق بينهم وبين أهل البغى أن لاهل البغى شبهة، فلذلك سقط عنهم الضمان في أحد القولين، وليس لاهل الذمة شبهة فوجب عليهم الضمان، ولان في إيجاب الضمان على أهل البغى تنفيرا عن رجوعهم إلى الطاعة، وقد أمرنا بإصلاحهم، وأهل الذمة لا يخاف من نفورهم، ولم نؤمر بالاصلاح بيننا وبينهم فإن استعان أهل البغى بمن بيننا وبينهم هدنة فأعانوهم انتقض أمانهم الا إذا ادعو انهم أكرهوا على ذلك، وأقاموا على ذلك بينة، والفرق بينهم وبين أهل الذمة أن أهل الذمة أقوى حكما ولهذا لا تنتقض الذمة لخوف جنايتهم والهدنة تنتقض لخوف جنايتهم فلان تنتقض بنفس الاعانة أولى، وإذا انتقض أمانهم كان حكمهم حكم أهل الحرب. قال الشافعي رحمه الله: فإن جاء أحد تائبا لم يقتص منه لانه مسلم محقون الدم، فمن أصحابنا من قال أراد بذلك الحربى والمستأمن وأهل الذمة إذا قلنا تنتقضى ذمتهم، فإن الواجد من هؤلاء إذا قتل أحدا من أهل العدل ثم رجع إليهم تائبا لم يقتص منه لانه قتله قبل اسلامه، فأما أهل البغى فلا يسقط عنهم الضمانم بالتوبة لانهم مسلمون. ومنهم قال: ما أراد الشافعي بذلك الا أهل البغى، وقد نص في الام عليه ويجوز أن يعلل بأنه مسلم محقون الدم، لان قتله كان بتأويل فلم يزل خفر ذمته

وانما سقط القصاص في أحد القولين، ومذهب كمذهبنا في كل ما مضى من أوجه وأقوال وتأويلات. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (فصل) وان ولوا فيما استولوا عليه قاضيا نظرت، فإن كان ممن يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم لم ينفذ حكمه لان من شرط القضاء العدالة والاجتهاد، وهذا ليس بعدل ولا مجتهد، وان كان ممن لا يستبيح دماءهم ولا أموالهم نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم قاضى أهل العدل، ورد من حكمه ما يرد من حكم قاضى أهل العدل، لان لهم تأويلا يسوغ فيه الاجتهاد، فلم ينقض من حكمه ما يسوغ فيه الاجتهاد. وإن كتب قاضيهم إلى قاضى أهل العدل استحب أن لا يقبل كتابه استهانة بهم وكسرا لقلوبهم، فإن قبله جاز، لانه ينفذ حكه فجاز الحكم بكتابه كقاضي أهل العدل. (فصل) وان استولوا على بلد وأقاموا الحدود وأخذوا الزكاة والخراج والجزية اعتد به، لان عليا كرم الله وجهه قاتل أهل البصرة ولم يلغ ما فعلوه وأخذوه، ولان ما فعلوه وأخذوه بتأويل سائغ فوجب امضاؤه كالحاكم إذا حكم بما يسوغ فيه الاجتهاد، فإن عاد البلد إلى أهل العدل فادعى من عليه الزكاة أنه دفعها إلى أهل البغى قبل قوله، وهل يحلف عليه مستحبا أو واجبا؟ فيه وجهان ذكرناهما في الزكاة. وإن ادعى من عليه الجزية أنه دفعها إليهم لم يقبل قوله، لانها عوض فلم يقبل قوله في الدفع كالمستأجر إذا ادعى دفع الاجرة، وان ادعى من عليه الخراج أنه دفعه إليهم ففيه وجهان، أحدهما يقبل قوله، لانه مسلم فقبل قوله في الدفع كما قلنا فيمن عليه الزكاة، والثانى لا يقبل لان الخراج ثمن أو أجرة فلم يقبل قوله في الدفع كالثمن في البيع والاجرة في الاجارة (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ في الامان (وقال بعض الناس: لا ينبغى لقاضي أهل البغى أن يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس

وإذا ظهر الامام على البلد الذى فيه قاض لاهل البغى لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغى، وان حكم على غير أهل البغى فلا ينبغى للامام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أمواله الناس بما لا يحل له. قال وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا انفاذ حكمه، وحكمه أكثر من كتابه، فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الاكثر، ويرد كتابه وهو الاقل اه وجملة ذلك أنه إذا نصب أهل البغى قاضيا فإن كان يستحل دماء أهل العدل وأموالهم لم يصح قضاؤه، ولانه ليس بعدل، وان كان لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم نفذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام قاضى أهل العدل سواء كان القاضى من أهل العدل أو من أهل البغى وقال أبو حنيفة: ان كان من أهل العدل العدل نفذ حكمه، وان كان من أهل البغى لم ينفذ حكمه بناء على أصله أن أهل البغى يفسقون بالبغى، وعدنا لا يفسقون وهو قول أحمد وأصحابه. دليلنا أنه اختلاف في الفروع بتأويل سائغ فلم يمنع صحة القضاء ولم يفسق كاختلاف الفقهاء، ولان عليا رضى الله عنه لما غلب على أهل البغى وكانوا قد حكموا مدة طويلة بأحكام لم يرو أنه رد شيئا منها، ولم يرد قضاء قاضيهم، كقاضي أهل العدل. إذا ثبت هذا فإن حكم قاضى أهل البغى بسقوط الضمان عن أهل البغى فيما أتلفوه حال الحرب جاز حكمه لانه موضع اجتهاد، وان كان حكمه فيما أتلفوه قبل قيام الحرب لم ينفذ لانه مخالف للاجماع. وان حكم على أهل العدل بوجوب الضمان فيما أتلفواه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته للاجماع، وان حكم بوجوب ضمان ما أتلفوه في غير حال الحرب نفذ حكمه، فإن كتب قاضى أهل البغى إلى قاضى أهل العدل بحكم فالمستحب ألا يقبل كتابه استهانة بهم وكسرا لقلوبهم، أو كما يعبر المعاصرون بإضاف روحهم المعنوية، فان قبله جاز. وقال أبو حنيفة: لا يجوز لانه محكوم بفسقهم وولاية القضاء تنافى الفسوق ولنا اننا قد أقمنا الدليل على تنفيذ حكمه، ومن نفذ حكمه جاز قبول كتابه،

كقاضي أهل العدل، هذا نقل أصحابنا العراقيين، وقال الخراسانيون: إن كان قد نفذ الفضاء قبل كتابه، وإن لم ينفذ القضاء فهل يقبل كتابه؟ فيه قولان وإن شهد عدل من أهل البغى قبلت شهادته، ووافقنا أبو حنيفة على ذلك لانهم وإن كانوا فسقة عنده من جهة التدين، إلا أن ذلك لا يوجب رد الشهادة عنده، وإنما قبلت شهادتهم عندنا وعند الحنابلة لانهم ليسوا بفسقة فهم كأهل العدل المختلفين في الاحكام قوله: وإن استولوا على بلدو أقامه الحدود الخ، فجملة ذلك أنه إذا استولى أهل البغى على بلد وأقاموا فيه الحدود وأخذوا الزكوات والجزية والخراج وقع ذلك موقعه. وحكى المسعود وجها آخر أنه لا يعيد بما أخذوه من الجزية وليس بشئ لان عليا رضى الله عنه لما ظهر على أهل البغى لم يطالب بشئ مما كانوا قد جبوه من ذلك إذا ثبت هذا فظهر الامام على البلدة التى كانوا قد غلبوا عليها، فادعى من عليه الزكاة أنه قد كان دفع إليهم الزكاة فإن علم الامام بذلك وقامت به عنده ببنة لم يطالبه بشئ، وان لم يعلم الامام بذلك ولاقامت به ببنة فإن دعوى من عليه الزكاة مخالفة للظاهر فيحلفه، وهل تكون يمينه واجبة أو مستحبة؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الزكاة للامام النووي رضى الله عنه فإن ادعى من عليه الجزية أنه دفعها إليهم فإن علم الامام بذلك أو قامت به بينة لم يطالبه بشئ، وان لم يعلم الامام بذلك ولا قامت به بينة لم يقبل قول من عليه الجزية، لانه يجب عليه الدفع إلى الامام لانهم كفار ليسوا بمأمونين، ولان الجزية عوض عن المساكنة فلا يقبل قولهم في دفعها من غير بينة كثمن المبيع والاجرة. وان ادعى من عليه الخراج أنه دفعه إليهم، فان علم الامام بذلك أو قامت به بينة، لم يطالب بشئ، وان لم يعلم بذلك ولا قامت به بينة ففيه وجهان (أحدهما) يقبل قوله مع يمينه لانه مسلم فقبل قوله مع يمينه فيما دفع كما قلنا فيمن عليه الزكاة (والثانى) لا يقبل قوله لان الخراج ثمن أو أجرة فلا يقبل قوله في دفعه من غير بينة كالثمن والاجرة في غيرذلك

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أظهر قوم رأى الخوارج ولم يخرجوا عن قبضة الامام لم يتعرض لهم، لان عليا كرم الله وجهه سمع رجلا من الخوارج يقول: لا حكم إلا لله تعريضا له في التحكيم في صفين، فقال كلمة حق أريد بها باطل) ثم قال لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أنه تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم من الفئ مادامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال) ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين كانوا معه في المدينة، فلان لا نتعرض لاهل البغى وهم من المسلمين أولى، وحكمهم في ضمان النفس والمال والحد حكم أهل العدل، لان ابن ملجم جرح عليا كرم الله وجهه، فقال (أطعموه واسقوه واحبسوه، فإن عشت فأنا ولى دمى، أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وان مت فاقتلوه ولا تمثلوا به) فان قتل فهل يتحتم قتله؟ فيه وجهان (أحدهما) يتحتم لانه قتل بشهر السلاح، فتحتم قتله كقاطع الطريق (والثانى) لا يتحتم وهو الصحيح لقول على كرم الله وجهه (أعفو إن شئت وان شئت استقدت) وان سبوا الامام أو غيره من أهل العدل عزروا، لانه محرم ليس فيه حد ولا كفارة فوجب فيه التعزير. وإن عرضوا بالسب ففيه وجهان (أحدهما) يعزرون لانهم إذا لم يعزروا على التعريض صرحوا وخرقوا الهيبة (والثانى) لا يعزرون لما روى أبويحيى قال صلى بنا على رضى الله عنه صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج (لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأجابه على رضوان الله عليه وهو في الصلاة (فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) ولم يعزره (فصل) وإن خرجت على الامام طائفة لا منعة لها أو أظهرت رأى الخوارج كان حكمهم في ضمان النفس والمال والحدود حكم أهل العدل، لانه لا يخاف نفورهم لقتلهم وقدرة الامام عليهم، فكان حكمهم فيما ذكرناه حكم الجماعة، كما لو كانوا في قبضته

(فصل) وإن خرجت طائفة من المسلمين عن طاعة الامام بغير تأويل واستولت على البلاد ومنعت ما عليها وأخذت ما لا يجوز أخذه قصدهم الامام وطالبهم بما منعوا ورد ما أخذوا، وغرمهم مما أتلفوه بغير حق، وأقام عليهم حدود ما ارتكبوا، لانه لا تأويل لهم فكان حكمهم ما ذكرناه كقطاع الطريق (الشرح) الخارج هم جمع خارجة، أي طائفة، سموا بذلك لخروجهم على خيار المسلمين، وقد حكيا لرافعي في الشرح الكبير أنهم خرجوا على على رضى الله عنه حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه يقتله أؤ مواطاته، كذا قال، وهذا خلاف المستفيض من حقائق التاريخ وصادق الاخبار، فإن كل أولئك تقرر أن الخارج لم يطلبوا بدم عثمان، بل كانوا ينكرون عليه شيئا ويتبرءون منه. وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم القراء، لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إلا أنهم يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدون بآرائهم ويبالغون في الزهد والخشوع فلما قتل عثمان قاتلوا مع على واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة على وكفر من قاتله من أهل الجمل بقيادة طلحة والزبير، فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليا فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة، فاتفقوا على طلب قتلة عثمان، وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك، فبلغ عليا فخرج إليهم فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة، وانتصر على وقتل طلحة في المعركة، وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة. فهذه الطائفة هي التى كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان عاملا على الشام وقد أرسل إليه على أن يبايع له أهل الشام، فاعتل بأن عثمان قتل مظلوما وأنها تجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته، وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك، والتمس من علي أن يمكنه منهم ثم يبايع له بعد ذلك وعلى يقول ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلى أحكم فيهم بالحق، فلما طال الامر خرج على في أهل العراق طالبا قتال أهل الشام، فخرج معاوية في

أهل الشام قاصدا لقتاله فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهم أشهرا وكاد معاوية وأهل الشام أن يكسروا، فرفعوا المصاحب على الرماح ونادوا: ندعوكم إلى كتاب الله، وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية فتكر القتال جمع كثير ممن كان مع على خصوصا القراء بسبب ذلك تدينا محتجين بقوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم) الآية فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا: ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب على ومن معه إلى ذلك وأنكرت ذلك الطائفة التى صارت خوارج وفارقوا عليا وهم ثمانية آلاف ونزلوا بمكان يسمى حروراء، ومن ثم سموا بالحرورية، وكانوا بقيادة كبيرهم عبد الله ابن الكواء اليشكرى وشبث التميمي، فأرسل إليهم على عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم، ثم خرج إليهم على فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة ومعهم رئيساهم المذكوران ثم أشاعا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه فبلغ ذلك عليا فخطب فيهم وأنكر ذلك فتنادوا من جانب المسجد لاحكم إلا لله فقال كلمة حق يراد بها باطل. ثم قال: لكم علينا ثلاث، ألا نمنعكم من المساجد ولامن رزقكم من الفئ، وألا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا، وخرجوا شيئا بعد شئ إلى أن اجتمعوا بالمدائن فراسلهم على في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا أيضا على ألا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله، واستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ومربهم عبد الله ابن خباب بن الارت واليا لعلى على بعض تلك البلاد ومعه سريته وهى حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فبلغ عليا فحرج إليها في الجيش الذى كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم في النهروان ولم ينج منهم الا دون العشرة، ولا قتل ممن معه الا نحو العشرة. فهذا ملخص أمرهم ثم انضم إلى من بقى منهم ممن مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة على حتى كان منهم ابن ملجم الذى قتل عليا رضى الله عنه بعد أن دخل في صلاة الصبح، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم

عسكر الشام بمكان يقال له النخيلة، وكانوا منقمعين في إمارة زياد وإبنه طول مدة ولاية معاوية وإبنه يزيد، وظفر زياد وابنه بجماعة منهم فأبادهم بين قتل وحبس طويل، ثم بعد ذلك ظهر الخوارج بالعراق في خلافة ابن الزبير وادعاء مروان الخلافة وكانوا بقيادة نافع بن الازرق وباليمامة مع نجدة بن عامر، وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب الملمين فهو كافر، ولو اعتقد معتقدهم، وعظم البلاء بهم وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الابط، وأوجبوا الصلاة على الحائض حال حيضها، وكفروا من ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر إن كان قادرا، وإن لم يكن قادرا فقد ارتكب كبيرة، وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقا، وفتكوا في المنتسبين إلى الاسلام بالقتل والسبي والنهب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقا، ومهم من يدعوا أولا ثم يفتك. هذا معتقد الخوارج والسبب الذى لاجله خرجوا، ويتبين بذلك بطلان ما حكاه الرافعى. قال الشوكاني: وقد وردت بما ذكرنا من أصل حال الخوارج أخبار جياد. منها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري الخ وعدة فرق الخوارج نحو عشرين فرقة. قال ابن حزم: وأقربهم إلى الحق الاباضية. قلت وهم يعيشون الآن في جبال القبائل في شمال إفريقية من تونس والجزائر ومراكش، كما أن لهم إماما في عمان وقد قرأت في كتبهم أنهم يتبعون في فقههم أبا الشعثاء جابر بن زيد، وهو موثق في جميع كتب أهل السنة وله عندهم أخبار وروايات رواها عنه عبد الله بن إباض لم أجدها عندنا. فإذا ثبت هذا فأظهر قوم رأى الخوارج فتجنبوا الجماعات وسبوا السلف وأكفروهم وقالوا: من أتى بكبيرة خرج من الملة واستحق الخلود في النار، ولكنهم لم يخرجوا من قبضة الامام فإنه لا يقاتلهم في ذلك كما رويناه في الرجل الذى قال على باب المسجد وعلى يخطب: لاحكم الا لله، وكان خارجيا،

لان هذا كلامهم. وروى أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه أن قوما يرون رأى الخوارج يسبونك، فقال إذا سبوني سبوهم، وإذا حملوا السلاح فاحملوا السلاح، وإذا ضربوا فاضربوهم اه فإذا سبوا الامام أو غيره عزروا، وإن عرضوا بسبب الامام عن طريق الكناية أو النكتة أو الفكاهة ففيه وجهان (أحدهما) لا يعزرون، لان عليا رضى الله عنه سمع رجلا خلفه في صلاة الفجر يقول (لئن أشركت ليحبطن عملك) ورفع بها صوته تعريضا له بذلك، فأجابه على (فاصبر أن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) ولم يعزره ولان التعريض يحتمل السب وغيره. (والثانى) يعزرون لانه إذا لم يعزرهم بالتعريض بالسب ارتقوا إلى التصريح بالسب وإلى أعظم منه، فإن بعث لهم الامام واليا فقتلوه وجب عليهم القصاص لان عليا بعث عبدبن خباب إلى أهل النهروان واليا كما قلنا فقتلوه، فبعث إليهم أن ابعثوا بقاتله فأبوا وقالوا (كلنا قلته) فسار إليهم وقاتلهم، وهل يتحتم القصاص على القاتل؟ فيه وجهان (أحدهما) يتحتم لانه قتل بإشهار السلاح فصار بمنزلة قاطع الطريق. (والثانى) لا يتحتم لانه لم يقصد بذلك أخافة الطريق وأخذ الاموال فأشبه من قتل رجلا منفردا

باب قتل المرتد

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب قتل المرتد تصح الردة من كل بالغ عاقل مختار، فأما الصبى والمجنون فلا تصح ردتهما لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) وأما السكران ففيه طريقان، من أصحابنا من قال تصح ردته قَوْلًا وَاحِدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وقد بينا ذلك في الطلاق، فأما المكره فلا تصح ردته لقوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) وإن تلفظ بكلمة الكفر وهو أسير لم يحكم بردته لانه مكره، وإن تلفظ بها في دار الحرب في غير الاسر حكم بردته، لان كونه في دار الحرب لا يدل على الاكراه، وإن أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لم يحكم بردته، لانه قد يأكل ويشرب من غير اعتقاد، ومن أكره على كلمة الكفر فالافضل أن لا يأتي بها لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان. أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يجب للمرء لا يحبه الا الله عزوجل، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن توقد نار فيقذف فيها) وروى خباب بن الارث إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أن كان الرجل ممن كان قبلكم ليحفر له في الارض فيجعل فيها، فيجاء بمنشار فتوضح على رأسه ويشق باثنتين، فلا يمنعه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصده ذلك عن دينه) ومن أصحابنا من قال: إن كان ممن يرجو النكاية في العدو أو القيام بأحكام

الشرع فالافضل له أن يدفع القتل عن نفسه، ويتلفظ بكلمة الكفر، لما في بقائه من صلاح المسلمين، وإن كان لا يرجو ذلك اختار القتل. (الشرح) قوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) ورد في سبب نزولها ثلاث روايات. الاولى ما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يهاجر إلى المدينة أخذ المشركون بلالا وخبابا وعمارا، فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية، فلما رجع إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثه فقال: كيف كان قلبك حين قلت أكان منشرحا بالذى قلت؟ قالا لا، فنزلت) الثانية: ما أخرجه أيضا عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة أن هاجروا، فخرجوا يريدون المدينة فأدكرتهم قريش بالطريق ففتنوهم فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية. الثالثة: أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر بن الحكم قال: كان عمار ابن ياسر يعذب حتى لا يدرى ما يقول وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية. وقال مجاهد: أول من أظهر الاسلام سبعة: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وبلال وخباب وعمار وصيهب وسمية فأما رسول الله فمنعه أبو طالب وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الاخرون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشاء أتاهم أبو جهل ومعه حربة، فجعل يشتمهم ويوبخهم، ثم أتى سمية فطعن بالحربة في قبلها حتى خرجت من فمها، فهى أول شهيد استشهد في الاسلام أما حديث (رفع القلم عن ثلاثة الخ) فقد أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن على وعن عمر رضى الله عنهما، وحديث أنس (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان. الحديث) فقد أخرجه أحمد في المسند والشيخان والترمذي وابن ماجه والنسائي. وحديث خباب بن الارت ولفظه (أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ

متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمرا وجهه فقال (قد كان من قبلكم الخ الحديث) فقد أخرجه البخاري في الاكراه عن مسدد، وفى علامات النبوة عن محمد بن المثنى، وفى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عن الحميدى، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون والنسائي في الزينة عن يعقوب بن ابراهيم ومحمد بن المثنى أما اللغات فإن الارتداد الرجوع عن الدين والاسم الردة، ورد عن الشىء رجع عنه، الاطمئنان السكون واستئناس القلب. قوله (فيقذف فيها) أي يرمى فيها ويطرح، والمنشار والميشار غير مهموز. الآلة المعروفة، والنكاية في العدو أصله الوجع والالم، وقيل هو قشر الجرح. قال الشاعر (ولا تنكئى قرح الفؤاد فينجعا) أما الاحكام فإن المرتد هو الراجع عن دين الاسلام إلى الكفر. قال تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) إذا ثبت هذا فإن الردة إنما تصح من كل بالغ عاقل مختار، فأما الصبى والمجنون فلا تصح ردتهما. وقال أبو حنيفة تصح ردة الصبى ولكن لا يقتل حتى يبلغ. ومرد هذا الخلاف إلى صحة إسلام الصبى، فعند الشافعي وزفر أن الصبى لا يصح إسلامه حتى يبلغ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يبلغ) ولانه قول تثبت به الاحكام فلم يصح من الصبى كالهبه، ولانه أحد من رفع القلم عنه فلم يصح إسلامه كالمجنون والنائم، ولانه ليس بمكلف أشبه الطفل وقال أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل وسائر أصحابه، وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو أيوب يصح إسلام الصبى إذا كان له عشر سنين وعقل الاسلام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقوله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا واما كفورا) وهذه الاخبار يدخل في عمومها الصبى، ولان

الاسلام عبادة محضة فصحت من الصبى العقال كالصلاة والحج، ولان الله تعالى دعا عباده إلى دار السلام وجعل طريقها الاسلام، وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الاليم، ولان عليا أسلم صبيا وقال سبقتكم إلى الاسلام طرا * صبيا ما بلغت أوان حلم ولذا قيل، أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن الصبيان على، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال. وقال عروة أسلم على والزبير وهما إبنا ثمان سنين، وقد اختلف القائلون بصحة إسلام الصبى في حد السن، فقال الخرقى عشر سنين لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بضربه على الصلاة لعشر، وقال ابن قدامة أكثر المصححين لاسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد، لان المقصود متى ما حصل لا حاجة إلى زيادة عليه وروى عن أحمد إذا كان ابن سبع سنين فإسلامه إسلام لقوله صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة لسبع وقال ابن أبى شيبة (إذا أسلم وهو ابن خمس سنين صح اسلامه) وقال أبو أيوب (أجيز اسلام ابن ثلاث سنين فمن أصاب الحق من صغير أو كبير أجزناه. الا أنهم قالوا لا يقتل الا إذا بلغ وجاوز البلوغ بثلاثة أيام فإذا ثبت هذا فإذا ارتد صحت ردته عندهم، وهو الظاهر من مذهب أبى حنيفة ومالك. وفى رواية عن أحمد بهذا، ورواية انه يصح اسلامه ولا تصح ردته وهل تصح ردة السكران؟ ذكر الشيخ أبو إسحق هنا فيها طريقين، أحدهما أنها على قولين، والثانية لا تصح ردته قولا واحدا، ولم يذكر الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وأكثر أصحابنا غير هذه الطريقة. ومن أكره على كلمة الكفر فالافضل ألا يأتي بها. ومن أصحابنا من قال (ان كان ممن يرجوا النكاية في أمر العدو والقيام في أمر الشرع فالافضل أن يدفع القتل عن نفسه ويتلفظ بها، وان كان لا يرجو ذلك اختار القتل، والمذهب الاول، لما روى أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه الا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره

أن يقذف في النار،) فإن أكره على التلفظ بكلمة الكفر فقالها وقصد بها الدفع عن نفسه ولم يعتقد الكفر بقلبه لم يحكم بردته، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ محمد بن الحسن هو كافر في الظاهر تبين منه امرأته ولا يرثه المسلمون أن مات ولا يغسل ولا يصلى عليه، وعزا العمرانى في البيان هذا إلى أبى يوسف. دليلنا قوله تعالى (الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله) وفى الآية تقديم وتأخير، وتقديرها من كفر بالله بعد ايمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله من أكره وقلبه مطمئن بالايمان، فإذا أكره الاسير على كلمة الكفر فقالها لم يحكم بكفره لما ذكرناه، فإن مات ورثه ورثته المسلمون، لانه محكوم ببقائه على الاسلام فإن عاد الى دار الاسلام عرض عليه السلام وأمر بالاتيان به لاحتمال أن يكون قال ذلك اعتقادا، فإن أتى بكلمة الاسلام علمنا أنه أتى بكلمة الكفر مكرها، وان لم يأت بالاسلام علمنا أنه يأتي بكلمة الكفر معتقدا له. قال الشافعي رحمه الله وان قامت بينة على رجل أنه تلفظ بكلمة الكفر وهو محبوس أو مقيد ولم يقل البينة أنه أكره على التلفظ بذلك لم يحكم بكفره، لان القيد والحبس اكراه في الظاهر. وهكذا قال في الاقرار إذا أقر بالبيع أو غيره من العقود وهو محبوس أو مقيد، ثم قال بعد ذلك كنت مكرها على الاقرار، قبل قوله في ذلك، لان القيد والحبس اكراه في الظاهر، وان قامت بينة أنه كان يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير في دار الكفر لم يحكم بكفره لانها معاص وقد يفعلها المسلم وهو يعتقد تحريمها فلم يحكم بكفره. وان مات ورثه ورثته المسلمون لانه محكوم ببقائه على الاسلام. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا ارتد الرجل وجب قتله لما روى أمير المؤمنين عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، رجل كفر بعد اسلامه، أو، زنى بعد احصانه، أو قتل نفسا بغير نفس) فإن ارتدت امرأة وجب قتلها لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت عن الاسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستناب، فإن تابت وإلا قتلت) وهل يجب أن يستناب أو يستحب؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجب لانه لو قتل قبل الاستتابة لم يضمنه القاتل، ولو وجبت الاسثتابة لضمنه. (والثانى) أنها تجب لما روى أنه (لما ورد على عمر رضى الله عنه فتح تستر فسألهم هل كان من مغربة خبر؟ قالوا نعم، رجل ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأخذناه وقتلناه، قال فهلا أدخلتموه بيتا وأغلقتم عليه بابا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه ثلاثا، فإن تاب والا قتلتموه، اللهم إنى لم أشهد ولم آمر ولم أرض إذ بلغني) ولو لم تجب الاستتابة لما تبرأ من فعلهم. فإن قلنا إنه تجب الاستتابة أو تستحب ففى مدتها قولان. (أحدهما) أنها ثلاثة أيام لحديث عمر رضى الله عنه، ولان الردة لا تكون إلا عن شبهة وقد لا يزول ذلك بالاستتابة في الحال فقدر بثلاثة أيام، لانه مدة قريبة يمكن فيها الارتياب والنظر، ولهذا قدر به الخيار في البيع. (والثانى) وهو الصحيح أنه يستتاب في الحال، فإن تاب وإلا قتل لحديث أم رومان، ولانه استتابة من الكفر فلم تتقدر بثلاث كاستتابة الحربى، وان كان سكرانا فقد قال الشافعي رحمه الله تؤخر الاستتابة، فمن أصحابنا من قال تصح استتابته والتأخير مستحب، لانه تصح ردته فصحت استتابته. ومنهم من قال لا تصح استتابته ويجب التأخير، لان ردته لا تكون إلا عن شبهة، ولا يمكن بيان الشبهة ولا إزالتها مع السكر، وان ارتد ثم جن لم يقتل حتى يفيق ويعرض عليه الاسلام، لان القتل يجب بالردة، والاصرار عليها، والمجنون لا يوصف بأنه مصر على الردة. (الشرح) حديث عثمان (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثلاث) أخرجه أبو داود في الديات عن سليمان بن حرب والترمذي في الفتن عن أحمد أبن عبده والنسائي في الاحباس عن زيدا بن أيوب، وعن عمران بن بكار بن

راشد، وأخرجه الشيخان وأبوداودو الترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود وحديث جابر أن أم رومان، وفى تلخيص الحبير أن الصواب أم مروان أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين، وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ ابن حجر وإسناداهما ضعيفان. وأخرج البيهقى من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن أمرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت وأخرج الدارقطني والبيهقي أن أبا بكر رضى الله عنه استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقلتها قال الحافظ ابن حجر: وفى السير أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّ قرفة يوم قريظة، وهى غير تلك. وفى الدلائل عن أبى نعيم أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بنى فزارة. أما أثر عمر رضى الله عنه فقد أخرجه الشافعي عن محمد بن عبد الله بن عبد القارى قال (قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبى موسى فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال هل من مغربة خبر؟ قال نعم، كفر رجل بعد إسلامه، قال فما فعلتم؟ قال قربناه فضربنا عنقه، فقال هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله، اللهم إنى لم أحضر ولم أرض إذ بلغى) وأخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القارى عن أبيه قال الشافعي رضى الله عنه (من لا يتأنى بالمرتد) زعموا أن هذا الاثر عن عمر ليس بمتصل. اه ورواه البيهقى من حديث أنس قال (لما نزلنا على تستر) فذكر الحديث وفيه (فقدمت على عمر رضى الله عنه فقال يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر بن ولئل الذين أرتدوا عن الاسلام فلحقوا بالمشركين؟ قال يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة، فاسترجع عمر، قلت وهل كان سبيلهم الا القتل؟ قال نعم، قال كنت أعرض عليهم الاسلام فإن أبوا أودعتهم السجن)

أما اللغتت فقوله (هل من مغربة خبر) بضم الميم وسكون الغين. قال أبو عبيد وكسر الواء وفتحها مع الاضافة فيهما، معناه من خبر جديد. قال الرافعى شيوخ الموطأ فنحو الغين وكسروا الراء وشدودها قلت وأصله من الغرب وهو البعد. يقال (دار غربة) أي بعيدة. الارتياء والنظر هو الافتعال من الرأى والتدبير والتفكر في الامر وعاقبته وصلاحه، والنظر هو التفكر أيضا. وقوله (الاصرار عليها) أي الاقامة والدوام أما الاحكام فإنه إذا ارتد الرجل وجب قتله، سواء كان حرا أو عبدا، لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثلاث، رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس) وقد قدم معاذ على أبى موسى باليمن، فوجد عنهد رجلا موثقا كان يهوديا فأسلم ثم تهود منذ شهرين، فقال والله لاقعدت حتى تضرب عنقه، قضاء الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه) أخرجه أحمد والشيخان، ولابي داود (فأتى أبو موسى برجل قد ارتد عن الاسلام، فدعاه عشرين ليلة أو قريبا منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه) وقد انعقد الاجماع على قتل المرتد، وان ارتدت امرأة حرة أو أمة وجب قتلها، وبه قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه والحسن والزهرى والاوزاعي والليث ومالك وأحمد واسحق وقال على (إذا ارتدت المرأة استرقت) وبه قال قتادة، وهى احدى الروايتين عن الحسن. وقال أبو حنيفة لا تقتل وانما تحبس وتطالب بالرجوع إلى الاسلام، وان لحقت بدار الحرب سبيت واسترقت، ويروى ذلك عن عبد الله بن عباس، دليلنا ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من بدل دينه فاقتلوه) وقال معاذ رضى الله عنه (قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه، وهذا عام في النساء والرجال، ولحديث جابر في أم رومان أو أم مروان. (فرع) إذا قال المرتد ناظروني واكشفوا إلى الحجة، فهل يناظر؟ قال المسعودي فيه وجهان

(أحدهما) يناظر لانه هو الانصاف (والثانى) لا يناظر لان الاسلام قد وضح فلا معنى لحجته عليه. (فرع) يستتاب المرتد قبل أن يقتل وقال الحسن البصري لا يستتاب، وان كان كافرا فأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب. دليلنا أثر عمر (فهلا أدخلتموه بيتا وأغلقتم عليه بابا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه ثلاثا فإن تاب والا قتلتموه، اللهم انى لم أشهد ولم آمر ولم أرض إذا بلغني) إذا ثبت هذا فهل الاستتابة مستحبة أو واجبة؟ فيه قولان، قال الشيخ أبو حامد، وقيل هما وجهان (أحدهما) أنها مستحبة، وبه قال أبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) فأوجب قتله ولم يوجب استتابته، ولانه لو قتله قاتل قبل الاستتابة لم يجب عليه ضمانه، ولهذا لم يوجب عمر رضى الله عنه الضمان على الذين قتلوا المرتد قبل استتابته، فلو كانت الاستتابة واجبة لوجب ضمانه، فعلى هذا لا يأثم إذا قتله قبل الاستتابة (والثانى) أن الاستتابة واجبة لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) فأمر الله بمخاطبة الكفار بالانتهاء ولم يفرق بين الاصلى والمرتد ولما رويناه عن عمر وعثمان رضى الله عنهما، وبالقول الاول قال عبيد بن عمير وطاوس والحسن وأحمد في احدى روايتيه، وبالقول الثاني قال عطاء والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأى، والرواية الاخرى عن أحمد، وعزا ابن قدامة الوجوب إلى عمر وعلى، وفند القول بعدم الوجوب ورجح الوجوب. قال الشوكاني بعدم الوجوب قال أهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري، فإنه استظهر بالآيات التى لاذكر فيها للاستتابة، والتى فيها أن التوبة لا تنفع، وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) وبقصة معاذ المذكورة ولم يذكر غير ذلك. وقال الطحاوي في شرح معاني الاثار ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الاسلام حكم الحربى الذى بلغته الدعوة، فإنه يقاتل من اقبل أن يدعى. قالوا وانما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الاسلام لاعن بصيرة، فأما من خرج عن

بصيرة فلا، ثم نقل عن أبى يوسف موافقتهم، لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلى سبيله ووكل أمره إلى الله واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفى بالمرة أم لابد من ثلاث، وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام، ونقل ابن بطال عن على أنه يستتاب شهرا. وعن النخعي يستتاب أبدا قلت، وقولهم لو وجبت الاستتابة لوجبت الضمان يبطل بقتال نساء أهل الحرب وذراريهم، فإنه يحرم قتلهم، ولو قتلهم لم يجب ضمانهم، فعلى هذا إذا قتله قبل الاستتابة أثم لاغير، وفى قدر مدة الاستتابة سواء قلنا بالاستحباب أو الوجوب فبالثلاثة الايام. قال مالك وأحد قولى الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ووجهه ما رويناه عن عمر، ولان الاستتابة تراد لزوال الشبهة فقدر ذلك بثلاث لانها آخر حد القلة وأول حد الكثرة، والثانى وهو الذى فصره الشافعي يستتاب في الحال. وقال الزهري يستتاب ثلاث مرات في حالة واحدة، وقال أبو حنيفة يستتاب ثلاث في ثلاث جمع كل جمعة مرة، وقال الثوري يستتاب أبدا ويحبس إلى أن يتوب أو يموت. (فرع) وأما السكران فإنه لا يستتاب في حال سكره وإنما يؤخر إلى أن يفيق ثم يستتاب، لان استتابته في حال إفاقته أرجى لاسلامه، فإن استتيب في حال سكره صح إسلامه. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يصح إسلامه وبه قال أبو حنيفة، والمنصوص هو الاول لقوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فخاطبه في حال السكر فدل على أنه مخاطب مكلف فكل من كان مخاطبا مكلفا صح إلا سلامه كالصاحي، وإذا أسلم في حال السكر فالمستحب ألا يخلى بل يحبس إلى أن يفيق فان أفاق وثبت على إسلامه خلى سبيله، وإن أعاد الكفر قتل، فإن ارتد ثم جن أو تبرسم لم يقتل حتى يفيق من جنونه ويبرأ من برسامه، لان المرتد لا يقتل

إلا بالردة والمقام عليها باختياره، والمجنون والمبرسم لا يعلم إقامته على الردة باختياره فلم يقتل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا تاب المرتد قبلت توبته سواء كانت ردته إلى كفر ظاهر به أهله أو إلى كفر يستتر به أهله كالتعطيل والزندقة، لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، فإذا شهدوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وصلوا صلاتنا، وأكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولان النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين لما أظهروا من الاسلام مع ما كانوا يبطنون من خلافه، فوجب أن يكف عن المعطل والزنديق لما يظهرونه من الاسلام، فإن كان المرتد ممن لا تأويل له في كفره فأتى بالشهادتين حكم بإسلامه لحديث أنس رضى الله عنه فإن صلى في دار الحرب حكم بإسلامه، وان صلى في دار الاسلام لم يحكم بإسلامه، لانه يحتمل أن تكون صلاته في دار الاسلام للمرأة والتقية، وفى دار الحرب لا يحتمل ذلك، فدل على إسلامه وان كان ممن يزعم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلى العرب وحدها أو ممن يقول إن محمدا نبى يبعث وهو غير الذى بعث، لم يصح إسلامه حتى يتبرأ مع الشهادتين من كل دين خالف الاسلام، لانه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل أن يكون أراد ما يعتقده، وان ارتد بجحود فرض أو استباحة محرم لم يصح اسلامه حتى يرجع عما اعتقده ويعيد الشهادتين لانه كذب الله وكذب رسوله بما اعتقده في خبره فلا يصح اسلامه حتى يأتي بالشهادتين، وان ارتد ثم أسلم ثم ارتد ثم أسلم، وتكرر منه ذلك قبل اسلامه ويعزر على تهاونه بالدين. وقال أبو إسحاق لا يقبل اسلامه إذا تكررت ردته، وهذا خطأ لقوله عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولانه أتى بالشهادتين بعد الردة فحكم بإسلامه كما لو ارتد مردة ثم أسلم.

(الشرح) حديث أنس (أمرت أن أقاتل الناس) أخرجه الطبرائى عن أفس وقد اعتبره السيوطي من المتواتر، وكذلك فعل عبد الله الصديق في الكنز الثمين، والسيوطي جعل شرطه في التواتر أن يرويه عشرة من الصحابة، وهذا رواه من الصحابة ابن عمر عند البخاري ومسلم وأبو هريرة عندهما وجابر عند مسلم وأبو بكر الصديق وعمر وأوس وجرير البجلى في مصنف ابن أبى شيبة وأفس وسمرة وسهل بن سعد وابن عباس وأبو بكرة وأبو مالك الاشجعى عند الطبراني وعياض الانصاري والنعمان بن بشير عند البزار. أما اللغات: فالتعطيل مذهب قوم يذهبون إلى أن لا إله يعبد ولا جنة ولا نار، وقد ذهب بعض الدعاة لمذهب السلف في الصفات إلى إطلاق هذا على من يدعو لمذهب الخلف من الاولين. والزندقة كلمة فارسية معربة، وهو مذهب المثنوية ووالواحد زنديق والجمع زنادقة، وكان مذهب قوم من قريش في الجاهلية، والثنوية يزعمون أن مع الله ثانيا تعالى الله عن ذلك قال الازهرى والذى يقول الناس زنديق، فإن أحمد بن يحيى زعم أن العرب لا تعرفه. ويقال زندق وتزندق قال أبو حامد السجستاني الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد، أي يقول بدوام الدهر، وقال ثعلب ليس في كلام العرب، زنديق، وانما يقال زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أراد ما تريد العامة فالوا ملحد ودهرى (بفتح الدال) وإذا ضموها أرادوا كبر السن أما الاحكام فإن المرتد إذا أسلم ولم يقتل صح اسلامه، سواء كانت ردته إلى كفر مظاهر به أهله، كاليهودية والنصرانية وعبادة الاصنام، أو إلى كفر يستتر به أهله كالزندقة. والزنديق هو الذى يظهر الاسلام ويبطن الكفر، فمتى قامت بينة أنه تكلم بما يكفر به فإنه يستتاب وإن تاب والا قتل. فإن استتيب فتاب قبلت توبته، وقال بعض الناس إذا أسلم المردت لم يحقن دمه بحال، لقوله صلى الله عليه وسلم

من يدل عينه فاقتلوه. وهذا قد بدل. وقال مالك وأحمد وإسحاق لا تقبل توبة الزنديق ولا يحقن دمه بذلك، وهو إحدى الروايتين عن أبى حنيفة، والرواية الاخرى كمذهبنا. دليلنا قوله تعالى (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم إلى قوله تعالى فإن يتوبوا بك خيرا لهم) فأثبت لهم التوبة بعد الكفر بعد الاسلام وروى عمر وأبو بكر وأبو هريرة وأنس وَغَيْرِهِمْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) وهذا قد قالها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن ارتد ثم أقام على الردة، فإن كان حرا كان قتله إلى الامام لانه قتل يجب لحق الله تعالى، فكان إلى الامام، كرجم الزانى، فإن قتله غيره بغير إذنه عزر لانه افتات على الامام، فإن كان عبدا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز للمولى قتله لانه عقوبة تجب لحق الله تعالى فجاز للمولى إقامتها كحد الزنا. (والثانى) لا يجوز للمولى قتله لانه حق الله عز وجل لا يتصل بحق المولى فلم يكن للمولى فيه حق بخلاف حد الزنا فإنه يتصل بحقه في إصلاح ملكه (الشرح) من أسلم وعرف الاسلام إجمالا أو تفصيلا رجلا كان أو امرأة ثم انقلب عنه أو طعن فيه أو أنكر منه شيئا معروفا بالضرورة بين المسلمين استنيب وبين له ما أشكل عليه من غير إمهال ولا انظار، فإن تاب والا قتل وأن يكون التنفيذ للامام وفى عصرنا الحاضر للحكومة ولا يجيز القانون الاسلامي أحدا غيرها أن يقيم الحد، فقد أجمعت فقهاء الامة على هذا، فإن اعترض معترض بقول الله تعالى (فاجلدوا) رد عليه بأن الاحكام جميعها من عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفائه الراشدين كانت تنفذ بأمرهم، ولما رواه البخاري من أنه بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، فلما قدم عليه ألقى له وسادة وإذا رجل موثق، فقال ما هذا؟ قال كان يهوديا فأسلم ثم تهود، قال لا أجلس حتى يقتل (قضاء الله ورسوله) ثلاث مرات، فأمر به فقتل، كما أنه حفاظا لكيان الدولة من أن يطغى أحد أفرادها على الآخر رجما بالغيب وافتئاتا على حقوق الآخرين، وقد توقفنا عن الكلام في اقامة السيد الحد على مملوكه ائتساءا بسلفنا ولما عرفناه في وقتنا الحاضر من أن تعاليم الاسلام محت الرق على مرور الزمن. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا ارتد وله مال ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه لا يزول ملكه عنه ماله، وهو اختيار المزني رحمه الله، لانه لم يوجد أكثر من سبب يبيح

الدم وهذا لا يوجب زوال الملك عن ماه، كما لو قتل أو زنى، والقول الثاني أنه يزول ملكه عن ماله، وهو الصحيح لما روى طارق به شهاب أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال لوقد بزاخة وغطفان: نغنم ما أصبنا منكم وتردون الينا ما أصبتم منا، ولانه عصم بالاسلام دمه ماله ثم ملك المسلمون دمه بالردة فوجب أن يملكوا ماله بالردة. والقول الثالث أنه مراعى فإن أسلم حكمنا بأنه لم يزل ملكه وإن قتل أو مات على الردة حكمنا بأنه زال ملكه، لان ماله معتبر بدمه، ثم استباحة دمه موقوفة على توبته فوجب أن يكون زوال ملكه عن المال موقوفا، وعلى هذا في ابتداء ملكه بالاصطياد، الابتياع وغيرهما، الاقوال الثلاثة، أحدها يملك، والثانى لا يملك، والثالث أنه مراعى. فإن قلنا إن ملكه قد زال بالردة صار المال فيئا للمسلمين وأخذ إلى بيت المال. وإن قلنا انه لا يزول أو مرعى حجر عليه ومنع من التصرف فيه، لانه تعلق به حق المسلمين وهو متهم في إضاعته، فحفظ كما يحفظ مال السفيه، وأما تصرفه في المال فإنه ان كان بعد الحجر لم يصح لانه حجر ثبت بالحاكم فمنع صحة التصرف فيه كالحجر على السفيه، وان كان قبل الحجر ففيه ثلاثة أقوال بناء على الاقوال في بقاء ملكه. (أحدها) أنه يصح (والثانى) أنه لا يصح (والثالث) أنه موقوف (فصل) وان ارتد وعليه دين قضى من ماله لانه ليس بأكثر من موته، ولو مات قضيت ديونه فكذلك إذا ارتد (الشرح) أثر طارق بن شهاب أخرج بعضه البخاري وأخرجه البيهقى من حديث ابن اسحاق عن عاصم بن حمزة، وأخرجه البرقانى في مستخرجه على شرط البخاري بلفظ (عن طارق بن شهاب قال جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبى بكر يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا، وتدون قتلانا وتكون قتلاكم

في النار، وتتركون أقواما يتبعون أذناب الا بل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين والانصار أمرا يعذرونكم به، فعرض أبو بكر ما قال على القوم، فقام عمر بن الخطاب فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك، أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات، فتبايع القوم على ما قال عمر) اللغة (بزاخة) بالضم والخاء معجمة. قال الاصمعي بزاخة ماء لطئ بأرض نجد. وقال أبو عمرو الشيباني ماء لبنى أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبى بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الاسدي، وكان قد تنبأ بعد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى من معجم البلدان. (المجلية) قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاه وأجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب، ويحتمل أن تكون بالخاء أي المهلكة، والمراد الحرب المفرقة لاهلها لشدة وقعها وتأثيرها (السلم المخزية) بالخاء المعجمة والزاى أي المذلة (الحلقة) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف، قال في القاموس الحلقة الدرع والخيل. اه. وقال في النهاية والحلفة بسكون اللام السلاح عاما وقيل الدروع خاصة. (الكراع) الخيل. قال في القاموس هو اسم لجميع الخيل (تدون قتلانا) قال في المختار وديت القتيل أدية دية، أعطيت دينه (يتبعون أذناب الابل) أي يمتهنون بخدمة الابل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة الصغار. اختلف الناس في ميراث المرتد، فقالت طائفة هو لورثته، لما روى أن على ابن أبى طالب قال (ميراث المرتد لولده) وعن الاعمش عن الشيباني قال أتى على بن أبى طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد عن الاسلام، فقال له على لعلك إنما ارتددت لان تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الاسلام؟ قال لا. قال

فلعلك خطبت امرأة فأ بوا أن يزوجوكها فأردت أن تتزوجها ثم تعود إلى الاسلام قال لا قال فارجع إلى الاسلام؟ قال لا حتى ألقى المسيح، فأمر به فضربت عنقه، فدفع ميراثه إلى ولده، من المسلمين. وعن ابن مسعود مثله، وبهذا قال الليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وقال الاوزاعي إن قتل في أرض السلام فماله لورثته من المسلمين. وقالت طائفة ان كان له وارث على دينه فهو أحق به وإلا فماله لورثته من المسلمين لما روى أن عمر بن عبد العزيز كتب في رجل من المسلمين أسر فتنصر، إذا علم ذلك ترث منه امرأته وتعتد ثلاثة قروء ودفع ماله إلى ورثته من المسلمين، لا أعلمه قال إلا أن يكون له وارث على دينه في أرض فهو أحق به. وقالت طائفة ميراث لاهل دينه فقط، لما روى عن قتادة قال (ميراث المرتد لاهله) وقال ابن جريج الناس فريقان، منهم من يقول ميراث المرتد للمسلمين، لانه ساعة يكفر يوقف فلا يقدر منه على شئ حتى ينظر أيسلم أم يكفر، منهم النخعي والشعبى والحكم بن عتيبة، وفريق يقول لاهل دينه وقالت طائفة إن راجع الاسلام فماله له، وإن قتل فماله لبيت مال المسلمين لا لورثته من الكفار، قال بهذا ربيعة ومالك وابن أبى ليلى والشافعي. وقالت طائفة إن راجع الاسلام فماله له، وان قتل فماله لورثته من الكفار، قال بهذا أبو سليمان، وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قتل المرتد فماله لورثته من المسلمين وترثه زوجته كسائر ورثته، وأن فر ولحق بأرض الحرب وترك ماله عندنا فإن القاضى يقضى بذلك ويعتق أمهات أولاده ومدبره ويقسم ماله بين ورثته من المسلمين على كتاب الله تعالى، فإن جاء مسلما أخذ من ماله ما وجد في أيدى ورثته ولا ضمان عليهم فيما استهلكوه، هذا فيما كان بيده قبل الردة، وأما ما اكتسبه في حال ردته ثم قتل أو مات فهو فئ للمسلمين. وقالت طائفة مال المرتد ساعة يرتد لجميع المسلمين قتل أو مات أو لحق بأرض الحرب أو راجع الاسلام، كل ذلك سواء، وهو قول بعض أصحاب مالك وقال ابن حزم لا يرث المسلم الكافر، مستندا إلى الحديث الذى رواه أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)

وعلى هذا فلا يرث ولد المرتد وهم مسلمون مال أبيهم المرتد لانه كافر، أما قضاء دينه فقالت الحنبلية في كتاب الفروع يقضى دينه وينفق على من تلزمه نفقته. وقال ابن حزم كل وصية أوصى بها قبل ردته بما يوافق البر ودين الاسلام فكل ذلك نافذ في ماله الذى لم يقدر عليه حتى قتل لانه ماله وحكمه نافذ، فإذا قتل أو مات فقد وجبت فيه وصاياه بموته قيل أن يقدر على ذلك المال. وأما إذا قدرنا عليه قبل موته من عبد وذمى أو مال فهو للمسلمين كله لا تنفذ فيه وصية، لانه إذا وجبت الوصية بموته لم يكن ذلك المال له بعد، ولا تنفذ وصية أحد فيما لا يملكه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولايجوز استرقاقه لانه لا يجوز إقراره على الكفر، فإن ارتد وله ولد أو حمل كان محكوما بإسلامه فاذإ بلغ ووصف الكفر قتل. وقال أبو العباس فيه قول آخر انه لا يقتل، لان الشافعي رحمه الله قال ولو بلغ فقتله قاتل قبل أن يصف الاسلام لم يجب عليه القود، والمذهب الاول لانه محكوم بإسلامه وإنما أسقط الشافعي رحمه الله القود بعد البلوغ للشبهة هو أنه بلغ ولم يصف الاسلام، ولهذا لو قتل قبل البلوغ وجب القود، وإن ولد له ولد بعد الردة من ذمية فهو كافر لانه ولد بين كافرين، وهو يجوز استرقاقه؟ فيه قولان (أحدهما) لا يجوز لانه لا يسترق أبواه فلم يسترق (والثانى) لانه كافر ولد بين كافرين فجاز استرقاقه كولد الحربيين، فإن قلنا لا يجوز استرقاقه استتيب بعد البلوغ فإن تاب وإلا قتل، وان قلنا يجوز استرقاقه فوقع في الاسر فللامام أن يمن عليه، وله أن يفادى به، وله أن يسترقه كولد الحربيين، غير أنه إذا استرقه لم يجز إقراره على الكفر، لانه دخل في الكفر بعد نزول القرآن. (فصل) وإن ارتدت طائفة وامتنعت بمنعة وجب على الامام قتالها، لان أبا بكر الصديق رضى الله عنه قاتل المرتدة، ويتبع في الحرب مدبرهم ويذفف على جريحهم، لانه إذا وجب ذلك في قتال أهل الحرب فلان يجب ذلك في قتال

المرتدة وكفرهم أغلظ أولى، وان أخذ منهم أسير استتيب فإن تاب وإلا قتل لانه لا يجوز إقراره على الكفر (فصل) ومن أتلف منهم نفسا أو مالا على مسلم، فإن كان ذلك في غير القتال وجب عليه ضمانه، لانه التزم ذلك بالاقرار بالاسلام فلم يسقط عنه بالجحود كما لا يسقط عنه ما التزمه بالاقرار عند الحاكم بالجحود، فان أتلف ذلك في حال القتال ففيه طريقان (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى وغيره من البغداديين أنه على قولين كما قلنا في أهل البغى (والثانى) وهو قول القاضى أبى حامد المروروذى وغيره من البصريين أنه يجب عليه الضمان قولا واحدا لانه لا ينفذ قضاء قاضيهم لكان حكمهم في الضمان حكم قاطع الطريق، والاول هو الصحيح أنه على قولين أصحهما أنه لا يجب الضمان لما روى طارق بن شهاب قال جاء وقد بزاخة وغطفان إلى أبى بكر يسألونه الصلح فقال تدون قتلانا وقتلاكم في النار، فقال عمر إن قتلانا قتلوا على أمر الله ليس لهم ديات، فتفرق الناس على قول عمر رضى الله عنه (الشرح) أثر طارق بن شهاب سبق الكلام عليه (ذفف) قال في القاموسى ذف على الجريح ذفا وذفافا ككتاب وذففا محركة أجهز والاسم الذفاف كسحاب، قال في مادة جهاز وجهز على الجريح كمنع، وأجهز أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه، وموت مجهز وجهيز سريع. اه نقل الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير أن حديث (أم محمد بن الحنفية كانت مرتدة فاسترقها على واستولدها) الواقدي في كتاب الردة من حديث خالد بن الوليد أنه قسم سهم بنى حنيفة خمسة أجزاء وقسم على الناس أربعة وعزل الخمس حتى قدم به على أبى بكر. ثم ذكر من عدة طرق أن الحنفية كانت من ذلك السبى، ثم قال الحافظ قلت وروينا في جزء ابن لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الحنفية في بيت فاطمة فأخر عليا أنها ستصير له وأنه لود له منها ولد اسمه محمد، وقد ثبت فيه

في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أولاد المشركين هل يقتلون مع آبائهم؟ فقال هم منهم وقال الحافظ في الفتح: ليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يكن الوصلو إلى الآباء إلا بوطئ الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. وقد ذهب مالك والاوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم. وذهب الكوفيون والشافعيون أنه إذا قاتلت المرأة جاز قتلها، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قَالَ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل) فان مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت وأما مقاتلة أهل الردة فقد ثبت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فإذا قالوها عصموا دماءهم، أموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) رواه الجماعة، ولاجماع الصحابة على غزوز المرتدين في عهد الخليفة الاول قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وللسحر حقيقة وله تأثى في إيلام الجسم وإتلافه، وقال أبو جعفر الاستراباذى من أصحابنا لا حقيقة له ولا تأثير له، والمذهب الاول لقوله تعالى (وكمن شر النفاثات في العقد) والنفاثات السواحر، ولو لم يكن للسحر حقيقة لما أمر بالاستعاذة من شره وروت عائشة رضى الله عنها قالت سحر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أنه ليخيل إليه أنه قد فعل الشئ وما فعله، ويحرم فعله لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (ليس منا من سحر أو سحر له، وليس منا من تكهن أو تكهن له، وليس منا من تطير أو تطير له) ويحرم تعلمه لقوله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) فذمهم على تعليمه، ولان تعلمه يدعو إلى فعله، وفعله محرم فحرم ما يدعو إليه

فإن علم أو نعلم واعتقد تحريمه لم يكفر، لانه إذا لم يكفر يتعلم الكفر فلان لا يكفر بتعلم السحر أولى، وإن اعتقد إباحته مع العلم بتحريمه فقد كفر، لانه كذب الله تعالى في خبره ويقتل كما يقتل المرتد (الشرح) لقوله تعالى (ومن شر النفاثات في العقد..الخ) روى النسائي عن عقبة بن عامر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (إن الناس لم بتعوذوا بمثل هذين) قل أعوذ برب الفلق و (قل أعوذ برب الناس) وطريق أخرى عنه قا ل: كنت أمشى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا عقبة قل. قلت ماذا أقول، فسكت عنى ثم قال قل. قلت ماذا أقول يا رسول الله قال (قل أعوذ برب الفلق) فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك (ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها) ومن طريق ثالث عن أبى عبد الله بن عابس الجهنى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له (يا ابن عابس ألا أدلك أو ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون) قال بلى يا رسول الله قال (قل أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هاتان السورتان) ومن طريق رابع عن عبد الله الاسلمي هو ابن أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده على صدره ثم قال قل، فلم أدر ما أقول، ثم قال لى (قل) قلت (هو الله أحد) ثم قال لى قل قلت (أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) حتى فرغت منها، ثم قال لى قل قلت (أعوذ برب الناس) حتى فرغت مِنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هكذا فتعوذوا، وما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط) وقال الامام مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فيهما، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيده عليه رجاء بركتها) ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبى والنسائي عن قتيبة وابن ماجه من حديث معن وبشر بن عمر ثمانيتهم عن مالك به

حديث عائشة رواه البخاري في كتاب الطب لفظ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا، فقال يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتانى فيما استفتيته فيه أتانى رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلى، فقال الذى عند رأسي للآخر ما بال الرجل، قال مطبوب، قال ومن طبه؟ قال لبيد بن أعصم رجل من بنى زريق حليف اليهود كان منافقا، قال وفيم؟ قال في مشط ومشاطه، قال وأبن قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئرذروان) قالت فأتى البئر حتى استخرجه فقال (هذه بئر التى أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رءوس الشياطين، قال فاستخرج فقلت أفلا نشرت؟ فقال (أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا. وفى رواية قالت: حتى كان بخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يفعله وعنده فأمر بالبئر فدفنت. وروى مسلم وأحمد عنها قالت لبث النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي فأتاه ملكان. وذكر تمام الحديث. وقال ابن جرير ان جبريل جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال نعم، فقال باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حامد وعين والله يشفيك. وقال المفسر الثعلبي، قال ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذى تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم ثم دسها في بئر لبنى زريق يقال له ذروان فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وجعل يذوب ولا يدرى ما عراه، فبينما هو نائم إذا أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذى عند رجليه للذى عند رأسه ما بال الرجل؟ قال طب، قال وما طب؟ قال سحر، قال ومن سحره؟ قال لبيد بن الاعصم اليهودي، قال وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة، قال وأين هو؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان

والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورا وقال يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائى. ثم بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه إثنا عشر عقدة مغروزة بالابر، فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الاخيرة، فقام كأنما نشط من عقال وجعل جبريل عليه السلام يقول باسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من حاسد وعين الله يشفيك، فقالوا يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن يثير على الناس شرا. قال ابن كثير هكذا أورده بلا إسناد وفيه غرابة وفى بعضه نكارة شديدة ولبعضه شواهد (قلت) وأكتفى بهذا القدر من أحاديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم (تنبيه) قال الشهاب نقل في التأويلات عن أبى بكر الاصم انه قال: ان حديث سحره صلى الله عليه وسلم المروى هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه، ونقل الرازي عن القاضى أنه قال: هذه الرواية باطلة، وكيف يمكن القول بصحتها، والله تعالى يقول (والله يعصمك من الناس) المائدة الآية 67 وقال (ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه آية 69، ولان تجويزه يفضى إلى القدح في النبوة ولانه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الانبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لانفسهم، وكل ذلك باطل، ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز. اه ويقول القاسمي في محاسن التأويل: ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وان كان مخرجا في الصحاح، وذلك لانه ليس كل مخرج فيها سالما من النقد سندا أو معنى كما يعرفه الراسخون، على ان المناقشة في خبر الآحاد معروفة من عبد الصحابة.

وقال الغزالي في المستصفى: ما من أحد من الصحابة إلا وقدرد خبر الآحاد كرد على رضى الله عنه خبر أبى سنان الاشجعى في قصة (بروع بنت واشق) وأورد أمثلة. وقال الامام ابن تيمية في المسودة: الصواب أن من رد الخبر الصحيح كما كانت الصحابة ترده لاعتقاد غلط الناقل أو كذبه لاعتقاد الراد أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا، فإن هذا لا يكفر ولا يفسق، وإن لم يكن اعتقاده مطابقا فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الاخبار التى هي صحيحة عند أهل الحديث. اه وقال العلامة الفنارى في فصول البدائع: ولا يضلل جاحد الاحاد (قلت) والبحث في هذا الحديث شهير قديما وحديثا وقد أوسع المقال فيه شراح (الصيحح) وابن قتيبة في شرح (تأويل مختلف الحديث) والرازي، والحق لا يخفى على طالبه. والله أعلم (1) . حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الاوسط وفيه زمعة بن صالح عن سلمة ابن وهرام وهما ضعيفان، وأخرجه الطبراني من طريق آخر عن عمران بن حصين وفيه اسحاق بن الربيع ضعفه الفلاس والرواى عنه أيضالين، وأخرجه أبو نعيم عن على بن أبى طالب وفيه مختار بن غسان مجهول الآية (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة الآية 102

_ (1) هذا ما كتبه الاسناد السارح، ولكن الناشر يرى أن كل ما ورد في الصحيحين صحيح، وأن ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر انما هو نوع من المرض، وقد أصيب صلى الله عليه وسلم بالحمى وغيرها، والمسألة خلافية، وقد رأيت بعض الاحاديث في مسلم كانت في نظرى تتعارض مع بعض الآيات، ولكن مع مرور الايام وسعة الاطلاع والبحث، وقفت على شروح للاحاديث توفق بينها وبين الايات مما زادني ثباتا على رأيى أن كل ما في الصحيحين صحيح.

معنى السحر في اللغة: وهو مشتق من سحرت الصبى إذا خدعته، وقيل أصله الخفا، فإن الساحر يفعله خفية، وقيل أصله الصرف لان السحر مصروف عن جهته، وقيل أصله الاستمالة، لان من سحرك استمالك، وقال الجوهرى السحر الاخذة وكل ما لطف ودق فهو سحر والساحر العالم وقد وافق أبو جعفر الاستراباذى المعتزلة والحنفية فقالوا انه خداع لا أصل له ولا حقيقة، وإذا أردت الاستزادة فارجع إلى كتاب أحكام القرآن للجصاص وكتب المعتزلة ترى فصلا ضافيا عن هذا الموضوع، وذهب من عداهم أن له حقيقة مؤثرة. (قلت) كنت أود أن أطيل في هذا الموضوع شرحا وتنقيبا مع تصحيح وتضعيف وتقوية للآراء الصحيحة، إلا أن الكتاب كتاب فقه لا يحتمل أكثر من هذا. وقال تقى الدين السبكى في فتاويه ((أما مذهب الشافعي فحاصله أن الساحر له ثلاثة أحوال، حال يقتل كافرا، وحال يقتل قصاصا، وحال لا يقتل أصلا بل يعزر. أما الحالة التى يقتل فيها كفرا فقال الشافعي رحمه الله أن يعمل بسحره ما يبلغ الكفر، وشرح أصحابه ذلك بثلاثة أمثلة (أحدها) أن يتكلم بكلام وهو كفر ولاشك في أن ذلك موجب القتل، ومتى تاب منه قبلت توبته وسقط عنه القتل، وهو يثبت بالاقرار والبينة (المثال الثاني) أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضا القتل، كما حكاه ابن الصباغ وتقبل توبته، ولا يثبت هذا القسم إلا بالاقرار. (المثال الثالث) أن يعتقد أنه حق يقدر به على قلب الاعيان فيجب عليه القتل، كما قاله القاضى حسين والماوردي، ولا يثبت ذلك أيضا الا بالاقرار، وإذا تاب قبلت توبته وسقط عنه القتل. وأما الحالة التى يقتل فيها قصاصا، فإذا اعترف أنه قتل بسحره إنسانا فكما قاله انه مات به وان سحره يقتل غالبا فها هنا يقتل قصاصا ولا يثبت هذه الحالة إلا الاقرار ولا يسقط القصاص بالتوبة.

وأما الحالة التى لا يقتل فيها أصلا ولكن يعزر فهى ما عدا ذلك. ودليل الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثلاث..إلخ) قلت القتل في الحالة الاولى بقوله كفر بعد إيمان، وفى الحالة الثالثة بقوله وقتل نفس بغير نفس، وامتنع في الثانية لانها ليست بإحدى الثلاث فلا يحل دمه فيها عملا بصدر الحديث. وأما الاحاديث فلم يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها شئ يقتضى القتل. وورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال (حد الساحر ضربه بالسيف) وضعف الترمذي إسناده وقال الصحيح أنه عن جندب موقوف، يعنى فيكون قول صحابي. اه وأقول في إسناد هذا الحديث اسماعيل بن مكى وهو ضعيف. وقالت الحنابلة في كتاب الفروع ويكفر الساحر كاعتقاد حله، وعنه اختاره ابن عقيل وجزم به في البصرة، وكفره أبو بكر بعمله. وقال في الترغيب وهو أشد تحريما، وحمل ابن عقيل كلام أحمد في كفره على معتقده وإن فاعله يفسق ويقتل حدا. وفى عيون المسائل إن الساحر يكفر، وهل تقبل توبته؟ على روايتين. انتهى. قال في المسوى شرح الموطأ، السحر كبيرة واتفقت المالكية على قتل الساحر، واستدل الموجبون للقتل بما في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر فقتلنا ثلاث سواحر) وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، رواه مالك في الموطأ، ولعفوه صلى الله عليه وسلم عمن سحروه (؟ سق تخريجه) قال تقى الدين السبكى في فتاويه وحمل الشافعي ما روى عن عمر وحفصة على السحر الذى فيه كفر، وما يقال عن عائشة أنها باعت جارية لها سحرتها وجعلت ثمنها في الرقاب. على السحر الذى ليس فيه كفر توفيقا بين الاثار، واعتمد في ذلك حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) ومن المعلوم أن الصحابة إذا اختلفوا وجب اتباع اشبههم قولا بالكتاب والسنة وقد سئل الزهري شيخ مالك أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال قد بلغنا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب

باب صول الفحل

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب صول الفحل من قصده رجل في نفسه أو ماله أو أهله بغير حتى فله أن يدفعه لما روى سعيد بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من قاتل دون أهله أماله فقتل فهو شهيد) وهل يجب عليه الدفع؟ ينظر فيه فإن كان في المال لم يجب لان المال يجوز إباحته، وإن كان في أهله، وجب عليه الدفع لانه لا يجوز إباحته، وان كان في النفس ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجب عليه الدفع لقوله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) والثانى: أنه لا يجب، لان عثمان رضى الله عنه لم يدفع عن نفسه، ولانه ينال به الشهادة إذا قتل فجاز له ترك الدفع لذلك (فصل) وإذا أمكنه الدفع بالصباح والاستغاثة لم يدفع باليد، وإن كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، فإن لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح، فإن لم يندفع إلا بإتلاف عضو دفعه بإتلاف العضو فإن لم يندفع إلا بالقتل دفعه بالقتل. وإن عض يده ولم يمكنه تخليصها إلا بفك لحيبه، وإن لم يندفع إلا بأن يبعج جوفه بعج جوفه، ولا يجب عليه في شئ من ذلك ضمان، لما روى عمران بن الحصين قال، قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما يد صاحبه فانتزع يده من فيه فنزع ثنيته فاختصما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (يعض أحدكم أخاه كما بعض الفحل، لا دية له) ولان فعله ألجأه إلى الاتلاف فلم يضمنه، كما لو رمى حجرا فرجع الحجر عليه فأتلفه وإن قدر على دفعه بالعصا فقطع عضوا أو قدر على دفعه بالقطع فقتله وجب عليه الضمان لانه جناية بغير حق فأشبه إذا جنى عليه من غير دفع، وإن قصده ثم انصرف عنه لم يتعرض له، وإن ضربه فعطله لم يجز أن يضربه ضربة أخرى لان القصد كف أذاه، فإن قصد فقطع يده فولى عنه فقطع يده الاخرى وهو مول لم يضمن الاولى لانه قطع بحق ويضمن الثانية لانه قطع بغير حق، وإن

مات منهما لم يجب عليه القصاص في النفس لانه مات من مباح ومحظور، ولولى المقتول الخيار بين أن يقتص من اليد الثانية وبين أن يأخذ نصف دية النصف. (الشرح) اللغة (صال الفحل يصول) إذا وثب، والمصاولة المواثبة، وذلك مثل أن يعدو على الناس يقتلهم، قال الشافعي رحمه الله في كتاب مختصر المزني إذا طلب الفحل رجلا ولم يقدر على دفعه إلا بقتله فقتله لم يكن عليه غرم وحديث سعيد بن زيد أخرجه البخاري عن ابن عمرو (من قتل دون ماله فهو شهيد) وابن ماجه والترمذي عن عمرو بن نفيل نحوه. ومن طريق آخر لابن ماجه عن ابن عمر (من أتى عند ماله فقوتل فقاتل فقتل فهو شهيد) وفى إسناده يزيد بن سنان التميمي وأبو فروة الرهاوى ضعيفان. ومن طريق ثالث لابن ماجه عن أبى هريرة (من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد) وإسناده حسن. وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد) ومن طريق آخر عن سعيد بن زيد (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد) ورواه الترمذي بتقديم في بعض الالفاظ وتأخير فيه ولكن بنصه. ورواه النسائي عن ابن عمرو بلفظ (من قاتل دون ماله فهو شهيد وفى رواية من قتل دون مظلمته فهو شهيد) حديث عمران بن حصين رواه البخاري وأحمد ومسلم والحاكم بنحوه والنسائي بلفظ (أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، لادية لك) ومن طريق آخر البخاري عن صفوان عن أبيه قال (خرجت في غزوة فعض رجل فانتزع ثنيته فأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظ مسلم (فأهدر ثنيته) وابن ماجه والنسائي بلفظ (يعمد أحدكم إلى أخيه فيعضه كعضاض الفحل ثم يأتي يلتمس العقل، لا عقل لها، فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج مسلم أن رجل عض ذراغ أخيه فجذبه فسقطت ثنيته فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله وقال: أردت أن تأكل لحمه) وفى رواية عن صفوان

ابن يعلى له أن أجيرا ليعلى بن منية عض رجل ذراعه فجذبها فسقطت ثنيته فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أردت أن تقضمها كما يقضم الفحل) وكذا ابن ماجه وروى النسائي عن حصين بن أبى يعلى في الذى عض فندرت ثنيته إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لادية لك) وفى رواية (كما يعض البكر فأبطلها) وفى لفظ (فأطلها) وفى رواية عن يعلى (أنه استأجر أجيرا فعض يده فانتزعت ثنيته فخاصمه إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أيدعها يقضمها كقضم الفحل، وفى رواية: أيدعها في فيك تقضمها كقضم الفحل. وفى رواية: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش العسرة وكان أوثق عمل لى في نفسي، وكان لى أجير فقاتل إنسانا، فعض أحدهما إصبع صاحبه فانتزع أصبعه فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته وقال أفيدع يده في فيك تقضمها. اللغة: شهيد، أصل الشهادة الحضور، ومنه الشهادة على الخصم، وكأن الشهداء أحضرت أنفسهم دار السلام وشاهدوا الجنة وأرواح غيرهم لا تشهدها إلا بعد البعث. وقيل سمى شهيدا لان الله تعالى وملائكته يشهدون له بالجنة. وقيل سموا شهداء لانهم يستشهدون يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم على الامم. وقال الامام السيد رشيد رضا في التفسير فيه وجهان (أحدهما) أنه من الشهادة في القتال، وهى أن يقتل المؤمن في سبيل الله، أي مدافعا عن الحق قاصدا إعلاء كلمته (والثانى) أنه من الشهادة على الناس (بالصياح والاستغاثة) يقال صياح صياح بضم الصاد وكسرها، والاستغاثة دعاء الناس والاستنصار بهم (بأن يبعج جوفه) بعج جوفه بعجا إذا شقه فهو مبعوج (الفحل) هو بالحاء، أي الفحل من الابل. قوله (وهل يجب عليه الدفع) ينظر فيه..الخ قال ابن المبارك يقاتل عن ماله ولو درهمين.

قال الشوكاني: إن الاحاديث فيها دلالة على أنه تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الاخذ بغير حق، وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح وقال بعض العلماء إن المقاتلة واجبة، وقال بعض المالكية لا تجوز إذا طلب الشئ الخفيف، ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبى هريرة من الامر بالمقاتلة والنهى عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القائل بعدم الجواز في الشئ الخفيف فعموم الاحاديث ترده ولكنه ينبغى تقديم الاخف فالاخف، فلا يعدل المدافع إلى القتل مع إمكان الدفع بدونه، ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بإنشاد الله قبل المقاتلة، وكما تدل الاحاديث على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والاهل وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ (من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس له عقل ولا دية ولا كفارة قال ابن المنذر: والذى عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما بغير تفصيل، ويدل على عدم لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة المذكورة ما رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبى هريرة (ولا قصاص ولا دية) وفي رواية البيهقى من حديث ابن عمر (ما كان عليك في شئ) حمل الاوزاعي هذا إذا لم يكن للناس إمام، وأما حالة الفرقة والاختلاف فليستسلم المبغى على نفسه وماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبى هريرة عند مسلم بلفظ (جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال فلا تعطه مالك، قال أريات أن قاتلني؟ قال قاتله، قال أرأيت ان قتلني، قال فانت شهيد، قال أرأيت أن قتلته؟ قال هو في النار. اه قا ابن مفلح في كتاب الفروع (ويلزمه الدفع عن نفسه على الاصح كحرمته في المنصوص وعنه ولو في فتنه) اه

وقال الصنعانى في سبل السلام في حديث عبد الله بن خباب سمعت أبى يقول سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (تكون فتن فكن فيها يا عبد الله للقتول ولا تكن القاتل) فيه دليل على أنه لا يجب الدفاع عن النفس (قلت) إن الدفاع عن النفس حق مقرر وضريبة لازمة على كل مسلم ضد كل مخلوق، لان عدم الدفاع يعرضها للهلاك والله يقول (ولا تقلوا بأيديكم إلى التهلكة) ولان الدفاع عن النفس ليس بأقل من الدفاع عن العرض أو المال. روى الامام الشافعي في مختصر المزني (رفع إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جارية كانت تحتطب فأتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر أو صخر فقتلته، فقال عمر هذا قتيل الله، والله لا يؤدى أبدا) ولقد قال هذا الشيخ محمد عبد العزيز الخولى الاستاذ بدار العلوم في تعليقه على سبل السلام (أما ما قيل بخصوص الحديث الذى اعتمد عليه الصنعانى فقد روى من طرق كثيرة وفيها كلها راو لم يسم) وأخرجه أحمد والطبراني، وفيه على بن زيد بن جدعان وفيه مقال. ولما رواه أبو بكر بن أبى شيبة عن جحير بن الربيع قال، قلت لعمران بن حصين أرأيت إن دخل على داخل يريد نفسي ومالى؟ قال عمران لو دخل على داخل يريد نفسي ومالى لرأيت أن قد حل لى قتله. وعن محمد بن سيرين أنه قال ما علمت أن أحدا من المسلمين تركه، فقال رجل يقطع عليه الطريق أو يطرقه في بيته قائما من ذلك. وعن ابراهيم النخعي إذا دخل اللص دار رجل فقتله فلا ضرار عليه قوله (وإذا أمكنه الدفع بالصياح..الخ) فقد اتفقت الفقهاء جميعا على ذلك، وفي النص الذى أورده المهذب دليل على المهذب الشافعي وقالت الحنابلة، قال أحمد (لا تريد قتله وضربه ولكن ادفعه) وقال ابن حزم (فمن أراد أخذ مال إنسان ظلما من نص أو غيره، فإن تيسر له طرده منه

ومنعه فلا يحل له قتله، فإن قتله حينئذ فعليه القود، وإن توقع أقل توقع أن يعاجله اللص فليقتله ولا شئ عليه لانه مدافع عن نفسه، فإن قيل اللص محارب فعليه ما على المحارب، قلنا فإن كابر وغلب فهو محارب، واختيار القتل في المحارب إلى الامام لا إلى غيره أو إلى من قام بالحق إن لم يكن هنالك إمام، وإن لم يكابر ولا غلب ولكن تلصص فليس محاربا ولا يحل قتله أصلا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وجد رجلا يزنى بامرأته ولم يمكنه المنع إلا بالتقل فقتله لم يجب عليه شئ فيما بينه وبين الله عزوجل، لانه قتله بحق، فإن ادعى أنه قتله لذلك، وأنكر الولى ولم يكن بينة لم يقبل قوله، فإذا حلف الولى حكم عليه بالقود لما روى أبو هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال نعم، فدل على أنه لا يقبل قوله من غير بينة. وروى سعيد بن المسيب قال (أرسل معاوية أبا موسى إلى على كرم الله وجهه يسأله عن رجل وجد على امرأته رجلا فقتله، فقال على كرم الله وجهه لتخبرنى لم تسأل عن هذا؟ فقال إن معاوية كتب إلى، فقال على أنا أبو الحسن. إن جاء بأربعة شهداء يشهدون على الزنا وإلا أعطى برمته، يقول يقتل (الشرح) حديث أبى هريرة أحرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ أن سعد بن عبادة الانصاري قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا، قال سعد: بلى والذى أكرمك بالحق، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) ومن طريق آخر ومالك في الموطأ (إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتى أربعة شهداء، قال: نعم) ومن طريق ثالث (لو وجدت مع أهلى رجلا لم أمسه حتى آتى بأربعة شهداء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم، قال: كلا والذى بعثك بالحق ان كنت لا عاجله بالسيف قبل ذلك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وسلم (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير منى) ومن طريق رابع (لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أتعجبون من غيرة سعد فوالله لانا أغير منه والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..الخ وروى ابن ماجه حين نزلت آية الحدود وكان رجلا غيورا أرأيت لو أنك وجدت مع امرأتك رجلا أي شئ كنت تصنع، قال كنت ضاربها بالسيف. انتظر حتى أجئ بأربعة إلى ما ذاك قد قضى حاجته وذهب أو أقول رأيت كذا وكذا فتضربوني الحد ولا تقبلوا لى شهادة أبدا قال فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ. كفى بالسيف شاهدا، ثم قال انى أخاف أن يتتابع في ذلك السكران والغيران) قال أبو عبد الله. يعنى ابن ماجه سمعت أبا زرعة يقول هذا حديث على بن محمد الطنافسى وفاتني منه (قلت) وفى إسناده قميصة بن حريث، قال البخاري في حديثه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات. أثر سعيد بن المسيب رواه مالك في الموطأ بلفظ (أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبرى وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما معا فأشكل على معاوية ابن أبى سفيان القضاء فيه، فكتب إلى أبى موسى الاشعري يسأل له على بن أبى طالب عن ذلك، فقال أبو موسى عن ذلك على بن أبى طالب فقال له على ان هذا الشئ ما هو بأرضى عزمت عليك لتخبرنى فقال له أبو موسى كتب إلى معاوية ابن أبى سفيان أن أسألك عن ذلك، فقال على أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) وبمقارنة هذا النص بما ورد في المهذب نجد اختلافا ظاهرا لعله خطأ في الطباعة. اللغة: (ان لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) أي يسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا (والرمة) قطعة من حبل لانهم كانوا يقودون القاتل إلى ولى المقتول بحبل ولذا قيل القود.

مصفح: هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده. قال الامام المطلبى في مختصر المزني: ولو قتل رجل رجلا فقال: وجدته على امرأتي فقد أقر بالقود وادعى، فإن لم يقم البينة قتل، واستشهد بما رواه مسلم ومالك. قال النووي في شرح مسلم، قال الماوردى وغيره ليس قوله هو ردا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا مخالفة سعد بن عبادة لامره صلى الله عليه وسلم، وإنما معناه الاخبار عن حالة الانسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فانه حينئذ يعاجله بالسيف ان كان عاصيا. واختلف العلماء من السلف في من وجد مع امرأته رجلا فقتله هل يقتل به أم لا، فقال بعضهم يقتل به لانه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الحاكم، وقال بعضهم لا يقتل ويعذر في ما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه، وشرط أحمد وإسحاق رحمهما الله أن يأتي بشاهدين على أنه قتله بسبب ذلك، وقد وافقهما على هذا الشرط ابن القاسم وابن حبيب من المالكيين ولكن زادا عليه أن يكون المقتول محصنا والا فان القاتل عليه القصاص إن كان بكرا، أما الجمهور فذهبوا إلى أنه لا يعفى من القصاص إلا أن يأتي بأربعة يشهدون على الزنا أو يعترف به المفتول قبل موته بشرط أن يكون محصنا، وروى عن عمر أنه أهدر دمه ولم ير فيه قصاصا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن صالت عليه بهيمة فلم تندفع إلا بالقتل فقتلها لم يضمن لانه إتلاف بدفع جائز فلم يضمن كما لو قصده آدمى فقتله للدفع. (الشرح) إذا كان الاسلام قد فرض على المسلم أن يدافع عن نفسه حتى يصل بالدفاع إلى أن يقتل فيكون شهيدا أو يقتل فلا دية عليه فأولى أن يدفع

عن نفسه البهيمة حتى إن أدى الامر إلى قتلها، وارجع إلى ما سبق شرحه في نفس الباب. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن اطلع رجل أجنبي في بيته على أهله فله أن يفقا عينه لما روى سهل بن سعد قال أطلع رجل من حجر في حجرة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم مدرا يحك به رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تنظر لطعنت به عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر وهل له أن يصيبه قبل أن ينهاه بالكلام فيه وجهان. (أحدهما) وهو قول القاضى أبى حامد المرووذى والشيخ أبى حامد الاسفراينى أنه يجوز للخبر. (والثانى) أنه لا يجوز كما لا تجوز إصابة من يقصد نفسه بالقتل إذا اندفع بالقول، ولا يجوز أن يصيبه إلا بشئ خفيف، لان المستحق بهذه الجناية فقء العين وذلك يحصل بسبب خفيف فلم تجز الزيادة عليه وان فقا عينه فمات منه لم يضمن، لانه سراية من مباح فلم يضمن كسراية القصاص، فان رماه بشئ يقتل فمات منه ضمنه، لانه قتله بغير حق، وان رماه فلم يرجع استغاث عليه، فان لم يكن من يغيثه فالمستحب أن يخوفه بالله تعالى، فان لم يقبل فله أن يصيبه بما يدفعه فإن أتى على نفسه لم يضمن، لانه تلف بدفع جائز، فإن أطلع أعمى لم يجز له رميه، لانه لا ينظر إلى محرم، وان أطلع ذو رحم محرم لاهله لم يجز رميه، لانه غير ممنوع من النظر، وان كانت زوجته متجردة فقصد النظر إليها جاز له رميه لانه محرم عليه النظر إلى ما دون السرة وفوق اركبة منها كما يحرم على الأجنبي، وإن اطلع عليه من باب مفتوح أوكوة واسعة، فإن نظر وهو على اجتيازه لم يجز رميه لان المفرط صاحب الدار بفتح الباب وتوسعة الكوة، وإن وقف وأطال النظر ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز له رميه لانه مفرط في الاطلاع فأشبه إذا اطلع من

ثقب (والثانى) أنه لا يجوز له رميه، وهو قول القاضى أبى القاسم العمرى، لان صاحب الدار مفرط في فتح الباب وتوسعة الكوة. (فصل) وإذا دخل رجل داره بغير إذنه أمره بالخروج، فإن لم يقبل فله أن يدفعه بما يدفع به من قصد ماله أو نفسه، فإن قتله فادعى أنه قتله للدفع عن داره وأنكر الولى لم يقبل قول القاتل من غير بينة، لان القتل متحقق وما يدعيه خلاف الظاهر، فإن أقام بينة أنه دخل داره مقبلا عليه بسلاح شاهر لم يضمن لان الظاهر أنه قصد قتله، وإن أقام الولى بينة أنه دخل داره بسلاح غير شاهر ضمنه بالقود أو بالدية لان القتل متحقق وليس ههنا ما يدفعه (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في الاستئذان (أن رجلا اطلع في حجرة باب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّمَا جعل الاذن من أجل البصر) وفى رواية البخاري في الديات (عن حميد أن رجلا اطلع في بيت النبي فسدد إليه مشقصا) فقلت من حدثك بهذا قال أنس بن مالك وفى رواية لمسلم عن أنس أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه بمشقص فكأني أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختله فيطعنه وفى رواية له عن أبى هريرة (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) وفى أخرى له (لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح) وللترمذي في الاستئذان عن سهل أن رجلا اطلع من حجر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مداراة يحك بها رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تنظر لطعنتك بها في عينك، إما جعل الاستئذان من أجل البصر. وفى رواية له عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ في بيته فاطلع عليه رجل فأهوى إليه بمشقص فتأخر الرجل، وروى النسائي في القود بنحو ما ذكر.

اللغة (مدرى) فبكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر وهى حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل هو شبه المشط، وقيل هو أعواد تحدد تجعل شبه المشط، وقيل هي عود تسوى به المرأة شعرها وجمعه مدارى، ويقال في الواحد مدراة أيضا ومدراية. (مشقص) هو نصل عريض للسهم (يختله) فبفتح أوله وكسر التاء، أي يراوغه ويستغفله (خذفته) بالخاء المعجمة أي رميته بها من بين أصبعيك (يختل) بفتح الياء التحتية وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة، وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس قال الامام المطلبى في مختصر المزني: ولو تطلع إليه رجل من ثقب فطعنه بعود أو رماه بحصاة أو ما أشبهها فذهبت عينه فهى هدر. واحتج بما روى. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم قال العلماء محمول على ما إذا نظر في بيت الرجل فرماه بحصاة ففقأ عينه، وهل يجوز رميه قبل إنذاره فيه وجهان لاصحابنا أصحهما جوازه لظاهر الاحاديث والله أعلم وقد استدل بالاحاديث من قال إن قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقا عينه ولا قصاص عليه ولادية للتصريح بذلك في الاحاديث لقوله (فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) ومقتضى الحل أنه لا يضمن ولا يقتص منه، ولقوله (ما كان عليك من جناح) وايجاب القصاص أو الدية جناح، ولان قوله صلى الله عليه وسلم المذكور لو أعلم انك تنظر طعنت به في عينك يدل على الجواز، وقد ذهب إلى مقتضى هذه الاحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي، وخالفت المالكية هذه الاحاديث فقالت إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه القصاص أو الدية، وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء، وغاية ما عولوا عليه قولهم ان المعاصي لا تدفع بمثلها. وهذا من الغرائب التى يتعجب المنصف من الاقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الاحاديث الصحيحة، فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية، فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها. ومن جملة ما عولوا عليه قولهم ان الحديث وارد على سبيل التغليظ

والارهاب، ويجاب عنه بالمنع وللسند وأن ظاهر ما بلغنا عنه صلى الله عليه وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدل على إرادة المبالغة، وقد تخلص بعضهم من الحديث بأنه مؤول بالاجماع، على أن من قصد النظر إلى عورة غيره لم يكن ذلك مبيحا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها، ويجاب أولا بمنع الاجماع، وقد نازع القرطبى في ثبوته وقال إن الحديث يتناول كل مطلع، قال لان الحديث المذكور إنما هو لمظنة الاطلاع على العورة فبالاولى نظرها المحقق. ولو سلم الاجماع المذكور لم يكن معارضا لما ورد به الدليل لانه في أمر آخر، فإن النظر إلى البيت ربما كان مفضيا إلى النظر إلى الحرم وسائر ما يقصد صاحب البيت ستره عن أعين الناس. وفرق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع وفى خالص ملك المنظور إليه، وبعضهم فرق بين من رمى الناظر قبل الانذار وبعده، وظاهر الاحاديث عدم الفرق. ثم قال الشوكاني: والحاصل أن لاهل العلم في هذه الاحاديث تفاصيل وشروطا واعتبارات يطول استيفاؤها، وغالبها مخالف لظاهر الحديث وعاطل عن دليل خارج عنه، وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثير فائدة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا أفسدت ماشيته زرعا لغيره ولم يكن معها فإن كان ذلك بالنهار لم يضمن وإن كان بالليل ضمن، لما روى حزام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء ابن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت زرعا، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن على أهل الاموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل المواشى ما أصابت مواشيهم بالليل، وان كان له هرة تأكل الطيور فأكلت طيرا لغيره، أو له كلب عقور فأتلف إنسانا وجب عليه الضمان لانه مفرط فيترك حفظه (فصل) وإن مرت بهيمة له بجوهرة لآخر فابتلعتها نظرت فإن كان معها ضمن الجوهرة لان فعلها منسوب إليه

وقال أبو على بن أبى هريرة: إن كانت شاة لم يضمن وإن كان بعيرا ضمن لان العادة في البعير أنه يضبط وفى الشاة أن ترسل، وهذا فاسد لانه يبطل بإفساد الزرع، لانه لا فرق فيه بين الجميع، فإن لم يكن معها ففيه وجهان (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنه إن كان ذلك نهارا لم يضمن وإن كان ليلا ضمن كالزرع. (والثانى) وهو قول القاضى أبى الحسن الماوردى البصري أنه يضمنها ليلا ونهارا، والفرق بينه وبين الزرع أن رعى الزرع مألوف صاحبه فلزم صاحبه حفظه منها، وابتلاع الجوهرة غير مألوف فلم يلزم صاحبها حفظها منها، فعلى هذا إن طلب صاحب الجوهرة ذبح البهيمة لاجل الجوهرة لم تذبح ويغرم قيمة الجوهرة، فإن دفع القيمة ثم ماتت البهيمة ثم أخرجت الجوهرة من جوفها وجب ردها إلى صاحبها لانها عين ماله واسترجعت القيمة، فإن نقصت قيمة الجوهرة بالابتلاع ضمن صاحب البهيمة ما نقص، وإن كانت البهيمة مأكولة ففى ذبحها وجهان بناء على القولين فيمن غصب خيطا وخاط به جرح حيوان مأكول. (الشرح) حديث حزام بن سعد بن محيصة (صحة الاسم) حرام، ولعله خطأ مطبعى في الاصل، أخرجه أبو داود في البيوع عن حرام بن محيصة الانصاري عن البراء بن عازب قال: كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل) ومن طريق آخر عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أهل الاموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشى حفظها بالليل) وأخرج ابن ماجه في كتاب الاحكام عن ابن شهاب أن ابن محيصة الانصاري أخبره أن ناقة البراء بن عازب كانت ضارية دخلت في حائط قوم فأفسدت فيه فكلم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فقضى أن حفظ الاموال على أهلها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أصابت مواشيهم بالليل)

وفى رواية أخرى (أن ناقة لآل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله) وروى مالك في الموطأ في كتاب الاقضية عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشى بالليل ضامن على أهلها. قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأصحاب ابن شهاب عنه مرسلا، والحديث من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من العراق بالقبول وجرى عمل أهل المدينة عليه، ورواه الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي وقال الشافعي أخذنا به لثبوته ومعرفة رجاله، وقال الحافظ ابن حجر مداره على الزهري واختلف عليه فقيل هكذا. وهذه رواية الموطأ وكذلك رواية الليث عن الزهري عن ابن محيصة لم يسمه (أن ناقة) ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جسده محيصة، ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه، أخرجه أبو داود وابن حبان ورواه الاوزاعي واسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء، وحرام لم يسمع من البراء، قاله عبد الحق تبعا لابن حزم، ورواه النسائي من طريق محمد بن أبى حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن البراء، ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل أن ناقة البراء، ورواه ابن أبى ذئب عن الزهري قال بلغني أن ناقة البراء. اللغة (الضوارى) قال الباجى يريد العوادى، البهائم التى ضريت أكل زروع الناس. وقال عياض يعنى المواشى الضارية لرعى زروع الناس المعتادة له (حائط رجل) أي بستانه قوله (إذا أفسدت ماشيته..الخ) قال البغوي في شرح السنة: ذهب أهل العلم إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها، وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها، لان في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشى بالليل، فمن خالف هذه العادة كان خارجا عن رسوم الحفظ، هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها، فإن كان معها فعليه ضمان

ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي، وذهب أصحاب أبى حنيفة إلى ان المالك إن لم يكن معها فلا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا. اه من عون المعبود. وقال الامام الخطابى: هذه سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة في هذا الباب (بعد أن أورد الحديثين المشار إليهما لابي داود) ويشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لان في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحفاظ النواطير. ومن عادة أصحاب المواشى أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع، فكان كمن ألقى متاعه في طريق شارع أو تركه في غير موضع حرز فلا يكون على آخذه قطع. وبالتفريق بين حكم النهار والليل قال الشافعي وقال أصحاب الرأى لا فرق بين الامرين، ولم يجعلوا على أصحاب المواشى غرما، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم (العجماء جبار) قال الخطابى: وحديث (العجماء جبار) عام وهذا حكم خاص والعام ينبنى على الخاص ويرد إليه، فالمصير في هذا إلى حديث البراء الله أعلم

كتاب السير

كتاب السير ترجم الكتاب بالسير لان الاحكام المودعة فيه متلقاة من سير رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزواته. قال الحافظ ابن حجر فمقتضى هذا أن يتتبع ما ذكر فيه ويعزى إلى من خرجه إن وجد. قال المصنف رحمه الله تعالى: من أسلم في دار الحرب ولم يقدر على اظهار دينه وقدر على الهجرة وجبت عليه الهجرة لقوله عز وجل (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الارض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أنا برئ من كل مسلم مع مشرك، فإن لم يقدر على الهجرة لم يجب عليه لقوله عز وجل (الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) وان قدر على اظهار الدين ولم يخفف الفتنة في الدين لم تجب عليه الهجرة، لانه لما أوجب على المستضعفين دل على أنه لا تجب على غيرهم. ويستحب له أن يهاجر لقوله عز وجل (لا تتخذوا اليود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) ولانه إذا أقام في دار الشرك كثر سوادهم، ولانه لا يؤمن أن يميل إليهم، ولانه ربما ملك الدار فاسترق ولده (الشرح) قول الله تعالى (ان الذين توفاهم الملائكة..) الآية 97 من سورة النساء. قول الله تعالى (الا المستضعفين ... ) الآية 98، 99 من سورة النساء قول الله تعالى (لا تتخذوا اليهود ... ) الآية 54 من سورة المائدة الحديث الذى رواه أبو إسحاق الشيرازي في النص بدون ذكر الصحابي فقد أخرجه الترمذي في كتاب السير باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين

عن جرير بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر لهم بنصف العقل وقال أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله ولم قال لا تراءى ناراهما) ومن طريق آخر ولم يذكر فيه عن جرير وقال وهذا أصح، وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد عن جرير والنسائي عن معاوية وابن ماجه عن جرير. وذكر أبو داود أن جماعة رووه مرسلا والترمذي مرسلا وقال أصح، وذكر أن أكثر أصحاب اسماعيل يعنى ابن أبى خالد لم يذكروا فيه جريرا وذكر عن البخاري أنه قال الصحيح مرسل ولم يخرجه النسائي إلا مرسلا، ورواه الطبراني موصولا. اللغة (السير) جمع سيرة وهو الطريق (المهاجرة) من أرض إلى أرض هي ترك الاولى للثانية، والجهاد مشتق من الجهد وهو المشقة. يقال أجهد دابته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، وقيل هو المبالغة واستفرغ ما في الوسع، يقال جهد الرجل في كذا، أي جد فيه وبالغ، ويقال أجهد جهدك في هذا الامر أي وأبلغ غايتك. وقوله تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده وأقسموا بالله جهد أيمانهم) أي بالغوا في اليمين واجتهدوا فيها. والغزو أصله الطلب، يقال ما مغزاك من هذا الامر، أي ما مطلبك، وسمى الغازى غازيا لطلبه الغزو وجمعه غزاة وغزى كناقص ونقص (العقل) نصف الدية قوله (من أسلم في دار الحرب) قلت: رويت أحاديث توافق ما ذكر أو تعارضه وهاك عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) رواه أبو داود. وعن معاوية: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الخطابى معلول وعن ابن عباس: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا. رواه الجماعة الا ابن ماجه لكن له منه: إذا استنفرتم فانفروا. وروت عائشة متنه، متفق عليه، والاول قال الذهبي فيه اسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة،

وقد اختلف في الجمع بين الاحاديث، فقال الخطابى وغيره كانت الهجرة فرضا في أول الاسلام على من أسلم لقلة المسليمن بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقى فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو. اه قال الحافظ وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من اذى من يؤذيه من الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت الآية (ان الذين توفاهم..) وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها. وقال الماوردى: إذا قدر على اظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلدة دار اسلام فالاقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره في الاسلام، ولا يخفى ما في هذا الرأى من المصادمة لاحاديث الباب القاضية بتحريم الاقامة في دار الكفر. وقال البغوي في شرح السنة: يحتمل الجمع بطريق أخرى، فقوله لاهجرة بعد الفتح، أي من مكة إلى المدينة. وقوله لا تنقطع، أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الاسلام، قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لاهجرة، أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه الا بإذن. فقوله لا تنقطع، أي هجرة من هاجر على غير هذا من الاعراب ونحوهم، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الاسماعيلي بلفظ: انقطعت الهجرة بعد الفتح إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار. أي مادام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشى أن يفتن على دينه. واطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى المدينة بغير عذر كان كافرا. قال الحافظ وهو اطلاق مردود، وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار السلام وكانت فرضا في عهد النبي (ص) واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتى انقطعت أصلا هي القصد إلى حيث كان.

وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعا حيث حمل على معصية فعل أو ترك أو طلبها الامام بقوته لسلطانه، وقد ذهب جعفر بن مبشر والهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسا على دار الكفر، وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لانها دار الاسلام. وقال الامام ابن تيمية: المشابهة والمشاكلة في الامور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الامور الباطنة، والمشابهة في الهدى الظاهر توجب مناسبة وائتلافا وإن بعد الزمان والمكان أمر محسوس فمرافقتهم ومساكنتهم ولو قليلا سبب لنوع ما من انتساب أخلاقهم التى هي ملعونة وما كان مظنة لفساد خفى غير منضبط علق الحكم به وأدير التحريم عليه، فمساكنتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الاخلاق والافعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات فيصير مساكن الكافر مثله وأيضا في المشاركة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا مما يشهد به الحس، فإن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم بموجب الطبع، وإذا كانت في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في الامور الدينية، فالموالاة للمشركين تافى الايمان (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وقال ابن القيم في كتاب الهدى: ومنع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة من بينهم. وقال لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. وقال: ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الارض ألزمهم مهاجرا ابراهيم ويبقى في الارض شرار أهلها، يلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، ويحشرهم الله مع القردة والخنازير. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والجهاد فرض، والدليل عليه قوله عز وجل (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) وقوله تعالى (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) وهو فرض

على الكفاية إذا قام به من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لقوله عز وجل (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) ولو كان فرضا على الجميع لما فاضل بين من فعل وبين من ترك، ولانه وعد الجميع بالحسنى فدل على أنه ليس بفرض على الجميع وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلى بنى لحيان وقال ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعدين أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج، ولانه لو جعل فرضا على الاعيان لاشتغل الناس به عن العمارة وطلب المعاش فيؤدى ذلك إلى خراب الارض وهلاك الخلق. (فصل) ويستحب الاكثار منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أفضل؟ قال الايمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله. وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا ابا سعيد من رضى بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة، فقال أعدها يا رسول الله ففعل ثم قال وأخرى يرفع الله بها للعبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض، قلت وما هي يا رسول الله؟ قال الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال والذى نفسي بيده لوددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل. وكان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالها ثلاثا، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزاسبعا وعشرين غزوة وبعث خمسا وثلاثين سرية (فصل) وأقل ما يجزئ في كل سنة مرة، لان الجزية تجب في كل سنة مرة وهى بدل عن القتل فكذلك القتل، ولان في تعطيله في أكثر من سنة يطمع العدو في المسلمين، فإن دعت الحاجة في السنة إلى أكثر من مرة وجب لانه

فرض على الكفاية، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه، فإن دعت الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين أو قلة ما يحتاج إليه من قتالهم من العدة أو للطمع في إسلامهم ونحو ذلك من الاعذار جاز تأخيره لان النبي صلى الله عليه وسلم أخر قتال قريش بالهدنة وأخر قتال غيرهم من القبائل بغير هدنة، ولان ما يرجى من النفع بتأخيره أكثر مما يرجى من النفع بتقديمه فوجب تأخيره (فصل) ولا يجاهد أحد عن أحد بعوض وغير عوض لانه إذا حضر تعين عليه الفرض في حق نفسه، فلا يؤديه عن غيره، كما لا يحج عن غيره وعليه فرضه. (الشرح) حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (بعث إلى بنى لحيان..) أخرجه مسلم وأبو داود في الجهاد بلفظ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى بنى لحيان وقال ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعد أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) وفى رواية أخرى لمسلم (بعث بعثا إلى بنى لحيان من هذيل، فقال ليبعث من كل رجلين أحدهما والاجر بينهما) حديث أبى هريرة رضى الله عنه (أي الاعمال أفضل..) أخرجه الترمذي في باب فضائل الجهاد بلفظ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الاعمال أفضل أو أي الاعمال خير؟ قال إيمان بالله ورسوله، قيل ثم أي شئ؟ قال الجهاد سنام العمل، قيل ثم أي شئ يا رسول الله؟ قال ثم حج مبرور) وفى رواية للبخاري (قيل ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله) كما أخرجه الشيخان والنسائي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (من رضى بالله ربا..) أخرجه النسائي في الجهاد وأبو داود ومسلم في الجهاد بلفظ (من رضى بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة، فعجب أبو سعيد فقال أعدها على يا رسول الله؟ ففعل، ثم قال وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض، قال وما هي يا رسول الله؟ قال الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله

حديث أبى هريرة رضى الله عنه (والذى نفسي بيده لوددت..) أخرجه البخاري في الجهاد، التمنى، النسائي في الجهاد والحاكم ومسلم في الجهاد ولفظه في مسلم (تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلى وإيمانا بى وتصديق برسلى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والذى نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك، والذى نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لاأجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يختلفوا عنى، والذى نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل) ومن طريق آخر به (والذى نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى..) (أثر) روى أن النبي (ص) غزا سبعا وعشرين غزوة) فقد أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى اللغة: الغزوات جمع غزوة وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده والمراد بالغزوات ما وقع من قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه (غير أولى الضرر) هم الاعمى والاعرج والمريض (بنو لحيان) بطن هذيل بكسر اللام (السرية) قطعة من الجيش من خمسين إلى أربعمائة اختارهم الامير مأخوذ من السرى وهو الجهد، وقيل سميت السرية سرية لانها تستخفي في قصدها فتسرى ليلها، وهى فعلية بمعنى فاعلة، يقال سرى وأسرى ولا يكون إلا بالليل (هدنة) هي ترك الحرب وأصلها للسكون قوله (الجهاد فرض) حكى عن ابن شبرمة والثوري أن الجهاد تطوع وليس بفرض، وقالوا (كتب عليكم القتال) ليس على الوجوب بل على الندب كقوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) وقد روى عن ابن عمر نحو ذلك وإن كان مختلفا في صحة الرواية عنه وروى عن عطاء وعمرو بن دينار عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أواجب

الغزو على الناس؟ فقال هو وعمروبن دينار ما علمناه وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك وسائر فقهاء الامصار أن الجهاد فرض إلى يوم القيامة إلا أنه فرض على الكفاية إذا قال به بعضهم كان الباقون في سعة من تركه. وذكر أن سفيان الثوري كان يقول ليس بفرض ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزى فيه بعضهم على بعض، وبهذا يكون مذهبه فرض على الكفاية ان صح القول عنه. (قلت) والجهاد فرض عين على كل مسلم إذا انتهكت حرمة المسلمين في أي بلد فيه لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وكان على الحاكم أن يدعو للجهاد وأن يستنفر المسلمين جميعا، وكانت الطاعة له واجبة بل فريضة كالفرائض الخمس، لقول الله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) ولقول معمر كان مكحول يستقبل القبلة ثم يحلف عشر أيمان أن الغزو واجب، ثم يقول ان شئتم زدتكم ولما روى عن بشير بن الخصاصية قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبايعه فقال علام تبايعني يا رسول الله؟ فمد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فقال على أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبد الله ورسوله، وتصلى الصلوات الخمس المكتوبات لوقتهن، وتؤدى الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله فقلت يا رسول الله كلا لا أطيق إلا اثنتين إبتاء الزكاة فما لى إلا حمولة أهلى وما يقومون به، وأما الجهاد فأنى رجل جبان، فإنى أخاف أن تخشع نفسي فأفر فأبوء بغضب من الله، فقبض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وقال: يا بشير لا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة، فقلت يا رسول الله أبسط يدك، فبسط يده فبايعته عليهن. وغير هذا كثير جدا نكتفي بهذا. أما جزاؤه فالجنة، يشهد بذلك ما يردده القرآن على مسامعنا (إن الله اشترى من المؤمنين. بأن لهم الجنة) وما امتلات به كتب السنة جميعها أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا سبعا وعشرين غزوة، فقد ورد في الترمذي عن زيد بن أرقم قال (تسع عشرة) قال الحافظ في الفتح: لكن روى أبو يعلى من طريق أبى الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون.

وإسناده صحيح وأصله في مسلم، ثم قال وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازى التى خرج فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي وهو مطابق لما عده ابن إسحاق وأخرج عبد الرزاق بإسناده صحيح عن سعيد بن المسيب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاو عشرين، وأما البعوث والسرايا فعند ابن إسحاق ستا وثلاثين، وعندا لواقدي ثمانيا وأربعين، وحكى ابن الجوزى في التلقيح ستا وخمسين وعند المسعودي ستين وو قع عند الحاكم في الاكليل أنها تزيد على المائة وقوله (ولا يجاهد احد..) فهو إجمع فقهاء الامة وعلماء المسلمين، كما لا يجوز أن يحج عن غيره قبل أدائه الفريضة، فارجع إلى كتاب الحج وراجع حديث شبرمة قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب الجهاد على المرأة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجهاد فقال (جهاد كن الحج، أو حسبكن الحج) ولان الجهاد هو القتال وهن لا يقاتلن، ولهذا رأى عمر بن أبى ربيعة امرأة مقتولة فقال إن من أكبر الكبائر عندي * قتل بيضاء حرة عطبول كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول ولا يجب على الخنثى المشكل لانه يجوز أن يكون امرأة فلا يجب عليه بالشك ولا يجب على العبد لقوله عز وجل (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) والعبد لا يجد ما ينفق. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أسلم عنده رجل لا يعرفه قال أحر هو أو مملوك، فإن قال أنا حر بايعه على الاسلام والجهاد، وإن قال أنا مملوك بايعه على الاسلام ولم يبايعه على الجهاد، ولانه عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فلا يجب على العبد كالحج (فصل) ولا يجب على الصبى والمجنون لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ. وروى عروة بن الزبير قال (رد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر كفرا من أصحابه استصغرهم، منهم عبد الله بن عمر وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة وأسامة بن زيد والبراء بن ازب وزيد بن ثابت وزيدبن أرقم وعرابة ابن أوس ورجل من بنى حارثة، فجعلهم حرسا للذراري والنساء، ولانه عبادة على البدن فلا يجب على الصبى والمجنون كالصوم والصلاة والحج (فصل) ولا يجب على الاعمى لقوله عز وجل (ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج) ولا يختلف أهل التفسير أنها في سورة الفتح أنزلت في الجهاد، ولانه لا يصلح للقتال فلم يجب عليه، وان كان في بصره شئ فإن كان يدرك الشخص وما يتقيه من السلاح وجب عليه لانه بقدر على القتال، وإن لم يدرك ذلك لم يجب عليه لانه لا يقدر على القتال ويجب على الاعور والاعشى، وهو الذى يبصر بالنهار دون الليل لانه كالبصير في القتال ولا يجب على الاعرج الذى يعجز عن الركوب والمشى للآية، ولانه لا يقدر على القتال، ويجب عليه إذا قدر على الركوب والمشى لانه يقدر على القتال، ولا يجب على الاقطع والاشل لانه يحتاج في القتال إلى يد يضرب بها ويد يتقى بها، وان قطع أكثر أصابعه لم يجب عليه لانه لا يقدر على القتال، وان قطع الاقل وجب عليه لانه يقدر على القتال ولا يجب على المريض الثقيل للآية، ولانه لا يقدر على القتال ويجب على من به حمى خفيفة أو صداع قليل لانه يقدر على القتال. (فصل) ولا يجب على الفقير الذى لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلا عن نفقة عياله لقوله عز وجل (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) فإن كان القتال على باب البلد أو حواليه وجب عليه، لانه لا يحتاج إلى نفقة الطريق، وإن على مسافة تقصر فيها الصلاة ولم يقدر على مركوب يحمله لم يجب عليه لقوله عز وجل (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون)

لانها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فلم تجب من غير مركوب كالحج، وإن بذل له الامام ما يحتاج إليه من مركوب وجب عليه أن يقبل ويجاهد، لان ما يعطيه الامام حق له، وان بذل له غيره لم يلزمه قبوله، لانه اكتساب مال لتجب به العبادة فلم يجب كاكتساب المال للحج والزكاة (الشرح) حديث عائشة أخرجه البخاري بلفظ (عن عائشة قالت اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجهاد فقال جهادكن الحج وفى رواية أخرى (سأله نساؤه عن الجهاد فقال نعم الجهاد الحج) وفى رواية ثالثة عنها أنها قالت يا رسول الله ترى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ لَكِنْ أفضل الجهاد حج مبرور) حديث على أخرجه أبو داود والحاكم والترمذي وابن ماجه (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم) و (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر) و (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل اللغة: قوله (حسبكن الحج) أي يكفيكن الحج، أي حسبكن من المشقة والتعب ما تجدن من ألم السير للحج ومشقته، قال الله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله) أي كافيك الله، يقال أحسبنى الشئ أي كفانى. قوله (حرة عطبول) الحرة الخالصة الحسب البرية من الريب. والحر الخالص من كل شئ. والعطبول المرأة الحسناء مع تمام خلق وتمام طول، وهذه المرأة ابنة النعمان بن بشير امرأة المختار بن أبى عبيد قتلها مصعب بن الزبير حين قتله فأنكر الناس عليه ذلك وأعظموه لارتكابه مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله (كتب القتل) أي فرض وأوجب، والغانيات جمع غانية، وهى التى استغنت بزوجها عن غيره، وقيل استغنت بحسنها عن لباس الحلى والزينة. وجر الذيول أراد ما تجره المرأة خلفها من فضل ثوبها، وهو منهى عنه مكروه وبعد البيتين: قتلت باطلا على غير شئ * إن الله درها من قتيل

قوله (فجعلهم حرسا للذراري) جمع حارس، والحراسة هي الحفظ، حرسه حراسة أي حفظه، ومنه حرس السلطان الذين يحفظونه قوله (وصابرا محتسبا) أي طالبا للثواب قوله (التقاء الزحفين) الزحف الجيش، يزحفون إلى العدو أي يمشون قوله (التغرير) التغرير بالنفس المخاطرة والتقدم على غير ثقة وما يؤدى إلى الهلاك. قوله: ولا يجب الجهاد. قلت لا يجب عليها القتال، أما خروجها للغزو فقد أخرج أبو داود عن أنس بن مالك قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الانصار يسقين الماء ويداوين الجرحى. وروى أن نسوة خرجن معه فأمر بردهن. وقال الامام الخطابى في الحديث الاول دلالة على جواز الخروج بهن في الغزو لنوع من الرفق والخدمة، ثم قال يشبه أن يكون رده إياهن لاحد معنيين، إما أن يكون في حال ليس بالمستظهر بالقوة الغلبة على العدو فخاف عليهن فردهن أو يكون الخارجات معه من حداثة السن الجمال بالموضع الذى يخاف فتنتهن. وقال الشوكاني: لا يجوز قتل النساء والصبيان، وإلى ذلك ذهب مالك والاوزاعي، وذهب الشافعي والكوفيون إلى أنه إذا قاتلت المرأة جاز قتلها. وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه، ويدل على ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه؟ فقال رجل أنا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سبقي لتقتلني فقتلتها، فلم ينكر عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووصله الطيرانى في الكبير وفيه حجاج بن أرطاة، ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان، ولا يوجب القتال على الصبى والاعمى والاعرج ولا على من لا يجد القوة عليه مالا أو جسدا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب على من عليه دين حال أن يجاهد من غير إذن غريمه، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا رسول الله: أرأيت إن قتلت في سبيل الله كفر الله خطاياى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كفر الله خطاياك إلا الدين، كذلك قال لى جبريل، ولان فرض الدين متعين عليه فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم عنه غيره مقامه، فإن استناب من يقضيه من مال حاضر جاز لان الغريم يصل إلى حقه، وإن كان من مال غائب لم يجز لانه قد يتلف فيضيع حق الغريم، وإن كان الدين مؤجلا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز أن يجاهد من غير إذن الغريم كما يجوز أن يسافر لغير الجهاد (والثانى) أنه لا يجوز لانه يتعرض للقتل طلبا للشهادة فلا يؤمن أن يقتل فيضيع دينه. (الشرح) حديث أبى قتادة رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ولاحمد والنسائي من حديث أبى هريرة مثله ولفظه (عن أبى قتادة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والايمان بالله أفضل الاعمال، فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عنى خطاياى، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف قلت؟ قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عنى خطاياى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لى كذلك) لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد الا بإذن من له الدين لانه حق لآدمي والجهاد حق الله تعالى وينبغى أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كدم وعرض لعدم الفرق بين حق وحق، وقد استدل بحديث عبد الله بن عمرو

يغفر الله للشهيد كل ذنب الا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لى ذلك رواه مسلم وأحمد على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير اذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهى المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد، وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك فقال ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بإذن الغريم لقوله صلى الله عليه وسلم نعم الا الدين. الخبر، فإذا منع الشهادة بطلت ثمرة الجهاد. اه ولا يخفى ان بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع من الشهادة بل هو شهيد مغفور له كل ذنب الا الدين وغفر ان ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد فكيف بمغفرة جميع الذنوب الا واحدا منها، فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا وغاية ما اشتملت عليه الاحاديث هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه الا الدين، وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد الا بإذن من له الدين، بل ان أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج، وان رضى بأن يبقى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان، وهذا إذا كان الدين حالا وأما كان مؤجلا ففى ذلك وجهان قال الامام يحيى أصحهما يعتبر الاذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة وقيل لا كالخروج للتجارة قال في البحر ويصح الرجوع عن الاذن قبل التحام القتال إذ الحق له لا بعده لما فيه من الوهن قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان أحدا أبويه مسلما لم يجز أن يجاهد بغير إذنه لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذنه في الجهاد، فقال أحى والداك؟ قال نعم، قال ففيهما فجاهد. وروى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ، فقال الصلاة لميقاتها، قلت ثم ماذا؟ قال بر الوالدين، قلت ثم ماذا؟

قال الجهاد في سبيل الله، فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولان الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لانه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس رضى الله عنه إنى نذرت أن أغزوا الروم وأن أبوى منعاني، فقال أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك. وإن لم يكن له أبوان وله جدا أو جدة لم يجز أن يجاهد من غير إذنهما، لانهما كالابوين في البر، وان كان له أب وجد أو أم وحدة فهل يلزمه استئذان الاب مع الجد أو استئذان الجدة مع الام فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لان الاب والام يحجبان الجد وللجدة عن الولاية والحضانة (والثانى) يلزمه وهو الصحيح عندي لان وجود الابوين لا يسقط بر الحدين ولا ينقص شفقتهما عليه. وان كان الابوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما لانهما متهمان في الدين، وان كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا أنه يجاهد من غير اذنهما لانه لا إذن لهما في أنفسهما فلم يعتبر اذنهما لغيرهما قال الشيخ الامام وعندي أنه لا يجوز أن يجاهد الا بإذنهما، لان المملوك كالحر في البر والشفقة فكان كالحر في اعتبار الاذن. وان أراد الولد أن يسافر في تجارة أو طلب علم جاز من غير اذن الابوين لان الغالب في سفره السلامة (فصل) وان أذن الغريم لغريمه أو الوالد لولده ثم رجعا أو كانا كافرين فأسلما، فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج الا بالاذن، وان كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان أحدهما أنه لا يجوز أن يجاهد الا بالاذن لانه عذر يمنع وجوب الجهاد فإذا طرا منع من الوجوب كالعمى والمرض والثانى أنه يجاهد من غير اذن، لانه اجتمع حقان متعينان وتعين الجهاد سابق فقدم، وان أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير اذن الغريم ومن غير اذن الابوين، لان ترك الجهاد في هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الغريم والابوين.

(الشرح) حديث عبد الله بن عمرو رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه، ولمسلم من طريق آخر (ارجع إلى والدتك فأحسن صحبتها) حديث ابن مسعود قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله، حدثنى بهن ولو استزدئه لزادنى) متفق عليه قال الشوكاني: يجب استئذان الابوين في الجهاد، وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الابوان أو أحدهما، لان برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال، جاء رجل إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن أفضل الاعمال قال الصلاة، قال ثم مه؟ قال الجهاد، قال فإن لى والدين، فقال آمرك بوالديك خير، فقال والذى بعثك نبيا لاجاهدن ولا تركنهما قال فأنت أعلم، وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الاحاديث، وهذا بشرط أن يكون الابوان مسلمين. وهل يلحق بهما الجد والجدة؟ الاصح عند الشافعية ذلك، وظاهره عدم الفرق بين الاحرار والعبيد. اه قال ابن حزم ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الابوين إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الابوان أم لا يأذنا إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده فلا يحل له ترك من يضيع منهما قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويكره الغزو من غير اذن الامام أو الامير من قبله، لان الغزو على حسب حال الحاجة، والامام الامير أعرف بذلك، ولا يحرم لانه ليس فيه أكثر من التغرير بالنفس والتغرير بالنفس يجوز في الجهاد (فصل) ويجب على الامام أن يشحن ما يلى الكفار من بلاد المسلمين يجيوش يكفون من يليهم ويستعمل عليهم امراء ثقات من أهل الاسلام مدبرين لانه إذا لم يفعل ذلك لم يؤمن إذا توجه في جهة الغزو أن يدخل العدو من جهة أخرى فيملك بلاد الاسلام

وإن احتاج إلى بناء حصن أو حفر خندق فعل، لان النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق. وقال البراء بن عازب رأيت النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ينقل التراب حتى وارى التراب شعره وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة وهو يقول (اللهم لولا أنت ما اهدينا * ولا تصدقنا ولاصلينا * فأنزلن سكينة علينا * وثبت الاقدام إن لاقينا، وإذا أراد الغزو وبدأ بالاهم فالاهم لقوله عز وجل (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) فإذا استوت الجهاد في الخوف اجتهد وبدأ بأهمها عنده. (الشرح) حديث البراء بن عازب أخرجه البخاري في الجهاد ومسلم في المغازى اللغة: قوله (ويجب أن يشحن) أي يملا. يقال شحنت البلد بالخيل ملاته وبالبلد شحنة من الخيل أي رابطة، قال الله تعالى (في الفلك المشحون) أي المملوء قوله (مدبرين) المدبر الذى ينظر في دبر الامر أي عاقبته قوله (برجز عبد الله ابن رواحة وهو يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا) فيه خزم من طريق العروض ويستقيم وزونه لاهم والالف واللام زائدتان على الوزن، وذلك يجئ في الشعر كما روى عن على كرم الله وجهه أشدد حيازيمك للمو * ت فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من المو * ت إذا حل بواديكا فإن قوله اشدد خزم كله، والخزم بالزاى وزنه مفاعيلن ثلاث مرات وهو هزج قوله (فأنزلن سكينة علينا) السكينة فعيلة من السكون وهو الوفار والطمأنينة وما يسكن به الانسان، وقيل هي الرحمة، فيكون المعنى أنزل علينا رحمة أو ما تسكن به قلوبنا من خوف العدو ورعبه. وأما السكينة التى في القرآن في قوله تعالى (التابوت فيه سكينة من ربكم) قيل له وجه مثل وجه الانسان ثم هي بعد ريح هفافة. وقيل لها رأس مثل رأسالهر وجناحان، وهى من أمر الله عزوجل، ولعلهم كانوا ينتصرون بها كما نصر بها طالوت على جالوت قوله (وثبت الاقدام ان لا قينا) يقال رجل ثبت في الحرب وثبت، أي لا يزول عن مكانه عند لقاء العدو، وقال الله تعالى (وثبت أقدامنا) ويجوز أن

يكون ثابت القلب كما قيل. ثبت إذا صبح بالقوم وفر. قوله (عرض الجيش) يقال عرضت الجيش أي أظهرتهم فنظرت ما حولهم، وكذلك عرضت الجارية على البيع عرضا، أي أظهرتها لذلك. وقوله (ولا يأذن لمخذل) هو الذى يقول بالكفار وكثرة خيلهم جيدة وما شاكله يقصد بذلك خذلان المسلمين، وهو التخلف عن النصرة وترك الاعانة، يقال للظبى إذا تخلف عن القطيع خذل، ويقال خذلت الوحشية إذا أقامت على ولدها وتخلفت، قال طرفة: خذول تراعى ربربا بحميلة قال أبو بكر الحصاص في أحكام القرآن: الجهاد واجب مع الفساق كوجوبه مع العدول وسائر الآية الموجبة لفرض الجهاد لم يفرق بين فعله مع الفساق ومع العدول الصالحين، وأيضا فان الفساق إذا جاهدوا فهم مطيعون في ذلك. وقال ابن حزم: ومن أمره الامير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه أن يطبعه في ذلك إلا من له عذر قاطع. وقال الشوكاني: ان الجهاد لا يزال ما دام الاسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال، وأخرج أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا من حديث أبى هريرة (الجهاد ماض مع البر والفاجر) ولا بأس بإسناده إلا أنه من رواية مكحول عن أبى هريرة ولم يسمع منه، ثم قال لافرق في حصول فضيلة الجهاد بين أن يكون الغزو مع الامام العادل أو الجائر (قلت) أما كراهة الغزو إلا بإذن الامام فحقا إلا إذا تخاذل الامام ونكص على عقبيه فقد وقع الفرض على المسلمين بالقتال فورا، أما وجوب الاستعداد بكافة الاسلحة على اختلاف أنواعها فقد أوجبها المصدر الاول للمسلمين إذ يقول الله عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) . قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا أراد الخروج عرض الجيش ولا يأذن لمخذل ولا لمن يعاون الكفار بالمكاتبة لقوله عز وجل (لو خرجوا فيكم ما زادواكم إلا خبالا ولاوضعوا

خلالكم يبغونكم الفتنة) قيل في التفسير لاوقعوا بينكم الاختلاف، وقيل لا شرعوا في تفريق جمعكم، ولان في حضورهم إضرار بالمسلمين ولا نستعين بالكفار من غير حاجة، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فقال له تؤمن بالله ورسوله قال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك، فان احتاج أن يستعين بهم فان لم يكن من يستعين به حسن الرأى في المسلمين لم نستعن به، لان ما يخاف من الضرر بحضورهم أكثر مما يرجى من النفعة، وان كان حسن الرأى في المسلمين جاز أن نستعين بهم، لان صفوان بن أمية شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شركه حرب هوازن، وسمع رجلا يقول غلبت هوازن، وقتل محمد فقال بفيك الحجر لرب من قريش أحب إلى من رب من هوازن، وإن احتاج إلى أن يستأجرهم جاز، لانه لا يقع الجهاد له وفى القدر الذى يستأجر به وجهان. (أحدهما) لا يجوز له أن تبلغ الاجرة سهم راجل لانه ليس من أهل فرض الجهاد فلا يبلغ حقه سهم راجل كالصبى والمرأة. (والثانى) وهو المذهب أنه يجوز، لانه عوض في الاجارة فجاز أن يبلغ قدر سهم الراجل كالاجرة في سائر الاجارات، ويجوز أن يأذن للنساء لما روت الربيع بنت معوذ قالت: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخدم القوم ونسقيهم الماء ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة، ويجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان لان فيهم معاونة، ولا يأذن لمجنون لانه يعرضه للهلاك من غير منفعة، وينبغى أن يتعاهد الخيل فلا يدخل حطبا وهو الكسير ولا فحما وهو الكبير ولا ضرعا هو الصغير ولا أعجف وهو الهزيل لانه ربما كان سببا للهزيمة ولانه يزاحم به الغانمين في سهمهم ويأخذ البيعة على الجيش أن لا يفروا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كنا يوم الحديبية ألف رجل وأربعمائة فبايعناه تحت الشجرة على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ويوجه الطلائع ومن يتجسس أخبار الكفار، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخندق من يأتينا بخبر القول فقال الزبير أنا، فقال إن لكل نبى حواريا وحواري الزبير والمستحب أن يخرج يوم الخميس، لما روى كعب بن مالك قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج في سفر الا يوم الخميس، ويستحب أن يعقد الرايات ويجعل تحت كل راية طائفة، لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن أبا سفيان أسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عباس احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها، قال العباس فحبسته حيث أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومرت به القبائل على راياتها حتى مر بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتبية الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال من هؤلاء يا عباس؟ قال قلت هذا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المهاجرين والانصار، فقال ما لاحد بهؤلاء من قبل، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، والمستحب أن يدخل إلى دار الحرب بتعبية الحرب، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح مكة فجعل خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين، وجعل الزبير على الاخرى وجعل أبا عبيدة على الساقة وبطن الوادي، ولان ذلك أحوط للحرب وأبلغ في إرهاب العدو. (الشرح) حديث عائشة (خرج النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان مجرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأوه، فلما أدركه قال جئت لاتبعك فأصيب معك، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تؤمن بالله ورسوله؟ قال لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك، قالت ثم مضى حتى إذا مر بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال أول مرة فقال لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك،، قال فرجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أو مرة تؤمن بالله ورسوله؟ قال نعم، قال فانطلق) روا احمد ومسلم، وفى رواية أخرى لاحمد (انا لا نستعين بالمشركين على المشركين فأسلمنا وشهدنا معه)

حديث صفوان (قال الحافظ بنى حجر في تلخيص الحبير أنه أعطى عيينه بن حصن والاقرع بن حابس وأبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية) مسلم ثم قال والصواب أنه من الغنائم. وذكر النووي في شرح مسلم (وقد جاء في الْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، وذكره الشوكاني ولم يشر إلى مخرجه، وبالبحث عنه في مسلم لم أعثر عليه ولكن أخرج أبو داود في مراسيله والترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم استعان بناس من اليهود في خبير في حربه فأسهم لهم) حديث الربيع بنت معوذ أخرجه البخاري وأحمد (جابر (كنا يوم الحديبية) مسلم في المغازى والترمذي في السير والنسائي في البيعة. حديث جابر (من يأتينا بخبر القوم) متفق عليه حديث كعب رواه البخاري ومسلم بلفظ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يجب أن يخرج يوم الخميس حديث ابن عباس في البخاري رواه ابن سعد في الطبقات وكتب السيرة وأبو بنحوه حديث أبو هريرة جزء من حديث أخرجه أحمد وأبو داود ومسلم والنسائي اللغة: قوله (ما زادوكم إلا خبالا) أي فسادا وقد خبله خبله واختبله إذا أفسد عقله أو عضوه ولاوضعوا خلالكم أي أسرعوا في السير، يقال وضع البعير يضع وأوضعه راكبه إذا حمله على العدو السريع. وخلالكم بينكم والخلة الفرجة بين الشيئين والجمع الخلال. قوله (بفيك الحجر) يقال هذا لمن يتكلم بغير الحق دعاء على طريق التكذيب قوله (لرب من قريش) أي سيد والرب السيد الرئيس، وكان يقال لحذيفة بن بدر رب معد أي سيدها. قوله (ويوجه الطلائع ومن يتجس، الطلائع جمع طليعة وهو من يبعث أمام الجيش ليطع طلع العدو أي ينظر إليهم. والتجسس بالجيم طلب الاخبار

والبحث عنها، وكذلك تجسس الخبر بالحاء، ومنهم من يفرق بينهما فيقول تحسست بالحاء في الخير والشر وبالجيم في الشر لا غير. قالوا والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير، وقيل بالحاء أن تطلبه لنفسك وبالجيم لغيرك. قوله (إن لكل نبى حواريا وحواى الزبير) قيل معناه أنه مخصص من أصحابي ومفضل من الخبز الحوارى وهو أفضل الخبز وأرفعه. وحواري عيسى هم المفضلون عنده وخاصته. وقيل لانهم كانوا يحورون ثيابهم أي يبيضونها، والتحوير التبييض. وقيل لانهم كانوا قصارين، وقيل لان الحوارى الناصر، والصحيح أنه الخالص النقى من حورت الدقيق إذا أخلصته ونقيته من الحشو، ويقال لنساء الحضر حواريات لبياضهن ونعمتهن قوله (في الكتيبة الخضراء) الكتيبة قطعة من الجيش من أربعمائة إلى ألف اشتقاقها من الكتب وهو الجمع والانضمام وقد ذكر. وسميت خضراء لما يرى عليها من لون الحديد وخضرته وسواده، والخضرة عند العرب السواد، يقال دليل أخضر قاله ابن الاعرابي وأنشد: ناق خبى خببا زورا * وعارضي الليل إذا ما اخضرا أي اسود. قوله (ما لاحد بهؤلاء من قبل) أي طاقة. قال الله تعالى (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها. قوله (إحدى المجنبتين) بكسر النون، أي كتيبتين أخذتا الجانبين اليمين والشمال من جانبى الطريق، ويقال المجنبة اليمنى والمجنبة اليسرى قوله (على الساقة) أي على آخر العسكر، كأنهم يسوقون الذين قبلهم. قوله (حمر النعم) خص الحمر دون غيرها، لانها عندهم خير المال، والنعم هي الابل والانعام، الابل والبقر والغنم، قد سمى ايضا نعما، قال الله تَعَالَى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قال النووي في شرح مسلم: أخذ طائفة من العلماء بكراهة الاستعانة في الغزو بكافر إلا لحاجة على إطلاقه. وقال الشافعي وآخرون إن كان الكافر حسن الرأى في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به أستعين به وإلا فيكره

وقال الشوكاني ان الظاهر من الادلة عدم جواز الاستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وسلم (إنا لا نستعين بالمشركين) من العموم. وكذلك قوله (أنا لا أستعين بمشرك) ولا يصلح مرسل الزهري لمارضة ذلك لما قيل أن مراسيل الزهري ضعيفة، ثم قال ويؤيده قوله تعالى (ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين سبيلا) وقد أخرج الشيخان عن البراء بن عازب قال (جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمل قليل وأجر كثير. وأما استعانته صلى الله عليه وسلم بابن أبى فليس ذلك الا لاظهاره الاسلام. وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أذن له بذلك في ابتداء الامر، وغاية ما فيه أنه يجوز للامام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين وقال ابن حزم ولا يحضر مغازى المسلمين كافر. ثم روى عن الزهري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغزو باليهود فيسهم لهم كسهام المسلمين. وروى عن سعد بن أبى وقاص غزا بقومه من اليهود فرضح لهم. وروى عن الشعبى حينما سأل عن المسلمين يغزون بأهل الكتاب، فقال الشعبى أدركت الائمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم ويضغون عنهم جزيتهم، فذلك لهن نقل حسن ثم قال وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو سليمان لا يسهم لهم، قال أبو سليمان ولا يرضخ لهم ولا يستعان بهم. قال أبو ممد حديث الزهري مرسل ولا حجة في مرسل، ولقد كان يلزم الحنفيين والمالكيين القائلين بالمرسل أن يقولوا بهذا لانه من أحسن المراسيل، لا سيما مع قول الشعبى انه أدرك الناس على هذا، ولا نعلم لسعد مخالفا في ذلك من الصحابة ثم قال لكن الحجة في ذلك ما رويناه عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (انا لا نستعين بمشرك) فصح أنه لا حق في الغنائم لغير المسلمين. وقال الشوكاني يجوز للمرأة الاجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة قال ابن بطال ويختص بذلك بذوات المحارم وان دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولامس

ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها، بل غسلها من وارء حائل في قول بعضهم كالزهري وفى قول الاكثر تيمم وقال الاوزاعي تدفن كما هي قال ابن المنير: الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، وهكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه (قلت) وقد توقفت عن الكلام في عدم استعمال المجانين في القتال، وكذا أنواع الخيول التى أشار إليها المؤلف، وأخذ البيعة والتجسس لحساب المسلمين لانها من الامور المسلم بها التى لم يختلف فيها أحد، والتى لا زال معمولا بها عسكريا حتى في القرن العشرين عصر المدنية، ألا فليستيقظ المسلمون بالرجوع إلى ربهم وسنة نبيهم قوله (والمستحب أن يخرج يوم الخميس) قال الحافظ في الفتح: لعل سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم (بورك لامتي في بكورها يوم الخميس) وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني. قال وكونه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت اه. وقال ابن حزم ونستحب الخروج للسفر يوم الخميس قوله (ويستحب أن يعقد الرايات) و (أن يدخل دار الحرب بتعبئة) فصلاة الله وسلامه عليك يا رسول الله فلقد قلت وشرعت نظم الحرب الحديثة فلا زال العمل جار بالالوية والرايات قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم إلى الاسلام، لانه لا يلزمهم الاسلام قبل العلم، والدليل عليه قوله عز وجل (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم وإن بلغتهم الدعوة فالاحب أن يعرض عليهم الاسلام لما روى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى كرم الله وجهه يوم خيبر (إذا نزلت بساحتهم فادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لان يهدى الله بهداك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وان قاتلهم من غير أن يعرض عليهم الاسلام جاز لما روى نافع قال (أغاز رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بنى المصطلق وهم غارون وروى وهم غافلون. (الشرح) حديث سهل بن سعد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر فقال أين على؟ فقيل انه يشتكى عينيه، فأمر فدعى له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأن لم يكن به شئ، فقال فقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لان يهتدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم) متفق عليه حديث نافع ولفظه (عن ابن عوف قال كتبت إلى نافع أسألة عن الدعاء قبل القتال فكتب إلى إنما كان ذلك في أول الاسلام وقد أغار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحارث، حدثنى بن عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش) متفق عليه قوله (أغار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بنى المصطلق وهم غارون) أي غافلون على غير علم ولا حذر. يقال رجل غر إذا لم يحرب الامور بالكسر وفى الحديث المؤمن غر وكريم الغرة الغفلة والغار الغافل، وسمى المصطلق لحسن صوته والصلق الصوت الشديد عن الاصمعي، وفى الحديث ليس منا من صلق ولا حلق. قوله (عصموا منى دماءهم وأموالهم) أي منعوا، والعصمة المنع، يقال عصمه الطعام أي منعه من الجوع، لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. قال الشوكاني في المسألة ثلاثة مذاهب (الاول) أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الاسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه، وبه قال مالك والهادوية وغيرهم، وظاهر الحديث معهم

(والثانى) أنه لا يجب مطلقا (الثالث) أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب. قال ابن المنذر وهو قول جمهور أهل العلم وقد تظارهت الاحاديث الصحيحة على معناه، وبه يجمع ما بين ظاهر الاختلاف من الاحاديث، وقد زعم الامام المهدى أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة مجمع عليه، ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة وقد حكاها المازرى وأبو بكر بن العربي وقال الخطابى: وقد اختلف العلماء، فقال مالك بن أنس لا يقاتلون حتى يدعوا أو يؤذنوا. وقال الحسن البصري. يجوز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا قد بلغتهم الدعوة، وكذلك قال الثوري وأصحاب الرأى، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. واحتج الشافعي في ذلك بقتل ابن أبى الحقيق قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) فإن كانوا ممن لا يجوز إقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم إلى أن يسلموا، لقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؟ فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) وإن كانوا ممن يجوز إقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم إلى أن يسلموا أن يبذلوا الجزية، والدليل عليه قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) وروى بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا بعث أميرا على جيش أو سرية قال إذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى احدى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الدخول في الاسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار الهجرة، فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن دخلوا في الاسلام وأبوا أن يتحولوا لالى دار الهجرة، فأخبرهم أنهم كاعراب المؤمنين الذين يجرى عليه حكم الله تعالى ولا يكون لهم في الفئ

والغنيمة شئ حتى يجاهدوا مع المؤمنين فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبو فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم ثم قاتلهم، ويستحب الاستنصار بالضعفاء لما روى أبو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: ائتونى بضعفائكم فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، ويستحب أن يدع عند التقاء الصفين لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غزا قال: الهم أنت عضدي وأنت ناصرى وبك أقاتل وروى أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خاف أمرا قال اللهم انى اجعلك في نحورهم واعوذ بك من شرورهم، ويستحب أن يحرض الجيش على القتال لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يا معشر الانصار هذه أوباش قريش قد جمعت لكم إذا لقيتموهم غدا فاحصدوهم حصدا. وروى سعد رضى الله عنه قال نثل لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنانته يوم أحد وقال ارم فداك أبى وأمى، ويستحب أن يكبر عند لقاء العدو لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غزا خيبر، فلما رأى القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، قالها ثلاثا، ولا يرفع الصوت بالتكبير لما روى أبو موسى الاشعري قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في غزوة فأشرفوا على واد، فجعل الناس يكبرون ويهللن الله أكبر الله أكبر، يرفعون أصواتهم، فقال يا أيها الناس انكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون قريبا سميعا إنه معكم (الشرح) حديث (أمرت أن أقاتل الناس..) أخرجه البخاري ومسلم والاربعة عن ابى هريرة، وفى رواية متفق عليها عن ابن عمر (والنسائي) عن أبى بكرة والحاكم عن أبى هريرة. حديث بريدة رضى الله عنه أخرجه مسلم في المغازى، أبو داود في المغزى الترمذي في السير ابن ماجه في الجهاد والحاكم من طريق أبى نجيح

حديث أبى الدرداء أخرجه أبو داود في الجهاد الترمذي في الجهاد النسائي في الجهاد. حديث أنس أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب ما يدعى عند اللقاء (اللهم انت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل) وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب والنسائي. حديث أبى موسى الاشعري (كان إذا خاف أمر) أخرجه أبو داود والنسائي حديث أنس متفق عليه (أبى موسى الاشعري (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عزوة فأشرفوا على واد) متفق عليه. اللغة: قوله (هذه أوباش قريش) الاوباش الجماعات والاخلاط من قبائل شتى ويقال أو شاب بتقديم الشين أيضا. قوله (فاحصدوهم) أي استأصلوهم بالقتل وأصله من حصاد الزرع وهو قطعه. قال الله تعالى (فجعلناهم حصيدا) قوله (نثل لى كناننه) أي صبها واستخرج ما فيها ما النبل بمنزلة نثرها. قوله (أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) ساحة القوم هي العرصة التى يديرون أخبيتهم حولها وساء نقيض سر، يقال ساءه ساءه يسوء سواءا بالفتح، وساءه نقيض سره تمسك القائلون بأنه لا تؤخذ الجزية من الكتابى إذا كان عربيا بما رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس قال مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إلى أبى طالب، فقال يا ابن أخى ما تريد من قومك قال أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها العجم الجزية، قال كلمة واحدة، قولوا لا اله الا الله، قالوا الها واحدا؟ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا الاختلاق، قال فنزل فيهم القرآن (ص والقرآن ذى الذكر إلى قوله ان هذا الاختلاق) وقال الحافظ في الفتح: فأما اليهود والنصارى فهم المردا أهل الكتاب بالاتفاق، وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب. وحكى الطحاوي عنهم أنها تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم

ولا يقبل من مشركي العرب إلا إلاسلام أو السيف. وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتدوا به. قال الاوزاعي وفقهاء الشام وحكى ابن القاسم عن مالك أنها لا تقبل من قريش، وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس، لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط. وقال الشافعي تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك مستدلا بما رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى حدثنى بها عبد الرحمن بن عوف أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذها من مجوس هجر. قال أبو عبيد في كتاب الاموال: ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة. أما ما أورده من نصيحته للامراء بأن يبينوا للاعداء أن القتال ما فرض في الاسلام إلا لانتشال الناس من عبادة بعضهم لبعض إلى عبادة الله الواحد القهار والاستنصار بالضعفاء والدعاء عند الالتحام وتحريض الجيوس على القتال وتذكيرهم بحق الله والتكبير عند الهجوم وعدم رفع الصوت، فهى من المبادئ الاساسية التى ما زال معمولا بها في الحروب وليت المسلمون اليوم يكبرون بدل أن يقولوا ألفاظا غير مفهومة منقولة عن من لا دين لهم حتى يكون الله معهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإذا التقى الزحفان ولم يزد عدد الكفار على مثلى عدد المسلمين ولم يخافوا الهلاك تعين عليهم فرض الجهاد لقوله عز وجل (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وان يكنم منكم ألف يغلبوا ألفين) وهذا أمر بلفظ الخبر، لانه لو كان خبرا لم يقع الخبر بخلاف المخبر فدل على أنه أمر المائة بمصابرة المائتين، وأمر الانف بمصابرة الالفين، ولا يجوز لمن تعين عليه أن يولى إلا منحرفا لقتال، وهو أن ينتقل من مكان إلى مكان أمكن للقتال أو متحيزا إلى فئة، وهو أن ينضم إلى قوم ليعود معهم إلى القتال،

والدليل عليه قوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار، ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) وسواء كانت الفئة قريبة أو بعيدة، والدليل عليه ما روى ابن عمر رضى الله عنه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة عظيمة وكنت ممن حاص، فلما برزنا قلت كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بغضب ربنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا وقلنا نحن الفرارون، فقال لابل أنتم العكارون، فدنونا فقبلنا يده فقال انا فئة المسلمين. وروى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: انا فئة كل مسلم، وهو بالمدينة وجيوشة في الآفاق، فإن ولى غير متحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة أثم وارتكب كبيرة. والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الكبائر سبع أولهن الشرك بالله، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بدارا أن يكبروا، وفرار يوم الزحف، ورمى المحصنات وانقلاب إلى الاعراب، فإنى غلب على ظنهم أنهم ان ثبتوا لمنليهم هلكوا ففيه وجهان (أحدهما) أن لهم أن يولوا لقوله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (والثانى) أنه ليس لهم أن يولوا وهو الصحيح لقوله عز وجل (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) ولان المجاهد انما يقاتل ليقتل أو يقتل وان زاد عدد الكفار على مثلى عدد المسلمين فلهم أن يولوا، لانه لما أوجب الله عز وجل على المائة مصابرة المائتين دل على أنه لا يجب عليهم مصابرة ما زاد على المائتين. وروى عطاء عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال (من فر من اثنين فقد فرو من فر من ثلاثة فلم يفر) وان غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون فالافضل أن يثبتوا حتى لا ينكسر المسلمون، وان غلب على ظنهم أنهم يهلكون ففيه وجهان (أحدهما) أنه يلزمهم أن ينصرفوا لقوله عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (والثانى) أنه يستحب أن ينصرفوا ولا يلزمهم، لانهم ان قتلوا فازوا بالشهادة وان لقى رجل من المسلمين رجلين من المشركين في غير الحرب، فإن طلباه ولم

يطلبهما فله أن يولى عنهما، لانه غير متأهب للقتال، وإن طلبهما ولم يطلباه ففيه وجهان (أحدهما) أن له أن يولى عنهما لان فرض الجهاد في الجماعة دون الانفراد (والثانى) أنه يحرم عليه أن يولى عنهما، لانه مجاهد لهما فلم يول عنهما، كما لو كان مع جماعة. (الشرح) حديث ابن عمر أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وقال لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أبى زياد، ويزيد بن أبى زيادتكلم فيه غير واحد من الائمة. حديث عمر أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا حديث أبى هريرة متفق عليه قول ابن عباس بلفظ (من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر) أخرجه الحاكم والطبراني والشافعي اللغة: قوله (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) الزحف سير القوم إلى القوم في الحرب يقال زحفوا ودلفوا إذا تقاربوا ودنوا قليلا قليلا، وقيل لبعض نساء العرب ما بالكن رسحا، فقال ارسحتنا نار الزحفين والرسحاء التى لا عجيزة لها، ومعنى نار الزحفين أن النار إذا اشتد لهبهار جعن عنها تباعدن بجر أعجازهن ولا يمشين فإذا سكن لهبها وهان وهجها زحفن إليها وقربن منها قوله (متحرفا لقتال) تحرف وانحرف إذا مال، مأخوذ من حرف الشئ وهو طرفه، أي مال عن معظم القتال، ووسط الصف إلى مكان أمكن له الكر والفر أو متحيزا، يقال تحيز وانحاز وتحوز إذا انضم إلى غيره والحين الفريق والفئة الجماعة مشتق من الفأ وهو القطع كأنها انقطعت عن غيرها والجمع فئات وفئون، وقال الهروي من فأيت رأسه وفأوته إذا شققته فانفا. قوله (فقد باء بغضب من الله) أي لزمه الغضب ورجع به، وقد ذكر. قوله (فحاص الناس حيصة) أي حادوا عن القتال وانهزموا، يقال حاص عن القتال يحيص حيصا إذا حاد عنه، وبؤنا بغضب ربنا، أي انصرفنا وقد لزمنا الغضب، وتبوأ المنزل إذا لزمه، وروى حاص بالحاء والصاد المهملتين، ومعناه

هربوا من قوله تعالى (ولا يجدون عنها محيصا) أي هربا ومفرا، وقوله تعالى (مالنا من محيص) أي مفر قوله (بل أنتم العكارون) هم الكرارون العطافون في القتال، يقال عكر يعكر عكرا إذا عطف والعكرة الكرة. قوله (وانقلاب إلى الاعراب) لعله ترك الجمعة والجماعة والجهاد. قال الجصاص في كتاب إحكام الاحكام في الآية (الآن خفف الله عنكم) ايجاب فرض القتال على الواحد لرجلين من الكفار فإن زاد عدد الكفار على اثنين فجائز حينئذ للواحد التحيز إلى فئة من المسلمين فيها نصرة، فأما أن أراد الفرار ليلحق بقوم من المسلمين لا نصرة معهم فهو من أهل الوعيد المذكور في قوله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره) وقال عمر بن الخطاب لما بلغه أن أبا عبيد ابن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم: رحم الله أبا عبيد لو انحاز إلى لكنت له فئة، فلما رجع إليه أصحاب أبى عبيد قال أنا فئة لكم ولم يعنفهم، وهذا الحكم عندنا ثابت ما لم يبلغ عدد جيش المسلمين اثنى عشر ألفا لا يجوز لهم أن ينهزموا عن مثلهم الا متحرفين لقتال، وهو أن يصيروا من موضع إلى غيره مكايدين لعدوهم من نحو خروج من مضيق إلى فسحة أو من سعة من المسلمين يقاتلونهم معهم، فإذا بلغوا اثنى عشر ألفا فإن محمد بن الحسن ذكر أن الجيش إذا بلغوا كذلك فليس لهم أن يفروا من عدوهم وان كثر عددهم، ولم يذكر خلافا بين أصحابنا فيه. واحتج بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير الاصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة وخبر الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى إثنى عشر ألفا من قلة ولن يغلب. وفى بعضها ما غلب قوم يبلغون اثنى عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم. وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله وحكم بغيرها؟ فقال له مالك ان كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك التخلف والا فأنت في سعة من التخلف، وكان السائل له عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وهذا المذهب موافق لما ذكر محمد بن الحسن

وإن كثر عدد المشركين فغير جائز لهم أن يفروا منهم وإن كانوا أضعافهم لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتمعت كلمتهم، وقد أوجب عليهم بذلك جمع كلمتهم. (قلت) والآية تدل على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي وقد جاء التصريح بذلك في أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم التى أوردها المؤلف، وقد قيد بعض العلماء هذا بما إذا كان لا يزيدون على ضعف المؤمنين. قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم ان يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة. وقد روى عنه عمر وابنه وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وأبى بصرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وزيد أبى حبيب والضحاك أن تحريم الفرار في هذه الآية خاص بيوم بدر، ولكن هذا خلاف قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويؤيده نزول الآية بعد انتهاء الغزو، وإن اعترض معترض بالآية (ان الذين تولوا منكم يوم التقى) (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين..الخ) قلت هذا لا ينافى كون التولى حراما وكبيرة من الكبائر ولا يقتضى أن يكون كل قول لغير السببين المستثنيين في آية الانفال يبوء صاحبه بغضب عظيم من الله ومأواه جهنم وبئس المصير، بل قد يكونى دون ذلك، ويتقيد بآية رخصة الضعف وبالنهى عن إلقاء النفس في التهلكة من حيث عمومها. وإذا تمسك المعترضون با لحديث الذى أورده المؤلف عن ابن عمر (كنت في سرية..الخ) قلت فيه يزيد بن أبى زياد وهو مختلف فيه ضعفه الكثيرون وقال ابن حبان كان صدوقا الا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير فوقعت المناكير في حديثه، فمن سمع منه قبل التغيير صحيح، ومعروف ما قيل من أنه لا يعتد بتصحيح ابن حبان. وجملة القول أن هذا الحديث لاوزن له في هذه المسألة لا متنا ولا سندا، وفى معناه أثر عن عمر هو دونه فلا يعتد به في المسألة

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويكره أن يقصد قتل ذى رحم محرم، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع أبا بكر رضى الله عنه من قتل إبنه فإن قتله لم يكره أن يقصد قتله كما لا يكره إذا قصد قتله وهو مسلم، وإن سمعه يذكر الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء لم يكره أن يقتله، لان أبا عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قتل أباه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يسبك، ولم ينكره عليه (فصل) ولا يجوز قتل نسائهم ولا صبيانهم إذا لم يقاتلوا لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قتل النساء والصبيان ولا يجوز قتل الخنثى المشكل، لانه يجوز أن يكون رجلا ويجوز أن يكون امرأة فلم يقتل مع الشك، وإن قاتلوا جاز قتلهم لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مر بامرأة مقتولة يوم حنين، فقال من قتل هذه؟ فقال رجل أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى سيفى أو إلى قائم سيفى لتقتلني فقتلتها، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بال النساء ما شأن قتل النساء، ولو حرم ذلك لا نكره النبي صلى الله عليه وسلم، ولانه إذا جاز قتلهن إذا قصدن القتل وهن مسلمات فلان يجوز قتلهن وهن كافرات أولى. (فصل) وأما الشيخ الذى لا قتال فيه فإن كان له رأى في الحرب جاز قتله لان دريد بن الصمة كان شيخا كبيرا وكان له رأى، فإنه أشار على هوازن يوم حينن ألا يخرجوا معهم بالذرارى، فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا، فقال دريد في ذلك: أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد وقتل ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قتله، ولان الرأى في الحرب أبلغ من القتال لانه هو الاصل وعنه يصدر القتال، ولهذا قال المتنبي: الرأى قبل شجاعة الشجعان * هو أول وهى المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة * بلغت من العلياء كل مكان ولربما طعن الفتى أقرانه * بالرأى قبل تطاعن الفرسان

وإن لم يكن له رأى ففيه وفى الراهب قولان (أحدهما) أنه يقتل لقوله عز وجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ولانه ذكر مكلف حربى فجاز قتله بالكفر كالشاب (والثانى) أنه لا يقتل لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال ليزيد بن أبى سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة لما بعثهم إلى الشام لا تقتلوا الولدان ولا النساء ولا الشيوخ، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم على الصوامع فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم، ولانه لا نكاية له في المسلمين فلم يقتل بالكفر الاصلى كالمرأة. (فصل) ولا يقتل رسولهم لما روى أبو وائل قال لما قتل عبد الله بن مسعود ابن النواحة قال: إن هذا وابن أثال قد كانا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولين لمسيلمة، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتشهد أنى رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنت قاتلا رسولا لضربت أعناقكما، فجرت سنة أن لا تقتل الرسل (فصل) فإن تترسوا بأطفالهم ونسائهم، فإن كان في حال التحام الحرب جاز رميهم ويتوقى الاطفال والنساء، لانا لو تركنا رميهم جعل ذلك طريقا إلى تعطيل الجهاد وذريعة إلى الظفر بالمسلمين، وان كان في غير حال الحرب ففيه قولان (أحدهما) أنه يجوز رميهم. لان ترك قتالهم يؤدى إلى تعطيل الجهاد (والثانى) أن هـ لا يجوز رميهم لانه يؤدى إلى قتل أطفالهم ونسائهم من غير ضرورة، وان تترسوا بمن معهم من أسارى المسلمين، فإن كان ذلك في حال التحام الحرب جاز رميهم ويتوقى المسلم لما ذكرناه، وان كان في غير حال التحام الحرب لم يجز رميهم قولا واحدا، والفرق بينهم وبين أطفالهم ونسائهم ان المسلم محقون الدم لحرمة الدين فلم يجز قتله من غير ضرورة، والاطفال والنساء حقن دمهم لانهم غنيمة للمسلمين فجاز قتلهم من غير ضرورة، وان تترسوا بأهل الذمة أو بمن بيننا وبينهم أمان كان الحكم فيه كالحكم فيه إذا تترسوا بالمسلمين، لانه يحرم قتلهم كما يحرم قتل المسلمين. (فصل) وان نصب عليهم منجنيفا أو بيتهم ليلا وفيهم نساء وأطفال جاز لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على

أهل الطائف، وإن كانت لا تخلوا من النساء والاطفال، وروى الصعب بن حثامة قال: سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذرارى من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال هم منهم، ولان الكفار لا يخلون من النساء والاطفال فلو تركنا رميهم لاجل النساء، والاطفال بطل الجهاد، وان كان فيهم أسارى من المسلمين نظرت فإن خيف منهم أن هم إن تركوا قالتوا وظفروا بالمسلمين جاز رميهم، لان حفظ من معنا من المسلمين أولى من حفظ من معهم وان لم يخف منهم نظرت، فإن كان الاسرى قليلا جاز رميهم لان الظاهر أنه لا يصيبهم، والاولى أن لا ترميهم، لانه ربما أصاب المسلمين وان كانوا كثيرا لم يجز رميهم، لان الظاهر أنه يصيب المسلمين، وذلك لا يجوز من غير ضرورة. (فصل) ويجوز قتل ما يقاتلون عليه من الدواب، لما روى أن حنظلة ابن الراهب عقر بأبى سفيان فرسه، فسقط عنه فجلس على صدره، فجاء ابن شعوب فقال لاحمين صاحبي ونفسي * بطعنة مثل شعاع الشمس فقتل حنظلة واستنقذ أبا سفيان ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فعل حنظلة، ولان بقتل الفرس يتوصل إلى قتل الفارس. (فصل) وان احتيج إلى تخريب منازلهم وقطع أشجارهم ليظفروا بهم جاز ذلك، وان لم يحتج إليه نظرت فإن لم يغلب على الظن أنها تملك عليهم جاز فعله وتركه وان غلب على الظن أنها تملك عليهم ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لانها تصير غنيمة فلا يجوز اتلافها (والثانى) أن الاولى أن لا يفعل فإن فعل جاز لما روى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرق على بنى النضير وقطع البويرة، فأنزل الله عز وجل (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين) (الشرح) حديث منع أبا بكر رضى الله عنه..)) أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق الواقدي، وهو متكلم فيه، بل رماه بعضهم بالكذب. وأخرجه ابن أبى شيبة والحاكم من طريق آخر عن أيوب، قال عبد الرحمن بن أبى بكر

لابيه: قد رأيتك يوم أحد فضفت عنك، فقال أبو بكر لو رأيتك لم أضف عنك. حديث (لان أبا عبيدة قتل أباه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يسبك. هذا الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق الواقدي عن ابن أبى الزناد عن أبيه قال شهدا أبو حذيفة بدرا ودعاه أباه عتبة إلى البزاز فمنعه عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والواقدى متكلم فيه حتى رماه بعضهم بالكذب وروى ابن أبى شيبة والحاكم من رواية أبى أيوب قال، قال عبد الرحمن بن أبى بكر لابيه قد رأيتك يوم أحد فضفت عنك، فقال أبو بكر لو رأيتك لم أضف عنك، ورواية الحاكم عن أيوب رجاله ثقات مع إرساله روى الحاكم والبيهقي منقطعا عن عبد الله بن شوذب قال جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت الآلهة لابي عبيدة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة وهذا معضل وكان الواقدي ينكره ويقول مات والد أبى عبيدة قبل الاسلام. وروى أبو داود في مراسيله والبيهقي من رواية مالك بن عمير قَالَ (جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقا يا رسول الله انى لقيت العدو ولقيت أبى فيهم، فسمعت منه مقالة قبيحة فطعنته بالرمح فقتلته، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه) وهذا مبهم حديث ابن عمر (نهى عن قتل النساء) أخرجه البخاري ومسلم حديث ابن عباس (مر بامرأة مقتولة..) أخرجه الطبراني في الكبير وفيه أرطاة بن الحاج وهو ضعيف، وأخرجه ابن أبى شيبة مرسلا وأبو داود في مراسيله الا أنه قال (امرأة مقتولة بالطائف) حديث (أن دريد بن الصمة كان شيخا كبيرا وكان له رأى..) في الصحيحين من حديث أبى موسى الاشعري قال (لما فرغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حنين بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ فلقى دريد من الصمة فقتله فهزم أصحابه) وباقى القصة ذكرها ابن اسحاق في السيرة مطولا.

أثر (أن أبا بكر قال ليزيد بن أبى سفيان ... ) أخرجه البيهقى. وروى أن الامام أحمد انكره، ورواه مالك في الموطأ ورواه سيف في الفتوح مرسلا حديث أبى وائل (لما قتل عبد الله بن مسعود. ) أخرجه أحمد والحاكم من حديث ابن مسعود وأبو داود مختصرا والنسائي وأبو نعيم في معرفة الصحابة في ترجمة دبيو بن شهر الحنفي حديث عَلَى (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصب المنجنيق) أخرجه أبو داود وابن سعد في الطبقات مرسلا عن مكحول ووصله العقبلى من وجه آخر عن على حديث الصعب بن جثامة (سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذرارى من المشركين..) متفق عليه حديث (أن حنظلة الراهب عقر بأبى سفيان فرسه..) أخرجه البيهقى من طريق الشافعي بغير إسناد، وذكر الواقدي في المغازى عن شيوخه مطولا، وابن اسحاق في المغازى بدون العقر حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرق على بنى النضير..متفق عليه. اللغة. قوله (بمنعرج اللوى) منعرج الوادي منعطفه يمنة ويسرة، واللوى منقطع الرمل وهو الجدد بعد الرمة. قوله (الرشد) ضد الغى شبيه بالصواب ضد الخطأ. قوله (لنفس مرة) بضم الميم والخفض صفة لنفس، أي قوى، والمرة القوة، وهو مضبوط في ديوانه هكذا، وكذا رواه الكرماني بالضم وسماعنا بفتح الميم والنصب. قوله (أقرانه) جمع قرن بكسر القاف وهو الكفؤ في الشجاعة، يقال فلان قرن فلان أي نظيره وكفؤه عند القتال. قوله (لانكاية) النكاية أن يقتل ويخرج، يقال نكيت في العدو أنكى نكاية بغير همز إذا بالغت نميهم قتلا وجرحا أو جرحا، وقد ذكر قوله (أو بيتهم ليلا) يقال بيت العدو إذا أوقع بهم ليلا والاسم البيات ومثله يبيتون قوله (الذرارى) هم الاطفال والصغار الذين لم يبلغوا الحلم، وأصلها من

ذرأ الله الخلق أي خلقهم فترك همزها استخفافا كما ترك همز البرية، وأصلها من برأ الله الخلق ووزنها فعلية. وقال بعضهم هي مأخوذة من الذر لان الله أخرج الخلق من صلب آدم أمثال الذر وأشهد هم على أنفهم ألست بربكم قالوا بلى. وقيل أصلها ذروووة على وزن فعلولة فأبذلت الواو الاخيرة باء فاجتمعت الواو والياء وسكنت الاولى منهما فقلبت الواو باء وأدغمت قوله (وقطع البويرة) بغير همز اسم موضع وليس بتصغير بئر. وقوله تعالى (ما قطعتم من لبنة) اللين نوع من النخل، قيل هو الدقل، وقيل هو الجعرور ضربان رديان من التمر. واللينة النخلة الواحدة وأصلها لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وأصلها من اللون على هذا، وهو قول العزيزي. قالوا ألوان النخل ما عدا البرنى والعجوة قوله (ويكره أن يقصد قتل ذى رحم محرم) (قلت) يحرم قتل كل رحم لم تخرج للقتال أو تتجهز له، فإن خرجت للقتال فقد حق قلتها ولابد لقول اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتخذوا آباؤكم واخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الايمان..) الخ. يقول صديق حسن خان في الروضة الندية: ويحرم قتل النساء والاطفال والشيوخ إلا أن يقاتلوا فيدفعوا بالقتل، فقد أجاز قتلهم مع ورود النص صريحا في الصحيحين بتحريم قتلهم. ويقول الامام السيد رشيد رضا في تفسير المنار: كان موضع الضعف من بعض المسلمين في ذلك نعرة القرابة ورحمه الرحم وبقية عصبيه النسب، إذ كان لا يزال لكثير منهم أولو قربى من المشركين يكرهون قتلهم، ثم قال: لا يتخذ أحد منكم أحدا من أب أو أخ وليا له ينصره في القتال. أما الاستدلال بالحديث (منع أبا بكر..) فغير جائز لان الحديث فيه من رمى بالكذب قوله (ولا يجوز قتل نسائهم..) قال ابن دقيق العيد في احكام الاحكام بعد أن أورد حديث عبد الله بن عمر (أن امرأة وجدت في بعض مغازى النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) هذا حكم

مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل، ويحمل هذا الحديث على ذلك لغلبة عدم القتال على النساء والصبيان، ولعل سر هذا الحكم أن الاصل عدم إتلاف النفوس وإنما أبيح منه ما يقتضى دفع المفسدة. قال الشوكاني: وأحاديث الباب (بعد أن أوردها) تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان، وإلى ذلك ذهب مالك والاوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الاحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم. وذهبت الشافعية والكوفيون إلى الجمع بين الاحاديث المذكورة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من الماليكة لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا ان باشرت القتل أو قصدت إليه. ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان. وقال الحافظ في الفتح: حكى الحازمى قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب، وزعم أنه ناسخ لاحاديث النهى وهو غريب. قلت وما أورده ابن دقيق العيد هو الصحيح قوله (وأما الشيخ الذى لاقتال..) قلت روى الترمذي وصححه وأحمد (اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم) وهو في ظاهره يخالف حديث (أن دريد بن الصمة..) وفى الحقيقة لا تعارض بينهما إذ يمكن الجمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهى عنه هو الفاني الذى لم يبق فيه نفع للكفار ولا مضرة منه على المسلمين، وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله شيخا فانيا، والشيخ المأمور بقتله هو من بقى فيه نفع للكفار ولو بالرأى وقال الامام أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الشيوخ أن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الاسلام وقال الشوكاني لا يجوز قتل من كان متخليا للعبادة من الكفار كالرهبان لاعراضه عن ضر المسلمين، وحديث ابن عباس (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث جيوشه قال اخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من فكر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا

تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع) وإن كان فيه مقال لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء. قوله (ولا يقتل رسولهم..) وهو إجماع لا شك قوله (فإلان تترسوا بأطفالهم) فقد سبق الكلام عليه في أول الفصل قوله (وإن نصب عليهم منجنيقا..) قال الشوكاني يجوز تبييت الكفار، وقال الترمذي (ورخص بعض أهل العلم في البيات وقتل النساء وفيهم الولدان) وهو قول أحمد واسحاق ورخصا في البيات وقال الحافظ في الفتح قال أحمد لا بأس في البيات ولا أعلم أحدا كرهه. ثم قال ليس المراد (في حديث الصعب) إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يكن الوصول إلى الآباء إلا بوطئ الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم. وقال المباركفورى في تحفة الاحوذي (كان الزهري إذا حدث بحديث الصعب قال قلت يا رسول الله ان خيلنا أوطأت من نساء المشركين وأولادهم؟ قال هم من آبائهم) قال وأخبرني ابن كعب بن مالك عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعث إلى ابن أبى الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان) ثم قال في الفتح (وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب) قلت وما قاله الحافظ هو الصحيح استنادا إلى أن الشافعي أنكر عليا لزهري النسخ، وقال ابن الجوزى النهى محمول على التعمد. قوله (ويجوز قتل ما يقاتلون عليه ... ) وهذا حق لامرية فيه قوله (وان احتيج إلى تخريب منازلهم..) قال الترمذي، قال الشافعي لا بأس بالتحريق في أرض العدو وقطع الاشجار والثمار، وقال أحمد وقد تكون في مواضع لا يجدون منه بدا، فأما البعث فلا تحرق، قال اسحاق التحريق سنة إذا كان أنكى فيهم. وقال الحافظ في الفتح، ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الاوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبى بكر لجيوشه وأجاب الطبري بأن النهى محمول على القصد لذلك، بخلاف ما إذا أصابوا ذلك

في خلال القتال، ثم قال وبهذا قال أكثر أهل العلم، ونحو ذلك القتال بالتغريق وقال غيره إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لانه علم أن تلك البلا ستفتح فأراد إبقائها على المسلمين. وقال القارى بجواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال الجمهور، وقيل لا يجوز، قال ابن الهمام يجوز لان ذلك المقصود كبت أعدء الله وكسر شوكتهم فيفعلون ما يمكنهم من التحريق وقطع الاشجار وإفساد الزرع، لكن إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح بادكره ذلك لانه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجوز للمسلم أن يؤمن من الكفار آحادا لا يتعطل بأمانهم الجهاد في ناحية كالواحد والعشرة والمائة وأهل القلعة، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أنه قال (ما عندي شئ إلا كتاب الله عز وجل وهذه الصحيفة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ويجوز للمرأة من ذلك ما يجوز للرجل لما روى ابن عباس رضى الله عنه عن أم هانئ رضى الله عنها أنها قالت يا رسول الله يزعم ابن أمي أنه قاتل من أجرت، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أجرت من أجرت يا أم هانئ. ويجوز ذلك للعبد لما روى عبد الله بن عمرو إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يجير على المسلمين أدناهم وروى فضل بن يزيد الرقاشى قال (جهز عمر بن الخطاب رضى الله عنه جيشا كنت فيه فحصرنا قرية من قرى رام هرمز فكتب عبد منا أمانا في صحيفة وشدها مع سهم ورمى به إليهم فأخذوها وخرجوا بأمانه، فكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فقال العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم، ولا يصح ذلك من صبى ولا مجنون ولا مكره لانه عقد فلم يصح منهم كسائر العقود، فإن دخل مشرك على أمان واحد منهم، فإن عرف أن أمانة لا يصح حل قتله لانه حربى ولا أمان له، وان لم يعرف أن أمانة لا يصحخ فلا يحل قتله إلى أن يرجع إلى مأمنه،

لانه دخل على أمان ويصح الامان بالقول، وهو أن يقول أمنتك أو أجرتك أو أنت آمن أو مجار أو لا بأس عليك أو لاخوف عليك أو لا تخف أو مترس بالفارسية وما أشبه ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمُ فتح مكة (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) وقال لام هاني (قد أجرت من أجرت) وقال أنس لعمر رضى الله عنه في قصة هرمز أن ليس لك إلى قتله من سبيل، قلت له تكلم لا بأس عليك فأمسك عمر. وروى زر عن عبد الله أنه قال (إن الله يعلم كل لسان فمن أتى منكم أعجميا وقال مترس فقد أمنه) ويصح الامان بالاشارة لما روى أبو سلمة قال، قال عمر رضى الله عنه (والذى نفس عمر بيده لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى مشرك ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته) فإن أشار إليه بالامان ثم قال لم أرد الامان قبل قوله لانه أعرف بما أراده ويعرف المشرك أنه لا أمان له ولا يتعرض له إلى أن يرجع إلى مأمنه لانه دخل على أنه آمن، وإن أمن مشركا فرد الامان لم يصح الامان لانه ايجاب حق لغيره بعقد فلم يصح مع الرد كالايجاب في البيع والهبة، وان أمن أسيرا لم يصح الامان لانه يبطل ما ثبت للامام فيه من الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وان قال كنت أمنته قبل الاسر لم يقبل قوله لانه لا يملك عقد الامان في هذه الحال فلم يقبل إقراره به. (فصل) وان أسر أمرأة حرة أو صبيا حرا رق بالاسر، لان النبي صلى الله عليه وسلم قسم سبى بنى المصطلق واصطفى صفية من سبى خيبر وقسم سبى هوازن ثم استنزلته هوازن فنزل واستنزل الناس فنزلوا، وان أسر حر بالغ من أهل القتال فللامام أن يختار ما يرى من القتل والاسترقاق والمن والفداء، فان رأى القتل قتل، لقوله عز وجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة من المشكين من قريش، مطعم بن عدى، والنضر ابن الحارث. وعقبة بن أبى معيط. وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحى، وقتل يوم الفتح بن خطل، وان رأى المن عليه جاز، لقوله عز وجل (فإما منا بعد واما فداء) ولان النبي صلى الله عليه وسلم من على أبى عزة الجمحى ومن على ثمامة

الحنفي ومن على أبى العاص بن الربيع وإن رأى أن يفادى بمال أو بمن أسر من المسلمين فادى به لقوله عز وجل (فإما منا بعد وإما فداء) وروى عمران بن الحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فادى أسيرا من عقيل برجلين من أصحابه أسرتهما ثقيف. وإن رأى أن يسترقه فإن كان من غير العرب نظرت فإن كان ممن له كتاب أو شبه كتاب استرقه، لما روى عن ابن عباس أنه قال في قوله عز وجل (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض) وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم أمر الله عز وجل في الاسارى (فإما منا بعد وإما فداء) فجعل سبحانه وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أمر الاسارى بالخيار إن شاؤا قتلوا وإن شاءوا استعبدوهم وان شاءوا فادوم، فإن كان من عبدة الاوثان ففيه وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يجوز استرقاقه لانه لا يجوز اقراره على الكفر بالجزية فلم يجز الاسترقاق كالمرتد (والثانى) أنه يجوز لما رويناه عن ابن عباس، ولانى من جاز المن عليه في الاسر جاز استرقاقه كأهل الكتاب، وان كان من العرب ففيه قولان قال في الجديد يجوز استرقاقه والمفاداة به وهو الصحيح، لان من جاز المن عليه والمفاداة به من الاسارى جاز استرقاقه كغير العرب. وقال في القديم لا يجوز استرقاقه لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال يوم حنين (لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب لكان اليوم، وانما هو أسر وفداء) فإن زوج عربي بأمة فأتت منه بولد فعلى القول الجديد الولد مملوك، وعلى القديم الولد حر ولا ولاء عليه لانه حر من الاصل (الشرح) حديث على (ما عندي شئ الا كتاب الله..) متفق عليه مسلم عن أبى هريرة والبخاري عن أنس حديث أم هانئ (أنها قالت يا رسول الله يزعم ابن أمي ... ) أصله في الصحيحين وساقه الحاكم في ترجمة بن هشام من حديث طويل، والازرقي عن

أبى هريرة عنها، وفيه الواقدي وسبق الكلام عنه فيما قبله، والطبراني وادعى الحاكم تواتره..حديث ابن عمر (يجير على المسلمين أدناهم..) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن على وأحمد وأبن ماجه وأبو داود من طريق آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه وابن حبان حديث (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ..) النسائي وأحمد وأبو داود حديث أنس (في قصة هرمز أن ليس لك إلى قتله من سبيل) ابن أبى شيبة ويعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي والشافعي وعلقه البخاري مختصرا حديث عبد الله بن عمر أنه قال (ان الله يعلم كل لسان..) ذكره البخاري تعليقا والبيهقي موصولا من حديث أبى وائل ومالك بلاغا عن عمر، وابن أبى شيبة والحديث عن عمر وليس عن ابنه أثر عمر (والذى نفس عمر بيده. ) أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن أبى شيبة في مصنفه حديث (قسم سبى بنى المصطلق. ) عن عائشة قالت لما قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبايا بنى المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبى لثابت ابن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة فأتت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله إنى جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فجئتك أستعينك على كتابتي؟ قال فهل لك في خير من ذلك؟ قالت وما هو يا رسول الله؟ قال أقضى كتابتك وأتزوجك، قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت، قال وخرج الخبر إلى الناس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم، قالت فلقد أعتق بتزويجه اياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق فا أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها) أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر حديث (قسم سبى هوازن..) عن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال حين جاءه وقد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم

وسبيهم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحب الحديث إلى أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبى وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير راد إليهم إلا إحدى للطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا، فَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين وانى رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أجب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه اياه من أول ما يفئ الله علينا فليفعل، فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انا لا ندرى من اذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى ترفع الينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه أنهم قد طيبوا أذنوا، فهذا الذى بلغني عن سبى هوازن) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود حديث (قتل يوم بدر..) في مراسيل أبى داود عن سعيد بن جبير. وقال الحافظ في التلخيص وفى قوله المطعم بن عدى تحريف والصواب طعيمة بن عدى، وأخرجه ابن أبى شيبة، ووصله الطبراني في الاوسط بذكر ابن عباس والبيهقي من طريق سعيد بن المسيب بهذه القصة مطولا وفى اسناده الواقدي حديث (من على أبى عزة الجحى..) أخرجه البيهقى من طريق سعيد بن المسيب مطولا وفيه (من على أبى عزة الجمحى عن أن لا يقاتله فلم يوف فقاتله يوم أحد فقتل فأسر وقتل، وفيه (فقال له أين ما أعطيتني من العهد والميثاق، والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين، قال شعبة فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وفى اسناده الواقدي حديث (من على ثمامة الحنفي..) روى مسلم عن أبى هريرة: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ من سوارى المسجد، فخرج إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعال له ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال يا محمد عندي خير ان تقتل تقتل ذا دم

وإن تنعم تنعم على شاكر، وان كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، وفيه (أطلقوا ثمامة) وأصله في البخاري (من على أبى العاص..) روى أحمد وأبو داود والحاكم من حدث عائشة لما بعث أهل مكة في فدى أساراهم بعثت زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: ان رأيتم أن تطلقوالها أسيرها وتردوا عليها الذى لها، فقالوا نعم فأطلقوه وردوا عليه الذى لها، اللفظ لاحمد. حديث عمران بن الحصين (فادى أسيرا من عقيل..) أخرجه مسلم في صحيحه مطولا وأحمد والترمذي وابن حبان مختصرا حديث ابن عباس (ما كان لنبى أن يكون له أسرى..) أخرجه البيهقى من حديث على بن أبى طلحة بنحوه، ويقال ان على لم يسمع من ابن عباس لكنه انما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه مجاهد وغيره، وقد اعتمده البخاري وأبو حاتم في التفسير. حديث (لوك ان الاسترقاق ثابتا..) أخرجه البيهقى من طريق الواقدي والطبراني في الكبير من طريق فيها يزيد بن عياض وهو أضعف من الواقدي قوله (فمن أخفر مسلما) أي نقض عهده وذمته، يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بغير همز أجرته قوله (أصطفى صفية من سبى خيبر) أي أختارها، مأخوذ من صفوة المال وهو خياره، وسميت صفية لذلك، وقيل كان ذلك اسمها من قبل أن تسبى قوله (استنزلته هوازن فنزل) يقال استنزل فلان أي حط عن منزلته، فمعناه طلبوا منه أن ينحط عما ملكه، واستنزل الناس طلبهم أن يحطوا ويتركوا ما ملكواه من السبى، ومثله استنزله من ثمن المبيع قوله (ويجوز للمسلم أن يؤمن الكفار) قال ابن مفلح وهو حنبلي في الفروع باب الامان، ويصح منجزا ومعلقا من كل مسلم عاقل مختار حتى عبد أو أسيرا أأنثى، نص على ذلك، قال في عيون المسائل وغيرها، وإذا عرف

المصلحة فيه، وذكر غير واحد الاجماع في المرأة بدون هذا الشرط، وعنه مكلف، وقيل يصح للاسير من الامام، وقيل والامير بما يدل عليه من قول أو أشارة أوقف أو ألق سلاحك أمان لما لو أمن يده أو بعضه أو سلم عليه أو لا تذهل أو لا بأس وقيل كناية، فإن اعتقده الكافر أمانا ألحق بمأمنه وجوبا وكذا نظائره. قال أحمد إذا أشير بشئ غير الامان فظنه أمانا فهو أمان، وكل شئ يرى العلج انه امان فهو امان، وقال إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله لانه إذا اشتراه فقد آمنه ويصح من الامام للكل ومن الامير لمن جعل بإزائه ومن غيرهما لقافلة فأقل، قيل لقافلة صغيرة وحصن صغير، وأطلق في الروضة لحصن أو بلد وأنه يستحب استحبابا أن لا يجار على الامير الا بإذنه وقيل لمائه ويقبل من عدل أنى أمنته في الاصح وعند الآجرى يصح لاهل الحصن ولو هموا بفتحه من عبد أو امرأة أو أسير عندهم يروى من عمر، وأنه قول فقهاء المسلمين سأله أبو داود لو أن أسيرا في عموريه نزل بهم المسلمون فأمن الاسير أهل القرية، قال يرحلون عنهم، ويشترط للامان عدم الضررب علينا وان لا تزيد مدته على عشر سنين، وقال الشوكاني في الدرر البهية: ومن أمنه أحد المسلمين صار آما، وقال صديق حسن خان في الروضة الندية أجمع أهل العلم على أن من أمنه أحد المسلمين صار آمنا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جواز أمان امرأة، وأما العبد فأجاز أمانه الجمهور، واما الصبى فقال ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ امان الصبى غير جائز، واما المجنون فلا يصح امانه بلا خلاف (قلت) انما يصح الامان من آحاد المسلمين إذا امن واحدا أو اثنين، فأما عقد الامان لاهل ناحية على العموم فلا يصح الامن الامام على سبيل الاجتهاد وتحرى المصلحة كعقد الذمة، ولو جعل ذلك لآحاد الناس صار ذريعة إلى ابطال الجهاد، قال الشوكاني في نيل الاوطار (يسعى بها ادناهم) فدخل كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى، ودخل في الادنى المرأة والعبد والصبى والمجنون فأما المرأة فيدل على ذلك حديث ابى هريرة وحديث ام هاني. قال ابن المنذر: الجمع اهل العلم على جواز امان المرأة، الا شيئا ذكره

عبد الملك بن الماجشون صاحب مالك، لا أحفظ ذلك عن غيره، قال إن أمر الامان إلى الامام، وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة. قال ابن المنذر وفى قول النبي صلى الله عليه وسلم (يسعى بذمتهم أدناهم) دلالة على إغفال هذا القائل، قال في الفتح: وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الامام وإن أجازه جاز وان رده رداه وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه قاتل أو لم يقاتل، وقال أبو حنيفة ان قاتل جاز والا فلا، وقال سحنون ان أذن له سيده في القتال صح أمانه والا فلا. وأما الصبى فقال ابن المنذر أجمع أهلالعلم أن أمان الصبى غير جائز. قال الحافظ وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره، وكذا المميز الذى يعقل، والخلاف عن المالكية والحنابلة. وأما المجنون فلا يصح أمانه بخلاف الكافر، لكن قال الاوزاعي ان غزا الذى مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الامام أمضاه والا فليرده إلى مأمنه. وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الاحرار الاسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الاجير قوله (وان أسر امرأه حرة أو صبيا حرا..) ولا خلاف في أن ما أسراسترق ولا جدال، أما أن يسترق الرجل الحر المقاتل أو يقتل فقد اختلف فيه الاقوال فقال صديق حسن خان في الروضة: ذهب الجمهور إلى أن الامام يفعل ما هو الاحوط للاسلام والمسلمين في الاسارى فيقتل أو يأخذ الفداء أو يمن، وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا، وعن الحسن وعطاء لا يقتل الاسير بل يتخير بين المن والفداء، وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء، وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره وقال الامام ابن جرير الطبري في صفحة 42 جزء 16 في تفسير الآية (فإما منا بعد واما فداء) والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الاية محكمة غير منسوخة، وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ أنه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حال واحدة أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المن والقتل إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم والى القائمين بعده بأمر

الامة وان لم يكن القتل مذكورا في هذه الآية، لانه قد أذن بقتلهم في آية أخرى، وذلك قوله تعال (فاقتلوا المشركين) بل ذلك كذلك لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرا من أهل الحرب فيقتل بعضا ويفادى ببعض ويمن ببعض وقال العلامة القاسمي في محاسن التأويل: وبالجملة فالذي عول عليه الائمة المحققون رضى الله عنهم أن الامير يخير بعد الظفر تخيير مصلحة لا شهوة في الاسراء المقاتلين بين قتل واسترقاق ومن وفداء، ويجب عليه احتيار الاصلح للمسلمين لانه يتصرف لهم على سبيل النظر فلم يجز له ترك ما فيه الحظ، ثم قال فإن منهم (أي الاسرى) من له قوة ونكاية في المسلمين فقتله أصلح، ومنهم الضعيف ذو المال الكثير ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأى في المسلمين يرجى اسلامه فالمن عليه أولى ومن ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاته أصلح. وذكر ذلك في شرح الاقناع وقال ابن حزم (أبطل الله تعالى كل عهد ولم يقره ولم يجعل للمشركين الا القتل أو الاسلام، ولاهل الكتاب خاصة اعطاء الجزية وأمن المستجير والرسول حتى يؤدى رسالته، ويسمع المستجير كلام الله ثم يردان إلى بلادهما ولا مزيد، فكل عهد غير هذا فهو باطل مفسوخ لا يحل الوفاء به لانه خلاف شرط الله عز وجل وخلاف أمره وقال الشوكاني (والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وسلم المن وأخذ الفداء كما في الاحاديث، ووقع منه القتل، فإنه قتل النضر بن الحرث وعقبه بن معبط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين في فداء أسيرين من المسلمين (والعمل على هذا عن أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم ان للامام ان يمن على من شاء من الاسارى ويقتل من شاء منهم ويفدى ن شاء) واختار بعض اهل العلم القتل على الفداء، ويروى انه قيل لاحمد (إذا أسر الاسير يقتل أو يفادى احب اليك؟ قال ان قدر ان يفادى

فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا، قال اسحاق: الاثخان أحب إلى الا أن يكون معروفا يطمع به الكثير. (قلت) والصحيح في هذا ما ذهب إليه العلامة القاسمي وكان بودى أن أقدم للقارئ بحثا مستفيضا عن الرق في الاسلام، وكيف قضى عليه الدين الحكيم، ولكن ضيق المقام وطلب الناشر الاختصار قدر الامكان لا يمنعنا من أن نقول ان عادة استرقاق أسر ى الحرب التى كانت عامة شاملة في جميع الامم والبلاد، والتى كانت المصدر الرئيسي للرقيق الانساني والتى ظلت جارية في كثير من البلاد والامم غير الاسلامية مدة طويلة إلى عهد قريب قد ضربت بآية (فإما منا بعد وإما فداء) ضربة حاسمة والتعديل الذى دخل عليها ليس من شأنه أن يخفف من شدتها لانه تخييير وليس إيجابها، وإذا أضفنا إلى هذا ما احقوا القرآن المكى والمدنى من وسائل عديدة لتحرير الرقيق، وما احتوته السنة من مثل ذلك بدا أن القرآن والسنة قد هدفا إلى الغاء الرقيق، وأن ما جاء فيهما من تشريع في صدده إنما كان تنظيما ومجاراة الواقع وليس إيجابا وتأييدا له أما قوله في استرقاق العرب، قال الشوكاني استدل المصنف (يعنى ابن تيميه الجد) رحمه الله تعالى بأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب، والى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ في كتاب العتق من فتح الباري، وحكى في البحر عن العترة وأبى حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الاسلام أو السيف، واستدل لهم بقوله تعالى (فإذا انسلخ الاشهر الحرم ... ) قال والمراد مشركوا العرب اجماعا، فإن كان أعجميا أو كتابيا جاز لقول ابن عباس في تفسير (فإما منا بعد..) خير الله تعالى نبيه في الاسرى بين القتل والفداء والاسترقاق، وان كان عربيا غير كتابي لم يجز وقال الشافعي يجوز لنا قوله صلى الله عليه وسلم (لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب، الخبر، اه. وهو يشير إلى حديث معاذ الذى أخرجه الشافعي والبيهقي إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يوم حنين (لو كان الاسترقاق جائزا على العرب لكان اليوم، إنما هو أسرى وفى اسناده الواقدي ضعيف جدا، ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد بن عياض وهو أشد ضعفا من الواقدي، ومثل هذا

لا تقوم به حجة، وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي، وقد خصصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون اناثهم، ثم قال والحاصل (أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق فمن ادعى أن بعض هذه الامو ر تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات، والمجوز قائم في مقام المنع، وقول ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات، والمجوز قائم في مقام المنع، وقول على وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة، وقد استرق بنى ناحية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ، وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت له مخالفته قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يختار الامام في الاسير من القتل والاسترقاق والمن والفداء إلا ما فيه الحظ للاسلام والمسلمين، لانه ينظر لهما فلا يفعل ما فيه الحظ لهما فإن بذل الاسير الجزية وطلب أن تعقد له الذمة وهو ممن يجوز أن تعقد له الذمة ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يجب قبولها كما يجب إذا بذل وهو في غير الاسر، وهو ممن يجوز أن تعقد لمثله الذمة. (والثانى) أنه لا يجب لانه يسقط بذلك ما ثبت من اختيار القتل والاسترقاق والمن والفداء، وإن قتله مسلم قبل أن يختار الامام ما يراه عزر القاتل لافتياته على الامام ولاضمان عليه لانه حربى لا أمان له، وان أسلم حقن دمه لقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وهل يرق بالاسلام أو يبقى الخيار فيه بنى الاسترقاق والمن والفداء، فيه قولان (أحدهما) أنه يرق بنفس الاسلام ويسقط الخيار في الباقي لانه أسير لا يقتل فرق كالصبى والمرأة (والثانى) انه لا يرق بل يبقى الخيار في الباقي، لما روى عمران بن الحصين رضى الله عنه ان الاسير العقبلى قال يا محمد انى مسلم ثم فاداه برجلين، ولان

ما ثبت الخيار فيه بين أشياء إذا سقط أحدهما لم يسقط الخيار في الباقي ككفارة اليمين إذا عجز فيها عن العتق، فعلى هذا إذا اختار الفداء لم يجز أن يفادى به إلا أن يكون له عشيرة يأمن مهم على دينه ونفسه وإن أسر شيخ لاقتال فيه ولا رأى له في الحرب، فإن قلنا إنه يجوز قتله فهو كغيره في الخيار بين القتل والاسترقاق والمن والفداء، وإن قلنا لا يجوز قتله فهو كغيره إذا اسلم في الاسر وقد بيناه: (فصل) وإن رأى الامام القتل ضرب عنقه لقوله عز وجل (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ولا يمثل به لما روى بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية قال اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله ولا تعذروا ولا تمثلوا ولا تغلوا، ويكره حمل رأس من قتل من الكفار إلى بلاد المسلمين لما روى عقبة بن عامر أن شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص بثا بريدا إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه برأس بناق البطريق، فقال أتحملون الجيف إلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون بنا هكذا، قال لا تحملوا الينا منهم شيئا، وان اختار استرقاقه كان للغانمين، وإن فاداه بمال كان للغانمين وإن أراد أن يسقط منهم شيئا من المال لم يجز إلا برضا الغانمين، لما روى عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه وفد هوازن مسلمين، فقال ان اخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين وانى قد رأيت أن أرد إليهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حقه حتى نعطيه إياه من أول ما بقئ الله علينا فليفعل، فقال الناس قد طيبنا لك يا رسول الله. قال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ستة آلاف سبى من سبى هوازن من النساء والصبيان والرجال إلى هوازن حين أسلموا، وان أسر عبد فرأى الامام أن يمن عليه لم يجز الا برضا الغانمين، وان رأى قتله لشره وقوته قتله وضمن قيمته للغانمين لانه مال لهم

(الشرح) حديث (أمرت أن أقاتل..) متفق عليه من حديث عمر وأبى هريرة. حديث عمران بن الحصين (أن الاسير العقيلى قال يا محمد..) مسلم (بريدة (إذا أمر أميرا على جيش أو سرية..) أخرجه مسلم بطوله (عمرو بن العاص (بعثا بريدا إلى أبى بكر برأس يناق البطريق..) في كتاب أخبار زياد لمحمد بن زكريا الغلابى الاخباري حديث (جاء وفد هوازن مسلمين) سبق تخريجه (جاء ستة آلاف سبى من هوازن) الواقدي وابن اسحاق في المغازى اللغة: قوله (لا تغدروا) لا تتركوا الوفاء بالذمة، ولا تمثلوا لا تجدعوا الانف ولا تصلموا الاذن ونحوه، ولا تغلوا لا تخونوا لتخفوا شيئا من الغنيمة. قوله (بعثا بريدا) أي رسولا وقد ذكر قوله (يناق البطريق) بتقديم الياء على النون والتشديد، قال الصنعانى في التكلمة ويخفف نونه أيضا، وهو جد الحسن بن مسلم بن يناق من تابع التابعين والبطريق عند الروم مثل الرئيس عند العرب وجمعه بطارقه قوله (فمن أحب منكم ان يطيب) معناه من أحب أن يهب بطيب نفس منه (وطيبنا لك) وهبنا لك عن طيب انفسنا ومنه (سبى طيبية) بكسر الطاء وفتح الياء صحيح السباء لم يكن عن غدر ولانقض عهد قوله (ولا يختار الامام ما في الاسير من القتل والاسترقاق) سبق ايضاحه فيما قبله مباشرة بشئ من التوسع، الا أن ابن حزم قال: ولا يحل فداء الاسير المسلم إلا بمال واما بأسير كافر، ولا يحل ان يرد صغير سبى من ارض الحرب إليهم لا بفداء ولا بغير فداء، لانه قد لزمه حكم الاسلام بملك المسلمين فهو وأولاد المسلمين سواء ولا فرق، وهو قول المزني قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان دعا مشرك إلى المبارزة فالمستحب ان يبرز إليه مسلم، لما روى ان عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة دعوا إلى المبارزة فبرز إليهم

حمزة بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب وعبيدة بن الحرث، ولانه إذا لم يبرز إليه أحد ضعفت قلوب المسلمين وقويت قلوب المشركين، فإن بدأ المسلم ودعا إلى المبارزة لم يكره. وقال أبو على بن أبى هريرة يكره لانه ربما قتل وانكسرت قلوب المسلمين، والصحيح أنه لا يكره لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن المبارزة بين الصفين فقال لا بأس، ويستحب ان لا يبارز إلا قوى في الحرب لانه إذا بارز ضعيف لم يؤمن أن يقتل فيضعف قلوب المسلمين، وإن بارز ضعيف جاز، ومن أصحابنا من قال لا يجوز لان القصد من المبارزة إظهار القوة، وذلك لا يحصل من مبارزة الضعيف، والصحيح هو الاول لان التغرير بالنفس يجزو في الجهاد، ولهذا يجوز للضعيف أن يجاهد كما يجوز للقوى، والمستحب أن لا يبارز الا بإذن الامير ليكون ردءا له إذا احتاج، فإن بارز بغير إذنه جاز، ومن أصحابنا من قال لا يجوز، لانه لا يؤمن أن يتم عليه ما ينكسر به الجيش، والصحيح أنه يجوز، لان التغرير بالنفس في الجهاد جائز. وإن بارز مشرك مسلما نظرت فإن بارز من غير شرط جاز لكل أحد أن يرميه لانه حربى لاأمان له، وان شرط أن لا يقاتله غير من برز إليه لم يجز رميه وفاء بشرطه، فإن ولى عنه مختارا أو مثخنا، أو ولى عنه المسلم مختارا أو مثخنا جاز لكل أحد رميه لاه شرط الامان في حال القتال وقد انقضى القتال فزال الامان. وإن استنجد المشرك أصحابه في حال القتال فأنجدوه أو بدأ المشركون بمعاونته فلم يمنعهم جاز لكل أحد رميه لانه نقض الامان، وإن أعانوه فمنعهم فلم يقبلوا منه فهو على أمانه لانه لم ينقض الامان ولا انقضى القتال، وإن لم يشترط ولكن العادة في المبارزة أن لا يقاتله غير من يبرز إليه، فقد قال بعض أصحابنا انه يستحب ان لا يرميه غيره، وعندي أنه لا يجوز لغيره رميه، وهو ظاهر النص لان العادة كالشرط فإن شرط أن لا يقاتله غيره ولا يتعرض له إذا انفضى القتال حتى يرجع إلى

موضعه وفى له بالشرط فإن ولى عنه المسلم فتبعه ليقتله جاز لكل أحد أن يرميه لانه نقض الشرط فسقط أمانة (فصل) وان غرر بنفسه من له سهم في قتل كافر مقبل على الحرب فقتله استحق سلبه لما روى أبو قتادة قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من وراثه فضربته على حبل عاتقه فأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، فقصصت عليه فقال رجل صدق يا رسول الله وسلب ذلك الرجل عندي فأرضه، فقال ابو بكر رضى الله عنه لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن دين الله فيعطيك سلبه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق فأعطه إياه فأعطاني اياه، فبعث الدرع فابتعت به مخرفا في بنى سلمة، وانه لاول مال تأثلته في الاسلام. فإن كان ممن لا حق له في الغنيمة كالمخذل والكافر إذا حضر من غير اذن لم يستحق لانه لا حق له في السهم الراتب، فلان لا يستحق السلب وهو غير راتب أولى، فإن كان ممن يرضخ له كالصبى والمرأة والكافر إذا حضر بالاذن ففيه وجهان: (أحدهما) انه لا يستحق لما ذكرناه (والثانى) انه يستحق لان له حقا في الغنيمة، فأشبه من له سهم، وان لم يغرر بنفسه في قتله بأن رماه من وراء الصف فقتله لم يستحق سلبه، وان قتله وهو غير مقبل على الحرب كالاسير والمثخن والمنهزم لم يستحق سلبه، وقال ابو ثور (كل مسلم قتل مشركا استحق سلبه) لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ قتل كافرا فله سلبه) ولم يفصل، وهذا لا يصح لان ابن مسعود رضى الله عنه قتل أبا جهل وكان قد اثخنه غلامان من الانصار فلم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم سلبه إلى ابن مسعود، وان قتله وهو مول ليكر استحق السلب، لان الحرب كروفر. وان اشترك اثنان في القتل اشتركا

في السلب لا شتراكهما في القتل، وإن قطع أحدهما يديه أو رجليه وقتله الآخر ففيه قولان: (أحدهما) أن السلب للاول لانه عطله (والثانى) أن السلب للثاني لانه هو الذى كف شره دون الاول، لان بعد قطع اليدين يمكنه أن يعود أو يجلب، وبعد قطع الرجلين يمكنه أن يقاتل إذا ركب، وإن مخرر من له سهم فأسر رجلا مقبلا على الحرب وسلمه إلى الامام حيا ففيه قولان (أحدهما) لا يستحق سلبه لانه لم يكف شره بالقتل (والثانى) أنه يستحق لان تغريره بنفسه في أسره ومنعه من القتال أبلغ من القتل، وإن من عليه الامام أو قتله استحق الذى أسره سلبه، وإن استرقه أو فاداه بمال ففى رقبته وفى المال المفادى به قولان (أحدهما) أنه للذى أسره (والثانى) أنه لا يكون له لانه مال حصل بسبب تغريره فكان فيه قولان كالسلب (فصل) والسلب ما كان يده عليه من جنة الحرب، كالثياب التى يقاتل فيها والسلاح الذى يقاتل به والمركوب الذى يقاتل عليه، فأما ما لابد له عليه كخيمته وما في رجله من السلاح والكراع فلا يستحق سلبه لانه ليس من السلب وأما ما في يده مما لا يقاتل به، كالطوق والمنطقة والسوار والخاتم وما في وسطه من النفقة ففيه قولان: (أحدهما) أنه ليس من السلب لانه ليس من جنة الحرب (والثانى) أنه من السلب لان يده عليه فهو كجنة الحرب، ولا يخمس السلب لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب. (الشرح) حديث (عتبة وشيبة ابني الربيع..) أخرجه البخاري مختصرا وأبو داود من حديث على حديث أبى هريرة (أن رسول الله سئل عن المبارزة..) في الصحيحين من حديث عهد الرحمن بن عوف أن عوفا ومعوذا ابني العفراء خرجا يوم بدر إلى البراز فلم ينكر عليهما

حديث أبى قتادة (أن رجلا من المشركين علا..) متفق عليه من حديث طويل. حديث أنس (من قتل كافرا فله سلبه الخ) متفق عليه والترمذي من حديث أبى قتادة بلفظ (من قتل قتيلا فله سلبه) وأحمد من سمرة بن جندب وأبو داود عن أنس بلفظ (من قتلا رجلا) وسنده لا بأس به، وقال مالك في الموطأ لم يبلغني إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من قتل قتيلا فله سلبه الا يوم حنين، قال الحافظ في الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، ثم قال الحافظ (فائدة) وقع في كتب بعض أَصْحَابِنَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك يوم بدر وهو وهم وانما قاله يوم حنين، وهو صريح عند مسلم حديث ابن مسعود (قتل أبا جهل) أبو داود وأحمد انه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف له فأخذه عبد الله ابن مسعود فقتله به، فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه، أما الرواية فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أيكما قتله، فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما؟ قالا لا، فنظر في السيفين فقال كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء اللغة: قوله (وان دعا مشرك إلى المبارزة) أصل البروز الظهور في البراز وهو المكان الفضاء الواسع، وهو ههنا ظهور المتحاربين بين الصفين لا يستتران بغيرهما من أهل الحرب، قال الله تعالى (وترى الارض بارزة) أي ظاهرة ليس فيها ظل ولا فئ. قوله (مختارا أو مثخنا) أثخنته الجراحة إذا وهنته بألمها، وأثخنه المرض اشتد عليه، وقال الازهرى أثخنه تركه وقيدا لا حراك به مجروحا، وقوله تعالى (حتى يثخن في الارض) أي يكثر القتل والايقاع بالعدو، وقال الازهرى يثخن يبالغ في قتل أعدائه قوله (استنجد المشرك) أي استعان وأنجدته أعنته والنجدة الشجاعة أيضا يقال رجل نجد ونجد أي شجاع قوله (حبل عاتقه) قال الازهرى حبل العاتق عرق يظهر على عاتق الرجل

يتصل بحبل الوريد في باطن العنق، قال وإنما سمى السلب سلبا لان قاتله يسلبه فهو مسلوب وسليب، كما يقال خبطت الشجر ونفضته، والورق المخبوط خبط ونفض. قوله (فابتت به مخرفا في بنى سلمة) المخرف بالفتح البستان. وفى الحديث عائد المريض في مخرف من مخارف الجنة حتى يرجع، يقال خرف التمر واخترفه إذا جناه. واشتقاقه من الخريف وهو الفصل المعروف من السنة لان إدراكه يكون فيه. قوله (تأثلته) التأثل اتخاذ أصل المال، ومجد مؤثل أي أصيل، وفى الحديث في وصى اليتيم فليأكل غير متأثل مالا، وأصله من الاثلة التى هي الشجرة، قال امرؤ القيس: ولكنما أسعى لمجد مؤثل * وقد يدرك المجد المؤثل أمثالى قوله (يرضخ له) الرضخ أن يعطيه أقل من سهم المقاتل والرضخ العطاء القليل. قوله (يعدو أو يجلب) الجلبة رفع الصوت جلب وأجلب إذا صوت قوله (جنة الحرب) هو ما يستره ويمنعه من وصول السلاح، وكلما استقر به فهو جنة قوله (وان دعا مشرك إلى المبارزة الخ) قال الشوكاني بعد أن أورد حديث على الذى بارز فيه هو وسيد الشهداء حمزة وعبيدة عتبة بن ربيعة ومعه ابنه وأخاه، دليل على أنها تجوز المبارزة، والى ذلك ذهب المجهور، والخلاف في ذلك للحسن البصري وشرط الاوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق اذن الامير كما في هذه الرواية فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ للمذكورين، والجميع متفق على باق ما أورده المصنف قوله (وان غرر بنفسه من له سهم) قال الترمذي في الجامع الصحيح بعد أن أورد حديث قتادة: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم، وهو قول الاوزاعي والشافعي وأحمد، وقال بعض أهل العلم للامام ان يخرج من السلب الخمس، وقال الثوري النفل أن يقول الامام من أصاب شيئا فهو له، ومن قتل قتيلا فله سلبه فهو جائز وليس فيه الخمس

وقال اسحاق السلب للقاتل إلا أن يكون شيئا كثيرا فرأى الامام أن يخرج منه الخمس كما فعل عمر بن الخطاب وقال المباركفورى في التحفة (ذهب المجهور إلى أن القاتل يستحق السلب، سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا، واستدلوا بحديث أبى قتادة. وروى عن مالك أنه يخير الامام بين أن يعطى القاتل السلب أو يخمسه، واختاره القاضى اسماعيل، واحتج القائلون بتخميس السلب لعموم قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم..) فإنه لم يستثن شيئا، قلت والآية عامة والاحاديث مخصصة، وبذا يمكن الجمع كما أن حديث عوف بن مالك وخالد لا خمس فيها قال الشوكاني يستحق القاتل جميع السلب وان كان كثيرا، وعلى أن القاتل يستحق السلب في كل حال، حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه، ولو كان المقتول منهزما. وقال أحمد لا يستحقه الا بالمبارزة، وعن الاوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب، وقد اختلف إذا كان المقتول امرأة هل يستحق سلبها القاتل أم لا؟ فذهب أبو ثور وابن المنذر إلى الاولى، وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة، واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب الا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة في ذلك قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَتَلَ قتيلا له عليه بينة فله سلبه) فمفهومه أنه إذا لم يكن له بينة لا تقبل وعن الاوزاعي يقبل قوله بغير بينة، لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أبا قتادة بغير بينة، وفيه نظر لانه وقع في مغازى الواقدي، وعلى تقدير أنه لا يصح فيحمل عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم انه القاتل بطريق من الطرق، وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذى أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود المسلوب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله، وقيل انما استحقه أبو قتادة بإقرار الذى هو بيده، وهذا ضعيف لان الاقرار انما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن هو بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا لجميع الجيش، ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا يكفى فيها شاهد واحد وقد اختلف في المرأة والصبى هل يستحقان سلب من قتلاه، وفى ذلك وجهان.

قال الامام بحيى أصحهما يستحقان لعموم من قتل قتيلا، قال في البحر وإنما يستحق السلب حيث قتله والحرب قائمة لا لو قتله نائما أو فارا قبل مبارزته أو مشغولا بأكل، ولا لو رماه بسهم إذ هو في مقابلة المخاطرة بالنفس، ولا مخاطرة هنا، ولا لو قتل أسيرا أو عزيلا من السلاح، ولا لو قتل من لاسطوة له كالمقعد، فإن قطع يديه ورجليه استحق سلبه، إذ قد كفى شره، ولو جرحه رجل ثم قتله آخر فالسلب للآخر، إذ لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود سلب أبى جهل وقد جرحه، بل أعطى قاتليه من الانصار، قال فلو ضرب أحدهما يده والآخر رقبته فالسلب لضارب الرقبة ان لم تكن ضربة الآخر قاتلة والا اشتركا، والمراد بالسلب هو ما أجلب به المقتول من ملبوس ومركب وسلاح لا ماكان باقيا في بيته، قال الامام يحيى ولا المنطقة والخاتم وللسوار والجنيب من الخيل فليس بسلب، قال المهدى بل ذهب ان كل ما ظهر على القتيل أو معه فهو سلب لا يخفى من جواهر أو دراهم أو نحوها اه. والظاهر من الاحاديث أنه يقال للكل شئ وجد مع المقتول وقت السلب سواء كان مما يظهر أو يخفى. واختلفوا هل يدخل الامام في العموم إذا قال من قتل قتيلا، فذهب أبو حنيفة والهادوية إلى الاول العموم اللفظ الا لقرينة مخصصة نحو أن يقول من قتل منكم وذهب الشافعي والمؤيد بالله في قول انه لا يدخل قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان حاصر قلعة ونزل أهلها على حكم حاكم جاز لان بنى قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم بقتل رجالهم وسبى نسائهم وذراريهم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة ويجب أن يكون الحاكم حرا مسلما ذكرا بالغا عاقلا عدلا عالما، لانه ولاية حكم فشرط فيها هذه الصفات كولاية القضاء، ويجوز أن يكون أعمى لان الذى يقتضى الحكم هو الذى يشتهر من حالهم وذلك يدرك بالسماع فصح من الاعمى كالشهادة فيما طريقه الاستفاضة، ويكره أن يكون الحاكم حسن الرأى فيهم لميله إليهم، ويجوز حكمه لانه عدل في الدين.

وإن نزلوا على حكم حالكم يختاره الامام جاز، لانه لا يختار الامام إلا من يجوز حكمه، وإن نزلوا على حكم من يختارونه لم يجز إلا أن يشترط أن يكون الحاكم على الصفات التى ذكرناها وإن نزلوا على حكم اثنين جاز لانه تحكيم في مصلحة طريقها الرأى فجاز أن يجعل إلى اثنين كالتحكيم في اختيار الامام، وإن نزلوا على حكم من لا يجوز أن يكون حاكما أو على حكم من يجوز أن يكون حاكما فمات، أو على حكم اثنين فماتا أو مات أحدهما وجب ردهم إلى القلعة لانهم على أمان فلا يجوز أخذهم إلا برضاهم ولا يحكم الحاكم إلا بما فيه مصلحة للمسلمين من القتل والاسترقاق والمن والفداء. وإن حكم بعقد الذمة وأخذ الجزية ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز إلا برضاهم لانه عقد معاوضة فلا يجوز من غير رضاهم (والثانى) يجوز لانهم نزلوا على حكمه وإن حكم أن من أسلم منهم استرق ومن أقام على الكفر قتل جاز. وإن حكم بذلك ثم أراد أن يسترق من حكم بقتله لم يجز لانه لم ينزل على هذا الشرط، وان حكم عليهم بالقتل ثم رأى هو أو الامام أن يمن عليهم جاز لان سعد بن معاذ رضى الله عنه حكم بقتل رجال بنى قريظة، فسأل ثابت الانصاري رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يهب له الزبير بن باطا اليهودي ففعل، فإن حكم باسترقاقهم لم يجز أن يمن عليهم الا برضا الغانمين لانهم صاروا مالا لهم. (الشرح) (حديث لقد حكمت فيهم..) أخرجه البخاري ومسلم من حديث طويل وأحمد. حديث (سألت ثابت الانصاري..) أخرجه البيهقى اللغة: قوله (من فوق سبعة أرقعة) الرقيع سماء الدنيا وكذلك سائر السموات وهى طباقها، لان كل سماء رقعة التى تليها، كما يرقع الثوب بالرقعة، وجاء به على التذكير كأنه ذهب به إلى السقف، والزبير بن باطا بفتح الراى وكسر الباء قوله (وان حاصر قلعة..) مذهب الجمهور أن الامر في الاسارى الكفرة من الرجال إلى الامام يفعل ما هو الاحظ للاسلام والمسلمين، وقد سبق شرح ما ورد فيما سبق ولا خلاف فيما أورده المزلف بين الجمهور

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن أسلم من الكفار قبل الاسر عصم دمه وماله، لِمَا رَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، فإن كانت له منفعة بإجارة لم تملك عليه لانها كالمال، وإن كانت له زوجة جاز استرقاقها على المنصوص ومن أصحابنا من قال لا يجوز كما لا يجوز أن يملك ماله ومنفعته، وهذا خطأ لان منفعة البضع ليست بمال ولا تجرى مجرى المال، ولهذا لا يضمن بالغصب بخلاف المال والمنفعة وإن كان له ولد صغير لم يجز استرقاقه، لان النبي صلى الله عليه وسلم حاصر بنى قريظة فأسلم ابنا شعبة فأحرز بإسلامهما أموالهما وأولادهمما، ولانة مسلم فلم يجز استرقاقه كالاب، وإن كان حمل من حربية لم يجز استرقاقه لانه محكوم بإسلامه فلم يسترق كالولد، وهل يجوز استرقاق الحامل؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لانه إذا لم يتسرق الحمل لم يتسرق الحامل، ألا ترى أنه لما لم يجز بيع الحر لم يجز بيع الحامل به (والثانى) أنه يجوز لانها حربية لاأمان لها (الشرح) حديث (أمرت أن أقاتل) متفق عليه حديث (حاصر بنى قريظة فأسلم ابنا شعبة) رواه ابن إسحاق في المغازى والبيهقي بلفظ على شيخ من بين قريظة والنضير أنه قال: هل تدرى كيف كان إسلام ثعلبة وأسيد ونفر من هذيل لم يكونوا من بنى قريظة، والنضير كانوا فوق ذلك أنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان، فأقام عندنا فوالله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنين وكان يقول أنه يتوقع خروج نبى قد أظل زمانه، فلما كانت الليلة التى

افتتح فيها قريظة قال أولئك الفتية الثلاثة يا معشر يهود، والله إنه كان للرجل الذى ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو اياه، قال بلى والله انه لهو، قال فنزلوا وأسلموا وكانوا شبابا فخلوا أموالهم وأولادهم وأهليهم في الحصن عند المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم. اللغة: قوله (ومن أسلم من الكفار) ذهب الجمهور إلى أن الحربى إذا أسلم طوعا كانت جميع أمواله في ملكه ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار الاسلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل. وقال بعض الحنيفة: ان الحربى إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور. وذهبت الهادوية إلى مثل ما ذهب به بعض الحنيفة: إذا كان اسلامه في دار الحرب، قالوا وان كان اسلامه في دار الاسلام كانت أمواله جميعها فيئا من غير فرق بين المنقول وغيره إلا أطفاله فإنه لا يجوز سبيهم. ويدل على ما ذهب إليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم أقر عقيلا على تصرفاته فيما كان لاخويه على وجعفر وللنبى صلى الله عليه وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير ذلك ولا انتزعها ممن هي في يده لما ظفر، فكان ذلك دليلا على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهى في يده بطريق الاولى، وقد بوب البخاري على قصة عقيل فقال: باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم. قال لقرطبي: يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم قبل أن يسلموا، فتقرير من أسلم يكون بطريق الاولى، ثم قال: إن عبد الحربى إذا أسلم صار حرا بإسلامه، إلا إذا أسلم سيده قبله. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أسلم رجل وله ولد صغير تبعه الولد في الاسلام لقوله عز وجل (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم)

وإن أسلمت امرأة ولها ولد صغير تبعها في الاسلام لانها أحد الابوين فتبعها الولد في الاسلام كالاب، وإن أسلم أحدهما والولد حمل تبعه في الاسلام لانه لا يصح إسلامه بنفسه فتبع المسلم منهما كالولد، وإن أسلم أحد الابوين دون الآخر تبع الولد المسلم منهما لان الاسلام أعلى فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى وإن لم يسلم واحد منهما فالولد كافر، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فإن بلغ وهو مجنون فأسلم أحد أبويه تبعه في الاسلام لانه لا يصح إسلامه بنفسه فتبع الابوين في الاسلام كالطفل وان بلغ عاقلا ثم جن ثم أسلم أحد أبويه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يتبعه لانه زال حكم الاتباع ببلوغه عاقلا فلا يعود إليه (والثانى) أنه يتبعه، وهو المذهب، لانه لا يصح اسلامه بنفسه فتبع أبويه في الاسلام كالطفل. (فصل) وان سبى المسلم صبيا فإن كان معه أحدا أبويه كان كافرا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وان سبى وحده ففيه وجهان (أحدهما) انه باق على حكم كفره ولا يتبع السابى في الاسلام، وهو ظاهر المذهب لان يد السابى يد ملك فلا توجب اسلامه كيد المشترى (والثانى) أنه يتبعه لانه لا يصح اسلامه بنفسه ولا معه من يتبعه في كفره فجعل تابعا للسابى لانه كالاب في حضانته وكفالته فتبعه في الاسلام (الشرح) حديث أبى هريرة (كل مولود يولد على الفطرة) أخرجه البخاري ومسلم (ما من مولود الايولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) أخرجه أحمد اللغة: قوله (جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة، قال في القاموس والجمعاء الناقة المهزولة ومن البهائم التى لم يذهب من بدنها شئ (جدعاء) والجدع قطع الانف أو الاذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس، قال والجدعة محركة ما بقى بعد القطع. اه

(قلت) المقصود أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة وانما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه، كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الدين الكامل، وما يعرض لهم من التلبس فإنما هو حادث بعد الولادة بسبب الابوين أو من يقوم مقامهما، وحديث أبى هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار حكم لهم عند الولادة بالاسلام، وانه إذا وجد الصبى في دار الاسلام دون أبويه كان مسلما لانه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الاسلام، كما سبق الافاضة في شرح هذا فيما سبق قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وصف الاسلام صبى عاقل من أولاد الكفار، لم يصح إسلامه على ظاهر المذهب، لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم) ولانه غير مكاف فلم يصح إسلامه بنفسه كالمجنون، فعلى هذا يحال بينه وبين أهله من الكفار إلى أن يبلغ لانه إذا ترك معهم خدعوه وزهدوه في الاسلام فإن بلغ ووصف الاسلام حكم بإسلامه، وإن وصف الكفر هدد وضرب وطولب بالاسلام، وإن أقام على الكفر رد إلى أهله من الكفار. ومن أصحابنا من قال يصح اسلامه، لانه يصح صومه وصلاته، فصح اسلامه كالبالغ. (فصل) وان سبيت امرأة ومعها ولد صغير لم يجز التفريق بينهما، وقد بيناه في البيع، وان سبى رجل ومعه ولد صغير ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز التفريق بينهما لانه أحد الابوين فلم يفرق بينه وبين الولد الصغير كالام (والثانى) أنه يجوز أن يفرق بينهما، لان الاب لابد أن يفارقه في الحضانة، لانه لا يتولى حضانته بنفسه وانما يتولاها غيره فلم يحرم التفريق بينهما، بخلاف

الام فإنها لا تفارقه في الحضانة، فإنه إذا فرق بينهما ولهت بمفارقته فحرم التفريق بينهما. (فصل) وان سبى الزوجان أو أحدهما انفسخ النكاح، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: أصبنا فساء يوم أوطاس فكرهوا أن يقعوا عليهن فأنزل الله تعالى (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم فاستحللناهن) قال الشافعي رحمه الله: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوطاس وبنى المصطلق وقسم الفئ وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها وان كان الزوجان مملوكين فسبيا أو أحدهما فلا نص فيه، والذى يقتضيه قياس المذهب أن لا ينفسخ النكاح لانه لم يحدث بالسبي رق وانما حدث انتقال الملك فلم ينفسخ النكاح، كما لو انتقل الملك فيهما بالبيع، ومن أصحابنا من قال ينفسخ النكاح لانه حدث سبى يوجب الاسترقاق، وان صادق رقا، كما أن الزنا يوجب الحد وان صادف حدا (الشرح) حديث على أخرجه الحاكم وأبو داود عن على وعمر بلفظ (رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم) وأخرجة الحاكم وأبو داود والنسائي عن عائشة بلفظ (رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يكبر) وأخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن على بلفظ (رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل) حديث أبى سعيد الخدرى أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في سبايا أو طاس (لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) واسناده حسن. وروى الدارقطني عن ابن عباس فهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ توطأ حامل حتى تضع أو حائل حتى تحيض، ثم نقل عن ابن صاعد أن العابدى تفرد بوصله وأن غيره أرسله، ورواه الطبراني في الصغير من حديث أبى هريرة

بإسناده ضعيف وأبو داود من حديث رويفع بن ثابت (لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها بحيضة) وروى ابن أبى شيبة عن على قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ توطأ الحامل حتى تضع أو الحائل حتى تستبرأ بحيضة) لكن في إسناده ضعف وانقطاع. وروى مسلم عن أبى سعيد (أصبنا نساء يوم أوطاس فكرهوا أن يقعوا عليهن من أجل أزاواجهن من المشركين فأنزل الله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم) فاستحللناهن، وفى آخره فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. اللغة: قوله (وان وصف الاسلام صبى عاقل..) (قلت) إنه لا يصح إسلامه ويحال بينه وبين أهله ولا يرد إليهم، وقد سبق شرحه بإفاضة. أما القول الثاني بأنه يصح اسلامه لانه يصح صلاته فقد اختلفت فيه الآراء كثيرا، قال الشيخ محمود خطاب في المنهل في حديث (مروا الصبى بالصلاة) الخطاب للاولياء لان الصغير غير مكلف لحديث (رفع القلم..) وأمره صلى الله عليه وسلم للاولياء للوجوب وليس أمرا للصبى، لان الامر بالامر بالشئ ليس أمرا به كما هو رأى الجمهور، خلافا للمالكية حيث قالوا ان الامر بالامر بالشئ أمر بذلك الشئ، فالصبي عندهم مأمور بالصلاة ندبا وتكتب له عليها، سواء أكان الولى أبا أم جدا أم وصيا أم قيما من جهة القاضى لقوله تعالى (وإمر أهلك بالصلاة) قال الشافعي في المختصر: على الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، وقيل ان الامر للولى مندوب لا واجب. قوله (وان سبيت امرأة معها ولد صغير..) قال الخطابى في المعالم: لم يختلف أهل العلم في أن التفريق بين الولد الصغير وبين والدته غير جائز الا أنهم اختلفوا في الحد بين الصغر الذى لا يجوز معه التفريق وبين الكبر الذى يجوز معه، فقال أصحاب الرأى الحد في ذلك الاحتلام. وقال الشافعي إذا بلغ سبعا أو ثمانيا. وقال الاوزاعي إذا استغنى عن أمه فقد خرج من الصغر. وقال مالك إذا اثغر (أي نبتت اسنانه)

وقال أحمد: لا يفرق بينهما بوجه وإن كبر الولد واحتلم، قلت ويشبه أن يكون المعنى في التفريق عند أحمد قطيعة الرحم، وصلة الرحم واجبة مع الصغر والكبر، ولا يجوز عند أصحاب الرأى التفريق بين الاخوين إذا كان أحدهما صغيرا والآخر كبيرا، فإن كانا صغيرين جاز وأما الشافعي فإنه يرى التفريق بين المحارم في البيع، ويجعل المنع في ذلك مقصورا على الولد، ولا تختلف مذاهب العلماء في كراهة التفريق بين الجارية وولدها الصغير، سواء كانت مسبية من بلاد الكفر أو كان الولد من زنا أو كان زوجها أهلها في الاسلام فجاءت بولد قوله (وإن سبى الزوجان أو أحدهما..) ولا خلاف فيما ذهب إليه المصنف ولذلك قال ابن حزم في مراتب الاجماع (واتفق أن من سبى من نساء أهل الكتاب المتزوجات وقتل زوجها وأسلمت هي أن وطأها حلال لمالكها بعد أن تستبرأ قال المباركفورى في التحفة (ويحرم على الرجل أن يطأ الامة المسبية إذا كانت حاملا حتى تستبرئ بحيضة، وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك، وظاهر قوله (ولا غير حامل) أنه يجب الاستبراء للكبر، ويؤيده القياس على العدة فإنها تجب مع العلم ببراءة الرحم وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء انما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها، وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها، وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال إذا كانت الامة عذراء لم يستبرئها ان شاء، وهو في صحيح البخاري عنه. وقول الشوكاني ومن القائلين بأن الاستبراء انما هو للعلم ببراءة الرحم فيحث تعلم البراءة لا يجب، وحيث لا يعلم ولا يظن يجب. أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تيمية وابن القيم، ورجحه جماعة من المتأخرين، منهم الجلال والمقيلى والمغربي والامير وهو الحق، لان العلة معقولة، فإذا لم توجد علامة كالحمل ولا مظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لا يجاب الاستبراء، والقول بأن الاستبراء تعدى وأنه يجب في حق الصغيرة، وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل. انتهى

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا دخل الجيش دار الحرب فأصابوا ما يؤكل من طعام أو فاكهة أو حلاوة واحتاجوا إليه جاز لهم أكله من غير ضمان، لما روى ابن عمر رضى الله عنه قال كنا نصيب من المغازى العسل والفاكهة فنأكله ولا نرفعه، وسئل ابن أبى أوفى عن طعام خيبر فقال: كان الرجل يأخذ منه قدر حاجته، ولان الحاجة تدعو إلى ما يؤكل ولا يوجد من يتشرى منه مع قيام الحرب فجاز لهم الاكل وهل يجوز لهم الاكل من غير حاجة فيه وجهان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لا يجوز كما لا يجوز في غير دار الحرب أ: ل مال الغير بغير إذنه من غير حاجة. (والثانى) أنه يجوز وهو ظاهر المذهب وهو قول أكثر أصحابنا، لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فأتيته فالتزمته ثم قلت: لا أعطى من هذا أحدا اليوم شيئا فالتفت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم إلى، ولو لم يجز أكل ما زاد على الحاجة لنهاه عن منع ما زاد على الحاجة ويخالف طعام الغير بأن ذلك لا يجوز أكله من غير ضرورة وهذا يجوز أكله من غير ضرورة قطعا وطعام الغير يأكله بعوض وهذا يأكله بغير عوض فجاز أن يأكله من غير حاجة، ولا يجوز لاحد منهم أن يبيع شيئا منه لان حاجته إلى الاكل دون البيع، وان باع شيئا منه نظرت، فان باعه من بعض الغانمين وسلمه إليه صار المشترى أحق به، لانه من الغانمين، وقد حصل في يده ما يجوز له أخذه للاكل فكان أحق به، فإن رده إلى البائع صار البائع أحق به لما ذكرناه في المشترى، وان باعه من غير الغانمين وسلمه إليه وجب على المشترى رده إلى الغنيمة، لانه ابتاعه ممن لا يملك بيعه ولى سهو من الغانمين فيمسكه لحقه فوجب رده إلى الغنيمة. (فصل) ويجوز أن يعلف منه المركوب وما يحمل عليه رجله من البهائم لان حاجته إليه كحاجته ولا يدهن منه شعره ولا شعر البهائم لانه لا حاجة به

إليه ولا يعلف منه ما معه من الجوارح كالصقر والفهد، لانه لا حاجة به إليه، وإن خرج إلى دار الاسلام ومعه بقية من الطعام ففيه قولان. (أحدهما) أنه لا يلزمه ردها في المغنم، لانه مال اختص به من الغنيمة فلا يجب رده فيها كالسلب. (والثانى) أنه يجب ردها، لانه انما أجيز أخذه في دار الحرب للحاجة، ولا حاجة إليه في دار الاسلام، ومن قال إن كان كثيرا وجب رده قولا واحدا وان كان قليلا فعلى القولين، والصحيح الاول، ولا يجوز تناول ما يصاب من الادوية من غير حاجة، وان دعت الحاجة إليه جاز تناوله ويجب ضمانه، لانه ليس من الاطعمة التى يحتاج إليها في العادة، ولا يجوز له ليس ما يصلب من الثياب لما روى رويفع بن ثابت الانصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه، ولانه لا يحتاج إليه في العادة، فان لبسه لزمته أجرته لانه كالغاصب. (فصل) ويجوز ذبح ما يؤكل للاكل، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز والمذهب الاول، لانه مما يؤكل في العادة فهو كسائر الطعام، ولا يجوز أن يعمل من أهبها حذاء ولا سقاء ولا دلاء ولا فراء، فان اتخذ منه شيئا من ذلك وجب رده في المغنم وان زادت بالصنعة قيمته لم يكن له في الزيادة حق وان نقص لزمه أرش منا نقص لانه كالغاصب. (فصل) وإن أصابوا كتبا فيها كفر لم يجز تركها على حالها لان قراءتها والنظر فيها معصية، وإن أصابوا التوراة والانجيل لم يجز تركها على حالها، لانه لا حرمة لها، لانها مبدلة، فان أمكن الانتفاع بما كتب عليه إذا غسل كالجلود غسل وقيم مع الغنيمة وان لم يمكن الانتفاع به إذا غسل كالورق مزق ولا يحرق لانه إذا حرق لم يكن له قيمة فإذا مرزق كانت له قيمة فلا يجوز إتلافه على الغانمين. (فصل) وإذا أصابوا خمرا وجب إراقتها كما يجب إذا أصيبت في يد مسلم

فإن أصابوا خنزيرا فقد قال في سير الواقدي يقتل ان كان به عدو، فمن أصحابنا من قال ان كان فيه عدو قتل لما فيه من الضرر، وان لم يكن فيه عدو لم يقتل، لانه لا ضرر فيه. ومنهم من قال يجب قتله بكل حال، لانه يحرم الانتفاع به فوجب اتلافه فالخمر، وان أصابوا كلبا، فان كان عقورا قتل لما فيه من الضرر، وان كان فيه منفعة دفع إلى من ينتفع به من الغانمين أو من أهل الخمس وان لم يكن فيهم من يحتاج إليه خلى، لان اقتناءه لغير حاجة محرم وقد بيناه في البيوع. (فصل) وان أصابوا مباحا لم يملكه الكفار كالصيد والحجر والحشيش والشجر فهو لمن أخذه كما لو وجده في دار الاسلام، وان وجد ما يمكن أن يكون للمسلمين ويمكن أن يكون للكفار كالسيف والقوس عرف سنة، فان لم يوجد صاحبه فهو غنيمة. (فصل) وان فتحت أرض عنوة وأصيب فيها موات، فان لم يمنع الكفار عنها فهو لمن أحياه كموات دار الاسلام، وان منعوا عنها كان للغانمين لانه يثبت لهم بالمنع عنها حق التملك فانتقل ذلك الحق إلى الغانمين كما لو تحجروا مواتا للاحياء ثم صارت الدار للمسلمين، وان فتحت صلحا على أن تكون الارض لهم لم يجز للمسلمين أن يملكوا فيها مواتا بالاحياء، لان الدار لهم فلم يملك المسلم فيها بالاحياء. (فصل) وما أصاب المسلمون من مال الكفار وخيف أن يرجع إليهم ينظر فيه فإن كان غير الحيوان أتلف حتى لا ينتفعوا به ويتقووا به على المسلمين، وان كان حيوانا لم يجز اتلافه من غير ضرورة، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله تعالى عن قتلها، قيل يا رسول الله وما حقها قال أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمى بها، وان دعت إلى قتله ضرورة بأن كان الكفار لا خيل لهم وما أصابه المسلمون خيل وخيف أن يأخذوه ويقاتلونا عليه جاز قتله، لانه إذا لم يقتل أخذه الكفار وقاتلوا به المسلمين.

(الشرح) حديث ابن عمر أخرجه البخاري وأبو داود وابن حبان (أن جيشا غنموا طعاما وعسلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فلم يأخذ منهم الخمس، وأخرجه البيهقى ورجح الدارقطني وقفه أثر ابن أبى أوفى أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي حديث عبد الله بن مغفل أخرجه البخاري ومسلم عن عبد اله بن مغفل قال أصبنا جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت لا أعطى أحدا اليوم من هذا شيئا، فالتفت فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبتسما) حديث رو يفع الانصاري (من كان يؤمن بالله) أخرجه أحمد وابو داود وابن حبان وزاد: روى ذلك يوم حنين بلفظ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم حنين (لا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يبتاع مغنما حتى يقسم ولا يلبس ثوبا من فئ حتى إذا أخلقه رده فيه ولا أن يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أخرجه البيهقى وسكت عنه البركمانى في الجوهر النقى. اللغة، قوله (إذا دخل الجيش دار الحرب..) قال الشوكاني في النيل يجوز أخذ الطعام، ويقاس عليه العلف للدواب بغير قسمة، ولكنه يقتصر من ذلك على مقدار الكفاية، كما في حديث ابن ابى أوفى، وإلى ذلك ذهب الجمهور، سواء اذن الامام أم لم يأذن، والعلة في ذلك أن الطعام يقل في دار الحرب، وكذلك العلف فأبيح للضرورة، والجمهور أيضا على جواز الاخذ، ولو لم تكن ضرورة. وقال الزهري لا تأخذ شيئا من الطعام ولاغيره إلا بإذن الامام. وقال سليمان بن موسى يأخذ إلا ان نهى الامام. وقال ابن المنذر قد وردت الاحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول، واتفق علماء الامصار على جواز أكل الطعام، وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه، وقال الشافعي ومالك يجوز ذبح الانعام للاكل كما يجوز أخذ الطعام، ولكن قده الشافعي بالضرورة إلى الاكل حيث لا طعام. اه وحديث أبى رويفع فيه دليل على أنه لا يحل لاحد من المجاهدين أن يبيع

شيئا من الغنيمة قبل قسمتها، لان ذلك من الغلول، وقد وردت الاحاديث الصحيحة بالنهي عنه. ولا يحل أيضا أن يأخذ ثوبا منها فيلبسه حتى يخلقه ثم يرده، أو يركب دابة منها حتى إذا أعجفها ردها لما في ذلك من الاضرار بسائر الغانمين والاستبداد بما لهم فيه نصيب بغير إذن منهم. قال في الفتح وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعنى أهل الحرب وليس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب، ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع ونقل عن أبى يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يتقى به دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة. وقال الخطابى، فأما الثياب والادوات فلا يجوز استعمالها إلا أن يقول قائل الثياب انه إذا احتاج إلى شئ منها حاجة ضرورة كان له أن يستعمله، مثل أن يشتد البرد فيستدفئ بثوب. قوله (ويجوز ذبح ما يؤكمل للاكل..) أقول بوب الجد ابن تيمية في كتابه المنتفى بابا ذكر فيه (باب ان الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف) وأورد فيه حديثين عن رجل من الانصار قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلى إذ جاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال ان النهبة ليست بأحل من الميتة، وان الميتة ليست بأحل من النهبة. رواه ابو داود والحديث الثاني عن معاذ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر فأصبنا فيها غنما فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم رواه أبو دود وفيه مجهول. إلا أن الشوكاني تعقبه فقال الحديث الاول ليس فيه دليل على ما ترجم له المصنف من ان الغنم تقسم، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا منع من أكلها لاجل النهى، كما وقع التصريح بذلك لا لاجل كونها غنيمة مشتركة لا يجوز

الانتفاع بها قبل القسمة. نعم الحديث الثاني فيه دليل على أن الامام يقسم بين المجاهدين من الغنم ونحوها من الانعام ما يحتاجونه حال قيام الحرب ويترك الباقي في جملة المغنم، وهذا مناسب لمذهب الجمهور المتقدم فإنهم يصرحون بأنه يجوز للغانمين أخذ القوت وما يصلح به، وكل طعام يعتاد أكله على العموم من غير فرق بين أن يكون حيوانا أو غيره. وقد استدل على أن المنع من ذبح الحيوانات المغنومة بغير إذن الامام بما في الصحيح من حديث رافع بن خديج في ذبحهم الابل التى أصابوها لاجل الجوع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور. قال ابن المهلب انما أكفا القدور ليعلم ان الغنيمة انما يستحقونها بعد القسمة ويمكن أن يحمل ذلك على أنه وقع الذبح في غير للوضع الذى وقع فيه القتال، وقد ثبت في هذا الحديث أن القصة وقعت في دار الاسلام لقوله فيها بذى الحليفة وقال القرطبى المأمور بإكفائه انما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا، وأما نفس اللحم فلم يتلف، بل يحمل على انه جمع ورد إلى المغانم لاجل النهى عن إضاعة المال. قوله (وان أصابوا كتبا..) لم يقل أحد أن النظر في كتب الديانات الاخرى معصية، بل الواجب يحتم علينا أن تعلم ما عندهم حتى تكون على بينة من أمرهم، وهاهم علماء المسلمين وأئمتهم ألفوا كتبا في الرد عليهم كابن حزم وغيره، وان عبد الله بن عمرو وقع له كتاب من كتبهم فكان يقرأه ويروى منه وكتب الفلسفة التى عربت والطب وغيرها من العلوم لم يقل أحد أن النظر فيها معصية. قوله (وإذا أصابوا خمرا..) وهذا لا خلاف فيه فقد أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإهراقها وهى ملك لايتام مسليمن فكيف إذا كانت ملكا للحربيين وكذا الخنزير أما الكلب فقد بينه المؤلف، كما أشار في البيوع قوله (وما أصاب المسلمون من مال الكفار..) فقد سبق تبيانه في وصية أبى بكر الصديق لجيشه وما قيل في التحريق من آراء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا سرق بعض الغانمين نصابا من الغنيمة، فإن كان قبل إخراج الخمس لم يقطع لمعنيين (أحدهما) أن له حقا في خمسها (والثانى) أن له حقا في أربعة أخماسها، وإن سرق بعد إخراج الخمس فظرت فإن سرق من الخمس لم يقطع لان له حقا فيه، وإن سرق من أربعة أخماسها نظرت فإن سرق قدر حقه أو دونه لم يقطع لان له في ذلك القدر شبهة، وإن كان أكثر من حقه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقطع لانه لاشبهة له في سرقة النصاب (والثانى) أنه لا يقطع لان حقه شائع في الجميع فلم يقطع فيه، وإن كان السارق من غير الغانمين نظرت فإن كان قبل إخراج الخمس لم يقطع لان له حقا في خمسها، وإن كان بعد إخراج الخمس فإن سرق من الخمس لم يقطع لان فيه حقا، وان سرق ذلك من أربعة أخماسها فإن كان في الغانمين من للسارق شبهة في ماله كالاب والابن لم يقطع لان له شبهة فيما سرق، وإن لم يكن له فيهم من له شبهة في ماله قطع لانه لا شبهة له فيما سرق. (الشرح) والغال من الغنيمة بوب له أبو داود في سننه فقال باب في الغلول إذا كان يسيرا يتركه الامام ولا يحرق رحله، وروى حديث عبد الله بن عمر كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة، فقال أسمعت بلالا نادى ثلاثا؟ قال نعم، قال فما منعك أن تجئ به فاعتذر فقال كن أنت تجئ به يوم القيامة فلن أقبله عنك. وبوب البيهقى في سننه الكبرى ج 9 ص 100 (باب الرجل يسرق من الغنم وقد حضر القتال) وأورد ثلاثة احاديث، الاول عن ابن عباس رضى الله عنه أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه، فقال مال الله سرق بعضه بعضا وهذا إسناد فيه ضعف

ورواه من طريق آخر عن ميمون بن مهران عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، ورينا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وطئ بعض الغانمين جارية من الغنيمة لم يجب عليه الحد وقال أبو ثور يجب، وهذا خطأ لان له فيها شبهة وهو حق التملك ويجب عليه المهر لانه وطئ يسقط فيه الحد على الموطوءة للشبهة فوجب المهر على الواطىء كالوطئ في النكاح الفاسد، وان أحبلها ثبت النسب للولد وينعقد الولد حرا الشبهة وهل تقسم الجارية في الغنيمة أو تقوم على الواطئ؟ فيه طريقان، من أصحابنا من قال ان قلنا انه إذا ملكها صارت أم ولد قومت عليه، وان قلنا انها لا تصير أم ولد له لم تقوم عليه. وقال أبو إسحاق تقوم على القولين، لانه لا يجوز قسمتها كما لا يجوز بيعها ولا يجوز تأخير القسمة لان فيه اضرارا بالغانمين فوجب أن تقوم، وان وضعت فهل تلزمه قيمة الولد؟ ينظر فيه فإن كان قد قومت عليه لم تلزمه لانها تضع في ملكه، وان لم تكن قومت عليه لزمه قيمة الولد لانها وضعته في غير ملكه (فصل) ومن قتل في دار الحرب قتلا يوجب القصاص أو أتى بمعصية توجب الحد وجب عليه ما يجب في دار الاسلام، لانه لا تختلف الداران في تحريم الفعل فلم تختلفا فيما يجب به من العقوبة. (الشرح) روى البيهقى في سننه الكبرى ما يخالف ما أورده المصنف إذ قال بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خالد بن الوليد في جيش، فبعث خالد ضرار ابن الازور في سرية في خيل فأغاروا على حى من بنى أسد فأصابوا امرأة عروسا جميلة فاعجبت ضرار، فسألها أصحابه فأعطوها إياه فوقع عليها، فلما قفل ندم وسقط به في يده، فلما رفع إلى خالد أخبره بالذى فعل، فقال خالد فإنى قد أجزتها لك وطيبتها لك، قال لا حتى تكتب بذلك إلى عمر، فكتب عمر أن أرضخه بالحجارة، فجاء كتاب عمر رضى الله عنه وقد توفى، فقال ما كان الله ليخزى ضرار بن الازور.

وروى البيهقى أن ابن عمر سئل عن جارية كانت بين رجلين وقع عليها أحدهما قال هو خائن ليس عليه حد تقوم عليه قيمة، وفى رواية أخرى ليس عليه حد يقوم عليه قيمتها ويأخذها، وسكت عنه ابن التركماني قوله (ومن قتل في دار الحرب..) وقد بوب البيهقى في سننه الكبرى باب إقامة الحدود في أرض الحرب، ثم أورد فيه، قال الشافعي رحمه الله قد أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وروى عن عبد الرحمن ابن أزهر الزهري قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأتى بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من التراب. وذكر أن أبا داود روى في مراسيله: قال صلى الله عليه وسلم وأقيموا الحدود في الحضر والسفر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لاثم، وذكر أثر عمر إلى خالد السابق، ولم يتعقبه ابن التركماني بشئ، ثم بوب بابا آخر فقال: باب من زعم لا تقام الحدود في أرض الحرب حتى يرجع، وروى فيه آثارا منها أن عمر رضى الله عنه كتب إلى عمير بن سعد الانصاري وإلى عماله أن لا يقيموا حدا على أحمد من المسليمن في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة، قال الشافعي: ما روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مستنكر، وهو يعيب أن يحتج بحديث غير ثابت، ويقول حدثنا شيخ، ومن هذا الشيخ؟ ويقول مكحول عن زيد بن ثابت ومكحول لم ير زيد بن ثابت، قال الشافعي، وقوله يلحق بالمشركين، فإن لحق بهم فهو أشقى له، ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التى تتصل ببلاد الحرب، ثم تعقبه ابن البركمانى في الجوهر النقى (قال الشافعي ما روى عن عمر مستنكر) بقوله قلت أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف بسنده قال: كتب عمر ابن الخطاب: ألا لا يجلدن أمير جيش ولا سرية أحدا الحد حتى يطلع على الدرب لئلا يحمله حمية الشيطان أن يلحق بالكفار، وعن أبى الدرداء: نهى أن يقام على أحد حد في أرض العدو

واحتج أبو يوسف في كتاب الخراج لهذه المسألة فروى بسنده عن علقمة قال: غزونا بأرض الروم ومعنا حذيفة وعلينا رجل من قريش فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة تحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم وذكره ابن أبى شيبة عن الاعمش، وروى عبد الرزاق عن علقمة قال أصاب أمير الجيش وهو الوليد بن عقبة شرابا فسكر، فقال الناس لابن مسعود وحذيفة ابن اليمان أقيما عليه الحد، فقالا لا نفعل، نحن بإزاء العدو ونكره أن يعلموا فيكون جرأة منهم علينا وضعفا بنا، وفى المعالم قال الاوزاعي لا يقطع أمير العسكر حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان تجسس رجل من المسلمين الكفار لم يقتل، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنا والزبير والمقداد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فيها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا حتى أتينا الروضة فإذا بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فيه من حاطب بن أبى بلتمة رضى الهل عنه إلى أناس بمكة يخبرهم ببعض أمور رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا حاطب من هذا؟ قال يا رسول الله لا تعجل على انما كنت امرأ ملصقا فأحببت أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعل ذلك ارتدادا عن دينى ولا أرضى الكفر بعد الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما انه قد صدق، فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال انه قد شهد بدرا، فقال سفيان بن عيينة فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لانتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) وقرأ سفيان إلى قوله (فقد ضل سواء السبيل) (الشرح) حديث على عن عبيد الله بن أبى رافع قال: سمعت عليا رضى الله عنه يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب، فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة، فقلنا اخرجي الكتاب؟ فقالت ما معى كتاب، فقلنا لها لتخرجن

الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فيه من حاطب بن أبى بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا يا حاطب؟ قال لا تعجل على إنى كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لى بمكة قرابة، فأحببت إذا فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلنه شكا في دينى ولا رضا بالكفر بعد الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قد صدق، فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) أخرجه البخاري ومسلم. اللغة: قوله (فإن فيها ظعينة) الظعينة المرأة في الهودج، وأصل الظعينة هو الهودج ثم سميت المرأة ظعينة لكونها فيه مأخوذ من الظعن وهو الارتحال، قال الله تعالى (يوم ظعنكم ويوم اقامتكم) وقال بعضهم لا يقال للمرأة ظعينة إلا إذا كانت في الهودج. قوله (فأخرجته من عقاصها) عقص الشعر ليه وضفره على الرأس، ومنه سميت الشاة الملتوية القرن عقصاء، والعقاص جمع عقصة مثل رهمة ورهام قال امرؤ القيس: يضل العقاص في مثنى ومرسل قوله (كنت امرأ ملصقا) الملصق بالقوم والملتصق المنضم إليهم وليس منهم قوله (يدا) أراد صنيعة منهم يمنعون بها قرابتي قال: تكن لك في قومي يد يشكرونها * وأيدي الندى في الصالحين قروض قوله (دعني أضرب نق هذا المنافق) قد ذكرنا أن المنافق الذى يظهر الايمان ويستر الكفر، وفى اشتقاقه ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه مشتق من النفق وهو ال؟ رب من قوله تعالى (فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الارض) فشبه بالذى يدخل النفق ويستنر به (والثانى) أنه مشتق من نافقاء اليربوع وهو جحره لان له حجرا يسمى النافقاء وآخر يقال له القاصعاء، فإذا طلب من النافقاء قصع

فحرج من القاصعاء وإن طلب من القاصعاء نفق فخرج من النافقاء، وكذلك المنافق يدخل في الكفر ويخرج من الاسلام مراءاة للكفار، ويخرج من الكفر ويدخل في الاسلام مراءأه للمسلين (والثالث) أنه مشتق من النافقاء بمعنى آخر ذلك أنه يحفر في الارض حتى إذا كاد أن يبلغ ظاهرها أرق التراب، فإذا خاف خرق الارض وبقى في ظاهره تراب وظاهر حجره تراب وباطنه حفر، المنافق باطنه كفر وظاهره إيمان، ولليربوع أربعة أجحرة الراهطاء والنافقاء والقاصعاء والدأماء. قوله (عدوى وعدوكم) قال الهروي العداوة تباعد القلوب والنيات، وقال ابن الانباري لانه يعدو بالمكروه والظلم، ويقال عدا عليه عدوا إذا ظلمه، قال الله تعالى (فيسبوا الله عدوا بغير علم) أي ظلما والعدو يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، قال الله تعالى (فإنهم عدو لى) وقال (وهم لكم عدو) وقال الشاعر: إذا أنا لم انفع خليلي بوده * فإن عدوى لن يضرهم بغضى وقد يجمع فيقال أعداء، قال الله تعالى (فلا تشمت بى الاعداء) قال أبو يوسف في كتاب الخراج (وسألت يا أمير المؤمنين عن الجواسيس يوجدون وهم من أهل الذمة أو أهل الحرب أو من المسلمين، فإن كانوا من أهل الحرب أو من أهل الذمة ممن يؤدى الجزية من اليهود والنصارى والمجوس فاضرب أعناقهم، وإن كانوا من أهل الاسلام معروفين فأوجعهم عقوبة وأطل حبسهم حتى يحدثوا توبة. اه قال النووي قتل الجاسوس الحربى الكافر هو باتفاق، وأما المعاهد والذمى فقال مالك والاوزاعي ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف، أما لو شرط عليه ذلك في عهدة فينتقض اتفاقا. قال الشوكاني: حديث فرات بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بقتله وكان ذميا وكان عينا لابي سفيان وحليفا لرجل من الانصار فمر بحلقة من الانصار فقال إنى مسلم، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إنه يقول إنه مسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان) أخرجه أحمدو أبو داود، يدل على جواز قتل الجاسوس الذى،

وذهبت الهادوية إلى قتل جاسوس الكفار والبغاة إذا ان قتل أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة، وإذا اختل شئ من ذلك حبس فقط قال الخطابى في المعالم في شرح حديث على (فيه دليل على أن الجاسوس إذا كان مسلما لم يقتل، واختلفوا فيما يفعل به من العقوبة، فقال أصحاب الرأى في المسلم إذا كتب إلى العدو ودله على عورات المسلمين يوجع عقوبة ويطال حبسه وقال الاوزاعي: إن كان مسلما عاقبه الامام عقوبة منكلة، وغربه إلى بعض الآفاق في وثاق، وان كان ذميا فقد نقض عهده، وقال مالك: لم أسمع فيه شيئا وأرى فيه اجتهاد وقال الشافعي: إذا كان هذا من الرجل ذى الهيئة بجهالة كما كان من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى عنه، وإن كان من غير ذى الهيئة كان للامام تعزيره، وفى الحديث من الفقه أيضا جواز النظر إلى ما ينكشف من النساء لاقامة حد أو إقامة شهادة في إثبات حق إلى ما أشبه ذلك من الامور قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا أخذ المشركون مال المسلمين بالقهر لم يملكوه، وإذا استرجع منهم وجب رده إلى صاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) وروى عمران بن الحصين رضى الله عنه قال: أغار المشركون على سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبوا به وذهبوا بالعضباء وأسروا امرأة من المسلمين، فركبتها وجعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، فقدمت المدينة وأخبرت بذلك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بئس ما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله عز وجل ولا فيما لا يمكله ابن آدم، فإن لم يعلم يه حتى قسم دفع اليمن وقع في سهمه العوض من خمس الخمس ورد المال إلى صاحبه لانه يشق نقض القسمة. (الشرح) حديث (لا يجل مال امرئ مسلم..) أخرجه أبو داود عن خيفة الرقاشى

حديث عمران بن حصين (قال أسرت امرأة من الانصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعيمهم بين يدى بيوتهم فانقلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الابل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ وهى ناقة منوقة (وفى رواية) مدربة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فأعجزتهم، قال ونذرت لله إن نجاها الله عليه لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك فقال سبحان الله بئسما جزتها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرها، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد) أخرجه مسلم (قلت) ورويت أحاديث أخرى في الباب، فعن ابن عمر أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبق عبد له فلحق بأرض الروم وظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه وفى رواية أن غلاما لابن عمر أبق إلى العدو، فظهر عليه المسلمون، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابن عمر ولم يقسم. أخرجه أبو داود، كما أن البيهقى روى حيث عمران من طرق في بهعضها زيادات تعقبها ابن التركماني فقال تحت باب ما أحرزه المشركون على المسلمين ذكر فيه خروج المرأة بناقة النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين، ثم أخرجه من وجه ثالث فقال: ثنا أبو زكريا وأبو سعيد قالا ثنا أبو العباس أنا الربيع ثنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران (الحديث) وفى آخره قالا معا أو أحدهما في الحديث، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته، قلت هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه من حصر جماعة عن أيوب، وليس في حديث أحد منهم هذه الزيادة، وقد شك الشافعي هل قالاها أو قالها أحدهما، وأحدهما وهو عبد الوهاب، وان خرج له في الصحيح ففيه ضعف، كذا قال ابن سعد، واختلط أيضا، وإذا دارت هذه الزيادة بينه وبين ابن عيينة ضعفت، على أن النسائي والترمذي وابن ماجه أخرجوا الحديث من

طريق ابن عيينة بدون الزيادة، وأخرجها الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء من جهة عبد الوهاب، فدل ذلك على أنه هو الذى قالها دون ابن عيينة، مع أن عبد الوهاب اختلف عليه، فرواه مسلم عن اسحاق بن ابراهيم عنه بدون الزيادة وليس الضمينر في قوله قالا أو أحدهما راجعا إلى أبى زكريا وأبى سعيد شيخي البيهقى لانه روى الحديث في كتاب المعرفة عن أبى عبد الله وأبى زكريا وأبى سعيد، وفى آخره قالا فتعين عود الضمير إلى سفيان وعبد الوهاب وأخرج البيهقى في كتاب المعرفة الزيادة من وجه آخر، وفيه يحيى بن أبى طالب عن على بن عاصم، وابن أبى طالب وثقه الدارقطني وغيره، ووقال موسى بن هارون أشهد أنه يكذب ولم يعن في الحديث، فالله أعلم. وقال أبو عبيد الآجرى خط أبوداد على حديثه، ذكره صاحب الميزان وابن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب، وكان أحمد سيئ الرأى فيه، وقال يحيى ليس بشئ، وقال النسائي متروك، وقال ابن عدى الضعف على حديثه تبين. اللغة: قوله (ذهبوا بالعضباء) العضب القطع في الاذن، يقال بعير أعضب وناقة عضباء، وهو هنا اسم علم لها لا لاجل أنها مقطوعة قال الشوكاني في النيل وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من المسلمين، ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها، وعن على والزهرى وعمرو بن دينار والحسن لايرد أصلا ويختص به أهل المغاتم. وقال عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون، وهى رواية عن الحسن أيضا، ونقلها ابن أبى الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة إن وجده صاحبه قبل القسمة فو أحق به، وان وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقيمة، واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوعا بهذا التفصيل، أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدا، وإلى هذا التفصيل ذهبت الهادوية، وعن أبى حنيفة كقول مالك إلا في الآبق، فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا

قال أبو حفص عمر الغزنوى في الغرة المنيفة (مسألة) إذا استولى الكفار على أموال المسلمين وأحرزوها بدارا لحرب ملكوها عند أبى حنيفة رضى الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لم يملكوها، حجة أبى حنيفة رضى الله عنه قوله تَعَالَى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وأموالهم) أسماهم فقراء مع إضافة الاموال إليهم، والفقير من لا مال له لا من بعدت يده عن المال، ومن ضرورته ثبوت الملك لمن استولى على أموالهم من الكفار وروى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يوم الفتح: يا رسول الله ألا نزل دارك؟ فقال (وهل ترك لها عقيل من منزل) وكان للنبى صلى الله عليه وسلم دار بمكة ورثها من خديجة رضى الله عنه فاستولى عليها عقيل وكان مشركا وروى ابن عباس رضى الله عنه أن رجلا أصاب بعيرا له في الغنيمة، فأخبر بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إنَّ وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شئ، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالثمن) وروى تميم عن طرفة أنه عليه الصلاة والسلام قال في بعير أخذه المشركون فاشتراه رجل من المسلمين ثم جاء المالك الاول إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال صلى الله عليه وسلم (إن شئت أخذته بالثمن) فلو بقى في ملك المالك القديم لكان له الاخذ بغير شئ، حجة الشافعي رحمه الله قوله تَعَالَى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سبيلا) فينبغي أن لا يصير مال المسلم للكافر بالغلبة والاستيلاء عليه. الحجة الثانية أن المسلم خير من الكافر، والمسلم إذا استولى على مال مسلم آخر لا يصير ملكا له فالكافر أولى الجواب عنه أما الآية فمقتضاها نفى السبيل على نفس المسلم، ونحن نقول بموجبه، فإذا استوزلى على نفسه يملكه ونحن نمكلهم، ولكن الاصل في الاموال عدم العصمة، وإنما صار معصوما بالاحراز بدار الاسلام، فإذا أحرزوها بدار الحرب زالت العصمة بزوال سببها فبقيت أموالا مباحة فتملك بالاستيلاء عليه وفيه وقع الفرق بين استيلاء المسلم والكافر وأن المسلم لم يحرزها إلى دارا لحرب والحربي أحرزها فافترقا.

وقال ابن حزم في مراتب الاجماع (واختلفوا فيما صار بأيدى المشركين من أموال المسلمين أيملكونه أم لا يملكونه أصلا. ثم قال في كتاب المحلى: ولا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم ولا مال ذمى أبدا إلا بالابتياع الصحيح أو بميراث من ذمى كافرا أو بمعاملة صحيحة في دين الاسلام، فكل ما غنموه من مال ذمى أو مسلم أو آبق إليهم فهو باق على ملك صاحبه فمتى قدر عليه رد على صاحبه قبل القسمة وبعدها دخلوا به أرض الحرب أو لم يدخلوا، ولا يكلف مالكه عوضا ولا ثمنا لكن يعوض الامير من كان صار في سهمه من كل مال لجماعة المسلمين، ولا ينفذ فيه عتق من وقع في سهمه ولا صدقته ولا هبته ولا بيعه ولا تكون له الامة أم ولد، وحكه حكم الشئ الذى يغصبه المسلم من المسلم ولا فرق ثم دلل على صحة أقواله مدعما بالاحاديث والآثار في ثمانى صفحات كان بودنا نقل ما أورد لولا ضيق المقام واستعجال الناشر لنا، ورد أقوال أبى حنيفة والآثار التى ذكرها صاحب الغرة بما فيه الحق، وكذا رد أقوال المالكيين وبين الصحيح فيها من الضعيف. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أسر الكفار مسلما وأطلقوه من غير شرط فله أن يغتالهم في النفس وامال لانهم كفار لا أمان لهم، وإن أطلقوه على أنه في أمان ولم يسأمنوه ففيه وجهان: (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لا أمان لهم لانهم لم يستأمنوه (والثانى) وهو ظاهر المذهب أنهم في أمانه، لانهم جعلوه في أمان فوجب أن يكونوا منه في أمان، وإن كان محبوسا فأطلقوه واستحلفوه أنه لا يرجع إلى دار الاسلام لم يلزمه حكم اليمين ولا كفارة عليه إذا حلف لان ظاهره الاكراه، فإن ابتدأ وحلف أنه إن أطلق لم يخرج إلى دار الاسلام ففيه وجهان (أحدهما) أنها يمين إكراه، فإن خرج لم تلزمه كفارة، لانه لم يقدر على

باب الأنفال

الخروج إلا باليمين فأشبه إذا حلفوه على ذلك (والثانى) أنه يمين اختيار، فإن خرج لزمته الكفارة لانه بدا بها من غير إكراه، وإن أطلق ليخرج إلى دار الاسلام وشرط عليه أن يعود إليهم أو يحمل له مالا لم يلزمه العود لان مقامه في دار الحرب لا يجوز ولا يلزمه بالشرط ما ضمن من المال، لانه ضمان من مال بغير حق، والمستحب أن يحمل لهم ما ضمن ليكون ذلك طريقا إلى إطلاق الاسرى. (الشرح) قال ابن حزم في المحلى (ومن كان أسيرا عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه فلا يحل له أن يرجع إليهم ولا أن يعطيهم شيئا، ولا يحل للامام أن يجبره على أن يعطيهم شيئا، فإن لم يقدر على الانطلاق إلا بالفداء ففرض على المسلمين أن يفدوه إن لم يكن له مال يفى بفدائه، قال الله عز وجل (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) واسار المسلم أبطل الباطل والعون عليه، وتلك العهود والايمان التى أعطاهم لا شئ عليه فيها، لانه مكره عليها، إذ لا سبيل إلى الخلاص إلا بها، ولا يحل له البقاء في أرض الكفر وهو قادر على الخروج، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وهكذا كل عهد أعطيناهم حتى نتمكن من استنقاذ المسلمين وأموالهم من أيديهم. اللغة: قوله (أن يغتالهم) غاله واغتاله إذا أخذه من حيث لا لم يدر، وقال الازهرى (الغيلة هو أن يخدع بالشئ حتى يسر إلى موضع كمن له فيه الرجال فيقتل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب الأنفال) (الشرح) الانفال جمع نفل بالتحريك وبسكونها الغنيمة. قال لبيد ان تقوى ربنا خير نفل وأصله العطية بغير وجوب على المعطى، ومنه قيل لصلاة التطوع نافلة،

وقيل أصله الزيادة لانها زائدة على الفرائض، ولان الغنيمة زادها الله هذه الامة في الحلال، ومنه قوله تعالى (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) نافلة أي زيادة على إسحاق، ويسمى ولد الولد نافلة، لانه زيادة على الولد، وقوله تعالى (ويسألونك عن الانفال) إنما كان سوءالهم عنها لانها كانت حراما على من قبلهم، كانت تنزل نار من السماء فتحرقها فأحلها الله لهم قال المصنف رحمه الله تعالى: يجز لامير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلا يفضى إلى الظفر بالعدو كالتجسيس والدلالة على طريق أو قلعة أو التقدم بالدخول إلى دار الحرب أو الرجوع إليها بعد خروج الجيش منها لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفى القفول الثلث، وتقدير النفل إلى رأى أمير الجيش، لانه بذل لمصلحة الحرب فكان تقديره إلى رأى الامير، ويكون ذلك على قدر العمل لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي البدأة الربع وفى القفول الثلث، لان التغرير في القفول أعظم لانه يدخل إلى دار الحرب والعدو منه على حذر وفى البدأة يدخل والعدو منه على غير حذر، ويجوز شرط النفل من بيت مال المسلمين، ويجوز شرطه من المال الذى يؤخذ من المشركين، فإن جعل في بيت مال المسلمين كان ذلك من خمس الخمس لما روى سعيد بن المسيب قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس، ولانه مال يصرف في مصلحة فكان من خمس الخمس ولا يجوز أن يكون مجهولا لانه عوض في عقد لا تدعو الحاجة فيه إلى الجهل به فلم يجز أن يكون مجهولا كالجهل في رد الآبق، وان كان النفل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي البدأة الربع وفى القفول الثلث وذلك جزء من غنيمة مجهولة (فصل) وان قال الامير من دلى على القلعة الفلانية فله منها جارية، فدله عليها رجل نظرت فإن لم تفتح القلعة لم يجب الدليل شئ، ومن أصحابنا من قال يرضخ له لدلالته، والمذهب الاول لانه لما جعل له الجارية من القلعة صار تقديره من دلى على القلعة وفتحت كانت له منها جارية لانه لا يقدر على تسليم

الجارية إلا بالفتح فلم يستحق من غير الفتح شيئا، وان فتحت عنوة ولم تكن فيها جارية لم يستحق شيئا لانه شرط معدوم وان كانت فيها جارية سلمت إليه ولا حق فيها للغانمين ولا لاهل الخمس لانه استحقها بسبب سابق الفتح، وان أسلمت الجارية قبل القدرة عليها لم يستحقها لان اسلامها يمنع من استرقاقها، ويجب له قيمتها، لان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة على أن يرد إليهم من جاء من المسلمات فمنعه الله عز وجل من ردهن وأمره أن يرد مهورهن، وان أسلمت بعد القدرة عليها فإن كان الدليل مسلما سلمت إليه، وان كان كافرا فإن قلنا ان الكافر يملك العبد المسلم بالشراء استحقها ثم أجبر على ازالة الملك عنها، وان قلنا انه لا يملك، دفع إليه قيمتها، وان أسلم الدليل بعد ذلك لم يستحقها، لانه أسلم بعد ما انتقل حقه إلى قيمتها، وان فتحت والجارية قد ماتت ففيه قولان: (أحدهما) أن له قيمتها لانه تعذر تسليمها فوجب قيمتها كما لو أسلمت. (والثانى) أنه لا يجب له قيمتها لانه غير مقدور عليها فلم يجب قيمتها، كما لو لم تكن فيها جارية، وان فتحت صلحا نظرت فإن لم تدخل الجارية في الصلح كان الحكم فيها كالحكم إذا فتحت عنوة، فإن دخلت في الصلح فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ ان الجارية للدليل وشرطها في الصلح لا يصح ما لو زوجت امرأة من رجل ثم زوجت من آخر (والثانى) أن شرطها في الصلح صحيح لان الدليل لو عفاعنها أمضينا الصلح فيها، ولو كان فاسدا لم يمض الا بعقد مجدد، فعلى هذا ان رضى الدليل بغيرها من جواري القلعة أو رضى بقيمتها أمضينا الصلح وان لم يرض ورضى أهل القلعة بتسليمها فكذلك. وان امتنع أهل القلعة من دفع الجارية وامتنع الدليل من الانتقال إلى البدل ردوا إلى القلعة وقد زال الصلح لانه اجتمع أمران متنافيان وتعذر الجمع بينهما وحق الدليل سابق ففسخ الصلح ولصاحب القلعة أن يحصن القلعة كما كانت من غير زيادة، وان فتحت بعد ذلك عنوة كانت الجارية للدليل وان لم تفتح لم يكن له شئ

(فصل) إذا قال الامير قبل الحرب من أخذ شيئا فهو له فقد أومأ فيه إلى قولين (أحدهما) أن الشرط صحيح لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمُ بدر (من أخذ شيئا فهو له) (والثانى) وهو الصحيح أنه لا يصح الشرط لانه جزء من الغنيمة شرطه لمن لا يستحقه من غير شرط فلا يستحقه بالشرط، كما لو شرطه لغير الغانمين، والخبر ورد في غنائم بدر وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها حيث شاء (الشرح) حديث عبادة بن الصامت أخرجه أحمد بلفظ (كان ينفل في البدأة الربع وفى الرجعة الثلث) ورواه ابن ماجه والترمذي وصححه وابن حبان وعن حبيب بن سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته) أخرجه أجمد وأبو داود وابن ماجه وصححه وابن الجارود وبان حبان والحاكم وأخرجه ابن أبى داود من طرق ثلاثة، منها عن مكحول بن عبد الله الشامي قال: كنت عبدا بمصر لامرأة من بنى هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق، فما خرجت منها وبها علم الا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشئ، حتى لقيت شيخا يقال له زياد بن جارية التميمي، فقلت له هل سمعت في النفل شيئا؟ قال نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهرى يقول: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة) قال المنذرى: وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد أثر سعيد بن المسيب أخرجه البيهقى وأبو عبيد في الاموال حديث (صالح أهل مكة) عن مروان والمسور، قالا لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك الا رددته الينا وخليت بيننا وبينه، فكره المسلمون ذلك وامتعضوا منه وأبى سهيل إلا ذلك: فكاتب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فرد يومئذ

أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله عز وجل فيهن (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات..) رواه البخاري وعن معن بن يزيد قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول (لانفل إلا بعد الخمس) رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي اللغة: قوله (يجوز لامير الجيش..) قول الشوكاني في النيل: يجوز للامام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له من العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيرة. وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده، وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش، كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لان القتال حينئذ يكون الدنيا فلا يجوز. قال الحافظ في الفتح: وفى هذا رد على من حكى الاجماع على مشروعيته، وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال، واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك، فروى عنه أنه من أصل الغنيمة، وروى عنه أنه من الخمس، وروى عنه أنه من خمس الخمس والاصح عند الشافعية أنهم من خمس الخمس، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم. ثم قال الشوكاني بعد أن أورد حديث حبيب ومعن فيهما دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس، ورد على من قال أنه لا يصح التنفيل إلا من الخمس أو خمس الخمس. وقال الاوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم: النفل من أصل الغنيمة، وإلى ذلك ذهبت الهادوية، وقال مالك وطائفة لانفل الا عن الخمس وقال الخطابي: أكثر ما روى من الاخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة. قال ابن عبد البر (ان أراد الامام تفضيل بعد الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة

وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث، وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسمة والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ من أحدهما وفى رواية ابن عمر المتفق عليها صريحة أن الذى نفلهم هو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ أبى داود قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعير بعير الكل، ثم قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا أثنى عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذى أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعير بنفله) مصرحة بأن الذى نفلهم هو الامير. وكذلك ما رواه مسلم من طريق نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش، ويمكن الجمع بأن المراد بالرواية التى صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع منه التقرير. قال النووي (معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما)) وفى هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس قال ابن بطال وهذا مردود لانهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس، وقد زاده ابن المنبر ايضاحا فقال (لو فرضننا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير، ثم بينن مقدار الخمس وخمسه وأنه لا يمكن أن يكون لكل انسان منه بعير. قال ابن التين قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بالوجه، منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخر فيكون التنفيل وقع من بعض الاصناف دون بعض. (ثانيها) أن يكون نقلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها، فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة

باب قسم الغنيمة

(ثالثها) أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض، قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات، قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد إثنا عشر ثم نفلو بعير ابعيرا، فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس، وقد قال ابن عبد البر إن أراد الامام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه، فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فاراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط ألا يزيد عن الثلث. اه قال الحافظ في الفتح: وهذا الشرط قال به الجمهور. وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الامام من المصلحة، ويدل قوله تعالى (قل الانفال لله والرسول) ففوض إليه أمرها (قلت) ولم يرد في الاحاديث الصحيحة ما يلزم بالاقتصار على مقدار معلوم، ولا على نوع معين، والظاهر تفويض الامر إلى راى الامام. قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب قسم الغنيمة) والغنمية ما أخذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، فإن كان فيها سلب للقاتل اؤ مال لمسلم سلم إليه لانه استحقه قبل الاغتنام ثم يدفع منها أجرة النقال والحافظ لانه لمصلحة الغنيمة فقدم، ثم يقسم الباقي على خمسة أخماس، خمس لاهل الخمس، ثم يقسم أربعة أخماسها بين الغانمين لقوله عز وجل (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فأضاف الغنيمة إلى الغانمين ثم جعل الخمس لاهل الخمس، فدل على أن الباقي للغانين، والمستحب أن يقسم ذلك في دار الحرب ويكره تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر، لان النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريب من بدر وقسم غنائم بنى المصطلق على مياههم وقسم غنائم حنين بأوطاس، وهو واد أودية حنين، فإن كان الجيش رجالة سوى بينهم وان كانوا فرسانا سوى بينهم، وان كان بعضهم فرسانا وبعضهم

رجالة جعل للراجل سهما وللفارس ثلاثة أسهم لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، للرجل سهم وللفرس سهمان ولا يفضل من قاتل على من لم يقاتل لان من لم يقاتل كالمقاتل في إرهاب العدو، ولانه أرصد نفسه للقتال ولا يسهم لمركوب غير الخيل لانه لا يلحق بالخيل في التأثير في الحرب من الكر والفر فلم يلحق بها في السهم، ويسهم للفرس العتيق، وهو الذى أبواه عربيان وللبرذون وهو الذى أبواه عجميان، وللمقرف وهو الذى أمه عربية وأبوه عجمى، وللهجين وهو الذى أبوه عربي وأمه عجنية، لما روى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) ولانه حيوان يسهم له فلم يختلف سهمه باختلاف أبويه كالرجل، وان حضر بفرس حطم أو صرع أو أعجف فقد قال في الام، قيل لا يسهم له وقيل يسهم له، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أنه لا يسهم له لانه لا يغنى غناء الخيل فلم يسهم له كالبغل (والثانى) يسهم له لان ضعفه لا يسقط سهمه كضعف الرجل. وقال أبو إسحاق ان أمكن القتال عليه أسهم له، وان لم يمكن القتال عليه لم يسهم له، لان الفرس يراد القتال عليه وهذا أقيس، والاول أشبه بالنص ولا يسهم للرجل لا كثر من فرس لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن الزبير حضر يوم حنين بأفراس فلم يسهم له النبي صلى الله عليه وسلم الا لفرس واحد، ولانه لا يقاتل إلا على فرس واحد فلا يسهم لاكثر منه، وان حضر بفرس والقتال في الماء أو على حصن استحق سهمه لانه أرهب بفرسه فاستحق سهمه، كما لو حضر به القتال ولم يقاتل، ولانه قد يحتاج إليه إذا خرجوا من الماء والحصن (فصل) فإن غصب فرسا حضر به الحرب استحق للفرس سهمين لانه حصل به الارهاب، وفى مستحقه وجهان (أحدهما) انه له (والثانى) أنه لصاحب الفرس بناء على القولين في رمح الدراهم المغصوبة، أحدهما انه للغاصب، والثانى أنه للمغصوب منه، وان استعار فرسا أو استأجره للقتال فحضر به الحرب استحق به السهم لانه ملك القتال عليه، وان حضردار الحرب بفرس وانقضت الحرب ولافرس معه بأن نفق أو باعه أو أجره أو أعاره أو غصب منه لم يسهم له

وإن دخل دار الحرب راجلا ثم ملك فرسا أو استعاره وحضر به الحرب استحق السهم، لان استحقاق المقاتل بالحضور فكذلك لاستحقاق بالفرس، وان حضر بفرس وعار الفرس إلى أن انقضت الحرب لم يسهم له، ومن أصحابنا من قال يسهم له لانه خرج من يده بغير اختياره، والمذهب الاول لان خروجه من يده يسقط السهم، وان كان بغير اختياره كما يسقط سهم الراجل إذا ضل عن الوقعة وان كان بغير اختياره. (الشرح) حديث ابن عمر أخرجه أحمد وأبو داود، وبلفظ آخر (للفرس سهمين وللرجل سهم) متفق عليه، وفى لفظ آخر (أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللرجل سهم) أخرجه ابن ماجه وأخرج أحمد بلفظ عن المنذر بن الزبير عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين) وفى لفظ آخر (قال ضرب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خيبر للزبير أربعة أسهم، سهما للزبير وسهما لذى القربى لصفية أم الزبير وسهمين للفرس) النسائي. وعن أبى عمرة عن أبيه قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل انسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين) أحمد وأبو داود وعن أبى وهم قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأخى ومعنا فرسان، أعطانا ستة أسهم، أربعة أسهم لفرسينا وسهمين لنا) وفى إسناده عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود وفيه مقال، وقد استشهد به البخاري. وعن أبى كبشة الانمارى قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى وكان المقداد على المجنبة اليمنى، فلما تقدم رسول الله مكة وهذا الناس جاءا بفرسيهما، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الغبار عنهما وقال انى جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله) الدارقطني، وفى اسناده عبد الله بن بشر الجدانى، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين) وعن خالد الحذاء قال لا يختلف فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم) الدارقطني وعن مجمع بن جارية الانصاري قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألف وخمسمائة

فيهم ثلاثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما) أحمد وأبو داود وذكر أن حديث ابن عمر أصح، قال وأن الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلاثمائة فارس، وانما كانوا مائتي فارس) وقال الحافظ في إسناده ضعفا حديث ابن عمر (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أخرجه البخاري ومسلم عن عروة بن الجعد البارقى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الخيل معقود في نواصيها الخير الاجر والمغنم اليوم القيامة) وأخرج أحمد ومسلم والنسائي من حديث جرير البجلى نحوه وأخرج أحمد من طريق آخر عن أسماء بنت يزيد (الخيل في نواصيها الخير أبدا اليوم القيامة، وفمن ربطها عدة في سبيل الله واتفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة) حديث أن الزبير حضر بأفراس فلم بسهم له النبي صلى الله عليه وسلم إلا لفرس واحد، رواه الشافعي، وروى الواقدي (كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم) وهو مرسل، ويوافق مرسل مكحول، لكن الشافعي كان يكذب الواقدي. اللغة: قوله (بإيجاف الخيل والركاب) قيل وجيفها سرعتها في سيرها وقد أوجفها راكبها، وقوله تعالى (قلوب يومئذ واجفة) أي شديده الاضطراب، وإنما سمى الوجيف في السير الشدة هزه واضطرابه. ذكره العزيزي. وقال الجوهرى هو ضرب من سير الابل والخيل، يقال وجف البعير يجف وجفا ووجيفا، وأوجفته أنا، ويقال أوجف فاتجف) قوله (فإن حضر بفرس حطم أو صرع أو أعجف) الحطم المنكسر في نفسه يقال الفرس إذا انهدم لطول عمره حطم، ويقال حطمت الدابة أي أسنت، والصرع بالتحريك الضعيف، والاعجف المهزول. قوله (لا يغنى غناء الخيل) أي لا يكفى كفايتها والغناء بالفتح والمد الكفاية. قوله (فإن نفق أو باعه) نفقت الدابة تنفق نفوقا أي ماتت. قوله (فإن عار فرسه) أي ذهب على وجهه وأفلت من يده، ويقال سمى العير عيرا لتفلته، ومنه قيل للغلام الذى خلع عذاره وذهب حيث شاء عبار وفرس عبار ومعيار إذا كان مضمرا، ونفور الطحال هو ورمه

قال أبو عبيد: إنما هو من نفور الشئ من الشئ وهو تجافيه عنه وتباعده وقوله المخذل قد ذكر. تمسك أبو حنيفة والعترة بحديث مجمع المذكور فجعلوا للفارس وفرسه سهمين وقد حكى ذلك عن على وعمر وأبى موسى، قال أبو يوسف في الخراج كان الفقيه المقدم أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول للرجل سهم وللفرس سهم وقال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم، ويحتج بما حدثناه عن زكريا بن الحارث عن المنذر بن أبى خميصة الهمداني أن عاملا لعمر بن الخطاب (رض) قسم في بعض الشام للفرس سهم وللراجل سهم، فرفع ذلك إلى عمر فسلمه وأجازه، فكان أبو حنيفة يأخذ بهذا الحديث ويجعل للفرس سهما وللرجل سهما، وما جاء من الاحاديث والآثار أن للفرس سهمين وللرجل سهما أكثر من ذلك وأوثق والعامة عليه ليس هذا على وجه التفضيل، ولو كان على وجه التفضيل ما كان ينبغى أن يكون للفرس سهم وللرجل سهم، لانه قد سوى بهيمة برجل مسلم، إنما هذا على أن يكون عدة الرجل أكثر من عدة الآخر وليرغب الناس في ارتباط الخيل في سبيل الله ألا ترى أن سهم الفرس إما يرد على صاحب الفرس، فلا يكون للفرس دونه، المتطوع وصاحب الديوان في القسمة سواء (قلت) وأزف هذا للمتعصبين تعصبا بغيضا لمذاهبهم، فلا فض الله فوك يا ابن يوسف، فرغم تلذتك للامام أبى حنيفة أن تناقض قوله وترده، حتى قيل انه خالفه في مسائل هامة. قال الشوكاني وذهب الجمهور إلى أن يعطى الفرس سهمين وللفارس سهما والراجل سهما وقال الحافظ في الفتح والثابت عن عمرو على كالجمهور، وحكى في البحر عن على وعمرو الحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن على والباقر والناصر والامام يحيى ومالك والشافعي والازاعى وأبى يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطى الفارس وفرسه ثلاثة سهام، واحتج لهم ببعض أحاديث، ثم أجاب عن ذلك فقال قلت يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفل جمعا بين الاخبار. اه

قال الشوكاني: والادلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة، ثم نقل دليل أبى حنيفة السابق الاشارة إليه من تفضيل البهيمة وقال: وهذه حجة ضعيفة وشبهة ساقطة ونصبها في مقابلة السند الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم، وأيضا السهام في الحقيقة كلها الرجل لا البهيمة، وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الانسان في بعض الاحكام فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فان قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشر آلاف درهم. وقد استدل الجمهور في مقابلة الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وبأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى، وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا، هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروى عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت. قال القرطبى في المفهم: ولم يقل أحد أنه يسهم لاكثر من فرسين إلا ما روى عن سليمان بن موسى، وحكى في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسهم لواحد فقط، وعن زيد بن على والصادق والناصر والاوزاعي وأحمد بن حنبل، وحكاه في الفتح عن الليث وأبى يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر. قال الحافظ في التلخيص فيه أحاديث منقطعة (أحدها) عن الاوزاعي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسهم للحيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين، وان كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عنه وهو معضل، ورواه سعيد من طريق الزهري أن عمر كتب إلى عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب. وروى الحسن عن بعض الصحابة قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقسم إلا لفرسين، وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبى عمرة قال: أسهم لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفرسي أربعة ولى سهما فأخذت خمسا.

وقد اختلف في الرواية في حضور الزبير بفرسين هل أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهم فرس واحدة أو سهم فرسين، والاسهام للدواب خاص بالافراس دون غيرها من الحيوانات قال في البحر (مسألة) ولا يسهم لغير الخيل من البهائم إجماعا إذ لا إرهاب في غيرها ويسهم للبرذون والمقرف والهجين عند الاكثر، وقال الاوزاعي لا يسهم للبرذون. قال ابن حزم فيا لمحلى: ومن حضر بخيل لم يسهم له إلا ثلاثة أسهم فقط، وقد قال قوم يسهم لفرسين فقط، وقال آخرون يسهم لكل فرس منها، وهذا لا يقوم به برهان. فان قيل قد رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسهم للزبير لفرسين، قلنا هذا مرسل لا يصح، وأصح حديث فيه الذى رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد ابن عبد الرحمن عن هشام عن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال (ضرب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خيبر للزبير بأربعة أسهم، سهم للزبير وسهم للقربى لصفية بنت عبد المطلب وسهمين للفرس (قلت) وما روى في الاحاديث الصحيحة المتفق عليها أن للفرس سهمين هو ما ندين الله عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن حضر الحرب ومرض فإن كان مرضا بقدر معه على القتال كالسعال ونفور الطحال والحمى الخفيفة أسهم له، لانه من أهل القتال، ولان الانسان لا يخلو من مثله فلا يسقط سهمه لاجله، وإن كان لا يقدر على القتال لم يسهم له، لانه ليس من أهل القتال فلم يسهم له كالمجنون والطفل. (فصل) ولا حق في الغنيمة لمخذل ولا لمن برجف بالمسلمين ولا لكافر حضر بغير إذن، لانه لا مصلحة للمسلمين في حضورهم ويرضخ للصبى والمرأة والعبد والمشرك إذا حضر بالاذن ولم يسهم لهم: لما روى عمير قال غزوت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا عبد مملوك، فلما فتح الله على نبيه خيبر (قلت) يا رسول الله سهمي فلم يضرب لى بسهم وأعطابى سيفا فتقلدته وكنت أخط بنعله في الارض

وأمر لى من خزئى المتاع، وروى يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله هل كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن سهم فكتب إليه ابن عباس كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة، وأما سهم فلم يضرب لهن بسهم. (الشرح) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن، وعنه أيضا أنه كتب إلى نجدة الحروري: سألت عن المرأة والعبد هل كان لهما سهم معلوم إذا حضر الناس وأنه لم يكن لهما سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القوم) أحمد ومسلم الترمذي وأبو داود، وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش وعن عمير مولى آبى اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي فكلموا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بي فقلدت سيفا فإذا أنا أجره فأخبر بأنى مملوك فأمر بى بشئ من خرثى المناع) أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وصححه، وعن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة سادس ست نسوة فبلغ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ الينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال مع من خرجتن وبإذن من خرجتن، فقلت: يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقى السويق قال فحسن: قال فانصرفن حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال، قال: فقلت لها يا جدة وما كان ذلك، فقالت تمرا) أحمد وأبو داود والنسائي، وسكت عنه أبودادو وفى إسناده رجل مجهول وهو حشرج قاله في التلخيص، وقال الخطابى إسناده ضعيف لا تقوم به حجة. وعن الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه) رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن غريب وأبو داود في مراسيله، وقال الشوكاني هذا مرسل. وعن الاوزاعي قال أسهم النبي صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر وأسهم

أئمة الاسلام لكل مولود ولد في أرض الحرب وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم للنساء والصبيان بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده) الترمذي، وقال الشوكاني مرسل. اللغة: قوله لمن برجف بالمسلمين، أي يخوفهم ويفزعهم من قوله تعالى (يوم ترجف الراجفة) يعنى يوم الفزع والخوف وأصله حركة الارض واضطرابها، وأما الارجاف فهو واحد أراجيف الاخبار، ومعناه التخويف والرعب، وقد ذكر وارجفوا في الشئ إذا خاضوا فيه قوله (ويرضخ للصبى) قد ذكرنا أنه العطاء ليس بالكثير دون سهام المقاتلين وأصله مأخوذه من الشئ المرضوخ وهو المرضوخ المشدوخ. قوله (من خرثى المتاع) الخرثى متاع البيت وأسقاطه، ونعل السيف يكون في أسفله من حديد أو غيره. قوله (يحذين من الغنيمة) قال الجوهرى حذيته من الغنيمة إذا أعطيته منها والاسم الحذيا على وزن فعلى بالضم وهى القسمة من الغنيمة وكذلك الحذيا والحذية والحذوة كله العطية. اختلف أهل العلم هل يسهم للنساء إذا حضرن، فقال الترمذي انه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم قال: وهو قول سفيان الثوري والشافعي، وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبى وهو قول الاوزاعي، وقال الخطابى أن الاوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى حديث حشرج بن زياد وإسناده ضعيف لا تقوم به حجة. وقد حكى في البحر عن العترة والشافعية والحنفية أنه لا يسهم للنساء والصبيان والذميين، وعن مالك أنه قال لا أعلم العبد يعطى شيئا، وعن الحسن بن صالح أنه يسهم العبد كالحر. وعن الزهري أنه يسهم للذمي لا للعبد والنساء والصبيان فيرضخ لهم، وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عمير مولى آبى اللحم، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أنه لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشئ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. قال الشوكاني والظاهر أنه لا يسهم النساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد

من الاحاديث مما فيه إشعار بأن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لاحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ، وهو العطية القليلة جمعا بين الاحاديث قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وتقدير الرضح إلى اجتهاد أمير الجيش ولا يبلغ به سهم راجل لانه تابع لمن له سهم فنقص عنه كالحكومة لا يبلغ بها أرش العضو، ومن أين يرضح لهم، فيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يرضخ لهم من أصل الغنيمة، لانهم أعوان المجاهدين فجعل حقهم من أصل الغنيمة كالقتال والحافظ (والثانى) أنه من أربعة أخماس الغنيمة، لانهم من المجاهدين فكان حقهم من أربعة أخماس الغنيمة. (والثالث) أنه من خمس الخمس، لانهم من أهل المصالح، فكان حقهم من سهم المصالح. (فصل) وإن حضر أجير في إجارة مقدرة بالزمان ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه يرضخ له مع الاجرة لان منفعة مستحقة لغيره فرضخ له كالعبد (والثانى) أنه يسهم له مع الاجرة لان الاجرة تجب بالتمكين والسهم بالحضور وقد وجد الجميع (والثالث) أنه يخير بين السهم والاجرة، فإن اختار الاجرة رضخ له مع الاجرة، وإن اختار السهم أسهم له وسقطت الاجرة، لان المنفعة الواحدة لا يستحق بها حقان، واختلف قوله في تجار الجيش، فقال في أحد القولين يسهم لهم لانهم شهدوا الوقعة، والثانى أنه لا يسهم لهم لانهم لم يحضروا للقتال، واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال القولان إذا حضروا ولم يقاتلوا، وأما إذا حضروا فقاتلوا فإنه يسهم لهم قولا واحدا، ومنهم من قال القولان إذا قاتلوا، فأما إذا لم يقاتلوا فإنه لا يسهم لهم قولا واحدا (فصل) وإذا لحق بالجيش مدد أو أفلت أسير ولحق بهم نظرت فإن كان قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة أسهم لهم لقول عمر رضى الله عنه الغنيمة لمن

شهد الوقعة، وإن كان بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة لم يسهم لهم لانهم حضروا بعد ما صارت الغنيمة للغانمين، وإن كان بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يسهم لهم لانهم لم يشهدوا الوقعة (والثانى) أنه يسهم لهم لانهم حضروا قبل أن يملك الغانمون (فصل) وان خرج أمير في جيش وأنفذ سرية من الجيش إلى الجهة التى يقصدها أو إلى غيرها فغنمت السرية شاركهم الجيش، وان غنم الجيش شاركتهم السرية، لان النبي صلى الله عليه وسلم حين هزم هوازن بحنين أسرى قبل أوطاس سرية وغنمت فقسم غنائمهم بين الجمع وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وترد سراياهم على قاعدهم، ولان الجميع جيش واحد فلم يختص بعضهم بالغنيمة. وان أنفذ سريتين إلى جهة واحدة من طريق أو طريقين اشترك الجيش والسريتان فيما يغنم كل واحد منهم لان الجميع جيش واحد، وإن أنفذ سريتين إلى جهتين شارك السريتان الجيش فيما يغنمه، وشارك الجيش السريتين فيما يغنمان، وهل تشارك كل واحدة من السريتين السرية الاخرى فيما تغنمه؟ فيه جهان (أحدهما) أنها لا تشارك لان الجيش أصل السريتين، وليست إحدى السريتين أصلا للاخرى (والثانى) وهو الصحيح انها تشارك لانهما من جيش واحد، وإن أنفذ الامير سرية من الجيش وأقام هو مع الجيش فغنمت السرية لم يشاركها الجيش المقيم مع الامير، لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث السرايا من المدينة فلم يشاركهم أهل المدينة فيما غنموا، ولان الغنيمة للمجاهدين والجيش مقيم مع الامير ما جاهدوا فلم يشارك السرية فيما غنمت والله أعلم. (الشرح) قول عمر (الغنمية لمن شهد الوقعة) أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبى شيبة والطبراني والبيهقي مرفوعا وموقوفا، وقال الصحيح وقفه وابن عدى عن على موقوفا والشافعي وفيه انقطاعا. حديث عمرو بن شعيب عن جده، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم

وهم يد على من سواهم) وابن ماجه عن معقل بن يسار (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم) والحاكم عن أبى هريرة اللغة. قوله (وتقدير الرضخ إلى الاجتهاد أمير الجيش) وقد ذهب الحنابلة إلى مثل ما قال المصنف فقال ابن مفلح في الفروع ويرضخ من أربعة الاخماس وقيل من أصل الغنيمة وقيل من سهم للصالح لامرأة وعبد مميز وقل مراهق وله التفضيل ولا يبلغ بالرضخ القسمة. قوله (وان حضر أجير..) قال ابن حزم فإن ذكروا في الاجير خبرين فيهما أن أجيرا استؤجر فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة بثلاثة دنانير فلم يجعل له عليه السلام سهما غيرهما، فلا يصحان لان أحدهما من طريق عبد العزيز بن أبى رواد وعن أبى سلمة الحمصى، وأبو سلمه مجهول وهو منقطع أيضا، والثانى من طريق ابن وهب عن عاصم بن حكيم عن يحيى بن أبى عمرو الشيباني عن عبد الله ابن الديلمى أن يعلى بن منية وعاصم بن حكيم وعبد الله بن الديلمى مجهولان. وقال الحسن وابن سيرين والاوزاعي والليث لا يسهم للاجير، وقال أبو حنيفة ومالك لا يسهم لهما إلا أن يقاتلا قوله (وان لحق بالجيش مدد) للدد الزيادة المتصلة، وأمددنا القوم، أي صرنا مددا لهم، وقد ذكرنا السرية أنها قطعة من الجيش، قال القتيبى أصلها من السرى وهو سير الليل وكانت تخفى خروجها لئلا ينتشر الخبر فيكتب به العيون فيقال سرت سرية أي سارت ليلا. وقال في البيان بل يختارهم الامير من السرى وهو الجودة، كأنه يختار خيار الخيل وأبطال الرجال. قوله (والمسلمون يد على من سواهم) قال الهروي يقال للقوم هم يد على الآخرين، أي هم قادرون عليهم، ويحتمل أن يكون من اليد التى هي الجماعة، يقال هم عليه يد أي مجتمعون لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا على جميع أهل الاديان والملل. قوله (يسعى بذمتهم أدناهم) الذمة ههنا الامان، ويسمى المعاهد ذميا لانه

أعطى الامان على ذمة. وقال في الفائق أدناهم العبد من الدناءة وهى الخساسة، وأقصاهم، أبعدهم من القصاء، وهو البعد، وهذا يدل على أن أدناهم أقربهم بلدا من العدو. وأخرج أبو داود وسكت عنه المنذرى عن عبيد الله بن سليمان أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثه قال: لما فتحنا خيبرا أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي، فجعل الناس يتبايعون غنائهم، فجاء رجل فقال يا رسول الله لقد ربحت ربحا ما ريح اليوم مثله أحد من أهل هذا الوادي، فقال ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلثمائة أوقية، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا أنبئك بخبر رجل ريح؟ قال وما هو يا رسول الله؟ قال ركعتين بعد الصلاة. وقال الشوكاني فيه دليل على جواز التجارة في الغزو، وعلى أن الغازى مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص، ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازى لبينه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان، ويؤيد ذلك جواز الاتجار في سفر الحج. وأخرج أبو داود عن يعلى بن منية قال: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لى خادم، فالتمست أجيرا يكفيني وأجرى له سهمه فوجدت رجلا، فلما دنا الرجل أتانى فقال ما أدرى ما السهمان وما يبلغ سهمي قسم لى شيئا كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمة أردت أن أجرى له سهمه فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أمره فقال ما أحد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانير التى سمى) وسكت عنه المنذرى وأخرجه الحاكم وصححه، وأخرجه البخاري بنحوه وبوب عليه باب الاجير. قال الشوكاني: وقد اختلف العلماء في الاسهام للاجير إذا استؤجر للخدمة فقال الاوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له، وقال الاكثر يسهم له، ثم قال وأما إذا استؤجر الاجير ليقاتل، فقال الحنفية والمالكية لاسهم له، وقال الاكثر له سهمه.

وقال أحمد لو استأجر الامام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الاجرة. وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد، وأما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجره وقال الثوري لا يسهم للاجير إلا إن قاتل، وقال الحسن وابن سيرين يقسم للاجير من المغنم، هكذا رواه البخاري عنهما تعليقا ووصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للاجير، ووصله ابن أبى شيبة عنهما بلفظ العبد والاجير إذا شهد القتال أعطوا من الغنيمة والاولى المصير إلى الجمع الذى ذكره المصنف رحمه الله فمن كان من الاجراء قاصدا للقتال استحق الاسهام من الغنيمة ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الاجرة المسماة. قوله (إذا لحق بالجيش مدد..) قال ابن حزم وتقسم الاربعة الاخماس الباقية على من حضر الواقعة أو الغنيمة. وروى الترمذي عن أبى موسى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفر من الاشعريين خيبر فأسهم لنا مع الذين افتتحوها) ثم قال وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قال الاوزاعي (من لحق بالمسلمين قبل أن يسهم للخيل اسهم له) قال المباركفورى (استدل بهذا الحديث من قال انه يسهم لمن حضر بعد الفتح قبل قسمة الغنيمة) قال ابن التين (يحتمل أن يكون انما أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها) وهو أحد الاقوال للشافعي قال ابن بطال: لم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم فيغير من شهدا لوقعة إلا في خيبر فهى مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فانه قسم لاصحاب السفينة لشدة حاجتهم، وكذلك أعطى الانصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم، ويحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطى الاشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لانصيب لمن جاء بعد الفراغ من القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، وذكر قول ابن عمر ورواه الشافعي من قول أبى بكر

وفيه انقطاع. وروى أبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) بعث أبان أبن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم ابان بن سعيد وأصحابه عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر بعد فتحها وإن حزم خيلهم ليف فقال ابان قسم لنا يا رسول الله، قال أبو هريرة: فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال ابان أنت بها ياوبر تحد علينا من رأس ضال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلس يا أبان ولم يقسم لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ المنذرى: أخرجه البخاري تعليقا. وقال الخطابى وفيه من الفقه أن الغنيمة لمن شهد الوقعة دون من لحقهم بعد إحرازها، وقال أبو حنيفة من لحق الجيش بعد أخذ الغنيمة قبل قسمها في دار الحرب فهو شريك الغانمين. وقال الشافعي الغنيمة لمن حضر الوقعة أو كان رداء لهم، فاما من لم يحضرها فلا شئ له منها، وهو قول مالك وأحمد، وكان الاوزاعي يقول إذا أدرب قاصدا في سبيل الله أسهم له شهد القتال أو لم يشهد. وجزم موسى بن عقبة بأنه أعطى أبان ومن معه برضا بقية الجيش، وجزم أبو عبيد في كتاب الاموال بإنما أعطاهم من الخمس. وقال الشوكاني وقد استدل بقصة عثمان في تغيبه عن بدر لمرض زوجته ابنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يسهم الامام لمن كان غائبا في حاجة له بعثه لقضائها، وأما ما كان غائبا عن القتال لا لحاجة الامام وجاء بعد الواقعة فذهب أكثر العترة والشافعي ومالك والاوزاعي والثوري والليث أنه لا يسهم له، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل احرازها إلى دار الاسلام.

باب قسم الخمس

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب قسم الخمس ويقسم الخمس على خمسة أسهم سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم لذوى القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل، والدليل عليه قوله عز وجل (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه والرسول ولدى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فأما سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يصرف في مصالح المسلمين. والدليل عليه ما روى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم حين صدر من خيبر تناول بيده نبذة من الارض أو وبرة من بعيره وقال والذى نفسي بيده مالى مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فجعله لجميع المسلمين ولا يمكن صرفه إلى جميع المسلمين إلا بأن يصرف في مصالحهم وأهم المصالح سد الثغور لانه يحفظ به الاسلام والمسلمين ثم الاهم فالاهم. (فصل) وأما سهم ذوى القربى فهو لمن ينتسب إلى هاشم والمطلب ابني عبد مناف لما روى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لما قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب جئت أنا وعثمان، فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذى وضعك الله فيهم أرأيت إخواننا من بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وإياهم منك بمنزلة واحدة، قال إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد ثم شبك بين أصابعه، ويسوى فيه بين الاغنياء والفقراء، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى منه العباس وكان موسرا يقول عامة بنى عبد المطلب، ولانه حق يستحق بالقرابة بالشرع فاستوى فيه الغنى والفقير كالميراث ويشترك فيه الرجال والنساء لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أسهم لام الزبير في ذوى القربى ولانه حق يستحق بالقرابة بالشرع فاستوى فيه الذكر والانثى كالميراث ويجعل الذكر مثل حظ الانثيين

وقال المزني وأبو ثور يسوى بين الذكر والانثى، لانه مال يستحق باسم القرابة فلا يفصل الذكر فيه على الانثى كالمال المستحق بالوصية القرابة، وهذا خطأ، لانه مال يستحق بقرابة الاب بالشرع ففضل الذكر فيه على الانثى كميراث ولد الاب ويدفع ذلك إلى القاضى منهم والدانى. وقال أبو إسحاق يدفع ما في كل إقليم إلى من فيه منهم، لانه يشق نقله من إقليم إلى إقليم، والمذهب الاول لقوله عز وجل (ولذي القربى) فعمم ولم يخص ولانه حق مستحق بالقرابة فاستوى فيه القاصي والدانى كالميراث (فصل) وأما سهم اليتامى فهو لكل صغير فقير لا أب له فأما من له أب فلا حتى له فيه لان اليتيم هو الذى لا أب له وليس لبالغ فيه حق، لانه لا يسمى بعد البلوغ يتيما. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايتم بعد الحلم، وليس للغنى فيه حق ومن أصحابنا من قال للغنى فيه حق، لان اليتيم هو الذى لا أب له غنيا كان أو فقيرا، والمذهب الاول، لان غناه بالمال أكثر من غناه بالاب فإذا لم يكن لمن له أب فيه حق فلان لا يكون لمن له مالى أولى. (فصل) وأماسهم المساكين فهو لكل محتاج من الفقراء والمساكين لانه إذا أفرد المساكين تناول الفريقين. (فصل) وأما سهم ابن السبيل فهو لكل مسافر أو مريدا لسفر في غير معصية وهو محتاج على ما ذكرناه في الزكاة. (فصل) ولا يدفع شئ من الخمس إلى كافر لانه عطية من الله تعالى فلم يكن الكافر فيها حق كالزكاة، ولانه مال مستحق على الكافر بكفره فلم يجز أن يستحقه الكافر وبالله التوفيق. (الشرح) حديث جبير بن مطعمم (والذى نفسي بيده مالى مما أفاء الله إلا الخمس..) أخرجه أبو داود مختصرا وابن حبان في صحيحة عن عبادة بن الصامت وقال (وأخذت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حنين وبرة من جنب بعير، ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَا يحل لى مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس،

والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط، وإياكم والغلول فانه عار على أهله يوم القيامة) . حديث جبير بن مطعم (لما قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم ذوى للقربى من بنى هاشم وبنى عبد المطلب، قال مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا أعطيت بنى المطلب من خمس خيبر وتركتنا قال انما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد، قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبنى هاشم ولا لبنى نوفل شيئا) أخرجه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجه، وفى رواية لما قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم ذوى القربى من خيبر من بنى هاشم وبنى عبد المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذى وضعك الله عز وجل منهم، أرأيت اخواننا من بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمزلة واحدة فقال: انهم لما يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد قال ثم شبك بين أصابعه) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبرقاني كما قال القرطبى في تفسيره والشوكانى في النيل، وقال البرقانى أنه على شرط مسلم. حديث (لا يتم بعد احتلام) أخرجه أبو داود عن على وباقيه (ولا صمات يوم إلى الليل) . اللغة: قال ابن العربي في كتاب أحكام القرآن، الانفال، الغنائم، الفئ فالنفل الزيادة وتدخل فيه الغنيمة فانها زيادة الحلال لهده الامة، والغنيمة ما أخذ من أموال الكفار بقتال، والفئ ما أخذ بغير قتال لانه رحل إلى موضعه الذى يستحقه وهو انتفاع المؤمن به قوله (ويقسم الخسم على خمسة ... ) قال الغزنوى الحنفي في الغرة المنيفة (كان الخمس فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم على خمسة أسهم سهم لله ورسوله وكان يشترى به السلاح، وسهم لذوى قربى النبي صلى الله عليه وسلم وسهم للمساكين، وسهم لليتامى، وسهم لابناء السبيل وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سقط سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسهم ذوى القربى فيأخذون بالفقر دون

القرابة عند أبى حنيفة رضى الله عنه وعند الشافعي رحمه الله سهم النبي صلى الله عليه وسلم يدفع إلى الامام وسهم ذوى القربى باق. حجة أبى حنيفة إجماع الصحابة على عهد الخلفاء الراشدين فإنهم قسموا خمس الغنيمة على ثلاثة أسهم ولم يعطوا ذوى القربى شيئا لقربهم بل لفقرهم، مع أنهم شاهدوا قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويل الآية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الاجماع، فلو كان سهمهم باقيا لما منعوهم، وهذا لان المراد بالقربى قربى النصرة دون القرابة بدليل، وذكر حديث جبير الثاني المذكور في صدرا لشرح، واستدل بحديث أم هانئ مرفوعا، قال عليه الصلاة والسلام (سهم ذوى القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد وفاتي) وكذا سهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بعد وفاته إذ غيره ليس في معناه من كل وجه. حجة الشافعي قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ..) وهذا نص صريح في المسألة. ثم قال مؤيدا لمذهبه (الجواب عنه أن المراد بالقربى قربى النصرة لا قربى القرابة بما ذكرنا من الدليل وقد زالت النصرة بعد وفاته) (قلت) وقد اطلعت على كثير من كتب الفقه كالمغنى والشرح الكبير عليه والفروع والاقناع للحنابلة وشرحي الموطأ والبداية للمالكية وفتاوى السبكى وابن حجر وروضة الطالبين للشافعية وبدائع الصنائع (1) وحاشية ابن عابدين للحنفية والنيل والمحلى وتحفة الاحوذي وتهذيب السنن وأحكام القرآن للجصاص وكذا لابن عربي والتفاسير للقرطبي، صديق حسن خان وابن كثير وللقاسمي والرازي والمنار وغير ذلك كثير مما ذكرناه من مراجع سابقة، وقد وجدت خير ما أضعه بين يديك ما أورده القرطبى متمشيا مع ما أشار إليه المنار، إلا انى أخالفه في أنه أشار أن ما نقله في الخاتمة هو خير ما أورده صديق حسن خان، إلا أنى بعد المراجعة تبين لى أن صديق حسن خان نقل ما ذكره القرطبى مع اختصار كثير فلم يأت بجديد، ورأيت ردا للامور في نصابها أن أحيل إلى القرطبى لانه هو السابق. قال القرطبى اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على ستة أقوال

_ (1) وقد طبعناه قريبا ويطلب من مطبعة الامام بالقلعة بمصر

(الاول) قالت طائفة يقسم الخمس على ستة فيجعل السدس للكعبة وهو الذى لله والثانى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث لذوى القربى، والرابع لليتامى والخامس للمساكين والسادس لابن السبيل، وقال بعض أصحاب هذا القول يرد السهم الذى لله على ذوى الحاجة. (الثاني) قال أبو العالية والربيع تقسم الغنيمة على خمسة فيعزل منها قسم واحد وتقسم الاربعة على الناس ثم يضرب بيده على السهم الذى عزله فما قبض عليه من شئ جعله للكعبة ثم يقسم بقية السهم الذى عزله على خمسة، سهم للنبى صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوى القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل (الثالث) قال المنهال بن عمرو سألت عبد الله بن محمد بن على وعلى بن الحسين الخمس فقال هولنا، قلت لعلى إن الله تعالى يقول (واليتامى والمساكين وابن السبيل) فقال أيتامنا ومساكيننا (الرابع) قال الشافعي يقسم على خمسة ورأى أن سهم الله ورسوله واحد وأنه يصرف في مصالح المؤمنين، والاربعة الاخماس على الاربعة الاصناف المذكورين في الآية (الخامس) قال أبو حنيفة يقسم على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل وارتفع عنده حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته كما ارتفع حكم سهمه قالوا ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر وبناء المساجد وأرزاق القصاة والجند، وروى نحو هذا عن الشافعي أيضا (السادس) قال مالك هو موكول إلى نظر الامام واجتهاده فيأخذ منه من غير تقدير ويعطى منه القرابة باجتهاد ويصرف الباقي في مصالح المسلمين، وبه قال الخلفاء الاربعة وبه عملوا وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم (مالى مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم) فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم لانهم من أهم من يدفع إليهم قال الزجاج محتجا لمالك قال الله عز وجل (يسئلونك ماذا ينفقون)

وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الاصناف إذا رأى ذلك وذكر النسائي عن عطاء قال (خمس الله وخمس رسوله واحد وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمل منه ويعطى منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء. وروى ابن حزم عن قتادة قال تقسم الغنائم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ثم يقسم الباقي على خمسة اخماس، فخمس منها لله تعالى وللرسول وخمس لقرابة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وخمس لليتامى وخمس لا بن السبيل وخمس للمساكين، ثم قال وهو قول الاوزاعي وسفيان الثوري والشافعي وأبى ثور وإسحاق وأبى سليمان والنسائي وجمهور أصحاب الحديث وآخر قولى أبى يوسف القاضى الذى رجع إليه، إلا أن الشافعي قال للذكر من ذوى القربى مثل حظ الانثين، وهذا خطأ لانه لم يأت به نص أصلا وليس ميراثا فيقسم كذلك، وإما هي عطية من الله تعالى فهم فيها سواء. وقال مالك يجعل الخمس كله في بيت المال ويعطى اقرباء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما يرى الامام ليس في ذلك حد محدود قال أصبع بن فرج أقرباؤه عليه السلام هم جميع قريش، وقال أبو حنيفة يقسم الخمس على ثلاثة أسهم، الفقراء والمساكين وابن السبيل، قال على: هذه أقوال في غاية الفساد لانها خلاف القرآن نصا وخلاف السنة الثابتة، ولا يعرف قول أبى حنيفة عن أحد من أهل الاسلام قبله وجماع نصوصهم لكل من تأملها أنهم يحتجون بأحاديث موضوعة أو مرسلة أو صحاح، ليس فيها دليل أو قول صاحب قد خالفه غيره منهم ولا مزيد وقال الشوكاني: في الاحاديث دلالة على أن من مصارف الخمس قربى رسول الله، وذكر حديثا رواه أبو داود أن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطى قربى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عمر يعطيهم منه وعثمان بعده وقد استدل من قال إن الامام يقسم الخمس حيث شاء بما أجرجه أبو داود وغيره عن ضباعة بنت الزبير قالت أصاب النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختى فاطمة فسأله فقال سبقتكما يتامى بدر، وفى حديث الصحيح أن فاطمة شكت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرحى..الخ

باب قسم الفئ

قال اسماعيل القاضى هذا الحديث يدل على أن للامام أن يقسم الخمس حيث يرى، لان الاربعة الاخماس استحقاق للغانمين والذى يختص بالامام هو الخمس وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من قرابته وصرفه إلى غيرهم، وقال بنحو ذلك الطبري والطحاوى. قال الحافظ في الفتح في الاستدلال بذلك نظر، لانه يحتمل أن يكون ذلك من الفئ. قلت أما باقى الاقوال التى ذكرها المصنف فلم يخالفه فيها أحد قوله (نبذة من الارض) النبذة الشئ اليسير، يقال في رأسه نبذ من الشيب وأصاب الارض نبذ من مطر أي شئ يسير قوله (سد الثغور) الثغر موضع المخافة. وقال الازهرى أصل الثغر الهدم والكسر، يقال ثغرت الجدار إذا هدمته. وقيل للموضع الذى تخاف منه العدو ثغر لانثلامه وإمكان دخول العدو منه. وقيل النصيب سهم لانه يعلم عليه بالسهام قوله (بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد) بالشين المعجمة وهو المثل، وقد ذكر فِي الزَّكَاة قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (باب قسم الفئ) الفئ هو المال الذى يؤخذ من الكفار من غير قتال، وهو ضربان، أحدهما ما انجلوا عنه خوفا من المسلمين أو بدلوه للكف عنهم فهذا يخمس ويصرف خمسه إلى من يصرف إليه خمس الغنيمة، والدليل عليه قوله عز وجل (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فالله وللرسول والذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) . (والثانى) ما أخذ من غير خوف كالجزية وعشور تجاراتهم ومال من مات منهم في دار الاسلام ولا وارث له ففى تخميسه قولان، قال في القديم لا يخمس لانه مال أخذ من غير خوف لم يخمس كالمال المأخوذ بالبيع والشراء.

وقال في الجديد يخمس وهو الصحيح للآية، ولانه مال مأخوذ من الكفار بحق الكفر يختص به بعض المسلمين فوجب تخميسه كالمال الذى انجلوا عنه، وأما أربعة أخماسه فقد كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حياته، والدليل عليها قوله عز وجل (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فالله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ولا ينتقل ما ملكه إلى ورثته، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركته بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فإنه صدقة وروى مالك بن أوس بن الحدثان رضى الله عنه عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف: أنشدكم بالله أيها الرهط هل سمعتم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنا لا نورث، ما تكرنا صدقة، إن الانبياء لا تورث، فقال القول بلى قد سمعناه، ثم أقبل على على وعباس فقال أنشد كما بالله هل سمعتما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ما تركناه صدقة إن الانبياء لا تورث، فقالا نعم، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، واختلف قول الشافعي فيما يحصل من من مال الفئ بعد موت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ في أحد القولين يصرف في المصالح لانه مال راتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف بعد موته في المصالح كخمس الخمس، فعلى هذا يبدأ بالاهم وهو سد الثغور وأرزاق المقاتلة ثم الاهم فالاهم. وقال في القول الثاني هو للمقاتلة، لان ذلك كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان فيه من حفظ الاسلام والمسلمين، ولما كان له في قلوب الكفار من الرعب، وقد صار ذلك بعد موته في المقاتلة فوجب أن يصرف إليهم. (الشرح) حديث أبى هريرة (لا تقتسم ذريتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة) متفق عليه، وأخرجه الحاكم وأبو داود عن أبى هريرة. حديث عمر (لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وإنما هذا المال لآل محمد لنائبهم ولضعيفهم، فإذا مت فهو إلى ولى الامر من بعدى) أخرجه أبو داود عن على

وفى إسناده يحيى بن محمد المدنى متكلم فيه، والترمذي في الشمائل عن أسامة، وأسامة مختلف فيه وروى له مسلم، وحديث عمر الآخر فقد خرجه المصنف. اللغة. قوله (الفئ هو المال الذى يأخذ..) قلت بوب الترمذي فقال: باب من يعطى من الفئ، وذكر فيه أحاديث الغزو بالنساء هل يسهم لهن وللصبيان حتى أن المباركفورى بعد أن شرح كلمة الفى لغويا قال: والظاهر أن المراد من الفئ هنا الغنيمة ولم يذكر فيه أقوالا. وقال أبو يوسف في كتاب الخراج (فصل في الفئ) فأما الفئ يا أمير المؤمنين فهو الخراج عندنا، خراج الارض والله أعلم. واستشهد بالآية (ما أفاء الله على رسوله..) حتى فرغ من هؤلاء ثم قال (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم..) ثم قال تعالى (والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم..والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا..) فهذا والله أعلم لمن جاء من بعدهم من المؤمنين إلى يوم القيامة ثم استشهد بأعمال عمر في عدم تقسيمه أرض الشام والعراق. وقال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: والفئ في مثل هذا الموضع ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك، واستشهد بقول لعمر (كانت أموال بنى النضير فيثا مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقى جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله. وذكر في المنتفى للجد ابن تيمية حديث عوف بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه الفئ قسمه في يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا) رواه أبو داود وذكره أحمد وقال حديث حسن (قلت) هذا الحديث وإن كان في الفئ إلا أن فيه كفالة حق الفرد الآهل أكثر من الاعزب، كما أن فيه الضمان الاجتماعي الذى يتغنى به الاوربيون وابناء جلدتنا وبنى جنسنا ممن ساروا في ركاب الثقافة الغربية أو الشيوعية فليتهم يعودون إلى أحضان دينهم فيجدوا فيه الخير الكثير لهم ولنا، وفيه دافعا للشباب

على الزواج وحلا للازمة التى نراها وبقاء لبعض أنوثة المرأة التى أهدرت بالعمل دون مبرر ولا حاجة. قال ابن العربي في أحكام القرآن بعد أن أورد الآيتين من سورة الحشر: لا خلاف أن الآية الاولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وهذه الاية (وهى الثانية) اختلف الناس فيها على أربعة أقوال (الاول) أنها هذه القرى التى قوتلت فأفاء الله بمالها فهى لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، قال عكرمة وغيره: ثم نسخ ذلك في سورة الانفال. (الثاني) هو ما غنمتم بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب فيكون لمن سمى الله فيه، والاولى للنبى صلى الله عليه وسلم خاصة إذا أخذ منه حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين. (الثالث) قال معمر الاولى للنبى صلى الله عليه وسلم والثانية في الجزية والخراج للاصناف المذكورة فيه، والثالثة الغنيمة في سورة الانفال للغانمين (الرابع) روى ابن القاسم وابن وهب في قوله تعالى (فما أوجفتم عليه من خيل..) هي النضير لم يكن فيها خمس ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكان صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها بين المهاجرين وثلاث من الانصار، وقوله تعالى (ما أفاء الله..) هي قريظة، وكانت قريظة والخندق في يوم واحد. قال ابن ضويان في شرح منار السبيل (مذهب الحنابلة) والفئ هو ما أخذ من مال الكفار بحق من غير قتال، كالجزية والخراج وعشر التجارة من الحربى ونصف العشر من الذمي، وما تركوه فزعا أو عن ميت ولا وارث له ومصرفه في مصالح المسلمين، ثم شرحه بقوله لعموم نفعها ودعاء الحاجة إلى تحصيلها، قال عمر رضى الله عنه ما من أحد من المسلمين الا له في هذا المال نصيب إلا العبيد فليس لهم في شئ، وقرأ (ما أفاء الله على رسوله..) فقال هذه استوعبت المسلمين، ولئن عشت ليأتين الراعى بسرد حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه. وقال أحمد (الفئ حق لكل المسلمين، وهو بين الغنى والفقير)

وتبدأ بالاهم فالاهم من سعد ثغر وكفاية أهل وحاجة من يدفع عن المسلمين وعمارة القناطر ورزق القضاة والفقهاء وغير ذلك، فإن فضل شئ قسم بين أحرار المسلمين غنيهم وفقيرهم وبيت المال ملك للمسلمين ويضمنه متلفه ويحرم الاخذ منه بلا إذن الامام. وأفضل ما قرأنه في الفئ ما صنفه ابن رشد في البداية، وأما الفئ عند الجمهور فهو كل ما صار للمسلمين من الكفار قبل الرعب والخوف من غير أن يوجف عليه بخيل أو رجل. واختلف الناس في الجهة التى يصرف إليها، فقال قوم إن الفئ لجميع المسلمين، الفقير والغنى، وأن الامام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة. وينفق منه في النوائب التى تنوب المسلمين كبناء القناطر وإصلاح المساجد غير ذلك، ولاخمس في شئ منه، وبه قال الجمهور، وهو الثابت عن أبى بكر وعمر. وقال الشافعي بل فيه الخمس، والخمس مقسوم على الاصناف التى ذكروا في آية الغنائم وهم الاصناف الذين ذكروا في الخمس بعنيه من الغنيمة وأن الباقي هو مصروف إلى اجتهاد الامام ينفق منه على نفسه ومن رأى، وأحسب أن قوما قالوا إن الفئ غير مخمس، ولكن يقسم على الاصناف الخمس الذين يقسم عليهم الخمس، وهو أحد أقوال الشافعي فيما أحسب. وسبب اختلاف من رأى أنه يقسم جميعه على الاصناف الخمسة أو هو مصروف إلى اجتهاد الامام هو سبب اختلافهم في قسمة الخمس من الغنيمة. ثم قال: إن من جعل الاصناف في الآية تنبيها على المستحقين له قال هو لهذه الاصناف المذكورين ومن فوقهم، ومن جعل ذكر الاصناف تعديدا للذين يستوجبون هذا المال قال لا يتعدى بهم هؤلاء الاصناف، أعنى أنه جعله من باب الخصوص لا من باب التنبيه. وأما تخميس الفئ فلم يقل به أحد قبل الشافعي، وإنما حمله على هذا القول أنه رأى الفئ قد قسم في الآية على عدد الاصناف الذين قسم عليهم الخمس، فاعتقد لذلك أنه فيه الخمس، لانه ظن أن هذه القسمة مختصة بالخمس،

وليس ذلك بظاهر بل الظاهر أن هذه القسمة تخص جميع الفى لاجزءأ منه، وهو الذى ذهب إليه فيما أحسب قوم. وخرج مسلم عن عمر وذكر الحديث السابق الاشارة إليه في مذهب الاحناف. ثم قال وهذا يدل على مذهب مالك (قلت) وفى آخر الكتاب سنفرد بحثا لمصارف هذه الاموال في عصرنا الحاضر كما ذكرها الدهلوى في كتابه حجة الله البالغة، وكذا الرق في الاسلام وما استملته سورة الانفال من الاستعداد للقتال إن شاء الله قوله (انجلوا عنه) أي هربوا، يقال جلا القوم عن منازلهم إذا هربوا، قال الله تعالى (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) قوله (ومؤنة عاملي) أي مؤنة خليفتي، والعامل هو الذى يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله، ومنه قيل للذى يستخرج الزكاة عامل والذى يأخذه العامل من الاجرة يقال له عمالة بالضم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وينبغى للامام أن يضع ديوانا يثبت فيه أسماء المقاتلة وقدر أرزاقهم، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قدمت على عمر رضى الله عنه من عند أبى موسى الاشعري بثمانمائة ألف درهم، فلما صلى الصبح اجتمع إليه نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال لهم قد جاء للناس مال لم يأتهم مثله منذ كان الاسلام، أشيروا على بمن أبدا منهم؟ فقالوا بك يا أمير المؤمنين إنك ولى ذلك، قال لا، ولكن أبدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الاقرب قالاقرب إليه، فوضع الديوان على ذلك. ويستحب أن يجعل على كل طائفة عريفا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عام خيبر على كل عشرة عريفا، ولان في ذلك مصلحة، وهو أن يقوم التعريف بأمورهم ويجمعهم في وقت العطاء وفى وقت الغزو ويجعل العطاء في كل عام مرة أو مرتين ولا يجعل في كل شهر ولا في كل أسبوع لان ذلك يشغلهم عن الجهاد

(فصل) ويستحب أن يبدأ بقريش لقوله صلى الله عليه وسلم (قسموا قريشا ولا تتقدموها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فإنه محمد بن عبد الله ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بن مالك بن النضر بن كنانة. واختلف الناس في قريش، فمنهم من قال كل من ينتسب إلى فهر بن مالك فهو من قريش. ومنهم من قال: كل من ينتسب إلى النضر بن كنانة فهو من قريش، ويقدم من قريش بنى هاشم لانهم أقرب قبائل قريش إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويضم إليهم بنو المطلب، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه) وعن عمر رضى الله عنه أنه قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم فإذا كان السمن في الهاشمي قدمه على المطلبى، وإذا كان في المطلبى قدمه على الهاشمي ثم يعطى بنى عبد شمس وبنى نوفل ابني عبد مناف، ويقدم بنى عبد شمس على بنى نوفل، لان عبد شمس أقرب إليه لانه أخو هاشم من أبيه وأمه ونوفل أخوه من أبيه، وأنشد آدم بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز: يا أمين الله إنى قائل * قول ذى بر ودين وحسب عبدشمس لا تهنها إنما * عبد شمس عم عبد المطلب عبد شمس كان يتلو هاشما * وهما بعد لام ولاب ثم يعطى بنى عبد العزى وبنى عبد الدار، ويقدم عبد العزى على عبد الدار لان فيهم أصهار رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ خديجة بنت خويلد منهم ولان فيهم من حلف المطيبين وحلف الفضول، وهما حلفان كانا من قوم من قريش اجتمعوا فيهما على نصر المظلوم ومنع الظالم. وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شهدت حلف الفضول ولو دعيت إليه لاجبت، وعلى هذا يعطى الاقرب فالاقرب حتى تنقضي قريش، فإن استوى إثنان في القرب قدم أسنهما لما رويناه من حديث

عمر في بنى هاشم وبنى المطلب، فإن استويا في السن قدم أقدمهما وسابقة، فإذا انقضت قريش قدم الانصاري على سائر العرب لما لهم من السابقة والآثار الحميدة في الاسلام، ثم يقسم على سائر العرب ثم يعطى العجم ولا يقدم بعضهم على بعض إلا بالسن والسابقة دون النسب (فصل) ويقسم بينهم على قدر كفايتهم لانهم كفوا المسلمين أمر الجهاد فوجب أن يكفوا أمر النفقة، ويتعاهد الامام في وقت العطاء عدد عيالهم لانه قد يزيد وينقص ويتعرف الاسعار وما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة لانه قد يغلو ويرخص، ليكون عطيتهم على قد حاجتهم، ولا يفضل من سبق إلى الاسلام أو إلى الهجرة على غيره لان الاستحقاق بالجهاد وقد تساووا في الجهاد فلم يفضل بعضهم على بعض كالغانمين في الغنيمة. (فصل) ولا يعطى من الفئ صبى ولا مجنون ولا عبد ولا امرأة ولا ضعيف لا يقدر على القتال لان الفئ للمجاهدين وليس هؤلاء من أهل الجهاد وإن مرض مجاهد فإن كان مرضا يرجى زواله أعطى، لان الناس لا يخلون من عارض مرض، وان كان مرضا لا يرجى زواله سقط حقه من الفئ لانه خرج عن أن يكون من المجاهدين. وإن مات المجاهد وله ولد صغير أو زوجة ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يعطى ولده ولا زوجته من الفئ شيئا، لان ما كان يصل اليهما على سبيل التبع لمن يعواهما وقد زال الاصل وانقطع التبع (والثانى) أنه يعطى الولد إلى أن يبلغ وتعطى الزوجة إلى أن تتزوج، لان في ذلك مصلحة، فإن المجاهد إذا علم أنه يعطى عياله بعد موته توفر على الجهاد، وإذا علم أنه لا يعطى اشتغل بالكسب لعياله وتعطل الجهاد. فإذا قلنا بهذا فبلغ الولد فإن كان لا يصلح للقتال كالاعمى والزمن أعطى الكفاية كما كان يعطى قبل البلوغ، وإن كان يصلح للقتال وأراد الجهاد فرض له وإن لم يرد الجهاد لم يكن له في الفئ حق، لانه صار من أهل الكسب، وإن تزوجت الزوجة سقط حقها من الفئ، لانها استغنت بالزوج، وان دخل

وقت العطاء فمات المجاهد انتقل حقه إلى ورثته لانه مات بعد الاستحقاق فانتقل حقه إلى الوارث. (الشرح) اثر أبى هريرة (عن عمر أنه قال يوم الجابية وهو يخطب الناس إن الله عز وجل جعلني خازنا لهذا المال وقاسمه، ثم قال بل الله قاسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشرفهم، ففرض لازواج النبي عشرة آلاف إلا جويرية وميمونة، فقالت عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعدل بيننا، فعدل عمر بينهن ثم قال إنى بادئ بأصحابى المهاجرين الاولين فإنا أخرجنا من ديارنا ظلما وعداونا، ثم أشرها ففرض لاصحاب بدر منهم خمسة آلاف ولمن شده بدرا من الانصار أربعة آلاف، وفرض لمن شهد أحدا ثلاثة آلاف وقال من بقى أسرع في الهجرة وأسرع به في العطاء، ومن أبطأ في الهجرة أبطى به في العطاء فلا يلومن رجل الا مناخ راحلته) أخرجه أحمد، وقال الهيثمى رجاله ثقات نقلا من مجمع الزوائد حديث (جعل عام خيبر على كل عشرة عريفا) أخرجه البيهقى وأصحاب السير حديث (قدموا قريشا) أخرجه الطبراني عن عبد الله بن السائب والبزار كما في مجمع الزوائد بلفظ (قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعلموها ولولا أن تبطر قريش لاخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى) وأخرج الشافعي والبيهقي في المعرفة عن ابن شهاب بلاغا وابن عدى عن أبى هريرة (قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا من قريش ولا تعالموها) حديث (انما بنو هاشم وبنو عبد المطلب..) سبق تخريصه فيما قبله حديث عمر (حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم..) البيهقى والشافعي. حديث (شهدت حلب الفصول) أخرجه الحاكم بلفظ: شهدت غلاما مع عمومتي حلف المطيبين فما يسرنى أن لى حمر النعم وانى أنكثه. عن عبد الرحمن ابن عوف.

قوله (أنشدكم بالله) أي أسألكم بالله وأقسم عليكم. قوله (في قلوب الكفار من الرعب) أي الخوف، يقال رعبته فهو مرعوب إذا أفزعته ولا يقال أرعبته ومنه الحديث نصرت بالرعب. قوله (يضع ديوانا) أي كتابا يجمع فيه أسماء الجند، وأصله دوان فعرض من أحد الواوين ياء لانه يجمع على دواوين، ولو كانت الواو أصلية لقيل دياوين بل يقال دونت دواوين. قوله (لؤى) تصغير لاى وهو ثور الوحش، سمى به الرجل. قوله (قول ذى بر ودين وحسب) البر فعل الخير والحسب كرم الآباء والاجداد. قوله (يتلو هاشما) أي يتبعه في كرمه وفخره وسائر مناقبه. قوله (حلف المطيبين وحلف الفضول) هما حلفان كانا في الجاهلية من قريش، وسموا المطيبين لان عاتكة بنت عبد المطلب عملت لهم طيبا في جفنة وتركتها في الحجر فغمسوا أيديهم فيها وتحالفوا، وقيل انهم مسحوا به الكعبة توكيدا على أنفسهم، ولاى أمر تحالفوا؟ قيل على منع الظالم ونصر المظلوم، وقيل لان بنى عبد الدار أرادت أخذ السقاية والرفادة من بنى هاشم فتحالفوا على منعهم، ونحر الاخرون جزورا وغمسوا أيديهم في الدم وقيل سموا المطيبين لانهم تحالفوا على أن ينفقوا أن يطعموا الوفود من طيب أموالهم، وفى حلف الفضول وجهان (أحدهما) أنه اجتمع فيه رجال الفضل بن الحارث والفضل بن وداعة والفضل بن فضالة، والفضول جمع الفضل. قال الهروي يقال فضل وفضول كما يقال سعد وسعود. وقال الواقدي هم قوم من جرهم تحالفوا يقال لهم فضل وفضالة، فلما تحالفت قريش على مثله سموا حلف الفضول. وقيل كان تخالفهم على أن يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ومن غيرهم إلا قاموا معه (والثانى) أنهم تحالفوا على أن ينفقوا من فضول أموالهم فسموا بذلك حلف الفضول، وسموا حلف الفضول لفاضل ذلك الطيب، وتوفر على الجهاد أي كثرت رغبته وهمته فيه من الوفر وهو كثرة المال قال الشوكاني: كان عمر يفاضل في العطاء على حسب البلاء في الاسلام

والقدم فيه والغناء والحاجة، ويفضل من شهد بدرا على غيره ممن لم يشهد، وكذلك من شهد أحدا ومن تقدم في الهجرة، وقد أخرج الشافعي في الام أن أبا بكر وعليا ذهبا إلى التسوية بين الناس في القسمة وأن عمر كان يفضل، وروى البزار والبيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قدم على أبى بكر مال البحرين فقال من كان له عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة فليأت، فذكر الحديث بطوله في تسويته بين الناس في القسمة، وفى تفضيل عمر الناس على مراتبهم. وروى البيهقى من طريق آخر قال: أتت عليا امرأتان، فذكرا لقصة وفيها إنى نظرت في كتاب الله فلم أر فضلا لولد اسماعيل على ولد إسحاق، ثم روى عن عثمان أنه كان يفاضل بين الناس كما كان يفاضل عمر، كما أنه لا فضل للامام على الناس في تقديم ولا توفير نصيب، وأن العبد المملوك فيه نصيب، لما أخرجه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنى بظبية بها خرز فقسمها للحرة والامة. وقول عائشة أن أبا بكر كان يقسم للحر والعبد، ولا شك أن أقوال الصحابة لا تعارض المرفوع فمنع العبيد اجتهاد من عمر، والنبى قد أعطى الامة ولا فرق بينها وبين العبد، ولهذا كان أبو بكر يعطى العبيد، وأنه لا بد من التفضيل فالرجل وسبقه للاسلام. قلت: روى الشافعي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدا؟ قيل له ابدا بالاقرب فالاقرب بك، قال بد أبدا بالاقرب فالاقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سبق للاسلام على سائر الانظمة الحديثة التى يتشدق بها المتشدقون قوله (ولا يعطى من الفئ صبى..) ففى ما قيل رده له. وأما قوله (وان مات المجاهد وله ولد صغير أو زوجة ففيه قولان) قلت الصواب فيه والله أعلم هو إعطاء الولد وأمه لما ثبت عن عمر في صحيح البخاري عن أسلم مولى عمر قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا إبنة خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبى الحديبية مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب الجزية

فوقف معها عمرو لم يمض وقال مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملاهما طعاما وجعل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها خطامه فقال اقتاديه فلن ينفى هذا حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثر لها، فقال ثكلتك أمك فو الله لانى لارى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحناه فأصبحنا نستفئ سهمانهما فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان في الفئ أراض كان خمسها لاهل الخمس، فأما أربعة أخماسها فقد قال الشافعي رحمه الله تكون وقفا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الذى يقول إنه للمصالح، فإن المصلحة في الاراضي أن تكون وقفا لانها تبقى فتصرف غلتها في المصالح. وأما إذا قلنا إنها للمقاتلة فإنه يجب قسمتها بين أهل الفئ لانها صارت لهم فوجبت قسمتها بينهم كأربعة أخماس الغنيمة ومن أصحابنا من قال تكون وقفا على القولين، فإن قلنا إنها للمصالح صرفت غلتها في المصالح، وإن قلنا إنها للمقاتلة صرفت غلتها في مصالحهم، لان الاجتهاد في مال الفئ إلى الامام، ولهذا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض، ويخالف الغنيمة فإنه ليس للامام فيها الاجتهاد، ولهذا لا يجوز أن يفضل بعض الغانمين على بعض وبالله التوفيق (الشرح) وقد تقدم الكلام على هذا في أول الفئ، وآراء المذاهب والصواب منها. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الجزية (الشرح) سميت جزية لانها قضاء عما عليهم مأخوذ من قولهم جزى يجزى إذا قضى قال الله تعالى (لاتجزى نفس عن نفس شيئا) أي لا تقضى ولا تعين، وفى الحديث انه قال لانى بردة بن نيار في الاضحية بالجزعة من المعز تجزئ عنك ولا

تجزئ عن أحد بعدك، والمتجازي المتقاضى عند العرب، وقيل الجزاء، الغذاء، قال الشاعر: مقيم عندها لم يجز مكبول أي لم يفد، ويدينون دين الحق أي يطيعون، والدين الطاعة والانقياد قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ أخذ الجزية ممن لا كتاب له ولا شبهة كتاب كعبدة الاوثان لقوله عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) فخص أهل الكتاب بالجزية فدل على أنها لا تؤخذ من غيرهم، ويجوز أخذها من أهل الكتابين وهم اليهود والنصارى للآية، ويجوز أخذها ممن بدل منهم دينه، لانه وإن لم تكن لهم حرمة بأنفسهم فلهم حرمة بآبائهم، ويجوز أخذها من المجوس لما روى عبد الرحمن بن عوف إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سفوا بهم سنة أهل الكتاب وروى أيضا عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، واختلف قول الاشفعى رحمه الله هل كان لهم كتاب أم لا؟ فقال فقال فيه قولان (أحدهما) أنه لم يكن لهم كتاب، والدليل عليه قوله عز وجل (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين) (والثانى) أنه كان لهم كتاب، والدليل عليه ماروى عن على كرم الله وجهه أنه قال: كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وان ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فجاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع فرفع الكتاب من بين أظهرهم وذهب العلم من صدروهم. (فصل) وان دخل وثنى في دين أهل الكتاب نظرت فإن دخل قبل التبديل أخذت منه الجزية وعقدت له الذمة لانه دخل في دين حق، وان دخل بعد التبديل نظرت فإن دخل في دين من بدل لم تؤخذ منه الجزية ولم تعقد له

الذمة لانه دخل في دين باطل، وإن دخل في دين من لم يبدل فإن كان ذلك قبل النسخ بشريعة بعده أخذت منه الجزية لانه دخل في دين حق، وإن كان بعد النسخ بشريعة بعده لم تؤخذ منه الجزية وقال المزني رحمه الله تؤخذ منه، ووجهه أنه دخل في دين يقر عليه أهله، وهذا خطأ لانه دخل في دين باطل فلم تؤخذ منه الجزية كالمسلم إذا ارتد، وإن دخل في دينهم ولم يعلم أنه دخل في دين من بدل أو في دين من لم يبدل كنصارى العربو هم بهراء وتنوخ وتغلب أخذت منهم الجزية، ولان عمر رضى الله عنه أخذ منهم الجزية باسم الصدقة، ولانه أشكل أمره فحقن دمه بالجزية احتياطا للدم، وأما من تمسك بالكتب التى أنزلت على شيث وإبراهيم وداود فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ انهم يقرون ببذل الجزية لانهم أهل كتاب فأقروا ببذل الجزية كاليهود والنصارى (والثانى) لا يقرون لان هذه الصحف كالاحكام التى تنزل بها الوحى، وأما السامرة والصابئون ففيهم وجهان (أحدهما) أنه تؤخذ منهم الجزية (والثانى) لا تؤخذ وقد بيناهما في كتاب النكاح، وأما من كان أحد أبويه وثنيا والآخر كتابيا فعلى ما ذكرناه في النكاح. وإن دخل وثنى في دين أهل الكتاب وله ابن صغير فجاء الاسلام وبلغ الابن واختار المقام على الدين الذى انتقل إليه أبوه أخذت منه الجزية، لانه تبعه في الدين فأخذت منه الجزية، وإن غزا المسلمون قوما من الكفار لا يعرفون دينهم، فادعوا أنهم من أهل الكتاب أخذت منهم الجزية لانه لا يمكن معرفة دينهم إلا من جهتهم فقيل قولهم. وإن أسلم منهم اثنان وعدلا وشهدا أنهم من غير أهل الكتاب نبذ إليهم عهدم لانه بان بطلان دعواهم. (الشرح) حديث عبد الرحمن بن عوف (سنوابهم سنة أهل الكتاب) رواه الشافعي ومالك في الموطأ أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدرى كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وقال الجد ابن تيمية: هو دليل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب.

حديث عبد الرحمن بن عوف (أخذ الجزية من مجوس هجر) عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذها من مجوس هجر رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وروى أبو عبيد في كتاب الاموال بسند صحيح عن حذيفة: لولا أنى رأيت أصحابي يأخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها أثر على (كان لهم علم..) روى الشافعي وعبد الرزاق بإسناد حسن عن على كان المجوس أهل الكتاب يدرسونه وعلم يقرأونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبع دعا أهل الطمع فأعطاهم. وقال إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه، فأسرى على كتابهم ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شئ وهذا الاثر ضعيف لان فيه على أبى سعد البقال وروى ابن حميد في تفسيره في سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أ؟ ى لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا فقال إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية ولامن عبدة الاوثان فتجرى عليهم أحكامهم، فقال على بل هم أهل كتاب، وذكر الاثر السابق اللغة قوله (لا يجوز أخذ الجزية..) قال ابن التركماني في الجوهر النفى: وعند الحنفية تخصيص أهل الكتاب بأداء الجزية لا ينفى الحكم عن غيرهم، والوثنى والعجمي لايتحثم قتله بل يجوز استرقاقه، فلم يتداوله قوله تعالى (اقتلوا المشركين) بل هو مختص بالوثنى العربي الذى يسقط قتله بعلة واحدة وهى الاسلام بخلاف العجمي لانه يسقط قتله بعلة أخرى وهى الاسترقاق. وذكر البيهقى في هذا الباب حديث بريدة: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، وفيه فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية. (قلت) التبويب خاص ولفظ المشركين عام فهو غير مطابق لمدعاه قال النووي في شرح مسلم: هذا مما يستدل به مالك والاوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر، عربيا كان أو أعجميا أو كتابيا أو مجسويا أو غيرهما، وذكر الخطابى في المعالم ثم قال ظاهره (أي الحديث) موجب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي من عبدة الشمس والنيران والاوثان.

ويؤيد هذا المذهب قوله عليه السلام في حديث ابن عباس (ويؤدى إليهم العجم الجزية) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وذكره البيهقى في باب من زعم إنما تؤخذ الجزية من العجم. قال ابن عبد البر بعد أن ذكر (سنوا بهم..) هذا من الكلام العام الذى أريد به الخاص، لان المراد سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، واستدل بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب وقال ابن بطال لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه، ولما استثنى حل ذبائهم ونكاح نسائهم، فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للاثر الوارد، لان في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم، بخلاف النكاح فإنه مما يحتاط له قال ابن المنذر ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفقا عليه. ولكن الاكثر من أهل العلم عليه. وقال الشوكاني بعد أن أورد حديث ابن عباس قال: مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وسكوه إلى أبى طالب، فقال يا ابن أخى ما تريد من قومك؟ قال أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدى لهم بها العجم الجزية. الخ) رواه الترمذي وحسنه والنسائي وصححه والحاكم، وحديث المغيرة بن شعبة أنه قال لعامل كسرى أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية) البخاري، فيه الاخبار بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية، زاد الطبراني وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على ما في أيديكم. وحديث ابن عباس فيه متمسك لم قال لا تؤخذ الجزية من الكتابى إذا كان عربيا، قال في الفتح: فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالاتفاق، وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب. وحكى الطحاوي عنهم أنهم تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع كفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الاسلام أو السيف

وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتدوا به، قال الاوزاعي وفقهاء الشام: وحكى ابن القاسم عن مالك أنها لا تقبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفقا على قبولها من المجوس، لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لاتقبل إلا من اليهود النصارى فقط، ونقل الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم. وحكى غيره عن أبى ثور حل ذلك. قال ابن قادمة وهذا خلاف إجماع من تقدمه وقال الشافعي: تقبل من أهل الكتاب، عربا كانوا أو عجما، ويلتحق بهم المجوس في ذلك، قال أبو عبيد: ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب، وعلى المجوس بالسنة قال الامام الخطابى في العالم: جواز أخذ الجزية من العرب كجوازه من العجم، وكان أبو يوسف يذهب إلى أن الجزية لا تؤخذ من عربي، وقال مالك والاوزاعي والشافعي: العربي والعجمي في ذلك سواء، وكان الشافعي يقول: إنما الجزية على الاديان لا على الانساب، ولولا أن فأثم بتمني الباطل وددنا أن الذى قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجرى على عربي صغار، ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. قوله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) أي خذوهم على طريقهم، أي أمنوهم وخذوا عنهم الجزية، والسنة الطريق قوله (نبذ إليهم عهدهم) أي رمى به. والنبذ رمى. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأقل الجزية دينار لِمَا رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا) وإن التزم أكثر من دينار عقدت له الذمة أخذ بأدائه لانه عوض في عقد منع الشرع فيه من النقصان عن دينار وبقى الامر فيما زاد على ما يقع عليه التراضي، كما لو وكل وكيلا في بيع سلعة وقال لا تبع بما دون دينار فإن امتنع قوم من أداء الجزية باسم الجزية وقالوا نؤدى باسم الصدقة، ورأى

الامام أن يأخذ باسم الصدقة جاز، لان نصارى العرب قالوا لعمر رضى الله عنه لا نؤدى ما تؤدى لعجم، ولكن خذ منا باسم الصدقة كما تأخذ من العرب فأبى عمر رضى الله عنه وقال لا أقركم إلا بالجزية، فقالوا خذ منا ضعف ما تأخذ من المسلمين، فأبى عليهم، فأرادوا اللحاق بدار الحرب فقال زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة لعمر: إن بنى تغلب عرب وفيه قوة فخذ منهم ما قد بذلوا ولا تدعهم أن يلحقوا بعدوك، فصالحهم على أن يضعف عليهم الصدقة، وإن كان ما يؤخذ منهم باسم الصدقة لا يبلغ الدينار وجب إتمام الدينار، لان الجزية لا تكون أقل من دينار، وان أضعف عليهم الصدقة فبلغت دينارين، فقالوا أسقط عنا دينارا وخذ منادينا اباسم الجزية وجب أخذ الدينار، لان الزيادة وجبت لتغيير الاسم، فإذا رضوا بالاسم وجب إسقاط الزيادة (الشرح) حديث معاذ بن جبل (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم يعنى محتلم دينارا أو عدله من المعافرى ثياب تكون باليمن) قال أبو دود في بعض النسخ هذا حديث منكر بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارا شديدا. قال البيهقى في السنن الكبرى إنما المنكر رواية أبى معاوية عن الاعمش عن ابراهيم عن مسروق عن معاذ، فأما رواية الاعمش عن أبى وائل عن مسروق فإنها محفوظة، أخرجه أبو داود والنسائي من رواية أبى وائل، ورواه النسائي وباقى أصحاب السنن وابن حبان والدارقطني، والحاكم من رواية أبى وائل عن مسروق، قال الحافظ في التلخيص رجح الترمذي والدارقطني في العلل الرواية المرسلة، ويقال إن مسروقا أيضا لم يسمع من معاذ وقد بالغ ابن حزم في تقرير ذلك، وقال ابن عبد البر في التمهيد إسناده متصل صحيح ثابت، وهو عبد الحق فنقل عنه أنه قال مسروق لم يلق معاذا. وتعقبه ابن القطان بأن أبا عمر إنما قال ذلك في رواية مالك عن حميد بن قيس عن طاوس عن معاذ، وقد قال الشافعي طاوس عالم بأمر معاذ. وإن لم يقله لكثرة من لقيه ممن أدرك معاذا، وهذا مما

لا أعلم من أحد فيه خلافا، وقد رواه الدارقطني من طريق المسعودي عن الحكم أيضا عن طاوس عن ابن عباس قال لما بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذا وهذا موصول لكن المسعودي اختلط، ويفرد وصله عنه بقية بن الوليد، وقد رواه الحسن بن عمارة عن الحكم أيضا، لكن الحسن ضعيف، ويدل على ضعفه قوله فيه إن معاذا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليمن فسأله، ومعاذ لها قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قد مات، ورواه مالك في الموطأ من حديث طاوس عن معاذ أنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم نسمع فيه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا حتى ألقاه، فتوفى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يقدم عاذ بن جبل قال ابن عبد البر ورواه قوم عن طاوس عن ابن عباس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه، قلت ورواه البزار والدارقطني من طريق ابن عباس لكنه من طريق بقية عن المسعودي وهو ضعيف أثر عمر (أن نصارى العرب قالوا لعمر..) أخرجه الشافعي أنه طلب الجزية من نصارى الحرب تنوخ وبهرا وبنو تغلب، فقالوا نحن عرب لا نؤدي ما يؤدى العجم، فخذ منا ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن يضعف عليهم الصدقة، وقالوا هؤلاء حمقى رضوا بالاسم وأبو المعنى وروى ابن أبى شيبة عن عمر أنه صالح نصارى بنى تغلب على أن يضعف عليهم الزكاة مرتين على أن لا ينصروا صغيرا وعلى أن لا يكرهوا على دين غيرهم ورواه البيهقى في السنن. قال ابن رشد في بداية المجتهد (وهى كم الواجب؟ فإنهم اختلفوا في ذلك، فرأى مالك أن القدر الواجب في ذلك هو ما فرضه عم رضى الله عنه، وذلك على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعون درهما، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه وقال الشافعي: أقله محدود وهو دينارو أكثره غير محدود، وذلك بحسب ما يصالحون عليه.

وقال قوم لا توقيت في ذلك، وذلك مصروف إلى اجتهاد الامام، وبه قال الثوري، وقال أبو حنيفة وأحصابه الجزية إثنا عشر درهما وأربعة وعشرون درهما وثمانية وأربعون لا ينقص الفقير من إثنى عشر درهما ولا يزاد الغنى على ثمانية وأربعون والوسط أربعة وعشرون درهما، وقال أحمد دينار أو عدله معافرى لا يزاد عليه ولا ينقص منه وسبب اختلافهم اختلاف الآثار في هذا الباب وذلك أنه رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معاذا إلى اليمن، وذكر الحديث وثبت أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام. وروى عنه أيضا أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وإثنى عشر، فمن حمل هذه الاحاديث كلها على التخيير وتمسك في ذلك بعموم ما ينطلق عليه اسم جزية إذ ليس في توقيت ذلك حديث على النبي صلى الله عليه وسلم متفق على صحته، وإنما ورد الكتاب في ذلك عاما قال لاحد فيذلك. وهو الاظهر والله أعلم ومن جمع بين حديث معاذ والثابت عن عمر قال أقله محدود ولا حد لاكثره ومن رجح حديثى عمر قال إما بأربعين درهما وأربعة دنانير وإما بثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين وإثنى عشر على ما تقدم ومن رجح حديث معاذ لانه مرفوع قال دينار فقط أو عدله معافرى لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه. وقال صديق حسن خان في الروضة: وأما قدرها فضرب عمربن الخطاب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام، قلت قد صح من حديث معاذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا) فاختلفوا في الجمع بينه وبين حديث عمر فقال الشافعي أقل للجزية دينار على كل بالغ في كل سنة، ويستحب للامام المماكسة ليزداد ولا يجوز أن ينقص من دينار وأن الدينار مقبول من الغنى والمتوسط والفقير.

وتأويل أبو حنيفة حديث عمر على الموسرين وحديث معاذ على الفقراء، لان أهل اليمن أكثرهم فقراء، فقال على كل موسر أربعة دنانير وعلى كل متوسط ديناران وعلى كل فقير دينار قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والمستحب أن يجعل الجزية على ثلاث طبقات فيجعل على الفقير المعتمل دينارا وعلى المتوسط دينار بن وعلى الغنى أربعة دنانير، لان عمر رضى الله عنه بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة، فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وإثنى عشر، ولان بذلك يخرج من الخلاف، لان أبا حنيفة لا يجيز إلا كذلك. (فصل) ويجوز أن يضرب الجزية على مواشيهم وعلى ما يخرج من الارض من ثمر أو زرع، فإن كان لا يبلغ ما يضرب على الماشية وما يخرج من الارض دينارا لم يجز، لان الجزية لا تجوز أن تنقص عن دينار، وان شرط أنه ان نقص عن دينار تمم الدينار جاز لانه يتحقق حصول الدينا، وان غلب على الظن أنه يبلغ الدينار ولم يشترط أنه لم نقص الدينار تمم الدينار فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قد ينقص عن الدينار (والثانى) أنه يجوز لان الغالب في الثمار أنها لا تختلف. وان ضرب الجزية على ما يخرج من الارض فباع الارض من مسلم صح البيع لانه مال له، وينتقل ما ضرب عليها إلى الرقبة لانه لا يمكن أخذ ما ضرب عليها من المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ينبغى لمسلم أن يؤدى الخراج) ولانه جزية فلا يجوز أخذها من المسلم ولا يجوز إقرار الكافر على الكفر من غير جزية فانتقل إلى الرقبة. (فصل) وتجب الجزية غفى آخر الحول لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى أهل اليمن أن يؤخذ من كل حالم في كل سنة دينار. وروى أبو مجلز أن عثمان ابن حنيف وضع على الرؤوس على كل رجل أربعة وعشرين في كل سنة، فإن

مات أو أسلم بعد الحول لم يسقط ما وجب لانه عوض عن الحقن والمساكنة وقد استوفى ذلك فاستقر عليه العوض كالاجرة بعد استيفاء المنفعة، فإن مات أو أسلم في أثناء الحول ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يلزمه شئ لانه مال يتعلق وجوبه بالحول فسقط بموته في أثناء الحول كالزكاة. (والثانى) وهو الصحيح أنه يلزمه من الجزية بحصة ما مضى لانها تجب عوضا عن الحقن والمساكنة، وقد استوفى البعض فوجب عليه بحصته، كما لو استأجر علينا مدة واستوفى المنفعة في بعضها ثم هلكت العين (فصل) ويجوز أن يشترط عليهم في الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صالح أكيد ردومة من نصارى أبلة على ثلثمائة دينار، وكانوا ثلثمائة رجل، وأن يضيفوا من يمر بهم من المسلمين. وروى عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى مدينة كدى إنكم لما قدمتم علينا سألتاكم الامان لانفسنا وذرارينا وأموالنا، وشرطنا لكم أن تنزل من يمر بنا من المسليمن ثلاثة أيام نطعمهم) ولا يشترط ذلك عليهم إلا برضاهم، لانه ليس من الجزية ويشترط عليهم الضيافة بعد الدينار لحديث أكيد ردومة، لانه إذا جعل الضيافة من الدينار لم يؤمن أن لا يحصل من بعد الضيافة مقدار الدينار، ولا تشترط الضيافة إلا على غنى أو متوسط وأما الفقير فلا تشترط عليه وإن وجب عليه الجزية، لان الضيافة تتكرر فلا يمكنه القيام بها. ويجب أن تكون أيام الضيافة من السنة معلومة، وعدد من يضاف من الفرسان والرجالة وقدر الطعام والادم والعلوفة معلوما، ولانه من الجزية فلم يجز مع الجهل بها، ولا يكلفون إلا من طعامهم وإدامهم لما روى أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقالوا إن المسلمين إذا مروا بنا كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم، فقال أطعموهم مما تأكلون ولا تزيدوهم على ذلك.

ويقسط ذلك على قدر جزيتهم ولا تزاد أيام الضيافة على ثلاثة أيام، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الضيافة ثلاثة أيام، وعليهم أن يسكنوهم في فضول مساكنهم وكنائسهم، لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذى كتب على نصارى الشام، وشرطنا أن لا تمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين من ليل ونهار وأن توسع أبوابها للمارة وأبناء السبيل، فإن كثروا وضاق المكان قدم من سبق، فإذا جاءوا في وقت واحد أقرع بينهم لتساويهم، وإن لم تسعهم هذه المواضع نزلوا في فضول بيوت الفقراء من غير ضيافة (الشرح) أثر عمر (بعث عثمان بن حنيف) أخرجه أبو عبيد في الاموال أثر عمر أنه ضرب في الجزية على الغنى ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير المكتسب إثنى عشر) أخرجه البيهقى في السنن من طرق كلها مرسلة. حديث (لا ينبغى لمسلم..) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ليس على مؤمن جزية) أخرجه البيهقى وابن جرير حديث عمر بن عبد العزيز أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أهل اليمن أن على كل انسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من المعافر، يعنى أهل الذمة منهم) رواه الشافعي في مسنده وهو مرسل أثر عثمان بن حنيف سبق تخريجه حديث (صالح أكيدردومة. ) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خالد بن الوليد دومة فأخذوه فأتوا به فحص دمه وصالحه على الجزية. أخرجه أبو داود وسكت عنه المنذرى ورجال اسناده ثقات وفيه عنعنة محمد بن اسحاق وأخرج البيهقى عن عبد الله بن أبى بكر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من كنده كان ملكا على دومة وكان نصرانيا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالد إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين وفى ليلة مقمرة صافية وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر،

فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط؟ قال لا والله، قالت فمن يترك مثل هذا قال لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فسرج وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له (حسان) فخرجوا معه بمطارفهم فتلقاهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه حسان وكان عليه قباء ديباج مخوص بالذهب فاستلبه إياه خالد بن الوليد فبعث إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل قدومه عليه، ثم إن خالد قمد بالاكيدر عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحقن له دمه وصالحه على الجزية وأخلى سبيله فرجع إلى قرينه) أثر عبد الرحمن بن غنم (قال كتبت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حين صالح أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الامان لانفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها دير ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيى ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولانهار ولا نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن نزل من مربنا من المسلمين ثلاثة أيام ونطعمهم، وأن لا نؤنن في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعوا إليه أحدا ولا نمنع أحدا من قرابتنا الدخول في الاسلام إن أراده، وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسا ولا نتشبه بهم في شئ من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولانتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقاديم رؤوسنا وأن فلزم زينا حيث ما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شئ من طريق المسلمين ولا أسواقهم، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين وان لا نخرج شعانينا ولا باعونا، ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا ولا نظهر النيران معهم في شئ من طريق المسلمين ولا نجاوزهم موتانا ولا نتخذ من

الرقيق ما جرى عليه سهام للمسلمين، وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم، فلما أتيت عمر رضى الله عنه بالكتاب زاد فيه وأن لا نضرب أحدا من المسلمين، شرطنا لهم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا منهم الامان، فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم فضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاوة. أخرجه البيهقى في السن أثر أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام قال الحافظ لم أجده، وذكر ابن أبى حاتم من طريق صعصعة بن يزيد أو يزيد بن صعصعة عن ابن عباس من قوله أثر عبد الرحمن بن غنم سبق تخريجه في نفس الباب حديث (الضيافة ثلاثة أيام) روى البيهقى عن أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الوراق أربعين درهما ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وروى البيهقى عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله. قال الشافعي وحديث أسلم بضيافة ثلاث أشبه لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الضيافة ثلاثا، وقد يجوز أن يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة، ولم يجعل على آخرين ضيافة، كما يختلف صلحه لهم، فلا يرد بعض الحديث بعضا. وعن أبى شريح قال: سمعت أذناى وأبصرت عَيْنَايَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فليكرمن ضيفه، ومن كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائزته، قيل يا رسول الله وما جائزته؟ قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام، فما كان أكثر من ذلك فهو صدقة، ولا يثوى عنده حتى يحرجه ومن كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم عن الليث بن سعد اللغة: قوله (يضرب عليها الجزية) أي يجعل ضريبة تؤدى كل سنة مثل ضريبة العبد وهى غلته. قوله (دومة) اسم حصن وأصحاب اللغة يقولون بضم الدال، وأصحاب

الحديث يفتحونها، قال ذلك الجوهرى، وقد أخطأ من همزها قوله (والادم والعلوفة) وهى علف الدواب بضم العين، فأما العلوفة بالفتح فهى الناقة والشاة يعلفها ولا يرسها ترعى وكذا العليفة الباعوث للنصارى كالاستسقاء للمسلمين، وهواسم سرياني والشعانين عيد عندهم. قوله (والمستحب أن يجعل الجزية..) وسبق إيضاحه فيما قبله قوله (ويجوز أن يضرب الجزية..) قال صديقى حسن خان في الروضة، عن عمرو بن عبد العزيز: من مربك من أهل الذمة فخذ بما يديرون به من التجارات من كل عشرين دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ مها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول، قلت عليه أبو حنيفة وقال الشافعي: الذى يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وقت عقد الذمة، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون. قلت عليه أبو حنيفة وقال الشافعي: لا تسقط بالاسلام وبالموت لانه دين حل عليه كسائر الديون. وقال ابن التركماني: ذكر صاحب الاستذكار عن الشافعي قال: إذا أسلم في بعض السنة أخذت منه بحسابه. وحكى عن مالك وأبى حنيفة وأصحابه وابن حنبل أنه يسقط عنه ما مضى. قال ابن التركماني هو الصواب لعموم قوله عليه السملا (ليس على المسلم جزية) وقول عمر ضعوا الجزية عمن أسلم ولا يوضع إلا ما مضى قال ابن ضويان في كتاب منار السبيل: من أسلم منهم بعد الحول سقطت عن الجزية، نص عليه لحديث ابن عباس مرفوعا (ليس على مسلم جزية) رواه أحمد وأبو داود. وقال أحمد: قد روى عن عمر أنه قال (إذا أخذها في كفه ثم أسلم ردها) وروى أبو عبيد أن يهوديا أسلم فطولب بالجزية، وقيل إنما أسلمتم تعوذا،

قال إن في الاسلام معاذا، فرفع إلى عمر فقال (إن في الاسلام معاذا وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية) وفى قدر الجزية ثلاث روايات (إحداهن) يرجع إلى ما فرضه عمر على الموسر ثمانية وأربعون درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل إثنا عشر فرضها عمر كذلك بمحضر من الصحابة وتابعه سائر الخلفاء بعد فصار إجماعا. وقال ابن أبى نجيح: قلت لمجاهد (ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال جعل ذلك من قبل اليسار) رواه البخاري (والثانية) يرجع فيه إلى اجتهاد الامام في الزيادة والنقصان (والثالثة) تجوز الزيادة لا النقصان (لان عمر زاد على ما فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ ينقص) ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين، لما روى الاحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا القناطر، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته) رواه أحمد وروى أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر رضى الله عنه فقالوا إن المسلمين إذا مروا بنا كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم، فقال أطعموهم مما تأكلون ولا تزيدوهم على ذلك قوله (وتجب الجزية في آخر الحول..) قال ابن رشد وهى متى تجب الجزية فإنهم اتفقوا على أنها لا تجب إلا بعد الحول وأنها تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول، واختلفوا إذا أسلم بعد ما يحول عليه الحول هل تؤخذ منه جزية للحول الماضي بأسره أو لما مضى منه، فقال قوم إذا أسلم فلا جزية عليه بعد انقضاء الحول كان إسلامه أو قبل انقضائه، وبهذا القول قال الجمهور وقالت طائفة إن أسلم بعد الحول وجبت عليه الجزية، وإن أسلم قبل حلول الحول لم تجب عليه وانهم اتفقوا على أنه لا تجب عليه قبل انقضاء الحول لان الحول شرط في وجوبها، فإذا وجد الرافع لها وهو الاسلام قبل تقرر الوجوب أعنى قبل وجود شرط الوجوب لم تجب وإنما اختلفوا بعد انقضاء الحول لانها قد وجب، فمن رأى أن الاسلام يهدم هذا الواجب في الكفر كما يهدم كثيرا من

الواجبات قال تسقط عنه، وإن كان إسلامه بعد الحول ومن رأى انه لا يهدم الاسلام هذا الواجب كما لا يهدم كثيرا من الحقوق المرتبة مثل الديون وغير ذلك قال لا تسقط بعد انقضاء الحول، فسبب اختلافهم هو هل الاسلام يهدم الجزية الواجبة أو لا يهدمها. قال الغزنوى الحنفي في كتابه الغرة (مسألة) إذا أسلم الذى أو مات بعد وجوب للجزية بمرور الحول سقطت عند أبى حنيفة وعند الشافعي لا تسقط. حجة أبى حنيفة قوله صلى الله عليه (لا جزية على مسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم (الاسلام يجب ما قبله) وروى أن ذميا طولب بالجزية في زمن عمر فأسلم، فقيل إنك أسلمت تعوذا. سبق ابرادها فيما ذكره منار السبيل، ولان الجزية وجبت عقوبة على الكفر وهى تسقط بالاسلام حجة الشافعي أن الجزية وجبت على العصمة والامن فيما مضى ماله كان في معرض التلف فحصلت له الصيانة بقبول الجزية، وقد وصل إليه العوض فلا تسقط عنه المعوض بالاسلام والموت، والجواب عنه أن هذا قياس في مقابلة النص والآثار فلا يقبل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا تؤخذ الجزية من صبى لحديث معاذ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ آخذ من كل حالم دينار أؤ عدله معافريا، ولان الجزية تجب لحقن الدم والصبى محقون الدم وإن بلغ صبى من أولاد أهل الذمة فهو في أمان لانه كان في الامان فلا يخرج منه من غيره عناد، فإن اختار أن يكون في الذمة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يستأنف له عقد الذمة، لان العقد الاول كان للاب دولة فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التراضي (والثانى) لا يحتاج إلى استئناف عقد لانه تبع الاب في الامان فتبعه في الذمة، فعلى هذا يلزمه جزية أبيه وجده من الاب ولا يلزمه جزية جده من الام لانه لا جزية على الام فلا يلزمه حزية أبيها

(فصل) ولا تؤخذ الجزية من مجنون لانه محقون الدم فلا تؤخذ منه الجزية كالصبى، وإن كان يجن يوما ويفيق يوما لفق أيام الافاقة، فإذا بلغ قدر سنة أخذت منه الجزية لانه ليس تغليب أحد الامرين بأولى من الآخر فوجب التلفيق، وإن كان عاقلا في أول الحول ثم جن في أثنائه وأطبق الجنون ففى جزية ما مضى من أول الحول قولان، كما قلنا فيمن مات أو أسلم في أثناء الحول. (فصل) ولا تؤخذ الجزية من امرأة لما روى أسلم أن عمر رضى الله عنه كتب إلى امراء الجزية ان لا تضربوا الجزية على النساء ولا تضربوا إلا على من جرت عليه الموسى، ولانها محقونة الدم فلا تؤخذ منها الجزية كالصبى، ولا تؤخذ من الخنثى المشكل لجواز أن يكون امرأة، وان طلبت المرأة من دار الحرب أن تعقد لها الذمة وتقيم في دار الاسلام من غير جزية جاز لانه لاجزية عليها ولكن يشترط عليها أن تجرى عليها أحكام الاسلام، وإن نزل المسلمون على حصن فيه نساء بلا رجال فطلبن عقد الذمة بالجزية ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يعقد لهن لان دماءهن محقونة، فعلى هذا يقيمون حتى يفتحوا الحسن ويستبقوهن (والثانى) أنه يجوز أن يعقد لهن الذمة وتجرى عليهن أحكام المسلمين كما قلنا في الحربية إذا طلبت عقد الذمة، فعلى هذا لا يجوز سبيهن وما بذلن من الجزية الهدية، وان دفعن أخذ منهن وان امتنعن لم يخرجن من الذمة (فصل) ولا يؤخذ من العبد ولا من السيد بسببه لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (لاجزية على مملوك) ولانه لا يقتل بالكفر فلم تؤخذ منه الجزية كالصبى والمرأة ولا تؤخذ ممن نصفه حر ونصفه عبد لانه محقون الدم فلم تؤخذ منه الجزية كالعبد. ومن أصحابنا من قال فيه وجه آخر أنه يؤخذ منه بقدر ما فيه من الحرية لانه يملك المال بقدر ما فيه من الحرية، وان أعتق العبد نظرت فإن كان المعتق مسلما عقدت له الذمة بما يقع عليه التراضي من الجزية، وان كان ذميا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يستأنف له عقد الذمة بما يقع عليه التراضي من الجزية

لان عقد المولى كان له دون العبد (والثانى) يلزمه جزية المولى لانه تبعه في الامان فلزمه جزيته (فصل) وفى الراهب الشيخ الفاني قولان بناء على القولين في قتلهما، فإن قلنا يجوز قتلهما أخذت منهما الجزية ليحقن بها دمهما، وإن قلنا انه لا يجوز قتلهما لم تؤخذ منهما لان دمهما محقون فلم تؤخذ منهما الجزية كالصبى والمرأة وفى الفقير الذى لا كسب له قولان (أحدهما) أنه لا تجب عليه الجزية لان عمر رضى الله عنه جعل أهل الجزية طبقات وجعل أدناهم الفقير المعتمل، فدل على أنها لا تجب على غير المعتمل، ولانه إذا لم يجب خراج الارض في أرض لانبات لها لم يجب خراج الرقاب في رقبة لا كسب لها، فعلى هذا يكون مع الاغنياء في عقد الذمة، فإذا أيسر استؤنف الحول. (والثانى) أنها تجب عليه لانها على سبيل العروض فاستوى فيه المعتمل وغير المعتمل كالثمن والاجرة، ولان المعتمل وغير المعتمل يستويان في القتل بالكفر فاستويا في الجزية، فعلى هذا ينظر إلى الميسرة، فإذا أيسر طولب بجزية ما مضى. ومن أصحابنا من قال لا ينظر لانه يقدر على حقن الدم بالاسلام فلم ينظر، كما لا ينظر من وجبت عليه كفارة ولا يجد رقبة وهو يقدر على الصوم، فعلى هذا قول له إن توصلت إلى أداء الجزية خليناك وان لم تفعل نبذنا اليك العهد. (الشرح) حديث معاذ (أمرنى أن آخذ..) سبق تخريجه أثر أسلم (أن عمر كتب إلى امراء الجزية) روى البيهقى من طريق زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر كتب إلى أمراء الاجناد أن لا تضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواسى والا تضعوا الجزية على النساء والصبيان وأخرج أبو عبيد في كتاب الاموال عن عروة: كتب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أهل اليمن أنه من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا ينزعها وعليه الجزية، على كل حالم ذكر أو أنثى، عبد أو أمة دينار واف أو قيمته،

ورواه أبوزنجويه في الاموال عن الحسن (قال كتب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ وقال الحافظ هذان مرسلان يقوى أحدهما الآخر وروى أبو عبيد في الاموال عن عمر قال (لا تشتروا رقيق أهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض) أثر عمر (لا جزية على مملوك) قال الحافظ في التلخيص (لاجزية على العبد) روى مرفوعا وروى موقوفا على عمر، وليس له أصلى اللغة: قوله (أو عدله معافريا) العدل بالكسر المثل المساوى للشئ، ومنه عدل الحمل. قال ابن الانباري العدل بالكسر ما عادله الشئ من جنسه، والعدل بالفتح ما عادله من غير جنسه، وقال البصريون العدل والعدل لغتان وهما المثل، والمعافر البرود تنسب إلى معافر باليمن، وهم حى من همدان، أي تنسب إليهم الثياب المعافرية. قوله (لا تضربوا الجزية) وفى بعضها لا تضعوا، ومعناه لا تلزموهم ولا تجعلوها ضريبة. قوله (الفقير المعتمل) يقال اعتمل اضطرب في العمل، قال: إن الكريم وأبيك يعتمل * إن لم يجد يوما على ما يتكل والمعتمل قد يكون المكتسب بالعمل من الصناعة وغيرها قال ابن رشد في بداية المجتهد: وهى أي الاصناف من الناس تجب عليهم فإنهم اتفقوا على أنها إنما تجب بثلاثة أوصاف: الذكورية والبلوغ والحرية، وأنها لا تجب على النساء ولا على الصبيان إذا كانت، إنما هو عرض من القتل والقتل انما هو متوجه بالامر نحو الرجال البالغين، إذ قد نهى عن قتل النساء والصبيان، وكذلك أجمعوا أنها لا تجب على العبيد، واختلفوا في أصناف من هؤلاء، منها المجنون وفى المقعد، ومنها في الشيخ، ومنها في أهل الصوامع، ومنها في الفقير هل يتبع بها دينا متى أيسر أم لا، وكل هذه مسائل اجتهادية ليس فيها توقيت شرعى، وسبب اختلافهم مبنى على هل يقتلون أم لا؟ أعنى هؤلاء الاصناف

وقال في منار السبيل: ولا تؤخذ الجزية من امرأة وخنثى وصبى ومجنون قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا، ثم قال وقن (أي عبد) وزمن وأعمى وشيخ قال وراهب بصومعته، لان دماءهم محقونة أشبهوا النساء والصبيان قال أبو يوسف في الخراج: وإنما تجب الجزية على الرجال منهم دون النساء والصبيان، ولا تؤخذ الجزية من المسكين الذى يتصدق عليه ولا من أعمى لا حرفة له ولاعمل ولا ذمى يتصدق عليه ولا من مقعد، والمقعد والزمن إذا كان لهما يسار أخذ منهما، وكذلك الاعمى وكذلك المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم يسار أخذ منهم، وإن كانوا إنما هم مساكين يتصدق عليهم أهل اليسار منهم لو تؤخذ منهم، وكذلك أهل الصوامع وإن كان لهم غنى ويسار. ثم قال ولا تؤخذ الجزية من الشيخ الكبير الذى لا يستطيع العمل ولا شئ له. وكذلك المغلوب على عقله. وقال الحافظ في الفتح (واختلف السلف في أخذها من الصبى، فالجمهور قالوا لا تؤخذ على مفهوم حديث معاذ، وكذلك لا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا امرأة ولا مجنون ولا عاجز عن الكسب ولا أجير ولا من اصحاب الصوامع والاصح عند الشافعية الوجوب على من ذكر آخرا قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويثبت الامام عدد أهل الذمة وأسماءهم ويجليهم بالصفات التى لا تتغير بالايام، فيقول طويل أو قصير أو ربعة أو أبيض أو أسود أو أسمر أو أشقر أو أدعج العينين أو مقرون الحاجبين أو أقنى الانف، ويكتف ما يؤخذ من كل واحد منهم، ويجعل على كل طائفة عريفا ليجمعهم عند أخذ الجزية ويكتب من يدخل معهم في الجزية بالبلوغ ومن يخرج منهم بالموت والاسلام، وتؤخذ منهم الجزية برفق كما تؤخذ سائر الديون، ولا يؤذيهم في أخذها بقول ولا فعل لانه عوض في عقد علم يؤذهم في أخذه بقول ولافعل كأجرة الدار، ومن قبض منه جزيته كتبت له براءة لتكون حجة له إذا احتاج إليها. (فصل) وإن مات الامام أو عزل وولى غيره ولم يعرف مقدار ما عليهم

من الجزية رجع إليهم في ذلك لانه لا تمكن معرفته مع تعذر البينة إلا من جهتهم ويحلفهم استظهارا ولا يجب لان ما يدعونه لا يخالف الظاهر، فإن قال بعضهم هو دينار وقال بعضهم هو ديناران أخد من كل احد منهم ما أقربه، لان إقرارهم مقبول، وتقبل شهادة بعضهم على بعض، لان شهادتهم لا تقبل، وإن ثبت بعد ذلك بإقرار أو بينة أن الجزية كانت أكثر استوفى منهم، فإن قالوا كنا ندفع دينارين دينارا عن الجزية ودينارا هدية فالقول قولهم مع يمينهم واليمين واجبة لان دعواهم تخالف الظاهر، وإن غاب منهم رجل سنين ثم قدم وهو مسلم وادعى أنه أسلم في أول ما غاب ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يقبل قوله ويطالب بجزية ما مضى في غيبته في حال الكفر، لان الاصل بقاؤه على الكفر (والثانى) أنه يقبل لان الاصل براءة الذمة من الجزية. (الشرح) قال أبو يوسف في الخراج (ولا يضرب أحد من أهل الذمة في استيدائهم الجزية، ولا يقاموا في شمس ولا غيرها ولا يجعل عليهم في أبدانهم من المكاره، ولكن يرفق بهم ويحبسون حتى يؤدوا ما عليهم ولا يخرجون من الحبس حتى تستوفى منهم الجزية. اللغة قوله (أدعج العينين) الدعج شدة سواد المقلة وشدة بياض بياضها قوله (مقرون الحاجبين) هو التقاء طرفيهما، وهو مذموم وضده البلج وهو أن ينقطعا حتى يكون ما بينهما نقيا من الشعر وهو محمود، والقنا حد يداب الانف مع ارتفاع قصبته. قوله (ويحلفهم استظهارا) مأخوذ من الظهور وهو الظاهر الذى لاخفاء به والاستظهار الاخذ بالجزم واليقين، وأصله عند العرب أن الرجل إذا سافر أخذ مع بعيرا آخر خوف أن يعبا بعيره فيركب الاخر والبعير هو الظهر ذكره الازهرى.

باب عقد الذمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب عقد الذمة لا يصح عقد الذمة إلا من الامام أو ممن فوض إليه الامام لانه من المصالح العظام فكان إلى الامام، ومن طلب عقد الذمة وهو ممن يجوز إقراره على الكفر بالجزية وجب العقد له لقوله عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق) ثم قال (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) فدل على أنهم إذا عطوا الجزية وجب الكف عنهم. وروى بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان إذا بعث أميرا على جيش قال إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى الدخول في الاسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وان أبا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم، ولا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين، بذل الجزية والتزام أحكام المسلمين في حقوق الآدميين في العقود والمعاملات وغرامات المتلفات فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح العقد، والدليل عليه قوله عز وجل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) والصغار هو أن تجرى عليهم أحكام المسلمين، ولا فرق بين الخيابرة وغيرهم في الجزية، والذى يدعيه الخيابرة أن معهم كتابا من على بن أبى طالب كرم الله وجهه بالبراءة من الجزية لا أصل له ولم يذكره أحد من علماء الاسلام، وأخبار أهل الذمة لا تقبل وشهادتهم لا تسمع (الشَّرْحُ) حَدِيثُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..) سبق تخريجه اللغة قوله (عن يد) أي عن قهر، وقد تقدم ذكره

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان أهل الذمة في دار الاسلام أخذوا بلبس الغيار وشد الزنار، والغيار أن يكون فيما يظهر من ثيابهم ثوب يخالف لونه لون ثيابهم، كالازرق والاصفر ونحوهما، والزنار أن يشدوا في أوساطهم خيطا غليظا فوق الثياب، وإن لبسوا القلانس جعلوا فيها خرقا ليتميزوا عن قلانس المسلمين، لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذى كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام فشرطنا أن لا نتشبه بهم في شئ من لباسهم من قلنسوة ولاعمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، وأن نشد الزنانير في أوساطنا، ولان الله عز وجل أعز الاسلام وأهله وندب إلى إعزاز أهله، وأذل الشرك وأهله وندب إلى إذلال أهله، والدليل عليه ما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: بعثت بين يدى الساعة بالسيف حتى يعبد الله ولا يشرك به شئ، وجعل الصغار والذل على من خالف أمرى، فوجب أن يتميزوا عن المسلمين لنستعمل مع كل واحد منهم ما ندبنا إليه. وإن شرط عليهم الجمع بين الغيار والزنار أخذوا بهما، وإن شرط أحدهما أخذوا به لان التمييز يحصل بأحدهما، ويجعل في أعناقهم خاتم ليتميزوا به عن المسلمين في الحمام وفى الاحوال التى يتجردون فيها عن الثياب، ويكون ذلك من حديد أو رصاص أو نحوهما ولايكون من ذهب أو فضة لان في ذلك إعظاما لهم وان كان لهم شعر أمروا بجز النواصي ومنعوا من ارساله كما تصنع الاشراف والاخيار من المسلمين، لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام: وشرطنا أن نجز مقادم رؤوسنا ولا يمنعون من لبس العمائم والطيلسان لان التمييز يحصل بالغيار والزنار. وهل يمنعنن من لبس الديباج؟ فيه وجهان (أحدهما) أنهم يمنعون لما فيه من التجبر والتفخيم والتعظيم (والثانى) أنهم لا يمنعون كما لا يمنعون من لبس المرتفع من القطن والكتان، وتؤخذ نساؤهم بالغيار والزنار لما روى أن عمر كتب إلى أهل الآفاق أن مروا نساء أهل الاديان أن يعقدن زنانير هن أو تكون

زنانير هن تحت الازار لانه إذا كان فوق الازار انكشفت رؤوسهن واتصفت أبدانهم ويجعلن في أعناقهن خاتم حديد ليتميزن به عن المسلمات في الحمام كما قلنا في الرجال، وان لبسن الخفاف جعلن الخفين من لوقين ليتميزن عن النساء المسلمات ويمنعون من ركوب الخيل، لما روى في حديث عبد الرحمن بن غنم: شرطنا أن لا نتشبه بالمسلمين في مراكبهم، وان ركبوا الحمير والبغال ركبوها على الاكف دون السروج ولا يتقلدون السيوف ولا يحملون السلاح لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر ولا تركب بالسروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ويركبون عرضا من جانب واحد لما روى ابن عمر أن مر كان يكتب إلى عماله يأمرهم أن يجعل أهل الكتاب المناطق في أوساطهم وأن يركبوا الدواب عرضا على شق (الشرح) أثر عبد الرحمن بن غنم حين صالح عمر نصارى الشام سبق تخريجه آثار (أن نجز مقادم رؤوسنا..) أن مروا نساء أهل الاديان..) (أن لا نتشبه بالمسلمين..) (ولا نركب السروج..) أخرج أبو عبيد في كتاب الاموال عن نافع عن أسلم أن عمر أم ر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم، وأن يركبوا على الاكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمين، وأن لا يوثقوا كما يوثق المسلمون) وقال الحافظ في التلخيص (وأن يوثقوا المناطق) وروى البيهقى عن عمر أنه كتب إلى أمراء الاجناد أن يختموا رقاب أهل الذمة بخاتم الرصاص وأن تجز نواصيهم وأن تشد المناطق، ورواه أبو يوسف في كتاب الخراج. قوله (أخذوا بلبس الغيار) بالفتح وهو الاسم، وأما الغيار بالكسر فهو المصدر كالفخار وقال الصنعانى في تكملته: الغيار بالكسر علامة أهل الذمة كالزنار وعلامة المجوس، جعله اسما كالشعار والدثار قوله (الطيلسان) هو الرداء يشتمل به الرجل على كتفيه ورأسه وظهره، وقد يكن مقورا.

وقوله (ركبوها على الاكف) هو جمع إكاف آلة تجعل على الحمار يركب عليها بمزلة السرج، قال كالبرذون المشدود بالاكف، يقال إكاف ووكاف. ويلجئون إلى أضيق الطرق، أي يضطرون، يقال ألجأته إلى الشئ اضطررته إليه قال الحنابلة: ويمنعون من ركوب الخيل وحمل السلاح ومن احداث الكنائس ومن بناء ما اندهم منها ومن إظهار المنكر والعيد والصليب وضرب الناقوس ومن الجهر بكتابهم، ومن الأكل والشرب نهار رمضان، ومن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. وقال أبو يوسف في الخراج: وينبغى مع هذا أن تختم رقابهم في وقت جباية رؤوسهم حتى يفرع من عرضهم، ثم تكسر الخواتيم كما فعل بها عثمان بن حفيف ان سألوا كسرها، وأن يتقدم في أن لا يترك أحد منهم يتشبه بالمسلمين في لباسه ولا في مركبه ولا في هيئته، ويؤخذون بأن يجعلوا في أوساطهم الزنارات مثل الخيط الغليظ يعقده في وسطه كل واحد منهم، وبأن تكون قلانسهم مضربة وأن يتخذوا على سروجهم في موضع القرابيس مثل الرمانة من خشب، وبأن يجعلوا شراك نعالهم مثنية ولا يحذوا حذوا المسلمين، وتمنع نساؤهم من ركوب الرحائل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يبدءون بالسلام ويلجئون إلى أضيق الطرق لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها) ولا يصدرون في المجالس لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولان في تصديرهم في المجالس إعزازا لهم وتسوية بينهم وبين المسلمين في الاكرام فلم يجز ذلك. (فصل) ويمنعون من إحداث بناء يعلو بناء جيرانهم من المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم (الاسلام يعلو ولا يعلى) وهل يمنعون مساواتهم في البناء

فيه وجهان (أحدهما) أنهم لا يمنعون لانه يؤمن أن يشرف المشرك على المسلم (والثانى) أنهم يمنعون، لان القصد ان يعلو الاسلام، ولا يحصل ذلك مع المساواة، وإن ملكوا دارا عالية أقروا عليها، وان كانت أعلى من دور جيرانهم لانه ملكها على هذه الصفة، وهل يمنعون من الاستعلاء في غير محلة المسلمين؟ فيه وجهان (أحدهما) أنهم لا يمنعون لانه يؤمن مع البعد أن يعلو على المسلمين (والثانى) أنهم يمنعون في جميع البلاد لانهم يتطاولون على المسلمين (فصل) ويمنعون من اظهار الخمر والخنزير وضرب النواقيس والجهر بالتوراة والانجيل وإظهار الصليب واظهار أعيادهم ورفع الصوت على موتاهم، لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر رضى الله عنه على نصارى الشام شرطنا أن لا نبيع الخمور ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا الا ضربا خفيا، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شئ من حضرة المسلمين، ولا نخرج شعانيننا ولا باعوثنا ولا نرفع أصواتنا على موتانا. (فصل) ويمنعون من احداث الكنائس والبيع والصوامع في بلاد المسلمين لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه كنيسة) وروى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام (انكم لما قدمتم عليا شرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها دبرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب، وهل يجوز اقرارهم على ما كان منها قبل الفتح ينظر فيه فإن كان في بلد فتح صلحا واستثنى فيه الكنائس والبيع جاز اقرارهما لانه إذا جاز أن يصالحوا على أن لنا النصف ولهم النصف جاز أن يصالحوا على أن لنا البلد الا الكنائس والبيع. وان كان في بلد فتح عنوة أو فتح صلحا ولم تستثن الكنائس والبيع ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز كما لا يجوز اقرار ما أحدثوا بعد الفتح (والثانى) أنه يجوز لانه لما جاز اقرارهم على ما كانوا عليه من الكفر جاز اقرارهم على ما يبنى للكفر، وما جاز تركه من ذلك في دار الاسلام إذا انهدم

فهل يجوز إعادته؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو قول ابى سعيد الاصطخرى وأبى على بن أبى هريرة أنه لا يجوز لما روى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تبنى الكنيسة في دار الاسلام ولا يجدد ما خرب منها. وروى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر بن الخطاب على نصارى الشام: ولا يجدد ما خرب منها، ولانه بناء كنيسة في دار الاسلام فمنع منه كما لو بناها في موضع آخر. (والثانى) أنه يجوز لانه لا جاز تشييد ما تشعب منها جاز إعادة ما انهدم وإن عقدت الذمة في بلد لهم ينفردون به لم يمنعوا من إحداث الكنائس والبيع والصوامع ولا من إعادة ما خرب منها، ولا يمنعون من إظهار الخمر والخنزير والصليب وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والانجيل وإظهار مالهم من الاعياد ولا يؤخذون بلبس الغيار وشد الزنانير لانهم في دار لهم فلم يمنعوا من إظهار دينهم فيه. (الشرح) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها) متفق عليه. وعن أَنَسٌ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فقولوا وعليكم، متفق عليه، وفى رواية لاحمد (فقولوا عليكم) بغير واو وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: إن اليهود إذا سلم أحدهم إنما يقول السام عليكم فقل عليك) متفق عليه، وفى رواية لاحمد ومسلم (وعليك) بالواو. وعن عائشة قالت: دخل رهط من اليهود عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال السام عليك. قالت عائشة ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة، قالت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الامر كله، فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ فقال قد قلت وعليكم، متفق عليه

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنى راكب غدا إلى يهود فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم. رواه أحمد أثر عبد الرحمن بن غنم (أن نوقر المسلمين) سبق تخريجه حديث (الاسلام يعلو) أخرجه الدارقطني من حديث عائذ المزني وعلقه البخاري، ورواه الطبراني في الصغير من حديث عمر مطولا في قصة الضب، وإسناده ضعيف جدا. أثر عبد الرحمن بن غنم (أن لا نبيع الخمور) سبق تخريجه أثر ابن عباس (كل مصر مصره المسلمون لا تبنى فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه ناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير) رواه البيهقى وفى اسناده حنش وهو ضعيف. أثر عبد الرحمن بن غنم سبق تخريجه أثر عمر (لا تبنى الكنيسة) سبق تخريجه أثر عبد الرحمن ((ولا تجددوا ما خرب منها) سبق تخريجه اللغة. قوله (ولا يصدرون في المجالس) أي لا يجعلون صدورا. وهم السادة الذين يصدر عن أمرهم ونهيهم. قوله (ولا نخرج شعانيننا ولا باعوئنا) قال الزمخشري والخطابى الشعانين عيدهم الاول قبل فصحهم بأسبوع يخرجون لصلبانهم، والباعوث بالعين المهملة ولثاء المثلثة استسقاؤهم يخرجون بصلبانهم إلى الصحراء يستسقون قال وروى ولا باعوثا وجدته مضبوطا بالعين والغين والثاء بثلاث فيهما وأظن النون خطأ تصحيف، قال وهو عيد لهم صولحوا على أن لا يظهروا زيهم للمسلمين فيفتنوهم قوله (ديرا ولا قلاية) قال الخطابى الدير والقلاية متعبداتهم تشبه الصومعة، وروى قلية وروى بتخفيف الياء المعجمة باثنتين من تحتها قال أبو يوسف في الخراج ويمنعوا نم أن يحدثوا بناء بيعة أو كنيسة في المدينة الا ما كانوا صولحوا عليه وصاروا ذمة وهى بيعة لهم أو كنيسة، فما كان كذلك تركت لهم ولم تهدم وكذلك بيوت النيران، ويتركون يسكونون في أمصار

المسلمين وأسواقهم يبيعون ويشترون، ولا يبيعون خمرا ولا خنزيرا ولا يظهرون الصلبان في الامصار ولتكن فلانسهم طوالا مضربة. قالت الحنابلة ويمنعون من تعلية البناء على المسلمين ويحرم القيام لهم وتصديرهم في المجالس وبداء تهم بالسلام وبكيف أصبحت أو أمسيت أو كيف أنت أو حالك وتحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم، وروى حديث أبى هريرة، وما عدا السلام مما ذكر في معناه فقس عليه، وعنه تجوز عيادتهم لمصلحة راجحة كرجاء السلام اختاره الشيخ تقى الدين والآجري، وصوبه في الانصاف. ومن سلم على ذمى ثم علمه سن قوله رد على سلامى لان ابن عمر مر على رجل فسلم عليه، فقيل له إنه كافر، فقال رد على ما سلمت عليك، فرد عليه فقال أكثر الله مالك وولدك ثم التفت إلى أصحابه فقال أكثر للجزية. وإن سلم الذمي لزم رده فيقال وعليكم، لحديث أبى بصرة قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إنا غادون فلا تبدأوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم) وعن أنس قال (نهينا أو أمرنا أن لا نزيد أهل الذمة على (وعليكم) رواه أحمد. وإن شمت كافر أجابه يهديك الله، وكذا إن عطس الذمي لحديث أبى موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم برحمكم الله فكان يقول لهم يهديكم الله ويصلح بالكم، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه وتكره مصافحته قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب على الامام الذب عنهم ومنع من يقصدهم من المسلمين والكفار واستنقاذ من أسر منهم، واسترجاع ما أخذ من أموالهم، سواء كانوا مع المسلمين أو كانوا منفردين عنهم في بلد لهم، لانهم بدلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم، فإن لم يدفع حتى مضى حول لم تجب الجزية عليهم لان الجزية للحفظ وذلك لم يوجد لم يجب ما في مقابلته كما لا تجب الاجرة إذا لم يوجد التمكين من المنفعة، وإن أخذ منهم خمر أو خنزير لم يجب استرجاعه لانه يحرم فلا يجوز اقتناؤه في الشرع فلم تجب المطالبة به

(فصل) وإن عقدت الذمة بشرط أن لا يمنع عنهم أهل الحرب فظرت فإن كانوا مع المسلمين أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان طريقهم على المسلمين لم يصح العقد لانه عقد على تمكني الكفار من المسلمين فلم يصح، وإن كانوا منفردين عن المسلمين في موضع ليس لاهل الحرب طريق على المسلمين صح العقد لانه ليس فيه تمكين الكفار من المسلمين، وهل يكره هذا الشرط؟ قال الشافعي رضى الله عنه في موضع يكره، وقال في موضع لا يكره، وليست المسألة على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين، فالموضع الذى قال يكره إذا طلب الامام الشرط، لان فيه اظهار ضعف المسلمين، والموضع الذى قال لا يكره إذا طلب أهل الذمة الشرط لانه ليس فيه اظهار ضعف المسلمين، وإن أغار أهل الحرب على أهل الذمة، وأخذوا أموالهم ثم ظفر الامام بهم واسترجع ما أخذوه من أهل الذمة وجب على الامام رده عليهم، وان أتلفوا أموالهم أو قتلوا منهم لم يضمنوا لانهم لم يلتزموا أحكام المسلمين، وان أغار من بيننا وبينهم هدنة على أهل الذمة وأخذوا أموالهم وظهر بها الامام واسترجع ما أخذوه وجب رده على أهل الذمة، وان أتلفوا أموالهم وقتلوا منهم وجب عليهم الضمان لانهم التزموا بالبدنة حقوق الآدميين، وان نقصوا العهد وامتنعوا في ناحية ثم أغاروا على أهل الذمة وأتلفوا عليهم أموالهم وقتلوا منهم ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب عليهم الضمان (والثانى) لا يجب كالقولين فيما يتلف أهل الردة إذا امتنعوا وأتلفوا على المسلمين أموالهم أو قتلوا منهم (الشرح) قوله (ويجب على الامام) قالت الحنابلة (ويحرم قتال أهل الذمة وأخذ مالهم ويجب على الامام حفظهم ومنع من يؤذيهم) لانهم انما بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال (انما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا. وقال الكاسانى الحنفي في البدائع: وأما بيان حكم العقد فنقول وبالله التوفيق أن لعقد الذمة أحكاما منها عصمة النفس لقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون

بالله إلى قوله عز وجل حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) نهى سبحانه وتعالى إباحة لقتال إلى غاية قبول الجزية ز، وإذا انتهت الاباحة تثبت العصمة ضرورة، ومنها عصمة المال لانها تابعة لعصمة النفس. وعن على رضى الله عنه وذكر نفس الاثر السابق. قلت وان الاجماع منعقد عليه هذا، وخير ما أختم لك به ما ذكره الامام رشيد في تفسيره، وإذا كان من المسلم الثابت أن المرتزق والمتطوع سيان في الحقوق الكلية التى تمنح العسكر كان من الحق الواضح أن يعفى المسلمون كلهم من ضريبة الجزية، أما أهل الذمة فما كان يحق للاسلام أن يجيرهم على مباشرة القتال في حال من الاحوال بل الامر بيدهم ان رضوا بالقتال عن أنفسهم وأموالهم عفوا عن الجزية، وان أبوا أن يخاطروا بالنفس فلا أقل من أن يسامحوا بشئ من المال وهى الجزية، ولعلك تطالبني بإثبات بعض القضايا المنطوية في هذا البيان، أي أثبات أن الجزية ما كانت تؤخذ من الذميين الا للقيام بحمايتهم والمدافعة عنهم، وان الذميين لو دخلو في الجند أو تكفلوا أمر الدفاع لعفوا عن الجزية، فإن صدق ظنى فاصغ إلى الروايات التى تعطيك الثلج في هذا الباب وتحسم مادة القيل والقال (قلت وسنكتفى بواحدة كوعدنا مع الناشر) منها ما كتب خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا حينما دخل الفرات وأوغل فيها، وهذا نصه: هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه (انى عاهدتكم على الجزية والمنعة وما منعناكم (أي حميناكم) فلنا الجزية والا فلا؟ كتب سنة اثنى عشر في صفر) اللغة. قوله (ويجب على الامام الذب عنهم) هو المنع والدفع عنهم لمن يريد ظلمهم وهلاكهم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان تحاكم مشركان إلى حاكم المسلمين نظرت فإن كان معاهدين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم لقوله عز وجل (فإن جاءوك فاحكم

بينهم أو أعرض عنهم) ولا يختلف أهل العلم أن هذه الآية نزلت فيمن وادعهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يهود المدينة قبل فرض الجزية، وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه. وإن دعا الحاكم أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور، وإن كانا ذميين نظرت فإن كان على دين واحد ففيه قولان (أحدهما) أنه بالخيار بين أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم، لانهما كافران فلا يلزمه الحكم بينهما كالمعاهدين، وإن حكم بينهما لم يلزمهما حكمه، وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لم يلزمه الحضور. والقول الثاني أنه يلزمه الحكم بينهما، وهو اختيار المزني لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولانه يلزمه دفع ما قصد كل واحد منهما بغير حق فلزمه الحكم بينهما كالمسلمين، وان حكم بينهما لزمهما حكمه، وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لزمه الحضور، وإن كانا على دينين كاليهودي والنصراني ففيه طريقان (أحدهما) أنه على القولين كالقسم قبله، لانهما كافران فصارا كما لو كانا على دين واحد. (والثانى) قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يجب الحكم بنهما قولا واحدا لانهما إذا كانا على دين فلم يحكم بينهما تحاكما إلى رئيسهما فيحكم بينهما، وإذا كانا على دينين لم يرض كل واحد منهما برئيس الاخر فيضيع الحق. واختلف أصحابنا في موضع القولين، فمنهم من قال القولان في حقوق الادميين وفى حقوق الله تعالى، ومنهم من قال القولان في حقوق الادميين وأما حقوق الله تعالى فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا، لان لحقوق الادميين من يطالب بها ويتوصل إلى استيفائها فلا تضيع بترك الحكم بينهما، وليس لحقوق الله تعالى من يطالب بها فإذا لم يحكم بينهما ضاعت. ومنهم من قال القولان في حقوق الله تعالى فأما في حقوق الادميين فإنه يجب الحكم بينهما قولا واحدا، لانه إذا لم يحكم بينهما في حقوق الادميين ضاع حقه واستضر، ولا يوجد ذلك في حقوق الله تعالى، فإن تحاكم إليه ذمى ومعاهد ففيه قولان كالذميين وان تحاكم إليه مسلم وذمى أو مسلم ومعاهد لزمه

الحكم بينهما قولا واحدا لانه يلزمه دفع كل واحد منهما عن ظلم الاخر فلزمه الحكم بينهما، ولا يحكم بينهما إلا بحكم الاسلام لقوله تعالى (وأن الحكم بينهم بما أنزل الله) ولقوله تعالى (وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وإن تحاكم إليه رجل وامرأة في نكاح، فإن كانا على نكاح لو أسلما عليه لم يجز إقرارهما عليه كنكاح ذوات المحارم حكم بإبطاله، وإن كانا على نكاح لو اسلمنا عليه جاز إقرارهما عليه حكم بصحته، لان أنكحة الكفار محكوم بصحتها، والدليل عليه قوله تعالى (وقالت امرأة فرعون) فأضاف إلى فرعون زوجته. وقوله تعالى (وامرأته حمالة الحطب) فأضاف إلى ابى لهب زوجته. ولانه أسلم خلق كثير على أنكحة في الكفر فأقروا على أنكحتهم، فإن طلقها أو آلى منها وظاهر منها حكم في الميع بحكم الاسلام (فصل) وإن تزوجها على مهر فاسد وسلم إليها بحكم حاكمهم ثم ترافعا الينا ففيه قولان (أحدهما) يقرون عليه لانه مهر مقبوض فأقرا عليه، كما لو أقبضها من غير حكم (والثانى) أنه يجب لها مهر المثل لانها قبضت عن إكراه بغير حق فصار كما لو لم تقبض. (فصل) ومن أتى من أهل الذمة محرما يوجب عقوبة نظرت فإن كان ذلك محرما في دينه كالقتل والزنا والسرقة والقذف وجب عليه ما يجب على المسلم، والدليل عليه ماروى أنس رضى الله عنه أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حجرين. وروى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم اتى بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما، ولانه محرم في دينه وقد التزم حكم الاسلام بعقد الذمة فوجب عليه ما يجب على المسلم، وإن كان يعتقد إباحته كشرب الخمر لم يجب عليه الحد لانه لا يعتقد تحريمه فلم يجب عليه عقوبة كالكفر، فإن تظاهر به عزر لانه إظهار منكر في دار الاسلام فعزر عليه. (الشرح) حديث أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا؟ فلان أو فلان؟ حتى سمى اليهودي فأومأت برأسها، فجئ به

فاعترف فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه محجرين) رواه الجماعة. وفى رواية لمسلم (فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه وبها رمق) وفى رواية أخرى (قتل جارية من الانصار على حلى لها ثم ألقاها في قطيب ورضخ رأسها بالحجارة فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات) حديث ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رجل وامرأة منهم قد زنيا، فقال ما تجدون في كتابكم؟ فقالا تسخم وجوههما ويخزيان، قال كذبتم إن فيها الرجم، فاءتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاءوا بالتوراة وجاءوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له ارفع يدك، فرفع يده فإذا هي تلوح، فقال أو قالوا يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنانت كاتمه بيننا، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال فلقد رأيته يجنا عليها يقبها الحجارة بنفسه) متفق عليه وفى رواية أخرى (بقارئ لهم أعور يقال له ابن صوريا) وفى رواية لاحمد ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: رجم النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة. وعن البراء بن عازب قال: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذى أنزل التوراة على موسى؟ أهكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ قال لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر أشرافنا وكنا إذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا فلنجتمع على شئ نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إنى أول من أحيا أمرك إذا أماتوه، فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا إلى قوله إن أوتيتم هذا فخذوه) يقولون ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تبارك وتعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال هي في الكفار كلها. رواه أحمد ومسلم وأبو داود

اللغة: التسخيم من السخام وهو سواد القدر. التحميم من الحمه وهى الفحة والآية تدل على فإن جاءوك متحاكمين إليك فأنت مخير بين الحكم بينهم والاعراض عنهم وتركهم إلى رؤسائهم، وقد اختلف العلماء في هذا التخيير أهو خاص بتلك الواقعة وهى حد الزنا هل هو الجلد أو الرجم أو دية القتيل، إذ كان بنو النضير يأذخون دية كاملة على قتلاهم لقوتهم وشرفهم، وبنو قريظة يأخذون نصف دية لضعفهم، وقد تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الدية سواء أم هو خاص بالمعاهدين دون أهل الذمة وغيرهم، أم الاية عامة في جميع القضايا من جميع الكفار عملا بقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والمرجح المختار أن التخيير خاص بالمعاهدين دون أهل الذمة وقال القرطبى في الجامع: إذا ترافع أهل الذمة إلى الامام، فإن كان ما رفعوه ظلما كالقتل والعدوان والغصب حكم بينهم ومنعه منه بلا خلاف، وأما إذا لم يكن كذلك فالامام مخير في الحكم بينهم، وتركه عند مالك والشافعي، غير أن مالكا رأى الاعراض عنهم أولى، فإن حكم حكم بينهم بحكم الاسلام قال الشافعي لايحم بينهم في الحدود، وقال أبو حنيفة يحكم بينهم على كل حال، وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والحكم وروى عن ابن عباس وهو أحد قولى الشافعي لقوله تعالى (وأن احكم بينهم) واحتج مالك بقوله تعالى (فإن جاءوك) وهو نص في التخيير، قال ابن القاسم والزائيان فالحاكم مخير، لان إنفاذ الحكم حق للاساقفة، والمخالف يقول لا يلتفت إلى الاساقفة. قال ابن العربي وهو الاصح، وقال عيسى عن ابن القاسم لم يكونوا أهل ذمة إنما كانوا أهل حرب، وهذا الذى قاله عيسى عنه انما نزع به لما رواه الطبري وغيره أن الزانيين كانا من أهل خيبر أو فدك، وكانوا حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة يقولون لهم اسألوا محمدا عن هذا فإن أفتاكم بغير الرجم فخذوه منه واقبلوه، وان افتاكم به فاحذروه. قال ابن العربي: وهذا لو كان صحيحا لكان مجيئهم بالزانيين وسؤالهم عهدا

وأمانا، وإن لم يكن عهد وذمة ودار لكان له حكم الكف عنهم والعدل فيهم، فلا حجة لرواية عيسى في هذا. وقال الشوكاني في النيل: وحديث أنس يدل على أنه يقتل الرجل بالمرأة، واليه ذهب المجهور. وحكى ابن المنذر الاجماع عليه إلا رواية عن على وعن الحسن البصري وعطاء، ورواه البخاري عن أهل العلم، وروى في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية، وقد رواه أيضا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجى والخطابى. وحكى هذا القول عن صاحب الكشاف، وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التى ذكرها الزمخشري وهم محض، قال ولا يوجد في كتب المذهبين يعنى مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالانثى وقال في مكان آخر: حديث ابن عمر يدل على أن حد الزنا يقام على الكافر كما يقام على المسلم. وقد حكى صاحب البحر الاجماع على أنه يجلد الحربى، وأما الرجم فذهب الشافعي وأبو يوسف والقاسيمة إلى أنه يرجم المحصن من الكفار، وذهب أبو حنيفة ومحمد وزيد بن على والناصر والامام يحيى إلى أنه يجلد ولا يرجم، قال الامام يحيى: والذمى كالحربي في الخلاف، وقال مالك لاحد عليه وأما الحربى المستأمن فذهبت العترة والشافعي وأبو يوسف إلى أنه يحد، وذهب مالك وأبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا يحد، ووقد بالغ ابن عبد البر فنقل الاتفاق على شرط الاحصان الموجب للرجم هو الاسلام، وتعقب بأن الشافعي وأحمد لا يشترطان ذلك ومن جملة من قال بأن الاسلام شرط ربيعة شيخ مالك وبعض الشافعية، ثم قال: ومن غرائب التعصبات ما روى عن مالك أنه قال انما رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودين، لان اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إذا أقام الحد على من لا ذمة له فلان يقيمه على من له ذمة بالاولى كذا قال الطحاوي.

وقال القرطبى معترضا على قول مالك: إن مجئ اليهود سائلين له صلى الله عليه وسلم يوجب لهم عهد، كما لو دخلوا للتجارة فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم، ثم قال ومن جملة ما تمسك به من قال ان الاسلام شرط حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا (من أشرك بالله فليس بمحصن) ورجح الدارقطني وغيره الوقف قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا امتنع الذمي من التزام الجزية أو امتنع من التزام أحكام المسلمين انتقض عهده، لان عقد الذمة لا ينعقد إلا بهما فلم يبق دونهما، وإن قاتل المسلمين انتقض عهده، سواء شرط عليه تركه في العقد أو لم يشرط، لان مقتضى عقد الذمة الامان من الجانبين، والقتال ينافى الامان فانتقض به العهد، وان فعل ما سوى ذلك نظرت فإن كان مما فيه اضرار بالمسلمين فقد ذكر الشافعي رحمه الله تعالى ستة أشياء، وهو أن يزنى بمسلمة أو يصيبها باسم النكاح، أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع عليه الطريق أو يؤوى عينا لهم أو يدل على عوراتهم، وأضاف إليه أصحابنا أن يقتل مسلما، فإن لم يشرط الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض عهده لبقاء ما يقتضى العقد من التزام أداء الجزية والتزام أحكام المسلمين والكف عن قتالهم. وان شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه وجهان: (أحدهما) أن هـ لا ينتقض به العقد، لانه لا ينتقض به العهد من غير شرط فلا ينتقض به مع الشرط، كإظهار الخمر والخنزير وترك الغيار (الثاني) أنه ينتقض به العهد لما روى أن نصرانيا استكره امرأة مسلمة على الزنا فرفع إلى أبى عبيدة بن الجراح فقال: ما على هذا صالحنا كم، وضرب عنقه، ولان عقوبة هذه الافعال تستوفى عليه من غير شرط فوجب أن يكون لشرطها تأثير، ولا تأثير الاما ذكرناه من نقض العهد، فإن ذكر الله عز وجل أو كتابه أو ذَكَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ دينه بما لا ينبغى فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق في حكمه حكم الثلاثة، الاولى وهى الامتناع من

التزام الجزية والتزام أحكام المسلمين والاجتماع على قتالهم، وقال عامة أصحابنا حكمه حكم ما فيه ضرر بالمسلمين، وهى الاشياء السبعة ان لم يشترط في العقد الكف عنه لم ينقض العهد، وان شرط الكف عنه فعلى الوجهين، لان في ذلك اضرارا بالمسلمين لما يدخل عليهم من العار فألحق بما ذكرناه مما فيه اضرار بالمسلمين ومن أصحابنا من قال: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قتله، لما روى أن رجلا قال لعبد الله بن عمر سمعت راهبا يشتم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لو سمعته لقتلته، انا لم نعطه الامان على هذا وان أظهر من منكر دينهم ما لاضرر فيه على المسلمين كالخمر والخنزير وضرب الناقوس والجهر بالتوراة والانجيل وترك الغيار لم ينتقض العهد، شرط أولم بشرط، واختلف أصحابنا في تعليله، فمنهم من قال لا ينتقض العهد لانه اظهار مالا ضرر فيه على المسلمين، ومنهم من قال ينتقض لانه اظهار ما يتدينون به وإذا فعل ما ينتقض به لعهد ففيه قولان (أحدهما) أنه يرد إلى مأمنه لانه حصل في دار الاسلام بأمان فلم يجز قتله قبل الرد إلى مأمنه كما لو دخل دار الاسلام بأمان صبى (والثانى) وهو الصحيح أنه لا يجب رده إلى مأمنه، لان أبا عبيدة بن الجراح قتل النصراني الذى استكره المسلمة على الزنا ولم يرده إلى مأمنه ولانه مشرك لا أمان له فلم يجب رده إلى مأمنه كالاسير، ويخالف من دخل بأمان الصبى، لان ذلك غير مفرط لانه اعتقد صحة عقد الامان فرد إلى مأمنة وهذا مفرط لانه نقص العهد فلم يرد إلى ما مأمنه، فعلى هذا يختار الامام ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء، كما قلنا في الاسير (الشرح) أثر (أن نصرانيا استكره) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى بلفظ (عن سويد بن غفلة كنا مع عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطى مضروب مشيجح، فغضب غضبا شديدا، فقال لصهيب انظر من صاحب هذا، فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الاشجعى، فقال له ان أمير المؤمنين قد غضب غضبا شديدا، فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك

إلى أمير المؤمنين فإنى أخاف عليك بادرته، فجاء معه معاذ فلما انصرف عمر من الصلاة قال أبن صهيب؟ فقال أنا هذا يا أمير المؤمنين، فقال أجئت بالرجل الذى ضربه؟ قال نعم، فقام إليه معاذ بن جبل فقال يا أمير المؤمنين إنه عوف ابن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه، فقال له عمر مالك ولهذا، قال يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى، قال ائتنى بالمراة لتصدقك، فأتى عوف المرأة فذكر بالذى قال له عمر رضى الله عنه، قال أبوها وزوجها ما أردت بصاحبتنا فضحتها، فقالت المرأة والله لاذهبن معه إلى أمير المؤمنين، فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال، قال فقال عمر لليهودي والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب، ثم قال يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له. قال سويد به غفلة وإنه لاول مصلوب رأيته. أثر (أن رجلا قال لعبد الله بن عمر سمعت راهبا يشتم) رواه البيهقى بلفظ (أن عرفة بن الحارث الكندى مر به نصراني فدعاه إلى الاسلام فتناول النبي صلى الله عليه وسلم وذكره فرفع عرفة يده فدق أنفه، فرفع إلى عمر وبن العاص فقال عمرو أعطيناهم العهد، فقال عرفة معاذ الله أن نكون أعطيناهم على أن يظهروا شتم النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطيناهم على أن نخلى بينهم وبين كنائسهم يقولون فيها ما بدا لهم وأن لا نحملهم ما لا يطيقون وإن أرادهم عدو قاتلتاهم من ورائهم ونخلى بينهم وبين أحكامهم إلا أن يأتوا راضين بأحكامنا، فنحكم بينهم بحكم الله وحكم رسوله، وإن غيبوا عنا لم نعرض لهم فيها. قال عمرو صدقت. وروى أبو داود والنسائي (عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فنهاها فلا تنهى، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فجمله في بطنها واتكا عليه فقتلها، فلما أصبح ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لى عليه حق إلا قام، فقام الاعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا رسول الله

أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنها ها فلا تنهى وأزجرها فلا تنزجر ولى منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بى رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا اشهدوا أن دمها هدر وروى أبو داود من طريق آخر عن على أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذمتها) اللغة: المغول بالغين المعجمة قال الخطابى شبيه المشمل نصله دقيق ماضن وكذلك قال غيره هو سيف رقيق له قفا يكون غمده كالسيوط، واشتقاق المغول من غاله الشئ واغتاله إذا أخذه من حيث لم يدر قوله (إذا امتنع الذمي) قالت الحنابلة ومن أبى من أهل الذمة بذل الجزية أو أبى الصغار، أو أبى التزام أحكامنا انتقض عهده، أو زنى بمسلمة أو أصابها بنكاح انتقض عهده، نص عليه لما روى عن عمر (أنه رفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنى، فقال ما على هذا صالحناكم، فأمر به فصلب في بيت المقدس أو قطع الطريق، أو ذكره الله تعالى أو رسوله بسوء أو ذكر كتابه أو دينه بسوء، نص عليه لما روى أنه قيل لابن عمران راهبا يشتم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ سمعته لقتلته انا لم نعط الامان على هذا، أو تعدى على مسلم يقتل أو فتنه عن دينه انتقض عهده لانه ضرر يعم المسلمين، أشبه مالو قاتلهم. ومثل ذلك ان تجسس أو أوى جاسوسا، ويخير الامام فيه كالاسير الحربى بين رق وقتل ومن وفداء، لانه كافر لا أمان له قدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولاعهد وما له فئ ولا ينقض عهد نسائه وأولاده، فإن أسلم حرم قتله ولو كان سب النبي صلى الله عليه وسلم، لعموم حديث الاسلام يجب ما قبله، وقياسا على الحربى إذا سبه صلى الله عليه وسلم ثم تاب بإسلام قبلت توبته اجماعا قال في الفروع وذكر ابن أبى موسى أن ساب الرسول يقتل ولو أسلم، اقتصر عليه في المستوعب. وذكره ابن البنا في الخصال قال الشيخ تقى الدين وهو الصحيح من المذهب ونقل ابن المنذر الاتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وجب

قتله ونقل أبو بكر الفارسى أحد ائمة الشافعية في كتاب الاجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لان حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة، وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالاسلام. وقال الصيدلانى يزول القتل ويجب حد القذف. قال الخطابى لاأعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما، وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه منهم إلا أن يسلم، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة، ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهود نحوه وحكى عن عياض هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف، ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لانهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه، وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم، وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذى لا بد منه، ولذلك قال في الرد عليهم وعليكم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به، أشار إلى ذلك القاضى عياض واحتج الطحاوي لاصحابه بحديث أنس الذى فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتل من كانوا يقولون له السام عليك، وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة، وأما صدوره من اليهودي فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن دمائهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لو يقتلوا لان من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل، فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا، بدليل انه يقتل به ولو أسلم، ولو سب ثم أسلم لم يقتل.

ومسك الختام أورد لك بعض ما ذكره الامام المناضل شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابة الصارم المسلول على شاتم الرسول (طبعة الهندسة 1322 هـ) فيقول (فصل) في إيراد السنن والاحاديث الدالة على حكم شاتم النبي صلى الله عليه وسلم فيورد حديث شعبة السابق الاشارة إليه، وقال رواه أبو دود وابن بطة في سننه وهو من جملة ما استدل به الامام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وذكره بألفاظ متقاربة، ثم ذكر حديث ابن عباس وقال: سئل الامام أحمد في قتل الذمي إذا سب أحاديث؟ قال نعم، منهم حديث الاعمى الذى قتل المرأة، قال سمعها تشتم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الثالث فقال: ما احتج به الشافعي على أن الذمي إذا سب قتل وبرئت منه الذمة، وهو قصة كعب بن الاشرف اليهودي، قلت وهى في الصحيحين. قال الخطابى، قال الشافعي يقتل الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم وتبرأ منه الذمة واحتج في ذلك بخبر ابن الاشرف. وكان بودى أن أسير شوطا طويلا مع هذا الامام العظيم وأسرد لك ما ذكره في كتابه المذكور لولا الخوف من الاطالة وتنبيه الناشر بالاقتصار على أقل القليل حتى لا يخرج الكتاب عن الحيز المرسوم له، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى الصارم. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يمكن مشرك من الاقامة في الحجاز، قال الشافعي رحمه الله هي مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، قال الاصمعي سمى حجازا لانه حاجز بين تهامة وتجد، والدليل عليه ما روى ابن عباس رضى الله عنه قال (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وأراد الحجاز والدليل عليه ما روى أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قال (آخر ما تكلم بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب وروى ابن عمر أن عمر رضى الله عنه أجلى اليهود والنصارى من الحجاز

ولم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلى من كان باليمن من أهل الذمة، وإن كانت من جزيرة العرب، فإن جزيرة العرب في قول الاصمعي من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام في العرض، وفى قول أبى عبيدة ما بين حفر أبى موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول وما بين النهرين إلى السماوة، وفى العرض قال يعقوب حفر أبى موسى على منازل من البصرة من طريق مكة على خمسة أو ستة منازل، وأما نجران فليست من الحجاز ولكن صالحهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن لا يأكلوا الربا فأكلوا ونقضوا العهد فأمر بإجلائهم فأجلاهم عمر، ويجوز تمكينهم من دخول الحجاز لغير الاقامة، لان عمر رضى الله عنه أذن لمن دخل منهم تاجرا في مقام ثلاثة أيام ولا يمكنون من الدخول بغير إذن الامام، لان دخولهم إنما أجيز لحاجة المسلمين، فوقف على رأى الامام، فإن استأذن في الدخول فن كان للمسلمين فيه منفعة بدخولة لحمل ميرة أو أداء رسالة أو عقد ذمة أو عقد هدنة أذن فيه، لان فيه مصلحة للمسلمين، فإن كان في تجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يؤذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارتهم شيئا، لان عمر رضى الله عنه أمر أن تؤخذ من أنباط الشام من حمل القطنية من الحبوب العشر ومن حمل الزيت والقمح نصف العشر ليكون أكثر للحمل، وتقدير ذلك إلى رأى الامام، لان أخذه باجتهاده فكان تقديره إلى رأيه، فإن دخل للتجارة فله أن يقيم ثلاثة أيام ولا يقيم أكثر منها لحديث عمر رضى الله عنه، ولانه لا يصير مقيما بالثلاثة ويصير مقيما بما زاد. وإن أقام في موضع ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر وأقام ثلاثة أيام، ثم كذلك ينتقل من موضع إلى موضع ويقيم في كل موضع ثلاثة أيام جاز، لانه لم يصر مقيما في موضع، ولا يمنع من ركوب بحر الحجاز، لانه ليس بموزضع للاقامة، ويمنع من المقام في سواحله والجزائر المسكونة فيه لانه من بلاد الحجاز وإن دخل لتجارة فمرض فيه ولم يمكنه الخروج أقام حتى يبرأ لانه موضع ضرورة وان مات فيه وأمكن نقله من غير تغير لم يدفن فيه لان الدفن إقامة على التأييد وان خيف عليه التغير في النقل عنه لبعد المسافة دفن فيه لانه موضع ضرورة.

(الشرح) حديث ابن عباس (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، رواه البخاري عن قتيبه وغيره، ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره بلفظ سمعت ابن عباس رضى الله عنه يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى ثم قال: اشتد وجع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اثتونى أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعد أبدا فتتنازعوا ولا ينبغى عند نبى تنازع، فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأمرهم بثلاث، فقال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوقد بنحو مما كنت أجيزهم. والثالثة نسيتها) حديث أبى عبيدة بن الجراح (آخر ما تكلم بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البيهقى في السنن الكبرى وأحمد بلفظ عن أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قال: آخر ما تكلم بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شر الناس الذين اتخذوا قبورهم مساجد) وروى مسلم وأحمد والترمذي عن عمر بن الخطاب قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (لئن عشت لاخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها الا مسلما) أثر ابن عمر: روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لما فدعت بخيبر قام عمر رضى الله عنه خطيبا في الناس فَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامل يهود خيبر على أموالها وقال نقركم ما أقركم الهل، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه في الليل ففدعت بداه وليس لنا عدو هناك غيرهم وهم تهمئنا وقد رايت اجلاءهم فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بنى أبى الحقيق فقال يا أمير المؤمنين تخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الاموال وشرط ذلك لنا، فقال عمر رضى الله عنه أظننت أنى نسيت قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَيْفَ بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلو صك ليلة بعد ليلة، فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك) ومن طريق آخر عن ابن عمر أن عمر رضى الله عنه أجلى اليهود والنصارى

من أرض الحجاز وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الارض إذا أظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فسأل اليهود رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يقرهم بها على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقركم على ذلك ما شئنا، فأقروا بها وأجلاهم عمر رضى الله عنه في إمارة إلى تيماه واريحا حديث (صالحهم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن لا يأكلوا الربا) سبق تخريجه. أثر (لان عمر رضى الله عنه أذن) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضرب اليهود والنصارى والمجوس بالمدينة اقامة ثلاثة أيام يتسوقون بها ويقضون حوائحهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال أثر عمر (أن عمر رضى الله عنه أمر أن تؤخذ من أنباط الشام) رواه البيهقى في السنن الكبرى عن سالم عن أبيه أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر. اللغة قوله (جزيرة العرب) سميت جزيرة لان البحرين، بحر فارس وبحر الحبشة والرافدين قد أحاطت بها والرافدان دجلة والفرات، قال ووليت العراق ورافديه * فزاريا أجذيد القميص قوله (ريف العراق) حيث المزارع ومواضع الخصب منها قوله (إلى أطرار الشام) الجوهرى، أطرار الشام أطرافها. وحفر أبى موسى ركايا احتفرها بطريق مكة من البصرة بين ماوية والنجشانيات، وكان لا يوجد بها قطرة ماء، ولها حكاية والميرة الطعام الذى يمتاره الانسان أي يجئ به من بعد، يقال مار أهله يميرهم إذا حمل إليهم الميرة، قال الله تعالى (ونمير أهلنا) وأنباط الشام قوم من العجم. والقطنية بكسر القاف هو ما سوى الطعام كالعدس واللوبيا والحمص وما شاكله. وقيل الكلام في الفقه أورد لك ما ذكره البيهقى تحت باب ما جاء في تفسير

أرض الحجاز وجزيرة العرب (أولا) قال سعيد بن العزيز: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر (ثانيا) قال أبو عبد الرحمن يعنى المقرى جزيرة العرب من لدن القادسية إلى لدن قعر عدن إلى البحرين. (ثالثا) قال مالك عمر أجلى أهل نجران ولم يجلوا من تيماء لانها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي فإنى أرى انما لا يجلى من فيها من اليهود انهم لم يروها من أرض العرب. (رابعا) قال الشافعي والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها. وفى رواية أخرى وليست اليمن بحجاز وأما ما ذكره ياقوت في المعجم في الجزء الاول طبعة بيوت سنة 1374 هـ في ذكر الاقاليم السبعة داخل دائرة الثاني، الحجاز حدة مما يلى مصر وعدن أبين واليمن وبادية العرب وبلاد الجزيرة بين نهرى الفرات ودجلة إلى أرض لثعلبية مما يلى العراق. وقال في الجزء 20 في كلمة يمن يفصل بينها وبين باقى جزيرة العرب خط يأخذ من حدود عمان ويبربن إلى حد ما بين اليمن واليمامة فإلى حدود الهجيرة وتثليث وكثبة وجرش منحدرا في السراء إلى شعف عنيز وشعف الجبل أعلاه إلى تهامة إلى أم جحدم إلى البحر يقال له كرمل بالقرب من حمضة، وذلك حد ما بين كنانة واليمن من بطن تهامة. (قلت أنا) وهو لياقوت هذا الخط من البحر الهندي إلى البحر اليمنى عرضا في البرية من الشرق إلى جهة الغرب. الخ الحجاز وحده ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة الشريفة قيل نصفها تهامى ونصفها حجازى وقيل كلها حجازى. وقال الكلبى حد الحجاز ما بين جبل طئ وطريق العراق، وسمى الحاجز حجاز لانه حجز بين تهامة ونجد، وقيل لانه حجز بين نجد والسراه، وقيل لانه حجز بين نجد وتهامة والشام قال الحربى (وتبوك من الحجاز) وما بهمنا من هذا أن اليمن تخرج عن أرض الحجاز كما ذكر الامام الشافعي.

وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذى يمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة، قال وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع، على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب قال وعن الحنفية يجوز مطلقا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم المسجدا لحرام للتجارة وقال الشافعي لا يدخلون أصلا إلا بإذن الامام لمصلحة المسلمين اه قال ابن عبد البر في الاستذكار ما لفظه، قال الشافعي جزيرة العرب التى أخرج عمر اليهود والنصارى منها، مكة والمدينة واليمامه ومخاليفها، فأما اليمن فليس من جزيرة العرب. اه قال في البحر (مسألة) ولا يجوز إقرارهم في الحجاز إذا أوصى صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء: إخراجهم من جزيرة العرب، الخبر ونحوه، والمراد بجزيرة العرب في هذه الاخبار مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ووج والطائف وما ينسب اليهما، وسمى الحجاز حجازا لحجزه بين نجد وتهامة. ثم قال في حديث أبى عبيدة (أجلى عمر أهل الذمة من الحجاز فلحق بعضهم بالشام وبعضهم بالكوفة) وأجلى أبو بكر قوما فلحقوا بخيبر، فاقتضى أن المراد الحجاز لا غير اه. وباقى كلام المؤلف في الفصل سبق بيانه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يمكن مشرك من دخول الحرم لقوله عز وجل (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عامهم هذا) والمسجد الحرام عبارة عن الحرم، والدليل عليه قوله عز وجل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام إلى المسجد الاقصى) وأراد به مكة، لانه أسرى به من منزل خديجة. وروى عطاء إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يدخل مشرك المسجد الحرام، فإن جاء رسولا خرج إليه من يسمع رسالته، وإن جاء لحمل ميرة خرج إليه من يشترى منه، وإن جاء ليسلم خرج إليه من يسمع كلامه، وإن دخل ومرض فيه لم يترك فيه، وإن مات لم يدفن فيه، وإن دفن فيه نبش وأخرج منه

للآية، ولانه إذا لم يجز دخوله في حياته فلان لا يجوز دفن جيفته فيه أولى، وإن تقطع ترك، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يأمر بنقل من مات فيه منهم ودفن قبل الفتح، وإن دخل بغير إذن فإن كان عالما بتحريمه عزر، وان كان جاهلا أعلم فإن عاد عزر، وان أذن له في الدخول بمال لم يجز فإن فعل استحق عليه المسمى لانه حصل له المعوض ولا يستحق عوض المثل، وان كان فاسدا، لانه لا أجرة لمثله، والحرم من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن طريق العراق على تسعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على عرفة على سبعة أميال، ومن طريق جدة على عشرة أميال (فصل) وأما دخول ما سوى المسجد الحرام من المساجد فإنه يمنع منه من غير اذن، لما روى عياض الاشعري أن أبا موسى وفد إلى عمر ومعه نصراني فأعجب عمر خطه فقال قل لكاتبك هذا يقرأ لنا كتابا، فقال انه لا يدخل المسجد، فقال لم؟ أجنب هو؟ قال لا، هو نصراني، قال فانتهره عمر، فإن دخل من غير اذن عزر لما روت أم غراب قالت: رأيت عليا كرم الله وجهه على المنبر وبصر بمجوسى فنزل فضربه وأخرجه من باب كندة، فإن استأذن في الدخول، فإن كان لنوم أو أكل لم يأذن له، لانه يرى ابتذاله تدينا فلا نحميه من أقذاره، وان كان لسماع قرآن أو علم فإن كان ممن يرجى إسلامه أذن له لقوله عز وجل (وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ولانه ربما كان ذلك سببا لاسلامه. وقد رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ أخته تقرأ طه فأسلم، وان كان جنبا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يمنع من المقام فيه، لانه إذا منع المسلم إذا كان جنبا فلان يمنع المشرك أولى. (والثانى) أنه لا يمنع لان المسلم يعتقد تعظيمه فمنع، والمشرك لا يعتقد تعظيمه فلم يمنع، وان وفد قوم من الكفار ولم يكن للامام موضع ينزلهم فيه جاز أن ينزلهم في المسجد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزل سبى بنى قريضة والنضير في مسجد المدينة وربط ثمامة بن أثال في المسجد

(الشرح) حديث عطاء لم أعثر على رواية هذا الحديث عن عطاء، والذى رواه البخاري أن أبا هريرة رضى الله عنه قال بعثنى أبو بكر رضى الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وأن لا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الاكبر يوم النحر، وإنما قيل الحج الاكبر من أجل قول الناس الحج الاصغر، فنبذ أبو بكر رضى الله عنه إلى الناس في ذلك العام فلم يحج في العام القابل الذى حج فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع مشرك، وأنزل الله في العام الذى نبذ فيه أبو بكر رضى الله عنه إلى المشركين (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس إلى بعد عامهم هذا) وروى البيهقى عن على قال (أرسلت إلى أهل مكة بأربع لا يطوفن بالكعبة عريان، ولا يقربن بالمسجد الحرام مشرك بعد عامه، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ومن كان له عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فعهده إلى مدته، ومن طريق آخر عن زيد بن يتبع قال، سألنا عليا رضى الله عنه بأى شئ بعثت قال بأربع فذكر هن إلا أنه قال لا يجتمع مسلم ومشرك بعد عامهم هذا في الحج، وزاد ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر أثر عياض سبق للامام النووي تخريجه في أوائل أجزاء المجموع، رواه ابن أبى شيبة والبيهقي أثر على رواه ابن أبى شيبة والبيهقي أثر عمر رواه ابن أبى اسحاق وابن هشام في السيرة والبيهقي حديث أنزل سبى بنى قريظة والنضير في مسجد المدينة سبق تخريجه وروى الطبراني والبيهقي أن وفد ثقيف قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقوبهم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا (أي لا يصلوا) ولا يستعمل عليهم من غيرهم، فقال لا تحشروا ولا تعشروا ولا تجبوا ولا يستعمل عليكم من غيركم، ولا خير في دين ليس فيه ركوع) قلت وفى سنده محمد بن اسحاق وهو مدلس ولكنه عنعنه حديث (وربط ثمامة بن أثال في المسجد) أخرجه البخاري عن

أبى هريرة بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فجاءت برجل من بنى حنيفة يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ من سوارى المسجد فخرج إلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نجل قريب من المسجد فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله) اللغة: وبصر بمجوسى، أي نظر وقيل علم، قال أبو عبيد في قوله تعالى (بصرت بما لم يبصروا به) نظرت من البصر وقال قتادة فطنت من البصيرة وقال مقاتل علمت. قال الهروي: يقال بصر يبصر إذا صار عليما بالشئ فإذا نظرت قلت أبصرت أبصر التجبية: أن يقوم الانسان قيام الراكع، وقيل السجود، والمراد بقولهم انهم لا يصلون، من النهاية لابن الاثير النجل بفتح فسكون الماء النابع من الارض وقد اختلف الفقهاء في دخول غير المشركين من الكفار المسجد الحرام وغيره من المساجد وبلاد الاسلام، فقال البغوي في تفسيره (أراد بالمشركين عبدة الاصنام دون غيرهم من أصناف الكفار، وقيل أراد جميع أصناف الكفار عبدة الاصنام وغيرهم من اليهود والنصارى. ثم قاد والمراد من منعهم من دخول الحرم لانهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد، ثم قال، قال العلماء وجملة بلاد الاسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام (أحدهما) الحرم فلا يجوز لكافر أن بدخله بحال، ذميا كان أو مستأمنا لظاهر الآية، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك، فلو جاء رسول من دار الكفر والامام في الحرم فلا يأذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه بنفسه أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم، وجوز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم. القسم الثاني من بلاد الاسلام الحجاز (وحددها بما سبق الاشارة إليه في الفصل قبله) ثم قال فيجوز للكفار دخول أرض الحجاز بالاذن، ولكن لا يقيمون فيها أكثر من مقام المسافر وهو ثلاثة أيام، وروى الاحاديث في صدر الفصل.

القسم الثالث سائر بلاد الاسلام فيجوز للكافر أن يقيم فيها بعهد وأمان وذمة ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن المسلم وقوله (وأما دخول ما سوى المسجد) قلت ويجوز دخول الكافر المسجد بإذن المسلم لقول عطية بن شعبان قدم وفد ثقيف عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان فضرب لهم قبة في المسجد، فلما اسلموا صاموا معه، أخرجه الطبراني، ولحديث أبى هريرة الذى أسروا فيه ثمامة بن أثال، ولهذا قالت الشافعية يجوز دخول الكافر ولو غير كتابي المسجد بإذن المسلم إلا مسجد مكة وحرمها. قال النووي في المجموع، قال أصحابنا لا يكن كَافِرٌ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فيجوز أن يدخل كل مسجد ويبيت فيه بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ اللَّبْثِ في المسجد فيه وجهان أصحهما يمكن اه وقالت الحنفية ومجاهد يجوز دخول الكتابى دون غيره لِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لايدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم، أخرجه أحمد بسند جيد، وهذا هو الظاهر وقالت المالكية (لا يجوز للكافر دخول مسجد الحل والحرم إلا لحاجة) قال العلامة الصاوى يمنع دخول الكافر المسجد وإن أذن له مسلم إلا لضرورة عمل، ومنها قلة أجرته عن المسلم على الظاهر. اه وقالت الحنبلية (لا يجوز لكافر دخول الحرم مطلقا ولا مسجد الحل إلا لحاجة) قال في كشاف القناع (ولا يجوز لكافر دخول مسجد الحل ولو بإذن مسلم لقوله تعالى (إنما يعمر مساجد الله..) ويجوز دخول مساجد الحل للذمي والمعاهد والمستأمن إذا استؤجر لعمارتها لانه لمصلحتها اه وقال عمر بن عبد العزيز وقتادة والمزنى (لا يجوز دخوله مطلقا) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يمكن حربى من دخول دار الاسلام من غير حاجة، لانه لا يؤمن كيده، ولعله للتجسيس أو شراء سلاح، فإن استأذن في الدخول

لاداء رسالة أو عقد ذمة أو هدنة أو حمل ميرة وللمسلمين إليها حاجة جاز الاذن له من غير عوض، لان في ذلك مصلحة للمسلمين، وإذا انقضت حاجته لم يمكن من المقام، فإن دخل من غير ذمة ولا أمان فالامام أن يختار ما يراه من القتل والاسترقاق والمن والفداء. والدليل عليه ما روى ابن عباس في قتح مكة ومجئ أبى سفيان مع العباس إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عمر دخل وقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه من غير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه، فقال العباس يا رسول الله إنى قد أجرته، ولانه حربى لاأمان له فكان حكمه ما ذكرناه كالاسير، وإن دخل وادعى أنه دخل لرسالة قبل قوله، لانه يتعذر إقامة البينة على الرسالة، وإن ادعى أنه دخل بأمان مسلم ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقبل قوله لانه لا يتعذر إقامة البينة على الامان (والثانى) أنه يقبل قوله وهو ظاهر المذهب، لان الاظهر أنه لا يدخل من غير أمان، وإن أراد الدخول لتجارة ولا حاجة للمسلمين إليها لم يؤذن له إلا بمال يؤخذ من تجارته، لان عمر رضى الله عنه أخذ العشر من أهل الحرب، ويتسحب أن لا ينقص عن ذلك اقتداء بعمر رضى الله، فان نقص باجتهاده جاز لان أخذه باجتهاده فكان تقديره إليه ولا يؤخذ ما يشترط على الذمي في دخول الحجاز في السنة إلا مرة، كما لا تؤخذ الجزية منه في السنة إلامرة، وما يؤخذ من الحربى في دخول دار الاسلام فيه وجهان (أحدهما) أنه يؤخذ منه في كل سنة مرة كأهل الذمة في الحجاز (والثانى) أنه يؤخذ منه في كل مرة يدخل، لان الذمي تحت يد الامام، ولا يفوت ما شرط عليه بالتأخير، والحربي يرجع إلى دار الحرب، فإذا لم يؤخذ منه فات ما شرط عليه، وإن شرط أن يؤخذ من تجارته أخذ منه، باع أو لم يبع، وإن شرط أن يؤخذ من ثمن تجارته فكسد المتاع ولم يبع لم يؤخذ منه لانه لم يحصل الثمن، وان دخل الذمي الحجاز أو الحربى دار الاسلام ولم يشرط عليه في دخوله مال لم يؤخذ منه شئ، ومن أصحابنا من قال يؤخذ من تجارة الذمي نصف العشر ومن تجارة الحربى العشر، لانه قد تقرر هذا في الشرع

باب الهدنة

بفعل عمر رضى الله عنه، فحمل مطلق العقد عليه، والمذهب الاول لانه أمان من غير شرط المال فلم يستحق به مال كالهدنة. (الشرح) حديث ابن عباس سهق تخريجه أثر عمر سبق تخريجه (قلت) سبق إيضاح هذا الفصل ضمن ما سبق بيانه من الفصول قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الهدنة (الشرح) أصل الهدنة السكون، يقال هدن يهدن هدونا إذا سكن، وهدنة أي سكنة يتعدى ولا يتعدى، وهادنته صالحته والاسم منها الهدنة، والموادعة بمعنى المهادنة ومعناها المتاركة قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ عقد الهدنة لاقليم أو صقع عظيم إلا للامام أو لمن فوض إليه الامام لانه أو جعل ذلك إلى كل واحد لم يؤمن أن يهادن الرجل أهل إقليم، والمصلحة في قتالهم فيعظم الضرر فلم يجز إلا للامام أو للنائب عنه، فإن كان الامام مستظهرا نظرت فإن لم يكن في الهدنة مصلحة لم يحز عقدها لقوله عز وجل (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الا علون والله معكم) وإن كان فيها مصلحة بأن يرجو إسلامهم أو بذل الجزية أو معاونتهم على قتال غيرهم جاز أن يهادن أربعة أشهر لقوله عز وجل (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر) ولا يجوز أن يهادنهم سنة فما زاد لانها مدة يجب فيها الجزية فلا يجوز إقرارهم فيها من غير جزيه، وهل يجوز فيما زاد على أربعة أشهر وما دون سنة فيه قولان (أحدهما) أنه لا يجوز لان الله تعالى أمر بقتال أهل الكتاب إلى أن يعطوا الجزية لقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا

يحرمون ما حرم الله ورسوله) وأمر بقتال عبدة الاوثان إلى أن يؤمنوا، لقوله عز وجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ثم اذن في الهدنة في أربعة أشهر وبقى ما زاد على ظاهر الآيتين. والقول الثاني أنه يجوز لانها مدة تقصر عن مدة الجرية فجاز فيها عقد الهدنة كأربعة أشهر. وإن كان الامام غير مستظهر بأن كان في المسلمين ضعف وقلة، وفى المشركين قوة وكثرة. أو كان الامام مستظهرا لكن العدو على بعد ويحتاج في قصدهم إلى مؤنة مجحفة جاز عقد الهدنة إلى مدة تدعو إليها الحاجة، وأكثرها عشر سنين، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هادن قريشا في الحديبية عشر سنين، ولايجوز فيما زاد على ذلك لان الاصل وجوب الجهاد إلا فيما وردت فيه الرخصة، وهو عشر سنين وبقى ما زاد على الاصل وإن قد على عشر سنين وانقضت والحاجة باقية استأنف العقد فيما تدعو الحاجة إليه، وإن عقد على أكثر من عشر سنين بطل فيما زاد على الشعر، وفى العشر قولان بناء على تفريق الصفقة في البيع، وإن دعت الحاجة إلى خمس سنين لم تجز الزيادة عليها، فإن عقد على ما زاد على الخمس سنين بطل العقد فيما زاد، وفى الخمس قولان. فإن عقد الهدنة مطلقا من غير مدة لم يصح لان إطلاقه يقتضى التأبيد وذلك لا يجوز، وإن هادن على أن له أن ينقض إذا شاء جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم وادع يهود خيبر وقال: أقركم ما أقركم الله. وان قال غير النبي صلى الله عليه وسلم هادنتكم إلى أن يشاء الله تعالى أو أقررتكم ما أقركم الله تعالى لم يجز لانه لا طريق له إلى معرفة ما عند الله تعالى، ويخالف الرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يعلم ما عند الله تعالى بالوحى، وان هادنهم ما شاء فلان وهو رجل مسلم أمين عالم له رأى جاز، فإن شاء فلان أن ينقض نقض. وان قال هادنتكم ما شئتم لم يصح لانه جعل الكفار محكمين على المسلمين، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الاسلام يعلو ولا يعلى) ويجوز عقد الهدنة على مال يؤخذ منهم، لان في ذلك مصلحة للمسلمين،

ولا يجوز بمال يؤدى إليهم من غير ضرورة لان في ذلك الحاق صغار بالاسلام فلم يجز من غير ضرورة، فإن دعت إلى ذلك ضرورة بأن أحاط الكفار بالمسلمين وخافوا الاصطلام، أو أسروا رجلا من المسلمين وخيف تعذيبه جاز بذل المال لاستنقاذه منهم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الحرث بن عمرو الغطفانى رئيس غطفان قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ جعلت لى شطر ثمار المدينة والا ملانها عليك خيلا ورجلا؟ فقال النبي صلى الله عليه حتى أشاور السعديين يعنى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زيارة فقالوا ان كان هذا بأمر من السماء فتسليم لامر الله عزوجل، وان كان برأيك فرأينا تبع لرأيك، وان لم يكن بأمر من السماء ولا برأيك فو الهل ما كنا نعطيهم في الجاهلية ثمرة الاشراء أو قراء، وكيف وقد أعزنا الله بك، فلم يعطهم شيئا، فلو لم يجز عند الضرورة لما رجع إلى الانصار ليدفعوه ان رأوا ذلك، ولان ما يخاف من الاصطلام وتعذيب الاسير أعظم في الضرورة من بذل المال فجاز دفع أعظم الضررين بأخذهما وهل يجب بذل المال؟ فيه وجهان بناء على الوجهين في وجوب الدفع عن نفسه، وقد بيناه في الصول، فإذا بذل لهم على ذلك مال لم يملكوه لانه مال مأخوذ بغير حق فلم يملكوه كالمأخوذ بالقهر. (الشرح) حديث (أنه صلى الله عليه وسلم هادن قريشا) أخرجه البخاري مطولا في كتاب الشروط عن الزهري، وأخرجها الحاكم في الاكيل من طريق أبو الأسود عن عروة منقطعة، وأخرجها بن عائذ في المغازى، ورواه ابن اسحاق في الدلائل عن موسى بن عقبة، رواه عاصم العمرى عن عبد الله بن دينار عن ابن عرم أنها كانت أربع سنين، وعاصم ضعفه البخاري وغيره، قال الحافظ وصححه من طريق الحاكم في التخليص. حديث (وادع يهود خيبر..) أخرجه البخاري حديث (الاسلام يعلو..) الدارقطني وعلقه البخاري والطبراني في الصغير واسناده ضعيف جدا حديث أبى هريرة أخرجه الطبراني، وفيه حسان بن الحارث ضعيف.

ورواه ابن إسحاق في المغازى عن الزهري قال: لما اشتد على الناس البلاء بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عيينة بن حصن بن وحذيفة بن بدر إلى الحارث ابن أبى عوف المزني وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما، فجرى بينه وبينهما الصلح ولم تقع الشهادة، فلما أراد فلما أراد ذلك بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشار هما فيه فذكره مطولا اللغة (مجحفة) أي تذهب بالمال وقد ذكر قوله (وخافوا الاصطلام هو الاستئصال بالقتل وغيره والطاء بدل من التاء وأصله استئصال قطع الاذن يقال ظليم مصطلم وهو خلقة فيه، والظليم ذكر النعام والحق أن الامام وأهل الشورى معه هم الذين يفوضون الامام في عقد الهدنة أو لمن يفوضه، إلا الحنفية فإنهم قالوا. ولا يشترط إذن الامام بالموادعة فإذا وادعهم الامام أو فريق من المسلمين من غير إذن الامام جازت موادعتهم لان كون عقد الموادعة مصلحة للمسلمين وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره في (براءة من الله ورسوله..) اختلف المفسرون ههنا اختلافا كثيرا فقال قائلون هذه الآية لذوى العهود المطلقة غير المؤقتة أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته فهما كان لقوله تعالى (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) وللحديث (ومن كان بين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته) وهذا أحسن الاقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جرير رحمه الله، وروى عن الكلبى ومحمد بن كعب القرظى وغير واحد..اه وقال الشوكاني في النيل: وقد اختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبى جندل وأبى بصير، وقيل لا، وإن الذى وقع في القصة منسوخ وإن ناسخ حديث (أنا برئ من كل مسلم بين مشركين) وهو قول الحنفية، وعند الشافعية يفصل بين العاقل وبين المجنون والصبى فلا يردان. وقال الشافعية: جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب، وباقى أقوال المصنف سبق شرحها فيما سبق

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجوز عقد الهدنة على رد من جاء من المسلمات، لان النبي صلى الله عليه وسلم عقد الصلح بالحديبية، فجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط مسلمة، فجاء أخواها فطلباها فأنزل الله عز وجل (فلا ترجعوهن إلى الكفار) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنَّ اللَّهَ تعالى منع من الصلح في النساء) ولانه لا يؤمن أن تزوج أن تزوج بمشرك فيصيبها، ولا يؤمن أن تفتن في دينها لنقصان عقلها ولا يجوز عقدها على رد من لا عشيرة له من الرجال تمنع عنه، لانه لا يأمن على نفسه في اظهار دينه فيما بينهم، ويجوز عقدها على رد من له عشيرة تمنع عنه لانه يأمن على نفسه في اظهار دينه، ولايجوز عقدها مطلقا على رد من جاء من الرجال مسلما، لانه يدخل فيه من يجوز رده ومن لا يجوز (فصل) وان عقدت الهدنة على ما لا يجوز مما ذكرناه أو عقدت الذمة على ما لا يجوز من النقصان عن دينار في الجزية والمقام في الحجاز أو الدخول إلى الحرم أو بناء كنيسة في دار الاسلام أو ترك الغيار أو اظهار الخمر والخنزير في دار الاسلام وجب نقضه، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رد) ولما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خطب الناس وقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ولانه عقد على محرم فلم يجز الاقرار عليه كالبيع بشرط باطل أو عوض محرم. (فصل) وان عقدت الهدنة على ما يجوز إلى مدة وجب الوفاء بها إلى أن تنقضي المدة ما أقاموا على العهد لقوله عز وجل (أوفوا بالعقود) ولقوله تعالى (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ان الله يحب المتقين) ولقوله عز وجل (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) وروى سليمان بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم هدنة فسار معاوية في أرضهم كأنه يريد أن يغير عليهم، فقال له عمرو بن عبسة سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل عقدة ولا يضدها حتى يمضى أمدها أو ينبذ إليهم على سواء، قال فانصرف معاوية ذلك العام، ولان الهدنة عقدت لمصلحة المسلمين فإذا لم يف لهم عند قدرتنا عليهم لم يفوا لنا عند قدرتهم علينا فيؤدى ذلك إلى الاضرار بالمسلمين وإن مات الامام الذى عقد الهدنة وولى غيره لزمه إمضاؤه لما روى أن نصارى نجران أتوا عليا كرم الله وجهه وقالوا إن الكتاب كان بيديك والشفاعة اليك وإن عمر أجلانا من أرضنا فردنا إليها، فقال على إن عمر كان رشيدا في أمره وإنى لا أغير أمرا فعله عمر رضى الله عنه. (الشرح) حديث عقد صلح الحديبية..) أخرجه البخاري من حديث المسور وفيه (فجاءت أم كلثوم..) حديث (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رد) متفق عليه أثر (ردوا الجهالات إلى السنة..) أخرجه البيهقى في السنن أثر (أن نصارى نجران..) أخرجه البيهقى في السنن اللغة: قوله (ولم يظاهروا عليكم أحدا) أي لم يعاونوا، والمظاهرة المعاونة والظهير العون، قال الله تعالى (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) قوله (أو ينبذ إليهم على سواء) قال المفسرون في تفسير قوله تعالى (فانبذ إليهم على سواء) أي اطرح إليهم عهدهم حتى تكون أنت وهم في العلم سواء، وأصله الوسط وحقيقته العدل، ومنه (في سواء الجحيم) أي وسطه قوله (وأن عمر أجلانا من أرضنا) أي أخرجنا منها، قال الله تعالى (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) وهو الخروج عن الاوطان، تقول العرب إما حرب مجلية أو سلم مخزية، معناه إما حرب أو دمار وخروج عن الديار، وإما صلح وقرار على صغار. قوله (زهدوها في الاسلام) أي قللوا رغبتها فيه، زهدت في الشئ وعن الشئ لم أرغب فيه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويجب على الامام منع من يقصدهم من المسلمين ومن معهم من أهل الذمة، لان الهدنة عقدت على الكف عنهم، ولا يجب عليه منع من قصدهم من أهل الحرب ولا منع بعضهم من بعض لان الهدنة لم تعقد عل حفظهم وإنما عقدت على تركهم، بخلاف أهل الذمة فإن أهل الذمة عقدت على حفظهم فوجب منع كل من يقصدهم، ويجب على المسلمين ومن معهم من أهل الذمة ضمان أنفسهم وأموالهم والتعزير بقذفهم، لان الهدنة تقتضي الكف عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم فوجب ضمان ما يجب في ذلك. (فصل) إذا جاءت منهم حرة بالغة عاقلة مسلمة مهاجرة إلى بلد فيه الامام أو نائب عنه ولها زوج مقيم على الشرك وقد دخل بها وسلم إليها مهرا حلالا، فجاء زوجها في طلبها فهل يجب رد ما سلم إليها من المهر؟ فيه قولان (أحدهما) يجب لقوله تعالى عز وجل (فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا) ولان البضع مقوم حيل بينه وبين مالكه فوجب رد بدله، كما لو أخذ منهم مالا وتعذر رده والقول الثاني وهو الصحيح، وهو اختيار المزني أنه لا يجب، لان البضع ليس بمال والامان لا يدخل فيه الا المال، ولهذا لو أمن مشركا لم تدخل امرأته في الامان ولانه لو ضمن البضع الحيلولة لضمن بمهر المثل كما يضمن المال عند تعذر الرد بالمثل بقيمته، ولا خلاف أنه لا يضمن البضع بمهر المثل فلم يضمن بالمسمى، وأما الآية فإنها نزلت في صلح رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قبل تحريم رد النساء، وقد منع الله تعالى من ذلك بقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار) فسقط ضمان المهر. فإن قلنا لا يجب رد المهر فلا تفريع، وان قلنا انه يجب وعليه التفريع وجب ذلك في خمس الخمس، لانه مال يجب على سبيل المصلحة فوجب في خمس الخمس، وان لم يكن قد دفع إليها المهر لم يجب له المهر، لقوله تعالى (وآتوهم ما انفقوا) وهذا لم ينفق.

وإن دفع إليه مهرا حراما كالخمر والخنزير لم يجب له شئ لانه لا قيمة لما دفع إليها فصار كما لو لم يدفع إليها شيئا، فإن دفع إليها بعض مهرها لم يجب له أكثر منه لان الوجوب يتعلق بالمدفوع فلم يجب إلا ما دفع. وإن جاءت إلى بلد ليس فيها إمام ولا نائب عنه لم يجب رد المهر، لانه يجب في سهم المصالح، وذلك إلى الامام أو النائب عنه فلم يطالب به غيره. (فصل) وإن جاءت مسلمة عاقلة ثم جنت وجب رد المهر لان الحيلولة حصلت بالاسلام، وإن جاءت مجنونة ووصفت الاسلام ولم يعلم هل وصفته في حال عقلها أو في حال جنونها لم ترد إليه لجواز أن يكون وصفته في حال عقلها فإذا ردت إليهم خدعوها وزدهوها في الاسلام فلم يجز ردها احتياطا للاسلام وإن أفاقت ووصفت الكفر وقالت إنها لم تزل كافرة ردت إلى زوجها، وإن وصفت الاسلام لم ترد، فإذا جاء الزوج في طلبها دفع إليه مهرها لانه حيل بينهما بالاسلام، وإن طلب مهرها قبل الافاقة لم يدفع إليه لان المهر يجب بالحيلولة، وذلك لا يتحقق قبل الافاقة لجواز ان تفيق وتصف الكفر فترد إليه فلم يجب مع الشك. (فصل) فإن جاءت صبية ووصفت الاسلام لم ترد إليهم، وان لم يحكم بإسلامها، لانا نرجو اسلامها، فإذا ردت إليهم خدعوها وزهدوها في الاسلام فإن بلغت ووصفت الكفر قرعت، فإن أقامت على الكفر ردت إلى زوجها فإن وصفت الاسلام دفع إلى زوجها المهر لانه تحقق المنع بالاسلام، فإن جاء يطلب مهرها قبل البلوغ ففيه وجهان (أحدهما) أنه يدفع إليه مهرها لانها منعت منه بوصف الاسلام فهى كالبالغة (والثانى) أنه لا يدفع لان الحيلولة لا تتحق قبل البلوغ لجواز أن تبلغ وتصف الكفر فنرد إليه فلم يجب المهر كما قلنا في المجنونة (فصل) وان جاءت مسلمة ثم ارتدت لم ترد إليهم لانه يجب قتلها، وان جاء زوجها يطلب مهرها، فإن كان بعد القتل لم يجب دفع المهر لان الحيلولة حصلت بالقتل، وان كان قبل القتل ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجب لان المنع وجب بحكم الاسلام.

(والثانى) لا يجب لان المنع وجب لاقامة الحد لا بالاسلام. (فصل) وان جاءت مسلمة ثم جاء زوجها ومات أحدهما، فإن كان الموت بعد المطالبة بها وجب المهر، لان الحيلولة حصلت بالاسلام، وان كان قبل المطالبة لم يجب لان الحيلولة حصلت بالموت (فصل) فإن أسلمت ثم طلقها الزوج، فإن كان الطلاق بائنا فهو كالموت وقد بيناه وان كان رجعيا لم يجب دفع المهر لانه تركها برضاه، وان راجعها ثم طالب بها وجب دفع المهر لاه حيل بينهما بالاسلام، وان جاءت مسلمة ثم أسلم الزوج، فإن أسلم قبل انقضاء العدة لم يجب المهر لاجتماعهما على النكاح، وان أسلم بعد انقضاء العدة فإن كان قد طالب ابها قبل انقضاء العدة وجب المهر لانه وجب قبل البينونة، وان طالب بعد انقضاء العدة لم يجب لان الحيلولة حصلت بالبينونة باختلاف الدين (فصل) وان هاجرت منهم أمة وجاءت إلى بلد فيه الامام نظرت فإن فارقتهم وهى مشركة ثم أسلمت صارت حرة لانا بينا أن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض فملكت نفسها بالقهر، فإن جاء مولاها في طلبها لم ترد عليه لانها أجنبية منه لاحق له في رقبتها، ولانها مسلمة فلا يحوز ردها إلى مشرك وان طلب قيمتها فقد ذكر الشيخ أبو حامد الاسفراينى رحمه الله فيها قولين كالحرة إذا هاجرت وجاء الزوج يطلب مهرها، والصحيح أنه لا تجب قيمتها قولا واحدا، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب الطبري رحمه الله، لان الحيلولة حصلت بالقهر قبل الاسلام وتخالف الحرة فإنها منعت بالاسلام والامة منعت بالملك وقد زال الملك فيها قبل الاسلام وان أسلمت وهى عندهم ثم هاجرت لم تصر حرة لانهم في أمان منا وأموالهم محظورة علينا فلم يزل الملك فيها بالهجرة، فإن جاء مولاها في طلبها لم ترد إليه لانها مسلمة فلم يجز ردها إلى مشرك، وإن طلب قيمتها وجب دفعها إليه كما لو غصب منهم مال وتلف. وان كانت الامة مزوحة من حر فجاء زوجها في طلبها لم ترد إليه وان طلب مهرها فعلى القولين في الحرة، وان كانت مزوجة من عبد فعلى القولين أيضا،

إلا أنه لا يجب دفع المهر إلا أن يحضر الزوج فيطالب بها لان البضع له فلا يملك فالمولى المطالبة به ويحضر المولى ويطالب بالمهر، لان المهر له فلا يملك الزوج المطالبة به (فصل) وإن هاجر منهم رجل مسلم فإن كان له عشيرة تمنع عنه جاز له العود إليهم، والافضل أن لا يعود، وقد بينا ذلك في أول السير، فإن عقد الهدنة على رده واختار العود لم يمنع، لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لابي جندل وأبى بصير في العود وإن اختار المقام في دار الاسلام لم يمنع لانه لا يجوز إجبار المسلم على الانتقال إلى دار الشرك، وإن جاء من يطلبه قلنا للمطالب إن قدرت على رده لم نمنعك منه، وإن لم تقدر لم نعنك عليه، ونقول للمطلوب في السر إن رجعت إليهم ثم قدرت أن تهرب منهم وترجع إلى دار الاسلام كان أَفْضَلُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بصير فهرب منهم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم. (الشرح) حديث (اذن لابي جندل وأبى بصير في العود) أخرجه البخاري عن عروة بن الزبير في حديث طويل في صلح الحديبية، وفيه ثم رجع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ فجاء أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوني في طلبه رجلين فقالوا العهد الذى جعله لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون تمرا لهم، فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله سيفك هذا يا فلان جيد، فاستله الآخر فقال أجل إنه جيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير أرنى أنصر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قتل صاحبي والله وإنى لمقتول، فجاء أبو بصير فقال يا نبى الله قد أوفى الله ذمتك رددتني إليهم ثم أنجانى اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى

سيف البحر، قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهل فلحق بأبى بصير) وأخرجه أحمد وفيه: يا أبا جندل أصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا) وفى رواية البخاري عن مروان والمسور (فرد يومئذ أبا جند إلى أبيه سهيل) حديث (رد أبى بصير..) جزء من الحديث السابق الاشارة إليه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن أتلف منهم على مسلم مالا وجب عليه ضمانه وإن قتله وجب عليه القصاص، وإن قذفه وجب عليه الحد لان الهدنة تقتضي أمان المسلمين في النفس والمال والعرض فلزمهم ما يجب في ذلك، ومن شرب منهم الخمر أو زنى لم يجب عليه الحد لانه حق لله تعالى، ولم يلتزم بالهدنة حقوق الله تعالى، فإن سرق مالا لمسلم ففيه قولان. (أحدهما) أنه لا يجب عليه القطع لانه حد خالص لله تعالى فلم يجب عليه كحد الشرب والزنا. (والثانى) أنه يجب عليه، لانه حد يجب لصيانة حق الآدمى، فوجب عليه كحد القذف. (الشرح) قوله (والمال والعرض) (الامانم في العرض) هو أن لا يذكر سلفه وآباءه وأن لا يذكره نفسه بسوء وبما ينزل قدره ومحله قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا نقص أهل الهدنة عهدهم بقتال أو مظاهرة عدو أو قتل مسلم أو أخذ مال انقضت الهدنة لقوله عز وجل (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) فدل على أنهم إذا لم يستقيموا لنا لم نستقم لهم لقوله عز وجل (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فاتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) فدل على أنهم إن ظاهروا علينا أحدا لم نتم إليهم عهدهم، ولان الهدنة تقتضي الكف عنا فانتقضت بتركه ولا يفتقر تقضها إلى حكم الامام بنقضها لان

الحكم إما يحتاج إليه في أمر محتمل وما تظاهروا به لا يحتمل غير نقض العهد، وإن نقض بعضهم وسكت الباقون ولم ينكروا ما فعل الناقض انتقضت الهدنة في حق الجميع. والدليل عليه أن ناقة صالح عليه السلام عقرها القدار العبزار بن سالف وأمسك عنها القوم فأخذهم الله تعالى جميعهم به، فقال الله عز وجل (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها) ولان النبي صلى الله عليه وسلم وادع بنى قريظة وأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخندق، وقيل إن الذى أعان منهم ثلاثة: حى بن أخطب وأخوه وآخر معهم، فنقض النبي صلى الله عليه وسلم عهدم وغزاهم وقتل رجالهم وسبى دراريهم، ولان النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشا بالحديبية وكان بنو بكر حلفاء قريش وخزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاربت بنو بكر خزاعة، وأعان نفر من قريش بنى بكر على خزاعة، وأمسك سائر قريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نقضا لعهدم وسار إليهم حتى فتح مكة، ولانه لما كان عقد بعضهم الهدنة أمانا لمن عقد ولمن أمسك وجب أن يكون نقض بعضهم نقضا لمن نقض ولم أمسك. وإن نقض بعضهم العهد وأنكر الباقون أو اعتزلوهم أو راسلوا إلى الامام بذلك انتقض عهد من نقض وصار حربا لنا بنقضه ولم ينتقض عهد من لم يرض لانه لم ينقض العهدو لا رضى بفعل من نقض، فإن كان من لم ينقض مختلطا بمن نقض أمر من لم ينقض بتسليم من نقض إن قدروا أو بالتميز عنهم، فإن لم يفعلوا أحد هذين مع القدرة عليه انتقضت هدنتهم، لانهم صاروا مظاهرين لاهل الحرب، وإن لم يقدروا على ذلك كان حكمهم حكم من أسره الكفار من المسلمين وقد بيناه في أول السير، وإن أسر الامام قوما منهم وادعو أنهم ممن لم ينقض العهد وأشكل عليه حالهم قبل قولهم، لانه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهتهم. (فصل) وان ظهر مهم من يخاف معه الخيانة جاز للامام أن ينبذ إليهم عهدهم لقوله عز وجل (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله

لا يحب الخائنين) ولا تنتقض الهدنة إلا أن يحكم الامام بنقضها لقوله عز وجل (فانبذ إليهم على سواء) ولان نقضها لخوف الخيانة وذلك يفتقر إلى نظر واجتهاد فافتقر إلى الحاكم، وان خاف من أهل الذمة خيانة لم ينبذ إليهم، والفرق بينهم وبين عقد أهل الهدنة أن النظر في عقد الذمة وجب لهم، ولهذا إذا طلبوا عقد الذمة وجب العقد لهم فلم ينقض لخوف الخيانة والنظر في عقد الهدنة لنا، ولهذا لو طلبوا الهدنة كان النظر فيها الى الامام، وان رأى عقدها عقد وان لم يرد عقدها لم يعقد فكا النظر إليه في نقضها عند الخوف، ولان أهل الذمة في قبضته فإذا ظهرت منهم خيانة أمكن استداركها وأهل الهدنة خارجون عن قبضته فإذا ظهرت خيانتهم لم يمكن استداركها فجاز نقضها بالخوف، وان لم يظهر منهم ما يخاف معهم الخبانة لم يجز نقضها، لان الله تعالى أمر بنبذ العهد عند الخوف فدل على أنه لا يجوز مع عدم الخوف، ولان نقض الهدنة من غير سبب يبطل مقصود الهدنة ويمنع الكفار من الدخول فيها والسكون البها وإذا نقض الهدنة عند خوف الخيانة ولم يكن عليهم حق ردهم إلى مأمنهم، لانهم دخلوا على أمان فوجب ردهم إلى المأمن ان كان عليهم حق استوفاه منهم ثم ردهم إلى مأمنهم. (الشرح) حديث (وادع بنى قريظة) أما الموادعة فرواها أبو داود في حديث طويل من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رجل من الصحابة وأم االنقض فرواه ابن إسحاق في المغازى كان الذين حزبوا الاحزاب نفرا من بنى النضير فكان منهم حيى بن أخطب وكنانة بن أبى الحقيق ونفر من بنى وائل فذكر الحديث قال: وخرج حى بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بنى قريظة، فلما سمع به أغلق حصنه وقال: انى لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء وقد وادعنى ووادعته فدعني وارجع عنى فلم يزل به حتى فتح له، فقال له ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر بقريش ومن معها أنزلتها بردمه وجئتك بغطفا على قادتها وسادتها أنزلتها إلى جانب أحد جئتك ببحر طام لا يرده شئ فقال جئتني والله بالذل فلم يزل به حتى وادعه فنقض العهدو أظهر البراءة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفى البخاري من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن يهود بنى النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى بنى النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربوا معه فقتل رجالهم وقسم أموالهم وأولادهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا. حديث (ولن النبي صلى الله عليه وسلم هاذن قريشا..) مسلم في صحيحه عن أنس (أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم..) وأصل الحديث في صحيح الخبارى من حديث المسور. اللغة: قوله (فدمدم عليهم ربهم) قال الجوهرى: دمدمت الشئ إذا ألصقته بالارض وطحطحته. وقال العزيزي: أرجف أرضهم وحركها عليهم. وقال الازهرى: أطبق عليهم والكل معناه أهلكهم، فسواها أي سواها بالارض قال الشاعر: فدمدموا بعد ما كانوا ذوى نعم * وعيشة أسكنوا من بعدها الحفرا ولا خلاف فيما ذكره الصمنف. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا دخل الحربى دار الاسلام بأمان في تجارة أو رسالة ثبت له الامان في نفسه وماله ويكون حكمه في ضمان النفس، والمال وما يجب عليه من الضمان والحدود حكم المهادن لانه مثله في الامان فكان مثله فيما ذكرناه، وإن عقد الامان ثم عاد إلى دار الحرب في تجارة أو رسالة فهو على الامان في النفس والمال كالذمي إذا خرج إلى دار الحرب في تجارة أو رسالة وان رجع إلى دار الحرب بنية المقام وترك ماله في دار الاسلام انتقص الامان في نفسه ولم ينتقض في ماله، فان قتل أو مات انتقل المال إلى وارثه وهل يغنم أم لا، فيه قولان. قال في سير الواقدي: ونقله المزني أنه يغنم ماله وينتقل إلى بيت المال فيئا وقال في المكاتب: يرد إلى ورثته فذهب أكثر أصحابنا إلى أنها على قولين.

(أحدهما) أنه يرد إلى ورثته وهو اختيار المزني، والدليل عليه أن المال لوارثة ومن ورث مالا ورثه بحقوقه، وهذا الامان من حقوق المال فوجب أن يورث والقول الثاني أنه يغنم وينتقل إلى بيت المال فيئا، ووجهه أنه لما مات انتقل ماله إلى وارثه وهو كافر لاأمان له في نفسه ولا في ماله فكان غنيمة. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى اختلاف حالين، فالذي قال يغنم إذا عقد الامان مطلقا ولم يشرط لوارثه والذى قال لا يغنم إذا عقد الامان لنفسه ولوارثه، وليس للشافعي رحمه الله ما يدل على هذه الطريقة، وأما إذا مات في في دار الاسلام فقد قال في سير الواقدي انه يرد إلى ورثته واختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال هو أيضا على قولين كالتى قبلها، والشافعي نص على أحد القولين ومنهم منقال يرد إلى ارثة قولا واحدا، والفرق بين المسألتين أنه إذا مات في دار الاسلام مات على أمانه فكان ماله على الامان، وإذا مات في دار الحرب فقد مات بعد زوال أمانه فبطل في أحد القولين أمان ماله، فإن استرق زال ملكه عن المال بالاسترقاق، وهل يغنم؟ فيه قولان، أحدهما يغم فيئا لبيت المال والقول الثاني أنه موقوف لانه لا يمكن نقله إلى الوارث لانه حى ولا إلى مسترقه لانه مال له أمان، فإن عتق دفع المال إليه بملكه القديم، وان مات عبدا ففى ماله قولان حَكَاهُمَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَحَدُهُمَا) انه يغنم فيئا ولايكون موروثا، لان العبد لا يورث (والثانى) أنه لوارثه لانه ملكه في حريته (فصل) فإن اقترض حربى من حربى مالاثم دخل الينا بأمان أو أسلم فقد قال أبو العباس عليه رد البدل على المقرض لانه أخذه على سبيل المعاوضة فلزمه البدل، كما لو تزوج حربية ثم أسلم، قال ويحتمل أنه لا يلزمه البدل، فإن الشافعي رحمه الله قال في النكاح: إذا تزوج حربى حربية ودخل بها وماتت ثم أسلم الزوج أو دخل الينا بأمان فجاء وارثها يطلب ميراثه من صداقها أنه لا شئ له لانه مال فائت في حال الكفر، قال والاول أصح ويكون تأويل المسألة أن الحربى تزوجها على غير مهر، فإن دخل مسلم دار الحرب بأمان فسرق منهم مالا أو اقترض منهم مالا وعاد إلى دار الاسلام ثم جاء صاحب المال إلى دار الاسلام بأمان وجب على المسلم رد ما سرق أو اقترض لان الامان يوجب ضمان المال في الجانبين فوجب رده

باب خراج السواد

باب خراج السواد (الشرح) الخراج الاتاوة، وهو ما يؤخذ من الارض أو من الكفار بسبب الامان قال الازهرى: الخراج يقع على الضريبة ويقع على مال الفئ ويقع على الجزية، وسواد العراق قراها ومزارعها، سميت سوادا لكثرة حضرتها، والعرب تقول لكل أخضر أسود قال المصنف رحمه الله تعالى: سواد العراق ما بين عبادان إلى الموصل طولا، ومن القادسية إلى حلوان عرضا، قال الساجى هو إثنان وثلاثون ألف ألف جريب، وقال أبو عبيد هو ستة وثلاثون ألف ألف جريب، وفتحها عمر رضى الله عنه وقسمها بين الغانمين ثم سألهم أن يردوا ففعلوا، والدليل عليه ما روى قيس بن أبى حازم البجلى قال: كنا ربع الناس في القادسية فأعطانا عمر رضى الله عنه ربع السواد وأخذناها ثلاث سنين، ثم وفد جرير بن عبد الله البجلى إلى عمر رضى الله عنه بعد ذلك فقال: أما والله لولا أنى قاسم مسئول لكنتم على ما قسم لكم وأرى أن تردوا على المسلمين ففعلوا. ولا تدخل في ذلك البصرة. وإن كات داخلا في حد السواد، لانها كانت أرضا سبخة فأحياها عمرو بن العاص الثقفى وعتبة بن غزوان بعد الفتح الا مواضع من شرقي دخلتها تسميها أهل البصرة الفرات، ومن غربي دخلتها نهر يعرف بنهر المرة. واختلف أصحابنا فيما فعل عمر رضى الله عنه فيما فتح من أرض السواد فقال أبو العباس وأبو إسحاق: باعها من أهلها وما يؤخذ من الخراج ثمن، والدليل عليه أن من لدن عمر إلى يومنا هذا تباع وتبتاع من غير انكار. وقال أبو سعيد الاصطخرى وقفها عمر رضى الله عنه على المسلمين فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا هبتها ولارهنها، وانما تنقل من يد إلى يدوما يؤخذ من الخراج فهو أجرة وعليه نص في سير الواقدي، والدليل عليه ما روى بكير بن عامر عن عامر قال اشترى عقبة ابن فرقد أرضا من أرض الخراج، فأتى عمر فأخبره، فقال ممن اشتريتها؟ قال من أهلها، قال فهؤلاء أهلها المسلمون أبعتموه شيئا؟ قالوا لا، قال فاذهب فاطلب مالك، فإذا قلنا انه وقف فهل تدخل المنازل في الوقف؟ فيه

وجهان (أحدهما) أن الجميع وقف (والثانى) أنه لايدخل في الوقف غير المزارع، لانا لو قلنا ان المنازل دخلت في الوقف أدى إلى خرابها، وأما الثمار فهل يجوز لمن هي في يده الانتفاع بها؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز وعلى الامام أن يأخذها ويبيعها ويصرف ثمنها في مصالح المسلمين والدليل عليه ما روى الساجى في كتابه عن أبى الوليد الطيالسي أنه قال: أدركت الناس بالبصرة ويحمل إليهم الثمر من الفرات فيؤتى به ويطرح على حافة الشط ويلقى عليه الحشيش ولا يطير ولا يشترى منه الا أعرابي أو من يشتريه فينبذه، وما كان الناس يقدمون على شرائه. والوجه الثاني أنه يجوز لمن في يده الارض الانتفاع بثمرتها لان الحاجة تدعو إليه فجاز كما تجوز المساقاة والمضاربة على جزء مجهول (فصل) ويؤخذ الخراج من كل جريب شعير درهمان، ومن كل جريب حنطة أربعة دراهم، ومن كل جريب شجر وقصب وهو الرطبة ستة دراهم. واختلف أصحابنا في خراج النخل الكرم، فمنهم من قال يؤخذ من كل جريب نخل عشرة دراهم، ومن كل جريب كرم ثمانية دراهم، لما روى مجاهد عن الشعبى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعث عثمان بن حنيف فجعل على جريب الشعير درهمين وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشجر والقضب ستة دراهم وعلى جريب الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب النخل عشرة دراهم وعلى جريب الزيتون اثنى عشر، ومنهم من قال يجب على جريب الكرم عشرة وعلى جريب الزيتون اثنى عشر، ومنهم من قال يجب على جريب الكرم عشرة وعلى جريب النخل ثمانية، لما روى أبو قتادة عن لاحق بن حميد يعنى أبا مجلز قال بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف وفرض على جريب الكرم عشرة وعلى جريب النخل ثمانية وعلى جريب البر أربعة وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب القضب ستة وكتب بذلك إلى عمر فأجازه ورضى به وروى عباد بن كثير عن قحزم قال جبى عمر العراق مائة ألف ألف وسبعة وثلاثين ألف ألف وجباها عمر بن عبد العزيز مائة ألف وأربعة وعشرون ألف ألف وجباها الحجاج ثمانية عشر ألف ألف وما يؤخذ من ذلك يصرف في مصالح المسلمين الاهم فالاهم لانه للمسلمين فصرف في مصالحهم والله أعلم

(الشرح) قال أبو يوسف في كتاب الخراج: فلما افتتح السواد شاور عمر رضى الله عنه الناس فيه فرأى عامتهم أن يقسمه، وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك وكان رأى عبد الرحمن بن عوف أن يقسمه، كان رأى عثمان وعلى وطلحة رأى عمر رضى الله عنه، وكان رأى عمر (رض) أن يتركه ولا يقسمه حتى قال عند إلحاحهم عليه في قسمته: اللهم اكفني بلالا وأصحابه فمكثوار بذلك اياما حتى قال عمر رضى الله عنه لهم قد وجدت حجة في تركه وأن لا أقسمه قول اللَّهُ تَعَالَى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ ديارهم وأمولهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا) فتلا عليهم حتى بلغ إلى قوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم) قال: فكيف أقسمه لكم وأدع من يأتي بغير قسم فأجمع على تركه وجمع خراجه واقراره في أيدى أهله ووضع الخراج على أرضيهم والجزية على رؤسهم ومسح عمر السواد فبلغ ستة وثلاثين ألف ألف جريب وأنه وضع على جريب الزرع درهما وقفيزا، وعلى الكرم عشرة دراهم، وعلى الرطبة خمسة دراهم، وعلى الرجل اثنى عشر درهما وأربعة وعشرين درهما وثمانية وأربعين درهما. وبعث عمر عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، وعبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الارضين، وجعل بينهم شاة كل يوم شطرها وبطنها لعمار بن ياسر وربعها لعبد الله بن مسعود، والربع الآخر لعثمان ابن حنيف وقال: انى أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة والى اليتيم فإن الله تبارك وتعالى قال (ومن كان غنيا) ..إلى.. (بالمعروف) والله ما أرى أرضا يؤخذ منها شاة في كل يوم الا استسرع خرابها قال: فمسح عثمان الارضين وجعل على جريب العنب عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب وطلحة رأى عمر رضى الله عنه، وكان رأى عمر (رض) أن يتركه ولا يقسمه حتى قال عند إلحاحهم عليه في قسمته: اللهم اكفني بلالا وأصحابه فمكثوار بذلك اياما حتى قال عمر رضى الله عنه لهم قد وجدت حجة في تركه وأن لا أقسمه قول اللَّهُ تَعَالَى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ ديارهم وأمولهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا) فتلا عليهم حتى بلغ إلى قوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم) قال: فكيف أقسمه لكم وأدع من يأتي بغير قسم فأجمع على تركه وجمع خراجه واقراره في أيدى أهله ووضع الخراج على أرضيهم والجزية على رؤسهم ومسح عمر السواد فبلغ ستة وثلاثين ألف ألف جريب وأنه وضع على جريب الزرع درهما وقفيزا، وعلى الكرم عشرة دراهم، وعلى الرطبة خمسة دراهم، وعلى الرجل اثنى عشر درهما وأربعة وعشرين درهما وثمانية وأربعين درهما. وبعث عمر عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، وعبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الارضين، وجعل بينهم شاة كل يوم شطرها وبطنها لعمار بن ياسر وربعها لعبد الله بن مسعود، والربع الآخر لعثمان ابن حنيف وقال: انى أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة والى اليتيم فإن الله تبارك وتعالى قال (ومن كان غنيا) ..إلى.. (بالمعروف) والله ما أرى أرضا يؤخذ منها شاة في كل يوم الا استسرع خرابها قال: فمسح عثمان الارضين وجعل على جريب العنب عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وعلى الرأس اثنى عشر درهما وأربعة وعشرين درهما وثمانية وأربعين درهما، وعطل من ذلك النساء والصبيان. قال سعيد بن أبى عروبة خالفني بعض أصحابي فقال على جريب النخل عشرة دراهم، وعلى جريب العنب ثمانية دراهم.

الجزء العشرون

التكملة الثانية المجموع شرح المهذب للامام ابي زكريا محيى الدين بشرف النووي المتوفى سنة 676 هـ الجزء العشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

كتاب الحدود

قال المصنف رحمه الله تعالى كتاب الحدود (الشرح) أصل الحد في اللغة: المنع، وقيل للبواب حداد، لانه يمنع من يدخل الدار من غير أهلها، قال الاعشى: فقمنا ولما يصح ديكنا * إلى جونة عند حدادها وسمى الحديد حديدا لمنعه من السلاح ووصوله إلى لابسه: وحد الشئ يمنع أن يدخل فيه ما ليس منه وأن يخرج منه ما هو منه، والحد في الشرع يمنع المحدود من العود إلى ما كان ارتكبه، وكذا السجان سمى حدادا لهذا المعنى قال الشاعر: لقد ألف الحداد بين عصابة * فسائل في الاقياد ماذا ذنوبها قال القائد الاعلى للقوات الاندلسية في حينه في كتابه المحلى لم يصف الله تعالى حدا من العقوبة محدودا لا يتجاوز في النفس أو الاعضاء أو البشرة الا في سبعة أشياء وهى: 1 - المحاربة 2 - الردة 3 - الزنا 4 - القذف بالزنا 5 - السرقة 6 - جحد العارية 7 - تناول الخمر في شرب أو أكل قال المصنف رحمه الله: (باب حد الزنا) الزنا حرام وهو من الكبائر العظام، والدليل عليه قوله عز وجل (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزفون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) وروى عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله عز وجل قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قال: قلت: ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك، قال قلت: ثم أي قال أن تزانى حليلة جارك.

(الشرح) حديث عبد الله (سألت النبي صلى الله عليه وسلم..) متفق عليه وأخرج أحمد والطبراني في الكبير والاوسط عن المقداد بن الاسود رضى الله عنه لاصحابه ما تقولون في الزنا؟ قالوا حرام حرمه الله عز وجل ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاصحابه: لان يزنى الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزنى بامرأة جاره) وروى بن أبى الدنيا والخرائطي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الزانى بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، ويقول ادخل النار مع الداخلين) اللغة قوله (أن تجعل لله ندا) الند المثل والنظير وكذلك النديد والنديدة. أجمعت الشرائع القديمة والحديثة على حرمة الزنا، وهو أن يأتي رجل وامرأة بفعل الجماع بغير أن تكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة، وما زالت المجتمعات البشرية مجمعة عليه منذ أقدم عصور التاريخ إلى يومنا الحاضر ولم يخالفها فيه حتى اليوم إلا شرذمة قليلة من الذين جعلوا عقولهم تابعة لاهوائهم وشهواتهم البهيمية أو أوتوا من قبل عقولهم، ويظنون كل مخالفة للنظام والعرف الجارى اختراعا لفلسفة جديدة، والعلة في هذا الاجماع العالمي أن الفطرة الانسانية بنفسها تقتضي حرمة الزنا، ومما يتوقف عليه بقاء النوع الانساني وقيام التمدن الانساني أن لا تكون الحرية للرجل والمرأة في أن يجتمعا ابتغاء اللذة وقضاء لشهوتهما النفسية متى شاء اثم يفترقا متى أرادا، بل يجب أن تكون العلاقة بين كل رجل وامرأة قائمة على عهد للوفاء دائم بحكم معروف في المجتمع، وتكون مستندة إلى ضمان المجتمع كله. قالت الحنابلة في منار السبيل: الزنى هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من أكبر الكبائر، قال الامام أحمد لا أعلم حدا بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا، وأجمعوا على تحريمه. ولقد كان الزنا في الجاهلية على قسمين سرا وعلانية، وعاما وخاصا، فالخاص السرى هو أن يكون للمرأة خدن يزنى بها سرا فلا تبذل نفسها لكل أحد،

والعام الجهرى هو المراد بالسفاح، كما قال ابن عباس وهو البغاء، وكان البغايا من الاماء وكن ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن. وروى عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما ظهر من الزنا ويقولون انه لؤم، ويستحلون ما خفى ويقولون لا بأس به، وهذان النوعان معروفان الان وفاشيان في بلاد الافرنج والبلاد التى تقلد الافرنج في شرور مدنيتهم كمصر والاستانة. وقبل الكلام في الاحكام علينا أن نلقى نظرة سريعة على أحكام الشرائع السابقة، ففى الكتاب المقدس لليهود الاصحاح الثاني والعشرون 16، 17 (وإذا أراد رجل عذراء لم تخطب فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجة إن أبى أبوها أن يعطية إياها يزن له فضة كمهر العذارى) وفى 28، 29، من نفس المرجع، إذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة فأمسكها واضطجع معها فوجدا يعطى الرجل الذى اضطجع معها لابي الفتاة خمسين مثقالا من الفضة وتكون هي له زوجة من أجل أنه قد أذلها، غير أنه إذا زنى أحد ببنت القسيس عوقب بالشنق بموجب القانون اليهودي وعوقبت البنت بالاحراق وهذه الفكرة هي شبيهة بفكرة الهنادك، ففى كتاب القانون الدينى لمانو (أيما رجل زنى ببنت من طبقته عن رضاها فليس عليه شئ من العقوبة، وله أن يؤدى الاجرة إلى والدها وينكحها ان رضى به. وأما إذا كانت البنت من طبقة أعلى من طبقته فلتخرج البنت من بيتها ويعاقب الرجل بقطع الاعضاء، ويجوز تغيير هذه العقوبة بإحراق البنت حية إذا كانت من الطبقة البرهمية. أما عقوبة الزنا بالمتزوجة فعند المصريين الفراعنة أن يضرب الرجل ضربا شديدا بالعصا ويجدع أنفه، وكذا في بابل وآشور وفارس القديمة، أما الهنود فكانت عقوبة المرأة عندهم أن تطرح أمام الكلاب حتى تمزقها، وعقوبة الرجل أن يضجع على سرير محمى من الحديد وتشعل حوله النار، وقد كان من حق الرجل عند اليونان والروم في بدء الامر أنه إذا وجد أحدا يزنى بامرأته أن يقتله أو ينال منه إن شاء غرامة مالية، ثم أصدر قيصر أغسطس مرسوما بأن

يصادر الرجل بنصف ما يملك من المال والبيوت وينفى من موطنه، وأن تحرم المرأة من نصف صداقها وتصادر بنصف ما تملك من المال وتنفى إلى بقعة أخرى ثم جاء قسطنطين وغير هذا القانون بإعدام الرجل والمرأة، ثم تغير هذا في عهد ليون مارسين بالحبس المؤبد، ثم جاء قيصر جستينين وخفف هذه العقوبة وغيرها بضرب الاسواط ثم حبسها في دير الراهبات وإعطاء زوجها الحق في أنه إن شاء استخرجها من الدير في ضمن مدة سنتين، أو تركها فيه إن شاء طول حياتها. وأما الاحكام في القانون اليهودي عن الزنا بامرأة الغير فهى (إذا اضطجع رجل مع امرأة اضطجاع زرع وهى أمة مخطوبة لرجل ولم تفد فداء ولا أعطيت حريتها فليكن تأديب ولا يقتلا لانها لم تعتق) (إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان، الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة) . (إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فاخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا، الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه فتنتزع الشر من وسطك، ولكن إن وجد الرجل الفتاة المخطوبة في الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها يموت الرجل الذى اضطجع معها وحده، وأما الفتاة فلا يفعل بها شيئا) الاصحاح الثاني والعشرون 22 - 26. وقد استنبط المسيحيون استنباطات خاطئه. ومن بعض أقوال المسيح في المرأة التى جاء بها اليهود وهى زانيه ليحكم، فإذا زنى عندهم رجل بكر بامرأة باكرة فإن فعلهما على كونه ذنبا ليس بجريمة مستلزمه للعقوبه على كل حال. وأما إذا كان أحد المرتكبين لهذا الفعل الرجل أو المرأة أو كلاهما متزوجا فإنه الجريمه غير أن الذى يجعله الجريمه انما هو نقض العهد لا الزنا المحض، فكل من أتى بفعل الزنا بعد كونه متزوجا فإنه مجرم لانه نقض العهد الذى كان عقده مع زوجته أو زوجها إن كانت المرتكبه امرأة أمام المذبح بواسطة القسيس،

أما عقوبته على إتيانه بهذه الجريمة فإنما هي أن تقيم زوجته عليه الدعوى وتشكو غدره إلى المحكمة وتطلب منها التفريق بينهما، وكذلك ليس من حق زوج المرأة الزانية أن يقيم عليها الدعوى في المحكمة ويطلقها أمامها فحسب، بل له كذلك أن ينال غرامة مالية من الرجل الذى أفسد زوجته. ومن العجيب أن هذه العقوبة سيف يقطع من جانبين، فإن المرأة وإن كان لها أن تقيم الدعوى على زوجها الغادر وتنال من المحكمة حكم تفريقها منه، ولكن لا يجوز لها أن تنكح رجلا آخر طول حياتها، وكذلك الرجل إن فعل بزوجته الغادرة، ومعنى ذلك أن كل من أحب من الزوجين أن يحيا في الدنيا حياة الرهبان والراهبات فعليه أن يشكو إلى المحكمة. أما الاسلام فإنه يراها جريمة مستلزمة للمؤاخذة والعقوبة ويغلظ في نظره شدة هذه الجريمة لا على أساس أنه نقض العهد أو تعدى على فراش غيره، ولكن على أساس أنه سلك لقضاء شهوته طريقا غير مشروع، وعلى أساس أنه إذا أطلق عناس الناس لاتيانها متى شاؤوا، فإنها لا تلبث أن تستأصل شأفة نوع الانسان وتمدنه معا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا وطئ رجل من أهل دار الاسلام امرأة محرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد وغير ملك ولا شبهة ملك وهو عاقل بالغ مختار عالم بالتحريم وجب عليه الحد، فإن كان محصنا وجب عليه الرجم لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال، قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائلهم ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلون ويتركون فريضة أنزلها الله، ألا إن الرجم إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف، وقد قرأتها الشيخ والشيخه إذا زنيا فارجموهما البتة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، ولا يجلد المحصن مع الرجم لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد الجنى رضى الله عنهما قالا: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام إليه رجل فقال إن إبنى كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فقال على إبنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس

على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها، ولو وجب الجلد مع الرجم لامر به. (فصل) والمحصن الذى يرجم هو أن يكون بالغا عاقلا حرا وطئ في نكاح صحيح، فإن كان صبيا أو مجنونا لم يرجم، لانهما ليسا من أهل الحد، وإن كان مملوكا لم يرجم. وقال أبو ثور: إذا أحصن بالزوجبة رجم، لانه حد لا يتبعض فاستوى فيه الحر والعبد كالقطع في السرقة، وهذا خطأ لقوله عز وجل (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعلبهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فأوجب مع الاحصان خمسين جلدة. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولان الرجم أعلى من جلد مائة، فإذا لم يجب على المملوك جلد مائة فلان لا يجب الرجم أولى، ويخالف القطع في السرقه فإنه ليس في السرقه حد غير القطع، فلو أسقطناه سقط الحد وفى ذلك فساد، وليس كذلك الزنا فإن فيه حدا غير الرجم فإذا أسقطناه لم يسقط الحد. وأما من لم يطأ في النكاح الصحيح فليس بمحصن وإذا زنى لم يرجم، لما روى مسروق عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يحل دم امرئ مسلم يشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعه) ولا خلاف أن المراد بالثيب الذى وطئ في نكاح صحيح واختلف أصحابنا هل يكون من شرطه أن يكون الوطئ بعد كماله بالبلوغ والعقل والحريه أم لا؟ فمنهم من قال ليس من شرطه أن يكون الوطئ بعد الكمال فلو وطئ وهو صغير أو مجنون أو مملوك ثم كمل فزنى رجم، لانه وطئ أبيح للزوج الاول فثبت به الاحصان، كما لو وطئ بعد الكمال، ولان النكاح يجوز أن يكون قبل الكمال فكذلك الوطئ. ومنهم من قال من شرطه أن يكون الوطئ بعد الكمال، فإن وطئ في حال الصغر أو الجنون أو الرق ثم كمل وزنى لم يرجم، وهو ظاهر النص، والدليل عليه ما رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم، فلو جاز أن يحصن الوطئ في حال النقصان لما علق الرجم بالزنا، ولان الاحصان كمال فشرط أن يكون وطؤه في حال الكمال، فعلى هذا إذا وطئ في نكاح صحيح فإن كانا حرين بالغين عاقلين صارا محصنين، وإن كانا مملوكين أو صغيرين أو مجنونين لم يصيرا محصنين، وإن كان أحدهما حرا بالغا عاقلا والآخر مملوكا أو صغيرا أو مجنونا ففيه قولان (أحدهما) أن الكامل منهما محصن والناقص منهما غير محصن وهو الصحيح لانه لما جاز أن يجب بالوطئ الواحد الرجم على أحدهما دون الاخر جاز أن يصير أحدهما بالوطئ الواحد محصنا دون الاخر والقول الثاني أنه لا يصير واحد منهما محصنا لانه وطئ لا يصير به أحدهما محصنا فلم يصر الاخر به محصنا كوطئ الشبهة، ولا يشترط في إحصان الرجم أن يكون مسلما لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أتى بيهوديين زنيا فأمر برجمهما. (فصل) وإن كان غير محصن نظرت فإن كان حرا جلد مائة وغرب سنة لقوله عز وجل (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وروى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائه وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وإن كان مملوكا جلد خمسين عبدا كان أو أمة لقوله عز وجل (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فجعل ما على الامة نصف ما على الحرة لنقصانها بالرق، والدليل عليه أنها لو أعتقت كمل حدها، والعبد كالامة في الرق فوجب عليه نصف ما على الحر، وهل يغرب العبد بعد الجلد؟ فيه قولان. (أحدهما) أنه لا يغرب لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد. ولم يذكر النفى، ولان القصد بالتغريب تعذيبه بالاخراج عن الاهل، والمملوك لا أهل له والقول الثاني: أنه يغرب، وهو الصحيح، لقوله عز وجل (فعليهن نصف

ما على المحصنات من العذاب) ولانه حد يتبعض فوجب على العبد كالجلد، فإذا قلنا إنه يغرب ففى قدره قولان: (أحدهما) أنه يغرب سنة، لانها مدة مقدرة بالشرع، فاستوى فيها الحر والعبد كمدة العنين. (والثانى) أنه يغرب نصف سنة للآية، ولانه حد يتبعض فكان العبد فيه على النصف من الحر كالجلد. (الشرح) أثر ابن عباس (لقد خشيت أن يطول بالناس ... ) متفق عليه وفى رواية أخرى (قال عمر وهو جالس على مقبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلون بترك فريضة أنزلها الله، وان الرجم في كتاب الله حق على كل من زنى إذا أحصن من الرجال أو النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) رواه مسلم عن أبى الطاهر وحرملة، ورواه البخاري عن يحيى بن سلمان عن ابن وهب. ورواه البيهقى. وقال الحافظ وعزاه الشيخين ومراده أصل الحديث، وفى روايه الترمذي (لولا انى أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف، فإنى قد خشيت أن يجئ قوم فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به) وروى الحاكم والطبراني (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة لما قضيا من اللذة) وروى ابن حبان والبيهقي ((عن زر بن حبيش قال، قال لى أبى بن كعب كأين تعد أو كأين تقرأ سورة الاحزاب؟ قلت ثلاث وسبعين آية، قال أقط لقد رأيتها وإنها لتعدل سورة البقره وان فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. حديث أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى أنهما قالا (ان رجلا من الاعراب أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لى

بكتاب الله، وقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم ناقض بيننا بكتاب الله وائذن لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل: قال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإنى أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وان على امرأة هذا الرجم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذى نهسى بيده لاقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس (لرجل من أسلم) إلى امرأة هذا، فان اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجمت) رواه الجماعة والبيهقي. حديث أبى هريرة (إذا زنت أمة أحدكم ... ) رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم ان زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم ان زنت الثالثة فليبعها ولو بحب من شعر) وفى رواية أبى داود (في الرابعة الحد والبيع) . حديث عبد الله (لا يحل دم امرئ ... ) متفق عليه، وأبو داود والترمذي والنسائي. وعن عائشة (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله إلا في إحدى ثلاث زنا بعد إحصان فانه يرجم ورجل خرج محاربا لله ولرسوله فانه يقتل أو يصلب أو ينفى من الارض أو يقتل نهسا فيقتل بها) رواه أبو داود والنساء. حديث عبادة بن الصامت (خذوا عنى ... ) (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتريد وجهه فأنزل الله عليه ذات يوم فلقى ذلك فلما سرى عنه قال خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب، والبكر بالبكر جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ونفى سنة) رواه مسلم. وفى رواية (خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) رواه الجماعة الا البخاري والنسائي

حديث ابن عمر (أتى بيهوديين. ) سبق تخريجه. اللغة. قوله (وجب عليه الرجم) وأصله الرمى بالرجام وهى الحجارة الضخام. وكل رجم في القرآن فمعناه القتل. وأما الجلد فمأخوذ من جلد الانساني وهو الضرب الذى يصل إلى جلده. قال الجوهرى جلده الحد جلدا أي ضربه وأصاب جلده كقولك رأسه وبطنه، وانما جعلت العقوبة في الزنا بذلك ولم تجعل بقطع آلة الزنا كما جعلت عقوبة السرقة والمحاربة بقطع آلة السرقة وهى اليد والرجل لانه يودى إلى قطع النسل، ولعل قطع يد السارق يكون عاما في السارق والسارقة وقطع الذكر يختص بالرجل دون المرأة. قوله (كان عسيفا) العسيف الاجير والجمع عسفاء قال: أطعت النفس في الشهوات حتى أعادتني عسيفا عند عبدى (لا يثرب) قال الخطابى لا يقتصر على التثريب. (العسيف) قال مالك الاجير، ويطلق العسيف على السائل والعبد والخادم والعسف في أصل اللغة الجور وسمى الاجير بذلك لان المستأجر يعسفه على العمل أي يجوز عليه. (تنبيه) قوله يا أنيس بضم الهمزة بعدها نون إثم تحتية ثم سين مهملة مصغرا قال ابن عبد البر هو ابن الضحاك الاسلمي، وقيل ابن مرشد، وقال ابن السكن في كتاب الصحابة لم أدر من هو ولا ذكر الا في هذا الحديث، وغلط بعضهم فقال انه أنس بن مالك. قوله (إذا وطئ رجل من أهل دار الاسلام..) وهو من باب ما لا خلاف فيه، وهذا قول امام الائمة ابن حزم في مراتب الاجماع، واتفقوا أن من زنى وهو حر بالغ غير محصن وهو عاقل مسلم غير سكران ولا مكره في أرض غير حرم مكة ولا في أرض الحرب بامرأة بالغه ليست أمة لزوجته ولا لولده ولا لاحد من رقيقه ولا لاحد من أبويه ولا ممن ولده بوجه من الوجعة ولا ادعى أنها زوجته ولا ادعى أنها أمته بوجه من الوجوه ولا هي من المعنم ولا هي مخدمة له ولا مباحة الفرج له من مالكها، وهى عاقلة غير سكرى ولا

مكرهة ولا هي مستأجرة للزنا، ولا هي أمنه متزوجة من عبده، ولا هي ذمية ولا هي حربية وهو يعلم أنها حرام عليه أو ليست ملكا له ولا عقد عليها نكاحا ولم يتب ولا تقادم زناه قبل أخذه بشهر ولا تزوجها ولا اشتراها بعد أن زنى بها أن عليه جلد مائة، واتفقوا أنه إذا زنى كما ذكرنا وكان قد تزوج قبل ذلك وهو بالغ مسلم حر عاقل بحرة مسلمة بالغة عاقلة نكاحا صحيحا ووطئها وهو في عقله قبل أن يزنى ولم يتب ولا طال الامر أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت. قوله (المحصن الذى يرجم..) قال ابن حزم في المحلى قال الله تعالى (فإذا أحصن ... ) فبيقين ندرى أن الله تعالى أراد فإذا تزوجن ووطئن فعليهن نصف ما على الحرائر المحصنات من العذاب، والحرة المحصنة فإن عليها جلد مائة والرجم وبالضرورة ندرى أن الرجم لا نصف له فبقى عليهن نصف المائة. ثم قال: واختلف الناس في المملوك الذكر إذا زنى، فقالت طائفة ان حده حد الحر من الجلد والنفى والرجم. وقال الكاسانى في البدائع (ان وجوب الحد على المرأة في باب الزنا ليس لكونها زانية، لان فعل الزنا لا يتحقق وهو الوطئ، لانها موطوءة وليست بواطئة، وتسميتها في الكتاب العزيز زانية مجاز لا حقيقة، وانما وجب عليها لكونها مزنيا بها وفعل الصبى والمجنون ليس بزنا فلا تكون هي مزنيا بها فلا يجب عليها الحد، وفعل الزنا يتحقق من العاقل البالغ فكانت الصبية أو المجنونة مزنيا بها، الا أن الحد لم يجب عليها لعدم الاهلية، والاهلية ثابتة في جانب الرجل فيجب. قالت الحنابلة في منار السبيل: فإذا زنى المحصن وجب رجمه حتى يموت. وروى حديث عمر السابق الاشارة إليه وحديث ماعز، ولا يجب الرجم الا على المحصن بإجماع أهل العلم، والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح لا باطل ولا فاسد لانه ليس بنكاح في الشرع، وهما حران مكلفان فلا احصان مع صغر أحدهما أو جنونه أو رقه، ولان الاحصان كمال فيشترط أن يكون في حال الكمال وتصير الزوجة أيضا محصنة حيث كانا بالصفات المتقدمة

حال الوطئ ولا يشترط الاسلام في الاحصان، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنى ووطئ الشبهة لا يصير به أحدهما محصنا، ولا نعلم بينهم خلافا في أن التسرى لا يحصل به الاحصان لواحد منهما، لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه، وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة وغرب عاما إلى مسافة قصر لان أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه، وفى الكافي وحيث رأى الامام الزيادة في المسافة فله ذلك، لان عمر رضى الله عنه غرب إلى الشام والعراق، وإن رأى زيادة على الحول لم يجز لان مدة الحول منصوص عليها فلم يدخلها الاجتهاد والمسافة غير منصوص عليها فرجع فيها إلى الاجتهاد اه. وتغرب المرأة مع محرم لعموم نهيها عن السفر بلا محرم وعليها أجرته، ويغرب غريب إلى غير وطنه. وإن زنى الرقيق جلد خمسين جلدة، بكرا أو ثيبا لقوله تعالى (فعليهن نصف ما على المحصنات ... ) والعذاب المذكور في القرآن مائة جلدة فينصرف التنصيف إليه دون غيره والرجم لا يتأتى تنصيفه. وعن عبد الله بن عباس المخزومى قال (أمرنى عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الامارة خمسين خمسين في الزنى) رواه مالك. ولا يغرب لان تغريبه إضرارا بسيده دونه، ولانه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بتغريب الامة إذا زنت في حديث أبى هريرة وزيد بن خالد) وقد سبق قالت المالكية: والزناة الذين تختلف العقوبة باختلافهم أربعة أصناف، محصنون ثيب وأبكار، وأحرار وعبيد، وذكور وأناث، والحدود الاسلامية ثلاثة: رجم وجلد وتغريب: فأما الثيب الاحرار المحصنون فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم إلا فرقة من أهل الاهواء، فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد، وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم، فخصصوا الكتاب بالسنة، أعنى قوله تعالى (الزانيه والزانى) الاية. واختلفوا موضعين، أحدهما هل يجلدون مع الرجم أم لا، والموضع الثاني في شروط الاحصان. قال القرطبى في تفسيره: قوله تعالى (مائة جلدة) هذا حد الزانى الحر البالغ البكر، وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة، وثبت بالسنة تغريب عام على الخلاف

في ذلك، وأما المملوكات فالواجب خمسون جلدة لقوله تعالى (فإن أتين بفاحشة) وهذا في الامة ثم العبد في معناها، وأما المحصن من الاحرار فعليه الرجم دون الجلد، ومن العلماء من يقول يجلد مائة ثم يرجم. ثم قال في مكان آخر فإن زنى بالغ بصبية أو عاقل بمجنونة أو مستيقط بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنى فهذا زان نكح غير زانية، ثم قال قلنا هو زنى من كل جهة إلا أن أحدهما سقط فيه الحد والاخر ثبت فيه. قال الشوكاني: والحاصل أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن، فليس لهم معذرة عنها بذلك وقد عملوا بما هو دونها، وقد أجاب صاحب البحر عن أحاديث التغريب بأنه عقوبة لا حد، ويجاب عن ذلك بالقول بموجبه، فإن الحدود كلها عقوبات، والنزاع في ثبوته لا في مجرد التسمية. (قلت) فإن العلماء اختلفوا هل يجلد من وجب عليه الرجم، وقال الحسن البصري واسحاق وأحمد وأبو داود (الزانى المحصن يجلد ثم يرجم) عمدة الجمهور أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ماعزا ورجم امرأة من جهينة ورجم يهوديين وامرأة من عامر من الازد، كل ذلك مخرج في الصحاح ولم يرو أنه جلد واحد منهم. ومن جهة المعنى أن الحد الاصغر ينطوى في الحد الاكبر، وذلك أن الحد انما وضع للزجر فلا تأثير للزجر بالضرب مع الرجم. وعمدة الفريق الثاني عموم قوله تعالى (الزانية والزانى ... ) فلم يخص محصن من غير محصن. واحتجوا أيضا بحديث على رضى الله عنه خرجه مسلم وغيره أن عليا رضى الله عنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله. وأما الاحصان فإنهم اتفقوا على أنه من شرط الرجم، واختلفوا في شروطه فقال مالك البلوغ والاسلام والحرية والوطئ في عقد صحيح وحالة جائز فيها الوطئ والوطئ المحظور هو عنده الوطئ في الحيض أو في الصيام، فإذا زنا بعد الوطئ الذى هو بهذه الصفة وهو بهذه الصفات فحده الرجم.

ووافق أبو حنيفة مالكا في هذه الشروط إلا في الوطئ المحظور واشترط في الحرية أن تكون من الطرفين أعنى أن يكون الزانى والزانية حرين ولم يشترط الاسلام الشافعي. وعمدة الشافعي ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو حديث متفق عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم اليهودية واليهودى، وعمدة مالك من طريق المعنى أن الاحصان عنده فضيله، ولا فضيله مع عدم الاسلام وهذا مبناه على أن الوطئ في نكاح صحيح هو مندوب إليه فهذا هو حكم الثيب. وأما الابكار فان المسلمين أجمعوا على أن حد البكر في الزنا جلد مائة، واختلفوا في التغريب فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تغريب أصلا. وقال الشافعي: لابد من التغريب مع الجلد لكل زان ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا. وقال مالك يغرب الرجل ولا تغرب المرأة، وبه قال الاوزاعي ولا تغريب عند مالك على العبيد فعمدة من أوجب التغريب على الاطلاق حديث عبادة بن الصامت، ومن خصص المرأة من هذا العموم فانما خصصه بالقياس، لانه رأى أن المرأه تعرض بالغربة لاكثر من الزنا، وهذا من القياس المرسل أعنى المصلحى الذيى كثيرا ما يقول به مالك. وأما عمدة الحنفية فظاهر الكتاب وهو مبنى على رأيهم أن الزيادة على النص فسخ وأنه ليس ينسخ الكتاب بأخبار الآحاد، ورووا عن عمر أنه حد ولم يغرب، وروى الكوفيون عن أبى بكر وعمر أنهم غربوا. وأما حكم العبيد في هذه الفاحشة فان العبيد صنفان ذكور وأناث، أما الاناث فان العلماء أجمعوا على أن الامة إذا تزوجت وزنت أن حدها خمسون جلدة، واختلفوا إذا لم تزوج، فقال جمهور فقهاء الامصار حدها خمسون جلدة وقالت طائفة. لا حد عليها وانما عليها تعزير فقط، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب، وقال قوم لا حد على الامة أصلا، والسبب في اختلافهم الاشتراك الذى في اسم الاحصان في قوله تعالى (فان أحصن) فمن فهم الاحصان التزوج قال بدليل الخطاب لا تجلد الغير المتزوجة، ومن فهم من الاحصان الاسلام

جعلة عاما في المتزوجة وغيرها، واحتج على من لم ير على غير المتزوجة حدا بحديث أبى هريرة وزيد بن خالد، وأما الذكر من العبيد ففقهاء الامصار على أن حد العبد نصف حد الحر قياسا على الامة، وقال أهل الظاهر حده مائة جلدة مصيرا إلى عموم قوله تعالى (فاجلدوا..) ولم يخصص حرا من عبد، ومن الناس من درأ الحد عنه قياسا على الامة، وهذا شاذ وروى عن ابن عباس. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن زنى وهو بكر فلم يحد حتى أحصن وزنى ففيه وجهان (أحدهما) أنه يرجم ويدخل فيه الجلد والتغريب لانهما حدان يجبان بالزنا فتداخلا، كما لو وجب حدان وهو بكر. (والثانى) أنه لا يدخل فيه لانهما حدان مختلفان فلم يدخل أحدهما في الاخر كحد السرقة والشرب، فعلى هذا يجلد ثم يرجم ولا يغرب، لان التغريب يحصل بالرجم. (الشرح) أخرج البيهقى في سننة الكبرى عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يمسها ثم زنى، فقال سعيد السنة فيه أن يجلد ولا يرجم وأخرج عن رجل من بنى عجل قال: جئت مع على رضى الله عنه بصفين فإذا رجل في زرع ينادى أنى قد أصبت فاحشة فأقيموا على الحد، فرفعته إلى على رضى الله عنه، فقال له على رضى الله عنه هل تزوجت؟ قال نعم، قال فدخلت بها؟ قال لا، قال فجلده مائة وأغرمه نصف الصداق وفرق بينهما. ورواه من طريق أخرى: ثم قال، قال الشيخ أما التفريق بينهما بالزنا حكما فلا نقول به. وأخرج عن أبى الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة كانوا يقولون (من تزوج ممن لم يكن أحصن قبل ذلك فزنى أن يدخل بامرأته فلا رجم عليه، والمرأة مثل ذلك، فإن دخل بامرأته ساعة من ليل أو نهار أو أكثر فزنى بعد ذلك فعليه الرجم والمرأة مثل ذلك والاماء وأمهات الاولاد لا يوجبن الرجم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والوطئ الذى يجب به الحد أن يغيب الحشفة في الفرج فإن أحكام الوطئ تتعلق بذلك ولا تتعلق بما دونه وما يجب بالوطئ في الفرج من الحد يجب بالوطئ في الدبر لانه فرج مقصود فنعلق الحد بالايلاج فيه كالقبل، ولانه إذا وجب بالوطئ في القبل، وهو مما يستباح، فلان يجب بالوطئ في الدبر وهو مما لا يستباح أولى. (فصل) ولا يجب على الصبى والمجنون حد الزنا لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق، ولانه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي فلان يسقط الحد ومبناه على الدرء والاسقاط. أولى، وفى السكران قولان وقد بيناهما في الطلاق. (فصل) ولا يجب على المرأة إذا أكرهت على التمكين من الزنا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) ولانها مسلوبة الاختيار فلم يجب عليها الحد كالنائمة، وهل يجب على الرجل إذا أكره على الزنا؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو المذهب أنه لا يجب عليه لما ذكرنا في المرأة (والثانى) أنه يجب لان الوطئ لا يكون إلا بالانتشار الحادث عن الشهوة والاختيار. (فصل) ولا يجب على من لا يعلم تحريم الزنا لما روى سعيد بن المسيب قال ذكر الزنا بالشام، فقال رجل زنيت البارحة، فقالوا ما تقول؟ قال ما علمت أن الله عز وجل حرمه، فكتب - يعنى عمر - إن كان يعلم أن الله حرمة فخذوه وإن لم يكن قد علم فأعلموه فإن عاد فارجموه. وروى أن جارية سوداء رفعت إلى عمر رضى الله عنه وقيل إنها زنت فخفقها بالدرة خفقات، وقال أي لكاع زنيت؟ فقالت من غوش بدرهمين - تخبر بصاحبها الذى زنى بها ومهرها الذى أعطاها - فقال عمر رضى الله عنه ما ترون؟ وعنده على وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فقال على رضى الله عنه أرى أن

ترجمها، وقال عبد الرحمن أرى مثل ما ر أي أخوك، فقال لعثمان ما تقول؟ قال أراها تستهل بالذى صنعت لا ترى به بأسأ، وإنما حد الله على من علم أمر الله عزوجل، فقال صدقت، فإن زنى رجل بامرأة وادعى أنه لم يعلم بتحريمه فإن كان قد نها فيما بين المسلمين لم يقبل قوله لانا نعلم كذبه، وإن كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بادية بعيدة من المسلمين أو كان مجنونا فأفاق وزنى قبل أن يعلم الاحكام قبل قوله لانه يحتمل ما يدعيه فلم يجب الحد، وإن وطئ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن، وادعى أنه جهل تحريمه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يقبل دعواه إلا أن يكون قريب العهد بالاسلام أو نشأ في موضع بعيد من المسلمين كما لا يقبل دعوى الجهل إذا وطئها من غير إذن الراهن (والثانى) أنه يقبل قوله لان معرفة ذلك تحتاج إلى فقه. (فصل) وإن وجد امرأة في فراشه فظنها أمته أو زوجته فوطئها لم يلزمه الحد لانه يحتمل ما يدعيه من الشبهة. (فصل) وإن كان أحد الشريكين في الوطئ صغيرا والآخر بالغا أو أحدهما مستيقظا والاخر نائما، أو أحدهما عاقلا والاخر مجنونا، أو أحدهما عالما بالتحريم والاخر جاهلا، أو أحدهما مختارا والاخر مستكرها، أو أحدهما مسلما والاخر مستأمنا وجب الحد على من هو من أهل الحد ولم يجب على الاخر، لان أحدهما انفرد بما يوجب الحد وانفرد الاخر بما يسقط الحد فوجب الحد على أحدهما وسقط عن الاخر. وإن كان أحدهما محصنا والاخر غير محصن وجب على المحصن الرجم وعلى غير المحصن الجلد والتغريب، لان أحدهما انفرد بسبب الرجم والاخر انفرد بسبب الجلد والتغريب، وإن أقر أحدهما بالزنا وأنكر الاخر وجب على المقر الحد لما روى سهل بن سعد الساعدي أن رجلا أقر أنه زنى بامرأة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها فجحدت فحد الرجل. وروى أبو هريرة رضى الله عنه وزيد بن خالد الجهنى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: على ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. فأوجب الحد على الرجل وعلق الرجم على اعتراف المرأة

(فصل) وإن استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها أو تزوج ذات رحم محرم فوطئها وهو يعتقد تحريمها وجب عليه الحد لانه لا تأثير للعقد في إباحة وطئها فكان وجوده كعدمه، وإن ملك ذات رحم محرم ووطئها ففيه قولان (أحدهما) أنه يجب عليه الحد لان ملكه لا يبيح وطأها بحال فلم يسقط الحد (والثانى) أنه لا يجب عليه الحد، وهو الصحيح لانه وطئ في ملك فلم يجب به الحد كوطئ أمته الحائض، ولانه لا يختلف المذهب أنه يثبت به النسب وتصير الجارية أم ولد له فلم يجب به الحد، فإن وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره لم يجب عليه الحد. وقال أبو ثور: إن علم بتحريمها وجب عليه الحد، لان ملك البعض لا يبيح الوطئ فلم يسقط الحد كملك ذات رحم محرم. وهذا خطأ لانه اجتمع في الوطئ ما يوجب الحد وما يسقط فغلب الاسقاط، لان مبنى الحد على الدرء والاسقاط، وإن وطئ جارية ابنه لم يجب عليه الحد، لان له فيها شبهة ويلحقه نسب ولدها فلم يلزمه الحد بوطئها (الشرح) حديث (رفع القلم ... ) سبق تخريجه حديث (رفع عن أمتى ... ) أخرجه الطبراني عن ثوبان. أثر سعيد بن المسيب أخرجه البيهقى في السنن من رواية بكر بن عبد الله عن عمر أنه كتب إليه في رجل قيل له متى عهدك بالنساء فقال البارحة، قبل بمن؟ قال بأم مثواى - يعنى ربة منزلي - فقيل له قد هلكت، قال ما علمت أن الله حرم الزنا، فكتب عمر أن يستحلف ثم يخلى سبيله وقال الحافظ في التلخيص: وروينا في فوائد عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجويرى قال: أنا سفيان عن عمر وبن دينار أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ذكر الزنا بالشام فقال رجل قد زنيت البارحة، فقالوا ما تقول؟ فقال أو حرمه الله؟ ما علمت أن الله حرمه، فكتب إلى عمر فقال: إن كان علم أن الله حرمه فحدوه، وإن لم يكن علم فعلموه فإن عاد فحدوه. ثم قال وهكذا أخرجه عبد الرزاق حديث سهل أخرجه البيهقى بألفاظ مقاربة وأحمد وأبو داود وفيه عبد السلام

ابن حفص متكلم فيه أثر (أن جارية سوداء) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى وأخرج عن سعيد بن المسيب أنه سمع ابن عباس يقول: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ الناس يوم الجمعة أتاه رجل مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مناه فتخطى الناس حتى اقترب إليه فقال يا رسول الله أقم على الحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلس فانتهره، فجلس ثم قام الثانية فقال مثل ذلك، فقال اجلس ثم قام الثالثة فقال مثل ذلك، فقال ما حدك؟ قال أتيت امرأة حراما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجال من أصحابه فيهم على بن أبى طالب وعباس وزيد بن حارثة وعثمان بن عفان رضى الله عنهم انطلقوا به فاجلدوه مائة جلدة، ولم يكن الليثى تزوج، فقيل يا رسول الله ألا نجلد التى خبث بها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتونى به مجلودا، فلما أتى به قال له من صاحبتك؟ قال فلانة لامرأة من بنى بكر فدعاها فسألها عن ذلك فقالت كذب والله ما أعرفه وأنى مما قال لبريئه، الله على ما أقول من الشاهدين، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شهودك أنك خبثت بها فإنها تنكر، فإن كان لك شهداء جلدتها وإلا جلدتك حد الفرية، فقال يا رسول الله ما لى شهداء، فأمر به فجلد حد الفريه ثمانين) وفيه القاسم بن فياض تكلم فيه غير واحد، وقال النسائي هذا حديث منكر حديث أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى سبق تخريجه اللغة. قوله (فخفقها بالدرة خفقات) أي ضربها ضربا خفيفا، يقال خفقه يخفقه ويخفقه، والمخفقة الدرة التى يخفق بها، وهى آلة عريضة فيها جلود مخفوقة قوله (أي لكاع) اللكع اللئيم والمرأة لكاع ولا يستعمل الا في النداء. وقال أبو عبيد اللكع عند العرب العبد، وقال الليث يقال امرأة لكاع وملكعانة، ورجل لكع وملكعان ولكيع كل ذلك يوصف به الاحمق قوله (من غوش بدرهمين) هو اسم طائر سمى به الرجل قوله (أراها تستهل) أراها أظنها وكل ما كان أرى بالضم لما لم يسم فاعله فمعناه أظن وكل ما كان مفتوحا فهو الذى من الرأى أو رؤية البصر وتستهل بتخفيف اللام أي تراه سهلا لا بأس به عندها ومن رواه بالتشديد فهو خطأ وان صح فمقتضاه تضحك. قوله (ومبناه على الدرء والاسقاط) الدرء الدفع ودرأه دفعه وقد ذكر

قوله (والوطئ الذى يجب به الحد..) قلت فيه مسألتان: الاولى: غياب الحشفة في الفرج فإن أحكام الوطئ تتعلق بذلك لا بما دونه وهذا ما لا خلاف فيه: الثانية: ما يجب بالوطئ في الفرج من الحد يجب بالوطئ في الدبر ... ) ففيه خلاف. قال الكاسانى في البدائع (الوطئ في الدبر في الانثى أو الذكر لا يوجب الحد عند أبى حنيفة، وان كان حراما لعدم الوطئ في القبل فلم يكن زنا. ثم قال: ولابي حنيفة ما ذكرنا أن اللواطة ليست بزنا لما ذكرنا أن الزنا اسم للوطئ في قبل المرأة، ألا ترى أنه يستقيم أن يقال لاط وما زنا وزنا وما لاط (ويقال فلان لوطى وفلان زانى فكذا يختلفان اسما واختلاف الاسامي دليل اختلاف المعاني، ولهذا اختلف الصحابة في حد هذا الفعل، ولو كان هذا زنا لم يكن لاختلافهم معنى، لان موجب الزنا كان معلوما لهم بالنص فثبت أنه ليس بزنا ولا في معنى الزنا أيضا لما في الزنا من اشتباه الانساب وتضييع الولد ولم يوجد ذلك في هذا الفعل إنما فيه تضييع الماء المهين الذى يباح مثله بالعزل. والشافعي يوجب الحد وهو الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن لا لانه زنا بل لانه في معنى الزنا المشاركة الزنا في المعنى المستدعى لوجوب الحد وهو الوطئ الحرام. وقالت الحنابلة: وشرط وجوب الحد ثلاثة (احدها) تغييب الحشفة في فرج أو دبر لآدمي حى ذكر أو أنثى، واستدلوا بحديث أبى هريرة في حديث الاسلمي الذى رواه أبو داود والدارقطني (فأقبل عليه في الخامسة قال أنكتها؟ قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر، قال: نعم، وفى آخره فأمر به فرجم، ولو تلوط بغلام لزمه الحد، لحديث أبى موسى مرفوعا (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان) وعنه حده الرجم بكل حال، لانه إجماع الصحابة فانهم أجمعوا على قتله وانما اختلفوا في الكيفية. قال الخطابى في معالم السنن: بعد أن أورد حديثى ابن عباس (من وجدتموه

يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) والثانى (البكر يؤخذ على اللوطية قال يرجم) قلت: وفى كليهما ضعف، بل قال الحافظ في التلخيص عن الاول استنكره النسائي، ورواه ابن ماجه والحاكم وإسناده أضعف من رواية الترمذي وغيره. وقال ابن الطلاع في أحكامه لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه، وفى الثاني قال لا يصح وقد أخرجه البزار وفيه عاصم متروك. في هذا الصنع هذه العقوبة العظيمه، وكأن معنى الفقهاء فيه أن الله سبحانه أمطر الحجارة على قوم لوط فقتلهم بها ورتبوا للقتل المأمور به على معاني ما جاء فيه من أحكام الشريعة فقالوا: يقتل بالحجارة رجما ان كان محصنا ويجلد مائة إن كان بكرا ولا يقتل، وإلى هذا ذهب سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ والنخعي والحسن وقتادة وهو أظهر قولى الشافعي. وحكى ذلك أيضا عن أبى يوسف ومحمد. وقال الاوزاعي: حكمه حكم الزانى، وقال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه يرجم ان أحصن أو لم يحصن وروى ذلك عن الشعبى، وقال أبو حنيفة يعزر ولا يحد وذلك أن هذا الفعل ليس عندهم بزنا. وقال بعض اهل الظاهر لا شئ على من فعل هذا الصنيع (قلت) وهذا أبعد الاقاويل عن الصواب دعاها إلى إغراء الفجار به وتهوين ذلك بأعينهم وهو قول مرغوب عنه. قال الشيخ الفقى في تعليقه: والاظهر والله أعلم هو قتل الفاعل والمفعول به كما هو ظاهر الحديث، لان في هذه الفاحشة القذرة إفسادا أي افساد للفطرة وعكسا للاوضاع: ولذلك جمع الله تعالى لاهلها الفاعلين والمفعول بهم عقوبتين عظيمتين الخسف والحصب بحجارة من سجيل (قلت) ردا عليه، أما الفعله فأوافقه على ما قاله فيها بل ثبت فيها اللعن والخسف لقوم لوط، أما الحد استنادا إلى حديث لم يصح سنده فهذا تشريع حكم لم يأذن به الله ولا فعله رسوله وحكم بغير ما أنزل الله، وللحاكم أن يختار ما يشاء من التعذيب لهؤلاء الفسقة حتى يردعهم

وقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي عن على أنه رجم لوطيا، قال الشافعي وبهذا نأخذ محصنا كان أو غير محصن، وأخرج البيهقى عن أبى بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما تنكح النساء فَسَأَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فكان أشدهم يومئذ قولا على بن أبى طالب قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الامم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن تحرقه بالنار فاجتمع أصحاب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار، وفى إسناده إرسال. وروى من وجه آخر عن على في غير هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار، وأخرج البيهقى عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطى فقال ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع بالحجارة، وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر. قوله (ولا يجب على الصبى ... ) فهذا مما لا خلاف فيه. قوله (ولا يجب على المرأة إذا أكرهت ... ) قال الكاسانى في البدائع (وكذلك الوطئ عن اكراه لا يوجب الحد) قلت: أما الرجل فلا اكراه عليه، لان الوطئ لا يكون إلا بالانتشار الحادث عن الشهوة. قوله (وإن كان أحد الشريكين ... ) وقال الشوكاني: استدل بحديث سهل بن سعد مالك والشافعي فقالا يحد من أقر بالزنا بامرأة معينة للزنا لا للقذف، وقال الاوزاعي وأبو حنيفة يحد للقذف فقط قال: لان إنكارها شبهة وأجيب بأنه لا يبطل اقراره، وذهبت الهادوية ومحمد، وروى عن الشافعي إلى أنه يحد للزنا وللقذف، واستدلوا بحديث ابن عباس الذى ذكرناه (قلت السابق تخريجه) وهذا هو الظاهر لوجهين، الاول أن غاية ما في حديث سهل أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مسقط بخلاف حديث ابن عباس فان فيه أنه أقام الحد عليه

والوجه الثاني أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل وقد صدق على من كان كذلك أنه قاذف قوله (وإن استأجر امرأة. ) روى محمد بن حزم بسنده أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لى فلقينى رجل فحفن لى حفنة من تمر ثم حفن لى حفنة من تمر ثم حفن لى حفة من تمر ثم أصابني، فقال عمر ما قلت؟ فأعادت، فقال عمر ويشير بيده مهر مهر مهر ثم تركها. وبه إلى عبد الرزاق أن امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى تعطيه نفسها، قالت فحثى لى ثلاث حثيات من تمر وذكرت أنها كانت جهدت من الجوع، فأخبرت عمر فكبر وقال مهر مهر مهر ودرأ عنها الحد وقال أبو محمد (ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا إلا ما كان عن مطارفة وأما ما كان عن عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حد فيه. وقال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأصحابنا وسائر الناس هو زنا كله وفيه الحد وأما المالكيون والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف من الصحابة إذا وافق تقليدهم، وهم قد خالفوا عمر، ولا يعرف له مخالف من الصحابة بل هم يعدون مثل هذا إجماعا، ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك. وأما الحنفيون المقلدون لابي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التى لا يكاد يوجد لها نظير أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد ههنا بثلاث حشيات من تمر مهر، وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا بل متعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك، فهذا هو الاستخفاف حقا والاخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا وترك ما اشتهوا، فما هذا دينا وأف لهذا عملا، ثم قال: وعلى هذا لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية إلا فعلا وهما في أمن من الحد بأن يعطيها درهما يستأجرها به الزنا ثم قال: وحد الزنا واجب على المستأجر والمستأجرة بل جرمهما أعظم من جرم الزانى والزانية بغير استئجار لان المستأجر والمستأجرة زادا على سائر الزنا حراما آخر، وهو أكل المال بالباطل، وأما المخدمة فروى ابن الماجشون

صاحب مالك أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها، وهذا قول فاسد، ومع فساده ساقط. أما فساده فإسقاطه الحد الذى أوجبه الله تعالى في الزنا، وأما سقوطه فتفريقه بين المخدمة مدة طويلة والمخدمة مدة قصيرة ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التى يسقط فهيا الحد، فإن حد مدة كان متزايدا من القول بالباطل بلا برهان، وإن لم يحد شيئا كان محرما موجبا شارعا مالا يدرى فيما لا يدرى، وهذه تخاليط نعوذ بالله منها. والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة ولو أخدمها عمر نوح في قومه لانه زنا وعمر من ليست له فراشا. ثم قال من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد بذلك، لان الله تعالى قد أوجبه عليه فلا يسقطه زواجه إياها، وكذلك إذا زنى بأمة ثم اشتراها، وهو قول جمهور العلماء وقال أبو حنيفة لا حد عليه في كلتا المسألتين، وهذه من تلك الطوام. قال الشوكاني بعد أن أورد حديث البراء (لقيت خالي ومعه الراية فقلت أبن تريد، قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رجل تزوج امرأة أبيه من بعد أن أضرب عنقه وآخذ ماله، رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه والترمذي أخذ المال. وأخرج أبو داود عن البراء بينما أطوف على إبل لى ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الاعراب يطيفون بى لمزلتى من النبي صلى الله عليه وسلم إذ اتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقة، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه) ثم أورد الاختلافات في الروايات، ثم قال وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح، والحديث فيه دليل على أنه يجوز للامام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة، ثم قال ولكنه لابد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذى أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل، وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل، وفيه دليل أيضا على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلا لها بعد إراقة دمه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) واللواط محرم لقوله عز وجل (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين) فسماه فاحشة، وقد قال عز وجل (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ولان الله عز وجل عذب بها قوم لوط بما لم يعذب به أحدا، فدل على تحريمه، ومن فعل ذلك وهو ممن يجب عليه حد الزنا وجب عليه الحد، وفى حده قولان (أحدهما) وهو المشهور من مذهبه أنه يجب فيه ما يجب في الزنا، فإن كان غير محصن وجب عليه الجلد والتغريب، وإن كان محصنا وجب عليه الرجم، لما روى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان، ولانه حد يجب بالوطئ فاختلف فيه البكر والثيب كحد الزنا والقول الثاني أن يجب قتل الفاعل والمفعول به لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) ولان تحريمه أغلظ فكان حده أغلظ، وكيف يقتل؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يقتل بالسيف لانه أطلق القتل في الخبر فانصرف إطلاقه إلى القتل بالسيف. (والثانى) أنه يرجم لانه قتل يجب بالوطئ فكان بالرجم كقتل الزنا (الشرح) حديث أبى موسى الاشعري في إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم. وقال البيهقى لا أعرفه، والحديث منكر بهذا الاسناد، وأخرجه اليبهقى في السنن الكبرى. حديث ابن عباس أخرجه الخمسة الا النسائي والحاكم والبيهقي، وقال الحافظ رجاله موثقون الا أن فيه اختلافا، وقال الترمذي إنما يعرف هذا الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هذا الوجه وروى محمد بن اسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبى عمرو فقال (ملعون

من عمل عمل قوم لوط. ولم يذكر القتل) وقال يحيى بن معين: عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اقتلوا الفاعل والمفعول به) قال الشوكاني ويجاب عن ذلك بأنه قد احتج الشيخان به، وروى عنه مالك في الموطأ وقد استنكر النسائي هذا الحديث وقد سبق الكلام في هذا الموضوع قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ومن حرمت مباشرته في الفرج بحكم الزنا أو اللواط حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة، والدليل عليه قوله عز وجل (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يخلون أحدكم بامرأة ليست له بمحرم فإن ثالثهما الشيطان، فإذا حرمت الخلوة بها، فلان تحرم المباشرة أولى لانها أدعى إلى الحرام، فإن فعل ذلك لم يجب عليه الحد ما رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (إنِّي أخذت امرأة في البستان وأصبت منها كل شئ غير أنى لم أنكحها فاعمل بى ما شئت، فقرأ عليه أقم الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحسنات يذهبن السيئات. ويعزر عليه لانه معصية ليس فيها حد ولا كفارة فشرع فيها التعزير. (فصل) ويحرم إتيان المرأة المرأة لما روى أبو موسى الاشعري إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) ويجب فيه التعزير دون الحد لانها مباشرة من غير ايلاج فوجب بها التعزير دون الحد كمباشرة الرجل المرأة فيما دون الفرج. (الشرح) حديث (لا يخلون رجل بامرأة. ) رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس (لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي محرم) وروى الطبراني عنه (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم)

وروى عن أبى أمامة (اياك والخلوة بالنساء، والذى نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة الا ودخل الشيطان بينهما، ولان يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له) حديث غريب وأخرج الخطيب في تاريخ بغداد عن عمر بن الخطاب (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، ومن سائته سيئتة وسرته حسنته فذاكم مؤمن) حديث أبى موسى سبق تخريجه اللغة. قوله (وزلفا من الليل) الزلفة الطائفة من الليل، وجمعها زلف وزلفات وما ذكره المصنف لا خلاف فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم اتيان البهيمة لقوله عز وجل (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فإن أتى البهيمة وهو ممن يجب عليه حد الزنا ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه يجب عليه القتل لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) وكيف يقتل؟ على الوجهين في اللواط. والقول الثاني أنه كالزنا، فإن كان غير محصن جلد وغرب، وان كان محصنا رجم، لانه حد يجب بالوطئ فاختلف فيه البكر والثيب كحد الزنا والقول الثالث أنه يجب فيه التعزير، لان الحد يجب للردع عما يشتهى وتميل النفس إليه، ولهذا وجب في شرب الخمر ولم يجب في شرب البول وفرج البهيمة لا يشتهى فلم يجب فيه الحد. وأما البهيمة فقد اختلف أصحابنا فيها، فمنهم من قال يجب قتلها لحديث ابن عباس وأبى هريرة، ولانها ربما أتت بولد مشوه الخلق، ولانها إذا بقيت كثر تعبير الفاعل بها. ومنهم من قال لا يجب قتلها، لان البهيمة لا تذبح لغير مأكلة، وحديث

ابن عباس يرويه عمرو بن عمرو وهو ضعيف، وحديث أبى هريره يرويه على بن مسهر، وقال أحمد رحمه الله: إن كان روى هذا الحديث غير على وإلا فليس بشئ ومنهم من قال إن كانت البهيمة مما تؤكل ذبحت، وإن كانت مما لا تؤكل لم تذبح، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذبح الحيوان لغير مأكلة، فإن قلنا إنه يجب قتلها وهى مما يؤكل ففى أكلها وجهان (أحدهما) أنه يحرم لان ما أمر بقتله لم يؤكل كالسبع (والثانى) أنه يحل أكلها لأنه حيوان مأكول ذبحه من هو من أهل الذكاة وإن كانت البهيمة لغيره وجب عليه ضمانها إن كانت مما لا تؤكل وضمان ما نقص بالذبح إذا قلنا إنها تؤكل لانه هو السبب في إتلافها وذبحها. (فصل) وإن وطئ امرأة ميتة وهو من أهل الحد ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجب عليه الحد لانه إيلاج في فرج محرم ولا شبهة له فيه فأشه إذا كانت حية (والثانى) أنه لا يجب لانه لا يقصد فلا يجب فيه الحد (الشرح) حديث ابن عباس (من أتى بهيمة ... ) أخرجه أبو يعلى، وقال في اسناده كلام، ورواه ابن عدى عن أبى يعلى، ثم قال، قال لنا أبو يعلى: بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه، وقال ابن عدى انهم كانوا لقنوه حديث أبى هريرة (من وقع على بهيمة..) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبى عمرو وسبق الكلام عليه حديث نهى النبي عن ذبح الحيوان الا لاكله) أبو داود في المراسيل وفى الموطأ وروى البيهقى عن ابن عباس: من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه، فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة؟ فقال مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك شيئا، ولكن أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها بعد ذلك العمل قال الشوكاني: وقد روى سفيان الثوري عن عاصم عن أبى رزين عن ابن عباس أنه قال (من أتى بهيمة فلا حد عليه)

حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا سفيان، وهذا أصح من حديث ابن عباس اللغة قوله (مشوه الخلق) أي قبيح الخلق، ومنه الحديث شاهت الوجوه قبحت. وشوهه الله فهو مشوه، قال الشاعر يصف فرسا: فهى شوهاء كالجوالق فوها مستجاف يضل فيه لشكيم قال الشوكاني اختلف أهل العلم فيمن وقع على بهيمة، فأخرج البيهقى عن جابر بن زيد أنه قال من أتى بهيمة أقيم عليه الحد وأخرج أيضا عن الحسن أنه قال ان كان محصنا رجم. وروى عن الحسن البصري أنه قال هو بمنزلة الزانى، قال الحاكم أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد، وهو مجمع على تحريم اتيان البهيمة، كما حكى ذلك صاحب البحر، وقد ذهب إلى أنه يوجب الحد كالزنا الشافعي في قول له والهادوية وأبو يوسف، وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله والناصر والامام يحيى إلى أنه يوجب التعزير فقط، إذ ليس بزنا، ورد بأنه فرج محرم شرعا مشتهى طبعا فأوجد الحد كالقبل، وذهب الشافعي في قول له إلى أنه يقتل أخذا بحديث الباب وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها والى أنها تذبح على عليه السلام والشافعي في قول، وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط، قال في البحر انها تذبح البهيمة، ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتى بولد مشوه، كما روى أن راعيا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه اه (قلت) أما الاتيان بولد مشوه من بهيمة فهذا يعتبر من الفروض الغير معقولة التى أوردها هؤلاء في وقت الفراغ الذهنى قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويحرم الاستمناء لقوله عز وجل (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) ولانها مباشرة تفضى إلى قطع النسل فحرم كاللواط. فإن فعل عزر ولم يحد، لانها مباشرة محرمة من غير ايلاج فأشبهت مباشرة الاجنبية فيما دون الفرج وبالله التوفيق

(الشرح) قال الكاسانى في البدائع: وكذا وطئ المرأة الميتة لا يوجب الحد ويوجب التعزير لعدم وطئ المرأة الحية. وقالت الحنابلة وإن زنى بميته فروايتان وأطلقهما في الهداية، والمذهب ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والمغنى، والكافي، والمقنع، والمحرر، والشرح، والحاوى الصغير، وغيرهما، وحكاهما في الكافي وغيره وجهين. (أحدهما) لا حد عليه وهو الصحيح من المذهب اختاره ابن عبدوس في تذكرته وصححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز والآدمي ومنوره وغيرهما. (والوجه الثاني) يجب عليه الحد اختاره أبو بكر والناظم وقدمه في الرعايتين قوله (ويحرم الاستمناء..) قالت الحنابلة ومن استمنى بيده بلا حاجة عزر وعنه يكره ذلك نقل ابن منصور لا يعجبنى بلا ضرورة. قال مجاهد كانوا يأمرون فتيانهم أن يستعفوا به، وقال العلاء بن زياد كانوا يفعلونه في مغازيهم وعنه يحرم مطلقا. وقال ابن عقيل إن كان غنيا بوجود طول زوجة أو أمة أو حرة لم يجز له الاستمناء، وأصحابنا وشيخنا لم يطلقوا التحريم ولم يذكروا سوى الكراهة قال وإن كان غير قادر على طول امرأة لكنه لا شهوة له تحمل على الزنا ولا يخاف غلبان اللذة حرم عليه أيضا للخبر، فان كان متردد الحال به للفتور والشهوة وليس له ما يتزوج به لم يحرم، لان حاله دون القادر ودون حال المتغلب للشهوة وإن كان متغلب الشهوة خائفا من العنت للضيق والشهوة ولا جدة له على النكاح جاز له ذلك، قال في الفصول وإن استمنى وصور في نفسه شخصا أو دعا باسمه فان كانت زوجته أو أمته وكان غائبا عنها فلا بأس وإن كان الشخص الذى يتصوره أو نادى أجنبية أو غلاما كره ذلك. وقال في المفردات: الاستمناء أحب إلى من نكاح الامة، وقال إذا قور بطيخة أو سوى عجينة أو أديما أو كدة في صنم فاستمنى به كان على ما قدمنا س التفصيل، قال أبو العباس وهذا ليس بجيد، ولو خرجه على الآلة الذى تستمنى به

المرأة لكان أقرب، مع أن الرجل أغنى عن الآلة منها وقال ابن مفلح في الفروع: والمرأة كرجل فتستعمل شيئا مثل الذكر، ويحتمل المنع وعدم القياس. ذكره ابن عقيل وفى هامش مخطوطة الازهر حاشية: قال القاضى في ضمن المسألة لما ذكر المرأة قال بعض أصحابنا لا بأس به إذا قصد به طفى الشهورة والتعفف عن الزنا، قال والصحيح عندي أنه لا يباح والله أعلم قال ابن العربي في أحكام القرآن، قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز قال سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة فتلا هذه (والذين هم لفروجهم حافظون ... هم العادون) وهذا لانهم يكنون عن الذكر بعميرة، وفيه يقول الشاعر: إذا حللت بواد لا أنيس به فاجلد عميرة لا داء ولا حرج ويسميه أهل العراق الاستمناء، وهو استفعال من المنى، وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة، أصله الفصد والحجامة. وعامة العلماء على تحريمه وهو الحق الذى لا ينبغى أن يدان الله إلا به. وقال بعض العلماء إنه كالفاعل بنفسه وهى معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، ويا ليتها لم تقل، ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها. فإن قبل فقد قيل إنها خير من نكاح الامة، قلنا نكاح الامة ولو كانت كافرة على مذهب العلماء خير من هذا، وإن كان قد قال به قائل، ولكن الاستمناء ضعيف في الدليل عار بالرجل الدنئ فكيف بالرجل الكبير (وهذا نص ما نقله القرطبى ولم يشر إلى مصدره) وقال الخازن في تفسير (فمن ابتغى وراه ذلك ... ) فيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام، وهو قول أكثر العلماء. سئل عطاء فقال مكروه، سمعت أن قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. وقال ابن كثير في تفسير الآية، وقد استدل الامام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة (والذين هم لفروجهم

حافظون..أيمانهم) قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال الله تعالى (فمن ابتغى ... ) وقد استأنسوا بحديث رواه الامام الحسن بن عرفة في جزئه المشهور حيث روى بعنعنته إلى أنس بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العاملين ويدخلهم النار أول الداخلين الا أن يتوبوا، ومن تاب تاب الله عليه، الناكح يده والفاعل والمفعول به، ومن شرب الخمر والضارب والديه حتى يستخيثا، والمؤذى جيرانه حتى يلعنوه والناكح حليلة جاره، وقال ابن كثير حديث غريب واسناده فيه من لا يعرف لجهالته. وقال ابن حزم في مراتب الاجماع (واختلفوا في الاستمناء أحرام هو أم مكروه أم مباح؟) (قلت) ولو كان الامر لى لافضت كثيرا في هذا الموضوع الذى أصبح بهم كثيرا من شبابنا في هذه الايام إلى تأخر فيها سن الزواج لطول مدة التعليم، ولكن الامر لله ومراعاة لطلب الناشر لذكرت ما قاله أهل الظاهر وما رووه عن الصحابة وبعض التابعين حينما سئلوا (انما هو عضوك تدلكه) ونشرت مجلة الدكتور بحثا عن الاستمناء قررت أن الافراط فيه مضر قال المصنف رحمه الله تعالى باب اقامة الحد لا يقيم الحدود على الاحرار الا الامام أو من فوض إليه الامام لانه لم يقم حد على حر عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الا بإذنه ولا في أيام الخلفاء الا بإذنهم، ولانه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه الحيف فلم يجز بغير اذن الامام، ولا يلزم الامام أن يحضر اقامة الحد ولا أن يبتدئ بالرجم، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ برجم جماعة ولم ينقل أنه حضر بنفسه ولا أنه رماهم بنفسه، فإن ثبت الحد على عبد بإقراره، ومولاه حر مكلف عدل فله أن يجلده في الزنا والقذف والشرب، لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ

صلى الله عليه وسلم قال: اقيموا الحدوه على ما ملكت أيمانكم. وقال عبد الرحمن ابن أبى ليلى: ادركت بقايا الانصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت، وهل له أن يغربه؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يغرب الا الامام لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر، فأمر بالجلد دون النفى (والثانى) وهو المذهب أن له أن يغرب لحديث على كرم الله وجهه، ولان ابن عمر جلد أمة له زنت ونفاها إلى فدك، ولان من ملك الجلد ملك النفى كالامام، وان ثبت عليه الحد بالبينه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز أن يقيم عليه الحد، وهو المذهب، لانا قد جعلناه في حقه كالامام، وكذلك في اقامة الحد عليه بالبينة (والثانى) أنه لا يجوز لانه يحتاج إلى تزكية الشهود، وذلك إلى الحاكم، فعلى هذا إذا ثبت عند الحاكم بالبينة جاز للسيد أن يقيم الحد من غير اذنه، وهل له أن يقطعه في السرقة؟ فيه وجهان. أحدهما أنه لا يملك، لانه لا يملك من جنس القطع ويملك من جنس الجلد وهو التعزير. والثانى أنه يملك وهو المنصوص في البويطى لحديث على كرم الله وجهه، ولان ابن عمر قطع عبدا له سرق، وقطعت عائشة رضى الله عنها أمة لها سرقت، ولانه حد فملك السيد اقامته على مملوكه كالجلد، وله أن يقتله بالردة على قول من ملك اقامة الحد على العبد، وعلى قول من منع من القطع يجب أن لا يجوز له القتل، والصحيح أن له أن يقتله، لان حفصة رضى الله عنها قتلت أمة لها سحرتها، والقتل بالسحر لا يكون الا في كفر، ولانه حد فملك المولى اقامته على المملوك كسائر الحدود وان كان المولى فاسقا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يملك اقامة الحد لانه ولاية تثبت بالملك فلم يمنع الفسق منها كنرويج الامة.

(والثانى) أنه لا يملكه لانه ولاية في إقامة الحد فمنع الفسق منها كولاية الحاكم، وإن كانت امرأة فالمذهب أنه يجوز لها إقامة الحد، لان الشافعي استدل بأن فاطمة عليها السلام جلدت أمة لها زنت. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يجوز لها لانها ولاية على الغير فلا تملكها المرأة كولاية التزويج، فعلى هذا فيمن يقيم وجهان (أحدهما) أنه يقيمه وليها في النكاح قياسا على تزويج أمتها (والثانى) أنه يقيمه عليها الامام لان الاصل في إقامة الحد هو الامام، فإذا سقطت ولاية المولى ثبت الاصل، وإن كان للمولى مكاتب ففيه وجهان ذكرناهما في الكتابة. (الشرح) حديث (أقيموا الحدود ... ) عن على قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمة فجرت فقال أقم عليها الحد فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمائها، فرجعت فقال أفرغت؟ فقلت وجدتها ولم تجف من دمائها، قال فإذا جفت من دمائها فأقم عليها الحد، قال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الحد على ما ملكت أيمانكم، أخرجه البيهقى ومن طريق آخر (عن على قال: ولدت أمة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أقم عليها الحد فذكر نحوه ومن طريق آخر قال: خطبنا على رضى الله عنه فقال أيها الناس أيما عبد وأمة فجرا فأقيموا عليهما الحد وإن زنيا اجلدوهما الحد ... ثم ذكر باقى الحديث الاول في أن دمها لم يجف بعد. وأخرج مسلم قال خطب على فقال يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقاتكم من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بالنفاس..وذكر ما سبق حديث أبى هريره (إذا زنت أمة أحدكم ... ) أخرجه مسلم والبخاري عن أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى وأحمد وأبو داود، وذكر فيها الرابعة الحد والبيع) أثر فاطمة رضى الله عنها (أن فاطمة جلدت أمة لها زنت) أخرجه البيهقى في

السنن الكبرى أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدت جارية لها زنت وأخرج أن أنس بن مالك كان إذا زنى مملوكه أمر بعض بنيه فأقام عليه الحد. وروى عن عبد الله بن عمر أنه حد جارية له زنت. وروى عن سعيد بن جبير يقول إذا زنت الامة لم تجلد الحد ما لم تزوج، فسألت عبد الرحمن بن أبى ليلى فقال أدركت بقايا الانصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت وروى البيهقى عن أبى الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهى إلى قولهم من أهل المدينة كانوا يقولون لا ينبغى لاحد أن يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا إن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته اللغة. قوله (يضربون الوليدة من ولائدهم) الوليدة الامة وجمعها ولائد قيل سميت بذلك لانها تربى تربية الاولاد وتعلم الاداب قوله (ولا يثرب عليها) التثريب التعبير والاسنقصاء في اللوم، قال الله تعالى (لا تثريب عليكم) أي لا توبيخ عليكم ولا تعداد لذنوبكم (ولا يثرب عليها) بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة وبعدها موحدة وهو التعنيف قوله (لا يقيم الحدود..) فهذا كما قلنا سابقا لا خلاف فيه قوله (فإن ثبت الحد على عبد ... ) قال الشوكاني أن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك، وإن لم يقع إقرار ولا قامت شهادة، واليه ذهب بعضهم، وحكى في البحر الاجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر، والامة حكمها حكمه وقد ذهب الاكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الامام أو الحاكم. وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد، ثم قال وفى الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع، وبها يرد على النووي حيث قال إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الاخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله فليبعها، وكذا وافقه ابن دقيق العبد وهو مردود. وأما الحافظ في الفتح فقال الارجح انه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها، وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به، ولا يخفى أنه لم يسكت عن ذلك، وظاهر الامر

بالبيع أنه واجب، وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط، وزعم بعض الشافعية أن الامر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ولا أعرف له ناسخاء فإن كان هو النهى عن إضاعة المال كما زعم بعضهم، فيجاب عنه أولا بأن الاضاعة إنما تكون إذا لم يكن شئ في مقابل المبيع، والمأمور به ها هنا هو البيع لا الاضاعة وذكر الحبل من الشعر للمبالغة، ولو سلم عدم إرادة المبالغة لما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة وإلا لزم أن يكون بيع الشئ الكثير بالحقير إضاعة وهو ممنوع. وقد ذهب داود وأهل الظاهر إلى أن البيع واجب لان ترك مخالطة الفسقة ومفارقتهم واجبان، وبيع الكثير بالحقير جايز إذا كان البائع عالما به بالاجماع. قال ابن بطال حمل الفقهاء الامر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا، قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له في الامة فلا يشتغل به. اه وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع، فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للامر عن الوجوب وإلا كان الحق ما قاله أهل الظاهر، والاحاديث دالة على أن السيد يقيم الحد على مملوكه، وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي. وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الامام إن كان ثم إمام وإلا كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الامة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الامام، إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد، واستثنى مالك أيضا القطع في السرقة، وهو وجه للشافعية، وفى وجه لهم آخر يستثنى حد الشرب. وروى عن الثوري والاوزاعي أنه لا يقيم السيد الا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك الا الامام مطلقا، الا أن الاحاديث التى ذكرت سابقا أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الامام موجودا أو معدوما، وبين أن يكون السيد صالحا لاقامة الحد أم لا وقال ابن حزم: يقيمه السيد الا إذا كان كافرا، وروى قول ابن أبى ليلى

المذكور سابقا. وروى الشافعي عن ابن عباس أنه قطع يد عبده، وجلد عبدا له زنى. وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها، وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها، وقد احتج من قال أنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الامام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال: كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفئ والجمعة إلى السلطان. وقال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه اثنى عشر صحابيا، والاحاديث تدل على أن الامة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا. وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا، فذهب الاكثر إلى الثاني، وذهب الزهري والثوري إلى الاول، واحتج الاولون بأن الرجم لا يتنصف، واحتج الآخرون بعموم الادلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) والمستحب أن يحضر اقامة الحد جماعة لقوله عز وجل (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) والمستحب أن يكونوا أربعة، لان الحد يثبت بشهادتهم، فإن كان الحد هو الجلد وكان صحيحا قويا والزمان معتدل أقام الحد ولا يجوز تأخيره، فإن الفرض لا يجوز تأخيره من غير عذر ولا يجرد ولا يمد لما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ليس في هذه الامة مد ولا تجريد ولا غل ولا صفد ويفرق الضرب على الاعضاء ويتوقى الوجه والمواضع المخوفة لما روى هنيدة بن خالد الكندى أنه شهد عليا كرم الله وجهه أقام على رجل حدا وقال للجلاد اضربه واعط كل عضو منه حقه واتق وجهه ومذاكيره وعن عمر أنه أتى بجارية قد فجرت فقال اذهبا بها واضرباها ولا تخرقا لها جلدا، ولان القصد الردع دون القتل، وان كان الحر شديدا أو البرد شديدا أو كان مريضا مرضا يرجى برؤه، أو كان مقطوعا أو أقيم عليه حد آخر ترك إلى أن يعتدل الزمان ويبرأ من المرض أو القطع ويسكن ألم الحد، لانه إذا أقيم عليه الحد في هذه الاحوال أعان على قتله.

وإن كان نضو الخلق لا يطيق الضرب أو مريضا لا يرجى برؤه جمع مائة شمراخ فضرت به دفعة واحدة، لما روى سهل بن حنيف أنه أخبره بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الانصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضى، فدخلت عليه جارية لبعضهم فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال من قومه يعودنه ذكر لهم ذلك وقال استفتوا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ما رأينا بأحد من الضر مثل الذى هو به لو حملناه اليك يا رسول الله لتفسخت عظامه، ما هو الا جلد على عظم، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، ولانه لا يمكن ضربه بالسوط لانه يتلف به ولا يمكن تركه لانه يؤدى إلى تعطيل الحد قال الشافعي رحمه الله ولانه إذا كانت الصلاة تختلف باختلاف حاله فالحد بذلك أولى، وإن وجب الحد على امرأة حامل لم يقم عليها الحد حتى تضع، وقد بيناه في القصاص. (فصل) وإن أقيم الحد في الحال التى لا تجوز فيها إقامته فهلك منه لم يضمن لان الحق قتله، وإن أقيم في الحال التى لا يجوز إقامته، فإن كانت حاملا فتلف منه الجنين وجب الضمان، لانه مضمون فلا يسقط ضمانه بجناية غيره، وإن تلف المحدود فقد قال إذا أقيم الحد في شدة حر أو برد فهلك لا ضمان عليه. وقال في الام إذا ختن في شدة حر أو برد فتلف وجبت على عاقلته الدية، فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة من المسئلتين إلى الاخرى وجعلهما على قولين (أحدهما) لا يجب لانه هلك من حد (والثانى) أنه يجب لانه مفرط، ومنهم من قال لا يجب الضمان في الحد لانه منصوص عليه ويجب في الختان لانه ثبت بالاجتهاد، وإن قلنا انه يضمن ففى القدر الذى يضمن وجهان (أحدهما) أنه يضمن جميع الدية لانه مفرط (والثانى) أنه يضمن نصف الدية لانه مات من واجب ومحظور فسقط النصف ووجب النصف (الشرح) حديث سهل بن حنيف، الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أن رجلا مقعدا زنا بامرأة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلد بأثكال النخل،

يروى أنه أمر أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، أخرجه الشافعي، ورواه البيهقى وقال هذا هو المحفوظ عن أبى أمامة مرسلا، ورواه احمد وابن ماجة من حديث أبى الزناد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عن سعيد ابن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال اجلدوه مائة سوط، فقال يا نبى الله هو أضعف من ذاك لو ضربناه مائة سوط لمات، قال فخذوا له عشكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه واحدة وخلوا سبيله) ورواه الدارقطني وقال وهم فيه فليح، ورواه أبو داود عن رجل من الانصار، ورواه النسائي عن سهل بن حنيف، ورواه الطبراني عن أبى سعيد الخدرى. قال الحافظ بن حجر: فإن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة وأرسله مرة. اللغة. قوله (ليس في هذه الامة مد ولا تجريد ولا غل ولا صفد) الغل بالفتح شد العنق بحبل أو غيره، والغل بالضم الحبل، والصفد بإسكان الفاء مصدر صفده بالحديد يصفده يخفف ويشدد. والصفد بالتحريك القيد وهو الغل في العنق أيضا، وجمعه أيضا أصفاد وصفد، قال الله تعالى (مقرنين في الاصفاد) قوله (نضو الخلق) أي مهزول، وأصل النضو البعير المهزول والناقة نضوة وقد أنضاه السفر هزله. قوله (مائة شمراخ) الشمراخ واحد الشماريخ، وهو العثكال الذى يكون عليه البسر والرطب قوله (اشتكى رجل منهم حتى أضنى) أي مرض، والضنى المرض، يقال أضناه المرض أي أثقله. قوله (مسرف الحر) أي مفرط في شدة الحر، وأصل السرف ضد القصد. قوله (والمستحب أن يحضر..) قلت بل الواجب، لقول الله عز وجل (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) قوله (والمستحب أن يكونوا أربعا ... ) قال ابن حزم: واتفقوا أنه إن

صف الناس صفوفا كصفوف الصلاة فرجمه الشهود أو لا ثم الناس ورجمه الامام في المقر أو لا ثم الناس، واختلفوا فيما يدل عليه اسم الطائفة فقال مالك أربعة وقيل ثلاثة وقيل اثنان، وقيل سبعة وقيل ما فوقها. وقال ابن حزم: وبيقين ندرى أن الله لو أراد بذلك عددا لبينه ولا وقفنا عليه ولم يدعنا نخبط فيه عشواء قوله (وكان صحيحا قويا..) وهذا ما لا خلاف فيه من تنفيذ الحد فورا دون إبطاء لكثرة الاحاديث في ذلك قوله (كان مريضا ... ) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم أن النفساء والمريضة ونحوهما يؤخر جلدهما إلى البرء. قال الخطابى في المعالم: ان المريض إذا كان ميؤوسا منه ومن معاودة الصحة والفوة إياه، وقد وجب عليه الحد، فإنه يتناول بالضرب الخفيف الذى لا بهده وقال الشافعي (إذا ضربه ضربة واحدة بما يجمع له من الشماريخ فعلم أن قد وصلت كلها إليه ووقعت به أجزأه ذلك. وكان بعض أصحاب الشافعي يقول (إذا كان السارق ضعيف البدن فخيف عليه من القط التلف لم يقطع) وقال بعضهم في وجوب القصاص على من قتل رجلا مريضا بنوع من الضرب لو ضرب بمثله صحيحا لم يهلك، فإنه يعتبر خلفة المقتول في الضعف والقوة وبنيته في احتمال الالم، فإن من الناس من لو ضرب الضرب المبرح الشديد لاحتمله بدنه وسلم عليه. ومنهم من لا يحتمله ويسرع إليه التلف بالضرب الذى ليس بالمبرح الشديد فإذا مات هذا الضعيف كان ضاربه قاتلا وكان حكم الاخر بخلافه لقوة هذا وضعف ذلك. (قلت) وهذا قول فيه نظر وضبط ذلك غير ممكن واعتباره متعذر والله أعلم وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه لا تعرف الحد إلا حدا واحدا الصحيح والزمن فيه سواء، قالوا ولو جاز هذا لجاز مثله في الحامل أن تضرب بشماريخ النخل ونحوه فلما أجمعوا أنه لا يجرى ذلك في الحامل كان الزمن مثل ذلك. (قلت) إن أول اشارة عن كيفية ضرب السوط تتضمنها كلمة (فاجلدوا) من آية القرآن نفسه، فإن الجلد مأخوذ من الجلد وهو ظاهر البشرة من جسد الانسان، ومن ثم قد اتفق أصحاب المعاجم وعلماء التفسير على أن الضرب

بالسوط ينبغى أن يصيب الجلد فقط ولا يعدوه إلى اللحم، فكل ضرب بقطع اللحم أو ينزع الجلد ويجرح اللحم مخالف للقرآن، ويجب أن لا يكون كل عصا أو سوط يستعمل للضرب شديدا جدا ولا رقيقا لينا جدا، بل يجب أن يكون بين اللين والشدة، والغلظة والدقه، فقد روى مالك في الموطأ أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوط فأتى بسوط مكسور، فقال فوق ذلك، فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين، فأتى بسوط قد لان وركب به، فأمر به فجلد وروى أبو عثمان الهندي عن عمر أنه أتى بسوط فيه شدة، فقال أريد ألين من هذا، فأتى بسوط فيه لين، فقال أريد أشد من هذا، فأتى بسوط بين السوطين فقال اضرب. وكذلك لا يجوز أن يستعمل في الضرب سوط فيه العقود أو له فرعان أو ثلاثة فروع. وكذلك يجب أن يكون الضرب بين الضربين، وقد كان عمر يقول للضارب لا ترفع إبطك (ذكره الجصاص وابن العربي في كتابوهما أحكام القرآن) أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغى أن يكون مبرحا أي موجعا، ولا ينبغى أن يكون في موضع واحد من الجسد، بل يفرق على الجسد كله حيث يأخذ كل عضو من أعضائه حقه، إلا الوجه والفرج والرأس أيضا عند الحنفية فإنها لا يجوز ضربها وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) رواه أبو داود. وروى عن على أنه أتى برجل سكران أو في حد فقال (اضرب واعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير) ذكره الجصاص في أحكام القرآن ولا يجوز الضرب في ساعة يشتد فيها الحر أو البرد بل يجب في ساعة اعتدال الجو في الصيف والشتاء. وكذلك لا يجوز شد الجاني ولا مده للضرب، اللهم إلا أن يحاول الفرار. وإذا أريد ضرب امرأة حامل يجب أن يؤخر حتى تضع حملها وتقضى أيام نفاسها، وإذا أريد رجمها يجب أن يؤخر حتى تضع حملها وتفطم صبيها، وإذا كان الزنا ثبت بشهادة الشهود فليبدأ بالضرب الشهود. وإن كان ثبت بإقرار

الجاني فليبدأ به القاضى نفسه حتى لا يستهين الشهود بجسامة شهادتهم والقاضى بجسامة قضائه ان عليا رضى الله عنه لما قضى بالرجم لشراحة الهمدانية المذكورة قال ان الرجم سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمى الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره، ولكنها أقرت فأنا أول من رماها فرماها بحجر ثم رماها الناس) أخرجه الامام أحمد وهذا واجب عند الحنفية وليس بواجب عند الشافعية

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن وجب التغريب نفى إلى مسافة يقصر فيها الصلاة، لان ما دون ذلك في حكم الموضع الذى كان فيه من المنع من القصر والفطر والمسح على الخف ثلاثة أيام، فان رجع قبل انقضاء المدة رد إلى الموضع الذى نفى إليه، فإن انقضت المدة فهو بالخيار بين الاقامة وبين العود إلى موضعه، وإن رأى الامام أن ينفيه إلى أبعد من المسافة التى يقصر فيها الصلاة كان له ذلك لان عمر رضى الله عنه غرب إلى الشام وغرب عثمان رضى الله عنه إلى مصر، وان رأى أن يزيد على سنة لم يجز، لان السنة منصوص عليها والمسافة مجتهد فيها. وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال يغرب إلى حيث ينطلق عليه اسم الغربة، وان كان دون ما تقصر إليه الصلاة، لان القصد تعذيبه بالغربة وذلك يحصل بدون ما تقصر إليه الصلاة ولا تغرب المرأة الا في صحبة ذى رحم محرم أو امرأة ثقه في صحبة مأمونة، وان لم تجد ذا رحم محرم ولا امرأة ثقة يتطوع بالخروج معها استؤجر من يخرج معها ومن أين يستأجر فيه وجهان، من أصحابنا من قال يستأجر من مالها، لانه حق عليها فكانت مؤفته عليها، وان لم يكن لها مال استؤجرت من بيت المال. ومن أصحابنا من قال يستأجر من بيت المال، لانه حق لله عز وجل فكانت مؤنته من بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ المال ما يستأجر به استؤجر من مالها. (الشرح) أثر عمر وأثر عثمان أخرجه البيهقى في السنن الكبرى. قوله (مسرف الحر) أي مفرط في شدة الحر، وأصل السرف ضد القصد واختلفوا في التغريب مع الجلد فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تغريب أصلا. وقال الشافعي لا بد من التغريب مع الجلد لكل زان ذكرا أو أنثى حرا كان أو عبدا وقال مالك يغرب الرجل ولا تغرب المرأة، به قال الاوزاعي، ولا تغريب عند مالك على العبيد فعمدة من أوجب التغريب على الاطلاق حديث عبادة ابن الصامت وفيه البكر بالبكر..الخ. وكذلك حديث أبى هريرة وزيد بن خالد الجهنى في الباب. ومن خصص المرأة من هذا العموم فإنما خصصه بالقياس،

لانه رأى أن المرأة تعرض بالغربة لاكثر من الزنا، وهذا من القياس المرسل أعنى المصلحى الذى كثيرا ما يقول به مالك. وأما عمدة الحنفية فظاهر الكتاب وهو مبنى على رأيهم أن الزيادة على النص نسخ وأنه ليس ينسخ الكتاب بأخبار الاحاد. ورووا عن عمر أنه حد ولم يغرب. وروى الكوفيون عن أبى بكر وعمر أنهم غربوا. وقالت الحنابلة: وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة وغرب عاما إلى مسافة قصر لان أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه، قاله في الكافي. وقال وحيث رأى الامام الزيادة في المسافة فله، وإن رأى الزيادة على الحول لم يجز له ذلك لان مدة الحول منصوص عليها فلم يدخلها الاجتهاد والمسافة غير منصوص عليها فرجع فيها إلى الاجتهاد. اه وتغرب امرأة مع محرم ولعموم نهيها عن السفر بلا محرم وعليها أجرته، ويغرب غريب إلى غير وطنه. قال ابن حزم بعد أن أورد الآراء وناقش الادلة لكل من المانعين والمجوزين هذه آثار متظاهرة رواها ثلاثة من الصحابة، عبادة بن الصامت، وأبو هريرة وزيد بن خالد الجهنى بإيجاب تغريب عام مع جلد مائة على الزانى الذى لم يحصن مع اقسام النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى في قضائه به أنه كتاب الله تعالى، وكتاب الله تعالى هو وحيه وحكمه، وفرق عليه السلام بين حد المملوك وحد الحر فصح النص أن على المماليك ذكورهم واناثهم نصف حد الحر والحرة وذاك جلد خمسين ونفى ستة أشهر وقال الشوكاني في النيل: إن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذاك قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن كان الحد رجما وكان صحيحا والزمان معتدل رجم، لان الحد لا يجوز تأخيره من غير عذر، وإن كان مريضا مرضا يرجى زواله أو الزمان مسرف الحر أو البرد ففيه وجهان.

(أحدهما) أنه لا يؤخر رجمه لان القصد قتله فلا يمنع الحر والبرد والمرض منه (والثانى) أنه يؤخر لانه ربما رجع في خلال الرجم، وقد أثر في جسمه الرجم فيعين الحر والبرد والمرض على قتله، وإن كان امرأة حاملا لم ترجم حتى تضع لانه يتلف به الجنين. (فصل) فإن كان المرجوم رجلا لم يحفر له، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يحرف لماعز، ولان ليس بعورة، وإن كان امرأة حفر لها لما روى بريدة قال جاءت امرأة من غامد إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعترفت بالزنا، فأمر فحفر لها حفرة إلى صدرها ثم أمر برجمها لان ذلك أستر لها (فصل) وإن هرب المرجوم من الرجم، فإن كان الحد ثبت بالبينة أتبع ورجم لانه لا سبيل إلى تركه، وإن ثبت بالاقرار لم يتبع لما روى أبو سعيد الخدرى قال: جاء ماعز إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الاخر زنى وذكر إلى أن قال اذهبوا بهذا فارجموه، فأتينا به مكانا قليل الحجارة فلما رميناه اشتد من بين أيدينا يسعى فتبعناه فأتى بنا حرة كثيرة الحجارة فقال ونصب نفسه فرميناه حتى قتلناه ثم اجتمعنا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرناه فقال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله فهلا خليتم عنه حين سعى من بين أيديكم، وإن وقف وأقام على الاقرار رجم، وان رجع عن الاقرار لم يرجم لان رجوعه مقبول وبالله التوفيق (الشرح) حديث لم يحفر لماعز..) رواه أحمد عن أبى سعيد بلفظ (لما أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فو الله ما حفرنا له ولا أوثقناه، ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف، فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرمينا بجلاميد الجندل حتى سكت) وأخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدرى وأبو داود حديث (جاءت امرأة من غامد..) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت الغامدية فقالت يا رسول الله إنى قد زنيت فطهرني، وأنه ردها، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردني؟ لعلك

تردني كما رددت ماعزا فو الله إنى لحبلى، قال إما لا فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبى في خرقة، قالت هذا قد ولدته، قال اذهبي فارضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبى في يده كسرة خبز، فقالت هذا يا نبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال مهلا يا خالد فو الذى نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت) وعن عبد بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الاسلمي أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله إنى زنيت وإنى أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه فقال يا رسول الله إنى قد زنيت، فرده الثانية، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قومه هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا، قالوا ما نعلمه الا وفى العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم) رواه أحمد ومسلم. وقال أحمد في آخره فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فحفر حفرة فجعل فيها إلى صدرة ثم أمر الناس برجمه. اللغة. قوله (ان الاخر زنى) بقصر الالف وكسر الخاء معناه الابعد. ويقال في الشتم أبعد الله الاخر. وقال في التلويح أي الغائب البعيد المتأخر، ويقال هذا عند شتم الانسان من يخاطبه كأنه نزهه بذلك قوله (فأتى بنا حرة) الحرة أرض ذات أحجار كثيره سود نخرة كأنها أحرقت بالنار والجمع الحرار والحرات وأحرون بالواو والنون كما قالوا أرضون وأحرون جمع أحرة قال الراجز لا حمس الا جندل الاحرين. قول (وان كان الحد ... ) وقد سبق الكلام عليه قوله (فإن كان المرجوم رجلا..) قال الشوكاني اختلف الروايات في ذلك

فحديث أبى سعيد فيه أنهم لم يحفروا لماعز. وحديث عبد الله بن بريدة فيه أنهم حفروا، وقد جمع بين الروايتين بأن المنفي حفيرة لا يمنكه الوثوب منها والمثبت عكسه أو أنهم لم يحفروا له أول الامر، ثم لما وجد مس الحجارة خرج من الحفرة فتبعوه، وعلى فرض عدم إمكان الجمع فاواجب تقديم روايه الاثبات على النفى، ولو فرضنا أن ذلك غير مرجح توجه إسقاط الروايتين والرجوع إلى غيرهما لوجدنا حديث خالد بن اللجلاج الذى أخرجه أبو داود وأحمد بلفظ أن أباه أخبره، فذكر قصة رجل اعترف بالزنا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحصنت؟ قال نعم، فأمر برجمه، فذهبنا فحفرنا له حتى أمكننا ورميناه بالحجارة حتى هدأ) فإن فيه التصريح بالحفر بدون تسمية المرجوم. وكذلك حديثه أيضا في الحفر للغامدية. وقد ذهبت العترة إلى أنه يستحب الحفر إلى سرة الرجل وثدى المرأة. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يحفر للرجل. وفى قول للشافعي أنه إذا حفر فلا بأس، وبه قال الامام يحيى. وفى وجه للشافعية أنه يخير الامام. وفى المرأة ثلاثه أوجه ثالثها يحفر ان ثبت زناها بالبينة لا بالاقرار، والمروى عن أبى يوسف وأبى ثور أنه يحفر للرجل والمرأة على المشهور عن الائمة الثلاثة أنه لا يحضر مطلقا، والظاهر مشروعية الحفر. ثم قال: قالت الحنابلة والشافعية والحنفية والعترة: ويروى عن مالك في قول له أن يقبل من المقر الرجوع عن الاقرار ويسقط عنه الحد وذهب ابن أبى ليلى وأبو ثور ورواية عن مالك وقول للشافعي أنه لا يقبل منه الرجوع عن الاقرار بعد كماله كغيره من الاقرارات، قال الاولون ويترك إذا هرب لعله يرجع. قال في البحر (مسألة) وإذا هرب المرجوم بالبينة أتبع بالرجم حتى يموت لا بالاقرار لقوله صلى الله عليه وسلم لماعز (هلا خليتموه) ولصحة الرجوع عن الاقرار، ولا ضمان إذا لم يضمنهم صلى الله عليه وسلم لاحتمال كون هربه رجوعا أو غيره اه

وذهبت المالكية إلى أن المرجوم لا يترك إذا هرب وعن أشهب أن ذكر عذرا فقيل يترك والا فلا، ونقله العتبى عن مالك، وحكى اللخمى عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة. قال المصنف رحمه الله تعالى باب حد القذف القذف محرم والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال (الشرك بالله عزوجل، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله الا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات. (الشرح) حديث أبى هريرة متفق عليه، والطبراني والنسائي وابن مردويه وابن حبان والحاكم بنحوه. وَعَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدبروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا يشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) مسلم اللغة: أصل القذف الرمى بالحجارة وغيرها والقذف بالزنا مأخوذ منه، والسبع الموبقات هي المهلكات، وأوبقه الله أهلكه، يقال منه وبقى يبق وأوبق يوبق إذا هلك قال الله تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا) قوله (التولى يوم الزحف) التولى الادبار فرارا من القتال، والزحف هو المشى إلى القتال. قالت الحنابلة: والقذف حرام وواجب ومباح فيحرم (قلت) من أتى ما نصت عليه الآية (والذين يرمون المحصنات ... ) وواجب على من يرى

زوجته تزني، ويباح إذا رآها تزني ولم تلد أو استفاض زناها بين الناس أو أخبره به ثقة لا عداوة بينه وبينها أو برى معروفا به عندها خلوة، لان ذلك مما يغلب على الظن زناها، ولم يجب لانه لا ضرر على غيرها حيث لم تلد وفراقها أولى. وصريح القذف: يا منيوكة، يا منيوك، يا عاهر، يا لوطى، ولست ولد فلان فقذف لانه وكنايته زنت يداك أو رجلاك، أو يدك أو بدنك، ويا مخنث يا قحبة يا فاجرة يا خبيثة، أو يقول لزوجه شخص فضحت زوجك وغطيت رأسك وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره وأفسدت فراشه فإذا أراد بهذه الالفاظ حقيقة الزنى حد والا عزر قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قذف بالغ عاقل مختار مسلم أو كافر التزم حقوق المسلمين من مرتد أو ذمى أو معاهد محصنا ليس بولد له بوطئ يوجب الحد وجب عليه الحد فإن كان حرا جلد ثمانين جلدة لقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وان كان مملوكا جلد أربعين لما روى يحيى ابن سعيد الانصاري قال (ضرب أبو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مملوكا افترى على حر ثمانين جلدة، فبلغ ذلك عبد الله بن عامر بن ربيعة فقال أدركت الناس من زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى اليوم فما رأيت أحدا ضرب المملوك المفترى على الحر ثمانين قبل أبى بكر بن محمد بن عمر بن حزم. وروى خلاس أن عليا كرم الله وجهه قال في عبد قذف حرا فصف الحد، ولانه حد يتبعض فكان المملوك على النصف من الحر كحد الزنا. (فصل) وان قذف غير محصن لم يجب عليه الحد لقوله عز وجل (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فدل على أنه إذا قذف غير محصن لم يجلدو المحتسن الذى يجب الحد بقذفه من الرجال والنساء من اجتمع فيه البلوغ والعقل والاسلام والحرية والعفة عن الزنا، فإن قذف صغيرا أو مجنونا لم يجب به عليه الحد، لان ما يرمى به الصغير والمجنون لو تحقق لم يجب به الحد فلم يجب الحد على القاذف، كما لو قذف بالغا عاقلا بما دون الوطئ وان قذف كافرا لم يجب عليه الحد لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

قال (من أشرك بالله فليس بمحصن) وان قذف مملوكا لم يجب عليه الحد، لان نقص الرق يمنع كمال الحد فيمنع وجوب الحد على قاذفه. وإن قذف زانيا لم يجب عليه الحد لقوله عز وجل (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فأسقط الحد عنه، إذا ثبت أنه زنى فدل أنه إذا قذفه وهو زان لم يجب عليه الحد. وإن قذف من وطئ في غير ملك وطنا محرما لا يجب به الحد كمن وطئ امرأة ظنها زوجته أو وطئ في نكاح مختلف في صحته ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يجب عليه الحد، لانه وطئ محرم لم يصادف ملكا فسقط به الاحصان كالزنا (والثانى) أنه يجب لانه وطئ لا يجب به الحد فلم يسقط به الاحصان كما لو وطئ زوجته وهى حائض. (فصل) وإن قذف الوالد ولده أو قذف الجد ولد ولده لم يجب عليه الحد وقال أبو ثور يجب عليه الحد لعموم الآية، والمذهب الاول، لانه عقوبة تجب لحق الآدمى فلم تجب للولد على الوالد كالقصاص وان قذف زوجته فماتت وله منها ولد سقط الحد، لانه لما لم يثبت له عليه الحد بقذفه لم يثبت له عليه بالارث عن أمه وإن كان لها ابن آخر من غيره وجب له، لان حد القذف يثبت لكل واحد من الورثة على الانفراد. (الشرح) حديث يحيى بن سعيد أخرجه البيهقى في السنن الكبرى. وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف إلا أربعين سوطا. حديث ابن عمر أخرجه البيهقى في السنن الكبرى، وفى رواية أخرى عنه (لا يحص أهل الشرك بالله شيئا) . وفى رواية عن كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنهاه عنها وقال انها لا تحصنك. وقال الدارقطني: فيه أبو بكر بن أبى مريم ضعيف، وعلى بن أبى طلحة لم يدرك كعبا الصحابي، قال البيهقى: وروى من وجه آخر الا أنه منقطع.

اللغة: قوله (افترى على حر) أي كذب قال الله تعالى (لا تفتروا على الله كذبا) وقد ذكر. الاحصان: قالت المالكية في تفسير (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فالاحصان هاهنا هو الحرية. قالت الحنفية في أحكام القرآن للجصاص: المحصنات هن العفائف، ثم قالوا في البدائع هن الحرائر لا العفائف عن الزنا فدل أن الحرية شرط. وقال الشوكاني: والمراد بالمحصنات المرأة العفيفة: حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل وقد ورد الاحصان في القرآن لمعان منها الحريه ومنها ذوات الازواج، وقال ابن حزم احصان الفرج. قال ابن العربي في أحكام القرآن (وهو مالكى) وشروط القذف عند العلماء تسعة: شرطان في القاذف، وشرطان في المقذوف به، وخمسة في المقذوف، فأما الشرطان في القاذف فالعقل والبلوغ، وأما الشرطان في الشئ المقذوف به فهو أن يقذفه بوطئ يلزمه فيه الحد وهو الزنا أو اللواط أو ينفيه من أبيه دون سائر المعاصي، وأما الخمس التى في المقذوف فهى العقل والبلوغ والاسلام والحرية والعفه عن الفاحشة التى رمى بها كان عفيفا عن غيرها أو لا وقال ابن رشد في البداية: واختلفوا في العبد يقذف الحر كم حده، فقال الجمهور من فقهاء الامصار حده نصف حد الحر وذلك أربعون جلدة، وروى ذلك عن الخلفاء الاربعة وعن ابن عباس، وقالت طائفة حده حد الحر، وبه قال ابن مسعود من الصحابة وعمر بن عبد العزيز وجماعة من فقهاء الامصار أبو ثور والاوزاعي وداود وأصحابه من أهل الظاهر فعمدة الجمهور قياس حده في القذف على حده في الزنا، وأما أهل الظاهر فتمسكوا في ذلك بالعموم، ولما أجمعوا أيضا أن حد الكتابى ثمانون فكان العبد أحرى بذلك. قالت الحنابلة في الفروع من قذف بزنا في قبل وهو مكلف مختار محصنا ولو ذات محرم نص عليه جلد الحر ثمانين والعبد أربعين ولو عتق قبل حد.

قوله (وان قذف غير محصن..) قالت الحنابلة في الفروع: ومن قذف غير محصن عزر، لان الآية مفهومها أنه لا يجلد بقذف غير المحصن. قال ابن حزم في المراتب، واتفقوا أن الحر العاقل البالغ المسلم غير المكره إذا قذف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا لم يحد قط في زنا أو حرة بالغة عاقلة مسلمة عفيفة غير ملاعنة لم تحد في زنا قط بصريح الزنا أنه يلزمه ثمانون جلدة. قوله (وان قذف صغيرا أو مجنونا ... ) قال مالك: إذا بلغت الصبيه حتى توطأ فعلى قاذفها الحد، وكذلك يجلد المجنون وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والحسن بن حى لا حد على قاذف صغير ولا مجنون. قال ابن حزم: الصغار محصنون بمنع الله تعالى لهم من الزنا وبمنع أهليهم، وكذلك المجانين، وكذلك المجبوب والرتقاء والقرناء والعنين، وقد يكون كل هؤلاء محصنين بالعفه، وأما البكر والمكرة فمحصنان بالعفه فإذا كل هؤلاء يدخلون في جملة المحصنات بمنع الفروج من الزنا فعلى قاذفهم الحد، ولا سيما القائلون إن الحرية إحصان وكل حرة محصنة واسقاط الحد عن قاذفهم خطأ محض لا إشكال فيه. قوله (وإن قذف كافرا..) قال مالك: سواء كانت حرة أو أمة أو مسلمة أو كافرة يجب الحد، وقال إبراهيم النخعي: لا حد عليه إذا كانت أم المقذوف أمة أو كتابية وهو قياس قول الشافعي. وقالت الحنفية شرائط الاحصان خمسة: العقل والبلوغ والحرية والاسلام والعفة عن الزنا فلا يجب الحد بقذف الصبى والمجنون والرقيق والكافر ومن لا عفة له عن الزنا، وقالوا إن الحد إنما وجب بالقذف دفعا لعار الزنا عن المقذوف وما في الكافر من عار الكفر أعظم. قوله (وان قذف مملوكا) قال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي وسفيان الثوري وعثمان البتى والحسن بن حى والشافعي وأصحابهم لا حد على قاذف العبد والامة وقال الحسن البصري الزوج يلاعن الامة وان قذفها وهى أمة جلد لانها امرأته

وسأل أميرأ من الامراء ابن عمر عن رجل قذف أم ولد لرجل، فقال ابن عمر يضرب الحد صاغرا. وعن ابن سيرين قال أراد عبد الله بن زياد أن يضرب قاذف أم ولد فلم يتابعه على ذلك أحد، وروى عن عطاء والزهرى لا حد على قاذف أم ولد. قال ابن حزم: أما قولهم لا حرمة للعبد والامة فكلام سخيف والمؤمن له حرمة عظيمة ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي، وسوى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حرمة العرض من الحر والعبد. قوله (وان قذف زانيا) قلت: هذا ما لا خلاف فيه في حالة ثبوت الزنا. قوله (وان قذف الوالد ولده..) قال عطاء: إذا افترى الاب على الابن فلا يحد، وقال الحسن ليس على الاب لابنه حد، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم والحسن بن حى وإسحاق بن راهويه وقال سفيان الثوري في الاب يقذف ابنه انهم يستحبون الدرأ عنه، وقال في المرأة تزني وهى محصنة وتقتل ولدها أنه يدرأ عنها الحد، وقال ابن حزم: الحدود والقود واجبان على الاب للولد لانه حد لله تعالى وليس حدا للمقذوف ثم قال: والحكم عند الحنفيين في إسقاط الحد عن الجد إذا قذف ولد الولد كالحكم في قاذف الابوين الادنين، والعجب بأن الحنفيين قد فرقوا بين حكم الولد وبين حكم ولد الولد قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن رفع القاذف إلى الحاكم وجب عليه السؤال عن إحصان المقذوف لانه شرط في الحكم فيجب السؤال عنه كعدالة الشهود، ومن أصحابنا من قال لا يجب، لان البلوغ والعقل معلوم بالنظر إليه، والظاهر الحرية والاسلام والعفة. وإن قال القاذف أمهلنى لاقيم البينة على الزنا أمهل ثلاثة أيام، لانه قريب لقوله عز وجل (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب) ثم قال (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) .

(فصل) وإن قذف محصنة ثم زنى المقذوف أو وطئ وطئا زال به الاحصان سقط الحد عن القاذف. وقال المزني وأبو ثور لا يسقط لانه معنى طرأ بعد وجوب الحد فلا يسقط ما وجب من الحد كردة المقذوف وثيوبة الزانى وحريته، وهذا خطأ لان ما ظهر من الزنا بوقع شبهة في حال القذف، ولهذا روى أن رجلا زنى بامرأة في زمان أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقال والله ما زنيت إلا هذه المرة، فقال له عمر كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة، والحد يسقط بالشبهة، وأما ردة المقذوف ففيها وجهان. (أحدهما) أنها تسقط الحد (والثانى) أنها لا تسقط، لان الردة ندين والعادة فيها الاظهار، وليس كذلك الزنا فإنه يكم، فإذا ظهر دل على تقدم أمثاله وأما ثيوبة الزانى وحريته فإنها لا تورث شبهة في بكارته ورقه في حال الزنا. (الشرح) أثر عمر أخرجه البيهقى في السنن الكبرى قوله (وإن قذف محصنا ... ) قال ابن حزم في المحلى: إن من قذفه قاذف ثم زنى المقذوف لم يسقط ذلك الزنا قد وجب من الحد على قاذفه لانه زنا غير الذى رماه به فهو إذا رمى محصن أو محصنة فعليه الحد ولا بد ولا يسقط حد قد وجب إلا بنص أو إجماع، ولا نص ولا إجماع ها ههنا أصلا على سقوطه بعد وجوبه بنص. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب الحد إلا بصريح القذف أو بالكناية مع النية، فالصريح مثل أن يقول زنيت أو يا زانى، والكناية كقوله: يا فاجر أو يا خبيث، أو يا حلال بن الحلال، فإن نوى به القذف وجب به الحد، لان مالا تعتبر فيه الشهادة كانت الكناية فيه مع النية بمنزلة الصريح كالطلاق والعتاق، وإن لم ينو به القذف لم يجب به الحد، سواء كان ذلك في حال الخصومة أو غيرها، لانه يحتمل القذف وغيره فلم يجعل قذفا من غير نية كالكناية في الطلاق والعناق

(فصل) وإن قال لطت أو لاط بك فلان باختيارك فهو قذف لانه قذفه بوطئ يوجب الحد فأشبه القذف بالزنا. وإن قال يا لوطى وأردا به أنه على دين قوم لوط لم يجب به الحد لانه يحتمل ذلك، وإن أراد أنه يعمل عمل قوم لوط وجب الحد، وإن قال لامرأته يا زانية فقالت بك زنيت لم يكن قولها قذفا له من غير نية، لانه يجوز أن تكون زانية ولا يكون هو زانيا بأن وطئها وهو يظن أنها زوجته وهى تعلم أنه أجنبي ولانه يجوز أن تكون قصدت نفى الزنا، كما يقول الرجل لغيره سرقت، فيقول معك سرقت، ويريد أنى لم أسرق كما لم تسرق، ويجوز أن يكون معناه ما وطئني غيرك، فإن كان ذلك زنا فقد زنيت. وإن قال لها يا زانية فقالت أنت أزنى منى لم يكن قولها قذفا له من غير نية لانه يجوز أن يكون معناه ما وطئى غيرك، فإن كان ذلك زنا فأنت أزنى منى، لان المغلب في الجماع فعل الرجل. وإن قال لغيره أنت أزنى من فلان أو أنت أزنى الناس لم يكن قذفا من غير نية، لان لفظة أفعل لا تستعمل إلا في أمر يشتركان فيه ثم ينفرد أحدهما فيه بمزية، وما ثبت أن فلانا زان ولا أن الناس زناة فيكون هو أزنى مفهم. وان قال فلان زان وأنت ازنى منه، أو أنت أزنى زناة الناس فهو قذف لانه أثبت زنا غيره ثم جعله أزنى منه. (فصل) وان قال لامرأته يا زانى فهو قذف لانه صرح بإضافة الزنا إليها وأسقط الهاء للترخيم، كقولهم في مالك يا مال، وفى حارث يا حار. وان قال لرجل يا زانية فهو قذف لانه صرح بإضافة الزنا إليه وزاد الهاء للمبالغة، كقولهم علامة ونسابة وشتامه ونوامة، فإن قال زنأت في الجبل فليس بقذف من غير نية، لان الزنء هو الصعود في الجبل، والدليل عليه قول الشاعر. وارق إلى الخيرات زنئا في الجبل. وان قال زنأت ولم يذكر الجبل ففيه وجهان (أحدهما) أنه قذف لانه لم يقرن به ما يدل على الصعود (والثانى) وهو قول أبى الطيب بن سلمة رحمه الله أنه ان كان من أهل اللغة فليس بقذف، وان كان من العامة فهو قذف لان العامة لا يفرقون بين زنيت وزنأت.

(فصل) وإن قال زنى فرجك أو دبرك أو ذكرك فهو قذف لان الزنا يقع بذلك، وان قال زنت عينك أو بدك أو رجلك فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هو قذف، وهو ظاهر ما نقله المزني رحمه الله، لانه أضاف الزنا إلى عضو منه فأشبه إذا أضاف إلى الفرج، ومنهم من قال ليس بقذف من غير نية. وخطأ المزني في النقل لان الزنا لا يوجد من هذه الاعضاء حقيقة، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه، فإن قال زنى بدنك ففيه وجهان. (أحدهما) أنه قذف من غير نية، لان الزنا بجميع البدن يكون بالمباشرة فلم يكن صريحا في القذف. (والثانى) أنه قذف لانه أضاف إلى جميع البدن والفرج داخل فيه، وان قال لا ترد يد لا مس لم يكن قاذفا، لما روى أن رجلا من بنى قزارة قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ امرأتي لا ترد يد لامس، ولم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم قاذفا. وان قال زنى بك فلان وهو صبى لا يجامع مثله لم يكن قاذفا، لانه لا يوجد منه الوطئ الذى يجب به الحد عليها، وان كان صبيا يجامع مثله فهو قذف لانه يوجد منه الوطئ الذى يجب به الحد عليها وان قال لامرأته زنيت بفلانة أو زنت بك فلانة لم يحب به الحد، لان ما رماها به لا يوجب الحد. (فصل) وان أتت امرأته بولد فقال ليس منى لم يكن قاذفا من غير نية لجواز أن يكون معناه ليس منى خلقا أو خلقا أو من زوج غيرى أو من وطئ شبهة أو مستعار. وان نفى نسب ولده باللعان فقال رجل لهذا الولد لست بابن فلان لم يكن قذفا، لانه صادق في الظاهر أنه ليس منه، لانه منفى عنه. قال الشافعي رحمه الله: إذا أقر بنسب ولد فقال له رجل لست بابن فلان فهو قذف وقال في الزوج: إذا قال للولد الذى أقر به لست بابنى أنه ليس بقذف واختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال ان أراد القذف فهو قذف في المسألتين، وان لم يرد القذف فليس بقذف في المسألتين، وحمل جوابه في المسألتين على هذين الحالين. ومن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الاخرى وجعلهما على قولين.

(أحدهما) أنه ليس بقذف فيهما لجواز أن يكون معناه لست بابن فلان أو لست بابنى خلقا أو خلقا. (والثانى) أنه قذف لان الظاهر منه النفى والقذف، ومن أصحابنا من قال ليس بقذف من الزوج وهو قذف من الأجنبي، لان الاب يحتاج إلى تأديب ولده فيقول لست بإنى مبالغة في تأديبه، والاجنبى غير محتاج إلى تأديبه فجعل قذفا منه. (فصل) وإن قال لعربى يا نبطى، فإن أراد نبطى اللسان أو نبطى الدار لم يكن قذفا، وإن أراد نفى نسبه من العرب ففيه وجهان (أحدهما) أنه ليس بقذف لان الله تعالى علق الحد على الزنا فقال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) وشهادة الاربعة يحتاج إليها في إثبات الزنا. (والثانى) أنه يجب به الحد لما روى الاشعث بن قَيْسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا أوتى برجل يقول إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: لا حد إلا في اثنتين، قذف محصنة ونفى رجل من أبيه. (فصل) ومن لا يجب عليه الحد لعدم إحصان المقذوف أو للتعريض بالقذف من غير نية عزر لانه آذى من لا يجوز أذاه، وإن قال لامرأته استكرهت على الزنا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يعزر لانه يلحقها بذلك عار عند الناس (والثانى) أنه لا يعزر، لانه لا عار عليها في الشريعه بما فعل بها مستكرهة. (الشرح) قوله (ولا يجب الحد إلا بصريح القذف، قالت الحنابلة: وصريح القذف يا زان يا عاهر، قد زنيت، زنا فرجك ونحوه. وكذا يا لوطى. لقله واختاره الاكثر. قال أحمد (يحده) قالوا وإن فسر يا منيوكة بفعل زوج فليس قذفا، ذكروه في الرعاية والتبصره. وان أراد بزاني العين أو يا عاهر اليد لم يقبل منه مع سبقه ما يدل على قذف صريح، وكنايته زنت يداك أو رجلاك أو يدك أو بدنك

ويا مخنث، ويا قحبة، ويا فاجرة ويا خبيثة، أو يقول لزوجة شخص فضحت زوجك وغطيت رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولاد من غيره وأفسدت فراشه، قال الامام أحمد في رواية حنبل لا أرى الحد الا على من صرح بالقذف أو الشتمة، فإن أراد بهذه الالفاظ حقيقة الزنى حد والا عزر. قال ابن رشد في البداية: إذا كان القذف بلفظ صريح وجب الحد، واختلفوا ان كان بتعريض فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وابن أبى ليلى لا حد في التعريض، الا أن أبا حنيفة والشافعي يريان فيه التعزير. وممن قال بقولهم من الصحابة ابن مسعود. وقال مالك وأصحابه: في التعريض الحد، وهى مسألة وقعت في زمان عمر فشاور عمر فيها الصحابة فاختلفوا فيها، فرأى عمر فيها الحد، وعمدة مالك أن الكناية قد تقوم بعرف العادة والاستعمال مقام النص الصريح، وان كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه، أعنى مقولا بالاستعارة، وعمدة الجمهور أن الاحتمال الذى في الاسم المستعار شبهة والحدود تدرأ بالشبهات والحق أن الكناية قد تقوم في مواضع مقام النص وقد تضعف في مواضع، وذلك أنه إذا لم يكثر الاستعمال لها. قال ابن حزم: من قال لآخر فرجت بفلانة أو قال فسقت بها، فإن أبا حنيفة والشافعي وأصحابهما قالوا لا حد في ذلك، ثم قال ان كان لهذين اللفظين وجه غير الزنا فكما قالوا، وان كان لا يفهم منهما غير الزنا فالحد في ذلك، فلما نظرنا فيهما وجدناهما يقعان على اتيانهما في الدبر فسقط الحد في ذلك، وكذلك لو قال جامعتها حراما ولا فرق، قال على فلو أخبر بهذا عن نفسه لم يكن معترفا بالزنا قوله (وان قال لطت ... ) قالت الحنابلة: وصريح القذف يا لوطى ولا تحتمل غيره. أورد ابن حزم في المحلى آثار عن قتادة أن رجلا قال لابي الأسود الدؤلى يا لوطى، قال يرحم الله لوطا. وعن عكرمة حينما سأل عن رجل قال لآخر يا لوطى؟ قال عكرمة ليس عليه حد. وعن الزهري وقتادة أنهما قالا جميعا في رجل قال لرجل يا لوطى. أنه لا يحد، وبه يقول أبو حنيفة وأبو سليمان وأصحابنا.

وقال آخرون لا حد في ذلك إلا أن يبين عن ابن جريج قال. قلت لعطاء في رجل قال لآخر يا لوطى، قال لا حد عليه حتى يقول إنك لتصنع بفلان. وعن النخعي قال نيته يسأل عما أراد بذلك. وقالت طائفة عليه الحد واستدلوا بحكم عمر بن عبد العزيز حينما رفع إليه مثل هذا الامر، فجعل عمر يقول يا لوطى يا محمدى، فكأنه لم ير عليه الحد وضربه بضعة عشر سوطا، ثم أرسل إليه من الغد فأكمل له الحد. وعن الشعبى قال يجلد، وبإيجاب الحد يقول مالك والشافعي. قال ابن حزم في المحلى: واللواط ليس عندنا زنا فلا حد في الرمى به، فإن قالوا إن الرمى بذلك حرام، قلنا نعم وإثم، ولكن ليس كل حرام وإثم تجب فيه الحدود، فالغصب حرام ولا حد فيه، وأكل لحم الخنزير حرام ولا حد فيه والرمى بالكفر حرام ولا حد فيه. قوله (وإن قال لامرأته ... ) فهذا ما لا خلاف فيه. قوله (وإن قال لامرأته يا زانى..) قالت الحنابلة: وإن قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زان فصريح كفتح التاء وكسرها لهما خلافا لصاحب الرعاية في عالم بعربية، وقيل كناية. وإن قال زنأت في الجبل فصريح، وقيل إن عرف العربية وقال أردت الصعود في الجبل، قيل فإن لم يقل في الجبل، وقيل لا قذف. قوله (وإن قال زنى فرجك أو دبرك) سبق الكلام عليه في الباب. قوله (وإن أتت امرأة بولد) قال ابن حزم: اختلف الناس فيمن نفى آخر عن نسبه، فقالت طائفة فيه الحد، وقالت طائفة لا حد فيه، فأما من أوجب فيه الحد فهو كما قال ابن مسعود لا حد إلا في اثنين، أن يقذف محصنة أو ينفى رجلا عن أبيه، وإن كانت أمه أمة. وعن الشعبى في الرجل ينفى الرجل من فخذه، قال ليس عليه حد إلا أن ينفيه من أبيه، وعنه والحسن يضرب الحد، وعن النخعي من نفى رجلا عن أبيه كان أبوه ما كان، كان عليه الحد، وعنه في رجل نفى رجلا عن أبيه قال له لست.

لابيك وأمه نصرانية أو مملوكة، قال لا يجلد، وفى قضية رفعت لعمر بن عبد العزيز أن رجلا قال لآخر يهودى بن يهودى، فقال له أجل والله إنى اليهودي ابن اليهودي، قال ان كان الذى قال له ذلك يعرف أبوه فحد اليهودي. وعن معاذ بن جبل وعهد الله بن عمر قالا: ليس الحد إلا في الكلمة ليس لها مصرف وليس لها إلا وجه واحد. وعن على إذا بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطل. وعن ابن عباس فيمن قال لرجل يا نبطى أنه لا حد عليه، وكذا الشعبى وعطاء، قال ابن حزم فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر لنعلم الحق فنتبعه فوجدنا الزهري يقول في نفى المرء عن أبيه أو عن نسبه أن السنة على الغافى في كتاب الله تعالى وسنة نبية صلى الله عليه وسلم أن يأتي بأربعة شهداء، فنظرنا هل نجد هذا الذى ذكر الزهري في كتاب الله تعالى فلم نجده. فإن قالوا النافي قاذف ولابد، قلنا لا ما هو قاذف ولا قذف أحدا، وقد ينفيه عن نسبه بأنه استلحق وأنه من غيرهم ابن نكاح صحيح، فقد كانت العرب تفعل هذا فلا قذف هاهنا أصلا. ثم نظرنا فوجدنا الله تعالى قد أوجب القذف بالزنا الحد، وجاءت به السنة الصحيحة، وصح به الاجماع المتيقن. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما يجب بالقذف من الحد أو التعزير بالاذى فهو حق للمقذوف يستوفى إذا طالب به ويسقط إذا عفا عنه، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أيعجز أحدكم أن يكون كأبى ضمضم كان يقول تصدقت بعرضي والتصدق بالعرض لا يكون الا بالعفو عما يجب له، ولانه لا خلاف أنه لا يستوفى الا بمطالبته فكان له العفو كالقصاص، وان قال لغيره اقذفني فقذفه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا حد عليه لانه حق له فسقط بإذنه كالقصاص. (والثانى) أنه يجب عليه الحد لان العار يلحق بالعشيرة فلا يملك الا بإذن فيه، وإذا أسقط الاذن وجب الحد، ومن وجب له الحد أو التعزير لم يجز أن

يستوفى الا بحضرة السلطان لانه يحتاج إلى الاجتهاد ويدخله التخفيف، فلو فوض إلى المقذوف لم يؤمن أن يجف للتشفي. (فصل) وأن مات من له الحد أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى الوارث، وفيمن يرثه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يرثه جميع الورثة لانه موروث فكان لجميع الورثة كالمال (والثانى) أنه لجميع الورثة الا لمن يرث بالزوجية، لان الحد يجب لدفع العار ولا يلحق الزوج عار بعد الموت لانه لا تبقى زوجية. (والثالث) أنه يرثه العصبات دون غيرهم لانه حق ثبت لدفع العار فاختص به العصبات كولاية النكاح، وان كان له وارثان فعفا أحدهما ثبت للآخر جميع الحد لانه جعل الردع ولا يحصل الردع الا بما جعله الله عز وجل للردع، وان لم يكن له وارث فهو للمسلمين ويستوفيه للسلطان. (فصل) وأن جن من له الحد أو التعزيز لم يكن لوليه أن يطالبه باستيفائه لانه حق يجب للتشفي ودرك الغيظ فأخر إلى الافاقة كالقصاص، وان قذف مملوكا كانت المطالبة بالتعزير للمملوك دون السيد، لانه ليس بمال ولا له بدل، هو مال فلم يكن السيد فيه حق كفسخ النكاح إذا عتقت الامة تحت عبد، وان مات المملوك ففى التعزير ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يسقط لانه لا يستحق عنه بالارث فلا يستحق المولى لانه لو ملك بحق الملك لملك في حياته (والثانى) أنه للمولى لانه حق ثبت للمملوك فكان المولى أحق به بعد الموت كمال المكاتب (والثالث) أنه ينتقل إلى عصباته لانه حق ثبت لنفى العار فكان عصباته أحق به. (الشرح) الحديث أخرجه ابن السنى. اللغة. قوله (تصدقت بعرضي) قال أبو بكر بن الانباري، قال أبو العباس العرض موضع الذم والمدح من الانسان، ومعناه أموره التى يرتفع بها أو يسقط بذكرها ومن جهتها يحمد أو يذم، ويجوز أن يكون ذكر أسلافه لانه يلحقه النقيصة بعيبهم.

وقال ابن قتيبة رض الرجل نفسه، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون، إنما هو عرق يخرج من أعراضهم مثل المسك أي أبدانهم. واحتج بهذا الحديث المذكور (تصدقت بعرضي) أي بنفسى وأحللت من يغتابني. قال ولو كان العرض الاسلاف لما جاز له أن يحل من يغتابهم وله كلام يطول. قوله (العار يلحق بالعشيرة) هم القبيلة. قوله (لم يؤمن أن يحيف) الحيف الجور والظلم وقد ذكر مرارا، وأصل التشفي من شفاه الله من المرض إذا زال عنه، فكأنه يزول ما يجد من الغيظ والحزن. قوله (جعل للردع) الردع الكف، ردعته فارتدع أي كففته فانكف قوله (وما يجب بالقذف من الحد) قال ابن رشد وأما سقوطه فإنهم اختلفوا في سقوطه بعفو القاذف، فقال أبو حنيفة والثوري والاوزاعي لا يصح العفو أي لا يسقط الحد، وقال الشافعي يصح العفو أي يسقط الحد بلغ الامام أو لم يبلغ وقال قوم إن بلغ الامام لم يجز العفو، وإن لم يبلغه جاز العفو، واختلف قول مالك في ذلك، فمرة قال بقول الشافعي ومرة قال يجوز إذا لم يبلغ الامام، وان بلغ لم يجز الا أن يريد بذلك المقذوف الستر على نفسه. وهو المشهور عنهم. والسبب في اختلافهم هل هو حق لله أو حق للآدميين أو حق لكليهما، فمن قال حق لله لم يجز العفو كالزنا، ومن قال حق للآدميين أجاز العفو، ومن قال لكليهما وغلب حق الامام إذا وصل إليه قال بالفرق بين أن يصل الامام أو لا يصل وقياسا على الاثر الوارد في السرقة، وعمدة من رأى أنه حق للآدميين وهو الاظهر أن المقذوف إذا صدقه فيما قذفه به سقط عنه الحد. قال ابن حزم فنظرنا في قول مالك فوجدناه ظاهر التناقض، وكذا قول أبى حنيفة ثم قال فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أن تعفو أم لا، فلو كان لها في ذلك حق لما عطله صلى الله عليه وسلم، فصح أن الحد من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له عنه. قالت الحنابلة والصدقة بالعرض لا تكون الا بالعفو عما وجب له، ولانه

حق له لا يقام الا بطلبه فيسقط بعفوه كالقصاص (قلت) وما ذهب إليه ابن حزم فهو الحق والله أعلم. قوله (وان مات من له الحد) قالت الحنابلة في الفروع وحق القذف للورثة فص عليه، وقيل سوى الزوجين، وفى المغنى للعصبة) وان عفا بعضهم حده الباقون كاملا، وقيل يسقط. وسأله ابن منصور افترى على أبيه وقد مات فعفا ابنه، قال جائز وسأله الاثرم (أله العفو بعد رفعه؟ قال في نفسه، فإنما هو حقه، وإذا قذف أباه فهذا شئ يطلبه غيره. قال في الروضة (ان مات بعد طلبه ملكه وارثه، فإن عفا بعضهم حد لمن يطلب منهم بقسطه وسقط قسط من عفا. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قذف جماعة نظرت فإن كانوا جماعة لا يجوز أن يكونوا كلهم زناة كأهل بغداد لم يجب الحد، لان الحد يجب لنفى العار ولا عار على المقذوف لانا نقطع بكذبه ويعزر الكذب. وان كانت جماعة يجوز أن يكونوا كلهم زناة نظرت، فإن كان قد قذف كل واحد منهم على الانفراد وجب لكل واحد منهم حد، وان قذفهم بكلمة واحدة ففيه قولان. قال في القديم يجب حد واحد، لان كلمة القذف واحدة، فوجب حد واحد، كما لو قذف امرأة واحدة. وقال في الجديد يجب لكل واحد منهم حد، وهو الصحيح لانه ألحق العار بقذف كل واحد منهم فلزمه لكل واحد منهم حد، كما لو أفرد كل واحد منهم بالقذف، فإن قذف زوجته برجل ولم يلاعن ففيه طريقان، من أصحابنا من قال هي على قولين، كما لو قذف رجلين أو امرأتين، ومنهم من قال يجب حد واحد قولا واحدا، لان القذف ههنا بزنا واحد، والقذف هناك بزناءين، فإن وجب عليه حد لا ثنين فإن وجب لاحدهما قبل الاخر وتشاحا قدم السابق منهما لان حقه أسبق، وان وجب عليه لهما في حالة واحدة بأن قذفهما معا وتشاحا أقرع بينهما، لانه لا مزية لاحدهما على الاخر فقدم بالقرعة

وإن قال لزوجته يا زانية بنت الزانية وهما محصنتان لزمه حدان، ومن حضر منهما وطالبت بحدها حد لها، وإن حضرتا وطالبتا بحدهما ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يبدأ بحد البنت لانه بدأ بقذفها (والثانى) وهو المذهب أنه يبدأ بحد الام لان حدها مجمع عليه وحد البنت مختلف فيه، لان عند أبى حنيفة لا يجب على الزوج بقذف زوجته حد، ولان حد الام آكد لانه لا يسقط إلا بالبينة وحد البنت يسقط بالبينة وباللعان فقدم آكدهما. (فصل) وإن وجب حدان على حر لاثنين فحد لاحدهما لم يحد للآخر حتى يبرأ ظهره من الاول، لان الموالاة بينهما تؤدى إلى التلف، وإن كان الحدان على عبد ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يجوز الموالاة بينهما، كما لو كانا على حر (والثانى) أنه يجوز لان الحدين على العبد كالحد الواحد. (فصل) وان قذف أجنبيا بالزنا فحد ثم قذفه ثانيا بذلك الزنا عزر للاذى ولم يحد، لان أبا بكرة شهد على المغيرة بالزنا فجلده عمر رضى الله عنه ثم أعاد القذف وأراد أن يجلده، فقال له على كرم الله وجهه: إن كنت تريد أن تجلده فارجم صاحبك، فترك عمر رضى الله عنه جلده، ولانه قد حصل التكذيب بالحد، وإن قذفه بزنا ثم قذفه بزنا آخر قبل أن يقام عليه الحد ففيه قولان. (أحدهما) أنه يجب عليه حدان لانه من حقوق الآدميين فلم تتداخل كالديون (والثانى) يلزمه حد واحد، وهو الصحيح لانهما حدان من جنس واحد لمستحق واحد فتداخلا، كما لو زنى ثم زنى. وان قذف زوجته ولاعنها ثم قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل اللعان ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجب عليه الحد لان اللعان في حق الزوج كالبينة، ولو أقام عليها البينة ثم قذفها لم يلزمه الحد فكذلك إذا لاعنها. (والثانى) أنه يجب عليه الحد، لان اللعان انما يسقط احصانها في الحالة التى يوجد فيها وما بعدها وما يسقط فيما تقدم فوجب الحد بما رماها به، وان قذف زوجته وتلاعنا ثم قذفها أجنبي وجب عليه الحد، لان اللعان يسقط الاحصان في حق الزوج لانه بينة يختص بها، فأما في حق الأجنبي فهى باقية على

إحصانها فوجب عليه الحد بقذفها، وإن قدفها الزوج ولاعنها ولم تلاعن فحدث ثم قذفها الأجنبي بذلك الزنا ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا حد عليه لانه قذفها بزنا حدث فيه فلم يجب، كما لو أقيم عليها الحد بالبينة (والثانى) أنه يجب لان اللعان يختص به الزوج فزال به الاحصان في حقه وبقى في حق الأجنبي. (الشرح) أثر (أبا بكرة شهد على المغيرة) سبق تخريجه. قوله (وإن قذف جماعة) قالت الحنابلة في الفروع: ومن قذف جماعة بكلمة فحد طالبوا أو بعضهم فيحد لمن طلب ثم لا حد نقله الجماعة، وفى رواية لكل واحد حد. وقالوا في منار السبيل (ومن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى منهم عزر ولا حد، وإن كان يتصور الزنى منهم عادة وقذف كل واحد بكلمة فلكل واحد حد، وإن كان إجمالا كقوله هم زناة فحد حد واحد لقوله (والذين يرمون المحصنات) ولم يفرق بين قذف واحد وجماعة، ولانه قذف واحد فلا يجب به أكثر من حد. قال ابن رشد واختلفوا إذا قذف جماعة فقالت طائفة ليس عليه إلا حد واحد جمعهم في القذف أو فرقهم، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وجماعة. وقال قوم بل عليه لكل واحد حد، وبه قال الشافعي والليث وجماعة حتى روى عن الحسن بن حيى أنه قال، إن قال إنسان من دخل هذه الدار فهو زان جلد الحد لكل من دخلها. وقالت طائفة ان جمعهم في كلمة واحدة، مثل أن يقول لهم يا زناة فحد واحد وان قال لكل واحد منهم يا زان فعليه لكل انسان منهم حد، فعمدة من لم يوجب على قاذف الجماعة الا حد واحد حديث أنس وغيره أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فرفع ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلاعن بينهما ولم يحده لشريك، وذلك اجماع من أهل العلم فيمن قذف زوجته برجل وعمدة من رأى أن الحد لكل واحد منهم أنه حق للآدميين، وأنه لو عفا بعضهم ولم يعف الكل لم يسقط الحد. وأما من فرق بين قذفهم في كلمة واحدة أو كلمات، أو في مجلس واحد أو في

مجالس فلانه رأى أنه واجب أن يتعدد الحد بتعدد القذف، لانه إذا اجتمع تعدد المقذوف وتعدد القذف كان أوجب أن يتعدد الحد. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا سمع السلطان رجلا يقول زنى رجل لم يقم عليه الحد لان المستحق مجهول ولا يطالبه بتعيينه لقوله عز وجل (لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) ولان الحد يدرأ بالشبهة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (ألا سترته بثوبك يا هزال) . وان قال سمعت رجلا يقول ان فلانا زنى لم يحد لانه ليس بقاذف وانما هو حاك ولا يسأله عن القاذف، لان الحد يدرأ بالشبهة. وان قال زنى فلان فهل يلزم السلطان أن يسأل المقذوف فيه وجهان (أحدهما) أنه يلزمه لانه قد ثبت له حق لا يعلم به فلزم الامام اعلامه، كما لو ثبت له عنده مال لا يعلم به، فعلى هذا ان سأل المقذوف فأكذبه وطالب بالحد حد، وان صدقه حد المقذوف لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) واوجه الثاني أنه لا يلزم الامام اعلامه لقوله صلى الله عليه وسلم (اردءوا الحد بالشبهات) . (الشرح) حديث (يا أنيس اغد على امرأة هذا ... ) سبق تخريحه حديث (ادرءوا الحد بالشبهات ... ) سبق تخريجه قوله (إذا سمع السلطان رجلا يقول زنى رجل ... ) سبق الكلام عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) إذا قذف محصنا وقال قذفته وأنا ذاهب العقل فإن لم يعلم له حال جنون فالقول قول المقذوف مع يمينه أنه لا يعلم أنه مجنون، لان الاصل عدم الجنون. وان علم له حال جنون ففيه قولان بناء على القولين في الملفوف إذا قده ثم اختلفا في حياته، أحدهما أن القول قول المقذوف لان الاصل الصحة والثانى أن القول قول القاذف، لانه يحتمل ما يدعيه والاصل حمى الظهر.

ولان الحد يسقط بالشبهة، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ادءوا الحدود بالشبهات وادرءوا الحدود ما استطعتم، ولان يخطئ الامام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة. (فصل) وإن عرض بالقذف وادعى المقذوف أنه أراد قذفه وأنكر القاذف فالقول قوله لان ما يدعيه محتمل والاصل براءة ذمته. (فصل) وإن قال لمحصنة زنيت في الوقت الذى كنت فيه نصرانية أو أمة، فإن عرف أنها كانت نصرانية أو أمة لم يجب الحد لانه أضاف القذف إلى حال هي فيها غير محصنة. وإن قال لها زنيت ثم قال أردت في الوقت الذى كنت فيه نصرانية أو أمة، وقالت المقذوفة بل أردت قذفي في هذا الحال وجب الحد لان الظاهر أنه أراد قذفها في الحال، فإن قذف امرأة وادعى أنها مشركة أو أمة وادعت أنها أسلمت أو أعتقت فالقول قول القاذف، لان الاصل بقاء الشرك والرق. وإن قذف امرأة وأقر أنها كانت مسلمة وادعى أنها ارتدت، وأنكرت المرأة ذلك فالقول قولها، لان الاصل بقاؤها على الاسلام. وان قذف مجهولة وادعى أنها أمة أو نصرانية، وأنكرت المرأة، ففيه طريقان ذكرناهما في الجنايات. (فصل) وإن ادعت المرأة على زوجها أنه قذفها، وأنكر، فشهد شاهدان أنه قذفها جاز أن يلاعن، لان انكاره للقذف لا يكذب ما يلاعن عليه من الزنا، لانه يقول انما أنكرت القذف، وهو الرمى بالكذب وما كذبت عليها لانى صادق أنها زنت فجاز أن يلاعن، كما لو ادعى على رجل أنه أودعه مالا، فقال المدعى عليه مالك عندي شئ، فشهد شاهدان أنه أودعه فإن له أن يحلف لان انكاره لا يمنع الايداع لانه قد يودعه ثم يتلف فلا يلزمه شئ. (الشرح) حديث ادرءوا الحدود بالشبهات) سبق تخريجه (قلت) وفى نهاية باب القذف أجمل أحكام هذا الباب.

إن الاية الكريمة وإن جاءت بكلمة (يرمون المحصنات) تدل على أنه ليس المراد بالرمي في هذا المقام الرمى بكل نوع من أنواع الجرائم، بل المراد به ههنا الرمى بالزنا خاصة. 2 - ان الرمى حكم شامل سواء كان القذف من الرجال أو النساء للرجال أو للنساء - 3 - وحكم القذف أن يضرب ثمانين جلدة 4 - وهذا الحكم إنما ينفذ في ما إذا كان القاذف قذف محصنا من الرجال أو النساء ولا ينفذ في ما إذا كان المقذوف غير محصن، أما إذا كان معروفا بفجوره لا ينشأ السؤال عن قذفه، ولكنه إذا لم يكن كذلك فللقاضي أن يعين برأيه عقوبة من يقذفه أو لمجلس الشورى أن يضع في هذا الباب قانونا حسب الظروف والحاجات. 5 - لا يدان أحد باقتراف القذف بمجرد أنه رمى غيره بالزنا بدون أن يقيم عليه الشهادة، بل لادانته باقتراف القذف عدة شروط لا بد من استيفائها في القاذف والمقذوف وفعلة القذف نفسها، واليك بيانها. أما الشروط التى لا بد من جودها في القاذف. (ا) أن يكون بالغا فإذا كان القاذف صبيا لا يقام عليه الحد، وانما يقام عليه التعزير (ب) أن يكون عاقلا فإذا كان القاذف مجنونا لا يقام عليه الحد، وكذلك لا يقام حد القذف على من كان في سكر، الا إذا سكر بمحرم، لانه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد كسكر الكلورو فارم مثلا. (ج) أن يكون قد قذف بإرادته الحرة طائعا، فمن قذف مكرها لا يقام عليه الحد (د) أن لا يكون والدا ولا جدا للمقذوف لانه لا يقام عليه الحد. هذه الشروط متفق عليها بين الفقهاء الا أن الحنفية قد أضافوا إليها شرطا خامسا هو أن يكون القاذف ناطقا، فإذ قذف الاخرس غيره بالاشارة والكناية لا يقام عليه الحد، وقد خالفهم الامام الشافعي في ذلك وقال ان الاخرس إذا كانت اشارته أو كنايته واضحة يعرف بها مقصوده فهو قاذف، لان اشارته لا تقل عن صريح القول في تشويه سمعة المقذوف وإلحاق العار بذيله، ولكن

إشارة الاخرس عند الحنفية ليست بقويه التأثير حتى يضرب على أساسها ثمانين جلدة وإنما التعزير عندهم. أما الشروط المطلوبة في المقذوف: ا - أن يكون عاقلا قد رمى بارتكاب الزنا في حالة العقل، فإذا قذف أحد مجنونا، سواء أكان أفاق من جنونه فيما بعد أو لم يفق لا يستحق حد القذف، لان المجنون لا يستطيع الاهتمام بحفظ عفافه، ولانه لو قامت عليه الشهادة بالزنا لما استحق الحد ولا قدح ذلك في عرضه، ولكن مالكا والليث بن سعد يقولان ان قاذف المجنون يستحق الحد لانه على كل حال يرميه بما هو برئ منه ب - أن يكون بالغا، فإذا قذف أحد صبيا أو قال عن شاب أنه ارتكب الزنا في صباه فإنه لا يوجب عليه الحد، لان الصبى كالمجنون، الا أن مالكا يقول بأنه إذا قذف أحد طفلا يكاد يبلغ الحلم لا يستحق الحد، وأما إذا قذف بنتا وهى في سن من الممكن أن يزنى بها فيها فإنه يستحق الحد، لان ذلك لا يمس عرضها وحدها بل يمس كذلك بعرض أسرتها ويفسد عليها مستقبلها. ج - أن يكون مسلما أي رمى بأنه ارتكب الزنا في حالة اسلامه فإذا قذف أحد الكافر أو قال عن مسلم أنه ارتكب الزنا في حال الكفر فإنه لا يستحق الحد د - أن يكون حرا فمن قذف للعهد أو الامة أو قال عن حر انه ارتكب الزنا أيام كان عبدا لم يعتق بعد فإنه لا يستحق الحد لان العبد قد لا يستطيع الاهتمام بحفظ عفافه لما يكون به من الضعف والغلبة على أمره، الا أن داود الظاهرى وابن حزم قالا ان قاذف العبد والامة أيضا يستحق الحد. هـ - أن يكون عفيفا بريئا عن فعل الزنا وشبهته ومعنى البراءة من الزنا أن لا تكون جريمة الزنا قد ثبتت فعلا عليه قبلا، ومعنى البراءة من شبهة الزنا أن لا يكون وطئ بنكاح فاسد أو ملكية مشتبهة ولا تكون حياته ماجنة خليعة، ولا يأتي الافعال القبيحة المحظورة، لان هذه الامور قادحة في عفافه على كل حال ولا ينبغى أن يستحق ثمانين جلدة من يقذف صاحب مثل هذا العرض المقدوح فيه، ولذا إذا قامت على المقذوب بينة بجريمة الزنا قبل أن يقام عليه

حد القذف ترك القاذف لان المقذوف لم يعد عفافه ثابتا، ولكن ليس معنى عدم إقامة الحد في هذه الصور الخمس أن قاذف المجنون أو الصبى أو الكافر أو العبد أو غير العفيف لا يستحق عقوبة بل انه يستحق التعزير ويبلغ به غايته الشروط اللازمة في فعلة القذف نفسها: أن كل رمى بحوله إلى القذف أحد الامرين: إما أن يرمى القاذف المقذوف بصريح الزنا إذا ثبتت بشهادة الشهود وجب عليه الحد أو يقول عنه أنه ولد الزنا ولكن يجب التصريح بارتكابه للزنا في كلتا الحالتين، ولا عبرة بالكناية، فإن ارادة الرمى بالزنا أو الطعن في النسب متوقفة في الكناية على نية القاذف، فإن كى بألفاظ سبق ذكرها كيا فاجر وكيا ابن الحرام فلا قذف فيها، غير أن الفقهاء قد اختلفوا حول اعتبار التعريض قذفا، والتعريض هو أن يقول أحد لغيره مثلا (يا ابن الحلال أما أنا فما زنيت أو ما ولدتني أمي بالزنا) فقال مالك رحمه الله إن من جاء بتعريض يفهم به قطعا أنه يريد أن يقول عن مخاطبه أنه زنا أو أنه ولد الزنا وجب عليه حد القذف. أما أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي وسفيان وابن شبرمة والحسن بن صالح فقالوا إنه ليس التعريض قذفا، لانه على كل حال يحتمل الشك، ولان الاصل براءة الذمة فلا ينبغى أن يرجع عنه بالشك. وأما أحمد واسحاق بن راهويه فقالا: ان التعريض ليس بقذف في حال الرضى والمزاح، وهو قذف في حال الغضب والمجادلة، فقد أقام عمر وعلى الحد على التعريض. وروى أن رجلين استبا في زمن عمر، فقال أحدهما للآخر: ما أنا بزان ولا أمي بزانية، فاستشار عمر الصحابة فقال بعضهم مدح أباه وأمه وقال الآخرون: أما كان لابية مدح غير هذا؟ فجلده عمر ثمانين جلدة (أحكام القرآن للجصاص ج: ص 330) وكذلك أن الفقهاء بينهم الخلاف حول اعتبار الرمى بعمل قوم لوط قذفا، فيقول أبو حنيفة أنه ليس قذفا، ويقول أبو يوسف ومحمد من أصحابه ومالك والشافعي انه قذف يجب عليه الحد

6 - وكذلك هناك خلاف بين الفقهاء حول اعتبار القذف من الجنايات التى تؤاخذ الناس عليها شرطة الدولة ومحكمتها، فيقول ابن أبى ليلى أنه من حق الله فيجب أن يقام عليه الحد سواء أطالب به المقذوف أو لم يطالب وهو من حق الله ولكن المقذوف فيه حق من حيث دفع العارعنه عند أبى حنيفة وأصحابه أيضا، ولكن بمعنى أنه إذا ثبتت الجريمة على أحد وجب أن يقام عليه الحد، ولكن يتوقف رفع أمره إلى الحكام على ارادة المقذوف ومطالبته فهو من هذه الجهة من حقوق العباد. وهذا الرأى هو الذى ذهب إليه الشافعي والاوزاعي، وأما مالك فعنده التفصيل، فيقول: ان قذف القاذف بحضور من الامام يؤخذ عليه والا فإن اقامة الدعوى عليه متوقفة على مطالبة المقذوف. 7 - ليس القذف من الجرائم التى يجوز التراضي عليها بين الفريقين 8 - وعند الحنفية لا يطالب بإقامة الحد على القاذف الا المقذوف نفسه أو من لحق بنسبه العار لقذفه عندما لم يكن المقذوف نفسه حاضرا للمطالبة كالوالد والوالدة والاولاد وأولاد الاولاد. وعند مالك الشافعي هذا حق من الحقوق القابلة للموارثة، فإذا مات المقذوف قبل استيفائه الحد على القاذف فلورثته أن يطالبوا به، غير أنه من العجب أن الشافعي يستثنى من الورثة الزوج والزوجة، ويستدل على ذلك بأن علاقة الزوجية ترتفع بالموت وأن المقصود من الحد دفع العار عن النسب وهو لا يلحق بالزوج وبالزوجة - وهذا استدلال غير قوى في حقيقة الامر - فإذا كانت المطالبة بإقامة الحد على القاذف حقا يرثه ورثة المقذوف بعد موته فما هناك سبب معقول لان يحرم منه الزوجان. 9 - وإذا ثبت عن رجل أنه ارتكب القذف فإن الشئ الوحيد الذى ينقذه من الحد هو أن يأتي بأربعة شهداء، ويجب أن يحضر هؤلاء الشهداء المحكمة مجتمعين ويؤدوا الشهادة في وقت واحد، وبهذا قال الحنفيون أما الشافعيون فقد ذهبوا إلى أنه لا يحصل أي فرق بحضور الشهداء المحكمة مجتمعين أو متفرقين

بل الافضل أن يأتوا واحدا بعد الاخر مثل ما يكون في سائر الاقضيه، ويجب أن يكون الشهداء متصفين بالعدل. 10 - ومن لم يستطع أن يقدم إلى المحكمة شهادة تبريه من جريمة القذف فقد حكم عليه القرآن بثلاثة أحكام. (ا) أن يجلد ثمانين جلدة (ب) أن لا تقبل له شهادة (ج) أنه فاسق. وقد اتفقوا على أنه لا يسقط الحد عن القاذف بتوبته وأنه لا بد له من الحد واختلفوا هل القاذف يفسق بفعل القذف ذاته أو انما يفسق بعد ما تحكم عليه المحكمة بالحد، فهو يفسق بفعل القذف ذاته عند الشافعي والليث بن سعد وعلى العكس من ذلك يقول أبو حنيفة وأصحابه ومالك أنه لا يفسق إلا بعد ما يقام عليه الحد والصحيح عندي في هذا الشأن أن كون القاذف فاسقا عند الله نتيجة لفعل القذف نفسه، وأما كونه فاسقا عند الناس فمتوقف على أن تثبت جريمته ويقام عليه الحد. وهناك خلاف شديد حول (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) هل إليه أيضا يرجع العفو المذكور في جملة إلا اللذين تابوا وأصلحوا أم لا، فتقول طائفة منهم القاضى شريح وسعيد بن المسيب، والحسن البصري والنخعي وابن سيرين ومكحول وعبد الرحمن بن زيد وأبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد وسفيان الثوري والحسن بن صالح أن من تاب وأصلح لا يبقى فاسقا عند الله ولا عند الناس مع إقامة الحد عليه وعدم الاعتداد بشهادته إلى الابد. وتقول طائفة أخرى منهم عطاء وطاوس ومجاهد والشعبى والقاسم بن محمد وسالم والزهرى وعكرمة وعمر بن عبد العزيز وابن أبى نجيح وسليمان بن يسار ومسروق والضحاك ومالك وعثمان البنى والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل والطبري أن جملة (إلا الذين تابوا وأصلحوا) لا يرجع العفو المذكور فيها إلى إقامة الحد، ولكنه يرجع إلى أن من أقيم عليه الحد إذا تاب وحسنت حاله تقبل شهادته ولا يبقى فاسقا، واستدلو بقصة إقامة عمر الحد على أبى بكرة حينما قذف المغيرة بن شعبة.

باب حد السرقة

والصحيح عندي أن حقيقة توبة المرء لا يعلمها إلا الله، ومن تاب عندنا فإن غاية ما لنا أن نجامله به هو أن لا نسميه الفاسق ولا نذكره بالفسق، وليس من الصحيح أن نبالغ في مجاملته حتى نعود إلى الثقة بقوله لمجرد أنه قد تاب عندنا في ظاهر الامر. 11 - أن يكون حد القذف في الضرب أخف من ضرب الزانى. 12 - اتفق الفقهاء على أن من لقى حده مرة في القذف لا يؤاخذ إلا إذا جاء بتهمة جديدة أخرى. 13 - والفقهاء بينهم خلاف حول قذف الجماعة، فالحنفية يرون أن من قذف عدة أفراد بلفظ أو بألفاظ لا يلقى إلا حدا واحد، لانه ما من تهمة بالزنا إلا وهى تتناول عرض شخصين، وعلى العكس من ذلك يقول الشافعي إن من قذف جماعة بلفظ أو بألفاظ متكررة يقام عليه الحد لكل فرد منهم على حدة، وبهذا يقول عثمان البتى وابن أبى ليلى ويوافق عليه الشعبى والاوزاعي هذه الخلاصة التى أوردتها لك هي ما كنت أحب أن أتبع كل باب من أبواب الفقه الواردة بمثلها لولا ضيق المقام. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب حد السرقة اللغة: السارق الذى يأخذ الشئ على وجه الاستخفاء بحيث لا يعلم به المسروق منه، مأخود من مسارقة النظر، ومن قوله تعالى (إلا من استرق السمع) والمنتهب الذى يأخذ بالقهر والغلبة مع العلم به، وأصل النهب الغنيمة، والانتهاب الافتعال من ذلك، والمختلس الذى يأخذ الشئ عيانا ثم يهرب، مثل أن يمد يده إلى منديل إنسان فيأخذه، هكذا ذكره في البيان. قال المصنف رحمه الله تعالى: ومن سرق وهو بالغ عاقل مختار التزم حكم الاسلام نصابا من المال الذى يقصد إلى سرقته من حرز مثله لا شبهة له فيه وجب عليه القطع، والدليل عليه

قوله تعالى (والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما) ولان السارق يأخذ المال على وجه لا يمكن الاحتراز منه ولو لم يجب القطع عليه لادى ذلك إلى هلاك الناس بسرقة أموالهم ولا يجب القطع على المنتهب ولا على المختلس لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (ليس على المنتهب قطع ولا على المختلس قطع ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا) ولان المنتهب والمختلس يأخذان المال على وجه يمكن انزاعه منه بالاستغاثة بالناس وبالسلطان فلم يحتج في ردعه إلى القطع ولا يجب على من جحد أمانة أو عارية لانه يمكن أخذ المال منه بالحكم فلم يحتج إلى القطع. (فصل) ولا يجب على صبى ولا على مجنون لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق. وروى ابن مسعود رضى الله عنه أن صلى الله عليه وسلم أتى بجارية قد سرقت فوجدها لم تحض فلم يقطعها. وهل يجب على السكران؟ فيه قولان ذكرناهما في الطلاق، ولا يجب على مكره لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ ما أوجب عقوبة الله عز وجل على المختار لم يوجب على المكره ككلمة الكفر، ولا تجب على الحربى لانه لم يلتزم حكم الاسلام، وهل يجب على المستأمن فيه قولان ذكرناهما في السير. (الشرح) حديث جابر (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع) رواه الخمسة وصححه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه. وفى رواية له عن ابن جريج عن عمر وبن دينار وأبى الزبير عن جابر، وليس فيه ذكر الخائن، ورواه ابن الجوزى في العلل وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكى. قال الحافظ قد رواه ابن حبان من غير طريقه فأخرجه من حديث سفيان عن أبى الزبير عن جابر بلفظ (ليس على المختلس ولا على الخائن قطع) وقال ابن أبى حاتم في العلل لم يسمعه ابن جريج من أبى الزبير إنما سمعه من ياسين بن معاذ الزيات وهو ضعيف، وكذا قال أبو داود. وقال الحافظ أيضا.

وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبى الزبير عن جابر، وأسنده النسائي من حديث المغيرة، ورواه سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال النسائي ورواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد بن زيد وجماعة فلم يقل واحد منهم عن ابن جريج حدثنى أبو الزبير ولا أحسبه سمعه عنه وقد أعله ابن القطان بعنعنة أبى الزبير عن جابر، وأجيب بأنه قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وصرح بسماع أبى الزبير من جابر. وعن عبد الرحمن ابن عوف عند ابن ماجه بإسناد صحيح بنحو الحديث المذكور وعن أنس عند ابن ماجه أيضا والطيرانى في الاوسط، وعن ابن عباس عند ابن الجوزى في العلل وضعفه. قال الشوكاني: وهذه الاحاديث يقوى بعضها بعضا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان، وياسين الزيات هو الكوفى وأصله يمامى: قال المنذرى لا يحتج بحديثه، والمغيرة بن مسلم هو السراج خراساني، وكنيته أبو سلمة. قال ابن معين صالح الحديث صدوق، وقال أبو داود الطيالسي انه كان صدوقا. حديث (رفع القلم عن ثلاث..) سبق تخريجه حديث (أتى بجارية..) أخرجه البيهقى عن القاسم قال (أتى عبد الله بجارية قد سرقت ولم تحصن فلم يقطعها) وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي عن ابن عمر قال: عرضت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فقبلني (قال ابن نافع حدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال إن هذا الحد بين الصغير والكبير. حديث (رفع عن أمتى..سبق تخريجه) . اللغة: قوله (نصابا من المال) النصاب الاصل، ومنه قولهم كريم النصاب وقد ذكره في الزكاة. قوله (من الخلاص) الخلاص بالكسر ما أخلصته النار من الذهب ومثله الخلاصه، وهو الذى أخلص ولم يضرب، والتبر غير مخلص. قوله (من حرز مهتوك) قد ذكرنا أن أصل الهتك خرق الستر.

قوله (ومن سرق وهو بالغ) قال ابن حزم في مراتب الاجماع: واتفقوا أنه من سرق من حرز من غير مغنم ولا من بيت المال بيده لا بآلة وحده منفردا وهو بالغ عاقل مسلم حر في غير الحرم بمكة وفى غير دار الحرب فسرق من غير زوجته ومن غير ذى رحمه ومن غير زوجها إن كانت امرأة وهو غير سكران ولا مضطر بجوع ولا مكره فسرق مالا متملكا يحل للمسلمين بيعه وسرقه من غير غاصب له وبلغت قيمة ما سرق عشرة دراهم من الورق المحض بوزن مكة ولم يكن لحما ولا حيوانا مذبوحا ولا شيئا يؤكل أو يشرب ولا طيرا ولا صيدا ولا كلبا ولا سنورا ولا زبلا ولا عذرة ولا ترابا ولا زرنيخا ولا حصى ولا حجارة ولا فخارا ولا زجاجا ولا ذهبا ولا قصبا ولا خشبا ولا فاكهة ولا حمارا ولا حيوانا سارحا ولا مصحفا ولا زرعا من فدانه ولا تمرا من حائطه ولا شجرا ولا حرا ولا عبدا يتكلم ويعقل، ولا أحدث فيه جناية قبل إخراجه له من مكان لم يؤذن له في دخوله من حرزه وتولى إخراجه من حرزه بيده فشهد عليه بكل ذلك شاهدان رجلان ولم يختلفا ولا رجعا عن شهادتهما ولا ادعى هو ملك ما سرق وكان سالم اليد اليسرى وسالم الرجل اليمنى لا ينقص منها شئ ولم يهبه المسروق منه ما سرق ولا ملكه بعد ما سرق ولارد السارق على المسروق منه ولا أعاده السارق وحضر الشهود على السرقة ولم يمض للسرقة شهر فقد وجب عليه الحد، واتفقوا أن الغاصب المجاهر الذى ليس محاربا لا قطع عليه، واختلفوا في المختلس أتقطع يده أم لا. قالت الحنابلة لا قطع على منتهب الذى يأخذ المال على وجه الغنيمة لحديث جابر ولا مختطف وهو الذى يختلس الشئ ويمر به غاصب. قال ابن رشد أجمعوا على أنه ليس على الغاصب ولا على المكابر المغالب قطع وقال الشوكاني ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العنرة والشافعية والحنفية. وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع، وذلك لعدم اعتبارهم الحرز.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب فيما دون النصاب، والنصاب ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا، فإن سرق غير الذهب قوم بالذهب، لان النبي صلى الله عليه وسلم قدر النصاب بالذهب فوجب أن يقوم غيره به. وإن سرق ربع مثقال من الخلاص وقيمته دون ربع دينار ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى وأبى على بن أبى هريرة أنه لا يقطع لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى ربع دينار، وهذا قيمته دون ربع دينار وهو قول عامة أصحابنا أنه يقطع لان الخلاص يقع عليه اسم الدينار، وإن لم يصرف، لانه يقال دينار خلاص كما يقال دينار قراضة. وإن نقب اثنان حرزا وسرقا نصابين قطعا لان كل واحد منهما سرق نصابا وإن أخرج أحدهما نصابين ولم يخرج الآخر شيئا قطع الذى أخرج دون الآخر لانه هو الذى انفرد بالسرقة، فإن اشتركا في سرقة نصاب لم يقطع واحد منهما وقال أبو ثور يجب القطع عليهما، كما لو اشترك رجلان في القتل وجب القصاص عليهما، وهذا خطأ لان كل واحد منهما، لم يسرق نصابا، ويخالف القصاص فإنا لو لم نوجب على الشريكين جعل الاشتراك طريقا إلى إسقاط القصاص، وليس كذلك السرقة، فإنا إذا لم نوجب القطع على الشريكين في سرقة نصاب لم يصر الاشتراك طريقا إلى إسقاط القطع، لانهما لا يقصدان إلى سرقة نصاب واحد لقلة ما يصيب كل واحد منهما، فإذا اشتركا في نصابين أوجبنا القطع. وإذا لقب حرز أو سرق منه ثمن دينار ثم عاد وسرق ثمنا آخر ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) وهو قول أبى العباس أنه يجب القطع لانه سرق نصابا من حرز مثله فوجب عليه القطع، كما لو سرقه في دفعة واحدة. (والثانى) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ القطع لانه سرق تمام النصاب من حرز مهتوك. (والثالث) وهو قول أبى على بن خيران أنه إن عاد وسرق الثمن الثاني بعد

ما اشتهر هتك الحرز لم يقطع لانه سرق من حرز اشتهر خرابه، وإن سرق قبل أن يشتهر خرابه قطع لانه سرق من قبل ظهور خرابه. (الشرح) حديث (لا يقطع السارق الا في ربع دينار ... ) رواه الجماعة الا ابن ماجه والبيهقي. وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا) رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وفى رواية قال (تقطع يد السارق في ربع دينار) رواه البخاري والنسائي وأبو داود. وفى رواية قال (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا) البخاري وفى رواية قال (اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثنى عشر درهما) رواه أحمد وفى رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن، قيل لعائشة ما ثمن المجن؟ قالت ربع دينار) رواه النسائي. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده) قال الاعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوى دراهم) متفق عليه، وليس لمسلم فيه زيادة. أخرج البيهقى أن أمير المؤمنين عليا قطع في ربع دينار، وكانت قيمته درهمين ونصفا وأخرج عنه أنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا. وعنه (أنه قطع يد سارق في بيضه من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع ذهب الخاب والسلف إلى ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار، واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضه، فذهب مالك في المشهور عنه أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا. اللغة: قوله (حريسة الجبل) الحرية هي الشاة المسروقة من المرعى، يقال فلان يأكل الحرائس إذا كان يأكل أغنام الناس، والسارق يحترس، قال لنا حلماء لا يشيب غلامنا * غريبا ولا تؤوى الينا الحرائس وكأنها لا حارس لها هناك الا الجبل.

وقال ابن السكيت: الحريسة المسروقة ليلا، قال في الشامل حريسة بمعنى محروسة أي مسروقة، كما يقال قتيل بمعنى مقتول، وسمى السارق حارسا. قوله (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس، ويقال له مجنة بكسر الميم. وقال الشافعي: الاصل في تقويم الاشياء هو الذهب، لانه الاصل في جواهر الارض كلها، حتى قال إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع. قال مالك: وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر. وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد. وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك. واحتجوا بما أخرجه البيهقى والطحاوى عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقوم بعشرة دراهم. وأخرج نحو ذلك النسائي عنه. وأخرج أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم. وأخرج البيهقى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قال: كان ثمن المجن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عشرة دراهم. وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا: أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن، قال وثمنه عشرة دراهم. قالوا هذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الاولى، وإن كانت أكثر وأصح، ولكن هذا أحوط، والحدود تدفع بالشبهات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروى نحو ذلك عن ابن العربي قال: واليه ذهب سفيان مع جلالته. قال الشوكاني ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو في إسنادهما جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن، ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين، وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة في الصحيحين مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله، وقد استوفى الرد عليه صاحب الفتح.

ونقل ابن عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع الا في أربعة دنانير أو أربعين درهما، وهذا قول لا دليل عليه. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يقطع في درهمين، وحكاه في البحر عن زياد بن أبى زياد ولا دليل على ذلك من المرفوع وقد أخرج أبن أبى شيبة عن أنس بسند قوى أن أبا بكر قطع في شئ ما يساوى درهمين، في لفظ لا يساوى ثلاثة دراهم. ونقل ابن المنذر عن أبى هريرة وأبى سعيد في أربعة دراهم، وهو مردود بما سلف. وروى ابن المنذر عن الباقر ثلث دينار، وروى عن النخعي وابن شبرمة وابن أبى ليلى والحسن البصري أنه في خمسة، واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال: لا تقطع الخمس الا في خمس. وروى ابن المنذر عن النخعي وحكاه ابن حزم عن طائفة أنه في دينار وذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر أنه في ربع دينار من ذهب ومن غيره في القليل والكثير واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص، ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلا تحت عموم الآية قال الشوكاني ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة سابقا، وبحديث (اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك) كما في الباب، لانه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه، وان كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغير له باعبتار الزيادة في الثمن، وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما وذهب الحسن البصري وداود والخوارج إلى أنه يثبت القطع في القليل والكثير واستدلوا بالآية (والسارق والسارقة ... ) ويجاب بأن اطلاق الآية مقيد بالاحاديث، واستدلوا بحديث أبى هريرة في الباب فإن فيه يسرق البيضة ... ) وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسار ما ربحه، هكذا قال الخطابى وابن قتيبة وفيه تعسف وذهب البنى وربيعة أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه. هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة، وقد جعلها في الفتح عشرين

مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما ذكر. قوله (وإن نقب اثنان..) قالت الحنابلة، ولو اشترك جماعة في هتك حرز وإخراج النصاب قطعوا جميعا، وإن هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال فلا قطع عليهما ولو تواطأ، لان الاول لم يسرق والثانى لم يهتك الحرز قال في الكافي ويحتمل أن يقطع إذا كانا شريكين. وقال ابن رشد: اختلفوا فيما إذا سرقت الجماعة ما يجب فيه القطع أعنى نصابا دون أن يكون حظ كل واحد منهم نصابا، وذلك بأن يخرجوا النصاب من الحرز معا مثل أن يكون عدلا أو صندوقا يساوى النصاب، فقال مالك يقطعون جميعا، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو نور، وقال أبو حنيفة لا قطع عليهم حتى يكون ما أخذه كل واحد منهم نصابا، فمن قطع الجميع رأى العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق، أي أن هذا القدر من المال المسروق هو الذى يوجب القطع لحفظ المال، قال ومن رأى أن القطع إنما علق بهذا القدر لا بما دونه لمكان حرمة اليد، قال: لا تقطع أيد كثيرة فيما أوجب الشرع فيه قطع يد واحدة. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب القطع فيما سرق من غير حرز، لما روى عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنه أن رجلا من مزينة قال يارسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال ليس في شئ من الماشية قطع إلا ما أواه المراح، وليس في شئ من الثمر المعلق قطع إلا ما أواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع، فأسقط القطع في الماشية إلا ما أواه المراح، وفى الثمر المعلق إلا ما أواه الجرين، فدل على أن الحرز شرط في ايجاب القطع، ويرجع في الحرز إلى ما يعرفه الناس حرزا، فما عرفوه حرزا قطع بالسرقة منه وما لا يعرفونه حرزا لم يقطع بالسرقة منه، لان الشرع دل على اعتبار الحرز وليس له حد من جهة الشرع فوجب الرجوع فيه إلى العرف كالقبض والتفرق في البيع وإحياء

الموات، فإن سرق مالا مثنما كالذهب والفضة والخز والقز من البيوت أو الخانات الحريزة والدور المنيعة في العمران ودونها أغلاق وجب القطع لان ذلك حرز مثله، وإن لم يكن دونها أغلاق، فإن كان في الموضع حافظ مستيقظ وجب القطع لانه محرز به، وإن لم يكن حافظ أو كان فيه حافظ نائم لم يجب القطع لانه غير محرز، فإن سرق من بيوت في غير العمران كالرباطات التى في البرية، والجواسق التى في البساتين، فإن لم يكن فيها حافظ لم تقطع مغلقا كان الباب أو مفتوحا، لان المال لا يحرز فيه من غير حافظ، وإن كان فيها حافظ فإن كان مستيقظا قطع السارق مغلقا كان الباب أو مفتوحا لانه محرز به، وإن كان نائما فإن كان مغلقا قطع لانه محرز، وإن كان مفتوحا لم يقطع لانه غير محرز، وان سرق متاع الصيادلة والبقالين من الدكاكين في الاسواق ودونها أغلاق أو درابات وعليها قفل أو سرق أواني الخزف ودونها شرايح القصب، فإن كان الامن ظاهرا قطع السارق لان ذلك حرز مثله وإن قل الامن، فإن كان في السوق حارس قطع لانه محرز به، وإن لم يكن حارس لم يقطع لانه غير محرز، وإن سرق باب دار أو دكان قطع لان حرزه بالنصب، وإن سرق حلقة الباب وهى مسمرة فيه قطع لانها محرزة بالتسمير في الباب، وإن سرق آجر الحائط قطع لانه محرز بالتشريج في البناء. وإن سرق الطعام أو الدقيق في غراثر شد بعضها إلى بعض في موضع البيع قطع على المنصوص، فمن أصحابنا من قال: إن كان في موضع مأمون في وقت الامن فيه ظاهر ولم يمكن أخذ شئ منه إلا بحل رباطه أو فتق طرفه قطع لان العادة تركها في موضع البيع. ومن أصحابنا من قال لا يقطع إلا أن يكون في بيت دونه باب مغلق، والذى نص عليه الشافعي رحمه الله في غير العراق. وان سرق حطبا شد بعضه إلى بعض بحيث لا يمكن أن يسل منه شئ الا بحل رباطه قطع لانه محرز بالشد، وان كان متفرقا لم يقطع لانه غير محرز، ومن أصحابنا من قال لا يقطع الا أن يكون في بيت دونه باب مغلق مجتمعا كان أو

متفرقا، وان سرق أجزاعا ثقالا مطروحة على أبواب المساكن قطع لان العادة فيها تركها على الابواب. (فصل) وان نبش قبرا وسرق منه الكفن فإن كان في برية لم يقطع لانه ليس بحرز للكفن وانما يدفه في البرية للضرورة، وان كان في مقبرة تلى العمران قطع لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ومن نبش قطعناه، ولان القبر حرز الكفن وان كان الكفن أكثر من خمسة أثواب فسرق ما زاد على الخمسة لم يقطع، لان ما زاد على الخمسة ليس بمشروع في الكفن فلم يجعل القبر حرزا له كالكيس المدفون معه، وان أكل السبع الميت وبقى الكفن ففيه وجهان. (أحدهما) أنه ملك للورثة يقسم عليهم، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وأبى على الطبري، لان ذلك المال ينتقل إليهم بالارث، وانما اختص الميت بالكفن للحاجة وقد زالت الحاجة فرجع إليهم. (والثانى) أنه لبيت المال لانهم لم يورثوه عند الموت فلم يرثوه بعده. (فصل) وان نام رجل على ثوب فسرقه سارق قطع لما روى صفوان بن أمية أنه قدم المدينة فنام في المسجد متوسدا رداءه فجاءه سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطع يده، فقال صفوان انى لم أرد هذا هو عليه صدقة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا قبل أن تأتيني به، ولانه محرز به. وان زحف عنه في النوم فسرق لم يقطع لانه زال الحرز فيه، وان ضرب فسطاطا وترك فيه مالا فسرق وهو فيه، أو على بابه نائم أو مستيقظ قطع لان عادة الناس احراز المتاع في الخيم على هذه الصفة، وان لم يكن صاحبه معه لم يقطع السارق لانه لا يترك الفسطاط بلا حافظ. (فصل) وان كان ماله بين يديه وهو ينظر إليه فتغفله رجل وسرق ماله قطع لانه سرق من حرزه، وان نام أو اشتغل عنه أو جعله خلفه بحيث تناله اليد فسرق لم يقطع لانه سرقه من غير حرز، وان علق الثياب في الحمام ولم

يأمر الحمامى بحفظها فسرقت لم يضمن الحمامى لانه لا يلزمه حفظها ولا يقطع السارق لانه سرق من غير حرز، لان الحمام مستطرق، وإن أمر الحمامى بحفظها فسرقت، فإن كان الحمامى مراعيا له لم يضمن لانه لم يفرط ويقطع السارق لانه سرق من حرز، وإن نام الحمامى أو تشاغل عن الثياب فسرقت ضمن الحمامى لانه فرط في الحفظ ولم يقطع السارق لانه سرق من غير حرز. (فصل) فإن سرق ماشية من الرعى نظرت فإن كان الراعى ينظر إليها ويبلغها صوته إذا زجرها قطع السارق لانها في حرز، وإن سرق والراعي نائم أو سرق منها ما غاب عن عينه بحائل لم يقطع لان الحرز بالحفظ، وما لا يراه غير محفوظ، وإن سرق ما لا يبلغها صوته لم يقطع لانها تجتمع وتفترق بصوته وإذا لم يبلغها صوته لم تكن في حفظه فلم يجب القطع بسرقته. وإن سرق ماشية سائرة أو جمالا مقطرة فإن كان خلفها سائق ينظر إليها جميعها ويبلغها صوته إذا زجرها قطع لانها محرزة به. وإن سرق منه ما غاب عن عينه أو ما لم يبلغه صوته لبعده لم يقطع لما ذكرناه في الراعية، وإن كان مع الجمال قائد إذا التفت نظر إلى جميعها وبلغها صوته إذا زجرها وأكثر الالتفات إليها قطع لانها محرزة بالقائد، وإن سرق ما لا ينظر إليه إذا التفت أو لا يبلغه صوته أو لم يكثر الالتفات إليها لم يقطع لانه سرق من غير حرز، وإن كانت الجمال باركة فإن كان صاحبها ينظر إليها قطع السارق لانها محرزة بحفظه وإن سرق وصاحبها نائم فإن كانت غير معقلة لم يقطع لانها غير محرزة، وان كانت معقلة قطع لان عادة الجمال إذا نام أن يعقلها، وإن كان على الجمال أحمال كان حرزها كحرز الجمال، لان العادة ترك الاحمال على الجمال. (الشرح) حديث البراء بن عازب (من حرق ... ) أخرجه البيهقى في المعرفة من حديث بشر بن حازم عن عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده، وقال البيهقى في هذا الاسناد بعض من يجهل حاله. وقال البخاري في التاريخ، قال هشيم نا سهيل شهدت ابن الزبير قطع نباشا وسكت عليه الحافظ في التلخيص بينما قال البيهقى في السنن الكبرى، قال البخاري

قال عباد بن العوام (عن سهيل) كنا نتهمه بالكذب - يعنى سهيلا - وهو سهيل بن ذكوان. حديث صفوان بن أمية (أنه قدم المدينة..) أخرجه البيهقى، وقال الشوكاني في النيل، وكذا الحافظ في التلخيص، قال البيهقى ليس بصحيح، وفى النسخة المصورة للسنن الكبرى لم أعثر على ما أورداه، رغم أن البيهقى أورده فيها من طريقين. وروى الخمسة الا الترمذي نحوه وأحمد ومالك والشافعي والحاكم بطرق منها عن طاوس عن صفوان وطعن في سماع الاول من الثاني، وقال ابن عبد البر سماع طاوس من صفوان ممكن لانه أدرك زمن عثمان، وروى عنه أنه قال: أدركت سبعين صحابيا، ورواه مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان عن أبيه وقد صححه ابن الجارود والحاكم وله شاهد من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قال الحافظ ضعيف ورواه البزار مرسلا. حديث أبو الزبير عن جابر قال: أضاف رجل رجلا..) قال الحافظ لم أجده (قلت) وقد أخرج البيهقى في السنن الكبرى عن ابن لعبيد بن الابرص قال شهدت عليا أتى برجل اختلس من رجل ثوبه، فقال المختلس انى كنت أعرفه (وفى فسخ انى كنت أعرته) فلم يقطعه على. حديث محمد بن حاطب أو الحارث أن رجلا قدم المدينة ... أخر جه مالك والشافعي وفى سنده انقطاع، والدارقطني وسعيد بن منصور وعبد الرزاق. حديث ادرءوا الحدود بالشبهات..سبق تخريجه. أثر (أن عاملا كتب إلى عمر..روى البيهقى من طريق الشعبى يقول ليس على من سرق من بيت المال قطع. وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من المغنم، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال: مال الله سرق بعضه بعضا. واسناده ضعيف. وأخرج ابن أبى شيبة أن رجلا سرق من بيت المال، فكتب فيه سعد إلى

عمر ثم ذكر أثر (أن عمر قطع سارقا سرق نبطية) قال الحافظ في التلخيص لم أجده أثر عبد الله بن عمر والحضرمى (أن غلاما سرق مرآة امرأتي) أخرجه مالك والشافعي والدارقطني. قول عمر في سرقة غلام الحضرمي سبق تخريجه. قول عمر لا قطع في عام؟ ؟ لم أجده وقرأته في منار السبيل بدون تخريج وفيه قيل لاحمد تقول به؟ قال إى لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة. حديث (أمر في سارق رداء صفوان) سبق تخريجه. حديث عائشة (أتى بسارق قد سرق) أخرجه البيهقى ومتفق عليه بنحوه حديث أبى هريرة (وان سرق فاقطعوا يده) أخرجه الدارقطني وفى اسناده الواقدي، ورواه الشافعي عن أبى هريرة: السارق إذا سرق فاقطعوا يده، ثم ان سرق فاقطعوا رجله، ثم ان سرق فاقطعوا يده، ثم ان سرق فاقطعوا رجله) ورواه الطبراني بإسناد ضعيف. اللغة: قوله (ليس في الثمر المعلق قطع الا ما أواه الجرين) المعلق ما دام على النخلة فهو معلق على القنو، والجرين موضع يجفف فيه الثمر، وهو الجرن أيضا، ويسمى أيضا المربد والبيدر والابدر، والمجن البرس لانه يجن أي يستر والجمع المجان بالفتح وأصله مجابن بوزن مفاعل فأدغم، ومنه الحديث: كأن وجوههم المجان المطرقة. قوله (فإن سرق مالا مثمنا) يقال شئ مثمن وثمين، أي مرتفع الثمن لا يباع الا بالثمن الكثير، والخانات جمع يبيع التجار، والخان أيضا موضع ينزله المسافرون. قوله (ودونها أغلاق) جمع غلق وهو المغلاق الذى يغلق به الباب معروف ويقال الغلوق أيضا بالضم، والرباطات جمع رباط وهو ما يسكنه النساك والعباد. والجواسق جمع جوسق وهو منظر يبنى في البساتين، والجوسق القصر أيضا قوله (متاع الصيادلة) هم الذين يبيعون العقاقير والادوية وأحدهم صيدلالى

والصيدنانى بالنون أيضا لغة فيه، وزيادة الالف والنون فيه للمبالغة، وهو في النسب كثير. قوله (ودونها أغلاق أو درابات) هي شباك من خيوط تجعل على الدكاكين بالنهار. قوله (شرائح القصب) جمع شريحة، هو شئ ينسج من القصب بعد أن يشق يكون مشبكا مثل الشريحة التى تعمل من سعف النخل يحمل فيها البطيخ وسميت بذلك لتماثلها واستوائها: يقال اشبه شرح شرحا وهو مثل. قيل إن يوسف ابن عمر شريح الحجاج. أي مثله، وتشريح الشئ بالشئ مداخلته وتشريح العيبة مداخلة عراها. قوله (وان زحف عنه) أي تزلج وافسل قليلا قليلا، من زحف الصبى على الارض قبل أن يمشى. والفسطاط قد ذكر والمحجن عود معقف الطرف وأصله من الحجن بالتحريك وهو الاعوجاج. قوله (طعام فانثال) أي انصب قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يجب القطع إلا بأن يخرج المال من الحرز بفعله، فإن دخل الحرز ورمى المال إلى خارج الحرز أو نقب الحرز وأدخل يده أو محجنا معه فأخرج المال قطع، وإن دخل الحرز وأخذ المال ودفعه إلى آخر خارج الحرز قطع لانه هو الذى أخرجه، فإن أخرجه ولم يأخذ منه الآخر فرده إلى الحرز لم يسقط القطع لانه وجب القطع بالاخراج فلم يسقط بالرد، وإن ربط جيبه أو كمه فوقع منه المال أو نقب حرزا فيه طعام فانثال قطع لانه خرج بفعله، وإن كان في الحزر ماء جار فترك فيه المال حتى خرج إلى خارج الحرز قطع لانه خرج بسبب فعله، وإن تركه في ماء راكد فحركه حتى خرج المال قطع لما ذكرناه وإن حركه غيره لم يقطع، لانه لم يخرج المال بفعله، وان تفجر الماء وخرج المال ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقطع لانه سبب لخروجه (والثانى) أنه لا يقطع لان خروجه بالانفجار الحادث من غير فعله.

وإن وضع المال في النقب في وقت هبوب الريح فأطارته الريح إلى خارج الحرز قطع كما لو تركه في ماء جار، وان وضعه ولا ريح ثم هبت ريح فأخرجته ففيه وجهان كما قلنا فيما لو تركه في ماء راكد فتفجر الماء فخرج به، فإن وضع المال على حمار ثم قاده أو ساقه حتى خرج من الحرز قطع لانه خرج بسبب فعله وان خرج الحمار من غير سوق ولا قود ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقطع لان عادة البهائم إذا أثقلها الحمل أن تسير. (والثانى) أنه لا يقطع لانه سار باختياره. وان ثقب الحرز وأمر صغيرا لا يميز بإخراج المال من الحرز فأخرجه قطع، لان الصغير كالآلة، وإن دخل الحرز وأخذ جوهرة فابتلعها وخرج ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يقطع لانه استهلكها في الحرز، ولهذا يجب عليه قيمتها فلم يقطع كما لو أخذ طعاما فأكله. (والثانى) أنه يقطع لانه أخرجه من الحرز في وعاء فأشبه إذا جعلها في جيبه ثم خرج، وان أخذ طيبا فتطيب به ثم خرج، فإن لم يمكن أن يجتمع منه قدر النصاب لم يقطع لانه استهلكه في الحرز فصار كما لو كان طعاما فأكله، وان أمكن أن يجتمع منه قدر النصاب ففية وجهان (أحدهما) أنه لا يقطع لان استعمال الطيب اتلاف له فصار كالطعام إذا أكله في الحرز (والثانى) أنه يقطع لان عينه باقية، ولهذا يجوز لصاحبه أن يطالبه برده. (فصل) ولا يجب القطع حتى ينفصل المال عن جميع الحرز، فإن سرق جذعا أو عمامة فأخذ قبل أن ينفصل الجميع من الحرز لم يقطع لانه لا ينفرد بعضه عن بعض، ولهذا لو كان في طرف منه نجاسة لم تصح صلاته فيه، فإذا لم يجب القطع فيما بقى من الحرز لم يجب فيما خرج منه. وان ثقب رجلان حرزا فأخذ أحدهما المال ووضعه على باب الثقب وأخذه الآخر ففيه قولان: (أحدهما) أنه يجب عليهما القطع، لانا لو لم نوجب القطع عليهما صار هذا طريقا إلى اسقاط القطع.

(والثانى) أنه لا يقطع واحد منهما، وهو الصحيح، لان كل واحد منهما لم يخرج المال من كمال الحرز، وإن ثقب أحدهما الحرز ودخل الاخر واخرج المال ففيه طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كالمسألة قبلها، ومنهم من قال لا يجب القطع قولا واحدا، لان أحدهما نقب ولم يخرج المال والاخر أخرج. المال من غير حرزه. (فصل) وإن فتح مراحا فيه غنم فحلب من ألبانها قدر النصاب وأخرجه قطع لان الغنم مع اللبن في حرز واحد فصار كما لو سرق فصابا من حرزين في بيت واحد (فصل) فإن دخل السارق إلى دار فيها سكان ينفرد كل واحد منهم ببيت مقفل فيه مال ففتح ببتا وأخرج المال إلى صحن الدار قطع لانه أخرج المال من حرزه، وإن كانت الدار لواحد وفيها بيت فيه مال فأخرج السارق المال من البيت إلى الصحن، فإن كان باب البيت مفتوحا وباب الدار مغلقا لم يقطع لان ما في البيت محرز بباب الدار، وإن كان باب الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا قطع لان المال محرز بالبيت دون الدار، وإن كان باب البيت مفتوحا وباب الدار مفتوحا لم يقطع لان المال غير محرز. وإن كان باب البيت مغلقا وباب الدار مغلقا ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقطع لان البيت حرز لما فيه فقطع، كما لو كان باب الدار مفتوحا (والثانى) أنه لا يقطع لان البيت المغلق في دار مغلقة حرز في حرز فلم يقطع بالاخراج من أحدهما، كما لو كان في بيت مقفل صندوق مقفل فأخرج المال من الصندوق ولم يخرجه من البيت. (فصل) وإن سرق الضيف من مال المضيف نظرت فإن سرقه من مال لم يحرزه عنه لم يقطع لما روى أبو الزبير عن جابر قال: أضاف رجل رجلا فأنزله في مشربة له فوجد متاعا له قد اختانه فيه، فأتى به أبا بكر رضى الله عنه فقال خل عنه فليس بسارق وانما هي أمانة اختانها، ولانه غير محرز عنه فلم يقطع فيه، وإن سرقه من بيت مقفل قطع، لما روى محمد بن حاطب أو الحارث أن رجلا قدم المدينة فكان يكثر الصلاة في المسجد وهو أقطع اليد والرجل، فقال له

أبو بكر رضى الله أنه ماليك بليل سارق، فلبثوا ما شاء الله ففقدوا حليا لهم، فجعل الرجل يدعو على من سرق أهل هذا البيت الصالح، فمر رجل بصائغ فرأى عنده حليا، فقال ما أشبه هذا الحلى بحلى آل أبى بكر، فقال للصائغ ممن اشتريته فقال من ضعيف أبى بكر فأخذ فأقر، فجعل أبو بكر رضى الله عنه يبكى، فقالوا ما يبكيك من رجل سرق، فقال أبكى لغرته بالله تعالى، فأمر به فقطعت يده، ولان البيت المغلق حرز لما فيه فقطع بالسرقة منه. (فصل) ولا يجب القطع بسرقة ما ليس بمال كالكلب والخنزير والخمر والسرجين، سواء سرقه من مسلم أو من ذمى لان القطع جعل لصيانة الاموال وهذه الاشياء ليس بمال فإن سرق اناء يساوى نصابا فيه خمر ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يقطع لان ما فيه تجب اراقته ولا يجوز اقراره فيه (والثانى) أنه يقطع لان سقوط القطع فيما فيه لا يوجب سقوط القطع فيه، كما لو سرق اناء فيه بول. (فصل) وان سرق صنما أو بربطا أو مزمارا، فإن كان إذا فصل لم يصلح لغير معصية لم يقطع، لانه لا قيمة لما فيه من التأليف، وان كان إذا فصل يصلح لمنفعة مباحة ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يقطع لانه مال يقول على متلفه (والثانى) أنه لا يقطع لانه آلة معصيه فلم يقطع بسرقته كالخمر (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رحمه الله أنه ان أخرجه مفصلا قطع لزوال المعصية، وان أخرجه غير مفصل لم يقطع لبقاء المعصية، وان سرق أواني الذهب والفضة قطع، لانها تتخذ للزينة لا المعصية. (فصل) وان سرق حرا صغيرا لم يقطع لانه ليس بمال، وان سرقه وعليه حلى بقدر النصاب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقطع لانه قصد سرقة ما عليه من المال (والثانى) أنه لا يقطع لان يده ثابتة على ما عليه، ولهذا لو وجد لقيط ومعه مال كان المال له فلم يقطع، كما لو سرق جملا وعليه صاحبه، وان سرق أم ولد نائمة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقطع لانها تضمن باليد فقطع بسرقتها كسائر الاموال

(والثانى) أنه لا يقطع لانه معنى المال فيها ناقص لانه لا يمكن نقل الملك فيها، وإن سرق عينا موقوفة على غيره ففيه وجهان كالوجهين في أم الولد، وإن سرق من غلة وقف على غيره قطع لانه مال يباع ويبتاع، وان سرق الماء ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقطع لانه يباع ويبتاع (والثانى) أنه لا يقطع لانه لا يقصد إلى سرقته لكثرته. (فصل) ولا يقطع فيما له فيه شبهة لقوله عليه الصلاة والسلام: ادرءوا الحدود بالشبهات، فإن سرق مسلم من مال بيت المال لم يقطع لما روى أن عاملا لعمر رضى الله عنه كتب إليه يسأله عمن سرق من مال بيت المال؟ قال لا تقطعه فما من أحد الا وله فيه حق. وروى الشعبى أن رجلا سرق من بيت المال فبلغ عليا كرم الله وجهه فقال ان له فيه سهما ولم يقطعه وان سرق ذمى من بيت المال قطع لانه لا حق له فيه وان كفن ميت بثوب من بيت المال فسرقه سارق قطع، لان بالتكفين به انقطع عنه حق سائر المسلمين، وان سرق من غلة وقف على المسلمين لم يقطع لان له فيه حقا، وان سرق فقير من غلة وقف على الفقراء لم يقطع لان له فيها حقا، وان سرق منها غنى قطع لانه لا حق لها فيها. (فصل) وان سرق رتاج الكعبة أو باب المسجد أو تأزيره قطع لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قطع سارقا سرق قبطية من مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولانه مال محرز بحرز مثله لا شبهة له فيه، وان سرق مسلم من قناديل المسجد أو من حصره لم يقطع لانه جعل ذلك لمنفعة المسلمين وللسارق فيها حق، وان سرقه ذمى قطع لانه لا حق له فيها. (فصل) ومن سرق من ولده أو ولد ولده وان سفل، أو من أبيه أو من جده وان علا لم يقطع. وقال أبو ثور يقطع، لقوله عز وجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فعم ولم يخص، وهذا خطأ لقوله عليه الصلاة والسلام (ادرءوا الحدود بالشبهات) وللاب شبهة في مال الابن وللابن شبهة في مال الاب، لانه جعل ماله كماله في استحقاق النفقة ورد الشهادة فيه، والاية نخصها بما ذكرناه.

ومن سرق ممن سواهما من الاقارب قطع لانه لا شبهة له في ماله ولا يقطع العبد بسرقة مال مولاه. وقال أبو ثور يقطع لعموم الآية، وهذا خطأ لما روى السائب بن يزيد أنه حضر عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ جاءه عبد الله بن عمرو الحضرمي فقال: إن غلامي هذا سرق فاقطع يده، فقال عمر ما سرق؟ فقال مرآة امرأتي، فقال له أرسله، خادمكم أخذ متاعكم، ولكن لو سرق من غيركم قطع، ولان يده كيد المولى بدليل أنه لو كان بيده مال فادعاه رجل كان القول فيه قول المولى، فيصير كما لو نقل ماله من زاوية داره إلى زاوية أخرى، ولان له في ماله شبهة في استحقاق النفقة فلم يقطع كالاب والابن، وان سرق من غيره قطع لقول عمر رضى الله عنه، ولانه لا شبهة له في مال غيره، وان سرق أحد الزوجين من الاخر ما هو محرز عنه ففيه ثلاثة أقوال. (أحدها) أنه يقطع لان النكاح عقد على المنفعة فلا يسقط القطع في السرقة كالاجارة. (والثانى) أنه لا يقطع لان الزوجة تستحق النفقة على الزوج والزوج يملك أن يحجر عليها ويمنعها من التصرف على قول بعض الفقهاء فصار ذلك شبهة (والثالث) أنه يقطع الزوج بسرقة مال الزوجة ولا تقطع الزوجة بسرقة مال الزوج، لان للزوجة حقا في مال الزوج بالنفقة، وليس للزوج حق في مالها، ومن لا يقطع من الزوجين بسرقة مال الاخر لا يقطع عبده بسرقة ماله لقول عمر رضى الله عنه في سرقه غلام الحضرمي الذى سرق مرآة امرأته أرسله فلا قطع عليه خادمكم أخذ متاعكم، ولان يد عبده كيده فكانت سرقته من ماله كسرقته. (فصل) وان كان له على رجل دين فسرق من ماله، فإن كان جاحدا له أو مماطلا له لم يقطع، لان له أن يتوصل إلى أخذه بدينه، وإن كان مقرا مليا قطع لانه لا شبهة له في سرقته، وان غصب مالا فأحرزه في بيت فنقب المعصوب منه البيت وسرق مع ماله نصابا من مال الغاصب ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه لا يقطع لانه هتك حرزا كان له هتكه لاخذ ماله

(والثانى) أنه يقطع لانه لما سرق مال الغاصب علم أنه قصد سرقة مال الغاصب (والثالث) أنه ان كان ما سرقه متميزا عن ماله قطع لانه لا شبهة له في سرقته، وان كان مختلطا بماله لم يقطع لانه لا يتميز ما يحب فيه القطع مما لا يجب فيه فلم يقطع. وان سرق الطعام عام المجاعة نظرت ان كان الطعام موجودا قطع لانه غير محتاج إلى سرقته، وان كان معدوما لم يقطع لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لا قطع في عام المجاعة أو السنة، ولان له أن يأخذه فلم يقطع فيه. (فصل) وان نقب المؤجر الدار المستأجرة وسرق منها مالا للمستأجر قطع لانه لا شبهة له في ماله ولا في هتك حرزه، وان نقب المعير الدار المستعارة وسرق منها مالا للمستعير ففيه وجهان. (أحدهما) انه لا يقطع لان له أن يرجع في العارية فجعل النقب رجوعا. (والثانى) وهو المنصوص أنه يقطع لانه أحرز ماله بحرز يحق فأشبه إذا نقب المؤجر الدار المستأجرة وسرق مال المستأجر، وان غصب رجل مالا أو سرقه وأحرزه فجاء سارق فسرقه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقطع لانه حرز لم يرضه مالك (والثانى) أنه يقطع لانه سرق ما لا شبهة له فيه من حرز مثله (فصل) وان وهب المسروق منه العين المسروقة من السارق بعد ما رقع إلى السلطان لم يسقط القطع لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر في سارق رداء صفوان أن تقطع يده: فقال صفوان انى لم أرد هذا هو عليه صدقة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهلا قبل أن تأتيني به، ولان ما حدث بعد وجوب الحد ولم يوجب شبهة في الوجوب فلم يؤثر في الحد كما لو زنى وهو عبد فصار حرا قبل أن يحد أو زنى وهو بكر فصار ثيبا قبل أن يحد. وان سرق عينا قيمتها ربع دينار فنقصت قيمتها قبل أن يقطع لم يسقط القطع لما ذكرناه، وان ثبتت السرقة بالبينة فأقر المسروق منه بالملك السارق أو قال كنت أبحته له سقط القطع لانه يحتمل أن يكون صادقا في اقراره، وذلك شبهة فلم يجب معها الحد.

وإن ثبتت السرقة بالبينة فادعى السارق أن المسروق ماله وهبه منه أو أباحه له وأنكر المسروق منه ولم يكن للسارق بينة لم يقبل دعواه في حق المسروق منه لانه خلاف الظاهر بل يجب تسليم المال إليه. وأما القطع فالمنصوص أنه لا يجب لانه يجوز أن يكون صادقا وذلك شبهة فمنعت وجوب الحد. وذكر أبو إسحاق وجها آخر أنه يقطع لانا لو أسقطنا القطع بدعواه أفضى إلى أن لا يقطع سارق، وهذا خطأ لانه يبطل به إذا ثبت عليه الزنا بامرأة وادعى زوجيتها فإنه يسقط الحد وان أفضى ذلك إلى اسقاط حد الزنا، وان ثبتت السرقة بالبينة والمسروق منه غائب فالمنصوص في السرقة أنه لا يقطع حتى يحضر فيدعى، وقال فيمن قامت البينة عليه أنه زنى بأمة ومولاها غائب أنه يحد ولا ينتظر حضور المولى فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة مذاهب. (أحدها) وهو قول أبى العباس ابن سريج رحمه الله انه لا يقام عليه الحد في المسألتين حتى يحضر، وما روى في حد الزنا سهو من الناقل، ووجهه أنه يجوز أن يكون عند الغائب شبهة تسقط الحد بأن يقول المسروق منه كنت أبحته له، ويقول مولى الامة كنت وقفتها عليه، والحد يدرأ بالشبهة فلا يقام عليه قبل الحضور. (والثانى) وهو قول أبى اسحق أنه ينقل جواب كل واحدة منهما إلى الاخرى فيكون في المسألتين قولان (أحدهما) أنه لا يحد لجواز أن يكون عند الغائب شبهة (والثانى) أنه يحد لانه وجب الحد في الظاهر فلا يؤخر. (والثالث) وهو قول أبى الطيب ابن سلمة وأبى حفص بن الوكيل أنه يحد الزانى ولا يقطع السارق على ما نص عليه، لان حد الزنا لا تمنع الاباحة من وجوبه، والقطع في السرقة تمنع الاباحة من وجوبه، وان ثبتت السرقة والزنا بالاقرار فهو كما لو ثبتت بالبينة فيكون على ما تقدم من المذاهب. ومن أصحابنا من قال فيه وجه آخر أنه يقطع السارق ويحد الزانى في الاقرار وجها واحدا، والصحيح أنه كالبينة، وإذا قلنا انه ينتظر قدوم الغائب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يحبس لانه قد وجب الحد وبقى الاستيفاء فحبس كما يحبس

من عليه القصاص إلى أن يبلغ الصبى ويقدم الغائب (والثانى) أنه ان كان السفر قريبا حبس إلى أن يقدم الغائب، وان كان السفر بعيدا لم يحبس لان في حبسه اضرارا به والحق لله عز وجل فلم يحبس لاجله. (فصل) وإذا ثبت الحد عند السلطان لم يجز العفو عنه ولا تجوز الشفاعة فيه، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسارق قد سرق فأمر به فقطع، فقيل يا رسول الله ما كنا نراك تبلغ به هذا؟ قال لو كانت فاطمة بنت محمد لاقمت عليها الحد. وروى عروة قال: شفع الزبير في سارق فقيل حتى يأتي السلطان، قال إذا بلغ السلطان فلعن الله الشافع والمشفع كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولان الحد لله فلا يجوز فهى العفو والشفاعة. (فصل) وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في السارق وان سرق فاقطعوا يده ثم ان سرق فاقطعوا رجله ثم ان سرق فاقطعوا يده ثم ان سرق فاقطعوا رجله، وان سرق خامسا لم يقتل لان النبي صلى الله عليه وسلم بين في حديث أبى هريرة ما يجب عليه في أربع مرات، فلو وجب في الخامسة قتل لبين، ويعزر لانه معصية ليس حد فيها ولا كفارة فعزر فيها. (فصل) وتقطع اليد من مفصل الكف لما روى عن أبى بكر رضى الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع، ولان البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولهذا تجب الدية فيه، ويجب فيما زاد الحكومة، وتقطع الرجل من مفصل القدم. وقال أبو ثور: تقطع الرجل من شطر القدم لما روى الشعبى قال: كان على عليه السلام يقطع الرجل من شطر القدم ويترك له عقبا ويقول أدع له ما يعتمد عليه، والمذهب ما ذكرناه، والدليل عليه ما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كان يقطع القدم من مفصلها، ولان البطش بالقدم ويجب فيها الدية فوجب قطعه.

(فصل) وإن سرق ولا يمين له قطعت الرجل اليسرى، فإن كانت له يمين عند السرقة فذهبت بآكلة أو جنابة سقط الحد، ولم ينتقل الحد إلى الرجل والفرق بين المسئلتين أنه إذا سرق ولا يمين له تعلق الحد بالعضو الذى يقطع بعدها، وإذا سرق وله يمين تعلق القطع بها، فإذا ذهبت زال ما تعلق به القطع فسقط، وإن سرق وله يده ناقصة الاصابع قطعت، لان اسم اليد يقع عليها، وإن لم يبق غير الراحة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقطع وينتقل الحد إلى الرجل، لانه قد ذهبت المنفعة المقصودة بها، ولهذا لا يضمن بأرش مقدر فصار كما لو لم يبق منها شئ. (والثانى) أنه يقطع ما بقى لانه بقى جزء من العضو الذى تعلق به القطع فوجب قطعه، كما لو بقيت أنملة، فإن سرق وله يد شلاء فإن قال أهل الخبرة إنها إذا قطعت انسدت عروقها قطعت، وان قالوا لا تنسد عروقها لم تقطع لان قطعها يؤدى إلى أن يهلك. (فصل) وإذا قطع فالسنة أن يعلق العضو في عنقه ساعة، لما روى فضالة ابن عبيد قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسارق فأمر به فقطعت يده ثم أمر فعلقت في رقبته، ولان في ذلك ردعا للناس ويجسم موضع القطع لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى بسارق فقال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتونى به، فقطع فأتى به فقال: تب إلى الله تعالى، فقال تبت إلى الله تعالى، فقال تاب الله عليك والحسم هو أن يغلى الزيت غليا جيدا ثم يغمس فيه موضع القطع لتنحسم العروق وينقطع الدم، فإن ترك الحسم جاز لانها مداواة فجاز تركها وأما ثمن الزيت وأجرة القاطع فهو في بيت المال لانه من المصالح، فإن قال أنا أقطع بنفسى ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يمكن كما لا يمكن في القصاص. (والثانى) أنه يمكن لان الحق لله تعالى والقصد به التنكيل، وذلك قد يحصل بفعله بخلاف القصاص فإنه يجب للآدمي للتشفي فكان الاستيفاء إليه

(فصل) وإن وجب عليه قطع يمينه فأخرج يساره فاعتقد أنها يمينه أو اعتقد أن قطعها يجزئ عن اليمين فقطعها القاطع ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أنه يجزئه عن اليمين لان الحق لله تعالى ومبناه على المساهلة فقامت اليسار فيه مقام اليمين. (والثانى) أنه لا يجزئه لانه قطع غير العضو الذى تعلق به القطع، فعلى هذا ان كان القاطع تعمد قطع اليسار وجب عليه القصاص في يساره، وان قطعها وهو يعتقد أنها يمينه، أو قطعها وهو يعتقد أن قطعها يجزئه عن اليمين. وجب عليه نصف الدية. (فصل) إذا تلف المسروق في يد السارق ضمن بدله وقطع ولا يمنع أحدهما الآخر، لان الضمان يجب لحق الآدمى والقطع يجب لله تعالى فلا يمنع أحدهما الآخر كالدية والكفارة. (الشرح) الشرط في وجوب هذا الحد فهو الحرز، وذلك أن جميع فقهاء. الامصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع، وان كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز، والاشبه أن يقال في حد الحرز أنه ما شأنه أن تحفظ به الاموال كى يعسر أحذها، مثل الاغلاق والحظأر وما أشبه ذلك، وفى الفعل الذى إذا فعله السارق اتصف بالاخراج من الحرز. وممن ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأصحابهم وقال أهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث القطع على من سرق النصاب، وان سرقه من غير حرز. فعمدة الجمهور حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن، ومرسل مالك بنحوه، وعمدة أهل الظاهر عموم الآية، قالوا فوجب أن تحمل الآية على عمومها الا ما خصصته السنة الثابتة من ذلك، وقد خصصت المقدار الذى يقطع فيه من الذى لا يقطع وردوا حديث شعيب لموضع الاختلاف فيه وقال ابن عبد البر العمل بها واجب

إذا رواها الثقات وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز، واختلافهم في الاوعية، مثل اتفاقهم على أن من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار، واختلافهم في الدار المشتركة، فقال مالك وكثير ممن اشترط الحرز تقطع يده إذا أخرج من البيت، وقال أبو يوسف ومحمد: لا قطع عليه إلا إذا أخرج من الدار. ومنها اختلافهم في القبر هل هو حرز حتى يجب القطع على النباش أو ليس بحرز، فقال مالك والشافعي وأحمد وجماعة (هو حرز وعلى النباش القطع) وبه قال عمر بن عبد العزيز. وقال أبو حنيفة (لا قطع عليه) وكذلك قال سفيان الثوري، وروى ذلك عن زيد بن ثابت، والحرز عند مالك بالجملة هو كل شئ جرت العادة بحفظ ذلك الشئ المسروق فيه. فمرابط الدواب عنده أحراز وكذلك الاوعية وما على الانسان من اللباس فالانسان حرز لكل ما عليه أو هو عنده. وإذا توسد النائم شيئا فهو له حرز على ما جاء في حديث صفوان، وما أخذ من المنتبه فهو اختلاس، ولا يقطع عند مالك سارق ما كان على الصبى من الحلى أو غيره إلا أن يكون معه حافظ يحفظه، ومن سرق من الكعبة شيئا لم يقطع عنده وكذلك من المساجد. وقد قيل في المذهب أنه ان سرق منها ليلا قطع، واتفق القائلون بالحرز على أن كل من سمى مخرجا للشئ من حرزه وجب عليه القطع، وسواء كان داخل الحرز أو خارجه وإذا ترددت التسمية وقع الخلاف، مثل اختلاف إذا كان سارقان أحدهما داخل البيت والآخر خارجه، فقرب أحدهما المتاع المسروق إلى ثقب في البيت فتناوله الاخر، فقيل القطع على الخارج المتناول له، وقيل لا قطع على واحد منهما، وقيل القطع على المقرب للمتاع من الثقب، والخلاف في هذا كله آيل إلى انطلاق اسم المخرج من الحرز عليه أو لا انطلاقه فهذا هو القول في الحرز واشتراطه في وجوب القطع، ومن رمى بالمسروق من الحرز ثم أخذه خارج الحرز قطع، وقد توقف مالك فيه إذا أخذ بعد رميه وقبل أن يخرج، وقال ابن القاسم يقطع.

وأما جنس المسروق فإن العلماء اتفقوا على أن كل متملك غير ناطق يجوز بيعه وأخذ العوض عنه فإنه يجب في سرقته القطع ما عدا الاشياء الرطبة المأكولة والاشياء التى أصلها الاباحة فانهم اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى أن القطع في كل متمول يجوز بيعه وأخذ العوض فيه. وقال أبو حنيفة: لا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد فعمدة الجمهور عموم الآية الموجبة للقطع وعموم الآثار الواردة في اشتراط النصاب، وعمدة أبى حنيفة في منعه القطع في الطعام الرطب قوله عليه السلام (لا قطع في ثمر ولا كثر) وعمدته أيضا في منع القطع فيما أصله مباح الشبهة التى فيه لكل مالك، وذلك أنهم اتفقوا على أن من شرط المسروق الذى يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك. واختلفوا في سرقة المصحف، فقال مالك والشافعي يقطع سارقه، وقال أبو حنيفة لا يقطع، ولعل هذا من أبى حنيفة بناء على أنه لا يجوز بيعه أو أن لكل أحد فيه حقا إذ ليس بمال. واختلفوا فيمن سرق صغيرا مملوكا أعجميا ممن لا يفقه ولا يعقل الكلام، فقال الجمهور يقطع، وأما إن كان كبيرا يفقه، فقال مالك: يقطع، وقال أبو حنيفة: لا يقطع. وقالت الحنابلة: فان سرق حرا صغيرا فلا قطع، لانه ليس بمال، ثم روى عنهم أنه يقطع لحديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى فأمر بيده فقطعت) رواه الدارقطني وقال المالكيون إن سارقه (الحر الصغير) يقطع ولا يقطع عند أبى حنيفة وهو قول ابن الماجشون - واختلفوا إذا سرق العبد من مال سيده، فالجمهور على أنه لا يقطع، وقال أبو ثور يقطع، وقال أهل الظاهر يقطع إلا أن يأتمنه سيده واشترط مالك أن يكون بلى الخدمة لسيده بنفسه، والشافعي مرة اشترط هذا ومرة لم يشترطه ويدرأ الحد.

قال عمر وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة، وكذا إذا سرق الزوج من زوجته من مالها الخاص أو العكس فقال مالك: إذا كان كل واحد ينفرد ببيت فيه متاعه فالقطع على من سرق من مال صاحبه. وقال الشافعي: الاحتياط أن لا قطع على أحد الزوجين لشبهة الاختلاط وشبهة المال، وقد روى عنه مثل قول مالك واختاره المزني. وقالت الحنابلة: ولا يقطع أحد الزوجين بسرقته من ماله المحرز عنه اختاره الاكثر كمنعه نفقتها فتأخذها، أما مال القرابات فقال مالك: أن لا يقطع الاب فيما سرق من مال الابن لقوله عليه السلام (أنت ومالك لابيك) ويقطع ما سواهم من القرابات. وقال الشافعي: لا يقطع عمود النسب الاعلى والاسفل، يعنى الاب والاجداد والابناء وأبناء الابناء. وقال أبو حنيفة: لا يقطع ذوا الرحم المحرمة، وقال أبو ثور: تقطع يد كل من سرق إلا ما خصصه الاجماع. وقالت الحنابلة: ويقطع كل قريب بسرقة مال قريبه إلا عمودي نسبه، وقيل إلا أبويه وان علوا، وقيل إلا ذى رحم محرم، وظاهر الواضح قطع غير أب ومن سرق من المغنم أو من بيت المال فقال مالك: يقطع، وقال عبد الملك من أصحابه لا يقطع. وقالت الحنابلة: لا قطع على مسلم سرق من بيت المال لقول عمر وابن مسعود (من سرق من بيت المال فلا قطع ما من أحد إلا وله في هذا المال حق) وروى عن على (ليس على من سرق من بيت المال قطع) واتفقوا على أنه إذا ثبتت أركان الجريمة فقد وجب القطع والغرم إذا لم يجب القطع، واختلفوا هل يجمع الغرم مع القطع، فقال قوم عليه الغرم والقطع، وبه قال الشافعي وأحمد والليث وأبو ثور وجماعة. وقال قوم: ليس عليه غرم إذا لم يجد المسروق منه متاعه بعينه، وبه قال أبو حنيفة والثوري وابن أبى ليلى وجماعة، وفرق مالك وأصحابه فقال: إن كان

موسرا اتبع السارق بقيمة المسروق، وإن كان معسرا لم يتبع به إذا أثرى، واشترط مالك دوام اليسر إلى يوم القطع فيما حكى عنه ابن القاسم وحجة من جمع الامرين أن في السرقة حقان، حق لله وحق للآدمي، فاقتضى كل حق موجبه، وأيضا فإنهم لما أجمعوا على أخذ هـ منه إذا وجد بعينه لزم إذا لم يوجد بعينه عنده أن يكون في ضمانه قياسا على سائر الاموال الواجبة، وعمدة الكوفيين حديث عبد الرحمن بن عوف أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد) وهذا الحديث ضعيف لانه مقطوع ووصله بعضهم وخرجه النسائي. ويقولون إن القطع هو بدل الغرم وأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للاصول، وأما تفرقة مالك فاستحسان على غير قياس، والقطع محله اليد اليمنى باتفاق من الكوع وقال قوم الاصابع فقط، ولا دليل عليه، واختلفوا فيمن قطعت يده اليمنى في السرقة، ثم عاد فقال أهل العراق والحجاز تقطع رجله اليسرى بعد اليمنى وقال بعض أهل الظاهر وبعض التابعين تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى ولا يقطع منه غير ذلك. واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة بعد اتفاقهم على قطع الرجل اليسرى بعد اليد اليمنى هل يقف القطع إن سرق ثالثة أم لا، فقال سفيان وأبو حنيفة يقف القطع في الرجل وإنما عليه في الثالثة الغرم فقط وقال مالك والشافعي إن سرق ثالثة قطعت يده اليسرى، ثم إن سرق رابعه قطعت رجله اليمنى، فإذا ذهب محل القطع من غير سرقة ان كانت اليد شلاء فقيل ينتقل القطع إلى اليد اليسرى وقيل إلى الرجل. واختلف في موضع القطع من القدم، فقيل يقطع من المفصل الذى في أصل الساق، وقيل يدخل الكعبان في القطع، وقيل لا يدخلان، وقيل انها تقطع من المفصل الذى في وسط القدم، واتفقوا على أن لصاحب السرقة أن يعفو ما لم يرفع ذلك إلى الامام، واتفقوا على أن السرقة تثبت بشاهدين عدلين أو بإقرار السارق الحر.

باب حد قاطع الطريق

واختلفوا في العبد فقال جمهور فقهاء الامصار إقراره على نفسه موجب للحد وليس يوجب عليه غرما وقال زفر لا يجب اقرار العبد على نفسه بما يوجب قتله ولا قطع لكونه مالا لمولاه، وبه قال شريح والشافعي وقتادة وجماعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب حد قاطع الطريق من شهر السلاح وأخاف السبيل في مصر أو برية وجب على الامام طلبه لانه إذا ترك قويت شوكته وكثر الفساد به في قتل النفوس وأخذ الاموال، فإن وقع قبل أن يأخذ المال ويقتل النفس عزر وحبس على حسب ما يراه السلطان لانه تعرض للدخول في معصية عظيمة فعزر كالمتعرض للسرقة بالنقب والمتعرض للزنا بالقبلة، وان أخذ نصابا محرزا بحرز مثله ممن يقطع بسرقة ماله وجب عليه قطع يده اليمنى ورجله اليسرى لما روى الشافعي عن ابن عباس أنه قال في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخدوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يؤخذوا وتقام عليهم الحدود لانه ساوى السارق في أخذ النصاب على وجه لا يمكن الاحتراز منه فساواه في قطع اليد وزاد عليه بإخافة السبيل بشهر السلاح فغلظ بقطع الرجل فإن لم يكن له اليد اليمنى وله الرجل اليسرى قطع الرجل فأن الحد تعلق بهما، فإذا فقد أحدهما تعلق الحد بالباقي، كما قلنا في السارق إذا كانت له يد ناقصة الاصابع، وان لم يكن له اليد اليمنى ولا الرجل اليسرى انتقل القطع إلى اليد اليسرى والرجل اليمنى، لان ما يبدأ به معدوم فتعلق الحد بما بعده، وان أخذ دون النصاب لم يقطع. وخرج أبو على بن خيران قولا آخر أنه لا يعتبر النصاب كما لا يعتبر التكافؤ في القتل في المحاربة في أحد القولين، وهذا خطأ لانه قطع يجب بأخذ المال

فشرط فيه النصاب كالقطع في السرقة، فإن أخذ المال من غير حرز بأن انفرد عن القافلة أو أخذ من جمال مقطرة ترك القائد تعاهدها لم يقطع لانه قطع يتعلق بأخذ المال فشرط فيه الحرز كقطع السرقة. (فصل) وإن قتل ولم يأخذ المال انحتم قتله ولم يجز لولى الدم العفو عنه، لما روى ابن عباس رضى الله عنه قال: نزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل ولم يأخذ المال قتل، والحد لا يكون إلا حتما، ولان ما أوجب عقوبة في غير المحاربة تغلظت العقوبة فيه بالمحاربة، كأخذ المال يغلظ بقطع الرجل. وإن جرح جراحة توجب القود قهل يتحتم القود؟ فيه قولان (أحدهما) أنه يتحتم، لان ما أوجب القود في غير المحاربة انحتم القود فيه في المحاربة كالقتل. (والثانى) أنه لا يتحتم لانه تغليظ لا يتبعض في النفس فلم يجب فيما دون النفس كالفكارة. (فصل) وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن أصحابنا من قال يصلب حيا ويمنع الطعام والشراب حتى يموت، وحكى أبو العباس بن القاص في التخليص عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يصلب ثلاثا قبل القتل، ولا يعرف هذا للشافعي، والدليل على أنه يصلب بعد القتل قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإن كان الزمان باردا أو معتدلا صلب بعد القتل ثلاثا، وإن كان الحر شديدا وخيف عليه التغير قبل الثلاث حنط وغسل وكفن وصلى عليه وقال أبو على بن أبى هريرة رحمه الله يصلب إلى أن يسيل صديده وهذا خطأ لان في ذلك تعطيل أحكام الموتى من الغسل والتكفين والصلاة والدفن، وإن مات فهل يصلب فيه وجهان. (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله أنه لا يصلب، لان الصلب تابع للقتل وصفة له، وقد سقط القتل فسقط الصلب، (والثانى) وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب الطبري رحمه الله أنه يصلب لانهما حقان فإذا تعذر أحدهما لم يسقط الآخر.

(فصل) وإن وجب عليه الحد ولم يقع في يده الامام طلب إلى أن يقع فيقام عليه الحد لقوله عز وجل (أو ينفوا من الارض) وقد روينا عن ابن عباس أنه قال: ونفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود (فصل) ولا يجب ما ذكرناه من الحد إلا على من باشر القتل أو أخذ المال فأما من حضر ردءا لهم أو عينا فلا يلزمه الحد لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق ويعزر لانه أعان على معصية فعزر، وإن قتل بعضهم وأخذ بعضهم المال وجب على من قتل القتل وعلى من أخذ المال القطع لان كل واحد منهم انفر بسبب حد فاختص بحده. (فصل) إذا قطع قاطع الطريق اليد اليسرى من رجل وأخذ المال قدم قطع القصاص سواء تقدم على أخذ المال أو تأخر، لان حق الآدمى آكد، فإذا اندمل موضع القصاص قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لاخذ المال، ولا يوالى بينهما لانهما عقوبتان مختلفتان فلا تجوز الموالاة بينهما، وإن قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وأخذ المال وقلنا إن القصاص يتحتم، نظرت فإن تقدم أخذ المال سقط القطع الواجب بسببه، لانه يجب تقديم القصاص عليه لتأكد حق الآدمى. وإذا قطع للآدمي زال ما تعلق الوجوب به الاخذ المال فسقط وإن تقدمت الجناية لم يسقط الحد لاخذ المال فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى لانه استحق بالجناية فيصير كمن أخذ المال، وليس له يد يمنى ولا رجل يسرى فتعلق باليد اليسرى والرجل اليمنى (فصل) وإن تاب قاطع الطريق بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شئ مما وجب عليه من حد المحاربة لقوله عز وجل (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) فشرط في العفو عنهم أن تكون التوبة قبل القدرة عليهم، فدل على أنهم إذا تابوا بعد القدرة لم يسقط عنهم، وان تاب قبل القدرة عليه سقط عنه ما يختص بالمحاربة، وهو انحتام القتل والصلب وقطع الرجل للآية، وهل يسقط قطع اليد؟ فيه وجهان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يسقط لانه قطع عضو

وجب بأخذ المال في المحاربة فسقط بالتوبة قبل القدره كقطع الرجل (والثانى) وهو قول أبى اسحاق انه لا يسقط لانه قطع يد لاخذ المال فلم يسقط بالتوبة قبل القدرة كقطع السرقة (فصل) فأما الحد الذى لا يختص بالمحاربة ينظر فيه فإن كان للآدمي وهو حد القذف لم يسقط بالتوبة لانه حق للآدمي فلم يسقط بالتوبة كالقصاص، وان كان لله عز وجل وهو حد الزنا واللواط والسرقة وشرب الخمر ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يسقط بالتوبة لانه حد لا يختص بالمحاربة فلم يسقط بالتوبة كحد القذف (والثانى) أنه يسقط وهو الصحيح، والدليل عليه قوله عز وجل في الزنا (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ان الله كان توابا رحيما) وقوله تعالى في السرقه (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم) وقوله صلى الله عليه وسلم (التوبة تجب ما قبلها) ولانه حد خالص لله تعالى فسقط بالتوبة كحد قاطع الطريق. فإن قلنا انها تسقط نظرت فإن كانت وجبت في غير المحاربة لم تسقط بالتوبة حتى يقترن بها الاصلاح في زمان يوثق بتوبته لقوله تعالى (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) وقوله تعالى (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) فعلق العفو بالتوبة والاصلاح، ولانه قد يظهر التوبة التقية فلا يعلم صحتها حتى يقترن بها الاصلاح في زمان يوثق فيه بتوبته، وان وجبت عليه الحدود في المحاربة سقطت بإظهار التوبة والدخول في الطاعة لانه خارج من يد الامام ممتنع عليه فإذا أظهر التوبة لم تحمل توبته على التقية. (الشرح) أثر ابن عباس (إذا قلتوا وأخذوا المال) أخرجه البيهقى والشافعي في مسنده أثر ابن عباس (نزل جبريل بالحد فيهم) أخرجه البيهقى، قلت وفى حديث العرنيين المتفق عليه وعتاب الله عز وجل لنبيه حينما قتلهم وسمل أعينهم ما ينص على وجوب الحد عليهم بما اجترحوا فقط، واختلاف الحدود باختلاف الافعال كما قال ابن عباس حديث (إذا قتلتم) أخرج مسلم عن أبى يعلى شداد ابن أوس عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)

حديث (لا يحل دم أمرئ مسلم) سبق تخريجه حديث (التوبة تجب ما قبلها) لم أجده وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى (التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله تعالى ثم لا تعود إليه أبدا) اللغة: قوله (من شهر السلاح) أي سله وأخرجه من غمده، وأخاف السبيل أي الطريق والمصر البلد العظيم، قوله (قويت شوكته) الشوكة شدة البأس والحدة في السلاح وقد شاك يشاك شوكا أي ظهرت شوكته وحدته، قوله (انحتم قتله) أي وجب ولم يسقط بالعفو ولا الفداء، والحتم قطع الامر وإرامه من غير شك ولا نظر. قوله (أو ينفوا من الارض) أي يطردوا نفيت فلانا أي طردته، وأما الفقهاء فقال بعضهم نفيهم أن يطلبوا حيث كانوا فيوجدوا، وقال بعضهم نفيهم أن يحبسوا، وقال بعضهم نفيهم أن يقتلوا فلا يبقوا. قوله (فأما من حضر ردءا) أي عونا، قال الله تعالى (ردءا يصدقني) وأردأته أعنته. قوله (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) أي رجعوا عما كانوا عليه من المعصية إلى الطاعة وفعل الخير. وتوبة الله تعالى على عباده رجوعه عن الغضب إلى الرضا، وقد تكون توبة الله عليهم الرجوع من التشديد إلى النخفيف ومن الحظر إلى الاباحة كقوله (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم) أي رجع بكم إلى التخفيف بعد التشديد وقوله (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم) أي أباح لكم ما حظر عليكم. قوله (الصلب) أصل الصلب سيلان الصليب وهو الصديد والودك. قال الشاعر: جريمة ناهض في رأس فيق * نرى لعظام ما جمعت صليبا. وقيل للمقتول الذى يربط على خشبة حتى يسيل صليبه صليب ومصلوب، وسمى ذلك الفعل صلبا، قوله عليه الصلاة والسلام (التوبة تجب ما قبلها) أصل التوبة الرجوع تاب إذا رجع، والجب القطع ولهذا قيل لمقطوع الذكر مجبوب قال ابن حزم في المراتب: واتفقوا أن الغاصب المجاهر الذى ليس محاربا لا قطع عليه، واتفقوا على أن المحارب هو قاطع الطريق وهو من شهر السلاح بلا سلاح خارج المصر سواء كان مسلما أو ذميا، وقال ابن حزم هو مسلم عاص واختلفوا في داخل المصر، فقال مالك داخله وخارجه سواء اشترط الشافعي

الشوكه ولم يشترط العدد والشوكه عنده قوة المغالبة، وقال أبو حنيفة لا تكون محاربة في المصر، وقالت الحنابلة: في صحراء أو في مصر وهو الاصح، والله تعالى أعلم. أما ما يجب على المحارب فقال مالك إن قتل قتل ولا بد وليس للامام تخيير في قطعه ولا نفيه وانما التخيير في قتله أو صلبه، وأما إن أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه وانما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه أو نفيه والتخيير راجع إلى اجتهاد الامام، وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى أن هذه العقوبة مرتبة على الجنايات فلا يقتل من المحاربين الا من قتل ولا يقطع الا من أخذ المال ولا ينفى الا من لم يأخذ المال ولا قتل، وقال قوم الامام يخير فيهم على الاطلاق. واختلفوا في صلبه فقال قوم: انه يصلب حتى يموت جوعا، وقال قوم بل يقتل ويصلب معا، وهؤلاء منهم من قال: يقتل أولا ثم يصلب، وهو قول أشهب، وقيل أنه يصلب حيا ثم يقتل في الخشبة، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون، ومن رأى أنه يقتل أولا ثم يصلب صلى عليه عنده قبل الصلب، ومن رأى أنه يقتل في الخشبة، فقال بعضهم: لا يصلى عليه تنكيلا له، وقيل يقف خلف الخشبة ويصلى عليه، وقال سحنون: ينزل من عليها ويصلى عليه وهل يعاد إلى الخشبة بعد الصلاة فيه قولان، وذهب أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام. وقال ابن حزم: ان قتل فقد حرم صلبه وقطعه ونفيه، وان قطع فقد حرم قتله وصلبه ونفيه، وان نفى فقد حرم قتله وصلبه وقطعه، وان صلب فقد حرم قتله وقطعه ونفيه لا يجوز البتة غير هذا. أما القطع في حقهم فهو أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم ان عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، واختلف إذا لم تكن له اليمنى، فقال ابن القاسم تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، وقال أشهب تقطع اليد والرجل اليسرى. واختلفوا في النفى فقيل ان النفى هو السجن، وقيل ان النفى هو أن ينفى من

بلد إلى بلد فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته، وهو قول ابن القاسم عن مالك ويكون أقل البلدين ما تقصر فيه الصلاة، والقولان عن مالك وبالاول قال أبو حنيفة وقال ابن الماجشون النفى هو فرارهم من الامام لاقامة الحد عليهم، فأما أن ينفى بعد أن يقدر عليه فلا. وقال الشافعي: أما النفى فغير مقصود، ولكن إن هربوا شردناهم في البلاد بالاتباع. وقيل هي عقوبة مقصودة، فقيل على هذا ينفى ويسجن دائما وكلها عن الشافعي، وقالت الحنابلة: إن أخافوا الناس ولم يأخذوا مالا نفوا من الارض فلا يتركون يأوون إلى بلد حتى تظهر توبتهم، وقيل فلا يأووا إلى بلد عاما، وقيل يعزروا بما يردعهم. والظاهر أن النفى هو تغريبهم عن وطنهم. وأما حكم المحاربين فأن يحاربهم الامام، فإذا قدر على واحد منهم لم يقتل إلا إذا كانت الحرب قائمة، أما إذا أسر بعد انقضاء الحرب فإن حكمه حكم البدعى واختلفوا في توبته على: (أ) هل تقبل توبته؟ (ب) إن قبلت فما صفة المحارب الذى تقبل توبته. (ج) هل يسقط الحكم بالتوبة؟ قال أهل العلم تقبل توبته، وأما صفة التوبة التى تسقط الحم فقد اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال. (أحدهما) أن تكون توبته بوجهين، بأن يترك ما هو عليه وإن لم يأت الامام (والثانى) أن يلقى سلاحه ويأتى الامام طائعا، وهو مذهب ابن القاسم والقول الثاني أن توبته انما تكون بأن يترك ما هو عليه، وهذا هو قول ابن الماجشون. والقول الثالث أن توبته انما تكون بالمجئ إلى الامام، وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك عنه حكما من الاحكام إن أخذ قبل أن يأتي الامام وتحصيل ذلك هو أن توبته قيل إنها تكون بأن يأتي الامام قبل أن يقدر عليه وقيل إنها انما تكون إذا ظهرت توبته قبل القدرة فقط، وقيل تكون بالامرين جميعا. وأما صفة المحارب الذى تقبل توبته فإنهما اختلفوا فيها أيضا على ثلاثة

أقوال (أحدها) أن يلحق بدار الحرب (والثانى) أن تكون له فئة (والثالث) كيفما كان كانت له فئة أو لم تكن لحق بدار الحرب أو لم يلحق. واختلف في المحارب إذا امتنع فأمنه الامام على أن يتزل، فقيل له الامان ويسقط عنه حد الحرابة، وقيل لا أمان له لانه انما يؤمن للشرك، وأما ما تسقط عنه التوبة فاختلفوا في ذلك على أربعة أقوال. (أحدها) أن التوبة انما تسقط عنه حد الحرابة فقط، ويؤخذ بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الآدميين وهو قول مالك. (والثانى) أن التوبة تسقط عنه حد الحرابة وجميع حقوق الله، ويتبع بحقوق الناس من الاموال والدماء إلا أن يعفو أولياء المقتول. (والثالث) أن التوبة ترفع جميع حقوق الله ويؤخذ بالدماء، وفى الاموال بما وجد بعينه في أيديهم ولا تتبع ذممهم (والرابع) أن التوبة تسقط جميع حقوق الله وحقوق الادميين من مال ودم إلا ما كان من الاموال قائم العين بيده. وما احتواه هذا الباب من أحكام أوجزها فيما يلى: 1 - تعددت الاقوال فيمن تتحقق فيه صفة المحارب من المسلمين، منها أنه اللص المجاهر بلصوصيته المكابر المصر على ذلك في المدينة، ومنها أنه اللص المجاهر بلصوصيته المصر على ذلك في الصحراء دون المدينة، ومنها أنه المكابر في الفسق والفجور، وقد أوردها الطبراني في تفسيره. ثم قال إن أولاها بالصواب قول من قال إن المحارب لله ورسوله من حارب سابلة المسلمين وأمتهم وأغار عليهم في أمصارهم وقراهم وأخاف عباد الله وقطع طريقهم وأخذ أموالهم وتوثب على حرماتهم فجورا وفسقا 2 - للامام أن يعاقب المحارب بأية عقوبة من عقوبات الآية، وقال الطبري بعد أن أورد كافة الآراء، وإن أولاها بالصواب من أوجب على المحارب العقوبة على قدر استحقاقه وجعل الحكم على المحاربين مختلفا باختلاف أفعالهم 3 - المحاربون من المسلمين توبتهم بينهم وبين الله، وعلى الامام أن يقيم

باب حد الخمر

عليهم حدود ما ارتكبوه من جرائم، وإن بقى في يد المحارب النائب من المال الذى أخذه فللامام أن يسترده منه ويرده إلى أصحابه، وإذا طلب ولى قتيل دم قتيله منه وأقام البينة فعلى الامام أن يقيم عليه الحد وقال الشافعي: ليس لولى الدم حق قود ولا قصاص. 4 - فرض بعضهم حالة ارتداد مسلم إلى الكفر ثم ارتكابه القتل والنهب ثم عودته إلى الاسلام تائبا قبل القدرة عليه منع بعضهم سقوط الحد عنه بالتوبة عزاه الطبري إلى عكرمة والحسن البصري. 5 - للامام أن يقيم عليه حد واحد مما ذكرته الآية ولا يجمع عليه حدين قال المصنف رحمه الله تعالى: باب حد الخمر كل شراب أسكر كثيره حرم قليله وكثيره، والدليل عليه قوله تعالى (إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) واسم الخمر يقع على كل مسكر، والدليل عليه ما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خمر وكل خمر حرام. وروى النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إن من التمر لخمرا، وإن من البر لخمرا، وإن من الشعير لخمرا وإن من العسل خمرا. وروى سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) وروت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام) (فصل) ومن شرب مسكرا وهو مسلم بالغ عاقل مختار وجب عليه الحد، فإن كان حرا جلد أربعين جلدة لما روى أبو ساسان قال (لما شهد على الوليد بن عقبة قال عثمان لعلى عليه السلام دونك ابن عمك فاجلده، قال قم يا حسن فاجلده قال فيما أنت وذاك ول هذا غيرى، قال ولكنك ضعفت وعجزت ووهنت،

فقال قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده فجلده، وعلي عليه السلام بعد ذلك فعد أربعين وقال جلد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخمر أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة. وإن كان عبدا جلد عشرين لانه حد يتبعض فكان العبد فيه على النصف من الحر كحد الزنا، فإن رأى الامام أن يبلغ بحد الحر ثمانين وبحد العبد أربعين جاز لما روى أبو وبرة الكلبى قال (أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضى الله عنه فأتيته ومعه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وعلى وطلحة والزبير رضى الله عنهم، فقلت ان خالد بن الوليد رضى الله عنه يقرأ عليك السلام ويقول ان الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه، قال عمر هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال على عليه السلام تراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفترى ثمانون. فقال عمر بلغ صاحبك ما قال، فجلد خالد ثمانين وجلد عمر ثمانين. قال وكان عمر إذا أتى بالرجل القوى المتهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتى بالرجل الضعيف الذى كانت منه الزلة جلده أربعين، فإن جلده أربعين ومات لم يضمن لان الحق قتله، وان جلده ثمانين ومات ضمن نصف الدية، لان نصفه حد ونصفه تعزير، وسقط النصف بالحد ووجب النصف بالتعزير. وإن جلد احدى وأربعين فمات ففيه قولان. (أحدهما) أنه يضمن نصف ديته لانه مات من مضمون وغير مضمون فضمن نصف ديته، كما لو جرحه واحد جراحة وجرح نفسه جراحات. (والثانى) أنه يضمن جزءا من أحد وأربعين جزءا من الدية لان الاسواط متماثلة فقسطت الدية على عددها، ومخالف الجراحات فإنها لا تتماثل، وقد يموت من جراحة ولا يموت من جراحات، ولا يجوز أن يموت من سوط ويعيش من أسواط. وان أمر الامام الجلاد أن يضرب في الخمر ثمانين فجلده احدى وثمانين ومات المضروب، فإن قلنا ان الدية تقسط على عدد الضرب سقط منها أربعون جزءا لاجل الحد ووجب على الامام أربعون جزءا لاجل التعزير ووجب على الجلاد.

جزء وإن قلنا انه يقسط على عدد الجناية ففيه وجهان (أحدهما) يسقط نصفها لاجل الحد ويبقى النصف، على الامام نصفه وعلى الجلاد نصفه، لان الضرب نوعان، مضمون وغير مضمون، فسقط النصف بما ليس بمضمون ووجب النصف بما هو مضمون (والثانى) انه تقسط الدية أثلاثا فسقط ثلثها بالحد، وثلثها على الامام، وثلثها على الجلاد، لان الحد ثلاثة أنواع، فجعل لكل نوع الثلث. (فصل) ويضرب في حد الخمر بالايدي والنعال وأطراف الثياب على ظاهر النص، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى برجل قد شرب الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضربوه، قال فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله ومنا الضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض الناس أخزاك اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تقولوا هكذا ولا تعينوا عليه الشيطان ولكن قولوا رحمك الله. ولانه لما كان أخف من غيره في العدد وجب أن يكون أخف من غيره في الصفة. وقال أبو العباس وأبوا سحاق يضرب بالسوط. ووجهه ما روى أن عليا رضى الله عنه لما أقام الحد على الوليد بن عقبة قال لعبد الله بن جعفر أقم عليه الحد، قال فأخذ السوط فجلده حتى انتهى إلى أربعين سوطا فقال له أمسك وإن قلنا إنه يضرب بغير السوط فضرب بالسوط أربعين سوطا فمات ضمن، لانه تعدى بالضرب بالسوط، وكم يضمن؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يضمن بقدر ما زاد ألمه على ألم النعال. (والثانى) أنه يضمن جميع الدية لانه عدل من جنس إلى غيره فأشبه إذا ضربه بما يجرح فمات منه. (فصل) والسوط الذى يضرب به سوط بين سوطين ولا يمد ولا يجرد ولا تشديده، لما روى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال (ليس في هذه الامة مد ولا تجريد ولا غل ولا صفة) . (فصل) ولا يقام الحد في المسجد لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ إقامة الحد في المسجد، ولانه لا يؤمن أن يشق الجلد بالضرب فيسيل منه الدم أو يحدث من شدة الضرب فينجس المسجد. وإن أقيم الحد في المسجد سقط الفرض لان النهى لمعنى يرجع إلى المسجد لا إلى الحد فلم يمنع صحته، كالصلاة في الارض المغصوبة. (فصل) إذا زنى دفعات حل للجميع حدا واحدا، وكذلك ان سرق دفعات أو شرب الخمر دفعات حد للجميع حدا واحدا، لان سببها واحد فتداخلت، وان اجتمعت عليه حدود بأسباب بأن زنى وسرق وشرب الخمر وقذف لم تتداخل لانها حدود وجبت بأسباب فلم تتداخل، وان اجتمع عليه الجلد في حد الزنا والقطع في السرقة، أو في قطع الطريق قدم حد الزنا، تقدم الزنا أو تأخر لانه أخف من القطع، فلما تقدم أمكن استيفاء القطع بعده، وإذا قدم القطع لم يؤمن أن يموت منه فيبطل حد الزنا، وان اجتمع عليه مع ذلك حد الشرب أو حد القذف قدم حد الشرب وحد القذف على حد الزنا، لانهما أخف منه، وأمكن للاستيقاء. وان اجتمع حد الشرب وحد القذف ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقدم حد القذف لانه للآدمي (والثانى) أنه يقدم حد الشرب وهو الصحيح لانه أخف من حد القذف، فإذا أقيم عليه حد لم يقم عليه حد آخر حتى يبرأ من الاول، لانه إذا توالى عليه حدان لم يؤمن أن يتلف، وان اجتمع عليه حد السرقة والقطع في قطع الطريق قطعت يمينه للسرقة وقطع الطريق، ثم تقطع رجله لقطع الطريق، وهل تجوز الموالاة بينهما فيه وجهان: (أحدهما) أنه تجوز لان قطع الرجل مع قطع اليد حد واحد فجاز الموالاة بينهما (والثانى) أنه لا يجوز قطع الرجل حتى تندمل اليد، لان قطع الرجل لقطع الطريق وقطع اليد للسرقه وهما سببان مختلفان فلا يوالى بين حديهما، والاول أصح، لان اليد تقطع لقطع الطريق أيضا، فأشبه إذا قطع الطريق ولم يسرق وإن كان مع هذه الحدود قتل فإن كان في غير المحاربة أقيمت الحدود على ما ذكرناه من الترتيب والتفريق بينها، فإذا فرغ من الحدود قتل، وان كان القتل في المحاربة فَفِيهِ وَجْهَانِ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه يوالى بين الجميع، والفرق بينه وبين

القتل في غير المحاربة أن القتل في غير المحاربة غير متحتم وربما عفى عنه فتسلم نفسه، والقتل في المحاربة متحتم فلا معنى لترك الموالاة. والوجه الثاني أنه لا يوالى بينهما، لانه لا يؤمن إذا والى بين الحدين أن يموت في الثاني فيسقط ما بقى من الحدود. (الشرح) حديث (كل مسكر خمر) متفق عليه وغيرهما، ولفظ لمسلم (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة) وروى أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (كل مسكر خمر، ما أسكر كثيره فقليه حرام) حديث النعمان بن بشير (ان من التمر لخمرا) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وروى أيضا عنه (أن عمر خطب على المنبر وقال: ألا ان الخمر قد حرمت وهى من خمسة، من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل) ورواه البخاري ومسلم بنحوه. حديث سعد (أنهاكم عن قليل) أخرجه البيهقى والنسائي والدارقطني وقالوا احتج بأكثر رجال هذا البخاري ومسلم في الصحيحين. حديث عائشة (ما أسكر الفرق منه) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وروى البيهقى (كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام) وروى كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام أثر أبى ساسان أخرجه البيهقى، وأخرج مسلم عن حصين بن المنذر قال شهدت عثمان بن عفان أتى باوليد وقد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها، فقال عثمان انه لم يتقيؤها حتى شربها، فقال يا على قم فاجلده، فقال على قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن ول حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه، فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده وعلى يعد حتى بلغ أربعين، فقال أمسك، ثم قال

جلد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ أربعين وعمر ثمانين وكل سنة، وهذا أحب إلى) . أثر أبى وبرة الكلبى أخرجه البيهقى. حديث أبى هريرة رواه أحمد والبخاري وأبو داود. حديث ابن مسعود أخرجه البيهقى. حديث ابن عباس أخرجه البيهقى اللغة: في تسمية الخمر خمرا ثلاثة أقوال (أحدها) أنها تخمر العقل، أي تستره، أخذ من خمار المرأة التى تستر به رأسها، والخمر الشجر الكثير الذى يغطى الارض. قال (فقد جاوزتما خمر الطريق) . (الثاني) أنها تخمر نفسها لئلا يقع فيها شئ يفسدها وخصت بذلك لدوامها تحت الغطاء لتزداد جودتها وشدة صورتها، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (خمروا الانية) أي غطوها (الثالث) لانها تخامر العقل أي تخالطه. قال الشاعر فخامر القلب من ترجيع ذكرتها * رس لطيف ورهن منك مكبول. قوله (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان) الميسر القمار. قال مجاهد كل شئ فيه قمار فهو ميسر حتى لعب الصبيان بالجوز. وقال الازهرى الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليها، وسمي ميسرا لانه يجزأ أجزاء، وكل ما جزأته أجزاء فقد يسرته، والياسر الجزار الذى يجزئها، والجمع أيسار، والازلام القداح واحدها زلم بفتح الزاى وضمها وهى السهام التى كان أهل الجاهلية يستقسمون بها على الميسر قاله العزيزي. وقال الهروي كانت زلت وسويت، أي أخذ من حروفها، وكان أحد الجاهلية يجعلها في وعاء له وقد كتب الامر والنهى، فإذا أراد سفرا أو حاجة أدخل يده في ذلك الوعاء فإن خرج الآمر مضى لطيته، وان خرج الناهي كف وانصرف وفيها كلام يطول. وأما الانصاب فهو جمع نصب بفتح النون وضمها، وهو حجر أو صنم منصوب يذبحون عنده، يقال نصب ونصب ونصب ثلاث لغات. والرجس القذر والنتن ومنه قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس)

أي العمل الخبيث المستقذر، وقيل الشك والرجس أيضا العذاب، وسميت الاصنام رجسا لانها سبب الرجس وهو العذاب. قوله (فيه شدة مطربة (1) الطرب خفة تعترى الانسان من شدة فرح أو حزن قال في الطرب بمعنى الحزن. وقالوا قد بكيت فقلت كلا * وهل يبكى من الطرب الجليد. وقال في معنى الفرح. يا ديار الزهو والطرب * ومغاني اللهو واللعب. قوله (ما أسكر الفرق منه) الفرق بإسكان الراء مائة وعشرون رطلا وبفتحها ستة عشر رطلا. وقال ثعلب الفرق بفتح الراء اثنا عشر مدا، ولا تقل فرق بالاسكان. وقال الزمخشري هما لغتان والفتح أعلى قوله (وهنت) يقال وهن الانسان ووهنه غيره يتعدى ولا يتعدى ووهن أيضا بالكسر وهنا أي ضعف. قوله (انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة) أي لجوا فيها، يقال انهمك الرجل في الامر أي جد ولج، وكذلك تهمك، وتحاقروا العقوبة، أي رأوها حقيرة صغيرة. وحقره واستحقره استصغره، والحقير الصغير. قوله (إذا سكر هذى) أي تكلم بالهذيان، وهو مالا حقيقة له من الكلام يقال هذى يهذى ويهذو. قوله (افترى) أي كذب، والفرية الكذب والمفترى الكاذب، وأصله الخلق فرى الاديم خلقه، قال الله تعالى (وتخلقوني افكا) أي تتقولون وتفترون كذبا. قوله (اخزاك الله) أي أذلك واهانك، يقال خزى يخزى خزيا، أي ذل وهان، والخزى في القرآن بمعنى الذل في قوله تعالى (لهم في الدنيا خزى) وبمعنى الهلاك في قوله تعالى (من قبل أن نذل ونخزى) أي نهلك الخمر يطلق على عصير العنب المشتد اطلاقا حقيقيا اجماعا، واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقة أو مجازا، وعلى الثاني هو مجاز لغة كما جزم به صاحب المحكم؟ قال صاحب الهداية من الحنفية (الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب

_ (1) هذه القولة لا توجد لها مناسبة هنا

إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغه وأهل العلم قال الخطابى زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء، فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه اه وروى ابن عبد البر عن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم أن كل مسكر خمر. وقال القرطبى الاحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب. وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة، لانهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الامر بالاجتناب تحريم كل ما يسكر، ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره، بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شئ من ذلك، بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب، وهم اهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الاراقة حتى يستفصلوا ويتحققوا التحريم. واختلفوا في مقدار الحد الواجب، فقال الجمهور الحد في ذلك ثمانون: وقال الشافعي وأبو ثور وداود الحد في ذلك أربعون، وقالت الحنابلة من شرب مسكرا مائعا أو استعط به أو احتقن به، أو أكل عجينا ملتوتا به ولو لم يسكر حد ثمانين ان كان حرا وأربعين إن كان رقيقا. واختلفوا في حد العبد، فقال الجمهور هو على النصف من حد الحر، وقال أهل الظاهر حد الحر والعبد سواء وهو أربعون، وعند الشافعي عشرون، وعند من قال ثمانون أربعون. وادعى القاضى عياض الاجماع على مشروعية حد الشرب، وقال في البحر (مسألة) ولا ينقص حد الشرب عن الاربعين اجماعا، وذكر أن الخلاف انما هو في الزيادة على الاربعين، وحكى ابن المنذر والطبري وغيرهما عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير. وإذا مات رجل بحد من الحدود لم يلزم الامام ولا نائبه القصاص الا حد

الشرب، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل والهادي والقاسم والناصر وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا شئ فيمن مات بحد أو قصاص مطلقا من غير فرق بين حد الشرب وغيره، وقد حكى النووي الاجماع على ذلك، وفيه نظر، فإنه قد قال أبو حنيفة وابن أبى ليلى إنها تجب الدية على العاقلة. واختلفوا في الجلد فقال بعض الشافعية الجلد بالجريد، وقد صرح القاضى أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط، وصرح القاضى حسين بتعين السوط، واحتج بأنه إجماع الصحابة، وخالفه النووي في شرح مسلم فقال أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب، ثم قال والاصح جوازه بالسوط، وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم. واليك موجز ما مر بك: يتفق الفقهاء في أمور ويختلفون في أخرى. الامور المتفق عليها: 1 - الخمر المستخرجة من العنب محرمة اتفاقا. 2 - يحل للمكره والمضطر أن يشربها. الامور المختلف عليها. 1 - يحل شرب القليل الذى لا يذكر من النبيذ المستخرج من غير العنب 2 - الحكم في المخدرات التى لا ينطبق عليها تعريف ولكنها تعمل عملها وأشد 3 - ثبت في أحاديث صحيحة رواها الخمسة قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ولاستاذي الشيخ شاكر رسالة في ذلك. وإن بالنفس لرغبة في الايضاح أكثر ولكن ما باليد من حيلة، ولكن هذا لا يمنعنا أن ننقل رأيا لشيخنا وإمامنا، وأظن أن الناشر يحب هذا الامام كحبنا فلن يبخل بالنشر، وهو الذى أفنى زهرة شبابه في خدمة كتب الشيخ. يقول ابن تيمية (الحشيشة داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والسكر لفظا ومعنى ووردت به الاحاديث الصحيحة، فقد جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

باب التعزير

وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر ولم يفرق بين نوع ونوع، ولا تأثير لكونه مأكولا أو مشروبا، على أن الخمر قد يصطبغ بها والحشيشة قد تذاب في الماء وتشرب، فكل خمر يشرب ويؤكل، والحشيشة تؤكل وتشرب وكل ذلك حرام) أقول: والحق في هذا الموضوع ما نقل عن الامام ابن تيمية فهو الموافق لرأى العارفين بخواص النباتات كابن البيطار وغيره، كما يساير روح الاسلام في علة تحريم المسكرات. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب التعزير من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة، كمباشرة الاجنبية فيما دون الفرج وسرقة ما دون النصاب أو السرقة من غير حرز أو القذف بغير الزنا أو الجناية التى لا قصاص فيها وما أشبه ذلك من المعاصي عزر على حسب ما يراه السلطان لما روى عبد الملك بن عمير قال (سئل علي كرم الله وجهه عن قول الرجل للرجل يا فاسق يا خبيث، قال هن فواحش فيهن التعزير وليس فيهن حد. وروى عن ابن عباس أنه لما خرج من البصرة استخلف أبا الاسود الدبلى فأتى بلص نقب حرزا على قوم فوجدوه في النقب، فقال مسكين أراد أن يسرق فأعجلتموه، فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلى عنه، ولا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود، فإن كان على حر لم يبلغ به أربعين، وأن كان على عبد لم يبلغ به عشرين لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من بلغ بما ليس بحد حدا فهو من المعتدين) وروى عن عمر رضى الله عنه أنه كتب إلى أبى موسى لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا، وروى عنه ثلاثين سوطا، وروى عنه ما بين الثلاثين إلى الاربعين سوطا) ولان هذه المعاصي دون ما يجب فيه الحد فلا تلحق بما يجب فيه الحد من العقوبة. وان رأى السلطان ترك التعزير جاز تركه إذا لم يتعلق به حق آدمى، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال (أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم

إلا في الحدود. روى عبد الله بن الزبير أن رجلا خاصم الزبير عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شراج الحرة الذى يسقون به النخل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير: اسق أرضك الماء ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الانصاري، فقال يا رسول الله وأن كان ابن عمتك، فتلون وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يا زبير اسق أرضك الماء ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير فو الله إنى لاحسب هذه الآية نزلت في ذلك (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) ولو لم يجز ترك التعزير لعزره رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما قال. (فصل) وإن عزر الامام رجلا فمات وجب ضمانه لما روى عمرو بن سعيد عن على كرم الله وجهه أنه قال: ما من رجل أقمت عليه حدا فمات فأجد في نفسي أنه لا دية له إلا شارب الخمر فإنه لو مات وديته، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يسنه ولا يجوز أن يكون المراد به إذا مات من الحد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر فثبت أنه أراد من الزيادة على الاربعين، ولانه ضرب جعل إلى اجتهاده فإذا أدى إلى التلف ضمن كضرب الزوج زوجته. (فصل) وإن كان على رأس بالغ عاقل سلعة لم يجز قطعها بغير إذنه، فان قطعها قاطع بإذنه فمات لم يضمن لانه قطع بإذنه، وان قطعها بغير اذنه فمات وجب عليه القصاص لانه تعدى بالقطع، وان كانت على رأس صبى أو مجنون لم يجز قطعها لانه جرح لا يؤمن معه الهلاك، فإن قطعت فمات منه نظرت فإن كان القاطع لا ولاية له عليه وجب عليه القود لانها جناية يعدى بها، وإن كان أبا أو جدا وجبت عليه الدية، وان كان وليا غيرهما ففيه قولان. (أحدهما) أنه يجب عليه القود لانه قطع منه ما لا يجوز قطعه. (والثانى) أنه لا يجب القود لانه لم يقصد القتل وانما قصد المصلحة، فعلى هذه يجب عليه دية مغلظة لانها عمد خطأ وبالله التوفيق. (الشرح) أثر عبد الملك بن نمير رواه البيهقى وسعيد بن منصور أثر ابن عباس رواه البيهقى.

أثر عمر أنه كتب إلى أبى موسى، قال الحافظ روى الاول ابن المنذر وروى عن أبى بردة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى) رواه الجماعة إلا النسائي حديث (أقيلو ذوى الهيئات) رواه البيهقى عن عائشة (أقيلوا ذوى الهيئات زلاتهم) وفى رواية أخرى عنها (أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن عدى والعقيلي وقال له طرق ليس فيها شئ يثبت وفى رواية ابن عدى ضعيف، ورواه ابن حبان وأبو الشيخ وفى إسنادهما ضعيف والطبراني في الاوسط بإسناد ضعيف. وقال الشافعي ذوى الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة. حديث عبد الله بن الزبير في شراج الحرة متفق عليه وغيرهما. أثر على (ما من رجل أقمت عليه الحد..) متفق عليه والبيهقي والشافعي وأبو داود. اللغة: التعزير التأديب والاهانة، والتعزير أيضا التعظيم، ومنه قوله عز وجل (وتعزروه وتوقروه) وهو من الاضداد قوله (كمباشرة الاجنبية) وكذا المباشرة في مواضع كثيرة من الكتاب هو الصاق بشرة الرجل ببشرة المرأة، والبشرة ظاهر الجلد. قوله (فهو من المعتدين) المعتدى هو الذى يجاوز حده وفعل ما لا يجوز فعله قوله (لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا) النكال ههنا العقوبة التى تنكل عن فعل جعلت له جزاء أي تمنع عن معاودة فعله وقوله تعالى (فجعلناها نكالا لما بين يديها) أي لمن يأتي بعدها فيتعظ بها فتمنعه عن فعل مثلها وسمى اللجام نكلا لانه يمنع الفرس، وسمى القيد نكلا لانه يمنع المحبوس، قال الله تعالى (ان لدنيا أنكالا وجحيما) أي قيودا. قوله (أقيلوا ذوى الهيئات) الهيئة الشارة، يقال فلان حسن الهيئة، والهيئة وأراد ذوى المروءات والاحساب. قوله (شراج الحرة) هي مسايل الماء من بين الحجارة إلى السهل وقد ذكر

قوله (فيما شجر بينهم) أي فيما وقع فيه خلاف بينهم، يقال اشتجر القوم وتشاجروا إذا اختلفوا واختصموا وتنازعوا، وقد ذكر أيضا. قوله (فأجد في نفسي) فيه حذف واختصار، أي فأوجد في نفسي منه شكا ويحصل في صدري منه ارتياب، وهذا يشبه قوله عليه الصلاة والسلام (الاثم ما حاك في صدرك) والسلعة ذكرت. ذهب إلى أنه لا يجلد فوق العشرة أسواط إلا في حد الليث وأحمد في المشهور عنه واسحاق وبعض الشافعية. وذهب أبو حنيفة والشافعي وزيد بن على والمؤيد بالله والامام يحيى إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط، ولكن لا يبلغ إلى أدنى الحدود، وذهب الهادى والقاسم والناصر وأبو طالب إلى أنه يكون في كل موجب للتعزير دون حد جنسه، والى مثل ذلك ذهب الاوزاعي، وهو مروى عن محمد بن الحسن الشيباني. وقال أبو يوسف انه ما يراه الحاكم بالغا ما بلغ وقال مالك وابن أبى ليلى أكثره خمسة وسبعون. هكذا حكى ذلك صاحب البحر والذى حكاه النووي عن مالك وأصحابه وأبى ثور وأبى يوسف ومحمد انه إلى رأى الامام بالغا ما بلغ. وقال الرافعى: الاظهر أنها تجوز الزيادة على العشرة. وقال البيهقى: عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير، وأحسن ما يصار إليه في هذا مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذكر حديث أبى بردة عن الجماعة وذكره المصنف. قال الحافظ فتبين بما نقله البيهقى عن الصحابة أنه لا اتفاق على عمل في ذلك، فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه. من غير برهان. قالت الحنابلة يجب التعزير على كل مكلف. وقال الشيخ تقى الدين: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبى المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا ويجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة وهى من حقوق الله تعالى لا يحتاج في اقامته إلى مطالبة، الا إذا شتم الولد والده فلا يعزر الا بمطالبة والده، ولا يعزر الوالد بحقوق ولده، ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط، وإذا شرب مسكرا في نهار رمضان فيعزر بعشرين مع الحد، ولا بأس بتسويد وجهه

كتاب الأقضية

والمناداة عليه ويحرم حلق لحيته وأخذ ماله، ومن الالفاظ الموجبة للتعزير قوله لغيره يا فاسق يا كافر يا فاجر يا شقى يا كلب يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث يا كذاب يا خائن يا قرنان يا قواد يا ديوث يا علق. ويعزر من قال لذمى يا جاح أو لعنه بغير موجب، وسبق الكلام فيمن مات وهو يقام عليه الحد أو يعزر. قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الأقضية (باب ولاية القضاء وأدب القاضى) القضاء فرض على الكفاية، والدليل عليه قوله عز وجل (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق) وقوله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين الناس، وبعث عليا كرم الله وجهه إلى اليمن للقضاء بين الناس، ولان الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم حكموا بين الناس، وبعث عمر رضى الله عنه أبا موسى الاشعري إلى البصرة قاضيا، وبعث عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيا، ولان الظلم في الطباع فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحد تعين عليه ويلزمه طلبه وإذا امتنع أجبر عليه، لان الكفاية لا تحصل إلا به، فإن كان هناك من يصلح له غيره نظرت، فإن كان حاملا وإذا ولى القضاء انتشر علمه استحب أن يطلبه لما يحصل به من المنفعة بنشر العلم وإن كان مشهورا، فإن كانت له كفاية كرة له الدخول فيه، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من استقضى فكأنما ذبح بغير سكين، ولانه يلزمه بالقضاء حفظ الامانات وربما عجز عنه وقصر فيه فكره له الدخول فيه، وإن كان فقيرا يرجو بالقضاء كفاية من بين المال لم يكره له الدخول فيه، لانه

يكتسب كفاية بسبب مباح، وإن كان جماعة يصلحون للقضاء اختار الامام أفضلهم وأورعهم وقلده، فإن اختار غيره جاز لانه تحصل به الكفاية، وإن امتنعوا من الدخول فيه أثموا لانه حق وجب عليهم فأثموا بتركه كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل يجوز للامام ان يجبر واحدا منهم على الدخول فيه ام لا فيه وجهان: (أحدهما) أنه ليس له إجباره لانه فرض على الكفاية، فلو أجبرناه عليه تعين عليه (والثانى) أن له إجباره لانه إذا لم يجبر بقى الناس بلا قاض وضاعت الحقوق وذلك لا يجوز. (فصل) ومن تعين عليه القضاء وهو في كفاية لم يجز أن يأخذ عليه رزقا لانه فرض تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه مالا من غير ضرورة، فإن لم يكن له كفاية فله أن يأخذ الرزق عليه، لان القضاء لا بد منه والكفاية لا بد منها فجاز أن يأخذ عليه الرزق، فإن لم يتعين عليه فإن كانت له كفاية كره أن يأخذ عليه الرزق لانه قربة فكره أخذ الرزق عليها من غير حاجة، فإن أخذ جاز لانه لم يتعين عليه، وان لم يكن له كفاية لم يكره أن يأخذ عليه الرزق، لان أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما ولى خرج برزمة إلى السوق، فقيل ما هذا؟ فقال أنا كاسب أهلى فأجروا له كل يوم درهمين. وعن عمر رضى الله عنه أنه قال: أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة ولى اليتيم ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، وبعث عمر رضى الله عنه إلى الكوفة عمار بن ياسر واليا وعبد الله بن مسعود قاضيا وعثمان بن حنيف ماسحا وفرض لهم كل يوم شاة. نصفها وأطرافها لعمار والنصف الآخر بين عبد الله وعثمان، ولانه لما جاز للعامل على الصدقات أن يأخذ مالا على العمالة جاز للقاضى أن يأخذ على القضاء، ويدفع إليه مع رزقه شئ للقرطاس، لانه يحتاج إليه لكتب المحاضر ويعطى لمن على بابه من الاجرياء لانه يحتاج إليهم لاحضار الخصوم، كما يعطى من يحتاج إليه العامل على الصدقات من العرفاء ويكون ذلك من سهم المصالح لانه من المصالح. (فصل) ولا يجوز أن يكون القاضى كافرا ولا فاسقا ولا عبدا ولا صغيرا

ولا معتوها، لانه إذا لم يجز أن يكون واحد من هؤلاء شاهدا فلان لا يجوز أن يكون قاضيا أولى، ولا يجوز أن يكون امرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: ما أفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة، ولانه لا بد للقاضى من مجالسة الرجل من الفقهاء والشهود والخصوم والمرأة ممنوعة من مجالسة الرجل لما يخاف عليهم من الافتتان بها ولا يجوز أن يكون أعمى لانه لا يعرف الخصوم والشهود، وفى الاخرس الذى يفهم الاشارة وجهان كالوجهين في شهادته، ولا يجوز أن يكون جاهلا بطرق الاحكام لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاض في الجنة، فأما الذى في الجنة فرجل عرف الحق فحكم به فهو في الجنة، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فجار في حكمه فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ولانه إذا لم يجز أن يفتى الناس وهو لا يلزمهم الحكم، فلان لا يجوز أن لا يقضى بينهم وهو يلزمهم الحكم أولى، ويكره أن يكون القاضى جبارا عسوفا، وأن يكون ضعيفا مهينا، لان الجبار يهابه الخصم فلا يتمكن من استيفاء حجته، والضعيف يطمع فيه الخصم ويتشط عليه، ولهذا قال بعض السلف وجدنا هذا الامر لا يصلحه الا شدة من غير عنف ولين من غير ضعف. (فصل) ولا يجوز ولاية القضاء الا بتولية الامام أو تولية من فوض إليه الامام لانه من المصالح العظام فلا يجوز الا من جهة الامام، فإن تحاكم رجلان إلى من يصلح أن يكون حاكما ليحكم بينهما جاز، لانه تحاكم عمر وأبى بن كعب إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم واختلف قوله في الذى يلزم به حكمه، فقال في أحد القولين لا يلزم الحكم إلا بتراضيهما بعد الحكم وهو قول المزني رحمه الله تعالى، لانا لو ألزمناهما حكمه كان ذلك عزلا للقضاة وافتياتا على الامام، ولانه لما اعتبر تراضيهما في الحكم اعتبر رضاهما في لزوم الحكم. والثانى أنه يلزم بنفس الحكم، لان من جاز حكمه لزم حكمه كالقاضي الذى ولاه الامام، واختلف أصحابنا فيما يجوز فيه التحكيم، فمنهم من قال يجوز في كل ما تحاكم فيه الخصمان كما يجوز حكم القاضى الذى ولاه الامام، ومنهم من قال يجوز في الاموال، فأما في النكاح والقصاص واللعان وحد القذف فلا يجوز

فيها التحكيم لانها حقوق بنيت على الاحتياط فلم يجز فيها التحكيم. (فصل) ويجوز أن يجعل قضاء بلد إلى اثنين وأكثر على أن يحكم كل واحد منهم في موضع ويجوز أن يجعل إلى أحدهما القضاء في حق وإلى الآخر في حق آخر وإلى أحدهما في زمان والى الآخر في زمان آخر لانه نيابة عن الامام فكان على حسب الاستنابة، وهل يجوز أن يجعل اليهما القضاء في مكان واحد في حق واحد وزمان واحد فيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز لانه نيابة فجاز أن يجعل إلى اثنين كالوكالة. والثانى أنه لا يجوز لانهما قد يختلفان في الحكم فتقف الحكومة ولا تنقطع الخصومة. (فصل) ولا يجوز أن يعقد تقلد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه لقوله عز وجل (فاحكم بين الناس بالحق) والحق ما دل عليه الدليل، وذلك لا يتعين في مذهب بعينه فإن قلد على هذا الشرط بطلت التولية لانه علقها على شرط، وقد بطل الشرط فبطلت التولية. (فصل) وإذا ولى القضاء على بلد كتب له العهد بما ولى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن وكتب أبو بكر الصديق رضى الله عنه لانس حين بعثه إلى البحرين كتابا وختمه بخاتم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى حارثة ابن مضرب أن عمر كتب إلى أهل الكوفة: أما بعد فإنى بعثت اليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا ووزيرا، فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما، فإن كان البلد الذى ولاه بعيدا أشهد له على التولية شاهدين ليثبت بهما التولية، وان كان قريبا بحيث يتصل به الخبر في التولية فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه يجب الاشهاد لانه عقد فلا يثبت بالاستفاضة كالبيع (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يجب الاشهاد لانه يثبت بالاستفاضة فلا يفتقر إلى الاشهاد والمستحب للقاضى أن يسأل عن أمناء البلد ومن فيه من العلماء، لانه لا بد له منهم فاستحب تقدم العلم بهم. والمستحب أن يدخل البلد يوم الاثنين، لان النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة يوم الاثنين، والمستحب أن ينزل وسط البلد ليتساوى الناس كلهم في القرب منه ويجمع الناس ويقرأ عليهم العهد ليعلموا التولية وما فرض إليه.

(فصل) فإذا أذن له من ولاه أن يستخلف فله أن يستخلف، وإن نهاه عن الاستخلاف لم يجز له أن يستخلف لانه نائب عنه فتبع أمره ونهيه، وإن لم يأذن له ولم ينهه نظرت فإن كان ما تقلده يقدر أن يقضى فيه بنفسه ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه يجوز أن يستخلف لانه ينظر في المصالح فجاز أن ينظر بنفسه وبغيره (والثانى) وهو المذهب انه لا يجوز لان الذى ولاه لم يرض بنظر غيره، وإن كان ما ولاه لا يقدر أن يقضى فيه بنفسه لكثرته جاز أن يستخلف فيما لا يقدر عليه، لان تقليده لما لا يقدر عليه بنفسه إذن له في الاستخلاف فيما لا يقدر عليه كما أن توكيل الوكيل فيما لا يقدر عليه بنفسه إذن له في استنابة غيره، وهل له ان يستخلف فيما يقدر عليه ان يقضى فيه بنفسه فيه وجهان (أحدهما) أن له ذلك لان ما جاز له أن يستخلف في البعض جاز أن يستخلف في الجميع كالامام (والثانى) أنه لا يجوز لانه انما أجيز له أن يستخلف فيما لا يقدر عليه للعجز فوجب أن يكون مقصورا على ما عجز عنه. (فصل) ولا يجوز أن يقضى ولا يولى ولا يسمع البينة ولا يكاتب قاضيا في حكم في غير عمله، فإن فعل شيئا من ذلك في غير عمله لم يعتد به لانه لا ولاية له في غير عمله فكان حكمه فيما ذكرناه حكم الرعية. (فصل) ولا يحكم لنفسه وإن اتفقت له حكومة مع خصم تحاكما فيها إلى خليفة له لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تحاكم مع أبى بن كعب إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان رضى الله عنه مع طلحة إلى جبير بن مطعم، وتحاكم على عليه السلام مع يهودى في درع إلى شريح، ولانه لا يجوز أن يكون شاهدا لنفسه فلا يجوز أن يكون حاكما لنفسه ولا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وان سفل وقال أبو ثور يجوز، وهذا خطأ لانه متهم في الحكم لهما كما يتهم في الحكم لنفسه وان تحاكم إليه والده مع ولده فحكم لاحدهما فقد قال بعض أصحابنا انه يحتمل وجهين (أحدهما) أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبي (والثانى) أنه يجوز لانهما استويا في التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل، وان أراد أن يستخلف في أعماله والده وولده جاز لانهما يجريان مجرى نفسه، ثم يجوز أن يحكم في أعماله فجاز أن يستخلفهما للحكم في أعماله، وأما إذا فوض الامام إلى رجل ان يختار

قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده لانه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده. (فصل) ولا يجوز أن يرتشى على الحكم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لعن الله الراشى والمرتشي في الحكم، ولانه أخذ مال على حرام فكان حرام كمهر البغى، ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة أن يهدى إليه قبل الولاية لما روى أبو حميد الساعدي قال: استعمل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا من بنى أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى إلي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على بعض أعمالنا فيقول هذا لكم وهذا أهدى إلي: ألا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدى إليه أم لا، والذى نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا الا جاء يوم القيامة يحملة على رقبته، فدل على أن ما أهدى إليه بعد الولاية لا يجوز قبوله، وأما من كانت له عادة بأن يهدى إليه قبل الولاية برحم أو مودة فإنه ان كانت له في الحال حكومة لم يجز قبولها منه لانه لا يأخذ في حال يتهم فيه وإن لم يكن له حكومة فإن كان أكثر مما كان يهدى إليه أو أرفع منه لم يجز له قبولها لان الزيادة حدث بالولاية، وان لم يكن أكثر ولا أرفع مما كان يهدى إليه جاز قبولها لخروجها عن تسبب الولاية والاولى أن لا يقبل لجواز أن يكون قد أهدى إليه لحكومة منتظرة. (فصل) ويجوز أن يحضر الولائم لان الاجابة إلى وليمة غير العرس مستحبة وفى وليمة العرس وجهان (أحدهما) أنها فرض على الاعيان (والثانى) أنها فرض على الكفاية، ولا يخص في الاجابة قوما دون قوم لان في تخصيص بعضهم ميلا وتركا للعدل، فإن كثرت عليه وقطعته عن الحكم ترك الحضور في حق الجميع لان الاجابة إلى الوليمة اما أن تكون سنة أو فرضا على الكفاية أو فرضا على الاعيان الا أنه لا يستضر بتركها جميع المسلمين والقضاء فرض عليه ويستضر بتركه جميع المسلمين فوجب تقديم القضاء. (فصل) ويجوز أن يعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتى مقدم الغائب لقوله صلى الله عليه وسلم: عائد المريض في مخرف من مخارف الجنة حتى يرجع وعاد النبي صلى الله عليه وسلم سعدا وجابرا وعاد غلاما يهوديا في جواره وعرض عليه الاسلام

فأجاب، وكان يصلى على الجنائز فإن كثرت عليه أتى من ذلك ما لا يقطعه عن الحكم، والفرق بينه وبين حضور الولائم حيث قلنا انها إذا كثرت عليه ترك الجميع أن الحضور في الولائم لحق أصحابها فإذا حضر عند بعضهم كان ذلك للميل إلى من يحضره، والحضور في هذه الاشياء لطلب الثواب لنفسه فلم يترك ما قدر عليه (فصل) ويكره أن يباشر البيع والشرع بنفسه لما روى أبو الأسود المالكى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا، وقال شريح: شرط على عمر رضى الله عنه حين ولانى القضاء أن لا أبيع ولا أبتاع ولا أرتشى ولا أقضى وأنا غضبان، ولانه إذا باشر ذلك بنفسه لم يؤمن أن يحابى فيميل إلى من حاباه، فإن احتاج إلى البيع والشراء وكل من ينوب عنه ولا يكون معروفا به، فان عرف أنه وكيله استبدل بمن لا يعرف به حتى لا يحابى فتعود المحاباة إليه، فان لم يجد من ينوب عنه تولى بنفسه، لانه لا بد له منه، فإذا وقعت لمن بايعه حكومة استخلف من يحكم بينه وبين خصمه لانه إذا تولى الحكم بنفسه لم يؤمن أن يميل إليه. (فصل) ولا يقضى في حال الغضب ولا في حال الجوع والعطش ولا في حال الحزن والفرح، ولا يقضى والنعاس يغلبه ولا يقضى والمرض يقلقه ولا يقضى وهو بدافع الاخبثين ولا يقضى وهو في حر مزعج ولا في رد مؤلم لما روى أبو بَكْرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا ينبغى للقاضى أن يقضى بين اثنين وهو غضبان وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يقضى القاضى إلا وهو شبعان ريان، ولان في هذه الاحوال يشتغل قبله فلا يتوفر على الاجتهاد في الحكم، وان حكم في هذه الاحوال صح حكمه لان الزبير ورجلا من الانصار اختصما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراج الحرة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير اسق زرعك ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الانصاري: وأن كان ابن عمتك يا رسول الله فغضب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احمر وجهه، ثم قال للزبير اسق زرعك والحبس الماء حتى يبلغ الجدر ثم أرسله إلى جارك فحكم في حال الغضب.

(فصل) والمستحب أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد ولا يحتجب من غير عذر، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من ولى من أمر الناس شيئا فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون فاقته وفقره والمستحب أن يكون المجلس فسيحا حتى لا يتأذى بضيقه الخصوم ولا يزاحم فيه الشيخ والعجوز وأن يكون موضعا لا يتأذى فيه بحر أو برد أو دخان أو رائحة منتنة، لان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الاشعري رضى الله عنه وإياك والقلق والضجر، وهذه الاشياء تفضى إلى الضجر وتمنع الحاكم من التوفر على الاجتهاد وتمنع الخصوم من استيفاء الحجة فإن حكم مع هذه الاحوال صح الحكم كما يصح في حال الغضب، ويكره أن يجلس للقضاء في المسجد لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وحدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم، ولان الخصومة يحضرها اللغط والسفه فينزه المسجد عن ذلك، ولانه قد يكون الخصم جنبا أو حائضا فلا يمكنه المقام في المسجد للخصومة، فإن جلس في المسجد لغير الحكم فحضر خصمان لم يكره أن يحكم بينهما، لما روى الحسن البصري قال: دخلت المسجد فرأيت عثمان رضى الله عنه قد ألقى رداءه ونام فأتاه سقاء بقربة ومعه خصم فجلس عثمان وقضى بينهما، وإن جلس في البيت لغير الحكم فحضره خصمان لم يكره أن يحكم بينهما، لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت اختصم إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلان من الانصار في مواريث متقادمة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في بيتى. (فصل) وان احتاج إلى أجرياء لاحضار الخصوم اتخذ أجرياء أمناء ويوصيهم بالرفق بالخصوم، ويكره أن يتخذ حاجبا، لانه لا يومن أن يمنع من له ظلامة أو يقدم خصما على خصم، فان دعت الحاجة إلى ذلك اتخذ أمينا بعيدا من الطمع ويوصيه بما يلزمه من تقديم من سبق من الخصوم ولا يكره للامام أن يتخذ حاجبا. لان يرفأ كان حاجب عمر والحسن البصري كان حاجب عثمان وقنبر كان حاجب على عليه السلام، ولان الامام ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لكل مصلحة وقتا لا يدخل فيه كل أحد.

(فصل) ويستحب أن يكون له حبس، لان عمر رضى الله عنه اشترى دارا بمكة بأربعة آلاف درهم وجعلها سجنا واتخذ على عليه السلام سجنا وحبس عمر رضى الله عنه الحطيئة الشاعر فقال: ماذا تقول لافراخ بذى مرخ * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فارحم عليك سلام الله يا عمر فخلاه وحبس عمر آخر فقال: يا عمر الفاروق طال حبسي * ومل منى إخوتى وعرسي في حدث لم تقترفه نفسي * والامر أضوأ من شعاع الشمس ولايه يحتاج إليه للتأديب ولاستيفاء الحق من المماطل بالدين، ويستحب أن يكون له درة للتأديب، لان عمر رضى الله عنه كانت له درة يؤدب بها الناس. (فصل) وان احتاج إلى كتاب اتخذ كاتبا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ له كتاب منهم على بن أبى طالب وزيد بن ثابت رضى الله عنهما ومن شرطه أن يكون عارفا بما يكاتب به القضاة من الاحكام وما يكتبه من المحاضر والسجلات لانه إذا لم يعرف ذلك أفسد ما يكتبه بجهله وهل من شرطه أن يكون مسلما عدلا فيه جهان. (أحدهما) أن ذلك شرط فلا يجوز أن يكون كافرا لان أبا موسى الاشعري قدم على عمر رضى الله عنه ومعه كاتب نصراني فانتهره عمر رضى الله عنه وقال لا تأمنوهم وقد خونهم الله ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله ولا تعزوهم وقد أذلهم الله، ولان الكافر عدو للمسلمين فلا يؤمن أن يكتب ما يبطل به حقوقهم، ولا يجوز أن يكون فاسقا، لانه لا يؤمن أن يخون. (والوجه الثاني) أن ذلك يستحب، لان ما يكتبه لا بد أن يقف عليه القاضى ثم يمضيه فيؤمن فيه من الخيانة. (فصل) ولا يتخذ شهودا معينين لا تقبل شهادة غيرهم، لان في ذلك

تضييقا على الناس وإضرارا بهم في حفظ حقوقهم، ولان شروط الشهادة لا تختص بالمعينين فلم يجن تخصيصهم بالقول. (فصل) ويتخذ قوما من أصحاب المسائل ليتعرف بهم أحوال من جهلت عدالته من الشهود، وينبغى أن يكونوا عدولا برآء من الشحناء بينهم وبين الناس بعداء من العصبية في نسب أو مذهب حتى لا يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية غير عدل وان يكونوا وافرى العقول ليصلوا بوفور عقولهم إلى المطلوب ولا يسترسلوا فيسألوا عدوا أو صديقا، لان العدو يظهر القبيح ويخفى الجميل والصديق يظهر الجميل ويخفى القبيح، وإن شهد عنده شاهد نظرت، فإن علم عدالته قبل شهادته، وإن علم فسقه لم يقبل شهادته ويعمل في العدالة والفسق بعلمه، وإن جهل إسلامه لم يحكم حتى يسأل عن إسلامه ولا يعمل في إسلامه بظاهر الدار كما يعلم في إسلام اللقيط بظاهر الدار، لان أعرابيا شهد عند النبي صلى صلى الله عليه وسلم برؤية الهلال فلم يحكم بشهادته حتى سأل عن إسلامه، ولانه يتعلق بشهادته إيجاب حق على غيره فلا يعمل فيه بظاهر الدار ويرجع في إسلامه إلى قَوْلُهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجع إلى قول الاعرابي وان جهل حريته ففيه وجهان. (أحدهما) وهو ظاهر النص أنها تثبت بقوله، لان الظاهر من الدار حرية أهلها كما أن الظاهر من الدار اسلام أهلها ثم يثبت الاسلام بقوله فكذلك الحرية (والثانى) وهو الاظهر أنها لا تثبت بقوله، والفرق بينها وبين الاسلام أنه يملك الاسلام إذا كان كافرا فقبل اقراره به ولا يملك الحرية إذا كان عبدا فلم يقبل اقراره بها، وان جهل عدالته لم يحكم حتى تثبت عدالته لقوله تعالى (فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) ولا يعلم أنه مرضى قبل السؤال. وروى سليمان عن حريث قال: شهد رجل عند عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ له عمر رضى الله عنه انى ليست أعرفك ولا يضرك انى لا أعرفك فأتني بمن يعرفك، فقال رجل أنا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال بأى شئ تعرفه

قال بالعدالة، قال هو جارك الادنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه، قال لا، قال فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع، قال لا، قال فصاحبك في السفر الذى يستدل به على مكارم الاخلاق، قال لا قال لست تعرفه، ثم قال للرجل ائتنى بمن يعرفك، ولانه لا يؤمن أن يكون فاسقا فلا يحكم بشهادته. وإن أراد أن يعرف عدالته كتب اسمه ونسبه وحليته وصنعته وسوقه ومسكنه حتى لا يشتبه بغيره، ويذكر من يشهد له حتى لا يكون ممن لا تقبل شهادته له من والد أو ولد، ويذكر من يشهد عليه حتى لا يكون عدوا لا تقبل شهادته عليه، ويذكر قدر ما يشهد به. لانه قد يكون ممن يقبل قوله في قليل ولا يقبل قوله في كثير، ويبعث ما يكتبه مع أصحاب المسائل، ويجتهد أن لا يكون أصحاب المسائل معروفين عند المشهود له حتى لا يحتال في تعديل الشهود ولا عند المشهود عليه حتى لا يحتال في جرح الشهود ولا عند الشهود حتى لا يحتالوا في تعديل أنفسهم ولا عند المسئولين عن الشهود حتى لا يحتال لهم الاعداء في الجرح ولا الاصدقاء في التعديل، ويجتهد أن لا يعلم أصحاب المسائل بعضهم ببعض فيجمعهم الهوى على التواطؤ على الجرح والتعديل. قال الشافعي رحمه الله: ولا يثبت الجرح والتعديل إلا باثنين، ووجهه أنه شهادته فاعتبر فيها العدد. واختلف أصحابنا هل يحكم القاضى في الجرح والتعديل بأصحاب المسائل أو بمن عدل أو جرح من الجيران، فقال أبو إسحاق يحكم بشهادة الجيران لانهم يشهدون بالجرح والتعديل، فعلى هذا يجوز أن يقتصر على قول الواحد من أصحاب المسائل، ويجوز بلفظ الخبر ويسمى للحاكم من عدل أو جرح، ثم يسمع الشهادة بالتعديل والجرح من الجيران على شرط الشهادة في العدد ولفظ الشهادة. وحمل قول الشافعي رحمه الله في العدد على الجيران. وقال أبو سعيد الاصطخرى يحكم بشهادة أصحاب المسائل وهو ظاهر النص لان الجيران لا يلزمهم الحضور للشهادة بما عندهم فحكم بشهادة أصحاب المسائل، فعلى هذا لا يجوز

أن يكون أصحاب المسائل أقل من اثنين ويجوز أن يكون من يخبرهم من الجيران واحدا إذا وقع في نفوسهم صدقه، ويجب أن يشهد أصحاب المسائل عند الحاكم على شرط الشهادة في العدد ولفظ الشهادة. وحمل قول الشافعي رحمه الله تعالى في العدد على أصحاب المسائل. وإن بعث اثنين فعادا بالجرح حكم بالجرح وان عادا بالتعديل حكم بالتعديل وان عاد أحدهما بالتعديل وعاد الآخر بالجرح لم يحكم بقول واحد منهما في جرح ولا تعديل ويبعث ثالثا، فإن عاد بالجرح كملت بينة الجرح، وان عاد بالتعديل كملت بينة التعديل، وان شهد اثنان بالجرح واثنان بالتعديل حكم بالجرح لان شاهدى الجرح يخبران عن أمر باطن وشاهدي العدالة يخبران عن أمر ظاهر، فقدم من يخبر بالباطن، كما لو شهد اثنان بالاسلام وشهد آخران بالردة. وان شهد اثنان بالجرح وشهد ثلاثة بالعدالة قدمت بينة الجرح، لان بينة الجرح كملت فقدمت على بينة التعديل، ولا يقبل الجرح إلا مفسرا، وهو أن يذكر السبب الذى به جرح، ولان الناس يختلفون فيما يفسق به الانسان، ولعل من شهد بفسقه شهد على اعتقاده والحاكم لا يعتقد أن ذلك فسق والجرح والتعديل إلى رأى الحاكم فوجب بيانه لينظر فيه، ولا يشهد بالجرح من يشهد من الجيران وأهل الخبرة إلا أن يعلم الجرح بالمشاهدة في الافعال كالسرقة وشرب الخمر أو بالسماع في الاقوال كالشتم والقذف والكذب وإظهار ما يعتقده من البدع أو استفاض عنه ذلك بالخبر لانه شهادة على علم. فأما إذا قال بلغني أو قيل لى انه يفعل أو يقول أو يعتقد لم يجز أن يشهد به لقوله تعالى (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) قال الشافعي رحمه الله: ولا تقبل الشهادة بالتعديل حتى يقول هو عدل على ولى، فمن أصحابنا من قال يكفى أن يقول هو عدل، وهو قول أبى سعيد الاصطخرى، لان قوله عدل يقتضى أنه عدل عليه وله، وما ذكره الشافعي رحمه الله تعالى ذكره على سبيل الاستحباب، منهم من قال لا يقبل حتى يقول عدل لى وعلى، وهو قول أبى إسحاق، لان قوله عدل لا يقتضى العدالة على

الاطلاق لانه قد يكون عدلا في شئ دون شئ، وإذا قال عدل على ولى دل على العدالة على الاطلاق. (فصل) ولا يقبل التعديل إلا ممن تقدمت معرفته وطالت خبرته بالشاهد لان المقصود معرفة العدالة في الباطن، ولا يعلم ذلك ممن لم يتقدم به معرفته، ويقبل الجرح من تقدمت معرفته به وممن لم يتقدم معرفته، لانه لا يشهد في الجرح إلا بما شاهد أو سمع أو استفاض عنه وبذلك يعلم فسقه. (فصل) وإن شهد مجهول العدالة فقال المشهود عليه هو عدل ففيه وجهان (أحدهما) أنه يجوز للحاكم أن يحكم بشهادته لان البحث عن العدالة لحق المشهود عليه وهو قد شهد له بالعدالة (والثانى) أنه لا يحكم لان حكمه بشهادته حكم بتعديله وذلك لا يجوز بقول الواحد، ولان اعتبار العدالة في الشاهد حق لله تعالى، ولهذا لو رضى المشهود عليه بشهادة الفاسق لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادته (فصل) وإن ثبت عدالة الشاهد ومضى على ذلك زمان ثم شهد عند الحاكم بحق نظرت فإن كان بعد زمان قريب حكم بشهادته ولم يسأل عن عدالته، وان كان بعد زمان طويل ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يحكم بشهادته لان الاصل بقاء العدالة. (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه لا يحكم بشهادته حتى يعيد السؤال عن عدالته لانه مع طول الزمان يتغير الحال. (فصل) وإن شهد عنده شهود وارتاب بهم فالمستحب أن يسألهم عن تحمل الشهادة ويفرقهم ويسأل كل واحد منهم على الانفراد عن صفة التحمل ومكانه وزمانه، لما روى أن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا عند دانيال ففرقهم وسألهم فاختلفوا فدعا عليهم فنزلت عليهم نار من السماء فأحرقتهم. وإن فرقهم فاختلفوا سقطت شهادتهم وان اتفقوا وعظهم لما روى أبو حنيفة رحمه الله قال: كنت جالسا عند محارب بن دثار، وهو قاضى الكوفة، فجاءه رجل فادعى على رجل حقا فأنكره، فأحضر المدعى شاهدين فشهدا له، فقال المشهود عليه والذى تقوم به السموات والارض لقد كذبا على في الشهادة، وكان محارب بن دثار متكئا فاستوى جالسا وقال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمى بما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار، فإن صدقتما فاثبتا، وان كذبتما فغطيا على رؤسكما وانصرفا، فغطيا رؤوسهما وانصرفا. (فصل) والمستحب أن يحضر مجلسه الفقهاء ليشاورهم فيما يشكل لقوله تعالى (وشاورهم في الامر) قال الحسن: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مشاورتهم لغنيا، ولكن أراد الله تعالى أن يستسن بذلك الحكام، ولان النبي صلى الله عليه وسلم شاور في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء وأشار عمر رضى الله عنه بالقتل. وروى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أبا بكر رضى الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأى والفقه دعا رجالا من المهاجرين ورجالا من الانصار، ودعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت رضى الله عنهم، فمضى أبو بكر على ذلك ثم ولى عمر رضى الله عنه وكان يدعو هؤلاء النفر فإن اتفق أمر مشكل شاورهم فيه، فإن اتضح له الحق حكم به، فإن لم يتضح أخره إلى أن يتضح، ولا يقلد غيره لانه مجتهد فلا يقلد. وقال أبو العباس: إن ضاق الوقت وخاف الفوت بأن يكون الحكم بين مسافرين وهم على الخروج قلد غيره وحكم كما قال في القبلة إذا خاف فوت الصلاة وقد بينا ذلك في كتاب الصلاة. وان اجتهد فأداه اجتهاده إلى حكم فحكم به، ثم بان له أنه أخطأ، فإن كان ذلك بدليل مقطوع به كالنص والاجماع والقياس الجلى نقض الحكم لقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ردوا الجهالات إلى السنة وكتب إلى أبى موسى: لا يمنعنك قضاء قضيت به ثم راجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شئ، وان الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، ولانه مفرط في حكمه غير معذور فيه فوجب نقضه.

(فصل) وان ولى قضاء بلد وكان القاضى قبله لا يصلح القضاء نقض أحكامه كلها أصاب فيها أو أخطأ لانه حكم ممن لا يجوز له القضاء فوجب نقضه كالحكم من بعض الرعية، وإن كان يصلح القضاء لم يجب عليه أن يتتبع أحكامه لان الظاهر أنها صحيحة، فإن أراد أن يتتبعها من غير متظلم فهل يجوز له ذلك أم لا فيه وجهان (أحدهما) وهو اختيار الشيخ أبى حامد الاسفراينى أنه يجوز لان فيه احتياطا (والثانى) أنه لا يجوز لانه يشتغل بماض لا يلزمه عن مستقبل يلزمه، وإن تظلم منه متظلم فإن سأل احضاره لم يحضره حتى يسأله عما بينهما، لانه ربما قصد أن يبتذله ليحلف من غير حق. وإن قال لى عليه مال من معاملة أو غصب أو إتلاف أو رشوة أخذها منه على حكم أحضره. وان قال حكم على بشهادة عبدين أو فاسقين ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يحضره كما يحضره إذا ادعى عليه مالا (والثانى) أنه لا يحضره حتى يقيم بينة بما يدعيه لانه لا تتعذر إقامة البينة على الحكم، فإن حضر وقال ما حكمت عليه إلا بشهادة حرين عدلين فالقول قوله لانه أمين، وهل يحلف؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يحلف لانه عدل والظاهر أنه صادق. (والثانى) أنه يحلف لانه أمين ادعى عليه خيانة فلم يقبل قوله من غير يمين كالمودع إذا ادعى عليه خيانة وأنكرها. وان قال جار على في الحكم نظرت فإن كان ما حكم به مما لا يسوغ فيه الاجتهاد نقضه كما ينقض على نفسه إذا حكم بمن لا يسوغ فيه الاجتهاد، وان كان مما يسوغ فيه الاجتهاد كثمن الكلب وضمان ما أتلف على الذمي من الخمر لم ينقضه كما لا ينقض على نفسه ما حكم فيه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لانا لو نقضنا ما يسوغ فيه الاجتهاد لم يستقر لاحد حق ولا ملك لانه كلما ولى حاكم نقض ما حكم به من قبله فلا يستقر لاحد حق ولا ملك (فصل) وإذا خرج إلى مجلس الحكم فالمستحب له أن يدعو بدعاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ماروت أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ بيته يقول: اللهم انى أعوذ بك من أن أزل أو أزل أو أضل أو أضل أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يجهل على،

والمستحب أن يجلس مستقبل القبلة لقوله صلى الله عليه وسلم خير المجالس ما استقبل به القبلة، ولانه قربة فكانت جهة القبلة فيها أولى كالاذان. والمستحب أن يقعد وعليه السكينة والوقار من غير جبرية ولا استكبار لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا وهو متكئ على يساره فقال هذه جلسة المغضوب عليهم ويترك بين يديه القمطر مختوما ليترك فيه ما يجتمع من المحاضر والسجلات ويجلس الكاتب بقربه ليشاهد ما يكتبه فإن غلط في شئ رده عليه. (فصل) والمستحب أن يبدأ في نظره بالمحبسين لان الحبس عقوبة وعذاب وربما كان فيهم من تجب تخليته فاستحب البداية بهم ويكتب أسماء المحبسين وينادى في البلدان القاضى يريد النظر في أمر المحبسين في يوم كذا فليحضر من له محبوس، فإذا حضر الخصوم أخرج خصم كل واحد منهم، فإن وجب إطلاقه أطلقه، وإن وجب حبسه أعاده إلى الحبس، فان قال المحبوس حبست على دين وأنا معسر، فإن ثبت إعساره أطلق، وإن لم يثبت إعساره أعيد إلى الحبس، فإن ادعى صاحب الدين أن له دارا وأقام على ذلك البينة فقال المحبوس هي لزيد سئل زيد، فإن أكذبه بيعت الدار وقضى الدين، لان إقراره يسقط بإكذابه وإن صدقه زيد نظرت، فإن أقام زيد بينة أن الدار له حكم له بالدار ولم تبع في الدين، لان له بينة وبدا بإقرار المحبوس ولصاحب الدين بينة من غير يد فقدمت بينة زيد، وإن لم يكن لزيد بينة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يحكم بها لزيد ولا تباع في الدين لان بينة صاحب الدين بطلت بإكذاب المحبوس وبقى إقرار المحبوس بالدار لزيد. (والثانى) أنه لا يحكم بها لزيد وتباع في الدين، لان بينة صاحب الدين شهدت للمحبوس بالملك وله بقضاء الدين من ثمنها فإذا أكذبها المحبوس سقطت البينة في حقه ولم تسقط في حق صاحب الدين. (فصل) ثم ينظر في أمر الاوصياء والامناء لانهم يتصرفون في حق من لا يملك المطالبة بماله وهم الاطفال فإذا ادعى رجل أنه وصى للميت لم يقبل قوله

إلا ببينة، لان الاصل عدم الوصية، فإن أقام على ذلك بينة، فإن كان عدلا قويا أقر على الوصية، وإن كان فاسقا لم يقر على الوصية، لان الوصية ولاية والفاسق ليس من أهل الولاية، وإن كان عدلا ضعيفا ضم إليه غيره ليتقوى به وإن أقام بينة أن الحاكم الذى كان قبله أنفذ الوصية إليه أقره ولم يسأل عن عدالته لان الظاهر أنه لم ينفذ الوصية إليه إلا وهو عدل، فإن كان وصيا في تفرقة ثلثه فإن لم يفرقه فالحكم في إقراره على الوصية على ما ذكرناه، وإن كان قد فرقه فإن كان عدلا لم يلزمه شئ، وإن كان فاسقا، فإن كانت الوصية لمعينين لم يلزمه شئ لانه دفع الموصى به إلى مستحقه، وإن كانت الوصية لغير معينين ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يغرم، لانه دفع المال إلى مستحقه فأشبه إذا كانت الوصية لمعينين. (والثانى) أنه يغرم ما فرقه، لانه فرق ما لم يكن له تفرقته فغرمه كما لو فرق ما جعل تفرقته إلى غيره. (فصل) ثم ينظر في اللقطة والضوال وأمر الاوقاف العامة وغيرها من المصالح ويقدم الاهم فالاهم لانه ليس لها مستحق معين فتعين على الحاكم النظر فيها. (الشرح) حديث بعث عليا، رواه أبو داود والحاكم وابن ماجه والبزار والترمذي وفى طرقه مقال. أثر بعث أبا موسى الاشعري، رواه البيهقى. أثر بعث عبد الله بن مسعود، رواه البيهقى. حديث (من استقضى ... ) أخرجه أصحاب السنن والحاكم والبيهقي من حديث أبى هريرة، وأعله ابن الجوزى فقال هذا حديث لا يصح، قال الحافظ وليس كما قال وكفاه قوة تخريج النسائي ولفظه (من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين) . أثر أبى بكر (لما استقضى خرج برزمة..) روى ابن مسعود بسند صحيح إلى ميمون الجزرى قال: لما استحلف أبو بكر جعلوا له ألفين قال زيدوني

فإن لى عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة) أخرجه البيهقى. أثر عمر (أنزلت نفسي..) لم أجده وروى البخاري عن عائشة أن عمر لما استخلف أكل هو هو وأهله من المال واحترف في مال نفسه. أثر عمر (بعث عمار وعبد الله بن مسعود..) أخرجه البيهقى. حديث (ما أفلح قوم ولو أمرهم..) أخرجه البخاري من حديث أبى بكرة (لن يفلح قوم وليتهم امرأة) . أثر (تحاكم عمر وأبى بن كعب ... ) أخرجه البيهقى عن الشعبى (كان بين عمر وأبى خصومة في حائط، فقال عمر بينى وبينك زيد بن ثابت فانطلقا فطرق عمر الباب فعرف زيد صوته فقال: يا أمير المؤمنين ألا بعثت إلى حتى آتيك؟ فقال في بيته يؤتى الحكم) . أثر (تحاكم عثمان وطلحة..) أخرجه البيهقى من رواية ابن أبى مليكة (أن عثمان ابتاع من طلحة أرضا بالمدينة بأرض له بالكوفة ثم ندم عثمان فقال بعتك ما لم أره، فقال طلحة انما النظر لى لانك بعث ما رأيت وأنا ابتعت مغيبا، فجعلا بينهما جبير بن مطعم حكما، فقضى أن البيع جائز وأن النظر لطلحة لانه ابتاع مغيبا) . حديث (كتاب عمرو بن حزم..) رواه مالك والشافعي وعبد الرزاق والدارقطني عن معمر، وأبو داود والنسائي عن الزهري مرسلا وابن حبان والحاكم والبيهقي موصولا، وفرقه الدارمي في مسنده، وقد اختلف أهل الحديث في صحته، فقال أبو داود لا يصح، وقال ابن حزم صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود من الرواة لها متفق على تركه، وقال عبد الحق عنه ضعيف، وقال أبو زرعة عرضته على أحمد فقال ليس بشئ ووثق بن حبان سليمان بن داود الخولانى الراوى عن الزهري، وقال ليس هو الحرانى، قال الحافظ: ولولا أن الحكم بن موسى وهم في قوله سليمان بن داود وانما هو سليمان بن الارقم لكان لكلامه وجه صحيح، وصححه الحاكم والبيهقي وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور يستغنى بشهرته عن الاسناد. (قلت) وما كان لمثل هذا الحافظ بن عبد البر الذى شهد ابن حزم لكتابه

التمهيد أن يقول مثل هذا فما يترك السند تصحح الاحاديث وقال العقيلى حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب مسموع عمن فوق الزهري. أثر (كتب عمر إلى أهل الكوفة) أخرجه البيهقى. حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المدينة يوم الاثنين، أخرجه البخاري عن عائشة في حديث الهجرة. أثر تحاكم على ويهودى إلى شريح أخرجه الحاكم في ترجمه أبى سمير وقال منكر، وأورده ابن الجوزى في العلل وقال لا يصح، تفرد به أبو سمير وأخره البيهقى، وفيه عمرو بن شمر عن جابر الجعفي وهما ضعيفان، وقال ابن الصلاح لم أجد له اسناد، وقال ابن عسكر في الكلام على أحاديث المهذب اسناده مجهول حديث لعن الله الراشى. أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان وابن ماجه، وفى اسناده مقال في بعض الروايات. حديث استعمل ابن اللتبية على الصدقة. متفق عليه وغيرهما. حديث عائد المريض في مخرفة. أخرجه البزار عن عبد الرحمن بن عوف حديث عاد صلى الله عليه وسلم سعدا وغلاما يهوديا. البيهقى حديث ما عدل وال اتجر. الحاكم في الكنى عن رجل أثر شريح شرط على عمر أن لا أبيع قال الحافظ لم أجده، وروى البيهقى في السنن ص 107 ج 10 المصورة (أن تجارة الامير في إمارته خسارة) حديث لا ينبغى القاضى أن يقضى. متفق عليه من حديث أبى بكرة، ورواه ابن ماجه بلفظ (لا يقضى حكم بين اثنين وهو غضبان) وفى رواية مسلم لا يحكمن حكم بين اثنين وهو غضبان) وفى أخرى (لا يقضى القاضى بين اثنين وهو غضبان) . حديث لا يقضى القاضى وهو شبعان. أخرجه الطبراني في الاوسط والحارث في مسنده والدارقطني والبيهقي من حديث أبى سعيد وفيه القاسم العمرى وهو منهم بالوضع. حديث من ولى شيئا من أمر الناس. أخرجه أبو داود والحاكم من حديث

القاسم بن مخيمرة عن أبى مريم ورواه أحمد والترمذي عن عمر وبن مرة الجهنى ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، وقال أبو حاتم في العلل: هذا حديث منكر. أثر كتب عمر إلى أبى موسى إياك والضجر. أخرجه البيهقى. حديث جنبوا مساجدكم صبيانكم. أخرجه ابن ماجه من حديث مكحول وواثلة به وأتم منه والبيهقي كذلك وقال ليس بصحيح، وقال ابن الجوزى حديث لا يصح، ورواه البزار وقال ليس له أصل من حديث ابن مسعود، وله طريق أخرى عن أبى هريرة واهية. أثر رأى عثمان نام في المسجد وأتاه سقاء بقربة. أخرجه البيهقى حديث أم سلمه اختصم رجلان أخرجه البيهقى. أثر كان يرفأ حاجب عمر. أخرجه البيهقى. أثر اشترى عمر دار وجعلها سجنا. أخرجه البيهقى. وروى الخمسة إلا ابن ماجه عن بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه. كتاب النبي صلى الله عليه وسلم على..أخرجه البخاري تعليقا ووصله أبو داود عن زيد بن ثابت. أثر أبى موسى في استعمال كاتبا نصرانيا. رواه البيهقى من حديث نافع بن الحارث وعلقه البخاري. حديث شهد اعرابيا برؤية الهلال. أخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيقهى والحاكم، وقال الترمذي مرسلا، وقال النسائي انه أولى بالصواب، وفى رواته سماك، وإذا تفرد بأصل لم يكن حجة اللغة. قال ابن الاعرابي: القضاء في اللغة إحكام الشئ وإمضاؤه والفراغ منه، وهو قوله تعالى (ثم اقضوا إلى) أي افرغوا من أمركم وامضوا ما في أنفسكم، وأصله قضاى لانه من قضيت، لان الياء لما جاءت بعد الالف أبدلت همزة، والجمع الاقضية، القضية مثلها وجمعها قضايا على فعالى وأصله فعائل.

وقضى أي حكم، قال الله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وقضى في القرآن واللغة يأتي على وجوه تتقارب معانيها، ومرجعها كلها إلى انقطاع الشئ وتمامه والفراغ منه، منها قوله تعالى (فقضاهن سبع سموات) أراد قطعهن وأحكم خلقهن وفرغ منهن، وقوله تعالى (فلما قضى ولوا إلى قومهم) أي فرغ من تلاوته، وقوله تعالى (ولولا أجل مسمى لقضى بينهم) لفصل الحكم وقطع وقال أبو ذؤيب: وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع التوابع تبع أي صنعهما وأحكام صنعتهما. قوله (فإن كان خاملا) الخامل الساقط الذى لا نباهة له، وقد خمل يخمل خمولا وأخملته أنا. قوله (من استقطمى فكأنما ذبح بغير سكين) قال في الشامل: لم يخرج مخرج الذم للقضاء وإنما وصفه بالمشقة فكأن من قلده فقد حمل على نفسه مشقة كمشقة الذبح، والمعتوه الناقص العقل، وقد ذكر في الوصايا. قوله (وقلده) هو من القلادة التى تكون في العنق. قوله (برزمة إلى السوق) الرزمة البكارة من الثياب، وقد رزمها ترزيما، أي شد رزمها. قوله (جبارا) قيل الجبار الذى يقتل على الغضب، وقيل هو ذو السطوة والقهر، ومنه يقال جبرته عل كذا، وأجبرته إذا أكرهته عليه وقهرته، ومنه جبر العظم لانه كالاكراه على الاصلاح. قوله (عسوفا) أي ظلوما، والعسف الظلم، وأصل العسف الاخذ على غير الطريق، ومثله التعسف والاعتساف. قوله (مهينا) أي حقيرا، وفسر قوله تعالى (من ماء مهين) أي حقير. وقال الفراء: المهين العاجز، وأراد بالضعيف ضعيف الرأى والتدبير لا ضعيف الجسم. قوله (من غير عنف) العنف ضد الرفق يقال عنف عليه وعنف به أيضا قوله (بنيت على الاحتياط) الاحتياط على الشئ الاحداق به من جميع

جهله ومنه سمى الحائط وأصله الحفظ، حاطه يحوطه أي حفظه، والمعنى أن يحكم باليقين والقطع من غير تخمين ويأخذ بالثقة في أموره وأحكامه. قوله (كتب له العهد) أصل العهد الوصية، وقد عهدت إليه أي وصيته. ومنه اشتق العهد الذى يكتب للولاة، قال الله تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل نفسي) أي أوصيناه أن لا يأكل من الشجرة فنسى، والعهد اليمين، من قوله على عهد، والعهد من قولك عهدته بمكان كذا. قوله (قاضيا ووزيرا) الوزير مشتق من الوزر وهو الجبل والملجأ، كأنه يستند إليه في الامور، قال الله تعالى (كلا لا وزر) أي لا ملجأ، وقيل بل هو مشتق من الوزر وهو الثقل، كأنه يحمل أثقال أموره وأعباءه، والوزر هو الحمل المثقل الظهر، من قوله تعالى (ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك) قوله (فقد آثرتكم بهما) قيل فضلتكم بهما وقيل اخترتكم، والمراد ههنا خصصتكم بهما دون غيركم، يقال استأثر فلان بكذا، أي خص به دون غيره وانفرد به. قال الشاعر: استأثر الله بالبقاء وبالعد * ل وولى الملامة الرجلا. أي تفرد بالبقاء عزوجل. قوله (ابن اللتبية) بضم اللام وإسكان التاء منسوب إلى بنى لتب، وهم حى من أزد قوله (عائد المريض في مخرف من مخارف الجنة) المخرف بالفتح البستان، قال الاصمعي واحد المخارف مخرف وهو جنس النخل، سمى بذلك لانه يخرف، أي يجتنى. قوله (لم يؤمن أن يحابى) المحاباة أن يبيع إليه بأقل من ثمن المثل، وقد ذكر قوله (والمرض يقلقه) قال الجوهرى: القلق الانزعاج، يقال بات قلقا وأقلقه غيره قوله (يدافع الاخبثين) تثنية الاخبث، وهما البول والغائط، ومعناه الخبيثين أي النجسين المستقذرين، لكن لفظة أفعل أبلغ وأكثر. قوله (في حر مزعج) أزعجه أي أقلقه من مكانه وانزعج بنفسه، والمزعاج المرأة التى لا تستقر في مكان والقلق ضيق الصدر وقلة الصبر.

قوله (فلا يتوفر على الاجتهاد) أي لا يستوفيه ويتمه، والموفور التام والموفور التمام، والوفر المال الكثير، وشراج الحرة قد ذكر. قوله (لى موضع بارز) أي ظاهر غير مستور، وبرزوا لله الواحد القهار. أي ظهروا ولم يسترهم عنه شئ. قوله (دون فاقته وفقره) الفاقة الحاجة والفقر ضد الغنى وهما متقاربان قوله (يحضرها اللغط والسفه) هو الصوت والجلبة. يقال لغطوا يلغطون لغطا ولغطا ولغاطا، والسفه ههنا التشاتم وذكر المعايب. قوله (وإن احتاج إلى أجرياء) الاجرياء جمع جرى مشدد غير مهموز وهو الوكيل والرسول، يقال جرى بين الجراية والجراية والجمع أجرياء. وسمى الوكيل جريا لانه يجرى مجرى موكله، وفى الحديث: قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان، والحاجب مشتق من الحجاب وهو الستر والمنع كأنه يستره ويمنع من الدخول إليه، ويرفا غير مهموز هكذا السماع. قوله (الحطيئة) سمى الحطيئة لقصره والحطيئة الرجل القصير، وقال ثعلب سمى الحطيئة لدمامته، وقيل انه كان في صغره يلعب مع الصبيان فضرط، فقيل ما هذا؟ قال حطيئة، يريد ضرطة فسمى حطيئة. قوله (بذى مرخ) بالخاء اسم موضع بعينه ومن رواه مرج بالجيم فمخطئ لان المرج بإسكان الراء هو الموضع الذى يكون كثير الماء والشجر، وقد قال لا ماء ولا شجر فدل على غيره، ولا يستقيم وزن البيت من غير تسكين الراء أيضا. قوله: وما منى اخوتى وعرسي * في حدث لم تقترفه نفسي. العرس الزوجة، ولم تقترفه لم تكتبسه والاقتراف الاكتساب، وفلان يقترف لعياله أي يكتسب، في حدث في أمر وقع ولم يكن قبل قوله (برآه من الشحناء) الشحناء العداوة وكذلك الشحنة، وعدو مشاحن ولعل اشتقاقه من الشحن وهو الملء، أي ممتلئ عداوة من قوله تعالى (في الفلك المشحون) أي المملوء. قوله (على جرح عدل أو تزكية غير عدل) الجرح العيب والفساد، وجرح

الشاهد إظهار معايبه. والعدل أصله من الاستقامة وترك الميل، والعدل أيضا الميل والجور. يقال عدل عن الطريق إذا مال عنها وهو من الاضداد، والتزكية ههنا التطهير من قوله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها) فكان المزكى يشهد لهم بالطهارة والبراءة من العيوب. قوله (وافرى العقول) أي تامى العقول كاملين باوفر والتمام والكمال. قوله (ولا يسترسلوا) استريل إليه أي انبسط واستأنس به، وأراد ترك التحفظ وأخذ الامر بالحزم والتيقظ قوله (جارك الادنى) أي الاقرب، والدنو القرب ضد البعد قوله (يستدل بهما على الورع) الورع التقى والورع التقى، وقد ورع يرع بالكسر فهيما ورعا ورعة، وتورع من كذا أي تحرج قوله (فيجمعهم الهوى على التواطؤ) أي تحكمهم الشهوة على التوافق، واطأه على الامر أي وافقه. قوله (وارتاب بهم) أي شك فيهم، والريب والارتياب الشك وكذا الريبة ودانيال بالدال المهملة وكسر النون وكان ممن أسره بختنصر وحبسه ثم رأى رؤيا ففسرها له فأكرمه وخلاه. قوله (ان الطير لتخفق بأجنحتها وترمى بما في حواصلها) يقال خفق الطائر إذا طار وأخفق إذا ضرب بجناحه، الحوصلة من الطائر بمنزلة الكرش مما يجتر يجمع فيها الطائر الحب، وجمعها حواصل، والتشديد في اللام لغة فيها. قوله (يتبوأ مقعده من النار) أي يلزمه ويقيم فيه وقد ذكر. قوله (وشاورهم في الامر) أصله من شرت العسل إذا استخرجته من الخلية وهى بيت النحل، كأنه يستخرج ما عنده من الرأى وقد ذكر. قوله (قلد غيره) التقليد في الفتيا والحكم والقبلة وغيرها مأخوذ من القلادة التى تكون في العنق كأن العامي يجعل ما يلحقه من عهدة العمل والاثم الذى يعمل فيه بفتوى العالم وقضاء القاضى في عنق المفتى والقاضى ويتخلص من مأثمه لان الاعمال توصف بكونها في الاعناق، قال الله تعالى (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) جاء في التفسير انه عمله، وان اجتهد وبذل الجهد فأخطأ فلا

وزر عليه وله أجر وإن تعمد الفتوى بغير الحق أو أخطأ ولم يجتهد في فتواه كان عليه وزره ولا شئ على المستفتى، ويدل عليه قوله عليه السلام (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) . قوله (أولى من التمادي في الباطل) التمادي اللجاج في الشئ والاقامة عليه يقال تمادى في غيه إذا أقام عليه ولج في اتباعه. قوله (ربما قصد أن يبتذله) الابتذال الامتهان وترك الصون، وثياب البذلة التى تمتهن ولا تصان. قوله (يسوغ فيه الاجتهاد) أي يليق ويسهل من قولهم ساغ الطعام إذا سهل مدخله في الحلق. قوله (وعليه السكينة والوقار) السكينة أصلها من السكون وهو ضد الحركة والوقار الحلم والرزانة، وقد وقر الرجل يقر وقارا وقرة فهو وقور. قوله (ويترك بين يديه القمطر) وهو وعاء الكتب، وهو الذى يترك فيه المحاضر والسجلات. قال الخليل حرف في صدرك خير من ألف في قمطرك، وهو أيضا الرجل القصير، المحاضر والسجلات، المحاضر التى يكتب فيها قصة المتحاكمين عند حضورهما مجلس الحكم وما جرى بينهما وما أظهر كل واحد منهما من حجة من غير تنفيذ ولا حكم مقطوع به والسجلات الكتب التى تجمع المحاظر وتزيد عليها بتنفيذ الحكم وإمضائه، وأصل السجل الصحيفة التى فيها الكتاب أي كتاب كان ذكر في تفسير قوله تعالى (كطى السجل للكتب) وقيل هو كاتب للنبى صلى الله عليه وسلم وهو مذكر، ويقال عندي ثلاثة سجلات وأربعة سجلات ولا يؤنت، لان المراد به الكتاب وهو مذكر، ولا يقال ثلاث سجلات على لفظه. وكالتعليمات فسنكتب في أضيق الحدود بأن ننقل المتفق عليه بدون آراء، أما المختلف فيه فتحاول أن ننقل الآراء بإيجاز شديد قال ابن حزم في مراتب الاجماع: اتفقوا أن من ولاه الامام القرشى الواجب طاعته، فإن أحكامه إذا وافق الحق نافذة، على أنه إن حكم بما يخالف

الاجماع فإن حكمه مردود، واتفقوا أن من لم يكن محجورا عليه وكان بالغا حسن الدين سالم الاعتقاد حرا غير معتق عالما بالحديث والقرآن والنظر والاجماع والاختلاف لم يبلغ الثمانين جائز أن يولى القضاء. واتفقوا أن ما حكم به لغير نفسه ولغير أبويه ولغير عبده ولغير كل من يختلف في قبول شهادته له من ذوى رحمه ومن ولده أو من ولد ولده بكل وجه وأخوانه وأخوته ومن هو في كفالته وصديقه الملاطف وعلى عدوه أن حكمه جائز إذا وافق الحق، واتفقوا أن من ولى القضاء كما ذكر في جهة ما أو وقت ما أو أمر ما أو بين قوم ما فإن له أن يحكم بينهم. واتفقوا على أن للقاضى أن يحكم في منزله، واتفقوا على أنه فرض عليه أن يحكم بالعدل والحق، اتفقوا على تحريم الرشوة على قضاء بحق أو باطل أو تعجيلا لقضاء بحق أو باطل، واتفقوا أن الامام إذا أعطى الحاكم مالا من وجه طيب دون أن يسأله إياه فإنه له حلال، وسواء رتبه له كل شهر أو كل وقت محدود أو قطعه عنه، واتفقوا أنه لا يحل لقاضي ولا مفت تقليد رجل بعينه بعد موت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يحكم ولا يفتى إلا بقوله، سواء كان ذلك الرجل قديما أو حديثا. واتفقوا على وجوب الحكم بالقرآن والسنة والاجماع، واتفقوا أن من حكم بغيره هذه الثلاثة أو القياس أو الاستحسان أو قول صاحب لا مخالف له منهم أو قول تابع لا مخالف له من التابعين ولا من الصحابة، أو قول الاكثر من الفقهاء فقد حكم بباطل لا يحل، واتفقوا على قبول شاهدين مسلمين عدلين فاضلين في دينهما ومعتقدهما حرين بالغين معروفى النسب ضابطين للشهادة. واختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد، فقال الشافعي يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، ومثله حكى عبد الوهاب عن المذهب، وقال أبو حنيفة يجوز حكم العامي، قال القاضى وهو ظاهر ما حكاه جدى رحمة الله عليه من المقدمات عن المذهب لانه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة. واختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور هي شرط، وقال أبو حنيفة

باب ما يجب على القاضى في الخصوم والشهود

يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الاموال، قال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الاطلاق في كل شئ. واختلفوا في عدد القضاة، فقال مالك واحدا في المصر كله، والشافعي يجوز أن يكون في المصر قاضيان. واختلفوا في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الاحكام، فقال مالك يجوز، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز، وقال أبو حنيفة يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضى البلدة. واختلفوا هل له أن يقوم الائمة في المساجد الجامعة، وكذلك هل يستخلف في المرض والسفر، وينظر في التحجير على السفهاء وفى الانكحة، فقال الجمهور الاموال والفروج في ذلك سواء لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحل حراما وذلك مثل أن شهد شاهد زور في امرأة أجنبية أنها زوج لرجل أجنبي ليست له بزوجة، فقال الجمهور: لا تحل له وإن أحلها الحاكم، وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه تحل له. قال المصنف رحمه الله: (باب ما يجب على القاضى في الخصوم والشهود) إذا حضر خصوم واحد بعد واحد قدم الاول فالاول، لان الاول سبق إلى حق له فقدم على من بعده، كما لو سبق إلى موضع مباح، وان حضروا في وقت واحد أو سبق بعضهم وأشكل السابق أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة قدم لانه لا مزية لبعضهم على بعض فوجب التقديم بالقرعة كما قلنا فيمن أراد السفر ببعض فسانه، فإن ثبت السبق لاحدهم فقدم السابق غيره على نفسه جاز لان الحق له فجاز أن يؤثر به غيره، كما لو سبق إلى منزل مباح، ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة، لانا لو قدمناه في أكثر من حكومة استوعب المجلس بدعاويه وأضر بالباقين.

وإن حضر مسافرون ومقيمون في وقت واحد نظرت فإن كان المسافرون قليلا وهم على الخروج قدموا لان عليهم ضررا في المقام ولا ضررا على المقيمين وحكى بعض أصحابنا فيه وجها آخر أنهم لا يقدمون إلا بإذن المقيمين لتساويهم في الحضور، وظاهر النص هو الاول. وإن كان المسافرون مثل المقيمين أو أكثر لم يجز تقديمهم من غير رضى المقيمين لان في تقدميهم إضرارا بالمقيمين والضرر لا يزال بالضرر، وإن تقدم إلى الحاكم إثنان فادعى أحدهما على الآخر حقا، فقال، المدعى عليه أنا جئت به وأنا المدعى قدم السابق بالدعوى، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل وللسابق بالدعوى حق السبق فقدم. (فصل) وعلى الحاكم أن يسوى بين الخصمين في الدخول والاقبال عليهما والاستماع منهما، لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه ولفظه وإشارته ومقعده. وكتب عمر رضى الله عنه إلى أبى موسى الاشعري: آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، ولانه إذا قدم أحدهما على الآخر في شئ من ذلك انكسر الآخر ولا يتمكن من استيفاء حجته، والمستحب أن يجلس الخصمان بين يديه لما روى عبد الله بن الزبير قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يجلس الخصمان بين يدى القاضى، ولان ذلك أمكن لخطابهما، وإن كان أحدهما مسلما والآخر ذميا ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يسوى بينهما في المجلس كما يسوى بينهما في الدخول والاقبال عليهما والاستماع منهما. (والثانى) أنه يرفع المسلم على الذمي في المجلس لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حاكم يهوديا في درع إلى شريح، فقام شريح من مجلسه وأجلس عليا كرم الله وجهه فيه، فقال على عليه السلام لولا إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لا تسووا بينهم في المجالس لجلست معه بين يديك، ولا يضيف أحدهما دون

الآخر لما روى أن رجلا نزل بعلى بن أبى طالب عليه السلام فقال له ألك خصم قال نعم قال تحول هنا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يضيفن أحد الخصمين إلا ومعه خصمه، ولان في إضافة أحدهما إظهار الميل وترك العدل ولا يسار أحدهما ولا يلقنه حجة لما ذكرناه، ولا يأمر أحدهما بإقرار لان فيه إضرارا به ولا بإنكار لان فيه إضرارا بخصمه. وإن ادعى أحدهما دعوى غير صحيحة فهل له أن يلقنه كيف يدعى، فيه وجهان، أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه يجوز لانه لا ضرر على الآخر في تصحيح دعواه. والثانى أنه لا يجوز لانه ينكسر قلب الآخر ولا يتمكن من استيفاء حجته، وله أن يزن عن أحدهما ما عليه لان في ذلك نفعا لهما، وله أن يشفع لاحدههما لان الاجابة إلى المشفوع إليه ان شاء شفعه وان شاء لم يشفعه، وان مال قلبه إلى أحدهما أو أحب أن يفلح أحدهما على خصمه ولم يظهر ذلك منه بقول ولا فعل جاز لانه لا يمكنه التسوية بينهما في المحبة والميل بالقلب، ولهذا قلنا يلزمه التسوية بين النساء في القسم ولا يلزمه التسوية ببنهن في المحبة والميل بالقلب. (فصل) ولا ينتهر خصما لان ذلك يكسره ويمنعه من استيفاء الحجة، وان ظهر من أحدهما لدد أو سوء أدب نهاه، فإن عاد زجره وان عاد عزره، ولا يزجر شاهدا ولا يتعنته، لان ذلك يمنعه من الشهادة على وجهها ويدعوه إلى ترك القيام بتحمل الشهادة وأدائها وفى ذلك تضييع للحقوق. (فصل) فإن كان بين نفسين حكومة فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم وجبت عليه اجابته لقوله تعالى (انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) فإن لم يحضر فاستعدى عليه الحاكم وجب عليه أن يعديه، لانه إذا لم يعده أدى ذلك إلى ابطال الحقوق، فإن استدعاه الحاكم فامتنع من الحضور تقدم إلى صاحب الشرطة ليحضره، وان كان بينه وبين غائب حكومة ولم يكن عليه بينة فاستعدى الحاكم عليه فإن كان الغائب في موضع فيه حاكم كتب إليه لينظر بينهما، وان لم يكن حاكم وهناك من يتوسط بينهما كتب إليه لينظر بينهما، وان لم يكن من ينظر بينهما لم يحضره حتى يحقق الدعوى

لانه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده كالشفعة للجار وثمن الكلب وقيمة خمر النصراني فلا يكلفه تحمل المشقة للحضور لما لا يقضى به، ويخالف الحاضر في البلد حيث قلنا إنه يحضر قبل أن يحقق المدعى دعواه لانه لا مشقة عليه في الحضور، فإن حقق الدعوى على الغائب أحضره لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كتب إلى المهاجر بن أمية أن ابعث إلى بقيس بن مكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يوما عَلَى مِنْبَرِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قتل دادويه، ولانا لو لم نلزمه الحضور جعل البعد طريقا إلى إبطال الحقوق، فإن استعداه على امرأة، فإن كانت برزة فهى كالرجل لانها كالرجل في الخروج للحاجات. وإن كانت غير برزة لم تكلف الحضور بل توكل من يخاطب عنها، وإن توجهت عليها يمين بعث إليها من يحلفها، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فبعث من يسمع اقرارها ولم يكلفها الحضور (الشرح) ما روى أن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا ... أخرجه البيهقى وأخرج ابن عساكر في ترجمة سليمان من طريقه من حديث ابن عباس في قصة طويله لسليمان بن داود في الاربعة الذين شهدوا على المرأة بالزنا لكونها امتنعت منهم أن يزنوا بها، فأمر داود برجمها، فمروا على سليمان ففرق بين الشهود ودرأ الحد عنها، فعلى هذا هو أول من فرق. حديث ابن عمر (ان الطير لتخفق) أخرج البيهقى عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى توجب له النار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطير يوم القيامة ترفع مناقيرها وتضرب بأذنابها وتطرح ما في بطونها وليس عندها طلبه فاتقه) وفى رواته محمد بن الفرات ضعيف. حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاور في أسارى..أخرجه مسلم والبيهقي عن ابن عباس عن عمر قال: لما كان يوم بدر قال ما ترون في هؤلاء الاسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبى الله بنو العم والعشيرة والاخوان، غير انا نأخذ منهم الفداء ليكون لنا قوة على المشركين، وعسى الله

أن يهديهم إلى الاسلام ويكونوا لنا عضدا، قال فماذا ترى يا ابن الخطاب؟ قلت يا نبى الله ما أرى الذى رأى أبو بكر ولكن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدهم فقربهم فاضرب أعناقهم، قال فهوى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قال أبو بكر ولم يهو ما قلت أنا وأخذ منهم الفداء، فلما أصبحت غدوت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت يا نبى الله اخبرني من أي شئ تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما، قال الذى عرض على أصحابك لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة وشجرة قريبة حينئذ، فأنزل الله عز وجل (ما كان لنبى..) أثر عمر (ردوا الجهالات إلى السنة) لم أجده أثر عمر في كتابه إلى أبى موسى (لا يمنعنك قضاء قضيت) رواه الدارقطني والبيهقي وساقه ابن حزم من طريقين وأعلهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوى أصل الرسالة لا سيما وفى بعض طرقه أن راوية أخرج الرسالة مكتوبة، رواه أحمد (لا يمنعنك قضاء قضيته بالامس راجعت فيه نفسك وهويت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، وإن الحق لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) . وروى البيهقى عن عمر بن عبد العزيز (ما من طينة أهون على فكا وما من كتاب أيسر على ردا من كتاب قضيت به ثم أبصرت أن الحق في غيره ففسخته) حديث أم سلمة في السنن الاربعة، وقال الترمذي حسن صحيح حديث (خير المجالس..) أخرجه البيهقى. اللغة: قوله (آس بين الناس) أي أصلح، يقال أسوت بينهم أي أصلحت بينهم، ويحتمل أن يكون معناه سو بينهم حتى يكون كل واحد منهم أسوة لصاحبه، والاسوه القدرة. قوله (حتى لا يطمع شريف في حيفك) أصل الشرف العلو والرفعة مأخوذ من الجبل المشرف وهو العالي قال الشاعر: يبدو وتضمره البلاد كأنه * سيف على شرف يسل ويغمد أي موضع عال، والشريف من القوم الرفيع المنزلة العالي القدر والحسب

قوله (في حيفك) أي في جورك والحيف الجور، حاف أي جار، قال الله تعالى (أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله) قوله (يميل إليه طبعه) الطبع والطباع ما ركب في الانسان من الطعم والمشرب وغيرهما من الاخلاق التى لا يزيلها، يقال فلان كريم الطباع، وهو اسم مؤنث على فعال نحو مثال ومهاد. قوله (أو أحب أن يفلح) أي يغلب، يقال فلح خصمه أي غلبه. قوله (لدد) اللدد شدة الخصومة، يقال رجل الد بين اللدد، وهو الشديد الخصومة وقوم لد، قال الله تعالى (ألد الخصام) وقال (وتنذر به قوما لدا) وقال الازهرى (اللدد) التواء الخصم في محاكمته، مأخوذ من لديدى الوادي وهما جانباه. قوله (فإن عاد زبره) الزبر الزجر والمنع، يقال زبره يزبره بالضم زبرا إذا انتهره، كذا ذكره الجوهرى. قوله (ولا يتعنته) أي يطلب زلته، تقول جاءني فلان متعنتا إذا جاء يطلب زلتك، وأصل العنت المشقة، واستعدى عليه الحاكم أي استعانه، يقال استعديت على فلان الامير فأعدانى أي استعنت به فأعانى، والاسم منه العدوى وهى المعونة قال زهير: وإنى لتعديني على الهم جسرة * تخب بوصال صروم وتعنق وصاحب الشرطة، يقال أشرط فلان نفسه لامر كذا أي أعلمها وأعدها، قال الاصمعي ومنه سمى الشرط لانهم جعلوا لانفسهم علامة يعرفون بها، الواحد شرطة وشرطي. وقال أبو عبيد سموا شرطة لانهم أعدوا. قوله (ما قتل دادويه) ذكر القلعى أنه بدالين مهملتين مفتوحتين وتخفيف الياء تسكينها قوله (فإن كانت برزة) أي ظاهرة غير محتجبة وقد ذكر

باب صفة القضاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب صفة القضاء إذا حضر عند القاضى خصمان وادعى أحدهما على الآخر حقا يصح فيه دعواه وسأل القاضى مطالبة الخصم بالخروج من دعواه طالبه وإن لم يسأله مطالبة الخصم ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يجوز للقاضى مطالبته لان ذلك حق للمدعى فلا يجوز استيفاؤه من غير إذنه. (والثانى) وهو المذهب أنه يجوز له مطالبته لان شاهد الحال يدل على الاذن في المطالبة، فإن طولب لم يخل إما أن يقر أو ينكر أو لا يقر ولا ينكر فإن أقر لزمه الحق ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعى، لان الحكم حق له فلا يستوفيه من غير إذنه، فإن طالبه بالحكم حكم له عليه وإن أنكر فإن كان المدعى لا يعلم أن له إقامة البينه قال له القاضى الك بينة، وان كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت، وإن لم تكن له بينة وكانت الدعوى في غير دم فله أن يحلف المدعى عليه ولا يجوز للقاضى إحلافه إلا بمطالبة المدعى، لانه حق له فلا يستوفيه من غير اذنه، وان أحلفه قبل المطالبة لم يعتد بها لانها يمين قبل وقتها وللمدعى أن يطالب بإعادتها لان اليمين الاولى لم تكن يمينه، وان أمسك المدعى عن احلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة جاز لانه لم يسقط حقه من اليمين وانما أخرها. وان قال أبرأتك من اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لان حقه لم يسقط بالابراء من اليمين، فإن استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لان هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى، لما روى وائل بن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أَتَيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الحضرمي هذا غلبنى على أرض ورثتها من أبى، وقال الكندى أرضى وفى يدى أزرعها لا حق له

فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه، قال انه لا يتورع عن شئ، فقال ليس لك الا ذلك، فإن امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه فإن ابتدأ وقال امتنعت لانظر في الحساب أمهل ثلاثة أيام لانها مدة قريبه ولا يمهل أكثر منها لانها مدة كثيرة، فإن لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لان الحق انما يثبت بالاقرار أو البينة. والنكول ليس بإقرار ولا بينة، فإن بذل اليمين بعد النكول لم يسمع لان بنكوله ثبت للمدعى حق وهو اليمين فلم يجز ابطاله عليه، فإن لم يعلم المدعى أن اليمين صارت إليه قال له القاضى أتحلف وتستحق، وان كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت وان قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق. وروى أن المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما إلى عمر، فقال المقداد هو أربعة آلاف، وقال عثمان سبعة آلاف، فقال المقداد لعثمان احلف أنه سبعة آلاف فقال عمر انه أنصفك فلم يحلف عثمان، فلما ولى المقداد قال عثمان والله لقد أقرضته سبعة آلاف، فقال عمر لم لم تحلف؟ فقال خشيت أن يرافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه. واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى في نكول المدعى عليه مع يمين المدعى فقال في أحد القولين هما بمنزلة البينة لانه حجة من جهة المدعى، وقال في القول الآخر هما بمنزلة الاقرار وهو الصحيح، لان النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كإقراره، فإن نكل المدعى عن اليمين سئل عن سبب نكوله، والفرق بينه وبين المدعى عليه يحث لم يسأل عن سبب نكوله أن بنكول المدعى عليه وجب للمدعى حق في رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه وبنكول المدعى لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله، فإن سئل فذكر أنه امتنع من اليمين لان له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه في المدة ويترك ما تارك والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث قلنا انه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام أن يترك المدعى عليه يتأخر حق المدعى

في الحكم له وبترك المدعى لا يتأخر إلا حقه وإن قال امتنعت لانى لا أختار أن أحلف حكم بنكوله، فإن بذل اليمين بعد النكول لم يقبل في هذه الدعوى لانه أسقط حقه منها، فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى وأنكر المدعى عليه وطلب يمينه حلف، فإن حلف ترك وإن نكل ردت اليمين على المدعى فإذا حلف حكم له لانها يمين في غير الدعوى التى حكم فيها بنكوله، فإن كان له شاهد واختار أن يحلف المدعى عليه جاز وتنتقل اليمين إلى جنبة المدعى عليه، فإن أراد أن يحلف مع شاهده لم يكن له في هذا المجلس، لان اليمين انتقلت عنه إلى جنبة غيره فلم تعد إليه، فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى جاز أن يقيم الشاهد ويحلف معه لان حكم الدعوى الاولى قد سقط، وان حلف المدعى عليه في الدعوى الاولى سقطت عنه المطالبة، وان نكل عن اليمين لم يقض عليه بنكوله وشاهد المدعى، لان للشاهد معنى تقوى به جنبة المدعى فلم يقض به مع النكول من غير يمين كاللوث في القسامة، وهل ترد اليمين على المدعى ليحلف مع الشاهد، فيه قولان. (أحدهما) أنه لا ترد لانها كانت في جنبته وقد أسقطت وصارت في جنبة غيره فلم تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين فردت إلى المدعى فنكل فإنها لا ترد على المدعى عليه. والقول الثاني وهو الصحيح أنها ترد لانه هذه اليمين غير الاولى لان سبب الاولى قوة جنبة المدعى بالشاهد وسبب الثانية قوة جنبته بنكول المدعى عليه واليمين الاولى لا يحكم بها إلا في المال وما يقصد به المال، والثانية يقضى بها في جميع الحقوق التى تسمع فيها الدعوى فلم يكن سقوط إحداهما موجبا لسقوط الاخرى، فإن قلنا انها لا ترد حبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لانه تعين عليه ذلك، وإن قلنا انها ترد حلف مع الشاهد واستحق: (فصل) وإن كانت الدعوى في موضع لا يمكن رد اليمين على المدعى بأن ادعى على رجل دينا ومات المدعى ولا وارث له غير المسلمين وأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين ففيه وجهان ذكرهما أبو سعيد الاصطخرى.

(أحدهما) أنه يقضى بنكوله لانه لا يمكن رد اليمين على الحاكم لانه لا يجوز أن يحلف عن المسلمين، لان اليمين لا تدخلها النيابة ولا يمكن ردها على المسلمين لانهم لا يتعينون فقضى بالنكول لموضع الضرورة. (والثانى) وهو المذهب أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر، لان الرد لا يمكن لما ذكرناه والقضاء بالنكول لا يجوز لما قدمناه لانه إما أن يكون صادقا في إنكاره فلا ضرر عليه في اليمين أو كاذبا فيلزمه الاقرار. وإن ادعى وصى دينا لطفل في حجره على رجل وأنكر الرجل ونكل عن اليمين وقف إلى أن يبلغ الطفل فيحلف، لانه لا يمكن رد اليمين على الوصي، لان اليمين لا تدخلها النيابة ولا على الطفل فالحال لانه لا يصح يمينه فوجب التوقف إلى أن يبلغ. (فصل) وان كان للمدعى بينة عادلة قدمت على يمين المدعى عليه لانها حجة لا تهمة فيها لانها من جهة غيره واليمين حجة يتهم فيها لانها من جهته، ولا يجوز سماع البينة ولا الحكم بها إلا بمسألة المدعى لانه حق له فلا يستوفى إلا بإذنه، فإن قال المدعى عليه أحلفوه أنه يستحق ما شهدت به البينة لم يحلف لان في ذلك طعنا في البينة العادلة. وإن قال أبرأني منه فحلفوه أنه لم يبرئني منه أو قضيته فحلفوه إنى لم أقضه حلف لانه ليس في ذلك قدح في البينة وما يدعيه محتمل فحلف عليه، وان كانت البينة غير عادلة قال له القاضى زدنى في شهودك، وان قال المدعى لى بينة غائبة وطلب يمين المدعى عليه أحلف لان الغائبة كالمعدومة لتعذر اقامتها، فإن حلف المدعى عليه ثم حضرت البينة وطلب سماعها والحكم بها وجب سماعها والحكم بها لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة ولان البينة كالاقرار ثم يجب الحكم بالاقرار بعد اليمين فكذلك بالبينة وان قال لى بينة حاضرة ولكني أريد أن أحلفه حلف، لانه قد يكون له غرض في احلافه بأن يتورع عن اليمين فيقر، واثبات الحق بالاقرار أقوى وأسهل من اثباته بالبينة، وان قال ليس لى بينة حاضره ولا غائبة أو قال كل بينة

تشهد لى فهى كاذبة وطلب إحلافه فحلف ثم أقام البينة على الحق ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنها لا تسمع لانه كذبها بقوله (والثانى) أنه ان كان هو الذى استوثق بالبينة لم تسمع لانه كذبها، وإن كان غيره المستوثق بالبينة سمعت لانه لم يعلم بالبينة فرجع قوله لا بينة لى إلى ما عنده (والثالث) أنها تسمع بكل حال وهو الصحيح لانه يجوز أن يكون ما علم، وإن علم فلعله نسى فرجع قوله لا بينة لى إلى ما يعتقده (فصل) وان قال المدعى لى بينة بالحق لم يجز له ملازمة الخصم قبل حضورها لقوله صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك، وان شهد له شاهدان عدلان عند الحاكم وهو لا يعلم أن له دفع البينة بالجرح قال له قد شهد عليك فلان وفلان وقد ثبتت عدالتهما عندي وقد أطردتك جرحهما، وان كان يعلم فله أن يقول وله أن يسكت، فإن قال المشهود عليه لى بينة بحرجهما نظر فإن لم يأت بها حكم عليه لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ في كتابه إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ واجعل لمن ادعى حقا غائبا أمدا ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخذت له حقه والا استحللت عليه القضية فانه أنفى للشك وأجلى العمى، ولا ينظر أكثر من ثلاثة أيام، لانه كثير وفيه اضرار بالمدعى، وان قال لى بينة بالقضاء أو الابراء أمهل ثلاثة أيام فان لم يأت بها حلف المدعى أنه لم يقضه ولم يبرئه ثم يقضى له لما ذكرناه وله أن يلازمه إلى أن يقيم البينة بالجرح أو القضاء لان الحق قد ثبت له في الظاهر، وان شهد له شاهدان ولم تثبت عدالتهما في الباطن فسأل المدعى أن يحبس الخصم إلى أن يسأل عن عدالة الشهود فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وهو ظاهر المذهب أنه يحبس لان الظاهر العدالة وعدم الفسق (والثانى) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يحبس لانه الاصل براءة ذمته، وان شهد له شاهد واحد وسأل أن يحبسه إلى أن يأتي بشاهد آخر ففيه قولان (أحدهما) أنه يحبس كما يحبس إذا جهل عدالة الشهود (والثانى) أنه لا يحبس وهو الصحيح لانه لم يأت بتمام البينة، ويخالف إذا جهل عدالتهم، لان البينة تم عددها والظاهر عدالتها وقال أبو إسحاق ان كان الحق مما يقضى فيه بالشاهد واليمين حبس قولا واحدا لان الشاهد الواحد حجة فيه لانه يحلف معه

(فصل) وإذا علم القاضى عدالة الشاهد أو فسقه عمل بعلمه في قبوله ورده، وإن علم حال المحكوم فيه نظرت، فان كان ذلك في حق الآدمى ففيه قولان (أحدهما) أنه لا يجوز أن يحكم فيه بعلمه لقوله عليه الصلاة والسلام للحضرمي شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك، ولانه لو كان علمه كشهادة اثنين لانعقد النكاح به وحده. (والثانى) وهو الصحيح وهو اختيار المزني رحمه الله أن يجوز أن يحكم بعلمه لما رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يمنع أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذا رآه أو علمه أو سمعه، ولانه إذا جاز أن يحكم بما شهد به الشهود وهو من قولهم على ظن فلان يجوز أن يحكم بما سمعه أو رآه وهو على علم أولى، وإن كان ذلك في حق الله تعالى ففيه طريقان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هريرة إنها على قولين كحقوق الآدميين. (والثانى) وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يجوز أن يحكم فيه بعلمه قولا واحد، لما روى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم البينة عندي، ولانه مندوب إلى ستره ودرئه. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هلا سترته بثوبك يا هزال، فلم يجز الحكم فيه بعلمه. (فصل) وإن سكت المدعى عليه ولم يقر ولم ينكر قال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا، والمستحب أن يقول له ذلك ثلاثا، فإن لم يجب جعله ناكلا وحلف المدعى وقضى له، لانه لا يخلو إذا أجاب من يقر أو ينكر، فان أقر فقد قضى عليه ما يحب على المقر، وان أنكر فقد وصل انكاره بالنكول عن اليمين فقضينا عليه بما يحب على المنكر إذا نكل عن اليمين. (فصل) وإذا تحاكم إلى الحاكم أعجمى لا يعرف لسانه لم يقبل في الترجمة الا عدلين، لانه اثبات قول يقف الحكم عليه فلم يقبل الا من عدلين كالاقرار وان كان الحق مما يثبت بالشاهد والمرأتين قبل ذلك في الترجمة وان كان مما لا يقبل

فيه الا ذكرين لم يقبل في الترجمة الا ذكرين، فإن كان اقرارا بالزنا ففيه قولان (أحدهما) أنه يثبت بشاهدين (والثانى) أنه لا يثبت الا بأربعة. (فصل) وان حضر رجل عند القاضى وادعى على غائب عن البلد أو على حاضر فهرب أو على حاضر في البلد استتر وتعذر احضاره، فان لم يكن بينة لم يسمع دعواه، لان استماعها لا يفيد، وان كانت معه بينة سمع دعواه وسمعت بينته، لانا لو لم تسمع جعلت الغيبة والاستتار طريقا إلى اسقاط الحقوق التى نصب الحاكم لحفظها ولا يحكم عليه الا أن يحلف المدعى أنه لم يبرئ من الحق لانه يجوز أن يكون قد حدث بعد ثبوته بالبينه ابراء أو قضاء أو حوالة. ولهذا لو حضر من عليه الحق وادعى البراءة بشئ من ذلك سمعت دعواه وحلف عليه المدعى، فإذا تعذر حضوره وجب على الحاكم أن يحتاط له ويحلف عليه المدعى، وان ادعى على حاضر في البلد يمكن احضاره ففيه وجهان. (أحدهما) أنه تسمع الدعوى والبينة ويقضى بها بعد ما يحلف المدعى، لانه غائب عن مجلس الحكم فجاز القضاء عليه كالغائب عن البلد والمستتر في البلد (والثانى) أنه لا يجوز سماع البينة عليه ولا الحكم وهو المذهب، لانه يمكن سؤاله فلا يجوز القضاء عليه قبل السؤال كالحاضر في مجلس الحكم. وان ادعى على ميت سمعت البينة وقضى عليه، فإن كان له وارث كان احلاف المدعى إليه، وان لم يكن له وارث فعلى الحاكم أن يحلفه ثم يقضى له، وان كان على صبى سمعت البينة وقضى عليه بعد ما يحلف المدعى، لانه تعذر الرجوع إلى جوابه فقضى عليه مع يمين المدعى كالغائب والمستتر، وان حكم على الغائب ثم قدم أو على الصبى ثم بلغ كان على حجته في القدح في البينة والمعارضة ببينة يقيمها على القضاء أو الابراء. (فصل) ويجوز للقاضى أن يكتب إلى القاضى فيما ثبت عنده ليحكم به ويجوز أن يكتب إليه فيما حكم به لينفذه، لما روى الضحاك بن قيس قال كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أورث امرأة أشبم الضبابى من دية زوجها

ولان الحاجة تدعو إلى كتاب القاضى إلى القاضى فيما ثبت عنده ليحكم به وفيما حكم به لينفذه، فإن كان الكتاب فيما حكم به جار قبول ذلك في المسافة القريبة والبعيدة، لان ما حكم به يلزم كل أحد إمضاوه، وإن كان فيما ثبت عنده ولم يجز قبوله إذا كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة، لان القاضى الكاتب فيما حمل شهود الكتاب كشاهد الاصل، والشهود الذين يشهدون بما في الكتاب كشهود الفرع وشاهد الفرع لا يقبل مع قرب شاهد الاصل. (فصل) ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان، وقال أبو ثور: يقبل من غير شهادة، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يكتب ويعمل بكتبه من غير شهادة. وقال أبو سعيد الاصطخرى: إذا عرف المكتوب إليه خط القاضى الكاتب وختمه جاز قبوله وهذا خطأ، لان الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم فلا يؤمن أن يزور على الخط والختم، وإذا أراد انفاذ الكتاب أحضر شاهدين ويقرأ الكتاب عليهما أو يقرأ غيره وهو يسمعه، والمستحب أن ينظر الشاهدان في الكتاب حتى لا يحذف منه شئ، وان لم ينظرا جاز لانهما يؤديان ما سمعا. وإذا وصلا إلى القاضى المكتوب إليه قرآ الكتاب عليه وقالا فشهد أن هذا الكتاب كتاب فلان اليك وسمعناه وأشهدنا أنه كتب اليك بما فيه، وان لم يقرآ الكتاب ولكنهما سلماه إليه وقالا نشهد أنه كتب اليك بهذا لم يجز، لانه ربما زور الكتاب عليهما، وان انكسر ختم الكتاب لم يضر، لان المعول على ما فيه وان محى بعضه، فإن كانا يحفظان ما فيه أو معهما نسخة أخرى شهدا وان لم يحفظاه ولا معهما نسخة أخرى لم يشهدا لانهما لا يعلمان ما أمحى منه. (فصل) وان مات القاضى الكاتب أو عزل جاز للمكتوب إليه قبول الكتاب والعمل به، لانه ان كان الكتاب بما حكم به وجب على كل من بلغه أن ينفذه في كل حال، وان كان الكتاب بما ثبت عنده فالمكاتب كشاهد الاصل، وشهود المكتاب كشاهد الفرع وموت شاهد الاصل لا يمنع من قبول شهادة شهود الفرع وان فسق المكاتب ثم وصل كتابه، فإن كان ذلك فيما حكم به لم يؤثر

فسقه لان الحكم لا يبطل بالفسق الحادث بعده، وإن كان فيما ثبت عنده لم يجز الحكم به لانه كشاهد الاصل، وشاهد الاصل إذا فسق قبل الحكم لم يحكم بشهادة شاهد الفرع، وإن مات القاضى المكتوب إليه أو عزل أو ولى غيره قبل الكتاب لان المعول على ما حفظه شهود الكتاب وتحملوه، ومن تحمل شهادة وجب على كل قاض أن يحكم بشهادته. (فصل) فإن وصل الكتاب إلى المكتوب إليه فحضر الخصم وقال لست فلان بن فلان فالقول قوله مع يمينه لان الاصل أنه لا مطالبة عليه، فإن أقام المدعى بينة أنه فلان بن فلان فقال أنا فلان بن فلان الا أنى غير المحكوم عليه لم يقبل قوله إلا أن يقيم البينة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به، لان الاصل عدم من يشاركه فلم يقبل قوله من غير بينة، وان اقام بينة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به توقف عن الحكم حتى يعرف من المحكوم عليه منهما، وإذا حكم المكتوب إليه على المدعى عليه بالحق فقال المحكوم عليه اكتب إلى الحاكم الكاتب انك حكمت على حتى لا يدعى على ثانيا ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أنه يلزم لانه لا يأمن أن يدعى ثانيا ويقيم عليه البينة فيقضى عليه ثانيا. (والثانى) أنه لا يلزمه لان الحاكم انما يكتب ما حكم به أو ثبت عنده والكاتب هو الذى حكم أو ثبت عنده دون المكتوب إليه (فصل) إذا ثبت عند القاضى حق بالاقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده من الاقرار لزمه ذلك لانه لا يؤمن أن ينكر المقر فلزمه الاشهاد ليكون حجة له إذا أنكر، وان ثبت عنده الحق بيمين المدعى بعد نكول المدعى عليه فسأله المدعى أن يشهد على نفسه لزمه لانه لا حجة للمدعى غير الاشهاد، وان ثبت عنده الحق بالبينة فسأله المدعى الاشهاد ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يجب لان له بالحق بينة فلم يلزم القاضى تجديد بينة أخرى (والثانى) أنه يلزمه لان في اشهاده على نفسه تعديلا لبينته واثباتا لحقه والزاما لخصمه، فإن ادعى عليه حقا فأنكره وحلف عليه وسأله الحالف أن يشهد على

براءته لزمه ليكون حجة له في سقوط الدعوى حتى لا يطالبه بالحق مرة أخرى وان سأله أن يكتب له محضر في هذه المسائل كلها وهو أن يكتب ما جرى وما ثبت به الحق، فإن لم يكن عنده قرطاس من بيت المال ولم يأته المحكوم له بقرطاس لم يلزمه أن يكتب لان عليه ان يكتب وليس عليه أن يغرم، وان كان عنده قرطاس من بيت المال، أو أتاه صاحب الحق بقرطاس، فهل يلزمه أن يكتب المحضر؟ فيه وجهان. (أحدهما) أنه يلزمه لانه وثيقة بالحق فلزمه كالاشهاد على نفسه. (والثانى) أنه لا يلزمه لان الحق يثبت باليمين أو بالبينة دون الحضر، وان سأله أن يسجل له وهو أن يذكر ما يكتبه في المحضر ويشهد على انفاذه ويسجل له فهل يلزم ذلك أم لا؟ على ما ذكرناه في كتب المحضر وما يكتب من المحاضر والسجلات يكتب في نسختين (أحدهما) تسلم إلى المحكوم له والاخرى تكون في ديوان الحكم، فان حضر عند القاضى رجلان لا يعرفهما وحكم بينهما ثم سأل المحكوم له كتب محضر أو سجل كتب: حضر إلى رجلان قال أحدهما انه فلان بن فلان وقال الآخر انه فلان بن فلان ويحليهما ويذكر ما جرى بينهما ويشهد على ذلك. (فصل) وان اجتمعت عنده محاضر وسجلات كتب على كل محضر اسم المتداعيين ويضم ما اجتمع منها في كل شهر أو في كل سنة على قدر قلتها وكثرتها وضم بعضها إلى بعض ويكتب عليها محاضر شهر كذا وكذا من سنة كذا ليسهل عليه طلبته إذا احتاج إليه. وان حضر رجلان عند القاضى فادعى أحدهما أن له في ديوان الحكم حجة على خصمه فوجدها، فان كان حكما حكم به غيره لم يعمل به الا أن يشهد به شاهدان أن هذا حكم به فلان القاضى، ولا يرجع في ذلك إلى الخط والختم فانه يحتمل التزوير في الخط والختم، وان كان حكما حكم هو به فان كان ذاكرا للحكم به عالما به عمل به وألزم الخصم حكمه، وان كان غير ذاكر لم يعمل به لانه يجوز أن يكون قد زور على خطه وختمه

وإن شهد إثنان عليه أنه حكم به لم يرجع إلى شهادتهما لانه يشك في فعله فلا يرجع فيه إلى قول غيره، كما لو شك في فرض من فروض صلابته، فان شهد الشاهدان على حكمه عند حاكم آخر أنفذ ما شهدا به، فإن شهد شاهدان أن الاول توقف في شهادتهما لم يجز للثاني أن ينفذ الحكم الذى شهدا به، لان الشهود فرع للحاكم الاول، فإذا توقف الاصل لم يجز الحكم بشهادة الفرع، كما لو شهد شاهدان على شهادة شاهد الاصل، ثم شهد شاهدان أن شاهد الاصل توقف في الشهادة. (فصل) إذا اتضح الحكم للقاضى بين الخصمين فالمستحب أن يأمرهما بالصلح فإن لم يفعلا لم يجز ترددهما لان الحكم لازم فلا يجوز تأخيره من غير رضا من له الحكم (فصل) إذا قال القاضى حكمت لفلان بكذا قبل قوله لانه يملك الحكم فقبل الاقرار به كالزوج لما ملك الطلاق قبل إقراره به، وإن عزل ثم قال حكمت لفلان بكذا لم يقبل إقراره لانه لا يملك الحكم فلم يملك الاقرار به، وهل يكون شاهدا في ذلك؟ فيه وجهان. (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه يكون شاهدا لانه ليس فيه أكثر من أنه يشهد على فعل نفسه، وذلك لا يوجب رد شهادته، كما لو قالت امرأة أرضعت هذا الصبى. (والثانى) وهو المذهب أنه لا يكون شاهدا، لانه شهادته بالحكم تثبت لنفسه العدالة لان الحكم لا يكون إلا من عدل فتلحقه التهمة في هذه الشهادة فلم تقبل ويخالف المرضعة لان شهادتها بالرضاع لا تثبت عدالة لنفسها لان الرضاع يصح من غير عدل، ولان المغلب في الرضاع فعل المرتضع، ولهذا يصح به دونها، والمغلب في الحكم فعل الحاكم، فيكون شهادته على فعله فلم يقبل وبالله التوفيق. (الشرح) حديث أم سلمه (من ابتلى ... ) رواه أبو يعلى والدارقطني والطبراني في الكبير من حديث أم سلمة وفى إسناده عبادة بن كثير وهو ضعيف ورواه البيهقى عن أم سلمة وقال: هذا اسناد فيه ضعف.

(قلت) قال الحافظ في إسناده عبادة بن كثير وهو ضعيف، وذكر في السنن الكبرى البيهقى أنه عباد بن كثير. أثر عمر (آس بين الناس في وجهك..) أخرجه البيهقى (هذا كتاب عمر إلى أبى موسى أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة أفهم إذا أدلى اليك فإنه لا ينفع كلمة حق لا نفاذ له، آسى بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يخاف ضعيف من جورك، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما وحرم حلالا، ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له أمدا ينتهى إليه فإن جاء ببينة أعطيته بحقه) . أثر (أن عليا حاكم يهوديا في درع..) أخرجه أبو أحمد الحاكم في الكنى في ترجمة أبى سمية عن الاعمش عن ابراهيم التيمى وقال منكر، وأورده ابن الجوزى في العلل من هذا الوجه وقال لا يصح، تفرد به أبو سمية ورواه البيهقى من وجه آخر وفى إسناده عمرو بن سمرة عن جابر الجعفي، وهما ضعيفان، قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط: لم أجد له إسنادا يثبت، وقال ابن عساكر في الكلام على أحاديث المهذب: إسناده مجهول. أثر (أن رجلا نزل بعلى فقال ألك خصم..) أخرجه البيهقى بإسناد ضعيف منقطع وهو في مسند إسحاق بن راهويه، وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن على قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يضيف الخصم الا وخصمه معه، وأخرج الطبراني في الاوسط نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يضيف أحد الخصمين، وقال تفرد به الواسطي. أثر (أن أبا بكر كتب إلى المهاجرين أمية أن ابعث إلى بقيس..) أخرجه البيهقى، وقال البركمانى على تقدير صحته فقد خالفه الشافعي. حديث (يا أنيس اغد على امرأة هذا..) سبق تخريجه اللغة: قوله (لا يتورع) أي لا يتقى، والورع التقوى واجتناب الظلم، وقد ذكر.

قوله (أن يوافق قدر بلاء) القدر ما يقدر على الانسان ويقضى عليه من حكم الله السابق في علمه، يقال قدر وقدر بالفتح والاسكان، وأنشد الاخفش: ألا يا لقومي النوائب والقدر * وللامر يأتي الهرء من حيث لا يدرى والبلاء ما يصيب الانسان من الشدة والتعب في النفس والمال قوله (جنبة المدعى) جنبة بمعنى جانب. قوله (ونكل عن اليمين) قيل جبن وهاب الاقدام عليها. قال: (فلم أنكل عن الضرب مسمعا) أي لم أجبن ولم أمتنع، وقيل نكل امتنع ومنه سمى القيد نكلا لانه يمنع المحبوس. قوله (لطفل في حجره) الحجر بمعنى الحضن وهو ما بين الابط إلى الكشح وهو الجنب لانه يحمل هنالك. قوله (طعنا في البينة) طعن فيه بالقول يطعن إذا انتقصه وجرحه قوله (أحق من اليمين الفاجرة) معناه الكاذبة وقد ذكرنا أن الفجر أصله الشق ومنه سمى الفجر، وقيل انه الميل عن القصد، فقيل للكاذب فاجر لانه مال عن الصدق، وقيل للمائل عن الخير والعادل عنه فاجر لانه مال عن الرشد قوله (ملازمة الخصم) هو أن يقعد معه حيث قعد، ويذهب معه حيث ذهب ولا يفارقه. قوله (أطردتك جرحهما) يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون من الطرد بالتحريك وهو مزاولة الصيد للصيد كأنه يزاول جرحه ويختله من حيث لا يعلم. والثانى يحتمل أن يكون معناه الاتباع، أي جعلت لك، أن تتبعه وتنظر زلاته ومعايبه، من مطاردة الفرسان. قوله (أمدا ينتهى إليه) الامد الغاية كالمدى، يقال ما أمدك أي منتهى عمرك قوله (والا استحالت عليه القضية) يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون من الحلال ضد الحرام، أي جعل لك أن تقضى عليه ولم يحرم عليك والثانى أن يكون من الحول ضد التأجيل، أي قد وجب القضاء عليه وحان حلوله ولم يجز تأجيله. قوله (أنفى للشك وأجلى العمى) أي أوضح وأبين، من جلا لى الخبر،

أي وضح وبان. والعمى ههنا أراد به عمى القلب والتحير عن الصواب. قوله (هيبة الناس) الهيبة الاجلال والمخافة، وهبت الشئ وتهيبته أي خفته قوله (لم يقبل في الترجمة إلا عدلين) يقال ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ومنه الترجمان والجمع والتراجم مثل زعفران وزعافر، ويقال ترجمان، ولك أن تضم التاء بضم الجيم، فتقول ترجمان مثل سروع وسروع. قال: كالترجمان لقى الانباطا. القياس الجلى (1) نقيض الخفى. وجلوت الشئ أظهرته بعد خفائه، ولهذا سمى الصبح ابن جلاء لانه يجلو الاشخاص ويظرها من ظلم الليل. قوله (لا يؤمن أن يحرف (2) تحريف الكلام عن مواضعه تغييره قوله (ختم الكتاب) أي يجعل عليه شئ من شمع أو ما شاكله ويعلم عليه بعلامة من كتاب أو غيره، وأصله عند العرب ختم الدن وهو وعاء الخمر بالطين. قال الاعشى: وصهباء يطاوف يهوديها * وأبرزها وعليها ختم دادويه هو خليفة باذام عامل النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، وهو أحد قتلة الاسود العنسى الكذاب. حديث (أن رجلا من حضرموت ورجلا من كنده ... ) أخرجه مسلم والترمذي وصححه. حديث (رد اليمين على صاحب الحق..) أخرجه البيهقى. أثر أن المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما ... أخرجه البيهقى. حديث عمر (البينة العادلة أحق ... ) أخرجه البيهقى

_ (1) كثيرا ما ياتي المقرر بكلمات لا مناسبة لها في المهذب ويشرحها، ومنها قوله (القياس الجلي) الخ (2) الموجود في المهذب (فلا يؤمن أن يزوروا، ولكن المقرر غير يزور يحرف وفسر التحريف

حديث (شاهداك أو يمينه..) عن الاشعث بن قيس قال: كان بينى وبين رجل خصومة في بئر فاختصما إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال (شاهداك أو يمينه) فقلت انه إذا يحلف ولا يبالى، فقال (من حلف عن يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان) متفق عليه. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قضى بيمين وشاهد) مسلم وأحمد، وفيها (انما كان ذلك في الاموال) . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قضى باليمين مع الشاهد) أحمد وابن ماجه والترمذي. أثر كتب عمر إلى أبى موسى (واجعل لمن ادعى حقا غائبا..) سبق تخريجه حديث (لا يمنع أحمدكم هيبة الناس ... ) أخرجه البيهقى عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق إذا علمه) قال أبو سعيد: فما زال بنا البلاء حتى قصرنا وإنا لنبلغ في السر، وفى رواية قال: وذلك الذى حملني على أن رحلت إلى معاوية فملات مسامعه ثم رجعت. وفى رواية عنه (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله عليه فيه مقال لا يقوم به فيلقى الله فيقول ما منعك أن تقول يوم كذا وكذا؟ قال يا رب انى خشيت الناس، قال إياى أحق أن تخشى) حديث (هلا سترته بثوبك ... ) سبق تخريجه. حديث كتب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الضحاك أن أورث امرأة أقيم ... أخرجه البيهقى.

باب القسمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب القسمة تجوز قسمة الاموال المشتركة لقوله عز وجل (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بشعب يقال له الصفراء، وقسم غنائم خيبر على ثمانية عشر بينهما، وقسم غنائم حنين بأوطاس وقيل بالجعرانة، ولان بالشركاء حاجة إلى القسمة ليتمكن كل واحد منهم من التصرف في ماله على الكمال ويتخلص من كثرة الايدى وسوء المشاركة. (فصل) ويجوز لهم أن يتقاسموا بأنفسهم ويجوز أن ينصبوا من يقسم بينهم ويجوز أن يرفعوا إلى الحاكم لينصب من أنفسهم بينهم، ويجب أن يكون القاسم عالما بالقسمة ليوصل كل واحد منهم إلى حقه، كما يجب أن يكون الحاكم عالما ليحكم بينهم بالحق، فإن كان القاسم من جهة الحاكم لم يجز أن يكون فاسقا ولا عبدا، لانه نصبه لالزام الحكم فلم يجز أن يكون فاسقا ولا عبدا فالحاكم، فإن لم يكن فيها تقويم جاز قاسم واحد، وإن كان فيها تقويم لم يجز أقل من اثنين لان التقويم لا يثبت إلا باثنين، وان كان فيها خرص ففيه قولان. (أحدهما) أنه يجوز أن يكون الخارص واحدا. (والثانى) أنه يجب أن يكون الخارص اثنين (فصل) إن كان القاسم نصبه الحاكم كانت أجرته من سهم المصالح، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أعطى القاسم من بيت المال، ولانه من المصالح فكانت أجرته من سهم المصالح، فإن لم يكن في بيت المال شئ وجبت على الشركاء على قدر أملاكهم لانه مؤنة تجب لمال مشترك فكانت على قدر الملك كنفقة العبيد والبهائم المشتركة، وإن كان القاسم نصبه الشركاء جاز أن يكون فاسقا وعبدا لانه وكيل لهم وتجب أجرته عليهم على ما شرطوا لانه أجير لهم. (فصل) وإن كان في القسمة رد فهو بيع لان صاحب الرد بذل المال

في مقابلة ما حصل له من حق شريكه عوضا، وإن لم يكن فيها رد ففيه قولان: (أحدهما) أنها بيع لان كل جزء من المال مشترك بينهما فإذا أخذ نصف الجميع فقد باع حقه بما حصل له من حق صاحبه. (والقول الثاني) أنها فرز النصيبين وتمييز الحقين، لانها لو كانت بيعا لم يجز تعليقه على ما تخرجه القرعة، ولانها لو كانت بيعا لافتقرت إلى لفظ التمليك ولثبتت فيها الشفعة ولما تقدر بقدر حقه كسائر البيوع، فإن قلنا إنها بيع لم يجز فيما لا يجوز بيع بعضه ببعض كالرطب والعسل الذى انعقدت أجزاؤه بالنار، وإن قلنا إنها فرز النصبيين جاز. وإن قسم الحبوب والادهان فإن قلنا انها بيع لم يجز أن يتفرقا من غير قبض ولم يجز قسمتها إلا بالكيل كما لا يجوز في البيع، وان قلنا انها فرز النصيبين لم يحرم التفرق فيها قبل التقابض ويجوز قسمتها بالتكيل والوزن. وإن كانت بينهما ثمرة على شجرة، فإن قلنا إن القسمة بيع لم يجز قسمتها خرصا كما لا يجوز بيع بعضها ببعض خرصا، وإن قلنا انها تمييز الحقين فإن كانت ثمرة غير الكرم والنخل لم تجز قسمتها لانها لا يصح فيها الخرص، وان كانت ثمرة النخل والكرم جاز لانه يجوز خرصها للفقراء في الزكاة فجاز الشركاء (فصل) وان وقف على قوم نصف أرض وأراد أهل الوقف أن يقاسموا صاحب الطلق، فإن قلنا إن القسمة بيع لم يصح، وان قلنا انها تمييز الحقين نظرت فإن لم يكن فيها رد صحت وان كان فيها رد، فإن كان من أهل الوقف جاز لانهم يتنازعون الطلق، وان كان من أصحاب الطلق لم يجز لانهم يتنازعون الوقف. (فصل) وأن طلب أحد الشريكين القسمة وامتنع الآخر نظرت فإن لم يكن على واحد منهم ضرر في القسمه كالحبوب والادهان والثياب الغليظة وما تساوت أجزاؤه من الارض والدور أجبر الممتنع لان الطالب يريد أن ينتفع بماله على الكمال وأن يتخلص من سوء المشاركة من غير إضرار بأحد فوجبت اجابته إلى ما طلب، وان كان عليهما ضرر كالجواهر والثياب والمرتفعة إلى تنقص قيمتها بالقطع والرحى الواحدة والبئر والحمام الصغير لم يجبر الممتنع لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا إضرار) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن إضاعة

المال، ولانه إتلاف مال وسفه يستحق بها الحجر فلم يجبر عليه، وإن كان على أحدهما ضرر دون الآخر نظرت فإن كان الضرر على الممتنع أجبر عليها. وقال أبو ثور رحمه الله: لا يجبر لانها قسمة فيها ضرر فلم يجبر عليها كما لو دخل الضرر عليهما، وهذا خطأ لانه يطلب حقا له فيه منفعة فوجبت الاجابة إليه، وإن كان على المطلوب منه ضرر كما لو كان له دين على رجل لا يملك إلا ما يقصى به دينه، وإن كان الضرر على الطالب دون الآخر ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يجبر لانه قسمة لا ضرر فيها على أحدهما فأجبر الممتنع كما لو كان الضرر على الممتنع دون الطالب. (والثانى) أنه لا يجبر وهو الصحيح، لانه يطلب ما لا يستضر به فلم يجبر الممتنع، ويخالف إذا لم يكن على الطالب ضرر لانه يطلب ما ينتفع به، وهذا يطلب ما يستضر به، وذلك سفه فلم يجبر الممتنع. (فصل) وإن كان بينهما دور أو أراض مختلفة في بعضها نخل وفى بعضها شجر، أو بعضها يسقى بالسيح وبعضها يسقى بالناضح وطلب أحدهما أن يقسم بينهما أعيانا بالقيمة وطلب الآخر قسمة كل عين، قسم كل عين لان كل واحد منهما له حق في الجميع فجاز له أن يطالب بحقه في الجميع، وإن كان بينهما عضائد متلاصقه وأراد أحدهما أن يقسم أعيانا وطلب الاخر أن يقسم كل واحد منها على الانفراد ففيه وجهان (أحدهما) أنها تقسم أعيانا كالدار الواحدة إذا كان فيها بيوت (والثانى) أنه يقسم كل واحدة منها، لان كل واحدة على الانفراد فقسم كل واحد منها فالدور المتفرقة. (فصل) فإن كان بينهما دار وطلب أحدهما أن تقسم فيجعل العلو لاحدهما والسفل للآخر وامتنع الاخر لم يجبر الممتنع لان العلو تابع العرصة في القسمة ولهذا لو كان بينهما عرصة وطلب أحدهما القسمة وجبت القسمة، ولو كان بينهما غرفة فطلب أحدهما القسمة لم يجب، ولا يجوز أن يجعل التابع في القسمة متبوعا. (فصل) وإن كان بين ملكهما عرصة حائط فأراد أن تقسم طولا فيجعل.

لكل واحد منهما نصف الطول في كمال العرض واتفقا عليه جاز، وإن طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر أجبر عليها لانه لا ضرر فيها، وإن أرادا قسمتها عرضا في كمال الطول واتفقا عليه جاز، وان طلب أحدهما وامتنع الآخر ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يجبر لانه لا تدخله القرعة، لانه إذا أقرع بينهما ربما صار بهما مال كل واحد منهما إلى ناحية ملك الاخر ولا ينتفع به، وكل قسمة لا تدخلها القرعة لا يجبر عليها كالقسمة التى فيها رد. (والثانى) وهو الصحيح أنه يجبر عليها، لانه ملك مشترك يمكن كل واحد من الشريكين أن ينتفع بحصته إذا قسم فأجبر على القسمة، كما لو أراد أن يقسماها طولا، فإن كان بينهما حائط فأراد قسمته نظرت فإن أراد قسمته طولا في كمال العرض واتفقا عليه جاز، وإن أراد ذلك واحد وامتنع الآخر ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يجبر لانه لا بد من قطع الحائط وفى ذلك إتلاف (والثانى) أنه يجبر وهو الصحيح لانه تمكن قسمته على وجه ينتفعان به فأجبرا عليها كالعرصة فإن أرادا قسمته عرضا في كمال الطول واتفقا عليها جاز، وان طلب أحدهما وامتنع الاخر لم يجبر لان ذلك إتلاف وإفساد. (فصل) وإن كان بينهما أرض مختلفة الاجزاء بعضها عامر وبعضها خراب أو بعضها قوى وبعضها ضعيف أو بعضها شجر أو بناء وبعضها بياض أو بعضها يسقى بالسيح وبعضها بالناضح نظرت، فإن أمكن التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه بأن يكون الجيد في مقدمها والردئ في مؤخرها، فإذا قسمت بينهما نصفين صار إلى كل واحد منهما من الجيد والردئ مثل ما صار إلى الآخر من الجيد والردئ فطلب أحدهما هذه القسمة أجبر الآخر عليها، لانها كالارض المتساوية الاجزاء في امكان التسوية بينهما فيها، وان لم تمكن التسوية بينهما في الجيد والردئ بأن كانت العمارة أو الشجر أو البناء في أحد النصفين دون الآخر نظرت، فإذا أمكن أن يقسم قسمة تعديل بالقيمة بأن تكون الارض ثلاثين جريبا وتكون عشرة أجربة من جيدها بقيمة عشرين جريبا من ردئيها فدعا إلى ذلك أحد الشركين وامتنع الآخر ففيه قولان،

(أحدهما) أنه لا يجبر الممتنع لتعذر التساوى في الزرع وتوقف القسمة إلى أن يتراضيا. (والقول الثاني) أنه يجبر لوجود التساوى بالتعديل، فعلى هذا في أجرة القسام وجهان: (أحدهما) أنه يجب على كل واحد منهما نصف الاجرة، لانهما يتساويان في أصل الملك. (والثانى) أنه يجب على صاحب العشرة ثلث الاجرة وعلى صاحب العشرين ثلثاها لتفاضلهما في المأخوذ بالقسمة، وان أمكن قسمته بالتعديل وقسمة الرد فدعا أحدهما إلى قسمة التعديل ودعا الآخر إلى قسمة الرد، فإن قلنا: ان قسمة التعديل يجبر عليها فالقول قول من دعا إليها، لان ذلك مستحق، وان قلنا: لا يجبر وقف إلى أن يتراضيا على احداهما. (فصل) وان كانت بينهما أرض مزروعة وطلاب أحدهما قسمة الارض دون الزرع وجبت القسمة، لان الزرع لا يمنع القسمة في الارض فلم يمنع وجوبها كالقماش في الدار، وان طلب أحدهما قسمة الارض والزرع لم يجبر، لان الزرع لا يمكن تعديله، فإن تراضيا على ذلك فإن كان بذرا لم يجز قسمته لانه مجهول، وان كان قد ظهر فإن كان مما لا ربا فيه كالقصيل والقطن جاز لانه معلوم مشاهد، وان كان قد انعقد فيه الحب لم يجز لانا ان قلنا ان القسمة بيع لم يجز لانه بيع أرض وطعام بأرض وطعام، ولانه قسمة مجهول ومعلوم، وان قلنا ان القسمة فرز النصيبين لم يجز لانه قسمة مجهول ومعلوم (فصل) وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو أخشاب أو ثياب فطلب أحدهما قسمتها أعيانا وامتنع الآخر، فإن كانت متفاضلة يجبر الممتنع، وان كانت متماثلة ففيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى العباس وأبى اسحاق وأبى سعيد قول أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أبى هريرة أنه لا يجبر الممتنع لانها أعيان مختلفة فلم يجبر على قسمتها أعيانا كالدور المتفرقة.

(فصل) وإن كان بينهما منافع فأرادا قسمته مهايأة، وهو أن تكون العين في يد أحدهما مدة ثم في يد الاخر مثل تلك المدة جاز، لان المنافع كالاعيان فجاز قسمتها كالاعيان، وإن طلب أحدهما وامتنع الاخر لم يجبر الممتنع، ومن أصحابنا من حكى فيه وجها آخر أنه يجبر كما يجبر على قسمة الاعيان، والصحيح أنه لا يجبر لانه حق كل واحد منهما تعجل فلا يجبر على تأخيره بالمهايأة، ويخالف الاعيان فإنه لا يتأخر بالقسمة حق كل واحد، فإذا عقدا على مدة اختص كل واحد منهما بمنفعة تلك المدة، وإن كان يحتاج إلى النفقة كالعبد والبهيمة كانت نفقته على من يستوفى منفعته، وإن كسب العبد كسبا معتادا في مدة أحدهما كان لمن هو في مدته، وهل تدخل فيها الاكساب النادرة كاللقطة والركاز والهبة والوصية فيه قولان. (أحدهما) أنها تدخل فيها لانها كسب فأشبه المعتاد. (والثانى) أنها لا تدخل فيها لان المهايأة بيع لانه يبيع حقه من الكسب في أحد اليومين بحقه في اليوم الاخر والبيع لا يدخل فيه إلا ما يقدر على تسليمه في العادة، والنادر لا يقدر على تسليمه في العادة، فلم يدخل فيه، فعلى هذا يكون بينهما. (فصل) وينبغى للقاسم أن يحصى عدد أهل السهام ويعدل السهام بالاجزاء أو بالقيمة أو بالرد، فإن تساوى عددهم وسهامهم كثلاثة بينهم أرض أثلاثا فله أن يكتب الاسماء ويخرج على السهام، وله أن يكتب السهام ويخرج على الاسماء، فإن كتب الاسماء كتبها في ثلاث رقاع في كل رقعة اسم واحد من الشركاء ثم يأمر من لم يحضر كتب الرقاع والبندقة أن يخرج رقعة على السهم الاول، فمن خرج اسمه أخذه ثم يخرج على السهم الثاني فمن خرج اسمه أخذه وتعين السهم الثالث للشريك الثالث، فإن كتب السهام كتب في ثلاث رقاع، في رقعة السهم الاول، وفى رقعة السهم الثاني، وفى رقعة السهم الثالث ثم يأمر بإخراج رقعة على اسم أحد الشركاء، أي سهم خرج أخذه، ثم يأمر بإخراج رقعة على اسم آخر، فأى سهم خرج أخذه الثاني، ثم يتعين السهم الباقي للشريك الثالث.

وإن اختلفت سهامهم فإن كان لواحد السدس وللآخر الثلث والثالث النصف قسمتها على أقل السهام وهو السدس فيجعلها أسداسا ويكتب الاسماء ويخرج على السهام فيأمر أن يخرج على السهم الاول، فإن خرج اسم صاحب السدس أخذه ثم يخرج على السهم الثاني إن خرج اسم صاحب الثلث أخذ الثاني والذى يليه، لانه له سهمين وتعين الباقي لصاحب النصف. وإن خرجت الرقعة الاولى على اسم صاحب النصف أخذ السهم الاول والذين يليانه وهو الثاني والثالث ثم يخرج على السهم الرابع، فإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والسهم الذى يليه وهو الخامس وتعين السهم السادس لصاحب السدس، وإنما قلنا انه يأخذ مع الذى يليه لينتفع بما يأخذه ولا يستضر به ولا يخرج في هذا القسم السهام على الاسماء لانالو فعلنا ذلك ربما خرج السهم الرابع لصاحب النصف فبقول آخذه وسهمين قبله، ويقول الاخران بل نأخذه وسهمين بعده فيؤدى إلى الخلاف والخصومة. (فصل) وإذا ترافع الشريكان إلى الحاكم وسألاه أن ينصب من يقسم بينهما فقسم قسمة اجبار لم يعتبر تراضى الشركاء، لانه لما لم يعتبر التراضي في ابتداء القسمة لم يعتبر بعد خروج القرعة، فإن نصب الشريكان قاسما فقسم بينهما فالمنصوص أنه يعتبر التراضي في ابتداء القسمة وبعد خروج القرعة، وقال في رجلين حكما رجلا ليحكم بينهما ففيه قولان. (أحدهما) أنه يلزم الحكم ولا يعتبر رضاهما. (والثانى) أنه لا يلزم الحكم إلا برضاهما والقاسم ههنا بمنزلة هذا الحاكم لانه نصبه الشريكان فيكون على قولين، أحدهما وهو المنصوص أنه يعتبر الرضى بعد خروج القرعة، لانه لما اعتبر الرضا في الابتداء اعتبر بعد خروج القرعة والثانى أن لا يعتبر، لان القسام مجتهد في تعديل السهام والاقراع، فلم يعتبر الرضى بعد حكمه كالحاكم، وان كان في القسمة رد وخرجت القرعة لم تلزم إلا بالتراضى. وقال أبو سعيد الاصطخرى تلزم من غير تراض كقسمة الاجبار،

وهذا خطأ لان في قسمته الاجبار لا يعتبر الرضى في الابتداء، وههنا يعتبر فاعتبر بعد القرعة. (فصل) إذا تقاسما أرضا ثم ادعى أحدهما غلطا، فإن كان في قسمة اجبار لم يقبل قوله من غير بينة، لان القاسم كالحاكم فلم تقبل دعوى الغلط عليه من غير بينة كالحاكم، فإن أقام البينة على الغلط نقضت القسمة، وان كان في قسمة اختيار نظرت فإن تقاسما بأنفسهما من غير قاسم لم يقبل قوله لانه رضى بأخذ حقه ناقصا، وان أقام بينة لم تقبل لجواز أن يكون قد رضى دون حقه ناقصا وان قسم بينهما قاسم نصباه، فإن قلنا انه يفتقر إلى التراضي بعد خروج القرعة لم تقبل دعواه لانه رضى بأخذ الحق ناقصا، وان قلنا انه لا يفتقر إلى التراضي بعد خروج القرعة فهو كقسمة الاجبار فلا يقبل قوله الا ببينة، فإن كان في القسمة رد لم يقبل قوله على المذهب، وعلى قول أبى سعيد الاصطخرى هو كقسمة الاجبار فلم يقبل قوله الا ببينة. (فصل) وان تنازع الشريكان بعد القسمة في بيت في دار اقتسماها فادعى كل واحد منهما أنه في سهمه ولم يكن له بينة تحالفا ونقضت القسمة كما قلنا في المتبايعين، وأن وجد أحدهما بما صار إليه عينا فله الفسخ كما قلنا في البيع (فصل) إذا اقتسما أرضا ثم استحق مما صار لاحدهما شئ بعينه نظرت فإن استحق مثله من نصيب الاخر أمضيت القسمة، وان لم يستحق من حصة الاخر مثله بطلت القسمة، لان لمن استحق ذلك من حصته أن يرجع في سهم شريكه، وإذا استحق ذلك عادت الاشاعة، وإذا استحق جزء مشاع بطلت القسمة في المتسحق، وهل تبطل في الباقي فيه وجهان. (أحدهما) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه يبنى على تفريق الصفقة فإن قلنا ان الصفقة لا تفرق بطلت القسمة في الجميع، وان قلنا انها تفرق صحت في الباقي. (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أن القسمة تبطل في الباقي قولا واحدا،

لان القصد من القسمة تمييز الحقين ولم يحصل ذلك لان المستحق صار شريكا لكل واحد منهما فبطلت القسمة. (فصل) إذا قسم أو ارثان التركة ثم ظهر دين على الميت فإنه يبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين، وفيه وجهان ذكرناهما في التفليس، فإن قلنا إن القسمة تمييز الحقين لم تنقض القسمة، وإن قلنا إنها بيع ففى نقضها وجهان والله أعلم (الشرح) قسم غنائم بدر بشعب..سبق تخريجه في باب الغنائم. وروى البخاري ومسلم من حديث جابر ومن حديث ابن مسعود وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم بين المسلمين. حديث (قسم غنائم خيبر ... ) سبق تخريجه في باب الغنائم حديث (قسم غنائم حنين ... ) سبق تخريجه في باب الغنائم أثر (أن عليا رضى الله عنه أعطى القاسم ... ) لم أجده حديث (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث أبى سعيد، وكذلك رواه مالك مرسلا وحسنه النووي في الاربعين النووية حديث (نهى عن إضاعة المال) أخرج البخاري ومسلم عن المغير بن شعبة (إن الله حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) اللغة قوله (فارزقوهم منه) أي اعطوهم، والرزق العطاء، ورزق الجند عطاؤهم، وقولوا لهم قولا معروفا. قال في التفسير قولا جميلا للاعتذار قوله (وإن كان في القسمة رد) الرد ما يرده أحد الشريكين إلى صاحبه إذا لم يتعادل الجزءان فيرد صاحب الجزء الكثير على صاحب القليل، من رده إذا رجعه إليه. قوله (فرز النصببين) الفرز مصدر فرزت الشئ أفرزه فرزا إذا عزلته عن غيره وميزته، والقطعة منه فرزة بالكسر، وكذلك أفرزته بالهمز وكذلك التمييز مثله، لا ضرر ولا إضرار، وقد ذكر قوله (صاحب الطلق) بكسر الطاء هو ضد الوقف، سمى طلقا لان مالكه

مطلق التصرف فيه والوقف غير مطلق التصرف بل هو ممنوع من بيعه وهبته، والمطلق أيضا الحلال. قوله (أراض) قال أهل النحو لا يجوز جمع أرض على أراض والصواب أرضون بفتح الراء لان أفاعل جمع أفعل كأحمر وأحامر وأفكل وأفاكل، ولا يجمع فعل على أفاعل بل يجمع على أرضين وأراض في القليل وأروض أيضا، وقال الجوهرى: أراض جمع وآراض جمع الجمع قوله (يسقى بالسيح) هو الماء الجارى على وجه الارض، وقد ذكر في الزكاة، والناضح البعير الذى يستقى عليه، والانثى ناضحة وسانية، والناضح الذى ينضح على البعير أي يسوق السانية ويسقى بخلاف غيره. قوله (وإن كان بينهما عضائد) أراد دكاكين متلاصقة متوالية البناء، قال الجوهرى: أعضاء كل شئ ما يسند حوله من البناء وغيره كأعضاد الحوض، وهى حجارة تنصب حول شفيره، ولعلها سميت عضائد من هذا البناء، ويقال عضد من نخل إذا كانت منعطفة متساوية، والعرصة هي ساحة فارغة لا بناء فيها بين الدور، والجمع العراص والعرصات، والحائط معروف وهو الجدار، سمى حائطا لانه يحيط بما دونه. قوله (فأراد قسمتها مهايأة) المهايأة أصلها الاصلاح، وهيأت الشئ أصلحته وهى مفاعلة من ذلك، فإذا تصالحا على هذه القسمة قيل تهايأ مهايأة، والاكساب المبادرة التى تشذ ويعدم وجودها في كل حين. قوله (جزء مشاع) من أشعت الخبر أي أذعته فهو شائع في الناس لا يعلمه واحد دون واحد، كذلك الشئ المشاع بين الشركاء لا يختص به واحد دون واحد قوله (التركة) ذكرنا أن التركة ما يتركه الميت تراثا فعلة من الترك والنظر في هذا الكتاب في: 1 - القاسم 2 - المقسوم عليه 3 - القسمة والقسمة تنقسم أولا إلى قسمين (1) قسمة رقاب الاموال (2) منافع الرقاب

فأما قسمة الرقاب التى لا تكال ولا توزن فتقسم بالجملة إلى ثلاثة أقسام: 1 - قسمة قرعة بعد تقويم وتعديل 2 - قسمة مراضاة بعد تقويم وتعديل 3 - قسمة مراضاة بغير تقويم ولا تعديل وأما ما يكال أو يوزن فبالكيل والوزن. وأما الرقاب فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ما لا ينقل ولا يحول وهى الرباع والاصول، وما ينقل ويحول، وهذا قسمان، إما غير مكيل ولا موزون وهو الحيوان والعروض، وإما مكيل أو موزون، ففى هذا الباب ثلاثة فصول: الاول في الرباع والاصول، والثانى في العروض، والثالث في المكيل والموزون. الرباع والاصول فيجوز أن تقسم بالتراضى وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة، اتفق أهل العلم على ذلك اتفاقا مجملا. وإن كانوا اختلفوا في محل ذلك وشروطه، والقسمة لا تخلو أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة، فإذا كانت في محل واحد فلا خلاف في جوازها إذا انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة ولم تنقص منفعة الاجزاء بالانقسام ويجبر الشركاء على ذلك، وأما إذا انقسمت إلى ما لا منفعة فيه، فاختلف في ذلك مالك وأصحابه، فقال مالك أنها تقسم بينهم إذا دعى أحدهم لذلك، ولو لم يصر لواحد منهم الا مالا منفعة فيه، مثل قدر القدم، وبه قال ابن كنانة من أصحابه فقط، وهو قول أبى حنيفة والشافعي. وقال ابن القاسم لا يقسم إلا أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة داخلة عليه في الانتفاع من قبل القسمة، وان كان لا يراعى في ذلك نقصان الثمن. وقال ابن الماجشون يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به، وان كان من غير جنس المنفعة التى كانت في الاشتراك أو كانت أقل، وقال مطرف من أصحابه: إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم، وان صار في حظ بعضهم ما ينتفع به وفى حظ بعضهم مالا ينتفع به قسم وجبروا على ذلك، سواه

دعا إلى ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثير، وقيل يجبر إن دعا صاحب النصيب القليل، ولا يجبر ان دعا صاحب النصيب الكثير، وقيل بعكس هذا وهو ضعيف. واختلفوا من هذا الباب فيما إذا قسم انتقلت منفعته إلى منفعة أخرى مثل الحمام، فقال مالك يقسم إذا طلب ذلك أحد الشريكين، وبه قال أشهب. وقال ابن القاسم لا يقسم، وهو قول الشافعي، فعمدة من منع القسمة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا ضرار) . وقوله (لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم) والتعضية التفرقة وعمدة من رأى القسمة قوله تعالى (مما قل أو كثر نصيبا مفروضا) . أما إذا كانت الرباع أكثر من واحد فإنها لا تخلو أيضا أن تكون من نوع واحد ومختلفة الانواع، فإذا كانت متفقة الانواع فإن فقهاء الامصار في ذلك مختلفون، فقال مالك إذا كانت متفقة الانواع قسمت بالتقويم والتعديل والسهمة. وقال أبو حنيفة والشافعي: بل يقسم كل عقار على حدته، فعمدة ذلك أنه أقل للضرر الداخل على الشركاء من القسمة، وعمدة الفريق الثاني أن كل عقار قائم بنفسه لانه تتعلق به الشفعة. واختلف أصحاب مالك إذا اختلفت الانواع المتفقة في النفاق وإن تباعدت مواضعها على ثلاثة أقوال. وأما إذا كانت الرباع مختلفة مثل أن يكون منها دور ومنها حوائط ومنها أرض فلا خلاف أنه لا يجمع في القسمة بالسهمية، ومن شرط قسمة الحوائط المثمرة أن لا تقسم مع الثمرة إذا بدا صلاحها باتفاق، وأما قسمتها قبل بدو الصلاح ففيه اختلاف، وأما ان كان بعد الابار فإنه لا يجوز الا بشرط. وصفة القسم بالقرعة أن تقسم الفريضة وتحقق وتضرب ان كان في سهامها كسر إلى أن تصح السهام، ثم تقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساتها، ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة، فإذا قسمت على هذه الصفات وعملت وكتبت في بطائق أسماء المشتركين وأسماء الجهات، فمن خرج اسمه في جهة أخذ منها، وقيل يرمى بالاسماء في الجهات، فهذه هي حال قرعة السهم في الرقاب، والسهمة انما

جعلها الفقهاء في القسمه تطيببا لنفوس المتقاسمين، وهى موجودة في الشرع في قوله تعالى (فساهم فكان من المدحضين) (وما كنت لديهم أذ يلقون أقلامهم) والاثر الصحيح الذى جاء فيه أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث ذلك الرقيق. وأما القسمة بالتراضى سواء كانت بعد تعديل وتقويم أو بغير تقويم وتعديل فتجوز في الرقاب المتفقة والمختلفة. (العروض) وأما الحيوان والعروض فاتفق الفقهاء على أنه لا يجوز قسمة واحد منها للفساد الداخل في ذلك، واختلفوا إذا تشاح الشريكان في العين الواحدة منهما ولم يتراضيا الانتفاع بها على الشياع وأراد أحدهما أن يبيع صاحبه معه، فقال مالك وأصحابه يجبر على ذلك، فإن أراد أحدهما أن يأخذ بالقيمة التى أعطى فيها أخذه. وقال أهل الظاهر لا يجبر لان الاصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده الا بدليل من كتاب أو سنة أو اجماع، وحجة مالك أن في ترك الاجبار ضررا وهذا من باب القياس المرسل، وقد قلنا في غير ما موضع أنه ليس يقول به أحد من فقهاء الامصار الا مالك، ولكنه كالضروري في بعض الاشياء، وأما إذا كانت العروض أكثر من جنس واحد فاتفق العلماء على قسمتها على التراضي واختلفوا في قسمتها بالتعديل والسهمة. (المكيل والموزون) فلا تجوز فيه القرعة باتفاق، والمكيل لا يخلو أن يكون صبرة أو صبرتين فزائدا فلا يخلو أن تكون قسمته على الاعتدال بالكيل أو الوزن إذا دعا إلى ذلك أحد الشريكين، ولا خلاف في جواز قسمته على التراضي على التفصيل البين كان ذلك من الربوي أو من غير الربوي، أعنى الذى لا يجوز فيه التفاضل ويجوز ذلك بالكيل المعلوم والمجهول، ولا يجوز قسمته جزافا بغير كيل ولا وزن وأما ان كانت قسمته تحريا فقيل لا يجوز في المكيل ويجوز في الموزون

ويدخل في ذلك من الخلاف ما يدخل في جواز بيعه تحريا، وأما إن لم يكن ذلك من صبرة واحدة وكانا صنفين، فإن كان ذلك مما لا يجوز فيه التفاضل فلا تجوز قسمتها على جهة الجمع إلا بالكيل المعلوم فيم يكال وبالوزن بالصنجة المعروفة فيما يوزن، لانه إن كان بمكيال مجهول لم يدر كم يحصل فيه من الصنف الواحد إذا كانا مختلفين من الكيل المعلوم، وهذا كله مذهب مالك، وأما إن كان مما يجوز فيه التفاضل فيجوز قسمته على الاعتدال والتفاضل المعروف بالمكيال المعروف أو الصنجة المعروفة. (قسمة المنافع) فإنها لا تجوز بالسهمة على مذهب ابن القاسم ولا يجبر عليها من أباها ولا تكون القرعة على قسمة المنافع، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يجبر على قسمة المنافع، وقسمة المنافع هي عند الجميع بالمهايأة، وذلك اما بالازمان واما بالاعيان، أما قسمة المنافع بالازمان فهو أن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة انتفاع صاحبه، وأما قسم الاعيان بأن يقسما الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له مدة محدودة والرقاب باقية على أصل الشركة، وفى قسمة المنافع بالزمان واختلاف في تحديد المدة التى يجوز فيها القسمة لبعض المنافع دون بعض للاغتلال أو الانتفاع مثل استخدام العبد وركوب الدابة وزراعة الارض، وذلك أيضا فيما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول، فأما فيما ينقل ويحول فلا يجوز عند مالك وأصحابه في المدة الكثير ويجوز في المد اليسيرة وذلك في الاغتلال الانتفاع واما فيما لا ينقل ولا يحول في المدة البعيده والاجل البعيد وذلك في الاغتلال والانتفاع. واختلفوا في المدة اليسيرة فيما ينقل ويحول في الاغتلال، فقيل اليوم الواحد ونحوه، وقيل لا يجوز ذلك في الدابة والعبد وأما الاستخدام فقيل يجوز في الخمسة الايام، وقيل في الشهر وأكثر من الشهر قليلا. وأما التهايؤ في الاعيان بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان وهذا دارا تلك المدة بعينها، فقيل يجوز في سكنى الدار وزراعة الارضين ولا يجوز ذلك

في الغلة والكراء إلا في الزمان اليسير، وقيل يجوز على قياس التهايؤ بالازمان وكذلك القول في استخدام العبد والدواب يجرى القول فيه على الاختلاف في قسمتها بالزمان. وقالت الحنابلة: والقسمة نوعان عن تراض أو إجبار ولا قسمة في مشترك إلا برضا الشركاء كلهم حيث كان في القسمة ضرر ينقص القيمة كحمام ودور صغار وشجر مفرد وحيوان، وحيث تراضيا صحت وكانت بيعا يثبت فيها ما يثبت فيه من الاحكام. وإن لم يتراضيا ودعا أحدهما شريكه إلى البيع في ذلك أو إلى بيع عبد أو بهيمة أو سيف ونحوه مما هو شركة بينهما أجبر ان امتنع، فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن ولا إجبار في قسمة المنافع، فإن اقتسماها بالزمن كهذا شهرا والآخر مثله أو بالمكان كهذا في بيت والاخر في بيت صح جائزا ولكل الرجوع. النوع الثاني قسمة إجبار وهى ما لا ضرر فيها ولا رد عوض، وتتأتى في مكيل وموزون وفى دار كبيرة وأرض واسعة ويدخل الشجر تبعا، وهذا النوع ليس بيعا فيجبر الحاكم أحد الشريكين إذا امتنع، ويصح أن يتقاسما بأنفسهما وأن ينصبا قاسما بينهما، ويشترط إسلامه وعدالته وتكليفه ومعرفته بالقسمة وأجرته على قدر أملاكهما، وان تقاسما بالقرعة جاز ولزمت القسمة بمجرد خروج القرعة ولو فيما فيه رداءة وضرر. وان خير أحدهما الاخر بلا قرعة وتراضيا لزمت بالتفرق، وان خرج في نصيب أحدهما عيب جهله خير بين فسخ وامساك ويأخذ الارش، وان غبن غبنا فاحشا بطلت، وان ادعى كل أن هذا من سهمه تحالفا ونقضت، وان حصلت الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت.

باب الدعوى والبينات

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الدعوى والبينات لا تصح دعوى مجهول في غير الوصية، لان القصد بالحكم فصل الحكومة والتزام الحق ولا يمكن ذلك في المجهول، فإن كان المدعى دينا ذكر الجنس والنوع والصفة، وإن كان عينا باقيا ذكر صفتها، وإن ذكر قيمتها كان أحوط، وإن كانت العين تالفة، فإن كان لها مثل ذكر صفتها، وإن ذكر القيمة كان أحوط، وإن لم يكن لها مثل ذكر قيمتها، وإن كان المدعى سيفا محلى أو لجاما محلى، فإن كان بفضة قومه بالذهب، وإن كان بالذهب قومه بالفضة، وان كان محلى بالذهب والفضة قومه بما شاء منهما. وإن كان المدعى مالا عن وصية جاز أن يدعى مجهولا، لان بالوصية يملك المجهول، ولا يلزم في دعوى المال ذكر السبب الذى ملك به لان أسبابه كثيرة فيشق معرفة سبب كل درهم فيه، وان كان المدعى قتلا لزمه ذكر صفته وأنه عمد أو خطأ وأنه انفرد به أو شاركه فيه غيره، ويذكر صفته وأنه عمد أو خطأ وأنه انفرد به أو شاركه فيه غيره، ويذكر صفة العمد لان القتل لا يمكن تلافيه، فإذا لم يبين لم تؤمن أن يقتص فيما لا يجب فيه القصاص، وان كان المدعى نكاحا فقد قال الشافعي رحمه الله: لا يسمع حتى يقول نكحتها بولي وشاهدين ورضاها، فمن أصحابنا من قال لا يشترط لانه دعوى ملك فلا يشترط فيه ذكر السبب كدعوى المال، وما قال الشافعي رحمه الله ذكره على سبيل الاستحاب، كما قال في امتحان الشهود إذا ارتاب بهم. ومنهم قال ان ذلك شرط لانه مبنى على الاحتياط وتتعلق العقوبة بجنسه، فشرط في دعواه ذكر الصفة كدعوى القتل. ومنهم قال ان كان يدعى ابتداء النكاح لزمه ذكره لانه شرط في الابتداء، وان كان يدعى استدامة النكاح لم يشترط لانه ليس بشرط في الاستدامة، وان ادعت امرأة على رجل نكاحا، فإن كان مع النكاح حق تدعيه من مهر أو نفقة سمعت دعواها، وان لم تدع حقا سواه ففيه وجهان

(أحدهما) أنه لا تسمع دعواها لان النكاح حق للزوج على المرأة فإذا ادعت المرأة كان ذلك اقرارا، والاقرار لا يقبل مع انكار المقر له، كما لو أقرت له بدار. (والثانى) أنه تسمع لان النكاح يتضمن حقوقا لها فصح دعواها فيه، وان كان المدعى بيعا أو اجارة ففيه ثلاثة أوجه: (أحدها) أنه لا يفتقر إلى ذكر شروطه لان المقصود به المال فلم يفتقر إلى ذكر شروطه كدعوى المال. (والثانى) أنه يفتقر إلى ذكر شروطه لانه دعوى عقد فافتقر إلى ذكر شروطه كالنكاح. (والثالث) أنه ان كان في غير الجارية لم تفتقر لانه لا يقصد به غير المال وان كان في جارية افتقر لانه يملك به الوطئ فأشبه النكاح، وما لزم ذكره في الدعوى ولم يذكره، سأله الحاكم عنه ليذكره، فتصير الدعوى معلومة فيمكن الحكم بها. (فصل) وإن ادعى عليه مالا مضافا إلى سببه فإن ادعى عليه ألفا اقترضه أو أتلف عليه فقال ما أقرضنى أو ما أتلفت عليه صح الجواب لانه أجاب عما ادعى عليه، وان لم يتعرض لما ادعى عليه بل قال لا يستحق على شيئا صح الجواب ولا يكلف انكار ما ادعى عليه من القرض أو الاتلاف لانه يجوز أن يكون قد أقرضه أو أتلف عليه ثم قضاه أو أبرأه منه، فإن أنكره كان كاذبا في إنكاره وإن أقر به لم يقبل قوله انه قضاء أو أبرأه منه فيستضر به، وان أنكر الاستحقاق كان صادقا ولم يكن عليه ضرر. (فصل) وان ادعى على رجل دينا في ذمته فأنكره لم تكن بينة فالقول قوله مع يمينه لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم، لكن اليمين على المدعى عليه، ولان الاصل براءة ذمته فجعل القول قوله وان ادعى عينا في يده فأنكره ولا بينة فالقول قوله مع يمينه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في قصة الحضرمي والكندي شاهداك أو يمينه، ولان الظاهر من اليد

الملك فقبل قوله، وإن تداعيا عينا في يدهما ولا بينة حلفا وجعل المدعى بينهما نصفين لما روى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلين تداعيا دابة ليس لاحدهما بينة فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، ولان يد كل واحد منهما على نصفها فكان القول فيه قوله، كما لو كانت العين في يد أحدهما. (فصل) وإن تداعيا عينا ولاحدهما بينة وهى في يدهما أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما حكم لمن له البينه لقوله صلى الله عليه وسلم (شاهدان أو يمينه) فبدأ بالحكم بالشهادة، ولان البينة حجة صريحة في إثبات الملك لا تهمة فيها، واليد تحتمل الملك وغيره، والذى يقويها هو اليمين وهو متهم فيها فقدمت البينة عليها، وإن كان لكل واحد منهما بينة نظرت فإن كانت العين في يد أحدهما قضى لمن له اليد من غير يمين ومن أصحابنا من قال لا يقضى لصاحب اليد من غير يمين لان بينته تعارضها بينة المدعى فتسقطها ويبقى له اليد. واليد لا يقضى بها من غير يمين، المنصوص أنه يقضى له من غير يمين لان معه بينة معها ترجيح وهو اليد ومع الآخر بينة لا ترجيح معها، والحجتان إذا تعارضتا ومع إحداهما ترجيح قضى بالتى معها الترجيح، كالخبرين إذا تعارضا ومع أحدهما قياس، وإن كانت العين في يد أحدهما فأقام الآخر بينة فقضى له وسلمت العين إليه ثم أقام صاحب اليد بينة أنها له نقض الحكم وردت العين إليه، لانا حكمنا للآخر ظنا منا أنه لا بينة له، فإذا أتى بالبينة بان لنا أنه كانت له يد وبينة فقدمت على بينة الآخر. (فصل) وإن كان لكل واحد منهما بينة والعين في يدهما أو في يد غيرهما أو لا يد لاحدهما عليها تعارضت البينتان، وفيهما قولان (أحدهما) أنهما يسقطان وهو الصحيح لانهما حجتان تعارضتا ولا مزية لاحداهما على الاخرى فسقطتا كالنصين في الحادثة، فعلى هذا يكون الحكم فيه، كما لو تداعيا ولا بينة لواحد منهما. (والثانى) أنهما يستعملان وفى كيفية الاستعمال ثلاثة أقوال. أحدها أنه يوقف الامر إلى أن ينكشف أو يصطلحا، لان إحداهما صادقة والاخرى كاذبة ويرجى معرفة الصادقة فوجب التوقف، كالمرأة إذا زوجها وليان أحدهما بعد

الآخر وفى السابق منهما. والثانى أنه يقسم بينهما لان البينة حجة كاليد، ولو استويا في اليد قسم بينهما فكذلك إذا استويا في البينة. والثالث أنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حكم له لانه لا مزية لاحداهما على الاخرى فوجب التقديم بالقرعة كالزوجتين إذا أراد الزوج السفر بإحداهما. (فصل) وان كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر أربعة وأكثر فهما متعارضتان وفيهما القولان لان الاثنين مقدران بالشرع فكان حكمهما وحكم ما زاد سواء، وإن كانت إحدى البينتين أعدل من الاخرى فهما متعارضتان وفيهما القولان، ولانهما متساويتان في إثبات الحق. وإن كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهدا وامرأتين فهما متعارضتان وفيهما القولان لانهما يتساويان في إثبات المال، وان كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الاخر شاهدا ويمينا ففيه قولان (أحدهما) أنهما يتعارضان وفيهما القولان لانهما تساويا في اثبات المال (والقول الثاني) أنه يقضى لمن له الشاهدان لان بينته مجمع عليها وبينة الاخر مختلف فيها. (فصل) وان كانت العين في يد غيرهما فشهدت بينة أحدهما بأنه ملكه من سنة وشهدت بينة الآخر أنه ملكه من سنتين ففيه قولان. قال في الهويطى هما سواء لان القصد إثبات الملك في الحال وهما متساويتان في اثبات الملك في الحال والقول الثاني أن التى شهدت بالملك المتقدم أولى وهو اختيار المزني وهو الصحيح لانها انفردت بإثبات الملك في زمان لا تعارضها فيه البينة الاخرى. وأما إذا كان الشئ في يد أحدهما فإن كان في يد من شهد له بالملك المتقدم حكم له، وان كان في يد الآخر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبوا لعباس رحمه الله بينى على القولين في المسألة قبلها ان قلنا انهما يتساويان حكم لصاحب اليد، وان قلنا ان التى شهدت بالملك المتقدم تقدم قدمت ههنا أيضا لان الترجيح من جهة البينة أولى من الترجيح باليد. ومن أصحابنا من قال يحكم به لمن هو في يده قولا واحدا لان اليد الموجودة أولى من الشهادة بالملك المتقدم. وأما إذا تداعيا دابة وأقام أحدهما بينة أنها ملكه نتجت في ملكه، وأقام

الآخر أنها دابته ولم يذكر النتاج فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس الحكم فيه كالحكم في الشهادة بالملك المتقدم وفيها قولان، لان الشهادة بالنتاج كشهادته بالملك المتقدم. وقال أبو إسحاق: يحكم لمن شهدت له البينة بالنتاج قولا واحدا، لان بينة النتاج تنفى أن يكون الملك لغيره، والبينة بالملك المتقدم لا تنفى أن يكون الملك قبل ذلك لغير المشهود له (فصل) إذا ادعى رجل دارا في يد رجل وأقام بينة أن هذه الدار كانت في يده أو في ملكه أمس فقد نقل المزني والربيع أنه لا يحكم بهذه الشهادة، وحكى البويطى أن يحكم بها، فقال أبو العباس فيها قولان: أحدهما أنه يحكم بذلك لانه قد ثبت بالبينة أن الدار كانت له والظاهر بقاء الملك. والقول الثاني أنه لا يحكم بها وهو الصحيح لانه ادعى ملك الدار في الحال وشهدت له البينة بما لم يدعه فلم يحكم بها، كما لو ادعى دارا فشهدت له البينة بدار أخرى. وقال أبو إسحاق لا يحكم بها قولا واحدا، وما ذكره البويطى من تخريجه. (فصل) وان ادعى رجل على رجل دارا في يده وأقر بها لغيره نظرت فإن صدقه المقر له حكم له، لانه مصدق فيما في يده، وقد صدقه المقر له فحكم له وتنتقل الخصومة إلى المقر له، فإن طلب المدعى يمين المقر أنه لا يعلم أنها له ففيه قولان بناء على من أقر بشئ في يده لغيره ثم أقر به لآخر، وفيه قولان: (أحدهما) يلزمه أن يغرم الثاني. (والثانى) لا يلزمه، فإن قلنا يلزمه أن يغرم حلف لانه ربما خاف أن يحلف فيقر للثاني فيغرم له، وان قلنا لا يلزمه لم يحلف لانه ان خاف من اليمين فأقر للثاني لم يلزمه شئ فلا فائدة في تحليفه، وان كذبه المقر ففيه وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى العباس أنه يأخذها الحاكم ويحفظها إلى أن يجد صاحبها، لان الذى في يده لا يدعيها والمقر له أسقط اقراره بالتكذيب وليس للمدعى بينة فلم يبق الا أن يحفظها الحاكم كالمال الضال (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه يسلم إلى المدعى، لانه ليس ههنا من

يدعيه غيره، وهذا خطأ لانه حكم بمجرد الدعوى، وان أقر بها لغائب ولا بينة وقف الامر إلى أن يقدم الغائب لان الذى في يده لا يدعيها ولا بينة تقضى بها فوجب التوقف، فإن طلب المدعى يمين المدعى عليه أنه لا يعلم أنها له فعلى ما ذكرناه من القولين. وان كان للمدعى بينة قضى له، وهل يحتاج إلى أن يحلف مع البينة فيه وجهان: (أحدهما) أنه يحتاج أن يحلف مع البينة لانا حكمنا بإقرار المدعى عليه أنها ملك للغائب، ولا يجوز القضاء بالبينة على الغائب من غير يمين. (والثانى) وهو قول أبى اسحاق انه لا يحتاج أن يحلف لانه قضاء على الحاضر وهو المدعى عليه، وان كان مع المدعى عليه بينة أنها للغائب فالمنصوص أنه يحكم ببينة المدعى وتسلم إليه، ولا يحكم ببينة المدعى عليه وان كان معها يد لان بينة صاحب اليد انما يقضى بها إذا أقامها صاحب الملك أو وكيل له والمدعى عليه ليس بمالك ولا هو وكيل للمالك فلم يحكم ببينته. وحكى أبو إسحاق رحمه الله عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ المقر للغائب يدعى أن الدار في يده وديعة أو عارية لم تسمع بينته، وان كان يدعى أنها في يده بإجارة سمعت بينته وقضى بها، لانه يدعى لنفسه حقا فسمعت بينته فيصح الملك للغائب ويستوفى بها حقه من المنفعة، وهذا خطأ لانه إذا لم تسمع البينة في اثبات الملك وهو الاصل، فلان لا تسمع لاثبات الاجارة وهى فرع على الملك أولى، وان أقر بها لمجهول فقد قال أبو العباس فيه وجهان. (أحدهما) أنه يقال له اقرارك لمجهول لا يصح، فإما أن تقر بها لمعروف أو تدعيها لنفسك أو نجعلك ناكلا ويحلف المدعى ويقضى له (والثانى) أن يقال له اما أن تقر بها لمعروف أو نجعلك ناكلا ولا يقبل دعواه لنفسه لانه بإقراره لغيره نفى أن يكون الملك له فلم تقبل دعواه بعد (فصل) إذا ادعى جارية وشهدت البينة أنها ابنة أمته لم يحكم له بها لانها قد تكون ابنة أمته ولا تكون له بأن تلدها في ملك غيره ثم يملك الامة دونها فتكون ابنة أمته ولا تكون له. وان شهدت البينة أنها ابنة أمته ولدتها في ملكه فقد قال الشافعي رحمه الله

حكمت بذلك، وذكر في الشهادة بالملك المتقدم قولين، فنقل أبو العباس جواب تلك المسألة إلى هذه وجعلها على قولين، وقال سائر اصحابنا يحكم بها ههنا قولا واحدا وهناك على قولين، والفرق بينهما أن الشهادة هناك بأصل الملك فلم تقبل حتى يثبت في الحال، والشهادة ههنا بتمام الملك وأنه حدث في ملكه فلم يفتقر إلى اثبات الملك في الحال. وان ادعى غزلا أو طيرا أو آجرا وأقام البينة أن الغزل من قطنه والطير من بيضه والآخر من طينه قضى له، لان الجميع عين ماله وانما تغيرت صفته (فصل) إذا ادعى رجل أن هذه الدار ملكه من سنتين وأقام على ذاك بينة وادعى آخر أنه ابتاعها منذ سنتين وأقام على ذاك بينة قضى ببينة الابتياع، لان بينة الملك شهدت بالملك على الاصل وبينة الابتياع شهدت بأمر حادث خفى على بينة الملك فقدمت على بينة الملك كما تقدم بينة الجرح على بينة التعديل. (فصل) وان كان في يد رجل دار وادعى رجل أنه ابتاعها من زيد وهو يملكها وأقام على ذلك بينة حكم له لانه ابتاعها من مالكها، وان شهدت له البينة أنه ابتاعها منه وسلمها إليه حكم له لانه لا يسلم الا ما يملكه، وان شهدت أنه ابتاعها منه ولم تذكر الملك ولا التسليم لم يحكم بهذه الشهادة ولم تؤخذ الدار ممن هي في يده لانه قد يبيع الانسان ما يملكه وما لا يملكه فلا تزال يد صاحب اليد (فصل) وان كان في يد رجل دار فادعاها رجل وأقام البينة أنها له أجرها ممن هي في يده وأقام الذى في يده الدار بينة أنها له قدمت بينة الخارج الذى لا يد له، لان الدار المستأجرة في ملك المؤجر وبيده وليس للمستأجر الا الانتفاع فتصير كما لو كانت في يده دار وادعى رجل أنها له غصبه عليها الذى هي في يده وأقام البينة فإنه يحكم بها للمغصوب منه. (فصل) وان تداعى رجلان دارا في يد ثالث فشهد لاحدهما شاهدان أن الذى في يده الدار غصبه عليها وشهد للآخر شاهدان أنه أقر له بها قضى للمغصوب منه لانه ثبت بالبينة أنه غاصب، واقرار الغاصب لا يقبل فحكم بها للمغصوب منه. (فصل) إذا ادعى رجل أنه ابتاع دارا من فلان ونقده الثمن وأقام على

ذلك بينة وادعى آخر أنه ابتاعها منه ونقده الثمن وأقام على ذلك بينة وتاريخ أحدهما في رمضان وتاريخ الآخر في شوال قضى لمن ابتاعها في رمضان، لانه ابتاعها وهى في ملكه والذى ابتاعها في شوال ابتاعها بعد ما زال ملكه عنها، وان كان تاريخهما واحدا، أو كان تاريخهما مطلقا أو تاريخ أحدهما مطلقا وتاريخ الآخر مؤرخا، فإن كانت الدار في يد أحدهما قضى له لان معه بينة ويدا، وان كانت في يد البائع تعارضت البينتان وفيهما قولان، أحدهما أنهما يسقطان والثانى أنهما يستعملان. فإن قلنا انهما يسقطان رجع إلى البائع فإن أنكرهما حلف لكل واحد منهما يمينا على الانفراد وقضى له، وإن أقر لاحدهما سلمت إليه. وهل يحلف للآخر؟ فيه قولان، وان أقر لهما جعلت لهما نصفين، وهل يحلف كل واحد منهما للآخر على النصف الاخر؟ على القولين. وان قلنا انهما يستعملان نظرت فإن صدق البائع أحدهما ففيه وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى العباس أنها تجعل لمن صدقه البائع لان الدار في يده فإذا أقر لاحدهما فقد نقل يده إليه فتصير له يد وبينة. وقال أكثر أصحابنا لا يرجح بإقرار البائع وهو الصحيح لان البينتين اتفقتا على إزالة ملك البائع وإسقاط يده فعلى هذا يقرع بينهما في أحد الاقوال ويقسم بينهما في الثاني فيجعل لكل واحد منهما نصف الدار بنصف الثمن الذى ادعى أنه ابتاع به، ولا يجئ القول بالوقف لان العقود لا توقف. (فصل) وان ادعى رجل أنه ابتاع هذه الدار من زيد وهو يملكها ونقده الثمن وأقام عليه بينة وادعى آخر أنه ابتاعها من عمرو وهو يملكها ونقده الثمن وأقام عليه بينة، فإن كانت في يد أجنبي أو في أحد البائعين وقلنا على المذهب الصحيح أنه لا ترجح البينة بقول البائع تعارضت البينتان، وفيهما قولان: (أحدهما) أنهما يسقطان (والثانى) أنهما يستعملان، فإن قلنا انهما يسقطان رجع إلى من هو في يده، فان ادعاه لنفسه فالقول قوله ويحلف لكل واحد منهما، وان أقر لاحدهما سلم إليه. وهل يحلف للآخر؟ فيه قولان،

وإن أقر لهما جعل لكل واحد منهما نصفه، وهل يحلف للآخر على النصف الاخر؟ على القولين، وإن قلنا إنهما يستعملان أقرع بينهما في أحد الاقوال ويقسم بينهما في القول الثاني فيجعل لكل واحد منهما النصف بنصف الثمن الذى ادعى أنه ابتاعه ولا يجئ الوقف لان العقود لا توقف. (فصل) وإن كان في يد رجل دار فادعى زيد أنه باعها منه بألف وأقام عليه بينة وادعى عمرو أنه باعها منه بألف وأقام عليه بينة، فإن كانت البينتان بتاريخ واحد تعارضتا، وفيهما قولان: (أحدهما) أنهما يسقطان. (والثانى) أنهما يستعملان، فإذا قلنا إنهما يسقطان رجع إلى قول من هي في يده، فإن ادعاها لنفسه وأنكر الشراء حلف لكل واحد منهما وحكم له وإن أقر لاحدهما لزمه الثمن لمن أقر له وحلف للآخر قولا واحدا، لانه لو أقر له بعد إقراره للاول لزمه له الالف لانه يقر له بحق في ذمته فلزمه أن يحلف قولا واحدا، وان قلنا إنهما يستعملان أقرع بينهما في أحد الاقوال ويقسم في القول الثاني، ولا يجئ الوقف لان العقود لا توقف وإن كانتا بتاريخين مختلفين، بأن شهدت بينة أحدهما بعقد في رمضان، وبينة أحدهما بعقد في شوال لزمه الثمنان، لانه يمكن الجمع بينهما بأن يكون قد اشتراه في رمضان من أحدهما ثم باعه واشتراه من الاخر في شوال. وان كانت البينتان مطلقتين ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يلزمه الثمنان، لانه يمكن استعمالهما بأن يكون قد اشتراه في وقتين مختلفين. (والثانى) انهما يتعارضان فيكون على القولين، لانه يحتمل أن يكونا في وقتين فيلزمه الثمنان، ويحتمل أن يكونا في وقت واحد، والاصل براءة الذمة. (فصل) وان ادعى رجل ملك عبد فأقام عليه بينة وادعى آخر أنه باعه أو وقفه أو أعتقه وأقام عليه بينة قدم البيع والوقف والعتق. لان بينة الملك شهدت بالاصل وبينة البيع والوقف والعتق شهدت بأمر حادث خفى على بينة الملك فقدمت على بينة الملك.

وإن كان في يد رجل عبد فادعى رجل أنه ابتاعه وأقام عليه بينة، وادعى العبد أن مولاه أعتقه وأقام عليه بينة، فإن عرف السابق منهما بالتاريخ قضى بأسبق التصرفين، لان السابق منهما يمنع صحة الثاني فقدم عليه، وان لم يعرف السابق منهما تعارضتا، وفيهما قولان. (أحدهما) أنهما يسقطان ويرجع إلى من في يده العبد، وان كان كذبهما حلف لكل واحد منهما يمينا على الانفراد، وان صدق أحدهما قضى لمن صدقه والقول الثاني أنهما يستعملان فيقرع بينهما في أحد الاقوال فمن خرجت له القرعة قضى له ويقسم في القول الثاني فيعتق نصفه ويحكم للمبتاع بنصف الثمن ولا يجئ القول بالوقف لان العقود لا توقف. (فصل) قال في الامام: إذا قال لعبده إن قتلت فأنت حر، فأقام العبد بينة أنه قتل وأقام الورثة بينة أنه مات ففيه قولان (أحدهما) أنه تتعارض البينتان ويسقطان ويرق العبد، لان بينة القتل تثبت القتل وتنفى الموت، وبينة الموت تثبت الموت وتنفى القتل فتسقطان ويبقى العبد على الرق. (والثانى) أنه تقدم بينة القتل ويعتق العبد لان بينة الورثة تشهد بالموت وبينة العبد تشهد بالقتل، لان المقتول ميت، ومعها زيادة صفة وهى القتل فقدمت، وان كان له عبدان سالم وغانم، فقال لغانم ان مت في رمضان فأنت حر، وقال لسالم أن مت في شوال فأنت حر، ثم مات. فأقام غانم بينة أنه مات في رمضان، وأقام سالم بينة بالموت في شوال ففيه قولان: (أحدهما) أنه تتعارض البينتان ويسقطان ويرق العبدان، لان الموت في رمضان ينفى الموت في شوال، والموت في شوال ينفى الموت في رمضان فيسقطان ويبقى العبدان على الرق. والقول الثاني أنه تقدم بينة الموت في رمضان لانه يجوز أن يكون قد علمت البينة بالموت في رمضان وخفى ذلك على البينة الاخرى إلى شوال فقدمت بينة رمضان لما معها من زيادة العلم. وإن قال لغانم إن مت من مرضى فأنت حر، وقال لسالم إن برئت من مرضى

فأنت حر ثم مات فأقام غانم بينة بالموت من مرضه، وأقام سالم بينة بأنه برئ من المرض ثم مات تعارضت البينتان وسقطتا ورق العبدان، لان بينة أحدهما أثبتت الموت من مرضه ونفت البرء منه والاخرى أثبتت البرء من مرضه ونفت موته منه فتعذر الجمع بينهما فتعارضتا وسقطتا وبقى العبدان على الرق. (فصل) وإن اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو اختلف المتكاريان في في قدر الاجرة أو في مدة الاجارة، فإن لم يكن بينة فالحكم في التحالف والفسخ على ما ذكرناه في الفسخ في البيع، وإن كان لاحدهما بينة قضى له، وإن كان لكل واحد منهما بينة فنظرت فإن كانا مؤرختين بتاريخين مختلفين قضى بالاولى منهما لان العقد الاول يمنع صحة العقد الثاني، وإن كانتا مطلقتين أو مؤرختين تاريخا واحدا، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة فهما متعارضتان، وفيهما قولان (أحدهما) أنهما يسقطان ويصير كما لو لم تكن بينة فيتحالفا على ما ذكرناه في البيع (والثانى) أنهما يستعملان فيقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قضى له ولا يجئ القول بالوقف لان العقود لا توقف ولا يجئ القول بالقسمة لانهما يتنازعان في عقد والعقد لا يمكن قسمته. وخرج أبو العباس قولا آخر أنه إذا كان الاختلاف في قدر المدة أو في قدر الاجرة قضى بالبينة التى توجب الزيادة كما لو شهدت بينة أن لفلان عليه ألفا وشهدت بينة أن له عليه الفين، وهذا خطأ لان الشهادة بالالف لا تنفى الزيادة عليه فلم يكن بينها وبين بينة الاخرى تعارض، وههنا أحد البينتين ينفى ما شهدت به البينة الاخرى، لانه إذا عقد بأحد العوضين لم يجز أن يعقد بالعوض الآخر فتعارضتا. (فصل) إذا ادعى رجلان دارا في يد رجل وعزيا الدعوى إلى سبب يقتضى اشتراكهما كالارث عن ميت والابتياع في صفقة، فأقر المدعى عليه بنصفها لاحدهما شاركه الآخر، لان دعواهما تقتضي اشتراكهما في كل جزء منهما، ولهذا لو كان طعاما فهلك بعضه كان هالكا منهما وكان الباقي بينهما، فإذا

جحد النصف وأقر بالنصف جعل المجحود بينهما والمقر به بينهما، وان ادعيا ولم يعزيا إلى سبب فأقر لاحدهما بنصفها لم يشاركه الآخر لان دعواه لا تقتضي الاشتراك في كل جزء منه. (فصل) وان ادعى رجلان دارا في يد ثالث لكل واحد منهما نصفها وأقر الذى هي في يده بجميعها لاحدهما نظرت فان كان قد سمع من المقر له الاقرار للمدعى الاخر بنصفها لزمه تسليم النصف إليه لانه أقر بذلك، فإذا صار إليه لزمه حكم إقراره كرجل أقر لرجلين بعين ثم صارت العين في يده، وان لم يسمع منه اقرار فادعى جميعها حكم له بالجميع، لانه يجوز أن يكون الجميع له ودعواه للنصف صحيح لان من له الجميع فله النصف، ويجوز أن يكون قد خص النصف بالدعوى، لان على النصف بينة، أو يعلم أنه مقر له بالنصف وتنقل الخصومة إليه مع المدعى الاخر في النصف. وان قال الذى الذى في يده الدار نصفها لى والنصف الآخر لا أعلم لمن هو، ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يترك النصف في يده لانه أقر لمن لا يدعيه فبطل الاقرار وبقى على ملكه. (والثانى) أن الحاكم ينتزعه منه ويكون عنده لان الذى في يده لا يدعيه والمقر له لا يدعيه فأخذه الحاكم للحفظ كالمال الضال. (والثالث) أنه يدفع إلى المدعى الاخر لانه يدعيه وليس له مستحق آخر وهذا خطأ لانه حكم بمجرد الدعوى. (فصل) إذا مات رجل وخلف إبنا مسلما وإبنا نصرانيا وادعى كل واحد منهما أنه مات أبوه على دينه وأنه يرثه وأقام على ما يدعيه بينة، فان عرف أنه كان نصرانيا نظرت فان كانت البينتان غير مؤرختين حكم ببينة الاسلام، لان من شهد بالنصرانية شهد بالاصل والذى شهد بالاسلام شهد بأمر حادث خفى على من شهد بالنصرانية، فقدمت شهادته كما تقدم بينة الجرح على بينة التعديل فان شهدت إحداهما بأنه مات وآخر كلامه الاسلام وشهدت الاخرى بأنه مات

وآخر كلامه النصرانية فهما متعارضتان، وفيهما قولان (أحدهما) أنهما يسقطان فيكون كما لو مات ولا بينة فيكون القول قول النصراني لان الظاهر معه (والثانى) أنهما يستعملان، فإن قلنا بالقرعة أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة ورث، وان قلنا بالوقف وقف، وإن قلنا بالقسمة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يقسم كما يقسم في غير الميراث (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه لا يقسم، لانه إذا قسم بينهما تيقن الخطأ في توريثهما وفى غير الميراث يجوز أن يكون المال مشتركا بينهما فقسم، وإن لم يعرف أصل دينه تعارضت البينتان، سواء كانتا مطلقتين أو مؤرختين وفيها قولان. (أحدهما) أنهما تسقطان، فإن كان المال في يد غيرهما فالقول قول من في يده المال، وأن كان في يديهما كان بينهما، وان قلنا انهما يستعملان، فإن قلنا يقرع أقرع بينهما، وإن قلنا يوقف وقف إلى أن ينكشف، وان قلنا يقسم قسم. وقال أبو إسحاق لا يقسم لانه يتيقن الخطأ في توريثهما، والمنصوص أنه يقسم، وما قاله أبو إسحاق خطأ لانه يجوز أن يموت وهو نصراني فورثه ابناه وهما نصرانيان ثم أسلم أحدهما وادعى أن أباه مات مسلما ليأخذ الجميع، ويغسل الميت ويصلى عليه في المسائل كلها ويدفن في مقابر المسلمين وينوى بالصلاة عليه وان كان مسلما كما قلنا في موتى المسلمين إذا اختلطوا بموتى الكفار. (فصل) وان مات رجل وخلف ابنين واتفق الابنان أن أباهما مات مسلما وأن أحد الابنين أسلم قبل موت الاب، واختلفا في الاخر فقال أسلمت أنا أيضا قبل موت أبى فالميراث بيننا وأنكر الاخر فالقول قول المتفق على اسلامه لان الاصل بقاؤه على الكفر. ولو اتفقا على اسلامهما واختلفا في وقت موت الاب، فقال أحدهما مات أبى قبل اسلامك فالميراث لى، وقال الاخر بل مات بعد اسلامي أيضا فالقول قول الثاني لان الاصل حياة الاب. وان مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين، فقال الابوان مات كافرا وقال الابنان مات مسلما فقد قال أبو العباس يحتمل قولين:

(أحدهما) أن القول قول الابوين، لانه إذا ثبت أنهما كافران كان الولد محكوما بكفره إلى أن يعلم الاسلام. (والثانى) أن الميراث يوقف إلى أن يصطلحوا أن ينكشف الامر لان الولد إنما يتبع الابوين في الكفر قبل البلوغ، فأما بعد البلوغ فله حكم نفسه، ويحتمل أنه كان مسلما ويحتمل أنه كان كافرا فوقف الامر إلى أن ينكشف. (فصل) وإن مات رجل وله ابن حاضر وابن غائب وله دار في يد رجل فادعى الحاضر أن أباه مات وأن الدار بينه وبين أخيه وأقام بينة من أهل الخبرة بأنه مات وأنه لا وارث له سواهما انتزعت الدار ممن هي في يده ويسلم إلى الحاضر نصفها وحفظ النصف للغائب، وان كان له دين في الذمة قبض الحاضر نصفه، وفى نصيب الغائب وجهان: (أحدهما) أنه يأخذه الحاكم ويحفظه عليه كالعين. (والثانى) أنه لا يأخذه لان كونه في الذمة أحفظ له ولا يطالب الحاضر فيما يدفع إليه بضمين لان في ذلك قدحا في البينة، وان لم تكن البينة من أهل الخبرة الباطنة أو كانت من أهل الخبرة إلا أنها لم تشهد بأنها لا تعرف له وارثا سواه لم يدفع إليه شئ حتى يبعث الحاكم إلى البلاد التى كان يسافر إليها فيسأل هل له وارث آخر؟ فإذا سأل ولم يعرف له وارث غيره دفع إليه. قال الشافعي رحمه الله: يأخذ منه ضمينا، وقال في الام: وأحب أن يأخذ منه ضمينا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) أنه يجب أخذ الضمين لانه ربما ظهر وارث آخر. (والثانى) أنه يستحب ولا يجب لان الظاهر أنه لا وارث له غيره، ومنهم من قال إن كان الوارث ممن يحجب كالاخ والعم وجب، وان كان ممن لا يحجب كالابن استحب، لان من لا يحجب يتيقن أنه وارث، ويشك فيمن يزاحمه فلم يترك اليقين بالشك، ومن يحجب يشك في إرثه، وحمل القولين على هذين الحالين. ومنهم من قال ان كان الوارث غير مأمون وجب لانه لا يؤمن أن يضيع حق من يظهر، وان كان مأمونا لم يجب لانه لا يضيع حق من يظهر، وحمل القولين على هذين الحالين.

وان كان الوارث ممن له فرض لا ينقص كالزوجين، فإن شهد الشهود أنه لا وارث له سواه وهم من أهل الخبرة دفع إليه أكمل للفرضين ولا يؤخذ منه ضمين، وان لم يشهدوا أنه لا وارث له سواه، أو شهدوا بذلك ولم يكونوا من أهل الخبرة دفع إليه أنقص الفرضين، فإن كان زوجا دفع إليه ربع المال عائلا، وان كان زوجة دفع إليها ربع الثمن عائلا ويوقف الباقي، فإن لم يظهر وارث آخر دفع إليه الباقي. (فصل) وان ماتت امرأة وابنها، فقال زوجها ماتت فورثها الابن، ثم مات الابن فورثته، وقال أخوها بل مات الابن أولا فورثته الام ثم ماتت فورثتها لم يورث ميت من ميت، بل يجعل مال الابن للزوج ومال المرأة للزوج والاخ، لانه لا يرث الا من تيقن حياته عند موت مورثه، وههنا لا تعرف حياة واحد من الميتين عند موت مورثه فلم يورث أحدهما من الآخر كالغرقى (فصل) وإن مات رجل وله دار وخلف إبنا وزوجة، فادعى الابن أنه تركها ميراثا، وادعت الزوجة أنه أصدقها الدار، وأقام كل واحد منهما بينة، قدمت بينة الزوجة على بينة الارث، لان بينة الارث تشهد بظاهر الملك المتقدم وبينة الصداق تشهد بأمر حادث على الملك خفى على بينة الارث. (فصل) وإن تداعى رجلان حائطا بين داريهما، فإن كان مبنيا على تربيع إحداهما مساويا لها في السمك والحد ولم يكن بناؤه مخالفا لبناء الدار الاخرى ولم تكن بينة لاحدهما فالقول قول من بنى على تربيع داره، لان الظاهر أنه بنى لداره. وان كان لاحدهما عليه أزج فالقول قوله لان الظاهر أنه بنى للازج، وإن كان مطلقا وهو الذى لم يقصد به سوى السترة ولم تكن بينة حلفا وجعل بينهما لانه متصل بالملكين اتصالا واحدا. وان كان لاحدهما عليه جذوع ولم يقدم على الآخر بذلك لانهما لو تنازعا فيه قبل وضع الجذوع كان بينهما، ووضع الجذوع يجوز أن يكون بإذن من الجار أو بقضاء حاكم يرى وضع الجذوع على حائط الجار بغير رضاه يزيل ما تيقناه بأمر محتمل، كما لو مات رجل عن دار ثم وجد الدار في يد أجنبي

(فصل) وإن تداعى صاحب السفل وصاحب العلو السقف ولا بينة حلف كل واحد منهما وجعل بينهما، لانه حاجز توسط ملكيهما فكان بينهما كالحائط بين الداربن، فإن تنازعا في الدرجة، فإن كان تحتها مسكن فهى بينهما لانهما متساويان في الانتفاع بها، وأن كان تحتها موضع جب ففيه وجهان. (أحدهما) أنهما يحلفان ويجعل بينهما لانهما يرتفقان بها (والثانى) أنه يحلف صاحب العلو ويقضى له لان المقصود بها منفعة صاحب العلو، وإن تداعيا سلما منصوبا حلف صاحب العلو وقضى له، لانه يختص بالانتفاع به في الصعود، وإن تداعيا صحن الدار نظرت فإن كانت الدرجة في الصحن حلفا وجعل بينهما، لان لكل واحد منهما يدا عليه، وإن كانت الدرجة في الدهليز ففيه وجهان: (أحدهما) أنها بينهما لان لكل واحد منهما يدا، ولهذا لو تنازعا في أصل الدار كانت بينهما. (والثانى) أنه لصاحب السفل لانها في يده، ولهذا يجوز أن يمنع صاحب العلو من الاستطراق فيها. (فصل) وان تداعى رجلان مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر حلفا وجعل بينهما لان فيها منفعة لصاحب النهر لانها تجمع الماء في النهر ولصاحب الارض منها منفعة لانها تمنع الماء من أرضه. (فصل) وان تداعى رجلان دابة وأحدهما راكبها والآخر آخد بلجامها حلف الراكب وقضى له. وقال أبو إسحاق رحمه الله هي بينهما لان كل واحد منهما لو انفرد لكانت له، والصحيح هو الاول، لان الراكب هو المنفرد بالتصرف فقضى له وإن تداعيا عمامة وفى يد أحدهما منها ذراع وفى يد الاخر الباقي حلفا وجعلت بينهما، لان يد كل واحد منهما ثابتة على العمامة، وان تداعيا عبدا ولاحدهما عليه ثياب حلف وجعل بينهما، ولا يقدم صاحب الثياب لان منفعة الثياب تعود إلى العبد لا إلى صاحب الثياب. (فصل) وان كان في يد رجل عبد بالغ عاقل فادعى أنه عبده، فإن صدقه حكم له بالملك، وان كذبه فالقول قوله مع يمينه لان الظاهر الحرية، وان كان

طفلا لا يميز فالقول قول المدعى لانه لا يعبر عن نفسه وهو في يده فهو كالبهيمة وان بلغ هذا الطفل فقال لست بمملوك له لم يقبل قوله، لانا حكمنا له بالملك فلا يسقط بإنكاره. وان جاء رجل فادعى أنه ابنه لم يثبت نسيه بمجرد دعواه لان فيه اضرارا بصاحب الملك لانه ربما يعتقه فيثبت له عليه الولاء. وإذا ثبت نسبه لمن يدعى النسب سقط حق ولائه، وان كان مراهقا وادعى أنه مملوكه فأنكر ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحكم بالملك لانه يعبر عن نفسه فلم يحكم بملكه مع انكاره كالبالغ (والثانى) أنه يحكم له بالملك وهو الصحيح لانه لا حكم لقوله. (فصل) وان تداعى الزوجان متاع البيت الذى يسكنانه ولا بينة حلفا وجعل الجميع بينهما نصفين لانه في يدهما فجعل بينهما، كما لو تداعيا الدار التى يسكنان فيها، وان تداعى المكرى والمكترى المتاع الذى في الدار المكراة فالقول قول المكترى لان يده ثابتة على ما في الدار، وان تداعيا سلما غير مسمر فهو للمكترى لانه كالمتاع. وان تداعيا سلما مسمرا فالقول قول المكرى لانه من أجزاء الدار، وان تداعيا الرفوف المسمرة فالقول قول المكرى لانها متصلة بالدار فصارت كأجزائها، وان كانت غير مسمرة فقد قال الشافعي رحمه الله أنهما يتحالفان وتجعل بينهما لان الرفوف قد تترك في العادة وقد تنقل عنها فيجوز أن تكون للمكترى ويجوز أن تكون للمكرى فجعل بينهما (فصل) ومن وجب له حق على رجل وهو غير ممتنع من دفعع لم يجز لصاحب الحق أن يأخذ من ماله حقه بغير اذنه لان الخيار فيما يقضى به الدين إلى من عليه الدين ولا يجوز أن يأخذ الا ما يعطيه، وان أخذ بغير إذنه لزمه رده، فإن تلف ضمنه لانه أخذ مال غيره بغير حق، وان كان ممتنعا من أدائه فإن لم يقدر على أخذه بالحاكم فله أن يأخذ من ماله لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا ضَرَرَ وَلَا إضرار) وفى منعه من أخذ ماله في هذا الحال اضرار به، وان كان يقدر على أخذه بالحاكم بأن تكون له عليه بينة ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز أن يأخذه لانه يقدر على أخذه بالحاكم فلم يجز أن يأخذه بنفسه.

(والثانى) وهو المذهب أن يجوز لان هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطينى ما يكفيني وولدى إلا ما آخذه سرا، فقال عليه السلام خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف، فأذن لها في الاخذ مع القدرة على الاخذ بالحاكم، ولان عليه في المحاكمة مشقة فجاز له أخذه، فإن كان الذى قدر عليه من جنس حقه أخذ قدر حقه، وإن كان من غير جنسه أخذه ولا يجوز أن يتملكه لانه من غير جنس ماله فلا يجوز أن يتملكه ولكن يبيعه ويصرف ثمنه في حقه، وفى كيفية البيع وجهان: (أحدهما) أنه يواطئ رجلا ليقر له بحق وأنه ممتنع من أدائه فيبيع الحاكم المال عليه. (والثانى) وهو المذهب أنه يبيع المال بنفسه لانه يتعذر عليه أن يثبت الحق عند الحاكم وأنه ممتنع من بيعه فملك بيعه بنفسه، فإن تلفت العين قبل البيع ففيه وجهان: أحدهما أنها تتلف من ضمان من عليه الحق ولا يسقط دينه لانها محبوسة لاستيفاء حقه منها، فكان هلاكها من ضمان المالك كالرهن. والوجه الثاني: أنها تتلف من ضمان صاحب الحق لانه أخذها بغير إذن المالك فتلفت من ضمانه بخلاف الرهن فإنه أخذه بإذن المالك فتلف من ضمانه (الشرح) حديث ابن عباس (لو أن الناس أعطوا ... ) متفق عليه بلفظ (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) وأخرجه البيهقى عن نافع عن ابن عمر وابن حبان عن مجاهد عن ابن عمر، والترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، والدارقطني وإسناده عنده ضعيف. حديث (في قصة الحضرمي..) سبق تخريجه. حديث أبى موسى الاشعري (أن رجلين تداعيا دابة..) أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث جابر بلفظ (أن رجلين تداعيا دابة وأقام كل واحد منهما بينة أنها دابته فقضى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتى في يده، واسناده ضعيف. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي (أن رجلين اختصما

إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعير، فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما) وذكر الاختلاف فيه على قتادة، وقال البيهقى هو معلول فقد رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشر بن نهيك عن أبى هريرة. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في صحيحه، واختلف فيه على سعيد بن أبى عروبة، فقيل عنه عن قتادة عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن أبى موسى وقيل عنه عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال: أنبئت أن رجلا، قال البخاري قال سماك بن حرب أنا حدثت ابا بردة بهذا الحديث، فعلى هذا لم يسمع أبو بردة هذا الحديث من أبيه، ورواه أبو كامل مظفر بن مدرك عن حماد عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبى بردة مرسلا، قال حماد فحدثت به سماك بن حرب فقال أنا حدثت أبا بردة وقال الدارقطني والبيهقي والخطيب: الصحيح أنه عن سماك مرسلا. ورواه ابن أبى شيبة عن أبى الاحوص عن سماك عن تميم بن طرفة أن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما البينة أنه له فقضى النبي صلى الله عليه وسلم به بينهما، ووصله الطبراني بذكر جابر بن سمرة بإسنادين في أحدهما حجاج بن أرطاه والراوي عنه سويد بن عبد العزيز، وفى الآخر ياسين الزيات والثلاثة ضعفاء. حديث (شاهداك أو يمينه) سبق تخريجه حديث (لا ضرر ولا ضرار) سبق تخريجه حديث (أن هندا قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح..) متفق عليه عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينى من النفقة ما يكفيني ويكفى بنى إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل على في ذلك من جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك) اللغة: المدعى في اللغة كل من ادعى نسبا أو علما أو ادعى ملك شئ نوزع

فيه أو لم ينازع، ولا يقال في الشرع مدع إلا إذا نازع غيره، وسميت البينة بينة وهى الشهود، لانها تبين عن الحق وتوضحه بعد خفائه من بان الشئ. إذا ظهر، وأبنته أظهرته وتبين لى ظهر ووضح. قوله (امتحان الشهود) وهو اختبارهم، محنت الشئ وامتحنته أي اختبرته والاسم المحنة وأصله من محنت البئر محنا إذا خرجت ترابها وطينها. قوله (الترجيح) مأخوذ من رجحان الميزان، ورجحت بفلان إذا كنت أرزن منه، وقوم مراجيح في الحلم، ومعناه أن يكون إحدى الحجتين أقوى بزيادة شئ ليس في الاخرى. قوله (ونقده الثمن) النقد ضد الفقد وهو إحضاره في المجلس قوله (وعزيا الدعوى) يقال عزيته إلى أبيه، وعزوته أي نسبته إليه، واعتزى هو أي انتمى وانتسب، وفى الحديث من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا أي من انتسب وانتمى، وذلك قولهم يا آل فلان قوله (قدحا في البينة) القدح مثل الجرح، يقال قدحت في نسبه أي طعنت قوله (أزج) على وزن فعل محرمك مخفف، الارج ضرب من الابنية والجمع آزج وآزاج، قال الاعشى: بناه سلميان بن داود حقة * له أزج صم وطئ موثق ويروى أرج عال وهو كالعقود في محاريب المساجد وبين الاساطين قوله (موضع جب) هو السرداب ووعاء الماء، وقد ذكرنا أن صحن الدار وسطها. قوله (مسناة) قال الهروي: المسناة ضفين يبنى للسبيل يرده. سميت مسناة لان فيها مفاتيح الماء، يقال سنيت الشئ إذا فتحته قال الشاعر: إذا الله سنى عقد أمر تيسرا وذكر في مواضع من الكتاب ما يدل أن المسناة تجمع الماء من النهر، ولم أقف منه على حقيقة، وقد ذكر أهل التفسير في قوله تعالى (سيل العرم) أن العرم المسناة، وكان ذلك سدا يجمع فيه ماء السيول قوله (مراهقا) هو الذى قارب الاحتلام، وقد ذكر

قوله (المتاع الذى في الدار) هو ههنا الاثات وآلات البيت والابنية ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف حر مكلف رشيد، وإن تداعيا عينا لم تخل من أربعة أحوال. 1 - أن لا تكون بيد أحد ولا ثم ظاهر يعمل به ولا بينة فيتحالفان ويتناصفانها، وإن وجد ظاهر يرجح أنها لاحدهما عمل به فيحلف بها ويأخذها 2 - أن تكون بيد أحدهما فهى له بيمينه، فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول ولو أقام بينة. 3 - أن تكون بينيهما كشئ كل ممسك ببعضه فيتحالفان ويتناصفانه فإن قويت يد أحدهما كحيوان واحد سائقة والآخر راكبه فللثانى بيمينه لان تصرفه أقوى، ومتى كان لاحدهما بينة فالعين له لحديث الحضرمي والكندي فإن كان لكل واحد منهما بينة به وتساوتا من كل وجه وتعارضتا وتساقطتا فيتحالفان ويتناصفان ما بأيديهما ويقترعان فيما عداه، فمن خرجت له القرعة فهو بيمينه، وإن كانت العين بيد أحدهما فهو داخل والاخر خارج، وبينة الخارج مقدمة على بينة الداخل لحديث (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) الترمذي. لكن لو أقام الخارج بينة أنها ملكه والداخل بينة أنه اشتراها منه قدمت بينة الداخل لما معها من زياده العلم 4 - أن تكون بيد ثالث فإن ادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينا، فإن نكل أخذاها منه مع بدلها أي مثلها واقترعا عليها، وان أقر بها لهما اقتسماها وحلف لكل واحد يمينا وحلف كل واحد لصاحبه على النصف المحكوم له به، وإن قال هي لاحدهما وأجمله فصدقاه لم يحلف وإلا حلف يمينا واحدة ويقرع بينهما، فمن قرع حلف وأخذها لحديث أبى هريرة (أن رجلين تداعيا عينا لم يكن لواحد منهما بينة، فأمرهما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ يستهما على اليمين أحبا أم كرها) أبو داود. وروى الشافعي نحوه عن ابن المسيب.

باب اليمين في الدعاوى

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اليمين في الدعاوى إذا ادعى رجل على رجل حقا فأنكره ولم يكن للمدعى بينة، فإن كان ذلك في غير الدم حلف المدعى عليه، فإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى، وقد بينا ذلك في باب الدعاوى، وان كانت الدعوى في دم ولم يكن للمدعى بينة فإن كان في قتل لا يوجب القصاص نظرت فإن كان هناك لوث حلف المدعى خمسين يمينا وقضى له بالدية. والدليل عليه ما روى سهل بن أبى جثمة أن عبد الله ومحيصة خرجا إلى خبير من جهد أصابهما، فأتى محيصة وذكر أن عبد الله طرح في فقير أو عين ماء فأتى يهودا فقال أنتم والله قلتموه؟ قالوا والله ما قتلناه، فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن أخو المقتول إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذهب محيصة يتكلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكبر الكبر، فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن ياذنوا بحرب من الله ورسوله، فكتب إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون خمسين وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا لا، قال اتحلف لكم يهود؟ قالوا لا ليسوا بمسلمين، فوداه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عنده فبعث إليهم بمائة ناقة، قال سهل لقد ركضتنى منها ناقة حمراء، ولان باللوث تقوى جنبة المدعى ويغلب على الظن صدقه فسمعت يمينه كالمدعى إذا شهد له عدل وحلف معه. وان كانت الدعوى في قتل يوجب القود ففيه قولان: قال في القديم يجب القود بأيمان المدعى لانها حجة يثبت بها قتل العمد فوجب بها القود كالبينة. وقال في الجديد لا يجب لقوله صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم أو يأذنوا يحرب من الله ورسوله، فذكر الدية ولم يذكر القصاص، ولانه حجة لا يثبت

بها النكاح فلا يثبت بها القصاص كالشاهد واليمين، فإن قلنا بقوله القديم وكانت الدعوى على جماعة وجب القود عليهم. وقال أبو إسحاق رحمه الله لا يقتل إلا واحد يختاره الولى لانها بينة ضعيفة فلا يقتل بها جماعة، وهذا خطأ لان الجماعة عندنا تقتل بالواحد، والقسامة على هذا القول كالبينة في إيجاب القود فإذا قتل بها الواحد قتل بها الجماعة. (فصل) وإن كان المدعى جماعة ففيه قولان (أحدهما) أنه يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا، لان ما حلف به الواحد إذا انفرد حلف به كل واحد من الجماعة كاليمين الواحدة في سائر الدعاوى. والقول الثاني: أنه يقسط عليهم الخمسون يمينا على قدر مواريثهم لانه لما قسط عليهم ما يجب بأيمانهم من الدية على قدر مواريثهم وجب أن تقسط الايمان أيضا على قدر مواريثهم، وإن دخلها كسر جبر الكسر، لان اليمين الواحدة لا تتبعض فكملت، فإن نكل المدعى عن اليمين ردت اليمين على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا لقوله عليه الصلاة والسلام (تبرئكم يهود منهم بخمسين يمينا) ولان التغليظ بالعدد لحرمة النفس، وذلك يوجد في يمين المدعى والمدعى عليه وان كان المدعى عليه جماعة ففيه قولان: (أحدهما) أنه يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا. (والثانى) أن الخمسين تقسط على عددهم، والصحيح من القولين ههنا أن يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا، والصحيح من القولين في المدعين أنهم يحلفون خمسين يمينا، والفرق بينهما أن كل واحد من المدعى عليه ينفى عن نفسه ما ينفيه لو انفرد، وليس كذلك المدعون، فإن كل واحد منهم لا يثبت لنفسه ما يثبته إذا انفرد. (فصل) فأما إذا لم يكن لوث ولا شاهد فالقول قول المدعى عليه مع يمينه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) ولان اليمين انما جعلت في جنبة المدعى عند اللوث لقوة جنبته باللوث، فإذا عدم اللوث حصلت القوة في جنبة المدعى عليه لان الاصل براءة ذمته وعدم القتل فعادت اليمين إليه.

وهل تغلظ بالعدد؟ فيه قولان (أحدهما) أنها لا تغلظ بل يحلف يمينا واحدة، وهو اختيار المزني لانها يمين توجهت على المدعى عليه ابتداء فلم تغلظ بالعدد كما في سائر الدعاوى. (والثانى) أنها تغلظ فيحلف خمسين يمينا وهو الصحيح لان التغليظ بالعدد لحرمة الدم وذلك موجود مع عدم اللوث، فإن قلنا إنها يمين واحدة فإن كان المدعى عليه جماعة حلف كل واحد منهم يمينا واحدة، فإن نكلوا ردت اليمين على المدعى، فإن كان واحدا حلف يمينا واحدة، وإن كانوا جماعة حلف كل واحد منهم يمينا واحدة، وإن قلنا يغلظ بالعدد وكان المدعى عليه واحدا حلف خمسين يمينا. وان كانوا جماعة فعلى القولين. (أحدهما) أنه يحلف كل واحد خمسين يمينا. (والثانى) أنه يقسط على عدد رؤوسهم فإن نكلوا ردت اليمين على المدعى فإن كان واحدا حلف خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة فعلى القولين (أحدهما) أنه يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا (والثانى) أنه يقسط عليهم خمسون يمينا على قدر مواريثهم من الدية. وإذا نكل المدعى عليه فحلف المدعى وقضى له، فإن كان في قتل يوجب المال قضى له بالدية، وإن كان في قتل يوجب القصاص وجب القصاص قولا واحدا، لان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالبينة في أحد القولين وكالاقرار في القول الاخر والقصاص يجب بكل واحد منهما. (فصل) وإن ادعى القتل على اثنين وعلى أحدهما لوث دون الاخر حلف المدعى على صاحب اللوث لوجود اللوث وحلف الذى لا لوث عليه لعدم اللوث وإن ادعى القتل على جماعة لا يصح اشتراكهم على القتل لم تسمع دعواه لانها دعوى محال، وإن ادعى القتل على ثلاثة وهناك لوث فحضر منهم واحد وغاب اثنان وأنكر الحاضر حلف المدعى خمسين يمينا، فإن حضر الثاني وأنكر ففيه أوجهان: (أحدهما) أنه يحلف عليه خمسين يمينا، لانهما لو حضرا ذكر كل واحد منهما في يمينه فإذا انفرد وجب أن يكرر ذكره. والوجه الثاني أنه يحلف خمسا وعشرين يمينا لانهما لو حضرا حلف عليهما

خمسين يمينا، فإذا انفرد وجب أن يحلف عليه نصف الخمسين، فإن حضر الثالث وأنكر ففيه وجهان (أحدهما) أنه يحلف عليه خمسين يمينا (والثانى) أنه يحلف عليه ثلث خمسين يمينا ويجبر الكسر فيحلف سبع عشرة يمينا. وإن قال قتله هذا عمدا ولا أعلم كيف قتله الاخران أقسم على الحاضر ووقف الامر إلى أن يحضر الاخران، فإن حضرا وأقرا بالعمد ففى القود قولان، وان أقرا بالخطأ وجب على الاول ثلث الدية مغلظة، وعلى كل واحد من الآخرين ثلث الدية مخففة، وان أنكر القتل ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يحلف لانه لا يعلم ما يحلف عليه، ولا يعلم الحاكم ما يحكم به (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أن يحلف لان جهله بصفة القتل ليس بجهل بأصل القتل، فإذا حلف حبسا حتى يصفا القتل. وإن قال قتله هذا وتفر لا أعلم عددهم، فإن قلنا إنه لا يجب القود لم يقسم على الحاضر لانه لا يعلم ما يخصه، وان قلنا انه يجب القود ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقسم لان الجماعة تقتل بالواحد فلم يضر الجهل بعددهم (والثانى) وهو قول أبى اسحاق أنه لا يقسم لانه ربما عفا عن القود على الدية ولا يعلم ما يخصه منها. (فصل) واللوث الذى يثبت لاجله اليمين في جنبة المدعى هو أن يوجد معنى يغلب معه على الظن صدق المدعى، فإن وجد القتيل في محلة أعدائه لا يخالطهم غيرهم كان ذلك لوثا فيحلف المدعى، لان قتيل الانصار وجد في خبير وأهلها أعداء للانصار، فجعل النبي ى صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعين، فصار هذا أصلا لكل من يغلب معه على الظن صدق المدعى، فيجعل القول قول المدعى مع يمينه، وان كان يخالطهم غيرهم لم يكن لوثا لجواز أن يكون قتله غيرهم، وان تفرقت جماعة عن قتيل في دار أو بستان وادعى الولى أنهم قتلوه فهو لوث، فيحلف المدعى أنهم قتلوه لان الظاهر أنهم قتلوه، وان وجد قتيل في زحمة فهو لوث، فإن ادعى الولى أنهم قتلوه حلف وقضى له، وان وجد قتيل في أرض وهناك رجل معه سيف مخضب بالدم وليس هناك غيره فهو لوث، فإن ادعى الولى عليه القتل حلف عليه لان الظاهر أنه قتله فإن كان هناك غيره من سبع أو رجل مول لم يثبت اللوث على صاحب السيف لانه يجوز أن يكون قتله السبع أو الرجل المولى

ان تقابلت طائفتان فوجد قتيل من احدى الطائفتين فهو لوث على الطائفة الاخرى، فإن ادعى الولى أنهم قتلوه حلف وقضى له بالدية، لان الظاهر أنه لم تقتله طائفة، وان شهد جماعة من النساء أو العبيد على رجل بالقتل نظرت، فان جاءوا دفعة واحدة وسمع بعضهم كلام البعض لم يكن ذلك لوثا، لانه يجوز أن يكونوا قد تواطأوا على الشهادة، وان جاؤا متفرقين واتفقت أقوالهم ثبت اللوث ويحلف الولى معهم، وان شهد صبيان أو فساق أو كفار على رجل بالقتل وجاءوا دفعة واحدة وشهدوا لم يكن ذلك لوثا، لانه يجوز أن يكونوا قد تواطأوا على الشهادة، فإن جاءوا متفرقين وتوافقت أقوالهم ففيه وجهان. (أحدهما) أنه ذلك لوث: لانه اتفاقهم على شئ واحد من غير تواطؤ يدل على صدقهم. (والثانى) أنه ليس بلوث لانه لا حكم لخبرهم فلو أثبتنا بقولهم لوثا لجعلنا خبرهم حكما، وان قال المجروح قتلني فلان ثم مات لم يكن قوله لوثا، لانه دعوى ولا يعلم به صدقه فلا يجعل لوثا، فان شهد عدل على رجل بالقتل، فان كانت الدعوى في قتل يوجب المال حلف المدعى يمينا وقضى له بالدية، لان المال يثبت بالشاهد واليمين، وان كانت في قتل يوجب القصاص حلف خمسين يمينا ويجب القصاص في قوله القديم والدية في قوله الجديد. (فصل) وان شهد واحد أنه قتله فلان بالسيف وشهد آخر أنه قتله بالعصا لم يثبت القتل بشهادتهما، لانه لم تتفق شهادتهما على قتل واحد، وهل يكون ذلك لوثا يوجب القسامة في جانب المدعى، قال في موضع: يوجب القسامة، وقال في موضع: لا يوجب القسامة. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هو لوث يوجب القسامة قولا واحدا لانهما اتفقاء على اثبات القتل وانما اختلفا في صفته وجعل القول الآخر غلطا من الناقل. وقال أبو الطيب بن سلمة وابن الوكيل ان ذلك ليس بلوث ولا يوجب القسامة قولا واحدا، لان كل واحد منهما يكذب الآخر فلا يغلب على الظن

صدق ما يدعيه، والقول الآخر غلط من الناقل، ومنهم من قال في المسألة قولان (أحدهما) أنه لوث يوجب القسامة، (والثانى) ليس بلوث، ووجههما ما ذكرناه، وإن شهد واحد انه قتله فلان وشهد آخر أنه أقر بقتله لم يثبت القتل بشهادتهما، لان أحدهما شهد بالقتل والآخر شهد بالاقرار وثبت اللوث على المشهود عليه وتخالف المسألة قبلها فان هناك كل واحد منهما يكذب الاخر، وههنا كل واحد منهما غير مكذب للآخر بل كل واحد منهما يقوى الآخر فيحلف المدعى مع من شاء منهما، فإن كان القتل خطأ حلف يمينا واحدة وثبتت الدية، فإن حلف مع من شهد بالقتل وجبت الدية على العائلة لانها تثبت بالبينة، وإن حلف مع من شهد بالاقرار وجبت الدية في ماله لانها تثبت بالاقرار، وان كان القتل موجبا للقصاص حلف المدعى خمسين يمينا ووجب له القصاص في أحد القولين والدية في الاخر، وإن ادعى على رجل أنه قتل وليه ولم يقل عمدا ولا خطأ وشهد له بما ادعاه شاهد لم يكن ذلك لوثا، لانه لو حلف مع شاهده لم يمكن الحكم بيمينه، لانه لا يعلم صفة القتل حتى يستوفى موجبه فسقطت الشهادة وبطل اللوث. (فصل) وإن شهد شاهدان أن فلانا قتله أحد هذين الرجلين ولم يعينا ثبت اللوث فيحلف الولى على من يدعى القتل عليه، لانه قد ثبت أن المقتول قتله أحدهما فصار كما لو وجد بينهما مقتول، فإن شهد شاهد على رجل أنه قتل أحد هذين الرجلين لم يثبت اللوث، لان اللوث ما يغلب معه على الظن صدق ما يدعيه المدعى ولا يعلم أن الشاهد لمن شهد من الوليين فلا يغلب على الظن صدق واحد من الوليين فلم يثبت في حقه لوث، وان ادعى أحد الوارثين قتل مورثه على رجل في موضع اللوث وكذبه الاخر سقط حق المكذب من القسامة وهل يسقط اللوث في حق المدعى فيه قولان. (أحدهما) أنه لا يسقط فيحلف ويستحق نصف الدية وهو اختيار المزني لان القسامة مع اللوث كاليمين مع الشاهد، ثم تكذيب أحد الوارثين لا يمنع

الآخر من أن يحلف مع الشهادة فكذلك تكذيب أحد الوارثين لا يمنع الاخر من أن يقسم مع اللوث. (والقول الثاني) أنه يسقط، لانه اللوث يدل على صدق المدعى من جهة الظن وتكذيب المنكر يدل على كذب المدعى من جهة الظن فتعارضا وسقطا وبقى القتل بغير لوث فيحلف المدعى عليه على ما ذكرناه وإن قال أحد الابنين قتل أبى زيد ورجل آخر لا أعرفه، وقال الآخر قتله عمرو ورجل آخر لا أعرفه أقسم كل واحد على من عينه ويستحق عليه ربع الدية، لان كل واحد منهما غير مكذب للآخر لجواز أن يكون الاخر هو الذى ادعى عليه أخوه، فإن رجعا وقال كل واحد منهما علمت أن الآخر هو الذى ادعى عليه أخى أقسم كل واحد منهما على الذى ادعى عليه أخوه ويستحق عليه ربع الدية. وإن قال كل واحد منهما علمت أن الاخر غير الذى ادعى عليه أخى صار كل واحد منهما مكذبا للآخر، فإن قلنا: إن تكذيب أحدهما لا يسقط اللوث أقسم كل واحد منهما على الذى يمينه ثانيا واستحق عليه ربع الدية. وإن قلنا: إن التكذيب يسقط اللوث بطلت القسامة، فإن أخذ شيئا رده ويكون القول قول المدعى عليه مع يمينه، وإن ادعى القتل على رجل عليه لوث فجاء آخر وقال أنا قتلته ولم يقتله هذا لم يسقط حق المدعى من القسامة بإقراره وإقراره على نفسه لا يقبل، لان صاحب الدم لا يدعيه وهل للمدعى أن يرجع ويطالب المقر بالدية فيه قولان. (أحدهما) أنه ليس له مطالبته، لان دعواه على الاول ابراء لكل من سواه (والثانى) أن له أن يطالب، لان دعواه على الاول باللوث من جهة الظن والاقرار يقين فجاز أن يترك الظن ويرجع إلى اليقين، وان ادعى على رجل قتل العمد فقيل له صف العمد ففسره بشبه العمد فقد نقل المزني أنه لا يقسم، وروى الربيع أنه يقسم، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ.

(أحدهما) أنه لا يقسم لان بقوله قتله عمدا أبرأ العائلة، وبتفسيره أبرا القاتل (والقول الثاني) أنه يقسم وتجب الدية على العاقلة، لان المعول على التفسير وقد فسر بشبه العمد، ومنهم من قال يقسم قولا واحدا لما بينا. وقوله (لا يقسم) معناه لا يقسم على ما ادعاه (فصل) وإن كانت الدعوى في الجنابة على الطرف ولم تكن شهادة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه لان اللوث قضى به في النفس بحرمة النفس فلا يقضى به في الطرف كالكفارة، وهل تغلظ اليمين فيه بالعدد؟ فيه قولان. (أحدهما) لا تغلظ لانه يسقط فيه حكم اللوث فسقط فيه حكم التغليظ بالعدد (والثانى) أنه تغلظ بالعدد لانه يجب فيه القصاص والدية للغلظة فوجب فيه تغليظ اليمين، فإن قلنا لا تغلظ حلف المدعى عليه يمينا واحدة، وإن قلنا تغلظ فإن كان في جناية توجب دية كاملة كاليدين غلظ بخمسين يمينا، وإن كان فيما لا توجب دية كاملة كاليد الواحدة ففى قدر التغليظ قولان. (أحدهما) أنه يغلظ بخمسين يمينا لانه التغليظ لحرمة الدم، وذلك موجود في اليد الواحدة. (والثانى) أنه تغلظ بحصته من الدية، لان ديته دون دية النفس فلم تغلظ بما تغلظ به في النفس. (فصل) فإن كانت الدعوى في قتل عبد وهناك لوث ففيه طريقان: (أحدهما) أنه يبنى ذلك على أن العاقلة هل تحمل قيمته بالجناية، فإن قلنا تحمل العاقلة قيمته ثبتت فيه القسامة للسيد، وان قلنا لا تحمل لم تثبت القسامة. (والثانى) وهو قول أبى العباس أن للسيد القسامة قولا واحدا، لان القسامة لحرمة النفس فاستوى فيه الحر والعبد كالكفارة، فإن قلنا إن السيد يقسم أقسم المكاتب في قتل عبده، فإن لم يقسم حتى عجز عن أداء الكتابة أقسم المولى، وان قتل عبد وهناك لوث ووصى مولاه بقيمته لام ولده ولم يقسم السيد حتى مات ولم تقسم الورثة فهل تقسم أم الولد؟ فيه قولان. (أحدهما) تقسم (والثانى) لا تقسم كما قلنا في غرماء الميت إذا كان له دين

وله شاهد ولم تحلف الورثة الغرماء يقسمون في أحد القولين ولا يقسمون في الآخر وقد بينا ذلك في التفليس. (فصل) وإن قتل مسلم وهناك لوث فلم يقسم وليه حتى ارتد المدعى لم يقسم لانه إذا أقدم على الردة وهى من أكبر الكبائر لم يؤمن أن يقدم على اليمين الكاذبة فإن أقسم صحت القسامة. وقال المزني رحمه الله لا تصح لانه كافر فلا يصح يمينه بالله، وهذا خطأ لان القصد بالقسامة اكتساب المال والمرتد من أهل الاكتساب، فإذا أقسم وجب القصاص لوارثه أو الدية، فإن رجع إلى الاسلام كان له، وإن مات على الردة كان ذلك لبيت المال فيتا. وقال أبو على بن خيران وأبو حفص بن الوكيل: يبنى وجوب الدية يقسامته على حكم ملكه، فإن قلنا إن ملكه لا يزول بالردة أو قلنا إنه موقوف فعاد إلى الاسلام ثبتت الدية، وإن قلنا إن ملكه يزول الردة أو قلنا انه موقوف فلم يسلم حتى مات لم تثبت الدية، وهذا غلط لان اكتسابه للمال يصح على الاقوال كلها، وهذا اكتساب. (فصل) ومن توجهت عليه يمين في دم غلظ عليه في اليمين لما روى أن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مر بقوم يحلفون بين الركن والمقام، فقال أعلى دم؟ قيل لا، قال أفعلى عظيم من المال؟ قيل لا، قال لقد خشيت أن يبها الفاس بهذا المقام، وإن كانت اليمين في نكاح أو طلاق أو حد قذف أو غيرهما مما ليس بمال ولا المقصود منه المال غلظ لانه ليس بمال ولا المقصود منه المال فغلظ اليمين فيه كالدم. وإن كانت اليمين في مال أو ما يقصد به المال، فإن كان يبلغ عشرين مثقالا غلظ وان لم يبلغ ذلك لم يغلظ، لان عبد الرحمن بن عوف فرق بين المال العظيم وبين ما دونه، فإن كانت اليمين في دعوى عتق فإن كان السيد هو الذى يحلف، فإن كانت قيمة العبد تبلغ عشرين مثقالا غلظ اليمين، وان لم تبلغ عشرين مثقالا لم يغلظ لان المولى يحلف لاثبات المال ففرق بين القليل والكثير كأروش

الجنايات فإن كان الذى يحلف هو العبد غلظ قلت قيمته أو كثرت لانه يحلف لاثبات العتق، والعتق ليس بمال ولا المقصود منه المال فلم تعتبر قيمته كدعوى القصاص، ولا فرق بين أن يكون في طرف قليل الارش، أو في طرف كثير الارش. (فصل) والتغليظ قد يكون بالزمان وبالمكان وفى اللفظ، فأما التغليظ بالمكان ففيه قولان (أحدهما) أنه يستحب (والثانى) أنه واجب، وأما التغليظ بالزمان فقد ذكر الشيخ أبو حامد الاسفراينى رحمه الله أنه يستحب، وقد بينا ذلك في اللعان. وقال أكثر أصحابنا: إن التغليظ بالزمان كالتغليظ بالمكان. وفيه قولان. وأما التغليظ باللفظ فهو مستحب، وهو أن يقول والله الذى لا إله هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احلف رجلا فقال قل والله الذى لا إله إلا هو، ولان القصد باليمين الزجر عن الكذب، وهذه الالفاظ أبلغ في الزجر وأمنه من الاقدام على الكذب. وان اقتصر على قوله (والله) أجزأه، لان النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر في احلاف ركانة على قوله والله. وان اقتصر على صفة من صفات الذات كقوله وعزة الله أجزأه لانها بمنزلة قوله والله في الحنث في اليمين وايجاب الكفارة. وأن حلف بالمصحف وما فيه من القرآن فقد حكى الشافعي رحمه الله عن مطرف أن ابن الزبير كان يحلف على المصحف. قال ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف على المصحف، قال الشافعي وهو حسن، ولان القرآن من صفات الذات، ولهذا يجب بالحنث فيه الكفارة. وان كان الحالف يهوديا أحلفه بالله الذى أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، وان كان نصرانيا أحلفه بالله الذى أنزل الانجيل على عيسى، وان كان مجوسيا أو وثنيا أحلفه بالله الذى خلقه وصوره (فصل) ولا يصح اليمين في الدعوى الا أن يستحلفه القاضى لان ركمانة ابن عبد يزيد قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله انى طلقت امرأتي سهيبة ألبتة والله ما أردت الا واحدة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

والله ما أردت إلا واحدة، قال ركانة والله ما أردت إلا واحدة، ولان الاعتبار بنية الحاكم فإذا حلف من غير استحلافه نوى مالا يحنث به فيجعل ذلك طريقا إلى إبطال الحقوق، وإن وصل بيمينه استثناء أو شرطا أو وصله بكلام لم يفهمه أعاد عليه اليمين من أولها، وإن كان الحالف أخرس ولا يفهم إشارته وقف الامر إلى أن يفهم إشارته، فإن طلب المدعى أن يرد اليمين عليه لم يرد اليمين عليه لان رد اليمين يتعلق بنكول المدعى عليه، ولا يوجد النكول، فإن كان الذى عليه اليمين حلف بالطلاق أنه لا يحلف بيمين مغلظة، فان كان التغليظ مستحقا عليه لزمه أن يحلف. وان حنث في يمينه بالطلاق كما لو حلف بالطلاق أنه لا يحلف عند القاضى فان امتنع جعل ناكلا وردت اليمين على خصمه، وان كان التغليظ غير مستحق لم يلزمه أن يحلف يمينا مغلظة، وان امتنع من التغليظ لم يجعل ناكلا. (فصل) وان حلف على فعل نفسه في نفى أو إثبات حلف على القطع لان علمه يحيط بحاله فيما فعل وفيما لم يفعل، وان حلف على فعل غيره فان كان في إثبات حلف على القطع لان له طريقا إلى العلم مما فعل غيره، وان كان على نفى حلف على نفى العلم فيقول: والله لا أعلم أن أبى أخذ منك مالا ولا أعلم أن أبى أبرأك من دينه لانه لا طريق له إلى القطع بالنفى فلم يكلف اليمين عليه. (فصل) وإن ادعى عليه دين من بيع أو قرض فأجاب بأنه لا يستحق عليه شئ ولم يتعرض إليه والقرض لم يحلف الا على ما أجاب ولا يكلف أن يحلف على نفى البيع والقرض لانه يجوز أن يكون قد استقرض منه أو ابتاع ثم قضاه أو أبرأه منه، فإذا حلف على نفى البيع والقرض حلف كافيا، وان أجاب بأنه ما باعنى ولا أقرضنى ففى الاحلاف وجهان، (أحدهما) أنه يحلف أنه لا يستحق عليه شئ ولا يكلف أن يحلف على نفى البيع والقرض لما ذكرناه من التعليل (الثاني) أنه يحلف على نفى البيع والقرض لانه نفى ذلك في الجواب فلزمه أن يحلف على النفى، فان ادعى رجل على رجل ألف درهم فأنكر حلف أنه

لا يستحق عليه ما يدعيه ولا شيئا منه فان حلف أنه لا يستحق عليه الالف لم يجزه لان يمينه على نفى الالف لا يمنع وجوب بعضها. (فصل) وان كان لجماعة على رجل حق فوكلوا رجلا في استحلافه لم يجز أن يحلف لهم يمينا واحدة، لان لكل واحد منهم عليه يمينا فلم تتداخل، فإن رضوا بأن يحلف لهم يمينا واحدة ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يجوز كما يجوز أن يثبت ببينة واحدة حقوق الجماعة (والثانى) وهو المذهب أنه لا يجوز لان القصد من اليمين الزجر وما يحصل من الزجر بالتفريق لا يحصل بالجمع فلم يجز، وان رضوا كما لو رضيت المرأة أن يقتصر الزوج في اللعان على شهادة واحدة. (الشرح) حديث سهل بن أبى خيثمة أن عبد الله ومحبصة خرجا..أخرجه مسلم والشافعي، وأخرج بعضه البخاري والبيهقي عن سهل بن أبى حثمة أن عبد الله بن سهل الانصاري ومحيصة ابنا مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما، فقتل عبد الله بن سهل، فجاء عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهب عبد الرحمن أخو المقتول ليتكلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الكبر الكبر فتكلم حويصة ومحيصة فذكروا له شأن عبد الله بن سهل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيحلف منكم خمسون فتستحقون قاتلكم أو صاحبكم، فقالوا يا رسول الله لم نحضر ولم نشهد، قال رسول الله صلى عليه وسلم: تبرئكم يهود بخمسين يمينا، قالو يارسول الله كيف نقبل ايمان قوم كفار، قال فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده. حديث (اما أن يدوا صاحبكم..) أخرجه البيهقى حديث (يبرئكم يهود بخمسين يمينا..) سبق تخريجه حديث (لو أن الناس أعطوا بدعواهم..) سبق تخريجه حديث (اليمين على المدعين..) سبق تخريجه. حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقتصر في احلاف ركانة على قوله والله

أخرجه البيهقى وذكره الشوكاني في نيل الاوطار بدون تخريج في الشرح حديث أن مطرف بن الزبير كان يحلف على المصحف. قال الشافعي أخبرني مطرف بن مازن بإسناد لا أحفظه أن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف وقال رأيت مطرف بصنعاء يحلف على المصحف وقال قد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف وذلك عندي حسن ذكر البيهقى هذا كله في السنن الكبرى. حديث (لان ركانة قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا رسول الله إنى طلقت ... ) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى والشافعي. اللغة: اللوث بالفتح القوة. قال الاعشى. بذات لوث عفرناه إذا عثرت * فالتعس أدنى لها من أن يقال لغا ومنه سمى الاسد ليثا، فاللوث قوه جنبة المدعى، وأما اللوث بالضم فهو الاسترخاء، واللوثة مس جنون، وسميت الايمان ههنا القسامة لتكرارها وكثرتها، وان كانت كل يمين قسما، وقيل لانها تقسم على الاولياء في الدم قوله (من جهد أصابهما) الجهد بالفتح المشقة وجهد الرجل فهو مجهود من المشقة، يقال أصابهم قحط من المطر فجهدوا. قوله (طرح في فقير) الفقير مخرج الماء من القناة، وهو حفير كالبئر. وعبد الله بن سهل المقتول وأخوه عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود. قوله (الكبر الكبر) معناه ليبدأ الكلام الاكبر، وكان عبد الرحمن أصغر من صاحبيه. قوله (وإما أن يأذنوا بحرب من الله) يأذنوا يعلموا والاذان الاعلام، كأنه الايقاع في الاذن. قوله (لحويصة ومحيصة) السماع فيهما بسكون الياء وياء التخفيف وبرهان الدين بن الحضرمي أسمعناه يكسر الياء وبالتشديد. قوله (يبرئكم يهود) أي يحلفون فيبرءون من القتل، يقال برئ من الدين وأبرأته أنا فهو برئ وخلى منه.

قوله (مغلظة) الغلظ في الجسم الكثافة والثخونة والامتلاء، وفيما سواه الكثرة، فتغلظ الايمان بكثره العدد وبالصفات، وتغليظ الدية تكثيرها بالاسنان التى تكثر قيمتها. قوله (تواطأوا على الشهادة) توافقوا قوله (لان المعول) أي المعتمد. والعرب تقول عولت عليه في الامر أي استعنت به فيه واعتمدت عليه. قوله (لقد خشيت أن يبهأ الناس) أي يأنسوا به فتقل هيبته عندهم فيتهاونوا به ويحتقروه وقد ذكر. قوله (من صفات الذات) أي حقيقته وثبوت وجوده في النفس من غير صورة ولا شخص ولا مثال. إن ادعى ولى قتيل على رجل أو على جماعة وعليهم لوث ظاهر، وهو ما يغلب على القلب صدق المدعى بأن وجد فيما بين قوم أعداء لا يخالطهم غيرهم كقتيل خيبر وجد بينهم، والعداوة بين الانصار وبين أهل خيبر ظاهرة، أو اجتمع جماعة في بيت أو صحراء وتفرقوا عن قتيل، أو وجد في ناحية قتيل وثم رجل مختضب بدمه، أو يشهد عدل واحد على أن فلانا قتله أو قاله جماعة من العبيد والنسوان جاءوا متفرقين بحيث لا يمكن تواطؤهم ونحو ذلك فيبدأ بيمين المدعى فيحلف خمسين يمينا ويستحق دعواه، فإن نكل المدعى عن اليمين ردت إلى المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا على نفى القتل ويجب بها الدية المغلظة، فإن لم يكن هناك لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه كما في سائر الدعاوى، ثم يحلف يمينا واحدا أو خمسين يمينا قولان أصحهما الاول فإن كان المدعون جماعة توزع الايمان عليهم على قدر مواريثهم على أصح القولين ويجبر الكسر. والقول الثاني يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا، وإن كان المدعى عليهم جماعة وزع على عدد رؤوسهم على أصح القولين ان كان الدعوى في الاطراف سواء كان اللوث أو لم يكن فالقول قول المدعى عليه مع يمينه هذا كله بيان مذهب الشافعي.

وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يبدأ بيمين المدعى بل يحلف المدعى عليه مع يمينه. هذا كله بيان مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: إذا وجد قتيل في محلة يختار الامام خمسين رجلا من صلحاء أهلها ويحلفهم على أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلا، ثم يأخذ الدية من أرباب الخطة، فإن لم يعرفوا فمن سكانها. قال صديق حسن خان في الروضة الندية: اعلم أن هذا الباب قد وقع فيه لكثير من أهل العلم مسائل عاطلة من الدلائل، ولم يثبت في حديث صحيح ولا حسن قط ما يقتضى الجمع بين الايمان والدية بعض الاحاديث مصرح بوجوب الايمان فقط وبعضها بوجوب الدية فقط والحاصل أنه قد كثر الخلط والخبط في هذا الباب إلى غاية فلم يتعبدنا الله بإثبات الاحكام العاطلة عن الدلائل، ولا سيما إذا خالفت ما هو شرع ثابت وكانت تستلزم أخذ المال الذى هو معصوم إلا بحقه. وإذا كان القاتل من جماعة محصورة ثبتت وهى خمسين يمينا يختارهم ولى القتيل والدية إن نكلوا عليهم، وإن حلفوا سقطت، وان التبس الامر كانت الدية من بيت المال.

كتاب الشهادات

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الشهادات تحمل الشهادة واداؤها فرض لقوله عز وجل (ولا يأب الشهداء إذاما دعوا) وقوله تعالى (ولا تكتمو الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قال ابن عباس رضى الله عنه من الكبائر كتمان الشهادة، لان الله تعالى يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فهى فرض على الكفاية، فإن قام بها من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لان المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم، وإن كان في موضع لا يوجد فيه غيره ممن يقع به الكفاية تعين عليه، لانه لا يحصل المقصود إلا به فتعين عليه، ويجب الاشهاد على عقد النكاح وقد بيناه في النكاح وهل يحب على الرجعة؟ فيه قولان وقد بيناهما في الرجعة. وأما ما سوى ذلك من العقود فالبيع والاجارة وغيرهما فالمستحب أن يشهد عليه لقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) ولا يَجِبُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع من أعرابي فرسا فجحده، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يشهد لى؟ فقال خزيمة بن ثابت الانصاري أنا أشهد لك، قال لم تشهد ولم تحضر فقال نصدقك على أخبار السماء ولا نصدقك على أخبار الارض، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين. (فصل) ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى فالمستحب أن لا يشهد به لانه مندوب إلى ستره ومأمور بدرئه، فإن شهد به جاز، لانه شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره من الصحابة عليهم ذلك. ومن كانت عنده شهادة لآدمي، فإن كان صاحبها يعلم بذلك لم يشهد قبل أن يسأل لقوله عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرنى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يفشو الكذب حتى شهد الرجل قبل أن يستشهد، وإن كان صاحبها لا يعلم شهد قبل أن يسأل، لما روى زيد بن خالد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

قال (خير الشهود الذى يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) (فصل) ولا يجوز لمن تعين عليه فرض الشهادة أن يأخذ عليها أجرة لانه فرض تعين عليه فلم يجز أن يأخذ عليه أجرة كسائر الفرائض، ومن لم يتعين عليه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يجوز له أخذ الاجرة، لانه لا يتعين عليه فجاز أن يأخذ عليه أجرة كما يجوز على كتب الوثيقة. (والثانى) أنه لا يجوز لانه تلحقه التهمة بأخذ العوض (الشرح) أثر ابن عباس (من الكبائر..) لم أجده ويشهد له ما أخرجته كتب السنة، ومن المتفق عليه (ألا أحدثكم بأكبر الكبائر، الاشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا، فجلس وقال شهادة الزور ثلاثا أو قول الزور..الخ حديث (النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا..) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى عن عمارة بن خزيمة أن عمه أخبره أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع فرسا من رجل من الاعراب، وفى رواية (ابتاع فرسا من سواه بن الحارث المحاسبى) فاستتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضى ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشى وأبطأ الاعرابي فطفق رجال يعترضون الاعرابي ويساومونه الفرس ولا يشعرون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أبتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم فلما زادوا نادى الاعرابي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه والا بعته، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع نداء الاعرابي حتى أتى الاعرابي فقال: أو ليس قد ابتعت منك؟ قال لا والله ما بعتكه، قال أين ابتعته منك، فطفق الناس يلوذون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالاعرابي وهما يتراجعان، فطفق الاعرابي يقول هلم شهيدا انى بايعتك؟ فقال خزيمه أنا أشهد أنك بايعته، فأقبل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خزيمه فقال بم تشهد

قال بتصديقك، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادة خزيمة شهادة رجلين وفى رواية (من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبه) أثر (شهد أبو بكرة ونافع ... ) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه والبيهقي. حديث (خير الصحابة قرنى..) متفق عليه والترمذي من حديث عمران ابن حصين. وروى ابن حبان في صحيحه من حديث عمر في خطبته وفيه: ثم يفشوا الكذب حتى يحلف الرجل على اليمين قبل أن يستحلف عليها، ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد عليها. ) الحديث. حديث زيد بن خالد (خير الشهود الذى يأتي..) أخرجه مسلم من حديث زيد بن خالد الجهنى. اللغة: أصل الشهادة الحضور، من قولهم شهد المكان، وشهد الحرب أي حضرها، وللشاهدة المعاينة مع الحضور، والشهادة خير قطع بما حضر وعاين ثم قد يكون بما علم واستفاض وقيل إن الشهادة مأخوذة من العلم، من قوله تعالى (شهد الله) قيل علم وبين، كأن الشاهد يبين ما يوجب حكم الحاكم قوله (شهد أبو بكرة ونافع) وزياد هم اخوة أمهم سمية جارية للحارث بن كلدة الثقفى، وكان أبو بكرة نسب في الموالى. قال البيهقى: أبو بكرة بن مسروح، وقيل اسمه نفيع بن الحارث، ونافع ينسب إلى الحارث وزياد ينسب إلى أبى سفيان بن حرب وصدقه معاوية رضى الله عنه وانتفى عن أبيه غبيل زوج سمية أمه، فهجره أخوه أبو بكرة إلى أن مات حين انتسب إلى الزانى وصدق أن أمه زنت، لان أبا سفيان زعم أنه زنى بأمه في الجاهلية قوله (خير الناس قرنى) القرن من الناس أهل زمان واحد واشتقاقه من الاقران. وكل طبقة مقترنين في وقت فهم قرن، قال: إذا ذهب القرن الذى أنت منهم * وخلفت في قرن فأنت غريب والقرن مثلك في السن تقول هذا على قرنى أي على سنى قوله (ثم يفشو) أي يكثر وينشر من فشا المال إذا تناسل وكثر، وفشا الخبر أيضا إذا ذاع. قلت: وهذا الباب ممالا خلاف فيه كثيرا وسبق الكلام عليه

باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل لا تقبل شهادة الصبى لقوله تعالى (وأستشهدو اشهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان) والصبى ليس من الرجال، ولما رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه إذا لم يؤتمن على حفظ أمواله فلان لا يؤتمن على حفظ حقوق غيره أولى. ولا تقبل شهادة المجنون للخبر والمعنى الذى ذكرناه، ولا تقبل شهادة المغفل الذى يكثر منه الغلط لانه لا يؤمن أن يغلط في شهادته. وتقبل الشهادة ممن يقل منه الغلط لان أحدا لا ينفك من الغلط. واختلف أصحابنا في شهادة الاخرس، فمنهم من قال تقبل لان إشارته كعبارة الناطق في نكاحه وطلاقه فكذلك في الشهادة، ومنهم من قال لا تقبل لان إشارته أقيمت مقام العبارة في موضع الضرورة وهو في النكاح والطلاق لانها لا تستفاد إلا من جهته ولا ضرورة بنا إلى شهادته لانها تصح من غيره بالنطق فلا تجوز بإشارته. (فصل) ولا تقبل شهادة العبد لانها أمر لا يتبعض بنى على التفاضل فلم يكن للعهد فيه مدخل كالميراث والرحم، ولا تقبل شهادة الكافر لما روى معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تجوز شهادة أهل دين على أهل دين آخر إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم، ولانه إذا لم تقبل شهادة من يشهد بالزور على الآدمى، فلان لا تقبل شهادة من شهد بالزور على الله تعالى أولى، ولا تقبل شهادة فاسق لقوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فإن ارتكب كبيرة كالغصب والسرقة والقذف وشرب الخمر فسق وردت شهادته، سواء فعل ذلك مرة أو تكرر منه والدليل عليه قوله عزوجل

(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذى غمر على أخيه، فورد النص في القذف والزنا وقسنا عليهما سائر الكبائر، ولان من ارتكب كبيرة ولم يبال شهد بالزور ولم يبال، وإن تجنب الكبائر وارتكب الصغائر فإن كان ذلك نادرا من أفعاله لم يفسق ولم ترد شهادته، وإن كان ذلك غالبا في أفعاله فسق وردت شهادته لانه لا يمكن رد شهادته بالقليل من الصغائر لانه لا يوجد من يمحض الطاعة ولا يخلطها بمعصية وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما منا إلا من عصى أو هم بمعصية إلا يحيى ابن زكريا (ولهذا قال الشاعر: من لك بالمحض وليس محض * يخبث بعض ويطيب بعض ولا يمكن قبول الشهادة مع الكثير من الصغائر، لان منى استجاز الاكثار من الصغائر استجاز أن يشهد بالزور فعلقنا الحكم على الغالب من أفعاله، لان الحكم الغالب، والنادر لا حكم له ولهذا قال الله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم الفالحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) (فصل) ولا تقبل شهادة من لا مروءة له كالقوال والرقاص ومن يأكل في الاسواق ويمشى مكشوف الرأس في موضع لا عادة له في كشف الرأس فيه لان المروءة هي الانسانية، وهى مشتقة من المرء، ومن ترك الانسانية لم يؤمن أن يشهد بالزور، ولان من لا يستحيى من الناس في ترك المروءة لم يبال بما يصنع، والدليل عليه ما رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الاولى إذا لم تستحى فاصنع ما شئت) واختلف أصحابنا في أصحاب الصنائع الدنيئة إذا حسنت طريقتهم في الدين كالكناس والدباغ والزبال والنخال والحجام والقيم بالحمام، فمنهم من قال لا تقبل شهادتهم لدناءتهم ونقصان مروءتهم، ومنهم من قال تقبل شهادتهم لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولان هذه صناعات مباحة وبالناس إليها حاجة فلم ترد بها الشهادة.

(فصل) ويكره اللعب بالشطرنج لانه لعب لا ينتفع به في أمر الدين ولا حاجة تدعو إليه فكان تركه أولى ولا يحرم، لانه روى اللعب به عن ابن عباس وابن الزبير وأبى هريرة وسعيد بن المسيب رضى الله عنهم. وروى عن سعيد بن جبير أنه كان يلعب به استدبارا ومن لعب به من غير عوض ولم يترك فرضا ولا مروءة لم ترد شهادته، وان لعب به على عوض نظرت فإن أخرج كل واحد منهما مالا على أن من غلب منهما أخذ المالين فهو قمار تسقط به العدالة وترد به الشهادة لقوله تعالى (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) والميسر القمار وإن أخرج أحدهما مالا على أنه ان غلب أخذ ماله وان غلبه صاحبه أخذ المال لم يصح العقد لانه ليس من آلات الحرب فلا يصح بذلك العوض فيه ولا ترد به الشهادة لانه ليس بقمار، لان القمار أن لا يخلو أحد من أن يغنم أو يغرم، وههنا أحدهما يغنم ولا يغرم، وان اشتغل به عن الصلاة في وقتها مع العلم فإن لم يكثر ذلك منه لم ترد شهادته، وإن أكثر منه ردت شهادته لانه من الصغائر ففرق بين قليلها وكثيرها، فإن ترك فيه المروءة بأن يلعب به على طريق أو تكلم في لعبه بما يسخف من الكلام، أو اشتغل بالليل والنهار ردت شهادته لترك المروءة. (فصل) ويحرم اللعب بالترد وترد به الشهادة، وقال أبو إسحاق رحمه الله هو كالشطرنج، وهذا خطأ لما روى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: من لعب بالترد فقد عصى الله ورسوله وروى بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: من لعب بالترد فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه، ولان المعول فيه على ما يخرجه الكعبان فشابه الازلام، ويخالف الشطرنج فإن المعول فيه على رأيه، ويحرم اللعب بالاربعة عشر لان المعول فيها على ما يخرجه الكعبان فحرم كالترد. (فصل) ويجوز اتخاذ الحمام لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال اتخذ زوجا من حمام،

ولان فيه منفعة لانه يأخذ بيضه وفرخه، ويكره اللعب به لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا يسعى بحمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة، وحكمه في رد الشهادة حكم الشطرنج وقد بيناه. (فصل) ومن شرب قليلا من النبيذ لم يفسق ولم ترد شهادته، ومن أصحابنا من قال إن كان يعتقد تحريمه فسق وردت شهادته، والمذهب الاول، لان استحلال الشئ أعظم من فعله بدليل أن من أستحل الزنا كفر، ولو فعله لم يكفر فإذا لم ترد شهادة من استحل القليل من النبيذ فلان لا يرد شربه أولى ويجب عليه الحد، وقال المزني رحمه الله لا يجب كما لا ترد شهادته، وهذا خطأ لان الحد المردع والنبيذ كالخمر في الحاجة إلى الردع لانه يشتهى كما يشتهى الخمر ورد الشهادة لارتكاب كبيرة لانه إذا أقدم على كبيرة أقدم على شهادة الزور وشرب النبيذ ليس بكبيرة، لانه مختلف في تحر يمه، وليسى من أقدم على مختلف فيه اقدم على شهادة الزور وهى من الكبائر. (فصل) ويكره الغناء وسماعه من غير آلة مطربة، لما روى ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) ولا يحرم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بجارية لحسان بن ثابت وهى تقول: هل على ويحكما * إن لهوت من حرج فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حرج إن شاء الله. وروت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: كان عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر رضى الله عنه فقال: مزمار الشيطان في بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعهما فإنهما أيام عيد، فإن غنى لنفسه أو سمع غناء جاريته ولم يكثر منه لم ترد شهادته، لان عمر رضى الله عنه كان إذا دخل في داره يرنم بالبيت والبيتين، واستؤذن عليه لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وهو يترنم، فقال أسمعتني يا عبد الرحمن، قال نعم، قال إنا إذا خلونا في منازلنا نقول كما يقول الناس.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وهو من زهاد الصحابة وفقائها أنه قال إنى لاجم قلبى شيئا من الباطل لاستعين به على الحق، قأما إذا أكثر من الغناء أو اتخذه صنعة يغشاه الناس للسماع أو يدعى إلى المواضع ليغنى ردت شهادته لانه سفه وترك للمروءة، وإن اتخذ جارية ليجمع الناس لسماعها ردت شهادته لانه سفه وترك مروءة ودناءة. (فصل) ويحرم استعمال الآلات التى تطرب من غير غناء كالعود والطنبور والمعزفة والطبل والمزمار، والدليل عليه قوله تعالى (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال ابن عباس انها الملاهي. وروى عبد الله ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إن الله حرم على أمتى الخمر والميسر والمزمار والكوبة والقنين) فا لكوبة الطبل القنين البرط. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال (تمسخ أمة من أمتى بشربهم الخمر وضربهم بالكوبة والمعازف) ولانها تطرب وتدعو إلى الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة والى اتلاف المال فحرم كالخمر، ويجوز ضرب الدف في العرس والختان دون غيرهما لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) ويكره الفضيب الذى يزيد الغناء طربا ولا يطرب إذا انفرده لانه تابع الغناء، فكان حكمه حكم الغناء، وأما رد الشهادة فما حكمنا بتحريمه من ذلك فهو من الصغائر، فلا ترد الشهادة بما قل منه وترد بما كثر منه كما قلنا في الصغائر، وما حكمنا بكراهيته واباحته فهو كالشطرنج في رد الشهادة وقد بيناه. (فصل) وأما الحداء فهو مباح لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة نام بالوادي حاديان. وروت عائشة رضى الله عنها قالت: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال، وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحه (حرك بالقوم) فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعتقت الابل في السير، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أنجشة رويدك رفقا بالقوارير.

ويجوز استماع نشيد الاعرابي لما روى عمر وبن الشريد عن أبيه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه ثم قال أمعك شئ من شعر أمية بن أبى الصلت فقلت نعم فأنشدته بيتا فقال هيه فأنشدته بيتا آخر فقال هيه، فأنشدته إلى أن بلغ مائة بيت. (فصل) ويستحب تحسين الصوت بالقرآن لما روى الشافعي رحمه الله بإسناده عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: ما أذن الله لشئ كإذنه لنبى حسن الترنم بالقرآن، وروى حسن الصوت بالقرآن، وروى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: حسنوا القرآن بأصواتكم، وقال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وحمله الشافعي على تحسين الصوت وقال: لو كان المراد به الاستغناء بالقرآن لقال من لم يتغان بالقرآن. وأما القراءة بالالحان فقد قال في موضع أكرهه، وقال في موضع آخر لا أكرهه وليست على قولين وإنما هي على اختلاف حالين، فالذي قال أكرهه أراد أذا جاوز الحد في التطويل وادغام بعضه في بعض، والذى قال لا أكرهه إذا لم يجاوز الحد. (فصل) ويجوز قول الشعر لانه كان للنبى صلى الله عليه وسلم شعراء، منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، ولانه وفد عليه الشعراء ومدحوه وجاءه كعب بن زهير وأنشده: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم عندها لم يفد مكبول فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردة كانت عليه فابتاعها منه معاوية بعشرة آلاف درهم وهى التى مع الخلفاء إلى اليوم وحكمه حكم الكلام في حظره واباحته وكراهيته واستحبابه ورد الشهادة به، والدليل عليه ما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) (فصل) ومن شهد بالزور فسق وردت شهادته لانها من الكبائر، والدليل عليه ما روى خريم بن فاتك قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح

ولما انصرف قام قائما ثم قال عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله (ثلاث مرات) ثم تلا قوله عز وجل (فاجتنبوا الرجس من الآوثان واجتنبوا قول الزور) وروى محارب بن دثار عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (شاهد الزور لا يزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار ويثبت أنه شاهد زور) من ثلاثة أوجه (أحدها) أن يقر أنه شاهد زور (والثانى) أن تقوم البينة أنه شاهد زور (والثالث) أن يشهد بما يقطع بكذبه بأن شهد على رجل أنه قتل أوزنى في وقت معين في فوضع معين، والمشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر، وأما إذا شهد بشئ أخطأ فيه فلم يكن شاهد زور لانه لم يقصد الكذب. وإن شهد لرجل بشئ وشهد به آخر أنه لغيره لم يكن شاهد زور، لانه ليس تكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر فلم يقدح ذلك في عدالته. وإذا ثبت أنه شاهد زور ورأى الامام تعزيره بالضرب أو الحبس أو الزجر فعل، وإن رأى أن يشهر أمره في صوته ومصلاه وقبيلته وينادى عليه أنه شاهد زور فاعرفوه فعل، لما روى بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذكروا الفاسق بما فيه ليحذره الناس) ولان في ذلك زجرا له ولغيره عن فعل مثله. وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال (إن كان من أهل الصيانة لم يناد عليه لقوله عليه الصلاة والسلام (أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم) وهذا غير صحيح لان بشهادة الزور يخرج عن أن يكون من أهل الصيانة. (فصل) ولا تقبل شهادة جار إلى نفسه نفعا ولا دافع عن نفسه ضررا لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى إحنة) والظنين المتهم، والجار إلى نفسه نفعا والدافع عنها ضررا متهمان، فإن شهد المولى لمكاتبه بمال لم تقبل شهادته لانه يثبت لنفسه حقا، لان مال المكاتب يتعلق به حق المولى. وإن شهد الوصي اليتيم والوكيل للموكل فيما فوض النظر فيه إليه لم تقبل لانهما يثبتان لانفسهما حق المطالبة والتصرف، وان وكله في شئ ثم عزله لم يشهد فيها

كان النظر فيه إليه، فإن كان قد خاصم فيه لم تقبل شهادته، وان لم يكن قد خاصم فيه ففيه وجهان. (أحدهما) أنه تقبل لانه لا يلحقه تهمة. (والثانى) أنه لا تقبل لانه بعقد الوكالة يملك الخصومة فيه. وان شهد الغريم لمن له عليه دين وهو محجور عليه بالفلس لم تقبل شهادته لانه يتعلق حقه بما يثبت له بشهادته، وان شهد لمن له عليه دين وهو موسر قبلت شهادته لانه لا يتعين حقه فيما شهد به، وان شهد له وهو معسر قبل الحجر ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا يقبل لانه يثبت له حق المطالبة (والثانى) أنه يقبل لانه لا يتعلق بما يشهد به له حق (فصل) وان شهد رجلان على رجل أنه جرح أخاهما وهما وارثاه قبل الاندمال لم تقبل لانه قد يسرى إلى نفسه فيجب الدم به لهما، وان شهدا له بمال وهو مريض فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه لا تقبل لانهما متهمان لانه قد يموت فيكون المال لهما فلم تقبل، كما لو شهدا بالجراحة، والثانى وهو قول أبى الطيب بن سلمة أنه تقبل لان الحق يثبت للمريض ثم ينتقل بالموت اليهما، وفى الجناية إذا وجبت الدية وجبت لهما لانها تجب بموته فلم تقبل. وان شهدا له بالجراحة وهناك ابن قبلت شهادتهما لانهما غير متهمين وان مات الابن وصار الاخوان وارثين نظرت فإن مات الابن بعد الحكم بشهادتهما لم تسقط الشهادة لانه حكم بها. وان مات قبل الحكم بشهادتهما سقطت الشهادة كما لو فسقا قبل الحكم. وان شهد المولى على غريم مكاتبه والوصى على غريم الصبى أو الوكيل على غريم الموكل بالابراء من الدين أو بفسق شهود الدين لم تقبل الشهادة لانه دفع بالشهادة عن نفسه ضررا وهو حق المطالبة. وان شهد شاهدان من عاقلة القاتل بفسق شهود القتل، فإن كانا موسرين لم تقبل شهادتهما لانهما يدفعان بهذه الشهادة عن أنفسهما ضررا وهو الدية، وإن كانا فقيرين فقد قال الشافعي رضى الله عنه ردت شهادتهما، وقال في موضع

آخر إذا كانا من أباعد العصبات بحيث لا يصل العقل اليهما حتى يموت من قبلهما قبلت شهادتهما، فمن أصحابنا من نقل جواب إحداهما إلى الآخرى وجعلهما على قولين: (أحدهما) أنه تقبل لانهما في الحال لا يحملان العقل. (والثانى) أنه لا تقبل لانه قد يموت القريب قبل الحول ويوسر الفقير فيصيران من العاقلة، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال تقبل شهادة الاباعد ولا تقبل شهادة القريب الفقير، لان القريب معدود في العاقلة واليسار يعتبر عند الحول وربما يصير موسرا عند الحول، والبعيد غير معدود في العاقلة وانما يصير من العاقلة إذا مات الاقرب. (فصل) ولا تقبل شهادة الوالدين للاولاد وان سفلوا، ولا شهادة الاولاد للوالدين وان علوا وقال المزني رحمه الله وأبو ثور: تقبل، ووجهه قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فعم ولم يخص، ولانهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى احنة) والظنين المتهم، وهذا متهم لانه يميل إليه ميل الطبع، ولان الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال عليه السلام: يا عائشة ان فاطمة بضعة منى يربينى ما يربيها) ولان نفسه كنفسه وماله كماله، ولهذا قال عليه السلام لابي معشر الدرامى: أنت ومالك لابيك. وقال صلى الله عليه وسلم: ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وان ولده من كسبه، ولهذا يعتق عليه إذا ملكه ويستحق عليه النفقة إذا احتاج، والآية نخصها بما ذكرناه. والاستدلال بأنهم كغيرهم في العدالة يبطل بنفسه فإنه كغيره في العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق. ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد في ايجاب القصاص وحد القذف لانه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الاول لانه انما ردت شهادته له للتهمة ولا تهمة في شهادته عليه.

ومن عدا الوالدين والاولاد من الاقارب كالاخ والعم وغيرهما تقبل شهادة بعضهم لبعض لانه لم يجعل نفس أحدهما كنفس الآخر في العتق ولا ماله كماله في النفقة، وإن شهد شاهدان على رجل أنه قذف ضرة أمهما ففيه قولان: قال في القديم لا تقبل لانهما يجران إلى أمهما نفعا لانه يجب عليه بقذفها الحد فيحتاج أن يلاعن، وتقع الفرقة بينه وبين ضرة أمها، وقال في الجديد تقبل وهو الصحيح، لان حق أمهما لا يزيد بمفارقه الضرة، وإن شهد أنه طلق ضرة أمهما ففيه قولان (أحدهما) أنه تقبل (والثانى) أنه لا تقبل، وتعليلهما ما ذكرناه (فصل) وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر لان النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك فلم يمنع من شهادة أحدهما للآخر كقرابة ابن العم ولا تقبل شهادة الزوج على الزوجة في الزنا، لان شهادته دعوى خيانة في حقه فلم تقبل كشهادة المودع على المودع بالخيانة في الوديعة، ولانه خصم لها فيما يشهد به فلم تقبل، كما لو شهد عليها أنها جنت عليه. (فصل) ولا تقبل شهادة العدو على عدوه لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى إحنة) وذو الاحنة هو العدو، ولانه متهم في شهادته بسبب منهى عنه فلم تقبل شهادته. (فصل) ومن جمع في الشهادة بين أمرين فردت شهادته في أحدهما نظرت فإن ردت العداوة بينه وبين المشهود عليه، مثل أن يشهد على رجل أنه قذفه وأجنبيا ردت شهادته في حقه وفى حق الأجنبي، لان هذه الشهادة تضمنت الاخبار عن عداوة بينهما وشهادة العدو على عدوه لا تقبل، فإن ردت شهادته في أحدهما لتهمة غير العداوة بأن شهد على رجل أنه اقترض من أبيه ومن أجنبي مالا ردت شهادته في حق أبيه، وهل ترد في حق الأجنبي؟ فيه قولان. (أحدهما) أنها ترد كما لو شهد أنه قذفه وأجنبيا (والثانى) أنها لا ترد لانها ردت في حق أبيه للتهمة ولا تهمة في حق الأجنبي فقبلت. (فصل) ومن ردت شهادته بمعصية فتاب قبلت شهادته لقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم

شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) التوبة توبتان، توبة في الباطن وتوبة في الظاهر، فأما التوبة في الباطن فهى ما بينه وبين الله عزوجل، فينظر في المعصية فإن لم يتعلق بها مظلمة لآدمي ولا حد لله تعالى كالاستمتاع بالاجنبية فيما دون الفرج فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها، والدليل عليه قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، وأولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) . وإن تعلق بها حق آدمى فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها وأن يبرأ من حق الآدمى اما أن يؤديه أو يسأله حتى يبرئه منه، لما روى ابراهيم النخعي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رأى رجلا يصلى مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل والله لئن كنت أحسنت فقد ظلمتني وإن كنت أسأت فما علمتني، فقال عمر اقتص، قال لا أقتص، قال فاعف، قال لا أعفو، فافترقا على ذلك، ثم لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر، فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أرى ما كان منى قد أسرع فيك، قال أجل، قال فأشهد أنى قد عفوت عنك. وان لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه ان قدر أوفاه حقه، وان تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب، فإن لم يظهر ذلك فالاولى أن يستره على نفسه لقوله عليه السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله، وان أظهره لم يأثم، لان ما عزا والغامدية اعترفا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزنا فرجمهما ولم ينكر عليهما، وأما التوبة في الظاهر وهى التى تعود بها العدالة والولاية وقبول الشهادة فينظر في المعصية فإن كانت فعلا كالزنا والسرقة لم يحكم بصحة التوبة حتى يصلح عمله مدة لقوله تعالى (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) وقدر أصحابنا المدة بسنة. لانه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة فكانت أولى المدد بالتقدير سنة، لانه تمر فيها الفصول الاربعة التى تهيج فيها الطبائع وتغير فيها الاحوال

وإن كانت المعصية بالقول فإن كانت ردة فالتوبة منها أن يظهر الشهادتين، وإن كانت قذفا فقد قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه. واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله: هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله. ووجهه ما روى عن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (توبة القاذف إكذابه نفسه) وقال أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هو أن يقول قذفي له كان باطلا، ولا يقول إنى كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بتكذيبه نفسه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا، ولا تصح التوبة منه إلا بإصلاح العمل على ما ذكرناه في الزنا والسرقة. وفأما إذا شهد عليه بالزنا ولم يتم العدد فإن قلنا إنه لا يجب عليه الحد فهو على عدالته ولا يحتاج إلى التوبة، وإن قلنا انه يجب عليه الحد وجبت التوبة، وهو أن يقول ندمت على ما فعلت ولا أعود إلى ما أنهم به، فإذا قال هذا عادت عدالته، ولا يشترط فيه إصلاح العمل، لان عمر رضى الله عنه قال لابي بكرة تب أقبل شهادتك، وان لم يتب لم تقبل شهادته ويقبل خبره لان أبا بكره ردت شهادته وقبلت أخباره، وان كانت معصية بشهادة زور فالتوبة منها أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله، ويشترط في صحة توبته إصلاح العمل على ما ذكرناه. (فصل) وان شهد صبى أو عبد أو كافر لم تقبل شهادته، فإن بلغ الصبى أو أعتق العبد أو أسلم الكافر وأعاد تلك الشهادة قبلت، وان شهد فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعاد تلك الشهادة لم تقبل. وقال المزني وأبو ثور رحمهما الله تقبل كما تقبل من الصبى إذا بلغ والعبد إذا أعتق والكافر إذا أسلم، وهذا خطأ لان هؤلاء لا عار عليهم في رد شهادتهم فلا يلحقهم تهمة في اعادة لشهادة بعد الكمال، والفاسق عليه عار في رد شهادته فلا يؤمن أن يظهر لتوبة لازالة العار فلا تنفك شهادته من التهمة، وان شهد المولى لمكاتبه بمال فردت شهادته ثم أدى المكاتب مال الكتابة وعتق وأعاد المولى الشهادة له بالمال فقد قال أبو العباس فيه وجهان. (أحدهما) أنه تقبل لان شهادته لم ترد بمعرة وانما ردت لانه ينسب لنفسه

حقا بشهادته وقد زال هذا المعنى بالعتق (والثانى) أنها لا تقبل وهو الصحيح لانه ردت شهادته للتهمة فلم تقبل إذا أعادها كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد الشهادة. وإن شهد رجل على رجل أنه قذفه وزوجته فردت شهادته ثم عفا عن قذفه وحسنت الحال بينهما ثم أعاد الشهادة للزوجة لم تقبل شهادته لانها شهادة ردت للتهمة فلم تقبل، وإن زالت التهمة كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد الشهادة، وإن شهد لرجل أخوان له بجراحة لم تندمل وهما وارثان له فردت شهادتهما ثم اندملت الجراحة فأعاد الشهادة ففيه وجهان: (أحدهما) أنه تقبل لانها ردت للتهمة وقد زالت التهمة (والثانى) وهو قول أبى اسحاق وظاهر المذهب أنها لا تقبل لانها شهادة ردت التهمة فلم تقبل كالفاسق إذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد (الشرح) حديث (رفع القلم ... ) سبق تخريجه حديث معاذ (لا تجوز شهاده أهل دين. ) أخرجه البيهقى من طريق الاسود بن عامر قال شاذان: كنت عند سفيان الثوري فسمعت شيخا يحدث عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة نحوه وأتم منه، قال شاذان فسألت عن اسم الشيح فقالوا عمر بن راشد، قال البيهقى وكذا رواه الحسن بن موسى وعلى بن الجعد عن عمر بن راشد، وعمر ضعيف، وضعفه أبو حاتم، وفى معارضة حَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض، أخرجه وفى اسناده مجالد وهو شئ الحفظ. حديث (لا تجوز شهادة خائن. ) روى بلفظ (لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة. ) أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي من حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وسياقهم أتم وليس فيه ذكر الزانى والزانية إلا عند أبى داود وسنده قوى، ورواه الترمذي والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة وفيه زياد بن يزيد الشامي وهو ضعيف

وقال الترمذي: لا يعرف هذا من حديث الزهري الا من هذا الوجه، ولا يصح عندنا اسناده. وقال أبو زرعة في العلل منكر، وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزى ورواه الدارقطني والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو وفيه عبد الاعلى وهو ضعيف وشيخه يحيى بن سعيد الفارسى وهو ضعيف. قال البيهقى: لا يصح من هذا شئ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ (ما منا من عصى أو هم..) قال الحافظ بن حجر (ما من آدمى الا وقد أخطأ أو هم بخطيئة الا يحيى بن زكريا لم يهم بخطيئة ولم يعملها) رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم من حديث ابن عباس وهذا لفظه (ما من أحد من ولد آدم الا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا) وهو مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عن يوسف بن مهران وهما ضعيفان، وفى الباب عن أبى هريرة وفى الطيرانى في الاوسط وكامل بن عدى في ترجمة حجاج بن سليمان، وأخرجه البيهقى بإسناد صحيح إلى الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وأخرجه عبد الرزاق من طريق سعيد ابن المسيب مرسلا. حديث (ان مما أدرك الناس ... ) رواه البخاري وأحمد والطبراني من حديث أبى مسعود البدرى ومالك في الموطأ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، وأن نصنع أيماننا على شمائلنا في الصلاة يُنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أثر (روى اللعب بالشطرنج عن ابن عباس ... ) قال الحافظ أما ابن الزبير فلم أره، ويحتمل أنه يريد بهشام بن عروة بن الزبير كما ذكره الشافعي، وأما أبو هريرة فرواه أبو بكر الصولى في كتاب الشطرنج بسنده إليه وأخرج الشافعي وحكاه أيضا عن محمد بن سيرين وهشام ابن عروة أن سعيد بن جبير كان يلعب بالشطرنج استدبارا وكذا البيهقى حديث (من لعب بالترد..) أخرجه مالك وأحمد وأبو داود وابن ماجه

والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث الجاموسى الاشعري، قال الحافظ ووهم من عزاه إلى تخريج مسلم. حديث (من لعب بالترد ... ) أخرجه مسلم وقال أحمد عن موسى بن عبد الرحمن الخطمى أنه سمع محمد بن كعب يسأل عبد الرحمن: أخبرني ما سمعت أباك؟ قال سمعت أبى يقول سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مثل الذى يلعب بالترد ثم يقوم فيصلى مثل الذى يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلى) حديث عبادة بن الصامت (أن رجلا شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) لم أجده. حديث (أن رجلا يسعى بحمامة..) أخرجه البيهقى وأبو داود حديث (الغناء ينبت النفاق..) أخرجه أبو داود بدون التشبيه والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعا وفيه شيخ لم يسم، ورواه البيهقى أيضا موقوفا، وفى الباب عن أبى هريرة رواه ابن عدى، وقال ابن طاهر أصح الاسانيد في ذلك أنه من قول ابراهيم، وروى في السنن الكبرى البيهقى أنه من قول ابن مسعود. حديث (مر بجارية لحسان بن ثابت وهى تقول..) أخرجه البيهقى حديث عائشة (قالت كان عندي جاريتان تغنيان ... ) متفق عليه أثر عمر (كان إذا دخل داره ترنم..) ذكره المبرد في الكامل في قصة، وذكره البيهقى في المعرفة عن عمر وغيره ورواه المعافى النهرواني في كتاب الجليس والانيس وابن مسنده في المعرفة في ترجمة أسلم الحاوى في قصة، وروى أبو القاسم الاصبهاني في الترغيب شيئا من ذلك في قصة. أثر عمر (واستؤذن عليه لعبد الرحمن بن عوف ... ) أخرج البيهقى قال السائب بن يزيد: فبينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق الحج ونحن نؤم مكة اعتزل عبد الرحمن رضى الله عنه الطريق ثم قال لرباح

ابن المغترف غننا يا أبا حسان، وكان يحسن النصب، فبينا رباح يغنيه أدركهم عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خلافته فقال ما هذا؟ فقال عبد الرحمن ما بأس بهذا نلهو، فقال عمر رضى الله عنه: فإن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب، وضرار رجل من بى محارب بن فهر. أثر أبى ذر (انى لاجم. ) لم أجده أثر ابن عباس عن آلات الطرب قال انها الملاهي أخرجه البيهقى بلفظ عن ابن عباس قال: الدف حرام والمعازف حرام والكوبة حرام والمزمار حرام. حديث عبد الله بن عمرو (ان الله حرم على أمتى الخمر..) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس بهذا وزاد وهو الطبل وقال كل مسكر حرام من حديث ابن عمر، وبين في رواية أخرى أن تفسير الكوبة من كلام على بن بذيمة، ورواه أبو داود من حديث ابن عمرو وزاد والغبيراء، وزاد أحمد فيه والمزمار، ورواه أحمد من حديث قيس بن سعد بن عبادة. حديث (تمسخ أمة من الامم بشربهم الخمر ... ) أخرجه البخاري عن أبى عامر بلفظ (ليكون في أمتى أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة لهم فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون ارجع الينا غدا فبيتهم الله فيضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) ومسلم نحوه. حديث (أعلنوا النكاح ... ) أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة وفيه (واضربوا عليه بالغربال) وفى اسناده خالد بن الياس وهو منكر الحديث، قال أحمد وفى رواية الترمذي عيسى بن ميمون وهو يضعف قاله الترمذي، وضعفه ابن الجوزى من الوجهين، فعم روى أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير (أعلنوا النكاح. ) وروى أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث محمد بن حاطب

(فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف) وأدعى ابن الكمال جعفر الادنوى في كتاب الامتاع بأحكام السماع أن مسلما أخرج الحديث في صحيحه ووهم في ذلك وهما قبيحا. حديث ابن مسعود (كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة نام بالوادي حاديان..) لم أجده. حديث عائشة كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر وكان عبد الله ابن رواحة..) أخرجه النسائي من حديث قيس بن أبى حازم عن عمر بن الخطاب، ورواه أيضا من حديث قيس عن أبى رواحة مرسلا وقوله صلى الله عليه وسلم (ارفق يا أنجشة ويحك رفقا بالقوارير) متفق عليه حديث عبد الله بن الشريد عن أبيه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه..) رواه مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: أردفني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هل معك من شعر أمية بن أبى الطلت شئ قال نعم، قال هيه، قال فأنشدته بيتا فقال هيه، فأنشدته حتى بلغت مائة بيت، وفى رواية (وان كان في شعره تيسلم) ما رواه الشافعي (ما أذن الله كإذنه لنبى ... ) (ما أذن الله لشئ ما أذن لنبى حسن الصوت بالقرآن يجهر به، رواه البخاري ومسلم من وجه آخر. حديث (حسن الصوت بالقرآن..) أخرج البيهقى عن عبد الرحمن بن السائب قال. قدم علينا سعد بن مالك فأتيته مسلما فنسبني فانتسبت، فقال مرحبا يا ابن أخى بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول. ان هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) حديث البراء بن عازب (حسنوا القرآن بأصواتكم) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وابن حبان والحاكم من حديث البراء بن عازب (زينوا القرآن بأصواتكم) قلت: علقه البخاري بالجزم، ولابن حبان عن أبى هريرة والتزار عن عبد الرحمن بن عوف وللحاكم من طريق أخرى عن البراء (زينوا أصواتكم

بالقرآن) وهى في الطبراني من حديث ابن عباس، ورجح هذه الرواية الخطابى وفيه نظر لما رواه الدارمي والحاكم بلفظ (زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحق يزيد القرآن حسنا) فهذه الزيادة تؤيد معنى الرواية الاولى. حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) رواه البخاري وأحمد من حديث أبى هريرة وأحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وابن حبان من حديث سعد بن أبى وقاص، وفى الباب عن ابن عباس وعائشة في الحاكم، وعن أبى لبابة في سنن أبى داود، وقال الشافعي معنى هذا الحديث تحسين الصوت بالقرآن، وفى رواية أبى داود قال ابن أبى مليكة يحسنه ما استطاع، وقال ابن عيينة يجهر به، وقال وكيع يستغنى به. وقيل غير ذلك في تأويله. حديث (كان للنبى شعراء منهم حسان ... ) حسان بن ثابت (فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال اهجوا قريشا فإنها أشد على من رشق النبل، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال اهج فهجاهم، فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الاسد الضارى ثم ادلع لسانه فجعل يحركه ثم قال: والذى بعثك بالحق لافرينهم فرى الاديم فقال لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وان لى فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لى نسبك والذى بعثك بالحق لاسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ... ) الحديث بطوله وفيه الشعر رواه مسلم. ابن رواحة: في البخاري عن أبى هريرة أنه كان يقول في قصصه يذكر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أخا لكم لا يقول الرفث، يعنى بذلك عبد الله بن رواحة. حديث عبد الله بن عمرو (الشعر بمنزلة الكلام) أخرجه الدارقطني مرفوعا من حديث عائشة وفيه عبد العظيم بن حبيب ضعيف حديث خريم بن فاتك (قال صلى صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ... ) أخرجه البيهقى.

حديث (شاهد الزور) أخرجه ابن ماجه وانفرد به وفيه محمد بن الفرات الكوفى كذبه أحمد، وقال في التقريب كذبوه. حديث بهز بن حكيم (اذكروا الفاسق بما فيه..) قال الشوكاني في مجموعة الرسائل المنيرية صفحة 58 لم يصح ذلك بوجه من الوجوه. حديث (أقيلوا ذوى الهيئات..) أخرجه البيهقى حديث ابن عمر (لا تقبل شهادة ظنين) سبق تخريجه حديث (يا عائشة ان فاطمة بضعة ... ) عن المسور بن محزمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فاطمة بضعة منى من أذاها فقد آذانى، متفق عليه حديث معشر الدارمي أنت ومالك لابيك أخرجه ابن ماجه عن جابر والطبراني عن سمرة وابن مسعود. حديث (ان أطيب ما أكل. ) أخرجه الحاكم وأبو داود وابن ماجه عن عمرو بلفظ (أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم) أثر ابراهيم النخعي أن عمر ضرب رجلا يعتلى. أخرجه البيهقى أثر عمر (توبة القاذف إكذابه نفسه) أخرجه البيهقى، وقال الحافظ لم أره مرفوعا. أثر عمر قال لابي بكرة: تب أقبل شهادتك. أخرجه البخاري. اللغة: قوله (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) يقال أشهدت واستشهدت بمعنى واحد، والشهيد والشاهد سواء بمعنى كالعالم والعليم، ومجمع على أشهاد وشهداء وشهود وشهد، سمى خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين لانه حكم بشهادته وحده وأقام شهادته مقام شاهدين. قوله (المغفل) الذى تكثر منه الغفلة وليس بمتيقظ ولا ذاكر قوله (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة) الخائن الذى أؤتمن فأخذ أمانته وقد وهم من قال هو السارق، وقد تقع الخيانة في غير المال، وذلك بأن يستودع سرا فيفشيه أو يؤمن على حكم فلا يعدل فيه.

قوله (ولا ذى غمر) الغمر الحقد والغل، وقد غمر صدره على بالكسر يغمر غمرا وغمراء عن يعقوب، قوله (شهد بالزور) الزور الكذب وأصله الميل كأنه مال عن الصدق إلى الكذب، ومثله قوله تعالى (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم) وقيل هو مشتق من قولهم زورت في نفسي حديثا أصلحته وهيأته كأن شاهد الزور قد زور الشهادة في نفسه وهيأها ولم يسمع ولم ير. قوله (بمحض الطاعة) أي يخلصها والمحض الخالص من كل شئ، قوله (يخبث بعض) الخبيث ضد الطيب، وقد خبثت خباثة وخبثا. قوله (من استجاز) أي رآه جائزا سائغا، يقال جوز له ما صنع وأجاز له أي سوغ له ذلك والمروءة تهمز وتخفف، ويجوز التشديد وترك الهمزة فيها وهى الانسانية كما ذكر قال أبو زيد: مرؤ الرجل صار ذا مروءة، فهى مرء على فعيل وتمرأ تكلف المروءة قوله (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) معناه انما يمنع من فعل السوء والقبيح الحياء، فإذا عدم الحياء لم يمنعه منه مانع. وقيل معناه إذا لم تستح صنعت ما شئت، وقيل اصنع ما شئت فأنت مجازى. قوله (الصنائع الدنيئة) هي الخسيسة مأخوذة من الدنى. وهو الخسيس مهموز، وقد دنأ الرجل إذا صار دنيئا لا خير فيه. قوله (والزبال) الذى يحمل الزبل وهو السرجين وموضعه المزبلة، والنخال هو الذى ينخل التراب يلتمس فيه الشئ التافه والشطرنج بكسر الشين في اللغة الفصيحة. قوله (يلعب به استدبارا) الاستدبار خلاف الاستقبال أي يجعله خلف ظهره قوله (تكلم في لعبه بما يسخف) هو الكلام القذع الساقط، وأصل السخف رقة العقل، وقد سخف الرجل بالضم سخافة فهو سخيف، ويحرم اللعب بالنرد - ليس النرد بعربي _ وصورته أن يكون ثلاثون بندقا مع كل واحد من اللاعبين خمسة عشر ويكون فيه ثلاث كعاب مربعة، تكون في أرباع كل واحدة في ربع ست نقط وفى المقابلة نقطة، وفى الربع الثاني خمس نقط، وفى المقابلة نقطتان، وفى الربع الثالث أربع نقط وفى المقابلة ثلاث نقط، والاربعة عشر هي قطعة من خشب يحفر فيها ثلاثة

أسطر فيجعل في تلك الحفر حضى صغار يلعبون بها، ذكره في البيان ويحرم اللعب بالاربعة عشر هي اللعبة التى تسميها العامة شاردة، وهو أربعة عشر بالفارسية، لان شعار أربعة وده عشرة بلغتهم، وهو حفيرات تجعل في لوح سطرا في أحد جانبيه وسطرا في الجانب الآخر، وتجعل في الحفر حصى صغار يلعبون بها. وقال في الشامل ثلاثة أسطر. قوله (من غير آلة مطربة) قد ذكرنا أن الطرب خفة نصيب الانسان لشدة حزن أو سرور. قال الشاعر: وأرانى طربا في إثرهم * طرب الواله أو كالمختبل وبين الجارية التى تنشد: هل على ويحكما * إن لهوت من حرج؟ فقال لا حرج إن شاء الله. قال ابن الانباري في الويح قولان، قال أهل التفسير: الويح الرحمة، وقالوا حسن أن يقول الرجل لمن يخاطبه ويحك. والثانى قاله الفراء الويح والويس كنايتان عن الويل، ومعنى ويحك ويلك بمنزلة قول العرب قانعه الله كناية عن قولهم قاتله الله. وكنى آخرون فقالوا كاتعه الله. وقال غيره ويح كلمة رحمة ضد ويل كلمة عذاب. وقال البريدى هما بمعنى واحد، يقال ويح لزيد وويل برفعهما على الابتداء ولك أن تقول ويحا لزيد وويلا لزيد فتنصبهما بإضمار فعل، كأنك قلت ألزمه الله ويحا وويلا. قوله (لا حرج) أي لا ضيق أو لا إثم وقد ذكر قوله (ترنم بالبيت والبتين) الرنم بالتحريك الصوت وقد رنم بالكسر وترنم إذا رجع صوته. والترنيم مثله وترنم الطائر في هديره، وقيل ان البيت الذى أنشده عمر (رض) وان ثوائى بالمدينة بعد ما * قضى وطرا منها جميل بن معمر أراد جميل بن معمر الجحى لا العذري فإنه متأجر. قوله (انى لاجم قلبى) أي أريحه. والجمام بالفتح الراحة يقال جم الفرس جما وجماما إذا ذهب إعياؤه وكذلك إذا ترك الضراب يجم ويجم، وأجم الفرس إذا ترك أن يركب، وقيل

يجمعه ويكمل صلاحه ونشاطه، يقال جم الماء يجم إذا زاد، وجم الفرس إذا زاد جريه. قوله (المعزفة) بكسر الميم من آلات الملاهي، والمعازف الملاهي والعزيف صوت الجن يعزف عزيفا. قوله (لهو الحديث) فسر بالغناء وسمى لهوا لانه يلهى عن ذكر الله تعالى يقال لهوت عن الشئ إذا أعرضت عنه قوله (ان الله حرم على أمتى الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين) الخمر يكون من العنب، ويقال لما سواها مجازا واتساعا، والميسر القمار وقد ذكر والمزر خمرة الذرة، واما الكوبة والقنين فقد فسرهما الشيخ في الكتاب وفسر القنين بالبربط وهو عود الغناء، قال الزمخشري القنين بوزن السكيت الطنبور عن ابن الاعرابي، وقن إذا ضرب به، يقال قنقته بالعصا قنا إذا ضربته، قال وقيل لعبة الروم يتقامرون بها، وهو قول ابن قتبة. قال ابن الاعرابي وهو الطنبور بالحبشة، والكوبة الترد، ويقال الطيل، وقال في الوسيط هو طبل المخنثين دقيق الوسط غليظ الطرفين. وقال الجوهرى الكوبة الطبل الصغير المخصر وهو قريب مما قال في الوسيط وقال في العين هن قصبا يجمعن قطعة من أديم ويخرج عليهن ثم ينفخ فيها اثنان يزمران فيها وسميت كوبة لان بعضها كوب على بعض أي ألزم قوله (تمسخ) المسخ تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها، يقال مسخه الله قردا، والمسيخ من الرجال الذى لا ملاحة له، ومن اللحم الذى لا طعم له. قوله (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) الاعلان والعلانية ضد الاسرار وهو إظهار الشئ وترك إخفاته ليخالف الزنا الذى عادته أن يستسر به ويخفى، والدف بالضم وحكى أبو عبيد أن الفتح فيه لغة. قوله (الحداء) الحدا والحدو: سوق الابل والغناء لها، وقد حدوت الابل حدوا وحدا، قوله (فأعتقت الابل في السير) أي أسرعت والعنق ضرب من السير سريع كأن الابل ترفع أعناقها فيه، قوله (رويدك) تصغير رود وقد أرود به أي رفق به، وقد وضع موضع الامر، أي أرود بمعنى أرفق، قيل أصله من رادت الريح ترود إذا تحركت حركة خفيفة، قال الله تعالى (أمهلهم رويدا)

أي إمهالا رويدا قوله (رفقا بالقوارير) شبههن بها لضعفهن ورقة قلوبهن، والقوارير يسرع إليها الكسر، وكان ينشد من الرجز ما فيه نسيب فلم يأمن أن يصيبهن أو يوقع في قلوبهن حلاوة أمر بالكف عن ذلك، يقال الغناء رقبة الزنا ويقال إن سليمان بن عبد الملك سمع في معسكره مغنيا فدعا به فخصاه، فقال إن الغناء رقية الزنا، وكان شديد الغيرة، وأنشد بعض أهل العصر يا حادى العيس رفقا بالقوارير * فقد أذاب سراها بالقواريرى وشفها السير حتى ما بها رمق * في مهمه ليس فيه القواريرى جمع قارية وهى الفاتحة. قوله (فأنشدته بيتا فقال هيه) معناه زد وهو اسم فعل يؤمر به، أي زد في إنشادك ينون فمن نون فمعناه زدنى حديثا لان التنوين للتكثير، ومن لم ينون فمعناه زدنى من الحديث المعروف منك، وأصله إيه والهاء مبدلة من الهمزة، تقوله الرجل إذا استزدته من حديث أو عمل، قال ذو الرمة: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم * وما بال تكليم الديار البلاقع وأما إيها فمعناه كف ولم يجئ إلا منكرا، قال النابغة إيها فذا لك الاقوام كلهم * وما أثمر من مال ومن ولد في الحديث ما أذن الله لشئ إذنه لنبى يتغنى بالقرآن، يريد ما استمع الله لشئ والله تعالى لا يشغله سمع عن سمع، يقال أذن يأذن إذنا إذا سمع، ومنه قوله تعالى (وأذنت لربها وحقت) أي استعمت، قال ابن أحمر أيها القلب تمتع بددن * إن همى في سماع وأذن ومن ذلك سميت الاذن. قوله (من لم يتغن بالقرآن) مفسر في الكتاب والاولى الجمع بين التفسيرين الاستغناء به والتأدب بآدابه وتحسين الصوت به وترقيقه ليتعظ به من يسمعه ويتعظ هو. قوله (وأما القراءة بالالحان) الالحان واللحون واحدها اللحن وهو الغناء والتطريب، وقد لحن في قراءته إذا طرب بها وغرد، وفى الحديث (اقرءوا القرآن بلحون العرب) قوله (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) بانت فارقت والبيت الفراق والبين

أيضا الوصل لقد تقطع بينكم وهو من الاضداد. متبول أي سقيم فاسد، يقال أتبله الحب وتبله أي أسقمه وأفسده. قوله (عدلت شهادة الزور الاشراك بالله) أي ساوته وما ثلته، تقول عدلت فلانا بفلان إذا ساويت بينهما. قوله (يتبوا مقعده) ذكر قوله (وان رأى أن يشهر أمره) أي يكشفه الناس ويوضحه، والشهرة وضوح الامر، يقال شهرت الامر أشهره شهرا وشهر فاشتهر، وكذلك شهرته تشهيرا. قوله (أهل الصيانة) الذين يصانون عن التنكيل والتأديب بالتعزير وغيره قوله (اقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم) هم أهل المروءات وقد ذكر قوله (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين) الظنين المتهم، ومنه قوله تعالى (وما هو على الغيب بظنين) أي بمتهم في قراءة من قرأ بالظاء، والظنة التهمة، قال ابن سيرين لم يكن على يظن في قتل عثمان أي يتهم، وأما من قرأ بالضاد فإنه أراد ببخيل. قوله (ذى إحنة) يقال في صدره إحنة أي حقد، ولا تقل حنة، والجمع إحن، وقد أحنت عليه بالكسر، قال: إذا كان في صدر ابن عمك إحنة * فلا تستثرها سوف يبدو دفينها قوله (الطبع) هو السحية بما جبل عليه الانسان من أصل الخلقة والطبيعة مثله والجمع الطباع. قوله (صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة منى) البضعة بفتح الباء هي القطعة من اللحم، هذه وحدها بالفتح وأخوانها بالكسر كالغدة والقدرة والخرقة والكسفة. قوله (يريبنى ما يربيها) أي يدخل على الشك كما أدخل عليها الشك والتهمة، يقال رابنى فلان إذا رأيت منه ما يريبك وتكرهه، والريبة الشك قال الهروي: يقال أر ابني الشئ أي شككني وأوهمني الريبة، وإذا استيقنته قلت ما رابنى بغير همزة. وقال الفراء راب وأراب بمعنى واحد، والضرة قد ذكرت وهى إحدى الزوجتين سميت بذلك لادخال الضرر عليها قوله (فالتوبة أن يقلع عنها ويندم) وقد ذكرنا التوبة وأصلها الرجوع، والاقلاع عن الامر الكف عنه يقال أقلع فلان عما كان عليه إذا تركه فكف عنه

قوله (ولم يصروا) لم يقيموا، والاصرار الاقامة على الذنب أو ترك التوبة منه. قوله (أجل) بمعنى نعم، وقد ذكرت قوله (من أتى من هذه القاذورات شيئا) هي جمع قاذورة وهى الفعل القبيح واللفظ السيئ، وقذرت الشئ وتقذرته أي عقته وكرهته. قوله (من أبدى لنا صفحته) الصفحة جانب العنق، ومعناه من أظهر لنا أمره أي أقر به وأقمنا عليه الحد قوله (تهيج فيه الطبائع) أي تثور، يقال هاج الشئ يهيج هيجا وهيجانا، أي ثار، الطبائع جمع طبيعة، وقد ذكر قوله (لم ترد بمعرة) أي عيب وعاره لحقه، والمعرة أيضا الاثم، قال الله تعالى (فتصيبكم منهم معرة) أي إثم ونستطيع أن نلخص الشهود الواردين في كتب المصنف في نقاط أجاز بعضهم ورد الآخرين وهم: (من رد شهادتهم) 1 - الصبى والمغفل 2 - العبد والكافر 3 - أهل دين على أهل دين آخر 4 - أهل الزور 5 - أهل الفسق 6 - أصحاب الكبائر 7 - الخائن والخائنة والزانى والزانية 8 - من لا مروءة له كالرقاص 9 - لا عب القمار 10 - لاعب النرد 11 - جار لنفسه نفعا 12 - الاخ لاخيه (من أجاز شهادتهم) 1 - أصحاب للصغائر 2 - لا عب الشطرنج 3 - من لعب بالحمام 4 - الحاوى (من اختلف فيه) 1 - من شرب القليل من النبيذ 2 - من لم يكثر من الغناء 3 - من قلل استعمال آلات الطرب 4 - الولد لابيه وبالعكس 5 - العدو. أحد الزوجين للآخر 6 - التائب

ولا تقبل شهادة من ليس بعدل، وقد حكى في البحر الاجماع على أنها لا تصح شهادة فاسق وشرط الشاهد كونه مسلما حرا مكلفا، أي عاقلا بالغا ضابطا ناطقا عدلا ذا مروءة ليست به تهمة، وعليه أكثر أهل العلم، غير أنهم اختلفوا في بعض التفاصيل، فشهادة الذمي لا تقبل عند الشافعي على الاطلاق. وقال أبو حنيفة: شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض جائزة وإن اختلفت مللهم، وشهادة الصبيان لا تقبل عند الاكثرين إلا عند مالك في الجراح فيما بينهم خاصة ما لم يصلوا إلى أهل بيتهم وأثر عبد الله بن الزبير أنه كان يقضى بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح معارض يقول ابن عباس أنها لا تجوز، وحد العدالة أن يكون محترزا عن الكبائر غير مصر على الصغائر، والمروءة وهى ما تتصل بآداب النفس مما يعلم أن تاركه قليل الحياء، وهى حسن الهيئة والسيرة والعشرة والصناعة، فإذا كان الرجل يظهر من نفسه شيئا مما يستحى أمثاله من إظهاره في الاغلب يعلم به قلة مروءته وترد شهادته، وان كان ذلك مباحا، ولا تقبل شهادة الخائن ولا ذى العداوة، وان كان مقبول الشهادة على غيره لانه متهم في حق عدوه، ولا يؤمن أن تحمله عداوته على إلحاق ضرر به فإن شهد لعدوه تقبل إذا لم يظهر في عداوته فسق، وكذا المتهم والقانع لاهل البيت ولا شهادة العدو على العدو. وحكى في البحر الاجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده، قال في المسوى ولا تجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ويجوز عليهما، وكذا لا تقبل شهادة من جر إلى نفسه نفعا، كمن شهد لرجل بشراء دار وهو شفيعها، أو شهد للمفلس واحد من غرمائه بدين على رجل، واتفقوا على قبول شهادة الاخ لاخيه وسائر الاقارب، واختلفوا في شهادة أحد الزوجين لصاحبه فلم يجزها أبو حنيفة، وأجازها الشافعي والحق أن القرابة بمجردها ليست بمانعة سواء كانت قريبة أو بعيدة، انما المانع التهمة، فإذا كان القريب ممن تأخذه حمية الجاهلية فشهادته غير مقبولة، وان كان على العكس من ذلك شهادته مقبولة. وقد وقت الخلاف في كتب التفسير والاصول في حكم التوبة.

باب عدد الشهود

قال مالك: الامر الذى لا اختلاف فيه عندنا أن الذى يجلد الجلد ثم تاب وأصلح تجوز شهادته، وهو أحب ما سمعت إلى في ذلك وعليه الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أن شهادة القاذف لا ترد بالقذف، فإذا حد ردت شهادته على التأييد وان تاب وأصل المسألة أن الاستثناء يعود إلى الفسق فقط في قول أهل الحجاز العراق وإلى الفسق وعدم قبول الشهادة جميعا فيقول أهل الحجاز وقال الشافعي هو قبل أن يحد شر منه حين يحد، لان الحدود كفارات فكيف تردونها في أحسن حاليه وتقبلونها في شر حاليه، وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا كيف ولا تقبلون توبة القاذف وهو أيسر ذنبا؟ قيل معنى قول أبى حنيفة أن القاذف ما لم يحد يحتمل أن يكون صادقا وأن يكون معه شهود تشهد بالزنا، فإذا لم يأت بالشهداء وأقيم عليه الحد صار مكذبا بحكم الشرع فوجب رد شهادته ثم رد شهادة المحدوه في القذف تأبيدي، ولا تجوز شهادة أهل الزور لان صنيعهم من أكبر الكبائر. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب عدد الشهود لا يقبل في الشهادة على الزنا أقل من أربعة أنفس ذكور لقوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) الآية وروى أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت ان وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال نعم. وشهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة: أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد، وقال زياد رأيت استا تنبو ونفسا يعلو ورجلان كأنهما أذنا حمار لا أدرى ما وراء ذلك، فجلد عمر رضى الله عنه الثلاثة ولم يجلد المغيرة. ولا يقبل في اللواط إلا أربعة لانه كالزنا في الحد فكان كالزنا في الشهادة، فأما إتيان البهيمة فإنا إن قلنا إنه يجب فيه الحد فهو كالزنا في الشهادة لانه كالزنا

في الحد فكان كالزنا في الشهادة، وإن قلنا إنه يحب فيه التعزير ففيه وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى على بن خيران واختيار المزني رحمه الله أنه يثبت بشاهدين لانه لا يلحق بالزنا في الحد فلم يلحق به في الشهادة (والثانى) وهو الصحيح أنه لا يثبت إلا بأربعة، لانه فرج حيوان يحب بالايلاج فيه العقوبة فاعتبر في الشهادة عليه أربعة كالزنا، ونقصانه عن الزنا في العقوبة لا يوجب نقصانه عنه في الشهادة، كزنا الامة ينقص عن زنا الحرة في الحد ولا ينقص عنه في الشهادة. واختلف قوله في الاقرار بالزنا فقال في أحد القولين يثبت بشاهدين لانه إقرار فثبت بشاهدين كالاقرار في غيره (والثانى) أنه لا يثبت إلا بأربعة لانه سبب يثبت به فعل الزنا فاعتبر فيه أربعة كالشهادة على القتل، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ أَعْجَمِيًّا فَفِي التَّرْجَمَةِ وَجْهَانِ: (أحدهما) أنه يثبت باثنين كالترجمة في غيره (والثانى) أنه كالاقرار فيكون على قولين كالاقرار (فصل) وإن شهد ثلاثة بالزنا فيه قولان (أحدهما) أنهم قذفوه ويحدون وهو أشهر القولين، لان عمر رضى الله عنه جلد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة وروى ابن الوصي أن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، وقال الرابع رأيتهما في ثوب واحد، فإن كان هذا زنا فهو ذلك، فجلد عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الثلاثة وعزر الرجل والمرأة، ولانا لو لم نوجب الحد جعل القذف بلفظ الشهادة طريقا إلى القذف. والقول الثاني أنهم لا يحدون لان الشهادة على الزنا أمر جائز فلا يوجب الحد كسائر الجائزات، ولان إيجاب الحد عليهم يؤدى إلى أن لا يشهد أحد بالزنا خوف من أن يقف الرابع عن الشهادة فيحدون فتبطل الشهادة على الزنا، وإن شهد أربعة على امرأة بالزنا وأحدهم الزوج فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ، وظاهر النص أنه يحد الزوج قولا واحدا لانه لا تجوز شهادته عليها بالزنا فجعل قاذفا، وفى الثلاثة قولان

(وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن الزوج كالثلاثة لانه أتى بلفظ الشهادة فيكون على القولين. (فصل) فإن شهد أربعة على رجل بالزنا فرد الحاكم شهادة أحدهم، فإن كان بسبب ظاهر بأن كان عبدا أو كافرا أو متظاهرا بالفسق كان كما لو لم يتم العدد لان وجوده كعدمه، وإن كان بسبب خفى كالفسق الباطن ففيه وجهان (أحدهما) أن حكمه حكم ما لو نقص بالعدد، لان عدم العدالة كعدم العدد (والثانى) أنهم لا يحدون قولا واحدا، لانه إذا كان الرد بسبب في الباطن لم يكن من جهتهم تفريط في الشهادة لانهم معذورون فلم يحدوا، وإذا كان بسبب ظاهر كانوا مفرطين فوجب عليهم الحد. وإن شهد أربعة بالزنا ورجع واحد منهم قبل أن يحكم بشهادتهم لزم الراجع حد القذف لانه اعترف بالقذف. ومن أصحابنا من قال في حده قولان، لانه أضاف الزنا إليه بلفظ الشهادة وليس بشئ، وأما الثلاثة فالمنصوص أنه لا حد عليهم قولا وحدا لانه ليس من جهتهم تفريط لانهم شهدوا والعدد تام ورجوع من رجع لا يمنكهم الاحتراز منه. ومن أصحابنا من قال في حدهم قولان وهو ضعيف، فإن رجعوا كلهم قالوا تعمدنا الشهادة وجب عليهم الحد، ومن أصحابنا من قال فيه قولان وليس بشئ وإن شهد أربعة على امرأة بالزنا وشهد أربع نسوة أنها بكر لم يجب عليها الحد لانه يحتمل أن تكون البكارة أصلية لم تزل، ويحتمل أن تكون عائدة، لان البكارة تعود إذا لم يبالغ في الجماع فلا يجب الحد مع الاحتمال ولا يجب الحد على الشهود، لانا إذا درأنا الحد عنها لجواز أن تكون البكارة أصلية وهم كاذبون وجب أن ندرأ الحد عنهم لجواز أن تكون البكارة عائدة وهم صادقون (فصل) ويثبت المال وما يقصد به كالبيع والاجارة والهبة والوصية والرهن والضمان بشاهد وامرأتين لقوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان) فنص على ذلك في السلم وقسنا عليه المال وكل ما يقصد به المال

(فصل) وما ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والوكالة والوصية إليه وقتل العمد والحدود سوى حد الزنا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين لقوله عز وجل في الرجعة (وأشهدوا ذوى عدل منكم) ولما رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، لَا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وعن الزهري أنه قال: جرت السنة عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والخليفتين من بعده أن لا تقبل شهادة للنساء في الحدود، فدل النص على الرجعة والنكاح والحدود، وقسنا عليها كل ما لا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال. وإن اتفق الزوجان على النكاح واختلفا فيه للصداق، ثبت الصداق بالشاهد والمرأتين لانه اثبات مال، وإن ادعت المرأة الخلع وأنكر الزوج لم يثبت الا بشهادة رجلين وان ادعى الزوج الخلع وأنكرت المرأة ثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، لان بينة المرأة لاثبات الطلاق وبينة الرجل لاثبات المال وان شهد رجل وامرأتان بالسرقة ثبت المال دون القطع، وان شهد رجل وامرأتان بقتل العمد لم يثبت القصاص ولا الدية، والفرق بين القتل والسرقة أن قتل العمد في أحد القولين يوجب القصاص والدية بدل عنه تجب بالعفو عن القصاص، وإذا لم يثبت القصاص لم يثبت بدله، وفى القول الثاني يوجب أحد البدلين لا بعينه. وانما يتعين بالاختيار، فلو أوجبنا الدية دون القصاص أوجبنا معينا، وهذا خلاف موجب القتل، وليس كذلك السرقة فإنها توجب القطع والمال على سبيل الجمع، وليس أحدهما بدلا عن الآخر فجاز أن يوجب أحدهما دون الآخر. (فصل) ولا يقبل في موضحة العمد الا شاهدان ذكران لانها جناية توجب القصاص، وفى الهاشمة والمنقلة قولان (أحدهما) أنه لا يثبت الا بشاهدين ذكرين لانها جناية تتضمن القصاص (والثانى) أنها تثبت بالشاهد والمرأتين، لان الهاشمة والمنقلة لا قصاص فيهما، وانما القصاص في ضمنهما فثبت بالشاهد والمرأتين، فعلى هذا يجب أرش الهاشمة والمنقلة، ولا يثبت القصاص

في الموضحة، وإن اختلف السيد والمكاتب في قدر المال أو صفته أو أدائه قضى فيه بالشاهد والمرأتين، لان الشهادة على المال. وان أفضى إلى العتق الذى لا يثبت بشهادة الرجل والمرأتين كما تثبت الولادة بشهادة النساء، وإن أفضى إلى النسب الذى لا يثبت بشهادتهن. (فصل) وإن كان في يد رجل جارية لها ولد فادعى رجل أنها أم ولده وولدها منه وأقام على ذلك شاهدا وامرأتين فضى له بالجارية لانها مملوكة فقضى فيها بشاهد وامرأتين، وإذا مات عتقت بإقراره، وهل يثبت نسب الولد وحريته؟ فيه قولان (أحدهما) أنه لا يثبت لانه النسب والحرية لا تثبت بشاهد وامرأتين، فيكون الولد باقيا على ملك المدعى عليه. والقول الثاني أنه يثبت لان الولد نماء الجارية وقد حكم له بالجارية فحكم له بالولد، فعلى هذا يحكم بنسب الولد وحريته، لانه أقر بذلك، وان ادعى رجل أن العبد الذى في يد فلان كان له وأنه أعتقه وشهد له شاهد وامرأتان فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فيه قولان: (أحدهما) أنه لا يحكم بهذه البينة لانها تشهد له بملك متقدم فلم يحكم بها، قالو ادعى على رجل عهدا وشهد له شاهد وامرأتان أنه كان له. (والثانى) أنه يحكم بها لانه ادعى ملكا متقدما وشهدت له البينة فيما ادعاء ومن أصحابنا من قال يحكم بها قولا واحدا، والفرق بينه وبين المسألة قبلها أن هناك لا يدعى ملك الولد وهو يقر أنه حر الاصل فلم يحكم ببينته في أحد القولين وههنا ادعى ملك العبد وأنه أعتقه فحكم ببينته. (فصل) ويقبل فيما لا يطلع الرجال من الولادة والرضاع والعيوب التى تحت الثياب شهادة النساء منفردات لان الرجال لا يطلعون عليها في العادة فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات بطلت عند التجاحد ولا يثبت شئ من ذلك الا بعدد لانها شهادة فاعتبر فيها العدد ولا يقبل أقل من أربع نسوة لان أقل الشهادات رجلان وشهادة امرأتين بشهادة رجل، والدليل عليه قوله تعالى

(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فأقام المرأتين مقام الرجل وروى عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ على ذى لب منكن، قالت امرأة يا رسول الله ما ناقصات العقل والدين؟ قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين كشهادة رجل فهذا نقصان العقل، وأما نقصان الدين فإن إحداكن تمكث الليالى لا تصلى وتفطر في شهر رمضان فهذا من نقصان الدين، فقبل فيها شهادة الرجلين وشهادة الرجل والمرأتين، لانه إذا أجيز شهادة النساء منفردات لتعذر الرجال، فلان تقبل شهادة الرجال. والرجال والنساء أولى. وتقبل ى ي الرضاع شهادة المرضعة لما روى عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب فجاءت امرأة سوداء فقالت قد أرضعتكما، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما، فنهاه عنها، ولانها لا تجر بهذه الشهادة نفعا إلى نفسها ولا تدفع عنها ضررا. ولا تقبل شهادة المرأة على ولادتها لانه تثبت لنفسها بذلك حقا وهو النفقة، وتقبل شهادة النساء منفردات على استهلال الولد وانه بقى متألما إلى أن مات. وقال الربيع رحمه الله فيه قول آخر أنه لا يقبل الا شهادة رجلين، والصحيح هو الاولى لان الغالب أنه لا يحضرها الرجال (فصل) وما يثبت بالشاهد والمرأتين يثبت بالشاهد واليمين، لما روى عمرو بن دينار عن أبن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد، قال عمرو ذلك في الاموال واختلف أصحابنا في الوقف فقال أبو إسحاق وعامة أصحابنا يبنى على القولين فإن قلنا ان الملك للموقوف عليه قضى فيه بالشاهد واليمين لانه نقل ملك فقضى فيه بالشاهد واليمين كالبيع، وان قلنا انه ينتقل إلى الله عز وجل لم يقض فيه بالشاهد واليمين لانه ازالة ملك إلى غير الآدمى فلم يقض فيه بالشاهد واليمين كالعتق. وقال أبو العباس رحمه الله: يقضى فيه بالشاهد واليمين على القولين جميعا لان القصد بالوقف تمليك المنفعة فقضى فيه بالشاهد واليمين كالاجارة

(الشرح) حديث أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت ان وجدت مع امرأتي رجلا أمهله ... ) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وأصل الحديث في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة، ورواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت وأحمد من حديث سعيد بن سعد بن عبادة أثر: شهد على المغيرة ثلاثا ... سبق تخريجه أثر: لانه عمر جلد الثلاثة الذين شهدوا ... سبق تخريجه حديث ابن مسعود (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل ... ) أخرجه الشافعي والبيهقي عن سعيد بن جبير موقوفا بلفظ (لا نكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل) ورواه البيهقى من طريق آخر مرفوعا بلفظ (لا نكاح الا بإذن ولى مرشد أو سلطان) قال والمحفوظ الموقوف. وفى رواية ثالثة (لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل، فإن أنكحها ولى مسخوط عليه فنكاحها باطل) وفيه عدى وهو ضعيف. أثر الزهري (جرت السنة عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم والخليفتين من بعده ... ) أخرجه ابن أبى شيبة. وروى عن مالك عن عقيل عن الزهري، وزاد ولا في نكاح ولا في طلاق وقال الحافظ ابن حجر ولا يصح عن مالك، ورواه أبو يوسف في كتاب الخراج حديث عبد الله بن عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين ... ) أخرجه البخاري مطولا حديث (عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبى أهاب فجاءت امرأة سوداء ... ) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات من طرق، وقال الحافظ ووهم من ذكر هذا الحديث في المتفق عليه حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بيمين) سبق تخريجه. اللغة: قوله (رأيت استا) الاست العجز وقد يراد به حلقة الدبر. وأصلها سته على وزن فعل بالتحريك، يدل على ذلك أن جمعه أستاه مثل جمل وأجمال ولا يجوز أن يكون مثل جذع وقفل اللذين يجمعان أيضا على أفعال، لانك

إذا زدت الهاء التى هي لام الفعل وحذفت العين قلت سه بالفتح، قال الشاعر: شأنك قعين غثها وسمينها * وأنت السه السفلى إذا ذكرت نصر تقول أنت فيهم بمنزلة الاست من الناس. قوله (تنبو) أي ترتفع أراد ههنا العجز دون حلقة الدبر. قوله (وإنما القصاص في ضمنهما) أي فيما يشتملان عليه من قولهم فهمت ما تضمنه كتابك، أي ما اشتمل عليه وكان في ضمنه، وأنفذته ضمن كتابي أي في طيه. قوله (أغلب على ذى لب منكن) اللب العقل والجمع الالباب، قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لاولى الالباب) أي لذوى العقول اتفق المسلمون على أنه لا يثبت الحد في الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور واتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنا بشاهدين عدلين ذكرين ماخلا الحسن البصري فإنه قال لا تقبل بأقل من أربعة شهداء تشبيها بالرجم، وهذا ضعيف لقوله سبحانه وتعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وكل متفق على أن الحكم يجب بالشاهدين من غير يمين المدعى، إلا ابن أبى ليلى فإنه قال لا بد من يمينه، واتفقوا على أنه تثبت الاموال بشاهد عدل ذكر وامرأتين، لقوله تعالى (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) واختلفوا في قبولهما في الحد فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات وقال أهل الظاهر تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شئ على ظاهر الآية. وقال أبو حنيفة: تقبل في الاموال ما عدا الحدود من أحكام الابدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق، ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن واختلف أصحاب مالك في قبولهن في حقوق الابدان المتعلقة بالمال مثل الوكالات والوصية التى لا تتعلق الا بالمال فقط، فقال مالك وابن القاسم وابن وهب يقبل فيه شاهد وامرأتان، وقال أشهب وابن الماجشون لا يقبل فيه الا رجلان. وأما شهادة النساء مفردات - أعنى النساء دون الرجال - فهى مقبولة

عند الجمهور في حقوق الابدان التى لا يطلع عليها الرجال غالبا، مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء، ولا خلاف في شئ من هذا الا في الرضاع فإن أبا حنيفة قال لا تقبل فيه شهادتين الا مع الرجال، لانه عنده من حقوق الابدان التى يطلع عليها الرجال والنساء، والذين قالوا بجواز شهادتهن منفردات في هذا الجنس اختلفوا في العدد المشترط في ذلك منهن، فقال مالك يكفى في ذلك امرأتان، قيل مع انتشار الامر وقيل وان لم ينتشر وقال الشافعي ليس يكفي في ذلك أقل من أربع لان الله عز وجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين واشترط الاثنينية. وقال قوم لا يكتفى في ذلك بأقل من ثلاث، وهو قول لا معنى له. وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة، والظاهرية أو بعضهم لا يجيزون شهادة النساء مفردات في شئ كما يجيزون شهادتهن مع الرجال في كل شئ وأما شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإنهما أيضا اختلفوا فيها لقوله عليه السلام في المرأة الواحدة التى شهدت بالرضاع (كيف وقد أرضعتكما) وهذا ظاهره الانكار ولذلك لم يختلف قول مالك في أنه مكروه وقالت الحنابلة: ولا يقبل في الزنا والواط والاقرار به الا أربعة رجال ويكفى في الشهادة على من أتى بهيمة رجلان، ومن عرف بغنى وادعى أنه فقير ليأخذ من الزكاة لم يقبل الا بثلاثة رجال، ويقبل في بقيه الحدود والقصاص رجلان، ولا تقبل فيه شهادة النساء، وما ليس بعقوبة ولا مال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والرجعة والخلع والنسب يقبل فيه رجلان دون النساء، ويقبل في المال وما يقصد به كالبيع والاجل والخيار فيه ونحوه رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعى، وما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والاستهلال ونحوه يقبل فيه شهادة امرأة عدل والرجل فيه كالمرأة ومن أتى رجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال، وان أتى برجل وامرأتين أو رجل ويمين في سرقة ثبت المال دون القطع

باب تحمل الشهادة وأدائها

وان أتى بذلك في خلع امرأته على عوض سماه ثبت له العوض وتثبت البينونة بمجرد دعواه لاقراره على نفسه وان ادعته لم يقبل فيه الا رجلان قال المصنف رحمه الله تعالى: باب تحمل الشهادة وأدائها لا يجوز تحمل الشهادة وأداؤها الا عن علم، والدليل عليه قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وقوله تعالى (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) يأمر الله تعالى أن يشهد عن علم. وقوله عز وجل (ستكتب شهادتهم ويسألون) وهذا الوعيد يوجب التحفظ في الشهادة وأن لا يشهد الا عن علم وروى طاوس عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال نعم، قال فعلى مثلها فاشهد أو دع، وان كانت الشهادة على فعل كالجناية والغصب والزنا والسرقة والرضاع والولادة وغيرها مما يدرك بالعين لم تجز الشهادة به الا عن مشاهدة لانها لا تعلم الا بها، وان كانت الشهادة على عورة ووقع بصره عليها من غير قصد جاز أن يشهد بما شاهد، وان أراد أن يقصد النظر ليشهد فالمنصوص أنه يجوز، وهو قول أبى اسحاق المروزى، لان أبا بكرة ونافعا وشبل بن سعيد شهدوا على المغيرة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره نظرهم. وقال أبو سعيد الاصطخرى لا يجوز أن يقصد النظر لانه في الزنا مندوب إلى الستر، وفى الولادة والرضاع يقبل شهادة النساء فلا حاجة بالرجال إلى النظر الشهادة. ومن أصحابنا من قال يجوز في الزنا دون غيره، لان الزانى هتك حرمة الله تعالى بالزنا فجاز أن تهتك حرمته بالنظر إلى عورته، وفى غير الزنا لم يوجد من المشهود عليه هتك حرمة فلم يجز هتك حرمته ومنهم من قال يجوز في غير الزنا ولا يجوز في الزنا، لان حد الزنا يبنى على الدرء والاسقاط فلا يجوز أن يتوصل

إلى اثباته بالنظر، وغيره لم يبن على الدرء والاسقاط فجاز أن يتوصل إلى اثباته بالنظر (فصل) وان كانت الشهادة على قول كالبيع والنكاح والطلاق والاقرار لم يجز التحمل فيها الا بسماع القول ومشاهدة القائل، لانه لا يحصل العلم بذلك الا بالسماع والمشاهدة، وان كانت الشهادة على ما لا يعلم الا بالخير وهو ثلاثة: النسب والملك والموت جاز أن يشهد فيه بالاستفاضة، فإن استفاض في الناس أن فلانا ابن فلان، أو أن فلانا هاشمى أو أموى جاز أن يشهد به، لان سبب النسب لا يدرك بالمشاهدة. وان استفاض في الناس أن هذه الدار وهذا العبد لفلان جاز أن يشهد به لان أسباب الملك لا تضبط فجاز أن يشهد فيه بالاستفاضة، وان استفاض أن فلانا مات جاز أن يشهد به لان أسباب الموت كثيرة، منها خفية ومنها ظاهرة ويتعذر الوقوف عليها، وفى عدد الاستفاضة وجهان. (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله أن أقله أن يسمع من اثنين عدلين لان ذلك بينة. (والثانى) وهو قول أقضى القضاة أبى الحسن الماوردى رحمه الله أنه لا يثبت الا بعدد يقع العلم بخبرهم لان ما دون ذلك من أخبار الآحاد فلا يقع العلم من جهتهم، فإن سمع انسانا يقر بنسب أب أو ابن، فإن صدقه المقر له جاز له أن يشهد به لانه شهادة على اقرار، وان كذبه لم يجز أن يشهد به لانه لم يثبت النسب، وان سكت فله أن يشهد به، لان السكوت في النسب رضى بدليل أنه إذا بشر بولد فسكت عن نفيه لحقه نسبه. ومن أصحابنا من قال لا يشهد حتى يتكرر الاقرار به مع السكوت، وان رأى شيئا في يد انسان مدة يسيرة جاز أن يشهد له باليد، ولا يشهد له بالملك وان رآه في يده مدة طويلة يتصرف فيه جاز أن يشهد له باليد وهل يجوز أن يشهد له بالملك؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله أنه يجوز، لان اليد والتصرف يدلان على الملك. (والثانى) وهو قول أبى اسحاق رحمه الله أنه لا يجوز أن يشهد له بالمك،

لانه قد تكون اليد والتصرف عن ملك وقد تكون عن إجارة أو وكالة أو غصب فلا يجوز أن يشهد له بالملك مع الاحتمال. واختلف أصحابنا في النكاح والعتق والوقف والولاء، فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله يجوز أن يشهد فيها بالاستفاضة لانه يعرف بالاستفاضة أن عائشة رضى الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأن نافعا مولى ابن عمر رضى الله عنه، كما يعرف أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو إسحاق رحمه الله لا يجوز لانه عقد فلا يجوز أن يشهد فيه بالاستفاضة كالبيع (فصل) ويجوز أن يكون الاعمى شاهدا فيما يثبت بالاستفاضة لان طريق العلم به السماع والاعمى كالبصير في السماع، ويجوز أن يكون شاهدا في الترجمة لانه يفسر ما سمعه بحضرة الحاكم وسماعه كسماع البصير، ولا يجوز أن يكون شاهدا على الافعال كالقتل والغصب والزنا، لان طريق العلم بها البصر، ولا يجوز أن يكون شاهدا على الاقوال كالبيع والاقرار والنكاح والطلاق إذا كان المشهود عليه خارجا عن يده. وحكى عن المزني رحمه الله أنه قال: يجوز أن يكون شاهدا فيها إذا عرف الصوت. ووجهه أنه إذا جاز أن يروى الحديث إذا عرف المحدث بالصوت، ويستمتع بالزوجة إذا عرفها بالصوت جاز أن يشهد إذا عرف المشهود عليه بالصوت، وهذا خطأ لان من شرط الشهادة العلم وبالصوت لا يحصل له العلم بالمتكلم لان الصوت يشبه الصوت، ويخالف رواية الحديث والاستمتاع بالزوجة لان ذلك يجوز بالظن وهو خبر الواحد. وأما إذا جاء رجل وترك فمه على أذنه وطلق أو أعتق أو أقر ويد الاعمى على رأس الرجل فضبطه إلى أن حضر عند الحاكم فشهد عليه بما سمعه منه قبلت شهادته لانه شهد عن علم وان تحمل الشهادة على فعل أو قول وهو يبصر ثم عمى نظرت فإن كان لا يعرف المشهود عليه الا بالعين وهو خارج عن يده لم تقبل شهادته عليه لانه لا علم له بمن يشهد عليه، وان تحمل الشهادة ويده في يده وهو بصير ثم عمى ولم تفارق يده يده حتى حضر إلى الحاكم وشهد عليه قبلت

شهادته لانه يشهد عليه عن علم، وإن تحمل الشهادة على رجل يعرفه بالاسم والنسب وهو بصير ثم عمى قبلت شهادته لانه يشهد على من يعلمه (فصل) ومن شهد بالنكاح ذكر شروطه لان الناس يختلفون في شروطه فوجب ذكرها في الشهادة وإن رهن رجل عبدا عند رجل بألف ثم زاده ألفا آخر وجعل العين رهنا بهما وأشهد الشهود على نفسه أن العين رهن بألفين وعلم الشهود حال الرهن في الباطن، فإن كانوا يعتقدون أنه لا يجوز إلحاق الزيادة بالدين في الرهن لم يجز أن يشهدوا إلا بما جرى الامر عليه في الباطن، وإن كانوا يعتقدون أنه يجوز إلحاق الزيادة بالدين في الرهن ففيه وجهان: (أحدهما) يجوز أن يشهدوا بأن العين رهن بألفين لانهم يعتقدون انهم صادقون في ذلك. (والثانى) أنه لا يجوز أن يشهدوا إلا بذكر ما جرى الامر عليه في الباطن لان الاعتبار في الحكم باجتهاد الحاكم دون الشهود. (فصل) ومن شهد بالرضاع وصف الرضاع وأنه ارتضع الصبى من ثديها أو من لبن حلب منها خمس رضعات متفرقات في حولين لاختلاف الناس في شروط الرضاع، فإن شهد أنه ابنها من الرضاع لم تقبل لان الناس يختلفون فيما يصير به إبنا من الرضاع، وإن رأى امرأة أخذت صبيا تحت ثيابها وأرضعته لم يجز أن يشهد بالرضاع، لانه يجوز أن يكون قد أعدت شيئا فيه لبن من غيرها على هيئة الثدى فرأى الصبى يمص فظنه ثديا. (فصل) ومن شهد بالجناية ذكر صفتها، فإن قال ضربه بالسيف فمات، أو قال ضربه بالسيف فوجدته ميتا لم يثبت القتل بشهادته لجواز أن يكون مات من غير ضربه، وان قال ضربه بالسيف فمات منه، أو ضربه فقتله ثبت القتل بشهادته، وان قال ضربه بالسيف فأنهر دمه فمات مكانه ثبت القتل بشهادته على المنصوص لانه إذا أنهر دمه فمات علم أنه مات من ضربه، فإن قال ضربه فاتضح أو قال ضربه بالسيف فوجدته موضحا لم تثبت الموضحة بشهادته لما ذكرناه في النفس، وان قال ضربه فأوضحه ثبتت الموضحة بشهادته لانه أضاف الموضحة

إليه، وان قال ضربه فسال دمه لم تثبت الدامية بالشهادة لجواز أن يكون سيلان الدم من غير الضرب، وان قال ضربه فأسال دمه ومات قبلت شهادته في الدامية لانه أضافها إليه، ولا تقبل في الموت لانه يحتمل أن يكون الموت من غيره. وان قال ضربه بالسيف فأوضحه فوجدت في رأسه موضحتين لم يجز القصاص لانا لا نعلم على أي الموضحتين شهد، ويجب أرش موضحة لان الجهل بعينها ليس بجهل لانه قد أوضحه. (فصل) ومن شهد بالزنا ذكر الزانى ومن زنى به، لانه قد يراه على بهيمة فيعتقد أن ذلك زنا والحاكم لا يعتقدان أن ذلك زنا، أو يراه على زوجته أو جارية إبنه فيظن أنه زنى ويذكر صفة الزنا، فإن لم يذكر أنه أولج أو رأى ذكره في فرجها لم يحكم به، لان زيادا لما شهد على المغيرة عند عمر رضى الله عنه ولم يذكر ذلك لم يقم الحد على المغيرة، فإن لم يذكر الشهود ذلك سألهم الامام عنه، فإن شهد ثلاثة بالزنا ووصفوا الزنا وشهد الرابع ولم يذكر الزنا لم يجب الحد على المشهود عليه، لان البينة لم تكمل، ولم يحد الرابع عليه لانه لم يشهد بالزنا. وهل يجب الحد على الثلاثة؟ فيه قولان. وان شهد أربعة بالزنا وفسر ثلاثة منهم الزنا وفسر الرابع بما ليس بزنا لم يحد المشهود عليه لانه لم تكمل البينة، ويجب الحد على الرابع قولا واحدا، لانه قذفه بالزنا ثم ذكر ما ليس بزنا. وهل يحد الثلاثة على القولين؟ فإن شهد أربعة بالزنا ومات واحد منهم قبل أن يفسر وفسر الباقون بالزنا لم يجب الحد على المشهود عليه لجواز أن يكون ما شهد به الرابع ليس، بزنا، ولا يحب على الشهود الباقين الحد، لجواز أن يكون ما شهد به الرابع زنا، فلا يحب الحد مع الاحتمال. (فصل) ومن شهد بالسرقة ذكر السارق والمسروق منه والحرز والنصاب وصفة السرقة لان الحكم يختلف باختلافها فوجب ذكرها ومن شهد بالردة بين ما سمع منه لاختلاف الناس فيما يصير به مرتدا فلم يجز الحكم قبل البيان، كما لا يحكم بالشهادة على جرح الشهود قبل بيان الجرح، وهل يجوز للحاكم أن

يعرض الشهود بالوقف في الشهادة في حدود الله تعالى فيه وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لان فيه قدحا في الشهود (والثانى) أنه يجوز لان عمر رضى الله عنه عرض لزياد في شهادته على المغيرة فروى أنه قال: أرجو أن لا يفضح الله تعالى على يديك أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولانه يجوز أن يعرض للمقر بالتوقف فجاز أن يعرض للشاهد. (الشرح) حديث ابن عباس: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشهادة فقال: هل ترى الشمس. أخرجه العقبلى والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن عدى والبيهقي من حديث طاوس عن ابن عباس وصححه الحاكم وفى إسناده محمد بن سليمان بن مسمول وهو ضعيف. وقال البيهقى لم يرو من وجه يعتمد عليه، وقال الحافظ في بلوغ المرام: أخرجه ابن عدى بسند ضعيف وصححه الحاكم فأخطأ، وقال منصور البهوتى في الروض المربع رواه الخلال في جامعه. أثر أن أبا بكرة ونافعا وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة..سبق تخريجه أثر أن زيادا لما شهد على المغيرة عند عمر. سبق تخريجه أثر أن عمر عرض لزياد في شهادته على المغيرة. سبق تخريجه اللغة: قوله (ولا تقف ما ليس لك به علم) أي لا تتبعه فتقول فيه بغير علم يقال قفوته أقفوه وقفته أقوفه إذا اتبعت أثره، ومنه سميت القافة لتتبعهم الآثار وأصله من القفا. قوله (لان الزانى هتك حرمة الله) هتك خرق وأصله خرق الستر وقد ذكره. والحرمة ما يحرم انتهاكه قوله (بالاستفاضة) هي مأخوذة من فاض يفيض إذا شاع، وهو حديث مستفيض أي منتشر في الناس. قوله (أخبار الآحاد) الآحاد ما انحط عن حد التواتر، والتواتر على محصور على الصحيح من الاقوال. قوله (فضبطه إلى أن حضر عند الحاكم) أي أمسكه وضبط الشئ إذا حفظه بالحزم.

باب الشهادة على الشهادة

قوله (أنهر دمه) أي أساله، وكل شئ جرى فقد نهر. قوله (أن يعرض) التعريض التورية بالشئ عن الشئ وقد ذكر. تحمل الشهادة في غير حق الله تعالى فرض كفاية، فإذا قام من يكفى سقط عن بقية المسلمين، وان لم يوجد إلا من يكفى تعين عليه وأداؤها فرض عين على من تحملها متى دعى إليها، وتحل وجوبها أن قدر على أدائها بلا ضرر يلحقه في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله، وكذا في التحمل، ولا يحل كتمانها، ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها، ولو لم تتعين عليه، لكن إن عجز عن المشى أو تأذى به فله أجرة مركوب ومن عنده شهادة بحد لله فله إقامتها وتركها، ولا يحل أن يشهد أحد إلا بما يعلمه، والعلم إما برؤية أو سماع أو استفاضة فيما يتعذر علمه بدونها كنسب وموت وملك مطلق ونكاح ووقف ونحوها، ولا يحل لمن تحمل شهادة بحق وأخبره عدل باقتضاء الحق أن يشهد الا به. قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الشهادة على الشهادة وتجوز الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين وفيما لا يسقط بالشبهة من حقوق الله تعالى لآن الحاجة تدعو إلى ذلك عند تعذر شهادة الاصل بالموت والمرض والغيبة وفى حدود الله تعالى، وهو حد الزنا وحد السرقة وقطع الطريق وشرب الخمر قولان. (أحدهما) أنه يجوز لانه حق يثبت بالشهادة فجاز أن يثبت بالشهادة على الشهادة كحقوق الآدميين (والثانى) أنه لا يجوز لان الشهادة على الشهادة تراه لتأكيد الوثيقة ليتوصل بها إلى اثبات الحق، وحدود الله تعالى مبنية على الدرء والاسقاط فلم يجز تأكيدها وتوثيقها بالشهادة على الشهادة، وما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبت بكتاب القاضى إلى القاضى، وما لا يثبت بالشهادة على الشهادة لا يثبت بكتاب

القاضى إلى القاضى، لان الكتاب لا يثبت إلا بتحمل الشهادة من جهة القاضى الكاتب فكان حكمه حكم الشهادة على الشهادة. (فصل) ولا يجوز الحكم بالشهادة على الشهادة إلا عند تعذر حضور شهود الاصل بالموت أو المرض أو الغيبة، لان شهادة الاصل أقوى لانها تثبت نفس الحق والشهادة على الشهادة لا تثبت نفس الحق فلم تقبل مع القدرة على شهود الاصل والغيبة التى يجوز بها الحكم بالشهادة على الشهادة أن يكون شاهد الاصل من موضع الحكم على مسافة إذا حضر لم يقدر أن يرجع بالليل إلى منزله فإنه تلحقه المشقة في ذلك. وأما إذا كان في موضع إذا حضر أمكنه أن يرجع إلى بيته بالليل لم يجز الحكم بشهادة شهود الفرع لانه يقدر على شهادة شهود الاصل من غير مشقة. (فصل) ولا يقبل في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضى إلى القاضى شهادة النساء لانه ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو مما يطلع عليه الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالنكاح (فصل) ولا يقبل الا من عدد لانه شهادة فاعتبر فيها العدد كسائر الشهادات، وإن كان شهود الاصل اثنين فشهد على أحدهما شاهدان وعلى الآخر شاهدان جاز لانه يثبت قول كل واحد منهما بشاهدين، وان شهد واحد على شهادة أحدهما وشهد الآخر على شهادة الثاني لم يجز لانه إثبات قول بشهادة واحد، فإن شهد اثنان على شهادة أحدهما ثم شهدا على شهادة الاخر ففيه قولان (أحدهما) أنه يجوز لانه إثبات قول اثنين فجاز بشاهدين كالشهادة على إقرار نفسين. (والثانى) أنه لا يجوز وهو اختيار المزني رحمه الله تعالى لانهما قاما في التحمل مقام شاهد واحد في حق واحد، فإذا شهدا فيه على الشاهد الاخر سارا كالشاهد إذا شهد بالحق مرتين، وإذا كان شهود الاصل رجلا وامرأتين قبل في أحد القولين شهاد اثنين على شهادة كل واحد منهم، ولا يقبل في الآخر إلا ستة يشهد كل اثنين على شهادة واحد منهم.

وإن كان شهود الاصل أربع نسوة وهو في الولادة والرضاع قبل في أحد القولين شهادة رجلين على كل واحدة منهن ولا يقبل في الاخر الا شهادة ثمانية يشهد كل اثنين على شهادة واحدة منهن، وان كان شهود الاصل أربعة من الرجال وهو في الزنا وقلنا انه تقبل الشهادة على الشهادة في الحدود، فإن قلنا يقبل شاهدان على شاهدى الاصل في غير الزنا ففى حد الزنا قولان (أحدهما) أنه يكفى شاهدان في إثبات شهادة الاربعة كما يكفى شاهدان في إثبات شهادة اثنين. (والثانى) أنه يحتاج إلى أربعة لان فيها يثبت باثنين تحتاج شهادة كل واحد منهما إلى العدد الذى يثبت به أصل الحق وهو اثنان، وأصل الحق ههنا لا يثبت إلا بأربعة فلم تثبت شهادتهم الا بأربعة، فإن قلنا إنه لا يقبل فيما يثبت بشاهدين إلا أربعة ففى حد الزنا قولان: (أحدهما) أنه يحتاج إلى ثمانية ليثبت بشهادة كل شاهدين شهادة واحد. (والثانى) أنه يحتاج إلى ستة عشر. لان ما يثبت بشاهدين لا يثبت كل شاهد إلا بما يثبت به أصل الحق. وأصل الحق لا يثبت الا بأربعة فلا تثبت شهادة كل واحد منهم الا بأربعة فيصير الجميع ستة عشر. (فصل) ولا تقبل الشهادة على الشهادة حتى يسمى شاهد الفرع شاهد الاصل بما يعرف به، لان عدالته شرط، فإذا لم تعرف لم تعلم عدالته، فإن سماهم شهود الفرع وعدلوهم حكم بشهادتهم لانهم غير متهمين في تعديلهم، وان قالوا نشهد على شهادة عدلين ولم يسموا لم يحكم بشهادتهم لانه يجوز أن يكونوا عدولا عندهم غير عدول عند الحاكم. (فصل) ولا يصح تحمل الشهادة على الشهادة الا من ثلاثة أوجه: (أحدها) أن يسمع رجلا يقول أشهد أن لفلان على فلان كذا مضافا إلى سبب يوجب المال من ثمن مبيع أو مهر، لانه لا يحتمل مع ذكر السبب الا الوجوب (والثانى) أن يسمعه يشهد عند الحاكم على رجل بحق لانه لا يشهد عند الحاكم إلا بما يلزم الحكم به

(والثالث) أن يسترعيه رجل بأن يقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا فاشهدوا على شهادتى بذلك لانه لا يسترعيه إلا على واجب، لان الاسترعاء وثيقة، والوثيقة لا تكون إلا على واجب، وأما إذا سمع رجلا في دكانه أو طريقه يقول أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل فاشهد على شهادتى لم يحكم به لانه يحتمل أنه أراد أن له عليه ألفا من وعد وعده بها فلم يجز تحمل الشهادة عليه مع الاحتمال، وإن سمع رجلا يقول: لفلان على ألف درهم فهل يجوز أن يشهد عليه بذلك؟ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه لا يجوز أن يشهد عليه، كما لا يجوز أن يتحمل الشهادة عليه. (والثانى) وهو المنصوص أنه يجوز أن يشهد عليه، والفرق بينه وبين التحمل أن المقر يوجب الحق على نفسه فجاز من غير استرعاء والشاهد يوجب الحق على غيره فاعتبر فيه الاسترعاء، ولان الشهادة آكد لانه يعتبر فيها العدالة ولا يعتبر ذلك في الاقرار. (فصل) وإذا أراد شاهد الفرع أن يؤدى الشهادة أداها على الصفة التى تحملها، فإن سمعه يشهد بحق مضاف إلى سبب يوجب الحق ذكره، وإن سمعه يشهد عند الحاكم ذكره، وإن أشهد شاهد الاصل على شهادته أو استرعاه قال أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته (فصل) وان رجع شهود الاصل قبل الحكم بشهادة الفرع بطلت شهادة الفرع لانه بطل الاصل فبطل الفرع: وإن شهد شُهُودَ الْفَرْعِ ثُمَّ حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ قَبْلَ الحكم لم يحكم بشهادتهم لانه قدر على الاصل فلا يجوز الحكم بالبدل والله أعلم. (الشرح) حديث أم سلمة (انكم تختصمون إلى وانما أنا بشر ... ) متفق عليه. اللغة: قوله (الفرع) مأخوذ من فروع الشجرة وهى أغصانها التى تنمى عن الاصول، وفروع كل شئ اعلاه ايضا.

قوله (ان يسترعيه) الاسترعاء في الشهادات مأخوذ من قولهم أرعيته سمعي أي أصغيت إليه، ومنه قوله راعنا. قال الاخفش معناه أرعنا سمعك ولا تقبل الشهادة على الشهاة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضى إلى القاضى وهو حقوق الآدميين دون حقوق الله تعالى، لان الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات ولا يحكم بها، أي بالشهادة على الشهادة، إلا أن تتعذر شهادة الاصل بموت أو مرض أو غيبة مسافة قصر أو خوف من سلطان أو غيره، لانه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهادة شاهدى الاصل استغنى عن البحث عن عدالة شاهدى الفرع وكان أحوط الشهادة ولا بد من ثبوت عدالة الجميع، ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا بما يسترعيه شاهد الاصل، فيقول اشهد على شهادتى بكذا، أو بسمعه يقر أو يعزوها إلى سبب من قرض أو بيع أو نحوه فيجوز الفرع أن يشهد، لان هذا كالاسترعاء، ويؤديها الفرع بصفة تحمله وتثبت شهادة شاهدى الاصل بفرعين، ولو على كل أصل فرع، ويثبت الحق بفرع مع أصل آخر. ويقبل تعديل فرع لاصله وبموته ونحوه لا تعديل شاهد لرفيقه. وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض الحكم لانه قد تم ووجب المشهود به المشهود له، ولو كان قبل الاستيفاء ويلزمهم الضمان أي يلزم الشهود الراجعين بدل المال الذى شهدوا به قائما كان أو تالفا، لانهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق وحالوا بينه وبينه دون من زكاهم، فلا غرم على مزك إذا رجع المزكى، لان الحكم تعلق بشهادة الشهود، ولا تعلق له بالمزكيين لانهم أخبروا بظاهر حال الشهود، وأما باطنه فعلمه إلى الله تعالى وإن حكم القاضى بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم الشاهد المال كله لان الشاهد حجة الدعوى، ولان اليمين قول الخصم. وقول الخصم ليس مقبولا على خصمه، وانما هو شرط الحكم فهو كطلب الحكم، وان رجعوا قبل الحكم لغت ولا حكم ولا ضمان، وان رجع شهود قود أو حد بعد حكم وقبل استيفاء لم يستوف ووجبت دية وقود

باب اختلاف الشهود في الشهادة

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب اختلاف الشهود في الشهادة إذا ادعى رجل على رجل ألفين وشهد له شاهد أنه أقر له بألف وشهد آخر أنه أقر بالفين ثبت له ألف بشهادتهما لانهما اتفقا على إثباتها وله أن يحلف مع شاهد الالفين ويثبت له الالف الآخرى لانه شهد له بها شاهد، وإن ادعى ألفا فشهد له شاهد بألف وشهد آخر بألفين ففيه وجهان (أحدهما) أنه يحلف مع الذى شهد له بالآلف ويقضى له وتسقط شهادة من شهد له بالالفين لانه صار مكذبا له فسقطت شهادته له في الجميع (والثانى) أنه يثبت له الالف بشهادتهما ويحلف ويستحق الالف الاخرى ولا يصير مكذبا بالشهادة لانه يجوز أن يكون له حق ويدعى بعضه ويجوز أنه لم يعلم أن له من يشهد له بالالفين (فصل) وان شهد شاهد على رجل أنه زنى بامرأة في زاوية من بيت وشهد آخر أنه زنى بها في زاوية ثانية، وشهد آخر أنه زنى بها في زاوية ثالثة، وشهد آخر أنه زنى بها في زاوية رابعة لم يجب الحد على المشهود عليه لانه لم تكمل البينة على فعل واحد، وهل يحب حد القذف على الشهود؟ على القولين وإن شهد إثنان أنه زنى بها وهى مطاوعة وشهد إثنان أنه زنى بها وهى مكرهة لم يجب الحد عليها لانه لم تكمل بينة الحد في زناها وأما الرجل فالمذهب أنه لا يحب عليه الحد. وخرج أبو العباس وجها آخر أنه يجب عليه الحد لانهم اتفقوا على أنه زنى وهذا خطأ لان زناه بها وهى مطاوعة غير زناه بها وهى مكرهة. فصار كما لو شهد إثنان أنه زنى بها في زاوية وشهد آخران أنه زنى بها في زاوية أخرى (فصل) وإن شهد شاهد أنه قذف رجلا بالعربية وشهد آخر أنه قذفه بالعجمية أو شهد أحدهما أنه قذفه يوم الخميس وشهد آخر أنه قذفه يوم الجمعة لم يجب الحد لانه لم تكمل البينة على قذف واحد

وإن شهد أحدهما أنه أقر بالعربية أنه قذفه وشهد آخر أنه أقر بالعجمية أنه قذفه أو شهد أحدهما أنه أقر بالقذف يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر بالقذف يوم الجمعة وجب الحد لان المقر به واحد وإن اختلفت العبارة فيه (فصل) وإن شهد شاهد أنه سرق من رجل كبشا أبيض غدوة وشهد آخر أنه سرق ذلك الكبش بعينه عشية لم يجب الحد لانه لم تكمل بينة الحد على سرقة واحدة وللمسروق منه أن يحلف ويقضى له بالغرم، لان الغرم يثبت بشاهد ويمين، فإن شهد شاهدان أنه سرق كبشا أبيض غدوة وشهد آخران أنه سرق منه ذلك الكبش بعينه عيشة تعارضت البينتان ولم يحكم بواحدة منهما، وتخالف المسألة قبلها، فإن كل واحد من الشاهدين ليس ببينة والتعارض لا يكون في غير بينة، وههنا كل واحد منهما بينة فتعارضتا وسقطنا وإن شهد شاهد أنه سرق منه كبشا غدوة وشهد آخر أنه سرق منه كبشا عشية ولم يعينا الكبش لم يجب الحد، لانه لم تكمل بينة الحد وله أن يحلف مع أيهما شاء ويحكم له، فإن ادعى الكبشين حلف مع كل واحد منهما يمينا وحكم له بهما لانه لا تعارض بينهما. وإن شهد شاهدان أنه سرق كبشا غدوة وشهد آخران أنه سرق منه كبشا عشية وجب القطع والغرم فيهما لانه كملت بينة الحد والغرم. وان شهد شاهد أنه سرق ثوبا وقيمته ثمن دينار، وشهد آخر أنه سرق ذلك الثوب وقيمته ربع دينار لم يجب القطع، لانه لم تكمل بينة الحد ووجب له الثمن لانه اتفق عليه الشاهدان وله أن يحلف على الثمن الآخر ويحكم له، لانه انفرد به شاهد فقضى به مع اليمين، وان أتلف عليه ثوبا فشهد شاهدان أن قيمته عشرة وشهد آخران أن قيمته عشرون قضى بالعشرة، لان البينتين اتفقتا على العشرة وتعارضتا في الزيادة لان إحداهما تثبتها والاخرى تنفيها فسقطت. (فصل) وان شهد شاهدان على رجلين أنهما قتلا فلانا وشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنهما قتلاه، فإن صدق الولى الاولين حكم بشهادتهما ويقتل الآخران، لان الاولين غير متهمين فيما شهدا به والآخران متهمان لانهما يدفعان عن أنفسهما القتل

وإن كذب الولى الاولين وصدق الآخرين بطلت شهادة الجميع، لان الاولين كذبهما الولى والاخران يدفعان عن أنفسهما القتل (فصل) وإن ادعى رجل على رجل أنه قتل مورثه عمدا، وقال المدعى عليه قتلته خطأ، فأقام المدعى شاهدين، فشهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا وشهد الاخر على إقراره بالقتل خطأ فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، لان صفة القتل لا تثبت بشاهد واحد، فإذا حلف ثبتت دية الخطأ فإن نكل حلف المدعى أنه قتله عمدا ويجب القصاص أو دية مغلظة. (فصل) وإن قتل رجل عمدا وله وارثان إبنان أو أخوان فشهد أحدهما على أخيه أنه عفا عن القود والمال سقط القود عن القاتل، عدلا كان أو فاسقا، لان شهادته على أخيه تضمنت الاقرار بسقوط القود. فأما الدية فإن نصيب الشاهد يثبت لانه ما عفا عنه، وأما نصيب المشهود عليه فإنه إن كان الشاهد ممن لا تقبل شهادته حلف المشهود عليه أنه ما عفا ويستحق نصف الدية، وان كان ممن تقبل شهادته حلف القاتل معه ويسقط عنه حقه من الدية، لان ما طريقه المال يثبت بالشاهد واليمين. وفى كيفية اليمين وجهان (أحدهما) أنه يحلف أنه قد عفا عن المال (والثانى) أنه يحلف أنه قد عفا عن القود والمال وهو ظاهر النص، لانه قد يعفو عن الدية ولا يسقط حقه منها، وهو إذا قلنا ان قتل العمد لا يوجب غير القود. فإذا عفا عن الدية كان ذلك كلا عفو فوجب أن يحلف أنه ما عفا عن القود والدية. (فصل) وان شهد شاهد أنه قال وكلتك وشهد آخر أنه قال أديت لك أو أنت جربى لم تثبت الوكالة لان شهادتهما لم تتفق على قول واحد، وان شهد أحدهما أنه قال وكلتك وشهد الآخر أنه أذن له في التصرف أو أنه سلطه على التصرف ثبتت الوكالة لان أحدهما ذكر اللفظ والاخر ذكر المعنى، ولم يخالفه الاخر الا في اللفظ. (فصل) وان شهد شاهدان على رجل أنه أعتق في مرضه عبده سالما وقيمته ثلث ماله وشهد آخر أنه أعتق غانما وقيمته ثلث ماله فإن علم السابق منهما عتق

ورق الآخر، وإن لم يعلم ذلك ففيه قولان (أحدهما) أنه يقرع بينهما لانه لا يمكن الجمع بينهما، لان الثلث لا يحتملهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر فأقرع بينهما، كما لو أعتق عبدين وعجز الثلث عنهما والقول الثاني أنه يعتق من كل واحد منهما النصف لان السابق حر والثانى عبد فإذا أقرع بينهما لم يؤمن أن يخرج سهم الرق على السابق وهو حر فيسترق وسهم العتق على الثاني فيعتق وهو عبد فوجب أن يعتق من كل واحد منهما النصف لتساويهما، كما لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بالثلث ولم يجز الورثة ما زاد على الثلث فإن الثلث يقسم عليهما. وان شهد شاهدان على رجل أنه أوصى لرجل بثلث ماله وشهد آخران أنه رجع عن الوصية وأوصى لآخر بالثلث بطلت الوصية الاولى وصحت الوصية للثاني، وإن ادعى رجل على رجلين أنهما رهنا عبدا لهما عنده بدين له عليهما فصدقه كل واحد منهما في حق شريكه وكذبه في حق نفسه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا تقبل شهادتهما لانه يدعى أن كل واحد منهما كاذب (والثانى) تقبل شهادتهما ويحلف مع كل واحد منهما ويصير العبد رهنا عنده لانه يجوز أن يكون قد نسى فلا يكون كذبه معلوما اللغة: قوله (في زاوية) الزاوية واحدة الزوايا، وأصله فاعلة من زويت الشئ أي قبضته وجمعته، كأنها تقبض وتجمع، ما فيها، وفى الحديث (زويت لى الارض) قوله (سرق كبشا) هو بالشين المعجمة والباء بواحدة، ومن قال كيسا بالباء باثنتين من تحتها والسين المهملة فقد أخطأ. (الشرح) قال الامام الشافعي في الام صفحة 51 جزء 7 طبعة حسين امبابى وإذا شهد ثلاثة على رجل بالزنا فأثبتوه فقال الرابع رأيته نال منها ولا أدرى أغاب ذلك منه في ذلك منها، فمذهب أكثر المفتين أن يحد الثلاثة ولا يحد الرابع. ولو كان الرابع قال أشهد أنه زان ثم قال هذا القول انبغى أن يحد في قولهم لانه قاذف لم يثبت الزنا الذى في مثله الحد ولم يحدوا. وهكذا لو شهد

أربعة فقالوا رأيناه على هذه المرأة فلم يثبتوا لم يحد ولم يحدوا، ولو قالوا زنا بهذه المرأة ثم لم يثبتوا حدوا بالقذف لانهم قذفة لم يخرجوا بالشهادة قال: وإذا شهد الشاهدان على سرقة فاختلفا في الشهادة فقال أحدهما سرق من هذه الدار كبشا لفلان، وقال الاخر بل سرقه من هذه الدار أو شهدا بالرؤية معا وقالا معا سرقه من هذا البيت وقال أحدهما بكرة وقال الاخر عشية أو قال أحدهما سرق الكبش وهو أبيض وقال الاخر سرقه وهو اسود، أو قال أحدهما كان الذى سرق أقرن وقال الاخر أجم أي غير أقرن، أو قال أحدهما كان كبشا وقال الاخر كان نعجة، فهذا اختلاف لا يقطع به حتى يجتمعا على شئ واحد يجب في مثله القطع ويقال المسروق منه كل واحد من هذين يكذب صاحبه فادع شهادة أيهما شئت واحلف مع شاهدك، فإن قال أحدهما سرق كبشا ووصفه بكرة وقال الاخر سرق كبشا ووصفه عشية فلم يدع المسروق الا كبشا حلف على أي الكبشين شاء وأخذه أو ثمنه ان فات وان ادعى كبشين حلف مع شهادة كل واحد منهما وأخذ كبشين إذا لم يكونا وصفا أن السرقة واحدة واختلفا في صفتهما، فهذه سرقتان يحلف مع كل واحد منهما ويأخذه قال وكذلك لو شهد شاهد أنه شرب خمرا اليوم وشهد آخر أنه شرب خمرا أمس لم يحد من قبل أن أمس غير اليوم وإذا شهد شاهد على رجل أنه قذف رجلا اليوم وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد قالت الحنابلة في كتاب منار السبيل طبعة دمشق صفحة 416: وان اختلف اثنان قدم قول المثبت، لانه يشهد بزيادة لم يدركها النافي. ثم قال صفحة 502: ولا يمين على شاهد أنكر شهادته وحاكم أنكر حكمه، لان ذلك لا يقضى فيه بالنكول فلا فائده بإيجاب اليمين فيه. وقالوا في الفروع صفحة 518: ومن زاد في شهادته أو نقص قبل الحكم أو أذى بعد انكارها قيل نص عليهما، كقوله لا أعرف الشهادة، وقيل لا كبعد الحكم، وقيل يؤخذ بقوله

المتقدم، وإن رجع لغت ولا حكم ولم يضمن وتقدم هل يجد في قذف، وفى الترغيب يحد، فإن ادعى غلطا فمبنى على ما إذا اتى بحد في صورة الشهادة ولم يكمل، وفى الرعاية يحد، فإن ادعى غلطا فلا، وإن لم يصرح بالرجوع بل قال للحاكم توقف فتوقف ثم عاد إليها قبلت في الاصح ففى وجوب إعامتها احتمالان وإن رجع شهود مال أو عتق بعد الحكم قبل الاستيفاء أو بعده لم ينقض ويضمنون ما لم يصدقهم مشهود له لا من زكاهم. وان رجع شهود القرابة وشهود الشراء غرم شهود القرابة وخرج في الانتصار كشهود زنا وإحصان، وفيه لو رجع شهود يمين بعتقه وشهود بحنثه فظاهر اختياره يغرمه شهود اليمين وفاقا لابي حنيفة. وعن أصحابنا بينهما وفاقا للشافعي، وإن رجع شهود طلاق فلا غرم إلا قبل الدخول نصف المسمى أو بدله وإن رجع شهود قود أو حد لم يستوف فتجب دية القود، فإن وجب عينا فلا، وقيل بالاستيفاء ان كان لآدمي، وان كان بعده وقالوا أخطأنا غرموا دية ما تلف أو أرش الضرب، وان رجع واحد غرم بقسطه وقيل الكل، وإن رجع الزائد على البينة قبل الحكم أو بعده استوفى ويحد الراجع لقذفه ثم قالوا: وان رجع شهود تعليق عتق أو طلاق وشهود شرطه غرموا بعددهم قال ابن حزم في المحلى صفحة 513 جزء 9 طبعة الامام: وإذا رجع الشاهد عن شهادته بعد أن حكم بها أو قبل أن يحكم بها فسخ بها فيه، فلو مات أو جن أو تغير بعد أن شهد قبل أن يحم بشهادته أو بعد أن حكم بها نفذت على كل حال ولم ترد قال على: أما موته وجنونه وتغيره فقد تمت الشهادة الصحيحة ولم يوجب فسخها بعد ثبوتها ما حدث بعد ذلك، وأما رجوعه عن شهادته فلو أن عدلين شهدا بجرحته حين شهد لوجب رد ما شهد به واقراره على نفسه بالكذب أو الغفلة أثبت عليه من شهادة غيره عليه بذلك، وقولنا هو قول حماد بن أبى سليمان والحسن البصري وقالت الشيعة في المختصر النافع صفحة 214: ولا بد في الشهادة من ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة ولا بد من تواردهم

باب الرجوع عن الشهادة

على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد، ولو أقام الشهادة بعض حدوا لو لم يرتقب إتمام البينة وتقبل شهادة الاربعة على الاثنين فما زاد قال المصنف رحمه الله تعالى: باب الرجوع عن الشهادة إذا شهد الشهود بحق ثم رجعوا عن الشهادة لم يخل إما أن يكون قبل الحكم أو بعد الحكم وقبل الاستيفاء أو بعد الحكم وبعد الاستيفاء، فإن كان قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم. وحكى عن أبى ثور أنه قال يحكم وهذا خطأ لانه يحتمل أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع، ويجوز أن يكونوا صادقين في الرجوع كاذبين في الشهادة ولم يحكم مع الشك، كما لو جهل عدالة الشهود، فإن رجعوا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان في حد أو قصاص لم يجز الاستيفاء لان هذه الحقوق تسقط بالشبهة والرجوع شبهة ظاهرة فلم يجز الاستيفاء بالشبهة معها، وإن كان مالا أو عقد فالمنصوص أنه يجوز الاستيفاء ومن أصحابنا من قال لا يجوز لان الحكم غير مستقر قبل الاستيفاء، وهذا خطأ لان الحكم نفذ والشبهة لا تؤثر فيه فجاز الاستيفاء، وإن رجعوا بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم ولا يجب على المشهود له رد ما أخذه لانه يجوز أن يكونوا صادقين، ويجوز أن يكونوا كاذبين، وقد اقترن بأحد الجائزين الحكم والاستيفاء فلا ينقض برجوع محتمل. (فصل) وإن شهدوا بما يوجب القتل ثم رجعوا نظرت فإن قالوا تعمدنا ليقتل بشهادتنا وجب عليهم القود، لما روى الشعى أن رجلين شهدا عند على رضى الله عنه على رجل أنه سرق فقطعه، ثم أتيا برجل آخر فقالا إنا أخطأنا بالاول وهذا السارق، فأبطل شهادتهما على الآخر وضمنهما دية يد الاول وقال لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما، ولانهما الجاه إلى قتله بغير حق فلزمهما القود، كما لو أكرهاه على قتله. وإن قالوا تعمدنا الشهادة ولم نعلم أنه يقتل وهم يجهلون قتله وجبت عليهم

دية مغلظة لما فيه من العمد ومؤجلة لما فيه من الخطأ، فإن قالوا أخطأنا وجبت دية مخففة لانه خطأ ولا تحمله العاقلة لانها وجبت باعترافهم، فإن اتفقوا أن بعضهم تعمد وبعضهم أخطأ وجب على المخطئ قسطه من الدية المخففة وعلى المتعمد قسطه من الدية المغلظة ولا يجب عليه القود لمشاركة المخطئ. وان اختلفوا فقال بعضهم تعمدنا كلنا وقال بعضهم أخطأنا كلنا وجب على المقر بعمد الجميع القود وعلى المقر بخطأ الجميع قسطه من الدية المخففة، وان كانوا أربعة شهدوا بالرجم، فقال اثنان منهم تعمدنا وأخطأ هذان، وقال الآخران تعمدنا وأخطأ الاولان ففيه قولان: (أحدهما) أنه يجب القود على الجميع، لان كل واحد منهم أقر بالعمد وأضاف الخطأ إلى من أقر بالعمد، فصاروا كما لو أقر جميعهم بالعمد. والقول الثاني، وهو الصحيح، أنه لا قود على واحد منهم بل يجب على كل واحد منهم قسطه من الدية المغلظة، لانه لا يؤخذ كل واحد منهم الا بإقراره وكل واحد منهم مقر بعمد شاركه فيه مخطئ فلا يجب عليه القود بإقرار غيره بالعمد وان قال اثنان تعمدنا كلنا، وقال الآخران تعمدنا وأخطأ الاولان، فعلى الاولين القود وفى الاخرين القولان: (أحدهما) يجب عليهما القود (والثانى) وهو الصحيح أنه يجب عليهما قسطهما من الدية المغلظة، وقد مضى توجيههما. وان قال بعضهم تعمدت ولا أعلم حال الباقين، فإن قال الباقون تعمدنا وجب القود على الجميع، وان قالوا أخطأنا سقط القود عن الجميع. (فصل) فإن رجع بعضهم نظرت فإن لم يزد عددهم على عدد البينة بأن شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ثم رجع واحد منهم وقال أخطأت ضمن ربع الدية. وان رجع اثنان ضمنا نصف الدية، وان زاد عددهم على عدد البينة بأن شهد خمسة على رجل بالزنا فرجم ورجع واحد منهم لم يجب القود على الراجع لبقاء وجوب القتل على المشهود عليه، وهل يجب عليه من الدية شئ؟ فيه وجهان (أحدهما) وهو الصحيح أنه لا يجب لبقاء وجوب القتل (والثانى) أنه

يجب عليه خمس الدية لان الرجم حصل بشهادتهم فقسمت الدية على عددهم. فإن رجع إثنان وقالا تعمدنا كلنا وجب عليهما القود، وان قالا أخطأنا كلنا ففى الدية وجهان: (أحدهما) أنهما يضمنان الخمس من الدية اعتبارا بعددهم (والثانى) يضمنان ربع الدية لانه بقى ثلاثه أرباع البينة (فصل) وإن شهد أربعة بالزنا على رجل وشهد إثنان بالاحصان فرجم ثم رجعوا كلهم عن الشهادة فهل يجب على شهود الاحصان ضمان؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه لا يجب لانهم لم يشهدوا بما يوجب القتل (والثانى) أنه يجب على الجميع لان الرجم لم يستوف إلا بهم (والثالث) أنهما إن شهدا بالاحصان قبل ثبوت الزنا لم يضمنا لانهما لم يثبتا إلا صفة، وإن شهدا بعد ثبوت الزنا ضمنا لان الرجم لم يستوف إلا بهما، وفى قدر ما يضمنان من الدية وجهان: (أحدهما) أنهما يضمنان نصف الدية لانه رجم بنوعين من البينة: الاحصان والزنا فقسمت الدية عليهما. (والثانى) أنه يجب عليهما ثلث الدية، لانه رجم بشهادة ستة فوجب على الاثنين ثلث الدية، وإن شهد أربعة بالزنا وشهد إثنان منهم بالاحصان قبلت شهادتهما لانهما لا يجران بهذه الشهادة إلى أنفسهما نفعا ولا يدفعان عنهما ضررا، فإن شهدوا فرجم المشهود عليه ثم رجعوا عن الشهادة، فأن قلنا لا يجب الضمان على شهود الاحصان وجبت الدية عليهم أرباعا على كل واحد منهم ربعها وإن قلنا انه يجب الضمان على شهود الاحصان ففى هذه المسألة وجهان: (أحدهما) أنه لا يجب لاجل الشهادة بالاحصان شئ بل يجب على من شهد بالاحصان نصف الدية وعلى الآخرين نصفها، لان الرجوع عن الشهادة صار كالجناية فوجب على كل اثنين نصف الدية كأربعة أنفس جنى اثنان جنايتين، وحتى اثنان أربعة جنايات. والوجه الثاني أنه يجب الضمان لاجل الشهادة بالاحصان، فإن قلنا يجب على شاهدى الاحصان نصف الدية وعلى شهود الزنا النصف وجب ههنا على الشاهدين بشهادتهما بالاحصان نصف الدية، وقسم النصف بينهم نصفين على

شاهدى الاحصان النصف وعلى الاخرين النصف فيصير على شاهدى الاحصان ثلاثة أرباع الدية وعلى الاخرين ربعها، وإذا قلنا إنه يجب على شاهدى الاحصان ثلث الدية وجب ههنا عليهما الثلث بشهادتهما بالاحصان ويبقى الثلثان بينهم النصف على من شهد بالاحصان والنصف على الاخرين فيصير على من شهد بالاحصان ثلثا الدية وعلى من انفرد بشهادة الزنا ثلثها. (فصل) وان شهد على رجل أربعة بالزنا وشهد اثنان بتزكيتهم فرجم ثم بان أن الشهود كانوا عبيدا أو كفارا وجب الضمان على المزكيين لان المرجوم قتل بغير حق ولا شئ على شهود الزنا، لانهم يقولون انا شهدنا بالحق ولولى الدم أن يطالب من شاء من الامام أو المزكيين، لان الامام رجم المزكيين الجاه، فإن طالب الامام رجع على المزكيين لانه رجمه بشهادتهما، وان طالب المزكيين لم يرجعا على الامام لانه كالالة لهما، (فصل) وان شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده ثم رجعا عن الشهادة وجب عليهما قيمة العبد لانهما أتلفاه عليه فلزمهما ضمانه كما لو قتلاه، وان شهدا على رجل أنه طلق امرأته ثم رجعا عن الشهادة، فإن كان بعد الدخول وجب عليهما مهر المثل لانهما أتلفا عليه مقوما فلزمهما ضمانه، كما لو أتلفا عليه ماله وان كان قبل الدخول ففيه طريقان ذكرناهما في الرضاع. (فصل) وان شهدا عليه بمال وحكم عليه ثم رجعا عن الشهادة فالمنصوص أنه لا يرجع على المشهود وقال فيمن في يده دار فأقر أنه غصبها من فلان ثم أقر أنه غصبها من آخر أنها تسلم إلى الاول بإقراره السابق: وهل يجب عليه أن يغرم قيمتها للثاني؟ فيه قولان ورجوع الشهود كرجوع المقر، فمن أصحابنا من قال هو على قولين وهو قول أبى العباس: (أحدهما) أنه يرجع على المشهود بالغرم، لانهم حالوا بينه وبين ماله بعدوان وهو الشهادة فلزمهم الضمان. (والثانى) أنه لا يرجع عليهم لان العين لا تضمن إلا باليد أو بالاتلاف ولم يوجد من الشهود واحد منهما ومن أصحابنا من قال لا يرجع على الشهود

قولا واحدا، والفرق بينهم وبين الغاصب أن الغاصب ثبتت يده على المال بعدوان والشهود لم تثبت أيديهم على المال، والصحيح أن المسألة على قولين، والصحيح من القولين أنه يجب عليهم الضمان، فإن شهد رجل وامرأتان بالمال ثم رجعوا وجب على الرجل النصف وعلى كل امرأة الربع، لان كل امرأتين كالرجل. وإن شهد ثلاثة رجال ثم رجعوا وجب على كل واحد منهم الثلث، فإن رجع واحد وبقى اثنان ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يلزمه ضمان الثلث لان المال يثبت بشهادة الجميع (والثانى) وهو المذهب أنه لا شئ عليه لانه بقيت بينة يثبت بها المال، فإن رجع آخر وجب عليه وعلى الاول ضمان النصف لانه انحل نصف البينة، وإن شهد رجل وعشر نسوة ثم رجعوا عن الشهادة وجب على الرجل ضمان السدس وعلى كل امرأة ضمان نصف السدس. وقال أبو العباس يجب على الرجل ضمان النصف وعلى النسوة ضمان النصف لان الرجل في المال بمنزلة نصف البينة فلزمه ضمان النصف، والصحيح هو الاول لان الرجل في المال بمنزلة امرأتين، وكل امرأتين بمنزلة رجل فصاروا كستة رجال شهدوا ثم رجعوا فيكون حصة الرجل السدس وحصة كل امرأتين السدس وإن رجع ثمانى نسوة لم يجب على الصحيح من المذهب عليهن شئ لانه بقيت ببنة ثبت بها الحق، فإن رجعت أخرى وجب عليها وعلى الثمانى ضمان الربع، وأن رجعت أخرى وجب عليها وعلى النسع النصف. (فصل) وإن شهد شاهد بحق ثم مات أو جن أو أغمى عليه قبل الحكم لم تبطل شهادته لان ما حدث لا يوقع شبهة في الشهادة فلم يمنع الحكم بها، وإن شهد ثم فسق قبل الحكم لم يجز الحكم بشهادته، لان الفسق يوقع شكا في عدالته عند الشهادة فمنع الحكم بها. وإن شهد على رجل ثم صار عدوا له بأن قذفه المشهود عليه لم تبطل شهادته لان هذه عداوة حدثت بعد الشهادة فلم تمنع من الحكم بها، وإن شهد وحكم الحاكم بشهادته ثم فسق فإن كان في مال أو عقد لم يؤثر في الحكم لانه يجوز أن يكون حادثا ويجوز أن يكون موجودا عند الشهادة فلا ينقض حكم نفذ بأمر محتمل، وإن كان في حد أو قصاص لم يجز

الاستيفاء لان ذلك يوقع شبهة في الشهادة والحد والقصاص مما يسقطان بالشبهة فلم يجز استيفاؤه مع الشبهة. (فصل) وإن حكم بشهادة شاهد ثم بان أنه عبد أو كافر نقض الحكم لانه تيقن الخطا في حكمه فوجب نقضه كما لو حكم بالاجهاد ثم وجد النص بخلافه، وإن حكم بشهادة شاهد ثم قامت البينة أنه فاسق، فإن لم تسند الفسق إلى حال الحكم لم ينقض الحكم لجواز أن يكون الفسق حدث بعد الحكم فلم ينقض الحكم مع الاحتمال. وإن قامت البينة أنه كان فاسقا عند الحكم فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق رحمه الله ينقض الحكم قولا واحدا، لانه إذا نقص بشهادة العبد ولا نص في رد شهادته ولا اجماع، فلان ينقض بشهادة الفاسق وقد ثبت رد شهادته بالنص والاجماع أولى. وقال أبو العباس رحمه الله فيه قولان، أحدهما أنه ينقض لما ذكرناه، والثانى أنه لا ينقض لانه فسقه ثبت بالبينة من جهة الظاهر فلا ينقض حكم نفذ في الظاهر، والصحيح هو الاول لان هذا يبطل به إذا حكم بالاجتهاد فيه ثم وجد النص بخلافه، فإن النص ثبت من جهة الظاهر، وهو خبر الواحد ثم ينقض به الحكم. (فصل) وإذا نقض الحكم نظرت فإن كان المحكوم به قطعا أو قتلا وجب على الحاكم ضمانه لانه لا يمكن إيجابه على الشهود لانهم يقولون شهدنا بالحق ولا يمكن إيجابه على المشهود له، لانه يقول استوفيت حقى فوجب على الحاكم الذى حكم بالاتلاف ولم يبحث عن الشهادة، وفى الموضع الذى يضمن قولان (أحدهما) في بيت المال (والثانى) على عاقلته وقد بيناه في الديات، وان كان المحكوم به مالا فإن كان باقيا في يد المحكوم له وجب عليه رده، وان كان تالفا وجب عليه ضمانه لانه حصل في يده بغير حق ويخالف ضمان القطع والقتل حيث لم يوجب على المحكوم له، لان الجناية لا تضمن الا أن تكون محرمة وبحكم الحاكم خرج عن أن يكون محرما فوجب على الحاكم دونه

(فصل) ومن حكم له الحاكم بمال أو بضع أو غيرهما بيمين فاجرة أو شهادة زور لم يحل له ما حكم له به لما روت أم سملة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: انكم تختصمون إلى وانما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بما أسمع وأظنه صادقا، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها، ولانه يقطع بتحريم ما حكم له به فلم يحل له بحكمه كما لو حكم له بما يخالف النص والاجماع (الشرح) أثر الشعبى أن رجلين شهدا عند على ثم رجعا ... ) أخرجه البيهقى في السنن الكبرى. حديث أم سلمة متفق عليه، وقد خرجه مسلم بصيغ منها ما ذكر، ومنها (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ألا انما أنا بشر وانما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضى له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو بذرها، وأخرجه البخاري في غير موضع بألفاظ متقاربة وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والامام أحمد في مسنده. اللغة: قوله (بتزكيتهم) تزكية الشهود مدحهم والثناء عليهم، يقال زكى فلان بينته أي مدحها، وزكى أي فمى صلاحه من زكى المال، ويقال تطهيرهم، من قوله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) وقوله تعالى (غلاما زكيا) أي طاهرا. وقوله تعالى (ما زكى منكم من أحد أبدا) أي ما طهر قوله (ولعل بعضكم أن يكون الجن بحجته) أي أفطن وأقوم بها، يقال لحن يلحن لحنا بفتح الحاء إذا أصاب وفطن، قالوا وأما اللحن بإسكان الحاء فهو الخطأ واللحن أيضا اللغة، ومنه قول عمر رضى الله عنه: أبى اقرؤنا وإنا لترغب عن كثير من لحنه أي لغته وكان يقرأ التابوه قال: وقوم لهم لحن سوى لحن قومنا * وشكل وبيت الله لسنا نشاكله واللحن أيضا التعريض والاشارة، قال أبو زيد: يقال لحنت له بالفتح لحنا إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى عن غيره، ومنه قوله تعالى (ولتعرفنهم في

لحن القول) قال ابن الانباى معناه ولتعرفنهم في معنى القول. وقال العزيزي: فحوى القول ومعناه، وقال الهروي في نحوه وقصده، وأنشدوا للقتال الكلابي: وقد لحنت لكم لكيما تفهموا * ووحيت وحيا ليس بالمرتاب وقبل أن أنقل لك ما قبل فقهيا أحببت أن أنقل لك ما ذكره ابن دقيق العهد في احكام الاحكام لان فيه رد قوى على أرباب الطرق وأصحاب التصوف ومن سار في ركابهم، واخراجهم رسولنا الكريم عن بشريته ومدحهم فيه بطريقة لا تتفق مع شرع ولا دين، بل حتى المعتدلين منهم حسب رأيهم في أنفسهم أخرجوا في هذه الايام كتيبا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخبطوا فيه خبط عشواء ولم يستطيعوا أن يتحللوا من صوفيتهم البغيضة يقول ابن دقيق العبد في شرحه لحديث أم سلمة (فيه دليل على اجراء الاحكام على الظاهر وإعلام الناس بأن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كغيره وإن كان يفترق مع الغير في اطلاعه على ما يطلعه الله عز وجل عليه من الغيوب الباطنة وذلك في أمور مخصوصة لا في الاحكام العامة، وعلى هذا يدل قوله عليه السلام (إنما أنا بشر) ولا أطيل عليك فهذا ليس من موضوعات كتابنا ولكن أتمنى لامثال هؤلاء السابقين أن يفتح الله قلوبهم للحق وأبصارهم على الاسلام الصحيح فيسيروا على نهج رسول الله عملا وقولا ويلتزموا بالسنة الصحيحة. قال المزني في مختصره، قال الشافعي رحمه الله: الرجوع عن الشهادة ضربان فإن كانت على رجل بشئ يتلف من بدنه أو ينال بقطع أو قصاص فأخذ منه ذلك ثم رجعوا فقالوا عمدناه بذلك فهى كالجناية فيها القصاص. واحتج في ذلك بعلى، وما لم يكن من ذلك فيه القصاص أغرموه وعزروا دون الحدود، وإن قالوا لم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل، ولو قالوا أخطأنا كان عليهم الارش، ولو كان هذا في طلاق ثلاث أغرمتهم للزوج صداق مثلها، دخل بها أو لم يدخل بها، لانهم حرموها عليه، فلم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها، ولا التفت إلى ما أعطاها.

قال المزني رحمه الله: ينبغى أن يكون هذا غلطا من غير الشافعي، ومعنى قوله المعروف أن يطرح عنهم ذلك بنصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها قال الشافعي رحمه الله: وان كان في دار فأخرجت من يده إلى غيره عزروا على شهادة الزور ولم يعاقبوا على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أنى جعلتهم عدولا بالاول فأمضينا بهم الحكم ولم يكونوا عدولا بالآخر، فترد الدار ولم يستفيدوا شيئا لا يؤخذ ولم يأخذوا شيئا لانفسهم فانتزعه منهم، وهم كمبتدئين شهادة لا تقبل منهم فلا أغرمهم ما أقروه في أيدى غيرهم. قال ابن دقيق العبد: واتفق أصحاب الشافعي على أن القاضى الحنفي إذا قضى بشفعة الجار للشافع أخذها في الظاهر واختلفوا في حل ذلك في الباطن له على وجهين. والحديث (أي حديث أم سملة) عام بالنسبة إلى سائر الحقوق، والذى يتفقون عليه أعنى أصحاب الشافعي - أن الحجج إذا كانت باطلة في نفس الامر بحيث لو اطلع عليها القاضى لم يجز له الحكم بها أن ذلك لا يؤثر وإنما وقع التردد في الامور الاجتهادية إذا خالف اعتقاد القاضى اعتقاد المحكوم له كما قلنا في شفعة الجار. قالت الحنابلة: وان رجع شهود المال أو العتق بعد حكم الحاكم لم ينقض الحكم لتمامه، ووجوب المشهود المحكوم له ورجوعهم لا ينقض الحكم، لانهم ان قالوا عمدنا فقد شهدوا على أنفسهم بالفسق، فهما متهمان بإرادة تقض الحكم وان قالوا أخطأنا لم يلزم نقضه أيضا لجواز خطئهم في قولهم الثاني بأن اشتبه عليهم الحال. وقبل الانتهاء من هذا الباب ألخص لك الموضوع: 1 - (تعريف الشهادة) أن يخبر بها المرء صادقا بما شاهد أو سمع 2 - (حكمها) تحمل الشهادة كأدائها فرض كفايه على من تعينت عليه، لقول الله تعالى (فاستشهدوا شهيدين من رجالكم ... ) البقرة وقوله تعالى (ولا تكتموا الشهادة. ) ولقول سيد البشر (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذى يأتي بشهادته قبل أن يسألها) أخرجه مسلم.

3 - (شروط الشاهد) أن يكون مسلما عاقلا بالغا عدلا غير متهم، أي ممن لا تقبل شهادتهم كعمودي النسب لبعضهم والزوجين كل منهما للآخر والذى يجر نفعا لنفسه أو يدفع ضررا والعدو على عدوه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذى غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لاهل البيت) أحمد والبيهقي وأبو داود، وقال في التلخيص اسناده قوى 4 - (أحكام الشهادة) (أ) لا يجوز للشاهد أن يشهد الا بما علمه يقينا برؤية أو سماع لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الشهادة: ترى الشمس؟ قال نعم، قال على مثلها فاشهد أو دع) ابن عدى بسند ضعيف وصححه الحاكم وخطأه الذهبي في تصحيحه له. (ب) تجوز الشهادة على شهادة شاهد آخر إذا تعذر حضوره لمرض أو غياب أو موت وللضرورة إذا توقف عليه حكم الحاكم (ج) يزكى الشاهد بشهادة عدلين على أنه عدل مرضى إذا كان الشاهد غير مبرز العدالة، أما مبرز العدالة فلا يحتاج القاضى إلى تزكية له: (د) إن زكى رجلان رجلا وجرح فيه آخران قدم جانب التجريح على جانب التعديل لانه الاحوط. (هـ) يجب تأديب شاهد الزور بما يردعه 5 - انواع الشهادات: (أ) شهادة الزنا ويتعين فيها أربعة شهود ولا يعتد بالاقل من ذلك، وأن تكون رؤيا العين فيها صحيحة بدخول المرود في المكحلة. (ب) شهادة غير الزنا من جميع الامور يكفى فيها شاهد عدل (ج) شهادة الاموال يكفى فيها شهادة رجل وامرأتين (د) شهادة الاحكام يكفى فيها شاهد ويمين (هـ) شهادة الحمل والحيض وما لا يطلع عليه إلا النساء يكفى فيه شهادة امرأتين.

كتاب الإقرار

قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الإقرار الحكم بالاقرار واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترقت فارجمها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما، ولانه إذا وجب الحكم بالشهادة فلان يجب بالاقرار وهو من الريبة أبعد وأولى. (فصل) وان كان المقر به حقا لآدمي أو حقا لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة والكفارة ودعت الحاجة إلى الاقرار به لزمه الاقرار به لقوله عز وجل (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) ولقوله تعالى (فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) والاملال هو الاقرار، فإن كان حقا لله تعالى يسقط بالشبهة فقد بيناه في كتاب الشهادات. (الشرح) حديث يا أنيس اغد على امرأة هذا. سبق تخريجه حديث (رجم ماعز والغامدية..) حديث رجم ماعزا أصله في الصحيحين عن أبى هريرة وابن عباس ولم يسم، ورواه مسلم من حديث بريدة فسماه. حديث الغامدية أخرجه أبو داود ومسلم اللغة: الاقرار اخبار عما قر وثبت وتقدم، ومعناه الاعتراف وترك الانكار، من استقر بالمكان إذا وقف فيه ولم يرتحل عنه، وقرار الماء وقرارته حيث ينتهى جريانه ويستقر، قال عنترة. جادت علينا كل بكر حرة * فتركن كل قرارة كالدرهم قوله (قوامين بالقسط) أي بالعدل بكسر القاف وبفتحها الجواز. وقال آخر: ليتهم أقسطوا إذا قسطوا * فالزمان قسط وقسط قوله (فليملل وليه بالعدل) يقال أمل عليه بمعنى أملى وأمللت عليه الكتاب

الاقرار هو اعتراف الانسان بكل حق عليه بكل لفظ دال على الاقرار، بشرط كون المقر مكلفا وهو أبلغ البينات، ويدخل في جميع أبواب العلم من العبادات والمعاملات والانكحة والجنايات وغيرها، وفى الحديث (لا عذر لمن أقر) ذكره عبد الرحمن بن ناصر السعدى في منهج السالكين ولم أجد من خرجه. ويجب على الانسان أن يعترف بجميع الحقوق التى عليه للآدميين ليخرج من التبعة بأداء أو استحلال قالت الحنابلة وهو الاعتراف بالحق والحكم به واجب لقوله صلى الله عليه وسلم (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا والغامدية والجهنية بإقرارهم، ولانه إذا وجب الحكم بالبينة فلان يجب بالاقرار مع بعده من الريبة أولى قاله في الكافي قال أبو محمد بن حزم في المحلى: اختلف الناس في الاقرار بالحد بعد مدة وأيهما أفضل الاقرار أم الاستتار، فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى، فنظرنا فيها احتجت به الطائفة المختارة الستر وأن جميع الامة متفقون على ان الستر مباح وأن الاعتراف مباح، انما اختلفوا في الافضل، ولم يقل أحد من أهل الاسلام أن المعترف بما عمل بما يوجب الحد عاص لله تعالى في اعترافه. ولا قال أحد من أهل الاسلام قط أن السائر على نفسه ما أصاب من حد عاص لله تعالى، فنظرنا في تلك الاخبار التى جاءت في ذلك فوجدناها كلها لا يصح منها شئ إلا خبرا واحدا وهو إعراض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ المعترف بالزنا مرات، ولا حجة لهم فيه. وبعد أن أورد نصوص كل من الفريقين وردها سندا وناقشها متنا قرر قائلا فصح يقينا أن الاعتراف بالذنب ليقام عليه الحد أفضل من الاستتار له بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم - أي للغامدية ولماعز - أنه لا أفضل من جودة المعترف بنفسه لله تعالى، ثم قال وأن الستر مباح بالاجماع

قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ولا يصح الاقرار الا من بالغ عاقل مختار، فأما الصبى والمجنون فلا يصح إقرارهما لقوله عليه الصلاة والسلام (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق) ولانه التزام حق بالقول فلم يصح من الصبى والمجنون كالبيع. فإن أقر مراهق وادعى أنه غير بالغ فالقول قوله وعلى المقر له أن يقيم البينة على بلوغه ولا يحلف المقر لانا حكمنا بأنه غير بالغ. وأما السكران فإن كان سكره بسبب مباح فهو كالمجنون، وإن كان بمعصية الله فعلى ما ذكرنا في الطلاق. وأما المكره فلا يصح إقراره لقوله عليه الصلاة والسلام (رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، ولانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع، ويصح إقرار السفيه والمفلس بالحد والقصاص لانه غير متهم، وأما إقراره بالمال فقد بيناه في الحجر والتفليس. (فصل) ويصح إقرار العبد بالحد والقصاص لان الحق عليه دون مولاه ولا يقبل إقرار المولى عليه في ذلك لان المولى لا يملك من العبد الا المال، وأن جنى رجل على عبد جناية توجب القصاص، أو قذفه قذفا يوجب التعزير ثبت القصاص والتعزير له، وله المطالبة به والعفو عنه، وليس للمولى المطالبة به ولا العفو عنه لانه حق غير مال فكان له دون المولى، ولا يقبل إقرار العبد بجناية الخطأ لانه ايجاب مال في رقبته ويقبل إقرار المولى عليه لانه إيجاب حق في ماله ويقبل إقرار العبد المأذون في دين المعاملة ويجب قضاؤه من المال الذى في يده لان المولى سلطه عليه، ولا يقبل اقرار غير المأذون في دين معاملة في الحال، ويتبع به إذا عتق، لانه لا يمكن أخذه من رقبته لانه لزمه برضى من له الحق. وان أقر بسرقة مالا لا يجب فيه القطع، كمال دون النصاب وما سرق من غير حرز وصدقه المولى وجب التسليم ان كان باقيا وتعلق برقبته ان كان تالفا لانه لزمه بغير رضى صاحبه، وان كذبه المولى كان في ذمته يتبع به إذا عتق، وان وجب

فيه القطع قطع لانه غير متهم في إيجاب القطع، وفى المال قولان، واختلف أصحابنا في موضع القولين على ثَلَاثَةُ طُرُقٍ. (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه ان كان المال في يده ففيه قولان، أحدهما أنه يسلمه إليه لانه انتفت التهمة عنه في إيجاب القطع على نفسه، والثانى أنه لا يسلم لان يده كيد المولى فلم يقبل إقراره فيه، كما لو كان المال في يد المولى وإن كان المال تالفا لم يقبل إقراره ولا يتعلق برقبته قولا واحدا، لان للغرم محلا يثبت فيه وهو ذمته. والطريق الثاني وهو قول القاضى أبى حامد المروروذى رحمه الله انه إن كان المال تالفا ففيه قولان، أحدهما يتعلق برقبته يباع فيه، والثانى أنه لا يتعلق برقبته وإن كان باقيا لم يقبل إقراره قولا واحدا لان يده كيد المولى فلم يقبل إقراره فيه، كما لو أقر بسرقة مال في يد المولى. والطريق الثالث وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أن القولين في الحالين سواء كان المال باقيا أو تالفا، لان العبد وما في يده في حكم ما في يد المولى، فإن قبل في أحدهما قبل في الآخر، وإن رد في أحدهما رد في الآخر، فلا معنى للفرق بينهما. (فصل) وان باع السيد عبده من نفسه فقد نص في الام أنه يجوز. وقال الربيع رحمه الله فيه قول آخر أنه لا يجوز واختلف أصحابنا فيه فقال أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يجوز قولا واحدا، وذهب القاضى أبو حامد المروروذى والشيخ أبو حامد الاسفراينى رحمهما الله إلى أنها على قولين (أحدهما) أنه يجوز لانه إذا جازت كتابته فلان يجوز بيعه وهو أثبت والعتق فيه أسرع أولى. (والثانى) أنه لا يجوز لانه لا يجوز بيعه بما في يده لانه للمولى ولا يجوز بمال في ذمته لان المولى لَا يَثْبُتُ لَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ، فإذا قلنا انه يجوز وهو الصحيح فأقر المولى أنه باعه من نفسه وأنكر العبد عتق بإقراره وحلف العبد أنه لم يشتر نفسه ولا يجب عليه الثمن.

(الشرح) حديث رفع القلم..سبق تخريجه حديث: رفع عن أمتى الخطأ والنسيان ... أخرجه الطبراني عن ثوبان، ورمز السيوطي لصحته وهو غير صحيح، فقد تعقبه الهيثمى بأن فيه يزيد بن ربيعة الرجى وهو ضعيف، وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر في الطلاق من الروضة أنه حسن، ولم يسلم له ذلك بل اعترض باختلاف فيه وتبابن الروايات وبقول أبى حاتم في العلل عن أبيه: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة. وذكر عبد الله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره، ونقل الخلال عن أحمد: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة، وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله. اللغة: قوله (فإن أقر مراهق) يقال راهق العلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام. قال الشافعي في الام: وان رهن الرجل الرجل عبدا وأقبضه المرتهن فادعى عليه المرتهن أنه جنى عليه أو على رجل هو وليه جناية عمدا في مثلها قود فأقر بذلك العبد المرهون وأنكر الراهن ذلك أو لم يقر به ولم ينكره فإقرار العبد لازم له وهو كقيام البينة عليه. قالت الحنفية في بدائع الصنائع: لا يصح اقرار المجنون والصبى الذى لا يعقل فأما البلوغ فليس بشرط، فيصح اقرار الصبى العاقل بالدين والعين، لان ذلك من ضرورات التجارة، الا أنه لا يصح اقرار المحجور عليه لانه من التصرفات الضارة المحضة من حيث الظاهر والقبول من المأذون للضرورة ولم يوجد. وأما الحرية فليست بشرط لصحة الاقرار، فيصح اقرار العبد المأذون بالدين والعين وكذا بالحدود والقصاص، وكذا العبد المحجور يصح اقراره بالمال لكن لا ينفذ على المولى للحال حتى لا تباع رقبته بالدين بخلاف المأذون، لان اقرار المأذون انما صح لكونه من ضرورات التجارة والمحجور عليه لا يملك التجارة فلا يملك ما هو من ضروراتها، الا أنه يصح إقراره في حق نفسه حتى يؤاخذ به بعد الحرية لانه من أهل الاقرار لوجود العقل والبلوغ، الا أنه امتنع النفاذ على المولى للحال

لحقه، فإذا عتق فقد زال المانع فيؤاخذ به وكذا يصح إقراره الحدود والقصاص فيؤاخذ به الحال لانه نفسه في حق الحدود والقصاص كالخارج على ملك المولى، ولهذا لو أقر المولى عليه بالحدود والقصاص لا يصح، وكذا الصحة ليست بشرط لصحة الاقرار. قالت الحنابلة في الروض المربع ويصح الاقرار من مكلف لا من صغير غير مأذون في تجارة فيصح في قدر ما أذن له فيه ومختار غير محجور عليه فلا يصح من سفيه إقرار بمال، ولا يصح الاقرار من مكره. هذا محترز قوله مختار إلا أن يقر بغير ما أكره عليه، كان يكره على الاقرار بدرهم فيقر بدينار، ويصح من سكران ومن أخرس بإشارة معلومة، ولا يصح بشئ في يد غيره أو تحت ولاية غيره، كما لو أقر أجنبي على صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه، وتقبل من مقر دعوى إكراه تقرينة كترسيم عليه، وتقدم بينة إكراه على طواعية، وان أكره على وزن مال فباع ملكه لذلك، أي لوزن ما أكره عليه صح البيع لانه لم يكره على البيع، ويصح اقرار صبى أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا ولا يقبل بسن الا ببينة كدعوى جنون قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويقبل اقرار المريض بالحد والقصاص لانه غير متهم، ويقبل اقراره بالمال لغير وارث لانه غير متهم في حقه، وان أقر لرجل بدين في الصحة وأقر لآخر بدين في المرض وضاق المال عنهما قسم بينهما على قدر الدينين لانهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال ولم يقدم أحدهما على الآخر، كما لو أقر لهما في ي حال الصحة. واختلف أصحابنا في اقراره للوارث، فمنهم من قال فيه قولان، أحدهما أنه لا يقبل لانه اثبات مال للوارث بقوله من غير رضى الورثة فلم يصح من غير رضى سائر الورثة كالوصية. والثانى أنه يقبل وهو الصحيح، لان من صح اقراره له في الصحة صح اقراره في المرض كالأجنبي

ومن أصحابنا من قال يقبل اقراره قولا واحدا، والقول الاخر حكاه عن غيره، وان كان وارثه أخا فأقر له بمال فلم يمت المقر حتى حدث له ان صح اقراره للاخ قولا واحدا لانه خرج عن أن يكون وارثا، وان أقر لاخيه وله ابن فلم يمت حتى مات الابن صار الاقرار للوارث، فيكون على ما ذكرناه من الطريقين في الاقرار للوارث. وان ملك رجل أخاه ثم أقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته وهو أقرب عصبته بعد عتقه هل يرث أم لا؟ ان قلنا ان الاقرار الوارث لا يصح لم يرث لان توريثه يوجب ابطال الاقرار بحريته، وإذا بطلت الحرية سقط الارث فثبتت الحرية وسقط الارث، وان قلنا ان الاقرار للوارث يصح نفذ العتق بإقراره وثبت الارث بنسبه. (الشرح) قوله (ويقبل اقرار المريض بالحد والقصاص..) قال الحنفيون في بدائع الصنائع ص 224 ج 7: (ولنا ما روى عن سيدنا عمر وابنه سيدنا عبد الله رضى الله عنهما أنهما قالا إذا أقر المريض لوارثه لم يجز، وإذا أقر لاجنبي جاز، ولم يرو عن غيرهما خلاف ذلك فيكون اجماعا، ولانه متهم في هذا الاقرار لجواز أنه آثر بعض الورثة على بعض بميل الطبع أو بقضاء حق موجب البعث على الاحسان وهو لا يملك ذلك بطريق التبرع والوصية به فأراد تنفيذ غرضه بصورة الاقرار من غير أن يكون للوارث عليه دين فكان متهما في اقراره فيرد، ولانه لما مرض مرض الموت فقد تعلق حق الورثة بماله، ولهذا لا يملك أن يتبرع عليه بشئ من الثلث مع أنه خالص ملكه لا حق لاجنبي فيه فكان اقراره البعض ابطالا لحق الباقين فلا يصح في حقهم، ولان الوصية لم تجز لوارث فالاقرار أولى لانه لو جاز الاقرار لارتفع بطلان الوصية، لانه يميل إلى الاقرار اختيارا للايثار بل هو أولى من الوصية بالطريق الاولى) ثم قالوا (ولو أقر المريض بديون لاناس كثيرة متفرقة بأن أقر بدين ثم بدين جاز ذلك كله، واستوى فيه المتقدم والمتأخر استواء الكل في التعلق

لاستوأهما في زمان التعلق وهو زمان المرض، إذ زمن المرض مع امتداده بتجدد أمثاله حقيقة بمنزلة زمان واحد في الحكم فلا يتصور فيه التقدم والتأخر. ولو أقر وهو مريض بدين ثم بعين بأن أقر أن هذا الشئ الذى في يده وديعة لفلان فهما دينان، ولا تقدم الوديعة لان إقراره بالدين قد صح فأوجب تعلق حق الغرماء بالعين لكونها مملوكة من حيث الظاهر والاقرار بالوديعة لا يبطل التعلق لان حق الغير يصان عن الابطال ما أمكن، وأمكن أن يجعل ذلك إقرارا بالدين لاقراره باستهلاك الوديعة بتقديم الاقرار بالدين عليه، وإذا صار مقرا باستهلاك الوديعة فالاقرار باستهلاك الوديعة يكون إقرارا بالدين لذلك فانا دينين، ولو أقر بالوديعة أولا ثم أقر بادين فالاقرار بالوديعة أولى، لان الاقرار بالوديعة لما صح خرجت الوديعة من أن تكون محلا للتعلق لخروجها عن ملك فلا يثبت الاقرار. لان حق غريم المرض يتعلق بالتركة لا بغيرها ولم يوجد: وكذلك لو أقر المريض بمال في يده أنه بضاعة أو مضاربة فحكمه وحكم الوديعة سواء، والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا أقر المريض بالدين وليس عليه دين ظاهر معلوم في حال الصحة يعتبر إقرارة، فأما إذا كان عليه دين ظاهر معلوم بغير اقراره ثم أقر بدين آخر نظر في ذلك فإن لم يكن المقر به ظاهرا معلوما بغير اقراره تقدم الديون الظاهرة لغرماء الصحة في القضاء فتقضى ديونهم أولا من التركة فما فضل يصرف إلى غير غرماء الصحة، وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله يستويان. وقالوا (وكذلك إذا تزوج امرأة في مرضه بألف درهم. ومهر مثلها ألف درهم جاز ذلك على غرماء الصحة والمرأة فحاصصهم بمهرها لانه لما جاز النكاح ولا يجوز الا بوجوب المهر كان وجوب ظاهر معلوما لظهور سبب وجوبه وهو النكاح فلم يكن وجوبه محتملا الرد فيتعلق بماله ضرورة. يحققه أن النكاح إذا لم يجز بدون مهر والنكاح من الحوائج الاصلية للانسان كذلك وجوب المهر الذى هو من لوازمه شرعا، والمريض غير محجور عن صرف ماله إلى حوائجه الاصلية كثمن الاعذية والادوية، وان كان عليه دين للصحة،

وقالوا (وليس للمريض أن يؤثر بعض غرمائه على بعض، سواء كانوا غرماء المرض أو غرماء الصحة، حتى أنه لو قضى دين أحدهم شاركه الباقون في المقبوض، لان المرض أوجب تعلق الحق بالتركة، وحقوقهم في التعلق على السواء فكان في ايثار البعض ابطال حق الباقين الا أن يكون ذلك بدل قرض أو ثمن مبيع بأن استقرض في مرضه أو اشترى شيئا بمثل قيمته وكان ذلك ظاهرا معلوما فله أن يقضى القرض وينقد الثمن ولا يشاركه الغرماء في المقبوض والمنقود لان الايثار في هذه الصورة ليس ابطالا لحق الباقين) وقالوا (وأما اقرار المريض بالابراء بأن أقر المريض أنه كان أبرا فلانا من الدين الذى عليه في صحته لا يجوز لانه لا يملك انشاء الابراء للحال فلا يملك الاقرار به، بخلاف الاقرار باستيفاء الدين، لانه اقرار بقبض الدين وأنه يملك انشاء القبض فيملك الاخبار عنه بالاقرار) وقالوا في النسب (ولا يشترط صحة المقر لصحة اقراره بالنسب حتى يصح من الصحيح والمريض جميعا، لان المرض ليس بمانع لعينه بل لتعلق حق الغير أو التهمة فكل ذلك منعدم) وقالوا (ولو أقر بأخ في مرض الموت وصدقه المقر له ثم أنكر المريض بعد ذلك وقال ليس بينى وبينك قرابة بطل اقراره في حق الميراث أيضا) قالت الحنابلة في كتاب الفروع ص 608 ج 6 والمريض كالصحيح فيصح اقراره بوارث على الاصح، وان أقر بمال لوارث قبل ببينة نص عليه، قال جماعة أو اجازة وظاهر نصه لا، وهو ظاهر الانتصار وغيره، واختار فيه يصح ما لم يتهم وفاقا لمالك، وأن أصله من المذهب وصيته لغير وارث يصير وارثا يصح لانتفاء التهمة وقال الازجى: قال أبو بكر: في صحة اقراره لوارثه روايتان. (أحدهما) لا يصح (والثانية) يصح لانه يصح لوارث، وفى الصحة أشبه الأجنبي، والاولى أصح، كذا قال وقال في الفنون يلزمه أن يقر وان لم يقبل، وقال أيضا ان حنبليا استدل

بأنه لا يصح إقراره لوارثه في مرضه بالوصية له. فقال له حنبلي: لو أقر له في الصحة صح ولو نحله لم يصح، والنحلة تبرع كالوصية فقد افترق الحال للتهمة في أحدهما دون الآخر، كذا في المرض، ولانه لولا يلزم التبرع فيما زاد على الثلث لاجنبي ويلزم الاقرار، وقد افترق التبرع والاقرار فيما زاد على الثلث، كذا يفترقان في الثلث للوارث) وقال (ويصح الاقرار بأخذ دين في صحة ومرض من أجنبي) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) ويصح الاقرار لكل من يثبت له الحق المقر به، فإن أقر لعبد بالنكاح أو القصاص أو تعزير القذف صح الاقرار له، صدقه السيد أو كذبه، لان الحق له دون المولى، فإن أقر له بمال فإن قلنا إنه يملك المال صح الاقرار، وإن قلنا إنه لا يملك كان الاقرار لمولاه يلزم بتصديقه ويبطل برده. (فصل) وإن أقر لحمل بمال فإن عزاه إلى ارث أو وصية صح الاقرار فإن اطلق ففيه قولان: (احدهما) انه لا يصح لانه لا يثبت له الحق من جهة المعاملة ولا من جهة الجناية. (والثانى) انه يصح، وهو الصحيح لانه يجوز أن يملكه بوجه صحح وهو الارث أو الوصية فصح الاقرار له مطلقا كالطفل، ولا يصح الاقرار إلا لحمل يتيقن وجوده عند الاقرار كما بيناه في كتاب الوصية، وإن أقر لمسجد أو مصنع وعزاه إلى سبب صحيح من غلة وقف عليه صح الاقرار، فإن أطلق ففيه وجهان بناء على القولين في الاقرار للحمل. اللغة: قوله (فإن عزاه إلى ارث) أي لسبه وأضافه،. قد ذكر وقوله (مصنع) المصنع كالحوض يجمع فيه ماء المطر، وكذلك المصنعة بضم النون، هكذا ذكره الجوهرى وحقيقته البركة وحدث أبو الحسن اللؤلؤي وكان خيرا فاضلا قال: كنت مولعا بالحج فحججت في بعض السنين وعطشت

عطشا شديدا فأجلست عديلي في وسط المحمل ونزلت أطلب الماء والناس قد عطشوا، فلم أزل أسال رجلا رجلا ومحملا محملا: معكم ماء؟ وإذا الناس شرع واحد حتى صرت في ساقة القافلة بميل أو ميلين، فمررت بمصنع مصهرج فإذا رجل فقير جالس في ارض المصنع وقد غرز عصاه في أرض المصنع والماء ينبع من موضع العصا وهو يشرب، فنزلت إليه فشربت حتى رويت وجئت إلى القافلة والناس قد نزلوا فأخرجت قربة ومضيت فملاتها، ورأنى الناس فتبادروا بالقرب فرووا عن آخرهم، فلما روى الناس وسارت القافلة جئت لانظر فإذا البركة ملاى تلتطم أمواجها، والمصانع أيضا الحصون، وقد فسر قوله تعالى (وتتخذون مصانع) قال مجاهد قصور مشيدة. قال: تركن ديارهم منهم قفارا * وتبقى وهد من المصانع والبروجا وقال قتادة هي برك الماء، وقال: لبيد بلينا وما تبلى النجوم الطوللع * وتبقى جبال بعدنا ومصانع قوله (ويصح الاقرار لكل من ثبت له الحق المقر به) قلنا وهذا ما لا خلاف فيه بينهم. وقوله (فإن أقر لعبد بالنكاح أو القصاص..) قال الحنفيون (فيصح إقرار العبد المأذون بالدين والعين، وكذا بالحدود والقصاص، وكذا العبد المحجور يصح إقراره بالمال لكن لا ينفذ على المولى للحال حتى لا تباع رقبته بالدين بخلاف المأذون لان اقرار المأذون انما صح لكونه من ضرورات التجارة والمحجور لا يملك التجارة فلا يملك ما هو من ضروراتها، الا أنه يصح اقراره في حق نفسه حتى يؤاخذ بعد الحرية لانه من أهل الاقرار لوجود العقل والبلوغ إلا أنه امتنع النفاذ على المولى للحال لحقه فإذا أعتق فقد زال المانع فيؤاخذ به وكذا يصح اقراره بالحدود والقصاص فيؤاخذ به الحال، لان نفسه في حق الحدود والقصاص كالخارج عن ملك المولى، ولهذا لو أقر المولى عليه الحدود والقصاص لا يصح قالت الحنابلة (ويقبل اقرار سيد على عبده بما يوجب مالا فقط لانه ايجاب حق في ماله، وفى الكافي: ان أقر بقود وجب المال ويفدى السيد منه

ما لا يتعلق، وفى لفظ (ما يتعلق) بالرقبة لو ثبت ببينة وان أقر مكاتب بالجناية تعلقت بذمته في الاصح وبرقبته، ولا يقبل اقرار سيده عليه بذلك، وان أقر غير مكاتب لسيده أو سيده له بمال لم يصح، وقيل بلى ان ملك، وان أقر أنه باعه نفسه بألف عتق فإن صدقه لزمه والا حلف وقيل لا. قوله (وان أقر لحمل بمال فإن عزاه) قالت الحنابلة (وان أقر لحمل أمرأة بمال صح في لاصح فإن ولدت حيا وميتا فهو للحى، وحيين ذكرا وأنثى لهما بالسوية، وقيل اثلاثا، وان عزاه إلى ما يقتضى التفاضل كإرث ووصية عمل به وقال القاضى ان أطلق كلف ذكر السبب فيصح منه ما يصح، ويبطل ما يبطل، فلو مات قبل أن يفسر بطل. وقالوا: وصحح التميمي الاقرار لحمل ان ذكر ارثا أو وصية فقط، لانه لا يملك بغيرهما ويعمل بحسبه. قوله (وان أقر لمسجد أو مصنع وعزاه ... ) قالت الحنابلة (وان أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق ونحوه وذكر سببا صحيحا لعلة وقفه صح، وان أطلق فوجهان، وأطلقهما في لمعنى والشرح والرعايتين والحاوى وغيرهم (أحدهما) يصح، اختاره ابن حامد وهو الصواب ويكون لمصالحها. والوجه الثاني لا يصح، اختاره التميمي وقدمه ابن رزين في شرحه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان أقر بحق لآدمي أو بحق لله تعالى لا يسقط بالشبهة ثم رجع في قراره لم يقبل رجوعه، لانه حق ثبت لغيره فلم يملك اسقاط بغير رضاه. وان أقر بحق لله عز وجل يسقط بالشبهة نظرت فإن كان حد الزنا أو حد الشرب قبل رجوعه وقال أبو ثور رحمه الله: لا يقبل لانه حق ثبت بالاقرار فلم يسقط بالرجوع كالقصاص وحد القذف، وهذا خطأ لما روى أبو هرير ة رضى الله عنه قال: أتى رجل من أسلم إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله ان الاخر زنى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى لشق وجهه الذى أعرض عنه، فقال يا رسول ان الاخر زنى، فأعرض عنه

رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذى أعرض عنه،، فقال يا رسول الله إن الاخر زنى فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم فتنحى له الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هل بك جنون؟ فقال لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن، فلو لم يسقط بالرجوع لما عرض له، ويخالف القصاص وحد القذف، فإن ذلك يجب لحق الآدمى وهذا يجب لحق الله تعالى، وقد ندب فيه إلى الستر، وإن كان حد السرقة أو قطع الطريق ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يقبل فيه الرجوع لانه حق يجب لصيانة حق الآدمى فلم يقبل فيه الرجوع عن الاقرار كحد القذف. (والثانى) وهو الصحيح أنه يقبل لما روى أبو أمية المخزومى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بلص قد اعترف، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما إخالك سرقت، فقال له، مرتين أو ثلاثة ثم أمر بقطعه فلو لم يقبل فيه رجوعه لما عرض له، ولانه حق لله تعالى يقبل فيه الرجوع عن الاقرار كحد الزنا والشرب (الشرح) حديث أبى هريرة (أتى رجل من أسلم إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله ان الاخر زنى..أخرجه البخاري من حديث ابن عباس بلفظ (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال لا، قال أنكتها؟ لا يكنى، قال نعم وأخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني من حديث أبى هريرة قال جاء الاسلمي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه، فأقبل عليه في الخامسة فقال أنكتها؟ قال نعم، قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم، فيه ابن المضاض واسمه عبد الرحمن بن الصامت، قال البخاري حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الواحد. حديث أبى أمية المخزومى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بلص قد اعترف. أخرجه أبو داود في لمراسيل من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ووصله

الدارقطني والحاكم والبيهقي بذكر أبى هريرة فيه: ورجح ابن خزيمة وابن المدينى وغير واحد ارساله، وصحح ابن القطان للوصول، ورواه أبو داود في السنن والنسائي وابن ماجه من طريق أبى أمية، قال الخطابى في إسناده مقال، قال والحديث إذا رواه مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم. اللغة: قوله (ان الاخر زنى) ذكر قوله (فتنحى لشق وجهه) أي أتاه من ناحيته الاخرى، وقيل مال واعتمد وكذا الانتحاء الاعتماد والميل. قوله (ما إخالك سرقت) أي ما أظنك، يقال أخال بفتح الهمزة وإخال بكسرها والكسر أفصح والقياس الفتح قوله (وان أقر بحق لآدمي. ) قال الحنفيون ان المقر به في الاصل نوعان (أحدهما) حق الله تعالى عز شأنه (والثانى) حق العبد. أما حق الله سبحانه وتعالى فنوعان أيضا (أحدهما) أن يكون خالصا لله تعالى وهو حد الزنا والسرقة والشرب (والثانى) أن يكون للعبد فيه حق، وهو حد القذف، ولصحة الاقرار بها شرائط. وأما حق العبد فهو المال من العين والدين والنسب والقصاص والطلاق والعتاق ونحوها، ولا يشترط لصحة الاقرار بها ما يشترط لصحة الاقرار بحقوق الله تعالى من العدد ومجلس القضاء والعبارة، حتى ان الاخرس إذا كتب الاقرار بيده أو أومأ بما يعرف أنه اقرار بهذه الاشياء يجوز، بخلاف الذى اعتقل لسانه لان للاخرس اشارة معهودة، فإذا أتى بها يحصل العلم بالمشار إليه، وليس ذلك لمن اعتقل لسانه، ولان اقامة الاشارة مقام العبارة أمر ضروري، والخرس ضرورة لانه أصلى، فأما اعتقال اللسان فليس من باب الضرورة لكونه على شرف الزوال بخلاف الحدود، لانه لا يجعل ذلك اقرارا بالحدود لما بينا أن الحدود على صزيح البيان بخلاف القصاص فإنه غير مبنى على صريح البيان، فإنه إذا أقر مطلقا عن صفة التعمد بذكر آلة دالة عليه وهى السيف ونحوه يستوفى بمثله القصاص، وحقوق العباد تثبت مع الشبهات بخلاف حقوق الله تعالى

وأما بيان ما يبطل به الاقرار بعد وجوده فيبطل بشيئين (أحدهما) تكذيب المقر له في أحد نوعي الاقرار بحقوق العباد، لان إقرار المقر دليل لزوم المقر به، وتكذيب المقر له دليل عدم اللزوم، واللزوم لم يعرف ثبوته فلا يثبت مع الشك (والثانى) رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل الرجوع في أحد نوعي الاقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصا، كحد الزنا يحتمل أن يكون صادقا في الانكار فيكون كاذبا في الاقرار ضرورة فيورث شبهة في وجوب الحد، وسواء رجع قبل القضاء أو بعده، قبل تمام الجلد أو الرجم قبل الموت لما قلنا وروى أن ماعزا لما رجم بعض الحجارة هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة، فلما بلغ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عليه الصلاة والسلام (سبحان الله هلا خليتم سبيله) وكذلك الرجوع عن الاقرار بالسرقة والشرب لان الحد الواجب بهما حق الله سبحانه وتعالى خالصا فيصح الرجوع عن الاقرار بهما، إلا أن في السرقة يصح الرجوع في حق القطع لا في حق المال، لان القطع حق الله تعالى على الخلوص فيصح الرجوع عنه، فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه. وأما حد القذف فلا يصح الرجوع عن الاقرار فيه، لان للعبد فيه حقا فيكون متهما في الرجوع فلا يصح الرجوع عن سائر الحقوق المتمحضة للعباد، وكذلك الرجوع عن الاقرار بالقصاص، لان القصاص خالص حق العباد فلا يحتمل الرجوع قال ابن حزم في مراتب الاجماع بعد أن ذكر وجوب الرجم على من أقر بالزنا (واختلفوا أيقبل رجوعه أم لا؟ واختلفوا إذا أقر بعد البينة أتبطل البينة ويرجع الحكم إلى حكم الاقرار ويسقط عنه الحد برجوعه أم لا) قال الشوكاني في الدرر البهية (ويسقط الحد بالشبهات وبالرجوع عن الاقرار) وقال في السرقة (ويكفى الاقرار مرة واحدة) . وقال صديق حسن خان في الروضة الندية شرح الدرر البهية، وبالرجوع عن الاقرار، لحديث أبى هريرة عند أحمد والترمذي (أن ماعزا لما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحى جمل (أي عظم الحنك) فضربه به

وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هلا تركتموه، قال الترمذي انه حديث حسن، وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة ورجال إسناده ثقات. وأخرج أبو داود والنسائي من حديث جابر نحوه وزاد (أنه لما وجد مس الحجارة صرخ يا قوم ردوني إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن قومي قتلوني وغرونى من نفسي وأخبروني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرناه قال فهلا تركتموه وجئتموني به) وقد أخرج البخاري ومسلم طرفا منه، وفى الباب روايات. وقد ذهب إلى ذلك أحمد والشافعية والحنفية، وهو مروى عن مالك في قول له، وقد ذهب ابن أبى ليلى والبتى وأبو ثور ورواية عن مالك وقول الشافعية أنه لا يقبل فيه الرجوع عن الاقرار. قوله (ومن أقر لرجل بمال في يده..) واتفقوا ان كذب المقر له المقر بطل الاقرار وكان للمقر أن يتصرف فيما أقر به بما شاء) وقوله (فإن أقر الزوج..) واتفقوا ان أقر رجل أو امرأة تزوجية الآخر فسكت صح وورث كل منهما الآخر في حال الوفاة بالزوجية لقيامها بينهما بالاقرار أو جحده ثم صدقه صح وورثته لحصول الاقرار، إلا إذا بقى على تكذيبه حتى مات. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وما قبل فيه الرجوع عن الاقرار إذا أقر به فالمستحب للامام أن يعرضه للرجوع لما رويناه من حديث أبى هريرة وحديث أبى أمية المخزومى فإن أقر فأقيم عليه بعض الحد ثم رجع عن الاقرار قبل لانه إذا سقط بالرجوع جميع الحد سقط بعضه، وان وجد ألم الحد فهرب فالاولى أن يخلى لانه ربما رجع عن الاقرار فيسقط عنه الحد، وان أتبع وأقيم عليه تمام الحد جاز لما روى الزهري قال: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال: كنت فيمن رجم ماعزا

فرجمناه في المصلى بالمدينة، فلما أذلقنه الحجارة تجمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات، فلو لم يجز ذلك لانكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمنهم، ولان الهرب ليس بصريح في الرجوع فلم يسقط به الحد. (فصل) ومن أقر لرجل بمال في يده فكذبه المقر له بطل الاقرار لانه رده، وفى المال وجهان: (أحدهما) أنه يؤخذ منه ويحفظ لانه لا يدعيه والمقر له لا يدعيه فوجب على الامام حفظه كالمال الضائع. (والثانى) أنه لا يؤخذ منه، لانه محكوم له بملكه، فإذا رده المقر له بقى على ملكه. (فصل) فإن أقر الزوج أن امرأته أخته من الرضاع وكذبته المرأة قبل قوله في فسخ النكاح لانه إقرار في حق نفسه ولا يقبل إقراره في إسقاط مهرها لان قوله لا يقبل في حق غيره، وإن أقرت المرأة أن الزوج أخوها من الرضاع وأنكر الزوج لم يقبل قولها في فسخ النكاح، لانه إقرار في حق غيرها، وقبل قولها في إسقاط المهر لانه إقرار في حق نفسها. (الشرح) حديث (أخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال: كنت فيمن رجم ماعزا) أخرجه الترمذي وأحمد والصحيحين من غير تسمية وأبو داود. اللغة: قوله (فلما أذلقته الحجارة) أي أصابته بحدها، والحجارة المذلقة المحدودة، وذلق كل شئ حده وفلان ذلق اللسان حديده. قوله (تجمز) أي عدا وأسرع، المجز ضرب من السير أشد من العتق والناقة تعدو المجزى. قال ابن حزم في مراتب الاجماع (واتفقوا أن من أقر على نفسه بالزنا في مجلس حاكم يجوز حكمه أربع مرات مختلفات يغيب بين كل مرتين عن المجلس حتى لا يرى، وهو حر مسلم، غير مكره ولا سكران، ولا مجنون ولا مريض، ووصف الزنا وعرفه ولم يثبت ولا طال الامر أنه يقام عليه الحد ما لم يرجع عن اقراره، واختلفوا أيقبل رجوعه أم لا،

قلت (لم يثبت الاجماع على أربع مرات كما قال ابن حزم، قال الشوكاني في الدرر البهية: ويكفى إقراره مرة، وما ورد من التكرار في وقائع الاعيان فلقصد الاستثبات. قال صديق حسن خان في الروضة الندية في الشرح (لان أخذ المقر بإقراره هو الثابت في الشريعة، فمن أوجب تكرار الاقرار في فرد من أفراد الشريعة كان الدليل عليه، ولا دليل هنا بيد من أوجب تربيع الاقرار إلا مجرد ما وقع من ماعز من تكرار الاقرار، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أمره أو أمر غيره بأن يكرر الاقرار، ولا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن إقرار الزنا لا يصح إلا إذا كان أربع مرات، وإنما لم يقم على ماعز الحد بعد الاقرار الاول لقصد التثبت في أمره، ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم (أبك جنون؟) ووقع منه السؤال لقوم ماعز عن عقله، وقد اكتفى بالاقرار مرة واحدة، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية ولم تقر إلا مرة واحدة، كما في صحيح مسلم وغيره، وكما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث خالد بن اللجلاج عَنْ أَبِيهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رجم رجلا أقر مرة واحدة) ومن ذلك حديث الرجل الذى ادعت المرأة أنه وقع عليها فأمر برجمه، ثم قام آخر فاعترف أنه الفاعل فرجمه، وفى رواية أنه عفا عنه، والحديث في سنن النسائي والترمذي، ومن ذلك رجم اليهودي واليهودية، فإنه لم ينقل أنهما كررا الاقرار، فلو كان الاقرار أربع مرات شرطا في حد الزانى لما وقع منه صلى الله عليه وسلم المخالفة في عدة قضايا. وقد ذهب إلى ما ذكرنا جماعة من أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، وحكاه صاحب البحر عن أبى بكر وعمر والحسن البصري ومالك وحماد وأبو ثور والبتى والشافعي. وذهب الجمهور إلى التربيع في الاقرار. أقول: هذه المسألة من المعارك، والحق أن الاقرار الذى يستباح به الجلد والرجم لا يشترط فيه أن يكون زيادة على مرة

قال الحنفيون: يستحب للامام تلقين المقر بالرجوع بقوله لعلك لمستها أو قبلتها، كما لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا، وكما لقن صلى الله عليه وسلم السارق والسارقة بقوله صلى الله عليه وسلم: ما أخاله سرق، أو أسرقت؟ قولى لا. لو لم يكن محتملا الرجوع لم يكن للتلقين معنى وفائدة، فكان التلقين منه صلى الله عليه وسلم احتيالا للدرء، لانه أمرنا به بقوله صلى الله عليه وسلم: ادرءوا الحدود بالشبهات وقوله صلى الله عليه وسلم (ادرءوا الحدود ما استطعتم) قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال لرجل لى عندك ألف، فقال لا أنكر لم يكن إقرارا، لانه يحتمل أن يريد أنى لا أنكر أنه مبطل في دعواه، وان قال أقر لم يكن إقرارا لانه وعد بالاقرار. وإن قال لا أنكر أن تكون محقا لم يكن إقرارا، لانه يحتمل أنه يريد أنى لا أنكر أن تكون محقا في اعتقاده. وان قال لا أنكر أن تكون محقا في دعواك كان إقرارا لانه لا يحتمل غير الاقرار. وان قال أنا مقر ففيه وجهان. (أحدهما) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله أنه لا يكون إقرارا، لانه يحتمل أنه يريد أنى مقر ببطلان دعواك. والوجه الثاني أن يكون إقرارا لانه جواب عن الدعوى فانصرف الاقرار إلى ما ادعى عليه. وإن قال لى عليك ألف فقال نعم أو أجل أو صدق أو لعمري كان مقرا، لان هذه الالفاظ وضعت للتصديق وإن قال لعل أو عسى لم يكن اقرارا لانها ألفاظ وضعت للشك والترجى وان قال أظن أو أحسب أو أقدر لم يكن إقرارا لان هذه الالفاظ تستعمل في الشك، وان قال له على في علمي كان إقرارا لان ما عليه في علمه لا يحتمل الا الوجوب، وان قال اقض الالف التى لى عليك فقال نعم كان اقرارا لانه تصديق لما ادعاه. وإن قال اشتر عبدى هذا فقال نعم أو اعطى عبدى هذا فقال نعم كان اقرارا بالعبد لما ذكرناه وان ادعى عليه ألفا فقال خذ أو انزن لم يكن اقرارا لانه

يحتمل أنه أراد خذ الجواب منى أو الزن إن كان ذلك على غيرى، وإن قال خذها أو اتزنها ففيه وجهان: (أحدهما) وهو قول أبى عبد الله الزبيري رحمه الله أنه يكون إقرارا، لانه هاء الكناية ترجع إلى ما تقدم من الدعوى. (والثانى) وهو قول عامة أصحابنا أنه لا يكون إقرارا لان هاء الصفات ترجع إلى المدعى له ولم يقر أنه واجب. وان قال وهى صحاح فقد قال أبو عبد الله الزبيري أنه اقرار لانها صفة للمدعى والاقرار بالصفة إقرار بالموصوف وقال عامة أصحابنا لا يكون اقرارا لان الصفة ترجع إلى المدعى ولا تقتضي الوجوب عليه. وإن قال له على ألف أن شاء الله لم يلزمه شئ لان ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته. وان قال له على ألف ان شاء زيد أو له على ألف ان قدم فلان لم يلزمه شئ لان ما لا يلزمه لا يصير واجبا عليه بوجود الشرط. وان قال ان شهد لك فلان وفلان بدينار فهما صادقان ففيه وجهان: (أحدهما) أنه ليس بإقرار لانه اقرار معلق على شرط فلم يصح، كما لو قال ان شهد فلان على صدقته أو وزنت لك، ولان الشافعي رحمه الله تعالى قال: إذا قال لفلان على ألف ان شهد بها على فلان وفلان لم يكن اقرارا، فإن شهدا عليه وهما عدلان لزمه بالشهادة دون الاقرار. (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ أنه اقرار، وان لم يشهد به، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب الطبري رحمه الله، لانه أخبر أنه ان شهدا به فهما صادقان ولا يجوز أن يكونا صادقين الا والدينار واجب عليه لانه لو لم يكن واجبا عليه لكان الشاهد به كاذبا، فإذا قال يكون صادقا دل على أن المشهود به ثابت فصار كما لو شهد عليه رجل بدينار فقال صدق الشاهد، ويخالف قوله ان شهد فلان صدقته أو وزنت لك لانه قد يصدق الانسان من ليس بصادق وقد يزن بقوله ما لا يلزمه. ويخالف ما قال الشافعي رحمه الله لفلان على ألف ان شهد به فلان وفلان، لان وجوب الالف لا يجوز أن يتعلق بشهادة من يشهد عليه، فإذا علق

بشهادته دل على أنه غير واجب، وههنا لم يعلق وجوب الدينار بالشهادة، وانما أخبر أن يكون صادقا، وهذا تصريح بوجوب الدينار عليه في الحال، وان كان قال له على ألف ففيه وجهان (أحدهما) أنه يلزمه لانه أقر بالوجوب والاصل بقاؤه (والثانى) أنه لا يلزمه لانه أقر به في زمان مضى فلا يلزمه في الحال شئ وان أقر أعجمى بالعربية أو عربي بالعجمية ثم ادعى أنه لم يعلم بما قال فالقول قوله مع يمينه لان الظاهر ما يدعيه. اللغة: قوله (فإن قال نعم أو أجل) قال الجوهرى: قولهم أجل انما هو جواب مثل نعم. قال الاخفش الا أنه أحسن من نعم في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام، فإذا قال أنت سوف تذهب، قلت أجل وكان أحسن من نعم، وإذا قال أتذهب قلت نعم وكان أحسن من أجل قوله (أو لعمري) لعمري ولعمرك قسم كأنه حلف ببقائه وحياته، والعمر والعمر واحد، فإذا أدخلت اللام فتحت لا غير، ومعناه في الاقرار كأنه أقسم بثبوته ولزومه عليه قوله (وان قال لرجل عندك ألف فقال..) قالت الحنابلة (من أدعى عليه بألف فقال نعم أو صدقت أو أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها فقد أقر، لان هذه الالفاظ تدل على تصديق المدعى وتتصرف إلى الدعوى لوقوعها عقبها لا ان قال أنا أقر فليس اقرارا بل وعد أو لا أنكر لانه لا يلزم من عدم الانكار الاقرار، لان بينهما قسما آخر وهو السكوت، ولانه يحتمل لا أنكر بطلان دعواك أو خذ لاحتمال أن يكون مراده خذ الجواب منى أو انزن أو افتح كمك لاحتمال أن يكون لشئ غير المدعى به أو انزن من غيرى أو افتح كمك للطمع، وبلى في جواب أليس لى عليك كذا اقرار بلا خلاف، لان نفى النفى اثبات لا نعم الا من عامى فيكون اقرارة كقوله عشرة غير درهم يلزمه تسعة لان ذلك لا يعرفه الا الحذاق من أهل العربية. وفى حديث عمرو بن عنسة (فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني؟ فقال نعم أنت الذى لقيتني بمكة: قال فقلت بلى،

قال في شرح مسلم: فيه صحة الجواب ببلى، وإن لم يكن قبلها، وصحة الاقرار بها، قال وهو الصحيح من مذهبنا أي مذهب الشافعية وإن قال اقض دينى عليك ألفا، أو هل لى أو لى عليك ألف فقال نعم فقد أقر له، لان نعم صريحة في صديقه، أو قال امهلني يوما أو حتى أفتح الصندوق فقد أقر، لان طلب الملهة يقتضى أن الحق عليه، أو قال له على ألف ان شاء الله فقد أقر له به نص عليه أو الا أن يشاء الله فقد أقر له به لانه علق رفع الاقرار على أمر لا يعلمه فلا يرتفع، أو قال له على ألف لا تلزمني الا أن يشاء زيد فقد أقر له بالالف. وإن علق بشرط لم يصح سواء قدم الشرط كان شاء زيد فله على دينار، أو إن قدم زيد فلعمرو على كذا، لانه لم يثبت على نفسه شيئا في الحال وانما علق ثبوته على شرط، والاقرار إخبار سبق فلا يتعلق بشرط مستقبل بخلاف تعليقه على مشيئة الله عز وجل فإنها تذكر في الكلام تبركا وتفويضا إلى الله تعالى. كقوله، لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله، وقد علم الله أنهم سيدخلونه بلا شك وقال القاضى يكون اقرارا صحيحا لان الحق الثابت في الحال لا تقف على شرط مستقبل فسقط الاستثناء قاله في لكافى، أو أخره كله على دينار ان شاء زيد أو قدم الحاج أو جاء المطر فلا يصح الاقرار لما بين الاخبار والتعليق على شرط مستقبل من التنافى، الا إذا قال إذا جاء وقت كذا فله على دينار فليلزمه في لحال، فإن فسره بأجل أو وصهة قبل بيمينه، ومن ادعى عليه بدينار فقال ان شهد به زبد فهو صادق لم يكن مقرا، وقد أفاض الحنفيون في هذا الامر في دائع الصنائع من صحفة 208 إلى 210 بما يتفق مع ما سبق ايضاحه

باب جامع الإقرار

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب جامع الإقرار إذا قال لفلان على شئ طولب بالتفسير فإن امتنع عن التفسير جعل ناكلا ورد اليمين على المدعى وقضى له لانه كالساكت عن جواب المدعى. ومن أصحابنا من حكى فيه قولين (أحدهما) ما ذكرناه (والثانى) أنه يحبس حتى يفسر لانه قد أقر بالحق وأمتنع من أدائه فحبس. وإن شهد شاهدان على رجل بمال مجهول ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يثبت بالحق كما يثبت بالاقرار، ثم يطالب المشهود عليه كما يطالب المقر. (والثانى) أنه لا يثبت الحق لان البينة ما أبانت عن الحق وهذه ما أبانت عن الحق، وإن أقر بشئ وفسره بما قل أو كثر من المال قبل، لان اسم الشئ يقع عليه، وإن فسره بالخمر والخنزير أو الكلب أو السرجين أو جلد الميتة قبل الدباغ ففيه ثلاثة أوجه. (أحدها) أنه يقبل لانه يقع عليه اسم الشئ (والثانى) أنه لا يقبل لان الاقرار إخبار عما يجب ضمانه، وهذه الاشياء لا يجب ضمانها. (والثالث) أنه إن فسره بالخمر والخنزير لم يقبل لانه لا يجب تسليمه، وإن فسره بالكلب والسرجين وجلد الميتة قبل الدباغ قبل لانه يجب تسليمه، وإن قال غصبتك أو غصبتك ما تعلم لم يلزمه شئ لانه قد يغصبه نفسه فيحبسه وإن قال غصبتك شيئا ثم قال غصبته نفسه لم يقبل لان الاقرار يقتضى غصب شئ منه ويطالب بتفسير الشئ. (فصل) وإن قال له على مال ففسره بما قل أو كثر قبل لان اسم المال يقع عليه، وإن قال له على مال عظيم أو كثير قبل في تفسيره القليل والكثير، لان ما من مال إلا وهو عظيم وكثير بالاضافة إلى ما هو دونه، ولانه يحتمل

أنه أراد به أنه عظيم أو كثير عنده لقلة ماله أو لفقر نفسه، فإن قال له على أكثر من مال فلان قبل في بيانه القليل والكثير، لانه يحتمل أنه يريد أنه أكثر من مال فلان لكونه من الحلال أو أكثر بقاء لكونه في ذمته (فصل) وان قال له على درهم لزمه درهم من دراهم الاسلام وهو ستة دوانتى وزن كل عشرة سبعة مثاقيل فإن فسره بدرهم طبري كطبرية الشام، وهو الذى فيه أربعة دوانق، فإن كان ذلك متصلا بالاقرار قبل منه، كما لو قال له على درهم إلا دانقين، وإن كان منفصلا نظرت فإن كان الاقرار في غير الموضع الذى يتعامل فيه بالدراهم الطبرية لم يقبل، كما لا يقبل الاستثناء المنفصل عن الجملة، وإن كان في الموضع الذى يتعامل فيه الدراهم الطبرية ففيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص أنه يقبل لان اطلاق الدراهم يحمل على دراهم البلد كما يحمل في البيع دراهم البيع. (والثانى) أنه لا يقبل ويلزمه درهم من دراهم الاسلام لانه إخبار عن وجوب سابق، بخلاف البيع فإنه إيجاب في الحال فحمل على دراهم الموضع الذى يجب فيه، وإن قال له على درهم كبير لزمه درهم من دراهم الاسلام، لانه درهم كبير في العرف، فإن فسره بما هو أكبر منه وهو الدرهم البغلى قبل منه لانه يحتمل ذلك وهو غير متهم فيه. وإن قال له على درهم صغير أوله على درهم لزمه درهم وازن لانه هو المعروف فإن كان في البلد دراهم صغار ففسره بها قبل لانه يحتمل اللفظ، وإن قال له على مائة درهم عدد الزمه مائة وازنة عددها مائة، لان الدراهم تقتضي الوازنة وذكر العدد لا ينافيها توجب الجمع بينهما. (فصل) وان قال له على دراهم ففسرها بدراهم مزيفة لا فضة فيها لم يقبل لان الدارهم لا تتناول مالا فضة فيه، وان فسرها بدراهم مغشوشه فالحكم فيها كالحكم فيمن أقر بدراهم وفسرها بالدراهم الطبرية، وقد بيناه وان قال له على دراهم وفسرها بسكة دون سكة دراهم البلد الذى أقر فيه ولا تنقص عنها في الوزن فالمنصوص أنه يقبل منه. وقال المزني لا يقبل منه لان

إطلاق الدراهم يقتضى سكة البلد كما يقتضى ذلك في البيع، وهذا خطأ لان البيع إيجاب في الحال فاعتبر الموضع الذى يجب فيه، والاقرار إخبار عن وجوب سابق وذلك يختلف فرجع إليه (فصل) وإن أقر بدرهم في وقت ثم أقر بدرهم في وقت آخر لزمه درهم واحد لانه إخبار فيجوز أن يكون ذلك خبرا عما أخبر به في لاول، ولهذا لو قال رأيت زيدا ثم قال رأيت زيدا لم يقتض أن يكون الثاني إخبارا عن رؤية ثانية، وإن قال له على درهم من ثمن ثوب ثم قال له على درهم من ثمن عبد لزمه درهمان لانه لا يحتمل أن يكون الثاني هو الاول. وإن قال له على درهم ودرهم لزمه درهمان لان الواو تقتضي أن يكون المعطوف غير المعطوف عليه. وان قال له على درهم ودرهمان لزمه ثلاثة دراهم لما ذكرناه. وان قال له على درهم فدرهم لزمه درهم واحد، وان قال لامرأته أنت طالق فطالق وقعت طلقتان. واختلف أصحابنا في ذلك، فقال أبو على بن خيران رحمه الله لا فرق بين المسئلتين فجلعهما على قولين، ومنهم من قال يلزمه في الاقرار درهم وفى الطلاق طلقتان، والفرق بينهما أن الطلاق لا يدخله التفصيل والدراهم يدخلها التفصيل فيجوز أن يزيد: له على درهم فدرهم خير منه. وان قال له على درهم ودرهم ودرهم لزمه ثلاثة درهم. وان قال أنت طالق وطالق وطالق ولم ينو شيئا ففيه قولان (أحدهما) أنه يقع طلقتان (والثانى) أنه يقع ثلاث طلقات، فنقل أبو على ابن خيران جوابه في لطلاق إلى الاقرار وجعلهما على قولين ومن أصحابنا من قال يقع طلقتان في احد القولين وفى الاقرار يلزمه ثلاثة دراهم قولا واحدا، لان الطلاق يدخله التأكيد فحمل التكرار على التأكيد، والاقرار لا يدخله النأكيد فحمل التكرار على العدد. وان قال له على درهم فوق درهم أو درهم تحت درهم لزمه درهم واحد لانه يحتمل أن يكون فوق درهم أو تحت درهم في الجودة، ويحتمل فوق درهم أو تحت درهم لى فلم يلزمه زيادة مع الاحتمال.

وأن قال على درهم مع درهم لزمه درهم لانه يحتمل مع درهم لى فلم يلزمه ما زاد مع الاحتمال، وان قال له على درهم قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان لان قبل وبعد تستعمل في التقديم والتأخير في الوجوب، وان قال له على درهم في عشرة فإن أراد الحساب لزمه عشرة. لان ضرب الواحد في عشرة عشرة، وان لم يرد الحساب لزمه درهم، لانه يحتمل أن له على درهما مختلطا بعشرة لى، وان قال له على درهم بل درهم لزمه درهم، لانه لم يقر بأكثر من درهم، وان قال له على درهم بل درهمان لزمه درهمان. وان قال له على درهم بل دينار لزمه الدرهم والدينار، والفرق بينهما أن قوله بل درهمان ليس برجوع عن الدرهم، لان الدرهم داخل في الدرهمين وانما قصد الحاق الزيادة به. وقوله بل دينار رجوع عن الدرهم واقرار بالدينار فلم يقبل رجوعه عن الدرهم فلزمه وقبل اقراره بالدينار فلزمه، وان قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وأخذ بتعيينه لانه أقر بأحدهما، وان قال له على درهم في دينار لزمه الدرهم ولا يلزمه الدينار لانه يجوز أن يكون أراد في دينار لى. (فصل) وان قال له على دراهم لزمه ثلاثة دراهم لانه جمع وأقل الجمع ثلاثة، وان قال دراهم كثيرة لم يلزمه أكثر من ثلاثة لانه يحتمل أنه أراد بها كثيرة بالاضافة إلى ما دونها أو أراد أنها كثيرة في نفسه، وان قال له على ما بين درهم إلى عشرة لزمه ثمانية لان ما بينهما ثمانية، وان قال له على من درهم إلى عشرة ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يلزمه ثمانية لان الاول والعاشر حدان فلم يدخلا في الاقرار فلزمه ما بينهما (والثانى) أنه يلزمه تسعة لان الواحد أول العدد، وإذا قال من واحد كان ذلك اقرارا بالواحد وما بعده فلزمه والعاشر حد فلم يدخل فيه (فصل) وان قال له على كذا رجع في التفسير إليه لانه أقر بمبهم فصار كما لو قال له على شئ، وان قال له على كذا درهم لزمه درهم لانه فسر المبهم بالدرهم، وان قال له على كذا وكذا رجع في التفسير إليه لانه أقر بمبهم وأكده

بالتكرار فرجع إليه، كما لو قال له على كذا، وان قال له على كذا كذا درهما لزمه درهم، لانه فسر المبهم به، وان قال له على كذا وكذا رجع في التفسير إليه لانه أقر بمبهمين، لان العطف بالواو يقتضى أن يكون الثاني غير الاول فصار كما لو قال له على شئ وشئ وإن قال له على كذا وكذا درهم فقد روى المزني فيه قولين (أحدهما) أنه يلزمه درهم (والثانى) يلزمه درهمان، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) أنه يلزمه درهمان لانه ذكر مبهمين ثم فسر بالدرهم فرجع إلى كل واحد منهما. (والثانى) أنه يلزمه درهم لانه يجوز أن يكون فسر المبهمين بالدرهم لكل واحد منهما نصفا فلا يلزمه ما زاد مع الاحتمال وقال أبوا سحاق وعامة أصحابنا: إذا قال كذا وكذا درهما بالنصب لزمه درهمان لانه جعل الدرهم تفسيرا فرجع إلى كل واحد منهما، وان قال كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم لانه يخبر عن المبهمين بأنهما درهم، وحمل القولين على هذين الحالين، وقد نص الشافعي رحمه الله عليه في الاقرار والمواهب. (فصل) وان قال له على ألف رجع في البيان إليه وبأى جنس من المال فسره قبل منه. وإن فسره بأجناس قبل منه لانه يحتمل الجميع، وان قال له على ألف ودرهم لزمه درهم ورجع في تفسير الالف إليه. وقال أبو ثور يكون الجميع دراهم، وهذا خطأ لان العطف لا يقتضى أن يكون المعطوف من جنس المعطوف عليه، لانه قد يعطف الشئ على غير جنسه كما يعطف على جنسه، ألا ترى أنه يجوز أن يقول رأيت رجلا وحمارا، كما يجوز أن يقول رأيت رجلا ورجلا، وان قال له على مائة وخمسون درهما، أو له على ألف وعشرة دراهم ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يلزمه خمسون درهما وعشرة دراهم ويرجع في تفسير المائة والالف إليه، كما قلنا في قوله ألف ودرهم (والثانى) أنه يلزمه مائة درهم وخمسون درهما أو ألف درهم وعشرة دراهم والفرق بينها وبين قوله ألف ودرهم أن الدرهم المعطوف على الالف لم يذكره

التفسير وانما ذكره للايجاب، ولهذا يجب به زيادة على الالف والدراهم المذكورة بعد الخمسين والالف ذكرها التفسير، ولهذا لا يجب به زيادة على الخمسين والالف فجعل تفسيرا لما تقدم. (فصل) وإذا قال لفلان على عشرة دراهم إلا درهما لزمه تسعة لان الاستثناء لغة العرب وعادة أهل اللسان، وان قال على عشرة إلا تسعة لزمه ما بقى لان استثناء الاكبر من الجملة لغة العرب، والدليل عليه قوله عز وجل (قال فبعزتك لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) ثم قال عز وجل (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) فاستثنى الغاوين من العباد وإن كانوا أكثر. وان قال له على عشرة إلا عشرة لزمه عشرة لان ما يرفع الجملة لا يعرف في لاستثناء فسقط وبقى المستثنى منه وان قال له على مائة درهم إلا ثوبا وقيمة الثوب دون المائة لزمه الباقي، لان الاستثناء من غير جنس المستثنى منه لغة العرب، والدليل عليه قول تعالى (فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس) فاستثنى إبليس من الملائكة وليس منهم قال الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس فاستثنى اليعافير والعيس من الانيس، وان لم يكن منهم، وإن قال له على ألف إلا درهما ثم فسر الالف بجنس قيمته أكثر من درهم سقط الدرهم ولزمه الباقي، وان فسره بجنس قيمته درهم أو أقل ففيه وجهان. (أحدهما) أنه يلزمه الجنس الذى فسر به الالف ويسقط الاستثناء لانه استثناء يرفع جميع ما أقر به فسقط وبقى المقر به، كما لو قال له على عشرة دراهم الا عشرة دراهم. (والثانى) أنه يطالب بتفسير الالف بجنس قيمته أكثر من درهم لانه فسر اقرار المبهم بتفسير باطل، فسقط التفسير لبطلانه. وبقى الاقرار بالمبهم فلزمه تفسيره،

اللغة: قوله (على شئ) أنكر النكرات شئ لانه يجمع المعرفة والنكرة والمذكر والمؤنث والموجود والمفقود، فهو أحق الكلام في التفسير. قوله (ستة دوانق) جمع دانق وهو سدس الدرهم، يقال دانق ودانق بفتح النون وكسرها، وربما قالوا داناق كما قالوا للدرهم درهام. قوله (الدرهم البغلى) وزنه ثمانية دوانق، والدانق منه أربعة قراريط مشبه بالدرهم الذى يكون في يد البغل، والدرهم البغلى والشهليل كبيران، وقال بعض المشايخ لعله أن يكون نسب إلى بغلان بلد ببلخ كالنسب إلى البحرين، يقال فيه يحرى على الصحيح. قوله (فإن فسره بدراهم مزيفة) أي رديئة. قال ابن القوطية زافت الدراهم تزيف زيفا بارت. ولعله لرداءتها ودرهم زيف وزائف والجمع زيف مثل ناقص ونقص إذا لم تجز بأن تكون رصاصا أو نحاسا مغشوشا وزيفتها أنا. قوله (بدراهم مغشوشة) مأخوذ من الغش بالكسر وهو ضد النصيحة، وقيل مأخوذ من الغشش وهو المشرب الكدر، قاله ابن الانباري قوله (وفسرها بسكة) السكة الحديدة المنقوشة التى يطبع عليها أي يضرب وجمعها سكك. قوله (وان قال على كذا وكذا) هو اسم مبهم الكاف للتشبيه وذا اسم اشارة تقول فعلت كذا وقد تجرى مجرى كم فتنصب ما بعده على التمييز ويقول عندي له كذا وكذا درهما لانه كالكناية. قوله (الاستثناء) مأخوذ من الثنى وهو الكف والرد، يقال حلف يمينا لا ثنى فيها ولا مثنوية. وقيل أنه مأخوذ من أثناء الحبل وهى أعطافه كأنه رجوع عن الشئ وانعطاف إلى غيره. قوله (وعادة أهل اللسان) أي أهل الفصاحة، واللسن بالتحريك الفصاحة وقد لسن بالكسر فهو لسن وألسن، وقوله في بيت الشعر: وبلدة ليس بها أنيس * الا اليعافير والا العيس أي رب بلدة الواو بمعنى رب واليعافير جمع يعفور وهو ولد الظبية وولد البقرة الوحشية، وقال بعضهم اليعافير تيوس الظباء والعيس إلابل البيض واحدها

أعيس والانثى عيساء بينة العيس، وهو استثناء منقطع، معناه الذى يقوم مقام الانيس اليعافير والعيس قوله (إذا قال لفلان على شئ طولب بالتفسير) قالت الحنابلة (إذا قال له على شئ وشئ أو كذا وكذا صح اقراره وقيل له فسر ويلزمه تفسيره، قال في الشرح بغير خلاف، فإن أبى حبس حتى يفسر لانه أمتنع من حق عليه فجس به كما لو عينه وامتنع من أدائه. وقال القاضى: إذا امتنع من البهان قيل للمقر له فسره أنت، ثم يسأل المقر فإن صدقه ثبت عليه وان أبى جعل ناكلا وقضى عليه، قاله في الكافي، ويقبل تفسيره بأقل متمول لانه شئ، فإن مات قيل التفسير لم يؤاخذ وارثه بشئ ولو خلف تركة. ولو قال له على مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل أو نفيس فسر بأقل متمول لانه ما من مالا الا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه، ويحتمل أنه أراد عظمة عنده لقلة ماله وفقر نفسه، ولانه لا حد له شرعا ولا لغة ولا عرفا، ويختلف الناس فيه فقد يكون عظيما عند بعض حقيرا عند غيره. وله دراهم كثيرة قبل تفسير بثلاثة دراهم فأكثر أو له على كذا وكذا درهم بالرفع أو بالنصب لزمه درهم. وان قال بالجر لزمه بعض درهم، ولو قال له على ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو ألف إلا دينار كان المبهم في هذه الامثلة ونحوها من جنس المعين. وإذا قال له ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية، ومن درهم إلى عشرة لزمه تسعة أو ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة، وإذا قال وله درهم قبله درهم وبعده درهم أو درهم ودرهم ودرهم لزمه ثلاثة، وكذا درهم درهم درهم فإذا أراد التأكيد فعلى ما أراد أو وله درهم بل دينار لزماه أو وله درهم في دينار لزمه درهم فإن قال أردت العطف أو معنى مع لزماه، وإذا قال له درهم في عشرة لزمه درهم ما لم يخالفه عرف فيلزمه مقتضاه، أو يريد الحساب ولو جاهلا فيلزمه عشرة أو يريد الجمع فيلزمه أحد عشر، أو وله تمر في جراب أو سكين

في قراب أو ثوب في منديل ليس بإقرار بالثاني، أوله خاتم في فص أو سيف بقراب اقرار بهما، لان الفص جزء من الخاتم، أشبه ما لو قال ثوب في علم، واقراره بشجرة ليس اقرارا بأرضها فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت، لانه غير مالك للارض. قال في الفروع: ورواية مهنا هي له بأصلها، فإن ماتت أو سقطت لم يكن له موضعها ولا أجرة على ريها ما بقيت وليس لرب الارض قلعها وثمرتها للمقر له والبيع مثله، وإذا قال له على درهم أو دينار يلزمه أحدهما وبعينه. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان قال هؤلاء العبيد لفلان الا واحدا طولب بالتعيين لانه ثبت بقوله فرجع في بيانه إليه، فإن ماتوا الا واحدا منهم فقال الذى بقى هو المستثنى ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقبل لانه يرفع به الاقرار فلم يقبل، كما لو استثنى الجميع بقوله (والثانى) وهو المذهب أنه يقبل لانه يحتمل أن يكون هو المستثنى فقبل قوله فيه، ويخالف إذا استثنى الجميع بقوله لانه رفع المقر به بقوله وههنا لم يرفع بالاستثناء الا واحدا وانما سقط في الباقي بالموت فصار كما لو أعتق واحدا منهم ثم ماتوا الا واحدا، وان قتل الجميع الا واحدا فقال الذى بقى هو المستثنى قبل وجها واحدا، لانه لا يسقط حكم الاقرار، لان المقر له يستحق قيمة المقتولين. وان قال غصبت من فلان هؤلاء العبيد الا واحدا منهم ثم ماتوا الا واحدا منهم، وقال المستثنى هو الذى بقى قبل وجها واحدا لانه لا يسقط حكم الاقرار، لان المقر له بهم يستحق قيمتهم بالموت. (فصل) وان قال هذه الدار لفلان الا هذا البيت لم يدخل البيت في الاقرار لانه استثناء، وان قال هذه الدار لفلان وهذا البيت لى قبل لانه أخرج بعض ما دخل في الاقرار بلفظ متصل وصار كما لو استثناه بلفظ الاستثناء. (فصل) وان قال له هذه الدار هبة سكنى أو هبة عارية لم يكن اقرارا بالدار لانه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله وبقى البعض فصار كما لو أقر

بجملة واستثنى بعضها، وله أن يمنعه من سكناها لانها هبة منافع لم يتصل بها القبض فجاز له الرجوع فيها. (الشرح) قوله (وإن قال هؤلاء العبيد لفلان،) قالت الشافعية في كتاب الانوار لاعمال الانوار (إن قال لفلان على ألف إلا ثوبا أو عبدا صح إذا بين الثوب أو العبد بما لا يستغرق قيمته ألفا، فإن استغرقت بطل الاستثناء ولزم الالف) قالت الحنابلة في كتاب الفروع (فإن قال له هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسعة، فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى قبل في الاصح كقتلهم الا واحدا، وان قال له الدار الا هذا البيت أو الدار له والبيت لى صح ولو كان أكثرها، وإن قال إلا ثلثيها ونحوه، أو الدار له ولى نصفها فاستثناء للاكثر والنصف. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن أقر لرجل بمال في ظرف بأن قال له عندي زيت في جرة أو تين غرارة أو سيف في غمد أو فص في خاتم لزمه المال دون الظرف لان الاقرار لم يتناول الظرف، ويجوز أن يكون المال في ظرف المقر، وان قال له عندي جرة فيها زيت أو غرارة فيها تبن أو غمد فيه سيف أو خاتم عليه فص لزمه الظرف دون ما فيه لانه لم يقر إلا بالظرف، ويجوز أن يكون ما فيه للمقر وإن قال له عندي خاتم لزمه الخاتم والفص، لان اسم الخاتم يجمعهما، وإن قال له عندي ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه ومن أصحابنا من قال: إن كان الطراز مركبا على الثوب بعد النسج ففيه وجهان: (أحدهما) ما ذكرناه (والثانى) أنه لا يدخل فيه لانه متميز عنه، وان قال له في يدى دار مفروضة لزمه الدار دون الفرش، لانه يجوز أن تكون مفروشة بفرش لمقر. وان قال له عندي فرس عليه سرج لزمه الفرس دون السرج، وان قال له

عندي عبد وعليه ثوب لزمه تسليم العبد والثوب، والفرق بينهما أن العبد له يد على الثوب وما في يد العبد لمولاه، والفرس لا يد له على السرج. (فصل) وان قال لفلان على ألف درهم ثم أحضر ألفا وقال هي التى أقررت بها وهى وديعة، فقال المقر له هذه وديعة لى عنده والالف التى أقر بها دين لى عليه غير الوديعة ففيه قولان. (أحدهما) أنه لا يقبل قوله لان قوله على اخبار عن حق واجب عليه فإذا فسر بالوديعة فقد فسر بما لا يجب عليه فلم يقبل (والثانى) أنه يقبل لان الوديعة عليه ردها وقد يجب عليه ضمانها إذا تلفت وان قال له على ألف في ذمتي، ثم فسر ذلك بالالف التى هي وديعة عنده وقال المقر له بل هي دين لى في ذمته غير الوديعة، فإن قلنا في التى قبلها أنه لا يقبل قوله فيها فههنا أولى أن لا يقبل، وان قلنا يقبل هناك قوله ففى هذه وجهان: (أحدهما) أنه لا يقبل وهو الصحيح، لان الالف التى أقر بها في الذمة والعين لا تثبت في الذمة. (والثانى) أنه يقبل لانه يحتمل أنها في ذمتي لانى تعديت فيها فيجب ضمانها في ذمتي، وان قال له على ألف ثم قال هي وديعة كانت عندي وظننت أنها باقية وقد هلكت لم يقبل قوله لان الاقرار يقتضى وجوب ردها أو ضمانها والهالكة لا يجب ردها ولا ضمانها فلم يصح تفسير الاقرار بها. (فصل) وان قال له على ألف درهم وديعة دينا لزمه الالف، لان الوديعة قد يتعدى فيها فتصير دينا، وان قال له على ألف درهم عارية لزمه ضمانها لان اعارة الدراهم تصح في أحد الوجهين فيجب ضمانها، وفى الوجه الثاني لا تصح اعارتها فيجب ضمانها لان ما وجب ضمانه في العقد الصحيح وجب ضمانه في العقد الفاسد. اللغة: قوله (فص في خاتم) فتح الفاء والعامة تكسره والجمع فصوص، وفى الخاتم ثلاث لغات: خاتم بالفتح، وخاتم بالكسر، وخاتام، ومنهم من زاد لغة رابعة فقال خيتام.

قوله (ثوب مطرز) أي معلم والطراز على الثوب فارسي معرب وقد طرزت الثوب فهو مطرز والطراز الهيئة قال حسان. بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الانوف من الطراز الأول أي من النمط الاول. قوله (وان أقر لرجل بمال في ظرف..) قالت الشافعية في الانوار لاعمال الابرار (ولو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة دخلت الاولى في الاقرار ولو قال عندي سيف في غمد أو ثوب في صندوق لم يكن إقرار بالظرف، ولو على رأسه عمامة لم يكن إقرار بالعمامة، ولو قال دابة بسرجها أو ثوب مطرز أو سفينة بحملها أو عبد بثيابه فهو إقرار بهما، ولو قال هذه الجارية أو الدابة لفلان لم يدخل الحمل. ولو قال هذه الشجرة لفلان لم تدخل الثمرة مؤبرة أو غيرها، قال القفال وغيره والضابط أن ما يدخل تحت مطلق البيع يدخل تحت الاقرار ومالا فلا إلا الثمرة المؤبرة والحمل والجدار. قال الحنفيون: الاقرار بالظرف أو المظروف إقرار بهما إذا كان ذلك مما يجوز في الظرف غالبا، كالتمر في الجراب والزيت في الجرة بخلاف الفرس في الاصطبل وقالوا: ولو أقر إنسان لانسان بدار واستثنى بناءها لنفسه فالاستثناء باطل، لان اسم الدار لا يتناول البناء لغة بل وضع دلالة على العرصة في اللغة، وانما البناء فيها بمنزلة الصفة فلم يكن المستثنى من جنس المستثنى منه فلم يصح الاستثناء وتكون الدار مع البناء للمقر له، لانه ان لم يكن له اسما عاما لكنه يتناول هذه الاجزاء بطريق التضمن، كمن أقر لغيره بخاتم كان له الحلقة والفص، لا لانه اسم عام، بل هو اسم لمسمى واحد وهو المركب من الحلقة والفص ولكنه يتناوله بطريق التضمن، وكذا من أقر بسيف لغيره كان له النصل والجفن والحمائل. قالت الحنابلة: وان قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قرار فيه سيف أو منديل فيه ثوب أو فص فيه

خاتم أو دابة مسروجة أو عليها سرج، أو عبد عليه عمامة أو بالعكس، فقيل مقر بالثاني كالاول. وكسيف بقراب وثوب مطرز ونحوه، وقيل لا. وقال ابن حامد والقاضى وأصحابه: الاشهر أنه يكون مقرا بالمظروف دون ظرفه وقال ابن عبدوس: إذا قال ذلك يكون مقر بالاول والثانى الا إذا حلف ما قصدته، وان قال خاتم فيه فص فقيل الوجهان والاشهر لزومهما لانه جزؤه فلو أطلق لزماه وقال الشيخ الموفق يحتمل أن يخرج على الوجهين، وحكم في الكافي والرعاية في المسألة وجهين: قوله (وان قال لفلان على ألف درهم..) قالت الشافعية: ولو قال لفلان على ألف أو لفلان في ذمتي ألف فهو اقرار بالدين، ولو قال عندي أو معى فهو اقرار بالعين. فلو قال أنه وديعة قبل في الصورتين، وصل ذكر الوديعة أو فصل، ولو ادعى الرد أو التلف قبل في العين مطلقا وفى الدين ان وصل وان فصل، فإن ادعى أنه رد أو تلف قبل الاقرار لم يقبل ولزمه الضمان وبعد الاقرار قبل بيمينه، ولو أتى به وقال المقر له هو وديعة لى وعليك ألف آخر صدق المقر بيمينه، وناقض في الروضة وقال في أول ركن الصيغة. ومعنى قوله اقرار بالعين أنه محمول على الوديعة ويقبل دعوى الرد والتلف ومعنى قوله اقرار بالدين أنه لا تقبل دعوى الوديعة والرد والتلف. وذكر هنا أنه يقبل بالوديعه وفى الرد والتلف تفصيل سمعت. ولو قال له على ألف في ذمتي أو ألف دينا ثم جاء بألف وفسر بالوديعة لم يقبل والقول للمقر له بيمينه ولزمه ألف آخر، ولو قال دفع فلان إلى ألفا أو أخذت منه ألفا وفسره بالوديعة أو المضاربة وادعى التلف أو الرد قبل بيمينه قالت الحنابلة: وان قال له عندي رهن قبل قول المالك أنه وديعة نقل أحمد بن سعيد: إذا قال لى عندك وديعة قال هي رهن على كذا فعليه البينة أنها رهن. وذكر الازجى تخريحا: من كان له على وقضبته، وان قال له عندي ألفا قبل تفسيره بدين أو وديعة، وان قال على أو في ذمتي الف لم يقبل تفسيره

بوديعة، وقيل بلى كمتصل، فإن زاد المتصل وقد تلفت لم يقبل، ذكره القاضى وغيره بخلاف المنفصل لان إقراره تضمن الامانة ولا مانع، وان أحضره وقال هو هذا وهو وديعة، ففى قبول قول المقر له أن المقر به غيره وجهان، أحدهما لا يقبل وهو قول الازجى واختاره القاضى والثانى يقبل وهو الصحيح، ومقتضى كلام الخرقى ولو قال له عندي مائة وديعة بشرط الضمان لغا وصفه لها بالضمان وبقيت على الاصل. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وإن قال له في هذا العبد ألف درهم أو له من هذا العبد ألف درهم ثم قال أردت أنه وزن في ثمنه ألف درهم وزنت أنا ألف درهم في صفقة واحدة كان ذلك إقرارا بنصفه، وإن قال اشترى ثلثه أو ربعه بألف في عقد واشتريت أنا الباقي بألف في عقد آخر قبل قوله لان اقراره متهم، وما فسر به محتمل والعبد في يده فقبل قوله فيه. وإن قال جنى عليه العبد جناية أرشها ألف درهم قبل قوله وله أن يبيع العبد ويدفع إليه الارش وله أن يفديه وان قال وصى له من ثمنه بألف درهم بيع ودفع إليه من ثمنه ألف درهم، فإن أراد أن يدفع إليه ألفا من ماله لم يجز لان بالوصية يتعين حقه في ثمنه، وان قال العبد مرهون عنده بألف ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يقبل لان حق المرتهن في الذمة لا في العين (والثانى) وهو الصحيح أنه يقبل لان المرتهن متعلق حقه بالذمة والعين (فصل) وان قال له في ميراث أبى ألف درهم لزمه تسليم ألف إليه. وان قال له في ميراثي من أبى ألف درهم ثم قال أردت هبة قبل منه لانه أضاف الميراث إلى نفسه فلا ينتقل ماله إلى غيره الا من جهته، وان قال في هذا المال ألف درهم لزمه، وان قال له في مالى هذا ألف درهم لم يلزمه لان ماله لا يصير لغيره بإقراره. (فصل) وإذا قال لفلان على ألف درهم من ثمن مبيع لم أقبضه لم يلزمه تسليم الالف لان الاصل أنه لم يقبض المبيع فلا يلزمه تسليم ما في مقابلته،

وإن قال له على ألف درهم ثم قال بعد ذلك من ثمن مبيع لم أقبضه لم يقبل لانه لزمه الالف بإقراره فلم يقبل قوله في إسقاطه. (فصل) وإن أقر بحق ووصله بما يسقطه بأن أقر بأنه تكفل بنفس أو مال على أنه بالخيار أو أقر أن عليه لفلان ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو لفلان عليه ألف درهم قضاها ففيه قولان: (أحدهما) أنه يلزمه ما أقر به ولا يقبل ما وصله به لانه يسقط ما أقر به فلم يقبل، كما لو قال له على عشرة إلا عشرة. (والثانى) أنه لا يلزمه الحق لانه يحتمل ما قاله فصار كما لو قال له على ألف إلا خمسمائة، وإن قال له على ألف درهم مؤجلة ففيه طريقان، من أصحابنا من قال هي على القولين لان التأجيل كالقضاء، ومنهم من قال يقبل قولا واحدا، لان التأجيل لا يسقط الحق وإنما يؤخره، فهو كاستثناء بعض الجملة بخلاف القضاء فإنه يسقطه. (فصل) وان قال هذه الدار لزيد بل لعمرو أو قال غصبتها من زيد لا بل من عمر وحكم بها لزيد لانه أقر له بها، ولا يقبل قوله لعمرو لانه رجوع عن الاقرار لزيد، وهل يلزمه أن يغرم قيمتها لعمرو فيه قولان: (أحدهما) أنه لا يلزمه لان العين قائمة فلا يستحق قيمتها (والثانى) أنه يلزمه وهو الصحيح، لانه حال بينه وبين ماله فلزمه ضمانه، كما لو أخذ ماله ورمى به في البحر، فإن قال غصبت هذا من أحد هذين الرجلين طولب بالتعيين، فإن عين أحدهما فإن قلنا إنه إذا أقر به لاحدهما بعد الآخر غرم للثاني حلف لانه إذا نكل غرم له، وان قلنا انه لا يغرم الثاني لم يحلف لانه لا فائدة في تحليفه، لانه إذا نكل لم نقض عليه بشئ، وإن كان في يده دار فقال غصبتها من زيد وملكها لعمر وحكم بها لزيد لانها في يده فقبل إقراره بها، ولا يقبل قوله ان ملكها لعمر ولانه اقرار في حق غيره ولا يغرم لعمرو شيئا لانه لم يكن منه تفريط لانه يجوز أن يكون ملكها لعمرو وهى في يد زيد بإجارة أو رهن أو غصبها منه فأقر بها على ما هي عليه. فأما إذا قال هذه الدار ملكها لعمرو وغصبها من زيد ففيه وجهان:

(أحدهما) أنها كالمسألة قبلها، إذ لا فرق بين أن يقدم ذكر الملك وبين أن يقدم ذكر الغصب. (والثانى) أنها تسلم إلى زيد وهل يغرم لعمرو؟ على قولين، كما لو قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو اللغة: قوله (مبهم) معنى المبهم في الاقرار وغيره الذى خفى معناه ولم يعلم واستبهم الشئ خفى، ومنه سميت البهيمة لاستعجامها، والليل البهيم الذى يخفى ما فيه، وأسود بهيم لا بياض فيه. قوله (وان قال له في هذا العبد ألف درهم..) قالت الحنابلة (من باع أو وهب أو عتق عبدا ثم أقر به لغيره لم يقبل اقراره لانه اقرار على غيره، وكذا لو ادعى بعد البيع ونحوه أن المبيع رهن أو أم ولد ونحوه بما يمنع صحة التصرف ويغرمه للمقر له لانه فوته عليه بتصرفه فيه. وان قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو فهو لزيد لاقراره له به ولا يقبل رجوعه عنه لانه حق آدمى ويغرم قيمته لعمرو أو ملكه لعمرو وغصبته من زيد فهو لزيد لاقراره باليد له، ويغرم قيمته لعمرو لاقراره له بالملك ولوجود الحيلولة بالاقرار باليد لزيد وغصبته من زيد وملكه لعمرو فهو لزيد لاقراره باليد ولا يغرم لعمرو شيئا لانه انما شهد له به أشبه ما لو شهد له بمال بيد غيره. قوله (وإذا قال لفلان على ألف درهم من ثمن مبيع.) قال الحنفيون (إذا أقر بألف ثمن عبد اشتراه ولم يقبضه فهذا لا يخلو من أحد وجهين، إما أن ذكر عبدا معينا مشارا إليه بأن قال ثمن هذا العبد، وإما ان ذكر عبدا من غير تعيين بأن قال لفلان على ألف درهم ثمن عبد اشتريته منه ولم أقبضه، فإن ذكر عبدا بعينه فإن صدقه في البيع يقال للمقر له ان شئت أن تأخذ الالف تسلم العبد والا فلا شئ لك لان المقر به ثمن المبيع وقد ثبت البيع بتصادقهما، والبيع يقتضى تسليما. م 37 مجموع 18

وإن كذبه في البيع وقال ما بعث منك شيئا والعبد عبدى ولى عليك ألف درهم بسبب آخر فالعبد للمقر له، لانه يدعى عليه البيع وهو ينكر، ولا شئ له على المقر من الثمن لان المقر به ثمن المبيع لا غيره ولم يثبت البيع. قال الامام في النهاية والغزالي في الوسيط والقشير في الموضح: ولو باع عينا وكتب الصك وأشهد الشهود على قبض الثمن ثم قال ما كنت قبضت ولكن جريت على العادة وأقررت وأشهدت لم تقبل هذه الدعوى وقوله (وإن أقر بحق ووصله بما يسقطه..) قال يوسف الاردبيلى في الانوار لاعمال الابرار فقه شافعي: فلو قال لزيد على ألف من ثمن خمر أو خنزير أو كلب أو بيع فاسد أو ضمان بشرط الخيار أو براءة الاصيل لم يقبل النافي وصل أو فصل ويبعض إقراره فيعتبر أوله ويلغى آخره. نعم لو صدقه المقر له على ذلك فلا شئ على المقر، وإن كذبه وحلف لزمه المقر به إلا أن يقيم بينة على الباقي فلا يلزم، ولو قدم ذكر النافي فقال لفلان من ثمر الخمر أو بيع فاسد على ألف لم يلزمه شئ. ولو قال لفلان على ألف قضبته أو أقبضته أو أبراني منه لم يقبل للتحليف إلا بتأويل كإرادة كان ولزمه إلا أن يقيم بينة على القضاء والاقباض والاداء والابراء. ولو قال كان لفلان على ألف قضبته قبل مطلقا للتحليف والبينة. ولو قال له ألف من ثمن عبد لم أقبضه قبل وثبت الالف ثمنا فلا يطالب قبل قبض العبد، ولو قال من ثمن عبد ثم قال مفصولا لم أقبضه قبل أيضا باليمين ولا يلزمه الالف الا أن يقيم المقر به البينة على القبض فيلزم. ولو قال ألف مؤجل إلى وقت كذا، فإن ذكر الاجل مفصولا لم يقبل وموصولا قبل الا إذا أسند إلى جهة لا تقبل التأجيل كالقرض. قال الحنفيون: فإن ذكر عبدا بغير عينه فعليه الالف عند أبى حنيفة ولا يصدق في عدم القبض، سواء وصل أم فصل صدقه المقر له في البيع أو كذبه وكان أبو يوسف أولا يقول ان وصل صدق وان فصل لا يصدق ثم رجع وقال يسئل المقر له عن الجهة، فإن صدقه فيها لكن كذبه في القبض كان القول قول

المقر سواء وصل أم فصل، وان كذبه في البيع وادعى عليه ألفا أخرى أن وصل يصدق وان فصل لا يصدق، وهو قول محمد قالت الحنابلة (وإذا قال على من ثمن خمر ألف لم يلزمه لانه أقر بثمن خمر وقدره بالالف، وثمن الخمر لا يجب. وان قال له على ألف من ثم خمر لزمه، وكذا ان قال له على ألف من ثمن مبيع لم أقبضه أو ألف لا تلزمني أو مضاربة أو وديعة تلفت وشرط على ضمانها ونحو ذلك، لان ما ذكر بعد قوله على ألف رفع لجميع ما أقر به فلا يقبل كاستثناء للكل. وقالوا إذا فسره بكلب مباح نفعه فهل يقبل أم لا؟ أطلق الخلاف فيه (أحدهما) لا يقبل صححه في التصحيح، وبه قطع القاضى وصاحب الوجيز والآدمي في منتخبه (والوجه الثاني) يقبل تفسيره، بذلك جزم ابن عبدوس وغيره. (قلت) يحتمل أن يرجع في ذلك إلى القرائن والعوائد فإن دلت على شئ مثل أن يكون عادة بصيد ونحوه قبل وإلا فلا. والقول للمردوامى قوله (وان قال هذه الدار لزيد بل لعمرو ... ) قالت الحنفية: والرجوع عن الاقرار في حقوق العباد غير صحيح (قلت) ومما سبق شرحه في هذا الباب من أقوال المذاهب الاخرى كاف قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وأن أقر رجل على نفسه بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه، فإن كان المقر به صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه لانه أقر له بحق فثبت، كما لو أقر له بمال، فإن بلغ الصبى أو أفاق المجنون وأنكر النسب لم يسقط النسب لانه نسب حكم بثبوته فلم يسقط برده: وإن كان المقر به بالغا عاقلا لم يثبت الا بتصديقه، لان له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه في الاقرار، كما لو أقر له بمال، وان كان المقر به ميتا فإن كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه لانه يقبل اقراره به إذا كان حيا فقبل إذا كان ميتا، وان كان عاقلا بالغا ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يثبت لان نسب البالغ لا يثبت الا بتصديقه، وذلك

معدوم بعد الموت (والثانى) أنه يثبت وهو الصحيح، لانه ليس له قول فثبت نسبه باقرارا كالصبى والمجنون وإن أقر بنسب بالغ عاقل ثم رجع عن الاقرار وصدقه المقر له في الرجوع ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يسقط النسب، وهو قول أبى على الطبري رحمه الله، كما لو أقر له بمال ثم رجع في الاقرار وصدقه المقر له في الرجوع. (والثانى) وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى رحمه الله أنه لا يسقط، لان النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه كالنسب الثابت بالفراش. (فصل) وإن مات رجل وخلف إبنا فأقر على أبيه بنسب فإن كان لا يرثه بأن كان عبدا أو قاتلا أو كافرا والاب مسلم لم يقبل إقراره لانه لا يقبل إقراره عليه بالمال فلا يقبل إقراره عليه في النسب كالأجنبي، وإن كان يرثه فأقر عليه بنسب لو أقر به الاب لحقه، فإن كان قد نفاه الاب لم يثبت لانه يحمل عليه نسبا حكم ببطلانه، وان لم ينفه الاب ثبت النسب بإقراره، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ابن أمة زمعة، فقال سعد بن أبى وقاص أوصاني أخى عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنه ابنه، وقال عبد بن زمعة أخى وابن وليدة أبى ولد على فراشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وإن مات وله إبنان فأقر أحدهما بنسب ابن وأنكر الآخر لم يثبت، لان النسب لا يتبعض، فإذا لم يثبت في حق أحدهما لم يثبت في حق الآخر ولا يشاركهما في الميراث لان الميراث فرع على النسب والنسب لم يثبت فلم يثبت الارث وإن أقر أحد الابنين بزوجة لابيه وأنكر الجخر ففيه وجهان. (أحدهما) أنه لا نشارك بحصتها من حق المقر، كما لا يشارك الابن إذا اختلف الوارثان في نسبه. (والثانى) أنها تشارك بحصتها من حق المقر لان المقر به حقها من الارث لان الزوجية زالت بالموت. وان مات وخلف بنتا فأقرت بنسب أخ لم يثبت النسب لانها لا ترث جميع المال، فإن أقر معها الامام ففيه وجهان

(أحدهما) أنه يثبت لان الامام نافذ الاقرار في مال بيت المال (والثانى) أنه لا يثبت لانه لا يملك المال بالارث وإنما يملكه المسلمون وهم لا يتعينون فلم يثبت النسب. وإن مات رجل وخلف ابنين عاقلا ومجنونا فأقر العاقل بنسب ابن آخر لم يثبت النسب لانه لم يوجد الاقرار من جميع الورثة، فإن مات المجنون قبل الافاقة، فإن كان له وارث غير الاخ المقر قام وارثه مقامه في الاقرار، وإن لم يكن له وارث غيره ثبت النسب لانه صار جميع الورثة، فإن خلف الميت إبنين فأقر أحدهما بنسب صغير وأنكر الآخر ثم مات المنكر فهل يثبت النسب؟ فيه وجهان (أحدهما) أنه يثبت نسبه لان المقر صار جميع الورثة (والثانى) أنه لا يثبت نسبه، لان تكذيب شريكه يبطل الحكم بنسبه فلم يثبت النسب، كما لو أنكر الاب نسبه في حياته ثم أقر به الوارث. وإن مات رجل وخلف إبنا وارثا فأقر بإبن آخر بالغ عاقل وصدقه المقر له ثم أقرا معا بابن ثالث ثبت نسب الثالث، فإن قال الثالث ان الثاني ليس بأخ لنا ففيه وجهان: (أحدهما) أنه لا يسقط نسب الثاني لان الثالث ثبت نسبه بإقرار الاول والثانى فلا يجوز أن يسقط نسب الاصل بالفرع (والثانى) أنه يسقط نسبه وهو الاظهر لانه الثالث صار إبنا فاعتبر إقراره في ثبوت نسب الثاني. وإن أقر الابن الوارث بأخوين في وقت واحد، فصدق كل واحد منهما صاحبه ثبت نسبهما وميراثهما، وان كذب كل واحد منهما صاحبه لم يثبت نسب واحد منهما، وان صدق أحدهما صاحبه وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب وإن أقر الابن الوارث بنسب أحد التوأمين ثبت نسبهما، وان أقر بهما وكذب أحدهما الآخر لم يؤثر التكذيب في نسبهما لانهما لا يفترقان في النسب. (فصل) وان كان بين المقر وبين المقر به واحد وهو حى لم يثبت النسب

الا بتصديقه، وان كان بينهما اثنان أو أكثر لم يثبت النسب الا بتصديق من بينهما، لان النسب يتصل بالمقر من جهتهم فلا يثبت الا بتصديقهم (فصل) وان كان المقر به لا يحجب المقر عن الميراث ورث معه ما يرثه، كما إذا أقر به الموروث وان كان يحجب المقر مثل أن يموت الرجل ويخلف أخا فيقر الاخ بابن الميت، أو يخلف الميت أخا من أب فيقر بأخ من الاب والام ثبت له النسب ولم يرث، لانا لو أثبتنا له الارث أدى ذلك إلى اسقاط ارثه، لان توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثا، وإذا خرج عن أن يكون وارثا بطل اقراره وسقط نسبه وميراثه فأثبتنا النسب وأسقطنا الارث. وقال أبو العباس: يرث المقر به ويحجب المقر، لانه لو كان حجبه يسقط اقراره لانه اقرار من غير وارث لوجب أن لا يقبل اقرار ابن بابن آخر لانه اقرار من بعض الورثة والنسب لا يثبت بإقرار بعض الورثة، وهذا خطأ لانه انما يقبل إذا صدقه المقر به فيصير الاقرار من جميع الورثة. (فصل) وان وصى المريض بأبيه فقتله ومات عتق ولم يرث، لان توريثه يؤدى إلى اسقاط ميراثه وعتقه، لان عتقه في المرض وصية وتوريثه يمنع من الوصية، والمنع من الوصية يوجب بطلان عتقه وارثه، فثبت العتق وسقط الارث، وان أعتق موسر جارية في مرضه وتزوجها ومات من مرضه لم ترثه لان توريثها يبطل عتقها وميراثها، لان العتق في المرض وصية والوصية للوارث لا تصح، وإذا بطل العتق بطل النكاح، وإذا بطل النكاح سقط الارث فثبت العتق وسقط الارث. وان أعتق عبدين وصارا عدلين وادعى رجل على المعتق أن العبدين له وشهد العبدان بذلك تقبل شهادتهما، لان قبول شهادتهما يؤدى إلى ابطال الشهادة لانه يبطل بها العتق فإذا بطل للعتق بطلت الشهادة. (فصل) وان مات رجل وخلف أخاه فقدم رجل مجهول النسب وقال أنا ابن الميت فالقول قول الاخ مع يمينه. لان الاصل عدم النسب، فإن نكل وحلف المدعى، فإن قلنا ان يمين المدعى مع نكول المدعى عليه كالاقرار لم يرث كما لا يرث إذا أقر به، وان قلنا انه كالبينة ورث كما يرث إذا أقام البينة

(فصل) وإذا مات رجل ولا يعلم له وارث فجاء رجل وادعى أنه وارثه لم تسمع الدعوى حتى يبين سبب الارث لجواز أن يعتقد أنه وارث بسبب لا يورث به، ولا يقبل قوله حتى يشهد له شاهدان من أهل الخبرة بحاله، ويشهدان أنه وارثه ولا نعلم له وارثا سواء، ويبينان سبب الارث كما يبين المدعى، فإذا شهدا على ما ذكرناه حكم به لان الظاهر مع هذه الشهادة أنه لا وارث له غيره وإن لم يكونا من اهل الخبرة أو كانا من أهل الخبرة ولكنهما لم يقولا ولا نعلم له وارثا سواء نظرت فإن كان المشهود له ممن له فرض لا ينقص أعطى اليقين، فيعطى الزوج ربعا عائلا والزوجة ثمنا عائلا ويعطى الابوان كل واحد منهما سدسا عائلا وإن كان ممن ليس له فرض، وهو من عدا الزوجين والابوين، بعث الحاكم إلى البلاد التى دخلها الميت فإن لم يجدوا وارثا توقف حتى تمضى مدة لو كان له وارث ظهر، وإن لم يظهر غيره فإن كان الوارث ممن لا يحجب بحال كالاب والابن دفعت التركة كلها إليه لان البحث مع هذه الشهادة بمنزلة شهادة أهل الخبرة، ويستحب أن يؤخذ منه كفيل بما يدفع إليه، وإن كان المشهود له ممن يحجب كالجد والاخ والعم فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أنه لا يدفع إليه إلا نصيبه لانه يجوز أن يكون له وارث يحجبه فلم يدفع إليه أكثر منه. (والثانى) وهو المذهب أنه يدفع إليه الجميع لان البحث مع هذه البينة بمنزلة شهادة أهل الخبرة، وهل يستحب أخذ الكفيل أو يجب؟ فيهو جهان، (أحدهما) أنه يستحب (والثانى) أنه واجب. (فصل) وان كان لرجل أمتان ولكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة منهما ولا أقر المولى بوطئ واحدة منهما، فقال أحد هذين الولدين ابني من أمتى طولب بالبيان، فإن عين أحدهما لحقه نسبه وحكم بحريته ثم يسأل عن الاستيلاد فإن قال استولدتها في ملكى فالولد حر لا ولاء عليه لانه لم يمسه رق وأمه أم ولد، وان قال استولدتها في نكاح عتق الولد بالملك وعليه الولاء لانه مسه الرق وأمه مملوكة لانها علقت منه بمملوك وترق الامة الاخرى وولدها، وان ادعت

أنها هي التى استولدها فالقول قول المولى مع يمينه لانه الاصل عدم الاستيلاد وإن مات قبل البيان وله وارث يجوز ميراثه قام مقامه في البيان، لانه يقوم مقامه في الحاق النسب وغيره، فإن لم يعلم الوارث جهة الاستيلاد ففيه وجهان: (أحدهما) أن الامة لا تصير أم ولد لان الاصل الرق فلا يزال بالاحتمال (والثانى) وهو المنصوص أنها تكون أم ولد، لان الظاهر من ولده منها أنه استولدها في ملكه. وان لم يكن وارث أو كان له وارث ولكنه لم يعيق الولد عرض الولدان على القافة، فإن الحقت به أحد الولدين ثبت نسبه ويكون الحكم فيه كالحكم فيه إذا عينه الوارث، وان لم تكن قامة أو كانت ولم تعرف أو الحقت الولدين به سقط حكم النسب لتعذر معرفته، وأقرع بينهما لتمييز العتق، لان القرعة لها مدخل في تمييز العتق، فإن خرجت القرعة على أحدهما عتق ولا يحكم لواحد منهما بالارث لانه لم يتعين، وهل يوقف ميراث ابن؟ فيه وجهان: (أحدهما) أنه يوقف، وهو قول المزني رحمه الله، لانا نتيقن أن أحدهما ابن وارث. (والثانى) أنه لا يوقف، لان الشئ انما يوقف إذا رجى انكشافه، وههنا لا يرجى انكشافه. (فصل) وان كان له أمة ولها ثلاثة أولاد ولا زوج لها ولا أقر المولى بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدى أخذ البيان فان عين الاصغر ثبت نسبه وحريته ثم يسأل عن جهة الاستيلاد فان قال استوليتها في ملكى فالولد حر لا ولاء عليه والجارية أم ولد، وللولد الاكبر والاوسط مملوكان. وان قال استولدتها في نكاح ثم ملكتها فقد عتق الولد بالملك وعليه الولاء لانه مسه الرق وأمه أمة فن والاكبر والاوسط مملوكان، وان عين الاوسط تعين نسبه وحريته ويسأل عن استيلاده، فان قال استولدتها في ملكى فالولد حر الاصل وأمه أم ولد، وأما الاصغر فهو ابن أم ولد وثبت لها حرمة الاستيلاد، وهل يعتق بموته كأمه؟ فيه وجهان

(أحدهما) أنه يعتق لانه ولد أم ولده (والثانى) أنه عبد قن لا يعتق بعنق أمه لجواز أن يكون عبدا قنا بأن أحبل أمه وهى مرهونة فثبت لها حرمة الاستيلاد فتباع على أحد القولين، وإذا ملكها بعد ذلك صارت أم ولده وولده الذى اشتراه معها عبد قن فلا يعتق مع الاحتمال. وإن قال استولدتها في نكاح عتق الولد بالملك وعليه الولاء لانه مسه الرق وأمه أمة قن والولدان الآخران مملوكان وان عين الاكبر تعين نسبه وحريته ويسأل عن الاستيلاد فان قال استولدتها في ملكى فهو حر الاصل وأمه أم ولد والاوسط والاصغر على الوجهين. وإن قال استولدتها في نكاح فالولد حر وعليه الولاء والامة قن والاوسط والاصغر مملوكان وإن مات قبل البيان وخلف إبنا يجوز الميراث قام مقامه في التعيين فان عين كان الحكم فيه على ما ذكرناه في الموروث إذا عين، وإن لم يكن له ابن أو كان له ولم يعين عرض على القافة، فإن عينت القافة فان الحكم على ما ذكرناه وإن لم تكن قافة أو كانت وأشكل عليها أقرع بينهم لتمييز الحربة لانها تتميز بالقرعة، فإن خرجت على أحدهما حكم بحريته ولا يثبت النسب، لان القرعة لا يتميز بها النسب، وأما الامة فان يبحث عن جهة استيلادها، فإن كانت في ملكه فهى أم ولده، وان كان في نكاح فهى أمة قن، وإن لم يعرف فعلى ما ذكرناه من الوجهين فلا يرث الابن الذى لم يتعين نسبه، وهل يوقف له نصيب ابن أو يعطى الابن المعروف النسب حقه؟ فيه وجهان: (أحدهما) يوقف له ميراث ابن، وهو قول المزني رحمه الله (والثانى) وهو المذهب أنه لا يوقف له شئ بل تدفع التركة إلى المعروف النسب وقد بينا ذلك فيما تقدم. (الشرح) حديث (اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة ... ) أخرجه البخاري في باب (الولد للفراش) واتققا عليه من حديث، سفيان ومالك في الموطأ وابن ماجه من حديث عائشة، وأورده ابن حجر في ترجمة سعد بن أبى وقاص في الاصابة والسخاوى في فتح المغيث،

اللغة: قوله (وابن وليدة أبى) الوليدة الجارية قال حسان: وتغدو ولائدهم لقف الحنظل قوله (الولد للفراش) أي لمالك للفراش، وهو الزوج، أو لمالك الامة لانه يفترشها بالحق، وهذا من مختصر الكلام، وهو على حذف مضاف كقوله تعالى (واسأل القرية) أي أهل القرية. والفراش الزوجة، يقال افترش فلان فلانة إذا تزوجها، ويقال لامرأة الرجل هي فراشه وإزاره ولحافه قوله (وللعاهر الحجر) العاهر الزانى، يقال عهر الرجل المرأة يعهر عهرا إذا أتاها بفجور، والعهر الزنا، وفى الحديث: اللهم أبدله بالعهر العفة، ومعنى وللعاهر الحجر أي لا شئ له في نسب الولد وانما يستحق الحجر الذى لا ينتفع به. أو يرمى بالحجر ويطرد، وقول من قال إنه يرجم الحد بالحجر ليس بشئ لانه ليس كل زان يجب رجمه، وهذا كما قالوا في معنى له التراب أي لا شئ له. وروى أن أبا العيناء ولد له ولد وكان أعمى فأتاه الناس يهنئونه به، فأنى الجماز في جملتهم فوضع بين يديه حجرا ومضى، فتكلم بذلك فقال: أتدرون ما أراد لعنه الله؟ قالوا لا، قال أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) قالت الشافعية في الانوار (إلاقرار بالنسب قسمان، الاولى أن يلحقه بنفسه وله شروط: 1 - أن يكون الملحق رجلا مكلفا فلا يصح إقرار المرأة والصبى والمجنون، خلية كانت أو ذات زوج، ولو أقامت بينة لحق، ولا يشترط الاسلام والحرية وإطلاق التصرف. 2 - أن لا يكذبه الحس، فلو كان في سن لا يتصور أن يكون ولدا للملحق لم يلحق وان صدقه المقر. 3 - أن لا يكذبه الحال فان جاءت امرأة من بلدة بعيدة ومعها طفل فألحقه رجل ما سافر قط إلى بلدها ولا هي إلى بلده لم يلحقه. 4 - أن لا يكذبه الشرع، فإن كان المقر له مشهور النسب من غيره لم يلحق

صدقه أو كذبه 5 - أن لا يكذبه المقر له ان كان بالغا فان كذبه أو سكت لم يثبت نسبه الا ببينة فان لم تكن وحلف للمقر له سقط نسبه وان نكل وحلف المقر ثبت، ولو استلحق صغيرا ثبت نسبه ويتوارثان، فإن بلغ وكذب لم يندفع النسب، والمجنون كالصغير، ولو استلحق صغيرا أو بالغا بعد موته لحق، سواء كان له مال أو لم يكن، ولو قتله ثم استحلقه لحق وسقط القصاص. 6 - أن لا يزاحمه غيره، فإن ادعى آخر نسبه أيضا لم يلحق به الا بتصديقه وتكذيب الآخر ان كان بالغا أو ببينة مع عجز الاخر عنها أو الحاق القائف وحده ان كان صغيرا، والاقرار بنسب الغير لا يكون إقرار النكاح أمه فلا يتوارث ولو استحق عبد الغير أو معتقه لم يلحق إلا ببينة، صغيرا كان أو كبيرا وصدقه، وإذا لحق بقى رقيقا لمولاه، ولو استلحق عبدا في يده فان لم يكن لغا قوله، وان أمكن فان كان مجهول النسب لحقه ان كان صغيرا أو كبيرا وصدقه وعتق ويرث، وان كذبه لم يلحق وعتق ولا يرث، ولو كانت له جارية خلية ذات ولد فقال هذا ولدى من هذه لحقه ان أمكن ولا تصير الجارية أم ولد له. ولو قال هذا ولدى استولدتها به في ملكى أو علقت به في ملكى أو هذا ولدى منها وهى في ملكى منذ عشر سنين، وكان الولد ابن سنة ثبت النسب وهى أم ولد قطعا. ولو كانت الامة مزوجة فالولد للزوج ولا أثر لالحاق السيد ولو كانت فراشا للسيد لاقراه بوطئها لحقه الولد بالفراش ولا حاجة إلى الاقرار ولا يعتبر الا الامكان، ولا فرق في الاقرار بالاستيلاد بين الصحة والمرض. القسم الثاني: أن يلحقه بغيره كهذا أخى أو عمى، ويشترط فيه وراء ما تقدم من الشروط شرطان: 1 - أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا لم يكن لغيره الالحاق، وان كان مجنونا في حياته وألحقه وارثه بعد موته لحقه 2 - أن يصدر الاقرار من الوارث الجائز التزكة فلا يثبت بإقرار الاجانب ولا بإقرار القريب غير الاجانب، ولا بإقرار القريب غير الوارث لكفر أو رق أو قتل، ولا بإقرار الوارث غير الجائز، فلو مات وخلف ابنا واحدا فأقر بأخ ثبت، فلو خلف بنين وبنات فلا بد من اتفاقهم ومن اتفاق الزوج أو

الزوجة والصغير والمجنون بعد البلوغ والافاقة لا الكافر والرقيق بعد الاسلام والحرية، ولو خلف بنتا حائزة لكونها معتقة أو غير حائزه ووافقها الامام لحق ولو أقر بنسب من يحجب المقر بأن مات عن أخ اوعم فاقر بابن للميت لحق ولم يرث، ولو احد الابنين باح وأنكر الآخر لم يثبت إرثه في الظاهر، وعلى المقر أن يشركه بثلث ما يخصه إن كان صادقا، والطريق أن يضرب أصل المسألة على قول المنكر وهو إثنان في أصل المسألة على قول المقر وهو ثلاثة تبلغ ستة، ثلاثة منها للمنكر وثلاثة للمقر فيكون بينهما أثلاثا. قال القاضى حسين في الفتاوى: ولو زوج الحاكم امرأة وجاء رجل وقال أنا أبو وكنت في البلد وصدقته ثبت النسب وبطل النكاح قال القفال في الفتاوى: ولو أتت الجارية المشتركة بابن فقال أحد الشريكن هو ابني عتق عليه، موسرا كان أو معسرا، ولزمه غرم نصيب الاخر وتصير الجارية أم ولد له إن كان موسرا ونصيبه ان كان معسرا وقال في الحاشية المسماة بالكمثرى ردا عليه في مسألة بطلان النكاح واعلم أن بطلان النكاح مرجوع، فكأنه تبع فيه البغوي والمعتمد الراجح صحته، وانما يبطل بالبينة على ما يدعيه. وفى حاشية الحاج ابراهيم في نفس الموضوع فيه نظر والظاهر أن النكاح لا يبطل إلا أن يقيم بينة على الحضور. قالت الحنابلة: وإن أقر رجل أو امرأه بزوجية الاخر فجحده ثم صدقه صح قال القاضى وغيره تحل له بنكاح جديد، وان لم يصدقه إلا بعد موت المقر صح وورثه ويتخرج من مسألة الوارث بعدها لا أرث، فإن كذبه في حياته فوجهان (أحدهما) لا يصح تصديقه ولا يرثه: جزم به في الوجيز (والثاني) يصح ويرثه، وهو ظاهر الكلام في المقنع، وفى الروضة الصحة قول أصحابنا وقال شيخنا فيمن أنكر الزوجية فأبرأته فأقر بها لها طلبه بحقها، وان أقر بزوج أو مولى أعضه فصدقه وأمكن ولم يدفع به نسب غيره قبل، ولو أسقط وارثه، وكذا بولد ولا يعتبر تصديقه مع صغر وجنون وإلا اعتبر، وقيل لا يرثه ان كان ميتا التهمة، وقيل ولا يثبت نسبه ان كان كبيرا عاقلا ميتا، في اقرار امرأة مزوجة بولد روايتان.

(أحدهما) يلحقها وهو الصحيح من المذهب (والثانية) لا يحلقها وان أقر بأب فكولد وفى الوسيلة ان قال عن بالغ هو ابني أو أبى فسكت المدعى عليه ثبت نسبه في ظاهر قوله، ولا يعتبر في تصديق أحدهما بالاخر، فيشهد الشاهد بنسبهما بدونه نقل أحمد بن سعيد: النسب بالولد ثبت بإقرار الرجل به أنه ابنه فلا ينكر أو بولد على فراشه أو يدخل على أهله وولده وحرمه. ومن ثبت نسبه فادعت أمه بعد موت المقر زوجته لم يثبت، وكذا دعوى أخته البنوة ومن نسبه معروف فأقر بغير الاربعة المذكورين كإبن ابن وجد وأخ وعم لم يصح، وان أقر مجهول نسبه ولا ولاء عليه بنسب وارث حتى بأخ أو عم فصدقه وأمكن قبل ومع الولاء يقبل ان صدقه مولاه ويتخرج أو لا واختاره شيخنا وقافا لابي حنيفة، ومن أقر بالرق وكان تصرف بنكاح وغيره، ومن عنده أمة له منها أولاد فأقر بها لرجل قبل إقراره على الامة لا على أولادها نقله ابن مشيش. قال الحنفيون: وأما الاقرار بالنسب فهو الاقرار بالوارث وهو نوعان: (أحدهما) إقرار الرجل بوارث (والثانى) إقرار الوارث بوارثه ويتعلق بكل واحد منهما حكمان، حكم النسب وحكم الميراث. أما الاقرار بوارث فلصحته في حق ثبات النسب شرائط. منها أن يكون المقر به محتمل الثبوت لان الاقرار إخبار عن كائن، فإذا استحال كونه فالاخبار عن كائن يكون كذبا محضا. ومنها أن لا يكون المقر بنسبه معروف النسب من غيره، فإن كان لم يصح لانه إذا ثبت نسبه من غيره لا يحتمل ثبوته له بعده. ومنها تصديق المقر بنسبه إذا كان في يد نفسه لان اقراره يتضمن ابطال يده فلا تبطل الا برضاه. ومنها أن يكون في حمل النسب على الغير، سواء كذبه المقر بنسب أو صدقه لان إقرار إلانسان حجة على نفسه لا على غيره لانه على غيره شهادة أو دعوى والدعوى المفردة ليست بحجة وشهادة الفرد فيما يطلع عليه الرجال، وهو من

باب حقوق العباد غير مقبولة، والاقرار الذى فيه حمل نسب الغير على غيره إقرار على غيره لا على نفسه فكان دعوى أو شهادة، وكل ذلك لا يقبل الا بحجة وعلى هذا يجوز إقرار الرجل بخمسة نفر: أبوللدين والولد والزوجة والمولى، ويجوز إقرار المرأة بأربعة نفر الوالدين والزوج والمولى، ولا يجوز بالولد لانه ليس في الاقرار بهؤلاء حمل نسب نسب الغير على غيره. أما الاقرار بالولاء فظاهر لانه ليس فهى حمل نسب إلى أحد. وكذلك الاقرار بالزوجية ليس فيه حمل نسب الغير على غيره لكن لا بد التصديق لما ذكرنا، ثم ان وجد التصديق في حال حياة المقر جاز بلا خلاف وان وجد بعد وفاته فإن كان الاقرار من الزوج يصح تصديق المرأة، سواء صدقته في حال حياته أو بعد وفاته بالاجماع بأن أقر الرجل الزوجية فمات ثم صدقته المرأة، لان النكاح يبقى بعد الموت من وجه لبقاء بعض أحكامه في العدة فكان محتملا التصديق وان كان الاقرار بالزوجبة من المرأه فصدقها الزوج بعد موتها لا يصح عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف ومحمد يصح وأما الاقرار بالولد فلانه ليس فيه حمل نسب غيره على غيره بل على نفسه فيكون إقرارا على نفسه لا على غيره فيقبل لكن لا بد من التصديق إذا كان في يد نفسه لما قلنا، وسواء وجده في حال حياته أو بعد وفاته، لان النسب لا يبطل بالموت فيجوز التصديق في الحالين جميعا وكذلك الاقرار بالوالدين ليس فيه حمل نسب غيره على غيره فيكون إقرارا على نفسه لا على غيره فيقبل وكذلك اقرار المرأة بهؤلاء لما ذكرنا الا الولد لان فيه حمل نسب غيره على غيره وهو نسب الولد على الزوج فلا يقبل الا إذا صدقها الزوج أو تشهد امرأة على الولادة بخلاف الرجل لان فيه حمل نسب الولد على نفسه ولا يجوز الاقرار بغير هؤلاء من العم والاخ غيره على غيره وهو الاب والجد وكذلك الاقرار بوارث في حق حكم الميراث يشترط له ما يشترط للاقرار به في حق ثبات النسب، وهو ما ذكرنا، الا شرط حمل النسب على الغير، فإن الاقرار بنسب يحمله المقر على غيره لا يصح في حق ثبات النسب أصلا ويصح

في حق الميراث لكن بشرط ان لا يكون له وارث أصلا ويكون ميراثه له لان تصرف العاقل واجب التصحيح ما أمكن، فإن لم يمكن في حق ثبات النسب لفقد شرط الصحة أمكن في حق الميراث وأن ثمة وارث قريبا كان أو بعيدا لا يصح إقراره أصلا ولا شئ له في الميراث بأن أقر أخ وله عمة أو خالة فميراثه لعمته أو فحالته ولا شئ للمقر له لانهما وارثان بيقين فكان حقهما ثابتا بيقين فلا يجوز إبطاله بالصرف إلى غيرهما. وكذلك إذا أقر بأخ أو ابن ابن وله مولى الموالاة مات فالميراث للمولى ولا شئ للمقر له، لان الولاء من أسباب الارث وأما اقرار بوارث فالكلام فيه في موضعين: أحدهما في حق ثبات النسب والثانى في حق الميراث. اما الاول فالامر فيه لا يخلو من أحد وجهين، اما إن كان الوارث واحد وأما ان كان أكثر من واحد بأن مات رجل وترك ابنا فأقر بأخ هل يثبت نسبه من الميت؟ اختلف فيه، قال أبو حنيفة ومحمد لا يثبت النسب بإقرار وارث واحد، وقال أبو يوسف يثبت، وبه أخذ الكرخي رحمه الله، وان كان أكثر من واحد، بأن كان رجلين، أو رجلا وامرأتين فصاعدا، يثبت النسب بإقرارهم بالاجماع. قال المصنف رحمه الله تعالى: (فصل) وان مات رجل وخلف أبنين فأقر أحدهما على أبيه بدين وأنكر الآخر، نظرت فإن كان المقر عدلا جاز أن يقضى بشهادته مع شاهد آخر أو مع امرأتين أو مع يمين المدعى، وان لم يكن عدلا حلف المنكر ولم يلزمه شئ. وأما المقر ففيه قولان: (أحدهما) أنه يلزمه جميع الدين في حصته لان الدين قد يتعلق ببعض التركة إذا هلك بعضها كما يتعلق بحميعها فوجب قضاؤه من حصة المقر والقول الثاني وهو الصحيح أنه لا يلزمه من الدين الا بقدر حصته، لانه

لو لزمه بالاقرار جميع الدين لم تقبل شهادته بالدين لانه يدفع بهذه الشهادة عن نفسه ضررا والله أعلم (الشرح) قوله (وإن مات رجل وخلف ابنين..) قال يوسف الاردبيلى في الانوار (ولو أقر بعض الورثة على الميت بدين وأنكر بعضهم فلا يلزم المقر إلا بقسط نصيبه من التركة. كما لو أقر أحد المالكين بحنانة العبد المشترك، فإن كان نصبه من الميراث يلزمه نصف الدين وان كان الربع فالربع، ولو مات المنكر ووارثه المقر لزمه الآن كل الدين، ولو شهد المقر على المورث، وهو عدل قبلت، سواء شهد قبل الاقرار أو بعده، ولو لم يكن للميت تركة لم يلزم الوارث قضاء الدين، ولو أبرأ صاحب الدين الموسر أو المعسر صح وبرئ، ولو أبرأ الوارث لم يصح ولم يبرأ الميت، ولو أقر أجنبي بدين على الميت ثم وقعت تركته في يده أمر بصرفها إلى ذلك الدين، ولو ادعى على ابني ميت أن بعض أعيان التركة ملكه فصدقه أحدهما، فإن كان قبل قسمة التركة سلم النصف إليه في الحال، وإن كان بعدها فإن كانت المدعاة في يد المصدق سلم ولا شئ على المكذب، وان كانت في يد الاخر فعلى المصدق نصف القيمة ولا شئ على الاخر ودعوى للعين لا تسمع الا على من هي في يده. ولو شهد على الاخر سمع وغرم نصف قيمة العهد المشهود عليه ولو أقر رجل على ولده أو أخيه بدين أو جناية لم يقبل، ولو أقر على عبده بما يوجب بعقوبة من قصاص أو حد قذف أو شرب لم يقبل، وبما يوجب مالا قبل ولم يقبل بدين المعاملة والقرض. قال صاحب التهذيب في كناية التعليق: ولو قال الدار التى تركها أبى لفلان بل لفلان سلمت إلى الاول ولا يغرم الثاني، ولو قال العين الفلانية تركة فلان لم يكن إقرارا بالملك لفلان ولو لوارثه ويكون اقرارا باليد قالت الحنابلة (وان أقر ورثة بدين على موروثهم قضوه من التركة، وان أقر بعضهم بلا شهادة فيقدر إرثه. إن ورث النصف فنصف الدين كإقراره بوصية لا كل إرثه.

وفى التبصرة إن أقر منهم عدلان أو عدل ويمين ثبت، وإن خلف وارثا واحدا لا يرق كل المال كبنت وأخت فأقر بما يستغرق التركة أخذ رب الدين كل ما بيدها ويقدم ما ثبت بإقرار الميت وقبل ما ثبت بإقرار ورثته. ويحتمل التسوية، وذكره الازجى وجها ويقدم ما ثبت ببينة) وقد أجملت لك ما قاله المالكية هكذا: الاقرار إذا كان بينا فلا خلاف في وجوب الحكم به، وإنما النظر فيمن يجوز إقراره ممن لا يجوز، وأما إذا كان الاقرار محتملا وقع الخلاف ولا يصح الاقرار إلا من مكلف مختار، ولو هازلا بلفظ أو كتابة لا بإشارة إلا من أخرس، لكن لو أقر صغير أو قن أذن لهما في تجارة في قدر ما أذن لهما فيه صح ومن أكره ليقر بدرهم فأقر بدينار، أو ليقر لزيد فأقر لعمرو صح ولزمه لانه غير مكره، وليس الاقرار بإنشاء تمليك فيصح حتى مع إضافة الملك لنفسه، ويصح إقرار المريض بمال لغير وارث، حكاه ابن المنذر إجماعا، لانه غير متهم في حقه ويكون من رأس المال كإقراره في صحته وبأخذ دين من غير وارث، لا إن أقر لوارث إلا ببينة. وقال مالك: يصح إذا لم يتهم إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فأقل فيصح في قول الجميع إلا الشعبى، والاعتبار بكون من أقر له وارثا أو لا حال الاقرار لا الموت، وان كذب المقر له المقر بطل الاقرار وكان للمقر أن يتصرف فيما أقر به بما شاء، وان أقر رجل أو امرأة بزوجية الاخر فسكت صح وورثه بالزوجية لقيامها بينهما بالاقرار، أو جحده ثم صدقه صح وورثه لحصول الاقرار لا ان بقى على تكذيبه حتى مات ومن ادعى عليه بدينار فقال ان شهد به زيد فهو صادق لم يكن مقرا، ومن باع أو وهب أو عتق عبدا ثم أقر به لغيره لم يقبل ويغرمه للمقر له، ومن خلف ابنين وماتين فادعى شخص مائة دينار على الميت فصدقه أحدهما وأنكر الآخر لزم المقر نصفها الا أن يكون عدلا ويشهد ويحلف معه المدعى فيأخذها

وتكون الباقية بين الاثنين، ويحكم بإسلام من أقر بالشهادتين ولو مميزا، لان عليا رضى الله عنه أسلم وهو ابن ثمان سنين. وقال البخاري: وكان ابن عباس مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه) وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه عرض الاسلام على ابن صياد صغيرا متفق عليه. قال ابن رشد في بداية المجتهد: ولا خلاف بينهم أن الاقرار مرة واحدة عامل في المال، وأما المسائل التى اختلفوا فيها من ذلك فهن من قبل احتمال اللفظ وقال ابن حزم في المحلى (وصح بنص كلام رسول الله واعلامه أمته اياهم بأحسن ما عليه ربه تعالى أن من أصاب حدا فستره الله عليه فإن أمره إلى الله تعالى ان شاء عذبه وانشاء غفر له، وأن من أقر وأقيم عليه الحد فقد سقط عنه ذلك الذنب وكفره الله تعالى عنه. وبالضرورة ندرى أن يقين المغفرة أفضل من التعزير في امكانها أو عذاب الآخرة، وأين عذاب الدنيا كلها من غمسة في النار، نعوذ بالله منها، فكيف بأكثر من ذلك) وهاك ملخصا وجيزا عن الاقرار: تعريفه: الاقرار هو أن يعترف المرء بالشئ في ذمته لغيره، كأن يقول ان لزيد عندي ألف درهم مثلا أو مناعا أو دارا أو ضباعا ممن يقبل: من العاقل البالغ ولا يقبل من المجنون أو الصبى أو المكره لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة ... ) الحديث، إلا أن اقرار الصبى وقال ابن حزم في المحلى (وصح بنص كلام رسول الله واعلامه أمته اياهم بأحسن ما عليه ربه تعالى أن من أصاب حدا فستره الله عليه فإن أمره إلى الله تعالى ان شاء عذبه وانشاء غفر له، وأن من أقر وأقيم عليه الحد فقد سقط عنه ذلك الذنب وكفره الله تعالى عنه. وبالضرورة ندرى أن يقين المغفرة أفضل من التعزير في امكانها أو عذاب الآخرة، وأين عذاب الدنيا كلها من غمسة في النار، نعوذ بالله منها، فكيف بأكثر من ذلك) وهاك ملخصا وجيزا عن الاقرار: تعريفه: الاقرار هو أن يعترف المرء بالشئ في ذمته لغيره، كأن يقول ان لزيد عندي ألف درهم مثلا أو مناعا أو دارا أو ضباعا ممن يقبل: من العاقل البالغ ولا يقبل من المجنون أو الصبى أو المكره لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة ... ) الحديث، إلا أن اقرار الصبى إذا كان مميزا ومأذونا له في التصرف صح، فإن كان غير مميز أو محجور عليه فلا يصح. حكمه: اللزوم فمن أقر بشئ لزمه لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن اعترفت فارجمها) بعض أحكام الاقرار: (ا) اعتراف المفلس أو المحجور عليه في الشئون المالية لا يلزم لاتهام

المفلس بحد الغرماء، ولان المحجور عليه إذا قبل إقراره أصبح وكأنه لم يحجر عليه ويبقى بذمتيهما ما أقرا به فيسددانه بعد زوال المانع. (تم كتاب المجموع والحمد لله رب العالمين)

§1/1